عوامل متزّق املسلمني وإشكاليَّة الوحدة
العالمة املرجع السيد حممد حسني فضل اهلل ٨١٢٢/٢٨/٨٢ / صفر 5342هـ 52 يف دراستنا احلالية لواقع املسلمني، نالحظ أنّ العالقة اليت تشدّ املسلمني إىل بعضهم البعض ،ليست باملستوى الذي تتمثّل فيه الرابطة الوثيقة يف وجودهم كأمّة ،فال جند أمامنا إال بعضاً من املشاعر العاطفية املغلّفة بضباب كثيف من األفكار املضطربة املتنوّعة ،اليت قد نلمحها يف بعض اهلزّات السياسيّة واإلنسانيّة يف حياة بعض الشّعوب اإلسالميَّة ،ثمّ ال شيء بعد ذلك ،إال .بعض االحتجاجات الطارئة واالنفعاالت اهلادرة ،اليت سرعان ما تتالشى صرخاتها يف اهلواء ويتساءل الباحث ،وهو يرصد هذه الظاهرة القلقة يف حياة املسلمني ،عن العوامل املؤثرة يف .ذلك قد يفضّل البعض أن يُرجع ذلك إىل ضعف روح اإلسالم يف نفوس املسلمني ،األمر الذي جعلهم يبتعدون عن الشعور العميق باألسس الفكرية والروحية والشعورية اليت توحّدهم وختلق يف داخلهم اإلحساس بعمق الوحدة املصريية اليت تشدّهم إىل الواقع .ثمّ يضيف هذا البعض إىل ذلك ،أن احلل الوحيد يكون بالعمل على إعادة اإلسالم إىل وعي املسلمني فكراً ط يف عرض وعاطفة وسلوكاً ،وإعادة املسلمني إىل اإلسالم .وإنَّنا إذ نتوقّف عند هذا اخل ّ
املشكلة ومعاجلتها ،قد نوافق على طبيعة الفكرة ،ولكنَّنا ال ننسجم مع الطريقة السهلة املبسّطة ألسلوب الطرح والعالج ،إذ إنّ مواجهة املشاكل بهذه الطريقة ،تبعدنا عن الدراسة الواعية للجذور العميقة اليت ترتبط بها املشاكل ،وتبعدنا -يف الوقت نفسه -عن فهم الواقع .املوضوعي يف نطاق الظروف الطبيعية احمليطة ولعلّ الكثريين منّا ال يزالون يعاجلون القضايا املعقّدة بهذا اللون من التبسيط والسهولة، حتى خييّل لآلخرين أنّ البعد عن الشعور العميق بوحدة املسلمني ،ال ميثّل مشكلة يف حساب الواقع ،وإنَّما ميثّل شبح مشكلة ،ما يبعدنا عن الشعور باخلطر ،وبالتالي عن التعامل مع .الواقع من موقع وعي اخلطورة احلواجز اليت تعمّق الفواصل بني املسلمني إنَّنا حناول هنا اإلشارة إىل بعض العوامل واملؤثرات الطبيعية اليت أسهمت يف متزّق املسلمني، وخلقت يف داخلهم احلواجز النفسية والفكرية اليت تعمّق الفواصل بينهم ،ذلك أ ّنَ املسلمني ورثوا من التاريخ الكثري من اخلالفات املذهبية املتمحورة حول عناوين وقضايا عدّة ،لعلّ أبرزها ما له صلة بشؤون اخلالفة واإلمامة ،وبشؤون الفقه والشريعة ،وبقضايا الفلسفة والكالم ،وجبوانب احلكم والسياسة العامة .وقد كان هلذه اخلالفات التارخيية دور كبري يف إثارة احلقد والبغضاء والعداوة ،ويف تفجري احلروب ،ويف إهراق الدماء اليريةة الطاهرة .وربَّما كان البعض من هؤالء الذين يعيشون هذه اخلالفات ،ممّن يدفعه اإلخالص للفكرة اخلطأ إىل القتال باسم القداسة والتديُّن ،لغفلته عن طبيعة اخلطأ يف فكرته ،وربَّما كان البعض منهم يقاتل باسم املنافع واملغامن ،بعيدًا عن أيِّ ارتباط باحلقّ أو باإلسالم ،ولكنَّه يستلّهما من أجل مآربه ،كما روي عن اإلمام عليّ(ع) وهو يشري إىل املوقف من اخلوارج يف جانب ،وإىل ال تقاتلوا اخلوارج بعدي ،فليس مَن ْ طلب احلقّ " :املوقف من معاوية يف جانب آخر أنَّه قال "[5].فأخطأه ،كَمَن ْ طلب الباطل فأدركه ويف كلتا احلالتني ،كانت اخلالفات تتّجه إىل العنف اجلسدي والفكري والكالمي ،انطالقاً من املواقف املخلصة للخطأ ظن ًا أنَّه احلقّ ،أو من املواقف املشدودة لطأطماع والنزوات .الشخصية السائرة يف اجتاه الباطل
وقد أدى الفهم اخلاطئ للحديث النبوي دوره الكبري عندما متّ توظيفه يف إضفاء صيغة القداسة على ما خيتلفون فيه ،فقد شعر احلاكمون وأتباعهم والنافذون من الشخصيات الذين يرعون هذا اخلالف ،بأنّ قدسية اخلالف تفرض وجود شرعية دينية ملا خيتلفون حوله من أشخاص ،وما يفيضون فيه من قضايا ،لذا كان ال بُدَّ من وضع األحاديث على لسان حممَّد(ص) يف خمتلف هذه األمور ،ما أوجد يف نفوس الساذجني والبسطاء من املسلمني بعداً جديدًا للقضية ،جيعل االندفاع يف هذا السبيل -الذي يسّروا طريقه -شأناً دينياً مقدَّساً، وجيعل من التضحية يف هذا االجتاه هدفاً شرعياً عظيماً ،وال بُدَّ هلذا كلّه من أن يثري احلماس يف نفوس هؤالء وأولةك ،حتى يدفعهم إىل السري يف اخلطوات واملواقف احلادّة اليت .تغري بالقتل والقتال وسارت احلياة اإلسالمية شوطاً بعيداً يف هذا اجملال ،وساعدت على خلق احلواجز وتعميق الفواصل بني املسلمني ،باملستوى الذي تبتعد بهم عن الشعور بالوحدة الفكرية والعملية يف اجملاالت العامة .وتطوّر األمر إىل أبعد من ذلك ،فكانت فتاوى التكفري ،اليت يكفّرون بها بعضهم بعض ًا مبختلف التحليالت والتأويالت القريبة والبعيدة ،حيث يتحوّل املسلم إىل كافر نتيجة فكرة فرعية ،أو فكرة خالفية ال متسّ اجلذور يف العمق .ومن هنا ،كان من الطبيعي أن تتوتّر املشاعر الدينية يف مثل هذا اجلوّ املشحون ،يف االجتاه املضا ّد للعالقات .الطبيعية اليت جيب أن تشمل املسلمني يف واقعهم االجتماعي والسياسي والنفسي وما زالت هذه األجواء التارخيية تفرض نفسها على الساحة ،وترتسّخ بفعل ذلك الرتاث الضخم من الكتب اإلسالمية يف قضايا الكالم والفلسفة والشريعة والتاريخ ،ما جعل للقضية عمقاً ثقافي ًا وفكريًا يتوارث املسلمون أفكاره كما يتوارثون مشاعره وأحاسيسه ،يف أجواء متنوعة قد تفرض عليهم اللقاء والتعاون ،ولكنَّه يبقى يف حدود اجملاملة والتقيّة واملداراة اليت ال تنفتح فيها النفوس على احلقيقة بتجرّد وموضوعية وحيادية ،بل يظل للحقيقة املزعومة يف نفوس أصحابها ،املعنى اجلامد الذي ال ميكن أن يتحوّل إىل أيّ شيء يثري احلركة يف اجتاه اللقاء ،ألنّ القضية املفروضة من خالل ذلك كلّه ،هي أنّ الصفة الطارئة حتوّلت إىل .ما يشبه الصفات الذاتية اليت ال تنفصل عن الشخص مهما اختلفت الظروف واألفكار
وبهذا ،أصبح للمجموعات اليت متثل هذا الفريق أو ذاك مصاحل مستقلّة ،ختتلف عن مصاحل الفريق اآلخر ،متام ًا كما هي الدول املستقلّة ،وربَّما ينتج املوقف لكلّ منهما حتالفات مع .أعداء اإلسالم لالستعانة بهم على اجلانب اآلخر اليد االستعمارية واهلوس الطائفي ومن هذا كلّه ،نشأت الطائفية السياسية اليت حتاول أن تنظر إىل الشخصية الطائفية كإطار حيدِّد لطأفراد صفتهم السياسية ،وكان أن دخل االستعمار الكافر مع ك ّل جنود الكفر الفكريني ،ليعبث باملسلمني يف حياتهم السياسية واالجتماعية ،من خالل اإلحياء هلم باحلماية الطائفية لكلّ فريق منهم ،أو بتغليب جانب على آخر ،يف حاالت اإلثارة اليت يصنعها بأساليبه الشيطانية اخلفيّة ،وذلك بإبراز عناصر اإلثارة والتّفرقة واخلالف يف الساحة ،ما ثمّ يتدخّل بينهم ...يؤدّي إىل التقاتل والتنازع يف اجملاالت الثقافية واالجتماعية والعسكرية بصفة الفريق احلياديّ الذي حيمل لواء الصلح والسلم وإنهاء النزاع ضمن شروط وأوضاع .جديدة ال ختلو من ثغرات وسلبيات ختدم مصاحله االستعمارية يف العاجل واآلجل ولو درسنا أغلب احلاالت الطائفية السلبية وفتّشنا عن جذورها ،لرأينا اليد االستعمارية اخلفيّة ختتفي وراء كثري من أساليب اإلثارة والتفجري اليت يُستغلّ فيها اهلوس الطائفي، والبدائية السياسية ،والتخلّف الفكري ،من أجل توليد املزيد من املشاكل واخلالفات اليت تزيد القضية عمقاً ..وال تزال اللعبة تفرض نفسها على الساحة ،والالعبون يتحرّكون فيها بكلّ حرية ،وتبقى أدوات اللعبة املتوفّرة فيها تكفل حلركة اللعب مبصائر اإلسالم واملسلمني كلّ الشروط املوضوعية للنموّ واالزدهار ،وتستمر املخطّطات االستعمارية اليت تعمل يف اإلسالم واملسلمني متزيق ًا على مجيع املستويات باسم الطائفية والطائفيني من الزعماء الذين .يعيشون على حساب اإلسالم ولكن من دون إسالم وكانت العصبيّات والقبليات والعنصرية يف أفكار املسلمني ومشاعرهم ،واليت ألغاها اإلسالم من حسابه ،تأخذ حجمها الطبيعي يف حياة املسلمني ،مبختلف عناصر اإلثارة يف العهود اإلسالمية األوىل ،كما هو شأن املشاكل اليت حترّكت يف اجتاهات مضادّة ،بني فريق حيتقر املوالي الذين دخلوا اإلسالم ،باسم التفوّق العنصري للعرب والعروبة ،وفريق حيتقر العرب أو .حياول التقليل من شأنهم على أساس التفكري الشعوبي
ويف ظ ّل هذا الصراع ،وجدت أحاديث املفاضلة بني العرب واملوالي جماالً رحباً هلا يف النشاطات الفكرية املختلفة ،سواء يف النثر أو الشعر أو اخلطابة ،وكان ال بُدَّ هلذه النشاطات من أن تستذكر أحاديث العصبيات ،مثل التفاخر باآلباء واألجداد والغزوات ،والتاريخ املتحرّك يف أجواء الكفر ،فومسوا االنتصارات اليت حتققت يف املعارك اإلسالمية بطابع الزهو بالقبلية أو العنصرية ،بعيدًا عن الطبيعة اإلسالمية هلذه املعارك واالنتصارات .وكان أن حاول ك ّل فريق من هؤالء وأولةك ،أن يأخذ لنفسه حجم ًا قومياً داخل احلياة اإلسالمية ،من أجل حتقيق وبذلك ،بدأت الصراعات القومية تفرض .مزيد من االنتصارات على اآلخرين من املسلمني نفسها على حركة التاريخ اإلسالمي يف مسار بعيد عن الروح اإلسالمية املنفتحة الواعية. وإنَّنا جند يف تاريخ اخلالفة العباسية مناذج كثرية من مالمح هذا الصراع الذي استطاع أن يهز قواعد اخلالفة واخللفاء حتى انتهى بها وبهم إىل الزوال َّ . القومية" األوروبية :عامل متزيق ال توحيد" وجاء العصر احلديث ،واألجواء اإلسالمية ال تبتعد عن هذا االجتاه ،من خالل بروز العنصر الرتكي الذي كان حياول أن يفرض نفسه على الواقع اإلسالمي كعنصر مميّز يف شخصيته ،وذلك من خالل اخلالفة العثمانية اليت كان اخللفاء فيها أتراكاً ،وكان مركزها تركيا .وقد فرض هذا الواقع نفسه على اجلانب الشعوري لإلنسان املسلم غري الرتكي ،وال سيما أنّ القضية مل تتّصل بالناحية النفسية فحسب ،بل اتّصلت باجلوانب احلياتية االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،بفعل ما كان يعانيه املسلمون اآلخرون من اضطهاد وتشريد وختلُّف وجتهيل ،األمر الذي خلق أرضية صاحلة لوالدة الشعور القومي أو اإلقليمي ،ولكنَّه شعور كان يتميّز بالتململ واخلجل واحلياء واخلوف من التعبري عن نفسه، من خالل النوازع الدينية اليت تدعوه إىل أن ميارس جهدًا كبرياً يف سبيل ضبط مشاعره وخطواته حفاظ ًا على القوّة اإلسالمية ،ما خلق يف داخله نوعاً من الرتدد والقلق واحلَي ْرة، فكان يتمنّى أن تعمد اخلالفة الرمسية إىل جتاوز أخطائها والقيام باإلصالحات الضرورية، وكانت هذه التمنّيات تتمثّل يف املطالب اإلصالحية اليت تقدّم إىل املسؤولني ،لكنّها مل تقابل .إال بالرفض والتنكيل والتعذيب واإلعدام اهلوس القومي كمعوّق للوحدة
ومبا أنّ هذه .وكانت الدول األوروبية تراقب ك ّل هذا التململ وتشجّعه لتحوّله إىل ثورة الدول كانت ختاف الروح اإلسالمية ،ألنَّها تعرف أنَّ هذه الروح تشكل مانعاً هلا من تنفيذ خمططاتها االستعمارية ،ألنَّها متثّل القوّة الروحية اليت تدفع اإلنسان املسلم إىل مواجهة الكفر ،أيّ ًا كان نوعه ،بك ّل قوّة وإصرار ،حتى يف أشدّ احلاالت صعوبة وضراوة ،فكان أن أطلقت يف الساحة الفكرية والسياسية ألواناً من الشخصيات املصطنعة اليت سعت إىل ربط اإلنسان املسلم بتارخيه السابق على اإلسالم تارةً ،كالفرعونية واآلشورية والفينيقية والساسانية والطورانية وغريها ،وتارة أخرى بـ"القومية" ذات العصب العربي والفارسي واهلندي والرتكي، وغريها من العناصر اليت خيتلف النّاس حوهلا ،فتحوّل اإلسالم بفعل هذا املخطّط االستعماري إىل عنصر طارئ على الشخصية ،فلم تعد له أصالته يف عمق اإلنسان املسلم ويف تارخيه ،حتى إنَّنا أصبحنا نقرأ الكتب واألحباث اليت تتحدّث عن الفتح اإلسالمي يف بعض البلدان اإلسالمية كانتكاسة قومية يف نطاق حاالت القهر والغزو اخلارجي الذي تتعرّض له األمّة ،وبدأت القضية تفرض نفسها من خالل استغالل الواقع السيئ الذي يشوّه احلكم ال من صورة احلكم اإلسالمي، اإلسالمي يف نفوس أتباعه ،ليأخذ صورة احلكم الرتكي بد ً وحتوّل املستعمرون يف وعي بعض األمم ،ال سيما العرب ،إىل منقذين وحمرّرين ،على أساس الوعود اليت قطعوها على أنفسهم للعرب بتحريرهم من السلطة العثمانية ،ليحقّقوا هلم .احلكم الواحد يف الدولة العربية الواحدة وقد استغلّ االستعمار الكافر ذلك التفكري الساذج لدى أبناء األمّة ،فدخل إىل بالد املسلمني حتت عنوان الفاتح احملرّر ،ويف زهو الفاحتني املقبولني يف البداية ،إال أنّ املسلمني املخلصني إلسالمهم ،وكما تؤكد أخبار تلك الفرتة ،وقفوا أمام هذه املخطّطات ،وواجهوا االستعمار .اليريطاني بك ّل قوة ،بقيادة علماء املسلمني ،كما حيدّثنا التاريخ عن ثورة العشرين يف العراق ويف ظ ّل هذه األجواء ،أخذت الدراسات واألحباث الفكرية تفسح يف اجملال للشخصيات املصطنعة كي تفرض نفسها على الذهنية والنفسية املسلمة ،وبدأت الكتب التعليمية اليت تقدّم التاريخ إىل الناشةة حتفل بالكثري من اليرامج اليت تتحدّث عن التاريخ القديم وعن الشخصية القومية اإلقليمية .أمّا الشخصية اإلسالمية ،فلم يرد ذكرها إال يف بعض احلاالت ،كنتاج للشخصية القومية ،أو كدين ال دخل له بتكوين الشخصية ،بل يكتفي بأن مينح اإلنسان املزيد من الروح العبادية اخلاشعة أمام اهلل ،دون أن تكون له أيّةُ عالقة باحلياة .اخلاصّة والعامّة
العصبية اإلقليمية وما لبثت أن دخلت مفاهيم جديدة ،مثل "القومية" و"اإلقليمية" ،احلياة العقائدية والسياسية، فأصبح لكلّ منها إطار عقيدي يرتكز على فلسفة مادية أو روحية .وحتوّل هذا اإلطار إىل تنظيم حزبيّ يفرض نفسه على الساحة ،وتنوّعت األحزاب الوطنية والقومية يف صيغ متشابهة مرّة ومتباينة أخرى ،وعادت العصبيات لتفرض نفسها من خالل هذه الشخصيات اجلديدة ،وبدأ احلديث عن اإلخالص لطأرض بعيدًا عن املبدأ والرسالة ،وعن التضحية يف سبيل القومية بعيدًا عن اإلسالم .وسرعان ما متخضت يف وعي الالعبني على الساحة صورة أدوات اللعبة ،فكانت االتّهامات اليت تنطلق وتوجّه إىل هذه الفةة ألنَّها اتصلت بهذا األجنيب، مع التأكيد على صفة األجنيب مبا حتمله من معان نفسية وفكرية مع أنَّه مسلم ،وتُوجّه إىل تلك الفةة ألنَّها تعاونت مع القومية األخرى يف إطار اإلسالم ،بعيدًا عن قضايا الوطن مت انفصال املسلمني عن مبفهومه الغربي ،أو عن قضايا القومية مبفهومها احملدود ،وهكذاّ ، الشعور بالشخصية اإلسالمية مبا متثّله من معان وأوضاع وحترّكات وعالقات ،وحتوّلوا إىل :مجاعات متنوعة ،كما قال الشاعر احلماسيّ القديم وتفرقوا شيعاً فك ّل قبيلة
فيها أمري املؤمنني ومنيرُ
وقد أسهم ذلك يف تضخيم الشخصيات اليت تبحث عن طموح سياسي ،من خالل هذه األوضاع املرتبكة -يف نطاق ما تسمح به لعبة األمم -وعادت لنا القضية يف ثوب جديد من ألوان احلكم وأساليبه وشخصياته ،بعيدًا عن كلّ كفاءة أو إخالص ،إال كفاءة التنفيذ .الدقيق ملا يريده اآلخرون ،كلّ اآلخرين الوحدة اإلسالمية" شعار دون مضمون" يف ظ ّل هذا الواقع املتمزق املهلهل للحياة اليت يعيشها املسلمون يف العامل ،نالحظ يف الساحة و"التضامن اإلسالمي" و"الدول اإلسالمية" "تنامي الشعارات اليت تتناول "الوحدة اإلسالمية كمجموعة حتمل وجهاً واحداً إسالمياً ..وقد تواكب هذه الشعارات حركة انفعالية قوية تتمثّل باألصوات اليت ترتفع حبماس دفاعًا عن مصاحل املسلمني املهدورة يف هذا اجلزء من العامل أو ذاك ،وتتحرّك يف عالقات ومعاهدات ومؤمترات بني احلكّام املسلمني ،وتنطلق يف .قرارات وتوصيات هلا أول وليس هلا آخر
ولكنَّنا عندما نبحث عن خلفيات ذلك كلّه ،سنجد أمامنا الكثري من مصاحل االستعمار هنا وهناك يف صراع الدول الكيرى اليت تريد أن ختتبئ خلف الشعور اإلسالمي العاطفي الذي حيمّل هذه الشعارات الكبرية الكثري من األمنيات ،ساعية لكي جتعل منه أداة من أدوات الصراع اليت يُحارب بها املسلمون بعضهم بعضاً .ولذا ،فإنَّها ال حتاول أن تعطيها أيّ مضمون جدّيّ وأيّة روح حركية ،بل جتعلها خالية من كلّ مضمون ،فارغة من كلّ روح ،ألنّ مهمتها هي مهمة الطبل الذي يرنّ دون أن حيمل يف داخله سوى عنصر اإلثارة والضجيج ..ولعلّ السرّ يف ذلك كلّه ،هو أنّ الذين يوكل إليهم أمر حتضري الشعارات يف اللجان التحضريية والتنفيذية ،هم أوّل من خياف منها على ما ميلكون من امتيازات داخلية وخارجية ..ولذا، فإنَّهم مؤمتنون على االحتفاظ بسرّ املهنة ،وعلى توفري الشروط الضرورية للعبة السياسية .اليت يُراد هلا أن مت ّر بسالم وحنن قد ال نعدم األوضاع اإلسالمية اليت قد تدفع اللعبة إىل أن تتجاوز ما خيطّط هلا من أصول وقواعد وحدود ،فتنقلب على الالعبني ،من خالل الظروف املوضوعية اليت قد تكون جاهزة للتحرّك ،بعيداً عن وعي اآلخرين وخمطّطاتهم وأساليبهم ومتنّياتهم ،وذلك كما ينقلب السحر على الساحر يف كثري من احلاالت .وقد نالحظ ،يف دراستنا هلذا الواقع ،وجود كثري من العوامل اجلزئية املتمثّلة ببعض األوضاع الشخصية ،اليت تتجسّد يف طموح سياسيّ شخصيّ أو عائليّ يطرح نفسه يف الساحة كأداة من أدوات اللعبة اليت حترّكها القوى الكيرى يف ختطيطها الشيطانيّ ،لتفجري العامل اإلسالمي وتقسيمه ،وإجهاض طموحاته الكبرية يف .التكامل والنموّ والتقدّم املخطط الشيطاني يف مواجهة الروح اإلسالمية ونتحسّس أثر هذا التخطيط الشيطانيّ يف بعض العوامل االقتصادية ،اليت تتدخّل يف حركة الواقع من أجل أن تأخذ لنفسها حجم ًا كبرياً يف حتريك االقتصاد ملصاحلها االستغاللية واالحتكارية ،األمر الذي يدفعها إىل مواجهة الروح اإلسالمية اليت ترفض مثل هذا املسار، باحلرب املتنوعة األلوان ،واألساليب اليت تنسجم مع أجواء الكفر والضالل ،يف عملية تنسيق وختطيط ،ما يفسح يف اجملال لكثري من القوى لتلعب لعبتها يف متزيق املسلمني ،مبا يكفل هلا حتقيق أغراضها وأطماعها يف ثرواتهم ،وهذا ما نواجهه يف اللعبة االستعمارية اليت حتاول تفجري البالد اإلسالمية مبختلف الصراعات الشخصية والطائفية واإلقليمية والقومية ،من
أجل استنزاف الطاقات اإلسالمية وحتويلها إىل طاقات تتفجّر ضدّ نفسها .وبذلك ،تصبح طاقات خائرة متعبة ال متلك ألنفسها نفعاً وال ض ّراً ،هذا من جهة .ومن جهة أخرى ،نواجه اهلجمة الكيرى على الثروات املوجودة يف بالد املسلمني اليت تتصارع الدول الكيرى يف سبيل السيطرة عليها ،وهي تعمل على أن يعيش املسلمون أجواء اللعبة ،فينقسمون بني فةة تؤيّد هذا املعسكر ،لتنفّذ خمطّطاته يف آفاق احلرب والسلم ،وفةة تؤيّد املعسكر اآلخر يف اآلفاق اليت .يتحرّك فيها ..وهكذا اندفع املسلمون إىل جماالت جديدة من جماالت التمزّق السياسي وما زالت املخطّطات االستعمارية املغلّفة بالواجهات الثقافية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية تلعب لعبتها ،من أجل أال يقف املسلمون على أقدامهم كقوّة جديدة تطرح احللول اإلسالمية الفكرية والعملية لإلنسان وللحياة ،من أجل إقامة عامل احلقّ والعدالة الذي كان لَقَد ْ َأر ْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ َوأَنزَلْنَا { :هدف النبوّات واألنبياء ،يف ما عبّر عنه اهلل يف قوله تعاىل ،وما زال اجلهاد يف هذا السبيل يتحرّك من ]}[5مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَا َن لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِس ْطِ .أجل تركيز القاعدة الصلبة على أساس متني وقد جند أمامنا التمزق االجتماعي الذي حيصل من تغليب فةة اجتماعية على فةة أخرى من ناحية احلقوق والواجبات ،أو مبنح امتيازات لبعض الطبقات أو الطوائف على حساب أخرى، .من أجل إجياد حالة صراع دائمة تفجّر احلقد يف حياة اجملتمع .كتاب أحاديث يف قضايا االختالف والوحدة *
نهج البالغة واملعجم املفهرس أللفاظه ،اخلطبة ،15:ص ،24:دار التعارف للمطبوعات[5] ، .ط5351: 5هـ 5991م )احلديد[5] (52: