بطاقة مكتبية اسم الكتاب :هذا الر ُجل من لبنان امل َؤلِّف :هرني زغيب النارش « :مركز الرتاث اللبناين» يف الجامعة اللبنانية األَمريكية وصور ووثائق أُخرى املوضوع :ترجمة كتاب باربره يونغ «هذا الر ُجل من لبنان» مع مقاالت ُ اللغة :عربية عدد الصفحات 600 :صفحة القياس 24×16.5 :سنتم الرقم الدويل9953-461-54-6 : الطبعة األُوىل ٢٠٢١ : الغالف :جربان يف برونزيَّة ل َنسيبِه الن َّحات البوسطني خليل جربان (ب ِإذْنٍ خاص من زوجته جني جربان لغالف هذا الكتاب) © حقوق النرش محفوظة لـ «الجامعة اللبنانية األَمريكية» LAU مركز الرتاث اللبناين هاتف )+961 1( 78 64 64 : بَريديًّا :ص ب 13 - 5053 :شوران – 1102 2801بريوت – لبنان إِلِكْرتون ًّيا clh@lau.edu.lb : مو ِق ًعا www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh : ISBN: 9953-461-54-6 EAN: 978-995346154-0 © 2021 Center for Lebanese Heritage at Lebanese American University All rights reserved for this edition. No part of it may be reproduced or transmitted – in any means electronic or mechanical including photocopy recording or any information storage and retrieval system – without written permission from the Lebanese American University. Concept and design: LAU/Stratcom. Designed by Marianne Gaby Ziadeh.
َ َ ُ ليك ،ال ِإهدائي حياتي أرفعها ِإ ِ داناي: َْ َ ْ َ َ بانبهار التقديس المها كثيرون أن كتبت عنه ِ َْ وال لوم: َ َ َ َ عرف ْت ُهَ ، هكذا َرأ ْت هذا الرجل من لبنانَ ، عايش ْت ُه َ َ هكذا رأ ْت إليه أ ْب َع َد من ُرجل ّ عادي ِ ٍ َ َ َ َ ْ َ كائن بش ِر ّي أرفع من ٍ َ وال ل ْوم: ُّ العاديون ال َي ُعون َ غير العاديين َ وهكذا أنا َ ُ َ فردوس ُح ّبنا َف َد َخ ْلتُ ْ منذ فت َحت َ لـي الحياة َ ِ َ َ َ َ أر ِاك أبعد من امرأ ٍة َّ عادي ٍـة َ َ َ َ أرى إ ِ ْ َ كائن َبش ِر ّي ِ ليك أرفع من ٍ َْ فال لوم َْ َ َ بانبهار التقديس أن أعيش ِك ِ َ َ َ ْ ُ هالت ِك الق َّ دسية أن أرف َع حياتي ِإلى ِ َ لتكون داناي والدتي الجديدة َ لتكون داناي دنياي الباقية َ َّ ُ داناي ،أ ُنق ُش ًّ ورك ِإال ّ لهي اسم ِك ،داناي يوميا حياتي ِظل ن ِ على ِ َُ ٢٩أيلول ٢٠٢٠
القسم الثاين :عنه بأَقالمهم – ترجم ُة ن ٍ ُصوص إِنكليزي ٍة متف ِّرق ٍة عن جربان )١الـ «هاجيو ْغرافيا» . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . َمن هي؟ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٢ )٣باربره يونغ يف تكريم جربان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٤باربره يونغ يف تأْبني جربان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٥نشاطُها بعد غيابِه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٦باربره يونغَ :س َن ٌة عىل غيابه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٧باربره يونغ يف لبنان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٨شاعرة أَمريكية ق َّر َرت العيش يف لبنان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . غ ِريْب . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٩باربره يونغ وإِندرو َ )١٠غياب جربان ( :)١أَيا ُمه األَخرية يف نيويورك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١٠غياب جربان ( :)٢ساعات ُه األَخرية كام عايَ َنتْها باربره يونغ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١٠غياب جربان ( :)٣مأْمتُه يف بوسطن . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . د إِىل وطنه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١٠غياب جربان ( :)٤شاع ٌر يعو ُ )١١رفاقه يف «الرابطة» وال ًء ورثا ًء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . « )١٢الصومعة» . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١٣رفيقُه يتذكَّر :من حصاد الذكريات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . د َر وطنه لبنان ًّيا ،ولبنان ًّيا عاد إِليه . . . . . . . . . . . . . . . ...« )١٤التخ ْذتُ لبنان وطني» :غا َ )١٥ميخائيل نعيمه يقرأ ُ «النبي» . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١٦عيىس الناعوري :شهادتان ومقارنة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١٧كتاب «السنابل» . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . رت ْويْت . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١٨تكريم جربان يف دي ُ وصدم ُة املرأَتني . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١٩انكشاف الرسائل َ ري منشورة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٢٠ثالثٌ ِب َخطِّه غ ُ )٢١مار رسكيس :الدير/الرضيح/امل ُتحف . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . :2020 )٢٢ثالث مئَويات جربانية . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . « )٢٣املجهولة» ڤرجينا حلو «كاشفة» رسائل الحب بني جربان وماري هاسكل . . . . )٢٤جربان األعمى بني لعازر وحبيبته . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فهرس األَسامء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
299 302 318 320 324 332 344 392 397 408 413 415 420 434 446 453 460 469 478 500 506 508 511 522 ٥٣٣ ٥٣٥ ٥٤١ 551
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
555
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
597
القسم الثالث :وثائق وصور وفاء و جربانُوغرافيا
القسم الثاني
عنه َ بأقالمهم
ُ ُ نكليزية ِّ متفر ٍقة عن جبران صوص ِإ ن ترجمة ٍ ٍ
كتاب باربره يونغ بعد القسم األَول (ترجمتي الحرف ّية َ ُصوصا «هذا ال َر ُجل من لبنان») ،أُو ِر ُد في هذا القسم الثاني ن ً متف ِّرق ًة أُخرى لباربره يونغ عن جبران لم تَ ِر ْد في كتابها. نصوصا لسواها عن جبران، وخالل أَبحاثي وجدْتُ ً حرص ُت في مراج َع أَميركية (كُتُب ،صحفَّ ، مجلت) ْ على ترجمتها عن ا ِإلنكليزية حرف ًّيا كي أُحاف َظ على أَمانة كتابتها. ٍ نصوص بالعربية وفي هذا القسم أَيضً ا أُو ِر ُد مجموع َة حرص ُت كذلك على نقْلها حرف ًّيا أَمان ًة لتكا ُمل الصورة عن جبران. ْ
298
صف لوَألا للا
الفصل الأَول
الـ «هاجيوغْرافيا»
في كتابة السيرة ،تتَّخذ الـ «هاجيو ْغرافيا» بُع ًدا آخ َر ُمختلفًا. لغ ًة ،هي من كلمتَين يونان َّيتَين« ،هاجيو»« :القداسة» (أَو «ال ُم َق َّدس»)، و« ْغرافيا» :الكتابة. من هنا أَ َّن الـ «هاجيو ْغرافيا» 1هي كتاب ُة سير ِة ق ّد ٍ يس أَو مقارب ُة أَعماله .ومع العصور ،باتت تعني أَ َّي كتاب ٍة تتناول َعلَ ًما بشَ ريًّا يَرفَ ُع ُه كات ُبها إِلى هال ٍة ُعليا من قرب إِلى التقديس والتعظيم والتسامي والرِفعة ،فيصبح أَعلى من مستوى البشر وأَ َ مستوى القداسة. تكتسب الكلم ُة َم ْع َن َي ْيها بال ُب ْعد الحقيقي :كتاب ُة سير ِة ٍ قديس (أَو ُمك َّر ٍم) هكذا ُ ودراس ُة أَعماله أَو نتاجه الكتابي إِن كانت له كتابات ،وبالبُ ْعد المجازي :تعظي ُم سير ٍة حتى مستوى التقديس والمثال األَعلى حتى تصبح هذه السيرة نو ًعا من الـ «هاجيو ْغرافيا» (سيرة تقديسية) أَكث َر منها ُمج َّرد «بيو ْغرافيا» (سيرة بَشَ رية). 1
قياسا على ما يد ُرج في العربية من استعماالت آثرتُ ِإبقا َءها على لفْظها األَجنبيً ، « ِب ُيو ْغرافيا» (كتابة السيرة) و«أُوتو ِب ُيو ْغرافيا» (السيرة الذاتية) ،و«بيبلِ ُيو ْغرافيا» (ث َ ْب ُت المصادر والمراجع في بَ ٍ حث أَو دراسة) ،واعتماد كلمة «جغرافيا» (كتابة أَحوال األَرض). تص ُّح الكتاب ُة فيه ،ف ُيس ِّميها «هاجيولوجيا» على سياق ويذهب بعضُ هم إِلى اعتبارها ِعلْ ًما ُ «جيولوجيا» و«أَنتروﭘـولوجيا» و«سيكولوجيا» و«فينومينولوجيا» وما إِليها. 299
النصوص الهاجيو ْغرافية ُم َخ َّص ًصة لصال ٍة فردية ذاتية ،أَو في العادة أَن تكو َن ُ شكل ومضمونًا ،إِلى قالب األُسطورة أَو الخوارق ل ِتالو ٍة َجماعية علَنية ،ما ينقلهاً ، يرس ُم ل ُم َك َّر ِم ِه افي ُ الدينية أَو ال َن ْح ِو بها إِلى األَ ْسطَ َرة حين يَروح الكاتب الهاجيو ْغر ُّ كالم مأْ ٍ عادي، شخص َّي ًة ذاتَ غراب ٍة وت َ َف ُّرد ،أَو أَ ً خارج ٍ لوف يتلفَّظ به ٌ شخص ٌّ قوال غريب ًة َ ٍ روايات شفَوية (قصص الحكَواتي كما يَحصل أَحيانًا في نُصوص األَدب الشعبي أَو في نموذ ًجا) تتع َّدى الواقع فيدخل فيها الكثير من الخيال وال ُمبالغة وعناصر ا ِإلدهاش. هكذا دخلَت الـ «هاجيو ْغرافيا» على أَعما ٍل أَدبي ٍة وفني ٍة ال يمكن اعتبا ُر كاتبِها م َؤ ِّر ًخا أَو باحثًا بالمعنى األَكاديمي ،ألَ َّن كتاباتِه تُثي ُر شُ كوكًا حول الصدقي ِة في معظم َسرده ،وت َح ُّفظًا على صحة الكثير من مضمونه حول وقائ َع أَو أَ ٍ حداث أَو َوقْعٍ أَو أَصداء ،حتى ليغدو مضمو ُن ن َِّص ِه غي َر ُم ْق ِنعٍ وال صال ٍح لالستشهاد به أَو اعتبارِه مرج ًعا ثابتًا يخضع للنقد الموضوعي ،وقد يَبلغ أَن يُشك َِّك البعض أَحيانًا حتى في ٍ نصوص ديني ٍة مكتوب ٍة هاجيو ْغراف ًّيا.
ذلك كان شعوري َ حيال باربره يونغ وأَنا أُترج ُم كتابَها حرفيًّا. تيسر لي َجم ُع ُه من ففي كتابها «هذا الرجل من لبنان» – 2كما في الذي َّ سلوب من األَ ْسطَ َرة والتأْليه كتاباتها عنه على حياته وعند وفاته وبعد غيابه – أُ ٌ وي ،وهو ما جعل بعضَ هم يشكِّك ري َس ٍّ والتعظيم ،ما ال يمكن قولُ ُه أَو ِذكْ ُر ُه عن بَشَ ٍّ في صحة الكثير مما ذكَ َرت ْه عن جبران أَو نقلَتْه عن لسانه .ولوال عودتي إِلى مصا ِد َر ُم َوث َّ َق ٍة مكتوب ٍة ومنشور ٍة في حينها ،لكان ُّ الشك بَلَ َغ بي حتى في رواية ما قاَمت به من أَنشط ٍة كثير ٍة (معارض ،قرا َءات ،نَ َدوات )... ،ل َنشْ ر كتاباته ولوحاته و ُر ُسومه كي ت ُ َع ِّر َف الناس إِلى أَهميته وعظمة ا ِإلرث الذي تركَه غيابُه. 2
300
استو َح ْت عنوانَه من عنوانٍ لجبران («رجل من لبنان بعد تسع َة عشَ ر قرنًا») في الفصل األَخير من كتابه «يسوع ابن االنسان» ،وهي كانت في ال ُمحت َرف شاهد ًة على ك ُِّل كلم ٍة فيه إِذ كان جبران يُملي فصولَ ُه عليها فتد ّونُها.
صف لوَألا للا
وأَكثر :قام الحقًا من شك ََّك في صح ِة أَن تكون صفحاتُ «حديقة النبي» جمي ُعها لجبران ،وهو مات قبل أَن يُن ِج َزه ،حتى إِذا ص َدر الحقًا (سنة )1933لدى منشورات ينس َب ُجز ًءا من الكتاب إِلى باربره يونغ ل ُح َّجتَين: «كنوف» ذاتها ،قام من ُ )1أَنها كانت تُد ِّونه تبا ًعا كلَّما أَملى جبران مقاط َعه عليها. ٍ يومي، ست )٢أَنَّها عايشَ ت جبران في محترفه َّ سنوات متتالي ٍة في إِيقاع ش ْب ِه ّ وت َش َّب َعت من أَقواله وأُسلوبه وأَفكاره وآرائه التي كانت تشاركُه الكثي َر منها، خصوصا حول الت َق ُّمص. ً لهذَين السب َبين رأَى كثيرون أَ ْن قد تكون هي ،بعد وفاة جبران ،أَكملَت الكتاب نسيجِه األُسلوبي ذاته. في ْ على أَنني ال أَظ ُّن أَ صحاب هذا الرأْي اطَّلعوا على سيرة هذه المرأَة ومسيرتها َ األَدبية ،كي يعرفوا أَنها ذاتُ شخصي ٍة أَدبي ٍة ناضجة ،كان لها الكثير من الفضل في نشْ ر صورة جبران ومسيرته التي لم تَ ْكتَ ِف بعد وفاته بمتابع ِتها في نيويورك (و ُم ُدنٍ أُخرى) فجاءت إِلى بيروت (مدرسة «الحكمة») وإِلى بْشَ ّري (ضريح جبران خالصها وبيته الوالدي) ما يعكس – بكتابها فيه وكتاباتها عنه وأَنشطتها ألَجله – إِ َ ّ 3 ورسا ًما. افي» له ر ُج ًل وكات ًبا َّ الـ «هاجيو ْغر ّ حاولت إِظهاره في سياق هذا الكتاب. خالص لديها هو الذي ُ هذا ا ِإل ُ
3
على أَ ِّي حال :جبران ذات ُه ،في عالقاته مع اآلخرين ،لم يكن بعي ًدا عن ِإيحائه لهم بصور ٍة له «هاجيو ْغرافية» ،كما يظهر أَيضً ا في يوميات ماري هاسكل عنه وتصويرِها إِياه يقل وصفُها إِيَّاه عن رغبته هو في «أَ ْسطَ َرة» شخصيته وتصدي ِقها كلماتِه ورواياتِه بما ال ُّ و«هاجيو ْغرا ِف َّيتها». »ايفارْغويجاه« ـلا
الفصل الثاني
َمن هي؟
قليل ٌة هي المعلومات الشخصية واألَدبية عن باربره يونغ ،وكثير ٌة هي المراجع والدراسات والكتب واألَبحاث ِ والسيَر البيوغرافيَّة عن جبران ،ويكاد ال يخلو أَ ُّي كتاب عن جبران من ذكْر أَو تنويه أَو دور لباربره يونغ في سيرته الشخصية ومسيرته خصوصا في السبع السنوات األَخيرة من حياته. األَدبية والفنية، ً شخص ًّيا :هي هنرييتَّا بْ ِركِ ْن ِر ْدجُ .ولِ َدت سنة ،1878حملَت من زواجها اسم بُوت ُن لك َّن زواجها لم يَ ُدم ،فانفصلَت عن زوجها وانصرفَت إِلى الكتابة ِشع ًرا ونث ًرا ،وإِلى تربية ابن ِتها الوحيدة مار ُجري بوت ُن (مار ُجري هاناي بعد زواجها). أَدب ًّيا :هي شاعرة أَميركية معروفة ،لها كتُبها الشعرية ومقاالتها في صحف ومجلت (أَبرزها «نيويورك تايمز») وتولَّت القسم األَدبي ِ والشعري في مجلة َّ السوري». «العالم ُ حلَّت باربره يونغ في حياة جبران مكا َن ماري هاسكل .لكن عالقتَها بجبران لم نصوص وال وقائ َع تُثبت ذلك) بل اقتصر حضو ُرها أَدبيًّا في حياته تكُن حميم ًة (ال َ فاعل مثم ًرا في حياته وبعد غيابه. على مهم ِة كاتب ٍة وسكرتيرة ،وكان حضو ُرها ً ت ُ ُوفيت سنة 1962عن 84عا ًما. بين تلك المراجع الكثيرة أَقتصر في هذا الفصل على اقتطاف ما و َر َد عنها في بعض الكتُب البيوغرافية عن جبران.
302
يناثلا لصفلا
ُ َ ُ ج�ان – حياته ،موته ،أ ُدبهُّ ،فنه» «ج�ان خليل ب كتاب ميخائيل نعيمه ب َمؤسسة نوفل – يب�وت – الطبعة الثامنة ( 1978ص)17 ،16 ،15
يصف نعيمه كيف ،نحو الساعة 5:30عص َر الجمعة 10نيسان ،1931فيما يستع ُّد ونودي عليه ِإلنبائِ ِه أَ َّن جبران تجاري كان يعمل فيه ،ر َّن الهاتف محل لالنصراف من ٍّ َ ٍّ في مستشفى سانت ِﭬـ ْن ِس ْنت وأَنه في غيبوبة وأَنه ،في تقدير الطبيب ،لن يعيش حتى سائل عن الغرفة حتى إِذا بلغَها وصف اآلتي: منتصف الليل .هرع إِلى المستشفى ً قترب ،تنفر ُد من الثالث «أَمام باب الغرفة ٌ رجل تحيط به نسو ٌة ثالث .وإِذ أَ ُ واحد ٌة طويل ُة القامة ،عظم ّي ُة الهيكل ،زعفران ّي ُة اللون ،حا َّد ُة األَنف ،غارق ُة العينين، فتخطو نحوي ما َّد ًة يُمناها إِل َّي .هي شاعر ٌة أَميركية في النصف األَول من عقدها ٍ سنوات فتق َّربَت منه وكانت ت ُساعده في نسخ السادس .عرفَت جبران منذ سبع كنت قد التقيتُها مر ًة عنده .وإِذ أَضع ِيدي في يدها تتن َّهد وتقول« :أَشكُر م َؤلَّفاتهُ . ﷲ ،أَ َنك هنا». عيني وعلى وجهي س َؤ ٌال واح ٌد يتر َّدد لساني في طَرحه ،فتُجي ُبني في قلبي وفي َّ عليه هذه السيد ُة قبل أَن تسم َعه من فمي: يبق من أَمل. – لم َ – أَخبريني ما جرى. كنت البارح َة عنده فوجدت ُ ُه يعاني آال ًما لم يُعانِ مثلَها من قَبْل .د َعونا – ُ الطبيب وسأَلْناه إِذا كان من ضرور ٍة لنقْله إِلى المستشفى في الحال .فأَجاب فقضيت الليل عنده. أَ ْن ال بأْ َس لو بات ليلتَه في بيته .لم أَشأْ أَن أَتركَه وح َده ُ صباح اليوم ،الجمعة ،اشت َّد عليه ال َوجع ف ِجئْنا به إِلى هنا بين وفي الصباحَ ، الساعة 10:00و.11:00 – ولماذا لم ت ُخبريني أَمس أَو اليوم باك ًرا؟ كنت أَ َّول – أَمس كنا نظ ُّن أَنه ٌ عارض ويزول .واليوم ،عندما جئْنا به إِلى هنا َ توصل َمن خطر ببالي .غير أَنني أَجهل رقم تلفونِكُ . بقيت أُفكِّر بواسط ٍة أَ ّ ؟يه نَم
السوري» لتُطْل َع َك بها إِليك ،حتى خطَ َر لي أَن أُتل ِفن إِلى إِدارة مجلة «العالم ُ على األَمر .وهكذا كان .أَش ُك ُر ﷲ أَ َنك أَتيت.
– كيف هو اآلن؟
– غاب عن الوعي بعد الظهر بقليل ،وال يَزال في غيبوبة. َ – هل ع َرض عليه أَحد أَن يعترف ويتناول؟
«كل» ،فتركَتْه نت كاثوليكي»؟ فأَجابها بنبر ٍة قويةَّ : – سأَلَتْه الراهبة« :هل أَ َ رجل سوري – هو ٌ انتقل إِلى حال ِة الغيبوبة جا َءه كاه ٌن وانص َرف َْت .وبعد أَن َ ٌّ قصي ٌر لعلَّك تعرفه – وأَخذ يناديه بأَعلى صوته« :جبران ،جبران» وجبران ال يت معه لو كانت يعي .وقد بلغ استيائي من ذلك الكاهن وخشُ ونَ ِته َح ًّدا تم َّن ُ لي القو ُة الكافية لطَرحه من النافذة. َ
– هل ف َعل الكاهن شيئًا؟ كل ما فعله. – هذا ُّ – وأَين الطبيب؟
– ها هو. وأَشارت إِلى الرجل الواقف أَمام الباب (».)...
ُ آَ كتاب ير�ض ي ن «الوجه الخر جل ب�ان» حن�
أُ دار نال�ار ش للن� – يب�وت – الطبعة الوىل( 1981 :ص)35 – 34
جاء ذكْ ُر باربره يونغ كما يلي ...« :ومن النساء اللواتي عرفَ ُه َّن جبران :باربره كتاب عنه با ِإلنكليزية يونغ ،رفيقتُه طوال السنوات السبع األَخيرة من حياته ،وم َؤلِّ َف ُة ٍ «هذا الر ُجل من لبنان» .وتمهي ًدا لوضْ ع كتابها هذا جا َءت إِلى لبنان سنة ،1939 304
يناثلا لصفلا
وزارت بْشَ ّري حيث ُولد ،واتصلَت بالكثيرين من أَصدقائه وأَنسبائه ورفاقه و ُمـحبِّيه وم َّمن عرفوه. وقبل زيارتها بْشَ ِّري سأَل َْت أَن تزور مدرسة «الحكمة» في بيروت حيث د َرس جبران سنتين .كان معها حفي ُدها كريستوفر ( 4سنوات) وكان يرافقها – ترجمانًا ودليل – ديڤيد أَزرق (أُستا ٌذ في الجامعة األَميركية) .وعن تلك الزيارة كت َب ْت« :مكا َن ً المدرسة القديمة ،يقوم اليوم معه ٌد حديثٌ جميل الهندسة وا ِإلبداع المعماري. ُ رئيسها األَب يوحنا مارون ،وهو كاهن أَسمر العينين، دخلْنا ح َرم المدرسة يرافقنا ُ باب صغي ٍر واطئٍ بدا كأَنه في غير موضعه ُ طويل القامة نحيلُها ،حتى إِذا وصلْنا إِلى ٍ وعصري في البناء الحديث ،وقف األَب يوحنا ووضع يده على بين كل ما هو جدي ٌد ٌّ قائل: حلقة الباب فتوجه إِل ََّي ديڤيد ً – هذه هي الغرفة التي تعلَّم فيها جبران في صباه .يس ُّمونها اليوم «قلب المدرسة» ألَن المدرسة الجديدة شُ ِّي َدت حولها ،ورفض المس ُؤولون ال َم َّس بهذه الغرفة فتركوها كما هي. فعل :ها هي المقاعد الدراسية القديمة ثلَّ َمتْها دخلْنا الغرفة ف ِإذا هي قديم ٌة ً سكاكين التالمذة ،وها هو المنبر القديم الذي كان يجلس عليه الخوري يوسف الحداد الذي قال لي عنه جبران إِنه« :الرجل الوحيد الذي علَّمني شيئًا» ،وهذا هو لوح الكتابة األَسو ُد باقٍ كما هو لم يتغ َّير فيه شيء». ُ إِلى هنا انتهى ما كت َبت باربره يونغ عن زيارتها. وفي ما بعد روى لي الخوري ال ُون مقصود – وكان مدي َر الدروس العربية ٍ عهدئذ وشاه ًدا على زيارة باربره يونغ – أَنها قالت لحفيدها: – كريستوفر ،إِنْ َحنِ وقَ ِّبل األَرض التي ِ وطئَتْها قَ َدما جبران الذي ت ُح ُّبه. فانحنى الصغير ،وق َّب َل األرض».
؟يه نَم
ن ج�ان» ج�ان خليل ب كتاب اسكندر ج�ار «قاموس ب أُ ق السا� – يب�وت – الطبعة العربية الوىل دار ي ت� ج�ة ماري طوق – يب�وت ( 2008ص)241 ،240 ،239
في َمدخل «باربره يونغ» َو َر َد ما يلي: «يونغ باربره ()1964–1879 ناقدة أَدبية في صحيفة «نيويورك تايمز» .اس ُمها هنرييتا بوتون ،لكنها اشته َرت باسمها المستعار باربره يونغ .أَصد َرت كتُ ًبا بأَسماء مستعارة ،منها «مفاتيح الجنة» ( ،1927 – )Keys of Heavenو«أَمضي سائرةً» ( .1933 – )I go walkingغداة بعض صدور «النبي» حض َرت أُمسية شعرية أَلقى فيها الممثل باتلر دا ِڨ ْنۑورت َ المقاطع من «النبي» في كنيسة سانت مارك األَنكليكانية .فَتَ َنها الم َؤلِّف فكتبَت رسالة إِليه سنة 1925تطلب موع ًدا لمقابلته .دعاها إِلى منزله فقص َدت ْ ُه .نشأَتْ بينهما مودة ،وظلَّت طوال ست سنوات سكرتيرته المتفانية ،ت ُ َد ِّون ثم ت َطبع على كل ما يمليه عليها ،حافظ ًة أَوراقَه ،مدبّر ًة ش ُؤو َن أَعماله .بعد ماري اآللة الكاتبة َّ هاسكل أَصبحت هي مالكه الحارس .نظَّ َمت له أُمسي َة قر ٍ اءات ألَعماله في فندق ِ وحفالت قراء ٍة أُخرى في «جمعية أَصحاب المكتبات» .وكانت هي التي بريڤو ْرتْ وج َدت ْه في 10نيسان 1931يحتضر في سريره فسارعت تَ ْن ُقلُه إِلى مستشفى سانت ِڨ ْن ِس ْنت. ٍ تعديالت كانت عقب وفاة جبران تولَّت باربره يونغ نشْ ر كتابه «التائه»ُ ،ملْ ِغ َي ًة ماري هاسكل أَجرت ْها ،وأَبقَت على «كلمات القديس» في المخطوطة كما هي. نش َرت كتاب «حديقة النبي» ُم ْجري ًة عليه تحوير ٍ ات جوهرية .وأَقامت في محترف حرصا منها جبران ُمـ َح ِّول ًة إِياه إِلى «مكان مقدس» .حاولت إِتالف رسائل جبران ً على َم ْحو آثار «نقاط ضعفه» لك َّن ماري هاسكل أَنقذت ْها في اللحظة األَخيرة .وسنة 1939زارت لبنان ووض َعت كتابها «هذا الرجل من لبنان» تمجي ًدا لشخصية الراحل، وفيه 11رس ًما لجبران. 306
يناثلا لصفلا
في 12تموز 1945و َّج َهت رسال ًة إِلى «السيد سميث» المس ُؤول لدى منشورات «كنوف» ،تُقْنعه بالعدول عن نشْ ر ترجمة «األَجنحة المتكسرة» با ِإلنكليزية ،معتبر ًة سي ُء إِلى ِسمعة جبران ألَنه شديد الرومانسية أَن هذا العمل يرقى إِلى فترة الصبا ويُ ْ ويتضمن أَفكا ًرا ثورية .ومما و َر َد في رسالتها« :أَ ُ قول َلك أَ ْن ال أَحد غيري يُمكنه عملت أَن يُعيد كتابة هذا الكتاب على طريقة جبران ،إِذ ال أَحد َع ِمل معه كما ُ كتاب آخر يمكنني كتابتُه لست أَناُ . ِّ متعصبة لجبران كما يزعم نقاد كثيرون .ثمة ٌ حرصا على ُسم ّو قصصا كثيرة عن تجارب خُضْ تُها معه لكنني لن أَكت َبه ً أَسر ُد فيه ً َ الموقع الذي سيحتلُّه هذا الكتاب في قلوب وأَذهان مئات اآلالف من القراء في كتبت ع َّما اعتبرت ُ ُه ضروريًّا لمكانة جبران. جميع أَنحاء العالم .لِ َي ْب َق هذا بيننا .فأَنا ُ لذا ،من موقع مس ُؤوليتك كناشر أَعمال جبران ،ومس ُؤوليتي أَنا كمنفِّذة إِرثه األَدبي ومسا ِع َدتِه طوال سنوات ،ال يمكننا أَن نسمح بذلك». ٍ لوحات عد ًة لجبران ،بينها في أَواخر أَيامها من َحت باربره يونغ ،أَو باعت، رسوم «يسوع ابن االنسان» المحفوظة اليوم في نيويورك لدى (–World House .)River side وفي مدخل «األَجنحة المتكسرة» من كتاب اسكندر ن ّجار ،و َر َد ما يلي: «في رسالة غير منشورة إِلى «السيد سميث» ،المس ُؤول في دار «كنوف» للنشر ،م َؤرخة في 12تموز ،1945كت َبت باربره يونغ: «كان جبران منزع ًجا من إِصرار بني شعبه اللبنانيين والسوريين على اعتبار الشاعري .وهو ما نفاه جبران قط ًعا. هذه القصة سير ًة ذاتي ًة ال قص ًة من وحي خياله ّ الكتاب سير ٌة ذاتية ،أَو يمكن أَن حس سلي ٌم يمكن أَن يقول إِن هذا َ وليس َمن له ٌّ سهاب وصراح ٍة عن تجربة شخصية كهذه ،فهو أَكثر الناس يتخ َّيل أَن جبران يكتب ب ِإ ٍ كشف عن عالق ٍة حميم ٍة كهذه». ٌ تكتُّ ًما على حياته الخاصة. مستحيل أَن يكون َ بعد وفاة جبران ونجاح كتاب «النبي» شا َءت «دار كنوف» نشْ َر ترجم ٍة إِنكليزي ٍة لـ «األَجنحة المتكسرة» وض َعها أَنطوني فارس ،لك َّن الدار اصطد َمت برفْض ؟يه نَم
باربره يونغ التي و َّج َهت إِلى الناشر رسالتَها تلك ،شارح ًة رفضها بما يلي« :ال أَعرف كيف أُع ّبر ع ّما أُحس به حيال هذه المسأَلة الشائكة والدقيقة حول مخطوطة َـي نهار «األَجنحة ِّ المتكسرة» ا ِإلنكليزية متر َج َم ًة عن العربية ،والتي أَرسلتموها إِل َّ الجمعة الماضي .سأَكون واضح ًة في كالمي ،صريح ًة في موقفي ،كي ال نكون في مأْزق :كان في محترف جبران نسخ ٌة من الكتاب متر َج َمة إِلى ا ِإلنكليزية لكنه لم يشأْني حتى أَن أَقرأَها ألَنه كان يعتبرها «رواية تافهة» .وقال لي أَ ْن إِذا كان ال ب َّد من إِصدارها با ِإلنكليزية (ولم يكُن متح ِّم ًسا لذلك) يجب إِعادة صياغتها من جديد. وأَذكر أَنه الحقًا عاد فم َّزق تلك المخطوطة .كان من عادته ،أَمام سط ٍر كت َبه فجاء أَدنى من الكمال الذي دو ًما ينشُ ُده ،أَن يقول« :لن يص ُدر هذا السطر مطبو ًعا إِ َّل يحق لنا أَن ننشر على جثته على جثتي» .وإِنني ،انطالقًا من قوله ذاك ،أَرى أَ ْن ال ُّ َ ورجال الدين أَسط ًرا ال يرضى عنها .في الكتاب اتهاماتٌ ومزاع ُم مناهض ٌة الكنيس َة من أَفكاره إِبان فترة شبابه الثائر .لكن الحياة الحقًا علَّمتْه أَ َّن مثل هذه الحمالت على النظام السائد غي ُر ُم ْجدية ،ولم ي ُعد راغبًا في زرع الشقاق بين أَبناء عالمنا. يكتب قصته شاب ٍ وذاك النص صور ُة ٍّ موهوب في آخر مرحلة المراهقة ،حاول أَن َ الرومانسية األُولى ويض ِّم َنها انفعاالتِه المضطرب َة وهو ال يزال غير قادر على التحكُّم بتعابيره عن تلك المشاعر أَو ض ْبطها ،كما نجح بذلك في أَعماله الالحقة .ليس مه ًّما ٍ انفعاالت في شبابه الطائش ليس قاد ًرا على نشْ ُر أَعما ٍل كتَبها م َؤ ٌلف عظي ٌم تعكس ُسي ُء إِلى تراثه ومكانته .فهل تتص َّور ما سيكون إِعادة النظر فيها الحقًا ،وإِ َّل نكون ن ْ موقف النقاد والباحثين من نشْ ر «األَجنحة المتكسرة» با ِإلنكليزية؟ أَج ُزم أَ َّن نقدهم سيكون مصي ًبا ،وهنا تكون المشكلة».
308
يناثلا لصفلا
َ ج�ان – أ ْب َعد من احلدود» ب(� إل ي ز نلك� ية) كتاب «خليل ب ِ ْ تأ�ليف ي ن ج�ان ج� وخليل جورج ب منشورات ِإ تن�لـنـك – ماساشوستس – ( 2017ص)386 – 385
هنا ترجم ُة المقطع عن باربره يونغ: «كانت هنرييتا بوت ُون (مولودة بْ ِركِ ْن ِر ْدج) في الرابعة واألَربعين يوم استم َعت، في خريف ،1923إِلى الممثل باتْلِر دا ِﭬـ ْنـﭙـو ْرت يقرأُ من كتاب «النبي» في كنيسة سانت مارك إِ ْن ُذ با ِوري .كانت مثالي ًة ومسالِم ًة كما معظ ُم مريدي جبران وقادريه الـ ُخلَّص والمتأَث ِّرين بكتاباته .ت َخ َّر َجت من المدرسة الرسمية في مدينتها آلْ َبني (عاصمة والية نيويورك) ود َّرست اللغة ا ِإلنكليزية في مدارس خاصة ،ثم انتقلَت تعيش في مانهاتن وتزاول حياتها األَدبية ككاتبة. انفصلَت عن زوجها (بوت ُون) وانصرفَت إِلى تربية ابن ِتها الوحيدة ونشْ ر قصائد لها في جريدة «نيويورك تايمز» .اشته َرت ببراعتها في محاكاة أَساليب الشعراء عند الطلَب فكانت بسهول ٍة «ت َؤلِّف» قصيدة شكسۑيرية أَو أُخرى من الشعر الحديث. نش َرت بأَسماء مستعارة ع ّدة ،منها بِن بريغام ،ثم استق َّرت على اسمها المستعار الذي شاع :باربره يونغ. أَث َّ َرت بها عميقًا عباراتُ «النبي» التي سم َعتْها في الكنيسة فأَخذَت تستشهد بها في قراءاتها ِ الشعرية العلَنية وفي مقاطع من كتاباتها المنشورة .في آذار 1925 كاتب يعيش ويعمل عل َم ْت بأَ َّن جبران ليس متص ِّوفًا قاب ًعا بعي ًدا في جبل لبنان بل ٌ في محترفه (المبنى 51الشارع العاشر غربًا ،في حي غرينيتش ،أَسفل مانهاتن). ٍ تقريظ طالب ًة منه موع ًدا فوافق وذهبَت إِليه. كتبَ ْت إِليه رسال َة قل جاذبية :طويل ٌة، بين جميع النساء في حياة جبران ،باربره يونغ هي األَ ُّ بعض من جمال جوزفين ڽي َبدي ،وجاذبية شارلوت تِلِر ،وذكاء عظْمية الهيكل ،فيها ٌ ماري هاسكل .لم تكن حسنا َء وال فاتن ًة كمعظم الصديقات في محيطه ،وال جميل ًة كموديالته للرسم .كانت نشيطة ،حازمة ،م ْخلصة ،موهوبة ،ذاتَ هيب ٍة وتأْثي ٍر ون َّي ِة ؟يه نَم
أَن تساعده دون التد ُّخل الحميم في حياته الخاصة .أَ َّو ُل خيط جم َعهما م ًعا :إِيمانُها بالتق ُّمص .كانت ت ْؤمن بأَنها في حيا ٍة سابقة عاشت في أَفريقيا ،ولها في ذلك كنت صب َّي ًة سمراء» .وكانت ُ تشارك جبران قصيدة عن جذورها عنوانها« :ذاتَ حيا ٍة ُ رأْيه في رفض آراء الم َؤرخين األَكاديميين ،وهو ما سينقلب عليها حين ستكتُب سيرت َه الحقًا .إِنما ش َّده إِليها أَ ْن و َجد فيها توأَ َم روحه ،واألَهم :اندفاعها في مساعدته والعمل معه. بعد عشرين سن ًة وق َعت في هفو ٍة تأْريخية عند ذكْرِها أَ َّن جلستها األُول لديه لتدوين نصوصه كانت في خريف 1925يوم أَملى عليها قصيدة «الشاعر األَعمى». والحقيقة التاريخية أَ َّن هذه القصيدة كانت قبلذاك منشور ًة في مجلة «الشرق ٍ وعندئذ بدأَ عملُها مثال وأَقوالً متف ِّرق ًة، الجديد» .واألَرجح أَنه خري َف ِئ ٍذ كان بدأَ يد ِّون أَ ً ونس ِخها ثم طبْعها في مساعدته بها ،موفِّر ًة عليه معانا َة تنظي ِمها وجم ِعها وتبويبِها ْ على اآللة الكاتبة .تلك هي الفقراتُ التي ص َدرت الحقًا في كتاب «رمل وزبد». طيلة السنوات الثالث الالحقة أَصد َرت مجموع ًة شعرية لها «مفاتيح الجنة»، وأَنشأَت مكتب ًة باسم «بيت الشعر» في المبنى 12من الشارع العاشر شرقًا ،ونظَّ َمت ونسقَت له احتفالً كبي ًرا في مقر أُمسي ًة شعرية عامة لجبران في فندق بريڤو ْرتْ َّ ، «جمعية مكتبات الجادة الخامسة» وقرأَتْ من شعره في حضور نخبة أُدباء وشعراء».
زيتيتان لشارلوت تِلِر بريشة جبران
310
يناثلا لصفلا
كتاب ِڤـرجينيا حلو ودفا� ت «الن� احلبيب – رسائل احلب ي ن ج�ان وماري هاسلك ت يوميا�ا» ب� ب بي ً َ ً منشورات «كوارت ْ وسطا ـت» – لندن – 448 – 1973صفحة قطعا ِ
هنا ترجمة حرفية ألَبرز ما جاء عن باربره يونغ في هذا الكتاب:
من مقدمة الكتاب – ص 9 و10
الست األَخيرة من حياة جبران ،قليل ًة ج ًّدا أَمست الرسائل بين «في السنوات ِّ جبران وماري هاسكل .وهي لم تنكشف بكاملها إِلَّ بعد خمسة أَيام من وفاته، عندما وج َدت ْها باربره يونغ في محترف جبران إِذ كانت ،مع ماري هاسكل ،ترت ِّب األَغراض واللوحات والرسوم واألَوراق في المحترف .وحين سح َبت من بين األَغراض رسائل فَضَّ ت بعضها فوجدت ْها من ُ المتراكمة صندوقًا كبي ًرا وفت َحتْ ُه ،ظهرت فيه ماري إِليه .ال بُ َّد أَن تكون ُص ِدمت، هي التي كانت ُمسا ِع َدتَه األَقرب في السنوات الست األَخيرة من حياته، ومع ذلك لم تعرف شيئًا عن عالقته الس ِّريَّة بماري هاسكل ،وتلك الرسائِل على بُ ِ ٍ خطوات منها في المحترف. عد اكتشفَت ما في تلك الرسائل من ُح ٍّب وشغ ٍ َف وما كان جاريًا بينهما .هي التي كانت تظُ ّن أَنها تعرف الكثير عن حياة جبران الخاصة ،لم تعرف شيئًا عن عالقته بماري هاسكل .لذا أَذهلَها أَن تكون الرسائل مستكين ًة طوال ربع قرن في الصندوق الكبير ال ُمخ َّب ِإ بعناية بين غالف كتاب فرجينيا حلو ،وهي أول من كشف أَغراض جبران. عن رسائل جبران وماري هاسكل ،بتكليف قانوني من شقيقته مريانا جبران.
؟يه نَم
أَول ما فعلَتْه :طلبَت من ماري هاسكل أَن تُحرقها م َّدعي ًة أَ َّن تلك الرسائل قد ُسي ُء إِلى صورة جبران .وافقَت ماري في البدء ثم عادت فرفضَ ت .إِنها رسائل حياتها ت ْ مع جبران :حافظَت على جميع رسائله إِليها ،ولم تكن تعرف أَنه هو أَيضً ا حاف َظ انتابت ماري وهي تفا َجأُ على جميع رسائلها إِليه .أَ ُّي رعش ٍة بين الحزن والفرح تكو ُن ْ بحفظه تلك الرسائل وتتع َّرف إِلى خطِّها فيها .وألَنها ت ْؤمن أَ َّن جمي َعها – رسائلَها إِليه يام آتية قد تق ِّدر جبران كما هي ق َّد َرت ْه ،أَفادت في ورسائلَه إِليها – ستكون ُملْك أَ ٍ اليوم التالي من غياب باربره عن المحترف بسبب وعكة صحية ،فجا َءت سريع ًة إِلى المحترف ،حز َمت جميع تلك الرسائل ،حملَتْها ٍ بحرص كثير ،وساف َرت عصر النهار ذاته إِلى ساڨانا (والية جورجيا) حيث بيتُها الذي أَمضَ ت فيه بقية حياتها ،حتى وفاتها في مصح للع َّجز صبيحة الجمعة 9تشرين األَول 1964عن 91عا ًما.1 ٍّ ٍ والعقلي يتسلَّل إِليها الصحي سنوات شع َرت بالوهن وكانت قبلذاك بخمس ّ ّ فرت َّ َبت بعناي ٍة ُحز َمة الرسائل ( 325رسالة من جبران إِليها بين 1904و ،1931و290 رسالة منها إِليه) ،وض َّمت معها 47دفت ًرا هي مجموع ُة يومياتها الخاصة عن حياتها مع جبران ،وأَهدت ْها جمي َعها سنة 1959إِلى مكتبة «المحفوظات النادرة» لدى جامعة نورث كاروالينا في تشاڽِّل ِه ّل حيث ال تزال محفوظ ًة بكل عناية حتى اليوم». پيستبورغ ِڤرجينيا حلو من أَصل لبنانيُ .ول َدت سنة 1929في مدينة ْ (پنسلڤانيا) حيث استق َّر والدها إِثر هجرة ج ِّدها من لبنان هربًا من الحرب العالمية األُولى .أَت َق َنت ِڤرجينيا العربية مع اإلنكليزية .عملَت طويل مح ِّق َق ًة ومراجِع ًة كتُبًا لدى عدد من دور النشر األَميركية ،فاشتُهرت ً َ بتحقيقاتها األدبية .سنة 1967كلَّفتْها مريانا جبران ،بواسطة محاميها الياس شمعون (بوسطن) ،مرا َجعة رسائل جبران وماري هاسكل (لدى ونسقَت مكتبة جامعة نورث كاروالينا في تْشاپِّل ِه ّْل) .عملَت خمس سنوات على تحقيق الرسائلَّ ، مختار ٍ ات منها نش َرت ْها في كتابها سنة 1972لدى منشورات «كنوف» – نيويورك ،وصد َرت طبع ٌة ثانية لها لدى منشورات «كْوارتِ َت» (لندن .)1973توفيت بالسرطان سنة 1976عن 47عا ًما.
1 312
ذك َرت ِڤرجينيا حلو في الصفحة 15من هذه المقدمة أَ َّن ماري ُولِ َدت في مدينة كولومبيا (والية كاروالينا الجنوبية) في 11كانون األَول ،1873أَي أَنها تكبر جبران بعشر سنوات.
يناثلا لصفلا
خروج ماري ودخول ب� بر�ه
رت َّ َبت ڨرجينيا حلو هذه المقتطفات من الرسائل َوفْق التسلسل الزمني ،سن ًة بعد سنة ،منذ الجمعة 2تشرين األَول ( 1908أَول رسالة إِلى ماري من جبران في ڽاريس) حتى آخر رسالة منه إِليها (ا ِإلثنين 16آذار )1931قبل وفاته بثالثة أَسابيع. وفي الصفحة 431من الكتاب ،عن رسائل سنة ،1927مه َّدت ڨرجينيا حلو للمنت َخب بعض ما جاء فيها: من رسائل تلك السنة بمقدم ٍة هنا ُ «مع هذه السنة ،1927 ،تكون مضَ ت ثالث سنوات على وجود ماري في مدينة ساڨانا الهادئة (والية جورجيا) بعي ًدا عن صخب الحياة التي كانت أَمضتْها في بوسطن .فها هي تنعم بمنزلها العريق الفخم المترف (المبنى ،24شارع غاستون ٍ سنوات ال تأْتي إِلى الغربي) مع زوجها فلورنس ماي ِنس .2إِذًا هي ظلَّت نحو ثالث ّ ِ جديد نيويورك لزيارة محترف جبران كما كانت تزوره غالبًا من قَبْل وتَطَّلِع على رسومه أَو تناقشه في نصوص جديدة يكون كَتَبها .إِنما هذا ال يعني انقطا َع التواصل كُلِّيًّا بينهما .كانا اتفقا على أَن يواصل جبران إِرسال مخطوطاته إِليها فتروح هي، في غفل ٍة عن زوجها الذي لم يكن راض ًيا عن استمرار عالقتها بجبران ،تنقِّح عباراته ا ِإلنكليزية ،توضح له فكر ًة تبدو ملتبِسة ،أَو تقترح عليه عبار ًة أُخرى توضح الفكرة، وتصحح أَخطا َء لغوي ًة يكون سها عنها.
في تلك الفترة ،منذ ،1925كانت دخلَت حيات َه باربره يونغ لتكتب الحقًا كتابها الست األَخير َة في حياة جبران .لكن «هذا الرجل من لبنان» راوي ًة فيه سنواتها َّ عالقتها به لم تكن حميم ًة فلم يخبرها ق ُّط عن ماري ،لذا لم ِ تكتشف باربره الخيوط يام من وفاته». األُولى ل ُعمق العالقة العاطفية السرية بين ماري وجبران إِلَّ بعد أَ ٍ
2
ساك َنتْ ُه نحو سنتين (كان سابقًا زوج ابنة ع ِّمها) ثم تز َّو َجتْ ُه نهار الجمعة 7أَيار .1926 ت ُوف َِّي نهار الخميس 3أَيلول 1936عن 84عا ًما. ؟يه نَم
ج�ان وانكشاف الرسائل موت ب
في الفصل األخير من الكتاب (ص )447 – 440 روت ڨرجينيا حلو وفا َة جبران بتفاصيل أَقتطف من بينها فقط مقاط َع تتعلَّق بباربره يونغ: َ «كانت السيدة آنَّا جوهان ِْسن ،زوجة ب َّواب ذاك المبنى العتيق رقم 51في الشارع العاشر غربًا ،هي التي تهتم بمحترف جبران تنظيفًا وترتيبًا ،وتصعد إِليه يوم ًّيا في الطبقة الثالثة حامل ًة إِليه فطو َره الصباحي .غير أَنها كانت لبضعة أَيّ ٍام قلق ًة ،كما عدد من أَصدقائه المق َّربين ،على صحته تتدهور تدري ًجا ،ل ِعلَّ ٍة كانت بعض لُغْز. تبدو َ صباح الخميس 9نيسان 1931دخلت عليه حامل ًة فُطُو َره كالعادة ،ففوجئت بحالته سيئ ًة أَكثر من قبل .اتصلَت فو ًرا بالسيدة ليونب ِّل جاكوبس 3التي كانت تركَت لها رق َم هاتفها كي تتَّصل بها عند الحاجة .بعد دقائق وصلت السيدة جاكوبس مع طبيب عاين جبران وطلب نقله فو ًرا إِلى مستشفى .لك َّن جبران رفَض .أَراد ِ فيذهب إِلى المستشفى في اليوم التالي مص ًّرا أَن يُمضي النهار والليل في غرفته َ فضل لتَ َح ُّركه لعل وضْ عه غدات ٍَئذ يكون أَ َ (الجمعة) .وافقَه الطبيب والسيدة جاكوبسّ ، إِلى المستشفى. بُ َع ْي َد ظهر الخميس وصلَت باربره يونغ إِلى المحترف وبق َيت معه حتى ساع ٍة متأَخر ٍة من الليل ،وهو يح ِّدثها عن آخر كتاباته وأَحدث رسومه وبعض ما ينوي من يدي هاتَين أَن أَعمال س ُينجزها .كانت رسو ُمه غي ُر الناجزة ت َؤ ِّرقه .قال لها« :على َّ عمال بع ُد قبل أَن تستريحا». تنفِّذا أَ ً الساعة 8:30مسا ًء عادت السيدة جاكوبس مع الطبيب محاول ًة إِقناع جبران باالنتقال إِلى المستشفى لكنه رفض مج َّد ًدا ،وأَص َّر على تمضية ليل ِته في المحترف. 3
314
تَذْكر جين جبران في كتابها «خليل جبران أَبعد من الحدود» (ص )473 أَن الس ّيدة ليونـب ِّـل جاكوبس كانت لفترة طويل ٍة تسكن وزوجها في الطبقة الثالثة من ذاك المبنى، ٍ فترتئذ رسام َة ُوجو ٍه .ووض َعت لجبران رس ًما لكنهما انتقال إِلى مسكن آخر .اشتُه َرت ليونب ِّل «رسوم ثالثين مؤلِّفًا» (.)1937 ض َّمنتْه الحقًا كتابَها ُ
يناثلا لصفلا
غادرا وبقيَت باربره معه تصغي إِليه يح ِّدثها بلهف ٍة عن لبنان ،عن أُ ِّمه التي كان شدي َد التعلُّق بها ،وعن شقيقته مريانا الباقية وحدها في بوسطن. الساعة 10:30صباح الجمعة نقلَتْه باربره إِلى مستشفى سانت ِڨ ْن ِس ْنت القريب (تقاطُع الجادة السابعة والشارع الحادي عشر) .وتلقَّت مريانا في بوسطن برقي ًة (إِ َّما من إِدارة المستشفى أَو من الطبيب) تفي ُد أَنه في المستشفى وفي وضْ ع َحرِج .اتصلَت مريانا فو ًرا بنسي َبيها عساف جورج وزوجته روز دياب واستقلُّوا م ًعا أَول قطار إِلى نيويورك .عند دخولها المستشفى أَبلغتْها المس ُؤولة أَن جبران دخل في الغيبوبة عند الساعة 2:00بعد الظهر وما عاد يمكنه التع ُّرف إِلى أَحد .وهبَط صاعقًا عليها ُ قول الطبيب إِن شقيقَها يعيش ساعاتِه األَخيرة. السوري» ُم ْعلِم ًة الساعة 5:30اتصلت باربره يونغ ب ِإدارة مجلة «العالم ُ أَصدقا َءه بوضعه المتدهور .ميخائيل نعيمه كان هناك فهرع إِلى المستشفى .وفي الطبقة الثالثة حيثُ غرفة جبران استقبلَتْه باربره يونغ التي كان التقاها مر ًة في شيء .سأَلها إِن كان جبران طلَب محترف جبران .أَنبأَت ْه أَن لن يمك َن بع ُد ِف ُ عل أَ ِّي ْ َ َ ويتناول القربان ،أَجابتْه أَن راهب ًة من المستشفى سأَلت جبران إِن كان يعترف أَن «كل» .وأَكملت باربره تروي لنعيمه أَ ْن بعدما د َخل جبران كاثوليك ًّيا فأَجابها بفظاظ ٍة َّ في الغيبوبة الكاملة وصل الخورأسقف فرنسيس واكيم ،راعي أَبرشية مار يوسف المارونية في نيويورك ،وراح ينادي بأَعلى صوته فوق رأْس ال ُمحتضر« :جبران... جبران »...وجبران ال يجيب .وقالت باربره لنعيمه إِ َّن زعيق ذاك الخورأسقف أَثار غض َبها حتى ت َـم َّنت أَن تسح َبه وتطر َده خارج المستشفى. ليل لف َظ جبران نف ََسه األَخير ،وكان إِلى سريره باربره يونغ الساعة ً 10:55 وميخائيل نعيمه ،وفي الغرفة المحاذية كانت مريانا ومعها نسيباها ،والسيدة جاكوبس التي لم تغادر المستشفى طوال النهار ،والسيدة وليام براون مالوني، والسيدة أَدال واتسون. كان ذلك ليل 10نيسان ،أَول يوم جمعة بعد الفصح سنة .1931ود َّونت إِدارة السل في إِحدى الرئَتَين. المستشفى أَن سبب الوفاة :تَلَ ُّي ُف الكبِد وبداي ُة عوارض ّ ؟يه نَم
رسلَت مريانا إِلى ماري هاسكل برقيَّ ًة وصلَتْها في ساڨانا صباح السبت أَ َ (جورجيا) الساعة 11:00صباح األَحد .ومع أَن زوجها كان غير ر ٍ اض عن عالقتها السابقة بجبران وغي َر موافقٍ أَن تذهب ماري إِلى مأْتم جبران ،استقلَّت ماري قطار الساعة 1:30بعد ظهر األَحد إِلى نيويورك فبوسطن .وكانت أَبرقَت إِلى مريانا أَنها تصل إِلى بوسطن في قطار الساعة 7:00مسا َء االثنين ١٣نيسان. الساعة 5:00عص َر االثنين وصل جثمان جبران إِلى بوسطن مغطًّى بالعلَم صديق جبران راعي أَبرشيتها الخورأسقف أسطفان اللبناني .كان في استقباله ُ الدويهيُ .س ِّج َي الجثمان في قاعة «جمعية ال ُمساع َدة» للسيِّدات السوريات في غربي شارع نيوت ُن. المبنى ّ 44 وصلت ماري إِلى القاعة عند الساعة 8:00مسا ًء فانض َّمت فو ًرا إِلى مريانا كسر الخبز ولقمة الرحمة وشرب القهوة وبعض أَصدقاء جبران ،مشارِك ًة في تقليد ْ في ما ُس ّم َي «العشاء األَخير» على نية جبران. ليلة الخميس 16نيسان غادرت ماري هاسكل ومريانا ونسيبتُها روز دياب وقص ْدن مدين َة بوسطن في القطار إِلى نيويورك فَ َو َصلْ َنها صباح الجمعة 17نيسان َ «فندق هولندا» في المبنى 351غربي الشارع ،42وضَ ْع َن فيه حقائ َبه َّن واستر ْح َن ٍ ٍ ساعات مضيات فيه وتناولْ َن الغداء ثم تو َّج ْه َن بعد الظهر إِلى محترف جبران ُم طويل ًة يج َم ْع َن أَغراضه وأَوراقه ،واكتشفَت ماري أَن لديه عد ًدا كبي ًرا من زجاجات شراب الزنجبيل المنشِّ ط. ساكس صباح السبت 18نيسان القتْ ُه َّن باربره يونغ إِلى مكتب المحامي وليام ْ (المبنى – 31الجادة الخامسة) لفتح وصية جبران والبحث في تنفيذها .انتهى االجتماع باالتفاق على أَن تسكن باربره يونغ في المحترف فترةً ،مهما طالت ،حتى يت َّم إِخال ُؤه كليًّا ،ويكون دفْ ُع المصاريف من تركة جبران التي تبين أَنها 49،459دوال ًرا. ثم انتقلَت ماري ومريانا وباربره إِلى مكتب مستشار في الشأْن الضريبي فاجتمعا لديه بالسيد ِشيا ،ممثل مصرف مانهاتن بنك في محلة يونيون سكوير .لدى فتح الصندوق الخاص بجبران وجدوا نسخ َة أَس ُهمه في المحترف ،ونس َختَي وصيتَ ْيه سنتَي 1911و .1913وفي هاتين الوصيتين ،كما في الثالثة واألَخيرة (األَربعاء 30 316
يناثلا لصفلا
تموز ،)1930تبيَّن أَن جبران أَوصى بكل ما لديه لشقيقته مريانا وماري هاسكل رسوم وكتُ ٍب وبلدته األُم بْشَ ّري .جاء فيها حرف ًّيا« :بعد موتيُّ ، كل ما في محترفي من ٍ وت ُـ َح ٍف فنية وسواها يذهب إِلى السيدة ماري هاسكل ماي ِنس ،الموجودة اليوم في المبنى 24شارع غاستون غربًا ،في ساڨانا – جورجيا». نهار االثنين 20نيسان أَمضت ماري طيلة النهار في المحترف تحزم عد ًدا كبي ًرا من الرسائل والمخطَّطات والمالحظات والرسوم والمخطوطات .عملَت ماري وحدها في المحترف ألَن باربره يومها كانت متوعك ًة وكانت اقتر َحت على ماري االتصال بميشا (ميخائيل) نعيمه كي يساع َدها .اتصلَت به ماري في إِدارة «العالم ٍ ساعات على ج ْمع السوري» فجاء إِلى المحترف الساعة ،5:00وساع َدها بضع ُ الرسوم واألَغراض ووضْ ِعها في خزانة جعال لها قف ًْل ،وجعال قف ًْل آخر لباب المحترف. قبلها ِبأَيَّ ٍام كانت ماري وباربره س َح َبتا من بين األَغراض ال ُمك َّدسة صندوقًا كبي ًرا حين فَتَ َحتاه وج َدت فيه ماري رسائلَها إِلى جبران منذ عرفَتْه ،وأُخرى وهو في رسائل كتبَتْها َ ڽاريس للدراسة ،وسواها حين غاد َر بوسطن إِلى نيويورك ،وهي مئاتُ إِليه خالل عشرين عا ًما .حين تن َّب َهت باربره يونغ إِلى ما في تلك الرسائل وما تمثِّله في حياة جبران ،طل َبت من ماري إِتالفها جميعها فوافقَت ماري عفويًّا على إِحراقها .غير أَنها ،حين كانت وح َدها في المحترف نهار االثنين 20نيسان ،حز َمت جميع تلك الرسائل ،وبعدما و َّدعت ميخائيل نعيمه مسا ًء ،استقلَّت قطار الساعة يام كت َبت إِلى باربره يونغ أَنها ال ً 10:20 ليل وعادت إِلى بيتها في ساڨانا .وبعد أَ ٍ توافق على إِحراق الرسائل ألَنها كانت دائ ًما م ْؤمن ًة بـجبران وبعظمته ،وتاليًا ترى أَن هذه الرسائل ،بما فيها من تفاصيل عالقتهما ،تؤ ِّر ُخ مرحل ًة أَساس ّية من حياة جبران ويستحيل إِ ُ تالف هذه المرحلة. وفي بيتها ،بهدو ٍء وغفْل ٍة عن زوجها ،جاءت برسائلها إِليه كما ح َملَتْها من نيويورك وض َّمتْها مع رسائله إِليها وكانت محتفظ ًة بها جمي ِعها .وبقيَت المجموعة محفوظ ًة لديها إِلى أَن أَود َعتْها مكتبة جامعة نورث كاروالينا حيث ال تزال محفوظ ًة بعناية فائق ٍة حتى اليوم». ؟يه نَم
الفصل الثالث
باربره يونغ في تكريم جبران
تكري ًما جبرا َن في ثالث مناسبات: )1عش َّي َة ذكرى عيد ميالده (السبت 6كانون الثاني ،)1883
ُ )2مرور ربع قرن ( )1929–1904على حياته الفنية منذ معرض رسومه لدى فْ ِر ْد هولِ ْن ْد داي (الجمعة 30نيسان – ا ِإلثنين 10أَيار ،)1904 عربي له «نبذة في فن كتاب )3عشي َة مرور ربع قرن على صدور أَ َّول ٍ ٍّ الموسيقى» (ا ِإلثنين 19حزيرن ،)1905 أَقا َم رفاقُه أَعضا ُء «الرابطة القلمية» احتفالً تكريم ًّيا كبي ًرا له في فندق ْ ماك آلْـ ِﭙـن الفخم (مانهاتن – نيويورك) مسا َء السبت 5كانون الثاني ،1929حضَ َره 215 مدع ًّوا من الجاليتين اللبنانية والسورية. كان وليم كاتسفليس عريف االحتفال ،فق َّدم 17خطي ًبا توالَوا على المنبر وفق ٍ (فترتئذ رئيس دائرة اللغات الترتيب التالي :ميخائيل نعيمه ،الدكتور فيليـپ حتي الشرقية في جامعة ڽْ ِرن ْْستُون) ،الدكتور الياس مسلِّم ،الدكتور نجيب بربور ،ريتشارد أَيوب ،سلُّوم مكرزل ،الدكتور سليم الخازن ،الصحافي حبيب كاتبة ،الياس عطاهلل، رشيد عبدالنور ،نسيب عريضة ،جوزف معلوف ،نَدرة ح َّداد ،ملحم صيدح ،جميل الحلوة ،ملحم حاوي ،عبدالمسيح ح َّداد. 318
ثلاثلا لصفلا
في نهاية االحتفال فاجأَ أَعضا ُء «الرابطة» عمي َدهم جبران بتوزيع كتاب «السنابل» الذي جمعوا فيه باق ًة من مقاالته العربية (الفصل 17من هذا الكتاب – ص .)٥٠٠ ختا ًما وقف جبران ل ُيلقي كلمة شُ كر لكنه لش َّدة تَأَث ُّره «أَجهش دام ًعا ولم ِ يستط ْع أَن يُك ِمل كلمتَه» ،كما ور َد في تغطية االحتفال على الصفحة 52من مجلة السوري» (السنة الثالثة – العدد الثامن – شباط .)1929 «العالم ُ النصوص ا ِإلنكليزية في ذاك االحتفال :كلمة وفي هذا العدد ذاته (ص)34 – 30 ُ فيليپ حتّي ،كلمة سلُّوم مكرزل ،وقصيدة باربره يونغ التي أَرسلتْها من منتجعها في فلوريدا وقرأَها بالنيابة عنها سلُّوم مكرزل. من تلك النصوص أُت َرجم هنا قصيد َة باربره يونغ وعنوانها «جبران» («العالَم السوري» ص:)32
َد ُع نو� َأ ثُن� ِس ًرا عىل ْ ّ السحري ه ـم اس ِ ِ َّ ة أَ ُ ْ يَ ُ ض ْ ُ امك يـنـثـر الـماء عىل عر ِف التل الخ�. َ ُ ّ ف دعو� َأقطف ً ن رعدا من ق ْصف الرعد الـمد َِوي ي� الفضاء َ ي وأ ج�ع َ وميض بال�ق َ ً ُ امك َّ حص ٌاد ي ج�مع سنابل ي�نعة ت َـج ِّد ُد قواه. ن ُ اسـمه ً دعو� أط ِل ُق َ عاليا فوق ي الر� ُ ي ُ َ عصفور امك أط ِلق جناحُ َ ٍ عظ� َيش ُّق أقىص الفضاء ب� ٍ فيف ي ُ ض ْ ُ ٍُ ةً َّ ً ثَّ ً وامك أ �ء شعل حية ،و�بة ،خالدة! َ يَ َ رفع ْاس َـمهُ سأ ُ م، هكذا ،طوال أ ي� ي ي 1 عاليا ً ً مطلع قصيدة باربره يونغ في تكريم جبران ،كما صدرت ص32 عاليا فوق الر� . السوري». في العدد الثامن (شباط )1929من مجلة «العالم ُ
1
فعل ما ف َعلَتْ ُه باربره يونغ« :طوال أَيامها» ،منذ عرفَـتْ ُه سنة 1925حتى غيابه إِنصافًا ،هذا ً وطويل بعد غيابه ،بق َيت تع َمل على رفْع اسمه «عال ًيا عال ًيا فوق الريح». ً ربج ميركت يف غنوي هربراب
الفصل الرابع
باربره يونغ في ْ تأبين جبران
السوري» ،وفيًّا لصديقه جبران ف َخ َّص َص كان سلُّوم مكرزل، صاحب مجلة «العالم ُ ُ كامل (ص 19 إِلى من إِصدار نيسان ( 1931العدد الثامن – السنة الخامسة) قس ًما ً ص )48 للمراثي التي ور َدتْه لدى غياب جبران ذاك الشهر. تبس َط في تفصيل احتفال متحف «روريتْش» كما وعدا النصوص التي وصلَتْهَّ ، يلي (ص:)28 – 27
أَ َ َ ُ ُّ ج�ان ال يم�كيون يـحيون روح ب
مات جبران لك َّن ذكراه ستبقى ح َّي ًة .تأْثي ُره في الحياة الروحية األَميركية سيزداد حضو ًرا مع السنوات ،وإِبداعاتُ قلمه وريشته ستمت ُّد مرج ًعا راقيًا من جذوره إِلى شباب األُمة األَميركية. هكذا كان المنا ُخ الحزين الذيِ ،شع ًرا ونث ًرا ،شكَّل احتفال تأْبين بعنوان «إِلى روح جبران» في الصالة الشرقية من متحف روريتْش( 1الشارع – 103نيويورك) بع َد والرقي والروح الجبرانية ظهر األَربعاء 29نيسان .1931وتميَّز االحتفال بالبساطة ّ التي سادت فيه. 1 320
أَ َّسسه سنة 1929الكاتب والرسام الروسي نقوالي كونستانتينوڨيتش روريتش (.)1947 – 1874
عبارلا لصفلا
وكان واض ًحا َهـ ُّم المشاركين من رفاق جبران وأَصدقائه أَن يُبرزوا روحه في فكره وكتاباته ،بد ًءا من كلمة االفتتاح لمنظِّم االحتفال الدكتور تشارلْز فْلِتْ ِشر. ض َّمت القاعة نحو 200من نخبة مثقَّفي المدينة األَميركيين بين م َؤلفين وأَساتذة جامعيين ومربّين وآ َخرين من مهن وقطاعات مختلفة .لم يكن السوريون كثيرين بين الحضور ،ال إِشاح ًة عن قيمة جبران بين أَبناء قومه ،بل ألَن الصحافة السورية كانت أَعل َنت عن احتفا ٍل آخ َر بالعربية سيقام في بروكلن مساء األَحد 24أَيار. كان الدكتور فْلِ ِشر يق ِّدم الخطباء بقراء ِة مقاط َع من كتابات جبران ا ِإلنكليزية، عرسا بين المالئكة». افتتحها بعبارة جبران الشهيرة « ُر َّب مأْ ٍتم بين البشر يكون ً األَمير محيي الدين ،ابن العائلة الهاشمية المتح ِّدرة من ساللة النبي محمد، عزف على ِ َ التشلُّو مقطوعة فرانز شوبرت «أَيُّها الراقد بسالم» رافقه السيد ريتْ ِنر على الۑيانو .ثم قرأَ الدكتور فْلِ ِشر مجموع َة برقيات تعزية ،وأَعلن أَن السيدة كورين روزڨلت روبنسن – شقيقة الرئيس األَميركي الراحل وصديقة جبران – كانت اعتذ َرت عن الحضور بسبب المرض لكنها عا َدت فحض َرت. بعد قصي َدت َين من السيدة إِ ْس ِت ّل دوكلو وميخائيل نعيمه ،كانت قصيدة «الوداع» الخاصة بالمناسبة للسيدة باربره يونغ ،قرأَها الدكتور فْلِ ِشر بينما تولَّت هي بعده النبي» غي ِر المنشورة بَعد. قرا َءة مقاط َع من مخطوطة جبران «حديقة ّ ثم عزف الم َؤلف السوري أَنيس فلَيحان على الۑيانو ل ْح َن أَغني ٍة وض َع ُه عن إِحدى قصائد جبران ،غ َّناها هيوبرت لِ ْن ْسكوت. وس ُيود حسين وسلُّوم مكرزل. وتوالَت بعدها ُخط ٌَب من كلود براغ ُدن ْ ٍ مقطوعات شرقي ًة في نهاية االحتفال عزف األَمير محيي الدين على العود م َؤث ِّرة. وختا ًما شكَر الدكتور فْلِ ِشر إِدار َة المتحف على تقديمها الصالة م ّجانًا ِإلقامة هذا االحتفال».
بج نيبْأت يف غنوي هربراب
السوري» (على بعد هذا التفصيل في تغطية وقائع االحتفال ،نش َرت «العالم ُ الصفحات 28إِلى )48كلمات الدكتور ِ فليشر ،و كلود براغ ُدن («جبران باقٍ ح ًّيا») َ الجمال والحقيقة») ،وسلُّوم مكرزل («سافَ َر مع الشمس»)، وس ُيود حسين (« َح َمل لنا ْ وقصيدة إِس ِت ّل دوكلو («هذا النجم ابن لبنان») وقصيدة ميخائيل نعيمه («الميثاق وفي») ،وقصيدة باربره يونغ («الوداع»). ُ الص ّ من تلك ال ُخطب والقصائد أَكتفي هنا بترجمة قصيدة باربره يونغ: نقول:
َ الوداع
ُ «الشاعر ينام ُأَ الم ُ فليحرس َ نومه الرز َ ْ هيب ُ َ اسـم ِه ُ المشرق». َوي ْـح ِم التلة من غروب ِ
نقول:
ُ الجذور َ ُ رماده الناعم «فلتحض ِن هو الذي َ ََ َ َ الس ّريَّ َ َ ر الت ق وقل ها وآالم ها ظالم ف عر ابَ ِِ ِ َ َ المخض َّرة ًآسا وأ ً وعرف الشرايـين ُ عشابا هو الذي ْ َ سـمع َ نبض الرب وخفقة ِإالنسان ِ ْ ْ َ همال الثلج». همار المطر وان ِ في ان ِ
نقول:
ُ «الشاعر ينام» .لكنه «ال ينام» َ ُ بل َ ويركض في الريح خر َج َيـمشي في الفضاء ً حامل ُ ُ ُ ً ً أَوتار تدندن أغنية خارج المدى قيثارة بال ٍ 322
عبارلا لصفلا
ً َ ْ َ ً َ َ موشور َ آخر لوان نور وجدت أخيرا أ ٍ وريشة من ٍ ُ كيانه ُ الم ِش ُّع. كان ْين َه ُد ِإليه
َ َ ُ ً احتضارا ِعناقه الغمامة ال ت َس ُّموا ً موتا َ ال ُّ ذهابه ِإلى الشمس تسموا َ أ ًبدا ُ َ ْ َّ جناحه الطل ُق َرف يالقي الجمال في موطن الجمال ها ً َ ً بعدما لفظ كلمة خالدة عن الحياة والحب والموت َ ُّ َ صفحة من عاج ساطع على ق ل ـمهابة ٍ ٍ وك َت َبها ِب ٍ شفافة وتأ ٍ ٍ َ وها هو ٌ قاصد نجمة الصبح أَ ً َ ُ شموسا وأقماراً ليرس َم الثيرَ بيت ُه هناكً ... وَ َي ْـب ُل َغ َ بعيدا هناك ...في قلب العاصفة.
قصيدة باربره يونغ في رثاء جبران كما ظهرت ص 38 في العدد ( 8نيسان )1931 السوري». من مجلة «العالم ُ
بج نيبْأت يف غنوي هربراب
الفصل الخامس
ُ نشاطها بعد غيا ِبه
منذ اللقاء األَول بين جبران وباربره يونغ (آذار )1925أَخ َذتْ حياتُها من ًحى آخر: انفتَ َحت لها صفح ٌة من العمر جديد ٌة تتالَت بعدها صفحاتٌ كأَنما لم ي ُعد لحياتها منذئِ ٍذ إِلَّ عنوا ٌن واحد لم ت ُعد ت ُ ْع َرف إِلَّ به :جبران .انصرفَت إِليه في محترفهُ ،مد ِّون ًة نصوصه على آل ِتها الكاتبةُ ،م َه ِّيئَ ًة مخطوطاتِه للنشْ ر ،رفيق َة ما يُ ْمليه عليها ،طابع ًة َ نهاراته وأُمسياته ،مرا ِقب ًة أَطبا َعه وأَهوا َءه وأَحزانَه وأَوجا َعه وص َّحـتَه وس َق َمه وقلقَه و ِمزا َجه وعاداتِه وإِيقا َع حياته اليومية ،ساهر ًة في المحت َرف على تو ُّج ِع ِه في ليلته صباح اليوم التالي إِلى المستشفى ،مالزِم ًة سري َره حتى دخولِه األَخيرة ،ناقل ًة إِيَّاه َ الغيبوب َة النهائي َة ولفْظ نف َِسه األَخير ،جالس ًة إِلى جثمانه في نيويورك ،حاضر ًة مأْتمه ِ ڽروڨيدنس إِلى لبنان ،متابِع ًة منتقل بالباخرة من مرف ِإ ً في بوسطن ،مو ِّدع ًة تابوت َه أَخبا َر مأْت ِمه في بيروت ودفْ ِنه في بْشَ ّري ،منفِّذ ًة في نيويورك ما أُوكل إِليها بعد ِ وتوضيب ما فيه من أَوراق ولوحات ورسوم بموجودات محتر ِفه وفاته من االهتمام ِ وأَغراض شخصية ووضْ ع ثَبْ ٍت بها ،واضع ًة عنه كتيِّبًا ملمو ًما بُعيْ َد وفاته ،1مقيم ًة له ندوات أَدبي ًة حول كتبه وقرا َء ٍ ٍ ات علني ًة من ِشعره، في عد ٍد من الم ُدن األَميركية معارض للوحاته ورسومه ،ثم مت ِّو َج ًة آمالَها سنة 1939بزيارة وطنه في منظِّم ًة له َ 1 324
«نبذة عن خليل جبران هذا الرجل من لبنان» 48 ،صفحة حج ًما صغي ًرا ،إِصدار خاص، المطبعة السورية األَميركية (لصاحبها سلُّوم مكرزل) ،نيويورك .1931
سماخلا لصفلا
بلدة مولده بْشَ ّري ومدرسته «الحكمة» في بيروت ،واضع ًة سنة 1945عن تلك الزيارة كتابها الشهير «هذا الرجل من لبنان» ،وفيه ِسيرت ُه و َم ِسيرتُها معه .وهي حت ًما لم تو ِق ْف نشاطَها عن جبران الذي كأَنها ،أَمين ًة على إِرثه ،ك َّر َس ْت له آخ َر أَربع ِة عقو ٍد من حياتها :بين آذار 1925ووفاتها في مأْوى لل ُع َّجز سنة 1962عن 84عا ًما. بعض ما صدر كثير ًة ج ًّدا كانت تلك األَنشطة التي قامت بها ،أُترجم هنا حرف ًّيا َ السوري».2 منها سنة 1935في مجلة «العالم ُ خ الميس 28شباط 1935
ئ ج�ان افتتاح معرض دا� لرسوم ب
نهار ا ِإلثنين المقبل في 4آذار ت َفتتح باربره يونغ معرضً ا دائ ًما لرسوم الراحل جبران خليل جبران في الطابق المتوسط 3من فندق «غراند أُوتيل» 4نيويورك. والسيدة يونغ شاعرة معروفة ،وهي القيّم ُة األَدبية على تراث جبران .المعرض مفتوح أَيام ا ِإلثنين واألَربعاء والسبت من الساعة 2:00حتى الساعة 6:00مسا ًء، ٌ مجاني ليل .الدخول ويومي الثلثاء والخميس من الساعة 7:00حتى الساعة ً 11:00 ٌّ رمزي. يو َمي االثنين والخميس .ولباقي أَيام األُسبوع رس ٌم ّ
2
3 4
ُصوصا مجل ٌة أَ َّسسها سلُّوم مكرزل با ِإلنكليزية في نيويورك سنة ،1926ونشَ ر فيه ُجبران ن ً ع َّدة (منها في العدد األَول ،تموز ،1926ن َُّصه الشهير «إِلى األَميركيين الشباب من أَصل سوري»)َ .صد َرت المجلة شهري ًة من 1926إِلى 1932حين تولّى سلُّوم إِدارة جريدة ّ ٍ «ال ُهدى» إِث ْر وفا ِة م َؤ ِ عامئذ .وفي 20تشرين األَول 1933أَعلن سسها شقي ِقه نعوم مكرزل سلُّوم ت َ َخلِّيه عن إِدارة مجلته لحبيب كاتبة الذي ج َعل حج َمها بشكل جريد ٍة أُسبوعي ٍة كل خميس حتى .1935 ظلَّت تصدر صباح ّ ٌ معروف لدى الفنادق باستقبال هو المتوسط بين الطابق األَرضي والطابق األَول ،وهو الحضور في بعض االحتفاالت. تأَسس سنة ،1868وكان من أَعرق الفنادق في زمنه .ك َّرستْه بلدية نيويورك على الئحة المباني األَثرية الوطنية سنة .1983 هِبايغ دعب اهُطاشن
خ
الميس 7آذار 1935ئ أَ ج�ان افتتاح املعرض الدا� لمعال ب تأْ ُ ْ ف َّ ج�ان، دامعون معروفون ،أستاذ ي� رت ِـج ْرز يتحدث عن � يث� ب َّ ج�ان ف ي� ْب شَ ّ �ي مكرزل يتحدث عن مدفن ب
افتتاح المعرض الدائم ألَعمال جبران ،رسو ًما مسا َء األَحد الماضي 3 ،آذار ،تم ُ ٍ رسمي في الطابق المتوسط من فندق «غراند ومائيات ،باحتفا ٍل بالقلم الرصاص ٍّ أُوتيل» – مانهاتِن (تقاطع برودواي والشارع .)31 كلمة االفتتاح كانت للشاعرة باربره يونغ الق ِّيمة األَدبية على تراث جبران. و«النبي» معلن ًة أَن هذا المعرض يحقِّق أَحد أَع ِّز أَحالم جبران تحدث َت عن الشاعر ّ الذي قال لها سنة « :1931لو كان لي أَن أَموت الليل َة ،تذكَّري أَن أَع َّز حلْم على قلبي يوم ذاتَ مكانٍ خمسون أَو خمس ٌة وسبعون من رسومي ولوحاتي أَن تذهب ذاتَ ٍ إِلى ردهة كبرى في مدينة كبرى ،ويراها جمهو ٌر معلَّق ًة فيتأَ َّملُها وربما يح ُّبها». ثم ق َّدمت السيدة يونغ المغ ِّني ا ِإليرلندي مايكل كي ِّنيلي الذي كانت أَغانيه بطلب من الجمهور .ثم كانت كلمة اآلنسة تس ُّر جبران .غ َّنى منها واستعاد بعضَ ها ٍ آنَّا ﭘـي ُرويه ،تَلَتْها ماري إِلِّـ ْن رايَـن عضو نقابة المسرحيين فقرأَتْ فقر ٍ ات من فصل «مريم المجدلية» في كتاب «النبي» .5ثم تح َّدث أُستاذ األَدب ا ِإلنكليزي في جامعة الطلب في صفوفه، رت ْـجِرز 6الدكتور دوغالس وايلد ،فس َر َد تأْثي َر كتابات جبران على َّ وعلى حياتهم الخاصة خارج الجامعة .ثم ق َّد َمت الس ِّيدة يونغ آخ َر خطباء االحتفال سلُّوم مكرزل رئيس تحرير «الهدى» ،وهو عائ ٌد حديثًا من بْشَ ّري مدينة مولِد جبران ،فتح َّدث بالتفصيل عن ضريح جبران في دير مار سركيس وعن المتحف الذي يضم أَغراضَ ه الشخصية ولوحاتِه التي كانت في محترفه (الشارع العاشر غربًا 5 6 326
«يسوع ابن وقَع المحرر هنا في خط ٍإ أَدبي .ففصل «مريم المجدلية» هو في كتاب ُ ا ِإلنسان» وليس في كتاب «النبي». هي جامعة والية نيوجرزي ،تأَ َّس َست سنة ،1766وهي ثامن ُة أَقدم م َؤسسة للتعليم العالي في الواليات المتحدة.
سماخلا لصفلا
في نيويورك) .وأَق َّر بفضل باربره يونغ وجهو ِدها المتواصلة وإِ ِ خالصها واندفا ِعها في ٍ كتابات ورسو ًما ،وأَعلن أَن أَهل بْشَ ري «يُهدون إِطْالع الجمهور على أَعمال جبران، ِ تحيات شكر ِهم وامتنانِهم ،وي َؤكِّدون لها حرارة انتظارِهم زيارت َها الشاعر َة األَميركية الموعودة مدين َة جبران األُم».7 هذا المعرض الدائم سيكون مفتو ًحا للجمهور بعد ظهر ا ِإلثنين واألَربعاء واألَحد من الساعة 2:00إلى الساعة ،6:00ومسا َء الثلثاء والخميس من الساعة 7:00إِلى ليل .ويكون الدخول مجان ًّيا يو َمي ا ِإلثنين والخميس ،وبرسم رمزي الساعة ً 11:00 أَيام الثلثاء واألَربعاء والسبت. بين داعمي المعرض الدائم :السيدة والسيد بايارد جورج ،اآلنسة مريانا جبران، هاري إِدموندز ،مايكل كينيلِّي ،سلُّوم مكرزل ،آنَّا ڽيرس ،دوغالس وايلد ،ماكس هوفمان ،وآخرون.
خ
الميس 21آذار 1935أَ َ دعوة ِإىل الشباب ال يم� ي ن كي� من أصل سوري
الساعة 4:00بعد ظهر أَحد الشعانين ،في 14نيسان المقبل ،يقام احتفال قسيسها تذكاري لجبران خليل جبران في كنيسة سانت مارك إِن ُذ با ِورِي .8ويتم َّنى ُ وري .والساعة 4:30بعد ظهر الدكتور غوث ْري حضو َر الشباب األَميركيين من أَصل ُس ّ األَحد الماضي كانت جلس ُة قر ٍ اءات شعرية بين رسوم جبران في الطابق المتوسط من فندق «غراند أُوتيل» – ماناتهن ،قرأَت خاللها السيدة باربره يونغ من نُصوص ِب بنصوص جبران أَكث َر .رافقَت جبران ونصوص سيدني النييه ،لكن الجمهور أُعج َ 7 8
وهو ما ت َ َّم بالفعل ،وقامت باربره يونغ بهذه الزيارة بعد 4سنوات (.)1939 Saint Mark-in-the-Bowerieهي الكنيسة ذاتُها التي كانت باربره يونغ حاضر ًة فيها سنة 1923بين جمهو ٍر جاء يُصغي إِلى قر ٍ اءات من كتاب «النبي» لـ ُجبران بـ ُحضُ وره مع بعض أَصدقائه ،بينهم ميخائيل نعيمه ونسيب عريضة وعبدالمسيح حداد. هِبايغ دعب اهُطاشن
أَليس مكرزل القراءات عزفًا على الۑيانو ،وأَنش َد المغني ا ِإليرلندي مايكل كِينيلّي بعض األُغنيات الشعبية الشائعة .وهذه القراءات سوف تتك ّرر بالصيغة ذاتها الساعة كل أَ َحد. 4:00بعد ظهر ّ
خ الميس 4نيسان 1935
الكث� من ّ املهتم ي ن� ج�ان يستقطب ي معرض ب
معرض رسوم جبران خليل جبران بالقلم الرصاص والمائيات في الطابق المتوسط من فندق «غراند أُوتيل» – نيويورك (تقاطع برودواي والشارع )31ما زال يستقطب ز َّوا ًرا كثيرين ومهت ِّمين بالفن في طليعتهم رسامون ومدراء صاالت المعرض عد ٌد من أَعالم الفن التشكيلي والمسرح. معارض .وفي األَسابيع األَخيرة زار َ ونهار السبت 23آذار زيدت على المعرض رسو ٌم بالقلم الرصاص ومنحوتاتٌ خشبية ٍ «النبي» ،وصفحاتٌ منه متر َجـمة إِلى مخطوطات أَبرزُها من كتاب وبعض لجبران ُ ّ زمني .وهو مفتوح أَيام ا ِإلثنين واألَربعاء خمس لغات .يستمر المعرض بدون تحديد ّ والسبت بين الساعة 2:00و 6:00بعد الظهر ،ويو َمي الثلثاء والخميس بين الساعة مجاني يومي ا ِإلثنين والخميس .وأَيام الثلثاء واألَربعاء ليل .الدخول 7:00وً 11:00 ٌّ والسبت برسم رمزي من ِ 25سنتًا.
خ الميس 11نيسان 1935
لقاء مع الدكتور ب� ي�رد دودج
مسا َء الجمعة الماضي ( 5نيسان) كان رئيس الجامعة األَميركية في بيروت الدكتور بايارد دودج خطيب األُمسية بين رسوم جبران في فندق «غراند أُوتيل»– نيويورك (تقاطع برودواي والشارع ،)31والقت محاضرت ُه «فترات من الحياة في لبنان» إِعجابًا كثي ًرا من الحضور .وبعد مغادرته الساعة 9:15الرتباطه بموعد آخر، 328
سماخلا لصفلا
كانت فترة قر ٍ اءات ق َّدمتها باربره يونغ أَمين ُة معرض جبران ،تلتْها فترة من األَغاني ق َّدمها الباريتون ا ِإليرلندي مايكل كِي ّنيلِّي ،ورافقتْه أَليس مكرزل على الۑيانو .ثم شَ رب الجميع نخب األُمسية.
خ الميس 25نيسان 1935
مناقشة حول مارهكام مسا َء ٍ غد الجمعة 26 ،نيسان الجاري ،تنعقد جلس ٌة بين رسوم جبران في فندق «غراند أُوتيل» – نيويورك (تقاطع برودواي والشارع )31حول إِدوين رس َم صديقَه ماركهام وكان معج ًبا بشعره .ومساء ماركهام وقصائده .وكان جبران َ السالم في المكان ذاته .والجلستان الثلثاء 30نيسان تنعقد جلسة أُخرى عن ِشعر َ مفتوحتان مجانًا للجمهور. َ خ الميس 16أ ي�ر 1935
ً ُْ رس «يسوع ب ن الدول» «البيت ىل إ هدية لـج�ان، ا� ِإالنسان» ب ِ ي ًّ ف ً احتفال َم ْن ٍـح ذي ب� ن� جم خاص رمسيا ي� معروضا ِ
ٍ بسيط إِنما ُم َؤث ِّر ،ت َّم إِهدا ُء مسا َء الجمعة الماضي ( 10أَيار) ،في احتفال «البيت الدولي» 9الرس َم األَصلي لغالف كتاب جبران «يسوع ابن ا ِإلنسان» وسيبقى الرسم معلَّقًا فيه باستمرار .حضر االحتفال جمهو ٌر أُ ِ حص َي بين 75و 100من نخبة ْ المثقفين .بعد االستقبال وتنا ُول الشاي بدأَ االحتفال بكلمة من مدير األَنشطة في «البيت» كينيث دامالميان عن جبران معل ًنا اعتزا َز «البيت» باقتناء هذا الرسم الكنز 9
تأَسس في نيويورك سنة 1924بدعمٍ من جون روكْـفلور وأُسرة كليڤلِند دودج .غايتُ ُه إِقام ُة أَنشط ٍة أَدبية وفنية .ك َّرستْه بلدية نيويورك على الئحة المباني األَثرية الوطنية سنة .1999 هِبايغ دعب اهُطاشن
هدي ًة ،وسعاد َة المس ُؤولين فيه أَن يبقى الرسم موجو ًدا فيه باستمرار .ثم ق َّدم شاك ًرا كلم َة ال َق ِّيم ِة على الرسم السيدة باربره يونغ التي أَهدت ْه إِلى «البيت».
«البيت الدولي» الذي أَه َدت إِليه باربره يونغ الرسم األَصلي لغالف «يسوع ابن اإلنسان»
في بداية االحتفال كان الرسم مغطًّى في المدخل الرئيسي ،ولم يكن أَح ٌد يَعلم ما هو. وحين طلبَت السيدة يونغ كشْ ف الغطاء عنه عريض بين الحضور صمت الرسم فساد ٌ ٌ ظ َه َر ْ الذين تق َّدموا يتأَملونه بعيون ذاهل ٍة لش َّدة رس َمه جماله .ثم روت السيدة باربره كيف َ جبران ليكون َ غالف كتابه «يسوع ابن ا ِإلنسان». وتبسطت في الحديث عن حياة جبران ثم قرأَت َّ 330
سماخلا لصفلا
سوري» فأُ ِخذوا بها ،وطلبوا أَن تكون هذه مقطوعتَه «رسالة إِلى األَميركيين من أَصل ّ سجل «البيت» .ثم أَعل َنت السيدة يونغ أَنها المقطوعة ،مع كلمة السيدة يونغ ،في ّ رسم ًّيا تق ِّدم الرسم هدي ًة إِلى «البيت» بشخص السيد هاري إِدموندز ،أَحد م َؤسسي َ وشرف «البيت» أَن «البيت» وحال ًّيا مديره .وتكلَّم السيد إِدموندز معل ًنا سرو َره يحظى بهذه الهدية ،معتب ًرا احتفال تقديمها حدث ًا فري ًدا في تاريخ «البيت» .وقال الطلب وال َّزوار ،وأَعلن عن عزم ا ِإلدارة على تعليقه إِنه واثق من تأْثير الرسم على َّ في قاعة تكون كنيس ًة صغير ًة يدخلها الطالب للتأَ ُّمل والصالة.
َ
وفي مكانٍ آ َخر من العدد ذاته (الخميس 16أيار )1935رسالة إِلى إِدارة المجلة من السيدة جوليا ستويڤيسنت تشانلر ،10نيويورك ،جاء فيها: التقيت «عشنا م ًعا ليل ًة في سورية حين قدمتُم إِلينا تلميذ َة جبران .سبق أَن ُ السيِّدة يونغ لكنني لم أَسمعها تتكلَّم .لذا أَذهلَتْني في حديثها الساحر الم َؤث ِّر عن الحياة والتجربة اللتَين عاشهما الشاعر الكبير .كان برنام ًجا ُمختلفًا و ُمم َّي ًزا عما نعهده في أَنشطة «القافلة» ( .)Caravanكان الحاضرون مأْخوذين بحديث الس ِّيدة طويل وعفويًّا ،أَكثر مما اعتدناه في أَنشطة أُخرى .شك ًرا ً يونغ ،وتك َّرر التصفيق السوري» على ما تقوم به من أَجل «جمعية التاريخ الجديد» .إِننا وا ُعون لـ «العالم ُ ذلك ومق ِّدرونَه عال ًيا».
10هي جوليا أُولِن ( )1961–1882زوجة لويس ْستْ ِويْ ِ ڤيسنت تشانلر الذي أَسس معها ومع البهائي الفارسي ميرزا أَحمد زُهراب «جمعية التاريخ الجديد» سنة 1929لنشر الكاتب ّ الفكر البهائي .سنة 1930نشأَت عن هذه الجمعية رابط ُة «قافلة الشرق والغرب» ت ُعنى بتهيئة األَوالد لالنتساب إِلى «الجمعية» البهائية .وجعل الزوجان منزلَهما النيويوركي مق َّر فس ّمي «بيت القافلة» وأَصدرا منه مجل ًة فصلية باسم «القافلة». «الرابطة» ُ هِبايغ دعب اهُطاشن
الفصل السادس
سن ٌَة على غيابه باربره يونغَ :
أُ الوىل ِل َوفاة الشاعر اللبنا�ن الذكرى ي ً شخ ً ً َّ َ ً ُ َّ ً ف �صية حبيبة خالدة مكرسة مكرمة ي� لك ماكن تستعيده َ ّ ـجلة «العالم ُ السادسة – العدد السابع– (السنة وري» الس هذا المقال في م نيسان – 1932ص 26 إلى َ )33 صد َر بدون توقيع .على َأنني ،من ترجمتي كتابَ ِ َ نيويورك وسواها في بها قامت نشطة أ ومن يونغ، لباربره لبنان» «هذا الرجل من ٍ ً ُ ً َ َ ً َ َ من أجل جبران ُبعد وفاته ،ناشرة أفكاره ورسومه ونصوصا له منشورة وأخرى َ غير أ السلوب الشاعري الجميل الذي به َنس َج ْت َ كتابا ِتـها عنه – وهو منشورة ،ومن ُ َ لَ َ ُّ جلي التعظيم في هذا النص كذلك – يمكنني ترجيح أن هذا المقا الطويل ّ ُ ( 6صفحات في المجلة) هو من كتابة أَباربره يونغ ،وهي كانت تسهم في تحرير ُ ً ُ «العالم ُ الس َوري» استشهادها مسؤولة عن القسم ُالدبي فيهاَ .ويزيد من قناعتي َ جي ًدا ،هي التي َ َ ّ عايش ْت ُه وكان ُي ْـمليها فكار وعبار ٍ في المقال بأ ٍ ات ومقاطع ُ تعرف أَها ِ ُ عليها في جلساتهما الكتابية ،منها كتبه ُالخيرة «يسوع ابن ِإالنسان»« ،التائه»، ٌ وكتابات أخرى. فقرات من «حديقة النبي»،
ْسياب الجداول ،شه ِر انتصا ِر لعام مضى ،في هذا الشهر ،نيسان ،1شه ِر تَ َفتُّح البراعم وان ِ ٍ الطبيعة سنويًّا على الموت ،شه ِر القيامة ،شه ِر الحب واألَمل ،شه ِر االشتياقات ِ النضرة والرسام والحكيم والمتص ِّوف جبران خليل جبران.2 واآلمال الفتية ،توفي الشاع ُر الحبيب َّ 1 2 332
لم تستعمل باربره يونغ هنا كلمة «إڽْريل» ا ِإلنكليزية بل تع َّم َدت استعمال كلمة «نيسان» اللبنانية ،ربَّما تكري ًما جبرا َن الذي ،في مطلع كتابه «النبي» ،استع َم َل كلمة «أَيلُول» اللبنانية ولم يستعمل له كلمة ِ «سـﭙْـ ِت ْمبِر» ا ِإلنكليزية. الثالثي« :جبران خليل جبران» كما تكري ًما جبرا َن ت ُو ِر ُد باربره يونغ في هذا المقال اس َمه ّ كان يُح ُّبه ويُوقِّع به كتُبه ومقاالتِه بالعربية ،ال «خليل جبران» كما كان معروفًا با ِإلنكليزية.
سداسلا لصفلا
كان ذلك ،تحدي ًدا ،عند الحادي َة عشْ َر َة إِلَّ عشْ ر دقائق من ليل ِة الجمعة في رواح الكثيرين السائر َة العاشر من نيسان ،لحظ َة تلك الروح العظيم ُة التي ق َّوت أَ َ ُ مت َع َب ًة في وادي ال ُدموع ،3والتي نفثَت الشجاعة واألَمل لدى عاثري الخطوات ،كان لهاِ ،ب َدورها ،أَن تواجه ال ِمحنة الرهيبة وال َمجيدة م ًعا بـتح ُّررها وانطالقها صوب الـ «ما بعد» الكبير. ُم َؤث ِّ ٌر ورائ ٌع ما كان في األَيام األَخيرة من حياة جبران األَرضية ،وهي آخ ُر رحل ٍة ِ ات أَحبَّها بشغ ٍ بدي في ظالل أَرز ٍ َف وكانت ُممتز َج ًة لجسده قبل أَن يستلقي ٍ بسالم أَ ٍّ الس ّم داخل بأَحالم روحه و ُر َؤاهاُّ . وكل ما كان ،يذكِّرنا بثبات سقر ٍاط يجرع كأْس ُ ثيني ،أَو يذكِّرنا ب ُرواة ا ِإلنجيل عن الناصري العظيم في زنزانة كئيبة في سجن أَ ّ لهيب النار أَيامه األَخيرة ثم موتِه .ه ُؤالء العظماء وأَشقَّاء أَرواحهم م َّمن في قلوبهم ُ ا ِإللهية التي في عالم آخر ،م َّمن في عيونهم يلتمع نور الخلود ،ليس موتُهم سوى ح َد ٍث ٍ عوائق أَجسا َدهم وما عارض في مسيرة الحياة العظمى .4لذا كانوا يعتبرون َ يحيط بها في هذا العالم المادي .أَما أَروا ُحهم ،فكما عبّ َر عنها أَح ُدهم :الشاعر األلماني الكبير غوته بأَن «الروح هي التي ت َبني الجسد كي تعيش فيه». لعل جبران كان غ ّنى ،ال ألَ ٍ كتب لهم َّ حد من أَصدقا َء ُخلَّص و ُمريدين كثيرين َ هذه الكلمات ،بل كتبها آلالف قرائه والمعجبين: َ َ َ عروس أحالمي ،أ ْس ِرعي ِإيه َ ُ ُ أ ْس ِرعي بعد ،بعد، َ َ ُ َفأ ُ عمق وديان َوأعلى تالل ُ مس أخافها أ حتى كنت ٍ َ َ ٍ َ ِ َ َّ ُّ َ بـت َ َ اليوم ً َ َ قادرا أن أنحدر ِوهادها وأتسلق ِقممها.
وضح من أَن يكون «الجنس اللطيف» هو الذي كان حول سرير ال مغ ًزى بَع ُد أَ ُ جبران حين نَ َد َه ُه الموت كي يُ َو ِّد َع هذا العالم الذي أَحبَّه جبران كثي ًرا ،ومعه يُو ِّد َع 3 4
نص لجبران بالعربية. ت َستعمل باربره هنا هذه العبارة حرفيًّا كما و َر َدت في أَكثر من ٍّ كان ا ِإليما ُن بالتق ُّمص أَ َّو َل ٍ خيط مشت َر ٍك َجـ َم َع بين جبران وباربره يونغ. بايغ ىلع ٌةَنَس :غنوي هربراب
أَصدقا َءه (وهم كانوا من أَكثر ال ُمرهفين في أَ ّي مكانٍ وزمان) .فلحظ َة غاد َر شكلُه رضي بعي ًدا إِلى الخلود ،كان ُمحاطًا بقلَّ ٍة ضئيل ٍة من السيدات ،وكان ذلك طبيعيًّا األَ ُّ جعل أَن تَلْقى رسالتُه الروحي ُة َوي َ ل َمن ،كالس ِّيد المسيح ،في بعض تكوينه كيا ٌن أُنث ٌّ َوني. تجا ُوبًا أَ َ فضل أَ َّولً لدى قلب المرأَة المدرِك و َح ْد ِسها الك ّ السيدات اللواتي كُ َّن حول سرير المصطفى لحظ َة انطفائِه كُ َّن :الشاعرة باربره يونغ ،الكاتبة والناشرة زوجة وليام براون مالوني ،السيدة أَدال واتسون ،السيدة ليونْـبِل جاكوبس ،شقيقته مريانا جبران ،نسيبته روز جبران .والحقًا دخل صديقُه عساف جورج. ميشا نعيمه 5ونسيبُه ّ
واتسون رسم بالرصاص من جبران للسيدة أدال ُ التي كانت في المستشفى بين سيدات قالئل حول سريره لحظة ل َف َظ نف ََسه األَخير. وعند يمين الزاوية السفلى قبل التوقيع ،نقرأُ: «إِلى أدال من جبران – .»1926
بعد ثالثة أَيَّ ٍام نُ ِق َل جثمان جبران إِلى بوسطن ،مدين ِة أَحال ِمه األُولى وكفاحاتِه الباكرة ،حيثُ لم يفه ْم ُه حتى األَقربون ولو ا َنهم أَح ُّبوه ،حيثُ لم يتوقف عن تسميتها حب موقعٍ إِليه في العالم .بينما مدينتَه ،وكان يُ ُّ حسها ،بعد بلدته الحبيبة بْشَ ّري ،أَ َّ 5 334
كان ميخائيل نعيمه معروفًا بهذا االسم بين رفاقه في «الرابطة القلمية» ،وبهذا االسم كان جبران دائ ًما يخاطبه ويكتب إِليه.
سداسلا لصفلا
نيويورك ،وهي ق َّدرت عبقريتَه ومن َحتْ ُه أَوس َع نجا ٍح وشهرة ،يعتبرها مشغله الذي كان فيه يتأَ َّمل الكون وينسج أَفكاره وهو «في قلب ﷲ».6 دبلوماسي رهيف ،وشُ مولية جبران خليل جبران – بأَناقة مظهره الدقيقة كما ٌّ ذوقه وتص ُّرفاته ،وإِنجازاته االجتماعية المتع ِّددة الو ُجوه – كان ناسكًا بقلبه، ومتص ِّوفًا خطَّط لرحلته صوب االتحاد بالحقيقة العظمى من الواحد األَحد إِلى الواحد األَحد ،ككبار المتص ِّوفين .قليلون ج ًّدا َمن كان يُشرك ُهم في وحدته وسكوته وتفكيره الباطني .لهوالء فقط – بين الماليين في مدينة األَبنية الشاهقة وقطارات األَنفاق والشوارع العريضة المكتظّة ،مدينة الركض والضجيج –كان يفتح قلبه داخل ذاك المحترف الصغير في المبنى 51من الشارع العاشر غربًا ،وهو كان له «كعب ًة» و َح َر ًما وانسحابًا إِلى عزلة ت ُبعده عن الجلَبة ال ُمر ِهقة الم ْؤلِمة في [نيويورك] ذاك السكرى بجدواها. الدردور الرهيب ،في بابل العصر المجنونة بنجاحهاَ ، أَ َّما في بوسطن ،وإِليها كان جبران يعود دو ًما في عطلته السنويَّة ،وإِلى استراحته قلوب ُم ِح َّب ٍة ال ُم َوقَّتة من ُدوار يومياته وعمله المتواصل ،فكان استقباله حا ًّرا من ٍ بـحنانٍ كثي ٍر ناض ٍح بالتذكارات .هناك أَيضً ا كانت تحيط به ،أَنَّى تَ َو َّج َه ،عناي ُة ل َم ٍ سات أُنثوي ٍة حنون ٍة حانية .لذا ،عند ُو ُصول نعشه ،القاه جم ٌع من أَصدقائه اللبنانيين والسوريين ،على رأْسهم الخورأُسقف أسطفان الدويهي ،حملوه إِلى قاعة «جمعية غربي شارع نْيوتن .وفي اليوم التالي (الثلثاء) أُقيمت سيدات المساعدة السوريات» َّ الصالة على جثمانه في كنيسة «س ِّيدة األرز» المارونية على شارع تايلِر حيث منزل ٍ ساعات طويل ًة في أَحاديث عفوي ٍة مع شقيقته مريانا وفيه كان ،أَيام عطلته ،يُمضي أَصدقائه والز َّوار. كلم ٌة هنا عن موقف جبران من ِ الدين الملتزِم :رأَى كثيرون تناقضً ا أَن تقام لجبران ِ المعتقدات نصوصه نسفَت مراس ُم دفنٍ ديني ٌة في كنيس ٍة ملتزم ٍة مارون ًّيا ،هو الذي ُ 6
حببت ال تقُل‘ :ﷲ في قلبي’ بل ‘أَنا في قلب إِشارة واضحة إِلى عبارته في «النبي« :وإِذا أَ َ ﷲ’.»... بايغ ىلع ٌةَنَس :غنوي هربراب
الديني َة التقليدية بج ْعل نعمة ﷲ قص ًرا على قلَّة من الم ْؤمنين ال ُم ْخلصين ،ما أَغضب كبار المس ُؤولين من رجال السلطة الدينية .لكن الحقيقة أَ ْن ليس في األَمر أَ ُّي تناقض: جبران ،كما كبار المتص ِّوفة ،كان في قلب ِ الدين .وألَنه كان َديِّ ًنا ب ُعمقٍ كامل ،ثار على جميع القيود والحدود التي ته ِّجر الروح عن مشارك ِتها الشرعية الح ّرة في مالقاة ﷲ .ونار الغضب التي جعلَت يسوع يثور على تجار الهيكل والصيارفة ويطردهم منه ،هي ذاتُها نص من كتابه «التائه» ،جعل الصاعقة تنزل التي اندلَعت في صدر جبران الذي ،في ٍّ خالص من نار جهنم.7 على رأْس مطرانٍ طَر َد امرأَ ًة غي َر مسيحي ٍة جا َءت تسأَلُه إِن كان لها ٌ ذليل بخطاياه أَمام ﷲ ،وكما ومثلما يسوع أَنصف جابي الضرائب الذي اعترف ً َح َك َم على الف ِّر ِ مثل ماليين يس ِّي المتب ِّجج الذي ا َّدعى االستقامة ،هكذا كان جبران َ الذين ،من جميع األَعراق واللغات والمعتقدات ،عرفوا الخالص ولو انهم لم يعتمدوا «بالماء والروح» .وقبله بمئات السنين كان الشاعر المتص ِّوف الكبير ابن الفارض، مري ُد طريق ِة المتص ِّوف الشيخ البقَّال ،أَنشد: ينح� ُ ِوإذا ِإىل جحر ن عابد بوذا ٍَ ي ُ ن نتم وبه أجاهر. ِفإ ي� ِإىل ِإ ي�انه أ ي
وباالندفاع الصوفي الرائع ذاته إِلى الحب الكوني ،أَنشَ َد اب ُن عربي ،وقد يكون أَكبر شاعر صوفي في الزمن: 7
336
ٍ عاصف دخلَت امرأَ ٌة يوم ترجمة النص كما و َر َد في «التائه» بعنوان «وميض البرق»« :في ٍ خالص غي ُر مسيحي ٍة كنيس ًة كان فيها أُ ٌ «لست مسيحي ًة فهل لي ٌ سقف .وقفَت أَمامه سائلةًُ : خالص إِلَّ لِ َمن اعتَ َمدوا بالماء من نار جه َّنم»؟ ح َّد َق األُسقف مليًّا بها وقَ َذفَها ِ بجواب «ال َ هائل والروح» .في تلك اللحظ ِة انقضَّ ت على الكنيسة الكبرى صاعق ٌة ُم َد ِّويَ ٌة ت َ ِب َعها رع ٌد ٌ ُرب فاندلعت النا ُر سري ًعا في أَرجاء الكنيسة .هر َع رجال المدينة فأَنقذُوا المرأَ َة وكانت ق َ َ احترق وقضى طع َم النار». الباب .أَما األُسقف فكان نصوصه كلَّها على باربره يونغ ،فكانت كتاب «التائه» هو الذي أَملى جبران َ وللتذكيرُ : ت ُد ِّونُها أَمامه ثم تطبعها على آلتها الكاتبة وتعطيه إِياها لمراجعته األَخيرة قبل الطبع. الكتاب بعد أَشهر على غيابه ،بعناية باربره، ِّـي قبل أَن يراه مطبو ًعا ،فص َدر ُ لك َّن جبران توف َ لدى منشورات «كنوف سنة .1932
سداسلا لصفلا
ً َّ ـورة لق ــد ص ــار قلب ــي قاب ــا كل ص ـ ٍ ُ ٌ طائـــف أَوثـــــان وكعبـــة وبيـــت ل ٍ ٍ َ توج َه ـ ْ َأدي ـ ُـن ب ِدي ــن الح ــب أ َّن ــى َّ ـت ِ
ْ وديـــر ُ ٌ هبان الن لـــــر ِ َفمرعـــى لغـــز ٍ ُ وأ ُ قـــــرآن لـــواح تـــور ٍاة ومصحـــف ِ ركا ِئ ُب ــه ،فالح ـ ُّ ـب ديــ ــني ِوإيمـــ ــاني
قرب روح ًّيا إِلى جبران من كان اب ُن الفارض واب ُن عربي ،المتص ِّوفان ال ُم ْسلمان ،أَ َ أُول ِئك المسيحيين. وإِذا هذان المتص ِّوفان الناسكان يُعت َبران ُم ْسل َمين حقيق َّيين ،فجبران يُعت َبر مسيحيًّا حقيقيًّا ،كما قبلَه صوفيُّون مسيحيُّون حقيقيُّون ،كـ «ال ُمعلِّم» إِيكْها ْرتْ ،8 وبُو ْه ْم ،9والم َؤلِّف الم ْغفَل واضع «الالهوت األَلماني» ،10وجمي ُعهم متسا ُوون في الخالص وا ِإليمان .هكذا حت ًما يكون جبران التشَ ُّدد بعقيدتهم ،وفي كَ ْونَ ِويَّة ف ْهمهم َ مسيحيًّا حقيقيًّا .ولو ا َنه مسل ٌم لكان ُم ْسل ًما حقيقيًّا ،ولو ا َنه هندوسي لكان هندوسيًّا الحقيقي يكون إِلى ِ الدين ال إِلى الكهنة وا ِإلكليروس ،إِلى حقيق ًّيا .ف ِإنما االنتما ُء ّ يسوع ال إِلى الكَت َبة والف ِّريس ِّيين في أَيّامه ،وهكذا يَكو ُن ف ْه ُم ُه الصحيح ثم ن ْقلُ ُه إِنسانيًّا وإِيمانيًّا إِلى أَتباعه رجالً ونسا ًء. غير أَ َّن جبران لم يَكُن مسيحيًّا فقط بل مارونيًّا بطريق ٍة عاطفيّ ٍة عذبة .ففي الطقس الماروني مقارباتٌ وتذكاراتٌ تش ُّده إِليها ،وتعني له الكثير .كانت تأْخذه ٍ ذكريات عن أَبيه وأُمه ،وشقي َقتَيه وأَخيه ،وأَقرباء وأَصدقاء إِلى طفولته األُولى ،إِلى غمروه جمي ًعا بحبهم وحنانهم وحرصهم عليه خالل سنواته الباكرة في تلك البلدة الجميلة ال ُمشرفة على شير وادي قاديشا في شمالي لبنان .وبق َيت في ذاكرته فواج هانئ ٌة من م ْؤمنين يل َبسون ثياب العميق ِة تتردد ح َّي ًة احتفاالتٌ وأَعياد ،وأَ ٌ ٌ فيلسوف، 8إِيكْهارت ڨون هوشْ هايم ( )1328 – 1260معروف بـ «إِيكهارت المعلِّم» :صو ِف ٌّي، لماني. والهوتي أَ ّ ٌّ بروتستانتي له تجربتان صوفيتان لوثري، الهوتي صوفي 9جاكوب بُو ْه ْم ()1624 – 1575 ٌّ ٌّ ٌّ ٌّ غ َّي َرتا َ سياق حياته. 1 0مخطوط ٌة ُصوفي ٌة مسيحية ،مجهول ُة الكاتب ،تُعزى إِلى راهب مجهول من فرنكفورت، ترجي ًحا في القرن الرابع عشر ،ثار على م ْنع رجال الدين من ممارسة الطقوس الكاثوليكية. بايغ ىلع ٌةَنَس :غنوي هربراب
ومواكب خاشع ٌة يتق َّدمها كهن ٌة بال ُجبَ ِب السود، العيد المل َّونة ،ومواس ُم دينية، ُ ُ البطريرك ذات ُه ،فتتح َّول البلد ُة كلُّها مهرجانًا وأَحيانًا زيار ُة مطرانٍ إِلى البلدة ،وربما مذهب حقيق ًّيا .في رأْي جبران ،يكون مارون ًّيا ليس فقط – أَو ُح ْك ًماَ – من هو ِمن ٍ فينتسب إِلى قديم عريقٍ مح َّد ٍد ذي طقوس وعقائد ،بل هو َمن ينتمي إِلى شعب ٍ ُ تاريخه ذاته ،وآماله ذاتها ،والمعمودية ذاتها بالدم والعذاب ،واألَفراح واألَحزان إِياها .ومن إِنشاد التراتيل السريانية ،وعبَقِ الب ُخور ،والعادات والتقاليد الدينية، كانت لجبران حال ٌة صوف ّي ٌة تَقَوي ٌة ال يمكن أَن يفه َمها َمن يأْخذها فقط بِمحدوديّة مضمونها ال َحر ِف ّي. كل انتما ٍء إِلى عقيد ٍة أَو كان ُجوزْيا ُر ْويْس 11يس ّمي «الوالء الجماعي» تَجا ُو َز ِّ والسم َّو حتى بُلُو ِغ جوهر ال ِق َيم ال ُروحية. ٍ مذهبُ ، هكذا كان انتما ُء جبران إِلى الكنيسة المارونية .غير أَن هذا ال يحصره في َح ِّي ٍز طائفي مذهبي .إِنه ينتمي إِلى العالم كلِّه .وبين كتُبه ما ت ُرج ِِم إِلى نحو 20لغ ًة ّ بينها اليابانية .وال يَ ْب ُد َو َّن متناقضً ا أَن يكون مارون ًّيا ،كما ليس متناقضً ا أَن يقرأَ كت َبه البوذيون ِ و الش ْنتُ ِويُّون ،12وأَن يكون مع ِّر ُب كتُبِه ِاإلنكليزية أُسقفًا أُرثوذكس ًّيا.13 لذا تع َّددت بُ َع ْي َد غياب جبران احتفاالتُ ذكرى ت ُد ّل على تن ُّوع ُم ِ ـح ّبيه وقادري فكره مع أَن معظمهم لم يعرفه شخص ًّيا .أَ ُ ول تلك االحتفاالت أُقيم ،بعد ثالثة أَسابيع على وفاته ،في القاعة الشرقية من متحف روريتْ ْش( 14تقاطع الشارع 103وريڤر سايد في مانهاتن نيويورك) مسا َء 29نيسان ،حين التأَم جم ٌع حمي ٌم من األَميركيين 11 1 2 13 14 338
فيلسوف أَميركي ( )1916–1855صاحب نظرية «الفلسفة المثالية» القائمة على الوال ِء كل ُممارسة طقس ّية أَو مذهبية خاصة. المثالي لل ِق َيم ال ُروحية العامة ،وتجا ُو ِز ِّ ّ ديانة يابانية قديمة تقوم على عبادة عناصر الطبيعة. هو األرشمندريت أَنطونيوس بشير ( )1966–1898والحقًا متروﭘـوليت نيويورك وأَميركا الشمالية للكنيسة األُرثوذكسية. على اسم الرسام والكاتب الروسي نيكوالي ُرورِيتْش ( )1947–1874وهو أَسسه في متخص ًصا في األَنشطة الموسيقية والقراءات الشعرية. نيويورك سنة 1920مرك ًزا ثقاف ًّيا ِّ
سداسلا لصفلا
واللبنانيين والسوريين وأَصدقاء ذاك الحالِم الكبير التائه والنبي .ق َّدم الخطبا َء الدكتور تشارلز ف ِ كل من باربره يونغ ،سلُّوم مكرزل ،كلود ْليشر ،وتوالى على المنبر ٌّ براغ ُدنْ ،س ُيود حسين ،ليونورا ْسـۑاير ،ميشا نعيمه وآخرون .كان االحتفال نسي ًجا جميل من غربيين وشرقيين جا ُؤوا يك ِّرمون ذكرى من نجح أَكثَ َر من أَ ٍّي سواه في ً تقريب األَ َّولين من اآل َخرين .وكان الفتًا في االحتفال أَن يُ َ مسيحي شارك موسيق ًّيا ٌّ وعربي .فاألَمير محيي الدين عزف على التشيلُّو مقطوعة «أُرقُ ْد سوري ومحمدي، ٌّ ٌّ ٌّ 16 ٍ مقطوعات كان لَ َّح َنها من كلمات ب َِسالم» ،15وعزف أَنيس فليحان على الۑيانو نسكوت. جبران ،غناها في ذاك االحتفال هيوبرت لِ ْ االحتفال التالي كان بعد نحو ش ْه ٍر (األَحد 24أَيار) نظَّمتْه «الرابطة القلمية»، الحلقة األَدبية التي أَسسها جبران وكان مرش َدها الروحي .جرى االحتفال في مبنى االتحاد األَميركي السوري (الرقم – 123شارع ِش ْر ِم ْر ُهن في بروكْلِن). في هذا التاريخ أَيضً ا (األَحد 24أَيار) أَقام أَصدقاء جبران ومواطنوه في بوسطن احتفال بذكراه في مبنى البلدية (جادة شُ و ُم ْت)َ ،خطَب فيه األَرشمندريت أسطفان ً الدويهي ،رشيد عبدالنور ،وديع شاكر والياس شمعون.17 وفي نيويورك تقاطرت على جريدة «الهدى» مئاتُ المراثي والمقاالت ٍ مساحات واسع ًة على بالعربية من جميع الواليات األَميركية ،أَفر َدت لها الجريد ُة وخصصت بعض الصحف تقصر الصحافة األَميركية المحلية ف َن َعتْ ُه، َ أَيام متتالية .ولم ِّ مقاطع طويل ًة لسيرته وأَعماله ،فيما وكالة «أَسوشياتد ﭘْـر ِّس» ط َّي َرت نبأَ وفاته إِلى كل العالَم. 1 5أُغنية أَلمانية شهيرة للم َؤلِّف فرانتز شوبرت ( ،)1828–1797على كلمات الشاعر األلماني فردريك روكِرت (.)1866–1788 16م َؤلِّف موسيقي أَميركي من أَصل لبناني ( ،)1970–1900وعازف ڽيانو وقائد أُوركسترا. محام ،صديق جبران ،ساعده على الخالص من مشكلة المبنى الذي أَوقع جبران تحت 17 ٍ َ َ ديون قاسية ،كان اشتراه مع صديقه فارس معلوف .وشمعون أصبح الحقًا ( )1944أ َّول قاض أَميركي في والية ماساشُ ِ ٍ لبناني. وستْس من أَصل ّ بايغ ىلع ٌةَنَس :غنوي هربراب
ويلفت في احتفاالت الذكرى تلك ،أَ ّن اثنين منها أُقيما في مدي َنتَين متباعدت َين َ آالف األَميال. قنصال الواليات المتحدة وفرنسا ،وأَربع ُة األَول في سيدني (أُستراليا) :حضره ُ نائب في ڽرلمان والية أَعضاء من الۑرلمان األُسترالي ،ووزير الداخلية .وتح َّدث فيه ٌ سوري. نيو ساوث ويلز ،ومواط ٌن ّ اس في كنيسة سيدة االحتفال اآل َخر في جوهانسبورغ (جنوب أَفريقيا) :قُ َّد ٌ سقف مقاطعة ترانسڤال معل ًنا أَن رسالة جبران «إِلى األَميركيين لبنان .وأَلقى المرثي َة أُ ُ الشباب من أَصل سوري» هي «في قلب األَدب الخالد ،وتنطبق على الجيل الجديد من السوريين واللبنانيين في كل َص ْقعٍ من العالم». الصوفي بين أَميركيين كثيرين كانوا مع َجبين بجبران ومق ِّدرين ذاك َّ
حي السوريُّ : القس الدكتور وليام نورمان ُغثْري ،خادم رعية القديس مرقس في ّ ٍ ونصوصا «النبي» ختارات من المنصة ويقرأُ ُم البا ِوري .18كان غالبًا يقف على ً َّ ّ أُخرى من جبرانُ ،محاذيًا بها قرا َءاتِ ِه من نُصوص الكتاب المق َّدس ،وأَحيانًا ٍ لوحات مشهدي ًة إِ يمائي ًة على مسرح الكنيسة .لذا كان بديه ًيا أَ ْن نَظَّ َم يق ِّدمها في تلك الكنيسة احتفالَين تذكاريَّين لجبران ،في 25تشرين األَول و 8تشرين الثاني ،1931بأَدا ِء َمشاه َد م َؤث ِّر ٍة من «النبي» و«التائه» ،حضرهما في تلك كثيف من األَميركيين والسوريين وس َط مانهاتن جمهو ٌر ٌ الكنيس ِة الصغير ِة ْ أَصدقا ِء ذاك الراحل الكبير. على أَن الم َؤث ِّر أَكث َر من أَ ٍّي سواه ،في هذه المأْساة الحارقة ،كان المشه َد األَخير الذي جرى في بالد هذا الع ّراف والبطل الروحي ،في لبنان وطن األَرز ،حيثُ شاع ُر األَرز فتح عينيه على نور الحياة. 18ناحي ٌة في أَسفل مانهاتن ،والكنيس ُة فيه ڽروتستانتي ٌة هي ثانية أَقدم كنائسه ،ترقى إِلى .1795
340
سداسلا لصفلا
ِ ڽروڨيدنس 19أَقل َعت الباخرة «سينايا» (التابعة ل ُخطوط «فايبر» من مرف ِإ البحرية )20وفي قلبها جثمان جبران خليل جبران في النعش ملفوفًا بال َعلَ َمين اللبناني واألَميركي .كان على رصيف الميناء بين المو ِّدعين الكثيرين :نعوم مكرزل وطني قائ ٌد في الجالية اللبنانية سان َد جبران ناشر جريدة «الهدى» وهو ناش ٌط ّ السوري» ،ابرهيم في نشاطه الوطني واألَدبي ،سلُّوم مكرزل ناشر مجلة «العالم ُ حتي وكيل شركة خطوط «فايبر الين» البحرية ،يعقوب جورج روفايل ناشر مجلة «األَخالق» ،21الخورأُسقف منصور أُسطفان خاد ُم رعية سيدة لبنان للموارنة في بروكلن ،باربره يونغ ،مريانا شقيقة الشاعر ،وأَصدقاء وأَنسباء له في بوسطن رافقوا ِ ڽروﭬـيدنس. الجثمان ،وأَفرا ٌد من الجاليتَين السورية واألميركية في على المقلب اآلخر من المحيط األَطلسي ،كانت تحضيراتٌ حثيثة وم َؤث ِّرة تجري الستقبال الجثمان كما يليق بعظمة الراحل الكبير ومكانته الفريدة أَدب ًّيا وروح ًّيا في تاريخ ذاك البلد الصغير .هناك احتشَ َدت وفو ٌد أَ َّم ْت بيروت من جميع المناطق السورية :من دمشق التاريخية ،من حلب ،من حمص ،من حماة ،من أَنطاكية ،من صيدا ،من طرابلس ،ومن األَراضي المق َّدسة ،ومن كل بلد ٍة وقري ٍة ودسكر ٍة في لبنان .وكان الفتًا حضو ُر رجا ٍل ونسا ٍء من بْشَ ّري بلدة جبران خليل وغيوم المحلي المم َّيز، جبران في لبنان الشمالي ،جا ُؤوا إِلى بيروت بلباسهم ٍ ّ حزين ٍة من األَسى على وجوههم األَبية. ُ استقبال الجثمان على مرف ِإ بيروت بالمراسم الرسمية التكريمية: مهي ًبا كان ونواب باللباس الرسمي ،كهن ٌة وكبار رجال إِكليروس ِب ُج َب ِبهِم التقليدية ،وكثيرون وزرا ُء ٌ طفال ،كانوا أَح َّبا َء إِلى قلب الشاعر الميت. رجال ،نسا ًء ،أَ ً ِج ًّدا تقاطرواً ، 1 9عاصمة والية رود آيالند ،ج ِْي َء إِليها بنعش جبران من بوسطن. صديق جبران. اللبناني ابرهيم حتي ،وكان 20وكيلُها في نيويورك َ ُّ 21أَصدرها شهري ًة في مانهاتن من 1920إِلى 1932وكانت منب ًرا قويًّا لألدب المهجري .بين كتَّاب أَعدادها األُولى :لويس صابونجي ،طانيوس عبده ،ميخائيل رستم ،نعوم مكرزل، وش َّجعت األَقال َم النسائية فنش َرت فيها عفيفة كرم وڤيكتوريا طنوس. بايغ ىلع ٌةَنَس :غنوي هربراب
موكب وصل الجثما ُن إِلى مرف ِإ بيروت نهار الجمعة 21آب ،1931و ُح ِم َل في ٍ وشعبي إِلى كاتدرائية مار جرجس المارونية فاستقبلَ ُه المطران اغناطيوس رسمي ّ ّ اتيل رئيس أَساقفة بيروت ال َم َوارنة وكهنتُها بينما تتناهى من الكنيسة تر ُ مبارك ُ سرياني ٌة جميلة. ٌ وطني في إِحدى أَكبر صاالت المسرح في احتفال عند المساء أُقيم لِجبران ٌّ رئيس الجمهورية اللبنانية ،وتوالى على المنبر راثي َن المدينة .22ترأَّ َس ُه شارل دبَّاس ُ نقيب الصحافة الكاتب األَديب أَمين الريحاني ،الشاع ُر خليل مطران، جبران: ُ ُ خليل كسيب ،محمد جميل بي ُهم رئيس جمعية «اتّحاد الشبيبة ا ِإلسالميّة» ،النائب ٍ جمعيات ونَوا ٍد والكاتب والصحافي ميشال زكُّور ،الشاعر أَمين تقي الدين ،و ُمـمثِّلو ٍ وهيئات دينية و ُدنيوية. بعدها حانت الرحلة ال ُمظفَّرة األَخيرة إِلى بْشَ ّري ،بد ًءا بمشاه َد بالغ ِة التأْثير لنسو ٍة ٍ نادبات أَمام النعش يذكِّ ْر َن بأُولئك المتف ِّجعات اللواتي قرأْنا عنه َّن في العهد القديم .سار الموكب متوقِّفًا على الطريق في محطات ع َّدة ،بينها جبيل (بيبلوس التاريخية) وفيها صبايا بش ُعوره ّن ال ُمتطايرة وأَزيائِه َّن التقليدية ُرح َن يُ ِ نش ْد َن مقاط َع ِشعري ًة في تسبيح حي عائ ٌد منتص ًرا يستقبله َذ ُووه على مدخل بلدته. البطل العائد ميتًا كأَنه ٌّ ومع ابتعاد أَ ِ وصل جثما ُن صوات مظاهر االحتفاء االستقباليةَ ، الصوفـي العاشقِ ِّ وس ِّج َي في دير مار سركيس ،الصومع ِة الصغيرة التي َ والسكونَُ ، الصمت والوحد َة ُ كان جبران شَ غوفًا بها ،ويتح َّدث دائ ًما عن رغبته أَن يُمضي فيها آخر سنوات حياته. يستريح أَ ُّي شي ٍء ٍ ثابت نيوي طيل َة ما يُعطى أَن هناك يستريح اليو َم ُرفاتُه ال ُد ُّ َ في عالمنا المتغير. داخل ك ْه ٍف صغي ٍر تحت كنيسة الدير ،في تلك البلد ِة الساحر ِة الجمال وهناكَ ، المطلَّ ِة على وادي قاديشا الناض ِح بع َبق ا ِإللهام في سفْح غابة األَرز المستلقية على تقصد هنا مسرح «التياترو الكبير» ،وهو بالضبط قُبال َة مدخل كاتدرائية مار جرجس 22هي ُ المارونية. 342
سداسلا لصفلا
قمة الجبل ،يَ ِقف الزائِ ُر عند باب الكهف ويَقرأُ على لوحة خشبية هذه الكلمات بالعربية« :هنا يستريح رفاتُ النبي جبران راق ًدا تحت أَجنحة َمالك السالم».23 هكذا بلَغت نهايتَها مسير ُة ذاك الشاب الحالم الـ ُم ْصلح الذي ،في فجر شبابه، ٍ ٍ ـجحف عانى من لنظام اجتماعي ُم الوحشي بعنف على الظُلم رفَع صوته غاض ًبا ٍ ّ عوائ ِقه فهاج َر إِلى بال ٍد جديد ٍة ت َ َبر َع َم ْت فيها عبقريتُ ُه َوأَ ْز َه َرت وأَث ْ َم َرت بدون عوائق، فشَ َّع نج ُمه في الغرب ،وها هو ملِكًا منتص ًرا عاد إِلى أَرضه األُم وشعبه الحبيب. ُشيح عن ع َّرافيها الر ْؤيويين ،استقبلَت وهكذا األَ ُ رض التي عاد ًة ت َر ُج ُم أَنبيا َءها وت ُ بأَرو ِع ت َ َجلِّيات ال ُحب والتقدير أَح َد أَكبر أَنبيائِها وأَحبِّهم إِليها على ا ِإلطالق.24 َ َّ «العالم ُ السوري» عن مجلة السنة السادسة ،العدد السابع ،نيسان 1932 صِ 26 إلى 33
2 3حين أَصدر ميخائيل نعيمه سنة 1934كتابَه «جبران خليل جبران – حيات ُه ،موتُه ،أَدبُ ُه، فصل فَ ُّنه» (أَمامي طبعتُ ُه الثامنة – –1978م َؤسسة نوفل – بيروت) ،أَور َد في ختامه َ «المصطفى» َموضو َع هذه العبارة فَ َذكَ َر ُه هكذا« :رب َط جبران ظ َ ُروف حياة المصطفى َ نفسه بالغًا تلك الحال َة في كل أَحوال معيشته وأدوارها ،وخل َع بظُروف حياته فكأَنه َص َّور َ وشاح ال ُنبو َءة فكأَنه خلعه على ذاته أَيضً ا .قد يكون جبران لم يقصد هذا القصد، عليه َ َ َ ِ ِ ُ اب كلُّه إلى أذهان كثيرين لك َّن ذلك ما ت َؤ ِّديه فاتحة كتاب «النبي» وخاتمتُه ،وما أ ّداه الكتَ ُ من الناس وباألَخص أُولئك الَّذين كتبوا فوق ضريحه في مار سركيس هذه اآلية« :هنا يَرقد نَبِـ ُّينا جبران» .وكأَنما قام َمن يُحاسبهم إِلى أَين يعود الضمير [الـمتصل « ـنا»] في «نَبِـ ّينا» فغ َّيروا الكلمة إِلى «بَي َن َنا» ،وهي التي قرأْتُها يوم زرتُ الضريح في صيف »1932 (ص.)222–221 24على امتداد هذا المقال المكتوب سنة 1932ن ََس َجت باربره يونغ وصفًا دقيقًا لبْشَ ّري، طبيع ًة وموق ًعا وهال َة تأْثي ٍر دائِم في قلب جبران كأَنها عاي َنتْها شخص ًّيا ،مع أَنها لم ت َعرفْها إِلَّ بعد سبع سنوات من هذا الوصف النظري عن بُعد ،حين زارت لبنان سنة ،1939ما يوضح كم كان جبران يُـح ِّدث ُها دائِ ًما عن لبنان وبْشَ ّري بأَيِّـما شغ ٍ َف وأَيِّـما حنين .وما ُ َ ِ السوري») ،كونها «العالم في َّع ق المو (غير المقال هذا كاتبة هي نها أ لى إ ح بوضو يشير ٍ ُ ْ استعادت منه مقاطع وصفي ًة كامل ًة للمأتم ومواكب التشييع ،في كتابها الصادر الحقًا «هذا الرجل من لبنان» (.)1945 بايغ ىلع ٌةَنَس :غنوي هربراب
الفصل السابع
باربره يونغ في لبنان
في الفصل األَخير (التاسع عشر) من كتاب باربره يونغ هذا الرجل من لبنان ،وفي وصفها ليلتَها األَخيرة في بيروت عشية عودتها إِلى بالدها ،و َر َد هذا المقطع« :في ْ خرجت وحدي إِلى شُ رفة الفندقِ الجذَّاب الصغي ِر ذي الالفتة سكون تلك الليلة ُ العريضة «أُوتيل بَ ُّسول الكبير»(صورته ص ،)٢٧٨ فوق تَك َُّسر الموج على الرصيف الجميل ل ُجون مار جرجس عند زاوية شارع شاتوبريان وجا َّدة الفرنسيين .ردَّدتُ في صمتي ذي َنك االس َمين الفرنس َّيين الجميلَين لشعوري ٍ غريب أَن أُغادر بيروت، برفض ٍ ٍ درس العربية فأَت َ َم َّك َن من أَن أُغادر لبنان .فأَنا جئْ ُت إِليه كي أُمضي فيه سنوات وأَ َ ٍ بكلمات دروسه األُولى هنا فأَسم َعه في طفولته ينطق الترجمة ،وكي يتلقَّى حفيدي َ َع َربي ٍة ،ويغني أُ ٍ ويعيش في الجو الذي كان ينتمي إِليه جبران .كانت َ غنيات َع َربي ًة، لي بْشَ ّري َجوهر َة جما ٍل ٍ الس َنة طريُ . بسيط وص ْدقٍ ِف ّ كنت أَنوي أَن أَعيش جز ًءا من َ في بْشَ ّري ،واآل َخ َر في بيروت .لكنها الحرب دا َه َمتْني». زيارة لبنانِ جبران! طويل حل َم ْت بها .منذ هي معه في المحترف ،تصغي إِليه بحنينٍ غامض، ً يح ِّدثها بشغ ٍ َف عن بالده فتراها في بريقِ عينيه ونبر ِة صوته وت َو ِقه للعودة إِلى ذاك الـ «هناك» حتى أَنها ،من خالل كلماته ،تكاد تتخيَّل تلك البال َد الجميلة التي أَنجبَت «هذا الرجل من لبنان». 344
عباسلا لصفلا
وألَنه غاب قبل أَن يعود ليرى لبنان فلم يَ ُع ْد إِليه إِ َّل ليرا ُه بدون النور في عينيه، ق َّر َرتْ أَن تزور هذا اللبنان الذي لم يَ ِغب عن لسان شاعرها وال عن كتاباته حين يروح يُمليها عليها. بين غيابه ( )1931والزيارة التي ح َّق َقتْها ( )1939ثماني سنوات .وبين زيارتها ووضْ ِعها كتابَها ( )1945ست سنوات .وفي كتابِها وصفَت تلك الزيارة التي ظلَّت 14سنة مطبوع ًة في بالها وذكرياتها وحنينها ،حتى ت َم َّنت أَن تَسمع حفي َدها كريستو ِفر ( 4سنوات) يَنطق بالعربية التي كانت تسم ُعها من جبران في المحترف ولم تكن تفهم منها إِلَّ الضو َء في عينيه البارقتَين من حنين. لعل تلك الزيار َة الوجيز َة إِلى لبنان أَبر ُز ح َد ٍث في حياتها الجبرانية بعد جبران وقبل ال َح َدث اآل َخر الذي هو كتابُـها عن هذا الرجل من لبنان. ٍ ٍ شهادات مباشر ًة نصوص بل احتفا ًء بأَهمية تلك الزيارة ،أُو ِر ُد في ما يلي ثالث َة تابَ َعت باربره يونغ في زيارتها بْشَ ّري جبران وزيارتها في بيروت مدرس َة «الحكمة» التي ض َّمت أَربع سنوات من ِصبا جبران. هنا ،إِذًا ،ال ُنصوص الثالثة: )1شهاد ُة األَديب ف َؤاد افرام البستاني الذي رافق الشاعرة في زيارتها بْشَ ّري. )2شهاد ُة جريدة «السياسة» التي أَسهبَت في وصف تلك الزيارة. )3شهاد ُة األَب الوون مقصود الذي رافق الشاعرة في زيارتها مدرس َة «الحكمة».
انبل يف غنوي هربراب
3/1
ن البستا�: َفؤاد افرام ي يز�رة ب� بر�ه يونغ شَ ِّ ب�ي بقمل شاهد َع َـيـان
في فصل «معلومات جديدة» (ص )24 من كتاب مع جبران لف َؤاد افرام البستانيَ 25و َرد ...« :ويكون من حظِّنا – وبالتالي من ح ِّظ الدراسات الجبرانية – أَن ٍ اجتماعات متتالي ًة على نجتم َع بالس ِّيدة بربارة يونغ ،26األديبة األميركية المعروفة، ساعات مستطيلة ،في بْشَ ِّري وفي بيروت ،في تشرين األَ َّول سنة ،1939فنستفي َد منها ومن دفاتر جبران التي كانت تحملُها في حقائبها ،إِ ٍ ووثائق ثمين ًة فادات ج َّم ًة َ ذكرناها في فصل طويل ظهر في مجلة المشرق السنة .»1939 وفي فصل «على ذكْر جبران» من الكتاب ذاته (ص 41 إِلى )81يَنشُ ُر البستاني مقالَه ال ُمطَ َّول ذاك في ال َمشرق ،أَستعي ُد ُه هنا بِحرف ِّيته وحواشيه ألَ َه ِّم َّيته التوثيقية.
ج�ان عىل ذكر ب
«إِلى بربارة»« ...إِلى بربارة»! كثي ًرا ما قرأَ ر ّواد متحف جبران في بْشَ ِّري هذا التعبير باللغة ا ِإلنكليزية ،وقَّع
2 5عنوانُه الكامل :مع جبران .1982–1919 :ص َدر في 104صفحات حج ًما صغي ًرا عن «منشورات الدائرة» ،بيروت ،1983لِ ُمناسبة المئوية األُولى لِمولد جبران (.)1983–1883 وهذا الفصل (عنوانُه األَصلي في الكتاب «على ذكْر جبران – معلومات جديدة عن حياته وآثاره ،جبران وبربارة ،بربارة في قبر جبران ومتحفه ،محاوالت الكاتب والفنان ،آرا ُؤه في شُ ُؤون مختلفةَ ،م َرضُ ه ووفات ُه») ،كان البستاني نشَ َر ُه في مجلة ال َمشْ رق (السنة ،37العدد خاص َم َن َحني ِه مدي ُر الثاني :نيسان/حزيران ،1939ص 241 إِلى )268أُعي ُد نَشْ َره هنا ِب ِإذْنٍ ٍّ «منشورات الدائرة» الدكتور حارث ف َؤاد افرام البستاني. 26أَورد البستاني اسمها «بربارة» (باللفظ اللبناني السائر) ال «باربره» بالكتابة األميركية التي بقيت في كامل هذا النص على الكتابة التي اعتم َدها البستاني. هي تعتمدها .ولألَمانة أَ ُ 346
عباسلا لصفلا
بعض رسومه الرصاصية والفحمية ،ورفعها هديَّ ًة «إِلى بربارة». به المص ِّو ُر النابغة َ وكان االختصاصيون بالش ُؤون الجبرانية يعرفون أَن الس ِّيدة بربارة يونغ ،وهي من كبريات األَديبات األَميركان َّيات ،عرف َْت جبران في آخر سن ِّيه ،واهت َّمت بعد وفاته بتركته األَدبية والفنية .بيد أَن جمهور المعجبين بالشاعر الف َّنان ،ال ُغ ُير على جمع أَخباره وذكرياته ،ما كانوا ليتمثَّلوا هذه األَميركية إِلَّ شخص ّي ًة غامضة ال تكاد تخرج ضباب األَبعاد النيويوركية إِ َّل لتلتحق ِ دات مش ِّج ِ بسرب أُول ِئك الس ّي ِ عات األَدب من ِ والف ّن بل األُدباء والف َّنانين ،من اللواتي تتر َّدد أَسما ُؤه َّن دون أَن ت ُمث َِّل على حقيقتها تلك الشخص َّيات الجذَّابة.
َّ َ تعرفت ِإليه... هكذا
في أَحد أَيام تشرين األَول سنة 1923كانت الس ِّيدة بربارة يونغ تشهد حفلة نادرة في كنيسة القديس مرقس ا ِإلنجيلية األُسقفية في نيويورك .وكان القائ ُم بتلك غريب من نوعه في العالم ،هو مسرح الحفلة السيد داڤنۑورت بَطْلِر ،مدي َر مسر ٍح ٍ مجاني يعرض فيه ال ُم َمثِّلون وال ُم َمثِّالت أَشهر الروايات في حفالت منظَّمة شأْن سائر المسارح ،إِنما تمتاز بكونها مجان َّية ،فال ا ِإلدارة تنال شيئًا على تنظيمها ،وال الممثِّلون «نبي» ينالون أَ ْج ًرا على أَعمالهم .أَعل َنت هذه الجوقة أَنَّها ستقوم بقرا َءة مقاطع من ّ جبران في الكنيسة األُسقفية ،وتَ َّمت الحفلة على أَكمل وج ٍه بحضور المؤلِّف نفسه. وكان بين جمهور المع َجبين بالمقاطع ال ُملقا ِة الس ِّيد ُة بربارة (أَو «الست بربارة»، هل جبران وأَصدقا ُؤه أَن يس ُّموها في ما بعد ،وكما سندعوها جريًا على كما تع َّود أَ ُ هذه العادة!) وهي لم تكُن تعرف جبران بَعد ،وال شيئًا عن جبران. كل بذكرياتِه وتأَثُّراته .وكان اتجاه الست بربارة الناس ٌّ انت َهت الحفلة وخ َرج ُ كتاب «النبي» فتُ ْحيي ليلَها بقراءته مع َجب ًة متأَث ِّرة ،حتى إِلى أَول مكتب ٍة تتز ّود منها َ «النبي» مبشِّ ر ٌة جديد ٌة ت َندفع في نشْ ر تعاليمه وشرح آرائه إِذا أَقبل الصباح كان لـ ّ بما أَعطاها ﷲ من بالغة حا َّرة ونبرة جذَّابة ،وبما أَوالها اهتدا ُؤها الجديد من غيرة انبل يف غنوي هربراب
وحماسة .وإِذا بالمحاضرات تلي المحاضرات عن جبران و«نبيِّه» ،وبالقراءات بعد الخاصة والعا َّمة. القرا َءات للمقاطع ال ُم َؤث ِّرة في المجتمعات َّ وم َّرت أَشهر خمسة. في شهر آذار من السنة ،1924بعد أَن قامت الست بربارة بقرا َءة ٍ آيات من «النبي» في «جمعية النساء» في الكنيسة نفسها ،تق َّد َمت منها إِحدى األَوانس تسأَلها إِذا كانت تعرف جبران .ه َّزت الخطيب ُة رأْ َسها متأَ ِّسف ًة ،وشُ َّد ما كان استغرابُها عندما سمعت من اآلنسة المذكورة أَ َّن جبران في نيويورك .على أَنها تر َّد َدت في طلب التع ُّرف إِليه خشي َة أَن تمحو شخص َّيتُه الحقيقي ُة تلك الشخصي َة ال ُمثلى التي حساسها الفني وخيالُها الشاعر .كان عر ٌاك شديد بين االكتفاء بال َمثَل كَ َّونها لها إِ ُ األَعلى الخيالي والفضو ِل األُنثوي الدافع إِلى االطِّالع على الجديد مهما يكُن .حتى بشي ٍء من ا ِإليجاس والحذَر أَرضت به الست بربارة انتصر الفضول ،طب ًعا ،لكنه اقترن ْ خيالَها المكتفي بما تتمثَّلُه عن جبران .عز َمت على مخاطبته بالتلفون لكنها تج َّنبت ٍ صوت قد يُب ِّدد ما تص َّو َرت سما َعه من نبرات «النبي» ،فكت َبت إِليه رسال َة سما َع عجاب واحترام ،وأَخذت تَ ُع ُّد الساعات مق ِّدر ًة م َّدة الذهاب ،م ْؤمن ًة بتسلُّم جواب إِ ٍ عن تلك الرسالة. الجواب أَسر َع ِم َّما ق َّد َرت .وكان شفهيًّا حملَه سل ُْك التلفون يسأَل عن كان ُ صح التعبير ،يدعو جبران الس ِّيدة بربارة يونغ ويدعوها إِلى محترف جبران أَو ،إِذا َّ نفسه إِلى مكتبها .فضَّ لَت أَن تذهب هي فتزو َر الشاعر الكبير في مهبط وحي ِه في َ « 51غربي الشارع العاشر» .ولم يكَد ينتهي حديث المجامالت حتى أَصب َحت الست بربارة من أَخلص أَصدقاء جبران وأَصدق معاونيه ،سب َع سنوات متوالية ،يُفضي إِليها بكل ما يخالج قلبه ،ويُطْلعها على خفايا حياته الكئيبة ،وال سيما في آخرها، عجاب األُخت الف ُخور ،وت َمتَثل ألَقواله فتحنو عليه ُح ُن َّو األُ ّم العطوف ،وت ُع َجب به إِ َ َ امتثال الب ْنت المطيعة ،يستشيرها في المشاكل االجتماعية ،يتَّكل عليها في الشُ ُؤون األَدبية ،يرتاح إِلى تعازيها في أَزماته الصحية ،يراها ج ْنب سريره في المرض األَخير وفي الساعات القليلة التي قضاها في المستشفى ،حتى إِذا فارق هذه الفانية 34 8
عباسلا لصفلا
أَخذَت تهت ُّم بما تركَه من مخطوطات .ج َّه َزت للطبع ثالث َة مجلَّدات كَتبَت مق ِّدمة ٍ واحد منها .رت َّ َبت آثاره الفنية فأَظه َرتْها في معرض تذكاري ،في محترفه الخاص ،فتح أَبوابه من كانون الثاني إِلى نيسان .1932ثم هيَّأَت ْها مع آثار المحت َرف جمي ِعها حتى شُ ح َنت إِلى مسقط رأْسه .وهذه التذكارات في ُمحترف الفقيد ،كم كانت يقظتُها الحواس ،تنتقل من زاوية م ْؤلِـ َم ًة في بْشَ ِّري حيث رأَينا الست بربارة ،كأَنها مخطوفة ّ إِلى زاوية ،من صورة إِلى صورة ،من قطعة خشبية إِلى كرسي ،إِلى ريشة ،إِلى رأْس تمثال مهشَّ م ،وتقول« :كان يجلس هنا ،كان يُس ِند كتابه إِلى هذا ،كان يَكتب بهذا، كان يَرسم على هذا ،»...حتى إِذا وق َع ْت عيناها على دفت ٍر بين مخطوطات جبران علي». صا َحت« :هذا َخطِّي .مقاطع من يسوع ابن اإلنسان كان يُمليها َّ
َّ َ تعرفت ِإىل وطنه... ...وهكذا
ٍ كان من نصيبنا أَن اجتم ْعنا عدة ساعات في ِ جلسات إِلى هذه الس ِّيدة ثالث الراقية ،ورافقناها في رحلة ُخشوعية إِلى مسقط رأْس جبران ،27وقد جا َءت لتقضي فيه سن ًة كامل ًة ت َكتب في أَثنائها حياة الفقيد .لك َّن حوادث الحرب الحاضرة 28باغتَتْها في ُعرض األُوقيانوس فاضط َّرتها للرجوع إِلى نيويورك ،وأَرغ َمتْها على أَن ترقُب بصب ٍر بعض الزمن فتُ ِت ُّم ما بدأَتْ به. ختا َم المأْساة العالمية الجديدةَّ ، فسح لها َ لعل ﷲ يُ ُ فصل بعنوان مولدُ جبران ونشْ أَته سر َد فيه ف َؤاد 2 7في هذا الكتاب ذاته (ص 27 إلى ٌ )34 افرام البستاني أَ َّن جبران لم يولَد في بْش ِّري بل «في وادي الرطل من ناحية الهرمل التي كانت تابع ًة قائمقامي َة البترون على عهد المتصرف َّية» ،فكان الوال ُد خليل جبران ،لِق َْس َوة الطقس شتا ًء في بْشَ ّري ،ينزل بعائلته لل َمشتى إِلى قرية مر ْجحين في وادي الرطل ،حتى إِذا بدأَت بَ َوادر الربيع عاد بعائلته إِلى مسقط الرأْس في بْشَ ِّري .ووالدة جبران في كانون الثاني جعلت البستاني ينحو إِلى هذه الفرضية (الوالدة في مرجحين) وكان سم َعها من ابن الهرمل رئيس مجلس النواب اللبناني لفترة طويلة صبري حمادة الذي سمعها ت َوات ُ ًرا من أَبنا ِء منطقة الهرمل. 28تذكي ًرا :كتَب البستاني هذا المقال ونشَ َره في المشرق سنة 1939إِبَّان الحرب العالمية الثانية. انبل يف غنوي هربراب
بيد أَ َّن األَبحاث الجبرانية تستفيد الكثير من مرور السيِّدة يونغ في بالدنا وإِ ْن مرو ًرا سري ًعا .فهناك ص َو ٌر غي ُر معروفة ومخطوطاتٌ غي ُر منشورة أَسع َدنا الح ُّظ بأَن نَطَّلع عليها .وهناك معلومات نفيسة عن حياة جبران العامة والخاصة ،وعن آرائه ومعتقداته ومظاهر روحانيته الغريبة ،نغتبِط بالوقوف عليها بواسطة شاهد عيانٍ عجب بأُستاذه شاء أَن يُسقط األَسانيد فنقَل إِلينا بحذافيرها تلك طالب متف ِّه ٍم ُم ٍ بل ٍ ِ المحادثات المتتابع َة بينه وبين المعلِّم الراحل .كانت الست بربارة تَنقُل لنا هذه األَحاديث من ذكريات األَعوام المتعاقبة كأَنَّها حصلت أَمس ،فتُ ْحييها بابتسامتها أَو بكآبتها ،بخشوعها أَو بِـ َمرحها ،وتتمثَّل المشاه َد العديد َة في محترف جبران وفي وكل هذا فيما الس َّيارة تقطَع بنا أَخاديد طريق غيره من المجتمعات النيويوركيةُّ ،... أَميون ،أَو تدور في المصاعد اللولبية المتراكبة من كوسبا إِلى أَعالي الجبل المقدس. النساك والقديسين. – هذا قاديشا الوادي المق َّدس ُ العابق بعطور َّ – آه! قاديشا! وهمست في الست بربارة ،فه َّزت حفي َدها 29ذا السنوات األربع، برقَت عينا ّ َ أُذُنه« :كريستوفر ،قاديشا» ،مشير ًة إِلى الوادي الرهيب .فر َّدد الطفل الكلمة م َّرتين مبتس ًما ابتسامة معنوية ،وتابع دون أَن يح ِّول نظره عن الوادي: – ومار سركيس؟ أَين مار سركيس؟ – سنصل إِليه ع َّما قريب. – هذه مغارة القديسة مارينا... وما ه َممنا باالندفاع في إِطْالع الست بربارة على هذه األُسطورة اللبنانية الجميلة ،حتى ه َّزت رأْسها بثق ٍة وقالت: 29حاشية للبستاني« :أَشارت بعض جرائدنا اليومية إِلى وصول الس ِّيدة يونغ وأَبحاثها عن جبران ،ذاكر ًة أَنها أَتت بابنها لتعلِّ َمه لغة جبران .ول ّما سأَلناها عن اسم «ابنها» هذا ت َب َّس َمت وأَشارت إِلى الطفل وإِلى وجهها الصافي على رغم بعض التج ُّعدات ،وقالت: «ابني؟ عم ُره أَربع سنوات ،وعمري إِحدى وستون سنة ...هذا كريستوفر ابن بنتي» .ولعلَّها أَول امرأَة ت َذكر عن عمرها رق ًما يتجاوز ما يعتق ُده المتأَ ِّمل فيها». 350
عباسلا لصفلا
– أَعرف القصة .رواها لي جبران. وكم كان انفعالُها ُم َؤث ِّ ًرا عندما أَطلَّت بْشَ ِّري ،وفوقها «وسام األَرز األَكدر على صدر ظهر القضيب» ،كما يقول جبران .وما هي إِن وض َحت الخطوط وتقاربت األَبعاد حتى بان سنديان مار سركيس يصعد إِلى ابيضاض الكهف حيث شاء الشاعر أَن يستريح من متاعب الدنيا وتكالُب أَبناء الدنيا. الطريق التي تُ َؤ ِّدي إِلى القبر ،شأْ َن كل سبيل يتخذه ا ِإلنسان صعب ُة المرتقى تلك ُ ِإلدراك شخصية ذاك النائم ال ُمطْ َم ِئ ّن .إِنها تفرض الرغبة الشديدة والـ َجلَد ال ُمتَتَابع إِن لم تفرض الـ ُح ّب البا ّر. – ما رأْيُ ِك لو ُم ِّهدَتْ و ُع ِّبدَتْ فتق َّد َم ْت عليها الس ّيارات؟ – ال! ال! ال س َّيارات وال ض َّجة قرب جبران. قالت هذا ،واللهثات تقطِّع كلماتها .وأَضافت: – يجب أَن يَتعب َمن يو ُّد الوصول إِلى جبران. تولها الصمت الخاشع فتَ َّولنا ما قطَ ْعنا الباب الخارجي لمدخل الدير حتى َّ االحترام والهيبة ،ناظرين إِلى اآلية الالتينية المعروضة منذ أَجيالO beata : .solitudo, sola beatitudoومعناها« :أَيَّـتها الوحدة المغبوطة [أَ ِ نت] ال ِغبطة الوحيدة!». بشي ٍء من الغبطة ولم يتخلَّل ذاك الج َّو الرهيب إِلَّ صوتُ الصغير ،وكأَنه ُغلِّف ْ الكئيبة ،ير ِّدد: – مار سركيس! مار سركيس! في القبر -ال َمعبد طل َبت أَن ت ُت َرك وح َدها. دقائق حفلَت بالمناجاة الصامتة تهزأُ بالمكان والزمان: خر ْجنا َ َ ْ أَ حس ـ ُ ـب الرفيقي ـ ِـن ن ــأ ُي الرض بينهم ــا
َ بـــال! هـــذا عليهـــا ،وهـــذا تــــحتها ِ
(النابغة الذبياني)
انبل يف غنوي هربراب
ََ وجثت عند جثمـانه ... وكل قطع ٍة ودفتر .هذه وسادتُه .وهذا ورسم َّ في المتحف عرفَت َّ كل صور ٍة ٍ شمعدانه ذو السبع الشموع كان يص ِّور على نوره .هذا الحاجز الخشبي المحفور حجاب الرموز َص َنعه بيده ،وكذلك هذا ال ُمتَّكأ .وكأَ َّن انشق أَمام الس ِّيدة َ الغامض َّ َ تبق صور ٌة غامض ٌة في المتحف وال حرك ٌة في األَشخاص ال معنى لها .بين ص َور فلم َ كل إِلى جهة ،وقد شخصين عا ِريَين متَّج َهين ٌّ الفقيد غي ِر المنشورة رس ٌم مل َّون يُـمثِّل َ ُربطت يداهما برباط وثيق .كان الناس يُع َجبون بهذه الصورة وال يَعرفون ماذا تمثِّل، شأْن أَكثر الصور الجبرانية .أَما ذوو االختصاص وأَرباب اال ِّدعاء ،فكانوا يشرحونها متفلسفين بأَنها صورة الزواج الذي يربط بين الزوجين وإِن تخالفت نزعاتهما حتى المعاكسة .وأَما الست بربارة فقالت مبتسمة« :إِنها رمز الحزن والفرح المرتبطَين أَب ًدا ،على تعاك ُِسهما ،في حياة ا ِإلنسان» .ف ِإذا بالصورة تتَّخذ أَمامنا حيا ًة جديدة، الشخصين انتش َرت على قسمات وجهه الغبط ُة الهادئة ،بينا ت َـخ َّدد وإِذا بنا نرى أَحد َ جبي ُن اآلخر بخطوط الكآبة األَليمة. هي ساع ٌة عذبة في متحف جبران ،و ِددنا لو طالت إِلى ما وراء الساعات واألَيام والشهور ،فَتَتَ َمكَّن هذه السيِّدة ،وت ُ َم ِّك ُننا ،من فهم رموز الشاعر وتص ُّورات الفنان. وال شك أَ َّن جبران كان يع ّبر عن فكره بالرسم والكتابة على السواء ،كما يَظهر من والبعض اآلخر في حقيبة مخطوطاته ومس َّودات رسومه ،بعضُ ها في متحف بْشَ ِّري ُ الست بربارة .وقد أَ ِذنَت لنا بدرس ما فيها ،فرأَينا أَن نُطْلِع مريدي جبران ودارسيه على ما لن يتس َّنى لهم االطال ُع عليه بعد سفَر الكاتبة األَميركية.
ُ ف ت حقيب�ا كنوز ُه ي�
تحتوي الحقيبة على كثير من الصور األَصلية ،وعلى عدد من ال ُن َسخ أُصولُها محفوظة في متحف «ميتروڽوليتان» في نيويورك وهو من أَعظم متاحف العالم، أَو في متحف لندن ،أَو في مجموعات خاصة .وقد الحظنا في بعضها ،وال سيما في 352
عباسلا لصفلا
المحاوالت ،أَن الكتابة كثي ًرا ما اقترنَت بالصورة فأَظهرتا ،مجمو َعتَين ،فكر َة جبران. وهو أُسلوبه في أَكثر كتبه .من ذلك :صور ُة جبل شاهق بارز ع ّما حوله من العناصر الطبيعية مكتَ َن ٌف بكثير من الضباب ،وقد كَتَب على الصورة بالعربية« :إِذا ماتت األَرض تح َّولت ما ًء ،وإِذا مات الماء تح َّول هوا ًء ،وإِذا مات الهواء تح َّول نا ًرا ».وفي حقيبتها محاول ٌة لرسم المسيح ،عليها بالعربية« :مملكتي حيث يجتم ُع اثنان أَو ثالث ٌة بالحب والفرح». منكم على اسمي ّ الصورة والكتابة مقترِنتان في نظره ،ال َ فرق بينهما في أَداء الفكر ،وكذلك ال فرق بين أَن ي َؤ ِّديه بالعربية أَو با ِإلنكليزية ،وإِن كانت ا ِإلنكليزية ،في رأْيه وبالنسبة عمق بالغ ًة وتأْثي ًرا .يَشهد بذلك سبيل ،وأَرف َع تعبي ًرا ،وأَضب َط سهل ً إِليه ،أَ َ دقائق ،وأَ َ َ رض عنه ،حتى م َّزقَه وكت َبه دفع ًة كتاب النبي الذي كت َبه أَربع م َّرات بالعربية فلم يَ َ واحدة با ِإلنكليزية .وتشهد بذلك أَيضً ا مخطوطاتُه ،وفي صفحاتها العربية كثير من التنقيح وا ِإلصالح والتحشية وإِبدال المفردات مع بعض األَغالط واألَخطاء ،بينما الصفحات ا ِإلنكليزية صافي ٌة ،على الغالب ،وسليم ٌة من آثار التنقيح إِلَّ ما يعرض من وضع كلمة موض َع أُخرى ،أَو تقديم تعبير على آخر .وسنعرض مقاط َع من مخطوطاته العربية ت ُبرز أُسلوبه في الكتابة والتنقيح .كان يستعين باللغتَين م ًعا وكل ما رأَيناه منها :مقاط ُع من في إِعداد أَبحاثه ،كما يتضح من األَوراق ا ِإلنكليزيةُّ ، «وصف مريم – تصفها يسوع ابن اإلنسان كتَب في رأْس صفح ٍة منها بالعربيةْ : إِحدى جاراتها ».ثم تابع با ِإلنكليزية .وهذه صفحة كاملة با ِإلنكليزية ،على أَعالها بالعربية« :فقال تلميذ :ت ُرى هل أَنا أَكثر من قطرة ندى ...إِلخ .إِلخ.»... ومن محفوظات الست بربارة الفن ّية :صور ُة ع َّباس عبد البهاء ،زعيم البهائِيين. زار نيويورك سنة 1912واجت َمع به جبران في السابعة مسا ًء ،فتأَث َّر بِـ َه ْيبته الساجية وظل مضطربًا يتمل َمل متأَ ِّم ًل بوجه عبد البهاء حتى إِذا ج َّن ُه الظالم لم يق َو على النومَّ . إِلى منتصف الليل فقام وأَخذ يعمل ،مستن ًدا إِلى ذاكرته وحدها ،حتى أَخرج صورة تلك الهيبة على أَت َـ ّم ما يمكن ،وق َّدمها صباح اليوم الثاني إِلى صاحبها ،فأُعجب بها انبل يف غنوي هربراب
كل ا ِإلعجاب .30ولهذه المناسبة ذك َرت الست بربارة أَن جبران كثي ًرا ما كان يص ِّور من َّ دون أَمثلة أَو نماذج ( )modèlesمستن ًدا إِلى خياله الخصيب وإِلى تمارينه العديدة المتتابعة .فهو كان من كبار المشتغلين تمري ًنا ورياض ًة في ا ِإلنشاء والتصوير. ومن محتويات الحقيبة األَميركية :صور ُة امرأَة نائمة ،أَو مائتة ،بين الزهور. تستقل شخصيته بَعد .ومن عهد َّ رسمها في بيروت ولم وهي من أُولَ َيات ص َور جبرانَ ، شبابه :صور ٌة جميلة ج ًّدا تمثِّل ال َمريَ َمات الثالث :مريم أُ ّم يسوع ،ومريم المجدلية، ومريم أُخت لعازر ،وهي غاية في التأْثير األَليم ،اشتراها أَحد سكان نيويورك وحفظَت الست بربارة نسخة عنها .وكذلك ت َ ْحفَظ نسخ ًة من «شجرة الحياة» (األَصل «التجسد المتتابع» (األصل في متحف متروپوليتان في نيويورك)، في بْشَ ِّري) ،ومن ُّ ومن رسم «المسيح» الذي زيَّن مدخل [غالف] يسوع ابن اإلِنسان ،ومن «العائلة» الص َور الباقية في محفظة الست بربارة ألَن (األَصل في بْشَ ِّري) .ومن الصعب ُ وصف ُ لعل أَجملها« :ر ُؤوس العميان» ،وصورة شيخ شاعر في الحديث ال يُغني عن العيانَّ ، نيويورك تجلَّت فيها الهيبة الوادعة فانسابت من خطوطها الطمأْنينة والسالم .وكان الشاعر األَميركي المشهور إِ ْد ِو ْن ماركهام ( )Edwin Markhamشا َه َد هذه الصورة في المعرض الذي أَقامتْه الست بربارة بعد وفاة الف َّنان ،فكتب عليها بخطِّه الكبير الص َور التي رأَت ْها عيناي – 9نيسان .»1932 الواضح« :هذه الصورة بروحان َّيتها أَ ُ جمل ُ دروس وتماري ُن ومحاوالتٌ تصويري ٌة يَكثر وهناك أَوراق عديدة متناثرة ،فيها ٌ فيها رس ُم األَيدي واألَرجل والر ُؤوس واألَجسام المتداخل بعضُ ها في بعض ،والعضالت ميل إِلى تمثيل اليد المقفَّعة بتقاطيعها خاصة .ويالحظ ال ُمطالع أَن في الف َّنان ً ّ الدقيقة .وهناك صور ُة ٍيد كبير ٍة أَصاب ُعها شديد ُة االنقباض وفيها الخواتم الضخمة 30ربما أَشكل األمر على البستاني في نقْل هذه الواقعة متَر َجـم ًة له (لم يكُن يتْق ُن ا ِإلنكليزية) أَو أَ َّن يونغ ذات َها َر َوت ْـها مختلفة .ففي الفصل السابع «ضبابة منحوتة في صورة» من كتابها هذا الرجل من لبنان أَ َّن الموعد مع جبران ح َّدده عب ُدالبهاء في السابعة «بقيت سهرا َن ط َُول الليل ل َيقيني أَ ْن لو ن ْم ُت يوم من ،1912وأَ َّن جبران قال لها: صباح ٍ ُ َ َ عيني ويَ َد ّي». ً طويل لن أستطي َع السيطرة صبا ًحا على َّ 354
عباسلا لصفلا
كأَنه أَراد أَن يُـمثِّل بها ِ الش َّح والحرص .وهذه األَوراق ترقى إِلى سنين متتابعة ،منها ما يتصل بجبران الفتى (بينها ورقة تحمل ،مطبو ًعا ،عنوا َن فندق في ﭘـاريس) ،ومنها ما يرقى إِلى آخر حياته.
أَ ت دفا�ه الربعة
المخطوطات التي شا َءت الس ِّيدة يونغ أَن تُطْلِ َعنا عليها هي في أَربعة دفاتر. جلي في الغالب ،على ٍ قسط من الجمال ،إِنما يكثر فيه الحذف خطُّها ٌ واضح ٌّ والتحشية والتنقيح ،سوا ٌء أَكُ ِتب بالحبر أَم بالقلم الرصاصي .ويالحظ الدارس أَن الكاتب يُسرع في تدوين أَو ِل ما يخطر على باله من التعابير ،حتى أَنه ينسى وسط الكلمة فيكتب «وحد» بدل «واحد» ويكتب بعض الحروف ،وال سيما األَلِف ْ «سطان» بدل «سلطان» و«المزكشة» بدل «المزركشة» .وقد ال ينتبه ،في سرعته، لقواعد العروض وال ألُصول ا ِإلمالء والنحو أَحيانًا ،فيكتب الهمزة الواقعة بعد األَلِف كرسي مهما تكن حركتها« :شا َءوا» .ويقول« :ترى أَن العقل مفتوح ًة أَب ًدا دون ٍّ نصب اسم «ليس» في «المواكب» سطانًا» وقص ُده «أَن العقل سلطان» .وكثي ًرا ما َ في ردود الفتى: ً ليس في الغابات عدل ليس في الغابات ً عزما ْ ليس في الغابات ِعل ًما ً ليس في الغابات موتا ْ ليس في الغابات ُسك ًرا
ولكنه أَصلح ذلك مر ًة في «ليس في الغابات عز ًما» فضرب على األَلِف من «عز ًما» .أَما الغلطة النحوية في قوله «يدعى السي ُد ِ الخط ُر أَو ال َو ِق ُر» فكأَنه أَراد تدا ُركَها ألَنه وضع عالمة استفهام فوق «ال َو ِقر». ويجب القول إِ َّن من هذه الدفاتر ما يرقى إِلى عهد تل َمذة جبران .ومهما كاتب بما في مس َّوداته األُولى من خط ٍإ أَو سهو .على أَننا يكن ،ال يجوز أَن ي َؤا َخ َذ ٌ انبل يف غنوي هربراب
لعل في بعضها فائد ًة لط َُّلب بشي ٍء من التفصيلَّ ، رأَينا ْ وص َف هذه الدفاتر األَربعة ْ ال َمباحث الجبرانية: )1دفت ٌر صغي ٌر دون جلْد ،ال شك أَنه كان من دفاتره المدرسية .عليه ُص َور ت َـحارير« :إِلى رئيس عام» و«إِلى صديق» و«إِلى بطريرك» ،وما شاكل من تلك الطلب في القرن التاسع عشر وأَوائل القرن «الص َور» و«التراجم» التي كان يتناقلُها َّ ُ «الص َور ا ِإلنشائية» التي ت َم َّرن عليها جبران العشرين .أَ َوليس عجيبًا أَن تكون أَكثر ُ من الرسائل ا ِإلكليريكية؟ )2دفت ٌر ثانٍ أَكب ُر من األَول .دون جلْد .يحمل على ورقته األُولى« :من دفاتر جبران خليل جبران .ت أَول »1900وتحتَها ،على ثالث مرات ،هذان البيتان: ََ مســـتعير ْ َ الكتـــب دعنـــي أل يـــا وجـ ْـد ُت كتابي(كــذا) فــي الدنيا حبيبي
ُ َّ ُ عـــار فـــإن ِإعارتـــي للك ْتـــب ِ حبــيـبــــي ال ُيــبـــــاع وال ُيعـــارُ
والدفتر مجموعة أَبيات منت َخ َبة من أَقوال ابراهيم بن سهل ،وابن معتوق، والشيخ سليم حنا الضاهر .وكلُّها من الشعر السهل المائع .وفيه تماري ُن إِنشائي ٌة من نثر وشعر ،أَكث ُرها غي ُر كامل ،حافل ٌة بكثير من االستعارات والتشابيه .منها هذا المقطع« :أَخذتُ اليراع وط َّيرتُ رائد األَفكار فسقطَت على جذوع األَلفاظ والتقطَت أَثمارها ورج َعت إِلى أَعشاش الطُروس وول َدت أَفرا َخها .تطاي َرت طيور األَفكار في سماء المعاني وسقطَت على غصون اليراعة وغ َّر َدت أَلحانها .ارتف َعت أَ ِ بخرتُ (كذا) األَفكار بحرارة شمس الذكاء إِلى فضاء المعاني ففا َجئَتْها (كذا) واص َقطَتْها (كذا) على األَقالم شوبوبًا (كذا) فسال على أَرياح ا ِإلرادة الباردة ْ الطُروس مدا ًدا». ومنها هذا المقطع« :أَنا اآلن في البيت الذي سك َّناه من سبعوات (كذا) أَعوام، جالس على مقعد بقرب طاولة عليها نو ٌر يبعث على الورقة التي أَخط عليها كال ًما ربما ال تنظره عين وال تسمعه أُذن ،ويشق كبد الظلمة بأَسهم نارية .أَرتجف بر ًدا ألَن الشتاء قد أَقبل يهز الريح عطفيه ويسحب النسيم أَذياله». 356
عباسلا لصفلا
وواضح أَن هذه من إِنشاء تلميذ على نصيب وافر من الخيال والميل إِلى الكتابة إِنما لم ت ُصقَل مواه ُبه بعد ولم يَث ُبت ذوقه الفني. وتلي ذلك محاوالتٌ شعرية غير موفقة. قليل فارتقى ارتقا َء األُسلوب ا ِإلنشائي: في آخر الدفتر صفحة بخ ٍّط ت َط َّور ً تجيء وأَشباح تروح .خياالت تطوف في فضاء وسيع ،وأَرواح تسير على «أَشباح ْ مراسح المادة وفي مسارح المك ِّونات .أَفكار تتراوح بين هذه الدنيا وتلك ،وشعائر تتماثل بين الحب والبغض .نفوس تطلب االنعتاق من أَثر المادة ،ومادة تروم جمال فتعبده ،وقلوب ال ترى الجمال وال تعرفه. السيادة على النفوس .قلوب ترى ً وفي هذه األَشباح وهذه الخياالت وهذه األَرواح وهذه األَفكار وهذه الشعائر وهذه النفوس وهذه المادة وهذه القلوب ،محبة كانت منذ األَزل .ومن وراء كل هذه شيء». األَشياء قو ٌة هي ﷲ ،وﷲ في ّ كل ْ )3دفتر عادي قليل الورق ،مجلَّد .مكتوب على صفحته األُولى من جهة اليسار« :من دفاتر جبران خليل جبران» .فيه كتابات إِنكليزية قليلة ،ومحاوالت شعرية بالعربية ،منها: ي ــا خليل ــي ل ــو كن ـ َ ـت تعل ــم م ــا ب ــي َ ذاك حلـــــم ُ بفـــؤادي دفنتـــــــه
مــا سـ ُ الحبيب لكــن جفاني ـلوت أَ وبع ـ ُ ً 34 ـدت ع ــن النـ ــام وحيـ ــدا
32
واتخ ـ ُ ـذت الط ــروس ً صحب ــا ِفإن ــي وجعلـــت ُ َ حبـــر دواتـــي المــــدام
3 1 32 33 34 35
مــا جعلـ َ ـت أَالحديــث 31عهــد التصابي ُ الشبــــاب وجعلـــت ال كفـــان ُبـــرد ِ
َ فاقتنع ـ ُ ـت 33بوحشـ ــتي واكتئاب ــي (وحجبـ ُ ـت) 35عن العيون ُمصـــابي
ُ وجدت الطـ َ حاب قــد ـروس خيــر ِ الص ِ ُ َ الكتـــاب واتخـــذت النديـــم وجـــه ِ
كتَ َب فوقها« :ما رجعت ِلذكْر» كتَ َب فوقها «حتى سالني» «فاكتفيت» كتَ َب فوقها ُ كتَ َب فوقها « َخجولً » الهالالن في األصل انبل يف غنوي هربراب
َوأ ُ ً صروحـــا قمـــت مـــن الخيـــال ُ ً 39 وخلقـــت 38مـــن الخيـــال بـــادا
ْ َ 36 37 صدر ن ـخرق عاليات يــ السحاب ٍ ِ
وبعد هذه المقطوعة بيتان أَع َّدهما ل ُي ْكتَبا تحت رسمه ،على ما يظهر ،وهما بعنوانهما« :تحت رسمي»:
هــذا خيــال فتــى يهــوى الحيــاة وال
فـ ِـإن بــدى 40جامـ ًـدا والصمت يملكه
وعلى صفحة أُخرى ،دون عنوان:
َ ْ يـــا نفـــس ِإيــــاك الملـــل َ مـــل فـــا أ ســـيري علـــى ٍ َ نفـــس قـــد أ ْ ُ بعد ِتنـــي يـــا ً ُ فرضيـــــت فيــــــك قســــمة
ُ يكتئب يهــوى الحيــاة وفــي الحاليــن َ ـب يضطـ ُ ـاة الحـ ّ ـرب فاتلــوا عليــه صـ ْ جهـــــل ممــــن تجــاهــــل أَو أَ
ْ يدنـــي الوصـــال 41ســـوى المـــل عـــن لـــذة 42العيـــش الهنـــي َ وعـــن الرضـــا لـــن أنثنـــي
وبعد هذا المقطع ص َّور بالحبر األَسود الصيني ش َبه ُج َعلٍ ِ بشعٍ (نوع من الخنافس) بار ِز القرنين ،وتحته تابَ َع القصيدة:
يـــا نفـــس لـــو كان النـــوى َّ لتشـــوش الشـــرع الـــذي يـــا نفـــس لـــو كان البعـــاد
يثنـــي النفـــوس عـــن الهـــوى َ نثـــر الكواكـــب فـــي الفضـــا
(ثم شطب هذا الشطْر األَخير).
3 6 37 38 39 40 41 42 358
قمت الخيال صر ًحا رفي ًعا يتسامى إِلى» كَتَب فوق هذا الصدر« :وأَ ُ كَتَب تحتها« :يَلثُ ْمن وجه» كَتَب فوقها« :وبرأْتُ » انتهى هكذا بدون َع ُج ٍز لهذا الشطر كذا في األصل أَحاط هذه الكلمة بدائر ٍة وكَتَب تحتها «األماني» ،مع أَن هذا التصحيح يُضعضع الوزن الشعري َوضَ ع فوقها «سكرة»
عباسلا لصفلا
وفي الدفتر نفسه ٌ مقال طويل في عشْ ر صفحات ،كثي ُر الشطب والتحشية، حتى ال يكاد سط ٌر فيه يخلو من التنقيح .وأَكبر الظن أَنه مس َّود ٌة لِمقال ص َدر في «الهالل» جوابًا عن س َؤال كانت تلك المجلة طر َحتْه بشأْن النهضة الشرقية وإِمكان التضامن بين األَقطار العربية .وما أَمكننا استخالصه ،من بين ا ِإلصالحات والتعاليق والحواشي الكثيرة ،مطل ُع المقال وهو: «في عقيدتي أَ َّن ما نحسبه نهض ًة في األَقطار العربية ليس بأَكثر من صدى ضئيل لِما ندعوه ،ونحن في غيبوبة ،بالم َدنية الغربية .ذلك ألَن هذه النهضة الخاص، المباركة 43لم تولِّد شيئًا من عندياتها ،ولم يُبْ َن منها ما كان موسو ًما بطابعها ّ قليل، تمتص الماء من خارجها وتنتفخً 44 أَو مل َّونًا بص ْبغتها الذاتية .وا ِإلسفنجة التي ّ حي .أَما ذاك الذي يرى في ا ِإلسفنجة المنت ِفخة نبع ًة ح َّية، ال تتح َّول إِلى ينبو ِع ما ٍء ّ فهو أَحوج إِلى طبيب رمدي وعقاقيره منه إِلى صاحب هذا المقال ونظرياته» .ثم يقول إِن «الشرق مقلِّ ٌد للمدنية الغربية» .ويزيد في جملة ُّ تدل على أَن المقال كت َبه في أَثناء الحرب العمومية« :ليس بحثُنا هذا في ما إِذا كانت المدنية الغربية صالح ًة بح ِّد ذاتها أَو غي َر صالحة .فالمدنية الغربية قد وقفَت في تموز سنة 1914أَمام منصة القضاء السرمدي ولم ت َزل واقفة هناك .ولو انتدبني القضاء السرمدي ِإلصدار َّ لفعلت الساع َة ،وكنت بما أَقوله على وفاق تام مع المفكرين حكمه على المدنية ُ الغربيين نفسهم». ثم يحمل على الذين ي َّدعون الوطنية ،ويتظاهرون باالستقالل عن الغرب في بعض مظاهر الحياة ،وهم في جوهر حياتهم مقلِّدون لكل ما يُخرِجه الغرب. يأْخذون بالتقليد وي َّدعون االبتكار .قال في آخر تلك الجملة« :ولك ْن لو قال لي هذا السياسي والوطني الحر ،الذي يلعب دو َرين بلي َدين في وقت واحد ،لو قال سابق ونحن الحقون ،وعلينا أَن نسير بشي ٍء من النزاهة السطحية: «الغرب ٌ ُ لي ولو ْ لقلت له« :حس ًنا تفعلون .إِلحقوا السابق ولكنِ وراء السائر ونتد َّرج مع الدارج» إِذًا ُ 4 3كَتَب فوقها « ُمختلفة» 44كَتَب فوقها «وتنتفش» انبل يف غنوي هربراب
الْ َحقوه صامتين .سيروا وراء السائر ولك ْن ال ت َّدعوا بأَنكم غير سائرين ،وتد َّرجوا مع الدارج ولكن كونوا م ْخلصين للدارج وال ت ُخفوا حاجتكم إِليه وراء غربال الخ َزعبالت السياسية .وماذا يا ترى ينف ُعكم التضامن في األُمور الع َرضية وأَنتم غير متضامنين في األُمور الجوهرية؟ ماذا تجدي األُلفة في ال َمزاعم وأَنتم متباينون في كل عمل من بشي ٍء من النزاهة .أَما الطرشان، أَعمالكم»؟ هذا ما أَقوله لمن يريد أَن يَسمع ولو ْ أُولئك الذين ال يسمعون حتى همس نفوسهم ،فلهم الحصة الكبرى من عطفي وشفقتي .وأَما نصيبهم من صوتي فمثْل نصيبي من آذانهم.»... وفي آخر المقال صفحة وافرة التنقيح يُستخلَص منها ما يلي« :وفي عقيدتي أَنه لو أُتيح لنا الوقوف 45على قمة من قمم التج ُّرد ،مستعرضين المدنيات الغابرة وما أَحدثَتْه من النهضات والوثبات ،لرأَينا أَن نهضات (الشعوب) األُمم ليست بما أَوج َدت ْه لمنفعتها الخاصة بل بما تركته إِرث ًا 46لألمم التي تأْتي بعدها ،وعل ْمنا أَن َّ زبدة العهد الذي كان فجره في بابل ومساءه (كذا) في نيويورك ،هي في الحقائق الكلية الشاملة التي اكتشفَها نبوغ األُمم وأَثبتَها ،وفي الجمال المطلق الذي بان لبسه قال ًبا خال ًدا وأَوقفه بر ًجا ذهب ًيا 47أَمام وجه الشمس .ف ِإن كنا له في الحياة فأَ َ متديِّنين قلنا 48...وإِن كان بنا ميل لآلداب والفنون ،وما اآلداب والفنون من ِ الدين إِ َّل بِمقام الشرح من المتن ،رأَينا رموز تلك النهضات العلوية ظاهرة بجال ٍء في الثور ال ُمج َّنح الكلداني ،وفي أَبي األَهوال ،والهرم األَكبر ،في مزامير داود وسفْر أَيوب ،في الحكايات الهندية والفواجع اليونانية ،في آيات علي ونظريات الغزالي ونفحات الفارض وغضبات (؟) المعري ،وفي ر ْؤيا 49دان ِْت وتماثيل ميكل انجلو ورسوم دافنشي وروايات شكسبير وأَنغام بيتهوفن». 4 5 46 47 48 49 360
كَتَب فوقها «لِفَرد منا أَن يقف» كَتَب تحتها «ال يزول» كَتَب أَ ًول «قوالب خالدة وأَبرا ًجا ذهبية» ثم أَصلَحها كذا في األصل كَتَب تحتها «قصيدة»
عباسلا لصفلا
وفي هذا الدفتر صفحتان وافرتا التنقيح ،شأْن سائر الكتابات العربية ،تدوران حول «العقل والروح» في بحث ال يظهر تا ًما ،يُستخلَص منهما: «إِن العقول قشور األَرواح ،فمن 50يعيش بعقله دون روحه ال ولن يعرف من ظل ً الحياة سوى سطحياتها .ومن يحسب الروح ًّ ضئيل ومآتي الروح سرابًا ،51كان وجوده بعض الوجود ،52وكان وجدانه غالفًا للوجدان. ويقولون لي« :إِن المدنية الغربية قد قامت على دعائم العقل ،والعقل شيء عملي إِجرائي إِيجابي 53وهذا ما جعل الغرب غن ًّيا قويًّا غال ًبا». ويقولون لي« :فانظُر إِلى أَثمار العقول ومظاهرها ،من قطارات مسرعة وبواخر ماخرة وطيارات محلِّقة وآالت دائرة ،تقوم الواحدة منها مقام أَلف رجل ،وتُنجِز بساع ٍة ما ال ت ُنجزه األَيدي البشرية بسبعة أَعوام». وقسموا األَرض كما شاءوا ويقولون لي« :أَال ترى أَنهم بعقولهم قد سادوا ومادوا َّ (كذا) وحكموا سكان األَرض كما أَرادوا»؟ يقولون لي مثل هذه األَقوال باسطين البراهين المزركشة على سلطة العقل وميزته ،ثم يختمون حديثهم بس َؤالهم« :وماذا يا ترى أَنتجت (كذا) ذاك الذي تدعوه َ روحي المذهب ،فانظُر إِذَن والشرق عقلي الطوية رو ًحا ،ف ِإن كنت تحسب َ َّ الغرب َّ إِلى هذا وتهلَّل ثم الت ِفت إِلى ذاك وان ُدب». حس ًدا ،ثم إِلى روح لي أَن أَنظر إِلى عقل الغرب العامل ألَرتعشَ 54 يطلبون إِ َّ الشرق ألَندب .ذلك ألَنهم يتوهمون أَن الغرب بدون روح وأَن الشرق بدون عقل.
5 0 51 52 53 54
كَتَب أَ ًول «الذي» ثم أَصلحها فوقها بـ « َمن» في الجملة األصلية «نفحة في الفضاء» ثم أَصلحها بـ «السراب» كتَ َب في األصل «نصف وجود» كَتَب أَ ًول «عملي» ثم وضع فوقها «إِجرائي» وأَردفَها بلفظة «إِيجابي» كَتَب تحتها أَ ًول «ألغتبط» انبل يف غنوي هربراب
ومن هذا الوهم يسحبون (؟) ويستنتجون األَسباب مما ي ْدعونه تقهق ًرا في الشرق وتق ُّد ًما في الغرب.56 أَما نحن ،نحن المو ِّحدون ،نحن السكارى بخمر ِة وحد ِة الحياة وفرديَّتها ،نحن ال نج ِّزئُ األَرض إِلى شرق وغرب ،أَو إِلى قبلة وشمال .وال نفْصل 57بين عنصر من الناس وعنصر آخر .نحن نرى الطبيعة مظه ًرا واح ًدا من مظاهر ﷲ األَوحد .نحن رض كتل ًة واحدة ،والبشري َة عنص ًرا واح ًدا ،وأَ َ عمل واح ًدا. عمال البشر ً نرى األَ َ وشي ٍء ،حتى وال بين العقل وهو القشور ،والروح شي ٍء ْ نحن ال نفْصل بين ْ وهو اللباب ،ولكننا نم ِّيز بين هذا وذاك فنقول :العقل وقتي وهو الزم.58 سطحي ّ ّ بدي وهو أَلزم .غير أَننا في كليتنا نتساهل بعض األَحايين مع أَما الروح فباطني أَ ّ ّ قسم في هذه الفكرة يعرف إِصال ًحا بالشرق وهناك ال ُمج ِّزئين ،59ونقول نعم هناك ْ قسم آخر يدعى تَم ُّي ًزا بالغرب». وفي آخر هذا الدفتر – أَو في أَ َّوله من جهة اليمين – مس َّود ُة رسال ٍة قد تكون النص .والمعروف أَن جبران كان يكتُب مس َّو ٍ مو َّجهة إِلى َم ّي كما يُ ُّ دات ستدل من ّ ِ ِ بذهابك إِلى لبنان ،وال رجعت من لبنان ،فأَنا بالطبع أُه ِّنئُ ِك لرسائله .قال« :ها قد ِ برجوعك سالِمة إِلى مصر .لبنان .لبنان .لبنان .قولي علي أَن أُهنئَ ِك أَدري ما إِذا كان َّ بعثت إِ ِ ليك بالرسائل التي تجيئُني من أَبسط اللبنانيين لي ماذا وج ْد ِت في لبنان؟ لو ُ ومن أَكثرهم (تركي ًبا) 60لَ َما فك ِ كنت أَ ِ َّرت قط – لو ِ (هل غف ْر ِت لي هذا نت أَناَّ – االفتراض) بالذهاب إِلى قرنة من قراني الشرق». 55
5 5 56 57 58 59 60 362
كَتَب فوقها «الشرقيين» زاد فوقها «بين» كَتَب أَ ًول «وال نقْسم البشرية» ثم أَصلحها زاد فوقها «ولكنه» إِنما ال رابط لها كتب فوقها «الجزئيين» كذا في األصل
عباسلا لصفلا
)4دفتر كبير أَك َث ُر ُه أَبيض .يبدأُ من اليسار بمقاطع كثيرة من «آلهة األَرض» طفل وت ُرضعه، باللغة ا ِإلنكليزية .تليها محاوالت تصويرية ،منها صورة امرأَة تحضن ً رس َمها بالرصاص على شكل دوائر متتابعة متداخل بعضها في بعض فأَتت على كثير َ من الغموض والوضوح م ًعا .ثم رسم ح َّي ًة برأْس امرأَة جميلة .وفيه أَيضً ا محاوالتٌ لكتابة اسم «بربارة» بالعربية ،نظن أَن الست بربارة هي التي قامت بها ،وقد علَّمها جبران أَن تكتب اسمها ِبلُغ ِته .ولكنها ،في إِحدى هذه المحاوالت ،نس َيت الراء الثانية فأَتى االسم هكذا« :برباة». أَول الدفتر ،من ناحية اليمين ،حافل بكثير من عناوين أَشخاص با ِإلنكليزية .ثم هذا المقطع: ُ ُ ُ َ َ أريد أن أموت قبل َمن أ ِحب ،كيال أ َج َّن ِإذا مات قبلي. ُ يحبني َأن يموت قبلي كيال َي َ وأريد َمن ُّ ـحزن ِلـموتي قبله.
وتحته ،أَوهي مس َّو أَدة قطعة معروفة بعنوان «األَرض»:
تنبثق الرض من الرض ُر ً غما أَ أَ الرض ً تيها ً وكبرا ثم تسير الرض فوق ُ وتنشئ 62أَاالرض من 63أَ االرض أَ القصور والبروج والهياكل رض الساطير والتعاليم والشرائع وترسم ال أَرض على ال أَ َ َ ُّ َ االحالم واالشباح ثم تمل الرض أ أَعمال الرض أَفتحوك 64من هاالت االرض ً ً عميقا َأ ًّ ثم يراود نعاس الرض َأجفان الرض فتنام ً بديا نوما هادئا أَ لأَ َ َ َ ثم تنادي الرض قائلة ل رض« :أنا البدء وأنا النهاية» 65وكل ما بي َّفي ،وسأبقى ّ ظافرةً 66 رحما ً وتتحول الشمس ِإلى رماد. وقبرا حتى تضمحل الكواكب 61
6 1 62 63 64 65 66
كَتَب فوقها «كر ًها وقس ًرا» كَتَب فوقها «وتقيم» كَتَب فوقها «على» كَتَب تحتها «فتُبدع» كَتَب فوقها «أَنا الرحم وأَنا القبر» كَتَب فوقها «قوية هائلة» انبل يف غنوي هربراب
وفي صفحة ثانية مس َّود ُة قطع ٍة كامل ٍة ننشرها كامل ًة في ما يلي:
أَ مس كانت على ساعدي وبال تسير اليوم مستندة على ساعده، أَ الغصون ،وبالمس كانت بجانبي وتجلس بجانبه في ْظالل أَ ْ مس كانت ترشفها من كأسي وتشرب الراح ُمن كأسه ،وبال أَ وترمقه بعين ملؤها الحب ،وبالمس كانت ترمقني أَ ُ ُ قلت لصديقي« :أَال فانظرها مكتئة على ساعده ،وبالمس كانت على ساعدي». فقالً : ساعدي». على ا «وغد أَ َ َّ ْ وبالمس كانت إلى جانبي» .فقالً : ُ «وغدا جانبه، لى إ جالسة ها ل قلت« :تأم ِ ِ ِإلى جانبي». أَ ْ ْ ُ قلتَّ : «تبص ْرها تشرب الراح من كأسه ،وبالمس كانت ترشفها من كأسي». ْ فقالً : سي». كأ «وغدا من أَ «انظرها ترمقه بعين ْ ُ ْ ملؤها الحب ،وبالمس كانت ترمقني» .فقال: قلت: ً «وغدا ترمقني». ُ ُ َ «اسمعها تهمس أغاني الغراب في أذنه» .فقالً : ُ ْ «وغدا في أذني». قلت: أَ «انظر فهي تعانقه ،وقد كانت بالمس تعانقني» .فقالً : ُ ْ «وغدا تعانقني». قلت: أَ تقبل َشعري» .قالً : ُ تقبل َشعره ،وقد كانت بالمس ّ «انظر فهي ّ ْ «وغدا قلت: ِ ِ َ شعري». َ َ ُ قلت« :ما أغربها امرأة» .أَقال« :هي كالحياة يملكها (؟) كل الناس ،67وكالموت َّ تتغلب على كل البشر ،وكالرض (؟) تضم كل البشر».
وهنا هذه القطعة التا ّمة الدالَّة على ميل جبران إِلى التوحيد ،أَو الوحدة الرامية إِلى الحلولية التي تكلَّم عنها في قطعة سابقة: أَ َ تجزئة سطح الرض شغل الساسة َ وتجزئة النفس شغل الفالسفة َ وتجزئة القلب شغل الشعراء َ شغل ّ الكهان وتجزئة السماء
67كَتَب فوقها «البشر» 364
عباسلا لصفلا
ُ غريبا بطبعي َوأحالمي عن ُ وجدتني ً هؤالء المشتغلين بالتجزئة والتقسيم، ولقد ً منصرفا ِإلى الوحدة النفسية والعقلية والدنيوية والسماوية.
تلي ذلك شذرات ِ وحكَم:
ْ العلم ٌ طريقَ ،من سار عليها ال يستطيع الوقوف يومين متتابعين في مكان واحد. ُ ُ ٌ ُ ً ُ َّ َ َ مة أخرى ِإل وألقت الفتن بين عشائرها. لم تحكم أمة أ أَ َ لو لم يكن في الرض غير شجرة واحدة لعبدها الناس. ْ َ ليس أ َّمر من فقر يأتي بعد الغنى. َ َ َ جسادنا بعقولنا فلو (صرفنا) 68عقولنا عن أجسادنا أ َنعرف ألم أَ لـما شعرنا باللم. ً (العقل)َّ 69 يتموج مثل كل قوة غير محدودة ،قد تستشرف سبيل إلى إرسال ُّ تموجات (عقلية)ِ 70إلى مكان بعيد. ِ ِ
ولعل أَه َّم ما في هذا الدفتر :مس َّودات «المواكب» ،أَو أَكثر «المواكب» .وإِ ّن في درسها فوائ َد جمة تُطْلِعنا على تط ُّور فكر جبران ،واضطراب القوالب في التعبير عنه ،حتى استقرارها نهائ ًيا على الشكل المطبوع وإِن ليس بالشكل األَمثل. وهذه أَبيات نُشير إِلى ط ُرق إِصالحها في المس ّودة ،وقد وضع الكلمات النص المنشور مطبو ًعا. المصلَّحة فوق األَصلية .ثم نقابل بينها وبين ّ نبدأُ بالمقطع المعروف بـ «العلْم» .جاء في الدفتر:
ْ َ والعلــم فــي النــاس سـ ْـبل بــان أَولهــا الـــراح َ َ ْ وأ كث ــر العل ــم مث ــل الجه ــل أ َيس ـ ُـره َ حـــــلـــــــم وأفـــضـــــــل
َ ُ والقـــدر أمـــا أَواخرهـــا فالدهـــر
ُيرض ــي ولك ــن ف ــي ِإدمان ــه الخط ـ ُـر َ وسـ ْـرت مــا بين أبنــاء الكرى سـ ِـخروا
6 8الهالالن في األصل 69الهالالن في األصل 70الهالالن في األصل انبل يف غنوي هربراب
َ َ ْ وأنب ــل العل ــم وح ــي أَل ــو أبح ــت ب ــه ف ــإن َرأي ــت َأخ ــا الح ــام منف ـ ً ـردا ِ النبـــي الغـــد فه ــو الكلي ــم ُوب ــرد الغ ــاب يحجب ــه وهــو الغريــب عــن الدنيــا وســاكنها وهــو الغريــب عــن الدنيــا وســاكنها الشـــديد َ وهـــو البعيـــد ِوإن أبـــدى مالينـــة
وس ــرت م ــا بي ــن خل ــق س ـ ِـخروا َ ومحتق ُ ـــر عـــن قومـــه وهـــو منبـــوذ أَ ْ ُ عـــن أمـــة بـــرداء المـــس تأ ُ تـــزر ِ ِ َ الم النـــاس أم عـــذروا وهـــو أَالمجاهـــد غـــاب حضـــروا َ وهــو البــي جــاء النــاس أم هجــروا وهـــــــــــو
الـــبـــعـــيــــــــــــد
أَما في «المواكب» المطبوعة فقد جاء هذا المقطع:
ْ والعلــم فــي النــاس سـ ْـبل بــان أَولهــا َ ْ العلــم حلـ ٌـم إن ظفـ َ ـرت بــه ـل ـ فض وأ أَ ِ َ َ َ الح ــام منف ــرداً ـت أخ ــا ف ـ ِـإن رأي ـ فهـــو النبـــي ُوبـــرد الغـــد يحجبـــه وهــو الغريــب عــن الدنيــا وســاكنها َ ً وهـــو الشـــديد ِوإن أبـــدى مالينـــة
َ َ والقـــد ُر أمـــا أَواخرهـــا فالدهـــر َ وسـ ْـر َت مــا بيــن أبناء الكرى سـ ِـخروا ٌ َ ومحتق ُ ـــر منبـــوذ عـــن ُقومـــه وهـــو أَ ْ عـــن أ َّمـــة بــــرداء المـــس تأ ُ تـــزر ِ ِ وهــو المجاهــر الم النــاس أَو عــذروا َ وهــو البعيد تدانى النــاس أم هجروا
أَما البيت الثاني في المخطوطة« :وأَكثر العلْم »...فلم يظهر في هذا المقطع الحب. من «المواكب» ،بل نقله الم َؤلف إِلى مقطع ّ وهذا مقطع «العدل»: أَ ويـسـتـضــحــــــك المـــــوات َ َ بــه ويضحــك أهــل النــار لــو نظــروا
أَ والعــدل فــي الرض ُيبكي الجن لو ســمعوا فالســـجن والمـــوت للجانيـــن فالمـــوت للمجرميـــن ِإن صغـــروا والثـراء ِإن كبــروا والمجــد والفخــر ِإ ُ الخطـــر؟ منبـــوذ (؟) وممتهـــن وســارق الحقــل يدعــى السـ ِّـيد الوقـ ُـر فســـارق الزهـــر مذمـــوم ومحتقـــر وقاتـــل الجســـم مقتـــول ْ وقات ــل ال ــروح ال ت ــدري ب ــه البش ـ ُـر (بفعلتـــه) 366
عباسلا لصفلا
وهذا هو في «المواكب» المطبوعة:
أَ والعــدل فــي الرض ُيبكي الجن لو ســمعوا فالســجن والمــوت للجانيــن ِإن صغروا فســـارق الزهـــر مذمـــوم ومحتقـــر وقاتـــل الجســـم مقتـــول ْ بفعلتـــه
وقات ــل ال ــروح ال ت ــدري ب ــه البش ـ ُـر
َ َ والحــب في النــاس أ أَشــكال وأ كثرها والحــب إن قــادت الجســام َ موكبــه ِ أَ َ َ كأنـــه م ِلـــك فـــي الســـر معتقـــل ً قفص والطيــر ال يبنــي عشــا وهــو في ٍ
َ ْ كالعشــب في القيظ ال ٌ زهر وال ثــ َـم ُر أَ ِإل ــى الرغائ ــب والغــراض ينتح ـ ُـر َ ْ ٌ عـــداء لـــه ظفـــروا يأبـــى الحيـــاة وأ َّ وال كـــــــــــا
وهذا مقطع «الحب»:
أَ َ بــه ويســتضحك المــوات لــو نظــروا والثـراء ِإن كبــروا والمجــد والفخــر ِإ
ُ الخط ُر وســارق الحقــل يدعى الباســل ِ
71
أَما في «المواكب» المطبوعة فجاء على هذا الشكل:
َ َ والحـ ّ ـب في النــاس أشــكال وأ كثرها َ َ ـل الــراح أ َيس ــره ـ مث ـب ـ الح ـر ـ كث وأ أَ َ َ كأنـــه م ِلـــك فـــي الســـر معتقـــل
َ كالعشب َفي الحقل ال زهر وال ثــ َـم ُر
ُيرضــي وأ كثــره للمدمــن الخطـ ُـر
72
ْ َ ً عوانـــا لـــه َ غـــدروا يأبـــى الحيـــاة وأ
أَما أَجوبة «الفتى» المعروفة في «المواكب» ،فكأَنه كان ي َؤلِّفُها م ًعا .فهي في الدفتر كلُّها متتابع ٌة بعد أَن تتابعت مقاطع «الشيخ» قبلها. وفي الدفتر المذكور مس َّود ُة قصيدة ال عنوان لها ،ننشرها كما هي مع التعاليق التي وضعها الشاعر على بعض األَلفاظ بقصد إِبدالها: ً فـــي هـــدوء الليـــل يمشـــي مبطئـــا
ً َ أَ منفـــردا كأن الرض لـــم يمشـــي
ً وهـــو مثـــل الليـــل هـــول قـــد بـــدا َّ ً عظيمـــا تـــرى ِإاله َّ ً ّ ســـيدا تحتضـــن ِإله فـــردا ِ
ُ «وسارق الحقل 7 1وفي بعض الطبعات الصادرة بعد وفاة جبران أُصلح الخطأُ النحوي فجاء الباسل ِ الخط ُر» ُ لَ ْهو 72هو البيت المنقول من مقطع العلْم انبل يف غنوي هربراب
ً مرفوعـــا كمـــا ويـــدوس التـــرب َ َ فـــكأن الجســـم فـــي أثوابـــه ً قل ـ ُ ـت :ي ــا طيف ــا يعي ــق اللي ــل ف ــي َ قــال (كلمة غيــر مقروءة) وفــي ألفاظه قلـ ُ ـت ال يــا طيــف قــد مــات القــدر َ ً مبتســـما أنـــا الحـــب الـــذي قـــال قلـــت ال فالحـــب زهـــر ال يعيـــش ْ ً ســـحنته مكتئبـــا وفـــي قـــال َ قلـــت ال فالمـــوت صبـــح ِإن أتـــى َ ً مفتخـــرا أنـــا المجـــد فمـــن قـــال
أَ َ تلمــس (الطــال) أطـراف الســحاب مـــن شـــعاع وريـــاح وضبـــاب ٌّ َ ســـيره هـــل َأ َ جـــن أم بشـــر نـــت َ رنـــة الهـــزء :أنـــا كل القـــدر ً معترضـــا ْ ضمتنـــي ذراع القابلـــه يـــوم َّ ال ينـــال العيـــش إل نائلـــه َ َ بعـــد أن تذبـــل أزهـــار الربيـــع ضجـــة البحـــر َ لهج ــة القب ــر :أن ــا الم ــوت المري ــح َ َ ـــه غفلت مـــن النائـــم ـــظ يق أ ِ ِ َ َّ ََْ ـــه لــــم ينلنـــي مـــات فـــي عل ِت ِ
وينتهي القسم العربي من الدفتر بعملية حساب َّية على الثقْل النوعي ،غايتُها معرفة كمية الفضة والذهب في خاتم مركَّب من المعدنَين.
َ ش ش خ خ أضواء جديدة عىل �صه و�صيته
هذا أَفضل ما في الدفاتر المذكورة من معلومات أَدبية وفن َّية أَفادت ْنا الكثير من تط ُّور فكرة الشاعر المص ِّور .واألَفضل منها :معلومات حيّة شخصيّة كانت ت ُفيضها الست بربارة بدون انقطاع ،وفي حديثها نبرة ا ِإلعجاب واالحترام ،رأَينا أَن علينا ّ ووثائق للدروس الجبرانية ،ونعرضها على طريقة موضوعية ،تاركين ننقلها ،مصاد َر َ شامل في المستقبل. درسا ً استخراج األَحكام ل َمن يُعنى بدرس جبران ً قالت الست بربارة: «عاش جبران في نيويورك 22سنة وحي ًدا دون خادم .سكن أَولً محترفًا ض ِّيقًا يُوافق َد ْخله ،حتى إِذا م َّرت عليه سنتان أَو ثالث انتقل ،في البناية نفسها ،الرقم ظل فيه حتى آخر حياته .كان 51غربي الشارع العاشر ،إِلى المحترف الواسع الذي ّ 36 8
عباسلا لصفلا
يكتسب من تصويره .وقد ُعرِف أَم ُره فأَقبل عليه الكثيرون حتى أَصبح مع َّد ُل َد ْخله من الصورة الواحدة 25دوال ًرا .ومن الذين ص َّورهم فشُ ِه َر بهم :موريس مترلنك، وظل يص ِّور وهنري دي روشمون في ﭘـاريس ،وع َّباس عبد البهاء في نيويوركَّ . بالزيت حتى سنة 1915حين ارتف َعت أَسعار موا ِّد التصوير بما يفوق مقدو َره فترك الزيت إِلى الفحم والرصاص وبقي عليهما حتى وفاته. أَما الكتابة فكان يلهو بها أَ َّول األَمر وال يأْمل منها رب ًحا ،حتى نشر «المجنون» ومدخل الثروة .ولم يلبث جبران المص ِّور َ با ِإلنكليزية سنة ،1918فكان فاتح َة الشهرة أَن تضا َءل أَمام جبران الشاعر المفكِّر في نظر األَميركيين .وظل ذوو االختصاص بالفن التصويري يق ِّدرون الفنان المص ِّور على احترامهم الم َؤل َِّف النابغة».
ُ ُّ و«الن�» هو وأمه بي
وأَخذَت الست بربارة تفيض في احترام األَميركيين آثا َر ُه الكتابية ،من «المجنون»، خاصة إِلى «يسوع ابن ا ِإلنسان» ،إِلى «آلهة األَرض» ،مما يعرفه الجمهور ،وتتوقَّف َّ سبب اتصالها بالم َؤلِّف .أَطْلَ َعتْنا على عند «النبي» الذي كاد يحتكر إِعجابها إِذ كان َ خالصا ناد ًرا ،كما ُّ تدل على احترامه معلومات بشأْنه تشير إِلى إِخالص جبران لف ِّنه إِ ً أُ َّمه وتقديرِه مواه َبها .وهنا مل َّخص ما جاء في كالمها: «كانت أُ ُّم جبران من النساء الذك َّيات العاقالت ،من أُول ِئك اللبنانيات ذوات الشخصية القويَّة ،اللواتي ي َؤث ِّرن في أَوالده َّن أَث ًرا عميقًا يجاوز أَث َر اآلباء ،ويرافق األَبنا َء في جميع مظاهر حياتهم .كانت عارف ًة باللغة ا ِإلنكليزية ونالت ،في أَثناء إِقامتها في أَميركا ،كثي ًرا من تلك الثقافة االختبارية التي يُ ِ نض ُجها التوازن العقلي على حق الفهم ،وتُعجب به ال إِعجاب األُ ِّم بـ «غزالها» بل إِعجابها مهل ،فغ َدت تَفْهم ابنها َّ بفتى نابغ يَخرج عن مستوى الجمهور من البشر .تعرف أَنه مدع ٌّو لتمثيل دو ٍر في أَدب بالده وف ِّنها ،ولكنها تشعر ،على رغم محبة األُ ّم ،أَنه لم ينضج بعد للقيام بهذا البصر البعيد، الحب العطوف ،ويشعر بهذا َ التمثيل .وكان جبران يعرف منها هذا ّ ظل يختلج احترا ًما لذكراها فيعرض عليها آثاره األُولى ويتق َّيد بأَحكامها وآرائها ،كما ّ انبل يف غنوي هربراب
وير ِّدد أَقوالها طول عمره بعد أَن و َّدعتْه الوداع األَخير سنة ،1903وظل يُعيد أَقوالها للست بربارة حتى وفاته .وجم َعت الكاتبة األَميركية من أَقوال األُ ّم الراحلة وأَحاديثها كُت ِّي ًبا صغي ًرا لت ْنشُ ره مع ترجمة جبران. أَلَّف جبران «النبي» أَ َّو ًل باللغة العربية وع َرضَ ه على أُ ِّمه فخو ًرا .بعد أَن سمعتْه األُ ُّم منتبه ًة لم يمن ْعها إِعجابها من القول« :إِنه كتاب عظيم لكنه سابق ألَوانه .فكْرت ُه رائعة عميقة لكن تعبي َرك عن هذه الفكرة ال يزال بحاجة إِلى االختمار يا جبران. ٍ سنوات توفيَت في خاللها والدته .وعاد أَرى أَن ال تنشره اليوم» .فتركه جبران خمس ٍ جديد بالعربية أَيضً ا .ولك ْن لم يكد ينتهي منه حتى ت َـ َمثَّـل إِلى «النبي» يكتبه من كامل .ثم له ُح ْك ُم أُمه ولم ي َر أَنه بلغ النضج الكافي فم َّزق الكتاب دون أَن يقرأَه ً كتبه بالعربية للمرة الثالثة وتركه يختمر .وم َّرت عشر سنوات .ولما عاد إِليه يقرأُه يرض عنه فم َّزقه وكت َبه رأْ ًسا با ِإلنكليزية وقد تجاوز الخامسة والثالثين من جديد لم َ عجاب وات َّسع أُفق تفكيره واستق َّر ذوقه األَدبي ،فكان ذاك «النبي» الذي تجاوز ا ِإل ُ َّ به جمهو َر األُدباء إِلى أَكابر رجال الدين والدنيا ،ف ُرتِّلَت منه المقاطع في الهياكل ا ِإلنجيلية ،وقام بتنغيم أَناشيده حاخامو اليهود في كُ ُنسهم ،وقال عنه الرئيس ولسون« :إِنه أَعظم كتاب بعد ا ِإلنجيل» .وكان من نصيبه أَن نُ ِقل إِلى أَكثر من عشر ٍ لغات ،منها العربية .على أَن جبران لم يكن راض ًيا عن هذه الترجمة العربية ولم يكن يُـخفي ع َدم رضاه هذا .لكنه كان قد م َّزق األَصل العربي الذي وض َعه هو لهذا الكتاب ،ولم يجد مجالً لوضعه من جديد ِبلُغة بني قومه».
ْ ا� إالنسان ي ن ن ب� هسول جبيل ومضيق رأس الشقعة يسوع ب ِ
وعلى ذكْر كتاب «النبي» وما تض َّمنه من آراء دينية وموقف رجال ِ الدين منه، انتقلْنا إِلى الكالم عن «يسوع ابن ا ِإلنسان» وعن آراء جبران في ِ الدين ورجاله. فأَخذت الست بربارة في حديث شائق كانت تقْط ُعه نبراتُ إِعجابها بالشاطئ وتلتف في مضايق رأْس اللبناني ،فيما السيارة تنهب بنا سهول جبيل والبترون ُّ الشقعة .قالت الست بربارة« :كان جبران مسيح ًّيا كُلِّ ًّيا في الكثير من معتقداته 3 70
عباسلا لصفلا
وتص ُّرفاته ،وال سيما في بُغضه الريا َء وال ُمرائين ،أُولئك الذي حاربهم المسيح طول حياته إِذ كانوا يتمثَّلون له بأَشخاص الفريسيين ،وأَراد جبران أَن يحاربهم كذلك قليل من أَفراد ا ِإلكليروس ع َرفَهم متمثِّلين له برجال ا ِإلكليروس .على أَنه كان يستثْني ً بص ْدق تقواهم وإِخالص ن َّياتهم ،فكان يستقبلُهم ويعطف على مشاريعهم الخيرية. وقد عرفَت الست بربارة من ه ُؤالء ال ُمستَثْنين :األَب الدويهي نزيل بوسطن .كان جبران ،كلَّما زار أُخته مريانا في بوسطن ،يجتمع باألَب أسطفان الدويهي ف ُي ْحـيِــ َيان الليل في األَحاديث .وكثي ًرا ما كان يهبط األَب الدويهي نيويورك فيزور جبران في محترفه ويتحادثان إِلى ساعة متأَخرة من الليل .وللراهبات في احترام جبران مرك ٌز خاص .كان ال يفوه بكلمة في انتقاد ِه ّن ،وال يُـجيز ألَ ٍ حد أَن يتع َّرض لَـه َّن في حضرته. ّ ك َّن يعرفْن منه هذا العطف فال يتأَ َّخرن عن طَ ْرق باب محترفه كلما ك َّن في حاجة خاصة في عمل إِلى إِسعاف .لم يح ُدث له أَن ر َّد إِحداه َّن خائب ًة .كانت له لذَّة ّ الخير ،على شكل تخفيف مصاعب الحياة عن ال ُمتعبين ،تشهد بذلك أُخته مريانا التي طالما كلَّفها أَن توزِّع ا ِإلحسان من ِق َبلِ ِه على فقراء اللبنانيين في بوسطن ،كما نفسه بواسطة الراهبات في نيويورك ،تشهد بذلك وص َّيتُه ،وهو كان يتولَّى الواجب َ ترك فيها القسم األَكبر من منتجات كتبه في سبيل فقراء مسقط رأْسه بْشَ ِّري».
هو والسياسة والسياسيون
وكما كان جبران يكره الرياء في ِ الدين ،كان يكر ُهه في المجتمع أَش َّد الكُره، وال سيما في السياسة .ولهذا تج َّنب الدخول في جميع «الجمعيات» و«األَندية» و«المحافل» وما إِليها من مجتمعات كان يُنشئُها ُمتاجرون بالمذاهب السياسية من اللبنانيين والسوريين ،وهم كثيرون في جميع أَنحاء ال َمهاجر .روت لنا الست بربارة حادث ًة ُّ تدل على كُ ْر ِه جبران السياس َة ،وعلى قوته البدنية وال سيما في يديه. سوري معروف بين بني قومه .أَخذ يداوره في قالت« :جا َءه في إِحدى الليالي ٌّ الحديث قاص ًدا إِدخاله في مشروع سياسي ِ «وسخ» (والكلمة للست بربارة) حتى أَطال وأَض َجر .فما كان من جبران ،وقد تأَث َّر حتى تش َّنجت أَعصابه ،إِلَّ أَن صرفه انبل يف غنوي هربراب
بلباقة ،ورجع مضطربًا نحو مكتبه ،وعليه دليل التلفون (وهو في نيويورك مجلَّ ٌد ضخم) فتناوله ،وبلمحة بصر ،م َّزقه بين يديه من الدفة إِلى الدفة ،متمن ًّيا لو أَمكنه أَن يستبدل به رقب َة ذاك السياسي الوسخ .وبقي الدليل قطعتين في محفوظاته مد ًة طويل ًة شاه ًدا على ق َّوته وعلى ما نواه لرقْبة ذاك السياسي».
هو ي ن وال يلك�وس والد� ِإ
أَما الكنائِس فال تذكر الست بربارة أَن جبران دخلَها قبل وفاته .بيد أَنه ذهب قسيسها ِإللقائه ا ِإلرشا َد األُسبوعي. م َّرتين إِلى الكنيسة ا ِإلنجيلية األُسقفية بتكليف ِّ وال يستغرب َّن السامع ِوقف َة جبران يلقي ال َمواعظ في الهيكل ،فصاحب «النبي» ،في آخر أَيامه ،كاد يلتحق ب َبطَله فيتو َّحدان في نظر الكثيرين من معجبي األَميركان. وهو ،في نيويورك المادية ،يمثِّل بر ًجا من أَبراج الروح .وكثي ًرا ما ات َّـجه نحوه مريدو الروحانيات بل زعما ُؤها يأْخذون رأْيه ،وي ْهتدون ِب َه ْديه ،كما جرى لكريشنا مورتي. – ومن هو كريشنا مورتي؟ – كريشنا مورتي شاب روحاني ث َّق َفتْه سيدة أَميركية اسمها آني بي َزن ْْت فاعتكف على التأَمالت النفسية ،حتى نض َجت فكرته واختمر أُسلوبه ،فقام يخطب في المجتمعات ويدعو الناس إِلى التقوى والصالح والفضيلة .سار ذكْره في أَنحاء أَميركا ف َكثُر تُبَّاعه ،وأَلَّف جمعية لتبشير الهنود بالدين المسيحي .كان ال ب َّد من أَن يختلف بعض مريديه حول شخصيته الغريبة :منهم َمن قال إِنه ٌ رسول بعثَه المسيح إِلى هذا العالم ليخفِّف ِمن شروره وويالته ،ومنهم َمن ز َعم أَنه المسيح بالذات ،وتجاوز بعضُ هم إِلى الرغبة في التع ُّبد له .اضطرب كريشنا من موقف ت ُ َّباعه ،وطفق يشرح عادي أَلْ َه َبتْه محبة المسيح فأَراد ِخدمته .ولما لم يُفلح وكاد يتملَّكه لهم أَنه رجل ٌّ كتاب في الروحانيات .قرأَ اليأْس لجأَ إِلى جبران يستشيره ،وعرض عليه مخطوط َة ٍ جبران الكتاب مع الست بربارة في ليلة واحدة .وعندما عاد كريشنا مورتي أَرجع ونصح له أَن يتابع خطته وال يهتم بما يقول إِليه جبران مخطوطتَه مع الثناء ّ الحقَ . 372
عباسلا لصفلا
ٍ جديد إِفهام أَتباعه غايته الناس عنه حس ًنا كان أَو سيِّئًا .أَما كريشنا فحاول من حل الجمع ّية وسافر وحده إِلى الهند. الحقيقية .ولَما لم يُفلح للمرة الثانية َّ
هكذا اكنت وفاته – وجبران ،كيف كانت وفات ُه؟ هل مات كاثوليك ًّيا؟ بتعب في قلبه ومعدته ،وأَمعائِه خاصة ،مع انحطاط شامل – كان جبران يَشعر ٍ في سائر جسمه .وليس من سرطان وال أَ ِّي مرض آخر ،بشهادة تقارير األَطباء في المستشفى .إِنما الشغْل المتواصل أَنهك قواه ،وأَض َّر به عد ُم االنتظام في حياته. يستحق هذا الغالف همال تا ًّما ،ويقول« :ال قيمة إِ َّل للروح ،وال كان يُهمل الجسد إِ ً ُّ المادي شيئًا من االهتمام» .لم ي َر طبي ًبا ولم يَشأْ أَن يتناول دوا ًء حتى اشت َّدت به األَدواء فوقَع مغشيًّا عليه في إِحدى الليالي بينما كان يشتغل في محترفه وليس عنده أَحد .عرف الجيران باألَمر فأَسرعوا وأَنعشوه بما حض َرهم. لم يكونوا يعرفون عنوان الست بربارة فتلفَنوا إِلى س ِّيدة تعرفها .وفي دقائق حضرت الست بربارة وبعض أَصدقاء الشاعر ،وكان قد عاد إِليه رشْ ده .حاولوا إِقناعه صباح اليوم التالي ،فنقلوه إِلى بالذهاب إِلى المستشفى فأَبى .ولم يُفْلحوا إِلَّ َ ٍ ساعات معدودةً. مستشفى كاثوليكي أَقام به ورأَت الست بربارة أَن من واجبها إِطْال َع كبار اللبنانيين على أَ َّن جبران في المستشفى ،فتل َف َنت إِلى األُستاذ سلوم مكرزل وكلَّ َفتْه القيا َم بما يراه موافقًا .ولم يلبث السيد مكرزل أَن جاء المستشفى يص َحبُه كاهن ماروني .كان جبران قد د َخل في غيبوبة الموت ،إِنما «ال يزال في وعيه الداخلي» كما قال األَطباء .أَقبل الكاهن يخاطبُه بالعربية ويسأَله أَسئل ًة لم ت ْف َق ْه منها مح ِّدثتُنا إِ َّل لهجتَها االستفهامية ِـجواب ،ه ّز ال ُم ِ حتض َر ٍ بعنف أَثار احتجاج وكلمة« :يا جبران» .ول َّما لم يَفُز الكاهن ب ٍ الست بربارة ،فلم تتمالك من الخروج عن لطْفها المعتاد .بعد قليل جاء الطبيب وأَعلن الوفاة. انبل يف غنوي هربراب
وهنا أَفاضت الست بربارة ،تقطعها نبراتُ األَسف واللوعة ،في وصف الجنازة ٍ مسافات الفخمة في بوسطن ،حيث كانت الجماهير تزدحم خارج الكنيسة إِلى بعيدة ،حتى أَنها أَوقفت َسير ال َمركبات مدة عشرين دقيقة .كان المزدحمون ،عند مرور النعش ،يَـ ُخ ُّرون راكعين .وعند ع ْرض الجثمان م َّر جميع الحاضرين من أَمامه يتأَسفون ،مو ِّدعين الراحل بعبار ٍ ات م َؤث ِّرة لم تَفهم منها تلك الرفيق ُة األَمينة َّإل كلمة: «حبيبي جبران»!
عن ماري هاسلك – وماري هاسكل؟ تلك التي كثي ًرا ما يُلفَظ اس ُمها في الكالم على جبران؟ – ماري هاسكل س ِّيد ٌة فاضلة أَحس َنت إِلى جبران في نشْ أَته فَ َم َّك َنتْه من متابعة ثقافته الفنية واألَدبية .ال صح َة لِـ َما يُقال من أَنها كانت ترغب في الزواج منه. جبران هو الذي ع َرض عليها هذه الفكرة ألَنه ،عندما أَصاب نصي َبه من الغنى ،أَراد يكافئ ال ُم ِ حسنة إِليه ،وشاء أَن يترك لها ثروته .عرض عليها الزواج في هذه أَن َ الغاية ال غير .رفضَ ت العرض بلط ٍْف وقد ُس ّرت بفكرة االعتراف بالجميلُ .س ّر جبران بالرفض كذلك ألَن اقتراحه لم ت ُ ْملِه العاطف ُة الحب ّية .بعد ذلك تز َّو َجت الس ِّيدة هاسكل وعاشت م َّد ًة مع زوجها ،وهو توفي قبل أَربع سنوات ،وال تزال هي تتمتَّع بالصحة في مدينة ساڤانا من والية جورجيا ،وال تزال محا ِفظ ًة على ذكرى تلك الصداقة ال َمتينة التي كانت تربطها بِجبران .وإِني أَعرف الكثيرات من صديقات جبران يَـحفظْن ذكراه باحتر ٍام قد ال يعرفه الكثير من أَصدقائه.
هو والنساء َجسر بالس َؤال فتاب َعت: وأَرادت الست بربارة أَن تل ِّبي داعي الفضول قبل أَن ن ُ – أُ َؤكِّد لكم أَن جبران كان في جميع عالقاته روحان ًيا سام ًيا يترفَّع عن الصوفي الشدي َد الهيام ،ال ُمغذَّى بالف ّن الحب الشهوات البشرية .كان ح ُّبه ذاك َّ َّ 3 74
عباسلا لصفلا
روحانـي في نظراته ،في أَحاديثه ،في والجمال ال ُمتفلِّتَين من القيود األَرضية .هو ٌّ عالقاته جميعها .يُذيب نفسه في هذه الرفرفات نحو العالء ،كما يُذيب جسده في الشغْل المتواصل والمعيشة الزاهدة المتقشِّ فة .ال أَعرف له عالقة غرامية واحدة. حب ُح َّب ولم يُطْلِ ْعني ق ُّط – وهو أَطلعني على الكثير من ش ُؤونه – على أَنه أَ َّ شهو ٍة في حياته! إِنما أَطل َعني على حادثة تأَث َّر منها مدة طويلة ،أَرويها لكم بدون تعليقُ :دعي م َّرةً ،وهو في أُبَّهة مجده األَدبي بعد ظهور «النبي» ،إِلى حفلة شاي في دار أَحد كبار اللبنانيين ،ض َّمت الكثير من مشاهير األَميركيين واألَميركيات ،ألَن جبران كان ذا عالقات حسنة مع كبار القوم في ال َمهجر ،من أُسرة الرئيس روزﭬـلت إِلى مثيالتها من ُسراة المجتمع .وكان بين المدعوين س ِّيد ٌة أَميركية واسعة الثقافة أَع َج َبت جبران بحديثها ال ُمشْ بع بدقة االطِّالع وبذوقها الفني الصحيح فانصرف إِليها على طريق ٍة لفتَت أَنظار المدع ّوين .وعندما و َّدعها ش َّد على يدها عالمة ا ِإلعجاب. وافق سو ُء ظ ِّنها ُح ْس َن ن َّيته .بعد يومين تلقَّى منها دعوة إِلى حفلة أَ َّما هي فلم يُ ْ شايُ .س َّر وت َه َّيأَ للموعد ال َمذكور .وشُ َّد ما كانت دهشتُه ال ُم ْؤلِمة عندما وصل إِلى البيت فلم يَـ ِج ْد ِمن ال َمدع ِّوين سواه .وكان أَول ما ت َـمت َمت شفتَاه في اضطرابه: – أَلَـم ِ يصل أَح ٌد من المد ُع ِّوين بَعد؟ – ال مد ُع ِّوين غيرك .نَحن و ْحدنا. عند ذاك تل َّمس قوى ِ نفسه جمي َعها وقام معتذ ًرا ،مو ِّد ًعا ،متل ْع ِث ًما ،مضْ طربًا. وكان آخ َر ِ عهده بتلك السيِّدة التي لم يَشَ أْ أَن يَ ْذكُر اسمها حتى لي.
يه وميخائيل نعيمه
بعد وفاة الفقيد أَتاني ميخائيل نعيمه (وهنا اضطَ َربَت الست بربارة ُمـمتَ ِعض ًة) ابتسمت ،على رغم انفعالي يَطلب مني أَن أُطْلِعه على حياة جبران الس ِّريَّة. ُ وقلت: الداخليُ ، – لم تكُن لِجبران حياتان .عاش جبران ومات في وضح النهار .فانظُ ْر وا ْح ُك ْم. انبل يف غنوي هربراب
شي ٍء ِم َّما يريد أَن يَ ْنسبه إِلى ول َّما أَعاد ال َك َّرة وأَخذ يداورني كي أُطْلِ َعه على ْ قلت له: جبرانُ ، ٍ سنوات وال أَعرف له فيها إِ َّل حيا َة الشغل الدائم – أَنا رفيقتُه ومعا ِونَتُه سبْ َع والجهاد ال ُمضْ ني والمعيشة الروحانية .إِن لم تُع ِج ْب َك هذه الحياة ،فاطْل ُْب غيري. ذ َه َب وال أَعرف ماذا نَشَ ر في كتابه ،غير أَن اللبنانيين والسوريين ال ُمهاجرين أَظْهروا س ْخطهم على هذا الكتاب عندما اطَّلَعوا عليه في نيويورك.
ْ ً ...وعادت مش َبعة ب�لذكرى
كانت بربارة يونغ أَمين ًة على ذكرى جبرانُ ،م ْخلص ًة له في حياته و َمـماته .راف َقتْه في عمله ،راف َقتْه في م َرضه ،راف َقتْه في جنازته ال َمحمولة إِلى بوسطن ،وراف َقتْه في قل من أَن تُرا ِفقَها ذكرى زيارتِـها ترتيب ت َ ِركَ ِت ِه الفنية وطبع ُمـخلَّفاته األَدبية .فال أَ َّ ِ فاجآت في هذه قب َر جبران في ُعرض األُوقيانوس الفسيح وهي ت ُـجابِه الطوارئَ وال ُم األَيام العصيبة ،راجع ًة إِلى بالدها بعد ح ِّجها القصير إِلى م ْهبط َو ْحي جبران!
376
عباسلا لصفلا
3/2
جريدة «السياسة»: ف ْ شَ ّ ج�ان ومتحفه بيت تزور � ي � ب� بر�ه يونغ ي� ب ب َ ْ َ َ ٌ ٌ ج ةٌ يوم لك ت نبت يل ساحرة ال جعب ِإن أ «بالد � ج� نًا�» ب
الساعة 10:00صباح األَحد 8تشرين األَ َّول 1939وصلَت باربره يونغ ِإلى بْشَ ّري يرافقها األَمير موريس شهاب (مدي ُر المتحف الوطني) ،وف َؤاد افرام البستاني (مدي ُر الدروس العربية في كلِّية القديس يوسف) وديڤيد أَزرق (أُستاذ في الجامعة األَميركية – بيروت) .كان في استقبالها ُو َجها ُء من البلدة وأَعضا ُء من لجنة جبران ُم َر ِّحبين بـ «صديقة جبران األَميركية التي تزورنا». صباح الجمعة 20تشرين األَ َّول 1939ص َدر العدد ( 37السنة األُولى) من جريدة «السياسة» (كان يصدرها في بيروت اب ُن بْشَ ّري نايف سكَّر) وعلى صدر صفحتها األُولى بالخط العريض« :باربره يونغ في بْشَ ّري موطنِ جبران» ،وفي عنوان ثانوي« :الكاتب ُة األَميركية ت َذرف الدموع أَمام البيت الذي ُولد فيه صاحب «النبي»، وت َمكُثُ عشْ ر دقائق ساجد ًة أَمام ضريحه منا ِجيَ ًة رو َحه». وأَنقل هنا حرف ًّيا تفصيل الزيارة كما جاء في الجريدة: َـحج إِلى البيت «قبل أَن تأْخذ الشاعرة األَميركية قسطًا من الراحة ،طل َب ْت أَن ت ّ الذي أَبصر جبران فيه النور ،فكان لها ما أَرا َدت .وما هي إِلَّ دقائق حتى كانت واقف ًة قسمة من أَمام ذلك البيت البالغ خمسة أَمتار عرضً ا وعشرة طولً ،الحزن يحتل َّ كل ْ وجهها ،والدموع ت َبرق في عينيها .ثم ح َّركَت شفتيها قائل ًة: فتح – في هذا البيت ُولِد جبران خليل جبران! وفي إِحدى حناياه المعتمة َ رسول مل َه ًما. عينيه ً انبل يف غنوي هربراب
البيت من خارج...
...ومن داخل
وراحت تسأَل: أَين أَ خشاب سقف البيت؟ هل أَتل َفتْها األَيام؟ ُ العواصف في اآلفاق َرما ًدا؟ وأَين حجار ُة الجدران؟ هل بعث َرت ْها ُ وأَين الخزان ُة الخشبي ُة التي طالما ح َّدث َني عنها جبران ،وكانت تحوي الجوز والزبيب والتين المجفَّف فاكه َة الشتاء؟ 3 78
عباسلا لصفلا
ابي الذي كان يلتهم قضبان الزرزون وأَين ج َّرة َ العسل والخمر ،وموق ُد النار التر ّ العواصف في أَش ِّد ثوراتها وصراخها وعويلها؟ بينما ُ وطبق القَش الذي كانوا يتناولون عليه األَطعمة ،أَين هو؟ ُ الحجري المقتلَع من سفح جبل األَرز ،ما مصي ُره؟ والجر ُن ّ وأَين ال ُك َّوة التي كان جبران يضع فيها كُتُ َبه المدرسية؟ وأَين الساح ُة المجاور ُة التي كان يلعب فيها؟ وشجر ُة الجوز التي كان يستظلُّها حالِ ًما عند الظهيرة ،والتي عليها ربطَه أَبوه مر ًة ٍ قصاصا له النهماكه الدائِم بالتصوير؟ بعنف ً حل وأَين الجا ُر الذي كان على أُرغ ِّنه في الليل ينف ُخ أَنغا ًما لبنانية شجية؟ ماذا ّ به؟ كان جبران يستل ُّذ أَنغامه ويقضي الليل ساه ًرا يُصغي إِليه. مسرع ًة الطريق التي كان َّ أَين ُ كل صباح يرى عليها قطعان البقر والغنم والماعز ْ إِلى الحقول الفسيحة والمروج الخضراء؟ أَين صخو ُر مار جرجس ومغاو ُر وادي قاديشا؟ أَين يقع دير مار سركيس واألَرز الثلج هامتَه؟ المقدس؟ ُ وجبل ظهر القضيب الذي يكلِّل ُ من أَين يتف ّجر نبع «نبات» ،و«القوس» ،و«مار سمعان»؟ وفي أَ ِّي ناحية يقع حقل «الحريم» ،و«بْ َن ْحلي» ،و«شاغورة»؟ تنبت زهو ُر البنفسج ،و«بخور مريم»؟ وفي أَ ٍّي من هذه الحقول ُ كل ذلك سأَلَتْه باربره يونغ ،وهي واقف ٌة حزين ًة دامع ًة أَمام البيت المته ِّدم الصغير الذي أَنجب شاعرها جبران.
ف ج�ان ومغارة قاديشا ي� متحف ب
طل َبت أَن تنتقل إِلى المتحف فأَخذوها إِليه .وما إِن رأَت ْ ُه حتَّى أَ ِسفَت لعدم ٍ فني يض ُّم رسوم جبران الخالدة .طلب إِليها الحاضرون تفسي َر بعض وجود متحف ٍّ الرسوم الرمزية ،فف َعلَت. انبل يف غنوي هربراب
هت إِلى مغارة قاديشا يرافقها الخوري أَنطونيوس جعجع .وكانت ثم تو َّج ْ الخلبة حولها .عندما دخلَت المغارة في الطريق ت ُظهر شدي َد إِعجابها بالمشاهد َّ حري .ثم تساءلَت إِن كانت لم تزل باقي ًة في هذا العالم أَم انها انتقلَت إِلى عالم ِس ّ عجب خر َجت وشفتاها تُتَ ْم ِتمان هذه الكلمات« :إِن بال ًدا جميل ًة ساحر ًة كهذه ،ال َ إِذا أَنبتَ ْت في كل يوم جبرانًا». عادت باربره من المغارة إِلى منزل أَحد مشايخ آل عيسى الخوري ،وتناولَت فيه الغداء مع المطران عبدﷲ خوري ،ورئيس لجنة جبران سليم رحمة ،والمونسنيور بادري ،ورهط من أَبناء البلدة.
عند ض� ي�ه بعد الغداء تو َّج َهت الكاتبة ِإلى زيارة ضريح جبران في دير مار سركيس، يصحبها جمهور كبير .وعندما دخلَت الكنيسة التي يرقُد فيها جبران بلغ تأَث ُّ ُرها أَشُ َّده فطل َب ْت إِلى مرافقيها أَن يتركُوها على انفراد .خرجوا فبق َي ْت وح َدها في الكنيسة .سجدَتْ أَمام ضريح جبران في خشو ٍع نحو عشْ ر دقائق ت ُناجي رو َحه .ثم نهضَ ْت وخر َج ْت إِلى فُسحة الدير تتأَ َّمل األَمكنة الجميلة التي طالما ح َّدث َها عنها جبران في نيويورك.
البطر�ك عند ي
قبَّل َْت باربره جدرا َن المعبد الذي يض ُّم ُرفات صاحب «النبي» ،وترك َْت دير مار رئيس سركيس متو ِّجه ًة إِلى الديمان لزيارة غبطة البطريرك [أَنطُون عريضة] يرافقُها ُ وبعض أَعضائها .استقبلَها غبطتُه في حفاو ٍة وإِكرام ،وطلب إِليها أَن تبقى في اللجنة ُ تفسر خاللها بعض الرموز المبهمة في اللوحات وترتِّب المتحف بْشَ ّري مد ًة أَط َول ِّ خمس ترتي ًبا فن ًيا ،فاعتذ َرت الضطرارها إِلى العودة .وبعدما مكث َْت لدى غبطته نحو َ عشْ ر َة دقيقة ،قفَلت عائدة إلى بيروت». 380
عباسلا لصفلا
أَ ت الدفا� الربعة
وفي هذا العدد نفسه ،أَور َدت «السياسة» مقط ًعا (عاطف ًيا في حينه وطريفًا) عن كيفية وضْ ع جبران كتابَه «النبي» ،ف َذكَ َرتْ أَنه «كت َبه للمرة األُولى باللغة العربية ـي ،بالنسبة إِلى سنة ،1902وقرأَه على أُ ِّمه فقالت له« :األُسلوب ٌ ضعيف ج ًدا ،يا بُ َن َّ الفكرة» فم َّز َق جبران كتابَه ،ثم عاد إِلى كتاب ِته ثاني ًة وثالث ًة وكان مصي ُره في المرتين األَخيرتين كالمرة األُولى .وبعد الحرب عاد إِلى كتابته باللغة ا ِإلنكليزية فكان أَن عجاب ما بع َده إِعجاب». ظهر «النبي» بتلك اللغة ،يتدا َولُه العالم في إِ ٍ حقائق تاريخية) أَعقبَه في على أَن هذا الوصف «العاطفي» (غير المست ِند إِلى َ ضي ُء على ناحي ٍة توثيقية من جبران ،هنا ن َُّصه العدد نفسه من الجريدة كال ٌم مه ٌّم يُ ْ كما و َر َد حرف ًّيا في الجريدة: «كانت السيدة باربره يونغ تحمل في حقيبتها أَربع ًة من دفاتر جبران الخاصة: )1دفتر صغير من دون جِ لْد ،لعلَّه من دفاتر جبران المدرسية ،فيه ُص َور تحارير «إِلى رئيس عام ،إِلى بطريرك ،إِلى أُسقُف ،إِلى صديق» ،وما شاكل .وتكثُر فيه صو ُر الرسائل ا ِإلكليريكية بنوع خاص. )2دفتر ثانٍ أَكب ُر من األَ َّول ،من دون ِجلْد ،على ورقته األُولى «من دفاتر جبران خليل جبران – تشرين األَ َّول »1900وتحت هذه الجملة على ثالث مرات هذان البيتان: ََ مســـتعير ْ َ الكتـــب َدعنـــي أل يـــا وجـ ُ ـدت كتابــي فــي الدنيــا حبيبــي (كــذا)
َّ ْ ُ عـــار للكتـــب فـــإن ِإعارتـــي ِ حبيبـــي ال ُيـــــباع وال ُيـــــعارُ
وفي هذا الدفتر مجموع ٌة شعري ٌة منت َخبَة من أَقوال ابرهيم بن سهل ،وابن معتوق ،والشيخ سليم حنا الضاهر ،وكلُّها من ِشعر «ساحة الملوك» .ويلي ذلك تماري ُن إِنشائي ٌة من نث ٍر وشعر ،أَكث ُرها غي ُر كاملة ،حافل ٌة بكثير من االستعارات والتشابيه. ٍ كتابات إِنكليزي ًة ،وشيئًا من )3دفتر عادي ،قليل الورق ،مجلَّد ،يتضمن المحاوالت الشعرية بالعربية .منها بيتان مكتوبان بعنوان «تحت رسمي»: انبل يف غنوي هربراب
ُ هـــذا خيـــال ًفتـــى َيهـــوى الحيـــاة وال ُ فـــإن بـــدا جام ً يملك ُ ُ ـــه والصمـــت ـــدا ِ ِ
يه ــوى الحي ــاة ،وف ــي الحالي ــن َيكتئ ـ ُ ـب َ ْ ـب يضطـ ُ ـاة الحـ ّ ـرب (كذا) فاتلـوا عليــه صـ
وفي هذا الدفتر ٌ مقال طويل في عشْ ر صفحات كثير التنقيح والتحشية ،واألَرجح أَنه ُم َس َّود ُة مقال نش َره في «الهالل» بشأْن النهضة الشرقية وإِمكان التضامن بين األَقطار العربية. وفي آخر هذا الدفتر ُم َس َّود ُة رسال ٍة غي ِر كاملة ،من األَرجح أَنها إِلى « َمي»، ِ بذهابك إِلى لبنان .وال أَدري ما إِذا كان يقول فيها «ها قد رج ْع ِت من لبنان .أُه ِّنئُ ِك ِ برجوعك سالم ًة إِلى مصر .لبنان ،لبنان ،لبنان ،قُولي ماذا وج ْد ِت علي أَن أُه ِّنئَ ِك َّ بعثت إِ ِ ليك بالرسائل التي تجيئُني من أَبسط اللبنانيين ومن أَكثرهم في لبنان؟ ولو ُ تركي ًبا ،لَـما فك ِ َّرت ق ّط – لو ك ْن ِت أَ ِ نت أَنا( – هالَّ غف ْر ِت لي هذا االفتراض؟) بالذهاب إِلى لبنان ،أَو إِلى أَية قُرنة من قراني الشرق». )4دفتر كبير أَكثره أَبيض ،يبدأُ من اليسار بمقاطع كثيرة من «آلهة األَرض» طفل رس ُم امرأَ ٍة تحتضن ً باللغة ا ِإلنكليزية ،ويلي ذلك محاوالت تصويرية ،منها ْ وت ُرضعه ،وقد ظهر الرسم بدوائ َر رصاصي ٍة غاي ٍة في الغموض والوضوح م ًعا. ٍ ومقاالت معروفة ،أَشه ُرها «المواكب» .ومن وفي هذا الدفتر ُمس َّوداتُ قصائِ َد المالحظات المد َّونة« :تجزئ ُة سطح األَرض شغَل الساسة ،وتجزئ ُة السماء شغَل غريب عن ه ُؤالء المشْ تغلين بالتجزئة والتقسيم، الك َّهان .وأَنا بطبعي وأَحالمي ٌ ٌ منصرف إِلى الوحدة النفسية والعقلية والدنيوية والسماوية».73
عودة مرسعة ثم تصف جريدة «السياسة» ختا َم زيارة الشاعرة باربره يونغ ربو َع لبنان، كما يلي: وص ُف محتويات الدفاتر بهذا التفصيل و َر َد حرف ًّيا في مقال ف َؤاد افرام البستاني ،وقد ْ 73 يكون هو من نشَ ر في الجريدة هذه التفاصيل قبل نشْ رها في «المشرق». 382
عباسلا لصفلا
«في الثاني عشر من تشرين األَ َّول عادت باربره يونغ إِلى نيويورك قبل أَن تُ ِت ّم المه َّمة التي جاءت من أَجلها .وقد وصلتْنا معلوماتٌ عن س َبب عودتها المسرعة، ف ِإذا هي :في لندن س ِّيد ٌة أَلماني ٌة مع َجب ٌة بجبران ِج َّد ا ِإلعجاب .ل َّما علِ َم ْت أَ َّن باربره يونغ رافقَت جبران في السنوات األَخيرة من حياته ،راسلَتْها إِلى نيويورك مقترِح ًة عليها أَن تسافر إِلى لبنان وتض َع كتابًا مط َّو ًل عن جبران ،وق َّد َم ْت لها مبلغ أَلْفَي دوالر لقا َء نفَقات الرحلة .وافقَت باربره يونغ على االقتراح ،قبضَ ْت ِسلْف ًة من المبلغ قيمتُها خمسمئَة دوالر ،وترك َْت نيويورك في منتصف آب الماضي .فاجأَ َها خب ُر إِعالن الحرب وهي في ُعرض البحر ،فلم تَ ْع َبأْ لذلك وتاب َعت س َف َرها إِلى بيروت. في لبنان نفدَتْ منها ِ السلْف ُة فراسل َْت تَطلب بق َّية المبلغ من تلك الس ِّيدة األَلمانية ٍ عندئذ رأَت السيِّدة يونغ أَن تعو َد فاعتذ َرتْ هذه عن ذلك بسبب نُشوب الحرب. إِلى بالدها ملتجئ ًة إِلى رئيس الجامعة األَميركية في بيروت المستر بايارد دودج الذي م َّد مواطنتَه الشاعرة بمبلغٍ يُساعدها على بلوغ نيويورك».74
ب� بر�ه وماري والرسائل
هذه ا ِإلضاءة من سنة 1939في جريدة «السياسة» تكشف كم تبدو باربره يونغ أَمين ًة على رسالة جبران ،متك ِّرس ًة له في غيابه مثلما تك َّرست له في صومعته سبع سنوات حتى ِ آخر يوم من حياته (الجمعة 10نيسان .)1931وتَذكُر أَ ْن فيما ٍ نهارئذ تساعده كي ينزل درج البناية نحو سيارة إِ ٍ سعاف تنتظر لتُ ِقلَّه إِلى كانت مستشفى سانت ڤ ْن ْس ْنت (على بُعد شار َعين من «الصومعة») طَ ْمأَنها« :ال تخافي يا باربره ،أَنا في حالة جيدة» .لكنه لم يكُن كذلك أَب ًدا .فتلْك كانت آخ َر كلماتِه، غمض عليه جبرا ُن عينيه عند الثانية بعد الظُهر حين دخل وكانت باربره آخ َر وج ٍه أَ َ
74لم تذكُر باربره هذا األمر في كتابها بل َعـ َزت عودتها إِلى اندالع الحرب و«دعوة الحكومة ليل على األَميركية جمي َع رعاياها في لبنان إِلى مغادرته فو ًرا» .وخت َمت كتابَـها بوقوفها ً «شرفة أُوتيل بَ ُّسول الكبير المطلَّة على خليج السان جورج» منتظر ًة أَن يَطلَ َع الفجر كي ت ُبح َر من ميناء بيروت عائِد ًة إِلى نيويورك. انبل يف غنوي هربراب
في الغيبوبة األَخيرة فلم تلحقْه واعيًا شقيقتُه مريانا التي جاءت ملهوف ًة بالقطار من بوسطن. عن الن َّحات خليل جبران ،في كتابه «خليل جبران :حياته وعالمه» ،أَ َّن باربره حض َرتْ مراسم دفن جبران في بوسطن (كنيسة «سيِّدة األَرز» – الثلثاء 14نيسان). كل أَث َ ٍر من جبران ونهار الجمعة 17نيسان جا َءت إِلى محترفه في نيويورك « ِإلخفا ِء ِّ يَ ُحول دون أَن يَبقى منه ما ترويه هي عنه» .لك ّن ماري هاسكل كانت َس َب َقتْها إِلى المحترف مع مريانا وزك ّية رحمة (ابنة ملحم جبران ابن عمه) للبحث بين أَوراقه عن نسخة وص َّيـته التي كان سنة 1930أَو َد َعها مكتب إِدغار سپاير .ووج َدت ماري ِ مخطوطات جبران التي كانت عمل َْت عليها إِ ّما معه وإِ ّما وحدها ثم بين األَوراق أَعادتْها إِليه .ووجدَتْ ُر َز ًما ملفوف ًة مرت َّب ًة هي َمجموع ُة رسائلها إِليه.75 ولو لم تأْ ُخذ ماري هاسكل رزم َة الرسائل لكان الخطر كبي ًرا أَن تبادر باربره وواضح يونغ إِلى إِتالفها كي تبقى وح َدها النجم َة المعلَّقة على ذاكرة الجبرانيين. ٌ أَن باربره لم تكن مطَّل َع ًة منه على عالقته الطويلة ( )1931–1904بماري هاسكل. وال حتى ميخائيل نعيمه كان يعرف الكثير عن عالقة جبران بِـماري هاسكل حتى التقاها نَهار المأْتم في بوسطن وأَبدى لها نِ َّيتَه وضْ َع سير ٍة في العربية عن جبران. سأَلَتْ ُه ماري ُموافاتَها إِلى «منتجع طومسون» قرب محطة القطار «غراند سنترال تستقل قطار نيويورك صباح 21نيسان 1931وتعو َد إِلى زوجها َّ ستايشن» قبل أَن نس َقتْها الحقًا مع رسائله إِليها وأَو َد َعتْها مكتب َة جامعة نورث كاروالينا في تشاپِّل ِه ّل، َّ 75 َ َ ٍ و َج َم َعت ما لديها من لوحات كان جبران أهداها إِليها فق َّدمتْها إِلى متحف «أكاديميا َت ڤرجينيا حلو قس ًما كبي ًرا منها تِلْ ِفير للفنون والعلوم» .تلك الرسائل واليوميَّات ح َّقق ْ وأَصدرت ْه سنة 1972في نيويورك بعنوان «نبي الحبيب» ،وكان توفيق صايغ نشَ رها على عد َدين من مجلته «حوار» (العدد ،22السنة الرابعة ،العدد الرابع :أَيار/حزيران ،1966 ص 5 إِلى ،48والعدد ،23السنة الرابعة ،العدد الخامس :تموز/آب ،1966ص 5 إِلى ،)43ثم عاد فأَص َد َرها مجموع ًة في كتابه «أَضواء جديدة على جبران» ( ،)1966فأَضا َءت ٍ صفحات ساطع ًة ما كان يمك ُن لوالها أَن يَ ْبلُغنا من حياة جبران تلك الرسائِ ُل واليومياتُ وأَفكاره وشجونه ما بلَغَنا. 38 4
عباسلا لصفلا
ٍ ٍ معلومات ساعات د َّون خاللها نعيمه العجوز في ساڤانا .هناك اجتم َعت به أَربع عن عالقتها به وعن مرحلة جبران في بوسطن (قبل أَن يلتقيه نعيمه سنة 1911في نيويورك) .ومن الساعات األَربع في تلك الجلسة بنى نعيمه ُمعظم ما ظهر الحقًا في كتابه عن جبران .وهو لم يُ ِشر إِلى ذاك اللقاء الوحيد مع ماري ،وال أَشا َر إِلى باربره يونغ إِلَّ بأَنها« :طويل ُة القامة ،عظميَّ ُة الهيكل ،زعفرانيَّ ُة اللون ،حا َّد ُة األَنْف، غارق ُة العينين .هي شاعر ٌة أَميركي ٌة في النصف األَ ّول من عقدها السادس ،عرف َْت جبران ِ ٍ سنوات من حياته ،فتق َّربَ ْت منه وكانت تساعده في نسخ م َؤلَّفاته، آخ َر س ْبع وقد التقيتُها مر ًة عنده».
انبل يف غنوي هربراب
3/3
أَ َ ت ش ُ الب الون مقصود� :اد�ن
سنة 1939كان الخوري ال ُون مقصود مدي َر الدروس العربية في «الحكمة» ٍ سنوات ( )1902–1898ود َرس فيها قص َدها جبران أَربع (األَشرفية) المدرسة التي َ وخصوصا اللغة العربية ُمتَتَلمذًا فيها على الخوري يوسف متم ِّك ًنا من مواد الدراسة، ً طويل. الحداد الذي ترك في نفْس تلميذه أَث َ ًرا ً وألَن الخوري ال ُون كان في المدرسة نها َر زارت ْها باربره يونغ واستقبلَها ورافقَها، نصين ،كما يلي: فذكرياته إِذًا شهاد ُة شاهد عيان على تلك الزيارة التي كتَب عنها َّ األَ َّول مخطوطٌ« :كرمى لجبران» ،ورقة بين مذكِّراته الخاصة ،هي حال ًّيا في حوزة ابن شقيقه األُستاذ فارس مقصود (رئيس مدرسة «الحكمة» – مار الياس، كليمنصو) ،وأَتاح لي مشكو ًرا نشْ رها في هذا الكتاب كما هي :تكاد تُتلفُها السنوات نقل ن ََّصها بتشكيله الم َؤاتي وأَ ُ نصها األَصلي للصورة الثمانون ( ،)2019–1939أَ ُ ترك َّ المنشورة بكتابتها األُولى.
معهد «الحكمة» في فجر القرن العشرين (مائية بريشة أَنطوان مطر – 1998في مرور 100سنة على دراسة جبران في المعهد)
386
عباسلا لصفلا
باحة داخلية في معهد «الحكمة»: إِحدى ُغ َرف الطبقة األَرضية درس فيها جبران (مائية بريشة أَنطوان مطر)
النص اآلخر مطبوعٌ« :باربره يونغ تَ ُح ُّج معهد الحكمة» ،صدر في المجلة المدرسية التي أَصدرت ْها مدرسة «الحكمة» (فرع كليمنصو) – السنة التاسعة ،عدد نهاية السنة المدرسية .1982–1981 النصان/الشهادتان بحرف َّي ِتهما : وهنا َّ
ُ لـج�ان كرىم ب َ َ لبنان َ ومهعد «احلمكة» َ ب� ب�ة يونغ ت ُـح ُّج
َولَ َج ْت مكتبي في «الحكمة» عام ،1939ب َو ْصفي مدي ًرا للدروس العربية فيها، فت النابغ َة جبران، َت« :أَنا أَميركية .تع َّر ُ اهق ،وعلَّق ْ امرأَ ٌة َع َوا ٌن ،76ن ََص ٌف ،77يرافقُها مر ٌ عجاب واالحترام ب ُن ُبوغه وذكائهِ ، ْت ،ع ْبر شخص َّي ِته ،لبنا َن فعشق ُ علي ا ِإل َ فأَملى َّ 78 استص َح ْب ُت ابني الجميل ،مه َد َ تيت أَ ُح ُّج هذا البل َد الساحر ،وأَ ُ الوحي وا ِإللهام .وقد ْ ِ اب الوطني ِة و َم ِ حامد األخالق .بيد هذا ،بُغا َء أَ ْن 79يَ َ نهل من روافد «الحكم ِة» ِمحر ِ الصدور أَن األَوضا َع العالَمي َة ال ُمتأَزِّم َة ج َعلَتْني أَت َريَّثُ ،حتى إِذا زالَت كوابيس على ُ ُ جاثِ َم ٌة ،أَرج ْع ُت ابني إِلى ِ معهدكُم هذا». «النبي» فَ َهديْتُها ،وكانت ثم طلَبَ ْت أَن أَ ُدلَّها إِلى قاع ٍة د َر َس فيها واض ُع كتاب ّ ال َمقاع ُد ال تزال هي إِيَّاها ،فَأَلَ َّحت أَن أُح ِّدد بالضبْ ِط الطاول َة التي إِليها جل ََس جبران ِ وسها فَ َن َّف َذ لص ُعوبة التَحديد .فانتقَت إِحدى فأَح َج ْم ُت ُ الطاوالتَ ،وأَ َم َرت اب َنها أَن يَ ُب َ 7 6 77 78
79
متوسط ُة الع ْمر. نَحو ُمنتصف الع ْمر. يبدو أَن جوابَها أَشْ ك ََل على الـخوري الوون .الواق ُع أَ َّن باربره يونغ ،بعد طالقها من َز ْوجها صبي لها ،انصرفَت إِلى تربية ابـنـتـها الوحيدة .وفي مرا ِج َع ع َّد ٍة ُصور ٌة لها مع ابن ِتها وال َّ في ُمحترف جبران .ومن مقال ف َؤاد افرام البستاني في مجلة «ال َمشْ رق» ُمرافقًا باربره يونغ في السيارة ذاتها إِلى بْشَ ِّري ،أَ َّن َمن كان م َعها هو َحفي ُدها كريستوفر اب ُن األَربع سنوات. وواضح من ال َنص أَ ّن الخوري ال ُوون متضلِّ ٌع في اللغة بُغا َء أَنْ :صيغ ٌة من «بُ ْغ َي َة أَنْ». ٌ العربية بقاموسها العريق. انبل يف غنوي هربراب
من فَورِه .ثم انْتَ َحيَا إِحدى ال َزوايا ،وأَ ْغ َمضَ ا ال ُعيُـون كُرمى لذكرى جبرانَ ،و َعلِقَا بعض ٍ «النبي». آيات من كتاب يُت ْم ِتمان ،لعلَّهما تَلَ َوا َ ّ ف ََسأَلتُهاَ « :من تكُونين»؟ فأَ َخ َذتْ قلَ ًما َو ُو َريق ًة و َد َّون َْت« :بَربَرة يونغ»َ .و َو َّد َعت ِآسف ًة تُ َدغ ِْدغُها بارق ُة أَ َملِ ال َعود ِة إِلى مسقَط رأْس جبران .وبَرب َرة يونغ هي األَديب ُة ِ الصيت ،صديق ُة جبران الحميمة ،ومص َد ُر ُمو َح َياتِ ِه وإِلْهاماتِه. األَميركي ُة الشهيرةُ ،العالَمي ُة
شهادة األَب الون مقصود بخطه
38 8
عباسلا لصفلا
الون مقصود �ر�ه يونغ تَ ُ� ُّج َ مهعد «احلمكة» ب ب
للخوري ُ الون مقصود ً مدير الدروس العربية في «الحكمة» سابقا
كان ذلك يوم أَ َحد من عام ،1939لعلَّه عيد العنصرة .عند التاسعة صبا ًحا قَرع قائل« :س ِّيدة أَجنبية في بهو االستقبال تطلب أَن تقابل الباب ً حاجب المدرسة َ ُ المدير.»80
مطلع مقال األَب مقصود في عدد «الحكمة» المدرسي
تطل يرافقها مراهق في الخامسة عشرة ،ال تتكلَّم ِإ َّل ف ِإذا بامرأَ ٍة َع َوان ،ن ََص ٍفّ ، فجلست وعلَّقَت: ا ِإلنكليزيةَ . عجاب، – أَنا أَميركية ،تع َّر ُ علي ا ِإل َ فت النابغة جبران ،في العالم الجديد ،فأَملى َّ وفرض االحترا َم بنبوغه َو ِح َّدة ِذهنهِ . ْت عبر شخصي ِته الثري ِة الشامل ِة لبنا َن َ فعشق ُ تيت أَ ُح ُّج هذا البل َد الجميل ،مه َد الجمال وا ِإللهام ،وفا ًء الساح َر وسما َءه الموحية .وأَ ُ النص أَمران: 8 0يلفتُني في هذا ِّ َ َ َ )١باربره في الفصل األخير من كتابها ر َوت أ َّن الذي استقبَلَها هو األب يوحنا مارون ،وكان معها حفي ُدها كريستوفر ( 4سنوات) وديڤيد أَزرق أُستاذ العلوم في الجامعة األَميركية، ودليل. وهو رافقها في زيارت َيها إِلى بْشَ ّري والمدرسة متر ِج ًما ً بعض مما جاء بحرف َّي ِت ِه في النص ال َمخطوط األَ َّول ،لك َّن الخوري مقصود )٢في هذا النص ٌ بتفاصيل إِضافي ٍة عن تلك الزيارة. َ وس َع ُه أَكثر َّ انبل يف غنوي هربراب
ٍ استصحبت ابني هذا ،بُغا َء أَن ينهل دروسه لوعد قط ْعتُ ُه لجبران وأَلزمتُه نفسي .وقد ُ ِ ِ ومحامد االخالق ،من ينابي َع أَروى جبرا ُن معهد «الحكمة» دا ِر الوطنية من روافد منها ظمأَه ،و َع َّب حتى الثُمال ِة أَدبًا وسجايا .بي َد أَ َّن األَوضاع العالَمي َة ال ُمتَأَزِّمة ،وقد غزا هتلر حديثًا مرفأَ ِدنْزيغ واجتاحت جحافلُه بولونيا ،حال ٌة ت ُنذر بحرب عالمية ضَ ٍ روس جعلَتْني أَتريَّث .سأَث ُوب اآلن وابني آسف ًة إِلى مسقط رأْسي .ف ِإذا صفا الجو السياسي ،وانقشَ َعت غيو ُم االكفهرار المه ِّددة باالنفجار ،وزالت همو ٌم على الصدور ّ وهواجس مقلق ٌة مرعبة ،وبان كابوس حرب عالمية طاحنة ،رجعت بِابني جاثم ٌة، ُ ِ مناهل كر َع جبران منها فأَصبح نادر َة الزمان ،وحيد َ معهدكم هذا ليرتوي من إِلى عصره ونسيج وحده. ث ّم طلبَت أَن أَ ُدلَّها إِلى قاع ٍة د َرس فيها واض ُع كتاب «النبي» ،فه َديتُها إِلى مباني مدرسة «الحكمة» القديمة ،وولَـ ْجنا قاع ًة أَمضى فيها جبران السن َة الدراسي َة النهائية .وكانت المقاعد ال تزال هي إِيَّاها :سوداء ضخمة ،حفَر عليها بعض الطلَبة الحروف األُولى من أَسمائهم .فسأَلَتْنيُ ،ملِ َّح ًة ،أَن أُح ِّدد بالضبط الطاول َة التي إِليها جلس جبران طالبًا .أَ حجمت لصعوبة التحديد فانتقَت الطاولة الثالثة إِلى يمين ُ ويبوسها ،فقد يكون النابغة جبران إِليها جلَس الداخل وأَم َرت الولد أَن يجلِ َس إِليها َ عه َد الدراسة ،فنفَّذ من فَوره .ثم أَشارت إِليه فانفردا في إِحدى الزوايا ،وأَغمضا ٍ لحظات للتب ُّحر والتأَ ُّمل ،بل إِكرا ًما واحترا ًما لذكرى النابغ ِة الذي نقلَهما العيون بضع إِلى الشرق .وأَم َرت ابنها أَن يحذو حذْوها ،وعلِقا يتمتمان .لعلَّهما تَلَ َوا صال ًة أَو ٍ آيات من كتاب «النبي». لي أَن أَكتب وقفلْنا إِلى المكتب في بناء «الحكمة» الجديد .وهناك رغ َبت إِ ّ اسم جبران بالعربية فد َّون ُْت :جبران جبران .تف َّر َست واعترضَ ت تقول« :ليس هكذا لي با ِإلنكليزية يوم كان في العالم الجديد». كان يوقِّع بالعربية رساالت و َّجهها إِ َّ فشح ْذتُ الحافظ َة والقريحة وسطَّرتُ :جبران خليل جبران ،فارتاحت وطف َحت بهج ًة و ُحبو ًرا وقد ُس ِّر َي عنها كأَنها وج َدت ضالَّ ًة منشودة .سأَلتُهاَ « :من تكونين»؟ فأَخذَت قل ًما وورق ًة وكت َبت با ِإلنكليزية Barbara Youngبربرة يونغ .وو َّد َعت 390
عباسلا لصفلا
وابنها ،آسف ًة تدغدغُها بارق ُة أَملٍ في العودة إِلى الربوع اللبنانية الساحرة ،مسقط رأْس النابغة جبران ،إِلى معهد «الحكمة» حيث جال واض ُع كتاب «النبي» وترعرع وتلَقّى دروسه. فرويت له ما الصديق الشيخ ف َؤاد حبيش ،رحمه ﷲ، في اليوم التالي زارني ُ ُ حصل فصاح عات ًباَ : ضعت سانحة العمر ،وحر ْم َت الق َّراء اللبنانيين ،بل «ويك! لقد أَ َ َ 81 العرب جمي ًعا ،حديثًا صحاف ًّيا عالَم ًّيا غاي ًة في الفائدة والخطورة والطرافة واللذَّة: َ إِنها األَديبة األَميركية الذائعة الصيت ،صديق ُة جبران الحميمة ،ومصد ُر إِلْهاماته وبدائعه».
غالف المجلة المدرسية التي نشر فيها نصه عن زيارة باربره يونغ األَب الوون مقصود َّ مدرسة «الحكمة». مدرسة «الحكمة» – فرع كليمانصو عدد السنة التاسعة 1982 1981
ٍ فترتئذ منبر 81يقصد الشيخ ف َؤاد هنا حديثًا لمجلته «المكشوف» (أَسسها سنة 1935وكانت كبار الشعراء واألُدباء). انبل يف غنوي هربراب
الفصل الثامن
شاعرة َأميركية ق َّر َرت العيش في لبنان
أَ َ ُ َ ُ تعيش ف ي� ْب شَ ّ س�ة شاعر الرز ج�انَّ ،قر َرت أن ب� بر�ه يونغ ،صديقة خليل �ي وتكت َب ي ب لوحات من «الن�» َأمام ُ ًّ ُ َ ْ َ سنو� ب� إل ي ز «ح ّـجـاج» ُ املتحف نلك� ِية ٍ وتـمس ِـرح ي ِ بي
ة َْ ْ َ َ مقابل أج َرتـها أليس مكرزل
1
في كت ِّي ٍب عن سيرة جبران ،2كت َبت باربره يونغ« :في بْشَ ّري ،على بُعد نصف كُ َر ٍة الرب ،يرقد جثمان جبران الذي كان ،أَكث َر من أَ ٍّي آ َخر، أَرضي ٍة من هنا ،وقري ًبا من أَرز ّ شاع َر األَرز». هناك ،بين تلك األَجواء المق ّدسة من الجمال والحقيقة ،اختارت باربره يونغ أَن تجعل بيتَها الدائم. 1
2
392
هي ُوسطى بنات سلُّوم مكرزل الخمس (بعد ماري و ُروز ،قبل يُمنى وليلى) .كانت ت ُسهم السوري» ( )The Syrian Worldإِلى با ِإلنكليزية في تحرير مجلة والدها سلُّوم «العالم ُ أَن تخلَّى عن تحريرها لزميله فيها حبيب كاتْبِه ،وانصرف منذ 1932إِلى إِدارة جريدة «الهدى» مباشر ًة إِث ْ َر وفاة م َؤسسها شقي ِقه البكْر نعوم. المقصود هنا طبع ٌة أُولى ُم َصغَّر ٌة ل ُكتَيِّ ٍب من 48صفحة كانت باربره يونغ أَصدرتْه «على حسابها الخاص» سنة 1931لدى «المطبعة السورية األَميركية» (نيويورك) بعد أَربعة فوسعت ذاك الكت ِّيب إِلى كتابها المعروف «هذا الر ُجل أَشهر على وفاة جبران ،ثم عادت َّ من لبنان» وأَصد َرت ْه سنة 1945لدى منشورات «كنوف» (نيويورك) ،راوي ًة فيه رحلتَها سنة وس َع 1939إِلى لبنان (زائر ًة المتحف في بْشَ ّري ،ومدرسة الحكمة في بيروت) و ُمف َِّصلَ ًة ْ ٍ نصوص، صفحاته جلساتِها الطويل َة مع جبران في محترفه ُمد ِّون ًة ما كان يمليه عليها من ثم طابع ًة إِيَّاها على آلتها الكاتبة.
نماثلا لصفلا
العيش في لبنان بعد وفاة جبران ،لكنها كانت تحلم صحيح أَنها ات َّخذَت قرا َرها َ ٌ به قبل سنوات .وها هي ،كما ُمصا َدفَ ًة مع الذكرى األُولى لوفاة الشاعر ،3ستغادر الشواطئ الغرب ّية ،متوقف ًة بعض الوقت في أُوروڽَّا ،ثم تُكمل إِلى بْشَ ّري هذه َ لتعيش «لبناني ًة بين أَهل جبران اللبنانيين» ،فتسك َن هذه البلدة الصغيرة حيث َ رس َم و َج َب َل ،4وحيث جبرا ُن الفتى ص َّمم منذ ٍ ُ جبرا ُن ُئذ أَن تكو َن له حياة فنية. الطفل َ عيش فيه .و َعفْويَّ ُة قولي أَحيانًا قالت لي باربره« :أَشعر أَنني أَعود إِلى بيتي ألَ َ «حين أَعود إِلى لبنان» ت ُشير إِلى رغبتي أَن أَعيش هناك .وهذا أَروع ما يحصل في حياتي .في بْشَ ّري سيكون لي بيتي الصغير ،أَمامه عريش ٌة وشجر ُة زيتون ،سط ُح ُه بِسا ٌط حين أَنام عليه ذات ليل ٍة دافئ ٍة يمكنني أَن أَم َّد يدي وأَقطف نجم ًة أَ ُد ُّسها تحت مخ َّدتي». ٍ صمت أَضافت« :كثيرون تن َّبأُوا أَنني سأَعو ُد إِلى هنا بعد حفن ِة بعد بره ِة سنوات ،لكنني واثق ٌة أَنني لن أَعو َد من هناك .لم أَكن يو ًما منسجم ًة مع أَنماط العيش الغرب َّية ،بوسائلها ووسائطها وأَدواتها ،فيما ت َسح ُرني من زمانٍ هناك تلك الحيا ُة اللبنانية بِـجمالها وبساطتها». َمست في صوت باربره يونغ دفئًا شرق ًّيا أَليفًا يعكس هناء ًة لبناني ًة ذاتَ رضً ى ل ُ يناسب قام َة باربره مالبس محلي ًة جمالُها عميق .وتخ َّيلتُها هناك في لبنان ترتدي َ ُ الممتلئة الطويلة. استرسل َْت تح ِّدثني عن كمال ُسرورها أَن تكون بين لبنانيين وسوريين تحب أَن تسمعهم ينادونها «بُ ْربَا َرة» باللهجة العربية ُمش ِّددين لفظَهم على َحرفَـي «با» ٍ كلمات عربي ٍة تلفظُها والحظت أَ َّن لديها منذ اآلن م ْؤون َة وسطَين في اسمها. ُ األَ َ ٍ كلمات ميركي عاد ًة في لفْظه فال تَلْ َح ُن وال تجد في لفظها صعوب ًة يواجهها األَ ُّ 3 4
توفي جبران في 10نيسان 1931وصدر هذا الحديث في عدد نيسان .1932 شكال بدائي ًة تشير إِلى ميوله الفطرية كان جبران ،إِبَّان طفولته في بْشَ ّري ،يَ ْج ُب ُل بالطين أَ ً الفنية الباكرة. بل يف شيعلا تَرَّرق ةيكريمَأ ةرعاش
عربي ًة ،ما يذكِّ ُرها بقول جبران لها ذات يوم« :أَشعر أَ ِ نك ستنطقين بال َع َربية في أَ ِّي لحظة». طب ًعا هي مقتنع ٌة أَ َّن األَمر ليس بهاتَين السهولة والعفوية ،لكنها عازم ٌة ،منذ ٍ سنوات حتى تُتْ ِق َنها بما يتيح لها أَن ُوصولها إِلى لبنان ،على تلقُّن العربية في بضع ٍ ِ كتابات له عربي ًة كتابات جبران العربي َة كلَّها .هي تعرف أَ َّن تترجم إِلى ا ِإلنكليزية مترجم ٌة إِلى ا ِإلنكليزية لكنها ال تحمل بَصمة جبران ،وعشَّ ُاق كتاباته ا ِإلنكليزية ال يرضَ ون بها خالي ًة من بصمته .وما ي َؤ ِّه ُل باربره يونغ لترجمة جبران إِلى ا ِإلنكليزية، أَنها ضليعة بمهاراته األُسلوبية في ا ِإلنكليزية .ر َوتْ لي أَن جبران قال لها يو ًما« :أَ ِ نت أَفضل من يترجم كتاباتي العربية إِلى ا ِإلنكليزية» ،وأَنه ،وهو يُ ْملي عليها كتابه قول «يسوع ابن ا ِإلنسان» ،كان إِبَّا َن نشوة انفعاله يتوقَّف بين عبارة وأُخرى ويلقي ً بالعربية ثم يترجمه بعفوي ٍة إِلى ا ِإلنكليزية .لَ َحظاتِ ِئ ٍذ ،من خوفها أَن تقطع عليه انسياب أَفكاره ،كانت تتج َّنب أَن تطلب منه ا ِإلعادة كي تد ِّون ذاك القول .غير أَن َ تلك األَقوال باقي ٌة في قلبها وواجد ٌة تعابي َر لها في صفحات ترجماتها عن العربية. في بْشَ ّري لن تقضي وقتها كلَّه في دراسة العربية وفي الترجمة .فهي ره َنت حياتها ،تَطَ ُّو ًعا ،لنشْ ر اسم جبران وعبقرية نتاجه لدى َمن لم يعرفوه بعد .ولهذه الغاية تص ِّمم ،بين أُمور كثيرة ،أَن تُعيد في بْشَ ّري تأْثيث ُمـحت َرف نيويورك تما ًما كما ويرسم .وستجعل في دير مار سركيس متحفًا تعرض عاش فيه جبران 18سنة يكتُب ُ فيه أَعماله من رسوم بالقلم الرصاص ،وتخطيطات ،ووجوه ،وزيتيات ،ومحفورات خشبية ،وكنو ِز ذخائ َر وأَغر ٍ اض فنية كان جبران يجمعها ويحبُّها. تكريم جمل في أَعلى آمال باربره يونغ أَ ْن تجعل َم ْس َر َح َة فصول «النبي» سنويًّا أَ َ ٍ دائم لذكرى «شاعر األَرز» على أَرضه اللبنانية وبأَصوات أَهل بلدته بْشَ ّري .ستكون ٍ ال َم ْس َر َح ُة با ِإلنكليزية ليتابعها «ال ُح َّجاج» األَجانب وألَن ا ِإلنكليزية لغة عالمية .لذا كل العالم سيه َنأُون بفرصة حضور «النبي» في هذا ا ِإلطار عشاق جبران باآلالف في ِّ حالم كان جبران يُض ِمرها لوطنه البديع .أَما ريع هذا العمل فسيكون لتحقيق آما ٍل وأَ ٍ 394
نماثلا لصفلا
الحبيب ،منها تطوي ٌر كبير للزراعة في لبنان وتحسيناتٌ أُخرى َد َّونتْها باربره يونغ في قلبها وت ُضمر أَن تح ِّققَها له.5 كان جبران في صباه يتنقَّل على صهوة حصانٍ بين فَلوات األَرض المقدسة التي يقال إِن يسوع م ّر بها .وتأْمل باربره أَن تمشي على الدروب ذاتها فتزو َر األَماكن التي م َّر بها جبران .سوف تزور مدرسة «الحكمة» حيث د َّرس الخوري يوسف الحداد الذي وصفه لها جبران بـ «الوحيد الذي علَّمني ما أَفادني» .وفي هذه المدرسة اليوم لوح ٌة تحمل باعتزا ٍز شهاد َة أَ َّن جبران درس فيها.6 كثيرون هنا من متابعي باربره يونغ المعجبين بأَدبها يخشون أَن تتخلَّى كلِّ ًّيا عن كتاباتها ونشاطها كي تنفِّذ مخطَّطَها الجبراني فتحر َمهم من الجمال والشاعرية في كتاباتها شع ًرا ونث ًرا .أَما هي فواثقة أَنها لن ت ُهمل كتاباتها الخاصة ،وت ُ ْؤمن عميقًا ِ ِ ومناخه الرائع ما س ُيلهمها أَفكا ًرا أَه َّم جماالت لبنان الفريدة بأَ ْن سيكون لها من ٍ وكتابات أَجمل .وكتابُها األَخير «يهوذا ...الرجل الذي لم يستطع أَن يموت» تجري وص شعري ٌة عالية الحيوية ألَنها كت َبتْه بحماس ٍة عن أَ ٍ رض نص ٌ أَحداث ُه في لبنان ،وفيه ُ «كتاب آدم» وكتاباتٌ أُخرى لم تكن تعرفُها بعد .فكيف إِذًا حين سيكون جدي ُدها ُ تضمر أَن تكتُبَها ،في إِطار تلك األَرض المقدسة! حيوية باربره يونغ ال تعرف التعب وال االكتفاء .عالمتُها :اهتما ُمها ِب َخير اآلخرين. فعدا كتاباتها عن جبران ونصوصها الخاصة ،ستكتُب سلسلة مقاالت عن شعب لبنان وتقاليد لبنان وتراث لبنان كي تُقْنع بها العالم الغربي ليقينها أَ ْن منذ منتصف القرن التاسع عشر لَ ْم ت ُ ْكتَب عن لبنان مقاالتٌ ُم ْن ِصفَة .هذا ما اكتشفتْه باربره يونغ من 5
6
ٍ سنوات من هذا لم تحقِّق باربره يونغ زيارت َها لبنان ،كما كانت تحلم بهاِ ،إلَّ بعد سبع ِ الحديث .ق ََصدت بْشَ ّري في 8تشرين األَول ،1939وزارت معهد «الحكمة» إنما بدون ابنتها بل اصطحبَت حفي َدها كريستوفر ( 4سنوات) .كما لم تحقق حل َمها بالسكَن الدائم في بْشَ ّري ألَن شرارة الحرب العالمية الثانية أَرغ َمتْها على العودة سري ًعا إِلى نيويورك. ٍ سنوات على هذا الحديث ج َّد َدت إِدار ُة المدرسة أَبنيتَها فزالت اللوحة وانه َدم الجناح بعد حيث كانت الغرفة التي َدرس فيها جبران. بل يف شيعلا تَرَّرق ةيكريمَأ ةرعاش
حست بالحاجة إِلى ا ِإلضاءة قراءاتها مراج َع في المكتبات ولدى بعض الم َؤسسات ،وأَ َّ عليه َح َيال غيابه عن معظم الكتابات با ِإلنكليزية. في الرابع من أَيار المقبل ستُ ِ لتحل بحر السيدة يونغ ،ومعها ابنتُها ،إِلى إِنكلترا َّ ضيف ًة على السير هنري وزوجته السيدة ْدجاپ في لندن .وستغتنم هذه «ا ِإلقام َة ٍ بنشاط في خدمة جبران :إِقامة معرض في لندن القصيرة» لتستخد َمها كالعادة ٍ بعدئذ هذه الرسوم في ڽاريس التي ت َعتبر لـ 75رس ًما بالقلم الرصاص .وستعرض ٍ لوحات زيتي ًة ألَ َّن كرسام .ولن تحمل معها إِلى أُوروڽا أَ َّن لجبران فيها شهر ًة وتقدي ًرا َّ هذه شُ ِحنت رأْ ًسا إِلى هناك ،إِلى لبنان. هذا الـ «هناك» سيكون عالَـ ًما غري ًبا وغامضً ا على أَصدقاء لباربره يونغ ،منهم ٍ لسنوات ،ومنهم من عرفوها حديثًا .لكنهم جمي ًعا نعموا بصداقتها من عرفوها وتأَث َّروا بروحها الكريمة وفكرها المعطاء. قبل فتر ٍة كانت كت َبت« :في االستذكار ِغ ًنى ،وثِ َق ٌة بالخلود قد ال نتن َّبه أَن نسأَل عنها» .ونحن ،بهذه المقولة الجميلة ،وبأَ َمل أَن قد نكون نحن أَيضً ا معها في لبنان، نو ِّدع باربره يونغ الغنية بتذكارات صداقتها ،ون َؤكِّد لها ثق ًة لدينا بقرارها لن ت ُضعفَها فينا المساف ُة ولن تُطْفئَها أَب ًدا.7 مطلع حديث أَليس مكرزل مع باربره يونغ ،كما صدر في «العالم السوري» (ص – 37العدد– 7 ُ نيسان )1932ضمن ملحقٍ خصصه سلوم مكرزل في هذا العدد لمرور سنة على غيابه صديقه جبران.
7 396
السوري» – نيويورك – السنة السادسة – العدد السابع – نيسان 1932 عن مجلة «العالم ُ (ص.)41– 37
نماثلا لصفلا
الفصل التاسع
باربره يونغ وإِندرو غَ ِر ْيب
بين لقاءات كثيرة عقدتُها في الواليات المتحدة مع َمن عرفوا جبران شخصيًّا في سنواته األَخيرة ،ونشَ رتُها تبا ًعا في مجلة «النهار العربي والدولي» 1ثم أَصدرت ُها الحقًا نصوصه العربية في كتاب ،2زرتُ إِندرو َغ ِريْب 3أَ َّو َل َمن ترجم ِمن جبران ،على حياته، َ إِلى ا ِإلنكليزية بموافَقَة خطية من جبران. طويل كان حديثي معه عن عالقته بجبران ،أَقتطف منه هنا ما ت َ َذكَّر لي 4عن ً عالقته بِباربره يونغ.
ج�ان... عالقته مع ب
عن مناسبة لقائه جبران ،قال لي: يوم من 1926قرأْتُ لجبران في جريدة «مرآة الغرب» مقطوع َة – ذات ٍ «و َعظَتْني نفسي» .أَع َج َبتْني فتر َج ْمتُها إِلى ا ِإلنكليزية ونشرت ُها هنا في جريدتنا
1 2 3 4
بين 1983و.1990 «جبران خليل جبران – شواه ُد الناس واألَمكنة» – منشورات درغام – بيروت .2012 صباح األَحد 17حزيران 1990في بيته :بلدة تْشيكوﭘِّـي قرب مدينة ْس ْپ ِرنْغفيلد – والية َ ماساشوستس. كان يو َمها في الثانية والتسعين .وهو ُولد سنة 1898في عيتا الفخار (جنوب لبنان) وت ُوفِّي في ْسپْ ِرنْغْفيلد (ماساشُ ِ وس َنتَيْن. وستْ ْس) نهار األَحد 12آذار ،2000عن مئ ٍة َ 397
«سپْ ِرنْغفيلد ريـپَـبْـلِكان» ( )Springfield Republicanمع مقا ٍل عن المحلية ْ رسلت الترجمة إِلى صديقي ميخائيل نعيمه في نيويورك – وكان له جبران .أَ ُ رضى وتهنئ ٍة مكتب في مجلة «السائح» لعبدالمسيح ح َّداد – فأَجابَني برسال ِة ً «سپْ ِرنْغفيلد ريپَبْلِكان» .بعد مرفَ َق ٍة بقصيدت َين له إِنكليزيَّتَين ألَنشرهما في ْ َمست لديه، أَيام دعاني إِلى الغداء في نيويورك َو َع َّرفَني بنسيب عريضة الذي ل ُ منذ ذاك اللقاء ،تعلُّقَه بجبران ووفا َءه له .سنة 1928قرأْتُ لجبران كذلك في «مرآة الغرب» مقطوعة «أَيُّها الليل» فترجمتُها إِلى ا ِإلنكليزية وأَرسلتُها ُمج َّد ًدا لي« :جبران أَ َح َّب ترجمتَ َك وسأَلَني َ عنك إِلى نعيمه فأَطْل َع جبرا َن عليها وكَتَب إِ َّ ُحب كتاباتِه وتن ُقلُها إِلى ا ِإلنكليزية ،فقال إِ َّن ترجمتَك فأَخبرت ُه أَنك لبناني ت ّ ٌّ كنت في نيويورك، قريب ٌة ج ًّدا من األَصل، وطلب أَن يتع َّرف َبك» .بعد شه ٍر ُ َ هت بعد الظهر إِلى لقاء نعيمه في مكتب «السائح» ( 21ركتور ستريت وتو َّج ُ في أَسفل مانهاتن) وصدف عند وصولي أَ ْن كان يهاتف جبران .أَخ َب َره أَنني معه ذهب إِليه .وهكذا كان :سري ًعا بالصابواي إِلى في المكتب فسأَله جبران أَن أَ َ الشارع العاشر غربًا ،ف ِإلى المبنى رقم ،51الطابق األَعلى حيث جبران .كان الحظت دائ ًما في ما بعد) .استقبلَني بمريول الرسم .كان بابه مفتو ًحا (كما ُ وب في وجهه ،أَناق ٌة في مظهره، وح َده .أَذك ُره لحظَتَ ِئ ٍذ كأَنه اآلن أَمامي :شُ ُح ٌ الوسط ُممتلئ ٌة بعثَ َر ٌة في الستوديو (كان يدعوه «الصومعة») ،موقد ٌة َه ِر َم ٌة في َ تفاصيل كثيرة .كان َ رما ًدا عتيقًا بار ًدا .سأَلني عني ،عن عملي ،عن عائلتي ،عن فهمت في ما بعد حنونًا في أَسئلته ،حانيًا في إِصغائه ،كأَ َّن أَمري يَه ُّمه ج ًّدا. ُ ناسه أَنه هكذا كان دو ًما كثي َر االهتمام بِمواطنيه اللبنانيين .شعرتُ أَ َّن استئْ َ بي وبترجماتي كتاباتِ ِه العربي َة يعود في جزٍء منه إِلى كوني لبنان ًّيا .ثم سأَلَني ٍ بصمت عميقٍ وتَأَث ُّ ٍر شديد .عند قراءتي ترجمت له .أَصغى أَن أَقرأَ عليه ما ُ وصلت إِلى السطر األَخير ...« :فلم أَجد على الرمل مقطوعتَه «الشُ هرة» ،حين ُ سوى َع َماي» ،أَعج َبه أَن أُترجم كلمته العربية «الجهل»« :العمى» با ِإلنكليزية ترجمت فكْرتي ال كَلِمتي .أَنا نت َ فقال لي« :هذا بالضبط ما أَردتُ قَوله .أَ َ 398
عساتلا لصفلا
سعي ٌد بترجم ِتك» .وقام فأَهداني نسخ ًة من وكتب كتابه الجديد «يسوع ابن ا ِإلنسان» َ لي عليه إِهدا ًء بالعربية «مع أَحسن تمنياتي الى اندراوس عيسى ال َغرِيب» .قبل انصرافي باهتمام عن صورة هالَ ِت ِه في الجالية سأَلَني ٍ اللبنانية ووقْعِ كتاباته في أَهلها وماذا يقولون عنه وعنها .كان شديد الحرص على رأْي الناس وبقي على ذي ِنك الحرص والتسآل في فيه، َ جميع زياراتي الالحقة إِليه .ذات زيار ٍة إِهداء جبران (بالعربية) صديقَه إِندرو كتاب «يسوع ابن ا ِإلنسان» ()1928 َ أَهديتُه من َمجموعتي الخاصة كتابًا ق ِّي ًما قدي ًما ناد ًرا ،فيه رسو ٌم وأَشعا ٌر فارسية قديم ٌة أَعرف أَنه يق ِّدرها .ش َك َرني ب ُعمقٍ بالغ وقام فأَهداني نسخ ًة من طبع ٍة جديدة لـ «النبي» كانت صادر ًة حديثًا، لي بالعربية. كتب إِهدا َءه إِ َّ في زيارتي إِياه نهار ا ِإلثنين 15تموز 1929سأَلتُ ُه إِذا كان راض ًيا عن عملي .لم طلبت منه أَن يُعطيني إِ ْذنًا نصوصه. يناقشْ ني مر ًة في أَ ِّي كلم ٍة من ترجماتي ُ َ َخطِّ ًّيا بترجمة مجموع ٍة من نصوصه العربية إِلى ا ِإلنكليزية .لم يتر َّدد لحظ ًة. قام إِلى طاولته وكتب لي با ِإلنكليزية إِ ْذنًا ووقَّعه .وجعل ُْت أَنش ُر ترجماتي إِلى
تفويض جبران إِلى إِندرو ترجم َة نصوصه العربية إِلى ا ِإلنكليزية ُ ( 15تموز )1929
بْيِرَغ وردنِإو غنوي هربراب
«سپْ ِرنْغفيلد ريپَبْلِكان» وفي المجلة ا ِإلنكليزية نص َوصه العربية في جريدة ْ الشهرية «غولدن بوك ماغازين» ( The Golden Book Magazineنيويورك). رسلت إِلى هذه األَخيرة ترجمتي مقطوع َة «األَرض» طلَب مني رئيس وحين أَ ُ النص العربي التحرير أَن ينشر األَصل العربي مع ترجمتي ا ِإلنكليزية .أَ ُ رسلت له ّ منشو ًرا في َمجلَّة «السائح» فصدر مقلوبًا ألَن عامل المطبعة لم يكن يعرف ومنشغل دائ ًما ً العربيةَ .ح ِز َن جبران لكنه تف َّهم األَمر ولم يغضَ ْب .كان َسمو ًحا ٍ بغامض آ َخ َر كأَنَّه ينتظره ولم يأْ ِت بعد. في زيارتي قبل األَخيرة و َع ْدت ُه بأَن أُترجم إِلى ا ِإلنكليزية مقطوعته «الصوفي» نصوصه العربية إِلى ا ِإلنكليزية .ر َّحب بالفكرة وأَن أُطْل َعه على جميع ترجماتي َ ٍ نهارئذ ،وأَنا في طريقي وات َّفقْنا على أَن أَزوره الجمعة في 20آذار (.)1931 سمعت صوتًا يناديني إِليه مسا ًء (لم أَكن أَدري أَ َّن تلك ستكون زيارتي األَخيرة) ُ قلت في أَحد شوارع مانهاتن المكتظَّة. التفت ف ِإذا به صديقي َسلُّوم مكرزلُ . ُّ ذاهب لزيارة جبران كي أُطل َع ُه على ترجمتي ا ِإلنكليزية مقطوعتَه له إِني ٌ الجديدة «الصوفي» قبل أَن أُرسلَها إِلى «غول ِْدن بوك ماغازين» .أَص َّر أَن يأْ ُخذَها السوري» ( )The Syrian Worldفأَعطيتُه إِياها. وينش َرها في مجلته «العالم ُ كملت طريقي إِلى جبران ،وكانت جِلس ًة لنا طويل ًة لم يتكلَّم خاللها كثي ًرا بل أَ ُ انتهيت بادرني: نصوصه وال يعلِّق .حين كان يُصغي إِلى ترجمتي ا ِإلنكليزية ُ َ نت لم قريب ج ًّدا من ذاتي .أَ َ «سأَسعى إِلى ناش ٍر يُصدر َلك هذا الكتاب .عمل َُك ٌ جس َد الكلمات بل رو َحها». تترجِم َ وقام إِلى طاولته فأَتى بنسخة من كتابه الجديد «آلهة األَرض» (كان ص َد َر في ذاك األُسبوع بالذات) لي واع ًدا وكتَب لي إِهدا ًء وق َّدمه إِ ّ الحظت أَن يُهديني أَح َد رسومه. ُ كتاب «آلهة األَرض» إِهداء جبران صديقَه إِندرو َ على وجهه شُ ُحوبًا غي َر عادي 20( .آذار )1931 ّ 400
عساتلا لصفلا
شاح عن الجواب ببسم ٍة ِ ذات سأَلتُه إِن كان يشعر بأَل ٍَم أَو انزعا ٍج أَو م َرض ،فأَ َ غصة ،وسأَلني كالعادة عن رأْي أَبناء الجالية بكتاباتِه .كان جوابي على حجم ّ انتظاره وفضوله لمعرفة مدى شهرته الواسعة .عندها قال لي بصوت عميق: كل شهرتي بين أَهلنا ،هنا في أَميركا كما في العالم العربي ،لم «يا إِندروُّ : قرش ٍ تأْتِني بِمردو ِد ٍ كل ما نش ْرت ُه في العربية واحد لِحقوقِ نشْ ٍر أَو طبعٍ عن ِّ ٍ مقاالت وكُتُب .ينشرون لي وال أَعرف .ينقلون مقاالتي وكتاباتي وال من يستأْذنونني .يطبعون م َؤلَّفاتي العربية وال يُرسلون إِل ََّي قرشً ا واح ًدا بينما أَنشر هنا با ِإلنكليزية فيأْتيني مردو ٌد من مقاالتي وقصائِدي في الصحف والمجالت لكنت ومن كتبي المنشورة لدى «كنوف» .ولوال بَيعي َ بعض رسومي ولوحاتي ُ ٍ صمت طويل. اآلن في َع َوز» .ثم أَحنى رأْسه وغر َِق في قبل أَن أُغادره في تلك المسوية من آذار قال لي« :سأَسأَ ُل أَلفرد كنوف إِن كان لي بالمخطوطة كامل ًة في يُصد ُر ترجماتِ َك نصوصي ا ِإلنكليزي َة في كتابُ .عد إِ َّ َ موسم النشر فأَكون كلَّ ْمتُه باألَمر». ِ آخر أَيلول ،مطلعِ منشغل البال على شُ ُحوبه و َو ْهن ِمشْ يَته ،لكنني لم ُ وانصرفت ،وأَنا و َّدعتُه ُ أَح ُد ْس يومها أَن تكون َ تلك آخ َر م َّرة أَراه. كنت خار ًجا من مقهى في بعد ثالثة أَسابيع ،ظُ ْهر السبت 11نيسان ُ ،1931 فسمعت بائع الصحف ينادي« :طبعة إِضافية ...طبعة إِضافية ِ آلخ ِر ْس ْپ ِرنْغفيلد ُ وابتعت نسخ ًة من «نيويورك تايمز» ف ِإذا على صفحتها مت منه ُ خبر» .تق َّد ُ ساوي األُولى من تلك «الطبعة ا ِإلضافية» نبأُ وفاة جبران .كان لِموته وق ٌع مأْ ٌّ علي وعلى الجالية اللبنانية. َّ
...وعالقته مع ب� بر�ه يونغ
أَ يتعب من الكالم ُ صغيت إِلى إِندرو الهثَ النفَس طوال حديثه .وخشي َة أَن َ فيتوق ََّف قبل أَن أَ َ عرف كيفية نشر مترجماته ،بادرتُه: بْيِرَغ وردنِإو غنوي هربراب
– ولكن كنوف عاد فنش َر كتابَك بعد وفاة جبران. حملت –( ببسمة حزينة) :صحيح .ولكن كيف!!! بعد أَش ُه ٍر على وفاة جبران ُ َ «عليك أَن تُراجع باربره يونغ .هي اليوم المخطوطة إِلى كنوف فبادرني: اجتمعت بها للمرة األُولى (والوحيدة) الوكيل ُة على آثاره وهي من ِّف َذ ُة وص ّيته». ُ في «صومعة» جبران وكانت معها ابنتُها .وجدت ُها امرأَ ًة طويل ًة على بدانة، وكنت أَعرف أَنها ال َز َمت جبران منذ 1925وعرضَ ت عليه قويَّ َة الشخصية، ُ تسمح بطبع كتابي لدى كنوف ،أَن علي ،كي َ أَن تكون سكرتيرت َه .اشترط َْت َّ طلب أَن تكتُ َب هي مق ِّدم َة الكتاب .أَج ْبتُها أَ َّن صديقي ميخائيل نعيمه َ وقسو ٍة وأَجابت صارم ًة« :إِذَن لن يكتب هو المق ِّدمة ،فرفضَ ت في ح َّد ٍة ْ قلت لها إِنني أُ ِ صدره عند أَ ِّي ناش ٍر سمح َلك بنشْ ره»ُ . يَص ُدر الكتاب ولن أَ َ آ َخر بما أَنني أَحمل تفويضً ا خطِّ ًّيا من جبران ،وأَ َريْتُها التفويض فانتفَضَ ت: يتيح َلك الترجم َة ال النشر .أَنا وحدي ال ُمولَ َجة بالنشْ ر ،وأَنا أُعطي ا ِإلذْن «هذا ُ وكنت أَنا أَيضً ا األَخير» .وقَ ْع ُت في حيرة :كان نعيمه عاد إِلى لبنان سنة ُ 1932 أَتهيَّأُ للعودة إِلى لبنان ،فلم ي ُعد لي إِ َّل القبول .وهكذا كان :ص َد َر الكتاب نهار ا ِإلثنين في 8تشرين األَ ّول 1934مع مقدم ٍة منها َذكَ َرتْني فيها ب ِإ يجا ٍز نجحت «باستيعاب األَصل العربي لروح جبران وبنقْل س ْحره إِلى عاب ٍر أَنني ُ ٍ تعديالت على ترجمتي بعض المقطوعات (منها «أَيها ا ِإلنكليزية» .وأَج َرت ِ شطحات الليل») ،ساكب ًة عليها بعض النثرية ُمـ َخفِّف ًة من ترجمتي ا ِإلنكليزي ِة جبران الشاعري َة كما كت َبها في األَصل العربي .وبعدما ُعدتُ إِلى لبنان كان كل عام (في أَول كانون الثاني وأَول لي حقوق الترجمة م َّرتين َّ كنوف يرسل إِ َّ ٍ سنوات تموز) بمع َّدل أَربعة آالف دوالر سنويًّا وهو مبل ٌغ استم ّر يَ ِر ُدني طويل ًة مع تكرار طبعات كتابي الذي أَصبح من مجموعة جبران الكالسيكية، ويباع مع سائر كتبه الواسعة االنتشار.
402
عساتلا لصفلا
ُ غالف الكتاب وذكْ ُر مقدمة باربره يونغ (الطبع ُة األُولى 8تشرين األَول )1934
حيال صداقة إِندرو ونعيمه ،ومعرفتي «الو َّد المفقود» بين نعيمه وباربره ِ موقف نعيمه مباشر ًة من إِندرو فأَجابني بدون تحفُّظ: حاولت استيضاح يونغ، ُ – لدى عودتي إِلى لبنان أَخبرتُ نعيمه بأَمر باربره يونغ فه َّز برأْسه شار ًدا. وفهمت أَنه كان على ٍ خالف معها ويعت ُبرها مس ُؤول ًة عن اختفاء وصية جبران ُ خصص مبالغ ألَصدقائه في «الرابطة» ،5فلم تظ َهر األُولى التي ذكَ َر فيها أَنه َّ بعد وفاته إِلَّ الوصي ُة الثانية وليس فيها أَث ٌر مما كان جبران َذكَ َره لرفاقه في «الرابطة» .6وقد يكون لباربره يونغ ،بشخص َّيتها المتسلِّطة ،ضل ٌع في نَص 5 6
فردي ،ويدعم م َؤ َّسساتهم أَ َس َّر لي إِندرو أَن جبران كان يساعد ُهم ما ِّديًّا بشكل شخصي ّ ّ وصح ِفهم، يفسر ت َشَ تُّتَ ُهم بعد وفاته ،وت َ َوق َُّف َمجالَّتهم ُ الصحافية بشكلٍ َد ّ وري ،وهذا ما ِّ ٍ ٍ ِ َ وبلو َغ األَمر ح َّد خالفات شخصية بينهم ،و َعود َة نعيمه النهائية إلى لبنان. في كتاب نعيمه الحقًا ( )1934عن جبران («جبران خليل جبران – حيات ُ ُه ،موت ُ ُه ،أَدبُ ُه، فَ ُّنـ ُه» – م َؤ َّسسة نوفل – بيروت – الطبعة الثامنة – – 1978ص )277–276 ذكَر أَن جبران كتَ َب وص َّيتَين. بْيِرَغ وردنِإو غنوي هربراب
الوصية الجديدة .7وهي بلغَت من الح َّدة أَنها ،حين كان جبران يحتضر، استد َعت نعيمه إِلى المستشفى ُم ْك َره ًة عبر َسلُّوم مكرزل بعدما كان جبران دخل في الغيبوبة األَخيرة فلم يَبلُغ منه نعيمه إِ َّل «غر ..غر ..غر .8»..وبلغ بنعيمه نفو ُره منها أَنه لم يُ َس ِّمها في كتابه بل ذكَر أَنها «شاعر ٌة أَميركية وفهمت منه أَيضً ا أَنها بعد غياب جبران عرفَت جبران في سنواته األَخيرة». ُ «رابطَت» في محترفه ُمتح ِّجج ًة بالخوف عليه من السرقة ،وراحت تط َبع ن َُس ًخا من لوحاته وتبي ُعها في معارض متف ّرقة على اسم جبران بِح ّجة تمويل مشاري َع لطبع آثاره المخطوطة.
تلك كانت ،في حديثي إِلى إِندرو َغ ِريْب ذاك األَحد 17حزيران ،1990مقاط َع مما كان له مع باربره يونغ ،حول كتابه «قصائد نثرية» الذي صدر في منشورات كنوف 9تتص َّد ُره مق ِّدمتها، وهذه ترجمتُها الحرفية: إِندرو غَريب وكتابُه يوم زرتُ ُه في بيته ( 17حزيران )1990
7
8 9
404
هذا األَمر نقَله إِندرو متأَث ِّ ًرا برأْي صديقه نعيمه ألَن جبران في وصيته لم يذكر أَب ًدا باربره المصرفي إِدغار سۑاير ولم يكن أَح ٌد يونغ .وهذا من الت َج ِّني ألَن الوصية كانت لدى مكتب ّ اطَّلع عليها .كان جبران كت َبها نهار األَربعاء 30تموز 1930وكما يقتضي القانون أَقسم أَمام سۑاير أَنه كتبها وهو يتمتع بكامل قواه العقلية ،وأَرسل في تموز نسخ ًة منها إِلى شقيقته مريانا في بوسطن .وفُ ِتحت في مكتب سۑاير نهار الجمعة 17نيسان ( 1931بعد أُسبوع على وفاة جبران) بحضور مريانا وماري هاسكل وزكية جبران دياب. الكتاب ذاته ،ص 17 إِلى .22 Prose Poems by Kahlil Gibran – Translated from the Arabic for the first time by Andrew Ghareeb, with a foreword by Barbara Young – Alfred Knopf publisher – 1934 – New York – 96 pages
عساتلا لصفلا
ترجمة إِندرو غريب مقطوعة «قبل االنتحار» صد َرت الترجمة ا ِإلنكليزية السوري» في مجلة «العالم ُ َ النص العربي األصلي وصدر ُّ في كتاب «العواصف» ()1920
ّ مقدمة ب� بر�ه يونغ ِ
مستقل في ذاتهِ ،س ُّر ُه إِعاد ُة َخلْقٍ ت ُ َح ِّو ُل ِس ْح َر ٌّ قال جبران يو ًما« :الترجمة ف ٌّن لغ ٍة إِلى سح ِر لغ ٍة أُخرى». ِ أَن يقارب مترج ٌم كتابات س ِّي ٍد في أَ ِّي لغ ٍة ،يعني أَن يواج َه عملي ًة ذاتَ ٍ صعوبات معقَّد ٍة يُمكن ت َ َخطِّيها حين تَص ُدر تلك الكتاباتُ ممهور ًة بحكم ٍة ملهم ٍة وق ّو ٍة سماويّة. هذه المجموعة من القصائد النثرية 10تصدر باإلنكليزية للمرة األولى ،تولَّ ها المترج ُم عربو َن ن ْذ ٍر ُم ْخ ٍ لص وإِيمانٍ عميقٍ ب ُق َّو ٍة وأَهمي ٍة في النصوص األَصلية كما صاغها بالعربية جبران خليل جبران. 10اختارت منها باربره يونغ للنشر 12مقطوعة فقط بين مجموع ٍة نُصوص كثيرة كان إِندرو َغرِيب ترجمها وز َّودها بها. بْيِرَغ وردنِإو غنوي هربراب
فهذا الشاعر ،المولود في بْشَ ّري من أَبَ َوين لبنانيَّـيْن قبل 51سنة ،11عاش حيا ًة ٍ عالقات متعددة غريب ًة بوحدتها وانفرادها ،مع أَنه ،في كل محط ٍة من حياته ،كان ذا السلطة .ثمة حال ٌة يستحيل تحدي ُدها مع كثيرين :من بائعي الكشَّ ة إِلى أَصحاب ُ واض َح ًة ،كان دائ ًما وأَب ًدا يعيشُ ها وحي ًدا كما عاشها فقط عظما ُء قليلون م ُّروا على هذا الكوكب .لك َّن نادرين بينهم واعون أَ ّن جبران كان واح ًدا من الكبار في تاريخ بسالالت باهر ٍة العالم .إِن لديه إِرث ًا يرقى إِلى أَسالفه الفينيقيين الكلدنيين ،غن ًّيا ُ نس َج جبران من فكرهم العريق ثوبًا ارتداه كرام ًة ووال ًء .من من عباقرة ومثقفين َ وكل ُرقش ٍة من ريشته ،كانت وليد َة ق ّو ٍة مل َه َمة .لذا لم كل نَقش ٍة من قلمه َّ هنا أَن َّ يكتب سط ًرا واح ًدا عاديًّا أَو بدون نبض ،فكان أَن َ ترك على الورق والقماش ذخ ًرا من الكنوز الفريدة. النصوص بالعربية القريبة إِلى قلبه ،مع أَن مهارته با ِإلنكليزية كتَب جبران تلك َ ٍ سنوات ،أَح َد ست ٍة كتبوا أَسطَع لغة إِنكليزية .وعند هي التي جعلت اسمه ،منذ «لست إِ َّل ضيفًا ا ِإلقرار أَمامه بتف ُّوقه في اللغة التي تب َّناها ،كان يبتسم ويقول: ُ تعاملت معها باحتر ٍام ولم تكُن لي دالَّ ٌة عليها كما أَبنا ُؤها» .إِذًا، على هذه اللغة. ُ بهذا االحترام العالي ذاته ،كان على المترجِم أَن يقارب هذه المغامرة الكبرى بترجمة جبران إِلى ا ِإلنكليزية .ثقافتُه العميق ُة وكبَ ُر ُه ون ُُبل ر ْؤياه الروحانية تجعل ُ نصوصه إِلى ا ِإلنكليزية تتناول عادي .لذا أَج ُز ُم أَ َّن أَ َّي ترجم ٍة َ المشروع جريئًا غير ّ لن تكو َن بالروعة التي كان سيأْتيها جبران لو هو تر َج َمها .جبران ا ِإلنكليزية مسا ٍو جبرا َن العربية ،وكالهما مختلف كل ًّيا وجوهريًّا عن أَ ِّي كتاب ٍة إِنكليزي ٍة أَو عربية أُخرى. النصوص المتر َجم ُة في هذا الكتاب ليست سوى محاول ٍة تق ِّر ُب إِلى عالَم ٍ جديد تف َّر َد به جبران سلوب ا ِإلنكليزية قصائ َد الشاعر النثري َة األُولى بالعربية في أُ ٍ وأَطلقه بذاك اللسان العربي العريق .فهو خلَق مدرس ًة في أُسلوب الكتابة طالت 11كانت تكتُب هذه المق ّدمة سنة ،1934ق َب ْيل إِرسال المخطوطة إِلى كنوف لنشْ رها. 406
عساتلا لصفلا
الخيال العالي للشرق الشاعري العالي الثقافة ،وبه ُعر َِف رائ ًدا في عالَم العربية المتَّسع إِلى نحو ثالثمئة مليون نسمة. شاب ،12مري ٌد له َج َذبَتْه مسح ٌة هذه الترجمة قام بها جا ًّدا وفيًّا مواط ٌن لجبران ٌّ صوفي ٌة لدى جبران فحاول إِخراج الترجمة ا ِإلنكليزية بجمالها النادر في أَصلها ٍ سنوات إِنكليزي َة جبران، العربي .وط َّرزَت هذا الجه َد لمس ُة كاتب ٍة أَميركي ٍة عايشَ ت وسم َعتْ ُه مرا ًرا يلقي تلك القصائد بالذات مس ِبغًا عليها ،بترجم ِته الخاصة ،إِنكليزيتَه الطلْ َق َة السلسة. بعض الوهج من تلك النار المق َّدسة التي َّ عل في هذه القصائد المتر َجمة يبقى ُ غذَّت أُصولَها العربية. بعض ٍ قبس من وعي الشاعر عميقًا َ جمال الحياة وصدقَها، عل ت ُكتَشَ ف َّ ُ فتكشف َ العلوي بأَ َّن «لنا ال ُخلود». وإِيمانِه ِّ ٍ نبضات في قلْب شاعرها. َنبض بأَصداء علَّها في بعض إِيقاعاتها الرائع ِة ت ُ هي ذي بعض آمال إِندرو َغرِيب من هذه الترجمة ،وآمالي. ٍ ومضات ف ِإن ت َّم ذلك يكون ناج ًحا هذا العمل ،ال ومض ًة عابر ًة ت َ ِتي ُه في عال َِم إِلى زوال. باربره يونغ
12كان إِندرو غريب فت َرت َ ِئ ٍذ في السادسة والثالثين. بْيِرَغ وردنِإو غنوي هربراب
الفصل العاشــر :غياب جبران ()١
يامه ا َ ألخيرة في نيويورك َأ ُ
1
مفا ِجئًا ومأْساويًّا كان موتُ شاعرنا الحبيب جبران خليل جبران .لف َظ نفَسه األَخير في الحادية عشْ رة إِلَّ عشْ ر دقائق ليلة الجمعة 10نيسان 1931في مستشفى صباح اليوم ذاته. سانت ِڤ ْن ِس ْنت – نيويورك ،وكا َن نُ ِقل إِليه َ في المستشفى ،نحو الثانية بعد الظهر ،دخل في غيبوب ٍة عميقة أَخيرة لم يَ ْص ُح منها .حول سريره :شقيقتُه مريانا وكانت وصلَت من بوسطن ،وأَصدقا ُء مق َّربون. عزم واثق تميَّز طوال حياته يوم قبل نقْله إِلى المستشفى كان جبران ذا ٍ وحتى آخر ٍ بسيطرة فكْره على جسده .فحتى الخميس كان يعمل على إِنجاز رسوم وكتابات. وكان في محترفه ،على الشارع العاشر غربًا ،ذا ورشة عمل متواصل ال يهدأ. سوى أَنه ،صباح الخميس ،كانت السيدة آنَّا جوهان ِْسن (المس ُؤولة عن خدمات كل صباح ،فذُع َرت من و ْهنه المبنى) حملَت إِلى جبران فطو َره البسيط على عادتها َّ ٍ سنوات طويل ًة في الجسدي .هاتفَت السيدة ليونوبِل جاكوبْس (جارة جبران سابقًا طبيب مختص أَ َم َر بنقل المريض المبنى) فهر َعت هذه فو ًرا إِلى المحترف ومعها ٌ وافق أَن ينتقل إِلى المستشفى إِنما إِلى المستشفى .لك َّن جبران ،بع ْزمه العنيدَ ، صباح الجمعة. 1 408
السوري» العدد الخامس ،نيسان ،1931ص 19 إِلى .22 عن مجلة «العالم ُ
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
بُعي َد ظهر الخميس وصلَت باربره يونغ إِلى المحترف وأَقلَقَها وضْ ُعه المنهار، فبق َيت عنده و َح َّدث َها عن اهتمامه بما يعمل عليه :م َؤلفات ينوي كتابتها ،ورسوم ينوي إِنجازها. في الثامنة والنصف مسا ًء عادت السيدة جاكوبْس ومعها الطبيب ،فعاد جبران يص ُّر أَ َّل يذهب إِلى المستشفى إِلَّ صباح الجمعة. ظل حتى ما بعد منتصف الليل يح ِّدث باربره يونغ عن بالده ليلة الخميس َّ الحبيبة ،عن أُمه ،شقيقته مريانا ،عن رسوم له يريد إِنجازها ،وقال لها« :على هاتَين نوم غي ِر مست ِق ّر. الي َدين إِنجا ُز أَعمال مه َّمة قبل استراح ِتهما» ،ثم غ َّط في ٍ صباح الجمعة ،فيما وصل الممرضون لنقله إِلى المستشفى ،الحظ ذع ًرا وقلقًا على وجه باربره يونغ فبادرها« :ال تخافي .أَنا بخير» .بل َغ المستشفى عند العاشرة طبيب الطوارئ. والنصف فاستُدعي له فو ًرا ُ وكانت مريانا تبلَّغَت الخبر فهر َعت إِلى أَول قطار من بوسطن ،برفقة نسيبَيها :روز دياب
وفاة جبران كما ظهرت في الصحافة النيويوركية
يوين يف ةري خَألا هُمايَأ
وزوجها عساف جورج ،فلم ِ تصل إِلى شقيقها إِلَّ بعد دخوله في الغيبوبة األَخيرة بال أَملٍ أَن يفتح عي َنيه ليراها. بُ َعيد الظهر جرى كشْ ف طبي آ َخر واستُدعي إِلى سريره على ع َجلٍ طبيب ٌ اختصاصي .إِنما لم ي ُعد من أَملٍ ب َِص ْح َوة .كان صراعه مع المرض استنفد آخر ن ْبض ّ من قواه .انهار غائ ًبا كل ًّيا عن الوعي حتى لم ي ُعد أَ ُّي عملٍ طبي يمكنه بع ُد أَن يُنقذَه. السوري» وأَخب َرت في الخامسة اتصلَت باربره يونغ بمكتب مجلة «العالم ُ رئيس تحريرها (سلوم مكرزل) عن حالة جبران معتبر ًة من واجبها أَن تُ ْعلم أَصدقاء َ جبران بخطورة وضْ عه. انتشر الخبر مفاجئًا أَصدقا َء جبران :فقبل أَيام قليلة كان زاره سلُّوم مكرزل ٍ بصوت ملْ ُؤ ُه العزم واألَمل .كان كتابه الجديد «آلهة األَرض» متفائل، ً وسمع منه كال ًما كتاب جديد ليص ُدر في الخريف.2 ص َدر حديثًا ،وقال له إِنه يعمل على ٍ انتاب سلُّوم مكرزل من َهو ِل ٍ حدث يحصل لرجل عظيم هذا الشعور الم ْؤلم َ على المستوى الوطني .اتصل بميشا نعيمه ،وهرع وإِياه إِلى المستشفى ليفا َجأَ، مصدو ًما ،بأَن جبران لم يعد واع ًيا .و َجد في الغرفة السيدات باربره يونغ ،آدال واتسون ،ليونْبِل جاكوبْس ،وزوجة وليام براون مالوني ،وه َّن كاتبات وفنانات أَميركيات معروفات ك َّن راف ْق َنه في سنواته األَخيرة .كان باديًا على وجوه ِه َّن حزن فاجع كأَن لم يص ِّدقن أَن الموت يمكن أَن يخطف جبران .فهو له َّن ،ما لكل لبناني وسوري ،أَ ٌخ فقدانُه خسار ٌة بليغة. 2
410
هو كتاب «التائه» .كان جبران وقَّع على العقد لتأْليفه مع ناشره النيويوركي كنوف في تشرين الثاني 1930كي يَصدر في خريف .1931أَرسل مخطوطته االثنين 16آذار إِلى ماري هاسكل كي تنظر فيها .وصلتْها الثلثاء 31آذار .كت َبت إليه السبت 4نيسان« :منذ الثالثاء أَقرأُ مخطوطة «التائه» بكل تأَنِّ» .وا ِإلثنين 6نيسان كت َبت إِليه« :سعيد ٌة ج ًّدا نهيت قراءة مخطوطته وسأُعي ُدها إِ َ ليك قري ًبا ج ًّدا» .لك َّن هذا الـ «قري ًبا بكتابك الجديد .أَ ُ ج ًّدا» تأَ َّخر ،فجبران لم ي ِع ْش كي يرى مخطوطتَه مص َّححة إِذ توفّي بعدذاك بأَربعة أَيَّام .وبعد وفاته بأَش ُه ٍر صدر الكتاب سنة 1932بعناية باربره يونغ التي أَلغَت جميع تصحيحات ماري هاسكل وأَعادت النص إِلى أَصله كما كان كت َبه جبران.
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
ٌ معقول أَن النور لن يش َّع توت ُّ ُر أُول ِئك السيِّدات األَميركيات األَربع كان صاعقًا: بعد اليوم من عي َني جبران ،وصوتَه لن يعود يُخاط ُبهن بكلماته الدافئة الحنون؟ ٍ آمالت أَن يتجاوب مع إِنعاشه بذكريات شبابه، حاولْن مخاطبته في لغته الخاصة إِنما بدا واض ًحا أَن اللغة الوحيدة التي يفهمها جبران لحظاتِ ِئ ٍذ كانت نداء المالئكة. اتصلت إِدارة المستشفى بالخورأُسقف منصور واكيم ،راعي أَبرشية مار يوسف المارونية في نيويورك ،فوصل ليجد جبران دخل في غيبوبته األَخيرة. انتهى عبو ُر جبران األَخي ُر في هدو ٍء وص ْم ٍت وبدون أَلَم .كان إِلى سريره عند ذاك النفَس األَخير :باربره يونغ وميشا نعيمه ،وفي غرفة االنتظار المجاورة :السيدات جاكوبس ومالوني وواتسون م َؤ ٍ اسيات شقيقتَه مريانا ونسي َبيها ،في انتظا ِر أَملٍ ،ولو الشقيق والصديق. هارب ،يعي ُد إِلى الحياة هذا َ صباح اليوم التالي ،السبت 11نيسان ،صد َرت صحافة المدينة بأَعمد ٍة مط َّولة َ عن حياة جبران ،وأَذاعت نبأَ موته على العالم وكال ُة «أَسوشياتِد ڽْرس». قبل ظهر السبت في المحترف كان المشهد م َؤث ِّ ًرا ج ًّدا :مريانا تنتحب مستذكر ًة ٍ لحظات مع شقيقها مبلَّلَ ًة بدمو ٍع ال تتوقف ،منتقل ًة إِلى عيون المحيطين بها يومذاك .هنا كت ُبه ،رسو ُمه ،منحوتات ُه الخشبية ،أَغراضُ ه الكثيرة في الزوايا ،جدرانياتُه كل ما يرمز ذاتُ الرسوم الدينية معلَّقة على الجدران ،أَدواتُ عمله :أَقال ُمه ،ريشات ُهُّ ، إِلى عمق إِيمانه ومعتقده الروحي ،أَور ٌاق كثير ٌة مك َّدس ٌة على طاولته أَو منتثرة حولها على األَرض والرفوف ،علب ُة سجائر فارغة كتَب جبران على كرتونها عبارة بالعربية« :قد يكون الو ْه ُن قمة الطموح» .لدى ر ْؤية تلك العلبة قالت مريانا« :كان أَخي يمنعني من رمي علب السجائر الفارغة أَو قُصاصات الورق .كان يكتب أَفكا ًرا ٍ وكلمات على أَ ِّي ما يقع تحت يده». طيلة السبت واألَحد بقي الجثما ُن في قاعة بيت الموتى (على جادة لِك ِْس ْنغْتون) محاطًا بأَكاليل األُوركيد والزنبق ،يتوافد حوله بدون انقطا ٍع ِإللقاء ال ِنظرة األَخيرة مئاتُ الخاشعين الواجمين ،منهم أَصدقاء مق َّربون ،وأَكث ُرهم معجبون لم يسبق أَن يوين يف ةري خَألا هُمايَأ
رأَوا شخصيًا ذاك المبدع الموهوب من الشرق ،إِنما جا ُؤوا ليو ِّدعوه تقدي ًرا لكتبه ٍ بصمت واحترام ،ألَن شهرة جبران لم تقتصر وكتاباته .من جميع الجنسيات جا ُؤوا، على جمهور لغ ٍة واحدة أَو ِعرقٍ واحد ،ف َبين كتُبه ما ت ُرجِم إِلى نحو عشرين لغة. كانوا من نخبة األَوساط األَدبية والفنية األَميركية وغير األَميركية ،بينهم السيدة روبنسن التي نهضت من سرير مرضها كي تزور جثمان صديقها، كورين روز ِﭬـلت ُ ليونورا ْسڽايِر ،روز أُونيل ،مارغريت سانْ ِغر ،أَليس رافايل ،ناتالي ِس ْدغْويك كولْبي، وحملَت روز أُونيل رسائل أَ َسف وتعزية من وي ِتر باينر ،دانيال لونغ ،أُوريك جونز، وهم شعراء وأَصدقاء من حلقة جبران في سنواته السعيدة. صباح ا ِإلثنين ت َّم نقْل الجثمان إِلى بوسطن لدفنه في المقبرة التي تضم رفات أُمه .ورافق شقيقتَه المفجوع َة أَصدقاء أَميركيون وأَعضاء من «الرابطة القلمية»، الحلقة األَدبية التي أَسسها جبران وكان عمي َدها.3
وثيقة تكريس كنيسة سيدة أرز لبنان «السريانية المارونية» في شارع تايلِر حيث كان جبران ساك ًنا وهي الكنيسة التي تم فيها جناز جبران. الوثيقة دعوة بتاريخ 24كانون األَول 1898 لحضور تكريس الكنيسة في 8كانون الثاني .1899
3
412
السوري» بدون توقيع .لكنني ،من الحنان ال َج ّم في أُسلوبه صدر هذا النص في «العالم ُ ودقَّة المعلومات فيه ،أُ َؤكّ ُد أَنه من كتابة باربره يونغ ألَن مقاط َع كامل ًة منه عادت فصد َرت حرف ًيا في كتابها «هذا الرجل من لبنان» سنة .1945
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
الفصل العاشــر :غياب جبران ()٢
ساعا ُته ا َ ألخيرة كما عا َي َن ْتها باربره يونغ
الخميس 23نيسان ( 1931أَي بعد 13يو ًما على وفاة جبران) كتبَ ْت باربره يونغ رسالة إِلى السيدة ما ْر َغرِت لي كْروفتْ ْس 1تصف فيها الساعات األَخيرة من حياة جبران بين خروجه األَخير من المحترف ووفاته في المستشفى .وهي الشهادة الوحيدة الموث َّقة لتلك الساعات الصعبة ألَن باربره آخر َمن كان معه بعدما عاشت لديه سبع سنوات، ولفظ نف ََسه األَخير مغ ِمضً ا عينيه أَمام عينيها. م َّما جاء في الرسالة: « ...أَمضى جبران األَسابيع األَخيرة مال ِز ًما فراشَ ه معظم األَيام ،ال يرتدي ثيابه مضيت معه عشي َة الفصح (السبت 4نيسان إِ َّل ناد ًرا ج ًّدا للخروج عند الضرورة .أَ ُ نهض من فراشه ومشى بضع تحسن :كان صوت ُه جام ًداَ ، )1931وبدا على بعض ُّ ٍ هزيل ،ونظرات ُه غائر ًة في ذاك وجهه العذب. خطوات .كان نا ًحال ً كنت اعتدتُ أَن أُهاتفَه يوم ًيا. ُ 1
كانت تستضيفُه وزوجها فردريك إِلى منتجعهما الصيفي في ستامفورد (كونيتيكت) .وضع لها جبران أَكثر من رسم «لوجهها الو َّهاج» (كما كان هو يس ِّميه) .وهي اشترت عد ًدا من لوحاته ورسومه .كان زوجها فردريك اشترى من الناشر أَلفرِد كنوف قس َم النشْ ر المدرسي. «كنت أَسترجع مالمح من مغاني طفولتي» ،كما قال وفي ذاك المنتجع الصيفي الهانئ ُ َ لماري هاسكل فد َّونَتْه في دفتر يومياتها (الجمعة 23أيار .)1924 413
اتصلت به .كان صوته عاديًّا .قال لي إِنه صباح اثنين الفصح ( 6نيسان) ُ سيستقبل مسا ًء بعض األَصدقاء السوريين. رسائل يو ُّد أَن يُمليها َعل َّي ،وبعدها َ ضئيل .قال لي إِن لديه الثلثاء كان صوت ُه ً سينام باك ًرا .قلت له إِنني في الغد (األَربعاء) سأَكون خارج المدينة إِذا كان يشعر أَنه مرتاح .ضحك وأَجابني« :سأَكون مرتا ًحا». اتصلت به فَأَر َع َبني صوتُه. الخميس ُ هرعت لديه مذعور ًة فوجدتُ أَن زوجة ُ 2 ناطور البناية اتصل َْت صبا ًحا بالسيدة ليُونْبِل جاكُوبْ ْس 3فاستد َعت هذه على ع َجلٍ طبي ًبا صباح الجمعة فَ َح َص ُه ونَصح بضرورة ن ْقلِه َ إِلى مستشفى سانت ِڨ ِ مضيت ليل َة نس ْنت .أَ ُ الخميس إِلى سريره أَقوم بما يمكنني ف ْعله مستشفى سانت فنسنت قليل من هذا الباب خرج نعش جبران إلى «بيت الموتى» لهذا الغالي الحبيب .كان يح ِّدثني ً في مانهاتن – نيويورك صباح السبت 11نيسان .1931 قليل ،ويبدو َم ِر ًحا ما استطاع. ويغفو ً دقائق من وصول سيارة ا ِإلسعاف ،تب َّدل فجأَ ًة بشكل صباح الجمعة ،قبل َ َ كنت أُساعده على النزول إِلى درج الطبقات الثالث ،الحظ ذُعري مخيف .وفيما ُ الشديد فقال لي« :إِبقَي معي .ال تتركيني .وال تخافي ،سأَكون بخير». ٍ كلمات تلفَّظ بها واعيًا قبل أَن يَدخل في الصمت الكبير بض َع كانت تلك آخ َر ٍ رسلت ساعات ليلف َظ نَف ََسه األَخير تلك الليلة عند الحادية عشر َة إِ َّل عشر دقائق .أَ ُ برقي ًة عاجلة إِلى شقيقته مريانا في بوسطن ،فلم تتمكَّن من الوصول إِلَّ عند الثامنة مسا ًء وكان جبران دخل في غيبوبته األَخيرة». 2 3
414
السيدة آنَّا ْد ُجوهان ِْس ْن ،وكانت تحمل إِليه يوم ًّيا فُطو َره الصباحي. كانت وزوجها من سكان المبنى ذاته مدة طويلة .وهي كاتبة ونحاتة وأُستاذة فنون ورسامة معروفة برسم الوجوه .وض َعت رس ًما لوجه جبران وعرضَ تْه في أَحد معارضها .ثم َّ نش َرت هذا الرسم الحقًا في كتابها «ثالثون رس ًما ل ُكتَّاب وشُ عراء» (.)1937
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
الفصل العاشــر :غياب جبران ()٣
ْ تمه في بوسطن مأ ُ
بقلم باربره ُيونغ
ُ استقبال في َج ٍّو من الحب ال َمنسو ِج ُحزنًا أَبع َد مما يُمكن وصفُه بالكلمات ،كان جثمان جبران في بوسطن عند المحطة الجنوبية في قطار الساعة الخامسة بعد ظُهر االثنين 13نيسان .1931كانت أَرصف ُة المحطة وقاعاتُ االنتظار ُمـمتلئَ ًة ِ بمئات باكي َن جا ُؤوا يستقبلون جثما َن شاعرهم الحبيب ،على كل ث َغر منهم ت َ ْمتَ َم ٌة واحدة« :حبيبي».
بوسطن – شبان لبنانيون يحملون نعش جبران خارجين من محطة القطار الجنوبية لدى وصوله من نيويورك
415
صديق جبران كاه ُن رعية «سيدة األَرز» في بوسطن الخورأُسقف أسطفان ُ الدويهي ب ِإ ْسكيمه الكهنوتي ،كان منتظ ًرا ُو َ صول مريانا جبران وأَنسبائها وأَميركيين وسوريين رافقوا الجثمان من نيويورك .عند إِخراج النعش تق َّدم جم ٌع من أَعيان صديق جبران ومستشا ُر ُه القانوني ،1لَفُّوا بوسطن ،يتقد ُمهم الياس ف .شمعون، ُ النعش بال َعلَم اللبناني الجميل وحملوه على أَكتافهم إِلى شارع نيوت ُن غربًا حيثُ مركز «جمعية س ِّيدات المساعدة اللبنانيات–السوريات» .وفي قاعتها الكُبرى قلوب حا ّر ٍة ووجو ٍه كئيب ٍة جاءت تتأَ َّمل وجهه ٍ تقاط َرت حول الجثمان البارد مئَاتُ ٍ وكلمات حنونة ودافئة. الهادئ ،وتع ِّب ُر عن حزنها الجارح بدمو ٍع حارق ٍة ٌ كل صفوف طويل ٌة طويل ٌة ل ُم َع ِّزين من ِّ وأَبل َغ من أَ ِّي تعبي ٍر يتَّسع له كال ٌم كانت عم ٍر ومكانٍ ينتظرون دو َرهم في َم َم ّر الغرفة الطويل ،الخفيضَ ِة الضوء ،ال ُم َس َّور ِة وسط شمو ٍع يرتعش لُهاث ُها عند مق ِّدمة النعش وأَسفله، بأَكاليل الزهور ،الصامت ِة ْ ٍ ساعات فيما حول النعش على الصفَّين شبَّا ٌن من نادي بْشَ ّري ،مس َّمرون في ِوقْفَتهم طويل ًة بقي َة النهار فالمساء وطوال الليل يَحرسون ُم ِ واط َنهم الغافي. 1
416
ٍ ميركي من أَعيان بوسطن .حضو ُر ُه المأْت َم شكَّل الحقًا موضو َع جد ٍل سنة 1953 لبناني أَ ٌّ قاض ٌّ ٍ عامئذ في نيويورك يعمل مترج ًما لدى األُمم المتحدة) إِذ مع الشاعر يوسف الخال (كان منقول عن «نشرة مقال ً نشَ َرت له مجل ُة «هيرالد» (واشنطن) في عدد نيسان ( 1953صً )5 الكنسي على الشرق األَدنى» يُؤكّد فيه الخال أَ َّن الكنيسة المارونية عاق َبت جبران بال ُح ْرم ّ مقاالته العربية ضد ا ِإلكليروس .فأَجابه القاضي شمعون من بوسطن في العدد التالي من المجلة ذاتها (أَيار 1953ص )7 ناقضً ا ا ِّدعا َء الخال و ُم َؤكِّ ًدا ،لقُرب عالقته بجبران صديقًا ومستشا ًرا قانونيًّا له طيلة سنوات ،أَ َّن جبران لم يكن ُملْح ًدا ولم ت َح ُر ْمه الكنيسة ،وفي مرضه األخير هو الذي طلب نقله إِلى «مستشفى الرحمة» (مستشفى سانت ِﭬـ ْن ِس ْنت في نيويورك) الذي ت ُديره «راهباتُ المحبة» .فـ «هو إِذًا لم يكن ِف ِّريس ًّيا بل ُم ْؤم ًنا بربِّه ٍ صمت ،بعي ًدا عن الطقوس ا ِإلكليريكية» .وإِذ ر َّد الخال مؤكِّ ًدا ال ُحرم عاد شمعون فَر َّد في ْ ٍ بعنف (ص 7 في عدد تموز )1953واصفًا المأت َم بكامل طقوسه الدينية في على الخال ُ َ ِ كنيسة «سيِّدة األرز» برئاسة الخورأسقف أسطفان الدويهي الذي قال لشمعون إ َّن جبران لم يكن وال مر ًة واحد ًة في حياته محرو ًما في الكنيسة المارونية ،وإِن ر َؤسا َءها أَوعزوا إِلى َمن يلزم بتأْمين مراسم الج َّناز كامل ًة في كنيسة مار جرجس–بيروت ،وبمرافقة الجثمان وصف شمعون مراس َم إِلى بْشَ ِّري حتى وضْ ِعه في دير مار سركيس لآلباء الكرمليين .وجاء ُ وصف باربره يونغ إِياه كما ورد في هذا المقال. مأْتم جبران في بوسطن مطابقًا تما ًما َ
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
هيب شوار َع المدينة بلُوغًا شار َع تايلِر في اليوم التالي ،الثلثاء ،شَ َّق الموكب ال َم ُ ُ وسط صفوف كثيف ٍة من الواجمين الذين بينهم َمن حيث كنيسة «سيدة األَرز»ْ ، كانوا ،عند مرور النعش أَمامهم ،يَ ُخ ُّرون راكعين على الرصيف يُصلُّون ،فيما ُ رجال شرط ِة السير البوسطنيون يقفُون ويُ َؤ ُّدون التحية لمرور النعش المغمور بال َعلَم. ضاقت الكنيسة الصغيرة بمئَات األَصدقاء ،ولم يَجِد معظ ُمهم مقاع َد داخلها فوقفوا خار ًجا إِلى جدرانها صامتين يُصغون إِلى مراسم المأْتم الذي ترأَّسه ٍ شجي اتيل شَ ِج َن ٍة م َؤث ِّر ٍة من الجناز الماروني، الخورأُسقف الدويهي وسط تر َ وصوت ٍّ جميلٍ ص َد َح مرافقًا األُرغ َّن الصغير ،كان صوتَ الصبية نجيبة مراد التي كان جبران مرا ًرا يحب أَن يُصغي إِلى غنائِها م ْؤم ًنا بموهبتها واثقًا من مستقبلها الفني.
بوسطن – نعش جبران في محطة القطار الجنوبية قبل نقله إِلى كنيسة سيدة األَرز لمراسم الجناز. من اليسار في الصف األَمامي :مريانا (شقيقة جبران) ،زكية جبران دياب ،م ُّرون جورج (زوجة عساف جورج) ،روز جبران ،أَماليا جبران ﭘـا ِّرن ْْت (شقيقة عساف جورج). من اليسار في الصف الخلفي :باربره يونغ ،عساف جورج ،مايكل قبالن ،نقوال جبران، الخورأُسقف أسطفان الدويهي.
سوب يف هُمتْأم
إِلى جانب الشموع في الكنيسة خاد ُم كاهنِ المذبح :فتًى كان جبران يحض ُنه ،2خانتْه مرا ًرا عيناه السوداوان فلم يستطع أَن يُخفي عن وج َنتَيه دمو ًعا لم تنق َِطع. الجمعياتُ التي شاركت في المأْتم كانت« :جمعية س ِّيدات المساعدة اللبنانيات–السوريات»« ،جمعية التعليم السورية»، «جمعية مار جرجس األَنطاكية»« ،جمعية الكنيسة الدمشقية»، «جمعية ماساشوستس السورية للمواطنين األَميركيين»« ،نادي جبل لبنان» فرع بوسطن ،و«رابطة التق ُّدم اللبنانية» في نيويورك. صاحب اللباس الزائل في انتظار عند الضريح حيث ُم ِّد َد ُ كثيف من األَصدقاء انتقاله ال ُمتوقَّع إِلى وطن األَرز ،3كان حش ٌد ٌ ٍ ٍ عبارات من الحب والحزن والوداع سكوت بليغٍ إِلى يُصغون في األَخير في َصوت الخورأُسقف الدويهي وأَصوات مواطنين لجبران رافقوا جثمانه من نيويورك وجا ُؤوا إِلى بوسطن يُلْقون 2
3
418
جناز جبران في صحافة بوسطن المحلية ( 15نيسان .)1931
هذا الفتى ،أَظ ُّن وال أَجزم ،قد يكون خليل نقوال جبران (وال ُد ُه نقوال ابن عم جبران) وهو كتاب «خليل جبران – حيات ُه وعال ُمه» ،أَك َم َل الذي وضع الحقًا ( )1974مع زوجته جِين َ َ ٍ ِ ورسائل أعطتْ ُه إياها مريانا بعد َ وثائق ومخطوطات سير ٍة َحتَ ِئ ٍذ عن جبران ،مستن ًدا إِلى َ الصبي في المعمودية ،وهو أَعطاه اسم خليل عند وفاة شقيقها .وجبران كا َن ع َّراب هذا ّ والدته في بوسطن سنة .1922إِذًا كان في التاسعة عند وفاة جبران ،وقد يكون هو الفتى الذي َذكَ َرت ْه باربره يونغ في هذا المقال «فتًى كان يحضنه جبران» .كان الفتى يَبكي طوال مراسم الج َّناز لفقدانه «ع ِّمي خليل» الذي كان يح ُّبه كثي ًرا ،فيذهب إِلى «عمتي مريانا» يام يقضيها مع شقيقته مريانا فيتقاطر جي ُء جبران من نيويورك إِلى بوسطن بضع َة أَ ٍ كلَّما يَ ْ كتب هذا أَفرا ُد العائلة لزيارته ،ومنهم اب ُن ع ِّمه نقوال وزوجتُه ُروز والصغير خليل (كما َ األَخير الحقًا في الصفحة 11من مقدمة كتابه المذكور في هذه الحاشية). ٍ يومئذ لم تكن مريانا قررت بع ُد أَن تنقُل الجثمان إِلى لبنان تنفيذًا لوصية شقيقها التي لم ٍ نهارئذ فُ ِت َحت ل ُيع َر َف ما فيها .وهذا ي ُد ُّل على مسا َر َر ٍة أَكيدة بين باربره يونغ وجبران تكُن في «صومعته» حين كان يُ ِس ُّر إِليها تكرا ًرا بشَ و ِق ِه إِلى لبنان ورغب ِته في العودة إِليه .لذا حص َل الحقًا: استخد َمت هنا عبارة «في انتظار انتقاله ال ُمتَ َوقَّع إِلى وطن األَرز» .وهو ما َ صباح الخميس 23تموز ،بعد ثالثة أَش ُه ٍر من نهار المأْتم. َ
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
آخ َر نظر ٍة على حضوره ال َج َسداني ...عبارات لم أَسمع في حياتي أَرف َع منها حنانًا عمق حزنًا. وال أَ َ حببت العالم، في مخطوطة جبران «حديقة النبي» غي ِر المنتهية ،عبارة« :كثي ًرا أَ ُ وهو كثي ًرا أَ َح َّبني» .4ذلك أَنه بقلبه الكبير كان يَ ْح ُد ُس أَنه بُو ِد َل ب ُح ٍّب عميقٍ ٍ خالد ألَجله بَذ ََل ذات َه للعالم بال حساب .هذا الحب العميق هو الذي سيكون ،بعد غيابه، تكري َمه ومكافأَته. فضل ما يُنقَش على ولعل هذه الكلمات من كتابه «آلهة األَرض» ،تكون أَ َ َّ ضريحه: أَ ِإ ُله قلبي الذي بين ضلوعي البشرية ،ينادي ِإ َله قلبي ُ الذي في الثير ُ ُ آ أ ُ الهاوية البشرية التي كانت تضعفني ،تنادي الن ُاللوهة آ أ ُ الجمال الذي نشدناه منذ َمطالعنا ،ينادي الن اللوهة. َ ُ َ ُ ُّ َ ذعن. أ نا أ وها النداء، وفهمت ـت نص أ ِ ُ الجمال ٌ َ طريق يودي ِإلى الذات المطعونة ِبيدها َْ َ َ ْ َ الطريق أَوتارك ،أن ِو أن أ ْمشي هذا فاعزف على ِ ِ ً ً َّ َ َ 5 ُ فجر آخر . الطريق الـممتد طويل طويل ِإلى ٍ
عن مجلة «العالم ُ السوري» العدد الخامس – نيسان – 1931ص25،24،23
4
5
تعرف باربره جيّ ًدا هذه المخطوطة ألَنها كانت تد ِّون ما يمليه عليها جبران من فقر ٍ ات ومقاط َع ،وكانت شبْ َه منتهية .لذلك ال أَح ٌد سواها ُ فنس َقتْها يعرف ما فيها .وهي عادت َّ وأَصدرت ْها كتابًا سنة 1933لدى منشُ ورات كنوف واتَّهمها كثيرون (؟!) بأَنها أَضافَت إِليها نسق األُسلوب الجبراني. ً نصوصا من تأْلي ِفها في َ بـ «الفجر اآلخر» نَقْشً ا على ضريحه ،ت ُ َؤكِّد باربره يونغ على إِيمانها ،مثل جبران ،بالتق ُّمص وانتقال ا ِإلنسان من هذه الحياة إِلى حيا ٍة أُخرى. سوب يف هُمتْأم
الفصل العاشــر :غياب جبران ()٤
يعود إِلى وطنه شاعر ٌ ُ
1
أُ َ َ ّ ف ت مؤ�ة ِّ المّ تودع ث ج�ان ي� ار�اهل من أ يم�اك وتستقبهل عىل أرضه ج�ن ب مرامس ث ِ
ِ ﭘروڤيدنس إِلى مرفَ ِإ بيروت الباخرة سينايا التي أَقلَّت جثمان جبران من مرفَ ِإ
1
420
السوري» – السنة السادسة ،العدد األَ َّول ،أَيلول 1931ص 9 إلى .12 عن مجلة «العالم ُ وهذا النص ،في وصف هذا االحتفال الوداعي ،عادت باربره يونغ فأَور َدت ْ ُه في كتابها «هذا الرجل من لبنان» (الفصل السابع عشر« :جاه ٌز أَنا للرحيل») .وفي الكتاب (الصادر عام )1945تعديالت في بعض التفاصيل عن هذا النص هنا في المجلة ،ربما البتعاد الكتاب أَربع عشرة سن ًة عن صدور هذا المقال وفيه مشاركتُها شخص ًّيا في هذا االحتفال الوداعي.
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
ْ پروڤيدنس... مرفإ ِ وداع جثمـان ب ج�ان عىل ِ
ُ وَ ّ ُ ن ن م! أ ب� أَ ي تعالوا ِدع أَي و� ي� ي ّ ِقر بوا ِإ َّ لـي الطفال ب�صابهعم الزنبقية الوردية أَ ْ ة وليأ ِت الشيوخ فيباركوا ن الذابل يد�م جبي� ب� ي ي
بقلم باربره يـونغ
َد ُعوا بنات املروج واحلقول َّ َ ُ ت ت يق� ْب ن� ي َ ب يّ حاج� ـمر �ت و� ْي ن� ظل الغامض ي أَ أَ ت َّ ُ ف َ َ َ ْ َ خ� ف س ال ي ويسمعن صدى البدية ي�دد ي� ن ي ّ ُ متقد ًما عىل رصخات الناس ها ِإ ن ي� بلغت القمة ِ ُ ال ً نشودة خ اللود َ املهيبة! سامعا سوى أ ِ
السوري» المقطع كما ظهر في مجلة «العالم ُ جبران( 2صفحة – 9عدد أَيلول .)1931
2
هذا المقطع أَور َدت ْ ُه باربره يونغ في كتابها «هذا الرجل من لبنان» (الفصل السابع عشر: «جاه ٌز أَنا للرحيل») ذاكر ًة أَنه «من قصيدة لجبران غير منشورة» مع أَنه صاد ٌر سابقًا بالعربية في مقطوعة «جمال الموت» من كتاب «دمعة وابتسامة» (نيويورك ،1914 ٍ مقاالت أُسبوعية نش َرها له أَمين الغريِّب على الصفحة األُولى من جريدته وهو بواكير َ «ال ُمهاجر» في زاوية «دمعة وابتسامة») .فهل وج َدتْ ُه با ِإلنكليزية بين أوراق جبران وكان هو ن َقلَه عن أَصله العربي؟ أَم هي طل َبت ترجمتَه إِلى ا ِإلنكليزية؟ المترجِم هنا ليس السوري» ،أُر ِّج ُح مذكو ًرا .وألَنها تجهل العربيةُّ ، والنص منشو ٌر في هذا العدد من «العالم ُ أَن يكون أَح ٌد من المجلة (أَيكون ناش ُرها سلوم مكرزل؟) هو َمن تر َجم لها المقطع إِلى ا ِإلنكليزية ،إِنما ال بحرف َّيته كما ورد في األَصل العربي .وكان جبران في «دمعة وابتسامة» أَهدى هذه المقطوعة إِلى ماري هاسكل في أَول النص كما يلي« :مرفوعة إِلى .»MEH وأُر ِّجح أَن َمن ت َر َجم لها المقطع لم يل ِفتْها إِلى ا ِإلهداء وإِلَّ قد تكون أَحج َمت عن اقتطا ِفه لمقالها هنا ،بسبب ما وقع بين المرأَت َين من برود ٍة بعد يو َمين على مأْتم جبران ،عند رسائل جبران إِلى ماري في إِحدى زوايا المحترف ،ومبادرة ماري إِلى َ اكتشاف باربره توضيبها و َح ْملِها معها عائد ًة إِلى بيتها في ساڨانا (جورجيا). نطو ىلِإ ُدوعي ٌرعاش
صباح الخميس 23تموز انطلقَت عود ُة جبران خليل جبران الصامت ُة إِلى أَرضه َ األُ ّم .ففي فج ٍر موشًّ ى بالضباب الذي كان يحبُّه جبران ،نُ ِق َل جثمانُه من المقبرة ِ ڽروڨيدنْس ،3كي يُبح َر منه للمرة النهائية الم َوقَّتة في بوسطن إِلى رصيف المرف ِإ في في ِ آخر رحالته األَرضية. ٍ طويل من السيارات في وداع الشاعر موكب ٌ لطيف سار باك ًرا رمادي تحت َرذا ٍذ ٍّ ٌ عساف جورج وعقيلته اللذين سيكمالن معها السفر الرسام وشقيقته مريانا ونسي َب ْيها َّ وبـ «كل ما ينهمل ّ إِلى بيروت ف ْبشَ ّري .ومن عرف جبران يذكُر شغفَه بالمطر والثلج من الجو» وتردا َده آالف المرات ،عند ارتطام الرياح والعواصف بنافذته العالية« :كم الرب على هذا وعلى ما يح ِّرره من ذاتي» .وإِذا بهذا المطر ينهمر عليه اليوم أَشكر َّ كل ما كان في ذاته. بعدما تح َّرر ُّ ِ الموكب كاه ُنها األَب فيليب ج .نجم بسلسلة سيارات ڽروڨيدنْس القى في َ جاءت من المدينة كي تواكب العائلة واألَصدقاء إِلى المرف ِإ ،في طليعتها سيارة شرطة كانت تفتح الطريق لموكب الجثمان ُموقف ًة حرك َة السير لتفادي أَ ِّي عرقل ٍة في مسيرة الموكب. في سيارة اآلنسة جبران وعساف جورج وعقيلته ،كان أَيضً ا الخورأُسقف السطور 4والسيدة زك ّية جبران دياب .وفي السيارات أسطفان الدويهي وكاتب ُة هذه ُ المواكبة كان نقوال جبران وعقيلته ،والد ُة عساف جورج ال ُمس َّن ُة ،وشقيقتُه أَميليا جبران ڽا ِّرنْت وزو ُجها ،وأَصدقاء كثيرون لجبران من سنوات طويلة. على رصيف المرف ِإ مئاتُ أَصدقاء معلومين وغير معروفين اجتمعوا لحضور جناز الوداع .أُخر َِج النعش و ُوضع على منص ٍة مغطًّى بالعل َمين األَميركي واللبناني. 3
4 422
عاصمة والية رود آيلِند .من أَقدم الم ُدن األَميركية .أَسسها القس ا ِإلنجيلي روجر وليامز سنة 1636وس ّماها على اسم «العناية ا ِإللهية» ( .)Providenceوفي هذه المدينة ُولد الشاعر الياس أَبو شبكة سنة 1903إِبَّان زيار ٍة كان والداه يقومان بها هناك لدى خال أُمه الياس فرزان ،وعادا منها إِلى البلدة األُ ّم زوق مكايل. أَي باربره يونغ ،لكنها لم تذكُر اسمها مع سائر األَسماء ألَنها وقَّعت باسمها الصريح هذا َ المقال في المجلة.
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
وكان بين الحضور أَيضً ا نعوم مكرزل رئيس تحرير جريدة «الهدى» ،جاء من نيويورك مع أَصدقاء أَوفياء لجبران بينهم األَب منصور أسطفان خادم رعية بروكْلِن ،سلُّوم وكيل شركة «فابر الين» السوري» ،وابرهيم حتي ُ مكرزل رئيس تحرير مجلة «العالم ُ للخطوط البحرية ،وجورج روفايل رئيس تحرير مجلة «األَخالق». َ احتفال الوداع نعوم مكرزل ملق ًيا خطابًا تكريم ًّيا عن «عبقريّة هذا افتتح ال ُمواطن وق َّوته ،ومالقاتِه الموتَ باك ًرا» .تاله خطاب الخورأسقف الدويهي الذي، وبخاصة رعية كنيسة «سيدة األَرز» ،ع َّبر باسمه ونياب ًة عن السوريين في بوسطن ّ طويل مثال عن «التقدير الكبير لتذكار هذا الرجل البسيط والعظيم» عاش بينهم ً خالصهم واستعدا َدهم لخدمتها في األَخ والصديق ،ونقَل إِلى مريانا جبران ح َّبهم وإِ َ وحدتها وحاجاتها ا ِإلنسانية. بعدذاك أَلقى الخورأسقف الدويهي واألَب أسطفان خطبتَين بالعربية في لهجة حماسة وأَسى جعلَت الذين ال يعرفون العربية يأْسفون أَنهم لم يتابعوا ما جاء ٍ كلمات راحت تتر َّدد فيهما ،إِلَّ سماعهم ترداد اسم «جبران» و«لبنان» و«بْشَ ّري»، رني ًنا عميقًا في القلوب ال ُمصغية.
صباح جريدة «فيتْش ُبرغ» (ص 11في عددها َ الجمعة 24تموز) نقلَت عن وكالة «أَ ُّسوشياتِد ﭘر ِْس ( )APخبر احتفال الخميس بوداع جثمان ِ ﭘروڤيدنس (وهي الجريدة جبران على مرفَ ِإ المحلية في فيتْشبُرغ :مدينة رئيسة في والية ماساشُ ِ وستْش)
نطو ىلِإ ُدوعي ٌرعاش
ِ ڽروڨيدنْس خطَب با ِإلنكليزية وش َّكلَت كلمات ُه «قناعة األب نجم خادم رعية عميقة بمكانة راقية سوف ترتقيها أَعمال جبران بين الشعراء والرسامين في العالم» ،مع تأْكيده على «القوة والجمال الدائمين لتأْثير جبران على فكر البشر وحياتهم». وبعدما قرأَت السيدة ماري قهوجي قصيد َة رثاء بالعرب ّية ،أَلقت كاتب ُة هذه ٍ كلمات لجبران مقطوف ًة من الصفحات األُولى لكتاب «النبي»« :كان السطور الحبيب الذي هو ذات ُ ُه فج ُر يو ِمه ،ينتظر منذ اثني عشر عا ًما المصطفى ،المختا ُر ُ َ وصول سفينته كي تُعي َده إِلى جزيرة مولده ...وإِذا به يلم ُحها في مدينة أُورفليس هتف في قلبه« :كيف أَمضي هانئًا بدون حزنٍ ؟ في البعيد آتي ًة تخترق الضبابَ ... ال .لن أُغادر هذه المدينة دون جرح في الروح ...إِنما ال يمكنني البقا ُء أَط َول: وعلي أَن أُبحر» .وحين بلغ أَسفل التلة، البحر الذي ينادي إِليه الجميع ،ناداني َّ وجد سفينتَه اقتربَت من المرف ِإ ،على م َق َّدمها بحارة من أَرضه األُم ،فهتف لهم: «أَبنا َء أُمي الدهرية ،يا قاهري األَمواج ،كم أَبحرتم غالبًا في أَحالمي وها جئتم في حلمي األَعمق .جاه ٌز أَنا للرحيل ،وت َوقي ل ِإلبحار ينتظر هبوب يقظتي التي هي َ الريح على األَشرعة .أَال نفث ٌة واحدة بع ُد في هذا الجو الهانئ ،ونِظر ٌة واحدة بع ُد ملحين .وأَنت ،أَيها البحر الالمتناهي ،أَيها إِلى ما ورائي ،وترونني بينكم ب َّحا ًرا بين َّ األُم التي ال تنام ،يا َمن وح َد َك سال ٌم وحري ٌة للنهر والجدول م ًعا ،همس ٌة واحدة بع ُد في هذا المدى ،دفق ٌة واحدة بع ُد من هذا الجدول ،وآتي إِ َ ليك نقط ًة المحدود ًة في هذا المحيط الالمحدود». النص من جبران ،تكلَّم سلُّوم مكرزل بشعو ٍر عميق وتقدير بعد قراءتي هذا َّ كبير عن إِنجازات جبران وعن الشعور بالفخر والسعادة التي يشعر بها اللبنانيون أَ َّن هذا الرجل كان منهم ،وأَن يرتبط اسمه وثيقًا بالشعب السوري ،وأَن يكون جبل لبنان الصغير أَعطى هذا العصر أَحد أَعظم مفكريه وسيشهد له الجميع في أَنحاء العالم .وشبَّه مكرزل جبران بالمصطفى ،النبي ،المختار الحبيب الذي تج َّمعت فيه معرف ُة «جميع تلك العناصر التي بين الوالدة والموت». 424
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
(محام من بوسطن) أَلقى الخورأسقف بعد كلمة وجيزة من الياس شمعون ٍ 5 الدويهي صال َة الوداع األَخير ،وأُنزِل النعش فأُ ِ دخل إِلى السفينة فيما آالت النفخ تعزف مقطوعات «نشيد الموت» من «تانْ َها ْوزِر» ،6و«موت آسا» من «ﭘـير ِج ْن ْت»،7 قرب إِليك يا ربي».8 وأُنشود َة ُّ «بت أَ َ انغلق آخ ُر فصل أَرضي من وب ِإقالع السفينة من المرف ِإ عند الثانية بعد الظهر َ حياة غني ٍة في أَرض غرب َّي ٍة من حجارة وفوالذُ ،مـخلِّف ًة سكوت ًا في المدى ،وفراغًا في القلوب واألَماكن التي عرفَتْ ُه ولن تراه بعد اليوم ،لكنها خلَّفَت تذكا ًرا حيًّا باقيًا ينبض قليل بع ُد ،ويَـجمع تَوقي حفن َة ٍ زبد في كلماته« :تذكَّروا دو ًما أَ ْن سأَعو ُد إِليكمً ... جس ٍد آ َخر». وغبا ٍر لتكوين َ
5
6 7 8
صديق هي السفينة «سي َنايا» (من شركة «فابر الين» األَميركية للنقل البحري) ،وكان وكيلَها ُ طويل :اب َرهيم حتّي ،مكت ُب ُه في الطبقة األُولى من بناية فاعور (منتصف شارع جبران ً واشنطن) ،وكان مكت ُب ُه ملتقى معظم اللبنانيين .في هذا المكتب التقى جبران للمرة طلق عنوان «البدائع والطرائف» األُولى المونسنيور منصور أسطفان الذي كان هو من أَ َ ٍ بتكليف من الناشر يوسف على المجموعة التي أَشرف في القاهرة على إِصدارها لجبران توما البستاني سنة ،1923أَي سنة ُصدور «النبي» في نيويورك (من حديثي مع المونسنيور أسطفان نشَ رت ُ ُه في كتابي «جبران خليل جبران – شواه ُد الناس واألَمكنة» ،ص،٤١–٣٧ منشورات درغام ،بيروت .)2012 أُوڽرا وضعها سنة 1845الم َؤلف الموسيقي األَلماني ريتشارد ڨاغنر ( ،)1883–1813وهذا النشيد يستعيد رحلة ال ُح ّجاج إِلى روما تائبين يطلبون المغفرة عن خطاياهم. مشهد وداعي حزين من هذه المسرحية التي وضعها الكاتب النروجي هنريخ إبسن (.)1906–1828 وضعتْها الشاعرة ا ِإلنكليزية سارة آدامز ( )1848–1805من رواي ٍة في العهد القديم عن النبي يعقوب الذي رأَى في الحلْم ُسلَّ ًما إِلى السماء فأَراد أَن يرتقيه كي يكون أَقرب إِلى ر ْؤية وجه الرب. نطو ىلِإ ُدوعي ٌرعاش
ش ٌ ُ َّ ف ...واستقبال ُجثمـانه ي� لبنان :م�د مـؤِثـر
أَخي ًرا سلَّم البح ُر أَمانتَه الثمينة إِلى أَرضها األُ ّم ،وعاد جثمان جبران ثاني ًة ِإلى حيا ٍة جديد ٍة ت َ ْن ُب ُض بها قلوب مواطنيه في األَرض التي شَ ِه َدت والدتَه األُولى ،ف ِإذا يستريح إِلى األَبد بين تال ٍل مق َّدسة تفتَّحت عيناه فيها على النور لـ «شاع ِر األَرز» أَن َ عاطفي شعب والجمال ،وإِذا بعودته النهائية إِلى الوطن محفوف ٌة بـ ُحزنٍ ال يُبديه إِلَّ ٌ ٌّ كاللبنانيين الباقين على تقاليدهم ِب َبثِّ عاطفتهم ُمطلَق َة التعبير في األَفراح واألَتراح. فاستقبال جثمان جبران لم ِ فحسب بل يقتصر على اندفاع ٍة عاطفية ألَبناء بلدته ْ قبل ُ جبال لبنان طوال تاريخها. توسع إِلى احتفاالت لم تش َه ْدها من ُ َّ باد َرت الحكومة وصفوف الشعب إِلى إِكرام هذا االبن الحبيب الذي أَكر َم وطنه عاليًا في حياته .تنا َوب ُ رجال الدين والعلمانيون م ًعا على إِيفائه التقدي َر واالحترام. مذاهب مختلف ٍة في وتخلَّت عن فروقاتها وخالفاتها جماعاتٌ وجمعياتٌ خيري ٌة من َ العبقري العظيم الذي أَطلعتْه وطني واسع تكري ًما هذا َّ رغب ٍة َجماعية عفوية وتح ُّر ٍك ّ أَرضُ هم األُم. صباح الجمعة 21آب وصلت إِلى مرف ِإ بيروت السفين ُة التي تحمل جثمان جبران ،9فكان في استقبالها وف ٌد رسمي أَ َّدى مراس َم تح َّية الشرف عند إِنزال النعش من السفينة م َغطًّى ب َعلَم لبنان لنقله إِلى عرب ِة مدفعٍ رسمية .وعند مالمسة النعش رض الميناء وفَتْ ِحه للتدقيق التقليدي ،تق َّدم وزي ُر المعارف جبران تويني وعلَّق أَ َ على صدر الشاعر وسا َم الفنون الجميلة ،منحتْه إِيَّاه الحكومة بمرسوم خاص بعد وفاته .ثم ته َّيأَ جبران ليدخل عاصم َة بالده. 10 عن ِ موكب الجنازة من المرف ِإ حتى الكاتدرائية المارونية وصف ص ُح ِف بيروت َ أَ َّن المدينة كلَّها تالقت هناك الستقبال جبران العائد إِلى وطنه .ومن متابع ِة ص َور 9الرحل ُة البحرية من مرف ِإ ڽروڨيدنس إِلى مرف ِإ بيروت استغرقت أَربعة أَسابيع (الخميس 23تموز – الجمعة 21آب .)1931 وسط بيروت. 1 0كاتدرائ َّية مار جرجس في َ 426
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
فوتوغرافية ص َدرت في صحف مصرية مص َّورة ،يتبيّن أَ ْن ال مبالغ َة في ذاك الوصف، فعل كما لم يسبق له مثيل في تاريخ المدينة. وأَ َّن تقدي َر مواطني جبران كان ً مشى في الموكب من المرف ِإ إِلى الكاتدرائية :وزي ُر الداخلية ،11ممثِّلو المفوضية العليا الفرنسية ،عناص ُر بحرية وعسكريّة من جيش االحتالل الفرنسي ،وخلْفَهم القنصلي ،وأَعضا ُء جمعيات خيرية من الطوائف المسيحية السلْك ُ ممثلون عن ِّ وا ِإلسالمية واليهوديةُ ، وآالف تالمذة المدارس صبيانًا وصبايا. مدخل السراي أَ َّدت له التحي َة سريّ ٌة عسكري ٌة فيما فرقة َ الموكب عند بلو ِغ ِ من الضابطية تعزف الموسيقى طوال مسيرة الموكب .وعند مدخل الكاتدرائ ّية بادر المطران إِغناطيوس مبارك إِلى َرشِّ ه بالمياه المباركة وترتيلِ رتبة البخور بالسريانية داخل الكاتدرائية طوال لغ ِة الطقس الماروني .وبعد مراسم الجناز تُر َِك الجثمان َ يحرسه فريق من ش َّبان بْشَ ّري حضروا إِلى بيروت الستقبال العائد إِليها. الليل ُ ذاك عن االحتفال الديني .أَما االحتفال العلماني الكبير على شرف جبران فكان مسا ًء في مسرح المدينة األَبرز 12الذي اختارت ْه اللجن ُة الم َنظِّ َمة .ولم يكن االحتفال وحسب بل ت َ َرأَّ َسه رئيس الجمهورية اللبنانية شارل دبَّاس، بحضور أَركان الحكومة ْ وتوالى على منبره كبا ُر رجال األَدب في البالد ،بينهم الر َّحالة والكاتب المعروف كسيب ،رئيس أَمين الريحاني ،الشاعر الشهير خليل مطران ،نقيب الصحافة خليل َ جمعية اتحاد الشبيبة ا ِإلسالمية جميل بَ ْي ُهم ،النائب والشاعر والصحافي ميشال ٍ هيئات مدني ًة زكُّور ،الشاعر ورجل الدولة أَمين تقي الدين ،إِلى ممثلين كثيرين َ االحتفال أُغنياتٌ بالعربيّة من كتابة جبران وضَ ع أَلحانَها لهذه ودينية .وتخلَّلت المناسبة وديع صبرا ومل ِّحنون آخرون معروفون. ولعل أَكثر ال َمشاهد تأَث ُّ ًرا مواطنون ت َج َّمعوا لمرور الموكب في المدن والبلدات َّ الساحلية والجبلية وصولً إِلى بْشَ ّري .وفي محطَّات ُه ِّيئَ ْت ُم ْس َبقًا كان الموكب 1 1موسى نمور. 12المعروف بـ «التياترو الكبير» أَو الـ «غران تياتر». نطو ىلِإ ُدوعي ٌرعاش
يتوقَّف كي يتق َّدم المنتظرون بتحية تكريمهم جثما َن جبران .من تلك التج ُّمعات ما وحسب بل تقَويًّا برمزيته التقليدية .فالمواطنون انحدروا من لم يكن م َؤث ِّ ًرا بعفويته ْ قراهم الجبلية البعيدة كي يالقوا الموكب ويواكبوه إِلى حدود كل مدينة ساحلية. وهذا المشهد تك َّرر في نحو عشرين محط ًة طوال األَميال الخمسين 13بين بيروت وبْشَ ّري. ٍ عادات لبناني ًة مميز ًة طالما أَح َّبها وها هي تنعقد ليت جبران كان ح ًّيا ل ُيعاي َن على شر ِفه .فعند محطات مختلفة طوال الطريق إِلى بْشَ ّري كان شبا ٌن بزيّهم التقليدي المزركش يتبارزون بالسيف والترس أَمام الموكب الجنائزي المتق ِّدم بطيئًا. وفي محطات أُخرى كان آخرون ي َؤدون أَغاني إِيقاعي ًة أَو قصائ َد رثا ٍء باللغة المحكية ٍ نائحات يَن ُدبْن المعروفة لدى اللبنانيين .وذروة التعبير عن الحزن كانت مع نسو ٍة بَتَ َف ُّج ٍ عات وه َّن يَقرعن صدوره ّن. غير أَن محطة الفتة شه َدت مغايَ َر ًة عن تلك المشاهد المذكورة .ففي مدين ٍة قرب جبيل – بيبلوس التاريخية ومق ّر عبادة ا ِإللهة الفينيقية عشتروتَ – خ َر َجت ل ُمالقاة الجثمان صبايا يرتدين عبا َء ٍ ات فضفاض ًة تنهمل على أَكتافها ُخ ُصالت شَ عرِه َّن «عريس أَحالمه َّن مدائح لجبران ت ُنشَ د عاد ًة للمك َّرم حيًّا ال ميتًا .ر َّحب َن به الطويل .غ ّني َن َ َ الجميل» العائ َد فنثَ ْر َن الزهور ِو ْسع الطريق أَمام الجثمان ،رشَ شْ َن العطو َر على النعش، َ َوات تستعيد حفالت ٍ عرس ب َخط ٍ ورقص َن أَمامه كما في ٍ زفاف كانت تقيمها العذارى قبل آالف السنين في معبد ا ِإللهة عشتروت على ذاك الشاطئ بالذات. مدخل َ وساهم سكا ٌن كثيرون عبْر مدن أُخرى في استقبال الموكب .ولدى بلوغه البحصاص ،مفترق الطرق بين الطريقَين الساحلي والجبلي ،انض َّم إِليه نحو مئتَي الشمالي، استقبل المش ِّيعين رسم ًّيا محاف ُظ لبنان َ سيارة وفارس .وفي البحصاص ّ كمل مرافقًا الموكب صعو ًدا .وعند مدخل بْشَ ّري تشك ََّل حشْ ٌد من حيث بْشَ ّري ،وأَ َ افق مسيرة عود ِة جبران ال َمهي َبة. ِّ كل رجلٍ وامرأَ ٍة وطفلٍ يَد ُرج ،ر َ 13نحو 80كلم. 428
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
«معرض» ميشال زكور يحتفي بجبران فخصص للح َدث ثالثة أَغلف ٍة تف َّر َد ميشال زكُّور في احتفا ٍء جليل الئقٍ بوصول جثمان جبران إِلى بيروتَّ ، متتالي ٍة من جريدته «المعرض» :قبل وصول الجثمان ،وعند وصوله إِلى بيروت ،وبعد وصوله إِلى بْشَ ّري، وفق الترتيب التالي: غالف العدد – 963األَحد 16آب :1931صورة جبران في حامل سيفًا على كتفه ،مع العنوان التالي« :جبران صبا ُه ً خليل جبران في موطنه عه َد صبا ُه» ،وتحتَه هذا المقطع: « ُو ِج َد هذا الرس ُم البديع ،الذي لم يُ ْنشَ ر بع ُد ،في منزل سيِّ َدة ُم ِس َّنة في بْشَ ِّري ،وهو يمثِّل فقيد ال ُنبوغ اللبناني جبران خليل جبران في أَيَّام فُتُ َّوته في بْشَ ّري ،وقد لب َِس غنبازًا لبنان ًّيا وح َمل سيفًا على كتفه».
غالف العدد – 964األَحد 23آب :1931صورة جبران في يتكئ على العصا ،مع العنوان التالي« :فقيد األَدب شبابه ُ والفن المرحوم جبران خليل جبران» ،وتحتَه هذا المقطع: «نَ ْنشُ ُر رسمه اليوم بمناسبة وصول جثمانه الطاهر إِلى لبنان ،واالحتفاالت التكريمية التي تقام إِحيا ًء لذكراه، في بيروت ،وبْشَ ّري مسقط رأْسه ،برعاية أَركان الحكومة اللبنانية واشتراك كبار أُدباء العربية وشعرائها».
غالف العدد – 965األَحد 30آب :1931ثالث ُص َور مع العنوان الجانبي التالي« :مهرجان جبران» ،وتحتَه هذا المقطع شار ًحا ّ الص َو َر الثالث« :في األَعلى :أَعضاء لجنة تكريم جبران أَحاطوا ُ بالنعش وتَظهر إِلى قُربه شقيق ُة الفقيد اآلنسة مريانا وبعض نسيباتها .في الدائرة :حضرة رئيس الجمهورية وإِلى يساره حضرة وزير الداخلية وبينهما النائب األُستاذ عبدﷲ اسحق في اللوج أَثناء حفلة بيروت .في األَسفل صور ٌة أُ ِخذَت في بْشَ ّري تمثِّل اآلنسة مريانا جبران ،ومن حولها حضرة وزير الداخلية ،وسيادة المطران عقل المندوب البطريركي ،ومندوبو المف َّوض السامي واألَميرال وقائد الجيش األَعلى الفرنسي».
نطو ىلِإ ُدوعي ٌرعاش
وفي بْشَ ّري ،كما في بيروت ،أُقيم احتفاالن ُم َميَّزان لوداع جبرانُ .س ِّج َي الجثمان ٌ احتفال في قاعة في كنيسة القديس يوحنا ل ُرتبة الج َّناز ،ونهار األَحد 23آب كان البلدة برئاسة وزير الداخلية موسى ن ّمور أُل ِق َيت خالله قصائد و ُخطَب. َ ُ ضيوف البلدة آالف الذين توافدوا إِلى بْشَ ّري للتكريم األَخير كانوا جمي ُعهم إِقام ًة طوال يومين .والذين لم تتمكَّن البلديَّة من تأْمين إِقام ٍة فن ُدق َّي ٍة لهم، استضاف ُهم أَهالي بْشَ ّري في بيوتهم ،وهذه ظاهر ُة حفاو ٍة تقليدي ٌة عريق ٌة في مواسم األَفراح واألَتراح ،تجلَّت يومها في مظهرها األَرقى. سوف يبقى جثما ُن جبران مس ًّجى في كنيسة القديس يوحنا إِلى أَن يُشَ يَّ َد قب ٌر وتحويل َ الوالدي ،وهو حال ًّيا َخر ٌِب، مالئ ٌم له .وق َّررت بلد ُة بْشَ ِّري ترمي َم بيت جبران ّ يقصدون بْشَ ّري في البقعة حوله حديق ًة عامةَ .وبَلَغَني أَ َّن س َّيا ًحا أَميركيين بدأُوا ُ « َح ٍّج خاص» كما َس َّموا زيا َرت َهم بلد َة َم ِ ولد شاعر األَرز الذي عرفوه في أَميركا.
َّ ُ السوري» ،السنة السادسة، عن مجلة «العالم َ العدد ال َّأَول ،أيلول ( 1931ص.)17–14
السوري» – السنة السادسة – العدد األَول – «العالم ُ أَيلول .1931 خصص فيه سلُّوم مكرزل ثالثة نُصوص لوداع صديقه جبران: – ص :9شاعر يعود إِلى وطنه – بقلم باربره يونغ. – ص :12في وداع جبران – بقلم سلُّوم مكرزل. – ص ( 14إِلى :)17مراسم استقبال جثمان في لبنان.
430
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
ة أَ من يب�وت ِإىل ْب شَ ّ خ�ة ال �ي :الرحل ي
صحف لبنانية عدة ،يوم ُّيها واألُ وصف مأْتم جبران :أَ َّو ًل في ت َ َولَّت سبوعيَ ، ٌ ّ بيروت (الج َّناز في كنيسة مار جرجس المارونية ثم االحتفال الخطابي في «التياترو الكبير» قُبال َة الكنيسة) ،ثم في بْشَ ّري (احتفاالن تأْبينيَّان). كامل في بيروت وبْشَ ّري كما ورد في مجلة «الدبور» هنا برنامج االحتفاالت ً األُسبوعية (مطلع آب .)1931
استقبال رفات الرجل خ الالد
ْ نظام احلفالت التأبينية
بيان الحفالت ال ُم َع َّدة الستقبال جثمان جبران في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الجمعة 21الجاري ،فيسير الموكب من المرفأ ما ًّرا بشارع فوش فشارع ويغان فساحة الشهداء فالكاتدرائية المارونية ،وتشترك الهيئات الرسمية وسائر الجمعيات على اختالف طوائفها في موكب االستقبال .وبعد الصالة عن نفس الفقيد العزيز ،يُ ْو َد ُع الجثمان في الكاتدرائية إِلى صباح السبت حين يُشَ َّيع بموكب حافل إِلى مسقط رأْسه بْشَ ّري.
ْ بيان ة حفل يب�وت التأبينية
– موسيقى – كلمة االفتتاح :األُستاذ جبران تويني وزير المعارف والفنون الجميلة – كلمة اللجنة :عريف الحفلة األُستاذ توفيق حسن الشرتوني كس ْيب نقيب الصحافة – كلمة الصحافة :األُستاذ خليل الخوري َ – األُستاذ جرجي نقوال باز :سيرة جبران – األُستاذ خليل مطران :قصيدة – األُستاذ أَمين الريحاني :خطاب ْ ننصرف» ،نظْم الفقيد ،تلحين األُستاذ وديع الصبح فقومي – نشيد «هوذا ُ صبرا ،يُنشده السيد كرياكوبولو نطو ىلِإ ُدوعي ٌرعاش
– كلمة األُستاذ ميشال زكُّور :نائب جبل لبنان – األُستاذ بشارة الخوري :قصيدة – كلمة األُستاذ محمد جميل بيهم رئيس جمعية اتحاد الشبيبة ا ِإلسالمية – األُستاذ حليم دموس :قصيدة نفس لوال مطمعي» ،نظْم الفقيد ،تلحين األُستاذ وديع صبرا ،يُنشده – نشيد «يا ُ السيد سليم ترك َّية – األُستاذ أَمين تقي الدين :قصيدة – األُستاذ إِدمون وهبه :أَخالق جبران – األُستاذ الياس أَبو شبكة :قصيدة – الشيخ نجيب عيسى الخوري :كلمة شُ كر بالفرنسية عن شقيقة الفقيد – األَب فرنسيس رحمة :كلمة شُ كر بالعربية عن أَهالي بْشَ ّري – موسيقى
بيان احتفاالت ْب شَ ّ �ي
حفلة التأْبين األُولى بعد وصول الجثمان – كلمة االفتتاح :عريف الحفلة األُستاذ يوسف جعجع – كلمة األُستاذ سليم غنطوس سري الدين – كلمة الدكتور حسين رشيد ّ – الدكتور عبد المسيح محفوظ :قصيدة – ع ْزف قطعة من «مواكب جبران» على الناي – كلمة المونسنيور السمعاني – ناصيف بك طربيه :قصيدة – كلمة األَمير كامل شهاب – األُستاذ وهيب الخوري :قصيدة – نشيد «يا نفس لو لم أَغتسل بالدمع» نظْم الفقيد ،تلحين األُستاذ وديع صبرا، يُنشده السيد سليم تركيَّة 432
( ناربج بايغ :رشاعلا لصفلااا
– كلمة األُستاذ سليم أَبو جمرة – كلمة األُستاذ حليم شبَيْعة – كلمة األُستاذ يوسف صقر – األُستاذ فؤاد مفرج :قصيدة وكلمة شُ كر عن اللجنة حفلة التأْبين الثانية في مسرح ْبشَ ّري تحت راية وزير الداخلية األُستاذ موسى بك نمور – موسيقى – كلمة االفتتاح :األُستاذ موسى بك نمور وزير الداخلية – كلمة اللجنة :عريف الحفلة رئيس اللجنة األُستاذ حبيب كيروز – كلمة األُستاذ يوسف السودا نائب جبل لبنان – األُستاذ سابا زريق :قصيدة ْ ننصرف» ،نظْم الفقيد ،تلحين األُستاذ وديع الصبح فقومي – نشيد «هوذا ُ صبرا ،يُنشده السيد كرياكوبولو – كلمة الشيخ مصطفى الغالييني – كلمة الشيخ ابراهيم المنذر – األُستاذ بولس سالمة :قصيدة – كلمة األُستاذ جورج يزبك – الشيخ حميد معوض :قصيدة – ع ْزف قطعة من «مواكب جبران» على الناي – كلمة األُستاذ فريد أَنطون – كلمة السيدة ح ُّبوبة حداد – األُستاذ ميشال برباري :قصيدة – كلمة األُستاذ يوسف نصر – الخوري أَنطونيوس جعجع :كلمة شكر عن أَهالي بْشَ ّري – موسيقى نطو ىلِإ ُدوعي ٌرعاش
الفصل الحادي عشر
ورثاء والء رفاقه في «الرابطة» ً ً
في «قانون» الرابطة القلمية كما د َّونه ميخائيل نعيمه بعد جلس ٍة في محترف جبران مسا َء الثلثاء 28نيسان 1920تأَ َّس َست فيها الصيغة الجديدة لـ «الرابطة ٍ مقال أَو كل َمن ح َّرر ً قرطاس أَدبًا ،وال ُّ كل ما ُسطِّر بِمدا ٍد على القلمية» ،1جاء« :ليس ُّ نظَم قصيد ًة موزون ًة باألَديب ...وهذه الروح الجديدة ترمي إِلى الخروج بآدابنا من َدور الجمود والتقليد إِلى َدور االبتكار في جميل األَساليب والمعاني.»... فعل على «الجمود ذاك كان مبدأَ «الرابطة» .فهل جميع أَعضائها انتفضوا ً وس َعوا إِلى «االبتكار»؟ والتقليد» َ في هذا الفصل بحث ُْت عن قصائ َد لبعض أَعضاء «الرابطة» في مناس َبتَين، األُولى :احتفال تكريمي دعا إِليه رفاق جبران في «الرابطة» مسا َء السبت 5كانون الثاني 1929عشي َة ذكرى مولده (السبت 6كانون الثاني )1883و ِب ُمرور ُربع قرنٍ ( )1929–1904على مسيرته األَدبية ،والمناسبة األُخرى :احتفال تأْبيني بُ َعيد وفاة جبران ،نظَّ َمتْه كذلك «الرابطة القلمية» (األَحد 24أَيار 1931في بروكلِن). 1
434
نشأَتْ صيغ ٌة سابق ٌة لـ «الرابطة القلمية» في نيسان 1916ض َّمت ،إِلى جبران :أَمين الريحاني ،أَمين مشرق ،الياس عطاهلل وآخرين ،لكنها لم تَ ِعش سوى بضعة أَشه ٍر النشغال أَعضاء منها بـ «لجنة إِعانة المنكوبين في سوريا وجبل لبنان» (تموز )1916انتخبت رئيسا ،أَمين الريحاني نائ ًبا الرئيس ،جبران خليل جبران كاتِ َم أَسرار. نجيب كسباني ً
رشع يداحلا لصفلا
الالفت أَن أُولئك «الرابطيين» لم يخرجوا كثي ًرا عن «الجمود والتقليد» اللذَين عمل عليهما عمي ُدهم في كتاباته العربية التي سط َعت بتجديده اللغوي والمضموني َ م ًعا .قصائ ُدهم التكريمية جا َءت ،إِلى َحـ ٍّد كبير ،م َّداح ًة تبجيل َّي ًة بأُسلوب تقليدي سلوب ذي أَشكا ٍل تقليدي ٍة عتيقة عتيق ،وقصائ ُدهم الرثائية جا َءت نَ َّواح ًة متف ِّجع ًة بأُ ٍ ٍ وكلمات عتيق ٍة بائدة .وفي المناسبتَين عبَّروا عن عاطفتهم اكيب عتيق ٍة سائدة وتر َ عري مأْ ٍ ٍ شكل لفظ ًّيا بار ًدا. منظوم ً روضي ٍ بقاموس ِش ٍّ لوف م َك ِّر ٍر مضمونًا عاديًّا ،و ِب َنثْ ٍر َع ٍّ ومع أَ َّن لجبران يتوس ْل ً نصوصا تكريمي ًة 2ورثائي ًة 3في أَكثر من مناسبة ،لكنه لم َّ أَ َّي مبالغ ٍة في المديح ،وال أَ َّي تف ُّجعٍ في الرثاء ،بل جاءت نصوصه أَدبي ًة راقي ًة توازي سلوب مبت َك ٍر من زاوية مغايرة ُصوصه الوجدانية ا ِإلبداعية األُخرى ،ألَنه تنا َولَها بأُ ٍ ن َ عن تقليدية ال َمديح والرثاء.
في هذا الفصل أَرب ٌع من هذه القصائد ألَربعة «رابطيين» :إِيليَّا أَبو ماضي،4 نسيب عريضة ،5نَدرة ح َّداد ،6رشيد أَيُّوب ،7أُو ِر ُدها كما صد َرت في م َؤلَّفاتهم.
2 3 4 5 6 7
منها ن َُّص ُه «الشاعر البعلبكي» الحتفال تكريم خليل مطران (جامعة القاهرة – نيسان .)1913قَ َرأَت ْه َمي زيادة ،ثم نش َره في مجموعة «العواصف» (.)1920 منها ن َُّص ُه في رثاء مع ِّرب «ا ِإللياذة» سليمان البستاني (نيويورك – حزيران ،1925نش َرت ْـ ُه جريدة «الهدى» الخميس 9تموز ،)1925ون َُّص ُه عند غياب جرجي زيدان ( )1914ص َدر في «الهالل» (القاهرة) ثم نش َره في «العواصف». ُولِد في المحيدثة سنة ،1890انتقل إِلى نيويورك سنة 1911وتوف َّي في بروكلن سنة .1957 ُولِد في حمص سنة ،1887انتقل إِلى نيويورك سنة ،1905وتوف َّي في بروكلن سنة .1946 ُولِد في حمص سنة ،1881انتقل إِلى نيويورك سنة ،1897وتوف َّي في بروكلن سنة .1950 ُولِد في بسكنتا سنة ،1872انتقل إِلى نيويورك سنة ،1905وتوف َّي في بروكلن سنة .1941 اثرو ًءالو »ةطبارلا« يف هقافر
كأْ َ ث ض ما� :ال س الباقية (ر�ء) ِإيليا أبو ي
ج�ان دمعة عىل ب
ْ الشاعر الذي كان َ َأ ُّ ُ وضاحك ضاح من بين شدو ي ها ي الجمال ِ ِ ٍ أَ ْ َج َل ٌل َأن َي َ القدر العمى ويمشي ُّ صيد َك ُ جناحك مقص ُه في ِ ْ ٌ َ ُ فضاء َ سالحك موكب طيم ِ ليس ِ الشعر تائه في ٍ فيه سوى ح ِ ِ ً ُ ْ ُ لـرواحـك والـبسـاتـيـن ،والبـ ِالبـل فـيـها ،تـتـغـنـى حزينـة ِ َّ لَ ْ ْ َق ْ نواحك عاشت بالنواح منك فلما زا نعت بذكريات ِ ِ ِ ْ ً ُ والنجوم ُ تسطع فيهٌ ، مصباحك واجم حسرة على والدجى، ِ ُ َ ْ ُ ْ َ تلمس العين ،أينما َ ُ والتياحك التياحنا ات ِ ِ لـم َسته ،ج َم َر ِ ُ َّ َّ ْ قد تولت جاللة السحر ُ واضمحل ْت مذ َ صار َ وشاحك عنه غير ِ ِ
َ ْ ُ ْ َ تسكب َ قداحك خمر الحياة لكي هبطت َّربة الجمال في أ ِ ِ ِ َ ْ ٌ فإذا َأ َ نت في السرير ًّ لواحك صامت مسجى كالطيوف في أ ِ ِ ً ْ ُِ ِ َّ َ ْ َ َ َ ْ ُ سماحك! فتولت مذعورة تلطم الوجه وتبكيك ،يا قتيل ِ َ ُ ْ َ َ احك لو و ـحظى ت كي الموت الهة َس َبق ْتها ِإ بالـيسير من أفر ِ ِ ِ َ ْ ُ َ ْ َ ويحها! َ ويح ّ ساحك حبها من أ ثيم ط َردتنا ولم ت ِقم في ِ ٍ ِ َ َ َ َ ْ َ َ تظف ْر بغير ُّ دواحك روضك الجميل ،ولم أ َيب َست التر ْاب من أ ِ ْ ً َ ْ َلأ َ ُ الموت ُ َذ َه َ احك وس جميعا بالكؤ ب غير كأ ٍس م تها من جر ِ ِ
8
«الخمائل»
8
436
صد َرت طبعتُه األُولى في نيويورك سنة 1940عن مطبعة «مرآة الغرب» .وكان أَبو ماضي خاصا عن جبران (السنة قبلذاك نشَ ر هذه القصيدة في مجلته «السمير» ُم َص ِّد ًرا بها عد ًدا ًّ الثالثة ،العدد الثاني ،أَيار )1931وفا ًء لغيابه الباكر .ومن كتّاب هذا العدد الخاص :مي زيادة وفيليپ حتّي.
رشع يداحلا لصفلا
قصيد�ن (والء ث ت ور�ء) نسيب عريضة:
ف ة �ض ج�ان خليل ب ِإىل ب ج�ان ي� حفل يوبيهل الف ي
5كانون الثاني 1929
َ ُ َ َ آ سمع ْت أ ْذني َن ً ذان نصتوا! فقد ـجيا يخفى على َال ِ نصتوا ،أَ ِ َأ ِ َ المسامع يا ُ َ غان؟ نصتوا ،أ ِرهفوا قوم! أَال َتسمعون ْرجع أ ِ أ ِ حينا ...أم ذاك ُ يختفي َّثم ينجلي كهتاف البوق ً صوت َجناني؟ أَ ُ َ ُ صوت َمن؟ ما َأ ُّ ذان كال ها هتاف جموع بل فرد صوت ه ظن ٍ ِ ٍ َ ُ الصوت َّ وضجت به النواحي الدَواني ِإنهم قادمون ...قد ق ُر َب َ هل َرأيتم كما َأرى؟ ...تلك َأ ٌ ّ ـحنان شباح تغني نشيدها ِب ِ َ ْ َ ُ يفان قد دنت ...فاف َسحوا المجال وه ُّبوا باحتر ٍام ِلـملتقى ِ الض ِ ُ َ ُ قحطان الملهمين من الخيال وفيه نوبة موكب هوذا ِ ِ َ َ يسعون سر ًاعا إلى حمى َّ الفن ِان قد أتونا من أَ عال ِـم الغيب َ ِ ِ َ ّ لى إ الشعر ـم عال ذاك وفد الرواح من عبقريـنا جبر ِان ِ ِ
ُ أمر َاء القريض ،يا متنبي ،يا َم َع ّري ،يا فارضي ،يا ابن هاني َ َ َ الزمان بديع يا عشرين، ابن يا الغواني صريع يا القيس، أ ر يا ام أَ ِ أُ لحان الشعر ساروا واللى تحت راية ِ يقطعون الزمان بال ِ أَ َ َ َ أ ُ نان بالج ِ نتم اليوم بيننا ،ال نراكم بعيون الجسام بل ِ ُ قد ُ وحضرتـم ُ المهرجان بالروح في نفضتم عنكم غبار الليالي ِ َ ُ ّ ُ ُّ صف َّينا اللبناني دَوركم حان، لنحيـي ِ ِ فاستعدوا َ وهبوا ْ ِ ُ ً َُ الجنان أ كاليل لرأ ٍس تثور فيه المعاني غار من ضفروا أ َ ِ ِ أَ َ ً لقلب تصبو ِإليه الماني واقطفوا من أزهار «طوبى» أضاميما ٍ َ ثمان يحمل النار والضياء فيعطي منهما للورى بال أ ِ اثرو ًءالو »ةطبارلا« يف هقافر
َّ َّ عص ْتني ُ قد َ بنات صدري وعق ْتني برغمي مولدات َبياني َ ُ ً ف َه ُبوني من البالغة شيئا وانطقواِ ،إن ِقد ْرت ُم ،بلساني
أَ «الرواح الحائرة» 9ص232 – 230
ً صباحا ِ ْع
أَ ج�ان ف� ة حفل ذكراه الربعينية ج�ان خليل ب ِإىل روح ب ي َ 24أيار 1931
ُ َّ ْ ْ ُ فارفع الحزن فاركع وعليه ذبيحة المقدس، المذبح هوذا ِ َ َ َ ْ ُ واخشع!ْ بخورا وخ ِذ َ يا َفؤادي ،واجعل أساك ً ضلوعك من النار َ أَ ً َ ُ َ لأَ َّ ُ ُ صامت السى وترف ْع! وحك ل رض ...فكن ال تكن نائحا ،فن َ ُ ْ وانظر َ الخلد َ ّ يلم ْع نور جبران! في ذرى الحس، وانط ِلق فوق عالم
ْ َ نك ْ ً ً مساء يا ً غائبا ليس يش َس ْع تسمعِ ...ع ْم مساء ،جبران! ِإ ِع ْم َ َ َ َ َ ً ً ُ فشموس الخـلود حـولـك تـسط ْـع صـبـاحا مســاء أقـول؟ بل ِع ْـم أ َ َ ْ لَ ُّ َّ حزنه أ َ يتـصد ْع عظم الحزن ...ولم يحترق ،ولم كلنــا خـا َ َ ُ َّ ُ َ ٌ بــاهر أنـت في عـل ِّـوك لـكن نحن ُع ْم ٌي وط ْـرفـنـا يـتـطـل ْـع َ َ َ ُ َ ٌ ٌ ومضة ُت َـش ِّـد ُد ً آية َ لـصحبـك تـرف ْـع؟ عزمــا؟ أفـال أفـال
َ ْ ُ ً النفس ْكأ ً حنين ُيذيبها حين ت ْـج َر ْع من ا س صباحا ،يا ساقي ِع ْم ٍ َ َ هل أتاك الصدى – صدى المتنادين على الدرب قائلينْ :اس َـم ِع ْاس َـم ْع 9 438
صد َرت طبعتُه األُولى ،مع مقدمة من حبيب ابرهيم كاتبة ،في نيويورك سنة 1946عن مطبعة جريدة «األَخالق» (م َؤ ِّس ُسها ورئيس تحريرها يعقوب روفايل).
رشع يداحلا لصفلا
ُ ْ َ ُّ َ ُ صوت رك ٍب أضاعوا فيك نبراسهم وضلوا ِب َبلق ْع صوتنا ذاك: ْ ِإ ِيه يا ماهد الطريق التي سرنا عليها نقفو خطاه ونت َب ْع! أَ َ ُ َ ُ َ وركب الرواح يكبو ويسك ْع عسعس الليل يا دليل السارين ،قد ُ َ َْ ِإرفع الصوت ،قد تبعناك لكن ف َّـتـنا في الطريق ،والقفر َم ْض َي ْع َ ْ توغل َت في ْ السبق عسانا على الصدى نتش َّج ْع رفع الصوت ،قد ِإ ِ َ ُ َْ َ طرت من بيننا بأ ُ جنح ْ ٌ ُ جناحنا ليس يرفع ومهيض عز ٍم... ِ َّ الحي وفيها َح ْظ ٌو ِل َـمن كان َي َ ّ طم ْع ومراقي الوصول شقت على ْ أَ َ ٌ َ يب ت َض َّو ْع قد َبسطنا اليدي ِإليك ...عليها من بخور الرجاء ِط َ َ ووق ْفنا َنرثيك َن ْظ ًما ً ونثرا بلسان الورى ...وهل ذاك َينف ْع؟ أَ َ َ َأ ُفيرثى بعجمة الرض ُر ٌ وح صار أعلى من المشاعر أ َ جم ْع؟ َ ٌ َ أ ُفيصغي ِإلى َ العاصفات ،والرعد ْلعل ْع؟ هامس برق َيـمتطي الـم ِ ِ
َ ُ َ َ حيث ُ لك ...فال ُ ُ الشاعر ِإال ُّ روحك ترت ْع أَوج لهي طوبى أيها ْ ُّ َ يزل َل ُ َأ َ نايك ْ الب ُ ين شدوَ سكت َ يرن ُوي َ سم ْع ـحنه لكن لم أُ َ َ ُ ُ َ رث ل َّمة تـتـف َّـج ْـع نــاشيدك الـحســان ستـبـقى وأ خـير ِإ ٍ ْ َ ُّ َ َ ً ً ًّ فشهيـدا كأ َس التألم َي ْـج َر ْع فنبيـا، قد رأينــاك سابقـا، َ َ َ َ وعلمنا أ َ ْ يناك ُت َ صر ْع شياء منك فكانت َعبرة العقل ِإذ رأ أَ ٌ ٌ ُ شاوس َت َ واشتياق وصر ٌاع به ال ُ ِسـمة الوحي ُحرقة ـخض ْع وجز ُاء النبوغ :إكليل مجد قد َّ َ مدمع بعد َ تندى من َ مدمع ٍ ِ ٍ
ْ َ ْ َ َ َ الشاعر الذي َ َ كنت َت َ ُ سم ْع سكت الهام واخش ْع! أرز لبنان ،طأ ِط ِئ َ ُّ َ َ َ َ ُ جـوارك ٌ عــز وأرف ْع قبر هو في قـلبـه أ سيسـاميــك فـي
أَ «الرواح الحائرة» ص241 – 237
اثرو ًءالو »ةطبارلا« يف هقافر
َندرة ّ قصيد�ن (والء ث ت ور�ء) حداد: ُ شـمسان من نور ِ
ف ة �ض ج�ان خليل ب ِإىل ب ج�ان ي� حفل يوبيهل الف ي
ٌ ـمس َّ الشـ ُ ـروب جميلة حتـ ـى فــي الغـ ِ أَ لَ ُ بهجته ــا ول ـ ْـم ل ــم تس ــلب الجي ــا َ فكأنهـــا ُخ َلق ْ ـــت لتبقـــى مثلمـــا َ ّ َ ُ ـب ـ واه ـل تعط ــي ب ــا م ـ ٍـن ،وأفض ـ ٍ َ َّ ُ العيـــون َ هـــا ،لكنهـــا ضياء تهـــب أَ ً وت ـ ُ ـاء م ــذ ـدور ُمش ـ ِـرفة عل ــى الحي ـ ِ ر ْ ســـكينة اقب ُتهـــا تدنـــو بـــكل ٍ حتــى إذا كادت تغيـ ُ ـب عــن الحمى ِ َ ُ ً أرســـلت ْ مخاطبـــا طرفـــي للســـماء «يــا شـ ُ ـمس قــد تــ َّـم النهـ ُـار فتابعــي ً س ــيري َفأي ــن ْ ـت مفي ــدة ـت كن ـ ِ طلع ـ ِ ْ ُ ـس ثــم انثنيــت وليــس لــي مــن َمؤنـ ٍ ً َ تنـــس فـــي خلواتهـــا ورفيقـــة لـــم ُّ ُّ تحدثنـــي وكل حديثهـــا َمالـــت َ ِ ً ُ فأ ْ جب ُتهـــا وأنـــا الغيـــور هـــوى ومـــا «يــا نفــسَ ،مــن َ تهوين ليــس ِ ّ موح ًدا ِ ً َ َّ َ ُ َّ ـــم كتـــم الهـــوى عمـــدا ورب متي ٍ َيه ــوى ولك ـ ْـن غي ـ َـر أَم ــا يه ــوى بن ــو َّ ً َ َّ َيهـــوى الغديـــر لن فيـــه أَأنـــة ـات لنه ــا َيه ــوى الس ــواقي الجاري ـ ِ 440
رشع يداحلا لصفلا
5كانون الثاني 1929
ُ َ حســـنها ،أشـــجاني وكمـــا ســـباني ْ ُ تعبـــث َّ الحدثـــان بقوتهـــا يـــد ِ ُ َ نقصـــان عيـــب وال بـــا ـــت: لق خ ِ ٍ ـان َمــن جــاد عــن ميـ ٍـل ِإلــى ِإالحسـ ِ ُ َ ينـــان ال تســـتفيد ...فمـــا لهـــا ع ِ ُخ َلق ـ ْ ـت ول ــم تضج ـ ْـر م ــن ال ــدَوَ ر ِان َ فتـــان الغـــروب نحـــو ٍ كغـــادة أَ ِم ِ ِ ُ ُ غصـــان وتغيـــب عنـــي ْرؤيـــة ال ِ وجعل ـ ُ ـت قلب ــي ف ــي م ــكان لس ــاني: مـــكان لـــكل حســـانك الوافـــي ِإ ِ ِ ِ ً ّ عـــان» مشـــكورة فـــي الســـر إ وال ِ ّ ِ ِ ََّ َّ ُ ـــمان الحفيـــف إل وطيـــب النس ِ ِ َ ّ َ أَوان ـوس وش ــمس ِكل ِ ش ــمس النف ـ ِ أُ ع ــن كوك ــب الدب ــاء :ع ــن جبــر ِان َ َّ كعاشـــق غيـــر ِان: الخفـــي ضـــح ف ٍ ٌ ّ فـــي ّ ثـــان حبـــه... والحـــب ِديـــن ِ ِ َ ْ ً ـان وَ ج ــد اله ــوى حل ــوا م ــع الكتم ـ ِ فـــان َالدنيـــا ...فمـــا َيهـــواه ليـــس ِب ِ ً أَوطـــان كأنينـــه شـــوقا ِإلـــى ال ِ َّ َأ ً ِّ بـــدا الظمـــآن تبـــر ُد غلـــة ِ
أَ َ النجـــوم ل أَنهـــا َيصبـــو ِإلـــى مـــرأى ِ ّ َ ـش الصغي ــر أَلن ــه يصب ــو ِإل ــى الع ـ ِ َيصبـــو ِإلـــى صـــوت البحـــار لنـــه ٌ هــو فــي الفـراش مع المريض مشــارك هــو في القيود مع الســجين المشــتكي
ُ تقـــان ِإ ُّس النظـــام ومصـــدر ِإال ِ قصـــر و ْ ً هـــوى َ ٌ نـــان لكـــن مـــن وح ِ آ ُّ ُ ذان يـــرن الخلـــود صـــوت فـــي ال ِ أَ آ ِإيـــاه فـــي الالم والحـــز ِان ْ َ ـــم ُ ظل َ التيجـــان» البغـــاة وقســـوة ِ
ُ جبـــران ،هـــذا بعـــض مـــا عانـــاه ُ َ َّ ـئت أذكــر كل مــا تهــوى ومــا لــو شـ ُ َ َ َألبس ـ َ ـت أ َّم َت ــك الجدي ــد ففاخ ـ َـر ْت َ َ َ ولقــد هدمـ َ ـادم ـت فكنـ ـت أفضــل هـ ٍ والخي ـ ُـر وح ــده ف ــي ف ـ َـؤادك كام ـ ٌـن ّ ٌ والش ـ ُ ـمس واح ــدة عل ــى ِكل ال ــورى ُ ـور :فتلك تضـ ْـي ُء في شمســان مــن نـ ٍ
َ ُ َ ـك والــ ُـم ُّ حب يعاني قلبــك فــي حياتـ َ َ َّ تصبـــو ومـــا تنـــوي ،لـــكل لســـاني ّ ـــان بجديدهـــا ِ والناســـج الفن ِ َ َِ َ َ ْ ـان ولق ــد بني ــت فكن ــت أفض ــل ب ـ ِ الض ـ َّـد ِان لـ ـ ْـم يجتم ــع ف ــي ص ــدرك ِ َ ْ مســـان لكـــن لنـــا فـــي شـــرقنا ش ِ َ َ ـدان الوجـ ِ هــذا الوجــود ،وأنــت فــي ِ «أَوراق الخريف» 10ص86 – 81
ُ َ كنت ًّ حيا وهكذا ستكون
أَ ج�ان ف� ة حفل ذكراه الربعينية ج�ان خليل ب ِإىل روح ب ي
ُّ ُ ـوب يه ــون كل صع ـ ـب م ــن الخط ـ ِ ٍ َ ُ ُ ُ بالنـــاس يغـــدر الزمـــان : قـــول ال أ ِ ُ َ ً الحـــي مائتـــا َفس ٌ ُّ ـــواء خلـــق
َ َّ ْ ِإن ع ِل ْمنـــا أن ً انتقامـــا ...وال لَ هـــر ٌم طـــا ِ
َ 24أيار 1931
َ ُ الــــمنون الحيـــاة َ ُ أقـــول :يخـــون ُ ُ وجنيـــن عمـــره
10صد َرت طبعتُه األولى ،مع مقدمة من رفيقه في «الرابطة القلمية» وليم كات ِْسفْليس ،في نيويورك سنة 1941عن مطبعة طوب ّيا .وهو الكتاب الوحيد الذي ص َدر للشاعر. اثرو ًءالو »ةطبارلا« يف هقافر
ُ ٌ ٌ غريـــب حلـــم نســـان وحيـــاة ِإال ِ ٌ المصيـــر ً َ نعيمـــا ففريـــق يـــرى َ ٌ ً قبـــرا وفريـــق يـــرى النهايـــة َّ إنم ــا العاق ـ ُـل الـ ـ ُـم ُّ حب ِوإن ش ــك ِ ّ َ َّ ٌ فلـــكـــــل أحــبـــــة ســـبـقـــــوه ٍ
ُ نســـان ٌّ ُ ســـر َمصـــون ومصيـــر ِإال ِ النفـــس يـــوم َّ َي ُ ُ َ تبيـــن عنـــا لـــزم ٌ ُّ ُ كل مـــا فيـــه ضجعـــة وســـكون َ َّ َّ َ ُ يقيـــن الخلـــود تمنـــى أن َ ُ ُ والحنيـــن شـــواقه لـــكل أ و ٍ
َ الموت مــا بكينــا جبـران من صدمـ ِـة ِ َ ُ شـــبابه ِإذ تـــوارى مـــا بكينـــا ُ ـزن ف ــي المآت ـ ِـم ال تبق ــى دمع ــة الح ـ ِ ُْ ُ َ ون ً ميت ــا عزي ـ ًـزا ك ــم س ــا الـ ــمع ِول ُّ ّ البســـيطة ِإ َّمـــا حـــي علـــى كل ِ ٍ ْ ً ُ ُ صبـــاه وقبـــا وشـــباب الفتـــى، ً ً َّ َّ عنهـــن قســـطا فقســـطا يتخلـــى نحـــن نبكـــي َ ُ وســـنبكيه فقيدنـــا ِ َْ ً ُ ـــرتها خس نحـــن نبكـــي روائعـــا ِ ً َ ُ شـــاعرا ُعل ًّويـــا نحـــن نبكيـــه ٌ وحـــب َت َغ َّن ُ ِش ُ ٌ تـــه ـــعره حكمـــة ضطهـــده بنـــو ُ ْ ًّ ونبيـــا ْ الدنيـــا لـــم َي ً ً مجـــدا للشـــرق وفقيـــرا قـــد شـــاد ِ وهـــز ًارا ِإذا شـــدا فالمعانـــي وغدي ـ ًـرا ف ــي ال ــروض يج ــري وفيه ــا ونديمـــا مـــع الندامـــى وَ ً ً قـــورا ـارت المنيـ ُـة َمــن طـ َ ـاب هكــذا اختـ ِ
ٌ ُ َ ُ الباكيـــن غيـــث َهتـــون ودمـــع ٌ ُ ُ ثميـــن كنـــز نســـان وشـــباب ِإال َ ِ ً ُ طويـــا ...ولـــو أ َّ الحزيـــن صـــر بع ــد حي ـ ٍـن وك ـ ْـم تناس ــى الخدي ـ ُـن ُ ٌ َ دفيـــن غيـــر ُهِ ...وإ َّمـــا دافـــن ُ ُ ٌ وَ ُوديـــون دائـــع وقـــواه... ُ ٌ ضنيـــن حريـــص تبقـــى لـــه ال ال ُ َ كمـــا يبكـــي الفاتـــن المفتـــون َ َّ ُ ُ ُ آدابنـــا والفنـــون يـــوم ولـــى، َ ُ َ قـــد أرانـــا الســـماء كيـــف تكـــون َ ُ تلحيـــن العـــذارى كأنـــه ٌ ــــم َي ْن ْ وَل ْ ديـــن الكفـــر ســـب ُه ِإلـــى ِ َ ُ ــــم َيش ْ بــــماله قـــارون ـــد ُه ِ ل ْ ِ ُ َ ٌ نســـمات والســـامعون غصـــون أَ ُ أَ ال ُ نيـــن مـــا ُيزيـــل الســـى وفيـــه ٌ ُ َ قـــار المجـــون وجميـــل مـــع الو ِ أَ ُ ثمـــارا ...وال ُ ً طيـــب المعيـــون
442
رشع يداحلا لصفلا
َ ُ ُّ ُ الــــمطل علينـــا أ ُّيهـــا الراحـــل ي ــا َأخ ــي ه ــا إ َّن الـ ــمنايا اس ـ َّ ـترد ْت ِ َ َفت َع َّر ْي َ ً ـــت مـــن حياتـــك طوعـــا َ ً الــــم ّ بعـــدك ُ حبين صرعـــى تـــاركا َ ُّ َّ ـكأ َّن الــ ُـم َ صاب حــل علــى الــك ِل فـ َ ْ ُ تـــك ســـجناً ال أ ُّ ذم الدنيـــا ِوإن َ َج َـم َـع ْــتــ ــنا كالطي ـ ِـر ف ــوق الرواب ــي ْ تخـــف َأن َيطـــولَ ُب ُ عـــد َك َّ عنـــا ال َ ُّ ٌ َ ْ لكـــن كلنـــا راحـــل رحيلـــك... ْ قريـــب عـــن فانتظ ْرنـــاِ ...فإننـــا ِ ًٍ َ ً َفوداعـــا جبرانـــــنا ..يـــا خليـــا كن ـ َ ـت ًّ حي ــا وهك ــذا س ــوف تبق ــى ُ ُ َ اليـــوم ْتأ ً َ بينـــا ـــه لـــك ليـــس مـــا قلت
ُ ُ قطيـــن الســـام مـــكان فيـــه مـــن ٍ ُّ ُ َ منـــك مـــا كلنـــا بـــه َمديـــون َ ُ ُ تليـــن حكامـــه ال لنظـــام أَأ ٍ طعنـــات الســـى وال َمـــن ُي ُ عيـــن ِ ُ ٌّ ُ َ فـــكـــــل فـــؤ ُ اده مطعـــون ُ ُ َفم َ تســـتطاب الســـجون الحـــب ـــع ِ َّ ُ كميـــن الســـهام تتغنـــى ...وذو ِ ُ َ ُ ْ لـــم َيطــل ُعمـ ُـر مــن َب َرتــه الشــجون ُ َ لي ــس ن ــدري مت ــى الرحي ــل َيحي ـ ُـن ُ َ ُ ضميـــن ســـنالقيك ...والزمـــان ُ َ ُ قلوبنـــا والعيـــون عشـــق ْته ِ ُ ً وحبيبـــا وهكـــذا ســـتكون ْ َ َ وحدهـــا التأ ُ بيـــن فذكـــراك «أَوراق الخريف» ص194 – 189
احتفال أعضاء «الرابطة القلمية» بعميدهم جبران عشية ذكرى مولده، وفي يوبيله الفضي – 25سنة كات ًبا ومؤلفًا. االحتفال في فندق ماك آل ِپن الفخم في نيويورك – مساء السبت 5كانون الثاني .1929
اثرو ًءالو »ةطبارلا« يف هقافر
َ ق ُّ رشيد أيوب :ستب� العميد
ق إىل روح َأ خ ن وحني� شو� ان ج� � ب ي ِ ي ي
ْ
ُ َّ لـــم َ يبـــق يـــا جبـــران ِإل الخيـــال ْ حت ــى إذا ُخض ـ ُ ـت الليال ــي الط ــوال ِ
لَ
َ ْ ق ــد ح ــا ه ــذا ُ العي ــان البع ــد دون ُ لأَ َ ْ العنـــان أطلقـــت ل حـــام فيهـــا ِ
وط ُ ـــرت فـــي مركبـــي ِ ـب ِإل ــى حم ــى الكوك ـ ِ
َ ْ َ ْ حط ْط ـ ُ ـت الرح ــال ول ــم أزل حت ــى َ َ ْ َ الج ــال لـ ـ َّـما مش ــوا ف ــي مهرج ــان
أَ ُ ْ ْ الجنــان ـط ـ وس ـاب ـ لب ال ـي ـ ل و أ عنــد ِ ْ ََ َ ألـــم ت َــر «الدرويش» في المهرجان؟
َ النـــاي بلحـــن ّ الرهـــا وينفـــخ
ْ تـــذكار ْ َ ـــد مـــن قديـــم الزمـــان عه ٍ
الموكـــب يمشـــي مـــع ِ يتلــو كتــاب «النبــي»
ً نجمـــة ّ عنـــا خفاهـــا ّ الض ْ بـــاب يـــا غ ـ َّـر َاء توح ــي م ــن وراء الحج ـ ْ ـاب
ْ ْ تـــدور ولـــم تـــزل بيـــن الـــدراري ُ فتمـــ�أ الدنيـــا َب ً ْ ونـــور ــــهاء
وَوَ ْر ًدة فاحـــت طواهـــا التـــر ْ اب ِوإن ْ ذكرناهـــا فتحنـــا الكتـــاب
ْ ُّ العطـــور نشـــتم منهـــا ولـــم نـــزَل الس ـ ْ ث ــم ْاجتمعن ــا بي ــن تل ــك ّ ـطور
مـــن وَ حيهـــا ُ المنـــز َِل َْ ْ لـــم تأفلـــي تـــاهللِ ّ تـــالل ِ َّ كــــا
ً ُ المـــوت ّفواحـــة جنـــاك بلـــى ِ
ْ َ لــــم تذبلـــي ولــــم تهملـــي
َ ْ ّ النشـــور التاريـــخ حتـــى وتـــو َج
444
رشع يداحلا لصفلا
َ ْ م ــن أي ــن للعلي ــاء ي ــا اب ـ َـن الفن ــون ْ ـــن إذا َّ َ ْ هـــد ْت قـــواه الشـــجون وم ِ
ْ وســـه ُمها وقلب ُ ُ ـــه
ْ َ وفيـــت عنـــك الديـــون حتـــى اذا َ َ ْ أطفــأ شــخص المــوت ُسـ ْـرج العيون
َ َ َ َ ْ ارتيـــاح ضن ْتـــه أبـــدى مثلـــك ِإن أ ْ الس ْ الدنيـــا بعيـــن َ ـــماح رنـــا ِإلـــى
صا ِئ ُ ـــب ذا ِئ ُ ـــب؟
مـــن كبـــد قـــد َ أَوهن ْتهـــا الجـــر ْاح ِ ٍ َ ُ يطفـــئ عنـــد البـــر ْاح منـــك كمـــا
ســـر َاج ُه الر ُ َ اهـــب ُ الواجـــب ِإذا انقضـــى
َ َ ورحـــت ترعـــاك نجـــوم الدجـــى
حتــى بلغـ َ ـت المجــد عنــد الصبـ ْ ـاح
ْ ٌ ُّ تضـــم الرفـــاق رابطـــة كانـــت ْ ْ ول ــم ت ــزل م ــن بع ــد ه ــذا الفــراق
ْ ُ َوأ َ القصيـــد وبيـــت نـــت مبناهـــا ْ ْ بعيـــد يكـــن جبـــران عنهـــا ِوإن
ُ َ ْ الرق ــاق ـي ـ الحواش ـاب ـ صح أ فنح ــن َ ِ ْ ُ ْ إن َأبط ــأ الم ـ ُ ـوت بـ ــحكم اللح ــاق ِ
ْ جديـــد ووَ ْج ُدنـــا فـــي كل يـــوم ْ ُ ْ العميـــد ســـتبقى فـــروح جبـــران
َ ً هـــا َّ ُ عمـــره ـــان قضـــى بفن أ ٍ
ّ َّ ْ َ ْ شـــهيد الفـــن ِإل ولـــم يــــمت فـــي ِ
ـــة وليـــس مـــن ْأَو َب ِ َورة حتـــى وال ز ِ
والطيـــر فـــي ّ ُ ـــة الجن ِ ُ َّ ـــت تقـــول ِإن غن ِ
«هي ُ َ الدنيا» 11ص338 – 335
11صد َرت طبعتُ ُه األولى في نيويورك سنة ،1940مع مقدمة من شكرﷲ ال ُجـ ّر صاحب مجلة «األَندلُس الجديدة» في ريُّو دي جانيرو (البرازيل). اثرو ًءالو »ةطبارلا« يف هقافر
الفصل الثاني عشر
«الصومعة»
في هذا المبنى [الرقم – 51الشارع العاشر غربًا] سك َن جبران آخ َر 20سنة من حياته ( )1931–1911على مرحلتَين :األُولى منذ الجمعة 22أَيلول 1911حين اتخذ الشهري 20دوال ًرا ،واألَخيرة غرف ًة ض ّيقة في الطبقة الثانية من المبنى ،إِيجا ُرها ُّ بعدما كتب نهار الجمعة 14شباط 1913إِلى ماري هاسكل« :أَمامي فرص ٌة الست ْئجار ستوديو أَوسع في هذا المبنى ذاته .هو جميل وفسيح ،وأَكبر بثالث مرات من الستوديو الذي أَنا فيه حال ًّيا .النو ُر فيه ج ِّيدٌ يدخله من الشمال والجنوب ومن السقف ،كما الئم في محت َرفات ڽاريسُ .م ٌ جدًّ ا للعمل .فضا ُؤ ُه فسيح. الشهري 45دوال ًرا، إِيجاره ّ ويلزمني نحو 50دوال ًرا كي أُنظِّفَه وأُ َج ِّه َزه .أَنا حائ ٌر منذ ا ِإلشارة إِلى الشارع العاشر غربًا
446
رشع يناثلا لصفلا
أَيام وال أَعرف ماذا أُق ِّرر .هل أَستأْج ُر ُه إِذا تركوه لي؟ ِ بطاقتك الشخصية. أَجيبني ولو بكلمة مو َجزة على أَعرف أَ ِ نك مشغولة جدًّ ا» .فأَجابتْه صباح اليوم التالي (السبت 15شباط) في رسالة عاجلة« :أَكث ُر ما أَف َر َحني في رسال ِتكَ أَمس :ذكْ ُركَ أَم َر الستوديو ذهب فو ًرا صعو ًدا ً نزول وفي كل بـ 45دوال ًرا .إِ ْ اتجاه ،واستأْجِ ْر ُه يا حبيبي قبل أَن يُفلِ َت منك». ...واستأْ َج َر ُه وانتقل إِليه نهار الخميس 1أَيَّار بقي حتى وفاته. ،1913وفيه َ هذا المحترف الذي اشتُ ِه َر بـ «الصومعة» كان يجمع أَصدقا َءه ،يتسامرون ،يقرأُون له نتا َ جهم ،المبنى ( 51سنة )1914 كما كان حين سك َنه جبران ويُصغُون إِلى آرائه. وفي هذا المحترف ولِ َدت الصيغة الثانية لـ «الرابطة القلمية» مسا َء الثلثاء 28 نيسان ،1920وانتخبَه رفاقُه عمي َدهم. كثيرون وصفوا تلك «الصومعة». أَكتفي هنا منهم باثنين :رفيقه ميخائيل نعيمه ،وصديقه المونسنيور منصور أسطفان.
ْ ُ )١وصف نعيمه «الصومعة قائمة في الطبقة الثالثة واألَخيرة من بناي ٍة قديمة شعرتُ حين ضئيل من الغاز فيَطرح داخل دي ًرا .مم َّرات ُها كالسراديب ،يني ُرها مصباح ٌ دخلْتُها كأَنني ٌ أَ ْخيِل ًة على جدرانها المظْلمة .صعدنا ساللم خشبية تدور دور ٍ ات لولبي ًة ،وت ِئ ُّن تحت أَرجلنا حتى نكاد نجفل من أَنَّاتها .أَخي ًرا وقفنا إِلى اليسار من رأْس السلَّم ،أَمام باب خشبي قاتم اللون ،في وسطه حلقة من الحديد ما طرقنا بها عليه حتى انفتح ،وبان ّ »ةعموصلا«
المبنى ( 51سنة )1938بعد سبع سنوات على وفاة جبران
ني اللون وأَشب ُه بقميص واسع من ورائه جبران في ج َّبة التصوير وهي من الكتَّان ال ِت ْب ّ يُلْ َبس من فوق الرأْس ِ ويصل حتى الركبتَين. جلست على ديوان قديم وجلس رفيقاي [نسيب عريضة وعبدالمسيح حداد] ُ على كرس َّيين قدي َمين لم يكن في الصومعة كَ َر ٍاس غي ُرهما .جلس جبران على دكَّة قل .أَما َمنا في الحائط التصوير الخشبية وهي من نحو مت ٍر مربَّع ب ُعلُ ِّو شب ٍر أَو أَ ّ الشرقي ش ْب ُه ٍ افرنجي في قلبه ٌ حديدي صغي ٌر للتدفئَة بالحطَب أَو بالفحم وجاق موقد ٌّ ٍّ الحجري .وفوق ِّ قنديل من الغاز كان نو َرنا األَوح َد في تلك الليلة. رف الوجاق ٌ أَخ ْذتُ أَتأَمل الصومعة وما فيها :طولها نحو ثمانية أَمتار ،وعرضها نحو ستة. واطئ صغي ٌر من الحديد بغير قوائم ناتئة عند رأْسه وقد َميه، إِلى يسار الموقد سري ٌر ٌ عليه ِحرام من الصوف ووسادات مختلفة األَشكال واألَلوان .هو سرير جبران .وبجانبه خزانة صغيرة عليها كتُب وأَوراق .إِلى يمين الموقد م ْنصب التصوير وورا َءه منضد ٌة 44 8
رشع يناثلا لصفلا
كتب وأَوراق .إِلى يمين المقعد ،حيث أَنا ،طاول ٌة خشبية مستديرة عليها عليها ٌ كذلك كتُب وأَوراق ودفاتر ومحابر وأَقالم ،بالقرب منها َمحا ِفظ متفاوتة الحجم من الص َور. الكرتون األَسود ،هي َمحا ِفظ ُ
في الحائط الشمالي شبابيك ثالثة عليها ستائ ُر ُسود .ومثلُها في الحائط ال ِقبْلي .عند متوسط الحائط الشمالي ٌ رفوف اصط ََّف عليها نحو المئتين من مختلف الكتب .في الجهة الشمالية من السقف العالي نواف ُذ من زجا ٍج عليها ستائ ُر سو ٌد تُزاح عند داخل «الصومعة» :الستوديو في لقطة عامة الحاجة إِلى إِدخال ال ُنور .على قديم العهد تمثِّل يسوع المصلوب .وفي الحائط الغربي قطع ٌة كبيرة من نسي ٍج ِ باب يُ َؤ ِّدي إِلى َمخد ٍع ضَ يِّق ،في جهته اليُمنى الزاوية الشمالية من ذاك الحائط ٌ حنفي ُة ما ٍء ومغْسل ٌة وبضع ُة صحون ومالعق وقنانٍ وطاسات خشبية ولوازم القهوة ٌ ووجاق صغير للطبخ على الغاز .وفي جهته اليُسرى مستود ٌع لثياب جبران ،فوقه ٌّ رف تج َّم َعت عليه جرائد ومجالت قديمة وأَشياء كثير ٌة سواها عالها الغُبار».1
ُ )٢وصف املونسنيور منصور أسطفان «البناية قديمة من ثالث طبقات .لها من ُ مدخل ٌ فوق قرمي ٌد عتيق ،ومن تحت واسع عن جانبيه د َرج ُمزدوج .صع ْدنا إِلى الطابق األَول فالثاني فالثالث ،وانعطفنا 1
ميخائيل نعيمه« ،جبران خليل جبران» ،م َؤسسة نوفل ،الطبعة الثامنة ،1978ص152 وص َف الصومعة حين زارها للمرة األُولى ذات ليل ٍة من 1916برفقة نسيب و .153وهو َ عريضة وعبدالمسيح حداد. »ةعموصلا«
قليل .أَ ُ ول يسا ًرا في رواقٍ طويلٍ مظ ٍْلم ً باب جبران .لم ٍ باب من تلك الناحية كان َ نطرقْ ُه .كان مفتو ًحا ،فد َخلْنا. وس َط غرفة وحيدة ،مستطيل ٍة الباب ْ على طو ٍل الفت وع ْر ٍض ضيِّق .قُبال َة الباب ِ الحائط المقابِلِ طاولتان :على ال ُيمنى عند بيض فوقَه تمثال العذراء (من نَحو ٌ شرشف أَ ُ 20سنتم) تحمل الطفل على زندها ،عن المونسنيور منصور أسطفان جان َبيه شمعدانان نحاسيان فيهما شُ موع ذائبة ،وعلى الطاولة ال ُيسرى كأْ ٌس وصينية وشمعدانان نحاسيان آ َخران فيهما شُ موع ذائبة فوق الشرشف األَبيض.
زاوية من الستوديو (متحف جبران)
في الركن ،كسائر البيوت األَميركية ،موقد ٌة ِإلشعال الحطَب أَو الفحم الحجري عريض مستدي ٌر يحمل أَو الفحم الخشبي ،أَمامها إِس َك ْملَ ٌة صغير ٌة عليها صد ٌر نحاسي ٌ ٌّ قوالب نحاسية. ركو ًة نحاسية للقهوة ،حولها ثمانية فناجين في َ 4 50
رشع يناثلا لصفلا
هنري زغيب في «غرفة» جبران اليوم كما هي في متحفه مثلما كانت عليه بأَغراضها جميعها في «صومعة» نيويورك
واطئ بسيطٌِ ،حرا ُم ُه س َّجادة إِلى الزاوية اليسرى من باب المدخل :ت َـ ْخ ٌت ٌ ع َجمية ،فوقه تمثال المسيح المصلوب ،عن جانبه إِلى الحائط لوحة زيتية قديمة وكبيرة (بالحجم الطبيعي) للنسوة الالئي رافق َن المسيح إِلى الجلجلة.
سري ُره الواطئ و َملْ َونُه (متحف جبران)
»ةعموصلا«
إِلى يمين الباب (النصف األَيمن من الغرفة) لوحاتٌ ُمختلف ُة األَحجام ،أَدواتُ تصوير ،ورسو ٌم غي ُر مكت ِملة. ليس في الغرفة َح َّمام ،ألَ َّن هذا كان مشتَ َركًا للطابق كلِّه كما ُ حال هذه األَبنية ال ُمتَقَشِّ فة. فيما نغادر الغرفة ،بادرتُ نعوم« :كان ناسكًا هذا الرجلُ . يعيش في صومعة».2
المبنى 51في صورة قديمة عند مطلع القرن العشرين.
2
4 52
المبنى 51كما هو اليوم بعدما بلدية نيويورك هد َمت المبنى القديم
كامل لي في منزله (غوسطا–كسروان) مسا َء األَربعاء 14أَيلول ،1983أَور ْدتُ ُه ً من حديثه إِ َّ في كتابي «جبران خليل جبران ،شواهدُ الناس واألَمكنة» ،منشورات درغام ،بيروت، وص َف الصومع َة حين زارها ،برفقة ن ُعوم مكرزل الطبعة الثانية ،2012ص 40 و .41وهو َ صباح السبت 11نيسان ،1931غدا َة وفاة جبران في المستشفى عند صاحب «الهدى»َ ، الساعة 10:55من الليلة السابقة.
رشع يناثلا لصفلا
ُ َّ الفصل الثالث عشــر :رفيقه يتذكر
من حصاد الذكريات نيويورك قبل ً 45 عاما
1
ْ ْ بقلم وليم كات ِسفليس عضو الرابطة القلمية
من أَقوال الرومان« :الوقت يَطير» .ويخال لي ،وأَنا أَرجع بالذكريات القهقرى عبر وصلت إِلى مرفَ ِإ نيويورك «أَمس» على متن السنين ،أَن الوقت حقًا «يطير» ،وأَنني ُ الباخرة األَميركية «كِ ْنغ ْْستون» ،في حين أَن هذا الـ «أَمس» كان في الواقع أَيلول من سنة ،1902أَي قبل ستة وأَربعين عا ًما! وال أَزال أَذكر أَن األَثر الذي تركَتْه نيويورك في نفسي لدى إِلقائي عليها النظرة استهجنت منها منظر بناياتها الشامخة ،تنطح السحاب األُولى ،كان غي َر جميل .فقد ُ انسجام مع ما يحيط بها من البنايات والمنازل .وها َناس ٍب وال ٍ هنا وهناك من غير ت ُ قضيت فيها معظم أَيام حياتي ،ال أَزال عند رأْيي األَ َّول فأَقول إِنها دون أَنا ،بعد أَن ُ جمال وروع ًة وفتن ًة. باريس واسطنبول ً ل َّما ِ وطئَت قدماي أَرض نيويورك لم يكن للمهاجرين من الشرق األَدنى أَسماء و«فلسطيني» – بل كانوا جميعهم «سوريين» و«لبناني» وري» «س ّ إِقليمية – كَـ ُ ّ ّ في نظر األَميركيين .أَما في أَحيائهم الخاصة فكانوا «أَبناء ع َرب» أَو «أَبناء ْع ُروب»، وكانوا يَ ُع ُّدون دوالراتهم باآلحاد واألَنصاف واألَرباع ،فصاروا اليوم يَ ُع ُّدونها باآلالف ومئات األَلوف وبالماليين .
1
عن مجلة «األَديب» – كانون الثاني ،1949ص.15 ،14 ،13 4 53
أَ حالة املهجر الدبية حين يذكر القارئُ العربي مهجر الواليات المتحدة ،تتبادر إِلى ذهنه أَسماء أَعالم النهضة األَدبية المهجرية المباركة الذين تألَّقوا في سمائه تأل َُّق النيِّرات :جبران خليل جبران ،أَمين الريحاني ،ميخائيل نعيمه ،نسيب عريضة ،وسواهم من هذه جميل حططت رحالي في نيويورك ،كان ه ُؤالء ُحل ًما ً الطائفة الكريمة .غير أَني ،لَ َّما ُ بع ُد في ذمة الزمان .فالشاعر رشيد أَيوب وسليم كسباني ووديع باحوط وندره حداد كانوا منصرفين إِلى التجارة بَ ِ كل ال ُبعد عن هياكل ربة الشعر واألَدب. عيدين َّ أَما ميخائيل نعيمه ونسيب عريضة وإِيليا أَبو ماضي وعبد المسيح حداد فكانوا ال يزالون في الوطن القديم ،وأَمين الريحاني كان يتعلَّم فن التمثيل وأَحيانًا ينشر ٍ مقاالت تم َّنى بعدئذ لو استطاع َم ْح َوها من الوجود .وأَما جبران فكان في بوسطن ٍ مقاالت بأُسلوب مبتَكَر في نص ًّبا على إِتقان فن الرسم ،ويَنشُ ر حي ًنا بع َد آ َخ َر ُم َ جريدة «ال ُمهاجر» ( )New Yorkلصاحبها الكاتب القدير أَمين الغريِّب.
َ ن وج�ان قبل نيويورك... أ� ب
كنت في بستانٍ لنا مع أَذكُر أَني اجتمعت بجبران ألَول مرة في الوطن القديمُ . ُ بعض الرفاق في الفيحاء (طرابلس) .وإِذا بصديقنا المرحوم عزيز بك راجي الضاهر حس ُن الهندام .ع َّرفه إِلينا وقال عنه إِنه شاب يدخل علينا ومعه فتًى ُ نحيل الجسم َ جاء من الواليات المتحدة حديثًا لمتابعة دروسه في مدرسة «الحكمة» .أَلفيناه شابًّا مث َّقفًا ُحلْ َو الحديث فأَنِسنا به وأَحببناه .كان هذا الشاب جبران خليل جبران.
ف و� نيويورك ...ي
ثم ك َّرت السنون ،ولم نجتمع ثاني ًة إِلى أَن ساقت التقادير رِكابي إِلى بالد العم سام .وذاتَ ليلة كنت زائ ًرا صديقي المرحوم نجيب دياب صاحب جريدة «مرآة ضيف على الغرب» في منزله في بروكلن .قال قائل« :جاء جبران من بوسطن ،وهو ٌ
4 54
َّكذتي هُقيفر :رشع ثلاثلا لصفلا
األُستاذ أَمين الغريب .هيَّا بنا نزورهما» .وقال لي آ َخر ...« :وأَنا سأُ َع ِّرفك بجبران» فقلت« :د ْع َ وفعل ،ما كادت تقع عنك هذا األَمر .لعلَّه يتذكَّر اجتماعنا السابق»ً . ُ علي حتى ناداني باسمي وذكَّ َرني باجتماعنا في فيحائنا العزيزة ،وكان َعينا جبران َّ قد مضى عليه نحو َعقْد من السنين! ومنذ ذلك الحين تم َّك َنت بيننا صداق ٌة متينة لم تنقطع طوال ثالثين سنة ،إِلى أَن قط َعتْها يد المنون .
والدة الرابطة القملية ال شك في أَن القارئَ ي َو ُّد أَن يعرف كيف تأَسست «الرابطة القلمية» وما هي الغاية منها .وإِني ،على الرغم من ضيق المقام ،راس ٌم في ما يلي خطوطًا رئيسة ال تزال عالقة في الذاكرة :كان من عادة بعض أُدباء نيويورك أَن يجتمعوا ،بعد االنتهاء من العمل ،في إِدارة إِحدى الجرائد العربية 2لتبا ُدل الرأْي واالستئْناس .فلما جاء جبران نيويورك من بوسطن ل ِإلقامة الدائمة فيها ،وجاءها ميخائيل نعيمه من سياتل ٍ جلسات منظمة .ق َّر رأْينا (في والية واشنطن) أَخذْنا جمي ًعا نشعر بوجوب عقْد على تأْسيس رابطة قلمية تكون غايتُها تشجي َع ا ِإلنتاج األَدبي العصري ،والتعاو َن مع العناصر األَدبية المج ِّددة في األَقطار العربية لرفع مستوى األَدب وخدمة أُمتنا مجلسا بأَقالمنا .ولم تكن «الرابطة» جمعي ًة أَو ناديًا بالمعنى المعروف بل كانت ً يضم رفاقًا تآلفَت أَذواقهم وانسج َمت منازعهم األَدبية والفكرية .والحقيقة أَن تنظيم «الرابطة» يعود الفضل الكبير فيه إِلى «ميشا» نعيمه .3فهو ،لو لم يكن كات ًبا وشاع ًرا، الستحق أَن يكون قائ ًدا عسكريًا .ف ِإنه رجل إِداري مدقِّق ومنظَّم من طراز عال. َّ أَقف هنا ألَقول كلمة صريحة ،وهي أَ ْن لم يتو َّه ْم أَحد من عمال «الرابطة» أَنه زعيم أَو مبدع في حقل األَدب ،أَو انه يفضّ ل سواه من األُدباء المعاصرين 2 3
الكاتب هنا مجلة «السائح» لعبدالمسيح ح ّداد ،بعدما كانت احتج َبت مجلة يقصد ُ «الفنون» لنسيب عريضة وكانت إِدارتها أَيضً ا ملتقى األُدباء. اسم ميخائيل نعيمه ت َح ُّب ًبا بين رفاقه. تايركذلا داصح نم
الناهضين .كنا جمي ًعا نُع َجب بمواهب األُدباء المج ِّددين في لبنان وسوريا ومصر والعراق ،ونُق ِّدرها حق ق ْدرها ،ونش ُعر أَ َّن من واجباتنا تشجي َع األُدباء المج ِّددين لينطلقوا من القيود األَدبية المر ِهقة التي ت َ ُحول دون إِظهارهم مواهبَهم الكامنة، ولذلك ص َّممنا على أَن تكون «الرابطة» ذات ُها هي القدرة الصالحة والدليل إِلى سواء السبيل .وكانت مطامحنا ال تعرف ح ًّدا .كنا نأْمل أَن نجمع من المال ما يُ َمكِّننا من زيادة ا ِإلنتاج األَدبي المفيد ال في المهجر فقط بل في لبنان ومصر وسوريا وسواها، بطبع الم َؤلفات القيِّمة على نفقة «الرابطة» .على أَن هذا الحلم الجميل لم يتحقَّق ألَن المغتربين – بأَغلبيتهم الساحقة – كانوا وال يزالون تحت تأْثير ما يصح أَن نس ّميه «نفسية القرية» ،أَي أَن نظَرهم إِلى واجباتهم االجتماعية ال يتجاوز القرية مصح ،أَو ما أَشبه أَو البلدة التي هاجروا منها ،كترميم كنيسة ،أَو إِنشاء مدرسة أَو ّ ذلك من المشروعات المحلية المحدودة المرمى .أَما األُفق البعيد ل ِإلنسانية الشاملة فهذه كانت وال تزال غامضة عليهم .على أَني غير متجاو ٍز ح َّد ا ِإلنصاف بقولي إِن «الرابطة» قد أَ َّدت خدمة جليلة لألَدب العربي ،وكانت مصد َر اتجاهات فكرية وأَدبية هامة ظهر أَثرها جل ًّيا في ا ِإلنتاج األَدبي المعاصر.
ج�ان ي ن ا� ب والر� ي
كان جبران والريحاني صديقَين ال يفترقان مدة طويلة ،يصاحبان كبار األُدباء األَميركيين وفنانيهم .ولكن «أَبناء الحالل» – وأَعني طب ًعا أَهل ال َنميمة – لم يتركوهما حتى أَفسدوا عليهما صداقتَهما فتح َّولت الصداقة إِلى فُتُور فَ ُنفُور .وأَ ْذكُر أَني اضطررتُ مرةً ،إِذ كنت عريفًا لحفلة وديع شكري بخاش ،إِلى أَن أَمنع كليهما من الخطاب ِة مخاف َة أَن تصير خطبتاهما مناظَر ًة شخصية مبطَّنة بما ال يحب لهما أَصدقا ُؤهما .لكنهما ،غف َر ﷲ لهما وأَوس َع لهما في رحمته ،تصالحا بعد ذلك ،وإِنما بقي في القلب بقية من المرارة. 4 56
َّكذتي هُقيفر :رشع ثلاثلا لصفلا
تأْكي ًدا ما ورد في مقالة وليم كاتسفليس عن قوة العالقة بين الريحاني وجبران ،هوذا مقطع من رثاء الريحاني صديقه جبران كما صدر في جريدة «الهدى» اليومية – نيويورك (عددها – 174السنة – 34 نقل عن جريدة «زحلة الفتاة» الخميس 17أَيلول – 1931ص 4و )5بعنوان «الريحاني يبكي جبران»ً ، في لبنان .ومطلع النص« :جبران أَخي ورفيقي وحبيبي ...إِ َّن للشهرة يو ًما ،وإِ َّن لل ُحزن يو ًما ،والباقي للُبنان ( ،)...وإِ َّن ترابي غ ًدا في وادي الفريكة يناجي ترابك في الوادي المقدس».
ج�ان بعض صفات ب كان جبران ط ِّيب القلب ،رقيق العاطفة ،صادق المو َّدة ،لم ي ُخن في حياته صديقًا ولم ينكث ألَحد عه ًدا .أَحيانًا عاب عليه بعضُ هم الشذوذ ،وأَنا على يقين من أَن هذا البعض لم يقصد الشذوذ لكن خياله الحا َّد كثي ًرا ما كان يُ َؤث ِّر فيه تأْثير فغص بها ولم عرفت جبران في الخمرة .فأَنا َ ُ مواقف كثيرة تدفَّقت عليه األَلحان َّ يتمكَّن عندها من التعبير عنها لفظًا وال كتاب ًة .وإِذا صح أَنه قال مر ًة إِنه « ُولِ َد في بالد الهند» ،فعندي أَنه قال هذا القول من قبيل ال َمجاز كأَنه أَراد أَن يقول إِنه اب ُن التنصل من لبنانيته .فقد كان العالم كله ،لكنه لم يحسن التعبير وليس من قبيل ُّ جبران فَخو ًرا ج ًّدا بلبنان ولبنانيَّته .وأَظ ُّنه الوحي َد الذي ،بين أَدباء «الرابطة» ،لم يتج َّنس بالجنسية األَميركية.
تايركذلا داصح نم
ج�ان واالنتقاد ب
من الغرابة أَن جبران ،على الرغم من رحابة صدره ورحابة عقله ،كان يَكره كر ًها شدي ًدا انتقا َد الناس إِياه ،ويتأَلم منه غاية األَلم حتى وإن كان مص َدره الحاسدون والمتع ِّنتون .وكان ِمن أَكره االنتقاد عليه :انتقاد اللغويين .وعندي أَن سبب نقمة والتعصب ،وغيرتُه على جبران الحقيقي هو ثورت ُه على الجهل والتع ُّنت والرجعية ُّ رسالته الروحية التي كان ي ْؤمن بها إِيمان المسيحي ِ سلم برسالة بس ِّر التَ َج ُّسد وال ُم ِ محمد .وكان رقيق العاطفة ،سريع التأَث ُّر ،يترقرق الدمع من عينيه لدى أَقل مناسبة. وإِني في حياتي كلِّها لم أَل َْق إِنسانًا أَسرع إِلى ذرف الدمع من جبران خليل جبران. مرهف ا ِإلحساس لدرجة قصوى. فقد كان َ
ج�ان ي الند� ب
ظل .متى خف منه ًّ أَما جبران الرفيق والنديم فلم يكُن في الدنيا أَحلى منه وال أَ ّ دارت الكأْس وجلسنا نَتَ َنادم ،أَشرق وجهه المالئِكي بنور المحبة والبهجة فبدا محاطًا بهال ٍة من السحر والفتنة .كان يساهم في تبادل الدعابة والنكات لكنه كان عفيف اللسان .كنا جمي ًعا – باستثناء ميشا نعيمه – نتناسى عفَّة اللسان أَحيانًا ،وال سيما إِذا اقتضت النكتة ذلك .أَما جبران ،فطوال صداقة ثالثين سنة ،لم أَسم ْعه يتف َّوه بكلمة واحدة تستحي أَن تتلفَّظ بها العذرا ُء المحتشمة .وكانت ت َروق له نِكات رشيد أيوب، أَمير الندماء وزين المجالس ،وإِذ كان جبران يشارك فيها ،كان رشيد أَيُّوب يتلَفَّت نت كمان يا عميد كيت وكيت؟» فيُغرق جبران إِليه متظاه ًرا بالغضب ويصيح« :وإِ َ في الضحك ويلَ ُّذ له سماع تلك الشتائم الحلوة من فم الدرويش الحبيب النديم تخلق األَيام له خلفًا. الذي لن َ
َ ج�ان رفاقه ُحب ب
مقال أَو قصيدة قد أَتَ َّمها ال أَنسى وجه جبران حين كان أَحد الرفاق يقرأُ علينا ً حديثًا وأَعجبَت جبران ،فكان في ذلك الموقف ف ِر ًحا معت ًّزا ،شأْنه شأْن األُم تراقب
4 58
َّكذتي هُقيفر :رشع ثلاثلا لصفلا
خطَوات طفلها األُولى .كان جبران يحب رفاقه جميعهم .لكني أُر ِّجح أَن أَقربهم إِلى قلبه الكريم كان نسيب عريضة فعبد المسيح الحداد .وهو اختصر اسم عبد المسيح فكان يدعوه «عب ُدول» ،وكان شديد ا ِإلعجاب بعبقرية نسيب وغزارة علْمه ودماثة أَخالقه. تلك أَيام هنيئة حلوة م َّرت مرور أَحالم الشباب بين ثلوج الشتاء المتراكمة. وأَسأَل نفسي« :أَحقيق ًة كانت جميل ًة ولذيذة؟ ال يزال طع ُمها في فمي وبلس ُمها في قلبي». بقي منهم حيًا في ذمة ﷲ َمن تولَّى ِمن إِخواني األَحبة ،وفي حفْظ ﷲ َمن َ يُفيد ا ِإلنسانية بثمرات قلبه وعقله. نيويورك – وليم كاتسفليس
مأْدبة عشاء لوليم كاتسفليس على شرف صديقه جبران – فندق پنسيلڤانيا – نيويورك – السبت 24أَيار .1930 وليم إلى يمين الصورة وجبران إِلى يسارها. ولعله آخر ظهور عام لجبران قبل دخوله في فترة اآلالم التي ظلَّت تُرهقه وتُنهكه حتى قضت عليه بعد 11شه ًرا من تلك المأْدبة.
فندق پنسيلڤانيا الفخم (نيويورك) في صورة له من أَول عهده بعدما اكتمل بنا ُؤه (نحو .)1919
تايركذلا داصح نم
ْ الفصل الرابع عشــر ...« :التخذ ُت لبنان وطني»
غاد َر وطنه لبنان ّيا ،ولبنان ّيا عاد إِليه َ أَ ف النسية ال يم�كية الوال�ت املتحدة ومل يطلب ج ثلث قرن ي� ي
الذي كتَ َب ُمجا ِه ًرا« :لو لم يكُن لبنان وطني الت َّخ ْذتُ لبنان وطني»... ...والذي كتَ َب« :لبناني وط ٌن أَدخلُ ُه بالروح عندما أَ َم ُّل النظَر إِلى وجه هذه المدينة السائرة على الدواليب ...وأَنا مقتن ٌع بلبنان وأَبنائه ،وفي اقتناعي عذوب ٌة وسكين ٌة وطمأْنينة»... ظل على وال ٍء لِلُبنانه ،ووفا ٍء لـ «المدينة السائرة على الدواليب». َّ ... فضل نيويورك عليه لكنه عاش فيها ثلث قرنٍ حتى لحظ ِة وفاته فيها لم يُن ِكر َ بما سوى بطاقة «ا ِإلقامة الدائمة» 1دون ت َ َق ُّد ِم ِه بطلب الحصول على جنسية بالدها. وخيال ً ظل لبنا ُن ص ًدى قويًّا لريشته يبق ح ُّبه لبنا َن تنظي ًرا بل َّ ها هو إِذًا :لم َ حيًّا لقلمه ،فلم ت ِغب عن خلفي ِة زيتياتِ ِه خياالتُ بْشَ ّري وتال ِل األَرز ووادي قنوبين، وال غاب لبنان عن كتاباته العربية وحتى عن كتُبه ا ِإلنكليزية. تلك كانت إِرادته. وثائق ثابت ٍة تؤكِّ ُد أَنه عاش تاريخي ِإلرادته تلك، صول إِلى إِطا ٍر ُو ً ُ بحثت عن َ ٍّ لبناني يظل ال ُمهاج ُر لبناني االنتماء ،دون ا ِإلقالل من أَهمية أَن َّ لبناني الوالء ومات َّ َّ َّ وعمل فيها وبادلَها الوفاء لما الوفاء والوالء ولو ح َم َل جنسي َة البالد التي هاجر إِليها َ تكون ق َّدمت له من ف َرص حياتية ومهنية. 1 460
معروفة في التداول العام Green Cardوهي رسم ًّيا .Permanent Resident Card
ينطو نانبل ُتْذختال : «...رشع عبارلا لصفلا
في سياق هذا ا ِإلطار التاريخي عثرتُ على أَربع وثائق: )١بطاقة حكومية من دائرة الجنسية والهجرة األَميركية تشير إِلى أَنه لم يتق َّدم منها بطلب التج ُّنس. )٢عبارة ور َدت في مقال رفيق له في «الرابطة القلمية» وليم كاتسفليس يذكر أَنه لم يَطلب الجنسية األَميركية. )٣إِشارة في كتاب الباحث ال ُمدقِّق روبِن ووترفيلد تفيد أَن جبران لم يلتحق بالخدمة العسكرية ألَنه ليس مواط ًنا أَميرك ًّيا. )٤شهادة مباشرة من الكاتبة جين جبران زوجة النحات البوسطني خليل وثائق جبران بعد وفاته. جبران الذي آلت إِليه ُ وأُك ِّرر أَ ْن لم يكن يقلِّل من لبنانيَّ ِة جبران لو انه َح َمل الجنسية األَميركية. الغاية من هذا الفصل تبيا ُن أَ َّن انتما َءه اللبناني جعلَه يُبقي على بطاقة وثيقته اللبنانية ،ويَذكر في وصيته حص ًة من تركته لبلدته بْشَ ّري ،ويطلب أَن يشتري دير مار سركيس ل ُيمضي بقي َة حياته فيه .وهذه العناصر جميعها تأَ َّم َنت فأَث ْ َب َت حيات ًّيا وعمليًّا قَولَتَه النظرية «لو لم يكُن لبنان وطني الت َّخ ْذتُ لبنان وطني». وفي ما يلي تفصيل الوثائق األَربع.
)١بطاقة التسجيل المعلومات العامة الرقم المتسلسل 39 : رقم الطلب 2832 : االسم الكامل :جبران خليل جبران عنوان ا ِإلقامة :المبنى ،51الشارع العاشر غربًا ،مدينة نيويورك العمر 35 :سنة الوالدة 6 :كانون الثاني 1883 هيلِإ داع اّينانبلو ،اّينانبل هنطو َرَداغ
الع ْرق :أَبيض الجنسية األَميركية :لم يتقدَّ م بطلب الحصول عليها الجنسية األَصلية :ترك َّية رسام ،شاعر المهنة الحالية َّ : رب العمل :ال أَحد ّ مكان العمل :المبنى ،51الشارع العاشر غربًا ،مدينة نيويورك أَقرب األَنسباء :ماري خليل جبران (شقي َقتُه) عنوانها :المبنى ،76شارع تايلِر ،بوسطن ،ماساشوستس التوقيع :جبران خليل جبران (توقي ُعه بعد ا ِإلقرار بقراءة هذه المعلومات أَعاله وتأْكيد صحة ما ورد فيها). وصف صاحب البطاقة الطول :قصير الجسم :نحيل العينان :بُ ِّن َّيتان الشَ عر :أَ ْس َود كل ،غير ُم َص َّرح تشويه جسديَّ : توقيع الموظف ُم َس ِّجل البطاقة :ول َيم ِبلِر التاريخ 12 :أَيلول 1918 ما مناسبة هذه البطاقة؟ بين 1917و 1918طلبَت حكومة الواليات المتحدة األَميركية من جميع الذكور المولودين بين 1872و ،1900مواطنين أَميركيين أَو سكَّانًا غير ُم َج َّنسين ،أَن يمألُوا هذه البطاقة بجميع المعلومات المطلوبة فيها. ففي 6نيسان 1917دخلَت الواليات المتحدة الحرب ضد أَلمانيا .وفي 18 أَيار 1917أَتاح القانون لرئيس الجمهورية األَميركي أَن يزيد من عدد الجنود في 462
ينطو نانبل ُتْذختال : «...رشع عبارلا لصفلا
المعركة ،فطلبت الحكومة ،لغاي ٍة إِحصائية ،أَن يمألَ هذه البطاق َة جمي ُع الذكور على أَرض البالد م َّمن بين الثامنة عشرة والخامسة واألَربعين من العمر ،ذلك أَن فترة َ دخول أَفوا ٍج باآلالف من المهاجرين الوافدين .لذا كان على 1918 – 1880شه َدت الجميع ،أَميركيين أَو غير ُمج َّنسين أَميرك ًّيا ،أَن يمألُوا تلك البطاقة ،سواء التحقوا بالخدمة العسكرية أَم لم يلتحقوا. ت َّم تسجيل البطاقات على ثالث مراحل: )1بطاقة المرحلة األُولى في 5حزيران :1917فيها 12س َؤ ًال ،للمولودين بين 1886و.1896 )٢بطاقة المرحلة الثانية في 5حزيران :1918فيها 10أَسئلة ،للمولودين بين 6حزيران 1896و 5حزيران .1897 )٣بطاقة المرحلة الثالثة في 12أَيلول :1918هي األَوسع استفها ًما وفيها 20 س َؤ ًال ،للمولودين بين 11أَيلول 1872و 12أَيلول ( 1900وهي التي مألَها جبران ووقَّع عليها). جميع هذه البطاقات األَصلية ،موقَّع ًة من مال ِئيها شخص ًّيا ،موجود ٌة حال ًّيا في قسم الحرب العالمية األُولى لدى «م َؤسسة المحفوظات الوطنية» (والية جورجيا) ،ونُس ُخ أَشرط ِة الميكروفيلم موجودة لدى الفرع المحلي للم َؤسسة في كل والية. بطاقة جبران كل َذكَ ٍر على أَرض الواليات ملَ البطاق َة ُّ من هذا الشرح أَعاله ،ومن إِلزامية أَن يَ َ المتحدة ولو لم يكن أَميركيًّا ،ومن الخانة رقم 14حول «الجنسية األَميركية» والجواب فيها« :لم يتق َّدم بطلَب الحصول عليها» ،يَثْ ُب ُت أَن جبران أَمضى حياته في حامل فقط «بطاقة ا ِإلقامة الدائمة» لغير األَميركيين .وباعتبار الواليات المتحدة ً تاريخ البطاقة سنة ،1918يكون مضى عليه في البالد 23سنة (مع سنواته األَربع هيلِإ داع اّينانبلو ،اّينانبل هنطو َرَداغ
في لبنان) .ولو كان ،طيلة إِقامته الطويلة تلك ،يريد الحصول على الجنسية لكان ت َ َق َّدم بطلبها ونالَها.
بطاقة جبران وفيها يظهر (في الخانة رقم )14أَنه لم يتق َّدم بطلب الجنسية األَميركية
)٢ش �ادة و يل� اكتسفليس
في مقا ٍل نشره وليم كاتسفليس ،2وهو من رفاق جبران في «الرابطة القلمية» وأَح ُد أَقربهم إِليه ،س َر َد ذكرياته عن جبران وجاء في المقال« :كان جبران فَخو ًرا ج ًّدا بلبنان ولبنانيته .وأَظ ُّنه الوحيد الذي ،بين أَدباء «الرابطة» ،لم يتج َّنس بالجنسية األَميركية».
2 464
«من حصاد الذكريات – نيويورك قبل 45عا ًما» ،مجلة «األَديب» – السنة الثامنة – العدد األَول – كانون الثاني ،1949ص.14
ينطو نانبل ُتْذختال : «...رشع عبارلا لصفلا
)٣إشارة نْ رو� ُو تو�فيلد ِب ِ
ذكَر روبن ووترفيلد 3في الفصل الثامن («أَصدقاء و ُخصوم») من كتابه عن جبران 4ما ترجمتُه« :لم يلتحق جبران ،كميخائيل نعيمه ،بالخدمة في الجيش األَميركي ،ألَنه لم يكن يحمل الجنسية األَميركية .مع أَنه ،بين 1910و ،1911كان مستع ًّدا أَن يكون أَميرك ًّيا فتر َة أَبدى لماري هاسكل استعدا َده للزواج منها ،إِنما ال وثيق َة تُثْبت أَنه أَقْ َدم على طلب الجنسية».
)٤ش �ادة ي ن ج�ان ج� ب
نس ًبا وحيا ًة إِلى صاحب في رسال ٍة شخصية مني ِإلى جين جبران( 5األَقرب َ «النبي») سأَلتُها عن نَيْل جبران الجنسية األَميركية فأَجابتْني ( 16آب )2019حرفيًّا: «لم يكن جبران مواط ًنا أَميرك ًّيا وال شقيقتُه مريانا .ونهار الجمعة 6كانون الثاني ،1911 في ذكرى مولده الثامنة والعشرين ،نشر في «مرآة الغرب» مقطوعة «نحن وأَنتم» تتص َّد ُرها با ِإلنكليزية عبارة .To M.E.Hحاول عبثًا مع ماري ترجمة المقطوعة إِلى ا ِإلنكليزية ،وغ َمر ماري شعو ُر أَن تتعلَّم العربية ...وفي ذاك الشهر ذاته عرض عليها جبران أَن يكون زو َجها عبر تسوية وضعه رسم ًّيا وشرع ًّيا باستعداده أَن يطلب الجنسية األَميركية .لك َّن ح َّجة هذا العرض كانت ضعيف ًة وغير كافي ٍة لت ْق ِن ْعها بالزواج منه فسقط الموضوع من التداول .وأَظنها المر َة الوحيدة التي ور َد ذكْر التج ُّنس في
3 4 5
بريطاني (ولد سنة ،)1952كاتب ومترجم ،له مجموعة كتب لألَطفال .يعيش حال ًّيا في ٍ سنوات طويل ًة باحثًا في سيرة جبران وم َؤلفاته ،وكتابه اليونان منصرفًا إِلى التأْليف .صرف عنه من أَبرز المراجع األَكاديمية. «نبي – حياة خليل جبران وزمانه» (با ِإلنكليزية) ،نيويورك ،1998ص ،325–324 الحاشية ّ رقم .75 كاتبة أَميركية وض َعت ،وزوجها النحات البوسطني خليل جبران ،كتاب «خليل جبران، أَبعد من الـ ُحدود» (طبعة جديدة ،)2017ولعلَّه أَكثر ِس َير جبران توثيقًا ألَن جميع أَوراق جبران ومخطوطاته وأَغراضه آلت إِليهما بعد وفاة جبران من شقيقته مريانا .وهو طبع ٌة مزيدة لكتابهما األَ َّول عن جبران (.)1974 هيلِإ داع اّينانبلو ،اّينانبل هنطو َرَداغ
رسائل ماري ويومياتها .وجبران ،على أَ ِّي حال ،كان فخو ًرا ج ًّدا بوطنه وبلبنانيَّته كما يظهر من مطلع مقطوعته «إِلى المسلمين من شاع ٍر مسيحي»« :6أَنا لبناني ولي ّ فخ ٌر بذلك ،ولست بعثماني ولي فخر بذلك أَيضً ا .لي وطن أَعت ُّز بمحاسنه ولي أُ َّم ٌة أَتباهى بمآتيها ،وليس لي دولة أَنتمي إِليها وأَحتمي بها». وفي قراءة ما أَرسلَتْه لي جين جبران ،يتأَكَّد ذكْ ُرها أَ َّن ُح َّجة جبران لماري بالت َج ُّنس أَميرك ًّيا «كي ترضى بالزواج منه» ،كانت ح َّج ًة ضعيفة ولم تكن هي التي ستُغري ماري وت ْق ِن ُعها به زو ًجا ،ألَن ِإلعراضها عن الزواج منه سببًا آخر :فبعدما في «قلت في المحترف لشارلوت [تِلِر] إِنَّنا ،أَنا ُ يومية األَحد 19شباط 1911كت َبت: وجبران ،نريد أَن نتز َّوج حين تأْتي الفرصة فأَجاب ْتني أَنها تم َّنت ذلك منذ الت َق ْته في َّرت ﭘـاريس» ،عا َدت ماري فكت َبت في دفترها يوم الجمعة 14نيسان « :1911فك ُ ُطاي كي أَكون زوج َته .لك َّن فارق ِ الس ّن يعلو حاج ًزا بيننا 7وعائقًا أَنَّ يدَ ﷲ تقو َد خ َ دون زواجنا» ،وفي اليوم التالي (يومية السبت 15نيسان) س َردَتْ ِجلْسة بينهما «توقفت نهائ ًّيا عن تفكيري أَن أَكون زوج َتك ،مع أَنني أَرغب ُ ص َّرحت له فيها باكي ًة: طريق قم ٍة تتسلَّقُها». ُ في ذلك ...أَنا سأَكون قري ًبا على طريق األُفول فيما أَما َمكَ وهذا يُ َؤكِّد ما كت َبتْه لي جين جبران 8أَ َّن ُمج َّر َد التج ُّنس أَميرك ًّيا ليس هو السبب الذي كان ليُقْن َع ماري بالزواج من جبران. وهكذا يكون غا َد َر وطنه لبنانيًّا ،ولبنانيًّا عاد إِليه.
6 7 8
466
نش َرها في «الفنون» ،السنة األُولى ،العدد الثامن ،تشرين الثاني ،1913ص.39 – 37 الفارق بينهما عشْ ر سنوات (ولِ َدت سنة 1873وولِ َد سنة .)1883وعند كتابة هذه اليومية كانت هي في الثامنة والثالثين وهو في الثامنة والعشرين. في كتاب «خليل جبران ،أَبعد من الحدود» و َرد في الصفحة 359عن يوميات ماري هاسكل« :كان جبران أَبدى استعدا َده للتج ُّنس أَميرك ًّيا إِبَّان أَحاديثه مع ماري عن إِمكان زواجهما .إِنَّما بعدذاك لم ي ُعد يرِد في يومياتها أَ ُّي ذكْ ٍر لموضوع التج ُّنس».
ينطو نانبل ُتْذختال : «...رشع عبارلا لصفلا
َ َ بغ� امسه اك م� أ دخل نه أ ...مع ي ي َ َ ن اللبنا� وف�ا فق َد امسه ي ي
وثائق لهذا الكتاب ،وصلَتْني وثيقة (أَكيدة ألَنها إِبَّان اشتغالي على البحث عن َ رست في مرف ِإ إِلِّيس مص َّورة عن األَصلية) ،هي نسخة «مانيفست» الباخرة التي َ آيلند (مانهاتن – نيويورك) ،وتر َّج َل منها جبران وأُ ُّمه كاملة وأَخوه بطرس وشقيقتاه مريانا وسلطانة .ومن هذا «الماني ِفست» يتب ّين أَن الفتى جبران ( 12سنة) لم يدخل أَميركا باسم عائلته جبران بل رحمة ،عائلة أَخيه البكر بطرس الذي يبدو كان هو َمن تق َّدم إِلى تسجيل اسمه في دائرة الهجرة ،فتس َّجلت على اسمه العائلة كلُّها باسم ( Rhaméكذا). وهنا التفاصيل أُترجمها حرف ًّيا كما ظه َرت في «المانيفست»: «سـۑا ْرنْ َدام» – رقم الرحلة – 273مرفأُ سفينة المهاجرين الهولندية على خط ْ ا ِإلقالع :روتردام خط مرف ِإ بولونيا (شمالي فرنسا 130 ،كلم عن باريس) .مرفأُ الوصول: نيويورك .تاريخ الوصول 17 :حزيران .1895 رقم المسافر .271 :االسم :بطرس رحمة .العمر 20 :سنة .الجنس :ذكَر .المهنة :تاجر. ال ُوجهة المقصودة :نيويورك. رقم المسافر .272 :االسم :كامي ( Caméكذا) .العمر 40 :سنة .الجنس :أُنثى. المهنة .– :ال ُوجهة المقصودة :نيويورك. رقم المسافر :273 :االسم :جبران .العمر 11 :سنة .الجنس :ذكَر .المهنة .– :ال ُوجهة المقصودة :نيويورك. رقم المسافر .274 :االسم :ماريانا .العمر 9 :سنوات .الجنس :أُنثى .المهنة .– :ال ُوجهة المقصودة :نيويورك. رقم المسافر :275 :االسم :سلطانا (كذا) .العمر 7 :سنوات .الجنس :أُنثى .المهنة.– : ال ُوجهة المقصودة :نيويورك. وسبَ َق أَسماء العائلة في الالئحة رق ُم المسافر 270باسم جريس حنا ( 6سنوات)، وتالها الرق ُم 276باسم الياس ابرهيم ( 25سنة – ُمزارع). هيلِإ داع اّينانبلو ،اّينانبل هنطو َرَداغ
الباخرة «سپارندام» التي جاءت فيها كاملة رحمة وأَوالدها (من مرفأ بولونيا) وبلغت ميناء نيويورك صباح ا ِإلثنين في 17حزيران .1895
«ماني ِف ْست» الباخرة وفيه تظهر أَسما ُء العائلة بِاسم «رحمة»
السيناريو الممكن أَن تلك األُسرة وقفت بأَفرادها مجتمعين أَمام موظف األَمن العام الذي قد يكون خاطب األُم ولم تفهم لجهلها اللغة ،فتو َّجه إِلى بكْر األُسرة العشريني الراشد بطرس لعلَّه يَفهم أَو يُحسن التعبير .ولما كان بطرس من عائلة رحمة (كونه ابن كاملة من زواجها األَول بابن ع ّمها حنا عبدالسالم رحمة) كان من الطبيعي تسجيلُه في خانة عائلة رحمة .وإِذ يكون الموظف سأَله عن الس ّيدة معه و َمن معها ،فيكون أَجابه أَنها أُمه ومعها أَخوه وأُختاه ،تلقائ ًّيا س َّجل الجميع باسم عائلة «رحمة» ،فيكون جبران دخل الواليات المتحدة باسم «جبران رحمة» ال «جبران جبران». في بوسطن ،ولغرابة التكرار في السائد األَميركي بين االسم األَول واسم العائلة (جبران خليل جبران) ،س َّجلَتْه مس ُؤولة مدرسة كوينسي باسم كَاليل جبران (لصعوبة لفظ الخاء في ا ِإلنكليزية) ما اضط َّره إِلى اعتماد اسمه هكذا طيلة حياته الشخصية واألَدبية في أَميركا.
46 8
ينطو نانبل ُتْذختال : «...رشع عبارلا لصفلا
الفصل الخامس عشر
ُ يقرأ «النبي» ميخائيل نعيمه
حين وضع ميخائيل نعيمه سير َة صدي ِقه جبران ،1جعل كتابه في ثالثة أَقسام: «الشَ فَق»« ،الغ ََسق»« ،الفجر» ،وملحق بوثائِق خاصة. خصص منه الفصل الثاني («المصطفى») لكتاب «النبي» سار ًدا القسم الثالث َّ سلوب أَدبي غالبًا مزدوج البثّ ، الموضوعي فيه وقائ َع تراوحت بين والشخصي في أُ ٍ ّ ّ جميل يليق بما يحمله» ويُكمل «لكنه ،ولألَسف، فرأَى أ َّن جبران «اختار لكتابه قال ًبا ً لم يكن كلُّه من صياغة جبران ،فشكلُه ا ِإلجمالي مستعا ٌر من ِ نيتشه وزرادش ِته». ويضيف أَ ْن «كما زرادشت هو ِ نفسه». نفسه ،كذلك المصطفى هو جبران ُ نيتشه ُ ويروي« :قبل أَن سلَّم جبران «النبي» إِلى الناشر بشه ٍر أَو شهرين ،أَعطاني نسخ ًة منه مطبوع ًة على ماكنة الكتابة ،وأَرسل مثلَها إِلى ماري هاسكل لتنظُر فيها وت َهديه ٍ كلمات قد يكون أَسا َء استعمالها .النسخ ُة التي أَعطاني إِياها كان قص ُده منها إِلى درسا واف ًيا وأَ َ قول فيه كلم ًة عند درس الكتاب ً َ – وإِن لم يكشفْه لي بالتمام – أَن أَ َ كل موعظ ٍة من مواعظه عند فراغه من تأْليفها ،ما خال صدوره .وكان قد قرأَ لي َّ يت جبران يُح ِّدث الفاتحة والخاتمة .لكنني ،بعد أَن قرأْتُ الفاتحة والخاتمة ،ورأَ ُ عن نفسه في تلك وهذه ،استنكرتُ منه أَن يص ِّور نفْسه نب ًّيا حتى تحت نقاب من الفني .فلو انه اتخ َذ من المصطفى بوقًا ال غير ألَفكاره وأَشواقه ،لهان األَمر. التمويه ّ 1
جبران خليل جبران – حياتُه ،موتُه ،أَدبُه ،ف ُّنه ،بيروت 328 ،1934صفحة قط ًعا كبي ًرا. 469
وشاح النبو َءة فكأَنه خلَعه على ذاته أَيضً ا .قد يكون أَن جبران لم لكنه خلَع عليه َ يقصد هذا القصد لك َّن ذلك ما ت َؤ ِّديه فاتح ُة الكتاب وخاتمتُه ،وذلك ما أَ َّداه الكتاب كلُّه إِلى أَذهان الكثيرين ،وباألَخص أُول ِئك الذين كَتبوا فوق ضريحه في مار سركيس هذه اآلية« :هنا يَرقد نَ ِبيُّنا جبران» .وكأَنه قام لهم َمن يحاسبهم عن الضمير « ـنا» في «نَ ِب ّينا» إِلى أَين يعود ،فغ َّيروا الكلمة إِلى «بي َننا» ،وهي التي قرأْت ُها عندما زرتُ الضريح في صيف .»1932 تلك الـ «أَنا» التي رافقَت كتاب نعيمه عن صديقه جبران ،استخد َمها في السيرة أَحيانًا بما عاي َن ُه من جبران وأَحيانًا بما سم َع منه ،فجاء بما أَثار غضب الرفاق في مبالغات ِ وص ٍ ٍ فات استهج ُنوها ،ما دعا نعيمه إِلى حذفها حين «الرابطة القلمية» على أَصدر الطبعة ا ِإلنكليزية من كتابه سنة ،1950فكان في تو ُّج ِه ِه إِلى ق َّراء ا ِإلنكليزية نقاب من االحترام أَ َّداه إِلى صديقه الغائب ،هو الذي كان أَقرب الرفاق إِليه. ٌ ٍ بنقاب احتر ٍام جديد في السياق ذاته ،وإِلى ق َّراء ا ِإلنكليزية كذلك ،ت َو َّجه من ِ عا ٍل إِلى صديقه جبران حين طل َب ْت منه مجلة «آرامكو» كتاب َة مقا ٍل با ِإلنكليزية، وفي عن صديقه الغائب. جمل ما يمكن أَن يَكتب فخصصه لـ «النبي» وس َر َد أَ َ ٌ َّ صديق ٌّ َ المقال من ا ِإلنكليزية: هنا ترجمتي الحرف َّي ُة هذا
ُ هذا الك ِ ّتيب الغريب
«غريب هذا الكُت ِّيب يا ميشا»! ٌ بعد أَربعين سن ًة 2ما زالت هذه الكلمات تر ُّن جل ّي ًة في بالي .قالها لي جبران صوفي موج ٌز. عمل ذاتَ ليل ٍة بُ َعيْ َد طباعة كتابه ا ِإلنكليزي الثالث «النبي» ،وهو ٌ ٌّ ِ مسترخيَيْن في «الصومعة» (كما كنا نسميها ،هو وأَنا كنا وح َدنا تلك الليل َة وحلقة صغيرة من كتَّاب وفنانين عرب مهاجرين) أَ ْي ُمحتَ َرف جبران المتواضع في 2 470
األَربعون هنا هي السنواتُ الفاصلة بين جِلس ِة نعيمه وجبران في مطلع 1924وكتاب ِته َ المقال سنة .1964 هذا
رشع سماخلا لصفلا
مانهاتن ،على الشارع العاشر غربًا ،في الطبقة الثالثة من بناي ٍة هي إِحدى أَبني ٍة مكتظَّة متالزَّة في الجه ِة الغربية من ذاك الشارع بين الجا َّدتين الخامسة والسادسة. تلك «الصومعة» – بأَثاثها المتواضع كأَ ِّي صومعة – لم تكن للصالة والتأَ ُّمل بل ليل وفسح ُة استقباله نها ًرا، للتأْليف والعمل .هي غرف ٌة وحيدة ،فيها سري ُر جبران ً وثالثُ كَر ٍاس ومنضد ٌة صغيرة عليها آل ُة الهاتف .ويكت ُّظ المحتَ َرف بملف ٍ َّات كثيرة بداعي :فَر ٍاش ،أَنابيب أَلوان ،أَقالم، من الرسوم والكتُب واألَوراق وأَدوات العمل ا ِإل ّ ريشات ،ومحابر. وصلت حتى م َّد لي جبران رسال ًة ،وبومض ِة غبط ٍة في عي َنيه تلك الليلة ،ما إِن ُ با َد َرني« :إِقرأْ هذه يا ميشا» .كانت َ تلك رسال ًة من رئيس كل َّية كولورادو الجامعية «النبي» على الجرس الكبير عند جبين كنيسة الكل ّية. مستأْ ِذنًا جبران بحفْر عبار ٍة من ّ اليوم الذي ُحلْ ُمه َغ ُد ُه». والعبارة« :األَمس ذاكر ُة ِ ٍ بكلمات دافئ ٍة ُمه ِّنئة ،ر َمقَني وإِذ قرأْتُ الرسالة وأَع ْدتُها إِلى جبران معلِّقًا ٍ غريب يا ميشا». وصوت عريض« :إِنه كتَ ِّي ٌب بعي َنين شب ِه دامعتَين ٌ اليوم ،بعد نصف قرنٍ من تلك الليلة ،يَثْ ُب ُت أَ َّن نِظرة جبران إِلى كتابِه كانت صائبة. الصوفي ،من نحو عشرين أَلف كلمة، الكتاب ذو المناخ الفلسفي وال َنفَس فهذا ُ ّ قلَّما كان يَشي أَ ْن سيثير انتباه الق َّراء .مع ذلك ،ث َ ُب َت أَنه أَثارهم. في مطلع صدوره استقطَب انتباه قل ٍة متف ِّرقة من المهتمين ،بينهم في نيويورك، حي من أَشَ ِّد أَحياء المدينة فَق ًرا ،سمع بـ «النبي» ً مثل ،خاد ُم كنيس ٍة صغيرة في ٍّ فاستأْذَن جبران باختيار فقر ٍ ات منه لتالوتها في الكنيسة .وإِذ وافق جبران ،أَخذ ات من الكتاب في أُ ٍ شبا ٌن وصبايا من تلك الرعية يقرأُون مسرحيًّا فقر ٍ مسيات معيَّن ٍة من األُسبوع .كان ا ِإلقبال يتزايد على حضور تلك األُمسيات فسرى في المدينة خب ُر استثنائي .أَخذ الحضور يزداد ،وإِذا كتاب أَ َّن في الكنيسة برنام ًجا استثنائ ًيا من ٍ ّ بكثيرين من الحاضرين اشتروا نس ًخا من الكتاب ،ما زاد في انتشاره .ولم يتن َّبه »يبنلا« ُأرقي هميعن ليئاخيم
جبران إِلى ذاك االنتشار حتى وصلَتْه يو ًما رسالة من صديقٍ له يخبره فيها عن كبير إِعجاب ملكة رومانيا بكتابه ،وكانت وصلَتْها نسختُه من أَحدهم. هكذا ،مع ت َوالي هذا االنتشار ،أَخذَت شهرة الكتاب تتَّسع تدريج ًّيا ،وأَخذ الناشر يَغْنم من تنامي شهرته ومن ا ِإلقبال عليه فيُصدره طبع ًة تلو طبعة .ومع ولسبب ال تفسير له ،يزداد ا ِإلقبال انفجار الحرب العالمية الثانية إِذا بالكتاب ،فجأَ ًة ٍ عليه ،ربما ألَن رسالتَه النابع َة من أَل ٍَم نابعٍ ذاتيًّا طالت غَيريًّا أُولئك الذين آلَ َمتْهم تلك الحرب .وهكذا ارتف َعت أَرقام مبيعاته حتى بلغَت اليوم أَكث َر من مليون نُسخة، وترجمات ُه أَكث َر من عشرين لغة. كل ما عاي َنه طب ًعا جبران لم ي ِعش حتى يُعا ِي َن تنامي هذه الشهرة بعد غيابهُّ . أَ َّن عبار ًة من كتابه ُح ِفرت على ٍ وكل جرس عند جبينِ كنيس ِة الكُل ّية في كولورادوُّ ، ٍ سنوات من الضنى وحي ًدا في صومعته بلغَه ص ًدى من وتره فبات ما عرفه أَ ْن بعد َت س ْمع العالم وأَهوا َءه .لم أَ ُعد صوت ًا في صحراء ،وال ب ِإمكانه أَن يقول« :ها إِنّي لف ُّ شمع ًة مضا َء ًة ألَعمى». في حديثنا تلك الليلة عن الكتاب ،لم أَستطع إِلَّ ا ِإلعجاب بتلك اليد السحرية التي تنسج مصير ا ِإلنسان .فها هنا في ركنٍ صغي ٍر من المدينة الكبيرة ال ُمس ّماة نيويورك ،ر ُجالن ُولِدا في وطنٍ ٍ بعيد هو لبنا ُن ذو الشهرة العريقة من العهد القديم، أَح ُدهما جبران ُولِد عند سفح جبل األَرز في الطرف الشمالي من سلسلة جبال لبنان وسط السلسلة ذاتها .ومع الجميلة ،وأَنا ولدتُ عند سفح جبل صنين ال َمهيب في َ ميل ،لم نلتقِ في لبنان بل في أَن المسافة بين هذين الكائ َنين ال تزيد عن خمسين ً هذه المدينة الكبرى على ضفاف نهر الهدسون .وت َّم ذلك سنة .1916 ُولِد جبران في عائل ٍة فقيرة من قري ِة بْشَ ّري الصغيرة ،وأَمضى طفولته في رحاب الطبيعة بين األَودية العميقة وقمم الجبال والينابيع البلَّوريّة في شمال لبنان، وهي منطقة غن ّية بترانيم الطبيعة وت َما ُو ٍج متواصلٍ بين األَنوار والظالل .في العام ،1895وكان في الثانية عشرة ،ساف َرت والدته إِلى أَميركا بحثًا عن حيا ٍة أَفضل 47 2
رشع سماخلا لصفلا
الحي مصطحب ًة إِياه وأَخاه من أُمه وشقيقتَيه األَصغر منه .استق َّرت العائلة في ّ الصيني .وهناك اكتشفَت ُمد ِّر َس ٌة موهب َة جبران في الرسم والتلوين ونص َحتْه بدراسة الرسم .بعد سنتين شعر ب ِإلحا ِح حاجته أَن يتم َّك َن من لغته العربية األُم ،فعاد إِلى لبنان أَربع سنوات للدراسة .ومن لبنان انتقل إِلى ڽاريس سن ًة لدراسة الفنون ،ث ّم السل، الصغرى ووالدتِه وأَخيه بمرض ّ عاد إِلى بوسطن حيث فاجأَه موتُ شقيق ِته ُ ثم انتقل نهائ ًّيا إِلى نيويورك .كانت بوسطن محطة مهمة في حياة جبران ألَنه فيها التقى اآلنسة ماري إِليزابيت هاسكل خالل المعرض األَ َّول لمحاوالته الف ّن ّية .كانت اآلنسة هاسكل مدير َة مدرسة كِمبردج للبنات ،فأَصبحت راعيتَه الرئيسة .ساعدت ْه في العودة إِلى ڽاريس لدراسة الفن ،وش َّج َعتْه الحقًا في سنواته الصعبة وحتى آخر يوم في حياته .وت َظهر أَهمية هذه المرأَة في حياته من خالل إِهدائِه إِياها كتابَه ٍ وكتابات أُخرى بالعربية ،وفي َوص َّيته بعد وفاته إِذ َ ترك لها المتكسرة» «األَجنحة ّ كامل مقتَ َنيات صومعته. مجهول تما ًما في نيويورك .سب َقتْه شهرته ككاتب مبد ٍع ٍ واعد، ً لم يكن جبران و َوصلَت إِلى الجاليتَين اللبنانية والسورية في بروكلِن ومانهاتن .ونشَ رت عد ًدا من مجلتٌ عربية في نيويورك ،ومجالتٌ أُخرى حملَت اس َمه قصصه وكتاباته المختلفة َّ إِلى الدول العربية في العالم القديم كان لها تأْثي ٌر على جيل الشباب كنجم ساطع متأَلِّق في سماء األَدب العربي الجديد. بالتوسع في العالم الثقافي الضئيل االنتشار في إِ َّل أَن جبران لم يكن مكتف ًيا ُّ دنيا العرب .بدأَ يفكِّر ِج ّديًا في غزو العالم األَنكلوساكسوني األَكثر اتسا ًعا وتأْثي ًرا. كانت خطوت ُه الخجول ُة األُولى نحو هذا االتجاه بكت ِّيب عنوانه «المجنون» سنة ،1918تاله بعد سنتين كت ِّي ُبه الثاني« :السابق» وهو عنوان اختاره جبران عم ًدا كما تمهي ًدا لكتابه «النبي» .لم يكن لذَي ِنك الكت ِّي َبين تأْثير كبير في أَميركا .وسنة 1923 صدر ذاك «الكتيِّب الغريب». يرتكز كتاب «النبي» في تركيبه على هيكلي ٍة بسيط ٍة للغاية مصطَ َنع ٍة للغاية: المصطفى ،اسم عربي معناه «المختار» ،استعا َره جبران ل ِإلشارة إِلى شخص غريب »يبنلا« ُأرقي هميعن ليئاخيم
عاش اثني عشر عا ًما في مدينة تدعى «أُورفليس» .وكان ينتظر سفينة « ِإلعادته إِلى الجزيرة حيث ُولِد» .وإذ هو على قم ٍة في أُورفليس ،رأَى السفين َة من بعيد .نزل إِلى المدينة لمالقاتها فالتقى سكَّا َن المدينة في ساح ٍة أَمام الهيكل جا ُؤوا لوداعه، بينهم امرأَ ٌة تدعى الميترا «كانت أَ َّو َل من سعى إِليه وآم َن ْت به منذ يومه األَول في كل ما أُظهر له فتوسلَت «نبي الرب» أَن يح ِّدثهم ،قبل مغادرته ،في ّ مدينتهم»َّ ، «ع َّما بين الوالدة والموت» .قالت له الميترا« :ح ِّدث ْنا عن الحب» .وقال آخر« :ح ِّدث ْنا عن الزواج» .وراح المصطفى يح ِّدثهم ب ِإ يجا ٍز عن الحب والزواج والعمل والموت واألَوالد ،وعن مواضي َع ته ُّم القلب البشري. روح ور ْؤيا تجعالنه يتفاعل ليست الهيكلي ُة هي التي م َّي َزت «النبي» بل تح ِّركه ٌ تجارب إِنساني ًة تراوحت من أَقصى في روح عاطفية عالية ا ِإلحساس اختب َرت َ االكتئَاب إِلى أَقصى التمجيد .وفيه أَيضً ا موسيقى تتراقص على أَنغامها الكلمات، وأَلوا ٌن ت ْحيي الحروف الميتة وتجعلُها تتمايل في استرسا ٍل على ا ِإليقاع في أَشع ٍة تخترق الظال َم كما البرق يخترق الغيوم .وفيه أَخي ًرا تنفتح أَبواب القلب أَمام العالم وترى معجز ٍ «نبي ات سبَكَتها ي ُد المعاناة السحريةُّ . كل هذا ،وأَكثر بعد ،جعل من ّ جبران» تحف ًة فن ّي ًة. لكي نفهم «النبي» تما ًما ،يجب استبيا ُن عناص َر فلسفي ٍة في صياغته ،وتأْثير ٍ ات مختلفة على فكر جبران المتناضج تدري ًجا. في بداية حياته األَدبية شاء جبران أَ َّولً أَن يجعل قلمه سوطًا ض َّد َمن رآهم وسط منطق ٍة تهي ِم ُن ق ّيدوا الحرية المادية والروحية في شعبه .فبلدت ُه بْشَ ّري هي ْ عليها عائالتُ أَثرياء وزعماء دين ِّيين .رافقه هذا األَمر في طفولته فصباه ،وحين عاد جاعل ذاته متم ِّر ًدا مح ِّرضً ا شع َبه على التم ُّرد ضد إِلى لبنان تم َّر َد ض َّد تلك الهيمنةً ، تقاليد رآها معادي ًة ح ّري ًة تكشف عن مواهبهم الغنية .وبعد سنوات وقع جبران تحت تأَثير «هكذا تكلم زردشت» للفيلسوف األَلماني نيتشه الذي تخلّى فيه عن سلوب جبران ومحتوى كتاباته األُولى تشا ُؤ ُم نيتشه الحضارة المسيحية .و َعك ََس أُ َ 474
رشع سماخلا لصفلا
المري ُر حتى أَنّه شبَّه شعبَه مر ًة بـ «األَضراس المس َّوسة» .3بل ذهب أَبعد :في مقاله َ الرجال بديدانٍ و ُجث ٍَث تنتظر َمن يدفنها .ومن تلك بالعربية «حفَّار القبور» 4قارن المرحلة الباكرة أَيضً ا ،حين كانت تتآكلُه المرارة ،كتاباه األَوالن با ِإلنكليزية «المجنون» و«السابق» ،وفي كليهما يستنكر غبا َء ا ِإلنسان وعماه .لكنه َع َبر من تلك المرحلة إِلى فلسف ٍة أَكثر سال ًما وإِنسانية هي فلسفة الڤيدا (كتابات مق َّدسة هندوسية) وإِلى عمق للحياة ع َّب َر عنه األَناجيل المسيحية، وخصوصا موعظة الجبل ،فوجد المعنى األَ َ ً في منطق الفالسفة بل في تعابير الشعر الصافي .وكانت تلك هي المرحلة األَخيرة روح موعظ ٍة على الجبل نفثَها في كتاب «النبي». التي هيم َنت عليها ُ وفي الكتاب أَيضً ا تأْثيرات أُخرى ،أَح ُدها عقيد ُة التق ّمص الهندوسية التي ت َظهر في أَربعة مقاطع على األَقل ،ال سيما في قوله« :إِذا تالشى صوتي في آذانكم وزالت محبتي من قلوبكم ،سأَعود إِليكم» .وثمة أَيضً ا إِشارة إِلى «الكائن الالمحدود» في كل إِنسان .يقول المصطفى ألَهالي أَورفليس« :تعرفون العظمة من ا ِإلنسان العظيم وواضح أَ َّن «الكائن الالمحدود» عند جبران ليس سوى نسخ ٍة من «الرجل فيكم»، ٌ صح التشبي ُه يكون جبران حقَّق إِنجازًا رائ ًعا عن األَيقونة المتف ِّوق» لدى نيتشه .وإذا َّ األَلمانية بج ْعل صيادي السمك في الجليل صيادي بشر. من هذه التأْثيرات ُول َدت رسالة «النبي» أَ َّن نهاي َة ا ِإلنسان ال تقتصر فقط على ما يتعلق بالعظمة والقدرة الكلية والوجود والخلود ،وأَ َّن الحب القليل وا ِإلحسان والرحمة والتسامح والفضائل الكريمة عناص ُر ضروري ٌة للحياة الصحيحة كما الخبز والماء والضوء والهواء عناصر ضرورية للجسم ،والتح ُّول عنها كدعوة األَلم إِلى دخول الذات ،وفي ذلك يقول المصطفى ألَهالي أَورفليس« :هذا الكثير من آالمكم الحكيم الساه ِر في أَعماقكم أَن للطبيب هو الجرعة ال ُم َّر ُة التي بواسطتها يكو ُن ِ ِ يَشفي أَسقا َم نفوسكم المريضة». 3 4
مقال نشره الحقًا في مجموعته «العواصف». هو المقال األَول في «العواصف». »يبنلا« ُأرقي هميعن ليئاخيم
جانب آخ ُر ال يراه معظم الناس :هو الجانب الشخصي .فجبران في «النبي» ٌ محجوب شفَّافًا يَفتح قلبه ويتح َّدث عن أُمور شخصية في حياته .وهذا الجانب ٌ بأَسماء مصطنعة مثل المصطفى ،أُورفليس ،الميترا ،الجزيرة حيثُ ُولِد المصطفى، السفينة والب ّحارة ،وباستخدام أَرقام وتواري َخ محددة مثل 12عا ًما في أُورفليس. وب ِإزالة الحجاب يظهر أَن جبران هو المصطفى ،ونيويورك هي أُورفليس ،وماري هاسكل هي الميترا ،ولبنا َن هو جزير ُة المصطفى حيث ولد ،واالثني عشر عا ًما في أُورفليس هي ا ِإلثنا عشر لِجبران في نيويورك 5عند صدور الكتاب. دب جميل بقراءة الكتاب على ضوء ما سبق ،ال تعود مقدمته وخاتمته مج َّرد أَ ٍ بل تصبحان عناص َر نابض ًة عاشها قلب جبران العالي ا ِإلحساس لدرجة استجابته دام ًعا عند ا ِإلشارة إِلى الحزن ا ِإلنساني .وتلك هي الوحدة القاسية التي عاشها جبران في نيويورك عند مطلع أَيامه فيها .لذا يع ِّبر عن عطشه الكبير إِلى االعتراف األَوسع بسالم عن هذه عندما يقول المصطفى على وشك مغادرة المدينة« :كيف أَمضي ٍ المدينة من غير كآبة؟ َّ كل! لن أَبرحها إِ َّل وفي روحي جرح .طويل ًة كانت أَيا ُم أَلَمي بين جدران هذه المدينة ،وطويل ًة كانت ليالي وحدتي». ويع ِّبر جبران كذلك عن وداعه نيويورك وامتنانه العترافها به أَخي ًرا ،عندما قال المصطفىَ « :ر َّويتم عطشي الشديد للحياة .وال هدي َة ل ِإلنسان أَثمن من تلك التي تُح ِّول ميوله شف َتين عطشا َوين ،وتجعل حياته يُنبو ًعا». في توقه إِلى الذهاب متر ِّد ًدا في المغادرة ،كما يبدو تأَث ُّ ُر المصطفى في المق ِّدمة والخاتمة ،نجد في حياة جبران حقيق ًة أَعمق :كان قبل نشْ ر كتابه «النبي» عام من صدور الكتاب 6بدأَ ات َّخذ إِجر ٍ اءات لعودته النهائية إِلى لبنان .فقبل نحو ٍ جبران يح ِّدثني عن صومع ٍة حقيقية ،ال عن محترف صغير يسكنه في الشارع العاشر غربًا ،هي دير مار سركيس ،الصغير المهجور في ضاحية قريته الحبيبة بْشَ ّري .وكان 5 6 47 6
استق َّر جبران في نيويورك سنة 1911وص َد َر «النبي» سنة 12 =( 1923عا ًما). جلسة بين نعيمه وجبران في محترفه ،ذاتَ صبا ٍح من تشرين الثاني .1922
رشع سماخلا لصفلا
بدأَ ِ مفاوضات شراء الدير لرغبته أَن يَنشُ َد السال َم والوحدة عند ذاك الركن الساحر وحسب بل أَيضً ا لجسده ال ُم ْج َهد ال ُمتأَلِّم. في شمال لبنان ،ال لروحه المن َهكَة ْ في السنوات األَخيرة من حياته عانى جبران ِج ِّديًّا من اضطر ٍ ابات في صحته لم يكُن يستطيع تحدي َدها ،هي التي أَنهت حياتَه في ربي ِعه الثامن واألَربعين ليل َة العاشر من نيسان 1931في مستشفى نيويوركي على بعد أَمتا ٍر من محترفه .وإِذا بدير مار سركيس ،الذي كان يحلم أَن يُمضي فيه بق َّية سنواته في عمل مثمر وتأَ ُّمل هادئ ينعش رو َحه ،صار مثوى جسده الهامد بدون روح. جواب جبران ل َمن سأَله يو ًما كيف ص َّمم على ضوء هذا يبدو حقيقيًا وصائبًا ُ «النبي» وكتبه ،قال« :وهل أَنا كَتَ ْبتُه؟ ك ََّل ،هو الذي كَتَ َبني». بلى ،إِنه ً فعل كت ِّي ٌب غريب.7 ميخائيل نعيمه
الصفحة األُولى ( )10من مقال ميخائيل ن َعيمه في مجلة «آرامكو».
7
عن مجلة «آرامكو» ،عدد تشرين الثاني/كانون األَول ،1964ص.15–10 »يبنلا« ُأرقي هميعن ليئاخيم
الفصل السادس عشر
عيسى الناعوري :شهادتان ومقارنة
ٍ نصوص قديمة منس َّية ذات عالقة بجبران ويَن ُدر َمن يعرفها اليوم، في بحثي عن رسلَهما من ع َّمان الناق ُد عيسى وجدتُ في مجلة «األَديب»َّ 1 نصين قدي َمين أَ َ الناعوري :2األَول قراءة سردية في كتاب باربره يونغ «هذا الرجل من لبنان» ،واآلخر قراءة نقدية في كتاب ميخائيل نعيمه عن جبران. ولمعرفتي رصان َة الناعوري في مقاالته وم َؤلفاته ونقده ،وآرا َءه الموث َّق َة ِإ ٍ ثباتات النصين لما فيهما من إِضافات ومراج َع ومصاد َر غن َّي ًة ،أُعيد في ما يلي نشْ ر ذينك َّ الغموض وانحسر بعضُ ها اآل َخر عن على شخصية جبران في ثناياها التي غ َمر بعضَ ها ُ ٍ صفحات من حياته لم تعرفْها صفحاتُ كتُبه. 1 2
478
أَصدرها أَلبير أَديب ( )1985–1908مجل ًة أدبي ًة سنة 1942وكانت فترت ِئ ٍذ منب َر كبار األُدباء والشعراء. أَديب أُردني ( )1985 – 1918أَصدر في ع ّمان مجلة «القلم الجديد» لكنها لم ت َ ِع ْش سوى خصص ُه سنة واحدة في 12عد ًدا (أَيلول – 1952آب ،)1953وكان األَخير عد ًدا ممتازًا َّ لألَدب المهجري .وهو اضطُ َّر إِلى إِيقافها عند صدور قانونٍ للمطبوعات ف َر َض على رئيس تحرير الصحيفة أَو المجلة أَن يكون جامع ًّيا .بعدها انصرف الناعوري إِلى نشْ ر مقاالته النقدية في عدد كبير من المجالت األَدبية في العالم العربي ،وإِلى نشْ ر م َؤلفاته لدى دور نشر عربية كبرى .وهو ت َم َّيز بأَبحاثه عن األَدب ال َمهجري وله فيه« :أَدب المهجر»« ،إِيليا أَبو ماضي رسول الشعر العربي الحديث»« ،نظرة إِجمالية في األَدب المهجري» ،وسواها.
رشع سداسلا لصفلا
فصل في وبعد هذين ال َن َّصين عاد الناعوري فع َق َد في كتابه «أَدب المهجر» ً اختالف واض ٍح في سرد أَ ٍ ٍ حداث المقارنة بين نَص نعيمه ونَص يونغ وما بينهما من ووقائ َع من حياة جبران. وبعض ُهنا مقاال ُه كما ص َدرا في «األَديب» بتوقيع «ع َّمان – عيسى الناعوري»ُ ، الفصل من كتابه «أَدب المهجر».
ف ن اللبنا�» الرجل «هذا ا: كتا� � ب مع ب� ب�رة يونغ ي ي
3
كانت لحظات ممتعة ج ًّدا تلك التي قضيتُها مع الكاتبة األَميركية بربارة يونغ في كتابها النفيس This man from Lebanonالذي تتح َّدث فيه عن صديقها الخالد جبران ،حديثًا يفيض با ِإلخالص والوفاء لشخص جبران ،وا ِإليمان والتقديس لمبادئ جبران ،وا ِإلعجاب والتقدير ألَدب جبران وفنه. وبربارة يونغ هي سكرتيرة جبران ،ورفيقته طوال السنوات السبع األَخيرة من حياته ،أَو هي «القابلة» التي تلقَّت يداها ميالد روائع جبران الخالدة ،منذ خريف ١٩٢٥حتى الساعة األَخيرة التي ودع فيها دنيا األَدب والفن ،وأَلقى آخر تحية من قلبه وعينيه على شعاع الشمس ومفاتن الوجود ثم كانت وكيلتَه األَدبية بعد وفاته .فهي تتحدث عن جبران (وتدعوه صفحة )my well-beloved friend ١٠٧ وهي خير من يتح َّدث ويص ُدق في الحديث عنه ،وخير من يفهم أَفكاره ومبادئه التي شهدت مولد القسم األَكبر منها ،وشاركت في تحبيرها وطبعها ،ووقفت على الدقائق الخفية من حياة جبران اإلنسان ،تلك الحياة التي تع َّمد بعض الناس أَن يشوهها ويجعل منها بؤرة مخا ٍز وشهوات حيوانية. تسرد بربارة يونغ قصة اتصالها بجبران في مقدمة الكتاب ،فتذكر أَنها كانت في كنيسة سان مارك في نيويورك حينما قُرئ كتاب «النبي» ألَول مرة هناك في خريف 3
عن مجلة «األَديب» – تشرين األَول – 1952العدد العاشر (ص.)30–28 نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
.١٩٢٣وسرعان ما أَحست بدافع ال يقا َوم ،يهيب بها أَن تقتني نسخة من الكتاب ،ثم أَن تكتب إلى الم َؤلف ُم ْعربة عن إِعجابها بما وجدتْه في الكتاب من عمق وسمو واتساع. ولم تلبث أَن تلقَّت دعوة من جبران لزيارته ،فكانت فرصة سعيدة لها أَن تجيب دعوته. أَما قصة ابتداء عملها سكرتيرة له ،فترويها في الفصل التاسع من الكتاب تحت عنوان «األَلفاظ ال تتق َّيد بحدود الزمان» .وتتلخص القصة في أَن جبران دعاها لزيارته مرة في خريف ،١٩٢٥بعد تعارفهما بسنتين .دخلت عليه في محترفه، جالسا يكتب قصيدة جديدة با ِإلنكليزية عنوانها «الشاعر األَعمى» .وكان بين فرأَته ً اللحظة واللحظة ينهض من مجلسه ويأْخذ في قطْع الغرفة ذهابًا ومجيئًا وهو يفكر ،غير منتبه إِلى وجودها معه .فاغتنمت الفرصة وجلست مكانه على الكرسي، وحملت قلمه بيدها وقالت له« :أَنت تُنشئ القصيدة وأَنا أَكت ُبها» .رفض جبران ذلك فعادت تقول« :إِني شديدة الرغبة في أَن أَكتب كلماتك ،فاستَ ِم ّر أَنت في المشي ودعني أَكتب ما تمليه عل َّي» .لكن جبران عاد إلى الرفض قائِ ًل« :ال يمكنني أَن أَشتغل على هذا الشكل مع أَي إِنسان» .أَجابت« :أَو ِهم نفسك أَنني لست إِنسانًا بل مجرد آلة صغيرة» .ولم يَ َسع جبران عندئذ إِال أَن يوافق على رغبتها ِ فضح َك ِ وضحكَت ،ومضى يملي عليها القصيدة وهي تكتب كلماته .وتقول بربارة« :ومنذ ذلك الحين كان العمل يتم دائِ ًما على هذا الوجه» (ص ٨٢ و.)83 وهنا تُطْلعنا بربارة على شي ٍء لعل قليلين كانوا يعرفونه ،وهو أَن جبران كان يُ ِ نشئ كل شيء بالعربية أَولً ،ثم يترجمه إلى ا ِإلنكليزية ،كما تقول صفحة :73
He completed the poem, composing in Arabic, as was his inevitable custom, and translating carefully into English
وحتى كتابه «النبي» – التحفة الخالدة التي أَهداها جبران إِلى البشرية فتلقَّفها العالم على ظم ٍإ شديد وأَحاطها بكل ضروب التقدير والتقديس فكان جبران بواسطته نب ًّيا جدي ًدا من أَنبياء الشرق في نظر الغرب – تقول بربارة إِنه كان قد كتبه بالعربية أَ ًول ،وأَعاد كتابته بالعربية أَكثر من مرة ،قبل أَن يق َّدر لألَلفاظ ا ِإلنكليزية أَن تكون ثيابًا لمعانيه. 4 80
رشع سداسلا لصفلا
وتقول الم َؤلفة في مقدمة الكتاب إِنها لم تكن تقصد أَن تكتب حياة جبران، وإِنما أَرادت أَن تق ِّدم للقراء صورة بسيطة واضحة لجبران الرجل الذي عرفته ،بين أَصدقائه ،وفي محترفه وهو يرسم بالقلم أَو الفرشاة .ولقد استطاعت ب ِإخالصها ووفائها أَن ت ُبدع في رسم الصورة التي أَرادت ،وأَن تجعل هذه الصورة الجبرانية التي رسمتها حبيب ًة إِلى كل قلب ،قريب ًة إِلى كل روح مخلصة تعشق الجمال والحب اللذين كانت تدور عليهما رسالة جبران ا ِإلنسانية. فصل على كل كتاب من وفي جولتها في صفحات الكتاب تق ِّدم لنا بربارة ً م َؤلفات جبران ا ِإلنكليزية ،من «المجنون» – وهو أَول كتاب لجبران ظهر باللغة ا ِإلنكليزية عام – ١٩١٨إِلى «موت النبي» الذي ظل مجرد فكرة في خيال جبران، حلم بها ولم يسمح له الموت بتحقيقها ،فجا َءت بربارة يونغ ،في الصفحة 119من كتابها ،ترسم خطوطها التي كان يريدها جبران .وهي تحدثنا عن الصدى الذي ل ِق َيه كل واحد من هذه الكتب بين األَميركيين ،لكنها اختصت كتاب «النبي» بالحصة األَكبر من عنايتها وإِعجابها ألَنه الكتاب الذي حمل إِلى العالم رسال َة جبران على أَجمل صورة وأَكمل وجه .وقد روت لنا عد ًدا غير قليل من االنطباعات واآلثار التي تركها في نفوس الناس .من ذلك ما روته (ص )٣٣ أَن فصول «النبي» كانت تمثَّل كل سنة كرواية دينية في كنيسة سان مارك في نيويورك ،وكان راعيها الدكتور وليم نورمن غَثري ي ْؤمن إِيمانًا عميقًا بجبران كنبي جديد .وبذل نعيمه كل براعته في فصل «حصة في السماء وحصص في األَرض» (ص ٢١٨–٢١٥ من كتابه عن جبران) للتقليل من أَهمية الحادث ،وتحقير راعي الكنيسة وأعماله ،ول ِإليهام بأَن التمثيل قد وقع مرة واحدة في هذه الكنيسة. وفي الفصل الثاني من الكتاب «ثائِر ِ خطر ومس ِّمم للشبيبة» تروي المؤلفة حكايات أُخرى عن إِعجاب األَميركيين بـ «النبي» ،منها أَن امرأَة متأَلمة قد تلقت نصيحة من أَحد أَصدقائها بأَن تقرأَ هذا الكتاب ،فلما اطَّلعت عليه قالت« :هذا هو الكتاب الذي أُريده ،...إِنه ليس كتابًا ،إِنه خبز وخمر للمتعبين أَمثالي» .ومنها أَن أَحد المشتغلين باألَبحاث العلمية قد قال بعد اطِّالعه على هذا الكتاب« :لقد نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
علمني هذا الكتاب حقيق ًة هي أَن العلْم بدون نعمة الحب والجمال شيء مميت». وقال أَحد رجال القانون مرة« :لو انني قرأْت فصل الجريمة والعقاب قبل عشرين سنة ،لكنت أَكثر صال ًحا وسعادة ،وكنت في كل مرافعاتي أَقوى وأَبلغ حج ًة .ثم تعقِّب على ذلك بقولها« :هكذا كان «النبي» محققًا لرغبات كل إِنسان .فالفيلسوف يعتبره فلسفة ،والشاعر شع ًرا ،ويرى فيه الشاب صورة لكل ما يحسه في قلبه، والشيخ يجد فيه الكنز المجهول الذي ظل يبحث عنه طوال عمره فلم يجده إِال في خريف العمر» (صفحة .)17 وال تلبث الم َؤلفة أَن تعود إِلى «النبي» في الفصل السادس من الكتاب «الحقيقة ههنا» ،فتسرد قصة تأْليف هذا الكتاب «الذي أَصبح في اعتقاد األُلوف من البشر كتابًا خال ًدا ال يموت» (ص ،)٥٣ فتذكر أَن جبران قد وضع الفصل األَول منه وهو على مقاعد الدراسة في كلية «الحكمة» في بيروت ،ثم تركه ألَنه رآه ال يزال «ثمرة فجة» ،ولكن نبيه «المصطفى» لم يفارق خياله منذ ذلك الحين .ثم راف َقتْه فكرة الكتاب إِلى فرنسا ثم إِلى بوسطن ثم إِلى نيويورك حيث قُ ِّدر أَخي ًرا لـ «نبي» جبران أَن يولد با ِإلنكليزية بعد أَن مهد لظهوره بكتابين آخرين هما «المجنون» و«السابق» .وفي هذا الفصل تروي الم َؤلفة على أَلسنة الكثيرين حكايات اهتدائهم إِلى كتاب «النبي» واالنطباعات التي تركها في نفس كل منهم ،وهي انطباعات تدل عجاب مطْلق بجبران وبالروح التي ق َّدم بها جبران كتابه إِلى العالم. على إِ ٍ ونحن ال نستغرب هذه الحكايات التي ترويها بربارة يونغ في كتابها ،فالذين قرأُوا كتاب «النبي» يعرفون ما في فصوله من نبل الرسالة الروحية وجمال األَحاسيس ا ِإلنسانية .وإِذا عرفنا أَن هذا الكتاب قد تُرجم إِلى نحو خمسين من اللغات العالمية وأُعيد طبعه باللغة ا ِإلنكليزية وحدها عشرات المرات ،أَدركنا مدى التقدير العالمي الذي يتمتع به. إِ َّل أَن هناك ناحية أُخرى ته ُّمنا كثي ًرا ،ال سيما وقد قرأْنا من ق ْبل ما كتبه ميخائيل نعيمه عن جبران ،والصورة الشهوانية التي ص َّوره بها في كتابه ،وهي صور ٌة حاولْنا كثي ًرا وعبثًا أَن نجد لها ما يؤيدها سواء في ما كتبه أَصدقاء جبران 4 82
رشع سداسلا لصفلا
اآلخرون ،وال سيما عبد المسيح حداد ووليم كاتسفليس وأَمين الريحاني وفيلكس فارس أَو في ما كتبته بربارة يونغ ،مما جعلنا نجد أَنفسنا مضطرين إِلى الشك، والشك الكثير في ص ْدقها .فالصورة التي ترس ُمها لنا بربارة يونغ من جبران اإلنسان وجمال ً نبل – وهي ِمن أَلصق الناس به وأَجدرهم بمعرفة خفايا نفسه – هي أَكثر ً مما رأَيناه لدى نعيمه .في الفصل الرابع عشر «أَنا نفسي مشكلة» ،تتحدث الم َؤلفة عن حياة جبران الخاصة وشعوره الجنسي ،ولكنها ت َؤكد أَنه لم يكن من الممكن أَن يعرف أَح ٌد شيئًا عن حياته العاطفية (ص .)١٣٠ومثل هذا قاله عبد المسيح زميل جبران ورفيقُه ،في حديث طويل ن ُِشر في مجلة «العصبة» وجريدة حدادُ ، «السائِح» .أَما رأْ ُي جبران في الحب فقد أَوردت الم َؤلفة ما ذكَ َره في أَحد مجالسه في المحترف لسيد ٍة كانت تسأَله عن الحب وعن سبب انصرافه عن الزواج ،فقال: الخلقين ،وأَعني بهم حساسا بالشعور الجنسي هي طبقة َّ «إِن أَعظم المخلوقات إِ ً الشعراء والنحاتين والرسامين والموسيقيين .والشعور الجنسي لديهم هو منحة جميلة سامية .إِنه شعو ٌر خجول دائِ ًما» (ص.)129 ٍ وتقديس ح ًبا ناج ًما عن وذكرت الم َؤلفة «أَن نساء كثيرات قد أَح َب ْبنه بحرار ٍة شعور عميق بالعرفان وا ِإلجالل ،وخار ًجا عن حدود الذات واألَنانية ،وإِن نساء غيرهن قد أَحبَبْ َنه حبًا ذاتيًّا» (ص ١٢٧ و .)١٢٩ولكنها لم تستطع أَن تذكُر أَن جبران قد بادل يو ًما واحدة منهن عاطفة الحب الجنسي .فقد كان عميقًا في أَسراره ،منصرفًا بكليته إِلى عمله الخالق وإِلى رسالته الروحية التي ينشرها في كتبه. وفي كتاب بربارة يونغ أَشياء أُخرى كثيرة نجدها بصورة تختلف اختالفًا كل ًّيا عما في كتاب نعيمه الذي أَوردها في صورة «تحط» من إِخالص جبران ،بينما أَور َدت ْها بربارة يونغ بصور ِة ِ عكسها تما ًما .نكتفي هنا بشيء من فصل «نبأ كاذب» في كتاب نعيمه تع َّمد فيه أَن يُظهر جبران ،باعتراف منه ،بمظهر الرجل الذي عاش فسر يخدع الناس بظواهره عن حقيقة نفسه .فعبارة جبران َّ I am a false alarm نعيمه معناها «أَنا نبأ كاذب» .بينما العبارة نفسها مذكورة كامل ًة في كتاب بربارة يونغ ،وبمعنى آخر بعيد كل البعد عن تفسير نعيمه الذي أَخذ نصف العبارة نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
وأَهمل نصفها األَهم الذي يؤدي المعنى الصحيح لما يريده جبران .وهذه هي العبارة كاملة،I am a false alarm. I do not ring as true as I would. : ولفظة alarmهنا ليس معناها «نبأ» بل المقصود «المن ِّبه أَو الساعة الدقَّاقة». كما أَ َّن في ترجمة falseبـ «كاذب» بُع ًدا عن المعنى المقصود ،وكان األَص َوب واألق َرب إِلى معنى جبران ترجمة false alarmبـ «الساعة غير الدقيقة أَو غير يتوصل إِلى تحقيق الكمال المضبوطة» .ومعنى العبارة أَن جبران يتأَلم ألَنه لم َّ ا ِإلنساني في نفسه كما يريد .وذلك أَيضً ا تعليق بربارة يونغ في التعليق على هذه العبارة (ص )١٢ بقولها عن جبران: He felt that he was failing in some measures to do all that was divinely expected of him
وواضح أَن التحريف في سرد العبارة فيه إِساء ٌة متع َّمدة إِلى جبران ،ويش ّوه ٌ جمال المعنى الذي أَراده وجمال الروح التي أَوحت به ،كاالكتفاء من اآلية القرآنية «وال تقربوا الصالة وأَنتم سكارى» بنصفها األَول «وال تقربوا الصالة» وإِهمال النصف اآلخر المقصود بالعبارة. ضروري ج ًدا بعد هذه التعليقات السريعة ،نقول بكل إِخالص إِن هذا الكتاب ٌّ لكل من يريد أَن َ يعرف جبران على حقيقته ،ويعايشَ ه في محترفه وحياته الخاصة، َ ويعرف أَخالقَه ورسالتَه الروحية وا ِإلنسانية ،وآرا َءه في الحياة والفن واألَدب ،وتعلُّقَه الم ْخلص بوطنه وقومه وتاريخ أُمته (الفصل الثامن والفصل الخامس عشر) ،وهو ضروري لكل من يريد أَن يطَّل َع على أَثره في الغرب ويفه َم الروح التي أَ ْملَت سائر ٌّ م َؤلفاته ا ِإلنكليزية وكيفية والدتها واستقبال الناس لها. كل هذا مص َّور بكثير من الجمال والصدق وا ِإلخالص في صفحات هذا الكتاب اللطيف الذي تق ِّدمه بربارة يونغ عن جبران الخالد «هذا الرجل اللبناني».
484
رشع سداسلا لصفلا
ين ج�ان ونعيمه ب� ب
4
الس�ة» للدكتور ِإحسان عباس مناقشة كتاب «فن ي
5
أَخي ِإحسان في َ قلت إن نعيمه «استوفى نقدك كتاب «جبران خليل جبران» لميخائيل نعيمه َ فيه عناصر السيرة الفنية ...وفيه اكتمل وجود السيرة في األَدب العربي الحديث من حيث الغاية والتطبيق ...واعتمد فيه نعيمه الصراحة في تصوير صديقه وهو في صراع متطور مع الحياة ،وع َّرض بجبران في ضعفه وقلقه ،وكشَ ف عن البَون الواسع بين حياته العلمية ونظراته المثالية ...وقد قُ ِّدر لنعيمه أَن يُبرز الحقائِق عارية دون أَن يحاول االعتذار أَو يختفي وراء الروابط العاطفية ،فجاء كتابه ح ًّيا خفَّاقًا بالحيوية، كامل في تد ُّرجه ونم ِّوه» (ص ٦٨ و.)٦٩ ً أَما أَن كتاب نعيمه هذا قد جاء «حيًّا خفَّاقًا بالحيوية» فأَنا معك فيه بغير جدال .فنعيمه من أَقدر كتَّاب العربية وأَبرعهم أُسلوبًا وأَروعهم عبارةً .وأَما بقية رأْيك في الكتاب فهو مجال االرتياب عندي ،وهو ما أَرجو أَن أَصل معك ،من نقاشنا فيه ،إِلى الوقوف عند ما يمكن أَن نعتقده الحقيقة والصواب. وقبل أَن ندخل في مواطن االرتياب أَو غابة الشكوك المتشابكة ،أَود أَن أُ َؤكد لك أَنني لست من السذاجة بحيث أَتصور جبران من َّز ًها عن طبيعة ا ِإلنسان وضعفه وأَحاسيسه وميوله الجنسية ،أَو أَحسبه عاش حياته كلها ٤٨ ،سنة ،ولم يعرف المرأَة، حساسا بالمشاعر الجنسية هم طبقة مع أَنه هو نفسه القائِل «إِن أَكثر الناس إِ ً الخالقين :الفنانين والشعراء الخ.».. 4 5
عن مجلة «األَديب» – تشرين األَول – 1956العدد العاشر (ص.)15 – 12 باحث ومؤرخ أَدبي فلسطيني ( .)2003–1920أَمضى مدة طويلة في التدريس لدى جدل الجامعة األَميركية في بيروت .كتابه «ف ُّن السيرة» (دار الثقافة – بيروت )1956أَثار ً عند صدوره. نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
ولست كذلك من الغباء بحيث أَتصور أَنه لم يعرف في حياته في باريس ونيويورك وبوسطن ،كغيره من أَبناء هذه األَرض ،شيئًا من الليالي الحمراء أَو الخضراء أَو السوداء ،أَو على األَقل البنفسجية ،كَلَيل ِتنا األَخيرة في بيروت! مرهف صيل إِن جبران إِنسان مثلك ومثلي ومثل ميخائيل نعيمه ،وهو فنا ٌن أَ ٌ ُ الحس ،وقد كانت المرأَة مبعثًا لوحيه وإِلهامه في القسم األَكبر من أَعماله األَدبية والفنية ،شاع ًرا ورسا ًما .وهو بعد ذلك إِنسان انطلق من بيئة الشرق الجامدة المكبوتة إِلى بيئة الغرب المتحررة وا ِإلباحية في كثير من مظاهر حياة أَهلها .وأَنت وأَنا نعرف كيف يكون أَث َر هذه النقلة في نفوس الشباب ،ولذلك لسنا نرى غرابة شرقي فنانٍ رغباتِه المكبوتة حينما تتاح له الفرصة ،ولسنا نرى في أَن يُشيع ُ شباب ٍّ في ذلك ما يُنقص من قيمة جبران األَديب والفنان وا ِإلنسان. ولكنني ال أَكتمك كذلك أَنني لست من السذاجة والبراءة بحيث أَتصور أَن وخالي البال من كل غرض ميخائيل نعيمه قد وضع كتابَه عن جبران مج َّر ًدا عن الهوى، َ لي بهذا االرتياب شخصي .وقد تستغرب أَن أَقول لك إِن نعيمه َ نفسه هو الذي أَوحى إِ َّ في كتابه عن جبران .ورفاق جبران ونعيمه في «الرابطة» ،وال سيما عبد المسيح حداد ووليم كاتسفليس ،زادوا عندي من االرتياب حتى بلغوا به إِلى درجة االعتقاد. وقبل أَن أَستم َّر في ا ِإليضاح أَود أَن أُذكرك بثالث مقاالت لي نشرتها مجلة «األَديب» في سنوات سابقة« :توافُق األَفكار والتعابير في أَدب الرابطيين» (نيسان « ،)١٩٥١القصة والرواية في األَدب المهجري» (أَيلول )1952و«مع برباره يونغ في ٍ مناقشات كتابها «هذا الرجل اللبناني» (تشرين األَول ،)1952وهي مقاالت ج َّرت طوالً على صفحات «األَديب» اشترك فيها الدكتور محمد يوسف ونجم والياس علنت فرحات ومحمد منير آل ياسين ومحمد المسلم وغيرهم .في تلك المقاالت أَ ُ ما أَرتاب فيه من أَمر نعيمه في سيرة جبران. في مقالة «القصة والرواية في األَدب المهجري» ،كما في ردودي على ما ج َّرته من نقاش ،قلت إِن سيرة جبران بقلم نعيمه ليست تاري ًخا حقيقيًّا لجبران وال يصح االعتماد عليها لمعرفة حياة جبران الصحيحة ،ألَنها رواية خيالية فنية اتخذ ُّ 4 86
رشع سداسلا لصفلا
بطل لها ،وأَورد فيها آثار جبران األَدبية والفنية ،وأَشيا َء من أَعماله نعيمه من جبران ً المعروفة ،كما يتخذ مثْل ذلك في كل رواية تدور على إِنسان أَو شيء تاريخي. قارنت بين الكتابَين وب ّي ْن ُت بعض وفي حديثي عن كتاب «هذا الرجل اللبناني» ُ ما بينهما من التناقض والتباعد ،ومل ُْت إلى تصديق الكاتبة األَميركية ،وهي سكرتير ُة جبران خالل السنوات السبع األَخيرة من عمره ،والقابل ُة التي على يديها ُولد عد ٌد من مؤلفات جبران الهامة ،ووكيلتُه األَدبية بعد وفاته .وقد أَ وضحت في مقالتي ُ األَسباب التي تدعوني إلى هذا الميل. أَما في مقالتي «توافق األَفكار» فقد أَلمحت إِلى أَن نعيمه لم يكن مبتد ًعا في أَفكاره العامة التي تدور عليها كتاباته وم َؤلفاته بل كان يقتفي خطوات جبران وينقل أَفكاره ويقلِّد م َؤلفاته. كل غير أَنني ،في تلك المقاالت الثالث كما في ردودي على ُمناقشيها ،لم أَقُل َّ خفيت األَمور البعيدة التي كنت أَستند إِليها الرتيابي في كنت أُريد أَن أَقوله ،بل أَ ُ ما ُ صدق نعيمه وإِخالصه في كتابة سيرة صديقه .أَما اآلن فأَرى أن أَخ ُرج عن التلميح إِلى وضع النقاط على الحروف ،كما أَفهمها ،وكما ب َدت لي من دراستي الطويلة ألَدب المهجر بشكل عام ،وألَدب جبران ونعيمه و«الرابطة» بشكل خاص. تقصي الحقيقة ورغب ًة في حرصا على ِّ وأَو ُّد أَن أُؤكِّد لك أَنني من أَشد الناس ً الرجوع إِليها إِذا تأَكدتُ من انحرافي عنه وخط ِإ اجتهادي في تلمسها .وعسى أَن تر َّدني إِلى الصواب. في يدي اآلن حفن ٌة من المعلومات أَنثرها أَمامك على ع َجل قبل أَن أَدخل في التفاصيل: )1نعيمه ناقد ذكي ج ًدا ،وقد كان كذلك منذ أَن عرفه جبران. )٢كان جبران يخاف النقد كل الخوف ،وكان يكره الناقدين كر ًها شدي ًدا، نفسه ووليم حتى ليو ُّد أَحيانًا لو يتاح له أَن يفتك بهم .يشهد بذلك نعيمه ُ كاتسفليس. نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
ُ )٣ خوف جبران من النقد ،ومعرفتُه لمقدرة نعيمه النقدية وبراعته في تسخير القلم ،كانا يجعالنه يعيش على حذَر شديد من نعيمه حتى ليتملَّقه أَحيانًا ليكسب مودته ويضمن صمته. )٤بلغ ُ خوف جبران من نعيمه ،ال سيما بعد أَن كتب نعيمه مقاله حول «عواصف» جبران ،أَ ْن عندما قرأ عليه فصول كتابه «آلهة األرض» قبل ط ْبعه والحظ من إِمارات وجهه عدم رضاه عنه ،قطع الحديث ليقول له: «لقد ذكرت َُك في وص َّيتي». )٥بالوعد المتق ِّدم أَعاله ضَ م َن جبران أَن ال يتعرض له نعيمه بالنقد ما دام جبران ح ًّيا. )٦كانت صدم ًة لنعيمه حين فُ ِت َحت وص َّية جبران بعد موته فلم يجد له ذك ًرا فيها .ويخيل إِلي أَنه عندئذ صمم على االنتقام منه. )٧اختار نعيمه النتقامه من جبران طريق ًة مضمون َة التأْثير إِلى حد بعيد، تتلخص في ما يلي :كهنة الموارنة ،والكاثوليك عمو ًما ،أَعداء لجبران ،وقد أَحرقوا أَحد كتبه في قلب بيروت مرةً ،والشرقيون عمو ًما سريعو التأثر لألُمور األَخالقية ،فلماذا ال يضع لهم نعيمه كتابًا عن جبران يحشُ وه بقصص سبيل إِلى محاربة أَدب جبران الدعارة واالنحطاط الخلقي ليتَّخذوا منه ً ميتًا ،بعد أَن فشل الكهنة في حرب جبران وأَدبه ح ًّيا؟ )٨ما يبعث على الريبة في صدق نعيمه وسالمة طويَّته في سيرة جبران أَنه لم يج َمع حديثه عن انحطاط جبران األَخالقي (إِن صح) في فصل معين نصف الكتاب أَو حتى ثالثة أَرباعه ،بل راح ينشر ُ ولو استغرق ذلك الفصل َ أَحاديثه بين الصفحات بغير تعيين وبطريقة مقصودة ،حتى ال يكاد يخلو فصل من فصول الكتاب ،بل ال تكاد تخلو أَكثر الصفحات من تلك منها ٌ األَحاديث المبثوثة عم ًدا وبمهارة عظيمة .وأَعظم مهارة نعيمه في ابتداع ُ اختالق الحوار المشاهد والمواقف الدالة على نذالة جبران وانحطاطه، 488
رشع سداسلا لصفلا
المعبِّر عن عدم تقيُّد جبران بشيء من قيود األَخالق والفضيلة والنبل والسمو الروحي ،مع السيدة الغنية التي طل َبت أَن يرسمها جبران وهو بعد ناشئ في سن الرابعة عشرة ،ومع ميشلين ومع ماري هاسكل ومع الفتاة ٌ المعجبة بكتابه «النبي». )٩المجد الذي ناله جبران في الغرب والشرق هو أَكثر ما يمأل نفس نعيمه غيظًا ،وهو يحاول منذ أَن عاد إلى الشرق أَن يهدم جبران ليأْخذ مكانه كفيلسوف وناسك وأَديب ،ونبي أَيضً ا .وليست أَكثر كتب نعيمه سوى تقليد صريح لكتب جبران ،فـ «النبي» يقابله «مرداد» ،و«رمل وزبَد» يقابله «كرم على درب» ،و«همس الجفون» تقابله «المواكب» وقصائِد جبران المنثورة، وفلسفة وحدة الوجود واألُخ َّوة ا ِإلنسانية التي نادى بها جبران في جميع م َؤلفاته (وهي فلسفة أَقد ُم عه ًدا من جبران لكنه أَحياها من جديد في ديار الغرب) هي عي ُنها الفلسفة التي تدور عليها جميع كتابات نعيمه .أَما المحاولة الجريئة الكبرى لهدم جبران وإِجالس نعيمه على كرس ِّيه فهي سيرة جبران التي كتبها نعيمه. أَخي ِإحسان أَكاد أَراك تحملق في هذه الحفنة من المعلومات السريعة مستغ ِربًا ،ثم تنفض رأْسك متش ِّككًا ساخطًا وتقول« :ال ،هذا غير ممكن»! نفسك بمثل ال ِريَب التي تمتلئ بها إِذن فأَنت تريد تفاصيل أَوفى لكي تمتلئ ُ نفسي ،ولكي تعود إلى كتابك «فن السيرة» ،وتنثر فيه بعض عالمات االستفهام ،أَو التشكك على األَصح ،في بعض المواطن المع َّينة. تريد أَن تتأَكد مما إِذا كان جبران يكره النقد والناقدين؟ إِقرأ إِذن حديث نعيمه كاتب في إِحدى جرائِد نيويورك العربية ته َّجم على «الرابطة» عن موقف جبران من ٍ وعلى جبران« :ف ِإذا بعينيه تقدحان شر ًرا ،وشفتيه ترتجفان غضبًا وتقطران س ًّما .وإِذا به يقول« :لو لقيتُه أَنا يا ميشا ...كنت أَبصق في وجهه ،وأَ ُّ فك رقبته .إِن كل ًبا مثله ال نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
يستاهل إِال العصا» .أَما تعليق نعيمه على هذه الغضبة الثائِرة فهو« :لم أَستغرب ما قاله جبران ،ألَنني كنت أَعرف طباعه». هذه واحدة .وهذا وليم كاتسفليس في مقاله «من حصاد الذكريات» («األَديب» ،كانون الثاني )١٩٤٩يقول« :من الغرابة أَ ّن جبران ،على الرغم من رحابة صدره ورحابة عقله ،كان يكره انتقاد الناس إِياه كر ًها شدي ًدا ،ويتأَلم منه غاية األَلم، حتى وإِن كان مصدره الحاسدون والمتع ِّنتون». وتريد أَن تعرف متى اعترف نعيمه بخوف جبران منه؟ إِقرأ إذن في فصل مقال عن «العواصف»، «العواصف» كيف أَن جبران ،حين ذكر له نعيمه أَنه يحمل ً قال له« :لك َّن بي خوفًا منك يا ميشا ،فل ََك عي ٌن تنفُذ إِلى أَعماق نفسي ،وقل ٌم لو شاء لَ َمزق الستائِر التي أَتستر بها عن أَعين الجهالء والعميان». يقي ًنا أَن نعيمه أَورد هذا الكالم ل ُيباهي ببراعته ومقدرته ،لكننا نالحظ فيه نو َع الدس المتع َّمد على جبران ،استمرا ًرا للخطة التي درج عليها نعيمه في كتابه ،وبها يرمي إِلى تصوير جبران للقراء بصورة ال ُمرائي الخ ّداع الخسيس النفْس ال ُمتستِّر بستائِر زائِفة عن أَعين الجهالء والعميان .وهذا التعبير هو من ماركة تفسير نعيمه تحدثت عنها في مقالتي عن لعبارة جبران ا ِإلنكليزية I am a false alarmوقد ُ كتاب بربارة يونغ «هذا الرجل اللبناني». تعليق نعيمه على قول جبران في «المواكب»: ومن هذه الماركة ُ أ والحــب إن قــادت الجســام موكبــه
وعلى قوله أَيضً ا في «المواكب» نفسها:
أ والحــر فــي الرض يبنــي مــن منازعه
أ إل ــى فــراش م ــن الغــراض ينتح ــر
سـ ً ـجنا ل ــه وه ــو ال ي ــدري فيؤتس ــر
إِلى أَقوال أَخرى مما كان يأْخذه من مقاالت جبران أَو كتبه ،ويبثه هنا وهناك مع تفاسير وشروح يتعمد فيها ا ِإلساءة إليه بطريقة مبطَّنة بينما يبدو ظاهرها نق ًدا خالصا لوجه ﷲ واألَدب! وفن السيرة أَيضً ا! ً 490
رشع سداسلا لصفلا
غير أَن نعيمه – وهو يورد عبارة جبران ويعترف بخوف جبران منه – لم يفطن إِلى أَنه بذلك قد أَعطانا حقيقة أَخرى غير التي رمى إِليها ،وأَن سهمه قد عاد إِليه إذ أَكد لنا حقيقة سيئة هي خوف جبران من استغالل نعيمه لقلمه في أَغراض أُخرى شخصية غير النقد البريء المجرد. أَما وقد وصلْنا ِإلى هذه النقطة فسنقفز في كتاب نعيمه ِإلى فصل «أَشعة في الغمام». كان جبران يقرأ على نعيمه فصول كتابه الجديد «آلهة األرض» .ويبدو أَنه أَثناء القراءة كان يختلس النظر إِلى نعيمه فال يلمح على وجهه ما يُط ْم ِئن إِلى رضاه عما يسمع .وليس هذا التخ ُّيل م َّنا بغير أَساس ،فتعليق نعيمه هو الذي يوحي إِلينا به حين يقول« :إِن جبران الشاعر لم يبق عنده ما يقوله من بعد «النبي» إِال إِعادة ما قاله» .وفجأَة ،وبغير مقدمات وبغير مناسبة وبغير تمهيد ،يتوقف جبران عن القرا َءة كي يقول لنعيمه «ميشا ،لقد ذكرتك في وصيتي». أَخي إِحسان كن ما شئت من برا َءة النية وسالمة القلب ولكن ،باهلل عليك ،ماذا تفهم من هذا الموقف؟ أَال ترى معي أَن جبران لم يفعل ذلك إِال ليضْ من صمت نعيمه وعدم تع ُّرضه بالنقد لكتابه الجديد الذي لم يكن عندئِذ مطبو ًعا بعد ،ولكتبه الالحقة ما «برطيل» لنعيمه؟ وأَنه قد ً دام ح ًيا؟! أَو على األَقل :أَال تخامرك ريب ٌة في أَن هذا كان اشترى به صمته إلى ما بعد وفاة جبران؟ أَقفز اآلن ِإلى فصل «وصية جبران» لترى خيب َة نعيمه وهو يمهد للوصية ،معل ًنا عدم وجود ذكْ ٍر له فيها (د ْعنا اآلن من اآلخرين الذين ذكَرهم معه أَيضً ا ،فما ندري مدى الصحة في سرد قائِمتهم هناك) .ستحس مع نعيمه بش ّدة الصدمة والخيبة ال ُمرة حينما لم يجد نعيمه لنفسه حص ًة في ا ِإلرث من تركة جبران التي «كانت تساوي ٥٣,١٩٦دوال ًرا» كما يقول نعيمه. نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
أَتعتقد أَن نعيمه ال يهتم بالمال؟ المال معبود الدنيا كلها .وقد كان نعيمه يعتقد أَنه سيصل إِلى الثروة عن أَيسر سبيل بمجرد ذكْر اسمه في وصية جبران. أَذكر مرة أَن وليم كاتسفليس ،في ر ِّد ِه على محمود شريف في جريدة كانت تصدر في البرازيل ،ذكر له أَن ميخائيل نعيمه كان ال يكاد يتج َّمع لديه عدد من الدوالرات حتى يبادر إِلى المقامرة بها في البورصة على أَمل أَن يتمكن من زيادتها. ووليم كاتسفليس يعرف نعيمه مثلما نعيمه يعرف جبران ،وقد كانا صديقَين حتى ف َّرق بينهما موت وليم. ومع ذلك فهذا الذي أَقوله هنا ليس سوى مجرد شكوك ،لكنها ذاتُ أَصول في حياة نعيمه وكتابه عن جبران. واآلن ،بعد أَن رأَيت خيبة نعيمه مكتوب ًة بقلم نعيمه نفسه في سيرة جبران، قل لي :أَال ترى أَن جبران يستحق من قلم نعيمه «مرمطة وشرشحة» ،بعد أَن ربط قلمه ولسانه عن نقده عدة سنين في انتظار الميراث الموعود؟ إِنني ال أَمدح جبران حين أَذكر هذه الحقيقة لكنني أَكشف عن نقص كبير لم يكن جبران في حاجة إِلى التر ّدي فيه إِلى هذا الحد ،بحيث يتحول إِلى مضاعفات أَخرى من النقائِص كان في غنى عنها كلها. عرفت َ خوف جبران من نعيمه وعد َم ثقته به ،وجبران كان شديد واآلن ،وقد َ وقديسا ،أَتتصور يمكنه أَن يفضي إِلى نعيمه بشيء الحرص على أَن يبدو للناس نب ًّيا ً من أُموره وعالقاته الجنسية ،ال سيما ما كان منها في مثْل حقارة قصة ميشلين، فيستغلها قلمه الجارح يو ًما ما كي «ينشر غسيله على السطوح»؟ وإِذا كان جبران لم يَ ُبح بشيء من أُموره الخاصة إِلى أَحد من زمالئِه اآلخرين في «الرابطة» ،ولم يكن يخاف من أَحد بينهم كما كان يخشى نعيمه ،أَفيمكنك أَن تتصور أَن يجعل من نعيمه وحده مستود َع ثقته ومخز َن أَسراره ،بحيث يُفضي إِليه بمثل قصة «توديعه لعفّته» في سن الرابعة عشرة ،ومثل قصة ميشلين ،وغيرها من أَحاديث وحوادث تسيء إِليه بين الشرقيين ،ولدى رجال الدين بشكل خاص ،لو نشر خبرها يو ًما ما؟ 492
رشع سداسلا لصفلا
لقد كان جبران يحب جميع زمالئِه في «الرابطة» حبًا ج ًّما .أَما حبُّه لنعيمه فكان حب ٍ خوف منه ال حب إِ ٍ خالص وثقة ،بينما أَح ُّبهم إليه :نسيب عريضة ،فعبد المسيح حداد ،كما يقول وليم كاتسفليس في مقالته «من حصاد الذكريات» (مجلة «األَديب» – كانون الثاني .)1949 ولعلك ،يا أَخي إِحسان ،ستستغرب أَن تعلم أَن عبد المسيح ،وكان جبران لشدة محبته له يعتبر نفسه فر ًدا من أُسرته ،قد أَنكر قصة ميشلين وقصة غرام جبران نبل من أَن يفعل عف وأَ ُ بماري هاسكل أَو رغبته في االقتران بها ،بل أَكد أَن جبران أَ ُّ مثل هذا الذي رواه عنه نعيمه .وقد ورد ذلك في أَحاديث عقدها معه األَديب المهجري يوسف البعيني نشرها في مجلة «العصبة» في البرازيل عام ،١٩٤٩ثم نُش َرت في «السائِح». إِسمع ،من حديث وليم كاتسفليس ،األَسئلة واألَجوبة ،واحكُم بعد ذلك على ضوئها وعلى ضوء الحقائق المتقدمة. سؤال :أَكانت لجبران عالقات غرامية بماري هاسكل؟ جواب ... :أَما ما كتبه ميخائيل نعيمه عن عالقات جبران الغرامية بماري هاسكل حب أُ ٍّم ،وقد ق َّدر لها جبران عاطفتها السامية فبعيد عن الواقع ...لقد أَح َّبت جبران َّ فظل محافظًا على ِصالته بها ،وهي صالت روحية ت َفوق كل حب وتبُ ُّز كل غرام. سؤال :أَورد األُستاذ ميخائيل نعيمه في كتابه الرائع عن جبران أَن جبران أَغوى المعلمة ميشلين ،فكيف كان ذلك؟ جواب :لم تكن عالقتي بجبران من تلك العالقات السطحية التي تحيا على كل ما فيها من مطامح الهامش .فقد قُ ِّدر لي أَن أَتوغل في كهوف نفسه ،ساب ًرا َّ وميول ،وأَشواق وأَحالم ،وظلمات وأَشعة .مع هذا لم يطلِ ْعني يو ًما على اسم تلك قائل) المرأَة التي شغَل ذك ُرها قس ًما من كتاب األستاذ نعيمه (ثم يتابع عبد المسيح ً وجبران ،وهو أَقرب أَبناء ا ِإلنسان إِلى المبدع األَعلى ،حاشا له أَن يكون قد دنَّس روح ميشلين ،فقد كان يفهم الحياة ويفهم ﷲ». نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
أَما عن أَخالق جبران وشخصيته فيقول عبد المسيح ر ًّدا على سؤال آخر للبعيني« :كانت لجبران شخصية كشخصية يسوع ،ال تص ُّنع فيها وال تكلُّف ،وقد أَقر بجمالها الذين عرفوه». وفي مقالة «من حصاد الذكريات» يقول وليم كاتسفليس« :كان جبران ط ِّيب القلب ،رقيق العاطفة ،صادق المودة ،لم يَ ُخن في حياته صديقًا ولم ينكث ألَحد عه ًدا». ولست أَدري كيف هذه األَخالق العالية تتال َءم مع مثْل قصة ميشلين كما اختلقها ميخائيل نعيمه واختلق مشاهدها وحوارها ،الله َّم إِ َّل إِذا شئنا ،لغرض في النفس ،أَن نص ّدق رواية نعيمه عنها ،وأَن نكذّب عبد المسيح ووليم كاتسفليس، وقد كانا رفيقَين لجبران في الحياة وفي «الرابطة القلمية» وعاشراه ِعشْ رة محبة وثقة وإِخالص أَطول من عشْ رة نعيمه له وأَوثق وأَصرح . أَتريدني أَن أَمضي في الحديث بعد؟ أَم يكفي هذا ليجعلك ُّ تشك مثل شكوكي بحيث ترى معي أَن سيرة جبران بقلم نعيمه ليست سيرة وال تاري ًخا حقيق ًّيا للرجل، بل هي رواية أَدبية رائِعة محبوكة األَطراف بشكل فني أَ َّخاذ يَخدع كثي ًرا وبمهارة مدهشة عن حقائقه المبطنة؟ أَخي إِحسان لدي الكثير غير هذا ألَقوله إِن كان هذا غير ٍ كاف .لكنني أَقف اآلن عند إِن َّ شئت المزيد فسأَعود إِليك بعد أَن يستريح طلت كثي ًرا .وإِن َ هذا الحد ألَنني أَ ُ القراء من هذا الشَ وط ال ُمت ِعب الذي قطعوه معنا الهثين ،ويزدردوا هذه اللقمة العسرة الهضم التي قدمتُها إِليهم على غير استعداد الزدرادها .كان ﷲ في َ عونك وعونهم!
494
رشع سداسلا لصفلا
ج�ان س�ة ب ي ين ب� ب� ب�رة يونغ وميخائيل نعيمه وماري هاسلك
أَعقد هنا 6مقارنة بين كتابَين وض َعهما صاحباهما في سيرة جبران وأَعماله األدبية والفنية« :جبران خليل جبران» لميخائيل نعيمه و«هذا الرجل اللبناني» This man from Lebanonلبربارة يونغ. كان نعيمه رفيقًا لجبران خالل فترة طويلة من ِتجة من حياته وحتى يوم وفاته، وكانت بربارة يونغ سكرتيرته خالل السنوات السبع األَخيرة من حياته ،كما كانت «القابلة» التي تلقَّت يداها ميالد روائِعه األَدبية منذ 1925حتى لحظة فارق الحياة في مستشفى سانت فنسنت في نيويورك ،الحادية عشرة ليلة العاشر من نيسان ،1931ثم باتت بعد وفاته وكيلة أَعماله األَدبية. وما دام األَمر كذلك ،ال بد أَن ما يكتبه عن الرجل هذان الرفيقان ذا أَهمية خاصة ،ويستحق من القراء االهتما َم والمقارن َة لكي نرى كيف ينظران إلى حياة الرجل الذي الزماه ،وأَب َديا في كتابيهما حبًّا له كان حبًّا حا ًّرا عميقًا في أَحد الكتابين، وفي اآل َخر ِ حذ ًرا غامضً ا مثي ًرا للريب أَحيانًا. أَول ما يالحظه القارئُ المتم ِّعن في الكتابين فقدا ُن المودة بين المؤلِّفين فقدانًا تا ًّما :فنعيمه ال يَذكر بربارة يونغ في كتابه كله إِ َّل مرة واحدة في الفصل األَول ،فيشير إِلى أَنه التقى بها أَمام غرفة جبران في المستشفى أَثناء ساعات نزاعه ويصفها ،دون أَن يذكر اسمها ،بأَنها «طويلة القامة ،عظم ّية الهيكل ،زعفرانية اللون، حادة األَنف ،غارقة العينين» ،وأَنها «شاعرة أَميركية في النصف األَول من عقدها السادس ،عرفت جبران منذ سبع سنوات فتق ّربت منه ،وكانت تساعده في نسخ مؤلفاته ،وقد التقيتُها مرة عنده.»... ومتى استطاع القارئُ أَن يحزر أَن برباره يونغ هي المقصودة بهذا الكالم ،يفهم أَن عالقتها بجبران عالق ٌة عابرة ج ًّدا ما دام نعيمه «يقرر» أَنه التقى بها عنده «مرة 6
فصل من كتابه «أَدب ال َمهجر» ،دار المعارف – القاهرة ،الطبعة الثالثة( 1966 ،ص.)356 – 348 ٌ نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
واحدة» خالل سبع سنوات ،في حين تتح َّدث هي عن صلتها بجبران بما يؤكد أَنها الزمته ،وكانت رفيق َة عمله الدائِم َة خالل السنوات السبع األَخيرة من حياته .فهي تقول في مقدمة كتابها« :لقد كان من حسن حظي ،ومن دواعي غبطتي ،أَن أَعرف جبران شاع ًرا ورسا ًما ورفيقًا حبي ًبا لمدة سبع سنوات ،حتى اللحظة األَخيرة من حياته .سبع سنوات من الصداقة والعمل ،حتى لقد قال هو نفسه مرة متلطفًا إِننا كنا «شاع َرين نعمل م ًعا بِاسم الجمال».»... ثم تروي في الفصل التاسع أَن عملها مع جبران بدأَ في خريف عام 1925 واستمر إِلى النهاية ،فهي التي كانت تتلقى مولد قصائده ومؤلفاته الجديدة كلها، وبعد ذلك أَع َّدت للطبع كتابه اإلنكليزي «حديقة النبي» The Garden of the Prophetألَن جبران مات قبل أَن يُع َّده ا ِإلعداد الالزم ،بل تركه أَجزاء مبعثرة تحتاج إِلى من له معرف ٌة وثيقة بروح جبران وطريقته وأَهدافه لكي يؤلف بينها. أَما نعيمه فلم تذكُر برباره يونغ اسمه الصريح ،وال َو َصفَته قط في أَي صفحة من صفحات كتابها وصفًا صري ًحا بل أَشارت إِليه إِشارة صغيرة غامضة بقولها «( One who shall be nameless, has departed from the faithواحد من أَعضاء الرابطة ،لن أُسميه ،حا َد عن ا ِإلخالص لها») في خالل حديثها على انفراط عقد «الرابطة القلمية» بعد وفاة جبران .وليس لدينا أَ ُّي شك في أَن هذا الشخص الذي تعنيه وتأبى أَن تذكر اسمه ،هو نعيمه نفسه .أَما بقية أَعضاء «الرابطة» الذين ٍ عندئذ فقد ذك َرت أَنهم ظلوا يعملون في «رابطتهم» بملء ا ِإلخالص لها كانوا أَحياء ولذكرى عميدها الذي سبقهم إِلى األَبدية. هذه ا ِإلشارات العابرة ،أَو «الحرب الباردة» بين نعيمه وبربارة ،تص ّرح بأَقصى وضوح عن روح العداء المستحكمة بين االثنين ،وال ندري لماذا ،أَو لعلنا ندري إِذا علِ ْمنا أَن جبران قد ائتمن بربارة على م َؤلفاته وأَعماله األَدبية بعد وفاته ولم يَ ِك ْل كل منهما كتابَه عن جبران أَم َرها إِلى نعيمه .وتلك ا ِإلشارات ت ُرينا كذلك كيف كتَب ٌّ بروح تختلف عن روح اآلخر .وإِذا اتفقَا ،إِلى ح ٍّد ما ،في الحديث على بعض آثار كل االختالف في جبران األَدبية والفنية وأَهميتها وأَثرها البعيد ،ف ِإنهما يختلفان َّ 496
رشع سداسلا لصفلا
ما يتعلق بشخصه وسلوكه ك ِإنسان :بينما يهبط به نعيمه إِلى ال َد ْرك األَسفل من الشهوانية ،تمضي بربارة يونغ (في الفصل الرابع عشر من كتابها) في الحديث على حياته الخاصة وشعوره الجنسي ومسلكه األَخالقي ،فتُرينا إِياه إِنسانًا كباقي الناس ال ُمرهفي الشعور يتأَثر بعوامل الجنس ويشعر بالظم ِإ إِلى امتالء العاطفة لكنه ال ينح ُّط إلى د ْرك الالأَخالقية الشهوانية. شي ٍء بق ْدرما اختلفا في كتابيهما؟ ويتساءل القارئ :هل اتفق الكاتبان في ْ الحقيقة أَنهما ،في ما يتعلق بجبران ا ِإلنسان ،كانا شدي َدي االختالف ،بل على طَ َرفَي نقيض ،فلم يكادا يتَّفقان إِ َّل على أَن جبران ولد ومات ،وبين الوالدة والموت تنقّل بين لبنان وأَميركا وفرنسا ،وكان أَدي ًبا وفنانًا ،أَلَّف كت ًبا بالعربية وا ِإلنكليزية وصنع رسو ًما عديدة ،وما إِلى هذا من األُمور األولية التي ال يجوز االختالف فيها ألَن جميع الناس يعرفونها ولو لم تَرِد في هذين الكتابين. وطبيعي ج ًدا أَن يختلف كاتبان في طريقة عرضهما وفي ت َ َذكُّر بعض الحوادث، ٌّ لكننا ال نفهم كيف كاتبان مثل نعيمه وبربارة يونغ ،عاشا مع الرجل نفسه مدة قصيرة من عمره ،يختلفان في الرواية الواحدة ،للشيء الواحد من أَعماله أَو أَقواله، وفي النظر إِليه – والمفروض أَن ينظرا من جانب واحد – إِ َّل أَن تكون هناك عوامل نفسية خاصة هي التي تقرر هذه النظرة وتلك الرواية. مثل ،رواية نعيمه لحادثة تالوة فصول من كتاب «النبي» وتمثيله في من ذلكً ، إِحدى كنائِس نيويورك .وهو يروي أَن ذلك قد وقع مرة واحدة ،في حين تَذكُر بربارة يونغ أَنه كان يجري كل سنة. يقصرا في الثناء عليه ،وهو كتاب ويتفق الم َؤلفان على عظمة هذا الكتاب ،ولم ِّ أَث َب َت الواق ُع عظمتَه كذلك بدليل عشرات الطبعات التي طبعها با ِإلنكليزية وعشرات اللغات العالمية التي تُرجِم إِليها .ولكن لماذا كان االختالف في حادثة تمثيله وتالوة فصوله في الكنيسة؟! وكذلك لماذا كان اختالف الم َؤلفَين في رواية عبارة جبران I am a false alarm وفسرها بأَنها اعتر ٌاف وشرح معناها ،بحيث اكتفى منها نعيمه بهذا الجزء وحدهَّ ، نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
من جبران بحقارته النفسية ،وتصوير منه لنفسه بصورة الخ ّداع الحقير ،في حين أَوردت ْها بربارة بشكل يختلف عن هذا كل االختالف ،وذكرت العبارة كاملة كما يلي: I am a false alarm, I do not ring as true as I wouldثم أَكملت شرحها بأَن جبران لم يكن ليرضى عن نفسه إِ َّل إذا رآها في أَعلى مستوى من الكمال ا ِإلنساني، وهو ش ْرح يتفق كل االتفاق مع النصف اآلخر من العبارة ،ويتفق كل االتفاق أَيضً ا مع ما أَصدقاء جبران اآلخرون ،عدا نعيمه ،يروونَه عن سيرة جبران ،وما تبَيِّ ُن ُه أَقوال جبران في جميع م َؤلفاته. وفي رواية بربارة يشعر القارئ بأَبلغ ا ِإلعجاب والمحبة لهذه الروح ،روح جبران التي تعيش في صراع دائم ألَجل الكمال ،في حين أَن رواية نعيمه تُش ِع ُره بالنفور والحذر من هذا اإلنسان الذي يعيش على خداع نفسه وخداع اآلخرين .وشتَّان ما بين الصورتين! وهناك حوادث وأُمور وأَقوال أُخرى ور َدت في الكتابَين بكثير من التناقض واالختالف ،كالذي ورد عن قصة العمارة التي اشتراها جبران وأَ َّج َرها لرئيسة إحدى الجمعيات النسائية ،وأَحاديث عالقات جبران الجنسية ،ومعارضه الفنية ،وقيمته في نظر الناس ،ووطنيته ،و ِغيرته على أَبناء بالده ،وسواها. ولك ّن هناك مصد ًرا آخر لسيرة جبران ،لعلّه أَ ُ صدق المصادر ألَنه أَقربُها إِليه لصقها به .ذلك المصدر هو ماري هاسكل ومذكّراتها عن جبران ،وهي تجعل وأَ ُ من الضروري أَن يعيد ميخائيل نعيمه النظر في كتابه لتصحيح الكثير م ّما جاء فيه عن سيرة جبران ،وعن ميشلين وماري هاسكل ،وعن عالقات جبران ا ِإلنسانية والجنسية وغيرها. وخصوصا في كامل، إِن نعيمه قد جعل جبران يد ّمر حياة ميشلين تدمي ًرا ً ً بكل ما شاء له الخيال من ص َور الحقارة اجتماعاته معها في باريس ،ونعيمه ز ّوقها ّ والنذالة ،ما دفع بها إلى االختفاء نهائ ًّيا من الحياة ،بينما مذكرات ماري هاسكل ت ُرينا أَن ميشلين – وهي معلِّمة في مدرسة ماري هاسكل ،وصديقة جبران وماري هاسكل م ًعا – قد تز َّو َجت وأَنج َبت ،وعاشت حتى العام نفسه الذي توفي فيه 498
رشع سداسلا لصفلا
جبران ( )1931وتوفيَت بعده بستة أَشهر .وفي ما ترويه ماري هاسكل عن صلة جبران بميشلين ليس ما يمكن أَن يشير إلى أَن جبران قد د َّمر حياتها أَو حاول ذلك. ويحاول نعيمه أَن يص ّور جبرا َن صورة ِ قذرة أخرى :حين ع َرض على ماري نت نظيف يا جبران»؟ ومضى يعلّق على ذلك هاسكل أَن يتز َّوجها ،سأَلته« :هل أَ َ سي ُء إِلى سمعة زميله ورفيقه القديم .ولكن المذكرات تؤكد أن ما شاء من تعليق يُ ْ ماري كانت تحب جبران ،وتو ّد لو تتزوجه لوال أَنها كانت أكبر منه بعشر سنوات وكانت ترى نفسها آخذة في االنحدار نحو الشيخوخة في حين يمضي هو ُصع ًدا بحس األُنثى وغريزتها ،تشعر أَن هذا الفارق الكبير لن نحو القوة والمجد .وكانتّ ، يَكتب السعادة لزواجها. لقد أَراد نعيمه في كتابه لسيرة جبران أَن يص ّوره أَسوأ صورة ممكنة .وبين زمالئه اآلخرين في «الرابطة» وبين أَصدقاء جبران العديدين ،وأَهمهم يوسف الحويك وبربارة يونغ وماري هاسكل ،لم نجد من يدعم روايات نعيمه أَو يرضى عنها .وأَكثر :نجد أَن عبد المسيح حداد ووليم كاتسفليس ،من زمالء نعيمه في كل ما اختلقه نعيمه عن جبران وما ص ّوره به من «الرابطة القلمية» ،نَ َف َيا بش ّد ٍة ّ صور الحقارة الخلقية .وحتى الريحاني ،أَكبر خصوم جبران في حياته ،لم يستطع إِلَّ أَن يهاجم نعيمه بعد صدور كتابه حول جبران ،لِما وجد فيه من اختالفات مسيئة إلى الحقيقة.
غالف كتاب عيسى الناعوري (الطبعة الثالثة – القاهرة – .)1966
نراقمو ناتداهش :يروعانلا ىسيع
الفصل السابع عشر
كتاب «السنابل»
ف تكر�ية من رفاقه ي� «الرابطة القملية» هدية ي
الغالف الخارجي
الغالف الداخلي
بيت إِندرو غَريب في مدينة صبيحة األَحد 17حزيران 1990قصدتُ من نيويورك َ ٍ ِ ماساشوستْ ْس) ،وهو ْسب ِرنْغفيلْ ْد (والية يومئذ آخ ُر األَحياء 1ممن ع َرفوا جبران 1 500
ت ُوف َِّي بعدها بعشْ ر سنوات (األَحد 12آذار )2000عن 101سنة .وهو من مواليد عيتا الف َّخار (جنوب لبنان) سنة .1898
رشع عباسلا لصفلا
نصوصا لجبران شخصيًا .كان يلتقيه مرا ًرا في محترفه إِبَّان ترجمته إِلى ا ِإلنكليزية ً ٍ واكتشافات جبراني ًة حياتية، ص َدرت بالعربية .طال حواري مع إِندرو 2أَسئل ًة فضولي ًة احتفال صدر في ً حتى إِذا سأَلتُه إِن كان التقاه خارج المحترف ،أَجابني راويًا لي ٍ سبق أَن نشَ َرت ْها له كتاب «السنابل» ،مقتطفات من نصوص عربية لـجبران َ مناسبَ ِت ِه ُ الصحافة في نيويورك. كان س َؤالي: – هل ص َد َف والتقيتَه خارج جلساتكما الهادئة في الستوديو؟ فأَجابني إِندرو بما أَنقلُه هنا حرف ًّيا: – مر ًة واحدة .خالل حفل ٍة تكريمية كبيرة أَقامها له رفاقُه أَعضا ُء «الرابطة القلمية» ليلة السبت 5كانون الثاني 1929عشي َة عيد ميالده (السبت 6كانون الثاني )1883في اليوبيل الفضي لحياته األَدبية ( 25سنة–1904 : َّيت من صديقي ميخائيل نعيمه بطاقة دعوة إِلى ذاك العشاء في .)1929تلق ُ وافيت نعيمه إِلى محط ٍة في مانهاتِن فندق «ماك آلْ ِۑ ْن» الفخم (نيويورك). ُ وذه ْبنا في سيار ٍة واحدة وكان معنا نسيب عريضة .وصلْنا قبل الموعد بنحو وصل قبْلنا ،ويَذْرع القاعة الكبرى بخطواته وعصاه .ر َّحب ساعتَين ف ِإذا جبران َ بي ودعاني إِلى مساعدته في التوقيع على كتاب «السنابل» الذي أَص َد َرت ْ ُه، ٍ مقتطفات من كتابات خصيصا لهذه المناسبة« ،الرابط ُة القلمية» جامع ًة فيه ً انتحيت معه جانبًا إِلى طاول ٍة في الزاوية ،وأَخذتُ أَفتح له جبران بالعربية. ُ الكتاب على الصفحة 3وهو يكتب عليها« :مع محبة» ،ويوقِّع« :جبران خليل جبران – 6كانون الثاني ،»1929حتى انتهى من التوقيع على الخمسمئَة نيق الخ ّط والهندام والقيافة .ض َّمت عميق ،أَ ُ نسخة من الكتاب ،وهو هادئٌٌ ، الصال ُة ليلتَها نحو 400مدع ٍّو بين شعراء ورسامين و ُمحامين ورجال أَعمال 2
كامل في كتابي جبران خليل جبران – شواهدُ الناس واألَمكنة – منشورات درغام، نشَ ْرت ُه ً بيروت ( 2012ص 15 إِلى .)29 »لبانسلا« باتك
من وجهاء الجالية واألَميركيين ،وتوالى فيها على الكالم 18خطيبًا ،بينهم: ميخائيل نعيمه ،وليم كاتسفليس ،عبدالمسيح حداد ،رشيد أَيوب ،نَ ْد َره المنصة ل ُيلقي حداد ،إِيليا أَبو ماضي ،فيليپ حتي .وختا ًما ارتقى جبران ّ رج كلمة الشكر ،فما كاد يبدأُ في العربية ثم شاك ًرا في ا ِإلنكليزية حتّى َحشْ َ صوت ُه بالكلمات ،وارتجفَت شفتاه ،وانه َم َرت دمو ُعه ،فغادر المنبر باك ًيا من ش َّدة التأَث ُّر».
الصفحة ٣التي وقَّع عليها جبران سلَفًا كما روى إِندرو غَريب
ٍ يومئذ لم يكن لدى إِندرو غَريب نسخة من ذاك الكتاب النادر ذي الخمسمئة نسخة ،فلم أَ َره. لوضعي هذا الكتاب، ووثائق وإِبَّان تنقيباتي وأَبحاثي على مصاد َر ومراج َع َ َ وجدتُ نسخ ًة مص َّو َر ًة كامل ًة من ذاك الكتاب ،أُف َِّص ُل مضمونَها باآلتي: الكتاب من الحجم الصغير ( 14x20سنتم) في 68صفحة. والداخلي ضمن دائر ٍة مزخرفة بالـخط العريض :السنابل– الخارجي على غالفَيه ّ ّ منتخبات من مؤلَّفات جبران خليل جبران. 502
رشع عباسلا لصفلا
الصفحة :1عنوان هذا الكتاب ،وتحتَه هذا النص« :لقد ت َو َّخى جامعو هذا الكتاب ج ْعلَه صور ًة مصغَّرة تتمثَّل فيها أَدوا ُر حياة جبران خليل جبران األَدبية والفنية منذ بدأَ يكتب في سنة 1903حتى سنة .1928فاختاروا من م َؤلفاته ما كان في نظرهم أَوفى بتلك الغاية .وحيث تعذَّر عليهم إِيرا ُد بعض القصص والمقاالت بر َّمتها، اختاروا منها فقر ٍ ات مكتمل َة المعنى في ذاتها .أَما الغرض من جمع هذا الكتاب فهو أَن يكون ذكْ ًرا طي ًبا يحتفظ به مق ِّدرو أَدب جبران من أَبناء الجالية السورية في نيويورك ،الذين احتفلوا بيوبيله في الخامس من كانون الثاني سنة .1929وقد طُبِع من هذا الكتاب خمسماية نسخة ال غير .نيويورك 5كانون الثاني سنة .»1929 مع وطب َِع بعناية الرابطة القلمية – مطبعة الصفحة :2في وسط الصفحة عبارة ُج َ جريدة السائح – نيويورك سنة .1929وفي أَسفل الصفحة سطران با ِإلنكليزية هنا ترجمتُهما« :الرسمان المل َّونان بريشة جبران في هذا الكتاب منشوران من كتابه «يسوع ابن ِاإلنسان» ب ِإذن خاص من الناشر أَلفرد أ .كنوف». الصفحة :3في وسط الصفحة شعار الرابطة القلمية كما ص َّممه جبران (بشكل كتاب مفتوح على صفحتين) ،واستعا َد عبار ًة منسوبة إِلى حديث دائرة في قلبها ٌ شريف فخطَّطَها بقلمه على الصفحة اليمنى« :هلل كنوز تحت العرش» ،وعلى الصفحة اليُسرى« :مفاتي ُحها أَل ِْسن ُة الشعراء».
الصفحتان األُوليان: شعار «الرابطة» (تصميم جبران) واستهالل الكتاب
»لبانسلا« باتك
الصفحة :4صورة فوتوغرافية معروفة لجبران متَّكئًا على عصا ،وتحتها توقي ُع ُ المعروف في جميع مراسالته. جبران الصفحة :5عنوان من «الموسيقى» ،وبين هاللَين عبارة( :وهو أَول مقال لجبران طُبِع على حدة سنة .)1905ثم مقطع من النص حتى الصفحة .10
الصفحتان 4و 5ومطلع نص كتاب «الموسيقى»
الصفحة :11عنوان من «عرائس المروج» ،1906 – 1905وتحته عنوان مرتا البان َّية ،ثم مقطع من النص حتى الصفحة .20 الصفحة :21عنوان من دمعة وابتسامة وتحته هذا المقطع« :وهي مجموعة من الشعر المنثور تحتوي على ما فاضت به قريحة جبران من سنة 1903حتى .»1908وبعده في وسط الصفحة عنوان يوم مولدي وتحته عبارة «كُتبَ ْت في 504
رشع عباسلا لصفلا
باريس في 6كانون الثاني سنة ،3»1908ثم مقطع من النص حتى الصفحة .30 الصفحة :31عنوان من «األَرواح المتمردة» سنة ،1908وتحته عبارة «خليل الكافر يناجي الحرية» ،ثم مقطع من النص حتى الصفحة .36 الصفحة :37عنوان من «األَجنحة المتكسرة» وتحته عنوان الشعلة البيضاء ،ثم مقطع من النص حتى الصفحة .41 وسط السطر الصفحة :42عنوان «من العواصف» وتحته عنوان العاصفة يليه ْ «مقتطفات من حديث يوسف الفخري» ،ثم مقطع من النص حتى الصفحة ،50 ومن كتاب العواصف أَيضً ا ،عنوان مات أَهلي على الصفحة 51ومقطع من النص حتى الصفحة ،56وكذلك من العواصف ،عنوان بين ليل وصباح على الصفحة 57 ومقطع من النص حتى الصفحة .65 الصفحة :66عنوان من «المواكب» – صدر سنة 1919وتحته 13بيتًا من القصيدة تو َّز َعت على الصفحتين 66و.67 الصفحة :68عنوان شذرات وتحته ثماني عبارات وجدانية لجبران كتلك التي صدرت الحقًا با ِإلنكليزية في «رمل وزبَد». 3
النص لجبران ص َد َر في أَعلى الصفحة األُولى من «ال ُمهاجر» (جريدة أَمين الغريِّب في هذا ُّ نيويورك) عدد السبت 13شباط ،1909وبالعنوان ذاته («يوم مولدي») وتحته با ِإلنكليزية To M.E.Hثم بالعربية بقلم جبران خليل جبران .وح َدثَ أَ َّن نسيب عريضة ،حين أَعاد ٍ مقاالت منشور ٍة أُخرى ،في كتاب دمعة الحقًا نشْ َر هذا النص بالعنوان ذاته ،مع مجموعة ِ ِ ريخي إذ كَتَب في مطلع النص« :كُتبَت في وابتسامة (نيويورك )1914وقَ َع في خط ٍإ تَأْ ٍّ باريس في 6كانون األَول ،»1908وإِذا بهذا الخط ِإ يُضَ لِّل باحثين اعتبروا والدة جبران والغريب كذلك في 6كانون األَول (بينما الصحيح ،باعتراف جبران ،هو 6كانون الثاني). ُ أَن ميخائيل نعيمه أَيضً ا ،في كتابه عن جبران ،كتَب في فصل «يوم مولد ويوم حساب» شمس السادس من كانون األَول سنة 1908على الكارتييه التان (الحي ما يلي« :أَطلَّت ُ الالتيني) في باريس ،وأَنفذَت شرذم ًة من أَشعتها إِلى غرفة جبران فوج َدت ْه في أَحضان مورفيوس» .ويُكمل في هذا الفصل فيتخيَّل جبران يستذكر يوم مولده فينهض ويشعل الغاز ويأْخذ قل ًما ودفت ًرا ويكتب مقالً مطلعه« :في مثل هذا اليوم ولَ َدت ْني أُمي» .وهذا أَيضً اَ ، حيال عالقة نعيمه الوثقى بجبران ،جعل كثيرين يقعون في ف ِّخ هذا ال َخطَ ِإ وي َؤ ِّرخون بدل من الصحيح وهو 6كانون الثاني. مول َد جبران في 6كانون األَول ً »لبانسلا« باتك
الفصل الثامن عشر
تكريم جبران في ديت ُر ْو ْيت
ليلة الجمعة 24تشرين األَول 1924أَقام «النادي التق ُّدمي السوري األَميركي» في ديت ُر ْويْت ( ِمتْ ِشغَن) عشا ًء تكريم ًّيا في «الصالة العربية» الكبرى لفندق تَلِر ،1حضرها عدد كبير من أَعضاء الجاليتَين اللبنانية والسورية ،على شرف جبران تقدي ًرا حضو َره في الجالية وآثا َره األَدبية .وكان ذاك الفندق ،فترت ِئ ٍذ، من أَفخم فنادق الدرجة األُولى في المدينة بل في الوالية. فندق تَلِر سنة ،1923 ويبدو اسمه بأَحرف كبيرة في الشبكة الحديدية على سطحه
1
506
هو أَقدم وأَفخم فندق في المدينة ،على اسم صاحبه رجل األعمال لُو تَلِر (.)1958–1869 وسط ديترويت التجاري من 6طبقات سنة ،1906ثم أَضاف إِليه 4طبقات ش َّيده في َ سنة 1910حتى بلغ 14طبقة سنة .1914وسنة 1923افتتح فيه «الصالة العربية» التي تستوعب 600شخص ،كانت أَكبر صالة في ديت ُرويت لالحتفاالت وال ُم ْؤت َمرات.
رشع نماثلا لصفلا
المأْدبة في صالة الفندق الكبرى يبدو جبران (ضمن الدائرة) في الصدارة
قبل تلك الحفلة كان جبران كتب إِلى ماري هاسكل« :هي مأْدب ٌة ينوي إِقامتَها كتاب «النبي» .ال أَعرف تما ًما ماذا يُ َهيِّئُون لي هناك ،لكنني ناس طيِّبون تكري ًما َ ٌ سأَعود فو ًرا بعدها إِلى نيويورك». في الصورة :2جبران جالس في عمق الصالة إِلى يمين الموسيقيين الذين على المنصة. َّ
2
من مجموعة فارس وأَلِكسا ناف (أَصل االسم :ن َّعاف ،من راشيا الوادي) ،وهي اليوم لدى م َؤسسة ْس ِمث ُْسونيان ،مركز المحفوظات في المتحف الوطني للتاريخ األَميركي .وهذه «ستُوديو الصورة تحمل الرقم 69في مجموعة ُص َور تلك الحفلة التي ت َولَّى تصوي َرها ْ كْرافْت» ،أَشهر مركز تصوير يو َمها في ديترويت. ْوُرتيد يف ناربج ميركت
الفصل التاسع عشر
وص ُ دمة المر َأتين انكشاف الرسائل َ
بعد وفاة جبران آلَت ِإلى شقيقته مريانا في بوسطن أَور ٌاق كثيرة ومخطوطاتٌ ع َّدة اض خاصة كانت في محترفه .وإِذ كانت تجهل القراءة ،عرب َّيتها وا ِإلنكليزي َة ،وتال ًيا وأَغر ٌ ال تستطيع أَن تعرف ما فيها ،أَودعتْها جميعها لدى نسيبها خليل جبران 1الذي شُ ِغ َف طويل ليضَ ع الكتاب الشهير «خليل بها وفَ َرزَها وب َّوبها وك َّرس لها مع زوجته جين وقتًا ً كمل سيرة عن جبران ،موث َّق ٍة كل ًّيا جبران ،حيات ُه وعالَ ُمه» (نيويورك – ،)1974فجاء أَ َ بالمواد التي آلت إِليه من مريانا.2 بين تلك المواد مسرحيتان غير منشورتَينِ « :إلعازر وحبيبتُه» و«األَعمى»: األُولى قرأَها جبران سنة 1929في حلقة خاصة ،واألُخرى بق َيت بين مخطوطاته 1
2
508
ٌ معروف عاش حياته كلَّها في بوسطن ( .)2008 – 1922وال ُده نقوال جبران (ابن ع ّم ن ّحاتٌ الشاعر) ُرز َِق من زوجته روز خمسة أَوالد .حين ُول َد أَوسطُهم سنة 1922كان جبران ع َّرابه في المعمودية (وع َّراب األَوالد الخمسة جميعهم) وهو الذي س َّماه «خليل» ،االسم الذي ُعرِف به صاحب «النبي» في األَوساط األَميركية ،وبه وقَّع جميع مؤلَّفاته ا ِإلنكليزية .أَما كتُبُ ُه العربية فكان يص ُّر على توقيعها باالسم الثالثي :جبران خليل جبران. بعد وفاته أَصد َرت زوجتُه جين سنة 2017طبع ًة جديد ًة من الكتاب َمزيد ًة ومز َّود ًة وص َو ٍر جديدة وعنوانٍ جديد «خليل جبران أَبع ُد من كل حدود» ،تأْليف جين جبران َ بوثائق ُ وسطَ، وخليل جورج جبران (التقليد في أَميركا أَن يحمل الولد دائ ًما اس ًما مزدو ًجا :أَ َّو َل وأَ َ ِ ماساشوستْ ْس ،في قبل اسم العائلة) .صدر الكتاب لدى منشورات إِنترلِ ْنك ْْس – نورثاڽتُن – 524صفحة حج ًما كبي ًرا.
رشع عساتلا لصفلا
كتاب واحد سنة 1982لدى منشورات لدى نسيبه خليل حتى أَصدرهما م ًعا في ٍ « ِو ْست ِم ْن ْس ِتر» في فيالدلفيا. في مقدمة الكتاب موج ٌز لحياة جبران التي باتت معروفة في جميع المراجع، أُترج ُم منه هنا ما يتعلق فقط بباربره يونغ.
في الصفحة 22و َر َد« :بين الجمهور ال ُمصغي إِلى قر ٍ اءات من «النبي» في كنيسة سانت مارك إِن ُذ بَ ِورِي ،كانت تجلس باربره يونغ ،صاحب ُة مكتب ٍة وقبل َ َذاك ُم َد ِّرس ُة اللغة ا ِإلنكليزية .وما هي حتى دخلَت حياته ومحترفه ،وراف َقتْه طيلة السنوات الباقية من حياته .وبعد وفاته كانت الق ّيم َة الرسمي َة على مخطوطاته، وسافرت إِلى بلدته بْشَ ّري في لبنان ،وسجلَت انطباعاتها في كتاب «هذا الرجل من لبنان».»... وفي الصفحة َ 30و َر َد« :عند وفاة جبران الساعة 10:55ليلة الجمعة 10نيسان كل من :باربره يونغ ،شقيقته مريانا ،ميشا نعيمه، 1931كان حوله في المستشفى ٌّ ونسي َبيه من بوسطن روز دياب وعساف جورج». وكان في الصفحة َ 17و َر َد« :مع أَن جبران لم يحاول أَن يخفي إِهداء بعض بقي حضو ُر ماري كتبه العربية هكذا «إِلى ( »MEHأَي ماري إِليزابيت هاسكل) َ خافتًا في حياته العامة .ومع ازدياد رسومه ولوحاته الزيتية كانت تزداد في أَسفل زاويتها اليمنى أَ ُ خاصا حمي ًما ال يَ ِشي حرف ،MEHلك َّن ماري المرأَة ظلَّت حضو ًرا ًّ بالتوسع .وكانت ماري به ألَحد وال يتح َّدث أَب ًدا عنها في حلقاته االجتماعية اآلخذة ُّ ت َعرف منه أَسماء جميع أَصدقائه من الكتَّاب بالعربية والمعجبين به من األَميركيين نقل عنه في دفاتر يومياتها ،لك َّن أَح ًدا منهم لم يعرفها شخص ًّيا .كانت َو َذكَ َرت ْهم ً وتفاصيل حياته َ ماري عي َنه الس ّرية وأُذنَه الحميمة ،لذا أَخفى عن الجميع ِذكْ َرها الحميمة معها». تَأرملا ُةمدَصو لئاسرلا فاشكنا
ولعل إِصرار جبران على إِخفاء ماري عن الجميع ،هو ما يفسر ،لدى وفاته ،ما ورد في الصفحة 32من الكتاب: ُ «انكشاف رسائل ماري إِلى جبران شَ ك ََّل أَزم ًة شخصية بين ماري وباربره يونغ. تحت وقْع الصدمة ،اقتر َحت باربره على ماري إِحراق تلك الوثائق عن حياتهما الحميمة .لَحظتَها وافقَت ماري عفويًّا .لكنها بعد تفكيرها في ما سيكون من أَهمي ٍة لتلك الرسائل تاريخ ًّيا وأَدب ًّيا في سيرة جبران الحقًا ،عادت مسا ًء إِلى ال ُمحترف، َح َز َمت رسائلَها إِلى جبرانَ ،ح َملَتْها جمي َعها في حقيبتها ،ات َّجهت رأْ ًسا إِلى محطة ٍ السكك الحديدية ،استقلَّت أَ َ بسويعات ،وعادت جنوبًا ول قطا ٍر مو ِع ُده بعد وصولها إِلى بيتها في ساڨانا – جورجيا.
510
رشع عساتلا لصفلا
الفصل العشرون
ٌ ثالث ِبخَ ِّ طه غي ُر منشورة
ٍ كتابات له بين أَغلى ما يَس ُّر الباحث في اشتغاله على آثار مؤل ٍِّف غاب ،أَن يَ ِج َد خصوصا إِن لم تكن منشور ًة بع ُد تلك المخطوطات. بخطِّه، ً وهو هذا ما شعر به الدكتور وليم شحادة ،1إِبَّان مراحل عدة من حياته كان تدريسا ومزاول ًة ،يهتم بجمع تراث لجبران من خاللها ،إِلى جانب عمله في الطب ً ٍ مخطوطات نفيس ًة بين أَوراق جبران بخطِّه ،إِلى مصاد َر مختلفة ،أَ َّدى به ج ْم ُعها، نبي في ا ِإلعداد» 2وفيه خمس ُة أَقسام :أَربع ٌة إِصداره كتابَه الق ِّيم «خليل جبران – ٌّ صفحات متفرق ٍة أَصلي ٍة بخط جبران لشذر ٍ ٍ ات من كتبه «المجنون»، هي مخطوطاتُ ٍ صفحات مخطوط ًة «النبي»« ،آلهة األَرض» ،والقسم األَول منها يضم «السابق»، ّ غي َر منشور ٍة لثالث قصائد وباق ِة ِحك ٍَم :القصائ ُد الثالث هي « َهد َهدة» (مخطوطة على صفحة واحدة)« ،الزائر األَخير» (مخطوطة على 8صفحات)َ ،مـخطوطة بدون 1
2
ِ ڽروڨيدنس (عاصمة والية رود طبيب لبناني أَميركي (ُ ،)1995 – 1905و ِلد في مدينة ٍ سنوات قبل آيلِند) ،وتخ َّر َج من الجامعة األَميركية – بيروت سنة ،1931د َّرس الطب فيها وتدريسه في جامعات عد ٍة أَخيرت ُها أَن يعود إِلى الواليات المتحدة األَميركية مزاولً الطب َ جامعة نيويورك .نال جوائ َز على إِسهاماته في عدد كبير من األَبحاث الطبية .كانت له اهتماماتٌ مثمر ٌة بجبران ،نظَّم له معارض ،وله فيه محاضراتٌ ومقاالت. 418 – Kahlil Gibran – a prophet in the makingصفحة قط ًعا كبي ًرا – منشورات الجامعة األَميركية في بيروت.1991 ، 511
عنوان (على صفحتين) ،ومتفرقاتٌ ألَفكا ٍر ِ وحكَم (مخطوطة على 6صفحات). شرح شحادة 3أَ َّن «تلك المخطوطات الق ِّيمة في هذا الكتاب في مقدمة الكتاب َ ٍ كنت خاللها أَلَ ْملِ ُمها صفح ًة صفحة وقطع ًة قطعة. استغرق جم ُعها سنوات طويل ًة ُ ولو كان لمخطوطات القسم األَول أَن ترى النور على حياة صاحبها ،لكانت روائ َع جديد ًة تضاف إِلى آثاره وتضفره بأَكاليل إِضافي ٍة من الغار الجبراني» .ولم يَشرح شحادة ،وال أَحد سواه ش َرح« ،لماذا لم يَنشر جبران هذه المخطوطات ،على ما فيها من جمال واكتمال». مجمو ُع الكتاب إِذًا صفحاتٌ مخطوطة ،مص َّور ٌة تصوي ًرا تقنيَّا دقيقًا ،بيِّن ٌة فيها تصحيحاتٌ أَجراها جبران على سطوره ،أَو تشطيباتٌ ُملْ ِغي ٌة أَو ُمع ِّدلة ،وبعضُ ها ٍ ومنمنمات على هوامش الصفحات أَو بين السطور. رسوم بالعربية مع ٍ ِ مخطوطات الخمسة األَقسام ،م َّهد الدكتور شحادة لكتابه بمقدمة وقبل نشْ رِه احل رئيس ٍة من سيرة جبران وأَعماله. بيوغرفية (ص )28 – 15 لمر َ حصلت من القسم األَول ،أَكتفي بترجمة القصائد الثالث غير المنشورة بعدما ُ على ا ِإلذن بترجمتها وتصوير مخطوطاتها األَصلية من أَلبرت شحادة (ابن المؤلف)، ڽرنستُون ،حيثُ وهي اليوم لدى القسم الخاص بالمخطوطات النادرة في جامعة ْ ٍ سنوات على وفاة والده. أَو َد َعها أَلبرت بعد خمس وهنا ترجمتي هذه القصائ َد الثالث ،متتابع ًة كما ور َدت في الكتاب ،مع صور ٍة لكل منها بمخطوطتها األَصلية. مقابِل ٍة ٍّ وضعت لها ،من وحي النص ،عنوانًا وألَ َّن القصيدة الثالثة تركَها جبران بال عنوان، ُ حس أَنه م َحبَّ ٌب لجبران. أُ ُّ
3 512
كتَ َبها في مدينة غْرين ِوت ْش (والية كونِّ ِتكَت) في صيف .1988
نورشعلا لصفلا
َه َ ده َدة
4
َ َ َ طفلي ،ن ْـم ن ْـم ،يا ُ َ ْ ُ أ ُّمك العذبة ترى ِإليك َ َ َ صغيري ،ن ْـم ن ْـم ،يا َ ُ َ ُ ُ أ ُّمك الـهادئة ت َـه ْد ِه ُدك على ِح ْضنها َ َ حبيب َي ،ن ْـم ن ْـم ،يا َ ِ ْ حالما ال َ وان ُس ْج أ ً آالم فيها! ٌ ُ ـرض َعك ستنزل غيمة من َسـماها كي ت ِ ِ ّ َ ٌ ُ َ تغنيأَ لك تـنهمل نسمة كي ِ ومن الشجر ِ
َ َ ُ وأَوراق الغار في الوادي ستنمو ل ْج ِلك وأ ْجلي َ ن ْـم يا صغيري ُ َ أَواحل ْم ُ ِبذاتك الكبرى وذاتي َّ أ آَ َ لن ال َّم الكبرى َترى الن ِإليك ِوإ ّلي.5
أَ خ� الزا ِئ ُـر ال ي
ُ َغ َّن ْتـها أ ٌّم ِلط ْف ِلها َ الـم ْيت
مطلع القصيدة بخط جبران
أَ َّ َأ َ َ ُ الحرب على المدينة لن َّ الشر فيها تغلب على الخير السماء علن ِت َ َ ٌ َ ُ اسة في فضاء المدينة اندلعت أ ومن الشرق والغرب عاصير رهيبة تالط َمت بشر ٍ
4 5
«ال َه ْد َه َدة» (أَو التَ ْهوي َدة) :أُغني ٌة هادئَ ٌة ت ُ َدندنُها األُ ُّم لط ْفلِها كي ينام. وشغف لدى األُ ِّم الواعي ِة ال ُق َّو َة ال ُعظْمى التي ت َرى إِليها واضح في هذه المقطوعة حنا ٌن ٌ ٌ وإِلى طفلها ،ترى إِلى الح َّية وال َميت م ًعا .وهي تتناقض بوضو ٍح مع مقطوع ٍة الحق ٍة له عن أُ ٍّم وطفلها ال َميت في مقطوعة «ال َم ْع َبر» ،هي الرابع ُة واألَربعون في مجموعة «التائه» التي صد َرت ( )1932بعد وفاته .وشُ عو ُر جبران عميقًا بهذا الموضوع ناب ٌع من الصغرى ،وبطرس ُح ِّبه العميقِ وال َدت َه التي فَ َق َدت بالموت ولَ َديها (سلطانة شقيقة جبران ُ أَخاه) قبل فتر ٍة ضئيل ٍة من غيابِها هي بالموت. شنم ُريغ هِّطَخِب ٌثالث
َّ َّ َّ همجية غطت سكان المدينة وخطاياها السوداء بسرعة تجمعت غيوم ثلجية وانهمرت ٍ ٍ أَ ُ هرع الطفال ِإلى بيوتهم َمذعوري القلوب ال ِئذين في الزوايا لم ُيعد ُيرى َأ ٌ حد في الشوارع الرمادية ولم ُيعد فيها ٌ صوت سوى قصف الريح َ َ ال أ َثر لق َد ٍم َ ضوء في نافذة ال ومضة ٍ أَ َّ َّ َ وال ِظل ِإل أخيلة الرواح الشريرة تتعارك مذعورة.
وما هي حتى بدا في الشوارع الـموحشة ٌ ٌ َ لباسا َأ َ مرت ٍد ً بيض رجل نحيل ،طويل، ْ دوءً ، َ حاسر الرأس حافيا، يمشي ُبـه ٍ ْ ُ ٌ ٌ شاحب يت ُبعه ن ٌور لطيف عيناه ُم َّ شعتان َكن َ جم َتين ٌ ُ ابتسامة ً رضى حزينة على شفتيه َ ٌ َ ٌ َ ٌ ش ُعره كثيف طويل منسدل فوق كتفيه ُّ ٌ على َيديه َ وقد َميه جر ٌاح عميقة يهل منها نور لطيف شاحب ُ بأ َّب ٍهة كان يمشي ال َي ُّهزه َ الـمشهد حوله ال َي ُّ ـمسه الثلج الـمنهمر َ َ ال يراه أحد َ ال َي َ سمعه أحد.
َّ توقف عند باب رجل ّ غني ٍ وبيده َ َّ الـمد َّماة َ طرق الباب مرتين 514
نورشعلا لصفلا
انتظار طال بعد ٍ َُّ ٌ َ نافذة صغيرة ظهرت يد من كوة ٍ َ تالها ٌ صوت أ َج ُّش ٌ بارد: َ َ مكان َّ لزوار. – ال َّزو َار الليلة يا هذا ،ال ََ ُ النافذة َ بغضب انصفقت َ ََ ُ موجات الريح والثلج حكام وأقفل ْتها ِبإ ٍ يمكن ْبع ُد َأن َ فال ُ تفت َحها ٌيد بشرية أَ أَ ُ لنها أقفلت ِإلى البد.
واصل الرجل سيره َ َّ ّ َّ ُ صاحبه يدعي معرفة ِكل ْ شيء. بيت توقف عند ٍ َ َ طرق الباب َّمرتين َ ٌ عجوز أ ُ َ ظرة شنيعة قاسية فتحه شيب ذو ِن ٍ َ الواقف بالباب: صاح غض ًبا في ِ ّ – بيتي ليس للمتسولين. ِ َ َُّ َ صفق الباب بقوة واهنة َ ََ ُ موجات الريح والثلج حكام وأقفل ْت ُه ِبإ ٍ يمكن ُ بعد َأن َ فال ُ تفت َح ُه ٌيد بشرية أَ أَ ُ َ لنه أ ِقفل ِإلى البد.
مطلع القصيدة بخط جبران
ْ َ استأنف الرجل َسيره َّ توقف َّ مجد ًدا عند بيت ُ يسكنه ُم َت ّ جبر ٍ ِ َ ً ََ الباب ثالثا طرق ُ الحارس الباب فتح شنم ُريغ هِّطَخِب ٌثالث
ًّ وإذ َرأى َمن َظ َّ ً متسولَ ، ه ـن غاضبا: صرخ ِ ُِ َ – أغرب من هنا .ال بيت هنا لعابري السبيل. َ ُ صفق الباب بق َّوة َ ََ ُ ُ ْ موجات الريح والثلج حكام بإ ه ت ل وأقف ِ ٍ َ يمكن ُ بعد أن َ فال ُ تفت َح ُه ٌيد بشرية أَ أَ ُ لنه أقفل ِإلى البد.
وعاد الرجل يسير ً ً طويل سار طويل حتى وصل عند كوخ صغير ُم ْع ِتم َ خارج المدينة ٍ ٍ ٍ دنا من الباب َ ً مفتوحا وجده َ حست ب َـم ِج ْي ٍء َف َف َ َّرب ُة البيت أ َّ تحت الباب ِ َ دخل َ أ َ جلس ْته عند الموقدة َ َ جاءت له ِب ُخبز وخ ْمر َ ُّ وبعينين با ِئستين َ نظرت ِإليه بتأثر: ٌ َ َ – فقيرة أنا يا ّ سيد ،كما ترى، َ ُ ُّ ِ َ ً َ لكنني سأمد لك ِفراشا أمام الموقدة َ َ ٌ غريب عن هذه الـمدينة. كأنك ُ – جميعنا غرباء هنا في هذا العالم. ُ أَ ً – إذا ،في هذا البيت الوضيع ،نتشارك المان من هذه الليلة العاصفة ِ َ َ َ َ ُ ُ ُ قالت هذا والتفتت ِإلى الجراح في يديه وقدميه ي ْ ضيء نورها الغرفة ً َ وق َرأ ْت على َ شفتيه ابتسامة رضا حزينة َ َ ً ً َفجثت أمامه فاتحة ذراعيها باكية: 516
نورشعلا لصفلا
َ – أيها ّ السي ُد الرحيم: أَ ُ َ ٌ ٌِ ُ ُ جديرة لنني أخالف الناموس أنا خاطئة بائسة غير ٍ َ أيها الصالح المستقيم: َّ ٌ آ َ ٌََْ َ ْ ونواياي ُمثقلة بالش ّر مطوقة ِب ِنير الثام نفسي َ ُ ّ خل ُص ّ الطيب: الـم يها أ ِ ِ ٌ َ منبوذة أنا لنجاستي يا ُم ِـح َّب البشر: ْ ٌ َ ُ َ ّ ْ ومـخ ِلص البشر نفسي مظ ِلمة وأنت النور أَ وغافر الخطايا ُ ُ ومانح المل والراحة. عندئذ ٍ َّ تقدم منها ْ حنان َج ّـم َ وضع َيده على رأسها ِوب ٍ ٍ ََ ِوإذ تف َّرس في عينيها ُ َ َّ هالة نور أ َ ضاء الكوخ الصغير شعت حوله ٍَ َ َ لـحظ َت ِئ ٍذ أ ٌ نغام سماوية صد َحت فاح في َجو الغرفة ُ عبير ُم ّ ٍـر شاعل َ حرر َ فجأ ًة منه ٌ كثير َّ فرح ٌ روحه وانفلت َأغمض َ جس ِدها كي َ عينـي َ روحها تنفتح عينا ِ فتقوى على تلك الصاعقة الصاعقة التي ُّ تشتد وبقسوة تضرب تلك المدينة العاجزة عن المقاومة. ٍ ً رهيبا كان ذلك ِإالعصار: َ َ ُ ً ُّ أخذت دوامة الريح الثلجية تلف مسعورة جميع البيوت وتهدمها َّ َ َّ حتى غطت كل أ ٍثر في المدينة. لم َي ْن ُج منها َأ ٌ حد وال َأ ٌ حد هرب من عقاب السماء شنم ُريغ هِّطَخِب ٌثالث
ُ جميعهم ماتوا واندفنوا في الظلمة والصقيع أَ والـمتجبر ُل ِـحدوا تحت ُمـمتلكاتهم ال َّ ّ الغني ُ ُّ رضية. والـم َّدعي ِ أَ ُ الكوخ بقي ً َ صامدا في الرض الخراب. وحده
ُ منذ ٍئذ في الذكرى السنوية لذاك النهار يتوافد إلى الكوخ َّ حجاج كثيرون ِ َ ً َّ ُ َ 6 َ ُيـحرقون فيه البخور حيث جسد الـمرأة بات ...ذخيرة مقدسة . 6
518
هذه المقطوعة «الزائر األَخير» ،كما في مقطوعة «الهزيع األَخير» (من كتاب عارم عالج جبران فيها مسأَل َة الخير والشَ ر على األَرض ،بد ًءا من ٍ غضب ٍ «السابق» –َ )1920 في عناصر الطبيعة ،وعالقَتَها بسلوكيات البشر الفاجرة بين ا ِإلنسان وأَخيه ا ِإلنسان في وكل منهم غني ،ر ُج ٌل ُم َّدعٍ ،ور ُج ٌل متج ِّب ٌرٌّ ، حياته اليومية ،من خالل ثالثة نماذج :ر ُج ٌل ٌّ يُض ِم ُر الش َّر لآل َخر بفظاظ ٍة فاحشة ،غي َر شاع ٍر بحاجات اآل َخر الالئِ ِذ ِب ِه ،بل ٌ غارق في بُ ْخله يتناقض مع سلوك الذين ال قدر َة لهم على العطاء ومع ذلك يُعطُون وأَنانيته وت َ َجبُّره .وهذا ُ من شَ ِحي ِح ما عن َدهم ،على صورة فلس األَرملة .المرأَ ُة الفقيرة في هذه المقطوعة ،عانَت تائب ًة إِنما عن خطايا لم تقْترفْها ،واستقبلَت الزائِر األَخير قبل طوفان الخرابُ ،مق ِّد َم ًة كل ما عندها له مأْ ًوى يَقيه العاصفة ،أَمانًا في كوخها ،دفئًا قرب الموقدة ،وشاركَتْ ُه َّ البخيل وال ُمعت ُّد ال َمغرور ُ الغني – على قلَّ ِة ما عندها – عك َْس ما ف َع َل الثالث ُة الرجال: ُّ وال َف ُّظ المتج ِّبر .في النهاية تنتصر عدال ُة السماء فينجو ال ُم ِ التائب والخاطئ عتدل والفقير ُ ُ ويَسق ُط اآلخرون في العتمة األَخيرة .وعن هذا الموضوع ذاته كتَب جبران في فصل قليل ِمن كثي ِر ما عنده، «النبي» – « :)1923في الناس َمن يُعطي ً «العطاء» (من كتاب ّ القليل ويعطيه كلَّه» .وتلك ،في هذه المقطوعة ،كانت حال َة المرأةَ: وفيهم من ال يملك إِ َّل َ َ كل آ َو ِت الزائ َر األَخير قبل هبوب العاصفة الثلجية التي هاج َمت المدينة وقضَ ْت على ِّ نج منها أَحد .وفي كلمات هذه المرأَ ِة جاثي ًة أَمام الرجل ،ت َ َما ٍه ما فيها و َمن فيها ،ولم يَ ُ واضح مع كلمات مريم في فصل «المجدل َّية» (من كتاب «يسوع ابن ا ِإلنسان» – )1928 ٌ َ َ َ توس ُل إِ َ َ ليك أَن أ غريب. ر غي نك أ مع غريب نت أ « ليسوع: المجدلية قول في ا وخصوص َ ً َّ ٌ ُ ُ َ لغسل قد َم َيك .أُد ُخل بيتي وشاركْني ي وحوض ، لك ُه ق ر ح أ ر بخو لدي بيتي. تدخل َ ِ فضِّ ٌ ٌ َّ ٌّ ْ ُ َ َ ٍ حب ِ فيك الخبز والخمر»، حينئذ أشرقَت عيناه على روحي وقال« :أنا وحدي بين الرجال أ ُّ ما ليس يراه اآلخرون».»...
نورشعلا لصفلا
َّ َ ٌ ة امك أرزة عىل تل لبنان
7
ًّ ً ُ وشاقا بدا َ الطريق لـي طويل الم ْع َب ُر ً وكان َ ضائعا بين التالل. تائها ُ ً كنت وحدي في هذا الطريق الطويل ً ُ الصمت كثيفا وكان ُ تغرد العصافير ّ ِ ال أَ ال الزهار تتمايل ُّ َ ال يهل ن َسم ُ ً ُ وحافية كانت الجداول وأوراق الشجر.9 َّ ثـم الصفحة األُولى من القصيدة بخط جبران ً َ َّ تكل َم ِت َ الوحدة َّتواقة فأصغى ِإ أَليها الصمت الصمت – ُ ُ الـمجهول ال ُّ بدي. صوت ِ َّ ُ العصافير ِب ُـح ٍزن عميق غن ِت ُ ْ َ ََ َ ْ ُ شخاريب الصخور الـجداول َسق َسق ْت أل ًـما كأن َج َّر َح ْتها ِ ً َ ُ ٌّ َ ُ َّ النسيم مـر حزينا كما أم ثكلى 8
7 8
9
صل بدون عنوان .اخترتُ لها من النص عنوانًا عزي ًزا على قلب جبران هذه المخطوطة أَ ً الذي لم يَ ِغب لبنا ُن عن قلبه في معظم نصوصه العربية وا ِإلنكليزية م ًعا. ُوج َدت نسخ ٌة من هذه المقطوعة بين أَوراق الشاعرة األميركية جوزفين ﭘْـر ِْستُن ﭘـيـ َبدي ( )1922 – 1874وهي أَو َد َعتْها مكتبة جامعة هارڨرد ،وير َّجح أَن يعو َد تاري ُخها إِلى ،1904 إِبّان عالقة جبران بها ،ولعلَّها من بدايات جبران محاولً الكتابة با ِإلنكليزية .وهو كان كتب أَهداها نسخ ًة من أَول كتبه العربية («نبذة في الموسيقى») سنة 1905وعلى غالفه َ بالعربية أَحرف اسمه ج خ ج وأَحرف اسمها ج ب ب. هذا المقطع ( َوضَ ع ُت ُه بالخط المائل لتمييزه عن سائر النص) َو َج َد ُه وليم شحادة ،واض ُع يمت في الكتاب ،على مقلب الصفحة 7من مخطوطة «الزائر األَخير» .ولكن ،ألَنّه ال ُّ كالم سياقه بأَ ِّي صل ٍة ،شكلي ٍة أَو مضموني ٍة ،إِلى نص «الزائر األَخير» الذي ليس فيه أَ ُّي ٍ شكل ومضمونًا ،في صيغة في بصيغة المتكلِّم ،وألَن هذا النص أَعاله هو ،بسياقه ً ْ وص ٍّ َ َ َ قرب أن يكون مكتوبًا لمطلع هذا النص .وقد المتكلِّم ،ر َّجح شحادة أ َّن هذا المقطع أ ُ حق .لذا أَدرجتُ ُه هنا في مطلع هذه المقطوعة. يكون على ّ شنم ُريغ هِّطَخِب ٌثالث
َ َ َ أَ ُ ْ فون دامعة. ولوت أعناقها ال زهار َبـك ًـيا ِب ُـج ٍ َ ْ المستوحدٌ ، وأناَ ، ـخطوات عرجاء عابر مت َع ًـبا ِب بقلبي ِ ٍ َ خلفي الصمت َ مامي َ أ َ الوحدة ٌ وبي خوف كثير. ُ ُُ ْ ُ جميعها الحياة سبل جئ ُت ِإلى حيث تتقاطع ِ ْ ً ً َ هناك وَ ُ جريـحة َأمام ْ وجه اليأس قعت فريسة ُ َ ُّ َ ً َّ ً ُ خفية كبرى ِترف صوبي سمعت أجنحة وهناك ْ َ ِوإذ ال َتف ُّت َ َ َّ َ ُ َ منتص ًبا أمامي كما أ ُرز َ الر ِّب على تل ٍة من لبنان. ك رأيت ِ َ ُْ َ فعرفتك َ ََْ ُ َ من ُ النور في عينيك عرفـتك ُ َ بسمة أ َّ مومية على شفتيك. ومن ٍ َ ْ بلمستك بارك َتني ِ َ وهم ْس َت لروحي هذه الكلمات: َ َ َ َ ُ ُ َ َ كشف ما خبأه الحزن لك». «دليلك أنا يا ولديِ .إتبعني فأ ِ َ َ وت ِب ْع ُتك الـم ْع َب ُر َي َّت َض ُح ً فإذا َأ َ مامنا َ واسعا ِ ً ْ َّ هر وفير مزينا ِبز ٍ َ ُ والصمت ُي ِفشي أسر ًارا َّ خفية َ ً حالم ّ أ كاشفا عن حب مستورة ِ ٍَ ُ ُ ُ زقزق َف َر ًحا كأنها َت َ حتفي َ بيع دائم بر والطيور ت ٍ ُ كانت الجداول ترق ُص َ أَ والنسيم َي ُ ُ حنان ِشفاه الغصان ـبوس ِب ٍ ُ ُ ُ ًَ ُ لتفتة ِإلى فوق والزهور جميعها م ِ ً مبتسمة تالقي ْ وج َه الشمس 520
نورشعلا لصفلا
َ َّ َ الشاطر حدك الو ُلد وأنا ِ ُ ْ َخ ْل َ في الطمأنينة َ َ َ مامي الف َرح أ وبـي ُح ٌّب كثير.10
واضح في هذه المقطوعة موضو ٌع مأْ ٌ لوف لدى جبرانُ :مرو ُر اإلنسانِ ُّ والشاق الصعب 10 ٌ ُ يائسا حيثُ تتقاطع س ُب ُل الحيا ِة جمي ُعها ،وحيثُ عناص ُر إِيمانِه في معبر الحياة ،ووقوفُه ً وأَ َملِه وق َّوتِه تغتذي من ر ْؤيا بح ِثه الدائم عن الوجه الحبيب .وهي ر ْؤيا لِجبران في الحياة وال َموت تتك َّرر في معظم نُصوصه ولوحاته. شنم ُريغ هِّطَخِب ٌثالث
الفصل الحادي والعشرون
الدير/الضريح/المتحف مار سركيس: ُ
بعد يومين على انتها ِء مراسم االحتفال في بْشَ ّري بوصول جثمان جبران (األَحد 23 آب ،)1931كانت شقيقته مريانا ومعها نسيباها م ُّرون وعساف جورج رحمة يفاوضان 1 رئيس الرهبنة الكرملية في دير مار سركيس لشرائه مدف ًنا لجبران (الثلثاء 25آب) َ 1
522
بعد الج َّناز في بْشَ ّري ،وبانتظار إِنجاز المفاوضات لشراء دير مار سركيس واستصالحه ،بقي الجثما ُن موقَّتًا مس ًّجى في كنيسة مار يوح ّنا من األَحد 23آب 1931حتى األَحد 10كانون صباح ن ْقلِه إِلى مغار ٍة في الصخر عند أَسفل الكهف في دير مار سركيس بعدما الثاني َ 1932 ت َّمت معامالت شرائه ،ليتح َّول الدي ُر كلُّه إِلى المتحف كما نعرفه اليوم .وكانت السفينة صباح ا ِإلثنين 27حزيران «سينايا» (ذات ُها التي أَقلَّت جثمان جبران) وصلت إِلى مرف ِإ بيروت َ 1932حامل ًة من نيويورك 30صندوقًا تحوي معظم موجودات محترف جبران هناك ،و73 لوحة زيتية ،و 366رس ًما ،ومئات الكتب من مكتبة جبران (بعضُ ها ب ِإهدا ٍء من مؤلِّفيها إِلى كل ذلك ت َّم بعناي ٍة شخصية وإرسا ٍل ِ مباشر من ماري هاسكل التي أَود َعت مع جبران)ُّ . الصناديق رسال ًة إِلى رئيس بلدية بْشَ ّري جاء فيها« :هذه الهدي ُة الثمين ُة ت َبلُ ُغ بْشَ ّري باسم جبران وشقيقته مريانا ،وما أَنا في كل ذلك سوى الوسيلة َاألمينة» .وكانت ماري هاسكل قامت بذلك تنفيذًا وصي َة جبران األَخيرة التي كت َبها ِ بيده نهار الخميس 13آذار 1930 رسوم وكتُب ِ وسلَع فنية، وأَود َعها مكتب إِدغار سڽاير ،وجاء فيها« :كل ما في محترفي من ٍ أُوصي به بعد مماتي للس ِّيدة ماري هاسكل ماي ِنس ،الساكنة حال ًّيا في المبنى رقم 24من شارع غاستون في مدينة ساڨانا – والية جورجيا .لكنني أَرغب إِلى السيدة ماي ِنس ،إِذا هي استنس َب ْت ،أَن ت ِ ُرسل جميع هذه الموجودات ،أَو بعضَ ها ،إِلى بلدتي بْشَ ّري» .وهي بالفعل َ َ َ كل ما يطلبه أو يقوله جبران. «استنس َب ْت» ،ألنها كانت تق ِّد ُس َّ َ
نورشعلاو يداحلا لصفلا
بِنا ًء على رغب ٍة تجلَّت منه م ّر ٍ ات كثير ًة في حياته ،هو الذي لم تغادر عينيه أَ ُ طياف طفولته في تلك البقعة الرائعة ال ُمشرفة على وادي قاديشا. من تلك «المرات الكثيرة» رسالته السبت 17حزيران 1911إِلى ماري هاسكل َ كنت مرا ًرا أَختلي داخل كنيسة مار ماما وح َّدد: وص َف لها مغار ًة في بْشَ ّري َ «هناك ُ َ كنت أُح ُّبها أَكث َر من أَ ِّي مكانٍ َّمت الكثير من تلك الخلَوات التي ُ وحدي ،وهناك تعل ُ كنت أُريد أَن أُدفَ َن هناك؟ وهل يكون آ َخر .هل أَنان ًّيا أَكون يا ماري ،أَو متَط ِّرفًا ،إِذا ُ هذا تبذي ًرا ماليًّا»؟ وقد تكون هذه الرسال ُة بالذات عادت إِلى ذهنها حين كتبَت إِليها شقيقتُه مريانا تستشي ُرها في عملية نقل الجثمان إِلى بْشَ ّري ،مستعين ًة على نفقاتِها ببعض المال مما أَورث َها شقيقُها ،فأَجابتْها ماري في رسالة السبت 2أَيَّار « :1931طب ًعا يا مريانا .طب ًعا .نَ ْقلُه إِلى مدينة بْشَ ّري ،وأَنا واثق ٌة أَ ِ نك ت َرين ذلك أَيضً ا، يستريح جثمانُه في لبنان .فَلْ َيستقبلوه هناك ،ولْ َيجعلوا ضريحه أَم ٌر رائ ٌع ج ًّدا أَن َ اض غالي ٌة ثمين ٌة من محترفه تكون تذكار ٍ ات من َمزا ًرا ،حولَه لوحات ُه ورسو ُمه وأَغر ٌ الشاعر على أَن ت ُع َر َض بشكلٍ أَنيق محفوظ ًة من خطَر النار عليها». ومن تلك «المرات الكثيرة» كذلك :في ربيع 1922كتب جبران إِلى صديقه ميخائيل نعيمه رسال ًة جاء فيها« :منذ زمنٍ ٍ بعيد وأَنا أَحلم بصومع ٍة وحديق ٍة صغيرة وعينِ ماء ( .)...أَقول يا ميخائيل إِن المستقبل س َيج ُدنا في صومع ٍة قائم ٍة على كتف وا ٍد من أَودية لبنان».2 في خريف ذاك العام ،ذاتَ صبا ٍح من تشرين الثاني ،1922في محترف جالس وجبران يرسم وجهه بالقلم جبران (الصومعة) :ميخائيل نعيمه (ميشا) ٌ الرصاص ،قال له« :ميشا ،ن َّجاني ﷲ وإِيَّاك من المدنية والمتم ِّدنين .سننجو ب ِإذن ﷲ وسنعود إِلى قمم لبنان الطاهرة وأَوديته الهادئة .ال بُ َّد لي َ ولك من الرحيل جسمي يطالبني عن هذه البالد .نفْسي ت ُطالبني بع َّزتها ،فكْري يطالبني بح ّريتهْ ، 2
ميخائيل نعيمه« :جبران خليل جبران ،م َؤسسة نوفل ،بيروت ،الطبعة الثامنة ،1978 «الملحق» ،ص.294 ُملا/حيرضلا/ريدلا :سيكرس رام
جسمي إِلَّ في لبنان .ولو براحته ،ولن أَستعيد عز َة نفْسي وحري َة فكْري وراح َة ْ كنت تعرف الصومعة التي اخترت ُها لي َ لكنت تجذبني من يدي في ولك هناك، َ َ هذه الدقيقة وتقول لي« :هيا بنا إِليها» .وهي صومعة أَصلية ال تقليدية كصومعتي هذه .هي دير قديم مهجور في ضاحية من ضواحي بْشَ ّري اسمه دير مار سركيس في جبهة وادي قاديشا عند سفح جبل األَرزُ .غ َرفُ ُه قليلة ،منها كنيس ٌة صغيرة الكلسي .هي خلو ٌة يا ميشا ال أَظن في السماء محفورة حف ًرا في قلب الجبل ّ ضت محام ًيا في طرابلس ليبتا َعه لي .هناك سنعتزل العالم يا أَجمل منها .وأَنا ف َّو ُ اليابس منها أَخض َر ميشا ،وسنحلم ما طاب لنا أَن نحلم .وسنعمل في األَرض فنح ِّو ُل َ نفاسه َ والقاحل خص ًبا وستباركنا الرياح ،وتفرح بنا الشمس ،ويحمل إِلينا الوادي أَ َ ستحب تلك قدس من مار سركيس .وأَنت ال ُملهمة .ال أَجد ملجأً أَ َ جمل وأَهنأَ وأَ َ ُّ الصومعة مثلما أَنا أُح ُّبها».3 وأَكثر بعد :في رسال ٍة إِلى ابنِ بشري نجيب خليفة رحمة (الثلثاء 22شباط َ برسائلك وما جاء فيها من مظاهر العطف والوالء «سررتُ ج ًّدا )1927كتَب جبرانُ : نت بالطبع تعلم أَن الكلمة التي تعود بي إِلى تلك األَودية وتلك الجبال والتذكار .وأَ َ لَهي عندي من الكلمات المبا َركة .ولوال ُحل ٌم في النفْس أُريد تحقيقَه في هذه البال ِد عيش في النور الذي يغمر أَصحابي وأَنسبائي األَقدمين... لرجعت غ ًدا إِلى بْشَ ّري ألَ َ ُ عيني عاجل أَم ً غير أَنني سوف أَرجع إِلى مسقط رأْسي ً آجل ،ألَنني أُريد أَن أُغ ِمض َّ آلخر مر ٍة وأُغني ُة نهر قاديشا تتم َّوج في أُ ُذن َّي».4 غريب تعل ُُّق هذا الرجل بأَرض بْشَ ّري وأَهلها ومحيطها ،كأَ َّن خياالت طفولته ٌ لم تغادر أَ َ عماق عينيه حتى بق َيت في الكثير من كتاباته ولوحاته .وبقي لدير مار سركيس أَث ٌر بالغ في نفسه حتى حلْ ِمه أَن يُمضي فيه السنوات األَخيرة من حياته. 3 4
524
الكتاب ذاته ،القسم الثالث «الفجر» ،الفصل األَول «الضباب يتبلور» ،ص.212 – 207 من إِحدى رسالتَين نش َرهما نايف وردان سكَّر في جريدته «السياسة» (السنة األُولى، العدد ،18السبت 13أَيار )1939واستعا َدهما محسن يمين في كتابه «من خلف البحار»، منشورات البيت الزغرتاوي ،الطبعة األُولى ،2019ص.76
نورشعلاو يداحلا لصفلا
من احلمل ِإىل الواقع
بسكناه ولو... ذاك كان حل َمه .فما قصة هذا الدير ،وكيف تحقَّق حل ُم جبران ُ بدون النور في عينيه؟ نسيب جبران النحات خليل جبران وزوجته جين أَن يُو ِدعا سنة 2007ق َّرر ُ «متحف ُسميَّة» (م َؤسسة كارلوس سليم في مكسيكو) معظ َم ما كان عندهما من َ أَغراض جبران (مخطوطات ،أَوراق خاصة ،رسوم ) ...،آلت إِليهما من مريانا شقيقة وثائق عن عملية شراء الدير. جبران .بين تلك األَوراق ُ في قانون رهبنة «الكرمل ّيين ال ُحفاة» ،مالك ِة الدير ،لم يَر ْد ذكْ ٌر للسماح ببيع َوقْف الدير إِلى ٍ هل بْشَ ّري التمسوا ذلك برسالة إِلى رئيس الدير، شخص فرد .لك َّن أَ َ حتى «وافق الرئيس على البيع ،تقدي ًرا منه روحاني َة جبران ،وشهرت َه العالَمية ،وأُمني َة أَهالي بْشَ ّري با ِإلجماع على ر ْؤية جبران يعود إِلى بلدته الغالية على قلْبه».5
دير مار سركيس في قلب الجبل كما كان جبران يحلم أَن يعو َد ويس ُك َنه
5
ذكَ َر هذه الرسال َة وهيب كيروز (حافظ متحف جبران منذ الثلثاء 17آب 1971حتى وفاته ا ِإلثنين 12تشرين الثاني )2012في كتابه «جبران في متحفه» (منشورات «بشاريا»، جونيه )1995ص.15 ُملا/حيرضلا/ريدلا :سيكرس رام
ِ ڽروڨيدنس، حين جاءت مريانا إِلى بْشَ ّري ،مرا ِفق ًة جثمان شقيقها من مرف ِإ صل محبس ٌة يعود بنا ُؤها إِلى ما يزيد كان الدير مهجو ًرا َخ ِربًا شبه ُمتَداعٍ .وهو أَ ً عن أَلف سنة .في أَواسط القرن السادس عشر كان البنا ُء المق َّر الصيفي للقنصل الفرنسي .وفي مطلع القرن السابع عشر اشترى الدي َر والمحبس َة «اآلباء الكرمليون ال ُحفاة» ل ُمزاولة رسالتهم الروحية في البقعة الممتدة بين وادي قاديشا واألَرز. شرقي المحبسة ،دي ًرا سنة 1701هدم الرهبان البنا َء القديم وش َّيدوا مكانه، َّ يخدمون فيه رسالتهم. فاوضت مريانا لشراء الدير جهتَها المالكة« :الرهبنة الكرملية في سوريا ولبنان» بشخص رئيسها العا ّم اإليطالي األب جيوزيۑي ماريَّا فْر ْاسكيتّي .وكانت الرهبنة ،منذ وفق االتفاق الفرنسي ا ِإليطالي ال ُم َوقَّع ،61911باتت تحت وصاية مملكة إِيطاليا َ سنة .1905 مع ب ْدء المفاوضات لم يكن لدى األَب فْر ْاسكيتّي أَ ُّي معلوم ٍة عن جبران ،لكنه استشرف في المفاوضة «مقايض ًة راهن ًة» أَرسل ألَجلها برقي ًة عاجلة إِلى مقر الرئاسة نص العامة لرهبنة الكرمليين ال ُحفاة في روما طال ًبا ا ِإلذن ب ِإتمام عملية البيع .وهنا ُّ البرقية: «الوكالة العامة للرهبنة الكرملية ،الجادة ُ ،38روما َ َْ ُ ّ اض ُبور ،يسبب لنا صغير دير لبيع ي ر ش تطالعني فرصة َمؤاتية في ب مهجور حوله أر ٍ ٍ ٍَ ٍ َ ً ضريحا لشخص مشهور. مشاكل متواصلة وال فائدة لنا منه .الغاية من البيع أن يكون َ َ َ َْ بالجماع على العمليةَ .أ ُ ّ قترح على الرهبنة أن نشتري بثمنه قطعة موافقون ي ر ش ب هالي أ إ َ ِ أَ َ َّ ً رض في طرابلس .أ ِبرقوا لنا بالموافقة لن ذوي المتوفـى مضطرون للعودة سريعا ِإلى أ ٍ َأميركاْ .فر ْاس ّ كيتي».
6 526
كما جاء في «الجريدة الرسمية لمملكة إِيطاليا» ،العدد ،176تاريخ 28تموز ،1911 ص.4835
نورشعلاو يداحلا لصفلا
قل من شه ٍر جا َءت الموافقة من روما وت َّمت عملية البيع كما د َّون عق َدها بأَ َّ بخطه األَب فْر ْاسكيتّي كما يلي:
«البعثة الرسولية للكرمليين الحفاة في سوريا ولبنان ُ َ َ أنا الموقع أدناه ،الرئيس العام للبعثة الكرملية في سوريا ولبنان ،أ ِق ُّر باستالمي من َ ً ُ السيد عساف جورج رحمة مبلغ ( )100مئة ليرة ذهبية تركية دفعة أولى من أصل ()1200 َ ُ ُ َ َ الـم َّتفق عليه لبيع عقار الرهبنة ألف ومئ َتي ليرة ذهبية تركية هي قيمة المبلغ ِإالجمالي َ الـمس َّ الذي عليه دير مار سركيس في ْب َش ّريَ ، لدى محكمة ْبش ّري بتاريخ الخميس ل ج ِ أَ َّ 6نيسان 1916تحت الرقم ،99ما عدا َ المبلطَّ . وتـم قطعتين من الرض تحت الطريق َ َ ُ صاحب التوقيع أدناه َّ مدة االتفاق على أن يتقاضى بقية المبلغ مع فوائده القانونية في ٍ َ ُ َ َ أقصاها أربعة أشهر من تاريخ توقيع هذه االتفاقية .عند انقضاء هذه المدة ،في حال َ َ َ عدم تسديد مبلغ ( )1100ألف ومئة ليرة ذهبية تركية مع فوائدها القانونية ،تبقى أرض دير َ ًّ ْ َ ُ َّ َ نهائيا ُملك الرهبنة الكرملية دون أن تترت َب عليها ِإعادة مبلغ المئة ليرة مار سركيس َ ْ َ ذهبية تركية الذي ق ِبضته اليوم. ْب َش ّ الثلثاء في 27تشرين الأَول 1931 ي، ر ج.مْ .فر ْاس ّ كيتي – الرئيس العام»
دير مار سركيس كما كان لما اشترته مريانا سنة 1931
ُملا/حيرضلا/ريدلا :سيكرس رام
قل من شهر ،كتَب فْر ْاسكيتّي ا ِإلقرار التالي: وبعد أَ َّ
«البعثة الكرملية في سوريا ولبنان ُ َ َ أنا الموقع أدناه ،الرئيس العام للبعثة الكرملية في سوريا ولبنان ،أ ُّقر باستالمي ُ تسديد من السيد عساف جورج رحمة مبلغ ( )6090ستة آالف وتسعين ليرة سورية هو َّ َ ً المتفق عليه سابقا (ستة آالف ليرة مع فوائدها) لبيع عقار البعثة المعروف بدير المبلغ ُ َ َّ مار سركيس في ْبش ّري (لبنان) .وبذلك أ ُّقر بقبض البعثة جميع مستحقاتها. طرابلس ،الجمعة 20تشرين الثاني 1931 ج.مْ .فر ْاس ّ 7 كيتي – الرئيس العام»
َّ ال� ي� َ من ض ذات يوم ِإىل املتحف لك يوم
تلك قص ُة الدير وكيف تحقَّق حلم جبران. كأَنه ،وهو يدخل غيبوبته األَخيرة على سرير المستشفى ليلة الجمعة 10 نيسان ،1931أَغمض عينيه وهو يحلم بأَن يعود إِلى وادي قاديشا. 7
528
صل با ِإليطالية ،أَثبثَها با ِإلنكليزية الباحثُ ا ِإليطالي الوثائق الثالث ،ال ُمد َّون ُة أَ ً هذه ُ فرنشيسكو ِمديتْشي والمحامي األَميركي اللبناني األَصل تشارلز معلوف سماحة في موقع الي اللبناني األصل ْغلِ ْن كَلِ ْم ،ونقلَتْها إِلى الفرنسية والعربية «مجموعة جبران» لألستر ّ الباحث ُة مايا الحاج من جامعة سيدة اللويزة – زوق مصبح .وعند نشْ ر هذه الوثائق عل ََّق ِمديتْشي وسماحة بما يلي« :في سيرة ميخائيل نعيمه عن جبران ختَ َم نعيمه س ْرد حديث جبران عن دير مار سركيس بشكل ٍ طويل في مار سركيس. قاس ُم ٍّر والذع إِذ كتب« :تح َّدث ْنا ً َ ِ وال َّ شك في أَن األَقدار التي كانت ت ُصغي إلى حديثنا كانت تضحك م َّنا ،ألنها كانت تعلم َ ِ موقف وهذا نعش». في يدي أل ا على محمولً لَّ إ الصومعة تلك يدخل َ لن ان ر أَن جب ٌ سف من نعيمه صديقًا لجبران .وعلى عكس الموقف يَج ُمل التفكير بأَ َّن تلك «األَقدار» م ْؤ ٌ جانب من بل ٍَد ذاتها ،وقد ال تكون حت ًما س ِّيئَة النوايا ،شا َءت أَ َّن با ِدر ًة استثْنائي ًة لرهبانٍ أَ َ داخل المكان الوحيد آخر ح َّققَت لجبران أُعجوب ًة مزدوجة :أَن ي َؤ ِّمنوا له الراحة األَبدية َ في العالم تمنى أَن يستريح فيه ،وأَن يُتيحوا لشجرات األَرز المهيبة فوق وادي قاديشا أنَ ت َضُ َّم مج َّد ًدا ول َدها األَ َح ّب».
نورشعلاو يداحلا لصفلا
كان أَوصى شقيقته مريانا بشراء دير مار سركيس على كتف الوادي ليكون مسترا َحه. كتب إِلى صديقه البش ّراوي يوسف طربيه رحمة طال ًبا منه أَن وكان عام َ 1926 يفاوض اآلباء الكرمليين على شراء المحبسة والدير ،فيجعل من األُولى مدف َنه ،ومن األَخير صومعة لف ّنه. وكان ذات يوم من 1927قال لصديقه ميخائيل نعيمه« :أُمنيتي ،يا ميشا ،أَن أَزور وادي قاديشا قبل أَن أَموت» ،وكان قال له في جلسة تشرين الثاني :1922 ضت محاميًا في طرابلس «هي خلو ٌة يا ميشا ال أَظ ُّن في السماء أَجمل منها .وأَنا ف َّو ُ ليبتاعها لي». هذا هو ا ِإلطار الذي وعى جبران عليه في طفولته :مغارة في الجبل ،محبسة، ٍ صمت كنيسة ،دير ،تراث روحي ،طبيعة ساحرة حول وادي قاديشا الساحر ،في كل يوم ،حكاي ًة من عهد جبران. كأَنما يُكمل اليومَّ ، تُراه ،سنة ،1895قبل أَن يغادر بْشَ ّري مع أُمه وأَخيه بطرس وشقيقتَيه مريانا َت مر ًة أَخير ًة إِلى الدير ،وقال في صمته: وسلطانة إِلى «األَرض الجديدة» ،الْتَف َ «سأَعود»؟ فعل عاد. وهو ً أَربع سنوات ساهمة عاد إِلى لبنان ( )1902 – 1898وتمتَّعت عيناه ب ُر َؤى قاديشاوية قَ ُّنوبين َّية بق َي ْت على أَهداب ريشته وقلمه طوال «منآه» في أَميركا. وكم مر ًة نوى أَن يعود ليختم حياته في لبنان! وهو ختَ َمها ...إِنما ق َد ُره كان أَن يرى بعي َنين مطُفأَت َين َمثواه األَ َح َّب الذي تم َّناه السكون، يو ًما ،وبات متح َف ُه َّ كل يوم ،غام ًرا إِرث َه الكبير ،هانئًا عند لحف الجبل ،يلفُّه ُ ويمت ُّد أَمامه الوادي المهيب. هنا جول ٌة في مبنى الدير الذي بات اليوم متحفًا يتشكَّل من 15غرفة. غرفة أُولى ت َض ُّم كتُب جبران وكتبًا عنه .ث ّم غرفة «ينبوع النبي» تسقسق فيها ميا ٌه عذبة من نبعٍ في قلب الصخر .في غرفة ثالثة موجودات من «صومعة» ُملا/حيرضلا/ريدلا :سيكرس رام
جبران في نيويورك حيث أَمضى آخر عشرين عا ًما من حياته ( .)1931 – 1911بين الموجودات :صندوقة خشبية ،كرسي مكسورة ال ِّر ْجل الرابعة ،كَر ٍاس عتيقة ،مرآة عتيقة ،ركوة قهوة (كان يُ ِح ّب أَن يُه ِّيئ بيده قهوته اللبنانية لزواره) ،أَوانٍ عتيقة، المصلوب. خارج هذه الغرفة تتوزَّع األَعمال معروض ًة على الجدران في عناية وصيانة. في غرف ٍة أُخرى دفات ُر بخط جبران :خربشاتٌ وأَفكا ٌر ومقاط ُع وكلماتٌ منثور ٌة َو َجدَ بعضُ ها طريقه إِلى الكتب التي صد َرت .على إِحدى الصفحات مطلع قصة «الرفيقة األَثيرية» بدأَ يكتبها بالقلم الرصاص. في زاويتَين كبيرتين من غرفة أُخرى مكتبتُه التي كانت لديه رفوفًا مك َّدس ًة في «الصومعة» :عشرات الكتب با ِإلنكليزية لشعراء كبار وفالسفة وأُدباء .بعضها ُمهدى إِليه بخط الم َؤلِّف. عمل بين زيتي ومائي ورصاصي اللوحات المعروضة في المتحف تبلغ ً 150 عمل.8 وطبشوري .المجموعة الكاملة ً 440 ُزول في أَدراج صخرية لولبية م َؤدية إِلى تحت ،إِلى نهاية عمق الدهليز، ثم ...ن ً إِلى المغارة التي شا َءها مسترا َحه األَخير. الفضي داخل ها نحن «عنده» في غرفة المحبسة التي تحتضن رفاته :هنا تابوته ُّ الكوة المحفورة في قلب الصخرُ :م َزنَّ ٌر بسلسلتَين تحميانه من أَن يَفتحه غُالة الزوار. وعلى التابوت شهادة« :هذا تابوت جبران خليل جبران .والجثمان تم تحنيطه». 8
530
هي التي لدى المتحف في بْشَ ّري .وأَفا َدني حافظ المتحف حاليًّا جوزف جعجع أَن ٍ عمل لدى متحف أَكاديميا تِلْفير مجموعات أَخرى يُق ِّدرها بما يلي :نحو ً 80 في العالم عمل لدى متحف ُسم َّية (ساڨانا – جورجيا ،وهي مجموعة ماري هاسكل) ،ونحو ً 80 (مكسيكو سيتي ،هي مجموعة خليل وجين جبران التي اشتراها كارلوس سليم) ،و6 أَعمال لدى متحف متروڽوليتان – نيويورك ،و 4أَعمال لدى متحف فوغ (جامعة هارڨرد)، وعمالن لدى متحف الجامعة األميركية في بيروت ،وعمل واحد لدى متحف اللوڨر – ڽاريس ،عدا لوحات أُخرى في أَماك َن عد ٍة بينها ما كانت ت ُشكِّل مجموع َة باربره يونغ.
نورشعلاو يداحلا لصفلا
التوقيع« :قنصل فرنسا في الواليات المتحدة» (كان ال ب َّد من شهادته وموافقة فرنسا ٍ فترتئذ تحت االنتداب الفرنسي). لينتقل الجثمان من نيويورك إِلى لبنان الْكان الواطئ الذي طالما كان يستلقي عليه حين يَ ُعو ُده زوا ُره في نيويورك هنا سريره ُ المصلوب فوق السرير الذي عليه تكَّايات مل َّونة .حول السرير :طاول ٌة وهو مريض. ُ مستديرة كتَب عليها معظم م َؤلَّفاته ا ِإلنكليزية والعربية ،والجدارية القماشية الكبيرة التي كانت في محترفه (وله ص َو ٌر ع َّد ٌة أَمامها) ث ّم خزانة كبيرة فيها جواري ُر صغيرة كان يضع فيها بعض الريشات واألَلوان وقط ًعا صغيرة كان يحتفظ بها. ماذا عن الجثمان؟ والكشف على الجثمان ،كانت سنة .1974كان فتح التابوت ُ آخر مرة ت ّم ُ ٍ فترتئذ وهيب كيروز. الجثمان تع َّرض لبعض اهتراء ،على ما يتذكَّر حافظ المتحف أَغراض جبران التي وصلت من محترفه في نيويورك نهار ا ِإلثنين 27حزيران ،1932ت ّم إِيدا ُعها موقَّتًا في «مدرسة رشيد عريضة الرسمية» ،ث ّم تنقَّلت في أَكث َر من مكان قبل أَن تستقر في مكانها :ال ُمتحف اليوم. حين َع َّينت «لجنة جبران الوطنية» فريد سلمان مستشا ًرا لها سنة ،1971كَشَ ف على تلك الموجودات الواصلة من نيويورك ،ووجد بينها رسالتَين فيهما رغب ُة جبران أَن يُدفَن في دير مار سركيس .وأَسن َدت اللجنة إِدارة المتحف إِلى وهيب كيروز. الخميس 17تموز 1975أُق ِفل المتحف بسبب األَحداث ،وأُعيد فتحه سنة 1992وعاد الز ّوار يتوافدون إِليه بعد طول إِقفال. وما زال جبران يستقطب ر َّوا ًدا لبنانيين وأَجانب إلى لوحاته وإِلى كتبه التي باتت مترجم ًة إِلى أَكثر لغات العالم ،9وإِلى متحفه الذي ي ْنزوي مغار ًة في لحف 9
في آخر إِحصا ٍء أَن «النبي» بات مترج ًما إِلى 111لغة ،كما أَعلن بالوثائق البصرية الباحثُ اإليطالي فرنشيسكو ِمديتشي في «المؤتمر الدولي الخامس للدراسات الجبرانية» الذي ع َق َد ُه في «معهد العالم العربي» (ڽاريس) «مرك ُز التراث اللبناني» في الجامعة اللبنانية األميركية – بيروت ،و«كرسي جبران» لدى جامعة ميريالند األَميركية ( 3تشرين األَول .)2019 ُملا/حيرضلا/ريدلا :سيكرس رام
دير مار سركيس – الصومعة – متحف جبران هنري زغيب إِلى تابوت جبران السبت 6كانون الثاني 2018 في الذكرى 135لوالدة جبران (السبت 6كانون الثاني )1883
الجبل تستقطب إِليها ر َّوا ًدا حين يخرجون من المتحف يدخلون في هالة وادي قاديشا المهيب. كوني أَ َح ُّب هو هذا ا ِإلطار الذي يستكين جبران فيه اليوم وإِلى األَبد :حضو ٌر ُس ٌّ حت ًما على قلبه الساكن من ذاك العيش يوم ًّيا داخل «صومعة» هو اصطَ َنعها عند وظل يتوق إِلى سكون بْش ِّري أَعلى المبنى في عمقِ زقاقٍ نيويوركي رهيب الضجيجَّ ، ٍ باح ببعضها ألَقرب أَحبابه ،وخ َّبأَ في وهدأَة مار سركيس، وحكايات من طفولته كم َ البعض اآلخر. ضجيج صمته َ ظل سكينة مار سركيس ،ت ُستعا ُد حكاياتٌ بعضُ ها أُ سطوري كل يوم ،في ّ وال تزال َّ ٌّ واقعي ،عن فتًى حالم غادر تلك البقع َة «في الس َن ِة الثانية عشرة ،في وبعضُ ها اآل َخر ّ حامل وز ٍ َنات ما زالت تَتَ َس ْن َب ُل حتى اليوم. السابع من شهر الحصاد» ،10وعاد إِليها ً 10من مطلع كتاب «النبي». 532
نورشعلاو يداحلا لصفلا
الفصل الثاني والعشــرون
:2020ثالث م َئويات جبرانية
وأَنا أُن ِج ُز المرحلة األَخيرة من كتابي الوثائقي هذا عن جبران في نهاية العام الماضي ،طال َعتْني ثالث ُة تواريخ مئوية لجبران في .2020 األَول :مئَوية «الرابطة القلمية» بنسختها الثانية .فاألُولى في نيسان 1916 ُ انشغال جبران والريحاني في العمل على مساعدة لم ت ُع ِّمر ولم تُثْمر ،أَجهضَ ها اللبنانيين في الوطن بنشاطهما في «لجنة إِعانة المنكوبين في سوريا وجبل لبنان». نائب رئيسها نجيب كُسباني ،وجبران كات َم أَسرارها .بعد انحسار كان الريحاني َ الحرب تش َّكلَت «الرابطة» بصيغتها المعروفة ،إِبَّان اجتما ٍع في جريدة «السائح» مسا َء الثلثاء 20نيسان ،1920في ختامه دعا جبران رفاقه إِلى محترفه مسا َء األَربعاء 28نيسان .وفي تلك السهرة ول َدت الصيغة الجديدة لـ «الرابطة القلمية»، د َّون ميخائيل ن َعيمه محضر جلستها التأْسيسية وجاء فيه ا ِإلجما ُع على انتخاب جبران عمي َدها ون َعيمه مستشا َرها ووليم كاتسفليس أَمي َن الصندوق. الثاني :مئَوية كتاب «العواصف» .ص َدر في آب 1920عن منشورات «دار الهالل» (القاهرة) ،وهو ِ بطلب من مدير المنشورات إِميل آخر كتُب جبران بالعربية ،جم َعه ٍ لح على جبران أَن يجم َع ضُ َّمة زيدان (ابن جرجي زيدان م َؤسس «الهالل») وكان أَ َّ من مقاالته في «السائح» و«الفنون» و«مرآة الغرب» وسواها. 533
الثالث :مئَوية كتاب «السابق» .ص َدر في تشرين األَول 1920لدى دار «كنوف» (ناشرة جميع كتبه ا ِإلنكليزية بد ًءا من «المجنون» سنة .)1918عن «السابق» ذك َرت باربره يونغ في كتابها «هذا الرجل من لبنان» (نيويورك )1945أَنها «مقطوعاتٌ ت َرجم جبران بعضَ ها عن أَفكا ٍر سابق ٍة كان د َّونها بالعربية .وفي الكتاب مسحة ساخرة ،ثاقبة الر ْؤيا من وراء نقاب الوهم ،ال في مرارة (كما في «المجنون») بل في مناخ من الحب والتَوق» .وت َشرح يونغ في مكان آخر أَن «صدوره ج َمع حول جبران أَصدقاء ومعجبين كُثُ ًرا وتتالت ترجماته لِما في قصصه من شكل متمي ٍز في قديم غي ِر غامض ،اعتمده جبران أُسلوبًا فري ًدا وسري ًعا ِإليصال الحقيقة .من الشرقٍ ، تلك القصص« :العالِم والشاعر»« ،من أَعماق قلبي»« ،البهلول» .وآخر مقطوعة في الكتاب« :الهجعة األَخيرة» تشي في كيان الشاعر بفهم عميق يلغي ما قبله من شعو ٍر أَدنى أَو فَ ْهم أَقل» .وتختُم يونغ« :ال أَعرف كات ًبا معاص ًرا عالج هذا النمط كل كاتب معاصر .وبذا كان «السابق» سابقًا ظهو َر «النبي» بهذه البراعة .فهو ت َ َح ٍّد َّ بعد ثالث سنوات». هكذا انط َوت 2020على ثالث مئَويات جبرانية («الرابطة القلمية»، «العواصف»« ،السابق») م َؤكِّ َد ًة تكرا ًرا أَن هذا الجبران األُعجوبي مات ذات يوم لكنه ما زال يولَد كل يوم ،كأَ ِّي ٍ رض ثم ال يعود يجي ُء هذه األَ َ خالد في الزمان ْ يغادرها ،ولو غادر منه الجسد.
534
نورشعلاو يناثلا لصفلا
الفصل الثالث والعشــرون
«المجهولة» ڤرجينيا حلو «كاشفة» رسائل الحب بين جبران وماري هاسكل ِخلْتُني سأَخت ُم الصفحات األَخيرة من هذا الكتاب ،وأَطوي آخر وثائقه دون أَن أَتمكَّن من كشْ ف الغامض حول سيِّد ٍة أَميركي ٍة باقي ٍة مجهول ًة لي ولجميع َمن كتبوا عن جبران حتى اليوم. إِنها ڨرجينيا حلو. قبل أَيَّ ٍام من إِنهائي هذا الكتاب ،انفت َحت بعض ضوء ،حين أَمامي فرص ٌة فت َحت لي َ كتاب عن جبران، ميركي يعمل على ٍ راسلَني أَ ٌّ ع َّرف لي عن اسمه :دالْتون حلو أَي ْن ُهورن، ذاك ًرا أَنه اب ُن ڨرجينيا حلو. لنسج من هنا بدأَتْ تلْت ُّم أَمامي خيوط ْ صورة هذه الس ِّيدة التي جمي ُع من درسوا جبران استعانوا بكتابها «النبي الحبيب: رسائل الحب بين جبران خليل جبران وماري هاسكل ،ودفاتر يومياتها الحميمة» ،ولم يَذكُر منسقة الكتاب. أَح ٌد منهم كلم ًة واحدة عن ِّ غالف الطبعة األَصلية ()1972
535
ماري هاسلك حافظة ِإالرث
بعد وفاة جبران في نيويورك (الساعة 10:55ليل الجمعة 10نيسان )1931 وفتْح وصيَّته ( السبت 12نيسان) ،تبيَّن أَنه أَوصى بتركته المالية لشقيقته مريانا، هاس ِكل التي ِب َريع م َؤلفاته لمدينته بْشَ ّري ،وتركته الفنية للسيدة ماري إِليزابيت ْ أَهداها (بعبارة «إِلى )»M.E.Hبعض م َؤلَّفاته العربية. َ محترف جبران (االثنين 20نيسان) وج َدت في زيارة ماري هاسكل األَخيرة جميع رسائلها إِليه في صندوقة صغيرة قرب سريره ،وكان محتفظًا بها طيلة سنوات مراسالتهما م ًعا ( 23سنة .)1931–1908 :حز َمتْها واستقلَّت قطار الليل عائد ًة بها جنوبًا إِلى بيتها في ساڨانا (جورجيا) ،تواصل حياتها الهادئة مع زوجها فلورنْس مايْ ِنس (تز َّوجتْه سنة .)1926وهناك ض َّمت مجموعة رسائلها إِليه ( 290رسالة) ورسائله إِليها ( 325رسالة) ،واحتفظَت بها وبمجموعة 47دفتر يوميات هي مذكرات ُها الخاصة عن عالقتها به وموج ٌز عن أَفكاره وأَحاديثه إِليها في مواضيع أَدبية وفكرية وعامة. ظلَّت هذه «الثروة» الغالية لديها حتى 1959حين شعرت ب َو ْهن في جسدها وذاكرتها ،فأَرسلَت بمجموع الرسائل والدفاتر إِلى قسم «الوثائق النادرة» لدى مكتبة جامعة نورث كاروالينا في مدينة تشاﭘـل ِه ّل ،حيث ال تزال حتى اليوم محفوظ ًة ٍ سنوات توف َيت ماري في مأْوى للعجزة ذخ ًرا ثمي ًنا تحت مراقبة مش َّددة .بعد خمس (الجمعة 9تشرين األَول .)1964
ْ التلكيف فالتأليف بعد ثالث سنوات ( )1967كتب المحامي الياس شمعون بوكالته عن مريانا (شقيقة جبران) إِلى الس ّيدة ڨرجينيا حلو يف ِّوضها قانون ًّيا أَن تذهب إِلى جامعة نورث كاروالينا حيث ستسمح لها ا ِإلدارة بالدخول إِلى عشرات الصناديق المرقَّمة والم َؤ َّرخة والمفَهرسة في مجموعة هاسكل/ماي ِنس ،وفتْحها واقتطاف ما يشكِّل 536
نورشعلاو ثلاثلا لصفلا
منها «تأْليف» مادة جديدة تصدر في كتاب .وكان شريكًا في التكليف كذلك السيد أَبراهام مايْ ِنس ابن شقيق فلورنس مايْ ِنس (كان ت ُوفي في 3أَيلول .)1936 وهكذا كان :استأْذنَت ڨرجينيا حلو مديرها لدى منشورات هارڽر (حيث كانت، بين أُولَيَات النساء في أَميركا ،تعمل في تحقيق المخطوطات وتنسيقها وتحريرها وتنقيحها وإِعدادها للنشر) ،وانصرفت إِلى ف َِّض رسائل جبران وماري ودفاتر مخطوطاتها ،لتُصدر أَول كتاب عنها يكون مرج ًعا أَ َ ول وأَساس ًّيا للدراسات الجبرانية. تلك كان شُ هرة ڨرجينيا حلو المهنيَّة في عالم النشْ ر .وكانت تتقن العربية ما ساعدها على بناء عالقة متواصلة مع مريانا جبران التي ،رغم حياتها الطويلة في بوسطن (نحو 70سنة) لم تكن تتقن ا ِإلنكليزية.
من يه؟
عن دالْتون أَ َّن والدته ڨرجينيا من أُصول لبنانية .ج ُّدها نسيم حلو ،من شمال لبنان ،وفي «مشتى الحلو» السورية فر ٌع من تلك العائلة .مع اشتداد الحرب العالمية األُولى والخوف من «سفر برلك» ،هرب نسيم واب ُنه إِلى الواليات المتحدة ڽيتس ُبرغ (ڽنسيلڨانيا) .ومن زواج اب ِنه ُول َدت ڨرجينيا سنة ،1929 وسكن في مدينة ْ وعاشت في أُسرة بقيَت تتكلم العربية إِلى اكتسابها لغة األَميركان .بدأَت ڨرجينيا تدريسا ،وتحري ًرا في صحف محلية ،حتى تمكَّنت من مهنة التحرير حياتها المهنية ً ( )editingفانتقلت إِلى نيويورك منتسبة إِلى م َؤسسة هارﭘـر ( ،)Harperإِحدى أَكبر دور النشر األَميركية في تلك الحقبة (تأَسست سنة .)1833وبق َيت تعمل لديها طيلة حياتها ،حتى وفاتها بالسرطان عن 47عا ًما سنة .1976 ٍ سنوات كاملة غارقة بين في مكتبة جامعة نورث كاروالينا أَمضَ ت ڨرجينيا أَربع 10660صفحة هي مجموعة جبران وماري ،بين رسائل ومذكرات ويوميات وتدوين انطباعات .وإِذ لم يكن ممك ًنا إِصدا ُر تلك الصفحات جميعها ال في مجلد وال في أَكثر، نسقتْها وبَ َّوبَتْها َوفْق تسلسلها الزمني :الرسالة األُولى اختارت منها نحو 450صفحةَّ ، كساه يرامو ناربج نيب بحلا لئاسر »ةفشاك« ولح اينيجرڤ »ةلوهجملا«
غالف الترجمة العربية ()1974
من جبران في ڽاريس إِلى ماري (الجمعة 2تشرين األَول ،)1908والرسالة األَخيرة من جبران في نيويورك إِلى ماري (ا ِإلثنين 16آذار ،1931قبل وفاته بثالثة أَسابيع). سنة 1971أَظهر التشخيص الطبي إِصابة ڨرجينيا بالسرطان في الدماغ ،ما قد يه ِّدد صفاء تفكيرها وقدرتها على التركيز ،لذلك راحت تستعجل مراجعة األَوراق المتراكمة أَمامها قبل أَن يغدر بها السرطان.
كتا� الرسائل ً ...ب
عندما ارتأَت أَن ت ُنهي تلك االختيارات ،كت َبت ڨرجينيا مقدم ًة لها ،جاء فيها: وتلخيصا وصياغ ًة ،وه َدفي نصوصا عالجتُها اقتطا ًعا ْت بين آالف األَوراق «اقتطف ُ ً ً تركت قصة العالقة بين تقديم مختارات تفيد المهت ِّمين بهذا الموضوع .وغالبًا ما ُ جبران وماري كما هي بنقْل كالمهما حرف ًّيا ( .)...لم أُ ِشر إِلى المحذوفات حيث مثل من 18صفحة ،اختصرت ُها إِلى صفحة أَو اثنتَين ،فيما لجأْت إِليها ،فبعض الرسائل ً فت ببعض األَسماء حيثما وجدتُ ذلك ضروريًّا لفهم نصوص أُخرى أَوردت ُها حرف ًّيا .وع َّر ُ ٌ النص (َ .)...من يرغب زياد ًة في التنقيب والدراسة ،فَلْيَتَّجِه إِلى قسم المخطوطات النادرة في جامعة نورث كاروالينا». 538
نورشعلاو ثلاثلا لصفلا
سنة 1972تسل َمت المخطوط َة في نيويورك م َؤسس ُة «كنوف» (ناشرة جميع م َؤلفات جبران ا ِإلنكليزية منذ «المجنون» سنة .)1918صدرت الطبعة األُولى من الكتاب بعنوان «النبي الحبيب – رسائل الحب بين جبران خليل جبران وماري مذهل ً هاسكل ،ودفاتر يومياتها الخاصة» في 448صفحة حج ًما وسطًا ،فكان رواجه فور صدوره ،نظ ًرا ألَهميته في كشف ُم َخبَّآت نادرة عن حياة جبران لم يَصدر أَ ٌّي منها في أَ ٍّي من م َؤلفاته ،وهي عن سيرة جبران التي لم ي ُعد ممك ًنا من دونها ف ْه ُم جبران سير ًة ونتا ًجا. سنة 1973حصلَت دار «كوارتت» للنشْ ر (لندن) على ا ِإلذن من «كنوف» بطبع الكتاب في إِنكلترا ،ومن يومها ال يزال يَصدر طبع ًة بعد طبعة ،وترجم ًة بعد ترجمة في الكثير من لغات العالم.
الطبعات العربية العربية غ ِن َمت دورها من هذا الكتاب ،فصدر في بيروت سنة 1974لدى دار «األَهلية للنشر والتوزيع» بترجمة األَب لوران فارس ،ومراجعة يوسف الحوراني، في ثالثة أَجزاء :األَول لسنوات ،1913 – 1908 الثاني لسنوات ،1919 – 1913والثالث لسنوات .1931 – 1919وصدر العنوان «نبي الحبيب» ال «النبي الحبيب» كما العنوان األَصلي. قسط وكانت تلك الرسائل نالت قبلذاك ْ صدور بعضها حين اطَّلع عليها في تلك المكتبة الجامعية الشاعر توفيق صايغ ،فاختار منها ٍ باقات نشَ َرها في عددين متتال َيين من مجلته «حوار» :العدد – 22السنة الرابعة – العدد كتاب توفيق صايغ ()1966
كساه يرامو ناربج نيب بحلا لئاسر »ةفشاك« ولح اينيجرڤ »ةلوهجملا«
الرابع – أَيار/حزيران ( 1966ص ،)48 – 5والعدد – 23السنة الرابعة – العدد الخامس – تموز/آب ( 1966ص ،)43 – 5ثم جم َعها في كتابه «أَضواء جديدة على جبران» (.)1966
...وما زال يولد لك يوم
عن دالْتون حلو آين ُهو ْرن أَن والدته لم تقتطف سوى 450صفحة (بين 10660 صفحة) من «ثروة» مجموعة جبران/ماري هاسكل .هذا يعني أَ ْن يبقى لالكتشاف بع ُد أَكثر من 10آالف صفحة. إِنه جبران ،الخال ُد الذي مات ذات يوم وما زال يولد كل يوم :في طبعة جديدة، في بالد جديدة ،في لغة جديدة ،في «ثروة» مكتشَ فة جديدة ،كتلك األَوراق التي، في جامعة نورث كاروالينا ،ت ِ َنتظر َمن يُكْمل االطِّالع عليها ،لنشْ رها في مجلد ،أَو مجلدات ،ل ُيشرق منها نو ٌر جدي ٌد على الذي كأَنه كان عارفًا تما ًما مصي َره أَ ْن لن «قليل بع ُد ،لحظة يموت ولو مات ،لذا اختَتَم كتابه «النبي» ( )1923بهذه الر ْؤياً : راحة فوق الريح ،وسوف تَلِ ُدني امرأَة أُخرى».
540
نورشعلاو ثلاثلا لصفلا
الفصل الرابع والعشرون
جبران األعمى بين لعازر وحبيبته
كان ذلك قبل ربع قرن.1
وكنت على منبر الصالة الكبرى المل َحقَة بكنيسة «س ِّيدة أَرز لبنان» في ُ بوسطن ،أُلقي ضُ ّم ًة من قصائدي في أُمسي ٍة ِشعري ٍة د َعتْني إِليها الجالي ُة اللبنانية في أَيَّار .1994 كان يغبطني ،في تلك األُمسية ،أَمران: 2 )1أَنني على مساف ِة َم ْب َن َي ْين من ذاك الذي كان يسكنه جبران وشقيقته مريانا يام ويرتاح فيه إِلى استقبال أَصدقائه القالئل حين يأْتي من نيويورك بضع َة أَ ٍ صيفًا لدى شقيقته، )٢أَنني في َح َرم الكنيسة التي لم يكن يدخلها جبران ،لكنه ُس ِّج َي فيها نها َر َوداعه األَخير. 1
2
مق ِّد َمتي ل َمسرحيَّتَي «األَعمى» و«لِعازر وحبيبته» .كَتَبَ ُهما جبران با ِإلنكليزية ولم يَنشُ ْرهما. و َج َد ُهما خليل جبران وزوجتُه جِين مخطوطَتَيْن بين أَوراقه التي آلت إِليهما من شقيقته مريانا بعد وفاتهُ .ص ْغتُ ُهما بالعربية ونَشَ َرتْ ُهما مشكور ًة «لجن ُة جبران الوطنية» بالعربية وا ِإلنكليزية في ُجز ٍء واحد ت َق ِّدمه هدي ًة لز َّوار متحف جبران في بْش ِّري. الكنيسة على شارع تايْلُر في المبنى رقم ،78وجبران كان يسكن ومريانا في المبنى رقم .76 541
خالل إِلقائي قصائدي ،كان في مق ِّدمة الحضور رجل في نحو السبعين يُصغي السماع بل في التلقِّي. لي في ما بدا لي أَن يفصلني عنه ُ طيف غمام ٍة بعيد ٍة ال في َ إِ َّ فكَّرتُ بعد حينٍ أَ ْن قد يكون أَميرك ًّيا من أَصل لبناني لم يَ ُعد يفهم العربي َة بعد نأْيِه عنها لسانًا وحيا ًة يومية. ما إِن غادرتُ المنبر في نهاية قرا َءاتي حتى تق َّدم مني الر ُجل ،تسبِقه بسم ٌة من رضا وسرور ،وخاط َبني ِب ِإنكليزيَّ ِته األُ ّم: كنت أُصغي كنت أَطرب لسما ِع َك ت ُلقيه باللغة التي ُ – لم أَفهم شع َرك لكنني ُ إِلى ابن عمي جبران يقرأُ بها لز َّواره. ابن ع ِّمه جبران؟! استفسرتُ فجا َء جوابُه برقًا َسطَع: – نعم .جبران خليل جبران .هو اب ُن ع ِّم أَبي نقوال .وهو الذي كان َع َّرابي في المعمودية وفي هذه الكنيسة بالذات ،وهو الذي س َّماني «خليل» على اسمه األَدبي الذي كان به يُع َرف في أَميركا ،وبه أَصدر كتُبَه ا ِإلنكليزية. أَنا إِذًا أَمام الن َّحات البوسطني خليل جبران الذي وضَ َع ،مع زوجته مفصلة وموث َّقة جِين ،أَه َّم بيوغرافيا َّ عن جبران. جين وخليل جبران ِ ناش َرا الكتاب ،في زيارتِهما سنة ْ 2006ستْراتْفُورد ،Stratford-upon-Avon بلد َة شكسـﭙـير ( ُولِد وتُ ُوفِّي فيها.)1616–1564 :
سارعت لم يطُل حديثي إِليه عن اهتمامي بجبران وكتاباتي الكثيرة عنه ،حتى ُ ياي لزيارته. إِلى قبول دعوته إِ َ بترحاب زا َده تعريفُه إِياي لها ،وإِذا في منزله/المحترف ،استقبلَتْني زوجتُه جِين ٍ ٍ ٍ ومخطوطات وأَوراقٍ من جبران ،تركَتْها مقتنيات بي معهما في جول ٍة على جواه ِر «عمتي مريانا» ،كما اعتاد أَن يس ِّميها ،هو الذي كانت تحنو عليه منذ طفولته .كان 542
نورشعلاو عبارلا لصفلا
فتى في العاشرة عند وفاة شقيقها الشاعر ،حتى إِذا شَ َّب و َه ِر َمت فص َّم َمت على االنزواء إِلى مأْوى للع َجزة – 3وكانت تجهل القرا َءة بالعربية وطب ًعا با ِإلنكليزية –، وكل ما َآل إِليها من محترفه كل ما كان شقيقُها جبران ترك لديها في البيتَّ ، أَعطتْه َّ في نيويورك بعد وفاته.4 من تلك األَوراق الكثيرة التي تج َّمعت لديه ،صا َغ وزوجته الطبع َة األُولى من سيرة جبران في كتابه البيوغرافي «خليل جبران – حيات ُه وعالَمه» ،5وتتالت بعدها طبعاتٌ ثالثٌ لرواجه الواسع وص ْدق وثائقه. ٍ ومخطوطات من جبران راح يب ِّوبُها تبا ًعا ،ويُصدر ما كان اكتن َز لديه أَوراقًا ً مكتمل منها ،بينها مسرحية «لِعازَر وحبيبَتُه» ،6ومسرحية «األَعمى» 7وكلتاهما حواري ٌة من فصل واحد. بعد تلك الجولة الـممتعة على ما لدى خليل من كنو ٍز جبرانية ،لم أَخرج من محترفه إِلَّ بكتاب وقَّ َع ُه لي وزوجته ،يحمل المسرح َّيتَين م ًعا.8 ٍ ومنذ ربع قرن ،والكتاب ماثل أَمامي في مكتبتي ،حتى إِذا أَنـج ْزتُ إِعدادي «هذا الرجل من لبنان» عن كتاب باربره يونغ بالعنوان ذاته وسائر ما كتَ َبتْه عن ٍ مطبوعات أُخرى ،وبعض ما وج ْدت ُ ُه عن جبران غي َر منتش ٍر لدى قراء اليوم، جبران في أَ وقت هذا الكتاب/الهدية من ناش َريْه ،فانصرف ُْت إِليه. حسست أَ ْن جاء ُ ُ
3
انتقلت إِليه سنة 1968في بداية فقدانها الذاكرة ،وتُ ُوفِّ َيت فيه مسا َء الثلثاء 28آذار 1972 عن 88عا ًما. ليل الجمعة 10نيسان .1931 الساعة َ 10:55
4 Kahlil Gibran, His life and world, New York Graphic Society, 1974. 5 Lazarus and His Beloved, first printing, New York Graphic Society, 1973. 6 The Blind, 1982. 7 Dramas of Life – Lazarus and his beloved, and The Blind 8 The Westminster Press, Philadelphia, 1982.
يبحو رزاعل نيب ىمعألا ناربج
هذا الشكل الحواري في النصوص ،اعتم َده جبران في بعض كتاباته العربية، ُصوصا حواري ًة قصير ًة ذاتَ مشاه َد وأَ ٍ شخاص ،منها «الصلبان» ،9و«إِ َرم ذات ن ً العماد» ،10و«ملِك البالد وراعي الغنم» .11ولم ت َ ْخ ُل كتاباتٌ له أُخرى ،بالعربية السرد وظه َرت في «النبي» و«حديقة وا ِإلنكليزية ،من حوارات عادية اقتضاها َ النبي» و«األَجنحة المتكسرة» وقصص «األَرواح المتمردة» وسواها. على أَن النص األَط َول مسرح ًّيا هو الذي ح َّركه جبران في اثنين« :لِعازر» واألَعمى».
لعازر وحبيبته في نصوص ماري هاسكل وباربره يونغ أَن جبران ،قبل أَن يتمكن ج ِّي ًدا من كتابته ا ِإلنكليزية ،كان يكتب (ويفكِّر) بالعربية ثم ينقل بعضً ا منها إِلى ا ِإلنكليزية. في يوم َّية ماري هاسكل نهار األَحد 26 نيسان 1914جاء« :قال لي جبران إِنه يُهيَّ ُئ الشاعري: كتابًا بأَربعة نصوص من النثر ّ «الشيطان»« ،الست بلقيس»« ،الشاعر»، و«لعازر و ُحبه الوحيد» .العنوان األَخير جديد عل َّي .ال أَعرف متى كتَبَه خليل .وهو عن لعازر
غالف الكتاب ا ِإلنكليزي األَصلي
9في مجموعة «العواصف» (القاهرة .)1920 1 0في مجموعة «البدائع والطرائف» (القاهرة ،)1923وكانت قبلَذاك صدرت في «مجموعة الرابطة القلمية» (نيويورك .)1921 11نشَ رها ميخائيل نعيمه في كتابه عن جبران ،وذك َر أَنها «آخر ما كتب جبران بالعربية» ،وأَنه كان أَ َع َّدها للنشر في عدد ممتاز من «السائح» مع مطلع ،1931لكن المجلة احتج َبت قبلَذاك. 544
نورشعلاو عبارلا لصفلا
الذي جاء في ا ِإلنجيل أَنه مات ثالثة أَيام وذهب إِلى عالَم روحه ،وفيه التقى بحبيبته ليعيش معها .لك َّن إِله العالم األَرضي استدعاه إِلى الحياة على هذه األَرض من جديد». سوى أَ َّن جبران ،سنة َ ،1926 عدل عن أُسلوب النثر الشاعري العربي الذي اشتُهر به ،وعاد فكتَب صيغة «لعازر» ا ِإلنكليزية بالشكل المسرحي. تروي ماري في يومية الخميس 13أَيار 1926أَنها ،بعد زواجها من فلو ِرنْس مايْ ِنس نهار الجمعة 7أَيار ،زارت معه نيويورك نهار ا ِإلثنين 10أَيار استعدا ًدا لرحلة طويلة إِلى أُوروڽا .وفيما انصرف زو ُجها في المدينة إِلى إِنجاز معامالت جواز السفر حي «وول ستريت» ،زارت هي جبران في محترفه وإِلى غَدائه مع زمالء له في ّ فأَخب َرها عن مجموعة «رمل وزبد» التي «تَر َجم معظم نصوصها عن العربية» .ثم عادت فزارته ثاني ًة نهار الخميس 13أَيار فقرأَ لها «لِعازر» ،مسرحي ًة من فصل واحد. قرأَها بتأَث ُّر شديد ألَن ثالث َة أَيام لِعازر ميتًا كانت «تعكس أَحالم جبران عن تلك الحياة األُخرى المتحررة من قيود هذه الحياة البشرية» .وفي جلسة 13أَيار تلك، نصا في باله ينوي كتابته عن رجل أَعمى. ذكَر لها ً تفصيل آخ َر عن مسرحية «لِعازر» يأْتينا من الكاتبة أَلما رِيد 12في كتابها ً غير أَ َّن «أُوروزكو»َ .ر َوت أَنها د َعت إِلى محترف صديقها الرسام المكسيكي خوسيه أُوروزكو شلَّ ًة من األَصدقاء احتفا ًء بذكرى ميالد جبران السادسة واألَربعين مسا َء األَحد 6 كانون الثاني .1929في تلك األُمسية قرأَت السيِّدة ب ِّْل بيكر مقاط َع مطبوع ًة من «النبي» ومن «يسوع ابن ا ِإلنسان» ،ومشاه َد من مسرحية كانت بع ُد مخطوط ًة: «لِعازر وحبيبته» .ثم جاء دور جبران في القراءة ،فبدأَ يقرأُ مقطوعة «الثعلب» من كتابه «المجنون» ،وإِذا به فجأَ ًة يتأَث َّر بشكل فاضح ويتوقَّف عن القرا َءة وينهض داخل إِلى قاعة أُخرى .لحقَت به الس ِّيدة رِيد فوج َدت ْه يبكي في الغرفة األُخرى. ً 12صحافية أَميركية ( )1966–1889ع ِملَت في ص ُحف كبرى ،بينها «نيويورك تايمز» ،وفت َحت بيتها في نيويورك صالونًا أَدب ًّيا كانت تستقبل فيه دوريًّا أَعالم تلك الفترة ،وبينهم جبران. يبحو رزاعل نيب ىمعألا ناربج
ولدى س َؤالها إِياه أَجابها« :أَعرف الحقيقة وأُوا ِج ُهها :لم أَ ُعد أَستطيع أَن آتي ِب ُجودة ما جا َء في كتاباتي السابقة» .أَخذَت الس ِّيدة رِيد ت َؤاسيه ُم َؤكِّد ًة له أَن مخطوطة تقل إِبدا ًعا عن مقطوعات «المجنون» .ول َِحق به الرسام أُوروزكو يثْني «لِعازر» ال ُّ على كتاباته الجديدة وأَن يعطيها وقتًا كي تُثْب َِت تأَلُّقَها كما في كتُبه الـمطبوعة السابقة .وفي ذاك الفصل من كتابها الذي صدر سنة ،1959ت ُكمل رِيد ما حصل تلك الليلة ،موضح ًة علْ َمها الحقًا أَ َّن «بُكاء جبران ليلَتَ ِئ ٍذ لم يكن لِ َخي َب ِته من نصوصه قل أَهمي ًة من تلك القديمة ،بل ألَنه كان علِ َم من األَطباء أَنه الجديدة التي يراها أَ َّ مصاب بدا ٍء قاتلٍ وأَ َّن أَيامه باتت معدودة». ٌ من هنا ،من المقارنة بين «مجنون» مجموعته ا ِإلنكليزية األُولى «المجنون» وبين «مجنون» مسرحية «لِعازر» أَ َّن هذا األَخير ليس ضال ًعا مباشر ًة في حركة النص (كما كان «يوحنا المجنون» في مجموعة «عرائس المروج» ،نيويورك )1906بل هو (بلسان جبران) ُمعل ٌِّق ٍ قاس ،بال شفقة أَحيانًا في أَحكامه ،حتى على والدة لِعازر وشقي َقتَيه. لِعازر في المسرحية ليس مج َّر َد ر ُجلٍ عاد من الموت إِلى الحياة ،بل هو رم ُز البحث عن األَبعد من هذه الحياة األَرضية ،البحث عن ال ُمصالحة مع روح الحبيبة، وعن االتحاد ال بالله بل بالمدى األَوسع.
غالف الكتاب الجديد بالعربية وا ِإلنكليزية
546
نورشعلاو عبارلا لصفلا
وعي جبران من هذا ا ِإليمان ب َعودة الروح ،أَو ُ التناسخ أَو التق ُّمص ،يتجلَّى ُ كينونتَه على هذه األَرض ،وتوقَه الدائم إِلى الـ «هناك» حيث الحياة متحرر ٌة من رضي قيود الحياة البشرية .ولذا ختَم مسرحيته على لسان لِعازر مغاد ًرا بيته األَ َّ للِّحاق بيسوع« :سأَذهب اآلن سع ًيا إِلى روحه فأَتح َّرر ...سوف أَت ْ َبع ريح الشرق أَنَّى تح ِملُني ...و ِمن بين جميع الرجال سأَكون وحدي الذي عانى الحيا َة مرت َين والموتَ َ مرت َين ،ومرت َين ع َرف األَبدية». َ قبلذاك ختَ َم «النبي» على لسان الـمصطفى مخاط ًبا وبهذا ا ِإليمان ذاته كان قليل بع ُد ويَجمع توقي غبا ًرا وزب ًدا شعب أُورفليس« :تذكَّروا أَنني عائ ٌد إِليكمً . َ وقليل بع ُد ،لحظ َة راح ٍة فوق الريح ،وتلِ ُدني امرأَ ٌة أُخرى». جس ٍد آ َخرً ، لِ َ
أَ الىمع
في جلسة الخميس 13أَيَّار ،كما تق َّدم ،ذكَر جبران لماري هاسكل فكر َة كتابة تفصيل في أَ ِّي مكانٍ آ َخر عن هذه المسرحية ٌ «األَعمى» من دون تفصيل .ولم يَ ِر ْد من فصل واحد .ولك َّن سالمة األَوراق التي كانت في «صناديق» مرياناُّ ، تدل على ٍ ومخطوطات أُخرى ،ما ُّ أَنها ليست تالف ًة عتيق ًة ،كالكثير من أَوراقٍ يدل على أَن جبران كتَ َبها في السنوات األَخيرة من حياته. النصان المكتمالن بالشكل المسرحي ،بينما «األَعمى» ،كما «لِعازر» ،هما َّ ثالث ٌة سواهما لم يكتمال توسي ًعا وحوار ٍ ات ،بل بق َيت ناقص ًة غي َر مكتملة ،وهي: «الساحرة»« ،ال َمشحة األَخيرة» ،و«األَحدب أَو الرجل الخفي» .13وأل َّن هذه النصوص، على األَرجح ،وض َعها جبران في السنوات األَخيرة من حياته ،تبدو فيها مسحة الموت التي كان يعيشها من دون أَن يُشرِك بها أَح ًدا في ِس ِّره وكتابته. 13هذه النصوص غير المكتملة ،وجميع الوثائق والمخطوطات والمقتَنيات ،هي اليوم لدى متحف ُسم َّية في المكسيك ،آلت إِليه من خليل وجِين جبران ،وهي ُم ْج َمل ما كان لديهما من مريانا جبران. يبحو رزاعل نيب ىمعألا ناربج
وإِذا كان في «لِعازر» أَث ٌر من روح الشرق ،مكانِ حصول الح َدث ،ففي واضح على ابتعاده عن أَ ِّي أَث َر «األَعمى» ،مكانًا وحرك ًة وأَسما َء شخصيات ،تصمي ٌم ٌ شرقي أَو مشرقي .فليس فيها أَ ُّي مل َمح من شخصيات شرقية («أَلميترا» أَو «يوحنا المجنون») ،وال أَ ُّي ذكْ ٍر لِـحنينه إِلى جبال لبنان (في «لِعازر» ذكْ ٌر لها) وال إِلى شكل ومضمونًا ،هو األَكثر ابتعا ًدا عن ولعل نصه هذاً ، همومه عن شعبه في لبنانَّ . أَجواء نصوصه السابقة ،واألَعمق توغ ًُّل في بيئته الغربية. مالمح من ِإ يمان جبران بال َر ِّب الكوني غي ِر المق َّيد في شخصية األَعمى ُ بحدو ٍد أَرضية .والحكمة التي تتجلَّى في شخصية األَعمى ،كانت ت َجلَّت سابقًا في كتاب «المجنون» مع شخصية «الفلَكي األَعمى» الذي «يرى الشموس واألَقمار والنجوم ،وهو أَكث ُر الناس حكم ًة» ،وكما رسمها جبران في قصيدته «الشاعر األَعمى»« :في الظلمة أَتق َّدم فيما أَنتم واقفون خائفين من النور .أَتق َّدم وأُغ ِّني وال أَ ُّ ضل طريقي».14 هذه الفكرة عن النور في العينين المطفأَت َين ،ور َدت كذلك في «يسوع ابن حواسنا ،ننظُر إِلى النور ا ِإلنسان» على لسان «الفيلسوف»« :نحن َمن تخ َّدرت ُّ الكامل لكننا ال نرى شيئًا» .وهو إِيما ُن جبران بأَ َّن عمى البصر تغلُبه الر ْؤيا في الفكر فتُنير البصيرة .وقد يكون العمى فكر ًة سودا َء تمحوها فكر ٌة بيضاء .من هنا قولُه في «يسوع ابن ا ِإلنسان»« :يا سيِّد ،يا سيِّ َد النور الذي عي ُنه ترى في أَصابع األَعمى». هذه الحاسة السادسة التي كان جبران دو ًما يتح َّدث عنها ،يكتُب عنها، «يعيشها» ،هي التي ،في المسرحية ،جعلَت آنَّا تتعامى عن ر ْؤية والدتها ِهلِ ْن تغادر تعيش معه في عالـمه البيت مع عشيقها ،كي ال تصدم الصب َّي ُة أَباها ديڨيد ،وكي َ األَوسع الذي ال حدود لعماه في عينيه الرائيتين.
14كان جبران أَملى هذا القصيدة في محترفه على باربره يونغ ،وأَصدرها الحقًا في مجلة «الشرق الجديد» (صيف .)1925ونشرتْها باربره يونغ في الفصل التاسع («ال ُع ْمر للكلمات») من كتابها «هذا الر ُجل من لبنان» (نيويورك .)1945 54 8
نورشعلاو عبارلا لصفلا
وهذا ما يتَّضح تما ًما في المسرحية من عبارة المجنون متو ِّج ًها إِلى ِهلِ ْن عند لو ِمها ابنتَها آنَّا على ت َ َعلُّمها لغة العميان ...« :لكي تتعلَّم لغ َة العتمة ،يا س ِّيدتي الرب يَصوغ عباراتِها». ُّ الجميلة .ففي تلك اللغة:كل كلم ٍة نَج َمة ،وما سوى ِّ نضج جبران في نِظرته إِلى العالَم ،إِلى في مسرحية «األَعمى» يتجلَّى واض ًحا ُ رضي ،وتو ِقه إِلى «الليل األَبدي الالمتناهي» ،وهو إِيمانُه بانتقال الروح هذا العالَم األَ ّ الفردية إِلى التجا ُوز الكوني الشامل الذي كان ،في حواراته مع ماري هاسكل، يس ِّميه «ضمير الكون األَوسع».
أَعود إِلى ذاك النهار من أَيار قبل ربع قرن. لي من خليل جبران ،وصافحتُه مو ِّد ًعا إِياه حملت حين ُ َ الكتاب وعليه إِهدا ٌء إِ َّ وزوجتَه جِين ،لم يَ ُدر في بالي أَن سيَج ِْي ُء يو ٌم أَنقله فيه إِلى العربية. حين راسل ُْت جِين طالبًا إِذْنها بترجمة المسرحيَّتَين ،15أَجابتْني موا ِف َق ًة 16مع طل ٍَب ٍ وحيد أَن أَ ْذكُر األَرصدة األَصلية في الطبعة العربية. السماح بالترجمة ،ووفا ًء لزوجها خليل الذي وإِنني طب ًعا ذاكِ ُرها ،وال ًء لها على َ ماثل في ذاكرتي :أَنا أُلقي قصائدي في بوسطن ،وأَمامي في غاب ،17لكنه ما زال ً لي في ما بدا لي أَن يفصلني مقدمة الحضور مل َم ُح ذاك الرجل السبعيني ،يُصغي إِ َّ السماع بل في التلَقِّي .وما زلت أَذكر صوته الباسم عنه ُ طيف غمام ٍة بعيد ٍة ال في َ َ كنت كنت أَط َرب لسماعك تُلقيه باللغة التي ُ يقول لي« :لم أَفهم شع َرك لكنني ُ أُصغي إِلى ابن ع ِّمي جبران يقرأُ بها لز َّواره».
1 5صدرت لهما ترجماتٌ إِلى العربية ،ال يبدو أَن جِين على علْم بها. لي الجمعة 16آب .2019 16رسالتها إِ ّ 17تُ ُوفي ليل الجمعة 13نيسان 2008عن 86عا ًما. يبحو رزاعل نيب ىمعألا ناربج
550
نورشعلاو عبارلا لصفلا
َ فهرس ا ألسماء
ا
310 :The New Orient – الشرق الجديد ِ 338 :Shintoists – الش ْنتُ ِويُّون ،302 :The Syrian World – السوري ُ العالم ،٣٣١ ،٣٢٥ ،٣٢٢ ،٣٢٠ ،٣١٩ ،٣١٧ ،٣١٥ ،٣٠٤ ،٤١٠ ،٤٠٨ ،٤٠٠ ،٣٩٦ ،٣٩٢ ،343 ،٣٤١ ،٣٣٢ ٤٣٠ ،٤٢٣ ،٤٢١ ،٤٢٠ ،٤١٩ ،٤١٢
ب
٣٠٩ :Butler Davenport – باتْلِر دا ِﭬـ ْنڽو ْرت 309 :Ben Brigham – بِن بريغام ٢٩٩ :Bibliography – بيبلِ ُيو ْغرافيا ٢٩٩ :Biography – ِب ُيو ْغرافيا
پ
ِ ،424 ،422 ،341 :Providence – ڽروڨيدنس 526 ،511
551
َ أ
334 ،315 :Adele Watson – أَدال واتسون 299 :Anthropology – أَنتروڽولوجيا
ِإ
321 :Estelle Duclos – إِ ْس ِت ّل دوكلو 309 :Interlink Publishing – إِنترلنك Meister Eckhart – إِ يكْهارت ڨون هوشْ هايم 337 :Von Hochheim
آ
309 :Albany (New York( – آلْبَني 408 ،314 :Anna Johansen – آنَّا جوهان ِْسن
ُ أ
299 :Autobiography – أُوتو ِب ُيو ْغرافيا
307 :Smith – سميث ،٣٢٢ ،321 :Syud Hossain – ْس ُيود حسين 339 ٢٩٩ :Psychology – سيكولوجيا
ش
٣٣٥ :Tyler Street – شارع تايلِر West Gaston – الغربي شارع غاستون ّ ٣١٣ :Street ٣٣٥ :Newton Street – شارع نْيوتن ٣٠٩ :Charlotte Teller – شارلوت تِلِر
غ
٥٢٨ :Glen Kalem – ْغلِ ْن كالِ ْم ٣٣٣ :Goethe – غوته
ف
٣٢١ :Franz Schubert – فرانز شوبرت ٣١٨ :Fred Holland Day – فْ ِر ْد هولِ ْن ْد داي :Francesco Medici – فرنشيسكو ِمديتشي 531 ،528 ٣٣٧ :Frankfurt – فرنكفورت ٣٠٦ :Hotel Brevoort – ْ فندق ڽريڨو ْرت ٥٠٩ :Philadelphia – فيالدلفيا ٢٩٩ : فينومينولوجيا
ڤ
،312 ،311 :Virginia Hilu – ڨرجينيا حلو ٥٣٧ ،٥٣٦ ،٥٣٥ ،314 ،313
ت
٣١٢ :Chapel Hill – تشاپِّل ِه ّل ٣٢١ :Charles Fletcher – تشارلْز فْلِتْ ِشر
ج
337 :Jakob Böhme – جاكوب بُو ْه ْم :Princeton University – ﭘـرنستُون ْ جامعة 512 ،318 ِ جامعة :Maryland University – ميريلند 531 North Carolina – جامعة نورث كاروالينا ٥٤٠ ،٥٣٨ ،384 ،317 ،312 :University :Harvard University – جامعة هارﭬـرد 530 ،519 Josephine – جوزفين ﭘْـر ِْستُن ڽي َبدي 519 ،٣٠٩ :Preston Peabody 338 :Josiah Royce – ُجوزْيا ُر ْويْس Giuseppe – اسكيتّي ْ جيوزيـﭙـي ماريَّا فْر 526 :Maria Fraschetti 299 :Geology – جيولوجيا
ح
309 :Greenwich Village – حي غرينيتش
ر
511 ،422 :Rhode Island – رود آيلِند 321 :Rittner – ريتْ ِنر
س
،313 ،312 :Savannah (Georgia( – ساڨانا 530 ،522 ،510 ،421 ،374 ،317 ،316
552
312 :Columbia City _ مدينة كولومبيا Saint Vincent – مستشفى سانت ِﭬـ ْن ِس ْنت 416 ،408 ،315 ،306 ،303 :Hospital ،٣٠٦ :The keys of heaven – مفاتيح الجنة ٣١٠
ن
Grand Duke – نقوالي كونستانتينوﭬـيتش
320 :Nicholas Konstantinovich ،302 :New York Times – نيويورك تايمز 401 ،309 ،306
هـ
300 ،299 :Hagiography – هاجيو ْغرافيا Henrietta – هنرييتَّا بْ ِركِ ْن ِر ْدج 302 :Breckenridge Boughton Henrietta Breckenridge – هنرييتا بوت ُون 309 :Boughton ٣٢١ :Hubert Linscott – هيوبرت لِ ْن ْسكوت
و
٥٠٩ :Westminster – و ِْست ِم ْن ْس ِتر :State of Connecticut – والية كونِّ ِتكَت ٥١٢ William Brown – وليام براون مالوني 334 ،315 :Maloney ٣١٦ :William Saxe – ساكس وليام ْ
ي
٣١٦ :Union Square – يونيون سكوير
ك
312 :South Carolina – كاروالينا الجنوبية ،321 :Claude Bragdon – كلود براغ ُدن 322 ،401 ،392 ،336 ،307 ،301 :Knopf – كنوف ٥٣٩ ،503 ،419 ،413 ،410 ،406 ،404 ،402 ٥٣٩ ،٣١١ :Quartet Publishing – ـت ْ ِ كوارت Corinne – كورين روزﭬـلت روبنسن 412 ،321 :Roosevelt Robinson
م
Marjorie – جري هاناي ُ مار ُجري بوت ُن (مار
302 :Boughton Hanay
Mary Elizabeth – ماري إِليزابيت هاسكل
509 ،473 :Haskell ،302 ،301 :Mary Haskell – ماري هاسكل ،410 ،384 ،374 ،316 ،312 ،311 ،309 ،306 ،530 ،523 ،522 ،507 ،469 ،466 ،446 ،421 ٥٤٠ ،٥٣٩ ،٥٣٧ ،٥٣٦ ،٥٣٥ 317 :Mary Haskell Minis – ماري هاسكل ،339 ،309 :Massachusetts – ماساشوستس 508 ،500 ،462 ،418 ،397 ،318 ،316 ،309 :Manhattan – مانهاتن 501 ،471 ،400 ،398 ،341 ،340 ،338 Telfair Academy – متحف أَكاديميا تِلْفير ٥٣٠ :Museum ٥٣٠ :Le Louvre Museum – متحف اللوڨر ،320 :Roerich Museum – متحف روريتْش 338 ،525 :Soumaya Museum – متحف ُسم َّية 530 ٥٣٠ :Fogg Museum – متحف فوغ Metropolitan – متحف متروﭘـوليتان 530 ،354 :Museum
القسم الثالث
وصور وثائق َ
ق املوسي�
الطبعة األُولى من كتاب «الموسيقى» ()1905
نسخة كتاب «الموسيقى» وهو كتَب بخطه« :إِلى ماري إليزبات هاسكل التي أَوعزتْ إلى األرواح العلوية أَن تمأل ُروحي أَنغا ًما مع محبتي العميقة – 21آذار »1909مع توقيعه.
النسخة التي رف َعها إِلى ماري هاسكل كات ًبا لها با ِإلنكليزية عنوان الكتاب وسنة صدوره كي تعرف ما فيه. هذه النسخة إِلى ماري هاسكل خالية من اإلهداء إلى جوزفين ڽيبدي ،ألنه في 1909كانت عالقتُه توطَّدت بماري عشية إرسالها إِياه إلى فرنسا للتخصص بالرسم.
556
ثلاثلا مسقلا
نسخة كتاب «الموسيقى» كما رف َعها جبران إلى جوزفين ڽريستون ڽيبَدي :إِلى اليمين أَحرف اسمها األُولى (ج پ پ)، وإلى اليسار األَحرف األُولى من اسمه (ج خ ج)، وتحت االسمين كتب بخطه :مع محبة واعتبار وتمنيات (ولعلَّه وضع إِمضا َءه على تلك النسخة).
عرائس املروج
الطبعة الثانية من كتاب «عرائس ال ُمروج» صادرة في القاهرة سنة 1922عن منشورات «الهالل». وكانت الطبعة األُولى صد َرت في نيويورك سنة 1906عن منشورات جريدة «ال ُمهاجر». وهذا هو ثاني كتاب لجبران بالعربية (األَول هو كتاب «الموسيقى» – .)1905
طبعة كتاب «عرائس المروج» الصادرة في سانتياغو (تشيلي) سنة .1961
557
أ الرواح املتمردة
مقدمة ناشر الكتاب« :أَمين الغريّب» الذي كان يهذّب لغة جبران في مطالعه.
558
ثلاثلا مسقلا
الطبعة األُولى من كتاب «األرواح المتمردة» الصادرة سنة 1908عن جريدة «ال ُمهاجر». وهو الكتاب الثالث من كتب جبران بالعربية.
أ الجنحة املتكرسة
الطبعة األُولى من «األَجنحة المتكسرة» ،النسخة الطبعة األُولى من «األَجنحة المتكسرة» ( )1912التي أرسلها إلى ماري هاسكل وترجم لها بخطه عنوان الكتاب با ِإلنكليزية كي تعرف ما هو. وهي ُمهداة إلى ماري إِليزابيت هاسكل .وإِذ ليس في اإلهداء المطبوع بالعربية سوى أحرف اسمها الثالثة باألحرف الالتينية ( ،)MEHتر َجم لها إِلى اإلنكليزية كلمات إِهدائه حرفيًّا كي تعرف ماذا كتب فيه. المغلف الذي أَرسل فيه جبران الطبعة األُولى ( )1912من نسخة كتابه «األَجنحة المتكسرة» ،وكتب بخطه على المغلف عنوانها– 314« : شارع مارلبورو – بوسطن». تاريخ اإلرسال 22 :كانون الثاني .1912 وعلى مقلب المغلف كتب عنوانه: « 51الشارع العاشر غربًا – نيويورك».
559
دمعة وابتسامة
نسخة الطبعة البرتغالية من «دمعة وابتسامة». أَهدتها ماري هاسكل إِلى مكتبة جامعة نورث كاروالينا ،وهي التي أَودعتْها جميع الرسائل بينها وبين جبران ،وما كان لديها من وثائق أخرى، بينها هذه النسخة المسجلة في ِ الجامعة باسم ماري هاسكل مايْنس (وهي عائلة زوجها فلورنس مايْ ِنس).
560
ألَن جبران أَهدى كتابه «دمعة وابتسامة» إِلى ماري هاسكل ،ترجم الطبعة األُولى من كتاب «دمعة لها إِلى اإلنكليزية مضمون إهدائه كي تفهم ماذا كتب لها فيه .وزاد وابتسامة» (نيويورك – ،)1914 النسخة التي أَرسلها إِلى ماري هاسكل ،على ترجمته أنها نصوص نثرية وشعرية مكتوبة بين 1901و.1904 تر َجم لها إِلى اإلنكليزية ما ورد في الصفحة األُولى كي تعرف ماذا فيها. وأَضاف إلى التاريخ «آب »1914مع أن تاريخ الطبعة بالعربية ليس فيه ذكْ ُر الشهر. ثلاثلا مسقلا
مقدمة كتاب «دمعة وابتسامة» كما كتبها نسيب عريضة جامع هذه المقاالت من الصحف ،ووضع تاريخها: 24نيسان 1914وهو تاريخ الطبعة األُولى. ير ِّجح دارسون أَن يكون جبران هو َمن كتبها بتوقيع نسيب عريضة ،لِما فيها من تقريظ بشخصيته وكتاباته.
561
منشورات دورية عن جبران كانت ت ُصدرها في واشنطن «لجنة مناهضة التمييز العنصري».
562
ثلاثلا مسقلا
عدد «السائح الممتاز» لسنة 1927وعلى غالفه رسم من جبران.
نص «كلُّنا يصلّي» لجبران على الصفحتين 8 و 9من عدد «السائح الممتاز» .وهو لم يظهر الحقًا في كتاب ،ألن آخر كتاب بالعربية لجبران («البدائع والطرائف») كان صدر في القاهرة سنة ،1923وهذا العدد من «السائح» صدر سنة .1927
الصفحة الداخلية من عدد «السائح الممتاز» فيه أن هذا العدد ُمهدى «إلى روح النهضة األدبية العربية التي انبثقت في ال َمهاجر ،وإلى رجالها األدباء الذين أَحيوا أندلسا أدبية جديدة في ديار الغربة ،وإلى أنصارها الذين ً رافقوا «السائح» في جهاده خمسة عشر عا ًما وسددوا خُطاه نحو األدب الصحيح وال يزالون سائرين معه في موكب األدب مشددين عزمه لل ُوصول إلى المحجة». وعلى الصفحة الكاملة رسم لجبران مع توقيعه بالعربية.
قصيدة «ماذا تقول الساقية» في عدد «السائح الممتاز» ( ،)1927مع أَنها كانت صدرت سنة 1923 في كتابه «البدائع والطرائف» (القاهرة )1923 وكان الخورأسقف منصور أسطفان جمع فيه عد ًدا من قصائد جبران ونثائره.
563
العدد األول (نيسان )1913 من مجلة «الفنون» ويظهر على صفحته الداخلية أن منشئَيْها هما نسيب عريضة ونظمي نسيم.
السنة الثانية :دخل اسم راغب متراج على إدارة المجلة.
العدد األَول ( نيسان )1913 من مجلة «الفُنون» لنسيب عريضة، وعلى الغالف ترجمة العنوان باإلنكليزية على هذه النسخة التي أرسلها جبران إلى ماري هاسكل.
564
ثلاثلا مسقلا
العدد الرابع (تموز .)1913 غاب عنه اسم نظمي نسيم ،وبقي فقط اسم نسيب عريضة لرئاسة التحرير.
مقطوعة جبران «أيها الليل» على الصفحة 1 من عدد «الفنون» األول. وفي أعلى العنوان ترجم جبران إلى اإلنكليزية عنوان مقطوعته ألنه أرسل العدد إلى ماري هاسكل كي تفهمه.
مغلف البريد الذي أرسله جبران من نيويورك إلى ماري هاسكل على عنوانها :شارع مارلبورو – بوسطن.
فهرس العدد األول من «الفنون» ،وأول نص فيه هو «أيها الليل» لجبران .ويرى باحثون أن جبران كان يم ِّول المجلة ،أو على األقل كان يسهم في معظم تمويلها. وكان نسيب عريضة من أكثر المق ّربين إليه.
565
ً أول ي ً ماري هاسلك وأخ�ا
ماري هاسكل (ضمن الدائرة) سنة 1903أمام مدخل مدرستها.
ماري هاسكل (في الدائرة) مع الهيئة التعليمية ومجموعة التالمذة في مدرستها (.)1907
566
ثلاثلا مسقلا
الباخرة روتردام التي عاد فيها جبران إلى نيويورك سنة 1910من باريس بعد سنتين فيها لدراسة الرسم.
مدرسة كوينسي – شارع تايلر ،وفيها درس جبران بعد وصوله إلى بوسطن سنة .1895
صورتان ألحد الصفوف في مدرسة كوينسي ،وفي إحدى هذه القاعات درس جبران
567
«دليل المهاجرين» سنة .1930 كان يُصدره سنويًّا في نيويورك نسيب عريضة وصبري أندريا
اسم جبران وعنوانه في «الدليل»
56 8
ثلاثلا مسقلا
جبران كما ورد اسمه في قسم «المهن» من «الدليل».
ومر� ن� ...حاكية ُ العمر ج�ان ي ب
3بطاقات بريدية ورسالتان من جبران إِلى شقيقته مريانا ( 76شارع تايلر – بوسطن). كانت تجهل القراءة فكانت تستعين بمن يقرأُها لها. وهي حال ًّيا بين مجموعة الوثائق التي أَودعها النحات خليل جبران وزوجته جين متحف سمية في مكسيكو.
569
افتتاحية العدد األول (تموز )1926من مجلة «العالم السوري» لسلوم مكرزل.
في الصفحة األخيرة من العدد األول نبذة عن كتّاب العدد. وهنا النبذة عن جبران.
570
ثلاثلا مسقلا
العدد 401من جريدة «السائح» (السنة الخامسة) – نيويورك ،الخميس 21أَيلول .1916 وهي «جريدة سياسية أدبية تجارية» صاحب الجريدة ومح ِّررها عبدالمسيح عبده حداد». عنوانها :المبنى ،55شارع برودواي ،مدينة نيويورك. قيمة االشتراك بها 4 :رياالت إلى اليمين صورة عبدالمسيح حداد إلى اليسار صورة شقيقه ندرة حداد
«السائح األَكبر» :غالف العدد الممتاز من «السائح» بريشة جبران (.)1921
57 1
ف ماري خ «ال ّنية الساحرة» ج�ان ي� مقطوعته ج الوري ...هل يه عروس ب ف (� كتاب «العواصف»)؟ ي
ماري عزيز الخوري ،صاحبة محل المجوهرات الشهير في نيويورك. كانت ثرية ،وفتحت منزلها لصالون أدبي كان يلتقي فيه أدباء وشعراء ،في طليعتهم أمين الريحاني الذي كان هو َمن ع َّر َف جبران إليها فأخذ يتردد إلى صالونها األدبي. دارسون أنه كتب عنها مقطوعته «الجنية يرى ُ الساحرة» ،لكن هذا ليس مثْبَتًا. وماري الخوري كانت في المستشفى ليلة وفاة جبران ،وطلبَت أَن يُطبع وجهه على قناع الموت، ودف َعت تكاليفه. في بيتها مجموعة لوحات كانت تشتريها من جبران ،وكانت بينهما رسائل.
57 2
ثلاثلا مسقلا
ف جُُ ق البا� ولو ...ي� قناع املوت و�ه ي حرصت باربره يونغ في الصفحة األَخيرة من كت ِّيبها َ دي األَول ( )1931أن تنشر هذه الصورة ال ُمكبَّرة ليَ ّ جبران (مقتط َع ًة من صورة كاملة له) للداللة على اهتمامها بيديه :كاتبًا وراس ًما.
صورة قناع يده فور وفاته
قناع الموت المأْخوذ فور وفاته قناعا وجهه ويده المعروضان في متحف ُسميَّة – مكسيكو.
573
ف حديقة سلواه ي� نيويورك...
الحديقة العامة في الشارع العاشر غربًا (نيويورك) قبالة المبنى الذي كان يسكن فيه جبران. ليل يمشي بين أشجارها أو يجلس على مقاعدها في لحظات تأَ ُّمل وصفاء. وغالبًا ما كان ً
574
ثلاثلا مسقلا
ف ...وحديقة ذكراه ي� واشنطن
هنري زغيب (سنة )1992في حديقة جبران التذكارية التي دشَّ َنها الرئيس جورج بوش صباح الجمعة 24أيار 1991على جادة ماساشوستس – واشنطن.
575
ج�ان :لوحة يغ� معروفة ب
57 6
الكتاب أَن يَنشُ ر على هذه يُ ْس ِعد هذا َ الصفحة لوح ًة لجبران غي َر معروفة وال منشورة سابقًا. كان كتابي في مرحلته األَخيرة من ا ِإلخراج تلقيت ذات مسا ٍء رسال ًة النهائي ،حين ُ َ إِلكترونية من الصديق المحامي األميركي اللبناني الجذُور شارل معلوف سماحة ( Charles Malouf Samahaسانت پيترس ُبرغ ،فلوريدا) يخبرني فيها أَ َّن لدى نسيب ٍة له :السيِّدة منى معلوف إِندرسون Mouna Maloof Andersonلوح ًة رسم فيها ج َّدها، زيتية بريشة جبران َ واللوحة محفوظة حال ًّيا في بيتها. تعديل في إِخراج صفحات من الكتاب ُمن َجزة ،لحجز صفح ٍة ً طب ًعا :األَمر يستاهل ونشْ ر هذه الزيتية. رسل لي الصديق تشارلز صورة وبنا ًء على طلبي السريع ،وموافقة السيدة منى ،أَ َ ٍ معلومات طلبتُها منه ،هي التالية كما أَفادته بها نسيبتُه منى: الزيتية مع صديق جبران في بوسطن .كان تاج ًرا معروفًاُ ،ولد الرجل في الصورة هو نجم حنا معلوف (أَبو راجي)، ُ في لبنان (زبُّوغا) وهاجر إِلى الواليات المتحدة مع موج ِة هجر ٍة لبنانية واسعة مع نهاية القرن التاسع عشر ،وسكَن في بوسطن (كما كانت كاملة والدة جبران اصطحبَت أَوالدها األَربعة وهاج َرت من بْشَ ّري إِلى بوسطن). ول َن ْجم ابنة اس ُمها روز ،كانت تد ُرس الرسم على جبران (معلومة جديدة :لم يُع َرف عن جبران إِعطا ُؤه في ترغب في بوسطن ُد ً روسا في الرسم ألَفرا ٍد أَو مجموعات) .ويبدو أَن روز أَحبَّت جبران بولعٍ شديد وكانت ُ الزواج منه .فات َحت وال َدها باألَمر فوافَق ،لصداقته المتينة مع جبران .لك َّن جبران كان يُشيح عن رغبتها ٍ (طب ًعا دون ا ِإلفصاح عن عالقته ِ فترتئذ بماري هاسكل في بوسطن) .وعن منى أَن روز بق َيت العاصفَة ُ َ عزباء طوال حياتها ،ولها لوحاتٌ عد ٌة رسمتْها متأث ِّرة واض ًحا بأسلوب جبران ،كما نحتَت تمثالً نصف ًّيا لوالدها نجم. واضح أَن وألَن جبران رسم وجو َه كثيرين من أَصدقائه واألَعالم ( َو َرد ذك ُر معظمهم في هذا الكتاب) ٌ تفاصيل دقيق ًة ومعالم مذهل َة َ جالسا أَمامه حين راح يكتب بريشته االنطباعية البارعة صديقَه نجم كان ً ِ النبض في هيئة الرجل وثوبه ونظرته (نتذكَّر هنا حوار جبران وصديقه ميخائيل نعيمه – نيويورك ،تشرين يرسمه بالقلم الرصاص). جالسا في المحترف وجبران ُ الثاني – 1922حين كان «ميشا» ً أَنشُ ُر هنا صور َة اللوحة الزيتية ،وعليها توقي ُع جبران بالعربية وتاريخها باألَرقام الهندية ( 1911أَي بعد سن ٍة على عودته سنة 1910من پاريس متم ِّك ًنا في فن الرسم). مع شُ كري للصديق تشارلز ولنسيبته منى التي سم َحت لي ،ب ِإذنٍ خاص ،أَن أَنشُ ر صور َة ج ِّدها (للمرة األولى) في هذا الكتاب. ثلاثلا مسقلا
الشاعرة جوزفين پيبدي ()1922 – 1874 عهد كان جبران على عالقة بها فتًى في مطلع شبابه. وهي التي يقصدها في كتابه األول («الموسيقى» – «جلست بقُرب َمن أَح َّبتْها نفسي ،)1905ومطلعه: ُ أَسمع حديثها».
رسالة من جبران وقَّعها بأحرف اسمه الثالثة في شكل فني ،وط ّرزها إلى يسار الرسالة برسم له ،على عادته في بعض رسائله.
57 7
بنك مانهاتن الذي كان جبران يتعامل معه مال ًّيا
تحويل مصرفي إِلى مريانا شقيقة جبران بقيمة 14.595دوال ًرا ت ُقتطَع من المبلغ الذي أوصى لها به في وصيته ،وقيمتُه اإلجمالية 49.459دوال ًرا.
578
ثلاثلا مسقلا
األغلفة السوداء للطبعات األُولى من كُتُب جبران باإلنكليزية لدى منشورات كنوف.
دعوة من جبران إلى موافاته لتنا ُول «الطعام السوري الصحي» في مطعمٍ عيَّن عنوانه في الرسالة.
579
أك َم ُل بيبليوغرافيا صدرت عن جبران، وضعها نسيبُه النحات خليل جبران وزوجته جين ،وكان لدى خليل جميع الوثائق التي آلت إليه من مريانا شقيقة جبران ،ثم ق َّدماها الحقًا إلى متحف سم ّية في مكسيكو.
النسخة األُولى من الكتاب: «خليل جبران – حياته وعال ُمه» صدرت طبعتُها األُولى سنة ،1974 فالثانية سنة ،1981فالثالثة سنة .1991
النسخة الثانية من الكتاب ،منقَّحة ومزيدة: «خليل جبران أبعد من الحدود» صدرت طبعتُها األُولى سنة 2017حامل ًة مقدمة من خليل جبران (كان توفّي سنة ،)2008أضافت إليها بعده زوجته جين مالحظات عن إِضافات جديدة في هذه النسخة تم اكتشافُها بعد صدور النسخة األُولى سنة .1974
580
ثلاثلا مسقلا
إهداءان من جبران إلى السيدة ناتالي كولِن على كتابين له («المجنون» و«السابق») في يوم واحد (تشرين األول .)1921
إهداء جبران إِلى السيدة ذاتها (ناتالي بي ْن ْب ِر ْدج كولِن) على كتابه «النبي» (.)1926
581
لسوورث فورد ( )1950 – 1859في أَواخر حياتها. الكاتبة جوليا إِ ْ
جوليا كما رسمها جبران بالقلم الرصاص سنة 1927
582
ثلاثلا مسقلا
من رسائل جبران إِلى جوليا فورد.
583
كانت بين جبران وفيلِكس فارس (– 1882 )1939عالقة أدبية ُوثقى .وناد ًرا ما ظهر لجبران نص باإلنكليزية تَر َجم ُه عن العربية (حتى وال من نصوصه هو). هنا قصيدة فيلكس فارس «تُربة الجدود» (نقل عن مجلة «األُوديسيه» – السنة بخطِّه ً َ الثانية – تشرين األ َّول – 1983العدد – 18 (نقل ص ،)16وترجمة جبران بخطه ً عن مجلة «األُوديسيه» – السنة الثانية – كانون األَول – 1983العدد – 20 ص ،)16 مع رسالة جبران بخطه حولها إلى فيلكس (نقل عن مجلة «األُوديسيه» – السنة فارس ً األُولى – نيسان – 1983العدد – 12ص .)5
58 4
ثلاثلا مسقلا
أَخي فيليكس سالم على روحك الط ّيبة وقلبك الكبير لقد سررتُ ج ًّدا بزوال األَلم عنك ورجوع العافية إِليك. َ مواهبك ،فال تَ َدع العلّة ماسة إِلى نحن يا أَخي بحاجة َّ َ مواهبك وحاجتنا. أَن تقف حاج ًزا بين َ فت بها ط َّيه تجد ترجمة قصيدتك الجميلة إِلى ا ِإلنكليزية .لقد تص َّر ُ اللغوي بعض التص ُّرف فجا َءت كم يريدها الشاعر ال كما يريدها ُّ المدقِّق .أَبعدنا الله عن جميع المدقِّقين. أَنت بالطبع تعرف حجم وشكل فرحي بنجاح مشروعكم في هذه البالد .ولكنني أَرجوك يا فيليكس أَن ال تُجهد َ نفسك وال تُح ِّمل َ قواك فوق طاقتها. بلِّغ سالمي إِلى جان والياس مشفو ًعا بمو َّدتي وأَحسن تمنياتي. َ يحفظك أَخًا عزي ًزا لجبران والله مساء ِاإلثنين
58 5
غبرييل ميسترال ّ كانت الشاعرة التشيلية ( )1957 – 1889على إعجاب كثير بجبران. هنا مقال لها عنه يبدو واض ًحا فيه إعجابها.
غبرييل ميسترال ّ صورة لجبران في محفوظات كتبت تحتها« :صورة خليل جبران اعطتني إياها شقيقته مريانا»
586
ثلاثلا مسقلا
«كتَّاب أَميركيون – الملحق رقم .»20 مجموعة نُصوص أدبية وبيوغراف ّية لعدد كبير من المؤلفين منذ القرن السابع عشر حتى اليوم (الطبعة األُولى 2010في 592صفحة حج ًما كبي ًرا) .وعلى الغالف اسم جبران. أهمية هذا الكتاب :االعتراف بجبران بين كوكبة المؤلفين األَميركيين مع أَن الكثيرين ال يص ّنفونه بينهم.
الدراسة عن جبران في الكتاب لألكاديمي كريستوفر بَ ْك، امتدت على 16صفحة (.)126 – 113
587
«دنيسون هاوس» الييت/المدرسة حيث التحق جبران أول سنتين من وصوله إِلى بوسطن سنة .1895
مبنى دنيسون هاوس الذي أَمضى فيه الفتى جبران سنتين أَول وصوله إِلى بوسطن سنة 1895وفيه اكتشفَت السيدة فلورنس بيرس موهبته في الرسم وتحدثت عنها إِلى جيسي بيل التي كتَبت إِلى فْرِد هولند داي كي يهتم به فكانت تلك أَول نسمة ضوء رس َمت الحقًا كامل حياة جبران.
58 8
ثلاثلا مسقلا
جبران في نزهة إلى البرية في مدينة تاريتاون (نيويورك) سنة .1915 عن يمينه عبدالمسيح حداد، وعن يساره نسيب عريضة. وإلى يسار الصورة :تمينة عريضة.
حوار مع جبران في جريدة «الكون» (آب .)1925
589
ساسون ( )1967 – 1886في نص بخطه يذكر الشاعر اإلنكليزي سيغفْريد ُ فيه أنه تناول الغداء مع جبران الذي وضع رس ًما له. ونص ساسون بخطِّه. هنا صورتُه ورس ُمه كما وضعه جبران بالقلم الرصاصُّ ،
590
ثلاثلا مسقلا
نشئ فْلُ ْويْد ستار (ُ )1980-1883م ُ «م َؤسسة ستار لألَحداث» ()1913 في أَلْ ِب ُيون (ميتْ ِشغان) يروي كيف تع َّرف إِلى جبران سنة ،1928في مصادفة غريبة.
مبنى «م َؤسسة فْلُ ْويْد» التي أَنشأَها ِإليواء األَحداث الجانحين والمش َّردين .وهو دعا جبران إِلى زيارتها فوافق ،لكنه توفي بعدها بثالث سنوات.
591
بطاقة الدعوة من فْرِد هولِ ْند داي إِلى أَول معرض لجبران، وهو الذي لم تستطع ماري هاسكل أَن تزوره إِال في يومه األَخير ( 10أَيار) ،حين التقت جبران ألَول مرة وكانت تلك فرصة ُعمره الكبرى. وهنا نص الدعوة: للسيد جبران خليل أَ ً هل بك وبأَصدقائك إِلى معرض رسوم ومخططات ّ جبران مع مجموعة صغيرة من المنمنمات والمخططات للراحل النْ ْغرِل هاريس في ستوديو السيد فْ ِر ْد هولِ ْند داي – الشقة 29من مبنى هاركورت – رقم 23شارع أُرڤـنغْتون – بوسطن يوميًّا بعد الظهر بين الواحدة والخامسة من 30نيسان إِلى 10أَيَّار ضم ًنا (المبنى احترق الحقًا واحترقت فيه جميع أَعمال جبران)
منشور أرسله فْرِد هولند داي لإلعالن عن المعرض ( 30نيسان – 10أَيار ،)1904وفي اليسار إلى األعلى صورة جبران .وهو أول معرض في حياته.
592
ثلاثلا مسقلا
جبران الفتى في الخامسة عشرة ،كما ظهر في صورة فوتوغرافية ل ْفرِد هولند داي الذي طلب منه أن يطيل شعره.
فقرة في كتاب عن فْرِد هولند داي ،حول اهتمامه بفتيان بين أبناء المهاجرين من األحباء الفقيرة في بوسطن ،يتخذهم كنموذج (موديل) في صوره الفوتوغرافية .وفي النص ذكْ ُر أن الفتى جبران كان بين أولئك ال ُمهاجرين الفقراء.
593
َ ج�ان وأبو ض ما� ب ي
كان جبران سخ ًّيا في تكري ِم ِه رفاقَه أَعضا َء «الرابطة القلمية» هوذا إِيليَّا أَبو ماضي يُصدر مجموعته ِ الشعرية سنة 1918 ويَطلب مقدم ًة لها من جبران فيُلبّي هنا غالف المجموعة ،ومق ِّدمة جبران ونهاية المقدمة مع توقيع جبران على الصفحة 5من الكتاب
ج�ان مقدمة ب
القصي غي ِر المعروف فتجعلُه قري ًبا معروفًا .وهو الشع ُر عاطف ٌة تتش َّوق إِلى ِّ الخفي غي َر المد َرك فتُ َح ِّوله إِلى شي ٍء ظاهر مفهوم. فكر ٌة ت ُناجي َّ ٌ غريب ذو َعينٍ ثالث ٍة معنوية ،ترى في الطبيعة ما ال مخلوق أَما الشاعر فهو ٌ تراه العيون ،وأُذْنٍ باطني ٍة تسمع من همس األَيام والليالي ما ال تعيه اآلذان. طفل راكضً ا وراء ينظر الشاعر إِلى ورد ٍة ذابل ٍة فيرى فيها مأْسا َة الدهور ،ويشاه ُد ً الفراشة فيرى فيه أَسرا َر الكون ،ويسي ُر في الحقل فيسم ُع أَغاني البالبل والشحارير وليس هناك شحارير وبالبل ،ويمشي في العاصفة فيخوض غمار معرك ٍة هوجا َء بين جيوش األَرض وفيالق السماء. يقف الشاعر أَمام شَ َّلل ،فيقول: ُ في ــه م ــن الس ــيف الصقي ــل بريق ـ ُـه ُ َأ ً َ صخـــوره بدموعـــه بـــدا يـــرش
ليل نحو الفضاء فيصرخ: ويرفع عينيه ً
َ أبكـــي وتصغـــي ِإلـــى بكائـــي 594
ثلاثلا مسقلا
ُ ضجيـــج الجحفـــل الجـــر ِار ولـــه أ أتـــراه يغســـلها مـــن الوزار؟
ُ ْ يـــا ّ النجـــوم؟ تعشـــق رب ،هـــل
ويلتقي بحبيبه فيهمس:
َ ود ُ دت ِإالفاضـــة قبـــل اللقـــاء ِ وبـ ُّ معـــزل ـــت ِوإيــــاك فـــي ٍ ِ
َ ُ لقيتـــك ،لـــم َأ ْن ُ ـــس ب فل َّمـــا ِ َ مجلـــس فـــي يـــاك وإ نـــي كأ ِ ِ
نت واقف بجانبه يرى الشاعر ويسمع َّ كل هذه األُمور من خالل بُرقع الحياة ،وأَ َ ال ترى غير مظاهرِها الخارجية ،وال تسمع سوى أَصواتِها المش ّوشة ،فتقول في ذاتك: يتمسك بخيوط العنكبوت ،ويصعد نحو النجوم على سلَّم «يا له من خيالي مجنونٍ َّ ٍّ مصنوع من أَشعة القمر ،ويحاول أَن يمألَ ج ّرته من ندى الصباح بل من السراب». إِي .فالشاع ُر يصعد إِلى َ ِ المل األَعلى ولك ْن على سل ٍَّم أَقوى وأَبقى من الجبال. ويتمسك بحبا ٍل غي ِر منظورة ولكنها أَمت ُن من سالسل الحديد. يصعد بعزم الروح، َّ يتمسك بحبال الفكْر ،ويمألُ كأْسه من عصي ٍر أَ َّ رق من ندى الفجر .يمألُها من خمرة َّ ُ الحق والروح. الخيال، والخيال هو الحادي الذي يسير أَمام مواكب الحياة نحو ّ نت على األَرض ال تستطي ُع المسي َر إِ َّل على قدميك، الشاعر يفعل كل ذلك ،وأَ َ السكْر إِلَّ من عصير العنب ،وال المس َّرة وال الصعو َد إِ َّل على سلَّم من الخشب ،وال ُ إِ َّل بالربح ،وال األَلم إِ َّل بالخسارة. غريب يُفلت من الحقول الشاع ُر طائ ٌر ٌ العلوية ،ولكنه ال يبلغ األَرض حتى يح َّن إِلى وطنه األَول ،فيغ ِّرد حتى في سكوته ،ويسبح في فضاء ال َح َّد له وال مدى ،مع أَنه في قفص. وإِيليا أَبو ماضي شاعر. وفي ديوانه هذاُ ،سلَّ ٌم بين المنظور وغير ٌ وحبال تربط مظاهر الحياة بخفاياها، المنظور، وس َمملوء ٌة بتلك الخمرة التي إِ ْن لم وك ُؤ ٌ َمل اآلله ُة البش َر تظل ظمآ َن حتى ت َّ ترشفْها ّ فتغم َرهم ثاني ًة بالطوفان. جبران خليل جبران
595
َ ج�ان ورشيد أ ُّيوب ب
ومن خدمة جبران زمال َءه في «الرابطة القلمية» أَن أَصدر رشيد أَيوب مجموعته الشعرية سنة 1928 خاصا بها وطلب من جبران رس ًما ًّ فوضع جبران هذا الرسم ألَول الكتاب هنا غالف الكتاب وغالفه الداخلي حيثُ الرسم والرسم في صورة مستقلَّة
596
ثلاثلا مسقلا
وفاء و
جبرا ُنوغرافيا
597
وفـاء
وثائق ما ُ كنت ألُنج َز هذا الكتاب باألَمانة التي أَنْشُ ُدها منذ بدأْتُ العمل عليه قبل أَربع سنوات ،لوال ُ رص َعت دقَّته ،وصلَتْني ممن لهم وفائي: أَصلية َّ جوزف جعجع ،حافظ متحف جبران على ص َور ومعلومات عن جبران. أَنطوان مطر ،على مائ َّيتَيه لمدرسة «الحكمة» زم َن دراسة جبران فيها. فارس مقصود ،على الوثيقة األَصلية ب َخ ّط ع ِّمه الخوري الوون مقصود عن مرافقته زيار َة باربره يونغ مدرس َة «الحكمة». حارث البستاني ،على السماح بنشر نص والده فؤاد افرام البستاني عن مرافقته زيار َة باربره يونغ بْش ّري. َ مكرم زكُّور ،على ثالثة أَغلفة من جريدة والده ميشال زكُّور «المعرض» عن ُوصول جثمان جبران إِلى بيروت. المفصل الحتفاالت بيروت وبْش ّري بوصول جثمان جبران إِلى بيروت. جوزف أَبي ضاهر ،على وثيقة البرنامج َّ أَنجليك بعينو ح َبيقة ،على تنسيق الص َور ووضْ ع المالحق الخاصة باألَسماء األَجنبية الواردة في الكتاب. رئيسا وجهازًا قانون ًّيا وإِداريًّا وف ِّن ًّيا، مع امتنانٍ خاص لدوائر الجامعة اللبنانية األَميركية ً ،LAU احل العمل في إِنشاء هذا الكتاب ل َيصدر بهذه الحلَّة األَنيقةً ، ً شكل ومضمونًا ،عن منشورات تسهيل مر َ «مركز التراث اللبناني» في الجامعة.
ُ ج�انوغرافيا ب
البستاني فؤاد افرام ،مع جبران ،منشورات الدائرة ،بيروت1983 ، جبر جميل ،جبران في حياته العاصفة ،مؤسسة نوفل ،بيروت.1981 ، جبر جميل ،جبران في عصره وآثاره ،مؤسسة نوفل ،بيروت.1983 ، حنين رياض ،الوجهُ اآلخَر لجبران ،دار النهار ،بيروت.1981 ، خالد غسان ،جبران الفيلسوف ،مؤسسة نوفل.1983 ، دايه جان ،لكُم جبرانكم ولي جبراني ،منشورات مجلة «قبل الياس».2009 ، دايه جان ،عقيدة جبران ،دار سوراقيا ،لندن.1988 ، الدويهي بطرس وهبه ،الدويه ُّيون ،نشر خاص ،مؤسسة جوزف د .الرعيدي.2002 ، زغيب هنري ،جبران ،شواهد الناس واألَمكنة ،درغام ،بيروت.2012 ، شيبوب إِدفيك ،ذكرياتي مع جبران (مذكرات يوسف الحويك) ،مؤسسة نوفل ،بيروت.1979 ، فارس فيلِكس ،رسال ُة المنبر إِلى الشرق العربي ،مطبعة «المستقبل» ،ا ِإلسكندرية.1936 ، كيروز وهيب ،جبران في متحفه ،بَشَ اريا ،زوق مكايل.1974 ، مجاعص سليم ،جِ ِّن َّية جبران ،دار كُتُب ،بيروت.2009 ، مجموعة الرابطة القلمية لسنة ،1921دار صادر ،بيروت.1964 ، مسعود جبران ،جبران ح ًّيا ومي ًتا ،دار الريحاني ،بيروت .1966 نجار اسكندر ،أَوراق جبرانية ،دار النهار ،بيروت.2006 ، نجار اسكندر ،قاموس جبران ،الساقي ،بيروت.2008 ، ن َعيمه ميخائيل ،جبران خليل جبران ،حياته ،موته ،أَدبه ،فنه ،مؤسسة نوفل ،بيروت ،ط.1978 ،8 . يمين محسن أ ،.من خلف البحار ،منشورات البيت الزغرتاوي.2019 ،
598
Gratefulness I couldn’t have achieved such colossal work without an enormous debt of gratitude to those who helped me with information and documents: Gibran, for her patient correspondence with valuable information and permission to use documents from her wonderful book: Love made visible.
Jean
Khater, for his friendship and for issues of The Syrian World from the Moïse A. Khayrallah Center for Lebanese Diaspora Studies (NCSU).
Akram
Malouf Samaha, for issues of The Syrian World as well as excerpts and photos related to Gibran.
Charles
Nadim Shehadi, for issues of The Syrian World from his own collection, and for contacting
Albert Shehadi and Princeton University to facilitate the reproduction of texts from the William Shehadi collection.
Ghareeb, for his generosity in providing private documents and photos of his father Andrew, the translator of Gibran.
Edmond
Elizabeth Davis, Francesco
for the rare photo of her great aunt Mary Haskell.
Medici, for his permission to reproduce his newly discovered documents
on Gibran.
Gibranography 5ème rencontre internationale sur Gibran, IMA- Paris, 2020, Center for Lebanese Heritage
Press, LAU, Beirut, 2020. BUSHRUI Suheil and MALARKEY James Ed., The enduring legacy of Kahlil Gibran, University of Maryland, MD, 2013. BUSHRUI Suheil and JENKINS Joe, Kahlil Gibran, man and poet, One World, Oxford, UK, 1998. BUSHRUI Suheil, The essential Gibran, One World, Oxford, UK, 2007. DAHDAH Jean-Pierre, Khalil Gibran, une biographie, Albin Michel, Paris, 1994. GHAREEB Andrew, Prose poems by Kahlil Gibran, Alfred Knopf, NY, 1934. GIBRAN Jean and Kahlil, Dramas of life, introduction, Westminster Press, Philadelphia, PA, 1981. GIBRAN Jean and Kahlil, Kahlil Gibran, beyond borders, Interlink books, Northampton, MA, 2017. GIBRAN Jean and Kahlil, Kahlil Gibran, His life and world, Interlink books, NY, 1991. GIBRAN Jean, Love made visible, Interlink books, Northampton, MA, 2017. HAWI Khalil, Kahlil Gibran, his background, character and works, AUB, Beirut, 1963. HILU Virginia, Beloved Prophet, Quartet books, London, 1973. KALEM Glen, Kahlil Gibran collective, the Artist, the Poet, the Man (Website). NAJJAR Alexandre, Khalil Gibran, l’auteur du Prophète, Pygmalion, Paris, 2002. NAJJAR Alexandre, Sur les traces de Gibran, Dergham, Beyrouth, 2011. SAMAHA Charles Malouf, Faris Saleem Malouf, A voice in the dark, private and limited edition, St. Petersburg, FL, 2019. SHEHADI William, Kahlil Gibran, A prophet in the making, AUB Press, Beirut, 1991. WATERFIELD Robin, Prophet, Life and times of Kahlil Gibran, St. Martin’s Press, NY, 1998.