عودة للفهرس
أسئلة عن األحزاب
2
4
اإلخوان المسلمون
12
الجمهورية البرلمانية و الرئاسية
22
الدستور
22
الديمقراطية
32
المؤسسة العسكرية
40
الصوفية
50
العلمانية
58
الليبرالية
64
مجلس الشعب
76
3
األحزاب ٌ تعامل مع لفظة «األحزاب» من قبل ثورة يناير سوى من خالل غزوة لم يكن للمصريين األحزاب في كتب السيرة أو سورة األحزاب في القرآن الكريم .أما األحزاب بمفهومها السياسي فلم يكن لها وجود حقيقي في حياة الشعب المصري ،فلقد كان هناك
حزب واحد وكنت أطلق عليه «حزب اتحاد ذوي المصالح الشخصية» ،وهذه هي األيديولوجيا الحقيقية التي جمعت أعضاء الحزب الوطني آنذاك ،فلم يكن للحزب توجه محافظ أو ليبرالي أو يميني أو يساري أو وسطي أو أي نوع من التوجهات السياسية الواضحة ،لم يكن له َه ٌّم سوى خدمة مصالح أفراده ،فاجتمعوا على ذلك وفرقناهم على ذلك .وكان هذا الحزب يحارب التوجه اإلسالمي إذا خالف مصالحه ،والعلماني إذا هدد وجوده ،وبالقطع الديموقراطي الليبرالي في كل انتخابات محلية ونيابية
أو رئاسية بالتزوير والبطش والترويع ،لقد كان أشبه بالحزب الشيوعي في االتحاد السوفيتي ،والبعث في الشام والعراق ،فهم الذين يتشدقون بأي مفهوم يحافظ على
4
5
مصالح أعضائه ،فهذا هو الهدف األسمى الذي تسقط أمامه جميع القيم والمبادئ.
علي أن أنضم إلى حزب بعد ثورة 25يناير؟ فهل يجب َّ
أما أحزاب المعارضة فكانت ُد ًمى يحركها النظام وحزبه كمساحيق التجميل؛ لجعل
تأييد حزب يختلف عن االشتراك فيه بصورة رسمية؛ فأغلب المجتمعات في جميع
وتوهجا ،ولم نكن نفاجأ إذا قرأنا أن أمين الحزب الحاكم الخدعة السياسية أكثر إشرا ًقا ً ً معارضا بترشيح ممثلاً أو رفع ترشيحه بما هو في مصلحة الحزب الحاكم . أمر حزبًا
بعيدا عن قتامة الحالة الحزبية قبل ثورة يناير سنتعرض لمفهوم األحزاب الحقيقي وما ً يدور حولها من جدل وتساؤالت. ما معنى حزب؟ الحزب هو مجموعة من المواطنين يؤمنون بأهداف سياسية وأيديولوجية مشتركة وينظمون أنفسهم بهدف الوصول إلى السلطة وتحقيق برنامجهم .فكل األحزاب عادة عاما ،ولكنهم يختلفون في طريقة تحقيق ما تبغي مصلحة بالدها بوصفه هد ًفا ًّ هذه المصلحة؛ فبعضهم يرى أن أفضل السبل للرخاء االقتصادي وتحقيق العدالة االجتماعية هو السبيل االشتراكي ،فيجتمعون سويًّا في حزب لتحقيق ذلك .وآخرون يرون أن الرأسمالية هي السبيل فيجتمعون في حزب آخر .وتتنافس األحزاب في إقناع الناخبين بأن فكرهم هو األنسب ،وبرامجهم هي األكثر في الفاعلية؛ لتحصيل أصواتهم للفوز بالمقاعد المختلفة والتأثير في صناعة القرار.
مؤيدا الدول الديمقراطية ال ينشغل أفرادها بالعمل السياسي الحزبي ولكن يبقى ً ومصوتًا للحزب الذي يخدم مصالحه ،وربما يتأرجح صوت نفس الناخب بين أكثر من صوت ألحد األحزاب ولم يجد منه ما يريد حزب على مر الزمان ,و ال بأس في ذلك ،فإذا َّ أعطى صوته لحزب آخر في االنتخابات المقبلة بغض النظر عن األيديولوجيات ،وهؤالء ً مطلقا لبعض األحزاب يسمون باألصوات المتأرجحة .فعادة ما يكون تأييد بعض الناس سياسيا ألي حتى وإن أخفقوا في األداء ،ولكن تظل األغلبية ليست فقط غير منضمة ًّ
6
7
من األحزاب بل متغيرة في تأييدها ألي من األحزاب حسب أداء كل حزب في المناصب
لألحزاب ،والذي كان ال يمثل جز ًءا كبي ًرا من ميزانيتها على كل حال ،وعادة ما تعتمد
المختلفة خالل كل فترة ،ولن تختلف مصر كثي ًرا في هذا التوجه؛ فلو قرر بعض الناس
األحزاب على التمويل الذاتي من أعضائها ،وربما تحصل على تبرعات من مؤسسات
نفعا التصويت لحزب لتوجهه اإلسالمي أو الليبرالي ثم لم يجد من أدائه السياسي ً ٍ
وشركات لدعم أنشطتها ،وقد تقبل بعض األحزاب التبرعات الخارجية وعادة ما يثير
ولم يصب في مصلحته فقد يتغير تصويته للنقيض في االنتخابات التالية .كل ما علينا
هذا األمر ً سياسيا؛ ألنه قد يشكك في وطنية توجه الحزب رغم كونه قد ال يكون لغطا ًّ
هو تأييد الحزب الذي نرى أنه سيخدم مصالح الوطن عامة ومصالحنا الشخصية
دائما ،ومن كل هذا ينشأ ما يعرف بجبهات الضغط أو اللوبي. كذلك ً
خاصة ،من خالل تصويتنا لمرشحيه في أي انتخابات ثم محاسبته بعد انتهاء دورته االنتخابية ،ومعاقبته بعدم التصويت له مرة أخرى أو مكافأته بإعادة التصويت .ولو أراد بعض الناس االنشغال بالعمل الحزبي السياسي فهذا دورهم في الحياة ولكن ال يعقل أن ينشغل جميعنا به تاركين باقي الميادين األخرى خاوية. و ما معنى:منع الدستــور لألحزاب الدينيـــة مع وجود حزب لإلخوان المسلمين ؟
فما هو اللوبي أو جبهات الضغط؟
الحزب الذي يتأسس على أساس ديني أو عرقي هو الذي َي ْم َن ُع من عضويته من ال
جاء تعبير اللوبي -وهو كلمة إنجليزية بمعني الردهة -من جملة النقاشات و الضغوطات
ينتمون إلى هذا الدين أو ذاك العرق .فلو قام المسيحيون بتأسيس حزب تمنع الئح ُته
التي تدور في ردهات البرلمانات قبل التصويت على أي قرار .وجبهات الضغط أو اللوبي
ً مخالفا للدستور ،وكذلك لو قام دينيا غير المسيحيين من االنضمام إليه يصبح حزبًا ًّ َ
تصويتيا إعالميا أو عادة ما تكون مؤسسات أو ربما أفرا ًدا يدعمون األحزاب ماديًّا أو ًّ ًّ
ً مخالفا عرقيا النوبيون بعمل حزب لهم ومنعوا غيرهم من االنضمام إليه ألصبح حزبًا ًّ
لخدمة مصالحهم ،وال غبار على هذا األمر من الناحية السياسية وإن بدا مري ًبا .فعلى
ً أيضا للدستور؛ فكل األحزاب يجب أن تنص الئحتها على قبول أي مصري بغض النظر
محاولة استخدام كل القوى القانونية للتأثير في صناعة القرار ،وهذا ما جميع الناس ُ
عن دينه أو عرقه أو نوعه .أما حزب «الحرية والعدالة» المنسوب لجماعة اإلخوان
برلمانيا بعدم إعطائه صوته إذا لم يخدم مصالحه ،وجبهات يفعله الناخب إذا هدد نائ ًبا ًّ
المسلمين فال يمنع من عضويته أي مسيحي؛ ولهذا فهو دستوري .والدستور ال
الضغط تقوم بذلك عن طريق التمويل تارة واإلعالم تارة أخرى بل والتظاهرات إذا
أساسا ألي حزب؛ فبذلك ال مانع من تأسيس حزب يعارض جعل أي مرجعية فكرية ً
لزم األمر ،فلو أن هناك جبهة ضغط ممثلة في منظمة مجتمع مدني لحماية حقوق
بمرجعية إسالمية أو مسيحية بشرط أال يحكر عضويته على فئة بذاتها.
اإلنسان ،ووجدت أن حزب األغلبية ال يخدم حقوق اإلنسان؛ فلربما تضغط عليه بنقد
و كيف تحصل األحزاب على التمويل الخاص بأنشطتها المختلفة؟
إعالميا بقوة حتى يتغير أداؤه ،وربما تقوم نقابة منتجي السكر مثلاً بوقف أفعاله ًّ
نصت التعديالت الدستورية األخيرة في مصر على توقف الدعم المالي الحكومي
8
التمويل ألحد األحزاب إذا وجدته يتحيز لقرارات تقضي على زراعات قصب السكر مما يهدد بقاءهم في وظائفهم .والضغط التمويلي ً أيضا مشروع ولكن مع قوانين تَ ْح ُك ُمه
9
بحيث ال يتحول إلى رشوة سياسية ،فإذا لم تعمل بحزب فربما تعمل بجبهة ضغط مثل نقابة أو حتى جهاز إعالمي؛ مما يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على القرار السياسي. و كيف أختار الحزب الذي أقوم بتأييده؟ مصلحة الوطن العامة ومصلحتك الخاصة هما الضابطان الختياراتك؛ فإن كنت ممن يؤمنون بأن اإلسالم هو الحل فسيكون من الطبيعي أن تؤيد أيًّا من األحزاب التي تتبنى التوجه اإلسالمي ،ولكن يبقى أداء هذا الحزب أو ذاك في تنفيذ وعوده البرلمانية وسياسيا هو الفيصل في الحكم عليه .وكذا إذا ادعى حزب أنه سيحرر مصر فكريًّا ًّ واقتصاديًّا في توجه ليبرالي ,فعندما ترى أن هذا هو التوجه الصحيح فعليك تأييده ويبقى األداء على أرض الواقع هو الفيصل وليس الشعارات والخطب الرنانة؛ فال تأبه ً محافظا إن لم ليبراليا أو يمينيا أو يساريًّا أو إذا ما كان الحزب يطلق على نفسه حزبًا ًّ ًّ يضمن خدمة مصالحك في الدنيا واآلخرة و لم يقم بتنفيذ وعوده البراقة علي أرض الواقع.
10
11
اإلخوان المسلمون يقول عليهم النظام السوري اإلخوان الشياطين ،وكان نظام مبارك يطلق عليهم لفظ الجماعة المحظورة ،وفي فلسطين هم حركة حماس ،ويقال أنهم تنظيم عالمي في سبعين دولة أو أكثر ،التصقت بهم تهم كثيرة وعلى رأسها تهم اإلرهاب أو الجهاد ،ويتوقع البعض أنهم سيحكمون مصر ،وربما صار رئيس الوزراء أو كثير من الوزراء من بينهم ،فما هي حقيقة هذه الجماعة التي كثر الجدل حولها وما يجب علينا معرفته
اإلخوان المسلمون
مما لها أو عليها في حياتنا السياسية الجديدة ،هل نخشاها أم نحمد اهلل أن أتى بها؟ هذا ما سنحاول أن نعرفه من خالل األسئلة واألجوبة التالية. كيف نشأت جماعة اإلخوان المسلمين؟ نشأت حركة جماعة اإلخوان المسلمين في عام ،1928على يد شاب تخرج حديثا في كلية دار العلوم ُيدعى حسن البنا ،وربما أجمعت كل الطوائف حتى المعادية لحركة اإلخوان على عبقرية حسن البنا صاحب الرؤية الثاقبة والمشروع الطموح، وقد نشأت الحركة بهدف واحد واضح ،هو مقاومة االحتالل اإلنجليزي ،ثم ما لبثت أن توسعت الجماعة في أهدافها من مقاومة االحتالل إلى الدعوة واإلصالح اإلسالمي الشامل في جميع المجاالت حتي تطرقت إلى مجالي الرياضة والفن أيضا ،اللذان كانا بمنأى عن أي حوارات متعلقة بالدين اإلسالمي أو أهله ،وانتشرت الدعوة لتتعدى حدود الدولة المصرية ،وتنتشر في كثير من البالد اإلسالمية مستخدمة مؤلفات البنا وأفكاره المجددة. ثم جاءت حرب فلسطين لتظهر القوة الحقيقية لحركة اإلخوان المسلمين حيث وفد أتباع الحركة من أغلب األقطار العربية للمشاركة في الحرب ضد جيوش الحركة الصهيونية، وبعد انتهاء الحرب الفلسطينية بعام أو أقل تم حل جمعية اإلخوان المسلمين رسميا، وتم اغتيال حسن البنا بعد هذا القرار بأشهر قليلة وال يزال منفذو العملية مجهولين،
12
13
إال أن موته كان راحة للقوى الخارجية التي صارت الجماعة تهدد مصالحها بالمنطقة، وكذا الحكام العرب وعلى رأسهم ملك مصر الذي صارت الجماعة أشبه بالدويلة داخل دولته. هل تأثرت حركة اإلخوان بوفاة حسن البنا؟ بالطبع تأثروا ,فرغم أن حسن البنا قد ترك ورائه ميراثا فكريا وإداريا في محاولة لخلق مؤسسة ال تعتمد كثيرا على المؤسس األول ،إال أن غياب عبقرية البنا في عمق الفهم الديني والبعد اإلداري جعل الجماعة تترنح في خالفات داخلية لسنوات بعد وفاته ،انتهت لتفرقها على ثالثة تيارات الحقا. ما هي الثالثة تيارات التي تفرقت إليها جماعة اإلخوان المسلمين؟ التيار األول هو التيار الجهادي ،الذي خرجت منه أغلب جماعات العنف سواء من جماعة إسالمية أو جماعة الجهاد أو التكفير والهجرة وخالفه ،وقد خرج هؤالء جميعا من رحم معتقالت التعذيب أثناء حكم عبد الناصر مؤمنين بكفر هذا النظام الذي مات
المسلح عليهم من مؤلفات سيد قطب حتى باتوا ُيعرفون بالقطبيين. أما التيار الثاني فهو التيار السلفي ،والذي ظهر نتيجة هروب كثير من أعضاء جماعة اإلخوان المسلمين إلى دول الخليج ،حيث تلقوا الدعم والتمويل لنشر الفكر الوهابي في مصر ،ورأى هؤالء في الدعوة السلفية العودة ألصالة الدعوة اإلسالمية ،والتي بدأت تخبو معالمها الظاهرية في حركة اإلخوان ،من خالل ترك كثير من رموزهم لبعض مظاهر اإلسالم ،من عدم إطالق اللحي وربما السماح لبعض زوجاتهم وبناتهم بترك الحجاب أيضا ،فانفصل فصيل مدعوم من دول الخليج لدعم الفكر الوهابي في مصر فيما يعرف بالحركة السلفية. أما التيار الثالث واألخير فهو الذي احتفظ باالسم المعروف اآلن وهو اإلخوان المسلمين، والذي آثر اتباع المنهج السلمي في التعامل مع التوترات بين الجماعة والنظام المصري مع االحتفاظ بمنهج ديني بسيط يجد قبول عند العامة وال يتعارض كثيرا مع أعراف المسلمين في مصر ،و من قياداته حسن الهضيبي صاحب المؤلف الشهير «دعاة ال قضاة». وماذا عنهم في عهد الرئيس السادات؟ ربما شهدت جماعة اإلخوان المسلمين أزهى عصورها في عهد الرئيس السادات، حتى أن مرشدها العام كان يصلي في المناسبات خلف رئيس الجمهورية ،بعد أن كانوا ُيقتلون في عهد عبد الناصر ،وجاء هذا بدعم من النظام لجميع الحركات اإلسالمية ،للقضاء على فلول النظام االشتراكي اليساري منذ عهد عبد الناصر،
على يديه أصدقائهم أمام أعينهم ،وقد رأى هؤالء أن منهج الجماعة الذي يميل إلى
فتوسعت الجماعة في دورها المجتمعي وصارت تسعى للسيطرة على االتحادات
التعامل السلمي بشكل أساسي مع األنظمة العربية ،وخاصة المصرية ،لن يصل أبدا
الطالبية والنقابات المهنية ،لدعم أهداف الجماعة في نشر الفكر اإلسالمي الوسطي،
إلى نتيجة في سبيل نصرة األمة اإلسالمية ،وهو الهدف األسمى لجميع من شاركوا
ثم ما لبثت أن تراجعت عالقات جميع الحركات اإلسالمية بالنظام المصري فور مقتل
في التنظيم ،وقد استلهم كثير من هؤالء أفكار تكفير المجتمع والحاكم والخروج
السادات ،وتولى محمد حسني مبارك رئاسة النظام من بعده.
14
15
فماذا حدث للجماعة في عهد مبارك؟ شهدت عالقة جماعة اإلخوان المسلمين بنظام مبارك منحنيات كثيرة بدأت بسالم حذر من الطرفين ،ثم دعم واتحاد لشحن المجاهدين لمحاربة احتالل االتحاد السوفيتي ألفغانستان ،وهو ما وجد فيه نظام مبارك مخرجا جيدا للتخلص من الحركات اإلسالمية
السوفيت ،ثم ما لبثت أن انتهت الحرب األفغانية بنهاية االتحاد السوفيتي لتأتي محاولة اغتيال الرئيس مبارك في إثيوبيا في التسعينيات ،وما أعقب ذلك من اتهامات خفية لجماعة اإلخوان بالعلم المسبق بها ،ليتحول النظام من التعاون الحذر إلى العداء المعلن للجماعة. إال أن النظام لم يكن ليحاول القضاء بالكلية على أعضاء الجماعة ،ولكنه كان دائما يسعى لتحجيم دورهم مع إبقائهم كفزاعة يرعب بها الغرب ،ويجعلها أحد أسباب حماية الغرب لوجوده مسيطرا على الحكم في مصر ،فكان دائما يحرص على إبقاء رهائن منهم تحت االعتقال أو السجن بموجب أحكام عسكرية ،في تصور منه أن في ذلك ضمان لعدم إيذائهم لحكمه ،ولكنه لم يتبع معهم أنظمة التعذيب الشرسة أو القتل المتعمد أثناء االعتقال ،مثلما كان يفعل مع أعضاء التيارات اإلسالمية الجهادية األخرى ،التي عاد بعضها من أفغانستان بعد الحرب ،وذلك ربما لظنه أن أي تيار سلمي ال يمكن أن يؤثر بشكل كبير على كرسي الحكم. ما هي أهداف جماعة اإلخوان المسلمين؟ تهدف الجماعة بشكل رئيسي إلى نشر الفكر الوسطي للدين اإلسالمي بين المسلمين وغيرهم إلعادة قوة دولة اإلسالم ،كما كانت في عهد الخالفة الراشدة، ويعتبر مفهوم شمولية اإلسالم لجميع مناحي الحياة من الركائز المميزة لجماعة اإلخوان المسلمين ،حيث يرون أن اإلسالم جاء بحلول لجميع مشاكل الحياة وتفاصيلها ،وينعكس هذا في نشاطات فنية ورياضية وعلمية تميزت بها الجماعة، فضال عن أنشطتها الدعوية والخيرية التي يشترك فيها كثير من الجمعيات والحركات اإلسالمية األخرى. من أين تحصل الجماعة على التمويل لكل هذه األنشطة؟
التي قضت على سلفه ،وإرضاء للنظام األمريكي الذي كان يدعم هذه الحركات ضد
16
إن نظام الجماعة يجعل كل فرد فيها مصدرا للتمويل ،حيث يتبرعون بنسبة مئوية
17
من دخلهم الشهري أو السنوي قد تصل إلى %10أو %20خالل بعض األزمات ،وبما أن عدد أعضائها يبلغ مئات اآلالف وكثير منهم من ذوي الدخول فوق المتوسطة، وذلك النتشار التعليم الجيد بين كثير من أبنائها ،لذا فإن التمويل الذاتي للجماعة هو األساس في دعم أنشطتها المختلفة. ما حقيقة دور اإلخوان إذا في ثورة الخامس والعشرين من يناير؟
الجيش المصري بتبني مطالب الشعب. فهل ستصبح مصر مثل إيران الثورة أو أفغانستان طالبان حيث يتم حكم الشعب بعصا الدين إذا ما أصبح لإلخوان المسلمين نصيب األسد في مجلس الشعب؟ هذا األمر مستبعد ،فعلى ما يبدو أن حركة اإلخوان المسلمين تعلمت من أخطاء
كان اإلخوان المسلمون هم الفصيل المعارض األكبر الذي ظل يعمل تحت وطأة ضغط
الحركات اإلسالمية في السودان وإيران وأفغانستان ،وأيضا غزة الذين اعتلوا سدة
جهاز أمن الدولة الشرس في عهد مبارك ،وجدير بالذكر أن أغلب حركات المعارضة
الحكم فيها ،ولم يعد خطابها دينيا سلطويا منذ عقود ،وتجربتهم في المجالس النيابية
األخرى لم تحتمل فكرة االعتقال المتكرر أو التعذيب تحت وطأته ،فتشرذمت و تفككت
جعلتهم مدربين على التحدث باللغة المقبولة للشارع المصري ،الذي يحب الدين
وظلت حركة اإلخوان األكثر تماسكا بل ونموا وتطوروا في جميع المحافظات تحت
ولكنه يكره أن يفرض عليه أحد شرائعه المخالفة ألعرافه ويود أن ُتترك كثير من أمور
وطأة ظلم النظام السابق ،أما بقية حركات المعارضة فإما انحصرت في فئة تحملت
الدين لالختيار الشخصي لكل مواطن.
وطأة الظلم ،و فئة أخرى تعاونت مع النظام وأصبحت ُتستخدم ضمن برنامج التجميل
إذا فهل هم األقدر على حكم مصر في فترة ما بعد ثورة يناير؟
الذي يستخدمه الدعاء الديمقراطية والتعدد السياسي. وليس هناك خالف أن اإلخوان لم يكونوا من الداعين لثورة 25يناير منذ بدايتها ،وكذلك لم يكونوا معارضين لها ،بل على ما يبدو أنهم لم يتوقعوا نجاحها مثل كثير ممن دعوا إليها ،ولكنهم تركوا الخيار ألتباعهم للمشاركة فيها من عدمه ،كل حسب تقديره لألمر ،فشارك فيها كثير من شبابهم بصفتهم الشخصية في أول ثالثة أيام لها إلى أن جاءت جمعة الغضب في اليوم الثامن والعشرين من يناير ،لتحمل أوامر مباشرة من مكتب إرشاد الجماعة لجميع أتباعها باالشتراك في الثورة ،مما ساعد على اشتعال الثورة في محافظات عدة ،ثم ما لبثوا أن أصبحوا المنظم الرئيس للثورة في الشارع المصري ،بالرغم من أنهم لم يمثلوا أغلب المشاركين بها بطبيعة الحال ،حيث أصبح الشعب المصري هو التيار الرئيس للثورة التي نادى بها شباب اإلنترنت ونظمتها حركة اإلخوان المسلمين ومثل شعب مصر قوتها الرئيسة ،ثم ما لبث أن أنجحها
18
الحقيقة إن المتتبع لحركة اإلخوان المسلمين من الداخل يجدها قد صارت أشبه بالنظام العسكري على مدي السنين ،فالذين لم يفترقوا عنها وظلوا يتحملون وطأة الظلم لحماية معتقداتهم وأفكارهم هم فئة ليست طبيعية من البشر وربما تكون أقرب إلى العسكرية من المدنية ،فقيادات اإلخوان على مدى سنوات هم أقرب إلى الرتب العسكرية التي يحصل عليها أصحابها بالتقادم ،ولطالما تذمر شباب الجماعة من حكر القرار على أصحاب الشعر األبيض في مكتب اإلرشاد الذي يشبه مجالس إدارات المؤسسات ،والذي يرأسه المرشد العام ،ولكن وجوب البيعة على السمع والطاعة للمرشد العام وسيطرة نظام ربما لم يعد مناسبا للقرن الحادي والعشرين في إدارة الجماعة ،يجعل قدرتهم على معاصرة أجواء يناير السريعة والمتالحقة والداعية إلى دولة حديثة أمر مشكوك فيه و إن كنت أرجح فوزهم بأول إنتخابات تشريعية و تحملهم لعبء التغيير األول في برلمان الثورة .و هو عبء سيدفع ثمنه
19
كل من يتحمله لعدم واقعية التوقعات لدي الشعب بشكل رئيسي. و خطاب القيادات لديهم ال يزال تقليديا ويبدو كأنه يخرج من الثمانينيات ،وظهورهم اإلعالمي ال يمكن أن يكون جذابا لشباب األلفية الثالثة سواء من خارج الجماعة أو حتي داخلها ،ولو لم يتم تطوير الجماعة داخليا بشكل جذري فقد تنقسم بعد الخروج من العمل الخفي إلى العمل المعلن ،إلى جماعات صغيرة وربما تكون الدورة النيابية األولى بعد الثورة هى آخر الدورات التي يوجد فيها تمثيل موحد ومؤثر للجماعة إن لم ينشغلوا بالتطوير. هل تمثل الجماعة خطرا على الحياة السياسية في مصر؟ من عانى عشرات السنين في سبيل تحقيق هدف نبيل باتباع منهج سلمي ال يمكن أن يمثل خطرا على وطنه ،إن الحديث عن خطورة وصول اإلخوان المسلمين يشبه الجماعة بالوحش إلى الحكم هو من بقايا ادعاءات النظام السابق ،الذي ٌ الخفي الذي ال وجود له على أرض الواقع ،ربما ال يكونوا األكثر حداثة أو إبداعا في دفع مصر لألمام بسرعة البرق كما حدث في ثورة يناير بسواعد شباب مزج بين الليبرالية اإلبداعية والمحافظة القومية ،ولكنهم قطعا لن يمثلوا خطورة على أي فصيل مناهض لهم ،بشرط أال ُيتركوا في الحكم وحدهم ألن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وال ينجو من فتنتها إال نبي أو ولي وقليل ما هم ،ولذا فإن إثراء الحياة السياسية بتيارات كثيرة سيعمل على ترشيد توجهات الحركات اإلسالمية ويدعم تطورها ،ومن يستجيب منهم للتغيير السريع قد يحكم لعقود قادمة ،ومن سيظن أن ما أنجحه باألمس سينجحه غدا ،فسوف يتخلف لتظهر مكانه حركات أكثر معاصرة ،وسيظل صندوق االنتخاب الحر هو أداة العقاب أو المكافاة من الشعب لكل فصيل بما فيهم اإلخوان المسلمين.
20
21
الجمهورية البرلمانية و الرئاسية ردد الكثير من المثقفين أثناء وبعد ثورة يناير تعبيرات جديدة على مسامع القارئ المصري مثل الجمهورية البرلمانية والرئاسية ،وإن كان هؤالء يملكون تصورا مبدئيا للنظامين ،إال أن التفريق بينهما صار أمرا محيرا للكثيرين ،حيث أن
الجمهورية البرلمانية و الرئاسية
كثير من الدول المتقدمة تتبع أحد النظامين ،ولو كان أحدهم أفضل من اآلخر لساد ولما نجح اآلخر في أية دولة عظمى ,فالمانيا تتبع النظام البرلماني وتتبع أمريكا النظام الرئاسي بينما تتبع فرنسا النظام المزدوج ،الذي يعتبر مزيجا من اإلثنين ,فأي األنظمة أفضل لمصر وماهية كل منهم؟
ما الفارق بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي؟ الفارق يكمن في تسمية المسئول عن السلطة التنفيذية ،ففي النظام البرلماني
يتم
إعطاء
صالحيات
تشكيل الحكومة التنفيذية المعروفة في مصر «بمجلس الوزراء» ألعضاء
22
23
مجلس الشعب الذين يقومون باختيار رئيس للوزراء ،الذي ُيك َلف بدوره بتشكيل حكومته ،ويحمل معها صالحيات ومسئوليات إدارة شئون البالد وتحقيق أهدافها، وبالتالي يصبح رئيس الوزراء عندئذ هو الرئيس التنفيذي للدولة ،ويكون منصب رئيس الجمهورية شرفيا أكثر منه تنفيذيا مثل الحال في تركيا و ألمانيا ،وربما ُتعطى له بعض الصالحيات البسيطة من الدعوة النتخابات مجلس الشعب أو ربما حله لسد ثغرات النظام البرلماني من عدم منطقية إعطاء حق الحل للبرلمان نفسه. أما النظام المزدوج فقد عاشته مصر منذ ثورة يوليو وظلت ترفع من شأن صالحيات الرئيس فيه من خالل تعديالت دستورية متوالية على مدى ستين عاما ،حتى صار أشبه بالملوك الذين يحكمون وال يجوز محاسبتهم ،ولكن النظام في أصله يجعل رئيس الدولة هو نفسه رئيس السلطة التنفيذية ،فله الحق في تشكيل الوزارة أو تكليف رئيس الوزراء بهذه المهمة ،وفي الواليات المتحدة األمريكية حيث الجمهورية رئاسية بدون رئيس وزراء ،يحق مسائلة الرئيس ،بل وعزله من قبل أعضاء البرلمان ،ولكن في الدول العربية عادة ما يكون الرئيس محصنا دستوريا ضد أية مسائلة أو عزل ولو بشكل صوري. وتتبع أغلب األنظمة الديمقراطية المعاصرة النظام البرلماني مع وجود دول قليلة ما زالت تتمسك بالنظام الرئاسي مثل أمريكا أو النظام المزدوج مثل فرنسا كما ذكرنا سابقا.
إذا فأي النظامين أفضل؟ وهنا يجب أن ُيطرح السؤال بشكل آخر ،أي أن يصبح :أي النظامين أفضل لمصر األن؟ ،فربما ما يناسبها اآلن ال يناسبها غدا والدستور دستور الشعب ،ويحق له أن يغيره متى أراد وإن كان من األفضل ثباته لعقود قبل النظر في تغييره مرة أخرى. ونظرا للظروف الحالية وتاريخنا الطويل في إفساد الحكام بد ًء من مينا ,مؤسس األسرة األولى ,وحتى محمد حسني مبارك ،فإن النظام البرلماني هو األنسب لتغيير ثقافة تأليه الحاكم سواء كان ملكا أو سلطانا أو خديوي أو رئيسا للجمهورية ،وجدير بالذكر أن مبارك في بداية حكمه لم يكن مثلما انتهى كديكتاتور ال يقبل أي رأي مخالف ،وال يستمع ألي صوت آخر سوى صوته وربما صوت عائلته ،لقد تأصلت في مصر ثقافة عصمة الحاكم وقدسيته حتى صار البعض ينادي بعدم جواز محاكمة مبارك حتى بعد عزله ،وكأنما الحاكم عندنا له أن يفعل ما يشاء ويختار ما يريد. إن نظام االنتخاب البرلماني لرئيس الوزراء مع ربط أدائه باالنتخابات البرلمانية ورقابتها عن طريق كتل تصويتية مختلفة التوجه داخل البرلمان تقلل من فرص تسلط رئيس الوزراء وتجعله يقبل حساب ومسائلة
الشعب ،وكذلك فإن النظام المزدوج من
الناحية اإلدارية يفتت مسئوليات المحاسبة بين الرئيس ورئيس الوزراء وقد أثبت فشله في مصر على مدى عقود ،حيث كان يتم استبدال رئيس الوزراء ككبش فداء لسوء إدارة رئيس الجمهورية ،ونرى في التاريخ أن فرعون وهامان كانا يمثالن النظام المزودج الذي أفسد اإلدارة الحكومية في مصر آلالف السنين ،و لذا أرى أن أسوأ األنظمة التي يمكن أن نستمر بها هو النظام المزدوج الذي عانينا منه لعقود ،وأفضلها البرلماني لألسباب التي ذكرتها سالفا ،ولكن إذا تم التوافق على الرئاسي فيجب أن يكون نظاما رئاسيا حقيقيا ،ال يوجد فيه منصب رئيس الوزراء ويتم محاسبة رئيس الجمهورية بشكل مباشر كمسئول أوحد عن اإلدارة التنفيذية للدولة.
الفهرس
24
25
الدستور دائما الراحلة «زينات صدقي» سواء في أفالم «إسماعيل ياسين» كانت تخرج علينا ً ي أو «عبد الحليم حافظ» بتعبيرَ « :دستور يا مباركين» ،وكأنها تستأذن َم ْن َخ ِف َ عن األنظار في المجلس من مالئكة وجان كما يعتقد البعض ،وربما كان هذا أشيع أما وقد جاءت الثورة لتعطي استخدام للفظ ُّ الدستور في حقبة ما قبل ثورة 25ينايرَ . المصريين الحق في االستفتاء الحقيقي على الدستور فأصبح من الواجب على كل
الدستور
صاحب صوت أن يبذل كل ما يستطيع من الجهد؛ ليكون صوته في خدمة الحق؛ ألن صوته أمانة سيحاسب عليها يوم القيامة ،وأول الواجبات الملقاة على عاتقه أن يعرف معنى الدستور الذي يطلب منه أن يصوت على بنوده.
ما معنى الدستور؟ الدستور ً لغة :كلمة من أصل فارسي مكونة من مقطعين؛ أولهما« :دست» بمعنى القاعدة ،والثانية« :ور» بمعنى صاحب .والمعنى المراد منها :صاحب قاعدة الحكم. ِّ للعالقة بين الحاكم والمحكوم والسلطات واصطالحا :هو القانون األعلى ً المنظم َ المختلفة في الدولة من حكومة ومجلس شعب وقضاء ،وكذلك يتم وضع المبادئ حفظ للحريات والمساواة ،وفي كثير من الدساتير يتم وضع بنو ًدا العامة للدولة فيه من ٍ والدستور وثيقة وضعية تولد من رحم الشعوب خاصة بهوية الدولة القومية والدينيةُّ .
26
27
وواقعها ،ولقد باءت أغلب المحاوالت التي تمت لوضع دساتير تهدف إلى تغيير واقع
ً انضباطا؛ ولذا جنحت إليه معظم دول العالم المتحضر. أمر أكثر ٌ
صانعا لها .ويتم عادة الموافقة الشعوب بالفشل؛ فالدستور مرآة لواقع الشعوب وليس ً
وعادة ما يكون عدم التدوين مشكلة عميقة في كيان تلك الدول والتعريف بها ،مثل:
على المواد الرئيسية للدستور من خالل استفتاءات شعبية وديموقراطية مباشرة، واالستفتاء العام هو أعلى سلطة للتشريع في الديموقراطيات. وما هي أهمية الدستور؟ القواعد الدستورية هي الضابطة ألعمال التشريع من ِق َبل مجلس الشعب ،فإن اتفق الشعب مثلاً على وضع قاعدة لحفظ الحريات في الدستور وجاء مجلس شعب ليشرع قانونًا يحد من حريات الشعب في السفر أو التعبير يتم الطعن على دستوريته بالمحكمة الدستورية العليا« .وهنا يكون الدستور حام ًيا من ديكتاتورية األغلبية بالبرلمانيات». والدستور بمنزلة عقد اجتماعي بين طوائف الشعوب المختلفة ينظم مبادئ العمل على مستوى السلطات المختلفة ،فعندما يجلس الرجل مع زوجته في بداية زواجهما
مشكلة تعريف الدولة في إسرائيل وهل هي علمانية أم يهودية ،ونجد كذلك مشكلة في تعريفها في بريطانيا وهل هي كاثوليكية أم بروتستانتية .أما في مصر فوجود السَّنة ال يجعل من هذا النسيج الغالب الذي يتعدي التسعين بالمائة من المسلمين ُّ ً سابقا -تعكس واقع الشعوب وال تفرض التعريف مشكلة؛ حيث إن الدساتير -وكما قلنا واقعا .وإسالمية الدولة المصرية واقع ال يستطيع أحد إنكاره حتى وإن لم يمل عليها ً إليه بعض المثقفين ،ولو تغير الحال في المستقبل وصار أغلب المصريين من ديانة أخرى لوجب اختالف القاعدة الدستورية المحددة لهوية الدولة ،فلو تم وضع الدستور مثلاً -قبل الفتح اإلسالمي لمصر لتحتم تعريف مصر بوصفها دولة مسيحية حتى وإنكان بها أقلية من المسلمين. وما معنى المواد فوق الدستورية؟
لوضع قواعد اتخاذ القرار في البيت وللتحدث عن مالمح العالقة بينهما طوال حياتهما
ال يوجد وثيقة تعرف بوثيقة المواد فوق الدستورية ،وال يعرف العالم السياسي سوى
دستور التعامل بينهما ليرجعا إليه إذا اختلفوا في الزوجية؛ فهما في الحقيقة يضعان َ وضع الضوابط المستقبلية .والدولة الجمهورية أسرة كبيرة يم ِلك ُّ حق كل فرد فيها َّ
الدستور بوصفه أعلى وثيقة منظمة إلدارة شئون البالد ،ولكن يستخدم هذا التعبير أحيانًا لبيان أن بعض مواد الدستور أقوى من بعضها؛ فمثلاً مادة مثل« :المساواة بين
تقرير مصيرها بشكل متساو ،والدستور اتفاق بين جميع الناس على القواعد العامة
المصريين» بالقطع هي أقوى من مادة تحدد مدة حكم رئيس الجمهورية؛ فاألولى
المنظمة ألعمال إدارة مصالح الدول.
قاعدة عامة حاكمة لكثير من التشريعات ،والثانية قاعدة تنظيمية يمكن إعادة النظر
فهل كل دول العالم لديها دساتير؟
فيها بصورة أكثر تكرا ًرا من األولى .وعادة ال يتم عمل التعديالت الدستورية إال كل بضعة
مدون وصريح ،مثل :بريطانيا فهي قد تستغرب أن هناك دولاً عظمى تعمل دون دستور َّ مدون إلى اآلن ،وكذلك الدول الصهيونية؛ ولكن هذا ال يعني عدم ال تعمل بدستور َّ عرفيا ,ويكون حكم المحكمة الدستورية وجود دستور ،ولكنه فقط غير مدون أي يكون ًّ نابعا من عرف الشعوب وتقدير القضاة ولكن حقيقة األمر تتمثل في أن تدوين الدستور ً
28
شديدا ،ويستحق عقود من الزمان ،حينما يكون التغيير االجتماعي أو السياسي ً إعادة النظر في القواعد الرئيسية للدولة من أجله. وهل يمكن وضع قواعد دستورية ال يمكن تغييرها؟ ال نعلم قواعد ال يمكن تغييرها إال ما تم تنزيله من رب العالمين ،أما ما يتعارف عليه
29
البشر فيخضع لعوامل التغيير باعتبار الزمان والمكان واألشخاص واألحوال ،ومحاولة عمليا .فلو وضع مواد دستورية ال يمكن تغييرها هو تأليه للبعض في رأيي وال يتصور ًّ فرضنا وحدث هذا ،كما هو الحال في ألمانيا بعد الحرب العالمية :حيث فرضت عليهم قواعد دستورية من المنتصر األمريكي تنص على عدم تغييرها مستقبلاً لمنع ظهور أحد نازي جديد ،ولكن لو شاءت أجيال قادمة محررة اإلرادة أن تغيرها فلن يستطيع ٌ َّ إيقافها ،ولن تكون قد أجرمت إذا ما تمكنت من الحصول على موافقة الشعب على واقعا، ق واقع الشعوب وال ُت ْص َن ُع لتفرض ذلك وقتئذ .إذن ،فالدساتير تولد طبيعية َو ْف َ ً فمن أراد أن يفرض فك ًرا على الدستور فعليه أولاً أن يغير الواقع ،ال أن يعمل على تغيير الدستور!! ألنه إن فعل ذلك فسيكون كمن يحرث في الماء.
30
31
الديمقراطية منذ عدة سنوات شرح معمر القذافي الديمقراطية على أنها كلمة عربية مكونة من مقطعين أولهما «ديمو» وثانيهما «كراسي» ،وزعم أنها تعنى دوام الحكام على الكراسي ،ورغم هزلية الكالم الواضحة ،إال أن واقع الحال في أغلب الدول العربية
الديمقراطية
وعلى رأسها مصر أثبت أنهم جميعا يؤمنون بهذا التعريف المنحرف وإن لم يصرحوا به، وسنحاول هنا التعرض لمعنى كلمة ديموقراطية بعيدا عن أقوال سفيه ليبيا أو واقع الحكام العرب المؤيد له. إذا سافرنا سويا مثال كمجموعة من األصدقاء في رحلة فالبد أن نجد طريقة التخاذ القرارات المختلفة أثناء تلك الرحلة ،من أي المطاعم سنجلب العشاء؟ هل نسبح بعد الظهر أم العصر؟ ماذا سنفعل ليال؟ وهكذا كل يوم ،ومهما تقاربت شخصيات األصدقاء في هذه الرحلة فإن اآلراء تتباين ،وإن لم يوضع نظام مهما كان بسيطا التخاذ القرار، سوف ينتهي األمر إلى خالف وتفرق إلى مجموعات صغيرة تفعل كل منها ما تريد،
32
33
مما يفسد قوة السفر كمجموعة ،وغالبا ال تتحقق السعادة المنشودة من الرحلة،
أن القرارات ُتتخذ باإلجماع وهو أمر ليس صحيحا ،فالديمقراطية هي «حكم األغلبية
فإذا قررنا في الرحلة أن نتخذ دائما القرارات برأي األغلبية لصارت ديموقراطية ،ولو
للشعب لصالح الشعب» واإلضافة األخيرة في التعريف احتراز من تحول الديمقراطية
قمنا بتفويض أحدنا أو تسلط هو في اتخاذ جميع القرارات لصارت ديكتاتورية.
إلى ديكتاتورية لألغلبية ال ُيراعى فيها مصالح األقليات مثل النوبيين واألقباط والبدو في مصر مثال. س .هل معنى هذا أنني سأشارك بنفسي في جميع القرارات الخاصة بمصر؟ المشاركة المباشرة أو ما ُيعرف باالستفتاء العام حاليا أصبح من المستحيل تنفيذه على مستوى جميع القرارات الخاصة بأية دولة ،وكان من الممكن تنفيذ ذلك عندما كانت الشعوب محدودة العدد أو المكان ،وذلك في الوقت الذي كانت القرارت المزمع اتخاذها بسيطة وقليلة ،ولكن مع ازدياد أعداد الشعوب وترامي أطراف الدول وتعقيد اتخاذ القرار أصبحت الديمقراطية المباشرة اختيار صعب ،حتى وإن استطاعت تكنولوجيا مثل اإلنترنت توفير وسائل سريعة للتصويت في كل مكان ،وإن تم هذا
إن ما يحدث على مستوى الدول ال يختلف كثيرا عن أصدقائنا في هذه الرحلة ،فلو لم يتم التوصل إلى نظام التخاذ قرار يتفق عليه الجميع ويرتضونه ،تصبح النتيجة عادة
النشغل الناس كل يوم بقرار وتركوا أعمالهم ،ولنا في استفتاء التعديالت الدستورية عبرة ،حيث ظل الناس يتحدثون عنه بال توقف ،فما بالك لو كان األمر متعلق باختيار
إما الحرب األهلية أو التقسيم ،ولذا ظهرت نظم كثيرة للحكم لن نتعرض لها ،حيث أن الحياة السياسية المصرية الحالية هي هدفنا ،وقد أظهرت استطالعات الرأي موافقة ثمانين بالمائة من المصريين على اختيار الديمقراطية كوسيلة للحكم فيما بينهم، ولذا فقد اتضح أن المصريين اختاروا حكم األغلبية كوسيلة التخاذ القرارات الخاصة بهم وفيما يلي سنرى إجابات عن كثير من التساؤالت الخاصة بهذا النظام الحاكم: س .ما معنى الديمقراطية؟ الديمقراطية كما اختارت وزارة التربية والتعليم في مصر أن تعرفها هي «حكم الشعب للشعب ولصالح الشعب» ،والحقيقة هي أن هذا التعريف غير دقيق حيث أنه يوحي
34
35
مصادر الطاقة ما بين نووية أو شمسية أو مصادر التمويل الحكومي ،ما بين االكتتاب العام أو االقتراض الخارجي. إذا فما الحل؟ لقد ارتضى الشعب المصري ،وكذلك الكثير من الديموقراطيات الحديثة
إذا فربما ال تكون الديمقراطية هي األحل األمثل؟ الواقع أنه ال يوجد نظام حكم كامل طالما ساهم فيه العامل البشري ،فحتى الحكم اإلسالمي الذي نؤمن كأغلبية من المصريين بكونه منزل من عند اهلل وال يخضع للقيل
والقال ،فإنه كامل في أصله ال في تطبيقه ،حيث يقوم عليه بشر خلقهم اهلل يخطئون
نظام الديمقراطية غير المباشرة في اتخاذ أغلب القرارات واإلبقاء على الديمقراطية المباشرة فقط في القرارات المصيرية مثل وضع مواد الدستور أو تجديد حالة الطوارئ في التعديالت الدستورية األخيرة. أما بقية القرارت فتقوم عن طريق الديمقراطية غير المباشرة من خالل مجلس الشعب أو رئيس الجمهورية أو كالهما معا كما كان الحال في مصر سابقا ،و طبقا لنظام الحكم الذي يرتضيه الشعب في الدستور يقوم الشعب باختيار ممثليه في اتخاذ القرارات المختلفة ،وسوف نتعرض بصورة منفصلة الحقا لنظام الحكم الديموقراطي غير المباشر.
َ ويصيبون ،ونرى ذلك في حديث َماِل ُ الزَب ْي ِر، ن ُّ ن ِ ابَ ،ع ْن ُع ْر َو َة ْب ِ ن ْاب ِ سَ ،ع ِ ش َه ٍ ك ْب ُن أنَ ٍ للهَّ ُ ُ سَّل َم) عن النبي (صلى اهلل عليه وسلم) س َل َم َةَ ،ز ْو ِج َّ ي َ الن ِب ِّ (صَّلى ا ع ِليه َو َ َع ْن أ ِّم َ ض ُكم أَ ْن ي ُك َ َ ش ٌر ِم ْث ُل ُك ْمَ ،ف َل َع َّ حيث َق َ ن يَ ,وإِنَّ َما أَنَا َب َ ص ُم َ ال« :إِنَّ ُك ْم تَ ْخ َت ِ ل َب ْع َ ْ ون إِلَ َّ ون أ ْل َح َ َ َ َ يه ت لَ ُه ِم ْن َح ِّ س َم ُع ِم ْن ُح َّج ِت ِهَ ،ف َم ْن َق َ ق أَ ِخ ِ ض ْي ُ ضَ ،فأ ْح ُك َم لَ ُه ِب َق ْد ِر َما أ ْ ِب ُح َّج ِت ِه ِم ْن َب ْع ٍ َ ْ ار» ،فها هو النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ِب َ ن َّ ش ْ ي ٍء َفال َيأ ُخ ْذَ ,فِإنَّ َما أ ْق َط ُع لَ ُه ِق ْط َع ًة ِم َ الن ِ وهو أكمل الخلق عندنا قد ال يقيم العدل الكامل بحكمه ألنه في النهاية بشر ،ولذلك فإن أي نظام مهما كان يعد نظاما غير كامل لوجود العامل البشري ،والديمقراطية في صورة حكم األغلبية تقلل من احتمال الخطأ فقط في اتخاذ القرار ولكنها ال تنفيه ،وقد مثلت مصر وأنا طالب بالجامعة في مؤتمر عن الديمقراطية بروسيا ،وتم اختياري في لجنة التوصيات النهائية وتم أخذ توصيتي كأحد توصيات المؤتمر االدولي حيث قلت بأن «الديمقراطية هي أفضل نظم الحكم من حيث كفاءة األداء ،حيث ُتعطي الفرصة لألغلبية للعمل بناء على قراراتهم ،ولكنها ربما ال تكون األكثر فاعلية دائما حيث ال تضمن دائما أن يكون هذا القرار هو الصحيح».
36
37
ما الذي يضمن أن قرارت األغلبية لن تكون ظالمة لبعض األقليات أو مخالفة
وإذا كان الخطأ متعلق بعدم تحقيق آمال الناخبين فيما يتعلق بمستوي معيشة أفضل،
للعرف العام؟
فإن صندوق االقتراع يكون أفضل عقاب بإسقاط ممثل الشعب في مجلس الشعب
هنا يبرز دور الدستور ،فلو اجتمع مجلس الشعب مثال وقرر أال يغادر المصريون البالد إال بموافقة خاصة وتصريح من الحكومة التي ترأسهم ،فهذا األمر فيه حد للحريات بدون مبرر ،لذا يتم الدفع فورا بعدم دستورية هذا القانون بالمحكمة الدستورية العليا،
أو رئاسة الجمهورية بعد انتهاء مدته أو التجديد له ،بالطبع إذا لم يرتق مستوى أدائه إلى تطلعات الناخبين. ولكن تجرية استفتاء التعديالت الدستورية كانت مرهقة لنا جميعا! وهكذا سيكون الحال من اآلن فصاعدا وذلك ألننا لم نكن نحكم أنفسنا بل درجنا على القول ماذا سيفعلون بنا ،وكما كتبت على صفحتي الخاصة على الفيس بوك ونقلتها صفحة «كلنا خالد سعيد»« :لقد أصبح المصري فاعل مرفوع الرأس وليس مفعول به منصوب عليه» ،والفاعل عليه بذل مجهود أكبر من المفعول به بطبيعة الحال، ولكن مع مرور الوقت سنعتاد األمر وستصبح استراتيجية كل منا في تحديد كيفية االختيار االنتخابي في األمور المختلفة أمر أسهل ,فمثال منا من سيقرر اتباع أفكار
حيث ينص الدستور على حفظ الحريات ،وبذلك ال يحق لهؤالء الممثلين للشعب أبدا تحرير أي قرار أو قانون مخالف للدستور الذي يتم الموافقة عليه باالستفتاء العام المباشر عادة. الم َ نتخبين إذا أخطأوا؟ وكيف نحاسب األعضاء ُ إذا كان الخطأ عبارة عن مخالفة للقانون تكون المحاسبة من خالل النظام القضائي، الذي يجب أن يستقل في الديموقراطيات عن مؤسسة التشريع القانوني مثل مجلس الشعب أو مؤسسة الحكم التنفيذي مثل الرئيس أو مجلس الوزراء ،بحيث يستطيع القاضي محاسبة أي مسئول دون الخوف من تأثير ذلك على مستقبله الشخصي، وجدير بالذكر أن نظام مبارك حرص على تعيين كثير من القضاة كمستشارين بالوزارات المختلفة بمرتبات خيالية ،كي ُيخضعهم للسيطرة إذا ما اختصم الحكومة أحد أمام القضاء وسوف نتعرض لمسألة السلطات الثالثة والفصل بينهم الحقا.
حزب معين ويتبع موقفه من المسائل المختلفة دون النظر في مضمون الموضوع وآخرون سيتبعون كاتب معروف أو سياسي مقبول ،والقليل هم من سينظرون إلى األمور بشكل موضوعي ويختارون بناء على تكوين رأي خاص وهذا ال بأس به ،فكل الديموقراطيات في العالم ال ُتبني على تكوين رأي شخصي لكل ناخب بل تعتمد على قدرة الصفوة على حشد العامة للتصويت لمواقفها المختلفة. هل نجحت جميع الديموقراطيات في تحسين مستوى معيشة األفراد؟ عندما تم تطبيق الديموقراطيات بشكل جيد ارتفع مستوى معيشة األفراد ،ولننظر إلى جنوب أفريقيا كأكثر الدول األفريقية تقدما وكذلك أستراليا ونيوزيلندا بين دول المحيطين الهادي والهندي الفقيرة. عندما تكون مقدرات الشعوب بيد أصحابها ,عادة ما يكون القرار أكثر صوابا في توجيه دفة المصالح و يبقى صندوق االنتخاب هو أداة تصحيح المسار وعقاب المقصر أو مكافاة المصيب.
38
39
المؤسسة العسكرية لقد فضلت إستخدام لفظ المؤسسة العسكرية ألنها أوسع و أوقع من ضباط و مجندين الجيش المصري أو العاملين المدنيين بوزراة الدفاع لتصل الي كل من ترك الخدمة العسكرية رسميا ليتقلد مناصب قيادية عدة في أرجاء البالد من محافظين و
المؤسسة العسكرية
رؤساء شركات قطاع عام و رؤساء لإلتحادات الرياضية و
خالفه.
فالمؤسسة
العسكرية في مصر ممتدة األطراف و مترامية القوي و تمكنت منذ ثورة يوليو من شبه السيطرة التامة علي أغلب مراكز القوي بالبالد و لم تضعف إال مع بدء برنامج التوريث منذ 2005حيث لم يؤمن جمال مبارك بضرورة إستمرار هذا النهج السياسي من السيطرة العسكرية علي مراكز القوي و بدأ يستبدل كثير من القيادات العسكرية المتقاعدة في الدولة بقيادات مدنية .هذه المقدمة كانت ضرورية لفهم دور المؤسسة العسكرية في العملية السياسية في مصر في الوقت الحاضر قبل أن نعود قليال لنتحدث عن تاريخ الجيش المصري و تطور دوره السياسي حتي ثورة يناير. كيف نشأت المؤسسة العسكرية الحديثة؟
السياسي لم يخف عليه أن دولته ذات الموقع الفريد ,التي عمل علي تطويرها و تحديث بنيتها التحتية ,مطمعا لكثير من القوي اإلقليمية و العالمية في ذلك الوقت. فالدولة العثمانية بدأت في الضعف و لم تكن تستطيع توفير الحماية الالزمة ضد
40
الغالف
ال خالف أن محمد علي هو منشئ الجيش المصري بصورته الحديثة .فالداهية
41
اإلحتالل الفرنسي فضال عن كونها في ذاتها تهديدا لسلطانه داخل دولته .و في
األمريكية بالقاهرة أو عمله ببنوك إنجلترا .و لهذا كان للمؤسسة العسكرية تحفظات
نفس الوقت كان لكل من قادة المماليك أنذاك مليشياته الخاصة و التي كانت تمثل
علي تولي جمال مبارك الحكم بعد والده مما وسع الهوة بينهما .و مع تنامي دور
أيضا تهديدا لعرش مؤسس مصر الحديثة .فإستعان محمد علي بأحد قادة الجيش
جمال مبارك في إدارة شئون البالد خفت دور المؤسسة العسكرية بشكل كبير و لم
الفرنسيين و الذي عرف الحقا بإسم سليمان الفرنساوي لبناء و تنظيم أول جيش
يعد لقياداتها قوة سوي لقلة من بقايا أصدقاء مبارك القدامي.
مصري حديث نظامي .و منذ ذلك الحين بدأت عملية تنمية الجيش المصري ليصبح في وقت قليل أكبر جيش نظامي في المنطقة من حيث العدد و الي يومنا هذا. فكيف دخل الجيش المصري الحياة السياسية ؟
و ماذا كانت نتيجة هذا التغيير الكبير في دور المؤسسة العسكرية في قيادة مجريات الحياة في مصر بعد ثورة يوليو؟ اإلجابة تأتي علي لسان المشير الجمسي رئيس أركان الجيش المصري بعد معركة
طوال فترة حكم أسرة محمد علي لم يكن للجيش المصري دور سياسي كبير حيث
العبور حيث قال أن الجيش المصري خرج من ثكناته و إنشغل بالحياة السياسية و
إقتصر دورة علي حماية حدود البالد و أيضا تولي امر إدارة جهاز البوليس أو الشرطة
المدنية فلم يعد لديه ما يقدمه في ميادين القتال مما أدي الي هزيمة .1967و لقد
الداخلية لفترات طويلة .فكان دوره مثل أكثر جيوش العالم المتحضر مهني بحت
تعدي اإلنحدار بالمؤسسة العسكرية ليصل الي جميع مؤسسات الدولة .فبعد أن
و كانت األحزاب و القوي السياسية كلها مؤلفة من العبين مدنيين إلي أن جاءت
إنشغل قادة الجيش عن المؤسسة العسكرية و ترأسوا أغلب مؤسسات الدولة في
ثورة يناير 1952ليتحول دور الجيش من مؤسسة مهنية الي المؤسسة السياسية الوحيدة في البالد .بل صارت المؤسسة القيادية الوحيدة في البالد علي جميع األصعدة الصناعية و الزراعية أو حتي الخدمية .فمحكمة الثورة تقلد منصب القضاة فيها ضباط من الجيش لم يدرسوا القانون و قيادات شركات القطاع العام تقلد مناصب اإلدارة فيها ضباط جيش لم يدرسوا اإلدارة .حتي رؤساء تحرير بعض الصحف القومية تقلد منصب رؤساء التحرير فيها ضباط جيش ليس لهم عالقة بالصحافة من قريب أو بعيد .ثم جاءت حقبة السادات لتنشأ أحزاب معارضة صورية و يترأس بعضها أيضا قيادات سابقة بالجيش مع بقاء سياسة تقلد كثير من المناصب القيادية بالدولة لضباط جيش من المؤسسة العسكرية .و لم تختلف حقبة مبارك كثيرا بل ربما زادت حتي جاءت السنوات األولي من األلفية الجديدة حيث بدأ إبنه جمال ,و الذي كان يعد لتقلد مقاليد الحكم بعد والده ,في إقصاء قيادات الجيش من الحياة السياسية و إستبدالهم بقيادات مدنية تناسب فكره المدني الذي إكتسبه من دراساته بالجامعة
42
43
شتي الميادين إنحدر أداء جميع المؤسسات األخري أيضا ألن الصحافة و الصناعة و
لتلك اللحظة فيها جميع قيادات الجيش طوال حياتهم .و لذلك أغلب ديكتاتوريات
الزراعة و التجارة ليست بمجال تخصصهم .و من هنا نري أن إتباع سياسية تشتيت
العالم نشأت عندما تقلدت القيادات العسكرية زمام أمور السياسة .فقيادات الجيش
قوي المؤسسة العسكرية علي مجاالت مختلفة بعد الثورة أضعف قيام المؤسسة
عاشت جل حياتها كي تأمر فتطاع أو تؤمر فتطيع و حتي و إن حاولوا لبس رداء
العسكرية بدورها األساسي في حماية حدود البالد فضال عن سوء إدارتها لشتي
الديموقراطية لفترة فما يلبثوا أن يعودوا لما تعلموه و عاشوه في حياتهم العسكرية
القطاعات بالدولة مما أدي الي إنهيار تلك المؤسسات الحقا الواحدة تلو األخري أو
طوال حياتهم .و هناك حاالت نادرة من القيادات العسكرية التي نجحت في تأسيس
إستمراراها خاسرة بدعم من ميزانية الدولة.
حكم ديموقراطي و لكن النادر ال يقاس عليه .و لذلك فإن الشخصية العسكرية هي
ثم زادت سياسية مبارك من الطين بلة بتوجيه الجيش لتوفير موارد إنفاق داخلية له فصرنا نجد القوات المسلحة تدير محطات بنزين و مصانع مواد غذائية و خالفه .و هذا بالضبط كمن يطلب من وزارة الصحة أن تنشغل عن عملها األساسي من توفير الرعاية الصحية بإنشاء ورش تصليح سيارات مثال لتوفير موارد للوزارة .إن توفير الموارد من الناحية اإلدارية ليست من وظائف الوزارات ذات المهام المهنية و علي رأسها وزارة الدفاع التي هي حصن الدولة و عندما حدث ذلك في ستينيات القرن الماضي بصورة مقاربة منيت مصر بأكبر هزيمة عسكرية في تاريخها الحديث. فلماذا تختلف الشخصية العسكرية عن الشخصية المدنية؟ أفراد الجيش في العالم أجمع يشتركون في صفات عديدة تنمو مع طول بقائهم في المؤسسات العسكرية .فالمؤسسات العسكرية مؤسسات غير ديموقراطية في العالم أجمع و ال يجب أن تكون غير ذلك .فال يعقل أن يفكر ضابط في الميدان وقت الحرب فيما إذا كان أمر رئيسه سليم ام ال بل عليه السمع و الطاعة دون جدال في التو و اللحظة و إال ربما خسر الجيش كله المعركة نتيجة التأخر في تنفيذ األوامر. فالجيوش ال تتحمل الجدل اإلداري الواجب في الحياة المدنية ألن ميدان القتال غير ميادين الحياة األخري .فإذا كان من الطبيعي أن تجادل رئيسك في العمل و لو قليال فإن الحياة العسكرية ال تحتمل لحظات النقاش تلك وقت المعركة و التي يتدرب
األقوي و األقدر علي قيادة الجيوش في أرض المعركة و لكنها عادة ما إن تتقلد مقاليد الحكم السياسي حتي تحوله الي ديكتاتورية دون حتي ان تشعر .و لنفس األسباب ال تصلح الشخصية المدنية إلدارة عمليات الجيش و لكن فقط إدارة القرار السياسي الخاص بالحروب كما يحدث في أغلب ديموقراطيات العالم .و يوجد ميثاق شرف عرفي بين أتباع المؤسسات العسكرية بحماية بعضهم البعض داخل ميادين المعركة و حتي خارجه و سنتحدث عن هذا الحقا. و هل تختلف الشخصية العسكرية المصرية عن غيرها من الشخصيات العسكرية؟ و للشخصية العسكرية المصرية خصوصية تتميز بها عن بقية جيوش العالم .فبرغم إن مصر واحدة من دول العالم الثالث إال أنها تمتلك واحدة من أكبر و أقوي جيوش العالم من حيث العدد بل و القدرة علي تنفيذ المهام القتالية و خاصة المتعلقة بمهام األفراد فيها .و ذلك واقع رغم أن دخل الفرد في الجيش مصري شديد الضألة مقارنة بدول كثيرة أخري كثيرة .و ذلك ألن الجيش المصري جيش يعتمد بشكل أساسي علي عقيدة الشهادة في سبيل اهلل لتحفيز جنوده علي القتال .فهو ال يملك مئات المليارات األمريكية التي تعد بها أمريكا جنودها بقروض طويلة األمد إذا قاتلوا و خرجوا أحياء أو تدفع لهم رواتب شهرية كبيرة مثل الجيوش األوروبية و غيرها ممن ينافسون جيشنا في قوته العددية .فالقيادة العسكرية في مصر ال تعد أفرادها سوي بالجنة
44
45
في حال الشهادة و التكريم المعنوي في حال النصر اللهم إال عوائد مادية قليلة لعموم القوات .فجيش مصر الذي إنتصر في معركة أكتوبر كان دافعة خطب الشيخ محمد الغزالي و الشيخ كشك و غيرهم .و أفراد الجيش المصري أغلبهم من أصفياء القلوب الذين علي إستعداد أن يهبوا حياتهم في سبيل اهلل.
فما هو ميثاق الشرف العرفي بين العسكريين؟ العسكرييون يعيشون مع بعضهم البعض لشهور و ربما سنين مبتعدين عن أهلهم و ذويهم .فهم ال ينعمون بالحياة المدنية المرفهه .و نمط العيش هذا ينتج عنه ألفه بينهم ال يفهمها إال من عاش بين جنباتهم .و عندما يتدربون فإن حماية بعضهم البعض
و سواء صح حديث خير أجناد األرض ام ال عن الجيش المصري فإن الشخصية العسكرية
جزء ال يتجزأ من تدريبهم .فكل يحمي ظهر أخيه في أرض المعركة .و هذه الثقافة
المصرية بصفاتها المتميزة تجعل أفرادها حلم يتمناه أي قائد ميداني يريد جنودا ينتصر
ينشأ عنه ميثاق شرف يحمي به أفراد المؤسسة بعضهم البعض حتي خارج ميادين
بهم في ساحة المعركة .و تاريخ مصر منذ صد الهكسوس ثم التتار فاليهود يدل أن
القتال .فهم يتحولون بعد فترة طويلة من العيش داخل النظام العسكري كأبناء القبيلة
هذه التركيبة متغلغلة في القدم في شخصية المقاتل المصري.
الواحدة التي يعاقبون من يخطئ داخلهم و يحمون من يخطئ خارجهم إذا كان الخطأ
فهل العسكريون ال يصلحون إال للعمل العسكري؟ بعد أن وجدناهم في كل مكان صار هذا السؤال طبيعيا .و لكن تصور لو كان السؤال «و هل ال يصلح األطباء إال في الطب؟» لربما إستغربت السؤال .و لكن نظرا ألننا جميعا عشنا لنري لواءات الجيش يرأسون شركات القطاع العام و اإلتحادات الرياضية و قيادات المحافظات بل و كل مركز حساس في البالد صار هذا السؤال مقبول و اإلجابة عليه بنعم هي الغريبة حتي و إن كانت بدهية .و لكن ال يستطيع منصف أن يقول بذلك قطعا في العموم المطلق .فرغم أن العسكريون يكتسبون صفات خاصة بطبيعة حياتهم إال إنهم مثل غيرهم من بقية فئات المجتمع بينهم نوابغ يمتلكون مواهب متعددة تؤهلهم لوظائف أخري ربما بعد التقاعد .و لكن عقال ال يتصور أن
في حق الغير .بالطبع القوانين النظامية ال تبيح ذلك و لكنه عرف ساد عن الشخصية العسكرية في مصر و حتي غيرها .و ال عجب أن لم نجد بعد ثورة يناير سوي القيادات المدنية السياسية فقط خلف القضبان و لم يتم القبض سوي علي مبارك فقط من القيادات السياسية ذات التاريخ العسكري و تحت ضغط شعبي رهيب .و رغم ذلك فمبارك نفسه يعيش حياة مرفهه كسجين في أرقي المستشفيات ,بل و يتقاضي معاشه كامال و يعالج علي نفقة الدولة بأطباء من الخارج في حين يترك من فقدوا عيونهم و أصيبوا بعاهات أثناء الثورة بدون عالج علي نفقة الدولة .فالعسكريون يجدون صعوبة شديدة في إيذاء أي من أفراد مؤسستهم ألن حماية هذا الميثاق العرفي هو ما يحمي أيضا هوالء األفراد من اإليذاء الحقا.
تكون المؤسسة العسكرية هي التي تحتوي علي نوابغ البالد جميعا .فال مانع أبدا أن يوجد بعض قيادات الدولة من خريجي المؤسسة العسكرية بحصص متساوية مع أصحاب المهن المدنية األخري ألن ذلك من المنطق العقلي .و لكن ما ال يعقل أن يكون أغلب أو نصف أو حتي ربع قيادات الدولة من أي فصيل مدني كان أو عسكري ألن في ذلك إضعاف للثراء الفكري المؤسسي.
46
47
فماذا كان دور المؤسسة العسكرية في ثورة يناير؟ أصبح واضحا من اإلجابة عن األسئلة الماضية و مقدمة الفصل إن تولي جمال مبارك للسلطة كان سيعني إنتهاء سلطان المؤسسة العسكرية علي البالد بالكامل مما إستفز أعضائها و لكن علي ما يبدو انهم لم يكونوا يملكوا الجرئه لتحدي نظام مبارك و القيام بإنقالب ضده قد ال يأمنوا تأييد الشعب له نظرا لعدم وجود أي شخصية ذات كاريزما بالمؤسسة العسكرية في ذلك الوقت يمكن أن تقود هذا اإلنقالب و تضفي عليه صورة إيجابية لدي الشعب. فما إن إنفجرت ثورة يناير حتي الحت في األفق فرصة ذهبية للمؤسسة العسكرية. فما إن تم قصم ظهر جهاز الشرطة في الثامن و العشرين من يناير حتي تدخلت القوات المسلحة لجس نبض الشعب و الذي إستقبلها إستقبال الفاتحين .و لكن ظل نجاح الثورة مشكوك فيه فأثرت المؤسسة العسكرية الوقوف علي الحياد حتي ال تخسر في حالة فشل الثورة أو يتم ضمها الي القائمة السوداء في حالة نجاح الثورة إن تحيزت لنظام مبارك .و الدليل علي ذلك أوضح ما يكون في يوم الثاني من فبراير
و ماذا يجب أن يكون دورهم في المستقبل؟ بغض النظر عن الدور التي تريد المؤسسة العسكرية لعبة فال مكان ألي فكر ديكتاتوري في مصر ما بعد الثورة .ربما يحدث بعض التناغش و تسرق أحالم الوهم بعض القيادات و لكن الربيع العربي لن يترك أهم دولة بالمنطقة لترزح وحدها تحت نير التجبر العسكري مرة أخري .فشعب مصر تعلم الدرس و اإلعالم البديل جعل من اإلعالم الرسمي أضحوكة غير مؤثرة .و الشعب المصري أثبت في يناير انه لم يكن يوما ضعيفا او جبانا و إنما كان فقط حليما .و لقد غضب الحليم و دفع ثمن غضبته من خيرة شبابه و لن يترك دمائهم تذهب هباء .فربما تبدو اإلجابة عن هذا السؤال بدهية و هي ان ال مكان لوزارة الدفاع في مصر الثورة سوي لوظيفتها المهنية التاريخية في حماية حدود البالد كما هو الحال في كل ديموقراطيات العالم .و لكن هذه اإلجابة الزالت تبدو غريبة ألذان تعودت سماع لفظ اللواء قبل إسم أي قيادي بأغلب المناصب المؤثرة في البالد مما ادي لما فيه حال مصر األن من فقر و ضعف ...لن يستمر طويال ...إن شاء اهلل.
أو ما عرف بمعركة الجمل حيث وقفت القوات المسلحة تتأمل قتل البلطجية للثوار و لم تتدخل لحمياتهم أو الزود عنهم بل تركتهم يموتون رغم إستنجادهم بها .ثم ما لبثت أن إنحازت لموقف الثورة بعد أن تبينت حتمية نجاحها و وجدت فيها فرصة ذهبية إلعادة امجاد المؤسسة العسكرية و سلطانها من جديد.
48
49
الصوفية «شي اهلل يا بدوي» ومراجيح مولد السيدة والتنورة هو ما يعرفه أغلب المصريين عن التصوف ،ولكن بعد ثورة 25يناير بدأنا نسمع مشايخ الطرق الصوفية وهم يتحدثون في السياسة بعد أن كانوا أبعد الناس عنها ,فما هي حقيقة التصوف؟ وما هو واقعه وتأثيره على الحياة السياسية في مصر بعد ثورة يناير؟ ما معنى التصوف؟
الصوفية
ال أحد يعلم يقي ًنا سبب نشأة االصطالح ،وما إذا كان من صفاء القلب ،أم من لبس ـفة الذين أمر رسول اهلل الص َّ الصوف الخشن بوصفه رم ًزا للزهد ،أم أنه نسبة إلى أهل ُّ صلى اهلل عليه وآله وسلم بمالزمتهم. َ التصوف بعض أهل التصوف عرف ُ ولقد َّ في مقولة ،وهي« :لبس الصوف على الصفا واتباع هدي المصطفى»، والحقيقة أن التصوف ال عالقة له بملبس من قريب أو بعيد؛ فاإلمام أبو ي مؤسس الطريقة الحسن َّ الشا ِذلِ ُّ الشاذلية -والتي كان يتبعها الشيخ محمد متولي الشعراوي -كان ينهى أتباعه عن التميز بملبس ،بل يقول :إن كلاًّ منا يعبد اهلل على حاله. فالتصوف عند علمائه هو مرتبة اإلحسان في حديث جبريل في «صحيح البخاري»، والتي تعلو فوق اإلسالم واإليمان ،واإلحسان أن يعبد اإلنسان ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن اهلل يراه؛ فأهل التصوف هم أهل العزم والزهد وليس للراقصين أو المدعين فيه حظ ،فأهل التصوف ال يفعلون الكبائر وال يصرون على الصغائر وال يقربون
50
51
ً مستحبا؛ فهم قمة الهرم وأول الدفعة وأصحاب الميدالية الذهبية مكروها وال يتركون ًّ
دائما نحو هذا المتوسط؛ فيتميز الصوفي بتركيز كبير على الهدف الحقيقي ،ويسعى ً
في ميدان اإليمان.
الهدف ،ويبذل مجهو ًدا أكبر للوصول إليه؛ ألن القرب إلى اهلل ليس من عالمته لبس
وعلوم التصوف ال يفقهها إال من سرت معاني اإليمان في جسده قبل أن تسري في قلبه وعقله؛ ولذا وجب أن يكونوا قلة وأن يكون أدعياؤه كثرة؛ فال يعقل أن يكون التميز منتش ًرا بالماليين أو حتى باآلالف في أي مجال ،وال يدعي التصوف إال متفاخر؛ فأهل
األخضر أو األصفر أو األحمر ،وال البعد عنه يقترن بترك الموالد أو األضرحة أو غيرها. فالمتصوفة هم المخلصون من المسلمين سواء اتبعوا طريقة من طرق التصوف أو لم يفعلوا ،وسواء ُع ِرفوا بهذا االسم أم لم يعرفوا.
التصوف الحق ال يبالون بما يطلق عليهم أو بما يسميهم الناس؛ ألنهم منشغلون ادعاه فهو غال ًبا ليس من أهله؛ ألن في ادعائه كب ًرا بالسعي في مرضات اهلل .ومن َّ وع ْج ًبا ال يعرفهما من صفا قلبه. ُ وكيف يختلف المتصوفة عن بقية المسلمين؟ في الحقيقة ال يختلف الصوفي عن غيره من المسلمين إال كما يختلف المتفوق عن
فما هي الطرق الصوفية؟ وهل هي من البدع في اإلسالم؟ منهج تدريبي لالرتقاء بالمسلم ،شأنها في ذلك شأن الطرق الصوفية -في أصلها- ٌ برامج التدريب الرياضية ،وشيخ الطريقة بمنزلة المدرب الرياضي الذي يتابع حسن أداء التدريب ليتأكد من تنفيذه كما يجب ،وال يقول أحد من المتصوفة بأن من ال يتبع
52
53
ً ً طريقا مطرو ًدا من رحمة اهلل؛ ولكن هذا الشيخ ما هو إال سبيل إلى اهلل لمن شيخا أو
نشأ لمحاربة بدع التصوف ،ثم ما لبس أن حارب التصوف المحمود ،ثم ما لبس
أراد أن يستزيد من العمل ،فإذا أردت أن ترتقي بمستوى اللياقة البدنية عندك فهل
أن حارب كل من هو غيره دون تمييز .فعلماء الصوفية هم علماء اإلسالم ،ومنهم قديما :اإلمام أبو حامد الغزالي صاحب «اإلحياء» ،واإلمام الجنيد ،واإلمام القشيري ... ً وغيرهم ،وهؤالء ال خالف على علمهم الرباني الذي لم يكن ليأتي إال برضا من اهلل وج ُّ ل علماء األزهر من المتصوفة ،مثل :اإلمام وفتح ،وليس فقط بالمدارسة و الحفظُ . محمد متولي الشعراوي ،واإلمام عبد الحليم محمود ،وكذلك اإلمام حسن الشافعي (أستاذ العقيدة بكلية دار العلوم) بارك اهلل لنا في عمره ونفعنا بعلمه. حتما انتشرت بين ولكن ال يوجد دخان من غير نار كما يقول أهل مصر؛ فالبدع ً
سيكون من األفضل أن تتدرب على يد مدرب متمرس ذي خبرة أم أن تتدرب وحدك؟!
أهل التصوف ،وصاروا أصحاب موالد وفول نابت ،حتى ظهرت المنكرات في أعيادهم
إذن فالتدريب الروحي ال يختلف كثي ًرا عن هذا ،واعلم أن جميعنا ينهل من نبع رسول
من راقصات ومحرمات ،ولم نعد نرى منهم سوى التهليل كألتراس األهلي رغم أن
ملتمس. اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم؛ فكلنا من رسول اهلل ٌ
األلتراس ال يدعي فضلاً سوى في ميادين الكرة .و لكن هوالء الراقصين يدعون أنهم
أما القول بأن األذكار الخاصة التي تأتي بها الطرق الصوفية بدعة ألنها لم ترد عن
أقرب الفرق الي اهلل برقصهم و تهليلهم و غوازيهم .فواقع التصوف ال يختلف عن واقع
أبدا من المسلمين أن الدعاء أو الذكر أحد ً النبي فهو قول باطل ال محالة؛ فلم يقل ٌ
مصر في كثير المجاالت بعد عقود من اإلدارة المتخلفة الفاسدة.
حكر على ما ورد عن النبي؛ رغم أنه ال اختالف أن أفعال وأقوال سيد الخلق هي
ولماذا ينتشر أهل التصوف بين ضباط الجيش والشرطة؟ وما عالقة ذلك
دائما األولى وأبدا ،ولكن األذكار التي ال تخرج عن معاني الكتاب والسنة وُت َعِّل ُم ً ً
بالسياسة؟
قرب من اهلل هي أذكار الناس دي َنهم بترديدها والمدوامة عليها وتضع قائلها في ِ َ حال ٍ محمودة ،نسأل اهلل أن يجزي من َف َت َح ُ اهلل عليه بها خي ًرا .أما إن جاءت ٌّ أي من تلك
التدين هو ديدن أهل مصر ،وحب اهلل ورسوله وأهل بيته جزء ال يتجزأ من التركيبة
األذكار بما يخالف الكتاب والسنة فال اعتبار لها بل هي رجس من عمل الشيطان، وهو قلما تجده في التصوف إال في قليل من الطرق الصوفية المنحرفة.
الثقافية المصرية منذ الفتح اإلسالمي ،وضباط الجيش والشرطة هم من أهل مصر وال يختلفون في تركيبتهم الرئيسية عن بقية شعب مصر ،وعلى مدى عقود طويلة ظلت الصوفية ُت ْخ َتذل حتى تخندقت في المساجد واألضرحة ولم يعد لها سطوة أو
ولكن أصبح من الشائع أن الصوفية أهل البدع وال يوجد فيهم علماء ،فما
تأثير حقيقي في الشارع السياسي؛ فأصبحت هي منفذ الدين الوحيد المسموح
القول في هذا؟
به للعسكر دون أن يصدر ضدهم تقرير يعرقل ترقيتهم أو مسيرتهم الوظيفية؛ فالقت
هذا القول انتشر بقوة العملة الخليجية الداعمة للمنهج الوهابي أو السلفي ،والذي
إقبالاً من أصحاب القلوب الصافية الذين يريدون أن يتقربوا إلى اهلل دون إثارة مشكالت
54
55
داخل أعمالهم؛ بل وأصبح كثير من مشايخ الطرق الصوفية من الضباط السابقين. إذن فالصوفية مثل العلمانية تفصل الدين عن السياسة؟ بالطبع ال؛ ألن التصوف صورة من صور اإلسالم وال فصل ٍّ ألي من مناحي الحياة عن الدين؛ فقمة هرم اإلسالم ال يمكن أن يبتعد عن أحد عوامل الحياة المؤثرة، وكثير من مجاهدي االستعمار القدامى من كبار المتصوفة ،مثل :اإلمام أبو الحسن الشاذلي ،و المجاهد أحمد البدوي ،والمناضل عمر المختار بليبيا والذي كان يتبع
صحفي ساخن أو تصريح رنان ،ولكنها ستظل متخندقة حول األضرحة دون تأثير حقيقي في الشارع أكثر من وضع فرحة في قلوب أطفال القرى بمراجيح الموالد. ورحم اهلل اإلمام أبا حامد الغزالي الذي أراد بكتابه «اإلحياء» إخراج الناس من ظاهر الدين إلى حقيقته ،فوصف حالنا منذ ألف سنة وكأنه بيننا اآلن ،ولكن الطرق الصوفية التي أنشئت إلحياء تلك الحقائق انتهى بها األمر فانشغلت بالظواهر عن البواطن التي من المفترض أن تكوت قد أنشأت إلصالحها.
الطريقة السنوسية ،واإلمام حسن البنا بمصر والذي كان يتبع الطريقة الحصفية. فماذا كان دورهم في السياسة قبل ثورة يناير؟ لقد كانت أغلب الطرق الصوفية تحت السيطرة التامة لجهاز أمن الدولة ،ويتم استخدامهم عند اللزوم لمهاجمة التيار السلفي إذا قويت شوكته ،أو تيار اإلخوان إذا تعاظمت قوته؛ فلم يكن لهم موقف سياسي بل فضلوا في كثير من األحيان عدم التصادم مع النظام بل واتباع أوامره ،وكان يكتفي خيارهم بأضعف اإليمان من تغيير المنكر وهو اإلنكار بالقلب .و إن كان موقف كثير منهم من دعم الثورة عند بدايتها أثبت أن الخير ال يزال بينهم. وماذا سيكون دورهم بعد ثورة يناير؟ غال ًبا لن يكون لهم دور سياسي ذو شأن؛ فلم يعد هناك كثير من عظماء مشايخ الطرق ،مثل :الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم شيخ الطريقة المحمدية ،الذي كان يصلح ًّ حقا لقيادة الجموع ،وربما إذا نظمت هذه الطريقة أنشطتها ،وتركوا المجال لعلماء األزهر ليقودوهم كما كانوا في الماضي فربما يعودون إلى مجدهم ،ولكن هذا سيحتاج إلى كثير من الوقت؛ حيث إن األزهر نفسه يحتاج إلى كثير من اإلصالح حتى يستطيع أن ُي ْص ِل َح غيره ويعود إلى سابق عهده في إخراج عظماء األمة وحملة مشاعل اإليمان .حتى ذلك الحين ستظل الحركة الصوفية حنجورية التوجه بلقاء
56
57
العلمانية ظلت العرب ولعقود طويلة تنطق العلمانية بكسر العين،أي بنسبة المصطلح إلى العلم؛ رغم أنه ال َعالقة للمصطلح الغربي بالعلم من قريب أو بعيد؛ بل إن النطق للعالم ،وفي افتتاحية النطق تلخيص لمعنى أكثر الحقيقي له بفتح العين نسبة َ المصطلحات السياسية سيطرة على العالم السياسي منذ العصور الوسطى.
العلمانية
ما معنى العلمانية؟ ومتى ظهرت؟ ظهر مفهوم العلمانية في القرون الوسطى بأوروبا بعد معاناة امتدت لقرون عديدة من السيطرة السياسية للكنيسة الكاثوليكية أو ما عرف بالحكم الثيوقراطي؛ حيث يكون أمر البابا أو من وكله ً نافذا على الحكام في أمور السياسة بل والعلم والطب وكافة أبدا مناحي الحياة ،حتى صارت الكنيسة وكأنها اإلله على األرض ،وبالطبع لم تكن ً كذلك. نتيجة لذلك تخلفت الدول األوروبية في القرون الوسطى ،وتفشت األمراض والفقر
58
59
عاما؛ وعندئذ بدأت حتى صار متوسط األعمار في كثير من أنحائها ال يتجاوز األربعين ً
بالجهل والتخلف عندما كان الدين اإلسالمي مرجعية لجميع مناحي الحياة؛ فالتاريخ
طائفة المبدعين والمفكرين في قيادة ثورة بيضاء ضد تسلط الكنيسة بنشر فكر
يشهد بأن أزهى عصور الدولة اإلسالمية العلمية كانت عندما كان الدين هو مرجعية
العلمانية ،والذي ينحسر في فكرة فصل الدين عن الدولة أو السياسة؛ بل هو -في َ
يوما رجال الدين هم حكام الدولة اإلسالمية؛ وذلك ألنه ال يوجد -في الحكم ،ولم يكن ً حقيقة األمر -رجال دين في اإلسالم بالمعنى الكنسي؛ حيث ال يوجد متحدث باسم اإلله عند المسلمين بل مواطنين يمتهنون مهنة علمية في مجال الدين؛ فال عصمة وال تفويض. و لذلك فإن الحل الذي قدمته العلمانية ألوروبا في القرون الوسطى ال عالقة له بواقع الدين اإلسالمي وعالقته بالسياسة في العالم اإلسالمي منذ خروج آخر األنبياء والمرسلين وإلى يومنا هذا. فهل نجت الدول اإلسالمية على مر العصور من سيطرة متخلفة من رجال الدين أو إساءة استخدام الدين من قبل الديكتاتوريات؟ بالطبع ال؛ فلقد ظهرت في أوقات متعددة وأماكن كثيرة محاوالت لبعض الطغاة
حقيقة األمر -فصل للدين عن الدنيا أو عن أي شيء سوى الدين ،فأرادوا بذلك عزل
الستخدام الدين في فرض السيطرة على البالد ،وظهرت ً أيضا مدارس دينية تتشابه
الكنيسة عن بقية مناحي الحياة التي أفسدها رجالها بجهلهم تارة أو بانتهازيتهم تارة
مع الكنيسة الكاثوليكية في محاولة سيطرتها المتخلفة على جميع مناحي الحياة؛
أخرى ،وما إن نجح هؤالء في عزل الكنيسة حتى بدأت أوروبا في االزدهار االقتصادي
ولكن ما لبثت أن اندثرت تلك التوجهات نظ ًرا لقوة المنهج اإلسالمي النافي ألي
والسياسي.
سيطرة لبشر باسم اإلله على الخلق أو إعطاء سلطة الحكم المطلق ألي حاكم.
فهل تنطبق ظروف نشأة العلمانية ونجاحها في أوروبا على العالم اإلسالمي؟ إنه لدرب من دروب الجهل أن يتم نقل حلولاً سياسية تم وضعها في بيئات مختلفة مظنة نجاحها في بيئات أخرى دون النظر إلى اختالف البيئات .فال يوجد شيء في
ويوجد في عصرنا هذا بعض المدارس الدينية التي عرف عن رموزها حتى إنكار كروية تماما مثلما حدث في العصور الوسطى في أوروبا ،ولكن تلك المدارس تنحسر األض ً ث ِفي اس َف َي ْم ُك ُ ب ُج َفا ًء َوأَ َّما َما َي ْن َف ُع َّ اآلن وستندثر مع الزمان؛ ( َفَأ َّما َّ الن َ الزَب ُد َف َي ْذ َه ُ لأَْ ض). ا ْر ِ
اإلسالم يسمى بدولة دينية أو ثيوقراطية مفوض فيها اإلنسان للتحدث باسم اإلله مثل الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى ،ولم يحدث أن أصيبت الدول اإلسالمية
60
61
إذن فما موقف الدين من السياسة والسياسة من الدين عند العلمانيين واإلسالميين؟ يري العلمانيون أن الدين والسياسة جزيرتان منفصلتان ال يجب أن تتدخل إحداهما في شئون األخرى؛ فال الحاكم يأمر بشرع وال لرجل الدين أن يتدخل في السياسة، ولكن الواقع بعد ثورة 25يناير أثبت عدم واقعية هذا التصور في مصر لما ظهر للدين اإلسالمي من قوة مؤثرة على جميع التيارات السياسية بما فيها بعض التيارات المحسوبة على المنهج الليبرالي. أما اإلسالميون فيرون أن السياسة ال تعدو أن تكون جز ًءا من الدين وإحدى وسائل تحقيق مقاصد الشريعة؛ وذلك العتبار أن عبادة اهلل هي سبب الوجود وغايته ،ورضوان اهلل على اإلنسان في الدنيا واآلخرة هو مراد الخلق وسبب سعادتهم. فمن ال يؤمن بما يراه اإلسالميون فال سبيل لمناقشة األمر معه ،وعليه أن يخضع لواقع الشعب المصري الذي يلتزم أكثر من %90منه بدين اإلسالم بشكل يغلب عليه التدين على اختالف درجاته؛ فلن تحكم مصر إال بمرجعية إسالمية معتدلة ،ويجب أن تولد الدساتير والقوانين من رحم واقع الشعوب إن أريد لها العيش واالستمرار.
62
63
الليبرالية استمعنا كثيرا أثناء وبعد الثورة لتعبير الليبرالية الذي يتداوله الكثيرون على غرار تعبير «البرجوازية» في رواية الكاتب أحمد رجب الشهيرة «فوزية البرجوازية» ،حيث صار الناس يسبون بعضهم البعض بلفظ البرجوازي بال علم ال لشئ إال ألنه فقط يبدو غريبا
الليبرالية
في لفظه ،فالبعض يتعامل مع الليبرالية على أنها كفر يستحق نار جهنم والبعض اآلخر يتعامل معها على أنها منتج مستورد عالي الجودة للفكر السياسي ،ويظل أغلبنا حائرا ال يعلم معناها ،وهناك رموز شهيرة اقترنت و كثير من الفنانين واألدباء والمثقفين وكذلك كثير من الشباب الذين دعوا إلى ثورة يناير على اإلنترنت ،وبعيدا
64
65
عن رأي فوزية وأتباعها في البرجوازية أو الليبرالية سنحاول تبسيط معاني الليبرالية
اجتمعت على معاني الحرية والمساواة ،مع التحرر من سلطان الدين خاصة وسلطان
في األسئلة واألجوبة القادمة.
المجتمع عامة ،فالمساواة عند الليبراليين مطلقة فيصبح مثال أن ترث المرأة نصف ما
ما معني الليبرالية؟ الليبرالية تعني لغة التحرر ،واالصطالح له معاني كثيرة ،اختلفت في مضمونها ولكنها
يرث الرجل أمرا مذموما ،و إذا أراد المسلمون فعل ذلك فعليهم تنفيذه من خالل عقد مدني منفصل ،والحرية عندهم ال يحدها سوى القوانين الوضعية ،أما الدين فيجب أال يكون مصدرا لوضع حدود وقيود لرغبات البشر طالما لم تؤثر بالسلب على اآلخرين،
ويؤمن أغلب الليبراليين بأنه يحق ألي إنسان اعتناق العقائد والنظام األخالقي الذي
66
67
يريده ،وعلى الحكومات عدم التأثير على ذلك بأي شكل ،وهكذا قد تجد ما يعتبره
ضررا من أن يتحرر اإلنسان من قيد الزواج وينطلق في العالقات النسائية ،طالما ظلت
كثيرون انفالتا أخالقيا هو سلوك ليس بالضرورة مقبوال عند الليبراليين ،ولكن يجب أال
داخل إطار يضعه لنفسه مثل أال تكون عشيقته قاصرة أو داعرة. أما عن الليبرالية في السياسة فقد تسيدت العالم في صورة الديمقراطية الليبرالية بعد الفوز بحربين عالميتين خالل المائة عام الماضية ،وال خالف بين كثيرين على يعترض عليه أي إنسان طالما لم يؤثر على غيره بالسلب أو يحاول إلزام اآلخرين به، فمثال قد تجد ليبراليا مثقفا ويعتبره الكثيرون محترما في أسلوب حواره ولكنه ال يرى
68
مضمونها سوى أنه يصح للنظام الديموقراطي اختيار ما يناسبه بدون التقيد بأي سلطان لعقيدة أو فقه أو عرف ،وهكذا إذا كان هناك مجلس شعب في مصر تحت
69
نظام ديموقراطي ليبرالي فال بأس عند كثير من الليبراليين قيام األغلبية بالتصويت لجعل ميراث االبنة مثل االبن من باب المساواة وعدم الوقوف كثيرا أمام موقف الدين من المسألة طالما شاءت األغلبية ذلك ،وربما لن يمانعوا وقتها أن يعطوا الحق لألقلية
أراد البعض ذلك ،ولكن من خالل عقد مدني منفصل. أما في االقتصاد ،فالليبراليون عادة ما يؤمنوا بنظريات االقتصاد الحر ولكن مع إبقاء المسئولية االجتماعية كما هو الحال في كثير من االقتصاديات األوروبية أو بدرجة أقل في االقتصاد األمريكي. وتبقى المصلحة الدنيوية هى الضابط ألفعال ومبادئ الليبراليين ،فما تفعله وال يخالف القانون ويصب في مصلحتك هو أمر محمود ،وما تفعله وال يخالف القانون أو يضر بمصلحة اآلخرين ال يحق ألحد االعتراض عليه أو ذمه. هل يعني هذا أن الليبراليون كفار؟ في مصر ،أستطيع أن أجزم ,بما أنني كنت أحد الليبراليين في أحد األيام وعشت بينهم وعاشرتهم لسنوات في الجامعة األمريكية بين طلبة وأساتذة وإداريين ,أن أغلب الليبراليين بداخلهم مسلم محب لدينه وربه ولكنه تأثر بفكر حضاري غربي، وهذا الفكر الغربي قام ببناء حضارة مبهرة ظن البعض خطأ أنها حدثت نتيجة التحرر من سلطان جميع األديان واألعراف فساوى بين جميع األديان في الحكم.
من المؤكد أن الليبراليين في مصر أغلبيتهم العظمى من المسلمين حقا وإن بدا في بعض أقوالهم ما قد يخالف ذلك ظاهريا ،وربما تجد منهم من يعاقر الخمر أو يدعو من إبقاء ميراثهم على غرار الدين اإلسالمي ،من توريث االبنة نصف ميراث االبن إن
70
لما يعتبره كثير من المسلمين فسوقا ،ولكن مثال إذا ما سب أحد النبي انبرى يدافع عنه أكثر بكثير من أصحاب اللحي ،وقد رأينا ذلك في حديث البخاري ،عندما روى أنه
71
كان أيام النبي (صلى اهلل عليه وسلم) رجل اسمه عبد اهلل ،وكان ُيضحك رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) وذات يوم شرب الرجل الخمر ،فجلده النبي (صلى اهلل عليه وسلم) ،فقال رجل من القوم :اللهم العنه ،ما أكثر ما يؤتى به بسبب شرب الخمر، فقال النبي« :ال تلعنوه ،فواهلل ما علمت إال أنه يحب اهلل ورسوله».
هل جميع الليبراليين ينطبق عليهم نفس الصفات؟ ال توجد أي مجموعة سياسية أو دينية أو اجتماعية يتطابق جميع أفرادها في نفس الصفات بل نضع أنفسنا في المجموعات التي نشترك معها في أغلب الصفات ،أما مفهوم التطابق فهو طفولي نشرح به لألطفال المفاهيم المعقدة وليس له وجود على
وهذا ال يعني أن أفعالهم هذه غير مذمومة شرعا ،ولكن يجب أن نضع فارقا كبيرا
أرض الواقع ،والليبراليون في مصر ال يختلفون في ذلك عن بقية األطياف السياسية
بين التفسيق والتكفير ،وكما علمنا مشايخنا فإننا نذم أفعال الناس وال نذم الناس
أو الدينية مثل العلمانيين والسلفية واإلخوان وغيرهم ،والحقيقة أن الليبراليين
أنفسهم ،وبذلك نجزم أن األغلبية العظمى من الليبراليين في مصر من المسلمين،
المتحررين تماما من ضوابط الدين والعرف بحيث يرفضون تماما ألفاظ مثل الحرام
ولن نتعرض إذا إلى الشواذ منهم الذين يحاربون الدين مطلقا ألنهم قلة قليلة ال
والعيب ،يكاد ال يكون لهم وجود ُيذكر في المجتمع المصري الذي يبلغ تعداده عشرات
يستحقون الذكر.
الماليين ،ويكثر عنهم قليال المتحررون جزئيا الذين يحاربون ما يرفضون من الدين ،مثل
إذا ما الفارق بين موقف اإلسالميين والليبراليين من الدين ؟ يمكن أن نوجز هذا الفارق في أن اإلسالميين يريدون أن يعبدوا اهلل كما يريد هو، والليبراليين يريدون أن يعبدوا اهلل كما يريدون هم.
بعض الكاتبات المثقفات الالتي يحاربن الحجاب الشرعي للمرأة ،وكأنه منزل من عند الشيطان وليس من عند اهلل ،أما األغلبية العظمى من الليبراليين في مصر فهم من المتحررين جزئيا دون محاربة قواعد الدين أو تعاليم المجتمع بشكل صريح ،وأغلب هؤالء يحترمون القانون ويتجاوبون معه ،حتى وإن جاء مخالفا لبعض معتقداتهم ،وربما
هل الفكر الليبرالي ينحصر في المواقف الدينية واألخالقية فقط؟
يكون من بعض أهل الدين أنفسهم من يطلق علي نفسه ليبراليا ألنه تحرر من قوالب
بالطبع ال ،فالفكر الليبرالي يشمل جميع مناحي الحياة السياسية واالقتصادية
التفسير الموروثة مثال أو أراد التجديد فتحرر من التوجهات السائدة ،فالليبرالية درجات
واالجتماعية ،ولكن ال خالف كبير بين أغلب الفرق على الساحة السياسية في
ولها عدة تفسيرات ولكن ما ذكرناه سالفا هو المفهوم األعم.
مصر ،بما فيهم اإلسالميين عن وجوب اتباع اقتصاديات السوق الحر سواء بشكله
هل الليبراليون يمثلون خطرا علي مصر إذا؟
األوروبي أو األمريكي كمنهج اقتصادي ،والديمقراطية كمنهج سياسي ،باستثناء بعض الفصائل قليلة التمثيل ،ويبقى الخالف الديني واألخالقي ,أي االجتماعي, هو الفيصل الرئيس بين الليبراليين وغالبية شعب مصر المتدين ،فالليبراليون يريدون جميع األهداف السياسية واالقتصادية واالجتماعية أن تكون مجردة من سلطان الدين فال رقابة على الفن ومن يريد أن ينتج أفالما إباحية فله أن يفعل ،وشعب مصر ال يقبل بهذا وال يريده ألنه شعب محافظ فكريا وإن اختلفت درجات تدينه.
72
في مؤتمر حضرته عن حوكمة الشركات طلب المحاضر اإلنجليزي من الناس ذكر صفات عضو مجلس اإلدارة المثالي ،فظل الناس يذكرون صفات كثيرة تعدت الخمسين ،وبعد أن انتهي من كتابتها جميعا سأل الحضور :هل تتصورون وجود هذه الصفات جميعا في إنسان واحد ،فرد الجميع :ال ,فعقب جازما ولذلك نحتاج أكثر من عضو متنوع الفكر والتوجه في أي مجلس إدارة ،ونحذر من اختيار أعضاء متشابهين في الفكر والتوجه
73
وإال ُحرمت القرارات من فائدة التنوع الفكري وخسرت المؤسسة.
يقولون ما ال يفعلون وكثير منهم ليسوا كذلك.
وهذا هو الحال في إدارة الدول ،فوجود التعدد الفكري أمر صحي ُيثري الحياة السياسية والفكرية مع وجوب احترام الهوية اإلسالمية والعربية لمصر كما جاءت في الدستور، ولن يسيطر الليبراليون على الفكر المصري على األقل قبل ألف عام ،وأجزم بأنه أيضا لن يؤثر في تغيير المكون الرئيس للثقافة والفكر المصريين سواء سياسيا أو اجتماعيا, أال وهو الفكر اإلسالمي. وال ننكر أن الشباب الليبرالي كان له دور رائد في استغالل االحتقان السياسي وتتويج أعمال المعارضة اإلسالمية وغير اإلسالمية لسنوات في مصر ،وذلك بالدعوة لبدء تظاهرات يناير والتي استجاب لها الشعب المتدين فأنجحها مع الجيش الذي ينحدر أفراده من صلب هذا الشعب المحافظ ،فكيف إذا يكون هذا التيار خطرا علي مصر؟!! لماذا نجد التكبر واالنفصال عن اإلحساس بنبض الشارع المصري من كثير من أتباع الفكر الليبرالي؟ لألسف يشعر الكثير منهم بالتفوق الفكري ،وذلك النتماء المذهب الليبرالي للحضارة الغربية الحاكمة في عصرنا الحالي ،ولنفس السبب يكونوا مغيبين عن واقع الشارع المصري ألنهم يعيشون بيننا وقلوبهم تهفو إلى باريس وتفكر في نيويورك ،وهذا التكبر األجوف يضع بينهم وبين الشعب المصري حاجزا كبيرا فضال عن قيام كثير منهم بالتخلي عن مبادئهم األساسية عندما تبينوا أن أغلب شعب مصر محافظ، بحيث لن يكون سبيل الديمقراطية إال بابا لوأد كثير من أفكارهم ،فحاولوا االلتفاف على الديمقراطية بل والتنديد بنتائجها عالنية ،كما حدث بعد استفتاء التعديالت الدستورية ،مما زاد الهوة بينهم وبين بقية الشعب المصري ،ولكن يبقى الكثير من عقالئهم مؤمنين بضرورة االنصياع لقواعد النظام الديموقراطي الذي ارتضيناه بالكامل حتى وإن أتى بعكس ما يؤمنوا به من أفكار ،و إال صاروا من منافقي السياسة الذين
74
75
البرلمان أو مجلس الشعب لقد ظل لفظ «البرلماني» أو «عضو مجلس الشعب» مثي ًرا للشكوك في أخالقيات صاحبه في مصر حتى قيام ثورة 25يناير؛ فتاريخ التزوير في المجالس المختلفة ربما يمتد إلى منتصف القرن التاسع عشر مع بدايات العمل السياسي في مصر ،ولقد كان الكاتب الساخر «أحمد رجب» يستخدم مصطلح «صندوق االنتخابات المزور»
مجلس الشعب
بوصفه وحدة قياس وزن ،فيقول إنه كان يم ِلك ذه ًبا يزن صندوقي انتخابات مزورة، أو كان وزنه سبعة صناديق انتخابات مزورة .وكأن الصندوق االنتخابي والتزوير قرينان صحيحا ،ولكننا ال ينفصالن عن الحياة السياسية المصرية ،ولألسف ربما كان هذا ً سنبتعد قليلاً عن واقع الحياة النيابية المؤسف في مصر قبل ثورة يناير لنحاول فهم معنى البرلمانات وأهدافها؛ حتى نستطيع أن نجعل صوتنا أكثر موضوعية في أى انتخابات قادمة. عندما تحدثنا عن الديمقراطية ذكرنا أنه عندما أصبحت شعوب الدول تعد بالماليين أصبح من المستحيل إشراك جميع الناس في اتخاذ جميع القرارات بما يعرف بالديمقراطية المباشرة أو االستفتاءات ،وصارت حك ًرا على القرارات ذات األهمية القصوى فقط، لجوء مثل :التعديالت الدستورية أو اختيار رئيس الدولة ،وأصبح من حكم المؤكد ُ الدول لنظم الديمقراطية غير المباشرة في اتخاذ القرارات المختلفة ،باختيار ممثلين عن الشعب يقررون فيما بينهم نيابة عن شعبهم؛ وكل هذا لسن القوانين أو إقرار تماما مثل ما الميزانيات أو المعاهدات بما يعرف بالمجلس النيابي أو البرلمان ،وهذا ً كنا نقوم به في الجامعات من اختيار ممثلين عن كل كلية ليكونوا اتحاد الطلبة ،والذي كان -غال ًبا -ما يكون مزو ًرا في الجامعات المصرية ً أيضا. فما معنى كلمة «البرلمان» إذن؟ البرلمان أو مجلس الشعب في مصر -كما أطلق عليه دستور 1971م -هو هيئة تشريعية
76
77
ورقابية تتشكل من نواب يختارهم الشعب لينوبوا عنه في سن القوانين أو مراقبة عمل الحكومة ،و كان مجلس صوريا يهتف للحاكم ويضفي عملية تجميل لحكمه الديكتاتوري ؛ ليوهم اآلخرين بالتأييد الشعبي لقراراته وتوجيهاته التي عادة ما توصف بالتاريخية، َ أعمال الحكومة ويقر الميزانية مجلس الشعب ولكن حقيقة الدور تتمثل في أن يراقب ُ التي تشكل أولويات التوجهات االستراتيجية للدولة ،مثل :إعطاء قدر أكبر من الميزانية
و كيف يتم اختيار أعضاء مجلس الشعب؟ جغرافيا إلى دوائر انتخابية صغيرة أحيانًا ويتم الترشح فيها غال ًبا ما يتم تقسيم الدولة ًّ بالصفة الشخصية للمرشح بما يعرف بالنظام الفردي ،أو دوائر كبيرة يتم الترشح فيها شخصا بالصفة الحزبية أو الجماعية فيما يعرف بنظام القائمة ؛ ففي النظام األول تختار ً بعينه لينوب عنك في اتخاذ القرارات لصالحك ،أما في الثانية فتختار قائمة كاملة عن
للتعليم من عدمه ،أو
دائرة تكون عادة أكبر؛
زيادة حجم الدعم في
ربما لتشمل المحافظة
الميزانية وكيفية توزيعه.
بأكملها.
فمجلس الشعب هو
و على أي أساس يتم
الممثل الحقيقي للعمل
وضع نظام االنتخاب
الديموقراطي في أي
للبرلمان؟
دولة ألنه يمثل ناخبيه؛
تعددت
َم فهو رمز كلمة ومن ث َّ
نظم
االختيار
الشعب في حكم نفسه
ولو كان هناك ٌّ حل أمثل
بنفسه.
لع ِم َلت به جميع الدول، َ ولكن في وضع النظام
وتتكون البرلمانات من
االنتخابي
أعضاء منتخبين يقومون فيما
بينهم
بانتخاب
رئيسا للمجلس ينظم الجلسات من حيث إعطاء حق الكالم أو طرح المواضيع أو ً ـت َخذ القرارات عادة باألغلبية البسيطة -أي الدعوة للتصويت بعد غلق باب النقاش ،وُت َّ -1+%50في معظم القرارات ،باستثناء بعض القرارات مثل سحب الثقة من الحكومة مثلاً ،والتي قد ُتشترط فيها نسب موافقة أعلى لتنفيذها.
لمجلس
دائما بأن الشعب نهتم ً متحيز لفئة عن يشتمل على عنصري التمثيل والكفاءة؛ التمثيل :يعني أن يكون غير ٍ األخرى ،وممثلاً حقيقيا في توزيعه لجميع أفراد الشعب .والكفاءة :في أال ينتهي ًّ األمر إلى مجلس ال يستطيع أن يتخذ قرارات لالختالف الشديد في توجهات كتله التصويتية الكثيرة و الصغيرة. و التمثيل عادة ما يحل بالتقسيم الجغرافي ثم االختيار بين النظام الفردي أو القائمة،
78
79
ً شرطا وهو أن يكون نصف المجلس من العمال والفالحين ولقد أضاف «دستور »71
تنفيذ برنامجه؛ لدعم الكتلة التصويتية في حزبه لهذا البرنامج داخل البرلمان.
دائما ،ثم أضيفت في التعديالت لضمان تمثيلهم ،وكان يساء استخدام هذا الشرط ً
أما في نظام القائمة النسبية فيقوم ُّ ناخب باختيار قائمة كاملة ،وعندما يدخل إلى كل ٍ
الدستورية األخيرة قبل ثورة يناير «كوتة» أو عدد مقاعد محدد للنساء لضمان تمثيلهم ً أيضا ،وكثير من أهل التشريع الدستوري يقفون ضد أنظمة الكوتة أو النسب التمثيلية؛
صالة االنتخاب يجد أمامه عدة قوائم ،كل قائمة تشتمل على مجموعة من األشخاص الذين يمثلون حزًبا بعينه أو ربما مجموعة من المستقلين ،وعليه أن يختار قائمة
ألن في وضعها نفسه تحي ًزا لتلك الفئات عن دونها ،وكس ًرا لشرط التمثيل العادل.
منهم ،فإذا كانت هناك عدة قوائم تتنافس على عشرة مقاعد بالبرلمان وحصلت
أما الكفاءة فعادة ما يتم وضع نظام العتبة االنتخابية لمحاولة الحد من تمثيل األحزاب
إحداهم على نصف األصوات؛ فيفوز أول خمسة مرشحين في ترتيب تلك القائمة
الصغيرة؛ ألن في حالة ما كثرت األحزاب وتفتتت الكتل التصويتية في البرلمانات فإن
بخمسة مقاعد ،وهكذا حتى يتم تقسيم المقاعد على كل القوائم حسب نسبة
إتخاذ القرارات يصبح صع ًبا أو مستحيلاً في بعض األحيان ،حتى قد يصل األمر إلى
األصوات التي حصلوا عليها.
حل البرلمان نفسه إن لم تستطع تلك الكتل التوصل إلى اتفاق بينهم على أمور هامة مثل الميزانية مثلاً ،وكلما قل عدد األحزاب الممثلة في البرلمان كان اتخاذ القرار أسهل ،بشرط أال ينتهي األمر إلى حزب واحد فيتحول إلى برلمان ديكتاتوري كما هو الحال في أغلب الدول العربية ومصر قبل ثورة يناير .والعتبة االنتخابية تسحب المقاعد التي فاز بها أي حزب لم يستطع الحصول على %5فأكثر مثلاً ،وتعيد توزيعها على األحزاب الكبيرة؛ لضمان كفاءة األداء البرلماني. فما الفارق بين نظام االنتخاب الفردي والقائمة النسبية؟ النظام الفردي -كما يظهر من اسمه -يقوم ُّ كل فر ٍد فيه بترشيح نفسه عن دائرته الجغرافية مثل دائرة الهرم بالجيزة مثلاً ،فيقوم الناخبون في تلك الدائرة باختيار ممثلهم من بين المرشحين .ومن ميزاته أنه يقوي العالقة المباشرة بين الناخب َم صار يعرف وممثله؛ ألن الناخب اختار فالنًا بعينه ليخدم مصالحه في البرلمان؛ ومن ث َّ جيدا من سيذهب إليه إذا ما واجه مشكلة أو أراد الدفع بحملة لتغيير قرار أو سن ً قانون ،وربما يترشح الممثل ببرنامج حزب كذا أو يترشح ببرنامجه الشخصي بوصفه مستقلاً ،ومما ال شك فيه أن المترشح ببرنامج حزب عادة ما يكون أقوى وأقدر على
80
ونظام القائمة النسبية هذا يقوي من العمل الحزبي ويجعل الناخب يختار على أساس أفكار األحزاب وبرامجها ،وإن كان ال يجعل هناك ً رابطا قويًّا بين الناخب والنائب بل يكون بين الناخب والحزب عامة؛ حيث إن الحزب هو الطرف األقوى في ترشيح أو عدم ترشيح الممثلين ،فال يملك الناخب إال معاقبة الحزب بكامله إذا أخفق نائبه عن خدمة مصالحه وليس النائب بعينه الذي ربما يكون رئيس الحزب نفسه فيتصدر تعقيدا في التنفيذ. دائما القائمة ،ويمكن الخلط بين النظامين وإن كان هذا أكثر ً اسمه ً ُ الشعب في اتخاذ جميع القرارات؟ البرلمان فهل يمثل َ هذا يعتمد على النظام الذي تتبعه الدولة في دستورها؛ فإن كانت الجمهورية برلمانية فسلطات المجلس تكون موسعة ،ويقوم كذلك بتشكيل الحكومة التنفيذية ورقابة أعمالها وحمل حق سحب الثقة منها ،وتكون سلطات رئيس الجمهورية عندئذ شكلية ومحدودة .أما إذا كانت الجمهورية رئاسية فإن سلطات مجلس الشعب تكون حق تشكيل الحكومة يصبح في يد رئيس الجمهورية. أقل؛ ألن َّ و لكن ال ننسى أن مجلس الشعب -في األساس -هو الممثل الشعبي للسلطة التشريعية التي تضع القوانين التي تحكم البالد في شتى المجاالت السياسية
81
واالقتصادية واالجتماعية ،وهو الضلع الرئيسي في السلطات الثالثة المتمثلة في
ببرنامج أو مجموعة وعود يتعهد بتنفيذها لمصلحة الوطن و دائرتك إذا قمت بانتخابه،
الحكومة بوصفها سلطة تنفيذية ،والمجلس األعلى للقضاء بوصفه سلطة قضائية.
وتكون األيام هي الحكم بيننا وبينهم ،واالنتخابات التي تليها هي سالحك في
ولماذا يحصل أعضاء مجلس الشعب على حصانة من المساءلة القضائية؟
ً سابقا؛ معاقبته أو مكافأته إذا أخفق أو أصاب في تعهداته التي انتخبته على أساسها
األصل في هذه المسألة هو الفصل بين السلطة التشريعية الممثلة في مجلس الشعب والسلطة التنفيذية الممثلة في الحكومة أو الوزراء ،فمن أهم أدوار مجلس الشعب :مراقبة أعمال الحكومة ،وطلب سحب الثقة منها أو من أحد وزرائها ,مثل وزير الداخلية مثلاً ؛ فإن كان يحق للحكومة أو وزير الداخلية هذا إلقاء القبض على أي من أعضاء مجلس الشعب دون الرجوع للمجلس نفسه لصار األعضاء مهددين ً ضمان لجعل مجلس موقفا معاديًا لهم؛ ففي الحصانة باالنتقام من الوزراء إذا ما اتخذوا ٌ غير مهدد من معاقبة الحكومة أو نقدها .فإذا قام أحد أعضاء مجلس الشعب ًّ حرا َ بفعل يخالف القانون يجب عندئذ الرجوع للمجلس نفسه للنظر في األمر الشعب ٍ
فمصلحتك الخاصة ومصلحة الوطن عامة هما الضابطان األساسيان الختيارك للنائب الذي يمثلك ،وبدون برنامج ووعود يصبح االختيار أجوف والمحاسبة أصعب ،ومع نزاهة االنتخابات يصبح الوالء -حقيقة -للناخب ،وليس ألمين التنظيم بالحزب الحاكم الذي كان يقرر من سينجح أو سيفشل بالتزوير المدعوم بالقوة األمنية؛ فالناخب يصبح في قوة «أحمد عز» ومن قبله «كمال الشاذلي» أو «صفوت الشريف» ،فنزاهة االنتخابات تنقل قوة هوالء بين يديك أنت؛ فاعتبرها أمانة ستحاسب عليها يوم القيامة ،واجتهد موضوعيا قدر استطاعتك ،وتابع تنفيذ النائب لوعوده التي أقنعتك؛ في جعل االختيار ًّ حتى تتحقق مصلحتك الشخصية ومصلحة الوطن العامة.
ورفع الحصانة عن النائب بعد التأكد من أن سبب الرفع ال يشوبه أي سبب تعسفي؛
وما هو مجلس الشورى؟
ً سابقا -فكانوبهذا ال يصبح للسلطة التنفيذية سطوة على التشريعية .أما في مصر
مجلسا صوريًّا ليس له أثر سياسي أو تشريعي كان مجلس الشورى في مصر ً
يتقاتل تجار المخدرات ولصوص القروض ورجال األعمال الفاسدون على مقعد مجلس
حقيقي ،وغال ًبا ما سيتم إلغاؤه؛ ولذلك لن نتعرض له فوقت القارئ أهم من الحديث
الشعب من أجل تلك الحصانة؛ حتى يتسنى لهم وقت للهروب ما بين طلب رفع
فيما ال يفيد.
الحصانة والموافقة على رفعها إذا ما اكتشفت جرائمهم ،أو ربما لضمان عدم رفعها أصلاً حماية لجرائمهم .ولكن هذا العصر قد ولَّى إلى األبد إن شاء اهلل ،وتبقى الحصانة فقط للفصل بين السلطات وليس لحماية المجرم أو التستر عليه. علي اختيار من يمثلونني بمجلس الشعب؟ وعلى أي أساس يجب َّ لنبدأ بمحاذير االختيار أولاً :فال يجب أن نختار من يمثلوننا فقط لشعبيتهم واستلطافنا صالحا ليمثل دائرته ،أهم لشخصهم؛ فليس كل من كان طيب القلب أو نقي السمعة ً ما في االختيار هو من سيخدم مصلحة الناخب والوطن أجمعه؛ فلتختار من يتقدم
82
83