E א א 2015
א و
א
1436
2015 2963 Wאع
א
978 9947 58 031 8 W
د
دار اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ %& '(
) * +, 44 021 57 56 38
!"# $ :V :k ì i
E0661F 62 53 08 W א ز darelfadhila@hotmail.com W و www.rayatalislah.com W
א
א א
א
ﺷﺮﺣﻬﺎ
ﭑﭒﭓﭔ
الحمد هلل رب العالمين ،وأشهد أن ال إله َإال اهلل ودده ال شريك له، وأشهد َ حمدا عبده ورسوله ،ص َلى اهلل وس َلم عليه وعلى آله وأصحابه أن م َ أجمعين؛ أما بعد: ٍ ٍ ناصح ومرب مشف ٍق؛ أال وهو اإلمام وشيخ ف قي ٌم ،إلما ٍم علم فهذا مؤ َل ٌ العّلمة :عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز ،يف موضو ٍع ٍ غاية يف األهم َية؛ كتبه َ نصحا لعا َمة األ َمة فيما ينبغي أن يتع َلموه من أمور الدين؛ عقيدة وعبادة وخلقا، وقد ر َتبه
ترتيبا نافعا ومفيدا للغاية ،ب َين فيه
ضرور َيات الدين،
ٍ ٍ ومسلمة. مسلم المهمة المتحتم معرفتها على كل والواجبات َ
ويعدُّ هذا الكتاب منهجا رصينا يف تعليم العوام ،وتلقينهم أمور الديانة، وتعريفهم بضرور َياته ،وما يجب عليهم تع ُّلمه من أمور الديانة؛ عقيدة وعبادة. والمستهدف فيه بالدَ رجة األولى هم العوا ُّم ،نصحا لهم ،وتعليما لهم مما أنبه عليه يف طليعة ال َتعليق على هذه الرسالة؛ َ أن لضرور َيات دينهم؛ ولهذا َ بسطا سهّل ،بما يتناسب مع من ألفت هذه األسلوب يف شردها سيكون أسلوبا م َ ـ5ـ
الرسالة من أجلهم ،وهم :العوا ُّم(.)1 وقد أجاد َ الشيخ
يف هذه الرسالة وأفاد ،ونصح وأبلغ يف النَصيحة،
ومحل عنايته إلى آخر دياته ،وال َ َ أدل على وكانت هذه الرسالة موطن اهتمامه ذلك من َ أن هذه الرسالة طبعت يف طبعتها األخيرة يف العام ا َلذي توفي فيه تعديّلت منه وعليها ٌ
،
،سواء يف إضافة بعض الدُّ روس ،أو يف اإلضافة
وكمل يف وال َتكميل لبعض الدُّ روس؛ فقد أضاف بعض الدُّ روس الجديدة، َ بعض ،وعدَ ل شيئا ما يف ال َترتيب ،والمعتمد يف شردي لهذه الرسالة هو على ال َطبعة األخيرة ا َلتي صدرت يف العام ا َلذي توفي فيه الرسالة عند َّ وعنايتِه هبا إىل آخر حياتِه ,وأرجو اهللَ أن يكون الشيخ مكانة هذه ِّ ِ ِ واملسامهة يف هذا الباب العظيم. الوفاء هلذا اإلمام اجلليل الَّش ِح يش ٌء من يف هذا َّ
ٌ داللة عىل ،ويف هذا
وأسأل اهلل
الصالح ،وال َتوفيق أن يرزقنا أجمعين العلم النَافع والعمل َ
لما يح ُّبه ويرضاه من سديد األقوال وصالح األعمال ،وص َلى اهلل وس َلم على محمد وآله وصحبه. نبينا َ
دروس ألقيتها يف مسجد النَبي بلغت اثني عشر مجلسا ،عقدت يف َ ( )1وأصل هذا َ الشهر الشرح ٌ ٍ ٍ وإضافات تعديّلت األخير من عام خمسة وثّلثين وأربعمائة وألف للهجرة ،أجريت عليه وتنقيحات ،واهلل ودده الموفق.
ـ6ـ
D
ﻗﺎل ﱠ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﺑﺎز ::
ﻟﻠﻤ ﱠﺘ ِﻘﻴﻦ، اﻟﺮﺣﻴﻢ ،اﻟﺤﻤﺪُ ﷲ ﱢ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ،واﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ُ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﱠ »ﺑﺴﻢ اﷲ ﱠ ِ ِ ﺤﻤ ٍﺪ وﻋﻠﻰ آﻟﻪ وأﺻﺤﺎﺑﻪ أﺟﻤﻌﻴﻦ؛ ﱠأﻣﺎ وﺻ ﱠﻠﻰ اﷲُ وﺳ ﱠﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪه ورﺳﻮﻟﻪ ﻧﺒ ﱢﻴﻨَﺎ ُﻣ ﱠ
اﻟﻌﺎﻣ ُﺔ ﻋﻦ دﻳﻦ ﻮﺟ َﺰ ٌة ﰲ ﺑﻴﺎن ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﺮ َﻓﻪ ﺑﻌﺪُ :ﻓﻬﺬه ٌ ﻛﻠﻤﺎت ُﻣ َ ﱠ ِ اﻷﻣﺔ« ،وأﺳﺄل اﷲَ أن ﻳﻨ َﻔ َﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﻬﻤ ُﺔ ﺳﻤﻴ ُﺘﻬﺎ »اﻟﺪﱡ روس ﻟﻌﺎﻣﺔ ﱠ ﱠ ﱠ اﻹﺳﻼم ،ﱠ ﻛﺮﻳﻢ«. اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وأن ﻳ َﺘﻘ ﱠﺒ َﻠﻬﺎ ﻣﻨﱢﻲ ،إ ﱠﻧﻪ ﺟﻮا ٌد ٌ :n ﺑﺤﻤﺪ اﷲ واﻟ ﱠﺜ ِ ِ ﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،اﺳﺘﻬ ﱠﻠﻬﺎ : ﻫﺬه ُﻣﻘﺪﱢ ﻣ ٌﺔ ﺑﻴﻦ ﻳﺪَ ْي ﻫﺬه ﱢ
َ ﺟﻞ ﰲ ﻋﻼه ـ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ أﻫ ُﻠﻪ ،وﺑﻴﺎن ﱠ ـ ﱠ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﰲ اﻟﺪﱡ ﻧﻴﺎ واﻟﻤﺂل أن اﻟﻌﺎﻗﺒ َﺔ اﻟﺤﻤﻴﺪ َة َ اﻟﻤﻼزﻣﻮن ﻟﻄﺎﻋﺔ اﷲ اﻟ ُﻤﺠﺎﻧِﺒﻮن ﻟﻤﻌﺎﺻﻴﻪ، واﻵﺧﺮةِ ﻷﻫﻞ اﻟ ﱠﺘﻘﻮى؛ ُ وﻫﻢ ُ ﺑﺄواﻣﺮه ،اﻟﻤﻨ َﺘﻬﻮن ﻋﻦ ﻧﻮ ِ ِ اﻫﻴﻪ ،اﻟﻌﺎﻣﻠﻮن ﻟﻨَﻴﻞ رﺿﺎه واﻟ َﻔﻮز ﺑﻜﺮاﻣﺘﻪ اﻟﻤﺆ َﺗ ِﻤﺮون َ ُ ُ ُ
ـ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ـ ﻳﻮم ﻟﻘﺎه.
الرسول المجتبى والنَبي المصطفى؛ خيرة اهلل وبالصّلة َ والسّلم على َ َ ـ تبارك وتعالى ـ من خلقه ،وصفوة عباده ،صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه. ثم ب َين أ َنها موجز ٌة ليس فيها ٌ اختصار مخل ،بل فيها إيجاز، طول ممل وال ٌ َ تصار على ما يحقق المقصود ـ بإذن اهلل ـ تبارك وتعالى. وسهولة عبارة ،واق ٌ وخصها «يف بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة» ،أي :من واجبات الدين َ وضرور َياته ،وال س َيما ما ال يعذر المرء بجهله ،مع بعض المسائل ا َلتي هي من همة ا َلتي ينبغي على المستح َبات وليست من الفرائض ،لكنَها من األمور الم َ عا َمة األ َمة أن يعنوا هبا. سمى، اسم مطاب ٌق للم َ وسماها« :الدروس المهمة لعامة األمة»؛ وهو ٌ َ ٌ وعنوان مواف ٌق للمعنى ا َلذي اشتملت عليه هذه الرسالة ،فهي رتبت ترتيبا بديعا األول ...ال َثاين ...ال َثالث ...إلخ. على هيئة دروس :الدَ رس َ مما يحتاج إليه عوا ُّم المسلمين. «المهمة» :أي ا َلتي يف غاية األهم َية َ ونوع المصنف مضامين هذه الرسالة ،فب َين فيها ما يتع َلق بجانب االعتقاد، َ وما يتع َلق بجانب العبادات ،وال س َيما المباين الخمسة لإلسّلم ،وب َين فيها أيضا ودذر فيها من كبائر ُّ َ الذنوب ،وعدَ د األخّلق ا َلتي ينبغي أن يتح َلى هبا المسلم، َ ودذر أشدَ ال َتحذير من الشرك األكرب النَاقض للدين المباين للم َلة؛ جملة منها، ومهمة تم ُّس داجة عوام المسلمين إليها. فهي رسال ٌة دوت مضامين عظيمة َ «وأسأل اهلل
أن ينفع بها المسلمين وأن يتقبلها مني إنه جواد كريم»؛
هذه دعو ٌة عظيم ٌة ،جمعت بين سؤال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ النَفع هبذه الرسالة، ـ8ـ
وأن يتق َبلها منه بق ٍ ٍ دسن. بول ومن فضل اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ومنه َ أن هذه الرسالة القت قبوال واسعا؛ فعقدت المجالس الكثيرة لمدارستها ،وقرئت على ٍ كثير من النَاس يف المساجد، ٍ لشيء من مضامينها ،وا ُّتخذت منهجا يف تعليم العوام وتلقينهم أمور مع البيان الديانة ،وترجمت إلى ٍ كثير من ال ُّلغات؛ وهذا ك ُّله من األمارات على القبول ـ إن شاء اهلل ـ ا َلذي جعله اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ لهذه الرسالة. وأسأل اهلل ـ َ جل وعّل ـ أن يجزي مؤلفها خير الجزاء ،وأن يثقل هبا موازينه أن ينفع هبذا
يوم لقاء اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،وأن ينفعنا أجمعين هبا ،وأسأله ٍ ٍ َ قريب سميع دسن؛ إ َنه ـ تبارك وتعالى ـ بقبول الشرح المسلمين وأن يتق َبله مني ٌ ٌ مجيب. ٌ
ـ9ـ
ﱠ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻷﻭﻝ
ﱡ َ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺎﲢﺔ ﻭﻗﺼﺎﺭ ﺍﻟﺴﻮﺭ
ﻗﺎل: :
ِ اﻟﺴﻮر. »اﻟﺪﱠ رس ﱠ اﻷول :ﺳﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ وﻗ َﺼﺎر ﱡ
اﻟﺴﻮر؛ ِﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟ ﱢﺰﻟ َﺰﻟﺔ إﻟﻰ ﺳﻮرة ُﺳﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ وﻣﺎ َ أﻣﻜﻦ ﻣﻦ ﻗﺼﺎر ﱡ
ﻳﺠﺐ ﻓﻬ ُﻤﻪ«. اﻟﻨﱠﺎس؛ ﺗﻠﻘﻴﻨ ،وﺗﺼﺤﻴﺤ ﻟﻠﻘﺮاءة ،وﺗﺤﻔﻴﻈ ،وﺷﺮﺣ ﻟﻤﺎ ُ :n
َ ﻬﻤ ِﺔ ﻟﻌﺎ ﱠﻣ ِﺔ اﻷ ﱠﻣ ِﺔ؛ وﻫﻮ ﰲ رس ﱠ ﻫﺬا ُﻫﻮ اﻟﺪﱠ ُ اﻟﻤ ﱠ اﻷو ُل ﻣﻦ اﻟﺪﱡ روس ُ ﻌﻠﻴﻢ ِﻟﻘ َﺼ ِ اﻟﺴ ِ َ اﻟﺴ َﻮ ِر وﻳﻘﱰح أن ﻮر، ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ ﺳﻮر َة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ُ ﺎر ﱡ ﻳﻜﻮن اﻟ ﱠﺘ ُ وﻗﺼﺎر ﱡ َ ٍ اﻟﺰ َﻟﺰ َﻟﺔ إﻟﻰ ﺳﻮرةِ اﻟﻨﱠﺎس ،ﱠ ﻛﺎف ﻟﻠﻌﻮا ﱢم ﻟ ُﻴ َﺆ ﱡدوا ﲠﺎ وأن ﻫﺬا اﻟﻘﺪْ َر ﻣﻦ ﺳﻮرة ﱠ اﻟﺴﻮر َة اﻟﻮاﺣﺪ َة ﺻﻼ َﺗﻬﻢ َ ﻛﺮ َر ﱡ ﻓﺮﺿﻬﺎ و َﻧ ْﻔ َﻠﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﻴﺎم اﻟ ﱠﻠﻴﻞ ،ﺣ ﱠﺘﻰ ﻟﻮ ﱠ ُﻣﻘﺘ َِﺼ ًﺮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﻣﻦ اﻟ ﱠﻠﻴﻞ؛ ﻓ َﻌﻦ ﻗﺘﺎدة ِ رﺟﻼ ﻗﺎم ﰲ ﺑﻦ اﻟﻨﱡﻌﻤﺎن ا َأ ﱠن ً ِ ﻓﻠﻤﺎ اﻟﺴ َﺤ ِﺮ ﴿! " ﴾% $ #ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﱠ ﻳﻘﺮ ُأ ﻣﻦ ﱠ ﱠﺒﻲ ح َ زﻣﻦ اﻟﻨ ﱢ
رﺟﻞ اﻟﻨﱠﺒﻲ ح ﻓﺬﻛﺮ ذﻟﻚ ﻟﻪ َ ُ أﺻ َﺒ ْﺤﻨﺎ أﺗﻰ ٌ رﺳﻮل اﷲ اﻟﺮ ُﺟ َﻞ ﻳﺘﻘﺎ ﱡﻟﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل وﻛﺄ ﱠن ﱠ ﱠ
« :والذي ن ْفسي بيده إنها لت ْعدل ثلث الق ْرآن»(.)1 وهذه المنهج َية يف ال َتعليم تشجع كثيرا من العوام على ال َتع ُّلم والحفظ؛ عندما يقال لهَ : الزلزلة إلى السور؛ من َ إن القدر ا َلذي تحتاج إليه هو هذا القدر من ُّ النَاس ،فيشعر َ أن القدر ا َلذي يحتاجه إلقامة عبادته هو هذا القدر اليسير ،فتعظم السور من ديث الحفظ ومن ديث الفهم لمعانيها ،د َتى تكون تّلوته عنايته هبذه ُّ ٍ السور عن ٍ ودراية بمدلولها ،ولهذا لو أ َنه خصص يف المساجد فهم لمعانيها لهذه ُّ السور ،ومن أكملها يقال له :أكملت دلقا لعوام المسلمين يقتصر فيها على هذه ُّ أردت الزيادة التحق بالحلقات ا َلتي يحفظ فيها القرآن كامّل، ما تحتاج إليه ،وإذا َ ر َبما أتقن بعضهم يف ٍ شهر ،ور َبما يف شهرين ،بحسب مقدرته ودافظته ،فـهذه المنهج َية مه َم ٌة بحيث يستشعر العامي يف جلوسه َ أن القدر المطلوب منه ليس قدرا كبيرا ،وإ َنما هي سور قليل ٌة يتم َكن ـ بإذن اهلل ـ من إتقانها يف ٍ وقت ٍ يسير. ٌ وتكون الطريقة يف تعليمها للعوام على نحو ما بين؛ وهي عبر خطوات أربع: 1ـ الخطوة األولى :ال َتلقين؛ قال
« :تلقينًا» ،أي يلقنهم اإلمام أو المقرئ
ثم ومرتينَ ، مرة َ السور ،آية ،آية؛ فيكرر على مسامعهم اآلية األولى َ أو الحافظ هذه ُّ ال َثانية ...وهكذا ،فالقرآن يؤخذ بال َتلقين ،فيسمعونها سماعا صحيحا. ثم بعد ذلك يقرؤون ما سمعوه ،ويقوم اإلمام أو المقرئ أو المحفظ 2ـ َ تصحيحا للقراءة». بتصحيح قراءتهم ،ولهذا قال« : ً ثم تأيت بعد ذلك المردلة ال َثالثة وهي :الحفظ؛ فيحفظ هذا ا َلذي تل َقنه 3ـ َ ( )1أخرجه البخاري (.)5014
ـ 11ـ
وقرأه بين يدي َ الشيخ وص َحح له دفظا صحيحا ويكرره دسب الكفاية؛ فبعض مرة أو مئتين لتكون محفوظة السورة خمسين أو مئة َ النَاس يحتاج إلى أن يكرر ُّ عنده دفظا متقنا. الرابعة وهيَ : الشرح لما يجب فهمه، ثم تأيت بعد ذلك المردلة َ 4ـ َ ثم من سورة السور ،وبيان مدلوالتها ،بدءا من سورة الفاتحة َ وتفسير معاين هذه ُّ الزلزلة إلى سورة النَاس. َ
ٍ السور ا َلتي وإتماما للفائدة أعلق تعليقا يسيرا ببيان شيء من معاين هذه ُّ الزلزلة إلى سورة النَاس ،بيانا مختصرا ثم َ ،بدءا من سورة الفاتحةَ ،
ذكرها
وتفسيرا موجزا.
ﭷﭸ ﭹﭺ ﭻ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ . مر ٍة يتلو فيها المسلم كتاب اهلل ـ تبارك االستعاذة يشرع اإلتيان هبا يف كل َ وتعالى ـ. وطلب منه ـ تبارك وتعالى ـ أن يعيذ عبده ،وأن واالستعاذة :التجا ٌء إلى اهلل ٌ يقيه من َ الرجيم. الشيطان َ ـ 12ـ
وإ َنما شرعت االستعاذة بين يدي تّلوة كتاب اهلل
؛ َ ألن َ الشيطان أشدُّ
ما يكون درصا على صرف العبد عن هذا الكتاب العظيم والفوز هبداياته والوقوف على معانيه ومضامينه وال َتأ ُّثر به؛ فشرع للعبد أن يستعيذ باهلل من هذا َ الشيطان د َتى تكون قراءته لكتاب اهلل ـ تبارك وتعالى ـ قراءة سالمة من وساوس َ الشيطان وهمزه ونفخه ،محفوظا بحفظ اهلل. الصاد لهم عن و«الش ْيطان» :أي العايت المتمرد الغاوي المغوي لعباد اهللَ ، طاعة اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. «الرجيم» :أي المطرود الـمبعد الملعون ،ا َلذي أبعده اهلل ـ سبحانه الردمة أراد أن يبعد عباد اهلل عنها، ولما كان مبعدا عن َ وتعاىل ـ من ردمتهَ ، فطلب من العبد أن يستعيذ باهلل من هذا َ الشيطان العايت المتمرد ،ا َلذي يعمل على صرف اإلنسان عن طاعة اهلل وعبادته والفوز بردمته ـ َ جل يف عّله ـ. ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ البسملة آي ٌة من كتاب اهلل ٍ سورة ،عدا سورة براءة. تّلوة كل
،يؤتى هبا بين يدي
ٍ استعانة باهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،ومعنى بدء التّلوة والبسملة هي كلمة أن من يتلو كتاب اهلل يبدأ تّلوته مستعينا باهلل؛ َ بالبسملة :أي َ ألن الباء يف «بسم اهلل» باء االستعانة ،متربكا بذكر اسمه ـ تبارك وتعالى ـ. ﴿ﭒ﴾ عل ٌم على اهلل
،ومعناه :ذو األلوه َية والعبود َية على خلقه
أجمعين ،وهو دال على ألوه َية اهلل :وهي أوصاف الكمال والعظمة والجّلل ا َلتي استح َق هبا أن يؤله وأن يعبد وأن يذ َل له ويخضع له ـ َ جل يف عّله ـ ،ودال ـ 13ـ
على العبود َية :وهي أفعال العبد ا َلتي يقتضيها هذا االسم من ذل وخضو ٍع ٍ ٍ وإقبال على اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. وانكسار الردمةَ ، داالن على ثبواها هلل ـ سبحانه ﴿ﭓ ﭔ﴾ اسمان مشت َقان من َ الردمة الواسعة َ الشاملة ،قال تعالى: وتعاىل ـ؛ أ َما ﴿ﭓ﴾ فهو دال على َ خص اهلل ﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [ ،]156 :cو﴿ ﭔ﴾ دال على ما َ ـ تبارك وتعالى ـ به أولياءه وأصفياءه ،كما قال ـ َ جل يف عّله ـ﴿ :ﰑ ﰒ ﰓ﴾ [{.]43 : ﴿ﭖ ﭗ﴾ الحمد :هو ال َثناء على اهلل مع الحب له ـ َ جل وعّل ـ ،واهلل يثنى عليه على أسمائه الحسنى وصفاته العليا ،ويثنى عليه على نعمه وآالئه ومننه ا َلتي ال تعدُّ وال تحصى. ﴿ﭘ ﭙ﴾ أي خالقهم ،ومالكهم ،والمدبر لهم ،والمتصرف ٍ شيء من ذلك ،والعالمون :هم من سوى اهلل. فيهم ،ال شريك له يف والخاصة كما تقدَ م. بالردمة العا َمة َ ﴿ﭛ ﭜ﴾ أي :الم َتصف َ ٍ قراءة﴿ :ملِ ِك ﭟ ﭠ﴾ ،أي :يوم الجزاء ﴿ﭞ ﭟ ﭠ﴾ ويف والحساب ،فالدين هو الحساب ،ومن أسماء ربنا ـ َ جل وعّل ـ« :الدَ َيان» أي: المجازي المحاسب ،وهذا فيه الخوف من اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،ومن لقائه والوقوف بين يديه ،كما قال اهلل ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [\.]Ñ ـ 14ـ
﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ فيها إخّلص العبادة واالستعانة هلل ـ َ جل
وعّل ـ؛ فقوله﴿ :ﭢ ﭣ﴾ ،أي :أخلص لك عباديت ،فّل أعبد غيرك﴿ ،ﭤ ﭥ﴾ ،أي :أخلص استعانتي بك ،فّل أستعين ٍ بأدد سواك. ففي قوله﴿ :ﭢ ﭣ﴾ براء ٌة من الشرك ،ويف قوله﴿ :ﭤ ﭥ﴾ براء ٌة من الحول والق َوة. تحقيق لـ :ال إله َإال اهلل﴿ ،ﭤ ﭥ﴾ تحقيق لـ: ﴿ﭢ ﭣ﴾ ٌ قوة َإال باهلل. الدول وال َ ﴿ﭢ ﭣ﴾ فيها الخلوص من الشرك والرياء﴿ ،ﭤ ﭥ﴾ خلوص من العجب والكربياء. فيها ٌ ﴿ﭧ ﭨ ﭩ﴾ ،أي :د َلنا ووفقنا يا اهلل؛ لسلوك هذا الصراط المستقيم واتباعه ،قال تعالى﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [ ،]153 :bوهو دين اهلل ا َلذي رضيه لعباده ،وال يرضى لهم دينا سواه. ُّ والشهداء ﴿ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ ،أي :من النَبيين والصديقين الصالح؛ والصالحين ودسن أولئك رفيقا ،من جمعوا بين العلم النَافع والعمل َ َ َ فإن المنعم عليهم هم أهل العلم والعمل. ممن يعلم ﴿ﭯ ﭰ ﭱ﴾ وهم اليهود ،ومن سلك نهجهم َ الحق وال يعمل به. َ ـ 15ـ
ممن يعبد اهلل ﴿ﭲ ﭳ﴾ وهم النَصارى ،ومن سلك مسلكهم؛ َ ٍ بصيرة وال علم. ـ تبارك وتعالى ـ بغير الضّلل ،كما قال سفيان ابن السوء وع َباد َ والمقصود :التَحذير من علماء ُّ عيينة« :من فسد من علمائنا كان فيه شب ٌه من اليهود ،ومن فسد من ع َبادنا كان فيه شب ٌه من النَصارى»(.)1 السورة :دديث أبي هريرة ومن أعظم ما يعين على فهم هذه ُّ النَبي
عن
فيما يرويه عن ربه ـ تبارك وتعالى ـ أ َنه قال« :قس ْمت الصالة ب ْيني وب ْين
ع ْبدي ن ْصف ْين ،ولع ْبدي ما سأل ،فإذا قال الع ْبد﴿ :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ قال اهلل تعالى :حمدني ع ْبدي ،وإذا قال﴿ :ﭛ ﭜ﴾ قال اهلل تعالى :أ ْثنى
علي ع ْبدي ،وإذا قال﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ﴾ قال :مجدني ع ْبدي ،فإذا قال﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ قال :هذا ب ْيني وب ْين ع ْبدي ولع ْبدي ما سأل ،فإذا قال:
﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ قال :هذا لع ْبدي ولع ْبدي ما سأل»(.)2 ومعنى «قس ْمت الصالة» ،أي :الفاتحة ،وسميت صّلة؛ أل َنه ال صّلة لمن الصّلة. لم يقرأ هبا ،لعظم مكانتها يف َ
ٍ الرب والعبد :أي َ للرب، أن ثّلث آيات ونصف منها َ ومعنى قسمها بين َ
( )1ذكره ابن كثير
يف «تفسيره» (.)138/4
( )2أخرجه مسلم (.)395
ـ 16ـ
ٍ ونصف للعبد وهي آخرها. وهيَ :أولها وثّلث آيات، أولها ثنا ٌء على اهلل ،وآخرها دعا ٌء للعبد. ف َ وهي تس َمى «أ َم القرآن»؛ أل َنها دوت إجماال ما دواه القرآن تفصيّل، وهي مليئ ٌة بالدُّ روس والعرب ،وتقرير قواعد الدين وأصول اإليمان ،وأمور َ السورة العظيمة. مما دوته هذه ُّ الشريعة واألخّلق واآلداب ،إلى غير ذلك َ
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮄ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾.
الرب ـ َ جل يف عّله ـ السورة العظيمة «سورة َ الزلزلة» فيها ذكر َ هذه ُّ الساعة؛ َ مما يكون بين يدي قيام فإن َ لألهوال العظيمة ا َلتي تكون بين يدي قيام َ الساعة تزلزل األرض ،وهو ارتجاجها واهتزازها. َ وتحركت. واهتزت ﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ ،أي :ارت َجت َ َ ﴿ﭮ ﭯ ﭰ﴾ ،أي :أخرجت األرض ما يف بطنها من األموات ا َلذين دفنوا فيها ،وألقت ما فيها من كنوز ،وهذا اإلخراج لهؤالء النَاس من األرض هو إي ٌ الساعة والوقوف بين يدي اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. ذان بقيام َ ـ 17ـ
﴿ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ ،أي :يقوم اإلنسان من قربه إلى دشره ووقوفه بين يدي ربه مذهوال من هذا األمر العجيب والمنظر المهول ،قائّل :ما لها؟! ما لألرض دصل لها هذا ا َلذي دصل. ﴿ﭷ﴾ ،أي :يوم القيامة ﴿ﭸ ﭹ﴾؛ تحدث األرض بما كان عليها وما فعله النَاس فوقها من ٍ خير أو شر؛ وهذا فيه َ أن األرض تشهد بما دصل ٍ ٍ ٍ ٍ وأعمال قام هبا النَاس ،وهي شهاد ٌة منها عليهم بأمر وأقوال وأدوال أخبار عليها من اهلل ،كما قال اهلل سبحانه﴿ :ﭻﭼﭽﭾ﴾ ،أي :أمرها وأذن لها هبذه َ الشهادة. الصدور من أرض الموقف لمّلقاة الجزاء ثم من بعد ذلك يكون دال ال َناس ُّ َ والحساب كل بحسب عمله؛ ﴿ﮀ﴾ ،أي :يوم القيامة ﴿ﮁ ﮂ ﮃ﴾، أي :أصنافا وأجناسا كل بحسب عمله من ٍ خير أو شر﴿ ،ﮄ ﮅ﴾ ،أي :يعاينوا ٍ أعمال ،سوا ٌء كانت األعمال خيرا ويشاهدوا ويقفوا على ما قدَ موه واقترفوه وفعلوه من أو شرا ،محصاة عليهم ،وهذا اإلدصاء لألعمال ـ خيرها وشرها ـ بمثاقيل َ الذر ،يروا أعمالهم ك َلها ال ينقص من عملهم شي ٌء؛ ال من خير العمل وال من شره ،ال من قليله السيء. ثم ينالوا ال َثواب على العمل َ الصالح ،والعقاب على العمل َ وال من كثيرهَ ، ﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
الذ َرة :هي الواددة من صغار النَمل ،فالوزن يوم القيامة بمثاقيل َ ﮓ﴾ َ الذر يف خير األعمال وشرها ،وهذا فيه تنبي ٌه للعباد أن ال يحقروا من أعمال الخير شيئا، والسّلم ـ« :اتقوا النار ول ْو بشق ت ْمرة»()1؛ َ فإن الوزن بي ـ عليه َ الصّلة َ وقد قال النَ ُّ ( )1أخرجه البخاري ( ،)1417ومسلم ( )1016عن عدي بن داتم
ـ 18ـ
.
يوم القيامة بمثاقيل َ الذر. ﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ ،أي :من خير ﴿ﮋ ﮌ﴾﴿ ،ﮎ ﮈ
ﮉ ﮊ﴾ ،أي :من شر ﴿ﮒ ﮓ﴾ ،أي :عقوبة على أعماله جزاء وفاقا، وهذا فيه ال َتحذير من االستهانة بمح َقرات ُّ الذنوب ،كما جاء يف دديث عائشة « :إياك ْم ومحقرات األ ْعمال؛ فإن لها من اهلل طال ًبا»( ،)1بل عليه أن يجتنب ٍ ُّ شيء منها بادر إلى ال َتوبة واإلنابة إلى اهلل الذنوب كبيرها وصغيرها ،وإن وقع يف ـ سبحانه وتعاىل ـ .
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟ ﮠﮡ ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧ ﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗﯘﯙ ﯚﯛﯜ ﯝ ﯞ ﭑﭒﭓ ﭔ ﭕﭖﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾.
السورة العظيمة «سورة العاديات» فيها قس ٌم من اهلل ـ تبارك وهذه ُّ
وتعالى ـ هبذه المخلوقات ،واهلل
يقسم بما شاء من مخلوقاته ،وإقسام اهلل
تشريف لها ،وأ َما المخلوق فّل يجوز له أن يقسم َإال تعالى هبذه المخلوقات فيه ٌ الصحيحة» ( )1أخرجه النَسائي يف «الكربى» ( ،)11811وابن ماجه (،)4243 وصححه األلباين يف « َ َ (.)513
ـ 19ـ
باهلل؛ لقول النَبي
« :م ْن كان حال ًفا ف ْلي ْحل ْ ت»( ،)1ولقوله« :م ْن ف باهلل أ ْو لي ْصم ْ
حلف بغ ْير اهلل فقدْ كفر أ ْو أ ْشرك»(.)2 ﴿ﮕ ﮖ﴾ هذا قس ٌم منه ـ تبارك وتعالى ـ بالخيل المنطلقة عدوا، الصابرون المحتسبون ،القاصدون على متونها المجاهدون يف سبيل اهللَ ، بجهادهم إعّلء كلمة اهلل ـ تبارك وتعالى ـ.
,
معروف؛ وهو سرعة جريها ،م َتجهة إلى أماكن أعداء دين اهلل والعدو ٌ الضبح :هو نفس الخيل ،فمع شدَ ة عدوها وجريها يخرج ـ تبارك وتعالى ـ ،و َ الصوت. منها هذا النَفس هبذا َ ﴿ﮘ ﮙ﴾ ،أيَ : أن دوافرها مع شدَ ة جريها وعدوها وسرعتها الشرر والنَار ،وهذا ٌ الصلبة أو الحصى ينقدح منها َ دليل عندما تّلمس األرض َ وقوة انطّلقها لمّلقاة األعداء. على ق َوتها وسرعتها َ الصبح، ﴿ﮛ ﮜ﴾؛ المغيرات :أي على األعداء ،صبحا :أي وقت ُّ وهذا هو الغالب يف هدي النَبي
وجيوشه يغير على األعداء يف هذا الوقت.
السرعة إلى ديث مكان ﴿ﮞ ﮟ ﮠ﴾ ,أي :عندما تأيت هبذه َ القوة وهذه ُّ األعداء؛ تثير الغبار يف سادة القتال من شدَ ة العدو ا َلذي كانت عليه د َتى وصلت إلى سادة القتال. ﴿ﮢ ﮣ﴾ ,أي :بالمقاتل يف سبيل اهلل وهو على متنها﴿ ،ﮤ﴾ ،أي: ( )1أخرجه البخاري ( ،)2679ومسلم ( )1646عن ابن عمر
.
( )2أخرجه أدمد ( ،)6072وأبو داود ( ،)3251والرتمذي ( ،)1535عن ابن عمر األلباين يف «اإلرواء» (.)2561
ـ 20ـ
وصححه . َ
جموع األعداء ،فتأيت منطلقة ،وتدخل بالمقاتل عليها يف صفوف األعداء ،د َتى يكون منه بإذن اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ الفتك هبم. هذا هو القسم. أ َما المقسم عليه :فهو بيان دال اإلنسان ﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾؛ والكنود: يتفضل عليه ر ُّبه بأنواع النعم وصنوف هو الجادد للنعمة ،فهذا دال اإلنسان عموماَ ، المنن ،فيكون كنودا جاددا لنعمة اهلل عليه وفضله ومنه ـ سبحانه وتعاىل ـ ،وممسكا ونجاه. مما آتاه اهللَ ،إال من س َلمه اهلل َ شحيحا بخيّل ال ينفق وال يبذل َ ﴿ﮫ﴾ ،أي :هذا اإلنسان ﴿ﮬ ﮭ ﮮ﴾ ،أي :شهيدٌ على نفسه هبذه الصفة َ الذميمة والخصلة المشينة. ﴿ﮰ ﮱ ﯓ﴾ ،أي :المال ﴿ﯔ﴾؛ نفسه ال تقنع مهما أوتي من يحب المال دبا جما ،أي دبا شديدا ،لو أوتي من المال واديا لتمنَى أن المال، ُّ يكون له واد آخر. ثم ن َبه ـ تبارك وتعالى ـ على ما يعين العبد على النَجاة من هذه الخصال َ والسّلمة من هذه الصفات ،فقال﴿ :ﯗ ﯘ﴾ ،أي :اإلنسان ﴿ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ َ
جدير بالعبد أن يكون على ٍ ٍ وعلم بهَ ، وأن هذا الجحود ذكر له أمر ٌ ﯝ﴾ ،هذا ٌ عما خلق العبد لنعمة اهلل ،وهذا َ الحب للمال واالنكباب عليه ،واالنشغال به َ ألجله وأوجد لتحقيقه؛ المآل فيه إلى َ ثم يبعثر ما يف أن هذا العبد سيموتَ ، القبور ،ويقوم النَاس من قبورهم للمجازاة والمحاسبة. حصل يف ذلك اليوم ما انطوت عليه ،ليجازى ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ ،أي :ي َ ـ 21ـ
ٍ وكنود وغير ذلك من الخصال َ الذميمة. العبد على ما كان عليه من شح وبخ ٍل، ﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ ،أي :م َطل ٌع على أعمالهم ال َظاهرة والباطنة، الخف َية والجل َية ،ومجازيهم عليها. اسم من أسماء اهلل؛ وهو العليم ببواطن األمور وخفايا األشياء، و«الخبير» ٌ كعلمه بظاهرها وعلنها.
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧﭨ ﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾. اسم من أسماء يوم القيامة ،وقد تعدَ دت أسماؤها ﴿ ﭜ﴾ ,هذا ٌ وأوصاف ،ألهنا دا َل ٌة على أوصاف عظيمة لذلك اليوم. لتعدُّ د صفاتها؛ فهي أعّل ٌم ٌ و«القارعة» ،أي :ا َلتي تقرع القلوب واألسماع من هول شدَ تها وعظم خطبها. ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ ,وهذا استفها ٌم لل َتهويل ،وبيان عظم عظيم ،ويو ٌم شديدٌ . ذلك اليوم ،وأ َنه يو ٌم ٌ ﴿ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ﴾ ,يف ذلك اليوم تكون دال النَاس ٍ ٍ ببعض كالفراش عندما ينتشر ويموج ببعض ،واختّلط بعضهم يف موجان بعضهم ـ 22ـ
بعضه يف بعض ،وهو نظير قوله تعالى يف اآلية األخرى﴿ :ﭖ ﭗﭘ﴾. الص ُّم الصّلب القو َية المتماسكة المتينة ﴿ﭬ ﭭ﴾ ،أيُّ : الصوف المندوف ،فأصبح بعد ندفه كوما، ﴿ﭮ ﭯ﴾ ،أي :ك ُّ ٍ يسير تّلشى ،فتذهب عن تلك الجبال لكنَه غير متماسك ،بحيث لو َ هب هوا ٌء ٌ وقوتها. صّلبتها َ ثم ب َين دال النَاس يف ذلك اليوم ،وأ َنهم على قسمين: َ ﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ ،أي :رجحت بالحسنات وال َطاعات وأنواع نعيم م ٍ القربات﴿ ،ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ ،أي :يف جنَة الخلد ،يف ٍ قيم ال يحول وال يزول أبد اآلباد ،قرير ٌة عينه ـ بمنَة اهلل عليه وفضله َ جل يف عّله ـ راضي ٌة، الصحيح« :إذا دخل أ ْهل الجنة الجنة يقول اهلل ـ تبارك ولهذا جاء يف الحديث َ وتعالى ـ :تريدون ش ْيئًا أزيدك ْم؟ فيقولون :أل ْم تبي ْض وجوهنا؟ أل ْم تدْ خ ْلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال :فيكْشف الحجاب ،فما أ ْعطوا ش ْيئًا أحب إل ْيه ْم من النظر إلى ربه ْم
»( ،)1جعلنا اهلل أجمعين منهم بمنه وكرمه.
السيئات والمعاصي ُّ والذنوب ﴿ﮀ ﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ ،أي :ب َ ﮁ﴾ ،أيَ : أن النَار هي مأواه وهي مكانه ،وقيل( :أ ُّمه) ،أي :رأسه هاوية، أي :يهوي على رأسه يف النَار. تعظيم ألمرها و ٌ بيان لخطوراها. ﴿ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ ،أي :هذه الهاوية، ٌ ( )1أخرجه مسلم ( )181عن صهيب
.
ـ 23ـ
نار شديد ٌة محرق ٌة ،وقد جاء يف الحديث َ أن ﴿ﮈ ﮉ﴾ ،أيٌ : رسول اهلل
قال« :نارك ْم ج ْزء م ْن س ْبعين جزْ ًءا م ْن نار جهنم»( ،)1أعاذنا اهلل
منها.
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﮋ ﮌ ﮍﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚﮛﮜ ﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ . ﴿ ﮋ ﮌ﴾ ،أي :أشغلكم وجعلكم تمضون يف هذه الحياة يف غفل ٍة مستم َر ٍة. ٍ ﴿ﮌ﴾ ،أي :طلب ما يتكاثر النَاس به من ٍ وتجارة ومساكن مال ٍ ٍ ٍ وادد لآلخر؛ أشغلكم مما يقصد منه مكاثرة كل ومركوبات وولد ،وغير ذلك َ
عما خلقتم ألجله ،وأوجد ُّتم لتحقيقه ،وهو عبادة اهلل ،وهذا دال هذا ال َتكاثر َ عما خلقوا هم ألجله وهو عبادة اهلل. كثير من النَاس؛ انشغلوا بما خلق ألجلهم َ مرت دالكم يف هذا االنشغال ،وهذا ال َلهو ﴿ﮎ ﮏ ﮐ﴾ ،أي :است َ كثير من النَاس؛ فتجد الوادد منهم يف له ٍ د َتى م ُّتم وأدخلتم القبور ،وهي دال ٍ ث وراء هذا ال َتكاثر دتَى يموت ،ومن ث َم يدرج يف قربه ،وسمي هذا الدُّ خول للقبور ( )1أخرجه البخاري ( ،)3265ومسلم ( )2843عن أبي هريرة
ـ 24ـ
زيارة؛ َ ألن القرب برز ٌخ بين الدُّ نيا واآلخرة ،ومعب ٌر إلى الدَ ار الباقية ،يدخله الميت الزائر؛ أل َنه ال يستم ُّر فيه ،وإ َنما هي زيار ٌة وينتقل منه إلى الدَ ار اآلخرة. دخول َ جر عن هذه الحال وهذه الصفة ،أي: ﴿ﮒ ﮓ ﮔ﴾؛ ﴿ﮒ﴾ هذا ز ٌ ٍ وغفلة ،سوف تعلمون :أي إذا أدخلتم ليس األمر كما أنتم منشغلين به من تكاث ٍر القبور ،ورأيتم عاقبة العمل دسنه وسيئه. ٌ وبيان لعظم هذا َ الشأن. ﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ ،تأكيدٌ لهذا األمر، ﴿ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ ،أي :لو كان عند اإلنسان علم اليقين هبذا عما خلق ألجله وأوجد المآل وهذا المصير لما ألهاه ال َتكاثر ،ولما أشغله َ لتحقيقه من طاعة اهلل. ﴿ﮡ ﮢ﴾ ،أي :لترد َن القيامة ،فلترو َن الجحيم ا َلتي أعدَ ها اهلل للكافرين. والجحيم ـ وهي النَار ـ يؤتى هبا يوم القيامة إلى أرض المحشر ،كما يف الحديث« :ي ْؤتى بجهنم ي ْومئذ لها س ْبعون أ ْلف زمام ،مع كل زمام س ْبعون أ ْلف ملك يجرونها»( ،)1فيعاينها النَاس ويشاهدونها. ﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ ،أي :تعاينونها دقيقة بأبصاركم؛ وذلك يوم القيامة ،يوم يقف النَاس بين يدي اهلل. ﴿ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ ،أي :يسألكم اهلل ـ تبارك وتعالى ـ يوم القيامة عن النَعيم ا َلذي آتاكم يف الدُّ نيا ،ويدخل يف ذلك نعمة المال ،ونعمة الص َحة ،ونعمة ( )1أخرجه مسلم ( )2842عن ابن مسعود
.
ـ 25ـ
$ !"# , , ,
(Ù¡) :â&#x20AC;« Ø£Ù&#x160;â&#x20AC;¬Ø&#x152; | { 1 . !/ 0 + , % -# ! & " !&( )* , % &' 85 6 9( ;!"# % &' $ 8 7 6 5 ,6 -3 45 )* ,6& " )* 6 - 3; 4 # B !A '- 7? !@ # ,!&-# => !'+ </ $ &' ,6 " M!-DH 6 5 6 '-J # 6 -DH I-J K) )* 6 -3; 85 6 L ,B FG# E CD
D C B A L K J I H G F E D C B A . Q P O N M
,1N P D % , N 3&-/ , N &O# 1N 7 F)* S @ B R 0 5 ,!- &Q 6 = . % * , U " C &- % #5 C< -. '@ * T / U&( B @ * &J M * + 4
6U-. W " F E 8 > V"D :K5 , D C ,8 7 J Z F)* E R 6* "YX 7 % ?L : \ / X 5 0 [, D ,1 X % 6* . X ,!/ 8 > / B @ S @ B 6* %5 / R / :K5 , J I H Z Z # ?L 8 ;6- M1 &T/ 6-# ? 8 > 8H !&( )*
h :â&#x20AC;« Øâ&#x20AC;¬R 7 = : = â&#x20AC;« تâ&#x20AC;¬1 * g/5 # _defa] 6 < ,_aabc] K)%` ^ J5 _ ] & * % ,& ( ) & # $ % ! : ! ( M_bak] i <&<T ,i, - +
h E j H !<<,
â&#x20AC;« Ù&#x20AC;â&#x20AC;¬Ù¢Ù¦ â&#x20AC;«Ù&#x20AC;â&#x20AC;¬
تقربوا إلى اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ بأنواع ﴿ﭛ ﭜ﴾ ،أيَ : الصالح العبادات وصنوف القربات طلبا لرضوانه سبحانه ،ويف إيماهنم وعملهم َ ٌ تكميل ألنفسهم. ﴿ﭝ ﭞ﴾ ،أي :بدين اهلل ا َلذي رضيه لعباده وشرعه لهم، وتواصيهم به ،أيُّ : دث بعضهم بعضا على العناية به والمحافظة عليه ،وهذا ٌ كملوا أنفسهم. تكميل لغيرهم بعد أن َ ﴿ﭟ ﭠ﴾ ،أي :على طاعة اهلل ،وعن معصية اهلل ،وعلى أقدار اهلل المؤلمة ،وهذا فيه َ أن طريق الدَ عوة ال بدَ فيه من أذى؛ فليصبر اإلنسان وليحتسب ،د َتى يكون بإذن اهلل ـ تبارك وتعالى ـ من النَاجين الفائزين ،وقد قال اإلمام َ الشافعي
السورة لكفتهم» ،أي :لكفتهم « :لو ف َكر النَاس يف هذه ُّ
واعظا وزاجرا عن المنه َيات ،وسائقا إلى الخير والرب بأنواعه.
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾. وهّلك ،وقيل :هو ٍ ٌ ٌ واد يف جهنَم﴿ ،ﭣ ﭤ خسران ﴿ ﭢ﴾ ،أي ﭥ﴾ ،أي :هذا شغله وديدنه الهمز وال َلمز؛ أي :الوقيعة يف أعراض النَاس ـ 27ـ
وال َطعن فيهم وال َثلب لهم ،والهمز بالقول ،وال َلمز بالفعل واإلشارة. همه ،جمع المال واالستكثار من جمعه ﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ ،أي :هذا ُّ وتعدادهَ ، الرقيق كذا ،ويملك من وأن عنده من المال كذا وكذا ،ويملك من َ المواشي كذا ،ويملك من المساكن كذا ،ويملك من المزارع كذا ...إلخ ،معددا متفاخرا متباهيا متعاليا على النَاس باألموال ا َلتي عنده. ﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ ،يظ ُّن من هذا شأنه وهذه صفته َ أن هذا المال ا َلذي يجمعه ويتكاثر به ويتفاخر به يكون سببا لخلوده وبقائه يف هذه الدُّ نيا. ﴿ﭱﭲ﴾ ،ليس األمر كما ظ َن وال كما يحسب. ثم يكون ﴿ﭳ ﭴ ﭵ﴾ ،مآل هذا أ َنه يموت ،ويرتك ماله وراء ظهرهَ ، مآله يوم القيامة أن يرمى ويلقى يف النَار ،والنَار من أسمائها «الحطمة»؛ أل َنها تحطم ،أي :تكسر وتهشم ما ألقي فيها من شدَ تها. ﴿ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ ،ما هي هذه الحطمة؟ ماذا تكون؟ االستفهام لل َتهويل ،وبيان عظم خطورة هذه النَار. ﴿ﭼ ﭽ ﭾ﴾ ،أي :المس َعرة ،وبشدَ ة اإليقاد يزداد د ُّرها ـ أعاذنا اهلل
منها ومن كل ما قرب إليها من ٍ قول وعم ٍل ـ. َ
﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾؛ خ َصت األفئدة هبذا االطّلع؛ َ ألن األفئدة هي منبع األعمال ومصدرها والمحرك لها؛ فاألعمال تنبع من القلوب« ،أل وإن في الجسد م ْْغ ًة ت صلح الجسد كله ،وإذا فسد ْت فسد الجسد كله؛ أل وهي الق ْلب»(.)1 إذا صلح ْ ( )1أخرجه البخاري ( ،)52ومسلم ( )1599عن النُّعمان بن بشير
ـ 28ـ
.
﴿ﮅ﴾ ،أي :النَار ﴿ﮆ ﮇ﴾ ،أي :مغلق ٌة محكمة اإلغّلق. ﴿ﮉ ﮊ ﮋ﴾ ،أي :على باب جهنَم ،سدَ ت عليهم هبا األبواب ،فّل خروج لهم منها.
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮨ﴾.
﴿ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ ,ألم تعلم أ ُّيها النَب ُّي! كيف فعل
ر ُّبك بأبرهة وجنوده ومعهم الفيل دينما أتوا قاصدين تخريب الكعبة.
﴿ﮕ ﮖ ﮗ﴾ ,أي :مكرهم وتخطيطهم لهدم بيت اهلل ﴿ﮘ ﮙ﴾,
ٍ وذهاب ،وع ٍ ٍ وخيمة لهم ،فلم يبوؤوا هبذه الفعلة وهذا المكر اقبة أي يف ضيا ٍع والكيد َإال بالخسران.
﴿ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ ,جماع ٌة من ال َطير متتابع ٌة ،جاؤوا بالفيلة، وهي أضخم الحيوانات وأكبرها بزعمهم ،ال يصدُّ هم صاد وال ير ُّدهم عن هدم البيت راد ،فأرسل اهلل عليهم طيرا صغيرة تحمل دجارة صغيرة يف مناقيرها. الصلب من ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ ،دجار ٌة من الطين المحمي َ شر هلك ٍة. المكان العالي ،فما يقع دج ٌر منها على وادد من هؤالء َإال هلك َ ﴿ﮥ﴾ ,أي :هذه الجموع ا َلتي جاءت لهدم بيت اهلل ﴿ﮦ ـ 29ـ
الزرع ا َلذي هجمت عليه الماشية وأكلته ووطأته بأقدامها، ﮧ﴾ ,أيَ : وهذه من آيات اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ وعظيم قدرتهَ ، وأن العبد مهما بلغ مكره وكيده وتر ُّبصه يجعل اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ له العاقبة الوخيمة والخسران يف الدُّ نيا واآلخرة. ولد يف هذا العام ـ عام الفيل ـ ا َلذي وقعت فيه هذه الحادثة
بي والنَ ُّ والسّلم ـ. العظيمة ،فكانت من جملة اإلرهاصات لمبعثه ـ عليه َ الصّلة َ
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾. كثير من المفسرينَ : الجار والمجرور يف قوله ﴿ﭑ ﭒ﴾ إن َ قال ٌ بالسورة ا َلتي قبلها وهي سورة الفيل؛ َ فإن هذا الهّلك ألبرهة وجنوده متعل ٌق ُّ هبذه اآلية الباهرة العظيمة الدَ ا َلة على كمال قدرة اهلل وعظيم بطشه ـ سبحانه وتعاىل ـ ،فأصبح لقري ٍ ش بعد هذه الحادثة هيب ٌة ،واطمأنُّوا يف سكناهم ويف الصيف والشتاء. ردّلتهم التجار َية يف َ
ٍ ﴿ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ ،أي :ما هم فيه من ٍ ٍ وأمن ،وأ َن ورخاء نعمة
الصيف إلى َ الشام ،تذهب وتعود والردّلت التجار َية آمن ٌة يف الشتاء إلى اليمن ،ويف َ المسالك َ بكل ٍ أمان؛ وهذه نع ٌم تستوجب شكر المنعم وإخّلص الدين له ،ولهذا قال﴿ :ﭙﭚ ـ 30ـ
ﭛ ﭜ﴾ ,أي :ليخلصوا عبادتهم هلل ودده ،مفردينه ـ سبحانه وتعاىل ـ ودده بالعبادة ،مخلصين له الدين ـ َ جل يف عّله ـ ،فّل يجعلوا معه شريكا ،وال ي َتخذوا معه ندا. ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ ,ا َلذي م َن عليهم بال َطعام ب لشكر المنعم ،وإخّلص وم َن عليهم باألمن؛ فهذه النعم وهذا األمن موج ٌ الدين له ،وإفراده ـ تبارك وتعالى ـ ودده بالعبادة.
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾.
َعجب ﴿ﭧ ﭨ َبي! واالستفهام معناه الت ُّ ﴿ﭦ﴾ ،أ ُّيها الن ُّ
ﭩ﴾ ،أي :يكذب بالجزاء والبعث والوقوف بين يدي اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ومّلقاته ـ َ جل يف عّله ـ ،ويكذب بالدين ،أي :ب َ الشرع ا َلذي شرعه ودعا عباده إليه ،القائم على توديده وإخّلص الدين له ـ َ جل يف عّله ـ. ﴿ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ ,أي :من ثمرات هذا ال َتكذيب أن يكون اإلنسان هبذه الصفة وهذا الحال؛ ﴿ﭭ
ﭮ﴾ ،أي :يزجره زجرا شديدا ،ويردعه ردعا ،ويدفعه دفعا ،فّل يتعامل معه ٍ ردمة﴿ ،ﭰ ﭱ﴾ غيره ﴿ﭲ ﭳ ﭴ﴾؛ أل َنه يف نفسه ال بشفق ٍة وال ـ 31ـ
!?$ % &' () ! ;
* - ', + â&#x20AC;« Ø&#x203A;â&#x20AC;¬m l k j i h g f :- 01 ./ *
,'5 ?', B C DE% ;'5 1 @'A 5* ,'5 < =>'? ; : ) , )7 8 53* 4% 5 6 K'L' /; 'H'=>B '5I J% & 'GE@ ; & F1
C ( P08 ; * Q 5: ' * Q 5: ; * <1 5: ; * ;P08 ; * P08 ; * < % ON M 8 ; <1 5: ; Q U 8G ; < , 5: ; T R:% U) '% ;P0 R ':3S; < * M * M * * ! F 1 UY G X* P 08 ; * W:
<M G ,'53'=>B B '5I V B '5?', B C D? ,'5 1 N '5 Z K! F 1 4V
] :â&#x20AC;«' Øâ&#x20AC;¬, ,\'
* ; 5?06 5 'G14% :[B , q p o K(Ù¡)^ , ! " $ # ' @ , 1'G ; G 5 )_% P *FV < :[B , u t s > MF( ; :.b , '6 c d T' % C
E T` *Fa W, `
G ; \4 ; ._ >'
` K % < 5D % '@ E : iE * ; f' Vg; < $ h e P %S; ; R ;
D C B A . b a ` _ ~ } | { z yx w v
M ,!'
8 k 3 c)1 3'a A j; U * =h :[B , + ; !' 1B 4% ; @ u a6] Q t' g; : * ,â&#x20AC;« اâ&#x20AC;¬F A i%B <1 nrpsrl /' <%; ,noopqpl FG B / mB n l Knpvswl ^C 'R ;
â&#x20AC;« Ù&#x20AC;â&#x20AC;¬Ù£Ù¢ â&#x20AC;«Ù&#x20AC;â&#x20AC;¬
يمن اهلل ـ سبحانه وتعاىل الخير العظيم والفضل العميم؛ ومن ذلكم :النَهر ا َلذي ُّ ـ به على نبيه
يوم القيامة ،وكذلك الحوض المورود.
﴿ﮊ ﮋ﴾ ،أي :شكرا هلل على منه وفضله وعظيم عطائه﴿ ،ﮌ﴾ ذبيحتك لربك ،مخلصا دينك هلل ،كما قال اهلل تعالى﴿ :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [\.]b عدوك ومبغضك ﴿ﮐ ﮑ﴾ ،أي :األقطع من ﴿ﮎ ﮏ﴾ ،أيَ : كل خير ،واألقطع ـ أيضا ـ من الذكر الحسن ،فّل يذكر َإال َ والسوء. بالشر ُّ
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛ ﭜﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ . السورة «سورة الكافرون» وهي سورة البراءة من الشرك والمشركين، هذه ُّ والكفر والكافرين. بي! ﴿ﭒ ﭓ﴾ ,أي :باهلل ـ سبحانه وتعاىل ﴿ﭑ﴾ ,أي :أ ُّيها ال َن ُّ
ـ ،يا من تعبدون معه غيره من األصنام واألوثان.
﴿ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ ،أي :من األصنام واألوثان ا َلتي ا َتخذتموها أندادا وشركاء هلل ـ سبحانه وتعاىل ـ. ﴿ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ ،مع أ َنهم يعبدون اهلل يف جملة ما يعبدون! لك َن ـ 33ـ
العبادة هلل ال تكون عبادة َإال باإلخّلص ،فإذا لم تكن خالصة ال تكون عبادة، ٍ الصّلة ال تكون صّلة َإال بال َطهارة ،فلو َ كما َ طهارة أن إنسانا ص َلى من غير أن َ صح أن يقال :لم لص َح أن يقال :لم يصل ،وكذلك من عبد اهلل بغير اإلخّلص َ يعبد اهلل؛ َ ألن عبادة اهلل ال تكون َإال باإلخّلص. ﴿ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ ،قيلَ : األول من ديث إن َ يعبد اهلل مخلصا له دينه ،وهم يعبدون األصنام واألوثان،
بي المعبود ،فالنَ ُّ وال َثاين من ديث العبادة نفسها ،فعبادة النَبي
ال َتوديد واإلخّلص ،وعبادة
األول على عدم وجود الفعل ،وال َثاين على هؤالء الشرك وال َتنديد ،وقيل :ليد َل َ َ أن ذلك قد صار وصفا الزما. ﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ ،هذه براء ٌة منهم ومن دينهم﴿ ،ﭬ ﭭ﴾ ،أي: عبادة األصنام واألوثان واألنداد ُّ والشركاء﴿ ،ﭮ ﭯ﴾ وهو ال َتوديد؛ عبادة اهلل وإخّلص الدين له ـ َ جل يف عّله ـ.
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄ ﮅﮆﮇ﴾.
السورة البشارة للنَبي ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ بالنَصر يف هذه ُّ
العظيم والفتح المبين. ـ 34ـ
﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ ،أي :فتح م َكة؛ إشارة إلى عظيم منَة اهلل أمر متحق ٌق وكائ ٌن. عليه ،وأ َنه ٌ ﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ ،أي :أكثر من ال َتسبيح السورة يكثر من أن واالستغفار ،وكان ـ عليه َ والسّلم ـ بعد نزول هذه ُّ الصّلة َ يقول« :س ْبحانك اللهم ربنا وبح ْمدك ،اللهم اغْف ْر لي» ،يتأ َول القرآن(.)1 السورة :إشعار النَبي ومن المعاين المستفادة من هذه ُّ
بدنو أجله ،إذا
دصل هذا النَصر والفتح؛ َ ألن ال َطاعات العظيمة تختم باالستغفار ،وكذا الحياة الصّلة الكريمة دياة اإليمان وال َطاعة تختم به ،فكان آخر ما سمع من نبينا ـ عليه َ والسّلم ـ قبيل وفاته« :اللهم اغْف ْر لي ،و ْارح ْمني ،وأ ْلح ْقني بالرفيق»(.)2 َ
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾. األول دعا ٌء ﴿ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ ,أي :خسرت يداه وخابتَ ، عليه ،وال َثاين خب ٌر عنه. والسّلم ـ ،وكان من أشد أعدائه، وأبو لهب :هو ع ُّم النَبي ـ عليه َ الصّلة َ كثير األذ َية له والتَن ُّقص له ولدينه. ( )1أخرجه البخاري ( ،)817ومسلم ( )484عن عائشة ( )2أخرجه البخاري ( ،)4440ومسلم ( )2444عن عائشة
ـ 35ـ
. .
َ َبي وثبت يف سبب نزولها أن الن َ صباحاه!» فاجتمعت إليه قري ٌش قالوا :ما لك؟ قال« :أرأ ْيت ْم ل ْو أ ْخب ْرتك ْم أن الصفا ذات يو ٍم فقال« :يا لما صعد َ َ
العدو يصبحك ْم أ ْو يمسيك ْم ،أما كنْت ْم تصدقوني؟» ،قالوا :بلى ،قال« :فإني نذير ي عذاب شديد» ،فقال أبو لهب :تبا لك! ألهذا جمعتنا؟! فأنزل اهلل: لك ْم ب ْين يد ْ ﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾(.)1 ﴿ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ ،األموال ا َلتي جمعها واألوالد والتجارة وغير ذلك؛ َ كل هذه ال تغني عنه من اهلل شيئا. ﴿ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾ ,هو وامرأته يصلون النَار ،وهذه السورة نزلت يف دياة أبي لهب وامرأته ،وهذه من اآليات العظيمة والرباهين ُّ الرسول العجيبة على صدق ما جاء به َ
؛ َ فإن فيها اإلخبار أ َنهما يموتان على
الكفر والمعاداة لدين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ هو وامرأته ،وكان موتهما على ذلك. ﴿ﮚ﴾ ،وهي أروى بنت در ٍ ب أ ُّم جمي ٍل ﴿ﮛ ﮜ﴾ ،كانت والسّلم ـ السعدان واألذى ،وتضعه يف طريق النَبي ـ عليه َ الصّلة َ تحمل شوك َ مبالغة يف إيذائه
.
﴿ﮞ ﮟ﴾ ,أي :عنقها ﴿ﮠ ﮡ ﮢ﴾ ،أي :ترفع به إلى شفير جهنَم ثم يرمى هبا إلى أسفلها ،أو أنَها تحمل يف النَار الحطب على زوجها ،متقلدة يف َ عنقها هذا الحبل.
( )1أخرجه البخاري ( ،)4801ومسلم ( )208عن ابن ع َباس
ـ 36ـ
.
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾.
هذه «سورة اإلخّلص» تعدل ثلث القرآن ،كما ثبت بذلك الحديث والسّلم ـ أنَه قال« :أي ْعجز أحدك ْم أ ْن ي ْقرأ ثلث الق ْرآن في عن نبينا ـ عليه َ الصّلة َ فشق ذلك عليهم وقالوا :أ ُّينا يطيق ذلك يا رسول اهلل؟ فقال« :اهلل الواحد ل ْيلة؟»َ ، ()1 سمى« :سورة اإلخّلص»؛ أل َنها أخلصت لبيان الصمد ثلث الق ْرآن» ،وت َ
ال َتوديد العلمي ،وسورة الكافرون ـ أيضا ـ تس َمى «سورة اإلخّلص»؛ أل َنها أخلصت لبيان ال َتوديد العملي ،وال َتوديد نوعان :علمي وعملي. ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ ،أي :متفر ٌد ـ سبحانه وتعاىل ـ ،ال ندَ له ال يف أسمائه وصفاته ،وال يف ربوب َيته ،وال يف ألوه َيته ـ َ جل وعّل ـ. الصمد ،أي :الكامل يف أسمائه وصفاته ،الكامل يف ﴿ﭖ ﭗ﴾؛ َ والصمد :ا َلذي تصمد إليه الخّلئق وتفزع يف داجاتها؛ ففيه سؤدده ونعوته، َ دالل ٌة على غنى اهلل عن جميع المخلوقات لكماله يف جميع صفاته ،وعلى كمال قدرته وافتقار المخلوقات كلها إلى اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ،وأ َنها تصمد إليه وتفزع إليه يف كل داجاتها ،ال غنى لها عنه طرفة عين. نفي ومن أدد َيته وصمد َيته وكماله سبحانه أ َنه ﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾؛ ٌ ( )1أخرجه البخاري ( )5015عن أبي سعيد الخدري
ـ 37ـ
،ومسلم ( )811عن أبي الدَ رداء
.
لألصل والفرع؛ ت َنزه وتقدَ س عن ذلك. ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ ،أي :ال مثيل له ،وال ندَ له ،وال سم َي له،
وتنزه عن المثال والند والنَظير. َ
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾.
الصبح ،أي :أعوذ باهلل فالق اإلصباح، ﴿ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾؛ الفلقُّ : وقيل ـ أيضا ـ :فالق النَوى. ٍ عوذ ﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ ،أي :من شر كل مخلوق فيه شر ،وهذا عام يف ال َت ُّ من كل المخلوقات ا َلتي قامت فيها ُّ الشرور. ﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ ،أي :ال َليل ،وما يكون فيه من هوام ،وما يتحرك فيه من شرور. تنبعث فيه من شياطين ،وما َ الّلتي ينفثن يف العقد السوادر َ ﴿ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ ،أيَ : د َتى يتم َكن السحر ويقع ،وال يقع َإال بإذن اهلل وال َتع ُّوذ باهلل
.
منه َن ٌ دليل على َ تأثير ،منه ما أن السحر له دقيق ٌة وله ٌ
يقتل ،ومنه ما يمرض ،ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه ،أعاذنا اهلل أجمعين. ـ 38ـ
ودمانا
﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ ،أي :من شر كل داس ٍد إذا تح َرك فيه الحسد ،ويدخل يف ذلك العائن؛ َ ألن العين ال تكون َإال عن دس ٍد.
ﭑ ﭒﭓﭔ ﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎﮏﮐ ﮑﮒﮓﮔﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ﴾.
تعو ٌذ ﴿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ ،هذا ُّ رب باهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ بذكر ربوب َيته وألوه َيته وملكه ،وهذه األسماء ال َثّلثة ـ ُّ مرت معنا يف فاتحة الكتاب؛ ديث وردت يف النَاس ،ملك النَاس ،إله النَاس ـ َ مقام ال َثناء على اهلل
،ويف خاتمة الكتاب وردت استعاذة به ـ سبحانه وتعاىل ـ
واعتصاما به ـ َ جل يف عّله ـ. ﴿ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ ،وهو َ الشيطان ،ذكر هبذين الوصفين: الصدور. ﴿ﮍ﴾ ،أي :ا َلذي يلقي الوساوس يف ُّ ﴿ﮎ﴾ ،أي :ا َلذي إذا ذكر اهلل
خنس وانطرد وابتعد عن اإلنسان.
ُّ الحث على المحافظة على ذكر اهلل ويف هذا للعبد من َ الشيطان. ـ 39ـ
وأن ذلك أعظم ٍ َ ، واق
﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ ،أي :يلقي الوساوس ُّ والشرور يف الرديئة ،والعقائد الفاسدة ،والمعاين الخبيثة. صدور النَاس من األفكار َ ﴿ﮖ ﮗ ﮘ﴾ ،أيَ : أن الوسواس كما يكون من الجن يكون من اإلنس أيضا. والحاصل َ وب منه أن يعنى بفهم معاين كّلم اهلل ـ سبحانه أن المسلم مطل ٌ الزلزلة إلى ثم من َ السور :الفاتحةَ ، وتعاىل ـ ،ويكفي العوا َم أن يحفظوا هذه ُّ النَاس ،ويعنوا بمراجعة معانيها ومعرفة دالالتها ،د َتى تكون تّلوتهم لها يف كل مر ٍة عن ٍ فهم وتد ُّب ٍر ،وعق ٍل للخطاب. َ
ـ 40ـ
ﱠ ﱠ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ
»اﻟﺪﱠ رس اﻟ ﱠﺜﺎﲏ :أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم.
وأو ُﻟﻬﺎ وأﻋﻈَ ُﻤﻬﺎ :ﺷﻬﺎد ُة أن ﻻ إِ َﻟ َﻪ ﱠإﻻ اﷲُ وأ ﱠن ﺑﻴﺎن أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم اﻟﺨﻤﺴﺔ ،ﱠ
ُ رﺳﻮل اﷲ ،ﺑﺸﺮح ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ،ﻣﻊ ﺑﻴﺎن ﺷﺮوط ﻻ إﻟﻪ ﱠإﻻ اﷲُ ،وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ) :ﻻ إ ِ َﻟ َﻪ( ﺤﻤﺪً ا ُﻣ ﱠ َ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ«. )إﻻ اﷲُ( ُﻣﺜﺒِ ًﺘﺎ اﻟﻌﺒﺎد َة ﷲ وﺣﺪَ ه ﻻ ﻧﺎﻓِ ًﻴﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ُﻳﻌ َﺒﺪُ ﻣﻦ دون اﷲ ،ﱠ َ :n
اﻟﺸ ِ ِ ٌ ﺐ ﱠ ﻲء اﻷﻗﻮى اﻹﺳﻼ ُم ﻟﻪ واﻟﺮﻛﻦ :ﻫﻮ ﺟﺎﻧ ُ أرﻛﺎن ﻻ ﻳﻘﻮم ﱠإﻻ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﱡ
ا ﱠﻟﺬي ﻻ ﻳﻘﻮ ُم ﱠ اﻟﺸﻲ ُء ﱠإﻻ ﻋﻠﻴﻪ ،و َﻣ َﺜ ُﻞ أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم َﻣﺜَ ُﻞ اﻷﻋﻤﺪة ﰲ اﻟ ُﺒﻨﻴﺎن.
ــــــﺖ ﻻ ﻳﺒ َﺘﻨـــــــﻰ ﱠإﻻ ِ ـــــﺮس َأوﺗـــــﺎ ُد ﺑﺄﻋﻤـــــــﺪةٍ وﻻ ِﻋﻤـــــﺎ َد إذا ﻟـــــﻢ ُﺗ َ واﻟﺒﻴـ ُ ُ ِ ُ وﺟﻮاﻧ ِ ُﺒﻪ اﻷﻗﻮى ا ﱠﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﻮ ُم اﻹﺳﻼ ُم ﺎﺋﻤﻪ و َأﻋﻤﺪَ ُﺗﻪَ ، ﻓﺄرﻛﺎن اﻹﺳﻼم :دﻋ ُ
ﱠإﻻ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
ﻓﻤﻦ أﺑﻰ أن واﻹﺳﻼ ُم :ﻫﻮ اﻻﺳﺘﺴﻼ ُم ﷲ ـ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ـ ﺑﺎﻟ ﱠﺘﻮﺣﻴﺪَ ، ِ اﺳ َﺘ ْﺴ َﻠ َﻢ ﷲ ﻷ وﻟ َﻐ ْﻴ ِﺮه ﻓﻬﻮ ُﻣ ِ ﺸﺮ ٌك. َﻳﺴ َﺘ ْﺴﻠ َﻢ ﷲ ﻷ ﻓﻬﻮ ُﻣﺴ َﺘ ْﻜﺒِ ٌﺮ ،وﻣﻦ ْ
وهبذا يعلم َ أن اإلسّلم يضا ُّده أمران :االستكبار ،والشرك. ٍ ٍ الصّلة ن ال نها ي ب ، خمسة أركان واإلسّلم يقوم على َ بي الكريم ـ عليه َ َ ُّ بي « :إن اإل ْسالم بني على والسّلم ـ يف دديث ابن عمر َ قال :قال النَ ُّ
خ ْمس :شهادة أ ْن ل إله إل اهلل ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصيام رمْان، ٌ أركان لإلسّلم ،وأعمد ٌة ال يقوم إ َال عليها. وحج الب ْيت»( ،)1فهذه الخمسة
وأعظم هذه األركان وأعّلها شأنا :شهادة أن ال إله َإال اهلل َ حمدا وأن م َ رسول اهلل
والسّلم ـ يف الحديث فقال« :بني ؛ ولهذا قدَ مها ـ عليه َ الصّلة َ
اإل ْسالم على خ ْمس ،شهادة أ ْن ل إله إل اهلل وأن محمدً ا رسول اهلل»؛ َ فالشهادتان هلل بالوددان َية ولنبيه
بالرسالة هما أعظم أركان اإلسّلم ،وأعظم مبانيه ،بل
هما أصل الدين وأساسه ا َلذي عليه يبنى. و«ال إله َإال اهلل» هي أعظم الكلمات على اإلطّلق ،وأفضلها وأج ُّلها، والسّلم ـ« :أ ْفْل الذكْر ل إله إل وهي أفضل الذكر ،يقول نب ُّينا ـ عليه َ الصّلة َ ()2 والسّلم ـ« :خ ْير الدعاء دعاء ي ْوم عرفة ،وخ ْير ما ق ْلت اهلل» ،ويقول ـ عليه َ الصّلة َ
أنا والنبيون م ْن ق ْبلي :ل إله إل اهلل و ْحده ل شريك له ،له الم ْلك وله الح ْمد وهو على كل ش ْيء قدير» ،ولهذا يقول اهلل تعالى﴿ :ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭗ ()3
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [ ،]25 :qوهي زبدة دعوة المرسلين، ( )1أخرجه البخاري( )8ومسلم( )16واللفظ له. ( )2أخرجه الرتمذي ( ،)3383وابن ماجه ( )3800عن جابر بن عبد اهلل
ودسنه األلباين يف ؛ َ
( )3أخرجه أدمد ( ،)6961والرتمذي ( )3585عن عبد اهلل بن عمرو
ودسنه األلباين يف ؛ َ
«ال َصحيحة» (.)1497 «ال َصحيحة» (.)1503
ـ 42ـ
ٍ أول ما يخاطبوهنم به وخّلصة رسالتهم ،وأ َول كلمة يسمعها أقوامهم منهم ،ف َ ﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [ ،]59 :cوقد ن َبه َ الشيخ
َ : أن هذا المقام
مقام تعليم َ الشهادتين يحتاج إلى شرح معانيها مع بيان شروط «ال إله َإال اهلل». أما معنى «ل إله إل اهلل» فقد ذكر
َ أن(« :ل إله) ناف ًيا جميع ما يعبد من
دون اهلل( ،إل اهلل) مثب ًتا العبادة هلل وحده ل شريك له»؛ فهي كلم ٌة قائم ٌة على ركنين عظيمين وأساسين متينين ،ال توديد هلل ـ تبارك وتعالى ـ َإال هبما :النَفي واإلثبات: نفي عام لكل ما يعبد من دون اهلل ٌ
،أيا كان :جمادا ،أو ديوانا ،أو
نباتا ،أو غير ذلك.
ودده.
وإثبات خاص للعبادة بكل معانيها هلل ٌ
فمن نفى ولم يثبت ال يكون موددا ،ومن أثبت ولم ينف ال يكون موددا، فّل يكون موددا َإال بالنَفي واإلثبات ،كما قال اهلل سبحانه﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [ ،]23 :mوقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [ ،]5 :áوقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [ ،]3 :¤وقال سبحانه﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [` ،]36 :وقال تعالى دكاية عن نبيه إبراهيم
﴿ :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [\¨] ،وقال ـ
َ جل وعّل ـ﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [ ،]36 :lوقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ﴾ [^ ،]256 :أي« :ال إله َإال اهلل». كفر بال َطاغوت ،وإي ٌ مان باهلل فال َتوديد ٌ ـ 43ـ
.
فهذا مدلول كلمة ال َتوديد «ال إله َإال اهلل» ،فهي ليست كلمة ال معنى لها أو لفظة ال مدلول لها ،بل هي كلم ٌة مشتمل ٌة على أعظم المعاين ،وأجل المقاصد، وأنبل األهداف وأعظمها :توديد اهلل ـ َ جل وعّل ـ. فّل يكون العبد موددا َإال بتحقيق ما د َلت عليه «ال إله َإال اهلل» من نفي العبود َية عن كل من سوى اهلل
،وإثبات العبود َية بكل معانيها هلل
ودده.
ولهذا؛ َ فإن قائل «ال إله َإال اهلل» دقا وصدقا ال يدعو َإال اهلل ،وال يستغيث َإال باهلل ،وال يتو َكل َإال على اهلل ،وال يطلب المدد َإال من اهلل ،وال يذبح َإال هلل، وال ينذر َإال هلل ،وال يصرف شيئا من العبادة َإال هلل ودده﴿ ،ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [\.]b وهبذا يعلم َ جرد قول هذه الكلمة ال يكفي ،بل البدَ من العلم بمعناها أن م َ والفهم لمدلولها ،والبدَ من ال َتحقيق لغايتها ومقصودها؛ من إفراد اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ بالوددان َية ،وإخّلص الدين له ـ تبارك وتعالى ـ ،أ َما أن يقول المرء« :ال ثم ينقضها بمقاله أو فعاله؛ كأن يدعو غير اهلل بأن يقول :مدد يا فّلن! إله َإال اهلل» َ ملتجئ إليك يا فّلن! أو أن يذبح أو أو أغثني يا فّلن! أو أنا عائ ٌذ بك يا فّلن! أو ٌ ينذر لغير اهلل! فهذا ك ُّله ناق ٌض لـ«ال إله َإال اهلل» مباي ٌن لها ،فـ«ال إله َإال اهلل» إ َنما ٍ وتحقيق لمدلولها ،وقيا ٍم بغايتها تنفع قائلها إذا قالها عن فهم لمعناها، ومقصودها من توديد اهلل
وإخّلص الدين له ـ تبارك وتعالى ـ.
ولقد كان المشركون ا َلذين بعث فيهم رسول اهلل
يفهمون معنى «ال إله
َإال اهلل» ،لكنَهم استكبروا عن قبولها﴿ ،ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [\ ،]¢ديث فهموا أ َنها تعني ترك ـ 44ـ
اآللهة وبطّلن عبادتها من دون اهلل ،ولهذا قالوا﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ
ثم أخذوا يتواصون بينهم على ﭼ ﭽ﴾ [ ،]5 :£أي :أم ٌر يف غاية العجبَ ، الصرب على عبادة اآللهة ﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ َ الصرب ﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﮋ﴾ [ ،]6 :£ويحدث بعضهم بعضا مغتبطين هبذا َ
بالصرب، ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [ ،]42 :uأي :لوال أ َننا تح َلينا َ َ وإال كاد أن يض َلنا عن هذه اآللهة وعن عبادتها ،فهم عرفوا معنى «ال إله َإال اهلل»، وأ َنها تعني إخّلص العبادة هلل ـ تبارك وتعالى ـ والكفر بكل معب ٍ ود سواهَ ، وأن ك َل معب ٍ ود سوى اهلل ـ تبارك وتعالى ـ عبادته باطل ٌة يجب أن يكفر به ﴿ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ﴾ [^ ،]256 :أي :استمسك الزمان المتأخر؛ إذ لم يستكبروا عن بـ«ال إله َإال اهلل» ،بخّلف المشركين يف َ ات وكر ٍ قبولها نطقا ،بل يرددونها مر ٍ ات لكنَهم نقضوها بمقالهم وفعالهم؛ دعاء َ َ للمقبورين واستغاثة هبم والتجاء إليهم يف تفريج الكربات وقضاء الحاجات ،مع ٍ شيء ينفعهم ذلك النُّطق؟! فأي ذبحٍ لهم ونذ ٍر وغير ذلكُّ ، الحاصل َ أن «ال إله َإال اهلل» إنَما تنفع قائلها إذا د َقق ما د َلت عليه ،كما قال َ الشيخ
« :ناف ًيا جميع ما يعبد من دون اهلل ،إل اهلل؛ مثب ًتا العبادة هلل وحده ل شريك
له» ،أي :فّل يدعو َإال اهلل ،وال يستغيث َإال باهلل ،وال يتو َكل َإال على اهلل ،وال يذبح َإال هلل ،وال ينذر َإال هلل ،وال يصرف شيئا من العبادة َإال هلل ـ تبارك وتعالى ـ ودده.
ـ 45ـ
قال
:
«وأما شروط «ل إله إل اهلل» فهي :العلم المنافي للجهل ،واليقين المنايف للشك ،واإلخالص المنايف للشرك ،والصدق المنايف للكذب ،والمحبة المنافية للبغض ،والنقياد المنايف للت ْرك ،والقبول المنايف للرد ،والك ْفر بما يعبد من دون ت يف البيت ْين اآلتي ْين: اهلل ،وقد جمع ْ علــم يقــين وإخــالص وصــدقك م ـ ْع محبــــــة وانقيــــــاد والقبــــــول لهــــــا وزيـــد ثامنهـــا الكفـــران منـــك بمـــا ســـوى اإللـــه مـــن األشـــياء قـــد ألهـــا :n قال
« :وأما شروط ل إله إل اهلل فهي» ،وذكرها ،وهي ثمانية شروط
فإذا قال ٌ قائل :من أين أتيتم هبذه ُّ الشروط؟ الصّلة ،وشروط الحج، يقال :من المصدر ا َلذي استخلصت منه شروط َ ٌ وغير ذلك من العبادات؛ فكما َ والحج له شروط ال تقبل َإال هبا، الصّلة لها ُّ أن َ ٌ ٌ شروط ال تقبل َإال هبا ،وغير ذلك من والزكاة لها شروط ال يقبل َإال هباَ ، ال َطاعات ال تقبل َإال بشروطها؛ فكذلك «ال إله َإال اهلل» ال تقبل من قائلها َإال ٌ شروط علمت باالستقراء وال َتت ُّبع لكّلم اهلل بشروطها ،وهي
،وكّلم رسوله
صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه. قيل لوهب بن منبه
« :أليس ال إله َإال اهلل مفتاح الجنَة؟ قال« :بلى ،ولكن
ان ،فإن جئت بمفتاحٍ له أسن ٌ اح إ َال له أسن ٌ ان فتح لك ،وإ َال لم يفتح لك»(،)1 ليس مفت ٌ ( )1ع َلقه البخاري يف «صحيحه» ،باب ما جاء يف الجنائز ،ومن كان آخر كّلمه :ال إله َإال اهلل ،ووصله يف «التاريخ الكبير» ( ،)95 /1وأبو نعيم يف «الحلية» (.)66/4
ـ 46ـ
يشير بذلك إلى شروطها وضوابطها وقيودها الواردة يف كتاب اهلل
وس َنة نبيه
.
فإن قال ٌ قائلَ : جرد النُّطق بشهادة أن ال إله َإال اهلل ينفع ،وأ َنها تقبل إن م َ بدون ضوابط وبدون شروط؛ قيل :معنى ذلكَ : أن قول المنافقين ﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [¾ ]1 :ينفعهم ،وكذلك قولهم إذا لقوا ا َلذين آمنوا :آمنَا ،ينفعهم!! وال يقول بذلك ٌ قائل. فـ«ال إله إ َال اهلل» ال تقبل من قائلها بمج َرد النُّطق ،بل البدَ من اإلتيان بشروطها وضوابطها المستمدَ ة من الكتاب وال ُّسنَة. جاء عن الحسن البصري
أنَه قيل لهَ : إن ناسا يقولون :من قال ال إله
َإال اهلل دخل الجنَة ،فقال« :من قال ال إله َإال اهلل فأ َدى د َقها وفرضها دخل الجنَة»(.)1 قال
« :وأما شروط ل إله إل اهلل فهي:»:
األول« :العلم المنايف للجهل» :أي :العلم بمعناها نفيا وإثباتا ،ودقيقة ما د َلت عليه من توديد اهلل
،وإفراده ـ سبحانه وتعاىل ـ بالعبادة ،وإخّلص
مرت معنا اآليات الكثيرات ا َلتي الدين له ،والكفر بكل ما يعبد من دون اهلل ،كما َ توضح معنى «ال إله َإال اهلل»؛ كقوله تعالى﴿ :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [ ،]59 :cوقوله﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [` ،]36 :وقوله: ﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [.]5 :á وقوله« :المنايف للجهل» ،أي :علما صحيحا وفهما قويما لهذه الكلمة السنَة يف «الح َجة يف بيان المح َجة» (.)152/2 ( )1أخرجه قوام ُّ
ـ 47ـ
يخرج به عن سبيل الجهل والجاهلين ،فإن قالها بّل ٍ علم بمعناها ومدلولها؛ فإ َنها ال تنفعه ،قال اهلل سبحانه﴿ :ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾ [¬ ،]19 :فبدأ بالعلم إذ هو األساس ،وقال اهلل سبحانه﴿ :ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [\¨] ،قال المفسرون﴿ :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾، أي :بـ«ال إله َإال اهلل»﴿ ،ﯭ ﯮ﴾ ،أي :يعلمون معنى ما شهدوا به( ،)1ويف ()2 والسّلم ـ أ َنه قال« :م ْن مات وهو ي ْعلم «صحيح مسلم» عن نبينا ـ عليه َ الصّلة َ
أنه ل إله إل اهلل دخل الجنة» ،فاشرتط العلم. الثاين« :اليقين المنايف للشك والريب»؛ واليقين هو تمام العلم وكماله، قال اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [¯ ،]15 :أي :أيقنوا ولم يش ُّكوا ،فاإليمان وال َتوديد البدَ فيه من اليقين، الصحيحة ،وربط القلب على ذلك ،أ َما إذا كان َ الشخص الصادقة َ والعقيدة َ مرتددا شاكا مرتابا فهذا ال يقبل منه ،ويف «صحيح مسلم» هريرة
()3
من دديث أبي
والسّلم ـ أ َنه قال« :أ ْشهد أ ْن ل إله إل اهلل عن نبينا ـ عليه َ الصّلة َ
وأني رسول اهلل ،ل ي ْلقى اهلل بهما ع ْبد غ ْير ش ٍّ اك فيهما إل دخل الجنة» ،فاشرتط اليقين وهو انتفاء َ الشك ،ويف الحديث اآلخر قال
« :م ْن لقيت م ْن وراء هذا
الحائط ي ْشهد أ ْن ل إله إل اهلل م ْست ْيقنًا بها ق ْلبه ،فبش ْره بالجنة»( ،)4فّلبدَ أن تكون ( )1انظر« :تفسير ال َطربي» ( ،)662/20و«تفسير البغوي» (.)224 /7 . ( )2برقم ( )26من دديث عثمان بن ع َفان ( )3برقم (.)27 ( )4أخرجه مسلم ( )31من دديث أبي هريرة
.
ـ 48ـ
نابعة عن ٍ ارتياب ،فإن وجد َ الش َك يقين من قلب قائلها ،فّل يكون عنده شك وال ٌ واالرتياب لم تقبل منه وإن قالها مر ٍ ات. َ الثالث من شروطها« :اإلخالص المنايف للشرك والرياء» ،كما قال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [ ،]5 :áوكما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [ ،]3 :¤ويف «ال َصحيح» عن نبينا
أ َنه
قال« :أ ْسعد الناس بشفاعتي ي ْوم القيامة م ْن قال ل إله إل اهلل خال ًصا م ْن ق ْلبه»(،)1 قلب مخل ٍ والسّلم ـ اإلخّلص؛ أن تكون نابعة من ٍ ص هلل ،لم فاشرتط ـ عليه َ الصّلة َ
يرد هبذه الكلمة وبأعمال الدين َإال اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ﴿ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾، شرك أو ٍ ٍ رياء أو نحو ذلك. قي ا َلذي ليس فيه شائبة والخالص :هو َ الصايف النَ ُّ ويف معنى الخالص لغة تأ َمل قول اهلل تعالى﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [﴿ ،]66 :lﭲ﴾ ،أي: ث ،مع أ َنه يخرج من بين ٍ صافيا نقيا ،ليس فيه شائبة د ٍم وال شائبة فر ٍ فرث ود ٍم، الصفاء وتمام النَقاء. لكنَه يخرج يف غاية َ فإخّلص العبادة هلل رب العالمين أن تكون العبادة صافية نق َية ،لم يرد هبا َإال اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ،فإذا جعل مع اهلل
غيره يف العبادة خرجت عن هذا
الصفاء والنَقاء فّل تقبل ،ولهذا يقول اهلل سبحانه يف الحديث القدسي« :أنا أ ْغنى َ الشركاء عن الش ْرك ،م ْن عمل عم ًال أ ْشرك فيه معي غ ْيري تركْته وش ْركه»(،)2 واإلخّلص مح ُّله ومنبعه القلب ،ولهذا قال المصنف ( )1أخرجه البخاري ( )99عن أبي هريرة
.
( )2أخرجه مسلم ( )2985عن أبي هريرة
.
ـ 49ـ
« :خال ًصا م ْن ق ْلبه».
الرابع من شروطها« :الصدق المنايف للكذب» ،بأن يقولها صادقا من قلبه ،كما يف الحديث عن رسول اهلل
أ َنه قال« :ما م ْن أحد ي ْشهد أ ْن ل إله إل
اهلل وأن محمدً ا رسول اهلل صدْ ًقا م ْن ق ْلبه ،إل حرمه اهلل على النار»( ،)1فاشرتط والسّلم ـ الصدق يف هذه الكلمة ،والصدق فيها أن يكون ما يقوله ـ عليه َ الصّلة َ بلسانه ينطوي عليه قلبه ،أ َما إذا كان يقولها بلسانه وال يعتقد مدلولها بقلبه فهذا هو المنافق ،ولهذا قال اهلل سبحانه﴿ :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [¾ ،]1 :أي :كاذبون يف َ أن ما قالوه بألسنتهم ال يعتقدونه يف قلوهبم؛ فمن يقولها بلسانه قوال مج َردا وقلبه ال يعتقد ما د َلت عليه فهذا كاذ ٌب ال تقبل منه هذه الكلمة.
يحب الخامس من شروطها« :المحبة المنافية للبغض والك ْره» ،بأن َ
قائلها اهلل
ورسوله
،ودين اإلسّلم ،والمسلمين القائمين بأوامر اهلل
الواقفين عند ددوده ،وأن يبغض من خالف «ال إله َإال اهلل» وأتى بما يناقضها ٍ ٍ ومما يد ُّل على اشرتاط المح َبة قول اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ عن شرك من وكفرَ ، الك َفار المشركين﴿ :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [^]165 :؛ َ ألن مح َبة المؤمنين هلل
مح َب ٌة خالص ٌة،
وأ َما مح َبة المشركين هلل فمح َب ٌة سوي فيها غير اهلل باهلل ،ولهذا يقولون يوم القيامة إذا أدخلوا النَار﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [\.]v فـ«ال إله َإال اهلل» إنَما تنفع عندما تكون نابعة عن مح َب ٍة هلل ،ومح َب ٍة لهذه ( )1أخرجه البخاري( ،)128ومسلم ( )32عن أنس
ـ 50ـ
.
الكلمة العظيمة ،ومح َب ٍة لما د َلت عليه؛ من توديد اهلل ،وإخّلص الدين له، ٍ الصّلة ومح َبة ألهلها وأعمالها ،ومن الدُّ عاء العظيم المأثور عن نبينا ـ عليه َ والسّلم ـ« :وأ ْسألك حبك ،وحب م ْن يحبك ،وحب عمل يقربني إلى َ حبك»( ،)1ويف دديث ٍ عن النَبي أ َنه قال« :ثالث م ْن كن فيه وجد أنس بهن حالوة اإليمان :م ْن كان اهلل ورسوله أحب إل ْيه مما سواهما ،وأ ْن يحب الم ْرء ل يحبه إل لله ،وأ ْن يكْره أ ْن يعود في الك ْفر ب ْعد أ ْن أنْقذه اهلل منْه كما يكْره ()2 أمور ثّلث ٌة :أص ٌ ونفي للمضاد: ، وتفريع ، ل ؛ أ ْن ي ْقذف في النار» ٌ ٌ ٌ
األصل :مح َبة اهلل
.
والتفريع :مح َبة ما يح ُّبه اهلل
.
ونفي المْاد :أن يكره أن يعود يف الكفر بعد إذ أنقذه اهلل
منه ،كما
يكره أن يقذف يف النَار.
السادس من شروطها« :النقياد المنافي للترك» ،واالنقياد :هو االستسّلم
وال َطواعية واالمتثال ألمر اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ،فـ«ال إله َإال اهلل» تعني استسّلم العبد هلل جل يف عّله ـ ،ولهذا يقول ـ َ ،وانقياده لشرعه ،وطاعته ألمره ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ﴾ [} ،]22 :أي :بـ«ال إله َإال اهلل»، ويقول ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [ ،]54 :¤أي :انقادوا وامتثلوا، فأهل «ال إله َإال اهلل» دقا من يستسلمون هلل انقيادا وطواعية ،وامتثاال ألوامره ـ َ جل وعّل ـ. ( )1أخرجه أدمد ( ،)22190والرتمذي ( )3235عن معاذ الصحيحة» (.)3169 صححه األلباين يف « َ المأل األعلى ،وقد َ ( )2أخرجه البخاري ( ،)16ومسلم ( ،)43عن أنس
ـ 51ـ
.
،وهو جزء من دديث اختصام
السابع من شروطها« :القبول المنافي للرد» ،القبول ،أي :لهذه الكلمة ،ولما تقتضيه من توديد اهلل
،وإخّلص الدين له ،قال اهلل سبحانه يف شأن المشركين:
﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [\ ،]¢فذكر من دالهم أنَهم أبوا أن يقولوا« :ال إله َإال اهلل» ،وأن يقبلوا هذه الكلمة وما د َلت عليه من توديد اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ،وإخّلص الدين له. الثامن من شروطها« :الكفر بما يعبد من دون اهلل» كما قال اهلل تعالى: ﴿ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ﴾ [^،]256 : والسّلم ـ« :م ْن قال ل إله إل اهلل ،وكفر بما ي ْعبد م ْن دون اهلل؛ وقال ـ عليه َ الصّلة َ حرم ماله ودمه»( ،)1فهذا قيدٌ ال تكون «ال إله َإال اهلل» مقبولة َإال به؛ الكفر بما يعبد من دون اهلل بالبراءة من الشرك وأهله﴿ ،ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [\¨] ﴿ ،ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ
ﯢ ﯣ﴾ [«.]4 :
قال
ت ـ أي :هذه الشروط ـ يف البيت ْين اآلتي ْين: « :وقد جمع ْ
علــم يقــين وإخــالص وصــدقك م ـ ْع محبــــــة وانقيــــــاد والقبــــــول لهــــــا وزيـــد ثامنهـــا الكفـــران منـــك بمـــا ســـوى اإللـــه مـــن األشـــياء قـــد ألهـــا :n ( )1أخرجه مسلم ( )23عن طارق بن أشيم األشجعي
ـ 52ـ
.
فهذه هي شروط «ال إله َإال اهلل» ال َثمانية ،ومن أهل العلم من يقتصر يف ٍ سبعة باعتبار َ وممن جمعها نظما عدها على أن ال َثامن ا َلذي زيد داخ ٌل فيما قبلهَ ، َ الشيخ دافظ دكمي يف منظومته «س َلم الوصول» قال: ٍ ٍ ســــــبعة قــــــد قيــــــدت ويف نصــــوص الــــودي دقــــا وردت وبشــــــروط فإ َنـــــــــه لـــــــــم ينتفـــــــــع قائلهـــــــــا بـــــــالنُّطق َإال ديـــــــث يســـــــتكملها العلــــــــــم واليقــــــــــين والقبــــــــــول واالنقيـــــــاد فـــــــادر مـــــــا أقـــــــول والصــــدق واإلخــــّلص والمح َبــــه و َفقــــــــــــك اهلل لمــــــــــــا أد َبــــــــــــه وشردها يف كتابه «معارج القبول شرح منظومة س َلم الوصول»( ،)1وهو ٌ عظيم جدا يف بابه ،قد كتاب متداول ،ينصح باقتنائه واإلفادة منه؛ فإ َنه مطبوع ٌ ٌ ٌ ،وأجاد وأفاد ،ودشد فيه األد َلة من كتاب اهلل وسنَة رسوله
أدسن فيه مؤلفه
والسّلم ـ يف بيان جوانب االعتقاد وأصول الديانة. ـ عليه َ الصّلة َ
قال
:
«مع بيان شهادة أن محمدً ا رسول اهلل ،ومقتْاها :تصديقه فيما أ ْخبر، وطاعته فيما أمر ،واجتناب ما نهى عنه وزجر ،وأل يعبد اهلل إل بما شرعه اهلل ورسوله
».
:n
هذا يتع َلق َ بالشهادة للنَبي
بالرسالة ،وهي قرينة َ الشهادة هلل
( )1انظرها يف (.)418/2
ـ 53ـ
والسّلم ـ ورفيع قدره؛ بالوددان َية ،وهذا من عظيم شرف النَبي ـ عليه َ الصّلة َ بالشهادة له ـ َ بالرسالة َ جل وعّل ـ
ديث قرن ـ سبحانه وتعاىل ـ َ الشهادة له
بالوددان َية ،فـشهادة «أن ال إله َإال اهلل» ال تقبل َإال بشهادة « َ حمدا رسول اهلل». أن م َ وشهادة « َ حمدا رسول اهلل أن م َ
» هي شهاد ٌة له بالرسالة ،واهلل تعالى
يقول﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [` ،]64 :فهذه الغاية ٌ رسول ،بل البدَ يف الرسل :أن يطاعوا ،فّل يكفي أن يقول :أنا أشهد أ َنه من بعثة ُّ هذه َ الشهادة من طاعة المرسل ،واالئتمار بأمره ،واالنتهاء عن نواهيه ،وتصديق أخباره ،ولهذا قال المصنف
« :ومقتْاها :تصديقه فيما أ ْخبر ،وطاعته فيما ورسوله
أمر ،واجتناب ما نهى عنه وزجر ،وأل ي ْعبد اهلل إل بما شرعه اهلل
»؛ وهذا هو ال َتحقيق لشهادة « َ حمدا رسول اهلل» ،أن يقوم العبد بما أن م َ ٍ والسّلم ـ يف أوامره ،واالنتهاء عن الصّلة للرسول ـ عليه َ َ تقتضيه من طاعة َ نواهيه ،وال َتصديق ألخباره؛ أل َنه
جاء بأمور ثّلثة :أوامر ،ونواهي ،وأخبار؛
والسّلم ـ بالرسالة؛ فليصدقه يف أخباره ،وليأتمر فمن شهد له ـ عليه َ الصّلة َ بأوامره ،ولينته عن نواهيه ،صلوات اهلل وسّلمه عليه. فشهادة « َ الصّلة للرسول ـ عليه َ حمدا رسول اهلل» تعني :تجريد المتابعة َ أن م َ أن «ال إله َإال اهلل» تعني تحقيق ال َتوديد هلل وإخّلص الدين له ـ َ والسّلم ـ ،كما َ جل َ يف عّله ـ ،فّل يكون المرء من أهل شهادة « َ حمدا رسول اهلل أن م َ
» دقا وصدقا
َإال إذا د َقق هذه األمور ا َلتي تقتضيها هذه َ للرسول ـ عليه الشهادة؛ من ال َطاعة َ والسّلم ـ يف أوامره ،واالنتهاء عن نواهيه ،وال َتصديق له َ الصّلة َ
يف أخبارهَ ، وأال
والسّلم ـ. الرسول ـ عليه َ الصّلة َ يعبد اهلل َإال بما شرع ،أي :بما جاء عن َ ـ 54ـ
ٌ والرسول مه َمته إبّلغ كّلم المرسل والسّلم ـ وهو ـ عليه َ رسولَ ، الصّلة َ ﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [ ،]54 :tوقد ب َلغ البّلغ المبين ،وما ترك خيرا َإال َ دل األ َمة عليه ،وال شرا َإال َ دذرها منه صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه« ،من الرسول البّلغ ،وعلينا ال َتسليم»(.)1 اهلل الرسالة ،وعلى َ فمن قال« :أشهد َ الرسول حمدا رسول اهلل» فليسلم بكل ما جاء به َ أن م َ
،
﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [﴿ ،]7 :ºﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮ﴾ [`﴿ ،]65 :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [{ ،]36 :وليطعه يف أوامره ،فقد جعلت طاعته
من
طاعة اهلل ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [`﴿ ،]80 :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
سمى «آية المحنة» ،أي :فمن ا َدعى مح َبة ﭴ ﭵ﴾ [_ ،]31 :وهذه اآلية ت َ اهلل
فليمتحن نفسه يف ضوء ما د َلت عليه من برهان على صدقها. قال
« :وأل يعبد اهلل إل بما شرعه اهلل
والبدع؛ ولهذا تكاثرت عنه
ورسوله
» ،ال باألهواء
األداديث يف ال َتحذير من البدع والنَهي عنها،
ومن األداديث العظيمة ا َلتي عدَ ها العلماء أصّل من أصول الدين ا َلتي يقوم والسّلم ـ« :م ْن أ ْحدث في أ ْمرنا هذا ما عليها دين اإلسّلم قوله ـ عليه َ الصّلة َ ( )1كلمة ثبتت عن الزُّ هري
،أخرجها البخاري تعليقا يف كتاب :التوديد ،باب :قول اهلل تعالى:
﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ﴾ [ ،]67 :aووصلها الخّلل السنة» ( ،)1001وانظر «فتح الباري» ( ،)504/13و«تغليق التَعليق» (.)366/5 يف « ُّ
ـ 55ـ
ٍ رواية« :م ْن عمل عم ًال ل ْيس عل ْيه أ ْمرنا فهو رد»( ،)2أي: ل ْيس فيه فهو رد»( ،)1ويف مردو ٌد على صادبه ،غير مقب ٍ والسّلم ـ إذا خطب ول منه ،وكان ـ عليه َ الصّلة َ النَاس قال« :أما ب ْعد؛ فإن خ ْير الحديث كتاب اهلل ،وخ ْير الهدى هدى محمد ،وشر األمور م ْحدثاتها ،وكل بدْ عة ضاللة»( ،)3وقال يف دديث العرباض اختال ًفا كث ًيرا ،فعل ْيك ْم بسنتي وسنة « :إنه م ْن يع ْش منْك ْم ب ْعدي فسيرى ْ الخلفاء الم ْهديين الراشدين ،تمسكوا بها وعْوا عل ْيها بالنواجذ ،وإياك ْم وم ْحدثات األمور؛ فإن كل م ْحدثة بدْ عة ،وكل بدْ عة ضاللة»( )4واألداديث يف هذا المعنى كثير ٌة. والشهادتان؛ «شهادة أن ال إله َإال اهلل» و«شهادة َ َ حمدا رسول اهلل أن م َ
»
حمدٌ رسول اهلل» عليهما قيام الدين كله ،فـ«ال إله َإال اهلل» تعني اإلخّلص ،و«م َ تعني المتابعة ،والدين إ َنما يقوم على اإلخّلص للمعبود والسّلم ـ ،كما قال الفضيل بن عياض ـ عليه َ الصّلة َ
للرسول ،والمتابعة َ يف معنى قوله تعالى:
﴿ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [ ]2 :Âقال« :أخلصه وأصوبه» ،قيل :يا أبا علي! وما أخلصه وأصوبه؟ قالَ « : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ،وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل؛ د َتى يكون خالصا صوابا؛ والخالص ما كان هلل، السنَة»()5؛ فالخالص :ما كان هلل َ والصواب ما كان على ُّ ( )1أخرجه البخاري ( ،)2697ومسلم ( )1718عن عائشة
،وهذا مدلول «ال إله َإال
.
( )2أخرجه مسلم (.)1718 ( )3أخرجه مسلم ( )867عن جابر بن عبد اهلل
.
( )4أخرجه أدمد ( ،)17144وأبو داود ( ،)4607وابن ماجه ( )42وغيرهم. ( )5أخرجه ابن أبي الدُّ نيا يف «اإلخّلص والن َية» ( ،)22وأبو نعيم يف «الحلية» (.)95/8
ـ 56ـ
حمدٌ رسول اهلل اهلل»َ ، السنَة ،وهذا مدلول «م َ والصواب :ما كان على ُّ
».
األولون فعلى هاتين الكلمتين قيام دين اهلل ،وعن هاتين الكلمتين يسأل َ واآلخرون: 1ـ ماذا كنتم تعبدون؟ وجوابه« :ال إله إال اهلل». 2ـ ماذا أجبتم المرسلين؟ وجوابه« :محمد رسول اهلل». األول :اإلخّلص ،وال َثاين :المتابعة. َ
قال
:
«ثم يبين للطالب بقية أركان اإلسالم الخمسة وهي :الصالة ،والزكاة، سبيال». وصوم رمْان ،وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه ً :n ٍ شيء من أدكامها. تب َين أركان اإلسّلم من ديث أهم َيتها وبيان الصّلة هي الركن الثاين من أركان اإلسّلم ،وهي أعظم مبانيه بعد ف َ ال َتوديد ،وهي البرهان لصدق إيمان َ والسّلم ـ الشخص ،كما قال ـ عليه َ الصّلة َ ورا وب ْرهانًا ونجا ًة الصّلة قال« :م ْن حافظ عل ْيها كان ْ عندما ذكرت عنده َ ت له ن ً ي ْوم القيامة ،وم ْن ل ْم يحاف ْظ عل ْيها ل ْم يك ْن له نور ول ب ْرهان ول نجاة ،وكان ي ْوم فالصّلة بره ٌ ان ،أي: القيامة مع قارون وف ْرع ْون وهامان وأبي بن خلف»(،)1 َ ( )1أخرجه أدمد ( ،)6576والدارمي يف «مسنده»( ،)2763والبيهقي يف «شعب اإليمان» (،)2565 وابن د َبان يف «صحيحه» ( )1467عن عبد اهلل بن عمرو دسن» «مجموع فتاويه» (.)278/10
ـ 57ـ
،قال الشيخ ابن باز
«بإسناد
ٌ ودليل على صدق إيمان َ الشخص ،قال تعالى﴿ :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ شاهدٌ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [ ،]18 :eوجاء يف الحديث عن نبينا والسّلم ـ أ َنه قال« :الع ْهد الذي ب ْيننا وب ْينهم الصالة ،فم ْن تركها ـ عليه َ الصّلة َ فقدْ كفر»(.)1 الصّلة يف دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ٌ عظيم ،وهي َأول ما يسأل شأن وشأن َ ٌ عنه العبد يوم القيامة ،فإن قبلت فقد أفلح وأنجح ،وإن ر َدت خاب وخسر(،)2 نصوص كثير ٌة يف األمر بإقامتها ،والمحافظة عليها ،والعناية وقد جاء يف القرآن ٌ السهو عنها ،وال َتفريط فيها ،وإضاعتها؛ منها قوله بمواقيتها ،وال َتحذير من َ
:
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [^،]238 : ﴿ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [^ ]110 :يف أكثر من موض ٍع من كتاب اهلل سبحانه﴿ ،ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [`﴿ ،]103 :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [﴿ ،]132 :pﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [﴿ ،]59 :oﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ﴾ الصّلة ،المبينة لعظيم [\ ،]Éإلى غير ذلك من اآليات المعظمة لشأن َ مكانتها ورفيع منزلتها يف دين اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ. ٍ مسلم أن تعظم عنايته هبذه الفريضة ا َلتي هي صل ٌة بينه وبين ودري بكل ( )1أخرجه أدمد ( ،)22937والرتمذي ( ،)2621والنسائي ( ،)463وابن ماجه ( ،)1079عن بريدة ابن الحصيب األسلمي
.وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)4143
وصححه األلباين يف «صحيح ( )2ورد ذلك يف دديث أخرجه الرتمذي ( ،)413والنَسائي (،)465 َ الجامع» (.)2020
ـ 58ـ
مما شرع اهلل فيها، ربه تعالى ،اهتماما بأركانها وواجباتها وشروطها وغير ذلكم َ وأن يؤديها بغاية الخشوع واإلدسان وال ُّطمأنينة ظاهرا وباطنا ليفوز بعظيم ال َثواب ،ففي «صحيح مسلم» رسول اهلل
()1
عن عثمان بن ع َفان
قال« :سمعت
يقول« :ما من ْامرئ م ْسلم ت ْحْره صالة مكْتوبة ،في ْحسن
ت كفار ًة لما ق ْبلها من الذنوب ما ل ْم ي ْؤت وضوءها وخشوعها وركوعها ،إل كان ْ كبير ًة ،وذلك الد ْهر كله». الصّلة يف كتاب اهلل ـ َ جل وعّل ـ، والركن الثالثَ : الزكاة ،وهي قرينة َ والزكاة تطهر المرء ،وتزكي قلبه ،وتزكي ماله ،وتكون بركة له ولماله ،و«ما َ ت صدقة م ْن مال»(.)2 نقص ْ والزكاة ٌ قليل من كثير أعطاه اهلل َ
األغنياء ،وهي صدق ٌة تؤخذ من
األغنياء وتر ُّد على الفقراء ،ويرت َتب عليها من المصالح والمنافع َ الشيء الكثير؛ من تحقيق المو َدة ،وال َتكافل وال َترادم وال َتعاون ،وزوال الخصال َ الذميمة من دس ٍد وبغضاء وعدو ٍ ان وغير ذلك ،وهي من محاسن هذا الدين العظيم؛ أل َنها قوة ال َتكافل ا َلذي جاء به تحقق مصالح عظيمة للمجتمعات المسلمة ،وتظهر َ اإلسّلم وأوجبه وافترضه« ،صدق ًة ت ْؤخذ م ْن أ ْغنيائه ْم فترد على فقرائه ْم»(،)3 ولهذا البدَ أن يعنى المسلم هبذه الفريضة العظيمة ،فمن كان عنده ٌ مال يبلغ النصاب وجب عليه أن يتع َلم أدكامها دتَى يؤديها كما أمر اهلل ( )1برقم (.)228 ( )2أخرجه مسلم ( )2588عن أبي هريرة
.
( )3أخرجه البخاري ( ،)1496ومسلم ( )19عن ابن عباس
ـ 59ـ
.
إلى أهلها،
وأن يحافظ على إخراجها طيبة هبا نفسه ،متقربا هبا إلى ربه ـ سبحانه وتعاىل ـ ٍ أدب بشيء تقرب متقر ٌب إلى اهلل َ ليفوز بتحقيقه لهذه العبادة فوزا عظيما ،وما َ مما افرتضه ـ َ جل وعّل ـ على عباده. إلى اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ َ شهر مبارك عظيم ،افرتض اهلل ـ سبحانه والركن الرابع :الصيام؛ رمضان ٌ وتعاىل ـعلى عباده صيامه ﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
تحقيق لتقوى اهلل ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [^ ،]183 :فالصيام ٌ وتخليص للنَفس من رعوناتها وتت ُّبعها لمل َذاتها وشهواتها، ـ سبحانه وتعاىل ـ، ٌ مما يّلئمها ويوافق طبيعتها ،فمتى لكونه يمرن النُّفوس على َ عما تهواه َ الصرب َ تمرنت النَفس على ذلك بالصيام هان عليها ترك المحارم ا َلتي ال تت ُّم التَقوى َإال َ بتركها فهو جنَ ٌة للعبد من ُّ الرب ـ سبحانه وتعاىل ـ ،وفيه من الذنوب ومن سخط َ المصالح والخيرات والبركات َ السنة افرتض اهلل الشيء الكثير ،وهو شه ٌر يف َ ـ سبحانه وتعاىل ـ على العباد صيامه ،فمن وفق ألداء الصيام كما ينبغي كان له زادا يف عامه كله ،يصوم شهرا لكن تبقى آثاره يف العام كله بإذن اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. مرة والركن الخامس: ُّ الحج ،افرتضه اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ يف العمر كله َ طو ٌع ،كما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ واددة على المستطيع وما زاد فهو ت ُّ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [_ ،]97 :وقد ثبت عن النَبي
أداديث
كثير ٌة يف ترغيب أ َمته يف الحج ودثهم على هذه ال َطاعة العظيمة ،وبيان ما ٍ ٍ ٍ ٍ وغفران ُّ للذنوب ،فمن كان وثواب جزي ٍل عظيمة أجور يغنمونه يف الحج من مستطيعا وجب عليه أن يجتهد يف معرفة أدكام الحج ليؤديه على بص ٍ يرة، وليفوز بخيراته وأجوره الوفيرة. ـ 60ـ
وتأ َمل ـ رعاك اهلل ـ هذه المباين الخمسة ا َلتي يقوم عليها دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،وتأ َمل عظم شأنها ورفيع مكانتها من دين اهلل
َ ، وأن من و َفقه اهلل
ـ سبحانه وتعاىل ـ وأكرمه بتحقيقها والقيام هبا كما ينبغي؛ دخل يوم القيامة الجنَة ،كما يف دديث معاذ
قال« :قلت :يا رسول اهلل! أخبرني بعم ٍل
يدخلني الجنَة ،ويباعدني عن النَار» فعدَ له
هذه المباين الخمسة( ،)1ويف
دديث جابر يف «صحيح مسلم»(َ )2 والسّلم ـ: أن رجّل قال للنَبي ـ عليه ا َ لصّلة َ الصلوات المكتوبات ،وصمت رمضان ،وأدللت الحّلل، «أرأيت إذا ص َليت َ ود َرمت الحرام ،ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنَة؟» قال« :نع ْم». الرجل األعرابي ا َلذي عدَ د عليه هذه األركان ،فقال« :واهلل ال ويف خرب َ ٍ رواية« :دخل الجنة أزيد على هذا وال أنقص» قال « :أ ْفلح إ ْن صدق» ،ويف إ ْن صدق»(.)3 فهذه األركان الخمسة هي المباين ا َلتي يقوم عليها اإلسّلم ،ويجب على المسلم أن يحافظ عليها محافظة دقيقة ،ويعنى هبا عناية فائقة ،وهي أعظم ما يتق َرب به إلى اهلل
،كما يف الحديث القدسي« :وما تقرب إلي ع ْبدي بش ْيء
أحب إلي مما ا ْفتر ْضت عل ْيه»( ،)4فإذا وفق العبد للمحافظة عليها يف دياته كان ( )1أخرجه أدمد ( ،)22016والرتمذي ( ،)2616وابن ماجه ( ،)3973عن معاذ بن جبل دسنه دسنه األلباين يف «اإلرواء» (.)413 و َ
( )2برقم (.)15
( )3أخرجه البخاري ( ،)1891 ،46وأخرجه مسلم ( )11عن طلحة بن عبيد اهلل ( )4أخرجه البخاري ( )6502عن أبي هريرة
.
ـ 61ـ
.
.
يوم القيامة من أهل الجنَة. ولهذا ينبغي على أهل العلم وط َّلب العلم أن يعنوا بحث العوام وعموم النَاس على المحافظة على هذه األركان والعناية هبا ،ويبينوا لهم مكانتها وعظيم شأنها من دين اهلل
َ ، وأن مثلها من الدين كمثل األعمدة من البنيان ،وينبغي
على كل مسلم أن يحافظ على هذه األعمدة ،مستعينا باهلل ،طالبا مدَ ه ـ تبارك وتعالى ـ وتوفيقه.
ـ 62ـ
ﱠ ﱠ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻹﳝﺎﻥ
ﻗﺎل ::
»اﻟﺪﱠ رس اﻟ ﱠﺜﺎﻟﺚ :أرﻛﺎن اﻹﻳﻤﺎن.
ِ ِ ور ُﺳ ِﻠﻪ ،وﺑﺎﻟﻴﻮم أرﻛﺎن اﻹﻳﻤﺎن ،وﻫﻲ ﺳ ﱠﺘﺔ :أن ُﺗﺆﻣ َﻦ ﺑﺎﷲ ،وﻣﻼﺋ َﻜﺘﻪ ،و ُﻛ ُﺘﺒِﻪُ ، اﻵﺧﺮ ،و ُﺗ ِ ِ ﺆﻣ َﻦ ﺑﺎﻟ َﻘﺪَ ِر َﺧ ْﻴﺮِه َ وﺷ ﱢﺮه ﻣﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ«. :n ﱡ ُ اﻟﻤﻮاﻫﺐ ،و َأﻋ َﻈ ُﻢ اﻷﻫﺪاف ،و َأ ْر َﻓ ُﻊ اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ، اﻹﻳﻤﺎن َأ ْﺷ َﺮ ُ وأﺟﻞ َ ف َ ِ وﻳﻔﻮز ﻳﻮ َم ﻓﺒﺎﻹﻳﻤﺎن َﻳ ْﺤ َﻴﺎ اﻟﻌﺒﺪُ اﻟﺤﻴﺎ َة اﻟ ﱠﻄ ﱢﻴ َﺒ َﺔ ﰲ ﺣﻴﺎﺗِﻪ اﻟﺪﱡ ﻧﻴﺎ، اﻟﻐﺎﻳﺎت و َأ ْﻧ َﺒ ُﻠﻬﺎ؛ ُ ِ اﻟﻤﻘﻴﻢ` _ ^ ] \ [ Z Y﴿ ، اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑ َﺜﻮاب اﷲ اﻟ َﻌﻈﻴﻢ وﻧﻌﻴﻤﻪ ُ :l] ﴾k j i h g f ed c b a
ِ ﺤﺼﻰ وﻻ اﻟﻤ اﻹﻳﻤﺎن وﺛﻤﺎر ،[٩٧ ُ ﺒﺎرﻛﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺪ ﰲ دﻧﻴﺎه وأﺧﺮاه ﻻ ُﺗ َ وآﺛﺎره ُ ُ ُ
ﻛﻞ ٍ ﺧﻴﺮ ﻳﻨﺎﻟﻪ اﻟﻌﺒﺪُ ﰲ اﻟﺪﱡ ﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ،ﱠ إن ﱠ ُﺗ ْﺴ َﺘ ْﻘ َﺼﻰ ،ﺑﻞ ﱠ ﺷﺮ ﻳﺘﺤ ﱠﻘ ُﻖ وﻛﻞ اﻧﺪﻓﺎ ٍع ﱞ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﰲ اﻟﺪﱡ ﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ،ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺛﻤﺎر اﻹﻳﻤﺎن وآﺛﺎره اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ.
واإليمان ُّ أجل المواهب وأعظم العطايا وأكرب المنن ،وهو منَة اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ على من شاء من عباده ،كما قال ـ َ جل يف عّله ـ﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [\¯] ،ويقول ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [¯ ،]17 :ويقول ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﭣﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲ﴾ [ ،]21 :tواآليات يف هذا المعنى كثير ٌة. ٍ ٍ ٍ عظيمة وأس ٍ متينة ال قيام لإليمان َإال عليها؛ َ فإن س أصول وهو يقوم على مثل هذه األصول مع اإليمان كمثل األساس للبنيان واألصول لألشجار ،كما يد ُّل لذلك قول اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ﴿ :ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [\]j؛ فهذا مث ٌل ضربه اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ لعباده ،ودعاهم لتأ ُّمله وال َتف ُّكر فيه ،يف بيان اإليمان وأصوله ،وما
يقوم عليه ،وما يتف َرع عنه من فروع ،وما يرت َتب عليه من ٍ ثمار وفوائد ينالها أهل والشاهد من إيراد هذه اآلية قول اهلل ـ َ اإليمان يف دنياهم وأخراهمَ ، جل يف عّله ـ: ﴿ﯼ ﯽ﴾ ،فكما َ أن َ الشجر ال يقوم َإال على أصوله ،فكذلك اإليمان ال يقوم َإال على أصوله وأركانه ودعائمه ،وإذا كانت َ الشجرة إذا قطع أصلها ماتت ،فكذلك اإليمان إذا عدم أصله انتفى ،ولم ينتفع بعم ٍ ل وال قرب ٍة ،كما قال اهلل سبحانه﴿ :ﯽ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ﴾ [.]5 :a ـ 64ـ
فاألعمال وال َطاعات وأنواع القربات إ َنما تكون مقبولة من العامل إذا راسخة ٍ ٍ ٍ كانت قائمة على إي ٍ مان صحيحٍ ثابتة يف القلب ،ولهذا فاإليمان وعقيدة ـ بأصوله العظيمة وأسسه المتينة ـ يصحح األعمال ،وال تكون مقبولة َإال به ،كما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [ ،]19 :mوكما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [ ،]97 :lواآليات يف هذا المعنى كثير ٌة. ٍ وقد َ والسنَة على َ أركان س َت ٍة ،وقد عرفنا أن اإليمان يقوم على دل الكتاب ُّ َ الركن هو جانب ال َشيء األقوى ا َلذي ال قيام َ للشيء َإال عليه ،فأركان اإليمان أن ُّ هي دعائم اإليمان وأصوله وأعمدته ا َلتي عليها يرتكز ،فّل قيام لإليمان َإال ٌ أصول س َت ٌة جاء تبيانها يف كتاب اهلل عليها ،وهي
وسنَة رسوله ـ صلوات اهلل
وسّلمه وبركاته عليه ـ ،وهي :اإليمان باهلل ،ومّلئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم ٌ أصول ا َتفق األنبياء ك ُّلهم ـ من َأولهم اآلخر ،واإليمان بالقدر خيره وشره؛ وهي إلى آخرهم ـ على الدَ عوة إليها ،بل َ إن دعوات األنبياء ترتكز على هذه األصول وتقوم عليها ،وقد قال نب ُّينا
« :األنْبياء إ ْخوة لعالت؛ أمهاته ْم شتى ودينه ْم
واحد»()1؛ أي :عقيدتهم وادد ٌة وأصولهم وادد ٌة ،ولهذا يقول العلماءَ : إن أمور مما يدخله النَسخ ،ال يف شريعة النَبي الوادد ،وال االعتقاد وأصول الديانة ليست َ بين نبي وآخر ،وإ َنما النَسخ يكون يف َ الشرائع واألدكام ﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ قصه اهلل ـ تبارك ﮞ﴾ [ ،]48 :aأ َما العقيدة وادد ٌة ،ومن يقرأ القرآن وما َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)3443ومسلم ( ،)2365عن أبي هريرة
ـ 65ـ
.
ٍ أصول وأس ٍ س؛ يجد َ أن وتعالى ـ من خبر األنبياء وذكر دعوتهم ،وما تقوم عليه من هذه األصول بارز ٌة يف دعوة أنبياء اهلل ورسله عليهم صلوات اهلل وسّلمه أجمعين. ٍ بعض؛ اإليمان وأصول اإليمان متّلزم ٌة ومترابط ٌة ال ينف ُّك بعضها عن ٍ كفر هبا كلها، ببعضها يقتضي اإليمان بباقيها ،والكفر ببعضها أو بشيء منها ٌ ٍ فالدين ال يقوم َإال على هذه األصول كلها مجتمعة ،فمن َ بشيء من هذه أخل األصول فلم يؤمن به؛ بطل إيمانه ،ودبط عمله ،وكان يف اآلخرة من الخاسرين، ومثل هذه األصول لإليمان ـ كما تقدَ م ـ كمثل األصول لألشجار ،أرأيتم لو َ أن شجرة قطع أصلها كيف يكون شأنها؟! فهكذا َ الشأن يف اإليمان إذا انتفى شي ٌء من أصوله العظيمة ا َلتي ال قيام له َإال عليها. وقد جاء تبيان هذه األصول يف كتاب اهلل
الصّلة وسنَة رسوله ـ عليه َ
والسنَة قراءة والسّلم ـ؛ وعليه فإ َنه ك َلما عظم نصيب العبد ود ُّظه من الكتاب ُّ َ وتف ُّقها وتأ ُّمّل وتد ُّبرا عظم د ُّظه من هذه األصول وزاد نصيبه منها؛ ولهذا َ فإن ال َناس يتفاوتون يف اإليمان هبا بحسب تفاوتهم يف فهم القرآن وفهم سنَة ال َنبي والسّلم ـ؛ فإ َنه ك َلما عظمت عند العبد وتم َكنت يف قلبه الكريم ـ عليه َ الصّلة َ الشواهد والدَ الئل والرباهين والحجج على هذه األصول ،وما تزول به ُّ َ الشبه ا َلتي يلقيها َ وقوة وتم ُّكنا﴿ ،ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ الشيطان؛ زاد إيمانه رسوخا َ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ﴾ [\.]e والقرآن الكريم بينت فيه هذه األصول أتم ٍ بيان وأوفاه؛ إجماال وتفصيّل، َ ـ 66ـ
ٍ وقفات وكذلك سنَة النَبي الكريم ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه ـ ،ولنقف مع بعض اآليات يف تبيان أصول اإليمان ،وال س َيما اآليات الجامعات:
وأول ذلك ما جاء يف أول سورة البقرة؛ ديث يقول ر ُّبنا ـ تبارك
وتعالى ـ﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾؛ فهذه اآليات الكريمات ذكرت فيها هذه األصول العظيمة واألسس المتينة وصفا لعباد اهلل ـ تبارك وتعالى ـ الم َتقين ،وهذا فيه َ أن أساس ال َتقوى الصحيح باإليمان هبذه ا َلذي عليه تبنى وأصلها ا َلذي عليه تقوم هو االعتقاد َ األصول العظيمة والدَ عائم المتينة ا َلتي يقوم عليها اإليمان. وقول اهلل سبحانه﴿ :ﭝ ﭞ ﭟ﴾ ،أي :ا َلذين يؤمنون بكل ما غاب مما أخبرتهم به رسل اهلل ،وهذا من أكمل أوصاف المؤمنين وأجلها ،د َتى عنهم َ قال« :واهلل ا َلذي ال إله َإال هو ما آمن أددٌ بأفضل
َ إن عبد اهلل بن مسعود من إي ٍ مان بغي ٍ ب»( ،)1فانظر هذا الوصف العظيم الجليل ا َلذي وصف اهلل ـ تبارك
وتعالى ـ به عباده الم َتقين ،قال﴿ :ﭝ ﭞ ﭟ﴾؛ فإيمانهم ال يتو َقف على الحواس؛ َ ودواس ألن كثيرا من النَاس ال يؤمن َإال بما يعرفه من خّلل دواسه، ُّ العبد خمس ٌةَ : َ والسمع ،والنَظر ،وال َلمس ،فما ال يعرفه من والش ُّم، الذوق، َ خّلل هذه الحواس ال يؤمن به ويجحده ويكون كافرا به ،أ َما المؤمن فعنده هذا ( )1أخرجه سعيد بن منصور يف «سننه» ( ،)180وابن منده يف «اإليمان» ( ،)209وابن أبي داتم يف «تفسيره» ( ،)66والحاكم يف «مستدركه» ( ،)3033وقال« :هذا دديث صحيح على شرط الشيخين ،ولم يخرجاه» ووافقه َ الذهبي.
ـ 67ـ
مما أخبرت به رسل اهلل األصل العظيم؛ يؤمن بكل ما غاب عنه َ
؛ فيدخل
أئمة تحت هذه الجملة أصول اإليمان ك ُّلها ،ولهذا قال أبو العالية وغيره من َ ال َتفسير فيما نقله ابن جرير وابن كثير وغيرهما﴿« :ﭝ ﭞ ﭟ﴾ ،أي :ا َلذين يؤمنون باهلل ،ومّلئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم اآلخر ،والقدر خيره وشره، والبعث بعد الموت»(.)1 شرف اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ هبا أهل اإليمان؛ أل َنهم صدَ قوا فهذه صف ٌة وميز ٌة َ المرسلين ،وتل َقوا َ كل ما جاءت به رسل اهلل
بالقبول وال َتسليم« ،آمنَا باهلل ،وبما
جاء عن اهلل ،على مراد اهلل ،وآمنَا برسل اهلل ،وما جاء عن رسل اهلل ،على مراد رسل ()2 الرسول البّلغ ،وعلينا ال َتسليم»(.)3 اهلل» « ،من اهلل الرسالة ،وعلى َ
فهذه دال أهل اإليمان؛ يؤمنون بكل ما يبلغهم ويصل إليهم من طريق الرسل ـ عليهم صلوات اهلل وسّلمه ـ ،ويتل َقونه بالقبول وال َتسليم ،دون تر ُّد ٍد أو ُّ تو ُّق ٍ ف﴿ ،ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [¯ ،]15 :أي: أيقنوا ،ولم يش ُّكوا. فيدخل تحت هذه الجملة ﴿ﭞ ﭟ﴾ أصول اإليمان؛ من اإليمان باهلل؛ الرسل عن اهلل ـ تبارك إيمانا بأسمائه ،وصفاته ،وعظمته ،وأفعاله ،وكل ما أخبرت به ُّ الرسل األ َولين ،وغير ذلك. وتعالى ـ ،وعن المّلئكة ،وعن الكتب ،وعن أدوال ُّ ( )1انظر« :تفسير الطربي» ( ،)242 /1و«تفسير ابن كثير» (.)165 /1 ( )2ورد عن اإلمام الشافعي
،ذكره ابن تيمية
يف مواضع كثيرة من كتبه؛ انظر «الرسالة المدنية»
(ص ،)3و«جامع المسائل» (.)62/5 ( )3سبق تخريجه.
ـ 68ـ
ثم قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ ،أي :القرآن ﴿ﭫ ﭬ ﭭ َ بالرسل ا َلذين أنزلت عليهم هذه ﭮ﴾ ،أي :الكتب الم َنزلة ،وفيه اإليمان ُّ كر ألص ٍل من أصول اإليمان ،وهو :اإليمان الكتب ﴿ﭯ ﭰ ﭱ﴾ وهذا ذ ٌ باليوم اآلخر. فإذا؛ هذا ال َتصدير لسورة البقرة جاء مشتمّل على هذه األصول العظيمة والركائز المتينة ا َلتي يقوم عليها دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. َ ثم قال اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ بعد ذلك يف السورة نفسها﴿ :ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ إلى قوله﴿ :ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [^]136 :؛ أمر باإليمان باهلل فهذا ٌ
،وبكل ما أنزل من اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،فينتظم تحت
ذلك كله أصول اإليمان؛ َ فإن اإليمان باهلل
إي ٌ مان به وبكل ما أمر باإليمان به ـ
ضمنه وديه المن َزل على رسله الكرام ـ مما أنزله يف كتبه وت َ سبحانه وتعاىل ـ َ عليهم صلوات اهلل وسّلمه أجمعين ـ. إخبار من السورة ٌ يف هذه اآلية أمر ٌباإليمان ﴿ﭣ ﭤ ﭥ﴾ ،ويف تمام ُّ السورة اهلل ـ تبارك وتعالى ـ بتح ُّققه بامتثال المؤمنين لما أمرهم به؛ ففي أوائل ُّ جاء األمر به ،ويف تمامها جاء اإلخبار بتح ُّقق ذلك فيهم؛ قال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ السورة﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ يف تمام هذه ُّ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ
ﯔ ﯕ﴾ [^.]285 : وقوله ﴿ﯔ ﯕ﴾ فيه إثبات اإليمان باليوم اآلخر ،فجاءت هذه ـ 69ـ
السورة مشتملة على هذه األصول العظيمة. اآلية يف خاتمة ُّ فافتتحت سورة البقرة بأصول اإليمان ،واختتمت بأصول اإليمان ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ ،وقد جاء عن نبينا
أنَه قال« :م ْن قرأ باآليت ْين م ْن
آخر سورة البقرة في ل ْيلة كفتاه»( ،)1وهذا دث على قراءاهما ،ومن فوائد هذه كل ٍ القراءة المتكررة َ ليلة :تجديد اإليمان هبذه األصول العظيمة. ولهذا ينبغي أن يعلم َ أن األذكار المشروعة المأثورة عن النَبي
ب ك َلها تص ُّ
ٍ يف هذا الباب؛ تقوية اإليمان وتجديده؛ َ تجديد ،كما قال ـ ألن اإليمان يحتاج إلى
الصحيح« :إن اإليمان ليخْ لق في ج ْوف أحدك ْم والسّلم ـ يف الحديث َ عليه َ الصّلة َ اسألوا اهلل أ ْن يجدد اإليمان في قلوبك ْم»( ،)2فالقراءة َ كل كما يخْ لق الث ْوب الخلق ،ف ْ ٍ واستذكار للعهد هبذه واستحضار ليلة لهاتين اآليتين يكون به تجديدٌ لإليمان ٌ ٌ األصول العظيمة؛ ال سيما مع القراءة بال َتدبر وال َتأمل ،وأكرم هبا من ٍ ليلة يفتتحها َ ُّ ُّ المؤمن بتجديد العهد هبذه األصول العظيمة ا َلتي يقوم عليها دينه ك ُّله.
السورة جاء ذكر هذه األصول يف قول اهلل ـ تبارك ويف أثناء هذه ُّ
وتعالى ـ﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [^ ،]177 :فذكر ـ تبارك وتعالى ـ هذه األصول العظيمة واألسس المتينة. ( )1أخرجه البخاري ( ،)5009ومسلم ( )808عن أبي مسعود األنصاري
.
( )2أخرجه الحاكم يف «المستدرك» ( ،)5والطرباين يف «الكبير» ( ،)84عن عبد اهلل بن عمرو وصححه األلباين يف «الصحيحة» (.)1585 َ
ـ 70ـ
.
مرت يف ذكر أصول اإليمان مجتمعة لم يذكر وجميع هذه اآليات ا َلتي َ ٌ داخل يف اإليمان باهلل فيها اإليمان بالقدر ،وهو بقدرة اهلل
؛ َ ألن اإليمان بالقدر ،إيما ٌن
خاص ٌة بتقريره كقوله ـ سبحانه وتعاىل ـ: ،وقد جاءت آي ٌ ات كثير ٌة َ
﴿ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [´ ،]49 :وقوله﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ [\ ،]Öوقوله﴿ :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [ ،]40 :pوقوله﴿ :ﭠ
ﭡ ﭢ﴾ [ ،]23 :Ìوقوله﴿ :ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾ [^،]20 : واآليات يف هذا المعنى كثير ٌة. والقرآن ـ كما أشرت ـ جاء فيه ٌ تبيان لهذه األصول إجماال وتفصيّل؛ ولهذا عندما تقرأ القرآن تجد آي ٍ ات كثيرة تتع َلق باإليمان باهلل وذكر أسمائه وصفاته وعظمته وأفعاله ،و ٍ آيات كثيرة تتع َلق باإليمان بالمّلئكة وأوصافهم وأعمالهم ٍ ووظائفهم ،و ٍ وآيات كثيرة تتع َلق آيات كثيرة تتع َلق باإليمان بالكتب المن َزلة، باألنبياء وقصصهم وأخبارهم ،و ٍ آيات كثيرة يف وصف اليوم اآلخر وذكر أسمائه وعّلماته وأوصافه وأهواله ،و ٍ آيات كثيرة تتع َلق باإليمان بالقدر؛ ولهذا ال تكاد تقرأ يف القرآن آية َإال وفيها ما يتع َلق هبذه األصول العظيمة ا َلتي يقوم عليها دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. مما يبين لنا مكانة هذه األصول ،وعظم شأنها ،ورفعة مكانتها، وهذا ك ُّله َ أساس يقوم عليه دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،ويف دديث جربيل المشهور وأ َنها ٌ بي لما سأل جربيل ـ دديث عمر بن الخ َطاب ـ َ النَ َ فقال« :أخربين عن اإليمان»؟ قال« :أ ْن ت ْؤمن باهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله،
عن اإليمان،
ـ 71ـ
والي ْوم اآلخر ،وت ْؤمن بالقدر خ ْيره وشره»( ،)1فذكر ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ أصول اإليمان الس َتة ا َلتي يقوم عليها دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. السنَة أداديث كثير ٌة جدا تتع َلق بال َتعريف باهلل ويف ُّ
،وذكر أسمائه
وأوصافه ،وعظمته ـ َ جل يف عّله ـ ،وأداديث كثير ٌة تتع َلق بالمّلئكة وذكر أوصافهم وأعمالهم وأخبارهم ووظائفهم ،وأداديث كثير ٌة تتع َلق بذكر الكتب، وذكر األنبياء ـ عليهم صلوات اهلل وسّلمه ـ ،وأداديث كثير ٌة يف وصف اليوم اآلخر وأهوال يوم القيامة وأوصاف الجنَة والنَار ،وأداديث كثير ٌة يف ذكر فالسنَة مليئ ٌة باألداديث ا َلتي تبين هذه األصول تفاصيل تتع َلق باإليمان بالقدر؛ ُّ العظيمة واألسس المتينة ا َلتي يقوم عليها دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. وأصل هذه األصول اإليمان باهلل
،وبق َية األصول تب ٌع له وفر ٌع عنه،
وانظر تبع َية هذه األصول لهذا األصل يف مثل قوله تعالى﴿ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ٌ أصول تابع ٌة لإليمان باهلل ﯕ﴾ ،قال﴿ :ﮣ ﮤ ﮥ﴾ فهي أصل أصول اإليمان وأعظمها. واإليمان باهلل هو اإليمان بوددان َية اهلل ـ َ جل يف عّله ـ يف ربوب َيته، وألوه َيته ،وأسمائه وصفاته؛ وهبذا يعلم َ أن اإليمان باهلل ـ تبارك وتعالى ـ يقوم ٍ ٍ ثّلثة ،ال يكون العبد مؤمنا باهلل َإال باإليمان هبا وتحقيقها: أركان على
الركن األول :اإليمان بوددان َية اهلل
( )1أخرجه مسلم (.)8
ـ 72ـ
تفرده يف ربوب َيته؛ باعتقاد ُّ
وتصرفا وتدبيرا وإدياء وإماتة، بالربوب َية ال شريك له ،خلقا ورزقا ُّ ـ سبحانه وتعاىل ـ ُّ وأن األمر ك َله بيدهَ ، َ وأن الخلق ك َلهم طوع تدبيره وتسخيره ـ تبارك وتعالى ـ ،فاهلل رب العالمين ،وخالقهم أجمعين ،ومالكهم ال شريك له ،والمتصرف فيهم، سبحانه ُّ المدبر لشؤوهنم؛ عطاء ومنعا ،خفضا ورفعا ،قبضا وبسطا ،عزا وذال ،دياة وموتا، األمر أمره ـ َ جل يف عّله ـ والخلق خلقه ،يحكم فيهم بما يريد ،ويقضي فيهم بما يشاء ،ال معقب لحكمه ،وال را َد لقضائه ،ـ َ جل يف عّله ـ ﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠﮡ﴾ [_﴿ ،]26 :ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ﴾ [ﮯ.]3 : الركن الثاين :اإليمان بوددان َية اهلل
يف أسمائه وصفاته ،وأ َنه ـ تبارك
وتعالى ـ له األسماء الحسنى والصفات العّل ،قال اهلل تعالى﴿ :ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ﴾ [ ،]180 :cقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [ ،]110 :mوقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [\.]º والقرآن الكريم مشتم ٌل على ال َتعريف بالمعبود
،وبعظمته وبأسمائه
وصفاته وأفعاله ـ َ جل يف عّله ـ ،فمن أركان اإليمان به :اإليمان بأسمائه ٍ تكييف وال تمثي ٍل وال وصفاته؛ بأن نثبتها كما جاءت ،ونم َرها كما وردت ،بّل ـ 73ـ
ٍ تحريف وال تعطي ٍل ،وننفي عن اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ما نفاه عن نفسه وما نفاه عنه رسوله ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه ـ ،ال نتجاوز يف هذا الباب كتاب اهلل وسنَة رسوله ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه ـ ،ويف هذا يقول اإلمام بجل أدمد بن دنبل الم َ رسوله
« :نصف اهلل بما وصف به نفسه ،وما وصفه به
؛ ال نتجاوز القرآن والحديث»(.)1
ومن ال يؤمن بأسمائه وصفاته ليس مؤمنا باهلل ،وكيف يكون مؤمنا باهلل ٍ ٍ ٍ من يجحد أسماءه ولو واددا منها؟! َ واددة صفة وادد من أسمائه أو فإن جحد من صفاته كف ٌر به ،وانظر شاهد ذلك يف قوله ـ سبحانه وتعاىل ـ عن الك َفار: ﴿ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [:i سمى ]30؛ ف َ
الردمن» كفرا ،وكيف يكون جحدهم اسمه ـ تبارك وتعالى ـ « َ
مؤمنا باهلل من ال يؤمن بأسمائه وال يؤمن بصفاته الواردة يف كتابه ويف سنَة رسوله ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه ـ؟
الركن الثالث من أركان اإليمان باهلل :اإليمان بوددان َية اهلل
يف
ألوه َيته ،كما قال اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ﴿ :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [ ،]5 :áوكما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [`: ،]36وكما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [ ،]36 :lوكما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾[ ،]23 :mوكما قال ـ َ جل وعّل ـ على لسان إبراهيم ( )1انظر« :مجموع الفتاوى» (.)26 /5
ـ 74ـ
﴿ :ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [\¨]؛ واآليات يف هذا المعنى كثير ٌة. واإليمان بوددان َية اهلل
يف ألوه َيته يكون باالعتقاد بأ َنه المعبود بحق،
وال معبود بحق سواه ،وإخّلص الدين له وإفراده ودده بالعبادة؛ بأن يفرد العبد ر َبه
والسجود َ ُّ والذبح والنَذر ،وغير والركوع ُّ بالذل والخضوع واالنكسار ُّ
ذلك من العبادات ،وهو مدلول «ال إله َإال اهلل»؛ فّل يدعو َإال اهلل ،وال يستغيث َإال باهلل ،وال يتو َكل َإال على اهلل ،وال يذبح َإال هلل ،وال ينذر َإال هلل ـ تبارك وتعالى ـ ،وال يمدُّ يديه يف دعائه َإال هلل ،فا َلذي يمدُّ يديه ويدعو «مدد يا رسول اهلل!» أو: «مدد يا فّلن!» ما عرف دقيقة اإليمان باهلل
،وال عرف دقيقة ما دعت إليه
رسل اهلل ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليهم أجمعين ـ﴿ ،ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [\،]b والسّلم ـ والسّلم ـ ،وأمضى دياته ـ عليه َ هبذا ال َتوديد أمر ـ عليه َ الصّلة َ الصّلة َ اسأل اهلل ،وإذا ْاستعنْت يف الدَ عوة إلى هذا ال َتوديد وهذا اإلخّلص« ،إذا سأ ْلت ف ْ ت على أ ْن ينْفعوك بش ْيء ل ْم ينْفعوك إل اجتمع ْ استع ْن باهلل ،وا ْعل ْم أن األمة لو ْ ف ْ اجتمعوا على أ ْن يْروك بش ْيء ل ْم يْروك إل بش ْيء بش ْيء قدْ كتبه اهلل لك ،ولو ْ ت الصحف»(.)1 قدْ كتبه اهلل عل ْيك ،رفعت األ ْقالم وجف ْ فهذا هو اإليمان باهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،وهو يقوم على هذه األركان ال َثّلثة، ودين اإلسّلم سمي توديدا؛ َ ألن مبناه على اإليمان بوددان َية اهلل يف ربوب َيته ( )1أخرجه أدمد ( ،)2763والرتمذي ( )2516عن ابن عباس الجامع» (.)7956
ـ 75ـ
وصححه األلباين يف «صحيح ؛ َ
وأسمائه وصفاته وألوه َيته ،وال يكون مؤمنا باهلل َإال من آمن هبا ود َقق ما د َلت ٍ ٍ وإخّلص هلل ـ تبارك وتعالىـ. توديد عليه وما اقتضته من
خلق األصل الثاين من أصول اإليمان :اإليمان بالمالئكة؛ والمّلئكة ٌ من خلق اهلل
،وجندٌ من جنوده ،ال يعصون اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ما أمرهم
ويفعلون ما يؤمرون ،ال يعلم عدَ تهم َإال ا َلذي خلقهم ـ تبارك وتعالى ـ. والمطلوب منَا يف باب اإليمان بالمّلئكة أن نؤمن بالمّلئكة إجماال فيما أجمل ،وتفصيّل فيما فصل ،سوا ٌء يف األسماء أو األعداد أو األوصاف أو الوظائف. فمثال :أسماء المالئكة؛ لم يذكر يف النُّصوص َإال أسماء بعضهم ،مثل: ً جربيل ،وميكائيل ،وإسرافيل ،ومالك ،ومنكر ونكير ،فهذه األسماء ال َتفصيل َية ا َلتي السنَة نؤمن هبا تفصيّل كما وردت ،وما لم يأت من وردت يف الكتاب أو وردت يف ُّ أسمائهم تفصيّل نؤمن به إجماال ،فنؤمن َ أن هلل
مّلئكة ،ولهم أسما ٌء اهلل أعلم
هبا ،كذلك األسماء ا َلتي تشمل المّلئكة ك َلهم ،مثل :المالئكة ،والكرام البررة، رسل اهلل ،السفرة ،ف ُّ كل ما جاء تفصيّل عن المّلئكة فيما يتع َلق بأسمائهم نؤمن به. وأوصاف المالئكة؛ نؤمن تفصيّل بما جاءت به النُّصوص مفصلة يف ذكر أوصاف المّلئكة ،وما لم يأت من ال َتفاصيل يف أوصافهم نؤمن به إجماال ٍ كتاب وال سنَ ٍة ،ولهذا ال يجوز وال نخوض يف تفاصيل ال دليل عليها من ٍ غيب ،ووسيلتنا يف لإلنسان أن يصف المّلئكة بأي وصف َإال بدلي ٍل؛ أل َنهم ٌ ـ 76ـ
معرفة هذا الغيب من خّلل الودي ،فما جاء يف الودي من ال َتفاصيل نؤمن به، ٍ شيء ال علم لنا به﴿ ،ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ وما لم يأت ال نخوض يف ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [.]36 :m الصحيح ومن أوصاف المّلئكة على وجه ال َتفصيل ما جاء يف الحديث َ عن نبينا
أ َنه قال« :أذن لي أ ْن أحدث ع ْن ملك م ْن مالئكة اهلل م ْن حملة
الع ْرش ،إن ما ب ْين ش ْحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة س ْبعمائة عام»( ،)1وهذا فيه إثبات العاتق ،واألذن وشحمة األذن ،وعظم الخلق ،فلو َ أن طيرا طار من عاتق الملك م َتجها إلى شحمة أذنه الدتاج إلى سبعمائة سنة طيران د َتى يصل إليها ،وأ َما بالنسبة لنا فالمسافة بين العاتق وشحمة األذن قصير ٌة جدَ ا ال تكفي أن يقف ال َطير مج َرد وقوف. ومن أوصافهم أ َنهم خلقوا من نور ،كما يف الحديث عن النَبي
أ َنه
قال« :خلقت المالئكة م ْن نور»(َ ،)2 وأن لهم أجنحة ،قال اهلل تعالى ﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [ﮯ ،]1 :وقال عبد اهلل ابن مسعود« :رأى رسول اهلل
جبريل في صورته وله س ُّتمائة جناحٍ ،ك ُّل جناحٍ
منها قد سدَ األفق ،يسقط من جناده من التَهاويل والدُّ ر والياقوت ما اهلل به أوصاف عظيم ٌة ُّ تدل على عظمة هذه المخلوقات خلق عظيم لهم ٌ يم»( ،)3فهم ٌ عل ٌ وقوتها وكبر أجسامها. َ ( )1أخرجه أبو داود ( )4727عن جابر بن عبد اهلل ( )2أخرجه مسلم ( )2996عن عائشة
وصححه األلباين يف «الصحيحة» (.)151 ؛ َ
.
( )3أخرجه أدمد ( .)3748وله شواهد انظرها يف «الصحيحة» (.)1415/7
ـ 77ـ
وأعداد المالئكة إجماال نؤمن َ بأن عددهم ال يحصيه َإال ا َلذي خلقهم ومما ُّ يدل على هذه الكثرة العظيمة ﴿ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [َ ،]31 :É والسّلم ـ ديث قال« :ثم رفع لي قصة اإلسراء بالنَبي ـ عليه َ للمّلئكة َ الصّلة َ الب ْيت الم ْعمور ،فق ْلت :يا ج ْبريل ما هذا؟ قال :هذا الب ْيت الم ْعمور يدْ خله كل ي ْوم س ْبعون أ ْلف ملك ،إذا خرجوا منْه ل ْم يعودوا فيه آخر ما عل ْيه ْم»( ،)1وقال والسّلم ـ« :أطت السماء ،وحق لها أ ْن تئط؛ ما فيها م ْوضع أ ْربع ـ عليه َ الصّلة َ ()2 مما يدُّ ُّل على كثرة المّلئكة. أصابع إل وملك واضع ج ْبهته ساجدً ا لله» ،فهذا َ
وتفصيّل نؤمن باألعداد المتعلقة بالمّلئكة على ال َتفصيل كما وردت؛ كقول اهلل سبحانه﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [ ،]17 :Äوقول النَبي والسّلم ـ« :ي ْؤتى بجهنم ي ْومئذ لها س ْبعون أ ْلف زمام ،مع كل زمام ـ عليه َ الصّلة َ س ْبعون أ ْلف ملك يجرونها»(.)3 وعبا ٌد مكرمون،
ووظائف المالئكة وأعمالهم؛ إجماال هم جندٌ هلل
أتم قيا ٍم ،ليس فيهم من يعصي قائم بما يأمره اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ به َ وكل منهم ٌ اهلل يف أمره ﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [.]6 :Á والسنَة؛ فمن وتفصيّل نؤمن بوظائفهم ا َلتي جاء تبيانها يف الكتاب ُّ المّلئكة من هو موك ٌ ول بالودي ﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ( )1أخرجه البخاري ( ،)3207ومسلم ( )164عن مالك بن صعصعة
.
( )2أخرجه أدمد ( ،)21516والرتمذي ( ،)2312وابن ماجه ( ،)4190عن أبي ذر وصححه األلباين يف «الصحيحة» (.)1722 ( )3أخرجه مسلم ( )2842عن ابن مسعود
.
ـ 78ـ
.
ﮡ﴾ [\ ،]vومنهم من هو موك ٌ ول بقبض األرواح ﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾ [| ،]11:ومنهم من هو موك ٌ ول بحفظ العبد ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [ ،]11 :iومنهم من هو ٌ موكول بالكتابة ﴿ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [\﴿ ،]Ñﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [ ،]18 :°ومنهم من هو موكول بالقطر؛ إلى غير ذلك من وظائف للمّلئكة ا َلتي جاء تفصيلها يف كتاب اهلل وسنَة نبيه ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـُّ ، فكل ذلك نؤمن به ،ومن ذلك ـ ،أيضا ـ ما جاء يف الحديث قال ـ عليه اجتمع ق ْوم في ب ْيت م ْن بيوت اهلل ،يتْلون كتاب اهلل، الصّلة والسّلم ـ« :ما ْ َ َ ت عل ْيهم السكينة ،وغشيتْهم الر ْحمة ،وحفتْهم ويتدارسونه ب ْينه ْم ،إل نزل ْ ()1 والسّلم ـ« :م ْن سلك المالئكة ،وذكرهم اهلل فيم ْن عنْده» ،وقال ـ عليه َ الصّلة َ
طري ًقا ي ْلتمس فيه ع ْل ًما سهل اهلل له طري ًقا إلى الجنة ،وإن المالئكة لتْع أ ْجنحتها ر ًضا لطالب الع ْلم»( ،)2فطالب العلم يمشي إلى دلقة العلم ويجلس فيها يوميا ،وال يرى المّلئكة وهي تضع أجنحتها لطالب العلم ،وال يراهم وهم يح ُّفون مجلس العلم بأجنحتهم ،لكنَه يؤمن بذلك ،وعلى يقين به؛ أل َنه يؤمن بالغيب ،وهذا اإليمان له أثره على العبد وله وقعه يف النُّفوس ،ديث يستشعر العبد يف طلبه للعلم هذه الكرامة العظيمة ،يف شرف طلب العلم ،وأ َنه من شرفه ( )1أخرجه مسلم ( )2699عن أبي هريرة
.
( )2أخرجه أدمد ( ،)21715وأبو داود ( ،)3641والرتمذي ( ،)2682وابن ماجه ( ،)223عن أبي الدرداء
،وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)6297
ـ 79ـ
َ أن المّلئكة تضع أجنحتها له رضا بما يصنع.
األصل الثالث من أصول اإليمان« :اإليمان بالكتب المنزلة» ،كما قال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [§ ،]15 :أي: ٍ ٍ رسول ،وقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﭻ ﭼ ﭽ كتاب أنزله اهلل على كل آمنت بكل ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [`: ،]136وهذه اآلية من اآليات ا َلتي جمعت أصول اإليمان بما فيها اإليمان ٍ بالكتب ،وفيها َ كفر باهلل ـ سبحانه أن الكفر بأصول اإليمان أو الكفر بشيء منها ٌ وتعاىل ـ؛ َ سمى عدم اإليمان هبا كفرا. ألن اهلل ـ تبارك وتعالى ـ َ ٌ واإليمان بالكتب إي ٌ وإيمان تفصيلي فيما فصل؛ مان إجمالي فيما أجمل، َ ألن الكتب الم َنزلة لم تذكر أسماؤها ك ُّلها ،وال ال َتفاصيل ا َلتي فيها ،وإ َنما ذكر أسماء بعضها ،وذكرت تفاصيل جاءت يف بعضها ،فما لم يرد تفصيّل نؤمن به فصّل كما ورد. فصّل نؤمن به م َ إجماال ،وما جاء م َ ومن الكتب المنزلة« :ال َتوراة» ا َلتي أنزلت على موسى ا َلذي أنزل على عيسى
،و«اإلنجيل»
الزبور» ا َلذي أنزل على داود ،و« َ
الصحف» ا َلتي أنزلت على إبراهيم و« ُّ
،
،فهذا ا َلذي جاء تفصيّل نؤمن به
تفصيّل. ومن ذلك ما جاء يف قول اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ـ 80ـ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [\]Ö هذا شي ٌء ٌتفصيلي نؤمن به كما جاء﴿ ،ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [®]29 :؛ فهذا ثنا ٌء يف ال َتوراة ا َلتي أنزلها على موسى
،ويف اإلنجيل ا َلذي أنزله على عيسى
الصحابة األوصاف العظيمة والنُّعوت الجميلة على َ
هبذه
من قبل أن يوجدوا.
ومما نؤمن به فيما يتع َلق بال َتفصيل ا َلذي يف هذه الكتب أ َنها ك َلها قائم ٌة َ على ال َتوديد ،وأ َنها ك َلها مشتمل ٌة على أصول اإليمان الس َتةَ ، وأن دعوة األنبياء وادد ٌة﴿ ،ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [﴿ ،]36 :lﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
الرسل؛ ك ُّلهم م َتفقون على هذا األصل ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [» ]21 :ال ُّنذرُّ : ﴿ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ ،وعلى اإليمان باليوم اآلخر﴿ ،ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [ ،]71 :¤وذكر ما فيه من ٍ جنَ ٍة ٍ ٍ ٍ وعقاب. ودساب وجزاء ونار ومن اإليمان بالكتب :أن نعتقد أ َنها ك َلها ودي اهلل وتنزيله ـ َ جل يف عّله ـ، َ الرسل ب َلغت تلك الكتب وافية البّلغ المبين﴿ ،ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ وأن ُّ والسعادة والنَجاحَ ، وأن من [ ،]54 :tوأ َنها مشتمل ٌة على الهدى والفّلح َ ـ 81ـ
آمن بتلك الكتب من األمم ا َلتي أنزلت عليهم؛ فقد أفلح وأنجح وسعد يف دنياه وأخراه ،ومن لم يؤمن هبا فقد خاب وخسر. ونؤمن بأ َن القرآن الكريم هو خاتم الكتب الم َنزلة ،فّل كتاب بعده ،كما َ أن والسّلم ـ خاتم النَبيين فّل نبي بعدهَ ، وأن القرآن الكريم الصّلة نب َينا ـ عليه َ َ َ مصد ٌق لما بين يديه ومهيم ٌن عليه ،إلى غير ذلك من األمور ا َلتي تتع َلق هبذا األصل العظيم من أصول اإليمان.
األصل الرابع من أصول اإليمان« :اإليمان بالرسل الكرام» ،إجماال فيما أجمل ،وتفصيّل فيما فصل ،واهلل ـ تبارك وتعالى ـ قص علينا خبر ٍ عدد من َ األنبياء ،ولم يقصص خبر ٍ عدد آخر منهم ،قال تعالى﴿ :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ قص اهلل ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [ ،]78 :¥فمنهم من َ
خبره ،ومنهم
من ذكرهم بأسمائهم ،وآخرون من األنبياء ـ وهم عد ٌد ليس بالقليل ـ لم تذكر السنَة ،وا َلذين ذكروا بأسمائهم من األنبياء يف القرآن أسماؤهم ال يف القرآن وال يف ُّ الكريم خمس ٌة وعشرون نبيا ،لكن هناك أنبياء آخرون ورس ٌل لم تذكر أسماؤهم؛ فمن ذكرت أسماؤهم من األنبياء نؤمن هبم تفصيّل ،ومن ذكرت تفاصيل دعوتهم وقصة عيسى، قصة موسىَ ، وأخبارهم مع أممهم نؤمن هبا تفصيّل كما وردت؛ ك َ ٍ قصة سليمان وغيرهم ـ قصة أ ُّيوب ،و َ وقصة صال ٍح ،و َ وقصة هودَ ، وقصة نوحٍ َ ، َ فصلة ،وبعضهم أكثر تفصيّل من بعض، مما جاءت أخبارهم م َ السّلم ـ َ عليهم َ ف ُّ كل هذه ال َتفاصيل نؤمن هبا كما جاءت يف كتاب اهلل ـ 82ـ
.
فصّل كما جاء ،وما لم يرد من ذلك السنَة نؤمن به م َ وأيضا ما جاء من ذلك يف ُّ تفصيّل نؤمن به إجماال ،ونعتقد أ َنهم أجمعون ب َلغوا البّلغ المبين ،وما تركوا خيرا َإال د ُّلوا أممهم عليه ،وال شرا َإال د َذروا أممهم منهَ ، وأن من آمن هبم وا َتبعهم؛ فقد سعد يف دنياه وأخراه ،ومن َ كذبهم وكفر هبم؛ فقد خسر الدُّ نيا واآلخرة. ٍ ونؤمن َ بعض﴿ ،ﭒ فضل بعض النَبيين على بأن اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ َ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [^﴿ ،]253 :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [ ،]55 :mفنؤمن هبذا ال َتفاضل بين األنبياء ،ونؤمن َ أن أفضل األنبياء هم أولوا ومحمد نوح ،وإبراهيم ،وموسى ،وعيسى، الرسل ،وهم خمس ٌةٌ : َ العزم من ُّ ـ صلوات اهلل وسّلمه عليهم أجمعين ـ ،جمعهم اهلل يف قوله﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﭣ﴾ ،ونؤمن َ حمدٌ الرسل هو م َ أن أفضل أولي العزم من ُّ وسيد ولد آدم أجمعين ،ونؤمن أ َنه
خاتم النَبيين
ختمت به الرساالت﴿ ،ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
وصح عنه ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [{،]40 : َ
أ َنه
قال« :وإنه ل نبي ب ْعدي»( ،)1إلى غير ذلك من ال َتفاصيل المتعلقة باإليمان بالرسل الكرام. ُّ
األصل الخامس من أصول اإليمان« :اإليمان باليوم اآلخر» ،واإليمان مما جاء ذكره وتفصيله يف باليوم اآلخر هو اإليمان بكل ما يكون بعد الموت َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)3455ومسلم ( )1842عن أبي هريرة
ـ 83ـ
.
والسنَة ،والموت بداية اليوم اآلخر ،والقرب َأول منازل اآلخرة ،ومن الكتاب ُّ مات قامت قيامته وبدأت ساعته. فاإليمان باليوم اآلخر هو اإليمان بكل ما يكون بعد الموت ،بدءا من فتنة ٍ أمور؛ من البعث والنُّشور، ثم ما يكون بعد ذلك من القبر وعذابه ونعيمهَ ، والقيام بين يدي رب العالمين ،والحشر ،والموازين ،والصراط ،وتطاير الصحف؛ فآخ ٌذ كتابه باليمين وآخ ٌذ كتابه بالشمال ،والجنَة والنَار ،وال َتفاصيل ُّ المتعلقة بعذاب النَار ،وال َتفاصيل المتعلقة بنعيم الجنَة. واإليمان باليوم اآلخر على درجت ْين: مان َإال به ،أن يجزم وال يش َك َ 1ـ إيمان جازم؛ وهو ا َلذي ال يقبل إي ٌ يوم ثمة ٌ أن َ شك أو ارتاب؛ ال يكون مؤمنا ،وال يقبل منه ٌ وعقاب ،فمن َ عمل. دساب آخر فيه ٌ ٌ 2ـ إيمان راسخ؛ وهو اإليمان المتمكن من القلب المتعمق يف النَفس، ا َلذي يستحضره العبد يف المناسبات ويف األدوال ويف األعمال ويف األمور، ٍ شيء تذ َكر اإليمان باليوم اآلخر ،وتجده يف كل بحيث ك َلما أراد أن يقدم على وقت يستعدُّ ويته َيأ لليوم اآلخر ،ولهذا يقول أهل الرفعة وأهل الدَ رجات وأهل الراسخ وأثره عليهم﴿ :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ الفوز بالنَعيم مخربين عن هذا اإليمان َ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [\]²؛ َ ألن هذا اإلشفاق والخوف يورث االستعداد وال َته ُّيؤ﴿ ،ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ٍ ٍ جازمة عقيدة ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [\ ،]Äأي :كنت على ٍ ٍ راسخ بأ َنني سأداسب ،وأقف بين يدي اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،فأثمر هذا وإيمان ـ 84ـ
اإليمان استعدادا واه ُّيؤا ليوم المعاد. ويدخل يف اإليمان باليوم اآلخر :اإليمان بأشراطه وعّلماته ا َلتي تكون وعّلمات كربى ﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ عّلمات صغرى بين يديه ،وهي ٌ ٌ
ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾ [¬ ،]18 :أي :عّلماتها. األصل السادس من أصول اإليمان« :اإليمان بالقدر خيره وشره من اهلل ـ تبارك وتعالى ـ» ،واإليمان بالقدر إي ٌ مان بعلم اهلل ـ تبارك وتعالى ـ األزلي ٍ شيء علما ،وأدصى َ كل السابق بكل ما يكون ،وأ َنه ـ تبارك وتعالى ـ أداط بكل َ ٍ شيء عددا ،وأ َنه ـ تبارك وتعالى ـ كتب مقادير الخّلئق وأعمالهم قبل خلق السماوات واألرض بخمسين ألف سنة ،واإليمان بمشيئة اهلل َ ، وأن ما شاء َ ٍ اهلل كان وما لم يشأ لم يكن ،واإليمان َ شيء ،فاإليمان خالق كل بأن اهلل ٍ ٍ أربعة ،يجمعها هذا البيت: أركان بالقدر يقوم على ــــــم كتابـــــــة موالنـــــــا مشـــــــيئته وخلقـــــه وهـــــو تكـــــوي ٌن وإيجـــــاد علـ ٌ فهذه األمور األربعة هي مراتب اإليمان بالقدر ،وال يكون مؤمنا بالقدر َإال من آمن هبا ،وهي: المرتبة األولى :اإليمان بالعلمَ ، وأن اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ علم أزال ما ٍ شيء علما، كان ،وما سيكون ،وما لم يكن أن لو كان كيف يكون ،أداط بكل ٍ وأدصى َ شيء عددا. كل
المرتبة الثانية :اإليمان بالكتابة؛ َ وأن اهلل ـ سبحانه وتعاىل ـ كتب مقادير الخّلئق وأفعال العباد ﴿ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [ ،]70 :rوقد ـ 85ـ
والسّلم ـ أ َنه قال« :كتب اهلل مقادير الخالئق جاء يف الحديث عن نبينا ـ عليه َ الصّلة َ ق ْبل أ ْن يخْ لق السماوات واأل ْرض بخ ْمسين أ ْلف سنة»( ،)1ويف الحديث اآلخر قال: ب ما هو ب قال :رب وماذا أكْتب؟ قال :اكْت ْ «إن أول ما خلق اهلل القلم ،فقال له :اكْت ْ كائن إلى ي ْوم القيامة»( ،)2فجرى القلم بكتابة ما هو كائ ٌن إلى يوم القيامة. المرتبة الثالثة :المشيئة؛ َ أن األمور ك َلها بمشيئة اهلل ،ما شاء اهلل كان ،وما لم يشأ لم يكن﴿ ،ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [ ،]29 :Ðفنؤمن بمشيئته النَافذة ،وقدرته ـ تبارك وتعالى ـ َ الشاملة ،وأ َنه ال يكون يف ملك اهلل َإال ما شاءه اهلل وأراده ـ تبارك وتعالى ـ كونا وقدرا. المرتبة الرابعة :مرتبة الخلق واإليجادَ ، وأن اهلل ـ تبارك وتعالى ـ خالق ٍ شيء﴿ ،ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [﴿ ،]96 :¢ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ كل [﴿ ،]62 :¤ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [[.]2 : فهذه مراتب اإليمان بالقدر :العلم ،والكتابة ،والمشيئة ،واإليجاد ،وال يكون اإليمان بالقدر َإال باإليمان هبا. واإليمان بالقدر وال َتصديق به خيره وشره من اهلل ـ تبارك وتعالى ـ يثمر يف ٍ ٍ إقبال على اهلل ،وتمام تو ُّك ٍل عليه ـ َ لتجاء جل يف عّله ـ ،ودسن ا العبد دسن
ٍ وسؤال ٍ وتوج ٍه إلى اهلل بأن يثبت العبد ،وأن ال يزيغ قلبه وأن يصلحه، دائم إليه، ُّ وأن يعيذه؛ َ وآثار مباركة، ثمار عظيم ٌة ٌ ألن األمر بيده ـ سبحانه وتعاىل ـ؛ فله ٌ ( )1أخرجه مسلم ( )2653عن عبد اهلل بن عمرو
.
( )2أخرجه أدمد ( ،)22707وأبو داود ( ،)4700والرتمذي ( )3319عن عبادة بن الصامت الصحيحة»(.)133 وصححه األلباين يف «صحيح أبي داود»؛ انظر « َ َ
ـ 86ـ
.
يف جناز ٍة ،فأخذ شيئا فجعل ينكت به األرض ،فقال« :ما منْك ْم
َبي «كان الن ُّ م ْن أحد إل وقدْ كتب م ْقعده من النار ،وم ْقعده من الجنة» قالوا :يا رسول اهلل ،أفّل
نتَكل على كتابنا ،وندع العمل؟ قال« :ا ْعملوا فكل ميسر لما خلق له ،أما م ْن كان م ْن أ ْهل السعادة فييسر لعمل أ ْهل السعادة ،وأما م ْن كان م ْن أ ْهل الشقاء فييسر لعمل أ ْهل الشقاوة» ،ث َم قرأ﴿ :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [\]Û اآلية»( ،)1والعبد عليه يف هذا المقام أن يحرص على ما ينفعه من خير الدُّ نيا واآلخرة ،وأن يستعين بربه ،وأن يتو َكل عليه ،وأن يطلب منه المدَ والعون وال َتوفيق احر ْص على ما ينْفعك ،و ْاستع ْن باهلل»(.)2 ْ «:
بي وال َتسديد ،كما قال النَ ُّ الحاصل َ أن هذه األصول العظيمة واألركان المتينة ا َلتي يقوم عليها والرسل ،واليوم اآلخر، اإليمان ،وهي :اإليمان باهلل ،والمّلئكة ،والكتبُّ ، ٌ أصول يجب على كل مسل ٍم أن يعنى هبا عناية واإليمان بالقدر خيره وشره؛ عظيمة مقدَ مة على عنايته بأي ٍ أمر آخر ،وأن يجتهد يف ال َتف ُّقه فيها ،وزيادة العلم السنَة يف بياهنا والرسوخ ،من خّلل مطالعة األد َلة وكّلم أهل العلم من أهل ُّ فيها ُّ وتوضيحها.
( )1أخرجه البخاري ( ،)4948ومسلم ( )2647عن علي ( )2أخرجه مسلم ( )2664عن أبي هريرة
.
ـ 87ـ
.
ﱠ
ﱠ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ
ﱢ
ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻙ
ﻗﺎل ::
اﻟﺮاﺑﻊ :أﻗﺴﺎم اﻟ ﱠﺘﻮﺣﻴﺪ وأﻗﺴﺎم ﱢ اﻟﺸﺮك. »اﻟﺪﱠ رس ﱠ
اﻟﺮﺑﻮﺑ ﱠﻴﺔ ،وﺗﻮﺣﻴﺪُ اﻷﻟﻮﻫ ﱠﻴﺔ ،وﺗﻮﺣﻴﺪُ ُ ﺑﻴﺎن أﻗﺴﺎ ِم اﻟ ﱠﺘﻮﺣﻴﺪ وﻫﻲ ﺛﻼﺛ ٌﺔ :ﺗﻮﺣﻴﺪ ﱡ
واﻟﺼﻔﺎت. اﻷﺳﻤﺎء ﱢ
ٍ ﺑﺄن اﷲَ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﺨﺎﻟِ ِﻖ ﱢ ﺷﻲء ﻟﻜﻞ اﻟﺮﺑﻮﺑ ﱠﻴﺔ :ﻓﻬﻮ اﻹﻳﻤﺎن ﱠ ﱠأﻣﺎ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﱡ ٍ واﻟﻤﺘﺼﺮ ِ فﰲ ﱢ َ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ﰲ ذﻟﻚ. ﺷﻲء ﻻ ﻛﻞ ُ َ ﱢ
ﺑﺄن اﷲَ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﻤﻌﺒﻮد ﱟ ﺑﺤﻖ ﻻ وأﻣﺎ ﺗﻮﺣﻴﺪُ اﻷﻟﻮﻫ ﱠﻴﺔ :ﻓﻬﻮ اﻹﻳﻤﺎن ﱠ ﱠ
ﻓﺈن ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ :ﻻ ﻣﻌﺒﻮ َد ﱞ َ ﺣﻖ ﱠإﻻ اﷲُ، ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ﰲ ذﻟﻚ ،وﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﻻ إﻟﻪ ﱠإﻻ اﷲُ؛ ﱠ ﻓﺠﻤﻴﻊ اﻟﻌﺒﺎدات ﻣﻦ ﺻﻼةٍ وﺻﻮ ٍم وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ِ إﺧﻼﺻﻬﺎ ﷲ وﺣﺪَ ه ،وﻻ ﺐ ُ ﻳﺠ ُ ٍ ﺷﻲء ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻐﻴﺮه. ﺮف ﻳﺠﻮ ُز َﺻ ُ
واﻟﺼﻔﺎت :ﻓﻬﻮ اﻹﻳﻤﺎن ﱢ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ورد ﰲ اﻟﻘﺮآن وأﻣﺎ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻷﺳﻤﺎء ﱢ ﱠ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻣﻦ أﺳﻤﺎء اﷲ وﺻﻔﺎﺗِﻪ ،وإﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﷲ وﺣﺪه ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮﻳﻢ أو اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﱠ ٍ ٍ ٍ ٍ ﻋﻤﻼ ﺗﻜﻴﻴﻒ وﻻ ﺗﻌﻄﻴﻞ وﻻ ﺤﺮﻳﻒ وﻻ اﻟﻼﺋﻖ ﺑﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗ ﺗﻤﺜﻴﻞ؛ ً اﻟﻮﺟﻪ ﱠ
ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ- , + * ) ( ' & % $ # " !﴿ :
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [\ ،]ïوقوله
﴿ :ﭡ ﭢ
ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [§ ،]11 :وقد جعلها بعض أهل العلم نوع ْين، وأ ْدخل توحيد األسماء والصفات يف توحيد الربوبية ،ول مشاحة يف ذلك؛ ألن المقصود واضح يف كال التقسيم ْين». :n يف هذا الدَ رس ٌ بيان لما يتع َلق بأقسام ال َتوديد ال َثّلثة؛ ال َتوديد ا َلذي خلقنا اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ألجله وأوجدنا لتحقيقه ،وقد د َلت نصوص الكتاب ٍ ثّلثة: والسنَة باالستقراء وال َتت ُّبع أنَه ينقسم إلى أقسا ٍم ُّ الربوب َية. 1ـ توديد ُّ 2ـ توديد األلوه َية. 3ـ وتوديد األسماء والصفات. ٍ بعض؛ إيمان العبد بربوب َية وهي أقسا ٌم متّلزم ٌة مترابط ٌة ال ينف ُّك بعضها عن اهلل
وأسمائه ـ تبارك وتعالى ـ وصفاته يستلزم أن يخلص العبادة ك َلها هلل
،
وأن يفرده ـ تبارك وتعالى ـ ودده بالعبادة ،وأن ال ي َتخذ معه األنداد ُّ والشركاء. الربوب َية ،وتوديد األسماء والصفات، وتوديد األلوه َية يتضمن توديد ُّ َ وأشار َ الشيخ
يف آخر دديثه عن هذه األقسام َ أن من أهل العلم من جعلها
الربوب َية وتوديد األسماء والصفات قسما واددا ،وهو قسمين ،فجعل توديد ُّ ال َتوديد العلمي ،وتوديد األلوه َية قسما ،وهو ال َتوديد العملي. ولهذا؛ بعض العلماء يقول :ال َتوديد قسمان: الربوب َية وتوديد األسماء والصفات؛ َ ألن 1ـ توديدٌ علمي؛ ينتظم توديد ُّ ـ 89ـ
كّل منهما المطلوب فيه العلم والمعرفة واإلثبات. 2ـ توديدٌ عملي؛ وهو توديد األلوه َية بإفراد اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ بالعبادة ،وإخّلص الدين له. وكل من هذين ال َتوديدين مقصو ٌد للخلق؛ كما ُّ لألول قول اهلل يدل َ سبحانه﴿ :ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ
ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ﴾ [ ،]12 :Àويد ُّل لل َثاين قول اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ []56 :±؛ يف اآلية األولى خلق ليعلموا ،وال َثانية خلق ليعبدوا. فهذان ال َتوديدان هما مقصود الخلق؛ أن نعلم أسماء ربنا
وصفاته ،وأن
نعرفه ـ َ تعرف إلى عباده به من أسمائه الحسنى وصفاته العليا جل يف عّله ـ بما َ وأفعاله العظيمة ،والنَوع الثاين العملي أن يفرد بالعبادة وأن يخلص الدين له. مشادة يف ذلك؛ َ الربوب َية واألسماء وال َ ألن من عدَ ال َتوديد قسمين جعل ُّ ٍ والصفات تحت ٍ وادد وهو العلمي؛ َ ألن المطلوب يف كل منهما هو العلم, قسم وال َثاين ا َلذي هو توديد األلوه َية توديدٌ عملي. وهذه األقسام ال َثّلثة لل َتوديد علمت بال َتت ُّبع واالستقراء لكّلم اهلل وكّلم ٍ ٍ كثيرة من َ الشريعة أمور دج ٌة كما هو شأن رسوله ،وهو استقرا ٌء تام ،وهو َ عرفت باالستقراء وال َتت ُّبع لكّلم اهلل وكّلم رسوله ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركاته تقسيم شرعي؛ بمعنى أنَه متل َقى من كتاب اهلل وسنَة عليه ـ؛ فهذا ال َتقسيم لل َتوديد ٌ رسوله ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ، ـ 90ـ
انظر هذه األقسام ـ على سبيل المثال ـ يف سورة الفاتحة﴿ :ﭖ ﭗ ﭘ الربوب َية﴿ ،ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ توديد ﭙ ﭚ﴾ توديد ُّ األسماء والصفات﴿ ،ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ توديد األلوه َية. ٍ سورة يف القرآن﴿ :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ وانظر هذه األقسام يف آخر الربوب َية﴿ ،ﮅ ﮆ ﮇ﴾ توديد األسماء والصفات﴿ ،ﮈ توديد ُّ
ﮉ ﮊ﴾ توديد األلوه َية.
ثم شرح َ
َ كل نو ٍع من هذه األنواع ال َثّلثة شردا مختصرا ،فقال:
«أما توحيد الربوبية :فهو اإليمان باهلل سبحانه الخالق لكل شيء
والمتصرف يف كل شيء ل شريك له يف ذلك»؛ هذا النَوع يقال له :توديد الربوب َية ،وهو أن يثبت العبد ويق َر ويؤمن بربوب َية اهلل ُّ
للعالمين خلقا ورزقا
وتصرفا وتدبيرا لشؤون العباد ،ال شريك له ـ تبارك وتعالى ـ يف وإدياء وإماتة ُّ ٍ شيء من ذلك. وهذا ال يكفي ألن يكون المرء موددا ،وال ينجي من عذاب اهلل
ما لم
يأت بّلزمه وهو توديد العبادة ،بأن يخلص عبادته ودينه هلل ـ تبارك وتعالى ـ، كما قال اهلل ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ []5 :á؛ ولهذا قال اهلل سبحانه عن الك َفار المشركين﴿ :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ﴾ []106 :h؛ أي يؤمنون ـ كما قال ابن ع َباس ـ 91ـ
وغيره ـ باهلل ربا
خالقا رازقا()1؛ َ السماوات ألن المشركين إذا سئلوا :من خلقكم؟ من خلق َ واألرض؟ من يرزقكم؟ من ا َلذي يحيي ويميت؟ يف كل ذلك يقولون :اهلل؛ فهم الرازق المحيي المميت المدبر ،وقوله﴿ :ﭭ ﭮ الر ُّب الخالق َ يؤمنون بأ َنه َ
ﭯ﴾ أي :مشركون معه غيره يف العبادة. ومثله قول اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ خطاب للمشركين الك َفار ﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ أي :شركاء [^]22 :؛ هذا ٌ يف العبادة ﴿ﯟ ﯠ﴾ أنَه ال خالق لكم غير اهلل
؛ فإقراركم بأ َنه ال خالق
غير اهلل؛ يستلزم أن تفردوه بالعبادة ،وأن ال ت َتخذوا معه األنداد ُّ والشركاء.
قال« :وأما توحيد األلوهية :فهو اإليمان بأن اهلل سبحانه هو المعبود ٍّ بحق ل شريك له يف ذلك ،وهو معنى ل إله إل اهلل؛ فإن معناها :ل معبود حق إل اهلل ،فجميع العبادات من صالة وصوم وغير ذلك يجب إخالصها هلل وحده ،ول يجوز صرف شيء منها لغيره». :n هذا توديد األلوه َية ،ويقال له أيضا :توديد العبادة ،ويقال له :ال َتوديد ٍ وادد. اإلرادي ال َطلبي ،ويقال له :ال َتوديد العملي؛ ك ُّلها أسماء لمسمى والمراد هبذا ال َتوديد :إخّلص الدين هلل؛ بأن ال يدعى َإال اهلل ،وال يستغاث ( )1أخرجه البيهقي يف «األسماء والصفات» ( ،)868وأبو نعيم يف «الحلية» ( ،)325/6والّللكائي يف السنَة والجماعة» (.)665 «شرح أصول اعتقاد أهل ُّ
ـ 92ـ
َإال باهلل ،وال يتو َكل َإال على اهلل ،وال يذبح َإال هلل ،وال ينذر َإال هلل ،وال يصرف شي ٌء من العبادة َإال له ـ تبارك وتعالى ـ ،كما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ﴾ [\.]b بالعبادة ،وإخّلص الدين له ،والرباءة
فتوديد األلوه َية هو إفراد اهلل
من الشرك﴿ ،ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [\¨]﴿ ،ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [﴿ ،]36 :lﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [`﴿ ،]36:ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﴾ [،]23 :m ﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [﴿ ،]5 :áﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [:¤ ]3واآليات يف هذا المعنى كثير ٌة جدا. فتوديد األلوه َية هو معنى« :ال إله َإال اهلل» كما أشار َ الشيخ
؛ ولهذا يقال
لهذه الكلمة« :كلمة ال َتوديد» َ ألن مدلولها ال َتوديد وهي كلمته ،وال توديد َإال هبا؛ بنفي العبود َية عن كل من سوى اهلل ،وإثبات العبود َية بكل معانيها هلل ودده؛ ذال وخضوعا وركوعا وسجودا ودعاء ونذرا وذبحا وخوفا ورجاء ،إلى غير ذلك، ٍ ٌ شيء منها. شريك يف فتخلص العبادة ك ُّلها هلل ـ تبارك وتعالى ـ ،وال يجعل معه وليست «ال إله َإال اهلل» نافعة قائلها ما لم يحقق مدلولها وهو توديد اهلل؛ َ ثم إذا فإن من يقولها بلسانه وينقضها بفعاله ال تنفعه؛ من يقول« :ال إله َإال اهلل» َ دعا يدعو غير اهلل ،ويستغيث بغير اهلل ،ويطلب المدد من غير اهلل ،ويذبح وينذر لغير اهلل ،هذا ال تنفعه «ال إله َإال اهلل»؛ أل َنه لم يحقق ما د َلت عليه من ال َتوديد، فـ«ال إله َإال اهلل» ليست كلمة ال معنى لها أو لفظة ال مدلول لها ،بل هي كلم ٌة ـ 93ـ
مشتمل ٌة على أجل المعاين ،وأفضل المقاصد ،وأنبل األهداف ،وهو توديد اهلل وإخّلص الدين له ـ تبارك وتعالى ـ. وقد جاءت النُّصوص َ الشرع َية دا َثة على العناية هبذه الكلمة ،والمحافظة الصلوات ،وغير الصباح والمساء ،وعند النَوم ،وأدبار َ عليها ،واتخاذها وردا يف َ ذلكُّ ، كل ذلك ترسيخا لهذا ال َتوديد؛ وخذ مثاال جميّل مفيدا نافعا ثمينا للغاية؛ مرة تردد هذه الكلمة؟ وبماذا تتبعها دسب ما ورد عندما تسلم من صّلتك كم َ ٍ صّلة« :ل إله إل اهلل والسّلم ـ؟ كان يهلل هب َن دبر كل يف سنَة النَبي ـ عليه َ الصّلة َ و ْحده ل شريك له ،له الم ْلك وله الح ْمد وهو على كل ش ْيء قدير ،ل ح ْول ول قوة إل باهلل ،ل إله إل اهلل ول ن ْعبد إل إياه ،له الن ْعمة وله الف ْْل وله الثناء الحسن ،ل إله إل اهلل مخْ لصين له الدين ولو كره الكافرون»()1؛ ثّلث اهليّل ٍ ت ْ ٍ وتتبع ُّ اهليلة بال َتأكيد على معنى ال إله َإال اهلل وال َتحقيق لمدلولها: كل فال َتهليلة األولى أتبعت بقوله« :و ْحده ل شريك له»؛ َ ألن ال إله َإال اهلل ٍ تقوم على ركنينٍ : وإثبات؛ النَفي يف قوله «ل إله» ،واإلثبات يف قوله «إل نفي اهلل»؛ وهذا هو ال َتوديد؛ فأ َكد النَفي واإلثبات بقوله« :و ْحده ل شريك له»؛ َ فإن قوله «و ْحده» تأكيدٌ لإلثبات ،وقوله «ل شريك له» تأكيدٌ للنَفي ،فأتبع «ل إله إل ثم أتبعت برباهين ال َتوديد« :له الم ْلك ،وله اهلل» بتأكيد ال َتوديد ا َلذي د َلت عليهَ ، تفرد بالملك الح ْمد ،وهو على كل ش ْيء قدير»؛ أي :أنَه ـ تبارك وتعالى ـ كونه َ ٍ قدير ال شريك له ،هذا ٌ دليل على ودده وال َتدبير ودده ،وأ َنه على كل شيء ٌ وجوب إفراده بال َتوديد وإخّلص الدين له ـ َ جل يف عّله ـ. ( )1أخرجه مسلم ( )594عن عبد اهلل بن الزبير
.
ـ 94ـ
وال َتهليلة ال َثانية أتبعت بقوله« :ول ن ْعبد إل إياه»؛ َ فإن قوله« :ول ن ْعبد إل إياه» هذا معنى ال إله َإال اهلل؛ فعطف عليها معناها ومدلولها اهتماما بمقام هذه الكلمة ومدلولها العظيم ،وأ َنها إ َنما تنفع بتحقيق هذا المدلول ال بال َلفظ ثم أتبعت برباهين ال َتوديد« :له الن ْعمة ،وله الف ْْل ،وله الثناء الحسن»؛ جرداَ ، م َ تفرد بالفضل ال ندَ له ـ سبحانه وتعالى ـ، فرد بالنعمة ال شريك لهَ ، أي :كما أنَه ت َ وتفرد بال َثناء الحسن والصفات العظيمة واألسماء الحسنى ـ َ جل يف عّله ـ؛ فهذا َ من الدَ الئل والرباهين على وجوب إفراده ودده ـ تبارك وتعالى ـ بالعبادة. وال َتهليلة ال َثالثة أتبعت بقوله« :مخْ لصين له الدين» وهذا فيه َ أن كلمة ال َتوديد هي كلمة اإلخّلص؛ إخّلص الدين هلل ﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ﴾ [ ،]5 :áفنقول :ال إله َإال اهلل بألسنتنا ،معتقدين ما د َلت عليه من اإلخّلص بقلوبنا ،وبذا نكون من أهلها دقا.
ٍ صّلة وأنت ترى يف هذا ال َتهليل ا َلذي يشرع للمسلم أن يردده دبر كل
استذكارا لـ«ال إله َإال اهلل» ولمدلولها ،وال َتأكيد على معناها ،وال َتحقيق لما د َلت عليه ،ولو أردنا أن نستخلص تعريفا جامعا لمعنى «ال إله َإال اهلل» من هذه ٍ صّلة نقول: ال َتهليّلت ال َثّلث ا َلتي يشرع لنا أن نقولها دبر كل معنى «ال إله َإال اهلل»َ :أال نعبد َإال اهلل ،ودده ال شريك له ،مخلصين له الدين ،وهذا من أجمع وأدسن وأوىف ما يكون تعريفا لـ «ال إله َإال اهلل». الحاصل؛ أنَه ينبغي أن نعلم َ أن ال َتهليّلت واألذكار َ الشرع َية عموما ما جاءت ٍ أوقات معين ٍة مجرد ٍ إتيان ،بل هذه األذكار لتقال مج َرد قو ٍل ،أو أ َنها كّل ٌم يؤتى به يف َ َ ٍ تجديد لتوديد العبد ،و ٍ توثيق للعهد مع اهلل ـ تبارك وتعالى ـ بتحقيق عبار ٌة عن ـ 95ـ
توديده وإخّلص الدين له ـ تبارك وتعالى ـ ،فتأيت هذه الكلمات مع المسلم يف تحركاته وتن ُّقّلته ،ويف جميع أمره ،تجدد عهد صباده ومسائه ،ويف صلواته ،ويف ُّ ال َتوديد وميثاقه العظيم بأن يخلص العبد دينه هلل
،وأن يفرد ر َبه ـ تبارك وتعالى ـ
بالعبادة ُّ والذل والخضوع؛ فّل يدعو َإال اهلل ،وال يسأل َإال اهلل ،وال يستغيث َإال باهلل، وال يتو َكل َإال على اهلل ،وال يصرف شيئا من العبادة َإال هلل ودده. ممن لم يعقل هذا المقصد العظيم من يرفع مثّل وقد وجد يف النَاس َ أصبعه قائّل« :ال إله َإال اهلل» وهو ال يعرف مدلول هذه الكلمة ،ولذا تجده بعد السريع بين إتيانه بكلمة قلي ٍل يمدُّ يديه ويقول« :مدد يا فّلن»!! فهذا ال َتناقض َ ال َتوديد ونقضه لها هبذا الدُّ عاء لغير اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ؛ أل َنه يقولها وال يعي ٍ ٍ وإخّلص هلل بالعبادة ،وإفراده ـ َ جل توديد هلل، معناها ،وال يعي ما د َلت عليه من وعّل ـ ُّ والرجاء ،والدُّ عاء أعظم أنواع العبادة ،بل قال بالذل والخضوع والدُّ عاء َ والسّلم ـ« :الدعاء هو العبادة» ،وتّل قول اهلل تعالى﴿ :ﭝ َبي ـ عليه ال َصّلة َ الن ُّ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ﴾ [.)1(]60 :¥ ددَ ثني أدد األفاضل وآلمني دديثه فقال :سمعت رجّل يف سجوده يقول« :مدد يا فّلن»!! وقد قرأ يف سورة الفاتحة ﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾
،
وهذه عهدٌ بينه وبين اهلل أن ال يدعو َإال اهلل ،وال يستعين َإال باهلل ،وال يسأل َإال ( )1أخرجه أدمد ( ،)18352وأبو داود ( ،)1479والرتمذي ( ،)2969وابن ماجه (،)3828 وصححه األلباين يف «صحيح أبي داود» (.)1329 َ
ـ 96ـ
ثم يف صّلته نفسها وهو ساجدٌ يقول :مدد يا فّلن! اهلل ،وال يتو َكل َإال على اهللَ ، قائم ﴿ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾؟ أي :نعبدك أين هذا العهد ا َلذي قاله وهو ٌ الصّلة َبي ـ عليه َ وال نعبد غيرك ،ونستعين بك وال نستعين بغيرك ،وقد قال الن ُّ والسّلم ـ البن ع َباس َ
استع ْن باهلل، اسأل اهلل ،وإذا ْاستعنْت ف ْ « :إذا سأ ْلت ف ْ
ت على أ ْن ينْفعوك بش ْيء ل ْم ينْفعوك إل بش ْيء قدْ كتبه اجتمع ْ وا ْعل ْم أن األمة ل ْو ْ اجتمعوا على أ ْن يْروك بش ْيء ل ْم يْروك إل بش ْيء قدْ كتبه اهلل اهلل لك ،ول ْو ْ ت الصحف»(.)1 عل ْيك ،رفعت األ ْقالم وجف ْ فالحاصل َ أن« :ال إله َإال اهلل» هي كلمة ال َتوديد ،وال َتوديد هو مدلول هذه الكلمة ،وهي :إخّلص الدين هلل
؛ إفراده ُّ والرجاء بالذل والخضوع والدُّ عاء َ
والخوف َ والذبح والنَذر وغير ذلك من أنواع العبادة ،كما قال َ الشيخ
:
«فجميع العبادات من صالة وصوم وغير ذلك يجب إخالصها هلل وحده ،ول يجوز صرف شيء منها لغير اهلل» أيَ : أن من صرف شيئا منه لغير اهلل الصرف توديده ،وأصبح بعمله هذا من المشركين ،واهلل هبذا َ
نقض
يقول﴿ :ﮯ
ﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗ ﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [\ ،]¤قوله ﴿ ﯙ ﯚ﴾؛ «عمل» هنا مفر ٌد مضاف ،والمفرد المضاف ـ كما هي القاعدة عند أهل العلم ـ تفيد العموم، ٍ ٍ وصدقة صّلة وصيا ٍم ودج ﴿ﯙ ﯚ﴾ أي :تحبط َن جميع أعمالك؛ من ٍ وسوى غير وبر وصلة وغير ذلك ،ك ُّلها تكون باطلة إذا أشرك العبد مع اهلل غيره َ ( )1سبق تخريجه.
ـ 97ـ
ٍ شيء من دقوقه سبحانه ،بأن دعا غير اهلل ،أو استغاث بغير اهلل ،أو اهلل باهلل يف ذبح لغير اهلل ،أو نذر لغير اهلل ،أو صرف غير ذلك من العبادات لغير اهلل ،واهلل ـ َ جل وعّل ـ يقول﴿ :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [\.]b
قال
« :وأما توحيد األسماء والصفات :فهو اإليمان بكل ما ورد يف
القرآن الكريم أو األحاديث الصحيحة من أسماء اهلل وصفاته ،وإثباتها هلل وحده على الوجه الالئق به ـ سبحانه وتعالى ـ». :n معنى أن نوحد اهلل بأسمائه وصفاته :أن نثبت له ـ تبارك وتعالى ـ األسماء الحسنى والصفات العليا ا َلتي أثبتها لنفسه يف كتابه أو أثبتها له رسوله الّلئق بجّلل اهلل والسّلم ـ يف سنَته على الوجه َ ـ عليه َ الصّلة َ
؛ َ ألن إضافة
هذه األسماء والصفات إلى اهلل تقتضي اختصاصه هبا ،على دد قوله ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [§ ،]11 :وقوله﴿ :ﭚ
ﭛﭜ ﭝ﴾ [ ،]65 :oوقوله﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [،]4 :ï وقوله﴿ :ﭡﭢﭣﭤ﴾ [ ،]74 :lوقوله﴿ :ﯛﯜﯝﯞ﴾ [^: ]22؛ فاهلل ـ سبحانه وتعالى ـ له األسماء الحسنى والصفات العّل ،فتثبت كما والسّلم ـ ،وال جاءت ،ويؤمن هبا كما وردت يف كتاب ربنا وسنَة نبينا ـ عليه َ الصّلة َ نتجاوز يف ذلك القرآن والحديث ،كما قال اإلمام أدمد ـ 98ـ
« :نصف اهلل بما وصف
به نفسه ،وبما وصفه به رسوله
،ال نتجاوز القرآن والحديث»(.)1
وقوله
« :من غير تحريف ،ول تعطيل ،ول تكييف ،ول تمثيل»؛ هذه
منهاَ ، أمور أربع ٌة َ دذر َ وأن الواجب أن تثبت األسماء والصفات مع الشيخ ٌ ٍ شيء من هذه األمور األربعة؛ َ الحذر َ ألن كّل من هذه الشديد من الوقوع يف األمور األربعة يعدُّ إلحادا يف أسماء اهلل
وصفاته ،ور ُّبنا يقول ﴿ :ﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [:c ،]180وهذا اهديدٌ ووعيدٌ لكل من يلحد يف أسماء اهلل أو صفاته ـ تبارك وتعالى ـ. واإللحاد طر ٌق كثير ٌة وسب ٌل متعدد ٌة ،لكنَها يجمعها وصف اإللحاد؛ من تكييف ،ومن النَاس من إلحاده تحريف ،ومن النَاس من إلحاده النَاس من إلحاده ٌ ٌ ٌ ٌ أمور يجب أن يحذر منها أشدَ الحذر. تمثيل ،ومن النَاس من إلحاده تعطيل؛ فهذه ٌ ٍ تحريف لهذه األسماء والصفات، قوله« :من غير تحريف» أي :من غير سواء بتحريف األلفاظ أو بتحريف المعاين.
ٍ ٍ درف ،أو بتغيير درف ،أو بحذف وتحريف األلفاظ :يكون مثّل بزيادة درك ٍة إعراب َي ٍة بحيث يتغ َير المعنى. وتحريف المعاين :يكون بإعطاء ال َلفظ مدلول ٍ لفظ آخر. ٍ وتكذيب هبا وعدم إثبات؛ َ ألن ال َتعطيل قوله« :ول تعطيل» :أي وال جح ٍد
هو النَفي. وقوله« :ول تكييف» أي :وال خو ٍ ض يف معرفة كيف َيتها؛ فّل يقال :كيف ( )1سبق تخريجه.
ـ 99ـ
ٌ سؤال باطل؛ أل َننا أخبرنا استوى؟ كيف ينزل؟ كيف يده؟ كيف سمعه؟ هذا بأسماء اهلل
وصفاته ولم نخبر بكيف َيتها؛ فنثبت ما أخبرنا به ،وال نخوض فيما
ٌ مالك لم نخبر به ،ولهذا اإلمام
ٌ مجهول» قال« :االستواء معلو ٌم والكيف
أي :ال نعلمه ،ويف رواية قال« :الكيف غير معقول» :أي ال نعقله. ٍ لشيء من صفات اهلل بصفات المخلوقين؛ كأن قوله« :ول تمثيلٍ» :أي يقال« :سمع اهلل كسمعنا ،أو بصر اهلل كبصرنا» تعالى اهلل وتقدَ س عن ذلك ،وهذا كافر ،ومن يقولَ : إن يد معبوده كيده ،وسمعه كفر باهلل ،والممثل ٌ ال َتمثيل ٌ السلف« :والممثل يعبد كسمعه ،وبصره كبصره هذا ال يعبد اهلل ،كما قال بعض َ صنما»( ،)1أ َما ر ُّبنا ـ َ جل يف عّله ـ فصفاته تليق به ،ليس كمثله شيء ،ال سم َي له ٍ شيء من أسمائه وصفاته ـ تبارك وتعالى ـ ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ وال مثيل يف كفر باهلل ﭢ﴾ [ ،]4 :ïفتمثيل صفات اهلل بصفات المخلوقين هذا ٌ وإلحا ٌد يف أسمائه وصفاته ـ َ جل يف عّله ـ.
قال
عمال بقوله تعالى ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ً «:
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [\ ،]ïوقوله ﴿ :ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [§.»]11 : :n سمى« :سورة السورة وهي ت َ أي :نثبت هذه الصفات عمّل هبذه ُّ ( )1ذكره شيخ ابن تيمية
يف «المجموع» (.)196/5
ـ 100ـ
الرب ،ولو قال ٌ قائل :من هو اهلل؟ فأجاب اإلخّلص»؛ أل َنها أخلصت لبيان صفة َ بالرب السورة لكان الجواب وافيا كافيا يف ال َتعريف َ المجيب بتّلوة هذه ُّ
.
قصة الرب ـ سبحانه وتعالى ـ! كما يف َ فما أعظم شأنها يف بيان صفة َ الصحابي الجليل ا َلذي كان يقرأ يف كل ركعة ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ ،وأشكل ذلك َ والسّلم ـ ،فقال« :سلوه الصحابة ،فأخربوا النَبي ـ عليه َ على من معه من َ الصّلة َ ب الردمن ،وأنا أد ُّ « :ألنَها صفة َ
ألي ش ْيء ي ْصنع ذلك؟» فسألوه ،فقال
بذلك قال« :أ ْخبروه أن اهلل يحبه»( ،)1ويف
َبي أن أقرأ بها»َ ، فلما أخبر الن ُّ الحديث اآلخر« :حبك إياها أ ْدخلك الجنة»(.)2
وعمّل بقوله تعالى﴿ :ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [§]11 : السمع والبصر بعد نفيه للمثل َيةَ ، فدل ذلك على َ أن إثبات ديث أثبت سبحانه لنفسه َ الصفات ال يستلزم التَشبيه ،فهو سبحانه ال يشبهه شي ٌء ال يف ذاته وال يف صفاته وال يف أفعاله. وتوديد األسماء والصفات يقوم على ركنين اجتمعا يف هذه اآلية ويف سورة اإلخّلص وهما :التنزيه بال تعطيل ،واإلثبات بال تمثيل ،فمن جحد شيئا من أسماء اهلل وصفاته ونفاها فليس بمؤمن ،وكذلك من ك َيفها أو ش َبهها بصفات عما يقول ال َظالمون. عما يصفون وتعالى اهلل َ المخلوقين ،سبحان اهلل َ قال« :وقد جعلها بعض أهل العلم» أي :أقسام ال َتوديد ال َثّلثة «نوع ْين، ( )1أخرجه البخاري ( ،)7375ومسلم ( )813عن عائشة
.
الركعة ،وأخرجه أدمد (،)12512 السورتين يف َ ( )2أورده البخاري تعليقا يف باب الجمع بين ُّ والرتمذي ( ،)2901عن أنس بن مالك
وصححه األلباين يف «المشكاة» (.)2130 ، َ
ـ 101ـ
وأدخل توحيد األسماء والصفات يف توحيد الربوبية» باعتبار َ أن هذين النَوعين كّلهما توديدٌ علمي. قال« :ول مشاحة يف ذلك»؛ َ ألن المؤ َدى واددٌ ،و«ألن المقصود واضح يف كال التقسيم ْين». أن ال َتوديد ينقسم إلى ثّلثة أقسام؛ فليعلم َ وإذا عرفنا َ أن لكل قس ٍم من هذه األقسام ال َثّلثة ضد ينتفي ال َتوديد بوجوده. فإذا عرفنا َ والرزق بالربوب َية والخلق َ الربوب َية يعني إفراد اهلل ُّ أن توديد ُّ صرف يف هذا الكون ،فضدُّ ذلك أن يثبت ألي من واإلدياء واإلماتة وال َتدبير وال َت ُّ ٍ ألدد من المخلوقات المخلوقات شي ٌء من خصائص اهلل يف ربوب َيته ،كأن يجعل صرف أو ال َتدبير لهذا الكون ،فمن وجد منه ذلك نقض شي ٌء من الخلق أو ال َت ُّ ذلك توديده ،ويكون كافرا بربوب َية اهلل
؛ َ ألن المرء ال يكون موددا يف
بالربوب َية ،ولم يجعل معه شريكا فيها. الربوب َية َإال إذا أفرد اهلل ُّ ُّ وإذا عرفنا َ قائم على إثبات األسماء أن توديد األسماء والصفات ٌ الحسنى والصفات العليا هلل ،ونفي النَقائص والعيوب عن اهلل ،وتنزيهه سبحانه ٍ عما ال يليق بجّلله؛ َ مما أثبته اهلل ـ سبحانه فإن ضدَ هذا ال َتوديد :جحد شيء َ َ ٍ شيء نفاه اهلل ؛ فمن أثبت هلل ما نفاه اهلل عن نفسه ،أو نفى وتعالى ـ ،أو إثبات عن اهلل ما أثبته اهلل لنفسه؛ فقد وقع فيما يضا ُّد توديد األسماء والصفات. مثال ٍّ لكل منهما من القرآن: أضرب ً
ٍ شيء علما، فاهلل ـ سبحانه وتعالى ـ أثبت لنفسه العلم ،وأ َنه أداط بكل
السماء ،يعلم ما كان ،وما سيكون، وأ َنه ال تخفى عليه خافي ٌة يف األرض وال يف َ ـ 102ـ
وما لم يكن لو كان كيف يكون؛ فمن ش َك أو جحد أو لم يؤمن أو ارتاب يف هذه الصفة أو يف بعض ما يتع َلق هبا؛ يكون كافرا باهلل سبحانه ،قال تعالى﴿ :ﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [\¦]؛ هذه العقوبات الواقعة على هؤالء مبناها وسببها ﴿ﭰ ﭱ ﭲ
ٍ شيء أثبته اهلل ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ هذا فيه شك يف ٍ علمه ،وأ َنه ـ سبحانه وتعالى ـ وسع َ شيء علما ،فمن نفى ما أثبته اهلل لنفسه كل
لنفسه ،وهو :إداطة
سمى جحدهم السمه يكفر بذلك﴿ ،ﭨ ﭩ ﭪ﴾ []30 :i؛ َ الردمن» كفرا به. « َ والمثال اآلخر :وهو إثبات ما نفاه اهلل ،تقدَ م يف سورة اإلخّلص﴿ :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ يقول اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ يف سورة مريم﴿ :ﮮ ؛
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ الخطأ عند هؤالء أ َنهم أثبتوا هلل ما نفاه اهلل عن نفسه ،فاهلل تنزه وتقدَ س ـ الولد ،قال اهلل َنزه نفسه عن الولد ،وهم أثبتوا هلل ـ َ
﴿ :ﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ أي :عظيما بالغ الخطورة﴿ ،ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾. فالخلل يف األسماء والصفات يأتي من جهة إثبات ما نفاه اهلل ،أو نفي ما أثبته اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ. القسم الثالث :توديد األلوه َية ،وهو إفراد اهلل بالعبادة؛ ويضا ُّد ذلك: ـ 103ـ
ٍ شيء من العبادة لغير اهلل ،من ذبح لغير اهلل ،أو دعا غير اهلل ،أو استغاث صرف بغير اهلل ،أو نذر لغير اهلل؛ َ فإن ذلك ناق ٌض للتَوديد ،بل دينه ك ُّله يبطل بذلك ،كما مر معنا يف اآلية الكريمة﴿ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ َ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [\.]¤
قال
:
«وأقسام الشرك ثالثة :شرك أكبر ،وشرك أصغر ،وشرك خفي؛ فالشرك األكبر يوجب حبوط العمل والخلود يف النار لم ْن مات عليه ،كما قال اهلل تعالى: ﴿ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [ ،]88 :bوقال سبحانه﴿ :ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [ ،]17 :eوأن م ْن مات عليه فل ْن يغفر له والجنة عليه حرام ،كما قال اهلل
﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ﮭ ﮮ﴾ [` ،]48 :وقال سبحانه ﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [.]72 :a ومن أنواعه :دعاء األموات واألصنام ،والستغاثة بهم ،والنذر لهم، والذبح لهم ،ونحو ذلك». :n ٍ ثّلثةَ ، عرفنا َ دل عليها كتاب اهلل وسنَة نبيه أن ال َتوديد ينقسم إلى أقسا ٍم ـ 104ـ
أن لكل ٍ ،وعرفنا أيضا َ قسم من هذه األقسام ضد؛ فإذا كان ال َتوديد ثّلثة أقسا ٍم؛ َ فإن الشرك باعتبار تقسيم ال َتوديد ينقسم إلى ثّلثة أقسام :شرك يف ٌ ٌ وشرك يف األسماء والصفات. وشرك يف األلوه َية، الربوب َية، ُّ وهنا يذكر َ الشيخ
تقسيما آخر للشرك باعتبار دجمه من ديث الكبر
الخفي والصغر ،وأ َنه ينقسم إلى :أكرب ،وأصغر ،وخفي ،كما سيأيت بيانه ،وهل ُّ وصف للشرك يف الحالتين؟ ويأيت أيضا بيان سبب تسميته قسم مستقل ،أو أنَه ٌ ٌ هبذا االسم« :الشرك الخفي». والشرك األكرب واألصغر يختلفان من ديث الحدُّ ومن ديث الحكم؛ أ َما ٍ سوى غير اهلل الشرك األكرب :فهو تسوية غير اهلل باهلل يف شيء من دقوقه؛ فمن َ ٍ شيء من دقوق اهلل؛ فقد ا َتخذه شريكا وندا مع اهلل ،فالشرك :هو جعل باهلل يف األنداد مع اهلل
،ولهذا ذكر اهلل عن الك َفار أنَهم إذا دخلوا النَار يوم القيامة
يقولون﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [\ ]vفهذا هو الشرك؛ تسوية غير اهلل باهلل﴿ :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ﴾ [^ ]165 :أي :مساويا لحب اهلل. والشرك :هو ال َتنديد؛ اتخاذ األنداد ُّ والشركاء مع اهلل ،قال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ﴿ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [^]22 :؛ أي :شركاء مع اهلل ،تصرفون لهم من العبادة والحقوق ما ليس َإال هلل ـ تبارك وتعالى ـ. وهو أيضا عدل غير اهلل به ،أي :تسوية غير اهلل به ،وجعله عدال هلل
،أي:
مساويا ومماثّل ،كما قال اهلل عن الك َفار ﴿ :ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ ـ 105ـ
سوون غيره به ،ويجعلون غيره عدال له ،أي :مساويا له ،هذا [ ،]1 :bأي :ي ُّ هو الشرك األكرب النَاقل من الم َلة. والواجب على المسلم أن يخاف على نفسه من الشرك خوفا عظيما أشدَ من خوفه من أي ٍ أمر آخر ،وأن يكون هذا الخوف موجبا الحيطة والحذر من الوقوع فيه ،كما هو َ الشأن فيما يخافه اإلنسان من أمور ،فيعمل بسبب خوفه منها على اتقائها ،ألست ترى يف بعض النَاس أنَه ي َتخذ لنفسه دمية ينتظم فيها انتظاما ٍ ٍ ٍ محرمة ،دمية لبدنه من السمنة ،أو من مبادة ليست عديدة ألطعمة دقيقا َ األمراض ،أو من الثقل والكسل ،وينتظم يف هذه الحمية خوف العاقبة ،أليس من ٍ دمية نعنى هبا يف دياتنا :الحمية من الشرك!! والحمية الجدير أن تكون أعظم من الوقوع فيه!! واتخاذ األسباب الدَ قيقة جدا ا َلتي تكون ـ بإذن اهلل ـ سببا لسّلمة العبد ووقايته من الوقوع فيه!! أيكون دال المرء أن يعنى عناية دقيقة ضرتها ،وال يحمي نفسه من ُّ الذنوب بالحمية من بعض األطعمة ال َطيبة خوف م َ ومعرتها يوم يقف أمام اهلل ـ َ جل يف عّله ـ!! وال يحمي نفسه من خوف عاقبتها َ أعظم ُّ الذنوب ا َلذي هو الشرك باهلل ـ سبحانه وتعالى ـ. َ إن من يعرف الشرك ويعرف عاقبته الوخيمة يخافه جدا على نفسه؛ يكفي يف ذلك أن تقرأ قول اهلل ـ تبارك وتعالى ـ يف سورة النساء يف موضعين﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [`]116-48 :؛ وهذا يف دق من مات على ذلكَ ، الردمة ،وال فإن من مات على الشرك ال مطمع له إطّلقا يف َ نصيب له من المغفرة ،ليس له َإال العذاب أبد اآلباد ،ويبدأ معه العذاب من ـ 106ـ
والسّلم ـ« :م ْن مات لحظة مفارقة روده جسده ،كما قال نب ُّينا ـ عليه َ الصّلة َ و ْهو يدْ عو م ْن دون اهلل ندًّ ا؛ دخل النار»( ،)1فهذا الدُّ خول للنَار من دين تفارق روده جسده ،ولهذا قال العلماءَ : إن النَار قريب ٌة جدا من المشرك ،ليس بينه وبين وأول ما تكون النَار له يف قربه ،فيكون النَار َإال أن تفارق روده جسده ،فيدخلهاَ ، دفرة من دفر النَار ،كما قال اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ عن آل فرعون﴿ :ﮞ
الصباح والمساء. ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [ ]46 :¥أي :يف َ وقد قال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ يف بيان َ أن من مات على الشرك والكفر ال الردمة والمغفرة﴿ :ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﴾ أي :ليس مطمع له إطّلقا يف َ لهم َإال ذلك يوم القيامة ﴿ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥ﴾ أي :غير الشرك والكفر ا َلذي كنَا نعمله يف الدُّ نيا ﴿ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [\ﮯ] أي ال َظالمين أنفسهم بالشرك والكفر باهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ،كما قال تعالى ﴿ :ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ﴾ [}.]13 : فمن كانت هذه داله ،مشركا كافرا باهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ومات على ذلك؛ ليس له يف اآلخرة َإال النَار مخ َلدا فيها أبد اآلباد ،د َتى َ إن العذاب ال أئمة يخ َفف عنه ﴿ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ ،بل يزيد ،ولهذا قال بعض َ إن أشدَ ٍ ال َتفسيرَ : آية على المشركين يوم القيامة وهم يف النَار قول اهلل ـ سبحانه ( )1أخرجه البخاري ( )4497عن ابن مسعود
.
ـ 107ـ
وتعالى ـ ﴿ :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾ [ ،)1(]30 :Íيطمعون يف ال َتخفيف أو أن يقضى عليهم فيموتوا ،أو أن يعادوا إلى الدُّ نيا ليعملوا صالحا غير ا َلذي كانوا يعملونه؛ فيقال لهم﴿ :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ﴾. ُّ كل ذلك يستوجب الخوف من الشرك ،والحذر من الوقوع فيه، وال ُّلجوء الدَ ائم إلى اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ أن يقي عبده وأن يعيذه من الشرك والكفر والنفاق وال َضّلل؛ وانظر يف هذا الباب ـ باب الخوف من الشرك ـ دعوة إبراهيم الخليل إمام الحنفاء خليل اهلل ـ عليه صلوات اهلل وسّلمه ـ ،قال يف دعائه ﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭶ﴾ السلف ـ أئمة َ [\ ]jقال إبراهيم التَيمي ـ وهو من َ البّلء بعد إبراهيم!!»( ،)2إذا كان إبراهيم
« :ومن يأمن
خاف على نفسه ،وسأل ر َبه
فقال﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ ،أي :اجع لني يا رب! يف جان ٍ ب
ٍ بعيد عن األصنام وعن عبادتها ،يطلب من اهلل أن ي حميه ،وأن يقي ه ،وأن يسلمه ،وهو ا َلذي كسر األصنام بيده ـ عليه صلوات اهلل وسّلمه ـ!! فكيف يأمن غيره على نفسه وال يخاف. والسّلم ـ ا َلذي كان يواظب عليه َ ٍ صباح كل ومن دعاء نبينا ـ عليه َ الصّلة َ ٍ ثابت يف كتاب «األدب المفرد»( )3وغيره ،أنَه كان يقول ثّلث ومساء؛ وهو ٌ ( )1انظر« :تفسير ابن كثير» ( ،)58 /8و«تفسير السعدي» (ص .)907 ( )2أخرجه الطربي يف «تفسيره» ( ،)687/13وابن أبي داتم يف «تفسيره» (.)12287 ( )3برقم ( ،)701وأخرجه أدمد ( ،)20430وأبو داود ( ، ،)5090عن أبي بكرة األلباين يف «اإلرواء» (« :)356 /3وهذا سند صحيح على شرط مسلم».
ـ 108ـ
؛ وقال
ات إذا أصبح ،وثّلث مر ٍ مر ٍ ات إذا أمسى« :اللهم إني أعوذ بك من الك ْفر َ َ والف ْقر ،اللهم إني أعوذ بك م ْن عذاب الق ْبر ،ل إله إل أنْت» ،وثبت أنَه ـ عليه والسّلم ـ كان يقول يف دعائه« :اللهم لك أ ْسل ْمت ،وبك آمنْت ،وعل ْيك َ الصّلة َ توك ْلت ،وإل ْيك أن ْبت ،وبك خاص ْمت ،اللهم إني أعوذ بعزتك ،ل إله إل أنْت أ ْن تْلني ،أنْت الحي الذي ل يموت ،والجن واإلنْس يموتون»( ،)1وكان أكثر ت ق ْلبي على دينك»( ،)2ويف والسّلم ـ« :يا مقلب القلوب! ثب ْ دعائه ـ عليه َ الصّلة َ القرآن﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [_.]8 : َ َبي وكذلك َ مما يوجب الخوف من الشرك :أن الن َ األ َمة؛ إخبارا على وجه اإلنذار وال َتحذير ،قال ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ« :ل تقوم أخبر أنَه سيقع يف
الساعة حتى ي ْلحق قبائل م ْن أمتي بالم ْشركين ،وحتى ت ْعبد قبائل م ْن أمتي األ ْوثان»( ،)3وجاء يف الحديث اآلخر أنَه ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ قال« :ل تقوم الساعة حتى ت ْْطرب إ ْليات نساء د ْوس على ذي الخلصة»( ،)4والمقصود :د َتى الصنم :ذي الخلصة ،وهو صن ٌم كان يعبد يف الجاهل َية قبل اإلسّلم. تعود عبادة ذلك َ والسّلم ـ قوال جامعا يف هذا الباب على وجه ال َتحذير وقال ـ عليه َ الصّلة َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)1120ومسلم ( )2717واللفظ له ،عن ابن عباس
.
( )2أخرجه أدمد ( ،)12107والرتمذي ( ،)2140وابن ماجه ( )3834عن أنس
؛ ودسنه
األلباين يف «الصحيحة» (.)2091 ( )3أخرجه أدمد ( ،)22395وأبو داود ( ،)4252والرتمذي ( ،)2219وابن ماجه ( )3952عن ثوبان
،وصححه األلباين يف «صحيح الجامع»(.)1773
( )4أخرجه البخاري ( ،)7116ومسلم ( )2906عن أبي هريرة
ـ 109ـ
.
واإلنذار« :لتتْبعن سنن م ْن كان ق ْبلك ْم ،ش ْب ًرا ش ْب ًرا ،وذرا ًعا بذراع»( ،)1وأشنع ذلك الشرك وعبادة األوثان ،أخرب َ واقع كونا وقدرا ،فيجب على أن هذا األمر ٌ ٍ وخوف من الوقوع فيه. المسلم أن يكون على دذ ٍر منه والسّلم ـ ومما يستوجب الخوف من الشرك :إخبار النَبي ـ عليه َ الصّلة َ َ ٌ َ والسّلم ـ يف بيان خفائه أن من الشرك ما هو شرك خفي ،وبالغ ـ عليه َ الصّلة َ ٍ والسّلم ـ: الصّلة عجيب بضرب مث ٍل جدير بأن يتأ َمله المسلم ،قال ـ عليه َ َ ٌ «للش ْرك فيك ْم أ ْخفى م ْن دبيب الن ْمل»( ،)2ما قال« :مثل دبيب النَمل» ،بل قال: تدب «أ ْخفى م ْن دبيب الن ْمل»!! وعندما يكون المرء جالسا وتم ُّر من جنبه نمل ٌة ُّ إلى ديث وجهتها أو أكثر ،أيشعر هبذا الدَ بيب؟! قال« :أ ْخفى م ْن دبيب الن ْمل» مما يوجب الخوف وال ُّلجوء الدَ ائم إلى اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ أن يقي فهذا َ لما أخبرهم النَاصح ـ صلوات اهلل وسّلمه العبد وأن يعيذه من الشرك؛ ولهذا َ عليه ـ بذلك د َثهم على د ٍ ٍ عظيم يجدر بكل مسل ٍم أن يحفظه وأن يحافظ عاء والسّلم ـ يف هذا المقام؛ مقام ال َتحذير من عليه ،وص َية من النَبي ـ عليه َ الصّلة َ الشرك وبيان خفائه ووجوب الخوف منه ،قال« :أل أدلك ْم على ش ْيء إذا ق ْلتموه أ ْذهب اهلل عنْك ْم قليل الشرك وكثيره؟» قالوا :بلى يا رسول اهلل ،فأرشدهم ـ عليه والسّلم ـ أن يقولوا« :اللهم إني أعوذ بك أ ْن أ ْشرك بك وأنا أ ْعلم، الصّلة َ َ ( )1أخرجه البخاري ( )7320عن أبي سعيد الخدري
.
( )2أخرجه البخاري يف «األدب المفرد» ( )716عن معقل بن يسار صحيح كما يف «الضعيفة» (.)3755
ـ 110ـ
،وهذا الجزء من الحديث
وأ ْستغْفرك لما ل أ ْعلم»(.)1
مما يستوجب الخوف من الشرك ـ وتأ َمل هذا الحديث كذلك َ
الصحابة وهم يتذاكرون والسّلم ـ على َ َبي ـ عليه َ الصّلة َ العجيب ـ :دخل الن ُّ الفتنة المخيفة المهولة العظيمة :فتنة الدَ َجال ،ا َلتي هي أ َشدُّ الفتن وأخطرها والسّلم ـ« :أل أ ْخبرك ْم بما هو أ ْخوف عل ْيك ْم وأعظمها ،فقال ـ عليه َ الصّلة َ عنْدي من المسيح الدجال؟» قلنا :بلى ،فقال« :الش ْرك الخفي ،أ ْن يقوم الرجل يصلي ،فيزين صالته لما يرى م ْن نظر رجل»( ،)2هذا ا َ َبي ـ عليه ن ال خافه ذي ل ُّ
الصّلة من أجل نظر رج ٍل إليه ،أو تزيين والسّلم ـ على أ َمته :تزيين َ َ الصّلة َ الحج أو العبادة عموما من أجل نظر رج ٍل إليه ،وهذا األمر صارت خطورته يف كثير من النَاس يحمل يف جيبه زماننا هذا أشدَ من َ الزمان َ األول؛ أل َنه أصبح ٌ كثير من النَاس يف عباداته يف الحرمين، جهاز َ الجوال وفيه آلة ال َتصوير ،فأصبح ٌ الصور لنفسه ال َثابتة والمتحركة، أو يف المشاعر وغيرها ،أكرب ما يهت ُّم به التقاط ُّ ا َلتي يهدف من ورائها أن يري اآلخرين عمله ،د َتى شاهدنا وشاهد غيرنا كثيرا ثم يرفع من هؤالء يقف عند بعض األماكن الفاضلة ـ أماكن الدُّ عاء والعبادة ـَ ، المهمة ثم تلتقط له صور ٌة ،وتنتهي َ يديه على هيئة الدَ اعي ،ويصلح من هيئتهَ ، الصورة عند الكعبة ،وعند الجمرات ،ويف همه أن تلتقط له ُّ عند هذا الحدُّ ، المسعى ،وعند عرفات ...وإلخ ،ثم هذه الصور يجعلها بصو ٍر مكب ٍ رة يف َ ُّ َ ( )1الحديث السابق. ( )2أخرجه ابن ماجه ( )4204عن أبي سعيد الخدري (.)2607
ـ 111ـ
ودسنه األلباين يف «صحيح الجامع» ؛ َ
الصور ،ومن لقيه أو زاره أطلعه عليها. مجلسه ،أو يف ألبوم ُّ ٍ لما وجدت هذه األجهزة، فاألمر انفتح يف زماننا هذا بشكل خطير جدا َ األول ا َلذي يرائي يحتاج إلى أن يصف عمله وصفا بلسانه؛ وكان يف َ الزمان َ يجلس عند النَاس ويقول« :أنا ذهبت إلى م َكة ،وكنت يف عرفات أبكي ،وكنت خاشعا ،وكنت أقف عند الجمرات وأرفع يدي وأدعو ،»...أ َما اآلن مراءا ٌة الصور ال َثابتة والمتحركة ويقول :انظر ،ما يحتاج أن صامت ٌة بدون أن يتك َلم؛ يعطيه ُّ يتك َلم ويشرح ،د َتى َ إن أدد األفاضل أخربين أنَه رأى شخصا كان مع زميله يف شهد ،والتقط المسجد ،فأعطاه زميله آلة ال َتصوير ،وجلس على هيئة المصلي يف ال َت ُّ ثم يقول ألصحابه :هذه ثم قام ومشى!! فهذه ُّ الصورة ماذا أريد هبا؟ َ له صورةَ ، صوريت وأنا أصلي يف المسجد النَبوي؛ وكذب ما كان يصلي ،جلس لتلتقط له ثم يقول :هذه صوريت وأنا صور ٌة ،ومثله َ األول ا َلذي رفع يديه على هيئة الدَ اعي َ أدعو ،وكذب؛ ما كان يدعو اهلل ،وهذه كارثة ومصيب ٌة عظيم ٌة جدا ،فبعد هذا الجهد السفر والنَفقة والغربة والتَعب يأيت هبذه األمور ا َلتي تحبط عمله؟! يف َ وأئمة الباطل، ومما يستوجب الخوف من الشرك :كثرة دعاة َ الضّلل َ َ والسّلم ـ على أ َمته منهم ديث قال« :إن م ْن أ ْخوف وخوف النَبي ـ عليه َ الصّلة َ ()1 الضّلل من يقول أئمة َ ما أخاف على أمتي األئمة المْلين» ،واآلن يوجد من َ
ثم يلبس عليهم ،ويشبه ببعض للنَاس :اطمئنُّوا ،الشرك لن يقع إطّلقاَ ، األداديث ا َلتي يحملها على غير معناها؛ فيستد ُّل للنَاس بالمتشابه ،ويرتك َبي المحكم البين الواضح ،يقول الن ُّ ( )1سبق تخريجه من دديث ثوبان
« :ل تقوم الساعة حتى ت ْعبد قبائل م ْن
.
ـ 112ـ
()1 ٍ ٌ ثابت ،فيرتك دديث شيء أوضح من هذا!! وهو وأي صحيح ٌ ٌ أمتي األ ْوثان» ُّ ،
النُّصوص المحكمة البينة ،ويذهب إلى المتشابه ويستد ُّل به ،كحديث« :إن الش ْيطان قدْ يئس أ ْن ي ْعبده المصلون يف جزيرة العرب»( ،)2فيقول للنَاس: «الجزيرة لن يكون فيها الشرك إطّلقا» ،وقد قال العلماء يف معناهَ : إن َ الشيطان وإقبالهم على ال َتوديد ،دخل على
الصحابة لما رأى ق َوة اإليمان يف زمان َ َ
نفسه شي ٌء من اليأس أن يعبد ودال اإليمان هكذا ـ لكن ال يأيت على النَاس ٌ زمان إ َال وا َلذي بعده شر منه ،ويف كل عا ٍم ترذلون ـ فلم يثنه ذلك ولم يتو َقف، والصد عن دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ د َتى عبد استمر يف اإلغواء واإلضّلل بل َ َ فئا ٌم من األ َمة األوثان ،وكم هي الجناية على العوام والج َهال عندما يقال لهم: ثمة داج ٌة عندهم أن يقال« :ال َله َم أعذني إنَه لن يقع الشرك إطّلقا؛ فيصبح ما َ من الشرك» ،وال يبالون بخطورة الشرك ،وال يحرصون على تع ُّلمه من أجل الحذر من الوقوع فيه ،فتجد الشرك يدخل على هؤالء دخوال عريضا يف وتصرفاتهم ،وهم ال يزالون يظنُّون َ أن الشرك ال يقع ،مع أ َنهم أعمالهم وأقوالهم ُّ الضّلل على النَاس. أئمة َ قد ت َ مما يبين خطورة َ لوثوا به ،وهذا َ مما يستوجب الخوف من الشرك والحذر منه وال َتحذير، وعلى كل؛ هذا َ وأن يكون خوف المرء من الشرك أشدَ من خوفه من أي ٍ أمر آخر ،وأن يجاهد نفسه على الحذر من الوقوع فيه ،ومن هذه المجاهدة :أن يعرف الشرك، والعلماء ـ ردمهم اهلل ـ قالوا قديما« :كيف ي َتقي من ال يدري ما ي َتقي» ،ا َلذي ال ( )1سبق تخريجه. ( )2أخرجه مسلم ( ،)2812عن جابر بن عبد اهلل
.
ـ 113ـ
يدري ما هو الشرك ،وما هي أنواعه ،وما هي دقيقته ،وما هي األمور الدَ اخلة يف ٍ أساس التقاء الشرك :أن يعرف ما هو الشرك ،وما فأول سماه ،كيف ي َتقيه؟! َ م َ هي دقيقته ،فبهذه المعرفة ا َلتي يقصد منها االتقاء والحذر يتح َقق بإذن اهلل ـ السلف سبحانه وتعالى ـ اتقاء الشرك ،ولهذا قال أدد َ
()1
يف تعريف ال َتقوى:
«تقوى اهلل؛ عم ٌل بطاعة اهلل ،على ٍ نور من اهلل ،رجاء ثواب اهلل ،وتر ٌك لمعصية اهلل ـ وأعظم معاصي اهلل :الشرك ـ على ٍ نور من اهلل ،خيفة عذاب اهلل»؛ فّلبدَ أن ٍ ٍ ٍ ٍ معرفة معرفة بخطورته ،و معرفة بحقيقته ،و معرفة بالشرك ـ يكون اإلنسان على بعقوبته ـ ،معرفة يقصد منها أن يحذر منه ،وأن يحذر غيره من الوقوع فيه ،د َتى أبناءه ،كما يف وص َية لقمان﴿ :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [} ،]13 :ف َ حذره من الشرك ،وب َين له يف الوقت نفسه خطورته ،وأ َنه أظلم ال ُّظلم وأشنعه وأشدُّ ه على اإلطّلق. ومن هذا المنطلق أخذ َ الشيخ
هنا يبين ما يتع َلق بحقيقة الشرك
وأنواعه. قال
« :الشرك األكبر يوجب حبوط العمل» أي :بطّلن العمل كله،
كما قال اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ﴿ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [\،]¤ الصّلة أمر أودى اهلل به إلى نبيه ـ عليه َ فالشرك محب ٌط لألعمال كلها ،وهذا ٌ ( )1هو طلق بن دبيب
؛ أخرجه ابن المبارك يف «الزُّ هد» ( ،)1343وأبو نعيم يف «الحلية»
( ،)64/3وابن أبي شيبة (.)35160
ـ 114ـ
والسّلم ـ ،وأودى به إلى جميع النَبيين من قبله ﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ َ
أن الشرك األكرب إذا خالط العمل ـ َ ﯗ﴾ []88 :b؛ وذلك َ قل العمل أو كثر ـ بطل أجمعه ،وفسد ك ُّله ،ولم يقبل منه شي ٌء ،وهذا يستفاد من باب االعتبار بالنَظر يف األمور المفسدة. باب تجد كثيرا من النَاس يتف َقه فيه ،وينظر يف تر ُّتب الفساد على وهذا ٌ ٍ ببعض ،كيف يسري الفساد يف الجميع ،بل هناك علو ٌم اتصال بعض األشياء قائم ٌة على مراعاة هذا الجانب يف دفظ األطعمة واألغذية ،وكيف أنَه لو وضع كذا مع كذا ألفسده ،وتعمل االدتياطات الكافية دفظا لل َطعام ومنعا للفساد، ٍ ٍ وإفساد أشدُّ من الشرك؟ إذ هو يفسد العمل ك َله ،ويفسد دنيا المرء فساد وأي ُّ ٍ خسران م ٍ صلوات ،أو بين ،وإن كانت هناك وآخرته ،ويكون ـ والعياذ باهلل ـ يف ٌ صدقات لم تقبل لفساده بدخول الشرك على العمل ،قال اهلل صيا ٌم ،أو ٌ
:
﴿ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ []54 :e وقال﴿ :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﴾[.]5 :a قال
« :والخلود يف النار لم ْن مات عليه» أي :من مات على الشرك
ليس له يوم القيامة َإال النَار مخ َلدا فيها أبد اآلباد ،قال اهلل تعالى﴿ :ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ أي :والحال أ َنهم وجه بالعبادة شاهدين على أنفسهم بالكفر بإقامتهم على عبادة األصنام وال َت ُّ لألوثان ﴿ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [ ]17 :eأي :أبد اآلباد ،ال يقضى عليهم فيموتوا ،وال يخ َفف عنهم من عذابها. ـ 115ـ
قال
« :وأن م ْن مات عليه» أي :على الشرك األكرب «فلن يغفر له والجنة
عليه حرام» والدَ ليل على أنَه لن يغفر له قوله تعالى﴿ :ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [` ،]48 :وهذا يف دق من مات على ذلك ،وال تعارض الزمر ﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ بين هذه اآلية وبين قول اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ يف سورة ُّ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ []53 :¤؛ َ ألن قوله ﴿ :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ هذا يف دق من تاب ،بدليل قوله﴿ :ﮪ ﮫ﴾ أي :توبوا ،فمن تاب تاب اهلل عليه من الشرك أو غيره ،وقوله يف آية النساء﴿ :ﮤﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ هذا يف دق من مات على الشرك ،فمن مات على الشرك ال مطمع له إطّلقا يف مغفرة اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ. والدَ ليل على َ أن الجنَة درا ٌم على المشرك قول اهلل تعالى ﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ []72 :a أي :ما للمشركين ا َلذين ماتوا على الشرك باهلل من أنصار؛ أي :من أعوان يقووهنم ويحموهنم من عذاب اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،فال ُّظلم هنا يراد به الشرك ُّ كقوله﴿ :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [} ،]13 :وقوله ﴿ :ﮟ ﮠ
ﮡ﴾ [^.]254 : قال
« :ومن أنواعه» أي :الشرك «دعاء األموات واألصنام»؛ َ ألن
صح بذلك الحديث عن الدُّ عاء عباد ٌة ،بل هو أعظم العبادة وأهمها ،كما َ ُّ رسول اهلل
أنَه قال« :الدعاء هو العبادة» ثم تال ـ عليه الصالة والسالم ـ قول
اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ـ 116ـ
()1 سمى ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [ ، ]60 :¥أي :دقيرين ذليلين ،ف َ
المستكبر عن دعائه مستكبرا عن عبادته ،فالدُّ عاء عباد ٌة بل أعظمها ،فمن دعا غير اهلل ،وطلب المدَ والعون من غيره ،ولجأ لغير اهلل ،واستغاث بغير اهلل؛ فقد والسّلم ـ« :إذا وقع يف الشرك األكرب النَاقل من الم َلة ،وقد قال ـ عليه َ الصّلة َ ت على أ ْن اجتمع ْ استع ْن باهلل ،وا ْعل ْم أن األمة ل ْو ْ اسأل اهلل ،وإذا ْاستعنْت ف ْ سأ ْلت ف ْ ينْفعوك بش ْيء ل ْم ينْفعوك إل بش ْيء قدْ كتبه اهلل لك»(.)2 َ َبي وأئمة َ َ الضّلل الذين خافهم الن ُّ النَاس على دعاء األموات واالستغاثة هبم واالستنجاد هبم ،ويقولون لهم :هذا على أ َمته ال يزالون إلى اآلن يح ُّثون
سمى :شفاعة ،ويورطون العوا َم توريطا عظيما ،د َتى َ إن أدد سمى :تو ُّسّل ،وي َ ي َ مرة سمعته يدعو غير اهلل ،فناصحته ،وأخذت أقرأ عليه اآليات يف َ أن العوام َ الدُّ عاء عباد ٌة ال يجوز أن يصرف لغير اهلل ،مثل قوله تعالى﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [»،]5 : ومثل قول اهلل تعالى﴿ :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [\ﮯ] ،ومثل قول اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [ ،]56 :mومثل قول اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ( )1سبق تخريجه. ( )2سبق تخريجه .
ـ 117ـ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [~]22 :؛ وأقرأ لما انتهيت ،وفهم األمر جيدا ،وا َتضح له قال ثم َ عليه أداديث يف هذا البابَ ، سمى لي بلده ـ ما أددٌ قال لي هذا الكّلم» ،أي َ أن لي« :أنا من بلد كذا وكذا ـ َ وس ٌل ،وأشعروه َ أن هذا المدَ لليدين والدُّ عاء لغير العلماء كانوا يقولون له :هذا ت ُّ اهلل
وس ٌل ،ولم يسمعوه آيات من األنبياء أو األولياء أو غير ذلك إ َنما هو ت ُّ
أئمة مما يبين لنا ـ ما سبق ـ :خطورة َ ال َتوديد وآيات إخّلص الدُّ عاء هلل؛ فهذا َ الضّلل على النَاس. َ
قال
« :والستغاثة بهم»؛ االستغاثة :طلب الغوث ،واالستغاثة
تكون يف َ وكثير من العوام إذا اشتدَ به المرض، الشدائد والكربات واألمراض، ٌ أو اشتدَ ت به الحاجة والفقر ،أو نزلت به مصيب ٌة أو نحو ذلك؛ ذهب إلى أدد وألح عليه يف قضاء داجته، القبور ،ولجأ إليه ،وبكى عنده ،وخضع ،وخشع، َ واهلل يقول﴿ :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [\ ]wأي :ما أق َل تذكُّرهم فيما يرشدهم إلى الحق ،ويهديهم إلى الصراط المستقيم. قال
« :والن ْذر لهم» أي :تقديم النُّذور والقرابين« ،والذبح لهم» واهلل
سبحانه يقول﴿ :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾أي :ذبحي ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ والسّلم ـ« :لعن اهلل م ْن ذبح لغ ْير اهلل»(،)1 [ ،]162 :bويقول ـ عليه َ الصّلة َ وال َلعن :هو ال َطرد واإلبعاد من ردمة اهلل ـ َ جل وعّل ـ. ( )1أخرجه مسلم ( )1978عن علي
.
ـ 118ـ
وعدُّ َ الشيخ
يف خاتمة كّلمه عن الشرك األكرب بعض أنواعه فيه ال َتنبيه
إلى َ لما كانت رسالته أن معرفة الشرك تتط َلب معرفة أنواعه ،و َ أشار
مختصرة؛
إشارة إلى بعض األنواع؛ تنبيها منه هبا على غيرها من صرف العبادة
لألموات أو األصنام أو األدجار أو األشجار أو غيرهاَ ، وأن ذلك ك َله من الشرك األكرب النَاقل من الم َلة.
قال
« :أما الشرك األصغر :فهو ما ثبت بالنصوص من الكتاب أو
السنة تسميته شر ًكا ،ولكنه ليس من جنس الشرك األكبر؛ كالرياء يف بعض األعمال ،والحلف بغير اهلل ،وقول :ما شاء اهلل وشاء فالن ،ونحو ذلك». :n
ينبغي االنتباه لهذه الفائدة :يف الفرق بين الشرك األصغر والشرك
األكبر:
ٍ شيء من دقوق اهلل ،الدُّ عاء دق فالشرك األكبر :تسوية غير اهلل باهلل يف
هلل ،ال يدعى َإال اهلل ،كذلكَ : الرجاء ،إلى غير ذلك، الذبح ،النَذر ،االستغاثةَ ، ٍ معاذ َ ٌ قال له« :ه ْل أن النَبي دقوق هلل على عباده ،كما جاء يف دديث هذه تدْ ري حق اهلل على عباده ،وما حق العباد على اهلل؟» قلت :اهلل ورسوله أعلم، قال« :فإن حق اهلل على العباد أ ْن ي ْعبدوه ول ي ْشركوا به ش ْيئًا»()1؛ العبادة بأنواعها دق هلل
سواه باهلل يف ،فمن أعطى شيئا من العبادة لغير اهلل ـ أيا كان هذا الغير ـ فقد َ
( )1أخرجه البخاري ( ،)2856ومسلم (.)30
ـ 119ـ
دق من دقوقه ،سوا ٌء الدُّ عاء أو االستغاثة أو َ الذبح أو النَذر أو غير ذلك ،فمن سوى هذا الغير باهلل يف دق من دقوق اهلل صرف شيئا من العبادة لغير اهلل فقد َ فيكون بذلك مشركا الشرك األكبر النَاقل من الم َلة ،هذه دقيقة الشرك األكرب.
أما الشرك األصغر :فيقول َ الشيخ
يف تعريفه« :هو ما ثبت
بالنصوص من الكتاب أو السنة تسميته ش ْر ًكا ،ولكنه ليس من جنس الشرك ٍ شيء من دقوق اهلل ،مثّل :عندما األكبر» ،يعني :ليس فيه تسوي ٌة لغير اهلل باهلل يف ٌ لما سمع يقول رج ٌل مخاطبا آخر« :ما شاء اهلل وشئت» هذا شرك أصغر ،ولهذا َ والسّلم ـ رجّل يقول ذلك ،قال« :أجع ْلتني واهلل عدْ ًل»؟ ـ َبي ـ عليه َ الصّلة َ الن ُّ ()1 فالرجل عندما قال جرد لفظَ ، ويف رواية :ندًّ ا ـ ق ْل :ما شاء اهلل و ْحده» ،هذا م َ
الرب هذه الكلمة لم يقصد أن يسوي بين مشيئة العبد ومشيئة َ
؛ فإ َنه لو كان
يقصد ذلك د َتى لو لم ينطق هبذه الكلمة يكفر الكفر األكبر؛ لل َتسوية ا َلتي جعلها ٍ الرب سبحانه. بين المخلوق وبين الخالق يف شيء من خصائص َ لما كانت لفظة شرك َية وجب أن تصان األلسن عنها ،مع َ أن فهذه ال َلفظة َ ٍ لكثير من النَاس يقولون« :لم نقصد» ،ولهذا صحح األلفاظ الشرك َية عندما ت َ يسمي العلماء هذا النَوع من الشرك« :شرك األلفاظ» ،فيقال :د َتى لو لم تقصد ما ٌ شرك يجب أن يصان عنه اللسان ،ومثل هذا ـ وسيأيت عليه أمثل ٌة ساق تجوز ،هذا َ الشيخ
سمى شركا أصغر؛ أل َنه أطلق عليه يف النُّصوص بأ َنه شر ٌك، جملة منها ـ ي َ
( )1أخرجه أدمد ( ،)1839وابن ماجه ( )2117عن ابن ع َباس الصحيحة» (.)139 « َ
ـ 120ـ
وصححه األلباين يف ؛ َ
ولكنَه ال يبلغ ددَ الشرك األكرب ،قال « :ولكنه ليس من جنس الشرك األكبر» ٍ ٍ شيء من خصائصه. شيء من دقوقه أو يعني ليس فيه تسوي ٌة لغير اهلل باهلل يف قال
« :كالرياء يف بعض األعمال» هذا قيدٌ ؛ َ فر ألن الرياء الخالص ك ٌ
أكبر ٌ ناقل من الم َلة ،وهو رياء المنافقين ﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [^ ،]14 :فإذا الرياء يف قوله: «كالرياء يف بعض األعمال» يراد به يسير الرياء ،أ َما الرياء الخالص ،الرياء ال َتا ُّم كفر أكبر ،وهو رياء المنافقين ﴿ ،ﮄ ﮅ﴾ [` ]142 :كما وصفهم هذا ٌ اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ بذلك. قال « :والحلف بغير اهلل» ،كالحلف مثّل بالكعبة ،أو الحلف بالنَبي ٍ بشيء من البقاع أو األمكنة ،أو األشخاص، والسّلم ـ ،أو الحلف ـ عليه َ الصّلة َ أو غير ذلك ،وقد جاء عن نبينا
أنَه قال« :م ْن حلف بغ ْير اهلل فقدْ كفر أ ْو
()1 وسماه شركا باهلل ـ سبحانه وتعالى ـ، فسمى الحلف بغير اهلل كفرا، َ أ ْشرك» َ ،
ٌ شرك أصغر. لكنَه ليس الشرك األكرب ال َناقل من الم َلة ،وإ َنما هو والشرك األصغر أخطر من الكبائر ،خطورته عظيم ٌة جدا ،وليس باألمر الهين، « :ألن أدلف باهلل كاذبا أد ُّب إل َي من أن أدلف بغيره قال ابن مسعود ،واعمل موازنة د َتى ي َتضح لك الكّلم بشك ٍل أكرب: صادقا»( ،)2وانظر يف كّلمه ( )1أخرجه أدمد ( ،)6072وأبو داود ( ،)3251والرتمذي ( )1535عن ابن عمر
وصححه ؛ َ
األلباين يف «اإلرواء» (. )2561 ( )2أخرجه عبد الرزاق ( ،)15929وابن أبي شيبة ( ،)12281والطرباين يف «الكبير» ()8902؛ وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)2662 َ
ـ 121ـ
فمن يحلف باهلل كاذبا اجتمع يف عمله شيئان :دسن ٌة وسيئ ٌة؛ دسنة ال َتوديد ،وسيئة الكذب ،وبالمقابل يف القسم اآلخر أيضا عنده دسن ٌة وسيئ ٌة؛ دسنة الصدق ،وسيئة الشرك؛ وال ريب َ أن دسنة ال َتوديد خ ٌير وأعظم من دسنة دصل أفضل ألول َ الصدق ،وسيئة الشرك أشدُّ وأعظم من سيئة الكذب؛ فا َ السيئات. الحسنات ،وا َتقى أشدَ َ وقد بلغ األمر يف خطورته عند من دخلوا ال ُّطرق المنحرفة واإليغال يف تعظيم األولياء والغلو فيهم؛ َ أن بعضهم إذا دلف بالولي ال يحلف َإال صادقا، وإذا دلف باهلل ال يبالي ،د َتى لو كان كاذبا فإنَه يحلف ،من شدَ ة ما قام يف قلبه ٍ تعظيم للولي!! من ولهذا قد يغلظ هذا الشرك األصغر فيكون شركا أكرب ناقّل من الم َلة ـ والعياذ باهلل ـ إذا عظم المحلوف به تعظيما أشدَ من تعظيم اهلل ،أو تعظيما مساويا لتعظيم اهلل
.
َ َبي قال « :وقول ما شاء اهلل وشاء فالن» فقد دذر الن ُّ ولما سمع رجّل يقول« :ما شاء اهلل وشئت» قال« :أجع ْلتني واهلل عدْ ًل؟ ق ْل :ما َ
من ذلك،
شاء اهلل و ْحده»( ،)1وذلك َ ثم» ،فلو ألن «الواو» تفيد مطلق المساواة ،بخّلف « َ ثم فّلن» فّل درج؛ َ ثم» تفيد ال َتراخي. ألن « َ قال« :ما شاء اهلل َ قال يف قول اهلل
« :ونحو ذلك» أي :من هذه األلفاظ؛ وقد جاء عن ابن ع َباس ﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [\^] قال:
( )1سبق تخريجه.
ـ 122ـ
«األنداد هو الشرك ،أخفى من دبيب النَمل على صف ٍاة سوداء يف ظلمة ال َليل ،وهو أن يقول :واهلل؛ ودياتك؛ يا فّلن ،وديايت؛ ويقول :لوال كلبة هذا ألتانا ال ُّلصوص، ولوال ُّ الرجل لصادبه :ما شاء اهلل وشئت، البط يف الدَ ار ألتى ال ُّلصوص ،وقول َ ّلن ،ال تجعل فيها «فّلن» ،هذا ك ُّله به ٌ الرجل :لوال اهلل وف ٌ شرك»(.)1 وقول َ
قال
« :لقول النبي
« :أ ْخوف ما أخاف عل ْيك ْم الش ْرك األ ْصغر»
فسئل عنه فقال« :الرياء» رواه اإلمام أحمد والطبراين والبيهقي عن محمود بن لبيد األنصاري
بإسناد جيد( ،)2ورواه الطبراين بأسانيد جيدة عن محمود (.»)3
بن لبيد عن رافع بن خديج عن النبي :n
األول يتع َلق بالرياء يف بعض العمل ،فالمراد بقوله: هذا الدَ ليل َ
«الرياء» ،أي :يسير الرياء ،أ َما خالص الرياء فمن الشرك األكرب النَاقل من الم َلة.
قال
« :وقوله
« :م ْن حلف بش ْيء دون اهلل فقدْ أ ْشرك» رواه اإلمام
أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب
( ،)4ورواه أبو داود والترمذي
( )1أخرجه ابن أبي داتم يف «تفسيره» (.)229 ( )2أخرجه أدمد ( ،)23630والبيهقي يف «شعب اإليمان» (.)6412 ( )3أخرجه الطرباين يف الكبير(.)4301 ( )4أخرجه أدمد ( ،)329وقال األلباين يف «اإلرواء» (« :)191/8وهذا إسناد صحيح إن سلم من االنقطاع» ،وذكر له شاهدا.
ـ 123ـ
عن النبي
بإسناد صحيح من حديث ابن عمر
أنه قال« :م ْن حلف بغ ْير
اهلل فقدْ كفر أ ْو أ ْشرك »(.»)1 :n وهذا يتع َلق باألمر ال َثاين وهو الحلف بغير اهلل يف ذلك أداديث ،ذكر منها
،وقد جاء عن النَبي
هذين الحديثين.
والسّلم ـ« :م ْن حلف بش ْيء»؛ «ش ْيء» نكر ٌة يف ـ قول النَبي ـ عليه َ الصّلة َ سياق َ الشرط فتفيد العموم ،فيدخل تحت قوله «ش ْيء» المّلئكة ،واألنبياء، والكعبة ،واألولياء ،وغير ذلك. ـ وقوله
« :م ْن حلف بغ ْير اهلل فقدْ كفر أ ْو أ ْشرك» ،يحتمل أن يكون
الراوي ،ويحتمل أن تكون «أ ْو» بمعنى الواو فيكون قد كفر وأشرك شكا من َ ويكون الكفر ا َلذي هو دون الكفر األكرب كما هو من الشرك األصغرَ ،إال إذا بلغ الحالف بغير اهلل من ال َتعظيم للمحلوف به واالعتقاد فيه ما ال يكون َإال هلل فيكون من الشرك األكبر النَاقل من الم َلة. قال َ الشوكاين
« :وقد توارد إلينا من األخبار ما ال يش ُّك معه َ أن كثيرا
توجهت عليه يمي ٌن من جهة خصمه دلف من هؤالء القبوريين أو أكثرهم إذا َ باهلل فاجرا ،فإذا قيل له بعد ذلك :ادلف بشيخك ومعتقدك الولي الفّلين؛ تلعثم وتل َكأ وأبى واعرتف بالحق ،وهذا من أبين األد َلة الدَ ا َلة على َ أن شركهم قد بلغ ٍ ثّلثة»(.)2 فوق شرك من قال إنَه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ( )1سبق تخريجه. (« )2نيل األوطار» (.)102/4
ـ 124ـ
قرأت يف أدد الكتب ـ ونقل مصنفه عن بعض هؤالء تعظيما لألولياء أشدَ من تعظيم اهلل
ـ َ أن أددهم طلب منه الحلف فحلف بأدد األولياء
المزعومين ،فتغ َير وجه المحلوف له ،وأنكر على الحالف قائّل :أليس َ الشيخ ألول سما ٍع إنكاره أنَه ينهاه عن الراوي :ظننته َ عالما بما يجري اآلن بيننا؟ قال َ الحلف بالمخلوق؛ فإذا هو يكبره عن الحلف به ،ويشركه مع اهلل يف غيبه(!!)1 فانظر هذا الشرك ما أشنعه! فلم تعد القض َية من الشرك األصغر ،بل أصبح الصادق ،والمح َق هذا عقيدة يف الولي أنَه يعلم أدوال العباد ،ويعلم الكاذب من َ عما يشركون. من المبطل ،تعالى اهلل َ
قال
« :وقوله
« :ل تقولوا :ما شاء اهلل وشاء فالن ،ولكن قولوا :ما
شاء اهلل ثم شاء فالن» أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان
(.»)2
:n وهذا يتع َلق باألمر ال َثالث وهو قول« :ما شاء اهلل وشاء فّلن» ،قال« :ل تقولوا :ما شاء اهلل وشاء فالن ،ولك ْن قولوا :ما شاء اهلل ثم شاء فالن»؛ َ ثمة ألن َ ثم»؛ فـ«الواو» تفيد مطلق ال َتساوي ،أ َما فرقا بين العطف بـ«الواو» والعطف بـ« َ وأن المعطوف دون المعطوف عليه َ ثم» فتفيد المهلة وال َتراخيَ ، وأقل منه. « َ
(« )1رسالة الشرك ومظاهره» للميلي (ص .)211 الصحيحة» (.)137 ( )2أخرجه أدمد ( ،)23347وأبو داود (،)4980 وصححه األلباين يف « َ َ
ـ 125ـ
قال
« :وهذا النوع ل يوجب الردة ،ول يوجب الخلود يف النار،
ولكنه ينايف كمال التوحيد الواجب». :n بعد أن ب َين َ الشيخ
األول ا َلذي هو الشرك اختّلف هذا النَوع عن َ
األكرب يف الحد ،ذكر أنَه يختلف عنه يف الحكم؛ فهذا النَوع ال يوجب الر َدة ،وال ٍ شيء من ذلك ال يكون مرتدا ،أي :ال يكون يوجب الخلود يف النَار ،من وقع يف كافرا الكفر األكرب النَاقل من الم َلة ،وأيضا إذا مات على ذلك َ فإن ذلك ال يوجب الخلود يف النَار. والعلماء ـ ردمهم اهلل ـ اختلفوا فيمن مات على الشرك األصغر :هل يدخل يف قوله تعالى﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [` 48 :؛ ]116؟ ٌ داخل فيها لعموم اآلية؛ بمعنى أنَه إن مات فمن العلماء من قال :هو على هذا الشرك ال يدخل تحت المشيئة ،بل البدَ أن ي َ عذب ،لكن ال يخ َلد يف النَار؛ ألنَه ال يخ َلد يف النَار َإال من مات على الشرك األكرب. ومن العلماء من قالَ : إن شأنه مثل شأن سائر الكبائر ،وأ َنه تحت المشيئة؛ إن شاء اهلل َ عذبه ،وإن شاء غفر له. قال
« :لكنه ينايف كمال التوحيد الواجب»؛ وما ينايف كمال ال َتوديد
عر ٌض للعقوبة وسخط اهلل ـ تبارك وتعالى ـ؛ َ ألن الكمال الواجب صادبه م َ ٌ كماالن؛ ٌ وكمال مستحب كمال واجب يأثم العبد برتكه ويعرض نفسه للعقوبة، عرضا للعقوبة. إذا فعله زاد بذلك إيمانه وإن لم يفعله ال يكون بذلك آثما وال م َ
ـ 126ـ
قال
« :أما النوع الثالث :وهو الشرك الخفي؛ فدليله قول النبي
:
«أل أ ْخبرك ْم بما هو أ ْخوف عل ْيك ْم عنْدي من المسيح الدجال؟» قالوا :بلى يا رسول اهلل ،قال« :الش ْرك الخفي؛ يقوم الرجل فيصلي فيزين صالته لما يرى م ْن نظر الرجل إل ْيه» رواه اإلمام أحمد يف «مسنده» عن أبي سعيد الخدري
(.»)1
:n قال
« :أما النوع الثالث» من أنواع الشرك «وهو الشرك الخفي؛
فدليله قول النبي
« :أل أ ْخبرك ْم بما هو أ ْخوف عل ْيك ْم عنْدي من المسيح
الدجال؟» قالوا :بلى يا رسول اهلل ،قال« :الش ْرك الخفي؛ يقوم الرجل فيصلي فيزين صالته لما يرى م ْن نظر الرجل إل ْيه»؛ هذا الشرك سمي خفيا؛ أل َنه يقع شخص ـ مثّل ـ وسجد لغير اهلل ،أو ذبح لغير اهلل، خفاء ليس ظاهرا ،يعني لو جاء ٌ ٌ شرك جلي ظاه ٌر ،أ َما ا َلذي يصلي ويزين أو مدَ يديه ودعا غير اهلل ،فعمله هذا الرجل إليه ،فصورة عمله ال َظاهرة أنَه يصلي هلل ،د َتى صّلته لما يرى من نظر َ للصّلة صورته ال َظاهرة أنَه هلل ،فالشرك الحسن وال َتحسين وال َتزيين ا َلذي دصل َ األول يسمع إذا قال« :مدد يا ا َلذي عنده خفي ليس بظاه ٍر ،ال يرى وال يسمعَ ، فّلن» ،ويرى إذا سجد لغير اهلل ،أو ذبح لغير اهلل ،بينما هذا ال يرى وال يسمع؛ فسمي خفيا لخفائه. ٌ ٌ وشرك خفي، شرك جلي، ولهذا بعض العلماء يقول :الشرك نوعان: وسيأيت إشارة َ الشيخ
إلى ذلك.
( )1سبق تخريجه .
ـ 127ـ
مر معنا يف قوله ومما يتع َلق هبذا المعنى ما َ َ
« :للش ْرك فيك ْم أ ْخفى م ْن
دبيب الن ْمل» ،من جهة أنَه يتس َرب إلى القلوب ،ويت َس َلل إلى النُّفوس خفية ،ومن ديث ال يشعر اإلنسان ،ولهذا قال« :وأ ْستغْفرك لما ل أ ْعل ْم» ،والرياء محب ٌط للعمل ا َلذي خالطه ،واهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ال يقبل من العمل َإال ما كان خالصا لوجهه وابتغاء مرضاته ـ سبحانه وتعالى ـ ،ويقال للمرائين يوم القيامة« :اذهبوا إلى الذين كنْت ْم تراءون في الدنْيا؛ فانْظروا ه ْل تجدون عنْده ْم جزا ًء»(.)1
قال
« :ويجوز أن يقسم الشرك إلى نوع ْين فقط :أكبر وأصغر ،أما
الشرك الخفي فإنه يعمهما؛ فيقع يف األكبر كشرك المنافقين؛ ألنهم يخفون عقائدهم الباطلة ويتظاهرون باإلسالم ريا ًء وخو ًفا على أنفسهم ،ويكون يف الشرك األصغر كالرياء ،كما يف حديث محمود بن لبيد األنصاري المتقدم وحديث أبي سعيد المذكور ،واهلل ولي التوفيق». :n ختم
ما يتع َلق هبذا ال َتقسيم بأن قال« :ويجوز أن يقسم الشرك إلى
ف ،قد نوع ْين فقط :أكبر ،وأصغر» ،وأ َما الخفي فليس قسما ثالثا وإ َنما هو وص ٌ ُّ يكون لألكرب ،وقد يكون لألصغر ،بحسب نوع الشرك. وهذه ال َطريقة يف ال َتقسيم هي ا َلتي مال إليها َ الشيخ من «فتاويه» ،قال
األول كما يف المج َلد َ
والصوابَ : أن هذا ليس قسما ثالثا ،بل هو من الشرك َ «:
الصحيحة» (.)951 ( )1أخرجه أدمد (،)23630 وصححه األلباين يف « َ َ
ـ 128ـ
األصغر ،وهو قد يكون خفيا؛ ألنَه يقوم بالقلوب ـ كما يف هذا الحديث ـ ،وكا َلذي يقرأ يرائي ،أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي ،أو يجاهد يرائي ،أو نحو ذلك. وقد يكون خفيا من جهة الحكم َ الشرعي بالنسبة إلى بعض النَاس؛ السابق ،وقد يكون خفيا وهو من الشرك كاألنواع ا َلتي يف دديث ابن ع َباس َ األكرب كاعتقاد المنافقين؛ فإنَهم يراؤون بأعمالهم ال َظاهرة ،وكفرهم خفي لم يظهروه ،كما يف قوله تعالى﴿ :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ اآلية [\`] ،واآليات يف كفرهم وريائهم كثير ٌة ،نسأل اهلل العافية»(.)1 قال
عمهما) أي :تارة « :أما الشرك الخفي فإنه يعمهما»؛ معنى (ي ُّ
ٌ شرك خفي؛ وعليه يمكن أن يقع يف األكرب شرك خفي ،وتارة يقع يف األصغر يقال: إن الشرك األكبر قسمان: .1جلي :مثل دعاء األموات واالستغاثة باألموات والنَذر لهم ،ونحو ذلك. ٌ شرك أكرب ٌ ناقل من الم َلة ،لكنَه خفي .2خفي :وهو الرياء الخالص؛ فهذا الصّلة وغيرها ،لكنَه يبطن يف ليس ظاهرا ،يأيت عند المسلمين ويشاركهم يف َ قرار قلبه الكفر باهلل ﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ( )1انظر« :مجموع فتاوى ابن باز» (.)46 /1
ـ 129ـ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [¾.]1 : وكذلك الشرك األصغر قسمان: .1جلي؛ مثل قول القائل« :ما شاء اهلل وشئت» ،ودلف المرء بالنَبي أو الكعبة أو غير ذلك ،وهذا كّل ٌم يسمع ليس خفيا. ٌ شرك أصغر ،لكنَه خفي. .2خفي؛ مثل يسير الرياء ،هذا موما؛ فإن الشرك ينقسم إلى تقسيمات باعتبارات: وع ً فينقسم باعتبار أقسام ال َتوديد ال َثّلثة إلى ثّلثة أقسام. وينقسم باعتبار دجمه من كب ٍر أو صغ ٍر إلى أكرب وأصغر. وينقسم باعتبار خفائه وجّلئه إلى قسمين :جلي وخفي. وله تقسيمات أخرى باعتبارات أخرى ذكرها أهل العلم ـ ردمهم اهلل تعالى ـ.
ـ 130ـ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﳋﺎﻣﺲ
ﺍﻹﺣــﺴــــﺎﻥ
ﻗﺎل ::
»اﻟﺪﱠ رس اﻟﺨﺎﻣﺲ :اﻹﺣﺴﺎن
رﻛﻦ اﻹﺣﺴﺎن وﻫﻮ :أن َﺗﻌ ُﺒﺪَ اﷲَ ﻛﺄ ﱠﻧ َ ﻚ ﺗﺮاه ،ﻓﺈن ﻟﻢ َﺗ ُﻜ ْﻦ ﺗﺮاه ﻓﺈ ﱠﻧﻪ ﻳﺮاك«. ُ
:n اﻹﺣﺴﺎن أﻋﻠﻰ ُر َﺗ ِ ُ ﺐ اﻟﺪﱢ ﻳﻦ و َأر َﻓ ُﻌﻬﺎ؛ ﱠ ﺛﻼث ﻣﺮاﺗﺐ :أﻋﻼﻫﺎ ﻓﺈن اﻟﺪﱢ ﻳ َﻦ
ﺛﻢ اﻹﺳﻼم ،وﻗﺪ ُﺑ ﱢﻴﻨَ ْﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺮاﺗﺐ اﻟﺜﱠﻼﺛ ُﺔ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ ﺛﻢ اﻹﻳﻤﺎن ،ﱠ اﻹﺣﺴﺎن ،ﱠ
ﻟﻤﺎ ﻗﺎل ﻟﻪ ﺟﱪﻳﻞ: ﱠﺒﻲ ـ ﻋﻠﻴﻪ ﱠ واﻟﺴﻼم ـ ﱠ اﻟﺼﻼة ﱠ ﺟﱪﻳﻞ اﻟﻤﺸﻬﻮر ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎل اﻟﻨ ﱡ اﻹ ْﺳ َﻼ ِم؟« ،ﻗﺎلِ » : » َأ ْﺧﺒِ ْﺮﻧِﻲ َﻋ ِﻦ ِ اﻹ ْﺳ َﻼ ُم َأ ْن ﺗ َْﺸ َﻬﺪَ أَ ْن َﻻ إِ َﻟ َﻪ إِ ﱠﻻ اﷲُ َو َأ ﱠن ُﻣ َﺤ ﱠﻤﺪً ا رﺳ ُ ِ ِ ﺖ إ ِ ِن ﺎنَ ،وﺗ َُﺤ ﱠﺞ اﻟ َﺒ ْﻴ َ اﻟﺼ َﻼةََ ،وﺗ ُْﺆﺗِ َﻲ اﻟ ﱠﺰﻛَﺎةََ ،وﺗ َُﺼﻮ َم َر َﻣ َﻀ َ ﻴﻢ ﱠ ﻮل اﷲَ ،وﺗُﻘ َ َ ُ ﻳﻤ ِ ﺖ إِﻟَ ْﻴ ِﻪ َﺳﺒِ ًﻴﻼ« ،ﻗﺎلَ » :ﻓ َﺄ ْﺧﺒِ ْﺮﻧِﻲ َﻋ ِﻦ ِ ﺎن؟« ،ﻗﺎلَ » :أ ْن ﺗ ُْﺆ ِﻣ َﻦ ﺑِﺎﷲِ، اﺳﺘَ َﻄ ْﻌ َ اﻹ َ ْ وﻣ َﻼﺋِﻜَﺘِ ِﻪ ،و ُﻛ ُﺘﺒِ ِﻪ ،ورﺳ ِﻠ ِﻪ ،واﻟﻴﻮ ِم ِ اﻵﺧﺮَِ ،وﺗ ُْﺆ ِﻣ َﻦ ﺑِﺎﻟ َﻘﺪَ ِر َﺧ ْﻴﺮِ ِه َو َﺷ ﱢﺮ ِه« ،ﻗﺎل: َ َْ َ َ ُ ُ ََ
اﻹ ْﺣ َﺴ ِ » َﻓ َﺄ ْﺧﺒِ ْﺮﻧِﻲ َﻋ ِﻦ ِ ﺎن؟« ،ﻗﺎلَ » :أ ْن َﺗ ْﻌ ُﺒﺪَ اﷲَ ﻛ ََﺄﻧ َ ﱠﻚ ﺗ ََﺮا ُهَ ،ﻓﺈِ ْن َﻟ ْﻢ َﺗﻜ ُْﻦ ﺗ ََﺮا ُه َﻓﺈِ ﱠﻧ ُﻪ
والسّلم ـ يف تمام هذا الحديث« :فإنه ج ْبريل أتاك ْم ثم قال ـ عليه َ الصّلة َ يراك»َ ، يعلمك ْم دينك ْم»(.)1 فعلم من ذلك أن ديننا ثالثة مراتب :اإلسالم ،واإليمان ،واإلحسانَ ، وأن أعلى مراتب الدين هو اإلدسان ،وال يمكن أن يبلغ هذه المرتبة د َتى يتمم ثم اإليمان ،ولهذا قال العلماءُّ « : كل محس ٍن مؤم ٌن مسل ٌم»؛ أل َنه ال اإلسّلم َ يمكن أن يبلغ مرتبة اإلدسان د َتى يتمم اإلسّلم واإليمان« ،وليس ُّ كل مؤم ٍن محسنا» ،فليس ُّ كل من بلغ درجة اإليمان يبلغ درجة اإلدسان؛ َ ألن درجة اإلدسان أعلى وأرفع. واإلحسان :هو اإلتقان واإلجادة يف تتميم العمل وتكميله د َتى يبلغ أعلى ٍ والسّلم ـ بقوله« :أ ْن ت ْعبد اهلل كأنك َبي ـ عليه َ الصّلة َ رتبة ،وله رك ٌن واددٌ ب َينه الن ُّ
تراه ،فإ ْن ل ْم تك ْن تراه فإنه يراك» ،فهو عباد ٌة هلل وتق ُّر ٌب إليه ـ َ جل يف عّله ـ ،مع ٍ ٍ وإتقان يف هذا ال َتع ُّبد ،باستحضار قرب اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ، إدسان من العبد ومراقبته يف العبادة ،ومجاهدته لنفسه على تكميلها وتتميمها د َتى تبلغ أعلى ر ٍ تبة؛ بأن يعبد اهلل تعالى على هذه الصفة ،وهو استحضار قربه ،وأنَه بين يديه كأنَه يراه ،وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتَعظيم ،ومن كان كذلك فاز الخاصة ،كما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ بمع َية اهلل َ ﰆ﴾ [ ،]128 :lوكما قال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [ ،]69 :yوفاز أيضا بمح َبة اهلل ﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [^ ،]195 :وفاز ( )1أخرجه مسلم ( )8عن عمر
؛ وأخرجه البخاري ( )50عن أبي هريرة
ـ 132ـ
.
أيضا بعظيم ثواب اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ﴿ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [،]26 :f ﴿ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [ ،]60 :µفمن أدسن أدسن اهلل إليه، وفاز بعظيم ال َثواب ،وجميل المآب ،ورفيع المنازل يوم القيامة. بالصرب والمجاهدة واإلدسان رتب ٌة عل َي ٌة من رتب هذا الدين ،ال تنال َإال َ للنَفس ،كما قال ـ َ جل يف عّله ـ﴿ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [ ،]69 :yفاإلدسان مجاهد ٌة للنَفس ،ومصابر ٌة ومرابط ٌة، ومحافظ ٌة على طاعة اهلل ،ومداوم ٌة مع المراقبة واستحضار قرب اهلل ،وأن يكون يف تع ُّبده هلل على هذا الوصف «أ ْن ت ْعبد اهلل كأنك تراه ،فإ ْن ل ْم تك ْن تراه فإنه يراك».
ـ 133ـ
ﱠ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ
ﱠ
ﺷــــﺮﻭﻁ ﺍﻟـــﺼـــــﻼﺓ
ﻗﺎل ::
اﻟﺼﻼة اﻟﺴﺎدس :ﺷﺮوط ﱠ »اﻟﺪﱠ رس ﱠ
ُ اﻟﺤﺪَ ث، ﻓﻊ َ ور ُ ﺷﺮوط ﱠ اﻟﺼﻼة وﻫﻲ ﺗﺴﻌ ٌﺔ :اﻹﺳﻼم ،واﻟﻌﻘﻞ ،واﻟ ﱠﺘﻤﻴﻴﺰَ ،
وﺳ ْﺘ ُﺮ اﻟﻌﻮرة ،ودﺧﻮل اﻟﻮﻗﺖ ،واﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻘﺒﻠﺔ ،واﻟﻨﱢ ﱠﻴﺔ«. وإزاﻟﺔ اﻟﻨﱠﺠﺎﺳﺔَ ، :n
اﻟﺼﻼ ُة ﻫﻲ أَﻋ َﻈ ُﻢ أرﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﺑﻌﺪ ﱠ ﻓﻤﻦ ﱠ ﻫﻢ أﻣﻮر اﻟﻌﺒﺪ؛ َ اﻟﺸﻬﺎ َد َﺗﻴْﻦ ،وأ ﱡ ِ َ وﺣﻔﻈﻬﺎ ﺣﺎ َﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻔﻆ دﻳﻨَﻪ ،و َﻣﻦ ﺿ ﱠﻴﻌﻬﺎ ﻛﺎن ﻟﻤﺎ ِﺳﻮاﻫﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ أﺷﺪﱠ ِ اﻟﺼﻼة، ٌ اﻷﻋﻤﺎل إﺿﺎﻋﺔً ،وﻫﻲ ﻋﻤﻮ ُد اﻹﺳﻼم؛ ﻓ َﻘﺒﻮل ﺳﺎﺋﺮ ﻣﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ َﻗﺒﻮل ﱠ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻋﻤﺎل. ﻓﺈ َذا ُر ﱠدت ُر ﱠدت ﻋﻠﻴﻪ ُ
ِ ِ ِ ﻘﻴﻢ دﻳ ُﻦ وﻫﻲ ﱠأو ُل ُﻓ ﺮوض اﻹﺳﻼم ،وﻫﻲ آﺧ ُﺮ ﻣﺎ ُﻳﻔ َﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﺪﱢ ﻳﻦ ،وﻻ ﻳﺴ َﺘ ُ ِ ُ ﻘﻴﻢ اﻟﻤﺴﻠﻢ ،وﻻ ﺗﺼﻠﺢ أﻋﻤﺎ ُﻟﻪ ،وﻻ ﻳﻌﺘﺪل ﺳﻠﻮﻛُﻪ ﰲ ﺷﺆون دﻳﻨﻪ و ُدﻧﻴﺎه ،ﺣﺘﱠﻰ ُﻳ َ اﻟﺼﻼة ﻋﻠﻰ َو ِ ﺘﺄﺳ ًﻴﺎ ﺑﺮﺳﻮل اﷲ ح. ﻫﺬه ﱠ ﺟﻬﻬﺎ اﻟﻤﺸﺮو ِع ﻋﻘﻴﺪ ًة وﻋﺒﺎدةًُ ،ﻣ ﱢ
اﻟﺼﻼة ﻻﺑﺪﱠ ﻓﻴﻪ ﻣِﻦ ﻣﺮاﻋﺎةٍ ﻟﺸﺮوﻃﻬﺎ وأرﻛﺎﳖﺎ وواﺟﺒﺎﺗِﻬﺎ ،وﻣﺠﺎﻫﺪة وإﻗﺎ ُم ﱠ
هذا الدَ رس ودروسا بعده تتع َلق
للنَفس على تكميلها وتتميمها؛ ولهذا أورد ٍ بالصّلة ـ فذكر ُّ والسنن ـ معاونة بمسائل متعلقة َ الشروط واألركان والواجبات ُّ
الصّلة وأدائها كما ينبغي ،بالمحافظة على ُّ الشروط، للمسلم على إقام َ السنن والمستح َبات. واألركان ،والواجبات ،ومن ث َم ُّ وقدَ م
الكّلم على ُّ الصّلة ،وتكون بين يديها الشروط؛ أل َنها تسبق َ
الصّلة ،وقدَ م األركان على ثم ذكر األركان؛ أل َنها تزامن َ ته ُّيؤا لها واستعداداَ ، الواجبات؛ أل َنها آكد وأعظم؛ َ الصّلة بتركه ،أ َما الواجب إذا الركن تبطل َ فإن ُّ الركن فّل يجبره شي ٌء بل البدَ أن يؤتى به، السهو ،أ َما ُّ ترك؛ فإ َنه يجبر بسجود َ ولو ترك ركنا وسجد سجدتين يف آخر صّلته من أجل تركه فصّلته باطل ٌة. قال
« :شروط الصالة».
والشرط كما عرفه العلماء :هو ما يلزم من عدمه العدم ،وال يلزم من وجوده ٌ الصّلة ،يلزم من عدم وجو ٌد وال عد ٌم لذاته ،فمثّل :الوضوء شرط من شروط َ ٍ وضوء فّل صّلة له ،ولهذا يف صحتها ،فمن ص َلى بّل الصّلة وعدم َ الوضوء عدم َ « :إذا ق ْمت إلى الصالة فأ ْسبغ الوضوء»()1؛
َبي دديث المسيء صّلته قال الن ُّ توضأ ال يلزم من فالوضوء يلزم من عدمه العدم ،وال يلزم من وجوده وجو ٌد؛ من َ الصّلة ،لكن يلزم من عدم الوضوء عدم ال َصّلة. وجود الوضوء وجود َ
الشرط األول« :اإلسالم»؛ وذلك َ أن غير المسلم ـ وهو الكافر ـ عمله باطل ،وداب ٌ ط غير مقبول ،كما قال اهلل سبحانه ﴿ :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [ ،]5 :aوكما قال اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ: ( )1أخرجه البخاري( ،)6251ومسلم( )397عن أبي هريرة
ـ 135ـ
.
﴿ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [ ،]17 :eوكما قال ـ َ جل وعّل ـ: ﴿ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ الصّلة :الدُّ خول يف [ ،]65 :¤فالكفر والشرك مبط ٌل للعمل ،فمن شروط َ هذا الدين ،والدُّ خول فيه إ َنما يكون بالنُّطق َ بالشهادتين ،مع الفهم لمعناهما، وعقد العزم على تحقيق ما يد َالن عليه؛ من توديد المرسل ـ َ جل يف عّله ـ، وتجريد المتابعة للمرسل ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه ـ. الشرط الثاين« :العقل» وضدُّ العقل الجنون ،والمجنون فاقدٌ للعقل، والسّلم ـ أنَه قال: فالقلم عنه مرفوع ،كما جاء الحديث عن نبينا ـ عليه َ ٌ الصّلة َ «رفع القلم ع ْن ثالثة »...وذكر منهم المجنون(.)1 السابعة، الشرط الثالث« :التمييز» أن يكون مميزا ،وإ َنما يبلغ ددَ ال َتمييز يف َ ولهذا جاء يف الحديث« :مروا أ ْبناءك ْم» ،ويشمل البنين والبنات «بالصالة لس ْبع سنين ،و ْ اضربوه ْم عل ْيها لع ْشر سنين»()2؛ أل َنه إذا بلغ سبع سنوات يكون مميزا، بالصّلة. ويفهم ويحسن أن يقيم العمل إذا وجه وبين له ،وهو وقت األمر َ الشرط الرابع« :رفع الحدث»؛ والحدث يتناول الحدث األكبر ،وهو ا َلذي ال يرتفع َإال بالغسل كالجنابة والحيض ،والحدث األصغر ا َلذي ال يرتفع ( )1أخرجه أدمد ( ،)24694وأبو داود ( ،)4398والرتمذي ( ،)1423والنسائي ( ،)3432وابن ماجه ( )2041عن عائشة
وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)297 ؛ َ
( )2أخرجه أدمد ( ،)6756وأبو داود ( )495عن عبد اهلل بن عمرو «اإلرواء» (.)247
ـ 136ـ
وصححه األلباين يف ؛ َ
ٌ الصّلة ،وقد جاء عن نبينا ـ عليه َإال بالوضوء ،فرفع الحدث شرط من شروط َ والسّلم ـ أنَه قال« :ل ت ْقبل صالة بغ ْير طهور»( ،)1فمن ص َلى وهو الصّلة َ َ محد ٌ ث سواء ددثا أكرب أو أصغر فّل صّلة له. الشرط الخامس« :إزالة النجاسة» أي من البقعة ا َلتي يص َلى عليها ،ومن الثياب ،ومن البدن؛ كما قال اهلل سبحانه ﴿ﯖ ﯗ﴾ [ ،]4 :Éواألصل يف ب عليها الماء ،وإن كانت ال َطهارة هو الماء ،فإن كانت النَجاسة يف األرض يص ُّ يف غيرها تغسل دتَى تطهر. الشرط السادس« :ستر العورة» وهي ما يجب تغطيته ،ويقبح ظهوره، ويستحيا منه؛ قال اهلل سبحانه﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ []31 :c ٍ صّلة ،ولهذا من ص َلى وهو ٍ ثياب فصّلته باطل ٌة أي عند كل عار ليس عليه ٌ بإجماع أهل العلم َإال إذا كان فاقدا لها ،وجاء أيضا يف الحديث «ل ي ْقبل اهلل ()2 الصّلة َإال وجهها ،وإذا صالة حائض إل بخمار» ،والمرأة تغطي بدنها ك َله يف َ ٍ رجال أجانب؛ فإ َنه د َتى الوجه يغ َطى لألد َلة الكثيرة على وجوب كانت بحضرة
تغطية المرأة وجهها إذا كانت بحضرة الرجال األجانب. الشرط السابع« :دخول الوقت» كما قال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﮣ
وقت مع َي ٌن ال ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [` ،]103 :أي لها ٌ تص َلى قبله وال تص َلى بعده ،وقال تعالى﴿ :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ( )1أخرجه مسلم ( )224عن ابن عمر
.
( )2أخرجه أدمد ( ،)25167وأبو داود ( ،)641والرتمذي ( ،)377وابن ماجه ( )655عن عائشة وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)196 ؛ َ
ـ 137ـ
فالصّلة تقام لوقتها، ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [َ ،]78 :m وقد جاء جربيل إلى النَبي
بالصّلة وص َلى به يف َأول الوقت يف وأ َمه َ
ثم قال َ ثم جاء من الغد وأ َمه وص َلى يف آخر الوقت َ الصلوات الخمسَ ،
:
«هذا و ْقت األنْبياء م ْن ق ْبلك ،الو ْقت فيما ب ْين هذ ْين الو ْقت ْين»( ،)1أي َأول الوقت فالصّلة تص َلى يف الوقت ،واألولى أن تص َلى يف َأول الوقت؛ َإال وآخر الوقتَ ، الصّلة يف صّلة ال ُّظهر إذا اشتدَ الحر كما جاء يف الحديث عن نبينا ـ عليه َ ُّ والسّلم ـ قال« :إذا ْاشتد الحر فأ ْبردوا بالصالة» أي :أخروها قليّل د َتى تنكسر َ شدَ ة درارة َ الشمس ،قال« :فإن شدة الحر م ْن ف ْيح جهنم»(.)2 السنَة من أفضل َية تأخير صّلة العشاء َإال إذا كان يف وكذلك ما جاءت به ُّ ال َتأخير مش َق ٌة على المصلين؛ فإ َنها تص َلى يف َأول وقتها(.)3 الشرط الثامن« :استقبال القبلة» وهي الكعبة بيت اهلل ،كما قال اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ [^ ،]144 :فاآلية صحة صّلتهُّ ، ٌ ٌ دليل على َ ويدل فرض على المصلي، أن استقبال القبلة ٌ وشرط يف َ السنَة قول النَبي لذلك من ُّ
للمسيء صّلته« :إذا ق ْمت إلى الصالة فأ ْسبغ
الوضوء ثم ْاست ْقبل الق ْبلة»(.)4 وصححه . َ
( )1أخرجه أدمد ( ،)3081وأبو داود ( ،)393والرتمذي ( )149عن ابن عباس األلباين يف «صحيح الجامع» (.)1402 ( )2أخرجه البخاري ( )536ومسلم ( )615عن أبي هريرة ( )3أخرجه البخاري ( )7239عن ابن عباس
.
،ومسلم ( )638عن عائشة
( )4سبق تخريجه.
ـ 138ـ
.
والسّلم ـ: الشرط التاسع« :النية» ومح ُّلها القلب كما قال ـ عليه َ الصّلة َ «إنما األ ْعمال بالنيات ،وإنما لكل ْامرئ ما نوى»( ،)1والمراد بالن َية هنا :أي ا َلتي يتم َيز هبا العمل؛ فما ا َلذي يميز صّلة ال ُّظهر عن صّلة العصر؟ وما ا َلذي يميز صّلة الفرض عن صّلة النَفل؟ َإال ما قام يف القلب من ن َي ٍة. والن َية مح ُّلها القلب ،وال َتل ُّفظ هبا بدع ٌة وليس عليه عمل النَبي عمل صحابته الكرام
وال
للصّلة جهر بالن َية ،وما يفعله بعض النَاس إذا قام َ
قائّل« :نويت أن أصلي صّلة العصر أربع ركعات يف مكان كذا »...إلخ ،هذا بدع ٌة ليس عليه عمل النَبي
وال عمل صحابته الكرام
،والبدع ك ُّلها
ٌ يؤزر المرء عليها وال يؤجر؛ َ مربوط باالتباع ال باالبتداع واإلدداث ألن األجر والسّلم ـ« :م ْن عمل عم ًال يف دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،وقد قال ـ عليه َ الصّلة َ ٍ مقبول منه. ل ْيس عل ْيه أ ْمرنا فهو رد»( ،)2أي :مردو ٌد على صادبه ،غير
( )1أخرجه البخاري ( )1ومسلم ( )1207عن عمر ( )2سبق تخريجه .
ـ 139ـ
.
ﱠ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ
ﱠ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺼﻼﺓ
ﻗﺎل ::
اﻟﺼﻼة. اﻟﺴﺎﺑﻊ :أرﻛﺎن ﱠ »اﻟﺪﱠ رس ﱠ
اﻟﺼﻼة :وﻫﻲ أرﺑﻌ َﺔ ﻋﺸﺮ وﻫﻲ :اﻟﻘﻴﺎم ﻣﻊ اﻟ ُﻘﺪرة ،وﺗﻜﺒﻴﺮ ُة اﻹﺣﺮام، أرﻛﺎن ﱠ
ُ واﻟﺴﺠﻮ ُد ﻋﻠﻰ اﻷﻋﻀﺎء اﻟﺮﻛﻮع، واﻟﺮﻛﻮع، ﱡ واﻻﻋﺘﺪال ﺑﻌﺪ ﱡ وﻗﺮاء ُة اﻟ َﻔﺎﺗﺤﺔ ،ﱡ ِ اﻟﺴﺠﺪَ َﺗ ْﻴﻦ ،واﻟ ﱡﻄﻤﺄﻧﻴﻨ ُﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻓﻌﺎل، ﻓﻊ ﻣﻨﻪ، َ اﻟﺴﺒﻌﺔ ،واﻟ ﱠﺮ ُ ﻠﺴ ُﺔ ﺑﻴﻦ ﱠ واﻟﺠ َ ﱠ
واﻟﺼﻼ ُة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﱠﺒﻲ ح، واﻟ ﱠﺘﺮﺗﻴﺐ ﺑﻴﻦ اﻷرﻛﺎن ،واﻟ ﱠﺘ ﱡ ﺸﻬﺪ اﻷﺧﻴﺮ ،واﻟﺠﻠﻮس ﻟﻪ ،ﱠ واﻟ ﱠﺘﺴﻠﻴﻤﺘﺎن«.
:n اﻟﺼﻼة«. اﻟﺴﺎﺑﻊ :أرﻛﺎن ﱠ ﻗﺎل » ::اﻟﺪﱠ رس ﱠ
اﻟﺮﻛﻦ :ﻫﻮ ﺟﺎﻧﺐ ﱠ اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺸﻲء اﻷﻗﻮى ا ﱠﻟﺬي ﻻ ﻗﻴﺎ َم ﻟﻪ ﱠإﻻ ﻋﻠﻴﻪ ،واﻧﺘﻔﺎء ﱡ ﱡ
ﺟﻬﻼ؛ ﱠ ُ ﻷن اﻟﻌﺒﺎد َة ﻻ ﺗﻘﻮ ُم ﱠإﻻ ﺳﻬﻮا وﻻ ً َﻳﺒ ُﻄ ُﻞ ﺑﻪ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻻ َﻳﺴ ُﻘ ُﻂ ﻋﻤﺪً ا وﻻ ً ﻋﻠﻰ أرﻛﺎﻧِﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﱠ اﻟﺒﻴﺖ ﻻ ﻳﻘﻮم ﱠإﻻ ﻋﻠﻰ أرﻛﺎﻧِﻪ ،ﻓﺈذا زال ُر ْﻛ ٌﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎن اﻟﺒﻴﺖ أن َ ﻓﺎﻟﺼﻼ ُة ﻻ ﺗﻘﻮم ﱠإﻻ ﻋﻠﻰ أرﻛﺎﳖﺎ ،وﻫﻲ أرﺑﻌ َﺔ ﻋﺸﺮ رﻛﻨًﺎ: اﳖﺪم ،ﱠ
؛ ألنَه ساب ٌق على جميع
األول« :القيام مع القدرة» وبدأ به المؤلف
األركان ،فمن كان قادرا على القيام وص َلى صّلته المكتوبة جالسا لم تص َح صّلته؛ َ ألن القيام رك ٌن ما دام قادرا عليه ،قال اهلل تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [^ ،]238 :ويف دديث المسيء صّلته ()1 والسّلم ـ: قال« :إذا ق ْمت إلى الصالة فكب ْر» ،ويف الحديث قال ـ عليه َ الصّلة َ
«صل قائ ًما ،فإ ْن ل ْم ت ْستط ْع فقاعدً ا» ،فإذا كان قادرا على القيام البدَ أن يصلي قائما ،وإذا كان غير قادر على القيام ص َلى جالسا «فإ ْن ل ْم ت ْستط ْع فقاعدً ا ،فإ ْن ل ْم ت ْستط ْع فعلى جنْب» ،أي :ا َتق اهلل ما استطعت ،وقد قال اهلل تعالى﴿ :ﮧ ﮨ ()2
ﮩ ﮪ﴾ [¿.]16 : ثم يذهب إلى ومن المّلدظ على بعض المصلين أنَه يدخل المسجد َ الصف ثم يضعه يف مكانه من َ األماكن الم َ خصصة للكراسي ويأخذ واددا منها َ جالس! مع أنَه دخل المسجد ماشيا ،ولو ثم يجلس ويكبر تكبيرة اإلدرام وهو ٌ َ وجد رفيقا له أو صادبا ر َبما وقف معه وتحدَ ث قائما ،فعنده قدر ٌة على القيام ومع ذلك يصلي جالسا!! ولهذا ينبغي على من كانت هذه صفته يدخل المسجد قائم ،وإذا شعر أنَه ماشيا ويأخذ كرسيا ،فّل أق َل من أن يكبر تكبيرة اإلدرام وهو ٌ بحاجة إلى الجلوس ،والس َيما إذا كان يف القيام إطال ٌة شيئا ما يجلس ،أ َما هكذا من َأول صّلته يبدأها وهو جالس وقد جاء ماشيا د َتى اختار المكان وه َيأه وجلس فيه ،فمثل هذا ينبغي أن يتن َبه له. ( )1أخرجه البخاري ( ،)757ومسلم ( )397عن أبي هريرة ( )2أخرجه البخاري ( )1117عن عمران بن دصين
ـ 141ـ
.
.
الركن الثاين من أركان الصالة« :تكبيرة اإلحرام»؛ وسميت هذه ال َتكبيرة الصّلة «تكبيرة اإلدرام»؛ أل َنها مفتاح ال َصّلة وأ َولها والمدخل إليها ،فّل يدخل َ وال يحصل ال َتحريم َإال هبا ،ومن المعلوم َ جرد ال َتكبير أن المصلي إذا ك َبر فإ َنه بم َ الصّلة ،فتحريمها ال َتكبير ،وجميع حرمة عليه قبل َ أمور لم تكن م َ درمت عليه ٌ ٌ تحريم تفصيل لهذا ال َتكبير ا َلذي هو الصّلة كلها األعمال ا َلتي تكون يف َ ٌ ُّ وتذل وتدعو وتناجي وتسبح إلى غير للصّلة ،فأنت تركع وتسجد وتخضع َ ذلك تكبيرا هلل ـ سبحانه وتعالى ـ. ٍ بلفظ آخر غير ال َتكبير كـ«اهلل الصّلة بدون هذه ال َتكبيرة ،أو فمن دخل َ أعظم» أو «اهلل ُّ أجل» أو نحو ذلك َ تصح؛ أل َنه لم يأت بتحريم فإن صّلته ال ُّ ع َين هذا ال َلفظ دون غيره ،ويف دديث
َ بي َ الصّلة الذي هو ال َتكبير ،والنَ ُّ المسيء صّلته قال« :إذا ق ْمت إلى الصالة فكب ْر»(.)1
الركن الثالث« :قراءة الفاتحة»؛ وهي أعظم سورة يف القرآن ،وقراءتها ٍ ٍ الصّلة ،ولهذا َ فإن الفاتحة افرتض رك ٌن يف كل صّلة بل يف كل ركعة من ركعات َ مرة؛ وهذا اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ على العباد قراءتها يف اليوم وال َليلة سبع عشرة َ الصّلة َ أن اهلل ـ سبحانه مما يد ُّل على عظيم شأن الفاتحة ،ومن عظيم شأنها يف َ َ سماها صّلة كما يف الحديث القدسي« :قس ْمت الصالة ب ْيني وب ْين وتعالى ـ َ ع ْبدي ن ْصف ْين ولع ْبدي ما سأل ،فإذا قال الع ْبد﴿ :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ قال اهلل تعالى :حمدني ع ْبدي ،وإذا قال﴿ :ﭛ ﭜ ﭝ﴾ قال اهلل تعالى :أ ْثنى ( )1سبق تخريجه.
ـ 142ـ
علي ع ْبدي ،وإذا قال﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ قال :مجدني ع ْبدي ،فإذا قال: ﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ قال :هذا ب ْيني وب ْين ع ْبدي ولع ْبدي ما سأل ،فإذا قال﴿ :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ الصّلة ﭴ﴾ قال :هذا لع ْبدي ولع ْبدي ما سأل»(،)1 وصح عن نبينا ـ عليه َ َ والسّلم ـ أنَه قال« :ل صالة لم ْن ل ْم ي ْقر ْأ بفاتحة الكتاب»(.)2 َ ومن أسمائها «أ ُّم القرآن»؛ أل َنها ـ كما قال العلماء ـ دوت إجماال ما كثير من الدُّ روس العظيمة النَافعة ،وإذا كان اشتمل عليه القرآن تفصيّل ،وفيها ٌ مطلوب من المسلم أن يتد َبر القرآن ﴿ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [¬]24 : ٌ فكيف َ مرة!! بل يقرأها فرضا السورة ا َلتي يقرأها المسلم قراءة مست َ الشأن هبذه ُّ مرة ،ولو نظر المرء مثّل من بلغ سبعين سنة من عمره يف اليوم وال َليلة سبع عشرة َ الصّلة من صغره كم قرأ هذه الفاتحة يف دياته؛ ألدرك أنَه ال يليق به أن وبدأ َ جرد القراءة ،بل الواجب أن يعنى بتد ُّبرها وعقل معانيها يكون د ُّظه منها م َ ودالالتها ،وما فيها من الدَ روس المتنوعة والعبر البالغة ،د َتى تكون قراءته لها ٍ مر ٍة عن ٍ وبصيرة بمدلوالتها. علم وتف ُّق ٍه يف كل َ وإن من األمور المؤسفة َ َ أن كثيرا من عوام المسلمين يقرأ الفاتحة وال يستشعر َ أن قوله ﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ دعا ٌء ،وأ َنه هبذا يدعو اهلل ٍ مطلوب :أن يهديه الصراط المستقيم ،ولهذا أوجب اهلل بأعظم أم ٍر وأجل ( )1أخرجه مسلم ( )395عن أبي هريرة
.
الصامت ( )2أخرجه البخاري ( )756ومسلم ( )394عن عبادة بن َ
ـ 143ـ
.
مرة يف اليوم وال َليلة لعظم شأنه ،وبين يدي هذا علينا هذا الدُّ عاء سبع عشرة َ وإقرار بالعبود َية له. وتعظيم هلل ـ سبحانه وتعالى ـ الدُّ عاء ثنا ٌء وتمجيدٌ ٌ ٌ الرابع من أركان الصالة« :الركوع» قال اهلل تعالى﴿ :ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [ ،]77 :rوقال﴿ :ﮟ ﮠ ﮡ﴾ الصّلة ال تص ُّح َإال به ،ويف دديث المسيء فالركوع رك ٌن من أركان َ [^ُّ ،]43 : والسّلم ـ« :ثم ْارك ْع حتى ت ْطمئن راك ًعا»(.)1 صّلته قال له ـ عليه َ الصّلة َ قال« :والعتدال بعد الركوع» أي :أن يرفع من ركوعه د َتى يعتدل قائما ويعود ُّ كل عظ ٍم إلى فقاره ،ويف دديث المسيء صّلته« :ثم ْارف ْع حتى ت ْعتدل قائ ًما»(.)2 ومن األمور المؤسفة َ الركوع هوى إلى أن يف المصلين من إذا رفع من ُّ السجود قبل أن يعتدل قائما ،ومن كان كذلك فّل صّلة له؛ أل َنه ض َيع ركنا من ُّ ٍ السرقات ،كما جاء يف أركانها ،وكان بعمله هذا وقع يف سرقة هي من أسوء َ والسّلم ـ أنَه قال« :أ ْسوأ الناس سرق ًة الذي الحديث عن نبينا ـ عليه َ الصّلة َ ي ْسرق م ْن صالته» ،قالوا :يا رسول اهلل ،وكيف يسرق من صّلته ؟ قال« :ل يتم ركوعها ول سجودها أو قال :ل يقيم ص ْلبه في الركوع والسجود»( ،)3وهذا السرقة أسوء من سرقة المال؛ َ والصّلة ألن المال يتع َلق بحقوق العبدَ ، النَوع من َ ودق اهلل ـ تبارك وتعالى ـ أعظم. تتع َلق بحقوق اهللُّ ، السادس« :السجود على األعْاء السبعة» لقوله تعالى﴿ :ﮕ ﮖ ( )1سبق تخريجه. ( )2أخرجه البخاري( )6251ومسلم(.)397 ( )3أخرجه أدمد ( ،)22642عن أبي قتادة
وصححه األلباين يف «صحيح الجامع (.)986 ؛ َ
ـ 144ـ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ الصحيحين» عن النَبي أمر ،واألمر للوجوب ،ويف « َ [ ،]77 :rفهذا ٌ
قال:
«أم ْرت أ ْن أ ْسجد على س ْبعة أ ْعظم؛ على الج ْبهة ـ وأشار بيده على أنفه ـ أي ()1 الجبهة واألنف هذا عضو ـ ،واليد ْين ،والركْبت ْين ،وأ ْطراف القدم ْين» ،والبدَ
السجود؛ َ وإال لم تص َح أن تم َكن هذه األعضاء د َتى يأخذ الجسم ك ُّله د َظه من ُّ السجدة إلى سجدته ،مثل ما يحصل من بعض المصلين إذا سجد تجده من َأول َ السجدة؛ فهذا لم السجدة ي ُّح ُّك بإددى قدميه القدم األخرى إلى أن تنتهي َ آخر َ السبعة األعضاء. يسجد على َ السابع« :والرفع منه»؛ لقول النَبي
للمسيء صّلته« :ثم ْارف ْع حتى
ت ْطمئن جال ًسا»( ،)2وهذا يد ُّل على أنَه الزم؛ ألنَه يف سياق بيان األركان. لصّلة ،فإذا رفع كن من أركان ا َ الثامن« :الجلسة بين السجدت ْين» وهي ر ٌ السجدة األولى جلس ،وأق ُّل ما يكون يف هذا الجلوس أن تحصل ال ُّطمأنينة، من َ بأن يطمئ َن البدن ويحصل له ركو ٌد ،فإذا جلس واطمأ َن يف جلوسه يسجد بعد السجدة ال َثانية قبل أن يتح َقق هذا الجلوس يكون بذلك ذلك؛ فمن هوى إلى َ ترك ركنا من أركان صّلته ،ويف دديث المسيء صّلته قال
« :ثم ْارف ْع حتى
ت ْطمئن جال ًسا»(.)3 وقد يقالَ : الرفع منه والجلسة بين إن يف هذا شيئا من التَكرار؛ ألنَه ذكر َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)812ومسلم ( )490عن ابن عباس ( )2سبق تخريجه. ( )3سبق تخريجه.
ـ 145ـ
.
السجدتين ،فيكفي االقتصار على أددهما ،الس َيما وأنَه لم يذكر مثل ذلك بعد َ السجود دتَى يفصل بين الرفع من ُّ الركوع ،وقد يكون تنصيصهم على َ الرفع من ُّ َ السجدتين؛ َ السجدتين قد ٌر زائدٌ عن الفصل ،فّلبدَ أن يرفع فإن الجلوس بين َ َ السجدتين باعتبار الجلسة ركنا مستقّل، دتَى يفصل ،والبدَ أن يجلس بين َ فلذلك عدُّ وهما ركنين. قال
تكرر يف دديث المسيء « :والطم ْأنينة يف جميع األفعال»؛ لما َ السجود، والرفع منه ،ويف ُّ الركوعَ ، يذكر هذه ال ُّطمأنينة يف ُّ
َ َبي صّلته أن الن َ الرفع منه؛ بل قال« :ثم ا ْفع ْل ذلك في صالتك كلها»( )1أيَ : أن ال ُّطمأنينة ويف َ مطلوب ٌة من العبد يف صّلته كلها. « والترتيب بين األركان» كما هي مر َتب ٌة يف دديث المسيء صّلته ،ففي كل ر ٍ ثم» تفيد ال َترتيب ،فيؤتى هبذه ثم افعل كذا» ،و« َ ثم افعل كذاَ ، كن كان يقول لهَ « : ٍ والسّلم ـ: األركان مر َتبة ،ال يقدَ م منها شي ٌء على شيء ،وقد قال ـ عليه َ الصّلة َ «صلوا كما رأ ْيتموني أصلي»( ،)2فلو سجد ناسيا قبل أن يركع وجب عليه أن يرجع بالسجود ا َلذي دصل منه سهوا. السجود ،وال يعتدُّ ُّ ثم ُّ بالركوع َ ليأتي ُّ الحادي عشر والثاين عشر« :التشه د األخير ،والجلوس له»؛ جاء يف الحديث عن النَبي ل له»...
()3
أنَه قال« :إذا قعد أحدك ْم في الصالة ف ْليق ْل :التحيات
إ لى آخر ه ،وقال يف الر واية األخرى« :و لك ْن قول وا :التحيات
( )1سبق تخريجه. ( )2أخرجه البخاري( )631عن مالك بن الحويرث
.
( )3أخرجه البخاري ( ،)6328ومسلم ( )402عن ابن مسعود
ـ 146ـ
.
()1 الصّلة، ل له» ،فالقعود للتَش ُّهد األخير ،وقراءة التَش ُّهد فيه ركنان من أركان َ
الصّلة ،فلو ت ركه م ا نسيانا وقام للثَالثة األو ل فهما من واجبات َ أ َما يف التَش ُّه د َ للسهو يف آخر صّلته. جبر ذلك بس جد تين َ الثالث عشر« :الصالة على النبي
والسّلم ـ: » لقوله ـ عليه َ الصّلة َ
«قولوا :اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صل ْيت على آل إ ْبراهيم وبار ْك على محمد وعلى آل محمد كما باركْت على آل إ ْبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد»(.)2 والسّلم ـ« :ت ْحريمها التكْبير، الصّلة « والتسليمتان»؛ لقوله ـ عليه َ َ وت ْحليلها الت ْسليم»()3؛ ولحديث عائشة
الصّلة « :وكان يختم َ
بالتَسليم»(.)4 وهذه األركان األربعة عشر ،خمس ٌة منها قول َي ٌة وهي :تكبيرة اإلدرام ،وقراءة والصّلة على النَبي ،والتَسليمتان ،والبقية فعلية. الفاتحة ،والتَشهد األخيرَ ،
( )1أخرجه البخاري ( )835عن ابن مسعود
.
( )2أخرجه البخاري ( ،)3370ومسلم ( )405عن أبي مسعود األنصاري
.
( )3أخرجه أدمد ( ،)1006وأبو داود ( ،)61والرتمذي ( ،)3وابن ماجه ( ،)275عن علي وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)301 َ ( )4أخرجه مسلم (.)498
ـ 147ـ
؛
ﱠ ﱠ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ
ﱠ
ﻭﺍﺟــﺒــﺎﺕ ﺍﻟــﺼـــﻼﺓ
ﻗﺎل ﱠ اﻟﺸﻴﺦ ::
اﻟﺼﻼة »اﻟﺪﱠ رس اﻟ ﱠﺜﺎﻣﻦ :واﺟﺒﺎت ﱠ
ِ ﻜﺒﻴﺮات ﻏﻴﺮ َﺗﻜﺒِ َﻴﺮةِ اﻹﺣﺮام ،وﻗﻮل: ﺟﻤﻴﻊ اﻟ ﱠﺘ اﻟﺼﻼة وﻫﻲ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ: ُ ُ واﺟﺒﺎت ﱠ ِ اﻟﺤ ْﻤﺪُ « ﱢ ﻟﻠﻜﻞ ،وﻗﻮل: واﻟﻤﻨ َﻔﺮِد ،وﻗﻮل» :ر ﱠﺑﻨَﺎ وﻟﻚ َ »ﺳﻤﻊ اﷲُ ﻟﻤﻦ َﺣﻤﺪَ ه« ﻟﻺﻣﺎم ُ اﻟﺴﺠﻮد، ﺒﺤ َ » ُﺳ َ اﻟﺮﻛﻮع ،وﻗﻮل» :ﺳﺒﺤﺎن ر ﱢﺑﻲ اﻷﻋﻠﻰ« ﰲ ﱡ ﺎن ر ﱢﺑ َﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ« ﰲ ﱡ ِ واﻟﺠﻠﻮس ﻟﻪ«. اﻷول، اﻟﺴﺠﺪَ َﺗ ْﻴﻦ ،واﻟ ﱠﺘ ﱡ ُ ﺸﻬﺪ ﱠ وﻗﻮل» :ر ﱢب ا ْﻏﻔ ْﺮ ﻟﻲ« َﺑ ْﻴ َﻦ ﱠ :n اﻟﺼﻼة :ﻫﻲ اﻟﺼﻼة«؛ واﺟﺒﺎت ﱠ رس اﻟ ﱠﺜﺎﻣﻦ :واﺟﺒﺎت ﱠ ﻗﺎل » ::اﻟﺪﱠ ُ وأﻗﻮال َﺗ ِ ٌ ٌ اﻟﺼﻼة ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ دون اﻷرﻛﺎن؛ وﻟﻬﺬا ُﺗﺠ َﺒ ُﺮ إن َﺗﺮ َﻛﻬﺎ اﻟﻤﺮ ُء أﻓﻌﺎل ﺐﰲ ﱠ ﺠ ُ ﻟﻠﺴ ِ ﻬﻮ ﰲ آﺧﺮ ﺻﻼﺗِﻪ ،وإن ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻋﻤﺪً ا ﺑ َﻄ َﻠ ْﺖ ﺻﻼ ُﺗﻪ. ﻧﺎﺳ ًﻴﺎ ﺑﺴﺠﺪَ َﺗﻴْﻦ ﱠ
اﻷول» :ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺘﱠﻜﺒﻴﺮات َﻏ ْﻴ َﺮ ﺗﻜﺒﻴﺮةِ اﻹﺣﺮام« َﺗﻘﺪﱠ َم ﱠ أن ﺗﻜﺒﻴﺮ َة اﻟﻮاﺟﺐ ﱠ ِ اﻟﺼﻼة ،وﻣﺎ ﻋﺪَ ا َ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟ ﱠﺘﻜﺒﻴﺮات ـ ﻛﺎﻟ ﱠﺘﻜﺒﻴﺮ ﻋﻨﺪ اﻹﺣﺮام رﻛ ٌﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎن ﱠ ِ وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ﻣ َﻦ اﻟ ﱠﺘﻜﺒﻴﺮات -ـ ﻛ ﱢﻠﻬﺎ ﻣﻦ واﻟﺮﻓ ِﻊ ﻣﻨﻪ، اﻟﺴﺠﻮد ،ﱠ اﻟﺮﻛﻮع ،وﻋﻨﺪ ﱡ ﱡ
قال« :كان رسول اهلل
الصّلة ،وقد جاء يف دديث ابن مسعود واجبات َ يكبر في كل خف ٍ ض ورف ٍع»(.)1
الثاين والثالث« :قول« :سمع اهلل لمن حمده» لإلمام والمنفرد ،وقول: «ربنا ولك الحمد» للكل» أي :لإلمام وللمأموم وللمنفرد؛ فاإلمام يقول« :سمع الركوع يقول« :سمع اهلل اهلل لمن دمده» ،ومن يصلي منفردا عندما يرفع من ُّ الرفع من لمن دمده» ،وجميعهم ـ اإلمام والمأموم والمنفرد ـ يقولون بعد َ الركوع« :ر َبنا ولك الحمد». ُّ يف ذكر صفة صّلة النَبي
وقد جاء يف دديث أبي هريرة
،أنَه
ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ يقول« :سمع اهلل لم ْن حمده» دين يرفع صلبه من الركوع»( ،)2وأيضا يف دديث أبي هريرة ُّ
ثم يقول« :ربنا ولك الح ْمد»(،)3 َ
ويف بعض الروايات« :اللهم ربنا ولك الح ْمد»(.)4 ومعنى« :سمع اهلل لمن دمده» :أي :استجاب ـ تبارك وتعالى ـ لعبده الحامد لربه ومواله ـ سبحانه وتعالى ـ؛ َ السمع هنا سمع اإلجابة. ألن َ
الواجب الرابع والخامس من واجبات الصالة« :قول «سبحان ربي
العظيم» يف الركوع ،وقول« :سبحان ربي األعلى» يف السجود»؛ وقد جاء يف دديث دذيفة
قال« :كان
يقول في ركوعه« :س ْبحان ربي العظيم»،
وصححه األلباين يف «اإلرواء» ( )1أخرجه أدمد ( ،)3660والرتمذي ( ،)253والنسائي ()1083؛ َ (.)330 ( )2أخرجه مسلم (.)392 ( )3أخرجه البخاري ( ،)378ومسلم ( )411عن أبي هريرة ( )4أخرجه البخاري ( )795عن أبي هريرة
.
ـ 149ـ
.
()1 والسّلم ـ« :فأما ويف سجوده« :س ْبحان ربي األ ْعلى»» ،وقال ـ عليه َ الصّلة َ ()2 الرب أن تقول« :س ْبحان ربي العظيم» الركوع فعظموا فيه الرب» ،ومن تعظيم َ
وكذلك« :س ْبحان ذي الجبروت والملكوت والك ْبرياء والعظمة» ،ثبت َ أن النَبي يقول ذلك يف ركوعه وسجوده(.)3 السادس« :قول« :رب اغْ ف ْر لي» بين السجدت ْين» كما جاء يف دديث دذيفة َ أن النَبي
السجدتين« :رب اغْف ْر لي ،رب اغْف ْر لي»(.)4 كان يقول بين َ
السابع والثامن« :التشهد األول ،والجلوس له»؛ لحديث« :إذا قعدت ْم يف كل ركْعت ْين ،فقولوا :التحيات لله»( ،)5وللحديث« :أ َن رسول اهلل
قام في
وس ،فل َما أت َم صّلته سجد سجدتين»( ،)6وهذا من األد َلة صّلة ال ُّظهر وعليه جل ٌ الصّلة ،وأ َنه ليس برك ٍن؛ َ ألن الواجب هو ا َلذي على أنَه واجب من واجبات َ الركن َ الصّلة. فإن تركه تبطل به َ بالسجدتين ،أ َما ُّ يجبر َ
( )1أخرجه البخاري ( ،)795ومسلم (.)772 ( )2أخرجه مسلم ( )479عن ابن عباس
.
( )3أخرجه أدمد ( ،)23980وأبو داود ( ،)873والنسائي ( ،)1049عن عوف بن مالك
؛
وصححه األلباين يف «صحيح أبي داود» (.)817 َ وصححه ( )4أخرجه أدمد ( ،)23375وأبو داود ( ،)874والنسائي ( ،)1145وابن ماجه (،)897 َ األلباين يف «اإلرواء» (.)335 ( )5أخرجه أدمد ( ،)4160والنسائي ( )1163عن ابن مسعود
وصححه األلباين يف «اإلرواء» ؛ َ
(.)336 ( )6أخرجه البخاري( ،)830ومسلم ( )570عن عبد اهلل بن بحينة
ـ 150ـ
.
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ
ﱠ
ﱡ
ﺑـﻴــــﺎﻥ ﺍﻟـﺘــﺸــﻬـــﺪ
ﻗﺎل ::
ﺸﻬﺪ. رس اﻟ ﱠﺘﺎﺳﻊ :ﺑﻴﺎن اﻟ ﱠﺘ ﱡ »اﻟﺪﱠ ُ
ﺑﻴﺎن اﻟ ﱠﺘﺸﻬﺪ ،وﻫﻮ أن ﻳﻘﻮل» :اﻟ ﱠﺘ ِ اﻟﺴ َﻼ ُم ات واﻟ ﱠﻄ ﱢﻴﺒَ ُ واﻟﺼ َﻠ َﻮ ُ ﺤ ﱠﻴ ُ ﱡ ﺎت ﷲ ،ﱠ ﺎت ،ﱠ ِ ِ ِ َﻋ َﻠ ْﻴ َ َ ﺤﻴﻦ، اﻟﺼﺎﻟ َ اﻟﺴ َﻼ ُم َﻋ َﻠ ْﻴ َﻨﺎ و َﻋ َﻠﻰ ﻋ َﺒﺎد اﷲ ﱠ ور ْﺣ َﻤ ُﺔ اﷲ و َﺑ َﺮ َﻛﺎ ُﺗﻪ ،ﱠ ﱠﺒﻲ َ ﻚ أ ﱡﻳ َﻬﺎ اﻟﻨ ﱡ ور ُﺳﻮﻟُﻪ«. َأ ْﺷ َﻬﺪُ أن َﻻ إِ َﻟ َﻪ إ ِ ﱠﻻ اﷲُ ،وأَ ْﺷ َﻬﺪُ َأ ﱠن ُﻣ َﺤ ﱠﻤﺪً ا َﻋ ْﺒﺪُ ُه َ
ِ ﺤﻤ ٍﺪ ﱠﺒﻲ ح ﻬﻢ! َﺻ ﱢﻞ ﻋﻠﻰ ُﻣ ﱠ وﻳﺒﺎر ُك ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴ ُﻘﻮل» :اﻟ ﱠﻠ ﱠ ﱠ ﺛﻢ ﻳﺼ ﱢﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨ ﱢ ﻚ َﺣ ِﻤﻴﺪٌ َﻣ ِ إﺑﺮاﻫﻴﻢ إ ﱠﻧ َ ﺠﻴﺪٌ ، ﺖ ﻋﻠﻰ إﺑﺮاﻫﻴﻢ وﻋﻠﻰ آل ﺤﻤ ٍﺪ ﻛﻤﺎ َﺻ ﱠﻠ ْﻴ َ َ وﻋﻠﻰ آل ُﻣ ﱠ
ِ ِ ِ و َﺑ ِ ﻴﻢ إ ﱠﻧ َﻚ ﺎر ْك ﻋﻠﻰ ُﻣ َﺤ ﱠﻤ ٍﺪ وﻋﻠﻰ آل ُﻣ َﺤ ﱠﻤ ٍﺪ ﻛﻤﺎ َﺑ َﺎر ْﻛ َ ﻴﻢ وﻋﻠﻰ آل إِ ْﺑ َﺮاﻫ َ ﺖ ﻋﻠﻰ إِ َﺑﺮاﻫ َ َﺣ ِﻤﻴﺪٌ َﻣ ِ ِ ُ ﻋﺬاب اﻟ َﻘ ْﺒﺮِ، ﺸﻬﺪ اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﺬاب ﺟﻬﻨﱠﻢ ،وﻣﻦ ﺛﻢ َﻳ ﺴﺘﻌﻴﺬ ﺑﺎﷲ ﰲ اﻟ ﱠﺘ ﱡ ﺠﻴﺪٌ « ،ﱠ
ﺎل ،ﺛﻢ ﻳﺘﺨﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﱡ ِ ﺎتِ ، وﻣﻦ ﻓِﺘ َﻨ ِﺔ اﻟﻤﺤﻴﺎ واﻟﻤﻤ ِ وﻣﻦ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺪﱠ ﱠﺟ ِ ﻋﺎء ﻣﺎ ﺷﺎء، ﱠ َ ﱠُ َ َ َْ َ َ ذﻟﻚ وﻣﻨﻪ» :اﻟ ﱠﻠ ُﻬ ﱠﻢ َأ ِﻋﻨﱢﻲ َﻋ َﻠﻰ ذِ ْﻛﺮِ َك ُ وﺣ ْﺴ ِﻦ ِﻋ َﺒﺎ َدﺗِ َ اﻟﻤﺄﺛﻮر ِﻣﻦ َ ﻚ«، وﻻﺳ ﱠﻴﻤﺎ وﺷ ْﻜﺮِ َك ُ ُ وﻻ َﻳ ْﻐ ِﻔ ُﺮ ﱡ ﺖَ ،ﻓﺎ ْﻏ ِﻔ ْﺮ ﻟِﻲ َﻣ ْﻐ ِﻔ َﺮ ًة ِﻣ ْﻦ ﻮب إِ ﱠﻻ َأ ْﻧ َ ﺖ َﻧ ْﻔ ِﺴﻲ ُﻇ ْﻠ ًﻤﺎ َﻛﺜِ ًﻴﺮاَ ، »اﻟ ﱠﻠ ُﻬ ﱠﻢ إِ ﱢﻧﻲ َﻇ َﻠ ْﻤ ُ اﻟﺬ ُﻧ َ ِ ِﻋﻨْﺪَ َك َو ْار َﺣ ْﻤﻨ ِﻲ إِ ﱠﻧ َ اﻷول ﻓﻴ ُﻘﻮ ُم ﺑﻌﺪ ﻚ َأ ْﻧ َ ﻴﻢ« ،ﱠأﻣﺎ ﰲ اﻟ ﱠﺘ ﱡ ﺸﻬﺪ ﱠ اﻟﺮﺣ ُ ﻮر ﱠ ﺖ اﻟ َﻐ ُﻔ ُ ِ ﱠ ﱠﺒﻲ ح اﻟﺸﻬﺎ َد َﺗ ْﻴﻦ إﻟﻰ اﻟ ﱠﺜﺎﻟﺜﺔ ﰲ اﻟ ﱡﻈﻬﺮ واﻟ َﻌﺼﺮ َ واﻟﻤﻐﺮِب واﻟﻌﺸﺎء ،وإن َﺻ ﱠﻠﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻨ ﱢ
فهو أ ْفْل؛ لعموم األحاديث يف ذلك ،ثم يقوم إلى الثالثة». :n يف هذا الدَ رس أورد
ٍ ٍ مأثور عن النَبي دعاء
والصّلة اإلبراهيم َية ،وما يتبعها من شهدَ ، :ال َت ُّ
مما يشرع للمرء أن يقوله يف تمام صّلته قبل أن يسلم، َ
َ عوذ والسّلم ـ وال َت ُّ والصّلة على النَبي ـ عليه َ شهد َ وأن هذه الصيغة يف ال َت ُّ الصّلة َ همة ا َلتي ينبغي أن يحرص ُّ كل مسل ٍم باهلل من األربع اآليت ذكرها من األمور الم َ على تع ُّلمها بألفاظها كما جاءت عن رسول اهلل والصيغة ا َلتي أوردها
مع دسن الفهم لمعانيها.
شهد جاءت يف دديث ابن مسعود يف ال َت ُّ
،
وقد ورد فيه صي ٌغ أخرى صحيح ٌة ،لكن ذكر العلماء ـ ردمهم اهلل تعالى ـ أ َن أص َح الصيغ هي هذه الصيغة ا َلتي جاءت يف دديث ابن مسعود ا َلذي ساقه المصنف
( )1هذا
هنا.
شهد المأثور كما جاء عن النَبي فينبغي على المسلم أن يتع َلم ال َت ُّ
،وقد
ع َلمه هذه الصيغة وك ُّفه بين ك َفي النَبي ـ عليه
َ َبي ذكر ابن مسعود أن الن َ السورة من القرآن ،وذلك من كمال االعتناء وتمام َ والسّلم ـ كما يعلمه ُّ الصّلة َ شهد بد َق ٍة كما جاءت عن النَبي ـ صلوات الحرص ،وينبغي أن تحفظ ألفاظ ال َت ُّ اهلل وسّلمه وبركاته عليه ـ ،وبعض العا َمة ر َبما يجري على لسانه إضافة كلمة ،أو ٍ ٍ ٍ إعراب ،فر َبما تغ َير المعنى. تغيير لحركة إضافة درف ،أو إنقاص درف ،أو ٌ شهد هو أن يقول« :التحيات هلل»؛ ال َتح َيات :يراد هبا ال َتعظيمات؛ من وال َت ُّ ( )1أخرجه البخاري ( ،)6265ومسلم (.)402
ـ 152ـ
ٍ ٍ وانكسارُّ ، كل ذلك هلل ،فهو ـ تبارك وتعالى ـ المستح ُّق وسجود ،وذل، ركو ٍع، لذلك ودده دون سواه﴿ ،ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ ٍ شيء من ذلك ،وال []77 :r؛ فهذا ك ُّله هلل ال شريك له ـ سبحانه وتعالى ـ يف ٍ ألدد سواه ـ َ جل يف عّله ـ. يجوز أن يصرف «والصلوات» أي :الدَ عوات؛ َ الصّلة لغة :هي الدُّ عاء؛ فالدَ عوات هلل فإن َ ـ َ بالسؤال َإال إليه جل وعّل ـ ،ال يدعى َإال اهلل ،وال يلتجأ َإال إلى اهلل ،وال يتو َجه ُّ ـ سبحانه وتعالى ـ﴿ ،ﭝﭞﭟﭠﭡ﴾ [﴿ ،]60 :¥ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [^ ،]186 :وقد يراد والسجود ،فرضها ونفلها؛ فهي ك ُّلها هلل، َ الركوع ُّ بالصلوات أي :المعروفة ،ذات ُّ ال يصرف شي ٌء منها َإال له ـ سبحانه وتعالى ـ. وقوله «والطيبات» أي :من األقوال واألفعال هلل ـ َ جل وعّل ـ ﴿ ،ﯦ ﯧ ب يف أقواله وأعماله وأفعاله ودسن ﯨ ﯩ﴾ [ﮯ ،]10 :والمؤمن طي ٌ تق ُّربه لربه ،ولهذا يقال ألهل اإليمان يوم القيامة﴿ :ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [ ،]73 :¤فال َطيبات ا َلتي هي أعمال اإليمان وأقوال اإليمان ،هذه ك ُّلها هلل، وال يبتغى هبا َإال وجه اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ،فاهلل ـ َ ب ال يقبل َإال جل وعّل ـ طي ٌ اسم من أسماء اهلل ـ َ جل وعّل ـ ،وهو دال على الطيب يف ال َطيب ،و«ال َطيب» ٌ أسمائه كلها وصفاته وأفعاله؛ فأسماؤه ك ُّلها طيب ٌة ،وأفعاله ك ُّلها طيب ٌة ،وأقواله ك ُّلها طيب ٌة ـ سبحانه وتعالى ـ. ثم بعد هذا ال َتعظيم واإلقرار والخضوع هلل ـ سبحانه وتعالى ـ يس َلم على النَبي ـ َ ـ 153ـ
والسّلم ـ ،ا َلذي إ َنما عرف دين اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ بواسطته ومن طريقه؛ عليه َ الصّلة َ فهو الواسطة بين اهلل وبين خلقه يف إبّلغ دينه ،قد ب َلغ البّلغ المبين ،ونصح األ َمة، دق جهاده د َتى أتاه اليقين ،ما ترك خيرا َإال َ دل األ َمة عليه ،وال شرا إ َال وجاهد يف اهلل َ َ دذرها منه؛ فيقال« :السالم عل ْيك أيها النبي ور ْحمة اهلل وبركاته» وهذه الكلمات ال َثّلثة ك ُّلها دعا ٌء لل َنبي
،ومن يدعى له ال يدعى من دون اهلل؛ وهذا من أد َلة ال َتوديد.
بالسّلمة والعافية. السّلم :فهو دعا ٌء َ أ َما َ ص الردمة :فهي ٌ دعوات بالفوز بردمة اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ا َلتي خ َ وأ َما َ قربين﴿ ،ﰑﰒﰓ﴾ [{.]43 : هبا عباده الم َتقين وأولياءه الم َ وأ َما الربكة :هي النَماء والزيادة يف الخير والفضل. ثم ص َأوال ودده ـ عليه َ فيخ ُّ السّلم ال َتام الكاملَ ، والسّلم ـ هبذا َ الصّلة َ السّلم على عموم المؤمنين« :السالم عل ْينا وعلى عباد اهلل الصالحين»؛ يلقى َ كل ٍ وهذا ال َتسليم العا ُّم يتناول َ ٍ صالح ،وقد كانوا يف َأول األمر يقولون: عبد ٍ السّلم على فّلن ،...فتطول ،ومع طولها ال يستقصي َ كل من السّلم على فّلنَ ، َ والسّلم ـ إلى أن يرتكوا ذلك، َبي ـ عليه َ الصّلة َ يريد أن يسلم عليه؛ فأرشدهم الن ُّ كل مؤم ٍن َ وأن يقولوا هذا الكّلم الجامع ،وأ َنهم إذا قالوه فإ َنه يشمل َ وكل عب ٍد
ٍ مسعود صالحٍ ،فعن عبد اهلل بن
الصّلة، قال« :كنَا نقول :التَح َية في َ
ونسمي ،ويسلم بعضنا على بع ٍ ض ،فسمعه رسول اهلل
فقال« :قولوا:
التحيات لله والصلوات والطيبات ،السالم عل ْيك أيها النبي ور ْحمة اهلل وبركاته، السالم عل ْينا وعلى عباد اهلل الصالحين ،أ ْشهد أ ْن ل إله إل اهلل وأ ْشهد أن محمدً ا ع ْبده ورسوله؛ فإنك ْم إذا فع ْلت ْم ذلك فقدْ سل ْمت ْم على كل ع ْبد لله صالح في ـ 154ـ
()1 الصالحين ،وا َلذي يدعى له ال يدعى السماء واأل ْرض» ،وهذا دعا ٌء لعباد اهلل َ
من دون اهلل ،وهذا من براهين ال َتوديد ودالئله ـ كما تقدَ م ـ. «أ ْشهد أ ْن ل إله إل اهلل ،وأ ْشهد أن محمدً ا ع ْبده ورسوله» هذا اإلقرار هلل ـ َ جل وعّل ـ بالوددان َية ،ولنبيه
بالرسالة؛ َ فإن« :أشهد أن ال إله َإال اهلل» كلمة
ال َتوديد ،وال َتوديد مدلولها ،فهي قائم ٌة على النَفي واإلثبات؛ نفي العبود َية عن كل من سوى اهلل ،وإثبات العبود َية بكل معانيها هلل ـ تبارك وتعالى ـ ودده ،وهي تعني :إخّلص العبادة هلل ،وإفراده ـ تبارك وتعالى ـ ودده بالعبادة ،والرباءة من الشرك والخلوص منه. وشهادة «أن محمدً ا عبده ورسوله» هذا فيه اإلقرار بعبود َيته ،وأ َنه عبده كذب ،بل يطاع وي َتبع؛ ولهذا َ والرسول ال ي َ فإن هذه ورسوله ،والعبد ال يعبدَ ،، الكلمة« :أشهد َ حمدا عبده ورسوله» تجعل قائلها والمعتقد لما د َلت عليه أن م َ متوسطا معتدال ،بين الغلو والجفاء. «ثم يصلي على النبي عن النَبي البدري
ويبارك عليه» وأورد صيغة من الصيغ المأثورة
الصّلة المأثورة يف دديث أبي مسعود الصّلة عليه ،وهي َ يف َ ،قال« :يقول :اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صل ْيت
على إ ْبراهيم وعلى آل إ ْبراهيم إنك حميد مجيد ،وبار ْك على محمد وعلى آل محمد كما بار ْكت على إ ْبراهيم وعلى آل إ ْبراهيم ،إنك حميد مجيد». والصّلة من اهلل على نبيه :ثناؤه عليه يف المأل األعلى. َ ( )1أخرجه البخاري (.)1202
ـ 155ـ
وصّلة المّلئكة على نبيه ،وصّلة المؤمنين عليه :دعاء اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ له برفعة المقام ،وال َثناء عليه ـ صلوات اهلل وسّلمه ـ عليه يف المأل األعلى. وقوله« :وبار ْك على محمد »...هذا فيه الدُّ عاء للنَبي
بالربكة ،وهي:
النَماء ،والزيادة يف الخير والفضل والمكانة. «ثم يستعيذ باهلل يف التشهد األخير من عذاب جهنم ،ومن عذاب القبر، ومن فتنة الم ْحيا والممات ،ومن فتنة المسيح الدجال» وقد جاء يف «صحيح َ َبي مسلم» من دديث أبي هريرة أن الن َ ف ْلي ْستع ْذ باهلل م ْن أ ْربع»( )1وذكر هذه األمور األربعة:
قال« :إذا تشهد أحدك ْم
األول :ال َتعوذ باهلل من جهنَم؛ أي النَار وعذاهباَ ، وأن اهلل ـ سبحانه َ وتعالى ـ يقي عبده وينجيه من دخولها ،واالستعاذة :التجا ٌء إلى اهلل واعتصا ٌم به ـ سبحانه وتعالى ـ . وعذاب ،وعذاب القبر دق ،يكون نعيم ٌ ومن عذاب القرب؛ والقرب فيه ٌ على الكفر ،ويكون على المعاصي أيضا ،مثل ما جاء يف الحديث« :إنهما ثم ذكر َ أن أددهما يمشي بالنَميمة بين ليعذبان ،وما يعذبان في كبير ،وإنه لكبير» َ النَاس ،واآلخر ال يستنزه من البول(.)2
كل ٍ فيعم َ فتنة عوذ من فتنة المحيا والممات؛ و«فتنة» هنا مفر ٌد ٌ ثم ال َت ُّ مضاف ُّ َ
فتن كثير ٌة ،ترجع يف جملتها إلى :فتن َ الشهوات ،وفتن تكون للمرء يف دياته ،وهي ٌ ُّ صح يف الحديث عن تعوذ باهلل من الفتن كلها ،واإلنسان عرض ٌة للفتن ،وقد َ الشبهات؛ في َ ( )1أخرجه مسلم (. )588 ( )2أخرجه البخاري ( ،)1378ومسلم ( )292عن ابن عباس
ـ 156ـ
.
نبينا
قال« :تعوذوا باهلل من الفتن ،ما ظهر منْها وما بطن»( ،)1وهي دعو ٌة ينبغي على
المرء أن يعتني هبا :أن يعيذه اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ من الفتن ،والتعوذ من فتنة الممات أي ما يكون منها عند الممات ،وهذه أشدُّ وأخطر؛ أل َن الفتنة ا َلتي يف المحيا بعدها شي ٌء لكن فتنة الممات ليس بعدها َإال الموت، من الحياة قد يتخ َلص المرء ويسلم وينجوَ ، ولهذا أضيفت إلى الممات أل َنها تكون عند دنوه وقرب دلوله بالعبد. قال« :ومن ف ْتنة المسيح الدجال»؛ وهذه أشدُّ الفتن ،واهلل ـ سبحانه الساعة وأمارات دنو قيامها ،ولهذا َ فإن خروجه وتعالى ـ جعلها من عّلمات َ الزمان ،وما من نبي بعثه اهلل َإال وأنذر قومه من هذه الفتنة لشدَ ة يكون يف آخر َ خطورتها؛ ولهذا شرع لنا أن نستعيذ باهلل استعاذة دائمة مستم َرة دبر كل صّلة قبل أن نسلم من هذه الفتنة العظيمة فتنة المسيح الدَ جال؛ وسمي :مسيحا؛ َ ألن دجاال؛ َ ألن أموره ك َلها قائم ٌة عينه اليمنى ممسود ٌة طافي ٌة كأ َنها زبيب ٌة ،وسميَ : على الدَ جل وهو الكذب ،ومن أعظم دجله وأكبر كذبه قوله :أنَه اهلل ،ويأيت ٍ ٍ ٍ خارقة للعادة ،يجريها اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ على يديه ابتّلء وأمور بآيات للسماء :أمطري؛ فتمطر ،ويقول لألرض :أنبتي؛ وامتحانا ،فيفتن النَاس؛ يقول َ أمور خارق ٌة فتنبت ،ويقول للبلدة :أخرجي كنوزك؛ فتتبعه كنوزها ،وهذه ك ُّلها ٌ إذا خرج أن يقترب من المكان ا َلذي هو
َ َبي للعادة مذهل ٌة ،ولهذا دذر الن ُّ ()2 عوذ من فتنة المسيح فيه ،فقال« :م ْن سمع بالدجال ف ْلينْأ عنْه» ،وهذا ال َت ُّ ( )1أخرجه مسلم ( )2867عن زيد بن ثابت
.
( )2أخرجه أدمد ( ،)19875وأبو داود ( ،)4319عن عمران بن دصين «صحيح الجامع» (.)6301
ـ 157ـ
وصححه األلباين يف ؛ َ
الدَ َجال ينبغي على المسلم أن يعنى به. قال« :ثم يتخير من الدعاء ما شاء ،ولسيما المأثور من ذلك»؛ لقول النَبي والسّلم ـ يف دديث ابن مسعود ـ عليه َ الصّلة َ
« :ثم يتخير ب ْعد من الدعاء ما
الصّلة وهذا ال َتعظيم شاء»( ،)1بل هو موط ٌن عظيم لتحري الدُّ عاء؛ أل َنك بعد هذه َ ٌ بالسّلم؛ توس ٌ ّلت بين يدي دعائك ـ ،فّل تعجل َ السّلم ـ وهي ُّ وهذه ال َتح َيات وهذا َ كثير من النَاس ،ولهذا أمر يغفل عنه ٌ والسؤال ،وهذا ٌ بل أقبل على اهلل بالدُّ عاء ُّ ثم يسلم ويمدُّ يديه يدعو، بعضهم يف صّلة النَفل تجده مثّل يأيت بال َت ُّ شهد سريعاَ ، شهده قليّل ليدعو بما شاء. فيفوت على نفسه هذه الفرصة ال َثمينة يف أن يطيل ت ُّ شهد ـ ليأيت ببعض هذه األدعية ـ؛ قد يغضب وإن أطال اإلمام قليّل يف ال َت ُّ الصّلة: منه بعض المأمومين ،يقول أدد األئمة :إ َن أدد المأمومين قال له بعد َ َ مرتين؟! هذه فرصة مرتين» من قال لك تقرأ ال َت ُّ «قرأت خلفك ال َت ُّ شهد َ شهد َ عظيم ٌة لتدعو اهلل
،وتسأله من خيري الدُّ نيا واآلخرة ،لكن هذا بسبب الجهل
بقيمة هذه الحال المباركة. واألولى كما قال َ بي الشيخ أن يتخ َير من الدُّ عاء ما شاء َ مما ورد ،والنَ ُّ السّلم ،فينبغي على المسلم أن يعتني هبا؛ ألنَها ورد عنه ٌ دعوات تقال قبل َ دعوات جامع ٌة معصوم ٌة مشتمل ٌة على أعظم المطالب وأجل المقاصد ،وال بأس ٌ مما ليس فيه محظو ٌر شرعي ،لك َن اقتصاره إن دعا ببعض الدَ عوات َ الخاصة َ على المأثور عن النَبي
ال َ شك أنَه أولى وأسدُّ وأكمل وأوىف ،ولهذا يحرص
تيسر من هذه األدعية المأثورة عن النَبي على دفظ ما َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)835ومسلم ( ،)402عن ابن مسعود
ـ 158ـ
. .
وذكر َ الشيخ
من ذلك دعاءين:
األول« :اللهم أعني على ذ ْكرك وش ْكرك وح ْسن عبادتك»؛ وهذا جاء يف َ َبي دديث معاذ أن الن َ أوصيك يا معاذ ل تدعن في دبر كل صالة تقول :اللهم أعني على ذكْرك، قال له« :واهلل إني ألحبك ،واهلل إني ألحبك،
وشكْرك ،وح ْسن عبادتك»(.)1 ودبر َ مما يليه مما هو جز ٌء منه ،ويطلق على آخره َ الشيء يطلق على آخره َ ويأيت بعده ،ولهذا يفصل أهل العلم: ٍ السّلم. ما كان من دعاء يؤتى به قبل َ السّلم. وما كان من ذك ٍر يؤتى به بعد َ وقوله« :اللهم أعني على ذكْرك ،وشكْرك ،وح ْسن عبادتك» هذا فيه طلب المعونة من اهلل أن يمدَ عبده بالمعونة وال َتوفيق للمواظبة على الذكرُّ ، والشكر هلل ـ سبحانه وتعالى ـ على نعمائه ،واإلدسان يف العبادة ،لم يقل« :وعبادتك» وإ َنما قال« :وح ْسن عبادتك»؛ والعبادة إ َنما تكون دسنة باإلخّلص للمعبود للرسول ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه ـ. والمتابعة َ الصّلة قبل أن تسلم يأيت يف موض ٍع يف غاية واإلتيان هبذه الدَ عوة دبر َ المناسبة؛ َ الصّلة ا َلتي ص َليتها هي من معونة اهلل لك ،فقبل أن تسلم من ألن هذه َ صّلتك اطلب من اهلل المعونة ،وأظهر االفتقار إلى اهلل ا َلذي أعانك على هذه الصّلة ،وقد أوشكت أن تنتهي منها أن يمدَ ك بالمعونة على الذكر ُّ والشكر َ ( )1أخرجه أدمد ( ،)22119وأبو داود ( ،)1522والرتمذي ( ،)3407والنسائي ()1303؛ وص َححه األلباين يف «صحيح أبي داود» (.)253/5
ـ 159ـ
الصّلة األخرى اآلتية ،وإذا ودسن العبادة ،ويدخل يف ذلك المعونة على َ ص َليتها اطلب المعونة ا َلتي بعدها ،وهكذا. الثاين« :اللهم إني ظل ْمت ن ْفسي ظ ْل ًما كث ًيرا ،ول ي ْغفر الذنوب إل أ ْنت، فا ْغف ْر لي م ْغفر ًة م ْن عنْدك و ْارح ْمني إنك أ ْنت الغفور الرحيم»( ،)1وهذا الدُّ عاء قال فيه« :يا رسول اهلل! علمني دعاء أدعو اهلل به يف
جاء يف دديث أبي بكر
صّليت» ويف بعض الروايات« :يف صّليت وبيتي». يطلب من النَبي أن يعلمه دعاء يدعو اهلل به يف فهذا صديق األ َمة ٍ دعوات طيبة ،لكن يمنعه من ذلك قادر على أن يصوغ صّلته ويف بيته ،مع أنَه ٌ الحرص على ال َتلقي من النَبي
واألخذ عنه.
والسّلم ـ تقول« :اللهم إني ظل ْمت ن ْفسي ظ ْل ًما كث ًيرا» قوله ـ عليه َ الصّلة َ صديق األ َمة وخيرها أن يقوله ،بل إنَه
َبي هذا دعا ٌء أرشد الن ُّ النَاس يف جميع األمم بعد النَبيين ،وإذا كان صديق األ َمة ودسن تع ُّبده هلل
أفضل ـ مع فضله
وق َوة إيمانه ـ أرشد إلى أن يقول يف صّلته« :اللهم إني
ظل ْمت ن ْفسي ظ ْل ًما كث ًيرا» فكيف بمن هو دونه وال يبلغ عشر معشاره يف ال َتع ُّبد والخضوع هلل ـ سبحانه وتعالى ـ؟ وظلم النَفس ،كما أنَه يتناول فعل المعصية؛ فإ َنه يتناول أيضا ال َتقصير يف ال َطاعة وعدم ال َتكميل لها وال َتتميم. وقوله« :ول ي ْغفر الذنوب إل أ ْنت» فيه َ أن اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ودده هو الذنوب ،فّل يغفر ُّ ا َلذي يغفر ُّ الذنوب سواه ﴿ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ ( )1أخرجه البخاري ( ،)834ومسلم (.)2705
ـ 160ـ
[_ ،]135 :وفيه إيمان العبد بمدلول اسم اهلل «الغفور»« ،الغ َفار»؛ أي ا َلذي يغفر ُّ ب أن يغفره. الذنوب جميعا ،وال يتعاظمه ذن ٌ «فا ْغف ْر لي» ،بعد اإلقرار على نفسه بال ُّظلم الكثير ،ولربه بالفضل العميم وغفران ُّ الذنوب يأيت طلب المغفرة «فاغْ ف ْر لي م ْغفر ًة م ْن عنْدك» أي :تم ُّن هبا وتفضّل وإدسانا. علي ،إكراما منك ُّ علي ،وتتف َضل هبا َ َ
«و ْارح ْمني» ،وهذا فيه طلب ال َظفر والفوز بردمة اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ
ص هبا عباده المؤمنين. ا َلتي خ َ توس ٌل إلى اهلل ـ تبارك وتعالى ـ هبذين «إنك أ ْنت الغفور الرحيم» ،وهذا ُّ االسمين العظيمين؛ و«الغفور» فيه إثبات المغفرة صفة هلل ،و«الرحيم» فيه إثبات ٍ مراعاة للمطلوب؛ َ ألن الردمة صفة هلل ،وبالختم هبذين االسمين دسن َ والردمة. المطلوب :المغفرة َ والسّلم ـ يشرع وثمت أيضا صي ٌغ أخرى مأثور ٌة عن النَبي ـ عليه َ الصّلة َ َ السّلم. أن تقال يف تمام َ الصّلة قبل َ قال« :أما يف التشهد األول فيقوم بعد الشهادت ْين» ،أي :بعد أن يقول يف للركعة ال َتح َيات« :أ ْشهد أ ْن ل إله إل اهلل وأ ْشهد أن محمدً ا ع ْبده ورسوله» يقوم َ ال َثالثة ،هذا يف ال ُّظهر والعصر والمغرب والعشاء. األول «فهو شهد َ «وإن صلى على النبي ـ عليه الصالة والسالم ـ» يعني يف ال َت ُّ الصّلة على النَبي أفْل لعموم األحاديث يف ذلك ،ثم يقوم» أي :بعد َ الصّلة اإلبراهيم َية «إلى الثالثة». َ ٍ ٍ ثمينة لإلمام ابن القيم فائدة ولنقف هنا على ـ 161ـ
الصّلة» ،فيما يف كتابه « َ
عوذات األربع. والصّلة اإلبراهيم َية وال َت ُّ شهد َ يتع َلق بال َت ُّ قال ابن القيم
« :فال َتح َية هي تح َي ٌة من العبد للحي ا َلذي ال يموت،
تتضمن الحياة والبقاء وهو سبحانه أولى بتلك ال َتح َيات من كل ما سواه؛ فإ َنها َ الحي الباقي ا َلذي ال يموت وال حق أددٌ هذه ال َتح َيات َإال والدَ وام ،وال يست ُّ ُّ
الصّلة َإال اهلل يزول ملكه ،وكذلك قوله «والصلوات» فإ َنه ال يستح ُّق أددٌ َ
،
والصّلة لغيره من أعظم الكفر والشرك به ،وكذلك قوله «والطيبات» هي صفة َ الموصوف المحذوف ،أي ال َطيبات من الكلمات واألفعال والصفات واألسماء ٍ شيء وأسماؤه أطيب ب ،وأفعاله طيب ٌة ،وصفاته أطيب هلل ودده ،فهو طي ٌ ب وال ب وال يصعد إليه َإال طي ٌ األسماء ،واسمه ال َطيب وال يصدر عنه إ َال طي ٌ ب والعمل ال َطيب يعرج ب وإليه يصعد الكلم ال َطيب ،وفعله طي ٌ يقرب منه َإال طي ٌ ُّ َ َبي إليه ،فالطيبات كلها له ومضاف ٌة إليه وصادر ٌة عنه ومنتهي ٌة إليه ،قال الن ُّ اهلل طيب ل ي ْقبل إل طي ًبا» ،ويف دديث رقية المريض ا َلذي رواه أبو داود وغيره: « :إن
«أ ْنت رب الطيبين»( ،)1وال يجاوره من عباده َإال ال َطيبون كما يقال ألهل الجنَة: ﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [ ،]73 :¤وقد دكم سبحانه يف شرعه وقدره َ أن ال َطيبات لل َطيبين ،فإذا كان هو سبحانه ال َطيب على اإلطّلق فالكلمات ال َطيبات واألفعال ال َطيبات والصفات ال َطيبات واألسماء ال َطيبات ك ُّلها له سبحانه ال يستح ُّقها أددٌ سواه ،بل ما طاب شي ٌء ُّ قط َإال بطيبته سبحانه، فطيب كل ما سواه من آثار طيبته ،وال تصلح هذه ال َتح َية ال َطيبة َإال له. ( )1أخرجه أبو داود ( ،)3892عن أبي الدرداء (.)5422
ـ 162ـ
،وض َعفه األلباين يف «ضعيف الجامع»
السّلم من أنواع ال َتح َية ،وكان المسلم داعيا لمن يحييه ،وكان ولما كان َ َ السّلم لعباده ،ا َلذين اخت َصهم بعبود َيته، اهلل سبحانه هو ا َلذي يطلب منه َ وارتضاهم لنفسه ،وشرع أن يبدأ بأكرمهم عليه وأدبهم إليه وأقربهم منه منزلة يف هذه ال َتح َية َ بالشهادتين ال َلتين هما مفتاح اإلسّلم ،فشرع أن يكون خاتمة الربوب َية َ الصّلة ،فدخل فيها بال َتكبير والحمد وال َثناء وال َتمجيد وتوديد ُّ واإلله َية ،وختمها بشهادة أن ال إله َإال اهلل َ حمدا عبده ورسوله. وأن م َ الصّلة إذا زادت على ركعتين تشبيها لها وشرعت هذه ال َتح َية يف وسط َ السجدتين ،وفيها مع الفصل راد ٌة للمصلي الستقباله بجلسة الفصل بين َ بنشاط و ٍ ٍ الركعات ،ولهذا كان الركعتين اآلخرتين َ قوة ،بخّلف ما إذا والى بين َ َ تطوع بأرب ٍع جلس يف وسطه َن. األفضل يف النَفل مثنى مثنى ،وإن َ الصّلة بمنزلة خطبة الحاجة أمامها؛ َ فإن وجعلت كلمات ال َتح َيات يف آخر َ الراهب يستعطي من ربه ما ال الراغب َ المصلي إذا فرغ من صّلته جلس جلسة َ ثم غنى به عنه ،فشرع له أمام استعطائه كلمات ال َتح َيات مقدَ مة بين يدي سؤالهَ ، َ فكأن المصلي بالصّلة على من نالت أ َمته هذه النعمة على يده وسعادته، يتبعها َ ثم بال َثناء عليه َ والشهادة له بالوددان َية ولرسوله توسل إلى اهلل سبحانه بعبود َيتهَ ، َ ثم قيل له :تخ َير من الدُّ عاء أد َبه إليك ،فذاك ثم َ الصّلة على رسولهَ ، بالرسالةَ ، الحق ا َلذي لك. الحق ا َلذي عليك ،وهذا ُّ ُّ الصّلة عليه تكميّل لق َرة عينه بإكرام آله الصّلة على آله مع َ وشرعت َ والصّلة عليهم ،وأن يصلي عليه وعلى آله كما ص َلى على أبيه إبراهيم وآله، َ واألنبياء ك ُّلهم بعد إبراهيم من آله ،ولذلك كان المطلوب لرسول اهلل ـ 163ـ
صّلة
الصّلة على إبراهيم وعلى جميع األنبياء بعده وآله المؤمنين ،فلهذا كانت مثل َ هبا وأفضل ،فإذا أتى هبا المصلي
الصّلة أكمل ما يصلي على رسول اهلل هذه َ
الشر كله؛ َ فإن َ أمر أن يستعيذ باهلل من مجامع َ الش َر إ َما عذاب اآلخرة وإ َما سببه، فليس َ وعذاب يف عذاب يف الربزخ الش ُّر َإال العذاب وأسبابه ،والعذاب نوعان: ٌ ٌ اآلخرة ،وأسبابه الفتنة وهي نوعان :كربى وصغرى ،فالكربى فتنة الدَ َجال وفتنة والصغرى فتنة الحياة ا َلتي يمكن تداركها بال َتوبة بخّلف فتنة الممات المماتُّ ، وفتنة الدَ َجال؛ َ ثم شرع له من الدُّ عاء ما يختاره فإن المفتون فيهما ال يتداركهاَ ، السّلم أفضل من الدُّ عاء من مصالح دنياه وآخرته ،والدُّ عاء يف هذا المحل قبل َ السّلم وأنفع للدَ اعي» إلى آخر كّلمه بعد َ
(.)1
الصّلة وأدكام تاركها» (ص.)151 : ( )1انظرَ « :
ـ 164ـ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ
ﱠ
ﺳـــﻨـــﻦ ﺍﻟــﺼـــﻼﺓ
ﻗﺎل ::
اﻟﺼﻼة. »اﻟﺪﱠ رس اﻟﻌﺎﺷﺮُ :ﺳﻨَ ُﻦ ﱠ اﻟﺼﻼةِ؛ وﻣﻨﻬﺎ: ﺳﻨﻦ ﱠ ١ـ اﻻﺳﺘﻔﺘﺎح.
اﻟﺼ ِ ٢ـ َﺟ ْﻌ ُﻞ ﱢ اﻟﺮﻛﻮع ﺴﺮى َﻓ ْﻮ َق ﱠ ﺪر ﺣﻴﻦ اﻟﻘﻴﺎم َﻗ ْﺒ َﻞ ﱡ ﻛﻒ اﻟﻴﺪ اﻟ ُﻴﻤ َﻨﻰ ﻋﻠﻰ اﻟ ُﻴ َ
وﺑﻌﺪَ ه.
ﻮﻣ َﺘ ِﻲ اﻷﺻﺎﺑ ِﻊ ﻣﻤﺪود ًة ْ ﺣﺬ َو اﻟﻤﻨﻜِ َﺒ ْﻴﻦ أو اﻷُ ُذ َﻧ ْﻴﻦ ﻋﻨﺪ ٣ـ َر ُ ﻀﻤ َ ﻓﻊ اﻟ َﻴﺪَ ْﻳﻦ َﻣ ُ
اﻷول إﻟﻰ اﻟ ﱠﺜﺎﻟﺜﺔ. واﻟﺮﻓ ِﻊ ﻣﻨﻪ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻘﻴﺎ ِم ﻣﻦ اﻟ ﱠﺘ ﱡ ﺸﻬﺪ ﱠ اﻟ ﱠﺘﻜﺒﻴﺮِ ﱠ اﻟﺮﻛﻮع ،ﱠ اﻷول ،وﻋﻨﺪ ﱡ ٍ واﻟﺴﺠﻮد. اﻟﺮﻛﻮع ﱡ ٤ـ ﻣﺎ زاد ﻋﻦ واﺣﺪة ﰲ ﺗﺴﺒﻴﺢ ﱡ
اﻟﺮﻛﻮع ،وﻣﺎ زاد ﻋﻦ ٥ـ ﻣﺎ زاد ﻋﻠﻰ ﻗﻮل» :ر ﱠﺑﻨَﺎ وﻟﻚ َ اﻟﺤ ْﻤﺪُ « ﺑﻌﺪ اﻟﻘﻴﺎم ﻣﻦ ﱡ ِ ٍ اﻟﺴ ْﺠﺪَ َﺗ ْﻴﻦ. واﺣﺪة ﰲ اﻟﺪﱡ ﻋﺎء ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮة ﺑﻴﻦ ﱠ ٦ـ ﺟﻌ ُﻞ اﻟﺮ ِ ِ اﻟﺮﻛﻮع. أس ﺣﻴَ َﺎل اﻟ ﱠﻈ ْﻬﺮ ﰲ ﱡ َ ْ ﱠ ﺨ َﺬﻳﻦ ،واﻟ َﻔ ِ ِ اﻟﺠﻨْ َﺒ ْﻴﻦ ،واﻟﺒ ِ ﺨ َﺬ ْﻳﻦ ﻋﻦ ٧ـ ُﻣﺠﺎﻓﺎ ُة اﻟ َﻌ ُﻀﺪَ ْﻳﻦ ﻋﻦ َ ﻄﻦ ﻋﻦ اﻟ َﻔ ْ اﻟﺴﺠﻮد. اﻟﺴﺎ َﻗ ْﻴﻦ ﰲ ﱡ ﱠ
8ـ رفع الذراع ْين عن األرض حين السجود. 9ـ جلوس المصلي على رجله اليسرى مفروش ًة ،ون ْصب اليمنى يف التشهد األول وبين الس ْجدت ْين. 10ـ التورك يف التشهد األخير يف الرباعية والثالثية وهو :الجلوس على مقعدته وجعل رجله اليسرى تحت اليمنى ونصب اليمنى. 11ـ اإلشارة بالسبابة يف التشهد األول والثاين من حين يجلس إلى نهاية التشهد وتحريكها عند الدعاء. 12ـ الصالة والتبريك على محمد وآل محمد ،وعلى إبراهيم وآل إبراهيم يف التشهد األول. 13ـ الدعاء يف التشهد األخير. 14ـ الجهر بالقراءة يف صالة الفجر ،وصالة الجمعة ،وصالة العيد ْين، والستسقاء ،ويف الر ْكعت ْين األولي ْين من صالة المغرب والعشاء. 15ـ اإلسرار بالقراءة يف الظهر والعصر ،ويف الثالثة من المغرب، واألخيرت ْين من العشاء. 16ـ قراءة ما زاد عن الفاتحة من القرآن ،مع مراعاة بقية ما ورد من السنن يف الصالة سوى ما ذكرنا ،ومن ذلك :ما زاد على قول المصلي« :ربنا ولك الح ْمد» بعد الرفع من الركوع يف حق اإلمام والمأموم والمنْفرد فإنه سنة ،ومن أيْا :وضع اليد ْين على الركبت ْين م ْفرجتي األصابع حين الركوع». ذلك ً :n لما أهنى َ
بالصّلة؛ عقد ما يتع َلق باألركان والواجبات المخت َصة َ ـ 166ـ
ٍ واجب؛ تنبيها بالصّلة وا َلتي ليست برك ٍن وال السنن المتعلقة َ هذا الدَ رس لبيان ُّ السنن ورعايته لها ،وأن يحرص على أن ال منه إلى أهم َية عناية المسلم هبذه ُّ ٍ شيء منها ،وال يقول« :هذه سنَة» مستهينا ،بل عليه أن يحرص عليها يفرط يف السنَة رغبة عنها؛ َ فإن من تركها وأن يعتني هبا ،وأن يحذر يف الوقت نفسه أن يرتك ُّ ونصيب من قول النَبي ـ عليه رغبة عنها فهذا يخشى عليه أن يكون له دظ ٌ والسّلم ـ« :م ْن رغب ع ْن سنتي فل ْيس مني»( ،)1لكن إذا تركها ليس َ الصّلة َ ٍ نشاط على الفعل أو نحو ذلك؛ فإ َنه ال يكون آثما بذلك، رغبة عنها وإ َنما لعدم لكن يفوته أجرها وثوابها. ٌ عظيم؛ ففيها ال َتكميل لصّلة العبد ،وفيها عظم شأن السنن لها ٌ وهذه ُّ ال َثوابَ ، السنن المأثورة عن النَبي وأن العبد ك َلما عظم د ُّظه يف صّلته من هذه ُّ كان ذلك أعظم يف أجر صّلته وأرفع يف ثوابه ودرجاته. السنن المذكورات تنقسم إلى قسمين: وهذه ُّ 1ـ سنن قولية؛ مثل دعاء االستفتاح ،ومثل ما زاد على قول« :سبحان ربي الرفع الركوع ،وما زاد على قول« :ر َبنا ولك الحمد» يف َ مرة واددة يف ُّ العظيم» َ السجود ،وما زاد مرة واددة يف ُّ منه ،وما زاد على قول« :سبحان ربي األعلى» َ السجدتين. مرة واددة بين َ على قول« :رب اغفر لي» َ الركوع ،وعند 2ـ سنن فعلية؛ مثل رفع اليدين عند تكبيرة اإلدرام ،وعند ُّ الركوع أن ال يشخص الرفع منه ،وعند القيام إلى ال َثالثة ،ومثل ما جاء يف صفة ُّ َ ( )1أخرجه البخاري( ،)5063ومسلم ( )1401عن أنس
ـ 167ـ
.
بالسجود، بالسنن الفعل َية المتعلقة ُّ رأسه وال يصوبه كما سيأيت ،كذلك ما يتع َلق ُّ شهد. وتحريك األصبع يف ال َت ُّ
قال
« :سنن الصالة؛ ومنها :الستفتاح»؛ وسمي «استفتادا» أل َنه
الصّلة ،ويؤتى به يف َأولها بعد تكبيرة اإلدرام ،وهذا االستفتاح ورد فيه تفتتح به َ والسّلم ـ ،فبأي منها أخذ المسلم دصل صي ٌغ ثابت ٌة عن النَبي ـ عليه َ الصّلة َ السنَة العظيمة ،وإن فعل الوارد منوعا تارة هذا وتارة هذا فهو أولى. تحقيق هذه ُّ والسّلم ـ ورد عنه صي ٌغ عديد ٌة يف االستفتاح ،مثل: بي ـ عليه َ الصّلة َ والنَ ُّ
«اللهم باعدْ ب ْيني وب ْين خطاياي كما باعدْ ت ب ْين الم ْشرق والمغْرب ،اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الث ْوب األ ْبيض من الدنس ،اللهم اغْس ْل خطاياي بالماء والث ْلج والبرد»( ،)1ومثل« :س ْبحانك اللهم وبح ْمدك ،وتبارك ْاسمك ،وتعالى جدك ،ول إله غ ْيرك»(.)2
وهذه الصيغ منها ما هو ثنا ٌء على اهلل وتمجيدٌ ،مثل« :س ْبحانك اللهم ٌ وسؤال ،مثل« :اللهم باعدْ ب ْيني وب ْين خطاياي»، وبح ْمدك» ،ومنها ما هو دعا ٌء ومنها الجامع بينهما بين ال َتمجيد وال َثناء ،والدُّ عاء والمسألة؛ ومن ذلك ما كان يقوله
يف استفتاده من صّلة ال َليل« :اللهم لك الح ْمد أنْت قيم السموات
واأل ْرض وم ْن فيهن ،ولك الح ْمد لك م ْلك السموات واأل ْرض وم ْن فيهن ،ولك ( )1أخرجه البخاري ( ،)744ومسلم ( )598عن أبي هريرة
.
( )2أخرجه أدمد ( ،)11657وأبو داود ( ،)775والرتمذي ( ،)242والنسائي ( ،)900وابن ماجه وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)340 ()804؛ َ
ـ 168ـ
الح ْمد أنْت نور السموات واأل ْرض وم ْن فيهن ،ولك الح ْمد أنْت ملك السموات واأل ْرض ،ولك الح ْمد أنْت الحق ،وو ْعدك الحق ،وق ْولك الحق ،ولقاؤك حق، والجنة حق ،والنار حق ،والنبيون حق ،ومحمد
حق ،والساعة حق ،اللهم
لك أ ْسل ْمت ،وبك آمنْت ،وعل ْيك توك ْلت ،وإل ْيك أن ْبت ،وبك خاص ْمت ،وإل ْيك حاك ْمت ،فاغْف ْر لي ما قد ْمت وما أخ ْرت ،وما أ ْسر ْرت وما أ ْعلنْت ،أنْت المقدم وأنْت المؤخر ،ل إله إل أنْت ،ول ح ْول ول قوة إل باهلل»( ،)1وهذا االستفتاح الصّلة العظيم بجمله الكثيرة من أطول االستفتادات المأثورة عن النَبي ـ عليه َ استفتاح والسّلم ـ ،وكان يقوله يف استفتاده لصّلة ال َليل ،وهو جامع ،بل يعدُّ ٌ ٌ َ متنا جامعا أل َمهات العقيدة وأصول الدين ،ودفظ المسلم له ،وعنايته به بأن كل ٍ يستفتح صّلته به َ ليلة من أعظم األمور ا َلتي يحصل هبا تجديد اإليمان وتقويته يف القلب؛ وهذا هو مقصد األذكار َ الشرع َية المأثورة عن النَبي الكريم، صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه. قال
الصّلة« :ج ْعل كف اليد اليمنى على اليسرى يف عده لسنن َ
الركوع، الرفع من ُّ فوق الصدر حين القيام ،قبل الركوع وبعده» أي :بعد َ سماة بـ« :تمام الخشوع يف وضع اليدين وللمصنف رسال ٌة َ خاص ٌة يف ذلك م َ الركوع» ،وأورد ما يد ُّل لذلك من أد َل ٍة. على َ الصدر بعد ُّ ٍ وانكسار بين وهذا الوضع لليدين ـ اليمنى على اليسرى ـ هيئة ذل وخضو ٍع الصّلة؛ أل َنه لو كانت اليد يدي اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،وهو أجمع للقلب يف َ مرسلة وطليقة ر َبما ينشغل المرء بتحريكها أو نحو ذلك ،لكن إذا قبض اليمنى ( )1أخرجه البخاري ( )1120عن ابن عباس
.
ـ 169ـ
سكون وطمأنين ٌة ،إضافة إلى ما فيها من ُّ ٌ الذل هلل ـ تبارك على اليسرى ففيها وتعالى ـ ،فهي وقفة متذل ٍل خاض ٍع بين يدي ربه ـ َ جل يف عّله ـ ،وسواء وضع السنَة ،كما قال الساعد كل منهما جاءت به ُّ ك َفه على ال ُّرسغ أو وضعها على َ َ الشيخ
الساعد والساعد وصارت أطرافها على َ الرسغ َ « :وإن جعلها على ُّ
فهذا هو األفضل ،وإن جعلها على الذراع فهو سنَ ٌة أيضا»(.)1 قال
« :رفع اليد ْين مْمومتي األصابع ممدود ًة ح ْذو المنكب ْين أو
األذن ْين عند التكبيرة األولى ،وعند الركوع ،والرفع منه ،وعند القيام من التشهد األول إلى الثالثة» هذه أربعة مواضع يشرع للمسلم أن يرفع فيها يديه مضمومة الرفع يكون إلى دذو المنكبين ،أو األصابع ،أي :ليست مفرجة األصابع؛ وهذا َ الصحيحة عن رسول اهلل السنَة َ فروع األذنين ،لمجيء ُّ
هبذا وهذا ،جاء يف
بعض األداديث« :يحاذي بهما منْكب ْيه»( ،)2وجاء يف بعضها« :يحاذي بهما فروع ()4
أذن ْيه»( ،)3فمن ال ُّسنَة أن يرفع يديه يف هذه المواطن األربعة ،لما يف البخاري
عن عبيد اهلل عن ناف ٍع َ الصّلة ك َبر ورفع يديه ،وإذا أن ابن عمر «كان إذا دخل يف َ الركعتين ركع رفع يديه ،وإذا قال :سمع اهلل لمن دمده رفع يديه ،وإذا قام من َ ».
رفع يديه ،ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي اهلل
السنن« :ما زاد عن واحدة يف تسبيح الركوع والسجود» ،قول: ومن ُّ (« )1مجموع فتاويه» (.)148/8 ( )2أخرجه أدمد ( ،)23599وأبو داود ( )730والرتمذي ( ،)304والنسائي ( ،)1181وابن ماجه ( )1061عن أبي دميد الساعدي
وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)305 ؛ َ
( )3أخرجه مسلم ( )391عن مالك بن الحويرث ( )4برقم (.)739
ـ 170ـ
.
مرة واددة السجود َ الركوع ،و«سبحان ربي األعلى» يف ُّ «سبحان ربي العظيم» يف ُّ الصّلة ،وما زاد على ذلك فهو سنَ ٌة. هذا من واجبات َ قال« :ما زاد على قول« :ربنا ولك الح ْمد» بعد القيام من الركوع» أيضا الركوع يقول« :ر َبنا ولك الحمد» يقولها اإلمام الرفع من ُّ السنن بعد َ هذا من ُّ السنن ،مثل« :ح ْمدً ا مما ورد ك ُّله من ُّ ثم ما زاد على ذلك َ والمأموم والمنفردَ ، كث ًيرا طي ًبا مباركًا فيه ،كما يحب ربنا وي ْرضى»( ،)1أو« :م ْلء السماوات وم ْلء األ ْرض ،وما ب ْينهما ،وم ْلء ما شئْت م ْن ش ْيء ب ْعد ،أ ْهل الثناء والم ْجد»( ،)2أو:
«اللهم طه ْرني بالث ْلج والبرد ،والماء البارد ،اللهم طه ْرني من الذنوب والخطايا، كما ينقى الث ْوب األ ْبيض من الوسخ»(.)3
«ما زاد عن واحدة يف الدعاء بالمغفرة بين السجدت ْين» ،تقدَ م يف دديث دذيفة
َ مرة أن المصلي يقول بين ال َسجدتين« :رب اغفر لي»؛ فقوله َ
السنن. واددة هذا ٌ واجب ،وما زاد على ذلك فهو من ُّ الرأس بمستوى «ج ْعل الرأس حيال الظ ْهر يف الركوع» يعني ال يخفض َ الرأس ،بل يكون دياله ،أي :مساويا له على سمته، أنزل من ال َظهر ،وال يرفع َ وقد جاء يف «صحيح مسلم»( )4من دديث أم المؤمنين عائشة
يف وصفها
والسّلم ـ أنَها قالت« :كان إذا ركع لم يشخص رأسه، لصّلة النَبي ـ عليه َ الصّلة َ ولم يصوبه ،ولكن بين ذلك». ( )1أخرجه البخاري ( )799عن رفاعة بن رافع ( )2أخرجه مسلم ( )477أبي سعيد الخدري
. .
( )3أخرجه مسلم ( )476عن عبد اهلل بن أبي أوىف ( )4برقم (.)498
ـ 171ـ
.
«مجافاة العْد ْين عن الجنْب ْين ،والبطن عن الفخذ ْين ،والفخذ ْين عن الساق ْين يف السجود» ،وهذه المجافاة ثابت ٌة من فعله ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ، أن َ وقد ب َين أهل العلم من فائدة هذه المجافاة َ كل موضع من الجسم يأخذ د َظه السجود ،بخّلف إذا جعل أجزاء من الجسم ملتصقا بعضها ببعض، من ُّ الساقين فمجافاة العضدين عن الجنبين ،والبطن عن الفخذين ،والفخذين عن َ أكمل يف هيئة العبد وتذ ُّللـه يف سجوده لربه ـ تبارك وتعالى ـ. «رفع الذراع ْين عن األرض حين السجود» كما جاء يف الحديث« :فإذا سجد وضع يد ْيه ،غ ْير م ْفترش ،ول قابْهما»(.)1 «جلوس المصلي على رجله اليسرى مفروشة ،ونصب اليمنى يف التشهد األول وبين الس ْجدت ْين»؛ وهذا جاء يف دديث عائشة
يف «صحيح
مسلم»(« :)2كان ي ْفرش ر ْجله الي ْسرى ،وينْصب ر ْجله الي ْمنى». «التورك يف التشهد األخير يف الرباعية والثالثية وهو :الجلوس على مقعدته ثابت يف دديث أبي وج ْعل رجله اليسرى تحت اليمنى ونصب اليمنى»؛ وهذا ٌ دميد
يف البخاري( ،)3وفيه« :وقعد على مقعدته» ،وهذه الهيئة يقال لها:
ورك» َ والرباع َية ـ شهد ا َلذي يف آخر َ ألن المصلي ـ يف ال َت ُّ الصّلة من ال ُّثّلث َية ُّ «ال َت ُّ يجلس على وركه ،بينما األولى يقال لها« :افرتاش» أل َنه يجعل رجله اليسرى مثل الفراش له يجلس عليها. ( )1أخرجه البخاري ( )828عن أبي دميد الساعدي ( )2برقم ( )498عن عائشة
.
،وقد سبق تخريجه.
( )3برقم ( )828عن أبي دميد الساعدي
،وقد سبق تخريجه.
ـ 172ـ
«اإلشارة بالسبابة يف التشهد األول والثاين من حين يجلس إلى نهاية التشهد وتحريكها عند الدعاء» أي َ شهد إلى أن يسلم أن هذه اإلشارة من دين يجلس لل َت ُّ بالس َبابة يرفعها رفعا غير كامل إشارة للتَوديد ،ويحركها عند الدُّ عاء يكون مشيرا َ تحريكا خفيفا. «الصالة والتبريك على محمد وآل محمد ،وعلى إبراهيم وآل إبراهيم يف التشهد األول» أيَ : شهد الصّلة اإلبراهيم َية اإلتيان هبا يف ال َت ُّ أن هذا من سنن َ األول ،وقد تقدَ م ذكر الصيغة. َ «الدعاء يف التشهد األخير» تقدَ م دديث ابن مسعود
،وفيه« :ثم
والصّلة شهد َ بالسّلم بعد إكمال ال َت ُّ يتخير ب ْعد م ْن الدعاء ما شاء» ،فّل يستعجل َ عظيم يتح َرى فيه الدُّ عاء. اإلبراهيم َية ،بل يتخ َير من الدُّ عاء ما شاء؛ فإ َنه موط ٌن ٌ «الجهر بالقراءة يف صالة الفجر وصالة الجمعة وصالة العيد ْين والستسقاء ،ويف الركعت ْين األولي ْين من صالة المغرب والعشاء» ،ولهذا لو َ أن ثم نبه اإلمام ـ مثّل ـ نسي الجهر بالفاتحة ،وقرأ نصف سورة الفاتحة سراَ ، ليجهر؛ فّل يعيد الفاتحة من َأولها ،وإ َنما يكمل من ديث انتهى إليه قراءة؛ أل َنه مرتين ،فيكمل جهرا من ديث انتهى إليه. ال يشرع قراءة َأول الفاتحة َ «اإلسرار بالقراءة يف الظهر والعصر ،ويف الثالثة من المغرب ،واألخيرت ْين من العشاء» ،والجهر يف مواضع الجهر ،واإلسرار يف مواضع اإلسرار ،مجم ٌع على استحبابه ،واألصل فيه فعل النَبي
.
«قراءة ما زاد عن الفاتحة من القرآن» أيَ : الصّلة ،أ َما أن هذا من سنن َ ـ 173ـ
ٍ الصّلة ،وتقدَ م قوله ركن يف كل ركعة من ركعات َ الفاتحة :فهي ٌ
« :ل صالة
لم ْن ل ْم ي ْقر ْأ بفاتحة الكتاب»(.)1 قال
« :مع مراعاة بقية ما ورد من السنن يف الصالة سوى ما ذكرنا» ذكر
ذلك :تنبيها إلى َ السنن ليس على سبيل الحصر وإ َنما على أن ما تقدَ م ذكره من ُّ سبيل المثال. «ومن ذلك :ما زاد على قول المصلي «ربنا ولك الح ْمد» بعد الرفع من الركوع يف حق اإلمام والمأموم والمنفرد ،فإنه سنة» وقد تقدَ م. أيْا :وضع اليدين على الركبت ْين مفرجتي األصابع حين «ومن ذلك ً الركوع» لحديث وائل بن دجر
« :كان رسول اهلل
إذا ركع ف َرج
أصابعه»(.)2
( )1أخرجه البخاري ( ،)756ومسلم ( )394عن عبادة بن الصامت
.
( )2أخرجه ابن خزيمة يف «صحيحه» ( ،)594والطرباين يف «الكبير» ( ،)26والبيهقي يف «السنن وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)4733 الكربى» ()2695؛ َ
ـ 174ـ
ُ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﳊﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ
ﱠ
ـﺒـﻄــﻼﺕ ﺍﻟـﺼـــﻼﺓ ﻣ ِ
ﻗﺎل ::
اﻟﺼﻼة. »اﻟﺪﱠ رس اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮُ :ﻣﺒﻄِ ُ ﻼت ﱠ اﻟﺼﻼة وﻫﻲ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ: ُﻣﺒﻄِ ُ ﻼت ﱠ اﻟﺬﻛﺮِ ِ اﻟﻜﻼ ُم اﻟ َﻌ ْﻤﺪُ ﻣﻊ ﱢ واﻟﻌ ْﻠ ِﻢ ،ﱠأﻣﺎ اﻟﻨﱠﺎﺳﻲ واﻟﺠﺎﻫﻞ ﻓﻼ َﺗﺒ ُﻄ ُﻞ ﺻﻼ ُﺗﻪ
ﺑﺬﻟﻚ.
اﻟﻀﺤﻚ. ﱠ اﻷﻛﻞ.
ﱡ اﻟﺸﺮب.
اﻧﻜﺸﺎف اﻟﻌﻮرة.
اﻻﻧﺤﺮاف اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻋﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻘﺒﻠﺔ.
اﻟ َﻌ ُ اﻟﺼﻼة. اﻟﻤﺘﻮاﻟﻲ ﰲ ﱠ ﺒﺚ اﻟﻜﺜﻴﺮ ُ
اﻧﺘﻘﺎض اﻟﻄﱠﻬﺎرة«.
:n قوله
الصّلة إذا « :مبطالت الصالة» أي :األمور ا َلتي تبطل هبا َ
وجدت؛ وهذه المبطّلت يجب على المسلم أن يعرفها ،وأن يكون على ٍ علم هبا ٍ شيء منها؛ أل َنها مبط ٌل لصّلته« ،وهي ثمانية» مبطّلت: لي َتقي أن يقع يف 1ـ «الكالم الع ْمد مع الذكر والعلم»؛ لحديث زيد بن أرقم عندما نزل قول اهلل
﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [^]238 :
الصّلة، الرجل صادبه وهو إلى جنبه في َ قال« :كنَا نتك َلم في َ الصّلة ،يكلم َ السكوت ،ونهينا عن الكّلم»(.)1 دتَى نزلت﴿ :ﭖ ﭗ ﭘ﴾ فأمرنا ب ُّ وقوله «مع الذكر» :أي ال يكون ساهيا ،وقوله« :والعلم» :أي ال يكون الساهي ،بأن تك َلم يف أثناء صّلته سهوا، جاهّل؛ وعليه فإ َنه إذا دصل كّل ٌم من َ أو تك َلم يف أثناء صّلته جهّل بالحكم؛ َ بالسهو فإن صّلته ال تبطل بذلك للعذر َ والنسيان. 2ـ 3ـ 4ـ «الْحك ،األكل ،الشرب» ،وهذا بإجماع أهل العلم؛ إذا ضحك يف صّلته ،أو أكل ،أو شرب بطلت صّلته. الصّلة ستر العورة ،وإذا عدم 5ـ «انكشاف العورة» ،وقد تقدَ م يف شروط َ َ الشرط بطل المشروط. 6ـ «النحراف الكثير عن جهة القبلة»؛ َ ألن استقبال القبلة من شروط يضر ،لكن إذا انحرف َ الصّلة كما تقدَ م ،فإذا انحرف انحرافا يسيرا فإ َنه ال ُّ ()1أخرجه البخاري ( ،)1200ومسلم (.)573
ـ 176ـ
انحرافا شديدا عن جهة القبلة بطلت صّلته. 7ـ «العبث الكثير المتوالي يف الصالة» بأن يعبث بيده أو رجله أو لحيته أو الصّلة؛ أل َنه انشغا ٌل عن ال َصّلة ،فحركته مما يبطل َ ثوبه أو غير ذلك ،فهذا َ َ وألن ال ُّطمأنينة من أركان سببها انصراف قلبه ،فلو خشع قلبه لخشعت جوارده، الصّلة ،وليس لذلك دد محدو ٌد، الصّلة ،فإذا كثر العبث وتوالى بطلت َ َ ٍ دركات ال دليل عليه. وتحديده بثّلث 8ـ «انتقاض الطهارة» َ الصّلة ،كما تقدَ م يف ألن ال َطهارة من شروط َ الحديث« :ل ت ْقبل صالة بغ ْير طهور»( ،)1فإذا انتقضت طهارة المرء وهو يصلي؛ بخروج ريحٍ أو ٍ بول أو نحو ذلك؛ َ فإن صّلته تبطل.
( )1سبق تخريجه.
ـ 177ـ
ﱠ ﱠ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ
ﺷــﺮﻭﻁ ﺍﻟـــﻮﺿــــﻮء
ﻗﺎل ::
»اﻟﺪﱠ رس اﻟ ﱠﺜﺎﲏ ﻋﺸﺮ :ﺷﺮوط اﻟﻮﺿﻮء.
ﺷﺮوط اﻟﻮﺿﻮء وﻫﻲ ﻋﺸﺮة :اﻹﺳﻼم ،واﻟﻌﻘﻞ ،واﻟ ﱠﺘﻤﻴﻴﺰ ،واﻟﻨﱢ ﱠﻴﺔ، ِ واﻧﻘﻄﺎع ُﻣ ِ ﻮﺟﺐ ﺗﺘﻢ ﻃﻬﺎر ُﺗﻪ، ُ ُ واﺳﺘﺼﺤﺎب ُﺣﻜﻤﻬﺎ ﺑﺄن ﻻ َﻳﻨْ ِﻮي َﻗﻄ َﻌﻬﺎ ﺣ ﱠﺘﻰ ﱠ اﻟﻮﺿﻮء ،واﺳﺘﻨﺠﺎء أو اﺳﺘﺠﻤﺎر َﻗﺒ َﻠﻪ ،وﻃﻬﻮرﻳ ُﺔ ٍ ﻣﺎء وإﺑﺎﺣ ُﺘﻪ ،وإزاﻟ ُﺔ ﻣﺎ َﻳﻤﻨَ ُﻊ ٌ ْ ٌ ﱠ ِ ُ اﻟﺼﻼة ﰲ ﱢ ﺣﻖ َﻣ ْﻦ َﺣﺪَ ُﺛﻪ داﺋِ ٌﻢ«. وﺻﻮ َﻟﻪ إﻟﻰ اﻟ َﺒ ْﺸ َﺮة، ودﺧﻮل َو ْﻗﺖ ﱠ :n
ِ ٌ ﺗﻘﺪﱠ م ﱠ اﻟﺼﻼةِ ،ﻓﻼﺑﺪﱠ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﺣﻜﺎم ﺷﺮط أن اﻟ ﱠﻄﻬﺎر َة ﻟﺼﺤﺔ ﱠ ﱠ ِ ِ ﻛﺮﻫﺎ، اﻟﻤﺘﻌ ﱢﻠ َﻘﺔ ﺑﺎﻟ ﱠﻄﻬﺎرة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ُﺷﺮو ُﻃﻬﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻷﺧﺮى اﻵﰐ ذ ُ ُ ٍ ﺷﺮوط: ﺑﺪأﻫﺎ ﺑﺸﺮوط اﻟﻮﺿﻮء ﻓﻘﺎل» :وﻫﻲ ﻋﺸﺮة«
اﻷول واﻟ ﱠﺜﺎﲏ واﻟ ﱠﺜﺎﻟﺚ» :اﻹﺳﻼم ،واﻟﻌﻘﻞ ،واﻟ ﱠﺘﻤﻴﻴﺰ«؛ وﻫﺬه ﱡ اﻟﺸﺮوط ﱠ ِ ُ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﺎ. اﻟﺼﻼة وﺗﻘﺪﱠ م ﻛﺮﻫﺎ ﰲ ﺷﺮوط ﱠ ﺗﻘﺪﱠ م ذ ُ ﺻﻼة ،أو ٍ ٍ ﻓﻸن َﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠِ ِﻢ ﻋﻤ ُﻠﻪ أﻳﺎ ﻛﺎن ـ ﻣﻦ ﻃﻬ ٍ زﻛﺎة، ﺎرة ،أو أ ﱠﻣﺎ اﻹﺳﻼم :ﱠ ْ َ ُ
أو غير ذلك ـ ٌ باطل وداب ٌط؛ َ ألن الكفر مبط ٌل للعمل كله ،كما قال اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ﴿ :ﯽﯾ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ﴾ [.]5 :a َ وع عنه القلم ،كما تقدَ م يف قوله وأ َما العقل: فألن المجنون مرف ٌ
:
«رفع القلم ع ْن ثالثة» وذكر منهم :المجنون ،فالجنون فقدٌ للعقل ،ومن شرط العبادة عموما وجود العقل ا َلذي يحصل به المعرفة والفهم والدراية ،وفاقد العقل ال يحسن إقامة هذه األعمال واإلتيان هبا على وجهها. وأ َما ال َتمييزَ : مرفوع عن ثّلث؛ منهم: فألن القلم كما تقدَ م يف الحديث ٌ بي د َتى يميز ،ولهذا أيضا جاء يف الحديث« :مروا أ ْبناءك ْم بالصالة لس ْبع»، َ الص ُّ بالصّلة. بي بال َطهارة ويؤمر َ والسابعة هي س ُّن ال َتمييز ا َلتي يؤمر هبا َ َ الص ُّ
ٍ ٌ عبادة ،وقد الصّلة ،ويف كل الرابع« :النية»؛ والن َية شرط يف ال َطهارة ،ويف َ
والسّلم ـ« :إنما األ ْعمال بالنيات ،وإنما لكل ْامرئ ما الصّلة قال ـ عليه َ َ نوى»( ،)1والمراد بالن َية يف ال َطهارة :أن يعقد بقلبه أنَه يباشر هذه األعمال من أجل طهارته ،فلو أتى بفروض الوضوء ،ولم ينو ال َطهارة ،وإ َنما نوى نظافة هذه األعضاء ،فّل يكون عمله ذلك طهارة؛ َ ألن من شرطها الن َية. الخامس« :استصحاب حكمها بأن ل ينوي قطعها حتى تتم طهارته» أل َنه لو قطع ن َية ال َطهارة يف أثناء العمل لم تص َح طهارته؛ كأن يغير الن َية يف أثناء الوضوء من ال َطهارة إلى النَظافة. طهر ،فّل تكون السادس« :انقطاع موجب الوضوء» أي :انقطاع موجب ال َت ُّ السبيلين ،أو النَوم ،أو نحو ذلك ،أ َما ال َطهارة َإال بعد انقطاع الموجب ،كالخارج من َ ( )1سبق تخريجه.
ـ 179ـ
شروع فيها فإ َنها ال تص ُّح. يف أثناء وجود موجب الوضوء لو دصل لإلنسان طهار ٌة أو ٌ
السابع« :استنجاء أو استجمار ق ْبله» أي يف دال وجود خارجٍ من
السبيلين؛ فإ َنه يشترط لل َطهارة االستنجاء أو االستجمار قبلها ،والمراد َ السبيلين بالماء ،والمراد باالستجمار باالستنجاء :تنقية موضع الخارج من َ السبيلين ،وليس كما تنقيته بالحجارة ،وإنَما يشترط ذلك إذا وجد خار ٌج من َ ٍ ٌ خارج. طهارة د َتى وإن لم يوجد شرط عند كل يظ ُّن بعض العوام أنَه ٌ الثامن« :طهورية ماء وإباحته» فإذا كان الماء نجسا؛ فإ َنه ال تحصل به ال َطهارة ،وكذلك إذا كان مغصوبا أو مسروقا أو نحو ذلك؛ فّل تص ُّح به ال َطهارة. التاسع« :إزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة» كأن يكون على اليد أو القدم أصباغ ،أو قطعة من العجين؛ لكون ذلك مانعا من إسباغ الوضوء. العاشر« :دخول وقت الصالة يف حق م ْن حدثه دائم» كمن عنده سلس للصّلة، البول ،أو سلس الريح ،فإذا دخل الوقت ودخول الوقت يعرف بالنداء َ توضأ وص َلى على الحال ا َلتي هو عليها ،د َتى وإن خرج شي ٌء للصّلة َ فإذا نودي َ من الريح أو خرج شي ٌء من البول فإ َنه ال تنتقض طهارته؛ ألنَه ال يملك ذلك، ٍ صّلة عند دخول الوقت ،فحكمه يتوضأ لكل لكن من شرط ال َطهارة يف دقه أن َ ٍ صّلة كما يف دديث عائشة تتوضأ لكل أن َ
َبي دكم المستحاضة أمرها الن ُّ « :ثم توضئي لكل صالة ،حتى يجيء ذلك الو ْقت»(.)1
( )1أخرجه البخاري (.)228
ـ 180ـ
ﱠ ﱠ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ
ﻓﺮﻭﺽ ﺍﻟﻮﺿﻮء
ﻗﺎل ::
رس اﻟ ﱠﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ :ﻓﺮوض اﻟﻮﺿﻮء. »اﻟﺪﱠ ُ
ُ ُ ﻏﺴﻞ اﻟﻮﺟﻪ وﻣﻨﻪ اﻟﻤﻀﻤﻀ ُﺔ واﻻﺳﺘﻨﺸﺎق، ﻓﺮوض اﻟﻮﺿﻮء؛ وﻫﻲ ﺳ ﱠﺘ ٌﺔ: ِ اﻟﺮ ِ ُ اﻟﺮ ْﺟ َﻠ ْﻴﻦ وﻏﺴ ُﻞ ﱢ أس وﻣﻨﻪ اﻷُ ُذ َﻧﺎنْ ، وﻣ ْﺴ ُﺢ ﺟﻤﻴﻊ ﱠ وﻏﺴﻞ اﻟ َﻴﺪَ ْﻳﻦ ﻣﻊ اﻟﻤ ْﺮ َﻓ َﻘ ْﻴﻦَ ، ﻣﻊ اﻟ َﻜ ْﻌ َﺒ ْﻴﻦ ،واﻟ ﱠﺘﺮﺗﻴﺐ ،واﻟﻤﻮاﻻة.
ﺛﻼث ﻣﺮ ٍ ات ،وﻫﻜﺬا واﻟﺮ ْﺟ َﻠ ْﻴﻦ وﻳﺴ َﺘ َﺤ ﱡ َ ﱠ ﻜﺮار َﻏ ْﺴ ِﻞ اﻟﻮﺟﻪ واﻟ َﻴﺪَ ْﻳﻦ ﱢ ﺐ َﺗ ٌ ُ اﻟﺮأس ﻓﻼ ﻣﺮ ٌة واﺣﺪ ٌة ،ﱠأﻣﺎ ُ ﻣﺴﺢ ﱠ اﻟﻤﻀﻤﻀ ُﺔ واﻻﺳﺘﻨﺸﺎ ُق ،واﻟﻔﺮض ﻣﻦ ذﻟﻚ ﱠ ُ اﻟﺼﺤﻴﺤ ُﺔ. ﺖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻜﺮ ُاره ﻛﻤﺎ د ﱠﻟ ْ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﱠ ُﻳﺴ َﺘ َﺤ ﱡ ﺐ َﺗ َ :n ﻓﺮوض اﻟﻮﺿﻮء« ﺟﻤﻊ ﻓﺮض؛ واﻟﻔﺮض ﰲ ﱠ ﻗﺎل ُ » :: اﻟﺸﺮ ِع ﻣﻌﻨﺎه :ﻣﺎ ُأﻣِﺮ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ِ اﻹﻟﺰام. َ »وﻫﻲ ﺳ ﱠﺘ ٌﺔ« ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ, + * ) (﴿ :
،[٦ :a] ﴾1 0 / .ﻓﻬﺬه اﻵﻳ ُﺔ َأوﺟﺒ ِﺖ ْ ََ
للصّلة ،وب َينت األعضاء ا َلتي يجب غسلها أو مسحها يف الوضوء، الوضوء َ السنَة النَبو َية شاردة ومفصلة. ثم جاءت ُّ وددَ دت مواقع الوضوء منهاَ ، األول« :غسل الوجه ومنه المْمْة والستنشاق» والوجه هو :ما تحصل الرأس المعتاد ،إلى ما انحدر من اللحيين َ والذقن طوال، به المواجهة من منابت شعر َ ومن األذن إلى األذن عرضا ،والبدء بالوجه لشرفه ،أ َما غسل اليدين يف َأول الوضوء فللنَظافة؛ َ ألن فرض غسل اليدين من الكف إلى المرفق يكون بعد غسل الوجه. َ ألن «ومنه المْمْة والستنشاق» قوله« :منه» أي :من الوجه؛ المضمضة للفم ،واالستنشاق لألنف ،والفم واألنف من الوجه ،فيدخل يف قول اهلل تعالى﴿ :ﭘ ﭙ﴾ ،ويستد ُّل له بفعل النَبي
؛ كحديث عثمان
« :فم ْْمض و ْاستنْثر»(.)1 والمضمضة :وهي وضع الماء يف الفم وتحريكه ،من أجل تنقية الفم وتنظيفه. واالستنشاق :أن يجذب الماء بنف ٍ س قوي إلى أقصى األنف. مما يعلق به. واالستنثار :دفع الماء إلى الخارج ،ليحصل بذلك تنقية الخيشوم َ الثاين «غسل اليد ْين إلى الم ْرفق ْين» أي غسل اليد من أطراف األصابع إلى المرفقين ،وقوله« :إلى الم ْرفق ْين» أي مع المرفقين؛ َ ألن المرفق داخ ٌل يف الغسل، السنَة العمل َية من فعل النَبي ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ. كما يوضح ذلك ُّ السنَة صفته كما يف دديث الثالث« :مسح جميع الرأس» وقد ب َينت ُّ عبد اهلل بن زيد
ثم مسح رأسه بيديه فأقبل هبما وأدبر بدأ بمقدَ م ،وفيهَ « :
( )1أخرجه البخاري ( ،)159ومسلم ( )226واللفظ له.
ـ 182ـ
ثم ر َدهما إلى المكان ا َلذي بدأ منه»(.)1 رأسه دتَى ذهب هبما إلى قفاه َ قوله« :ومنه األذنان» ،يد ُّل لذلك قول النَبي
« :األذنان من الر ْأس»(،)2
والسّلم ـ ،فقد كان يمسح األذنين بالماء ا َلذي الصّلة وكذلك فعله ـ عليه َ َ الرأس ،ال يأخذ لهما ماء مستقّل ،يجعل س َبابته يف أذنه ،ويمسح يمسح به َ باإلهبام ظهر األذنين ،واألذن ال تغسل وإ َنما تمسح؛ َ ألن فرضها مثل فرض الرأس مس ٌح وليس غس ٌل. الرأس ،وفرض َ َ الرابع« :غسل الرجل ْين مع الك ْعب ْين» كما قال تعالى﴿ :ﭟ ﭠ
ﭡ﴾ َ فإن «إلى» بمعنى «مع» ،ولألداديث الواردة يف صفة الوضوء؛ فإنَها ُّ تدل على دخول الكعبين يف المغسول. ثم ثم اليدينَ ، الخامس« :الترتيب» أي :يؤتى هبذه الفروض؛ الوجهَ ، ثم القدمين ،على هذا النَحو من ال َترتيب كما جاء يف اآلية؛ َ ألن اهلل تعالى الرأسَ ، َ الرأس ـ بين مغسولين ،ولفعل النَبي ذكرها مر َتبة ،وألنَه أدخل ممسودا ـ وهو َ والسّلم ـَ ، فإن من نقل صفة وضوئه ـ عليه َ الصّلة َ
نقلها مر َتبة على هذا النَحو.
الشرط السادس« :الموالة» يعني :ال يفصل بين ع ٍ والضابط يف ذلك: ضو وآخرَ ،
ٍ ثم يغسل أن ال يؤخر غسل عضو دتَى ينشف ا َلذي قبله ،بل يوالي بينها؛ فيغسل العضوَ ، العضو ا َلذي يليه مباشرة؛ َ توضؤ النَبي ألن ُّ
كان متواليا ولم يكن يفصل بين أعضائه.
قال« :ويستحب تكرار غسل الوجه واليد ْين والرجل ْين ثالث مرات ،وهكذا ( )1أخرجه البخاري ( ،)185ومسلم (.)235 وصححه ( )2أخرجه أدمد ( ،)22282وأبو داود ( ،)134والرتمذي ( ،)37وابن ماجه ()444؛ َ األلباين يف «اإلرواء» (.)84
ـ 183ـ
قال:
المْمْة والستنشاق ،والفرض من ذلك مر ًة واحد ًة» فعن ابن ع َباس ٍ «تو َضأ النَبي م َرة م َرة»( ،)1وال َ واددة ،وعن عبد اهلل ابن زيد مر ٍة أقل من َ ُّ ()2 أنَه «دعا بإناءٍ َ تو َضأ م َرتين م َرتين» ،وعن عثمان بن ع َفان َبي «أن الن َ ثم أدخل يمينه في اإلناء فمضمض واستنشق، فأفرغ على ك َفيه ثّلث مر ٍار فغسلهماَ ، ثم غسل ثم مسح برأسهَ ، ثم غسل وجهه ثّلثا ،ويديه إلى المرفقين ثّلث مر ٍارَ ، َ
ثم قال :قال رسول اهلل رجليه ثّلث مر ٍار إلى الكعبين َ
« :م ْن توضأ ن ْحو وضوئي
هذا ثم صلى ركْعت ْين ل يحدث فيهما ن ْفسه غفر له ما تقدم م ْن ذنْبه»( ،)3وهو أكمل. وال يزاد على ال َثّلث ،ومن زاد على ال َثّلث فقد أساء وظلم ،فعن عبد اهلل قال« :جاء أعرابي إلى النَبي
ابن عمرو
يسأله عن الوضوء ،فأراه الوضوء
ثم قال« :هكذا الوضوء ،فم ْن زاد على هذا فقدْ أساء وتعدى وظلم»(.)4 ثّلثا ثّلثاَ ، قال
« :أما مسح الرأس فال يستحب تكراره كما دلت على ذلك
ألن َ األحاديث الصحيحة» َ كل من نقل صفة وضوء النَبي مرة واددة ،قال ابن القيم الرأس َإال َ َ
لم يذكر يف مسح
والصحيح أنَه لم يكرر مسح رأسه؛ َ «:
الرأس ،هكذا جاء عنه صريحا ولم كرر غسل األعضاء أفرد مسح َ بل كان إذا َ صح عنه ي َ
خّلفه البتَة»(.)5
( )1أخرجه البخاري (.)157 ( )2أخرجه البخاري ( ،)158ومسلم (.)235 ( )3سبق تخريجه. الصحيحة» ( )4أخرجه أدمد ( ،)6684والنسائي ( ،)140وابن ماجه ()422؛ وصححه األلباين يف « َ َ (.)2980 (« )5زاد المعاد» (.)186/1
ـ 184ـ
ﱠ ﱠ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﺸﺮ
ﻧﻮﺍﻗﺾ ﺍﻟﻮﺿﻮء
ﻗﺎل ::
اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ :ﻧﻮاﻗﺾ اﻟﻮﺿﻮء. »اﻟﺪﱠ ُ رس ﱠ
ِ اﻟﻔﺎﺣ ُﺶ اﻟﻨﱠ ِ ِ ﺠ ُﺲ واﻟﺨﺎر ُج اﻟﺴﺒﻴ َﻠ ْﻴﻦ، ﻧﻮاﻗﺾ اﻟﻮﺿﻮء وﻫﻲ ﺳ ﱠﺘ ٌﺔ :اﻟﺨﺎرج ﻣﻦ ﱠ وﻣﺲ اﻟ َﻔ ْﺮجِ ﺑﺎﻟﻴﺪ ُﻗ ُﺒ ًﻼ ﻛﺎن أو ُد ُﺑ ًﺮا ﻣﻦ َﻏ ْﻴﺮِ ُ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ، وزوال اﻟﻌﻘﻞ ﺑﻨَ ْﻮ ٍم أو ﻏﻴﺮِه ،ﱡ
ﺣﺎﺋﻞَ ، ٍ وأ ُ واﻟﺮ ﱠد ُة ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ،أﻋﺎذﻧﺎ اﷲُ واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ«. ﻛﻞ َﻟ ْﺤ ِﻢ اﻹﺑﻞ ،ﱢ :n
ﻗﻮﻟﻪ » ::ﻧﻮاﻗﺾ اﻟﻮﺿﻮء« أي ﻣ ِ ﻔﺴﺪا ُﺗﻪ» ،وﻫﻲ ﺳ ﱠﺘﺔ« ﻧﻮاﻗﺾ: ُ
واﻟﺴ َ ﺒﻴﻼن :ﻫﻤﺎ اﻟ ُﻘ ُﺒ ُﻞ واﻟﺪﱡ ُﺑﺮ ،ﻓﺈذا ُو ِﺟﺪَ ﱠ اﻟﺴﺒﻴ َﻠ ْﻴﻦ« ﱠ اﻷول » :اﻟﺨﺎرج ﻣﻦ ﱠ ٍ ِ ﻏﺎﺋﻂ ،أو رﻳﺢٍ ،أو د ٍم أو َﻣﻨ ِ ﱟﻲ ،أو َﻣ ْﺬ ٍي ،أو ﻏﻴﺮ اﻟﺴﺒﻴ َﻠ ْﻴﻦ ـ ﻣﻦ ﺑﻮل ،أو ﺧﺎر ٌج ﻣﻦ ﱠ ذﻟﻚ ـ ﻓﺈ ﱠﻧﻪ َﻳﻨ َﺘ ِﻘ ُﺾ وﺿﻮ ُء اﻟﻤﺮء ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻟﻘﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ³ ² ± ° ¯﴿ :
وﻟﻘﻮل اﻟﻨﱠﺒﻲ ح» :و َﻟﻜِﻦ ِﻣﻦ ﻏَﺎﺋِ ٍ ِ ﻂ َو َﺑ ْﻮ ٍل َوﻧ َْﻮ ٍم«. ´﴾ ]`،[٤٣ : َ ْ ْ ﱢ
) (١أﺧﺮﺟﻪ أﺣﻤﺪ ) ،(١٨٠٩١واﻟﱰﻣﺬي ) ،(٩٦واﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ) ،(١٢٧واﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ) (٤٧٨ﻋﻦ ﺻﻔﻮان ﺑﻦ وﺣﺴﻨﻪ اﻷﻟﺒﺎﲏ ﰲ »اﻹرواء« ).(١٠٤ ﻋﺴﺎل ا؛ ﱠ ﱠ
السبيلين ،وقد الثاين« :الخارج الفاحش النجس من الجسد» من غير َ السبيلين هل ينقض الوضوء أو ال؟ اختلف العلماء يف الدَ م الخارج من غير َ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم نقض الوضوء به؛ ألنَه لم يثبت يف ذلك شي ٌء عن رسول اهلل
.
وذهب بعض أهل العلم إلى دصول النَقض بما كان كثيرا فادشا منه ،وقد الصحابة والتَابعين ،وهو ا َلذي اختاره َ الشيخ جاء ذلك عن بعض َ
هنا ،وهو
أ ٌ خذ بما فيه االدتياط والخروج من الخّلف. الثالث« :زوال العقل بن ْوم أو غيره»؛ َ ألن النَوم مظنَة خروج الحدث، يحس به َإال يسير النَوم؛ فإنَه ال ينقض الوضوء؛ َ الصحابة ألن َ وهو ال ُّ
كان
الصّلة( ،)1وإنَما ينقضه النَوم المستغرق؛ جمعا يصيبهم النُّعاس وهم ينتظرون َ السكر أو اإلغماء. بين األد َلة ،قوله« :أو غيره» أي كالجنون أو ُّ الرابع« :مس الفرج باليد قب ًال كان أو دب ًرا من غير حائل» ،هذا ا َلذي اختاره َ الشيخ
المس بدون الصحيح إذا كان ُّ هو قول جمهور العلماء ،وهو َ
مس فرجه أو فرج غيره ،وسوا ٌء كان الممسوس صغيرا أو كبيرا دائلٍ ،وسوا ٌء َ من األدياء أو األموات ،لحديث بسرة بنت صفوان مس ذكره ف ْليتوض ْأ»(.)2 ( )1أخرجه مسلم ( )376عن أنس
َ َبي أن الن َ
قال« :كان أصحاب رسول اهلل
قال« :م ْن
ثم يص ُّلون ،وال ينامون َ
وضؤون». يت َ ( )2أخرجه أدمد ( ،)27293وأبو داود ( ،)181والرتمذي ( ،)82والنسائي ( ،)163وابن ماجه ( ،)479وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)116
ـ 186ـ
الخامس« :أكل ل ْحم الجزور» ويد ُّل للوضوء من أكل لحم اإلبل ما جاء يف الحديث عن رسول اهلل
عندما سئل« :أتو َضأ من لحوم اإلبل؟» قال:
«نع ْم»(.)1 السادس« :الردة عن اإلسالم ،أعاذنا اهلل والمسلمين من ذلك»؛ والر َدة ناقض ٌة للوضوء ،ومبطل ٌة للعمل كله ،لقول اهلل تعالى﴿ :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [ ،]66 :¤وألنَها دد ٌ ث فتدخل يف عموم قوله
« :ل ت ْقبل صالة أحدك ْم إذا
أ ْحدث حتى يتوضأ»(.)2
قال
:
«تنبيه هام :أما غسل الميت؛ فالصحيح أنه ل ينقض الوضوء ،وهو قول أ ْكثر أهل العلم لعدم الدليل على ذلك ،لكن لو أصابت يد الغاسل ف ْرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء ،والواجب عليه أل يمس ف ْرج الميت إل من وراء حائل». :n
اختلف أهل العلم يف هذه المسألة على قولين :أددهما وجوب
الوضوء ،والثَاين استحبابه ،واختار َ الشيخ
:أنَه ال ينق ض الوضوء؛ «لعدم
الد ليل على ذلك» ،وأل َن األصل بقاء ال َطهارة ،وأ َما دديث« :م ْن غسل ميتًا، .
( )1أخرجه مسلم ( )360عن جابر بن سمرة ( )2أخرجه ( ،)135ومسلم ( )225عن أبي هريرة
ـ 187ـ
.
ف ْليغْتس ْل»( ،)1فقد قال عنه َ الشيخ عن النَبي
يف ،وقد ثبت « :الحديث المذكور ضع ٌ
يف أداديث أخرى ما يد ُّل على استحباب الغسل من تغسيل
المي ت»(.)2 قال« :لكن لو أصاب ْت يد الغاسل ف ْرج الميت من غ ْير حائل وجب عليه الوضوء» أي :لمس الفرج ال لتغسيل الميت ،لما سبق َ مس الفرج. أن من نواقض الوضوء ُّ قال« :والواجب عليه أل يمس ف ْرج الميت إل م ْن وراء حائل»؛ َ ألن م َس العورة درا ٌم ،وكذا النَظر إليها ،فوجب أن يغ َطى موضع العورة بق ٍ لئّل ماش َ يمسها. يراها ،وأن يجعل على يده قطعة من القماش َ لئّل َ
قال
:
«وهكذا مس المرأة ل ينقض الوضوء مطل ًقا ،سواء كان ذلك عن شهوة أو غير ش ْهوة يف أصح ق ْولي العلماء ما لم يخر ْج منه شيء؛ ألن النبي
قبل بعض
نسائه ثم صلى ولم يتوض ْأ»(.)3 :n « َ ٍ ٍ واضح وليس يف هذه صحيح وألن األصل عدم نقض الوضوء َإال بدلي ٍل ( )1أخرجه أدمد ( ،)7769وأبو داود ( ،)3161وابن ماجه ( )1463عن أبي هريرة
وصححه ، َ
األلباين يف «اإلرواء»(.)144 (« )2مجموع فتاويه» (.)180/10 ( )3أخرجه أدمد ( ،)25766وأبو داود ( ،)172والرتمذي ( ،)86وابن ماجه ( )502عن عائشة وصححه األلباين يف «صحيح أبي داود» (.)317/1 ؛ َ
ـ 188ـ
المسألة ٌ َ مما تع ُّم واضح يد ُّل على نقض الوضوء بمسها، صحيح دليل ٌ ٌ وألن هذا َ الرسول به البلوى يف كل بيت ،فلو كان ُّ مس المرأة ينقض الوضوء لب َينه َ
بيانا
عاما»(.)1
:
قال
«أما قول اهلل سبحانه يف آيتي النساء والمائدة﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [`: ]6 :a[ ،]43فالمراد به :الجماع يف األصح من قولي العلماء ،وهو قول ابن عباس
وجماعة من السلف والخلف ،واهلل ولي التوفيق».
:n وقد ذكر اإلمام ال َطربي
قول ابن ع َباس
ٍ السلف وجماعة من َ
ثم قال« :وأولى القولين يف ذلك أنَه الجماع ،ودكى القولين يف المسألةَ ، بالصواب قول من قال :عنى اهلل بقوله﴿ :ﯤ ﯥ ﯦ﴾ الجماع دون غيره َ لصحة الخبر عن رسول اهلل من معاين ال َلمس؛ َ يتوضأ»(.)2 ولم َ
(« )1مجموع فتاويه» (.)133/10 (« )2تفسير الطربي» (.)73/7
ـ 189ـ
ثم ص َلى أنَه ق َبل بعض نسائه َ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﳋﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ
ﱢ
ﱠ ﱢ ﺍﻟﺘﺤﻠﻲ ﺑﺎﻷﺧﻼﻕ ﺍﳌﺸﺮﻭﻋﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﺴﻠﻢ
ﻗﺎل ::
ﺸﺮو َﻋ ِﺔ ﱢ ﻟﻜﻞ ﻣﺴﻠﻢ. اﻟﻤ ُ »اﻟﺪﱠ رس اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ :اﻟ ﱠﺘﺤ ﱢﻠﻲ ﺑﺎﻷﺧﻼق َ ِ ﱢ اﻟﺼﺪق ،واﻷﻣﺎﻧﺔ، اﻟ ﱠﺘﺤ ﱢﻠﻲ ﺑﺎﻷﺧﻼق اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ ﻟﻜﻞ ُﻣﺴﻠﻢ؛ وﻣﻨﻬﺎ :ﱢ
واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،واﻟ َﻜ َﺮم ،واﻟﻮﻓﺎء ،واﻟﻨﱠﺰاﻫﺔ ﻋﻦ ﱢ واﻟﻌﻔﺎف ،واﻟﺤﻴﺎء ،ﱠ ﺣﺮ َم اﷲُ، ﻛﻞ ﻣﺎ ﱠ وﺣ ْﺴ ُﻦ ِ ﺐ اﻟ ﱠﻄﺎﻗﺔ ،وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق اﻟﺠ َﻮار ،وﻣﺴﺎﻋﺪة ذوي اﻟﺤﺎﺟﺔ َﺣ َﺴ َ ُ ا ﱠﻟﺘﻲ ﱠ اﻟﺴﻨﱠﺔ ﻋﻠﻰ َﻣﺸﺮوﻋ ﱠﻴﺘِﻬﺎ«. دل ُ اﻟﻜﺘﺎب أو ﱡ :n
ِ وﺳ ُ ُ ُ ﺒﻴﻞ ﺳﻌﺎ َدﺗِﻪ ﰲ اﻟﺪﱡ ﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮةِ، اﻟﺨ ُﻠ ُﻖ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻨﻮان ﻓﻼحِ ﺻﺎﺣﺒِﻪ َ اﻟﺨﻴﺮات ﰲ اﻟﺪﱡ ﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ﺑﻤﺜﻠِﻪ ،وﻣﺎ اﺳﺘُﺪﻓِ َﻌﺖ ﱡ ﺮور ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻓﻤﺎ اﺳﺘُﺠﻠِ َﺒﺖ ُ اﻟﺸ ُ ﺑﻤﺜﻠِ ﻋﻈﻴﻢ وﻣﻜﺎﻧَ ُﺘﻪ َﻋﻠِ ﱠﻴ ٌﺔ ،ﺣ ﱠﺘﻰ إ ﱠ ﻟﻤﺎ ُﺳ َﺌﻞ ﻋﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ َﻳ ُ َ ﺪﺧﻞ ﻨ اﻟ ن ﻪ ﻧ ﺄ ﻓﺸ ﻪ، ُ ﱠﺒﻲ ح ﱠ ٌ ﱠ ِ ﺎس اﻟﺠﻨﱠ َﺔ ﻗﺎلَ » :ﺗ ْﻘ َﻮى اﷲِ َو ُﺣ ْﺴﻦ اﻟﺨُ ُﻠ ِﻖ« ، وﻗﺎل ح» :إِ ﱠن ﻣ ْﻦ َأ َﺣ ﱢﺒﻜ ُْﻢ إِ َﻟ ﱠﻲ ﺑﻪ اﻟﻨﱠ ُ وﺣﺴﻨﻪ ) (١أﺧﺮﺟﻪ أﺣﻤﺪ ) ،(٩٦٩٦واﻟﱰﻣﺬي ) ،(٢٠٠٤واﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ) (٤٢٤٦ﻋﻦ أﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮة ا ،ﱠ اﻷﻟﺒﺎﲏ ﰲ »اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ« ).(٩٧٧
وأ ْقربك ْم مني م ْجل ًسا ي ْوم القيامة أحاسنك ْم أ ْخال ًقا»( ،)1وقال
« :إنما بع ْثت
ألتمم صالح األ ْخالق»( ،)2وجاء عنه أداديث كثير ٌة يف بيان فضل الخلق ،ورفيع مكانته ،وجميل عوائده وفوائده وثماره ا َلتي يجنيها أهله يف دنياهم وأخراهم. واهلل ـ تبارك وتعالى ـ نعت نب َيه يف القرآن الكريم بكمال الخلق وعظمه الصّلة ودسنه ،قال﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ [ ،]4 :Ãوقد كان ـ عليه َ والسّلم ـ أدسن النَاس خلقا ،وأكملهم أدبا ،وأطيبهم معاشرة ،وأجملهم َ
ٍ كريم معاملة ،صلوات اهلل وسّلمه وبركاته عليه ،فكان قدوة للعباد يف كل خل ٍق ٍ وأد ٍ ومعاملة دسن ٍة ،قال اهلل تعالى﴿ :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ب رفي ٍع ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [{.]21 :
وباب الخلق يف َ ص يف ال َتعامل مع المخلوق، باب واس ٌع ،ال يخت ُّ الشريعة ٌ الرسول بل الخلق واألدب يكون بين العبد وبين ربه ،ويكون مع َ
،ويكون
بين العباد؛ ولهذا فإ َن َ كل من يعبد غير اهلل خلقه من أفسد األخّلق ،فأين الخلق وتفضل عليه بالنعمة ،وأمدَ ه بالعطاء والص َحة يف رج ٍل خلقه اهلل ،وأمدَ ه بالرزق، َ ثم يلجأ إلى غير اهلل ،ويصرف العبادة لغير اهلل؟! ولهذا َ فإن فساد والعافيةَ ، الخلق مّلز ٌم للشرك؛ ُّ فكل مشر ٍك فاسد الخلق؛ َ ألن شركه جز ٌء من فساد األخّلق ،بل هو أشنع ما يكون يف فساد األخّلق ،فّل يغ َتر ببعض المعاملة ( )1أخرجه الرتمذي ( )2018عن جابر بن عبد اهلل
وصححه األلباين يف «الصحيحة» (.)791 ؛ َ
( )2أخرجه أدمد ( ،)8952والبخاري يف «األدب المفرد» ( )273عن أبي هريرة األلباين يف «الصحيحة» (.)45
ـ 191ـ
وصححه ؛ َ
الحسنة ا َلتي يكون عليها بعض الك َفار؛ أل َنها لمصالح دنيو َي ٍة ومقاصد آن َي ٍة ،ال يرجون عليها شيئا عند اهلل ،وثوابا يوم لقاه ـ سبحانه وتعالى ـ. والخلق النَافع هو ا َلذي يقوم به صادبه يرجو عليه ما عند اهلل ليفوز يوم لقاء اهلل ،دخوال للجنَة ،وفوزا بالدَ رجات العّل﴿ ،ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ﴾ [ ،]9 :Ëال أن يقوم به على سبيل المقايضة والمعاوضة ،ولهذا قال والسّلم ـ« :ل ْيس الواصل بالمكافئ»(.)1 ـ عليه َ الصّلة َ
وأ َما من يتعامل مع النَاس باألخّلق الحسنة لمصالح دنيو َي ٍة فلن يحصل
من دنياه َإال ما كتب اهلل له ،ويفوت على نفسه ثواب اآلخرة ،وسيجني علقما بسبب تعامله باألخّلق للمعاوضة والمقايضة؛ َ ألن يف النَاس من ال يحسن ر َد الجميل ،وال يحسن معاملة المحسن باإلدسان ،بل يف النَاس من هو لئيم ال َطبع ،إن أدسن إليه أساء لمن أدسن إليه ،والنَاصح ال ينتظر يف تعامله مع النَاس باألخّلق الحسنة شيئا منهم ،وإ َنما يرجو ما عند اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ، ولهذا َ فإن األداديث ا َلتي جاءت يف الحث على الخلق تذكر ثواب الخلق أجرا يوم القيامة؛ دخوال للجنَة وفوزا بالدَ رجات العّل فيها ،وك َلما دسن خلق المرء تقربا إلى اهلل به؛ عظم ثوابه وأجره عند اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ،فإذا لم يفعل من ُّ أجل اهلل وطلب رضاه ،وإ َنما فعل من أجل مصالح الدُّ نيا؛ فإ َنه ال يدخل يف صالح عمل العبد؛ َ الصالح المثاب عليه عند اهلل ـ تبارك ألن من شرط العمل َ قرب إلى اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ. وتعالى ـ أن يقصد به العامل ال َت ُّ ( )1أخرجه البخاري ( )5991عن عبد اهلل بن عمرو
ـ 192ـ
.
الحاصل؛ َ أن الخلق مكانته يف الدين عظيم ٌة ومنزلته عل َي ٌةَ ، والشيخ ٍ جملة من األخّلق الحسنة ا َلتي يجدر بكل مسل ٍم أن إ َنما أراد هنا اإلشارة إلى يكون م َتصفا هبا. قال
ٍ جملة ثم شرع يف عد « :التحلي باألخالق المشروعة لكل مسلم»َ ،
منها على سبيل اإلشارة وليس على سبيل الحصر ،ولهذا قال: «ومنها :الصدق» ،والصدق من أعظم األخّلق اإلسّلم َية الدَ ا َلة على الصادق يف إسّلمه ،قال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ﴿ :ﭲ ﭳ ﭴ فضل المسلم َ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [.]119 :e أنَه قال« :عل ْيك ْم بالصدْ ق؛ فإن الصدْ ق
ويف الحديث عن رسول اهلل
ي ْهدي إلى البر ،وإن البر ي ْهدي إلى الجنة ،وما يزال الرجل ي ْصدق ويتحرى الصدْ ق حتى يكْتب عنْد اهلل صدي ًقا»(.)1 وأعظم الص دق شأنا وأعّله مكانة :الص دق مع اهلل ـ َ جل يف عّله ـ، ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [{ ،]23 :فيكون صاد قا مع وتقرب ه إلى اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ،قال ـ عليه اهلل يف توديد ه وإيمانه وتعبُّده ُّ والسّلم ـ« :ما م ْن أح د ي ْشه د أ ْن ل إله إل اهلل وأ ن مح م دً ا ر س ول الصّلة َ َ اهلل ص دْ ًقا م ْن ق ْل به إل حر مه اهلل على النار »( ،)2فّل إله َإال اهلل ا َل تي هي أعظم ش ع ب اإليمان وأ رف ع مباين اإلسّلم ،وال تكون مقبولة َإال بالص دق مع اهلل ( )1أخرجه البخاري ( ،)6094ومسلم ( )2607عن عبد اهلل بن مسعود ( )2أخرجه البخاري ( )128عن أنس
.
ـ 193ـ
.
كما يف الحديث« :ص دْ ًقا م ْن ق ْل به ». والصدق :هو مواطأة القلب للسان ،بحيث يكون ما يقوله المرء بلسانه موافقا لقلبه ،أ َما إذا اختلف ال َظاهر والباطن والس ُّر والعلن فهذا هو النفاق ،وقد يكون نفاقا أكرب ،وقد يكون نفاقا أصغر ،بحسب هذا االختّلف بين ال َظاهر بالردمن؛ فهذا النفاق األكبر ،أ َما والباطن ،فإذا كان يظهر اإليمان ،ويس ُّر الكفر َ إذا كان يظهر الصدق ،أو يظهر الوفاء ،وهو يبطن الكذب ،ويبطن الخيانة؛ فهذا والسّلم ـ« :آية المنافق من النفاق األصغر النفاق العملي ،كما قال ـ عليه َ الصّلة َ ثالث إذا حدث كذب ،وإذا وعد أ ْخلف ،وإذا اؤْ تمن خان »( ،)1وإذا كان الكذب من آيات النفاق؛ َ فإن الصدق من آيات اإليمان وعّلماته ،فالواجب على المسلم أن يكون صادقا ،وأن يكون الصدق صفته وزينته ودليته ،ليفوز بموعود الصادقين. اهلل ـ تبارك وتعالى ـ ا َلذي أعدَ ه لعباده َ قال
« :واألمانة» واألمانة شأنها يف دين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ عظي ٌم،
عرضها اهلل ـ َ السماوات واألرض؛ فأشفقت من دملها؛ لعظم جل وعّل ـ على َ األمانة وعظم شأنها﴿ ،ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ﴾ [{.]72 : واألمانة بمعناها العام تتناول الدين ك َله؛ َ ألن اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ خلق ٍ العباد ليعبدوه ،وأوجدهم ليطيعوه ،وهذه أمان ٌة يلزم َ إنسان أن يحفظها ،وأن كل ٍ ثّلثة ،ب َينها اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ يف يعنى هبا ،والنَاس يف ذلك انقسموا إلى أقسا ٍم ( )1أخرجه البخاري ( ،)33ومسلم ( )59عن أبي هريرة
ـ 194ـ
.
تمام السياق المتقدم ديث قال﴿ :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ
ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽﯾﯿﰀ ﰁ ﰂ﴾ [{.]73 : اب؛ وهو قسم ا َدعى دفظ األمانة يف ال َظاهر ،لك َن باطنه خراب تب ٌ ٌ 1ـ ف ٌ المنافق. قسم أضاع األمانة يف ظاهره وباطنه وسره وعلنه؛ وهو المشرك. 2ـ و ٌ قسم دفظ األمانة يف ال َظاهر والباطن والسر والعلن وهم أهل 3ـ و ٌ اإليمان. ومن األمانة دفظ دقوق العباد ،والوفاء معهم فيما ائتمنوا عليه من أقوا ٍل ودواس اإلنسان ك ُّلها أمان ٌة ،واهلل سائله عنها أو مصالح أو منافع أو نحو ذلك، ُّ يوم القيامة﴿ ،ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [،]36 :m وماله أمان ٌة عنده يسأل عنه يوم القيامة ،وولده أمان ٌة﴿ ،ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳ ﭴﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [\ ]dأي :ابتّلء وامتحانا ،وهل يؤدي ما ائتمن عليه من ٍ مال أو ول ٍد أو غير ذلك؛ فمن أخّلق المسلم النَاصح :رعاية األمانة ،ودفظها ،والعناية هبا ،بمعناها الخاص والعام. قال
« :والعفاف»؛ العفاف يكون بتجنُّب الحرام واآلثام والفوادش،
﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [ ،]33 :tومن ال يتم َكن من النكاح عليه بالعفاف والبعد عن الحرام طاعة هلل وتحقيقا لتقواه. وأيضا من لم يكن عنده ٌ مال فليتع َفف بأن ال يمدَ يده إلى النَاس يسألهم ـ 195ـ
أعطوه أو منعوه ،ويف الحديث« :وم ْن ي ْست ْعف ْ ف يعفه اهلل»(.)1 يم يتح َلى به المؤمن ،فإذا عظيم قال « :والحياء» وهو خل ٌق ٌ ووصف كر ٌ ٌ ا َتصف به؛ دجزه عن كل خل ٍق دن ٍ يء ،وساقه إلى كل خل ٍق فاض ٍل؛ ولهذا َ فإن خير ك ُّله ،وال يأيت َإال بخي ٍر ،وإذا نزع الحياء من المرء فارقه الخير ،ولم الحياء ٌ ٍ فساد ،و«إن مما أ ْدرك الناس م ْن كالم النبوة األولى: يبال بما ارتكب من شر أو اصن ْع ما شئْت»(.)2 إذا ل ْم ت ْستح ف ْ وأعظم الحياء شأنًا :الحياء من رب العالمين وخالق الخلق أجمعين ،ومن الحياء من اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ :أن ال يراك اهلل ديث هناك ،بل تكون يف كل وقتك دييا من ربك ـ َ جل يف عّله ـ؛ فّل تغشى الحرام ،وال ترتكب اآلثام؛ دياء منه سبحانه؛ فإ َنه م َطل ٌع عليك ال تخفى عليه منك خافي ٌة. ـــي رقيــــب إذا خلـــوت الـــدَ هر يومـــا فـــّل تقـــل خلــــوت ولكــــن قــــل علـ َ دواسه وجوارده ،وأن يحفظ بطنه ومن الحياء من اهلل :أن يحفظ المرء َ وجوفه من إدخال الحرام؛ كما يف الحديث« :ولكن ال ْست ْحياء من اهلل حق الحياء أ ْن ت ْحفظ الر ْأس وما وعى ،والب ْطن وما حوى ،و ْلت ْذكر الم ْوت والبلى، وم ْن أراد اآلخرة ترك زينة الدنْيا»(.)3 صرفات السيئة وال َت ُّ ويدخل يف الحياء من العباد :البعد عن ال َتعامّلت َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)1469ومسلم ( )1053عن أبي سعيد الخدري ( )2أخرجه البخاري ( )6120عن أبي مسعود
.
.
( )3أخرجه أدمد ( ،)3671والرتمذي ()2458؛ ودسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)935
ـ 196ـ
المشينة واألخّلق َيات المذمومة؛ فإ َنها ك َلها تتناىف مع الحياء. قال
« :والشجاعة»َ ، وفّلح ،وأ َما يف الصحيح عز ٌ والشجاعة يف موطنها َ
ٌ وهّلك. هو ٌر الصحيح فهي ت ُّ غير موطنها َ وقوة تو ُّكله على سيده َ ،
وشجاعة المؤمن نابع ٌة من إيمانه ،وثقته بربه
وخالقه ومواله ـ تبارك وتعالى ـ ،فهو ال يخاف َإال من اهلل ،وال يخشى َإال اهلل، وال يطلب عزا وال تمكينا َإال من اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ. وهي ـ كما قال ابن القيم
عزة النَفس وإيثار معالي ـ« :تحمله على َ
وقوتها على األخّلق والشيم ،وعلى البذل والنَدى ا َلذي هو شجاعة النَفس َ بقوة نفسه إخراج المحبوب ومفارقته ،وتحمله على كظم الغيظ والحلم؛ فإنَه َ َبي وشجاعتها يمسك عنانها ،ويكبحها بلجامها عن النَزغ والبطش كما قال الن ُّ « :ل ْيس الشديد بالصرعة ،إنما الشديد الذي ي ْملك ن ْفسه عنْد الغْب»(،)1 وهو دقيقة َ الشجاعة ،وهي ملك ٌة يقتدر هبا العبد على قهر خصمه»(.)2 قال
والسخاء والعطاء؛ « :والكرم» ،والكرم كما أنَه يتناول بذل المال َ
فإ َنه يتناول بعمومه األخّلق الكريمة؛ َ فإن من كرم المسلم مع إخوانه دسن تعامله معهم ،ومدُّ يد المساعدة لهم ،ومعاملتهم بالمعاملة ال َطيبة. والسخاء والجود والعطاء ،واهلل ويدخل يف الكرم :اإلنفاق والبذل َ يقول﴿ :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [¿]16 :؛ فالفّلح يف الكرم ،والهّلك يف ُّ الشح. ( )1أخرجه البخاري ( ،)6114ومسلم ( )2609عن أبي هريرة (« )2مدارج السالكين» (.)294/2
ـ 197ـ
.
قال
ٍ ٍ عقود أو نحو ذلك ،قال عهود أو « :والوفاء» ،أي بما يلتزمه من
تعالى﴿ :ﮍ ﮎ﴾ [ ]1 :aفهو يفي بما عاهد عليه ،وبما عاقد النَاس عليه؛ فيتناول هذا :عقود النكاح ،وعقود البيع والشراء ،وجميع ال َتعامّلت ا َلتي بين المسلم وبين إخوانه ،فمن صفات المسلم وزينته وخلقه ودليته :أنَه من أهل الوفاء. قال
« :والنزاهة عن كل ما حرم اهلل» ،أي :أن يكون متنزها عن الحرام،
م َتقيا الوقوع فيه ،مباعدا نفسه عنه ،خوفا من اهلل ـ تبارك وتعالى ـ وسخطه يتنزه عن األخّلق المذمومة، حرمة ،و َ وعقابه ،والمسلم نز ٌه؛ َ يتنزه عن األمور الم َ َ والشر صيانة لدينه يتنزه عن خلطة الفساد السيئة ،و َ و َ يتنزه عن المعامّلت َ ورعاية لخلقه. قال
« :وحسن الجوار» ،هذا أيضا من األخّلق اإلسّلم َية العظيمة
ا َلتي جاء َ الصّلة الشرع بالوص َية هبا وال َتأكيد عليها ،د َتى قال نب ُّينا ـ عليه َ والسّلم ـ« :ما زال ج ْبريل يوصيني بالجار حتى ظننْت أنه سيورثه»( ،)1وقال َ « :واهلل ل ي ْؤمن ،واهلل ل ي ْؤمن ،واهلل ل ي ْؤمن» ،قيل« :ومن يا رسول اهلل؟!» قال« :الذي ل ي ْأمن جاره بوايقه»(.)2 ومن حسن الجوار :البعد عن أذ َية الجار بأي نو ٍع من األذ َية القول َية أو الفعل َية. ومن حسن الجوار :المعاملة ال َطيبة ،ودفظ دقوق الجار ،وطاعة اهلل ٍ إدسان إلى الجار ،وما أمر به رسوله . ـ سبحانه وتعالى ـ فيما أمر به من ( )1أخرجه البخاري ( ،)6015ومسلم ( ،)2625عن ابن عمر ( )2أخرجه البخاري ( )6016عن أبي شريح
.
،ونحوه مسلم ( )61عن أبي هريرة
ـ 198ـ
.
قال
« :ومساعدة ذوي الحاجة حسب الطاقة» أي :دسب قدرة العبد،
«واهلل في ع ْون الع ْبد ما كان الع ْبد في ع ْون أخيه» ،و«م ْن نفس ع ْن م ْؤمن ك ْرب ًة م ْن كرب الدنْيا نفس اهلل عنْه ك ْرب ًة م ْن كرب ي ْوم القيامة»()1؛ َ فإن الجزاء من جنس العمل. « :وغير ذلك من األخالق التي دل الكتاب أو السنة على قال ٍ شيء من األخّلق إ َنما هو إشار ٌة إلى مشروعيتها» وهي كثير ٌة ،وما ذكره العظيمة ا َلتي ينبغي أن يتح َلى هبا المسلم ،وفيما ذكر تنبي ٌه على ما لم يذكر. ٍ خاصة، وقد أفرد أهل العلم ـ ردمهم اهلل تعالى ـ يف هذا الباب مصنَفات َ من أوسعها وأجمعها« :كتاب األدب المفرد» لإلمام البخاري
صادب
عظيم يف بابه ،من ديث ال َتبويب ومن ديث الجمع كتاب الصحيح»؛ فإ َنه ٌ « َ ٌ الصالح ـ ردمهم اهلل تعالى ـ يف السلف َ للنُّصوص واألد َلة واآلثار المرو َية عن َ هذا الباب.
( )1أخرجه مسلم ( ،)2699عن أبي هريرة
.
ـ 199ـ
ﱠ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻋﺸﺮ
ﱠ ﱠ ﱡ ﺍﻟـﺘــﺄﺩﺏ ﺑـﺎﻵﺩﺍﺏ ﺍﻹﺳـﻼﻣـﻴـﺔ
ﻗﺎل ::
اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ :اﻟ ﱠﺘﺄ ﱡدب ﺑﺎﻵداب اﻹﺳﻼﻣ ﱠﻴﺔ. »اﻟﺪﱠ ُ رس ﱠ ِ ُ واﻷﻛﻞ ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ اﻟﺴﻼ ُم ،واﻟﺒﺸﺎﺷﺔ، اﻟ ﱠﺘﺄ ﱡدب ﺑﺎﻵداب اﻹﺳﻼﻣ ﱠﻴﺔ؛ وﻣﻨﻬﺎ :ﱠ ﱡ ﺮب ﺑﻬﺎ ،واﻟ ﱠﺘﺴﻤﻴ ُﺔ ﻋﻨﺪ اﻻﺑﺘﺪاء ،واﻟﺤﻤﺪُ ﻋﻨﺪ اﻟ َﻔﺮاغ ،واﻟﺤﻤﺪ ﺑﻌﺪ اﻟ ُﻌ َﻄﺎس، واﻟﺸ ُ ِ ِ ﻟﻠﺼﻼةِ واﻟﺪﱠ ِ ﻓﻦ، ُ ﺒﺎع اﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ﱠ وﺗﺸﻤﻴﺖ اﻟﻌﺎﻃﺲ إذا َﺣﻤﺪَ اﷲَ ،وﻋﻴﺎد ُة اﻟﻤﺮﻳﺾ ،وا ﱢﺗ ُ ِ واﻵداب ﱠ اﻟﺴ َﻔﺮِ، ُ اﻟﻤ ِﻨﺰل واﻟﺨﺮوجِ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،وﻋﻨﺪ ﱠ اﻟﺸﺮﻋ ﱠﻴ ُﺔ ﻋﻨﺪ دﺧﻮل اﻟﻤﺴﺠﺪ أو َ واﻟﺼ ِ ِ ﻐﺎر ،واﻟ ﱠﺘﻬﻨ ِ َﺌ ِﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮﻟﻮد، واﻟﻜﺒﺎر وﻣﻊ اﻟﻮاﻟﺪَ ْﻳﻦ واﻷﻗﺎرب واﻟﺠﻴﺮان، ﱢ ﻳﻚ ﺑﺎﻟ ﱠﺰواجِ ،واﻟ ﱠﺘ ِ ِ واﻟ ﱠﺘﺒﺮِ ِ ِ اﻟﻤ َﺼ ِ اﻵداب اﻹﺳﻼﻣ ﱠﻴ ِﺔ ﰲ ﺎب ،وﻏﻴﺮِ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻌﺰ َﻳﺔ ﰲ ُ اﻟ ﱡﻠ ْﺒ ِ ﺲ واﻟﺨُ ْﻠ ِﻊ واﻻﻧﺘﻌﺎل«. :n
ِ ﺑﺄﻛﻤ ِﻞ اﻷدب ﰲ ﱢ ﱠ ﻛﻞ اﻟﺸﺮﻳﻌ ُﺔ اﻹﺳﻼﻣ ﱠﻴ ُﺔ ﺷﺮﻳﻌ ُﺔ اﻷدب اﻟﻜﺎﻣ ِﻞ ،ﺟﺎءت َ ِ اﻟﻤ ْﺮ ِء؛ ﰲ اﻟ ﱠﺘﻌﺎ ُﻣ ِﻞ ﻣﻊ اﻟﻮاﻟﺪَ ْﻳﻦ ،وﰲ اﻟ ﱠﺘﻌﺎ ُﻣ ِﻞ ﻣﻊ اﻟﺠﻴﺮان ،وﰲ اﻟ َﺒ ْﻴ ِﻊ ﺗﻌﺎ ُﻣﻼت َ ﱢ ِ ِ اﻟﻤ َﻌ ﱢﻠﻢ ﻣﻊ ُﻃ ﱠﻼﺑِﻪ واﻟ ﱡﻄ ﱠﻼ ِ ب ﻣﻊ ُﻣﻌ ﱢﻠ ِﻤﻴﻬﻢ ،وﰲ ُ اﻟﺨﺮوج، واﻟﺸﺮاء ،وﰲ ﺗﻌﺎﻣﻼت ُ
والسفر ،ويف دخول المسجد ،والخروج منه ،ويف والدُّ خول ،وركوب الدَ ا َبةَ ، الصّلة والحج والصيام وغير ذلك. جميع العبادات؛ كآداب َ ٍ والش ُّ َ جملة من هذه اآلداب مراعيا أشار يف هذا المختصر إلى يخ االختصار: قال
والسّلم ـ« :ل « :ومنها :السالم» بإفشائه ،وقد قال ـ عليه َ الصّلة َ
تدْ خلون الجنة حتى ت ْؤمنوا ،ول ت ْؤمنوا حتى تحابوا ،أول أدلك ْم على ش ْيء إذا
()1 السّلم بين المسلمين فع ْلتموه تحاب ْبت ْم؟ أ ْفشوا السالم ب ْينك ْم» ،وكم يف إفشاء َ
من اآلثار العظيمة والعوائد الحميدة المباركة يف دنياهم وأخراهم. قال
« :والبشاشة» بأن يلقى المسلم أخاه بالوجه ال َطليق ،وال يحقر
المسلم من المعروف شيئا ،كما يف الحديث عن رسول اهلل
أنَه قال« :ل
ت ْحقرن من الم ْعروف ش ْيئًا ،ول ْو أ ْن ت ْلقى أخاك بو ْجه ط ْلق»(.)2 قال
« :واألكل باليمين ،والشرب بها ،والتسمية عند البتداء ،والحمد
عند الفراغ» هذه ك ُّلها من آداب األكل و ُّ الشرب ،فّل يأكل المسلم وال يشرب َإال والسّلم ـ هنى عن ذلك ،وأخرب َ أن «الش ْيطان ي ْأكل بي ـ عليه َ الصّلة َ بيمينه ،والنَ ُّ بشماله ،وي ْشرب بشماله»( ،)3ومن يأكل بشماله فهو متشب ٌه َ بالشيطان. ومن آداب األكل :أن يسمي يف َأوله ،كما يف الحديث« :يا غالم سم اهلل وك ْل بيمينك وك ْل مما يليك»( ،)4وأن يحمد اهلل ( )1أخرجه مسلم ( )54عن أبي هريرة
.
( )2أخرجه مسلم ( )2626عن أبي ذر
.
( )3أخرجه مسلم ( )2020عن ابن عمر
يف آخره على ما تف َضل به
.
( )4أخرجه البخاري ( ،)5376ومسلم ( )2022عن عمر بن أبي سلمة
ـ 201ـ
.
وم َن ،قال
« :إن اهلل لي ْرضى عن الع ْبد أ ْن ي ْأكل األكْلة في ْحمده عل ْيها أ ْو ي ْشرب
الش ْربة في ْحمده عل ْيها»(.)1 قال اإلمام أدمد
« :إذا جمع ال َطعام أربعا فقد كمل :إذا ذكر اسم اهلل
يف َأوله ،ودمد اهلل يف آخره ،وكثرت عليه األيدي ،وكان من دل»(.)2 قال هريرة
« :والحمد بعد العطاس ،وتشميت العاطس إذا حمد اهلل» عن أبي عن النَبي
قال« :إن اهلل يحب العطاس ويكْره التثاؤب ،فإذا
عطس فحمد اهلل فحق على كل م ْسلم سمعه أ ْن يشمته ،وأما التثاؤب فإنما هو من الش ْيطان ف ْليرده ما ْاستطاع ،فإذا قال :هاء ،ضحك منْه الش ْيطان»(.)3 والحكمة يف الحمد عند العطاس َ أن العاطس ـ كما يقول ابن القيم
ـ قد
دصل له بالعطاس نعم ٌة ومنفع ٌة بخروج األبخرة المحتقنة يف دماغه ،ا َلتي لو بقيت فيه أددثت له أدواء عسيرة ،ولهذا شرع له دمد اهلل على هذه النعمة مع الزلزلة ا َلتي دصلت للبدن ،فلله بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه َ الحمد كما ينبغي لكريم وجهه وعز جّلله(.)4 فانظر ـ أخي المسلم رعاك اهلل ـ إلى هذا الجمال والكمال ا َلذي دعت إليه َ وترادم ودعا ٌء ،العاطس يحمد اهلل ،ومن الشريعة عند العطاس؛ دمدٌ وثنا ٌء ٌ ثم هو يبادل الدُّ عاء بالدُّ عاء ،فيدعو لمن ش َمته بالهداية بالردمةَ ، يسمعه يدعو له َ ( )1أخرجه مسلم ( )2734عن أنس
.
( )2انظر« :زاد المعاد» البن القيم (.)213/4 ( )3أخرجه البخاري (.)6223 ( )4انظر «زاد المعاد» (401/2ـ .)403
ـ 202ـ
وصّلح الحال ،فما أقواها من لحم ٍة ،وما أجمله من تراب ٍ ط ووص ٍ ال. قال
« :وعيادة المريض» ،وهو دق للمريض على إخوانه ،وتستغ ُّل عيادته
بالدُّ عاء له بالشفاء والعافية ،وتسليته بما يحرك فيه النَشاط وال َتفاؤل ونحو ذلك. قال« :واتباع الجنائز للصالة والدفن» ،وهو دق من دقوق المسلم على أجور عظيم ٌة ،قال إخوانه ،وقد رتب عليه ٌ
« :م ْن شهد الجنازة حتى يصلي،
فله قيراط ،وم ْن شهد حتى تدْ فن كان له قيراطان» ،قيل :وما القيراطان؟ قال: «م ْثل الجبل ْين العظيم ْين»(.)1 قال
« :واآلداب الشرعية عند دخول المسجد أو المنزل والخروج
آداب؛ منها :أن يقدم رجله آداب ،وللخروج منه منهما» ،فالمسجد لدخوله ٌ ٌ اليمنى عند الدُّ خول ،واليسرى عند الخروج ،وأن يكون الدُّ خول بال َتسمية، والخروج بال َتسمية ،يقول عند دخوله وخروجه« :ب ْسم اهلل والصالة والسالم على الردمة ،ويف الخروج يسأل رسول اهلل» ،ويف دخوله يسأل اهلل أن يفتح له أبواب َ اهلل أن يفتح له أبواب الفضل؛ فعن أبي دمي ٍد ،أو عن أبي أسيد ،قال :قال رسول اهلل
« :إذا دخل أحدكم الم ْسجد ،ف ْليق ْل :اللهم ا ْفت ْح لي أ ْبواب ر ْحمتك ،وإذا
خرج ،ف ْليق ْل :اللهم إني أ ْسألك م ْن ف ْْلك»( ،)2ويف كل من الدُّ خول والخروج تشرع االستعاذة من َ السنَة أن يقول« :أعوذ باهلل الشيطان؛ أ َما عند الدُّ خول فمن ُّ العظيم ،وبو ْجهه الكريم ،وس ْلطانه القديم من الش ْيطان الرجيم»( ،)3وأ َما عند ( )1أخرجه البخاري ( ،)1325ومسلم ( )945عن أبي هريرة
.
( )2أخرجه مسلم (.)713 ( )3أخرجه أبو داود ( )466عن عبد اهلل بن عمرو (.)4715
ـ 203ـ
وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» ؛ َ
اعص ْمني من الش ْيطان»( ،)1وذلك َ أن السنَة أن يقول« :اللهم ْ الخروج فمن ُّ َ يص على المرء عند دخوله المسجد د َتى يفوت عليه دسن العبادة، الشيطان در ٌ ٍ مكان مح َر ٍم، وعند الخروج من المسجد د َتى يحرمه من أثر العبادة ،فيج ُّره إلى ٍ والسّلم ـ« :إن الش ْيطان حر ٍم ،كما قال ـ عليه َ الصّلة َ صرف م َ أو فع ٍل مح َر ٍم ،أو ت ُّ قعد ل ْبن آدم بأ ْطرقه»( ،)2ومن ذلكم :طريق المسجد دخوال وخروجا. آداب ،فإذا دخل بيته يسمي آداب وللخروج منه كذلك المنزل لدخوله ٌ ٌ ويسلم؛ فإ َنه برك ٌة عليه وعلى أهل بيته ووقاي ٌة من َ الشيطان ،ويتح َلى باألخّلق الفاضلة يف تعامله مع أهله وولده يف بيته ،قال
« :إذا دخل الرجل ب ْيته فذكر اهلل
عنْد دخوله وعنْد طعامه قال الش ْيطان :ل مبيت لك ْم ول عشاء؛ وإذا دخل فل ْم ي ْذكر اهلل عنْد دخوله ،قال :الش ْيطان أ ْدركْتم المبيت ،وإذا ل ْم ي ْذكر اهلل عنْد طعامه قال أ ْدركْتم المبيت والعشاء»( ،)3وقال
« :إذا دخ ْلت على أ ْهلك فسل ْم يكون
برك ًة عل ْيك وعلى أ ْهل ب ْيتك»( )4وإذا خرج يسمي« :ب ْسم اهلل ،توك ْلت على اهلل، ل ح ْول ول قوة إل باهلل»( ،)5ويدعو اهلل أن يعيذه« :اللهم أعوذ بك أ ْن أضل أ ْو وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)514 ؛ ( )1أخرجه ابن ماجه ( )773عن أبي هريرة َ وصححه األلباين يف ؛ ( )2أخرجه أدمد ( ،)15958والنسائي ( )3134عن سبرة بن أبي فاك ٍه َ الصحيحة» (.)2979 « َ ( )3أخرجه مسلم ( )2018عن جابر بن عبد اهلل
.
( )4أخرجه الرتمذي ( )2698عن جابر بن عبد اهلل
ودسنه األلباين يف «تخريج الكلم ال َطيب» ؛ َ
(.)63 ( )5أخرجه أبو داود ( ،)5095والرتمذي ( )3426عن أنس بن مالك «صحيح الجامع» (.)6419
ـ 204ـ
وصححه األلباين يف ؛ َ
أضل ،أ ْو أزل أ ْو أزل ،أ ْو أ ْظلم أ ْو أ ْظلم ،أ ْو أ ْجهل أ ْو ي ْجهل علي»(.)1 قال
آداب عديدةٌ ،ينبغي على المسافر أن السفر له ٌ « :وعند السفر» َ
الركوب وآداب النُّزول ،وآداب الدُّ خول يعرفها ،وأن يتح َلى هبا ،من ديث آداب ُّ وات مبار ٍ الشريعة من دع ٍ كات تتع َلق بذلك؛ ُّ للبلد ا َلذي يدخله ،وما جاء يف َ كل ذلك يحرص المسلم على العناية به. قال
« :ومع الوالد ْين»؛ والوالدان هما أد ُّق النَاس بحسن األدب ،كما
َ والسّلم ـ :من أد ُّق النَاس َبي ـ عليه َ الصّلة َ جاء يف الحديث :أن رجّل سأل الن َ بحسن صحابتي؟ قال« :أمك» ،قال :ث َم من؟ قال« :ثم أمك» ،قال :ث َم من؟ قال:
«ثم أمك» ،قال :ث َم من؟ قال« :ثم أبوك»( ،)2ويف الحديث اآلخر قال« :بر أمك وأباك وأ ْختك وأخاك ،ثم أ ْدناك أ ْدناك»( ،)3فهما أد ُّق النَاس باآلداب ودسن المعاملة؛ ولهذا جعل اإلمام البخاري َأول ٍ باب عقده يف كتابه «األدب المفرد»: إلى َ أن الوالدين هما أد ُّق النَاس بذلك األدب
«باب بر الوالدين» ،تنبيها منه
واإلدسان ،ويكفي داللة على عظم هذا الحق َ أن اهلل قرن د َقهما بحقه يف غير موض ٍع من كتابه ،قال اهلل تعالى﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﯟ﴾ [\ ]mأي :أدسنوا إليهما بجميع وجوه اإلدسان القول َية والفعل َية؛ ( )1أخرجه أدمد ( ،)26616وأبو داود ( ،)5094والرتمذي ( ،)3427والنسائي ( ،)5486وابن ماجه ( )3884عن أم سلمة
الصحيحة» (.)3163 ؛ وصححه األلباين يف « َ َ
( )2أخرجه البخاري ( ،)5971ومسلم ( )2548عن أبي هريرة ( )3أخرجه الحاكم ( )7245عن أبي رمثة
؛ وزاد مسلم« :ثم أ ْدناك أ ْدناك».
وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)322/3 ؛ َ
ـ 205ـ
ألنَهما سبب وجود العبد ،وبذال يف تربيته واإلدسان إليه َ الشيء الكثير. « :واألقارب» ،كما يف الحديث المتقدم« :ثم أ ْدناك أ ْدناك»،
قال
فيحرص المسلم على ال َتعامل معهم باآلداب الكريمة ،والرعاية لحقوقهم، وصلتهم ،واإلدسان إليهم ،والبعد عن اإلساءة إليهم. قال
« :والجيران» فمن آداب َ الشريعة :األدب مع الجار ،ورعاية
دقوقه ،والبعد عن إيذائه ،والحرص على اإلدسان إليه بكل وجوه اإلدسان المستطاعة قول َية أو فعل َية؛ َ فإن الوص َية به يف َ الشرع عظيمةٌ ،قال
« :ما زال
يوصيني ج ْبريل بالجار حتى ظننْت أنه سيورثه»(.)1 قال
الصّلة « :واألدب مع الكبار والصغار» كل بحسبه ،وقد قال ـ عليه َ
والسّلم ـ« :ل ْيس منا م ْن ل ْم يوق ْر كبيرنا وي ْرح ْم صغيرنا»( ،)2فالكبير يعامل َ والسّلم ـ« :إن م ْن إ ْجالل اهلل إكْرام بال َتوقير واالدرتام ،وقد قال ـ عليه َ الصّلة َ بالردمة ،ومن ال يردم ال يردم ،جاء ذي الش ْيبة الم ْسلم»(،)3 َ والصغير يعامل َ الصحيحين» َ أن األقرع بن دابس يف « َ
الصّلة كان جالسا عند النَبي ـ عليه َ ،فقال األقرع :إ َن
والسّلم ـ الحسن بن علي والسّلم ـ ،فق َبل ـ عليه َ الصّلة َ َ
وقال« :م ْن ل ي ْرحم
َبي لي عشرة من الولد ما ق َبلت منهم أددا ،فنظر إليه الن ُّ ()4 الصحيحين» َ َبي ن ال أتى ا أعرابي أن « يف وجاء ، ل ي ْرحم» َ َ
وقال :تقبلون
( )1سبق تخريجه. الصامت ( )2أخرجه أدمد ( )6643عن عبادة بن َ
ودسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)5443 ؛ َ
( )3أخرجه أبو داود ( )4843عن أبي موسى األشعري
ودسنه األلباين يف «صحيح الجامع» ؛ َ
(.)2199 ( )4أخرجه البخاري ( ،)5997ومسلم ( )2318عن أبي هريرة
ـ 206ـ
.
َبي الصبيان؟ فما نقبلهم» يعني :نحن ال نقبل صبياننا ،فقال الن ُّ أ ْن نزع اهلل م ْن ق ْلبك الر ْحمة»(.)1
« :أوأ ْملك لك
قال « :والتهنئة بالمولود» بالدُّ عاء لوالديه أن يجعله ق َرة عي ٍن ،وأن دماد بن أئمة الهدى ،وأن يجعله مباركا على أهله وعلى األ َمة؛ عن َ يجعله من َ قال :كان أ ُّيوب إذا هنَأ رجّل بمولود قال« :جعله اهلل مباركا عليك زيد وعلى أ َمة مح َم ٍد »( ،)2وهي دعو ٌة عظيم ٌة يحسن الدُّ عاء هبا عند التَهنئة ٍ كلمات قد تكون خاطئة. بالمولود بدل تك ُّلف السري بن يحيىَ : ممن كان يجالس الحسن ولد له اب ٌن أن رجّل َ وعن َ فهنَأه ٌ رجل فقال :ليهنك الفارس ،فقال الحسن :وما يدريك أنَه فار ٌس؟! لع َله نج ٌار ،لع َله خ َي ٌ اط ،قال :فكيف أقول؟ قال :قل« :جعله اهلل مباركا عليك وعلى َ أ َمة مح َم ٍد »(.)3 قال « :والتبريك بالزواج» كما جاء يف الحديث يقال له «بارك اهلل لك، وبارك عل ْيك ،وجمع ب ْينكما في خ ْير»(.)4 قال
ٍ بمصيبة يف مصابه، « :والتعزية يف المصاب» بأن يس َلى من أصيب
بأن يقال له« :هلل ما أخذ ،وله ما أ ْعطى ،وكل عنْده بأجل مس ًّمى؛ ف ْلت ْصب ْر ()5 مما لم يرد من الكلمات ا َلتي فيها و ْلت ْحتس ْ مما ورد ،وكذلك َ ب» ،ونحو ذلك َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)5998ومسلم ( )2317عن عائشة
.
( )2رواه الطرباين يف «الدعاء» ( ،)946وأبو نعيم يف «الحلية» (.)8/3 ( )3رواه الطرباين يف «الدعاء» (.)945 ( )4أخرجه أدمد ( ،)8957وأبو داود ( ،)2130والرتمذي ( ،)1091وابن ماجه ( )1905عن أبي هريرة
وصححه األلباين يف «صحيح أبي داود» (.)351/6 ؛ َ
( )5أخرجه البخاري ( ،)1284ومسلم ( )923عن أسامة بن زيد
ـ 207ـ
.
ٍ شيء يكون فيه مخالف ٌة لشرع اهلل. مؤانس ٌة وتسلي ٌة ،مع الحذر من قال
« :وغير ذلك من اآلداب اإلسالمية يف الل ْبس والخ ْل ع والنتعال»
ثوب يحمد اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ« :اللهم لك الح ْمد أنْت من استجدَ له ٌ ك س ْوتنيه ،أ ْسأل ك م ْن خ ْيره وخيْر ما صن ع له ،وأع وذ ب ك م ْن شره ،وش ر ما صنع له» ،م ن رأى على أخيه ثوبا جديدا يدع و له بما ورد يف الحديث« :تبْلي ويخْ لف اهلل ت عال ى»(.)1 السنَة التَيامن يف اللباس ونحوه ،وتجنُّب ثياب ُّ الشهرة ،والحذر من ومن ُّ اإلسبال والخيّلء« :كلوا وتصدقوا وا ْلبسوا في غ ْير إ ْسراف ول مخيلة»(.)2 مما ذكره وعناية المسلم هبذه اآلداب وتحليه هبا ـ َ
أو لم يذكره ـ يعدُّ
من جمال المسلم وكماله ،وعنوان فّلده وسعادته يف دنياه وأخراه. وليستعن المسلم يف ال َتحلي هبذه اآلداب بربه ـ َ جل يف عّله ـ بسؤاله دسنها واالستعاذة به من سيئها ،ويف الدُّ عاء المأثور« :اللهم ْاهدني أل ْحسن ف عني سيئها ،ل ي ْصرف عني سيئها اصر ْ األ ْخالق ،ل ي ْهدي أل ْحسنها إل أنْت ،و ْ إل أنْت»( ،)3ويف الدُّ عاء المأثور أيضا« :اللهم إني أعوذ بك م ْن منْكرات األ ْخالق واأل ْعمال واأل ْهواء»(.)4 ( )1أخرجه أدمد ( ،)11248وأبو داود ( ،)4020والرتمذي ( )1767عن أبي سعيد الخدري وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)4664 ؛ َ ( )2أخرجه أدمد ( ،)6695والنسائي ( ،)2559وابن ماجه ( )3605عن عبد اهلل بن عمرو ودسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)4505 َ
( )3أخرجه مسلم ( )771عن علي بن أبي طالب
؛
.
( )4أخرجه الرتمذي ( )3591عن قطبة بن مالك (.)1298
ـ 208ـ
وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» ؛ َ
ﱠ
ُ
ﱠ
ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ
ﱢ
ﱠ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﳌﻌﺎﺻﻲ
ﻗﺎل ::
اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ :اﻟ ﱠﺘﺤﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﱢ اﻟﺸﺮك وأﻧﻮاع اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ. اﻟﺪﱠ رس ﱠ
اﻟﺸﺮك وأﻧﻮاع اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ؛ وﻣﻨﻬﺎ :اﻟﺴﺒﻊ اﻟﻤﻮﺑِ َﻘ ِ َ اﻟﺤﺬ ُر واﻟ ﱠﺘﺤﺬﻳﺮ ﻣﻦ ﱢ ﺎت ﱠ ُ اﻟﻤﻬﻠِ ِ وﻗﺘﻞ اﻟ ﱠﻨ ِ واﻟﺴﺤﺮُ ، ﱢ ﻜﺎت وﻫﻲ :ﱢ ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﺣﺮ َم اﷲُ ﱠإﻻ ﻔﺲ ا ﱠﻟﺘﻲ ﱠ اﻟﺸﺮك ﺑﺎﷲ ،ﱢ ُ
اﻟﻐﺎﻓِ ِ ﻨﺎت ِ وﻗﺬف اﻟﻤﺤﺼ ِ وأﻛﻞ اﻟﺮﺑﺎ ،واﻟ ﱠﺘﻮ ﱢﻟﻲ ﻳﻮم اﻟ ﱠﺰ ِ ُ ﻼت ﺣﻒ، وأﻛﻞ ﻣﺎل اﻟﻴﺘﻴﻢ، ُ ُ َ ُ ﱢ اﻟﻤ ِ ﺆﻣﻨﺎت. ُ ُ ﺎن اﻟﻜﺎذﺑ ُﺔ، وﻣﻨﻬﺎ: اﻟﺮ ِﺣﻢ ،وﺷﻬﺎد ُة اﻟ ﱡﺰور ،واﻷَ ْﻳ َﻤ ُ ﻋﻘﻮق اﻟﻮاﻟﺪَ ْﻳﻦ ،وﻗﻄﻴﻌ ُﺔ ﱠ ﺎس ﰲ اﻟﺪﱢ ِ ِ ِ ﻠﻢ اﻟﻨﱠ ِ واﻷﻋﺮاضُ ، اﻟﻤﺴﻜِﺮِ، واﻷﻣﻮال ﻣﺎء وﺷ ُ ﺮب ُ وإﻳﺬا ُء اﻟﺠﺎر ،و ُﻇ ُ
ِ ِ و َﻟ ِﻌﺐ ِ اﻟﻘ َﻤ ِ ﻣﻤﺎ ﻧﻬﻰ اﷲُ yﻋﻨﻪ أو ُ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﱠ اﻟﻤ ْﻴﺴﺮ ،واﻟﻐﻴ َﺒ ُﺔ ،واﻟ ﱠﻨﻤﻴﻤ ُﺔُ ، ﺎر وﻫﻮ َ رﺳﻮ ُﻟﻪ ح«.
:n
ِ اﻟﺸ ُ ﻟﻤﺎ أﳖﻰ ﱠ اﻟﻤﺎﺿ َﻴ ْﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠ ُﻖ ﺑﺎﻷﺧﻼق واﻵداب رﺳ ْﻴﻦ ﻴﺦ :ﰲ اﻟﺪﱠ َ ﱠ ﺗﺤﺬﻳﺮا ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ وﳖ ًﻴﺎ ﻋﻨﻬﺎ؛ وأﻫﻤ ﱠﻴ ِﺔ اﻟﺘﱠﺤ ﱢﻠﻲ ﲠﺎَ ،ﻋ َﻘﺪَ ﻫﺬا اﻟﺪﱠ ْر َس اﻹﺳﻼﻣ ﱠﻴ ِﺔ ً ﱢ
فالدَ رسان الماضيان يف ال َتحلية ،وهذا الدَ رس يف ال َتخلية ،والدين تحل بالفضائل الرذائل الرذائل ،وأعظم الفضائل والحسنات :توديد اهلل ،وأشنع َ وتخل عن َ والموبقات :الشرك به ـ َ جل يف عّله ـ. وكما َ مطلوب منه أن يعرف الفضائل والخيرات ليتح َلى هبا أن المسلم ٌ حرمات وليكون من أهلها الم َتصفين هبا؛ فإ َنه كذلك مط ٌ لوب منه معرفة الم َ والموبقات ،ليجتنبها وليحذر من الوقوع فيها ،على دد ٍ قول من قال: َ فإن من لم يعرف َ الشـــ َر ال َ تع َلـــم َ الش َر من النَاس يقـع فيـه للشـــر ولكـــن لتوقيـــه وكان دذيفة
يقول« :كان النَاس يسألون رسول اهلل
عن الخير،
وكنت أسأله عن َ الشر مخافة أن يدركني»(.)1 وقد قيل قديما« :كيف ي َتقي من ال يدري ما ي َتقي» ،أي :كيف ي َتقي حرمات ويجتنب المنكرات ،وهو ال يعرفها ،وال يعرف خطورتها ،وال الم َ يعرف العقوبات ا َلتي وردت يف نصوص َ الشرع محذرة منها؟! فتأكَد على المسلم :أن يعرف الكبائر من أجل اجتنابها واتقائها. ٍ خاصة بالكبائر ،يعددون ولهذا أ َلف العلماء ـ ردمهم اهلل تعالى ـ مصنَفات َ ٍ الكبائر ،ويذكرون َ والسنَة ،ومن أدسن ما كل كبيرة مقرونة بأد َلتها من الكتاب ُّ ألف يف هذا الباب« :كتاب الكبائر» لإلمام َ الذهبي
عظيم يف بابه، كتاب ؛ فإ َنه ٌ ٌ
ونافع جدا يف ال َتحذير من الكبائر ،وبيان خطورتها. الحاصل؛ َ مطلوب منه أن يعرف الكبائر والموبقات ،وأن أن المسلم ٌ ( )1أخرجه البخاري ( ،)3606ومسلم (.)1847
ـ 210ـ
يعرف خطورتها ،وأن يعرف العقوبات َ الشرع َية الواردة فيها ،ليكون دذرا منها ومحذرا لغيره ،تعاونا على البر وال َتقوى ،وأمرا بالمعروف وهنيا عن المنكر. أن المعاصي ُّ وقد د َلت النُّصوص على َ والذنوب تنقسم إلى قسمين :كبائر وصغائر؛ كما قال اهلل تعالى﴿ :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ﴾ [\´] ،وقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [` ،]31 :وقال﴿ :ﮝ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [ ،]32 :³وقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [¯]7 :؛ وهذه اآلية قسمت فيها المعاصي ا َلتي ك َرهها اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ إلى عباده ٍ ثّلثة: المؤمنين إلى أقسا ٍم 1ـ كفر؛ وهو األمر النَاقل من الم َلة. 2ـ وفسوق؛ وهو كبائر اإلثم. 3ـ وعصيان؛ وهو ما دون الكبائر. ويف الدُّ عاء الوارد يف القرآن﴿ :ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ ُّ [_ ]193 :فذكر ُّ بالذنوب هنا :الكبائر، والسيئات ،ويراد الذنوب َ الصغائر؛ والنُّصوص يف هذا المعنى كثير ٌة. السيئاتَ : وب َ والصغائر ،وانقسام ُّ شك َ وال َ الذنوب إلى كبائر أن معرفة المسلم بالكبائر َ وصغائر ،ومعرفته أيضا بخطورة الكبائرَ ، الصغائر تكفرها ال َطاعات وال وأن َ والسّلم ـ« :الصلوات الخ ْمس، س َيما العبادات الكبار ،مثل ما قال ـ عليه َ الصّلة َ ـ 211ـ
اجتنب والج ْمعة إلى الج ْمعة ،ورمْان إلى رمْان ،مكفرات ما ب ْينهن إذا ْ الكبائر»( ،)1ولهذا قال ﴿ :ﯨ ﯩ ﯪ﴾ أي :بالحسنات ا َلتي يوفق اهلل جل وعّل ـ العبد لها ،لكن الكبائر البدَ فيها من ٍ ـ َ توبة إلى اهلل ؛ برتك َ الذنب، َ واإلقّلع عنه ،والعزم على عدم العودة إليه. َ والشيخ
ٍ جملة من الكبائر تنبيها بما ذكر على يف هذا الدَ رس أشار إلى
ما لم يذكرَ ، وأن ما يسعه هذا المختصر اإلشارة إلى بعض الكبائر؛ تنبيها همة ا َلتي يحتاج إليها؛ أن يعرف كبائر ُّ للمسلم إلى َ الذنوب أن من الدُّ روس الم َ والموبقات د َتى يكون منها على دذ ٍر. وقد جرت عادة النَاس االهتمام باألمور ا َلتي تض ُّرهم يف أبداهنم ،ويسألون عنها ،ويتو َقونها ،د َتى َ إن بعض النَاس يف هذا الباب يشتدُّ به االهتمام ،فيرتك كثيرا من ال َطيبات إبقاء على بدنه وص َحته وعافيته ،فتجده يحتمي من عدد من لصحته وبدنه ،لكنَه يف الوقت ال َطيبات ،ال يأكلها وال يطعمها وال يقربها ،دفظا َ ٍ الذنوب دفظا لبدنه؛ َ جملة من كبائر ُّ ألن يف البعد عن نفسه ال يحتمي من ُّ الذنوب دفظا للبدن ـ بإذن اهلل ـ من الدُّ خول للنَار يوم القيامة ،فعجبا لمن ي َتقي كثيرا من ال َطيبات خوف مض َرتها كيف ال ي َتقي ُّ عرتها وعقوبتها الذنوب خوف م َ يوم يلقى اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ!! والمرء ال َناصح لنفسه يعتني هبذا الباب عناية دقيقة ،ويسأل عن الكبائر ويحرص على معرفتها ،ليكون منها على دذ ٍر ،وليكون أيضا محذرا لآلخرين منها. ( )1أخرجه مسلم ( )233عن أبي هريرة
.
ـ 212ـ
وأنصح كثيرا يف هذا الباب بقراءة «كتاب الكبائر» لإلمام َ الذهبي
،
وأنصح أيضا أن يهدى هذا الكتاب لألهل واألوالد واألقارب ،ال س َيما والدَ عوة يف زماننا هذا لفعل الكبائر كبير ٌة جدا من خّلل القنوات ومواقع اإلنرتنت؛ َ فإن شباب المسلمين وشا َباتهم يتخ َطفون يف كل يو ٍم من خّلل هذه المواقع عرفوا بالكبائر ،وأن يقفوا على خطورتها، والقنوات ،فما َ أمس داجتهم إلى أن ي َ ليكونوا منها على دذ ٍر ،وذلك َ أن العلم َ رعي دص ٌن للمسلم بإذن اهلل ـ تبارك الش َ
كثير من النَاس بسبب الفراغ والجهل وق َلة العلم والبصيرة وتعالى ـ ،وإ َنما يؤتى ٌ بدين اهلل ـ تبارك وتعالى ـ. قال
« :الحذر والتحذير ،»...أي :يف نفسك ولغيرك «من الشرك وأنواع ،وقد جاء ذكر
ثم عدَ دها المعاصي ،ومنها :السبع الموبقات المهلكات» َ ٍ ٍ والسّلم ـ أنَه الصحيحين» عن نبينا ـ عليه َ السبع يف دديث وادد يف « َ الصّلة َ هذه َ اجتنبوا الس ْبع الموبقات» ،قالوا :يا رسول اهلل وما ه َن؟ قال« :الش ْرك باهلل، قالْ « : والس ْحر ،وقتْل الن ْفس التي حرم اهلل إل بالحق ،وأكْل الربا ،وأكْل مال اليتيم، والتولي ي ْوم الز ْحف ،وق ْذف الم ْحصنات الم ْؤمنات الغافالت»( ،)1ومعنى جانب ٍ ٍ بعيد عن الوقوع فيها ،كما قال خليل اجتنبوا :أي ابتعدوا عنها ،وكونوا يف والسّلم ـ يف دعائه﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ الردمن ـ عليه َ الصّلة َ َ [ ]35 :jأي :اجعلني يف جان ٍ ب بعيد عن األصنام وعبادتها. ولهذا؛ الواجب على المسلم أن يكون بعيدا عن الكبائر ،وبعيدا عن ( )1أخرجه البخاري ( ،)2766ومسلم ( )89عن أبي هريرة
ـ 213ـ
.
األسباب الموصلة إليها وال َطرائق المفضية إليها؛ َ ألن اهلل
لما هنى عن َ
الكبائر هنى عن قربانها وأمر باجتنابها ،قال﴿ :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [` ،]31 :وقال ﴿ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [.]32 :m سمى الكبائر« :موبقات»؛ أل َنها مهلك ٌة لفاعلها يف دنياه وأخراه؛ أ َما يف وت َ الدُّ نيا :فبالعقوبات والعواقب الوخيمة ا َلتي يجنيها مرتكبو الكبائر ،وأ َما يف اآلخرة :فبالعقوبات َ الشديدة ا َلتي أعدَ ها اهلل لهم يوم القيامة. لما ذكرها ذكر يف قال« :الس ْبع الموبقات» هذا فيه اهتما ٌم باألمر؛ أل َنه َ بع ،فلو عدد َتها فيما بعد ستا تقول لنفسك بقي وادد ٌة ،ولو لم يذكر َأولها أ َنها س ٌ يف َأولها أ َنها سب ٌع ر َبما فاتك بعضها ولم تتن َبه؛ وهذا من فائدة ذكر العدد يف أ َول الحديث؛ بل يف ٍ كثير من األداديث؛ أل َنه يعين على ضبط العلم وإتقانه. ثم إنَه ليس هذا دصرا للكبائر يف هذا العدد؛ أل َنه جاءت أداديث أخرى َ
ٍ أعمال أخرى أ َنها من الكبائر؛ مثل دديث النَبي فيها ال َتنصيص على
أنَه قال:
«أل أنبئك ْم بأكْبر الكبائر؟» قالوا :بلى يا رسول اهلل ،قال« :اإل ْشراك باهلل ،وعقوق ()1 الزور ليسا من هذه الوالد ْين ،وشهادة الزور» ،وعقوق الوالدين وشهادة ُّ
السبع المذكورة يف هذا الحديث ،وهما من الكبائر بنص دديث رسول اهلل َ ٍ بكثير ،بل كما جاء عن ابن ع َب ٍ اس السبع فالكبائر أكثر من َ السبعين أقرب»( ،)2وأيضا ليس هذا دصرا لها هبذا العدد. إلى َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)2654ومسلم ( )87عن أبي بكرة
.
عبدالرزَ اق ( ،)19702والبيهقي يف «شعب اإليمان» (.)290 ( )2أخرجه َ
ـ 214ـ
؛
أنَه قال« :هي
أهم ما ينبغي أن يعنى به يف هذا الباب معرفة ضابط الكبيرة ا َلذي به تم َيز و ُّ درمان من دخول الجنَة ،أو و ٍ ٍ الصغيرة ،وهو ُّ عيد كل عم ٍل صدر بلع ٍن ،أو عن َ الرب وعقابه ،أو بلعن فاعله ،أو نفي اإليمان عنه، بدخول النَار ،أو بذكر سخط َ أو قول :ليس منَا؛ فهذه ك ُّلها من العّلمات على َ أن األمر كبير ٌة ،إضافة إلى ال َتنصيص على العمل أنَه من الكبائر. الصّلة وأخطر الكبائر وأشدُّ ها ضررا :الشرك باهلل ،ولهذا قدَ مه ـ عليه َ والسّلم ـ؛ فإنَه يف باب األوامر يقدَ م أعظمها وهو التَوديد ،ويف باب النَواهي َ يقدَ م أخطرها وهو الشرك؛ كقول اهلل تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [ ]68 :uفقدَ م الشرك، وقوله تعالى يف سورة اإلسراء﴿ :ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ثم ذكر بعده جملة من النَواهي ،لكنَه قدَ م النَهي عن الشرك ،فالشرك هو ﮕ﴾ َ أعظم الموبقات ،وهو َ الذنب ا َلذي ال يغفر ،وهو أظلم ال ُّظلم وأشنع المعاصي ،كما قال اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [` ،]48 :ويف وصيَة لقمان﴿ :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ﴾ [}.]13 : ٍ شيء من دقوقه ـ سبحانه وتعالى ـ؛ من والشرك :هو تسوية غير اهلل باهلل يف ٍ ٍ دعاء أو ذبح أو ٍ استغاثة أو غير ذلك من أنواع العبادة ،قال اهلل تعالى: نذر أو ﴿ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ـ 215ـ
ﯥ﴾ [\ ،]bولهذا يقول المشركون يوم القيامة إذا دخلوا النَار﴿ :ﮝ
سوى غير اهلل ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [\]v؛ فمن َ ٍ شيء من دقوق اهلل كان من المشركين ،وكان من أعظم ال َظالمين ،وكان باهلل يف مرتكبا ألكرب الكبائر وأعظم ال ُّظلم وأشد الموبقات. قال
كفر « :والسحر»؛ والسحر من الكبائر ،بل هو من أكبرها؛ أل َنه ٌ
والسادر ال يكون سادرا َإال بالكفر والشرك باهلل ،وطاعة َ الشياطين ،ونبذ باهللَ ، كتاب اهلل رب العالمين﴿ ،ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ كفر باهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ [\^] ،وهو ٌ
ولما ب َرأ اهلل نب َيه سليمان ﭠ ﭡ﴾ [\^]َ ،
من السحر َبرأه بقوله:
﴿ﭙ ﭚ ﭛ﴾؛ َ كفر باهلل ـ سبحانه وتعالى ـ. ألن السحر ٌ والسحر :عبار ٌة عن عزائم ورقى وعق ٍد تؤثر يف المسحور يف قلبه وبدنه وماله؛ فمن السحر ما يقتل ،ومنه ما يمرض ،ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، والسحر منه ما له دقيق ٌة ،ومنه ما هو مجرد خ ٍ يال ﴿ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ َ تأثير يف ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ []66 :p؛ فالنَوع ا َلذي له دقيق ٌة له ٌ ٍ ٍ ٍ الزوجين أو غير ذلك ،كما قال اهلل مرض أو موت أو المسحور من تفريق بين َ تعالى﴿ :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [^،]102 : عوذ من السوادر ،وال َت ُّ وقال﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [ ]4 :ðأيَ : ـ 216ـ
شره َن ٌ دليل على َ ضر ٌة على المسحور تأثير وله م َ والسحرة له ٌ السوادر َ أن أعمال َ من مر ٍ ض أو غير ذلك. والسحر من أعظم ُّ الشرور وأخطرها ،وإذا فشا يف مجتم ٍع من المجتمعات السحرة يف البلدة إذا َ قل فيها نور ال َتوديد أهلكه وأضر به أشدَ َ الضرر ،ويكثر َ َ وضياؤهَ ، وقل بيان ال َتوديد وإيضاده؛ فإذا جهل النَاس ال َتوديد والعقيدة السحرة من البلد وتكاثروا فيه ،وإذا علت رايات ال َتوديد َ الصحيحة تم َكن َ وظهرت مناراته وقويت الدَ عوة إليه؛ َ فإن السحر ينحسر بل يتّلشى بإذن اهلل ـ تبارك وتعالى ـ؛ ولهذا فما أدوج النَاس إلى ال َتوديد؛ بيانا وإيضادا ،وتقريرا واستدالال ،وتحذيرا من ضده ونقيضه وهو الشرك باهلل ـ سبحانه وتعالى ـ. قال
« :وقتل النفس التي حرم اهلل إل بالحق» قال اهلل تعالى﴿ :ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [،]68 :u وقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ﴾ [`: ،]93وهذا ٌ أن قتل النَفس المعصومة كبير ٌة من كبائر ُّ دليل على َ الذنوب وعظيم ٌة من عظائم اآلثام. السنَة أداديث كثير ٌة جدا يف ال َتحذير من هذه الكبيرة وبيان وقد جاء يف ُّ خطورتهاَ ، وأن المرء ال يزال يف فسح ٍة من دينه ما لم يصب دما دراما؛ أل َنه إذا أصاب دما دراما بأن قتل شخصا عمدا أصبح هذا المقتول خصما له يوم القيامة ،هناك دق ألولياء المقتول ،قد يعفون عنه بمقابل ،أو بدون مقاب ٍل ،وقد ال يعفون ،لكن هناك دق للمقتول ،والمقتول ذهب ولم يبق يف الدُّ نيا وليس ث َم ـ 217ـ
َإال القصاص يوم القيامة ،ولهذا ال يزال المرء يف فسح ٍة من دينه ما لم يصب دما دراما ،فلو سرق ماال وأراد أن يتوب فيستطيع أن يعيد المال إلى أهله ،د َتى لو أي ذن ٍ ب من ُّ الذنوب يستطيع صادبه بإذن مات صادب المال يعيده للورثة ،و ُّ اهلل أنَه يتخ َلص من متع َلقاتهَ ،إال القتل فصادب الحق أزهقت روده على يد هذا القاتل ،ولم يبق َإال القصاص يوم القيامة ،وهذا يد ُّل على خطورة القتلَ ، وأن القتل أعظم ُّ الذنوب بعد الشرك والكفر باهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ،سواء قتل المرء سمى باالنتحار ﴿ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [` ،]29 :أو قتله لغيره نفسه وهو ما ي َ الذنبان أعظم ُّ عمدا بغير دق؛ فهذان َ الذنوب وأكبر الموبقات بعد الكفر والشرك باهلل ـ َ جل وعّل ـ. قال
« :وأكل مال اليتيم»؛ قال اهلل تعالى ﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [`]10 :؛ وهذا فيه َ أن أكل مال اليتيم من الكبائر الموجبة لدخول النَار يوم القيامة ،وال َتنصيص هنا على األكل؛ أل َنه ٍ أعظم وجوه االنتفاع بالمالَ ، إتّلف لمال اليتيم ـ سواء باألكل أو أن أي وإال ُّ يشرتي به ثيابا أو يشرتي به بيتا أو يشرتي به مركوبا أو أي استعمال آخر ـ؛ فإ َنه يشمله هذا الوعيد. ضعف ،وال يدري عن المال وعن قدره ،فول ُّي اليتيم مؤتم ٌن واليتيم فيه ٌ
رب العالمين ـ َ جل على هذا المال ،وقد يأكل منه ويأخذ ،وال أدد يعلم به َإال ُّ يف عّله ـ ،فجاءت النُّصوص هبذا الوعيد وال َتحذير ،دفظا ألموال اليتامى د َتى ال يضيعها من ولي أمرهم. ـ 218ـ
قال
الذنوب وكبائرها ،وهو ٌ « :وأ ْكل الربا» الربا من عظائم ُّ أكل ألموال
النَاس بالباطل ،قال اهلل تعالى﴿ :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [^،]276 : وقال عن آكل الربا﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
والسخط ،كما جاء ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [^ ،]275 :وهو من موجبات ال َلعنة َ يف الحديث« :لعن رسول اهلل
آكل الربا ،ومؤكله ،وكاتبه ،وشاهديه»(.)1
وال يسلم النَاس من هذه العقوبة بتغيير اسم الربا إلى أرباحٍ ،أو فوائد ،أو غير ذلك من األسماء ،فالعربة بالحقائق وإن غيرت األسماء؛ َ فإن المعصية ال تتغ َير دقيقتها إذا غير اسمها ،فإذا سمي الربا «فوائد» أو سميت الرشوة عر ٌض لعقوبة اهلل ـ «إكرام َية» أو نحو ذلك فالحقيقة باقي ٌة ،ومتعاطي ذلك م َ سبحانه وتعالى ـ. ويجب على المسلم أن يكون محترزا يف هذا الباب ،محتاطا د َتى ال يشتبه عليه يف هذا الباب عليه أن ي َتقيه استرباء لدينه وعرضه ،وال يخاطر بنفسه والسّلم ـ« :فمن اتقى الشبهات ْاست ْبرأ ويعرضها للهّلك ،كما قال ـ عليه َ الصّلة َ لدينه وع ْرضه ،وم ْن وقع في الشبهات وقع في الحرام»(.)2 قال
« :والتولي يوم الزحف» أي :مّلقاة العدو ،واهلل يقول﴿ :ﯥ
ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [ ،]16 :dإذا كان جهة إلى ٍ لقتال ـ أي ينحرف من ٍ ٍ جهة أخرى ،أو ينحاز حرف ال َتولي من أجل ال َت ُّ ( )1أخرجه مسلم ( )1598عن جابر بن عبد اهلل
.
( )2أخرجه البخاري ( ،)52ومسلم ( )1599عن النُّعمان بن بشير
ـ 219ـ
.
إلى ٍ الزدف فهذا من جهة يعاونهم ويساعدهم ـ فّل بأس ،أ َما إذا تو َلى فرارا من َ الكبائر العظيمة؛ َ الزدف أخطر من عدم دضور المعركة؛ أل َن ألن ال َتولي يوم َ قوة الجيش وصموده أمام العدو ،فإذا وجد المقاتلون َ أن بعض هذا يضعف من َ األفراد َفر َ فت ذلك من عضدهم وأضعف من ق َوتهم وه َمتهم؛ ووالهم الدُّ بر َ السبع الموبقات. ولهذا عدَ يف َ فال « :وقذف المحصنات الغافالت المؤمنات» يراد بالمحصنات: ات أو أبكارا ،سواء كن متزو ٍ العفيفات الربيئات الحرائر ،سواء كن ثيب ٍ جات أو ٌ َ َ غير متزوج ٍ ات؛ َ ألن المحصنة يف َ الشرع تطلق تارة ويراد هبا العفيفة ،وتطلق تارة بالزواج ،وهنا يراد هبا العفيفة. ويراد هبا المتزوجة ا َلتي أدصنت َ ات عما رمين به؛ رمين بالفادشة وه َن غافّلت بريئ ٌ ٌ ويراد بالغافّلت :أيَ : ات عن هذه األعمال. بعيد ٌ ويراد بالمؤمنات :أي :باهلل ،والعامّلت بطاعته ـ َ جل يف عّله ـ؛ فرميه َن بالفادشة هذا من الموبقات العظيمة المهلكة. قال
أدق « :ومنها» أي :الكبائر «عقوق الوالد ْين»؛ والوالدان هما ُّ
الصحبة وجميل اإلدسان والوفاء ،كما قال اهلل تعالى﴿ :ﭞ النَاس بحسن ُّ
ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [ ،]8 :yوقال ـ َ جل وعّل ـ﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [ ،]23 :mفاهلل
و َصى بالوالدين إدسانا ،ودفظا
والصنيع العظيم ا َلذي قدَ ماه لولدهما ،واإلدسان إلى الوالدين من للجميل َ أعظم ال َطاعات. ـ 220ـ
والعقوق من أعظم ُّ والسنَة ،ويف الذنوب ،وقد جاء قرين الشرك يف القرآن ُّ والسّلم ـ« :أل أنبئك ْم بأكْبر الكبائر؟» قالوا :بلى يا الحديث قال ـ عليه َ الصّلة َ رسول اهلل ،قال« :اإل ْشراك باهلل ،وعقوق الوالد ْين»( ،)1فقرن عقوق الوالدين مما يد ُّل على خطورة العقوق. باإلشراك باهلل؛ َ وعقوق الوالدين مأخو ٌذ من العق وهو القطع؛ َ ألن اهلل
أمر باإلدسان
والوفاء واإلكرام والقيام بالواجب نحوهما ،فمن لم يقم هبذا الواجب وأساء إليهما بالقول ﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [ ،]23 :mأو بالفعل ﴿ﮫ ﮬ﴾ [:m ]23؛ كان بذلك عاقا لهما ،وهو أيضا من لؤم اإلنسان؛ َ ألن الوالدين أعظم من قدَ م له معروفا ،فكيف يقابل هذا المعروف وهذا اإلدسان باإلساءة إليهما؟! فالعقوق ال يقع َإال من أشد النَاس لؤما ،والعياذ باهلل. قال
« :وقطيعة الرحم» واهلل ـ سبحانه وتعالى ـ أمر بصلة ا َلردم ،قال:
﴿ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [ ،]21 :iوقال ﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎ
ﮏ﴾ [\¬]. والقطيعة من ُّ َ والشريعة جاءت الذنوب العظيمة والموبقات المهلكة، بصلة األردام ،والوفاء مع القرابة ،والعمل على اإلدسان إليهم ،وبل هذه ال َرابطة ببّللها؛ صلة وسّلما واهاديا ومح َبة وصفاء ،وبعدا عن اإلساءة. ( )1سبق تخريجه.
ـ 221ـ
قال
والز ور هو الكذب والب هتان ،وقد جاءت « :وشهادة الزور»ُّ ،
والسنَة؛ أ َم ا القرآن ففي قوله: الز ور قرينة للش رك يف القرآن شهادة ُّ ُّ ﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [ ،]30 :rوأ َما السنَة :ففي الحديث المتقدم قال« :أل أنبئك ْم ب أكْبر الكبائر؟» قالوا :بلى يا ُّ رسول اهلل ،قال« :اإل ْشراك باهلل ،وعقوق الوالد ْين ،وجلس وكان متكئًا فقال: أل وق ْول الز ور» ،فما زال يكررها ،دتَى قلنا ليته سكت؛ شفقة على النَبي ـ صلوات اهلل وسّلمه وبركات ه عليه ـ. الز ور جريم ٌة كربى؛ ألنَها ت ضيَع هبا الحقوق ،وتؤكل هبا وشهادة ُّ الزور ظ ال ٌم من أموال النَاس بالباطل ،وربَما تزه ق هبا أرواح بريئ ٌة ،وشاهد ُّ ٌ
ٍ جهات كثيرةٍ:
ظالم من جهة الكذب؛ َ الزور قائم على الكذب والبهتان. ألن ُّ ٌ وظالم يف دق من شهد عليه؛ أل َنه هبذه َ الشهادة ض َيع عليه دقا. ٌ وظالم لمن شهد له؛ أل َنه هبذه َ الشهادة أعطاه دقا ليس له. ٌ والسّلم ـ« :إن وظالم أيضا فيما يتع َلق باألموال ،وقد قال ـ عليه َ الصّلة َ ٌ دماءك ْم وأ ْموالك ْم وأ ْعراضك ْم عل ْيك ْم حرام»(.)1 ٍ جهات عديدةٍ ،وهي جريم ٌة كربى، الز ور فيها ظل ٌم من فشهادة ُّ ( )1أخرجه البخاري ( ،)1739ومسلم ( )1679عن أبي بكرة
ـ 222ـ
.
السيئ ة والعواق ب الوخيمة ما ال ي علم عقباه َإال اهلل ويتر َت ب عليها من اآلثار َ ـ سبحانه وتعالى ـ. قال
« :واأل ْيمان الكاذبة » أي :ا َلتي تقتطع هبا األموال بغير دق ،أو
والسّلم ـ« :ثالثة ل الصّلة تن َف ق فيها األموال بغير دق ،وقد قال ـ عليه َ َ يكلمهم اهلل ي ْوم القي امة ،ول ينْظر إل ْيه ْم ،ول ي زك يه ْم ،وله ْم عذ اب أليم» وذكر منهم« :المنف ق س ْل عته بالحلف الك اذب»( ،)1فّل يجوز للمسلم أن يجعل اهلل يمين ه يف تنفيق بضائعه وسلعه ﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [^ ،]224 :وال يجوز أن يكون متج رئا يف هذا الباب ،فك َل ما أراد أن ينفق سلعة أو بضاعة أو غير ذلك دلف ،وإذا كان يف أيمانه كاذبا فهذه اليمين الكاذبة خطير ٌة جدا على صادبها ،وهي من كبائر ُّ الذنوب وموجبات س خط اهلل وعقابه ـ تبارك وتعالى ـ. نفى
بي قال « :وإيذاء الجار» أي :هذا أيضا من الموبقات ،والنَ ُّ والسّلم ـ« :واهلل ل عمن يؤذي جاره ،قال ـ عليه َ الصّلة َ اإليمان ـ أي :الواجب ـ َ
ي ْؤمن ،واهلل ل ي ْؤمن ،واهلل ل ي ْؤمن» قيل :ومن يا رسول اهلل؟ قال« :الذي ل ي ْأمن ()2 وشره. جاره بوايقه» ،أي :أذاه َ
قال
« :وظلم الناس يف الدماء واألموال واألعراض» وقد قال ـ عليه
( )1أخرجه مسلم ( )106عن أبي ذر
.
( )2سبق تخريجه.
ـ 223ـ
دجة الوداع« :إن دماءك ْم وأ ْموالك ْم وأ ْعراضك ْم والسّلم ـ يف خطبته يف َ َ الصّلة َ عل ْيك ْم حرام؛ كح ْرمة ي ْومك ْم هذا ،في بلدك ْم هذا ،في ش ْهرك ْم هذا» ،وقال يف الحديث اآلخر« :كل الم ْسلم على الم ْسلم حرام؛ دمه ،وماله ،وع ْرضه»(.)1 وقد كتب رج ٌل إلى ابن عمر
«أن اكتب لي بالعلم كله» ،كيف يكون
السؤال؟ لو َ أن أددا من العلماء جاءته رسال ٌة من أدد الجواب على هذا ُّ السائلين أو المستنصحين وقال له :اكتب لي بالعلم كله ،كيف يجيب عليه؟ َ الصحابة فكتب إليه ابن عمر ـ وانظر جمال نصح َ
وكمال فقههم ـ قال:
«إ َن العلم كثي ٌر ،ولكن إن استطعت أن تلقى اهلل خفيف ال َظهر من دماء النَاس، اف اللسان عن أعراضهم ،الزما ألمر جماعتهم، خميص البطن من أموالهم ،ك َ فافعل»( ،)2فأشار
إلى َ للسّلمة من الوقوع يف هذه ال َثّلثة أن من وفق َ
ـ الدماء واألعراض واألموال ـ فقد أوتي خيرا كثيرا وفقها عظيما. قال
« :وش ْرب المسكر» ،خمرا أو غيره من المخدرات والمفترات،
وغير ذلك من المذهبات للعقول. الشرور؛ َ والخمر أ ُّم الخبائث ومجمع ُّ ألن من يتعاطى الخمر ويشربها ٍ وجنايات متنوعة بسبب أ َنها تذهب العقل ،وذاهب تجلب له شرورا عظيمة العقل يتصرف تصر ٍ فات كثيرة وهو ال يعي وال يعقل بسبب هذا ا َلذي تعاطاه ُّ َ ( )1أخرجه مسلم ( )2564عن أبي هريرة
.
( )2أخرجه الخطيب يف «تاريخ دمشق» ( ،)216/16وابن عساكر يف «تاريخ دمشق» (.)170/31
ـ 224ـ
وشربه ،وهي من كبائر ُّ الذنوب وعظائم اآلثام. قال
« :ولعب القمار ،وهو الم ْيسر»؛ والقمار مبني على المخاطرة
ٍ ٌ أناس قامروا أموال وتؤكل أمو ٌال بغير دق؛ فكم من باألموال ،ويف القمار تضيع ٍ واددة ،وكم من أن ٍ دصلوا بالقمار بأموالهم فذهب مالهم ك ُّله يف لحظ ٍة اس َ دصل أمواال بالقمار فأكله لها ٌ أكل بغير دق. أمواال طائلة لكن بغير دق ،فمن َ ومن ض َيع أمواله بالقمار فهو مس ٌ درمه اهلل ـ ؤول عن هذا ال َتضييع ا َلذي َ سبحانه وتعالى ـ عليه ،وهو من أكل األموال بالباطل ،وقد جاءت َ الشريعة بتحريمه وال َتحذير منه ،وبيان أنَه من عمل َ الشيطان﴿ ،ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [.]90 :a قال
والسّلم ـ يف الحديث َبي ـ عليه َ الصّلة َ « :والغيبة» والغيبة َ عرفها الن ُّ
بقوله« :ذكْرك أخاك بما يكْره» ،وقد قال اهلل ـ تبارك وتعالى ـ يف القرآن﴿ :ﭟ ()1
ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [¯]12 :؛ فش َبه غيبة َ الشخص بأكل لحمه ميتا ،تبيانا لشناعة الغيبة وعظم خطورتها ،وأ َنها من األذى للمؤمنين﴿ ،ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [{.]58 : فيجب على المسلم أن يحذر من أذى إخوانه المسلمين بأي نو ٍع من ( )1أخرجه مسلم ( )2589عن أبي هريرة
.
ـ 225ـ
األذى ،بالغيبة أو غيرها. ٍ بسند صحيحٍ عن وقد جاء يف كتاب «األدب المفرد»( )1لإلمام البخاري عائشة
أنَه قيل للنَبي
:يا رسول اهلل! َ إن فّلنة تقوم ال َليل ،وتصوم
وتصدَ ق ،وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول اهلل النَهار ،وتفعلَ ،
« :ل خ ْير
فيها ،هي م ْن أ ْهل النار» ،وقيل له :وفّلن ٌة تصلي المكتوبة ،وت َصدَ ق بأثو ٍار ،وال تؤذي أددا؟ فقال رسول اهلل
« :هي م ْن أ ْهل الجنة» ،فإيذاء النَاس باللسان ـ
غيبة ونميمة وسخرية واستهزاء ـ هذا من الموبقات والمهلكات العظيمة. ٍ شخص إلى قال« :والنميمة»؛ وهي «القالة ب ْين الناس»( ،)2بنقل الكّلم من آخر على وجه اإلفساد بينهما ،والنَ َمام من المفسدين يف األرض ،بل قال بعض
ٍ ساعة ما ال ـ« :يفسد النَ َمام يف
السلف ـ وهو يحيى بن أبي كثير اليمامي َ
السادر يف شهر»( ،)3وهي من أخطر ما يكون يف المجتمعات إيقاعا يفسده َ للفساد ،ونشرا للعداوات ،وإيجادا للبغضة بين المتحابين ،ولذا جاءت َ الشريعة َبي بتحريمها ،بل قال الن ُّ
« :ل يدْ خل الجنة قتات»( ،)4والق َتات :هو النَ َمام.
وصححه ( )1برقم ( ،)119وأخرجه الحاكم ( ،)7304وابن د َبان يف «صحيحه» ()5764؛ َ األلباين يف «ال َصحيحة» ( .)190وقوله« :وتصدق بأثوار» :األثوار :جمع ثور ،وهي قطعة من لبن جامدٌ مستحجر .انظر« :النهاية يف غريب الحديث واألثر» (.)228 /1 األقط ،وهو ٌ ( )2أخرجه مسلم ( )2606عن عبد اهلل بن مسعود
.
( )3أخرجه أبو نعيم يف «الحلية» ( ،)70/3والبيهقي يف «شعب اإليمان» (.)10602 ( )4أخرجه البخاري ( ،)6056ومسلم ( )105عن دذيفة بن اليمان
ـ 226ـ
.
قال
« :وغير ذلك مما نهى اهلل عنه أو رسوله
» وهذا فيه ال َتنبيه إلى
َ ليس على وجه الحصر ،وإ َنما هو إشار ٌة مختصر ٌة تنبيها على أن ما ذكره ٍ ٍ جملة من الكبائرَ ، معرفة هبا وأن الواجب على المسلم أن يكون على وبخطوراها ،ليحذر هو يف نفسه منها ،وليحذر منها اآلخرين؛ من أه ٍل وول ٍد وجير ٍ ان وأصدقاء وغيرهم.
ـ 227ـ
ُ
ﱠ ﱠ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ
ﱢ
ﱠ
ُ
ﺖ ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺩﻓﻨﻪ ﲡﻬﻴﺰ ﺍﳌﻴ ِ
ﻗﺎل ::
واﻟﺼﻼة ﻋﻠﻴﻪ ودﻓﻨﻪ. »اﻟﺪﱠ رس اﻟ ﱠﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ :ﺗﺠﻬﻴﺰ اﻟﻤ ﱢﻴﺖ ﱠ وإﻟﻴﻚ ﺗﻔﺼﻴﻞ ذﻟﻚ.
ﺸﺮ ُع ﺗﻠﻘﻴﻦ اﻟﻤﺤ َﺘﻀﺮ »ﻻ إﻟﻪ ﱠإﻻ اﷲُ« ﻟﻘﻮل اﻟﻨﱠﺒﻲ حَ » :ﻟ ﱢﻘﻨُﻮا َﻣ ْﻮ َﺗﺎ ُﻛ ْﻢ ﱠأوﻻُ :ﻳ َ َﻻ إِ َﻟ َﻪ إ ِ ﱠﻻ اﷲُ« رواه ﻣﺴﻠﻢ ﰲ »ﺻﺤﻴﺤﻪ« ،واﻟﻤﺮاد ﺑﺎﻟﻤﻮﺗﻰ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ:
أﻣﺎرات اﻟﻤﻮت. اﻟﻤﺤ َﺘ َﻀ ُﺮون ،وﻫﻢ َﻣ ْﻦ َﻇ َﻬ َﺮ ْت ﻋﻠﻴﻬﻢ ُ ُ ﺖ ﻋﻴﻨﺎه ُ ِ ﺛﺎﻧﻴﺎ :إذا ُﺗﻴ ﱢﻘﻦ ﻣﻮ ُﺗﻪ ُأ ِ اﻟﺴﻨﱠﺔ ﺑﺬﻟﻚ. ﻏﻤ َﻀ ْ ُ َ وﺷﺪﱠ ﻟ ْﺤ َﻴﺎه؛ ﻟﻮرود ﱡ ً ِ ﻳﺠﺐ ُ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻓﺈ ﱠﻧﻪ اﻟﻤﺴﻠﻢ ،ﱠإﻻ أن ﺛﺎﻟ ًﺜﺎ: َ ُ ﻳﻜﻮن ﺷﻬﻴﺪً ا ﻣﺎت ﰲ َ ﻏﺴﻞ اﻟﻤ ﱢﻴﺖ ُ ﱠﺒﻲ ح ﻟﻢ ُﻳ َﻐ ﱢﺴ ْﻞ َﻗ ْﺘ َﻠﻰ ُأ ُﺣ ٍﺪ ﻐﺴ ُﻞ وﻻ ُﻳﺼ ﱠﻠﻰ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﻞ ُﻳﺪ َﻓﻦ ﰲ ﺛﻴﺎﺑﻪ؛ ﱠ ﻻ ُﻳ ﱠ ﻷن اﻟﻨ ﱠ وﻟﻢ ُﻳ َﺼ ﱢﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ«. :n ﺧﺼﺼﻪ :ﰲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﻨﱠﺎﻓﻌﺔ ،وﻗﺪ ﱠ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺪﱠ ُ رس اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻫﺬه ﱢ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻤﺘﻌ ﱢﻠ َﻘ ِﺔ ﺑﺎﻟﻤﻴ ِ ﺷﻚ ﱠ ﺗﺠﻬﻴﺰا وﺻﻼ ًة ﻋﻠﻴﻪ ودﻓﻨًﺎ ﻟﻪ؛ وﻻ ﱠ أن ﻫﺬه ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺖ ً ﱢ ُ َ
أمر واقع لكل دير بالمسلم أن يتع َلمها وأن يعيها وأن يعرفها ،والموت ٌ هم ٌة ،ج ٌ م َ ٍ إنسان﴿ ،ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [_ ،]185 :والميت له أدكا ٌم جاءت َ الشريعة ببياهنا ،فيها عناي ٌة بالميت تجهيزا وتغسيّل وتكفينا وصّلة ودعاء ودفنا؛ ٍ عظيم على أهله وذويه، وهي أدكا ٌم عظيم ٌة ،تتج َلى فيها ما للميت من دق وعلى عموم النَاس دعاء وصّلة. وإذا جهلت هذه األدكام ربَما عومل الميت معاملة خاطئة م خالفة لشرع اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ،سواء من ديث التَغسيل والتَكفين ،أو من ديث الصّلة والدَ فن ،أو من ديث الدُّ عاء ا َلذي يدعى به للمي ت؛ فإ َن من ي جهل ما َ ٍ ٍ مخالفة َ للشرع أمور جاءت به شريعة اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ ر َبما وقع يف وأمور ال أصل لها. مرة ـ وكنَا نجهل هذا األمر ـ جئنا بالجنازة، ددَ ثني أدد األشخاص قالَ : وص َلينا عليها ركعتين بركوع وسجود ،فمن ال يعرف األدكام يقع منه مثل هذا وتضر ور َبما أشدُّ من ذلك ،وكم يمارس عند الدَ فن من بد ٍع ال تنفع الميت ُّ األدياء بسبب الجهل بالدين. ولهذا ينبغي على المسلم أن يعتني هبذه المسائل ،وأن يضبطها د َتى يكون ال َتعامل منه مع الميت وفق شرع اهلل
،ووفق ما جاء عن رسول اهلل ـ صلوات
اهلل وسّلمه وبركاته عليه ـ. قوله
« :أو ًل :يشرع تلقين المحتْر «ل إله إل اهلل» لقول النبي
:
«لقنوا م ْوتاك ْم ل إله إل اهلل» رواه مسلم يف «صحيحه» ،والمراد بالموتى يف هذا ـ 229ـ
صح عن الحديث :المحتْرون ،وهم من ظهرت عليهم أمارات الموت»؛ أل َنه َ والسّلم ـ أنَه قال« :م ْن كان آخر كالمه ل إله إل اهلل دخل نبينا ـ عليه َ الصّلة َ الجنة» ،فيشرع أن يل َقن الميت هذه الكلمة العظيمة ،لتكون آخر كّلمه من « :لقنوا م ْوتاك ْم ل إله إل اهلل»( ،)1ويراد بالموتى :من
َبي الدُّ نيا ،ولذا قال الن ُّ قارب الوفاة ،ودنا منها ،وظهرت عليه أمارات الموت وعّلماته ،وليس من مات ٍ ٍ لطيف ،د َتى وأسلوب السنَة أن يسارع بتلقينه« :ال إله َإال اهلل» ،برف ٍق فعّل ،فمن ُّ ٍ الضجر ،والس َيما أنَه يف شدَ ٍة وكر ٍ ب ،وإذا قالها ال ال يتس َبب يف إيقاع شيء من َ ٌ دديث آخر؛ فإ َنه من بعد ذلك يل َقن ،لكن ثم إن جرى منه يكرر عليه بل يرتكَ ، يرت َفق به غاية ال َتر ُّفق. قال
« :ثان ًيا :إذا تيقن موته أغمْت عيناه وشد ل ْحياه؛ لورود السنة
بذلك» أي :تح َقق من عنده أنَه مات فعّل بظهور عّلمات الموت عليه أو ـ مثّل ـ ٍ دينئذ أن تغمض عيناه؛ أل َنه إذا نزعت بتقرير ال َطبيب أو نحو ذلك؛ فإ َنه يشرع ٍ عندئذ أن تغمض عيناه ،ففي السنَة الروح تبعها البصر فيشخص بصره ،فمن ُّ منه ُّ «صحيح مسلم»( )2عن أم سلمة
قالت« :دخل رسول اهلل
عل ى أ ب ي
سلمة وقد ش َق بصره ،فأغمضه». وأن يشدَ لحياه ،واللحيان :هما العظمان ال َلذان هما منبت األسنان فيشدَ ان بق ٍ ماش؛ ألنَه إذا لم يربطهما فر َبما ينفتح الفم ،فإذا شدَ هما وبرد الميت ( )1أخرجه مسلم ( )916عن أبي سعيد الخدري
.
( )2برقم (.)920
ـ 230ـ
بقي مشدودا ،ومن الحكمة يف ذلك :أن ال يدخل الماء إلى فيه وقت غسله أو ٌ داخل يف األصول العا َمة. الهوا ُّم بعد دفنه ،وهو وإن لم يرد به نص مع َي ٌن َإال أنَه قال
« :ثال ًثا :يجب غسل الميت المسلم» ،أيَ : أن غسله من الواجبات،
وهو من دقوق الميت ا َلتي يجب أن تفعل ،وتأيت صفة هذا الغسل. «إل أن يكون شهيدً ا مات يف المعركة»َ ، ألن هناك شهداء جاء يف َ الشرع إطّلق َ الشهادة عليهم ،لكنَهم يف غير المعركة ،مثل« :المبطون شهيد ،والغريق شهيد»؛ فهؤالء شهداء يف ثواب اآلخرة ،لكن يف أدكام الدُّ نيا يعاملون معاملة غسلون ،ويك َفنون ،ويص َلى عليهم. غيرهم؛ في َ وأ َما شهيد المعركة؛ «فإنه ل يغسل ول يصلى عليه ،بل يدفن يف ثيابه؛ ألن النبي
لم يغس ْل ق ْتلى أحد ولم يصل عليهم» ،كما يف دديث جابر
قال:
على ُّ الشهداء ا َلذين قتلوا يومئ ٍذ ،فقال:
«لما كان يوم أد ٍ َبي ن ال ف ر ش أ د َ ُّ «زملوه ْم بدمائه ْم»( ،)1والحكمة من تركهم بدمائهم من غير تغسيل تعلم من قوله
يف الحديث اآلخر« :ما م ْن م ْجروح جرح في اهلل ،إل بعثه اهلل ي ْوم القيامة
وج ْرحه يدْ مى ،الل ْون ل ْون الدم والريح ريح الم ْسك»( ،)2إبقاء ألثر هذه ال َطاعة العظيمة ،طاعة الجهاد يف سبيل اهلل إعّلء لكلمته
.
وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)714 ( )1أخرجه أدمد ()23660؛ َ ( )2أخرجه البخاري ( ،)2803ومسلم ( )1876عن أبي هريرة
ـ 231ـ
.
قال
:
«راب ًعا :صفة غسل الميت: عصرا رفي ًقا ،ثم يلف الغاسل قليال ويعصر بطنه أ ْن تستر عورته ،ثم يرفع ً ً على يده خرق ًة أو نحوها فينجيه بها ،ثم يوضئه وضوء الصالة ،ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدْ ر أو نحوه ،ثم يغسل شقه األيمن ثم األيسر ،ثم يغسله كذلك مر ًة ثاني ًة وثالث ًة ،يمر يف كل مرة يده على بطنه ،فإن خرج منه شيء غسله ،وسد المحل بقطن أو نحوه ،فإن لم ي ْست ْمس ْ ك فبطين حر ،أو بوسائل الطب الحديثة كاللزق ونحوه. ويعيد وضوءه ،وإن لم ينق بثالث زيد إلى خمس أو إلى سبع ،ثم ينشفه بثوب ،ويجعل الطيب يف مغابنه ومواضع سجوده ،وإن طيبه كله كان حس ًنا، ويجمر أكفانه بالبخور ،وإن كان شاربه أو أظفاره طويل ًة أخذ منها ،وإن ترك ذلك فال حرج ،ول يسرح شعره ،ول يحلق عانته ،ول يختنه؛ لعدم الدليل على ذلك ،والمرأة يظفر شعرها ثالث قرون ويسدل من ورائها». :n ذكر
السنَة عن رسول هنا «صفة غسل الميت»؛ يف ضوء ما وردت به ُّ
اهلل ـ صلوات اهلل وسّلمه عليه ـ. فذكر َ جرد من مّلبسه ا َلتي أن َأول ما يبدأ به« :أن تستر عورته» عندما ي َ كانت عليه تستر عورته بأن توضع قطع ٌة من القماش تكون ساترا لعورة الميت، ـ 232ـ
ٍ السنن» ألبي حر ٌم سواء كانت عورة دي أو ميت ،وقد جاء يف « ُّ فالنَظر للعورة م َ َ « :ول تنْظرن إلى فخذ ح ٍّي ول قال لعلي َبي داود وغيره أن الن َ ميت»( ،)1وإذا كان ال ينظر لفخذ الحي وال فخذ الميت فكيف بالعورة المغ َلظة جرد الركبة ،وي َ الس َرة إلى ُّ القبل والدُّ بر؟! ولهذا يجب أن يبدأ بستر العورة ،من ُّ الساتر لعورته. من المّلبس وعليه هذا الغطاء َ قال
والرأس« ،ويعصر بطنه « :ثم يرفع ً قليال» ،يعني :من جهة ال َظهر َ
عصرا رفي ًقا» بأن يضع الغاسل ساعده على أعلى البطن ،ويضغط ضغطا يسيرا ً ثمة شي ٌء متهي ٌئ على البطن إلى أسفل البطن ،وقد أنهضه قليّل من أجل إذا كان َ للخروج يخرج ،ويكون ذلك ٍ برفق؛ َ ألن الميت له درم ٌة مثل الحي ،ال يقال: بقو ٍة وشدَ ٍة ،بل يرفع برف ٍق ويعصر برف ٍق ادرتاما للميت ،مثلما هذا مي ٌت ،ويعامل َ أنَه محتر ٌم وهو دي. الزمان تيسر يف هذا َ «ثم يلف الغاسل على يده خرق ًة أو نحوها» ،وقد َ ازات لليدين من القماش ونحوه ،سميك ٌة يمكن أن تستعمل يف هذا الغرض، ق َف ٌ «فينجيه بها»؛ ينجيه من االستنجاء يعني ينظفه ،والغرض من هذا القماش ا َلذي ( )1أخرجه أبو داود ( ،)3140وض َعفه األلباين يف «اإلرواء» ( ،)698وقال« :وهي وإن كانت هم ،بل عللها أسانيدها كلها ال تخلو من ضعف ...؛ فإن بعضها يقوي بعضا؛ أل َنه ليس فيها م َت ٌ لصحة يطمئن القلب مما تدور بين االضطراب والجهالة َ َ ُّ والضعف المحتمل ،فمثلها َ صحح بعضها الحاكم ووافقه َ ودسن بعضها الذهب ُّي، الحديث المروي هبا ،ال سيما وقد َ َ الترمذ ُّي وع َلقها البخاري يف «صحيحه»».
ـ 233ـ
ف به اليد د َتى ال يباشر بيده لمس عورة الميت ،فالعورة ال ينظر إليها ،وال تل ُّ تم ُّس باليد مسا مباشرا. َ َبي «ثم يوضئه وضوء الصالة» جاء يف دديث أم عط َية أن الن َ ()1 وضأ وضوءه فأول ما يبدأ به ي َ «ا ْبد ْأن بميامنها ومواضع الوضوء منْها» َ ،
قال:
للصّلة ،قال العلماء :عدا المضمضة واالستنشاق؛ أل َنه إذا وضع الماء يف فمه َ أو أنفه دخل إلى جوفه. «ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر ونحو ذلك» وقد جاء يف َ َ َبي الصحيحين» يف َ « َ قصة المحرم الذي وقصته ناقته فمات ،أن الن َ «اغْسلوه بماء وسدْ ر»(.)2 قال
قال:
« :ثم يغسل شقه األيمن ثم األ ْيسر»؛ وقد تقدَ م دديث« :ا ْبد ْأن
بميامنها». ٍ ٍ وسابعة فعل، خامسة «ثم يغسله كذلك مر ًة ثاني ًة وثالث ًة» ،وإن ادتاج إلى ٍ زيادة فيزيد ،لكن ينتهي بوت ٍر؛ سبعا ،تسعا ،وهكذا ،للحديث: وإن ادتاج إلى «اغْس ْلنها ثال ًثا ،أ ْو خ ْم ًسا ،أ ْو أكْثر م ْن ذلك إ ْن رأ ْيتن ذلك»(.)3 «يمر يف كل مرة يده على بطنه ،فإذا خرج منه شيء غسله» على النَحو ا َلذي تقدَ م قريبا. ( )1أخرجه البخاري ( ،)167ومسلم ( )939عن أم عطية ( )2أخرجه البخاري ( ،)1265ومسلم ( )1206عن ابن عباس ( )3أخرجه البخاري ( ،)1253ومسلم ( )939عن أم عطية
ـ 234ـ
. . ،وقد سبق قريبا.
«وسد المحل بقطن أو نحوه» ،والغرض من هذا القطن ا َلذي يوضع يف الدُّ بر د َتى ال يخرج شي ٌء بعد ذلك. «فإ ْن ل ْم ي ْست ْمس ْ ك» يعني مع وجود القطن «فبطين ح ٍّر» أي خالص ،وهو ا َلذي ليس معه أشياء ممتزج ٌة به من ٍ الحر يكون متماسكا تراب أو نحوه ،والطين ُّ غاية ال َتماسك. أمور ما كانت تيسرت ٌ «أو بوسائل الطب الحديثة؛ كاللزق ونحوه» ،ديث َ األول ،فّل بأس من وضع أنوا ٍع من ال َلزق تكون جيدة يف منع متيسرة يف َ الزمن َ هذا الخارج ،فتقوم مقام القطن أو الطين الحر. «ويعيد وضوءه ،وإن لم ينق بثالث زيد إلى خمس أو إلى سبع» أي: بحسب الحاجة. «ثم ينشفه بثوب ،ويجعل الطيب يف مغابنه» ،المغابن مثل اإلبط ونحوه، خاصة ا َلتي يكثر فيها العرق وا َلرائحة ،فيضع الطيب يف مغابنه« ،ومواضع َ السجود سجوده» ،مثل :الجبهة واألنف والك َفين؛ وهذا فيه شرف مواضع ُّ وعظيم مكانتها. «وإن طيبه كله كان حسنًا» ،إذا كان يف الطيب وفر ٌة ،وأراد أن يطيب الصحابة ،مثل :أنس البدن ك َله كان دسنا ،فإ َن مثل ذلك جاء فعله مع بعض َ وابن عمر
.
«ويجمر أكفانه» أي ما يك َفن به «بالبخور» أي بدخان البخور ورائحته والسنَة أن يكون ذلك وترا ،فقد جاء يف الحديث عن ال َطيبة لتطيب رائحة الكفنُّ ، ـ 235ـ
والسّلم ـ« :إذا جم ْرتم الميت فأ ْوتروا»(.)1 نبينا ـ عليه َ الصّلة َ «وإن كان شاربه أو أظفاره طويل ًة أخذ منها ،وإن ترك ذلك فال حرج»؛ َ ألن األصل أن يحافظ على كامل جسده. «ول يسرح شعره ول يحلق عانته ول يختنه؛ لعدم الدليل على ذلك» ٍ شيء من بدنه. وخشية تساقطه فيتس َبب يف زوال «والمرأة ي ْظفر شعرها ثالثة قرون ويسدل من ورائها» وهذا جاء يف دديث « :ومشطناها ثّلثة قر ٍ ون»( ،)2وتسدل هذه القرون من أم عط َية ،قالت ورائها.
قال
:
خامسا :تكفين الميت؛ األفْل أن يكفن الرجل يف ثالثة أثواب بيض « ً ليس فيها قميص ول عمامة ،كما فعل بالنبي
إدراجا ،وإن كفن يف ،يدرج فيها ً
قميص وإزار ولفافة فال بأس. والمرأة تكفن يف خمسة أثواب :يف د ْرع ،وخمار ،وإزار ،ولفافت ْين. والواجب يف حق الجميع ثوب واحد يستر جميع الميت ،لكن إذا كان الميت محر ًما؛ فإنه يغسل بماء وسدر ،ويكفن يف إزاره وردائه أو يف غيرهما ،ول ( )1أخرجه أبو يعلى يف «مسنده» ( ،)2300وابن دبان يف «صحيحه» ( ،)3031والحاكم ( )1310عن جابر بن عبد اهلل
وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)481 ؛ َ
( )2سبق تخريجه.
ـ 236ـ
يغطى رأسه ول وجهه ول يطيب؛ ألنه يبعث يوم القيامة ملب ًيا كما صح بذلك الحديث عن رسول اهلل
ت كغيرها ولكن ل ،وإن كان المحرم امرأ ًة كفن ْ
تطيب ول يغطى وجهها بنقاب ول يداها بقفاز ْين ،ولكن يغطى وجهها ويداها ت فيه ،كما تقدم بيان صفة تكفين الم ْرأة ،ويكفن الصبي يف بالكفن الذي كفن ْ ثوب واحد إلى ثالثة أثواب ،وتكفن الصغيرة يف قميص ولفافت ْين. :n قال
« :خام ًسا :تكفين الميت» وهذه المردلة ا َلتي تلي ال َتغسيل،
غسل على الوصف ا َلذي تقدَ م يك َفن. فبعد أن ي َ قال
« :األفْل أن يكفن الرجل يف ثالثة أثواب بيض ليس فيها قميص ٍ بأثواب قط ٌع من القماش طويل ٌة ،تكفي » والمراد
ول عمامة ،كما فعل بالنبي ٍ ُّ ف هبا الميت ،وقد جاء يف دديث أم المؤمنين عائشة كل واددة منها أن يل َ يض سحولي ٍة ،من كرس ٍ اب ب ٍ في ثّلثة أثو ٍ ف» أ َنها قالت« :كفن رسول اهلل َ يص وال عمام ٌة»(.)1 ـ أي من قطن ـ «ليس فيها قم ٌ
لف به «يدرج فيها ثم ي ُّ إدراجا» ،أي :يوضع الميت على ال َثوب َ ً األولَ ، ثم ال َثاين يكون من تحته ،وهكذا. كامّلَ ،
ٍ واددة فقط «وإن كفن يف قميص وإزار ولفافة فال بأس» ،وإن كفن يف لفافة
فّل بأس؛ ألنَه يحصل المقصود وهو سرت الميت. «والمرأة تكفن يف خمسة أثواب؛ يف د ْرع ،وخمار ،وإزار ،ولفافتين» ،وهذا ( )1أخرجه البخاري ( ،)1273ومسلم (.)941
ـ 237ـ
الرجل؛ َ ألن فيه مبالغة يف ستر المرأة والعناية بسترها ،وهي زائدٌ على تكفين َ السرت لزيادة عورتها على عورته فكذلك تكون الرجل يف َ تزيد يف دياتها على َ ثم الدرع على دالها يف الموت ،يبدأ تكفينها باإلزار على العورة وما دولهاَ ، ف باللفافتين على النَحو ثم تل ُّ الرأس وما دولهَ ، ثم الخمار على َ الجسدَ ، للرجل« ،هذا هو األفضل كما ذكره أهل العلم ،وجاء يف ذلك المذكور بالنسبة َ أداديث تد ُّل عليه ،وإن كفنت يف َ أقل من ذلك فّل بأس»(.)1 وقد ورد يف ذلك دديث ليلى بنت قانف ال َثقف َية غ َسل أ َم كلثو ٍم بنت رسول اهلل
قالت« :كنت فيمن
عند وفاتها فكان أ َول ما أعطانا رسول اهلل
ثم أدرجت بعد يف ال َثوب اآلخر» ،قالت: ثم الملحفة َ ثم الخمار َ ثم الدرع َ الحقاء َ «ورسول اهلل
جال ٌس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوبا ثوبا»(.)2
قال ابن المنذر« :أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تك َفن المرأة يف خمسة أثواب»(.)3 ومن أهل العلم من ذهب إلى َ أن عدد أكفان النساء ثّلث لفائف بيض كما جاء يف دق الرجال؛ َ ألن األصل هو التَساوي بين الرجال والنساء يف األدكام؛ َ وألن يف إسناد الحديث المروي يف هذا الباب مقاال. (« )1مجموع فتاوى الشيخ ابن باز» (.)127/13 ( )2أخرجه أدمد ( ،)27135وأبو داود ( .)3157ويف إسناده نوح بن دكيم وهو مجهول ،وله شاهد رواه الجوزقي عن أم عطية قال الحافظ
ٍ وخمرناها كما يخ َمر الح ُّي»، قالت« :فكفناها يف خمسة أثوابَ ،
« :وهذه الزيادة صحيحة اإلسناد»« .فتح الباري» ( .)159/3
( )3نقله ابن قدامة يف «المغني» ( ،)350/2وانظر« :األوسط» البن المنذر (.)356/5
ـ 238ـ
«والواجب يف حق الجميع ثوب واحد يستر جميع الميت» ،األكمل واألت ُّم ٍ والسّلم ـ، كما تقدَ م أن يك َفن يف ثّلثة بالرسول ـ عليه َ الصّلة َ أثواب ،كما فعل َ فإن لم يتي َسر دصل المقصود ب ٍ ثوب واد ٍد يستر جميع الميت. «لكن إذا كان الميت محر ًما؛ فإنه يغسل بماء وسدر ،ويكفن يف إزاره وردائه أو يف غيرهما ،ول يغطى رأسه ول وجهه» لنهي النَبي
كما يف شأن
الرجل ا َلذي وقصته ناقته ،قال« :اغْسلوه بماء وسدْ ر وكفنوه في ث ْوب ْين ،ول َ َفق عليه ،ويف تمسوه طي ًبا ،ول تخمروا ر ْأسه؛ فإن اهلل ي ْبعثه ي ْوم القيامة ملب ًيا»( )1مت ٌ
ٍ رواية لمسلم« :ول و ْجهه»(.)2
«ول يطيب»؛ كما تقدَ م يف الحديث« :ول تمسوه طي ًبا»(.)3 «ألنه يبعث يوم القيامة ملب ًيا كما صح بذلك الحديث عن رسول اهلل
»،
أي :يبعث على هيئته ا َلتي مات عليها ومعه عّلم ٌة لحجه ،وهي داللة الفضيلة كما تقدَ م يف مجيء َ الشهيد يوم القيامة وأوداجه تشخب دما. ت كغيرها من النساء كما تقدم لكن ل «وإن كان المحرم امرأ ًة كفن ْ تطيب»؛ َ ألن الطيب من المحظورات. «ول يغطى وجهها بنقاب ول يداها بقفاز ْين ولكن يغطى وجهها ويداها ت فيه كما تقدم بيان صفة تكفين المرأة» َ ألن المحرمة ال بالكفن الذي كفن ْ ( )1سبق تخريجه. ( )2برقم (.)1206 ( )3أخرجه البخاري ( )1267عن ابن عباس
.
ـ 239ـ
تنتقب وال تلبس الق َفازين. «ويكفن الصبي يف ثوب واحد إلى ثالثة أثواب ،وتكفن الصغيرة يف قميص ولفافت ْين» لعدم ادتياجها إلى الخمار يف ديااها ،فكذا بعد مواها.
:
قال
«ساد ًسا :أحق الناس بغسله والصالة عليه ودفنه :وصيه يف ذلك ،ثم األب، ثم الجد ،ثم األ ْقرب فاأل ْقرب من العصبات يف حق الرجل. واأل ْولى بغ ْسل المرأة :وصيتها ،ثم األم ،ثم الجدة ،ثم األقرب فاألقرب من نسائها. وللزوج ْين أن يغسل أحدهما اآلخر؛ ألن الصديق غسل ز ْوجته فاطمة
وألن عل ًّيا
غسل ْته زوجته،
.
:n ذكر قال
السادسة :من ا َلذي يتو َلى تغسيل الميت؟ يف هذه المسألة َ « :أحق الناس بغسله والصالة عليه ودفنه وصيه يف ذلك»؛ ألنَه دق
للميت فقدم وص ُّيه فيه على غيره. «ثم األب ،ثم الجد ،ثم األقرب فاألقرب من العص بات يف حق ثم ثم اإل خوة وإن نزلواَ ، الرجل» ،أي :بعد األب والجد األبناء وإن نزلواَ ، األعمام وإن نزلوا. «واألولى بغسل المرأة :وصيتها ،ثم األم ،ثم الجدة ،ثم األقرب فاألقرب ـ 240ـ
ثم البنت وإن نزلت، من نسائها» األولى وص َيتها ،فإن لم يكن؛ فاأل ُّم وإن علتَ ، ثم األقرب فاألقرب من نسائها؛ أختها من ٍ أب أو أم أو َ ثم عمتهاَ ، ثم َ الشقيقةَ ، َ خالتها ،إلى آخره. «وللزوج ْين لكل واحد منهما أن يغسل اآلخر؛ ألن الصديق زوجته ،وألن عل ًّيا
غسل زوجته فاطمة
غسل ْته
فالزوج له أن يغسل زوجته »َ ،
والزوجة لها أن تغسل زوجها إذا مات. إذا ماتتَ ،
قال
:
«ساب ًعا :صفة الصالة على الميت؛ يكبر أرب ًعا ،ويقرأ بعد األولى الفاتحة، وإن قرأ معها سور ًة قصير ًة أو آي ًة أو آيت ْين فحسن؛ للحديث الصحيح الوارد يف ذلك عن ابن عباس
،ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي
كصالته يف
التشهد ،ثم يكبر الثالثة ويقول« :اللهم اغْ ف ْر لحينا وميتنا ،وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا ،وذكرنا وأ ْنثانا ،اللهم م ْن أ ْحي ْيته منا فأ ْحيه على اإل ْسالم ،وم ْن وارح ْمه ،وعافه وا ْعف ع ْنه ،وأ ْكر ْم توف ْيته منا فتوفه على اإليمان ،اللهم اغْ ف ْر له ْ نزله ،ووس ْع مدْ خله ،واغْ س ْله بالماء والث ْلج والبرد ،ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الث ْوب األ ْبيض من الدنس ،وأ ْبد ْله د ًارا خ ْي ًرا م ْن داره ،وأ ْه ًال خ ْي ًرا م ْن أ ْهله ،وأ ْدخ ْله الجنة ،وأع ْذه م ْن عذاب الق ْبر ،وعذاب النار ،وا ْفس ْح له يف ق ْبره، ونو ْر له فيه ،اللهم ل ت ْحر ْمنا أ ْجره ول تْلنا ب ْعده» ،ثم يكبر الرابعة ويسلم ـ 241ـ
تسليم ًة واحد ًة عن يمينه ،ويستحب أن يرفع يد ْيه مع كل تكبيرة. :n الصّلة على الميت. السابعة يف صفة َ هذه المسألة َ قال
« :يكبر أرب ًعا» ،أي :أربع تكبيرات ،لحديث« :فخرج به ْم إلى
المصلى وكبر أ ْربع تكْبيرات»
()1
ويف الباب أداديث عديد ٌة( ،)2وثبت الزيادة
الردمن بن أبى ليلى قال« :كان زيدٌ يكبر على جنائزنا على األربع؛ فعن عبد َ أربعا ،وإنَه ك َبر على جناز ٍة خمسا فسألته؛ فقال :كان رسول اهلل يكبرها»(.)3 «ويقرأ بعد األولى الفاتحة ،وإن قرأ معها سور ًة قصير ًة أو آي ًة أو آيت ْين فحسن؛ للحديث الصحيح الوارد يف ذلك عن ابن عباس
» ،فعن طلحة ابن
ٍ عبد اهلل بن عوف قال« :ص َليت خلف ابن ع َب ٍ جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب اس على ٍ فلما فرغ أخذت بيده فسألته؛ فقال« :سنَ ٌة ودق»(.)4 وسورة وجهر دتَى أسمعنا؛ َ «ثم يكب ر الثانية ويصل ي على النبي
كصالت ه يف التشهد» لكونه لم
ٍ بصيغة من الصيغ الثَابتة يف التَش ُّهد يف خاصةٌ ،فيؤتى فيها ي رد بشأنها صيغ ٌة َ الصّلة المكتوبة. َ ( )1أخرجه البخاري ( ،)1245ومسلم ( )951عن أبي هريرة ( )2انظر «أدكام الجنائز» لأللباين
(ص .)111
( )3أخرجه مسلم (.)957 ( )4أخرجه البخاري ( ،)1335والنسائي ( )1987واللفظ له.
ـ 242ـ
.
«ثم يكبر الثالثة ويقول« :اللهم اغْ ف ْر لحينا وميتنا ،وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا ،وذكرنا وأ ْنثانا ،اللهم م ْن أ ْحي ْيته منا فأ ْحيه على اإل ْسالم ،وم ْن وارح ْمه ،وعافه وا ْعف عنْه ،وأ ْكر ْم توف ْيته منا فتوفه على اإليمان ،اللهم اغْ ف ْر له ْ نزله ،ووس ْع مدْ خله ،واغْ س ْله بالماء والث ْلج والبرد ،ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الث ْوب األ ْبيض من الدنس ،وأ ْبد ْله د ًارا خ ْي ًرا م ْن داره ،وأ ْه ًال خ ْي ًرا م ْن أ ْهله ،وأ ْدخ ْله الجنة ،وأع ْذه م ْن عذاب الق ْبر ،وعذاب النار ،وا ْفس ْح له يف ق ْبره، ونو ْر له فيه ،اللهم ل ت ْحر ْمنا أ ْجره ول تْلنا ب ْعده». هذا الدُّ عاء ا َلذي ساقه فقوله
جمعه من ثّلثة أداديث وردت يف هذا الباب:
« :اللهم ا ْغف ْر لحينا وميتنا ،وشاهدنا وغائبنا ،وصغيرنا وكبيرنا،
وذكرنا وأ ْنثانا ،اللهم م ْن أ ْحي ْيته منا فأ ْحيه على اإل ْسالم ،وم ْن توف ْيته منا فتوفه ثم ما جاء يف آخر الدُّ عاء« :اللهم ل ت ْحر ْمنا أ ْجره ول تْلنا ب ْعده» على اإليمان»َ ، هذا ورد يف «سنن أبي داود»( )1وغيره من دديث أبي هريرة وقوله
.
وارح ْمه ،وعافه وا ْعف ع ْنه» إلى قوله« :وأع ْذه « :اللهم اغْ ف ْر له ْ
م ْن عذاب الق ْبر ،وعذاب النار» هذا ثابت يف «صحيح مسلم»( ،)2من دديث عوف بن مالك
.
وقوله« :وا ْفس ْح له يف ق ْبره ،ونو ْر له فيه» هذا جاء يف الدُّ عاء ا َلذي دعا فيه ( )1برقم ( ،)3201وأخرجه وابن ماجه ()1498؛ وقال األلباين يف «أدكام الجنائز» (ص :)124 «صحيح على شرط َ الشيخين». ( )2برقم (.)963
ـ 243ـ
َبي الن ُّ
ألبي سلمة
(.)1
قوله« :اللهم ا ْغف ْر لحينا وميتنا ،وشاهدنا وغائبنا ،وصغيرنا وكبيرنا،
وذكرنا وأ ْنثانا ،اللهم م ْن أ ْحي ْيته منا فأ ْحيه على اإل ْسالم ،وم ْن توف ْيته منا فتوفه على اإليمان» ،تأ َمل هذا الدُّ عاء ما أعظمه! يكون بين يديه مي ٌت واددٌ فيعمم بالدُّ عاء لهذا الميت ولعموم موتى المسلمين وأديائهم؛ من كان داضرا أو غائبا ،من كان صغيرا أو كبيرا ،من كان ذكرا أو أنثى. وذكر اإلسّلم يف الحياة ،واإليمان يف الوفاة؛ َ ألن اإلسّلم العمل ،فمن ٍ ٍ وصدقة إلى غير ذلك ،ومن صّلة وصيا ٍم ودج كان ديا عنده فرص ٌة ليعمل؛ من الصحيح ثمة فرص ٌة للعمل َإال أن يموت على اإليمان َ دضرته الوفاة فما َ الصحيحة ،ولهذا قال« :م ْن أ ْحي ْيته منا فأ ْحيه على اإل ْسالم» أي :العمل والعقيدة َ الصحيح. الصالح« ،وم ْن توف ْيته منا» ،أي :االعتقاد َ َ وارح ْمه» المغفرة سرت ُّ الذنوب مع التَجاوز عنها، قوله« :اللهم اغْ ف ْر له ْ والردمة أبلغ؛ َ ألن فيها دصول المرغوب بعد زوال المكروه. َ «وعافه وا ْعف عنْه» أي :عافه من العذاب وسلمه منه ،واعف عنه ما وقع فيه من زلل وتقصير. للضيف ،أي :اجعل نزله وضيافته عندك «وأ ْكر ْم نزله» النُّزل :ما يقدَ م َ كريمة. «ووس ْع مدْ خله» أي :وسع له يف قربه وافسح له فيه ،ووسع له كذلك ( )1أخرجه مسلم (.)920
ـ 244ـ
منازله عندك يف الجنَة؛ َ ألن المدخل هنا مفر ٌد مضاف فيع ُّم. «وا ْغس ْله بالماء والث ْلج والبرد» وهذه األمور ال َثّلثة تقابل درارة ُّ الذنوب فتربدها وتطفئ لهيبها. «ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الث ْوب األ ْبيض من الدنس» أي: وخص األبيض بالذكر؛ تنقية كاملة وتا َمة ،كما ين َقى ال َثوب األبيض من الدَ نس، َ َ ألن إزالة األوساخ فيه أظهر من غيره من األلوان. «وأ ْبد ْله د ًارا خ ْي ًرا م ْن داره» أي :أدخله الجنَة دار كرامتك بدال عن دار الدُّ نيا ا َلتي ردل عنها. ٌ شامل للتَبديل يف «وأ ْه ًال خ ْيرا م ْن أ ْهله» أي :وأبدله خيرا منهم ،وهذا األعيان واألوصاف ،أ َما يف األعيان بأن يعوضه اهلل عنهم خيرا منهم يف دار كرامته ،وأ َما يف األوصاف بأن تعود العجوز شا َبة ،وسيئة الخلق دسنة الخلق، وغير الجميلة جميلة. ثم سأل اهلل له دخول «وأ ْدخ ْله الجنة ،وأع ْذه م ْن عذاب الق ْبر وعذاب النار» َ شرها وأثرها. والسّلمة من فتنة القرب بأن يوقى َ الجنَة والنَجاة من النَارَ ، قال« :وا ْفس ْح له يف ق ْبره» أي :وسع له يف قربه« ،ونو ْر له فيه» أي :اجعل قربه نورا. ٍ دعاء، «اللهم ل ت ْحر ْمنا أ ْجره» أي :أجر وثواب اإلدسان لهذا الميت؛ من ٍ ٍ وادتساب على فقده. وصّلة ،وقيا ٍم بحقوقه ،وصربٍ الضّلل. «ول تْلنا ب ْعده» أي :ال تجعلنا نفتن بعده ونقع يف َ ـ 245ـ
جامع ،محض فيه الدُّ عاء للميت بالعفو والغفران، عظيم وهو دعا ٌء ٌ ٌ والسّلمة والنَجاة ،واإلكرام واإلدسان ،يؤتى به يف هذا الموضع العظيم عند َ َردم على الميت والدُّ عاء الصّلة عليه ،وهو موضع ي ستحب فيه المبالغة يف الت ُّ ُّ َ له؛ ألنَه قد أتي به إلى إخوانه المسلمين ليدعوا له ،وليسألوا اهلل مغفرة ذنوبه وسرت عيوبه وإقالة عثراته ،وهو دعاء ينفع الميت بإذن اهلل ،وهو من جملة األمور قوة التَرادم والتَعاطف بين أهل اإليمان. الدَ ا َلة على َ قال
« :ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليم ًة واحد ًة عن يمينه ،ويستحب أن
يرفع يد ْيه مع كل تكبيرة» ،وهذا ا َلذي ذكره الصحيح من فعل ابن عمر باإلسناد َ
ٍ تكبيرة ثبت حب مع كل أنَه يست ُّ ٍ تكبيرة من أنَه يرفع يديه مع كل
الصّلة على الميت( ،)1وهذا يد ُّل على أنَه تل َقاه عن النَبي تكبيرات َ
؛ َ ألن هذا
الرأي. ال يقال من جهة َ
قال
:
«وإذا كان الميت امرأ ًة يقال« :اللهم اغْ ف ْر لها» ،وإذا كانت الجنائز اثنت ْين يقال« :اللهم ا ْغف ْر لهما »...إلخ ،وبالجمع إن كانت أ ْكثر من ذلك يقال« :اللهم اجع ْله ا ْغف ْر له ْم »...إلخ ،أما إذا كان فر ًطا فيقال بدل الدعاء له بالمغفرة« :اللهم ْ وصححه األلباين يف «الضعيفة» ( )1رواه البيهقي يف «الكربى» ( ،)6993وابن أبي شيبة (،)11380 َ (.)118/13
ـ 246ـ
فر ًطا وذ ْخ ًرا لوالد ْيه وشفي ًعا مجا ًبا ،اللهم ثق ْل به موازينهما وأ ْعظ ْم به أجورهما، واجع ْله يف كفالة إ ْبراهيم وأ ْلح ْقه بصالح سلف المؤمنينْ ،
،وقه بر ْحمتك
عذاب الجحيم». :n قال
الضمائر اغفر لها» أي :تعدَ ل َ « :وإذا كان الميت امرأ ًة يقال :اللهم ْ
بما يناسب الميت يف كل الدُّ عاء من َأوله إلى آخره؛ فإذا كانت امرأ ٌة يقال« :اللهم واعف عنْها ،وأ ْكر ْم نزلها ،ووس ْع مدْ خلها». وارح ْمها ،وعافهاْ ، اغْ ف ْر لهاْ ، «وإذا كانت الجنائز ا ْثنت ْين يقال« :اللهم ا ْغف ْر لهما »...إلخ» وإذا كان واعف الميت اثنتين يثنَى َ وارح ْمهما وعافهما ْ الضمير فيقال« :اللهم ا ْغف ْر لهما ْ ع ْنهما وأ ْكر ْم نزلهما »...إلخ. «وبالجمع إن كانت أ ْكثر من ذلك يقال« :اللهم اغْ ف ْر له ْم »...إلخ» وإذا الضمير بما يناسب ذلك ،فيقال« :ال َله َم اغفر لهم، كانوا جمعا فيكون َ واردمهم ،وعافهم ،واعف عنهم» إلى آخر الدُّ عاء. وإذا كان المأموم يجهل هل الميت ٌ رجل أم امرأة ،قال« :ال َله َم اغفر له»... إلى آخره ،يعني الميت ،وإن قال« :ال َله َم اغفر لها» ،يعني الجنازة ،فّل بأس. اجع ْله فر ًطا وذ ْخ ًرا «أما إذا كان فر ًطا فيقال بدل الدعاء له بالمغفرة« :اللهم ْ لوالد ْيه وشفي ًعا مجا ًبا ،اللهم ثق ْل به موازينهما وأ ْعظ ْم به أجورهما ،وأ ْلح ْقه واجع ْله يف كفالة إ ْبراهيم بصالح سلف المؤمنينْ ، ـ 247ـ
،وقه بر ْحمتك عذاب
الصغير ،فرط يتقدَ م والديه إلى اآلخرة؛ ليكون لهما أجره، الجحيم» ،الفرط َ مرفوعا وفيه« :والس ْقط يصلى عل ْيه ويدْ عى لوالد ْيه
لحديث المغيرة
()1 يتم، بالمغْفرة والر ْحمة» ،والسقط هو ا َلذي يسقط من بطن أمه ميتا قبل أن َ ٍ وادد، والردمة؛ ألنَهما بمعنى والطفل يأخذ دكمه يف الدُّ عاء لوالديه بالمغفرة َ
سبب لوجوده ،وقد فقداه وهما يتط َلعان إليه، والحكمة من الدُّ عاء لوالديه أنَهما ٌ وكانا دريصين على بقائه. وقد ورد يف الباب بعض اآلثار عن بعض ال َصحابة
« :ا ْدعوا اهلل لوالد ْيه أ ْن ي ْجعله لهما فر ًطا وأ ْج ًرا»( ،)2وعن
سمرة بن جندب الحسن
والتَابعين ،فعن
اجع ْله لنا فر ًطا وذ ْخ ًرا وأ ْج ًرا»(.)3 قال« :اللهم ْ
قال
:
«والسن ة أن يقف اإلمام حذ اء رأس الرجل ووسط المرأة ،وأن يكون اج تم عت الجنائز ،والمرأة مم ا يلي القبلة ،وإن كان الرجل مم ا يلي اإلمام إذا ْ مع هم أطفال ق دم الصبي على المرأة ،ثم المرأة ،ثم الطفلة ،ويكون رأس الصبي حيال رأس الرجل ،ووسط المرأة حي ال رأس الر جل ،وهكذا الطفلة وصححه األلباين يف ( )1أخرجه أدمد ( ،)18174وأبو داود ( ،)3180والرتمذي ()1031؛ َ «اإلرواء» (.)716 ( )2أخرجه ابن أبي شيبة (.)11599 ( )3أخرجه ابن أبي شيبة (.)29838
ـ 248ـ
يكون رأسها حيال رأس المرأة ،ويكون وسطها حيال رأس الرج ل ،ويكون المص لون جمي ًعا خ ْلف اإلمام ،إل أن يكون واحدً ا لم يج دْ مكا ًن ا خ ْلف اإلمام فإن ه يقف عن يمينه». :n قال « :والسنة أن يقف اإلمام حذاء رأس الرجل ووسط المرأة» لما دت أنس بن مال ٍ ك ص َلى على جاء يف «المسند» عن أبي غالب الخ َياط قال« :شه ُّ فلما رفعت أتي بجنازة امرأ ٍة من قري ٍ ش أو من جنازة رج ٍل ،فقام عند رأسهَ ، ٍ فّلن ،فصل عليها فص َلى األنصار فقيل له :يا أبا دمزة ،هذه جنازة فّلنة ابنة ٍ فلما رأى اختّلف قيامه على عليها ،فقام وسطها وفينا العّلء بن زياد العدويَ ، الرجل والمرأة ،قال :يا أبا دمزة! هكذا كان رسول اهلل َ
يصنع يقوم من
الرجل ديث قمت ،ومن المرأة ديث قمت؟ قال :نعم ،قال :فالتفت إلينا العّلء َ فقال :ادفظوا»(.)1 والصغير؛ إن كان الميت رجّل يقف اإلمام عند وهذا يفعل مع الكبير َ رأسه ،وإن كان طفّل يقف عند رأسه ،وإن كانت امرأة أو طفلة يقف عند صف على هذه الهيئة بحيث يكون اإلمام ف الجنائز أيضا ت ُّ وسطها ،وعندما تص ُّ الرجل ووسط المرأة. واقفا دذاء رأس َ «وأن يكون الرجل مما يلي اإلمام إذا اجتمعت الجنائز ،والمرأة مما يلي وصححه األلباين يف «أدكام الجنائز» (ص.)109 ( )1أخرجه أدمد ( ،)13114والرتمذي ()1034؛ َ
ـ 249ـ
القبلة» لو كان فيه ٌ الرجل هو ا َلذي يلي اإلمام ،والمرأة تكون رجل وامرأ ٌة؛ يكون َ فضّل عليها ،وعن نافع َ هي األبعد عنه ،لشرف ُّ أن ابن عمر الذكور َية وكونه م َ :ص َلى على تسع جنائز جميعا فجعل الرجال يلون اإلمام والنساء يلين القبلة فص َفه َن صفا واددا(.)1 «وإن كان معهم أطفال قد م الص بي على المرأة ،ثم المرأة ،ثم الط فلة» دت ج نازة امر أة عم ار مولى بني هاشم قال« :ش ه ُّ لما رواه النَسائي عن َ الص ب ُّي م َما يلي القوم ،ووض ع ت المرأة و راءه ،ف صلي وصبي ،فقدم َ عل ي هم ا؛ و يف القوم أبو س ع ٍ يد الخ د ري وابن عبَا ٍ س وأبو قتادة وأبو هريرة السنَة»(.)2 ف س أل تهم عن ذ لك فقالواُّ : «ويكون رأس الص بي حيال رأس الر جل ،ووسط المرأة حي ال رأس الر ج ل ،وهكذا الطفلة يكون ر أس ها حيال رأس المرأة ،ويكون وسطها كالر ج ل ،والطفلة توضع كالمرأة ،كما حيال رأس الر ج ل» فالطفل يوضع َ تقدَ م بيانه. «ويكون المصلون جمي ًعا خ ْل ف اإلمام ،إل أن يكون واحدً ا لم يجدْ مكا ًنا خ ْلف اإلمام؛ فإنه يقف عن يمينه» ويف دديث صّلة النَبي على النَجاشي قال« :ث َم تقدَ م فص ُّفوا خلفه فك َبر أربعا»( ،)3ومن لم يجد مكانا يف وصححه األلباين يف «أدكام الجنائز» (ص.)103 ( )1أخرجه النسائي (،)1978 َ ( )2أخرجه النسائي يف «الكربى» (.)2115 ( )3سبق تخريجه.
ـ 250ـ
الصفوف ص َلى عن يمين اإلمام. ُّ
:
قال
«ثامنًا :صفة دفن الميت: المشروع تعميق الق ْبر إلى وسط الرجل ،وأن يكون فيه ل ْحد من جهة القبلة ،وأن يوضع الميت يف اللحد على جنبه األيمن ،وتحل عقد الكفن ول تنزع بل تترك ،ول يكشف وجهه سواء كان الميت رج ًال أو امرأ ًة ،ثم ينصب عليه اللبن ويطين حتى يثبت ويقيه التراب ،فإن لم يتيس ْر اللبن فبغير ذلك من ألواح أو أحجار أو خشب يقيه التراب ،ثم يهال عليه التراب ،ويستحب أن يقال عند ذلك« :باسم اهلل ،وعلى ملة رسول اهلل» ،ويرفع القبر قدْ ر ش ْبر ويوضع عليه ح ْصباء إن تيسر ذلك ويرش بالماء. ويشرع للمشيعين أن يقفوا عند القبر ويدعوا للميت؛ ألن النبي
كان إذا
واسألوا له الت ْثبيت؛ فإنه فرغ من دفن الميت وقف عليه وقالْ « :است ْغفروا ألخيك ْم ْ اآلن ي ْسأل». :n هذه مسائل ب َينها قال
متعلق ٌة بدفن الميت.
احفر وا « :المشروع تعميق القبر إلى وسط الر ج ل» لحديثْ « : ـ 251ـ
وأ ْوسعوا و أ ْعمقوا»( ،)1ولم يأ ت عن النَبي
دد يف التَعميق ،وقد
الس َر ة ،وقيل :ال ددَ اختل ف يف دد اإلعماق؛ فقيل :قامة ،وقيل :إلى ُّ إلعماقه. أخرج ابن أبي شيبة( )2عن عمر بن الخ َطاب
أنَه أوصى عمر أن
يجعل عمق قبره قامة وبسطة. الرائحة ووصول السباع والكّلب. ويكفي من ذلك ما يمنع ظهور َ عمق القرب يجعل يف أسفله «وأن يكون فيه ل ْحد من جهة القبلة» أي بعد أن ي َ لحدٌ من جهة القبلة بحيث يدخل فيه الميت ،وسمي لحدا؛ ألنَه مائ ٌل عن سمت القرب ،ويف الحديث« :الل ْحد لنا ،والشق لغ ْيرنا»(.)3 «ويجعل الميت على جنبه األيمن» ووجهه قبالة القبلة ،وعلى هذا جرى عمل أهل االسّلم من عهد رسول اهلل
،ويف الحديث يف عد النَبي
للكبائر
قال« :و ْاست ْحالل الب ْيت الحرام ق ْبلتك ْم أ ْحيا ًء وأ ْمواتًا»(.)4 «وتحل عقد الكفن ول تنزع ،بل تترك» لّلستغناء عنها ،ولورود بعض ( )1أخرجه أبو داود ( ،)3215والرتمذي ( ،)1713والنسائي ( )2010عن هشام بن عامر
؛
وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)743 َ ( )2برقم (.)11663 ( )3أخرجه أبو داود ( ،)3208والرتمذي ( ،)1045والنسائي ( ،)2009وابن ماجه ( )1554عن ابن عباس
وصححه األلباين يف «أدكام الجنائز» (ص .)145 ؛ َ
( )4أخرجه أبو داود ( )2875عن عمير
ودسنه األلباين يف «اإلرواء» (.)690 ؛ َ
ـ 252ـ
اآلثار يف ذلك عن بعض التَابعين تفيد َ السلف(.)1 أن هذا األمر كان معروفا عند َ رجال أو امرأ ًة» ،لعدم ورود ما يد ُّل «ول يكشف وجهه سواء كان الميت ً على مشروع َية كشفه. «ثم ينصب عليه اللبن ويطين حتى يثبت ويقيه التراب» ،أي :وقاية للميت إذا أهيل عليه ال ُّتراب لئ َّل يدخل شي ٌء منه يف ال َلحد ،فعن سعد بن أبي و َقاص قال يف مرضه ا َلذي هلك فيه« :ا ْلحدوا لي ل ْحدً ا وانْصبوا علي اللبن ن ْص ًبا كما صنع برسول اهلل
»(.)2
«فإن لم يتيس ْر اللبن فبغ ْير ذلك من ألواح أو أحجار أو خشب يقيه التراب»؛ لقوله سبحانه﴿ :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [¿.]16 : «ثم يهال عليه التراب» لقول عائشة
« :ما علمنا بدفن رسول اهلل
دتَى سمعنا صوت المسادي»( ،)3ولقول فاطمة تحثوا على رسول اهلل
« :أطابت أنفسكم أن
التُّراب»(.)4
«ويستحب أن يقال عند ذلك :باسم اهلل ،وعلى ملة رسول اهلل» لحديث ابن عمر
َبي قال« :كان الن ُّ
إذا أدخل الميت القبر ،قال« :ب ْسم اهلل ،وعلى
( )1انظر «السنن الكربى» للبيهقي «باب عقد األكفان عند خوف االنتشار ودلها إذا أدخلوه القرب» (.)407/3 ( )2أخرجه مسلم (.)966 ( )3أخرجه أدمد ( ،)24333وابن أبي شيبة (.)11839 ( )4أخرجه البخاري (.)4462
ـ 253ـ
ٍ رواية« :وعلى سنة رسول اهلل»(.)1 ملة رسول اهلل» ،ويف السنام ـ لثبوت ذلك يف صفة «ويرفع القبر قدْ ر ش ْبر» مسنَما ـ أي على هيئة َ قبر النَبي
وصادبيه( ،)2وليعلم أنَه قب ٌر فّل يهان ،وال يزاد عن ال ُّتراب ا َلذي
أخرج من القرب. «ويوضع عليه حصب اء إن تيس ر ذلك ويرش بالماء» لت حف ظ تربة القرب، وليتماس ك ترابه وال يتطاي ر ،وال بأس بتعليمه بحجر ونحوه لي عرف، لحديث أنس
« :أ َن رس ول اهلل
أ عل م قبر عثمان بن م ظع ٍ ون
ب ص خر ةٍ»(.)3 «ويشرع للمشيعين أن يقفوا عند الق ْبر» أي :بعد الفراغ من الدَ فن من أجل الدُّ عاء للميت. كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه،
«ويدعوا للميت؛ ألن النبي
واسألوا له التثْبيت؛ فإنه اآلن ي ْسأل» لحديث عثمان وقالْ « :است ْغفروا ألخيك ْمْ ، ابن ع َفان
َبي قال :كان الن ُّ
إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه ،فقال:
( )1أخرجه أبو داود ( )2614عن أنس
،وأخرجه الرتمذي ( ،)1046وابن ماجه ( )1550عن
ابن عمر
وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)747 ؛ َ
( )2أخرجه ابن دبان يف «صحيحه» ( ،)6635والبيهقي يف «الكربى» ( )6736عن جابر
؛
وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)756 َ .وأخرجه أبو داود ( )3206عن المطلب
( )3أخرجه ابن ماجه ( )1561عن أنس الصحيحة» (.)3060 ودسنه األلباين يف « َ َ
ـ 254ـ
؛
« ْاستغْفروا ألخيك ْم وسلوا له التثْبيت؛ فإنه اآلن ي ْسأل»(.)1
قال
:
«تاس ًعا :ويشرع لمن لم يصل عليه أن يصلي عليه بعد الدفن؛ ألن النبي فعل ذلك ،على أن يكون ذلك يف حدود شهر فأقل ،فإن كانت المدة أ ْكثر من ذلك لم تشرع الصالة على القبر؛ ألنه لم ينق ْل عن النبي
أنه صلى على قبر
بعد شهر من دفن الميت». :n الصّلة على الميت هل له هذه المسألة التَاسعة بشأن من لم يتم َكن من َ أن يصلي عليه بعد الدَ فن. «ويشرع لمن لم يصل عليه أن يصلي عليه بعد الدفن؛ ألن النبي ذلك» ،من دديث أبي هريرة شابا ـ ففقدها رسول اهلل
فعل
« :أ َن امرأة سوداء كانت تق ُّم المسجد ـ أو
فسأل عنها ـ أو عنه ـ؛ فقالوا :مات؛ قال« :أفال كنْت ْم
آذنْتموني!» قال :فكأنَهم ص َغروا أمرها ـ أو أمره ـ؛ فقال« :دلوني على ق ْبرها»، ثم قال« :إن هذه القبور م ْملوءة ظ ْلم ًة على أ ْهلها ،وإن اهلل فد ُّلوه فص َلى عليهاَ ، ()2 الصّلة عليه بعد الدَ فن هي كصفة ينورها له ْم بصالتي عل ْيه ْم» ،وصفة َ
وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)945 ( )1أخرجه أبو داود (،)3221 َ ( )2أخرجه مسلم (.)956
ـ 255ـ
الصّلة عليه قبل الدَ فن. َ «على أن يكون ذلك يف حدود شهر فأقل ،فإن كانت المدة أكثر من ذلك لم تشرع الصالة على القبر؛ ألنه لم ينق ْل عن النبي
أنه صلى على ق ْبر بعد ش ْهر
ٍ شهر» ،وقاال: من دفن الميت» ،قال أدمد وإسحاق« :يص َلى على القرب إلى َ َبي «أكثر ما سمعنا عن ابن المسيب :أن الن َ بعد شهر»(.)1
ص َلى على قرب أم سعد بن عبادة
الصّلة على الجنازة ص َلى قال ابن القيم « :وكان من هديه إذا فاتته َ ٍ ٍ ومرة بعد ٍ شهر ،ولم ومرة بعد ثّلثَ ، مرة على قربٍ بعد ليلةَ ، على القرب؛ فص َلى َ يوقت يف ذلك وقتا ،قال أدمد « :من ُّ الصّلة على القرب؟ ويروى يشك يف َ ٌ دسان»، عن النَبي كان إذا فاتته الجنازة ص َلى على القبر من ستَة أوج ٍه كلها ٍ بشهر؛ إذ هو أكثر ما روي عن النَبي لصّلة على القرب فحدَ اإلمام أدمد ا َ ص َلى بعده ،وددَ ه َ الشافعي
أنَه
بما إذا لم يبل الميت ،ومنع منها مالك و أبو
دنيفة ـ ردمهما اهلل ـ َإال للولي إذا كان غائبا»(.)2
قال
:
طعاما للناس؛ لقول جرير ابن عاشرا :ل يجوز ألهل الميت أن يصنعوا ً « ً عبداهلل البجلي الصحابي الجليل
« :كنا نعد الجتماع إلى أهل الميت
( )1نقله الرتمذي يف «جامعه» ( ،)346/3ودديث ابن المسيب رواه الرتمذي ( )1038وهو مرسل. (« )2زاد المعاد» (.)493/1
ـ 256ـ
وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة» رواه اإلمام أحمد بسند حسن ،أما صنع الطعام لهم أو لْيوفهم فال بأس ،ويشرع ألقاربه وجيرانه أن يصنعوا لهم لما جاءه الخبر بم ْوت جعفر بن أبي طالب
الطعام؛ ألن النبي
يف الشام
طعاما ألهل جعفر ،وقال« :إنه أتاه ْم ما ي ْشغله ْم». أمر أ ْهله أن يصنعوا ً ول حرج على أهل الميت أن يدعوا جيرانهم أو غيرهم لألكل من الطعام المهدى إليهم ،وليس لذلك وقت محدود فيما نعلم من الشرع. :n ب َين
َ أن أهل الميت ال يجوز لهم تجميع النَاس وصنع ال َطعام لهم
الصّلة على الميت ودفنه ،ويف األ َيام ا َلتي تلي ذلك؛ َ السلف ـ ردمهم بعد َ فإن َ اهلل تعالى ـ كانوا يعدُّ ون ذلك من النيادة ،ونقل الصحابي الجليل َ
قول جرير بن عبداهلل البجلي
« :كنا نعد ال ْجتماع إلى أ ْهل الميت وصنيعة الطعام ب ْعد
د ْفنه من النياحة»(.)1 قال َ الشيخ
« :وأ َما صنع ال َطعام من أهل الميت للنَاس سواء كان ذلك
من مال الورثة أو من ثلث الميت أو من شخص آخر فهذا ال يجوز؛ ألنَه خّلف وألن يف ذلك زيادة تع ٍ َ ب لهم على مصيبتهم وشغّل السنَة ومن عمل الجاهل َية، ُّ إلى شغلهم ،ولم يثبت عن رسول اهلل وال عن ٍ وال أدد من أصحابه الصالح إقامة دف ٍل للميت مطلقا؛ ال عند وفاته وال بعد أسبو ٍع وال السلف َ عن َ بعد أربعين يوما وال بعد سن ٍة من وفاته ،بل ذلك بدع ٌة يجب تركها وإنكارها وصححه األلباين يف «أدكام الجنائز» (ص .)167 ( )1أخرجه أدمد ( ،)6905وابن ماجه ()1612؛ َ
ـ 257ـ
والتَوبة إلى اهلل منها لما فيها من االبتداع يف الدين ومشاهبة أهل الجاهل َية»(.)1 «أما صنْع الطعام لهم أو لْيوفهم فال بأس ،ويشرع ألقاربه وجيرانه أن يصنعوا لهم الطعام؛ ألن النبي
لما جاءه الخبر بموت جعفر بن أبي طالب
طعاما ألهل جعفر ،وقال« :إنه أتاه ْم ما يف الشام أمر أهله أن يصنعوا ً اصنعوا آلل ج ْعفر طع ًاما ،فقدْ أتاه ْم ْأمر ي ْشغله ْم ،أ ْو أتاه ْم ي ْشغله ْم» ،دديثْ « : ٍ بإسناد قال عنه َ الشيخ « :صحيح»(.)3 ما ي ْشغله ْم» رواه أدمد وغيره(،)2 فّل بأس أن يرسل إليهم جيرانهم أو بعض قرابتهم طعاما ،وإذا كان ال َطعام ا َلذي وصلهم زائدا عن داجتهم ،ودعوا بعض جيرانهم أو بعض الفقراء يأكلون الزائد فّل درج عليهم يف ذلك ،لكن أن ت َتخذ هذه مناسبة، معهم هذا ال َطعام َ ويصنع أهل الميت األطعمة ،ويجمعون النَاس عليها فهذا ال أصل له بل هو من عمل أهل الجاهل َية.
قال
:
«حادي عشر :ل يجوز للمرأة اإلحداد على ميت أكثر من ثالثة أيام إل على زوجها؛ فإنه يجب عليها أن تحد عليه أربعة أشهر وع ْش ًرا ،إل أن تكون (« )1مجموع فتاويه» ( )356/2بشيء من االختصار. ( )2أخرجه أدمد ( ،)1751وأبو داود ( ،)3132والرتمذي ( )998وابن ماجه ( )1610عن عبد اهلل بن جعفر
وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (.)1015 ؛ َ
(« )3مجموع فتاويه» (.)323/9
ـ 258ـ
حام ًال فإلى وضع الحمل؛ لثبوت السنة الصحيحة عن النبي
بذلك ،أما
الرجل فال يجوز له أن يحد على أحد من األقارب أو غيرهم». :n هذه المسألة الحادية عشرة يف اإلدداد على الميت. «ل يجوز للمرأة اإلحداد على ميت أكثر من ثالثة أيام إل على زوجها؛ فإنه يجب عليها أن تحد عليه أربعة أشهر وع ْش ًرا ،إل أن تكون حام ًال فإلى وضع الحمل؛ لثبوت السنة الصحيحة عن النبي
» يراد باإلدداد :خمسة أشياء:
ـ البقاء يف منزلها ا َلذي توفي زوجها وهي فيه مهما أمكنها ذلك ،وال يجوز خروجها منه َإال لحاجة. ـ تجنُّب الطيب يف ثيابها وبدنها ،وكذلك الحنَاء. ـ تجنُّب لبس الحلي بجميع أنواعه. ـ تجنُّب لبس مّلبس الزينة. ـ عدم الكحل يف عينيها. عن أم عط َية
قالت« :كنَا ننهى أن نحدَ على مي ٍ ت فوق
عن النَبي
ثّل ٍ ث ،إ َال على زوجٍ أربعة أشه ٍر وعشرا»(.)1 يقول« :ل يحل ل ْمرأة ت ْؤمن
َبي وعن أم دبيبة قالت :سمعت الن َ باهلل والي ْوم اآلخر ،أ ْن تحد على ميت ف ْوق ثالث ،إل على ز ْوج ،فإنها تحد عل ْيه ( )1أخرجه البخاري ( ،)313ومسلم (.)938
ـ 259ـ
أ ْربعة أ ْشهر وع ْش ًرا»(َ ،)1إال أن تكون دامّل فإلى وضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [.]4 :À «أما الرجل فال يجوز له أن يحد على أحد من األقارب أو غيرهم»؛ َ ألن اإلدداد خاص بالمرأة ،وهو تاب ٌع للعدَ ة. قال ابن القيم
الزوج؛ فإنَه تاب ٌع للعدَ ة وهو من « :وأ َما اإلدداد على َ
مقتضياتها ومكمّلتها؛ َ َجمل والتَع ُّطر لتتح َبب فإن المرأة إنَما تحتاج إلى التَز ُّين والت ُّ الزوج واعتدَ ت إلى زوجها ،وترد لها نفسه ،ويحسن ما بينهما من العشرة ،فإذا مات َ األول وتأكيد المنع من ال َثاين منه وهي لم تصل إلى زوجٍ آخر ،فاقتضى تمام دق َ مما تصنعه النساء ألزواجه َن ،مع ما يف ذلك من قبل بلوغ الكتاب أجله؛ أن تمنع َ سد َ الذريعة إلى طمعها يف الرجال ،وطمعهم فيها بالزينة والخضاب وال َتط ُّيب ،فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجة إلى ما يرغب يف نكادها ،فأبيح لها من ذلك ما الزوج ،فّل شيء أبلغ يف الحسن من هذا المنع واإلبادة ،ولو اقرتدت يباح لذات َ عقول العالمين لم تقترح شيئا أدسن منه»(.)2
قال
:
«ثاين عشر :يشرع للرجال زيارة القبور بين وقت وآخر للدعاء لهم والترحم عليهم ،وتذكر الموت وما بعده؛ لقول النبي ( )1أخرجه ( ،)1280ومسلم (.)1486 (« )2إعّلم الموقعين» (.)167/2
ـ 260ـ
« :زوروا ا ْلقبور فإنها
تذكر ا ْلم ْوت» خرجه اإلمام مسلم يف «صحيحه»( ،)1وكان
يعلم أصحابه إذا
زاروا القبور أن يقولوا« :السالم عل ْيك ْم أ ْهل الديار من الم ْؤمنين والم ْسلمين، وإنا إ ْن شاء اهلل بك ْم لحقون ،ن ْسأل اهلل لنا ولكم العافية ،ي ْرحم اهلل الم ْست ْقدمين
منا والم ْست ْأخرين».
أما النساء فليس لهن زيارة القبور؛ ألن الرسول
لعن زائرات القبور،
وألنهن يخشى من زيارتهن الفتنة وقلة الصبر ،وهكذا ل يجوز لهن اتباع الجنائز إلى المقبرة؛ ألن الرسول
نهاهن عن ذلك ،أما الصالة على الميت يف
المسجد أو يف المصلى فهي مشروعة للرجال وللنساء جمي ًعا. هذا آخر ما تيسر جمعه. وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه». :n هذه المسألة ال َثانية عشرة واألخيرة دول زيارة القبور. قال
« :يشرع للرجال زيارة القبور بين وقت وآخر للدعاء لهم والترحم
عليهم ،وتذكر الموت وما بعده؛ لقول النبي
« :زوروا القبور؛ فإنها تذكركم
اآلخرة» خرجه اإلمام مسلم يف «صحيحه»»؛ هذه الزيارة للقبور تعدُّ زيارة الرسول شرع َية؛ لكوهنا وفق ما جاء عن َ الزائر يستفيد ثّلث فوائد: المزور؛ فالحي َ ُّ
الزائر ،والميت ،ويستفيد منها الحي َ ُّ
األولى :تذكُّر الموت؛ لما يرت َتب عليه من االستعداد له باألعمال
( )1برقم (.)976
ـ 261ـ
الصالحة؛ للحديث ا َلذي ساقه َ الشيخ َ
« :زوروا القبور؛ فإنها تذكركم اآلخرة».
والثانية :فعله الزيارة ،وهي سنَة سنَها رسول اهلل
،فيؤجر على ذلك.
والثالثة :اإلدسان إلى األموات المسلمين بالدُّ عاء لهم ،فيؤجر على هذا اإلدسان. وأ َما الميت المزور؛ فإنَه يستفيد يف الزيارة َ الشرع َية الدُّ عاء له واإلدسان إليه بذلك؛ َ ألن األموات يستفيدون من دعاء األدياء. أ َما زيارة القبور من أجل دعاء أهلها واالستغاثة هبم وطلب قضاء الحاجات منهم ونحو ذلك؛ َ فإن هذه الزيارة ال يستفيد منها الميت ويتض َرر هبا الحي ،فالحي يتض َرر؛ ألنَه فعل أمرا ال يجوز؛ إذ هو ش ٌ رك باهلل ،والميت ال ُّ ُّ ينتفع؛ ألنَه لم يدع له ،وإنَما دعي من دون اهلل ،وقد قال َ الشيخ يف «منسكه»: «فأ َما زيارتهم لقصد الدُّ عاء عند قبورهم ،أو العكوف عندها ،أو سؤالهم قضاء الحاجات ،أو شفاء المرضى ،أو سؤال اهلل هبم أو بجاههم ونحو ذلك ،فهذه الصالح ـ ردمهم السلف َ زيار ٌة بدع َي ٌة منكر ٌة لم يشرعها اهلل وال رسوله وال فعلها َ الرسول ديث قال« :زوروا القبور ،ول اهلل ـ ،بل هي من الهجر ا َلذي هنى عنه َ تقولوا ه ْج ًرا»( ،)1وهذه األمور المذكورة تجتمع يف كوهنا بدعة ،ولكنَها مختلفة ٍ بشرك؛ كدعاء اهلل سبحانه عند القبور وسؤاله المراتب ،فبعضها بدع ٌة وليس ( )1أخرجه أدمد ( ،)23052والنسائي ( )2033عن بريدة (.)226/3
ـ 262ـ
وصححه األلباين يف «اإلرواء» ؛ َ
بحق الميت وجاهه ونحو ذلك ،وبعضها من الشرك األكبر كدعاء الموتى واالستعانة هبم ونحو ذلك»(.)1 «وكان
يعلم أصحاب ه إذا زار وا الق بور أن يق ول وا« :السالم ع ل يْك ْم
أ ْهل الد ي ار من الم ْؤم نين والم ْس لم ين ،وإن ا إ ْن ش اء اهلل ب ك ْم لحق ون ،ن ْس أل اهلل ل ن ا و لكم الع افية ،ي ْرحم اهلل الم ْس ت ْقدم ين م نا و الم ْس ت أْخ ر ين» ،وهو يف «صحيح مسلم»( ،)2وهو دعاء من جنس ما يقوله
الص ّلة على عند َ
َرد م واالستغف ار ،وأ َما قراءة الفاتحة عند زيارة الق بور المي ت من الدُّ عاء والت ُّ على روح الموت ى فهو ٌ عمل ال أصل له يف ش رع اهلل ،بل هو من البدع ،ومع هذا تجد من النَاس م ن يعم ل هبذا األمر غير المشروع ،ويرت ك أمرا مشروعا فيه نف ٌع له ولم وتاه. «أما النساء فليس لهن زيارة القبور؛ ألن الرسول ثبت عن النَبي
لعن زائرات القبور»
أنَه قال« :لعن اهلل زوارات القبور»( ،)3وقوله «زوارات» ليس
للمبالغة ،بل للنسبة ،أي ذوات زيارة. «وألنهن يخشى من زيارتهن الفتنة ،وقلة الصبر»؛ َ ألن المرأة أضعف من (« )1مجموع فتاويه» (.)116/16 ( )2أخرجه مسلم (.)974 ( )3أخرجه أدمد ( ،)8449والرتمذي ( ،)1056وابن ماجه ( ،)1576عن أبي هريرة وصححه األلباين يف «اإلرواء» (.)774 َ
ـ 263ـ
؛
الرجل ،وسريعة الجزع وال َت ُّ سخط. َ «وهكذا ل يجوز لهن اتباع الجنائز إلى المقبرة؛ ألن الرسول عن ذلك» فعن أم عط َية
نهاهن
قالت« :نهينا عن اتباع الجنائز ،ولم يعزم
علينا»(.)1 «أما الصالة على الميت يف المسجد أو يف المصلى فهي مشروعة للرجال وللنساء جمي ًعا» أي إذا جاءت المرأة المسجد ونودي لل َصّلة على الميت تقوم ٍ سواء. أمر مشروع للرجال والنساء على دد وتصلي ،فهذا ٌ قال َ الشيخ
الصّلة على الميت فلم تنه عنها المرأة ،سواء كانت « :أ َما َ
الصّلة عليه يف المسجد أو يف البيت أو يف المص َلى ،وكان النساء يصلين على َ الجنائز يف مسجده ثم ختم َ
مع النَبي
وبعده»(.)2
هذه الرسالة النَافعة المباركة بقوله« :هذا آخر ما تيسر جمعه،
وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه». وأسأل اهلل الكريم أن يجزي َ الشيخ عبد العزيز بن باز
خير الجزاء،
وأن يعظم له األجر ،وأن يرفع درجته يف عليين ،وأن يغفر له ولجميع علمائنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات األدياء منهم واألموات ،وأن يصلح لنا شأننا ك َله ،وأن ال يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ،وأن ( )1أخرجه البخاري ( ،)1278ومسلم (.)938 (« )2مجموع فتاويه» (.)134/13
ـ 264ـ
ِ ِ ِ ﻏﻴﺮ َﺿﺎ ﱢﻟﻴﻦ ُﻳﺤﺴ َﻦ ﻟﻨﺎ أﺟﻤﻌﻴﻦ اﻟﺨﺘﺎم ،وأن ُﻳﺤﻴِ َﻴﻨَﺎ ُﻣﺴﻠﻤﻴﻦ ،وأن َﻳ َﺘﻮ ﱠﻓﺎﻧﺎ ُﻣﺆﻣﻨﻴﻦ َ ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺎ. وﻻ ُﻣ ِﻀ ﱢﻠﻴﻦ ،وأن ﻳﻬﺪﻳﻨﺎ أﺟﻤﻌﻴﻦ إﻟﻴﻪ ﺻﺮا ًﻃﺎ ً إﻟﻴﻚ.
أﺳﺘﻐﻔﺮ َك وأﺗﻮب ﻬﻢ وﺑﺤﻤﺪك ،أﺷﻬﺪ أن ﻻ إﻟﻪ ﱠإﻻ أﻧﺖ، ُ ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ اﻟ ﱠﻠ ﱠ ِ ِ اﻟ ﱠﻠ ُﻬ ﱠﻢ ﱢ ﺤﻤ ٍﺪ وآﻟ ِﻪ وﺻﺤﺒِﻪ. ﺻﻞ وﺳ ﱢﻠ ْﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪك ورﺳﻮﻟﻚ ﻧﺒ ﱢﻴﻨَﺎ ُﻣ ﱠ
ـ 266ـ
ﻓﻬﺮﺱ ﺍﳌﻮﺿﻮﻋﺎﺕ
اﻟﺼﻔﺤﺔ
اﻟﻤﻮﺿﻮع
Fاﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ٧ .................................................................. Fاﻟﺪرس اﻷول :ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ وﻗﺼﺎر اﻟﺴﻮر ١٠.......................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ١٢..................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﺰﻟﺰﻟﺔ ١٧...................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻌﺎدﻳﺎت١٩.................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻘﺎرﻋﺔ ٢٢..................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ٢٤...................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻌﺼﺮ ٢٦...................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻬﻤﺰة ٢٧...................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻔﻴﻞ ٢٩....................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة ﻗﺮﻳﺶ٣٠....................................................
ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﻤﺎﻋﻮن ٣١.................................................
تفسير سورة الكوثر32................................................... تفسير سورة الكافرون 33................................................ تفسير سورة النصر34.................................................... تفسير سورة المسد 35................................................... تفسير سورة اإلخّلص 37............................................... تفسير سورة الفلق 38.................................................... تفسير سورة الناس39.................................................... Fالدرس الثاين :أركان اإلسالم 41............................................ معنى «ال إله إال اهلل» 43.................................................. شروط «ال إله إال اهلل»46................................................. شهادة «أن محمدا رسول اهلل»53......................................... الركن الثاين :الصّلة57.................................................. الركن الثالث :الزكاة59.................................................. الركن الرابع :الصيام60.................................................. الركن الخامس :الحج60................................................ الدرس الثالث :أركان اإليمان63............................................... األصل األول :اإليمان باهلل 72........................................... األصل الثاين :اإليمان بالمّلئكة 76...................................... األصل الثالث :اإليمان بالكتب المنزلة 80............................... ـ 268ـ
األصل الرابع :اإليمان بالرسل الكرام82................................. األصل الخامس :اإليمان باليوم اآلخر83................................ األصل السادس :اإليمان بالقدر خيره وشره 85.......................... Fالدرس الرابع :أقسام التوحيد وأقسام الشرك88............................. توديد الربوبية91........................................................ توديد األلوهية92....................................................... توديد األسماء والصفات 98............................................ تقسيم الشرك باعتبار دجمه من ديث الكرب والصغر105 ................ تقسيم الشرك باعتبار جّلئه وخفائه129 ................................. Fالدرس الخامس :اإلحسان 131 ............................................ Fالدرس السادس :شروط الصالة134 ....................................... Fالدرس السابع :أركان الصالة140 .......................................... Fالدرس الثامن :واجبات الصالة148 ........................................ Fالدرس التاسع :بيان التشهد151 ............................................ Fالدرس العاشر :سنن الصالة165 ........................................... Fالدرس الحادي عشر :مبطالت الصالة175 ................................. Fالدرس الثاين عشر :شروط الوضوء178 .................................... Fالدرس الثالث عشر :فروض الوضوء181 .................................. Fالدرس الرابع عشر الوضوء185 ............................................ ـ 269ـ
!"
:
*""
( )# $ %& $%' :
*"! **A
+,
- ./0 1
2 34
789% 7( : ; <(
*CD
F
:
=(>?@ :
%
F
5
F
2 6
F >B F
@ @ @RWP@