اسئله حائره في السياسه المصريه - عمرو الجمل

Page 1

‫عودة للفهرس‬


‫أسئلة عن‬ ‫األحزاب‬

‫‪2‬‬

‫‪4‬‬

‫اإلخوان المسلمون‬

‫‪12‬‬

‫الجمهورية البرلمانية و الرئاسية‬

‫‪22‬‬

‫الدستور‬

‫‪22‬‬

‫الديمقراطية‬

‫‪32‬‬

‫المؤسسة العسكرية‬

‫‪40‬‬

‫الصوفية‬

‫‪50‬‬

‫العلمانية‬

‫‪58‬‬

‫الليبرالية‬

‫‪64‬‬

‫مجلس الشعب‬

‫‪76‬‬

‫‪3‬‬


‫األحزاب‬ ‫ٌ‬ ‫تعامل مع لفظة «األحزاب» من قبل ثورة يناير سوى من خالل غزوة‬ ‫لم يكن للمصريين‬ ‫األحزاب في كتب السيرة أو سورة األحزاب في القرآن الكريم‪ .‬أما األحزاب بمفهومها‬ ‫السياسي فلم يكن لها وجود حقيقي في حياة الشعب المصري‪ ،‬فلقد كان هناك‬

‫حزب واحد وكنت أطلق عليه «حزب اتحاد ذوي المصالح الشخصية»‪ ،‬وهذه هي‬ ‫األيديولوجيا الحقيقية التي جمعت أعضاء الحزب الوطني آنذاك‪ ،‬فلم يكن للحزب توجه‬ ‫محافظ أو ليبرالي أو يميني أو يساري أو وسطي أو أي نوع من التوجهات السياسية‬ ‫الواضحة‪ ،‬لم يكن له َه ٌّم سوى خدمة مصالح أفراده‪ ،‬فاجتمعوا على ذلك وفرقناهم‬ ‫على ذلك‪ .‬وكان هذا الحزب يحارب التوجه اإلسالمي إذا خالف مصالحه‪ ،‬والعلماني‬ ‫إذا هدد وجوده‪ ،‬وبالقطع الديموقراطي الليبرالي في كل انتخابات محلية ونيابية‬

‫أو رئاسية بالتزوير والبطش والترويع‪ ،‬لقد كان أشبه بالحزب الشيوعي في االتحاد‬ ‫السوفيتي‪ ،‬والبعث في الشام والعراق‪ ،‬فهم الذين يتشدقون بأي مفهوم يحافظ على‬

‫‪4‬‬

‫‪5‬‬


‫مصالح أعضائه‪ ،‬فهذا هو الهدف األسمى الذي تسقط أمامه جميع القيم والمبادئ‪.‬‬

‫علي أن أنضم إلى حزب بعد ثورة ‪ 25‬يناير؟‬ ‫فهل يجب‬ ‫َّ‬

‫أما أحزاب المعارضة فكانت ُد ًمى يحركها النظام وحزبه كمساحيق التجميل؛ لجعل‬

‫تأييد حزب يختلف عن االشتراك فيه بصورة رسمية؛ فأغلب المجتمعات في جميع‬

‫وتوهجا‪ ،‬ولم نكن نفاجأ إذا قرأنا أن أمين الحزب الحاكم‬ ‫الخدعة السياسية أكثر إشرا ًقا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معارضا بترشيح ممثلاً أو رفع ترشيحه بما هو في مصلحة الحزب الحاكم ‪.‬‬ ‫أمر حزبًا‬

‫بعيدا عن قتامة الحالة الحزبية قبل ثورة يناير سنتعرض لمفهوم األحزاب الحقيقي وما‬ ‫ً‬ ‫يدور حولها من جدل وتساؤالت‪.‬‬ ‫ما معنى حزب؟‬ ‫الحزب هو مجموعة من المواطنين يؤمنون بأهداف سياسية وأيديولوجية مشتركة‬ ‫وينظمون أنفسهم بهدف الوصول إلى السلطة وتحقيق برنامجهم ‪.‬فكل األحزاب عادة‬ ‫عاما‪ ،‬ولكنهم يختلفون في طريقة تحقيق‬ ‫ما تبغي مصلحة بالدها بوصفه هد ًفا ًّ‬ ‫هذه المصلحة؛ فبعضهم يرى أن أفضل السبل للرخاء االقتصادي وتحقيق العدالة‬ ‫االجتماعية هو السبيل االشتراكي‪ ،‬فيجتمعون سويًّا في حزب لتحقيق ذلك‪ .‬وآخرون‬ ‫يرون أن الرأسمالية هي السبيل فيجتمعون في حزب آخر‪ .‬وتتنافس األحزاب في‬ ‫إقناع الناخبين بأن فكرهم هو األنسب‪ ،‬وبرامجهم هي األكثر في الفاعلية؛ لتحصيل‬ ‫أصواتهم للفوز بالمقاعد المختلفة والتأثير في صناعة القرار‪.‬‬

‫مؤيدا‬ ‫الدول الديمقراطية ال ينشغل أفرادها بالعمل السياسي الحزبي ولكن يبقى‬ ‫ً‬ ‫ومصوتًا للحزب الذي يخدم مصالحه‪ ،‬وربما يتأرجح صوت نفس الناخب بين أكثر من‬ ‫صوت ألحد األحزاب ولم يجد منه ما يريد‬ ‫حزب على مر الزمان ‪ ,‬و ال بأس في ذلك‪ ،‬فإذا َّ‬ ‫أعطى صوته لحزب آخر في االنتخابات المقبلة بغض النظر عن األيديولوجيات‪ ،‬وهؤالء‬ ‫ً‬ ‫مطلقا لبعض األحزاب‬ ‫يسمون باألصوات المتأرجحة‪ .‬فعادة ما يكون تأييد بعض الناس‬ ‫سياسيا ألي‬ ‫حتى وإن أخفقوا في األداء‪ ،‬ولكن تظل األغلبية ليست فقط غير منضمة‬ ‫ًّ‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬


‫من األحزاب بل متغيرة في تأييدها ألي من األحزاب حسب أداء كل حزب في المناصب‬

‫لألحزاب‪ ،‬والذي كان ال يمثل جز ًءا كبي ًرا من ميزانيتها على كل حال‪ ،‬وعادة ما تعتمد‬

‫المختلفة خالل كل فترة‪ ،‬ولن تختلف مصر كثي ًرا في هذا التوجه؛ فلو قرر بعض الناس‬

‫األحزاب على التمويل الذاتي من أعضائها‪ ،‬وربما تحصل على تبرعات من مؤسسات‬

‫نفعا‬ ‫التصويت‬ ‫لحزب لتوجهه اإلسالمي أو الليبرالي ثم لم يجد من أدائه السياسي ً‬ ‫ٍ‬

‫وشركات لدعم أنشطتها‪ ،‬وقد تقبل بعض األحزاب التبرعات الخارجية وعادة ما يثير‬

‫ولم يصب في مصلحته فقد يتغير تصويته للنقيض في االنتخابات التالية‪ .‬كل ما علينا‬

‫هذا األمر ً‬ ‫سياسيا؛ ألنه قد يشكك في وطنية توجه الحزب رغم كونه قد ال يكون‬ ‫لغطا‬ ‫ًّ‬

‫هو تأييد الحزب الذي نرى أنه سيخدم مصالح الوطن عامة ومصالحنا الشخصية‬

‫دائما‪ ،‬ومن كل هذا ينشأ ما يعرف بجبهات الضغط أو اللوبي‪.‬‬ ‫كذلك ً‬

‫خاصة‪ ،‬من خالل تصويتنا لمرشحيه في أي انتخابات ثم محاسبته بعد انتهاء دورته‬ ‫االنتخابية‪ ،‬ومعاقبته بعدم التصويت له مرة أخرى أو مكافأته بإعادة التصويت‪ .‬ولو أراد‬ ‫بعض الناس االنشغال بالعمل الحزبي السياسي فهذا دورهم في الحياة ولكن ال‬ ‫يعقل أن ينشغل جميعنا به تاركين باقي الميادين األخرى خاوية‪.‬‬ ‫و ما معنى‪:‬منع الدستــور لألحزاب الدينيـــة مع وجود حزب لإلخوان‬ ‫المسلمين ؟‬

‫فما هو اللوبي أو جبهات الضغط؟‬

‫الحزب الذي يتأسس على أساس ديني أو عرقي هو الذي َي ْم َن ُع من عضويته من ال‬

‫جاء تعبير اللوبي ‪-‬وهو كلمة إنجليزية بمعني الردهة‪ -‬من جملة النقاشات و الضغوطات‬

‫ينتمون إلى هذا الدين أو ذاك العرق‪ .‬فلو قام المسيحيون بتأسيس حزب تمنع الئح ُته‬

‫التي تدور في ردهات البرلمانات قبل التصويت على أي قرار‪ .‬وجبهات الضغط أو اللوبي‬

‫ً‬ ‫مخالفا للدستور‪ ،‬وكذلك لو قام‬ ‫دينيا‬ ‫غير المسيحيين من االنضمام إليه يصبح حزبًا ًّ‬ ‫َ‬

‫تصويتيا‬ ‫إعالميا أو‬ ‫عادة ما تكون مؤسسات أو ربما أفرا ًدا يدعمون األحزاب ماديًّا أو‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬

‫ً‬ ‫مخالفا‬ ‫عرقيا‬ ‫النوبيون بعمل حزب لهم ومنعوا غيرهم من االنضمام إليه ألصبح حزبًا‬ ‫ًّ‬

‫لخدمة مصالحهم‪ ،‬وال غبار على هذا األمر من الناحية السياسية وإن بدا مري ًبا‪ .‬فعلى‬

‫ً‬ ‫أيضا للدستور؛ فكل األحزاب يجب أن تنص الئحتها على قبول أي مصري بغض النظر‬

‫محاولة استخدام كل القوى القانونية للتأثير في صناعة القرار ‪ ،‬وهذا ما‬ ‫جميع الناس‬ ‫ُ‬

‫عن دينه أو عرقه أو نوعه‪ .‬أما حزب «الحرية والعدالة» المنسوب لجماعة اإلخوان‬

‫برلمانيا بعدم إعطائه صوته إذا لم يخدم مصالحه‪ ،‬وجبهات‬ ‫يفعله الناخب إذا هدد نائ ًبا‬ ‫ًّ‬

‫المسلمين فال يمنع من عضويته أي مسيحي؛ ولهذا فهو دستوري‪ .‬والدستور ال‬

‫الضغط تقوم بذلك عن طريق التمويل تارة واإلعالم تارة أخرى بل والتظاهرات إذا‬

‫أساسا ألي حزب؛ فبذلك ال مانع من تأسيس حزب‬ ‫يعارض جعل أي مرجعية فكرية‬ ‫ً‬

‫لزم األمر‪ ،‬فلو أن هناك جبهة ضغط ممثلة في منظمة مجتمع مدني لحماية حقوق‬

‫بمرجعية إسالمية أو مسيحية بشرط أال يحكر عضويته على فئة بذاتها‪.‬‬

‫اإلنسان‪ ،‬ووجدت أن حزب األغلبية ال يخدم حقوق اإلنسان؛ فلربما تضغط عليه بنقد‬

‫و كيف تحصل األحزاب على التمويل الخاص بأنشطتها المختلفة؟‬

‫إعالميا بقوة حتى يتغير أداؤه‪ ،‬وربما تقوم نقابة منتجي السكر مثلاً بوقف‬ ‫أفعاله‬ ‫ًّ‬

‫نصت التعديالت الدستورية األخيرة في مصر على توقف الدعم المالي الحكومي‬

‫‪8‬‬

‫التمويل ألحد األحزاب إذا وجدته يتحيز لقرارات تقضي على زراعات قصب السكر مما‬ ‫يهدد بقاءهم في وظائفهم‪ .‬والضغط التمويلي ً‬ ‫أيضا مشروع ولكن مع قوانين تَ ْح ُك ُمه‬

‫‪9‬‬


‫بحيث ال يتحول إلى رشوة سياسية‪ ،‬فإذا لم تعمل بحزب فربما تعمل بجبهة ضغط‬ ‫مثل نقابة أو حتى جهاز إعالمي؛ مما يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على القرار‬ ‫السياسي‪.‬‬ ‫و كيف أختار الحزب الذي أقوم بتأييده؟‬ ‫مصلحة الوطن العامة ومصلحتك الخاصة هما الضابطان الختياراتك؛ فإن كنت ممن‬ ‫يؤمنون بأن اإلسالم هو الحل فسيكون من الطبيعي أن تؤيد أيًّا من األحزاب التي‬ ‫تتبنى التوجه اإلسالمي‪ ،‬ولكن يبقى أداء هذا الحزب أو ذاك في تنفيذ وعوده البرلمانية‬ ‫وسياسيا‬ ‫هو الفيصل في الحكم عليه‪ .‬وكذا إذا ادعى حزب أنه سيحرر مصر فكريًّا‬ ‫ًّ‬ ‫واقتصاديًّا في توجه ليبرالي ‪ ,‬فعندما ترى أن هذا هو التوجه الصحيح فعليك تأييده‬ ‫ويبقى األداء على أرض الواقع هو الفيصل وليس الشعارات والخطب الرنانة؛ فال تأبه‬ ‫ً‬ ‫محافظا إن لم‬ ‫ليبراليا أو‬ ‫يمينيا أو يساريًّا أو‬ ‫إذا ما كان الحزب يطلق على نفسه حزبًا‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫يضمن خدمة مصالحك في الدنيا واآلخرة و لم يقم بتنفيذ وعوده البراقة علي أرض‬ ‫الواقع‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫‪11‬‬


‫اإلخوان المسلمون‬ ‫يقول عليهم النظام السوري اإلخوان الشياطين‪ ،‬وكان نظام مبارك يطلق عليهم لفظ‬ ‫الجماعة المحظورة‪ ،‬وفي فلسطين هم حركة حماس ‪ ،‬ويقال أنهم تنظيم عالمي‬ ‫في سبعين دولة أو أكثر‪ ،‬التصقت بهم تهم كثيرة وعلى رأسها تهم اإلرهاب أو الجهاد‬ ‫‪ ،‬ويتوقع البعض أنهم سيحكمون مصر‪ ،‬وربما صار رئيس الوزراء أو كثير من الوزراء من‬ ‫بينهم‪ ،‬فما هي حقيقة هذه الجماعة التي كثر الجدل حولها وما يجب علينا معرفته‬

‫اإلخوان‬ ‫المسلمون‬

‫مما لها أو عليها في حياتنا السياسية الجديدة‪ ،‬هل نخشاها أم نحمد اهلل أن أتى‬ ‫بها؟ هذا ما سنحاول أن نعرفه من خالل األسئلة واألجوبة التالية‪.‬‬ ‫كيف نشأت جماعة اإلخوان المسلمين؟‬ ‫نشأت حركة جماعة اإلخوان المسلمين في عام ‪ ،1928‬على يد شاب تخرج حديثا‬ ‫في كلية دار العلوم ُيدعى حسن البنا‪ ،‬وربما أجمعت كل الطوائف حتى المعادية‬ ‫لحركة اإلخوان على عبقرية حسن البنا صاحب الرؤية الثاقبة والمشروع الطموح‪،‬‬ ‫وقد نشأت الحركة بهدف واحد واضح‪ ،‬هو مقاومة االحتالل اإلنجليزي‪ ،‬ثم ما لبثت أن‬ ‫توسعت الجماعة في أهدافها من مقاومة االحتالل إلى الدعوة واإلصالح اإلسالمي‬ ‫الشامل في جميع المجاالت حتي تطرقت إلى مجالي الرياضة والفن أيضا‪ ،‬اللذان كانا‬ ‫بمنأى عن أي حوارات متعلقة بالدين اإلسالمي أو أهله‪ ،‬وانتشرت الدعوة لتتعدى‬ ‫حدود الدولة المصرية‪ ،‬وتنتشر في كثير من البالد اإلسالمية مستخدمة مؤلفات البنا‬ ‫وأفكاره المجددة‪.‬‬ ‫ثم جاءت حرب فلسطين لتظهر القوة الحقيقية لحركة اإلخوان المسلمين حيث وفد أتباع‬ ‫الحركة من أغلب األقطار العربية للمشاركة في الحرب ضد جيوش الحركة الصهيونية‪،‬‬ ‫وبعد انتهاء الحرب الفلسطينية بعام أو أقل تم حل جمعية اإلخوان المسلمين رسميا‪،‬‬ ‫وتم اغتيال حسن البنا بعد هذا القرار بأشهر قليلة وال يزال منفذو العملية مجهولين‪،‬‬

‫‪12‬‬

‫‪13‬‬


‫إال أن موته كان راحة للقوى الخارجية التي صارت الجماعة تهدد مصالحها بالمنطقة‪،‬‬ ‫وكذا الحكام العرب وعلى رأسهم ملك مصر الذي صارت الجماعة أشبه بالدويلة داخل‬ ‫دولته‪.‬‬ ‫هل تأثرت حركة اإلخوان بوفاة حسن البنا؟‬ ‫بالطبع تأثروا‪ ,‬فرغم أن حسن البنا قد ترك ورائه ميراثا فكريا وإداريا في محاولة لخلق‬ ‫مؤسسة ال تعتمد كثيرا على المؤسس األول‪ ،‬إال أن غياب عبقرية البنا في عمق‬ ‫الفهم الديني والبعد اإلداري جعل الجماعة تترنح في خالفات داخلية لسنوات بعد‬ ‫وفاته‪ ،‬انتهت لتفرقها على ثالثة تيارات الحقا‪.‬‬ ‫ما هي الثالثة تيارات التي تفرقت إليها جماعة اإلخوان المسلمين؟‬ ‫التيار األول هو التيار الجهادي‪ ،‬الذي خرجت منه أغلب جماعات العنف سواء من‬ ‫جماعة إسالمية أو جماعة الجهاد أو التكفير والهجرة وخالفه‪ ،‬وقد خرج هؤالء جميعا‬ ‫من رحم معتقالت التعذيب أثناء حكم عبد الناصر مؤمنين بكفر هذا النظام الذي مات‬

‫المسلح عليهم من مؤلفات سيد قطب حتى باتوا ُيعرفون بالقطبيين‪.‬‬ ‫أما التيار الثاني فهو التيار السلفي‪ ،‬والذي ظهر نتيجة هروب كثير من أعضاء جماعة‬ ‫اإلخوان المسلمين إلى دول الخليج‪ ،‬حيث تلقوا الدعم والتمويل لنشر الفكر الوهابي‬ ‫في مصر‪ ،‬ورأى هؤالء في الدعوة السلفية العودة ألصالة الدعوة اإلسالمية‪ ،‬والتي‬ ‫بدأت تخبو معالمها الظاهرية في حركة اإلخوان‪ ،‬من خالل ترك كثير من رموزهم‬ ‫لبعض مظاهر اإلسالم‪ ،‬من عدم إطالق اللحي وربما السماح لبعض زوجاتهم وبناتهم‬ ‫بترك الحجاب أيضا‪ ،‬فانفصل فصيل مدعوم من دول الخليج لدعم الفكر الوهابي في‬ ‫مصر فيما يعرف بالحركة السلفية‪.‬‬ ‫أما التيار الثالث واألخير فهو الذي احتفظ باالسم المعروف اآلن وهو اإلخوان المسلمين‪،‬‬ ‫والذي آثر اتباع المنهج السلمي في التعامل مع التوترات بين الجماعة والنظام المصري‬ ‫مع االحتفاظ بمنهج ديني بسيط يجد قبول عند العامة وال يتعارض كثيرا مع أعراف‬ ‫المسلمين في مصر‪ ،‬و من قياداته حسن الهضيبي صاحب المؤلف الشهير «دعاة ال‬ ‫قضاة»‪.‬‬ ‫وماذا عنهم في عهد الرئيس السادات؟‬ ‫ربما شهدت جماعة اإلخوان المسلمين أزهى عصورها في عهد الرئيس السادات‪،‬‬ ‫حتى أن مرشدها العام كان يصلي في المناسبات خلف رئيس الجمهورية‪ ،‬بعد‬ ‫أن كانوا ُيقتلون في عهد عبد الناصر‪ ،‬وجاء هذا بدعم من النظام لجميع الحركات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬للقضاء على فلول النظام االشتراكي اليساري منذ عهد عبد الناصر‪،‬‬

‫على يديه أصدقائهم أمام أعينهم‪ ،‬وقد رأى هؤالء أن منهج الجماعة الذي يميل إلى‬

‫فتوسعت الجماعة في دورها المجتمعي وصارت تسعى للسيطرة على االتحادات‬

‫التعامل السلمي بشكل أساسي مع األنظمة العربية‪ ،‬وخاصة المصرية‪ ،‬لن يصل أبدا‬

‫الطالبية والنقابات المهنية‪ ،‬لدعم أهداف الجماعة في نشر الفكر اإلسالمي الوسطي‪،‬‬

‫إلى نتيجة في سبيل نصرة األمة اإلسالمية‪ ،‬وهو الهدف األسمى لجميع من شاركوا‬

‫ثم ما لبثت أن تراجعت عالقات جميع الحركات اإلسالمية بالنظام المصري فور مقتل‬

‫في التنظيم‪ ،‬وقد استلهم كثير من هؤالء أفكار تكفير المجتمع والحاكم والخروج‬

‫السادات‪ ،‬وتولى محمد حسني مبارك رئاسة النظام من بعده‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫‪15‬‬


‫فماذا حدث للجماعة في عهد مبارك؟‬ ‫شهدت عالقة جماعة اإلخوان المسلمين بنظام مبارك منحنيات كثيرة بدأت بسالم‬ ‫حذر من الطرفين‪ ،‬ثم دعم واتحاد لشحن المجاهدين لمحاربة احتالل االتحاد السوفيتي‬ ‫ألفغانستان‪ ،‬وهو ما وجد فيه نظام مبارك مخرجا جيدا للتخلص من الحركات اإلسالمية‬

‫السوفيت‪ ،‬ثم ما لبثت أن انتهت الحرب األفغانية بنهاية االتحاد السوفيتي لتأتي‬ ‫محاولة اغتيال الرئيس مبارك في إثيوبيا في التسعينيات‪ ،‬وما أعقب ذلك من اتهامات‬ ‫خفية لجماعة اإلخوان بالعلم المسبق بها‪ ،‬ليتحول النظام من التعاون الحذر إلى‬ ‫العداء المعلن للجماعة‪.‬‬ ‫إال أن النظام لم يكن ليحاول القضاء بالكلية على أعضاء الجماعة‪ ،‬ولكنه كان دائما‬ ‫يسعى لتحجيم دورهم مع إبقائهم كفزاعة يرعب بها الغرب‪ ،‬ويجعلها أحد أسباب‬ ‫حماية الغرب لوجوده مسيطرا على الحكم في مصر‪ ،‬فكان دائما يحرص على إبقاء‬ ‫رهائن منهم تحت االعتقال أو السجن بموجب أحكام عسكرية‪ ،‬في تصور منه أن في‬ ‫ذلك ضمان لعدم إيذائهم لحكمه‪ ،‬ولكنه لم يتبع معهم أنظمة التعذيب الشرسة أو‬ ‫القتل المتعمد أثناء االعتقال‪ ،‬مثلما كان يفعل مع أعضاء التيارات اإلسالمية الجهادية‬ ‫األخرى‪ ،‬التي عاد بعضها من أفغانستان بعد الحرب‪ ،‬وذلك ربما لظنه أن أي تيار‬ ‫سلمي ال يمكن أن يؤثر بشكل كبير على كرسي الحكم‪.‬‬ ‫ما هي أهداف جماعة اإلخوان المسلمين؟‬ ‫تهدف الجماعة بشكل رئيسي إلى نشر الفكر الوسطي للدين اإلسالمي بين‬ ‫المسلمين وغيرهم إلعادة قوة دولة اإلسالم‪ ،‬كما كانت في عهد الخالفة الراشدة‪،‬‬ ‫ويعتبر مفهوم شمولية اإلسالم لجميع مناحي الحياة من الركائز المميزة لجماعة‬ ‫اإلخوان المسلمين‪ ،‬حيث يرون أن اإلسالم جاء بحلول لجميع مشاكل الحياة‬ ‫وتفاصيلها‪ ،‬وينعكس هذا في نشاطات فنية ورياضية وعلمية تميزت بها الجماعة‪،‬‬ ‫فضال عن أنشطتها الدعوية والخيرية التي يشترك فيها كثير من الجمعيات والحركات‬ ‫اإلسالمية األخرى‪.‬‬ ‫من أين تحصل الجماعة على التمويل لكل هذه األنشطة؟‬

‫التي قضت على سلفه‪ ،‬وإرضاء للنظام األمريكي الذي كان يدعم هذه الحركات ضد‬

‫‪16‬‬

‫إن نظام الجماعة يجعل كل فرد فيها مصدرا للتمويل‪ ،‬حيث يتبرعون بنسبة مئوية‬

‫‪17‬‬


‫من دخلهم الشهري أو السنوي قد تصل إلى ‪ %10‬أو ‪ %20‬خالل بعض األزمات‪ ،‬وبما‬ ‫أن عدد أعضائها يبلغ مئات اآلالف وكثير منهم من ذوي الدخول فوق المتوسطة‪،‬‬ ‫وذلك النتشار التعليم الجيد بين كثير من أبنائها‪ ،‬لذا فإن التمويل الذاتي للجماعة هو‬ ‫األساس في دعم أنشطتها المختلفة‪.‬‬ ‫ما حقيقة دور اإلخوان إذا في ثورة الخامس والعشرين من يناير؟‬

‫الجيش المصري بتبني مطالب الشعب‪.‬‬ ‫فهل ستصبح مصر مثل إيران الثورة أو أفغانستان طالبان حيث يتم حكم‬ ‫الشعب بعصا الدين إذا ما أصبح لإلخوان المسلمين نصيب األسد في‬ ‫مجلس الشعب؟‬ ‫هذا األمر مستبعد‪ ،‬فعلى ما يبدو أن حركة اإلخوان المسلمين تعلمت من أخطاء‬

‫كان اإلخوان المسلمون هم الفصيل المعارض األكبر الذي ظل يعمل تحت وطأة ضغط‬

‫الحركات اإلسالمية في السودان وإيران وأفغانستان‪ ،‬وأيضا غزة الذين اعتلوا سدة‬

‫جهاز أمن الدولة الشرس في عهد مبارك‪ ،‬وجدير بالذكر أن أغلب حركات المعارضة‬

‫الحكم فيها‪ ،‬ولم يعد خطابها دينيا سلطويا منذ عقود‪ ،‬وتجربتهم في المجالس النيابية‬

‫األخرى لم تحتمل فكرة االعتقال المتكرر أو التعذيب تحت وطأته‪ ،‬فتشرذمت و تفككت‬

‫جعلتهم مدربين على التحدث باللغة المقبولة للشارع المصري‪ ،‬الذي يحب الدين‬

‫وظلت حركة اإلخوان األكثر تماسكا بل ونموا وتطوروا في جميع المحافظات تحت‬

‫ولكنه يكره أن يفرض عليه أحد شرائعه المخالفة ألعرافه ويود أن ُتترك كثير من أمور‬

‫وطأة ظلم النظام السابق‪ ،‬أما بقية حركات المعارضة فإما انحصرت في فئة تحملت‬

‫الدين لالختيار الشخصي لكل مواطن‪.‬‬

‫وطأة الظلم‪ ،‬و فئة أخرى تعاونت مع النظام وأصبحت ُتستخدم ضمن برنامج التجميل‬

‫إذا فهل هم األقدر على حكم مصر في فترة ما بعد ثورة يناير؟‬

‫الذي يستخدمه الدعاء الديمقراطية والتعدد السياسي‪.‬‬ ‫وليس هناك خالف أن اإلخوان لم يكونوا من الداعين لثورة ‪ 25‬يناير منذ بدايتها‪ ،‬وكذلك‬ ‫لم يكونوا معارضين لها‪ ،‬بل على ما يبدو أنهم لم يتوقعوا نجاحها مثل كثير ممن دعوا‬ ‫إليها‪ ،‬ولكنهم تركوا الخيار ألتباعهم للمشاركة فيها من عدمه‪ ،‬كل حسب تقديره‬ ‫لألمر‪ ،‬فشارك فيها كثير من شبابهم بصفتهم الشخصية في أول ثالثة أيام لها إلى أن‬ ‫جاءت جمعة الغضب في اليوم الثامن والعشرين من يناير‪ ،‬لتحمل أوامر مباشرة من‬ ‫مكتب إرشاد الجماعة لجميع أتباعها باالشتراك في الثورة‪ ،‬مما ساعد على اشتعال‬ ‫الثورة في محافظات عدة‪ ،‬ثم ما لبثوا أن أصبحوا المنظم الرئيس للثورة في الشارع‬ ‫المصري‪ ،‬بالرغم من أنهم لم يمثلوا أغلب المشاركين بها بطبيعة الحال‪ ،‬حيث أصبح‬ ‫الشعب المصري هو التيار الرئيس للثورة التي نادى بها شباب اإلنترنت ونظمتها‬ ‫حركة اإلخوان المسلمين ومثل شعب مصر قوتها الرئيسة‪ ،‬ثم ما لبث أن أنجحها‬

‫‪18‬‬

‫الحقيقة إن المتتبع لحركة اإلخوان المسلمين من الداخل يجدها قد صارت أشبه‬ ‫بالنظام العسكري على مدي السنين‪ ،‬فالذين لم يفترقوا عنها وظلوا يتحملون وطأة‬ ‫الظلم لحماية معتقداتهم وأفكارهم هم فئة ليست طبيعية من البشر وربما تكون‬ ‫أقرب إلى العسكرية من المدنية‪ ،‬فقيادات اإلخوان على مدى سنوات هم أقرب إلى‬ ‫الرتب العسكرية التي يحصل عليها أصحابها بالتقادم‪ ،‬ولطالما تذمر شباب الجماعة‬ ‫من حكر القرار على أصحاب الشعر األبيض في مكتب اإلرشاد الذي يشبه مجالس‬ ‫إدارات المؤسسات‪ ،‬والذي يرأسه المرشد العام‪ ،‬ولكن وجوب البيعة على السمع‬ ‫والطاعة للمرشد العام وسيطرة نظام ربما لم يعد مناسبا للقرن الحادي والعشرين‬ ‫في إدارة الجماعة‪ ،‬يجعل قدرتهم على معاصرة أجواء يناير السريعة والمتالحقة‬ ‫والداعية إلى دولة حديثة أمر مشكوك فيه و إن كنت أرجح فوزهم بأول إنتخابات‬ ‫تشريعية و تحملهم لعبء التغيير األول في برلمان الثورة‪ .‬و هو عبء سيدفع ثمنه‬

‫‪19‬‬


‫كل من يتحمله لعدم واقعية التوقعات لدي الشعب بشكل رئيسي‪.‬‬ ‫و خطاب القيادات لديهم ال يزال تقليديا ويبدو كأنه يخرج من الثمانينيات‪ ،‬وظهورهم‬ ‫اإلعالمي ال يمكن أن يكون جذابا لشباب األلفية الثالثة سواء من خارج الجماعة أو‬ ‫حتي داخلها‪ ،‬ولو لم يتم تطوير الجماعة داخليا بشكل جذري فقد تنقسم بعد الخروج‬ ‫من العمل الخفي إلى العمل المعلن‪ ،‬إلى جماعات صغيرة وربما تكون الدورة النيابية‬ ‫األولى بعد الثورة هى آخر الدورات التي يوجد فيها تمثيل موحد ومؤثر للجماعة إن‬ ‫لم ينشغلوا بالتطوير‪.‬‬ ‫هل تمثل الجماعة خطرا على الحياة السياسية في مصر؟‬ ‫من عانى عشرات السنين في سبيل تحقيق هدف نبيل باتباع منهج سلمي ال‬ ‫يمكن أن يمثل خطرا على وطنه‪ ،‬إن الحديث عن خطورة وصول اإلخوان المسلمين‬ ‫يشبه الجماعة بالوحش‬ ‫إلى الحكم هو من بقايا ادعاءات النظام السابق‪ ،‬الذي‬ ‫ٌ‬ ‫الخفي الذي ال وجود له على أرض الواقع‪ ،‬ربما ال يكونوا األكثر حداثة أو إبداعا في دفع‬ ‫مصر لألمام بسرعة البرق كما حدث في ثورة يناير بسواعد شباب مزج بين الليبرالية‬ ‫اإلبداعية والمحافظة القومية‪ ،‬ولكنهم قطعا لن يمثلوا خطورة على أي فصيل مناهض‬ ‫لهم‪ ،‬بشرط أال ُيتركوا في الحكم وحدهم ألن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة‪،‬‬ ‫وال ينجو من فتنتها إال نبي أو ولي وقليل ما هم‪ ،‬ولذا فإن إثراء الحياة السياسية‬ ‫بتيارات كثيرة سيعمل على ترشيد توجهات الحركات اإلسالمية ويدعم تطورها‪ ،‬ومن‬ ‫يستجيب منهم للتغيير السريع قد يحكم لعقود قادمة‪ ،‬ومن سيظن أن ما أنجحه‬ ‫باألمس سينجحه غدا‪ ،‬فسوف يتخلف لتظهر مكانه حركات أكثر معاصرة‪ ،‬وسيظل‬ ‫صندوق االنتخاب الحر هو أداة العقاب أو المكافاة من الشعب لكل فصيل بما فيهم‬ ‫اإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫‪21‬‬


‫الجمهورية البرلمانية و الرئاسية‬ ‫ردد الكثير من المثقفين أثناء وبعد ثورة يناير تعبيرات جديدة على مسامع القارئ‬ ‫المصري مثل الجمهورية البرلمانية والرئاسية‪ ،‬وإن كان هؤالء يملكون تصورا مبدئيا‬ ‫للنظامين‪ ،‬إال أن التفريق بينهما‬ ‫صار أمرا محيرا للكثيرين‪ ،‬حيث أن‬

‫الجمهورية‬ ‫البرلمانية‬ ‫و الرئاسية‬

‫كثير من الدول المتقدمة تتبع أحد‬ ‫النظامين‪ ،‬ولو كان أحدهم أفضل‬ ‫من اآلخر لساد ولما نجح اآلخر‬ ‫في أية دولة عظمى‪ ,‬فالمانيا‬ ‫تتبع النظام البرلماني وتتبع أمريكا‬ ‫النظام الرئاسي بينما تتبع فرنسا‬ ‫النظام المزدوج‪ ،‬الذي يعتبر مزيجا‬ ‫من اإلثنين‪ ,‬فأي األنظمة أفضل‬ ‫لمصر وماهية كل منهم؟‬

‫ما الفارق بين النظام البرلماني‬ ‫والنظام الرئاسي؟‬ ‫الفارق يكمن في تسمية المسئول‬ ‫عن السلطة التنفيذية‪ ،‬ففي النظام‬ ‫البرلماني‬

‫يتم‬

‫إعطاء‬

‫صالحيات‬

‫تشكيل الحكومة التنفيذية المعروفة‬ ‫في مصر «بمجلس الوزراء» ألعضاء‬

‫‪22‬‬

‫‪23‬‬


‫مجلس الشعب الذين يقومون باختيار رئيس للوزراء‪ ،‬الذي ُيك َلف بدوره بتشكيل‬ ‫حكومته‪ ،‬ويحمل معها صالحيات ومسئوليات إدارة شئون البالد وتحقيق أهدافها‪،‬‬ ‫وبالتالي يصبح رئيس الوزراء عندئذ هو الرئيس التنفيذي للدولة‪ ،‬ويكون منصب رئيس‬ ‫الجمهورية شرفيا أكثر منه تنفيذيا مثل الحال في تركيا و ألمانيا‪ ،‬وربما ُتعطى له بعض‬ ‫الصالحيات البسيطة من الدعوة النتخابات مجلس الشعب أو ربما حله لسد ثغرات‬ ‫النظام البرلماني من عدم منطقية إعطاء حق الحل للبرلمان نفسه‪.‬‬ ‫أما النظام المزدوج فقد عاشته مصر منذ ثورة يوليو وظلت ترفع من شأن صالحيات‬ ‫الرئيس فيه من خالل تعديالت دستورية متوالية على مدى ستين عاما‪ ،‬حتى صار‬ ‫أشبه بالملوك الذين يحكمون وال يجوز محاسبتهم‪ ،‬ولكن النظام في أصله يجعل رئيس‬ ‫الدولة هو نفسه رئيس السلطة التنفيذية‪ ،‬فله الحق في تشكيل الوزارة أو تكليف‬ ‫رئيس الوزراء بهذه المهمة‪ ،‬وفي الواليات المتحدة األمريكية حيث الجمهورية رئاسية‬ ‫بدون رئيس وزراء‪ ،‬يحق مسائلة‬ ‫الرئيس‪ ،‬بل وعزله من قبل أعضاء‬ ‫البرلمان‪ ،‬ولكن في الدول العربية عادة‬ ‫ما يكون الرئيس محصنا دستوريا ضد‬ ‫أية مسائلة أو عزل ولو بشكل صوري‪.‬‬ ‫وتتبع أغلب األنظمة الديمقراطية‬ ‫المعاصرة النظام البرلماني مع وجود‬ ‫دول قليلة ما زالت تتمسك بالنظام‬ ‫الرئاسي مثل أمريكا أو النظام المزدوج‬ ‫مثل فرنسا كما ذكرنا سابقا‪.‬‬

‫إذا فأي النظامين أفضل؟‬ ‫وهنا يجب أن ُيطرح السؤال بشكل آخر ‪ ،‬أي أن يصبح‪ :‬أي النظامين أفضل لمصر‬ ‫األن؟‪ ،‬فربما ما يناسبها اآلن ال يناسبها غدا والدستور دستور الشعب‪ ،‬ويحق له أن‬ ‫يغيره متى أراد وإن كان من األفضل ثباته لعقود قبل النظر في تغييره مرة أخرى‪.‬‬ ‫ونظرا للظروف الحالية وتاريخنا الطويل في إفساد الحكام بد ًء من مينا‪ ,‬مؤسس األسرة‬ ‫األولى‪ ,‬وحتى محمد حسني مبارك‪ ،‬فإن النظام البرلماني هو األنسب لتغيير ثقافة‬ ‫تأليه الحاكم سواء كان ملكا أو سلطانا أو خديوي أو رئيسا للجمهورية‪ ،‬وجدير بالذكر‬ ‫أن مبارك في بداية حكمه لم يكن مثلما انتهى كديكتاتور ال يقبل أي رأي مخالف‪ ،‬وال‬ ‫يستمع ألي صوت آخر سوى صوته وربما صوت عائلته‪ ،‬لقد تأصلت في مصر ثقافة‬ ‫عصمة الحاكم وقدسيته حتى صار البعض ينادي بعدم جواز محاكمة مبارك حتى بعد‬ ‫عزله‪ ،‬وكأنما الحاكم عندنا له أن يفعل ما يشاء ويختار ما يريد‪.‬‬ ‫إن نظام االنتخاب البرلماني لرئيس الوزراء مع ربط أدائه باالنتخابات البرلمانية ورقابتها‬ ‫عن طريق كتل تصويتية مختلفة التوجه داخل البرلمان تقلل من فرص تسلط رئيس‬ ‫الوزراء وتجعله يقبل حساب ومسائلة‬

‫الشعب‪ ،‬وكذلك فإن النظام المزدوج من‬

‫الناحية اإلدارية يفتت مسئوليات المحاسبة بين الرئيس ورئيس الوزراء وقد أثبت‬ ‫فشله في مصر على مدى عقود‪ ،‬حيث كان يتم استبدال رئيس الوزراء ككبش فداء‬ ‫لسوء إدارة رئيس الجمهورية‪ ،‬ونرى في التاريخ أن فرعون وهامان كانا يمثالن النظام‬ ‫المزودج الذي أفسد اإلدارة الحكومية في مصر آلالف السنين‪ ،‬و لذا أرى أن أسوأ‬ ‫األنظمة التي يمكن أن نستمر بها هو النظام المزدوج الذي عانينا منه لعقود‪ ،‬وأفضلها‬ ‫البرلماني لألسباب التي ذكرتها سالفا‪ ،‬ولكن إذا تم التوافق على الرئاسي فيجب‬ ‫أن يكون نظاما رئاسيا حقيقيا‪ ،‬ال يوجد فيه منصب رئيس الوزراء ويتم محاسبة رئيس‬ ‫الجمهورية بشكل مباشر كمسئول أوحد عن اإلدارة التنفيذية للدولة‪.‬‬

‫الفهرس‬

‫‪24‬‬

‫‪25‬‬


‫الدستور‬ ‫دائما الراحلة «زينات صدقي» سواء في أفالم «إسماعيل ياسين»‬ ‫كانت تخرج علينا ً‬ ‫ي‬ ‫أو «عبد الحليم حافظ» بتعبير‪َ « :‬دستور يا مباركين»‪ ،‬وكأنها تستأذن َم ْن َخ ِف َ‬ ‫عن األنظار في المجلس من مالئكة وجان كما يعتقد البعض‪ ،‬وربما كان هذا أشيع‬ ‫أما وقد جاءت الثورة لتعطي‬ ‫استخدام للفظ ُّ‬ ‫الدستور في حقبة ما قبل ثورة ‪ 25‬يناير‪َ .‬‬ ‫المصريين الحق في االستفتاء الحقيقي على الدستور فأصبح من الواجب على كل‬

‫الدستور‬

‫صاحب صوت أن يبذل كل ما يستطيع من الجهد؛ ليكون صوته في خدمة الحق؛ ألن‬ ‫صوته أمانة سيحاسب عليها يوم القيامة‪ ،‬وأول الواجبات الملقاة على عاتقه أن يعرف‬ ‫معنى الدستور الذي يطلب منه أن يصوت على بنوده‪.‬‬

‫ما معنى الدستور؟‬ ‫الدستور ً‬ ‫لغة‪ :‬كلمة من أصل فارسي مكونة من مقطعين؛ أولهما‪« :‬دست» بمعنى‬ ‫القاعدة‪ ،‬والثانية‪« :‬ور» بمعنى صاحب‪ .‬والمعنى المراد منها‪ :‬صاحب قاعدة الحكم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫للعالقة بين الحاكم والمحكوم والسلطات‬ ‫واصطالحا‪ :‬هو القانون األعلى‬ ‫ً‬ ‫المنظم َ‬ ‫المختلفة في الدولة من حكومة ومجلس شعب وقضاء‪ ،‬وكذلك يتم وضع المبادئ‬ ‫حفظ للحريات والمساواة‪ ،‬وفي كثير من الدساتير يتم وضع بنو ًدا‬ ‫العامة للدولة فيه من‬ ‫ٍ‬ ‫والدستور وثيقة وضعية تولد من رحم الشعوب‬ ‫خاصة بهوية الدولة القومية والدينية‪ُّ .‬‬

‫‪26‬‬

‫‪27‬‬


‫وواقعها‪ ،‬ولقد باءت أغلب المحاوالت التي تمت لوضع دساتير تهدف إلى تغيير واقع‬

‫ً‬ ‫انضباطا؛ ولذا جنحت إليه معظم دول العالم المتحضر‪.‬‬ ‫أمر أكثر‬ ‫ٌ‬

‫صانعا لها‪ .‬ويتم عادة الموافقة‬ ‫الشعوب بالفشل؛ فالدستور مرآة لواقع الشعوب وليس‬ ‫ً‬

‫وعادة ما يكون عدم التدوين مشكلة عميقة في كيان تلك الدول والتعريف بها‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫على المواد الرئيسية للدستور من خالل استفتاءات شعبية وديموقراطية مباشرة‪،‬‬ ‫واالستفتاء العام هو أعلى سلطة للتشريع في الديموقراطيات‪.‬‬ ‫وما هي أهمية الدستور؟‬ ‫القواعد الدستورية هي الضابطة ألعمال التشريع من ِق َبل مجلس الشعب‪ ،‬فإن‬ ‫اتفق الشعب مثلاً على وضع قاعدة لحفظ الحريات في الدستور وجاء مجلس شعب‬ ‫ليشرع قانونًا يحد من حريات الشعب في السفر أو التعبير يتم الطعن على دستوريته‬ ‫بالمحكمة الدستورية العليا‪« .‬وهنا يكون الدستور حام ًيا من ديكتاتورية األغلبية‬ ‫بالبرلمانيات»‪.‬‬ ‫والدستور بمنزلة عقد اجتماعي بين طوائف الشعوب المختلفة ينظم مبادئ العمل‬ ‫على مستوى السلطات المختلفة‪ ،‬فعندما يجلس الرجل مع زوجته في بداية زواجهما‬

‫مشكلة تعريف الدولة في إسرائيل وهل هي علمانية أم يهودية‪ ،‬ونجد كذلك مشكلة‬ ‫في تعريفها في بريطانيا وهل هي كاثوليكية أم بروتستانتية‪ .‬أما في مصر فوجود‬ ‫السَّنة ال يجعل من هذا‬ ‫النسيج الغالب الذي يتعدي التسعين بالمائة من المسلمين ُّ‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ -‬تعكس واقع الشعوب وال تفرض‬ ‫التعريف مشكلة؛ حيث إن الدساتير ‪-‬وكما قلنا‬ ‫واقعا‪ .‬وإسالمية الدولة المصرية واقع ال يستطيع أحد إنكاره حتى وإن لم يمل‬ ‫عليها ً‬ ‫إليه بعض المثقفين‪ ،‬ولو تغير الحال في المستقبل وصار أغلب المصريين من ديانة‬ ‫أخرى لوجب اختالف القاعدة الدستورية المحددة لهوية الدولة‪ ،‬فلو تم وضع الدستور‬ ‫مثلاً ‪ -‬قبل الفتح اإلسالمي لمصر لتحتم تعريف مصر بوصفها دولة مسيحية حتى وإن‬‫كان بها أقلية من المسلمين‪.‬‬ ‫وما معنى المواد فوق الدستورية؟‬

‫لوضع قواعد اتخاذ القرار في البيت وللتحدث عن مالمح العالقة بينهما طوال حياتهما‬

‫ال يوجد وثيقة تعرف بوثيقة المواد فوق الدستورية‪ ،‬وال يعرف العالم السياسي سوى‬

‫دستور التعامل بينهما ليرجعا إليه إذا اختلفوا في‬ ‫الزوجية؛ فهما في الحقيقة يضعان‬ ‫َ‬ ‫وضع الضوابط المستقبلية‪ .‬والدولة الجمهورية أسرة كبيرة يم ِلك ُّ‬ ‫حق‬ ‫كل فرد فيها َّ‬

‫الدستور بوصفه أعلى وثيقة منظمة إلدارة شئون البالد‪ ،‬ولكن يستخدم هذا التعبير‬ ‫أحيانًا لبيان أن بعض مواد الدستور أقوى من بعضها؛ فمثلاً مادة مثل‪« :‬المساواة بين‬

‫تقرير مصيرها بشكل متساو‪ ،‬والدستور اتفاق بين جميع الناس على القواعد العامة‬

‫المصريين» بالقطع هي أقوى من مادة تحدد مدة حكم رئيس الجمهورية؛ فاألولى‬

‫المنظمة ألعمال إدارة مصالح الدول‪.‬‬

‫قاعدة عامة حاكمة لكثير من التشريعات‪ ،‬والثانية قاعدة تنظيمية يمكن إعادة النظر‬

‫فهل كل دول العالم لديها دساتير؟‬

‫فيها بصورة أكثر تكرا ًرا من األولى‪ .‬وعادة ال يتم عمل التعديالت الدستورية إال كل بضعة‬

‫مدون وصريح‪ ،‬مثل‪ :‬بريطانيا فهي‬ ‫قد تستغرب أن هناك دولاً عظمى تعمل دون دستور َّ‬ ‫مدون إلى اآلن‪ ،‬وكذلك الدول الصهيونية؛ ولكن هذا ال يعني عدم‬ ‫ال تعمل بدستور َّ‬ ‫عرفيا‪ ,‬ويكون حكم المحكمة الدستورية‬ ‫وجود دستور‪ ،‬ولكنه فقط غير مدون أي يكون‬ ‫ًّ‬ ‫نابعا من عرف الشعوب وتقدير القضاة ولكن حقيقة األمر تتمثل في أن تدوين الدستور‬ ‫ً‬

‫‪28‬‬

‫شديدا‪ ،‬ويستحق‬ ‫عقود من الزمان‪ ،‬حينما يكون التغيير االجتماعي أو السياسي‬ ‫ً‬ ‫إعادة النظر في القواعد الرئيسية للدولة من أجله‪.‬‬ ‫وهل يمكن وضع قواعد دستورية ال يمكن تغييرها؟‬ ‫ال نعلم قواعد ال يمكن تغييرها إال ما تم تنزيله من رب العالمين‪ ،‬أما ما يتعارف عليه‬

‫‪29‬‬


‫البشر فيخضع لعوامل التغيير باعتبار الزمان والمكان واألشخاص واألحوال‪ ،‬ومحاولة‬ ‫عمليا‪ .‬فلو‬ ‫وضع مواد دستورية ال يمكن تغييرها هو تأليه للبعض في رأيي وال يتصور‬ ‫ًّ‬ ‫فرضنا وحدث هذا‪ ،‬كما هو الحال في ألمانيا بعد الحرب العالمية‪ :‬حيث فرضت عليهم‬ ‫قواعد دستورية من المنتصر األمريكي تنص على عدم تغييرها مستقبلاً لمنع ظهور‬ ‫أحد‬ ‫نازي جديد‪ ،‬ولكن لو شاءت أجيال قادمة‬ ‫محررة اإلرادة أن تغيرها فلن يستطيع ٌ‬ ‫َّ‬ ‫إيقافها‪ ،‬ولن تكون قد أجرمت إذا ما تمكنت من الحصول على موافقة الشعب على‬ ‫واقعا‪،‬‬ ‫ق واقع الشعوب وال ُت ْص َن ُع لتفرض‬ ‫ذلك وقتئذ‪ .‬إذن‪ ،‬فالدساتير تولد طبيعية َو ْف َ‬ ‫ً‬ ‫فمن أراد أن يفرض فك ًرا على الدستور فعليه أولاً أن يغير الواقع‪ ،‬ال أن يعمل على‬ ‫تغيير الدستور!! ألنه إن فعل ذلك فسيكون كمن يحرث في الماء‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫‪31‬‬


‫الديمقراطية‬ ‫منذ عدة سنوات شرح معمر القذافي الديمقراطية على أنها كلمة عربية مكونة من‬ ‫مقطعين أولهما «ديمو» وثانيهما «كراسي»‪ ،‬وزعم أنها تعنى دوام الحكام على‬ ‫الكراسي‪ ،‬ورغم هزلية الكالم الواضحة‪ ،‬إال أن واقع الحال في أغلب الدول العربية‬

‫الديمقراطية‬

‫وعلى رأسها مصر أثبت أنهم جميعا يؤمنون بهذا التعريف المنحرف وإن لم يصرحوا به‪،‬‬ ‫وسنحاول هنا التعرض لمعنى كلمة ديموقراطية بعيدا عن أقوال سفيه ليبيا أو واقع‬ ‫الحكام العرب المؤيد له‪.‬‬ ‫إذا سافرنا سويا مثال كمجموعة من األصدقاء في رحلة فالبد أن نجد طريقة التخاذ‬ ‫القرارات المختلفة أثناء تلك الرحلة‪ ،‬من أي المطاعم سنجلب العشاء؟ هل نسبح بعد‬ ‫الظهر أم العصر؟ ماذا سنفعل ليال؟ وهكذا كل يوم‪ ،‬ومهما تقاربت شخصيات األصدقاء‬ ‫في هذه الرحلة فإن اآلراء تتباين‪ ،‬وإن لم يوضع نظام مهما كان بسيطا التخاذ القرار‪،‬‬ ‫سوف ينتهي األمر إلى خالف وتفرق إلى مجموعات صغيرة تفعل كل منها ما تريد‪،‬‬

‫‪32‬‬

‫‪33‬‬


‫مما يفسد قوة السفر كمجموعة‪ ،‬وغالبا ال تتحقق السعادة المنشودة من الرحلة‪،‬‬

‫أن القرارات ُتتخذ باإلجماع وهو أمر ليس صحيحا‪ ،‬فالديمقراطية هي «حكم األغلبية‬

‫فإذا قررنا في الرحلة أن نتخذ دائما القرارات برأي األغلبية لصارت ديموقراطية‪ ،‬ولو‬

‫للشعب لصالح الشعب» واإلضافة األخيرة في التعريف احتراز من تحول الديمقراطية‬

‫قمنا بتفويض أحدنا أو تسلط هو في اتخاذ جميع القرارات لصارت ديكتاتورية‪.‬‬

‫إلى ديكتاتورية لألغلبية ال ُيراعى فيها مصالح األقليات مثل النوبيين واألقباط والبدو‬ ‫في مصر مثال‪.‬‬ ‫س‪ .‬هل معنى هذا أنني سأشارك بنفسي في جميع القرارات الخاصة‬ ‫بمصر؟‬ ‫المشاركة المباشرة أو ما ُيعرف باالستفتاء العام حاليا أصبح من المستحيل تنفيذه‬ ‫على مستوى جميع القرارات الخاصة بأية دولة‪ ،‬وكان من الممكن تنفيذ ذلك عندما‬ ‫كانت الشعوب محدودة العدد أو المكان‪ ،‬وذلك في الوقت الذي كانت القرارت المزمع‬ ‫اتخاذها بسيطة وقليلة‪ ،‬ولكن مع ازدياد أعداد الشعوب وترامي أطراف الدول وتعقيد‬ ‫اتخاذ القرار أصبحت الديمقراطية المباشرة اختيار صعب‪ ،‬حتى وإن استطاعت‬ ‫تكنولوجيا مثل اإلنترنت توفير وسائل سريعة للتصويت في كل مكان‪ ،‬وإن تم هذا‬

‫إن ما يحدث على مستوى الدول ال يختلف كثيرا عن أصدقائنا في هذه الرحلة‪ ،‬فلو‬ ‫لم يتم التوصل إلى نظام التخاذ قرار يتفق عليه الجميع ويرتضونه‪ ،‬تصبح النتيجة عادة‬

‫النشغل الناس كل يوم بقرار وتركوا أعمالهم‪ ،‬ولنا في استفتاء التعديالت الدستورية‬ ‫عبرة‪ ،‬حيث ظل الناس يتحدثون عنه بال توقف‪ ،‬فما بالك لو كان األمر متعلق باختيار‬

‫إما الحرب األهلية أو التقسيم‪ ،‬ولذا ظهرت نظم كثيرة للحكم لن نتعرض لها‪ ،‬حيث أن‬ ‫الحياة السياسية المصرية الحالية هي هدفنا‪ ،‬وقد أظهرت استطالعات الرأي موافقة‬ ‫ثمانين بالمائة من المصريين على اختيار الديمقراطية كوسيلة للحكم فيما بينهم‪،‬‬ ‫ولذا فقد اتضح أن المصريين اختاروا حكم األغلبية كوسيلة التخاذ القرارات الخاصة‬ ‫بهم وفيما يلي سنرى إجابات عن كثير من التساؤالت الخاصة بهذا النظام الحاكم‪:‬‬ ‫س‪ .‬ما معنى الديمقراطية؟‬ ‫الديمقراطية كما اختارت وزارة التربية والتعليم في مصر أن تعرفها هي «حكم الشعب‬ ‫للشعب ولصالح الشعب»‪ ،‬والحقيقة هي أن هذا التعريف غير دقيق حيث أنه يوحي‬

‫‪34‬‬

‫‪35‬‬


‫مصادر الطاقة ما بين نووية أو شمسية أو مصادر التمويل الحكومي‪ ،‬ما بين االكتتاب‬ ‫العام أو االقتراض الخارجي‪.‬‬ ‫إذا فما الحل؟ لقد ارتضى الشعب المصري‪ ،‬وكذلك الكثير من الديموقراطيات الحديثة‬

‫إذا فربما ال تكون الديمقراطية هي األحل األمثل؟‬ ‫الواقع أنه ال يوجد نظام حكم كامل طالما ساهم فيه العامل البشري‪ ،‬فحتى الحكم‬ ‫اإلسالمي الذي نؤمن كأغلبية من المصريين بكونه منزل من عند اهلل وال يخضع للقيل‬

‫والقال‪ ،‬فإنه كامل في أصله ال في تطبيقه‪ ،‬حيث يقوم عليه بشر خلقهم اهلل يخطئون‬

‫نظام الديمقراطية غير المباشرة في اتخاذ أغلب القرارات واإلبقاء على الديمقراطية‬ ‫المباشرة فقط في القرارات المصيرية مثل وضع مواد الدستور أو تجديد حالة الطوارئ‬ ‫في التعديالت الدستورية األخيرة‪.‬‬ ‫أما بقية القرارت فتقوم عن طريق الديمقراطية غير المباشرة من خالل مجلس الشعب‬ ‫أو رئيس الجمهورية أو كالهما معا كما كان الحال في مصر سابقا‪ ،‬و طبقا لنظام‬ ‫الحكم الذي يرتضيه الشعب في الدستور يقوم الشعب باختيار ممثليه في اتخاذ‬ ‫القرارات المختلفة‪ ،‬وسوف نتعرض بصورة منفصلة الحقا لنظام الحكم الديموقراطي‬ ‫غير المباشر‪.‬‬

‫َ‬ ‫ويصيبون‪ ،‬ونرى ذلك في حديث َماِل ُ‬ ‫الزَب ْي ِر‪،‬‬ ‫ن ُّ‬ ‫ن ِ‬ ‫اب‪َ ،‬ع ْن ُع ْر َو َة ْب ِ‬ ‫ن ْاب ِ‬ ‫س‪َ ،‬ع ِ‬ ‫ش َه ٍ‬ ‫ك ْب ُن أنَ ٍ‬ ‫للهَّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫سَّل َم) عن النبي (صلى اهلل عليه وسلم)‬ ‫س َل َم َة‪َ ،‬ز ْو ِج َّ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ِب ِّ‬ ‫(صَّلى ا ع ِليه َو َ‬ ‫َع ْن أ ِّم َ‬ ‫ض ُكم أَ ْن ي ُك َ َ‬ ‫ش ٌر ِم ْث ُل ُك ْم‪َ ،‬ف َل َع َّ‬ ‫حيث َق َ‬ ‫ن‬ ‫ي‪َ ,‬وإِنَّ َما أَنَا َب َ‬ ‫ص ُم َ‬ ‫ال‪« :‬إِنَّ ُك ْم تَ ْخ َت ِ‬ ‫ل َب ْع َ ْ‬ ‫ون إِلَ َّ‬ ‫ون أ ْل َح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يه‬ ‫ت لَ ُه ِم ْن َح ِّ‬ ‫س َم ُع ِم ْن ُح َّج ِت ِه‪َ ،‬ف َم ْن َق َ‬ ‫ق أَ ِخ ِ‬ ‫ض ْي ُ‬ ‫ض‪َ ،‬فأ ْح ُك َم لَ ُه ِب َق ْد ِر َما أ ْ‬ ‫ِب ُح َّج ِت ِه ِم ْن َب ْع ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ار»‪ ،‬فها هو النبي (صلى اهلل عليه وسلم)‬ ‫ِب َ‬ ‫ن َّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ي ٍء َفال َيأ ُخ ْذ‪َ ,‬فِإنَّ َما أ ْق َط ُع لَ ُه ِق ْط َع ًة ِم َ‬ ‫الن ِ‬ ‫وهو أكمل الخلق عندنا قد ال يقيم العدل الكامل بحكمه ألنه في النهاية بشر‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإن أي نظام مهما كان يعد نظاما غير كامل لوجود العامل البشري‪ ،‬والديمقراطية في‬ ‫صورة حكم األغلبية تقلل من احتمال الخطأ فقط في اتخاذ القرار ولكنها ال تنفيه‪ ،‬وقد‬ ‫مثلت مصر وأنا طالب بالجامعة في مؤتمر عن الديمقراطية بروسيا‪ ،‬وتم اختياري في‬ ‫لجنة التوصيات النهائية وتم أخذ توصيتي كأحد توصيات المؤتمر االدولي حيث قلت‬ ‫بأن «الديمقراطية هي أفضل نظم الحكم من حيث كفاءة األداء‪ ،‬حيث ُتعطي الفرصة‬ ‫لألغلبية للعمل بناء على قراراتهم‪ ،‬ولكنها ربما ال تكون األكثر فاعلية دائما حيث ال‬ ‫تضمن دائما أن يكون هذا القرار هو الصحيح‪».‬‬

‫‪36‬‬

‫‪37‬‬


‫ما الذي يضمن أن قرارت األغلبية لن تكون ظالمة لبعض األقليات أو مخالفة‬

‫وإذا كان الخطأ متعلق بعدم تحقيق آمال الناخبين فيما يتعلق بمستوي معيشة أفضل‪،‬‬

‫للعرف العام؟‬

‫فإن صندوق االقتراع يكون أفضل عقاب بإسقاط ممثل الشعب في مجلس الشعب‬

‫هنا يبرز دور الدستور‪ ،‬فلو اجتمع مجلس الشعب مثال وقرر أال يغادر المصريون البالد‬ ‫إال بموافقة خاصة وتصريح من الحكومة التي ترأسهم‪ ،‬فهذا األمر فيه حد للحريات‬ ‫بدون مبرر‪ ،‬لذا يتم الدفع فورا بعدم دستورية هذا القانون بالمحكمة الدستورية العليا‪،‬‬

‫أو رئاسة الجمهورية بعد انتهاء مدته أو التجديد له‪ ،‬بالطبع إذا لم يرتق مستوى أدائه‬ ‫إلى تطلعات الناخبين‪.‬‬ ‫ولكن تجرية استفتاء التعديالت الدستورية كانت مرهقة لنا جميعا!‬ ‫وهكذا سيكون الحال من اآلن فصاعدا وذلك ألننا لم نكن نحكم أنفسنا بل درجنا على‬ ‫القول ماذا سيفعلون بنا‪ ،‬وكما كتبت على صفحتي الخاصة على الفيس بوك ونقلتها‬ ‫صفحة «كلنا خالد سعيد»‪« :‬لقد أصبح المصري فاعل مرفوع الرأس وليس مفعول‬ ‫به منصوب عليه»‪ ،‬والفاعل عليه بذل مجهود أكبر من المفعول به بطبيعة الحال‪،‬‬ ‫ولكن مع مرور الوقت سنعتاد األمر وستصبح استراتيجية كل منا في تحديد كيفية‬ ‫االختيار االنتخابي في األمور المختلفة أمر أسهل‪ ,‬فمثال منا من سيقرر اتباع أفكار‬

‫حيث ينص الدستور على حفظ الحريات‪ ،‬وبذلك ال يحق لهؤالء الممثلين للشعب أبدا‬ ‫تحرير أي قرار أو قانون مخالف للدستور الذي يتم الموافقة عليه باالستفتاء العام‬ ‫المباشر عادة‪.‬‬ ‫الم َ‬ ‫نتخبين إذا أخطأوا؟‬ ‫وكيف نحاسب األعضاء ُ‬ ‫إذا كان الخطأ عبارة عن مخالفة للقانون تكون المحاسبة من خالل النظام القضائي‪،‬‬ ‫الذي يجب أن يستقل في الديموقراطيات عن مؤسسة التشريع القانوني مثل مجلس‬ ‫الشعب أو مؤسسة الحكم التنفيذي مثل الرئيس أو مجلس الوزراء‪ ،‬بحيث يستطيع‬ ‫القاضي محاسبة أي مسئول دون الخوف من تأثير ذلك على مستقبله الشخصي‪،‬‬ ‫وجدير بالذكر أن نظام مبارك حرص على تعيين كثير من القضاة كمستشارين بالوزارات‬ ‫المختلفة بمرتبات خيالية‪ ،‬كي ُيخضعهم للسيطرة إذا ما اختصم الحكومة أحد أمام‬ ‫القضاء وسوف نتعرض لمسألة السلطات الثالثة والفصل بينهم الحقا‪.‬‬

‫حزب معين ويتبع موقفه من المسائل المختلفة دون النظر في مضمون الموضوع‬ ‫وآخرون سيتبعون كاتب معروف أو سياسي مقبول‪ ،‬والقليل هم من سينظرون إلى‬ ‫األمور بشكل موضوعي ويختارون بناء على تكوين رأي خاص وهذا ال بأس به‪ ،‬فكل‬ ‫الديموقراطيات في العالم ال ُتبني على تكوين رأي شخصي لكل ناخب بل تعتمد‬ ‫على قدرة الصفوة على حشد العامة للتصويت لمواقفها المختلفة‪.‬‬ ‫هل نجحت جميع الديموقراطيات في تحسين مستوى معيشة األفراد؟‬ ‫عندما تم تطبيق الديموقراطيات بشكل جيد ارتفع مستوى معيشة األفراد‪ ،‬ولننظر‬ ‫إلى جنوب أفريقيا كأكثر الدول األفريقية تقدما وكذلك أستراليا ونيوزيلندا بين دول‬ ‫المحيطين الهادي والهندي الفقيرة‪.‬‬ ‫عندما تكون مقدرات الشعوب بيد أصحابها‪ ,‬عادة ما يكون القرار أكثر صوابا في توجيه‬ ‫دفة المصالح و يبقى صندوق االنتخاب هو أداة تصحيح المسار وعقاب المقصر أو‬ ‫مكافاة المصيب‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫‪39‬‬


‫المؤسسة العسكرية‬ ‫لقد فضلت إستخدام لفظ المؤسسة العسكرية ألنها أوسع و أوقع من ضباط و مجندين‬ ‫الجيش المصري أو العاملين المدنيين بوزراة الدفاع لتصل الي كل من ترك الخدمة‬ ‫العسكرية رسميا ليتقلد‬ ‫مناصب قيادية عدة في‬ ‫أرجاء البالد من محافظين و‬

‫المؤسسة‬ ‫العسكرية‬

‫رؤساء شركات قطاع عام و‬ ‫رؤساء لإلتحادات الرياضية‬ ‫و‬

‫خالفه‪.‬‬

‫فالمؤسسة‬

‫العسكرية في مصر ممتدة‬ ‫األطراف و مترامية القوي و تمكنت منذ ثورة يوليو من شبه السيطرة التامة علي‬ ‫أغلب مراكز القوي بالبالد و لم تضعف إال مع بدء برنامج التوريث منذ ‪ 2005‬حيث لم‬ ‫يؤمن جمال مبارك بضرورة إستمرار هذا النهج السياسي من السيطرة العسكرية‬ ‫علي مراكز القوي و بدأ يستبدل كثير من القيادات العسكرية المتقاعدة في الدولة‬ ‫بقيادات مدنية‪ .‬هذه المقدمة كانت ضرورية لفهم دور المؤسسة العسكرية في‬ ‫العملية السياسية في مصر في الوقت الحاضر قبل أن نعود قليال لنتحدث عن تاريخ‬ ‫الجيش المصري و تطور دوره السياسي حتي ثورة يناير‪.‬‬ ‫كيف نشأت المؤسسة العسكرية الحديثة؟‬

‫السياسي لم يخف عليه أن دولته ذات الموقع الفريد ‪ ,‬التي عمل علي تطويرها و‬ ‫تحديث بنيتها التحتية‪ ,‬مطمعا لكثير من القوي اإلقليمية و العالمية في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫فالدولة العثمانية بدأت في الضعف و لم تكن تستطيع توفير الحماية الالزمة ضد‬

‫‪40‬‬

‫الغالف‬

‫ال خالف أن محمد علي هو منشئ الجيش المصري بصورته الحديثة‪ .‬فالداهية‬

‫‪41‬‬


‫اإلحتالل الفرنسي فضال عن كونها في ذاتها تهديدا لسلطانه داخل دولته‪ .‬و في‬

‫األمريكية بالقاهرة أو عمله ببنوك إنجلترا‪ .‬و لهذا كان للمؤسسة العسكرية تحفظات‬

‫نفس الوقت كان لكل من قادة المماليك أنذاك مليشياته الخاصة و التي كانت تمثل‬

‫علي تولي جمال مبارك الحكم بعد والده مما وسع الهوة بينهما‪ .‬و مع تنامي دور‬

‫أيضا تهديدا لعرش مؤسس مصر الحديثة‪ .‬فإستعان محمد علي بأحد قادة الجيش‬

‫جمال مبارك في إدارة شئون البالد خفت دور المؤسسة العسكرية بشكل كبير و لم‬

‫الفرنسيين و الذي عرف الحقا بإسم سليمان الفرنساوي لبناء و تنظيم أول جيش‬

‫يعد لقياداتها قوة سوي لقلة من بقايا أصدقاء مبارك القدامي‪.‬‬

‫مصري حديث نظامي‪ .‬و منذ ذلك الحين بدأت عملية تنمية الجيش المصري ليصبح‬ ‫في وقت قليل أكبر جيش نظامي في المنطقة من حيث العدد و الي يومنا هذا‪.‬‬ ‫فكيف دخل الجيش المصري الحياة السياسية ؟‬

‫و ماذا كانت نتيجة هذا التغيير الكبير في دور المؤسسة العسكرية في‬ ‫قيادة مجريات الحياة في مصر بعد ثورة يوليو؟‬ ‫اإلجابة تأتي علي لسان المشير الجمسي رئيس أركان الجيش المصري بعد معركة‬

‫طوال فترة حكم أسرة محمد علي لم يكن للجيش المصري دور سياسي كبير حيث‬

‫العبور حيث قال أن الجيش المصري خرج من ثكناته و إنشغل بالحياة السياسية و‬

‫إقتصر دورة علي حماية حدود البالد و أيضا تولي امر إدارة جهاز البوليس أو الشرطة‬

‫المدنية فلم يعد لديه ما يقدمه في ميادين القتال مما أدي الي هزيمة ‪ .1967‬و لقد‬

‫الداخلية لفترات طويلة‪ .‬فكان دوره مثل أكثر جيوش العالم المتحضر مهني بحت‬

‫تعدي اإلنحدار بالمؤسسة العسكرية ليصل الي جميع مؤسسات الدولة‪ .‬فبعد أن‬

‫و كانت األحزاب و القوي السياسية كلها مؤلفة من العبين مدنيين إلي أن جاءت‬

‫إنشغل قادة الجيش عن المؤسسة العسكرية و ترأسوا أغلب مؤسسات الدولة في‬

‫ثورة يناير ‪ 1952‬ليتحول دور الجيش من مؤسسة مهنية الي المؤسسة السياسية‬ ‫الوحيدة في البالد‪ .‬بل صارت المؤسسة القيادية الوحيدة في البالد علي جميع‬ ‫األصعدة الصناعية و الزراعية أو حتي الخدمية‪ .‬فمحكمة الثورة تقلد منصب القضاة‬ ‫فيها ضباط من الجيش لم يدرسوا القانون و قيادات شركات القطاع العام تقلد مناصب‬ ‫اإلدارة فيها ضباط جيش لم يدرسوا اإلدارة‪ .‬حتي رؤساء تحرير بعض الصحف القومية‬ ‫تقلد منصب رؤساء التحرير فيها ضباط جيش ليس لهم عالقة بالصحافة من قريب‬ ‫أو بعيد‪ .‬ثم جاءت حقبة السادات لتنشأ أحزاب معارضة صورية و يترأس بعضها أيضا‬ ‫قيادات سابقة بالجيش مع بقاء سياسة تقلد كثير من المناصب القيادية بالدولة‬ ‫لضباط جيش من المؤسسة العسكرية‪ .‬و لم تختلف حقبة مبارك كثيرا بل ربما زادت‬ ‫حتي جاءت السنوات األولي من األلفية الجديدة حيث بدأ إبنه جمال ‪ ,‬و الذي كان‬ ‫يعد لتقلد مقاليد الحكم بعد والده‪ ,‬في إقصاء قيادات الجيش من الحياة السياسية و‬ ‫إستبدالهم بقيادات مدنية تناسب فكره المدني الذي إكتسبه من دراساته بالجامعة‬

‫‪42‬‬

‫‪43‬‬


‫شتي الميادين إنحدر أداء جميع المؤسسات األخري أيضا ألن الصحافة و الصناعة و‬

‫لتلك اللحظة فيها جميع قيادات الجيش طوال حياتهم‪ .‬و لذلك أغلب ديكتاتوريات‬

‫الزراعة و التجارة ليست بمجال تخصصهم‪ .‬و من هنا نري أن إتباع سياسية تشتيت‬

‫العالم نشأت عندما تقلدت القيادات العسكرية زمام أمور السياسة‪ .‬فقيادات الجيش‬

‫قوي المؤسسة العسكرية علي مجاالت مختلفة بعد الثورة أضعف قيام المؤسسة‬

‫عاشت جل حياتها كي تأمر فتطاع أو تؤمر فتطيع و حتي و إن حاولوا لبس رداء‬

‫العسكرية بدورها األساسي في حماية حدود البالد فضال عن سوء إدارتها لشتي‬

‫الديموقراطية لفترة فما يلبثوا أن يعودوا لما تعلموه و عاشوه في حياتهم العسكرية‬

‫القطاعات بالدولة مما أدي الي إنهيار تلك المؤسسات الحقا الواحدة تلو األخري أو‬

‫طوال حياتهم‪ .‬و هناك حاالت نادرة من القيادات العسكرية التي نجحت في تأسيس‬

‫إستمراراها خاسرة بدعم من ميزانية الدولة‪.‬‬

‫حكم ديموقراطي و لكن النادر ال يقاس عليه‪ .‬و لذلك فإن الشخصية العسكرية هي‬

‫ثم زادت سياسية مبارك من الطين بلة بتوجيه الجيش لتوفير موارد إنفاق داخلية‬ ‫له فصرنا نجد القوات المسلحة تدير محطات بنزين و مصانع مواد غذائية و خالفه‪ .‬و‬ ‫هذا بالضبط كمن يطلب من وزارة الصحة أن تنشغل عن عملها األساسي من توفير‬ ‫الرعاية الصحية بإنشاء ورش تصليح سيارات مثال لتوفير موارد للوزارة‪ .‬إن توفير الموارد‬ ‫من الناحية اإلدارية ليست من وظائف الوزارات ذات المهام المهنية و علي رأسها‬ ‫وزارة الدفاع التي هي حصن الدولة و عندما حدث ذلك في ستينيات القرن الماضي‬ ‫بصورة مقاربة منيت مصر بأكبر هزيمة عسكرية في تاريخها الحديث‪.‬‬ ‫فلماذا تختلف الشخصية العسكرية عن الشخصية المدنية؟‬ ‫أفراد الجيش في العالم أجمع يشتركون في صفات عديدة تنمو مع طول بقائهم‬ ‫في المؤسسات العسكرية‪ .‬فالمؤسسات العسكرية مؤسسات غير ديموقراطية في‬ ‫العالم أجمع و ال يجب أن تكون غير ذلك‪ .‬فال يعقل أن يفكر ضابط في الميدان وقت‬ ‫الحرب فيما إذا كان أمر رئيسه سليم ام ال بل عليه السمع و الطاعة دون جدال في‬ ‫التو و اللحظة و إال ربما خسر الجيش كله المعركة نتيجة التأخر في تنفيذ األوامر‪.‬‬ ‫فالجيوش ال تتحمل الجدل اإلداري الواجب في الحياة المدنية ألن ميدان القتال غير‬ ‫ميادين الحياة األخري‪ .‬فإذا كان من الطبيعي أن تجادل رئيسك في العمل و لو قليال‬ ‫فإن الحياة العسكرية ال تحتمل لحظات النقاش تلك وقت المعركة و التي يتدرب‬

‫األقوي و األقدر علي قيادة الجيوش في أرض المعركة و لكنها عادة ما إن تتقلد مقاليد‬ ‫الحكم السياسي حتي تحوله الي ديكتاتورية دون حتي ان تشعر‪ .‬و لنفس األسباب‬ ‫ال تصلح الشخصية المدنية إلدارة عمليات الجيش و لكن فقط إدارة القرار السياسي‬ ‫الخاص بالحروب كما يحدث في أغلب ديموقراطيات العالم‪ .‬و يوجد ميثاق شرف‬ ‫عرفي بين أتباع المؤسسات العسكرية بحماية بعضهم البعض داخل ميادين المعركة‬ ‫و حتي خارجه و سنتحدث عن هذا الحقا‪.‬‬ ‫و هل تختلف الشخصية العسكرية المصرية عن غيرها من الشخصيات‬ ‫العسكرية؟‬ ‫و للشخصية العسكرية المصرية خصوصية تتميز بها عن بقية جيوش العالم‪ .‬فبرغم‬ ‫إن مصر واحدة من دول العالم الثالث إال أنها تمتلك واحدة من أكبر و أقوي جيوش‬ ‫العالم من حيث العدد بل و القدرة علي تنفيذ المهام القتالية و خاصة المتعلقة بمهام‬ ‫األفراد فيها‪ .‬و ذلك واقع رغم أن دخل الفرد في الجيش مصري شديد الضألة مقارنة‬ ‫بدول كثيرة أخري كثيرة‪ .‬و ذلك ألن الجيش المصري جيش يعتمد بشكل أساسي‬ ‫علي عقيدة الشهادة في سبيل اهلل لتحفيز جنوده علي القتال‪ .‬فهو ال يملك مئات‬ ‫المليارات األمريكية التي تعد بها أمريكا جنودها بقروض طويلة األمد إذا قاتلوا و خرجوا‬ ‫أحياء أو تدفع لهم رواتب شهرية كبيرة مثل الجيوش األوروبية و غيرها ممن ينافسون‬ ‫جيشنا في قوته العددية‪ .‬فالقيادة العسكرية في مصر ال تعد أفرادها سوي بالجنة‬

‫‪44‬‬

‫‪45‬‬


‫في حال الشهادة و التكريم المعنوي في حال النصر اللهم إال عوائد مادية قليلة‬ ‫لعموم القوات‪ .‬فجيش مصر الذي إنتصر في معركة أكتوبر كان دافعة خطب الشيخ‬ ‫محمد الغزالي و الشيخ كشك و غيرهم‪ .‬و أفراد الجيش المصري أغلبهم من أصفياء‬ ‫القلوب الذين علي إستعداد أن يهبوا حياتهم في سبيل اهلل‪.‬‬

‫فما هو ميثاق الشرف العرفي بين العسكريين؟‬ ‫العسكرييون يعيشون مع بعضهم البعض لشهور و ربما سنين مبتعدين عن أهلهم‬ ‫و ذويهم‪ .‬فهم ال ينعمون بالحياة المدنية المرفهه‪ .‬و نمط العيش هذا ينتج عنه ألفه‬ ‫بينهم ال يفهمها إال من عاش بين جنباتهم‪ .‬و عندما يتدربون فإن حماية بعضهم البعض‬

‫و سواء صح حديث خير أجناد األرض ام ال عن الجيش المصري فإن الشخصية العسكرية‬

‫جزء ال يتجزأ من تدريبهم‪ .‬فكل يحمي ظهر أخيه في أرض المعركة‪ .‬و هذه الثقافة‬

‫المصرية بصفاتها المتميزة تجعل أفرادها حلم يتمناه أي قائد ميداني يريد جنودا ينتصر‬

‫ينشأ عنه ميثاق شرف يحمي به أفراد المؤسسة بعضهم البعض حتي خارج ميادين‬

‫بهم في ساحة المعركة‪ .‬و تاريخ مصر منذ صد الهكسوس ثم التتار فاليهود يدل أن‬

‫القتال‪ .‬فهم يتحولون بعد فترة طويلة من العيش داخل النظام العسكري كأبناء القبيلة‬

‫هذه التركيبة متغلغلة في القدم في شخصية المقاتل المصري‪.‬‬

‫الواحدة التي يعاقبون من يخطئ داخلهم و يحمون من يخطئ خارجهم إذا كان الخطأ‬

‫فهل العسكريون ال يصلحون إال للعمل العسكري؟‬ ‫بعد أن وجدناهم في كل مكان صار هذا السؤال طبيعيا‪ .‬و لكن تصور لو كان السؤال‬ ‫«و هل ال يصلح األطباء إال في الطب؟» لربما إستغربت السؤال‪ .‬و لكن نظرا ألننا‬ ‫جميعا عشنا لنري لواءات الجيش يرأسون شركات القطاع العام و اإلتحادات الرياضية‬ ‫و قيادات المحافظات بل و كل مركز حساس في البالد صار هذا السؤال مقبول و‬ ‫اإلجابة عليه بنعم هي الغريبة حتي و إن كانت بدهية‪ .‬و لكن ال يستطيع منصف أن‬ ‫يقول بذلك قطعا في العموم المطلق‪ .‬فرغم أن العسكريون يكتسبون صفات خاصة‬ ‫بطبيعة حياتهم إال إنهم مثل غيرهم من بقية فئات المجتمع بينهم نوابغ يمتلكون‬ ‫مواهب متعددة تؤهلهم لوظائف أخري ربما بعد التقاعد‪ .‬و لكن عقال ال يتصور أن‬

‫في حق الغير‪ .‬بالطبع القوانين النظامية ال تبيح ذلك و لكنه عرف ساد عن الشخصية‬ ‫العسكرية في مصر و حتي غيرها‪ .‬و ال عجب أن لم نجد بعد ثورة يناير سوي القيادات‬ ‫المدنية السياسية فقط خلف القضبان و لم يتم القبض سوي علي مبارك فقط من‬ ‫القيادات السياسية ذات التاريخ العسكري و تحت ضغط شعبي رهيب‪ .‬و رغم ذلك‬ ‫فمبارك نفسه يعيش حياة مرفهه كسجين في أرقي المستشفيات‪ ,‬بل و يتقاضي‬ ‫معاشه كامال و يعالج علي نفقة الدولة بأطباء من الخارج في حين يترك من فقدوا‬ ‫عيونهم و أصيبوا بعاهات أثناء الثورة بدون عالج علي نفقة الدولة‪ .‬فالعسكريون يجدون‬ ‫صعوبة شديدة في إيذاء أي من أفراد مؤسستهم ألن حماية هذا الميثاق العرفي هو‬ ‫ما يحمي أيضا هوالء األفراد من اإليذاء الحقا‪.‬‬

‫تكون المؤسسة العسكرية هي التي تحتوي علي نوابغ البالد جميعا‪ .‬فال مانع أبدا‬ ‫أن يوجد بعض قيادات الدولة من خريجي المؤسسة العسكرية بحصص متساوية مع‬ ‫أصحاب المهن المدنية األخري ألن ذلك من المنطق العقلي‪ .‬و لكن ما ال يعقل أن‬ ‫يكون أغلب أو نصف أو حتي ربع قيادات الدولة من أي فصيل مدني كان أو عسكري‬ ‫ألن في ذلك إضعاف للثراء الفكري المؤسسي‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫‪47‬‬


‫فماذا كان دور المؤسسة العسكرية في ثورة يناير؟‬ ‫أصبح واضحا من اإلجابة عن األسئلة الماضية و مقدمة الفصل إن تولي جمال مبارك‬ ‫للسلطة كان سيعني إنتهاء سلطان المؤسسة العسكرية علي البالد بالكامل مما‬ ‫إستفز أعضائها و لكن علي ما يبدو انهم لم يكونوا يملكوا الجرئه لتحدي نظام مبارك‬ ‫و القيام بإنقالب ضده قد ال يأمنوا تأييد الشعب له نظرا لعدم وجود أي شخصية ذات‬ ‫كاريزما بالمؤسسة العسكرية في ذلك الوقت يمكن أن تقود هذا اإلنقالب و تضفي‬ ‫عليه صورة إيجابية لدي الشعب‪.‬‬ ‫فما إن إنفجرت ثورة يناير حتي الحت في األفق فرصة ذهبية للمؤسسة العسكرية‪.‬‬ ‫فما إن تم قصم ظهر جهاز الشرطة في الثامن و العشرين من يناير حتي تدخلت‬ ‫القوات المسلحة لجس نبض الشعب و الذي إستقبلها إستقبال الفاتحين‪ .‬و لكن ظل‬ ‫نجاح الثورة مشكوك فيه فأثرت المؤسسة العسكرية الوقوف علي الحياد حتي ال‬ ‫تخسر في حالة فشل الثورة أو يتم ضمها الي القائمة السوداء في حالة نجاح الثورة‬ ‫إن تحيزت لنظام مبارك‪ .‬و الدليل علي ذلك أوضح ما يكون في يوم الثاني من فبراير‬

‫و ماذا يجب أن يكون دورهم في المستقبل؟‬ ‫بغض النظر عن الدور التي تريد المؤسسة العسكرية لعبة فال مكان ألي فكر‬ ‫ديكتاتوري في مصر ما بعد الثورة‪ .‬ربما يحدث بعض التناغش و تسرق أحالم الوهم‬ ‫بعض القيادات و لكن الربيع العربي لن يترك أهم دولة بالمنطقة لترزح وحدها تحت‬ ‫نير التجبر العسكري مرة أخري‪ .‬فشعب مصر تعلم الدرس و اإلعالم البديل جعل من‬ ‫اإلعالم الرسمي أضحوكة غير مؤثرة‪ .‬و الشعب المصري أثبت في يناير انه لم يكن‬ ‫يوما ضعيفا او جبانا و إنما كان فقط حليما‪ .‬و لقد غضب الحليم و دفع ثمن غضبته من‬ ‫خيرة شبابه و لن يترك دمائهم تذهب هباء‪ .‬فربما تبدو اإلجابة عن هذا السؤال بدهية‬ ‫و هي ان ال مكان لوزارة الدفاع في مصر الثورة سوي لوظيفتها المهنية التاريخية في‬ ‫حماية حدود البالد كما هو الحال في كل ديموقراطيات العالم‪ .‬و لكن هذه اإلجابة‬ ‫الزالت تبدو غريبة ألذان تعودت سماع لفظ اللواء قبل إسم أي قيادي بأغلب المناصب‬ ‫المؤثرة في البالد مما ادي لما فيه حال مصر األن من فقر و ضعف ‪ ...‬لن يستمر طويال‬ ‫‪ ...‬إن شاء اهلل‪.‬‬

‫أو ما عرف بمعركة الجمل حيث وقفت القوات المسلحة تتأمل قتل البلطجية للثوار‬ ‫و لم تتدخل لحمياتهم أو الزود عنهم بل تركتهم يموتون رغم إستنجادهم بها‪ .‬ثم ما‬ ‫لبثت أن إنحازت لموقف الثورة بعد أن تبينت حتمية نجاحها و وجدت فيها فرصة ذهبية‬ ‫إلعادة امجاد المؤسسة العسكرية و سلطانها من جديد‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫‪49‬‬


‫الصوفية‬ ‫«شي اهلل يا بدوي» ومراجيح مولد السيدة والتنورة هو ما يعرفه أغلب المصريين عن‬ ‫التصوف‪ ،‬ولكن بعد ثورة ‪ 25‬يناير بدأنا نسمع مشايخ الطرق الصوفية وهم يتحدثون‬ ‫في السياسة بعد أن كانوا أبعد الناس عنها ‪ ,‬فما هي حقيقة التصوف؟ وما هو واقعه‬ ‫وتأثيره على الحياة السياسية في مصر بعد ثورة يناير؟‬ ‫ما معنى التصوف؟‬

‫الصوفية‬

‫ال أحد يعلم يقي ًنا سبب نشأة االصطالح‪ ،‬وما إذا كان من صفاء القلب‪ ،‬أم من لبس‬ ‫ـفة الذين أمر رسول اهلل‬ ‫الص َّ‬ ‫الصوف الخشن بوصفه رم ًزا للزهد‪ ،‬أم أنه نسبة إلى أهل ُّ‬ ‫صلى اهلل عليه وآله وسلم بمالزمتهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫التصوف‬ ‫بعض أهل التصوف‬ ‫عرف‬ ‫ُ‬ ‫ولقد َّ‬ ‫في مقولة‪ ،‬وهي‪« :‬لبس الصوف‬ ‫على الصفا واتباع هدي المصطفى»‪،‬‬ ‫والحقيقة أن التصوف ال عالقة له‬ ‫بملبس من قريب أو بعيد؛ فاإلمام أبو‬ ‫ي مؤسس الطريقة‬ ‫الحسن‬ ‫َّ‬ ‫الشا ِذلِ ُّ‬ ‫الشاذلية ‪-‬والتي كان يتبعها الشيخ‬ ‫محمد متولي الشعراوي‪ -‬كان ينهى‬ ‫أتباعه عن التميز بملبس‪ ،‬بل يقول‪ :‬إن كلاًّ منا يعبد اهلل على حاله‪.‬‬ ‫فالتصوف عند علمائه هو مرتبة اإلحسان في حديث جبريل في «صحيح البخاري»‪،‬‬ ‫والتي تعلو فوق اإلسالم واإليمان‪ ،‬واإلحسان أن يعبد اإلنسان ربه كأنه يراه فإن‬ ‫لم يكن يراه فإن اهلل يراه؛ فأهل التصوف هم أهل العزم والزهد وليس للراقصين أو‬ ‫المدعين فيه حظ‪ ،‬فأهل التصوف ال يفعلون الكبائر وال يصرون على الصغائر وال يقربون‬

‫‪50‬‬

‫‪51‬‬


‫ً‬ ‫مستحبا؛ فهم قمة الهرم وأول الدفعة وأصحاب الميدالية الذهبية‬ ‫مكروها وال يتركون‬ ‫ًّ‬

‫دائما نحو هذا‬ ‫المتوسط؛ فيتميز الصوفي بتركيز كبير على الهدف الحقيقي‪ ،‬ويسعى ً‬

‫في ميدان اإليمان‪.‬‬

‫الهدف‪ ،‬ويبذل مجهو ًدا أكبر للوصول إليه؛ ألن القرب إلى اهلل ليس من عالمته لبس‬

‫وعلوم التصوف ال يفقهها إال من سرت معاني اإليمان في جسده قبل أن تسري في‬ ‫قلبه وعقله؛ ولذا وجب أن يكونوا قلة وأن يكون أدعياؤه كثرة؛ فال يعقل أن يكون التميز‬ ‫منتش ًرا بالماليين أو حتى باآلالف في أي مجال‪ ،‬وال يدعي التصوف إال متفاخر؛ فأهل‬

‫األخضر أو األصفر أو األحمر‪ ،‬وال البعد عنه يقترن بترك الموالد أو األضرحة أو غيرها‪.‬‬ ‫فالمتصوفة هم المخلصون من المسلمين سواء اتبعوا طريقة من طرق التصوف أو لم‬ ‫يفعلوا‪ ،‬وسواء ُع ِرفوا بهذا االسم أم لم يعرفوا‪.‬‬

‫التصوف الحق ال يبالون بما يطلق عليهم أو بما يسميهم الناس؛ ألنهم منشغلون‬ ‫ادعاه فهو غال ًبا ليس من أهله؛ ألن في ادعائه كب ًرا‬ ‫بالسعي في مرضات اهلل‪ .‬ومن َّ‬ ‫وع ْج ًبا ال يعرفهما من صفا قلبه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وكيف يختلف المتصوفة عن بقية المسلمين؟‬ ‫في الحقيقة ال يختلف الصوفي عن غيره من المسلمين إال كما يختلف المتفوق عن‬

‫فما هي الطرق الصوفية؟ وهل هي من البدع في اإلسالم؟‬ ‫منهج تدريبي لالرتقاء بالمسلم‪ ،‬شأنها في ذلك شأن‬ ‫الطرق الصوفية ‪-‬في أصلها‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫برامج التدريب الرياضية‪ ،‬وشيخ الطريقة بمنزلة المدرب الرياضي الذي يتابع حسن‬ ‫أداء التدريب ليتأكد من تنفيذه كما يجب‪ ،‬وال يقول أحد من المتصوفة بأن من ال يتبع‬

‫‪52‬‬

‫‪53‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫طريقا مطرو ًدا من رحمة اهلل؛ ولكن هذا الشيخ ما هو إال سبيل إلى اهلل لمن‬ ‫شيخا أو‬

‫نشأ لمحاربة بدع التصوف‪ ،‬ثم ما لبس أن حارب التصوف المحمود‪ ،‬ثم ما لبس‬

‫أراد أن يستزيد من العمل‪ ،‬فإذا أردت أن ترتقي بمستوى اللياقة البدنية عندك فهل‬

‫أن حارب كل من هو غيره دون تمييز‪ .‬فعلماء الصوفية هم علماء اإلسالم‪ ،‬ومنهم‬ ‫قديما‪ :‬اإلمام أبو حامد الغزالي صاحب «اإلحياء»‪ ،‬واإلمام الجنيد‪ ،‬واإلمام القشيري ‪...‬‬ ‫ً‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وهؤالء ال خالف على علمهم الرباني الذي لم يكن ليأتي إال برضا من اهلل‬ ‫وج ُّ‬ ‫ل علماء األزهر من المتصوفة‪ ،‬مثل‪ :‬اإلمام‬ ‫وفتح‪ ،‬وليس فقط بالمدارسة و الحفظ‪ُ .‬‬ ‫محمد متولي الشعراوي‪ ،‬واإلمام عبد الحليم محمود‪ ،‬وكذلك اإلمام حسن الشافعي‬ ‫(أستاذ العقيدة بكلية دار العلوم) بارك اهلل لنا في عمره ونفعنا بعلمه‪.‬‬ ‫حتما انتشرت بين‬ ‫ولكن ال يوجد دخان من غير نار كما يقول أهل مصر؛ فالبدع‬ ‫ً‬

‫سيكون من األفضل أن تتدرب على يد مدرب متمرس ذي خبرة أم أن تتدرب وحدك؟!‬

‫أهل التصوف‪ ،‬وصاروا أصحاب موالد وفول نابت‪ ،‬حتى ظهرت المنكرات في أعيادهم‬

‫إذن فالتدريب الروحي ال يختلف كثي ًرا عن هذا‪ ،‬واعلم أن جميعنا ينهل من نبع رسول‬

‫من راقصات ومحرمات‪ ،‬ولم نعد نرى منهم سوى التهليل كألتراس األهلي رغم أن‬

‫ملتمس‪.‬‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم؛ فكلنا من رسول اهلل‬ ‫ٌ‬

‫األلتراس ال يدعي فضلاً سوى في ميادين الكرة‪ .‬و لكن هوالء الراقصين يدعون أنهم‬

‫أما القول بأن األذكار الخاصة التي تأتي بها الطرق الصوفية بدعة ألنها لم ترد عن‬

‫أقرب الفرق الي اهلل برقصهم و تهليلهم و غوازيهم‪ .‬فواقع التصوف ال يختلف عن واقع‬

‫أبدا من المسلمين أن الدعاء أو الذكر‬ ‫أحد ً‬ ‫النبي فهو قول باطل ال محالة؛ فلم يقل ٌ‬

‫مصر في كثير المجاالت بعد عقود من اإلدارة المتخلفة الفاسدة‪.‬‬

‫حكر على ما ورد عن النبي؛ رغم أنه ال اختالف أن أفعال وأقوال سيد الخلق هي‬

‫ولماذا ينتشر أهل التصوف بين ضباط الجيش والشرطة؟ وما عالقة ذلك‬

‫دائما‬ ‫األولى‬ ‫وأبدا‪ ،‬ولكن األذكار التي ال تخرج عن معاني الكتاب والسنة وُت َعِّل ُم‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫بالسياسة؟‬

‫قرب من اهلل هي أذكار‬ ‫الناس دي َنهم بترديدها والمدوامة عليها وتضع قائلها في ِ‬ ‫َ‬ ‫حال ٍ‬ ‫محمودة‪ ،‬نسأل اهلل أن يجزي من َف َت َح ُ‬ ‫اهلل عليه بها خي ًرا‪ .‬أما إن جاءت ٌّ‬ ‫أي من تلك‬

‫التدين هو ديدن أهل مصر‪ ،‬وحب اهلل ورسوله وأهل بيته جزء ال يتجزأ من التركيبة‬

‫األذكار بما يخالف الكتاب والسنة فال اعتبار لها بل هي رجس من عمل الشيطان‪،‬‬ ‫وهو قلما تجده في التصوف إال في قليل من الطرق الصوفية المنحرفة‪.‬‬

‫الثقافية المصرية منذ الفتح اإلسالمي‪ ،‬وضباط الجيش والشرطة هم من أهل مصر‬ ‫وال يختلفون في تركيبتهم الرئيسية عن بقية شعب مصر‪ ،‬وعلى مدى عقود طويلة‬ ‫ظلت الصوفية ُت ْخ َتذل حتى تخندقت في المساجد واألضرحة ولم يعد لها سطوة أو‬

‫ولكن أصبح من الشائع أن الصوفية أهل البدع وال يوجد فيهم علماء‪ ،‬فما‬

‫تأثير حقيقي في الشارع السياسي؛ فأصبحت هي منفذ الدين الوحيد المسموح‬

‫القول في هذا؟‬

‫به للعسكر دون أن يصدر ضدهم تقرير يعرقل ترقيتهم أو مسيرتهم الوظيفية؛ فالقت‬

‫هذا القول انتشر بقوة العملة الخليجية الداعمة للمنهج الوهابي أو السلفي‪ ،‬والذي‬

‫إقبالاً من أصحاب القلوب الصافية الذين يريدون أن يتقربوا إلى اهلل دون إثارة مشكالت‬

‫‪54‬‬

‫‪55‬‬


‫داخل أعمالهم؛ بل وأصبح كثير من مشايخ الطرق الصوفية من الضباط السابقين‪.‬‬ ‫إذن فالصوفية مثل العلمانية تفصل الدين عن السياسة؟‬ ‫بالطبع ال؛ ألن التصوف صورة من صور اإلسالم وال فصل ٍّ‬ ‫ألي من مناحي الحياة‬ ‫عن الدين؛ فقمة هرم اإلسالم ال يمكن أن يبتعد عن أحد عوامل الحياة المؤثرة‪،‬‬ ‫وكثير من مجاهدي االستعمار القدامى من كبار المتصوفة‪ ،‬مثل‪ :‬اإلمام أبو الحسن‬ ‫الشاذلي‪ ،‬و المجاهد أحمد البدوي‪ ،‬والمناضل عمر المختار بليبيا والذي كان يتبع‬

‫صحفي ساخن أو تصريح رنان‪ ،‬ولكنها ستظل متخندقة حول األضرحة دون تأثير‬ ‫حقيقي في الشارع أكثر من وضع فرحة في قلوب أطفال القرى بمراجيح الموالد‪.‬‬ ‫ورحم اهلل اإلمام أبا حامد الغزالي الذي أراد بكتابه «اإلحياء» إخراج الناس من ظاهر‬ ‫الدين إلى حقيقته‪ ،‬فوصف حالنا منذ ألف سنة وكأنه بيننا اآلن‪ ،‬ولكن الطرق الصوفية‬ ‫التي أنشئت إلحياء تلك الحقائق انتهى بها األمر فانشغلت بالظواهر عن البواطن‬ ‫التي من المفترض أن تكوت قد أنشأت إلصالحها‪.‬‬

‫الطريقة السنوسية‪ ،‬واإلمام حسن البنا بمصر والذي كان يتبع الطريقة الحصفية‪.‬‬ ‫فماذا كان دورهم في السياسة قبل ثورة يناير؟‬ ‫لقد كانت أغلب الطرق الصوفية تحت السيطرة التامة لجهاز أمن الدولة‪ ،‬ويتم‬ ‫استخدامهم عند اللزوم لمهاجمة التيار السلفي إذا قويت شوكته‪ ،‬أو تيار اإلخوان‬ ‫إذا تعاظمت قوته؛ فلم يكن لهم موقف سياسي بل فضلوا في كثير من األحيان عدم‬ ‫التصادم مع النظام بل واتباع أوامره‪ ،‬وكان يكتفي خيارهم بأضعف اإليمان من تغيير‬ ‫المنكر وهو اإلنكار بالقلب‪ .‬و إن كان موقف كثير منهم من دعم الثورة عند بدايتها أثبت‬ ‫أن الخير ال يزال بينهم‪.‬‬ ‫وماذا سيكون دورهم بعد ثورة يناير؟‬ ‫غال ًبا لن يكون لهم دور سياسي ذو شأن؛ فلم يعد هناك كثير من عظماء مشايخ‬ ‫الطرق‪ ،‬مثل‪ :‬الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم شيخ الطريقة المحمدية‪ ،‬الذي كان‬ ‫يصلح ًّ‬ ‫حقا لقيادة الجموع‪ ،‬وربما إذا نظمت هذه الطريقة أنشطتها‪ ،‬وتركوا المجال‬ ‫لعلماء األزهر ليقودوهم كما كانوا في الماضي فربما يعودون إلى مجدهم‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫سيحتاج إلى كثير من الوقت؛ حيث إن األزهر نفسه يحتاج إلى كثير من اإلصالح‬ ‫حتى يستطيع أن ُي ْص ِل َح غيره ويعود إلى سابق عهده في إخراج عظماء األمة وحملة‬ ‫مشاعل اإليمان‪ .‬حتى ذلك الحين ستظل الحركة الصوفية حنجورية التوجه بلقاء‬

‫‪56‬‬

‫‪57‬‬


‫العلمانية‬ ‫ظلت العرب ولعقود طويلة تنطق العلمانية بكسر العين‪،‬أي بنسبة المصطلح إلى‬ ‫العلم؛ رغم أنه ال َعالقة للمصطلح الغربي بالعلم من قريب أو بعيد؛ بل إن النطق‬ ‫للعالم‪ ،‬وفي افتتاحية النطق تلخيص لمعنى أكثر‬ ‫الحقيقي له بفتح العين نسبة َ‬ ‫المصطلحات السياسية سيطرة على العالم السياسي منذ العصور الوسطى‪.‬‬

‫العلمانية‬

‫ما معنى العلمانية؟ ومتى ظهرت؟‬ ‫ظهر مفهوم العلمانية في القرون الوسطى بأوروبا بعد معاناة امتدت لقرون عديدة من‬ ‫السيطرة السياسية للكنيسة الكاثوليكية أو ما عرف بالحكم الثيوقراطي؛ حيث يكون‬ ‫أمر البابا أو من وكله ً‬ ‫نافذا على الحكام في أمور السياسة بل والعلم والطب وكافة‬ ‫أبدا‬ ‫مناحي الحياة‪ ،‬حتى صارت الكنيسة وكأنها اإلله على األرض‪ ،‬وبالطبع لم تكن ً‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫نتيجة لذلك تخلفت الدول األوروبية في القرون الوسطى‪ ،‬وتفشت األمراض والفقر‬

‫‪58‬‬

‫‪59‬‬


‫عاما؛ وعندئذ بدأت‬ ‫حتى صار متوسط األعمار في كثير من أنحائها ال يتجاوز األربعين ً‬

‫بالجهل والتخلف عندما كان الدين اإلسالمي مرجعية لجميع مناحي الحياة؛ فالتاريخ‬

‫طائفة المبدعين والمفكرين في قيادة ثورة بيضاء ضد تسلط الكنيسة بنشر فكر‬

‫يشهد بأن أزهى عصور الدولة اإلسالمية العلمية كانت عندما كان الدين هو مرجعية‬

‫العلمانية‪ ،‬والذي ينحسر في فكرة فصل الدين عن الدولة أو السياسة؛ بل هو ‪-‬في‬ ‫َ‬

‫يوما رجال الدين هم حكام الدولة اإلسالمية؛ وذلك ألنه ال يوجد ‪-‬في‬ ‫الحكم‪ ،‬ولم يكن ً‬ ‫حقيقة األمر‪ -‬رجال دين في اإلسالم بالمعنى الكنسي؛ حيث ال يوجد متحدث باسم‬ ‫اإلله عند المسلمين بل مواطنين يمتهنون مهنة علمية في مجال الدين؛ فال عصمة‬ ‫وال تفويض‪.‬‬ ‫و لذلك فإن الحل الذي قدمته العلمانية ألوروبا في القرون الوسطى ال عالقة له بواقع‬ ‫الدين اإلسالمي وعالقته بالسياسة في العالم اإلسالمي منذ خروج آخر األنبياء‬ ‫والمرسلين وإلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫فهل نجت الدول اإلسالمية على مر العصور من سيطرة متخلفة من رجال‬ ‫الدين أو إساءة استخدام الدين من قبل الديكتاتوريات؟‬ ‫بالطبع ال؛ فلقد ظهرت في أوقات متعددة وأماكن كثيرة محاوالت لبعض الطغاة‬

‫حقيقة األمر‪ -‬فصل للدين عن الدنيا أو عن أي شيء سوى الدين‪ ،‬فأرادوا بذلك عزل‬

‫الستخدام الدين في فرض السيطرة على البالد‪ ،‬وظهرت ً‬ ‫أيضا مدارس دينية تتشابه‬

‫الكنيسة عن بقية مناحي الحياة التي أفسدها رجالها بجهلهم تارة أو بانتهازيتهم تارة‬

‫مع الكنيسة الكاثوليكية في محاولة سيطرتها المتخلفة على جميع مناحي الحياة؛‬

‫أخرى‪ ،‬وما إن نجح هؤالء في عزل الكنيسة حتى بدأت أوروبا في االزدهار االقتصادي‬

‫ولكن ما لبثت أن اندثرت تلك التوجهات نظ ًرا لقوة المنهج اإلسالمي النافي ألي‬

‫والسياسي‪.‬‬

‫سيطرة لبشر باسم اإلله على الخلق أو إعطاء سلطة الحكم المطلق ألي حاكم‪.‬‬

‫فهل تنطبق ظروف نشأة العلمانية ونجاحها في أوروبا على العالم‬ ‫اإلسالمي؟‬ ‫إنه لدرب من دروب الجهل أن يتم نقل حلولاً سياسية تم وضعها في بيئات مختلفة‬ ‫مظنة نجاحها في بيئات أخرى دون النظر إلى اختالف البيئات‪ .‬فال يوجد شيء في‬

‫ويوجد في عصرنا هذا بعض المدارس الدينية التي عرف عن رموزها حتى إنكار كروية‬ ‫تماما مثلما حدث في العصور الوسطى في أوروبا‪ ،‬ولكن تلك المدارس تنحسر‬ ‫األض‬ ‫ً‬ ‫ث ِفي‬ ‫اس َف َي ْم ُك ُ‬ ‫ب ُج َفا ًء َوأَ َّما َما َي ْن َف ُع َّ‬ ‫اآلن وستندثر مع الزمان؛ ( َفَأ َّما َّ‬ ‫الن َ‬ ‫الزَب ُد َف َي ْذ َه ُ‬ ‫لأَْ‬ ‫ض)‪.‬‬ ‫ا ْر ِ‬

‫اإلسالم يسمى بدولة دينية أو ثيوقراطية مفوض فيها اإلنسان للتحدث باسم اإلله‬ ‫مثل الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى‪ ،‬ولم يحدث أن أصيبت الدول اإلسالمية‬

‫‪60‬‬

‫‪61‬‬


‫إذن فما موقف الدين من السياسة والسياسة من الدين عند العلمانيين‬ ‫واإلسالميين؟‬ ‫يري العلمانيون أن الدين والسياسة جزيرتان منفصلتان ال يجب أن تتدخل إحداهما‬ ‫في شئون األخرى؛ فال الحاكم يأمر بشرع وال لرجل الدين أن يتدخل في السياسة‪،‬‬ ‫ولكن الواقع بعد ثورة ‪ 25‬يناير أثبت عدم واقعية هذا التصور في مصر لما ظهر للدين‬ ‫اإلسالمي من قوة مؤثرة على جميع التيارات السياسية بما فيها بعض التيارات‬ ‫المحسوبة على المنهج الليبرالي‪.‬‬ ‫أما اإلسالميون فيرون أن السياسة ال تعدو أن تكون جز ًءا من الدين وإحدى وسائل‬ ‫تحقيق مقاصد الشريعة؛ وذلك العتبار أن عبادة اهلل هي سبب الوجود وغايته‪ ،‬ورضوان‬ ‫اهلل على اإلنسان في الدنيا واآلخرة هو مراد الخلق وسبب سعادتهم‪.‬‬ ‫فمن ال يؤمن بما يراه اإلسالميون فال سبيل لمناقشة األمر معه‪ ،‬وعليه أن يخضع‬ ‫لواقع الشعب المصري الذي يلتزم أكثر من ‪ %90‬منه بدين اإلسالم بشكل يغلب عليه‬ ‫التدين على اختالف درجاته؛ فلن تحكم مصر إال بمرجعية إسالمية معتدلة‪ ،‬ويجب أن‬ ‫تولد الدساتير والقوانين من رحم واقع الشعوب إن أريد لها العيش واالستمرار‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫‪63‬‬


‫الليبرالية‬ ‫استمعنا كثيرا أثناء وبعد الثورة لتعبير الليبرالية الذي يتداوله الكثيرون على غرار تعبير‬ ‫«البرجوازية» في رواية الكاتب أحمد رجب الشهيرة «فوزية البرجوازية»‪ ،‬حيث صار‬ ‫الناس يسبون بعضهم البعض بلفظ البرجوازي بال علم ال لشئ إال ألنه فقط يبدو غريبا‬

‫الليبرالية‬

‫في لفظه ‪ ،‬فالبعض يتعامل مع الليبرالية على أنها كفر يستحق نار جهنم والبعض‬ ‫اآلخر يتعامل معها على أنها منتج مستورد عالي الجودة للفكر السياسي‪ ،‬ويظل‬ ‫أغلبنا حائرا ال يعلم معناها‪ ،‬وهناك رموز شهيرة اقترنت و كثير من الفنانين واألدباء‬ ‫والمثقفين وكذلك كثير من الشباب الذين دعوا إلى ثورة يناير على اإلنترنت‪ ،‬وبعيدا‬

‫‪64‬‬

‫‪65‬‬


‫عن رأي فوزية وأتباعها في البرجوازية أو الليبرالية سنحاول تبسيط معاني الليبرالية‬

‫اجتمعت على معاني الحرية والمساواة‪ ،‬مع التحرر من سلطان الدين خاصة وسلطان‬

‫في األسئلة واألجوبة القادمة‪.‬‬

‫المجتمع عامة‪ ،‬فالمساواة عند الليبراليين مطلقة فيصبح مثال أن ترث المرأة نصف ما‬

‫ما معني الليبرالية؟‬ ‫الليبرالية تعني لغة التحرر‪ ،‬واالصطالح له معاني كثيرة‪ ،‬اختلفت في مضمونها ولكنها‬

‫يرث الرجل أمرا مذموما‪ ،‬و إذا أراد المسلمون فعل ذلك فعليهم تنفيذه من خالل عقد‬ ‫مدني منفصل‪ ،‬والحرية عندهم ال يحدها سوى القوانين الوضعية‪ ،‬أما الدين فيجب أال‬ ‫يكون مصدرا لوضع حدود وقيود لرغبات البشر طالما لم تؤثر بالسلب على اآلخرين‪،‬‬

‫ويؤمن أغلب الليبراليين بأنه يحق ألي إنسان اعتناق العقائد والنظام األخالقي الذي‬

‫‪66‬‬

‫‪67‬‬


‫يريده‪ ،‬وعلى الحكومات عدم التأثير على ذلك بأي شكل‪ ،‬وهكذا قد تجد ما يعتبره‬

‫ضررا من أن يتحرر اإلنسان من قيد الزواج وينطلق في العالقات النسائية‪ ،‬طالما ظلت‬

‫كثيرون انفالتا أخالقيا هو سلوك ليس بالضرورة مقبوال عند الليبراليين‪ ،‬ولكن يجب أال‬

‫داخل إطار يضعه لنفسه مثل أال تكون عشيقته قاصرة أو داعرة‪.‬‬ ‫أما عن الليبرالية في السياسة فقد تسيدت العالم في صورة الديمقراطية الليبرالية‬ ‫بعد الفوز بحربين عالميتين خالل المائة عام الماضية‪ ،‬وال خالف بين كثيرين على‬ ‫يعترض عليه أي إنسان طالما لم يؤثر على غيره بالسلب أو يحاول إلزام اآلخرين به‪،‬‬ ‫فمثال قد تجد ليبراليا مثقفا ويعتبره الكثيرون محترما في أسلوب حواره ولكنه ال يرى‬

‫‪68‬‬

‫مضمونها سوى أنه يصح للنظام الديموقراطي اختيار ما يناسبه بدون التقيد بأي‬ ‫سلطان لعقيدة أو فقه أو عرف‪ ،‬وهكذا إذا كان هناك مجلس شعب في مصر تحت‬

‫‪69‬‬


‫نظام ديموقراطي ليبرالي فال بأس عند كثير من الليبراليين قيام األغلبية بالتصويت‬ ‫لجعل ميراث االبنة مثل االبن من باب المساواة وعدم الوقوف كثيرا أمام موقف الدين‬ ‫من المسألة طالما شاءت األغلبية ذلك‪ ،‬وربما لن يمانعوا وقتها أن يعطوا الحق لألقلية‬

‫أراد البعض ذلك‪ ،‬ولكن من خالل عقد مدني منفصل‪.‬‬ ‫أما في االقتصاد‪ ،‬فالليبراليون عادة ما يؤمنوا بنظريات االقتصاد الحر ولكن مع إبقاء‬ ‫المسئولية االجتماعية كما هو الحال في كثير من االقتصاديات األوروبية أو بدرجة أقل‬ ‫في االقتصاد األمريكي‪.‬‬ ‫وتبقى المصلحة الدنيوية هى الضابط ألفعال ومبادئ الليبراليين‪ ،‬فما تفعله وال يخالف‬ ‫القانون ويصب في مصلحتك هو أمر محمود‪ ،‬وما تفعله وال يخالف القانون أو يضر‬ ‫بمصلحة اآلخرين ال يحق ألحد االعتراض عليه أو ذمه‪.‬‬ ‫هل يعني هذا أن الليبراليون كفار؟‬ ‫في مصر‪ ،‬أستطيع أن أجزم‪ ,‬بما أنني كنت أحد الليبراليين في أحد األيام وعشت‬ ‫بينهم وعاشرتهم لسنوات في الجامعة األمريكية بين طلبة وأساتذة وإداريين‪ ,‬أن‬ ‫أغلب الليبراليين بداخلهم مسلم محب لدينه وربه ولكنه تأثر بفكر حضاري غربي‪،‬‬ ‫وهذا الفكر الغربي قام ببناء حضارة مبهرة ظن البعض خطأ أنها حدثت نتيجة التحرر‬ ‫من سلطان جميع األديان واألعراف فساوى بين جميع األديان في الحكم‪.‬‬

‫من المؤكد أن الليبراليين في مصر أغلبيتهم العظمى من المسلمين حقا وإن بدا‬ ‫في بعض أقوالهم ما قد يخالف ذلك ظاهريا‪ ،‬وربما تجد منهم من يعاقر الخمر أو يدعو‬ ‫من إبقاء ميراثهم على غرار الدين اإلسالمي‪ ،‬من توريث االبنة نصف ميراث االبن إن‬

‫‪70‬‬

‫لما يعتبره كثير من المسلمين فسوقا‪ ،‬ولكن مثال إذا ما سب أحد النبي انبرى يدافع‬ ‫عنه أكثر بكثير من أصحاب اللحي‪ ،‬وقد رأينا ذلك في حديث البخاري‪ ،‬عندما روى أنه‬

‫‪71‬‬


‫كان أيام النبي (صلى اهلل عليه وسلم) رجل اسمه عبد اهلل‪ ،‬وكان ُيضحك رسول اهلل‬ ‫(صلى اهلل عليه وسلم) وذات يوم شرب الرجل الخمر‪ ،‬فجلده النبي (صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم)‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬اللهم العنه‪ ،‬ما أكثر ما يؤتى به بسبب شرب الخمر‪،‬‬ ‫فقال النبي‪« :‬ال تلعنوه‪ ،‬فواهلل ما علمت إال أنه يحب اهلل ورسوله‪».‬‬

‫هل جميع الليبراليين ينطبق عليهم نفس الصفات؟‬ ‫ال توجد أي مجموعة سياسية أو دينية أو اجتماعية يتطابق جميع أفرادها في نفس‬ ‫الصفات بل نضع أنفسنا في المجموعات التي نشترك معها في أغلب الصفات‪ ،‬أما‬ ‫مفهوم التطابق فهو طفولي نشرح به لألطفال المفاهيم المعقدة وليس له وجود على‬

‫وهذا ال يعني أن أفعالهم هذه غير مذمومة شرعا‪ ،‬ولكن يجب أن نضع فارقا كبيرا‬

‫أرض الواقع‪ ،‬والليبراليون في مصر ال يختلفون في ذلك عن بقية األطياف السياسية‬

‫بين التفسيق والتكفير‪ ،‬وكما علمنا مشايخنا فإننا نذم أفعال الناس وال نذم الناس‬

‫أو الدينية مثل العلمانيين والسلفية واإلخوان وغيرهم‪ ،‬والحقيقة أن الليبراليين‬

‫أنفسهم‪ ،‬وبذلك نجزم أن األغلبية العظمى من الليبراليين في مصر من المسلمين‪،‬‬

‫المتحررين تماما من ضوابط الدين والعرف بحيث يرفضون تماما ألفاظ مثل الحرام‬

‫ولن نتعرض إذا إلى الشواذ منهم الذين يحاربون الدين مطلقا ألنهم قلة قليلة ال‬

‫والعيب‪ ،‬يكاد ال يكون لهم وجود ُيذكر في المجتمع المصري الذي يبلغ تعداده عشرات‬

‫يستحقون الذكر‪.‬‬

‫الماليين‪ ،‬ويكثر عنهم قليال المتحررون جزئيا الذين يحاربون ما يرفضون من الدين‪ ،‬مثل‬

‫إذا ما الفارق بين موقف اإلسالميين والليبراليين من الدين ؟‬ ‫يمكن أن نوجز هذا الفارق في أن اإلسالميين يريدون أن يعبدوا اهلل كما يريد هو‪،‬‬ ‫والليبراليين يريدون أن يعبدوا اهلل كما يريدون هم‪.‬‬

‫بعض الكاتبات المثقفات الالتي يحاربن الحجاب الشرعي للمرأة‪ ،‬وكأنه منزل من عند‬ ‫الشيطان وليس من عند اهلل‪ ،‬أما األغلبية العظمى من الليبراليين في مصر فهم من‬ ‫المتحررين جزئيا دون محاربة قواعد الدين أو تعاليم المجتمع بشكل صريح‪ ،‬وأغلب‬ ‫هؤالء يحترمون القانون ويتجاوبون معه‪ ،‬حتى وإن جاء مخالفا لبعض معتقداتهم‪ ،‬وربما‬

‫هل الفكر الليبرالي ينحصر في المواقف الدينية واألخالقية فقط؟‬

‫يكون من بعض أهل الدين أنفسهم من يطلق علي نفسه ليبراليا ألنه تحرر من قوالب‬

‫بالطبع ال‪ ،‬فالفكر الليبرالي يشمل جميع مناحي الحياة السياسية واالقتصادية‬

‫التفسير الموروثة مثال أو أراد التجديد فتحرر من التوجهات السائدة‪ ،‬فالليبرالية درجات‬

‫واالجتماعية‪ ،‬ولكن ال خالف كبير بين أغلب الفرق على الساحة السياسية في‬

‫ولها عدة تفسيرات ولكن ما ذكرناه سالفا هو المفهوم األعم‪.‬‬

‫مصر‪ ،‬بما فيهم اإلسالميين عن وجوب اتباع اقتصاديات السوق الحر سواء بشكله‬

‫هل الليبراليون يمثلون خطرا علي مصر إذا؟‬

‫األوروبي أو األمريكي كمنهج اقتصادي‪ ،‬والديمقراطية كمنهج سياسي‪ ،‬باستثناء‬ ‫بعض الفصائل قليلة التمثيل‪ ،‬ويبقى الخالف الديني واألخالقي‪ ,‬أي االجتماعي‪,‬‬ ‫هو الفيصل الرئيس بين الليبراليين وغالبية شعب مصر المتدين‪ ،‬فالليبراليون يريدون‬ ‫جميع األهداف السياسية واالقتصادية واالجتماعية أن تكون مجردة من سلطان الدين‬ ‫فال رقابة على الفن ومن يريد أن ينتج أفالما إباحية فله أن يفعل‪ ،‬وشعب مصر ال يقبل‬ ‫بهذا وال يريده ألنه شعب محافظ فكريا وإن اختلفت درجات تدينه‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫في مؤتمر حضرته عن حوكمة الشركات طلب المحاضر اإلنجليزي من الناس ذكر صفات‬ ‫عضو مجلس اإلدارة المثالي‪ ،‬فظل الناس يذكرون صفات كثيرة تعدت الخمسين‪ ،‬وبعد‬ ‫أن انتهي من كتابتها جميعا سأل الحضور‪ :‬هل تتصورون وجود هذه الصفات جميعا‬ ‫في إنسان واحد‪ ،‬فرد الجميع‪ :‬ال‪ ,‬فعقب جازما ولذلك نحتاج أكثر من عضو متنوع الفكر‬ ‫والتوجه في أي مجلس إدارة‪ ،‬ونحذر من اختيار أعضاء متشابهين في الفكر والتوجه‬

‫‪73‬‬


‫وإال ُحرمت القرارات من فائدة التنوع الفكري وخسرت المؤسسة‪.‬‬

‫يقولون ما ال يفعلون وكثير منهم ليسوا كذلك‪.‬‬

‫وهذا هو الحال في إدارة الدول‪ ،‬فوجود التعدد الفكري أمر صحي ُيثري الحياة السياسية‬ ‫والفكرية مع وجوب احترام الهوية اإلسالمية والعربية لمصر كما جاءت في الدستور‪،‬‬ ‫ولن يسيطر الليبراليون على الفكر المصري على األقل قبل ألف عام‪ ،‬وأجزم بأنه أيضا‬ ‫لن يؤثر في تغيير المكون الرئيس للثقافة والفكر المصريين سواء سياسيا أو اجتماعيا‪,‬‬ ‫أال وهو الفكر اإلسالمي‪.‬‬ ‫وال ننكر أن الشباب الليبرالي كان له دور رائد في استغالل االحتقان السياسي وتتويج‬ ‫أعمال المعارضة اإلسالمية وغير اإلسالمية لسنوات في مصر‪ ،‬وذلك بالدعوة لبدء‬ ‫تظاهرات يناير والتي استجاب لها الشعب المتدين فأنجحها مع الجيش الذي ينحدر‬ ‫أفراده من صلب هذا الشعب المحافظ‪ ،‬فكيف إذا يكون هذا التيار خطرا علي مصر؟!!‬ ‫لماذا نجد التكبر واالنفصال عن اإلحساس بنبض الشارع المصري من كثير‬ ‫من أتباع الفكر الليبرالي؟‬ ‫لألسف يشعر الكثير منهم بالتفوق الفكري‪ ،‬وذلك النتماء المذهب الليبرالي للحضارة‬ ‫الغربية الحاكمة في عصرنا الحالي‪ ،‬ولنفس السبب يكونوا مغيبين عن واقع الشارع‬ ‫المصري ألنهم يعيشون بيننا وقلوبهم تهفو إلى باريس وتفكر في نيويورك‪ ،‬وهذا‬ ‫التكبر األجوف يضع بينهم وبين الشعب المصري حاجزا كبيرا فضال عن قيام كثير‬ ‫منهم بالتخلي عن مبادئهم األساسية عندما تبينوا أن أغلب شعب مصر محافظ‪،‬‬ ‫بحيث لن يكون سبيل الديمقراطية إال بابا لوأد كثير من أفكارهم‪ ،‬فحاولوا االلتفاف‬ ‫على الديمقراطية بل والتنديد بنتائجها عالنية‪ ،‬كما حدث بعد استفتاء التعديالت‬ ‫الدستورية‪ ،‬مما زاد الهوة بينهم وبين بقية الشعب المصري‪ ،‬ولكن يبقى الكثير من‬ ‫عقالئهم مؤمنين بضرورة االنصياع لقواعد النظام الديموقراطي الذي ارتضيناه بالكامل‬ ‫حتى وإن أتى بعكس ما يؤمنوا به من أفكار‪ ،‬و إال صاروا من منافقي السياسة الذين‬

‫‪74‬‬

‫‪75‬‬


‫البرلمان أو مجلس الشعب‬ ‫لقد ظل لفظ «البرلماني» أو «عضو مجلس الشعب» مثي ًرا للشكوك في أخالقيات‬ ‫صاحبه في مصر حتى قيام ثورة ‪ 25‬يناير؛ فتاريخ التزوير في المجالس المختلفة ربما‬ ‫يمتد إلى منتصف القرن التاسع عشر مع بدايات العمل السياسي في مصر‪ ،‬ولقد‬ ‫كان الكاتب الساخر «أحمد رجب» يستخدم مصطلح «صندوق االنتخابات المزور»‬

‫مجلس‬ ‫الشعب‬

‫بوصفه وحدة قياس وزن‪ ،‬فيقول إنه كان يم ِلك ذه ًبا يزن صندوقي انتخابات مزورة‪،‬‬ ‫أو كان وزنه سبعة صناديق انتخابات مزورة‪ .‬وكأن الصندوق االنتخابي والتزوير قرينان‬ ‫صحيحا‪ ،‬ولكننا‬ ‫ال ينفصالن عن الحياة السياسية المصرية‪ ،‬ولألسف ربما كان هذا‬ ‫ً‬ ‫سنبتعد قليلاً عن واقع الحياة النيابية المؤسف في مصر قبل ثورة يناير لنحاول فهم‬ ‫معنى البرلمانات وأهدافها؛ حتى نستطيع أن نجعل صوتنا أكثر موضوعية في أى‬ ‫انتخابات قادمة‪.‬‬ ‫عندما تحدثنا عن الديمقراطية ذكرنا أنه عندما أصبحت شعوب الدول تعد بالماليين أصبح‬ ‫من المستحيل إشراك جميع الناس في اتخاذ جميع القرارات بما يعرف بالديمقراطية‬ ‫المباشرة أو االستفتاءات‪ ،‬وصارت حك ًرا على القرارات ذات األهمية القصوى فقط‪،‬‬ ‫لجوء‬ ‫مثل‪ :‬التعديالت الدستورية أو اختيار رئيس الدولة‪ ،‬وأصبح من حكم المؤكد‬ ‫ُ‬ ‫الدول لنظم الديمقراطية غير المباشرة في اتخاذ القرارات المختلفة‪ ،‬باختيار ممثلين‬ ‫عن الشعب يقررون فيما بينهم نيابة عن شعبهم؛ وكل هذا لسن القوانين أو إقرار‬ ‫تماما مثل ما‬ ‫الميزانيات أو المعاهدات بما يعرف بالمجلس النيابي أو البرلمان‪ ،‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫كنا نقوم به في الجامعات من اختيار ممثلين عن كل كلية ليكونوا اتحاد الطلبة‪ ،‬والذي‬ ‫كان ‪-‬غال ًبا‪ -‬ما يكون مزو ًرا في الجامعات المصرية ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫فما معنى كلمة «البرلمان» إذن؟‬ ‫البرلمان أو مجلس الشعب في مصر ‪-‬كما أطلق عليه دستور ‪1971‬م‪ -‬هو هيئة تشريعية‬

‫‪76‬‬

‫‪77‬‬


‫ورقابية تتشكل من نواب يختارهم الشعب لينوبوا عنه في سن القوانين أو مراقبة عمل‬ ‫الحكومة‪ ،‬و كان مجلس صوريا يهتف للحاكم ويضفي عملية تجميل لحكمه الديكتاتوري‬ ‫؛ ليوهم اآلخرين بالتأييد الشعبي لقراراته وتوجيهاته التي عادة ما توصف بالتاريخية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أعمال الحكومة ويقر الميزانية‬ ‫مجلس الشعب‬ ‫ولكن حقيقة الدور تتمثل في أن يراقب‬ ‫ُ‬ ‫التي تشكل أولويات التوجهات االستراتيجية للدولة‪ ،‬مثل‪ :‬إعطاء قدر أكبر من الميزانية‬

‫و كيف يتم اختيار أعضاء مجلس الشعب؟‬ ‫جغرافيا إلى دوائر انتخابية صغيرة أحيانًا ويتم الترشح فيها‬ ‫غال ًبا ما يتم تقسيم الدولة‬ ‫ًّ‬ ‫بالصفة الشخصية للمرشح بما يعرف بالنظام الفردي‪ ،‬أو دوائر كبيرة يتم الترشح فيها‬ ‫شخصا‬ ‫بالصفة الحزبية أو الجماعية فيما يعرف بنظام القائمة ؛ ففي النظام األول تختار‬ ‫ً‬ ‫بعينه لينوب عنك في اتخاذ القرارات لصالحك‪ ،‬أما في الثانية فتختار قائمة كاملة عن‬

‫للتعليم من عدمه‪ ،‬أو‬

‫دائرة تكون عادة أكبر؛‬

‫زيادة حجم الدعم في‬

‫ربما لتشمل المحافظة‬

‫الميزانية وكيفية توزيعه‪.‬‬

‫بأكملها‪.‬‬

‫فمجلس الشعب هو‬

‫و على أي أساس يتم‬

‫الممثل الحقيقي للعمل‬

‫وضع نظام االنتخاب‬

‫الديموقراطي في أي‬

‫للبرلمان؟‬

‫دولة ألنه يمثل ناخبيه؛‬

‫تعددت‬

‫َم فهو رمز كلمة‬ ‫ومن ث َّ‬

‫نظم‬

‫االختيار‬

‫الشعب في حكم نفسه‬

‫ولو كان هناك ٌّ‬ ‫حل أمثل‬

‫بنفسه‪.‬‬

‫لع ِم َلت به جميع الدول‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ولكن في وضع النظام‬

‫وتتكون البرلمانات من‬

‫االنتخابي‬

‫أعضاء منتخبين يقومون‬ ‫فيما‬

‫بينهم‬

‫بانتخاب‬

‫رئيسا للمجلس ينظم الجلسات من حيث إعطاء حق الكالم أو طرح المواضيع أو‬ ‫ً‬ ‫ـت َخذ القرارات عادة باألغلبية البسيطة ‪-‬أي‬ ‫الدعوة للتصويت بعد غلق باب النقاش‪ ،‬وُت َّ‬ ‫‪ -1+%50‬في معظم القرارات‪ ،‬باستثناء بعض القرارات مثل سحب الثقة من الحكومة‬ ‫مثلاً ‪ ،‬والتي قد ُتشترط فيها نسب موافقة أعلى لتنفيذها‪.‬‬

‫لمجلس‬

‫دائما بأن‬ ‫الشعب نهتم‬ ‫ً‬ ‫متحيز لفئة عن‬ ‫يشتمل على عنصري التمثيل والكفاءة؛ التمثيل‪ :‬يعني أن يكون غير‬ ‫ٍ‬ ‫األخرى‪ ،‬وممثلاً‬ ‫حقيقيا في توزيعه لجميع أفراد الشعب‪ .‬والكفاءة‪ :‬في أال ينتهي‬ ‫ًّ‬ ‫األمر إلى مجلس ال يستطيع أن يتخذ قرارات لالختالف الشديد في توجهات كتله‬ ‫التصويتية الكثيرة و الصغيرة‪.‬‬ ‫و التمثيل عادة ما يحل بالتقسيم الجغرافي ثم االختيار بين النظام الفردي أو القائمة‪،‬‬

‫‪78‬‬

‫‪79‬‬


‫ً‬ ‫شرطا وهو أن يكون نصف المجلس من العمال والفالحين‬ ‫ولقد أضاف «دستور ‪»71‬‬

‫تنفيذ برنامجه؛ لدعم الكتلة التصويتية في حزبه لهذا البرنامج داخل البرلمان‪.‬‬

‫دائما‪ ،‬ثم أضيفت في التعديالت‬ ‫لضمان تمثيلهم‪ ،‬وكان يساء استخدام هذا الشرط‬ ‫ً‬

‫أما في نظام القائمة النسبية فيقوم ُّ‬ ‫ناخب باختيار قائمة كاملة‪ ،‬وعندما يدخل إلى‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬

‫الدستورية األخيرة قبل ثورة يناير «كوتة» أو عدد مقاعد محدد للنساء لضمان تمثيلهم‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وكثير من أهل التشريع الدستوري يقفون ضد أنظمة الكوتة أو النسب التمثيلية؛‬

‫صالة االنتخاب يجد أمامه عدة قوائم‪ ،‬كل قائمة تشتمل على مجموعة من األشخاص‬ ‫الذين يمثلون حزًبا بعينه أو ربما مجموعة من المستقلين‪ ،‬وعليه أن يختار قائمة‬

‫ألن في وضعها نفسه تحي ًزا لتلك الفئات عن دونها‪ ،‬وكس ًرا لشرط التمثيل العادل‪.‬‬

‫منهم‪ ،‬فإذا كانت هناك عدة قوائم تتنافس على عشرة مقاعد بالبرلمان وحصلت‬

‫أما الكفاءة فعادة ما يتم وضع نظام العتبة االنتخابية لمحاولة الحد من تمثيل األحزاب‬

‫إحداهم على نصف األصوات؛ فيفوز أول خمسة مرشحين في ترتيب تلك القائمة‬

‫الصغيرة؛ ألن في حالة ما كثرت األحزاب وتفتتت الكتل التصويتية في البرلمانات فإن‬

‫بخمسة مقاعد‪ ،‬وهكذا حتى يتم تقسيم المقاعد على كل القوائم حسب نسبة‬

‫إتخاذ القرارات يصبح صع ًبا أو مستحيلاً في بعض األحيان‪ ،‬حتى قد يصل األمر إلى‬

‫األصوات التي حصلوا عليها‪.‬‬

‫حل البرلمان نفسه إن لم تستطع تلك الكتل التوصل إلى اتفاق بينهم على أمور‬ ‫هامة مثل الميزانية مثلاً ‪ ،‬وكلما قل عدد األحزاب الممثلة في البرلمان كان اتخاذ‬ ‫القرار أسهل‪ ،‬بشرط أال ينتهي األمر إلى حزب واحد فيتحول إلى برلمان ديكتاتوري‬ ‫كما هو الحال في أغلب الدول العربية ومصر قبل ثورة يناير‪ .‬والعتبة االنتخابية تسحب‬ ‫المقاعد التي فاز بها أي حزب لم يستطع الحصول على ‪ %5‬فأكثر مثلاً ‪ ،‬وتعيد توزيعها‬ ‫على األحزاب الكبيرة؛ لضمان كفاءة األداء البرلماني‪.‬‬ ‫فما الفارق بين نظام االنتخاب الفردي والقائمة النسبية؟‬ ‫النظام الفردي ‪-‬كما يظهر من اسمه‪ -‬يقوم ُّ‬ ‫كل فر ٍد فيه بترشيح نفسه عن دائرته‬ ‫الجغرافية مثل دائرة الهرم بالجيزة مثلاً ‪ ،‬فيقوم الناخبون في تلك الدائرة باختيار‬ ‫ممثلهم من بين المرشحين‪ .‬ومن ميزاته أنه يقوي العالقة المباشرة بين الناخب‬ ‫َم صار يعرف‬ ‫وممثله؛ ألن الناخب اختار فالنًا بعينه ليخدم مصالحه في البرلمان؛ ومن ث َّ‬ ‫جيدا من سيذهب إليه إذا ما واجه مشكلة أو أراد الدفع بحملة لتغيير قرار أو سن‬ ‫ً‬ ‫قانون‪ ،‬وربما يترشح الممثل ببرنامج حزب كذا أو يترشح ببرنامجه الشخصي بوصفه‬ ‫مستقلاً ‪ ،‬ومما ال شك فيه أن المترشح ببرنامج حزب عادة ما يكون أقوى وأقدر على‬

‫‪80‬‬

‫ونظام القائمة النسبية هذا يقوي من العمل الحزبي ويجعل الناخب يختار على‬ ‫أساس أفكار األحزاب وبرامجها‪ ،‬وإن كان ال يجعل هناك ً‬ ‫رابطا قويًّا بين الناخب والنائب‬ ‫بل يكون بين الناخب والحزب عامة؛ حيث إن الحزب هو الطرف األقوى في ترشيح‬ ‫أو عدم ترشيح الممثلين‪ ،‬فال يملك الناخب إال معاقبة الحزب بكامله إذا أخفق نائبه‬ ‫عن خدمة مصالحه وليس النائب بعينه الذي ربما يكون رئيس الحزب نفسه فيتصدر‬ ‫تعقيدا في التنفيذ‪.‬‬ ‫دائما القائمة‪ ،‬ويمكن الخلط بين النظامين وإن كان هذا أكثر‬ ‫ً‬ ‫اسمه ً‬ ‫ُ‬ ‫الشعب في اتخاذ جميع القرارات؟‬ ‫البرلمان‬ ‫فهل يمثل‬ ‫َ‬ ‫هذا يعتمد على النظام الذي تتبعه الدولة في دستورها؛ فإن كانت الجمهورية‬ ‫برلمانية فسلطات المجلس تكون موسعة‪ ،‬ويقوم كذلك بتشكيل الحكومة التنفيذية‬ ‫ورقابة أعمالها وحمل حق سحب الثقة منها‪ ،‬وتكون سلطات رئيس الجمهورية عندئذ‬ ‫شكلية ومحدودة‪ .‬أما إذا كانت الجمهورية رئاسية فإن سلطات مجلس الشعب تكون‬ ‫حق تشكيل الحكومة يصبح في يد رئيس الجمهورية‪.‬‬ ‫أقل؛ ألن َّ‬ ‫و لكن ال ننسى أن مجلس الشعب ‪ -‬في األساس‪ -‬هو الممثل الشعبي للسلطة‬ ‫التشريعية التي تضع القوانين التي تحكم البالد في شتى المجاالت السياسية‬

‫‪81‬‬


‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وهو الضلع الرئيسي في السلطات الثالثة المتمثلة في‬

‫ببرنامج أو مجموعة وعود يتعهد بتنفيذها لمصلحة الوطن و دائرتك إذا قمت بانتخابه‪،‬‬

‫الحكومة بوصفها سلطة تنفيذية‪ ،‬والمجلس األعلى للقضاء بوصفه سلطة قضائية‪.‬‬

‫وتكون األيام هي الحكم بيننا وبينهم‪ ،‬واالنتخابات التي تليها هي سالحك في‬

‫ولماذا يحصل أعضاء مجلس الشعب على حصانة من المساءلة القضائية؟‬

‫ً‬ ‫سابقا؛‬ ‫معاقبته أو مكافأته إذا أخفق أو أصاب في تعهداته التي انتخبته على أساسها‬

‫األصل في هذه المسألة هو الفصل بين السلطة التشريعية الممثلة في مجلس‬ ‫الشعب والسلطة التنفيذية الممثلة في الحكومة أو الوزراء‪ ،‬فمن أهم أدوار مجلس‬ ‫الشعب‪ :‬مراقبة أعمال الحكومة‪ ،‬وطلب سحب الثقة منها أو من أحد وزرائها‪ ,‬مثل‬ ‫وزير الداخلية مثلاً ؛ فإن كان يحق للحكومة أو وزير الداخلية هذا إلقاء القبض على‬ ‫أي من أعضاء مجلس الشعب دون الرجوع للمجلس نفسه لصار األعضاء مهددين‬ ‫ً‬ ‫ضمان لجعل مجلس‬ ‫موقفا معاديًا لهم؛ ففي الحصانة‬ ‫باالنتقام من الوزراء إذا ما اتخذوا‬ ‫ٌ‬ ‫غير مهدد من معاقبة الحكومة أو نقدها‪ .‬فإذا قام أحد أعضاء مجلس‬ ‫الشعب ًّ‬ ‫حرا َ‬ ‫بفعل يخالف القانون يجب عندئذ الرجوع للمجلس نفسه للنظر في األمر‬ ‫الشعب‬ ‫ٍ‬

‫فمصلحتك الخاصة ومصلحة الوطن عامة هما الضابطان األساسيان الختيارك للنائب‬ ‫الذي يمثلك‪ ،‬وبدون برنامج ووعود يصبح االختيار أجوف والمحاسبة أصعب‪ ،‬ومع نزاهة‬ ‫االنتخابات يصبح الوالء ‪-‬حقيقة‪ -‬للناخب‪ ،‬وليس ألمين التنظيم بالحزب الحاكم الذي‬ ‫كان يقرر من سينجح أو سيفشل بالتزوير المدعوم بالقوة األمنية؛ فالناخب يصبح في‬ ‫قوة «أحمد عز» ومن قبله «كمال الشاذلي» أو «صفوت الشريف»‪ ،‬فنزاهة االنتخابات‬ ‫تنقل قوة هوالء بين يديك أنت؛ فاعتبرها أمانة ستحاسب عليها يوم القيامة‪ ،‬واجتهد‬ ‫موضوعيا قدر استطاعتك‪ ،‬وتابع تنفيذ النائب لوعوده التي أقنعتك؛‬ ‫في جعل االختيار‬ ‫ًّ‬ ‫حتى تتحقق مصلحتك الشخصية ومصلحة الوطن العامة‪.‬‬

‫ورفع الحصانة عن النائب بعد التأكد من أن سبب الرفع ال يشوبه أي سبب تعسفي؛‬

‫وما هو مجلس الشورى؟‬

‫ً‬ ‫سابقا‪ -‬فكان‬‫وبهذا ال يصبح للسلطة التنفيذية سطوة على التشريعية‪ .‬أما في مصر‬

‫مجلسا صوريًّا ليس له أثر سياسي أو تشريعي‬ ‫كان مجلس الشورى في مصر‬ ‫ً‬

‫يتقاتل تجار المخدرات ولصوص القروض ورجال األعمال الفاسدون على مقعد مجلس‬

‫حقيقي‪ ،‬وغال ًبا ما سيتم إلغاؤه؛ ولذلك لن نتعرض له فوقت القارئ أهم من الحديث‬

‫الشعب من أجل تلك الحصانة؛ حتى يتسنى لهم وقت للهروب ما بين طلب رفع‬

‫فيما ال يفيد‪.‬‬

‫الحصانة والموافقة على رفعها إذا ما اكتشفت جرائمهم‪ ،‬أو ربما لضمان عدم رفعها‬ ‫أصلاً حماية لجرائمهم‪ .‬ولكن هذا العصر قد ولَّى إلى األبد إن شاء اهلل‪ ،‬وتبقى الحصانة‬ ‫فقط للفصل بين السلطات وليس لحماية المجرم أو التستر عليه‪.‬‬ ‫علي اختيار من يمثلونني بمجلس الشعب؟‬ ‫وعلى أي أساس يجب‬ ‫َّ‬ ‫لنبدأ بمحاذير االختيار أولاً ‪ :‬فال يجب أن نختار من يمثلوننا فقط لشعبيتهم واستلطافنا‬ ‫صالحا ليمثل دائرته‪ ،‬أهم‬ ‫لشخصهم؛ فليس كل من كان طيب القلب أو نقي السمعة‬ ‫ً‬ ‫ما في االختيار هو من سيخدم مصلحة الناخب والوطن أجمعه؛ فلتختار من يتقدم‬

‫‪82‬‬

‫‪83‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.