Rewaaq

Page 1

‫منــذ تأسيســها العــام ‪ 1956‬كانــت جمعيــة الفنانيــن‬ ‫التش ــكيليين العراقيي ــن الفض ــاء األوس ــع واألش ــمل‬ ‫للفناني ــن العراقيي ــن‪ ،‬بمدارس ــهم واتجاهاته ــم الفني ــة‬ ‫المختلفـــة‪ ،‬والراعـــي ألعمالهـــم فـــي مـــا أقامـــت‬ ‫مـــن معـــارض‪ ،‬وتبنّـــت مـــن توجهـــات فنيـــة ‪،‬‬ ‫وه ــي الي ــوم ‪ ،‬كم ــا كان ــت ف ــي االم ــس‪ ،‬وأكث ــر ‪،‬‬ ‫ترع ــى التج ــارب الفني ــة بأجياله ــا كاف ــة‪ ،‬وتمن ــح‬ ‫المواه ــب الجدي ــدة ماه ــي حري ــة ب ــه م ــن اهتم ــام‪،‬‬ ‫واضعـــة علـــى الجيـــل الجديـــد مهمـــات مســـتقبلية‬ ‫‪ ..‬فهـــم جيـــل الغـــد الممثـــل لحركـــة الفـــن فـــي‬ ‫الع ــراق الجمي ــل ‪.‬‬ ‫غيـــر ان ((الجمعيـــة )) علـــى تماســـك تكوينهـــا‬ ‫( الـــذي يعـــ ّد اليـــوم تكوينـــاً تاريخيـــاً )‪ ،‬وعملهـــا‬ ‫الدائـــب فـــي رعايـــة األنشـــطة الفنيـــة‪ ،‬بمـــا فيهـــا‬ ‫المعارض الشــخصية والمشــتركــــــــــة‪ ،‬وعقدهــــا‬ ‫النـــــدوات واللقــــــاءات الفنيــة‪ ،‬ظلت علـــــى مدى‬ ‫مسيرتهـــــــــا الرائدة هذه بال مجلــــــــــة خاصــــــة‬ ‫بهــا تعكــس ال جوهــر توجههــــــا وحــده‪ ،‬وإنمــــــا‬ ‫تأخ ــذ معــ ــه ‪،‬بالعنـــــــ ــاية واالهتمــــــ ــام‪ ،‬الفـــ ــن‬ ‫العراقـــــــي والعربــي بمــا لهمــا مــن واقــع وتاريــخ‬ ‫وتطـــورات‪ ،‬وتقـــدم الفنانيـــن فـــي مـــا مثلـــوا مـــن‬ ‫أتجاه ــات ب ــارزة كان ــوا فيه ــا ((عالم ــة مرحل ــة))‬ ‫فضـ ً‬ ‫ـا عمــا يجــري فــي العالــم مــن تطــورات فــي‬ ‫الف ــن‪ ،‬وم ــا يُس ــتحدَث م ــن أتجاه ــات جدي ــدة ترس ــم‬ ‫مس ــارات أخ ــرى ف ــي حركت ــه‪.‬‬ ‫ومـــن هنـــا فـــإن فكـــرة اصـــدار هـــذه المجلـــة‬ ‫ليس ــت بالجدي ــدة عل ــى الجمعي ــة بهيئته ــا االداري ــة‪:‬‬ ‫فمنذ ثالث عجاف كانت الفكرة قائمة‪.‬‬

‫وحينم ــا أجه ــز الظالمي ــون بمعاوله ــم عل ــى ارثن ــا‬ ‫التاريخـــي فـــي آشـــور كان الجـــواب ـ الـــرد هـــذه‬ ‫الصحائ ــف النبيل ــة المحمل ــة بالف ــن واألم ــل‪.‬‬ ‫ه ــم يحاول ــون اطف ــاء ج ــذوة الحي ــاة‪ ،‬ونح ــن نُش ــعل‬ ‫للوط ــن أل ــف ش ــمعة‪ .‬وه ــذه المجل ــة‪ ،‬وه ــي تب ــدأ‬ ‫عدده ــا الصف ــر‪ ،‬تبع ــث إليه ــم رس ــائل االص ــرار‬ ‫علــى االســتمرار‪ ،‬محرِّ ضــة الطمــوح فــي دواخلنــا‬ ‫علـــى ذلك‪.‬لـــم تصـــدر عـــن الجمعيـــة‪ ،‬علـــى حـــ ّد‬ ‫علمنـــا‪ ،‬أيـــة مجلـــة تُعنـــى بالتشـــكيل وأهلـــه منـــذ‬ ‫تأسيس ــها‪ :‬بيت ــاً للتش ــكيليين ف ــي خمس ــينات الق ــرن‬ ‫الماضـــي‪ ،‬يـــوم كانـــت الحيـــاة هانئـــة‪ ،‬والعيـــش‬ ‫رغيـــداً‪ ،‬وشـــوارع بغـــداد مفعمـــة بالحيـــاة‪ .‬ومـــع‬ ‫ذل ــك ل ــم يتمك ــن القيم ــون عل ــى ش ــؤون التش ــكيل‬ ‫م ــن اص ــدار مطب ــوع بم ــا له ــا م ــن تاري ــخ‪.‬‬ ‫وهـــا نحـــن‪ ،‬علـــى الرغـــم مـــن المـــوت المحتـــدم‬ ‫عل ــى عراقن ــا الحبي ــب‪ ،‬نجحن ــا باص ــدار «رواق‬ ‫التشـــكيل» لتنتظـــم مـــع رهـــط المجـــات القليلـــة‬ ‫الصـــادرة عـــن مؤسســـات أو أفـــراد‪.‬‬ ‫ه ــذا ه ــو الع ــراق‪ :‬يتق ــد كم ــا الجم ــر‪ ،‬إن حس ــبته‬ ‫خانعـــاً لمدلهمـــات الليالـــي‪ ،‬تـــراه ينتفـــض مـــن‬ ‫كبوتـــه ليشـــيع الضيـــاء فـــي المـــكان والزمـــان‪.‬‬ ‫نأمــل أن تكــون هــذه الصحائــف مشــروعاً ألولئــك‬ ‫القابض ــون عل ــى جم ــر األم ــل والجم ــال‪ ،‬مؤكدي ــن‬ ‫لهـــم أن زهـــور االبـــداع التشـــكيلي ال بـــ ّد لهـــا أن‬ ‫تتفتـــح‪ ،‬وإن مـــن ثنايـــا هـــذا المطبـــوع الطمـــوح‪،‬‬ ‫يبت ــدأ مش ــوارنا م ــع الحي ــاة‬

‫‪1‬‬


‫‪5‬‬ ‫‪ - 5‬اىل اين ميضي حممد مهر الدين ؟‬ ‫مؤيد داؤد البصام‬

‫‪ - 12‬الفن األسالمي االخر ‪ ..‬تراسل واشعاع‪.‬‬ ‫عاصم عبد االمري‬

‫‪ - 16‬صبيح كلش ‪ :‬الفنان والفن والغربة‪.‬‬ ‫ماجد السامرائي‬

‫‪- 22‬رسومات الفنان امساعيل فتاح‪.‬‬ ‫ختطيطات تبوح بكلماتها‬

‫‪16‬‬

‫عادل كامل‬

‫الفنانني‬ ‫‪ - 26‬املعرض السنوي جلمعية ‬ ‫‪.‬‬

‫ ‬

‫‪22‬‬

‫التشكيليني ا لعراقيني‪.‬‬ ‫رئيس التحرير‬

‫‪ - 30‬الفنون التشكيلية والعرض املسرحي‪.‬‬ ‫جنم حيدر منوذجا‬ ‫د‪ .‬عقيل مهدي‬

‫‪ - 36‬ممارسة اخلط العربي‪ ،‬موقف‬ ‫فلسفي وجتربة عملية‪.‬‬ ‫مصدق حبيب‬

‫‪26‬‬

‫‪2‬‬

‫‪50‬‬


‫‪56‬‬ ‫‪ - 42‬الفنون املرئية القادمة‪.‬‬ ‫جبار اجلنابي‬

‫‪ - 50‬اجتهات ورؤى فنية يف صياغة اخلطاب‬ ‫التشكيلي املعاصر‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫حممد سوادي‬

‫‪ - 56‬عن السينما والتشكيل‪.‬‬ ‫نزار شهيد فدعم‬

‫‪ - 60‬حمموالت التشكيل من الواقع اىل الواقعي‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫د‪ .‬جواد الزيدي‬

‫‪ - 64‬حوار اجلدران واالرصفة‪.‬‬ ‫خراب املتحف وتقنيات اخلراب‪.‬‬ ‫خالد خضري الصاحلي‬

‫‪ - 82‬التكوين الفين يف اعمال فيصل اللعييب‪.‬‬ ‫شاكر محد‬

‫‪ - 88‬اخليال وسياقات اشتغاله يف التصميم‪.‬‬ ‫د‪ .‬قيس والي عباس‬

‫‪82‬‬

‫‪ - 91‬متابعات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 121‬اصدارات الكتب الفنية‪.‬‬ ‫‪ - 128‬معرض العدد‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪88‬‬


‫الفنـــان محمـــد مهـــر الديـــن احـــد الصنـــاع‬ ‫المبدعيــن للوحــة التشــكيلية ‪ ،‬كمــا أجمــع مــن‬ ‫كت ــب ع ــن أعمال ــه ومعارض ــه‪ ،‬فه ــو يعل ــن‬ ‫ع ــن إبداع ــه عن ــد إنش ــاء لوحت ــه المرتك ــزة‬ ‫إل ــى معطي ــات فكري ــة متداخل ــة تجم ــع بي ــن‬ ‫التجربـــة والرؤيـــة الذاتيـــة والمؤثـــرات‬ ‫الداخليـــة منهـــا والخارجيـــة‪ ،‬تكونـــت عنـــده‬ ‫ف ــي خ ــال عق ــود م ــن الدراس ــة والممارس ــة‬ ‫والتجريب‪.‬هـــذا مـــن جانـــب ومـــن جانـــب‬ ‫آخـــر‪ :‬ال يمكـــن عـــزل قدراتـــه التصميميـــة‬ ‫ذات األبعـــاد الصلـــدة والخطـــوط الحـــادة‬ ‫المســـتقيمة‪ ،‬عـــن المعنـــى الكامـــن خلـــف‬

‫الرســـوخ اإلنشـــائي لعناصـــر اللوحـــة‪ ،‬وبيـــن‬ ‫العم ــق ال ــذي يب ــرز تفكي ــره لفه ــم كينونت ــه إزاء‬ ‫هــذا العالــم‪ .‬لقــد أدرك عظمــة اإلنســان وحضــارة‬ ‫وادي الرافدي ــن بفه ــم ووع ــي م ــن خ ــال الرؤي ــة‬ ‫والمتابع ــة‪ ،‬وعل ــى الرغ ــم م ــن محدودي ــة الرؤي ــة‬ ‫البصري ــة‪ ،‬فأن ــه أطره ــا بأبع ــاد ذهني ــة إل ــى م ــا‬ ‫ال نهايــة فــي مشــحونة الرؤيــة الذهنيــة‪ ،‬مخرج ـا ً‬ ‫العمـــل مـــن محدوديتـــه األرضيـــة إلـــى فضائـــه‬ ‫الكونـــي‪ ،‬جاعـــاً اللـــون كأنـــه جـــزء مـــن‬ ‫التكويـــن العـــام وليـــس خارجـــا عنـــه أو جـــز ًء‬ ‫ملصـــق‪ ،‬فحتـــى الكـــوالج واســـتخدام حـــروف‬ ‫اللصـــق‪ ،‬والخربشـــات والتواقيـــع‪ ،‬والعالمـــات‬ ‫والرمـــوز‪ ،‬نجـــده فيهـــا مفيـــد مـــن التطـــورات‬ ‫التكنولوجي ــة الحديث ــة‪ ،‬لتكثي ــف التأثي ــر البص ــري‬ ‫عنـــد المتلقـــي‪ ،‬بمـــا يجعـــل منـــه قـــوة إقنـــاع‬ ‫بيـــن اللـــون والتصميـــم والرمـــوز والشـــفرات‬ ‫التـــي يســـتخدمها لكشـــف لحظـــة التفجـــر فـــي‬ ‫أعماق ــه‪ ،‬وب ــث األف ــكار وال ــرؤى الت ــي يري ــد أن‬ ‫يطرحهـــا‪ ،‬مـــع اســـتخدامه مـــواد مختلفـــة علـــى‬ ‫ظهـــر اللوحـــة‪.‬‬ ‫الذات والموضوع‬ ‫إعمـــال مهـــر الديـــن وبقـــدر مـــا تشـــتغل علـــى‬ ‫البنائيـــة فـــي التصميـــم‪ ،‬لتأكيـــد حالـــة الرســـوخ‬ ‫ف ــي إنش ــاء اللوح ــة‪ ،‬فأنه ــا تحم ــل ف ــي طياته ــا‬ ‫‪4‬‬


5


‫مخزونــا ً م ــن الرف ــض للقه ــر واالس ــتالب اللذي ــن‬ ‫يتعـــرض لهمـــا إنســـان العصـــر فضـــاً عـــن‬ ‫نتائجه ــا المتمثل ــة ف ــي غرب ـةِ‪ ،‬الت ــي تج ــدرت ف ــي‬ ‫أعماقـــه‪ .‬وعندمـــا نتحـــدث عـــن التقنيـــة الفنيـــة‬ ‫فـــي بنـــاء أللوحتـــه عنـــده‪ ،‬ال يمكـــن أن نفصـــل‬ ‫النـــص عمـــا يخامـــر أعماقـــه مـــن رؤيـــة تجـــاه‬ ‫الواقـــع‪ ،‬ورؤيتـــه تجـــاه إنســـان بـــاده وإنســـانيته‬ ‫المغلوبـــة‪ .‬تتداخـــل هـــذه البنائيـــة الفكريـــة مـــع‬ ‫التقني ــة ف ــي الخ ــط والل ــون والت ــوازن الع ــام‪ ،‬ف ــي‬ ‫تركيـــب اللوحـــة بالصيـــغ التـــي يســـتخدمها فـــي‬ ‫بـــث الرمـــوز والشـــفرات المســـتقاة مـــن التـــراث‬ ‫الســـومري والبابلـــي واآلشـــوري‪ ،‬وبالـــذات‬ ‫( العينان ‪،‬األنف اآلشوري )‪.‬‬ ‫األمـــر الـــذي يجعلنـــا ال نعـــزل الخربشـــات‬ ‫أو اللطخـــات والبقـــع اللونيـــة فـــي لوحاتـــه عـــن‬ ‫ذهنيـــة التغريـــب ودالالت الرفـــض لحـــاالت‬ ‫االستســـام ‪ ،‬فهـــو فنـــان يمتلـــك قـــدرات التعبيـــر‬ ‫وال يملــك قــدرة التغييــر فــي الواقــع ‪ ،‬لذلــك نجــده‬ ‫يلج ــأ إل ــى الحل ــم‪ ،‬وه ــو دأب كل م ــن فق ــد الواق ــع‬ ‫الـــذي يريـــد‪ ،‬والعالـــم الـــذي يبتغـــي‪ ،‬وحينمـــا ال‬ ‫تعـــود هنـــاك مســـارات لتحقيـــق األفـــكار‪ ،‬يكـــون‬ ‫اللجـــوء إلـــى الحلـــم‪ .‬إن هـــذه التفجيـــرات التـــي‬ ‫تتنـــاوش مقدمـــة لوحاتـــه أو تعبيراتـــه الخطيـــة‬ ‫بالحــرف والكلمــة‪ ،‬تعبيــرات عــن خلجــات داخليــة‬ ‫تتص ــارع ف ــي م ــا بينه ــا إلظه ــار عم ــق مش ــاعره‬ ‫تج ــاه قضاي ــا واقع ــه وإنس ــان ه ــذا الواق ــع‪ ،‬معب ــراً‬ ‫بذل ــك ع ــن رؤيت ــه الفكري ــة تج ــاه م ــا يح ــدث وم ــا‬ ‫حـــدث باســـتخدام قتامـــة اللـــون‪ ،‬وهمـــا الدالئـــل‬ ‫علـــى التراكـــم المعرفـــي وخزيـــن التمـــرد الـــذي‬ ‫يتوض ــح ف ــي الل ــون‪ ،‬بم ــا يجع ــل ل ــه م ــن س ــحرية‬ ‫عل ــى الرغــم مــن اســتخدام الل ــون األس ــود الخط ــر‬ ‫‪ ..‬وهن ــا تكم ــن ق ــدرات مه ــر الدي ــن كفن ــان مل ــون‬ ‫يعـــد مـــن القالئـــل الذيـــن وفـــروا هـــذا المنـــاخ‬ ‫‪6‬‬


‫للوح ــة‪ .‬وإذا أردن ــا أن نحص ــي أع ــداد اللوح ــات‬ ‫الزاهي ــة األل ــوان‪ ،‬س ــنجدها‪ ،‬عل ــى قلته ــا‪ ،‬تحم ــل‬ ‫دالل ــة غربته ــا‪ ،‬ففيه ــا مرم ــوز لإليح ــاء بالفك ــرة‬ ‫التـــي قصـــد مـــن ورائهـــا «تغريـــب» هـــذه‬ ‫اللوحـــات عـــن المجمـــوع العـــام إلعمالـــه‪.‬‬ ‫فه ــو يح ــاول ف ــي وض ــوح األل ــوان الزاهي ــة أن‬ ‫يكشـــف عـــن هواجســـه إزاء كل مـــا يحيـــط بـــه‬ ‫مـــن تطـــورات علميـــة وتكنولوجيـــة وثـــورات‬ ‫وانقالبـــات وتغييـــرات علـــى الصعيـــد المحلـــي‬ ‫أو العالم ــي‪ ،‬مح ــاوالً أن يبع ــد الغم ــوض ال ــذي‬ ‫يكتن ــف لوحت ــه ذات األل ــوان القاتم ــة الت ــي تعب ــر‬ ‫عـــن انتكاســـة فـــي روحيـــة الفنـــان ‪ ..‬وبيـــان‬ ‫اإلجهـــاض اإلنســـاني فـــي داخلـــه عـــن كل مـــا‬ ‫يح ــدث‪ ،‬مب ــرراً لنفس ــه قب ــل اآلخ ــر س ــلبية ع ــدم‬ ‫قدرتـــه علـــى الفعـــل لتغييـــر مســـار الحـــدث‪،‬‬ ‫فتأت ــي لوحات ــه ه ــذه محكوم ــة بخط ــوط الط ــول‬ ‫والعـــرض‪ ،‬منبجســـة عنهـــا تمـــرد بلطخـــات‬ ‫الفرشـــاة‪ ،‬ســـوداء أو صفـــراء وهـــي ألـــوان‬ ‫التغري ــب والعتم ــة والمجه ــول الت ــي ق ــد نتف ــق أو‬ ‫نختل ــف ح ــول تأثي ــرات الف ــن العالم ــي ورم ــوز‬ ‫ق ــادة الف ــن التجري ــدي علي ــه ف ــي أعمال ــه ه ــذه‪،‬‬ ‫ولكنه ــا تأثي ــرات خضع ــت لقدرت ــه عل ــى هض ــم‬ ‫المســـافة‪ ،‬والخـــروج ببعـــده المنفـــرد‪.‬‬ ‫إن اش ــتغال محم ــد مه ــر الدي ــن األخي ــرة‬ ‫تجـــاوزت األطـــر التعبيريـــة التـــي كان يشـــتغل‬ ‫عليهـــا فـــي معارضـــه الســـابقة ‪ ،‬واســـتخدامه‬ ‫التشـــخيص باألســـلوب الحديـــث الـــذي يلغـــي‬ ‫الفكــر (‪ )figure‬بأبعــاده األكاديميــة ‪ ،‬لكنه يوحي‬ ‫لنــا بــه بجعلــه جــز ًء مــن العمليــة التجريديــة مــع‬ ‫إدخ ــال العناص ــر المختلف ــة عل ــى س ــطح اللوح ــة‪.‬‬ ‫إن تجريداتـــه األخيـــرة فيهـــا تقنيـــات تصاحـــب‬ ‫مرموزات ــه للتعبي ــر ع ــن آرائ ــه ‪ ،‬أي إن اللوح ــة‬

‫تحولـــت إلـــى حالـــة ذهنيـــة بعـــد أن اســـتطاع‬ ‫مـــن خـــال التجـــارب التـــي أجراهـــا علـــى‬ ‫مـــدى أربعـــة عقـــود ‪ ،‬وتمكنـــه فـــي احترافيـــة‬ ‫الخ ــط والل ــون الل ــذان م ــا ع ــادا يمث ــان عقب ــة‬ ‫فـــي الصياغـــة اإلنشـــائية‪ ،‬إذ أصبحـــا جـــزء‬ ‫مـــن حركـــة اليـــد واســـتبطان العقـــل كحرفـــة‪،‬‬ ‫فبـــدأت األبعـــاد الفكريـــة هـــي التـــي تشـــتغل‬ ‫علـــى اللوحـــة‪ ،‬اســـتخدام الرمـــوز الحضاريـــة‬ ‫العالميـــة‪ ،‬واألختـــام‪ .‬والكتابـــات المقـــروءة أو‬ ‫غي ــر المق ــروءة‪ ،‬والرم ــوز الس ــومرية‪ ،‬والبابلي ــة‬ ‫واآلشــورية‪ ،‬إنهــا تمنــح اللوحــة دالالت وتعابيــر‬ ‫رمزي ــة بم ــا ورائي ــة المعن ــى المنظ ــور‪ ،‬فس ــطح‬ ‫اللوحـــة عنـــد مهـــر الديـــن لـــم يعـــد ببعـــد أو‬ ‫بعدي ــن أو ثالث ــة أبع ــاد‪ ،‬إنه ــا لوح ــة أبعاده ــا ال‬ ‫نهائي ــة‪ ،‬له ــذا تبق ــى س ــطوح لوحات ــه مفتوح ــة‬ ‫علـــى فضـــاء كونـــي‪ ،‬وتســـتمر الخطـــوط فـــي‬ ‫انســـيابيتها لتشـــكل عالمهـــا الالمتناهـــي ‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫اللون واالستخدام الحر المدروس‪...‬‬

‫بالممارســـة زادت رهافـــة الحـــس اللتقـــاط‬ ‫الذبذبـــات والتونـــات البســـيطة‪ ،‬وهـــو مـــا‬ ‫يتمت ــع ب ــه الصوف ــي ال ــذي يكث ــر م ــن التأم ــل‬ ‫والســـكوت والتصنـــت حتـــى تصبـــح حواســـه‬ ‫ج ــزء م ــن حرك ــة الطبيع ــة‪ ،‬وتصب ــح الطبيع ــة‬ ‫ج ــزء م ــن تكوين ــه الخ ــاص‪ ،‬ال ــذي ال تتعب ــه‬ ‫الرؤيــة والتنصــت لمــا وراء الســمع والبصــر‪.‬‬ ‫إن تمتــع محمــد مهــر الديــن بحــس الفنــان‬ ‫المتأمـــل ‪ ،‬المتماســـك ذي الصالبـــة الداخليـــة‬ ‫( الموقـــف ) هـــو الـــذي يتيـــح لـــه أن يضـــع‬ ‫عملـــه موضـــع تســـاؤل مـــن خـــال وضـــع‬ ‫هــذا العمــل فــي المســافة بيننــا وبيــن اللوحــة ‪،‬‬ ‫مس ــقطا ً علين ــا أعب ــاء معان ــاة التأم ــل والصب ــر‬ ‫واالنتشــاء برائحــة ألــوان الزيــت ‪ ،‬وبمــا يدعنــا‬ ‫نتحس ــس عبثيت ــه ح ــد التره ــل م ــع األخش ــاب‬ ‫والمســامير واأللــوان والفراشــي والموســيقى ‪.‬‬ ‫إنـــه اللهـــاث الـــذي يأخـــذ مـــداه الزمنـــي‬ ‫الطويـــل مـــا بيـــن الجـــدار واللوحـــة ليتكـــئ‬ ‫بعـــده إلـــى أقـــرب كرســـي ملطـــخ اليديـــن‬ ‫والمالب ــس بمختل ــف األل ــوان‪ ،‬فيختل ــس نظ ــرة‬

‫تتجســد فــي لوحاتــه طاقــات لونيــة غيــر‬ ‫محـــددة بأســـلوبها األكاديمـــي‪ ،‬طاقـــات لونيـــة‬ ‫ترتكـــز إلـــى خبـــرة ودرايـــة‪ ،‬يتوضـــح مـــن‬ ‫رؤيتهـــا األولـــى والثانيـــة والثالثـــة الطاقـــات‬ ‫المتفج ــرة الت ــي تتع ــدد بتع ــدد الرؤي ــا وتتح ــرك‬ ‫بمســـتويات جماليـــة مـــن الرؤيـــة البصريـــة‪.‬‬ ‫إن االس ــتخدام الح ــر لل ــون يعتم ــد لدي ــه عل ــى‬ ‫اإلمكانيـــة البصريـــة التـــي تتمتـــع بقـــدرات‬ ‫هائل ــة مت ــى أخضع ــت للممارس ــة والتمري ــن‪.‬‬ ‫ونح ــن ف ــي محي ــط وجودن ــا ق ــد نف ــرز عش ــرة‬ ‫أو عشــرين لون ـا ً للــون األبيــض‪ ،‬لكــن إنســان‬ ‫القطـــب الشـــمالي‪ ،‬كمـــا أثبتـــت التجـــارب‬ ‫العلميـــة يســـتطيع تمييـــز ثالثـــة آالف لـــون‬ ‫لألبيـــض‪ ،‬إنهـــا الخبـــرة والدربـــة والرؤيـــة‬ ‫المتك ــررة‪ .‬وم ــن هن ــا فكلم ــا ازدادت الرؤي ــة‬ ‫لألعم ــال الفني ــة توس ــعت ق ــدرة الرؤي ــة عل ــى‬ ‫التمت ــع بجمالي ــة فض ــاء اللوح ــة‪ ،‬كالموس ــيقى‬ ‫التـــي كلمـــا تطـــورت الحاســـة الســـمعية‬ ‫‪8‬‬


‫وهــو يبتســم ( ينقصهــا ضربــة فرشــاة )‪ ،‬لكــن يــداً‬ ‫خفيــة تجلســه وصــوت داخلــي يقــول‬ ‫( إل ــى ي ــوم آخ ــر )‪ .‬إن ــه يتص ــور أن العم ــل ل ــم‬ ‫يكتم ــل‪ ،‬ولك ــن حبك ــة المه ــارة تتغل ــب ف ــي تثبي ــت‬ ‫الموج ــود‪ ،‬له ــذا تنطل ــق لحظ ــة العنف ــوان والث ــورة‬ ‫لتلط ــخ التنظي ــم واالس ــتقامة المس ــطرية إل ــى عب ــث‬ ‫وال جـــدوى ‪.‬‬ ‫إن ســنين الثــورة والتمــرد أنقضــت وبــدأت مرحلــة‬ ‫التأم ــل والت ــآكل ودق ــات عبثي ــة عل ــى م ــا يح ــدث‬ ‫ف ــي الحي ــاة‪ ،‬وتس ــاؤالت عم ــا إذا ه ــذا م ــا أردن ــاه‬ ‫أو حلمنـــا فـــي تحقيقـــه ؟ وتكمـــن اإلجابـــة عـــن‬ ‫ه ــذه التس ــاؤالت الوجودي ــة المتع ــددة ف ــي لوح ــات‬ ‫تتحــدث برمزيتهــا وتعبيرهــا عــن الحالــة والواقــع‪.‬‬ ‫إن مهــر الديــن مشــروع قائــم للفــن بــكل أبعــاده‬ ‫الحياتي ــة ‪ ،‬ولك ــن ه ــذا المش ــروع مرتب ــط بجوان ــب‬ ‫متعـــددة وإنســـانية مطلقـــة‪ ،‬فكيـــف التـــزاوج بيـــن‬ ‫الفردانيـــة والجمعيـــة‪ ،‬وبيـــن اإلحســـاس باألنانيـــة‬ ‫والذاتيـــة المفرطـــة واآلخـــر المعـــذب ؟ هـــذا هـــو‬ ‫تفجيـــر اللـــون األســـود والقاتـــم والمعتـــم‪ ،‬الســـخط‬ ‫بـــا جـــدوى وبـــا إمكانيـــة وبعـــدم القـــدرة علـــى‬ ‫التغيي ــر‪ ،‬الث ــورة القاس ــية عل ــى ال ــذات بالضرب ــات‬ ‫المهش ــمة والعبثي ــة ف ــي وس ــط و أط ــراف اللوح ــة‪،‬‬ ‫ثب ــات العقي ــدة ف ــي ق ــوة التصمي ــم وركازة البن ــاء‪،‬‬ ‫فليس ــت هن ــاك نهاي ــة للوح ــة عن ــده م ــا دام يعان ــي‬ ‫م ــع ه ــذه الماليي ــن البائس ــة م ــن وج ــود الظالمي ــن‬ ‫‪ ،‬وعتمـــة القبـــو الـــذي حشـــروا فيـــه ‪،‬األســـاك‬ ‫واألبـــواب والشـــبابيك التـــي أوصدوهـــا فـــي‬ ‫وجوههـــم‪ .‬إنـــه أســـلوب يتحـــرك مـــع تأمالتـــه‬ ‫ورؤي ــاه وثورت ــه ونقمت ــه وحب ــه‪ ،‬وتفج ــر طاق ــات‬ ‫اإلب ــداع حينم ــا تنطل ــق اإلش ــعاعات األول ــى للفج ــر‬ ‫أو تخلـــف وراءهـــا اللـــون البرتقالـــي المائـــل إلـــى‬ ‫االحمـــرار الـــذي‬ ‫‪9‬‬


‫الطهمـــازي‪ :‬أيهمـــا يســـتأثر باالهتمـــام مـــن‬ ‫حي ــث الق ــدرة و اإلب ــداع‪ ،‬التصمي ــم أم الل ــون‪،‬‬ ‫وم ــن أي الجه ــات تتح ــرك لوح ــة مه ــر الدي ــن‬ ‫وأس ــلوبه ؟ وه ــو ال يتوان ــى ف ــي تقدي ــم نفس ــه‬ ‫بأســـلوب واحـــد ضمـــن مناهـــج متعـــددة‪،‬‬ ‫بأســـلوب مـــا اصطلـــح عليـــه علـــى بعـــض‬ ‫فنانـــي الواليـــات المتحـــدة األميركيـــة (الرســـم‬ ‫الحركــي – ‪ ،) Action Painting‬وتأثيــرات‬ ‫الرؤيـــة البصريـــة التـــي عشـــقها فـــي إعمـــال‬ ‫انتوني ــو تابي ــس (‪ ، 1923‬أو مؤث ــرات إخ ــوان‬ ‫مي ــرو وكل الس ــرياليين والتجريديي ــن العظ ــام‪،‬‬ ‫الذيـــن ظهـــروا فـــي بدايـــة القـــرن العشـــرين‬ ‫( مثـــل اندريـــه ماســـون ‪) 1896-1987‬‬ ‫وكذلـــك عفويـــة الفنـــان الروســـي كاندنســـكي‬ ‫( ‪ .) 1866-1944‬إن التلقائيـــة فـــي حركـــة‬ ‫الفرش ــاة‪ ،‬أو الس ــكين الت ــي يتبعه ــا مه ــر الدي ــن‬ ‫أو م ــا يش ــبه العفوي ــة‪ ،‬والت ــي تش ــكل تص ــوراً‬ ‫بش ــكل م ــا يش ــبه الخط ــوط الت ــي تنطل ــق‬ ‫مـــن عفويـــة رســـوم األطفـــال‪،‬‬ ‫تحمـــل فـــي حقيقتهـــا معانـــي‬ ‫رمزي ــة‪ ،‬لتفاع ــل الخ ــارج م ــع‬ ‫الداخ ــل‪ ،‬وه ــذه األحاس ــيس‬

‫يلفـــه الســـواد‪ ،‬وهـــو يوضحهـــا فـــي معـــرض‬ ‫توضيحـــه إلعمالـــه إذ يقـــول « معرضـــي‬ ‫صرخ ــة اس ــتغاثة وتحذي ــر‪ ،‬م ــن ق ــوى تضغ ــط‬ ‫باتجــاه فــرض هيمنتهــا وســطوتها علــى الحيــاة‬ ‫اإلنســاني»‪ .‬وهــذا يعيدنــا إلــى تســاؤل الشــاعر‬ ‫والناق ــد عب ــد الرحم ــن طهم ــازي ف ــي مع ــرض‬ ‫تقديم ــه ألح ــد مع ــارض الفن ــان « ت ــرى أي ــن‬ ‫يمضـــي مهـــر الديـــن وهـــو يحـــرك أســـلوبه‬ ‫أخيـــراً ؟»‪.‬‬ ‫إن المتابـــع ألعمـــال مهـــر الديـــن‪ ،‬أو يقـــف‬ ‫ألول مـــرة أمـــام لوحاتـــه ســـتكون المالحظـــة‬ ‫األول ــى ل ــه محمل ــة بالدهش ــة‪ ،‬لمتان ــة التصمي ــم‬ ‫وإنشـــائية اللوحـــة‪ .‬الدهشـــة األولـــى ســـتلتقي‬ ‫بالدهشـــة الثانيـــة لبراعـــة اســـتخدام اللـــون‬ ‫وهـــذه النقطـــة توقفنـــا لإلجابـــة عـــن ســـؤال‬

‫‪10‬‬


‫درس الفـــن فـــي ايطاليـــا وصالـــح ألجميعـــي‬ ‫الـــذي درس الفـــن فـــي أمريـــكا ‪ ،‬وهاشـــم‬ ‫ســـمرجي الـــذي درس الفـــن فـــي البرتغـــال ‪،‬‬ ‫وضي ــاء الع ــزاوي ال ــذي درس الف ــن ف ــي بغ ــداد‬ ‫ومحمـــد مهـــر الديـــن الـــذي درس الفـــن فـــي‬ ‫بولوني ــا ومحاول ــة إيج ــاد رؤي ــة جدي ــدة ولغ ــة‬ ‫مختلفـــة عـــن الســـائد‪ ،‬اســـتكمل مهـــر الديـــن‬ ‫بحثـــه فـــي تقنيـــة ( الفـــن الالشـــكلي ) ‪ ،‬وهـــو‬ ‫م ــا نج ــده واضح ـا ً ف ــي أعمال ــه الت ــي عرضه ــا‬ ‫م ــن بع ــد مغادرت ــه بغ ــداد أوائ ــل األلفي ــة الثالث ــة‬ ‫واتخـــاذه مدينـــة عمـــان مقـــراً دائمـــا ً لـــه‬ ‫حي ــث نالح ــظ الحفري ــات الت ــي اش ــتغل عليه ــا‬ ‫وكيفي ــة اس ــتخدام الل ــون وإخضاع ــه إلغ ــراض‬ ‫البعـــد الفكـــري فـــي نصـــه‪ ،‬والالشـــكلية فـــي‬ ‫إنش ــاء لوحت ــه‪ ،‬إنه ــا روح التم ــرد الت ــي تعل ــن‬ ‫عـــن نفســـها‪ ،‬ضـــد اســـتغالل اإلنســـان ألخيـــه‬ ‫اإلنس ــان‪ ،‬ووض ــع البع ــد النص ــي مح ــل تس ــاؤل‬ ‫دائـــم فـــي عمـــق بنـــاء اللوحـــة‪.‬‬

‫المكبوتـــة منـــذ انطالقاتهـــا االبتدائيـــة أيـــام‬ ‫الش ــباب ف ــي اإليم ــان بالفك ــر اليس ــاري طريق ــا‬ ‫للخ ــاص‪ ،‬وم ــن ث ــم اليس ــار عموم ــا‪ ،‬ولكنه ــا‬ ‫ظل ــت أحالمــا ً ‪ ،‬وم ــن ث ــم تح ــول الحل ــم إل ــى‬ ‫شــفرات ورمــوز‪ ،‬فــإذا هــو مثلــه مثــل صوفــي‬ ‫يبح ــث ف ــي عال ــم المجه ــول ع ــن الحقيق ــة‪ .‬وق ــد‬ ‫طـــور عملـــه فـــي معارضـــه األخيـــرة‪ ،‬نحـــو‬ ‫البحـــث عـــن هـــذه المعانـــي والرمـــوز فـــي‬ ‫الحيطـــان والجـــدران المتآكلـــة بتأثيـــر عوامـــل‬ ‫البيئ ــة‪ .‬وحت ــى ال تضي ــع لحظ ــة الكش ــف ف ــي‬ ‫الرؤي ــة األول ــى‪ ،‬اس ــتخدم الكامي ــرا لتوث ــق ل ــه‬ ‫تل ــك اللحظ ــات ف ــي بحث ــه بي ــن ج ــدران الش ــام‬ ‫وعمـــان ومـــا خلفتـــه األحـــام فـــي الذاكـــرة‬ ‫م ــن أزق ــة وج ــدران بي ــوت البص ــرة وبغ ــداد‪،‬‬ ‫إن ــه حل ــم صوف ــي انبث ــق مـــع انبث ــاق عصب ــة‬ ‫(الرؤيـــة الجديـــدة )‪ ،‬ورؤيتهـــا الخاصـــة فـــي‬ ‫بنـــاء أســـلوب جديـــد فـــي النـــص والتقنيـــة‪،‬‬ ‫برموزهــا ( فرافــع الناصــري الــذي درس الفــن‬ ‫ف ــي الصي ــن ‪ ،‬وإس ــماعيل فت ــاح الت ــرك ال ــذي‬ ‫‪11‬‬


‫لــم يعد باإلمــكان ّ‬ ‫غض الطــرف عمّا يفعلــه العقل‬ ‫العربي المســلم من أوشام ظاهرة في جسد التاريخ‪.‬‬ ‫وقــد أقرّ األوربيون بما أنجزه المســلمون والعرب‪،‬‬ ‫ولو بصيغة التقريظ‪ ،‬مما قد أســدوه ألوربا حســب‬ ‫المستشــرقة األلمانيــة (زيغريدهونكــه)‪ .‬وممــا‬ ‫يُعـــــــرف‪ ،‬أن الحضـــارات‬ ‫كاألفراد‪ ،‬مهمــــــــا‬ ‫بدت متمنعــــــة‬

‫وحصينــة‪ ،‬فإنهــا بحاجــة الــى اآلخر‪ ،‬كمــا أنها‬ ‫عرضــة لالحتــكاك باآلخــر‪ ،‬وغالبــاً مــا يجري‬ ‫ذلك لتطمين حاجات الشــعور اإلنســاني المشترك‬ ‫ودوافعه‪ ،‬والعودة إلى منشــأ الحضارات ســيقرّ ب‬ ‫لنــا هذا المعنى بوضوح شــديد‪ .‬فكيف بأبناء األمة‬ ‫اإلســامية الذين تشــرّ بوا ونهلوا من قيم اإلسالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جيال إثر جيل من أجل إعالء كلمة (ال إله‬ ‫وساروا‬ ‫ّ‬ ‫إال هللا محمد رســول هللا)‪ .‬بهــذه الوحدة ورمزيتها‬ ‫الروحية‪ ،‬أشــاع العرب والمســلمون مبــادئ هذا‬ ‫الدين مع المعارف العلمية والقيمية والجمالية‪.‬‬ ‫ومنذ العصور الوســطى أظهر األوربيون عنايتهم‬ ‫البالغــة بما أنتجه العقل العربي المســلم في ميادين‬ ‫الصناعــة والمعــارف والفنون‪ ،‬وممــا يعرف أن‬ ‫المسلمين اتصلوا بالغرب منذ القرن الحادي عشر‬ ‫الميالدي‪ ،‬وهو عصر اكتشاف الغرب بالضرورة‪.‬‬ ‫وكان ثمة نوافذ عديدة لهذا االتصال‪ ،‬سواء أكان في‬ ‫التجارة وفــي الترجمة من العربية إلى الالتينية أو‬ ‫من خالل مشاهدات الحجاج المسيحيين لألراضي‬ ‫المقدســة‪ ،‬وما حملوه من تحف إسالمية نادرة‪ ،‬وال‬ ‫شــك فــي أن الحــروب الضارية التــي حدثت بين‬ ‫المســلمين واألوربييــن ومنها الحروب األندلســية‬ ‫والصليبيــة وغزو نابليون دون تغافل األدوار التي‬ ‫لعبتها الدبلوماســية وشــركة الهند الشرقية وشركة‬ ‫الهنــد الهولنديــة في نقــل الفن الصينــي والياباني‬ ‫والهنــدي والعربي أيضاً إلى أوربا‪ ،‬مما ســيظهر‬ ‫بعدئذ في الفنين القوطي والباروكي‪.‬‬ ‫وتشــير مدونــات التاريــخ الــى أن القــرن الثامن‬ ‫الميالدي بأعقاب الفتح اإلسالمي ألسبانيا كان إيذاناً‬ ‫بتلك المؤثرات‪ ،‬يوم كانت مدينتا بوردو ومرسيليا‬ ‫‪12‬‬


‫الفن‪ ،‬ويتجســد ذلــك في موضوعاته وشــخصياته‬ ‫ذات االرتباط الوثيق بالفن اإلســامي‪ ،‬ويُرى ذلك‬ ‫أيضــاً في أعمال (جيوتو) في القرن الثالث عشــر‬ ‫الميالدي من خالل اإلفادة من األقواس اإلسالمية‪،‬‬ ‫وكذلــك أعمال (فرونيز) رســام البندقية الذي أفاد‬ ‫كثيراً من طرز اللباس اإلسالمي المحلّى بالجواهر‬ ‫وكذلك فعل (فالســكيز) و(روبنز) و(بوتشــيللي)‬ ‫و(ديالكروا) و(ماكه) و(ماتيس)‪ ،‬واألخير وسمت‬ ‫رســومه مــع ذروة تحولهــا األســلوبي بالطابــع‬ ‫اإلســامي أثــر زيارته لمعرض الحــرف العربي‬ ‫والزخرفة اإلســامية فــي باريس‪ ،‬وآثــار الفنون‬ ‫األســامية في الدار الوطنية في باريس وســواها‬ ‫وكان أن قلبت تلك المشــاهدات موازينه رأساً على‬ ‫عقب مستثمراً جماليات هذا الفن من خالل استثمار‬ ‫التســطيح والصراحة اللونية والتعامل البالستيكي‬ ‫مع المساحات التي يلعب فيها الخط دوراً مهيمناً في‬ ‫إدامة زخم الجمال البعيد عن المشابهة التقليدية كما‬ ‫تُرى في األعمال الواقعية ً‬ ‫مثال‪ ،‬ما مهّد لـ(ماتيس)‬ ‫ألن يندفــع بقوة شــطر الفن الوحوشــي وتزعّ مها‬ ‫كــر ّدة فعل على الحســية الطاغية في الفن الواقعي‬ ‫واالنطباعي على الســواء‪ .‬لقد استمد (ماتيس) من‬ ‫الشرق اإلسالمي المغزى الروحي الذي يتفجّ ر من‬ ‫خالل تلك العناصر المحررة من تبعيتها‬ ‫لما هو شــيئي‪ ،‬أضف إلى البساطة‬ ‫اللغز التي تتحلى بها السطوح‬

‫بمثابــة الجســر الناقل لهــذا التبــادل التجاري‪ ،‬دع‬ ‫عنك عناية االستشــراق بالشرق بقصد الرغبة في‬ ‫اكتشــافه‪ ،‬ومعرفة نظم الحياة فيه‪ ،‬ومن ثم الطرز‬ ‫الفنية اإلســامية التي ســتجد صداها فــي العمارة‬ ‫القوطية والرومانسيكية‪ .‬إن هذا التشابك في التبادل‬ ‫ً‬ ‫مســتحيال‬ ‫لم يحدث دون مصاعب‪ ،‬مع ذلك لم يكن‬ ‫إذا ما عرفنا أن العقائد واألديان هي الوســائل التي‬ ‫رحم‬ ‫ذللت تلك الصعاب‪ ،‬ألنها ببســاطة نشأت في‬ ‫ٍ‬ ‫واحــد‪ ،‬وبيئة ثقافية واجتماعيــة واحدة بالضرورة‬ ‫مما أســهم في تعظيم أسس الحوار الحضاري بين‬ ‫الثقافات الهيلينية والسريانية والبيزنطينية والقبطية‬ ‫ذات الجــذر المســيحي مــع الجــذور الضاربة في‬ ‫بلدان الهالل الخصيب‪ ،‬وأبعد من ذلك الحضارات‬ ‫المشرقية القديمة‪.‬‬ ‫اختصــاراً أقــول‪ :‬إن التراســل هــذا ظهــر بجالء‬ ‫يــوم نقــل العثمانيون مظاهــر الفنون اإلســامية‬ ‫عبر القســطنطينية‪ ،‬وقــد جذبت إليهــا اإليطاليين‬ ‫في البندقية وفلورنســا‪ ،‬وهو ممــا يُرى بجالء في‬ ‫أعمــال (مازاتشــيو) الذي عُ ــ َّد األب الروحي لهذا‬ ‫‪13‬‬


‫التــي ال تحيل بالضــرورة إلى نظيــر متعيّن بعينه‬ ‫وأهــم من ذلك غنائية التراكيب وطالقتها‪ ،‬والغنائية‬ ‫المتولدة جرّ اء ذلك‪.‬‬ ‫أما (بول كليه) فقد كشف عن هيامه الالمحدود للفن‬ ‫اإلســامي من بعد أسفاره إلى تونس لعام ‪،1914‬‬ ‫ومن ثم المغرب فالقاهرة‪ ،‬ومن هناك بدأت مفاعيل‬ ‫موحيات الفنون الشــرقية واألجواء الســاحرة ترتد‬ ‫بقوة في رســومه التي تضج بالحــراك والتنويعات‬ ‫الخطيــة واللعب على اإليقــاع الراقص الذي تحدثه‬ ‫في بنية أعماله‪ .‬هذا الرســام الذي قال فيه (بيكاسو)‬ ‫ذات مــرة بأنه (نابليون‪ -‬باســكال)‪ ،‬اســتطاع دمج‬ ‫العناصر الهندسية في أفق مفتوح من الحدس‪ ،‬وكان‬ ‫أن أنتج سلســلة من الرسوم التي أسهمت عميقاً في‬ ‫‪14‬‬


‫تأصيــل نزعته التجريدية فــي إطار من المزاوجة بين‬ ‫المعمــار والطبيعة والموســيقى‪ ،‬مع دمــج المدركات‬ ‫البصرية وزجّ ها في مســارات صوفية‪ ،‬وهو ما كانت‬ ‫تفتقر إليه الفنون األوربية‪ ،‬حتى المجرّ دة منها‪.‬‬ ‫إن اكتشــاف (بول كليه) للفنون اإلســامية يعد لحظة‬ ‫إشــراق وتصعيــد للجماليات التي ســارت عليها فنون‬ ‫التجريــد فــي أوربا‪ ،‬وســيأخذ بها إلى فضــاء الحداثة‬ ‫بعضهــا اهم المصادر الداعمة لخياله الذي يؤاخي بين‬ ‫الشرق والغرب‪.‬في حين أن (بيكاسو) المتشبع بالثقافة‬ ‫األندلســية ســيضيف لصوالته التجديدية أفقــاً يمتد به‬ ‫إلى الجذور العربية اإلســامية‪ ،‬وســتلقي بظاللها في‬ ‫مفاصل مهمة من رسومه‪ ،‬مع أن دارسي فنه ال يلقون‬ ‫ً‬ ‫بــاال كافياً لذلــك‪ ،‬مؤثرين الحديث عــن تلك األصول‬ ‫اإليبيريــة والمصريــة واإلفريقية‪ .‬بهذا المعنى يشــير‬

‫(عفيف بهنسي) أن المقارنة بين فن (بيكاسو) والفنون‬ ‫العربية ( تتضح لنا في المقاربة المدهشة بين تحريفاته‬ ‫وبيــن تجريــدات الفن اإلســامي‪ ،‬فلوحــة الجاموس‬ ‫الموجودة في كتاب (عجائب المخلوقات) لـ(القزويني)‬ ‫تحمل المبادئ نفســها التي نهجها (بيكاســو) في لوحة‬ ‫(الصداقــة)‪ ،‬ويرى شــيئاً من ذلك في لوحة (آنســات‬ ‫أفينيون)‬ ‫ث ّمــة براهيــن أخــرى هــي بعــض مــن صــدى الفنــون‬ ‫اإلســـامية‪ ،‬وتتحـــدد فـــي رســـوم (بيكاســـو) ذات‬ ‫ً‬ ‫وخاصـــة الخـــط العربـــي الـــذي‬ ‫الوجهـــة التكعيبيـــة‪،‬‬ ‫عـــرف فـــي منبـــر القيـــروان نهايـــة القـــرن التاســـع‬ ‫عشـــر‪ ،‬ومنهـــا مـــا موجـــود فـــي البُســـط والســـجاد‬ ‫الش ــرقي اإلس ــامي‪ ،‬ويتض ــح ش ــيء م ــن ه ــذا ف ــي‬ ‫لوحـــة (البهلـــوان) أو لوحـــة (امـــرأة ورجـــل)‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫مع ــه يكش ــف الكثي ــر مم ــا كان ل ــه ف ــي مس ــاره‬ ‫الفن ــي‪ ،‬وانجازات ــه في ــه‪ ..‬الت ــي ب ــدأت م ــن بغ ــداد‬ ‫واس ــتقرت‪ ،‬وإن عل ــى قل ــق‪ ،‬ف ــي الغرب ــة‪.‬‬

‫صبيـــح كلـــش فنـــان ينتمـــي الـــى «جيـــل‬ ‫الس ــبعينات» ف ــي الف ــن العراق ــي الحدي ــث‪ .‬كان ــت‬ ‫ل ــه حيات ــه‪ ،‬والمغام ــرات الت ــي خاضه ــا ف ــي تل ــك‬ ‫الحيـــاة‪ ..‬كمـــا أن لـــه رؤاه الفنيـــة التـــي حملهـــا‬ ‫معـــه أينمـــا ذهـــب فـــي شـــتات األرض‪ ،‬فحقـــق‬ ‫الكثيــر منهــا فــي مــا ق ـ ّدم حتــى اآلن مــن أعمــال‬ ‫وأقــام مــن معــارض‪ ..‬ومــا يــزال يجــد «الــدرب‬ ‫ال ــى الغ ــد» س ــالكة أمام ــه‪ .‬وف ــي ه ــذا الح ــوار‬

‫حدثن ــي ع ــن نفس ــك فنان ــاً‪ :‬بــ َم كن ـ َ‬ ‫ـت تف ّك ــر ف ــي‬ ‫البداي ــة؟ وأي مش ــروع فن ــي وضع ـ َ‬ ‫ـت لنفس ــك؟‬ ‫ـ كانـــت طفولتـــي فـــي بغـــداد مـــن بعـــد أن‬

‫‪16‬‬


‫ُ‬ ‫وكنـــت يومهـــا لـــم اطلـــع بعـــد علـــى‬ ‫الســـتينات‪،‬‬ ‫اعم ــال الفناني ــن والف ــن‪ .‬وم ــن بع ــد ع ــودة الراح ــل‬ ‫شـــاكر حســـن آل ســـعيد مـــن فرنســـا‪ ،‬حيـــث عُ يِّـــن‬ ‫أول م ــرة معلم ــاً للرس ــم ف ــي المدرس ــة الت ــي كن ــت‬ ‫طالبــاً فيهــا (المتوســطة النظاميــة ) فــي بغــداد‪ ،‬قبــل‬ ‫ان ينتقــل الــى معهــد الفنــون الجميلــة لتدريــس مــادة‬ ‫تاريـــخ الفـــن العـــام ‪ 1966،‬و كان يعلمنـــا‪ ،‬نحـــن‬ ‫طالبـــه فـــي المدرســـة‪ ،‬أوليـــات الرســـم مـــن دون‬ ‫الخ ــوض ف ــي ف ــن الحداث ــة ال ــذي ل ــم نش ــاهده بع ــد‪.‬‬ ‫و لكن ــي بحك ــم مرافقت ــي ل ــه‪ ،‬حي ــث كان يصطحبن ــا‪،‬‬ ‫درســـاً‪ ،‬لزيـــارة المعـــارض التـــي كانـــت تقـــام فـــي‬ ‫قاع ــة ( كولبنكي ــان ) القريب ــة م ــن مدرس ــتنا‪ .‬وف ــي‬ ‫الطري ــق كان يس ــتوقفني ليش ــير ال ــى ج ــدار قري ــب‬ ‫فيأخذن ــي التس ــاؤل ع ــن س ــر أهتمام ــه الغري ــب و‬ ‫المهـــووس بشـــقوق الجـــدران و تلـــك اآلثـــار التـــي‬ ‫خلفه ــا االنس ــان‪ ،‬وعوام ــل الطبيع ــة والزم ــن عل ــى‬ ‫تلـــك الجـــدران و االرض ‪ ،‬خصوصـــاً أنـــي لـــم‬ ‫اشـــاهد بعـــد اعمالـــه‪ ،‬وحتـــى هـــو لـــم يبـــدأ بعـــد‬ ‫بنهجـــه و بحثـــه فـــي تكويـــن «جماعـــة البعـــد‬ ‫الواحـــد»‪ .‬ولصغـــر ســـني وقتصاراهتمامـــي علـــى‬ ‫الرس ــم الدراس ــي آن ــذاك‪ ،‬ل ــم أس ــتوعب أف ــكاره تل ــك‬ ‫و ل ــم افهمه ــا اال ف ــي م ــا بع ــد ‪.‬‬

‫نزحـــت عائلتـــي مـــن الجنـــوب ‪ ،‬عندمـــا ظهـــرت‬ ‫بواكي ــر موهبت ــي وأن ــا بع ــد ف ــي االبتدائي ــة‪ .‬و ف ــي‬ ‫المدرســـة المتوســـطة النظاميـــة تتلمـــذت علـــى يـــد‬ ‫الفن ــان الراح ــل ش ــاكر حس ــن آل س ــعيد‪ ،‬و كان ل ــه‬ ‫الفضـــل الكبيرفـــي دخولـــي معهـــد الفنـــون الجميلـــة‬ ‫العـــام ‪1966‬حيـــث االســـاتذة الـــرواد األوائـــل‬ ‫الذيـــن و ضعـــوا لـــي األســـس االولـــى فـــي الرســـم‬ ‫و التلوي ــن‪ .‬وم ــن بع ــد تخرج ــي م ــن المعه ــد الع ــام‬ ‫‪ 1970‬أصبحـــت عضـــواً فـــي «جمعيـــة الفنانيـــن‬ ‫التشـــكيليين» وفـــي «نقابـــة الفنانيـــن»‪ ،‬و شـــاركت‬ ‫أســـاتذتي المع ــارض الت ــي كان ــت تقيمه ــا الجمعي ــة‬ ‫و وزارة الثقاف ــة‪ ،‬و ق ــد ب ــرزت أعمال ــي الفني ــة ف ــي‬ ‫مجموعـــة المعـــارض التعبويـــة التـــي كان يقيمهـــا‬ ‫النظـــام الســـابق حـــول القضيـــة الفلســـطينية و مـــا‬ ‫يتعـــرض لـــه الشـــعب الفلســـطيني مـــن احتـــال و‬ ‫ق ــد أستحس ــن لوحات ــي بع ــض النق ــاد و الصحافيي ــن‬ ‫ف ــي كتاباته ــم‪ ،‬وق ــد وصف ــوا أس ــلوبي ف ــي الرس ــم‬ ‫بالمتميـــز ‪.‬‬ ‫و عل ــى الرغ ــم م ــن ش ــهرتي ف ــي الوس ــط الثقاف ــي‬ ‫ُ‬ ‫حظيـــت بـــه فـــإن طموحـــي‬ ‫و االعجـــاب الـــذي‬ ‫كان منصبـــاً علـــى تطويـــر قدراتـــي الفنيـــة فـــي‬ ‫اكم ــال دراس ــتي خ ــارج الع ــراق م ــن دون التفكي ــر‬ ‫بالحص ــول عل ــى بعث ــة أو زمال ــة دراس ــية ‪ ،‬النن ــي‬ ‫ف ــي حقيق ــة األم ــر كن ــت أفك ــر بالهج ــرة م ــن دون‬ ‫االلتفــات الــى مــا بعــدي‪ .‬و لكنــي اصدمــت بمــرارة‬ ‫الغربـــة القاســـية ‪.‬‬

‫ـت‪ ،‬كي ــف فك ـ َ‬ ‫ حي ــن اغترب ـ َ‬‫ـرت بنفس ــك فنان ــاً ‪ :‬ه ــل‬ ‫ســتواصل مــا كنـ َ‬ ‫ـت بــه‪ /‬ومنــه بــدأت ؟ أم رأيــت أن‬ ‫تجعــل لعملــك الفنــي بدايــة جديــدة وآفاقــاً أخــرى؟‬

‫ ش ــاكر حس ــن ف ــي ه ــذه الس ــنوات الت ــي تتلم ــذت‬‫فيه ــا علي ــه كان ق ــد ب ــدأ يحف ــر ف ــي اتج ــاه جدي ــد‬ ‫ف ــي الف ــن‪ ،‬يُع ــززه بقك ــر فن ــي نظ ــري م ــا لب ــث أن‬ ‫تبل ــور الع ــام ‪ 1970‬ف ــي «البع ــد الواح ــد»‪ .‬فأي ــن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أنـــت الشـــاب المتطلّـــع‪ ،‬منـــه؟ وهـــل مـــن‬ ‫كنـــت‪،‬‬ ‫تأثي ــرات ل ــه علي ــك‪ ،‬مباش ــرة أو غي ــر مباش ــرة؟‬

‫ـ لقــد تغربــت عــن بلــدي مرتيــن‪ ،‬كانــت االولــى مــن‬ ‫اج ــل اكم ــال دراس ــتي الفني ــة الع ــام ‪ 1976‬عندم ــا‬ ‫غ ــادرت الع ــراق وان ــا ف ــي مس ــتهل حيات ــي الفني ــة ‪،‬‬ ‫حي ــث حمل ــت حقيبت ــي م ــن دون أن اح ــدد جه ــة م ــن‬ ‫العال ــم أقصده ــا وأس ــتقر فيه ــا‪ .‬كان كل هدف ــي ه ــو‬ ‫اكم ــال دراس ــتي ومواصل ــة العم ــل بامكانات ــي الفني ــة‬ ‫‪ ،‬متحم ـ ً‬ ‫ـا ع ــبء نفق ــات دراس ــتي و معيش ــتي الن ــي‬ ‫لس ــت طال ــب بعث ــة‪.‬‬

‫ســـؤال فـــي غايـــة األهميـــة‪ .‬كان ذلـــك فـــي بدايـــة‬ ‫‪17‬‬


‫ومـــن بعـــد رحلـــة مـــن بغـــداد الـــى المانيـــا‪ ،‬ومـــن ثـــم الـــى الدنمـــارك‬ ‫فالس ــويد و صل ــت فرنس ــا ‪ ،‬فوج ــدت ضالت ــي حي ــث الدراس ــة المجاني ــة‬ ‫فأنضويـــت طالبـــا فـــي ( البـــوزار ) المدرســـة الوطنيـــة العليـــا‬ ‫للفنـــون الجميلـــة فـــي باريـــس التـــي أمضيـــت فيهـــا خمـــس‬ ‫ســـنوات لنيـــل الدبلـــوم العالـــي‪ ،‬ومـــن ثـــم أكملـــت‬ ‫الماجســـتير وحصلـــت علـــى الدكتـــوراه مـــن‬ ‫جامعـــة الســـوربون‪ ،‬وكان بحثـــي االكاديمـــي‬ ‫منس ــجماً م ــع بحث ــي الفن ــي ‪ ،‬فق ــد انج ــزت‬ ‫معرضي ــن ش ــخصيين وش ــاركت بع ــدة‬ ‫معـــارض عالميـــة فـــي باريـــس‪ .‬ومـــن‬ ‫بعـــد انتهـــاء الحـــرب العراقيـــة ـ االيرانيـــة‬ ‫ش ــعرت بحني ــن ع ــارم و ش ــوق ج ــارف للع ــراق‬ ‫و ق ــررت وض ــع ح ــد لغربت ــي فع ــدت للوط ــن الع ــام‬ ‫‪ .1989‬و المــرة الثانيــة التــي تغربــت فيهــا كانــت هجــرة‬ ‫اجباريــة النــي مــن بعــد عودتــي الــى العــراق كنــت قــد هيــأت‬ ‫لنفس ــي محترف ــاً ف ــي بيت ــي‪ ،‬وب ــدأت أتخل ــص م ــن القي ــود االكاديمي ــة‬ ‫الت ــي فرضته ــا عل ــي ش ــروط الدراس ــة الصارم ــة ف ــي باري ــس‪ ،‬متطلع ــاً‬ ‫نح ــو حري ــة رحب ــة ف ــي معالج ــة تقني ــات س ــطوح العم ــل الفن ــي للتعبي ــر‬ ‫ع ــن القي ــم الجمالي ــة للموض ــوع و الت ــي تجل ــت ف ــي معرض ــي الش ــخصي‬ ‫الراب ــع عل ــى قاع ــة ح ــوار ببغ ــداد العــام ‪ .1996‬وقــد شــكل ل ــي طف ــرة‬ ‫نوعي ــة ف ــي الش ــكل و المضم ــون ـ كم ــا رأى النق ــاد و الجمه ــور‪.‬‬ ‫ولكـــن ظـــروف الحصـــار و الوضـــع السياســـي المرعـــب و‬ ‫المخي ــف‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ـا عل ــى منع ــي م ــن الس ــفر باعتب ــاري‬ ‫أح ــد الكف ــاءات آن ــذاك م ــا جعلن ــي أفك ــر باله ــرب‪،‬‬ ‫وكان ذلـــك العـــام ‪ ،1997‬فحملـــت بعضـــي‬ ‫علــى بعضــي ألعيــش الغربــة مــن جديــد‬ ‫بعي ــداً ع ــن بل ــدي الع ــراق ‪ ،‬ولك ــن ف ــي‬ ‫هـــذه المـــرة كان هاجســـي العمـــل كفنـــان‪ .‬و‬ ‫ق ــررت ان أواص ــل م ــا كن ــت ب ــه ق ــد ب ــدأت‪ ،‬و‬ ‫لكـــن نحـــو افـــاق جديـــدة و رؤى أخـــرى فوضعـــت‬ ‫االولويـــة فـــي عملـــي الفنـــي لتجســـيد معانـــاة االنســـان‬ ‫العراقـــي و محنتـــه ‪ ..‬ففتحـــت عليـــه نوافـــذ غربتـــي حيـــث‬ ‫أقم ــت س ــبعة مع ــارض ش ــخصية جدي ــدة كان أخره ــا معرض ــي‬ ‫الثانـــي عشـــر فـــي تونـــس العاصمـــة العـــام ‪.2014‬‬ ‫‪18‬‬


‫‪ -‬وما الذي حصل معك على هذا الصعيد؟‬

‫ديالك ــروا و روبن ــز و الواقعي ــة الروس ــية ف ــي اعم ــال‬ ‫ماالفيت ــش و بيرل ــوف ومايس ــنكا‪ ،‬و لكن ــي ف ــي الوق ــت‬ ‫نفس ــه كن ــت اح ــاول التق ــرب منه ــا ع ــن كث ــب لمعرف ــة‬ ‫قوانيـــن الحداثـــة فـــي اســـاليب الفنانيـــن المعاصريـــن‬ ‫الكبـــار مثـــل بيكاســـو و بـــراك‪ ،‬ثـــم التجريديـــة عنـــد‬ ‫بولنس ــكي و بول ــوك ‪.‬‬

‫ـ ف ــي أعمال ــي الت ــي أنجزته ــا كان ــت ص ــورة بل ــدي‬ ‫الع ــراق ال تغي ــب م ــن ذاكرت ــي ‪ ،‬فأظه ــرت أعمال ــي‬ ‫شـــعوراً دراميـــاً لإلحـــداث المتســـارعة و حـــاالت‬ ‫الخـــراب والدمـــار و االنفجـــارات ‪ ،‬حيـــث زاد‬ ‫اهتمامـــي بمعالجـــات الشـــكل الفنـــي و بنائـــه وحتـــى‬ ‫حركت ــه فاس ــتخدمت خام ــات و م ــواد و الوان ــاً جدي ــدة‬ ‫علـــى ســـطح اللوحـــة التصويـــري العبـــر عـــن قيـــم‬ ‫الموضـــوع الجماليـــة و الوظيفيـــة وبالتالـــي رســـخت‬ ‫منهجـــي وأســـلوبي وشـــخصيتي الفنيـــة المتميـــزة‬ ‫ً‬ ‫اعمـــاال بقياســـات كبيـــرة مســـتفيدا مـــن‬ ‫فأنتجـــت‬ ‫فضـــاء مشـــغلي الواســـع فـــي مســـقط‪ ،‬حيـــث أقيـــم‬ ‫اليـــوم و حيـــث االمـــن و االمـــان ‪.‬‬

‫ كيــف كان اللقــاء‪ ،‬لقــاؤك‪ ،‬بهــذا «الخــارج»؟ وعلــى‬‫أي نحــو اســتوعبته؟ هــل شــكل لــك صدمــة مــن نــوع‬ ‫مــا؟ وهــل توافقــت معــه‪ ،‬أم بقيتمــا علــى مســافة؟‬ ‫ـ كان تفكيــري منصبــاً علــى طبيعــة الحيــاة الفرنســية و‬ ‫البح ــث ع ــن وس ــيلة للنف ــاذ ال ــى الوس ــط الفن ــي و تقدي ــم‬ ‫نفســـي فنانـــاً‪ .‬وعندمـــا بـــدأت دراســـتي فـــي مدرســـة‬ ‫الفـــن ( البـــوزار ) وجـــدت نفســـي بيـــن ذلـــك الوســـط‬ ‫حيـــث الغالريهـــات و صـــاالت العـــرض التـــي تحيـــط‬ ‫بمبنـــى البـــوزار أســـاتذة فـــن و فنانـــون و طلبـــة مـــن‬ ‫مختلـــف الجنســـيات ‪ ..‬و لكنـــه عالـــم معقـــد تتجاذبـــه‬ ‫العنصري ــة ‪ ..‬عال ــم واس ــع و مغل ــق و كان ــت صدمت ــي‬ ‫كبيـــرة بالحيـــاة االقتصاديـــة‪ .‬فالحيـــاة فـــي باريـــس‬ ‫مكلفـــة‪ ،‬والمعيشـــة و الســـكن لطالـــب مثلـــي دون‬ ‫م ــورد مال ــي صع ــب للغاي ــة‪ .‬ولكن ــي تدب ــرت أم ــري‬ ‫بالعم ــل عل ــى رس ــم البورتري ــة بأج ــر زهي ــد ف ــي ح ــي‬ ‫المومـــارت ايـــام عطلـــة االســـبوع‪ ،‬ولكنـــي اهتممـــت‬

‫* ي ــوم فك ـ َ‬ ‫ـرت ف ــي الدراس ــة ف ــي الخ ــارج‪ ،‬م ــاذا كان‬ ‫ي ــدور ف ــي ذهن ــك ع ــن ذل ــك «الخ ــارج»؟‬ ‫اتيحـــت لـــي فرصـــة الســـفر الـــى (جيكوســـلوفاكيا)‬ ‫العــام ‪ 1970‬فــي دورة تدريبيــة فــي رســوم االطفــال‬ ‫م ــع و ف ــد م ــن وزارة الثقاف ــة واالع ــام‪ .‬لق ــد أثارن ــي‬ ‫مـــا شـــاهدته هنـــاك مـــن تطـــور وانفتـــاح ‪ ،‬مضافـــاً‬ ‫إليـــه الصـــور الجميلـــة التـــي رســـمها فـــي ذهنـــي‬ ‫اس ــاتذتي للحي ــاة الفني ــة ف ــي اورب ــا و تش ــجيعهم ل ــي‬ ‫علـــى اكمـــال دراســـتي خـــارج العـــراق ‪ ،‬وكانـــت‬ ‫الظ ــروف تس ــمح لن ــا بالس ــفر ب ــدون قي ــود‪ ،‬و كان ــت‬ ‫الـــدول االوربيـــة تســـتقبل العراقـــي بـــكل احتـــرام و‬ ‫تقدي ــر‬ ‫ ه ــل كن ـ َ‬‫ـت ُتفك ــر بفناني ــن محددي ــن‪ ،‬أم باتجاه ــات‬ ‫فني ــة تري ــد لعمل ــك الفن ــي أن يتماه ــى م ــع م ــا له ــا‬ ‫م ــن منج ــز ف ــي الف ــن؟‬ ‫ـ كن ــت مولع ــاً بالف ــن األكاديم ــي‪ ،‬معجب ــاً بأعمـــال‬ ‫‪19‬‬


‫ـ انـــا ال اصنـــف نفســـي ضمـــن اتجـــاه محـــدد أو‬ ‫أســـلوب معيـــن‪ ،‬و ال حتـــى علـــى مدرســـة فنيـــة‬ ‫بذاته ــا ‪ ،‬و لك ــن ف ــي االط ــار الع ــام أعم ــل ضم ــن‬ ‫مفاهيـــم الدمـــج بيـــن الواقعيـــه و التجريديـــة كمـــا‬ ‫أوظــف كثيــراً مــن الرمــوز و الشــفرات و األشــكال‬ ‫المتأصل ــة ف ــي ال ِق ــدم الحض ــاري لتخ ــدم الموض ــوع‬ ‫بأســـلوب خـــاص يخـــدم التكويـــن داخـــل اللوحـــة‬ ‫مراعيـــاً ذوق المتلقـــي فـــي التـــوازن و االنســـجام‬ ‫و التناغـــم ألن اللوحـــة عنـــدي هـــي عبـــارة عـــن‬ ‫رســـالة انســـانية و هـــدف ســـامي ‪.‬‬ ‫أعتبـــر نفســـي واحـــداً مـــن الفنانيـــن الذيـــن ثبتـــوا‬ ‫بصمـ ً‬ ‫ـة فنيــة ورؤيــا فنيــة عاليــة المعاييــر للوصــول‬ ‫الــى القيــم الفنيــة والتاريخيــة ‪ ،‬و فــي مجمــل اعمالــي‬ ‫أرس ــم م ــا اح ــس ب ــه و م ــا يعترين ــي م ــن مش ــاعر‬ ‫تج ــاه ش ــعبي و وطن ــي و م ــا يتع ــرض ل ــه االنس ــان‬ ‫فـــي كل مـــكان ضمـــن ثيمـــة مفهـــوم االغتـــراب‪،‬‬ ‫ولكـــن برمزيـــة عاليـــة البـــروز والتمحـــور ومـــا‬ ‫يعتم ــر م ــن كش ــف وإزاح ــة عل ــى مس ــتوى الش ــكل‬ ‫والجوهـــر‪ ..‬و فـــي نوافـــذ االغتـــراب و المنافـــي‬ ‫التـــي أطـــل مـــن خاللهـــا علـــى العالـــم أرى بلـــدي‬ ‫تنهش ــه الذئ ــاب و حال ــة الخ ــراب و تطحن ــه ماكين ــة‬ ‫الم ــوت الجماع ــي‪ ،‬فكن ــت أنتق ــي ادوات ــي و م ــوادي‬ ‫التـــي تخـــدم أســـلوبي الخـــاص علـــى اســـاس‬ ‫االس ــتنادات االدائي ــة المتقن ــة وبمه ــارة عالي ــة ف ــي‬ ‫غم ــار ومخ ــاض واقعيت ــي االكاديمي ــة الس ــابقة ف ــي‬ ‫االنشـــاء المتنـــوع للبنـــاءات التكوينيـــة وبنســـب‬ ‫ومقايي ــس موزون ــة ومنس ــجمة ف ــي لوحات ــي بش ــكل‬ ‫ع ــام‪.‬‬

‫بدراس ــتي العملي ــة و باللغ ــة الفرنس ــية ‪ ،‬لق ــد س ــبقني‬ ‫للدراســة فــي فرنســا اســاتذتي الكبــار‪ :‬جــواد ســليم‪،‬‬ ‫و فاي ــق حس ــن‪ ،‬وصال ــح القرقول ــي‪ ،‬وش ــاكر حس ــن‬ ‫آل س ــعيد‪ ،‬ونزيه ــه س ــليم‪،‬وجميل حم ــودي و محم ــد‬ ‫الحس ــني‪،‬و كل و اح ــد منه ــم ل ــه حكاي ــة‪ ،‬و لكن ــي‬ ‫لألس ــف بحث ــت كثي ــراً فل ــم أج ــد له ــم أث ــراً ف ــي كل‬ ‫فرنس ــا‪ ،‬عل ــى الرغ ــم م ــن أن الحي ــاة ف ــي زمنه ــم‬ ‫كانـــت بســـيطة‪ ،‬و الحـــركات الفنيـــة المعاصـــرة‬ ‫كان ــت ف ــي بداياته ــا ‪.‬‬ ‫ واليوم أين تجد نفسك‪ ،‬فناناً وانساناً؟‬‫ـ اجــد نفســي اليــوم واحــداً مــن الفنانيــن المحترفيــن‬ ‫الذي ــن يش ــتغلون باالب ــداع ‪ ،‬متفرغ ــاً لفن ــي وعالم ــي‬ ‫الخ ــاص‪ ،‬حريص ــاً عل ــى التعبي ــر ع ــن دواخل ــي ‪،‬‬ ‫معب ــراً ع ــن أوج ــاع الغرب ــة وعذاباته ــا الالمرئي ــة‪،‬‬ ‫مـــدركاً كذلـــك أهميـــة الحفـــاظ علـــى خصائـــص‬ ‫الهوي ــة المعاص ــرة والمرجعي ــات المتنوع ــة ومنه ــا‬ ‫مرمـــوزات التـــراث التـــي وظفتهـــا بمـــا يخـــدم‬ ‫مدلولهـــا الهـــادف ‪ ،‬متجنبـــاً االقتحامـــات القســـرية‬ ‫غي ــر المنس ــجمة ف ــي تركيبه ــا ‪ .‬و اآلن أن ــا بص ــدد‬ ‫جمــع أعمالــي و مــا كتــب عنهــا فــي كتــاب خــاص‬ ‫كمـــا اخطـــط القامـــة معـــرض متجـــول ألعمالـــي‬ ‫ف ــي اورب ــا و امي ــركا ‪.‬‬ ‫ ل ــو ع ـ َ‬‫ـدت ال ــى وطن ــك‪ ،‬فم ــاذا س ــتعني الع ــودة‬ ‫لـــك؟ وأي مســـار ســـتتخذ فـــي عملـــك؟‬ ‫ـ ل ــو ق ــدرت ل ــي الع ــودة النهائي ــة لوطن ــي الع ــراق‬ ‫س ــتعني ل ــي ع ــودة االس ــير المرته ــن ال ــى حبيبت ــه‬ ‫و ســـأعمل علـــى جمـــع شـــتاتي و انشـــاء مدرســـة‬ ‫للف ــن ف ــي بغ ــداد ‪.‬‬

‫ دعنــي أنقــل إليــك انطباعــاً شــخصياً‪ ،‬وأنــا الــذي‬‫عرفت ــك طالب ــاً ت ــدرس الف ــن ف ــي أكاديمي ــة الفن ــون‬ ‫الجميلـــة فـــي ســـبعينات القـــرن الماضـــي‪ :‬إننـــي‬ ‫أج ــدك تعي ــش ب ــروح الئب ــة‪ ،‬تتنق ــل ف ــي الم ــكان‪،‬‬ ‫وتحم ــل م ــن الزم ــان هموم ــاً بينه ــا‬

‫ كي ــف ُت ّ‬‫صن ــف عمل ــك الفن ــي الي ــوم؟ م ــا فلس ــفتك‬ ‫في ــه؟‬ ‫‪20‬‬


‫أن يج ــري تغيي ــر ف ــي الوض ــع السياس ــي ‪ ،‬حلم ــي‬ ‫الجميـــل ان ارجـــع الـــى وظيفتـــي فـــي الجامعـــة‬ ‫لتدريـــس الفـــن وأســـاهم بخبراتـــي الكبيـــرة و‬ ‫المه ــدورة خ ــارج الع ــراق ‪ ...‬و لك ــن لألس ــف م ــا‬ ‫ج ــدوى ان تح ــرق دم ــك وتفق ــد بصي ــص نظ ــرك‬ ‫وتســـهر الليـــل والنهـــار متوهمـــاً أن هنـــاك افقـــاً‬ ‫جدي ــداً‪ ،‬بينم ــا دخ ــان الحرائ ــق وص ــراخ الموت ــى‬ ‫والجرحـــى فـــي االرض الحـــرام يحتـــل المســـافة‬ ‫بي ــن الي ــأس واألم ــل ! ؟ لك ــن ه ــذا الحل ــم تب ــدد‪،‬‬ ‫ألن ألـــف ظالـــم وشـــهادة مـــزورة خرجـــوا مـــن‬ ‫جحـــور شـــتى ‪ ،‬و انتهـــى حتـــى حلـــم العـــوده‬ ‫للوطـــن!‬ ‫‪ -‬وكيف ينعكس هذا في عملك الفني؟‬

‫الصغي ــر والكبي ــر‪ .‬تقط ــن ف ــي بل ــد غي ــر بل ــدك‪،‬‬ ‫ولكنـــك تواصـــل اطفـــاء الحنيـــن بزيـــارات‬ ‫متعاقبـــة‪ .‬حدثنـــي عـــن هـــذا كلـــه‪.‬‬

‫ـ أعمال ــي ه ــي بعناوينه ــا الت ــي تحك ــي ‪ :‬ي ــوم دام‬ ‫جديـــد ‪ ،‬انفجـــار (‪ ، )1‬انفجـــار( ‪ ،) 2‬االجتيـــاح‬ ‫‪ ،‬المصيـــر ‪ ،‬االحتـــال ‪ ،‬ارهـــاب ‪ ،‬االنتهـــاك ‪،‬‬ ‫بغـــداد تحتـــرق ‪ ،‬الرهينـــة ‪ ،‬تشـــظي ‪ ،‬انشـــطار‪،‬‬ ‫س ــقوط‪ ،‬ع ــودة المطع ــون ‪ ،‬ع ــودة الفن ــان ‪...‬و‪...‬‬ ‫وال يب ــدو أن هن ــاك أم ـ ً‬ ‫ـا به ــذه الع ــودة ‪.‬‬

‫ـ إنـــي أعشـــق بلـــدي العـــراق بجنـــون‪ ،‬ومـــا‬ ‫جـــرى معـــي ال يعرفـــه إال المقربـــون‪ ،‬وأن‬ ‫قص ــة هجرت ــي كبي ــرة ال يس ــتوعبها ه ــذا اللق ــاء‬ ‫وتحتـــاج الـــى ســـرد فـــي تفاصيلهـــا‪ .‬والحقيقـــة‬ ‫أنـــي غـــادرت الوطـــن مجبـــراً ال مخيـــراً‪ ،‬و إال‬ ‫كي ــف تفس ــر رجوع ــي م ــن فرنس ــا الع ــام ‪1989‬‬ ‫بعــد أن أمضيــت فيهــا مــا يقــارب األربعــة عشــر‬ ‫عامـــاً‪ ،‬وفيهـــا ولـــد ابنائـــي ونشـــأوا وتطبعـــوا‬ ‫عل ــى الحي ــاة الباريس ــية‪ ،‬ف ــي الوق ــت نفس ــه كان‬ ‫العراقيـــون يهاجـــرون زرافـــات نتيجـــة الوضـــع‬ ‫السياســي و االقتصــادي المتــأزم ‪ ..‬لقــد امضيــت‬ ‫فــي بغــداد ثمانــي ســنوات عجــاف ‪ ،‬مــررت فيهــا‬ ‫بأصع ــب الظ ــروف نتيج ــة عوام ــل كثي ــرة منه ــا‬ ‫الحص ــار ال ــذي م ــرّ عل ــى البل ــد ‪ ،‬عنده ــا ق ــررت‬ ‫الرحي ــل و ت ــرك الع ــراق م ــرة أخ ــرى مجب ــراً ال‬ ‫مخيـــراً‪ .‬كنـــت أحلـــم بالعـــودة للوطـــن وبمجـــرد‬ ‫‪21‬‬


‫مـا الـذي أراد الفنـان إسـماعيل فتـاح ـ فـي هـذه التخطيطـات‪ ،‬المنفـذة‬ ‫بعفويـة ـ أن يبـوح بـه‪ ،...‬باألحـرى مـا الذي اسـتحال عليه كتمانـه‪ ،‬إن لم‬ ‫اقـل‪ :‬مـا الـذي كتمه‪...‬؟‬ ‫هـا أنـا أدوّن بالعوامـل ذاتهـا التـي سـمحت للفنـان بالتعبيـر عمـا كان‬ ‫يختلـج فـي أعماقـه‪ ،‬ومـا كان يعانيـه‪ ،...‬ليـس كـذات حسـب‪ ،‬بـل لتاريـخ‬ ‫تمتـد ظلماتـه إلـى قـرون بعيـدة‪ ،...‬أعـود أدوّن لشـعوري بـان النهايات لم‬ ‫تعـد محكومـة بمقدماتهـا‪ ،‬بـل بمـا تذهـب ابعـد مـن ذلك!‬ ‫فلغز (العمل) ـ أو الحرية بوصفها تنمية ‪ ،‬أو الزمن الذي يسـتحق أن‬ ‫ال يكـون فائضـاً وضائعـاً ـ لـم تعد معالجته بالكلمات تناسـب الزمن الذي‬ ‫مـازال يعمـل بعنـاد علـى هـدم كل ما كان بحكـم الخراب ـ واألثـر‪ ،...‬هذا‬ ‫إذا كان (الفـن) باسـتطاعته أن يدخـل فـي نظـام العمـل ـ اإلنتـاج ـ وليـس‬ ‫أن يكـون جـزءاً مـن االسـتهالك‪ ،‬واالندثـار‪ ،...‬فببسـاطة‪ ،‬ومنـذ ألـف‬ ‫عـام‪ ،‬لـم نعـد نمتلـك براعـة اختـراع واحـدة تقـارن بأكثر من ألـف براعة‬ ‫اختـراع أنجزتهـا عالـم واحـد عظيـم مثـل ادسـون!‪ ،‬ذلـك ألن العمـل‪ ،‬أي‬ ‫عمـل يتوخـى اإلضافـة والتحرر من آليات االقتصـاد البري ـ البدائي‪ ،‬يعد‬ ‫فريـة‪ ،‬بدعـة‪ ،‬تهمـة‪ ،‬شـبهة‪ ،‬ليصبـح‪ :‬ذنبـاً أو إثمـاً ال يفلت مـن العقاب‪.‬‬ ‫وألن ثمـة ديناميـة طالمـا صاغـت من إسـماعيل فتاح قـوة متدفقة‪ ،‬فانه‪،‬‬ ‫حتـى فـي لحظـات االسـتمتاع‪ ،‬أو االسـترخاء‪ ،‬واالسـتراحة ‪ ،‬أن يفكـر‬ ‫بتخطـي حـدوده‪ ،‬وان ال يـدع الزمـن يأخـذ طريقـه إلى األفـول‪ ،‬والغياب‪.‬‬ ‫كانـت ثيمـة (المـوت ـ الحـب) ترجـع إلـى زمـن أقـدم‪ ،‬مـن زمـن تنفيـذ‬ ‫هـذه التخطيطـات ‪ ،1985‬ولكنهـا لـم تتبلور لديـه‪ ،‬بإرباكاتهـا‪ ،‬وجدليتها‪،‬‬ ‫وبملغزاتهـا‪ ،‬إال عندمـا اشـتدت عليـه العزلـة‪ ،‬والوحـدة‪ ،‬فـي أواسـط‬ ‫ثمانينيـات القـرن الماضـي‪ ،‬إحساسـه الدائـم باسـتحالة اإلمسـاك بمـا كنـا‬ ‫نـراه يـ ّدب نحـو نهايتـه‪ :‬الخـراب ـ والصمـت‪.‬‬ ‫وعلـى الرغـم مـن أن فـن النحـت يقـاوم (الهشاشـة) ويعمـل علـى منـح‬ ‫ً‬ ‫معـادال مـع الكتلـة‪ ،‬إال أن ثمـة لغزاً ال يكمـن في الزمن ـ كحركة‬ ‫الفـراغ‬ ‫ـ بـل كجوهـر‪ :‬ذلـك الـذي يعمـل على التفكيـك ـ والتفتيت‪.‬‬ ‫وباعترافـه لـي ـ بعـد أن كنـت أوقـدت فيـه معضلـة (إنانـا) بوصفهـا‬ ‫سـيدة األقـدار‪ :‬المـوت ـ والحـب ـ انـه ال يسـتطيع فصـل الحديـن عـن‬ ‫بعضهمـا مـن غيـر شـعور بتحـول العالـم إلـى فـراغ بلا حافـات‪ .‬فانانـا‪،‬‬ ‫بالسـومري‪ ،‬تعنـي (الحيـاة)‪ ،‬حاملـة معنـى (حـواء) فـي أسـاطير الخلـق‬ ‫‪22‬‬


‫الهـواء ـ أو الفـراغ‪ .‬فالمجرشـة ال تطحـن شـيئاً ـ كمـا‬ ‫كانـت الحيـاة تطحـن ضحاياهـا‪.‬‬ ‫وقـد تكـون ثمـة أسـباباً أخـرى مجهولـة ـ جينيـة أو‬ ‫أسـرية ـ غيـر التـي أفصـح عنهـا الفنـان كانـت تغـذي‬ ‫إحساسـه بالفـراغ ـ والخديعـة ـ وتنتهي بـه إلى‪ :‬الوهم‪،‬‬ ‫سـمحت لـه مقاومـة االستسلام للهزيمـة‪ ،‬أو الرضـا‬ ‫بالخمول‪.‬‬ ‫فديناميتـه ـ ضـد مشـاعره باسـتحالة حضـور الـذي‬ ‫ال وجـود لـه‪ ،‬إن كان الكامـن فـي لغز البـذرة‪ ،‬أو الذي‬ ‫تمثلـه أسـاطير الخلـق‪ /‬ديموزي‪ ،‬سـمحت لـه أن يتلهى‬ ‫ـ غوايـة ـ بالحيـاة بمعناهـا النسـبي‪ ،‬فبعـد أن عـاش‬ ‫حيـاة طبيعيـة فـي أوربـا ـ ايطاليـا‪ ،‬حلـم أن يسـتكملها‬ ‫فـي بغـداد‪ ،‬فاصطحـب معـه فنانـة مرهفـة موهوبـة‬ ‫لتشـاركه مشـروعه الفنـي‪ .‬لكـن تجاورهمـا لـم يـدم‬ ‫ً‬ ‫طويلا ‪ ،...‬لتعـود الفجـوة تتسـع وتعمـل عملهـا‪،...‬‬ ‫وهـي ذاتهـا القائمة بين النسـاء والرجال‪ ،‬كأحد أشـكال‬ ‫المجتمعـات التـي لـم تجـد فرصـة لمغـادرة اقتصادهـا‬ ‫البـري ـ البدائـي‪.‬‬ ‫كان إحساسـه بالعزلـة محفـزاً لـه الجتياز موضوع‬ ‫ً‬ ‫متمثلا بعـدد كبيـر مـن تجاربـه في‬ ‫(المـوت ـ الحـب)‬ ‫النحـت‪ ،‬وفـي الرسـم‪ ،...‬إلـى توكيد ـ يبلغ حـد التكرار‬

‫العراقيـة القديمـة‪ ،‬فهـي لـم تدفـن حبيبها‪ ،‬بعـد أن دفنته‬ ‫فـي ظلمـات العالـم السـفلي‪ ،‬بـل سـتعمل علـى إنقـاذه‪،‬‬ ‫وبعثـه مجـدداً إلـى الحيـاة‪.‬‬ ‫عمليـاً ‪ ،‬البـذرة إن تُدفـن‪ ،‬لـن تنبـت‪ .‬وديمـوزي‪،‬‬ ‫مثـال‪ ،‬عبـر مواسـم الحـزن‪ ،‬والبـكاء عليـه‪ ،‬بانتظـار‬ ‫عودتـه‪ ،‬وبعثـه‪ ،‬عبر الدورات أو الفصول‪ ،‬لم يسـتبعد‬ ‫(القـدر)‪ ،‬بـل يحاذيه‪ ،‬بفعل غوايـات (إنانا) أو (الحياة)‬ ‫أو (حـواء)‪...‬‬ ‫هـل ثمـة عقـدة تـكاد تتجـاوز مـا سيشـكل كراهيـة‬ ‫للعمـل‪ ،‬واإلنتـاج‪ ،‬بل واالبتكار‪ ،‬توازي عالقة الرجال‬ ‫بالنسـاء‪....‬؛ عقـدة تبـدو إنهـا تحولـت إلـى مـرض ال‬ ‫شـفاء منـه إال بديمومـة هـذا المـرض! مكثـت تنتـج‬ ‫مـا كان أعظـم شـعراء العـراق الحديثيـن الملا عبـود‬ ‫الكرخـي قـد لخصـه فـي رائعتـه الفريـدة( المجرشـة)‪،‬‬ ‫ومعناهـا غيـر ملتبـس‪ ،‬وغيـر مشـفر‪ ،‬مـع انـه موجـه‬ ‫ضـد الواقـع االجتماعـي ـ السياسـي‪ ،‬لكنـه يضعنـا ـ‬ ‫وجهـا لوجـه ـ إزاء‪ :‬انانـا ـ الدنيـا ـ برمتهـا‪.‬‬ ‫لـم يكـن إسـماعيل فتـاح قـد أقـام معرضـه (رجـال‬ ‫ونسـاء) إال بعـد عقـد ‪ ،...‬ولكنـه طالمـا شـعر بـان‬ ‫الفجـوة ـ التـي تبلـغ أحيانـاً حـد الفجيعـة ـ مازالـت‬ ‫فعالـة‪ ،‬بمـا كانـت مجرشـة الكرخـي تعنيـه وتقصـده‪:‬‬

‫‪23‬‬


‫لموضوع الرجال ـ النساء‪.‬‬ ‫فـي ذلـك المسـاء (‪ ،)1985/5/14‬كاأليـام‬ ‫التـي كان إسـماعيل فتـاح محورهـا‪ ،‬فـي جمعية‬ ‫الفنانيـن التشـكيلين العراقييـن‪ ،‬وال أتذكـر إننـي‬ ‫أنـا مـن طلـب منـه أن يخطـط‪ ،‬بـل أتذكـر انـه‬ ‫هـو مـن سـحب األوراق منـي عنـوة‪ ،...‬وراح‬ ‫يخطـط‪ ،‬بانفعـال مشـوب بالقلـق‪ ،‬والتوهـج‪ ،‬فقد‬ ‫كان منتشـياً بثمالـة طائـر يرقص بعد الذبح! فلم‬ ‫يكـن موضـوع المـوت قـد احكـم انغالقـه عليـه‪،‬‬ ‫بـل وجـد انـه يحـوّم فـي مـكان آخـر‪ ...‬هـو ‪...‬‬ ‫الجسد‪.‬‬ ‫كان يحدثنـي عـن حلـم لـم يفارقـه ـ قبل رحيل‬ ‫ليـزا زوجتـه وبعـد رحيلهـا ـ بإقامـة عالقـة مـع‬ ‫امـرأة عراقيـة‪...‬؛ كأنـه كان يرغـب أن يحفـر‬ ‫في أسـطورة (انانا) نفسـها‪ ،‬بالعـودة إلى‪ :‬الطين‬ ‫ـ مـادة الخلـق األولـى ‪ ،...‬وإعـادة تمثـل آليـات‬

‫سـر دفـن البـذرة‪ ،...‬للعثور على أمل‪ ،...‬مـا‪ ،...‬ألن المرأة لن‬ ‫تصبـح مشـروعاً‬ ‫ً‬ ‫مكتملا إال باآلخـر‪ ،‬ممـا يسـتدعي ابتكارات‬ ‫لـردم المسـافة ـ وفراغاتهـا ـ بينهمـا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فـي تلـك الجلسـة ـ وقـد أرخهـا الفنـان ووقعهـا أيضـا ـ بـاح‬ ‫بـكل مـا كان يمثـل عذابـاً حقيقيـاً يعيشـه‪ ،‬وال يفصـح عنـه‬ ‫بالكلمـات‪ ،...‬فتـرك أصابعـه تفصـح عـن قلـب وحيـد‪ ،...‬وعن‬ ‫ذات مقيـ ّدة‪ ،‬وعـن صـراع غيـر قابـل للخمـول أو التسـوية‪...‬‬ ‫ولـم يكـن الفنـان يجهـل التاريـخ الكبيـر المعـروف‪ ،‬لمثـل هذه‬ ‫الموضوعات‪ ،‬ومعالجاتها‪ ،‬وهي ترجع إلى المعابد السـومرية‪،‬‬ ‫والهنديـة‪ ،‬ومتوفـرة فـي تجارب أقدم‪ ،‬ترجـع إلى اآللهة األم‪،...‬‬ ‫ومـا كان ينفـذ كتعويـذات‪ ،‬وتعاليـم سـحرية‪ ،‬وطبيـة‪ ،‬كمـا إن‬ ‫العديـد مـن المتاحـف الكبـرى‪ ،‬تضـم مجموعـات فنيـة نـادرة‬ ‫تتنـاول تصويـر األعضـاء‪ ،‬والوضعيات الخاصة بالممارسـات‬ ‫الجنسـية‪ ،‬خـارج األعـراف‪ ،‬والرقابة‪ ،‬والمحرمـات‪ ،...‬فاألنثى‬ ‫ليسـت جسـداً يسـعى لـه الذكر‪ ،‬ضمن ممارسـة الكائنـات الحية‬ ‫بلا اسـتثناء‪ ،‬مـن اجـل اإلخصـاب أو االسـتمتاع‪ ،‬بـل هـي أقدم‬ ‫عالمـة حملـت مفهـوم‪ :‬الخلـق ـ اإلنتـاج‪ .‬إنها (حـواء) بوصفها‪:‬‬ ‫المولـ ّدة‪ .‬ولكـن حـواء مـن غيـر اآلخـر ـ وبعيـداً عـن مفاهيـم‬ ‫الخطيئـة وتأويالتهـا ـ لـن تسـتكمل مشـروع الحيـاة برمتهـا‪ ،‬إال‬ ‫بوصفهـا حاملـة لبـذرة الحياة وديمومتها‪ :‬موتهـا الذي ال يموت!‬ ‫علـى إن إسـماعيل فتـاح‪ ،‬بالسـرعة التـي نفذ فيهـا تخطيطاته‪،‬‬ ‫ومـن غيـر نموذج(موديـل‪ /‬جسـد‪ /‬أو حركـة)‪ ،‬لـم يكـن منـح‬ ‫مخيلتـه نشـاطاً ابعـد‪ ،‬بـل تركـه طليقـاً يعمـل ولكـن بحـدود‬ ‫الرغبـة ـ الكامنـة‪ ،‬وقـد تسـترت باالنفعـال‪ ،‬ليغـوص فـي أكثـر‬ ‫ً‬ ‫مجهـوال ‪ :‬تقويض الرغبـة‪ ،‬هدمها‪ ،‬لبعثها‪،‬‬ ‫المناطـق سـرية‪ ،‬أو‬ ‫ومنحهـا المجـال التعبيـري‪ ،‬أي الفنـي‪.‬‬ ‫فإسـماعيل فتـاح‪ ،‬كمـا ذكـر لـي‪ ،‬اشـتغل بجعـل احـد أهـم‬ ‫الخصائـص (فنيـة) تكمـن في تشـذيب (الجسـدي) واالنتقال من‬ ‫الفسـلجي‪ ،‬إلـى (الجمالـي)‪ ،‬فانـه ـ هنـا ـ يقـوض هـذا المبـدأ‪،...‬‬ ‫إنمـا لصالـح تعبيريـة تنحـاز إلـى الـذات‪ ،‬كي ال تنغلـق‪ ،‬بل كي‬ ‫تصبـح موضوعـاً ‪ ،‬ومكانـاً لالمتلاء‪ .‬فالـذات احتـوت الحركة‬ ‫لتعيـد خلقهـا بمـا تتضمنه من انفعال‪ ،‬مـن غير تبذير‪ ،‬أو زوائد‪.‬‬ ‫فالتكويـن ال ينسـاب بحريـة‪ ،‬ومـن غيـر شـروط الرهافـة‬ ‫ـ الخبـرة‪ ،‬بـل يلخصهـا‪ ،‬كـي يؤكـد انـه يوجـد أو يصنـع (أثره)‬ ‫بمـا كان قـد غـدا بوحـاً ‪ ،‬همسـاً ‪ ،‬وليـس موقفـاً (أخالقيـاً )‪،‬‬ ‫منافيـاً لألعـراف‪ ،‬والمألـوف‪ .‬فالفنـان طالمـا كان معجبـاً‬ ‫بكتـاب (رجـوع الشـيخ إلـى صبـاه) حتـى لـم يخـف نيتـه بإعادة‬ ‫‪24‬‬


‫كتابتـه بصريـاً ‪ ،‬ألنـه لـم يكـن يـرى فيـه خروجـاً على‬ ‫المسـكوت‪ ،‬أو حتـى درسـاً طبيـاً ‪ ،‬منحـازاً إلـى احـد‬ ‫الـدالالت النفسـية‪ ،‬أو االجتماعيـة‪ ،‬بـل رأى فيـه نسـقاً‬ ‫فنيـاً ‪ ،‬لـم تألفـه مراحـل التدهـور‪ ،‬وقد عمـل عليه كاتب‬ ‫(الرجـوع) ليـس بوصفـه اسـترجاعاً لمكونـات الخيـال‬ ‫بمـداه االجتماعـي ـ النفسـي‪ ،‬بـل بقراءتـه‪ ،‬ووضعه في‬ ‫سـياق إعـادة بنـاءه سـردياً ‪.‬‬ ‫وربمـا وجـد الفنـان (الوعيـه) يؤكـد مـدى انحيـازه‬ ‫لمنـح الفـن ديناميـة تسـمح لـه بالتحـرر مـن صمتـه‪ ،‬أو‬ ‫خجلـه‪ ،‬فيجعـل مـن (التخطيط‪/‬النـص) أبجديـة حروفية‬ ‫أو كتابيـة مزدوجـة بيـن التشـخيص والتجريـد‪ ،...‬حتى‬ ‫إن سالسـة الخطـوط ومرونتهـا‪ ،‬حـد التجريـد‪ ،‬تعيـد‬ ‫للذهـن مكانـة الصـورة فـي تحولهـا نحـو الحـرف‪،‬‬ ‫مثلمـا لـم يكـن الفنـان مولعـاً بالقـراءات النظريـة‪ ،‬إال‬ ‫أن حساسـيته تطلبـت ـ وهـي تذكرنـا بمـا كان يتمتـع به‬ ‫فائـق حسـن مـن فطنـة فـي الرصـد والمراقبـة ـ أن تبلغ‬ ‫ذروتهـا‪ :‬الحفـر فـي الخيـال‪ ،‬بغيـة صياغـة تخطيطـات‬ ‫تسـمح للداخـل أن يكـون مرئيـاً ‪ ،‬وفـي الوقـت ذاتـه‪،‬‬ ‫تحافـظ التخطيطـات علـى بنـاء نظامهـا التعبيـري ـ‬ ‫اللغـوي‪ ،‬غيـر المنفصـل عـن حقلـه الذهنـي‪.‬‬ ‫انـه ـ هنـا ـ تبنـى مـا كان قـد أهملـه‪ :‬القـراءة الذهنية‪،‬‬ ‫ليسـمح لهـا أن تنبنـي بحساسـية‪ ،‬ال تنقصهـا الخبـرة‪،‬‬

‫بـل تتجاوزهـا‪ ،‬نحـو نصـوص غيـر اسـتهالكية‪ ،‬وغير‬ ‫نافعـة‪ ،‬بـل لتبقـى تمتلـك سـريتها ـ الجماليـة‪ ،‬لكـن بفـن‬ ‫ينتمـي إلـى مـا قبـل الحداثـة‪ ،‬والـى مـا بعدهـا أيضـاً‬ ‫‪ .‬فالجـذور المخبـأة لـدى إسـماعيل‪ ،‬لـم تفصلـه عـن‬ ‫عصـر يتكـون بالتصادمـات‪ ،‬لكن ليتوخى بنـاء مغامرة‬ ‫شـبيهة بالتـي تأسسـت فـي عصـر الكهـوف‪ ،‬وفـي عدد‬ ‫مـن المعابـد السـومرية ـ الهنديـة‪ ،،‬وفـق أنظمـة تؤكـد‬ ‫انحيازهـا إلـى آليـات ال تتوفـر إال لـدى مهـارات لـم‬ ‫تقيـد‪ ،‬ولـم تصـر راضخـة للمألـوف‪ ،‬واالعتيـادي‪ ،‬بـل‬ ‫لتحـرره‪ ،‬وتسـمح لـه أن يتكون عبر زمنه المسـتحدث‪،‬‬ ‫وعبـر مـكان ّ‬ ‫متخيـل‪ ،‬أكثـر منـه منحـازاً ألعـراف‬ ‫الواقعيـة‪ ،‬وفرعهـا‪ ،‬كالتعبيريـة‪ ،‬أو الرمزيـة‪.‬‬ ‫اعتـرف بأننـي ـ فـي تلـك الجلسـة ـ لـم احتفظـت‬ ‫إال بهـذا العـدد مـن الرسـومات‪ ،‬لسـوء تقديـر منـي وأنا‬ ‫أتلفهـا‪ ،‬ألجـد مـا تبقى منها‪ ،‬لـدي ّ ‪ ،‬بعد ‪ 30‬عاماً ‪ ،‬توقد‬ ‫الرغبـة ذاتها التي وجدت سـكنها في هـذه التخطيطات‪،‬‬ ‫والتـي نفذهـا الفنان‪ ،‬بتلقائيـة‪ ،‬وعفوية‪ ،‬ولكن باإلفصاح‬ ‫عـن كتمـان اعتقـد انـه ينتظـر مـن يعيـد قراءتـه‪ ،‬فـي‬ ‫تاريـخ مبدعنـا الكبيـر‪ :‬إسـماعيل فتـاح الترك‪.‬‬ ‫*هنـاك تخطيطـات مباشـرة‪ ،‬فاضحـة‪ ،‬يمكـن االطلاع‬ ‫عليهـا لـدى مـن يقتنـي هـذه الوثائـق الفنيـة‪ ،‬علـى نحـو‬ ‫خاص‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫تحسين الزيدي‬

‫أســـتطاع معـــرض الجمعيـــة الســـنوي أن‬ ‫يقـــدم االســـتحقاق الـــذي يجـــب أن يكـــون عليـــه‪،‬‬ ‫إلبـــراز وجـــه الحركـــة الفنيـــة العراقيـــة‪ ،‬عربيـــا‬ ‫ودوليـــاً ‪ ،‬فقـــد بـــرزت ظواهـــر كنـــا قـــد رايناهـــا‬ ‫فـــي المعـــرض الســـابق العـــام الماضـــي ولكنهـــا‬ ‫لـــم تكـــن بهـــذا الوضـــوح‪ ،‬وهنـــا يأتـــي الســـؤال‬ ‫مـــاذا يعنـــي معـــرض الجمعيـــة الســـنوي ؟ هـــل‬ ‫هــو طقــس اعتيــادي وروتينــي‪ ،‬تقــوم بــه الجمعيــة‬ ‫لمزاولــة نشــاط مــن أنشــطتها المعتــادة ؟ أم مجــرد‬ ‫ع ــرض تقلي ــدي دأب ــت علي ــه من ــذ س ــنوات‪ ،‬من ــذ‬ ‫تأسيســـها بيـــد الـــرواد األوائـــل ؟ هـــذه األســـئلة‬

‫وليد البدري‬

‫‪26‬‬


‫وغيرهـــا تضـــع الفنانيـــن التشـــكيليين العراقييـــن‬ ‫أمـــام مســـؤولية المتحقـــق‪ ،‬ويواجهـــون الســـؤال‬ ‫المهـــم‪ ،‬مـــاذا تحقـــق مـــن أنجـــاز أبداعـــي فـــي‬ ‫حركــة التشــكيل العراقــي خــال العــام المنصــرم؟‬ ‫ومـــا هـــو الحـــراك اإلبداعـــي الـــذي أنتـــج علـــى‬ ‫صعيـــد التجديـــد والتحديـــث‪،‬؟ وأيـــن موقـــع‬ ‫الحرك ــة الفني ــة العراقي ــة م ــن التط ــورات الفني ــة‬ ‫العربيـــة والعالميـــة ؟ أذن معـــرض الجمعيـــة‪،‬‬ ‫لي ــس طقس ــاً روتيني ــاً ‪ ،‬وال نش ــاطاً عاب ــراً أنم ــا‬ ‫جـــردت حســـاب تقـــوم بـــه الجمعيـــة‪ ،‬لتظهـــر‬ ‫المتحق ــق م ــن إبداع ــات الفناني ــن العراقيي ــن‪ ،‬عل ــى‬ ‫الرغـــم مـــن الظـــروف الصعبـــة التـــي يواجههـــا‬ ‫الفنانــون العراقيــون‪ ،‬علــى مختلــف األصعــدة‪ ،‬إال‬ ‫أن ه ــذا ال يب ــرر االس ــتحقاقات المفروض ــة عل ــى‬ ‫عاتقهـــم وعلـــى مـــاذا يجـــب أن يقدمـــه الفنانـــون‬ ‫والتـــي اســـتعدوا لهـــا خـــال ممارســـتهم النشـــاط‬ ‫عبـــر ســـنة زمنيـــة‪ ،‬الن الحركـــة التشـــكيلية‬ ‫العراقيـــة‪ ،‬ولـــدت بمخـــاض عســـير‪ ،‬ونمـــت‬ ‫بمخـــاض عســـير‪ ،‬وقدمـــت إبداعهـــا وصاغـــت‬ ‫موقعهـــا الـــذي تنظـــر لـــه الحـــركات التشـــكيلية‬ ‫العربيـــة والعالميـــة‪ ،‬بعيـــن اإلعجـــاب‪ ،‬ووصلـــت‬ ‫إلـــى مـــا وصلـــت إليـــه بفضـــل العزيمـــة‪ ،‬وروح‬ ‫التفانـــي والتضحيـــة‪ ،‬التـــي قادتهـــا األجيـــال منـــذ‬ ‫التأس ــيس وم ــا تاله ــا‪ ،‬وم ــا كان يقوده ــم م ــن ه ــم‬ ‫ثقافــي الــذي جعلهــم والحركــة يواصلــوا المســيرة‬ ‫الت ــي ناضل ــوا م ــن أج ــل الوص ــول إل ــى الموق ــع‬ ‫الـــذي يجـــب إن يحتلـــوه ‪.‬‬ ‫وقـــد ظهـــر بمـــا هـــو مطلـــوب منهـــم‪ ،‬فقـــد كان‬ ‫النت ــاج أعم ــاال غلب ــت عل ــى أكثره ــا روح البح ــث‬ ‫والتجديــد‪ ،‬مــن حيــث الحداثــة والتنــوع‪ ،‬ومــا يبقــى‬ ‫ه ــو الق ــدرة واإلمكاني ــة الت ــي تتف ــاوت بي ــن فن ــان‬

‫ستار لقمان‬

‫سهى الجميلي‬

‫قاسم حمزة‬

‫‪27‬‬


‫زياد غازي‬

‫سالم الدباغ‬

‫وآخـــر فـــي المجـــال اإلبداعـــي‪ ،‬وإذا مـــا نظرنـــا‬ ‫بعي ــن الناق ــد المق ــارن‪ ،‬ف ــان م ــا ظه ــر م ــن انت ــاج‬ ‫عالمـــي خـــال فتـــرة الخمســـين عامـــا االخيـــرة‪،‬‬ ‫مـــن أعمـــال اســـتلهمت مـــن مـــدارس متعـــددة‪،‬‬ ‫وم ــا الحقت ــه م ــن تط ــور عل ــى صعي ــد الخروق ــات‬ ‫والتحدي ــات الت ــي قام ــت به ــا الحرك ــة التش ــكيلية‬ ‫مـــا بعـــد الحـــرب العالميـــة االولـــى‪ ،‬وتمردهـــا‬ ‫عل ــى البن ــاء والتش ــييد االكاديم ــي للوح ــة‪ ،‬س ــنجده‬ ‫ب ــارزاً بوض ــوح ف ــي المع ــروض عل ــى ج ــدران‬ ‫قاعـــة الجمعيـــة‪ ،‬إي أن الفنـــان العراقـــي علـــى‬ ‫الرغ ــم م ــن الظ ــروف الصعب ــة الت ــي اش ــرنا له ــا‪،‬‬ ‫ظ ــل مواكب ــا للتط ــورات التقني ــة‪ ،‬والنصي ــة للف ــن‬ ‫العالمـــي‪ ،‬والحصيلـــة معرضـــاً متميـــزاً فـــي كل‬ ‫المقايي ــس‪ ،‬وحت ــى ف ــي الهن ــات الت ــي الب ــد منه ــا‬ ‫لبعـــض االعمـــال‪ . ،‬والمالحظـــة المهمـــة التـــي‬ ‫تتصـــدر المشـــهد‪ ،‬هـــو هـــذا االندفـــاع الكبيـــر‬ ‫للعديـــد مـــن الفنانيـــن لتقديـــم إعمالهـــم للمعـــرض‬ ‫الســـنوي‪ ،‬التـــي فاقـــت الســـنين الماضيـــة بالعـــدد‬ ‫المتقـــدم‪ ،‬ووضعـــت الهيئـــة اإلداريـــة للجمعيـــة‬

‫سعد الربيعي‬

‫‪28‬‬


‫واللجن ــة المش ــرفة عل ــى المع ــرض بحال ــة إرب ــاك‬ ‫فالقاع ــة مع ــدة الس ــتالم ع ــدد مح ــدود‪ ،‬ال يتج ــاوز‬ ‫اســـتيعابها أكثـــر مـــن ســـبعين او ثمانيـــن لوحـــة‪،‬‬ ‫إذا أردن ــا الع ــرض النظام ــي والرؤي ــة البصري ــة‬ ‫المثاليـــة لإلظهـــار‪ ،‬ولكـــن أمـــام هـــذا االندفـــاع‬ ‫اضطـــرت اللجنـــة المشـــرفة‪ ،‬بقبـــول العـــدد‬ ‫ال ــذي اكتظ ــت ب ــه القاع ــة‪ ،‬ول ــم يك ــن باإلم ــكان‬ ‫إال إن تتخلـــى عـــن إعمـــال مهمـــة لفنانيـــن مـــن‬ ‫األجيـــال المختلفـــة‪ ،‬فقـــد تـــم عـــرض واحـــد‬ ‫ً‬ ‫عمـــا زيـــادة عـــن العـــام الماضـــي‪،‬‬ ‫وعشـــرين‬ ‫إذا علمنـــا أن المعـــروض العـــام الماضـــي ‪154‬‬ ‫وتـــم عـــرض ‪ 175‬هـــذه الســـنة‪ ،‬وإذا عرفنـــا أن‬ ‫الع ــرض ف ــي الع ــام الماض ــي كان مكتظ ــا ولي ــس‬ ‫بالشـــكل النظامـــي للعـــرض‪ ،‬كمـــا هـــو فـــي‬ ‫القاع ــات العالمي ــة‪ ،‬س ــيكون الع ــرض له ــذه الس ــنة‬ ‫أكث ــر اكتظاظ ــا‪ ،‬وه ــو م ــا دع ــى اللجن ــة المش ــرفة‬ ‫الزاحــة العديــد مــن االعمــال المهمــة‪ ،‬والتعــرض‬ ‫لمهم ــة االعت ــذار‪ ،‬أن مع ــرض الجمعي ــة الس ــنوي‬ ‫يب ــرز حقيق ــة ارادت ق ــوى كثي ــرة طم ــس حرك ــة‬ ‫الجمعيــة وتغيــر مســارها‪ ،‬عــن كونهــا االم الــرؤوم‬ ‫للفناني ــن العراقيي ــن‪ ،‬والت ــي أخ ــذت عل ــى عاتقه ــا‬ ‫منـــذ تاسيســـها وبطمـــوح الـــرواد االوائـــل‪ ،‬ان‬ ‫تجع ــل م ــن الف ــن العراق ــي فن ــا عالمي ــا‪ ،‬وتس ــحب‬ ‫الفن ــان العراق ــي إل ــى الرقع ــة الت ــي تظه ــر قدرات ــه‬ ‫الخالق ــة الت ــي ورثه ــا جي ــل بع ــد جي ــل من ــذ حف ــر‬ ‫اآلش ــوري بازميل ــه الحج ــر والس ــومري والبابل ــي‬ ‫بالطي ــن‪ ،‬اول التكوين ــات ف ــي الكه ــوف والودي ــان‬ ‫والســـهول‪ .‬واعجوبـــة الختـــم الطينـــي‪ ،‬وبـــرج‬ ‫بابـــل ورســـوم الواســـطي‪.‬‬

‫خليف محمود‬

‫خالد جبار‬

‫( ‪) ...‬‬ ‫‪29‬‬


‫يس ــتعين التش ــكيل الفن ــي للع ــرض ‪ ،‬بمصم ــم المناظ ــر المس ــرحية ال ــذي يق ــوم ب ــدور ِه ف ــي االقت ــراب كثي ــراً م ــن‬ ‫فنـــون النحت‪،‬والهندســـة المعماريـــة ‪ ،‬ومرئيـــات العـــرض المســـرحي‪.‬‬

‫ترج ــع بناي ــة المس ــرح ف ــي تصميمه ــا الخارج ــي ‪ ،‬ال ــى العم ــارة الت ــي يلجهــا‬ ‫المتف ــرج ‪ ،‬ليش ــعر بأنتمائ ــه اليه ــا او ينف ــر منه ــا ‪ ،‬تبع ــاً لحجومه ــا واش ــكالها‬ ‫ومواده ــا البنائي ــة ‪.‬‬ ‫يقــع التصميــم الداخلــي علــى عاتــق المصمــم الــذي ينجــز منظــره بفضــاءات‬ ‫متعــددة المســتويات‪ ،‬ومختلفــة االشــكال فــوق المنصــة ‪.‬‬ ‫وم ــن خ ــال تط ــور الع ــرض ‪ ،‬وتنام ــي احداث ــه ي ــدرك المتف ــرج العالق ــات‬ ‫الرابط ــة بي ــن ازمن ــة الع ــرض المتنامي ــة ‪ ،‬وامكنت ــه المتناث ــرة ‪.‬‬ ‫نج ــم حي ــدر فن ــان تش ــكيلي درس الفلس ــفة الجمالي ــة عل ــى ي ــد كب ــار االس ــاتذة‬ ‫وتخ ــرج ف ــي اكاديمي ــة الفن ــون ‪ ،‬ليس ــتكمل دراس ــته العلي ــا تح ــت اش ــراف‬ ‫‪30‬‬


‫الع ــرض ‪ ،‬ث ــم يش ــرع بوض ــع مخطط ــات الع ــرض‬ ‫علـــى الـــورق بمقاســـات مضبوطـــة ‪ ،‬لينقلهـــا بعـــد‬ ‫ذلـــك الـــى مرحلـــة التجســـيد ‪ ،‬مـــن خـــال خلـــق‬ ‫« مســـافة جماليـــة» ‪ ،‬تقترحهـــا توقعـــات المخـــرج‬ ‫فـــي خطتـــه للعـــرض ‪ ،‬ويضـــع هـــو «المصمـــم»‬ ‫مقترحاتـــه ايضـــاً تبعـــاً الفـــق توقعاتـــه عـــن‬ ‫تلقـــي الجمهـــور لنوعيـــة تصميمـــ ِه حيـــن يشـــركه‬ ‫فـــي تجربـــة المشـــاهدة التواصليـــة ‪ ،‬الملموســـة‬ ‫والمصاغــة بصريــاً ‪ ،‬بعيــداً عــن الخبــرات التقليديــة‬ ‫ـاري اس ــتخدامها ف ــي مضم ــار المنظ ــر‬ ‫المألوف ــة الج ـ ِ‬ ‫المس ــرحي ‪ ،‬ال ــذي يك ــون ف ــي الغال ــب كم ــا يحس ــب‬ ‫نجـــم حيـــدر مقـــروءاً ومســـطحاً ‪ ،‬بـــا تحفيـــزات‬ ‫بصريـــة تـــوازي بتشـــكيالتها الجماليـــة خطـــة‬ ‫المخ ــرج ‪ ،‬او تنف ــذ بوس ــائط واس ــاليب فني ــة تخ ــص‬ ‫عناصـــر العـــرض المترابطـــة ‪.‬‬ ‫تش ــغل ب ــال المصم ــم « نج ــم « قضي ــة ش ــائكة ه ــي‬ ‫‪ :‬ه ــل الوظيف ــة تنت ــج الش ــكل ؟‬ ‫ام ان الشـــكل هـــو الـــذي ينتـــج الوظيفـــة الدراميـــة‬ ‫للعـــرض ؟ ‪.‬‬ ‫هـــو بـــا شـــك يبحـــث عـــن اســـتقاللية « الرؤيـــة‬ ‫التش ــكيلية « ‪ ،‬وال يعتبره ــا مج ــرد وس ــيط س ــردي‬ ‫لحكاي ــة الن ــص وكأنه ــا تابع ــة ‪ ،‬ب ــا هوي ــة خاص ــة‬

‫االســتاذ الدكتــور نــوري جعفــر كان « كاظــم حيــدر»‬ ‫قدوت ــه ف ــي الف ــن التش ــكيلي واخ ــذ من ــه خب ــرة َ ف ــي‬ ‫التعام ــل م ــع الس ــينوغرافيا المس ــرحية وتأث ــر مثل ــه‬ ‫نج ــم حي ــدر بالبيئ ــة العراقي ــة واســـلوبيات تشـــكيلها‬ ‫عل ــى وف ــق م ــدارس الحداث ــة الغربي ــة الت ــي خ ــاض‬ ‫ف ــي مدياته ــا ‪.‬‬ ‫يذه ــب نج ــم ف ــي تصمي ــم المنظـــر الـــى فنـــون مـــا‬ ‫بعـــد الحداثـــة ايضـــاً مثـــل ‪ :‬فنـــون‬ ‫البيئـــة ‪ ،‬والجرافيتـــي ‪ ،‬وتوظيـــف‬ ‫الكتابـــة فـــي اللوحـــة ‪ ،‬والتعبيريـــة‬ ‫ً‬ ‫فضـــا عـــن التكعيبيـــة واالســـلبة‬ ‫والواقعيـــة الخياليـــة وســـواها ‪.‬‬ ‫تزدحـــم فـــي مخيلـــة الديكوريســـت‬ ‫نجـــم حيـــدر ‪ ،‬مرجعيـــات الهندســـة‬ ‫المعماريـــة للمســـرح االغريقـــي‬ ‫بمدرجاتـــه ‪ ،‬وكذلـــك «امفيثيتـــر»‬ ‫الرومانــي بمالعبــه العريضــة مــروراً‬ ‫بعربــات القــرون الوســطى ومناظرهــا‬ ‫المرســـومة الـــى عصـــر النهضـــة‬ ‫واكتشـــاف المنظـــور التشـــكيلي ‪.‬‬ ‫حيـــن يعمـــل مـــع المخـــرج يجلـــس‬ ‫مع ــه‪ ،‬ويح ــاوره‪ ،‬ليفه ــم مغ ــزى خط ــة‬

‫‪31‬‬


‫ومواصفاتهـــا مثـــل مســـرح بغـــداد‪ ،‬والمســـرح‬ ‫الفنـــي الحديـــث ‪ ،‬والوطنـــي والرشـــيد ‪ ،‬ومســـرح‬ ‫كليـــة الفنـــون الجميلـــة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان يصمــم مناظــر العــروض موظفــا شــكل النحــت‬ ‫الب ــارز « رلي ــف» بأس ــلوب زخرف ــي مبه ــر ‪ ،‬او‬ ‫مناظــر تشــكيلية يتجــاور فيهــا الواقــع والخيــال ‪ ،‬فــي‬ ‫فضــاءات عــروض مســرحية تدخــل تكويناتهــا مــن‬ ‫منطق ــة تجريدي ــة ال ــى معس ــكر جي ــش ال ــى ع ــرش‬ ‫كليوبات ــرا او تذه ــب ال ــى ط ــرز اس ــلوبية تخ ــص‬ ‫فت ــرة تاريخي ــة او « فانتازي ــا»‬ ‫ال ــف ليل ــة وليل ــة ‪ ،‬واخي ــراً ق ــد‬ ‫نجـــده يقـــدم لجمهـــور ِه ازقـــة‬ ‫محل ــة ش ــعبية ‪.‬‬ ‫ويتعقـــد مشـــروعه فـــي رســـم‬ ‫فض ــاءات مس ــرحيات ‪ :‬طائ ــر‬ ‫البحـــر ‪ ،‬اصطيـــاد الشـــمس‪،‬‬ ‫الشـــريعة ‪ ،‬البـــاب‪ ،‬المهـــرج‪،‬‬ ‫االسكـــــــ ــافي‪ ،‬الجواه ــري‪ ،‬الحس ــين االن‪ ،‬منتق ـ ً‬ ‫ـا‬ ‫م ــن فض ــاء مغل ــق ال ــى مفت ــوح كم ــا ف ــي المس ــرح‬ ‫البابلـــي حيـــن قـــدم نبوخذنصـــر ‪.‬‬ ‫ينشــىء نجــم حيــدر مــن جســم الســمكة تشــكيالت‬ ‫منظ ــره ف ــي مس ــرحية م ــا ‪ ،‬وف ــي اخ ــرى يبتك ــر‬ ‫شـ ً‬ ‫ـكال تكعيبيــاً لطائــر ‪ ،‬ويقــدم خارطــة لدماغ انســان‬ ‫فـــي مســـرحية ثالثـــة ‪ ،‬او شـــجرة تكـــون محملـــة‬

‫بهـــا ‪.‬لذل ــك يبحـــث فـــي تصاميمـــه المنظريـــة عـــن‬ ‫طرائ ــق تلق ــي المتف ــرج لخط ــاب الع ــرض الجمال ــي‬ ‫ويســعى الثــارة اســئلة تنشــط مــن شــفرات العــرض‬ ‫‪ ،‬وت ــدرج تكوينات ــه االنش ــائية ‪ ،‬حي ــن تأخ ــذ معه ــا‬ ‫المتفـــرج فـــي رحلتهـــا الفنيـــة عبـــر فضـــاءات ‪،‬‬ ‫تلمـــح فـــي الغالـــب الـــى « مضمـــرات» ســـاكنة ال‬ ‫مرئيــة مســورة بأشــكال ديناميــة مرئيــة ‪ ،‬ومتحركــة‬ ‫ومتحولـــة وجـــد نجـــم حيـــدر ان مغـــزى المنظـــر‬ ‫يتحقـــق ً‬ ‫اوال بالرســـم الهندســـي القائـــم علـــى دقـــة‬ ‫الحجـــوم ‪ ،‬وطبيعـــة الكتـــل‬ ‫والتكوينـــات ومـــدى عالقتهـــا‬ ‫بتيس ــير الي ــة حرك ــة الع ــرض‬ ‫ومـــن اهمهـــا الممثـــل فـــوق‬ ‫الخشـــبة ‪ ،‬ثـــم بعـــد تراكـــم‬ ‫الخبـــرة الميدانيـــة لديـــه منـــذ‬ ‫باكـــورة اعمالـــه عـــام ‪1979‬‬ ‫الـــى اليـــوم حفلـــت مخيلتـــه‬ ‫بخزيــن مــا انتجــه الرســامون والنحاتــون العالميــون‬ ‫الكبـــار مـــن ابداعـــات ‪ ،‬اعانتـــه فـــي تطبيقاتـــه‬ ‫العمليـــة وهـــو يصمـــم منظـــر مســـرحية « الملـــك‬ ‫هـــو الملـــك» انتهـــاءاً الـــى مســـرحية» الجهـــاز «‬ ‫عمل ــه االخي ــر م ــروراً باكث ــر م ــن اربعي ــن ع ــرض‬ ‫مســـرحي ‪ ،‬ليطبـــق فرضياتـــه الجماليـــة بأحيـــاز‬ ‫هندس ــية معماري ــة مختلف ــة م ــن حي ــث ط ــرز بنائه ــا‬ ‫‪32‬‬


‫م ــن اب ــواب الس ــيارات وهياكله ــا‬ ‫والعجــات العســكرية‪ ،‬والعــوادم‬ ‫«الصالنصـــة» ليصنـــع منهـــا‬ ‫«ش ــجرة ح ــب»‬ ‫ويبـــدو ان «الشـــجرة» اثيـــرة‬ ‫لديـــه ‪ ،‬لدرجـــة انـــه يمحـــق‬ ‫هويتهـــا بمنهجيـــة تفكيكيـــة ‪،‬‬ ‫حتـــى يمنـــح «النقائـــض» فيهـــا‬ ‫فرص ــة س ــانحة لتفت ــك احداهمه ــا‬ ‫باالخـــرى ‪ ،‬بضـــراوة ال ترحـــم ‪.‬‬ ‫كذلــك نجــد لديــه المتقابــات الضديــة ‪ ،‬مثــل بيــت‬ ‫ارســتقراطي مقابــل بيــت االعمــى المدقــع وســط‬ ‫كثبــان مــن رمــال بينهمــا ‪ .‬كذلــك يوظــف مفــردة‬ ‫العربـــة بتكوينهـــا المســـتطيل فـــي «جمهوريـــة‬ ‫الجواهـــري» ويركبهـــا مـــع عربـــات اخـــرى‬ ‫ف ــي ن ــزوع فيزي ــاوي تجريب ــي يه ــدف من ــه ال ــى‬ ‫تحقيـــق بعـــد هندســـي تشـــكيلي ‪ ،‬واجتماعـــي‬ ‫«سوســـيولوجي» مواكبـــاً مـــن خاللـــه اليـــة‬ ‫الحركـــة االخراجيـــة وحداثـــة معالجاتهـــا ‪.‬‬ ‫تنـــوع نجـــم حيـــدر فـــي تقنياتـــه واســـلوبه‬ ‫جبـــاال مرتفعـــاً‬ ‫ً‬ ‫واســـتخدام مـــواده فتـــراه يبنـــي‬ ‫صاعــداً ويضــع مقابلــه منحــدراً هابطــاً مهزومــاً‬ ‫ويؤطرهـــا فـــي وحـــدة مـــن التنـــوع والتنظيـــم‬ ‫الجمال ــي لالفق ــي والعم ــودي والمق ــوس الدائ ــري‬ ‫واللولبـــي ‪ ،‬والمثلـــث‬ ‫يحـــرص «نجـــم عبـــد» فـــي كل تصميماتـــه ‪،‬‬

‫بالشـــرور او مثمـــرة وعليهـــا‬ ‫ايضـــاً كمـــا االبـــواب اقفـــال‬ ‫كبيـــرة وصغيـــرة ‪ ،‬ترمـــز‬ ‫الـــى حـــب الرجـــل والمـــرأة‬ ‫وايضـــاً نحتـــ ِه لشـــكل أنثـــى‬ ‫يكـــون كاحـــل قدمهـــا ناتـــىء‬ ‫فيـــه مايثيـــر « بروجوليـــة»‬ ‫الشـــبقية التـــي تتعلـــق بحلمـــة‬ ‫الثـــدي وتتعاكـــس معه ــا قـــدم‬ ‫اخـــرى تشـــبهها ‪ ،‬لتحقيـــق االنســـجام والتـــوازن‬ ‫كذل ــك « مهب ــل ام ــرأة « بتكوين ــات مجوف ــة تب ــرز‬ ‫خطوطهـــا المصنوعـــة مـــن الحديـــد لكنهـــا مرنـــة‬ ‫وطيع ــة وبالوق ــت نفس ــه قوي ــة متماس ــكة التكوي ــن ‪.‬‬ ‫بلغ ــت جرأت ــه ان يض ــع ف ــي « االس ــكافي» ش ــجرة‬ ‫مـــن احذيـــة المغدوريـــن حرصـــاً منـــه علـــى ان‬ ‫يتفـــق « تأويلـــه» مـــع تأويـــل المخـــرج‪ ،‬وتحقيـــق‬ ‫االنســجام العضــوي بيــن « الشــكل الســينوغرافي»‬ ‫م ــع « البن ــاء التكوين ــي للمنظ ــر»‬ ‫غالبــاً مــا كنــا فــي عملنــا االخراجــي الــذي اشــترك‬ ‫فيـــه بتصميـــم مناظـــره يتمنـــى ان يصنـــع بنفســـه‬ ‫خطـــة االضـــاءة بألوانهـــا وتدرجاتهـــا وخطوطهـــا‬ ‫وانتقاالتهـــا ‪ ،‬النـــه يعتقـــد ان االضـــاءة قـــد تفســـد‬ ‫بالكام ــل طبيع ــة المش ــهد الفني ــة وتفض ــح مكونات ــه‬ ‫وتفتتهـــا النهـــا ال تنســـجم مـــع اســـلوب العـــرض‬ ‫الجمالـــي ‪.‬‬ ‫ف ــي مس ــرحية نجم ــة ج ــاء بمخلف ــات «الس ــكراب»‬

‫‪33‬‬


‫معم ــار الع ــرض وتش ــكيالته المتنوع ــه المنس ــابة ‪.‬‬ ‫وكأنـــه يفيـــد مـــن ( فرانـــك لويـــد ) المعمـــاري‬ ‫ال ــذي كان يك ــرّ س موتيف ــاً ف ــي المبن ــى م ــن خ ــال‬ ‫تكـــراره ‪.‬‬ ‫اخـــذ المصمـــم نجـــم ضمـــن اولوياتـــه ‪ ،‬جماليـــة‬ ‫المنظ ــر وتوظي ــف الحدي ــد بمتانت ــه الهيكيل ــة ف ــي‬ ‫كمحصل ــة‬ ‫الغال ــب ‪ ،‬ث ــم تأت ــي الوظيف ــة الدرامي ــة‬ ‫ّ‬ ‫نابعــة منهمــا فــي فضــاء تقــوم فيــه أنســاق حركــة‬ ‫الممث ــل (تش ــغيلياً) اي ه ــذه الوظيف ــة تعتم ــد عل ــى‬ ‫م ــا ينج ــزه الح ــداد ورج ــل االض ــاءة‬ ‫والنجــار والرســام اضافــة الــى جماليــة‬ ‫( البيئ ــة ) الت ــي تتكي ــف معه ــا طبائ ــع‬ ‫الشـــخصيات بـــردود افعـــال مختلفـــة‬ ‫‪ ،‬ويرتبـــط ذلـــك بأبعادهـــا الجســـمية‬ ‫والنفس ــية والطبيعي ــة أو بم ــا يُحيطه ــا‬ ‫مـــن اكسســـوارات ‪.‬‬ ‫وأخيــراً مــا يســعى اليــه المصمــم مــن‬ ‫بـ ّ‬ ‫ــث رم ــوز تعبيري ــة ال ــى الجمه ــور‬ ‫وهـــي تحمـــل ثيمـــات اســـطورية‬ ‫(ســـومرية ‪ ،‬بابليـــة ‪ ،‬اشـــورية ‪،‬‬ ‫اس ــامية) ‪ ،‬او (حديث ــة – معاص ــرة)‬ ‫لتفـــرض وقارهـــا وشـــخصيتها‬ ‫علـــى الذاكـــرة الجمعيـــة تخطيطيـــة‬ ‫معروفـــة فـــي تصميـــم االقمشـــة او‬ ‫طباعيـــة (جرافيكيـــة) ليتالعـــب مـــن‬ ‫خالله ــا المصم ــم بالعالق ــات القائم ــة بي ــن الف ــراغ‬ ‫واالمتـــاء الليونـــة والصالبـــة بتـــوازن يكـــون‬ ‫متناظ ــرا احيان ــا او يش ــذ عن ــه باس ــتقامة صارم ــة‬ ‫احيانـــاً اخـــرى ‪.‬‬ ‫اراد ف ــي غالـــب تصميمات ــه للمناظ ــر المس ــرحية‬ ‫توظي ــف م ــا يس ــميه ( الميكان ــو ) وكأن ــه يطم ــح‬ ‫ألن يبع ــث ( الحرك ــة الس ــينمائية الدرامي ــة ) ف ــي‬ ‫قلـــب اللوحـــة التشـــكيلية او المنحوتـــة لتخطـــو‬

‫علــى ( التكــرار ) ‪ ،‬البــراز سلســلة مــن مســتويات‬ ‫مرســـومة بأناقـــة ‪ ،‬وفضـــاءات مفتوحـــة ‪ ،‬وقطـــع‬ ‫معلق ــة او منخفض ــة تنخ ــرط ف ــي تكوين ــات جذاب ــة‬ ‫تنســـجم فيهـــا النوافـــذ اســـلوبياً مـــع الجـــدران‬ ‫والزقـــاق ‪ ،‬وباحـــة البيـــت ‪.‬‬ ‫وتربــط كتلــة ( الخــارج ) مــع ( الداخــل ) وبنســق‬ ‫تلتق ــي ف ــي أرضيت ــه الخط ــوط والحج ــوم الخاص ــة‬ ‫بـــ ( االكسســـوارات ) ‪ ،‬واماكـــن الجلـــوس ‪،‬‬ ‫وخلفيـــات المنظـــر ( الســـايك ) ‪ ،‬ليُضفـــي األلفـــة‬

‫علـــى االماكـــن االيجابيـــة او النفـــور مـــن ســـلبية‬ ‫المـــكان ‪.‬‬ ‫فــي الفضــاء العلــوي تشــكل قطــع الديكــور المعلقــة‬ ‫ســـقفاً يكـــرّ ر االشـــكال المســـتطيلة او الدائريـــة‬ ‫او الخاصـــة بالشـــكل البشـــري بمواقـــف متنوعـــة‬ ‫وقي ــم متباين ــة ‪ ،‬وغالب ــا م ــا نج ــده يقط ــع تكرارات ــه‬ ‫ه ــذه بمثلث ــات مض ــادة تض ــع ح ـ ّداً لدورانه ــا ف ــوق‬ ‫المنصـــة وتخفـــف مـــن هيمنتهـــا الدائريـــة علـــى‬ ‫‪34‬‬


‫فـــوق الخشـــبة برهافـــة ورشـــاقة‪.‬‬ ‫يحافـــظ هـــذا المصمـــم فـــي مناظـــره علـــى شـــعرية‬ ‫تجتمـــع فيهـــا الهندســـة االليـــة مـــع جماليـــات الفـــن‬ ‫وتتركـــب عالماتهـــا بيـــن االيقونـــي والتأشـــيري‬ ‫والرم ــزي وكذل ــك ينسّ ــق ح ــركات الممث ــل المادي ــة‬ ‫م ــع ( جزئي ــة ) المنظ ــر ‪ ،‬وش ــكله ( الع ــام ) ليتوف ــر‬ ‫نســـيج العـــرض وتنوعـــه االيقاعـــي علـــى صـــراع‬ ‫الشـــكل وخلفيتـــه ‪ ،‬وعلـــى تضـــاد التكوينـــات التـــي‬ ‫تك ــون متوافق ــة م ــع مج ــرى الح ــدث الدرام ــي وقابل ــة‬ ‫لتأوي ــل الجمه ــور له ــا ‪ ،‬وه ــو يتاب ــع تناض ــد طبق ــات‬ ‫الع ــرض المس ــرحي وحلميت ــه ‪ ،‬وحي ــاة ال ــدور ل ــدى‬ ‫الممثـــل وتقلبـــات مصيـــره ‪.‬‬ ‫يســـتوحي حيـــدر مـــن تاريـــخ المســـرح العالمـــي‬ ‫الكثي ــر م ــن مص ــادره ومناب ــع رؤاه حت ــى اس ــتطاع‬ ‫ان يط ــور م ــن تجرب ــة مس ــرحنا العراق ــي ف ــي ه ــذا‬ ‫الحق ــل المه ــم متابع ــاً لم ــا س ــبق ان ق ــام ب ــه ره ــط‬ ‫مـــن المبدعيـــن منهـــم ( جـــاك كوبـــو ) (‪– 1879‬‬ ‫‪ ) 1949‬الـــذي اســـتخدم مـــرة أرضيـــة « منحـــدرة‬ ‫« ‪ ،‬تتحـــرك فوقهـــا الشـــخصيات علـــى مســـتويات‬ ‫مختلفـــة ‪.‬‬

‫او مــا قدمــه ( جــوردن جريــك) ( ‪)1966 –1872‬‬ ‫م ــن تكوين ــات بصري ــة تش ــكيلية موحي ــة ‪ ،‬موازي ــة‬ ‫للح ــوار احيان ــا ‪.‬‬ ‫او كالذي قام به ( فاختنكوف )‬ ‫(‪ ) 1922 – 1883‬مــن فــرز تشــكيلي ‪ -‬معمــاري‬ ‫ّ‬ ‫موظفــاً صراعــاً تشــكيليال‬ ‫بيــن بيئــة النبــاء والعمــال‬ ‫قائم ــاً بي ــن الكتل ــة والفض ــاء ف ــي مس ــاحة تقت ــرب او‬ ‫تبتع ــد م ــن صال ــة الجمه ــور ‪ ،‬وال ننس ــى م ــا قادن ــا‬ ‫اليـــه ( ستانسالفســـكي ) الـــى ذلـــك المنحـــدر فـــي‬ ‫قبـــو مســـرحية ( الحضيـــض ) حيـــث يبـــرز القبـــح‬ ‫والفقـــر للتأثيـــر نفســـياً علـــى تلقـــي المتفرجيـــن‬ ‫كمـــا ســـبق ان ســـلط ( ادولـــف ابيـــا ) ‪ ،‬اضاءتـــه‬ ‫للتركيـــز علـــى االبعـــاد العموديـــة واالفقيـــة والبعـــد‬ ‫التكوين ــي للممث ــل وعالقات ــه م ــع المنظ ــر ليختمه ــا‬ ‫«ب ــو ب ــوف» بقول ــه‪ ( :‬ان ش ــكل المنظ ــر ‪ ،‬يرسّ ــخ‬ ‫ص ــورة الع ــرض ‪ ،‬فني ــاً )‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫فــي ارســاء المعالــم االساســية لهــذا الفــن‪ .‬يتمثــل‬ ‫جوهــر التحــدي فــي هــذا التــوازن بضــرورة انتــاج‬ ‫الصــور الفنيــة المنســابة ديناميكيــا والمتدفقــة بايقــاع‬ ‫موســيقي شــعري‪ ،‬ولكــن عــن طريــق توظيــف‬ ‫عناصــر بصريــة مقيدة وثابتة ‪ ،‬مثــل العدد المحدود‬ ‫ألشــكال الحــروف األبجديــة‪ ،‬وقواعــد الخــط‬ ‫الجماليــة الصارمــة وقياســات وتناســبات حروفــه‬ ‫وامتداداتــه الهندســية المتشــددة‪ .‬ولــذا فــإن الحصيلة‬ ‫الحاســمة الحــداث هــذا التــوازن والنجــاح فــي تقديم‬ ‫الخطــوط المقبولــة لعيــن االختصاصــي والمشــاهد‬ ‫العــادي معــا ســتتطلب دون شــك مــن الخطــاط ان‬ ‫يكــون علــى مســتوى رفيــع مــن المقــدرة الفنيــة‬ ‫المقرونــة بممارســة مهنيــة تقليديــة طويلــة االمــد‪.‬‬ ‫وعلــى صعيــد هــذا االلتــزام الزمنــي الطويــل‬ ‫والتكريــس المتفــان للطاقــات الفنيــة ‪ ،‬فإننــي أجــد‬ ‫نفســي محظوظــاً بأننــي قــد تســنى لــي ان اضــع‬

‫بإعتبــاره واحــدا مــن الفنــون االســامية الرئيســية ‪،‬‬ ‫يتميــز فــن الخــط العربــي بإلتزامــه باصــول محــددة‬ ‫واســس قواعديــة منضبطــة تتطلــب تدريبــا تقليديــا‬ ‫طويــا ومراســا مســتمرا مــن اجــل ان يتســنى‬ ‫للخطــاط تنفيــذ اعمالــه الفنيــة ببراعــة وعنايــة‬ ‫فائقتيــن تتناســبان مــع المكانــة الفنيــة التأريخيــة‬ ‫المبنيــة علــى التهذيــب واالنضبــاط الروحييــن لهــذا‬ ‫الفــن‪ .‬وبالرغــم مــن كــون ممارســة هــذا الفــن تلــزم‬ ‫الخطــاط بتكريــس نشــاطه التدريبي بانهمــاك مكثف‬ ‫والمــد طويــل ‪ ،‬فــإن هــذا النشــاط ومــا ينجــم عنــه‬ ‫مــن حصيلــة فنيــة يبقــى يمثــل تجربــة تثير الســرور‬ ‫ـرون‬ ‫واالمتــاع لــكل مــن الخطــاط وجمهــوره‪ .‬فلقـ ٍ‬ ‫خلــت واجهــت أعمــال الخــط العربــي الكالســيكية‬ ‫تحديــاً جماليــاً كبيراًمتخطيــة بجــدارة إختبــار‬ ‫التــوازن الفنــي الــذي ربمــا يبــدو إشــكالياً للوهلــة‬ ‫االولــى فــي عيــن الناظــر العابــرة لكنــه جوهريــا‬

‫‪36‬‬


‫خطواتــي االولــى علــى هــذا الطريــق الطويــل‬ ‫بعمــر مبكــر‪ ،‬واســتمر بأستكشــاف خبايــا هــذا‬ ‫الفــن وممارســة اصولــه بشــكل شــخصي ولمــدة‬ ‫قاربــت الخمســة عقــود‪ .‬كمــا اننــي أعتبــر نفســي‬ ‫محظوظــا ان اكــون حاليــا واحــداً مــن الخطاطيــن‬ ‫القالئــل الذيــن يقيمــون فــي الغــرب ولكنهــم مازالــوا‬ ‫يتشــبثون بإصولــه التقليديــة وماتســتلزمه مــن‬ ‫مهــارات يدويــة‪ .‬علــى اننــي الزلت من بيــن القالئل‬ ‫الذيــن مــا زالــوا يقاومــون اإلغــراءات المتصاعــدة‬ ‫التــي توفرهــا الثــورة التكنولوجيــة الحاليــة ومــا‬ ‫قدمتــه برامــج الكومبيوتــر مــن طــرق مبتكــرة فــي‬ ‫إســتخدام الخطــوط والنمــاذج التصميميــة الجاهــزة‬ ‫وامكانــات متطــورة لتشــذيب الصيــغ النهائيــة‬ ‫للتصاميــم الفنيــة وابالغهــا حالــة الكمــال‪ ،‬فــي‬ ‫وقــت تط ـوّرت فيــه البرامجيــات المتجــددة لتقليــل‬ ‫الجهــد العضلــي والعقلــي ووضــع النتائــج النهائيــة‬ ‫فــي أكمــل وجــه فــي مجــال التصميــم الغرافيكــي‬ ‫والفنــون المرتبطــة بــه‪ ،‬بما فــي ذلك الخــط العربي‪.‬‬ ‫خــال تلــك المــدة الطويلــة مــن انكبابــي الشــخصي‬ ‫الفــردي علــى تعلــم الخــط وضبــط اصولــه كان‬ ‫البــد لــي مــن التأثــر بكوكبــة المواهــب الفــذة‬ ‫فــي هــذا المجــال والتعلــم مــن ســيرتهم واســتلهام‬ ‫اســاليبهم المتميــزة‪ .‬وهنــا اود االشــارة بالــذات‬ ‫الــى تأثــري الكبيــر بخطاطــي المدرســة البغداديــة‬ ‫المعاصــرة التــي تقدمهــا االســتاذ هاشــم محمــد‬ ‫الخطــاط البغــدادي (‪ ،)1973-1921‬وقبلهــا‬ ‫المدرســة العثمانيــة التــي ضمــت كوكبــة متألقــة‬ ‫مــن فطاحــل الخــط والتــي تقدمهــا الشــيخ حمــد‬ ‫هللا االعمصــي (‪ .)1520-1436‬وبالرغــم مــن‬ ‫تأثــري البالــغ بتلــك المواهــب اال اننــي لــم اذهــب‬ ‫الــى التأثــر الحرفــي بإســتاذ محــدد كمــا اعتــادت‬ ‫علــى نهجــه اجيــال متواليــة مــن الخطاطيــن‬ ‫التقليدييــن‪ .‬وهنــا فإنــي اميــل الــى توصيــف‬ ‫اســلوبي علــى انــه خليــط بيــن القديــم والحديــث‬

‫للحــد الــذي يمكــن تســميته باالســلوب «الكالســيكي‬ ‫الجديــد» ‪ Neoclassical‬لحفاظــه علــى طــرق‬ ‫وأســاليب وتقنيــات الخطاطيــن القدامــى منــذ القــرن‬ ‫الثامــن مــن ناحيــة‪ ،‬واالســتفادة مــن توظيــف‬ ‫بعــض العناصــر الجماليــة المعاصــرة مــن ناحيــة‬ ‫ثانيــة‪ .‬ومــن اجــل التعريــف اكثــر بهــذا االســلوب‬ ‫الشــخصي‪ ،‬فإننــي اشــير الــى امكانيــة تشــخيصه‬ ‫تبعــا لتميــزه بالمالمــح التاليــة‪ :‬فــي الوقــت الــذي‬ ‫انفقــت ســنينا طويلــة فــي تقليــد الحــروف والكلمــات‬ ‫مستنســخا اياهــا مــن كتابــات الخطاطيــن الكبــار‬ ‫ومالحظــا تركيباتهــا وتاقنــا اوزانهــا اال اننــي لــم‬ ‫اقلــد او استنســخ اي لوحــة كاملــة الي خطــاط كمــا‬ ‫هــو شــائع فــي اوســاط الخطاطيــن المحترفيــن‬ ‫الذيــن يتبعــون التقليــد التاريخــي حيــث لــم يجــد‬ ‫الخطاطــون ضيــرا مــن اعــادة انتــاج لوحــات‬ ‫الخطاطيــن الذيــن ســبقوهم بحذافيرهــا‪ .‬اننــي‬ ‫الاعيــب علــى الخطاطيــن هــذا التقليد الشــائع لقرون‬ ‫لكننــي شــخصيا الاراه ضروريــا بــل اننــي ارى ان‬ ‫مــن االفضــل لــي ان اضــع تصاميمــي الخاصــة‬ ‫وابتكاراتــي الشــخصية طالمــا اننــي تعلمــت ضبــط‬ ‫االصــول والقواعــد مــن خــال دراســة اعمــال‬ ‫ممــن ســبقني‪ .‬إننــي درجــت علــى اســتخدام‬ ‫الزخرفــة العربيــة كعنصــر تكميلــي للخــط‪ ،‬مقارنـ ً‬ ‫ـة‬ ‫بتوظيفهــا التقليــدي الــذي غالبــا مــا ينطــوي علــى‪:‬‬ ‫‪ -1‬توظيفهــا بشــكل تكنيكــي جزئــي‬ ‫يشــكل االطــر العامــة التزيينيــة المنفصلــة‬ ‫نســبيا عــن فضــاء الخــط الداخلــي‪ ،‬أو‬ ‫‪ -2‬توظيفهــا َك َف ٍّ‬ ‫ــن ديكــوري منفصــل كليــا‬ ‫عــن عمــل الخــط‪ ،‬لكنــه يقــف ككيــان مســتقل‬ ‫بجدارتــه ويــكاد يكــون فرعــا مســتقال مــن الفنــون‬ ‫االســامية يســمى االرابســك ‪.Arabesque‬‬ ‫وهنــا فإننــي أرى ان أســلوب مقاربتــي التكاملية بين‬ ‫الخــط والزخرفــة ينطــوي علــى إســتخدام مــدروس‬ ‫لموتيفــات مختــارة وقليلــة مــن الزخرفــة تندمــج مــع‬ ‫‪37‬‬


‫البنــاء التشــكيلي للخط وتشــكل معه وحــدة التنفصم‬ ‫شــكليا ولونيــا‪ ،‬وذلــك مــن أجــل أن تكــون النتيجــة‬ ‫النهائيــة للــّـوحة الفنيــة مؤثــرة ومتناغمــة‪ .‬تتضمــن‬ ‫هــذه الموتيفــات أنماطــاً زخرفيــة معقــدة نوعــا مــا‪،‬‬ ‫خاصــة مــن ناحيــة توظيفهــا فــي تداخــل الخطــوط‬ ‫وتشــابك األشــكال التــي غالبــاً مــا تكــون أجــزاء‬ ‫نباتيــة كالســيقان واألوراق والبراعــم والتــي‬ ‫بإمكانهــا أن تمنــح نفســها تمامــاً للرقــة التركيبيــة‬ ‫للخطــوط‪ .‬تظهــر هــذه الحالــة جليــة خاصــة فــي‬ ‫مهمــة اشــغال الفراغــات بشــكل يعــزز مــن روعــة‬ ‫ً‬ ‫التصميــم ويزيــده‬ ‫كياســة وبريقــاً‪ .‬كمــا ان هــذا‬ ‫االســتخدام الزخرفــي يســاعد فــي الوقــت نفســه‬ ‫علــى تهيــة الفرصــة الســتخدام األلــوان المختلفــة‬ ‫التــي تكســر حــدة التناقــض اللونــي المألــوف بيــن‬ ‫الخطــوط وخلفيتهــا ممــا يســبغ علــى اللوحــة تأثيــرا‬ ‫بصريــا رائعــا يشــبه تأثيــر الحلــي واالقــراط علــى‬ ‫وجــه امــرأة جميلــة‪ .‬أمــا اللــون فيســهم هنــا فــي‬ ‫تعزيــز العالقــة بيــن جزئــي الخــط والزخرفــة مــن‬ ‫دون ان يزيــد التباســهما‪ .‬فغالبــا مــا تكــون ألــوان‬ ‫الخلفيــات معتمــة وقاتمــة‪ ،‬كاألســود الخالــص او‬ ‫االزرق القاتــم التقليديــان علــى وجــه التحديــد‪ ،‬بينمــا‬ ‫تكــون العناصــر األماميــة بيضــاء أو بألــوان أخــرى‬ ‫فاتحــة‪ ،‬ويتــم أيضــاً إســتخدام األلــوان البرّ اقــة‬ ‫وبخاصــ ٍة فــي‬ ‫بعنايــة وعلــى نحــو مــدروس‪ِ ،‬‬ ‫اإلطــارات الداخليــة الفســيحة والموتيفــات الصغيرة‬ ‫وفــي النقــاط القواعديــة‪ .‬وبذلــك يتــم وضــع جميــع‬ ‫هــذه العناصــر والمكونــات بشــكل توافقــي متناغــم‬ ‫فــي تركيبــة متكاملــة لتقديــم لوحــة الخــط العربــي‬ ‫كوحــد ٍة واحــدة متماســكة‪.‬‬ ‫* اســتخدام عــدد كبيــر مــن االلــوان غيــر المألــوف‬ ‫اســتخدامها بموجــب النهــج الكالســيكي فــي اعمــال‬ ‫الخــط العربــي التقليديــة التــي كادت تقتصــر علــى‬ ‫اســتخدام االحبــار الســوداء والزرقــاء والبنيــة علــى‬ ‫‪38‬‬


‫الــورق االبيــض او االســمر‪ .‬علــى‬ ‫ان الغــرض الرئيــس مــن توظيــف‬ ‫هــذه األلــوان يتمثــل فــي تعزيــز‬ ‫الحــس البصــري وإضــاءة التماســك‬ ‫األساســي للصــورة‪ .‬عــاوة علــى‬ ‫ان االســتخدام القليــل والمــدروس‬ ‫للعناصــر الزخرفيــة جنبــا الــى‬ ‫جنــب مــع توظيــف اللــون يُ َعــ ُّد‬ ‫أمــراً أساســياً جوهريــا فــي التأكيــد‬ ‫علــى بلــورة التجريــد الفنــي وفصلــه‬ ‫عــن اإلنشــاء النقشــي دون إخضــاع‬ ‫االســلوب والنتيجــة الــى مــا قــد ينجــم‬ ‫عــن انتــاج فــن تزيينــي مجــرد‪.‬‬ ‫لقــد وفــرت االســتعانة بالكومبيوتــر‬ ‫امكانيــات هائلــة فــي تغييــر الــوان‬ ‫الخــط وخلفيتــه المعــدة بالطريقــة‬ ‫التقليديــة فــي اســتخدام القصبــة‬ ‫والحبــر والــورق‪ ،‬االمــر الــذي وســع‬ ‫افــق االمكانــات الكرافيكيــة للخطــاط‬ ‫اذا مــا اراد انتــاج صيــغ مختلفــة‬ ‫للعمــل االصلــي‪.‬‬ ‫* ثمــة عنصــر آخــر داعــم لهــذه‬ ‫المقاربــة يتمثــل فــي تقليــص النــص‬ ‫المكتــوب الــى الحــد األدنــى الممكــن‪.‬‬ ‫علــى ان تؤخــذ العنايــة الكافيــة فــي‬ ‫البحــث عــن النصــوص المناســبة‬ ‫ليــس فقــط لقصرهــا انمــا لتوفــر‬ ‫التركيــب التشــكيلي المناســب فــي‬ ‫هيــاكل حروفهــا‪ ،‬اضافــة الــى‬ ‫تناســب معانيهــا مــع مــا اراه جديــرا‬ ‫باالعتــزاز‪ .‬وبمــا ان اختياراتــي‬ ‫انحصــرت فــي النصــوص الدينيــة‬ ‫وبشــكل خــاص القرآنيــة تماشــيا‬

‫مــع روح وتاريــخ الخــط العربــي‬ ‫االســامي‪ ،‬فاننــي انتهــزت الفرصــة‬ ‫الختيــار النصــوص التــي تتناســب‬ ‫مــع توجهاتــي الفلســفية والتــي‬ ‫اراهــا مهمــة فــي التأكيــد علــى‬ ‫المعانــي االيجابيــة الســامية فــي‬ ‫الســام والحريــة والتعــاون والمحبــة‬ ‫والعمــل المخلــص المثمــر‪ .‬ومــن‬ ‫الناحيــة التكنيكيــة‪ ،‬أرى أن المبــرر‬ ‫االقــوى إلســتخدام أقــل مــا يمكــن‬ ‫مــن‬ ‫وحــدات نصيــة يكمــن فــي‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقــة مفادهــا انــه ُكلّمــا أصبــح‬ ‫ً‬ ‫طويــا‪ ،‬كلمــا ازداد تشــظي‬ ‫النــص‬ ‫ُ‬ ‫المشــهد التشــكيلي‪ ،‬وكلمــا ازدادت‬ ‫المحــددات المفروضــة علــى العمليــة‬ ‫اإلبداعيــة ممــا يقلــل أمــر التحكــم بهــا‬ ‫والســيطرة علــى ادارتهــا بالشــكل‬ ‫المبتغــى‪.‬‬ ‫* توظيــف التناظــر التشــكيلي‬ ‫خاصــة بواســطة اســتثمار التكنيــك‬ ‫المســمى «انعــكاس المــرآة» مــن‬ ‫اجــل انتــاج صيــغ مشــتقة اخــرى‬ ‫عــن طريــق استنســاخ وتكــرار‬ ‫عناصــر منفــردة وادماجهــا فــي مــا‬ ‫يحقــق شــكال جديــدا‪ .‬وبالرغــم مــن‬ ‫ان هــذا التكنيــك ليــس مــن ابتداعــي‬ ‫الشــخصي والهــو بجديــد فــو وســط‬ ‫ورشــات الخــط والخطاطيــن‪ ،‬اال ان‬ ‫تســخيره فــي التكويــن التجريــدي‬ ‫لتكــرار المشــهد وتناظــر العناصــر‬ ‫وإنعكاســات الصــور‪ ،‬وإعــادة‬ ‫إنعاشــها ودمجهــا بطــرق وتقنيــات‬ ‫أخــرى يمثــل اتجاهــا آخــرا اضــاف‬ ‫‪39‬‬


‫ســوى صورتــه المشــوهة التــي وضعتــه صنــوا‬ ‫للعنصريــة والتخلــف وجعلتــه قائمــا علــى التمييــز‬ ‫والكراهيــة وعــدم التســامح والعنــف الموثــق بأبشــع‬ ‫جرائــم الذبــح والتمثيــل بجثــث الضحايــا‪ .‬والشــك‬ ‫فــي ان ماعقــد االمــور ودفــع الــى تصعيدهــا ســو ًء‬ ‫وتشــويها هــو ان السياســات الغربيــة‪ ،‬خاصــة فــي‬ ‫الواليــات المتحــدة وبريطانيــا‪ ،‬لــم تســتجب لهجمــة‬ ‫االســام السياســي اال متأخــرا‪ ،‬اوال‪ ،‬ولــم تســلك‬ ‫ثانيــا‪ ،‬ســوى طريــق التعامــل بالمثــل بــل عبــر‬ ‫سياســة الجهــل التــي تقــر الصــاع صاعيــن مــن‬ ‫خــال التجييــش والغــزو وشــن الحــروب والهــاب‬ ‫االعــام وتصعيــد التهديــدات والرجــوع الــى‬ ‫حماقــات العيــن بالعيــن والســن بالســن بــل اســوأ من‬ ‫ذلــك بكثيــر‪ .‬ولقــد ســاعد هــذا النــوع من االســتجابة‬ ‫بشــكل خيالــي فــي دعــم تبريــرات المتطرفيــن‬ ‫واالرهابييــن الذيــن وجــدوا لهــم الفرصــة الذهبيــة‬ ‫فــي مواصلــة سياســات غســل االدمغــة وكســب‬ ‫المالييــن مــن المعدميــن والمحروميــن الذيــن‬ ‫همشــتهم سياســات االنظمــة الدكتاتوريــة الوحشــية‬ ‫ورمتهــم فــي هــوة الجهــل والغيــب وانتظــار رحمــة‬ ‫الــرب‪ ،‬االمــر الــذي مهــد لمتطرفــي الديــن ومنتفعيه‬ ‫مــن اللصــوص والمشــعوذين ان يغتصبــوا كل‬ ‫ماتبقــى مــن حيــاة ويمعنــوا فــي انتهــاج االرهــاب‬ ‫والوحشــية بحجــة المقاومــة المقدســة لــكل مــن‬ ‫يعــادي االســام ويظلمــه‪.‬‬ ‫ولهــذا الســبب الجوهــري بالــذات اطمــح جاهــدا‬ ‫فــي ان اوفــر مــن خــال فنــون الخــط والزخرفــة‬ ‫فرصــة ثمينــة للجمهوراألميركــي بشــكل خــاص‬ ‫والمتتبــع االجنبــي بشــكل عــام كــي يــرى بــأم‬ ‫عينــه ويــدرك جيــداً الوجــه الســاحر الجميــل‬ ‫والمســالم والمتألــق مــن التــراث العربــي اإلســامي‬ ‫متمثــا بفنــه المتفــرد المتميــز مــن بيــن فنــون‬ ‫الحضــارات والثقافــات المختلفــة الممتــدة عبــر‬

‫الــى اعمالــي صبغــة بصريــة اختلفــت عمــا هــو‬ ‫مألــوف‪.‬‬ ‫يحملنــي االعتقــاد كمواطــن عراقــي‪ -‬أمريكــي‬ ‫يعيــش فــي الواليــات المتحدة لخمســة وثالثيــن عاما‬ ‫مضــت‪ ،‬بــأن تــراث قوميتــي الغنــي قــد تــم إهمالــه‬ ‫وإنــكاره ورفضــه فــي هــذا المجتمــع بصفــة عامــة‪،‬‬ ‫االمــر الــذي آل الــى ان تصبــح الجاليــة العربيــة‬ ‫والمســلمة فــي الواليــات المتحــدة ثانويــة ومهملــة‬ ‫بشــكل مؤسســي‪ ،‬منظــوم‪ ،‬ومتدهــور بمــرور‬ ‫الزمــن‪ .‬فهــا هــي قــد سُ ـلِبت مــن كبريائهــا وجــردت‬ ‫تدريجيــاً مــن فــرص التفاخــر بتراثهــا وإعــان‬ ‫إنتمائهــا العرقــي والدينــي تحــت شــبح الخــوف مــن‬ ‫أن تكــون موضــوع إرتبــاط بجميــع أنــواع التطرف‬ ‫الدينــي واإلرهــاب السياســي‪ .‬إال اننــي أرى بتجــرد‬ ‫وحيــاد عقالنييــن‪ ،‬انــه ليــس مــن الحكمــة ان نلقــي‬ ‫باللــوم كلــه علــى نظــرة المجتمعــات الغربيــة‬ ‫المتعاليــة ومناهجهــا المثقلــة بالتمييــز العنصــري‬ ‫والطبقــي ووســائل اعالمهــا غيــر الموضوعيــة‬ ‫وغيــر المنصفــة احيانــا‪ .‬ذلــك ان الحصــة االكبــر‬ ‫مــن اللــوم لمــا حــل بســمعة العــرب واالســام مــن‬ ‫تشــويه شــامل ينبغــي ان تلقــى بالدرجــة االولى على‬ ‫عاتــق التطــرف السياســي‪ ،‬العنصــري والطائفــي‬ ‫وسياســات وممارســات الحكومــات واالحــزاب‬ ‫المخادعــة المرائيــة والمنتفعــة الجاهلــة المنتشــرة‬ ‫فــي ارجــاء مجتمعاتنــا العربيــة واالســامية‪ .‬علــى‬ ‫ان مســؤولية الخــراب الحاضــر تقــع بشــكل خــاص‬ ‫علــى اكتــاف االســام السياســي الــذي غــزا المنطقة‬ ‫والعالــم وعــاث فيهــا فســادا لــم نشــهده مــن قبــل‬ ‫ممــا حــط مــن ســمعة االســام والعروبــة وانــزل‬ ‫بهمــا الــى الحضيــض‪ ،‬االمــر الــذي انســحب بشــكل‬ ‫مؤلــم علــى المشــهد الثقافــي وخاصــة علــى القيمــة‬ ‫الحضاريــة للفنــون االســامية وفــي مقدمتهــا الخــط‬ ‫العربــي‪ .‬فلــم يقــدم االســام السياســي عــن االســام‬ ‫‪40‬‬


‫التأريــخ‪ .‬ويحدونــي االمــل الكبيــر بــأن يكــون‬ ‫مجــال الفــن وفاعليتــه قــادران علــى طــرح معــادل‬ ‫موضوعــي فعــال ونافــذ للنظــرة المُقولبــة الجاهــزة‬ ‫الســائدة التــي تعتبــر هــذا التــراث بدائيــاً وفطريــا‬ ‫ومفعمــا بالعنــف وعــدم التســامح! كمــا اننــي أرى‬ ‫بــأن تجربتــي الفنيــة هــذه قــد ّ‬ ‫توفــر فرصــة نــادرة‬ ‫للجاليــة العربيــة المســلمة المحرومــة ثقافيــاً كــي‬ ‫تحتفـ َ‬ ‫ـدث يســتجيب لِمُكـو ٍِّن رئيــس مــن حاجتها‬ ‫ـل بحـ ٍ‬ ‫الثقافيــة وال ِعرقيــة‪ .‬وبقــدر‬ ‫متســاو مــن األهميــة‬ ‫ٍ‬ ‫اعتبــر هــذه الفرصــة مؤاتيــة للجمهــور بشــكل عــام‬ ‫كــي يطلِّــع أكثــر علــى تــراث المســلمين الثقافــي‬ ‫والجمالــي الزاهــر منــذ بــزوغ فجــر االســام فــي‬ ‫القــرن الســادس الميــادي ولحــد االن‪ ،‬وذلــك مــن‬ ‫اجــل التمتــع بفرصــة استكشــاف خصائــص الخــط‬ ‫العربــي وأهميتــه‪ .‬وفــي الختــام أرى ان مــن‬ ‫الضــروري التأكيــد علــى ان اهتمامــي بموضــوع‬ ‫الخــط والترويــج لــه هــو مشــروع شــخصي بحــت‬ ‫لــم يتمتــع بتاتــا بــأي دعــم مؤسســي او خيــري او‬ ‫فــردي مــن اي نــوع ومــن اي اتجــاه‪ .‬وهــو بهــذا‬ ‫يقــف مســتقال وال يمثّــل أي دفــع سياســي او دينــي‬ ‫قــد يبتغــي الترويــج للفكــر اإلســامي أو القوميــة‬ ‫العربيــة‪ .‬كمــا انــه فــي ذات الوقــت ال يمثــل اي‬ ‫إنعــكاس لتجربــة روحيــة مجــردة علــى المســتوى‬ ‫الشــخصي‪ ،‬مثلمــا قــد توحــي بــه النصــوص المدونة‬ ‫فــي اللوحــات‪ .‬علــى اننــي اقــف مــع هــذا المشــروع‬ ‫فخــوراً ومعتــداً بحقيقــة عــدم انتمائــي السياســي‬ ‫وعــدم انحيــازي الدينــي أواالجتماعــي‪ .‬وبــذا فــأن‬ ‫الغــرض والمحفــز االساســي للنهــوض بالخــط‬ ‫العربــي كمشــروع ثقافــي هــو االلتــزام الحضــاري‬ ‫واالجتماعــي بضــرورة االحتفــاء بالتــراث الفنــي‬ ‫االســامي ‪ ،‬وتثميــن منجزاتــه‪ ،‬والمســاهمة فــي‬ ‫صيانتهــا والحفــاظ عليهــا‪ ،‬واعطاءهــا االهميــة‬ ‫المناســبة التــي تســتحقها بجــدارة‪.‬‬ ‫‪41‬‬


42


‫أنـــا أكتـــب كشـــخص كـــرس عمـــر البلـــوغ‬ ‫لدي ــه منغمس ــا ف ــي تصوي ــر ثالث ــي األبع ــاد‪.‬‬ ‫لق ــد كان ش ــغفي االكب ــر المش ــي ف ــي المرك ــز‬ ‫الدولـــي للتصويـــر الفوتوغرافـــي فـــي عـــام‬ ‫‪1975‬ف ــي مع ــرض الذواك ــر ثالثي ــة األبع ــاد‬ ‫‹‪ 75‬فــي العقــد األول ‪ 3‬يوليــو ‪ 19 -‬ســبتمبر‬ ‫‪ ،1975‬ورؤي ــة أول ص ــورة ثالثي ــة األبع ــاد‬ ‫ل ــي كان ــت تجرب ــة تعص ــف بالعق ــل‪ .‬قضي ــت‬ ‫فتـــرة طويلـــة ابحـــث فـــي تلـــك الصـــور‬ ‫وخرجـــت مـــن برنامـــج المقارنـــات الدوليـــة‬ ‫فــي حالــة ذهــول‪ ،‬تمامــا مقتنعــا أن هــذه هــي‬ ‫العناصــر التــي أردت أن اخلــق الصــور بهــا‪.‬‬ ‫لقــد كانــت رحلــة طويلــة لتعلــم حرفــة اخــرى‬ ‫وتدريس ــها‪ ،‬وإنش ــاء مراف ــق له ــا والعم ــل ف ــي‬ ‫البحـــوث الضوئيـــة فـــي معهـــد نيويـــورك‬ ‫للتكنولوجيـــا جنبـــا إلـــى جنـــب مـــع مختبـــر‬ ‫الحاســـوب الرســـومات «االســـطوري» فـــي‬ ‫أوائـــل الثمانينيـــات «‪ ،‬بصفتـــي القيـــم علـــى‬ ‫متحـــف نيويـــورك للذواكـــر ثالثيـــة األبعـــاد‬ ‫ومختـــص يظهـــر بصـــورة مســـتقلة الصـــور‬ ‫المجســـمة‪ ،‬وخلـــق الرســـوم المتحركـــة‬ ‫الثالثيـــة االبعـــاد لصـــور رقميـــة مجســـمة‬ ‫وكتابـــة المقـــاالت حولهـــا وتدريســـها حاليـــا‬ ‫علـــى االنترنـــت فـــي المدونـــات‪ .‬اآلن وبعـــد‬ ‫مـــرور ‪ 38‬عامـــا‪ ،‬طلـــب منـــي أن أكتـــب‬ ‫ع ــن مس ــتقبل تصوي ــر ثالث ــي األبع ــاد توقف ــت‬ ‫للتفكيـــر فـــي هـــذا لبعـــض الوقـــت‪ .‬علـــى‬ ‫الرغـــم مـــن الطبيعـــة القلقـــة فـــي تلفزيـــون‬ ‫اوعوالـــم ســـينمائية ثالثيـــة االبعـــاد ‪ .‬هنـــاك‬ ‫العدي ــد م ــن التط ــورات واألس ــاليب الجدي ــدة‬ ‫لمجموعـــة واســـعة مـــن التطبيقـــات ‪ 3D‬و‬ ‫كم ــا يس ــمونها الن ــاس الثالثي ــة األبع ــاد‪ .‬لق ــد‬ ‫خلقـــت حيـــاة جديـــدة فـــي وســـيلة موجـــودة‬ ‫علـــى عتبـــة التغييـــر‪.‬‬

‫الفنـــون البصريـــة هـــي مجموعـــة الفنـــون‬ ‫التــي تهتــم أساســاً بإنتــاج اعمــال فنيــة تحتــاج‬ ‫لتذوقهـــا إلـــى الرؤيـــة البصريـــة المحسوســـة‬ ‫علـــى اختـــاف الوســـائط المُســـتخدمة فـــي‬ ‫إنتاجهـــا فهـــي األعمـــال الفنيّـــة التـــي تشـــغل‬ ‫حيّـــزاً مـــن الفـــراغ كالرســـم والتلويـــن‬ ‫ً‬ ‫شـــكال) وبالتالـــي يمكـــن‬ ‫والنحـــت (تأخـــذ‬ ‫قيـــاس أبعادهـــا بوحـــدات قيـــاس المـــكان‬ ‫(كالمتــر والمتــر المربــع) وهــي بهــذا تختلــف‬ ‫عـــن الفنـــون الزمانيّـــة كالرقـــص والشـــعر‬ ‫والموســـيقى والتـــي تقـــاس بوحـــدات قيـــاس‬ ‫الزمـــن (الدقائـــق والثوانـــي) لتصبـــح لدينـــا‬ ‫الفنـــون الســـبعة بجمـــع الفنـــون بصريـــة‬ ‫والزمانيّ ــة وتل ــك الت ــي تحم ــل الصفتي ــن مع ــاً‬ ‫كالســـينما (بصرية‪/‬زمانيّـــة)‪.‬‬ ‫و الفن ــون المرئي ــة ه ــي لفظ ــة عام ــة تش ــمل‬ ‫الفنــون البصريــة والفنــون التعبيريــة والفنــون‬ ‫التطبيقي ــة‪.‬‬ ‫و قديم ــاً عُ رف ــت الفن ــون المرئي ــة انه ــا فق ــط‬ ‫الفنـــون الجميلـــة مثـــل‪ :‬الرســـم والتصويـــر‬ ‫والنحـــت والعمـــارة ؛ واســـتُثنت الفنـــون‬ ‫التطبيقي ــة والمه ــارات الفني ــة الحرفي ــة مث ــل‪:‬‬ ‫الخـــزف والحياكـــة والنجـــارة وتصميـــم‬ ‫ـي واألزي ــاء ‪،‬فل ــم يت ــم اعتباره ــا فنون ــاً‬ ‫الحُ ل ـ ّ‬ ‫حتـــى انـــدالع (حركـــة الفنـــون والمهـــارات‬ ‫الفني ــة ‪)Arts and Crafts movement‬‬ ‫التاريخي ــة ف ــي بريطاني ــا ف ــي نهاي ــات الق ــرن‬ ‫الـــ‪ 19‬وبدايـــات القـــرن العشـــرين والتـــي‬ ‫هدفـــت إلـــى الدمـــج بيـــن الفنـــون الجميلـــة‬ ‫والفنـــون التطبيقيـــة‪.‬‬ ‫تتميـــز الفنـــون البصريـــة عـــن فنـــون‬ ‫األداء ‪ performing arts‬وفنـــون اللغـــة‬ ‫‪ language arts‬وفــن الطهــي ‪culinary‬‬ ‫‪ art‬وغيرهـــا مـــن أصنـــاف الفنـــون‪ ،‬لكـــن‬ ‫‪43‬‬


‫الحدود بينهم تبقى واهية‪.‬‬ ‫فالعدي ــد م ــن الفناني ــن ينخرط ــون ف ــي ع ــدة أن ــواع‬ ‫مـــن الفنـــون أو يمزجـــون الفنـــون المرئيـــة مـــع‬ ‫بعضه ــا أو م ــع اصن ــاف فني ــة غي ــر مرئي ــة مث ــل ‪:‬‬ ‫الموســـيقى والـــكالم المنطـــوق‪word spoken‬‬ ‫وبدخــول التكنلوجيــا المتقدمــة الــى الســينما واســتخدام‬ ‫المؤث ــرات الصوري ــة الخاص ــة انتف ــت الحاج ــة ال ــى‬ ‫الديك ــورات الضخم ــة واس ــتبدالها بالص ــور الرقمي ــة‬ ‫االفتراضي ــة وصــوال الــى الصــورة الثالثي ــة االبع ــاد‬ ‫‪.‬‬ ‫امـــا االن وفـــي تطـــور مذهـــل لهـــذه التكنولوجيـــا‬ ‫حيــث الغــى هــذا االبتــكار الشاشــة وجهــاز العــرض‬ ‫التقليـــدي ‪ ،‬فقـــد ابتكـــر النحـــت الضوئـــي باليـــزر‬ ‫االخض ــر ال ــذي يبن ــي اجس ــاما س ــاكنة او متحرك ــة‬ ‫مـــن الضـــوء تضاهـــي الحقيقـــة ‪.‬‬ ‫وفكرتهــا غايــة فــي البســاطة فلــو رمينــا حجــرً ا فــي‬ ‫برك ــة م ــاء س ــاكن فإن ــه س ــتتولد موج ـ ٌ‬ ‫ـات منتظم ــة‪،‬‬ ‫تنتشـــر علـــى شـــكل دوائـــر متحـــدة المركـــز‪ .‬ولـــو‬ ‫رمينـــا حجريـــن متماثليـــن تمامًـــا فـــي نقطتيـــن‬ ‫مختلفتي ــن ف ــإن الموج ــات الت ــي تنت ــج عنهم ــا يتج ــه‬ ‫ُ‬ ‫بعضه ــا نح ــو بع ــض‪ .‬ف ــإذا التق ــت ذرو ُة موج ــة م ــع‬ ‫ذروة موجـــة أخـــرى فإنهمـــا تتضافـــران وتعطيـــان‬ ‫‪44‬‬


‫موج ــة أكب ــر مرتي ــن م ــن ٍّ‬ ‫كل منهم ــا؛ وإذا التق ــت‬ ‫ذرو ُة موج ــة م ــع حضي ــض موج ــة أخ ــرى تنع ــدم‬ ‫الموجتـــان وتولِّـــدان منطقـــة ســـكون فـــي المـــاء‪.‬‬ ‫وهكـــذا يمكـــن لنـــا أن نتصـــور َّ‬ ‫كل اإلمكانـــات‬ ‫البينيَّـــة بيـــن الموجـــات‪ .‬والنتيجـــة النهائيـــة هـــي‬ ‫ُ‬ ‫التداخــل‪ .‬وتســلك‬ ‫نظــام معقــد للغايــة يس ـمَّى شــبكة‬ ‫ُ‬ ‫الموجـــات الضوئيـــة تمامًـــا ســـلوك الموجـــات‬ ‫الســـابقة‪ .‬ويُ َعـــ ُّد الليـــزر أنقـــى ضـــوء عرفـــه‬ ‫ِّ‬ ‫فلـــكل موجـــات الليـــزر التواتـــر ذاتـــه‪.‬‬ ‫اإلنســـان؛‬ ‫وهكـــذا فعندمـــا يلتقـــي شـــعاعا ليـــزر‪ ،‬يولِّـــدان‬ ‫شـــبكة ُ‬ ‫تداخـــل معقـــدة؛ ويمكـــن تســـجيل هـــذه‬ ‫الش ــبكة عل ــى لوح ــة تصوي ــر‪ .‬وه ــذا التس ــجيل ه ــو‬ ‫مـــا يســـمى بالهولوغـــرام‪.‬‬ ‫خاصيـــة الذواكـــر ثالثيـــة األبعـــاد علـــى أحـــد‬ ‫جـــوازات الســـفر‬ ‫ولكـــي نـــرى الصـــورة التـــي سُ ـــجِّ لَ ْت علـــى هـــذه‬ ‫اللوح ــة ال بــ َّد م ــن أن نس ــلِّط ش ــعاع لي ــزر مماث ــل‬ ‫للـــذي اســـتخدمناه علـــى اللوحـــة ذاتهـــا؛ وعندئـــ ٍذ‬ ‫يظه ــر الجســ ُم المصــوَّر عل ــى بُع ــد صغي ــر م ــن‬ ‫اللوح ــة ويب ــدو ثالث ــي األبع ــاد‪ .‬ولع ــل أغ ــرب م ــا‬ ‫ف ــي الهولوغ ــرام ه ــو أن ــه ل ــو كس ــرنا اللوح ــة ف ــإن‬ ‫َّ‬ ‫كل ِكسْ ـــرة منهـــا يمكـــن لهـــا أن تعطـــي الصـــورة‬ ‫بكاملهـــا (وتتشـــوَّش الصـــورة إذا صـــارت‬ ‫ال ِكسْ ـــرات دقيقـــة)‪.‬‬

‫هاهــي األجــزاء األساســية لتتــم صناعــة الـــ ذاكــرة‬ ‫ثالثي ــة األبع ــاد؟‬ ‫‪.1‬ليزر أرغوني (أزرق – أخضر)‪.‬‬ ‫‪.2‬مقسمات شعاعية لتقوم بتقسيم شعاع الليزر‪.‬‬ ‫‪.3‬مرايا لتوجيه أشعة الليزر‪.‬‬ ‫‪.4‬لوحة بلورات سائلة ‪.‬‬ ‫‪.5‬عدسات لتركيز أشعة الليزر‪.‬‬ ‫‪.6‬بلَّورة ليثيوم‪-‬نيوبات أو بولمير ضوئي‪.‬‬ ‫عندمـــا يتـــم إطـــاق ليـــزر األرغـــون (أزرق‪-‬‬ ‫أخضـــر)‪ ،‬عندئـــذ يقـــوم مقســـم األشـــعة بفصـــل‬ ‫شـــعاع الليـــزر إلـــى شـــعاعين ‪:‬‬ ‫تس ــقط حزم ــة م ــن آش ــعة اللي ــزر عل ــى مج ــزيء‬ ‫لآلشـــعة (‪ )Splitter‬فتنقســـم إلـــى جزئيـــن ينفـــذ‬ ‫الجـــزء األول مـــن اآلشـــعة ليصـــل إلـــى مـــرآة‬ ‫متســـاوية مثبتـــة فتنعكـــس اآلشـــعة لتســـقط علـــى‬ ‫اللـــوح الفوتوجرافـــي وتســـمى بآشـــعة المرجـــع‬ ‫(‪ ،)Reference beam‬ويس ــقط الج ــزء الثان ــي‬ ‫مـــن اآلشـــعة علـــى الجســـم المـــراد تصويـــره‬ ‫وتنعكـــس هـــذه اآلشـــعة مـــن جميـــع نقـــاط ســـطح‬ ‫الجســـم حاملـــة للمعلومـــات عنـــه لتصـــل اللـــوح‬ ‫الفوتوجرافــي وتســمى هــذه اآلشــعة بأشــعة الجســم‬ ‫(‪.)Objective Beam‬‬ ‫تلتق ــي آش ــعة المرج ــع وآش ــعة الجس ــم عل ــى الل ــوح‬ ‫الفوتوجراف ــي وتك ــون النتيج ــة نم ــط‬

‫‪45‬‬


‫والداكنـــة التـــي تناظـــر أهـــداب التداخـــل المضيئـــة‬ ‫والمظلمـــة‪ ،‬وعندمـــا يضـــاء بشـــعاع مشـــابه‬ ‫تمامـــا للشـــعاع المرجعـــي األصلـــي فـــإن الشـــعاع‬ ‫س ــوف ينف ــذ م ــن المناط ــق الش ــفافة ويُمت ــص ف ــي‬ ‫المناط ــق الداكن ــة بدرج ــات متفاوت ــة مكون ــا بذل ــك‬ ‫موجـــة نافـــذة مركبـــة هـــي الموجـــة المركبـــة‬ ‫للجس ــم األص ــل‪ .‬وعل ــى ه ــذا ف ــإن الحص ــول عل ــى‬ ‫التصوي ــر المجس ــم يت ــم عل ــى مرحلتي ــن ‪ :‬األول ــى‬ ‫‪ :‬تســـجل فيهـــا أنمـــاط التداخـــل ثـــم الحصـــول‬ ‫علـــى الهولـــو جـــرام أو (اللـــوح الحافـــظ لنمـــوذج‬ ‫التداخ ــل) والثاني ــة ‪ :‬يت ــم فيه ــا إضائ ــة‬ ‫الهولوجـــرام بطريقـــة معينـــة بحيـــث‬ ‫يك ــون ج ــزء م ــن الش ــعاع الناف ــذ م ــن‬ ‫الهولوجـــرام مطابقـــا لموجـــة الجســـم‬ ‫األص ــل‪ ،‬فن ــرى ص ــورة ماثل ــة امامن ــا‬ ‫فـــي الهـــواء وكأنهـــا الجـــس‬ ‫تس ــقط حزم ــة م ــن آش ــعة اللي ــزر عل ــى‬ ‫مج ــزيء لآلش ــعة (‪ )Splitter‬فتنقس ــم‬ ‫إلـــى جزئيـــن ينفـــذ الجـــزء األول مـــن‬ ‫اآلشـــعة ليصـــل إلـــى مـــرآة متســـاوية‬ ‫مثبت ــة فتنعك ــس اآلش ــعة لتس ــقط عل ــى‬ ‫اللـــوح الفوتوجرافـــي وتســـمى بآشـــعة‬ ‫المرجـــع (‪،)Reference beam‬‬ ‫ويســـقط الجـــزء الثانـــي مـــن اآلشـــعة‬ ‫علـــى الجســـم المـــراد تصويـــره‬ ‫وتنعكـــس هـــذه اآلشـــعة مـــن جميـــع نقـــاط ســـطح‬ ‫الجســـم حاملـــة للمعلومـــات عنـــه لتصـــل اللـــوح‬ ‫الفوتوجراف ــي وتس ــمى ه ــذه اآلش ــعة بأش ــعة الجس ــم‬ ‫(‪.)Objective Beam‬‬ ‫تلتق ــي آش ــعة المرج ــع وآش ــعة الجس ــم عل ــى الل ــوح‬ ‫الفوتوجرافـــي وتكـــون النتيجـــة نمـــط مركـــب‬ ‫مـــن تداخـــل تلـــك اآلشـــعة يســـجل علـــى اللـــوح‬ ‫الفوتوجراف ــي وبع ــد تحمي ــض الل ــوح الفوتوجراف ــي‬ ‫يظه ــر نم ــط تداخ ــل اآلش ــعة ف ــي ص ــورة مناط ــق‬

‫مركـــب مـــن تداخـــل تلـــك اآلشـــعة يســـجل علـــى‬ ‫اللـــوح الفوتوجرافـــي وبعـــد تحميـــض اللـــوح‬ ‫الفوتوجرافـــي يظهـــر نمـــط تداخـــل اآلشـــعة فـــي‬ ‫ص ــورة مناط ــق مظلم ــة وأخ ــرى مضيئ ــة ويس ــمى‬ ‫ه ــذا الل ــوح بع ــد تحميض ــه وتس ــجيل نم ــط التداخ ــل‬ ‫علي ــه بالهولوج ــرام يل ــزم بع ــد ذل ــك إع ــاد تكوي ــن‬ ‫الصـــورة وذلـــك بإضـــاءة الهولوجـــرام باألشـــعة‬ ‫المرج ــع وبالنظ ــر خالل ــه تظه ــر ص ــورة مجس ــمة‬ ‫تماث ــل الجس ــم تمام ــا مس ــجلة لجمي ــع دقائ ــق الجس ــم‬ ‫بأبع ــاده الثالثي ــة‪ .‬يمك ــن تس ــجيل أكث ــر م ــن ص ــورة‬

‫واحـــدة علـــى نفـــس اللـــوح الفوتوجرافـــي وذلـــك‬ ‫باســتخدام عــدد مــن األشــعة المرجــع فــي إتجاهــات‬ ‫مختلف ــة وتك ــون كل ص ــورة مس ــتقلة ع ــن األخ ــرى‬ ‫كمـــا يمكـــن تســـجيل عشـــرات الصـــور علـــى‬ ‫هولوجـــرام واحـــد وذلـــك باســـتخدام ثالثـــة حـــزم‬ ‫مـــن آشـــعة الليـــزر ذات ألـــوان مختلفـــة ويضـــاء‬ ‫الهولوجـــرام فـــي هـــذه الحالـــة بآلشـــعة البيضـــاء‪.‬‬ ‫يحت ــوي الهول ــو ج ــرام أو (الل ــوح الحاف ــظ لنم ــوذج‬ ‫التداخــل) علــى توزيــع معقــد مــن المناطــق الشــفافة‬ ‫‪46‬‬


‫يســـير بخـــط مســـتقيم ويعبـــر مـــن خـــال معـــدل‬ ‫ضوئ ــي فراغ ــي (‪Spatial Light Modulator‬‬ ‫‪)((SLM‬والـــذي هـــو عبـــارة عـــن لوحـــة ‪LCD‬‬ ‫تظهــر صفحــات البيانــات الثنائيــة (بالنظــام الثنائــي)‬ ‫علـــى شـــكل مكعبـــات فاتحـــة وقاتمـــة‪ .‬البيانـــات‬ ‫المأخ ــوذة م ــن صفح ــات الش ــيفرات الثنائي ــة تأخ ــذ‬ ‫بواســـطة شـــعاع اإلشـــارة إلـــى حســـاس ضوئـــي‬ ‫(بلَّـــورة الليثيوم‪-‬نيوبـــات)‬ ‫ونشـــير إلـــى أن بعـــض األنظمـــة تســـتخدم مـــواد‬ ‫فوتوبولميريـــة عوضـــاً عـــن البلَّـــورة الســـابقة‪.‬‬

‫مظلم ــة وأخ ــرى مضيئ ــة ويس ــمى ه ــذا الل ــوح بع ــد‬ ‫تحميضــه وتســجيل نمــط التداخــل عليــه بالهولوجــرام‬ ‫يلـــزم بعـــد ذلـــك إعـــاد تكويـــن الصـــورة وذلـــك‬ ‫بإضـــاءة الهولوجـــرام باألشـــعة المرجـــع وبالنظـــر‬ ‫خاللـــه تظهـــر صـــورة مجســـمة تماثـــل الجســـم‬ ‫تمامـــا مســـجلة لجميـــع دقائـــق الجســـم بأبعـــاده‬ ‫الثالثي ــة‪ .‬يمك ــن تس ــجيل أكث ــر م ــن ص ــورة واح ــدة‬ ‫عل ــى نف ــس الل ــوح الفوتوجراف ــي وذل ــك باس ــتخدام‬ ‫ع ــدد م ــن األش ــعة المرج ــع ف ــي إتجاه ــات مختلف ــة‬ ‫وتكـــون كل صـــورة مســـتقلة عـــن األخـــرى‪ ،‬كمـــا‬ ‫يمكـــن تســـجيل عشـــرات الصـــور علـــى‬ ‫هولوج ــرام واح ــد وذل ــك باس ــتخدام ثالث ــة‬ ‫حـــزم مـــن آشـــعة الليـــزر ذات ألـــوان‬ ‫مختلفـــة ويضـــاء الهولوجـــرام فـــي هـــذه‬ ‫الحالـــة بآلشـــعة البيضـــاء‪.‬‬ ‫يحتـــوي الهولـــو جـــرام أو (اللـــوح‬ ‫الحاف ــظ لنم ــوذج التداخ ــل) عل ــى توزي ــع‬ ‫معقـــد مـــن المناطـــق الشـــفافة والداكنـــة‬ ‫التـــي تناظـــر أهـــداب التداخـــل المضيئـــة‬ ‫والمظلمـــة‪ ،‬وعندمـــا يضـــاء بشـــعاع‬ ‫مشــابه تمامــا للشــعاع المرجعــي األصلــي‬ ‫ف ــإن الش ــعاع س ــوف ينف ــذ م ــن المناط ــق‬ ‫الشـــفافة ويُمتـــص فـــي المناطـــق الداكنـــة‬ ‫بدرجـــات متفاوتـــة مكونـــا بذلـــك موجـــة‬ ‫نافـــذة مركبـــة هـــي الموجـــة المركبـــة‬ ‫للجس ــم األص ــل‪ .‬وعل ــى ه ــذا ف ــإن الحص ــول عل ــى‬ ‫التصوي ــر المجس ــم يت ــم عل ــى مرحلتي ــن ‪ :‬األول ــى‬ ‫‪ :‬تس ــجل فيه ــا أنم ــاط التداخ ــل ث ــم الحص ــول عل ــى‬ ‫الهولــو جــرام أو (اللــوح الحافــظ لنمــوذج التداخــل)‬ ‫والثاني ــة ‪ :‬يت ــم فيه ــا إضائ ــة الهولوج ــرام بطريق ــة‬ ‫معينـــة بحيـــث يكـــون جـــزء مـــن الشـــعاع النافـــذ‬ ‫م ــن الهولوج ــرام مطابق ــا لموج ــة الجس ــم األص ــل‪،‬‬ ‫فنـــرى صـــورة ماثلـــة امامنـــا فـــي الهـــواء وكأنهـــا‬ ‫الجســـم األصلـــي‪.‬‬ ‫و هــو الشــعاع الــذي يحمــل المعلومــات وهــو الــذي‬

‫المصاعب‬ ‫جــذور هــذه التقنيــة يعــود إلــى العــام ‪ 1947‬عندمــا‬ ‫تـــم التوصـــل للتصويـــر المجســـم مـــن قبـــل العالـــم‬ ‫ديني ــس جاب ــور «‪ »Denis Gabor‬ف ــي محاول ــة‬ ‫منـــه لتحســـين قـــوة التكبيـــر فـــي الميكروســـكوب‬ ‫اإللكترونـــي‪ ...‬وألن مـــوارد الضـــوء فـــي ذلـــك‬ ‫الوقـــت لـــم تكـــن متماســـكة أحاديـــة اللـــون‪ ،‬فقـــد‬ ‫س ــاهمت ف ــي تأخ ــر ظه ــور التصوي ــر المجس ــم إل ــى‬

‫‪47‬‬


‫كوس ــيط ع ــرض ثالث ــي األبع ــاد‪ ،‬ل ــذا ق ــررا ق ــراءة‬ ‫وتطبيـــق أبحـــاث العالـــم جابـــور ولكـــن باســـتخدام‬ ‫اللي ــزر المتماس ــك‪ ،‬أخ ــادي الل ــون‪ ،‬وق ــد نجح ــا ف ــي‬ ‫ع ــرض ص ــور مجس ــمة بوض ــوح وعم ــق واقع ــي‪.‬‬ ‫التصوي ــر المجس ــم يمك ــن تطبيق ــه عل ــى مجموع ــة‬ ‫متنوعـــة مـــن األغـــراض مثـــل تســـجيل الصـــور‪،‬‬ ‫اســـتخدامها فـــي الترويـــج للتجـــارة (كاســـتخدامها‬ ‫فــي أكشــاك تقــوم بعــرض المنتجــات أو التحــف أو‬ ‫غيره ــا)‪ ،‬من ــع التزوي ــر باس ــتخدام ش ــريط مجس ــم‬ ‫مطب ــوع عل ــى ظه ــر بطاق ــات االئتم ــان‪ ،‬أو وض ــع‬ ‫العالم ــات التجاري ــة عل ــى أغلف ــة الس ــلع‪.‬‬ ‫بعده ــا توال ــت التج ــارب فع ــرض أول هولوج ــرام‬ ‫لشـــخص فـــي العـــام ‪ ،1967‬وفـــي العـــام ‪1972‬‬ ‫تمكـــن العالـــم لويـــد كـــروز «‪»lioyd Cross‬‬ ‫م ــن صناع ــة أول هولوج ــرام يجم ــع بي ــن الص ــور‬ ‫المجســـمة ثالثيـــة األبعـــاد والســـينماجرافي ذات‬ ‫البعديـــن‪.‬‬ ‫عندمـــا تـــم طـــرح فكـــرة ال ‪ HDSS‬ألول مـــرة‬ ‫ع ــام ‪ ،1963‬كان ــت األدوات والعناص ــر الالزم ــة‬ ‫لتحضيره ــا ضخم ــة وغالي ــة الثم ــن‪ ،‬عل ــى س ــبيل‬ ‫المثــال ‪ :‬فــإن جهــاز الليــزر يجــب أن يكــون بطــول‬ ‫‪ 6‬أقــدام (أي مــا يعــادل متريــن) وذلــك فــي أنظمــة‬ ‫الـــ‪ HDSS‬المســتخدمة فــي الســتينيات‪ ،‬بينمــا فــي‬

‫وقت ظهور الليزر عام ‪.1960‬‬ ‫فـــي العـــام ‪ 1962‬أدرك العالـــم جيوريـــس‬ ‫اوبتنيكـــس «‪ »Juris Upatnieks‬والعالـــم‬ ‫ايمي ــت لي ــث «‪ »Emmitt Leith‬م ــن جامع ــة‬ ‫ميتشـــجان أن الهولوجـــرام يمكـــن أن يســـتخدم‬

‫‪48‬‬


‫الـــ ‪ HDSS‬ف ــي الوق ــت الراه ــن –وبتطوي ــر م ــن‬ ‫شــركة ‪ Consumer‬لإللكترونيــات‪ -‬فــإن مصــدر‬ ‫ليــزري مشــابه لــذاك الموجــود فــي ســواقة الـــ‪CD‬‬ ‫الحاليــة يمكــن أن يســتخدم فــي الـــ‪HDSS‬‬ ‫كم ــا أن شاش ــات الـــ ‪ LCD‬ل ــم تظه ــر حت ــى ع ــام‬ ‫‪ ،1968‬والنمـــاذج األولـــى كانـــت غاليـــة الثمـــن‪،‬‬ ‫لكــن اليــوم فــإن الـــ ‪ LCD‬رخيصــة الثمــن ومعقــدة‬ ‫أكثــر مــن مثيالتهــا قبــل ‪ 30‬عامــاً‪ ،‬هــذا باإلضافــة‬ ‫إلـــى أن حساســـات العناصـــر ثنائيـــة القطبيـــة لـــم‬ ‫تك ــن موج ــودة حت ــى العق ــد الماض ــي‪ ،‬حالي ــاً ف ــإن‬ ‫معظـــم عناصـــر الـــ‪ HDSS‬موجـــودة وهنـــاك‬ ‫اإلمكاني ــة لتصنيعه ــا‪ ،‬وه ــذا يعن ــي أن ــه يمك ــن أن‬ ‫تنتـــج علـــى نطـــاق واســـع‪ ،‬علـــى الرغـــم مـــن أن‬ ‫عناص ــر الـــ‪ HDSS‬متوف ــرة ف ــي الوق ــت الحال ــي‬ ‫وذل ــك بخ ــاف الس ــتينيات إال أن ــه ال ت ــزال هن ــاك‬ ‫بع ــض المش ــاكل التقني ــة الت ــي تحت ــاج للح ــل‪.‬‬ ‫أفالم الخيال العلمي والتصوير المجسم‬ ‫فـــي سلســـلة أفـــام حـــرب النجـــوم تـــم اســـتخدام‬ ‫فكــرة التصويــر المجســم فــي تصويــر أحــد وســائل‬ ‫االتص ــاالت والتخاب ــر الخاص ــة بالمس ــتقبل‪ .‬وف ــي‬ ‫فيل ــم أوش ــنز ‪ 12‬ت ــم اس ــتخدامة ف ــي عملي ــة س ــرقة‬ ‫أحـــد التحـــف الثمينـــة حيـــث أســـتخدم التصويـــر‬ ‫المجســـم إليهـــام الناظريـــن بأنهـــا ال تـــزال فـــي‬ ‫مكانهـــا‪.‬‬ ‫استخدامات اخرى‬ ‫التصـــور الهولوجرامـــي يمكـــن تطبيقـــه علـــى‬ ‫مجموع ــة متنوع ــة م ــن االغ ــراض مث ــل تس ــجيل‬ ‫الصـــور‪ ،‬الترويـــج للتجـــارة‪ ،‬كأكشـــاك لعـــرض‬ ‫المنتجـــات أو التحـــف وغيرهـــا‪ ،‬منـــع التزويـــر‬ ‫باضافـــة شـــريطا مجســـما مطبوعـــا علـــى ظهـــر‬ ‫بطاق ــات االعتم ــاد‪ .‬أو وض ــع العالم ــات التجاري ــة‬ ‫علــى أغلفــة الســلع‪ .‬كمــا يمكــن ان يســتخدم لتخــزن‬ ‫المعلومـــات بكثافـــه عاليـــه داخـــل البلـــورات‪.‬‬ ‫فتقني ــات التخزي ــن الحالي ــة مث ــل البل ــو راي (‪Blu-‬‬

‫‪ )ray‬تصـــل حـــد معيـــن محـــدود حســـب ســـطح‬ ‫وس ــائط التخزي ــن عل ــى عك ــس التصوي ــر المجس ــم‬ ‫فانـــه يســـتطيع تســـجيل البيانـــات علـــى كامـــل‬ ‫حج ــم وس ــائط التخزي ــن ب ــدال م ــن س ــطح وس ــائط‬ ‫التخزي ــن فق ــط‪ .‬وف ــي ع ــام ‪ ، 2005‬شــركات مثــل‬ ‫اوبتـــواري (‪)Optware‬وماكســـيل (‪)Maxell‬‬ ‫انتج ــت ‪ 120‬مل ــم طبق ــة تخزي ــن بيان ــات (دس ــك)‬ ‫التـــى تســـتخدم اقـــراص التصويـــر المجســـم‬ ‫لتخزيـــن مـــا يقـــارب‪،)TB 3.9 (terabyte‬‬ ‫وخطـــة لتســـويقها تحـــت اســـم اقـــراص التصويـــر‬ ‫المجســـم‪ .‬الهولوغـــرام ال يمكـــن نســـخه عـــن‬ ‫طريـــق آالت التصويـــر (‪ )Photocopier‬أو‬ ‫ماس ــحات الكمبيوت ــر الضوئي ــه (‪ )Scanners‬أو‬ ‫حت ــى تقني ــات الطباع ــة مم ــا يعن ــي أنن ــا أم ــام تقني ــة‬ ‫مذهلـــه قـــد تســـاهم فـــي القضـــاء علـــى حـــاالت‬ ‫التزويـــر وهـــذه بعـــض المقاطـــع المدهشـــة‬

‫‪49‬‬


50


‫اكرم شكري‬

‫فائق حسن‬

‫ال شـك ان االسـباب التـي دفعـت رواد‬ ‫الحركـة التشـكيلية فـي العـراق الـى النهـل‬ ‫من محلياتهم متعددة ‪ ،‬ويتصدرها حرصهم‬ ‫علـى ايجـاد موطـئ قـدم لهـم ولفنـون‬ ‫حضاراتهـم فـي الخريطـة العالمية‪ .‬وأسـهم‬ ‫فـي دفعهـم الـى ذلـك اطالعهـم المـزدوج‬ ‫علـى الثقافـة البصريـة التشـكيلية العالميـة‬ ‫التـي نهلـوا منها خالل دراسـتهم االكاديمية‬ ‫فـي أوربـا مـن جهـة ‪ ،‬والتـراث الثقافـي‬ ‫البصـري الـذي نظـروا اليـه بعيـون جديـدة‬ ‫فـي حـدود بالدهـم من جهة اخرى‪ ،‬وأسـهم‬ ‫فـي ذلـك الى المزيـد من االهتمـــــــام بهذه‬ ‫الحركـة الواسـعة‬ ‫الستكشـاف آثارهـم‬ ‫فـــــي مرحلـــــــة‬ ‫مـــــا قبـل االسلام‬ ‫وسرعان ما وجدوا‬ ‫بيـن أيديهـم تراثـا‬

‫غنيا من التشـكيل والثقافة البصرية المتميزة‬ ‫والتـي تمثلـت بالطابـع السـومري واالكـدي‬ ‫واالشـوري واالسلامي وأسـهم فـي ذلـك ان‬ ‫هـؤالء الـرواد وجدوا الى حد مـا في الغرب‬ ‫مـن يسـعى مـن كبـار فنانيـه الـى اسـتلهام‬ ‫الفنـون الحضارية الشـرقية القديمة والعربية‬ ‫والزنجيـة لغناهـا التعبيـري عـن الحقائـق‬ ‫الفائقـة فـي جهـد تجـاوز الرؤيـة الشـخصية‬ ‫الـى الرؤيـة التشـكيلية فـي الشـخص‪ ،‬وذلـك‬ ‫حسـب ادراك فنانـي الغـرب بأنهم مواجهون‬ ‫بضيـاع كبيـر بعـد أن اسـتنفذت حضارتهـم‬ ‫كل ذخيرتهـا وان عليهـم ان يبحثـوا عـن‬ ‫معيـن جديـد ‪ ،‬وأن‬ ‫يتجهـــــوا بأنظارهم‬ ‫صــــــوب الشـرق‪.‬‬ ‫مـن هـذه المقدمـة‬ ‫رآى فنانونـا مـن‬ ‫ذلك حافـزا للخروج‬ ‫فائق حسن‬

‫اكرم شكري‬ ‫شاكر حسن ال سعيد‬

‫‪51‬‬


‫الـى الجديـد الـذي يفردهـم‬ ‫فـي العمل االبداعـي الدال‬ ‫عليهـم بصفــــة التـراث‬ ‫وصفـــــــــة بجهدهـــــــم‬ ‫الخـــــــــاص ‪ ،‬واشتد هذا‬ ‫الحافـز قـوة بعـد عودتهـم‬ ‫الـى الوطـن كاشـفين عـن‬ ‫رؤياهـم الفنية عبر آثارهم‬ ‫جميل حمودي‬ ‫الفنيـة ‪ ،‬لـم يكتفـوا عنـد‬ ‫ذلـك بل سـعوا للتوسـع بمـد طموحاتهم التـي تبلورت‬ ‫وتباينت فيما بعد من خالل حاضنة الجماعات الفنية ‪.‬‬ ‫اعتبـرت فتـرة الحـرب العالميـة الثانيـة مـن أهـم‬ ‫الفتـرات التأريخيـة فـي نشـوء الحركـة التشـكيلية‬ ‫الحديثـة فـي العـراق ‪ ،‬فـأن مـا قبـل تلك الفتـرة كانت‬ ‫بمثابـة البوابـة العريضـة التـي مهدت لصناعـة الفكر‬ ‫الجماعـي وظهـور الجماعـات الفنيـة الـى الحـد الذي‬ ‫باتـت تنشـط كظاهـرة فنيـة لممارسـة العمـل الجمعي‬ ‫متخـذة مـن خمسـينيات العـراق منطلقـا لهـا لظهـور‬ ‫أولـى الجماعات الفنية والموغلة في عقد السـبعينيات‬ ‫مـن القـرن الماضـي ‪ ،‬وذلـك لما كان لتلـك الفترة من‬ ‫ممارسـات ومحـاوالت فنيـة أثرهـا البالـغ فـي تنميـة‬ ‫الوعي والذوق الفني لدى الفنان والجمهــور ‪ ،‬عــــام‬ ‫‪ 1931‬أرســــلــــت الحكومـــة العراقية الفنان أكرم‬ ‫شـكري كأول مبعـوث لهـا لدراسـة الفـن فـي انجلترا‬ ‫ثـم فائـق حســـن ‪ ،‬اقامـــــــــة المعـرض الصناعـي‬ ‫الفنـي فـي بغـداد ‪ ،‬عـام ‪ 1936‬أقيـم المعـرض‬

‫جميل حمودي‬

‫‪52‬‬

‫الشـخصي للفنـان حافـظ‬ ‫الدروبـي بعدهـا جـاءت‬ ‫مبـادرة فائق حسـن بفتح‬ ‫فـرع للرسـم والنحت في‬ ‫معهـد الفنـون الجميلـة‬ ‫ببغـداد والـذي أسـس‬ ‫عـام ‪ 1936‬بعمـادة‬ ‫الموسـيقار المعـروف‬ ‫عطا صبري‬ ‫الشـريف محيـي الديـن‬ ‫حيـدر ‪ ،‬عـام ‪ 1939‬سـافر جواد سـليم لدراسـة الفن‬ ‫فـي فرنسـا حينهـا كان الفنانـون التشـكيليون يجـرون‬ ‫حواراتهـم ويعقـدون لقاءاتهـم الفنيـة فـي دار الفنـان‬ ‫فائـق حسـن ‪ ،‬عـام ‪ 1940‬أسسـت ( جماعـة او‬ ‫جمعيـة أصدقـاء الفـن ) بمبـادرة مـن أكـرم شـكري‬ ‫كريـم مجيـد ‪ ،‬عطـا صبـري ‪ ،‬شـوكت سـليمان‬ ‫هـذه المبـادرة سـجلت للحركـة الفنيـة فـي العـراق‬ ‫وبشـكل الفـت االندمـاج بالفكـر العالمـي بعـد أن‬ ‫كان ال يخـرج عـن كونـه مجـرد تعبيـر عـن رغبـة‬ ‫شـخصية لمحـاكاة الواقـع ( الطبيعـة الخارجيـة ) ‪.‬‬ ‫ومـن ممهـدات تلـك الفتـرة ضمنـا محاولـة حافـظ‬ ‫الدروبـي فـي تأسـيس محتـرف جماعي عـام ‪1942‬‬ ‫ليكـون نـواة لمشـغل فنـي كبيـر لجماعـة او مجموعة‬ ‫مـن الفنانيـن التشـكيليين اقتضاهـا نضـوج الوعـي‬ ‫للفنـان العراقـي الـى الحـد الـذي أخـذ يتحمـس فيـه‬ ‫للممارسـة الفنيـة بـروح الجماعـة ‪ .‬عـام ‪1936‬‬ ‫صـدرت مجلـة ( الفكـر العربـي ) للفنـان جميـل‬

‫عطا صبري‬


‫جواد سليم‬

‫حافظ الدروبي‬

‫حمـودي بدورهـا سـاهمت هـي االخـرى فـي توعيـة‬ ‫الفنـان والجمهـور المثقـف علـى حـد سـواء ‪ ،‬عـام‬ ‫‪ 1942 – 1941‬ظهـور الفنانيـن البولندييـن الذيـن‬ ‫أتـوا مـع الجيـش البريطانـي علـى المشـهد التشـكيلي‬ ‫فـي العـراق واندفاعهـم الكبيـر للعمـل الفنـي سـاهم‬ ‫بتحـول كبيـر فـي صياغـة وممارسـة العمـل الفنـي‬ ‫ومـن خلال هـذا الظهور احتك الفنـان العراقي بالفن‬ ‫العالمـي والفـن االوربـي ‪ ،‬ومـن هنا رفـد البولنديون‬ ‫الفـن العراقـي ‪ .‬عـام ‪ 1950‬ظهرت جماعـة الرواد‬ ‫التـي اطلـق عليهـا ( جماعـة ‪ ) S.P‬البدائيـة وهـي‬ ‫أولـى الجماعـات الفنيـة في العراق التـي التفت حول‬ ‫مؤسسـها ( فائق حسـن ) ‪ ،‬ضمت هذه الجماعة عددا‬ ‫مـن الفنانيـن المحلييـن وخصوصـا فـي بدايـة حياتهم‬ ‫االحترافيـة ‪ ،‬وقعـت هـذه الجماعـة مـن التشـكيليين‬ ‫أسـيرة مفهـوم االصالـة والمحليـة ‪ .‬ولكننـا من خالل‬ ‫التمعـن فـي أعمـال فنانـي هـذه الجماعـة يمكننـا أن‬ ‫نالحـظ تباينا شـديدا في المسـتويات بيـن أعمال فنان‬ ‫وآخـر ‪ ،‬نجـد البعـض قـد نسـخ البيئـة نسـخا سـطحيا‬ ‫وهنـاك مـن كان يملـك أدوات فنيـة متطـورة رغـم‬ ‫اسـتخدامه االسـلوب الواقعـي فـي عملـه الفنـي نجـده‬

‫قـد ابتعـد عـن التسـجيلية الفوتوغرافيـة وأخذ يضيف‬ ‫شـخصيته الفنيـة فـي العمـل ‪ ،‬فقـد طـور االسـلوب‬ ‫العـادي الناسـخ الـى تحويـر فـي العمـل مضيفـا بعدا‬ ‫جماليـا ذو رؤيـة داخليـة فعكسـت تلـك الجماعـة‬ ‫فـي أعمالهـا بعـدا اجتماعيـا وانسـانيا للمجتمـع ‪.‬‬ ‫عـام ‪ 1951‬ظهـرت ( جماعـة بغـداد للفـن‬ ‫الحديـث ) بعـد ان فكـر جـواد سـليم مؤسـس‬ ‫الجماعـة بتكويـن مجموعـة ذات اتجـاه‬ ‫واحـد متميـز للبحـث عـن قيـم وخصوصيـة‬ ‫محليـة لهـا أبعادهـا االجتماعيـة والثقـــافية‬ ‫والحضــــاريـــــة ‪ ،‬وموقفهـا الفكـري‬ ‫ازاء مـا يحـدث مـن اعتمـاالت واحتدامـات‬ ‫علـى مسـرح الحيـاة آنـذاك بعـد ان غرقـت‬ ‫نتاجاتهـم الفنيـة بأحلام الغـرب كمعطـى‬ ‫لتأثيـرات المـدارس االوربيـة ‪ ،‬فـكان البـد‬ ‫مـن اسـتدعاء التـراث الحضـاري ليكـون‬ ‫المحـك االول والمحـرك المؤثر نحو مفاهيم‬ ‫جديـدة تضمـن سلامتهم الفكريـة وقضيتهـم‬ ‫فـي الفـن كجماعـة ‪ ،‬ظهـرت هـذه الجماعة‬ ‫كـردة فعـل علـى جماعـة الـرواد التـي‬ ‫‪53‬‬

‫خالد الرحال‬


‫بعـد جماعـة خاصـة بـه هـي ( جماعـة االنطباعيين‬ ‫العراقييـن ) التـي عكسـت فـي اعمالهـا مشـاعرهم‬ ‫االنسـانية واالجتماعيـة ‪ .‬عـام ‪ 1965‬ظهـرت‬ ‫( جماعـة المجدديـن ) برؤيـة مغايـرة منطلقـة مـن‬ ‫الفكـر السـتيني المفتـوح علـى الواقـع الجديـد كـردة‬ ‫فعـل علـى فتـرة االربعينيـات والخمسـينيات التـي‬ ‫اتخـذت فـي مشـروعها ( الشـكل المحلـي ) جوهـر‬ ‫خطابها التشـكيلي ‪ .‬آمنت هذه الجماعة التي ضمت‬ ‫علـي طالـب – رسـام ‪ ،‬سـالم الدبـاغ – رسـام ‪،‬‬ ‫نـداء كاظـم – نحـات ‪ ،‬طالـب مكـي – نحـات ‪،‬‬ ‫فائق حسـين – رسـام ‪ ،‬صالح الجميعي – رسـام ‪،‬‬ ‫طاهـر جميـل – مصـور فوتوغرافـي ‪ ،‬بـأن عليهـا‬ ‫انجـاز عمـل فنـي كان غائبـا فـي حينـه واالنعتـاق‬ ‫مـن اسـتاتيكية التراث ومحدداته نحـو االنفتاح على‬ ‫التجـارب العالميـة ‪ ،‬اهتمـت هذه الجماعـة بالمهارة‬ ‫والتقنيـة بالدرجـة االولـى وفتحـت البـاب امـام‬ ‫الجماعـات االخـرى للظهـور كجماعـة آدم وحـواء‬ ‫فيمـا بعـد ‪ ،‬جماعـة الحـدث القائم ‪ ،‬جماعـة الزاوية‬ ‫جماعـة تمـوز ‪ ،‬جماعـة البعـد الواحـد ‪ ،‬جماعـة‬ ‫االكاديمييـن ‪ ....‬الـخ ‪« .‬ثمـة وحـدة داخليـة للعلـم‬ ‫تضـع االنسـان داخـل موقف غير مرئـي أزاءه ‪ ،‬ال‬ ‫شـك ان الوعي المعاصر ما هو اال عملية اكتشـاف‬ ‫لـذات االنسـان مـن جهـة وللـذات الحضاريـة مـن‬ ‫جهـة أخـرى‪ .‬فـاذا كانـت مرحلتنـا نتيجـة حتميـة‬ ‫الكتشـافات وتخـط سـابق مـن قبـل االنسـان تجـاه‬ ‫عالمـه الخارجـي ‪ ،‬فـأن الوجـود الفعلـي لـن‬ ‫يتحقـق اال مـن خلال الحركـة ‪ ،‬والتـي ترفـض أي‬ ‫هـدف نهائـي للوجـود ‪ ،‬حيـث حضـور الشـيء فـي‬ ‫تطـوره المسـتمر وتغيـره الدائـب ‪ ،‬وحيـث تصبـح‬ ‫اسـتمرارية البحـث صفـة االنسـان الواعـي» ‪.‬‬ ‫هـذه الرؤيـة توسـمت فـي بيـان جماعـة ( الرؤيـة‬ ‫الجديـدة ) التـي أسسـت عـام ‪ 1969‬بلغـة اختلفـت‬ ‫عـن سـواها وبنظرة آمنت بالعرض المتناسـق الذي‬ ‫يشـوبه شـيء مـن الرؤيـة ‪ ،‬والتقنيـات ‪ ،‬واالفـكار‬ ‫تجسـدت بخطاباتهـم البصريـة التـي ال زالـت عالقة‬

‫اسماعيل الترك‬

‫تمسـكت بالصياغـة التقليديـة فـي طـرح االعمـال‬ ‫الفنيـة ‪ .‬أرادت جماعـة بغـداد أن تمنـح االسـاليب‬ ‫االوربيـة فـي العمـل هويـة محلية وتلك هـي رؤيتها‬ ‫فاسـتلهمت االسـلوب العراقـي القديـم واالسلامي‬ ‫ورسـوم الواسـطي واتخـذوا منهـا منطلقهـم الجديـد‬ ‫وايمانهـم باسـتئناف سلسـلة االبـداع الفنـي التـي‬ ‫قطعـت باسـتيالء المغـول علـى بغـداد عـام ‪1258‬‬ ‫م مـن جديـد محققيـن نهضـة معاصـرة فـي الفـن‬ ‫العراقـي الحديـث ‪ ،‬وعبـر موازنـة تحقيـق التوافـق‬ ‫بيـن االسـلوب العالمـي والهويـة المحليـة ‪ .‬ضمـت‬ ‫هـذه الجماعـة فاضـل عبـاس مـن أول االنطباعييـن‬ ‫فـي العراق وكان يمثل االهتمام بالطابع االجتماعي‬ ‫ضمـن جماعـة بغـداد للفـن الحديـث ‪ ،‬محمـد غنـي‬ ‫حكمـت ‪ ،‬ميـران السـعدي ‪ ،‬خليـل الـورد ‪ ،‬عبـد‬ ‫الرحمـن الكيالنـي ‪ ،‬خالـد الرحـال ‪ ،‬اسـماعيل‬ ‫فتـاح التـرك ‪ ،‬وحافـظ الدروبـي الـذي انتمـى فـي‬ ‫البدايـة الـى جماعـة بغـداد ‪ ،‬ولكنـه أسـس لـه فيمـا‬ ‫‪54‬‬


‫فـي ذاكرة التشـكيل العراقـي المعاصر ‪ .‬ضمت هذه‬ ‫الجماعـة ( رافـع الناصـري الـذي درس الفـن فـي‬ ‫الصين ‪ ،‬ومحمد مهر الدين في بولونيا ‪ ،‬اسـماعيل‬ ‫فتـاح التـرك درس فـي ايطاليا ‪ ،‬صالح الجميعي في‬ ‫أمريكا ‪ ،‬وهاشـم سـمرجي في البرتغال ‪ ،‬اما ضياء‬ ‫العـزاوي فـدرس فـي بغـداد ) ‪ .‬عـام ‪ 1959‬عندما‬ ‫عاد شاكر حسن آل سعيد من باريس وبعد أن اكمل‬ ‫دراسـته فـي مدرسـة الفنـون الزخرفية هنـاك ‪ ،‬فكر‬ ‫بطريقـة يتخـذ منهـا نهجـا ابداعيـا كأي فنـان يحاول‬ ‫االبـداع ‪ ،‬فاسـتعرض كل المـدارس التـي ظهـرت‬ ‫فـي حينهـا ‪ ،‬أي مـا بعـد االنطباعيـة ‪ ،‬امثـال بـول‬ ‫سـيزان ‪ ،‬وفـان كـوخ ‪ ،‬وكـوكان ‪ ،‬كأقـرب منطقـة‬ ‫نحـو الوحشـية والتكعيبيـة ‪ ،‬وجـد كل المـدارس تتم‬ ‫بطريقـة وضـع اللـون علـى السـطح التصويـري ‪،‬‬ ‫باسـلوب فـي البحـث عـن معنـى وجـود المرئيـات‬ ‫‪ ،‬هـذا مـا كان يتحـدث عنـه آل سـعيد فـي أحـدى‬ ‫حواراتـه الفنيـة عـن معنـى البعـد الواحـد‪ .‬وبفضـل‬ ‫محاوالتـه الذهنيـة والثقافـة البصرية اسـتطاع رسـم‬ ‫الخـط علـى السـطح التصويـري مبتـدءا بــ ( فـن ال‬ ‫شـكلي ) بوضـع تـدرج لونـي وكثافـة لونيـة يحيـل‬

‫بهـا المتلقـي مشـاهدة خط وهمي مرسـوم ال يخضع‬ ‫لمسـاحة معينـة ذات بعديـن ‪ ،‬ضمـن تلـك الرؤيـة‬ ‫أسـس جماعـة البعد الواحد عـام ‪ 1971‬للبحث عن‬ ‫أشـكال تلقائيـة بتأثيـر عوامـل البيئـة علـى واجهات‬ ‫الجـدران القديمـة ‪ ،‬تشـتمل علـى خطـوط غيـر‬ ‫مرسـومة تظهـر علـى السـطح بهيئة شـقوق مفرغة‬ ‫مـن أبعادهـا بفضـل تجـاور السـطحين ‪ ،‬يخضعهـا‬ ‫هـو فيمـا بعـد الـى تقنيـة تخـدم غرضه االدبـي منها‬ ‫‪ :‬ان مجمـل االعمـال التـي قدمـت خلال الحقبـة‬ ‫الزمنيـة المنصرمـة للجماعـات الفنيـة فـي العـراق‬ ‫وباختالف تشـكيالتها الكيانية ‪ ،‬نجد ان المسـتويات‬ ‫الفنيـة فيهـا متفاوتـة سـواء مـن ناحيـة االسـلوب او‬ ‫التقنيـة او الموضـوع ‪ ،‬يمكننـا أن نصنـف هـذه‬ ‫االعمـال الـى مجموعتيـن رئيسـيتين ‪ ،‬مجموعـة‬ ‫تهتـم بالتـراث واالصالـة والمحليـة ضمـن نهـج‬ ‫حداثـوي مسـتعار فـي صياغـة الخطـاب التشـكيلي‬ ‫المعاصـر ‪ ،‬بينمـا تهتم المجموعة االخرى بأسـاليب‬ ‫حديثـة ومعاصـرة تبحـث عـن التطـور والوصـول‬ ‫الـى مسـتوى فنـي مغايـر للمألـوف ‪ ،‬تقتـرن بتلـك‬ ‫االسـتعارة فـي صياغـة االثـر الفنـي الـى حـد مـا‪.‬‬

‫محمد غني حكمت‬

‫‪55‬‬


‫ان الســـينما فـــن قائـــم بذاتـــه‬ ‫وه ــي ف ــي ط ــور البح ــث ع ــن‬ ‫لغته ــا ويعتب ــر الزم ــن اس ــاس‬ ‫فـــن الســـينما مثلمـــا الصـــوت‬ ‫فـــي الموســـيقى والشـــخصية‬ ‫فـــي الدرامـــا واللـــون فـــي‬ ‫الرســـم ‪ ،‬ولهـــذا لـــم يخطـــئ‬ ‫المخ ــرج االيطال ــي المع ــروف‬ ‫مايـــكل انجيلـــو انطونيونـــي(‬ ‫‪ )2007-1912‬عندم ــا ق ــال‪:‬‬ ‫«أســـتطيع بواســـطة اللـــون‬ ‫أن أطلـــع المتفـــرج علـــى مـــا‬ ‫يجيـــش فـــي صـــدر الممثـــل‬ ‫بغيـــر حـــوار أو كلمات»‪.‬يقـــول توبليتـــز عميـــد‬ ‫االتحـــاد الدولـــي ألرشـــيفات الســـينما ‪:‬‬ ‫« لق ــد ت ــرك كل ف ــرع م ــن ف ــروع الفن ــون التقليدي ــة‬ ‫بصمات ــه عل ــى الف ــن‪ ،‬كم ــا أس ــهم ف ــي تحدي ــد قواع ــد‬ ‫تكوينــه‪ .‬فإلــى جانــب الرســم التقليــدي هنــاك الرســم‬ ‫الســـينمائي علـــى الشاشـــة‪ ،‬وإلـــى جانـــب األدب‬ ‫المكت ــوب هن ــاك األدب المرئ ــي والمس ــموع‪ ،‬وإل ــى‬ ‫جانـــب العـــرض المســـرحي هنـــاك العـــرض علـــى‬ ‫الشاش ــة‪ ،‬وأخي ــرا إل ــى جان ــب الموس ــيقى التقليدي ــة‬ ‫هن ــاك موس ــيقى تحك ــم تركي ــب العم ــل الس ــينمائي»‪.‬‬ ‫ويمي ــل بع ــض المفكري ــن إل ــى اعتب ــار الس ــينما لون ــا‬ ‫جدي ــدا م ــن أل ــوان الفن ــون التش ــكيلية ألن الص ــورة‬ ‫تق ــوم فيه ــا بال ــدور الرئي ــس يق ــول إيل ــي ف ــور” إن‬ ‫تكوي ــن الفيل ــم ثاب ــت ومح ــدد‪ ،‬وعندم ــا يت ــم تحدي ــده‬ ‫فإن ــه ال يتغي ــر بع ــد ذل ــك أب ــدا‪ ،‬وه ــذا يكس ــبه صف ــة‬ ‫ال تتص ــف به ــا س ــوى الفن ــون التش ــكيلية “‪.‬ويق ــول‬

‫اذا اردنـــا أن ننظـــر مـــن أيـــة‬ ‫زاويـــة للـــكادر الســـينمائي او‬ ‫(الفريـــم ) اذا جردنـــاه مـــن‬ ‫الحركــة وحولنــاه الــى صــورة‬ ‫جامـــدة فأنـــه ســـوف يفقـــد‬ ‫كثيـــر مـــن معانيـــه ورمـــوزه‬ ‫وايحائتـــه وســـوف يتحـــول‬ ‫الـــى صـــورة فوتوغرافيـــة‬ ‫واقعيـــة اقـــرب الـــى ان‬ ‫تكـــون لوحـــة تشـــكيلية تـــم‬ ‫ترتيبه ــا وف ــق معطي ــات الف ــن‬ ‫التشـــكيلي ‪..‬اســـتطراد كتـــب‬ ‫روالن ب ــارت ف ــي «الحج ــرة‬ ‫المظلم ــة « أح ــب الص ــورة الفوتغرافي ــة أكث ــر مم ــا‬ ‫أحـــب الســـينما»‬ ‫‪ ...‬الس ــينما ف ــي عمقه ــا ه ــي ف ــن بص ــري س ــمعي‬ ‫والصـــورة فيهـــا تلعـــب دوراً كبيـــرا لذلـــك فأنهـــا‬ ‫تعتمـــد علـــى مفـــردات تقنيـــة وتعبيريـــة تشـــكيلية‬ ‫منهـــا التكويـــن واللـــون والضـــوء والظـــال مـــع‬ ‫مراع ــاة بع ــض العالم ــات االنش ــائية ف ــي التصمي ــم‬ ‫مث ــل التباي ــن والتواف ــق والنس ــب والتكوين ــات وه ــذا‬ ‫ال ينتقــص مــن فــن الســينما ألنهــا أم الفنــون او الفــن‬ ‫الس ــابع باعتباره ــا ج ــاءت م ــن ت ــظ اف ــر الفن ــون‬ ‫الت ــي عرفته ــا االنس ــانية م ــن قب ــل (العم ــارة ‪،‬الرس ــم‬ ‫‪ ،‬تمثي ــل ‪ ،‬موس ــيقى ‪ ،‬رق ــص ‪ ،‬ادب وش ــعر) لك ــن‬ ‫بعــض الســينمائيين يرفضــون هــذه الفكــرة ويجــدون‬ ‫فيهـــا اجحـــاف بفـــن الســـينما ومنهـــم المخـــرج‬ ‫الروســـي الكبيـــر تاركوفســـكي (‪)1986-1932‬‬ ‫الــذي كان يعــارض مثــل هــذه المفاهيــم ويؤكــد علــى‬ ‫‪56‬‬


‫التفكيــك والتصــادم وفــي عــام ‪1922‬قــدم المخــرج‬ ‫االلمانـــي «وليـــم مورنـــاو» فلـــم نوســـفيراتو عـــام‬ ‫وهـــو ســـيمفونية مـــن الرعـــب الموســـوم بالقتـــل‬ ‫الجماعـــي وحكايـــة الفلـــم مبنيـــة علـــى اســـطورة‬ ‫مصاص ــي الدم ــاء القديم ــة لك ــن الفل ــم ت ــدور احداث ــه‬ ‫فــي مدينــة المانيــة هــذا الفلــم كان يرمــز الــى تجربــة‬ ‫الم ــوت الجماع ــي اثن ــاء الح ــرب العالمي ــة االول ــى‬ ‫وفي ــه ت ــم تقدي ــم مص ــاص الدم ــاء بش ــكل ش ــاعري‬ ‫وبحـــركات تعبيريـــة تـــم توظيـــف اداء الممثـــل‬ ‫بش ــكل مغاي ــر لم ــا ه ــو س ــائد ان ــذاك وس ــط اج ــواء‬ ‫خيالي ــة تتحك ــم فيه ــا االن ــارة الخافت ــة والظ ــال الت ــي‬ ‫تلق ــي بظله ــا عل ــى اج ــواء الفل ــم وقدم ــت الس ــينما‬ ‫االلماني ــة خ ــال تل ــك الفت ــرة مجموع ــة م ــن االف ــام‬ ‫منهــا «راســكولينكوف» (‪ )1923‬اخــراج روبــرت‬ ‫فيـــن‪« ،‬الجوليـــم ـ المســـخ» (‪ )1920‬اخـــراج بـــو‬ ‫فجنـــر وكارل بويـــر‪ ،‬االنـــوار الثالثـــة ‪1921‬‬ ‫ومتروبوليـــس (‪ )1926‬اخـــراج فريتزالنـــج‪،‬‬ ‫«ش ــبح» (‪ )1922‬و«فاوس ــت» (‪ )1926‬اخ ــراج‬ ‫مرنـــاو‪« ،‬الكنـــز» (‪ )1923‬اخـــراج بابســـت‬ ‫«عي ــادة الص ــور الش ــمعية» (‪ )1924‬اخ ــراج ب ــول‬ ‫لينـــي‪ .‬واســـتطاعت الســـينما التعبيريـــة ان تتخطـــى‬ ‫الحـــدود وتثبـــت حضورهـــا فـــي اوربـــا فكتـــب‬ ‫بيكايـــا‪ ،‬ســـيناريو فيلـــم أســـتراحة أخـــراج «رينيـــه‬ ‫كيلــر» والــى امريــكا هاجــر مجموعــة مــن الفنانيــن‬ ‫االلم ــان منه ــم فريتزالن ــج ال ــذي ثب ــت اقدام ــه ف ــي‬ ‫هوليـــود مـــن خـــال مجموعـــة مـــن االفـــام التـــي‬ ‫نفذهـــا هنـــاك ‪ ،‬ومـــع انحســـار الفـــن التعبيـــري‬ ‫انحســرت الســينما التعبيريــة وصــار تأثيرهــا بشــكل‬ ‫مح ــدود يب ــرز ف ــي احي ــان قليل ــة بي ــن فت ــرة وأخ ــرى‬ ‫م ــن خ ــال بع ــض الموضوع ــات وتوظي ــف الض ــوء‬ ‫والخطـــوط وتشـــويه االشـــكال والتضـــاد ‪.‬‬ ‫ويب ــدو ان الس ــينما جذب ــت فن ــان بمس ــتوى س ــلفادور‬ ‫دالــي ( ‪ )1989-1904‬منــذ بدايتهــا‬

‫المخ ــرج االمريك ــي المع ــروف «ديف ــد لين ــش»‬ ‫( ‪ )1946‬أن فهمـــي للســـينما ينبـــع مـــن خلفيتـــي‬ ‫التشـــكيلية واذا اردنـــا الرجـــوع للـــوراء قليـــا‪،‬‬ ‫ســـوف نجـــد ان الســـينما االلمانيـــة التعبيريـــة التـــي‬ ‫ظه ــرت ف ــي عش ــرينات الق ــرن الماض ــي اس ــتوحت‬ ‫افكاره ــا وأس ــاليبها م ــن المدرس ــة التعبيري ــة الت ــي‬ ‫بـــرزت انـــذاك فـــي الرســـم والعمـــارة والتصميـــم‬ ‫والمس ــرح م ــن خ ــال اط ــاق الخي ــال ك ــي يحل ــق‬ ‫عالي ــا برؤي ــا الفن ــان أنه ــا تصوي ــر للحظ ــة م ــا بعي ــن‬ ‫ناق ــدة للواق ــع المع ــاش وقي ــل عنه ــا انه ــا الشاش ــة‬ ‫الش ــيطانية وكان فل ــم «خزان ــة الدكت ــور كاليغ ــاري»‬ ‫للمخـــرج روبـــرت وايـــن فـــي شـــباط عـــام ‪1920‬‬ ‫يواف ــق بداي ــة الس ــينما التعبيري ــة االلماني ــة وفي ــه ت ــم‬ ‫توظيـــف الضـــوء والظـــال والرســـوم التشـــكيلية‬ ‫المبالغـــة فيهـــا وانعكاســـات المرايـــا فـــي رســـم‬ ‫االزدواجيـــة التـــي تعانـــي منهـــا الشـــخصية وقـــد‬ ‫اكتســـب هـــذا الفلـــم هويتـــه التعبيريـــة مـــن جـــراءة‬ ‫التجريـــب الـــذي فيـــه وأســـلوب تمثيلـــه وتجاهلـــه‬ ‫للواقعيـــة ولغتـــه البصريـــة المبتكـــرة المبنيـــة علـــى‬ ‫‪57‬‬


‫تخي ــل العال ــم الداخل ــي لجس ــم االنس ــان ف ــي فيل ــم‬ ‫رحلـــة العجائـــب الـــذي كانـــت تـــدور أحداثـــه‬ ‫داخـــل جســـم االنســـان (‪.)1966‬‬ ‫مــن جانــب أخــر كان المخــرج الروســي ســيرجي‬ ‫ايزنش ــتاين ( ‪ )1946-1898‬يرس ــم ش ــخصيات‬ ‫الفل ــم والمناظ ــر الخاص ــة بفلم ــه قب ــل المباش ــرة‬ ‫بتنفيذهــا ‪ ،‬منهــا فلمــه المدهــش « أيفــان الرهيــب‬ ‫«‪ ..‬ومـــن خـــال رســـومه التـــي كان يرســـمها‬ ‫الحـــدى الصحـــف االيطاليـــة المغمـــورة دخـــل‬ ‫المخـــرج االيطالـــي فدريكـــو فلينـــي ( ‪-1920‬‬ ‫‪)1993‬عال ــم الس ــينما وق ــد كان يس ــتعين بقدرت ــه‬ ‫علـــى الرســـم برســـم تصوراتـــه عـــن اللقطـــات‬ ‫التـــي ينـــوي تصويرهـــا والتـــي فـــي بعـــض‬ ‫االحي ــان تح ــوي ق ــدر كبي ــر م ــن الفنتازي ــا حت ــى‬ ‫ينقـــل رؤيتـــه الفنيـــة لمصمـــم الديكـــور والمديـــر‬ ‫الفن ــي ب ــكل س ــهولة ويس ــر ‪.‬‬ ‫وعلـــى نفـــس المنـــوال كان المخـــرج اليابانـــي‬ ‫كيرســـاوا (‪ )1998-1910‬يرســـم كادرات‬ ‫افالم ــه عل ــى ش ــكل لوح ــات وش ــكلت رس ــومات‬ ‫فلم ــه الش ــهير «رن» م ــادة خصب ــة للباحثي ــن ف ــي‬ ‫ف ــن ه ــذا المخ ــرج ال ــذي ت ــرك اث ــرا كبي ــرا عل ــى‬ ‫الســـينما العالميـــة ‪.‬‬ ‫ومـــن االنصـــاف ان نقـــول ان الفـــن التشـــكيلي‬ ‫ســـاهم بشـــكل كبيـــر بدفـــع عجلـــة الســـينما الـــى‬

‫لم ــا فيه ــا م ــن س ــحر وجاذبي ــة وق ــوة ف ــي تحوي ــل‬ ‫الخي ــال ال ــى واق ــع مرئ ــي م ــن خ ــال مش ــاركته‬ ‫بتقديـــم رســـوماته فـــي فلـــم كلـــب اندلســـي عـــام‬ ‫‪1928‬للمخـــرج االســـباني لويـــس بانويـــل(‬ ‫‪ )1983-1909‬وعصـــر الذهـــب عـــام ‪1930‬‬ ‫مـــع الســـريالي الكبيـــر الرســـام ماكـــس إرنســـت‬ ‫(‪)1981 1876-‬والشـــاعر جـــاك بريفيـــر (‬ ‫‪ .. )1979-1900‬وفـــي هـــذه «التجربـــة‬ ‫الســـينمائية ‪ /‬التشـــكيلية» ‪ -‬الفريـــدة مـــن نوعهـــا‬ ‫ حشـــد دالـــي العديـــد مـــن الصـــور والمشـــاهد‬‫اإليجابي ــة ذات مس ــحة س ــوريالية كجث ــة يغطيه ــا‬ ‫الذب ــاب‪ ،‬وزراف ــات تض ــرم فيه ــا ألس ــنة الله ــب‪..‬‬ ‫ولـــم يتوقـــف تعـــاون ســـلفادور دالـــي مـــع‬ ‫الســـينما فقـــد اســـند اليـــه المخـــرج هيتشـــكوك‬ ‫(‪ )1980-1890‬عـــام ‪ 1945‬تصميـــم مشـــاهد‬ ‫االحـــام والهلوســـات فـــي فيلمـــه المأخـــوذ (‬ ‫‪ ) Spellbound‬الـــذي دارت أحداثـــة حـــول‬ ‫ش ــخص فاق ــد للذاك ــرة ومعالجت ــه النفس ــية الت ــي‬ ‫تقــع فــي حبــه أثنــاء محاولتهــا الكتشــاف ماضيــه‬ ‫المكب ــوت ‪ ..‬واالح ــام الت ــي كان ــت يش ــاهدها ت ــم‬ ‫تصميمه ــا عل ــى ض ــوء مدرس ــة التحلي ــل النفس ــي‬ ‫مـــن قبـــل الفنـــان دالـــي نفســـه ‪.‬‬ ‫كمـــا اســـند اليـــه المخـــرج ريتشـــارد فليشـــر‬ ‫(‪ )2006-1916‬فـــي فلمـــه رحلـــة العجائـــب‬ ‫‪58‬‬


‫االمــام منــذ البدايــات مــن خــال عمــل كثيــر مــن‬ ‫الفنانيـــن كمصمميـــن للديكـــور والمناظـــر ومـــن‬ ‫خـــال التصويـــر الســـينمائي الـــذي وصـــل فـــي‬ ‫بع ــض االح ــاالت ال ــى درج ــة االب ــداع التش ــكيلي‬ ‫الخ ــاق يق ــول مدي ــر التص ــور العالم ــي نس ــتور‬ ‫المين ــدروس ف ــي كتاب ــه (رج ــل وكامي ــرا)‬ ‫(‪ :)A Man With a Camera‬عندمــا احضــر‬ ‫لفيل ــم م ــا فإنن ــي ع ــادة افك ــر ف ــي رس ــام معي ــن‬ ‫او مدرســـة معينـــة فـــي الرســـم‪.‬ويقول المصـــور‬ ‫الســـينمائي لـــي جارلـــس «إن رمبرانـــت هـــو‬ ‫فنانـــي المفضـــل‪ .‬لقـــد درســـت أعمالـــه كلهـــا‬ ‫عن ــد بداي ــة عمل ــي ف ــي التصوي ــر … وأعجب ــت‬ ‫بأس ــلوب اإلض ــاءة ف ــي لوحات ــه وتأث ــرت ب ــه‪».‬‬ ‫‪ ،‬ومـــع تطـــور التقنيـــة الصناعيـــة والحاســـوبية‬ ‫اس ــتفادت الس ــينما م ــن ه ــذا التط ــور خصوص ــا‬ ‫ف ــن الفوت ــو ش ــوب ف ــي صن ــع لقط ــات ومش ــاهد‬ ‫اليمك ــن تنفيذه ــا عل ــى ارض الواق ــع او صعوب ــة‬ ‫تنفيذهـــا لتكاليفهـــا الباهظـــة فتـــم االســـتعانة‬ ‫برســـومات الفنانيـــن والحاســـوب ودمجهـــا‬ ‫للحصـــول علـــى هـــذه اللقطـــات واذا اردنـــا ان‬ ‫نســـتعين بشـــاهد فيمكـــن االســـتعانة بمشـــاهد‬ ‫فلـــم الحديقـــة الجوارســـيكية للمخـــرج ســـتيفان‬ ‫س ــبيلبيرج وتط ــور االم ــر أبع ــد م ــن ذل ــك فيم ــا‬ ‫بع ــد م ــن اج ــل ض ــخ حي ــاة جدي ــدة ف ــي الس ــينما‬ ‫مـــن خـــال بـــزوغ ثـــورة النـــص االفتراضـــي‬ ‫(‪ )Hypertexte‬الـــذي منـــح الســـينما مزيـــدا‬ ‫مـــن االمكانيـــات الخالقـــة فـــي التفاعـــل بيـــن‬ ‫الســـمعي والبصـــري والفـــن التشـــكيلي ‪.‬‬ ‫وق ــد امت ــد التوظي ــف التش ــكيلي ف ــي الس ــينما ال ــى‬ ‫اف ــام الرس ــوم المتحرك ــة وف ــن الحف ــر والبوس ــتر‬ ‫الـــذي اســـتفاد مـــن فنـــون الطباعـــة الحديثـــة‬ ‫والحواس ــيب وبرامجه ــا الفوت ــو ش ــوب وبرنام ــج‬ ‫‪Adobe‬وبرنامـــج ‪ ،)Illustrator‬واالستنســـاخ‬ ‫الضوئ ــي وأش ــياء اخ ــرى عدي ــدة اصب ــح يعتم ــد‬

‫عليه ــا ف ــي تط ــور نم ــوه وانتش ــار حض ــوره ‪.‬‬ ‫العالقـــة ســـوف تظـــل قائمـــة مـــا بيـــن الفـــن‬ ‫التش ــكيلي ال ــذي ل ــه عم ــق تاريخ ــي بق ــدر عم ــق‬ ‫البشـــرية ومـــا بيـــن فـــن الســـينما القـــادر علـــى‬ ‫صه ــر كل الفن ــون بذات ــه الت ــي تس ــتطيع التكي ــف‬ ‫مـــع كل فـــن وتقنيـــة جديـــدة بشـــكل متســـارع‬ ‫يدع ــو دائم ــا ال ــى الدهش ــة واإلعج ــاب بق ــدرة ف ــن‬ ‫الســـينما فـــي التعبيـــر عـــن الحداثـــة وتوظيفهـــا‬ ‫بشـــكل يدعـــو لالنتبـــاه ‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫اتخــذ تمثيــل الواقــع ومحاكاتــه فــي العمــل الفنــي‬ ‫مهمــا كان جنســه أمــرا بعيــدا ومتشــعبا ‪ ،‬ولعــل‬ ‫المالحقــة األوليــة لهــذا المفهــوم الشــائك تنتــج العديــد‬ ‫مــن األفــكار التــي تصــب بهــذا المفهــوم علــى صعيــد‬ ‫االعــادة واالنتــاج والتراجــع أو االختفــاء والتجلــي‬ ‫فــي أحيــان أخــرى ‪ ،‬وارتباطــه بالمعطــى الواقعــي‬ ‫‪ ،‬أي بســعادات العالــم وهناءاتــه أو مالحقــة الفنــان‬

‫عندمــا يلجــأ للتعبيــر عــن قضايــاه ورؤاه بشــكل‬ ‫مباشــر وواضــح كمــا يعبــر عنهــا ( بــول كلــي )‬ ‫« كلمــا أصبــح العالــم مرعبــا بدرجــة أكبــر كلمــا‬ ‫أصبــح الفــن تجريديــا ‪ ،‬أمــا العالــم الســعيد فأنــه‬ ‫ينتــج فنــا تشــخيصيا» ‪ ،‬ولذلــك تبــدأ رحلــة التعبيــر‬ ‫األشــاري والرمــزي الــذي تختفــي خلفــه الفكــرة‬ ‫المــراد صياغتهــا وأظهارهــا الــى العلــن ‪ ،‬وبهــذا‬ ‫‪60‬‬


‫يتحايــل الفنــان علــى ســلطة الرقيــب ويتجاوزهــا ‪،‬‬ ‫ولكــن هــذا التصــور لــم يكــن يحمــل مصاديقــه علــى‬ ‫الــدوام ‪ ،‬ففــي احيــان عديــدة يهجــر الفنــان الواقــع‬ ‫ألغــراض وضــرورات جماليــة يمكــن أن تتســق مــع‬ ‫مــا يتوصــل اليــه العلــم أو فلســفة الفــن ‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫ينطبــق علــى الفــن الرمــزي الــذي تتمــرس خلفــه‬ ‫أفــكار ومســاند نظريــة وتنبــوءات يعبــر عنهــا ضمــن‬ ‫هــذا المــدار الجمالــي ‪ .‬وقــد تناوبــت الفــن واقعيــات‬ ‫عــدة وليــس واقعيــة واحــدة تشــترك بهــدف واحــد‬ ‫هــو تمثيــل الخــارج والنظــر اليــه علــى أنــه المنتــج‬ ‫لتلــك األفــكار يقدمهــا الفنــان مــن خــال زاويــة نظــر‬ ‫معينــة بنطاقهــا الذاتــي‬ ‫الخالــص أو مــن خــال‬ ‫البنيــــــــة المجموعيــة‬ ‫والتفكيــــــرالمشتـــرك‬ ‫الــذي ينتــج االســلوب‬ ‫أو المذهــب أو الحركــة‬ ‫الواقعيــــــــــــة بفعــل‬ ‫الســلطة الموضوعيــة‬ ‫الضاغطـــــة علــى ذات‬ ‫الفنــان ‪.‬‬ ‫لقــد تــــــم التعبيـــــر عــن الواقــع عبــر التأريــخ‬ ‫بطرائــق شــتى بــدءا مــن فنــون الحضــارات القديمــة‬ ‫الممثلــة لألســطورة ‪ ،‬بوصفهــا واقعــا معــاش‬ ‫وصــوال الــى أكثــر الواقعيــات فــي الفــن الحديــث‬ ‫بمــا توصــف بــه ( الواقعيــة التشــخيصية ) علــى يــد‬ ‫الفنــان العالمــي( كوربيــة) الــذي أســس نمطــا جديــدا‬ ‫قائمــا علــى عــدد مــن الخصائــص التــي تتســم بهــا‬ ‫معالجــات الواقــع الفنيــة وتمثيلــه ونقــل الصــورة‬ ‫الحقيقيــة عنــه وأن نزعــت فــي جزيئتهــا الــى فعــل‬ ‫الــذات ‪ ،‬ولكنهــا أفــراط فــي نقــل مشــاهد الواقــع ‪،‬‬ ‫الــذي اســتلهمته المــدارس الواقعيــة فــي شــتى أنحــاء‬ ‫العالــم ‪ ،‬ومنهــا المدرســة الواقعيــة العراقيــة وعرابهــا‬

‫الفنــان الكبيــر والمعلــم ( فائــق حســن ) الــذي حــاول‬ ‫جاهــدا نقــل الواقعيــة العالميــة الــى مــدار المحليــة‬ ‫مــن خــال مفــردات الواقــع العراقــي وجماليتــه فــي‬ ‫بدايــة التحديــث والتجريــب الفنــي منتصــف القــرن‬ ‫العشــرين ‪ ،‬وأســهامه فــي البحــث عــن هويــة لفــن‬ ‫جديــد خــرج مــن ســبات القــرون المظلمــة ‪ ،‬وكانــت‬ ‫رســومه خطــوة لتماهــي الفــن مــع الواقــع فكانــت‬ ‫الخيــول وبيــوت الصــوف والخيــام ومفــردات محليــة‬ ‫أخــرى تمثــل خصوصيــة فنــه ‪ ،‬وألنــه معلــم األجيــال‬ ‫فــكان رصــد تالمذتــه ال يقــل أهميــة عمــا توصــل‬ ‫اليــه لتأســيس مدرســة عراقيــة تنضــوي تحتهــا العديد‬ ‫مــن األســماء الفاعلــة فــي‬ ‫المشــهد التشــكيلي المحلــي‬ ‫والعالمــي ‪ ،‬كان مــن أبــرز‬ ‫المبشــرين بهــا والمغاليــن‬ ‫فــي طــرح صورتــه علــى‬ ‫هــذه الشــاكلة هــو الفنــان‬ ‫( خالــد القصــاب) الــذي‬ ‫أنتــج سلســلة مــن األعمــال‬ ‫الفنيــة التـــــــــي أتســمت‬ ‫بهــا تجربتــه الشــخصية‬ ‫واألعـــــــان أن المطلـــق يكمــن في صــورة الطبيعة‬ ‫وصدقيتهــا والتبشــير بجماليتهــا ‪.‬‬ ‫ولعــل مــن أهــم مرتســمات الفــن الحديــث هــو العالقة‬ ‫القائمــة بيــن الصــورة المرســومة وبيــن الواقــع مهمــا‬ ‫كانــت صبغــة هــذه العالقــة ‪ ،‬ســواء كانــت ايجابيــة‬ ‫تديــن للواقــع وموجوداتــه وتعيــد ترميمــه وتبحــث‬ ‫عــن مطلقهــا الفنــي فــي الواقــع نفســه وليــس خارجــه‬ ‫‪ ،‬أو تجســيد العالقــة الســلبية بــادارة الظهــر الــى‬ ‫الطبيعــة وأهمالهــا وتغليــب بنيــة التجريــد بمختلــف‬ ‫مســتوياته لتشــييد اللوحــة وخلــق عالــم بديــل عــن‬ ‫العالــم الواقعــي ‪ ،‬بوصفــه واقعــا مزيفــا وغيــر حقيقي‬ ‫ومــا المــدارس الفنيــة أال مســتويات تمثــل الواقــع‬ ‫‪61‬‬


‫الحيــاة مهمــا كانــت شــاقة وقاســية ‪ ،‬بوصفــه المعبــر‬ ‫لصــراع الطبقــات وتســيد الطبقــات الكادحــة فــي‬ ‫ذلــك الصــراع أنطالقــا مــن الفهم الماركســي وأحالل‬ ‫المســاواة ضمــن منهــج علمــي فســميت بالواقعيــة‬ ‫االشــتراكية التــي عمــل تحــت ظاللهــا كل مــن‬ ‫(كاندنســكي وماليفيتــش) فــي بدايــة مشــوارهما الفني‬ ‫وهــي نقــل آلالم النــاس وهموهــم وموضوعاتهــم‬ ‫االنســانية ‪ ،‬بوصفهــا المطلــق الــذي تبحــث عنــه ‪،‬‬ ‫وهكــذا تشــعبت لتصــل الــى‬ ‫الواقعيــة الســحرية الــذي تتخــذ‬ ‫مــن الواقــع الســحري أساســا‬ ‫لتصيرهــا مــرورا بالواقعيــة‬ ‫الجديــدة التــي ظهــرت‬ ‫كأنبعــاث جديــد للواقعيــة بعــد‬ ‫لتخلــي عنهــا لصالــح التجريــد‬ ‫الفنــي المفــرط واالبتعــاد عــن‬ ‫كل مــا يمــت للواقــع بصلــة‬ ‫وأســهمت هــذه المحاولــة برفــد‬ ‫الفــن التشــكيلي بمذهــب جديــد‬ ‫علــى مســتوى التراكمــات‬ ‫األســلوبية ‪.‬‬ ‫وظــل نحــت المصطلــح‬ ‫المرتبــط باألصــل الواقعــي‬ ‫مشــروعا حتــى فــي لحظــة‬ ‫االبتعــاد نهائيــا عــن منطقيــة‬ ‫الواقــع والطبيعــة والحيــاة‬ ‫ولكــن هــذا االرتــداد حجتــه المفــردات الواقعيــة التــي‬ ‫تحتفــي بهــا اللوحــة مثلمــا فعــل عــدد مــن فنانــي‬ ‫الســوريالية التــي ســميت بمذهــب ( فــوق الواقعيــة‬ ‫) وتحديــدا فــي رســومات ( كريكــو وســلفادور‬ ‫دالــي) الــذي حــاول تجميــع مفــردات بيئيــة بصيغــة‬ ‫ال منطقيــة تبتعــد عــن التصــورات العقليــة وجلبهــا‬ ‫الــى لوحتــه مــع مبــدأ المبالغــة فــي حجــم األشــياء أو‬ ‫وظائفهــا علــى صعيــد الحيــاة نفســها ‪ ،‬وهنــا تأســس‬

‫انطالقــا مــن تكثيفــه وحــذف موجوداتــه وصــوال‬ ‫الــى بنيــة رمزيــة اشــارية تكمــن أقصــى غاياتهــا‬ ‫الخــاص مــن عوالــق الواقــع وشــوائبه ‪ ،‬ولكــن‬ ‫الفــن بالمحصلــة النهائيــة هــو اندمــاج وأنصهــار مــع‬ ‫الواقــع مهمــا بلــغ الفــن‬ ‫أقصــى مراحــل التجريــد واالبتعــاد ‪ .‬ولذلــك فــأن‬ ‫العديــد مــن الواقعيــات بخــاف المــدارس الفنيــة‬ ‫التــي أنتجتهــا مســيرة ومختبريــة الفــن الحديــث‬

‫تؤمــن بالخــاص مــن بعــض تمثــات الواقــع‬ ‫ومالمحــه وتســعى جاهــدة الــى تحقيــق ذلــك الهــدف‬ ‫‪ ،‬تلــك الواقعيــات التــي ترتبــط بمناهــج نقديــة‬ ‫ومســارات فلســفية وفكريــة تــم نحــت مصطلحهــا‬ ‫مــن خــال األفــكار الكامنــة خلــف الشــكل الفنــي ‪،‬‬ ‫فأرتبطــت الواقعيــة بالمنهــج األشــتراكي فــي روســيا‬ ‫وعلــى الفنــان تمثيــل الحقيقــة فــي نموهــا الثــوري‬ ‫تمثيــا صادقــا وملموســا تأريخيــا واألمانــة فــي نقــل‬ ‫‪62‬‬


‫مســار آخــر فــي البحــث الجمالــي الواقعــي مضافــا الــى‬ ‫انشــطارات الواقعيــة التــي أضافــت الــى الفــن رؤى‬ ‫أخــرى فــي األســاليب والمرجعيــات التــي تبنتهــا كل‬ ‫مــن هــذه المذاهــب الفنيــة ‪.‬‬ ‫وبعــد رحلــة األنقضــاض علــى الواقــع فــي مســيرة‬ ‫الفــن الحديــث ووصولــه الــى الســوبرماتزم علــى يــد‬ ‫ماليفيتــش عــاد الفنــان الــى الجــذر األول ( الطبيعــة‬ ‫) وتفعيلهــا مــن جديــد ضمــن مــدارات مختلفــة عمــا‬ ‫ســبق ‪ ،‬فظهــرت تيــارات واقعيــة بــدءا مــن الواقعيــة‬ ‫الشــعبية األمريكيــة ( البــوب آرت ) التــي صــورت‬ ‫مســاحة مهمــة مــن أشــكاالت المجتمــع الرأســمالي‬ ‫األســتهالكي ونقلــت حياتــه الــى الفــن وصــوال الــى (‬ ‫الواقعيــة المفرطــة ) التــي نعتــت بالواقعيــة االعالميــة‬ ‫أو واقعيــة الصــورة وكأنهــا حركــة ضــد التجريــد‬ ‫والعقلنــة فــي التصويــر معبــرة عــن التوتــر الناتــج عــن‬ ‫االختيــار الواعــي للمظاهــر الواقعيــة ‪ .‬وفــي مجــال‬ ‫البحــث عــن الالمرئــي فــي معالــم الحقيقــة وصورهــا‬ ‫لجــأ الفنــان األمريكــي «تشــارل كلــوز» الــى الكاميــرا‬ ‫ليصــور شــخوصه عــن قــرب وينقــل هــذه المشــاهد‬ ‫الــى اللوحــة بواســطة شــبكة خطيــة ‪ ،‬ولكــن ظهــور‬ ‫لوحــة ( قســم األخــوة هــوراس ) للفنــان الفرنســي‬ ‫«جــاك لويــس دافيــد «مــن قبــل هــذا الوقــت فــي‬ ‫نهايــات القــرن الثامــن عشــر تمثــل بدايــة عهــد جديــد‬ ‫النبعــاث الواقعيــة ســميت ( الواقعيــة الجديــدة ) وهــي‬ ‫أعــادة قــراءة الواقــع وتكريســه فــي الخطــاب البصــري‬ ‫‪ .‬مــن هنــا نجــد أننــا مهمــا ابتعدنــا عــن الواقــع فأننــا‬ ‫نعــود اليــه وال يمكــن الخــاص منــه أبــدا علــى حــد‬ ‫قــول‬ ‫«ماليفيتــش» ( فــي أقصــى حــاالت التجريــد فأننــا‬ ‫ال نغــادر الواقــع ‪ ،‬بــل ننصهــر فيــه ) وحســب هــذا‬ ‫التوصيــف ال يوجــد فنــا أال وكان الواقــع يحيــط بــه‬ ‫ويتمثلــه فــي النهايــة ‪ ،‬مهمــا أختلفــت مســتويات التمثيل‬ ‫للواقعــة الخارجيــة ‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫ربمـــا يتوقـــع البعـــض منـــا ان نعـــرض او‬ ‫نجـــري مقاربـــة العمـــال فنيـــة تشـــخيصية تعالـــج‬ ‫موضوعـــات الحـــرب والخـــراب مثـــل لوحـــات‬ ‫ديالكـــروا اوجويـــا او بيكاســـو‪ ،‬ولكننـــا بســـبب‬ ‫ايماننـــا ان الرســـم واقعـــة ماديـــة فاننـــا نفهـــم‬ ‫الخ ــراب بان ــه واقع ــة مادي ــة بصري ــة‪ ،‬لذل ــك نب ــدا‬ ‫بتعري ــف تقدم ــه الرس ــامة الدكت ــورة هن ــاء م ــال هللا‬ ‫عـــن (تقنيـــة الخـــراب ‪) Ruins Technique‬‬ ‫فتكت ــب‪« :‬تشــ ّكل تقني ــات الخ ــراب تمرين ــي الفن ــي‬ ‫بمـــا فيهـــا الحـــرق وتدميـــر وازالـــة المـــادة الخـــام‬ ‫ومظهـــر االســـى الـــذي تبثـــه‪ ،‬والتـــي أصنفهـــا‬

‫تح ــت مصطل ــح (تقني ــات الخ ــراب)‪ ،‬ه ــذه التقني ــات‬ ‫تمتلـــك وجودهـــا كتمثيـــل لوجـــه الحـــرب البشـــع‪،‬‬ ‫ولكـــن هـــذا ال يعنـــي انـــي اقـــدم فكـــرة الحـــرب‬ ‫وانمـــا اســـتغل جوهـــر عمليـــات التدميـــر للمـــادة‬ ‫الخــام داخــل اعمالــي لتبليــغ (بــث) مفهــوم الحــرب‬ ‫وبغـــض النظـــر عـــن موقـــع حدوثهـــا الجغرافـــي‪،‬‬ ‫ومفهومهـــا السياســـي»‪ ،‬ونحـــن اســـتعنا بتعـــرف‬ ‫هنـــاء مـــال هللا ليـــس باعتبارهـــا منتجـــة العمـــال‬ ‫فنيـــة تنخـــرط تحـــت مســـمى (تقنيـــة الخـــراب)‬ ‫وانمـــا باعتبـــار هنـــاء مـــال هللا منظـــرة وكاتبـــة‬ ‫ومنتجـــة لخطـــاب نقـــدي تنظيـــري حـــول تقنيـــة‬ ‫الخـــراب‪.‬‬ ‫التعرية وتقنيات الخراب‪..‬‬ ‫كان ــت للرؤي ــة الت ــي تطرحه ــا الرس ــامة العراقي ــة‬ ‫الدكتـــورة هنـــاء مـــال هللا االن والتـــي تعنونهـــا‬ ‫بـ(تقني ــات الخ ــراب ‪ )ruins technique‬ج ــذور‬ ‫غائـــرة فـــي االســـتنادات الفكريـــة والتقنيـــة لجيـــل‬ ‫الثمانين ــات ف ــي الرس ــم العراق ــي‪ ،‬وه ــم رس ــامون‬ ‫طحنته ــم الح ــروب ونتائجه ــا الكارثي ــة‪ :‬هن ــاء م ــال‬ ‫هللا وفاخ ــر محم ــد وكري ــم رس ــن وغس ــان غائ ــب‬ ‫وحيــدر خالــد ونديــم محســن ونــزار يحيــى وإيمــان‬ ‫عل ــي وهيم ــت محم ــد عل ــي ورحي ــم ياس ــر وعل ــي‬ ‫المنـــدالوي وســـامر أســـامة ومحمـــود العبيـــدي‪،‬‬ ‫وهاشـــم حنـــون فـــي بعـــض مراحـــل مســـيرته‬ ‫الفنيـــة‪ ،‬وقـــد تعمـــق هـــذا االتجـــاه بفعـــل وجـــود‬ ‫‪64‬‬


‫ّ‬ ‫ومنظـ ّــرهم شــاكر حســن آل ســعيد‪،‬‬ ‫ورفقــة أســتاذهم‬ ‫وق ــد كان ــت ب ــذور تقني ــة الخـــراب نابع ــة م ــن‪ ،‬أو‬ ‫مس ــتندة عل ــى‪ ،‬طروح ــات ش ــاكر حس ــن آل س ــعيد‬ ‫فـــي (التعريـــة الشـــيئية) وفـــي (االثـــر) وغيرهـــا‬ ‫وه ــو م ــا جم ــع آل س ــعيد ش ــتاته ف ــي ثنائي ــة اس ــماها‬ ‫(التعريـــة ‪ -‬التراكـــم)؛ فكانـــت التعريـــة مفهومـــا‬ ‫كونيــا؛ «حيــث كانــت الطبيعــة تتعــرى بفعــل قــوى‬ ‫المنــاخ والقــوى الفطريــة»‪ ،‬ويذكــر كذلــك ان االلهــة‬ ‫عش ــتار (عش ــتروت) تعرض ــت للتعري ــة م ــن قب ــل‬ ‫كائنـــات العالـــم االســـفل وهـــي فـــي طريقهـــا الـــى‬ ‫هن ــاك ذل ــك العال ــم‪.‬‬

‫ق ّســم شــاكر حســن آل ســعيد تقنيــات التجريــد (عبــر‬ ‫التعري ــة) إل ــى نمطي ــن متمايزي ــن ومتكاملي ــن هم ــا‪:‬‬ ‫تعريـــة الجـــدران‪ ،‬وتعريـــة األرصفـــة‪ ،‬ويصنـــف‬ ‫(التحزي ــز والش ــخبطة) ف ــي تعري ــة الج ــدران بأنه ــا‬ ‫«ثقافـــة ســـاكني المدينـــة» (آل ســـعيد‪ ،‬الســـابق‪،‬‬ ‫ص‪ )222‬ويفت ــرض بثقاف ــة س ــاكني المدين ــة توف ــر‬ ‫حــوار متبــادل بيــن تلــك الجــدران وســاكني المــدن؛‬

‫التعرية عند شاكر حسن ال سعيد‬ ‫لقـــد اتخـــذت تعريفـــات مفهـــوم التعريـــة عنـــد آل‬ ‫س ــعيد أش ــكاال متع ــددة‪ :‬فكان ــت عن ــده ف ــي التعري ــف‬ ‫الرياض ــي تعن ــي «م ــا قب ــل حال ــة (صف ــر) التعبي ــر‬ ‫الفنـــي» (شـــاكر حســـن آل ســـعيد‪ ،‬البحـــث فـــي‬ ‫جوهــرة التفانــي‪ ،‬الشــارقة‪ ،2003 ،‬ص‪ )217‬وفــي‬ ‫التعريـــف (التقنـــي – البصـــري ‪ -‬االركولوجـــي)‬ ‫كانـــت تعنـــي عنـــده «عمليـــة (تعريـــة) ذات قصـــد‬ ‫معيـــن وليســـت عفويـــة وتحـــدث بقوانيـــن الحيـــاة‬ ‫الماديـــة كالتـــي تحـــدث فـــي جغرافيـــا األرض»‬ ‫(آل س ــعيد‪ ،‬الس ــابق‪ ،‬ص‪ ،)218‬وه ــو م ــا يعطيه ــا‬ ‫بع ــدا ش ــيئيا (مادي ــا ومتيريالي ــا) حي ــن كان يعتبره ــا‬ ‫«معرف ــة‪ ...‬متحقق ــة ف ــي الظاه ــرة الش ــيئية ولي ــس‬ ‫بواســطتها (ال ســعيد‪ ،‬الســابق‪ ،‬ص‪ )219‬و يصبــح‬ ‫مـــن دعـــوى إلمامنـــا بالوجـــود الشـــيئي فهمنـــا‬ ‫التعريـــة (كحالـــة) أساســـية فـــي (أغنـــاء) المظهـــر‬ ‫بمـــا يحتويـــه مـــن آثـــار وفـــي معنـــى األثـــر» (آل‬ ‫س ــعيد‪ ،‬الس ــابق‪ ،‬ص‪ ،)219‬ويس ــبغ آل س ــعيد عل ــى‬ ‫التجريـــد عبـــر (التعريـــة الشـــيئية) بعـــدا صوفيـــا‬ ‫وديني ــا باعتباره ــا «تخلي ــا وتج ــردا وت ــركا وخلع ــا‬ ‫وللمطامـــع البشـــرية»‬

‫بينمـــا يصـــف تعريـــة األرصفـــة بأنهـــا اكتفـــاء‬ ‫للعمـــل الفنـــي بذاتـــه فالعمـــل الفنـــي ناتـــج عـــن‬ ‫مـــا تضيفـــه الصدفـــة إلـــى اللوحـــة مـــن مؤثـــرات‬ ‫ومـــا تســـلبه منهـــا‪ ،‬حيـــث تنفـــرد المســـطحات‬ ‫المدينيـــة (تقنيـــات األرصفـــة) بوجودهـــا الغفـــل‬ ‫ويظ ــل (األث ــر) عالم ــة الرصي ــف الت ــي تصنعه ــا‬ ‫األق ــدام الضائع ــة لعاب ــري الس ــبيل‪ ،‬وإنه ــا «تحزي ــز‬ ‫وش ــخبطة وش ــقوق ‪ ...‬ق ــوى كوني ــة مكتفي ــة ذاتي ــا‬

‫(آل سعيد‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪ .)221‬نمطا التعرية عند ال سعيد‬

‫‪65‬‬


‫يكـــون «للجـــدار (حـــواره) مـــع الســـابلة‪ ،‬ال يكـــون‬ ‫للرصيـــف حـــوار إال مـــع األشـــياء» (آل ســـعيد‪،‬‬ ‫الس ــابق‪ ،‬ص‪ )227‬فليس ــت األرصف ــة ف ــي النهاي ــة‪،‬‬ ‫برأيــه‪ ،‬إال مواطــئ أقــدام‪ ،‬ومكبــات نفايــات ال تحــاور‬ ‫ســـوى ذاتهـــا‪ ،‬فكانـــت «خامتـــا االســـمنت والقـــار‬ ‫تلتقـــط معنـــى (األثـــر) ‪ :‬اثـــر األقـــدام والمركبـــات‬ ‫وم ــا إل ــى ذل ــك»‪.‬‬ ‫تقنيات الخراب‪ ..‬تخريب المتحف العراقي‬ ‫نمطـــا تل ّقـــي القطعـــة االثريـــة‪ :‬االركولوجـــي‬ ‫والجمالـــي‬ ‫لق ــد أك ــد آل س ــعيد إن التلق ــي الجمال ــي لـ(القطع ــة‬ ‫األثريـــة) يجـــب أن يتـــم علـــى أســـاس (القيمـــة‬ ‫الجماليـــة) التـــي يحملهـــا وليـــس علـــى أســـاس‬ ‫(القيمـــة التاريخيـــة ‪ -‬االركولوجيـــة) فانـــه يعتبـــر‬ ‫المؤثـــرات الطبيعيـــة باعتبارهـــا تنـــدرج ضمـــن‬ ‫القيمـــة الجماليـــة للعمـــل الفنـــي وهـــذه المؤثـــرات‬ ‫ه ــي ‪ :‬المط ــر والح ــروق والس ــقوط وم ــا أضافت ــه‬ ‫قـــوى بشـــرية عابثـــة‪..‬‬ ‫ان نـــزع التاريخيـــة عـــن (القطعـــة األثريـــة)‬ ‫ومعاملتهـــا علـــى أســـاس (القيمـــة الجماليـــة) هـــي‬ ‫إعـــادة عكســـية لطروحـــات ريكـــور الـــذي يـــرى‬ ‫ان «الســـردية تقـــوم بتزميـــن التجربـــة» حيـــث‬ ‫يكتس ــب « الزم ــن ش ــخصيته‪ ،‬ويت ــم االحتف ــاظ ب ــه‬ ‫بعي ــداً ع ــن النس ــيان بوصف ــه مج ــرد زم ــن مض ــى‬ ‫لي ــس اال» وحي ــث «يح ــول (فعــ ُل ألحك ــي) قصــ َة‬ ‫الزمـــن الطبيعـــي إلـــى زمـــن إنســـاني محـــدد‪...‬‬ ‫َ‬ ‫فيع ــود الفض ــل للس ــرد ف ــي تس ــجيل وثوقي ــة الزم ــن‬ ‫اإلنســـاني»‪ ،‬وبذلـــك فـــان مـــا روج لـــه شـــاكر‬ ‫حســن ال ســعيد فــي (تقنيــة الجــدران) وهنــاء مــال‬ ‫هللا فـــي (تقنيـــة األرصفـــة) ليـــس إال محاولـــة فـــي‬ ‫تحويـــل عالمـــات المـــكان (الجـــدران واألرصفـــة)‬ ‫إلـــى فعـــل إحســـاس بالزمـــن‪.‬‬

‫فـــي إعـــارة الفنـــان مقوماتـــه األســـلوبية والتقنيـــة»‬ ‫(آل ســـعيد‪ ،‬الســـابق‪ ،‬ص‪ ،)222‬ويعتبـــر آل ســـعيد‬ ‫التعري ــة «المح ــور األول ف ــي الكش ــف ع ــن ش ــيئية‬ ‫الوجـــود الشـــيئي والظاهـــرة الشـــيئية» (آل ســـعيد‪،‬‬ ‫الســـابق‪ ،‬ص‪ ،)221‬كمـــا كان آل ســـعيد يحـــاول‬ ‫اكتشـــاف الطاقـــات الفاعلـــة فـــي الوجـــود الشـــيئي‬ ‫ف ــي المحي ــط‪ ،‬تل ــك الق ــوى الت ــي تتجس ــد منتقل ــة م ــن‬ ‫طبيعته ــا الجيني ــة إل ــى طبيع ــة تقني ــة وه ــي العناص ــر‬ ‫التكويني ــة األربع ــة االنباذوقليس ــية ‪ :‬الم ــاء‪ ،‬واله ــواء‬ ‫والت ــراب‪ ،‬والن ــار‪ :‬ف ــكان الم ــاء عن ــده يتجس ــد تقني ــا‬ ‫عن ــد معامل ــة اللوح ــة وم ــا عليه ــا م ــن أل ــوان بالم ــاء‬ ‫بحيـــث يظهـــر تأثيـــره علـــى مســـتقبل اللوحـــة‪ ،‬أو‬ ‫باســـتخدام الســـيولة فـــي التقنيـــة اللونيـــة‪ ،‬ويتجســـد‬ ‫فعـــل النـــار فـــي فعلهـــا الـــذي يـــؤدي إلـــى نشـــوء‬ ‫فوهـــات بواســـطة الحـــروق‪ ،‬والتـــراب يظهـــر فـــي‬ ‫إســـباغه طبيعتـــه علـــى عجينـــة األلـــوان‪ ،‬وأخيـــرا‬ ‫يظهـــر الهـــواء مـــن خـــال األلـــوان التـــي تســـقط‬ ‫علـــى اللوحـــة بطريـــق النفـــخ‪...‬‬ ‫افتراق هناء مال هللا عن ال سعيد‬ ‫لق ــد كان آل س ــعيد مأخ ــوذا بح ــوار (تقني ــة الج ــدران)‬ ‫كان ــت هن ــاء م ــال هللا مأخ ــوذة بالنم ــط اآلخ ــر م ــن‬ ‫التقنيـــات التجريديـــة‪ ،‬بالحـــوار الصامـــت الغفـــل‬ ‫لســاكن المدينــة مــع األرصفــة و(األرضيــات) ففيمــا‬

‫‪66‬‬


‫التجريد ‪ :‬تقنية الجدران‪ ...‬تقنية األرضيات‬ ‫لقـــد اتخـــذت التجربـــة الفنيـــة لهنـــاء مـــال هللا‬ ‫تمظهـــرات متباينـــة أحيانـــا فكانـــت‪ :‬تقتـــرب فـــي‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫شـــيئية ذات‬ ‫واقعـــة‬ ‫تحققاتهـــا‪ ،‬تشـــ ّكل فـــي النهايـــة‬ ‫رؤي ــة م ْتحفي ــة اركولوجي ــة ارتبط ــت بالحف ــر ع ــن‬ ‫فعـــل الزمـــن فـــي التحفيـــات العراقيـــة الرافدينيـــة‬

‫جانـــب مـــن البنـــى الرياضيـــة وهندســـة االوفـــاق‬ ‫وتقتـــرب فـــي الجانـــب اآلخـــر مـــن التجليـــات‬ ‫الصوفي ــة والعرفاني ــة والديني ــة‪ ،‬إال أنه ــا‪ ،‬ف ــي أه ــم‬

‫القديم ــة المعروض ــة ف ــي المتح ــف العراق ــي ف ــكان‬ ‫اهتمامهـــا وأبنـــاء جيلهـــا بالســـطوح‪ ،‬والجـــدران‬ ‫واألرضيـــات فـــي شـــوارع بغـــداد التـــي كانـــت‬ ‫‪67‬‬


‫بغـــداد‪ :‬جغرافيـــة‬ ‫وبشر‪..‬إيقونات‬ ‫المحيط‪...‬وثائق‬ ‫زيـــارة المتحـــف‬ ‫لقــــــــــد وصـــــف‬ ‫الدكتورحات ــم الصك ــر‬ ‫تحـــوالت هنـــاء مـــال‬ ‫هللا ابتـــداء مـــن معرضهـــا (بغـــداد‪:‬‬ ‫جغرافيـــة وبشـــر) فاعتبـــره إشـــارة‬ ‫لتحـــول قناعتهـــا بالفـــن المحيطـــي‪،‬‬ ‫ورؤيتهـــا لوجـــود اللـــون عنصـــراً‬ ‫متعين ـا ً ف ــي اللوح ــة‪ ،‬وربطه ــا لذل ــك‬ ‫كلـــه بمـــا أســـمته (التنقيـــب داخـــل‬ ‫الوج ــود) و(اكتش ــاف المحي ــط وتوثيق ــه)؛ فل ــم تك ــن‬ ‫تري ــد اس ــتضافة (المرج ــع) – بغ ــداد تحدي ــداً – ف ــي‬ ‫اللوح ــة ب ــل إع ــادة والدت ــه م ــن جدي ــد‪ ،‬م ــن خ ــال‬ ‫بحثهـــا عـــن (بغدادهـــا) الـــذي وصفتـــه بأنـــه إقامـــة‬ ‫لمدينــة يوتوبيــا مضــادة بتعبيــر ميشــيل فوكــو‪ ..‬وفــي‬ ‫معرضهــا الالحــق (إيقونــات المحيــط) بغــداد ‪1996‬‬ ‫ســتالحق فكرتهــا عــن إشــارات وعالمــات المحيــط‪،‬‬ ‫وه ــو وع ــي بالمحي ــط رافق ــه إنج ــاز لوح ــات تتح ــرر‬ ‫بخط ــوات أبع ــد م ــن جغرافي ــة الم ــكان كتضاري ــس‬ ‫وطوبوغرافي ــة‪ ،‬واس ــتنجدت بإنج ــاز الفن ــان العراق ــي‬ ‫القديـــم الـــذي (اختـــزل) المحيـــط وأشـــكاله المرئيـــة‬ ‫بتش ــفيرها وتحويره ــا وه ــذا م ــا تأك ــد ف ــي ع ــدد م ــن‬ ‫المع ــارض منه ــا (قياف ــة األث ــر) ال ــذي تراف ــق م ــع‬ ‫مـــا أســـمته الفنانـــة (وثائـــق زيـــارة المتحـــف) فلقـــد‬ ‫كان المتح ــف يمث ــل له ــا حاف ــزاً «للبح ــث ف ــي زم ــان‬ ‫العمـــل – األثـــر الفنـــي ‪ ..‬واكتشـــاف الزمـــان فـــي‬ ‫المـــكان» وهـــذا مـــا تمثل ــه (قياف ــة األث ــر) كمفه ــوم‬ ‫مكانـــي وزمانـــي يشـــبه الطـــروس الكتابيـــة التـــي‬ ‫تناس ــخ بعضه ــا كأث ــر كتاب ــي‪ ،‬وتل ــك محصل ــة وع ــي‬ ‫الفنان ــة الخ ــاص وبحثه ــا المتمي ــز ف ــي دالل ــة الم ــكان‬ ‫وزمانيتـــه أيضـــاً‪.‬‬

‫الرســـامة تتمالهـــا‪ ،‬وتســـجل فعـــل الزمـــن فيهـــا‬ ‫وه ــي ف ــي طريقه ــا إل ــى المتح ــف‪ ،‬وه ــو م ــا ن ّب ــه‬ ‫أبن ــاء جيـــل الثمانينـــات فـــي الرســـم العراقـــي إلـــى‬ ‫تقنيـــات تحـــاول افتضـــاض ســـطح اللوحـــة البكـــر‪:‬‬ ‫بالخــرق‪ ،‬والحــرق‪ ،‬والثلــم‪ ،‬والتخريــم‪ ،‬والتخريــش‪،‬‬ ‫والتحزيـــز‪ ،‬والشـــخبطة‪ ،‬والتخديـــد (مـــن أخـــدود)‪،‬‬ ‫والتش ــقيق (الت ــي كان آل س ــعيد يس ــميها المع ــارج)‪،‬‬ ‫وم ــا إل ــى ذل ــك م ــن مؤث ــرات الخ ــراب ال ــذي ب ــدأت‬ ‫هنــاء مــال هللا البحــث فيــه‪ ،‬وكانــت تراهــا اســتراتيجا‬ ‫بصريــا – تقنيــا مؤثــرا فــي الرســم العراقــي أســمته‪،‬‬ ‫ف ــي بع ــض كتاباته ــا ومحاضراته ــا الت ــي ألقته ــا ف ــي‬ ‫لنـــدن حيـــث تقيـــم اآلن‪Ruins Technique ،‬‬ ‫أي (تقنيـــات الخـــراب) الـــذي تـــراه خرابـــا حيويـــا‬ ‫‪ Vivid Ruins‬يشـــ ّكل أهـــم المؤثـــرات المهيمنـــة‬ ‫ف ــي الثقاف ــة العراقي ــة بع ــد الخ ــراب الضخ ــم ال ــذي‬ ‫تعـــرض لـــه العـــراق والحيـــاة والثقافـــة العراقيـــة‬ ‫قبـــل وبعـــد االحتـــال‬ ‫‪68‬‬


‫معرض (وثائق زيارة المتحف)‬ ‫كان معـــرض (وثائـــق زيـــارة المتحـــف) برأينـــا‬ ‫معرضـــا مفصليـــا فـــي تجربـــة هنـــاء مـــال هللا‬ ‫الكتش ــاف تقني ــات (األرضي ــات) «الش ــارع الم ــؤدي‬ ‫إلــى المتحــف والمنــاخ المحيــط بــه مــن إشــارات»‪،‬‬ ‫و «محـــاورة المحيـــط»‪ ،‬و»كل مـــا هـــو موجـــود‬ ‫علــى الرصيــف» (هنــاء مــال هللا ‪،‬يوميــات ‪ ،‬مدونــة‬ ‫معــرض (وثائــق زيــارة المتحــف)‪ ،)..‬بينمــا يعتبــره‬ ‫آل س ــعيد ف ــي مدون ــة المع ــرض ذاته ــا «مح ــاوالت‬ ‫الرتي ــاد المتح ــف االثنوغراف ــي واالركولوج ــي إل ــى‬ ‫جان ــب معايش ــتها (الواق ــع البيئ ــوي) ف ــي المدين ــة»‬ ‫باعتبـــاره «نوعـــا مـــن االعتـــكاف الفكـــري فـــي‬ ‫داخ ــل (اللقي ــة) و(الش ــريحة) عل ــى ح ــد س ــواء»‪..‬‬ ‫عندم ــا كان ش ــاكر حس ــن آل س ــعيد يؤس ــس تجربت ــه‬ ‫ف ــي الرس ــم عل ــى افتتان ــه (بقيم ــة الج ــدار) «كم ــرآة‬ ‫تعكـــس واقـــع الحيـــاة اإلنســـانية الحضاريـــة‬ ‫اليوميـــة»‪ ،‬كانـــت هنـــاء مـــال هللا تؤكـــد افتتانهـــا‬ ‫باخت ــراق الكتاب ــة ( التدوي ــن) للرس ــم ف ــي محاول ــة‬ ‫اختـــراع (أبجديـــة صوريـــة جديـــدة) ؛ مـــن خـــال‬ ‫التلصي ــق‪ ،‬واللق ــى الت ــي تظه ــر ف ــي الرس ــم‪ ،‬وه ــو‬ ‫مـــا يحيـــل اللوحـــة إلـــى تجربـــة كتابيـــة تدوينيـــة‬ ‫تتح ــول فيه ــا إل ــى‪ :‬ن ــص‪ ،‬او خرائ ــط‪ ،‬او بيان ــات؛‬ ‫فكانـــت تحوالتهـــا ال تخـــرج عـــن موضوعـــة‬ ‫التعامـــل مـــع الواقـــع باعتبـــاره مدونـــة يســـتقرئها‬ ‫الرس ــام‪ ،‬ويعي ــد إنتاجه ــا مدون ــة رس ــم؛ ف ــكان ذل ــك‬ ‫يكشـــف قناعاتهـــا‪ ،‬منـــذ أول معارضهـــا‪( ،‬بغـــداد‪:‬‬ ‫جغرافي ــة وبش ــر) وحت ــى اآلن‪« ،‬بالف ــن المحيط ــيّ‬ ‫ورؤيتهـــا لوجـــود اللـــون عنصـــراً متعينـــا ً فـــي‬ ‫اللوح ــة‪ ،‬وربطه ــا لذل ــك كل ــه بم ــا أس ــمته (التنقي ــب‬ ‫داخ ــل الوج ــود) و(اكتش ــاف المحي ــط وتوثيق ــه)» ؛‬ ‫فل ــم يتوق ــف بحثه ــا ال ــذي انتقل ــت في ــه م ــن اتخاذه ــا‬ ‫المتحـــف مرجعيـــة اركولوجيـــة إلـــى اتخاذهـــا‬ ‫المدينـــة (متحفـــا) تســـتمد منهـــا ايكولوجياهـــا‪ ،‬ثـــم‬ ‫لتتح ــول نح ــو المدين ــة منظ ــورا له ــا م ــن األعال ــي‬ ‫فتتحـــول تلـــك المدينـــة إلـــى قصاصـــة ورق تشـــيد‬

‫بهـــا الرســـامة هيـــاكل لوحاتهـــا (أوفـــاق مدنهـــا)‪،‬‬ ‫وليتح ــول نظ ــام التربي ــع‪ ،‬ال ــذي كان بمق ــام (الوح ــدة‬ ‫الخليقيـــة) الشـــكلية والهندســـية والرياضيـــة التـــي‬ ‫تأسس ــت عليه ــا الكتاب ــة المس ــمارية والت ــي أسس ــت‬ ‫عليه ــا هن ــاء م ــال هللا ‪ ،‬ال ــى نظ ــام رياض ــي بدي ــل‬ ‫للغــة النقــد األدبيــة الســائدة الــذي تعايــن بــه الرســم‪،‬‬ ‫وليتح ــول ذل ــك النظ ــام إل ــى مقي ــاس رس ــم تبن ــي ب ــه‬ ‫هنـــاء مـــال هللا الخريطـــة التـــي التقطتهـــا لمدينتهـــا‬ ‫مـــن مســـافة الغربـــة بعـــدا‪.‬‬ ‫ل ــم ت ــزل هن ــاء م ــال هللا ْتؤث ــر األنظم ــة الهندســيّة‬ ‫والرياضيـــة علـــى فوضـــى ســـطوح الواقـــع التـــي‬ ‫يشـــتغل عليهـــا مجايلوهـــا‪ :‬نـــزار يحيـــى وغســـان‬ ‫غائــب وكريــم رســن؛ فهــي تقصــي عناصــر وتدنــي‬

‫أخــرى‪ ،‬ولكنهــا تبقــى ممســكة بنظــام تدوينــي يحكــم‬ ‫قبضت ــه عل ــى المش ــهد‪ ،‬وه ــي الصف ــة األه ــم الت ــي‬ ‫تفــارق تجربتهــا عــن أولئــك الباحثيــن اآلركولوجيين‬ ‫فـــي عالمـــات المحيـــط والجـــدران الذيـــن يبنـــون‬ ‫لوحاته ــم م ــن تل ــك العالم ــات (الوح ــدات) الخليقي ــة‬ ‫للوج ــود الش ــيئي‪ ،‬ولك ــن أهدافه ــم؛ وان ظل ــت ف ــي‬ ‫صريـــة؛ إال أنهـــا ظلـــت تحمـــل‬ ‫النهايـــة أهدافـــا َب َ‬ ‫ق ــدرا م ــن التش ــخيص‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫قابـــا لالســـتيعاب‪ ،‬بمعنـــى قابـــا لوضعـــه ضمـــن‬ ‫ســـياق تجربتهـــا علـــى مـــدى الســـنوات الســـابقة‬ ‫فاعتبرنـــا توجههـــا باالتجـــاه إلـــى خرائـــط مدينتهـــا‬ ‫والتعام ــل م ــع الخارط ــة باعتباره ــا مخطوط ــة‪ ،‬أو‬ ‫ربم ــا دفت ــرا للرس ــم‪ ،‬مواصل ـ ً‬ ‫ـة لالنتق ــال ال ــذي ابت ــدأ‬ ‫م ــن أش ــكال الم ــادة المتحفي ــة‪ ،‬إل ــى الم ــادة المتحفي ــة‬ ‫فـــي بنيتهـــا الداخليـــة وفـــي أنظمـــة البنـــاء الش ــكلية‬ ‫لألشـــكال فـــي اللوحـــة إلـــى الهـــروب مـــن شـــيئية‬ ‫المدينـــة (متحفيتهـــا) إلـــى وجودهـــا المتعيـــن فـــي‬ ‫طوبوغرافيـــا خرائـــط األرض‪ ،‬لتتحـــول مدينتهـــا‬ ‫إلـــى ســـطح ورقـــيّ يضـــ ّم إحداثيـــات عالماتيـــة‬ ‫ومقايي ــس للرس ــم م ــن تل ــك الت ــي تموض ــع عليه ــا‬ ‫المسّـــاحون فـــي انجازهـــم خرائـــط المـــدن»‪.‬‬ ‫كانـــت هنـــاء مـــال هللا‪ ،‬حالهـــا فـــي ذلـــك حـــال كل‬ ‫الفناني ــن‪ ،‬يحافظ ــون عل ــى مرتك ــزات أولي ــة كان ــوا‬ ‫قـــد أسســـوا عليهـــا البـــذور األولـــى لرؤيتهـــم‪،‬‬

‫تخري ــب المتح ــف اخط ــر م ــا تعرض ــت ل ــه الثقاف ــة‬ ‫العراقي ــة‬ ‫تؤك ــد هن ــاء م ــال هللا ان اخط ــر م ــا تعرض ــت ل ــه‬ ‫الثقاف ــة العراقي ــة قب ــل وأثن ــاء وبع ــد االحت ــال‪ ،‬ه ــو‬ ‫تخريـــب المتحـــف العراقـــي الـــذي يشـــكل ذاكـــرة‬ ‫الثقافـــة العراقيـــة‪ ،‬وبـــدات تنظـــر الـــى تقنيتـــي‬ ‫الجـــدران واألرصفـــة (األرضيـــات) واألفعـــال‬ ‫التخريبيــة العابثــة ضــد المتحــف كتجليــات للخــراب‬ ‫الثقاف ــي وه ــو م ــا دفعه ــا إل ــى طرح ــه ف ــي مفه ــوم‬ ‫واحـــد جامـــع أســـمته (تقنيـــات الخـــراب) لتســـمي‬ ‫ب ــه فع ــل الزم ــن ال ــذي يتص ــف بأبع ــاده التخريبي ــة‬ ‫الثقافي ــة ذات الطبيع ــة البصري ــة العدائي ــة المقص ــودة‬ ‫المؤديـــة إلـــى رد فعـــل عدائـــي ودفاعـــي مقابـــل‪..‬‬ ‫لق ــد اثارن ــي معرضه ــا ال ــذي كان ــت تس ــتخدم في ــه‬ ‫خارط ــة بغ ــداد فكتب ــت‪« :‬رغ ــم صدمت ــي بلوح ــات‬ ‫المع ــرض األخي ــر لهن ــاء م ــال هللا إال أن ــي اعتبرت ــه‬ ‫‪70‬‬


‫مـــن اللـــون األســـود أو البنـــيّ الكـــدر الـــذي يغطـــي‬ ‫مس ــاحات شاس ــعة م ــن اللوح ــة‪ ،‬بينم ــا حاول ــت ف ــي‬ ‫مرحلـــة أخـــرى اســـتخدام كـــوالج (ردي ميـــد) مـــن‬ ‫خـــال إدخـــال مـــادة مجســـمة إلـــى جســـم اللوحـــة‬ ‫لتش ــكل خرق ــا لـ(ـ ــجسد) اللوح ــة لي ــس بخرطوش ــة‪،‬‬ ‫وليــس برصاصــة‪ ،‬بــل وبأجــزاء كبيــرة مــن مخلفــات‬ ‫وحط ــام الم ــدن الت ــي تتخ ــذ م ــن المس ــاحة المواجه ــة‬ ‫ألعماله ــا مكان ــا تس ــتقر علي ــه باعتباره ــا (ج ــزءا ال‬ ‫يتجـــزأ) مـــن المدونـــة الواقعيـــة‪ ،‬انـــه الدمـــار الـــذي‬ ‫لحـــق بمدينتهـــا والـــذي كان ولـــم يـــزل جـــزءا مـــن‬ ‫دورة الخـــراب التـــي تتنـــاوب علـــى مدينتهـــا‬ ‫عبـــر حقـــب التاريـــخ‪ ،‬فشـــكل ذلـــك‬ ‫هويته ــا الت ــي ه ــي معرضه ــا اآلن‪.‬‬

‫فتالزمهـــم وتكـــون بالنســـبة لهـــم نســـقا ثقافيـــا‬ ‫ش ــخصيا ال يحي ــدون عن ــه‪ ،‬ويظل ــون أمن ــاء علي ــه‪،‬‬ ‫مهم ــا نوع ــوا ف ــي معالج ــة موضوعاتهـــم‪ ،‬فكانـــت‬ ‫الرســـامة هنـــاء مـــال هللا تعيـــد قـــراءة الرســـم‬ ‫العراق ــيّ ‪ ،‬وق ــراءة تاريخ ــه ك ّل م ــرة طبقــا ً لمتج ــه‬ ‫اش ــتغاليّ يهيم ــن عل ــى تجربته ــا التنظيري ــة‪ ،‬إال ان‬ ‫كل ذل ــك يظ ــل مرتكـِ ــزا عل ــى مفهومه ــا ع ــن ف ــنّ‬ ‫الحقيق ــة المحيطي ــة ال ــذي تش ــبعت ب ــه تجربته ــا ح ــد‬ ‫الهــوس‪ ،‬برأينــا‪ ،‬فكانــت تلــك النظــرة األركولوجيــة‬ ‫المقربـــة للمدينـــة ومتحفيتهـــا‪ :‬آثارهـــا‪ ،‬ولقاهـــا‪،‬‬ ‫وأرصفتهـــا‪ ،‬وقرميدهـــا‪ ،‬وحيطانهـــا‪ ،‬وعالماتهـــا‬ ‫الثقافيـــة‪ ،‬وســـطوحها؛ فكانـــت‬ ‫هنـــاء تعيـــد إنتـــاج كل ذلـــك‪،‬‬ ‫بـــل وتعيـــد تأســـيس كل‬ ‫تجربته ــا وف ــق متغي ــرات‬ ‫مـــا بعـــد الســـتينات؛‬ ‫تلـــك المتغيـــرات‬ ‫التـــي ظهـــرت مـــن‬ ‫خـــال اتجـــاه ال‬ ‫يعي ــر ذل ــك االهتم ــام‬ ‫المبالــغ فيــه الــذي كان‬ ‫يبديــه الســتينيون لمــــا‬ ‫يســـميه ســـهيل ســـامي‬ ‫ن ــادر (البالغ ــة األدبي ــة ف ــي‬ ‫الرســـم)‪ ،‬ولبعـــض المفاهيـــم‬ ‫األخـــرى التـــي رغـــم صلتهـــا‬ ‫بمتيرياليـــة الرســـم فإنهـــا لـــم تـــزل أســـيرة‬ ‫مفاهيـــم خارجيـــة مـــازال الكثيـــر مـــن الســـتينيين‬ ‫يعيـــدون إنتاجهـــا‪ ،‬فلـــم تعـــد اللوحـــة‪ ،‬عنـــد هنـــاء‬ ‫م ــال هللا تثرث ــر بلغ ــة األدب‪ ،‬رغ ــم أنه ــا ل ــم تفق ــد‬ ‫مرجعيته ــا البصري ــة بالمعن ــى الش ــيئي (المتيريال ــي)‬ ‫للمرجعي ــات الت ــي كان ــت الصل ــة الوثق ــى بالمحي ــط‪.‬‬ ‫بقـــي عنصـــر اللـــون جوهـــر الوجـــود الشـــيئي‬ ‫للوح ــة‪ ،‬حي ــث ب ــدأت تل ــفّ عوالــ َم اللوح ــة أج ــوا ٌء‬

‫فـــن الخـــراب‪ ..‬مـــن‬ ‫الفنـــاء العراقـــي إلـــى‬ ‫الفنـــاء الوجـــودي‬ ‫تتالحــق تحــوالت هنــاء‬ ‫مـــال هللا فـــي اتجاههـــا‬ ‫(فـــن الخـــراب) الـــذي‬ ‫بدأت ــه قب ــل س ــنوات‪ ،‬حت ــى‬ ‫يصعـــب علـــى النقـــد دمـــج‬ ‫تلـــك المتالحقـــات اال ضمـــن‬ ‫منظومـــة اوســـع مـــن مفهـــوم‬ ‫الخ ــراب‪ ،‬فربم ــا وم ــن خ ــال معايش ــة‬ ‫العراقييـــن لمـــا تخلفـــه الحـــروب عـــادة‪ ،‬فقـــد‬ ‫اســـتحكمت منظومـــة (المـــوت) كأعظـــم االســـئلة‬ ‫الوجوديـــة التـــي يواجههـــا العراقيـــون يوميــــــــا‪،‬‬ ‫وواجهه ــا االنس ــان من ــذ وج ــوده وحت ــى االن‪ ،‬فخ ــال‬ ‫الســ َنوات الماضيــــ ــة َتأمّل ـ ُ‬ ‫ـت معيشـ ــتها كالجئ ــة ف ــي‬ ‫َ‬ ‫البــا ِد ذاته ـ ِا التــي لعبــت ‪-‬علــى األقــل جزئي ـاً‪ -‬دورا‬ ‫فــي احتـــــــال العــراق واتمــام دائــرة انتاج الخـــراب؛‬ ‫فكان ــت هن ــاء م ــال هللا تواج ــه االوس ــاط الثقافي ــة بم ــا‬ ‫‪71‬‬


‫اختزنت ــه ذاكرته ــا م ــن‬ ‫اث ــار خ ــراب الح ــروب‬ ‫التـــي بـــدات تتوســـع‬ ‫الــى رؤيــة فلســفية ذات‬ ‫ج ــذور ثقافي ــة صوفي ــة‬ ‫تتعلــــــــــــق بمواقـــف‬ ‫االنس ــان ف ــي مواجه ــة‬ ‫الســـــــر االعظـــم فـــي‬ ‫الحيــاة وهــو المــــــوت‪.‬‬ ‫(الحافة الحساسة)‪:‬‬ ‫الصالبـــة (الموثوقـــة)‬ ‫والتحـــوّ ل الـــى‬ ‫(الش ــيء)‪ ..‬تحــــــ ــوّ ل‬ ‫التشــــــــخيص الـــــــى‬ ‫تجريـــدِ‪ ..‬لقـــد ادركـــت‬ ‫هنـــ ــاء مــــــــ ــال هللا ان الرســـــ ــم قضي ــة بصري ــة‬ ‫ال تتســـع فـــي النهايـــة اال للبصريـــات والماديـــات‬ ‫الت ــي تخل ــق البصريـــات‪ ،‬وهـــو مـــا ادركتـــه هنـــاء‬ ‫مـــال هللا باحترافيـــة عاليـــة حينمـــا حولـــت فكـــرة‬ ‫الفنـــاء فـــي اعمالهـــا‬ ‫الـــى معالجـــات لمـــواد‬ ‫صلبـــــــــة؛ العتقادهـــا‬ ‫ان الفنــــــاء يضـــرب‬ ‫الصلــــب المحســـوس‬ ‫ليخلــــــــــــق إحساســـا‬ ‫بفاعليتــــــه التدميريـــة‬ ‫فكم ــا يح ــاول االنس ــان‬ ‫تحويـــل فعـــل الزمـــن‬ ‫الـــى ســـرد او تاريـــخ‬ ‫ليعطيـــه ملموســـية‪،‬‬ ‫فـــإن هنـــاء مـــال هللا‬ ‫تح ــاول انت ــاج العك ــس‬ ‫حينمـــا تســـتخلص‬

‫مـــن الصلـــب الـــذي‬ ‫تـــآكل بفعـــل فنائـــه‬ ‫إلـــى ســـرديات ورؤيـــة‬ ‫فلســـفية تعبـــر بهـــا عـــن‬ ‫إحساس ــها تج ــاه التدمي ــر‬ ‫الـــذي يطـــال اإلنســـان‬ ‫كمـــا يطـــال المـــادة‬ ‫الملموســـة متجهـــا بهـــا‬ ‫إلـــى الفنـــاء‪..‬‬ ‫تشـــ ّكل هنــــــاء مـــال هللا‬ ‫رؤيتهــــــــا مـــن خـــال‬ ‫أعمـــــــال تسميهـــــــــــا‬ ‫(الحافـــة الحساســـــة)‪،‬‬ ‫وهـــي مرحلـــة حرجـــة‬ ‫بيــــــــن التشـــــــــخيص‬ ‫والتجري ــد‪ ،‬وه ــي اعم ــال غالب ــا م ــا تك ــون ثالثي ــة‬ ‫االبعـــاد وتريـــد ان توصـــل عبرهـــا ان كل شـــيء‬ ‫صلـــب وهـــو هنـــا محســـوب بحكـــم صالبتـــه علـــى‬ ‫التشــــخيص ممكـــن ان يتحـــول الـــى تجريـــد بقـــوة‬ ‫الفنـــاء‪ ...‬فهـــي تقتنـــص‬ ‫لحظـــات التحـــول تلـــك‬ ‫بيـــن الوجـــود الصلـــب‬ ‫وبي ــن الفن ــاء التجري ــدي‪،‬‬ ‫ان هنـــاء مـــال هللا‪،‬‬ ‫وعلـــى خـــاف غيرهـــا‬ ‫مـــن مجايليهـــا‪ ،‬تعيـــش‬ ‫تجربته ــا كرؤي ــة روحي ــة‬ ‫تعالجهـــا مـــن خـــال‬ ‫المـــادة التـــي تشـــتغل‬ ‫عليهـــا‪ ...‬لقـــد تركـــت‬ ‫الحـــرب ندوبـــا كبيـــرة‬ ‫داخـــل هنـــاء مـــال هللا‬ ‫بحكـــم التمـــاسّ المباشـــر‬ ‫‪72‬‬


‫التشـــكيلية التـــي تقـــع فـــي‬ ‫ان تقدمـــه فـــي اعمالهـــا‬ ‫ِ‬ ‫لحظ ــة التح ــول القلق ــة بي ــن الوج ــود وبي ــن الفن ــاء اي‬ ‫بمعن ــى تش ــكيلي تق ــف بي ــن التجري ــد والتش ــخيص‪.‬‬ ‫تقـــول هنـــاء مـــال هللا فـــي حـــوار لنـــا معهـــا عبـــر‬ ‫النــت‪« :‬ان فكــرة مفهــوم الخــراب الــذي كان جــزءا‬ ‫رئيس ــا م ــن تجربت ــي الحياتي ــة والفني ــة ف ــي الع ــراق‪،‬‬ ‫وال ــذي كن ــت اقت ــرب من ــه محلي ــا كمفه ــوم لصي ــق‬ ‫بجغرافيـــة معينـــة (العـــراق) ميســـوبوتاميا‪ ،‬وكأنـــه‬ ‫قـــدر مســـتدير التعاقـــب علـــى العـــراق وال يمكـــن‬ ‫الف ــرار‪ ،‬او الخ ــاص من ــه‪ ،‬ب ــدأت اعيش ــه كمفه ــوم‬ ‫عالمــي بعــد خروجــي مــن العــراق‪ ،‬واســتقراري فــي‬ ‫مدينــة عالميــة رأســمالية مثــل لنــدن‪ ،‬حيــث معاملتنــا‬ ‫كأدوات‪ ،‬او باألحـــرى وقـــود إلدامـــة وضعنـــا فـــي‬ ‫خانــة هوامــش مجتمــع العولمــة الرأســمالي‪ ،‬واعتقــد‬ ‫ان للفـــن العالمـــي المعاصـــر االن وتســـويقه دورا‬ ‫كبي ــرا ف ــي ه ــذه اللعب ــة العالمي ــة للخ ــراب واقص ــد‬ ‫بذلـــك ان مـــا ينتـــج فـــي الفـــن العالمـــي االن ليـــس‬ ‫اال انعكاس ــا صادق ــا لجوه ــر الخ ــراب ال ــذي نعيش ــه‪،‬‬ ‫والـــذي تغذيـــه الرأســـمالية وثقافتهـــا التافهـــه مثـــل‬ ‫امي ــركا‪ .‬ه ــذا م ــا يجعلن ــي استش ــعر حاف ــة الخ ــراب‬ ‫ف ــي كل ش ــيء اعيش ــه حت ــى وان كان ف ــي لحظ ــات‬ ‫س ــام»‪..‬‬

‫ب جوهــ ُر‬ ‫م ــع اثاره ــا المدم ــرة‪ ،‬فأيقن ــت أنّ الخ ــرا ِ‬ ‫الوجــود او مآلــه الحتمــي‪ ،‬وان الصالبــة (الموثوقــة)‬ ‫يُمْ كِـــنُ أَنْ يُتحـــوّ َل الـــى (ال شـــيء)ِ خـــال اجـــزاء‬ ‫مـــن الثانيـــة‪ .‬وهكـــذا ترســـخ عندهـــا يقيـــن عبـــر‬ ‫ب هــو اللحظــة الحاســمة بيــن‬ ‫اإلسْ ـ ِت ْنتاج بــأن الخــرا ِ‬ ‫ـخيص والتجري ـدِ‪ ،‬بي ــن إلوج ــود والِفن ــاء‪ ،‬وه ــو‬ ‫التش ـ ِ‬ ‫َ‬ ‫روحـــي‬ ‫مفهـــوم تعتبـــره ذا معنـــى‬ ‫عميـــق أيضـــاً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وتعتبـــر تقنيـــات الخـــراب ناتـــج الوجـــ ِه‬ ‫القاتـــل‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫للحـــر ِ‬ ‫ب وانهـــا اســـتعادة وإنتـــاج لفكـــر َة الحـــر ِ‬ ‫وفعلهـــا‬ ‫التدميـــري وفـــي اعـــادة انتـــاج التجربـــ ِة‬ ‫َ‬ ‫ب بصـــرف ال ّنظـــر عـــن‬ ‫العميقـــ ِة لحقيقـــ ِة للحـــر ِ‬ ‫طبيعتهـــا الجغرافسياســـية او الجيوبوليتيكيـــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والممز َقـــة‪،‬‬ ‫تفيـــض االعمـــال الفنيـــة المحروقـــة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والمخد َش ــة‪ ،‬والمجمّع ــة‪ ،‬ف ــي أغل ــب األحي ــان‪ ،‬م ــن‬ ‫ـان‪ ،‬وبلــون الســخام‪،‬‬ ‫مصــادر متفرقــة‪ ،‬برائحــة الدخـ ِ‬ ‫وكله ــا تجس ــيدات بصري ــة تق ــوم مق ــام التلميح ــات‬ ‫ـار وطنِه ــا‪ ،‬و ُتوصــ ُل رس ــالة عاب ــرة‬ ‫المؤلم ــة لدم ـ ِ‬ ‫للجغرافي ــا وللتاري ــخ مع ـاِ‪ ،‬فك ــرة تؤك ــد ان الخ ــراب‬ ‫جوهـ ُر وجــودي للوجــود‪ ،‬وليــس للمــوت او بمعنــى‬ ‫اوس ــع (االندث ــار) اال حقيق ــة كل م ــادة صلب ــة تب ــدو‬ ‫م ــن النظ ــرة الس ــطحية متماس ــكة ف ــاذا به ــا يمك ــن‬ ‫خ ــال اي ق ــدر م ــن الزم ــن متناهي ــا ف ــي الط ــول او‬ ‫فــي القصــر‪ ،‬تتحــول الــى هبــاءة‪ ،‬وهــو مــا تحــاول‬ ‫‪73‬‬


‫من ــذ زم ــن لي ــس بالقصي ــر درج الف ــن التش ــكيلي العراق ــي من ــذ الس ــتينات عل ــى التمس ــك بأنس ــاق ثابت ــة تح ــت طائ ــل‬ ‫الع ــرف الس ــائد أحيان ــا وأنم ــاط االس ــتهالك الجمال ــي ف ــي أحي ــان أخ ــر‪ ،‬إال إن الجي ــل الجدي ــد م ــن الفناني ــن م ــا بع ــد‬ ‫التغيي ــر قدم ــوا أكث ــر م ــن محاول ــة لتثوي ــر الخط ــاب التش ــكيلي العراق ــي تم ــس كاف ــة العناوي ــن واألجن ــدات واليقيني ــات‬ ‫القديمــة‪ ،‬حيــث بــرزت مجموعــة مــن الفنانيــن بعــرض مختلــف ين ـ ّم عــن حرفنــه وقــدرة علــى المجابهــة وروح فياضــة‬ ‫بالتح ــدي ‪ ،‬فق ــد عم ــل الفن ــان حس ــن إبراهي ــم عل ــى اقت ــراح ع ــرض إلعم ــال كبي ــرة الحج ــم م ــع االحتف ــاظ بالحري ــة‬ ‫الكامل ــة واالختي ــار الح ــر للم ــادة والن ــوع والموض ــوع واألداء برعاي ــة جمعي ــة الفن ــون التش ــكيلية ف ــي العاصم ــة بغ ــداد‬ ‫الت ــي يرأس ــها الفن ــان قاس ــم س ــبتي‪ ،‬بصفت ــه مس ــؤول المع ــارض واألنش ــطة الفني ــة‪ ،‬وهك ــذا وقع ــت مس ــؤولية المتابع ــة‬ ‫واإلج ــراءات واالخت ــاف ف ــي ال ــرأي عل ــى عات ــق حس ــن إبراهي ــم حت ــى ي ــوم الع ــرض ‪. 2015/6/6‬‬ ‫لق ــد أثم ــرت ه ــذه الجه ــود ع ــن ع ــرض مهي ــب للف ــن العراق ــي لطالم ــا كن ــا ف ــي انتظ ــاره‪ ،‬بع ــد إن تخل ــف ع ــن الرك ــب‬ ‫العالمـــي والعربـــي ألســـباب تخـــص الوضـــع السياســـي وعـــدم االســـتقرار والحـــروب‪ ،‬كمـــا أكـــد مـــرة أخـــرى عـــن‬ ‫‪74‬‬


‫عمـــل علـــى اســـتدعاء ذاكـــرة المـــكان ألمشـــهدي‪،‬‬ ‫بماهيـــة حـــدث يمتـــد ليشـــمل جدليـــة الصـــراع‬ ‫األزلـــي آلليـــات الشـــر التـــي تعمـــل علـــى تدميـــر‬ ‫بنيـــة المجتمـــع العراقـــي مـــا بعـــد التغييـــر وحتـــى‬ ‫أالن‪ ،‬لكـــن اإلزاحـــة األكثـــر تطرفـــا هـــو عـــرض‬ ‫مـــا تبقـــى مـــن قطعـــة القمـــاش الموجـــودة فـــي‬ ‫الصــورة ( الجــدار ) وامتــداد خطــاب الحــرب إلــى‬ ‫داخـــل ســـاحة المتلقـــي بصفتـــه الشـــخص المعنـــي‬ ‫بآليـــات المـــوت لتكـــون بنيـــة الفـــراغ واالمتـــاء‬ ‫بيـــن الصـــورة والمـــكان واســـتعارة المـــادة أثـــرا‬ ‫وجوديــا يجعــل المتلقــي فــي موضــع المســائلة عــن‬ ‫قيم ــة حض ــوره اآلني ــة عن ــد حاف ــة الع ــدم‪ ،‬وه ــو م ــا‬ ‫ســجل لحظــة تجــاوز لجماليــات العــرض التشــكيلي‬ ‫التقليدي ــة واالنتق ــال إل ــى الخط ــاب الثقاف ــي بصفت ــه‬ ‫جوهـــر الفـــن المعاصـــر ‪.‬‬ ‫إن ريـــاض هاشـــم اســـتعار المـــكان الغائـــب فـــي‬ ‫حضــور الصــورة بحجمهــا الكبيــر وقطعــة القمــاش‬ ‫التـــي حققـــت واقعيـــة تمثيليـــة للحـــدث ( القتـــل ‪،‬‬ ‫اإلرهـــاب ‪ ..‬الـــخ) ومـــن ثـــم وضـــع هـــذا المـــكان‬ ‫االس ــتعاري ف ــي قاع ــة الع ــرض الت ــي تع ــد مكان ــا‬ ‫مختلفــا حاضــرا‪ ،‬وهــذه اآلنيــة فــي االختــاف بيــن‬ ‫االس ــتعاري والم ــادي خلق ــت صيغ ــة االمت ــداد بي ــن‬ ‫المكاني ــن رغ ــم اختالفهم ــا ف ــي الغاي ــة والوس ــيلة‪،‬‬ ‫ليكـــون لنـــا الخطـــاب الثقافـــي للعمـــل بصورتـــه‬ ‫الصادمـــة ‪.‬‬

‫حيويـــة الفنـــان العراقـــي وتفاعلـــه مـــع الواقـــع‬ ‫وتغيـــرات الصـــراع وإبـــداء موقـــف أنســـاني‬ ‫ج ــاد عب ــر معالج ــات حقيقي ــة تناولته ــا اإلعم ــال‬ ‫الفنيـــة المعروضـــة فـــي جمعيـــة التشـــكيليين‪،‬‬ ‫فـــي محاولـــة للعمـــل علـــى محوريـــن أساســـيين‬ ‫وجدتهمـــا حاضريـــن فـــي العـــرض همـــا ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ االنفـــات مـــن إســـار األنســـاق الســـتينية‬ ‫والســبعينية علــى المســتويات التقنيــة والجماليــة‬ ‫والمفاهيميـــة ‪ ،‬بمـــا يفضـــي إلـــى زحزحـــة‬ ‫القناعـــات القديمـــة بفعاليـــة الفـــن وجـــدواه فـــي‬ ‫أســـوء مرحلـــة تاريخيـــة يمـــر بهـــا البلـــد ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ التفاعـــل مـــع اللحظـــة المعاشـــة ‪ ،‬وتحريـــر‬ ‫الفنـــان مـــن تقاليـــده المتوارثـــة ‪.‬‬ ‫ه ــذا المؤش ــر يقودن ــا إل ــى ب ــروز نم ــط جدي ــد ف ــي‬ ‫الف ــن العراق ــي ه ــو الخط ــاب الثقاف ــي للعم ــل ‪ ،‬أي‬ ‫االنتق ــال م ــن اللوح ــة جمالي ــا إل ــى العم ــل الفن ــي‬ ‫بصفتــه خطابــا ثقافيــا ‪ ،‬وهــو مــا ظهــر فــي إعمــال‬ ‫كل م ــن الفناني ــن ري ــاض هاش ــم وح ــارث مثن ــى‬ ‫بط ــرق مبتك ــرة وجدي ــدة عل ــى الس ــاحة العراقي ــة‬ ‫‪ ،‬كم ــا إن النح ــات رض ــا فرح ــان ق ــدم لن ــا مس ــارا‬ ‫جديـــدا للنحـــت ســـاهم فـــي تحريـــر فـــن النحـــت‬ ‫العراقـــي مـــن إســـار قامتيـــن كبيرتيـــن همـــا (‬ ‫جـــواد ســـليم ‪ /‬إســـماعيل فتـــاح التـــرك ) اللـــذان‬ ‫هيمن ــا عل ــى تاري ــخ النح ــت العراق ــي حت ــى أالن‪،‬‬ ‫مم ــا ش ــجعني عل ــى متابع ــة منج ــز كل عم ــل ف ــي‬ ‫الع ــرض ‪.‬‬ ‫إم ــا اس ــتخدام الحج ــم الكبي ــر للعم ــل فج ــاء ليؤك ــد‬ ‫إمكانـــات الفنـــان فـــي إدارة الســـطح التصويـــري‬ ‫أوال ‪ ،‬وإعطـــاء فســـحة اكبـــر الختبـــار تقنيـــات‬ ‫أوســـع فـــي مجـــال األداء والتلويـــن وغيرهـــا‬ ‫م ــن التكتي ــكات الجدي ــدة ف ــي الرس ــم ثاني ــا ‪ ،‬مم ــا‬ ‫س ــاهم ف ــي إضف ــاء هيمن ــة جمالي ــة إضافي ــة ل ــكل‬ ‫اإلعمـــال بشـــكل احترافـــي عـــال وجـــه أنظـــار‬ ‫المتابعيـــن للعـــرض بـــدون اســـتثناء ‪.‬‬ ‫‪1‬ـ رياض هاشم ‪ ..‬صدمة الموت‬ ‫اســـتعمل الفنـــان ريـــاض هاشـــم فـــي واحـــدة‬ ‫مـــن أهـــم إعمـــال المعـــرض اختالفـــا‪ ،‬صـــورة‬ ‫فوتوغرافي ــة بحج ــم كبي ــر لموق ــع قت ــل جن ــود س ــبا‬ ‫يكـــر مأخـــوذا مـــن الموقـــع ذاتـــه‪ ،‬إي إن الفنـــان‬

‫‪75‬‬


‫محمد مسير‬

‫‪2‬ـ حــارث مثنــى ‪ ..‬تدميــر النــوع الفنــي ومشــاركة‬ ‫ا لمتلقي‬

‫الفنـــان كجســـد وكينونـــة إلـــى االنمحـــاء فـــي‬ ‫الخطـــاب الجديـــد للفـــن ‪.‬‬

‫ق ــدم لن ــا الفن ــان ح ــارث مثن ــى عم ــا مختلف ــا ب ــكل‬ ‫معنــى الكلمــة فــي مجــال كســر الحــدود واألجنــاس‬ ‫الفنيـــة المتعـــارف عليهـــا ‪ ،‬فقـــد اســـتعمل ارض‬ ‫المدفـــن بصفتهـــا كنايـــة عـــن الموجـــود ‪ ،‬حيـــث‬ ‫اس ــتخدم الت ــراب منبثق ــا من ــه دفت ــي تاب ــوت وه ــو‬ ‫معل ــق بش ــكل أفق ــي ف ــي اعل ــي دفت ــي األريكتي ــن‬ ‫( اقص ــد الفن ــان ذات ــه) بصفتهم ــا الص ــورة الغائي ــة‬ ‫للتمثي ــل الرم ــزي‪ ،‬وعل ــى يس ــار العم ــل م ــن جه ــة‬ ‫الناظـــر‪ ،‬عمـــل بتجريـــد لونـــي هندســـي زخرفـــي‬ ‫وعلـــى أرضيـــة مســـاحة العمـــل وضـــع أوانـــي‬ ‫مليئ ــة بالم ــاء تتك ــون م ــن س ــتة عش ــر آني ــة‪ ،‬وهن ــا‬ ‫نكـــون إمـــام درامـــا تشـــكيلية مـــن نـــوع خـــاص‬ ‫وضعـــت الجســـد كأيقونـــة تشـــترك فـــي تجســـيد‬ ‫الرؤيـــة الكونيـــة للواقـــع العراقـــي المعاصـــر‬ ‫ومأســـاة الظاهـــرة العدميـــة التـــي تلـــف اإلنســـان‬ ‫ف ــي اقس ــي ص ــورة يمك ــن إن تصوغه ــا الكوابي ــس‬ ‫العراقيـــة اليوميـــة‪ ،‬هـــذا العمـــل وضـــع المشـــاهد‬ ‫إمــام حيــرة ثقافيــة لــم يتعــود عليهــا أبــدا‪ ،‬كمــا انــه‬ ‫ســـمح للمتلقـــي بمســـاحة مـــن المشـــاركة واللعـــب‬ ‫وتغييــر حــركات الفنــان إثنــاء العــرض‪ ،‬إمــا علــى‬ ‫المســـتوى التقنـــي فقـــد أجهـــز ألول مـــرة علـــى‬ ‫تقلي ــد الع ــرض القديم ــة والخ ــروج ع ــن المأل ــوف‬ ‫مســـتخدما إليـــة العـــرض األدائـــي ‪ ،‬بمعنـــى انـــه‬ ‫عم ــد إل ــى اجت ــاح بن ــى مفاهيم ــي للع ــرض تق ــود‬

‫‪3‬ـ مالئكة محمد مسير‪ ..‬مصير واحد‬ ‫قـــدم لنـــا الفنـــان محمـــد مســـير عمـــا طويـــا‬ ‫بقي ــاس ‪750‬سم×‪160‬س ــم‪ ،‬ليك ــون ش ــاهدا عل ــى‬ ‫تاريـــخ العنـــف واإلبـــادة الجماعيـــة للشـــعب‬ ‫العراقـــي‪ ،‬حيـــث رســـم جمـــوع األرواح التـــي‬ ‫تناثـــرت مـــن جـــراء التفجيـــرات والحـــروب‬ ‫وهـــي تقـــود دراجاتهـــا الهوائيـــة بأجنحتهـــا‬ ‫المالئكيـــة نحـــو عالـــم مجهـــول‪ ،‬ربمـــا يكـــون‬ ‫الس ــماء أو الفرادي ــس الت ــي قبع ــت ف ــي الذاك ــرة‬ ‫الجمعي ــة كمع ــادل موضوع ــي لمجاني ــة الم ــوت‬ ‫عل ــى ه ــذه األرض ‪ ،‬والحقيق ــة ف ــان ه ــذا العم ــل‬ ‫بمـــا فيـــه مـــن دهشـــة طفوليـــة تمـــارس ذات‬ ‫اإلزاح ــة آللي ــات الراس ــب اليقين ــي واالجتماع ــي‬ ‫والدينـــي كذلك‪،‬وربمـــا التعبيـــر عـــن لحظـــة‬ ‫خ ــاص فاني ــة تعي ــد لن ــا أس ــطورة الع ــود األب ــدي‬ ‫ف ــي اعل ــي حاالته ــا تجلي ــا للواق ــع العي ــان بحي ــث‬ ‫يضعنـــا العمـــل إمـــام فنـــان بمخيلـــة شـــاعر‬ ‫دفـــاق بالمجـــازات الصوريـــة لتفعيـــل الصدمـــة‬ ‫وضـــرب الواقـــع بـــكل مآســـيه الفنتازيـــة‪ ،‬انـــه‬ ‫ممتـــد إلـــى أفـــق ال تحـــده حـــواف الكانفـــاس‬ ‫وال تجاريـــه سالســـة الصياغـــات اللونيـــة الن‬ ‫حموالتـــه الباطنيـــة تتجـــاوز األســـاطير التـــي‬ ‫يحوكهـــا الواقـــع عـــن نفســـه ‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫غائبـــة ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ تداخـــل الفضـــاءات فـــي‬ ‫عم ــل نادي ــة فلي ــح‬ ‫قدمـــت الفنـــان ناديـــة‬ ‫فليـــح عمـــا مختلفـــا علـــى‬ ‫مســـتوى التقنيـــات واألداء‬ ‫الفن ــي والرؤي ــة‪ ،‬وق ــد يعتق ــد‬ ‫البع ــض إن ه ــذا التوصي ــف‬ ‫مبالـــغ بـــه‪ ،‬إال إننـــي أجـــد‬ ‫إن الفنان ــة تس ــتحق م ــا ه ــو‬ ‫أكثــر‪ ،‬إذ أنهــا قدمــت عمــا‬ ‫بأربـــع قطـــع مـــع كومـــة‬ ‫تـــراب حيـــة ( واقصـــد‬ ‫بكلمـــة حيـــة أنهـــا بـــرزت‬ ‫كعالمـــة مكثفـــة غيـــر‬ ‫منفصلـــة عـــن فضائهـــا الرمـــزي داخـــل العمـــل‬ ‫الفنـــي رغـــم اختـــاف المـــادة والفضـــاء ) تحـــت‬ ‫أخ ــر مقط ــع من ــه إي الجان ــب األيس ــر م ــن وجه ــة‬ ‫نظ ــر المش ــاهد عل ــى أرضي ــة القاع ــة‪ ،‬وف ــي رأس‬ ‫كومــة التــراب فجمتــان وفــي أســفل الكومــة ثــاث‬ ‫فحمىــت أو أكثــر ‪ ،‬كمــا لــو تريــد اســتعارة األرض‬ ‫كش ــفرة تقني ــة أوال ودال واقع ــي ثاني ــا ‪ ،‬بم ــا يتي ــح‬ ‫لن ــا النظ ــر إل ــى آلي ــات العم ــل بأكث ــر م ــن حاس ــة‬ ‫بحي ــث يمك ــن االنتق ــال م ــن الفك ــرة إل ــى الح ــدث‬ ‫وبالعكــس ‪ ،‬فالمــواد المختلفــة المســتخدمة ســاهمت‬

‫‪4‬ـ ابتكار األشياء الغائبة لدى عقيل خريف‬ ‫هـــل يحـــق لـــي الســـؤال عـــن مبتكـــرات عقيـــل‬ ‫خريـــف الـــذي عودنـــا علـــى مباهـــج المـــادة‪ ،‬إذ‬ ‫لـــم يعـــد الرســـم مرتبطـــا بالقماشـــة واللـــون‪ ،‬لـــذا‬ ‫أج ــد عقيلن ــا مهتم ــا بمفه ــوم الف ــن ولي ــس الجن ــس‬ ‫الفنــي‪ ،‬حيــث مــارس دور الخالــق لعوالــم محيطيــة‬ ‫تب ــدأ م ــن البيئ ــة وم ــن األش ــياء التداولي ــة‪ ،‬وكأن ــه‬ ‫يم ــارس مثل ــث هايدغ ــر ( الفن ــان‪ -‬العم ــل الفن ــي‬ ‫ الف ــن ) فه ــو يعم ــل عل ــى ابت ــكار العم ــل الفن ــي‬‫‪ ،‬وف ــي ه ــذا الع ــرض نج ــده يق ــدم‬ ‫ملعقــة بحجــم كبيــر ولكــن بصفتهــا‬ ‫س ــمكة تعي ــش ف ــي م ــاء خش ــبي‪،‬‬ ‫فمجموعـــة األلـــواح الخشـــبية‬ ‫المرصوصـــة تفعـــل ترحيـــل‬ ‫الرمـــوز وفـــق قرائـــن معرفـــة‬ ‫مســـبقا‪ ،‬لكنهـــا هنـــا تعيـــد إنتـــاج‬ ‫الـــدوال الحســـية لفكـــرة وجـــود‬ ‫س ــمكة أو ملعق ــة أو كائ ــن معدن ــي‬ ‫فــي جســد المــاء الخشــبي إلحــداث‬ ‫اإلزاح ــة االس ــتعارية للمش ــهد‪ ،‬إن‬ ‫العمـــل الفنـــي هنـــا يقـــود المـــادة‬ ‫إل ــى ارت ــداء مج ــازات الف ــن إل ــى‬ ‫أقصاهــا‪ ،‬كمــا لــو انــك إمــام عالــم‬ ‫يمنح ــك بس ــاطته وليون ــة تجاويف ــه‬ ‫وشـــعريته‪ ،‬فيمـــا نكتشـــف نحـــن‬ ‫حضـــور األشـــياء بعـــد إن كانـــت‬ ‫عقيل خريف‬

‫‪77‬‬


‫ذلـــك قدرتهـــا علـــى فهـــم التعامـــل مـــع التقنيـــات‬ ‫وتبســـيط الشـــكل إلـــى ابعـــد مظاهـــره دون إن‬ ‫يفق ــد إش ــاراته الحيوي ــة للرس ــالة اإلنس ــانية داخ ــل‬ ‫العمـــل الفنـــي ‪.‬‬

‫ه ــي األخ ــرى عل ــى بي ــان الكائ ــن المهيم ــن عل ــى‬ ‫العمـــل وتكـــرار وجـــوده فـــي كل مقطـــع ناظـــرا‬ ‫إلـــى عمـــق الفضـــاء الداخلـــي ‪ ،‬تظللـــه أوراق‬ ‫فاحم ــه ه ــي كل م ــا بق ــي م ــن الص ــورة األخي ــرة‬ ‫للحيـــاة القادمـــة‬

‫‪7‬ـ هواجس زياد غازي اللونية‬

‫‪6.‬ـ مخلوقات ضحى الكاتب‬

‫تمط ــر الفواج ــع كم ــا تمط ــر األل ــوان بقع ــا م ــن‬ ‫نزيـــف الهواجـــس‪ ،‬وربمـــا اســـتطيع القـــول إن‬ ‫زيـــاد غـــازي يمـــارس فعـــل اإلضافـــة والحـــذف‬ ‫تح ــت طائ ــل الخ ــوف ‪ ،‬فه ــو يقل ــم البق ــع اللوني ــة‬ ‫ويشـــوهها باســـتخدام كعـــب الفرشـــاة أو األظافـــر‬ ‫أو بع ــض اآلالت الح ــادة وربم ــا جس ــده ‪ ،‬ال يري ــد‬ ‫إن يـــرى حـــدودا لكتلـــة أو مســـاحة فارغـــة مـــن‬ ‫االنفعــال ‪ ،‬انــه يتوجــس مــن الرضــوخ إلــى قناعــة‬ ‫م ــا تق ــوده إل ــى جث ــة ملق ــاة ف ــي ش ــارع أو مكع ــب‬ ‫لس ــيارة محترق ــة أو بيـ ــت آي ــل للســ ــقوط ‪ ،‬الل ــون‬ ‫وحـــده يمتلـــك القـــدرة‬ ‫علـــى مـــد اللســـان‬ ‫لت ــذوق الواق ــع‪ ،‬ولك ــن‬ ‫بطريقـــة تحتجـــب‬ ‫ع ــن المعن ــى ‪ ،‬حي ــث‬ ‫لـــم للشـــكل حضـــورا‬ ‫محـــددا بـــــل البقـــع‬ ‫اللونيــــــــــة والخـــط‬ ‫والكتلــــة بصفتها بديالً‬ ‫انفعاليـــــــــ ــا لتخريب‬ ‫المعنـــى وتداولـــه‬

‫تس ــتطيع إن ت ــرى الفنان ــة ضح ــى الكات ــب البع ــد‬ ‫المغي ــب للكائ ــن‪ ،‬كم ــا ل ــو أنه ــا تس ــتخدم س ــونار‬ ‫قيم ــي وأخالق ــي للص ــور ‪ ،‬وه ــي هن ــا ترس ــم تل ــك‬ ‫الكيان ــات المس ــتورة بعي ــن ثالث ــة ‪ ،‬مجموع ــة م ــن‬ ‫المس ــوخ الكابوس ــية لمحن ــة العي ــش م ــع الص ــور‬ ‫المعلقـــة إمـــام العيـــن العاديـــة‪ ،‬ففـــي العمـــل‬ ‫المع ــروض تقس ــم الس ــطح إل ــى أربع ــة مس ــتويات‬ ‫تقـــدم فـــي كل مســـتوى رؤيـــة غيـــر منظـــورة‬ ‫لمخلوقـــات ذات صلـــة دراميـــــــة ترتكـــــــب‬ ‫حماقـــــــــــات الســـلطة‬ ‫حماق ــات القت ــل واإلب ــادة‬ ‫وصعـــود ســـالم الوهـــم‬ ‫ألقيمـــــــــي االجتماعـــي‬ ‫لفجيعـــة الحيـــاة بلـــون‬ ‫شـــاحب ال يـــرى إي‬ ‫شـــيء ســـوى فصائـــل‬ ‫مـــن نفـــس النـــوع تقـــدم‬ ‫األضاحـــي لمســـخ أخـــر‬ ‫طويـــل القامـــة ممتـــد‬ ‫بـــا ظـــال‪ ،‬وهـــو كل‬ ‫م ــا تري ــد إن ن ــراه عب ــر‬ ‫أشـــعتها البنيـــة القاتمـــة‬ ‫للحي ــاة‪ ،‬وق ــد س ــاهم ف ــي‬

‫‪8‬ـ رأس رضــا فرحــان‬ ‫الذهبــي يتكلــم‬ ‫‪78‬‬


‫ق ــدم لن ــا النح ــات رض ــا فرح ــان إيقون ــة‬ ‫النحـــت العراقـــي المعاصـــر‪ ،‬األلـــم‬ ‫بصفت ــه الحقيق ــة الوحي ــدة الت ــي نعيش ــها‬ ‫كمعرفـــة يقينيـــة دامغـــة‪ ،‬صـــورة‬ ‫الــرأس المقطــوع علــى أرضيــة بيضــاء‬ ‫تحيطهــا أطالقــات رصــاص علــى مــدار‬ ‫العمــل وهنــاك فــك بشــري علــى شــكل‬ ‫مســدس كاتــم‪ ،‬معلــق بعارضــة اإلطــار‬ ‫‪ ،‬هـــذا العمـــل هـــو الرعـــب الثقافـــي‬ ‫لصـــورة األخـــر ‪ ،‬فالوجـــه هنـــا يتكلـــم‬ ‫عــن األخــر مــن خــال األنــا المعدومة ‪،‬‬ ‫صيغــة القتــل تتوجــه نحــوي إنــا كمتلــق‬ ‫خـــاص لكنهـــا فـــي ذات الوقـــت تعيـــد‬ ‫لن ــا مش ــهد القت ــل كم ــا ل ــو ان ــه يس ــتبدل‬ ‫األنـــا باألخـــر‪ ،‬ألنهمـــا يتفاعـــان فـــي‬ ‫إرج ــاء الوج ــود بممارس ــة القت ــل‪ ،‬لق ــد‬ ‫امس ــك رض ــا فرح ــان بالم ــوت بلحظ ــة‬ ‫نحي ــب وت ــاش ال نهائي ــة لتك ــون أن ــت‬ ‫مـــن يمـــارس فعـــل القتـــل مـــن خـــال الهـــروب‬ ‫مـــن المـــوت‪ ،‬واعتقـــد إن رضـــا فرحـــان اليـــوم‬ ‫اس ــتطاع تج ــاوز إيقون ــة النح ــت العراق ــي ج ــواد‬

‫ســـليم حتـــى لـــم يعـــد ممكنـــا الصـــراخ إمـــام رأس‬ ‫رضـــا المقطـــوع ‪.‬‬ ‫‪9‬ـ احتجاجات حليم قاسم‬ ‫ق ــدم الفن ــان حلي ــم قاس ــم مس ــاحة تكت ــظ بالص ــور ‪،‬‬ ‫واعتقــد انــه يكــره الفراغــات أو المســاحات الصافيــة‬ ‫‪ ،‬ان ــه مش ــغول بالق ــول أكث ــر م ــن الرس ــم‪ ،‬يري ــد إن‬ ‫نشـــعر بقســـوة المشـــهد المســـود‪ ،‬بفداحـــة الصـــور‬ ‫التــي تالحقنــا عبــر وســائل اإلعــام ‪ ،‬بالرمــوز التــي‬ ‫تحـــوك فجائـــع المحنـــة وردودنـــا أيضـــا‪ ،‬فصـــور‬ ‫الـــرؤوس والصلـــب والقتـــل وتيجـــان األغبيـــاء‬ ‫والجماج ــم والمس ــوخ الكثي ــرة الت ــي تحيطن ــا وحت ــى‬ ‫الكلمـــات مثـــل ( إال طحيـــن) وغيرهـــا تبـــدو فـــي‬ ‫الحقيقـــة ثقافـــة مجتمـــع ومـــكان لـــم يعـــد صالحـــا‬ ‫للعيـــش ‪ ،‬تلـــك الثقافـــة ضختهـــا الصـــور وأفـــام‬ ‫الفيدي ــو وإعالن ــات الوطني ــة الفارغ ــة لتش ــكل س ــواد‬ ‫المشـــهد اإلنســـاني القاتـــم والقبيـــح بـــكل تجلياتـــه‬ ‫التـــي وضعتنـــا إمـــام محنـــة الســـخرية مـــن الواقـــع‬ ‫وضربــه فــي إن واحــد‪ ،‬انــه عمــل واثــق مــن أدائــه‬ ‫وث ــوق الفن ــان م ــن أدوات ــه ف ــي الرس ــم‬

‫‪79‬‬


‫‪10.‬ـ تجري ــد المأس ــاة‬ ‫فـــي عمـــل الفنـــان‬ ‫حســـن إبراهيـــم‬

‫الصــــــــ راع والتقســـيم‬ ‫الجغسياســـي ليـــس علـــى‬ ‫مســــــــتوى الطائفــــــــة‬ ‫الدينيــــــــــة او المذهبيـــة‬ ‫حســـب‪ ،‬وإنمـــا امتـــدت‬ ‫إلـــــــــى وضـــع العقـــل‬ ‫البشـــري إمـــام مســـائلة‬ ‫غيـــر منطقيـــة لتدميـــر‬ ‫مجتم ــع وف ــق افتراض ــات‬ ‫وهمي ــة تق ــدم لن ــا ص ــورة‬ ‫اإلنســـان بصفتـــه كائنـــا‬ ‫فاش ــا غي ــر ق ــادر عل ــى‬ ‫إدارة حياتــه ‪ ،‬وبالتالــي فنحــن إمــام حيــوان مســتبد‬ ‫داخـــل كل شـــخص فينـــا ‪ ،‬إمـــا علـــى المســـتوى‬ ‫التقن ــي فق ــد ط ــوع الفن ــان آلي ــات مختلف ــة لفعالي ــة‬ ‫التوزيـــع اللونـــــــي كاإلضافـــــــة والحـــــــــذف‬ ‫والرشــ ــق والمــــــــ ــواد المختلفـــ ــة والكوالج ــات‬ ‫لدعـــم حركـــة التكويـــن العـــام للعمـــل فـــي ضـــوء‬ ‫التركيـــز علـــى الموضـــوع وحصـــر اإلشـــكال‬

‫الفنـــان حســن إبراهيــم‬ ‫مـــن الفنانيـــن القالئـــل‬ ‫اللذيـــــــن يتفـــردون‬ ‫بتعقيـــــدات التجريـــد‬ ‫الخالـــص فهـــو فنـــان‬ ‫تأملــــي بامتيـــاز‪ ،‬فقـــد‬ ‫عمـــل علـــى ترســـيخ‬ ‫أســـلوبه وإمكاناتـــه‬ ‫اللونيـــة بهـــدوء‪ ،‬بحيـــث أصبحـــت الخبـــرة مجـــاال‬ ‫حيويـــا للعـــب الحـــر علـــى ســـطح العمـــل الفنـــي‬ ‫مس ــتعمال قم ــاش الجنف ــاص ليك ــون مه ــادا لترحي ــل‬ ‫العالمـــات الهندســـية مـــن فضائهـــا العقلـــي إلـــى‬ ‫فضائهـــا الجمالـــي فـــي ضـــوء معالجاتـــه التقنيـــة‬ ‫التـــي منحـــت اللـــون البنـــي الغامـــق وتدرجاتـــه‬ ‫مخمـــا هادئـــا لتنويعاتـــه علـــى اإلشـــكال الهندســـية‬ ‫وتداخالته ــا اللوني ــة بمس ــاحات تتش ــكل م ــع بعضه ــا‬ ‫البعـــض لتجســـد فعـــل اإلشـــارة إلـــى ســـواد قاتـــم‬ ‫ف ــي اعل ــي زاوي ــة العم ــل يمي ــن الناظ ــر‪ ،‬ف ــي حي ــن‬ ‫تمت ــد المس ــاحات الخفيف ــة للض ــوء لتش ــمل تجلي ــات‬ ‫المثلـــث الـــذي يجمـــع كل المربعـــات المتجـــاورة‬ ‫الخاضع ــة لتغي ــرات الرؤي ــة المجازي ــة للفك ــرة‪ ،‬بم ــا‬ ‫فيه ــا تنويع ــات المس ــاحات الخافت ــة للخط ــوط والبق ــع‬ ‫الصغيـــرة علـــى ســـطح العمـــل كلـــه ‪.‬‬ ‫‪11‬ـ نكوص العائلة في عمل وضاح مهدي‬

‫‪12.‬ـ تنغيمات هادي ماهود‬ ‫قـــدم لنـــا الفنـــان هـــادي ماهـــود عمـــا تجريديـــا‬ ‫اســـتخدم فيـــه الكـــوالج بواقـــع ثـــاث لوحـــات‬ ‫متراصـــة‪ ،‬وقـــد عالـــج الســـطح بلصـــق أوراق‬ ‫جرائــد باللغــة االنكليزيــة وبعــض المــواد المختلفــة‬ ‫لصناعـــة التبايـــن علـــى الســـطوح مـــن الناعـــم‬ ‫إل ــى الخش ــن م ــع الحف ــاظ عل ــى أج ــواء الش ــفافية‬ ‫التـــي يمنحهـــا اللـــون البنـــي الخفيـــف ‪،‬رغـــم انـــه‬ ‫تنـــاول فجائـــع مرمـــوز ومختزلـــة فـــي ضـــوء‬ ‫تحـــول مســـاحات الجرائـــد إلـــى شـــخوص معلقـــة‬ ‫ومرصوفـــة تشـــكل مجموعـــة النســـاء فـــي ســـوق‬ ‫النخاســـة او مـــا شـــابه‪ ،‬إال إن الجزالـــة‬

‫يقت ــرن العم ــل لــدى وض ــاح مه ــدي بمه ــارة التكني ــك‬ ‫لديـــه ‪ ،‬فمأســـاة العائلـــة العراقيـــة ال تمنـــح مجـــاال‬ ‫للتبريـــر ‪ ،‬خاصـــة وان التهجيـــر ألقســـري أصبـــح‬ ‫ظاه ــرة تحم ــل بي ــن طياته ــا أجن ــدات‬

‫‪80‬‬


‫المخمليـــة لعمـــل هـــادي ماهـــود تســـاهم هـــي‬ ‫األخ ــرى ف ــي دع ــم االفت ــراض ال ــذي يرك ــز عل ــى‬ ‫تبعـــات التبايـــن اللونـــي وصياغـــة الهرمونـــي‬ ‫للعائلـــة اللونيـــة المنســـجمة مـــع قيـــم التوتـــات‬ ‫المتقارب ــة للبن ــي والبي ــج الش ــاحب وتركي ــز ح ــدث‬ ‫المـــكان فـــي مســـاحة الضـــوء وســـط العمـــل مـــع‬ ‫تفصيـــات الخطـــوط البســـيطة الموحيـــة ‪.‬‬ ‫‪13‬ـ عقارب محمد الكناني‬ ‫كن ــت انتظ ــر م ــن الفن ــان محم ــد الكنان ــي عم ــا‬ ‫صادمـــا ‪ ،‬لمـــا لهـــذا الفنـــان مـــن خبـــرة ومعرفـــة‬ ‫بتكري ــس النزع ــة التجريبي ــة لدي ــه عل ــى المس ــتوى‬ ‫التقنــي بشــكل خــاص‪ ،‬بالرغــم مــن ذلــك ‪ ،‬أجــد‬ ‫إن عملـــه المشـــارك فـــي العـــرض الحالـــي جـــاء‬ ‫ليكـــون امتـــدادا لموقـــف ضـــد عقـــارب المـــوت‬ ‫كموض ــوع م ــع بع ــض اإلضاف ــات لم ــواد مختلف ــة‬

‫عالج ــت الس ــطح التصوي ــري وس ــاهمت ف ــي دع ــم‬ ‫الخطـــاب الهجائـــي للفنـــان عبـــر ترســـيم صـــورة‬ ‫الكائـــن (العقـــرب ‪ /‬الكلـــب )‪ ،‬لكـــن العمـــل هنـــا‬ ‫يســـتجيب للرؤيـــة العامـــة التـــي وضعـــت الفنـــان‬ ‫إمـــام المحنـــة الكونيـــة التـــي يعيشـــها المـــكان‬ ‫العراقــي‪ ،‬واإلنســان بشــكل خــاص‪ ،‬حيــث اقتصــر‬ ‫العمـــل علـــى توزيـــع األزرق واألحمـــر تتخللهمـــا‬ ‫بقـــع اللـــون األبيـــض وخطـــوط األســـود المحملـــة‬ ‫بطاق ــة تعبيري ــة عالي ــة م ــع بي ــان ش ــخص الكل ــب‬ ‫المتح ــول متح ــركا عل ــى امت ــداد البق ــع المتج ــاورة‪،‬‬ ‫وه ــو م ــا ش ــكل طبيع ــة الحرك ــة لش ــخص الكل ــب‬ ‫وتك ــراره أكث ــر م ــن اح ــد عش ــر م ــرة م ــن اج ــل‬ ‫إحـــداث تـــوازن وإشـــغال للفراغـــات فـــي بعـــض‬ ‫األحيـــان ‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫تكوينـات مـن خطـوط ومنحنيـات وأقـواس وأشـكال‬ ‫هندسـية في موضوعات الشـخصية الواحدة وتخطي‬ ‫المنظـور الطبيعـي فـي رسـم األشـكال ووضعها في‬ ‫تشـكيلها الهندسـي كدوائـر ومربعـات ومسـتطيالت‬ ‫ توظيـف الدرجـات اللونيـة الصارخـة والفسـفورية‬‫وتقنيـات التصميـم واإلعلان الـى جانـب التآلفـات‬ ‫الهارمونيـة المجـاورة‪.‬‬ ‫البصـري ( ‪optical‬‬ ‫ الجمـع بيـن مؤثـرات الفـن‬‫َ‬ ‫‪ ) art‬ومصادره الهندسـية وبين الزخرفة اإلسلامية‬ ‫ونسـق الكتابـة العربيـة وتشـكيالت الحـرف العربي‪.‬‬ ‫وبـث اإلشـارة التأريخيـة والحكايـة ومـوروث البيئة‬ ‫المحليـة ورموزهـا وتقـادم أزمنتها‪.‬‬ ‫– الجمـع بيـن الشـكل ( الواقعـي – التعبيـري) وبين‬ ‫التجريد‪.‬‬ ‫ تقنيـة السـطوح ومسـتوياتها وملمسـها ومقاربـة‬‫اللوحـــــة بالمنحوتـــــة وتشكيل اإليقون (تجسد ذلك‬ ‫فـي معـرض الفنـان في لنـدن – كاليـري الكوفة عام‬

‫التكويـن هـو تضافـر مجموعـة مـن العناصـر الفنيـة‬ ‫مـع بعضهـا أو بمفردهـا إلنتـاج الشـكل العـام لمـا‬ ‫نسـمية العمـل الفنـي‪ .‬ومـن هـذه العناصـر الخـط‬ ‫والشـكل المُنتـج عن حركته والكتلـة وعالقتها بالكتل‬ ‫المجـاورة وإتجاهـات الخطـوط واألشـكال واأللـوان‬ ‫ودرجاتهـا والحـركات واألفـكار وقبـل كل ذلـك‬ ‫موهبـة الفنـان مـا بيـن تفاعلات العقل ومهـارة اليد‪.‬‬ ‫حين نسـتعرض هـذه العناصـر ومنظومتها اإلنتاجية‬ ‫نجـد أنفسـنا أمـام فيصـل لعيبي فـي مشـغله وتجاربه‬ ‫التـي ال تتوقـف عنـد حدود تقنيات محـددة أو مراحل‬ ‫زمنيـة مؤقتـة‪ .‬نقـف علـى منظومـة تشـكالت وقيـم‬ ‫إنشـائية ولونيـة مبطنـة بهواجـس الذاكـرة وروح‬ ‫البيئـة والشـباب والطفولـة متكـررة الحضـور فـي‬ ‫المجموعـات الثابتـة والمتحركـة‪ ،‬أعطتنـا مـا يكفـي‬ ‫مـن األمثلـة لنميزهـا بمـا نسـميه( الفـن الجميـل) أي‬ ‫الشـكل الجميـل كمـا يصفـه كاليف بـل مؤلف كتاب(‬ ‫الفـن) وعلـى النحـو التالـي‪:‬‬ ‫‪82‬‬


‫وتنطـوي علـى هواجـس الخـوف‬ ‫والغربـة‪ .‬فالجلسـات ُتشـير إلـى‬ ‫أحداثيـات وسـرديات حكائية وأسـرار‬ ‫سـايكولوجية‪.‬‬ ‫تشـــمل تكوينــــــــات الوجـوه بالحبر‬ ‫علـى الـورق فـي مـا يشـبه التداعيـات‬ ‫السـايكولوجية‪ ،‬أُفضل تسـميتها بهذيان‬ ‫اليـد أو الخيـال اليدوي وغالبـا ً ما ُتعبر‬ ‫عـن وجـوه معروفـة لـدى المشـاهد‬ ‫لكـن آليـة التوغـل فيهـا تقتـرب مـن‬ ‫التشـريح أو النظـر بالجهـاز الطبـي‬ ‫التصويـري وقـد نـرى فيهـا صـور ًة مـن هذيانـات‬ ‫سـلفادور دالـي‪ .‬منظـور التخطيطـات ومثلهـا الوجـوه‬ ‫الملونـة باألكريلـك تؤكـد إنتسـابها لموجـة تعبيريـة‬ ‫مـن خبـرات فـن الكاريكاتيـر والتصميـم والرسـوم‬ ‫الصحفيـة وحاسّـة رسـوم قصـص األطفـال‪ .‬ومـن‬ ‫هـذه الموجـة تلـك الوجـوه المشـغولة بالمـواد الخشـنة‬ ‫والسـائلة رسـما ً ونحتـا ً تحت مسـمى ( وجـوه عراقية)‬ ‫وتتصل بسـنوات التداعـي والتدهور والمتاعب للعقود‬ ‫الماضيـة‪ .‬ننتقـل مـن سـايكولوجيا الوجـوه‪ ،‬بمـا فيهـا‬ ‫وجـه الفنـان كاظـم حيـدر الـذي عبّـر عـن شـخصه‬ ‫اللـون األحمـر بضربـات إنطباعيـة‪ ،‬ووجهـا السـياب‬ ‫والجواهـري بخطـوط البحـث عـن الغائـب والمفقـود‬ ‫فـي الشـخصية‪ ،‬ننتقـل الـى أوضـاع‬ ‫الشـخصية الهادئـة فـي الظاهـر وربما‬ ‫المرتبكـة في الباطـن‪ ،‬الى التكوين من‬ ‫شـخصية واحـدة وتميّـز فيهـا الرجـل‬ ‫البغـدادي بالعبـاءة والكوفية والوسـامة‬ ‫والشـباب مــــع متممـــــات الشخصية‬ ‫مـن خواتـــــم وسـاعات يـد ومسـابح‬ ‫ونارجيــــلات‪ ،‬النارجيـــلات لكثـرة‬ ‫وجودهـا مـع الرجـال ودقـة إخراجهـا‬ ‫كالسـيكيا ً يمكـن إعتبارهـا شـخصيات‬ ‫أو بدائـل عـن غيـاب الجانـب اآلخـر‬

‫‪ .)1999/‬معادلـة توزيـع الكتـل‬ ‫( الشـخوص) باإلكسسـوارات مـع‬ ‫الفراغـات والتأطيـرات البنائيـة‬ ‫الشـرقية ومحتوياتهـا الحروفيـة‬ ‫صريـة‬ ‫وتجريداتهـا‪ .‬فالوظيفـة ال َب َ‬ ‫لألرضيـات ‪ ،‬والفراغات المشـبعة‬ ‫باألضـــــواء وتوزيــــــع األشكال‬ ‫الهندســــــية وزخرفــــــة المنمنـم‬ ‫المحسـوبة‪ ،‬وضعـت تكوينـات‬ ‫الشـخوص المحوريـة فـي منطقـة‬ ‫التميّـز والوضـوح المطلوبيـن‪.‬‬ ‫– معادلـة أوضـاع الشـخوص كالوقفـات وإتجاهـات‬ ‫الوجـوه وحركاتهـا وحـركات األيدي وتوزيـع ألوان‬ ‫الكتـل مـا بيـن التناظـر والتضـاد وحركة المسـاحات‬ ‫اللونيـة المسـتوية والمخططـة والمنحنيـة وبيـان‬ ‫خاصيـة نسـجها و نقشـها ‪.‬‬ ‫– معادلـة التكويـن التخطيطـي للعمـل إلبعـاد‬ ‫اللوحـة الخارجيـة وشـكلها ( الطـول ‪ x‬العـرض‪/‬‬ ‫األفقـي‪ /‬العمـودي‪ /‬المربـع‪ /‬الدائري‪/‬أجزاءالدائـرة‬ ‫والقوس‪.....‬الـخ)‪.‬‬ ‫– تشـكيل التكويـن الشـامل من مقاطـع تكوينية يمكن‬ ‫فصلهـا أو إعتبارهـا تكوينـات منفصلـة ( يحصـل‬ ‫ذلـك فـي التكوينـات األفقيـة الطويلـة كالمقاهـي )‬ ‫– وحـدة وتناظـر الشـخصيات‬ ‫والوجـوه المبطنـة بالتعابيـر‬ ‫الخفيـة الدالّة على خفايا جنسـية‬ ‫وإبتسـامات غامضـة علمـا ً إن‬ ‫معظمهـا وجـوه شـابة تطفـح‬ ‫بالحيويـة والتـرف (ينطبـق ذلك‬ ‫علـى المجموعــــات البغداديـة‬ ‫مـن الرجـــــال والنســـــاء وال‬ ‫يشـمل غيرهـا مـن األعمـال)‪.‬‬ ‫كمـا تحمـــــل وجــــــوه أخرى‬ ‫تعــــابير وإستفهامـــات صامتة‬ ‫‪83‬‬


‫ألغـراض التنقيـب والـدرس فقـط ‪-‬‬ ‫تخـوض ثنائيـات فيصـل لعيبـي بنوعيـن ومادتيـن‬ ‫مـن اإلشـتغاالت الذهنيـة واليدوية معـاً‪ ،‬النوع األول‬ ‫ينبـع مـن مرويـات الليالـي العربيـة ومنهـا مجموعـة‬ ‫التخطيطـات المنفـذة بالحبـر علـى الـورق‪ ،‬ومـن‬ ‫تردداتهـا العاطفيـة يمكـن قـراءة إنعـكاس هـذا البعـد‬ ‫علـى حريـة وطـراوة اإلشـتغال بعناصـر التكوينـات‬ ‫الخطيّـة ‪ ،‬تتخـذ هـذه المجموعـة سـيرة الحكـي‬ ‫العربـي وموضوع العشـق والمضاجعات السـريرية‬ ‫والتلصـص وتمتلـيء المسـاحة الورقيـة باألفرشـة‬ ‫والسـتائر و طيـات األقمشـة حـول الحبيبيـن فـي‬ ‫أوضاع متوالية العشـق العربي ومروياته‪ .‬يسترسـل‬ ‫عمـل الفنـان فـي ثنائية ( بـدر البدور وقمـر الزمان)‬ ‫علـى الـورق بأرضيـات ملونـة ‪ ،‬صافيـة‪ ،‬محايـدة‬ ‫مانحـا ً خطوطـه مرونـة التحـرك واإلنحناء إلشـغال‬ ‫المسـاحة بكاملهـا والتـي تتنتهـي من األعلـى بأقواس‬ ‫ومقاطـع غيـر مسـتوية ُتحاكـي المقاطـع البنائيـة أو‬ ‫العـوازل الحاجبـة للرؤية العلنية‪ .‬فـي هذه المرويات‬ ‫العائـدة لحكايـات ألـف ليلـة وليلـة نكتشـف عناصـر‬ ‫الجنـس بالمرئـي الشـرقي كوجـود األغطيـة إلخفـاء‬ ‫أقـل مـا يمكـن مـن العـري ويتـم ذلـك لبـث اإلثـارة‬ ‫وإسـتفزاز اآلخر المشـارك في التلصص والفضول‪.‬‬ ‫نعم هذه التشـكيلة تمنحنا الجرأة على الفضول لندقق‬ ‫النظـر فـي التفاصيـل ونبحـث فـي عالقـات المُعلـن‬ ‫والمسـتور مـن الظواهـر‪ .‬كثـرة الخطـوط وليونتهـا‬ ‫دخـول أطـراف فضوليـة أخـرى كنسـاء الحمّامـات‬ ‫والزينـة‪ ،‬بـروز وجـه المدعـو قمـر الزمـان بمالمـح‬ ‫الرجـل البغـدادي تـار ًة ومالمـح الشـاب الوسـيم تار ًة‬ ‫أخـرى‪ ،‬إمتلاء وطـراوة الجسـد األنثـوي‪ ،‬عالنيـة‬ ‫المضاجعـات‪ ،‬أجـد مـن يُشـاركني الزعـم بتأثيـر‬ ‫بيكاسـو فـي هـذه الثنائيـات العاصفـة‪ .‬وأخيـراً هـذه‬ ‫التفاحـات المبعثـرة بعـد كل مضاجعـة وعاصفـة‬ ‫آيروتيكيـة ‪ ،‬تتميـز التفاحـات بالتلويـن المائـي دون‬ ‫بقيـة الخطـوط‪.‬‬

‫مـن الشـخصية البغداديـة‪.‬‬ ‫التحـول الثانـي نحـو اللوحـة المكونـة مـن شـخصين‬ ‫وسـميناها الثنائيـات والتـي نتناولهـا فـي هـذا المقال‪،‬‬ ‫علـى أن نبحـث فـي التكوينـات الكبيـرة للمجموعات‬ ‫فـي مقـال خـاص ألهميتهـا وضـرورة التفصيـل‬ ‫والمقاربـة فيهـا ومـع مـا يتصل بها‪ -‬علمـا ً إن تجربة‬ ‫فيصـل لعيبـي غير قابلـة للتجزئة ألنهـا رحلة طويلة‬ ‫متصلـة المحطـات‪ ،‬ويتـم التوقـف عنـد كل محطـة‬

‫‪84‬‬


‫( بـدر البـدور وقمر الزمان) موضوع ثنائية شـرقية‬ ‫دافعهـا السـأم الـذي ينتـاب الجنسـانية العربيـة منـذ‬ ‫أقـدم العصـور وحتـى اآلن‪ .‬هنـا مرويـات (أحـداث)‬ ‫وينطبـق هـذا الـرأى علـى أعمـال فيصـل لعيبـي‬ ‫كلهـا إذ يوجـد حـدث فـي مضمـون التكويـن بـل فـي‬ ‫كل جـزء ومقطـع مـن التكويـن الشـامل‪ ،‬إذن هـو‬ ‫الحـدث الجنسـي واللوحـة ُتشـغل مـكان فعـل الحدث‬ ‫التخييلـي‪ ،‬مـن زاويـة فضـول الفنـان ومشاكسـته‬ ‫ورؤيتـه لهـذا الفعـل المتكـرر فـي هـذه المرويـات‪،‬‬ ‫الم َ‬ ‫ُتخيلـة‪ ،‬التخطيطيـة‪.‬‬ ‫فالتخطيطـات توغلــــــت فـي الســــطوح واألقمشـة‬ ‫وملمسـها الناعـم واألجسـاد وطراوتهـا وذلـك‬ ‫ألحاطتنـا بمضمـون الحـدث وإدراكـه شـعورياً‪.‬‬ ‫تعامـل الفنـان مع تخطيطاتـه بوصفها لوحـات كاملة‬ ‫اإلنجـاز وليسـت مشـاريع لرؤيـة قادمـة‪ ،‬إلن دافعها‬ ‫السـرّ ي اليتوقـف عـن إنتـاج حكايـات يدويـة جديدة‪.‬‬ ‫يطالعنـا عمـل منفـذ بالزيـت علـى القمـاش وبحجـم‬ ‫‪X‬‬ ‫‪ 180‬سـم) بعنـوان ( رجـل وإمـرأة ) ظهـر‬ ‫(‪120‬‬ ‫الرجـل فـي وضـع التعالـي يُخاطبنـا بهلوسـة فـي‬ ‫أعقـاب قيلولـة جنسـية‪ ،‬الدالئـل العيانيـة تشـير الـى‬ ‫جسـد إمرأة مسـتلقية على جنب أعلى اللوحة‪ ،‬نصف‬ ‫عاريـة فـي وضـع كمـا لو كانـت فـوق رأس الرجل‪.‬‬ ‫مـع إضافـة رمز الشـهوة الجنسـية ( األنثويـة) ممثالً‬ ‫بسـلة الفاكهة عند قدميها‪ ،‬وإكسسـوار الذكورة ممثالً‬ ‫بالنارجيلـة‪ ،‬ينتظـم تكويـن هـذا العمل بوجـود كتلتين‬ ‫لشـخصين‪ ،‬األولـى أفقيـة (جسـد إمـرأة) فـي األعلى‬ ‫والثانيـة عموديـة (الرجل بكامـل قيافته ) من األعلى‬ ‫الـى األسـفل‪ .‬تـؤدي حـركات األيـدي بالنارجيلـة ما‬ ‫يتوجـب اإلسـتدالل به على األفعال الخفية كاإلشـارة‬ ‫بالسـبابة مـن اليـد اليسـرى وإسـتقرار اليمنـى علـى‬ ‫خرطـوم النارجيلـة‪ .‬مظهـر الشـخصية البغداديـة‬ ‫يؤكـد جانبهـا األيروسـي‪ ،‬كما هي الحال السـائدة في‬ ‫تكرار رسـم هذه الشـخصية بوجوه متـوردة وغرائز‬ ‫مشبعة ‪.‬‬

‫ثنائيـة أخـرى ملونـة لرجـل وإمـرأة (زيـت علـى‬ ‫القمـاش‪ 120 90 /‬سـم رسـمها الفنـان عـام ‪1989‬‬ ‫الرجـل بالشـارب التركـي‪ ،‬علـى زنـده تعويـذة ( بـاز‬ ‫بنـد) بيمنـاه طـرف النارجيلة وهو يتكيء على وسـادة‬ ‫ناعمـة‪ .‬أمـا المرأة فبدت مُسـ ّنة مقوسـة الظهر مُنحنية‬ ‫لتحمـل فردتـي حذائـه‪ .‬يتألـف التكويـن مـن تراكـب‬ ‫كتلتيـن كمـا فـي العمـل السـابق مـع إختلاف وضـع‬ ‫وحركـة الكتلتيـن ( الشـخصين)‪ ،‬فـي الجـزء العلـوي‬

‫‪85‬‬


‫القميـص ومـا بـرز مـن الثـوب األبيـض فـوق‬ ‫القدميـن‪.‬‬ ‫إذن يتكـون هـذا الموضـوع مـن بنـاء عمـودي‬ ‫يتناسـق مـع أبعـاد اللوحـة الخارجيـة‪ ،‬ومعـادالت‬ ‫الكتـل الفاتحـة والغامقـة‪ ،‬الجلوس والوقـوف‪ .‬تناغم‬ ‫وجهيـن وحالتيـن‪ ،‬تناغـم الحـركات مـا بيـن األيدي‬ ‫واآلالت وإتجاهاتهـا مـع بعضهـا‪ .‬توزيـع هندسـة‬ ‫الكتـل الدائريـة مـن األعلـى الـى األسـفل‪.‬‬ ‫واخيـراً شـ ّكل هـذا التكويـن كتلـة نابضـة بالحركـة‬ ‫مـن جميـع اإلتجاهـات وبكافـة العناصـر الفنيـة‬ ‫المتآلفـة فيهـا وعلـى أرضيـة خضـراء عميقة خلف‬ ‫الثنائيـة البشـرية‪ .‬وقـد عالـج الفنان وضع المسـاحة‬ ‫الطوليـة الفائضـة بتوظيـف األشـكال الهندسـية‪،‬‬ ‫المربعـات فـي األرضيـة ُتقابلها في األعلى تشـكيلة‬ ‫مُقرنصـة مـن الفـن ال َبصـري لألشـكال المعينيـة‬ ‫بدرجـات متقاربـة‪.‬‬ ‫يتـردد فـي الثنائيـات ( الواقعيـة) إيقـاع حزيـن مـن‬ ‫الغربة والحنين الى بيئة الطفولة والشـباب والمدينة‬ ‫والحـي والسـوق والمهـن الشـعبية‪ .‬بعض شـخوص‬

‫يظهـر الرجل كبورتريت بحركـة الوجه والذراعين‬ ‫وسـيمياء الفحولـة ويشـغل محيـط مسـاحة لونية من‬ ‫لـون مسـاحة الخلفيـة ترتكـز علـى كتلـة داكنـة مـن‬ ‫أقـواس متموجـة ‪ ،‬كتلـة جسـد المـرأة وعباءتهـا‪.‬‬ ‫التناغـم اآلخـر فـي هذا التكوين يُالحـظ في حركات‬ ‫وإتجاهـات وتعابيـر الوجهيـن وحـركات وإلتفـاف‬ ‫اليديـن وتناغـم عالقة السـواد مع البيـاض‪ ،‬مع تقنية‬ ‫المنحنيـات وصفـاء خطوطهـا وتموجاتهـا‪.‬‬ ‫ثنائيـة (الموسـيقيان) العموديـة (‪ُ )70x180‬تذكرنا‬ ‫بقـرّ اء المقامـات البغادلـة ألن التفاصيـل ُتؤكـد‬ ‫ذلـك‪ ...‬نوعـان مـن الـزي البغـدادي‪ ،‬الشـعبي‬ ‫بالصايـة والكوفيـة (الجراويـة) واأللـوان الهادئـة‬ ‫والبياضات‪،‬الوجـه مـدور‪ ،‬فـي وضـع الجلـوس مع‬ ‫ألـة العـود‪ ،‬خلفـه الموسـيقي الثانـي ( األفنـدي) ذو‬ ‫ّ‬ ‫والنظارة‬ ‫الوجـه النحيـل‪ ،‬بالبدلة السـوداء والسـدارة‬ ‫السـوداء (إشـارة العمـى) صاحب الكمـان‪ ،‬وفي آلة‬ ‫ثالثة نحاسـية معلقة خلف رأس الموسـيقي األعمى‪.‬‬ ‫رُسـمت الشـخصية األولـى بإسـلوب الفنـان فـي‬ ‫كثـرة وإنسـيابية طيـات الثيـاب المتوافقـة مع بياض‬ ‫‪86‬‬


‫نمـزج تلـك النظرات بالواقـع الموضوعي في باطن‬ ‫اللوحـة لنكتشـف بعـض مـا خفي مـن أسـرار‪ ،‬علما ً‬ ‫إن لغـة اإلشـارة مـن أبرزمالمـح الشـخصيات عنـد‬ ‫فيصـل لعيبـي‪ ،‬أحـد النمـاذج ذلك الصبـي في لوحة‬ ‫( الجايجـي مـرزوق) ومـن خلال بلوزتـه الزرقـاء‬ ‫القديمـة وعليهـا عبـارة( أُحـب العـراق) باإلنكليزية‬ ‫و قلـب باألحمـر في مكان الكلمـة (أحب)‪ .‬المصور‬ ‫الشمسـي يُخبرنـا عـن لغـز مهنـة التصويـر بمسـكة‬ ‫حاذقـة لغطـاء العدسـة‪ ،‬الوقـت محسـوب لرفـع‬ ‫الغطـاء( ‪ )-5 -4 -3-2-1‬ثـم غلقهـا‪ .‬اليوجـد أمـام‬ ‫المصـور غيـر صانـع المقهـى حامل صينية الشـاي‬ ‫ولـم يكـن هـو الموديل بـكل تأكيـد‪ .‬كالهما يتراسـل‬ ‫معنـا بالنظرات‪ .‬ومثل هذه اإلشـارات الذكية نجدها‬ ‫فـي لوحـة الحلاق رافعـا ً يـده بالموس‪ .‬أسـتطيع أن‬ ‫أفتـرض دالالت حـركات األيـدي واألصابـع ومـا‬ ‫تؤديـه برشـاقة وثبات‪.‬‬ ‫ وأخيـراً فضـول الفنـان فـي مشـاركة مخلوقاتـه‬‫الحضـور بينهـم والتحـاور معهـم‪.‬‬

‫هـذه المهـن ظهـروا فرادى كمـا لوكانـوا يعرضون‬ ‫حرفتهـم للدعايـة أو إليقاظ الذاكرة الجمعية فحسـب‬ ‫مثـل صبـاغ األحذيـة والمكوجـي وبائـع الخضـار‪.‬‬ ‫وغيـر هؤالء يشـاركهم الصبيان‪ ،‬فـي الغالب صبي‬ ‫واحـد يحضـر مع بائـع الشـاي ( الجايجي مرزوق)‬ ‫أو( المكوجـي جاسـم) أو (المصـور الشمسـي)‬ ‫وهـي المجموعـة مـن التشـكالت المتحركـة فـي‬ ‫ذاكـرة الفنـان نجـد فيها عناصـر مشـتركة وقرابات‬ ‫شـكالنية مـع البيئـة الحميميـة التـي خرجـت منها‪:‬‬ ‫ شخوص شابة‬‫فراغ الخلفيات ونظافتها‬‫– اإلشـارات الـى البيئـة واإلشـارات الـى األزمنـة‬ ‫وإسـتحضار مخزونـات الذاكـرة‬ ‫–تناغـم عالقـات الكتـل الجامدة وإحيائهـا بالزخرفة‬ ‫والعالمات‪.‬‬ ‫–تقنية التصميم واإلعالن‪.‬‬ ‫ نظـرات مبهمـة مسـتطلعة وإسـتفهامية الى خارج‬‫اللوحـة بإتجـاه الفنـان أو العالـم البعيـد‪ ،‬مخاطبـات‬ ‫‪ ،‬معاتبـات‪ ،‬أشـواق‪ ،‬أحـزان‪ ،‬تراسـل‪ .‬نسـطيع أن‬ ‫‪87‬‬


‫اخليال وسياقات اشتغاله‬ ‫يف التصميم‬

‫د‪ .‬قيس والي عباس‬

‫يعـــرف الخيـــال بانـــه تمثيـــل لشـــيء خارجـــي‬ ‫م ــدرك بصريــا ً او س ــمعيا ً او ش ــميا ً او ذوقيــا ً او‬ ‫لمس ــياً‪ ،‬وه ــو عن ــد الفالس ــفة القدم ــاء ق ــوة للنف ــس‬ ‫تحف ــظ م ــا يدرك ــه الح ــس المش ــترك م ــن ص ــور‬ ‫المحسوس ــات بع ــد غي ــاب الم ــادة ونح ــن نس ــمي‬ ‫ذلـــك تخيـــاً وهـــو نوعـــان تمثيلـــي او ابداعـــي‬ ‫يســـتلزم توفـــر المخيلـــة الخالقـــة ذات القـــدرة‬ ‫علـــى بنـــاء عالـــم جديـــد فـــي نســـق مثالـــي م ــن‬ ‫ركام الص ــور المحسوس ــة‪ ،‬وه ــي ملك ــة ابتكاري ــة‬ ‫شـــائعة لـــدى العلمـــاء والفنانيـــن‪ .‬والخيـــال مـــا‬ ‫تشـــبه لـــك فـــي اليقظـــة والحلـــم مـــن صـــور‬ ‫والخيـــال لـــكل شـــيء تـــراه كالظـــل‪ .‬فهـــو عنـــد‬ ‫هيجـــل نشـــاط خـــاق ينطـــوي علـــى عطـــاء‬ ‫وحـــس يتيحـــان للفنـــان (المصمـــم) ان يعقـــل‬ ‫الواقـــع القائـــم فضـــاً عـــن ذاكـــرة قـــادرة علـــى‬ ‫ان تحف ــظ ذك ــرى العال ــم المك ــون له ــذه الص ــور‬ ‫المتعـــددة االلـــوان‪ ،‬والخيـــال عنـــد كانـــت يقســـم‬ ‫الـــى ثـــاث مراتـــب‪:‬‬ ‫‪.1‬الخي ــال المول ــد (التص ــور) ال ــذي يعم ــل عل ــى‬ ‫تولي ــد الص ــور‪.‬‬ ‫‪.2‬الخي ــال المنت ــج وال ــذي يمث ــل عملي ــات تح ــدث‬ ‫بي ــن االدراك الحس ــي والفه ــم وبم ــا يمكن ــه م ــن‬ ‫القيـــام بعمليـــة التفكيـــر المتسلســـل اذ ترتبـــط‬ ‫االفـــكار باالشـــياء‪.‬‬ ‫‪.3‬الخي ــال الجمال ــي وه ــو خي ــال منت ــج‪ ،‬اال ان ــه‬ ‫متح ــرر ع ــن قواني ــن الفه ــم وه ــو غي ــر مرتب ــط‬ ‫بالتجربــة الحســية بــل بالعقــل الــذي يــزود الذهــن‬ ‫بالمب ــادىء الت ــي تق ــع ف ــوق المعرف ــة الحس ــية‪.‬‬ ‫والخي ــال عن ــد س ــارتر ه ــو الوع ــي بأس ــره م ــن‬ ‫حي ــث قدرت ــه عل ــى تحقي ــق حريت ــه‪ ،‬وعن ــد رس ــل‬ ‫‪88‬‬


‫اس ــاس الفع ــل التخيل ــي انم ــا تكم ــن الق ــوة الجوهري ــة‬ ‫لهـــذه الملكـــة فـــي التجريـــد والرمـــز لصياغـــة‬ ‫التعبيـــر‪ .‬ان عمليـــة تحويـــل الخبـــرة المســـتحصلة‬ ‫م ــن تفاع ــل الف ــرد م ــع بيئت ــه ال ــى خب ــرة جمالي ــة‬ ‫تتجس ــد بمنج ــز فن ــي ذا قيم ــة ه ــي عملي ــة التخيي ــل‬ ‫فالخيـــال اداة نظريـــة فـــي التفكيـــر واالســـتحضار‬ ‫والتحليـــل والتركيـــب لـــذا فـــان الخبـــرة الجماليـــة‬ ‫ه ــي خب ــرة تخييلي ــة لكونه ــا مهيئ ــة عن ــد المصم ــم‬ ‫نح ــو الجم ــال وفكرت ــه واالحس ــاس ب ــه‪ .‬مم ــا تق ــدم‬ ‫نج ــد ان اآللي ــات المؤسس ــة لموض ــوع الخي ــال ت ــكاد‬ ‫تك ــون واح ــد م ــن حي ــث المش ــروع البنائ ــي الفك ــري‬ ‫لكنن ــا نج ــد االخت ــاف حاض ــراً ف ــي جوان ــب مح ــددة‬ ‫يق ــف ف ــي مقدمه ــا العناص ــر الت ــي تش ــكل الخزي ــن‬ ‫المعرف ــي لذاك ــرة المصم ــم المتخيي ــل فم ــا كان ف ــي‬

‫تركي ــب جدي ــد لعناص ــر معروف ــة‪ .‬ول ــدى ارنهاي ــم‬ ‫فالخيـــال هـــو ايجـــاد اشـــكال جديـــدة او تصـــورات‬ ‫جديـــدة لمضاميـــن قديمـــة وابتـــكار الشـــياء او‬ ‫مواقـــف تكـــون لهـــا قيمتهـــا التفســـيرية االصليـــة‪.‬‬ ‫وعن ــد لوي ــس ه ــو نش ــاط عقل ــي تنت ــج عن ــه ص ــور‬ ‫واســتبصارات جديــدة و يقــوم بانتــاج شــيء يتصــف‬ ‫بالجم ــال والص ــدق ويبتع ــد ع ــن العش ــوائية ‪ .‬بينم ــا‬ ‫يعرفـــه ريتشاردســـون بانـــه وســـيلة داخليـــة جيـــدة‬ ‫لمحاول ــة البح ــث ع ــن مش ــكلة المنج ــز التصميم ــي‬ ‫وتخ ــدم ف ــي حله ــا لذل ــك فه ــو مه ــم لجمي ــع الفن ــون‬ ‫والمعـــارف‪ .‬وعنـــد برجســـون االنســـان اذ يســـتقبل‬ ‫تأثيــرات العالــم الخارجــي فأنــه يخزنهــا فــي الذاكــرة‬ ‫بهيئـــة صـــور تنتظـــم علـــى وفـــق آليـــة الشـــعورية‬ ‫يس ــتدعيها المصم ــم عل ــى وف ــق مثي ــر معي ــن اليج ــاد‬ ‫ح ــل م ــا ع ــن طري ــق الح ــدس ال ــذي ع ــده تخطي ــط‬ ‫خيال ــي متكام ــل يتي ــح للمصم ــم بم ــا يس ــتخدمه م ــن‬ ‫متراكـــم صـــوري يتشـــظى مـــن الذاكـــرة بفعـــل‬ ‫االنفع ــال النفس ــي تح ــت ضغ ــط اله ــدف التصميم ــي‬ ‫المح ــدد وص ــوالً ال ــى تحقي ــق ص ــورة المث ــال‪ .‬وع ــد‬ ‫شـــوبنهاور الفعـــل التخييلـــي فعـــل ارادي خـــاص‬ ‫يســتند الــى امكانــات االنســان علــى التأمــل الحــادس‬ ‫المتح ــرر م ــن هيمن ــة اي ارادة اخ ــرى بغي ــة تلم ــس‬ ‫الص ــور االزلي ــة‪ ،‬وعلي ــه تك ــون المخيل ــة معراجــا ً‬ ‫الس ــتحصال الص ــور وتحقيقه ــا ع ــن مرك ــب تخيل ــي‬ ‫قابـــل لـــادراك البصـــري وتنحـــو اراؤه ضمـــن‬ ‫منظورهـــا المثالـــي الـــى تأكيـــد امكانـــات التخيـــل‬ ‫الح ــادس عل ــى مماثل ــة الجم ــال الكام ــل عندم ــا يت ــم‬ ‫ه ــذا الفع ــل بموج ــب ارادة واعي ــة وقصدي ــة ح ــددت‬ ‫لنفس ــها نمطــا ً تأمليــا ً متح ــرراً ع ــن م ــا ه ــو حس ــي‬ ‫زائـــف ‪ .‬بينمـــا عـــدت ســـوزان النجـــر الخيـــال‬ ‫وســـيلة لتجريـــد االشـــياء واالشـــكال مـــن واقعهـــا‬ ‫الم ــادي مم ــا يجعله ــا وح ــدات فعال ــة ف ــي المنج ــز‬ ‫التخيل ــي وبم ــا يتي ــح ل ــه الطاق ــة عل ــى التعبي ــر ع ــن‬ ‫الوجـــدان البشـــري بافتـــراض ان المحـــاكاة ليســـت‬ ‫‪89‬‬


‫الجدي ــدة ويس ــتثير التفكي ــر لجه ــة ط ــرح تصامي ــم‬ ‫جديـــدة تجـــذب النـــاس نحـــو عالـــم خيالـــي فـــي‬ ‫تفصيالتـــه مســـتثمراً الممكـــن مـــن معطيـــات‬ ‫العلـــم والفـــن‪ ،‬فالخيـــال المعاصـــر ينحـــو اتجـــاه‬ ‫العل ــم بش ــكل كبي ــر ويعتم ــد مزيج ـا ً م ــن الحقائ ــق‬ ‫العلميـــة واالحتمـــاالت الخياليـــة التـــي تترتـــب‬ ‫عليه ــا‪ ،‬وعلي ــه فالخي ــال م ــن ارس ــطو ال ــى كان ــت‬ ‫ه ــو نش ــاط ح ــر ولك ــن لي ــس بش ــكل مطل ــق كم ــا‬ ‫اش ــار بيك ــون‪ ،‬فه ــو ن ــوع م ــن ممارس ــة متع ــددة‬ ‫الطـــرق للحريـــة العقليـــة‪ ،‬وهـــو علـــى انـــواع‬ ‫منه ــا االنس ــاني والعلم ــي واالبداع ــي‪ ،‬وجميعه ــا‬ ‫ذات دور مه ــم ف ــي التصمي ــم الصناع ــي ضم ــن‬ ‫تح ــركات معينــة اال ان الخيــال االبداعــي يحظ ــى‬ ‫باهمي ــة قص ــوى ف ــي التصمي ــم انطالقــا ً م ــن ان ــه‬ ‫يش ــكل العم ــود الفق ــري للعملي ــة التصميمي ــة ككل‪،‬‬ ‫وتأسيســا ً عل ــى م ــا س ــبق ف ــان المصم ــم الناج ــح‬ ‫يفتـــرض بـــه النـــزوع باتجـــاه الخيـــال االبداعـــي‬ ‫بشـــكل صريـــح مســـتنداً فـــي جزئيـــة مـــن ذلـــك‬ ‫علــى الخزيــن المعرفــي الــذي يمكنــه مــن التعامــل‬ ‫م ــع م ــا يقابل ــه بش ــكل يختل ــف ع ــن االخ ــر‪ ،‬ذل ــك‬ ‫ان المصمـــم ونتيجـــة الشـــتغاالت الخيـــال لديـــه‬ ‫وابعاده ــا االبداعي ــة ي ــرى م ــا ي ــراه االخ ــر لكن ــه‬ ‫بالتاكيـــد يتعامـــل معهـــا بطريقـــة تختلـــف عـــن‬ ‫االخـــر‪ ،‬وهـــو مـــا يحتـــم بالضـــروري ان يتـــم‬ ‫ايـــاء جانـــب الخيـــال فـــي العمليـــات االبداعيـــة‬ ‫للفنـــون بصـــورة عامـــة وفنـــون التصميـــم علـــى‬ ‫وج ــه الخص ــوص أهمي ــة كبي ــرة نظ ــراً لدوره ــا‬ ‫فـــي تعزيـــز القـــدرة االبداعيـــة بشـــكل ســـليم‪.‬‬

‫ميـــدان الخيـــال فـــي القـــرن التاســـع عشـــر أمســـى‬ ‫فـــي بواكيـــر االلفيـــة الثالثـــة نوعـــا ً مـــن التخلـــف‬ ‫فق ــد غ ــادر وبفع ــل عامل ــي الزم ــان والم ــكان وم ــا‬ ‫يعتريهم ــا م ــن تط ــورات عل ــى جمي ــع المس ــتويات‬ ‫جانـــب الخيـــال منـــذ حقـــب زمنيـــة بعيـــدة ‪ ،‬هـــذا‬ ‫اذا م ــا علمن ــا ان الخي ــال يعم ــل ضم ــن مجموع ــة‬ ‫س ــياقات منه ــا‪:‬‬ ‫‪.1‬الســياق المســتقبلي‪ ،‬فــي اطــار الخطــوط الزمنيــة‬ ‫البديلـــة او فـــي التاريـــخ الماضـــي الـــذي يناقـــض‬ ‫الحقائ ــق التاريخي ــة المعروف ــة او س ــجل االح ــداث‬ ‫التاريخي ــة‪.‬‬ ‫‪.2‬س ــياق الفض ــاء الخارج ــي ال ــذي يتن ــاول العوال ــم‬ ‫االخ ــرى او يض ــم مواضي ــع مخالف ــة للواق ــع‪.‬‬ ‫‪.3‬ســـياق يتنـــاول االســـاليب التكنولوجيـــة او‬ ‫المب ــادىء العلمي ــة الت ــي تناق ــض قواني ــن الطبيع ــة‬ ‫المتعـــارف عليهـــا‪.‬‬ ‫‪.4‬ســـياق يتنـــاول اكتشـــاف او تطبيـــق مبـــادىء‬ ‫علميـــة جديـــدة مثـــل الســـفر عبـــر الزمـــن او علـــم‬ ‫البس ــيونيك (اح ــد ف ــروع العل ــم الت ــي تعتم ــد عل ــى‬ ‫دراس ــة بع ــض الظواه ــر النفس ــية مث ــل التخاط ــر)‬ ‫او تعـــرض لتكنولوجيـــا جديـــدة مثـــل تكنولوجيـــا‬ ‫النان ــو والروبوت ــات‪ ،‬او تع ــرض لنظ ــم سياس ــية او‬ ‫اجتماعيــة جديــدة مغايــرة للنظــم الواقعيــة الســائدة ‪.‬‬ ‫والخي ــال ف ــي جوه ــره يمث ــل س ــجل لق ــدرة االنس ــان‬ ‫االبداعيـــة التـــي تطـــورت عبـــر التاريـــخ وهـــو‬ ‫الـــذي مكـــن االنســـان مـــن تحقيـــق اكتشـــافات‬ ‫مهمـــه ومحاوالتـــه المســـتمرة النجـــازات افضـــل‬ ‫مـــن خـــال تخيلـــه المـــور جديـــدة‪ ،‬ترتكـــز علـــى‬ ‫آلي ــة التفكي ــر بوصفه ــا عملي ــة عقلي ــة تق ــوم عل ــى‬ ‫اســـاس المالحظـــة والتحليـــل والفهـــم لعناصـــر‬ ‫الواق ــع والبيئ ــة الت ــي يتأث ــر به ــا االنس ــان‪ .‬والخي ــال‬ ‫ابداعـــي وبنائـــي يتضمـــن عمليـــات التنظيـــم‬ ‫والتحوي ــل العقل ــي ويش ــمل عل ــى خط ــط مس ــتقبلية‪،‬‬ ‫اي لزمـــن منفتـــح‪ ،‬فيقـــدم االفـــكار والحقائـــق‬ ‫‪90‬‬


‫جواد سليم واملعرض السنوي‬ ‫أقامـــت اللجنـــة الثقافيـــة فـــي جمعيـــة الفنانيـــن‬ ‫التشـــكيليين العراقييـــن ‪ ،‬نـــدوة بمناســـبة مـــرور‬ ‫خمســـة وخمســـين عامـــا ً علـــى رحيـــل الفنـــان‬ ‫الخال ــد ج ــواد س ــليم‪ ،‬تزامن ــا م ــع مع ــرض الجمعي ــة‬ ‫الس ــنوي‪ ،‬ع ــرض فيه ــا فل ــم ع ــن حي ــاة ج ــواد س ــليم‬ ‫مـــن اعـــداد وســـيناريو توفيـــق التميمـــي وأخـــراج‬ ‫طال ــب الس ــيد‪ ،‬اعقبه ــا حدي ــث الناق ــد ع ــادل كام ــل‬ ‫الـــذي اكـــد علـــى اهميـــة تفعيـــل النقـــد‪ ،‬مـــن اجـــل‬ ‫ارس ــاء قواع ــد تت ــم مس ــيرة االب ــداع العراق ــي الت ــي‬ ‫بداهـــا جـــواد ســـليم‪ ،‬ووصلـــت الـــى الجيـــل الـــذي‬ ‫نـــرى أعمالـــه الرائعـــة فـــي هـــذا المعـــرض‪ ،‬ثـــم‬ ‫اعقبـــه الفنـــان حميـــد ياســـين‪ ،‬الـــذي اعتبـــر هـــذا‬ ‫المع ــرض انج ــازا مهم ــا للحرك ــة التش ــكيلية‪ ،‬واثن ــا‬ ‫علـــى مـــا قـــدم مـــن اعمـــال‪ ،‬تبعهـــم فـــي الحديـــث‬ ‫الفن ــان قاس ــم س ــبتي رئي ــس الجمعي ــة‪ ،‬مؤك ــدا عل ــى‬ ‫دور ج ــواد س ــليم ف ــي الحرك ــة التش ــكيلية العراقي ــة‬ ‫بوصفـــه رائـــداً وشـــكر الحضـــور الكثيـــف الـــذي‬ ‫حض ــر الن ــدوة واعتب ــره حال ــة صحي ــة ان يحض ــر‬ ‫ه ــذا الع ــدد ال ــذي ازدحم ــت ب ــه القاع ــة عل ــى الرغ ــم‬ ‫مـــن اجـــواء البـــرد والمطـــر‪ ،‬أدار النـــدوة الناقـــد‬ ‫والفنـــان مؤيـــد البصـــام‪.‬‬ ‫وجـــرت بعدهـــا مناقشـــة حـــول معـــرض الجمعيـــة‬ ‫واهميت ــه وكذل ــك اهمي ــة الفن ــان ج ــواد س ــليم ال ــذي‬ ‫يعتبــر هــو والــرواد األوائــل األســاس الــذي وصلــت‬ ‫الي ــه الحرك ــة التش ــكيلية العراقي ــة وه ــذا المع ــرض‬ ‫ه ــو بره ــان عل ــى م ــا اسس ــه ال ــرواد االوائ ــل واذا‬ ‫اخذنـــا بالمنظـــور النقـــدي االن فـــأن المعـــرض‬ ‫يحتـــوي علـــى كافـــة المـــدراس واالتجاهـــات‬ ‫التشـــكيلية التـــي تعـــرض فـــي قاعـــات العالـــم‪.‬‬ ‫‪91‬‬


92


‫افتتحــت النائبــة ميســلون الدملوجــي مهرجــان‬ ‫جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقيين بمناســبة‬ ‫يــوم المــرأة العالمــي الــذي حمــل عنــوان‬ ‫( تشــكيليات عراقيــات ) وذلــك يــوم الســبت‬ ‫الموافق ‪ 2015/3/14‬الســاعة الحادية عشــرة‬ ‫صباحـا ً فــي مقــر الجمعيــة‪ ،‬وقــد حضــر يــوم‬ ‫االفتتــاح عــدد كبيــر مــن الشــخصيات الثقافيــة‬ ‫والفنيــة ‪.‬وامتــاز المعــرض بمشــاركة واســعة‬ ‫مــن قبــل المبدعــات العراقيــات اللواتــي أكــدن‬ ‫حضورهــن الفاعــل وبجــدارة فــي ميــدان‬ ‫الحــراك التشــكيلي العراقــي ‪ ،‬وقــد بلــغ‬ ‫عــدد المشــاركات فــي هــذا المهرجــان نحــو‬ ‫(‪ )125‬فنانــة ‪،‬وكان لإلعمــال المشــاركة فــي‬ ‫المهرجــان منهجيــة واضحــة فــي الطــرح‬ ‫والفكــر وذلــك مــن خــال التأكيــد علــى لغــة‬ ‫الجمــال واإلبــداع الفكــري الخالق لــدى المرأة‬ ‫العراقيــة حيــث تنوعــت أســاليبهن واشــتغالهن‬ ‫حســب مدركاتهــن العقليــة الــذي أكــدن مــن‬ ‫خاللــه علــى أهميــة الفكــر المتحــرر والطــرح‬ ‫الحــد اثــوي الرصيــن‪ ،‬محــاوالت بذلــك فتــح‬ ‫أفــاق جديــدة فــي ميــدان الحركــة التشــكيلية‬ ‫النســوية التــي مازالــت تؤكــد إصرارهــا‬ ‫وحضورهــا الراســخ عبــر عقــود ‪،‬ولعــل هــذا‬ ‫المعــرض هــو جانــب مــن المســيرة الطويلــة‬ ‫والمتواصلــة للفنانــة العراقيــة التــي ســطرت‬ ‫بابداعهــا ذاكــرة التأريــخ العراقــي الملــيء‬ ‫بالجمــال‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫بمناســبة الذكــرى المئويــة لــوالدة الفنــان الرائــد فائــق‬ ‫حســن ‪،‬أقامــت جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن‬ ‫معــرض مهرجــان عشــتار للشــباب ‪ 2015‬فــي قاعــة‬ ‫جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن‪ ،‬أشــترك ‪112‬‬ ‫فنانــة وفنــان مــن جيــل الشــباب‪ ،‬وقدمــت اإلعمــال‬ ‫مــن الرســم والنحــت والخــزف مــن مختلــف المــدارس‬ ‫الفنيــة‪ ،‬وحقــق الشــباب بمعرضهــم هــذه الســنة إضافــة‬ ‫نوعيــة للفــن العراقــي والحركــة التشــكيلية‪ ،‬فقــد أمتــاز‬ ‫معــرض هــذه الســنة بأغلبيــة المعروضــات التــي تحمــل‬ ‫عطــاء مبهــر‪ ،‬وقــدرة رائعــة يفتخــر بهــا‪ ،‬وعلــى الرغــم‬ ‫مــن الجوائــز التــي منحــت والتــي تمثــل نســبة ضئيلــة‬ ‫فــي الفــارق بيــن لوحــة وأخــرى‪ ،‬فمعظــم اإلعمــال التــي‬ ‫ضمهــا المعــرض تســتحق جائــزة‪ .‬وتســتحق أن ينظــر‬ ‫لهــا بإكبــار ودهشــة ‪ ،‬وقــد كانــت ‪.‬الجائــزة األولــى ‪.‬‬ ‫مــن نصيــب الفنانــة زينــة اال ســدي ‪....‬والجائــزة الثانيــة‬ ‫روان المختــار ‪ .‬و الجائــزة الثالثــة عبــد القــادر فاضــل‬ ‫مناصفــة مــع نبيــل علي‪.....‬أمــا جائــزة النحــت األولــى‬ ‫‪.‬عقيــل خريــف ‪ .‬والجائــزة الثانيــة لــؤي الحضــاري‬ ‫‪...‬الجائــزة الثالثــة فــرات عمــاد ‪...‬تــم حجــب الجائــزة‬ ‫األولــى والثانيــة للســيراميك وفــاز فــي الجائــزة الثالثــة‬ ‫مناصفــة منــذر محمــد وســام احمــد‪ .‬وقــد قــال الفنــان‬ ‫قاســم ســبتي رئيــس الجمعيــة « أن نتاجهــم الــذي يزيــن‬ ‫جــدران هــذا المعلــم الحضــاري ويؤرشــف للذاكــرة‬ ‫العراقيــة‪ ،‬هــو أنصــع دليــل بــأن الحركــة التشــكيلية‬ ‫العراقيــة باقيــة علــى الرغــم مــن كل الظــروف‪،‬‬ ‫(أن اإلبــداع لــن ينضــب فــي بــاد أسســت للحضــارة‬ ‫اإلنســانية معانــي تطورهــا العظيــم )‪.‬‬ ‫‪94‬‬


95


‫ستار نعمة‬ ‫الفنان والعالقة الذاتية باللوحة‬

‫أقام الفنان العراقي المغترب ستار نعمة‬ ‫معرضا ً على «قاعة ألق» ببغداد‪ ،‬جمعت‬ ‫أعماله المعروضة فيه بين التخطيط‬ ‫واللوحة‪ .‬فهو‪ ،‬كما يؤكد‪ ،‬يجد نفسه في‬ ‫التخطيط‪ ،‬ويجد في القلم الرصاص عفوية‬ ‫في التعبير عن رؤيته الفنية‪ .‬أما االنتقال‬ ‫من التخطيط الى اللوحة فهو‪ ،‬بحسب ما‬ ‫يقول‪ ،‬ال يعدو أن يكون نقالً للتخطيط‪،‬‬ ‫بأبعاده وتكويناته‪ ،‬الى قماشة اللوحة التي‬ ‫تستوعب األلوان‪ ،‬فيجعل له‪ ،‬بذلك‪ ،‬أبعاداً‬ ‫أخرى‪« ،‬ذلك أن لكل مادة شروطها‪».‬‬ ‫وعلى الرغم من أن دراسته الفن عرفت‬ ‫انتقاالت متعددة بين أكثر من مكان‬ ‫جغرافي ومدرسة فنية واتجاه (فمن‬ ‫الفنون التطبيقية في بلجيكا‪ ،‬والغرافيك‬ ‫في تونس‪ ،‬وأكاديمية سان جوست في‬ ‫بلجيكا)‪ ،‬فإنه ينسب عمله‪ ،‬مدرسياً‪ ،‬الى‬ ‫ما يسميه بـ «التجربة الشخصية» التي‬ ‫يجدها قد جعلت من تقنيته الفنية تقنية تميل‬ ‫الى عفوية التنفيذ‪ ..‬فضالً عما يكون لـ‬ ‫«المزاج الشخصي» ـ على حد تعبيره ـ‬ ‫من ّ‬ ‫تدخل مباشر في تعيين طبيعة أعماله‬ ‫ورسومه‪« ..‬فالحالة التي أكون فيها‬ ‫تنعكس بشكل واضح في عملي»‪ .‬فهو‪،‬‬ ‫كما يؤكد‪« ،‬مفرط العالقة ذاتيا ً باللوحة»‬ ‫التي يرسم‪ ،‬غايته من هذا هي خلق‬ ‫الدهشة عند اآلخرـ المشاهد‪ ،‬والتي يجد‬ ‫أن «االستجابة اآلنية» هي ما يخلقها‪/‬‬ ‫يحققها‪.‬‬

‫حتسني الزيدي‬

‫يف حتويلته املؤقتة‬

‫اق ــام الفن ــان تحس ــين الزي ــدي معرض ــه‬ ‫االخي ــر وكان ق ــد اش ــترك الفن ــان ف ــي‬ ‫عــدد مــن المعــارض فــي بعــض الــدول‬ ‫العربي ــة واألجنبي ــة ‪ ،‬كم ــا اش ــترك ف ــي‬ ‫معـــارض دائـــرة الفنـــون للفتـــرة مـــن‬ ‫‪;،2003 _1996‬وكت ــب عن ــه ‪ .‬ع ــاء‬ ‫الماجـــد» إعمالـــه تشـــير إلـــى إمكانيـــة‬ ‫كبي ــرة وتجرب ــة عميق ــة وخب ــرة فائق ــة‬ ‫ف ــي تحري ــك رم ــوزه ‪ ،‬ه ــذه األجس ــاد‬ ‫المحدق ــة ف ــي األف ــق ‪ ،‬الت ــي غالب ــا م ــا‬ ‫تنتم ــي إل ــى عال ــم الموس ــيقى الس ــاحر‬ ‫‪ ،‬مســـتخدما التضـــاد اللونـــي بأجمـــل‬ ‫صـــوره وبتقنيـــة عاليـــة تـــكاد تكـــون‬ ‫متف ــردة ‪ ،‬ان ــه ش ــاعر أدوات ــه المخيل ــة‬ ‫واللـــون ‪،‬أبـــدع فـــي تحويـــل اللوحـــة‬

‫‪96‬‬

‫إلـــى بانورامـــا لألفـــكار والموســـيقى‬ ‫والتأم ــل ف ــي فض ــاءات واس ــعة تت ــوزع‬ ‫عليه ــا األل ــوان ف ــي تض ــاد م ــرة وف ــي‬ ‫انســـجام مـــرة أخرى‪،‬إعمالـــه تنتمـــي‬ ‫إل ــى الواقعي ــة التعبيري ــة ‪ ،‬لكن ــه يمت ــاز‬ ‫بخصوصيـــة وتفـــرد وثقافـــة عاليـــة‬ ‫وفهـــم أنســـاني للتـــراث والفولكلـــور‪.‬‬ ‫لوحاتـــه تقـــود المشـــاهد إلـــى أعماقهـــا‬ ‫وتســـمعه نغمـــات واصواتـــا وتجبـــره‬ ‫عل ــى إن يك ــون ج ــزءا منه ــا ‪.‬ش ــهدت‬ ‫إعمالـــه قاعـــات الواســـطي و الـــرواق‬ ‫والمركـــز الثقافـــي الروســـي بدمشـــق‬ ‫وقاع ــات ع ــرض ف ــي الكوي ــت وقط ــر‬ ‫واألردن ولبنـــان ودمشـــق‬


‫نادية فليح‬ ‫هذا ما حدث ‪..‬‬ ‫هذا مارأت ‪ ..‬فرمست‬

‫إذا كان لنـــا أن نقـــول‪ :‬إن للنخلـــة‬ ‫وجـــوداً يتزامـــن مـــع وجـــود االنســـان‬ ‫‪ ،‬حيـــا ًة ومســـاراً انســـانياً‪ ،‬فـــي بلـــد‬ ‫مثـــل العراق‪،‬فإننـــا نقـــول أيضـــاً‪ :‬إن‬ ‫الفنانـــة «ناديـــة فليـــح» بمـــا قدمتـــه‬ ‫ف ــي معرضه ــا األخي ــر (قاع ــة ح ــوارـ‬ ‫بغـــداد) مـــن «جـــذوع خاويـــة»‬ ‫أحرقـــت أصولهـــا نـــار الحـــرب التـــي‬ ‫اس ــتباح به ــا المحت ــل األميرك ــي حي ــاة‬ ‫انســـان البلـــد ومقدراتـــه‪ ،‬ملقيـــا ً بـــكل‬ ‫ش ــيء ال ــى م ــا أش ــعل م ــن ن ــار‪ ،‬إنم ــا‬ ‫يُقـــ ّدم صـــورة تحمـــل رمـــزاً كثيـــف‬ ‫الداللـــة علـــى مـــا حصـــل فأحـــال كل‬ ‫ش ــيء ف ــي الواق ــع «جذوعــا ً خاوي ــة»‬ ‫راحـــت هـــذه الفنانـــة تتقصـــى آثارهـــا‬ ‫ببراعـــة فنيـــة عاليـــة جســـدتها مـــن‬ ‫خ ــال رؤي ــة وم ــو ق ــف‪ :‬ف ــإن كان ــت‬ ‫الرؤيـــة قـــد تشـــكلت مـــن مفـــردات‬ ‫اتخــذت رمزهــا الشــامل‪ ،‬والكلــيّ ‪ ،‬مــن‬ ‫النخلـــة‪ ،‬فـــإن هـــذا الرمـــز‪ ،‬بتداعياتـــه‬ ‫علـــى ذات الفنانـــة‪ ،‬أصبـــح رمـــزاً‬ ‫نامٍيـــا ً بالدمـــار الـــذي حصـــل ـ وهنـــا‬ ‫المفارق ــة‪ .‬فالنخل ــة هن ــا ليس ــت ش ــجرة‬ ‫قائم ــة بكيانه ــا‪ ،‬وإنم ــا ه ــي نت ــاج حال ــة‬ ‫احتـــراق أصابـــت كل شـــيء فحولتـــه‬ ‫مـــن «كيـــان أخضـــر» يتداعـــى علـــى‬ ‫الواقـــع بمـــا يحمـــل مـــن ثمـــر طـــريّ‬ ‫الـــى «جـــذع أســـود» يتفتـــت متداعيـــا ً‬ ‫علـــى األرض بالرمـــاد‪ .‬وهنـــا يتحقـــق‬ ‫الموق ــف ال ــذي تتخ ــذه الفنان ــة إزاء ه ــذا‬ ‫التدمي ــر الش ــامل لحي ــاة تحول ــت بفعل ــه‬ ‫الـــى «جـــذوع خاويـــة»‪.‬‬ ‫ويك ــون له ــذه الرؤي ــة وقعه ــا القاس ــي‪،‬‬ ‫والمري ــر‪ ،‬عل ــى ذات الفنان ــة‪ .‬فالنخل ــة‪،‬‬ ‫وقـــد اســـتحالت الـــى الصـــورة التـــي‬ ‫اســـتحالت إليهـــا فـــي عملهـــا الفنـــي‪،‬‬ ‫إنمـــا هـــي «صـــورة اســـتعارية» لمـــا‬ ‫ح ــدث للوط ــن ج ــراء م ــا أصاب ــه م ــن‬

‫حرائ ــق م ــا ت ــزال مس ــتمرة‪ ،‬تندل ــع‬ ‫ف ــي كل حي ــن‪ ،‬لتط ــال كل ش ــيء‪.‬‬ ‫فهـــي ُتصـــدر‪ ،‬فـــي مـــا ق ّدمـــت‬ ‫مـــن أعمـــال‪ ،‬عـــن حـــزن عميـــق‬ ‫تجســـده كثافـــة «الصـــورة» بمـــا‬ ‫حمل ــت م ــن تمثي ــات ه ــذا الواق ــع‪:‬‬ ‫بالدم ــار ال ــذي أصاب ــه‪ ،‬وبالخ ــراب‬ ‫الـــذي انتهـــى إليـــه‪ ،‬متخـــذة مـــن‬ ‫اللـــون األســـود لونـــا ً وحيـــداً‪،‬‬ ‫كثيـــف الحساســـية‪ ،‬فـــي التعبيـــر‬ ‫ع ــن ذل ــك‪ .‬ف ــإذا كان ــت «الج ــذوع‬ ‫الخاويـــة»‪ ،‬فـــي بعـــض أعمـــال‬ ‫المعـــرض‪ ،‬قائمـــة بمـــا بقـــي‬ ‫لهـــا مـــن «جـــذور ميتـــة»‪ ،‬فـــإن‬ ‫«رم ــاد االحت ــراق» ال ــذي تناث ــر‪،‬‬ ‫فـــي أعمـــال أخـــرى‪ ،‬بأشـــكال‬ ‫وص ــور تعبيري ــة مختلف ــة عب ــرت‬ ‫عم ــا لألث ــر م ــن انعكاس ــات نفس ــية‬ ‫علـــى الفنانـــة‪ ..‬وفـــي الحالتيـــن‬ ‫نجده ــا تعم ــد ال ــى بل ــورة فكرته ــا‬ ‫بمـــا لهـــذه الفكـــرة مـــن جوهـــر‬ ‫يتمثـــل فـــي صيغـــة‪ :‬رســـالة‪،‬‬ ‫ُرس ــل إلي ــه‪ ..‬وال ــكل‬ ‫ومُرس ــل‪ ،‬وم َ‬ ‫علـــى أرضيـــة واقـــع واحـــد‪.‬‬ ‫غي ــر أن «الرس ــالة» الت ــي تبع ــث‬ ‫بهـــا الفنانـــة ال ُتقـــ ّدم لـ»المرســـل‬ ‫إليـــه»‪ ،‬أو المتلقـــي‪ ،‬أفـــكاراً فـــي‬ ‫صـــورة رؤى‪ ،‬حســـب‪ ،‬وإنمـــا تقدمهـــا‬ ‫فـــي عمـــل فنـــيّ متميـــز‪ ،‬إن جـــاء فـــي‬ ‫جان ــب من ــه متمس ــكا ً بـ»الش ــكل»‪ ،‬ف ــإن‬ ‫الجانـــب اآلخـــر منـــه جـــاء فـــي صيغـــة‬ ‫رؤي ــة فني ــة تس ــتلهم الواق ــع بم ــا يتع ّي ــن‬ ‫ب ــه واقعــا ً طالت ــه الحرائ ــق‪ .‬فه ــي كم ــن‬ ‫يريـــد خلـــق احســـاس تحركـــه الرؤيـــة‬ ‫الفنيــة مــن خــال التأمــل فــي مــا حصــل‬ ‫عل ــى األرض م ــن دم ــار وتدمي ــر كان ــت‬ ‫لهم ــا مث ــل ه ــذه النتائ ــج الكارثي ــة الت ــي‬ ‫تتمثلهـــا فـــي أعمالهـــا‪.‬‬ ‫‪97‬‬

‫هـــذا كلـــه يأتـــي بتقنيـــة عاليـــة تجمـــع‬ ‫بيـــن «الفكـــرة» و»الرؤيـــة»‪ ..‬بيـــن «مـــا‬ ‫حـــدث» و»نتائجـــه»‪ ،‬أو «اســـقاطاته»‪.‬‬ ‫فنحـــن‪ ،‬هنـــا‪ ،‬أمـــام عمليـــة خلـــق فنـــي‬ ‫يتصـــل فيـــه الوجـــود بالمصيـــر لتتشـــكل‬ ‫اللوحـــة مـــن عالـــم هـــو فـــي حالـــة‬ ‫تشـــخيص وتعيّـــن‪ .‬فهـــي تضـــع أمامنـــا‬ ‫صـــورة وجـــود‪ ،‬وتمنـــح هـــذا الوجـــود‬ ‫بُع ــده الواقع ــي‪ ،‬وإن ل ــم يس ــلك ف ــي تعيّن ــه‬ ‫الواقعـــي هـــذا ســـبيل «الواقعيـــة»‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫التمث ــل والتعبي ــر‪،‬‬ ‫اتخذه ــا نهجــا ً فنيــا ً ف ــي‬ ‫وإنمـــا نجـــد الفنانـــة تجمـــع فـــي لوحتهـــا‬


‫بي ــن «الرؤي ــة الكابوس ــية» واس ــتجابة‬ ‫العال ــم الداخل ــي له ــا‪ ،‬بم ــا يجع ــل م ــن‬ ‫«موضوعه ــا» عملي ــة خل ــق متص ــل‬ ‫بم ــا للواق ــع ال ــذي ّ‬ ‫تتمث ــل م ــن حقيق ــة‬ ‫ح ّي ــة‪ ،‬وبم ــا للفنان ــة م ــن خصوصي ــة‬ ‫الرؤيـــة والتعبيـــر‪ ..‬فمـــا اجتمـــع لهـــا‬ ‫م ــن رؤي ــة فني ــة تق ــوم عل ــى معادل ــة‬ ‫ثنائيـــة‪ :‬رؤيـــة بصريـــة لمـــا حـــدث‪،‬‬ ‫ورؤيـــة تشـــكيلية ُتجســـد نتائجـــه‪.‬‬ ‫ففـــي الحالـــة األولـــى هنـــاك التلقـــي‬ ‫ـاس‬ ‫الذات ــي ـ ب ــكل م ــا ل ــه م ــن وق ــع ق ـ ٍ‬ ‫عل ــى ال ــذات المتلقي ــة‪ ..‬وف ــي الثاني ــة‬ ‫هن ــاك انعكاس ــات ه ــذا التلق ــي‪ ،‬لنج ــد‬ ‫العناص ــر الت ــي اجتمع ــت ف ــي الرؤي ــة‬ ‫البصريــة (للفنانــة) تســاعد فــي بلــورة‬ ‫الرؤيـــة الفنيـــة وتكثيفهـــا‪ ،‬وصـــوالً‬ ‫ال ــى األس ــلوب ال ــذي س ــيميّز أداءه ــا‬ ‫الفنـــي‪ ،‬بمـــا يحقـــق لـ»خطابهـــا»‬ ‫حركـــة تواصـــل مـــع المتلقـــي‪.‬‬ ‫وأدعـــوه «خطابـــاً» لمـــا يحمـــل مـــن‬ ‫«لغـــة» تتقصـــد «االبـــاغ»‪ ،‬ولهـــا‬ ‫مـــا تبلغـــه‪.‬‬ ‫هـــل أرادت الفنانـــة بمعرضهـــا هـــذا‪،‬‬ ‫فـــي مـــا ضـــ ّم مـــن أعمـــال وشـــحها‬ ‫الســواد وتناثــر الرمــاد علــى أطرافهــا‪،‬‬ ‫القـــول‪ :‬إنّ االحتـــال‪ ،‬ومـــا جـــرّ ه‬ ‫أتباع ــه عل ــى بلده ــا‪ ،‬انس ــانا ً وأرض ـاً‪،‬‬ ‫ُبـــق لنـــا‪ /‬لهـــا مـــن الطبيعـــة‬ ‫لـــم ي ِ‬ ‫مـــا ترســـمه ســـوى هـــذه «الجـــذوع‬ ‫الخاويـــة» بفعـــل احراقهـــا بنـــار‬ ‫الغـــازي وأعوانـــه؟ هـــذا مـــا قالتـــه‪.‬‬ ‫لذلـــك جـــرّ دت الطبيعـــة المحيطـــة‬ ‫بالش ــكل‪ /‬الموض ــوع ف ــي عمله ــا م ــن‬ ‫كل ش ــيء إال م ــن الرم ــاد وبقاي ــا م ــا‬ ‫احت ــرق‪ ،‬جاعل ــة م ــن الدم ــار مص ــدراً‬ ‫للخلـــق واالبـــداع الفنـــي‪.‬‬ ‫أمـــا أســـلوباً‪ ،‬فهـــي وإن دارت فـــي‬ ‫مـــدار الموضـــوع الواقعـــي‪ ،‬فـــإن‬ ‫التجريديــة ـ التعبيريــة أخــذت أبعادهــا‬ ‫ف ــي بع ــض م ــن أعماله ــا‪ .‬إن تحويله ــا‬ ‫تلـــك «الطبيعـــة المحترقـــة» الـــى‬

‫لوح ــة‪ /‬عم ــل فن ــي‪ ،‬مهتم ــة بتفاصي ــل‬ ‫المشـــهد الـــدال علـــى فداحـــة المشـــهد‪،‬‬ ‫ســـواء علـــى أرض الواقـــع أو عنـــد‬ ‫تحويل ــه ال ــى اللوح ــة‪ /‬العم ــل‪ ،‬نجده ــا‬ ‫تح ــوّ ل «النتائ ــج» (الرم ــاد ودخ ــان م ــا‬ ‫احتــرق) الــى رمــوز قائمــة فــي فضــاء‬ ‫مد َّمــر هــو كل مــا تبقــى مــن «شــيء»‬ ‫كان‪ ،‬قب ــل ذل ــك‪ ،‬عالمــا ً ل ــه معم ــاره ـ‬ ‫الصبيعـــة الحيّـــة‪ .‬ونجدهـــا تجتهـــد‬ ‫رؤي ــة ف ــي تكوي ــن تل ــك المش ــاهد الت ــي‬ ‫ترس ــمها بمطابق ــة لرؤيته ــا ـ الت ــي ه ــي‬ ‫رؤيـــة ال تخـــرج مـــن حـــدود الواقـــع‬ ‫ال ــذي غ ــدا‪ ،‬ف ــي عمله ــا ه ــذا ‪« ،‬واقع ـا ً‬ ‫مجازيـــاً»‪ ،‬وإن امتزجـــت فيـــه بقايـــا‬ ‫الش ــكل بأل ــوان بصري ــة تحول ــت ال ــى‬ ‫رؤيـــا فنيـــة مثقلـــة بتداعيـــات واقـــع‬ ‫منهـــار‪ ،‬محققـــة بذلـــك ضربـــا ً مـــن‬ ‫ض ــروب األس ــلوبية ف ــي العم ــل الفن ــي‪:‬‬ ‫تقتـــرب مـــن الواقـــع بمقـــدار مـــا تجـــد‬ ‫فيــه مــن تمثيــل طبيعــي للحالــة‪ ،‬يصــل‬ ‫بهـــا الـــى المقاربـــة والمشـــابهة ممـــا‬ ‫حـــدث‪ ،‬و»تقولـــه»‪ ،‬فتواجـــه بتحـــدي‬ ‫التعبيـــر تحـــدي مـــا حـــدث ووقـــع‪.‬‬ ‫أمـــا «رموزهـــا» الدالـــة علـــى ذلـــك‪،‬‬ ‫الجامعــة لمضامينــه‪ ،‬فتقــع بيــن اللونيــن‬ ‫األســـود والرمـــادي وبيـــن «الشـــكل»‬ ‫الـــذي يجســـد حالـــة االنهيـــار‪.‬‬ ‫فه ــل يمك ــن أن نص ــف ه ــذا المع ــرض‬ ‫بـ»المعــرض ـ الطقــس»؟ ولكنــه طقــس‬ ‫عــزاء وحــزن فــي أرض ليســت بعيــدة‬ ‫من ــا‪ ،‬وقريب ــة‪ ،‬الق ــرب كل ــه‪ ،‬م ــن ذات‬ ‫الفنان ــة‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫ما البعد االخر‬ ‫يف رؤية الفنانة منى مرعي‬

‫تتارجح الفنانة منى مرعي في اعمال‬ ‫معرضها (الذي أقامته على «قاعة‬ ‫حوار» في بغداد‪ ،‬تحت عنوان‪« :‬ما بعد‬ ‫اآلخر»‪ )..‬ما بين الرمزية والوحشية‪.‬‬ ‫الرمزية ‪ :‬اذ تواطأ المرئي في اعمالها‬ ‫لحسابات الداللة‪ .‬اما الوحشية فألنها لم‬ ‫تلتزم بالقيود الهندسية‪ ،‬كالمنظور ومساقط‬ ‫الضوء والظل‪ ،‬المعروفة في المدرسة‬ ‫الواقعية‪ ،‬كما اهتمت بالشكل العام‬ ‫للموضوعات غير مكترثة بالتفاصيل‬ ‫الدقيقة‪ ،‬حيث الخطوط الخشنة الملونة‪،‬‬ ‫اوالسوداء‪ ،‬على اشكال مسطحة لتبرز‬ ‫االنفعاالت بشكل واضح‪ .‬كما خلت‬ ‫اعمالها من االلتزام بااللوان الطبيعية‪،‬‬ ‫حيث نجدها تستعمل أاللوان االساسية‬ ‫بتدرجات متنوعة مع تحريف األشكال‬ ‫بتغيير حجومها ونسبها التقليدية‪.‬‬ ‫جاءت اعمال الفنانة اقرب الى رسوم‬ ‫االطفال حيث عبرت بشكل فطري عفوي‬ ‫عن الموضوعات التي اثارتها‪ .‬وأما‬ ‫شخصيات الفنانة فشخصيات (طوطمية‬ ‫خشنة) مستوحاة من االجسد البشري‬ ‫‪...‬شاخصة امام جدران تكاد ان تكون‬ ‫احادية اللون ناعمة الملمس‪ ،‬ما جعل‬ ‫شخوصها تبدو وكانها ملصقة على‬ ‫خلفياتها مث َلها مثل لوحا ٍ‬ ‫ت كوالجية‪ .‬كما‬ ‫انها اقرب الى استعارة من واقع عملية‬ ‫التصوير اذ تبدو شخوصها وكانها في‬ ‫لقطة فوتوغرافية اجتماعية عابرة تركت‬ ‫ظاللها على جدران المكان‬


‫خنيل الفنان طالب مكي‬ ‫يف قاعة دائرة الفنون التشكيلية‬

‫املعرض الشخصي اخلامس‬ ‫خواطر يف زمن املوت‬

‫احالم املكان يف قاعة الق‬ ‫للفنون والعمارة‬

‫أفتتـــح وزيـــر الثقافـــة فريـــاد روانـــدزي‬ ‫المعـــرض الشـــخصي الثانـــي للفنـــان‬ ‫التشـــكيلي طالـــب مكـــي‪ ،‬والـــذي حمـــل‬ ‫عنـــوان “نخيـــل” فـــي قاعـــات دائـــرة‬ ‫الفنـــون التشـــكيلية فـــي مقـــر وزارة‬ ‫الثقافـــة‪ ،‬يـــوم األحـــد ‪.2015/3/29‬‬ ‫وأشـــاد وزيـــر الثقافـــة عنـــد افتتـــاح‬ ‫المع ــرض بأعم ــال الفن ــان طال ــب مك ــي‪،‬‬ ‫وأثن ــى عل ــى معرض ــه الش ــخصي ال ــذي‬ ‫ضـــم أعمـــال فنيـــة حديثـــة وتجريديـــة‪،‬‬ ‫واصفـــا ً أيـــاه امتـــداد لفنانـــي جيـــل‬ ‫الـــرواد‪ ،‬متمنيـــا ً لـــه الموفقيـــة والنجـــاح‬ ‫فـــي مســـيرته العمليـــة والفنيـــة وقـــال‬ ‫مديـــر المعـــارض حســـين موحـــي إنّ‬ ‫المعـــرض الـــذي يضـــم (‪ )38‬عمـــاً‬ ‫حديثــا ً للفن ــان مك ــي‪ ،‬رك ــز عل ــى القي ــم‬ ‫الهندســـية التـــي تنتمـــي إلـــى الفـــن‬ ‫التجريـــدي ‪ .‬وأكـــد الفنـــان التشـــكيلي‬ ‫واألكاديمـــي د‪.‬بالســـم محمـــد‪ « .‬أنّ‬ ‫طال ــب مك ــي فن ــان م ــن ط ــراز خ ــاص‬ ‫تقشـــف فـــي االعـــان عـــن نفســـه وفـــي‬ ‫داخل ــه حري ــق اليه ــدأ الش ــراقات الخي ــال‬ ‫م ــع أخ ــاص كام ــل للعالق ــة بين ــه وبي ــن‬ ‫الف ــن‪ ،‬أن ــه م ــن الفناني ــن النادري ــن الذي ــن‬ ‫امتلكـــوا الموهبـــة الخارقـــة فـــي االداء‬ ‫المقـــرون بخيـــال غريـــب وخـــاق‪.« .‬‬

‫علـــى قاعـــة دائـــرة الفنـــون فـــي وزارة‬ ‫الثقافـــة‪ ،‬افتتـــح وكيـــل وزارة الثقافـــة‬ ‫ومديـــر عـــام الفنـــون التشـــكيلية‪،‬‬ ‫معـــرض بعنـــوان ( بهرزيـــة األلـــوان‬ ‫فـــي لوحـــات مثنـــى البهـــرزي ) للفنـــان‬ ‫مثن ــى البه ــرزي‪ ،‬وض ــم االفتت ــاح جم ــع‬ ‫مـــن الفنانيـــن ومحبـــي الفـــن‪ .‬وكتـــب‬ ‫فـــي كتيـــب المعـــرض الناقـــد والكاتـــب‬ ‫صبـــاح االنبـــاري‪ « .‬فـــي بهـــرز‬ ‫العـــراق‪ .‬بهرزيـــة األلـــوان عنـــد مثنـــى‬ ‫قصي ــدة رث ــاء مفتوح ــة عل ــى كل حقائ ــق‬ ‫الضمي ــر المنته ــك‪ ،‬وم ــع ه ــذا ثم ــة أم ــل‬ ‫يلـــوح فـــي األفـــق علـــى شـــكل حمامـــة‬ ‫خضـــراء بلـــون بهـــرز علـــى بوابتهـــا‬ ‫القديمـــة لتلقـــي تحيتهـــا وتغـــادر إلـــى‬ ‫ســـماوات مجهولـــة» موظفـــا ً رمزياتـــه‬ ‫عل ــى نح ــو يأخ ــذ اتج ــاه الحل ــم والرؤي ــا‬ ‫الباطنيـــة‪.‬‬

‫أفتتــح فــي قاعــة الــق للفنــون والعمــارة‬ ‫المعــرض التشــكيلي الشــخصي للفنانــة‬ ‫ســهى االطرقجــي الــذي يحمــل عنــوان‬ ‫( أحــام المــكان ) بحضــور حشــد مــن‬ ‫المعنييــن بفــن التشــكيل‪ ،‬حيــث تضمــن‬ ‫المعــرض ‪ 19‬لوحــة بقيــاس ‪100 ×70‬‬ ‫ســم بألــوان االكريلــك‪.‬‬ ‫وكتــب الناقــد مؤيــد البصــام فــي دليــل‬ ‫المعــرض « تتعامــل الفنانــة مــع اللوحــة‬ ‫بــروح الحــرص علــى إبقائهــا نقيــة‬ ‫وشــفافة‪ ،‬وأن تكــون كتلتهــا حيويــة‬ ‫بالفــراغ المضــيء الــذي يســند الكتلــة‬ ‫ويتيــح لهــا قــوة البــروز‪.‬‬ ‫وترتكــز إعمالهــا علــى البنــاء الهندســي‬ ‫للحلــم الــذي تصوغــه بخطوطهــا الحــادة‬ ‫‪،‬عبــر اســترجاع األماكــن التــي حفــرت‬ ‫أخاديــد فــي الذاكــرة لتنتــج هــذا اإلبهــار‬ ‫فــي الحلميــة والفنتازيــات‪ ،‬بيــن النــص‬ ‫والشــكل « والفنانــة االطرقجــي ســبق‬ ‫لهــا أن أقامــت وشــاركت فــي العديــد‬ ‫مــن المعــارض التشــكيلية داخــل وخــارج‬ ‫العــراق وهــي عضــو فــي جمعيــة الفنانين‬ ‫التشــكيليين ورابطــة الفنانــات التشــكيليات‬ ‫ونقابــة الفنانيــن العراقييــن وحاصلــة علــى‬ ‫البكالوريــوس فــي التشــكيل مــن كليــة‬ ‫الفنــون الجميلــة فــي جامعــة بغــداد‪.‬‬

‫‪99‬‬


‫معرض الفنان سعدي‬ ‫الكعيب يف امريكا‬ ‫كتـــب الفنـــان ضيـــاء الـــراوي عـــن‬ ‫معـــرض الفنـــان التشـــكيلي العراقـــي‬ ‫المغتـــرب ســـعدي الكعبـــي‪.‬‬ ‫عـــرض خطـــاب الصمـــت واخـــر‬ ‫اعمال ــه الفني ــة ف ــي الوالي ــات المتح ــدة‪.‬‬ ‫اقـــام الفنـــان التشـــكيلي العراقـــي‬ ‫المغتـــرب ســـعدي الكعبـــي معرضـــه‬ ‫الشـــخصي الجديـــد الـــذي اختـــار لـــه‬ ‫عنــوان (خطــاب الصمت)فــي الواليــات‬ ‫المتحـــدة‬ ‫االعم ــال الت ــي عرضه ــا ف ــي معرض ــه‬ ‫الجديـــد تســـتلهم عنـــوان المعـــرض‬ ‫مؤكـــدا ان للصمـــت لغـــة قـــادرة علـــى‬ ‫المخاطبـــة والحـــوار وايصـــال كل مـــا‬ ‫يـــراد ايصالـــه الفنـــان ‪ .‬كل ذلـــك يتـــم‬ ‫مــن خــال اســتفزاز المشــاهد والمتلقــى‬ ‫عـــن طريـــق ســـحبه عاطفيـــا وفكريـــا‬ ‫للحـــوار مـــع مكونـــات وعناصـــر‬ ‫اللوح ــة الت ــي ينظ ــر اليه ــا وم ــا تحمل ــه‬ ‫مـــن مفـــردات المـــوروث الحضـــاري‬ ‫والســمات المحليــة والروءيــا المســتقبلية‬ ‫اعمـــال الكعبـــي االخيـــره تؤكـــد‬

‫قـــدرة الفنـــان التعبيريـــة عـــن ثقافتـــه‬ ‫واحاسيســـه‪ .‬مـــن خـــال ممارســـته‬ ‫للعمـــل الفنـــي وحضـــوره الفاعـــل فـــي‬ ‫المشـــهد التشـــكيلي علـــى مـــدى اكثـــر‬ ‫مـــن ‪ 50‬عامـــا‪.‬‬ ‫عـــدد االعمـــال الجديـــدة المعروضـــة‬ ‫و التـــى انجزهـــا الفنـــان فـــي مغتربـــه‬ ‫‪ 20 .‬عمـــا فنيـــا بعـــدة قياســـات‬ ‫مســـتخدما تقنيـــة المكـــس ميديـــا مـــع‬ ‫الـــوان االكريلـــك الترابيـــة وعلـــى‬ ‫ســـطح قماشـــة الكانفـــاس التـــي يمتـــاز‬ ‫بهــا الكعبــي فــي اســلوب اظهــار اشــكاله‬

‫‪100‬‬

‫ف ــوق ملم ــس س ــطح العم ــل تل ــك التقني ــة‬ ‫الباذخــة التــي يحتفــظ باســرارها الكعبــي‬ ‫مضيف ــا معه ــا قدرت ــه التعبيري ــة الفائق ــة‬ ‫بصياغـــة ورســـم الخطـــوط والكتـــل‬ ‫وانشـــاء وتكويـــن لوحتـــه المعاصـــرة‬ ‫المس ــتلهمة لحض ــارات الع ــراق القديم ــة‬ ‫يقـــول الفنـــان والناقـــد التشـــكيلي الـــر‬ ‫احـــل جميـــل حمـــودي عـــن الكعبـــي ‪:‬‬ ‫ان يذه ــب الفن ــان ب ــكل حماس ــة ال ــى كل‬ ‫االعمـــاق التـــي يشـــتملها الموضـــوع‪،‬‬ ‫وان يتوفـــر لـــه كل مايجعـــل الرؤيـــا‬ ‫تتكامـــل مـــن حيـــث كونهـــا وثيقـــة‬ ‫تســـجيلية ذات طابـــع تعبيـــري فنـــي‬ ‫معاصـــر وليـــس هـــذا فحســـب‪ ،‬بـــل‬ ‫علي ــه كذل ــك ان يحس ــب حس ــابا ً دقيقــا ً‬ ‫لـــدوره الواضـــح فـــي االبتـــكار‪ .‬ففـــي‬ ‫هـــذا الـــدور يكمـــن ســـر المعاصـــرة‪.‬‬ ‫انظــر الكتشــف اشــياء كثيــرة ســاعدتني‬ ‫عل ــى فه ــم ذل ــك العال ــم االبداع ــي ال ــذي‬ ‫عـــاش‪ ،‬ويعيـــش فيـــه ســـعدي الكعبـــي‪.‬‬ ‫ويقـــول الناقـــد التشـــكيلي اليابانـــي‬ ‫سانشـــي ســـيكا عـــن أعمـــال الكعبـــي ‪:‬‬ ‫رغ ــم بس ــاطة خط ــوط س ــعدي الكعب ــي‬ ‫انم ــا اراه ف ــي اعم ــال ه ــذ الفن ــان يعب ــر‬ ‫ع ــن م ــدى النض ــج الفن ــي وانن ــي اق ــف‬ ‫بدهشـــة امـــام هـــذه االعمـــال‬ ‫عمان ‪ -‬ضياء الراوي‬


‫الفنان معن كرماشة‬ ‫يف قاعة حوار‬

‫إبراهيم العبدلي ينشد قصائد حبه‬ ‫معرض لفنون اجلداريات البغدادية‬ ‫افتتــح فــي قاعــة مجلــس اإلعمــال العراقــي فــي الصويفيــة بعمــان المعرض‬ ‫الشــخصي للفنــان التشــكيلي العراقــي األســتاذ إبراهيــم العبدلــي‪ ،‬وهــو‬ ‫لرســوم الجداريــات المنفــذة للفنــان وإعمــال أخــرى‪ ،‬بلغت ‪ 16‬عمــا وهذا‬ ‫المعــرض هــو األول مــن نوعــه لرســومات جداريــات نفــذت بمــواد غيــر‬ ‫الرســم مثــل الموزاييــك والســيراميك فــي العاصمــة بغــداد ومــدن عراقيــة‬ ‫أخــرى فــي فتــرات ســابقةالفنان العبدلــي أشــار إلــى إن المعــرض هــدف‬ ‫إلــى تعريــف الجمهــور بالفــن ألجــداري‪ ،‬موضحــا إن هــذه الجداريــات التي‬ ‫يعرضهــا أالن فــي هــذه الصالــة هــي إعمــال مستنســخة عــن الجداريــات‬ ‫األصليــة المعروضــة فــي أجنحــة المطــار الدولــي فــي العاصمــة العراقيــة‬ ‫بغــداد وفــي شــارع حيفــا ببغــداد أيضــا وفــي لنــدن وهــذه الجداريــات تــم‬ ‫انجازهــا فــي فتــرة الثمانيــات مــن القــرن الماضــي‬ ‫الجداريــات المعروضــة جســدت حميميــة جســور بغــداد والنهــر والــزوارق‬ ‫والنــوارس ووردة شــقائق النعمــان وتــراث بغــداد ومناســباتها وأعيادهــا‬ ‫وشــبابيكها وحمامهــا و عصافيرهــا‪ .‬وأزقتهــا وشــوراعها‪.‬بعاطفة‬ ‫صادقــة وحنيــن صــادق‪ .‬العبدلــي وضــع المتلقيــن فــي أجــواء بغداديــة‬ ‫وعراقيةومــن لوحاتــه كانــت تنبعــث رائحــة الغــروب علــى دجلــة وصهيــل‬ ‫خيــول العربــات وطيــران النــوارس وهديــل وأبــراج الحمــام فــوق ســطوح‬ ‫البيــوت البغداديــة‪.‬‬

‫هـــذا هـــو االســـم الـــذي اختـــاره‬ ‫لمعـــرض المقـــام علـــى قاعـــة‬ ‫حـــوار ‪.‬‬ ‫وض ــع الم ــدن بطريقت ــه الخاص ــة‬ ‫وبرمزي ــة عالي ــة يس ــتطيع المتلق ــي‬ ‫ان يعـــرف ماهيـــة الوحـــة مـــدن‬ ‫مـــن خطـــوط واشـــكال هندســـية‬ ‫ترتبـــت بلوحـــات عـــدة‬ ‫تـــرى فـــي لوحاتـــه جـــدران‬ ‫واس ــقف وحت ــى خط ــوط الكهرب ــاء‬ ‫تتنق ــل بي ــن لوحات ــه كان ــك تس ــافر‬ ‫فـــكل لوحـــة تصـــور لـــك مدينـــة‬ ‫وقـــد اخـــذك كرماشـــة بتكعيباتـــه‬ ‫وخطوطــه مســافرا معــه ودار بــك‬ ‫وينته ــي ب ــك ف ــي مراس ــي الس ــفن‬ ‫بعـــد انهـــى رحلتـــه‬ ‫وضـــع مدنـــه بلوحاتـــه وبحرفيـــة‬ ‫وزع مســـاحاته الونيـــة بحرفيـــة‬ ‫وخب ــرة رائع ــه تج ــد ف ــي لوحات ــه‬ ‫مايس ــرك م ــن تقني ــة ال ــون ‪ ،‬ام ــا‬ ‫العن ــوان ال اع ــرف م ــا ال ــذي اراد‬ ‫بـــه فـــان ســـالته ســـيكون الســـؤال‬ ‫تقليـــدي جـــدا ‪.‬‬ ‫فتركـــت لمخيلتـــي بعـــد هـــذه‬ ‫الرحلـــة لمدنـــه ان اطلـــق عليهـــا‬ ‫تس ــمية مـــدن منســـية فـــي وطنـــي‬ ‫او علـــى خارطـــة العالـــم‬ ‫احمد عناد‬

‫‪101‬‬


‫رحيل الفنان التشكيلي‬ ‫ماهر حربي‬ ‫املغامرة مع جلجامش‬ ‫نعــت األوســاط الفنيــة فــي مدينــة‬ ‫الموصــل الفنــان التشــكيلي ماهــر حربــي‬ ‫الــذي وافتــه المنيــة عــن عمــر ناهــز الـــ‬ ‫‪ 70‬عام ـاً‪ ،‬وبعــد مســيرة حافلــة بالعطــاء‬ ‫الفنــي الــذي تميــز بمــا لــه مــن بصمــات‬ ‫ابداعيــة شــهدتها مســيرته الفنيــة‪..‬‬ ‫الفنــان مــن مواليد الموصــل العام ‪.1945‬‬ ‫تخــرج فــي أكاديميــة الفنــون الجميلــة –‬ ‫جامعــة بغــداد العــام‪ ،1969‬وعمــل فــي‬ ‫ترميــم قصــر ســنحاريب اآلشــوري‪/‬‬ ‫نينــوى (‪ ،)1969‬وعمــل مدرســا ً فــي‬ ‫معهــد الفنــون الجميلة‪/‬الموصــل (‪-1980‬‬ ‫‪ ،)a2000‬كمــا تــرأس قســمي الفنــون‬ ‫التشــكيلية والخــط والزخرفــة بمعهــد‬ ‫الفنــون الجميلــة (‪،)1989-1983‬‬ ‫وأصبــح مدرســا ً بدرجــة خبيــر فــي‬ ‫كليــة الفنــون الجميلــة‪ -‬جامعــة الموصــل‬ ‫(‪ ،)2003-1997‬وهــو فنــان محتــرف‬ ‫بجمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن‬ ‫منــذ‪ ،1974‬وعضــو عامــل فــي نقابــة‬ ‫الفنانيــن العراقييــن ‪ ،1974‬وحائــز علــى‬ ‫وســام الفــن منهــا‪ ،‬وعضــو (جمعيــة‬ ‫الفنــون البصريــة المعاصــرة) ‪.2004‬‬ ‫أســهم بتأســيس (جماعــة نينــوى للفــن‬ ‫الحديــث) فــي الموصــل (‪،)1970‬‬ ‫وحــاز علــى ثــاث جوائــز فــي تصميــم‬ ‫الملصق‪،‬كمــا شــارك فــي أكثــر مــن‬ ‫(‪ )112‬معرضــا داخــل العــراق وخارجــه‬ ‫(‪ ،)2009-1966‬وأســس وأدار(قاعــة‬ ‫الســاعة للفنــون) وهــي أول قاعــة خاصــة‬ ‫بالموصــل (‪ ،)2000‬وأســهم بتأســيس‬ ‫(جماعــة نينــوى) العــام ‪ ،2002‬وعمــل‬ ‫علــى تأســيس تقاليــد (أيقونــة عراقيــة‬ ‫معاصــرة) منــذ ‪ .1985‬لــه أعمــال كبيــرة‬ ‫فــي كنائــس وأديــرة ومؤسســات ودور‬ ‫خاصــة فــي محافظــات‪ :‬نينــوى ‪ -‬بغــداد‬ ‫‪ -‬دهــوك – اربيــل – صــاح الديــن‪...‬‬

‫يعــد الفنــان التشــكيلي ماهــر حربــي ممــن‬ ‫عملــوا علــى إحيــاء القديــم‪ ،‬وربطــه‬ ‫بتيــارات الحداثــة‪ ،‬وال ســيما األســطورية‬ ‫منهــا‪ .‬اإلنســان (الرجــل والمــرأة) هــو‬ ‫المحــور والهــدف فــي مجمــل اإلنجــاز‬ ‫الفنــي ألعمــال الفنــان حربــي منــذ‬ ‫انطالقتــه األولــى العــام ‪ ،1969‬أقــام‬ ‫مــا يقــارب الســبعة معــارض شــخصية‪،‬‬ ‫ومشــاركات زادت عــن ‪85‬مشــاركة‪.‬‬ ‫يقــول الفنــان عــن اهتمامــه باألســطورة‪،‬‬ ‫وأســطورة جلجامــش بوجــه خــاص‪:‬‬ ‫ فــي كل منــا جــذوة الفعل الحياتي‪ ،‬إرادة‬‫عميقــة لالمتــداد فــي الزمن بامتــداد الزمن‬ ‫نفســه‪ ،‬وجلجامــش هو إنســان طموح رأى‬ ‫فــي نفســه مؤه ـاً لالمتــداد عبــر الزمــان‬ ‫ولــو بشــكل غائــم الصــورة‪ ،‬لقــد دعــاه‬ ‫أســى الفــراق لفــرح العشــق والصداقــة‬ ‫والشــمس وابتســامة الطفــل إلــى البحــث‬ ‫بحميــة عــن التواصــل واالســتمرار‪ ،‬هــو‪،‬‬ ‫إذاً‪ ،‬تــوق إنســاني طبيعــي للحفــاظ علــى‬ ‫الحيــاة واإلبقــاء عليهــا نابضــة‪ ،‬ولــو‬ ‫تصورنــا هــذا الجلجامــش األســطوري‬

‫‪102‬‬

‫أديبــا ً أو فنانــا ً لــكان وجــد لمشــكلته‬ ‫الحياتيــة حـاً فــي ممارســة اإلنجــاز الفني‬ ‫واإلبــداع‪ ،‬وألصبــح أكثــر اســتقراراً‬ ‫وقناعــة بــأن األقــرب فــي الحصــول‬ ‫علــى شــجرة الحيــاة الدائمــة عبــر عصــاه‬ ‫الســحرية هــو الفــن‪ ،‬لطالمــا ســحرني‬ ‫هــذا المؤلــف (المثيولوجــي فــي شــكله‬ ‫والواقعــي فــي مضمونــه اإلنســاني) إذ أن‬ ‫ملحمــة جلجامــش تلخــص فــي أحداثهــا‬ ‫وشــخوصها النقائــض البشــرية‪ ،‬وتجمعهــا‬ ‫فــي كائــن بســيط وعميــق فــي إنســانيته‬ ‫الباحثــة عــن الحقيقــة التــي نحياهــا ونعــود‬ ‫الكتشــافها‪ ،‬كلمــا حيينــا عبــر التاريــخ‬ ‫البشــري‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن المتغيــرات‬ ‫يبقــى هــذا الحــس الوجــودي غيــر قابــل‬ ‫للمســخ أو التشــويه أو اإللغــاء‪.‬‬ ‫فــي النهايــة نحن نعيش كأنــاس وكمبدعين‬ ‫آمالنــا الكبيــرة‪ ،‬وإن توقنــا إلــى مــا هــو‬ ‫أكبــر يقتــرب مــن االســتحالة‪ ،‬لكننــا نحــب‬ ‫أن نــرى فيــه األمــل الضــروري للعيــش‪،‬‬ ‫للوجــود‪ ،‬للحيــاة المبتلــة بالمعانــي‪،‬‬ ‫الغنيــة بالرضــى والقبــول‪ ،‬كمــا بالرفــض‬ ‫الواعــي والتخلــي‪.‬‬ ‫وهــو يجــد فــي األســطورة رحابــة‬ ‫وكثافــة وســمواً‪ ،‬فاألحــداث والشــخصيات‬ ‫واألفــكار حبلــى دائمـا ً بقــدرة الرمــز علــى‬ ‫اإليصــال الثــري‪ ،‬وتداعيــات تســتند إلــى‬ ‫عطــاء راســخ محمــل بعوالــم الســرعة‬ ‫والغمــوض‪ ،‬والقــدرة علــى الــوالدات‬ ‫الجديــدة والتحليــق‪ ،‬وفــي األســطورة‬ ‫قــدرة علــى االمتــداد بــكل االتجاهــات‬ ‫كم ـا ً ونوع ـاً‪ ،‬إنهــا عظمــة غيــر عاديــة‪،‬‬ ‫فالبنــاء الميثولوجــي أشــبه بآلــة موســيقية‬ ‫رحبــة فــي اقتدارهــا علــى زلزلــة الكيــان‪،‬‬ ‫كوســيلة لهــا حدودهــا فــي التعبيــر‬ ‫الــدارج‪ ،‬كالجــدول أمــام مــوج البحــر ‪.‬‬ ‫وقــد اتخــذ فــي عملــه هــذا اســلوبا متميــزا‬ ‫يلتقــي فــي بعــض مؤشــراته مــع المدرســة‬ ‫الســريالية التــي ظهــرت فــي اوربــا خــال‬ ‫ســنوات العشــرينات مــن القــرن الماضــي‬ ‫لمعاصر‪.‬‬


‫املعرض املشرتك للفنانني‬ ‫قاسم محزة وحممود‬ ‫العجمي‬

‫الفن العراقي واألملاني‬ ‫يف‬ ‫قاعة حوار للفنون ببغداد‬ ‫افتتــح فــي قاعــة حــوار للفنــون فــي‬ ‫بغــداد‪ ،‬معــرض حمــل عنــوان( يــوم فــي‬ ‫ألمانيــا ‪ ..‬يــوم فــي بغــداد) برعايــة معهــد‬ ‫غوتــه وطلبــة قســم الفنــون التشــكيلية فــي‬ ‫كليــة الفنــون الجميلــة‪.‬‬ ‫الــذي ضــم ‪ 24‬لوحــة صوريــة مطبوعــة‬ ‫علــى مــادة األلمنيــوم‪ ،‬أعدهــا مصــورون‬ ‫ألمــان مــن جمعيــة المصوريــن ‪ ،‬و تــم‬ ‫تحويلهــا إلــى لوحــات تناولــت الواقــع‬ ‫األلمانــي بعيــون فنانيــن عراقييــن‪ ،‬ضمــن‬ ‫ورشــة عمــل مميــزه نظمهــا معهــد غوتــة‬ ‫فــي بغــداد وهــي تهــدف إلــى تطويــر‬ ‫إمكانيــات الشــباب واندماجهــم بخبــرات‬ ‫عالميــة‪.‬‬ ‫شــارك فــي حفــل افتتــاح المعــرض‬ ‫كل مــن الســيدة هيــا عــن معهــد غوتــه‬ ‫التــي أشــادت بتجربــة الشــباب فــي هــذا‬ ‫المعــرض إضافــة إلــى رئيــس جمعيــة‬ ‫الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن الفنــان‬ ‫قاســم ســبتي وأعضــاء الهيئــة اإلداريــة‬ ‫للجمعيــة‪ ،‬ومثــل كليــة الفنــون الجميلــة‬ ‫األســاتذة‪ ،‬د‪ .‬بالســم محمــد ود‪ .‬محمــد‬ ‫الكنانــي رئيــس قســم الفنــون التشــكيلية‬ ‫فــي كليــة الفنــون الجميلــة ومجموعــة مــن‬ ‫الفنانيــن الشــباب المشــاركين‪ ،‬وجمهــور‬ ‫مــن محبــي الفنــون‪.‬‬

‫فــي قاعــة مركــز الفنــون فــي مبنــى‬ ‫وزارة الثقافــة والســياحة واآلثــار‪ ،‬أقيــم‬ ‫المعــرض الخزفــي المشــترك للفنانيــن‬ ‫قاســم حمــزة ومحمــود عجمــي بعنــوان‬ ‫(حكايــا الطيــن والنــار‪ /‬الماعــون ))‬ ‫بحضــور الوكيــل األقــدم لــوزارة الثقافــة‬ ‫جابــر الجابــري ومديــر عــام دائــرة‬ ‫الفنــون التشــكيلية شــفيق مهــدي ورئيــس‬ ‫جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين قاســم‬ ‫ســبتي وعــدد مــن الفنانيــن والتشــكيليين‬ ‫العراقييــن ‪..‬‬ ‫ضــم المعــرض المشــترك (‪ )100‬عمـاً‬ ‫تــراوح بيــن الخــزف والســيراميك‬ ‫تحــدث عنهــا الفنــان قاســم حمــزة بالقــول‬ ‫‪« :‬إنّ هــذا المعــرض الــذي حــوي‬ ‫هــذه األعمــال الخزفيــة‪ ،‬كانــت الفكــرة‬ ‫األساســية أن يكــون معرضــا ً شــخصيا ً‬ ‫لــكل م ّنــا أنــا وزميلــي الفنــان والنحــات‬ ‫الدكتــور محمــود عجمــي إال أنّ الصدفــة‬ ‫شــاءت بعــد أن وجدنــا التقــارب فــي‬ ‫هــذه األعمــال والجامــع هــو (الماعــون)‬ ‫ممــا ح ّفزنــا علــى إقامــة معرضــا ً‬ ‫واحــداً مشــتركا ً يجمــع أعمالنــا مــن‬ ‫الخــزف والســيراميك يســتلهم المــوروث‬ ‫الحضــاري والشــعبي والخــط العربــي‬

‫‪103‬‬

‫وكان(الماعــون) كمــا قلــت هــو الدافــع»‪.‬‬ ‫وعــن تســمية المعــرض بـ(حكايــا الطيــن‬ ‫والنــار) ذكــر الفنانــان قاســم حمــزة‬ ‫والدكتــور محمــود عجمــي إنهــا جــاءت‬ ‫كمقتــرح تقــدم بــه الدكتــور محمــود‬ ‫عجمــي ولقــي أالستحســان بــأن يكــون‬ ‫العنــوان هــو عنــوان كتــاب أصدرتــه‬ ‫دائــرة الفنــون التشــكيلية للدكتــور (جــواد‬ ‫الزيــدي) عنوانــه (حكايــا الطيــن والنــار)‪.‬‬ ‫وأضــاف الدكتــور محمــود عجمــي‪:‬‬ ‫«إنّ األرضيــة تســاوت بينــه وبيــن‬ ‫أعمــال قاســم حمــزة والتــي أخــذت شــكل‬ ‫الماعــون خزفــا ً وســيراميك ورؤيــة‬ ‫الخــزاف والنحــات لهــذه الفكــرة ّإل إنّ‬ ‫الــذي أختلــف هــو األثيمــة‪ ،‬فقــد ق ّدمــت‬ ‫أعمــال بثيمــة (المــرأة والثــور) كداللــة‬ ‫عــن منطلــق الحيــاة‪ ،‬كمــا وأننــي أعجبــت‬ ‫بفكــرة قاســم حمــزة بجعــل‬ ‫(الماعــون) معلقــة جداريــه فنيــة‪ ،‬بعــد أن‬ ‫كانــت تعــرض مثــل هكــذا أعمــال بمســاند‬ ‫ومصاطب‪.‬‬


‫معارض عراقية يف اخلارج‬ ‫الفنان ستار كاووش ‪ :‬اخلروح على تقليدية العرض‬ ‫أقيــم علــى غاليــري « دي الفــاي « فــي‬ ‫مدينـــة دراختـــن‪ ،‬شـــمال هولنـــدا (يـــوم‬ ‫‪15‬آذار )‪ 2015‬المعـــرض الشـــخصي‬ ‫الجدي ــد للفن ــان العراق ــي س ــتار كاووش‪،‬‬ ‫وضـــ ّم خمســـين عمـــاً جديـــداً مـــن‬ ‫أعمالـــه‪ .‬ومـــا يلفـــت النظـــر فـــي هـــذا‬ ‫المع ــرض أن ــه ل ــم يك ــن مقص ــوراً عل ــى‬ ‫اللوحـــات التـــي رســـمها الفنـــان فـــي‬

‫المــدة األخيــرة‪ ،‬بــل ض ـ ّم‪ ،‬الــى جانبهــا‪،‬‬ ‫أعم ــاالً عرض ــت ف ــي فض ــاء القاع ــة‪،‬‬ ‫مثـــل الطـــاوالت والكراســـي التـــي‬ ‫صممه ــا الفن ــان بنفس ــه ونفذه ــا بطريق ــة‬ ‫تتـــاءم ومـــا ألعمالـــه مـــن عوالـــم‬ ‫وتقنيـــات‪ ،‬بحيـــث تبـــدو الشـــخصيات‬ ‫المرســـومة وهـــي تخـــرج مـــن هـــذه‬ ‫الطـــاوالت لتحـــاور الموجوديـــن فـــي‬ ‫قاعـــة العـــرض‪.‬‬ ‫كذلـــك هنـــاك أعمـــال أخـــرى أخـــذت‬ ‫اشــكاالً غيــر تقليديــة‪ ،‬كأن تكــون اللوحــة‬ ‫علــى شــكل دائــرة‪ ،‬أو بشــكل بيضــوي‪،‬‬

‫ومنه ــا م ــا تمت ــد في ــه الخط ــوط وتتقاط ــع‬ ‫لتنســـجم والشـــخصيات المرســـومة مـــع‬ ‫الش ــكل الخارج ــي البيض ــوي أو الدائ ــري‬ ‫للوح ــة‪ .‬كذل ــك هن ــاك اثن ــا عش ــر عمــاً‬ ‫صغيـــراً (‪30‬ســـم × ‪ 24‬ســـم) ُعلّقـــت‬ ‫علـــى جـــدار خـــاص‪ ،‬بعضهـــا بشـــكل‬ ‫عم ــودي وبعضه ــا بش ــكل أفق ــي مش ــكلة‬ ‫عمــاً واح ــداً‪ .‬كم ــا ت ــم ع ــرض عملي ــن‬ ‫عل ــى أرضي ــة القاع ــة عل ــى ش ــكل‬ ‫دفاتــر أو أوكرديــون‪ ،‬األول أمتــداده‬ ‫ســـتة أمتـــار‪ ،‬والثانـــي متريـــن‬ ‫ونصـــف المتـــر‪.‬‬ ‫حـــاول الفنـــان فـــي معرضـــه‬ ‫هـــذا المـــزج بيـــن أجـــواء بغـــداد‪،‬‬ ‫حيـــث تكونـــت شـــخصيته الفنيـــة‪،‬‬ ‫والمناخــات األوروبيــة حيــث يعيــش‬ ‫اليــوم ويرســم اآلن‪ ،‬ممســكا ً باحــدى‬ ‫يديـــه عوالـــم ألـــف ليليـــة وليلـــة‪،‬‬ ‫وباليـــد األخـــرى «اآلرت ديكـــو»‬ ‫والف ــن األوروب ــي ف ــي محاول ــة من ــه‬ ‫اليجـــاد معـــادل جمالـــي لرؤيتـــه‬ ‫الفنيـــة وهـــو يعيـــش بيـــن ثقافتيـــن‪.‬‬ ‫فـــي أعمالـــه التـــي ضمهـــا هـــذا‬ ‫المعـــرض نـــرى بوضـــوح شـــخصية‬ ‫الفنــان التــي تشــبه شــجرة جميلــة ملونــة‪،‬‬ ‫جذورهــا فــي بغــداد وأوراقهــا الخضــراء‬ ‫المثمـــرة فـــي هولنـــدا‪ .‬إنـــه مزيـــج مـــن‬ ‫الشـــرق والغـــرب برؤيـــة معاصـــرة‬ ‫مفتوحـــة علـــى تناغمـــات ونوافـــذ تطـــل‬ ‫علـــى عالـــم جميـــل وبســـيط‬ ‫وخـــال‬ ‫ٍ‬ ‫مـــن التعقيـــدات‪ ..‬نستشـــف هـــذا مـــن‬ ‫عناويـــن اللوحـــات التـــي جـــاءت مثلهـــا‬ ‫مث ــل قصائ ــد محب ــة ورس ــائل طمأنين ــة‪..‬‬ ‫فه ــي لوح ــات تحم ــل عناوي ــن مث ــل‪ :‬لغ ــة‬ ‫األصاب ــع‪ ،‬ض ــوء القم ــر‪ ،‬س ــر القن ــاع ‪،‬‬ ‫‪104‬‬

‫أنظــر لــي وحــدي‪ ،‬القفــاز األزرق ‪ ،‬الليلــة‬ ‫الزرق ــاء ‪ ،‬الناف ــذة ‪ ،‬قبل ــة الم ــاك‪ ،‬وداع‬ ‫الصي ــف‪ ...‬وغيره ــا الكثي ــر ال ــذي يش ــير‬ ‫الـــى رومانســـية طبعـــت أعمـــال هـــذا‬ ‫الفن ــان‪ ..‬ه ــذه الرومانس ــية الت ــي مزجه ــا‬ ‫مـــع تقنيتـــه فـــي الرســـم وهـــو يضـــع‬ ‫طبقـــات اللـــون واحـــدة فـــوق األخـــرى‬ ‫ليتوصـــل الـــى الشـــفافية والتاغـــم بيـــن‬ ‫األش ــكال والخط ــوط‪ ،‬ويحق ــق التواص ــل‬ ‫بيـــن إيمـــاءات األصابـــع ونظـــرات‬ ‫العيـــون‪ ،‬محـــاوالً تثبيـــت خطواتـــه‬ ‫ومكانتـــه الفنيـــة وهـــو يخطـــو كل يـــوم‬ ‫خطـــوة جديـــدة وجـــادة فـــي هـــذا البلـــد‬ ‫المعـــروف بتاريخـــة الفنـــي العريـــق‪.‬‬ ‫مـــن خـــال هـــذا المعـــرض يحتفـــي‬ ‫غاليـــري ومؤسســـة دي الفـــاي بمـــرور‬ ‫خم ــس عش ــرة س ــنة عل ــى وج ــود الفن ــان‬ ‫كاووش فـــي هولنـــدا‪ ،‬حيـــث يعيـــش‬ ‫ويمـــارس عملـــه فـــي الرســـم‪ .‬وقـــد‬ ‫صاحـــب المعـــرض احتفـــال بكتـــاب‬ ‫«نس ــاء الترك ــواز» ال ــذي ص ــدر ح ــول‬ ‫أعمـــال الفنـــان باللغتيـــن االنجليزيـــة‬ ‫والهولنديـــة‬ ‫وكتبـــت مقدمتـــه الدكتـــورة شـــارلوتا‬ ‫هاوخنـــس التـــي تعمـــل فـــي متحـــف‬ ‫باناروم ــا مس ــداخ ومؤسس ــة موندري ــان‪،‬‬ ‫تحدثـــت فيهـــا عـــن تقنيـــات كاووش‬ ‫وعوالمـــه وألوانـــه ونســـائه الحالمـــات‬ ‫وطبيعـــة تأثيـــره وتأثـــره فـــي األجـــواء‬ ‫الهولنديـــة‪ .‬وأثنـــاء األفتتـــاح ســـيهديها‬ ‫كاووش النســـخة األولـــى مـــن الكتـــاب‬ ‫حســـب التقاليـــد الهولنديـــة ‪ .‬يحتـــوي‬ ‫الكتـــاب علـــى ‪ 160‬عمـــاً مـــن أعمـــال‬ ‫الفنـــان‪ ..‬وهـــو الكتـــاب الخامـــس الـــذي‬ ‫صـــدر عـــن الفنـــان‪.‬‬


‫معرض الفنان مجيل محودي‬ ‫وال فنانة عشتار محودي‬

‫معرض التشكيليني العراقيني الرواد على قاعة‬ ‫منتدى جامعة البرتاء‬

‫بحضــور بهــي لنخبــة مــن اســاتذة‬ ‫الجامعــات االردنيــة والمهتميــن مــن‬ ‫متذوقــي الفــن التشــكيلي العراقــي‬ ‫االصيــل وطلبــة الجامعــات االردنيــة‬ ‫وممثلــي اجهــزة الصحافــة واالعــام‪،‬‬ ‫افتتــح رئيــس جامعــة البتــرا الدكتــور‬ ‫مــروان المــوال‪ ،‬فعاليــات «احتفاليــة‬ ‫الغيــاب ـ الحضــور» ومعــرض‬ ‫التشــكيلين العراقييــن الــرواد االوائــل‬ ‫الــذي نظمــه نــادي أعضــاء هيئــة‬ ‫التدريــس فــي الجامعــة بالتعــاون مــع‬ ‫«قاعــة اثرللفنــون» للفنانيــن الــرواد‬ ‫العراقييــن الراحليــن‪ :‬عبــد القــادر‬ ‫الرســام‪ ،‬فائــق حســن‪ ،‬شــاكر حســن‬ ‫آل ســعيد‪ ،‬خالــد الجــادر ‪ ،‬حافــظ‬ ‫الدروبــي ‪ ،‬عطــا صبــري‪ ،‬نــوري‬

‫الــراوي‪ ،‬اســماعيل فتــاح‪ ،‬ليـــــزا‬ ‫فتــاح‪ .‬وقــد عــ ّد رئيــس الجامعــة‬ ‫اقامــة هــذا المعــرض مبــادرة متميــزة‬ ‫جمعــت أعمــاالً نــادرة لعــدد مــن‬ ‫الفنانيــن التشــكيلين العراقييــن الــرواد‬ ‫الــى جامعــة البتــرا وقاعــة وكاليــري‬ ‫منتداهــا الثقافــي واالجتماعــي ليكــون‬ ‫مكانــا للبحــث والدراســة والتامــل‬ ‫واالطــاع لطلبــة كليــة العمــارة‬ ‫والفنــون فــي األردن‪.‬‬ ‫وقــد اثــار المعــرض اهتمــام الكثيــر‬ ‫مــن الدارســين والباحثيــن لمــا احتــواه‬ ‫مــن اعمــال بيــن الواقعيــة واالعمــال‬ ‫الحداثويــة للجيــل الرائــد الــذي اعقــب‬ ‫جيــل الــرواد الواقعييــن‬

‫‪105‬‬

‫أقيــم علــى قاعــة « توفيــق الســيد» بمقــر‬ ‫رابطــة الفنانيــن التشــكيليين األردنييــن‬ ‫معــرض جمــع بيــن أعمــال الفنــان‬ ‫العراقــي الراحــل جميــل حمــودي وابنتــه‬ ‫الفنــاة عشــتار حمــودي‪.‬‬ ‫المعــرض الــذي احتــوى علــى ‪ 45‬لوحــة‬ ‫فنيــة للفنــان‪ ،‬و ( ‪ ) 15‬لوحــة للفنانــة‪،‬‬ ‫حضــره ثلــة مــن الفنانيــن والمهتميــن‬ ‫بالفــن والنقــاد‪.‬‬ ‫وقــال رئيــس رابطــة الفنانيــن التشــكيليين‬ ‫األردنييــن د‪ .‬غــازي انعيــم « إن رابطــة‬ ‫الفنانيــن التشــكيليين األردنييــن ســعيدة‬ ‫باســتضافتها ألعمــال الفنــان الراحــل‬ ‫جميــل حمــودي وابنتــه الفنانــة عشــتار‪،‬‬ ‫وهــي فرصــة مهمــة تتيحهــا الرابطــة‬ ‫لعشــاق الفــن األصيــل مــن طــاب‬ ‫وفنانيــن ونقــاد ومتذوقيــن ليطلعــوا علــى‬ ‫نمــاذج مــن تجربــة الفنانــة عشــتار والفنان‬ ‫الكبيــر جميــل حمــودي الــذي اعتمــد علــى‬ ‫اتجاهــات متنوعــة فــي مســيرته التشــكيلية‬ ‫مــن تعبيريــة وتجريديــة عكســت الجانــب‬ ‫االنســاني والطبيعــة والتــراث وجماليــة‬ ‫الحــرف العربــي‪ ،‬نفــذت بتقنيــات متنوعــة‬ ‫مثــل‪ :‬قلــم الحبــر األســود‪ ،‬والزيتــي‪،‬‬ ‫والمائــي‪ ،‬والباســتيل‪ ،‬والغــواش»‪.‬‬


‫ذكرى األوىل لرحيل الفنان رافع الناصري ‪:‬‬ ‫مجاليات احلرف والتكوينات التجريدية‬

‫نظــم المتحــف الوطنــي االردنــي للفنــون‬ ‫الجميلــة‪ ،‬احتفاليــة اســتذكارية احتفــاءا‬ ‫بالمســيرة االبداعيــة للفنــان التشــكيلي‬ ‫العراقــي رافــع الناصــري بالتزامــن مــع‬ ‫الذكــرى الســنوية االولــى لرحيلــه‪ ،‬وأقــام‬ ‫الراحــل الناصــري فــي ســنوات عمــره‬ ‫األخيــره فــي العاصمــة ا ال ردنيــة عمــان‪،‬‬ ‫وكان المتحــف الوطنــي االردنــي للفنــون‬ ‫الجميلــة قــد نظــم العــام الماضــي معرضــا‬ ‫اســتعاديا ً للناصــري قبــل وفاتــه بأســابيع‪.‬‬ ‫وتضمــن الحفــل الخــاص الــذي اقامــه‬ ‫المتحــف الوطنــي االردنــي للفنــون‬ ‫الجميلــة‪ ،‬بحضــور نخبــة مــن الفنانيــن‬ ‫والنقــاد العراقيينمــن طلبــة واصدقــاء‬ ‫ومحبــي الراحل‪،‬عــرض فيلــم قصيــر‬ ‫عــن الفنــان ‪ ،‬وهــو يعمــل علــى كتابــه‬ ‫الفنــي الــذي اســتوحى رســوماته مــن‬ ‫قصيــدة «كزهــر اللــوز» للشــاعر الراحــل‬ ‫محمــود درويــش‪...‬‬ ‫كمــا قدمــت الباحثــة االلمانيــة‬ ‫ســونيا مجشــر اتاســي اســتاذة االدب‪،‬‬ ‫والمتخصصــة بالدراســات المقارنــة فــي‬ ‫األدب والفــن‪ ،‬فــي الجامعــة االمريكيــة في‬ ‫بيــروت‪ ،‬محاضــرة عــن تجربــة الفنــان‬ ‫الراحــل الغنيــة والمتنوعــة فــي تقنياتهــا‬ ‫واشــكالها فــي رســم الدفاتــر الفنيــة‪ ،‬حيــث‬ ‫تحدثــت عــن األثــر الــذي تركــه الناصــري‬ ‫فــي المشــهد التشــكيلي العراقــي والعربــي‪،‬‬ ‫والخصائــص الفنيــة واالبداعيــة ألســلوبه‬ ‫فــي التشــكيل‪،‬‬ ‫ووقعــت زوجتــه الشــاعرة الناقــدة‬ ‫واالديبــة مــي مظفــر عــددا مــن كتبهــا‬ ‫األدبيــة والنقديــة علــى هامــش االحتفــال‪.‬‬ ‫يع ـ ّد الناصــري واحــداً مــن أهــم الفنانيــن‬ ‫العراقييــن المعاصريــن‪ .‬ولــد العــام‬ ‫‪1940‬ودرس فــي معهــد الفنــون الجميلــة‬ ‫فــي بغــداد (‪ .)1959 - 1956‬وفــي‬ ‫األكاديميــة المركزيــة فــي بكيــن‪ ،‬الصيــن‬

‫(‪ 1959‬ـ ‪ )1963‬وتخصــص فــي‬ ‫الغرافيــك‪ /‬الحفــر علــى الخشــب‪ .‬وفــي‬ ‫العــام ‪ 1963‬أقــام أول معــرض ألعمالــه‬ ‫فــي هونــغ كونغ‪ .‬وبعــد عودته إلــى بغداد‪،‬‬ ‫درّ س فــي معهــد الفنــون الجميلــة وكان‬ ‫ف ّنــه فــي هــذه الفتــرة واقعيـاً‪ ،‬تشــخيصياً‪..‬‬ ‫ســافر إلــى البرتغــال العــام ‪ 1967‬ودرس‬ ‫الحفــر علــى النحــاس فــي غرافــورا‬ ‫لشــبونة‪ .‬وفــي هــذه الفتــرة اكتشــف‬ ‫جماليــات الحــرف العربــي وأدخلهــا‬ ‫فــي تكوينــات تجريديــة‪ ،‬كمــا اكتشــف‬ ‫األكرليــك واســتعمله بــدالً عــن األلــوان‬ ‫الزيتيــة‪.‬‬ ‫أســس العــام ‪ 1974‬فــرع الغرافيــك فــي‬ ‫معهــد الفنــون الجميلــة فــي بغــداد‪ ،‬الــذي‬ ‫تفــرغ فيــه لعملــه الفنــي بعــد أن أنشــأ‬ ‫المحتــرف‪ ،‬وتــرك بغــداد العــام ‪،1991‬‬ ‫ودرّ س فــي جامعــة اليرمــوك األردنيــة‪.‬‬ ‫كمــا أســهم العــام ‪ 1993‬بتأســيس‬ ‫محتــرف الغرافيــك فــي دارة الفنــون فــي‬ ‫عمّــان‪ ،‬وأشــرف عليــه عــدة ســنوات‪.‬‬ ‫علــى صعيــد آخــر‪ ،‬جــرى االعــان عــن‬ ‫نتائــج جائــزة رافــع الناصــري الســنوية‬ ‫للحفــر والطباعــة فــي ‪ 31‬كانــون األول‪/‬‬ ‫ديســمبر ‪ 2014‬إذ بلــغ عــدد المتقدميــن‬ ‫للجائــزة ثمانيــة عشــر فنانــا وفنانــة مــن‬ ‫العــراق واألردن ومصــر وســورية‬ ‫والســعودية وتونــس‪ .‬وعرضــت األعمــال‬ ‫علــى لجنــة التحكيــم المؤلفــة مــن ‪:‬‬ ‫ضيــاء العــزاوي‪ ،‬رســام وح ّفــار مظهــر‬ ‫أحمــد‪ ،‬رســام وح ّفــار‪ ،‬مديــر مركــز‬ ‫الحفــر والطباعــة فــي فالــون‪ ،‬الســويد‪.‬‬ ‫خالــد وهــل‪ ،‬رســام وحفــار متخصــص‬ ‫بالشــؤون الطباعيــة‪ .‬اعتمــدت اللجنــة فــي‬ ‫اختياراتهــا علــى توفــر شــروط أساســية‬ ‫فــي األعمــال الفائــزة مثــل المســتوى‬ ‫الفنــي المرمــوق والقــدرة اإلبداعيــة إلــى‬ ‫جانــب الرؤيــة الفنيــة الخاصــة بالفنانــة‬ ‫‪106‬‬

‫أو الفنــان‪ .‬وعلــى هــذا األســاس تتشــرف‬ ‫لجنــة التحكيــم أن تعلــن اختيارهــا منــح‬ ‫جائــزة رافــع الناصــري للحفــر والطباعــة‬ ‫‪ ،2014‬وقدرهــا ألــف دوالر إلــى الفنــان‬ ‫كامــل عبــد هللا الحائــز الجائــزة األولــى‪،‬‬ ‫كامــل عبــد هللا مــن مواليــد صفاقــص‪،‬‬ ‫‪ ،1975‬طالــب دكتــوراه المرحلــة الثالثــة‬ ‫ومســاعد التعليــم العالــي بالمعهــد العالــي‬ ‫بصفاقــص‪ ،‬تونــس‪ .‬تميــزت أعمالــه‬ ‫بوحــدة موضوعهــا‪ ،‬والبراعــة فــي‬ ‫اســتخدام تقنيــات الحفــر علــى المعــدن‪،‬‬ ‫مســتلهما تكويناتــه المتنوعــة مــن حكايــات‬ ‫دونكيشــوت مســقطا دالالتهــا علــى‬ ‫الحاضــر‪ ،‬فــي الوقــت الــذي تميــزت‬ ‫تكويناتــه بالجمــع مــا بيــن المتخيــل‬ ‫وعالقتــه بالفضــاء المحيــط بــه‪ ،‬معالجــة‬ ‫تكشــف عــن رؤيتــه الشــخصية‪.‬‬ ‫ورأت لجنــة التحكيــم‪ ،‬لــدى فحــص‬ ‫األعمــال‪ ،‬أن تســتحدث جائــزة ثانيــة‬ ‫وقدرهــا ‪ 500‬دوالر ومنحهــا إلــى الفنانــة‬ ‫رشــا محمــد صالــح الحائــزة الجائــزة‬ ‫الثانيــة‪ .‬رشــا محمــد صالــح مــن مواليــد‬


‫شــملت حتــى مخيمــات الالجئين‬ ‫الحاليــة‪ .‬قدمــت مجموعــة‬ ‫أعمــال محفــورة علــى المعــدن‬ ‫اتســمت بالدقــة والبراعــة فــي‬ ‫معالجــة موضوعــات محورهــا‬ ‫المــرأة‪ ،‬كمــا بينــت فــي شــهادتها‬ ‫الشــخصية المرفقــة باألعمــال‪،‬‬ ‫أنهــا فــي الوقــت الــذي انبهــرت‬ ‫فيــه بتطويــر وتحديــث مدينــة‬ ‫أربيــل عمرانيــا‪ ،‬فإنهــا وجــدت‬ ‫أن التحديــث بقــي بــدون تطويــر‬ ‫المجتمــع‪ ،‬خاصــة المــرأة التــي‬ ‫ظلــت خــارج إطــار التطــور‪.‬‬

‫زاخــو‪ ،‬كردســتان العــراق)‬ ‫‪ .1983‬رشــا طاقــة غيــر‬ ‫مألوفــة‪ ،‬تعلمــت الفــن مــن‬ ‫خــال ممارســاتها الشــخصية‪،‬‬ ‫وقــد كرســت جهودهــا لفــن‬ ‫الحفــر الــذي تتعلمــه فــي‬ ‫المعاهــد الفنيــة‪ .‬وتعمــل فــي‬ ‫محتــرف يتــردد إليــه طلبــة‬ ‫الفنــون للتعــرف علــى فــن‬ ‫الحفــر‪ ،‬كمــا أنهــا نشــيطة‬ ‫جــداً فــي نشــر هــذا الفــن بيــن‬ ‫األطفــال فــي المــدارس ومــن‬ ‫خــال الــدورات أيضــا التــي‬

‫الفن��ان وس��ام زك��و يف أول مع��رض يف‬

‫مغرتب��ه ق��راءة فني��ة لرموز حض��ارة العراق‬ ‫أقــام الفنــان العراقي وســام زكــو معرضا ً‬ ‫ألعمالــه التــي أنجزهــا فــي مغتربــه فــي‬ ‫واشــنطن ـ الواليــات المتحــدة‪ ..‬وضــم‬ ‫‪17‬عمــاً (اكليريــك علــى كانفــاس)‪.‬‬ ‫موضــع المعــرض ـ كمــا يقــول ـ كان‬ ‫فــي ذاكرتــه‬ ‫منــذ ان قــرأ عــن هــذه التماثيل الســومرية‬ ‫التــي اســتهواه موضوعهــا لمــا يحتويــه‬ ‫مــن اشــارات ورمــوز ودالالت حيــث‬ ‫مكانــة هــذه التماثيــل فــي منظومــة الفكــر‬ ‫االجتماعــي فــي ذلــك الزمــن الســحيق‪».‬‬ ‫وفــي ضــوء ذلــك قــام الفنــان بتأســيس‬ ‫واخــراج مكونــات العمــل ضمــن االطــار‬ ‫المحــدد لهــا ومــا تضمنتــه مــن اشــارات‬ ‫واشــكال وجــد أن هنــاك ضــرورة‬ ‫لـ»ادخالهــا علــى اللوحةوذلــك التمــام‬ ‫المشــهد الدرامــي فــي تجســيد الفكــرة‬ ‫وايصالهــا للمتلقــي‪.‬‬ ‫ويجــد الفنــان أن رمــوز حضــارة وادي‬ ‫الرافديــن زاخــرة بالمعانــي‪ ،‬وهــي جــزء‬

‫مــن رمــوز هــذه الحضــارة «فقــد اخــذت‬ ‫اشــكاالً وهيــآت علــى مراحل متعــددة من‬ ‫تاريــخ الفكــر الفلســفي‪ ،‬وكانــت تتغيــر‬ ‫بحســب الزمــن ومــدى تأثيــر البيئــة علــى‬ ‫حيــاة االنســان‪ ».‬وفــي هــذا فهــو يعــ ّد‬ ‫التمثــال‪ ،‬رمــزاً وشــكالً ومنظومــة‪ ،‬وفــي‬ ‫الوقــت نفســه نجــده متعــدد االشــكال‪،‬‬ ‫ولــكل شــكل معنــى يخصــة مــن حيــث‬ ‫التأثيــر‪ ،‬فهــو مح َّمــل باشــارات روحيــة‬ ‫تنبــع مــن مفهــوم المجتمــع‪.‬‬

‫‪107‬‬

‫لقــد لعبــت االلــوان عنــده دوراً فعــاالً‬ ‫وجماليــا ً مــن حيــث تداخلهــا مــع‬ ‫االشــكال واالبنيــة والخــط المســماري‬ ‫والرمــوز المختلفــة والمخاريــط التزينيــة‬ ‫للقصــور واعمدتهــا‪ ،‬وكذلــك مــن حيــث‬ ‫احاطتهــا بتماثيــل االســس فــي اســفل‬ ‫اللوحــة بوصفهــا االرض التــي تغــرس‬ ‫فيهــا و ُتدفــن‪ .‬ويؤكــد الفنــان أن الحــارة‬ ‫والبــاردة كان لهــا التعبيــر المؤثــر فــي‬ ‫اخــراج العمــل‪« .‬األلــوان‬ ‫فالتعبيريــة فــي اختيــار اللــون وتداخلــه‬ ‫مــع الجــزء الغامــق فــي عمــق الزمــن‬ ‫حيــث تبــرز هــذه المرمــوزات‪،‬‬ ‫وقــد ادى وظيفــة جماليــة للمشــهد‬ ‫الدرامــي‪.‬‬ ‫امــا االنســان فهــو غيــر مشــخص علــى‬ ‫اللوحــة وانمــا ضمــن النــص‪،‬‬ ‫فنجــده بمــا انتجــه مــن فكــر ومــن اثــر‬ ‫لمفهومــه الفلســفي‪».‬‬


‫خطوات يف املهجر‬

‫معرض جديد للفنان كريم رسن‬ ‫أقــام الفنــان المغتــرب كريــم‬ ‫رســن معرض ـا ً جديــداً ألعمالــه‬ ‫علــى «قاعــة ميــم» فــي دبــي‬ ‫بدولــة االمــارات‪ ..‬وقــد كتــب‬ ‫عــن تجربتــه الفنيــة فــي هــذا‬ ‫المعــرض مــن خــال تجربــة‬ ‫الغربــة التــي يعيشــها‪ ..‬فقــال‪:‬‬ ‫ـ»مــع اســتعداداتي للرحيــل إلــى‬ ‫أرض المهجــر كنــدا فــي العــام‬ ‫‪ ،2008‬راودتنــي وقتئــذ أســئلة‬ ‫كثيــرة مــا يــزال بعضهــا عالق ـا ً‬ ‫فــي ذهنــي إلــى اآلن‪ .‬ومــع‬ ‫مــرور الزمــن وحينمــا بــدأت‬ ‫بالشــروع فــي إعــادة تأســيس‬

‫مشــروعي الفنــي ‪ ،‬باتــت تلــك‬ ‫األســئلة أكثــر إلحاحــاً‪ .‬أتوقــف‬ ‫أحيانــا للبحــث عــن أجوبة شــافية‬ ‫عنهــا‪ ،‬وأحيانــا ً أخــرى أقنــع‬ ‫نفســي بــأن الزمــن هــو الكفيــل‬ ‫باإلجابــة عنهــا‪ .‬رغــم ذلــك‬ ‫كانــت أكثــر األســئلة إلحاحــا ً‬ ‫هــي اآلتيــة‪ :‬هــل ســتكون هنــاك‬ ‫تغيــرات بالمعنــى األســلوبي‬ ‫والرؤيــوي علــى أعمالــي الفنيــة‬ ‫كرســام؟ وهــل ســأكون جــزءاً‬ ‫مــن منظومــة ثقافيــة جديــدة‬ ‫أتفاعــل معهــا بــكل معطياتهــا؟‬ ‫أم أنــي ســأظل محافظــا ً علــى‬ ‫‪108‬‬


‫إرثــي الفنــي الــذي تراكــم علــى مــدى‬ ‫ســنين عديــدة ينهــل مــن تــراث فنــي‬ ‫وثقافــي ســابق ومختلــف لــه عالقــة‬ ‫بالمــكان الــذي عشــت فيــه؟‬ ‫«لــم يكــن التعامــل مــع تلــك األســئلة‬ ‫باألمــر اليســير‪ ،‬وكذلــك اإلجابــة عنها لم‬ ‫تحســم حتــى بعــد مضــي زمــن قصيــر‪.‬‬ ‫لقــد أصبــح األمــر يتعلــق بخــوض تلــك‬ ‫التجربــة اإلنســانية والفنيــة معــاً‪ .‬وبعــد‬ ‫مــرور زمــن وجــدت أن تلــك األســئلة‬ ‫قــد بــدأت تتــرك أثرهــا الواضــح علــى‬ ‫أعمالــي الفنيــة‪ ،‬الســيما خــال الســنوات‬ ‫الخمــس المنصرمــة‪ ،‬إذ ثمــة عوامــل‬ ‫ســاهمت فــي هــذا التأثيــر منهــا‪ :‬المــكان‬ ‫الجديــد‪ ،‬والثقافــة الجديــدة‪ ،‬واللغــة‪،‬‬ ‫والتــداول الفنــي‪.‬‬ ‫«إن لوحاتــي فــي هــذا المعــرض الــذي‬ ‫ســمّي ُته «خطــوات فــي المهجــر» هــي‬ ‫خالصــة أفــكار فنيــة ظهــرت للوجــود‪،‬‬ ‫وتمثلــت علــى ســطوح لوحاتــي بشــكلها‬ ‫الحاضــر‪ ،‬بفعــل العوامــل المذكــورة‪.‬‬ ‫وهــي قــد تأخــذ فــي المســتقبل منهجــا ً‬ ‫آخــر وبأشــكال مختلفــة‪ .‬إنهــا نتــاج‬ ‫َ‬ ‫لخبرتــي الذاتيــة ورؤيتــي كرســام‬ ‫وهواجــس أســئلتي الذاتيــة ومحاوالتــي‬

‫المتعلقــة باإلجابــة عنهــا‪ .‬هــذه التغيــرات‬ ‫أعلنــت عــن حضورهــا بشــكل تدريجــي‬ ‫مــن خالل اســتخدام مــواد جديــدة وعناصر‬ ‫لــم تكــن متوفــرة فــي الســابق‪ ،‬مثــل بعــض‬ ‫التشــخيصات التعبيريــة اإلنســانية التــي‬ ‫تتمثــل بتبســيط واختزال شــديدين لألشــكال‬ ‫مــن خــال بعــض المســاحات اللونيــة‬ ‫والخطــوط‪ .‬كذلــك هنالــك أشــكال أخــرى‬ ‫ذات داللــة تشــير إلــى أماكــن معينــة مــن‬ ‫خــال بعــض الرســومات المبســطة علــى‬ ‫شــكل خرائــط معينــة‪ ،‬وأخــرى كتابيــة‬ ‫ورقميــة وتواريــخ ورمــوز متعلقــة باللغــة‬

‫‪109‬‬

‫الجديــدة المتداولــة‪.‬‬ ‫«مــن خــال هــذه األعمــال‪ ،‬أحــاول أن‬ ‫أقــدم رؤيــة إنســانية وفنيــة ذاتيــة لتجربتــي‬ ‫الجديــدة فــي المهجــر‪ .‬ربمــا هــي حكايــات‬ ‫أو نــوع خــاص مــن الذاكــرة المرتبطــة‬ ‫بالزمــان والمــكان الجديــد‪ ،‬وصعوبــات‬ ‫التأقلــم فيــه إلنســان ورســام قــادم مــن‬ ‫الشــرق األوســط‪ ،‬وجــد نفســه فــي وســط كــم‬ ‫هائــل مــن التجــارب‪ ،‬بعضهــا جديــد وآخــر‬ ‫متعــارف عليــه‪ .‬إنهــا نتــاج رحلــة بــدأت منــذ‬ ‫ســت ســنوات‪».‬‬


‫عبد الرزاق ياسر ‪ ..‬والرسم امللحمي‬ ‫افتتــح فــي مدينــة صوفيــا فــي‬ ‫بلغاريــا فــي الثالــث والعشــرين‬ ‫مــن شــهر شــباط العــام الحالــي‬ ‫معــرض الفنــان العراقــي المغتــرب‬

‫‪،‬حيــث جــاءت هــذه األعمــال فــي‬ ‫ســياق المشــروع الشــخصي للفنــان‬ ‫التــي ســبق للفنــان متمث ـاً فــي مــا‬ ‫عقــد عليــه النيّــة‪ ،‬وأعلــن عــن‬

‫‪ 2014‬ليقدمهــا لجمهــور الفــن‬ ‫مــن المغتربيــن العراقييــن‪ ،‬ومــن‬ ‫البلغــار‪.‬‬ ‫وكمــا هــو الفنــان عبــد الــرزاق‬

‫عبــد الــرزاق ياســر‪ ،‬وتضمــن‬ ‫المعــرض احــدى عشــرة لوحــة‬ ‫زيتيــة بقيــاس (‪3.5‬م×‪2‬م) تتمثــل‬ ‫فيهــا ســيرة األحــداث التــي مــر بهــا‬ ‫العــراق منــذ احتالله العــام ‪2003‬‬

‫ذلــك فــي معرضــه الســابق الــذي‬ ‫أقيــم فــي «قاعــة مــدارات» ببغــداد‬ ‫العــام ‪ 2007‬برســم أعمــال توثــق‬ ‫أحــداث العــراق مــا بعــد االحتــال‪،‬‬ ‫وهــا هــو ينتهــي منهــا فــي العــام‬

‫ياســر فــي لوحتــه ذات األســلوب‬ ‫الملحمــي‪ ،‬والــذي يشــيد بناءهــا‬ ‫علــى الرؤيــة البانوراميــة‪ ،‬جــاءت‬ ‫أعمــال المعــرض الجديــد وهــي‬ ‫أقــرب الــى األعمــال الجداريــة‬

‫‪110‬‬


‫التــي تحكــي مالحــم شــعوبها منهــا الــى لوحــة تشــكيلية‪.‬‬ ‫تمتــاز أعمــال الفنــان هــذه‪ ،‬وأعمالــه بوجــه عــام‪،‬‬ ‫بالقــدرة علــى الســيطرة علــى أنشــاء اللوحــة‪ ،‬وجمــع‬ ‫عناصرهــا التــي يخضعهــا لتطلعاتــه الفكريــة‪ ،‬منشــئا ً‬ ‫فيهــا مــا هــو أقــرب الــى الحلــم األســطوري‪ ..‬وهــو‬ ‫مــا يجعــل منهــا عمــاً يكتــظ بالرمــوز والــدالالت‬ ‫واإليحــاءات الواقعيــة‪ ،‬الــى جانــب مــا فيــه مــن حيويــة‬ ‫فانتازيــة‪ ،‬جاعـاً مــن النــص عنصــراً مهما ً فــي العمل‪،‬‬ ‫علــى الرغــم مــن اإليهــام الــذي يقدمــه بتشــتت البــؤرة‪،‬‬ ‫بمــا تحمــل اللوحــة مــن أثــاث وتشــخيصات ورمــوز‪،‬‬ ‫الغايــة منهــا ايصــال الفكــرة المحوريــة باالعتمــاد علــى‬ ‫رؤيــة المتلقــي و تفكيــره‪ .‬فلــو أخذنــا لوحــة التابــوت‪،‬‬ ‫فــان المتوفــي حضــارة العــراق ملفوفـا ً بعلــم العــراق‪،‬‬ ‫‪111‬‬

‫ومشــدوداً بالحبــال‪ ،‬وأمــا مودعــوه وحاملــوه فهم رموز‬ ‫التاريــخ والحضــارة العراقيــة فــي مختلــف عصورهــا‪،‬‬ ‫والباكــون عليــه أشــخاص الوقــت الحاضــر‪ ،‬وهــو‬ ‫فــي هــذا انمــا ينقلنــا إلــى رؤيــة ملحميــة فــي تســطير‬ ‫التاريــخ وجــره نحــو الحاضــر‪ ،‬وفــي الوقــت نفســه‬ ‫يجعــل مــن لوحتــه لوحــة تتســم بديمومــة الحركــة‬ ‫بالنســبة للرائــي‪ ،‬وكأنهــا فــي حالــة حركــة وعــدم‬ ‫ســكون ‪ ،‬تبعــد ســأم الرؤيــة ألنهــا تتحــرك مــع عيــن‬ ‫الرائــي التــي تتابــع حركــة الشــخوص والزمــن ‪ ،‬وتنقــل‬ ‫الماضــي إلــى الحاضــر مــع المشــهد الحســي المعاصر‪،‬‬ ‫فضـاً عــن قــراءة الواقــع برؤيــة جماليــة‪ ،‬علــى الرغــم‬ ‫مــن المأســاة التــي تطرحهــا أمامنــا‪ ،‬بمــا فيهــا مــن قــوة‬ ‫الخــط وموســيقية األلــوان وروعــة التصميــم‪.‬‬


‫وداد االورفه لي بني حمبيها‬ ‫احتفـــل البيـــت الثقافـــي العراقـــي فـــي‬ ‫عمـــان وعلـــى قاعـــة رابطـــة الكتـــاب‬ ‫األردنيي ــن بمناس ــبة عي ــد مي ــاد الرائ ــدة‬ ‫التشـــكيلية العراقيـــة المبدعـــــــة وداد‬ ‫االورفـــه لـــي‪ ،‬الـــذي اســـتضاف عـــدداً‬ ‫مـــن الفنانيـــن التشـــكيليين العراقييـــن‬ ‫والنقـــاد والمهتميـــن بالفـــن التشـــكيلي‬ ‫حيـــث اســـتضيف الناقـــد والفنـــان مؤيـــد‬ ‫البصـــام‪ ،‬الـــذي تنـــاول تجربـــة الفنانـــة‬ ‫اإلبداعيـــة ومراحـــل تطورهـــا والســـيرة‬ ‫الثقافيـــة بمـــا قدمتـــه للفـــن والثقافـــة‬ ‫العراقيـــة‪ ،‬بعـــد أنشـــاء قاعـــة االورفـــه‬ ‫لـــي فـــي العاصمـــة العراقيـــة بغـــداد‬ ‫خ ــارج أط ــار المؤسس ــة الرس ــمية الت ــي‬ ‫كانـــت تهيمـــن علـــى الســـاحة الثقافيـــة‬ ‫وتعتب ــر أول ح ــدث ف ــي تاري ــخ الحرك ــة‬ ‫الفنيـــة والثقافيـــة العراقيـــة‪ ،‬وأهميـــة‬

‫ذلـــك فـــي بنـــاء العالقـــة بيـــن الفنـــان‬ ‫والجمهـــور بـــدون الخضـــوع للروتيـــن‬ ‫الرس ــمي وأعقبت ــه ف ــي الحدي ــث الفنان ــة‬ ‫وداد االورف ــه ل ــي لتش ــير إل ــى محط ــات‬ ‫غي ــر معروف ــة م ــن تجربته ــا ف ــي أقام ــة‬ ‫قاع ــة االورف ــه ل ــي ف ــي بغ ــداد‪ ،‬وكي ــف‬ ‫ســـرقت ونهبـــت علـــى أثـــر احتـــال‬ ‫الع ــراق‪ ،‬وم ــا قدم ــه ه ــذا الص ــرح م ــن‬ ‫خدمــات للثقافــة والفــن‪ ،‬كمــا واســتضاف‬ ‫البيـــت الثقافـــي النحاتـــان ليـــث فتـــاح‬ ‫التـــ ــرك ‪ ،‬وهيث ــم حس ــن والفن ــان مطي ــع‬ ‫ألجميل ــي ‪،‬والفن ــان هان ــي دل ــه للحدي ــث‬ ‫ع ــن تجاربه ــم الفني ــة‪ ،‬وغص ــت القاع ــة‬ ‫بحضـــور متميـــز للفنانيـــن العراقييـــن‬ ‫واألردنييــــــــن‪ ،‬وحضـــــــور جمهـــرة‬ ‫مـــن الفنانيـــن والمعمارييـــن والنقـــاد‬ ‫‪.‬والمهتميـــن بالفـــن‬

‫‪112‬‬


‫تشـــكيلية حديثـــة علـــى الرغـــم مـــن‬ ‫اس ــتمرارها ف ــي نف ــس النه ــج عب ــر‬ ‫اســـتمرار مرجعياتـــه الفكريـــة‪،‬‬ ‫وشــمل أيضــا علــى ‪ 15‬لوحــة نفذهــا‬ ‫الفن ــان هان ــي دل ــه بم ــادة االكريلي ــك‬ ‫وعلـــى القمـــاش والـــورق وبإبعـــاد‬ ‫مختلفـــة‪ ،‬وبأســـلوب يختلـــف عـــن‬ ‫ســـابق أعمالـــه التـــي عـــرف بهـــا‪،‬‬ ‫وه ــو القاس ــم المش ــترك ال ــذي جم ــع‬ ‫المعــرض‪ ،‬فــكان معــرض المفاجئــة‬ ‫باإلعمـــال النحتيـــة واللوحـــات‪.‬‬

‫الفنان اياد حامد‬

‫و اطراف اخليال يف قاعة الق‬

‫منحوتات هيثم حسن‬ ‫ولوحات هاني دله يف‬ ‫قاعة االورفه لي‬

‫تحـــت عنـــوان ( أطـــراف الخيـــال )‬ ‫قـــدم النحـــات إيـــاد حامـــد‪ ،‬معرضـــه‬ ‫فــــــي قاعــــــة ألــــــق‪ ،‬وهــــــو مــــــن‬ ‫النحاتيـــ ــن الشـــ ــباب ‪ .‬لـــ ــه العديـــ ــد‬ ‫مـــ ــن المشـــ ــاركات الفنيـــ ــة داخـــ ــل‬ ‫العـــ ــراق وخارجـــ ــه ‪ ..‬وقـــ ــد‬ ‫حصـــــل بمشـــــاركته فـــــي مهرجـــان‬ ‫النحـــــت العراقـــــي المعاصـــــر عـــــام‬ ‫‪2000‬فـــ ــي قاعـــ ــة حـــ ــوار علـــ ــى‬ ‫الجائـــــزة الثانيـــــة ‪.‬وكتـــــب د‪ .‬علـــي‬ ‫جبـــــر فـــــي كتيـــــب المعـــــرض ‪« ،‬‬ ‫أن المتابـــــع إلعمـــــال النحـــــات أيـــاد‬ ‫حامــــد يشــخص وبســهولة مــن خـــال‬ ‫الشـــكل اإلنســـاني تلـــك الصراعـــات‬ ‫واالنفعـــــاالت‬ ‫ســـــواء كانـــــت مـــع الـــــذات أو مـــع‬ ‫البيئـــــة المحيطـــــة‪ .‬ويذكر ان النحات‬ ‫ايـــاد حامـــد قـــد توفـــي بعـــد اقامتـــه‬ ‫لمعرض ــه بفت ــرة وجي ــزة مخلفــا ً اث ــراً‬ ‫كبيـــراً فـــي نفـــوس اصدقائـــه ومحبيـــه‬ ‫وقـــد كان فـــي مرحلتـــه االولـــى‬ ‫لدراس ــة الدكت ــوراه بع ــد حصول ــه عل ــى‬ ‫الماجســـتير‬

‫افتتـــح المعـــرض الفنـــي المشـــترك‬ ‫باســـم (برونـــز ‪ ...‬ورق )‬ ‫لهيثـــم حســـن وهانـــي دلـــه‪،‬‬ ‫بالعاصمـــة األردنيـــة عمـــان فـــي‬ ‫قاع ــة االورف ــه ل ــي وس ــط حض ــور‬ ‫كثي ــف م ــن المهتمي ــن م ــن الفناني ــن‬ ‫والمثقفيـــن واإلعالمييـــن‬ ‫يوم االثنين ‪ 17‬اب ‪2015/‬‬ ‫وضـــم المعـــرض المشـــترك علـــى‬ ‫‪ 25‬عمـــا نحتيـــا نفذهـــا النحـــات‬ ‫هيثـــم حســـن بمـــادة البرونـــز مـــع‬ ‫معالجـــة بإضافـــة أجـــزاء مطليـــة‬ ‫بمع ــادن أخ ــرى بلغ ــت ارتفاعه ــا م ــا‬ ‫يق ــارب ال‪ 100‬س ــنتمتر‪ ،‬وع ــرض‬ ‫فيهـــا آخـــر تجاربـــه النحتيـــة‪،‬‬ ‫وأفـــكاره بتقنيـــة جديـــدة‪ ،‬وممـــا‬ ‫يذك ــر ف ــان الفن ــان هيث ــم حس ــن دأب‬ ‫بيـــن فتـــرة وأخـــرى علـــى تقديـــم‬ ‫أعمالـــه باســـلوب جديـــد وبنائيـــة‬ ‫‪113‬‬


‫فاروق يوسف يتحدث عن واقع الفن التشكيلي‬ ‫العربي الراهن وافاق املستقبل‬

‫تزامنــا ً مــع فعاليــات ســمبوزيوم‬ ‫بنــك القاهــرة عمــان الدولــي للفنــون‬ ‫التشــكيلية الــدورة األولــى ‪.2015‬‬ ‫أقيمــت نــدوة تحــدث فيهــا الناقــد‬ ‫العراقــي المغتــرب والمقيــم فــي‬ ‫الســويد فــاروق يوســف عــن واقــع‬ ‫الفــن التشــكيلي العربــي الراهــن وأفــاق‬ ‫المســتقبل‪ ،‬أدارهــا الفنــان التشــكيلي‬ ‫األردنــي محمــد الجالــوس مســاء‬ ‫األربعــاء الماضــي ‪ 19‬اب ‪2015‬‬ ‫وتحــدث الناقــد فــاروق يوســف فــي‬ ‫األمســية عــن األصالــة والمعاصــرة‬ ‫فــي الفــن العربــي منتقــدا النقــاد‬ ‫العــرب المنظريــن الذيــن لــم ينتجــوا‬ ‫علــى مــدى الســبعين عامــا الماضيــة‬ ‫رســوما لهــا عالقــة بفــن الرســم كعلــم‬ ‫وثقافــة ومعرفــة‪ ،‬و غاليــا مــا تحدثــوا‬ ‫بمصطلحــات ليــس لهــا عالقــة بفــن‬ ‫الرســم و إن الغــرب لــم يصدرهــا إلينــا‬ ‫كمــا نعتقــد بــل هــي مــن تأويالتنــا‬

‫وصياغتنــا ومنهــا مثــا الذائقــة‬ ‫البصريــة‪ ،‬الحساســية الجماليــة‪،‬‬ ‫الروحانيــة فــي اللوحــة‪..‬‬ ‫وأضــاف الناقــد‪ :‬مــاذا ابقــى بيكاســو‬ ‫لآلخريــن لقــد افــرغ اللوحــة مــن‬ ‫كل شــي وكذلــك الرســام األميركــي‬ ‫ســي تومبلــي مــاذا نفعــل بعــده ؟ ‪،‬‬ ‫مردفــا إن الغــرب لــم يكــن رحيمــا‬ ‫بأبنائــه فالرســم فــي العالــم كلــه فــي‬ ‫حالــة يــأس لقــد تــم رســم كل شــي بــل‬ ‫الالشــي أيضــا ‪ ،‬وانــه ال يوجــد فــن‬ ‫غربــي بــل يوجــد فــن عالمــي فقــط‬ ‫وهــو أخــر مــا توصــل إليــه العقــل‪، ..‬‬ ‫الرســم ثقافــة ونحــن ال نملــك الثقافــة‬ ‫وال العلــم ‪ ،‬ودور الرســام واضــح‬ ‫هــو الرســم وان يكــون رســاما يتقــن‬

‫‪114‬‬

‫الرســم كمــا الطبيــب فــا يعقــل إن‬ ‫يكــون هنالــك طبيــب غيــر جيــد‪.‬‬ ‫وتوقــع إننــا لــو أتلفنــا ‪ 90‬بالمائــة‬ ‫مــن الفــن العربــي ال يتأثــر فالحمولــة‬ ‫زائــدة‪،‬‬ ‫وبيــن الناقــد فــاروق يوســف أن‬ ‫الغــرب كــرس حالــة الثبــات لدينــا‬ ‫كهــدف لغــرض إيقــاف حراكنــا‬ ‫الفنــي والثقافــي عنــد اســتعادة تراثنــا‬ ‫كفلكلــور‪ ،‬ونحــن طبقنــا ذلــك وبحجــة‬ ‫األصالــة أنتجنــا رســومات رديئــة‬ ‫لفلكلورنــا حتــى الفــن التجريــدي‬ ‫ألبســناه روح تراثيــة‬ ‫وناقــش عــدد مــن الفنانيــن والحضور‬ ‫األطــرو حــات التــي وردت فــي‬ ‫حديــث الناقــد بمداخــات أغنــت‬ ‫األمســية‪.‬‬


‫عامر العبيدي‬ ‫واالجساد املعذبة ‪...‬‬

‫اقيــم علــى قاعــة ‪ viaduct‬واليــة‬ ‫أيــوا األمريكيــة ‪ ،‬وســط مدينــة‬ ‫بيــرث الواليــات المتحــدة وهــي‬ ‫قاعــة مهمــة‪ ،‬مــن مؤسســة تعنــى‬ ‫بالفــن المســرحي والعــروض‬ ‫الموســيقية وفــن الباليــة والمعــارض‬ ‫الفنيــة‪ ،‬وقــدم فــي معرضــه الفنــان‬ ‫التشــكيلي العراقــي المغتــرب عامــر‬ ‫ألعبيــدي‬ ‫‪ 0 2‬عمــا فنيــا عــن عذابــات‬ ‫الهجــرة واألجســاد المعذبــة‪،‬‬ ‫وعشــرة لوحــات صغيــرة‬ ‫( األجســاد وكراســي ) مــع تمثاليــن‬ ‫بعنــوان األجســاد المعذبــة‬ ‫وهــي اإلعمــال التــي أنجزهــا‬ ‫الفنــان الكبيــر لألعــوام‬

‫رحيل الفنانة التشكيلية‬ ‫القديرة ( عبلة العزاوي )‬

‫رحلت الفنانة التشكيلية القديرة‬ ‫(( عبلــة العــزاوي )) يــوم ‪ 6‬كانــون‬ ‫الثانــي ‪ 2016‬عــن عمــر ناهــز ‪81‬‬ ‫ســنه ‪.‬بعــد ان قدمــت فــي مشــوارها‪،‬‬ ‫مــا يخلــد ذكراهــا‪ .‬مــن أعمــال‬ ‫فنيــة‪ ،‬وقــد ولــدت الفنانــة عبلــة‬ ‫العــزاوي فــي بغــداد عــام ‪،1935‬‬ ‫حيــث درســت الفــن فــي معهــد الفنون‬ ‫الجميلــة ـ بغــداد ـ فــرع الخــزف ثــم‬

‫‪2015 - 2014 - 2013‬‬

‫‪115‬‬

‫تابعــت دراســتها الفنيــة فــي المعهــد‬ ‫الوطنــي للفنــون الجمليــة والتطبيقيــة‬ ‫فــي ( بــورج ـ فرنســا)‪ .‬واسســت قاعــة‬ ‫خاصــة بهــا للفنــون التشــكيلية منــذ‬ ‫عــام ‪ .1968‬و أقامــت ســتة معــارض‬ ‫شــخصية فــي بغــداد وشــاركت فــي‬ ‫العديــد مــن المعــارض الفنيــة داخــل‬ ‫العــراق وخارجــه‪ .‬واشــتركت فــي‬ ‫المعــارض المتخصصــة بالخــزف فــي‬ ‫(لندن و دمشــق و كاراكاس و فينا ‪)...‬‬ ‫أنجــزت الكثيــر مــن االعمــال الفنيــة‬ ‫أبرزهــا ‪ :‬جداريــة المصــرف العقــاري‬ ‫(بغــداد المــدورة بقطر ‪40‬م)‪ .‬شــاركت‬ ‫بتمثيــل الخزافيــن العراقييــن فــي‬ ‫معــرض دمشــق والفنانــات العراقيــات‬ ‫فــي فينــا‪.‬‬ ‫وهــي عضــو جمعيــــــــة الفنانيــن‬ ‫التشــكيليين العراقييــن‪ .‬وعضــو نقابــة‬ ‫الفنانيــن العراقييــن‪.‬‬


‫جتارب جديدة من فنون‬ ‫النحت العراقي العاصر‬

‫حروف مخـبوئة‬ ‫اقــام الفنــان ( قاســم الســبتي )‬ ‫رئيــس جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين‬ ‫العراقييــن‪ ،‬معرضــه الشــخصي ‪-‬‬ ‫حــروف مخبوئــة ‪ -‬علــى غاليــري‬ ‫االورفلــي فــي العاصمــة االردنيــة‬ ‫عمــان يــوم االثنيــن الموافــق‪/21‬‬ ‫‪ ، 2015 /12‬وســط حضــور‬ ‫كثيــف مــن الفنانيــن العراقييــن‬ ‫المتواجديــن فــي الســاحة االردنيــة‪،‬‬ ‫والفنانيــن العــرب ‪ ،‬ومتذوقــي الفن‪.‬‬ ‫اشــتمل المعــرض علــى تجربــة‬ ‫الفنــان الســبتي التــي خلــد فيهــا‬ ‫الدمــار الــذي اصــاب العــراق فــي‬ ‫الحــرب التــي شــنت عليــه مــن قبــل‬ ‫جيــوش ثلثــي الكــرة االرضيــة‪،‬‬ ‫المتحــدة‬ ‫الواليــات‬ ‫بقيــادة‬ ‫االمريكيــة‪ ،‬وقــد ركــز فــي معاناتــه‬ ‫علــى الحــرف والكلمــة والكتــاب‪،‬‬ ‫ومــا اصــاب الفكــر والمعرفــة مــن‬ ‫دمــار‪ ،‬أذ اخــذ الكتــب المدمــرة‬ ‫والمحروقة‪ ،‬واشــتغل علــى االغلفة‬ ‫المدمــرة والمحروقــة‪ ،‬والتــي‬ ‫اصابهــا التلــف‪ ،‬بطريقــة الكــوالج‪،‬‬ ‫بعــد االحتــال االمريكــي للعــراق‬ ‫حيــث دمــرت واحرقــت المكتبــات‬ ‫‪..‬ودور العلــم والمعرفــة‬

‫أقيــم علــى قاعــة األنــدى معــرض‬ ‫تجــارب مــن النحــت العراقــي‬ ‫المعاصــر وضــم ‪ 30‬عمــا‬ ‫نحتيــا اغلبهــا مــن مــادة البرونــز‬ ‫وبمعــدل ‪ 3‬إعمــال لــكل مــن‬ ‫الفنانيــن التشــكيلين والنحاتيــن‬ ‫العراقييــن إيــاد حامــد وناطــق‬ ‫االلوســي وهيثــم حســن وليــث‬ ‫عبــد وعلــوان العلــوان ونجــم‬ ‫القيســي وعلــي نــوري وليــث عبــد‬ ‫الــرزاق ورضــا فرحــان وعــادل‬ ‫رشــيد وعقيــل خريــف‪ ،‬تحــت‬ ‫عنــوان تحيــة للنحــات الراحــل أيــاد‬ ‫حامــد بحضــور عــدد مــن الفنانيــن‬ ‫التشــكيلين العراقييــن والعــرب‬ ‫والمهتميــن بالفــن التشــكيلي‪.‬‬

‫الفنان التشكيلي العراقي‬ ‫وضاح مهدي يفوز جبائزة‬ ‫عبد اهلل القصييب جبدة‬

‫فــاز الفنــان التشــكيلي العراقــي‬ ‫وضــاح مهــدي بالمرتبــة األولــى‬ ‫فــي مســابقة عبــدهللا القصبــي‬ ‫للفنــون التشــكيلية التــي ينظمهــا‬ ‫المركــز الســعودي بجــدة‪ ،‬بمشــاركة‬ ‫أكثــر مــن ‪ 80‬مشــاركا مــن الفنانيــن‬ ‫العــرب‬ ‫وجــاء ثاني ـا ً الســعودي عبدالرحمــن‬ ‫المغربــي‪ ،‬وثالثــا نبيــل نجــدي‪،‬‬ ‫وكالي محمــد رابعــا والمرتبــة‬ ‫الخامســة الفنانــة مهديــة آل طالــب‪،‬‬ ‫وتبلــغ قيمــة الجائــزة الماديــة ‪100‬‬ ‫الــف لاير‬ ‫عمان ‪ -‬ضياء الراوي‬

‫‪116‬‬


‫شنيار عبد اهلل واخلزف‬ ‫العراقي‬ ‫نظـــم البيـــت الثقافـــي العراقـــي‬ ‫فـــي عمـــان أمســـيته األولـــى‬ ‫لع ــام ‪ 2016‬عل ــى قاع ــة رابط ــة‬ ‫الكت ــاب األردنيي ــن ي ــوم االربع ــاء‬

‫‪ 13‬كانـــون ثانـــي‬ ‫واستضــــــــــاف الفنـــان‬ ‫التشــــــــكيليوالخــــزاف‬ ‫العراقــي المغتــرب شــنيار‬ ‫عبــد هللا وبمشــاركة الفنان‬ ‫والدكتـــور فاخـــر محمـــد‬ ‫بـــإدارة الفنـــان التشـــكيلي‬ ‫ضيـــــــــاء الـــــــــراوي‬ ‫وحضـــــ ــور الهيئـــــــ ــة‬ ‫اإلداريـــة و نخبـــة مـــن‬ ‫الفنانيــن و المتــــــــــابعين‬ ‫والمتذوقيـــن واإلعالمييـــن العـــرب‬ ‫والعراقييـــن وقـــدم الفنـــان شـــنيار‬ ‫عبـــد هللا رؤيتـــه عـــن الخـــزف‬ ‫العراقـــي ونطـــوره ‪ ،‬مـــع عـــرض‬ ‫صـــوري منـــذ فجـــر التاريـــخ‬ ‫مـــرورا بـــكل العصـــور حتـــي‬ ‫الزمـــن الحاضـــر واســـتعرض‬

‫الباحـــث تجربتـــه الشـــخصية‬ ‫وتقنيات ــه ومنج ــزه وس ــيرته بع ــد‬ ‫إن ع ــرض مقدم ــة ع ــن تأس ــيس‬ ‫تدري ــس فن ــون الفخ ــار المعاص ــر‬ ‫فـــي العـــراق وابـــرز أســـاتذته‬ ‫ورواده ومبدعيـــه‬ ‫وعقـــب الدكتـــور فاخرمحمـــد‬ ‫باســـهاب عـــن فلســـفة الجمـــال‬ ‫والمعالجـــــــات الموضــــــوعية‬ ‫والفكريـــة فـــي تجربـــة الفنـــان‬ ‫الضيــف وتجــارب مبدعــي فنانــي‬ ‫الخـــزف العراقـــي واختتمـــت‬ ‫األمســـية بمعزوفـــات شـــرقية‬ ‫علـــى العـــود قدمهـــا الفنـــان‬ ‫العراقـــي المغتـــرب المبـــدع‬ ‫عمـــار الكيالنـــي‪.‬‬

‫البصرة تاريخ عريق و‬ ‫مستقبل جمهول‬

‫عبد االمري املالكي يف عمان‬ ‫أفتتــح فــي قاعــة زيــن للفنــون فــي‬ ‫مبنــى مجلــس رجــال اإلعمــال العراقــي‬ ‫فــي الصويفيــة ‪-‬عمــان ‪-‬المملكــة‬ ‫األردنيــة ‪ ،‬معــرض الفنــان عبــد االميــر‬ ‫المالكــي‪ ،‬وضــم العديــد مــن اللوحــات‬ ‫بحجــوم مختلفــة‪ ،‬غلــب عليهــا اللوحــات‬ ‫الجداريــة‪ ،‬نفذهــا باســلوبه الــذي عرض‬

‫فــي كل معارضــه الســابقة‪ ،‬الواقعيــة‬ ‫التعبيريــة‪ ،‬وجعــل مــن اللوحــة‬ ‫موضوعـــــــا بانوراميـــــا وجداريــة‬ ‫تضــم الكثيــر مــن المواضيــع فــي‬ ‫آن واحــد‪ .‬مجســــدا التــراث الشــعبي‬ ‫وحضــوره المـــــــادي والمعنــوي‪.‬‬ ‫وهــذا هــو المعـــــــرض الخامــس‬ ‫عشــر للفنــان‬ ‫‪117‬‬

‫محاضــرة الحســان فتحــي فــي‬ ‫اورفــه لــي عمــان قــدم الباحــث‬ ‫والمهنــدس العراقــي المغتــــــرب‬ ‫إحســــــــان فتحــي محاضــــرة‬ ‫بعنــــــوان (البصــرة تاريخ عريق‬ ‫ومســتقبل مجهــول) تحــدث‬ ‫فيهــا عمــا كانــت‪ ،‬ومــا آلــة لــه‬ ‫هــذه المدينــة العريقــة‪ ،‬معــززة‬ ‫بعــرض صــوري رائــع‪ ،‬علــى‬ ‫حدائــق مركــز وكاليــري االورفــه‬ ‫لــي للفنــون بحضــور حشــد مــن‬ ‫جمهــور المهتميــن من المهندســين‬ ‫و االكاديميـــــــن و التشكيليـــــــن‬ ‫والمســــــرحيين واإلعالمييـــــــن‬ ‫العراقييــن والعــرب واســتمرت‬ ‫المحاضــرة قرابــة الســاعتين‬ ‫تــم فــي ختامهــا مناقشــة بعــض‬ ‫مداخــات الحضــور‪.‬‬


‫متاثيل تضئ العتمة من‬ ‫البصرة اىل اجلزائر‬ ‫أقـــام الرســـام والنحـــات العراقـــي‬ ‫خال ــد المب ــارك المع ــرض الش ــخصي‬ ‫الخامـــس عشـــر ألعمالـــه فـــي‬ ‫الرس ــم والنح ــت‪ ،‬وق ــد ضــ ّم خمس ــة‬ ‫وأربعيـــن عمـــاً وضعهـــا تحـــت‬ ‫عنـــوان شـــامل «تماثيلـــي ُتضـــيء‬ ‫العتمـــة»‪ ..‬جاعـــاً مـــن البصـــرة‬ ‫منطلق ــه ال ــى الناصري ــة‪ .‬وبدي ــل أن‬ ‫يأخـــذ رحلتـــه‪ ،‬كمـــا كان مخططـــا ً‬ ‫ل ــه‪ ،‬ال ــى ميس ــان فبغ ــداد توج ــه ب ــه‬ ‫الـــى الجزائـــر العاصمـــة لينـــدرج‬ ‫ضم ــن فعالي ــات المهرج ــان العرب ــي‬ ‫ـ الهنـــدي الثانـــي الـــذي جـــرى‬ ‫افتتاحـــه فـــي العشـــرين مـــن شـــهر‬ ‫تش ــرين الثان ــي‪ .‬وق ــد أوض ــح الفن ــان‬ ‫«أن عنـــوان المعـــرض ال يخـــص‬ ‫التماثيـــل فـــي اطارهـــا التقليـــدي‬ ‫بحصرهـــا فـــي الحجـــر أو الرخـــام‪،‬‬

‫وإنم ــا جعل ــت التماثي ــل ف ــي تكوين ــات‬ ‫اللوح ــة‪ ،‬ووظف ـ ُ‬ ‫ـت لذل ــك الل ــون‪ ،‬كتل ــة‬ ‫وأشـــكاالً ومتغيـــرات‪ ،‬لذلـــك»‪ .‬امـــا‬ ‫الثيم ــة األس ــاس الت ــي ترتك ــز عليه ــا‬ ‫أعمـــال المعـــرض فهـــي «الكشـــف‬ ‫عـــن عوالـــم المـــدن ونقـــل حكايـــات‬ ‫أزقتهـــا»‪ ،‬مشـــيراً الـــى أن أعمالـــه‬ ‫فــي معرضــه هــذا «متداخلــة األزمنــة‬ ‫واألمكن ــة‪ ،‬وليس ــت محص ــورة بزم ــن‬ ‫مح ــدد أو م ــكان بعين ــه»‪ ،‬وإنم ــا ه ــي‬ ‫«حصيلــة نحــو أربعــة عقــود (تفصــل‬ ‫بيــن معرضــه األول وهــذا المعــرض)‬ ‫مـــن البحـــث والتقصـــي فـــي مجـــال‬ ‫األس ــطورة والحكاي ــة الش ــعبية» الت ــي‬ ‫هــي‪ ،‬فــي مجملهــا‪« ،‬حكايــة محورهــا‬ ‫االنس ــان المتع ــب‪ ،‬المضط ــرب حي ــاة‬ ‫ووجـــوداً‪ ،‬الحزيـــن حالـــة انســـانية»‪،‬‬ ‫متح ــركا ً ف ــي م ــا ينح ــت ويرس ــم ف ــي‬ ‫أف ــق ه ــو ـ عل ــى ح ــد تعبي ــره «أف ــق‬ ‫األمـــل الـــذي نفتقـــد»‪ ..‬ومـــا يهمـــه‬ ‫مـــن هـــذا هـــو أن يجعـــل «دالالت‬ ‫اللوح ــة قريب ــة م ــن نف ــس المتلق ــي»‪..‬‬ ‫وقـــد أراد مـــن معرضـــه هـــذا أن‬ ‫يكـــون «رســـالة انســـانية وفنيـــة فـــي‬ ‫آن واحـــد»‪ .‬ويُنبّـــه الـــى أن العنـــوان‬ ‫الجامـــع ألعمـــال المعـــرض يحمـــل‬ ‫«تعبيـــراً صريحـــا ً عـــن القصديـــة‬ ‫التـــي أتوخاهـــا‪ ،‬فنانـــاً‪ ،‬مـــن مـــن‬ ‫خـــال عملـــي الفنـــي»‪ ،‬مؤكـــداً أن‬ ‫علـــى الفنـــان أن يكـــون صاحـــب‬ ‫موقـــف‪ ،‬ويُصـــدر فـــي عملـــه الفنـــي‬ ‫عـــن هـــذا الموقـــف‪.‬‬ ‫‪118‬‬

‫تراتيل الطني‬ ‫يف قاعة زين‬

‫تحــت عنــوان ( تراتيــل الطيــن )‬ ‫افتتــح المعــرض الشــخصي‪12‬‬ ‫للفنــان التشــكيلي مطيــع ألجميلــي‬ ‫الــذي شــهدته قاعــة زيــن للفنــون‬ ‫فــي مبنــى مجلــس رجــال اإلعمــال‬ ‫العراقــي فــي الصويفيــة ‪-‬عمــان‬ ‫المملكــة األردنيــة األربعــاء ‪ 19‬اب‬‫‪ ، 2015‬و عرضــت فــي القاعــة التي‬ ‫غصــت بالجمهــور العربــي والعراقي‬ ‫مــن فنانيــن ومهتميــن بالفــن‪ ،‬ووســائل‬ ‫اإلعــام‪ .‬وعددهــا ‪ 28‬عمــا نفــذت‬ ‫جميعهــا بألــوان االكريليــك علــى‬ ‫الكانفــاس بمختلــف القياســات‬ ‫والحجــوم الكبيــرة والمتوســطة‪ ،‬بنــى‬ ‫الفنــان جماليــة اللوحــة عبــر اإلنشــاء‬ ‫والبنــاء اللونــي بالخطــوط والتكوينات‬ ‫الحروفيــة أحيانــا واللونيــة المجــردة‬ ‫بحرفــة تقنيــة عاليــة‪ ،‬وبهندســة دقيقــة‬ ‫ومقصــودة مــع أوجــه مــن العفويــة‬ ‫وعبثيــة أحيانــا أخــرى ‪.‬‬


‫الصمت االمحر‬ ‫افتتح المعرض الشخصي‬ ‫للفنــــان التشـكيلـــي بالسم محمــد‬ ‫بتاريخ ‪2015/11/18‬‬ ‫علــى قاعــة االورفه لــي للفنــــــون‬ ‫فــــي العاصمــــة االردنيــــة ‪ -‬عمــــان‬ ‫وكت ــب الفن ــان محم ــد العام ــري ف ــي‬ ‫جري ــدة الدس ــتور االردنيـــــ ــة‬ ‫الفنـــان العراقـــي بالســـم محمـــد‬ ‫تجربتـــه الجديـــدة فـــي غاليـــري‬

‫انوار املاشطة‬ ‫حتوالتي يف قاعة الق‬

‫أقامـــت الفنانـــة التشـــكيلية العراقيـــة‬ ‫أنـوار الماشـطة فـي قاعـة الـق للفنـون‬ ‫والعمـــــارة ببغـــــداد معرضـــــا‬ ‫شــــــــــخصيا حمـــــــــل عنـــــــوان‬ ‫(تحوالتـــــي‪ )،‬ضـــــم ‪ 25‬لوحـــــة‬ ‫مختلفـــــة اإلحجـــــام‪ ،‬وقالـــــت عـــــن‬ ‫أعمالهـــا ( تناولـــت لوحاتـــي أثيمـــة‬ ‫جســـد المـــرأة والتفاحـــة والكرســـي‬ ‫والشـــــجرة‪ ،‬ورســـــالتي فيهـــــا‬ ‫كانـــــت واضحـــة وهـــي أن المـــرأة‬ ‫مـــــا تعنيـــــه مـــــن ظلـــــم وطغيـــــان‬

‫األورفـــه لـــي والتـــي اشـــتملت‬ ‫علـــى مجموعـــة مـــن االختبـــارات‬ ‫البصريـــة حـــول موضـــوع الجســـد‪،‬‬ ‫والت ــي تنح ــى منح ــى الموارب ــة ف ــي‬ ‫التعبي ــر ع ــن ايقاع ــات الجس ــد ال ــذي‬ ‫شـــكل أشـــكالية كبيـــرة فـــي تنـــاول‬ ‫الفـــن العربـــي‪.‬‬ ‫جـــاء الفنـــان بالســـم ليجـــد حلـــوال‬ ‫جماليـــة مناســـبة لتمريـــر ذلـــك‬ ‫التاب ــو عب ــر الم ــزج بي ــن التخطي ــط‬ ‫والتلويـــن‪ ،‬يتنـــاول بشـــكل اســـاس‬

‫مجموعـــة مـــن العناصـــر منهـــا‬ ‫المـــكان الجامـــع الحـــداث اللوحـــة‬ ‫إل ــى جان ــب اإلنس ــان ال ــذي يتح ــرك‬ ‫بتجـــرد عبـــر لغـــة جســـدية إقـــرب‬ ‫إل ــى التخطيطـــات األولي ــة محمول ــة‬ ‫بمجموع ــة م ــن المس ــاخات اللوني ــة‬ ‫التـــي تحقـــق تعبيريـــة التخطيـــط ‪.‬‬ ‫فاالنســـان لديـــه شـــاهد علـــى‬ ‫مجموعـــة مـــن الخرائـــب‪ ،‬حتـــى‬ ‫أننـــا نحـــس أن االمكنـــة التـــي‬ ‫يرس ــمها بالس ــم أق ــرب إل ــى االمكن ــة‬ ‫المهجـــورة‪.‬‬ ‫تلـــك االمكنـــة التـــي تبـــدو أقـــرب‬ ‫إلـــى الفعـــل التراجيـــدي الحزيـــن‪،‬‬ ‫بـــل بـــدت األمكنـــة أكثـــر محـــوا‬ ‫ومواربـــة‪ ،‬تبـــدي رائحتهـــا وال‬ ‫تتمظهـــر ببشـــكل صريـــح‪ ،‬لكننـــا‬ ‫نشـــهد الحضـــور االهـــم للجســـد‬ ‫اإلنســـاني المنفـــرد والجمعـــي‪.‬‬

‫وقســـــوة المجتمـــــع هـــي إنســـانة‬ ‫شـــــجاعة مثمـــــرة لديهـــــا أمـــــل‬ ‫نحـــــو مســـــتقبل مشرق‪.‬أســـــلوبي‬ ‫الـــــذي اعتمدتـــــه فـــــي لوحاتـــــي‬ ‫كان هـــــو التعبيريـــــة التجريديـــــة‬ ‫لكـــــي تكـــــون أكثـــــر دقـــــة‬ ‫وتعبيـــــرا للمتلقـــــي‪ ،‬فمنـــذ ســـنة‬ ‫‪2014‬وانـــــأ ارســـــم للمعـــــرض‬ ‫واآلن ‪2015،‬وخــــال هاتيــــن‬ ‫الســنتين تحولـت المـرأة مـن العتمـة‬ ‫إلـــى النـــور مـــــن األلـــــم إلـــــى‬ ‫الفـــرح إلـــى روح متفائلـــة نحـــو‬ ‫مســـــتقبل أفضـــــل وأوضحـــــت‪:‬‬ ‫هـــــذا المعـــــرض يمثـــــل لـــــي‬

‫الكثيـــــر ألننـــــي تعلمـــــت مـــــن‬ ‫خــال اللوحـــــات التـــــي رســـــمتها‬ ‫كيـــــف ادرس الكتـــــل اللونيـــــة‬ ‫وتجاورهـــــا والخـــــط ألكـون لوحـة‬ ‫تكـــون محـــط االنظـــار‬

‫‪119‬‬


‫اياد الزبيدي‬ ‫يعيدنـــا الفنـــان إيـــاد الزبيـــدي فـــي‬ ‫معرضـــه األخيـــر الـــذي اقيـــم فـــي‬ ‫قاعـــة حـــوار فـــي بغـــداد عـــام‬ ‫‪ ،2015‬إلـــى المربـــع األول لتقييـــم‬ ‫أعمالــه مــن جديــد‪ ،‬أنــه يعيــد تجديــد‬ ‫البنـــاء العـــام للوحتـــه مـــع أبقـــاء‬ ‫روحيتهـــا التـــي قدمهـــا عبـــر عـــدة‬ ‫مع ــارض س ــابقة‪ ،‬وه ــذا م ــا يجع ــل‬ ‫أعمالـــه فـــي كل معـــرض تتطلـــب‬ ‫تقييمـــا جديـــدا‪ ،‬ألنهـــا تمنحنـــا بعـــداً‬ ‫جديـــداً فـــي اإلظهـــار‪ ،‬وفـــي هـــذا‬ ‫المعـــرض‪ ،‬تبـــدو اللوحـــة حـــرة‬ ‫فـــي وجودهـــا‪ ،‬األلـــوان والخطـــوط‬ ‫والتكويـــن العـــام‪ ،‬ال تحديـــد مـــن‬ ‫مســـاراتها ضمـــن أعمالـــه الســـابقة‪،‬‬ ‫الت ــي كان ــت الكتل ــة تأخ ــذ المس ــاحة‬ ‫األكب ــر‪ ،‬م ــع تاطيره ــا بالزخ ــارف‪،‬‬ ‫وتشـــكل الزخرفـــة البنـــاء العـــام‬ ‫إلنشـــاء اللوحـــة‪ ،‬أنمـــا فـــي هـــذه‬ ‫اإلعمـــال منحنـــا بعـــدا جماليـــا فـــي‬ ‫تشـــكيلة الكتلـــة‪ ،‬بمـــا تحملـــه مـــن‬ ‫ديناميكي ــة ف ــي توازنه ــا م ــع الفض ــاء‬ ‫‪ ،‬الـــذي احتـــل مســـاحة كبيـــرة فـــي‬ ‫لوحتـــه‪ ،‬مخلفـــا النمـــط الـــذي كنـــا‬ ‫ن ــراه ف ــي لوحات ــه الت ــي تؤك ــد عل ــى‬ ‫الزخرفـــة كقيمـــة جماليـــة مؤسســـة‬ ‫إلبعـــاد اللوحـــة كموضـــوع ضمـــن‬ ‫وجودهـــا داخـــل الكتلـــة وعلـــى‬

‫مســـاحتها‪ ،‬مـــع اكتضـــاض فـــي‬ ‫التش ــكيل بي ــن الخلفي ــة والتش ــخيص‪،‬‬ ‫ولكنـــه فـــي معرضـــه هـــذا يســـتمر‬ ‫ف ــي تاكي ــده باس ــتلهام‪ ،‬ليالي ــه اإلل ــف‬ ‫مـــن مـــوروث الـــف ليلـــة وليلـــة‪،‬‬ ‫وتأخـــذ اللوحـــة تنفســـها بالفضـــاء‬ ‫الـــذي ال يجـــاري الكتلـــة وانمـــا‬ ‫يتفـــوق عليهـــا فـــي الكثيـــر مـــن‬ ‫أعمالـــه المعروضـــة‪ ،‬وتتصـــدر‬ ‫المـــرأة (عشـــتار) العديـــد مـــن‬ ‫االعم ــال ان ل ــم يك ــن اغلبه ــا‪ ،‬وه ــو‬ ‫نف ــس النه ــج ال ــذي ق ــدم ب ــه اعمال ــه‬ ‫الس ــابقة كن ــص ال ــذي يبقيه ــا س ــيدة‬ ‫اللوح ــات‪ ،‬ف ــي الواق ــع والحل ــم‪ ،‬أنه ــا‬ ‫التجربـــة الجديـــدة بروحيـــة أعمالـــه‬ ‫الس ــابقة‪ ،‬بالوانه ــا المس ــتوحات م ــن‬ ‫الطبيعـــة العراقيـــة‪ ،‬وقدرتـــه علـــى‬ ‫ســـحب الماضـــي بتراثـــه وتاريخـــه‬ ‫باســـلوب حداثـــوي‪ .‬وعمليـــة‬ ‫االبهـــار فـــي ديناميكيـــة االنشـــاء‪،‬‬ ‫لجعـــل المـــوروث باســـتخدام‬ ‫الزخرف ــة والمنمنم ــات ج ــزء مكم ــل‬ ‫للتشـــخيص‪ ،‬وليـــس التشـــخيص‬ ‫مكمـــل لبنـــاء اللوحـــة الزخرفيـــة‪.،‬‬

‫‪120‬‬

‫موسيقى اللون يف‬ ‫قاعة بابل‬ ‫افتتــــح د‪ .‬شــــفيق المهـــدي مديـــر‬ ‫دائـــرة الفنــون التشــكيلية المعــرض‬ ‫الشـــخصي الثالــــث عشـــر للفنـــان‬ ‫التشــكيلي كامــل حســين بعنــــوان‬ ‫موسـيقى اللون على قاعــــة مؤسسـة‬ ‫برج بابل بحضـــور جمهـــور كبيــر‬ ‫مـــن الفنانيـــن ‪ ،‬واشــــاد د‪ .‬شـــفيق‬ ‫المهــــدي باعمـال الفنـان ومواكبتـه‬ ‫للحركـة الفنيـة ثـم تحـدث النقــــاد‬ ‫قاســــم العــــزاوي قائالً تعتبر تجربة‬ ‫الفنـان كامـل حسـين مـن التجـارب‬ ‫اللونيـة المهمـة فـي الحركة التشـكيلية‬ ‫العراقيـة النهـا تطـورت علـى مـدى‬ ‫السـنين الماضيـة فـي مـا قدمـه مـن‬ ‫عـروض وبعدها تحدث الناقد مؤيــــد‬ ‫البصــــام عـن تجربتـه الجديـدة فـي‬ ‫هـذا المعـرض والتـي يشـكل اللـون‬ ‫اساسـها والمنطلـق الـذي اشـتغل عليه‬


‫كتب يف الفن‬

‫من ألشفاهي إىل التدوين‬ ‫م ــادام التميي ــز بي ــن مفه ــوم التق ــدم‪ /‬التط ــور‪ ،‬م ــن ناحي ــة‪،‬‬ ‫والتدهـــور‪ /‬االرتـــداد‪ ،‬مـــن ناحيـــة ثانيـــة‪ ،‬خـــال األلـــف‬ ‫وخمس ــمائة ع ــام الماضي ــة‪ ،‬ش ــاخصة ف ــي الذاك ــرة‪ ،‬لكنه ــا‬ ‫ل ــم تق ــدر عل ــى مح ــو عم ــل الموروث ــات األق ــدم‪ ،‬خاص ــة‬ ‫ف ــي بيئ ــات مكث ــت خاضع ــة لالقتص ــاد الب ــري ـ البدائ ــي ـ‬ ‫رغ ــم نش ــوء م ــدن عربي ــة كب ــرى‪ ،‬مث ــل‪ :‬مك ــة‪ ،‬دمش ــق‪،‬‬ ‫الكوف ــة‪ ،‬البص ــرة‪ ،‬بغ ــداد‪ ،‬القاه ــرة ‪ ..‬ال ــخ‪ ،‬ف ــان عوام ــل‬ ‫االنتقـــال مـــن الصـــوت إلـــى الصـــورة‪ ،‬ومـــن ألشـــفاهي‬ ‫إلــى الكتابــة‪ ،‬هــي األخــرى‪ ،‬لــم تؤثــر كثيــراً فــي إرســاء‬ ‫قواني ــن التق ــدم‪ /‬التط ــور‪ ،‬إزاء حق ــب ال ــدوران والتراج ــع‪،‬‬ ‫وكأن حقائ ــق التراك ــم ـ ومجم ــوع الخب ــرات والث ــروات ـ‬ ‫قب ــض ري ــح!‬ ‫وبإمــكان المتلقــي‪ ،‬المتابــع‪ ،‬اليــوم‪ ،‬أن يعيــد قــراءة حقيقــة‬ ‫أن العـــرب‪ ،‬قبـــل اإلســـام‪ ،‬دونـــوا‪ /‬نســـجوا‪ ،‬المعلقـــات‬ ‫الشــعرية بالذهــب‪ ،‬بوصفهــا أقــدم عالمــة عــززت مكانتهــا‬ ‫بماضيهـــا‪ ،‬وعملـــت علـــى تت ــرك المس ــتقبل مفتوحـــا ً ‪،...‬‬ ‫ألن االنتق ــال م ــن اإلش ــارة إل ــى النق ــش‪ ،‬وم ــن الص ــوت‬ ‫إلـــى الحـــرف‪ ،‬لـــه داللـــة العبـــور مـــن حقبـــة الرعـــي‪/‬‬ ‫الفضـــاء المفتـــوح‪ ،‬إلـــى المدينـــة‪ ،‬االســـتقرار‪ ،‬ومـــن‬ ‫التشـــتت إلـــى المركـــز‪ /‬التحضـــر ـ والحضـــارة‪ .‬ولكـــن‬ ‫ـ بعـــد قـــرون ـ وخـــال العقـــود األخيـــرة‪ ،‬فـــان ظاهـــرة‬ ‫(الصـــوت‪ /‬والشـــفاهي‪ /‬حـــد الخطابـــات التحريضيـــة)‬ ‫فـــي الشـــوارع‪ ،‬وعبـــر مواقـــع التواصـــل االجتماعـــي‪،‬‬ ‫والفضائي ــات األخ ــذة بالزي ــادة بحس ــب خارط ــة الفوض ــى‪،‬‬ ‫والعشـــوائيات ‪..‬الـــخ‪ ،‬أعادتنـــا إلـــى عصـــر مـــا قبـــل‬ ‫المعلق ــات‪ ،‬حي ــث الن ــص الم ــدوّ ن‪ ،‬المع ــد للق ــراءة‪ ،‬ب ــات‬ ‫خ ــارج مجال ــه ف ــي عملي ــات البن ــاء‪ ،‬إن كان تقدميــا ً ‪ ،‬أو‬ ‫مطالب ـا ً بالع ــودة إل ــى األص ــول‪ :‬أي إل ــى م ــا قب ــل عص ــر‬ ‫الكتابـــة‪ /‬وبواكيـــر المعرفـــة‪.‬‬ ‫ولعـــل الصدمـــات مازالـــت تشـــتغل بقـــوة (الخلـــع) و‬ ‫(الهـــدم) و (التقويـــض) وكأن التقـــدم‪ /‬التطـــور‪ ،‬يتقاطـــع‬ ‫مـــع (الهويـــة) االيكولوجيـــة‪ /‬المعرفيـــة‪ ،‬حيـــث تؤكـــد‬ ‫بعـــض اإلحصائيـــات‪ ،‬أن أمـــة (اقـــرأ) تراجعـــت‪ ،‬ليـــس‬ ‫قياســـا ً باألمـــم المعاصـــرة‪ ،‬ومـــا لديهـــا مـــن فتوحـــات‬

‫علمي ــة‪ ،‬ومنج ــزات معرفي ــة كب ــرى‪ ،‬ب ــل بماضيه ــا نفس ــه‪،‬‬ ‫فـــي وادي النيـــل أو فـــي وادي الرافديـــن‪ ،‬وقبعـــت فـــي‬ ‫القـــاع‪.‬‬ ‫وال غرابـــة أن هنـــاك مـــن يـــرى فـــي هـــذا التراجـــع‪/‬‬ ‫واالرتـــداد‪ ،‬نصـــراً مـــؤزراً فـــي التخريـــب‪ ،‬الهـــدم‪،‬‬ ‫والعـــودة إلـــى البريـــة‪ ،‬والـــى محـــو كل اثـــر مـــن آثـــار‬ ‫الخب ــرة‪ ،‬العم ــل‪ ،‬والمعرف ــة‪ ،‬أي إلـــى‪ :‬الصفـــر‪ ،‬تقدمــا ً ‪،‬‬ ‫ولكـــن إلـــى أيـــن‪...‬؟‬ ‫وألن النخــب المعنيــة بالكتابــة ـ القــراءة والتدويــن والمعرفة‬ ‫ـ هـــي األخـــرى‪ ،‬تراجعـــت عـــن أداء دورهـــا المشـــهود‬ ‫له ــا ف ــي أربعيني ــات الق ــرن الماض ــي وخمس ــينياته انته ــاء‬ ‫ً بالســـتينيات‪ ،‬ليـــس برغبتهـــا‪ ،‬بعـــد أن أصبـــح وجودهـــا‬ ‫(الجســدي‪/‬اليومي) مهــدداً ‪ ،‬بــل ألن التقــدم فــي مجتمعاتهــا‬ ‫أصبـــح يمثـــل خطـــراً ‪ ،‬ممـــا ســـمح لعصـــر (الفوضـــى‪/‬‬ ‫وخل ــط المفاهي ــم) أن يصدمن ــا بـــ (معلقات ــه) الس ــوداء‪ ،‬ب ــل‬ ‫وان يتوغـــل فـــي التفكيـــك‪ ،‬والتقســـيم‪ ،‬واســـتبدال حقـــوق‬ ‫اإلنســـان‪ ،‬بالنهـــب‪ ،‬االغتصـــاب‪ ،‬االغتيـــال‪ ،‬التهجيـــر‪،‬‬ ‫وتهدي ــد الحي ــاة ذاته ــا بالع ــودة إل ــى عدمه ــا‪.‬‬ ‫إنهــا معضلــة مصائــر‪ ،...‬تــزداد تعقيــداً ‪ ،‬بغيــاب (العقــل)‬ ‫وتــزداد اســتخفافا ً حتــى بقوانيــن النبــات‪ ،‬الحيــوان‪ ،‬بمنــح‬ ‫الـــا شـــرعية أولويـــات تدفـــع بالمعرفـــة ـ بـــكل أشـــكالها‬ ‫ـ إلـــى خـــارج التاريـــخ‪ .‬فهـــل المنجـــزات التـــي حققهـــا‬ ‫أســـاتذة الماضـــي‪ ،‬وعلمـــاؤه‪ ،‬والمعلقـــات التـــي دونـــت‬ ‫بالذه ــب واح ــدة م ــن اب ــرز عالمات ــه‪ ،‬س ــيذهب م ــع دخ ــان‬ ‫الحرائ ــق‪ ،‬وغباره ــا‪ ،...‬أم أن الظلم ــات‪ ،‬مهم ــا تراكم ــت‪،‬‬ ‫ف ــا من ــاص م ــن إنه ــا ال تق ــدر عل ــى س ــلب نظ ــام الب ــذرة‬ ‫م ــن لغ ــز انبعاثه ــا‪...‬؟‬ ‫فــي عــام ‪ ،2015‬وفــي بغــداد‪ ،‬أن تصــدر ســتة كتــب‪ ،‬فــي‬ ‫الحق ــل الفن ــي‪ ،‬أرى إنه ــا تس ــتحق الق ــراءة‪ ،‬أو باألح ــرى‪:‬‬ ‫لف ــت االنتب ــاه إل ــى م ــا فيه ــا م ــن إص ــرار عل ــى مقاوم ــة‬ ‫الغي ــاب‪ ،‬واالرت ــداد‪ ،‬والتش ــبث بحي ــاة تنتم ــي إل ــى األلفي ــة‬ ‫الثالث ــة‪ ،‬ولي ــس إل ــى عص ــر األص ــوات‪ ،‬وال ــى م ــا قب ــل‬ ‫التاري ــخ‪.‬‬

‫‪121‬‬


‫‪1‬ـ يا باسل احلزن ـ الفنّان جواد سليم‬ ‫كما رآه الشاعر عبد األمري احلصريي‬ ‫البصام‪.‬‬ ‫تأليف‪ :‬مؤيد داود‬ ‫ّ‬

‫تجتمـــع فـــي هـــذا الكتـــاب [يـــا باســـل‬ ‫الحـــزن] لمؤيـــد البصـــام‪ ،‬عناصـــر‬ ‫متعــدد تجعــل منــه وثيقــة مــن الصعــب‬ ‫أن يعيــد نســجها‪ ،‬وكتابتهــا‪ ،‬ســوى مؤيــد‬ ‫البص ــام نفس ــه‪ .‬إنه ــا ليس ــت بديه ــة‪ ،‬ب ــل‬ ‫ألن االعت ــراف ـ م ــع النف ــس وضده ــا ـ‬ ‫ب ــات غائبــا ً ‪ ،‬م ــن ناحي ــة‪ ،‬وألن التق ــدم‬ ‫يتطل ــب حف ــراً ف ــي مخفي ــات التاري ــخ‬ ‫قب ــل أن يت ــوارى‪ ،‬ويغي ــب‪ ،‬م ــن ناحي ــة‬ ‫ثانيـــة‪ .‬فالشـــجاعة ـ هنـــا ـ تتجـــاوز‬ ‫المغامــرة‪ ،‬ألنهــا تقــف ضــد الالمبــاالة‪،‬‬ ‫والخمـــول‪ ،‬والســـكينة‪ ،‬خاصـــة عندمـــا‬ ‫تتعلــق الكلمــات بالمصائــر‪ ،‬واالتجاهات‬ ‫والتيـــارات التـــي مازالـــت تمتلـــك‬ ‫أطيافه ــا وأش ــباحها‪ ،‬ف ــي واقعن ــا الي ــوم‪.‬‬ ‫فالكت ــاب يرجعن ــا إل ــى س ــتينيات الق ــرن‬ ‫الماض ــي‪ ،‬مس ــلطا ً الض ــوء عل ــى ع ــدد‬ ‫مـــن عالماتـــه‪ ،‬التـــي شـــارفت علـــى‬

‫االندثـــار‪ ،‬والـــزوال‪ .‬فالكاتـــب يـــدوّ ن ـ‬ ‫وال يحك ــي ـ كي ــف كت ــب الش ــاعر عب ــد‬ ‫األميـــر قصيدتـــه‪ ،‬احتفـــاء ً باســـتذكار‬ ‫بجـــواد ســـليم‪ ،‬وأســـباب إقامـــة‬ ‫المهرجـــان‪ ،‬فـــي الوقـــت نفســـه يســـلط‬ ‫الضـــوء علـــى موهبـــة شـــعرية كبيـــرة‬ ‫مكثـــت بعيـــدة عـــن ذاكـــرة الوســـط‬ ‫الثقافـــي ـ بـــل واالجتماعـــي أيضـــا ً ‪.‬‬ ‫فالكاتـــب لـــم يهمـــل نظـــام الســـيرة‪،‬‬ ‫االعتـــراف‪ ،‬الشـــهادة‪ ،‬الوثيقـــة‪ ،‬وقـــد‬ ‫رصده ــا م ــن الداخ ــل‪ ،‬بوصف ــه ش ــاهداً‬ ‫عليهـــا‪ ،‬فضــاً عـــن مشـــاركته فيهـــا‪،‬‬ ‫وف ــي أحداثه ــا‪ ،‬ب ــأدوات فن ــان‪ ،‬ق ــاص‪،‬‬ ‫ناقـــد‪ ،‬عـــاش حقبـــة تميـــزت بالتمـــرد‪،‬‬ ‫الصخ ــب‪ ،‬والم ــرارات أيضــا ً ‪ .‬واليك ــم‬ ‫بعضــا ً مم ــا كتب ــه‪ ،‬ف ــي ه ــذا الكت ــاب‬ ‫إلـــى جانـــب شـــهادات أخـــرى‪:‬‬ ‫فـــي العقـــد الســـتيني مـــن القـــرن‬ ‫الماضـــي‪ ،‬اندلعـــت حركـــة ثوريـــة‬ ‫ف ــي مختل ــف إنح ــاء العال ــم‪ ،‬صاحب ــت‬ ‫التطـــورات الهائلـــة فـــي العلـــوم‬ ‫المعرفيـــة والتكنولوجيـــا وتقنيـــات‬ ‫االتص ــاالت والمواص ــات‪ ،‬وق ــد ش ــكل‬ ‫جزؤه ــا األكب ــر الطلب ــة وفئ ــة المثقفي ــن‬ ‫والشـــباب‪ ،‬وكان الفضـــاء الثقافـــي‬ ‫العراق ــي‪ ،‬واح ــداً م ــن ه ــذه الفض ــاءات‬ ‫الـــذي تحـــرك بفـــورة ثقافيـــة جـــاءت‬ ‫مخ ــاض م ــن كب ــت الحري ــات‪ ،‬وف ــرض‬ ‫ال ــرأي الواح ــد‪ ،‬ول ــو بأش ــكال وصي ــغ‬ ‫مختلف ــة ‪ ،‬فت ــارة نح ــو اليمي ــن‪ ،‬وت ــارة‬ ‫نحـــو اليســـار‪ .‬وفـــي هـــذه االنتفاضـــة‬ ‫التقــت االتجاهــات السياســية والمعرفيــة‬ ‫علـــى رأي واحـــد‪ ،‬وهـــو ال بـــد مـــن‬ ‫التغييـــر‪ ،‬وإيجـــاد البديـــل الحضـــاري‬ ‫لالرتقـــاء باإلنســـان والوطـــن‪ .‬وفـــي‬ ‫وســـط هـــذا االهتمـــام كانـــت تلتئـــم‬ ‫حـــركات فنيـــة وأدبيـــة وسياســـية‬ ‫‪122‬‬

‫أنتجـــت أفـــكاراً تجريبيـــة وإبداعـــات‬ ‫عظيمـــة‪ ،‬مـــا زالـــت ثمارهـــا تؤطـــر‬ ‫المشــهد الثقافــي العراقــي حتــى اليــوم ‪.‬‬

‫(ص ــدر الكت ــاب ع ــن دار دجل ــة ـ ناش ــرون وموزع ــون ـ عم ــان‬ ‫‪.)2016‬‬

‫تناصات املرئي‬ ‫د‪ .‬جواد الزيدي‬

‫يختـــار د‪ .‬جـــواد الزيـــدي المرئـــي‬ ‫(الصــور‪ /‬األشــكال‪ /‬العالمــات‪ /‬الرمــوز‬ ‫‪..‬ال ــخ) ثيم ــة لمفه ــوم التن ــاص (ممي ــزاً‬ ‫االختـــاف بيـــن التنـــاص واإلغـــارة‪،‬‬ ‫بي ــن االس ــتعارة والس ــطو‪ ،‬بي ــن الس ــرقة‬ ‫الخالق ــة واالنتح ــال الس ــلبي‪...‬الخ) ف ــي‬ ‫التشـــكيل العربـــي الحديـــث‪ ،...‬منهجـــا ً‬ ‫لـــه فـــي كتابـــه [تناصـــات النـــص]‪.‬‬ ‫إن عمليـــة (التأثـــر والتأثيـــر)‪ ،‬وإلقـــاء‬ ‫الظـــال مـــن العمليـــات المهمـــة فـــي‬ ‫الحق ــول المعرفي ــة بش ــكل ع ــام والفن ــون‬


‫علــى وجــه الخصــوص‪ ،‬إذ ال يمكــن‪:‬‬ ‫نش ــوء ش ــيء م ــن ف ــراغ م ــا ل ــم يك ــن‬ ‫هنـــاك إطـــار معرفـــي ومرجعـــي‬ ‫يغلف ــه ويحتوي ــه‪ .‬وي ــرى‪ :‬إن كل اث ــر‬ ‫جديـــد قائـــم علـــى مبـــدأ التناصيـــة‪،‬‬ ‫حيـــث تتداخـــل النصـــوص عبـــر‬ ‫التاريـــخ الشـــخصي‪ ،‬أو المرشـــح‬ ‫م ــن الالوع ــي الجمع ــي لتنت ــج نصــا ً‬ ‫جدي ــداً ‪ ،‬وه ــذا م ــا يفس ــر لن ــا التماث ــل‬ ‫الكبيـــر فـــي حكايـــات الشـــعوب‬ ‫علـــى الرغـــم مـــن اختـــاف البنيـــة‬ ‫الزمكانيـــة‪..‬‬ ‫فالنظــم المعرفيــة الحديثــة قــد اقترنــت‬ ‫بأخـــرى ســـبقتها‪ ،‬فهـــي تظهـــر‬ ‫بأشـــكال وأنمـــاط مختلفـــة لكنهـــا‬ ‫تأسســـت علـــى مبـــدأ الخالصـــات‬ ‫المترشـــحة منهـــا‪ ،‬ولهـــذا يعـــود‬ ‫الفك ــر والف ــن إل ــى المه ــادات األول ــى‬ ‫يســـتلهم منهـــا توابـــع جديـــدة‪...‬‬ ‫ليذك ــر‪ :‬فف ــي الف ــن تت ــم الع ــودة إل ــى‬ ‫فنـــون الكهـــوف أو إلـــى التـــراث‬ ‫المكس ــيكي والت ــراث الفن ــي األفريق ــي‬ ‫استشـــهاداً بنكـــوص الفـــن األوربـــي‬ ‫الحديـــث إلـــى هـــذه المرجعيـــات‬ ‫الهامـــة‪ ،‬فضـــاً عـــن االنفتـــاح‬ ‫عل ــى الم ــوروث الجمال ــي والفك ــري‬ ‫العربـــي اإلســـامي والتعاطـــي معـــه‬ ‫بجديــة الغنــاء الشــكل الفنــي الحديــث‬ ‫وتحديــداً فــي حقــل الرســم‪...‬؛ حيــث‬ ‫امتلـــك «الشـــرق اإلســـامي» نقـــاء‬ ‫الل ــون والفك ــرة المطلق ــة الت ــي كان ــت‬ ‫تنعـــت فلســـفته بهـــا‪ ،‬فضـــاً عـــن‬ ‫كوني ــة الرمزي ــة والخي ــال الش ــاعري‬ ‫الـــذي ينســـجم مـــع أطروحـــات‬ ‫الواقعيـــة الســـحرية التـــي ســـادت‬ ‫كمنه ــج لبل ــورة الخط ــاب ف ــي الثقاف ــة‬ ‫األوربيـــة‪.‬‬ ‫فيلقــي الضــوء علــى مفاهيــم التنــاص‬ ‫ـ المرجعيـــات والمعنـــى‪ ،‬ثـــم تنـــاص‬ ‫الخف ــاء والتجل ــي ف ــي الرس ــم العرب ــي‬ ‫الحدي ــث‪ ،..‬واث ــر المتخي ــل الس ــحري‬ ‫فـــي الرســـم الواقعـــي العربـــي‪،..‬‬

‫وتمثـــات النظـــم الزخرفيـــة‪،‬‬ ‫والحروفي ــة‪ ،‬وتن ــاص الرس ــم العرب ــي‬ ‫وجوهـــر العمـــارة اإلســـامية‪...‬‬ ‫والباحــث ـ هنــا ـ يضــع المتلقــي أمــام‬ ‫حقيقـــة إن تجربـــة الفنـــان العربـــي‬ ‫الحديثـــة وليـــدة تأثيـــرات أوربيـــة‪،‬‬ ‫متنوعـــة‪ ،‬ومختلفـــة‪ ،‬األمـــر الـــذي‬ ‫حتــم عودتــه إلــى ارثــه اإلســامي‪،...‬‬ ‫فظهـــر النســـق ألحروفـــي كأحـــد‬ ‫التي ــارات البصري ــة‪ ،‬باإلضاف ــة إل ــى‬ ‫المورثـــات واثـــر البيئـــة والثقافـــة‪...‬‬ ‫الـــخ‪ ،‬ليؤشـــر اثـــر الثـــورة التقنيـــة‬ ‫وحـــدوث االنزيـــاح الهائـــل علـــى‬ ‫الصعيــد الفكــري واألخالقــي‪ ،‬بهجــرة‬ ‫الفنـــان العربـــي إلـــى األصقـــاع‬ ‫البـــاردة‪ ،‬حيـــث حدثـــت تحـــوالت‬ ‫نح ــو التجري ــد الخال ــص ال ــذي هج ــره‬ ‫الفنـــان األوربـــي منـــذ قـــرن مـــن‬ ‫الزمـــن‪ ،‬أو التمثـــل بتيـــارات مـــا‬ ‫بع ــد الحداث ــة بع ــد الض ــخ اإلعالم ــي‬ ‫للثقاف ــة الس ــائدة‪ ،...‬منبهــا ً إل ــى دور‬ ‫وس ــائل االتص ــال الحديث ــة والس ــريعة‬ ‫التـــي كانـــت عامـــاً مهمـــا ً فـــي‬ ‫التعـــرف علـــى أدق التفاصيـــل فـــي‬ ‫حيـــاة األخـــر الثقافيـــة وســـهولة‬ ‫الوصـــول إلـــى المعلومـــة الجديـــدة‪.‬‬ ‫كل هـــذه األســـباب مجتمعـــة دعـــت‬ ‫الفنانيـــن الشـــباب للتنـــاص المباشـــر‬ ‫م ــع تل ــك التج ــارب دون الع ــودة إل ــى‬ ‫مراجعته ــا أو مراجع ــة تراثي ــة‪ ،‬ف ــي‬ ‫ضـــوء حلقـــات االندمـــاج والتالحـــم‬ ‫بيـــن الثقافـــات‪ ،‬لهـــذا لـــم يظهـــر‬ ‫تي ــار فن ــي مرئ ــي يس ــتند إل ــى تراث ــه‬ ‫الفكـــري والجمالـــي‪ ،‬أو فـــي األقـــل‬ ‫مـــا يصبـــح امتـــداداً حقيقيـــا ً لذلـــك‬ ‫الجي ــل ال ــذي صن ــع أدوات ــه وح ــارب‬ ‫مـــن اجـــل تكريســـها فـــي ذاكرتـــه‪،‬‬ ‫وذاكـــرة اآلخـــر‪ ،‬بوصفهـــا جـــزءاً‬ ‫م ــن هوي ــة محلي ــة وإنس ــانية قب ــل كل‬ ‫شـــيء‪.‬‬ ‫(صـــدر الكتـــاب عـــن دار أمـــل‬ ‫الجديـــدة ـ دمشـــق ‪)2015‬‬ ‫‪123‬‬

‫تاريخ اجلمال‬ ‫تأليف‪ :‬امربتو ايكو‪،‬‬ ‫ترمجة‪ :‬د‪ .‬نوري مصطفى بهجت‬

‫يذكـــر الفنـــان والطبيـــب د‪ .‬نـــوري‬ ‫مصطفـــى بهجـــت‪ ،‬انـــه أثنـــاء‬ ‫ترجمتـــه لكتـــاب (تاريـــخ الجمـــال)‬ ‫لمؤلفــه امبرتــو ايكــو‪ ،‬ال حــظ تنويهــا‬ ‫ح ــول موض ــوع الف ــن الحدي ــث‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫االرت نوف ــو‪ .‬فيذك ــر‪ :‬ان ــه األس ــلوب‬ ‫الــذي ظهــر فــي نهايــة القــرن التاســع‬ ‫عشـــر‪ ،‬خـــال الثـــورة الصناعيـــة‬ ‫والمكننـــة فـــي أوربـــا‪ ،‬فـــي الحقبـــة‬ ‫الت ــي كان فيه ــا الع ــراق تح ــت الحك ــم‬ ‫العثمانـــي‪.‬‬ ‫فيأتـــي النـــص المترجـــم ليوضـــح‬ ‫مــدى أهميــة هــذا األســلوب فــي الفــن‬ ‫العالمـــي‪ ،...‬وفـــي فنـــون الشـــعوب‬ ‫غيـــر األوربيـــة‪ .‬فلقـــد غـــدا أســـلوبا ً‬ ‫متكام ـاً ‪ ،‬بعــد أن عمــل فنــان االرت‬ ‫نوف ــو عل ــى ف ــك جمي ــع االرتباط ــات‬ ‫مـــع الحقبـــة الكالســـية وكســـر‬ ‫الحواجـــز بيـــن الفنـــون الجميلـــة‬ ‫والفنـــون التطبيقيـــة‪ ،‬ألنـــه مثـــل‬


‫طريقـــة خاصـــة مـــن التفكيـــر حـــول‬ ‫المجتم ــع الحدي ــث وأس ــاليب التصني ــع‬ ‫الحديثـــة‪.‬‬ ‫وعلـــى الرغـــم مـــن تراجـــع أثـــره‬ ‫خـــال حداثـــة المجدديـــن مـــن فنانـــي‬ ‫القــرن العشــرين‪ ،‬إال انــه عمــل جســراً‬ ‫مهمـــا ً بيـــن مؤرخـــي الحـــركات‬ ‫الفني ــة الحديث ــة‪ ،‬باإلضاف ــة إل ــى ذل ــك‬ ‫فـــان حركـــة االرت نوفـــو قـــد نالـــت‬ ‫اعتـــراف اليونســـكو‪ ،‬والمؤسســـات‬ ‫المعنيـــة بالتـــراث الحضـــاري‪ .‬ألن‬ ‫االرت نوفـــو‪ :‬هـــو مـــن األســـاليب‬ ‫الفنيـــة والهندســـية المعماريـــة‬ ‫والتصاميـــم والفنـــون الطباعيـــة‬ ‫المســتوحاة مــن الطبيعــة‪ ،‬فضـاً عــن‬ ‫ديناميتــه الشــكلية المتموجــة والمتدفقــة‬ ‫باألق ــواس والخط ــوط ذات اإليقاع ــات‬ ‫المتع ــددة المنب ــه إل ــى مكام ــن الجم ــال‬ ‫فـــي أصولهـــا وإعـــادة الحيـــاة لهـــا‬ ‫بمنحهـــا إضافـــات رمزيـــة وجماليـــة‪.‬‬ ‫ألن ــه سيش ــكل نظ ــرة بصري ــة متمي ــزة‬ ‫علـــى خـــاف الفنـــون والحـــرف‬ ‫التقليديـــة‪ ،‬إلـــى جانـــب اســـتخدامه‬ ‫للخام ــات غي ــر المألوف ــة لبل ــورة رؤى‬ ‫فنيـــة أكثـــر صلـــة بـــروح العصـــر‪.‬‬ ‫هنـــا تظهـــر أهميتـــه كعنصـــر يســـهم‬ ‫بإعـــادة العالقـــة مـــا بيـــن المجتمـــع‬ ‫والفــن برؤيــة متحــررة ومحفــزة لتأمــل‬ ‫األس ــرار الجمالي ــة ف ــي الطبيع ــة‪ ،‬دون‬ ‫إهمـــال العمـــل علـــى خلـــق هيئـــات‬ ‫غي ــر متوقع ــة‪ .‬وه ــي رؤي ــة الباح ــث‬ ‫ماريـــو امايـــا‪ ،‬بعـــد اســـتعراض‬ ‫تأثيرات ــه ف ــي فن ــون مختل ــف العواص ــم‬ ‫األوربيـــة‪.‬‬

‫الكتاب صدر عن شبكة اإلعالم العراقي ـ عام ‪)2015‬‬

‫تنمية التذوق الفين التشكيلي‬ ‫دراسة جتريبية‬ ‫د‪ .‬ماضي حسن‬

‫م ــن يتصف ــح كت ــاب د‪ .‬ماض ــي حس ــن‬ ‫[تنميـــة التـــذوق الفنـــي التشـــكيلي ـ‬ ‫دراس ــة تجريبي ــة] ق ــد ال يخط ــر ببال ــه‬ ‫إن الكتـــاب أنجـــز خـــال ســـنوات‬ ‫الم ــوت‪ :‬فاالحت ــال ل ــم يتوق ــف ع ــن‬ ‫ه ــدم المؤسس ــات‪ ،‬الذاك ــرة‪ ،‬والدول ــة‪،‬‬ ‫بـــل ذهـــب ابعـــد مـــن ذلـــك بإعـــادة‬ ‫(العـــراق) ـ ضمـــن حـــرب ســـرعان‬ ‫مـــا راحـــت تتوغـــل فـــي الهـــدم ـ‬ ‫إلـــى مـــا قبـــل عصـــر الزراعـــة‪.‬‬ ‫فخـــال هـــذه الســـنوات كان ماضـــي‬ ‫حســـن يراقـــب‪ ،‬برهافـــة رســـام‪،‬‬ ‫بلـــده يتعـــرض للضيـــاع‪ ،‬بصمـــت‪،‬‬ ‫وكأن ثمـــة مســـرحية أعـــدت وعلينـــا‬ ‫أن نـــؤدي فيهـــا أدوارنـــا الهامشـــية‪،‬‬ ‫ونغيـــب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وألننــي واكبــت دراســته‪ ،‬يومـا بيــوم‪،‬‬ ‫‪124‬‬

‫فـــان تشـــبثه بمفهـــوم التربيـــة‪ ،‬فـــي‬ ‫مجـــال الفنـــون التشـــكيلية‪ ،‬ســـمح لـــه‬ ‫بإجـــراء دراســـة تجريبيـــة توضـــح‬ ‫مـــدى أهميتهـــا فـــي مجـــاالت الحيـــاة‬ ‫بص ــورة عام ــة‪ ،‬وعن ــد الفناني ــن عل ــى‬ ‫نحـــو خـــاص‪.‬‬ ‫فيذك ــر د‪ .‬عب ــد المنع ــم خي ــري‪ ،‬ب ــان‬ ‫الكتـــاب هـــو‪ :‬دراســـة ميدانيـــة رائـــدة‬ ‫فـــي اختصـــاص التربيـــة الفنيـــة فـــي‬ ‫العـــراق‪ ،‬فهـــي تؤكـــد وجـــود عالقـــة‬ ‫بيـــن النواحـــي الوظيفيـــة والجماليـــة‪،‬‬ ‫فضـــاً عـــن رســـم الخطـــوط‬ ‫العريضـــة للطريـــق الـــذي يســـلكه‬ ‫اإلنس ــان لك ــي يحص ــل عل ــى المتع ــة‬ ‫الفني ــة‪ ،....‬لكنه ــا (متع ــة) تس ــتند إل ــى‬ ‫األدوات‪ ،‬ومنهـــا البصـــر‪ ،‬فاألخيـــر‬ ‫يشـــكل نســـبة ‪ ،%83‬حيـــث التـــذوق‬ ‫الفنـــي يعنـــي تقديـــراً جماليـــا ً ‪ /‬فنيـــا ً‬ ‫‪ ،‬ويحتـــاج إلـــى مســـتوى مهـــذب‬ ‫ومتط ــور إلش ــباع الذه ــن بالم ــدركات‬ ‫الصوريـــة المخزونـــة والممارســـة‬ ‫المســـتمرة لتدريـــب العيـــن‪ ،....‬إن‬ ‫الباحـــث معنـــي عبـــر دراســـته هـــذه‬ ‫بالتـــذوق الجمالـــي‪ /‬الفنـــي‪ ،..‬ليـــس‬ ‫علـــى صعيـــد التطبيقـــات العمليـــة‪،‬‬ ‫لـــدى الفنـــان‪ ،‬بـــل الصعيـــد النظـــري‬ ‫أيضـــا ً ‪.‬‬ ‫وعملي ـا ً فــان التربيــة ال يمكــن عزلهــا‬ ‫عـــن المســـتويات األرقـــى لـــإدراك‪،‬‬ ‫ضمــن الفنــون الجميلــة علــى اختــاف‬ ‫تخصصاتهـــا التـــي تعـــد وســـيلة مـــن‬ ‫وســـائل تنميـــة ســـلوك الفـــرد المتعلـــم‬ ‫وتوجيهـــه توجيهـــا ً تربويـــا ً وفنيـــا ً‬ ‫‪ ،‬فهـــي ليســـت دراســـة لمهـــارات‬ ‫حرفي ــة حس ــب‪ ،‬ولكنه ــا نش ــاط ذهن ــي‬ ‫وبدنـــي يشـــحذ القـــدرات اإلبداعيـــة‬ ‫لـــدى المتعلـــم‪ ،‬عبـــر تنظيـــم أفـــكاره‬ ‫واهتماماتـــه وتربيتهـــا وتخطيطهـــا‪،‬‬


‫وعبـــر ابتـــكار أســـاليب تســـتند إلـــى‬ ‫حداث ــات العص ــر‪ ،‬ودوره ــا ف ــي بن ــاء‬ ‫ذائقـــة متجـــددة‪ ،‬وجماليـــة‪.‬‬ ‫( ص ــدر الكت ــاب ع ــن دار ألجواه ــري‬ ‫ـ بغ ــداد ـ ش ــارع المتنب ــي)‬

‫التصميم الكرافيكي‬ ‫دراسة حتليلية‬ ‫معتز عناد غزوان‬

‫توغلـــت الحداثـــة فـــي معمـــار الحيـــاة‬ ‫المعاصــرة بقدرتهــا علــى بنــاء مفاهيــم‬ ‫تطبيقيـــة باليـــات سلســـة‪ ،‬أو عنيـــدة‪،‬‬ ‫بفعـــل المفاهيـــم النظريـــة‪ .‬علـــى أن‬ ‫الخب ــرة النظري ــة ل ــم تع ــد فائض ــة إزاء‬ ‫عصـــر مميـــز بالتحـــوالت والتجـــدد‪.‬‬ ‫الكاتـــب معتـــز عنـــاد غـــزوان يســـهم‬ ‫بدراســة مفهــوم (التصميــم الكرافيكــي)‬ ‫وأسس ــه‪ ،‬مانحــا ً النظري ــات واألف ــكار‬ ‫تطبيقاتهمـــا اليوميـــة‪ ،‬البصريـــة‬ ‫والتكوينيـــة‪ ،‬جماليـــا ً ‪.‬‬ ‫فالتصمي ــم الكرافيك ــي ه ــو‪ :‬نش ــاط ل ــه‬ ‫عالقـــة بـــكل أشـــكال العـــرض‪ ،‬ليـــس‬ ‫بوصفـــه واجهـــة تقـــود الـــى المنتـــج‬ ‫ف ــي م ــا يش ــبه المنب ــه العرض ــي‪ ،‬ب ــل‬

‫ه ــو الطاق ــة الت ــي م ــن خالله ــا يصب ــح‬ ‫الموضـــوع مـــادة للخيـــال والحلـــم‪ ،‬ال‬ ‫مجــرد لحظــة اســتهالكية عابــرة‪ .‬ذلــك‬ ‫ألن قيم ــة المنت ــج (المنج ــز الفن ــي) ال‬ ‫تكم ــن ف ــي مادت ــه‪ ،‬ب ــل ف ــي الخط ــاب‬ ‫ال ــذي يعي ــد صياغت ــه‪ ،‬ليس ــهم بتنمي ــة‬ ‫هـــذه اللغـــة والكشـــف عـــن بعـــض‬ ‫مخفياتهـــا‪ ،‬وأســـرارها‪.‬‬ ‫ه ــذا م ــا اش ــره د‪ .‬س ــعيد بنك ــراد ـ ف ــي‬ ‫تقديم ــه للكت ــاب ـ موضحــا ً أيضــا ً إن‬ ‫التصمي ــم الكرافيك ــي ه ــو لغ ــة قائم ــة‬ ‫بذاتهـــا‪ ،‬لهـــا قواعدهـــا وتركيبهـــا‬ ‫الداخلـــي‪ ،‬فهـــي ال تكـــرر حالـــة‬ ‫تواصليـــة ســـابقة عليهـــا‪ ،‬وال تســـتعيد‬ ‫فائضـــا ً طارئـــا ً ‪ ،‬بـــل تقـــول مـــا ال‬ ‫تس ــتطيع المفاهي ــم التعبي ــر عن ــه وف ــي‬ ‫جمي ــع الح ــاالت ال يمك ــن فصل ــه ع ــن‬ ‫الرغبـــة فـــي التعبيـــر عـــن انفعـــاالت‬ ‫اإلنســـان‪ ،‬ظاهرهـــا وغابرهـــا‪ ،‬وعـــن‬ ‫قدرتـــه علـــى تثبيـــت منتجـــات الفكـــر‬ ‫فـــي رمـــوز ماديـــة قابلـــة للتصميـــم‬ ‫والت ــداول ف ــي الفض ــاء وف ــي الزم ــن‪.‬‬ ‫فمـــا ضـــاع فـــي اللغـــة‪ ،‬يســـتعاد مـــن‬ ‫خ ــال التعبي ــر البص ــري‪ .‬فنح ــن ف ــي‬ ‫واقـــع األمـــر نتحـــدث داخـــل عالـــم‬ ‫ونبصـــر داخـــل عالـــم آخـــر‪.‬‬ ‫وف ــد تن ــاول المؤل ــف ه ــذا الموض ــوع‬ ‫بقـــراءة‪ :‬اثـــر الســـريالية وخطابهـــا‬ ‫البصـــري‪ ،‬وجماليـــات التكـــرار‪،‬‬ ‫واألبعـــاد النفســـية فـــي ملصقـــات‬ ‫األطف ــال‪ ،‬وفاعلي ــة النقط ــة ودالالته ــا‬ ‫فـــي التصميـــم الكرافيكـــي‪ ،‬بالتحليـــل‬ ‫وبالصـــور اغنـــاء ً لموضوعـــه فـــي‬ ‫مجـــاالت طالمـــا أهملـــت‪ ،‬ولـــم تأخـــذ‬ ‫أهميتهـــا كعالمـــات قائمـــة علـــى‬ ‫أســـس جديـــرة بالدراســـة‪ ،‬والبحـــث‪،‬‬ ‫والقـــراءة‪.‬‬

‫( والكتاب صدر عن شبكة اإلعالم العراقي ـ عام ‪)2015‬‬

‫‪125‬‬

‫حمطات بني الطب والفن‬

‫حترير‪ :‬معتز عناد غزوان‪.‬‬

‫قـد يبـدو كتـاب محطـات بيـن الطـب‬ ‫والفـن سـيرة شـخصية للفنـان والطبيب‬ ‫نـوري مصطفى بهجت‪ ،‬قـام بإعدادها‪،‬‬ ‫معتـز عنـاد غـزوان‪ ،‬ولكـن قراءتهـا‪،‬‬ ‫سـتقود للتعـرف علـى حقائـق جيل رائد‬ ‫لـن يقـارن إال بالحقـب البطوليـة! وهـذا‬ ‫ليـس إطـراء ًلشـخصية اسـتثنائية مثـل‬ ‫بهجـت‪ ،‬وليـس إضفـاء هالة علـى جيل‬ ‫أنجـز مهمتـه كاملـة‪ ،‬بـل ألننـا إزاء‬ ‫تاريـخ أبـى أن يدفن تحـت رماد حرائق‬ ‫حضـارة قـدر لهـا أن ال تغـادر بيسـر!‬ ‫فمـا أنجـزه معتـز عنـاد‪ ،‬بإعـادة بنـاء‬ ‫صـرح اجتمعت فيه عناصـر (اإلبداع)‬ ‫يعد ـ بذاته ـ إحياء ً لمشروع (التحديث)‬ ‫الـذي عمـل عليـه جيـل الـرواد‪ ،‬والـذي‬ ‫مـازال يتعـرض للمحـو ‪ ...‬ولكـن مـن‬ ‫هـو نـوري مصطفـى بهجت؟‬ ‫عندمـا أبصـر نـوري مصطفـى بهجـت‬ ‫النـور‪ ،‬عـام ‪ 1924‬لـم تكـن بغـداد‪،‬‬ ‫ومعظـم المدن العربيـة‪ ،‬تحلم بأكثر من‬ ‫ديمومـة االنتمـاء إلـى الماضـي‪ :‬قرون‬ ‫امتـدت حتـى كادت ال تتـرك أثـراً لها‪،‬‬


‫كالـذي أنجزتـه بغـداد‪ ،‬قبـل ألـف عام‪،‬‬ ‫فـي عصرهـا الذهبـي‪ .‬وهـذه ليسـت‬ ‫مفارقـة‪ ،‬أن يأخـذ التمـرد مـداه تحـت‬ ‫تيـار (التحديـث) أو أن يضـع حـداً ـ‬ ‫بلا مبالغـة ـ حمـل عنـوان‪ :‬الريـادة‪،‬‬ ‫بـل‪ ،‬برنامجـا ً مازالت قراءته مؤجلة‪،‬‬ ‫بمـا أنجزتـه مـن تدشـينات رائـدة‪ ،‬بعد‬ ‫قـرون مـن الظلمـات‪.‬‬ ‫علـى أن مشـروع (التحديـث)‪ ،‬بعـد‬ ‫الحـرب العالميـة األولـى‪ ،‬سيشـكل‬ ‫ظاهـرة اسـتدعت تضافـر مكوناتهـا‪.‬‬ ‫فالمدينـة‪ ،‬بغـداد‪ ،‬للمـرة األولـى‪ ،‬لـم‬ ‫تعـد معزولـة عـن تيـارات التغييـر‪،‬‬ ‫والتحـوالت‪ ،‬ألنهـا‪ ،‬فـي هـذا السـياق‪،‬‬ ‫سـمحت لظهـور من يعيد الحيـاة إليها‪،‬‬ ‫ليـس وفـق تعاليـم القـرون الوسـطى‪،‬‬ ‫وعصـور محاكـم التفتيـش‪ ،‬والحروب‬ ‫األهليـة‪ ،‬بـل بحسـب التحـول للعبـور‬ ‫نحـو عالـم قائـم علـى‪ :‬االبتـكارات‪،‬‬ ‫والتدشـين‪ ،‬ومغـادرة الرضا بالخمول‪،‬‬ ‫وكراهيـة المعرفيـة!‬ ‫وألن نـوري مصطفـى بهجـت‪ ،‬فـي‬ ‫نشـأته البكر‪ ،‬وما بعدها‪ ،‬وجد مسـاحة‬ ‫للتقـدم‪ ،‬وليـس للـردع‪ ،‬فانـه لـم يغامـر‬ ‫فـي االكتشـاف‪ ،‬وفـق مفهـوم الكسـب‬ ‫أو الخسـران‪ ،‬بـل أعـاد ـ عبـر الوعيه‬ ‫ـ مفهـوم بنـاء الحضـارات المخبـأة‪/‬‬ ‫المسـتترة‪ ،‬التـي كوّ نـت خارطـة عمـل‬ ‫جيناتـه الوراثيـة‪ ،‬مـع حاضـره‪ ،‬كـي‬ ‫تتـوازن فيهمـا عناصـر البنـاء‪ ،‬مـع‬ ‫مفهـوم التدشـين‪ ،‬أو االبتـكار‪ ،‬فـي‬ ‫عصـر الحداثـات األوربيـة‪ ،‬بغـزارة‬ ‫تنوعهـا‪ ،‬وعملهـا علـى نسـج دروب‬ ‫المسـتقبل‪ ،‬وليـس االرتـداد‪ ،‬أو البقـاء‬ ‫فـي الصفـر‪ .‬فوجد انه إزاء عالم شـبيه‬ ‫بعمـل المنقـب االثـاري فـي الكشـف‬ ‫عـن المخبـآت‪ ،‬والمخفيـات‪ ،‬وفـك‬ ‫طلسـماتها‪ ،‬ومشـفراتها‪ ،‬فـكان الوعـي‬ ‫بمـا سـينجز‪ ،‬قـاده للحفـر فـي أكثـر‬ ‫المناطـق غموضـا ً ‪ :‬الوعـي بالحيـاة‬ ‫ـ أي الوعـي بجمالياتهـا ـ وإنهـا لـم‬ ‫تخلـق للغيـاب‪ ،‬بـل كـي تتجانـس فيهـا‬

‫ديناميتهـا‪ ،‬وعالماتهـا‪.،‬‬ ‫فالنشـأة‪ ،‬وولـع بهجـت بالفنون‪ ،‬مهدت‬ ‫لـه ممارسـة رسّـخ فيهـا شـروطها‬ ‫النظريـة‪ ،‬والفكريـة‪ ،‬فالخيـال لديـه‪،‬‬ ‫لـم ينفصـل عـن الممارسـة العمليـة‪،‬‬ ‫إزاء متغيـرات تطلبـت عنـاد البـذرة‪،‬‬ ‫ولغزهـا في األخيـر‪ .‬فالرهافة ّ‬ ‫تجذرت‬ ‫كممارسـة ليـس لقـراءة المشـهد‪ ،‬بـل‬ ‫للديمومـة اإلقامـة فـي مناطقه الخالقة‪:‬‬ ‫الحيـاة بصفتهـا مشـفرة بتاريـخ طويل‬ ‫للتحـوالت مـن األرض (اآللهـة األم)‪،‬‬ ‫إلـى اليـد‪ ،‬ومن ثم إلى الوعـي‪ ،‬الفكر‪،‬‬ ‫وقد اجتمعـت لصياغة الوعي بتضافر‬ ‫هـذه األزمنـة فـي زمنهـا المسـتحدث‪،‬‬ ‫وتكاملـه‪ ،‬كحياة غيـر فائضة‪ ،‬وجديرة‬ ‫باإلضافـات‪ :‬التدشـينات‪.‬‬ ‫وبقـراءة األسـماء المميـزة لمرحلـة‬ ‫الـرواد ـ منـذ ثالثينيات القرن الماضي‬ ‫وصـوالً إلـى خمسـينياته ـ فـان وعيـا ً‬ ‫بالتركيـب أو التوليـف‪ ،‬والتنـوع أو‬ ‫التعدديـة‪ ،‬كان ممهـداً للخـروج مـن‬ ‫الصفـر ـ تقريبـا ً ـ نحـو مدينـة ترغـب‬ ‫ان تنسـج مصيرها‪ ،‬مـن الداخل‪ ،‬رغم‬ ‫عثـرات الماضـي وتراكمات سـلبياته‪،‬‬ ‫مـن ناحيـة‪ ،‬والتيارات الحديثـة الوافدة‬ ‫أو التـي مازالـت غريبـة‪ ،‬مـن ناحيـة‬ ‫ثانيـة‪ .‬بـل كان علـى بغداد ان تسـتثمر‬ ‫موروثاتهـا الخالقـة المدفونـة‪ ،‬ومـا‬ ‫كان يحـدث فـي العالـم‪ ،‬علـى نحـو‬ ‫يعيـد إليهـا هويتها‪ ،‬ومعالمهـا الحقيقة‪،‬‬ ‫كمدينـة لـم تمـت‪ ،‬ولـم تدفـن بعـد‪.‬‬ ‫فالرؤيـة لـدى الطبيـب الفنـان تدحـض‬ ‫النفـع‪ ،‬وتخالـف مفهـوم اإلنتـاج ـ‬ ‫االسـتهالك‪ ،‬نحـو المعنـى‪ ،‬وقـد غـدا‬ ‫فعلاً انطولوجيـا ً ـ بيئويـا ً ‪ ،‬ينبنـي‬ ‫ّ‬ ‫ويتجـذر بالبنـاء‪ ،‬وقـد غـدا فعلاً‬ ‫مسـتحدثا ً ‪ ،‬ضمـن أزمنـة تميـزت‬ ‫بمـا تركتـه أزمنـة الـرداءة‪ ،‬فضلاً‬ ‫مواجهـة الحاضـر بقـدرات نادرة على‬ ‫التجـاوز‪ ،‬والتقـدم‪.‬‬ ‫ففـي التفاصيـل االسـتثنائية التـي‬ ‫يرويهـا عن قرى العـراق النائية‪ ،‬عبر‬ ‫‪126‬‬

‫عملـه‪ ،‬كطبيـب‪ ،‬وفـي تأسيسـه المبكر‬ ‫لمشـروعات العالج الطبيعـي‪ ،‬ودوره‬ ‫فـي التجمعـات الفنيـة‪ ،‬مـن الرسـم‬ ‫إلـى الموسـيقا إلـى التجمعـات الفنيـة‪،‬‬ ‫والثقافيـة‪ ،‬ال يغـرق‪ ،‬أو يغطـس‪،‬‬ ‫حيـث الشـيطان يكمـن فيهـا‪ ،‬بـل علـى‬ ‫العكـس‪ ،‬نحيـا الحيـاة بصفتهـا تحديـا ً‬ ‫دائمـا ً يمنحهـا ديناميتهـا ـ وديمومتها‪.‬‬ ‫فالطبيـب لـم يختر إال دحـض (المهنة)‬ ‫أو (الوظيفـة) كـي يجعـل الوسـائل‬ ‫مندمجـة بغاياتهـا‪ ،‬ويجعـل منها رهافة‬ ‫ترتقـي بالفعـل نحـو رمزيتـه‪ ،‬ومـا‬ ‫يمتلكهـا مـن مُثـل‪ ،‬وجماليـات‪.‬‬ ‫فهـل كان هـذا محـض مصادفـة‪ ،‬أن‬ ‫فـان خطـر االرتـداد ليـس مزحـة!‬ ‫وهنـا سـتأخذ القراءة ممـرات كل منها‬ ‫يقـود إلـى النتيجـة ذاتهـا‪ :‬الهويـة‪ .‬وإذا‬ ‫لـم أكـن معنيـا ً كثيـراً بالطـب ـ رغـم‬ ‫انـه احـد أكثـر شـروط الحيـاة حيوية ـ‬ ‫فـان النصـوص الفنية للطبيب‪ ،‬سـتبقى‬ ‫مميـزة بانحيازهـا لعمـل اجتمعـت فيـه‬ ‫الدوافـع الفنيـة ـ الجماليـة‪ ،‬بالنسـق‬ ‫االيكولوجـي‪ .‬فقـد قـدم لنـا‪ ،‬مـع جيـل‬ ‫الـرواد ـ واعنـي بهـم الجماعـات التـي‬ ‫ظهـرت منـذ نهايـة ثالثينيـات القـرن‬ ‫الماضـي حتـى خمسـينياته ـ خالصات‬ ‫شـكلت تاريـخ مفهوم الفـن الحديث في‬ ‫العـراق‪ .‬تاريـخ ال يـروى حسـب‪ ،‬بـل‬ ‫غـدا مرئيا ً ‪ ،‬لتضافـر روافده العالمية‪،‬‬ ‫بموروثاتـه الزاخـرة بالمشـفرات‪،‬‬ ‫وبحاضـر قـاوم غيابـه‪.‬‬ ‫وهذا ما حصل لألستاذ حافظ ألدروبي‬ ‫ـ لم يكن إال نسـقا ً شـبيها ً باالنتقال من‬ ‫الشـفاهية إلـى التدوّ يـن‪ ،‬ومن اإلصغاء‬ ‫إلـى التأليـف علـى صعيـد األصـوات‪،‬‬ ‫كمثـال لتجريبيـة اسـتبعدت العشـوائية‬ ‫نحـو وحـدة تضمنـت تنصيصـات كـي‬ ‫تثمـر توليفاتهـا االنطباعيـة‪ ،‬لكـن ليس‬ ‫بالمعنـى االنفعالـي ـ اللحظـوي ـ إال‬ ‫كـي تعـزز رؤيتـه الواقعيـة فـي عالقة‬ ‫الفنـان بالمـكان‪ ،‬وتاريخـه‪ ،‬وأساسـا ً‬ ‫فـي منـح الروحي شـفافية متحررة من‬


‫القيـود‪ .‬وربمـا كان هـذا واحـداً مـن‬ ‫األسـباب التـي سـمحت لـه أن يشـترك‬ ‫مـع فائـق حسـن والشـيخلي والقصاب‬ ‫ومحمـود صبـري فـي جماعـة‬ ‫الـرواد (‪ ،)1950‬وليـس فـي جماعـة‬ ‫االنطباعيـن العراقييـن‪ ،‬انتمـاء عفوي‬ ‫لبدائيـة معاصـرة قائمـة علـى الخبرة‪،‬‬ ‫وليـس علـى التلقائيـة‪ ،‬أو المصادفات‪،‬‬ ‫ممـا سـمح لـه أن يـدوّ ن ـ بالرسـم ـ‬ ‫تاريخـه الروحـي‪ ،‬إلـى جانـب التاريخ‬ ‫الـذي عاشـه مولعـا ً بالوطـن كانتمـاء‬ ‫إلـى الحضـارة‪ ،‬وليـس للأرض‬ ‫حسب ‪.‬‬ ‫ذلـك ألن هـذه الوحـدة‪ ،‬بيـن التاريـخ‬ ‫والـذات‪ ،‬شـبيهة برؤيـة الفنـان إلـى‬ ‫سلامة الجسـد‪ /‬الفكر‪ ،‬عبر تخصصه‬ ‫الريـادي‪ ،‬ومـن ثـم‪ ،‬فـان رؤيتـه‪،‬‬ ‫كطبيـب‪ ،‬أكـدت ان الحيـاة مـن غيـر‬ ‫فـن‪ ،‬كعالمـة منفصلـة عـن سـياقها‪،‬‬ ‫فالجـدل‪ ،‬وربمـا (الصيـرورة)‪ ،‬فـي‬ ‫هـذا النسـيج‪ ،‬لخـص ّهـذه الوحـدة‪،‬‬ ‫كانسـان لـم يفـرط بما كان يـراه ينتظر‬ ‫هـذه التعدديـة ـ وهـذا التكامـل‪.‬‬ ‫(الكتـاب صـدر عـن وزارة الثقافـة‪ /‬دائـرة العالقـات الثقافيـة‬ ‫العامـة بغـداد ‪)2015‬‬

‫ليسـت محـض مصادفـة أن يتذكـر‬ ‫رافـع الناصـري (النهر‪/‬المـاء) فـي‬ ‫عامـه الرابـع‪ ،‬وقـد ولـد فـي فضـاء‬ ‫مـزدوج ـ وموحـد بيـن الصحـراء‬ ‫والسـماء (تكريـت ‪ ،)1940‬فـي‬ ‫فاتحـة كتـاب [ رافع الناصـري‪ /‬النهر‬ ‫وأنـا ‪ ..‬عشـق علـى مـر السـنين]‪ ،‬بـل‬ ‫مدخلاً لمنظومة فنيـة زاخرة بتحرير‬ ‫الوعـي مـن التباسـاته ـ وأقنعته‪ .‬فالماء‬ ‫ليـس عنصـراً منفصلاً عـن‪ :‬النـار‪/‬‬ ‫الهـواء‪ /‬التـراب‪ ،‬بل عنصـراً مضاداً‬ ‫للمـادة‪ ،‬بوصفـه جوهـر‪ :‬لغـز الحيـاة‪.‬‬ ‫والكتـاب‪ ،‬هـو بمثابـة وجهات نظر‬ ‫مجموعة من الكتاب‪ ،‬تضمن إشـارات‬ ‫تماثـل عمليـة نسـج لنـص ال يعلن عن‬ ‫مـوت‪ :‬الفـن‪ ،‬بل عن نقيضه‪ ،‬في زمن‬ ‫سـيادة الخـراب‪ .‬فالكتـاب ـ بمجموعه‬ ‫ـ يأتـي فـي مواجهـة حقبـة (تفكيـك)‬ ‫و (محـو) تعرضـت لهـا حضـارة‬ ‫العـراق الحديث‪ ،‬فالمسـاهمون‪ :‬ضياء‬ ‫العـزاوي‪ /‬مي مظفر‪ /‬فاروق يوسـف‪/‬‬ ‫عـادل كامـل‪ /‬إبراهيـم رشـيد‪ ،‬إلـى‬ ‫جانـب شـهادات‪ :‬عمّـار داود‪ /‬نظهـر‬ ‫احمـد‪ /‬هنـاء مـال هللا‪ ،‬تنسـج هـذا‬ ‫النـص‪ ،‬وتمنحـه مقاربـة لمنجـز رافـع‬ ‫الناصـري‪.‬‬ ‫املعلم‬

‫النهر وأنا ‪ ..‬عشق على مر السنني‬ ‫رافع الناصري‬ ‫حترير ‪ :‬مي مظفر‪ ،‬صالح عباس‬

‫لـم نخسـر رافـع الناصـري‪،‬‬ ‫برحيلـه‪ ،‬اليـوم‪ ،‬بـل خسـرناه عندمـا‬ ‫وجـد انـه ال يمتلـك إال أن يغـادر‬ ‫مشـغله فـي بغـداد‪ ،‬بحثـا ً عـن هـواء‬ ‫صالـح للتنفس‪ :‬نهايـة مازالت تجرجر‬ ‫مقدماتهـا معهـا‪ ،‬مـن غيـر خاتمـة‪.‬‬ ‫فالفنـان الـذي أكمـل دراسـته فـي‬ ‫معهـد الفنـون الجميلـة ببغـداد‪ ،‬وبكين‪،‬‬ ‫ولشـبونة‪ ،‬عـاد ليؤسـس ورشـة لفـن‬ ‫الطباعـة (الكرافيـك) فـي المعهد الذي‬ ‫درس فيـه ببغـداد‪ .‬ورشـة للطلاب‪،‬‬ ‫‪127‬‬

‫وأخـرى شـخصية‪ ،‬لكنهـا سـرعان مـا‬ ‫تحولـت إلـى مشـغل للعمـل الجمعـي‪.‬‬ ‫فالـذي تعلمـه مـن األسـتاذ فائـق‬ ‫حسـن‪ ،‬ومـن الـرواد عامـة‪ ،‬طـوره‬ ‫فـي بكيـن‪ ،‬بدراسـة أصـول أقـدم فـن‪،‬‬ ‫هنـاك‪ ،‬ثـم تعـرف علـى التقنيـات‬ ‫المتقدمـة لـه‪ ،‬بأصولهـا األوربيـة‪،‬‬ ‫فـي لشـبونة‪ .‬وخالصـة هـذا الـدرس‪،‬‬ ‫أن رافـع الناصـري‪ ،‬تعلـم أن (يتعلـم)‬ ‫وان يكـون (معلمـا ً )‪ ،‬مثـل أسـتاذه‬ ‫فائـق حسـن‪ ،‬وأسـاتذته فـي الصيـن‪،‬‬ ‫والبرتغـال‪.‬‬ ‫وكلمـة معلـم‪ ،‬جديـرة بفنـان كـرس‬ ‫حياتـه للفـن‪ ،‬وللفـن بصفتـه عالمـة‬ ‫حضاريـة‪ ،‬أكثـر من أية كلمـة أخرى‪.‬‬ ‫فالمعلـم اجتمعـت فيه خصـال لم تتوفر‬ ‫إال لـدى (أسـطوات) وادي الرافديـن‪،‬‬ ‫ولـدى الحرفييـن القدمـاء‪ ،‬كالصاغـة‪،‬‬ ‫والخطاطين‪ ،‬والنسـاجين‪ ،‬والحفارين‪،‬‬ ‫والبنائييـن فـي العـراق القديـم‪.‬‬ ‫تعلـم كيـف يتعلـم‪ .‬وهـذا ال عالقـة‬ ‫لـه‪ ،‬بفنـه‪ ،‬أو حتـى بشـخصيته‪ ،‬بـل له‬ ‫عالقـة بأخالقيـات العمـل‪ .‬بالحرفـي‬ ‫البغـدادي الـذي ترجـع جـذوره إلـى‬ ‫سـومر وأكـد‪ ،‬وبالحرفـي الصينـي‬ ‫التـي ترجـع جذوره إلى كونفشـيوس‪،‬‬ ‫وبحرفـي أوربـا الكبـار أمثـال دورر‪،‬‬ ‫ورامبرانـت‪ ،‬وغويـا‪ ،‬ومونـخ‪ .‬وهـي‬ ‫أصـول اشـتركت فيهـا حضـارات‬ ‫متعـددة‪ ،‬تاريخيـة ومعاصـرة‪ ،‬لكنهـا‬ ‫مكثـت تتقـدم مـع تقـدم المفاهيـم‪،‬‬ ‫والتقانـات‪.‬‬ ‫بالحرفـة‪ ،‬وألغازهـا‪ ،‬وأصولهـا‪ ،‬بـل‬ ‫ألنـه أدرك ان دور (المعلـم) إن غاب‪،‬‬ ‫فـان الفوضـى لـن تبنـي حضـارة‪.‬‬


128


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.