منــذ تأسيســها العــام 1956كانــت جمعيــة الفنانيــن التش ــكيليين العراقيي ــن الفض ــاء األوس ــع واألش ــمل للفناني ــن العراقيي ــن ،بمدارس ــهم واتجاهاته ــم الفني ــة المختلفـــة ،والراعـــي ألعمالهـــم فـــي مـــا أقامـــت مـــن معـــارض ،وتبنّـــت مـــن توجهـــات فنيـــة ، وه ــي الي ــوم ،كم ــا كان ــت ف ــي االم ــس ،وأكث ــر ، ترع ــى التج ــارب الفني ــة بأجياله ــا كاف ــة ،وتمن ــح المواه ــب الجدي ــدة ماه ــي حري ــة ب ــه م ــن اهتم ــام، واضعـــة علـــى الجيـــل الجديـــد مهمـــات مســـتقبلية ..فهـــم جيـــل الغـــد الممثـــل لحركـــة الفـــن فـــي الع ــراق الجمي ــل . غيـــر ان ((الجمعيـــة )) علـــى تماســـك تكوينهـــا ( الـــذي يعـــ ّد اليـــوم تكوينـــاً تاريخيـــاً ) ،وعملهـــا الدائـــب فـــي رعايـــة األنشـــطة الفنيـــة ،بمـــا فيهـــا المعارض الشــخصية والمشــتركــــــــــة ،وعقدهــــا النـــــدوات واللقــــــاءات الفنيــة ،ظلت علـــــى مدى مسيرتهـــــــــا الرائدة هذه بال مجلــــــــــة خاصــــــة بهــا تعكــس ال جوهــر توجههــــــا وحــده ،وإنمــــــا تأخ ــذ معــ ــه ،بالعنـــــــ ــاية واالهتمــــــ ــام ،الفـــ ــن العراقـــــــي والعربــي بمــا لهمــا مــن واقــع وتاريــخ وتطـــورات ،وتقـــدم الفنانيـــن فـــي مـــا مثلـــوا مـــن أتجاه ــات ب ــارزة كان ــوا فيه ــا ((عالم ــة مرحل ــة)) فضـ ً ـا عمــا يجــري فــي العالــم مــن تطــورات فــي الف ــن ،وم ــا يُس ــتحدَث م ــن أتجاه ــات جدي ــدة ترس ــم مس ــارات أخ ــرى ف ــي حركت ــه. ومـــن هنـــا فـــإن فكـــرة اصـــدار هـــذه المجلـــة ليس ــت بالجدي ــدة عل ــى الجمعي ــة بهيئته ــا االداري ــة: فمنذ ثالث عجاف كانت الفكرة قائمة.
وحينم ــا أجه ــز الظالمي ــون بمعاوله ــم عل ــى ارثن ــا التاريخـــي فـــي آشـــور كان الجـــواب ـ الـــرد هـــذه الصحائ ــف النبيل ــة المحمل ــة بالف ــن واألم ــل. ه ــم يحاول ــون اطف ــاء ج ــذوة الحي ــاة ،ونح ــن نُش ــعل للوط ــن أل ــف ش ــمعة .وه ــذه المجل ــة ،وه ــي تب ــدأ عدده ــا الصف ــر ،تبع ــث إليه ــم رس ــائل االص ــرار علــى االســتمرار ،محرِّ ضــة الطمــوح فــي دواخلنــا علـــى ذلك.لـــم تصـــدر عـــن الجمعيـــة ،علـــى حـــ ّد علمنـــا ،أيـــة مجلـــة تُعنـــى بالتشـــكيل وأهلـــه منـــذ تأسيس ــها :بيت ــاً للتش ــكيليين ف ــي خمس ــينات الق ــرن الماضـــي ،يـــوم كانـــت الحيـــاة هانئـــة ،والعيـــش رغيـــداً ،وشـــوارع بغـــداد مفعمـــة بالحيـــاة .ومـــع ذل ــك ل ــم يتمك ــن القيم ــون عل ــى ش ــؤون التش ــكيل م ــن اص ــدار مطب ــوع بم ــا له ــا م ــن تاري ــخ. وهـــا نحـــن ،علـــى الرغـــم مـــن المـــوت المحتـــدم عل ــى عراقن ــا الحبي ــب ،نجحن ــا باص ــدار «رواق التشـــكيل» لتنتظـــم مـــع رهـــط المجـــات القليلـــة الصـــادرة عـــن مؤسســـات أو أفـــراد. ه ــذا ه ــو الع ــراق :يتق ــد كم ــا الجم ــر ،إن حس ــبته خانعـــاً لمدلهمـــات الليالـــي ،تـــراه ينتفـــض مـــن كبوتـــه ليشـــيع الضيـــاء فـــي المـــكان والزمـــان. نأمــل أن تكــون هــذه الصحائــف مشــروعاً ألولئــك القابض ــون عل ــى جم ــر األم ــل والجم ــال ،مؤكدي ــن لهـــم أن زهـــور االبـــداع التشـــكيلي ال بـــ ّد لهـــا أن تتفتـــح ،وإن مـــن ثنايـــا هـــذا المطبـــوع الطمـــوح، يبت ــدأ مش ــوارنا م ــع الحي ــاة
1
5 - 5اىل اين ميضي حممد مهر الدين ؟ مؤيد داؤد البصام
- 12الفن األسالمي االخر ..تراسل واشعاع. عاصم عبد االمري
- 16صبيح كلش :الفنان والفن والغربة. ماجد السامرائي
- 22رسومات الفنان امساعيل فتاح. ختطيطات تبوح بكلماتها
16
عادل كامل
الفنانني - 26املعرض السنوي جلمعية .
22
التشكيليني ا لعراقيني. رئيس التحرير
- 30الفنون التشكيلية والعرض املسرحي. جنم حيدر منوذجا د .عقيل مهدي
- 36ممارسة اخلط العربي ،موقف فلسفي وجتربة عملية. مصدق حبيب
26
2
50
56 - 42الفنون املرئية القادمة. جبار اجلنابي
- 50اجتهات ورؤى فنية يف صياغة اخلطاب التشكيلي املعاصر.
60
حممد سوادي
- 56عن السينما والتشكيل. نزار شهيد فدعم
- 60حمموالت التشكيل من الواقع اىل الواقعي.
64
د .جواد الزيدي
- 64حوار اجلدران واالرصفة. خراب املتحف وتقنيات اخلراب. خالد خضري الصاحلي
- 82التكوين الفين يف اعمال فيصل اللعييب. شاكر محد
- 88اخليال وسياقات اشتغاله يف التصميم. د .قيس والي عباس
82
- 91متابعات فنية. - 121اصدارات الكتب الفنية. - 128معرض العدد.
3
88
الفنـــان محمـــد مهـــر الديـــن احـــد الصنـــاع المبدعيــن للوحــة التشــكيلية ،كمــا أجمــع مــن كت ــب ع ــن أعمال ــه ومعارض ــه ،فه ــو يعل ــن ع ــن إبداع ــه عن ــد إنش ــاء لوحت ــه المرتك ــزة إل ــى معطي ــات فكري ــة متداخل ــة تجم ــع بي ــن التجربـــة والرؤيـــة الذاتيـــة والمؤثـــرات الداخليـــة منهـــا والخارجيـــة ،تكونـــت عنـــده ف ــي خ ــال عق ــود م ــن الدراس ــة والممارس ــة والتجريب.هـــذا مـــن جانـــب ومـــن جانـــب آخـــر :ال يمكـــن عـــزل قدراتـــه التصميميـــة ذات األبعـــاد الصلـــدة والخطـــوط الحـــادة المســـتقيمة ،عـــن المعنـــى الكامـــن خلـــف
الرســـوخ اإلنشـــائي لعناصـــر اللوحـــة ،وبيـــن العم ــق ال ــذي يب ــرز تفكي ــره لفه ــم كينونت ــه إزاء هــذا العالــم .لقــد أدرك عظمــة اإلنســان وحضــارة وادي الرافدي ــن بفه ــم ووع ــي م ــن خ ــال الرؤي ــة والمتابع ــة ،وعل ــى الرغ ــم م ــن محدودي ــة الرؤي ــة البصري ــة ،فأن ــه أطره ــا بأبع ــاد ذهني ــة إل ــى م ــا ال نهايــة فــي مشــحونة الرؤيــة الذهنيــة ،مخرج ـا ً العمـــل مـــن محدوديتـــه األرضيـــة إلـــى فضائـــه الكونـــي ،جاعـــاً اللـــون كأنـــه جـــزء مـــن التكويـــن العـــام وليـــس خارجـــا عنـــه أو جـــز ًء ملصـــق ،فحتـــى الكـــوالج واســـتخدام حـــروف اللصـــق ،والخربشـــات والتواقيـــع ،والعالمـــات والرمـــوز ،نجـــده فيهـــا مفيـــد مـــن التطـــورات التكنولوجي ــة الحديث ــة ،لتكثي ــف التأثي ــر البص ــري عنـــد المتلقـــي ،بمـــا يجعـــل منـــه قـــوة إقنـــاع بيـــن اللـــون والتصميـــم والرمـــوز والشـــفرات التـــي يســـتخدمها لكشـــف لحظـــة التفجـــر فـــي أعماق ــه ،وب ــث األف ــكار وال ــرؤى الت ــي يري ــد أن يطرحهـــا ،مـــع اســـتخدامه مـــواد مختلفـــة علـــى ظهـــر اللوحـــة. الذات والموضوع إعمـــال مهـــر الديـــن وبقـــدر مـــا تشـــتغل علـــى البنائيـــة فـــي التصميـــم ،لتأكيـــد حالـــة الرســـوخ ف ــي إنش ــاء اللوح ــة ،فأنه ــا تحم ــل ف ــي طياته ــا 4
5
مخزونــا ً م ــن الرف ــض للقه ــر واالس ــتالب اللذي ــن يتعـــرض لهمـــا إنســـان العصـــر فضـــاً عـــن نتائجه ــا المتمثل ــة ف ــي غرب ـةِ ،الت ــي تج ــدرت ف ــي أعماقـــه .وعندمـــا نتحـــدث عـــن التقنيـــة الفنيـــة فـــي بنـــاء أللوحتـــه عنـــده ،ال يمكـــن أن نفصـــل النـــص عمـــا يخامـــر أعماقـــه مـــن رؤيـــة تجـــاه الواقـــع ،ورؤيتـــه تجـــاه إنســـان بـــاده وإنســـانيته المغلوبـــة .تتداخـــل هـــذه البنائيـــة الفكريـــة مـــع التقني ــة ف ــي الخ ــط والل ــون والت ــوازن الع ــام ،ف ــي تركيـــب اللوحـــة بالصيـــغ التـــي يســـتخدمها فـــي بـــث الرمـــوز والشـــفرات المســـتقاة مـــن التـــراث الســـومري والبابلـــي واآلشـــوري ،وبالـــذات ( العينان ،األنف اآلشوري ). األمـــر الـــذي يجعلنـــا ال نعـــزل الخربشـــات أو اللطخـــات والبقـــع اللونيـــة فـــي لوحاتـــه عـــن ذهنيـــة التغريـــب ودالالت الرفـــض لحـــاالت االستســـام ،فهـــو فنـــان يمتلـــك قـــدرات التعبيـــر وال يملــك قــدرة التغييــر فــي الواقــع ،لذلــك نجــده يلج ــأ إل ــى الحل ــم ،وه ــو دأب كل م ــن فق ــد الواق ــع الـــذي يريـــد ،والعالـــم الـــذي يبتغـــي ،وحينمـــا ال تعـــود هنـــاك مســـارات لتحقيـــق األفـــكار ،يكـــون اللجـــوء إلـــى الحلـــم .إن هـــذه التفجيـــرات التـــي تتنـــاوش مقدمـــة لوحاتـــه أو تعبيراتـــه الخطيـــة بالحــرف والكلمــة ،تعبيــرات عــن خلجــات داخليــة تتص ــارع ف ــي م ــا بينه ــا إلظه ــار عم ــق مش ــاعره تج ــاه قضاي ــا واقع ــه وإنس ــان ه ــذا الواق ــع ،معب ــراً بذل ــك ع ــن رؤيت ــه الفكري ــة تج ــاه م ــا يح ــدث وم ــا حـــدث باســـتخدام قتامـــة اللـــون ،وهمـــا الدالئـــل علـــى التراكـــم المعرفـــي وخزيـــن التمـــرد الـــذي يتوض ــح ف ــي الل ــون ،بم ــا يجع ــل ل ــه م ــن س ــحرية عل ــى الرغــم مــن اســتخدام الل ــون األس ــود الخط ــر ..وهن ــا تكم ــن ق ــدرات مه ــر الدي ــن كفن ــان مل ــون يعـــد مـــن القالئـــل الذيـــن وفـــروا هـــذا المنـــاخ 6
للوح ــة .وإذا أردن ــا أن نحص ــي أع ــداد اللوح ــات الزاهي ــة األل ــوان ،س ــنجدها ،عل ــى قلته ــا ،تحم ــل دالل ــة غربته ــا ،ففيه ــا مرم ــوز لإليح ــاء بالفك ــرة التـــي قصـــد مـــن ورائهـــا «تغريـــب» هـــذه اللوحـــات عـــن المجمـــوع العـــام إلعمالـــه. فه ــو يح ــاول ف ــي وض ــوح األل ــوان الزاهي ــة أن يكشـــف عـــن هواجســـه إزاء كل مـــا يحيـــط بـــه مـــن تطـــورات علميـــة وتكنولوجيـــة وثـــورات وانقالبـــات وتغييـــرات علـــى الصعيـــد المحلـــي أو العالم ــي ،مح ــاوالً أن يبع ــد الغم ــوض ال ــذي يكتن ــف لوحت ــه ذات األل ــوان القاتم ــة الت ــي تعب ــر عـــن انتكاســـة فـــي روحيـــة الفنـــان ..وبيـــان اإلجهـــاض اإلنســـاني فـــي داخلـــه عـــن كل مـــا يح ــدث ،مب ــرراً لنفس ــه قب ــل اآلخ ــر س ــلبية ع ــدم قدرتـــه علـــى الفعـــل لتغييـــر مســـار الحـــدث، فتأت ــي لوحات ــه ه ــذه محكوم ــة بخط ــوط الط ــول والعـــرض ،منبجســـة عنهـــا تمـــرد بلطخـــات الفرشـــاة ،ســـوداء أو صفـــراء وهـــي ألـــوان التغري ــب والعتم ــة والمجه ــول الت ــي ق ــد نتف ــق أو نختل ــف ح ــول تأثي ــرات الف ــن العالم ــي ورم ــوز ق ــادة الف ــن التجري ــدي علي ــه ف ــي أعمال ــه ه ــذه، ولكنه ــا تأثي ــرات خضع ــت لقدرت ــه عل ــى هض ــم المســـافة ،والخـــروج ببعـــده المنفـــرد. إن اش ــتغال محم ــد مه ــر الدي ــن األخي ــرة تجـــاوزت األطـــر التعبيريـــة التـــي كان يشـــتغل عليهـــا فـــي معارضـــه الســـابقة ،واســـتخدامه التشـــخيص باألســـلوب الحديـــث الـــذي يلغـــي الفكــر ( )figureبأبعــاده األكاديميــة ،لكنه يوحي لنــا بــه بجعلــه جــز ًء مــن العمليــة التجريديــة مــع إدخ ــال العناص ــر المختلف ــة عل ــى س ــطح اللوح ــة. إن تجريداتـــه األخيـــرة فيهـــا تقنيـــات تصاحـــب مرموزات ــه للتعبي ــر ع ــن آرائ ــه ،أي إن اللوح ــة
تحولـــت إلـــى حالـــة ذهنيـــة بعـــد أن اســـتطاع مـــن خـــال التجـــارب التـــي أجراهـــا علـــى مـــدى أربعـــة عقـــود ،وتمكنـــه فـــي احترافيـــة الخ ــط والل ــون الل ــذان م ــا ع ــادا يمث ــان عقب ــة فـــي الصياغـــة اإلنشـــائية ،إذ أصبحـــا جـــزء مـــن حركـــة اليـــد واســـتبطان العقـــل كحرفـــة، فبـــدأت األبعـــاد الفكريـــة هـــي التـــي تشـــتغل علـــى اللوحـــة ،اســـتخدام الرمـــوز الحضاريـــة العالميـــة ،واألختـــام .والكتابـــات المقـــروءة أو غي ــر المق ــروءة ،والرم ــوز الس ــومرية ،والبابلي ــة واآلشــورية ،إنهــا تمنــح اللوحــة دالالت وتعابيــر رمزي ــة بم ــا ورائي ــة المعن ــى المنظ ــور ،فس ــطح اللوحـــة عنـــد مهـــر الديـــن لـــم يعـــد ببعـــد أو بعدي ــن أو ثالث ــة أبع ــاد ،إنه ــا لوح ــة أبعاده ــا ال نهائي ــة ،له ــذا تبق ــى س ــطوح لوحات ــه مفتوح ــة علـــى فضـــاء كونـــي ،وتســـتمر الخطـــوط فـــي انســـيابيتها لتشـــكل عالمهـــا الالمتناهـــي .
7
اللون واالستخدام الحر المدروس...
بالممارســـة زادت رهافـــة الحـــس اللتقـــاط الذبذبـــات والتونـــات البســـيطة ،وهـــو مـــا يتمت ــع ب ــه الصوف ــي ال ــذي يكث ــر م ــن التأم ــل والســـكوت والتصنـــت حتـــى تصبـــح حواســـه ج ــزء م ــن حرك ــة الطبيع ــة ،وتصب ــح الطبيع ــة ج ــزء م ــن تكوين ــه الخ ــاص ،ال ــذي ال تتعب ــه الرؤيــة والتنصــت لمــا وراء الســمع والبصــر. إن تمتــع محمــد مهــر الديــن بحــس الفنــان المتأمـــل ،المتماســـك ذي الصالبـــة الداخليـــة ( الموقـــف ) هـــو الـــذي يتيـــح لـــه أن يضـــع عملـــه موضـــع تســـاؤل مـــن خـــال وضـــع هــذا العمــل فــي المســافة بيننــا وبيــن اللوحــة ، مس ــقطا ً علين ــا أعب ــاء معان ــاة التأم ــل والصب ــر واالنتشــاء برائحــة ألــوان الزيــت ،وبمــا يدعنــا نتحس ــس عبثيت ــه ح ــد التره ــل م ــع األخش ــاب والمســامير واأللــوان والفراشــي والموســيقى . إنـــه اللهـــاث الـــذي يأخـــذ مـــداه الزمنـــي الطويـــل مـــا بيـــن الجـــدار واللوحـــة ليتكـــئ بعـــده إلـــى أقـــرب كرســـي ملطـــخ اليديـــن والمالب ــس بمختل ــف األل ــوان ،فيختل ــس نظ ــرة
تتجســد فــي لوحاتــه طاقــات لونيــة غيــر محـــددة بأســـلوبها األكاديمـــي ،طاقـــات لونيـــة ترتكـــز إلـــى خبـــرة ودرايـــة ،يتوضـــح مـــن رؤيتهـــا األولـــى والثانيـــة والثالثـــة الطاقـــات المتفج ــرة الت ــي تتع ــدد بتع ــدد الرؤي ــا وتتح ــرك بمســـتويات جماليـــة مـــن الرؤيـــة البصريـــة. إن االس ــتخدام الح ــر لل ــون يعتم ــد لدي ــه عل ــى اإلمكانيـــة البصريـــة التـــي تتمتـــع بقـــدرات هائل ــة مت ــى أخضع ــت للممارس ــة والتمري ــن. ونح ــن ف ــي محي ــط وجودن ــا ق ــد نف ــرز عش ــرة أو عشــرين لون ـا ً للــون األبيــض ،لكــن إنســان القطـــب الشـــمالي ،كمـــا أثبتـــت التجـــارب العلميـــة يســـتطيع تمييـــز ثالثـــة آالف لـــون لألبيـــض ،إنهـــا الخبـــرة والدربـــة والرؤيـــة المتك ــررة .وم ــن هن ــا فكلم ــا ازدادت الرؤي ــة لألعم ــال الفني ــة توس ــعت ق ــدرة الرؤي ــة عل ــى التمت ــع بجمالي ــة فض ــاء اللوح ــة ،كالموس ــيقى التـــي كلمـــا تطـــورت الحاســـة الســـمعية 8
وهــو يبتســم ( ينقصهــا ضربــة فرشــاة ) ،لكــن يــداً خفيــة تجلســه وصــوت داخلــي يقــول ( إل ــى ي ــوم آخ ــر ) .إن ــه يتص ــور أن العم ــل ل ــم يكتم ــل ،ولك ــن حبك ــة المه ــارة تتغل ــب ف ــي تثبي ــت الموج ــود ،له ــذا تنطل ــق لحظ ــة العنف ــوان والث ــورة لتلط ــخ التنظي ــم واالس ــتقامة المس ــطرية إل ــى عب ــث وال جـــدوى . إن ســنين الثــورة والتمــرد أنقضــت وبــدأت مرحلــة التأم ــل والت ــآكل ودق ــات عبثي ــة عل ــى م ــا يح ــدث ف ــي الحي ــاة ،وتس ــاؤالت عم ــا إذا ه ــذا م ــا أردن ــاه أو حلمنـــا فـــي تحقيقـــه ؟ وتكمـــن اإلجابـــة عـــن ه ــذه التس ــاؤالت الوجودي ــة المتع ــددة ف ــي لوح ــات تتحــدث برمزيتهــا وتعبيرهــا عــن الحالــة والواقــع. إن مهــر الديــن مشــروع قائــم للفــن بــكل أبعــاده الحياتي ــة ،ولك ــن ه ــذا المش ــروع مرتب ــط بجوان ــب متعـــددة وإنســـانية مطلقـــة ،فكيـــف التـــزاوج بيـــن الفردانيـــة والجمعيـــة ،وبيـــن اإلحســـاس باألنانيـــة والذاتيـــة المفرطـــة واآلخـــر المعـــذب ؟ هـــذا هـــو تفجيـــر اللـــون األســـود والقاتـــم والمعتـــم ،الســـخط بـــا جـــدوى وبـــا إمكانيـــة وبعـــدم القـــدرة علـــى التغيي ــر ،الث ــورة القاس ــية عل ــى ال ــذات بالضرب ــات المهش ــمة والعبثي ــة ف ــي وس ــط و أط ــراف اللوح ــة، ثب ــات العقي ــدة ف ــي ق ــوة التصمي ــم وركازة البن ــاء، فليس ــت هن ــاك نهاي ــة للوح ــة عن ــده م ــا دام يعان ــي م ــع ه ــذه الماليي ــن البائس ــة م ــن وج ــود الظالمي ــن ،وعتمـــة القبـــو الـــذي حشـــروا فيـــه ،األســـاك واألبـــواب والشـــبابيك التـــي أوصدوهـــا فـــي وجوههـــم .إنـــه أســـلوب يتحـــرك مـــع تأمالتـــه ورؤي ــاه وثورت ــه ونقمت ــه وحب ــه ،وتفج ــر طاق ــات اإلب ــداع حينم ــا تنطل ــق اإلش ــعاعات األول ــى للفج ــر أو تخلـــف وراءهـــا اللـــون البرتقالـــي المائـــل إلـــى االحمـــرار الـــذي 9
الطهمـــازي :أيهمـــا يســـتأثر باالهتمـــام مـــن حي ــث الق ــدرة و اإلب ــداع ،التصمي ــم أم الل ــون، وم ــن أي الجه ــات تتح ــرك لوح ــة مه ــر الدي ــن وأس ــلوبه ؟ وه ــو ال يتوان ــى ف ــي تقدي ــم نفس ــه بأســـلوب واحـــد ضمـــن مناهـــج متعـــددة، بأســـلوب مـــا اصطلـــح عليـــه علـــى بعـــض فنانـــي الواليـــات المتحـــدة األميركيـــة (الرســـم الحركــي – ،) Action Paintingوتأثيــرات الرؤيـــة البصريـــة التـــي عشـــقها فـــي إعمـــال انتوني ــو تابي ــس ( ، 1923أو مؤث ــرات إخ ــوان مي ــرو وكل الس ــرياليين والتجريديي ــن العظ ــام، الذيـــن ظهـــروا فـــي بدايـــة القـــرن العشـــرين ( مثـــل اندريـــه ماســـون ) 1896-1987 وكذلـــك عفويـــة الفنـــان الروســـي كاندنســـكي ( .) 1866-1944إن التلقائيـــة فـــي حركـــة الفرش ــاة ،أو الس ــكين الت ــي يتبعه ــا مه ــر الدي ــن أو م ــا يش ــبه العفوي ــة ،والت ــي تش ــكل تص ــوراً بش ــكل م ــا يش ــبه الخط ــوط الت ــي تنطل ــق مـــن عفويـــة رســـوم األطفـــال، تحمـــل فـــي حقيقتهـــا معانـــي رمزي ــة ،لتفاع ــل الخ ــارج م ــع الداخ ــل ،وه ــذه األحاس ــيس
يلفـــه الســـواد ،وهـــو يوضحهـــا فـــي معـــرض توضيحـــه إلعمالـــه إذ يقـــول « معرضـــي صرخ ــة اس ــتغاثة وتحذي ــر ،م ــن ق ــوى تضغ ــط باتجــاه فــرض هيمنتهــا وســطوتها علــى الحيــاة اإلنســاني» .وهــذا يعيدنــا إلــى تســاؤل الشــاعر والناق ــد عب ــد الرحم ــن طهم ــازي ف ــي مع ــرض تقديم ــه ألح ــد مع ــارض الفن ــان « ت ــرى أي ــن يمضـــي مهـــر الديـــن وهـــو يحـــرك أســـلوبه أخيـــراً ؟». إن المتابـــع ألعمـــال مهـــر الديـــن ،أو يقـــف ألول مـــرة أمـــام لوحاتـــه ســـتكون المالحظـــة األول ــى ل ــه محمل ــة بالدهش ــة ،لمتان ــة التصمي ــم وإنشـــائية اللوحـــة .الدهشـــة األولـــى ســـتلتقي بالدهشـــة الثانيـــة لبراعـــة اســـتخدام اللـــون وهـــذه النقطـــة توقفنـــا لإلجابـــة عـــن ســـؤال
10
درس الفـــن فـــي ايطاليـــا وصالـــح ألجميعـــي الـــذي درس الفـــن فـــي أمريـــكا ،وهاشـــم ســـمرجي الـــذي درس الفـــن فـــي البرتغـــال ، وضي ــاء الع ــزاوي ال ــذي درس الف ــن ف ــي بغ ــداد ومحمـــد مهـــر الديـــن الـــذي درس الفـــن فـــي بولوني ــا ومحاول ــة إيج ــاد رؤي ــة جدي ــدة ولغ ــة مختلفـــة عـــن الســـائد ،اســـتكمل مهـــر الديـــن بحثـــه فـــي تقنيـــة ( الفـــن الالشـــكلي ) ،وهـــو م ــا نج ــده واضح ـا ً ف ــي أعمال ــه الت ــي عرضه ــا م ــن بع ــد مغادرت ــه بغ ــداد أوائ ــل األلفي ــة الثالث ــة واتخـــاذه مدينـــة عمـــان مقـــراً دائمـــا ً لـــه حي ــث نالح ــظ الحفري ــات الت ــي اش ــتغل عليه ــا وكيفي ــة اس ــتخدام الل ــون وإخضاع ــه إلغ ــراض البعـــد الفكـــري فـــي نصـــه ،والالشـــكلية فـــي إنش ــاء لوحت ــه ،إنه ــا روح التم ــرد الت ــي تعل ــن عـــن نفســـها ،ضـــد اســـتغالل اإلنســـان ألخيـــه اإلنس ــان ،ووض ــع البع ــد النص ــي مح ــل تس ــاؤل دائـــم فـــي عمـــق بنـــاء اللوحـــة.
المكبوتـــة منـــذ انطالقاتهـــا االبتدائيـــة أيـــام الش ــباب ف ــي اإليم ــان بالفك ــر اليس ــاري طريق ــا للخ ــاص ،وم ــن ث ــم اليس ــار عموم ــا ،ولكنه ــا ظل ــت أحالمــا ً ،وم ــن ث ــم تح ــول الحل ــم إل ــى شــفرات ورمــوز ،فــإذا هــو مثلــه مثــل صوفــي يبح ــث ف ــي عال ــم المجه ــول ع ــن الحقيق ــة .وق ــد طـــور عملـــه فـــي معارضـــه األخيـــرة ،نحـــو البحـــث عـــن هـــذه المعانـــي والرمـــوز فـــي الحيطـــان والجـــدران المتآكلـــة بتأثيـــر عوامـــل البيئ ــة .وحت ــى ال تضي ــع لحظ ــة الكش ــف ف ــي الرؤي ــة األول ــى ،اس ــتخدم الكامي ــرا لتوث ــق ل ــه تل ــك اللحظ ــات ف ــي بحث ــه بي ــن ج ــدران الش ــام وعمـــان ومـــا خلفتـــه األحـــام فـــي الذاكـــرة م ــن أزق ــة وج ــدران بي ــوت البص ــرة وبغ ــداد، إن ــه حل ــم صوف ــي انبث ــق مـــع انبث ــاق عصب ــة (الرؤيـــة الجديـــدة ) ،ورؤيتهـــا الخاصـــة فـــي بنـــاء أســـلوب جديـــد فـــي النـــص والتقنيـــة، برموزهــا ( فرافــع الناصــري الــذي درس الفــن ف ــي الصي ــن ،وإس ــماعيل فت ــاح الت ــرك ال ــذي 11
لــم يعد باإلمــكان ّ غض الطــرف عمّا يفعلــه العقل العربي المســلم من أوشام ظاهرة في جسد التاريخ. وقــد أقرّ األوربيون بما أنجزه المســلمون والعرب، ولو بصيغة التقريظ ،مما قد أســدوه ألوربا حســب المستشــرقة األلمانيــة (زيغريدهونكــه) .وممــا يُعـــــــرف ،أن الحضـــارات كاألفراد ،مهمــــــــا بدت متمنعــــــة
وحصينــة ،فإنهــا بحاجــة الــى اآلخر ،كمــا أنها عرضــة لالحتــكاك باآلخــر ،وغالبــاً مــا يجري ذلك لتطمين حاجات الشــعور اإلنســاني المشترك ودوافعه ،والعودة إلى منشــأ الحضارات ســيقرّ ب لنــا هذا المعنى بوضوح شــديد .فكيف بأبناء األمة اإلســامية الذين تشــرّ بوا ونهلوا من قيم اإلسالم، ً جيال إثر جيل من أجل إعالء كلمة (ال إله وساروا ّ إال هللا محمد رســول هللا) .بهــذه الوحدة ورمزيتها الروحية ،أشــاع العرب والمســلمون مبــادئ هذا الدين مع المعارف العلمية والقيمية والجمالية. ومنذ العصور الوســطى أظهر األوربيون عنايتهم البالغــة بما أنتجه العقل العربي المســلم في ميادين الصناعــة والمعــارف والفنون ،وممــا يعرف أن المسلمين اتصلوا بالغرب منذ القرن الحادي عشر الميالدي ،وهو عصر اكتشاف الغرب بالضرورة. وكان ثمة نوافذ عديدة لهذا االتصال ،سواء أكان في التجارة وفــي الترجمة من العربية إلى الالتينية أو من خالل مشاهدات الحجاج المسيحيين لألراضي المقدســة ،وما حملوه من تحف إسالمية نادرة ،وال شــك فــي أن الحــروب الضارية التــي حدثت بين المســلمين واألوربييــن ومنها الحروب األندلســية والصليبيــة وغزو نابليون دون تغافل األدوار التي لعبتها الدبلوماســية وشــركة الهند الشرقية وشركة الهنــد الهولنديــة في نقــل الفن الصينــي والياباني والهنــدي والعربي أيضاً إلى أوربا ،مما ســيظهر بعدئذ في الفنين القوطي والباروكي. وتشــير مدونــات التاريــخ الــى أن القــرن الثامن الميالدي بأعقاب الفتح اإلسالمي ألسبانيا كان إيذاناً بتلك المؤثرات ،يوم كانت مدينتا بوردو ومرسيليا 12
الفن ،ويتجســد ذلــك في موضوعاته وشــخصياته ذات االرتباط الوثيق بالفن اإلســامي ،ويُرى ذلك أيضــاً في أعمال (جيوتو) في القرن الثالث عشــر الميالدي من خالل اإلفادة من األقواس اإلسالمية، وكذلــك أعمال (فرونيز) رســام البندقية الذي أفاد كثيراً من طرز اللباس اإلسالمي المحلّى بالجواهر وكذلك فعل (فالســكيز) و(روبنز) و(بوتشــيللي) و(ديالكروا) و(ماكه) و(ماتيس) ،واألخير وسمت رســومه مــع ذروة تحولهــا األســلوبي بالطابــع اإلســامي أثــر زيارته لمعرض الحــرف العربي والزخرفة اإلســامية فــي باريس ،وآثــار الفنون األســامية في الدار الوطنية في باريس وســواها وكان أن قلبت تلك المشــاهدات موازينه رأساً على عقب مستثمراً جماليات هذا الفن من خالل استثمار التســطيح والصراحة اللونية والتعامل البالستيكي مع المساحات التي يلعب فيها الخط دوراً مهيمناً في إدامة زخم الجمال البعيد عن المشابهة التقليدية كما تُرى في األعمال الواقعية ً مثال ،ما مهّد لـ(ماتيس) ألن يندفــع بقوة شــطر الفن الوحوشــي وتزعّ مها كــر ّدة فعل على الحســية الطاغية في الفن الواقعي واالنطباعي على الســواء .لقد استمد (ماتيس) من الشرق اإلسالمي المغزى الروحي الذي يتفجّ ر من خالل تلك العناصر المحررة من تبعيتها لما هو شــيئي ،أضف إلى البساطة اللغز التي تتحلى بها السطوح
بمثابــة الجســر الناقل لهــذا التبــادل التجاري ،دع عنك عناية االستشــراق بالشرق بقصد الرغبة في اكتشــافه ،ومعرفة نظم الحياة فيه ،ومن ثم الطرز الفنية اإلســامية التي ســتجد صداها فــي العمارة القوطية والرومانسيكية .إن هذا التشابك في التبادل ً مســتحيال لم يحدث دون مصاعب ،مع ذلك لم يكن إذا ما عرفنا أن العقائد واألديان هي الوســائل التي رحم ذللت تلك الصعاب ،ألنها ببســاطة نشأت في ٍ واحــد ،وبيئة ثقافية واجتماعيــة واحدة بالضرورة مما أســهم في تعظيم أسس الحوار الحضاري بين الثقافات الهيلينية والسريانية والبيزنطينية والقبطية ذات الجــذر المســيحي مــع الجــذور الضاربة في بلدان الهالل الخصيب ،وأبعد من ذلك الحضارات المشرقية القديمة. اختصــاراً أقــول :إن التراســل هــذا ظهــر بجالء يــوم نقــل العثمانيون مظاهــر الفنون اإلســامية عبر القســطنطينية ،وقــد جذبت إليهــا اإليطاليين في البندقية وفلورنســا ،وهو ممــا يُرى بجالء في أعمــال (مازاتشــيو) الذي عُ ــ َّد األب الروحي لهذا 13
التــي ال تحيل بالضــرورة إلى نظيــر متعيّن بعينه وأهــم من ذلك غنائية التراكيب وطالقتها ،والغنائية المتولدة جرّ اء ذلك. أما (بول كليه) فقد كشف عن هيامه الالمحدود للفن اإلســامي من بعد أسفاره إلى تونس لعام ،1914 ومن ثم المغرب فالقاهرة ،ومن هناك بدأت مفاعيل موحيات الفنون الشــرقية واألجواء الســاحرة ترتد بقوة في رســومه التي تضج بالحــراك والتنويعات الخطيــة واللعب على اإليقــاع الراقص الذي تحدثه في بنية أعماله .هذا الرســام الذي قال فيه (بيكاسو) ذات مــرة بأنه (نابليون -باســكال) ،اســتطاع دمج العناصر الهندسية في أفق مفتوح من الحدس ،وكان أن أنتج سلســلة من الرسوم التي أسهمت عميقاً في 14
تأصيــل نزعته التجريدية فــي إطار من المزاوجة بين المعمــار والطبيعة والموســيقى ،مع دمــج المدركات البصرية وزجّ ها في مســارات صوفية ،وهو ما كانت تفتقر إليه الفنون األوربية ،حتى المجرّ دة منها. إن اكتشــاف (بول كليه) للفنون اإلســامية يعد لحظة إشــراق وتصعيــد للجماليات التي ســارت عليها فنون التجريــد فــي أوربا ،وســيأخذ بها إلى فضــاء الحداثة بعضهــا اهم المصادر الداعمة لخياله الذي يؤاخي بين الشرق والغرب.في حين أن (بيكاسو) المتشبع بالثقافة األندلســية ســيضيف لصوالته التجديدية أفقــاً يمتد به إلى الجذور العربية اإلســامية ،وســتلقي بظاللها في مفاصل مهمة من رسومه ،مع أن دارسي فنه ال يلقون ً بــاال كافياً لذلــك ،مؤثرين الحديث عــن تلك األصول اإليبيريــة والمصريــة واإلفريقية .بهذا المعنى يشــير
(عفيف بهنسي) أن المقارنة بين فن (بيكاسو) والفنون العربية ( تتضح لنا في المقاربة المدهشة بين تحريفاته وبيــن تجريــدات الفن اإلســامي ،فلوحــة الجاموس الموجودة في كتاب (عجائب المخلوقات) لـ(القزويني) تحمل المبادئ نفســها التي نهجها (بيكاســو) في لوحة (الصداقــة) ،ويرى شــيئاً من ذلك في لوحة (آنســات أفينيون) ث ّمــة براهيــن أخــرى هــي بعــض مــن صــدى الفنــون اإلســـامية ،وتتحـــدد فـــي رســـوم (بيكاســـو) ذات ً وخاصـــة الخـــط العربـــي الـــذي الوجهـــة التكعيبيـــة، عـــرف فـــي منبـــر القيـــروان نهايـــة القـــرن التاســـع عشـــر ،ومنهـــا مـــا موجـــود فـــي البُســـط والســـجاد الش ــرقي اإلس ــامي ،ويتض ــح ش ــيء م ــن ه ــذا ف ــي لوحـــة (البهلـــوان) أو لوحـــة (امـــرأة ورجـــل).
15
مع ــه يكش ــف الكثي ــر مم ــا كان ل ــه ف ــي مس ــاره الفن ــي ،وانجازات ــه في ــه ..الت ــي ب ــدأت م ــن بغ ــداد واس ــتقرت ،وإن عل ــى قل ــق ،ف ــي الغرب ــة.
صبيـــح كلـــش فنـــان ينتمـــي الـــى «جيـــل الس ــبعينات» ف ــي الف ــن العراق ــي الحدي ــث .كان ــت ل ــه حيات ــه ،والمغام ــرات الت ــي خاضه ــا ف ــي تل ــك الحيـــاة ..كمـــا أن لـــه رؤاه الفنيـــة التـــي حملهـــا معـــه أينمـــا ذهـــب فـــي شـــتات األرض ،فحقـــق الكثيــر منهــا فــي مــا ق ـ ّدم حتــى اآلن مــن أعمــال وأقــام مــن معــارض ..ومــا يــزال يجــد «الــدرب ال ــى الغ ــد» س ــالكة أمام ــه .وف ــي ه ــذا الح ــوار
حدثن ــي ع ــن نفس ــك فنان ــاً :بــ َم كن ـ َ ـت تف ّك ــر ف ــي البداي ــة؟ وأي مش ــروع فن ــي وضع ـ َ ـت لنفس ــك؟ ـ كانـــت طفولتـــي فـــي بغـــداد مـــن بعـــد أن
16
ُ وكنـــت يومهـــا لـــم اطلـــع بعـــد علـــى الســـتينات، اعم ــال الفناني ــن والف ــن .وم ــن بع ــد ع ــودة الراح ــل شـــاكر حســـن آل ســـعيد مـــن فرنســـا ،حيـــث عُ يِّـــن أول م ــرة معلم ــاً للرس ــم ف ــي المدرس ــة الت ــي كن ــت طالبــاً فيهــا (المتوســطة النظاميــة ) فــي بغــداد ،قبــل ان ينتقــل الــى معهــد الفنــون الجميلــة لتدريــس مــادة تاريـــخ الفـــن العـــام 1966،و كان يعلمنـــا ،نحـــن طالبـــه فـــي المدرســـة ،أوليـــات الرســـم مـــن دون الخ ــوض ف ــي ف ــن الحداث ــة ال ــذي ل ــم نش ــاهده بع ــد. و لكن ــي بحك ــم مرافقت ــي ل ــه ،حي ــث كان يصطحبن ــا، درســـاً ،لزيـــارة المعـــارض التـــي كانـــت تقـــام فـــي قاع ــة ( كولبنكي ــان ) القريب ــة م ــن مدرس ــتنا .وف ــي الطري ــق كان يس ــتوقفني ليش ــير ال ــى ج ــدار قري ــب فيأخذن ــي التس ــاؤل ع ــن س ــر أهتمام ــه الغري ــب و المهـــووس بشـــقوق الجـــدران و تلـــك اآلثـــار التـــي خلفه ــا االنس ــان ،وعوام ــل الطبيع ــة والزم ــن عل ــى تلـــك الجـــدران و االرض ،خصوصـــاً أنـــي لـــم اشـــاهد بعـــد اعمالـــه ،وحتـــى هـــو لـــم يبـــدأ بعـــد بنهجـــه و بحثـــه فـــي تكويـــن «جماعـــة البعـــد الواحـــد» .ولصغـــر ســـني وقتصاراهتمامـــي علـــى الرس ــم الدراس ــي آن ــذاك ،ل ــم أس ــتوعب أف ــكاره تل ــك و ل ــم افهمه ــا اال ف ــي م ــا بع ــد .
نزحـــت عائلتـــي مـــن الجنـــوب ،عندمـــا ظهـــرت بواكي ــر موهبت ــي وأن ــا بع ــد ف ــي االبتدائي ــة .و ف ــي المدرســـة المتوســـطة النظاميـــة تتلمـــذت علـــى يـــد الفن ــان الراح ــل ش ــاكر حس ــن آل س ــعيد ،و كان ل ــه الفضـــل الكبيرفـــي دخولـــي معهـــد الفنـــون الجميلـــة العـــام 1966حيـــث االســـاتذة الـــرواد األوائـــل الذيـــن و ضعـــوا لـــي األســـس االولـــى فـــي الرســـم و التلوي ــن .وم ــن بع ــد تخرج ــي م ــن المعه ــد الع ــام 1970أصبحـــت عضـــواً فـــي «جمعيـــة الفنانيـــن التشـــكيليين» وفـــي «نقابـــة الفنانيـــن» ،و شـــاركت أســـاتذتي المع ــارض الت ــي كان ــت تقيمه ــا الجمعي ــة و وزارة الثقاف ــة ،و ق ــد ب ــرزت أعمال ــي الفني ــة ف ــي مجموعـــة المعـــارض التعبويـــة التـــي كان يقيمهـــا النظـــام الســـابق حـــول القضيـــة الفلســـطينية و مـــا يتعـــرض لـــه الشـــعب الفلســـطيني مـــن احتـــال و ق ــد أستحس ــن لوحات ــي بع ــض النق ــاد و الصحافيي ــن ف ــي كتاباته ــم ،وق ــد وصف ــوا أس ــلوبي ف ــي الرس ــم بالمتميـــز . و عل ــى الرغ ــم م ــن ش ــهرتي ف ــي الوس ــط الثقاف ــي ُ حظيـــت بـــه فـــإن طموحـــي و االعجـــاب الـــذي كان منصبـــاً علـــى تطويـــر قدراتـــي الفنيـــة فـــي اكم ــال دراس ــتي خ ــارج الع ــراق م ــن دون التفكي ــر بالحص ــول عل ــى بعث ــة أو زمال ــة دراس ــية ،النن ــي ف ــي حقيق ــة األم ــر كن ــت أفك ــر بالهج ــرة م ــن دون االلتفــات الــى مــا بعــدي .و لكنــي اصدمــت بمــرارة الغربـــة القاســـية .
ـت ،كي ــف فك ـ َ حي ــن اغترب ـ َـرت بنفس ــك فنان ــاً :ه ــل ســتواصل مــا كنـ َ ـت بــه /ومنــه بــدأت ؟ أم رأيــت أن تجعــل لعملــك الفنــي بدايــة جديــدة وآفاقــاً أخــرى؟
ش ــاكر حس ــن ف ــي ه ــذه الس ــنوات الت ــي تتلم ــذتفيه ــا علي ــه كان ق ــد ب ــدأ يحف ــر ف ــي اتج ــاه جدي ــد ف ــي الف ــن ،يُع ــززه بقك ــر فن ــي نظ ــري م ــا لب ــث أن تبل ــور الع ــام 1970ف ــي «البع ــد الواح ــد» .فأي ــن َ َ أنـــت الشـــاب المتطلّـــع ،منـــه؟ وهـــل مـــن كنـــت، تأثي ــرات ل ــه علي ــك ،مباش ــرة أو غي ــر مباش ــرة؟
ـ لقــد تغربــت عــن بلــدي مرتيــن ،كانــت االولــى مــن اج ــل اكم ــال دراس ــتي الفني ــة الع ــام 1976عندم ــا غ ــادرت الع ــراق وان ــا ف ــي مس ــتهل حيات ــي الفني ــة ، حي ــث حمل ــت حقيبت ــي م ــن دون أن اح ــدد جه ــة م ــن العال ــم أقصده ــا وأس ــتقر فيه ــا .كان كل هدف ــي ه ــو اكم ــال دراس ــتي ومواصل ــة العم ــل بامكانات ــي الفني ــة ،متحم ـ ً ـا ع ــبء نفق ــات دراس ــتي و معيش ــتي الن ــي لس ــت طال ــب بعث ــة.
ســـؤال فـــي غايـــة األهميـــة .كان ذلـــك فـــي بدايـــة 17
ومـــن بعـــد رحلـــة مـــن بغـــداد الـــى المانيـــا ،ومـــن ثـــم الـــى الدنمـــارك فالس ــويد و صل ــت فرنس ــا ،فوج ــدت ضالت ــي حي ــث الدراس ــة المجاني ــة فأنضويـــت طالبـــا فـــي ( البـــوزار ) المدرســـة الوطنيـــة العليـــا للفنـــون الجميلـــة فـــي باريـــس التـــي أمضيـــت فيهـــا خمـــس ســـنوات لنيـــل الدبلـــوم العالـــي ،ومـــن ثـــم أكملـــت الماجســـتير وحصلـــت علـــى الدكتـــوراه مـــن جامعـــة الســـوربون ،وكان بحثـــي االكاديمـــي منس ــجماً م ــع بحث ــي الفن ــي ،فق ــد انج ــزت معرضي ــن ش ــخصيين وش ــاركت بع ــدة معـــارض عالميـــة فـــي باريـــس .ومـــن بعـــد انتهـــاء الحـــرب العراقيـــة ـ االيرانيـــة ش ــعرت بحني ــن ع ــارم و ش ــوق ج ــارف للع ــراق و ق ــررت وض ــع ح ــد لغربت ــي فع ــدت للوط ــن الع ــام .1989و المــرة الثانيــة التــي تغربــت فيهــا كانــت هجــرة اجباريــة النــي مــن بعــد عودتــي الــى العــراق كنــت قــد هيــأت لنفس ــي محترف ــاً ف ــي بيت ــي ،وب ــدأت أتخل ــص م ــن القي ــود االكاديمي ــة الت ــي فرضته ــا عل ــي ش ــروط الدراس ــة الصارم ــة ف ــي باري ــس ،متطلع ــاً نح ــو حري ــة رحب ــة ف ــي معالج ــة تقني ــات س ــطوح العم ــل الفن ــي للتعبي ــر ع ــن القي ــم الجمالي ــة للموض ــوع و الت ــي تجل ــت ف ــي معرض ــي الش ــخصي الراب ــع عل ــى قاع ــة ح ــوار ببغ ــداد العــام .1996وقــد شــكل ل ــي طف ــرة نوعي ــة ف ــي الش ــكل و المضم ــون ـ كم ــا رأى النق ــاد و الجمه ــور. ولكـــن ظـــروف الحصـــار و الوضـــع السياســـي المرعـــب و المخي ــف ،فض ـ ً ـا عل ــى منع ــي م ــن الس ــفر باعتب ــاري أح ــد الكف ــاءات آن ــذاك م ــا جعلن ــي أفك ــر باله ــرب، وكان ذلـــك العـــام ،1997فحملـــت بعضـــي علــى بعضــي ألعيــش الغربــة مــن جديــد بعي ــداً ع ــن بل ــدي الع ــراق ،ولك ــن ف ــي هـــذه المـــرة كان هاجســـي العمـــل كفنـــان .و ق ــررت ان أواص ــل م ــا كن ــت ب ــه ق ــد ب ــدأت ،و لكـــن نحـــو افـــاق جديـــدة و رؤى أخـــرى فوضعـــت االولويـــة فـــي عملـــي الفنـــي لتجســـيد معانـــاة االنســـان العراقـــي و محنتـــه ..ففتحـــت عليـــه نوافـــذ غربتـــي حيـــث أقم ــت س ــبعة مع ــارض ش ــخصية جدي ــدة كان أخره ــا معرض ــي الثانـــي عشـــر فـــي تونـــس العاصمـــة العـــام .2014 18
-وما الذي حصل معك على هذا الصعيد؟
ديالك ــروا و روبن ــز و الواقعي ــة الروس ــية ف ــي اعم ــال ماالفيت ــش و بيرل ــوف ومايس ــنكا ،و لكن ــي ف ــي الوق ــت نفس ــه كن ــت اح ــاول التق ــرب منه ــا ع ــن كث ــب لمعرف ــة قوانيـــن الحداثـــة فـــي اســـاليب الفنانيـــن المعاصريـــن الكبـــار مثـــل بيكاســـو و بـــراك ،ثـــم التجريديـــة عنـــد بولنس ــكي و بول ــوك .
ـ ف ــي أعمال ــي الت ــي أنجزته ــا كان ــت ص ــورة بل ــدي الع ــراق ال تغي ــب م ــن ذاكرت ــي ،فأظه ــرت أعمال ــي شـــعوراً دراميـــاً لإلحـــداث المتســـارعة و حـــاالت الخـــراب والدمـــار و االنفجـــارات ،حيـــث زاد اهتمامـــي بمعالجـــات الشـــكل الفنـــي و بنائـــه وحتـــى حركت ــه فاس ــتخدمت خام ــات و م ــواد و الوان ــاً جدي ــدة علـــى ســـطح اللوحـــة التصويـــري العبـــر عـــن قيـــم الموضـــوع الجماليـــة و الوظيفيـــة وبالتالـــي رســـخت منهجـــي وأســـلوبي وشـــخصيتي الفنيـــة المتميـــزة ً اعمـــاال بقياســـات كبيـــرة مســـتفيدا مـــن فأنتجـــت فضـــاء مشـــغلي الواســـع فـــي مســـقط ،حيـــث أقيـــم اليـــوم و حيـــث االمـــن و االمـــان .
كيــف كان اللقــاء ،لقــاؤك ،بهــذا «الخــارج»؟ وعلــىأي نحــو اســتوعبته؟ هــل شــكل لــك صدمــة مــن نــوع مــا؟ وهــل توافقــت معــه ،أم بقيتمــا علــى مســافة؟ ـ كان تفكيــري منصبــاً علــى طبيعــة الحيــاة الفرنســية و البح ــث ع ــن وس ــيلة للنف ــاذ ال ــى الوس ــط الفن ــي و تقدي ــم نفســـي فنانـــاً .وعندمـــا بـــدأت دراســـتي فـــي مدرســـة الفـــن ( البـــوزار ) وجـــدت نفســـي بيـــن ذلـــك الوســـط حيـــث الغالريهـــات و صـــاالت العـــرض التـــي تحيـــط بمبنـــى البـــوزار أســـاتذة فـــن و فنانـــون و طلبـــة مـــن مختلـــف الجنســـيات ..و لكنـــه عالـــم معقـــد تتجاذبـــه العنصري ــة ..عال ــم واس ــع و مغل ــق و كان ــت صدمت ــي كبيـــرة بالحيـــاة االقتصاديـــة .فالحيـــاة فـــي باريـــس مكلفـــة ،والمعيشـــة و الســـكن لطالـــب مثلـــي دون م ــورد مال ــي صع ــب للغاي ــة .ولكن ــي تدب ــرت أم ــري بالعم ــل عل ــى رس ــم البورتري ــة بأج ــر زهي ــد ف ــي ح ــي المومـــارت ايـــام عطلـــة االســـبوع ،ولكنـــي اهتممـــت
* ي ــوم فك ـ َ ـرت ف ــي الدراس ــة ف ــي الخ ــارج ،م ــاذا كان ي ــدور ف ــي ذهن ــك ع ــن ذل ــك «الخ ــارج»؟ اتيحـــت لـــي فرصـــة الســـفر الـــى (جيكوســـلوفاكيا) العــام 1970فــي دورة تدريبيــة فــي رســوم االطفــال م ــع و ف ــد م ــن وزارة الثقاف ــة واالع ــام .لق ــد أثارن ــي مـــا شـــاهدته هنـــاك مـــن تطـــور وانفتـــاح ،مضافـــاً إليـــه الصـــور الجميلـــة التـــي رســـمها فـــي ذهنـــي اس ــاتذتي للحي ــاة الفني ــة ف ــي اورب ــا و تش ــجيعهم ل ــي علـــى اكمـــال دراســـتي خـــارج العـــراق ،وكانـــت الظ ــروف تس ــمح لن ــا بالس ــفر ب ــدون قي ــود ،و كان ــت الـــدول االوربيـــة تســـتقبل العراقـــي بـــكل احتـــرام و تقدي ــر ه ــل كن ـ َـت ُتفك ــر بفناني ــن محددي ــن ،أم باتجاه ــات فني ــة تري ــد لعمل ــك الفن ــي أن يتماه ــى م ــع م ــا له ــا م ــن منج ــز ف ــي الف ــن؟ ـ كن ــت مولع ــاً بالف ــن األكاديم ــي ،معجب ــاً بأعمـــال 19
ـ انـــا ال اصنـــف نفســـي ضمـــن اتجـــاه محـــدد أو أســـلوب معيـــن ،و ال حتـــى علـــى مدرســـة فنيـــة بذاته ــا ،و لك ــن ف ــي االط ــار الع ــام أعم ــل ضم ــن مفاهيـــم الدمـــج بيـــن الواقعيـــه و التجريديـــة كمـــا أوظــف كثيــراً مــن الرمــوز و الشــفرات و األشــكال المتأصل ــة ف ــي ال ِق ــدم الحض ــاري لتخ ــدم الموض ــوع بأســـلوب خـــاص يخـــدم التكويـــن داخـــل اللوحـــة مراعيـــاً ذوق المتلقـــي فـــي التـــوازن و االنســـجام و التناغـــم ألن اللوحـــة عنـــدي هـــي عبـــارة عـــن رســـالة انســـانية و هـــدف ســـامي . أعتبـــر نفســـي واحـــداً مـــن الفنانيـــن الذيـــن ثبتـــوا بصمـ ً ـة فنيــة ورؤيــا فنيــة عاليــة المعاييــر للوصــول الــى القيــم الفنيــة والتاريخيــة ،و فــي مجمــل اعمالــي أرس ــم م ــا اح ــس ب ــه و م ــا يعترين ــي م ــن مش ــاعر تج ــاه ش ــعبي و وطن ــي و م ــا يتع ــرض ل ــه االنس ــان فـــي كل مـــكان ضمـــن ثيمـــة مفهـــوم االغتـــراب، ولكـــن برمزيـــة عاليـــة البـــروز والتمحـــور ومـــا يعتم ــر م ــن كش ــف وإزاح ــة عل ــى مس ــتوى الش ــكل والجوهـــر ..و فـــي نوافـــذ االغتـــراب و المنافـــي التـــي أطـــل مـــن خاللهـــا علـــى العالـــم أرى بلـــدي تنهش ــه الذئ ــاب و حال ــة الخ ــراب و تطحن ــه ماكين ــة الم ــوت الجماع ــي ،فكن ــت أنتق ــي ادوات ــي و م ــوادي التـــي تخـــدم أســـلوبي الخـــاص علـــى اســـاس االس ــتنادات االدائي ــة المتقن ــة وبمه ــارة عالي ــة ف ــي غم ــار ومخ ــاض واقعيت ــي االكاديمي ــة الس ــابقة ف ــي االنشـــاء المتنـــوع للبنـــاءات التكوينيـــة وبنســـب ومقايي ــس موزون ــة ومنس ــجمة ف ــي لوحات ــي بش ــكل ع ــام.
بدراس ــتي العملي ــة و باللغ ــة الفرنس ــية ،لق ــد س ــبقني للدراســة فــي فرنســا اســاتذتي الكبــار :جــواد ســليم، و فاي ــق حس ــن ،وصال ــح القرقول ــي ،وش ــاكر حس ــن آل س ــعيد ،ونزيه ــه س ــليم،وجميل حم ــودي و محم ــد الحس ــني،و كل و اح ــد منه ــم ل ــه حكاي ــة ،و لكن ــي لألس ــف بحث ــت كثي ــراً فل ــم أج ــد له ــم أث ــراً ف ــي كل فرنس ــا ،عل ــى الرغ ــم م ــن أن الحي ــاة ف ــي زمنه ــم كانـــت بســـيطة ،و الحـــركات الفنيـــة المعاصـــرة كان ــت ف ــي بداياته ــا . واليوم أين تجد نفسك ،فناناً وانساناً؟ـ اجــد نفســي اليــوم واحــداً مــن الفنانيــن المحترفيــن الذي ــن يش ــتغلون باالب ــداع ،متفرغ ــاً لفن ــي وعالم ــي الخ ــاص ،حريص ــاً عل ــى التعبي ــر ع ــن دواخل ــي ، معب ــراً ع ــن أوج ــاع الغرب ــة وعذاباته ــا الالمرئي ــة، مـــدركاً كذلـــك أهميـــة الحفـــاظ علـــى خصائـــص الهوي ــة المعاص ــرة والمرجعي ــات المتنوع ــة ومنه ــا مرمـــوزات التـــراث التـــي وظفتهـــا بمـــا يخـــدم مدلولهـــا الهـــادف ،متجنبـــاً االقتحامـــات القســـرية غي ــر المنس ــجمة ف ــي تركيبه ــا .و اآلن أن ــا بص ــدد جمــع أعمالــي و مــا كتــب عنهــا فــي كتــاب خــاص كمـــا اخطـــط القامـــة معـــرض متجـــول ألعمالـــي ف ــي اورب ــا و امي ــركا . ل ــو ع ـ َـدت ال ــى وطن ــك ،فم ــاذا س ــتعني الع ــودة لـــك؟ وأي مســـار ســـتتخذ فـــي عملـــك؟ ـ ل ــو ق ــدرت ل ــي الع ــودة النهائي ــة لوطن ــي الع ــراق س ــتعني ل ــي ع ــودة االس ــير المرته ــن ال ــى حبيبت ــه و ســـأعمل علـــى جمـــع شـــتاتي و انشـــاء مدرســـة للف ــن ف ــي بغ ــداد .
دعنــي أنقــل إليــك انطباعــاً شــخصياً ،وأنــا الــذيعرفت ــك طالب ــاً ت ــدرس الف ــن ف ــي أكاديمي ــة الفن ــون الجميلـــة فـــي ســـبعينات القـــرن الماضـــي :إننـــي أج ــدك تعي ــش ب ــروح الئب ــة ،تتنق ــل ف ــي الم ــكان، وتحم ــل م ــن الزم ــان هموم ــاً بينه ــا
كي ــف ُت ّصن ــف عمل ــك الفن ــي الي ــوم؟ م ــا فلس ــفتك في ــه؟ 20
أن يج ــري تغيي ــر ف ــي الوض ــع السياس ــي ،حلم ــي الجميـــل ان ارجـــع الـــى وظيفتـــي فـــي الجامعـــة لتدريـــس الفـــن وأســـاهم بخبراتـــي الكبيـــرة و المه ــدورة خ ــارج الع ــراق ...و لك ــن لألس ــف م ــا ج ــدوى ان تح ــرق دم ــك وتفق ــد بصي ــص نظ ــرك وتســـهر الليـــل والنهـــار متوهمـــاً أن هنـــاك افقـــاً جدي ــداً ،بينم ــا دخ ــان الحرائ ــق وص ــراخ الموت ــى والجرحـــى فـــي االرض الحـــرام يحتـــل المســـافة بي ــن الي ــأس واألم ــل ! ؟ لك ــن ه ــذا الحل ــم تب ــدد، ألن ألـــف ظالـــم وشـــهادة مـــزورة خرجـــوا مـــن جحـــور شـــتى ،و انتهـــى حتـــى حلـــم العـــوده للوطـــن! -وكيف ينعكس هذا في عملك الفني؟
الصغي ــر والكبي ــر .تقط ــن ف ــي بل ــد غي ــر بل ــدك، ولكنـــك تواصـــل اطفـــاء الحنيـــن بزيـــارات متعاقبـــة .حدثنـــي عـــن هـــذا كلـــه.
ـ أعمال ــي ه ــي بعناوينه ــا الت ــي تحك ــي :ي ــوم دام جديـــد ،انفجـــار ( ، )1انفجـــار( ،) 2االجتيـــاح ،المصيـــر ،االحتـــال ،ارهـــاب ،االنتهـــاك ، بغـــداد تحتـــرق ،الرهينـــة ،تشـــظي ،انشـــطار، س ــقوط ،ع ــودة المطع ــون ،ع ــودة الفن ــان ...و... وال يب ــدو أن هن ــاك أم ـ ً ـا به ــذه الع ــودة .
ـ إنـــي أعشـــق بلـــدي العـــراق بجنـــون ،ومـــا جـــرى معـــي ال يعرفـــه إال المقربـــون ،وأن قص ــة هجرت ــي كبي ــرة ال يس ــتوعبها ه ــذا اللق ــاء وتحتـــاج الـــى ســـرد فـــي تفاصيلهـــا .والحقيقـــة أنـــي غـــادرت الوطـــن مجبـــراً ال مخيـــراً ،و إال كي ــف تفس ــر رجوع ــي م ــن فرنس ــا الع ــام 1989 بعــد أن أمضيــت فيهــا مــا يقــارب األربعــة عشــر عامـــاً ،وفيهـــا ولـــد ابنائـــي ونشـــأوا وتطبعـــوا عل ــى الحي ــاة الباريس ــية ،ف ــي الوق ــت نفس ــه كان العراقيـــون يهاجـــرون زرافـــات نتيجـــة الوضـــع السياســي و االقتصــادي المتــأزم ..لقــد امضيــت فــي بغــداد ثمانــي ســنوات عجــاف ،مــررت فيهــا بأصع ــب الظ ــروف نتيج ــة عوام ــل كثي ــرة منه ــا الحص ــار ال ــذي م ــرّ عل ــى البل ــد ،عنده ــا ق ــررت الرحي ــل و ت ــرك الع ــراق م ــرة أخ ــرى مجب ــراً ال مخيـــراً .كنـــت أحلـــم بالعـــودة للوطـــن وبمجـــرد 21
مـا الـذي أراد الفنـان إسـماعيل فتـاح ـ فـي هـذه التخطيطـات ،المنفـذة بعفويـة ـ أن يبـوح بـه ،...باألحـرى مـا الذي اسـتحال عليه كتمانـه ،إن لم اقـل :مـا الـذي كتمه...؟ هـا أنـا أدوّن بالعوامـل ذاتهـا التـي سـمحت للفنـان بالتعبيـر عمـا كان يختلـج فـي أعماقـه ،ومـا كان يعانيـه ،...ليـس كـذات حسـب ،بـل لتاريـخ تمتـد ظلماتـه إلـى قـرون بعيـدة ،...أعـود أدوّن لشـعوري بـان النهايات لم تعـد محكومـة بمقدماتهـا ،بـل بمـا تذهـب ابعـد مـن ذلك! فلغز (العمل) ـ أو الحرية بوصفها تنمية ،أو الزمن الذي يسـتحق أن ال يكـون فائضـاً وضائعـاً ـ لـم تعد معالجته بالكلمات تناسـب الزمن الذي مـازال يعمـل بعنـاد علـى هـدم كل ما كان بحكـم الخراب ـ واألثـر ،...هذا إذا كان (الفـن) باسـتطاعته أن يدخـل فـي نظـام العمـل ـ اإلنتـاج ـ وليـس أن يكـون جـزءاً مـن االسـتهالك ،واالندثـار ،...فببسـاطة ،ومنـذ ألـف عـام ،لـم نعـد نمتلـك براعـة اختـراع واحـدة تقـارن بأكثر من ألـف براعة اختـراع أنجزتهـا عالـم واحـد عظيـم مثـل ادسـون! ،ذلـك ألن العمـل ،أي عمـل يتوخـى اإلضافـة والتحرر من آليات االقتصـاد البري ـ البدائي ،يعد فريـة ،بدعـة ،تهمـة ،شـبهة ،ليصبـح :ذنبـاً أو إثمـاً ال يفلت مـن العقاب. وألن ثمـة ديناميـة طالمـا صاغـت من إسـماعيل فتاح قـوة متدفقة ،فانه، حتـى فـي لحظـات االسـتمتاع ،أو االسـترخاء ،واالسـتراحة ،أن يفكـر بتخطـي حـدوده ،وان ال يـدع الزمـن يأخـذ طريقـه إلى األفـول ،والغياب. كانـت ثيمـة (المـوت ـ الحـب) ترجـع إلـى زمـن أقـدم ،مـن زمـن تنفيـذ هـذه التخطيطـات ،1985ولكنهـا لـم تتبلور لديـه ،بإرباكاتهـا ،وجدليتها، وبملغزاتهـا ،إال عندمـا اشـتدت عليـه العزلـة ،والوحـدة ،فـي أواسـط ثمانينيـات القـرن الماضـي ،إحساسـه الدائـم باسـتحالة اإلمسـاك بمـا كنـا نـراه يـ ّدب نحـو نهايتـه :الخـراب ـ والصمـت. وعلـى الرغـم مـن أن فـن النحـت يقـاوم (الهشاشـة) ويعمـل علـى منـح ً معـادال مـع الكتلـة ،إال أن ثمـة لغزاً ال يكمـن في الزمن ـ كحركة الفـراغ ـ بـل كجوهـر :ذلـك الـذي يعمـل على التفكيـك ـ والتفتيت. وباعترافـه لـي ـ بعـد أن كنـت أوقـدت فيـه معضلـة (إنانـا) بوصفهـا سـيدة األقـدار :المـوت ـ والحـب ـ انـه ال يسـتطيع فصـل الحديـن عـن بعضهمـا مـن غيـر شـعور بتحـول العالـم إلـى فـراغ بلا حافـات .فانانـا، بالسـومري ،تعنـي (الحيـاة) ،حاملـة معنـى (حـواء) فـي أسـاطير الخلـق 22
الهـواء ـ أو الفـراغ .فالمجرشـة ال تطحـن شـيئاً ـ كمـا كانـت الحيـاة تطحـن ضحاياهـا. وقـد تكـون ثمـة أسـباباً أخـرى مجهولـة ـ جينيـة أو أسـرية ـ غيـر التـي أفصـح عنهـا الفنـان كانـت تغـذي إحساسـه بالفـراغ ـ والخديعـة ـ وتنتهي بـه إلى :الوهم، سـمحت لـه مقاومـة االستسلام للهزيمـة ،أو الرضـا بالخمول. فديناميتـه ـ ضـد مشـاعره باسـتحالة حضـور الـذي ال وجـود لـه ،إن كان الكامـن فـي لغز البـذرة ،أو الذي تمثلـه أسـاطير الخلـق /ديموزي ،سـمحت لـه أن يتلهى ـ غوايـة ـ بالحيـاة بمعناهـا النسـبي ،فبعـد أن عـاش حيـاة طبيعيـة فـي أوربـا ـ ايطاليـا ،حلـم أن يسـتكملها فـي بغـداد ،فاصطحـب معـه فنانـة مرهفـة موهوبـة لتشـاركه مشـروعه الفنـي .لكـن تجاورهمـا لـم يـدم ً طويلا ،...لتعـود الفجـوة تتسـع وتعمـل عملهـا،... وهـي ذاتهـا القائمة بين النسـاء والرجال ،كأحد أشـكال المجتمعـات التـي لـم تجـد فرصـة لمغـادرة اقتصادهـا البـري ـ البدائـي. كان إحساسـه بالعزلـة محفـزاً لـه الجتياز موضوع ً متمثلا بعـدد كبيـر مـن تجاربـه في (المـوت ـ الحـب) النحـت ،وفـي الرسـم ،...إلـى توكيد ـ يبلغ حـد التكرار
العراقيـة القديمـة ،فهـي لـم تدفـن حبيبها ،بعـد أن دفنته فـي ظلمـات العالـم السـفلي ،بـل سـتعمل علـى إنقـاذه، وبعثـه مجـدداً إلـى الحيـاة. عمليـاً ،البـذرة إن تُدفـن ،لـن تنبـت .وديمـوزي، مثـال ،عبـر مواسـم الحـزن ،والبـكاء عليـه ،بانتظـار عودتـه ،وبعثـه ،عبر الدورات أو الفصول ،لم يسـتبعد (القـدر) ،بـل يحاذيه ،بفعل غوايـات (إنانا) أو (الحياة) أو (حـواء)... هـل ثمـة عقـدة تـكاد تتجـاوز مـا سيشـكل كراهيـة للعمـل ،واإلنتـاج ،بل واالبتكار ،توازي عالقة الرجال بالنسـاء....؛ عقـدة تبـدو إنهـا تحولـت إلـى مـرض ال شـفاء منـه إال بديمومـة هـذا المـرض! مكثـت تنتـج مـا كان أعظـم شـعراء العـراق الحديثيـن الملا عبـود الكرخـي قـد لخصـه فـي رائعتـه الفريـدة( المجرشـة)، ومعناهـا غيـر ملتبـس ،وغيـر مشـفر ،مـع انـه موجـه ضـد الواقـع االجتماعـي ـ السياسـي ،لكنـه يضعنـا ـ وجهـا لوجـه ـ إزاء :انانـا ـ الدنيـا ـ برمتهـا. لـم يكـن إسـماعيل فتـاح قـد أقـام معرضـه (رجـال ونسـاء) إال بعـد عقـد ،...ولكنـه طالمـا شـعر بـان الفجـوة ـ التـي تبلـغ أحيانـاً حـد الفجيعـة ـ مازالـت فعالـة ،بمـا كانـت مجرشـة الكرخـي تعنيـه وتقصـده:
23
لموضوع الرجال ـ النساء. فـي ذلـك المسـاء ( ،)1985/5/14كاأليـام التـي كان إسـماعيل فتـاح محورهـا ،فـي جمعية الفنانيـن التشـكيلين العراقييـن ،وال أتذكـر إننـي أنـا مـن طلـب منـه أن يخطـط ،بـل أتذكـر انـه هـو مـن سـحب األوراق منـي عنـوة ،...وراح يخطـط ،بانفعـال مشـوب بالقلـق ،والتوهـج ،فقد كان منتشـياً بثمالـة طائـر يرقص بعد الذبح! فلم يكـن موضـوع المـوت قـد احكـم انغالقـه عليـه، بـل وجـد انـه يحـوّم فـي مـكان آخـر ...هـو ... الجسد. كان يحدثنـي عـن حلـم لـم يفارقـه ـ قبل رحيل ليـزا زوجتـه وبعـد رحيلهـا ـ بإقامـة عالقـة مـع امـرأة عراقيـة...؛ كأنـه كان يرغـب أن يحفـر في أسـطورة (انانا) نفسـها ،بالعـودة إلى :الطين ـ مـادة الخلـق األولـى ،...وإعـادة تمثـل آليـات
سـر دفـن البـذرة ،...للعثور على أمل ،...مـا ،...ألن المرأة لن تصبـح مشـروعاً ً مكتملا إال باآلخـر ،ممـا يسـتدعي ابتكارات لـردم المسـافة ـ وفراغاتهـا ـ بينهمـا. ً فـي تلـك الجلسـة ـ وقـد أرخهـا الفنـان ووقعهـا أيضـا ـ بـاح بـكل مـا كان يمثـل عذابـاً حقيقيـاً يعيشـه ،وال يفصـح عنـه بالكلمـات ،...فتـرك أصابعـه تفصـح عـن قلـب وحيـد ،...وعن ذات مقيـ ّدة ،وعـن صـراع غيـر قابـل للخمـول أو التسـوية... ولـم يكـن الفنـان يجهـل التاريـخ الكبيـر المعـروف ،لمثـل هذه الموضوعات ،ومعالجاتها ،وهي ترجع إلى المعابد السـومرية، والهنديـة ،ومتوفـرة فـي تجارب أقدم ،ترجـع إلى اآللهة األم،... ومـا كان ينفـذ كتعويـذات ،وتعاليـم سـحرية ،وطبيـة ،كمـا إن العديـد مـن المتاحـف الكبـرى ،تضـم مجموعـات فنيـة نـادرة تتنـاول تصويـر األعضـاء ،والوضعيات الخاصة بالممارسـات الجنسـية ،خـارج األعـراف ،والرقابة ،والمحرمـات ،...فاألنثى ليسـت جسـداً يسـعى لـه الذكر ،ضمن ممارسـة الكائنـات الحية بلا اسـتثناء ،مـن اجـل اإلخصـاب أو االسـتمتاع ،بـل هـي أقدم عالمـة حملـت مفهـوم :الخلـق ـ اإلنتـاج .إنها (حـواء) بوصفها: المولـ ّدة .ولكـن حـواء مـن غيـر اآلخـر ـ وبعيـداً عـن مفاهيـم الخطيئـة وتأويالتهـا ـ لـن تسـتكمل مشـروع الحيـاة برمتهـا ،إال بوصفهـا حاملـة لبـذرة الحياة وديمومتها :موتهـا الذي ال يموت! علـى إن إسـماعيل فتـاح ،بالسـرعة التـي نفذ فيهـا تخطيطاته، ومـن غيـر نموذج(موديـل /جسـد /أو حركـة) ،لـم يكـن منـح مخيلتـه نشـاطاً ابعـد ،بـل تركـه طليقـاً يعمـل ولكـن بحـدود الرغبـة ـ الكامنـة ،وقـد تسـترت باالنفعـال ،ليغـوص فـي أكثـر ً مجهـوال :تقويض الرغبـة ،هدمها ،لبعثها، المناطـق سـرية ،أو ومنحهـا المجـال التعبيـري ،أي الفنـي. فإسـماعيل فتـاح ،كمـا ذكـر لـي ،اشـتغل بجعـل احـد أهـم الخصائـص (فنيـة) تكمـن في تشـذيب (الجسـدي) واالنتقال من الفسـلجي ،إلـى (الجمالـي) ،فانـه ـ هنـا ـ يقـوض هـذا المبـدأ،... إنمـا لصالـح تعبيريـة تنحـاز إلـى الـذات ،كي ال تنغلـق ،بل كي تصبـح موضوعـاً ،ومكانـاً لالمتلاء .فالـذات احتـوت الحركة لتعيـد خلقهـا بمـا تتضمنه من انفعال ،مـن غير تبذير ،أو زوائد. فالتكويـن ال ينسـاب بحريـة ،ومـن غيـر شـروط الرهافـة ـ الخبـرة ،بـل يلخصهـا ،كـي يؤكـد انـه يوجـد أو يصنـع (أثره) بمـا كان قـد غـدا بوحـاً ،همسـاً ،وليـس موقفـاً (أخالقيـاً )، منافيـاً لألعـراف ،والمألـوف .فالفنـان طالمـا كان معجبـاً بكتـاب (رجـوع الشـيخ إلـى صبـاه) حتـى لـم يخـف نيتـه بإعادة 24
كتابتـه بصريـاً ،ألنـه لـم يكـن يـرى فيـه خروجـاً على المسـكوت ،أو حتـى درسـاً طبيـاً ،منحـازاً إلـى احـد الـدالالت النفسـية ،أو االجتماعيـة ،بـل رأى فيـه نسـقاً فنيـاً ،لـم تألفـه مراحـل التدهـور ،وقد عمـل عليه كاتب (الرجـوع) ليـس بوصفـه اسـترجاعاً لمكونـات الخيـال بمـداه االجتماعـي ـ النفسـي ،بـل بقراءتـه ،ووضعه في سـياق إعـادة بنـاءه سـردياً . وربمـا وجـد الفنـان (الوعيـه) يؤكـد مـدى انحيـازه لمنـح الفـن ديناميـة تسـمح لـه بالتحـرر مـن صمتـه ،أو خجلـه ،فيجعـل مـن (التخطيط/النـص) أبجديـة حروفية أو كتابيـة مزدوجـة بيـن التشـخيص والتجريـد ،...حتى إن سالسـة الخطـوط ومرونتهـا ،حـد التجريـد ،تعيـد للذهـن مكانـة الصـورة فـي تحولهـا نحـو الحـرف، مثلمـا لـم يكـن الفنـان مولعـاً بالقـراءات النظريـة ،إال أن حساسـيته تطلبـت ـ وهـي تذكرنـا بمـا كان يتمتـع به فائـق حسـن مـن فطنـة فـي الرصـد والمراقبـة ـ أن تبلغ ذروتهـا :الحفـر فـي الخيـال ،بغيـة صياغـة تخطيطـات تسـمح للداخـل أن يكـون مرئيـاً ،وفـي الوقـت ذاتـه، تحافـظ التخطيطـات علـى بنـاء نظامهـا التعبيـري ـ اللغـوي ،غيـر المنفصـل عـن حقلـه الذهنـي. انـه ـ هنـا ـ تبنـى مـا كان قـد أهملـه :القـراءة الذهنية، ليسـمح لهـا أن تنبنـي بحساسـية ،ال تنقصهـا الخبـرة،
بـل تتجاوزهـا ،نحـو نصـوص غيـر اسـتهالكية ،وغير نافعـة ،بـل لتبقـى تمتلـك سـريتها ـ الجماليـة ،لكـن بفـن ينتمـي إلـى مـا قبـل الحداثـة ،والـى مـا بعدهـا أيضـاً .فالجـذور المخبـأة لـدى إسـماعيل ،لـم تفصلـه عـن عصـر يتكـون بالتصادمـات ،لكن ليتوخى بنـاء مغامرة شـبيهة بالتـي تأسسـت فـي عصـر الكهـوف ،وفـي عدد مـن المعابـد السـومرية ـ الهنديـة ،،وفـق أنظمـة تؤكـد انحيازهـا إلـى آليـات ال تتوفـر إال لـدى مهـارات لـم تقيـد ،ولـم تصـر راضخـة للمألـوف ،واالعتيـادي ،بـل لتحـرره ،وتسـمح لـه أن يتكون عبر زمنه المسـتحدث، وعبـر مـكان ّ متخيـل ،أكثـر منـه منحـازاً ألعـراف الواقعيـة ،وفرعهـا ،كالتعبيريـة ،أو الرمزيـة. اعتـرف بأننـي ـ فـي تلـك الجلسـة ـ لـم احتفظـت إال بهـذا العـدد مـن الرسـومات ،لسـوء تقديـر منـي وأنا أتلفهـا ،ألجـد مـا تبقى منها ،لـدي ّ ،بعد 30عاماً ،توقد الرغبـة ذاتها التي وجدت سـكنها في هـذه التخطيطات، والتـي نفذهـا الفنان ،بتلقائيـة ،وعفوية ،ولكن باإلفصاح عـن كتمـان اعتقـد انـه ينتظـر مـن يعيـد قراءتـه ،فـي تاريـخ مبدعنـا الكبيـر :إسـماعيل فتـاح الترك. *هنـاك تخطيطـات مباشـرة ،فاضحـة ،يمكـن االطلاع عليهـا لـدى مـن يقتنـي هـذه الوثائـق الفنيـة ،علـى نحـو خاص. 25
تحسين الزيدي
أســـتطاع معـــرض الجمعيـــة الســـنوي أن يقـــدم االســـتحقاق الـــذي يجـــب أن يكـــون عليـــه، إلبـــراز وجـــه الحركـــة الفنيـــة العراقيـــة ،عربيـــا ودوليـــاً ،فقـــد بـــرزت ظواهـــر كنـــا قـــد رايناهـــا فـــي المعـــرض الســـابق العـــام الماضـــي ولكنهـــا لـــم تكـــن بهـــذا الوضـــوح ،وهنـــا يأتـــي الســـؤال مـــاذا يعنـــي معـــرض الجمعيـــة الســـنوي ؟ هـــل هــو طقــس اعتيــادي وروتينــي ،تقــوم بــه الجمعيــة لمزاولــة نشــاط مــن أنشــطتها المعتــادة ؟ أم مجــرد ع ــرض تقلي ــدي دأب ــت علي ــه من ــذ س ــنوات ،من ــذ تأسيســـها بيـــد الـــرواد األوائـــل ؟ هـــذه األســـئلة
وليد البدري
26
وغيرهـــا تضـــع الفنانيـــن التشـــكيليين العراقييـــن أمـــام مســـؤولية المتحقـــق ،ويواجهـــون الســـؤال المهـــم ،مـــاذا تحقـــق مـــن أنجـــاز أبداعـــي فـــي حركــة التشــكيل العراقــي خــال العــام المنصــرم؟ ومـــا هـــو الحـــراك اإلبداعـــي الـــذي أنتـــج علـــى صعيـــد التجديـــد والتحديـــث،؟ وأيـــن موقـــع الحرك ــة الفني ــة العراقي ــة م ــن التط ــورات الفني ــة العربيـــة والعالميـــة ؟ أذن معـــرض الجمعيـــة، لي ــس طقس ــاً روتيني ــاً ،وال نش ــاطاً عاب ــراً أنم ــا جـــردت حســـاب تقـــوم بـــه الجمعيـــة ،لتظهـــر المتحق ــق م ــن إبداع ــات الفناني ــن العراقيي ــن ،عل ــى الرغـــم مـــن الظـــروف الصعبـــة التـــي يواجههـــا الفنانــون العراقيــون ،علــى مختلــف األصعــدة ،إال أن ه ــذا ال يب ــرر االس ــتحقاقات المفروض ــة عل ــى عاتقهـــم وعلـــى مـــاذا يجـــب أن يقدمـــه الفنانـــون والتـــي اســـتعدوا لهـــا خـــال ممارســـتهم النشـــاط عبـــر ســـنة زمنيـــة ،الن الحركـــة التشـــكيلية العراقيـــة ،ولـــدت بمخـــاض عســـير ،ونمـــت بمخـــاض عســـير ،وقدمـــت إبداعهـــا وصاغـــت موقعهـــا الـــذي تنظـــر لـــه الحـــركات التشـــكيلية العربيـــة والعالميـــة ،بعيـــن اإلعجـــاب ،ووصلـــت إلـــى مـــا وصلـــت إليـــه بفضـــل العزيمـــة ،وروح التفانـــي والتضحيـــة ،التـــي قادتهـــا األجيـــال منـــذ التأس ــيس وم ــا تاله ــا ،وم ــا كان يقوده ــم م ــن ه ــم ثقافــي الــذي جعلهــم والحركــة يواصلــوا المســيرة الت ــي ناضل ــوا م ــن أج ــل الوص ــول إل ــى الموق ــع الـــذي يجـــب إن يحتلـــوه . وقـــد ظهـــر بمـــا هـــو مطلـــوب منهـــم ،فقـــد كان النت ــاج أعم ــاال غلب ــت عل ــى أكثره ــا روح البح ــث والتجديــد ،مــن حيــث الحداثــة والتنــوع ،ومــا يبقــى ه ــو الق ــدرة واإلمكاني ــة الت ــي تتف ــاوت بي ــن فن ــان
ستار لقمان
سهى الجميلي
قاسم حمزة
27
زياد غازي
سالم الدباغ
وآخـــر فـــي المجـــال اإلبداعـــي ،وإذا مـــا نظرنـــا بعي ــن الناق ــد المق ــارن ،ف ــان م ــا ظه ــر م ــن انت ــاج عالمـــي خـــال فتـــرة الخمســـين عامـــا االخيـــرة، مـــن أعمـــال اســـتلهمت مـــن مـــدارس متعـــددة، وم ــا الحقت ــه م ــن تط ــور عل ــى صعي ــد الخروق ــات والتحدي ــات الت ــي قام ــت به ــا الحرك ــة التش ــكيلية مـــا بعـــد الحـــرب العالميـــة االولـــى ،وتمردهـــا عل ــى البن ــاء والتش ــييد االكاديم ــي للوح ــة ،س ــنجده ب ــارزاً بوض ــوح ف ــي المع ــروض عل ــى ج ــدران قاعـــة الجمعيـــة ،إي أن الفنـــان العراقـــي علـــى الرغ ــم م ــن الظ ــروف الصعب ــة الت ــي اش ــرنا له ــا، ظ ــل مواكب ــا للتط ــورات التقني ــة ،والنصي ــة للف ــن العالمـــي ،والحصيلـــة معرضـــاً متميـــزاً فـــي كل المقايي ــس ،وحت ــى ف ــي الهن ــات الت ــي الب ــد منه ــا لبعـــض االعمـــال . ،والمالحظـــة المهمـــة التـــي تتصـــدر المشـــهد ،هـــو هـــذا االندفـــاع الكبيـــر للعديـــد مـــن الفنانيـــن لتقديـــم إعمالهـــم للمعـــرض الســـنوي ،التـــي فاقـــت الســـنين الماضيـــة بالعـــدد المتقـــدم ،ووضعـــت الهيئـــة اإلداريـــة للجمعيـــة
سعد الربيعي
28
واللجن ــة المش ــرفة عل ــى المع ــرض بحال ــة إرب ــاك فالقاع ــة مع ــدة الس ــتالم ع ــدد مح ــدود ،ال يتج ــاوز اســـتيعابها أكثـــر مـــن ســـبعين او ثمانيـــن لوحـــة، إذا أردن ــا الع ــرض النظام ــي والرؤي ــة البصري ــة المثاليـــة لإلظهـــار ،ولكـــن أمـــام هـــذا االندفـــاع اضطـــرت اللجنـــة المشـــرفة ،بقبـــول العـــدد ال ــذي اكتظ ــت ب ــه القاع ــة ،ول ــم يك ــن باإلم ــكان إال إن تتخلـــى عـــن إعمـــال مهمـــة لفنانيـــن مـــن األجيـــال المختلفـــة ،فقـــد تـــم عـــرض واحـــد ً عمـــا زيـــادة عـــن العـــام الماضـــي، وعشـــرين إذا علمنـــا أن المعـــروض العـــام الماضـــي 154 وتـــم عـــرض 175هـــذه الســـنة ،وإذا عرفنـــا أن الع ــرض ف ــي الع ــام الماض ــي كان مكتظ ــا ولي ــس بالشـــكل النظامـــي للعـــرض ،كمـــا هـــو فـــي القاع ــات العالمي ــة ،س ــيكون الع ــرض له ــذه الس ــنة أكث ــر اكتظاظ ــا ،وه ــو م ــا دع ــى اللجن ــة المش ــرفة الزاحــة العديــد مــن االعمــال المهمــة ،والتعــرض لمهم ــة االعت ــذار ،أن مع ــرض الجمعي ــة الس ــنوي يب ــرز حقيق ــة ارادت ق ــوى كثي ــرة طم ــس حرك ــة الجمعيــة وتغيــر مســارها ،عــن كونهــا االم الــرؤوم للفناني ــن العراقيي ــن ،والت ــي أخ ــذت عل ــى عاتقه ــا منـــذ تاسيســـها وبطمـــوح الـــرواد االوائـــل ،ان تجع ــل م ــن الف ــن العراق ــي فن ــا عالمي ــا ،وتس ــحب الفن ــان العراق ــي إل ــى الرقع ــة الت ــي تظه ــر قدرات ــه الخالق ــة الت ــي ورثه ــا جي ــل بع ــد جي ــل من ــذ حف ــر اآلش ــوري بازميل ــه الحج ــر والس ــومري والبابل ــي بالطي ــن ،اول التكوين ــات ف ــي الكه ــوف والودي ــان والســـهول .واعجوبـــة الختـــم الطينـــي ،وبـــرج بابـــل ورســـوم الواســـطي.
خليف محمود
خالد جبار
( ) ... 29
يس ــتعين التش ــكيل الفن ــي للع ــرض ،بمصم ــم المناظ ــر المس ــرحية ال ــذي يق ــوم ب ــدور ِه ف ــي االقت ــراب كثي ــراً م ــن فنـــون النحت،والهندســـة المعماريـــة ،ومرئيـــات العـــرض المســـرحي.
ترج ــع بناي ــة المس ــرح ف ــي تصميمه ــا الخارج ــي ،ال ــى العم ــارة الت ــي يلجهــا المتف ــرج ،ليش ــعر بأنتمائ ــه اليه ــا او ينف ــر منه ــا ،تبع ــاً لحجومه ــا واش ــكالها ومواده ــا البنائي ــة . يقــع التصميــم الداخلــي علــى عاتــق المصمــم الــذي ينجــز منظــره بفضــاءات متعــددة المســتويات ،ومختلفــة االشــكال فــوق المنصــة . وم ــن خ ــال تط ــور الع ــرض ،وتنام ــي احداث ــه ي ــدرك المتف ــرج العالق ــات الرابط ــة بي ــن ازمن ــة الع ــرض المتنامي ــة ،وامكنت ــه المتناث ــرة . نج ــم حي ــدر فن ــان تش ــكيلي درس الفلس ــفة الجمالي ــة عل ــى ي ــد كب ــار االس ــاتذة وتخ ــرج ف ــي اكاديمي ــة الفن ــون ،ليس ــتكمل دراس ــته العلي ــا تح ــت اش ــراف 30
الع ــرض ،ث ــم يش ــرع بوض ــع مخطط ــات الع ــرض علـــى الـــورق بمقاســـات مضبوطـــة ،لينقلهـــا بعـــد ذلـــك الـــى مرحلـــة التجســـيد ،مـــن خـــال خلـــق « مســـافة جماليـــة» ،تقترحهـــا توقعـــات المخـــرج فـــي خطتـــه للعـــرض ،ويضـــع هـــو «المصمـــم» مقترحاتـــه ايضـــاً تبعـــاً الفـــق توقعاتـــه عـــن تلقـــي الجمهـــور لنوعيـــة تصميمـــ ِه حيـــن يشـــركه فـــي تجربـــة المشـــاهدة التواصليـــة ،الملموســـة والمصاغــة بصريــاً ،بعيــداً عــن الخبــرات التقليديــة ـاري اس ــتخدامها ف ــي مضم ــار المنظ ــر المألوف ــة الج ـ ِ المس ــرحي ،ال ــذي يك ــون ف ــي الغال ــب كم ــا يحس ــب نجـــم حيـــدر مقـــروءاً ومســـطحاً ،بـــا تحفيـــزات بصريـــة تـــوازي بتشـــكيالتها الجماليـــة خطـــة المخ ــرج ،او تنف ــذ بوس ــائط واس ــاليب فني ــة تخ ــص عناصـــر العـــرض المترابطـــة . تش ــغل ب ــال المصم ــم « نج ــم « قضي ــة ش ــائكة ه ــي :ه ــل الوظيف ــة تنت ــج الش ــكل ؟ ام ان الشـــكل هـــو الـــذي ينتـــج الوظيفـــة الدراميـــة للعـــرض ؟ . هـــو بـــا شـــك يبحـــث عـــن اســـتقاللية « الرؤيـــة التش ــكيلية « ،وال يعتبره ــا مج ــرد وس ــيط س ــردي لحكاي ــة الن ــص وكأنه ــا تابع ــة ،ب ــا هوي ــة خاص ــة
االســتاذ الدكتــور نــوري جعفــر كان « كاظــم حيــدر» قدوت ــه ف ــي الف ــن التش ــكيلي واخ ــذ من ــه خب ــرة َ ف ــي التعام ــل م ــع الس ــينوغرافيا المس ــرحية وتأث ــر مثل ــه نج ــم حي ــدر بالبيئ ــة العراقي ــة واســـلوبيات تشـــكيلها عل ــى وف ــق م ــدارس الحداث ــة الغربي ــة الت ــي خ ــاض ف ــي مدياته ــا . يذه ــب نج ــم ف ــي تصمي ــم المنظـــر الـــى فنـــون مـــا بعـــد الحداثـــة ايضـــاً مثـــل :فنـــون البيئـــة ،والجرافيتـــي ،وتوظيـــف الكتابـــة فـــي اللوحـــة ،والتعبيريـــة ً فضـــا عـــن التكعيبيـــة واالســـلبة والواقعيـــة الخياليـــة وســـواها . تزدحـــم فـــي مخيلـــة الديكوريســـت نجـــم حيـــدر ،مرجعيـــات الهندســـة المعماريـــة للمســـرح االغريقـــي بمدرجاتـــه ،وكذلـــك «امفيثيتـــر» الرومانــي بمالعبــه العريضــة مــروراً بعربــات القــرون الوســطى ومناظرهــا المرســـومة الـــى عصـــر النهضـــة واكتشـــاف المنظـــور التشـــكيلي . حيـــن يعمـــل مـــع المخـــرج يجلـــس مع ــه ،ويح ــاوره ،ليفه ــم مغ ــزى خط ــة
31
ومواصفاتهـــا مثـــل مســـرح بغـــداد ،والمســـرح الفنـــي الحديـــث ،والوطنـــي والرشـــيد ،ومســـرح كليـــة الفنـــون الجميلـــة . ً كان يصمــم مناظــر العــروض موظفــا شــكل النحــت الب ــارز « رلي ــف» بأس ــلوب زخرف ــي مبه ــر ،او مناظــر تشــكيلية يتجــاور فيهــا الواقــع والخيــال ،فــي فضــاءات عــروض مســرحية تدخــل تكويناتهــا مــن منطق ــة تجريدي ــة ال ــى معس ــكر جي ــش ال ــى ع ــرش كليوبات ــرا او تذه ــب ال ــى ط ــرز اس ــلوبية تخ ــص فت ــرة تاريخي ــة او « فانتازي ــا» ال ــف ليل ــة وليل ــة ،واخي ــراً ق ــد نجـــده يقـــدم لجمهـــور ِه ازقـــة محل ــة ش ــعبية . ويتعقـــد مشـــروعه فـــي رســـم فض ــاءات مس ــرحيات :طائ ــر البحـــر ،اصطيـــاد الشـــمس، الشـــريعة ،البـــاب ،المهـــرج، االسكـــــــ ــافي ،الجواه ــري ،الحس ــين االن ،منتق ـ ً ـا م ــن فض ــاء مغل ــق ال ــى مفت ــوح كم ــا ف ــي المس ــرح البابلـــي حيـــن قـــدم نبوخذنصـــر . ينشــىء نجــم حيــدر مــن جســم الســمكة تشــكيالت منظ ــره ف ــي مس ــرحية م ــا ،وف ــي اخ ــرى يبتك ــر شـ ً ـكال تكعيبيــاً لطائــر ،ويقــدم خارطــة لدماغ انســان فـــي مســـرحية ثالثـــة ،او شـــجرة تكـــون محملـــة
بهـــا .لذل ــك يبحـــث فـــي تصاميمـــه المنظريـــة عـــن طرائ ــق تلق ــي المتف ــرج لخط ــاب الع ــرض الجمال ــي ويســعى الثــارة اســئلة تنشــط مــن شــفرات العــرض ،وت ــدرج تكوينات ــه االنش ــائية ،حي ــن تأخ ــذ معه ــا المتفـــرج فـــي رحلتهـــا الفنيـــة عبـــر فضـــاءات ، تلمـــح فـــي الغالـــب الـــى « مضمـــرات» ســـاكنة ال مرئيــة مســورة بأشــكال ديناميــة مرئيــة ،ومتحركــة ومتحولـــة وجـــد نجـــم حيـــدر ان مغـــزى المنظـــر يتحقـــق ً اوال بالرســـم الهندســـي القائـــم علـــى دقـــة الحجـــوم ،وطبيعـــة الكتـــل والتكوينـــات ومـــدى عالقتهـــا بتيس ــير الي ــة حرك ــة الع ــرض ومـــن اهمهـــا الممثـــل فـــوق الخشـــبة ،ثـــم بعـــد تراكـــم الخبـــرة الميدانيـــة لديـــه منـــذ باكـــورة اعمالـــه عـــام 1979 الـــى اليـــوم حفلـــت مخيلتـــه بخزيــن مــا انتجــه الرســامون والنحاتــون العالميــون الكبـــار مـــن ابداعـــات ،اعانتـــه فـــي تطبيقاتـــه العمليـــة وهـــو يصمـــم منظـــر مســـرحية « الملـــك هـــو الملـــك» انتهـــاءاً الـــى مســـرحية» الجهـــاز « عمل ــه االخي ــر م ــروراً باكث ــر م ــن اربعي ــن ع ــرض مســـرحي ،ليطبـــق فرضياتـــه الجماليـــة بأحيـــاز هندس ــية معماري ــة مختلف ــة م ــن حي ــث ط ــرز بنائه ــا 32
م ــن اب ــواب الس ــيارات وهياكله ــا والعجــات العســكرية ،والعــوادم «الصالنصـــة» ليصنـــع منهـــا «ش ــجرة ح ــب» ويبـــدو ان «الشـــجرة» اثيـــرة لديـــه ،لدرجـــة انـــه يمحـــق هويتهـــا بمنهجيـــة تفكيكيـــة ، حتـــى يمنـــح «النقائـــض» فيهـــا فرص ــة س ــانحة لتفت ــك احداهمه ــا باالخـــرى ،بضـــراوة ال ترحـــم . كذلــك نجــد لديــه المتقابــات الضديــة ،مثــل بيــت ارســتقراطي مقابــل بيــت االعمــى المدقــع وســط كثبــان مــن رمــال بينهمــا .كذلــك يوظــف مفــردة العربـــة بتكوينهـــا المســـتطيل فـــي «جمهوريـــة الجواهـــري» ويركبهـــا مـــع عربـــات اخـــرى ف ــي ن ــزوع فيزي ــاوي تجريب ــي يه ــدف من ــه ال ــى تحقيـــق بعـــد هندســـي تشـــكيلي ،واجتماعـــي «سوســـيولوجي» مواكبـــاً مـــن خاللـــه اليـــة الحركـــة االخراجيـــة وحداثـــة معالجاتهـــا . تنـــوع نجـــم حيـــدر فـــي تقنياتـــه واســـلوبه جبـــاال مرتفعـــاً ً واســـتخدام مـــواده فتـــراه يبنـــي صاعــداً ويضــع مقابلــه منحــدراً هابطــاً مهزومــاً ويؤطرهـــا فـــي وحـــدة مـــن التنـــوع والتنظيـــم الجمال ــي لالفق ــي والعم ــودي والمق ــوس الدائ ــري واللولبـــي ،والمثلـــث يحـــرص «نجـــم عبـــد» فـــي كل تصميماتـــه ،
بالشـــرور او مثمـــرة وعليهـــا ايضـــاً كمـــا االبـــواب اقفـــال كبيـــرة وصغيـــرة ،ترمـــز الـــى حـــب الرجـــل والمـــرأة وايضـــاً نحتـــ ِه لشـــكل أنثـــى يكـــون كاحـــل قدمهـــا ناتـــىء فيـــه مايثيـــر « بروجوليـــة» الشـــبقية التـــي تتعلـــق بحلمـــة الثـــدي وتتعاكـــس معه ــا قـــدم اخـــرى تشـــبهها ،لتحقيـــق االنســـجام والتـــوازن كذل ــك « مهب ــل ام ــرأة « بتكوين ــات مجوف ــة تب ــرز خطوطهـــا المصنوعـــة مـــن الحديـــد لكنهـــا مرنـــة وطيع ــة وبالوق ــت نفس ــه قوي ــة متماس ــكة التكوي ــن . بلغ ــت جرأت ــه ان يض ــع ف ــي « االس ــكافي» ش ــجرة مـــن احذيـــة المغدوريـــن حرصـــاً منـــه علـــى ان يتفـــق « تأويلـــه» مـــع تأويـــل المخـــرج ،وتحقيـــق االنســجام العضــوي بيــن « الشــكل الســينوغرافي» م ــع « البن ــاء التكوين ــي للمنظ ــر» غالبــاً مــا كنــا فــي عملنــا االخراجــي الــذي اشــترك فيـــه بتصميـــم مناظـــره يتمنـــى ان يصنـــع بنفســـه خطـــة االضـــاءة بألوانهـــا وتدرجاتهـــا وخطوطهـــا وانتقاالتهـــا ،النـــه يعتقـــد ان االضـــاءة قـــد تفســـد بالكام ــل طبيع ــة المش ــهد الفني ــة وتفض ــح مكونات ــه وتفتتهـــا النهـــا ال تنســـجم مـــع اســـلوب العـــرض الجمالـــي . ف ــي مس ــرحية نجم ــة ج ــاء بمخلف ــات «الس ــكراب»
33
معم ــار الع ــرض وتش ــكيالته المتنوع ــه المنس ــابة . وكأنـــه يفيـــد مـــن ( فرانـــك لويـــد ) المعمـــاري ال ــذي كان يك ــرّ س موتيف ــاً ف ــي المبن ــى م ــن خ ــال تكـــراره . اخـــذ المصمـــم نجـــم ضمـــن اولوياتـــه ،جماليـــة المنظ ــر وتوظي ــف الحدي ــد بمتانت ــه الهيكيل ــة ف ــي كمحصل ــة الغال ــب ،ث ــم تأت ــي الوظيف ــة الدرامي ــة ّ نابعــة منهمــا فــي فضــاء تقــوم فيــه أنســاق حركــة الممث ــل (تش ــغيلياً) اي ه ــذه الوظيف ــة تعتم ــد عل ــى م ــا ينج ــزه الح ــداد ورج ــل االض ــاءة والنجــار والرســام اضافــة الــى جماليــة ( البيئ ــة ) الت ــي تتكي ــف معه ــا طبائ ــع الشـــخصيات بـــردود افعـــال مختلفـــة ،ويرتبـــط ذلـــك بأبعادهـــا الجســـمية والنفس ــية والطبيعي ــة أو بم ــا يُحيطه ــا مـــن اكسســـوارات . وأخيــراً مــا يســعى اليــه المصمــم مــن بـ ّ ــث رم ــوز تعبيري ــة ال ــى الجمه ــور وهـــي تحمـــل ثيمـــات اســـطورية (ســـومرية ،بابليـــة ،اشـــورية ، اس ــامية) ،او (حديث ــة – معاص ــرة) لتفـــرض وقارهـــا وشـــخصيتها علـــى الذاكـــرة الجمعيـــة تخطيطيـــة معروفـــة فـــي تصميـــم االقمشـــة او طباعيـــة (جرافيكيـــة) ليتالعـــب مـــن خالله ــا المصم ــم بالعالق ــات القائم ــة بي ــن الف ــراغ واالمتـــاء الليونـــة والصالبـــة بتـــوازن يكـــون متناظ ــرا احيان ــا او يش ــذ عن ــه باس ــتقامة صارم ــة احيانـــاً اخـــرى . اراد ف ــي غالـــب تصميمات ــه للمناظ ــر المس ــرحية توظي ــف م ــا يس ــميه ( الميكان ــو ) وكأن ــه يطم ــح ألن يبع ــث ( الحرك ــة الس ــينمائية الدرامي ــة ) ف ــي قلـــب اللوحـــة التشـــكيلية او المنحوتـــة لتخطـــو
علــى ( التكــرار ) ،البــراز سلســلة مــن مســتويات مرســـومة بأناقـــة ،وفضـــاءات مفتوحـــة ،وقطـــع معلق ــة او منخفض ــة تنخ ــرط ف ــي تكوين ــات جذاب ــة تنســـجم فيهـــا النوافـــذ اســـلوبياً مـــع الجـــدران والزقـــاق ،وباحـــة البيـــت . وتربــط كتلــة ( الخــارج ) مــع ( الداخــل ) وبنســق تلتق ــي ف ــي أرضيت ــه الخط ــوط والحج ــوم الخاص ــة بـــ ( االكسســـوارات ) ،واماكـــن الجلـــوس ، وخلفيـــات المنظـــر ( الســـايك ) ،ليُضفـــي األلفـــة
علـــى االماكـــن االيجابيـــة او النفـــور مـــن ســـلبية المـــكان . فــي الفضــاء العلــوي تشــكل قطــع الديكــور المعلقــة ســـقفاً يكـــرّ ر االشـــكال المســـتطيلة او الدائريـــة او الخاصـــة بالشـــكل البشـــري بمواقـــف متنوعـــة وقي ــم متباين ــة ،وغالب ــا م ــا نج ــده يقط ــع تكرارات ــه ه ــذه بمثلث ــات مض ــادة تض ــع ح ـ ّداً لدورانه ــا ف ــوق المنصـــة وتخفـــف مـــن هيمنتهـــا الدائريـــة علـــى 34
فـــوق الخشـــبة برهافـــة ورشـــاقة. يحافـــظ هـــذا المصمـــم فـــي مناظـــره علـــى شـــعرية تجتمـــع فيهـــا الهندســـة االليـــة مـــع جماليـــات الفـــن وتتركـــب عالماتهـــا بيـــن االيقونـــي والتأشـــيري والرم ــزي وكذل ــك ينسّ ــق ح ــركات الممث ــل المادي ــة م ــع ( جزئي ــة ) المنظ ــر ،وش ــكله ( الع ــام ) ليتوف ــر نســـيج العـــرض وتنوعـــه االيقاعـــي علـــى صـــراع الشـــكل وخلفيتـــه ،وعلـــى تضـــاد التكوينـــات التـــي تك ــون متوافق ــة م ــع مج ــرى الح ــدث الدرام ــي وقابل ــة لتأوي ــل الجمه ــور له ــا ،وه ــو يتاب ــع تناض ــد طبق ــات الع ــرض المس ــرحي وحلميت ــه ،وحي ــاة ال ــدور ل ــدى الممثـــل وتقلبـــات مصيـــره . يســـتوحي حيـــدر مـــن تاريـــخ المســـرح العالمـــي الكثي ــر م ــن مص ــادره ومناب ــع رؤاه حت ــى اس ــتطاع ان يط ــور م ــن تجرب ــة مس ــرحنا العراق ــي ف ــي ه ــذا الحق ــل المه ــم متابع ــاً لم ــا س ــبق ان ق ــام ب ــه ره ــط مـــن المبدعيـــن منهـــم ( جـــاك كوبـــو ) (– 1879 ) 1949الـــذي اســـتخدم مـــرة أرضيـــة « منحـــدرة « ،تتحـــرك فوقهـــا الشـــخصيات علـــى مســـتويات مختلفـــة .
او مــا قدمــه ( جــوردن جريــك) ( )1966 –1872 م ــن تكوين ــات بصري ــة تش ــكيلية موحي ــة ،موازي ــة للح ــوار احيان ــا . او كالذي قام به ( فاختنكوف ) ( ) 1922 – 1883مــن فــرز تشــكيلي -معمــاري ّ موظفــاً صراعــاً تشــكيليال بيــن بيئــة النبــاء والعمــال قائم ــاً بي ــن الكتل ــة والفض ــاء ف ــي مس ــاحة تقت ــرب او تبتع ــد م ــن صال ــة الجمه ــور ،وال ننس ــى م ــا قادن ــا اليـــه ( ستانسالفســـكي ) الـــى ذلـــك المنحـــدر فـــي قبـــو مســـرحية ( الحضيـــض ) حيـــث يبـــرز القبـــح والفقـــر للتأثيـــر نفســـياً علـــى تلقـــي المتفرجيـــن كمـــا ســـبق ان ســـلط ( ادولـــف ابيـــا ) ،اضاءتـــه للتركيـــز علـــى االبعـــاد العموديـــة واالفقيـــة والبعـــد التكوين ــي للممث ــل وعالقات ــه م ــع المنظ ــر ليختمه ــا «ب ــو ب ــوف» بقول ــه ( :ان ش ــكل المنظ ــر ،يرسّ ــخ ص ــورة الع ــرض ،فني ــاً ).
35
فــي ارســاء المعالــم االساســية لهــذا الفــن .يتمثــل جوهــر التحــدي فــي هــذا التــوازن بضــرورة انتــاج الصــور الفنيــة المنســابة ديناميكيــا والمتدفقــة بايقــاع موســيقي شــعري ،ولكــن عــن طريــق توظيــف عناصــر بصريــة مقيدة وثابتة ،مثــل العدد المحدود ألشــكال الحــروف األبجديــة ،وقواعــد الخــط الجماليــة الصارمــة وقياســات وتناســبات حروفــه وامتداداتــه الهندســية المتشــددة .ولــذا فــإن الحصيلة الحاســمة الحــداث هــذا التــوازن والنجــاح فــي تقديم الخطــوط المقبولــة لعيــن االختصاصــي والمشــاهد العــادي معــا ســتتطلب دون شــك مــن الخطــاط ان يكــون علــى مســتوى رفيــع مــن المقــدرة الفنيــة المقرونــة بممارســة مهنيــة تقليديــة طويلــة االمــد. وعلــى صعيــد هــذا االلتــزام الزمنــي الطويــل والتكريــس المتفــان للطاقــات الفنيــة ،فإننــي أجــد نفســي محظوظــاً بأننــي قــد تســنى لــي ان اضــع
بإعتبــاره واحــدا مــن الفنــون االســامية الرئيســية ، يتميــز فــن الخــط العربــي بإلتزامــه باصــول محــددة واســس قواعديــة منضبطــة تتطلــب تدريبــا تقليديــا طويــا ومراســا مســتمرا مــن اجــل ان يتســنى للخطــاط تنفيــذ اعمالــه الفنيــة ببراعــة وعنايــة فائقتيــن تتناســبان مــع المكانــة الفنيــة التأريخيــة المبنيــة علــى التهذيــب واالنضبــاط الروحييــن لهــذا الفــن .وبالرغــم مــن كــون ممارســة هــذا الفــن تلــزم الخطــاط بتكريــس نشــاطه التدريبي بانهمــاك مكثف والمــد طويــل ،فــإن هــذا النشــاط ومــا ينجــم عنــه مــن حصيلــة فنيــة يبقــى يمثــل تجربــة تثير الســرور ـرون واالمتــاع لــكل مــن الخطــاط وجمهــوره .فلقـ ٍ خلــت واجهــت أعمــال الخــط العربــي الكالســيكية تحديــاً جماليــاً كبيراًمتخطيــة بجــدارة إختبــار التــوازن الفنــي الــذي ربمــا يبــدو إشــكالياً للوهلــة االولــى فــي عيــن الناظــر العابــرة لكنــه جوهريــا
36
خطواتــي االولــى علــى هــذا الطريــق الطويــل بعمــر مبكــر ،واســتمر بأستكشــاف خبايــا هــذا الفــن وممارســة اصولــه بشــكل شــخصي ولمــدة قاربــت الخمســة عقــود .كمــا اننــي أعتبــر نفســي محظوظــا ان اكــون حاليــا واحــداً مــن الخطاطيــن القالئــل الذيــن يقيمــون فــي الغــرب ولكنهــم مازالــوا يتشــبثون بإصولــه التقليديــة وماتســتلزمه مــن مهــارات يدويــة .علــى اننــي الزلت من بيــن القالئل الذيــن مــا زالــوا يقاومــون اإلغــراءات المتصاعــدة التــي توفرهــا الثــورة التكنولوجيــة الحاليــة ومــا قدمتــه برامــج الكومبيوتــر مــن طــرق مبتكــرة فــي إســتخدام الخطــوط والنمــاذج التصميميــة الجاهــزة وامكانــات متطــورة لتشــذيب الصيــغ النهائيــة للتصاميــم الفنيــة وابالغهــا حالــة الكمــال ،فــي وقــت تط ـوّرت فيــه البرامجيــات المتجــددة لتقليــل الجهــد العضلــي والعقلــي ووضــع النتائــج النهائيــة فــي أكمــل وجــه فــي مجــال التصميــم الغرافيكــي والفنــون المرتبطــة بــه ،بما فــي ذلك الخــط العربي. خــال تلــك المــدة الطويلــة مــن انكبابــي الشــخصي الفــردي علــى تعلــم الخــط وضبــط اصولــه كان البــد لــي مــن التأثــر بكوكبــة المواهــب الفــذة فــي هــذا المجــال والتعلــم مــن ســيرتهم واســتلهام اســاليبهم المتميــزة .وهنــا اود االشــارة بالــذات الــى تأثــري الكبيــر بخطاطــي المدرســة البغداديــة المعاصــرة التــي تقدمهــا االســتاذ هاشــم محمــد الخطــاط البغــدادي ( ،)1973-1921وقبلهــا المدرســة العثمانيــة التــي ضمــت كوكبــة متألقــة مــن فطاحــل الخــط والتــي تقدمهــا الشــيخ حمــد هللا االعمصــي ( .)1520-1436وبالرغــم مــن تأثــري البالــغ بتلــك المواهــب اال اننــي لــم اذهــب الــى التأثــر الحرفــي بإســتاذ محــدد كمــا اعتــادت علــى نهجــه اجيــال متواليــة مــن الخطاطيــن التقليدييــن .وهنــا فإنــي اميــل الــى توصيــف اســلوبي علــى انــه خليــط بيــن القديــم والحديــث
للحــد الــذي يمكــن تســميته باالســلوب «الكالســيكي الجديــد» Neoclassicalلحفاظــه علــى طــرق وأســاليب وتقنيــات الخطاطيــن القدامــى منــذ القــرن الثامــن مــن ناحيــة ،واالســتفادة مــن توظيــف بعــض العناصــر الجماليــة المعاصــرة مــن ناحيــة ثانيــة .ومــن اجــل التعريــف اكثــر بهــذا االســلوب الشــخصي ،فإننــي اشــير الــى امكانيــة تشــخيصه تبعــا لتميــزه بالمالمــح التاليــة :فــي الوقــت الــذي انفقــت ســنينا طويلــة فــي تقليــد الحــروف والكلمــات مستنســخا اياهــا مــن كتابــات الخطاطيــن الكبــار ومالحظــا تركيباتهــا وتاقنــا اوزانهــا اال اننــي لــم اقلــد او استنســخ اي لوحــة كاملــة الي خطــاط كمــا هــو شــائع فــي اوســاط الخطاطيــن المحترفيــن الذيــن يتبعــون التقليــد التاريخــي حيــث لــم يجــد الخطاطــون ضيــرا مــن اعــادة انتــاج لوحــات الخطاطيــن الذيــن ســبقوهم بحذافيرهــا .اننــي الاعيــب علــى الخطاطيــن هــذا التقليد الشــائع لقرون لكننــي شــخصيا الاراه ضروريــا بــل اننــي ارى ان مــن االفضــل لــي ان اضــع تصاميمــي الخاصــة وابتكاراتــي الشــخصية طالمــا اننــي تعلمــت ضبــط االصــول والقواعــد مــن خــال دراســة اعمــال ممــن ســبقني .إننــي درجــت علــى اســتخدام الزخرفــة العربيــة كعنصــر تكميلــي للخــط ،مقارنـ ً ـة بتوظيفهــا التقليــدي الــذي غالبــا مــا ينطــوي علــى: -1توظيفهــا بشــكل تكنيكــي جزئــي يشــكل االطــر العامــة التزيينيــة المنفصلــة نســبيا عــن فضــاء الخــط الداخلــي ،أو -2توظيفهــا َك َف ٍّ ــن ديكــوري منفصــل كليــا عــن عمــل الخــط ،لكنــه يقــف ككيــان مســتقل بجدارتــه ويــكاد يكــون فرعــا مســتقال مــن الفنــون االســامية يســمى االرابســك .Arabesque وهنــا فإننــي أرى ان أســلوب مقاربتــي التكاملية بين الخــط والزخرفــة ينطــوي علــى إســتخدام مــدروس لموتيفــات مختــارة وقليلــة مــن الزخرفــة تندمــج مــع 37
البنــاء التشــكيلي للخط وتشــكل معه وحــدة التنفصم شــكليا ولونيــا ،وذلــك مــن أجــل أن تكــون النتيجــة النهائيــة للــّـوحة الفنيــة مؤثــرة ومتناغمــة .تتضمــن هــذه الموتيفــات أنماطــاً زخرفيــة معقــدة نوعــا مــا، خاصــة مــن ناحيــة توظيفهــا فــي تداخــل الخطــوط وتشــابك األشــكال التــي غالبــاً مــا تكــون أجــزاء نباتيــة كالســيقان واألوراق والبراعــم والتــي بإمكانهــا أن تمنــح نفســها تمامــاً للرقــة التركيبيــة للخطــوط .تظهــر هــذه الحالــة جليــة خاصــة فــي مهمــة اشــغال الفراغــات بشــكل يعــزز مــن روعــة ً التصميــم ويزيــده كياســة وبريقــاً .كمــا ان هــذا االســتخدام الزخرفــي يســاعد فــي الوقــت نفســه علــى تهيــة الفرصــة الســتخدام األلــوان المختلفــة التــي تكســر حــدة التناقــض اللونــي المألــوف بيــن الخطــوط وخلفيتهــا ممــا يســبغ علــى اللوحــة تأثيــرا بصريــا رائعــا يشــبه تأثيــر الحلــي واالقــراط علــى وجــه امــرأة جميلــة .أمــا اللــون فيســهم هنــا فــي تعزيــز العالقــة بيــن جزئــي الخــط والزخرفــة مــن دون ان يزيــد التباســهما .فغالبــا مــا تكــون ألــوان الخلفيــات معتمــة وقاتمــة ،كاألســود الخالــص او االزرق القاتــم التقليديــان علــى وجــه التحديــد ،بينمــا تكــون العناصــر األماميــة بيضــاء أو بألــوان أخــرى فاتحــة ،ويتــم أيضــاً إســتخدام األلــوان البرّ اقــة وبخاصــ ٍة فــي بعنايــة وعلــى نحــو مــدروسِ ، اإلطــارات الداخليــة الفســيحة والموتيفــات الصغيرة وفــي النقــاط القواعديــة .وبذلــك يتــم وضــع جميــع هــذه العناصــر والمكونــات بشــكل توافقــي متناغــم فــي تركيبــة متكاملــة لتقديــم لوحــة الخــط العربــي كوحــد ٍة واحــدة متماســكة. * اســتخدام عــدد كبيــر مــن االلــوان غيــر المألــوف اســتخدامها بموجــب النهــج الكالســيكي فــي اعمــال الخــط العربــي التقليديــة التــي كادت تقتصــر علــى اســتخدام االحبــار الســوداء والزرقــاء والبنيــة علــى 38
الــورق االبيــض او االســمر .علــى ان الغــرض الرئيــس مــن توظيــف هــذه األلــوان يتمثــل فــي تعزيــز الحــس البصــري وإضــاءة التماســك األساســي للصــورة .عــاوة علــى ان االســتخدام القليــل والمــدروس للعناصــر الزخرفيــة جنبــا الــى جنــب مــع توظيــف اللــون يُ َعــ ُّد أمــراً أساســياً جوهريــا فــي التأكيــد علــى بلــورة التجريــد الفنــي وفصلــه عــن اإلنشــاء النقشــي دون إخضــاع االســلوب والنتيجــة الــى مــا قــد ينجــم عــن انتــاج فــن تزيينــي مجــرد. لقــد وفــرت االســتعانة بالكومبيوتــر امكانيــات هائلــة فــي تغييــر الــوان الخــط وخلفيتــه المعــدة بالطريقــة التقليديــة فــي اســتخدام القصبــة والحبــر والــورق ،االمــر الــذي وســع افــق االمكانــات الكرافيكيــة للخطــاط اذا مــا اراد انتــاج صيــغ مختلفــة للعمــل االصلــي. * ثمــة عنصــر آخــر داعــم لهــذه المقاربــة يتمثــل فــي تقليــص النــص المكتــوب الــى الحــد األدنــى الممكــن. علــى ان تؤخــذ العنايــة الكافيــة فــي البحــث عــن النصــوص المناســبة ليــس فقــط لقصرهــا انمــا لتوفــر التركيــب التشــكيلي المناســب فــي هيــاكل حروفهــا ،اضافــة الــى تناســب معانيهــا مــع مــا اراه جديــرا باالعتــزاز .وبمــا ان اختياراتــي انحصــرت فــي النصــوص الدينيــة وبشــكل خــاص القرآنيــة تماشــيا
مــع روح وتاريــخ الخــط العربــي االســامي ،فاننــي انتهــزت الفرصــة الختيــار النصــوص التــي تتناســب مــع توجهاتــي الفلســفية والتــي اراهــا مهمــة فــي التأكيــد علــى المعانــي االيجابيــة الســامية فــي الســام والحريــة والتعــاون والمحبــة والعمــل المخلــص المثمــر .ومــن الناحيــة التكنيكيــة ،أرى أن المبــرر االقــوى إلســتخدام أقــل مــا يمكــن مــن وحــدات نصيــة يكمــن فــي ٍ حقيقــة مفادهــا انــه ُكلّمــا أصبــح ً طويــا ،كلمــا ازداد تشــظي النــص ُ المشــهد التشــكيلي ،وكلمــا ازدادت المحــددات المفروضــة علــى العمليــة اإلبداعيــة ممــا يقلــل أمــر التحكــم بهــا والســيطرة علــى ادارتهــا بالشــكل المبتغــى. * توظيــف التناظــر التشــكيلي خاصــة بواســطة اســتثمار التكنيــك المســمى «انعــكاس المــرآة» مــن اجــل انتــاج صيــغ مشــتقة اخــرى عــن طريــق استنســاخ وتكــرار عناصــر منفــردة وادماجهــا فــي مــا يحقــق شــكال جديــدا .وبالرغــم مــن ان هــذا التكنيــك ليــس مــن ابتداعــي الشــخصي والهــو بجديــد فــو وســط ورشــات الخــط والخطاطيــن ،اال ان تســخيره فــي التكويــن التجريــدي لتكــرار المشــهد وتناظــر العناصــر وإنعكاســات الصــور ،وإعــادة إنعاشــها ودمجهــا بطــرق وتقنيــات أخــرى يمثــل اتجاهــا آخــرا اضــاف 39
ســوى صورتــه المشــوهة التــي وضعتــه صنــوا للعنصريــة والتخلــف وجعلتــه قائمــا علــى التمييــز والكراهيــة وعــدم التســامح والعنــف الموثــق بأبشــع جرائــم الذبــح والتمثيــل بجثــث الضحايــا .والشــك فــي ان ماعقــد االمــور ودفــع الــى تصعيدهــا ســو ًء وتشــويها هــو ان السياســات الغربيــة ،خاصــة فــي الواليــات المتحــدة وبريطانيــا ،لــم تســتجب لهجمــة االســام السياســي اال متأخــرا ،اوال ،ولــم تســلك ثانيــا ،ســوى طريــق التعامــل بالمثــل بــل عبــر سياســة الجهــل التــي تقــر الصــاع صاعيــن مــن خــال التجييــش والغــزو وشــن الحــروب والهــاب االعــام وتصعيــد التهديــدات والرجــوع الــى حماقــات العيــن بالعيــن والســن بالســن بــل اســوأ من ذلــك بكثيــر .ولقــد ســاعد هــذا النــوع من االســتجابة بشــكل خيالــي فــي دعــم تبريــرات المتطرفيــن واالرهابييــن الذيــن وجــدوا لهــم الفرصــة الذهبيــة فــي مواصلــة سياســات غســل االدمغــة وكســب المالييــن مــن المعدميــن والمحروميــن الذيــن همشــتهم سياســات االنظمــة الدكتاتوريــة الوحشــية ورمتهــم فــي هــوة الجهــل والغيــب وانتظــار رحمــة الــرب ،االمــر الــذي مهــد لمتطرفــي الديــن ومنتفعيه مــن اللصــوص والمشــعوذين ان يغتصبــوا كل ماتبقــى مــن حيــاة ويمعنــوا فــي انتهــاج االرهــاب والوحشــية بحجــة المقاومــة المقدســة لــكل مــن يعــادي االســام ويظلمــه. ولهــذا الســبب الجوهــري بالــذات اطمــح جاهــدا فــي ان اوفــر مــن خــال فنــون الخــط والزخرفــة فرصــة ثمينــة للجمهوراألميركــي بشــكل خــاص والمتتبــع االجنبــي بشــكل عــام كــي يــرى بــأم عينــه ويــدرك جيــداً الوجــه الســاحر الجميــل والمســالم والمتألــق مــن التــراث العربــي اإلســامي متمثــا بفنــه المتفــرد المتميــز مــن بيــن فنــون الحضــارات والثقافــات المختلفــة الممتــدة عبــر
الــى اعمالــي صبغــة بصريــة اختلفــت عمــا هــو مألــوف. يحملنــي االعتقــاد كمواطــن عراقــي -أمريكــي يعيــش فــي الواليــات المتحدة لخمســة وثالثيــن عاما مضــت ،بــأن تــراث قوميتــي الغنــي قــد تــم إهمالــه وإنــكاره ورفضــه فــي هــذا المجتمــع بصفــة عامــة، االمــر الــذي آل الــى ان تصبــح الجاليــة العربيــة والمســلمة فــي الواليــات المتحــدة ثانويــة ومهملــة بشــكل مؤسســي ،منظــوم ،ومتدهــور بمــرور الزمــن .فهــا هــي قــد سُ ـلِبت مــن كبريائهــا وجــردت تدريجيــاً مــن فــرص التفاخــر بتراثهــا وإعــان إنتمائهــا العرقــي والدينــي تحــت شــبح الخــوف مــن أن تكــون موضــوع إرتبــاط بجميــع أنــواع التطرف الدينــي واإلرهــاب السياســي .إال اننــي أرى بتجــرد وحيــاد عقالنييــن ،انــه ليــس مــن الحكمــة ان نلقــي باللــوم كلــه علــى نظــرة المجتمعــات الغربيــة المتعاليــة ومناهجهــا المثقلــة بالتمييــز العنصــري والطبقــي ووســائل اعالمهــا غيــر الموضوعيــة وغيــر المنصفــة احيانــا .ذلــك ان الحصــة االكبــر مــن اللــوم لمــا حــل بســمعة العــرب واالســام مــن تشــويه شــامل ينبغــي ان تلقــى بالدرجــة االولى على عاتــق التطــرف السياســي ،العنصــري والطائفــي وسياســات وممارســات الحكومــات واالحــزاب المخادعــة المرائيــة والمنتفعــة الجاهلــة المنتشــرة فــي ارجــاء مجتمعاتنــا العربيــة واالســامية .علــى ان مســؤولية الخــراب الحاضــر تقــع بشــكل خــاص علــى اكتــاف االســام السياســي الــذي غــزا المنطقة والعالــم وعــاث فيهــا فســادا لــم نشــهده مــن قبــل ممــا حــط مــن ســمعة االســام والعروبــة وانــزل بهمــا الــى الحضيــض ،االمــر الــذي انســحب بشــكل مؤلــم علــى المشــهد الثقافــي وخاصــة علــى القيمــة الحضاريــة للفنــون االســامية وفــي مقدمتهــا الخــط العربــي .فلــم يقــدم االســام السياســي عــن االســام 40
التأريــخ .ويحدونــي االمــل الكبيــر بــأن يكــون مجــال الفــن وفاعليتــه قــادران علــى طــرح معــادل موضوعــي فعــال ونافــذ للنظــرة المُقولبــة الجاهــزة الســائدة التــي تعتبــر هــذا التــراث بدائيــاً وفطريــا ومفعمــا بالعنــف وعــدم التســامح! كمــا اننــي أرى بــأن تجربتــي الفنيــة هــذه قــد ّ توفــر فرصــة نــادرة للجاليــة العربيــة المســلمة المحرومــة ثقافيــاً كــي تحتفـ َ ـدث يســتجيب لِمُكـو ٍِّن رئيــس مــن حاجتها ـل بحـ ٍ الثقافيــة وال ِعرقيــة .وبقــدر متســاو مــن األهميــة ٍ اعتبــر هــذه الفرصــة مؤاتيــة للجمهــور بشــكل عــام كــي يطلِّــع أكثــر علــى تــراث المســلمين الثقافــي والجمالــي الزاهــر منــذ بــزوغ فجــر االســام فــي القــرن الســادس الميــادي ولحــد االن ،وذلــك مــن اجــل التمتــع بفرصــة استكشــاف خصائــص الخــط العربــي وأهميتــه .وفــي الختــام أرى ان مــن الضــروري التأكيــد علــى ان اهتمامــي بموضــوع الخــط والترويــج لــه هــو مشــروع شــخصي بحــت لــم يتمتــع بتاتــا بــأي دعــم مؤسســي او خيــري او فــردي مــن اي نــوع ومــن اي اتجــاه .وهــو بهــذا يقــف مســتقال وال يمثّــل أي دفــع سياســي او دينــي قــد يبتغــي الترويــج للفكــر اإلســامي أو القوميــة العربيــة .كمــا انــه فــي ذات الوقــت ال يمثــل اي إنعــكاس لتجربــة روحيــة مجــردة علــى المســتوى الشــخصي ،مثلمــا قــد توحــي بــه النصــوص المدونة فــي اللوحــات .علــى اننــي اقــف مــع هــذا المشــروع فخــوراً ومعتــداً بحقيقــة عــدم انتمائــي السياســي وعــدم انحيــازي الدينــي أواالجتماعــي .وبــذا فــأن الغــرض والمحفــز االساســي للنهــوض بالخــط العربــي كمشــروع ثقافــي هــو االلتــزام الحضــاري واالجتماعــي بضــرورة االحتفــاء بالتــراث الفنــي االســامي ،وتثميــن منجزاتــه ،والمســاهمة فــي صيانتهــا والحفــاظ عليهــا ،واعطاءهــا االهميــة المناســبة التــي تســتحقها بجــدارة. 41
42
أنـــا أكتـــب كشـــخص كـــرس عمـــر البلـــوغ لدي ــه منغمس ــا ف ــي تصوي ــر ثالث ــي األبع ــاد. لق ــد كان ش ــغفي االكب ــر المش ــي ف ــي المرك ــز الدولـــي للتصويـــر الفوتوغرافـــي فـــي عـــام 1975ف ــي مع ــرض الذواك ــر ثالثي ــة األبع ــاد ‹ 75فــي العقــد األول 3يوليــو 19 -ســبتمبر ،1975ورؤي ــة أول ص ــورة ثالثي ــة األبع ــاد ل ــي كان ــت تجرب ــة تعص ــف بالعق ــل .قضي ــت فتـــرة طويلـــة ابحـــث فـــي تلـــك الصـــور وخرجـــت مـــن برنامـــج المقارنـــات الدوليـــة فــي حالــة ذهــول ،تمامــا مقتنعــا أن هــذه هــي العناصــر التــي أردت أن اخلــق الصــور بهــا. لقــد كانــت رحلــة طويلــة لتعلــم حرفــة اخــرى وتدريس ــها ،وإنش ــاء مراف ــق له ــا والعم ــل ف ــي البحـــوث الضوئيـــة فـــي معهـــد نيويـــورك للتكنولوجيـــا جنبـــا إلـــى جنـــب مـــع مختبـــر الحاســـوب الرســـومات «االســـطوري» فـــي أوائـــل الثمانينيـــات « ،بصفتـــي القيـــم علـــى متحـــف نيويـــورك للذواكـــر ثالثيـــة األبعـــاد ومختـــص يظهـــر بصـــورة مســـتقلة الصـــور المجســـمة ،وخلـــق الرســـوم المتحركـــة الثالثيـــة االبعـــاد لصـــور رقميـــة مجســـمة وكتابـــة المقـــاالت حولهـــا وتدريســـها حاليـــا علـــى االنترنـــت فـــي المدونـــات .اآلن وبعـــد مـــرور 38عامـــا ،طلـــب منـــي أن أكتـــب ع ــن مس ــتقبل تصوي ــر ثالث ــي األبع ــاد توقف ــت للتفكيـــر فـــي هـــذا لبعـــض الوقـــت .علـــى الرغـــم مـــن الطبيعـــة القلقـــة فـــي تلفزيـــون اوعوالـــم ســـينمائية ثالثيـــة االبعـــاد .هنـــاك العدي ــد م ــن التط ــورات واألس ــاليب الجدي ــدة لمجموعـــة واســـعة مـــن التطبيقـــات 3Dو كم ــا يس ــمونها الن ــاس الثالثي ــة األبع ــاد .لق ــد خلقـــت حيـــاة جديـــدة فـــي وســـيلة موجـــودة علـــى عتبـــة التغييـــر.
الفنـــون البصريـــة هـــي مجموعـــة الفنـــون التــي تهتــم أساســاً بإنتــاج اعمــال فنيــة تحتــاج لتذوقهـــا إلـــى الرؤيـــة البصريـــة المحسوســـة علـــى اختـــاف الوســـائط المُســـتخدمة فـــي إنتاجهـــا فهـــي األعمـــال الفنيّـــة التـــي تشـــغل حيّـــزاً مـــن الفـــراغ كالرســـم والتلويـــن ً شـــكال) وبالتالـــي يمكـــن والنحـــت (تأخـــذ قيـــاس أبعادهـــا بوحـــدات قيـــاس المـــكان (كالمتــر والمتــر المربــع) وهــي بهــذا تختلــف عـــن الفنـــون الزمانيّـــة كالرقـــص والشـــعر والموســـيقى والتـــي تقـــاس بوحـــدات قيـــاس الزمـــن (الدقائـــق والثوانـــي) لتصبـــح لدينـــا الفنـــون الســـبعة بجمـــع الفنـــون بصريـــة والزمانيّ ــة وتل ــك الت ــي تحم ــل الصفتي ــن مع ــاً كالســـينما (بصرية/زمانيّـــة). و الفن ــون المرئي ــة ه ــي لفظ ــة عام ــة تش ــمل الفنــون البصريــة والفنــون التعبيريــة والفنــون التطبيقي ــة. و قديم ــاً عُ رف ــت الفن ــون المرئي ــة انه ــا فق ــط الفنـــون الجميلـــة مثـــل :الرســـم والتصويـــر والنحـــت والعمـــارة ؛ واســـتُثنت الفنـــون التطبيقي ــة والمه ــارات الفني ــة الحرفي ــة مث ــل: الخـــزف والحياكـــة والنجـــارة وتصميـــم ـي واألزي ــاء ،فل ــم يت ــم اعتباره ــا فنون ــاً الحُ ل ـ ّ حتـــى انـــدالع (حركـــة الفنـــون والمهـــارات الفني ــة )Arts and Crafts movement التاريخي ــة ف ــي بريطاني ــا ف ــي نهاي ــات الق ــرن الـــ 19وبدايـــات القـــرن العشـــرين والتـــي هدفـــت إلـــى الدمـــج بيـــن الفنـــون الجميلـــة والفنـــون التطبيقيـــة. تتميـــز الفنـــون البصريـــة عـــن فنـــون األداء performing artsوفنـــون اللغـــة language artsوفــن الطهــي culinary artوغيرهـــا مـــن أصنـــاف الفنـــون ،لكـــن 43
الحدود بينهم تبقى واهية. فالعدي ــد م ــن الفناني ــن ينخرط ــون ف ــي ع ــدة أن ــواع مـــن الفنـــون أو يمزجـــون الفنـــون المرئيـــة مـــع بعضه ــا أو م ــع اصن ــاف فني ــة غي ــر مرئي ــة مث ــل : الموســـيقى والـــكالم المنطـــوقword spoken وبدخــول التكنلوجيــا المتقدمــة الــى الســينما واســتخدام المؤث ــرات الصوري ــة الخاص ــة انتف ــت الحاج ــة ال ــى الديك ــورات الضخم ــة واس ــتبدالها بالص ــور الرقمي ــة االفتراضي ــة وصــوال الــى الصــورة الثالثي ــة االبع ــاد . امـــا االن وفـــي تطـــور مذهـــل لهـــذه التكنولوجيـــا حيــث الغــى هــذا االبتــكار الشاشــة وجهــاز العــرض التقليـــدي ،فقـــد ابتكـــر النحـــت الضوئـــي باليـــزر االخض ــر ال ــذي يبن ــي اجس ــاما س ــاكنة او متحرك ــة مـــن الضـــوء تضاهـــي الحقيقـــة . وفكرتهــا غايــة فــي البســاطة فلــو رمينــا حجــرً ا فــي برك ــة م ــاء س ــاكن فإن ــه س ــتتولد موج ـ ٌ ـات منتظم ــة، تنتشـــر علـــى شـــكل دوائـــر متحـــدة المركـــز .ولـــو رمينـــا حجريـــن متماثليـــن تمامًـــا فـــي نقطتيـــن مختلفتي ــن ف ــإن الموج ــات الت ــي تنت ــج عنهم ــا يتج ــه ُ بعضه ــا نح ــو بع ــض .ف ــإذا التق ــت ذرو ُة موج ــة م ــع ذروة موجـــة أخـــرى فإنهمـــا تتضافـــران وتعطيـــان 44
موج ــة أكب ــر مرتي ــن م ــن ٍّ كل منهم ــا؛ وإذا التق ــت ذرو ُة موج ــة م ــع حضي ــض موج ــة أخ ــرى تنع ــدم الموجتـــان وتولِّـــدان منطقـــة ســـكون فـــي المـــاء. وهكـــذا يمكـــن لنـــا أن نتصـــور َّ كل اإلمكانـــات البينيَّـــة بيـــن الموجـــات .والنتيجـــة النهائيـــة هـــي ُ التداخــل .وتســلك نظــام معقــد للغايــة يس ـمَّى شــبكة ُ الموجـــات الضوئيـــة تمامًـــا ســـلوك الموجـــات الســـابقة .ويُ َعـــ ُّد الليـــزر أنقـــى ضـــوء عرفـــه ِّ فلـــكل موجـــات الليـــزر التواتـــر ذاتـــه. اإلنســـان؛ وهكـــذا فعندمـــا يلتقـــي شـــعاعا ليـــزر ،يولِّـــدان شـــبكة ُ تداخـــل معقـــدة؛ ويمكـــن تســـجيل هـــذه الش ــبكة عل ــى لوح ــة تصوي ــر .وه ــذا التس ــجيل ه ــو مـــا يســـمى بالهولوغـــرام. خاصيـــة الذواكـــر ثالثيـــة األبعـــاد علـــى أحـــد جـــوازات الســـفر ولكـــي نـــرى الصـــورة التـــي سُ ـــجِّ لَ ْت علـــى هـــذه اللوح ــة ال بــ َّد م ــن أن نس ــلِّط ش ــعاع لي ــزر مماث ــل للـــذي اســـتخدمناه علـــى اللوحـــة ذاتهـــا؛ وعندئـــ ٍذ يظه ــر الجســ ُم المصــوَّر عل ــى بُع ــد صغي ــر م ــن اللوح ــة ويب ــدو ثالث ــي األبع ــاد .ولع ــل أغ ــرب م ــا ف ــي الهولوغ ــرام ه ــو أن ــه ل ــو كس ــرنا اللوح ــة ف ــإن َّ كل ِكسْ ـــرة منهـــا يمكـــن لهـــا أن تعطـــي الصـــورة بكاملهـــا (وتتشـــوَّش الصـــورة إذا صـــارت ال ِكسْ ـــرات دقيقـــة).
هاهــي األجــزاء األساســية لتتــم صناعــة الـــ ذاكــرة ثالثي ــة األبع ــاد؟ .1ليزر أرغوني (أزرق – أخضر). .2مقسمات شعاعية لتقوم بتقسيم شعاع الليزر. .3مرايا لتوجيه أشعة الليزر. .4لوحة بلورات سائلة . .5عدسات لتركيز أشعة الليزر. .6بلَّورة ليثيوم-نيوبات أو بولمير ضوئي. عندمـــا يتـــم إطـــاق ليـــزر األرغـــون (أزرق- أخضـــر) ،عندئـــذ يقـــوم مقســـم األشـــعة بفصـــل شـــعاع الليـــزر إلـــى شـــعاعين : تس ــقط حزم ــة م ــن آش ــعة اللي ــزر عل ــى مج ــزيء لآلشـــعة ( )Splitterفتنقســـم إلـــى جزئيـــن ينفـــذ الجـــزء األول مـــن اآلشـــعة ليصـــل إلـــى مـــرآة متســـاوية مثبتـــة فتنعكـــس اآلشـــعة لتســـقط علـــى اللـــوح الفوتوجرافـــي وتســـمى بآشـــعة المرجـــع ( ،)Reference beamويس ــقط الج ــزء الثان ــي مـــن اآلشـــعة علـــى الجســـم المـــراد تصويـــره وتنعكـــس هـــذه اآلشـــعة مـــن جميـــع نقـــاط ســـطح الجســـم حاملـــة للمعلومـــات عنـــه لتصـــل اللـــوح الفوتوجرافــي وتســمى هــذه اآلشــعة بأشــعة الجســم (.)Objective Beam تلتق ــي آش ــعة المرج ــع وآش ــعة الجس ــم عل ــى الل ــوح الفوتوجراف ــي وتك ــون النتيج ــة نم ــط
45
والداكنـــة التـــي تناظـــر أهـــداب التداخـــل المضيئـــة والمظلمـــة ،وعندمـــا يضـــاء بشـــعاع مشـــابه تمامـــا للشـــعاع المرجعـــي األصلـــي فـــإن الشـــعاع س ــوف ينف ــذ م ــن المناط ــق الش ــفافة ويُمت ــص ف ــي المناط ــق الداكن ــة بدرج ــات متفاوت ــة مكون ــا بذل ــك موجـــة نافـــذة مركبـــة هـــي الموجـــة المركبـــة للجس ــم األص ــل .وعل ــى ه ــذا ف ــإن الحص ــول عل ــى التصوي ــر المجس ــم يت ــم عل ــى مرحلتي ــن :األول ــى :تســـجل فيهـــا أنمـــاط التداخـــل ثـــم الحصـــول علـــى الهولـــو جـــرام أو (اللـــوح الحافـــظ لنمـــوذج التداخ ــل) والثاني ــة :يت ــم فيه ــا إضائ ــة الهولوجـــرام بطريقـــة معينـــة بحيـــث يك ــون ج ــزء م ــن الش ــعاع الناف ــذ م ــن الهولوجـــرام مطابقـــا لموجـــة الجســـم األص ــل ،فن ــرى ص ــورة ماثل ــة امامن ــا فـــي الهـــواء وكأنهـــا الجـــس تس ــقط حزم ــة م ــن آش ــعة اللي ــزر عل ــى مج ــزيء لآلش ــعة ( )Splitterفتنقس ــم إلـــى جزئيـــن ينفـــذ الجـــزء األول مـــن اآلشـــعة ليصـــل إلـــى مـــرآة متســـاوية مثبت ــة فتنعك ــس اآلش ــعة لتس ــقط عل ــى اللـــوح الفوتوجرافـــي وتســـمى بآشـــعة المرجـــع (،)Reference beam ويســـقط الجـــزء الثانـــي مـــن اآلشـــعة علـــى الجســـم المـــراد تصويـــره وتنعكـــس هـــذه اآلشـــعة مـــن جميـــع نقـــاط ســـطح الجســـم حاملـــة للمعلومـــات عنـــه لتصـــل اللـــوح الفوتوجراف ــي وتس ــمى ه ــذه اآلش ــعة بأش ــعة الجس ــم (.)Objective Beam تلتق ــي آش ــعة المرج ــع وآش ــعة الجس ــم عل ــى الل ــوح الفوتوجرافـــي وتكـــون النتيجـــة نمـــط مركـــب مـــن تداخـــل تلـــك اآلشـــعة يســـجل علـــى اللـــوح الفوتوجراف ــي وبع ــد تحمي ــض الل ــوح الفوتوجراف ــي يظه ــر نم ــط تداخ ــل اآلش ــعة ف ــي ص ــورة مناط ــق
مركـــب مـــن تداخـــل تلـــك اآلشـــعة يســـجل علـــى اللـــوح الفوتوجرافـــي وبعـــد تحميـــض اللـــوح الفوتوجرافـــي يظهـــر نمـــط تداخـــل اآلشـــعة فـــي ص ــورة مناط ــق مظلم ــة وأخ ــرى مضيئ ــة ويس ــمى ه ــذا الل ــوح بع ــد تحميض ــه وتس ــجيل نم ــط التداخ ــل علي ــه بالهولوج ــرام يل ــزم بع ــد ذل ــك إع ــاد تكوي ــن الصـــورة وذلـــك بإضـــاءة الهولوجـــرام باألشـــعة المرج ــع وبالنظ ــر خالل ــه تظه ــر ص ــورة مجس ــمة تماث ــل الجس ــم تمام ــا مس ــجلة لجمي ــع دقائ ــق الجس ــم بأبع ــاده الثالثي ــة .يمك ــن تس ــجيل أكث ــر م ــن ص ــورة
واحـــدة علـــى نفـــس اللـــوح الفوتوجرافـــي وذلـــك باســتخدام عــدد مــن األشــعة المرجــع فــي إتجاهــات مختلف ــة وتك ــون كل ص ــورة مس ــتقلة ع ــن األخ ــرى كمـــا يمكـــن تســـجيل عشـــرات الصـــور علـــى هولوجـــرام واحـــد وذلـــك باســـتخدام ثالثـــة حـــزم مـــن آشـــعة الليـــزر ذات ألـــوان مختلفـــة ويضـــاء الهولوجـــرام فـــي هـــذه الحالـــة بآلشـــعة البيضـــاء. يحت ــوي الهول ــو ج ــرام أو (الل ــوح الحاف ــظ لنم ــوذج التداخــل) علــى توزيــع معقــد مــن المناطــق الشــفافة 46
يســـير بخـــط مســـتقيم ويعبـــر مـــن خـــال معـــدل ضوئ ــي فراغ ــي (Spatial Light Modulator )((SLMوالـــذي هـــو عبـــارة عـــن لوحـــة LCD تظهــر صفحــات البيانــات الثنائيــة (بالنظــام الثنائــي) علـــى شـــكل مكعبـــات فاتحـــة وقاتمـــة .البيانـــات المأخ ــوذة م ــن صفح ــات الش ــيفرات الثنائي ــة تأخ ــذ بواســـطة شـــعاع اإلشـــارة إلـــى حســـاس ضوئـــي (بلَّـــورة الليثيوم-نيوبـــات) ونشـــير إلـــى أن بعـــض األنظمـــة تســـتخدم مـــواد فوتوبولميريـــة عوضـــاً عـــن البلَّـــورة الســـابقة.
مظلم ــة وأخ ــرى مضيئ ــة ويس ــمى ه ــذا الل ــوح بع ــد تحميضــه وتســجيل نمــط التداخــل عليــه بالهولوجــرام يلـــزم بعـــد ذلـــك إعـــاد تكويـــن الصـــورة وذلـــك بإضـــاءة الهولوجـــرام باألشـــعة المرجـــع وبالنظـــر خاللـــه تظهـــر صـــورة مجســـمة تماثـــل الجســـم تمامـــا مســـجلة لجميـــع دقائـــق الجســـم بأبعـــاده الثالثي ــة .يمك ــن تس ــجيل أكث ــر م ــن ص ــورة واح ــدة عل ــى نف ــس الل ــوح الفوتوجراف ــي وذل ــك باس ــتخدام ع ــدد م ــن األش ــعة المرج ــع ف ــي إتجاه ــات مختلف ــة وتكـــون كل صـــورة مســـتقلة عـــن األخـــرى ،كمـــا يمكـــن تســـجيل عشـــرات الصـــور علـــى هولوج ــرام واح ــد وذل ــك باس ــتخدام ثالث ــة حـــزم مـــن آشـــعة الليـــزر ذات ألـــوان مختلفـــة ويضـــاء الهولوجـــرام فـــي هـــذه الحالـــة بآلشـــعة البيضـــاء. يحتـــوي الهولـــو جـــرام أو (اللـــوح الحاف ــظ لنم ــوذج التداخ ــل) عل ــى توزي ــع معقـــد مـــن المناطـــق الشـــفافة والداكنـــة التـــي تناظـــر أهـــداب التداخـــل المضيئـــة والمظلمـــة ،وعندمـــا يضـــاء بشـــعاع مشــابه تمامــا للشــعاع المرجعــي األصلــي ف ــإن الش ــعاع س ــوف ينف ــذ م ــن المناط ــق الشـــفافة ويُمتـــص فـــي المناطـــق الداكنـــة بدرجـــات متفاوتـــة مكونـــا بذلـــك موجـــة نافـــذة مركبـــة هـــي الموجـــة المركبـــة للجس ــم األص ــل .وعل ــى ه ــذا ف ــإن الحص ــول عل ــى التصوي ــر المجس ــم يت ــم عل ــى مرحلتي ــن :األول ــى :تس ــجل فيه ــا أنم ــاط التداخ ــل ث ــم الحص ــول عل ــى الهولــو جــرام أو (اللــوح الحافــظ لنمــوذج التداخــل) والثاني ــة :يت ــم فيه ــا إضائ ــة الهولوج ــرام بطريق ــة معينـــة بحيـــث يكـــون جـــزء مـــن الشـــعاع النافـــذ م ــن الهولوج ــرام مطابق ــا لموج ــة الجس ــم األص ــل، فنـــرى صـــورة ماثلـــة امامنـــا فـــي الهـــواء وكأنهـــا الجســـم األصلـــي. و هــو الشــعاع الــذي يحمــل المعلومــات وهــو الــذي
المصاعب جــذور هــذه التقنيــة يعــود إلــى العــام 1947عندمــا تـــم التوصـــل للتصويـــر المجســـم مـــن قبـــل العالـــم ديني ــس جاب ــور « »Denis Gaborف ــي محاول ــة منـــه لتحســـين قـــوة التكبيـــر فـــي الميكروســـكوب اإللكترونـــي ...وألن مـــوارد الضـــوء فـــي ذلـــك الوقـــت لـــم تكـــن متماســـكة أحاديـــة اللـــون ،فقـــد س ــاهمت ف ــي تأخ ــر ظه ــور التصوي ــر المجس ــم إل ــى
47
كوس ــيط ع ــرض ثالث ــي األبع ــاد ،ل ــذا ق ــررا ق ــراءة وتطبيـــق أبحـــاث العالـــم جابـــور ولكـــن باســـتخدام اللي ــزر المتماس ــك ،أخ ــادي الل ــون ،وق ــد نجح ــا ف ــي ع ــرض ص ــور مجس ــمة بوض ــوح وعم ــق واقع ــي. التصوي ــر المجس ــم يمك ــن تطبيق ــه عل ــى مجموع ــة متنوعـــة مـــن األغـــراض مثـــل تســـجيل الصـــور، اســـتخدامها فـــي الترويـــج للتجـــارة (كاســـتخدامها فــي أكشــاك تقــوم بعــرض المنتجــات أو التحــف أو غيره ــا) ،من ــع التزوي ــر باس ــتخدام ش ــريط مجس ــم مطب ــوع عل ــى ظه ــر بطاق ــات االئتم ــان ،أو وض ــع العالم ــات التجاري ــة عل ــى أغلف ــة الس ــلع. بعده ــا توال ــت التج ــارب فع ــرض أول هولوج ــرام لشـــخص فـــي العـــام ،1967وفـــي العـــام 1972 تمكـــن العالـــم لويـــد كـــروز «»lioyd Cross م ــن صناع ــة أول هولوج ــرام يجم ــع بي ــن الص ــور المجســـمة ثالثيـــة األبعـــاد والســـينماجرافي ذات البعديـــن. عندمـــا تـــم طـــرح فكـــرة ال HDSSألول مـــرة ع ــام ،1963كان ــت األدوات والعناص ــر الالزم ــة لتحضيره ــا ضخم ــة وغالي ــة الثم ــن ،عل ــى س ــبيل المثــال :فــإن جهــاز الليــزر يجــب أن يكــون بطــول 6أقــدام (أي مــا يعــادل متريــن) وذلــك فــي أنظمــة الـــ HDSSالمســتخدمة فــي الســتينيات ،بينمــا فــي
وقت ظهور الليزر عام .1960 فـــي العـــام 1962أدرك العالـــم جيوريـــس اوبتنيكـــس « »Juris Upatnieksوالعالـــم ايمي ــت لي ــث « »Emmitt Leithم ــن جامع ــة ميتشـــجان أن الهولوجـــرام يمكـــن أن يســـتخدم
48
الـــ HDSSف ــي الوق ــت الراه ــن –وبتطوي ــر م ــن شــركة Consumerلإللكترونيــات -فــإن مصــدر ليــزري مشــابه لــذاك الموجــود فــي ســواقة الـــCD الحاليــة يمكــن أن يســتخدم فــي الـــHDSS كم ــا أن شاش ــات الـــ LCDل ــم تظه ــر حت ــى ع ــام ،1968والنمـــاذج األولـــى كانـــت غاليـــة الثمـــن، لكــن اليــوم فــإن الـــ LCDرخيصــة الثمــن ومعقــدة أكثــر مــن مثيالتهــا قبــل 30عامــاً ،هــذا باإلضافــة إلـــى أن حساســـات العناصـــر ثنائيـــة القطبيـــة لـــم تك ــن موج ــودة حت ــى العق ــد الماض ــي ،حالي ــاً ف ــإن معظـــم عناصـــر الـــ HDSSموجـــودة وهنـــاك اإلمكاني ــة لتصنيعه ــا ،وه ــذا يعن ــي أن ــه يمك ــن أن تنتـــج علـــى نطـــاق واســـع ،علـــى الرغـــم مـــن أن عناص ــر الـــ HDSSمتوف ــرة ف ــي الوق ــت الحال ــي وذل ــك بخ ــاف الس ــتينيات إال أن ــه ال ت ــزال هن ــاك بع ــض المش ــاكل التقني ــة الت ــي تحت ــاج للح ــل. أفالم الخيال العلمي والتصوير المجسم فـــي سلســـلة أفـــام حـــرب النجـــوم تـــم اســـتخدام فكــرة التصويــر المجســم فــي تصويــر أحــد وســائل االتص ــاالت والتخاب ــر الخاص ــة بالمس ــتقبل .وف ــي فيل ــم أوش ــنز 12ت ــم اس ــتخدامة ف ــي عملي ــة س ــرقة أحـــد التحـــف الثمينـــة حيـــث أســـتخدم التصويـــر المجســـم إليهـــام الناظريـــن بأنهـــا ال تـــزال فـــي مكانهـــا. استخدامات اخرى التصـــور الهولوجرامـــي يمكـــن تطبيقـــه علـــى مجموع ــة متنوع ــة م ــن االغ ــراض مث ــل تس ــجيل الصـــور ،الترويـــج للتجـــارة ،كأكشـــاك لعـــرض المنتجـــات أو التحـــف وغيرهـــا ،منـــع التزويـــر باضافـــة شـــريطا مجســـما مطبوعـــا علـــى ظهـــر بطاق ــات االعتم ــاد .أو وض ــع العالم ــات التجاري ــة علــى أغلفــة الســلع .كمــا يمكــن ان يســتخدم لتخــزن المعلومـــات بكثافـــه عاليـــه داخـــل البلـــورات. فتقني ــات التخزي ــن الحالي ــة مث ــل البل ــو راي (Blu-
)rayتصـــل حـــد معيـــن محـــدود حســـب ســـطح وس ــائط التخزي ــن عل ــى عك ــس التصوي ــر المجس ــم فانـــه يســـتطيع تســـجيل البيانـــات علـــى كامـــل حج ــم وس ــائط التخزي ــن ب ــدال م ــن س ــطح وس ــائط التخزي ــن فق ــط .وف ــي ع ــام ، 2005شــركات مثــل اوبتـــواري ()Optwareوماكســـيل ()Maxell انتج ــت 120مل ــم طبق ــة تخزي ــن بيان ــات (دس ــك) التـــى تســـتخدم اقـــراص التصويـــر المجســـم لتخزيـــن مـــا يقـــارب،)TB 3.9 (terabyte وخطـــة لتســـويقها تحـــت اســـم اقـــراص التصويـــر المجســـم .الهولوغـــرام ال يمكـــن نســـخه عـــن طريـــق آالت التصويـــر ( )Photocopierأو ماس ــحات الكمبيوت ــر الضوئي ــه ( )Scannersأو حت ــى تقني ــات الطباع ــة مم ــا يعن ــي أنن ــا أم ــام تقني ــة مذهلـــه قـــد تســـاهم فـــي القضـــاء علـــى حـــاالت التزويـــر وهـــذه بعـــض المقاطـــع المدهشـــة
49
50
اكرم شكري
فائق حسن
ال شـك ان االسـباب التـي دفعـت رواد الحركـة التشـكيلية فـي العـراق الـى النهـل من محلياتهم متعددة ،ويتصدرها حرصهم علـى ايجـاد موطـئ قـدم لهـم ولفنـون حضاراتهـم فـي الخريطـة العالمية .وأسـهم فـي دفعهـم الـى ذلـك اطالعهـم المـزدوج علـى الثقافـة البصريـة التشـكيلية العالميـة التـي نهلـوا منها خالل دراسـتهم االكاديمية فـي أوربـا مـن جهـة ،والتـراث الثقافـي البصـري الـذي نظـروا اليـه بعيـون جديـدة فـي حـدود بالدهـم من جهة اخرى ،وأسـهم فـي ذلـك الى المزيـد من االهتمـــــــام بهذه الحركـة الواسـعة الستكشـاف آثارهـم فـــــي مرحلـــــــة مـــــا قبـل االسلام وسرعان ما وجدوا بيـن أيديهـم تراثـا
غنيا من التشـكيل والثقافة البصرية المتميزة والتـي تمثلـت بالطابـع السـومري واالكـدي واالشـوري واالسلامي وأسـهم فـي ذلـك ان هـؤالء الـرواد وجدوا الى حد مـا في الغرب مـن يسـعى مـن كبـار فنانيـه الـى اسـتلهام الفنـون الحضارية الشـرقية القديمة والعربية والزنجيـة لغناهـا التعبيـري عـن الحقائـق الفائقـة فـي جهـد تجـاوز الرؤيـة الشـخصية الـى الرؤيـة التشـكيلية فـي الشـخص ،وذلـك حسـب ادراك فنانـي الغـرب بأنهم مواجهون بضيـاع كبيـر بعـد أن اسـتنفذت حضارتهـم كل ذخيرتهـا وان عليهـم ان يبحثـوا عـن معيـن جديـد ،وأن يتجهـــــوا بأنظارهم صــــــوب الشـرق. مـن هـذه المقدمـة رآى فنانونـا مـن ذلك حافـزا للخروج فائق حسن
اكرم شكري شاكر حسن ال سعيد
51
الـى الجديـد الـذي يفردهـم فـي العمل االبداعـي الدال عليهـم بصفــــة التـراث وصفـــــــــة بجهدهـــــــم الخـــــــــاص ،واشتد هذا الحافـز قـوة بعـد عودتهـم الـى الوطـن كاشـفين عـن رؤياهـم الفنية عبر آثارهم جميل حمودي الفنيـة ،لـم يكتفـوا عنـد ذلـك بل سـعوا للتوسـع بمـد طموحاتهم التـي تبلورت وتباينت فيما بعد من خالل حاضنة الجماعات الفنية . اعتبـرت فتـرة الحـرب العالميـة الثانيـة مـن أهـم الفتـرات التأريخيـة فـي نشـوء الحركـة التشـكيلية الحديثـة فـي العـراق ،فـأن مـا قبـل تلك الفتـرة كانت بمثابـة البوابـة العريضـة التـي مهدت لصناعـة الفكر الجماعـي وظهـور الجماعـات الفنيـة الـى الحـد الذي باتـت تنشـط كظاهـرة فنيـة لممارسـة العمـل الجمعي متخـذة مـن خمسـينيات العـراق منطلقـا لهـا لظهـور أولـى الجماعات الفنية والموغلة في عقد السـبعينيات مـن القـرن الماضـي ،وذلـك لما كان لتلـك الفترة من ممارسـات ومحـاوالت فنيـة أثرهـا البالـغ فـي تنميـة الوعي والذوق الفني لدى الفنان والجمهــور ،عــــام 1931أرســــلــــت الحكومـــة العراقية الفنان أكرم شـكري كأول مبعـوث لهـا لدراسـة الفـن فـي انجلترا ثـم فائـق حســـن ،اقامـــــــــة المعـرض الصناعـي الفنـي فـي بغـداد ،عـام 1936أقيـم المعـرض
جميل حمودي
52
الشـخصي للفنـان حافـظ الدروبـي بعدهـا جـاءت مبـادرة فائق حسـن بفتح فـرع للرسـم والنحت في معهـد الفنـون الجميلـة ببغـداد والـذي أسـس عـام 1936بعمـادة الموسـيقار المعـروف عطا صبري الشـريف محيـي الديـن حيـدر ،عـام 1939سـافر جواد سـليم لدراسـة الفن فـي فرنسـا حينهـا كان الفنانـون التشـكيليون يجـرون حواراتهـم ويعقـدون لقاءاتهـم الفنيـة فـي دار الفنـان فائـق حسـن ،عـام 1940أسسـت ( جماعـة او جمعيـة أصدقـاء الفـن ) بمبـادرة مـن أكـرم شـكري كريـم مجيـد ،عطـا صبـري ،شـوكت سـليمان هـذه المبـادرة سـجلت للحركـة الفنيـة فـي العـراق وبشـكل الفـت االندمـاج بالفكـر العالمـي بعـد أن كان ال يخـرج عـن كونـه مجـرد تعبيـر عـن رغبـة شـخصية لمحـاكاة الواقـع ( الطبيعـة الخارجيـة ) . ومـن ممهـدات تلـك الفتـرة ضمنـا محاولـة حافـظ الدروبـي فـي تأسـيس محتـرف جماعي عـام 1942 ليكـون نـواة لمشـغل فنـي كبيـر لجماعـة او مجموعة مـن الفنانيـن التشـكيليين اقتضاهـا نضـوج الوعـي للفنـان العراقـي الـى الحـد الـذي أخـذ يتحمـس فيـه للممارسـة الفنيـة بـروح الجماعـة .عـام 1936 صـدرت مجلـة ( الفكـر العربـي ) للفنـان جميـل
عطا صبري
جواد سليم
حافظ الدروبي
حمـودي بدورهـا سـاهمت هـي االخـرى فـي توعيـة الفنـان والجمهـور المثقـف علـى حـد سـواء ،عـام 1942 – 1941ظهـور الفنانيـن البولندييـن الذيـن أتـوا مـع الجيـش البريطانـي علـى المشـهد التشـكيلي فـي العـراق واندفاعهـم الكبيـر للعمـل الفنـي سـاهم بتحـول كبيـر فـي صياغـة وممارسـة العمـل الفنـي ومـن خلال هـذا الظهور احتك الفنـان العراقي بالفن العالمـي والفـن االوربـي ،ومـن هنا رفـد البولنديون الفـن العراقـي .عـام 1950ظهرت جماعـة الرواد التـي اطلـق عليهـا ( جماعـة ) S.Pالبدائيـة وهـي أولـى الجماعـات الفنيـة في العراق التـي التفت حول مؤسسـها ( فائق حسـن ) ،ضمت هذه الجماعة عددا مـن الفنانيـن المحلييـن وخصوصـا فـي بدايـة حياتهم االحترافيـة ،وقعـت هـذه الجماعـة مـن التشـكيليين أسـيرة مفهـوم االصالـة والمحليـة .ولكننـا من خالل التمعـن فـي أعمـال فنانـي هـذه الجماعـة يمكننـا أن نالحـظ تباينا شـديدا في المسـتويات بيـن أعمال فنان وآخـر ،نجـد البعـض قـد نسـخ البيئـة نسـخا سـطحيا وهنـاك مـن كان يملـك أدوات فنيـة متطـورة رغـم اسـتخدامه االسـلوب الواقعـي فـي عملـه الفنـي نجـده
قـد ابتعـد عـن التسـجيلية الفوتوغرافيـة وأخذ يضيف شـخصيته الفنيـة فـي العمـل ،فقـد طـور االسـلوب العـادي الناسـخ الـى تحويـر فـي العمـل مضيفـا بعدا جماليـا ذو رؤيـة داخليـة فعكسـت تلـك الجماعـة فـي أعمالهـا بعـدا اجتماعيـا وانسـانيا للمجتمـع . عـام 1951ظهـرت ( جماعـة بغـداد للفـن الحديـث ) بعـد ان فكـر جـواد سـليم مؤسـس الجماعـة بتكويـن مجموعـة ذات اتجـاه واحـد متميـز للبحـث عـن قيـم وخصوصيـة محليـة لهـا أبعادهـا االجتماعيـة والثقـــافية والحضــــاريـــــة ،وموقفهـا الفكـري ازاء مـا يحـدث مـن اعتمـاالت واحتدامـات علـى مسـرح الحيـاة آنـذاك بعـد ان غرقـت نتاجاتهـم الفنيـة بأحلام الغـرب كمعطـى لتأثيـرات المـدارس االوربيـة ،فـكان البـد مـن اسـتدعاء التـراث الحضـاري ليكـون المحـك االول والمحـرك المؤثر نحو مفاهيم جديـدة تضمـن سلامتهم الفكريـة وقضيتهـم فـي الفـن كجماعـة ،ظهـرت هـذه الجماعة كـردة فعـل علـى جماعـة الـرواد التـي 53
خالد الرحال
بعـد جماعـة خاصـة بـه هـي ( جماعـة االنطباعيين العراقييـن ) التـي عكسـت فـي اعمالهـا مشـاعرهم االنسـانية واالجتماعيـة .عـام 1965ظهـرت ( جماعـة المجدديـن ) برؤيـة مغايـرة منطلقـة مـن الفكـر السـتيني المفتـوح علـى الواقـع الجديـد كـردة فعـل علـى فتـرة االربعينيـات والخمسـينيات التـي اتخـذت فـي مشـروعها ( الشـكل المحلـي ) جوهـر خطابها التشـكيلي .آمنت هذه الجماعة التي ضمت علـي طالـب – رسـام ،سـالم الدبـاغ – رسـام ، نـداء كاظـم – نحـات ،طالـب مكـي – نحـات ، فائق حسـين – رسـام ،صالح الجميعي – رسـام ، طاهـر جميـل – مصـور فوتوغرافـي ،بـأن عليهـا انجـاز عمـل فنـي كان غائبـا فـي حينـه واالنعتـاق مـن اسـتاتيكية التراث ومحدداته نحـو االنفتاح على التجـارب العالميـة ،اهتمـت هذه الجماعـة بالمهارة والتقنيـة بالدرجـة االولـى وفتحـت البـاب امـام الجماعـات االخـرى للظهـور كجماعـة آدم وحـواء فيمـا بعـد ،جماعـة الحـدث القائم ،جماعـة الزاوية جماعـة تمـوز ،جماعـة البعـد الواحـد ،جماعـة االكاديمييـن ....الـخ « .ثمـة وحـدة داخليـة للعلـم تضـع االنسـان داخـل موقف غير مرئـي أزاءه ،ال شـك ان الوعي المعاصر ما هو اال عملية اكتشـاف لـذات االنسـان مـن جهـة وللـذات الحضاريـة مـن جهـة أخـرى .فـاذا كانـت مرحلتنـا نتيجـة حتميـة الكتشـافات وتخـط سـابق مـن قبـل االنسـان تجـاه عالمـه الخارجـي ،فـأن الوجـود الفعلـي لـن يتحقـق اال مـن خلال الحركـة ،والتـي ترفـض أي هـدف نهائـي للوجـود ،حيـث حضـور الشـيء فـي تطـوره المسـتمر وتغيـره الدائـب ،وحيـث تصبـح اسـتمرارية البحـث صفـة االنسـان الواعـي» . هـذه الرؤيـة توسـمت فـي بيـان جماعـة ( الرؤيـة الجديـدة ) التـي أسسـت عـام 1969بلغـة اختلفـت عـن سـواها وبنظرة آمنت بالعرض المتناسـق الذي يشـوبه شـيء مـن الرؤيـة ،والتقنيـات ،واالفـكار تجسـدت بخطاباتهـم البصريـة التـي ال زالـت عالقة
اسماعيل الترك
تمسـكت بالصياغـة التقليديـة فـي طـرح االعمـال الفنيـة .أرادت جماعـة بغـداد أن تمنـح االسـاليب االوربيـة فـي العمـل هويـة محلية وتلك هـي رؤيتها فاسـتلهمت االسـلوب العراقـي القديـم واالسلامي ورسـوم الواسـطي واتخـذوا منهـا منطلقهـم الجديـد وايمانهـم باسـتئناف سلسـلة االبـداع الفنـي التـي قطعـت باسـتيالء المغـول علـى بغـداد عـام 1258 م مـن جديـد محققيـن نهضـة معاصـرة فـي الفـن العراقـي الحديـث ،وعبـر موازنـة تحقيـق التوافـق بيـن االسـلوب العالمـي والهويـة المحليـة .ضمـت هـذه الجماعـة فاضـل عبـاس مـن أول االنطباعييـن فـي العراق وكان يمثل االهتمام بالطابع االجتماعي ضمـن جماعـة بغـداد للفـن الحديـث ،محمـد غنـي حكمـت ،ميـران السـعدي ،خليـل الـورد ،عبـد الرحمـن الكيالنـي ،خالـد الرحـال ،اسـماعيل فتـاح التـرك ،وحافـظ الدروبـي الـذي انتمـى فـي البدايـة الـى جماعـة بغـداد ،ولكنـه أسـس لـه فيمـا 54
فـي ذاكرة التشـكيل العراقـي المعاصر .ضمت هذه الجماعـة ( رافـع الناصـري الـذي درس الفـن فـي الصين ،ومحمد مهر الدين في بولونيا ،اسـماعيل فتـاح التـرك درس فـي ايطاليا ،صالح الجميعي في أمريكا ،وهاشـم سـمرجي في البرتغال ،اما ضياء العـزاوي فـدرس فـي بغـداد ) .عـام 1959عندما عاد شاكر حسن آل سعيد من باريس وبعد أن اكمل دراسـته فـي مدرسـة الفنـون الزخرفية هنـاك ،فكر بطريقـة يتخـذ منهـا نهجـا ابداعيـا كأي فنـان يحاول االبـداع ،فاسـتعرض كل المـدارس التـي ظهـرت فـي حينهـا ،أي مـا بعـد االنطباعيـة ،امثـال بـول سـيزان ،وفـان كـوخ ،وكـوكان ،كأقـرب منطقـة نحـو الوحشـية والتكعيبيـة ،وجـد كل المـدارس تتم بطريقـة وضـع اللـون علـى السـطح التصويـري ، باسـلوب فـي البحـث عـن معنـى وجـود المرئيـات ،هـذا مـا كان يتحـدث عنـه آل سـعيد فـي أحـدى حواراتـه الفنيـة عـن معنـى البعـد الواحـد .وبفضـل محاوالتـه الذهنيـة والثقافـة البصرية اسـتطاع رسـم الخـط علـى السـطح التصويـري مبتـدءا بــ ( فـن ال شـكلي ) بوضـع تـدرج لونـي وكثافـة لونيـة يحيـل
بهـا المتلقـي مشـاهدة خط وهمي مرسـوم ال يخضع لمسـاحة معينـة ذات بعديـن ،ضمـن تلـك الرؤيـة أسـس جماعـة البعد الواحد عـام 1971للبحث عن أشـكال تلقائيـة بتأثيـر عوامـل البيئـة علـى واجهات الجـدران القديمـة ،تشـتمل علـى خطـوط غيـر مرسـومة تظهـر علـى السـطح بهيئة شـقوق مفرغة مـن أبعادهـا بفضـل تجـاور السـطحين ،يخضعهـا هـو فيمـا بعـد الـى تقنيـة تخـدم غرضه االدبـي منها :ان مجمـل االعمـال التـي قدمـت خلال الحقبـة الزمنيـة المنصرمـة للجماعـات الفنيـة فـي العـراق وباختالف تشـكيالتها الكيانية ،نجد ان المسـتويات الفنيـة فيهـا متفاوتـة سـواء مـن ناحيـة االسـلوب او التقنيـة او الموضـوع ،يمكننـا أن نصنـف هـذه االعمـال الـى مجموعتيـن رئيسـيتين ،مجموعـة تهتـم بالتـراث واالصالـة والمحليـة ضمـن نهـج حداثـوي مسـتعار فـي صياغـة الخطـاب التشـكيلي المعاصـر ،بينمـا تهتم المجموعة االخرى بأسـاليب حديثـة ومعاصـرة تبحـث عـن التطـور والوصـول الـى مسـتوى فنـي مغايـر للمألـوف ،تقتـرن بتلـك االسـتعارة فـي صياغـة االثـر الفنـي الـى حـد مـا.
محمد غني حكمت
55
ان الســـينما فـــن قائـــم بذاتـــه وه ــي ف ــي ط ــور البح ــث ع ــن لغته ــا ويعتب ــر الزم ــن اس ــاس فـــن الســـينما مثلمـــا الصـــوت فـــي الموســـيقى والشـــخصية فـــي الدرامـــا واللـــون فـــي الرســـم ،ولهـــذا لـــم يخطـــئ المخ ــرج االيطال ــي المع ــروف مايـــكل انجيلـــو انطونيونـــي( )2007-1912عندم ــا ق ــال: «أســـتطيع بواســـطة اللـــون أن أطلـــع المتفـــرج علـــى مـــا يجيـــش فـــي صـــدر الممثـــل بغيـــر حـــوار أو كلمات».يقـــول توبليتـــز عميـــد االتحـــاد الدولـــي ألرشـــيفات الســـينما : « لق ــد ت ــرك كل ف ــرع م ــن ف ــروع الفن ــون التقليدي ــة بصمات ــه عل ــى الف ــن ،كم ــا أس ــهم ف ــي تحدي ــد قواع ــد تكوينــه .فإلــى جانــب الرســم التقليــدي هنــاك الرســم الســـينمائي علـــى الشاشـــة ،وإلـــى جانـــب األدب المكت ــوب هن ــاك األدب المرئ ــي والمس ــموع ،وإل ــى جانـــب العـــرض المســـرحي هنـــاك العـــرض علـــى الشاش ــة ،وأخي ــرا إل ــى جان ــب الموس ــيقى التقليدي ــة هن ــاك موس ــيقى تحك ــم تركي ــب العم ــل الس ــينمائي». ويمي ــل بع ــض المفكري ــن إل ــى اعتب ــار الس ــينما لون ــا جدي ــدا م ــن أل ــوان الفن ــون التش ــكيلية ألن الص ــورة تق ــوم فيه ــا بال ــدور الرئي ــس يق ــول إيل ــي ف ــور” إن تكوي ــن الفيل ــم ثاب ــت ومح ــدد ،وعندم ــا يت ــم تحدي ــده فإن ــه ال يتغي ــر بع ــد ذل ــك أب ــدا ،وه ــذا يكس ــبه صف ــة ال تتص ــف به ــا س ــوى الفن ــون التش ــكيلية “.ويق ــول
اذا اردنـــا أن ننظـــر مـــن أيـــة زاويـــة للـــكادر الســـينمائي او (الفريـــم ) اذا جردنـــاه مـــن الحركــة وحولنــاه الــى صــورة جامـــدة فأنـــه ســـوف يفقـــد كثيـــر مـــن معانيـــه ورمـــوزه وايحائتـــه وســـوف يتحـــول الـــى صـــورة فوتوغرافيـــة واقعيـــة اقـــرب الـــى ان تكـــون لوحـــة تشـــكيلية تـــم ترتيبه ــا وف ــق معطي ــات الف ــن التشـــكيلي ..اســـتطراد كتـــب روالن ب ــارت ف ــي «الحج ــرة المظلم ــة « أح ــب الص ــورة الفوتغرافي ــة أكث ــر مم ــا أحـــب الســـينما» ...الس ــينما ف ــي عمقه ــا ه ــي ف ــن بص ــري س ــمعي والصـــورة فيهـــا تلعـــب دوراً كبيـــرا لذلـــك فأنهـــا تعتمـــد علـــى مفـــردات تقنيـــة وتعبيريـــة تشـــكيلية منهـــا التكويـــن واللـــون والضـــوء والظـــال مـــع مراع ــاة بع ــض العالم ــات االنش ــائية ف ــي التصمي ــم مث ــل التباي ــن والتواف ــق والنس ــب والتكوين ــات وه ــذا ال ينتقــص مــن فــن الســينما ألنهــا أم الفنــون او الفــن الس ــابع باعتباره ــا ج ــاءت م ــن ت ــظ اف ــر الفن ــون الت ــي عرفته ــا االنس ــانية م ــن قب ــل (العم ــارة ،الرس ــم ،تمثي ــل ،موس ــيقى ،رق ــص ،ادب وش ــعر) لك ــن بعــض الســينمائيين يرفضــون هــذه الفكــرة ويجــدون فيهـــا اجحـــاف بفـــن الســـينما ومنهـــم المخـــرج الروســـي الكبيـــر تاركوفســـكي ()1986-1932 الــذي كان يعــارض مثــل هــذه المفاهيــم ويؤكــد علــى 56
التفكيــك والتصــادم وفــي عــام 1922قــدم المخــرج االلمانـــي «وليـــم مورنـــاو» فلـــم نوســـفيراتو عـــام وهـــو ســـيمفونية مـــن الرعـــب الموســـوم بالقتـــل الجماعـــي وحكايـــة الفلـــم مبنيـــة علـــى اســـطورة مصاص ــي الدم ــاء القديم ــة لك ــن الفل ــم ت ــدور احداث ــه فــي مدينــة المانيــة هــذا الفلــم كان يرمــز الــى تجربــة الم ــوت الجماع ــي اثن ــاء الح ــرب العالمي ــة االول ــى وفي ــه ت ــم تقدي ــم مص ــاص الدم ــاء بش ــكل ش ــاعري وبحـــركات تعبيريـــة تـــم توظيـــف اداء الممثـــل بش ــكل مغاي ــر لم ــا ه ــو س ــائد ان ــذاك وس ــط اج ــواء خيالي ــة تتحك ــم فيه ــا االن ــارة الخافت ــة والظ ــال الت ــي تلق ــي بظله ــا عل ــى اج ــواء الفل ــم وقدم ــت الس ــينما االلماني ــة خ ــال تل ــك الفت ــرة مجموع ــة م ــن االف ــام منهــا «راســكولينكوف» ( )1923اخــراج روبــرت فيـــن« ،الجوليـــم ـ المســـخ» ( )1920اخـــراج بـــو فجنـــر وكارل بويـــر ،االنـــوار الثالثـــة 1921 ومتروبوليـــس ( )1926اخـــراج فريتزالنـــج، «ش ــبح» ( )1922و«فاوس ــت» ( )1926اخ ــراج مرنـــاو« ،الكنـــز» ( )1923اخـــراج بابســـت «عي ــادة الص ــور الش ــمعية» ( )1924اخ ــراج ب ــول لينـــي .واســـتطاعت الســـينما التعبيريـــة ان تتخطـــى الحـــدود وتثبـــت حضورهـــا فـــي اوربـــا فكتـــب بيكايـــا ،ســـيناريو فيلـــم أســـتراحة أخـــراج «رينيـــه كيلــر» والــى امريــكا هاجــر مجموعــة مــن الفنانيــن االلم ــان منه ــم فريتزالن ــج ال ــذي ثب ــت اقدام ــه ف ــي هوليـــود مـــن خـــال مجموعـــة مـــن االفـــام التـــي نفذهـــا هنـــاك ،ومـــع انحســـار الفـــن التعبيـــري انحســرت الســينما التعبيريــة وصــار تأثيرهــا بشــكل مح ــدود يب ــرز ف ــي احي ــان قليل ــة بي ــن فت ــرة وأخ ــرى م ــن خ ــال بع ــض الموضوع ــات وتوظي ــف الض ــوء والخطـــوط وتشـــويه االشـــكال والتضـــاد . ويب ــدو ان الس ــينما جذب ــت فن ــان بمس ــتوى س ــلفادور دالــي ( )1989-1904منــذ بدايتهــا
المخ ــرج االمريك ــي المع ــروف «ديف ــد لين ــش» ( )1946أن فهمـــي للســـينما ينبـــع مـــن خلفيتـــي التشـــكيلية واذا اردنـــا الرجـــوع للـــوراء قليـــا، ســـوف نجـــد ان الســـينما االلمانيـــة التعبيريـــة التـــي ظه ــرت ف ــي عش ــرينات الق ــرن الماض ــي اس ــتوحت افكاره ــا وأس ــاليبها م ــن المدرس ــة التعبيري ــة الت ــي بـــرزت انـــذاك فـــي الرســـم والعمـــارة والتصميـــم والمس ــرح م ــن خ ــال اط ــاق الخي ــال ك ــي يحل ــق عالي ــا برؤي ــا الفن ــان أنه ــا تصوي ــر للحظ ــة م ــا بعي ــن ناق ــدة للواق ــع المع ــاش وقي ــل عنه ــا انه ــا الشاش ــة الش ــيطانية وكان فل ــم «خزان ــة الدكت ــور كاليغ ــاري» للمخـــرج روبـــرت وايـــن فـــي شـــباط عـــام 1920 يواف ــق بداي ــة الس ــينما التعبيري ــة االلماني ــة وفي ــه ت ــم توظيـــف الضـــوء والظـــال والرســـوم التشـــكيلية المبالغـــة فيهـــا وانعكاســـات المرايـــا فـــي رســـم االزدواجيـــة التـــي تعانـــي منهـــا الشـــخصية وقـــد اكتســـب هـــذا الفلـــم هويتـــه التعبيريـــة مـــن جـــراءة التجريـــب الـــذي فيـــه وأســـلوب تمثيلـــه وتجاهلـــه للواقعيـــة ولغتـــه البصريـــة المبتكـــرة المبنيـــة علـــى 57
تخي ــل العال ــم الداخل ــي لجس ــم االنس ــان ف ــي فيل ــم رحلـــة العجائـــب الـــذي كانـــت تـــدور أحداثـــه داخـــل جســـم االنســـان (.)1966 مــن جانــب أخــر كان المخــرج الروســي ســيرجي ايزنش ــتاين ( )1946-1898يرس ــم ش ــخصيات الفل ــم والمناظ ــر الخاص ــة بفلم ــه قب ــل المباش ــرة بتنفيذهــا ،منهــا فلمــه المدهــش « أيفــان الرهيــب « ..ومـــن خـــال رســـومه التـــي كان يرســـمها الحـــدى الصحـــف االيطاليـــة المغمـــورة دخـــل المخـــرج االيطالـــي فدريكـــو فلينـــي ( -1920 )1993عال ــم الس ــينما وق ــد كان يس ــتعين بقدرت ــه علـــى الرســـم برســـم تصوراتـــه عـــن اللقطـــات التـــي ينـــوي تصويرهـــا والتـــي فـــي بعـــض االحي ــان تح ــوي ق ــدر كبي ــر م ــن الفنتازي ــا حت ــى ينقـــل رؤيتـــه الفنيـــة لمصمـــم الديكـــور والمديـــر الفن ــي ب ــكل س ــهولة ويس ــر . وعلـــى نفـــس المنـــوال كان المخـــرج اليابانـــي كيرســـاوا ( )1998-1910يرســـم كادرات افالم ــه عل ــى ش ــكل لوح ــات وش ــكلت رس ــومات فلم ــه الش ــهير «رن» م ــادة خصب ــة للباحثي ــن ف ــي ف ــن ه ــذا المخ ــرج ال ــذي ت ــرك اث ــرا كبي ــرا عل ــى الســـينما العالميـــة . ومـــن االنصـــاف ان نقـــول ان الفـــن التشـــكيلي ســـاهم بشـــكل كبيـــر بدفـــع عجلـــة الســـينما الـــى
لم ــا فيه ــا م ــن س ــحر وجاذبي ــة وق ــوة ف ــي تحوي ــل الخي ــال ال ــى واق ــع مرئ ــي م ــن خ ــال مش ــاركته بتقديـــم رســـوماته فـــي فلـــم كلـــب اندلســـي عـــام 1928للمخـــرج االســـباني لويـــس بانويـــل( )1983-1909وعصـــر الذهـــب عـــام 1930 مـــع الســـريالي الكبيـــر الرســـام ماكـــس إرنســـت ()1981 1876-والشـــاعر جـــاك بريفيـــر ( .. )1979-1900وفـــي هـــذه «التجربـــة الســـينمائية /التشـــكيلية» -الفريـــدة مـــن نوعهـــا حشـــد دالـــي العديـــد مـــن الصـــور والمشـــاهداإليجابي ــة ذات مس ــحة س ــوريالية كجث ــة يغطيه ــا الذب ــاب ،وزراف ــات تض ــرم فيه ــا ألس ــنة الله ــب.. ولـــم يتوقـــف تعـــاون ســـلفادور دالـــي مـــع الســـينما فقـــد اســـند اليـــه المخـــرج هيتشـــكوك ( )1980-1890عـــام 1945تصميـــم مشـــاهد االحـــام والهلوســـات فـــي فيلمـــه المأخـــوذ ( ) Spellboundالـــذي دارت أحداثـــة حـــول ش ــخص فاق ــد للذاك ــرة ومعالجت ــه النفس ــية الت ــي تقــع فــي حبــه أثنــاء محاولتهــا الكتشــاف ماضيــه المكب ــوت ..واالح ــام الت ــي كان ــت يش ــاهدها ت ــم تصميمه ــا عل ــى ض ــوء مدرس ــة التحلي ــل النفس ــي مـــن قبـــل الفنـــان دالـــي نفســـه . كمـــا اســـند اليـــه المخـــرج ريتشـــارد فليشـــر ( )2006-1916فـــي فلمـــه رحلـــة العجائـــب 58
االمــام منــذ البدايــات مــن خــال عمــل كثيــر مــن الفنانيـــن كمصمميـــن للديكـــور والمناظـــر ومـــن خـــال التصويـــر الســـينمائي الـــذي وصـــل فـــي بع ــض االح ــاالت ال ــى درج ــة االب ــداع التش ــكيلي الخ ــاق يق ــول مدي ــر التص ــور العالم ــي نس ــتور المين ــدروس ف ــي كتاب ــه (رج ــل وكامي ــرا) ( :)A Man With a Cameraعندمــا احضــر لفيل ــم م ــا فإنن ــي ع ــادة افك ــر ف ــي رس ــام معي ــن او مدرســـة معينـــة فـــي الرســـم.ويقول المصـــور الســـينمائي لـــي جارلـــس «إن رمبرانـــت هـــو فنانـــي المفضـــل .لقـــد درســـت أعمالـــه كلهـــا عن ــد بداي ــة عمل ــي ف ــي التصوي ــر … وأعجب ــت بأس ــلوب اإلض ــاءة ف ــي لوحات ــه وتأث ــرت ب ــه». ،ومـــع تطـــور التقنيـــة الصناعيـــة والحاســـوبية اس ــتفادت الس ــينما م ــن ه ــذا التط ــور خصوص ــا ف ــن الفوت ــو ش ــوب ف ــي صن ــع لقط ــات ومش ــاهد اليمك ــن تنفيذه ــا عل ــى ارض الواق ــع او صعوب ــة تنفيذهـــا لتكاليفهـــا الباهظـــة فتـــم االســـتعانة برســـومات الفنانيـــن والحاســـوب ودمجهـــا للحصـــول علـــى هـــذه اللقطـــات واذا اردنـــا ان نســـتعين بشـــاهد فيمكـــن االســـتعانة بمشـــاهد فلـــم الحديقـــة الجوارســـيكية للمخـــرج ســـتيفان س ــبيلبيرج وتط ــور االم ــر أبع ــد م ــن ذل ــك فيم ــا بع ــد م ــن اج ــل ض ــخ حي ــاة جدي ــدة ف ــي الس ــينما مـــن خـــال بـــزوغ ثـــورة النـــص االفتراضـــي ( )Hypertexteالـــذي منـــح الســـينما مزيـــدا مـــن االمكانيـــات الخالقـــة فـــي التفاعـــل بيـــن الســـمعي والبصـــري والفـــن التشـــكيلي . وق ــد امت ــد التوظي ــف التش ــكيلي ف ــي الس ــينما ال ــى اف ــام الرس ــوم المتحرك ــة وف ــن الحف ــر والبوس ــتر الـــذي اســـتفاد مـــن فنـــون الطباعـــة الحديثـــة والحواس ــيب وبرامجه ــا الفوت ــو ش ــوب وبرنام ــج Adobeوبرنامـــج ،)Illustratorواالستنســـاخ الضوئ ــي وأش ــياء اخ ــرى عدي ــدة اصب ــح يعتم ــد
عليه ــا ف ــي تط ــور نم ــوه وانتش ــار حض ــوره . العالقـــة ســـوف تظـــل قائمـــة مـــا بيـــن الفـــن التش ــكيلي ال ــذي ل ــه عم ــق تاريخ ــي بق ــدر عم ــق البشـــرية ومـــا بيـــن فـــن الســـينما القـــادر علـــى صه ــر كل الفن ــون بذات ــه الت ــي تس ــتطيع التكي ــف مـــع كل فـــن وتقنيـــة جديـــدة بشـــكل متســـارع يدع ــو دائم ــا ال ــى الدهش ــة واإلعج ــاب بق ــدرة ف ــن الســـينما فـــي التعبيـــر عـــن الحداثـــة وتوظيفهـــا بشـــكل يدعـــو لالنتبـــاه .
59
اتخــذ تمثيــل الواقــع ومحاكاتــه فــي العمــل الفنــي مهمــا كان جنســه أمــرا بعيــدا ومتشــعبا ،ولعــل المالحقــة األوليــة لهــذا المفهــوم الشــائك تنتــج العديــد مــن األفــكار التــي تصــب بهــذا المفهــوم علــى صعيــد االعــادة واالنتــاج والتراجــع أو االختفــاء والتجلــي فــي أحيــان أخــرى ،وارتباطــه بالمعطــى الواقعــي ،أي بســعادات العالــم وهناءاتــه أو مالحقــة الفنــان
عندمــا يلجــأ للتعبيــر عــن قضايــاه ورؤاه بشــكل مباشــر وواضــح كمــا يعبــر عنهــا ( بــول كلــي ) « كلمــا أصبــح العالــم مرعبــا بدرجــة أكبــر كلمــا أصبــح الفــن تجريديــا ،أمــا العالــم الســعيد فأنــه ينتــج فنــا تشــخيصيا» ،ولذلــك تبــدأ رحلــة التعبيــر األشــاري والرمــزي الــذي تختفــي خلفــه الفكــرة المــراد صياغتهــا وأظهارهــا الــى العلــن ،وبهــذا 60
يتحايــل الفنــان علــى ســلطة الرقيــب ويتجاوزهــا ، ولكــن هــذا التصــور لــم يكــن يحمــل مصاديقــه علــى الــدوام ،ففــي احيــان عديــدة يهجــر الفنــان الواقــع ألغــراض وضــرورات جماليــة يمكــن أن تتســق مــع مــا يتوصــل اليــه العلــم أو فلســفة الفــن ،وهــذا مــا ينطبــق علــى الفــن الرمــزي الــذي تتمــرس خلفــه أفــكار ومســاند نظريــة وتنبــوءات يعبــر عنهــا ضمــن هــذا المــدار الجمالــي .وقــد تناوبــت الفــن واقعيــات عــدة وليــس واقعيــة واحــدة تشــترك بهــدف واحــد هــو تمثيــل الخــارج والنظــر اليــه علــى أنــه المنتــج لتلــك األفــكار يقدمهــا الفنــان مــن خــال زاويــة نظــر معينــة بنطاقهــا الذاتــي الخالــص أو مــن خــال البنيــــــــة المجموعيــة والتفكيــــــرالمشتـــرك الــذي ينتــج االســلوب أو المذهــب أو الحركــة الواقعيــــــــــــة بفعــل الســلطة الموضوعيــة الضاغطـــــة علــى ذات الفنــان . لقــد تــــــم التعبيـــــر عــن الواقــع عبــر التأريــخ بطرائــق شــتى بــدءا مــن فنــون الحضــارات القديمــة الممثلــة لألســطورة ،بوصفهــا واقعــا معــاش وصــوال الــى أكثــر الواقعيــات فــي الفــن الحديــث بمــا توصــف بــه ( الواقعيــة التشــخيصية ) علــى يــد الفنــان العالمــي( كوربيــة) الــذي أســس نمطــا جديــدا قائمــا علــى عــدد مــن الخصائــص التــي تتســم بهــا معالجــات الواقــع الفنيــة وتمثيلــه ونقــل الصــورة الحقيقيــة عنــه وأن نزعــت فــي جزيئتهــا الــى فعــل الــذات ،ولكنهــا أفــراط فــي نقــل مشــاهد الواقــع ، الــذي اســتلهمته المــدارس الواقعيــة فــي شــتى أنحــاء العالــم ،ومنهــا المدرســة الواقعيــة العراقيــة وعرابهــا
الفنــان الكبيــر والمعلــم ( فائــق حســن ) الــذي حــاول جاهــدا نقــل الواقعيــة العالميــة الــى مــدار المحليــة مــن خــال مفــردات الواقــع العراقــي وجماليتــه فــي بدايــة التحديــث والتجريــب الفنــي منتصــف القــرن العشــرين ،وأســهامه فــي البحــث عــن هويــة لفــن جديــد خــرج مــن ســبات القــرون المظلمــة ،وكانــت رســومه خطــوة لتماهــي الفــن مــع الواقــع فكانــت الخيــول وبيــوت الصــوف والخيــام ومفــردات محليــة أخــرى تمثــل خصوصيــة فنــه ،وألنــه معلــم األجيــال فــكان رصــد تالمذتــه ال يقــل أهميــة عمــا توصــل اليــه لتأســيس مدرســة عراقيــة تنضــوي تحتهــا العديد مــن األســماء الفاعلــة فــي المشــهد التشــكيلي المحلــي والعالمــي ،كان مــن أبــرز المبشــرين بهــا والمغاليــن فــي طــرح صورتــه علــى هــذه الشــاكلة هــو الفنــان ( خالــد القصــاب) الــذي أنتــج سلســلة مــن األعمــال الفنيــة التـــــــــي أتســمت بهــا تجربتــه الشــخصية واألعـــــــان أن المطلـــق يكمــن في صــورة الطبيعة وصدقيتهــا والتبشــير بجماليتهــا . ولعــل مــن أهــم مرتســمات الفــن الحديــث هــو العالقة القائمــة بيــن الصــورة المرســومة وبيــن الواقــع مهمــا كانــت صبغــة هــذه العالقــة ،ســواء كانــت ايجابيــة تديــن للواقــع وموجوداتــه وتعيــد ترميمــه وتبحــث عــن مطلقهــا الفنــي فــي الواقــع نفســه وليــس خارجــه ،أو تجســيد العالقــة الســلبية بــادارة الظهــر الــى الطبيعــة وأهمالهــا وتغليــب بنيــة التجريــد بمختلــف مســتوياته لتشــييد اللوحــة وخلــق عالــم بديــل عــن العالــم الواقعــي ،بوصفــه واقعــا مزيفــا وغيــر حقيقي ومــا المــدارس الفنيــة أال مســتويات تمثــل الواقــع 61
الحيــاة مهمــا كانــت شــاقة وقاســية ،بوصفــه المعبــر لصــراع الطبقــات وتســيد الطبقــات الكادحــة فــي ذلــك الصــراع أنطالقــا مــن الفهم الماركســي وأحالل المســاواة ضمــن منهــج علمــي فســميت بالواقعيــة االشــتراكية التــي عمــل تحــت ظاللهــا كل مــن (كاندنســكي وماليفيتــش) فــي بدايــة مشــوارهما الفني وهــي نقــل آلالم النــاس وهموهــم وموضوعاتهــم االنســانية ،بوصفهــا المطلــق الــذي تبحــث عنــه ، وهكــذا تشــعبت لتصــل الــى الواقعيــة الســحرية الــذي تتخــذ مــن الواقــع الســحري أساســا لتصيرهــا مــرورا بالواقعيــة الجديــدة التــي ظهــرت كأنبعــاث جديــد للواقعيــة بعــد لتخلــي عنهــا لصالــح التجريــد الفنــي المفــرط واالبتعــاد عــن كل مــا يمــت للواقــع بصلــة وأســهمت هــذه المحاولــة برفــد الفــن التشــكيلي بمذهــب جديــد علــى مســتوى التراكمــات األســلوبية . وظــل نحــت المصطلــح المرتبــط باألصــل الواقعــي مشــروعا حتــى فــي لحظــة االبتعــاد نهائيــا عــن منطقيــة الواقــع والطبيعــة والحيــاة ولكــن هــذا االرتــداد حجتــه المفــردات الواقعيــة التــي تحتفــي بهــا اللوحــة مثلمــا فعــل عــدد مــن فنانــي الســوريالية التــي ســميت بمذهــب ( فــوق الواقعيــة ) وتحديــدا فــي رســومات ( كريكــو وســلفادور دالــي) الــذي حــاول تجميــع مفــردات بيئيــة بصيغــة ال منطقيــة تبتعــد عــن التصــورات العقليــة وجلبهــا الــى لوحتــه مــع مبــدأ المبالغــة فــي حجــم األشــياء أو وظائفهــا علــى صعيــد الحيــاة نفســها ،وهنــا تأســس
انطالقــا مــن تكثيفــه وحــذف موجوداتــه وصــوال الــى بنيــة رمزيــة اشــارية تكمــن أقصــى غاياتهــا الخــاص مــن عوالــق الواقــع وشــوائبه ،ولكــن الفــن بالمحصلــة النهائيــة هــو اندمــاج وأنصهــار مــع الواقــع مهمــا بلــغ الفــن أقصــى مراحــل التجريــد واالبتعــاد .ولذلــك فــأن العديــد مــن الواقعيــات بخــاف المــدارس الفنيــة التــي أنتجتهــا مســيرة ومختبريــة الفــن الحديــث
تؤمــن بالخــاص مــن بعــض تمثــات الواقــع ومالمحــه وتســعى جاهــدة الــى تحقيــق ذلــك الهــدف ،تلــك الواقعيــات التــي ترتبــط بمناهــج نقديــة ومســارات فلســفية وفكريــة تــم نحــت مصطلحهــا مــن خــال األفــكار الكامنــة خلــف الشــكل الفنــي ، فأرتبطــت الواقعيــة بالمنهــج األشــتراكي فــي روســيا وعلــى الفنــان تمثيــل الحقيقــة فــي نموهــا الثــوري تمثيــا صادقــا وملموســا تأريخيــا واألمانــة فــي نقــل 62
مســار آخــر فــي البحــث الجمالــي الواقعــي مضافــا الــى انشــطارات الواقعيــة التــي أضافــت الــى الفــن رؤى أخــرى فــي األســاليب والمرجعيــات التــي تبنتهــا كل مــن هــذه المذاهــب الفنيــة . وبعــد رحلــة األنقضــاض علــى الواقــع فــي مســيرة الفــن الحديــث ووصولــه الــى الســوبرماتزم علــى يــد ماليفيتــش عــاد الفنــان الــى الجــذر األول ( الطبيعــة ) وتفعيلهــا مــن جديــد ضمــن مــدارات مختلفــة عمــا ســبق ،فظهــرت تيــارات واقعيــة بــدءا مــن الواقعيــة الشــعبية األمريكيــة ( البــوب آرت ) التــي صــورت مســاحة مهمــة مــن أشــكاالت المجتمــع الرأســمالي األســتهالكي ونقلــت حياتــه الــى الفــن وصــوال الــى ( الواقعيــة المفرطــة ) التــي نعتــت بالواقعيــة االعالميــة أو واقعيــة الصــورة وكأنهــا حركــة ضــد التجريــد والعقلنــة فــي التصويــر معبــرة عــن التوتــر الناتــج عــن االختيــار الواعــي للمظاهــر الواقعيــة .وفــي مجــال البحــث عــن الالمرئــي فــي معالــم الحقيقــة وصورهــا لجــأ الفنــان األمريكــي «تشــارل كلــوز» الــى الكاميــرا ليصــور شــخوصه عــن قــرب وينقــل هــذه المشــاهد الــى اللوحــة بواســطة شــبكة خطيــة ،ولكــن ظهــور لوحــة ( قســم األخــوة هــوراس ) للفنــان الفرنســي «جــاك لويــس دافيــد «مــن قبــل هــذا الوقــت فــي نهايــات القــرن الثامــن عشــر تمثــل بدايــة عهــد جديــد النبعــاث الواقعيــة ســميت ( الواقعيــة الجديــدة ) وهــي أعــادة قــراءة الواقــع وتكريســه فــي الخطــاب البصــري .مــن هنــا نجــد أننــا مهمــا ابتعدنــا عــن الواقــع فأننــا نعــود اليــه وال يمكــن الخــاص منــه أبــدا علــى حــد قــول «ماليفيتــش» ( فــي أقصــى حــاالت التجريــد فأننــا ال نغــادر الواقــع ،بــل ننصهــر فيــه ) وحســب هــذا التوصيــف ال يوجــد فنــا أال وكان الواقــع يحيــط بــه ويتمثلــه فــي النهايــة ،مهمــا أختلفــت مســتويات التمثيل للواقعــة الخارجيــة . 63
ربمـــا يتوقـــع البعـــض منـــا ان نعـــرض او نجـــري مقاربـــة العمـــال فنيـــة تشـــخيصية تعالـــج موضوعـــات الحـــرب والخـــراب مثـــل لوحـــات ديالكـــروا اوجويـــا او بيكاســـو ،ولكننـــا بســـبب ايماننـــا ان الرســـم واقعـــة ماديـــة فاننـــا نفهـــم الخ ــراب بان ــه واقع ــة مادي ــة بصري ــة ،لذل ــك نب ــدا بتعري ــف تقدم ــه الرس ــامة الدكت ــورة هن ــاء م ــال هللا عـــن (تقنيـــة الخـــراب ) Ruins Technique فتكت ــب« :تشــ ّكل تقني ــات الخ ــراب تمرين ــي الفن ــي بمـــا فيهـــا الحـــرق وتدميـــر وازالـــة المـــادة الخـــام ومظهـــر االســـى الـــذي تبثـــه ،والتـــي أصنفهـــا
تح ــت مصطل ــح (تقني ــات الخ ــراب) ،ه ــذه التقني ــات تمتلـــك وجودهـــا كتمثيـــل لوجـــه الحـــرب البشـــع، ولكـــن هـــذا ال يعنـــي انـــي اقـــدم فكـــرة الحـــرب وانمـــا اســـتغل جوهـــر عمليـــات التدميـــر للمـــادة الخــام داخــل اعمالــي لتبليــغ (بــث) مفهــوم الحــرب وبغـــض النظـــر عـــن موقـــع حدوثهـــا الجغرافـــي، ومفهومهـــا السياســـي» ،ونحـــن اســـتعنا بتعـــرف هنـــاء مـــال هللا ليـــس باعتبارهـــا منتجـــة العمـــال فنيـــة تنخـــرط تحـــت مســـمى (تقنيـــة الخـــراب) وانمـــا باعتبـــار هنـــاء مـــال هللا منظـــرة وكاتبـــة ومنتجـــة لخطـــاب نقـــدي تنظيـــري حـــول تقنيـــة الخـــراب. التعرية وتقنيات الخراب.. كان ــت للرؤي ــة الت ــي تطرحه ــا الرس ــامة العراقي ــة الدكتـــورة هنـــاء مـــال هللا االن والتـــي تعنونهـــا بـ(تقني ــات الخ ــراب )ruins techniqueج ــذور غائـــرة فـــي االســـتنادات الفكريـــة والتقنيـــة لجيـــل الثمانين ــات ف ــي الرس ــم العراق ــي ،وه ــم رس ــامون طحنته ــم الح ــروب ونتائجه ــا الكارثي ــة :هن ــاء م ــال هللا وفاخ ــر محم ــد وكري ــم رس ــن وغس ــان غائ ــب وحيــدر خالــد ونديــم محســن ونــزار يحيــى وإيمــان عل ــي وهيم ــت محم ــد عل ــي ورحي ــم ياس ــر وعل ــي المنـــدالوي وســـامر أســـامة ومحمـــود العبيـــدي، وهاشـــم حنـــون فـــي بعـــض مراحـــل مســـيرته الفنيـــة ،وقـــد تعمـــق هـــذا االتجـــاه بفعـــل وجـــود 64
ّ ومنظـ ّــرهم شــاكر حســن آل ســعيد، ورفقــة أســتاذهم وق ــد كان ــت ب ــذور تقني ــة الخـــراب نابع ــة م ــن ،أو مس ــتندة عل ــى ،طروح ــات ش ــاكر حس ــن آل س ــعيد فـــي (التعريـــة الشـــيئية) وفـــي (االثـــر) وغيرهـــا وه ــو م ــا جم ــع آل س ــعيد ش ــتاته ف ــي ثنائي ــة اس ــماها (التعريـــة -التراكـــم)؛ فكانـــت التعريـــة مفهومـــا كونيــا؛ «حيــث كانــت الطبيعــة تتعــرى بفعــل قــوى المنــاخ والقــوى الفطريــة» ،ويذكــر كذلــك ان االلهــة عش ــتار (عش ــتروت) تعرض ــت للتعري ــة م ــن قب ــل كائنـــات العالـــم االســـفل وهـــي فـــي طريقهـــا الـــى هن ــاك ذل ــك العال ــم.
ق ّســم شــاكر حســن آل ســعيد تقنيــات التجريــد (عبــر التعري ــة) إل ــى نمطي ــن متمايزي ــن ومتكاملي ــن هم ــا: تعريـــة الجـــدران ،وتعريـــة األرصفـــة ،ويصنـــف (التحزي ــز والش ــخبطة) ف ــي تعري ــة الج ــدران بأنه ــا «ثقافـــة ســـاكني المدينـــة» (آل ســـعيد ،الســـابق، ص )222ويفت ــرض بثقاف ــة س ــاكني المدين ــة توف ــر حــوار متبــادل بيــن تلــك الجــدران وســاكني المــدن؛
التعرية عند شاكر حسن ال سعيد لقـــد اتخـــذت تعريفـــات مفهـــوم التعريـــة عنـــد آل س ــعيد أش ــكاال متع ــددة :فكان ــت عن ــده ف ــي التعري ــف الرياض ــي تعن ــي «م ــا قب ــل حال ــة (صف ــر) التعبي ــر الفنـــي» (شـــاكر حســـن آل ســـعيد ،البحـــث فـــي جوهــرة التفانــي ،الشــارقة ،2003 ،ص )217وفــي التعريـــف (التقنـــي – البصـــري -االركولوجـــي) كانـــت تعنـــي عنـــده «عمليـــة (تعريـــة) ذات قصـــد معيـــن وليســـت عفويـــة وتحـــدث بقوانيـــن الحيـــاة الماديـــة كالتـــي تحـــدث فـــي جغرافيـــا األرض» (آل س ــعيد ،الس ــابق ،ص ،)218وه ــو م ــا يعطيه ــا بع ــدا ش ــيئيا (مادي ــا ومتيريالي ــا) حي ــن كان يعتبره ــا «معرف ــة ...متحقق ــة ف ــي الظاه ــرة الش ــيئية ولي ــس بواســطتها (ال ســعيد ،الســابق ،ص )219و يصبــح مـــن دعـــوى إلمامنـــا بالوجـــود الشـــيئي فهمنـــا التعريـــة (كحالـــة) أساســـية فـــي (أغنـــاء) المظهـــر بمـــا يحتويـــه مـــن آثـــار وفـــي معنـــى األثـــر» (آل س ــعيد ،الس ــابق ،ص ،)219ويس ــبغ آل س ــعيد عل ــى التجريـــد عبـــر (التعريـــة الشـــيئية) بعـــدا صوفيـــا وديني ــا باعتباره ــا «تخلي ــا وتج ــردا وت ــركا وخلع ــا وللمطامـــع البشـــرية»
بينمـــا يصـــف تعريـــة األرصفـــة بأنهـــا اكتفـــاء للعمـــل الفنـــي بذاتـــه فالعمـــل الفنـــي ناتـــج عـــن مـــا تضيفـــه الصدفـــة إلـــى اللوحـــة مـــن مؤثـــرات ومـــا تســـلبه منهـــا ،حيـــث تنفـــرد المســـطحات المدينيـــة (تقنيـــات األرصفـــة) بوجودهـــا الغفـــل ويظ ــل (األث ــر) عالم ــة الرصي ــف الت ــي تصنعه ــا األق ــدام الضائع ــة لعاب ــري الس ــبيل ،وإنه ــا «تحزي ــز وش ــخبطة وش ــقوق ...ق ــوى كوني ــة مكتفي ــة ذاتي ــا
(آل سعيد ،السابق ،ص .)221نمطا التعرية عند ال سعيد
65
يكـــون «للجـــدار (حـــواره) مـــع الســـابلة ،ال يكـــون للرصيـــف حـــوار إال مـــع األشـــياء» (آل ســـعيد، الس ــابق ،ص )227فليس ــت األرصف ــة ف ــي النهاي ــة، برأيــه ،إال مواطــئ أقــدام ،ومكبــات نفايــات ال تحــاور ســـوى ذاتهـــا ،فكانـــت «خامتـــا االســـمنت والقـــار تلتقـــط معنـــى (األثـــر) :اثـــر األقـــدام والمركبـــات وم ــا إل ــى ذل ــك». تقنيات الخراب ..تخريب المتحف العراقي نمطـــا تل ّقـــي القطعـــة االثريـــة :االركولوجـــي والجمالـــي لق ــد أك ــد آل س ــعيد إن التلق ــي الجمال ــي لـ(القطع ــة األثريـــة) يجـــب أن يتـــم علـــى أســـاس (القيمـــة الجماليـــة) التـــي يحملهـــا وليـــس علـــى أســـاس (القيمـــة التاريخيـــة -االركولوجيـــة) فانـــه يعتبـــر المؤثـــرات الطبيعيـــة باعتبارهـــا تنـــدرج ضمـــن القيمـــة الجماليـــة للعمـــل الفنـــي وهـــذه المؤثـــرات ه ــي :المط ــر والح ــروق والس ــقوط وم ــا أضافت ــه قـــوى بشـــرية عابثـــة.. ان نـــزع التاريخيـــة عـــن (القطعـــة األثريـــة) ومعاملتهـــا علـــى أســـاس (القيمـــة الجماليـــة) هـــي إعـــادة عكســـية لطروحـــات ريكـــور الـــذي يـــرى ان «الســـردية تقـــوم بتزميـــن التجربـــة» حيـــث يكتس ــب « الزم ــن ش ــخصيته ،ويت ــم االحتف ــاظ ب ــه بعي ــداً ع ــن النس ــيان بوصف ــه مج ــرد زم ــن مض ــى لي ــس اال» وحي ــث «يح ــول (فعــ ُل ألحك ــي) قصــ َة الزمـــن الطبيعـــي إلـــى زمـــن إنســـاني محـــدد... َ فيع ــود الفض ــل للس ــرد ف ــي تس ــجيل وثوقي ــة الزم ــن اإلنســـاني» ،وبذلـــك فـــان مـــا روج لـــه شـــاكر حســن ال ســعيد فــي (تقنيــة الجــدران) وهنــاء مــال هللا فـــي (تقنيـــة األرصفـــة) ليـــس إال محاولـــة فـــي تحويـــل عالمـــات المـــكان (الجـــدران واألرصفـــة) إلـــى فعـــل إحســـاس بالزمـــن.
فـــي إعـــارة الفنـــان مقوماتـــه األســـلوبية والتقنيـــة» (آل ســـعيد ،الســـابق ،ص ،)222ويعتبـــر آل ســـعيد التعري ــة «المح ــور األول ف ــي الكش ــف ع ــن ش ــيئية الوجـــود الشـــيئي والظاهـــرة الشـــيئية» (آل ســـعيد، الســـابق ،ص ،)221كمـــا كان آل ســـعيد يحـــاول اكتشـــاف الطاقـــات الفاعلـــة فـــي الوجـــود الشـــيئي ف ــي المحي ــط ،تل ــك الق ــوى الت ــي تتجس ــد منتقل ــة م ــن طبيعته ــا الجيني ــة إل ــى طبيع ــة تقني ــة وه ــي العناص ــر التكويني ــة األربع ــة االنباذوقليس ــية :الم ــاء ،واله ــواء والت ــراب ،والن ــار :ف ــكان الم ــاء عن ــده يتجس ــد تقني ــا عن ــد معامل ــة اللوح ــة وم ــا عليه ــا م ــن أل ــوان بالم ــاء بحيـــث يظهـــر تأثيـــره علـــى مســـتقبل اللوحـــة ،أو باســـتخدام الســـيولة فـــي التقنيـــة اللونيـــة ،ويتجســـد فعـــل النـــار فـــي فعلهـــا الـــذي يـــؤدي إلـــى نشـــوء فوهـــات بواســـطة الحـــروق ،والتـــراب يظهـــر فـــي إســـباغه طبيعتـــه علـــى عجينـــة األلـــوان ،وأخيـــرا يظهـــر الهـــواء مـــن خـــال األلـــوان التـــي تســـقط علـــى اللوحـــة بطريـــق النفـــخ... افتراق هناء مال هللا عن ال سعيد لق ــد كان آل س ــعيد مأخ ــوذا بح ــوار (تقني ــة الج ــدران) كان ــت هن ــاء م ــال هللا مأخ ــوذة بالنم ــط اآلخ ــر م ــن التقنيـــات التجريديـــة ،بالحـــوار الصامـــت الغفـــل لســاكن المدينــة مــع األرصفــة و(األرضيــات) ففيمــا
66
التجريد :تقنية الجدران ...تقنية األرضيات لقـــد اتخـــذت التجربـــة الفنيـــة لهنـــاء مـــال هللا تمظهـــرات متباينـــة أحيانـــا فكانـــت :تقتـــرب فـــي
ً ً شـــيئية ذات واقعـــة تحققاتهـــا ،تشـــ ّكل فـــي النهايـــة رؤي ــة م ْتحفي ــة اركولوجي ــة ارتبط ــت بالحف ــر ع ــن فعـــل الزمـــن فـــي التحفيـــات العراقيـــة الرافدينيـــة
جانـــب مـــن البنـــى الرياضيـــة وهندســـة االوفـــاق وتقتـــرب فـــي الجانـــب اآلخـــر مـــن التجليـــات الصوفي ــة والعرفاني ــة والديني ــة ،إال أنه ــا ،ف ــي أه ــم
القديم ــة المعروض ــة ف ــي المتح ــف العراق ــي ف ــكان اهتمامهـــا وأبنـــاء جيلهـــا بالســـطوح ،والجـــدران واألرضيـــات فـــي شـــوارع بغـــداد التـــي كانـــت 67
بغـــداد :جغرافيـــة وبشر..إيقونات المحيط...وثائق زيـــارة المتحـــف لقــــــــــد وصـــــف الدكتورحات ــم الصك ــر تحـــوالت هنـــاء مـــال هللا ابتـــداء مـــن معرضهـــا (بغـــداد: جغرافيـــة وبشـــر) فاعتبـــره إشـــارة لتحـــول قناعتهـــا بالفـــن المحيطـــي، ورؤيتهـــا لوجـــود اللـــون عنصـــراً متعين ـا ً ف ــي اللوح ــة ،وربطه ــا لذل ــك كلـــه بمـــا أســـمته (التنقيـــب داخـــل الوج ــود) و(اكتش ــاف المحي ــط وتوثيق ــه)؛ فل ــم تك ــن تري ــد اس ــتضافة (المرج ــع) – بغ ــداد تحدي ــداً – ف ــي اللوح ــة ب ــل إع ــادة والدت ــه م ــن جدي ــد ،م ــن خ ــال بحثهـــا عـــن (بغدادهـــا) الـــذي وصفتـــه بأنـــه إقامـــة لمدينــة يوتوبيــا مضــادة بتعبيــر ميشــيل فوكــو ..وفــي معرضهــا الالحــق (إيقونــات المحيــط) بغــداد 1996 ســتالحق فكرتهــا عــن إشــارات وعالمــات المحيــط، وه ــو وع ــي بالمحي ــط رافق ــه إنج ــاز لوح ــات تتح ــرر بخط ــوات أبع ــد م ــن جغرافي ــة الم ــكان كتضاري ــس وطوبوغرافي ــة ،واس ــتنجدت بإنج ــاز الفن ــان العراق ــي القديـــم الـــذي (اختـــزل) المحيـــط وأشـــكاله المرئيـــة بتش ــفيرها وتحويره ــا وه ــذا م ــا تأك ــد ف ــي ع ــدد م ــن المع ــارض منه ــا (قياف ــة األث ــر) ال ــذي تراف ــق م ــع مـــا أســـمته الفنانـــة (وثائـــق زيـــارة المتحـــف) فلقـــد كان المتح ــف يمث ــل له ــا حاف ــزاً «للبح ــث ف ــي زم ــان العمـــل – األثـــر الفنـــي ..واكتشـــاف الزمـــان فـــي المـــكان» وهـــذا مـــا تمثل ــه (قياف ــة األث ــر) كمفه ــوم مكانـــي وزمانـــي يشـــبه الطـــروس الكتابيـــة التـــي تناس ــخ بعضه ــا كأث ــر كتاب ــي ،وتل ــك محصل ــة وع ــي الفنان ــة الخ ــاص وبحثه ــا المتمي ــز ف ــي دالل ــة الم ــكان وزمانيتـــه أيضـــاً.
الرســـامة تتمالهـــا ،وتســـجل فعـــل الزمـــن فيهـــا وه ــي ف ــي طريقه ــا إل ــى المتح ــف ،وه ــو م ــا ن ّب ــه أبن ــاء جيـــل الثمانينـــات فـــي الرســـم العراقـــي إلـــى تقنيـــات تحـــاول افتضـــاض ســـطح اللوحـــة البكـــر: بالخــرق ،والحــرق ،والثلــم ،والتخريــم ،والتخريــش، والتحزيـــز ،والشـــخبطة ،والتخديـــد (مـــن أخـــدود)، والتش ــقيق (الت ــي كان آل س ــعيد يس ــميها المع ــارج)، وم ــا إل ــى ذل ــك م ــن مؤث ــرات الخ ــراب ال ــذي ب ــدأت هنــاء مــال هللا البحــث فيــه ،وكانــت تراهــا اســتراتيجا بصريــا – تقنيــا مؤثــرا فــي الرســم العراقــي أســمته، ف ــي بع ــض كتاباته ــا ومحاضراته ــا الت ــي ألقته ــا ف ــي لنـــدن حيـــث تقيـــم اآلنRuins Technique ، أي (تقنيـــات الخـــراب) الـــذي تـــراه خرابـــا حيويـــا Vivid Ruinsيشـــ ّكل أهـــم المؤثـــرات المهيمنـــة ف ــي الثقاف ــة العراقي ــة بع ــد الخ ــراب الضخ ــم ال ــذي تعـــرض لـــه العـــراق والحيـــاة والثقافـــة العراقيـــة قبـــل وبعـــد االحتـــال 68
معرض (وثائق زيارة المتحف) كان معـــرض (وثائـــق زيـــارة المتحـــف) برأينـــا معرضـــا مفصليـــا فـــي تجربـــة هنـــاء مـــال هللا الكتش ــاف تقني ــات (األرضي ــات) «الش ــارع الم ــؤدي إلــى المتحــف والمنــاخ المحيــط بــه مــن إشــارات»، و «محـــاورة المحيـــط» ،و»كل مـــا هـــو موجـــود علــى الرصيــف» (هنــاء مــال هللا ،يوميــات ،مدونــة معــرض (وثائــق زيــارة المتحــف) ،)..بينمــا يعتبــره آل س ــعيد ف ــي مدون ــة المع ــرض ذاته ــا «مح ــاوالت الرتي ــاد المتح ــف االثنوغراف ــي واالركولوج ــي إل ــى جان ــب معايش ــتها (الواق ــع البيئ ــوي) ف ــي المدين ــة» باعتبـــاره «نوعـــا مـــن االعتـــكاف الفكـــري فـــي داخ ــل (اللقي ــة) و(الش ــريحة) عل ــى ح ــد س ــواء».. عندم ــا كان ش ــاكر حس ــن آل س ــعيد يؤس ــس تجربت ــه ف ــي الرس ــم عل ــى افتتان ــه (بقيم ــة الج ــدار) «كم ــرآة تعكـــس واقـــع الحيـــاة اإلنســـانية الحضاريـــة اليوميـــة» ،كانـــت هنـــاء مـــال هللا تؤكـــد افتتانهـــا باخت ــراق الكتاب ــة ( التدوي ــن) للرس ــم ف ــي محاول ــة اختـــراع (أبجديـــة صوريـــة جديـــدة) ؛ مـــن خـــال التلصي ــق ،واللق ــى الت ــي تظه ــر ف ــي الرس ــم ،وه ــو مـــا يحيـــل اللوحـــة إلـــى تجربـــة كتابيـــة تدوينيـــة تتح ــول فيه ــا إل ــى :ن ــص ،او خرائ ــط ،او بيان ــات؛ فكانـــت تحوالتهـــا ال تخـــرج عـــن موضوعـــة التعامـــل مـــع الواقـــع باعتبـــاره مدونـــة يســـتقرئها الرس ــام ،ويعي ــد إنتاجه ــا مدون ــة رس ــم؛ ف ــكان ذل ــك يكشـــف قناعاتهـــا ،منـــذ أول معارضهـــا( ،بغـــداد: جغرافي ــة وبش ــر) وحت ــى اآلن« ،بالف ــن المحيط ــيّ ورؤيتهـــا لوجـــود اللـــون عنصـــراً متعينـــا ً فـــي اللوح ــة ،وربطه ــا لذل ــك كل ــه بم ــا أس ــمته (التنقي ــب داخ ــل الوج ــود) و(اكتش ــاف المحي ــط وتوثيق ــه)» ؛ فل ــم يتوق ــف بحثه ــا ال ــذي انتقل ــت في ــه م ــن اتخاذه ــا المتحـــف مرجعيـــة اركولوجيـــة إلـــى اتخاذهـــا المدينـــة (متحفـــا) تســـتمد منهـــا ايكولوجياهـــا ،ثـــم لتتح ــول نح ــو المدين ــة منظ ــورا له ــا م ــن األعال ــي فتتحـــول تلـــك المدينـــة إلـــى قصاصـــة ورق تشـــيد
بهـــا الرســـامة هيـــاكل لوحاتهـــا (أوفـــاق مدنهـــا)، وليتح ــول نظ ــام التربي ــع ،ال ــذي كان بمق ــام (الوح ــدة الخليقيـــة) الشـــكلية والهندســـية والرياضيـــة التـــي تأسس ــت عليه ــا الكتاب ــة المس ــمارية والت ــي أسس ــت عليه ــا هن ــاء م ــال هللا ،ال ــى نظ ــام رياض ــي بدي ــل للغــة النقــد األدبيــة الســائدة الــذي تعايــن بــه الرســم، وليتح ــول ذل ــك النظ ــام إل ــى مقي ــاس رس ــم تبن ــي ب ــه هنـــاء مـــال هللا الخريطـــة التـــي التقطتهـــا لمدينتهـــا مـــن مســـافة الغربـــة بعـــدا. ل ــم ت ــزل هن ــاء م ــال هللا ْتؤث ــر األنظم ــة الهندســيّة والرياضيـــة علـــى فوضـــى ســـطوح الواقـــع التـــي يشـــتغل عليهـــا مجايلوهـــا :نـــزار يحيـــى وغســـان غائــب وكريــم رســن؛ فهــي تقصــي عناصــر وتدنــي
أخــرى ،ولكنهــا تبقــى ممســكة بنظــام تدوينــي يحكــم قبضت ــه عل ــى المش ــهد ،وه ــي الصف ــة األه ــم الت ــي تفــارق تجربتهــا عــن أولئــك الباحثيــن اآلركولوجيين فـــي عالمـــات المحيـــط والجـــدران الذيـــن يبنـــون لوحاته ــم م ــن تل ــك العالم ــات (الوح ــدات) الخليقي ــة للوج ــود الش ــيئي ،ولك ــن أهدافه ــم؛ وان ظل ــت ف ــي صريـــة؛ إال أنهـــا ظلـــت تحمـــل النهايـــة أهدافـــا َب َ ق ــدرا م ــن التش ــخيص. 69
قابـــا لالســـتيعاب ،بمعنـــى قابـــا لوضعـــه ضمـــن ســـياق تجربتهـــا علـــى مـــدى الســـنوات الســـابقة فاعتبرنـــا توجههـــا باالتجـــاه إلـــى خرائـــط مدينتهـــا والتعام ــل م ــع الخارط ــة باعتباره ــا مخطوط ــة ،أو ربم ــا دفت ــرا للرس ــم ،مواصل ـ ً ـة لالنتق ــال ال ــذي ابت ــدأ م ــن أش ــكال الم ــادة المتحفي ــة ،إل ــى الم ــادة المتحفي ــة فـــي بنيتهـــا الداخليـــة وفـــي أنظمـــة البنـــاء الش ــكلية لألشـــكال فـــي اللوحـــة إلـــى الهـــروب مـــن شـــيئية المدينـــة (متحفيتهـــا) إلـــى وجودهـــا المتعيـــن فـــي طوبوغرافيـــا خرائـــط األرض ،لتتحـــول مدينتهـــا إلـــى ســـطح ورقـــيّ يضـــ ّم إحداثيـــات عالماتيـــة ومقايي ــس للرس ــم م ــن تل ــك الت ــي تموض ــع عليه ــا المسّـــاحون فـــي انجازهـــم خرائـــط المـــدن». كانـــت هنـــاء مـــال هللا ،حالهـــا فـــي ذلـــك حـــال كل الفناني ــن ،يحافظ ــون عل ــى مرتك ــزات أولي ــة كان ــوا قـــد أسســـوا عليهـــا البـــذور األولـــى لرؤيتهـــم،
تخري ــب المتح ــف اخط ــر م ــا تعرض ــت ل ــه الثقاف ــة العراقي ــة تؤك ــد هن ــاء م ــال هللا ان اخط ــر م ــا تعرض ــت ل ــه الثقاف ــة العراقي ــة قب ــل وأثن ــاء وبع ــد االحت ــال ،ه ــو تخريـــب المتحـــف العراقـــي الـــذي يشـــكل ذاكـــرة الثقافـــة العراقيـــة ،وبـــدات تنظـــر الـــى تقنيتـــي الجـــدران واألرصفـــة (األرضيـــات) واألفعـــال التخريبيــة العابثــة ضــد المتحــف كتجليــات للخــراب الثقاف ــي وه ــو م ــا دفعه ــا إل ــى طرح ــه ف ــي مفه ــوم واحـــد جامـــع أســـمته (تقنيـــات الخـــراب) لتســـمي ب ــه فع ــل الزم ــن ال ــذي يتص ــف بأبع ــاده التخريبي ــة الثقافي ــة ذات الطبيع ــة البصري ــة العدائي ــة المقص ــودة المؤديـــة إلـــى رد فعـــل عدائـــي ودفاعـــي مقابـــل.. لق ــد اثارن ــي معرضه ــا ال ــذي كان ــت تس ــتخدم في ــه خارط ــة بغ ــداد فكتب ــت« :رغ ــم صدمت ــي بلوح ــات المع ــرض األخي ــر لهن ــاء م ــال هللا إال أن ــي اعتبرت ــه 70
مـــن اللـــون األســـود أو البنـــيّ الكـــدر الـــذي يغطـــي مس ــاحات شاس ــعة م ــن اللوح ــة ،بينم ــا حاول ــت ف ــي مرحلـــة أخـــرى اســـتخدام كـــوالج (ردي ميـــد) مـــن خـــال إدخـــال مـــادة مجســـمة إلـــى جســـم اللوحـــة لتش ــكل خرق ــا لـ(ـ ــجسد) اللوح ــة لي ــس بخرطوش ــة، وليــس برصاصــة ،بــل وبأجــزاء كبيــرة مــن مخلفــات وحط ــام الم ــدن الت ــي تتخ ــذ م ــن المس ــاحة المواجه ــة ألعماله ــا مكان ــا تس ــتقر علي ــه باعتباره ــا (ج ــزءا ال يتجـــزأ) مـــن المدونـــة الواقعيـــة ،انـــه الدمـــار الـــذي لحـــق بمدينتهـــا والـــذي كان ولـــم يـــزل جـــزءا مـــن دورة الخـــراب التـــي تتنـــاوب علـــى مدينتهـــا عبـــر حقـــب التاريـــخ ،فشـــكل ذلـــك هويته ــا الت ــي ه ــي معرضه ــا اآلن.
فتالزمهـــم وتكـــون بالنســـبة لهـــم نســـقا ثقافيـــا ش ــخصيا ال يحي ــدون عن ــه ،ويظل ــون أمن ــاء علي ــه، مهم ــا نوع ــوا ف ــي معالج ــة موضوعاتهـــم ،فكانـــت الرســـامة هنـــاء مـــال هللا تعيـــد قـــراءة الرســـم العراق ــيّ ،وق ــراءة تاريخ ــه ك ّل م ــرة طبقــا ً لمتج ــه اش ــتغاليّ يهيم ــن عل ــى تجربته ــا التنظيري ــة ،إال ان كل ذل ــك يظ ــل مرتكـِ ــزا عل ــى مفهومه ــا ع ــن ف ــنّ الحقيق ــة المحيطي ــة ال ــذي تش ــبعت ب ــه تجربته ــا ح ــد الهــوس ،برأينــا ،فكانــت تلــك النظــرة األركولوجيــة المقربـــة للمدينـــة ومتحفيتهـــا :آثارهـــا ،ولقاهـــا، وأرصفتهـــا ،وقرميدهـــا ،وحيطانهـــا ،وعالماتهـــا الثقافيـــة ،وســـطوحها؛ فكانـــت هنـــاء تعيـــد إنتـــاج كل ذلـــك، بـــل وتعيـــد تأســـيس كل تجربته ــا وف ــق متغي ــرات مـــا بعـــد الســـتينات؛ تلـــك المتغيـــرات التـــي ظهـــرت مـــن خـــال اتجـــاه ال يعي ــر ذل ــك االهتم ــام المبالــغ فيــه الــذي كان يبديــه الســتينيون لمــــا يســـميه ســـهيل ســـامي ن ــادر (البالغ ــة األدبي ــة ف ــي الرســـم) ،ولبعـــض المفاهيـــم األخـــرى التـــي رغـــم صلتهـــا بمتيرياليـــة الرســـم فإنهـــا لـــم تـــزل أســـيرة مفاهيـــم خارجيـــة مـــازال الكثيـــر مـــن الســـتينيين يعيـــدون إنتاجهـــا ،فلـــم تعـــد اللوحـــة ،عنـــد هنـــاء م ــال هللا تثرث ــر بلغ ــة األدب ،رغ ــم أنه ــا ل ــم تفق ــد مرجعيته ــا البصري ــة بالمعن ــى الش ــيئي (المتيريال ــي) للمرجعي ــات الت ــي كان ــت الصل ــة الوثق ــى بالمحي ــط. بقـــي عنصـــر اللـــون جوهـــر الوجـــود الشـــيئي للوح ــة ،حي ــث ب ــدأت تل ــفّ عوالــ َم اللوح ــة أج ــوا ٌء
فـــن الخـــراب ..مـــن الفنـــاء العراقـــي إلـــى الفنـــاء الوجـــودي تتالحــق تحــوالت هنــاء مـــال هللا فـــي اتجاههـــا (فـــن الخـــراب) الـــذي بدأت ــه قب ــل س ــنوات ،حت ــى يصعـــب علـــى النقـــد دمـــج تلـــك المتالحقـــات اال ضمـــن منظومـــة اوســـع مـــن مفهـــوم الخ ــراب ،فربم ــا وم ــن خ ــال معايش ــة العراقييـــن لمـــا تخلفـــه الحـــروب عـــادة ،فقـــد اســـتحكمت منظومـــة (المـــوت) كأعظـــم االســـئلة الوجوديـــة التـــي يواجههـــا العراقيـــون يوميــــــــا، وواجهه ــا االنس ــان من ــذ وج ــوده وحت ــى االن ،فخ ــال الســ َنوات الماضيــــ ــة َتأمّل ـ ُ ـت معيشـ ــتها كالجئ ــة ف ــي َ البــا ِد ذاته ـ ِا التــي لعبــت -علــى األقــل جزئي ـاً -دورا فــي احتـــــــال العــراق واتمــام دائــرة انتاج الخـــراب؛ فكان ــت هن ــاء م ــال هللا تواج ــه االوس ــاط الثقافي ــة بم ــا 71
اختزنت ــه ذاكرته ــا م ــن اث ــار خ ــراب الح ــروب التـــي بـــدات تتوســـع الــى رؤيــة فلســفية ذات ج ــذور ثقافي ــة صوفي ــة تتعلــــــــــــق بمواقـــف االنس ــان ف ــي مواجه ــة الســـــــر االعظـــم فـــي الحيــاة وهــو المــــــوت. (الحافة الحساسة): الصالبـــة (الموثوقـــة) والتحـــوّ ل الـــى (الش ــيء) ..تحــــــ ــوّ ل التشــــــــخيص الـــــــى تجريـــدِ ..لقـــد ادركـــت هنـــ ــاء مــــــــ ــال هللا ان الرســـــ ــم قضي ــة بصري ــة ال تتســـع فـــي النهايـــة اال للبصريـــات والماديـــات الت ــي تخل ــق البصريـــات ،وهـــو مـــا ادركتـــه هنـــاء مـــال هللا باحترافيـــة عاليـــة حينمـــا حولـــت فكـــرة الفنـــاء فـــي اعمالهـــا الـــى معالجـــات لمـــواد صلبـــــــــة؛ العتقادهـــا ان الفنــــــاء يضـــرب الصلــــب المحســـوس ليخلــــــــــــق إحساســـا بفاعليتــــــه التدميريـــة فكم ــا يح ــاول االنس ــان تحويـــل فعـــل الزمـــن الـــى ســـرد او تاريـــخ ليعطيـــه ملموســـية، فـــإن هنـــاء مـــال هللا تح ــاول انت ــاج العك ــس حينمـــا تســـتخلص
مـــن الصلـــب الـــذي تـــآكل بفعـــل فنائـــه إلـــى ســـرديات ورؤيـــة فلســـفية تعبـــر بهـــا عـــن إحساس ــها تج ــاه التدمي ــر الـــذي يطـــال اإلنســـان كمـــا يطـــال المـــادة الملموســـة متجهـــا بهـــا إلـــى الفنـــاء.. تشـــ ّكل هنــــــاء مـــال هللا رؤيتهــــــــا مـــن خـــال أعمـــــــال تسميهـــــــــــا (الحافـــة الحساســـــة)، وهـــي مرحلـــة حرجـــة بيــــــــن التشـــــــــخيص والتجري ــد ،وه ــي اعم ــال غالب ــا م ــا تك ــون ثالثي ــة االبعـــاد وتريـــد ان توصـــل عبرهـــا ان كل شـــيء صلـــب وهـــو هنـــا محســـوب بحكـــم صالبتـــه علـــى التشــــخيص ممكـــن ان يتحـــول الـــى تجريـــد بقـــوة الفنـــاء ...فهـــي تقتنـــص لحظـــات التحـــول تلـــك بيـــن الوجـــود الصلـــب وبي ــن الفن ــاء التجري ــدي، ان هنـــاء مـــال هللا، وعلـــى خـــاف غيرهـــا مـــن مجايليهـــا ،تعيـــش تجربته ــا كرؤي ــة روحي ــة تعالجهـــا مـــن خـــال المـــادة التـــي تشـــتغل عليهـــا ...لقـــد تركـــت الحـــرب ندوبـــا كبيـــرة داخـــل هنـــاء مـــال هللا بحكـــم التمـــاسّ المباشـــر 72
التشـــكيلية التـــي تقـــع فـــي ان تقدمـــه فـــي اعمالهـــا ِ لحظ ــة التح ــول القلق ــة بي ــن الوج ــود وبي ــن الفن ــاء اي بمعن ــى تش ــكيلي تق ــف بي ــن التجري ــد والتش ــخيص. تقـــول هنـــاء مـــال هللا فـــي حـــوار لنـــا معهـــا عبـــر النــت« :ان فكــرة مفهــوم الخــراب الــذي كان جــزءا رئيس ــا م ــن تجربت ــي الحياتي ــة والفني ــة ف ــي الع ــراق، وال ــذي كن ــت اقت ــرب من ــه محلي ــا كمفه ــوم لصي ــق بجغرافيـــة معينـــة (العـــراق) ميســـوبوتاميا ،وكأنـــه قـــدر مســـتدير التعاقـــب علـــى العـــراق وال يمكـــن الف ــرار ،او الخ ــاص من ــه ،ب ــدأت اعيش ــه كمفه ــوم عالمــي بعــد خروجــي مــن العــراق ،واســتقراري فــي مدينــة عالميــة رأســمالية مثــل لنــدن ،حيــث معاملتنــا كأدوات ،او باألحـــرى وقـــود إلدامـــة وضعنـــا فـــي خانــة هوامــش مجتمــع العولمــة الرأســمالي ،واعتقــد ان للفـــن العالمـــي المعاصـــر االن وتســـويقه دورا كبي ــرا ف ــي ه ــذه اللعب ــة العالمي ــة للخ ــراب واقص ــد بذلـــك ان مـــا ينتـــج فـــي الفـــن العالمـــي االن ليـــس اال انعكاس ــا صادق ــا لجوه ــر الخ ــراب ال ــذي نعيش ــه، والـــذي تغذيـــه الرأســـمالية وثقافتهـــا التافهـــه مثـــل امي ــركا .ه ــذا م ــا يجعلن ــي استش ــعر حاف ــة الخ ــراب ف ــي كل ش ــيء اعيش ــه حت ــى وان كان ف ــي لحظ ــات س ــام»..
ب جوهــ ُر م ــع اثاره ــا المدم ــرة ،فأيقن ــت أنّ الخ ــرا ِ الوجــود او مآلــه الحتمــي ،وان الصالبــة (الموثوقــة) يُمْ كِـــنُ أَنْ يُتحـــوّ َل الـــى (ال شـــيء)ِ خـــال اجـــزاء مـــن الثانيـــة .وهكـــذا ترســـخ عندهـــا يقيـــن عبـــر ب هــو اللحظــة الحاســمة بيــن اإلسْ ـ ِت ْنتاج بــأن الخــرا ِ ـخيص والتجري ـدِ ،بي ــن إلوج ــود والِفن ــاء ،وه ــو التش ـ ِ َ روحـــي مفهـــوم تعتبـــره ذا معنـــى عميـــق أيضـــاً. َ وتعتبـــر تقنيـــات الخـــراب ناتـــج الوجـــ ِه القاتـــل ِ ب للحـــر ِ ب وانهـــا اســـتعادة وإنتـــاج لفكـــر َة الحـــر ِ وفعلهـــا التدميـــري وفـــي اعـــادة انتـــاج التجربـــ ِة َ ب بصـــرف ال ّنظـــر عـــن العميقـــ ِة لحقيقـــ ِة للحـــر ِ طبيعتهـــا الجغرافسياســـية او الجيوبوليتيكيـــة. ّ والممز َقـــة، تفيـــض االعمـــال الفنيـــة المحروقـــة، َ والمخد َش ــة ،والمجمّع ــة ،ف ــي أغل ــب األحي ــان ،م ــن ـان ،وبلــون الســخام، مصــادر متفرقــة ،برائحــة الدخـ ِ وكله ــا تجس ــيدات بصري ــة تق ــوم مق ــام التلميح ــات ـار وطنِه ــا ،و ُتوصــ ُل رس ــالة عاب ــرة المؤلم ــة لدم ـ ِ للجغرافي ــا وللتاري ــخ مع ـاِ ،فك ــرة تؤك ــد ان الخ ــراب جوهـ ُر وجــودي للوجــود ،وليــس للمــوت او بمعنــى اوس ــع (االندث ــار) اال حقيق ــة كل م ــادة صلب ــة تب ــدو م ــن النظ ــرة الس ــطحية متماس ــكة ف ــاذا به ــا يمك ــن خ ــال اي ق ــدر م ــن الزم ــن متناهي ــا ف ــي الط ــول او فــي القصــر ،تتحــول الــى هبــاءة ،وهــو مــا تحــاول 73
من ــذ زم ــن لي ــس بالقصي ــر درج الف ــن التش ــكيلي العراق ــي من ــذ الس ــتينات عل ــى التمس ــك بأنس ــاق ثابت ــة تح ــت طائ ــل الع ــرف الس ــائد أحيان ــا وأنم ــاط االس ــتهالك الجمال ــي ف ــي أحي ــان أخ ــر ،إال إن الجي ــل الجدي ــد م ــن الفناني ــن م ــا بع ــد التغيي ــر قدم ــوا أكث ــر م ــن محاول ــة لتثوي ــر الخط ــاب التش ــكيلي العراق ــي تم ــس كاف ــة العناوي ــن واألجن ــدات واليقيني ــات القديمــة ،حيــث بــرزت مجموعــة مــن الفنانيــن بعــرض مختلــف ين ـ ّم عــن حرفنــه وقــدرة علــى المجابهــة وروح فياضــة بالتح ــدي ،فق ــد عم ــل الفن ــان حس ــن إبراهي ــم عل ــى اقت ــراح ع ــرض إلعم ــال كبي ــرة الحج ــم م ــع االحتف ــاظ بالحري ــة الكامل ــة واالختي ــار الح ــر للم ــادة والن ــوع والموض ــوع واألداء برعاي ــة جمعي ــة الفن ــون التش ــكيلية ف ــي العاصم ــة بغ ــداد الت ــي يرأس ــها الفن ــان قاس ــم س ــبتي ،بصفت ــه مس ــؤول المع ــارض واألنش ــطة الفني ــة ،وهك ــذا وقع ــت مس ــؤولية المتابع ــة واإلج ــراءات واالخت ــاف ف ــي ال ــرأي عل ــى عات ــق حس ــن إبراهي ــم حت ــى ي ــوم الع ــرض . 2015/6/6 لق ــد أثم ــرت ه ــذه الجه ــود ع ــن ع ــرض مهي ــب للف ــن العراق ــي لطالم ــا كن ــا ف ــي انتظ ــاره ،بع ــد إن تخل ــف ع ــن الرك ــب العالمـــي والعربـــي ألســـباب تخـــص الوضـــع السياســـي وعـــدم االســـتقرار والحـــروب ،كمـــا أكـــد مـــرة أخـــرى عـــن 74
عمـــل علـــى اســـتدعاء ذاكـــرة المـــكان ألمشـــهدي، بماهيـــة حـــدث يمتـــد ليشـــمل جدليـــة الصـــراع األزلـــي آلليـــات الشـــر التـــي تعمـــل علـــى تدميـــر بنيـــة المجتمـــع العراقـــي مـــا بعـــد التغييـــر وحتـــى أالن ،لكـــن اإلزاحـــة األكثـــر تطرفـــا هـــو عـــرض مـــا تبقـــى مـــن قطعـــة القمـــاش الموجـــودة فـــي الصــورة ( الجــدار ) وامتــداد خطــاب الحــرب إلــى داخـــل ســـاحة المتلقـــي بصفتـــه الشـــخص المعنـــي بآليـــات المـــوت لتكـــون بنيـــة الفـــراغ واالمتـــاء بيـــن الصـــورة والمـــكان واســـتعارة المـــادة أثـــرا وجوديــا يجعــل المتلقــي فــي موضــع المســائلة عــن قيم ــة حض ــوره اآلني ــة عن ــد حاف ــة الع ــدم ،وه ــو م ــا ســجل لحظــة تجــاوز لجماليــات العــرض التشــكيلي التقليدي ــة واالنتق ــال إل ــى الخط ــاب الثقاف ــي بصفت ــه جوهـــر الفـــن المعاصـــر . إن ريـــاض هاشـــم اســـتعار المـــكان الغائـــب فـــي حضــور الصــورة بحجمهــا الكبيــر وقطعــة القمــاش التـــي حققـــت واقعيـــة تمثيليـــة للحـــدث ( القتـــل ، اإلرهـــاب ..الـــخ) ومـــن ثـــم وضـــع هـــذا المـــكان االس ــتعاري ف ــي قاع ــة الع ــرض الت ــي تع ــد مكان ــا مختلفــا حاضــرا ،وهــذه اآلنيــة فــي االختــاف بيــن االس ــتعاري والم ــادي خلق ــت صيغ ــة االمت ــداد بي ــن المكاني ــن رغ ــم اختالفهم ــا ف ــي الغاي ــة والوس ــيلة، ليكـــون لنـــا الخطـــاب الثقافـــي للعمـــل بصورتـــه الصادمـــة .
حيويـــة الفنـــان العراقـــي وتفاعلـــه مـــع الواقـــع وتغيـــرات الصـــراع وإبـــداء موقـــف أنســـاني ج ــاد عب ــر معالج ــات حقيقي ــة تناولته ــا اإلعم ــال الفنيـــة المعروضـــة فـــي جمعيـــة التشـــكيليين، فـــي محاولـــة للعمـــل علـــى محوريـــن أساســـيين وجدتهمـــا حاضريـــن فـــي العـــرض همـــا : 1ـ االنفـــات مـــن إســـار األنســـاق الســـتينية والســبعينية علــى المســتويات التقنيــة والجماليــة والمفاهيميـــة ،بمـــا يفضـــي إلـــى زحزحـــة القناعـــات القديمـــة بفعاليـــة الفـــن وجـــدواه فـــي أســـوء مرحلـــة تاريخيـــة يمـــر بهـــا البلـــد . 2ـ التفاعـــل مـــع اللحظـــة المعاشـــة ،وتحريـــر الفنـــان مـــن تقاليـــده المتوارثـــة . ه ــذا المؤش ــر يقودن ــا إل ــى ب ــروز نم ــط جدي ــد ف ــي الف ــن العراق ــي ه ــو الخط ــاب الثقاف ــي للعم ــل ،أي االنتق ــال م ــن اللوح ــة جمالي ــا إل ــى العم ــل الفن ــي بصفتــه خطابــا ثقافيــا ،وهــو مــا ظهــر فــي إعمــال كل م ــن الفناني ــن ري ــاض هاش ــم وح ــارث مثن ــى بط ــرق مبتك ــرة وجدي ــدة عل ــى الس ــاحة العراقي ــة ،كم ــا إن النح ــات رض ــا فرح ــان ق ــدم لن ــا مس ــارا جديـــدا للنحـــت ســـاهم فـــي تحريـــر فـــن النحـــت العراقـــي مـــن إســـار قامتيـــن كبيرتيـــن همـــا ( جـــواد ســـليم /إســـماعيل فتـــاح التـــرك ) اللـــذان هيمن ــا عل ــى تاري ــخ النح ــت العراق ــي حت ــى أالن، مم ــا ش ــجعني عل ــى متابع ــة منج ــز كل عم ــل ف ــي الع ــرض . إم ــا اس ــتخدام الحج ــم الكبي ــر للعم ــل فج ــاء ليؤك ــد إمكانـــات الفنـــان فـــي إدارة الســـطح التصويـــري أوال ،وإعطـــاء فســـحة اكبـــر الختبـــار تقنيـــات أوســـع فـــي مجـــال األداء والتلويـــن وغيرهـــا م ــن التكتي ــكات الجدي ــدة ف ــي الرس ــم ثاني ــا ،مم ــا س ــاهم ف ــي إضف ــاء هيمن ــة جمالي ــة إضافي ــة ل ــكل اإلعمـــال بشـــكل احترافـــي عـــال وجـــه أنظـــار المتابعيـــن للعـــرض بـــدون اســـتثناء . 1ـ رياض هاشم ..صدمة الموت اســـتعمل الفنـــان ريـــاض هاشـــم فـــي واحـــدة مـــن أهـــم إعمـــال المعـــرض اختالفـــا ،صـــورة فوتوغرافي ــة بحج ــم كبي ــر لموق ــع قت ــل جن ــود س ــبا يكـــر مأخـــوذا مـــن الموقـــع ذاتـــه ،إي إن الفنـــان
75
محمد مسير
2ـ حــارث مثنــى ..تدميــر النــوع الفنــي ومشــاركة ا لمتلقي
الفنـــان كجســـد وكينونـــة إلـــى االنمحـــاء فـــي الخطـــاب الجديـــد للفـــن .
ق ــدم لن ــا الفن ــان ح ــارث مثن ــى عم ــا مختلف ــا ب ــكل معنــى الكلمــة فــي مجــال كســر الحــدود واألجنــاس الفنيـــة المتعـــارف عليهـــا ،فقـــد اســـتعمل ارض المدفـــن بصفتهـــا كنايـــة عـــن الموجـــود ،حيـــث اس ــتخدم الت ــراب منبثق ــا من ــه دفت ــي تاب ــوت وه ــو معل ــق بش ــكل أفق ــي ف ــي اعل ــي دفت ــي األريكتي ــن ( اقص ــد الفن ــان ذات ــه) بصفتهم ــا الص ــورة الغائي ــة للتمثي ــل الرم ــزي ،وعل ــى يس ــار العم ــل م ــن جه ــة الناظـــر ،عمـــل بتجريـــد لونـــي هندســـي زخرفـــي وعلـــى أرضيـــة مســـاحة العمـــل وضـــع أوانـــي مليئ ــة بالم ــاء تتك ــون م ــن س ــتة عش ــر آني ــة ،وهن ــا نكـــون إمـــام درامـــا تشـــكيلية مـــن نـــوع خـــاص وضعـــت الجســـد كأيقونـــة تشـــترك فـــي تجســـيد الرؤيـــة الكونيـــة للواقـــع العراقـــي المعاصـــر ومأســـاة الظاهـــرة العدميـــة التـــي تلـــف اإلنســـان ف ــي اقس ــي ص ــورة يمك ــن إن تصوغه ــا الكوابي ــس العراقيـــة اليوميـــة ،هـــذا العمـــل وضـــع المشـــاهد إمــام حيــرة ثقافيــة لــم يتعــود عليهــا أبــدا ،كمــا انــه ســـمح للمتلقـــي بمســـاحة مـــن المشـــاركة واللعـــب وتغييــر حــركات الفنــان إثنــاء العــرض ،إمــا علــى المســـتوى التقنـــي فقـــد أجهـــز ألول مـــرة علـــى تقلي ــد الع ــرض القديم ــة والخ ــروج ع ــن المأل ــوف مســـتخدما إليـــة العـــرض األدائـــي ،بمعنـــى انـــه عم ــد إل ــى اجت ــاح بن ــى مفاهيم ــي للع ــرض تق ــود
3ـ مالئكة محمد مسير ..مصير واحد قـــدم لنـــا الفنـــان محمـــد مســـير عمـــا طويـــا بقي ــاس 750سم×160س ــم ،ليك ــون ش ــاهدا عل ــى تاريـــخ العنـــف واإلبـــادة الجماعيـــة للشـــعب العراقـــي ،حيـــث رســـم جمـــوع األرواح التـــي تناثـــرت مـــن جـــراء التفجيـــرات والحـــروب وهـــي تقـــود دراجاتهـــا الهوائيـــة بأجنحتهـــا المالئكيـــة نحـــو عالـــم مجهـــول ،ربمـــا يكـــون الس ــماء أو الفرادي ــس الت ــي قبع ــت ف ــي الذاك ــرة الجمعي ــة كمع ــادل موضوع ــي لمجاني ــة الم ــوت عل ــى ه ــذه األرض ،والحقيق ــة ف ــان ه ــذا العم ــل بمـــا فيـــه مـــن دهشـــة طفوليـــة تمـــارس ذات اإلزاح ــة آللي ــات الراس ــب اليقين ــي واالجتماع ــي والدينـــي كذلك،وربمـــا التعبيـــر عـــن لحظـــة خ ــاص فاني ــة تعي ــد لن ــا أس ــطورة الع ــود األب ــدي ف ــي اعل ــي حاالته ــا تجلي ــا للواق ــع العي ــان بحي ــث يضعنـــا العمـــل إمـــام فنـــان بمخيلـــة شـــاعر دفـــاق بالمجـــازات الصوريـــة لتفعيـــل الصدمـــة وضـــرب الواقـــع بـــكل مآســـيه الفنتازيـــة ،انـــه ممتـــد إلـــى أفـــق ال تحـــده حـــواف الكانفـــاس وال تجاريـــه سالســـة الصياغـــات اللونيـــة الن حموالتـــه الباطنيـــة تتجـــاوز األســـاطير التـــي يحوكهـــا الواقـــع عـــن نفســـه . 76
غائبـــة . 5ـ تداخـــل الفضـــاءات فـــي عم ــل نادي ــة فلي ــح قدمـــت الفنـــان ناديـــة فليـــح عمـــا مختلفـــا علـــى مســـتوى التقنيـــات واألداء الفن ــي والرؤي ــة ،وق ــد يعتق ــد البع ــض إن ه ــذا التوصي ــف مبالـــغ بـــه ،إال إننـــي أجـــد إن الفنان ــة تس ــتحق م ــا ه ــو أكثــر ،إذ أنهــا قدمــت عمــا بأربـــع قطـــع مـــع كومـــة تـــراب حيـــة ( واقصـــد بكلمـــة حيـــة أنهـــا بـــرزت كعالمـــة مكثفـــة غيـــر منفصلـــة عـــن فضائهـــا الرمـــزي داخـــل العمـــل الفنـــي رغـــم اختـــاف المـــادة والفضـــاء ) تحـــت أخ ــر مقط ــع من ــه إي الجان ــب األيس ــر م ــن وجه ــة نظ ــر المش ــاهد عل ــى أرضي ــة القاع ــة ،وف ــي رأس كومــة التــراب فجمتــان وفــي أســفل الكومــة ثــاث فحمىــت أو أكثــر ،كمــا لــو تريــد اســتعارة األرض كش ــفرة تقني ــة أوال ودال واقع ــي ثاني ــا ،بم ــا يتي ــح لن ــا النظ ــر إل ــى آلي ــات العم ــل بأكث ــر م ــن حاس ــة بحي ــث يمك ــن االنتق ــال م ــن الفك ــرة إل ــى الح ــدث وبالعكــس ،فالمــواد المختلفــة المســتخدمة ســاهمت
4ـ ابتكار األشياء الغائبة لدى عقيل خريف هـــل يحـــق لـــي الســـؤال عـــن مبتكـــرات عقيـــل خريـــف الـــذي عودنـــا علـــى مباهـــج المـــادة ،إذ لـــم يعـــد الرســـم مرتبطـــا بالقماشـــة واللـــون ،لـــذا أج ــد عقيلن ــا مهتم ــا بمفه ــوم الف ــن ولي ــس الجن ــس الفنــي ،حيــث مــارس دور الخالــق لعوالــم محيطيــة تب ــدأ م ــن البيئ ــة وم ــن األش ــياء التداولي ــة ،وكأن ــه يم ــارس مثل ــث هايدغ ــر ( الفن ــان -العم ــل الفن ــي الف ــن ) فه ــو يعم ــل عل ــى ابت ــكار العم ــل الفن ــي ،وف ــي ه ــذا الع ــرض نج ــده يق ــدم ملعقــة بحجــم كبيــر ولكــن بصفتهــا س ــمكة تعي ــش ف ــي م ــاء خش ــبي، فمجموعـــة األلـــواح الخشـــبية المرصوصـــة تفعـــل ترحيـــل الرمـــوز وفـــق قرائـــن معرفـــة مســـبقا ،لكنهـــا هنـــا تعيـــد إنتـــاج الـــدوال الحســـية لفكـــرة وجـــود س ــمكة أو ملعق ــة أو كائ ــن معدن ــي فــي جســد المــاء الخشــبي إلحــداث اإلزاح ــة االس ــتعارية للمش ــهد ،إن العمـــل الفنـــي هنـــا يقـــود المـــادة إل ــى ارت ــداء مج ــازات الف ــن إل ــى أقصاهــا ،كمــا لــو انــك إمــام عالــم يمنح ــك بس ــاطته وليون ــة تجاويف ــه وشـــعريته ،فيمـــا نكتشـــف نحـــن حضـــور األشـــياء بعـــد إن كانـــت عقيل خريف
77
ذلـــك قدرتهـــا علـــى فهـــم التعامـــل مـــع التقنيـــات وتبســـيط الشـــكل إلـــى ابعـــد مظاهـــره دون إن يفق ــد إش ــاراته الحيوي ــة للرس ــالة اإلنس ــانية داخ ــل العمـــل الفنـــي .
ه ــي األخ ــرى عل ــى بي ــان الكائ ــن المهيم ــن عل ــى العمـــل وتكـــرار وجـــوده فـــي كل مقطـــع ناظـــرا إلـــى عمـــق الفضـــاء الداخلـــي ،تظللـــه أوراق فاحم ــه ه ــي كل م ــا بق ــي م ــن الص ــورة األخي ــرة للحيـــاة القادمـــة
7ـ هواجس زياد غازي اللونية
6.ـ مخلوقات ضحى الكاتب
تمط ــر الفواج ــع كم ــا تمط ــر األل ــوان بقع ــا م ــن نزيـــف الهواجـــس ،وربمـــا اســـتطيع القـــول إن زيـــاد غـــازي يمـــارس فعـــل اإلضافـــة والحـــذف تح ــت طائ ــل الخ ــوف ،فه ــو يقل ــم البق ــع اللوني ــة ويشـــوهها باســـتخدام كعـــب الفرشـــاة أو األظافـــر أو بع ــض اآلالت الح ــادة وربم ــا جس ــده ،ال يري ــد إن يـــرى حـــدودا لكتلـــة أو مســـاحة فارغـــة مـــن االنفعــال ،انــه يتوجــس مــن الرضــوخ إلــى قناعــة م ــا تق ــوده إل ــى جث ــة ملق ــاة ف ــي ش ــارع أو مكع ــب لس ــيارة محترق ــة أو بيـ ــت آي ــل للســ ــقوط ،الل ــون وحـــده يمتلـــك القـــدرة علـــى مـــد اللســـان لت ــذوق الواق ــع ،ولك ــن بطريقـــة تحتجـــب ع ــن المعن ــى ،حي ــث لـــم للشـــكل حضـــورا محـــددا بـــــل البقـــع اللونيــــــــــة والخـــط والكتلــــة بصفتها بديالً انفعاليـــــــــ ــا لتخريب المعنـــى وتداولـــه
تس ــتطيع إن ت ــرى الفنان ــة ضح ــى الكات ــب البع ــد المغي ــب للكائ ــن ،كم ــا ل ــو أنه ــا تس ــتخدم س ــونار قيم ــي وأخالق ــي للص ــور ،وه ــي هن ــا ترس ــم تل ــك الكيان ــات المس ــتورة بعي ــن ثالث ــة ،مجموع ــة م ــن المس ــوخ الكابوس ــية لمحن ــة العي ــش م ــع الص ــور المعلقـــة إمـــام العيـــن العاديـــة ،ففـــي العمـــل المع ــروض تقس ــم الس ــطح إل ــى أربع ــة مس ــتويات تقـــدم فـــي كل مســـتوى رؤيـــة غيـــر منظـــورة لمخلوقـــات ذات صلـــة دراميـــــــة ترتكـــــــب حماقـــــــــــات الســـلطة حماق ــات القت ــل واإلب ــادة وصعـــود ســـالم الوهـــم ألقيمـــــــــي االجتماعـــي لفجيعـــة الحيـــاة بلـــون شـــاحب ال يـــرى إي شـــيء ســـوى فصائـــل مـــن نفـــس النـــوع تقـــدم األضاحـــي لمســـخ أخـــر طويـــل القامـــة ممتـــد بـــا ظـــال ،وهـــو كل م ــا تري ــد إن ن ــراه عب ــر أشـــعتها البنيـــة القاتمـــة للحي ــاة ،وق ــد س ــاهم ف ــي
8ـ رأس رضــا فرحــان الذهبــي يتكلــم 78
ق ــدم لن ــا النح ــات رض ــا فرح ــان إيقون ــة النحـــت العراقـــي المعاصـــر ،األلـــم بصفت ــه الحقيق ــة الوحي ــدة الت ــي نعيش ــها كمعرفـــة يقينيـــة دامغـــة ،صـــورة الــرأس المقطــوع علــى أرضيــة بيضــاء تحيطهــا أطالقــات رصــاص علــى مــدار العمــل وهنــاك فــك بشــري علــى شــكل مســدس كاتــم ،معلــق بعارضــة اإلطــار ،هـــذا العمـــل هـــو الرعـــب الثقافـــي لصـــورة األخـــر ،فالوجـــه هنـــا يتكلـــم عــن األخــر مــن خــال األنــا المعدومة ، صيغــة القتــل تتوجــه نحــوي إنــا كمتلــق خـــاص لكنهـــا فـــي ذات الوقـــت تعيـــد لن ــا مش ــهد القت ــل كم ــا ل ــو ان ــه يس ــتبدل األنـــا باألخـــر ،ألنهمـــا يتفاعـــان فـــي إرج ــاء الوج ــود بممارس ــة القت ــل ،لق ــد امس ــك رض ــا فرح ــان بالم ــوت بلحظ ــة نحي ــب وت ــاش ال نهائي ــة لتك ــون أن ــت مـــن يمـــارس فعـــل القتـــل مـــن خـــال الهـــروب مـــن المـــوت ،واعتقـــد إن رضـــا فرحـــان اليـــوم اس ــتطاع تج ــاوز إيقون ــة النح ــت العراق ــي ج ــواد
ســـليم حتـــى لـــم يعـــد ممكنـــا الصـــراخ إمـــام رأس رضـــا المقطـــوع . 9ـ احتجاجات حليم قاسم ق ــدم الفن ــان حلي ــم قاس ــم مس ــاحة تكت ــظ بالص ــور ، واعتقــد انــه يكــره الفراغــات أو المســاحات الصافيــة ،ان ــه مش ــغول بالق ــول أكث ــر م ــن الرس ــم ،يري ــد إن نشـــعر بقســـوة المشـــهد المســـود ،بفداحـــة الصـــور التــي تالحقنــا عبــر وســائل اإلعــام ،بالرمــوز التــي تحـــوك فجائـــع المحنـــة وردودنـــا أيضـــا ،فصـــور الـــرؤوس والصلـــب والقتـــل وتيجـــان األغبيـــاء والجماج ــم والمس ــوخ الكثي ــرة الت ــي تحيطن ــا وحت ــى الكلمـــات مثـــل ( إال طحيـــن) وغيرهـــا تبـــدو فـــي الحقيقـــة ثقافـــة مجتمـــع ومـــكان لـــم يعـــد صالحـــا للعيـــش ،تلـــك الثقافـــة ضختهـــا الصـــور وأفـــام الفيدي ــو وإعالن ــات الوطني ــة الفارغ ــة لتش ــكل س ــواد المشـــهد اإلنســـاني القاتـــم والقبيـــح بـــكل تجلياتـــه التـــي وضعتنـــا إمـــام محنـــة الســـخرية مـــن الواقـــع وضربــه فــي إن واحــد ،انــه عمــل واثــق مــن أدائــه وث ــوق الفن ــان م ــن أدوات ــه ف ــي الرس ــم
79
10.ـ تجري ــد المأس ــاة فـــي عمـــل الفنـــان حســـن إبراهيـــم
الصــــــــ راع والتقســـيم الجغسياســـي ليـــس علـــى مســــــــتوى الطائفــــــــة الدينيــــــــــة او المذهبيـــة حســـب ،وإنمـــا امتـــدت إلـــــــــى وضـــع العقـــل البشـــري إمـــام مســـائلة غيـــر منطقيـــة لتدميـــر مجتم ــع وف ــق افتراض ــات وهمي ــة تق ــدم لن ــا ص ــورة اإلنســـان بصفتـــه كائنـــا فاش ــا غي ــر ق ــادر عل ــى إدارة حياتــه ،وبالتالــي فنحــن إمــام حيــوان مســتبد داخـــل كل شـــخص فينـــا ،إمـــا علـــى المســـتوى التقن ــي فق ــد ط ــوع الفن ــان آلي ــات مختلف ــة لفعالي ــة التوزيـــع اللونـــــــي كاإلضافـــــــة والحـــــــــذف والرشــ ــق والمــــــــ ــواد المختلفـــ ــة والكوالج ــات لدعـــم حركـــة التكويـــن العـــام للعمـــل فـــي ضـــوء التركيـــز علـــى الموضـــوع وحصـــر اإلشـــكال
الفنـــان حســن إبراهيــم مـــن الفنانيـــن القالئـــل اللذيـــــــن يتفـــردون بتعقيـــــدات التجريـــد الخالـــص فهـــو فنـــان تأملــــي بامتيـــاز ،فقـــد عمـــل علـــى ترســـيخ أســـلوبه وإمكاناتـــه اللونيـــة بهـــدوء ،بحيـــث أصبحـــت الخبـــرة مجـــاال حيويـــا للعـــب الحـــر علـــى ســـطح العمـــل الفنـــي مس ــتعمال قم ــاش الجنف ــاص ليك ــون مه ــادا لترحي ــل العالمـــات الهندســـية مـــن فضائهـــا العقلـــي إلـــى فضائهـــا الجمالـــي فـــي ضـــوء معالجاتـــه التقنيـــة التـــي منحـــت اللـــون البنـــي الغامـــق وتدرجاتـــه مخمـــا هادئـــا لتنويعاتـــه علـــى اإلشـــكال الهندســـية وتداخالته ــا اللوني ــة بمس ــاحات تتش ــكل م ــع بعضه ــا البعـــض لتجســـد فعـــل اإلشـــارة إلـــى ســـواد قاتـــم ف ــي اعل ــي زاوي ــة العم ــل يمي ــن الناظ ــر ،ف ــي حي ــن تمت ــد المس ــاحات الخفيف ــة للض ــوء لتش ــمل تجلي ــات المثلـــث الـــذي يجمـــع كل المربعـــات المتجـــاورة الخاضع ــة لتغي ــرات الرؤي ــة المجازي ــة للفك ــرة ،بم ــا فيه ــا تنويع ــات المس ــاحات الخافت ــة للخط ــوط والبق ــع الصغيـــرة علـــى ســـطح العمـــل كلـــه . 11ـ نكوص العائلة في عمل وضاح مهدي
12.ـ تنغيمات هادي ماهود قـــدم لنـــا الفنـــان هـــادي ماهـــود عمـــا تجريديـــا اســـتخدم فيـــه الكـــوالج بواقـــع ثـــاث لوحـــات متراصـــة ،وقـــد عالـــج الســـطح بلصـــق أوراق جرائــد باللغــة االنكليزيــة وبعــض المــواد المختلفــة لصناعـــة التبايـــن علـــى الســـطوح مـــن الناعـــم إل ــى الخش ــن م ــع الحف ــاظ عل ــى أج ــواء الش ــفافية التـــي يمنحهـــا اللـــون البنـــي الخفيـــف ،رغـــم انـــه تنـــاول فجائـــع مرمـــوز ومختزلـــة فـــي ضـــوء تحـــول مســـاحات الجرائـــد إلـــى شـــخوص معلقـــة ومرصوفـــة تشـــكل مجموعـــة النســـاء فـــي ســـوق النخاســـة او مـــا شـــابه ،إال إن الجزالـــة
يقت ــرن العم ــل لــدى وض ــاح مه ــدي بمه ــارة التكني ــك لديـــه ،فمأســـاة العائلـــة العراقيـــة ال تمنـــح مجـــاال للتبريـــر ،خاصـــة وان التهجيـــر ألقســـري أصبـــح ظاه ــرة تحم ــل بي ــن طياته ــا أجن ــدات
80
المخمليـــة لعمـــل هـــادي ماهـــود تســـاهم هـــي األخ ــرى ف ــي دع ــم االفت ــراض ال ــذي يرك ــز عل ــى تبعـــات التبايـــن اللونـــي وصياغـــة الهرمونـــي للعائلـــة اللونيـــة المنســـجمة مـــع قيـــم التوتـــات المتقارب ــة للبن ــي والبي ــج الش ــاحب وتركي ــز ح ــدث المـــكان فـــي مســـاحة الضـــوء وســـط العمـــل مـــع تفصيـــات الخطـــوط البســـيطة الموحيـــة . 13ـ عقارب محمد الكناني كن ــت انتظ ــر م ــن الفن ــان محم ــد الكنان ــي عم ــا صادمـــا ،لمـــا لهـــذا الفنـــان مـــن خبـــرة ومعرفـــة بتكري ــس النزع ــة التجريبي ــة لدي ــه عل ــى المس ــتوى التقنــي بشــكل خــاص ،بالرغــم مــن ذلــك ،أجــد إن عملـــه المشـــارك فـــي العـــرض الحالـــي جـــاء ليكـــون امتـــدادا لموقـــف ضـــد عقـــارب المـــوت كموض ــوع م ــع بع ــض اإلضاف ــات لم ــواد مختلف ــة
عالج ــت الس ــطح التصوي ــري وس ــاهمت ف ــي دع ــم الخطـــاب الهجائـــي للفنـــان عبـــر ترســـيم صـــورة الكائـــن (العقـــرب /الكلـــب ) ،لكـــن العمـــل هنـــا يســـتجيب للرؤيـــة العامـــة التـــي وضعـــت الفنـــان إمـــام المحنـــة الكونيـــة التـــي يعيشـــها المـــكان العراقــي ،واإلنســان بشــكل خــاص ،حيــث اقتصــر العمـــل علـــى توزيـــع األزرق واألحمـــر تتخللهمـــا بقـــع اللـــون األبيـــض وخطـــوط األســـود المحملـــة بطاق ــة تعبيري ــة عالي ــة م ــع بي ــان ش ــخص الكل ــب المتح ــول متح ــركا عل ــى امت ــداد البق ــع المتج ــاورة، وه ــو م ــا ش ــكل طبيع ــة الحرك ــة لش ــخص الكل ــب وتك ــراره أكث ــر م ــن اح ــد عش ــر م ــرة م ــن اج ــل إحـــداث تـــوازن وإشـــغال للفراغـــات فـــي بعـــض األحيـــان .
81
تكوينـات مـن خطـوط ومنحنيـات وأقـواس وأشـكال هندسـية في موضوعات الشـخصية الواحدة وتخطي المنظـور الطبيعـي فـي رسـم األشـكال ووضعها في تشـكيلها الهندسـي كدوائـر ومربعـات ومسـتطيالت توظيـف الدرجـات اللونيـة الصارخـة والفسـفوريةوتقنيـات التصميـم واإلعلان الـى جانـب التآلفـات الهارمونيـة المجـاورة. البصـري ( optical الجمـع بيـن مؤثـرات الفـنَ ) artومصادره الهندسـية وبين الزخرفة اإلسلامية ونسـق الكتابـة العربيـة وتشـكيالت الحـرف العربي. وبـث اإلشـارة التأريخيـة والحكايـة ومـوروث البيئة المحليـة ورموزهـا وتقـادم أزمنتها. – الجمـع بيـن الشـكل ( الواقعـي – التعبيـري) وبين التجريد. تقنيـة السـطوح ومسـتوياتها وملمسـها ومقاربـةاللوحـــــة بالمنحوتـــــة وتشكيل اإليقون (تجسد ذلك فـي معـرض الفنـان في لنـدن – كاليـري الكوفة عام
التكويـن هـو تضافـر مجموعـة مـن العناصـر الفنيـة مـع بعضهـا أو بمفردهـا إلنتـاج الشـكل العـام لمـا نسـمية العمـل الفنـي .ومـن هـذه العناصـر الخـط والشـكل المُنتـج عن حركته والكتلـة وعالقتها بالكتل المجـاورة وإتجاهـات الخطـوط واألشـكال واأللـوان ودرجاتهـا والحـركات واألفـكار وقبـل كل ذلـك موهبـة الفنـان مـا بيـن تفاعلات العقل ومهـارة اليد. حين نسـتعرض هـذه العناصـر ومنظومتها اإلنتاجية نجـد أنفسـنا أمـام فيصـل لعيبي فـي مشـغله وتجاربه التـي ال تتوقـف عنـد حدود تقنيات محـددة أو مراحل زمنيـة مؤقتـة .نقـف علـى منظومـة تشـكالت وقيـم إنشـائية ولونيـة مبطنـة بهواجـس الذاكـرة وروح البيئـة والشـباب والطفولـة متكـررة الحضـور فـي المجموعـات الثابتـة والمتحركـة ،أعطتنـا مـا يكفـي مـن األمثلـة لنميزهـا بمـا نسـميه( الفـن الجميـل) أي الشـكل الجميـل كمـا يصفـه كاليف بـل مؤلف كتاب( الفـن) وعلـى النحـو التالـي: 82
وتنطـوي علـى هواجـس الخـوف والغربـة .فالجلسـات ُتشـير إلـى أحداثيـات وسـرديات حكائية وأسـرار سـايكولوجية. تشـــمل تكوينــــــــات الوجـوه بالحبر علـى الـورق فـي مـا يشـبه التداعيـات السـايكولوجية ،أُفضل تسـميتها بهذيان اليـد أو الخيـال اليدوي وغالبـا ً ما ُتعبر عـن وجـوه معروفـة لـدى المشـاهد لكـن آليـة التوغـل فيهـا تقتـرب مـن التشـريح أو النظـر بالجهـاز الطبـي التصويـري وقـد نـرى فيهـا صـور ًة مـن هذيانـات سـلفادور دالـي .منظـور التخطيطـات ومثلهـا الوجـوه الملونـة باألكريلـك تؤكـد إنتسـابها لموجـة تعبيريـة مـن خبـرات فـن الكاريكاتيـر والتصميـم والرسـوم الصحفيـة وحاسّـة رسـوم قصـص األطفـال .ومـن هـذه الموجـة تلـك الوجـوه المشـغولة بالمـواد الخشـنة والسـائلة رسـما ً ونحتـا ً تحت مسـمى ( وجـوه عراقية) وتتصل بسـنوات التداعـي والتدهور والمتاعب للعقود الماضيـة .ننتقـل مـن سـايكولوجيا الوجـوه ،بمـا فيهـا وجـه الفنـان كاظـم حيـدر الـذي عبّـر عـن شـخصه اللـون األحمـر بضربـات إنطباعيـة ،ووجهـا السـياب والجواهـري بخطـوط البحـث عـن الغائـب والمفقـود فـي الشـخصية ،ننتقـل الـى أوضـاع الشـخصية الهادئـة فـي الظاهـر وربما المرتبكـة في الباطـن ،الى التكوين من شـخصية واحـدة وتميّـز فيهـا الرجـل البغـدادي بالعبـاءة والكوفية والوسـامة والشـباب مــــع متممـــــات الشخصية مـن خواتـــــم وسـاعات يـد ومسـابح ونارجيــــلات ،النارجيـــلات لكثـرة وجودهـا مـع الرجـال ودقـة إخراجهـا كالسـيكيا ً يمكـن إعتبارهـا شـخصيات أو بدائـل عـن غيـاب الجانـب اآلخـر
.)1999/معادلـة توزيـع الكتـل ( الشـخوص) باإلكسسـوارات مـع الفراغـات والتأطيـرات البنائيـة الشـرقية ومحتوياتهـا الحروفيـة صريـة وتجريداتهـا .فالوظيفـة ال َب َ لألرضيـات ،والفراغات المشـبعة باألضـــــواء وتوزيــــــع األشكال الهندســــــية وزخرفــــــة المنمنـم المحسـوبة ،وضعـت تكوينـات الشـخوص المحوريـة فـي منطقـة التميّـز والوضـوح المطلوبيـن. – معادلـة أوضـاع الشـخوص كالوقفـات وإتجاهـات الوجـوه وحركاتهـا وحـركات األيدي وتوزيـع ألوان الكتـل مـا بيـن التناظـر والتضـاد وحركة المسـاحات اللونيـة المسـتوية والمخططـة والمنحنيـة وبيـان خاصيـة نسـجها و نقشـها . – معادلـة التكويـن التخطيطـي للعمـل إلبعـاد اللوحـة الخارجيـة وشـكلها ( الطـول xالعـرض/ األفقـي /العمـودي /المربـع /الدائري/أجزاءالدائـرة والقوس.....الـخ). – تشـكيل التكويـن الشـامل من مقاطـع تكوينية يمكن فصلهـا أو إعتبارهـا تكوينـات منفصلـة ( يحصـل ذلـك فـي التكوينـات األفقيـة الطويلـة كالمقاهـي ) – وحـدة وتناظـر الشـخصيات والوجـوه المبطنـة بالتعابيـر الخفيـة الدالّة على خفايا جنسـية وإبتسـامات غامضـة علمـا ً إن معظمهـا وجـوه شـابة تطفـح بالحيويـة والتـرف (ينطبـق ذلك علـى المجموعــــات البغداديـة مـن الرجـــــال والنســـــاء وال يشـمل غيرهـا مـن األعمـال). كمـا تحمـــــل وجــــــوه أخرى تعــــابير وإستفهامـــات صامتة 83
ألغـراض التنقيـب والـدرس فقـط - تخـوض ثنائيـات فيصـل لعيبـي بنوعيـن ومادتيـن مـن اإلشـتغاالت الذهنيـة واليدوية معـاً ،النوع األول ينبـع مـن مرويـات الليالـي العربيـة ومنهـا مجموعـة التخطيطـات المنفـذة بالحبـر علـى الـورق ،ومـن تردداتهـا العاطفيـة يمكـن قـراءة إنعـكاس هـذا البعـد علـى حريـة وطـراوة اإلشـتغال بعناصـر التكوينـات الخطيّـة ،تتخـذ هـذه المجموعـة سـيرة الحكـي العربـي وموضوع العشـق والمضاجعات السـريرية والتلصـص وتمتلـيء المسـاحة الورقيـة باألفرشـة والسـتائر و طيـات األقمشـة حـول الحبيبيـن فـي أوضاع متوالية العشـق العربي ومروياته .يسترسـل عمـل الفنـان فـي ثنائية ( بـدر البدور وقمـر الزمان) علـى الـورق بأرضيـات ملونـة ،صافيـة ،محايـدة مانحـا ً خطوطـه مرونـة التحـرك واإلنحناء إلشـغال المسـاحة بكاملهـا والتـي تتنتهـي من األعلـى بأقواس ومقاطـع غيـر مسـتوية ُتحاكـي المقاطـع البنائيـة أو العـوازل الحاجبـة للرؤية العلنية .فـي هذه المرويات العائـدة لحكايـات ألـف ليلـة وليلـة نكتشـف عناصـر الجنـس بالمرئـي الشـرقي كوجـود األغطيـة إلخفـاء أقـل مـا يمكـن مـن العـري ويتـم ذلـك لبـث اإلثـارة وإسـتفزاز اآلخر المشـارك في التلصص والفضول. نعم هذه التشـكيلة تمنحنا الجرأة على الفضول لندقق النظـر فـي التفاصيـل ونبحـث فـي عالقـات المُعلـن والمسـتور مـن الظواهـر .كثـرة الخطـوط وليونتهـا دخـول أطـراف فضوليـة أخـرى كنسـاء الحمّامـات والزينـة ،بـروز وجـه المدعـو قمـر الزمـان بمالمـح الرجـل البغـدادي تـار ًة ومالمـح الشـاب الوسـيم تار ًة أخـرى ،إمتلاء وطـراوة الجسـد األنثـوي ،عالنيـة المضاجعـات ،أجـد مـن يُشـاركني الزعـم بتأثيـر بيكاسـو فـي هـذه الثنائيـات العاصفـة .وأخيـراً هـذه التفاحـات المبعثـرة بعـد كل مضاجعـة وعاصفـة آيروتيكيـة ،تتميـز التفاحـات بالتلويـن المائـي دون بقيـة الخطـوط.
مـن الشـخصية البغداديـة. التحـول الثانـي نحـو اللوحـة المكونـة مـن شـخصين وسـميناها الثنائيـات والتـي نتناولهـا فـي هـذا المقال، علـى أن نبحـث فـي التكوينـات الكبيـرة للمجموعات فـي مقـال خـاص ألهميتهـا وضـرورة التفصيـل والمقاربـة فيهـا ومـع مـا يتصل بها -علمـا ً إن تجربة فيصـل لعيبـي غير قابلـة للتجزئة ألنهـا رحلة طويلة متصلـة المحطـات ،ويتـم التوقـف عنـد كل محطـة
84
( بـدر البـدور وقمر الزمان) موضوع ثنائية شـرقية دافعهـا السـأم الـذي ينتـاب الجنسـانية العربيـة منـذ أقـدم العصـور وحتـى اآلن .هنـا مرويـات (أحـداث) وينطبـق هـذا الـرأى علـى أعمـال فيصـل لعيبـي كلهـا إذ يوجـد حـدث فـي مضمـون التكويـن بـل فـي كل جـزء ومقطـع مـن التكويـن الشـامل ،إذن هـو الحـدث الجنسـي واللوحـة ُتشـغل مـكان فعـل الحدث التخييلـي ،مـن زاويـة فضـول الفنـان ومشاكسـته ورؤيتـه لهـذا الفعـل المتكـرر فـي هـذه المرويـات، الم َ ُتخيلـة ،التخطيطيـة. فالتخطيطـات توغلــــــت فـي الســــطوح واألقمشـة وملمسـها الناعـم واألجسـاد وطراوتهـا وذلـك ألحاطتنـا بمضمـون الحـدث وإدراكـه شـعورياً. تعامـل الفنـان مع تخطيطاتـه بوصفها لوحـات كاملة اإلنجـاز وليسـت مشـاريع لرؤيـة قادمـة ،إلن دافعها السـرّ ي اليتوقـف عـن إنتـاج حكايـات يدويـة جديدة. يطالعنـا عمـل منفـذ بالزيـت علـى القمـاش وبحجـم X 180سـم) بعنـوان ( رجـل وإمـرأة ) ظهـر (120 الرجـل فـي وضـع التعالـي يُخاطبنـا بهلوسـة فـي أعقـاب قيلولـة جنسـية ،الدالئـل العيانيـة تشـير الـى جسـد إمرأة مسـتلقية على جنب أعلى اللوحة ،نصف عاريـة فـي وضـع كمـا لو كانـت فـوق رأس الرجل. مـع إضافـة رمز الشـهوة الجنسـية ( األنثويـة) ممثالً بسـلة الفاكهة عند قدميها ،وإكسسـوار الذكورة ممثالً بالنارجيلـة ،ينتظـم تكويـن هـذا العمل بوجـود كتلتين لشـخصين ،األولـى أفقيـة (جسـد إمـرأة) فـي األعلى والثانيـة عموديـة (الرجل بكامـل قيافته ) من األعلى الـى األسـفل .تـؤدي حـركات األيـدي بالنارجيلـة ما يتوجـب اإلسـتدالل به على األفعال الخفية كاإلشـارة بالسـبابة مـن اليـد اليسـرى وإسـتقرار اليمنـى علـى خرطـوم النارجيلـة .مظهـر الشـخصية البغداديـة يؤكـد جانبهـا األيروسـي ،كما هي الحال السـائدة في تكرار رسـم هذه الشـخصية بوجوه متـوردة وغرائز مشبعة .
ثنائيـة أخـرى ملونـة لرجـل وإمـرأة (زيـت علـى القمـاش 120 90 /سـم رسـمها الفنـان عـام 1989 الرجـل بالشـارب التركـي ،علـى زنـده تعويـذة ( بـاز بنـد) بيمنـاه طـرف النارجيلة وهو يتكيء على وسـادة ناعمـة .أمـا المرأة فبدت مُسـ ّنة مقوسـة الظهر مُنحنية لتحمـل فردتـي حذائـه .يتألـف التكويـن مـن تراكـب كتلتيـن كمـا فـي العمـل السـابق مـع إختلاف وضـع وحركـة الكتلتيـن ( الشـخصين) ،فـي الجـزء العلـوي
85
القميـص ومـا بـرز مـن الثـوب األبيـض فـوق القدميـن. إذن يتكـون هـذا الموضـوع مـن بنـاء عمـودي يتناسـق مـع أبعـاد اللوحـة الخارجيـة ،ومعـادالت الكتـل الفاتحـة والغامقـة ،الجلوس والوقـوف .تناغم وجهيـن وحالتيـن ،تناغـم الحـركات مـا بيـن األيدي واآلالت وإتجاهاتهـا مـع بعضهـا .توزيـع هندسـة الكتـل الدائريـة مـن األعلـى الـى األسـفل. واخيـراً شـ ّكل هـذا التكويـن كتلـة نابضـة بالحركـة مـن جميـع اإلتجاهـات وبكافـة العناصـر الفنيـة المتآلفـة فيهـا وعلـى أرضيـة خضـراء عميقة خلف الثنائيـة البشـرية .وقـد عالـج الفنان وضع المسـاحة الطوليـة الفائضـة بتوظيـف األشـكال الهندسـية، المربعـات فـي األرضيـة ُتقابلها في األعلى تشـكيلة مُقرنصـة مـن الفـن ال َبصـري لألشـكال المعينيـة بدرجـات متقاربـة. يتـردد فـي الثنائيـات ( الواقعيـة) إيقـاع حزيـن مـن الغربة والحنين الى بيئة الطفولة والشـباب والمدينة والحـي والسـوق والمهـن الشـعبية .بعض شـخوص
يظهـر الرجل كبورتريت بحركـة الوجه والذراعين وسـيمياء الفحولـة ويشـغل محيـط مسـاحة لونية من لـون مسـاحة الخلفيـة ترتكـز علـى كتلـة داكنـة مـن أقـواس متموجـة ،كتلـة جسـد المـرأة وعباءتهـا. التناغـم اآلخـر فـي هذا التكوين يُالحـظ في حركات وإتجاهـات وتعابيـر الوجهيـن وحـركات وإلتفـاف اليديـن وتناغـم عالقة السـواد مع البيـاض ،مع تقنية المنحنيـات وصفـاء خطوطهـا وتموجاتهـا. ثنائيـة (الموسـيقيان) العموديـة (ُ )70x180تذكرنا بقـرّ اء المقامـات البغادلـة ألن التفاصيـل ُتؤكـد ذلـك ...نوعـان مـن الـزي البغـدادي ،الشـعبي بالصايـة والكوفيـة (الجراويـة) واأللـوان الهادئـة والبياضات،الوجـه مـدور ،فـي وضـع الجلـوس مع ألـة العـود ،خلفـه الموسـيقي الثانـي ( األفنـدي) ذو ّ والنظارة الوجـه النحيـل ،بالبدلة السـوداء والسـدارة السـوداء (إشـارة العمـى) صاحب الكمـان ،وفي آلة ثالثة نحاسـية معلقة خلف رأس الموسـيقي األعمى. رُسـمت الشـخصية األولـى بإسـلوب الفنـان فـي كثـرة وإنسـيابية طيـات الثيـاب المتوافقـة مع بياض 86
نمـزج تلـك النظرات بالواقـع الموضوعي في باطن اللوحـة لنكتشـف بعـض مـا خفي مـن أسـرار ،علما ً إن لغـة اإلشـارة مـن أبرزمالمـح الشـخصيات عنـد فيصـل لعيبـي ،أحـد النمـاذج ذلك الصبـي في لوحة ( الجايجـي مـرزوق) ومـن خلال بلوزتـه الزرقـاء القديمـة وعليهـا عبـارة( أُحـب العـراق) باإلنكليزية و قلـب باألحمـر في مكان الكلمـة (أحب) .المصور الشمسـي يُخبرنـا عـن لغـز مهنـة التصويـر بمسـكة حاذقـة لغطـاء العدسـة ،الوقـت محسـوب لرفـع الغطـاء( )-5 -4 -3-2-1ثـم غلقهـا .اليوجـد أمـام المصـور غيـر صانـع المقهـى حامل صينية الشـاي ولـم يكـن هـو الموديل بـكل تأكيـد .كالهما يتراسـل معنـا بالنظرات .ومثل هذه اإلشـارات الذكية نجدها فـي لوحـة الحلاق رافعـا ً يـده بالموس .أسـتطيع أن أفتـرض دالالت حـركات األيـدي واألصابـع ومـا تؤديـه برشـاقة وثبات. وأخيـراً فضـول الفنـان فـي مشـاركة مخلوقاتـهالحضـور بينهـم والتحـاور معهـم.
هـذه المهـن ظهـروا فرادى كمـا لوكانـوا يعرضون حرفتهـم للدعايـة أو إليقاظ الذاكرة الجمعية فحسـب مثـل صبـاغ األحذيـة والمكوجـي وبائـع الخضـار. وغيـر هؤالء يشـاركهم الصبيان ،فـي الغالب صبي واحـد يحضـر مع بائـع الشـاي ( الجايجي مرزوق) أو( المكوجـي جاسـم) أو (المصـور الشمسـي) وهـي المجموعـة مـن التشـكالت المتحركـة فـي ذاكـرة الفنـان نجـد فيها عناصـر مشـتركة وقرابات شـكالنية مـع البيئـة الحميميـة التـي خرجـت منها: شخوص شابةفراغ الخلفيات ونظافتها– اإلشـارات الـى البيئـة واإلشـارات الـى األزمنـة وإسـتحضار مخزونـات الذاكـرة –تناغـم عالقـات الكتـل الجامدة وإحيائهـا بالزخرفة والعالمات. –تقنية التصميم واإلعالن. نظـرات مبهمـة مسـتطلعة وإسـتفهامية الى خارجاللوحـة بإتجـاه الفنـان أو العالـم البعيـد ،مخاطبـات ،معاتبـات ،أشـواق ،أحـزان ،تراسـل .نسـطيع أن 87
اخليال وسياقات اشتغاله يف التصميم
د .قيس والي عباس
يعـــرف الخيـــال بانـــه تمثيـــل لشـــيء خارجـــي م ــدرك بصريــا ً او س ــمعيا ً او ش ــميا ً او ذوقيــا ً او لمس ــياً ،وه ــو عن ــد الفالس ــفة القدم ــاء ق ــوة للنف ــس تحف ــظ م ــا يدرك ــه الح ــس المش ــترك م ــن ص ــور المحسوس ــات بع ــد غي ــاب الم ــادة ونح ــن نس ــمي ذلـــك تخيـــاً وهـــو نوعـــان تمثيلـــي او ابداعـــي يســـتلزم توفـــر المخيلـــة الخالقـــة ذات القـــدرة علـــى بنـــاء عالـــم جديـــد فـــي نســـق مثالـــي م ــن ركام الص ــور المحسوس ــة ،وه ــي ملك ــة ابتكاري ــة شـــائعة لـــدى العلمـــاء والفنانيـــن .والخيـــال مـــا تشـــبه لـــك فـــي اليقظـــة والحلـــم مـــن صـــور والخيـــال لـــكل شـــيء تـــراه كالظـــل .فهـــو عنـــد هيجـــل نشـــاط خـــاق ينطـــوي علـــى عطـــاء وحـــس يتيحـــان للفنـــان (المصمـــم) ان يعقـــل الواقـــع القائـــم فضـــاً عـــن ذاكـــرة قـــادرة علـــى ان تحف ــظ ذك ــرى العال ــم المك ــون له ــذه الص ــور المتعـــددة االلـــوان ،والخيـــال عنـــد كانـــت يقســـم الـــى ثـــاث مراتـــب: .1الخي ــال المول ــد (التص ــور) ال ــذي يعم ــل عل ــى تولي ــد الص ــور. .2الخي ــال المنت ــج وال ــذي يمث ــل عملي ــات تح ــدث بي ــن االدراك الحس ــي والفه ــم وبم ــا يمكن ــه م ــن القيـــام بعمليـــة التفكيـــر المتسلســـل اذ ترتبـــط االفـــكار باالشـــياء. .3الخي ــال الجمال ــي وه ــو خي ــال منت ــج ،اال ان ــه متح ــرر ع ــن قواني ــن الفه ــم وه ــو غي ــر مرتب ــط بالتجربــة الحســية بــل بالعقــل الــذي يــزود الذهــن بالمب ــادىء الت ــي تق ــع ف ــوق المعرف ــة الحس ــية. والخي ــال عن ــد س ــارتر ه ــو الوع ــي بأس ــره م ــن حي ــث قدرت ــه عل ــى تحقي ــق حريت ــه ،وعن ــد رس ــل 88
اس ــاس الفع ــل التخيل ــي انم ــا تكم ــن الق ــوة الجوهري ــة لهـــذه الملكـــة فـــي التجريـــد والرمـــز لصياغـــة التعبيـــر .ان عمليـــة تحويـــل الخبـــرة المســـتحصلة م ــن تفاع ــل الف ــرد م ــع بيئت ــه ال ــى خب ــرة جمالي ــة تتجس ــد بمنج ــز فن ــي ذا قيم ــة ه ــي عملي ــة التخيي ــل فالخيـــال اداة نظريـــة فـــي التفكيـــر واالســـتحضار والتحليـــل والتركيـــب لـــذا فـــان الخبـــرة الجماليـــة ه ــي خب ــرة تخييلي ــة لكونه ــا مهيئ ــة عن ــد المصم ــم نح ــو الجم ــال وفكرت ــه واالحس ــاس ب ــه .مم ــا تق ــدم نج ــد ان اآللي ــات المؤسس ــة لموض ــوع الخي ــال ت ــكاد تك ــون واح ــد م ــن حي ــث المش ــروع البنائ ــي الفك ــري لكنن ــا نج ــد االخت ــاف حاض ــراً ف ــي جوان ــب مح ــددة يق ــف ف ــي مقدمه ــا العناص ــر الت ــي تش ــكل الخزي ــن المعرف ــي لذاك ــرة المصم ــم المتخيي ــل فم ــا كان ف ــي
تركي ــب جدي ــد لعناص ــر معروف ــة .ول ــدى ارنهاي ــم فالخيـــال هـــو ايجـــاد اشـــكال جديـــدة او تصـــورات جديـــدة لمضاميـــن قديمـــة وابتـــكار الشـــياء او مواقـــف تكـــون لهـــا قيمتهـــا التفســـيرية االصليـــة. وعن ــد لوي ــس ه ــو نش ــاط عقل ــي تنت ــج عن ــه ص ــور واســتبصارات جديــدة و يقــوم بانتــاج شــيء يتصــف بالجم ــال والص ــدق ويبتع ــد ع ــن العش ــوائية .بينم ــا يعرفـــه ريتشاردســـون بانـــه وســـيلة داخليـــة جيـــدة لمحاول ــة البح ــث ع ــن مش ــكلة المنج ــز التصميم ــي وتخ ــدم ف ــي حله ــا لذل ــك فه ــو مه ــم لجمي ــع الفن ــون والمعـــارف .وعنـــد برجســـون االنســـان اذ يســـتقبل تأثيــرات العالــم الخارجــي فأنــه يخزنهــا فــي الذاكــرة بهيئـــة صـــور تنتظـــم علـــى وفـــق آليـــة الشـــعورية يس ــتدعيها المصم ــم عل ــى وف ــق مثي ــر معي ــن اليج ــاد ح ــل م ــا ع ــن طري ــق الح ــدس ال ــذي ع ــده تخطي ــط خيال ــي متكام ــل يتي ــح للمصم ــم بم ــا يس ــتخدمه م ــن متراكـــم صـــوري يتشـــظى مـــن الذاكـــرة بفعـــل االنفع ــال النفس ــي تح ــت ضغ ــط اله ــدف التصميم ــي المح ــدد وص ــوالً ال ــى تحقي ــق ص ــورة المث ــال .وع ــد شـــوبنهاور الفعـــل التخييلـــي فعـــل ارادي خـــاص يســتند الــى امكانــات االنســان علــى التأمــل الحــادس المتح ــرر م ــن هيمن ــة اي ارادة اخ ــرى بغي ــة تلم ــس الص ــور االزلي ــة ،وعلي ــه تك ــون المخيل ــة معراجــا ً الس ــتحصال الص ــور وتحقيقه ــا ع ــن مرك ــب تخيل ــي قابـــل لـــادراك البصـــري وتنحـــو اراؤه ضمـــن منظورهـــا المثالـــي الـــى تأكيـــد امكانـــات التخيـــل الح ــادس عل ــى مماثل ــة الجم ــال الكام ــل عندم ــا يت ــم ه ــذا الفع ــل بموج ــب ارادة واعي ــة وقصدي ــة ح ــددت لنفس ــها نمطــا ً تأمليــا ً متح ــرراً ع ــن م ــا ه ــو حس ــي زائـــف .بينمـــا عـــدت ســـوزان النجـــر الخيـــال وســـيلة لتجريـــد االشـــياء واالشـــكال مـــن واقعهـــا الم ــادي مم ــا يجعله ــا وح ــدات فعال ــة ف ــي المنج ــز التخيل ــي وبم ــا يتي ــح ل ــه الطاق ــة عل ــى التعبي ــر ع ــن الوجـــدان البشـــري بافتـــراض ان المحـــاكاة ليســـت 89
الجدي ــدة ويس ــتثير التفكي ــر لجه ــة ط ــرح تصامي ــم جديـــدة تجـــذب النـــاس نحـــو عالـــم خيالـــي فـــي تفصيالتـــه مســـتثمراً الممكـــن مـــن معطيـــات العلـــم والفـــن ،فالخيـــال المعاصـــر ينحـــو اتجـــاه العل ــم بش ــكل كبي ــر ويعتم ــد مزيج ـا ً م ــن الحقائ ــق العلميـــة واالحتمـــاالت الخياليـــة التـــي تترتـــب عليه ــا ،وعلي ــه فالخي ــال م ــن ارس ــطو ال ــى كان ــت ه ــو نش ــاط ح ــر ولك ــن لي ــس بش ــكل مطل ــق كم ــا اش ــار بيك ــون ،فه ــو ن ــوع م ــن ممارس ــة متع ــددة الطـــرق للحريـــة العقليـــة ،وهـــو علـــى انـــواع منه ــا االنس ــاني والعلم ــي واالبداع ــي ،وجميعه ــا ذات دور مه ــم ف ــي التصمي ــم الصناع ــي ضم ــن تح ــركات معينــة اال ان الخيــال االبداعــي يحظ ــى باهمي ــة قص ــوى ف ــي التصمي ــم انطالقــا ً م ــن ان ــه يش ــكل العم ــود الفق ــري للعملي ــة التصميمي ــة ككل، وتأسيســا ً عل ــى م ــا س ــبق ف ــان المصم ــم الناج ــح يفتـــرض بـــه النـــزوع باتجـــاه الخيـــال االبداعـــي بشـــكل صريـــح مســـتنداً فـــي جزئيـــة مـــن ذلـــك علــى الخزيــن المعرفــي الــذي يمكنــه مــن التعامــل م ــع م ــا يقابل ــه بش ــكل يختل ــف ع ــن االخ ــر ،ذل ــك ان المصمـــم ونتيجـــة الشـــتغاالت الخيـــال لديـــه وابعاده ــا االبداعي ــة ي ــرى م ــا ي ــراه االخ ــر لكن ــه بالتاكيـــد يتعامـــل معهـــا بطريقـــة تختلـــف عـــن االخـــر ،وهـــو مـــا يحتـــم بالضـــروري ان يتـــم ايـــاء جانـــب الخيـــال فـــي العمليـــات االبداعيـــة للفنـــون بصـــورة عامـــة وفنـــون التصميـــم علـــى وج ــه الخص ــوص أهمي ــة كبي ــرة نظ ــراً لدوره ــا فـــي تعزيـــز القـــدرة االبداعيـــة بشـــكل ســـليم.
ميـــدان الخيـــال فـــي القـــرن التاســـع عشـــر أمســـى فـــي بواكيـــر االلفيـــة الثالثـــة نوعـــا ً مـــن التخلـــف فق ــد غ ــادر وبفع ــل عامل ــي الزم ــان والم ــكان وم ــا يعتريهم ــا م ــن تط ــورات عل ــى جمي ــع المس ــتويات جانـــب الخيـــال منـــذ حقـــب زمنيـــة بعيـــدة ،هـــذا اذا م ــا علمن ــا ان الخي ــال يعم ــل ضم ــن مجموع ــة س ــياقات منه ــا: .1الســياق المســتقبلي ،فــي اطــار الخطــوط الزمنيــة البديلـــة او فـــي التاريـــخ الماضـــي الـــذي يناقـــض الحقائ ــق التاريخي ــة المعروف ــة او س ــجل االح ــداث التاريخي ــة. .2س ــياق الفض ــاء الخارج ــي ال ــذي يتن ــاول العوال ــم االخ ــرى او يض ــم مواضي ــع مخالف ــة للواق ــع. .3ســـياق يتنـــاول االســـاليب التكنولوجيـــة او المب ــادىء العلمي ــة الت ــي تناق ــض قواني ــن الطبيع ــة المتعـــارف عليهـــا. .4ســـياق يتنـــاول اكتشـــاف او تطبيـــق مبـــادىء علميـــة جديـــدة مثـــل الســـفر عبـــر الزمـــن او علـــم البس ــيونيك (اح ــد ف ــروع العل ــم الت ــي تعتم ــد عل ــى دراس ــة بع ــض الظواه ــر النفس ــية مث ــل التخاط ــر) او تعـــرض لتكنولوجيـــا جديـــدة مثـــل تكنولوجيـــا النان ــو والروبوت ــات ،او تع ــرض لنظ ــم سياس ــية او اجتماعيــة جديــدة مغايــرة للنظــم الواقعيــة الســائدة . والخي ــال ف ــي جوه ــره يمث ــل س ــجل لق ــدرة االنس ــان االبداعيـــة التـــي تطـــورت عبـــر التاريـــخ وهـــو الـــذي مكـــن االنســـان مـــن تحقيـــق اكتشـــافات مهمـــه ومحاوالتـــه المســـتمرة النجـــازات افضـــل مـــن خـــال تخيلـــه المـــور جديـــدة ،ترتكـــز علـــى آلي ــة التفكي ــر بوصفه ــا عملي ــة عقلي ــة تق ــوم عل ــى اســـاس المالحظـــة والتحليـــل والفهـــم لعناصـــر الواق ــع والبيئ ــة الت ــي يتأث ــر به ــا االنس ــان .والخي ــال ابداعـــي وبنائـــي يتضمـــن عمليـــات التنظيـــم والتحوي ــل العقل ــي ويش ــمل عل ــى خط ــط مس ــتقبلية، اي لزمـــن منفتـــح ،فيقـــدم االفـــكار والحقائـــق 90
جواد سليم واملعرض السنوي أقامـــت اللجنـــة الثقافيـــة فـــي جمعيـــة الفنانيـــن التشـــكيليين العراقييـــن ،نـــدوة بمناســـبة مـــرور خمســـة وخمســـين عامـــا ً علـــى رحيـــل الفنـــان الخال ــد ج ــواد س ــليم ،تزامن ــا م ــع مع ــرض الجمعي ــة الس ــنوي ،ع ــرض فيه ــا فل ــم ع ــن حي ــاة ج ــواد س ــليم مـــن اعـــداد وســـيناريو توفيـــق التميمـــي وأخـــراج طال ــب الس ــيد ،اعقبه ــا حدي ــث الناق ــد ع ــادل كام ــل الـــذي اكـــد علـــى اهميـــة تفعيـــل النقـــد ،مـــن اجـــل ارس ــاء قواع ــد تت ــم مس ــيرة االب ــداع العراق ــي الت ــي بداهـــا جـــواد ســـليم ،ووصلـــت الـــى الجيـــل الـــذي نـــرى أعمالـــه الرائعـــة فـــي هـــذا المعـــرض ،ثـــم اعقبـــه الفنـــان حميـــد ياســـين ،الـــذي اعتبـــر هـــذا المع ــرض انج ــازا مهم ــا للحرك ــة التش ــكيلية ،واثن ــا علـــى مـــا قـــدم مـــن اعمـــال ،تبعهـــم فـــي الحديـــث الفن ــان قاس ــم س ــبتي رئي ــس الجمعي ــة ،مؤك ــدا عل ــى دور ج ــواد س ــليم ف ــي الحرك ــة التش ــكيلية العراقي ــة بوصفـــه رائـــداً وشـــكر الحضـــور الكثيـــف الـــذي حض ــر الن ــدوة واعتب ــره حال ــة صحي ــة ان يحض ــر ه ــذا الع ــدد ال ــذي ازدحم ــت ب ــه القاع ــة عل ــى الرغ ــم مـــن اجـــواء البـــرد والمطـــر ،أدار النـــدوة الناقـــد والفنـــان مؤيـــد البصـــام. وجـــرت بعدهـــا مناقشـــة حـــول معـــرض الجمعيـــة واهميت ــه وكذل ــك اهمي ــة الفن ــان ج ــواد س ــليم ال ــذي يعتبــر هــو والــرواد األوائــل األســاس الــذي وصلــت الي ــه الحرك ــة التش ــكيلية العراقي ــة وه ــذا المع ــرض ه ــو بره ــان عل ــى م ــا اسس ــه ال ــرواد االوائ ــل واذا اخذنـــا بالمنظـــور النقـــدي االن فـــأن المعـــرض يحتـــوي علـــى كافـــة المـــدراس واالتجاهـــات التشـــكيلية التـــي تعـــرض فـــي قاعـــات العالـــم. 91
92
افتتحــت النائبــة ميســلون الدملوجــي مهرجــان جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقيين بمناســبة يــوم المــرأة العالمــي الــذي حمــل عنــوان ( تشــكيليات عراقيــات ) وذلــك يــوم الســبت الموافق 2015/3/14الســاعة الحادية عشــرة صباحـا ً فــي مقــر الجمعيــة ،وقــد حضــر يــوم االفتتــاح عــدد كبيــر مــن الشــخصيات الثقافيــة والفنيــة .وامتــاز المعــرض بمشــاركة واســعة مــن قبــل المبدعــات العراقيــات اللواتــي أكــدن حضورهــن الفاعــل وبجــدارة فــي ميــدان الحــراك التشــكيلي العراقــي ،وقــد بلــغ عــدد المشــاركات فــي هــذا المهرجــان نحــو ( )125فنانــة ،وكان لإلعمــال المشــاركة فــي المهرجــان منهجيــة واضحــة فــي الطــرح والفكــر وذلــك مــن خــال التأكيــد علــى لغــة الجمــال واإلبــداع الفكــري الخالق لــدى المرأة العراقيــة حيــث تنوعــت أســاليبهن واشــتغالهن حســب مدركاتهــن العقليــة الــذي أكــدن مــن خاللــه علــى أهميــة الفكــر المتحــرر والطــرح الحــد اثــوي الرصيــن ،محــاوالت بذلــك فتــح أفــاق جديــدة فــي ميــدان الحركــة التشــكيلية النســوية التــي مازالــت تؤكــد إصرارهــا وحضورهــا الراســخ عبــر عقــود ،ولعــل هــذا المعــرض هــو جانــب مــن المســيرة الطويلــة والمتواصلــة للفنانــة العراقيــة التــي ســطرت بابداعهــا ذاكــرة التأريــخ العراقــي الملــيء بالجمــال. 93
بمناســبة الذكــرى المئويــة لــوالدة الفنــان الرائــد فائــق حســن ،أقامــت جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن معــرض مهرجــان عشــتار للشــباب 2015فــي قاعــة جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن ،أشــترك 112 فنانــة وفنــان مــن جيــل الشــباب ،وقدمــت اإلعمــال مــن الرســم والنحــت والخــزف مــن مختلــف المــدارس الفنيــة ،وحقــق الشــباب بمعرضهــم هــذه الســنة إضافــة نوعيــة للفــن العراقــي والحركــة التشــكيلية ،فقــد أمتــاز معــرض هــذه الســنة بأغلبيــة المعروضــات التــي تحمــل عطــاء مبهــر ،وقــدرة رائعــة يفتخــر بهــا ،وعلــى الرغــم مــن الجوائــز التــي منحــت والتــي تمثــل نســبة ضئيلــة فــي الفــارق بيــن لوحــة وأخــرى ،فمعظــم اإلعمــال التــي ضمهــا المعــرض تســتحق جائــزة .وتســتحق أن ينظــر لهــا بإكبــار ودهشــة ،وقــد كانــت .الجائــزة األولــى . مــن نصيــب الفنانــة زينــة اال ســدي ....والجائــزة الثانيــة روان المختــار .و الجائــزة الثالثــة عبــد القــادر فاضــل مناصفــة مــع نبيــل علي.....أمــا جائــزة النحــت األولــى .عقيــل خريــف .والجائــزة الثانيــة لــؤي الحضــاري ...الجائــزة الثالثــة فــرات عمــاد ...تــم حجــب الجائــزة األولــى والثانيــة للســيراميك وفــاز فــي الجائــزة الثالثــة مناصفــة منــذر محمــد وســام احمــد .وقــد قــال الفنــان قاســم ســبتي رئيــس الجمعيــة « أن نتاجهــم الــذي يزيــن جــدران هــذا المعلــم الحضــاري ويؤرشــف للذاكــرة العراقيــة ،هــو أنصــع دليــل بــأن الحركــة التشــكيلية العراقيــة باقيــة علــى الرغــم مــن كل الظــروف، (أن اإلبــداع لــن ينضــب فــي بــاد أسســت للحضــارة اإلنســانية معانــي تطورهــا العظيــم ). 94
95
ستار نعمة الفنان والعالقة الذاتية باللوحة
أقام الفنان العراقي المغترب ستار نعمة معرضا ً على «قاعة ألق» ببغداد ،جمعت أعماله المعروضة فيه بين التخطيط واللوحة .فهو ،كما يؤكد ،يجد نفسه في التخطيط ،ويجد في القلم الرصاص عفوية في التعبير عن رؤيته الفنية .أما االنتقال من التخطيط الى اللوحة فهو ،بحسب ما يقول ،ال يعدو أن يكون نقالً للتخطيط، بأبعاده وتكويناته ،الى قماشة اللوحة التي تستوعب األلوان ،فيجعل له ،بذلك ،أبعاداً أخرى« ،ذلك أن لكل مادة شروطها». وعلى الرغم من أن دراسته الفن عرفت انتقاالت متعددة بين أكثر من مكان جغرافي ومدرسة فنية واتجاه (فمن الفنون التطبيقية في بلجيكا ،والغرافيك في تونس ،وأكاديمية سان جوست في بلجيكا) ،فإنه ينسب عمله ،مدرسياً ،الى ما يسميه بـ «التجربة الشخصية» التي يجدها قد جعلت من تقنيته الفنية تقنية تميل الى عفوية التنفيذ ..فضالً عما يكون لـ «المزاج الشخصي» ـ على حد تعبيره ـ من ّ تدخل مباشر في تعيين طبيعة أعماله ورسومه« ..فالحالة التي أكون فيها تنعكس بشكل واضح في عملي» .فهو، كما يؤكد« ،مفرط العالقة ذاتيا ً باللوحة» التي يرسم ،غايته من هذا هي خلق الدهشة عند اآلخرـ المشاهد ،والتي يجد أن «االستجابة اآلنية» هي ما يخلقها/ يحققها.
حتسني الزيدي
يف حتويلته املؤقتة
اق ــام الفن ــان تحس ــين الزي ــدي معرض ــه االخي ــر وكان ق ــد اش ــترك الفن ــان ف ــي عــدد مــن المعــارض فــي بعــض الــدول العربي ــة واألجنبي ــة ،كم ــا اش ــترك ف ــي معـــارض دائـــرة الفنـــون للفتـــرة مـــن ;،2003 _1996وكت ــب عن ــه .ع ــاء الماجـــد» إعمالـــه تشـــير إلـــى إمكانيـــة كبي ــرة وتجرب ــة عميق ــة وخب ــرة فائق ــة ف ــي تحري ــك رم ــوزه ،ه ــذه األجس ــاد المحدق ــة ف ــي األف ــق ،الت ــي غالب ــا م ــا تنتم ــي إل ــى عال ــم الموس ــيقى الس ــاحر ،مســـتخدما التضـــاد اللونـــي بأجمـــل صـــوره وبتقنيـــة عاليـــة تـــكاد تكـــون متف ــردة ،ان ــه ش ــاعر أدوات ــه المخيل ــة واللـــون ،أبـــدع فـــي تحويـــل اللوحـــة
96
إلـــى بانورامـــا لألفـــكار والموســـيقى والتأم ــل ف ــي فض ــاءات واس ــعة تت ــوزع عليه ــا األل ــوان ف ــي تض ــاد م ــرة وف ــي انســـجام مـــرة أخرى،إعمالـــه تنتمـــي إل ــى الواقعي ــة التعبيري ــة ،لكن ــه يمت ــاز بخصوصيـــة وتفـــرد وثقافـــة عاليـــة وفهـــم أنســـاني للتـــراث والفولكلـــور. لوحاتـــه تقـــود المشـــاهد إلـــى أعماقهـــا وتســـمعه نغمـــات واصواتـــا وتجبـــره عل ــى إن يك ــون ج ــزءا منه ــا .ش ــهدت إعمالـــه قاعـــات الواســـطي و الـــرواق والمركـــز الثقافـــي الروســـي بدمشـــق وقاع ــات ع ــرض ف ــي الكوي ــت وقط ــر واألردن ولبنـــان ودمشـــق
نادية فليح هذا ما حدث .. هذا مارأت ..فرمست
إذا كان لنـــا أن نقـــول :إن للنخلـــة وجـــوداً يتزامـــن مـــع وجـــود االنســـان ،حيـــا ًة ومســـاراً انســـانياً ،فـــي بلـــد مثـــل العراق،فإننـــا نقـــول أيضـــاً :إن الفنانـــة «ناديـــة فليـــح» بمـــا قدمتـــه ف ــي معرضه ــا األخي ــر (قاع ــة ح ــوارـ بغـــداد) مـــن «جـــذوع خاويـــة» أحرقـــت أصولهـــا نـــار الحـــرب التـــي اس ــتباح به ــا المحت ــل األميرك ــي حي ــاة انســـان البلـــد ومقدراتـــه ،ملقيـــا ً بـــكل ش ــيء ال ــى م ــا أش ــعل م ــن ن ــار ،إنم ــا يُقـــ ّدم صـــورة تحمـــل رمـــزاً كثيـــف الداللـــة علـــى مـــا حصـــل فأحـــال كل ش ــيء ف ــي الواق ــع «جذوعــا ً خاوي ــة» راحـــت هـــذه الفنانـــة تتقصـــى آثارهـــا ببراعـــة فنيـــة عاليـــة جســـدتها مـــن خ ــال رؤي ــة وم ــو ق ــف :ف ــإن كان ــت الرؤيـــة قـــد تشـــكلت مـــن مفـــردات اتخــذت رمزهــا الشــامل ،والكلــيّ ،مــن النخلـــة ،فـــإن هـــذا الرمـــز ،بتداعياتـــه علـــى ذات الفنانـــة ،أصبـــح رمـــزاً نامٍيـــا ً بالدمـــار الـــذي حصـــل ـ وهنـــا المفارق ــة .فالنخل ــة هن ــا ليس ــت ش ــجرة قائم ــة بكيانه ــا ،وإنم ــا ه ــي نت ــاج حال ــة احتـــراق أصابـــت كل شـــيء فحولتـــه مـــن «كيـــان أخضـــر» يتداعـــى علـــى الواقـــع بمـــا يحمـــل مـــن ثمـــر طـــريّ الـــى «جـــذع أســـود» يتفتـــت متداعيـــا ً علـــى األرض بالرمـــاد .وهنـــا يتحقـــق الموق ــف ال ــذي تتخ ــذه الفنان ــة إزاء ه ــذا التدمي ــر الش ــامل لحي ــاة تحول ــت بفعل ــه الـــى «جـــذوع خاويـــة». ويك ــون له ــذه الرؤي ــة وقعه ــا القاس ــي، والمري ــر ،عل ــى ذات الفنان ــة .فالنخل ــة، وقـــد اســـتحالت الـــى الصـــورة التـــي اســـتحالت إليهـــا فـــي عملهـــا الفنـــي، إنمـــا هـــي «صـــورة اســـتعارية» لمـــا ح ــدث للوط ــن ج ــراء م ــا أصاب ــه م ــن
حرائ ــق م ــا ت ــزال مس ــتمرة ،تندل ــع ف ــي كل حي ــن ،لتط ــال كل ش ــيء. فهـــي ُتصـــدر ،فـــي مـــا ق ّدمـــت مـــن أعمـــال ،عـــن حـــزن عميـــق تجســـده كثافـــة «الصـــورة» بمـــا حمل ــت م ــن تمثي ــات ه ــذا الواق ــع: بالدم ــار ال ــذي أصاب ــه ،وبالخ ــراب الـــذي انتهـــى إليـــه ،متخـــذة مـــن اللـــون األســـود لونـــا ً وحيـــداً، كثيـــف الحساســـية ،فـــي التعبيـــر ع ــن ذل ــك .ف ــإذا كان ــت «الج ــذوع الخاويـــة» ،فـــي بعـــض أعمـــال المعـــرض ،قائمـــة بمـــا بقـــي لهـــا مـــن «جـــذور ميتـــة» ،فـــإن «رم ــاد االحت ــراق» ال ــذي تناث ــر، فـــي أعمـــال أخـــرى ،بأشـــكال وص ــور تعبيري ــة مختلف ــة عب ــرت عم ــا لألث ــر م ــن انعكاس ــات نفس ــية علـــى الفنانـــة ..وفـــي الحالتيـــن نجده ــا تعم ــد ال ــى بل ــورة فكرته ــا بمـــا لهـــذه الفكـــرة مـــن جوهـــر يتمثـــل فـــي صيغـــة :رســـالة، ُرس ــل إلي ــه ..وال ــكل ومُرس ــل ،وم َ علـــى أرضيـــة واقـــع واحـــد. غي ــر أن «الرس ــالة» الت ــي تبع ــث بهـــا الفنانـــة ال ُتقـــ ّدم لـ»المرســـل إليـــه» ،أو المتلقـــي ،أفـــكاراً فـــي صـــورة رؤى ،حســـب ،وإنمـــا تقدمهـــا فـــي عمـــل فنـــيّ متميـــز ،إن جـــاء فـــي جان ــب من ــه متمس ــكا ً بـ»الش ــكل» ،ف ــإن الجانـــب اآلخـــر منـــه جـــاء فـــي صيغـــة رؤي ــة فني ــة تس ــتلهم الواق ــع بم ــا يتع ّي ــن ب ــه واقعــا ً طالت ــه الحرائ ــق .فه ــي كم ــن يريـــد خلـــق احســـاس تحركـــه الرؤيـــة الفنيــة مــن خــال التأمــل فــي مــا حصــل عل ــى األرض م ــن دم ــار وتدمي ــر كان ــت لهم ــا مث ــل ه ــذه النتائ ــج الكارثي ــة الت ــي تتمثلهـــا فـــي أعمالهـــا. 97
هـــذا كلـــه يأتـــي بتقنيـــة عاليـــة تجمـــع بيـــن «الفكـــرة» و»الرؤيـــة» ..بيـــن «مـــا حـــدث» و»نتائجـــه» ،أو «اســـقاطاته». فنحـــن ،هنـــا ،أمـــام عمليـــة خلـــق فنـــي يتصـــل فيـــه الوجـــود بالمصيـــر لتتشـــكل اللوحـــة مـــن عالـــم هـــو فـــي حالـــة تشـــخيص وتعيّـــن .فهـــي تضـــع أمامنـــا صـــورة وجـــود ،وتمنـــح هـــذا الوجـــود بُع ــده الواقع ــي ،وإن ل ــم يس ــلك ف ــي تعيّن ــه الواقعـــي هـــذا ســـبيل «الواقعيـــة» ،وال ّ التمث ــل والتعبي ــر، اتخذه ــا نهجــا ً فنيــا ً ف ــي وإنمـــا نجـــد الفنانـــة تجمـــع فـــي لوحتهـــا
بي ــن «الرؤي ــة الكابوس ــية» واس ــتجابة العال ــم الداخل ــي له ــا ،بم ــا يجع ــل م ــن «موضوعه ــا» عملي ــة خل ــق متص ــل بم ــا للواق ــع ال ــذي ّ تتمث ــل م ــن حقيق ــة ح ّي ــة ،وبم ــا للفنان ــة م ــن خصوصي ــة الرؤيـــة والتعبيـــر ..فمـــا اجتمـــع لهـــا م ــن رؤي ــة فني ــة تق ــوم عل ــى معادل ــة ثنائيـــة :رؤيـــة بصريـــة لمـــا حـــدث، ورؤيـــة تشـــكيلية ُتجســـد نتائجـــه. ففـــي الحالـــة األولـــى هنـــاك التلقـــي ـاس الذات ــي ـ ب ــكل م ــا ل ــه م ــن وق ــع ق ـ ٍ عل ــى ال ــذات المتلقي ــة ..وف ــي الثاني ــة هن ــاك انعكاس ــات ه ــذا التلق ــي ،لنج ــد العناص ــر الت ــي اجتمع ــت ف ــي الرؤي ــة البصريــة (للفنانــة) تســاعد فــي بلــورة الرؤيـــة الفنيـــة وتكثيفهـــا ،وصـــوالً ال ــى األس ــلوب ال ــذي س ــيميّز أداءه ــا الفنـــي ،بمـــا يحقـــق لـ»خطابهـــا» حركـــة تواصـــل مـــع المتلقـــي. وأدعـــوه «خطابـــاً» لمـــا يحمـــل مـــن «لغـــة» تتقصـــد «االبـــاغ» ،ولهـــا مـــا تبلغـــه. هـــل أرادت الفنانـــة بمعرضهـــا هـــذا، فـــي مـــا ضـــ ّم مـــن أعمـــال وشـــحها الســواد وتناثــر الرمــاد علــى أطرافهــا، القـــول :إنّ االحتـــال ،ومـــا جـــرّ ه أتباع ــه عل ــى بلده ــا ،انس ــانا ً وأرض ـاً، ُبـــق لنـــا /لهـــا مـــن الطبيعـــة لـــم ي ِ مـــا ترســـمه ســـوى هـــذه «الجـــذوع الخاويـــة» بفعـــل احراقهـــا بنـــار الغـــازي وأعوانـــه؟ هـــذا مـــا قالتـــه. لذلـــك جـــرّ دت الطبيعـــة المحيطـــة بالش ــكل /الموض ــوع ف ــي عمله ــا م ــن كل ش ــيء إال م ــن الرم ــاد وبقاي ــا م ــا احت ــرق ،جاعل ــة م ــن الدم ــار مص ــدراً للخلـــق واالبـــداع الفنـــي. أمـــا أســـلوباً ،فهـــي وإن دارت فـــي مـــدار الموضـــوع الواقعـــي ،فـــإن التجريديــة ـ التعبيريــة أخــذت أبعادهــا ف ــي بع ــض م ــن أعماله ــا .إن تحويله ــا تلـــك «الطبيعـــة المحترقـــة» الـــى
لوح ــة /عم ــل فن ــي ،مهتم ــة بتفاصي ــل المشـــهد الـــدال علـــى فداحـــة المشـــهد، ســـواء علـــى أرض الواقـــع أو عنـــد تحويل ــه ال ــى اللوح ــة /العم ــل ،نجده ــا تح ــوّ ل «النتائ ــج» (الرم ــاد ودخ ــان م ــا احتــرق) الــى رمــوز قائمــة فــي فضــاء مد َّمــر هــو كل مــا تبقــى مــن «شــيء» كان ،قب ــل ذل ــك ،عالمــا ً ل ــه معم ــاره ـ الصبيعـــة الحيّـــة .ونجدهـــا تجتهـــد رؤي ــة ف ــي تكوي ــن تل ــك المش ــاهد الت ــي ترس ــمها بمطابق ــة لرؤيته ــا ـ الت ــي ه ــي رؤيـــة ال تخـــرج مـــن حـــدود الواقـــع ال ــذي غ ــدا ،ف ــي عمله ــا ه ــذا « ،واقع ـا ً مجازيـــاً» ،وإن امتزجـــت فيـــه بقايـــا الش ــكل بأل ــوان بصري ــة تحول ــت ال ــى رؤيـــا فنيـــة مثقلـــة بتداعيـــات واقـــع منهـــار ،محققـــة بذلـــك ضربـــا ً مـــن ض ــروب األس ــلوبية ف ــي العم ــل الفن ــي: تقتـــرب مـــن الواقـــع بمقـــدار مـــا تجـــد فيــه مــن تمثيــل طبيعــي للحالــة ،يصــل بهـــا الـــى المقاربـــة والمشـــابهة ممـــا حـــدث ،و»تقولـــه» ،فتواجـــه بتحـــدي التعبيـــر تحـــدي مـــا حـــدث ووقـــع. أمـــا «رموزهـــا» الدالـــة علـــى ذلـــك، الجامعــة لمضامينــه ،فتقــع بيــن اللونيــن األســـود والرمـــادي وبيـــن «الشـــكل» الـــذي يجســـد حالـــة االنهيـــار. فه ــل يمك ــن أن نص ــف ه ــذا المع ــرض بـ»المعــرض ـ الطقــس»؟ ولكنــه طقــس عــزاء وحــزن فــي أرض ليســت بعيــدة من ــا ،وقريب ــة ،الق ــرب كل ــه ،م ــن ذات الفنان ــة.
98
ما البعد االخر يف رؤية الفنانة منى مرعي
تتارجح الفنانة منى مرعي في اعمال معرضها (الذي أقامته على «قاعة حوار» في بغداد ،تحت عنوان« :ما بعد اآلخر» )..ما بين الرمزية والوحشية. الرمزية :اذ تواطأ المرئي في اعمالها لحسابات الداللة .اما الوحشية فألنها لم تلتزم بالقيود الهندسية ،كالمنظور ومساقط الضوء والظل ،المعروفة في المدرسة الواقعية ،كما اهتمت بالشكل العام للموضوعات غير مكترثة بالتفاصيل الدقيقة ،حيث الخطوط الخشنة الملونة، اوالسوداء ،على اشكال مسطحة لتبرز االنفعاالت بشكل واضح .كما خلت اعمالها من االلتزام بااللوان الطبيعية، حيث نجدها تستعمل أاللوان االساسية بتدرجات متنوعة مع تحريف األشكال بتغيير حجومها ونسبها التقليدية. جاءت اعمال الفنانة اقرب الى رسوم االطفال حيث عبرت بشكل فطري عفوي عن الموضوعات التي اثارتها .وأما شخصيات الفنانة فشخصيات (طوطمية خشنة) مستوحاة من االجسد البشري ...شاخصة امام جدران تكاد ان تكون احادية اللون ناعمة الملمس ،ما جعل شخوصها تبدو وكانها ملصقة على خلفياتها مث َلها مثل لوحا ٍ ت كوالجية .كما انها اقرب الى استعارة من واقع عملية التصوير اذ تبدو شخوصها وكانها في لقطة فوتوغرافية اجتماعية عابرة تركت ظاللها على جدران المكان
خنيل الفنان طالب مكي يف قاعة دائرة الفنون التشكيلية
املعرض الشخصي اخلامس خواطر يف زمن املوت
احالم املكان يف قاعة الق للفنون والعمارة
أفتتـــح وزيـــر الثقافـــة فريـــاد روانـــدزي المعـــرض الشـــخصي الثانـــي للفنـــان التشـــكيلي طالـــب مكـــي ،والـــذي حمـــل عنـــوان “نخيـــل” فـــي قاعـــات دائـــرة الفنـــون التشـــكيلية فـــي مقـــر وزارة الثقافـــة ،يـــوم األحـــد .2015/3/29 وأشـــاد وزيـــر الثقافـــة عنـــد افتتـــاح المع ــرض بأعم ــال الفن ــان طال ــب مك ــي، وأثن ــى عل ــى معرض ــه الش ــخصي ال ــذي ضـــم أعمـــال فنيـــة حديثـــة وتجريديـــة، واصفـــا ً أيـــاه امتـــداد لفنانـــي جيـــل الـــرواد ،متمنيـــا ً لـــه الموفقيـــة والنجـــاح فـــي مســـيرته العمليـــة والفنيـــة وقـــال مديـــر المعـــارض حســـين موحـــي إنّ المعـــرض الـــذي يضـــم ( )38عمـــاً حديثــا ً للفن ــان مك ــي ،رك ــز عل ــى القي ــم الهندســـية التـــي تنتمـــي إلـــى الفـــن التجريـــدي .وأكـــد الفنـــان التشـــكيلي واألكاديمـــي د.بالســـم محمـــد « .أنّ طال ــب مك ــي فن ــان م ــن ط ــراز خ ــاص تقشـــف فـــي االعـــان عـــن نفســـه وفـــي داخل ــه حري ــق اليه ــدأ الش ــراقات الخي ــال م ــع أخ ــاص كام ــل للعالق ــة بين ــه وبي ــن الف ــن ،أن ــه م ــن الفناني ــن النادري ــن الذي ــن امتلكـــوا الموهبـــة الخارقـــة فـــي االداء المقـــرون بخيـــال غريـــب وخـــاق.« .
علـــى قاعـــة دائـــرة الفنـــون فـــي وزارة الثقافـــة ،افتتـــح وكيـــل وزارة الثقافـــة ومديـــر عـــام الفنـــون التشـــكيلية، معـــرض بعنـــوان ( بهرزيـــة األلـــوان فـــي لوحـــات مثنـــى البهـــرزي ) للفنـــان مثن ــى البه ــرزي ،وض ــم االفتت ــاح جم ــع مـــن الفنانيـــن ومحبـــي الفـــن .وكتـــب فـــي كتيـــب المعـــرض الناقـــد والكاتـــب صبـــاح االنبـــاري « .فـــي بهـــرز العـــراق .بهرزيـــة األلـــوان عنـــد مثنـــى قصي ــدة رث ــاء مفتوح ــة عل ــى كل حقائ ــق الضمي ــر المنته ــك ،وم ــع ه ــذا ثم ــة أم ــل يلـــوح فـــي األفـــق علـــى شـــكل حمامـــة خضـــراء بلـــون بهـــرز علـــى بوابتهـــا القديمـــة لتلقـــي تحيتهـــا وتغـــادر إلـــى ســـماوات مجهولـــة» موظفـــا ً رمزياتـــه عل ــى نح ــو يأخ ــذ اتج ــاه الحل ــم والرؤي ــا الباطنيـــة.
أفتتــح فــي قاعــة الــق للفنــون والعمــارة المعــرض التشــكيلي الشــخصي للفنانــة ســهى االطرقجــي الــذي يحمــل عنــوان ( أحــام المــكان ) بحضــور حشــد مــن المعنييــن بفــن التشــكيل ،حيــث تضمــن المعــرض 19لوحــة بقيــاس 100 ×70 ســم بألــوان االكريلــك. وكتــب الناقــد مؤيــد البصــام فــي دليــل المعــرض « تتعامــل الفنانــة مــع اللوحــة بــروح الحــرص علــى إبقائهــا نقيــة وشــفافة ،وأن تكــون كتلتهــا حيويــة بالفــراغ المضــيء الــذي يســند الكتلــة ويتيــح لهــا قــوة البــروز. وترتكــز إعمالهــا علــى البنــاء الهندســي للحلــم الــذي تصوغــه بخطوطهــا الحــادة ،عبــر اســترجاع األماكــن التــي حفــرت أخاديــد فــي الذاكــرة لتنتــج هــذا اإلبهــار فــي الحلميــة والفنتازيــات ،بيــن النــص والشــكل « والفنانــة االطرقجــي ســبق لهــا أن أقامــت وشــاركت فــي العديــد مــن المعــارض التشــكيلية داخــل وخــارج العــراق وهــي عضــو فــي جمعيــة الفنانين التشــكيليين ورابطــة الفنانــات التشــكيليات ونقابــة الفنانيــن العراقييــن وحاصلــة علــى البكالوريــوس فــي التشــكيل مــن كليــة الفنــون الجميلــة فــي جامعــة بغــداد.
99
معرض الفنان سعدي الكعيب يف امريكا كتـــب الفنـــان ضيـــاء الـــراوي عـــن معـــرض الفنـــان التشـــكيلي العراقـــي المغتـــرب ســـعدي الكعبـــي. عـــرض خطـــاب الصمـــت واخـــر اعمال ــه الفني ــة ف ــي الوالي ــات المتح ــدة. اقـــام الفنـــان التشـــكيلي العراقـــي المغتـــرب ســـعدي الكعبـــي معرضـــه الشـــخصي الجديـــد الـــذي اختـــار لـــه عنــوان (خطــاب الصمت)فــي الواليــات المتحـــدة االعم ــال الت ــي عرضه ــا ف ــي معرض ــه الجديـــد تســـتلهم عنـــوان المعـــرض مؤكـــدا ان للصمـــت لغـــة قـــادرة علـــى المخاطبـــة والحـــوار وايصـــال كل مـــا يـــراد ايصالـــه الفنـــان .كل ذلـــك يتـــم مــن خــال اســتفزاز المشــاهد والمتلقــى عـــن طريـــق ســـحبه عاطفيـــا وفكريـــا للحـــوار مـــع مكونـــات وعناصـــر اللوح ــة الت ــي ينظ ــر اليه ــا وم ــا تحمل ــه مـــن مفـــردات المـــوروث الحضـــاري والســمات المحليــة والروءيــا المســتقبلية اعمـــال الكعبـــي االخيـــره تؤكـــد
قـــدرة الفنـــان التعبيريـــة عـــن ثقافتـــه واحاسيســـه .مـــن خـــال ممارســـته للعمـــل الفنـــي وحضـــوره الفاعـــل فـــي المشـــهد التشـــكيلي علـــى مـــدى اكثـــر مـــن 50عامـــا. عـــدد االعمـــال الجديـــدة المعروضـــة و التـــى انجزهـــا الفنـــان فـــي مغتربـــه 20 .عمـــا فنيـــا بعـــدة قياســـات مســـتخدما تقنيـــة المكـــس ميديـــا مـــع الـــوان االكريلـــك الترابيـــة وعلـــى ســـطح قماشـــة الكانفـــاس التـــي يمتـــاز بهــا الكعبــي فــي اســلوب اظهــار اشــكاله
100
ف ــوق ملم ــس س ــطح العم ــل تل ــك التقني ــة الباذخــة التــي يحتفــظ باســرارها الكعبــي مضيف ــا معه ــا قدرت ــه التعبيري ــة الفائق ــة بصياغـــة ورســـم الخطـــوط والكتـــل وانشـــاء وتكويـــن لوحتـــه المعاصـــرة المس ــتلهمة لحض ــارات الع ــراق القديم ــة يقـــول الفنـــان والناقـــد التشـــكيلي الـــر احـــل جميـــل حمـــودي عـــن الكعبـــي : ان يذه ــب الفن ــان ب ــكل حماس ــة ال ــى كل االعمـــاق التـــي يشـــتملها الموضـــوع، وان يتوفـــر لـــه كل مايجعـــل الرؤيـــا تتكامـــل مـــن حيـــث كونهـــا وثيقـــة تســـجيلية ذات طابـــع تعبيـــري فنـــي معاصـــر وليـــس هـــذا فحســـب ،بـــل علي ــه كذل ــك ان يحس ــب حس ــابا ً دقيقــا ً لـــدوره الواضـــح فـــي االبتـــكار .ففـــي هـــذا الـــدور يكمـــن ســـر المعاصـــرة. انظــر الكتشــف اشــياء كثيــرة ســاعدتني عل ــى فه ــم ذل ــك العال ــم االبداع ــي ال ــذي عـــاش ،ويعيـــش فيـــه ســـعدي الكعبـــي. ويقـــول الناقـــد التشـــكيلي اليابانـــي سانشـــي ســـيكا عـــن أعمـــال الكعبـــي : رغ ــم بس ــاطة خط ــوط س ــعدي الكعب ــي انم ــا اراه ف ــي اعم ــال ه ــذ الفن ــان يعب ــر ع ــن م ــدى النض ــج الفن ــي وانن ــي اق ــف بدهشـــة امـــام هـــذه االعمـــال عمان -ضياء الراوي
الفنان معن كرماشة يف قاعة حوار
إبراهيم العبدلي ينشد قصائد حبه معرض لفنون اجلداريات البغدادية افتتــح فــي قاعــة مجلــس اإلعمــال العراقــي فــي الصويفيــة بعمــان المعرض الشــخصي للفنــان التشــكيلي العراقــي األســتاذ إبراهيــم العبدلــي ،وهــو لرســوم الجداريــات المنفــذة للفنــان وإعمــال أخــرى ،بلغت 16عمــا وهذا المعــرض هــو األول مــن نوعــه لرســومات جداريــات نفــذت بمــواد غيــر الرســم مثــل الموزاييــك والســيراميك فــي العاصمــة بغــداد ومــدن عراقيــة أخــرى فــي فتــرات ســابقةالفنان العبدلــي أشــار إلــى إن المعــرض هــدف إلــى تعريــف الجمهــور بالفــن ألجــداري ،موضحــا إن هــذه الجداريــات التي يعرضهــا أالن فــي هــذه الصالــة هــي إعمــال مستنســخة عــن الجداريــات األصليــة المعروضــة فــي أجنحــة المطــار الدولــي فــي العاصمــة العراقيــة بغــداد وفــي شــارع حيفــا ببغــداد أيضــا وفــي لنــدن وهــذه الجداريــات تــم انجازهــا فــي فتــرة الثمانيــات مــن القــرن الماضــي الجداريــات المعروضــة جســدت حميميــة جســور بغــداد والنهــر والــزوارق والنــوارس ووردة شــقائق النعمــان وتــراث بغــداد ومناســباتها وأعيادهــا وشــبابيكها وحمامهــا و عصافيرهــا .وأزقتهــا وشــوراعها.بعاطفة صادقــة وحنيــن صــادق .العبدلــي وضــع المتلقيــن فــي أجــواء بغداديــة وعراقيةومــن لوحاتــه كانــت تنبعــث رائحــة الغــروب علــى دجلــة وصهيــل خيــول العربــات وطيــران النــوارس وهديــل وأبــراج الحمــام فــوق ســطوح البيــوت البغداديــة.
هـــذا هـــو االســـم الـــذي اختـــاره لمعـــرض المقـــام علـــى قاعـــة حـــوار . وض ــع الم ــدن بطريقت ــه الخاص ــة وبرمزي ــة عالي ــة يس ــتطيع المتلق ــي ان يعـــرف ماهيـــة الوحـــة مـــدن مـــن خطـــوط واشـــكال هندســـية ترتبـــت بلوحـــات عـــدة تـــرى فـــي لوحاتـــه جـــدران واس ــقف وحت ــى خط ــوط الكهرب ــاء تتنق ــل بي ــن لوحات ــه كان ــك تس ــافر فـــكل لوحـــة تصـــور لـــك مدينـــة وقـــد اخـــذك كرماشـــة بتكعيباتـــه وخطوطــه مســافرا معــه ودار بــك وينته ــي ب ــك ف ــي مراس ــي الس ــفن بعـــد انهـــى رحلتـــه وضـــع مدنـــه بلوحاتـــه وبحرفيـــة وزع مســـاحاته الونيـــة بحرفيـــة وخب ــرة رائع ــه تج ــد ف ــي لوحات ــه مايس ــرك م ــن تقني ــة ال ــون ،ام ــا العن ــوان ال اع ــرف م ــا ال ــذي اراد بـــه فـــان ســـالته ســـيكون الســـؤال تقليـــدي جـــدا . فتركـــت لمخيلتـــي بعـــد هـــذه الرحلـــة لمدنـــه ان اطلـــق عليهـــا تس ــمية مـــدن منســـية فـــي وطنـــي او علـــى خارطـــة العالـــم احمد عناد
101
رحيل الفنان التشكيلي ماهر حربي املغامرة مع جلجامش نعــت األوســاط الفنيــة فــي مدينــة الموصــل الفنــان التشــكيلي ماهــر حربــي الــذي وافتــه المنيــة عــن عمــر ناهــز الـــ 70عام ـاً ،وبعــد مســيرة حافلــة بالعطــاء الفنــي الــذي تميــز بمــا لــه مــن بصمــات ابداعيــة شــهدتها مســيرته الفنيــة.. الفنــان مــن مواليد الموصــل العام .1945 تخــرج فــي أكاديميــة الفنــون الجميلــة – جامعــة بغــداد العــام ،1969وعمــل فــي ترميــم قصــر ســنحاريب اآلشــوري/ نينــوى ( ،)1969وعمــل مدرســا ً فــي معهــد الفنــون الجميلة/الموصــل (-1980 ،)a2000كمــا تــرأس قســمي الفنــون التشــكيلية والخــط والزخرفــة بمعهــد الفنــون الجميلــة (،)1989-1983 وأصبــح مدرســا ً بدرجــة خبيــر فــي كليــة الفنــون الجميلــة -جامعــة الموصــل ( ،)2003-1997وهــو فنــان محتــرف بجمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن منــذ ،1974وعضــو عامــل فــي نقابــة الفنانيــن العراقييــن ،1974وحائــز علــى وســام الفــن منهــا ،وعضــو (جمعيــة الفنــون البصريــة المعاصــرة) .2004 أســهم بتأســيس (جماعــة نينــوى للفــن الحديــث) فــي الموصــل (،)1970 وحــاز علــى ثــاث جوائــز فــي تصميــم الملصق،كمــا شــارك فــي أكثــر مــن ( )112معرضــا داخــل العــراق وخارجــه ( ،)2009-1966وأســس وأدار(قاعــة الســاعة للفنــون) وهــي أول قاعــة خاصــة بالموصــل ( ،)2000وأســهم بتأســيس (جماعــة نينــوى) العــام ،2002وعمــل علــى تأســيس تقاليــد (أيقونــة عراقيــة معاصــرة) منــذ .1985لــه أعمــال كبيــرة فــي كنائــس وأديــرة ومؤسســات ودور خاصــة فــي محافظــات :نينــوى -بغــداد -دهــوك – اربيــل – صــاح الديــن...
يعــد الفنــان التشــكيلي ماهــر حربــي ممــن عملــوا علــى إحيــاء القديــم ،وربطــه بتيــارات الحداثــة ،وال ســيما األســطورية منهــا .اإلنســان (الرجــل والمــرأة) هــو المحــور والهــدف فــي مجمــل اإلنجــاز الفنــي ألعمــال الفنــان حربــي منــذ انطالقتــه األولــى العــام ،1969أقــام مــا يقــارب الســبعة معــارض شــخصية، ومشــاركات زادت عــن 85مشــاركة. يقــول الفنــان عــن اهتمامــه باألســطورة، وأســطورة جلجامــش بوجــه خــاص: فــي كل منــا جــذوة الفعل الحياتي ،إرادةعميقــة لالمتــداد فــي الزمن بامتــداد الزمن نفســه ،وجلجامــش هو إنســان طموح رأى فــي نفســه مؤه ـاً لالمتــداد عبــر الزمــان ولــو بشــكل غائــم الصــورة ،لقــد دعــاه أســى الفــراق لفــرح العشــق والصداقــة والشــمس وابتســامة الطفــل إلــى البحــث بحميــة عــن التواصــل واالســتمرار ،هــو، إذاً ،تــوق إنســاني طبيعــي للحفــاظ علــى الحيــاة واإلبقــاء عليهــا نابضــة ،ولــو تصورنــا هــذا الجلجامــش األســطوري
102
أديبــا ً أو فنانــا ً لــكان وجــد لمشــكلته الحياتيــة حـاً فــي ممارســة اإلنجــاز الفني واإلبــداع ،وألصبــح أكثــر اســتقراراً وقناعــة بــأن األقــرب فــي الحصــول علــى شــجرة الحيــاة الدائمــة عبــر عصــاه الســحرية هــو الفــن ،لطالمــا ســحرني هــذا المؤلــف (المثيولوجــي فــي شــكله والواقعــي فــي مضمونــه اإلنســاني) إذ أن ملحمــة جلجامــش تلخــص فــي أحداثهــا وشــخوصها النقائــض البشــرية ،وتجمعهــا فــي كائــن بســيط وعميــق فــي إنســانيته الباحثــة عــن الحقيقــة التــي نحياهــا ونعــود الكتشــافها ،كلمــا حيينــا عبــر التاريــخ البشــري ،وعلــى الرغــم مــن المتغيــرات يبقــى هــذا الحــس الوجــودي غيــر قابــل للمســخ أو التشــويه أو اإللغــاء. فــي النهايــة نحن نعيش كأنــاس وكمبدعين آمالنــا الكبيــرة ،وإن توقنــا إلــى مــا هــو أكبــر يقتــرب مــن االســتحالة ،لكننــا نحــب أن نــرى فيــه األمــل الضــروري للعيــش، للوجــود ،للحيــاة المبتلــة بالمعانــي، الغنيــة بالرضــى والقبــول ،كمــا بالرفــض الواعــي والتخلــي. وهــو يجــد فــي األســطورة رحابــة وكثافــة وســمواً ،فاألحــداث والشــخصيات واألفــكار حبلــى دائمـا ً بقــدرة الرمــز علــى اإليصــال الثــري ،وتداعيــات تســتند إلــى عطــاء راســخ محمــل بعوالــم الســرعة والغمــوض ،والقــدرة علــى الــوالدات الجديــدة والتحليــق ،وفــي األســطورة قــدرة علــى االمتــداد بــكل االتجاهــات كم ـا ً ونوع ـاً ،إنهــا عظمــة غيــر عاديــة، فالبنــاء الميثولوجــي أشــبه بآلــة موســيقية رحبــة فــي اقتدارهــا علــى زلزلــة الكيــان، كوســيلة لهــا حدودهــا فــي التعبيــر الــدارج ،كالجــدول أمــام مــوج البحــر . وقــد اتخــذ فــي عملــه هــذا اســلوبا متميــزا يلتقــي فــي بعــض مؤشــراته مــع المدرســة الســريالية التــي ظهــرت فــي اوربــا خــال ســنوات العشــرينات مــن القــرن الماضــي لمعاصر.
املعرض املشرتك للفنانني قاسم محزة وحممود العجمي
الفن العراقي واألملاني يف قاعة حوار للفنون ببغداد افتتــح فــي قاعــة حــوار للفنــون فــي بغــداد ،معــرض حمــل عنــوان( يــوم فــي ألمانيــا ..يــوم فــي بغــداد) برعايــة معهــد غوتــه وطلبــة قســم الفنــون التشــكيلية فــي كليــة الفنــون الجميلــة. الــذي ضــم 24لوحــة صوريــة مطبوعــة علــى مــادة األلمنيــوم ،أعدهــا مصــورون ألمــان مــن جمعيــة المصوريــن ،و تــم تحويلهــا إلــى لوحــات تناولــت الواقــع األلمانــي بعيــون فنانيــن عراقييــن ،ضمــن ورشــة عمــل مميــزه نظمهــا معهــد غوتــة فــي بغــداد وهــي تهــدف إلــى تطويــر إمكانيــات الشــباب واندماجهــم بخبــرات عالميــة. شــارك فــي حفــل افتتــاح المعــرض كل مــن الســيدة هيــا عــن معهــد غوتــه التــي أشــادت بتجربــة الشــباب فــي هــذا المعــرض إضافــة إلــى رئيــس جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن الفنــان قاســم ســبتي وأعضــاء الهيئــة اإلداريــة للجمعيــة ،ومثــل كليــة الفنــون الجميلــة األســاتذة ،د .بالســم محمــد ود .محمــد الكنانــي رئيــس قســم الفنــون التشــكيلية فــي كليــة الفنــون الجميلــة ومجموعــة مــن الفنانيــن الشــباب المشــاركين ،وجمهــور مــن محبــي الفنــون.
فــي قاعــة مركــز الفنــون فــي مبنــى وزارة الثقافــة والســياحة واآلثــار ،أقيــم المعــرض الخزفــي المشــترك للفنانيــن قاســم حمــزة ومحمــود عجمــي بعنــوان (حكايــا الطيــن والنــار /الماعــون )) بحضــور الوكيــل األقــدم لــوزارة الثقافــة جابــر الجابــري ومديــر عــام دائــرة الفنــون التشــكيلية شــفيق مهــدي ورئيــس جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين قاســم ســبتي وعــدد مــن الفنانيــن والتشــكيليين العراقييــن .. ضــم المعــرض المشــترك ( )100عمـاً تــراوح بيــن الخــزف والســيراميك تحــدث عنهــا الفنــان قاســم حمــزة بالقــول « :إنّ هــذا المعــرض الــذي حــوي هــذه األعمــال الخزفيــة ،كانــت الفكــرة األساســية أن يكــون معرضــا ً شــخصيا ً لــكل م ّنــا أنــا وزميلــي الفنــان والنحــات الدكتــور محمــود عجمــي إال أنّ الصدفــة شــاءت بعــد أن وجدنــا التقــارب فــي هــذه األعمــال والجامــع هــو (الماعــون) ممــا ح ّفزنــا علــى إقامــة معرضــا ً واحــداً مشــتركا ً يجمــع أعمالنــا مــن الخــزف والســيراميك يســتلهم المــوروث الحضــاري والشــعبي والخــط العربــي
103
وكان(الماعــون) كمــا قلــت هــو الدافــع». وعــن تســمية المعــرض بـ(حكايــا الطيــن والنــار) ذكــر الفنانــان قاســم حمــزة والدكتــور محمــود عجمــي إنهــا جــاءت كمقتــرح تقــدم بــه الدكتــور محمــود عجمــي ولقــي أالستحســان بــأن يكــون العنــوان هــو عنــوان كتــاب أصدرتــه دائــرة الفنــون التشــكيلية للدكتــور (جــواد الزيــدي) عنوانــه (حكايــا الطيــن والنــار). وأضــاف الدكتــور محمــود عجمــي: «إنّ األرضيــة تســاوت بينــه وبيــن أعمــال قاســم حمــزة والتــي أخــذت شــكل الماعــون خزفــا ً وســيراميك ورؤيــة الخــزاف والنحــات لهــذه الفكــرة ّإل إنّ الــذي أختلــف هــو األثيمــة ،فقــد ق ّدمــت أعمــال بثيمــة (المــرأة والثــور) كداللــة عــن منطلــق الحيــاة ،كمــا وأننــي أعجبــت بفكــرة قاســم حمــزة بجعــل (الماعــون) معلقــة جداريــه فنيــة ،بعــد أن كانــت تعــرض مثــل هكــذا أعمــال بمســاند ومصاطب.
معارض عراقية يف اخلارج الفنان ستار كاووش :اخلروح على تقليدية العرض أقيــم علــى غاليــري « دي الفــاي « فــي مدينـــة دراختـــن ،شـــمال هولنـــدا (يـــوم 15آذار ) 2015المعـــرض الشـــخصي الجدي ــد للفن ــان العراق ــي س ــتار كاووش، وضـــ ّم خمســـين عمـــاً جديـــداً مـــن أعمالـــه .ومـــا يلفـــت النظـــر فـــي هـــذا المع ــرض أن ــه ل ــم يك ــن مقص ــوراً عل ــى اللوحـــات التـــي رســـمها الفنـــان فـــي
المــدة األخيــرة ،بــل ض ـ ّم ،الــى جانبهــا، أعم ــاالً عرض ــت ف ــي فض ــاء القاع ــة، مثـــل الطـــاوالت والكراســـي التـــي صممه ــا الفن ــان بنفس ــه ونفذه ــا بطريق ــة تتـــاءم ومـــا ألعمالـــه مـــن عوالـــم وتقنيـــات ،بحيـــث تبـــدو الشـــخصيات المرســـومة وهـــي تخـــرج مـــن هـــذه الطـــاوالت لتحـــاور الموجوديـــن فـــي قاعـــة العـــرض. كذلـــك هنـــاك أعمـــال أخـــرى أخـــذت اشــكاالً غيــر تقليديــة ،كأن تكــون اللوحــة علــى شــكل دائــرة ،أو بشــكل بيضــوي،
ومنه ــا م ــا تمت ــد في ــه الخط ــوط وتتقاط ــع لتنســـجم والشـــخصيات المرســـومة مـــع الش ــكل الخارج ــي البيض ــوي أو الدائ ــري للوح ــة .كذل ــك هن ــاك اثن ــا عش ــر عمــاً صغيـــراً (30ســـم × 24ســـم) ُعلّقـــت علـــى جـــدار خـــاص ،بعضهـــا بشـــكل عم ــودي وبعضه ــا بش ــكل أفق ــي مش ــكلة عمــاً واح ــداً .كم ــا ت ــم ع ــرض عملي ــن عل ــى أرضي ــة القاع ــة عل ــى ش ــكل دفاتــر أو أوكرديــون ،األول أمتــداده ســـتة أمتـــار ،والثانـــي متريـــن ونصـــف المتـــر. حـــاول الفنـــان فـــي معرضـــه هـــذا المـــزج بيـــن أجـــواء بغـــداد، حيـــث تكونـــت شـــخصيته الفنيـــة، والمناخــات األوروبيــة حيــث يعيــش اليــوم ويرســم اآلن ،ممســكا ً باحــدى يديـــه عوالـــم ألـــف ليليـــة وليلـــة، وباليـــد األخـــرى «اآلرت ديكـــو» والف ــن األوروب ــي ف ــي محاول ــة من ــه اليجـــاد معـــادل جمالـــي لرؤيتـــه الفنيـــة وهـــو يعيـــش بيـــن ثقافتيـــن. فـــي أعمالـــه التـــي ضمهـــا هـــذا المعـــرض نـــرى بوضـــوح شـــخصية الفنــان التــي تشــبه شــجرة جميلــة ملونــة، جذورهــا فــي بغــداد وأوراقهــا الخضــراء المثمـــرة فـــي هولنـــدا .إنـــه مزيـــج مـــن الشـــرق والغـــرب برؤيـــة معاصـــرة مفتوحـــة علـــى تناغمـــات ونوافـــذ تطـــل علـــى عالـــم جميـــل وبســـيط وخـــال ٍ مـــن التعقيـــدات ..نستشـــف هـــذا مـــن عناويـــن اللوحـــات التـــي جـــاءت مثلهـــا مث ــل قصائ ــد محب ــة ورس ــائل طمأنين ــة.. فه ــي لوح ــات تحم ــل عناوي ــن مث ــل :لغ ــة األصاب ــع ،ض ــوء القم ــر ،س ــر القن ــاع ، 104
أنظــر لــي وحــدي ،القفــاز األزرق ،الليلــة الزرق ــاء ،الناف ــذة ،قبل ــة الم ــاك ،وداع الصي ــف ...وغيره ــا الكثي ــر ال ــذي يش ــير الـــى رومانســـية طبعـــت أعمـــال هـــذا الفن ــان ..ه ــذه الرومانس ــية الت ــي مزجه ــا مـــع تقنيتـــه فـــي الرســـم وهـــو يضـــع طبقـــات اللـــون واحـــدة فـــوق األخـــرى ليتوصـــل الـــى الشـــفافية والتاغـــم بيـــن األش ــكال والخط ــوط ،ويحق ــق التواص ــل بيـــن إيمـــاءات األصابـــع ونظـــرات العيـــون ،محـــاوالً تثبيـــت خطواتـــه ومكانتـــه الفنيـــة وهـــو يخطـــو كل يـــوم خطـــوة جديـــدة وجـــادة فـــي هـــذا البلـــد المعـــروف بتاريخـــة الفنـــي العريـــق. مـــن خـــال هـــذا المعـــرض يحتفـــي غاليـــري ومؤسســـة دي الفـــاي بمـــرور خم ــس عش ــرة س ــنة عل ــى وج ــود الفن ــان كاووش فـــي هولنـــدا ،حيـــث يعيـــش ويمـــارس عملـــه فـــي الرســـم .وقـــد صاحـــب المعـــرض احتفـــال بكتـــاب «نس ــاء الترك ــواز» ال ــذي ص ــدر ح ــول أعمـــال الفنـــان باللغتيـــن االنجليزيـــة والهولنديـــة وكتبـــت مقدمتـــه الدكتـــورة شـــارلوتا هاوخنـــس التـــي تعمـــل فـــي متحـــف باناروم ــا مس ــداخ ومؤسس ــة موندري ــان، تحدثـــت فيهـــا عـــن تقنيـــات كاووش وعوالمـــه وألوانـــه ونســـائه الحالمـــات وطبيعـــة تأثيـــره وتأثـــره فـــي األجـــواء الهولنديـــة .وأثنـــاء األفتتـــاح ســـيهديها كاووش النســـخة األولـــى مـــن الكتـــاب حســـب التقاليـــد الهولنديـــة .يحتـــوي الكتـــاب علـــى 160عمـــاً مـــن أعمـــال الفنـــان ..وهـــو الكتـــاب الخامـــس الـــذي صـــدر عـــن الفنـــان.
معرض الفنان مجيل محودي وال فنانة عشتار محودي
معرض التشكيليني العراقيني الرواد على قاعة منتدى جامعة البرتاء
بحضــور بهــي لنخبــة مــن اســاتذة الجامعــات االردنيــة والمهتميــن مــن متذوقــي الفــن التشــكيلي العراقــي االصيــل وطلبــة الجامعــات االردنيــة وممثلــي اجهــزة الصحافــة واالعــام، افتتــح رئيــس جامعــة البتــرا الدكتــور مــروان المــوال ،فعاليــات «احتفاليــة الغيــاب ـ الحضــور» ومعــرض التشــكيلين العراقييــن الــرواد االوائــل الــذي نظمــه نــادي أعضــاء هيئــة التدريــس فــي الجامعــة بالتعــاون مــع «قاعــة اثرللفنــون» للفنانيــن الــرواد العراقييــن الراحليــن :عبــد القــادر الرســام ،فائــق حســن ،شــاكر حســن آل ســعيد ،خالــد الجــادر ،حافــظ الدروبــي ،عطــا صبــري ،نــوري
الــراوي ،اســماعيل فتــاح ،ليـــــزا فتــاح .وقــد عــ ّد رئيــس الجامعــة اقامــة هــذا المعــرض مبــادرة متميــزة جمعــت أعمــاالً نــادرة لعــدد مــن الفنانيــن التشــكيلين العراقييــن الــرواد الــى جامعــة البتــرا وقاعــة وكاليــري منتداهــا الثقافــي واالجتماعــي ليكــون مكانــا للبحــث والدراســة والتامــل واالطــاع لطلبــة كليــة العمــارة والفنــون فــي األردن. وقــد اثــار المعــرض اهتمــام الكثيــر مــن الدارســين والباحثيــن لمــا احتــواه مــن اعمــال بيــن الواقعيــة واالعمــال الحداثويــة للجيــل الرائــد الــذي اعقــب جيــل الــرواد الواقعييــن
105
أقيــم علــى قاعــة « توفيــق الســيد» بمقــر رابطــة الفنانيــن التشــكيليين األردنييــن معــرض جمــع بيــن أعمــال الفنــان العراقــي الراحــل جميــل حمــودي وابنتــه الفنــاة عشــتار حمــودي. المعــرض الــذي احتــوى علــى 45لوحــة فنيــة للفنــان ،و ( ) 15لوحــة للفنانــة، حضــره ثلــة مــن الفنانيــن والمهتميــن بالفــن والنقــاد. وقــال رئيــس رابطــة الفنانيــن التشــكيليين األردنييــن د .غــازي انعيــم « إن رابطــة الفنانيــن التشــكيليين األردنييــن ســعيدة باســتضافتها ألعمــال الفنــان الراحــل جميــل حمــودي وابنتــه الفنانــة عشــتار، وهــي فرصــة مهمــة تتيحهــا الرابطــة لعشــاق الفــن األصيــل مــن طــاب وفنانيــن ونقــاد ومتذوقيــن ليطلعــوا علــى نمــاذج مــن تجربــة الفنانــة عشــتار والفنان الكبيــر جميــل حمــودي الــذي اعتمــد علــى اتجاهــات متنوعــة فــي مســيرته التشــكيلية مــن تعبيريــة وتجريديــة عكســت الجانــب االنســاني والطبيعــة والتــراث وجماليــة الحــرف العربــي ،نفــذت بتقنيــات متنوعــة مثــل :قلــم الحبــر األســود ،والزيتــي، والمائــي ،والباســتيل ،والغــواش».
ذكرى األوىل لرحيل الفنان رافع الناصري : مجاليات احلرف والتكوينات التجريدية
نظــم المتحــف الوطنــي االردنــي للفنــون الجميلــة ،احتفاليــة اســتذكارية احتفــاءا بالمســيرة االبداعيــة للفنــان التشــكيلي العراقــي رافــع الناصــري بالتزامــن مــع الذكــرى الســنوية االولــى لرحيلــه ،وأقــام الراحــل الناصــري فــي ســنوات عمــره األخيــره فــي العاصمــة ا ال ردنيــة عمــان، وكان المتحــف الوطنــي االردنــي للفنــون الجميلــة قــد نظــم العــام الماضــي معرضــا اســتعاديا ً للناصــري قبــل وفاتــه بأســابيع. وتضمــن الحفــل الخــاص الــذي اقامــه المتحــف الوطنــي االردنــي للفنــون الجميلــة ،بحضــور نخبــة مــن الفنانيــن والنقــاد العراقيينمــن طلبــة واصدقــاء ومحبــي الراحل،عــرض فيلــم قصيــر عــن الفنــان ،وهــو يعمــل علــى كتابــه الفنــي الــذي اســتوحى رســوماته مــن قصيــدة «كزهــر اللــوز» للشــاعر الراحــل محمــود درويــش... كمــا قدمــت الباحثــة االلمانيــة ســونيا مجشــر اتاســي اســتاذة االدب، والمتخصصــة بالدراســات المقارنــة فــي األدب والفــن ،فــي الجامعــة االمريكيــة في بيــروت ،محاضــرة عــن تجربــة الفنــان الراحــل الغنيــة والمتنوعــة فــي تقنياتهــا واشــكالها فــي رســم الدفاتــر الفنيــة ،حيــث تحدثــت عــن األثــر الــذي تركــه الناصــري فــي المشــهد التشــكيلي العراقــي والعربــي، والخصائــص الفنيــة واالبداعيــة ألســلوبه فــي التشــكيل، ووقعــت زوجتــه الشــاعرة الناقــدة واالديبــة مــي مظفــر عــددا مــن كتبهــا األدبيــة والنقديــة علــى هامــش االحتفــال. يع ـ ّد الناصــري واحــداً مــن أهــم الفنانيــن العراقييــن المعاصريــن .ولــد العــام 1940ودرس فــي معهــد الفنــون الجميلــة فــي بغــداد ( .)1959 - 1956وفــي األكاديميــة المركزيــة فــي بكيــن ،الصيــن
( 1959ـ )1963وتخصــص فــي الغرافيــك /الحفــر علــى الخشــب .وفــي العــام 1963أقــام أول معــرض ألعمالــه فــي هونــغ كونغ .وبعــد عودته إلــى بغداد، درّ س فــي معهــد الفنــون الجميلــة وكان ف ّنــه فــي هــذه الفتــرة واقعيـاً ،تشــخيصياً.. ســافر إلــى البرتغــال العــام 1967ودرس الحفــر علــى النحــاس فــي غرافــورا لشــبونة .وفــي هــذه الفتــرة اكتشــف جماليــات الحــرف العربــي وأدخلهــا فــي تكوينــات تجريديــة ،كمــا اكتشــف األكرليــك واســتعمله بــدالً عــن األلــوان الزيتيــة. أســس العــام 1974فــرع الغرافيــك فــي معهــد الفنــون الجميلــة فــي بغــداد ،الــذي تفــرغ فيــه لعملــه الفنــي بعــد أن أنشــأ المحتــرف ،وتــرك بغــداد العــام ،1991 ودرّ س فــي جامعــة اليرمــوك األردنيــة. كمــا أســهم العــام 1993بتأســيس محتــرف الغرافيــك فــي دارة الفنــون فــي عمّــان ،وأشــرف عليــه عــدة ســنوات. علــى صعيــد آخــر ،جــرى االعــان عــن نتائــج جائــزة رافــع الناصــري الســنوية للحفــر والطباعــة فــي 31كانــون األول/ ديســمبر 2014إذ بلــغ عــدد المتقدميــن للجائــزة ثمانيــة عشــر فنانــا وفنانــة مــن العــراق واألردن ومصــر وســورية والســعودية وتونــس .وعرضــت األعمــال علــى لجنــة التحكيــم المؤلفــة مــن : ضيــاء العــزاوي ،رســام وح ّفــار مظهــر أحمــد ،رســام وح ّفــار ،مديــر مركــز الحفــر والطباعــة فــي فالــون ،الســويد. خالــد وهــل ،رســام وحفــار متخصــص بالشــؤون الطباعيــة .اعتمــدت اللجنــة فــي اختياراتهــا علــى توفــر شــروط أساســية فــي األعمــال الفائــزة مثــل المســتوى الفنــي المرمــوق والقــدرة اإلبداعيــة إلــى جانــب الرؤيــة الفنيــة الخاصــة بالفنانــة 106
أو الفنــان .وعلــى هــذا األســاس تتشــرف لجنــة التحكيــم أن تعلــن اختيارهــا منــح جائــزة رافــع الناصــري للحفــر والطباعــة ،2014وقدرهــا ألــف دوالر إلــى الفنــان كامــل عبــد هللا الحائــز الجائــزة األولــى، كامــل عبــد هللا مــن مواليــد صفاقــص، ،1975طالــب دكتــوراه المرحلــة الثالثــة ومســاعد التعليــم العالــي بالمعهــد العالــي بصفاقــص ،تونــس .تميــزت أعمالــه بوحــدة موضوعهــا ،والبراعــة فــي اســتخدام تقنيــات الحفــر علــى المعــدن، مســتلهما تكويناتــه المتنوعــة مــن حكايــات دونكيشــوت مســقطا دالالتهــا علــى الحاضــر ،فــي الوقــت الــذي تميــزت تكويناتــه بالجمــع مــا بيــن المتخيــل وعالقتــه بالفضــاء المحيــط بــه ،معالجــة تكشــف عــن رؤيتــه الشــخصية. ورأت لجنــة التحكيــم ،لــدى فحــص األعمــال ،أن تســتحدث جائــزة ثانيــة وقدرهــا 500دوالر ومنحهــا إلــى الفنانــة رشــا محمــد صالــح الحائــزة الجائــزة الثانيــة .رشــا محمــد صالــح مــن مواليــد
شــملت حتــى مخيمــات الالجئين الحاليــة .قدمــت مجموعــة أعمــال محفــورة علــى المعــدن اتســمت بالدقــة والبراعــة فــي معالجــة موضوعــات محورهــا المــرأة ،كمــا بينــت فــي شــهادتها الشــخصية المرفقــة باألعمــال، أنهــا فــي الوقــت الــذي انبهــرت فيــه بتطويــر وتحديــث مدينــة أربيــل عمرانيــا ،فإنهــا وجــدت أن التحديــث بقــي بــدون تطويــر المجتمــع ،خاصــة المــرأة التــي ظلــت خــارج إطــار التطــور.
زاخــو ،كردســتان العــراق) .1983رشــا طاقــة غيــر مألوفــة ،تعلمــت الفــن مــن خــال ممارســاتها الشــخصية، وقــد كرســت جهودهــا لفــن الحفــر الــذي تتعلمــه فــي المعاهــد الفنيــة .وتعمــل فــي محتــرف يتــردد إليــه طلبــة الفنــون للتعــرف علــى فــن الحفــر ،كمــا أنهــا نشــيطة جــداً فــي نشــر هــذا الفــن بيــن األطفــال فــي المــدارس ومــن خــال الــدورات أيضــا التــي
الفن��ان وس��ام زك��و يف أول مع��رض يف
مغرتب��ه ق��راءة فني��ة لرموز حض��ارة العراق أقــام الفنــان العراقي وســام زكــو معرضا ً ألعمالــه التــي أنجزهــا فــي مغتربــه فــي واشــنطن ـ الواليــات المتحــدة ..وضــم 17عمــاً (اكليريــك علــى كانفــاس). موضــع المعــرض ـ كمــا يقــول ـ كان فــي ذاكرتــه منــذ ان قــرأ عــن هــذه التماثيل الســومرية التــي اســتهواه موضوعهــا لمــا يحتويــه مــن اشــارات ورمــوز ودالالت حيــث مكانــة هــذه التماثيــل فــي منظومــة الفكــر االجتماعــي فــي ذلــك الزمــن الســحيق». وفــي ضــوء ذلــك قــام الفنــان بتأســيس واخــراج مكونــات العمــل ضمــن االطــار المحــدد لهــا ومــا تضمنتــه مــن اشــارات واشــكال وجــد أن هنــاك ضــرورة لـ»ادخالهــا علــى اللوحةوذلــك التمــام المشــهد الدرامــي فــي تجســيد الفكــرة وايصالهــا للمتلقــي. ويجــد الفنــان أن رمــوز حضــارة وادي الرافديــن زاخــرة بالمعانــي ،وهــي جــزء
مــن رمــوز هــذه الحضــارة «فقــد اخــذت اشــكاالً وهيــآت علــى مراحل متعــددة من تاريــخ الفكــر الفلســفي ،وكانــت تتغيــر بحســب الزمــن ومــدى تأثيــر البيئــة علــى حيــاة االنســان ».وفــي هــذا فهــو يعــ ّد التمثــال ،رمــزاً وشــكالً ومنظومــة ،وفــي الوقــت نفســه نجــده متعــدد االشــكال، ولــكل شــكل معنــى يخصــة مــن حيــث التأثيــر ،فهــو مح َّمــل باشــارات روحيــة تنبــع مــن مفهــوم المجتمــع.
107
لقــد لعبــت االلــوان عنــده دوراً فعــاالً وجماليــا ً مــن حيــث تداخلهــا مــع االشــكال واالبنيــة والخــط المســماري والرمــوز المختلفــة والمخاريــط التزينيــة للقصــور واعمدتهــا ،وكذلــك مــن حيــث احاطتهــا بتماثيــل االســس فــي اســفل اللوحــة بوصفهــا االرض التــي تغــرس فيهــا و ُتدفــن .ويؤكــد الفنــان أن الحــارة والبــاردة كان لهــا التعبيــر المؤثــر فــي اخــراج العمــل« .األلــوان فالتعبيريــة فــي اختيــار اللــون وتداخلــه مــع الجــزء الغامــق فــي عمــق الزمــن حيــث تبــرز هــذه المرمــوزات، وقــد ادى وظيفــة جماليــة للمشــهد الدرامــي. امــا االنســان فهــو غيــر مشــخص علــى اللوحــة وانمــا ضمــن النــص، فنجــده بمــا انتجــه مــن فكــر ومــن اثــر لمفهومــه الفلســفي».
خطوات يف املهجر
معرض جديد للفنان كريم رسن أقــام الفنــان المغتــرب كريــم رســن معرض ـا ً جديــداً ألعمالــه علــى «قاعــة ميــم» فــي دبــي بدولــة االمــارات ..وقــد كتــب عــن تجربتــه الفنيــة فــي هــذا المعــرض مــن خــال تجربــة الغربــة التــي يعيشــها ..فقــال: ـ»مــع اســتعداداتي للرحيــل إلــى أرض المهجــر كنــدا فــي العــام ،2008راودتنــي وقتئــذ أســئلة كثيــرة مــا يــزال بعضهــا عالق ـا ً فــي ذهنــي إلــى اآلن .ومــع مــرور الزمــن وحينمــا بــدأت بالشــروع فــي إعــادة تأســيس
مشــروعي الفنــي ،باتــت تلــك األســئلة أكثــر إلحاحــاً .أتوقــف أحيانــا للبحــث عــن أجوبة شــافية عنهــا ،وأحيانــا ً أخــرى أقنــع نفســي بــأن الزمــن هــو الكفيــل باإلجابــة عنهــا .رغــم ذلــك كانــت أكثــر األســئلة إلحاحــا ً هــي اآلتيــة :هــل ســتكون هنــاك تغيــرات بالمعنــى األســلوبي والرؤيــوي علــى أعمالــي الفنيــة كرســام؟ وهــل ســأكون جــزءاً مــن منظومــة ثقافيــة جديــدة أتفاعــل معهــا بــكل معطياتهــا؟ أم أنــي ســأظل محافظــا ً علــى 108
إرثــي الفنــي الــذي تراكــم علــى مــدى ســنين عديــدة ينهــل مــن تــراث فنــي وثقافــي ســابق ومختلــف لــه عالقــة بالمــكان الــذي عشــت فيــه؟ «لــم يكــن التعامــل مــع تلــك األســئلة باألمــر اليســير ،وكذلــك اإلجابــة عنها لم تحســم حتــى بعــد مضــي زمــن قصيــر. لقــد أصبــح األمــر يتعلــق بخــوض تلــك التجربــة اإلنســانية والفنيــة معــاً .وبعــد مــرور زمــن وجــدت أن تلــك األســئلة قــد بــدأت تتــرك أثرهــا الواضــح علــى أعمالــي الفنيــة ،الســيما خــال الســنوات الخمــس المنصرمــة ،إذ ثمــة عوامــل ســاهمت فــي هــذا التأثيــر منهــا :المــكان الجديــد ،والثقافــة الجديــدة ،واللغــة، والتــداول الفنــي. «إن لوحاتــي فــي هــذا المعــرض الــذي ســمّي ُته «خطــوات فــي المهجــر» هــي خالصــة أفــكار فنيــة ظهــرت للوجــود، وتمثلــت علــى ســطوح لوحاتــي بشــكلها الحاضــر ،بفعــل العوامــل المذكــورة. وهــي قــد تأخــذ فــي المســتقبل منهجــا ً آخــر وبأشــكال مختلفــة .إنهــا نتــاج َ لخبرتــي الذاتيــة ورؤيتــي كرســام وهواجــس أســئلتي الذاتيــة ومحاوالتــي
المتعلقــة باإلجابــة عنهــا .هــذه التغيــرات أعلنــت عــن حضورهــا بشــكل تدريجــي مــن خالل اســتخدام مــواد جديــدة وعناصر لــم تكــن متوفــرة فــي الســابق ،مثــل بعــض التشــخيصات التعبيريــة اإلنســانية التــي تتمثــل بتبســيط واختزال شــديدين لألشــكال مــن خــال بعــض المســاحات اللونيــة والخطــوط .كذلــك هنالــك أشــكال أخــرى ذات داللــة تشــير إلــى أماكــن معينــة مــن خــال بعــض الرســومات المبســطة علــى شــكل خرائــط معينــة ،وأخــرى كتابيــة ورقميــة وتواريــخ ورمــوز متعلقــة باللغــة
109
الجديــدة المتداولــة. «مــن خــال هــذه األعمــال ،أحــاول أن أقــدم رؤيــة إنســانية وفنيــة ذاتيــة لتجربتــي الجديــدة فــي المهجــر .ربمــا هــي حكايــات أو نــوع خــاص مــن الذاكــرة المرتبطــة بالزمــان والمــكان الجديــد ،وصعوبــات التأقلــم فيــه إلنســان ورســام قــادم مــن الشــرق األوســط ،وجــد نفســه فــي وســط كــم هائــل مــن التجــارب ،بعضهــا جديــد وآخــر متعــارف عليــه .إنهــا نتــاج رحلــة بــدأت منــذ ســت ســنوات».
عبد الرزاق ياسر ..والرسم امللحمي افتتــح فــي مدينــة صوفيــا فــي بلغاريــا فــي الثالــث والعشــرين مــن شــهر شــباط العــام الحالــي معــرض الفنــان العراقــي المغتــرب
،حيــث جــاءت هــذه األعمــال فــي ســياق المشــروع الشــخصي للفنــان التــي ســبق للفنــان متمث ـاً فــي مــا عقــد عليــه النيّــة ،وأعلــن عــن
2014ليقدمهــا لجمهــور الفــن مــن المغتربيــن العراقييــن ،ومــن البلغــار. وكمــا هــو الفنــان عبــد الــرزاق
عبــد الــرزاق ياســر ،وتضمــن المعــرض احــدى عشــرة لوحــة زيتيــة بقيــاس (3.5م×2م) تتمثــل فيهــا ســيرة األحــداث التــي مــر بهــا العــراق منــذ احتالله العــام 2003
ذلــك فــي معرضــه الســابق الــذي أقيــم فــي «قاعــة مــدارات» ببغــداد العــام 2007برســم أعمــال توثــق أحــداث العــراق مــا بعــد االحتــال، وهــا هــو ينتهــي منهــا فــي العــام
ياســر فــي لوحتــه ذات األســلوب الملحمــي ،والــذي يشــيد بناءهــا علــى الرؤيــة البانوراميــة ،جــاءت أعمــال المعــرض الجديــد وهــي أقــرب الــى األعمــال الجداريــة
110
التــي تحكــي مالحــم شــعوبها منهــا الــى لوحــة تشــكيلية. تمتــاز أعمــال الفنــان هــذه ،وأعمالــه بوجــه عــام، بالقــدرة علــى الســيطرة علــى أنشــاء اللوحــة ،وجمــع عناصرهــا التــي يخضعهــا لتطلعاتــه الفكريــة ،منشــئا ً فيهــا مــا هــو أقــرب الــى الحلــم األســطوري ..وهــو مــا يجعــل منهــا عمــاً يكتــظ بالرمــوز والــدالالت واإليحــاءات الواقعيــة ،الــى جانــب مــا فيــه مــن حيويــة فانتازيــة ،جاعـاً مــن النــص عنصــراً مهما ً فــي العمل، علــى الرغــم مــن اإليهــام الــذي يقدمــه بتشــتت البــؤرة، بمــا تحمــل اللوحــة مــن أثــاث وتشــخيصات ورمــوز، الغايــة منهــا ايصــال الفكــرة المحوريــة باالعتمــاد علــى رؤيــة المتلقــي و تفكيــره .فلــو أخذنــا لوحــة التابــوت، فــان المتوفــي حضــارة العــراق ملفوفـا ً بعلــم العــراق، 111
ومشــدوداً بالحبــال ،وأمــا مودعــوه وحاملــوه فهم رموز التاريــخ والحضــارة العراقيــة فــي مختلــف عصورهــا، والباكــون عليــه أشــخاص الوقــت الحاضــر ،وهــو فــي هــذا انمــا ينقلنــا إلــى رؤيــة ملحميــة فــي تســطير التاريــخ وجــره نحــو الحاضــر ،وفــي الوقــت نفســه يجعــل مــن لوحتــه لوحــة تتســم بديمومــة الحركــة بالنســبة للرائــي ،وكأنهــا فــي حالــة حركــة وعــدم ســكون ،تبعــد ســأم الرؤيــة ألنهــا تتحــرك مــع عيــن الرائــي التــي تتابــع حركــة الشــخوص والزمــن ،وتنقــل الماضــي إلــى الحاضــر مــع المشــهد الحســي المعاصر، فضـاً عــن قــراءة الواقــع برؤيــة جماليــة ،علــى الرغــم مــن المأســاة التــي تطرحهــا أمامنــا ،بمــا فيهــا مــن قــوة الخــط وموســيقية األلــوان وروعــة التصميــم.
وداد االورفه لي بني حمبيها احتفـــل البيـــت الثقافـــي العراقـــي فـــي عمـــان وعلـــى قاعـــة رابطـــة الكتـــاب األردنيي ــن بمناس ــبة عي ــد مي ــاد الرائ ــدة التشـــكيلية العراقيـــة المبدعـــــــة وداد االورفـــه لـــي ،الـــذي اســـتضاف عـــدداً مـــن الفنانيـــن التشـــكيليين العراقييـــن والنقـــاد والمهتميـــن بالفـــن التشـــكيلي حيـــث اســـتضيف الناقـــد والفنـــان مؤيـــد البصـــام ،الـــذي تنـــاول تجربـــة الفنانـــة اإلبداعيـــة ومراحـــل تطورهـــا والســـيرة الثقافيـــة بمـــا قدمتـــه للفـــن والثقافـــة العراقيـــة ،بعـــد أنشـــاء قاعـــة االورفـــه لـــي فـــي العاصمـــة العراقيـــة بغـــداد خ ــارج أط ــار المؤسس ــة الرس ــمية الت ــي كانـــت تهيمـــن علـــى الســـاحة الثقافيـــة وتعتب ــر أول ح ــدث ف ــي تاري ــخ الحرك ــة الفنيـــة والثقافيـــة العراقيـــة ،وأهميـــة
ذلـــك فـــي بنـــاء العالقـــة بيـــن الفنـــان والجمهـــور بـــدون الخضـــوع للروتيـــن الرس ــمي وأعقبت ــه ف ــي الحدي ــث الفنان ــة وداد االورف ــه ل ــي لتش ــير إل ــى محط ــات غي ــر معروف ــة م ــن تجربته ــا ف ــي أقام ــة قاع ــة االورف ــه ل ــي ف ــي بغ ــداد ،وكي ــف ســـرقت ونهبـــت علـــى أثـــر احتـــال الع ــراق ،وم ــا قدم ــه ه ــذا الص ــرح م ــن خدمــات للثقافــة والفــن ،كمــا واســتضاف البيـــت الثقافـــي النحاتـــان ليـــث فتـــاح التـــ ــرك ،وهيث ــم حس ــن والفن ــان مطي ــع ألجميل ــي ،والفن ــان هان ــي دل ــه للحدي ــث ع ــن تجاربه ــم الفني ــة ،وغص ــت القاع ــة بحضـــور متميـــز للفنانيـــن العراقييـــن واألردنييــــــــن ،وحضـــــــور جمهـــرة مـــن الفنانيـــن والمعمارييـــن والنقـــاد .والمهتميـــن بالفـــن
112
تشـــكيلية حديثـــة علـــى الرغـــم مـــن اس ــتمرارها ف ــي نف ــس النه ــج عب ــر اســـتمرار مرجعياتـــه الفكريـــة، وشــمل أيضــا علــى 15لوحــة نفذهــا الفن ــان هان ــي دل ــه بم ــادة االكريلي ــك وعلـــى القمـــاش والـــورق وبإبعـــاد مختلفـــة ،وبأســـلوب يختلـــف عـــن ســـابق أعمالـــه التـــي عـــرف بهـــا، وه ــو القاس ــم المش ــترك ال ــذي جم ــع المعــرض ،فــكان معــرض المفاجئــة باإلعمـــال النحتيـــة واللوحـــات.
الفنان اياد حامد
و اطراف اخليال يف قاعة الق
منحوتات هيثم حسن ولوحات هاني دله يف قاعة االورفه لي
تحـــت عنـــوان ( أطـــراف الخيـــال ) قـــدم النحـــات إيـــاد حامـــد ،معرضـــه فــــــي قاعــــــة ألــــــق ،وهــــــو مــــــن النحاتيـــ ــن الشـــ ــباب .لـــ ــه العديـــ ــد مـــ ــن المشـــ ــاركات الفنيـــ ــة داخـــ ــل العـــ ــراق وخارجـــ ــه ..وقـــ ــد حصـــــل بمشـــــاركته فـــــي مهرجـــان النحـــــت العراقـــــي المعاصـــــر عـــــام 2000فـــ ــي قاعـــ ــة حـــ ــوار علـــ ــى الجائـــــزة الثانيـــــة .وكتـــــب د .علـــي جبـــــر فـــــي كتيـــــب المعـــــرض « ، أن المتابـــــع إلعمـــــال النحـــــات أيـــاد حامــــد يشــخص وبســهولة مــن خـــال الشـــكل اإلنســـاني تلـــك الصراعـــات واالنفعـــــاالت ســـــواء كانـــــت مـــع الـــــذات أو مـــع البيئـــــة المحيطـــــة .ويذكر ان النحات ايـــاد حامـــد قـــد توفـــي بعـــد اقامتـــه لمعرض ــه بفت ــرة وجي ــزة مخلفــا ً اث ــراً كبيـــراً فـــي نفـــوس اصدقائـــه ومحبيـــه وقـــد كان فـــي مرحلتـــه االولـــى لدراس ــة الدكت ــوراه بع ــد حصول ــه عل ــى الماجســـتير
افتتـــح المعـــرض الفنـــي المشـــترك باســـم (برونـــز ...ورق ) لهيثـــم حســـن وهانـــي دلـــه، بالعاصمـــة األردنيـــة عمـــان فـــي قاع ــة االورف ــه ل ــي وس ــط حض ــور كثي ــف م ــن المهتمي ــن م ــن الفناني ــن والمثقفيـــن واإلعالمييـــن يوم االثنين 17اب 2015/ وضـــم المعـــرض المشـــترك علـــى 25عمـــا نحتيـــا نفذهـــا النحـــات هيثـــم حســـن بمـــادة البرونـــز مـــع معالجـــة بإضافـــة أجـــزاء مطليـــة بمع ــادن أخ ــرى بلغ ــت ارتفاعه ــا م ــا يق ــارب ال 100س ــنتمتر ،وع ــرض فيهـــا آخـــر تجاربـــه النحتيـــة، وأفـــكاره بتقنيـــة جديـــدة ،وممـــا يذك ــر ف ــان الفن ــان هيث ــم حس ــن دأب بيـــن فتـــرة وأخـــرى علـــى تقديـــم أعمالـــه باســـلوب جديـــد وبنائيـــة 113
فاروق يوسف يتحدث عن واقع الفن التشكيلي العربي الراهن وافاق املستقبل
تزامنــا ً مــع فعاليــات ســمبوزيوم بنــك القاهــرة عمــان الدولــي للفنــون التشــكيلية الــدورة األولــى .2015 أقيمــت نــدوة تحــدث فيهــا الناقــد العراقــي المغتــرب والمقيــم فــي الســويد فــاروق يوســف عــن واقــع الفــن التشــكيلي العربــي الراهــن وأفــاق المســتقبل ،أدارهــا الفنــان التشــكيلي األردنــي محمــد الجالــوس مســاء األربعــاء الماضــي 19اب 2015 وتحــدث الناقــد فــاروق يوســف فــي األمســية عــن األصالــة والمعاصــرة فــي الفــن العربــي منتقــدا النقــاد العــرب المنظريــن الذيــن لــم ينتجــوا علــى مــدى الســبعين عامــا الماضيــة رســوما لهــا عالقــة بفــن الرســم كعلــم وثقافــة ومعرفــة ،و غاليــا مــا تحدثــوا بمصطلحــات ليــس لهــا عالقــة بفــن الرســم و إن الغــرب لــم يصدرهــا إلينــا كمــا نعتقــد بــل هــي مــن تأويالتنــا
وصياغتنــا ومنهــا مثــا الذائقــة البصريــة ،الحساســية الجماليــة، الروحانيــة فــي اللوحــة.. وأضــاف الناقــد :مــاذا ابقــى بيكاســو لآلخريــن لقــد افــرغ اللوحــة مــن كل شــي وكذلــك الرســام األميركــي ســي تومبلــي مــاذا نفعــل بعــده ؟ ، مردفــا إن الغــرب لــم يكــن رحيمــا بأبنائــه فالرســم فــي العالــم كلــه فــي حالــة يــأس لقــد تــم رســم كل شــي بــل الالشــي أيضــا ،وانــه ال يوجــد فــن غربــي بــل يوجــد فــن عالمــي فقــط وهــو أخــر مــا توصــل إليــه العقــل، .. الرســم ثقافــة ونحــن ال نملــك الثقافــة وال العلــم ،ودور الرســام واضــح هــو الرســم وان يكــون رســاما يتقــن
114
الرســم كمــا الطبيــب فــا يعقــل إن يكــون هنالــك طبيــب غيــر جيــد. وتوقــع إننــا لــو أتلفنــا 90بالمائــة مــن الفــن العربــي ال يتأثــر فالحمولــة زائــدة، وبيــن الناقــد فــاروق يوســف أن الغــرب كــرس حالــة الثبــات لدينــا كهــدف لغــرض إيقــاف حراكنــا الفنــي والثقافــي عنــد اســتعادة تراثنــا كفلكلــور ،ونحــن طبقنــا ذلــك وبحجــة األصالــة أنتجنــا رســومات رديئــة لفلكلورنــا حتــى الفــن التجريــدي ألبســناه روح تراثيــة وناقــش عــدد مــن الفنانيــن والحضور األطــرو حــات التــي وردت فــي حديــث الناقــد بمداخــات أغنــت األمســية.
عامر العبيدي واالجساد املعذبة ...
اقيــم علــى قاعــة viaductواليــة أيــوا األمريكيــة ،وســط مدينــة بيــرث الواليــات المتحــدة وهــي قاعــة مهمــة ،مــن مؤسســة تعنــى بالفــن المســرحي والعــروض الموســيقية وفــن الباليــة والمعــارض الفنيــة ،وقــدم فــي معرضــه الفنــان التشــكيلي العراقــي المغتــرب عامــر ألعبيــدي 0 2عمــا فنيــا عــن عذابــات الهجــرة واألجســاد المعذبــة، وعشــرة لوحــات صغيــرة ( األجســاد وكراســي ) مــع تمثاليــن بعنــوان األجســاد المعذبــة وهــي اإلعمــال التــي أنجزهــا الفنــان الكبيــر لألعــوام
رحيل الفنانة التشكيلية القديرة ( عبلة العزاوي )
رحلت الفنانة التشكيلية القديرة (( عبلــة العــزاوي )) يــوم 6كانــون الثانــي 2016عــن عمــر ناهــز 81 ســنه .بعــد ان قدمــت فــي مشــوارها، مــا يخلــد ذكراهــا .مــن أعمــال فنيــة ،وقــد ولــدت الفنانــة عبلــة العــزاوي فــي بغــداد عــام ،1935 حيــث درســت الفــن فــي معهــد الفنون الجميلــة ـ بغــداد ـ فــرع الخــزف ثــم
2015 - 2014 - 2013
115
تابعــت دراســتها الفنيــة فــي المعهــد الوطنــي للفنــون الجمليــة والتطبيقيــة فــي ( بــورج ـ فرنســا) .واسســت قاعــة خاصــة بهــا للفنــون التشــكيلية منــذ عــام .1968و أقامــت ســتة معــارض شــخصية فــي بغــداد وشــاركت فــي العديــد مــن المعــارض الفنيــة داخــل العــراق وخارجــه .واشــتركت فــي المعــارض المتخصصــة بالخــزف فــي (لندن و دمشــق و كاراكاس و فينا )... أنجــزت الكثيــر مــن االعمــال الفنيــة أبرزهــا :جداريــة المصــرف العقــاري (بغــداد المــدورة بقطر 40م) .شــاركت بتمثيــل الخزافيــن العراقييــن فــي معــرض دمشــق والفنانــات العراقيــات فــي فينــا. وهــي عضــو جمعيــــــــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن .وعضــو نقابــة الفنانيــن العراقييــن.
جتارب جديدة من فنون النحت العراقي العاصر
حروف مخـبوئة اقــام الفنــان ( قاســم الســبتي ) رئيــس جمعيــة الفنانيــن التشــكيليين العراقييــن ،معرضــه الشــخصي - حــروف مخبوئــة -علــى غاليــري االورفلــي فــي العاصمــة االردنيــة عمــان يــوم االثنيــن الموافــق/21 ، 2015 /12وســط حضــور كثيــف مــن الفنانيــن العراقييــن المتواجديــن فــي الســاحة االردنيــة، والفنانيــن العــرب ،ومتذوقــي الفن. اشــتمل المعــرض علــى تجربــة الفنــان الســبتي التــي خلــد فيهــا الدمــار الــذي اصــاب العــراق فــي الحــرب التــي شــنت عليــه مــن قبــل جيــوش ثلثــي الكــرة االرضيــة، المتحــدة الواليــات بقيــادة االمريكيــة ،وقــد ركــز فــي معاناتــه علــى الحــرف والكلمــة والكتــاب، ومــا اصــاب الفكــر والمعرفــة مــن دمــار ،أذ اخــذ الكتــب المدمــرة والمحروقة ،واشــتغل علــى االغلفة المدمــرة والمحروقــة ،والتــي اصابهــا التلــف ،بطريقــة الكــوالج، بعــد االحتــال االمريكــي للعــراق حيــث دمــرت واحرقــت المكتبــات ..ودور العلــم والمعرفــة
أقيــم علــى قاعــة األنــدى معــرض تجــارب مــن النحــت العراقــي المعاصــر وضــم 30عمــا نحتيــا اغلبهــا مــن مــادة البرونــز وبمعــدل 3إعمــال لــكل مــن الفنانيــن التشــكيلين والنحاتيــن العراقييــن إيــاد حامــد وناطــق االلوســي وهيثــم حســن وليــث عبــد وعلــوان العلــوان ونجــم القيســي وعلــي نــوري وليــث عبــد الــرزاق ورضــا فرحــان وعــادل رشــيد وعقيــل خريــف ،تحــت عنــوان تحيــة للنحــات الراحــل أيــاد حامــد بحضــور عــدد مــن الفنانيــن التشــكيلين العراقييــن والعــرب والمهتميــن بالفــن التشــكيلي.
الفنان التشكيلي العراقي وضاح مهدي يفوز جبائزة عبد اهلل القصييب جبدة
فــاز الفنــان التشــكيلي العراقــي وضــاح مهــدي بالمرتبــة األولــى فــي مســابقة عبــدهللا القصبــي للفنــون التشــكيلية التــي ينظمهــا المركــز الســعودي بجــدة ،بمشــاركة أكثــر مــن 80مشــاركا مــن الفنانيــن العــرب وجــاء ثاني ـا ً الســعودي عبدالرحمــن المغربــي ،وثالثــا نبيــل نجــدي، وكالي محمــد رابعــا والمرتبــة الخامســة الفنانــة مهديــة آل طالــب، وتبلــغ قيمــة الجائــزة الماديــة 100 الــف لاير عمان -ضياء الراوي
116
شنيار عبد اهلل واخلزف العراقي نظـــم البيـــت الثقافـــي العراقـــي فـــي عمـــان أمســـيته األولـــى لع ــام 2016عل ــى قاع ــة رابط ــة الكت ــاب األردنيي ــن ي ــوم االربع ــاء
13كانـــون ثانـــي واستضــــــــــاف الفنـــان التشــــــــكيليوالخــــزاف العراقــي المغتــرب شــنيار عبــد هللا وبمشــاركة الفنان والدكتـــور فاخـــر محمـــد بـــإدارة الفنـــان التشـــكيلي ضيـــــــــاء الـــــــــراوي وحضـــــ ــور الهيئـــــــ ــة اإلداريـــة و نخبـــة مـــن الفنانيــن و المتــــــــــابعين والمتذوقيـــن واإلعالمييـــن العـــرب والعراقييـــن وقـــدم الفنـــان شـــنيار عبـــد هللا رؤيتـــه عـــن الخـــزف العراقـــي ونطـــوره ،مـــع عـــرض صـــوري منـــذ فجـــر التاريـــخ مـــرورا بـــكل العصـــور حتـــي الزمـــن الحاضـــر واســـتعرض
الباحـــث تجربتـــه الشـــخصية وتقنيات ــه ومنج ــزه وس ــيرته بع ــد إن ع ــرض مقدم ــة ع ــن تأس ــيس تدري ــس فن ــون الفخ ــار المعاص ــر فـــي العـــراق وابـــرز أســـاتذته ورواده ومبدعيـــه وعقـــب الدكتـــور فاخرمحمـــد باســـهاب عـــن فلســـفة الجمـــال والمعالجـــــــات الموضــــــوعية والفكريـــة فـــي تجربـــة الفنـــان الضيــف وتجــارب مبدعــي فنانــي الخـــزف العراقـــي واختتمـــت األمســـية بمعزوفـــات شـــرقية علـــى العـــود قدمهـــا الفنـــان العراقـــي المغتـــرب المبـــدع عمـــار الكيالنـــي.
البصرة تاريخ عريق و مستقبل جمهول
عبد االمري املالكي يف عمان أفتتــح فــي قاعــة زيــن للفنــون فــي مبنــى مجلــس رجــال اإلعمــال العراقــي فــي الصويفيــة -عمــان -المملكــة األردنيــة ،معــرض الفنــان عبــد االميــر المالكــي ،وضــم العديــد مــن اللوحــات بحجــوم مختلفــة ،غلــب عليهــا اللوحــات الجداريــة ،نفذهــا باســلوبه الــذي عرض
فــي كل معارضــه الســابقة ،الواقعيــة التعبيريــة ،وجعــل مــن اللوحــة موضوعـــــــا بانوراميـــــا وجداريــة تضــم الكثيــر مــن المواضيــع فــي آن واحــد .مجســــدا التــراث الشــعبي وحضــوره المـــــــادي والمعنــوي. وهــذا هــو المعـــــــرض الخامــس عشــر للفنــان 117
محاضــرة الحســان فتحــي فــي اورفــه لــي عمــان قــدم الباحــث والمهنــدس العراقــي المغتــــــرب إحســــــــان فتحــي محاضــــرة بعنــــــوان (البصــرة تاريخ عريق ومســتقبل مجهــول) تحــدث فيهــا عمــا كانــت ،ومــا آلــة لــه هــذه المدينــة العريقــة ،معــززة بعــرض صــوري رائــع ،علــى حدائــق مركــز وكاليــري االورفــه لــي للفنــون بحضــور حشــد مــن جمهــور المهتميــن من المهندســين و االكاديميـــــــن و التشكيليـــــــن والمســــــرحيين واإلعالمييـــــــن العراقييــن والعــرب واســتمرت المحاضــرة قرابــة الســاعتين تــم فــي ختامهــا مناقشــة بعــض مداخــات الحضــور.
متاثيل تضئ العتمة من البصرة اىل اجلزائر أقـــام الرســـام والنحـــات العراقـــي خال ــد المب ــارك المع ــرض الش ــخصي الخامـــس عشـــر ألعمالـــه فـــي الرس ــم والنح ــت ،وق ــد ضــ ّم خمس ــة وأربعيـــن عمـــاً وضعهـــا تحـــت عنـــوان شـــامل «تماثيلـــي ُتضـــيء العتمـــة» ..جاعـــاً مـــن البصـــرة منطلق ــه ال ــى الناصري ــة .وبدي ــل أن يأخـــذ رحلتـــه ،كمـــا كان مخططـــا ً ل ــه ،ال ــى ميس ــان فبغ ــداد توج ــه ب ــه الـــى الجزائـــر العاصمـــة لينـــدرج ضم ــن فعالي ــات المهرج ــان العرب ــي ـ الهنـــدي الثانـــي الـــذي جـــرى افتتاحـــه فـــي العشـــرين مـــن شـــهر تش ــرين الثان ــي .وق ــد أوض ــح الفن ــان «أن عنـــوان المعـــرض ال يخـــص التماثيـــل فـــي اطارهـــا التقليـــدي بحصرهـــا فـــي الحجـــر أو الرخـــام،
وإنم ــا جعل ــت التماثي ــل ف ــي تكوين ــات اللوح ــة ،ووظف ـ ُ ـت لذل ــك الل ــون ،كتل ــة وأشـــكاالً ومتغيـــرات ،لذلـــك» .امـــا الثيم ــة األس ــاس الت ــي ترتك ــز عليه ــا أعمـــال المعـــرض فهـــي «الكشـــف عـــن عوالـــم المـــدن ونقـــل حكايـــات أزقتهـــا» ،مشـــيراً الـــى أن أعمالـــه فــي معرضــه هــذا «متداخلــة األزمنــة واألمكن ــة ،وليس ــت محص ــورة بزم ــن مح ــدد أو م ــكان بعين ــه» ،وإنم ــا ه ــي «حصيلــة نحــو أربعــة عقــود (تفصــل بيــن معرضــه األول وهــذا المعــرض) مـــن البحـــث والتقصـــي فـــي مجـــال األس ــطورة والحكاي ــة الش ــعبية» الت ــي هــي ،فــي مجملهــا« ،حكايــة محورهــا االنس ــان المتع ــب ،المضط ــرب حي ــاة ووجـــوداً ،الحزيـــن حالـــة انســـانية»، متح ــركا ً ف ــي م ــا ينح ــت ويرس ــم ف ــي أف ــق ه ــو ـ عل ــى ح ــد تعبي ــره «أف ــق األمـــل الـــذي نفتقـــد» ..ومـــا يهمـــه مـــن هـــذا هـــو أن يجعـــل «دالالت اللوح ــة قريب ــة م ــن نف ــس المتلق ــي».. وقـــد أراد مـــن معرضـــه هـــذا أن يكـــون «رســـالة انســـانية وفنيـــة فـــي آن واحـــد» .ويُنبّـــه الـــى أن العنـــوان الجامـــع ألعمـــال المعـــرض يحمـــل «تعبيـــراً صريحـــا ً عـــن القصديـــة التـــي أتوخاهـــا ،فنانـــاً ،مـــن مـــن خـــال عملـــي الفنـــي» ،مؤكـــداً أن علـــى الفنـــان أن يكـــون صاحـــب موقـــف ،ويُصـــدر فـــي عملـــه الفنـــي عـــن هـــذا الموقـــف. 118
تراتيل الطني يف قاعة زين
تحــت عنــوان ( تراتيــل الطيــن ) افتتــح المعــرض الشــخصي12 للفنــان التشــكيلي مطيــع ألجميلــي الــذي شــهدته قاعــة زيــن للفنــون فــي مبنــى مجلــس رجــال اإلعمــال العراقــي فــي الصويفيــة -عمــان المملكــة األردنيــة األربعــاء 19اب ، 2015و عرضــت فــي القاعــة التي غصــت بالجمهــور العربــي والعراقي مــن فنانيــن ومهتميــن بالفــن ،ووســائل اإلعــام .وعددهــا 28عمــا نفــذت جميعهــا بألــوان االكريليــك علــى الكانفــاس بمختلــف القياســات والحجــوم الكبيــرة والمتوســطة ،بنــى الفنــان جماليــة اللوحــة عبــر اإلنشــاء والبنــاء اللونــي بالخطــوط والتكوينات الحروفيــة أحيانــا واللونيــة المجــردة بحرفــة تقنيــة عاليــة ،وبهندســة دقيقــة ومقصــودة مــع أوجــه مــن العفويــة وعبثيــة أحيانــا أخــرى .
الصمت االمحر افتتح المعرض الشخصي للفنــــان التشـكيلـــي بالسم محمــد بتاريخ 2015/11/18 علــى قاعــة االورفه لــي للفنــــــون فــــي العاصمــــة االردنيــــة -عمــــان وكت ــب الفن ــان محم ــد العام ــري ف ــي جري ــدة الدس ــتور االردنيـــــ ــة الفنـــان العراقـــي بالســـم محمـــد تجربتـــه الجديـــدة فـــي غاليـــري
انوار املاشطة حتوالتي يف قاعة الق
أقامـــت الفنانـــة التشـــكيلية العراقيـــة أنـوار الماشـطة فـي قاعـة الـق للفنـون والعمـــــارة ببغـــــداد معرضـــــا شــــــــــخصيا حمـــــــــل عنـــــــوان (تحوالتـــــي )،ضـــــم 25لوحـــــة مختلفـــــة اإلحجـــــام ،وقالـــــت عـــــن أعمالهـــا ( تناولـــت لوحاتـــي أثيمـــة جســـد المـــرأة والتفاحـــة والكرســـي والشـــــجرة ،ورســـــالتي فيهـــــا كانـــــت واضحـــة وهـــي أن المـــرأة مـــــا تعنيـــــه مـــــن ظلـــــم وطغيـــــان
األورفـــه لـــي والتـــي اشـــتملت علـــى مجموعـــة مـــن االختبـــارات البصريـــة حـــول موضـــوع الجســـد، والت ــي تنح ــى منح ــى الموارب ــة ف ــي التعبي ــر ع ــن ايقاع ــات الجس ــد ال ــذي شـــكل أشـــكالية كبيـــرة فـــي تنـــاول الفـــن العربـــي. جـــاء الفنـــان بالســـم ليجـــد حلـــوال جماليـــة مناســـبة لتمريـــر ذلـــك التاب ــو عب ــر الم ــزج بي ــن التخطي ــط والتلويـــن ،يتنـــاول بشـــكل اســـاس
مجموعـــة مـــن العناصـــر منهـــا المـــكان الجامـــع الحـــداث اللوحـــة إل ــى جان ــب اإلنس ــان ال ــذي يتح ــرك بتجـــرد عبـــر لغـــة جســـدية إقـــرب إل ــى التخطيطـــات األولي ــة محمول ــة بمجموع ــة م ــن المس ــاخات اللوني ــة التـــي تحقـــق تعبيريـــة التخطيـــط . فاالنســـان لديـــه شـــاهد علـــى مجموعـــة مـــن الخرائـــب ،حتـــى أننـــا نحـــس أن االمكنـــة التـــي يرس ــمها بالس ــم أق ــرب إل ــى االمكن ــة المهجـــورة. تلـــك االمكنـــة التـــي تبـــدو أقـــرب إلـــى الفعـــل التراجيـــدي الحزيـــن، بـــل بـــدت األمكنـــة أكثـــر محـــوا ومواربـــة ،تبـــدي رائحتهـــا وال تتمظهـــر ببشـــكل صريـــح ،لكننـــا نشـــهد الحضـــور االهـــم للجســـد اإلنســـاني المنفـــرد والجمعـــي.
وقســـــوة المجتمـــــع هـــي إنســـانة شـــــجاعة مثمـــــرة لديهـــــا أمـــــل نحـــــو مســـــتقبل مشرق.أســـــلوبي الـــــذي اعتمدتـــــه فـــــي لوحاتـــــي كان هـــــو التعبيريـــــة التجريديـــــة لكـــــي تكـــــون أكثـــــر دقـــــة وتعبيـــــرا للمتلقـــــي ،فمنـــذ ســـنة 2014وانـــــأ ارســـــم للمعـــــرض واآلن 2015،وخــــال هاتيــــن الســنتين تحولـت المـرأة مـن العتمـة إلـــى النـــور مـــــن األلـــــم إلـــــى الفـــرح إلـــى روح متفائلـــة نحـــو مســـــتقبل أفضـــــل وأوضحـــــت: هـــــذا المعـــــرض يمثـــــل لـــــي
الكثيـــــر ألننـــــي تعلمـــــت مـــــن خــال اللوحـــــات التـــــي رســـــمتها كيـــــف ادرس الكتـــــل اللونيـــــة وتجاورهـــــا والخـــــط ألكـون لوحـة تكـــون محـــط االنظـــار
119
اياد الزبيدي يعيدنـــا الفنـــان إيـــاد الزبيـــدي فـــي معرضـــه األخيـــر الـــذي اقيـــم فـــي قاعـــة حـــوار فـــي بغـــداد عـــام ،2015إلـــى المربـــع األول لتقييـــم أعمالــه مــن جديــد ،أنــه يعيــد تجديــد البنـــاء العـــام للوحتـــه مـــع أبقـــاء روحيتهـــا التـــي قدمهـــا عبـــر عـــدة مع ــارض س ــابقة ،وه ــذا م ــا يجع ــل أعمالـــه فـــي كل معـــرض تتطلـــب تقييمـــا جديـــدا ،ألنهـــا تمنحنـــا بعـــداً جديـــداً فـــي اإلظهـــار ،وفـــي هـــذا المعـــرض ،تبـــدو اللوحـــة حـــرة فـــي وجودهـــا ،األلـــوان والخطـــوط والتكويـــن العـــام ،ال تحديـــد مـــن مســـاراتها ضمـــن أعمالـــه الســـابقة، الت ــي كان ــت الكتل ــة تأخ ــذ المس ــاحة األكب ــر ،م ــع تاطيره ــا بالزخ ــارف، وتشـــكل الزخرفـــة البنـــاء العـــام إلنشـــاء اللوحـــة ،أنمـــا فـــي هـــذه اإلعمـــال منحنـــا بعـــدا جماليـــا فـــي تشـــكيلة الكتلـــة ،بمـــا تحملـــه مـــن ديناميكي ــة ف ــي توازنه ــا م ــع الفض ــاء ،الـــذي احتـــل مســـاحة كبيـــرة فـــي لوحتـــه ،مخلفـــا النمـــط الـــذي كنـــا ن ــراه ف ــي لوحات ــه الت ــي تؤك ــد عل ــى الزخرفـــة كقيمـــة جماليـــة مؤسســـة إلبعـــاد اللوحـــة كموضـــوع ضمـــن وجودهـــا داخـــل الكتلـــة وعلـــى
مســـاحتها ،مـــع اكتضـــاض فـــي التش ــكيل بي ــن الخلفي ــة والتش ــخيص، ولكنـــه فـــي معرضـــه هـــذا يســـتمر ف ــي تاكي ــده باس ــتلهام ،ليالي ــه اإلل ــف مـــن مـــوروث الـــف ليلـــة وليلـــة، وتأخـــذ اللوحـــة تنفســـها بالفضـــاء الـــذي ال يجـــاري الكتلـــة وانمـــا يتفـــوق عليهـــا فـــي الكثيـــر مـــن أعمالـــه المعروضـــة ،وتتصـــدر المـــرأة (عشـــتار) العديـــد مـــن االعم ــال ان ل ــم يك ــن اغلبه ــا ،وه ــو نف ــس النه ــج ال ــذي ق ــدم ب ــه اعمال ــه الس ــابقة كن ــص ال ــذي يبقيه ــا س ــيدة اللوح ــات ،ف ــي الواق ــع والحل ــم ،أنه ــا التجربـــة الجديـــدة بروحيـــة أعمالـــه الس ــابقة ،بالوانه ــا المس ــتوحات م ــن الطبيعـــة العراقيـــة ،وقدرتـــه علـــى ســـحب الماضـــي بتراثـــه وتاريخـــه باســـلوب حداثـــوي .وعمليـــة االبهـــار فـــي ديناميكيـــة االنشـــاء، لجعـــل المـــوروث باســـتخدام الزخرف ــة والمنمنم ــات ج ــزء مكم ــل للتشـــخيص ،وليـــس التشـــخيص مكمـــل لبنـــاء اللوحـــة الزخرفيـــة.،
120
موسيقى اللون يف قاعة بابل افتتــــح د .شــــفيق المهـــدي مديـــر دائـــرة الفنــون التشــكيلية المعــرض الشـــخصي الثالــــث عشـــر للفنـــان التشــكيلي كامــل حســين بعنــــوان موسـيقى اللون على قاعــــة مؤسسـة برج بابل بحضـــور جمهـــور كبيــر مـــن الفنانيـــن ،واشــــاد د .شـــفيق المهــــدي باعمـال الفنـان ومواكبتـه للحركـة الفنيـة ثـم تحـدث النقــــاد قاســــم العــــزاوي قائالً تعتبر تجربة الفنـان كامـل حسـين مـن التجـارب اللونيـة المهمـة فـي الحركة التشـكيلية العراقيـة النهـا تطـورت علـى مـدى السـنين الماضيـة فـي مـا قدمـه مـن عـروض وبعدها تحدث الناقد مؤيــــد البصــــام عـن تجربتـه الجديـدة فـي هـذا المعـرض والتـي يشـكل اللـون اساسـها والمنطلـق الـذي اشـتغل عليه
كتب يف الفن
من ألشفاهي إىل التدوين م ــادام التميي ــز بي ــن مفه ــوم التق ــدم /التط ــور ،م ــن ناحي ــة، والتدهـــور /االرتـــداد ،مـــن ناحيـــة ثانيـــة ،خـــال األلـــف وخمس ــمائة ع ــام الماضي ــة ،ش ــاخصة ف ــي الذاك ــرة ،لكنه ــا ل ــم تق ــدر عل ــى مح ــو عم ــل الموروث ــات األق ــدم ،خاص ــة ف ــي بيئ ــات مكث ــت خاضع ــة لالقتص ــاد الب ــري ـ البدائ ــي ـ رغ ــم نش ــوء م ــدن عربي ــة كب ــرى ،مث ــل :مك ــة ،دمش ــق، الكوف ــة ،البص ــرة ،بغ ــداد ،القاه ــرة ..ال ــخ ،ف ــان عوام ــل االنتقـــال مـــن الصـــوت إلـــى الصـــورة ،ومـــن ألشـــفاهي إلــى الكتابــة ،هــي األخــرى ،لــم تؤثــر كثيــراً فــي إرســاء قواني ــن التق ــدم /التط ــور ،إزاء حق ــب ال ــدوران والتراج ــع، وكأن حقائ ــق التراك ــم ـ ومجم ــوع الخب ــرات والث ــروات ـ قب ــض ري ــح! وبإمــكان المتلقــي ،المتابــع ،اليــوم ،أن يعيــد قــراءة حقيقــة أن العـــرب ،قبـــل اإلســـام ،دونـــوا /نســـجوا ،المعلقـــات الشــعرية بالذهــب ،بوصفهــا أقــدم عالمــة عــززت مكانتهــا بماضيهـــا ،وعملـــت علـــى تت ــرك المس ــتقبل مفتوحـــا ً ،... ألن االنتق ــال م ــن اإلش ــارة إل ــى النق ــش ،وم ــن الص ــوت إلـــى الحـــرف ،لـــه داللـــة العبـــور مـــن حقبـــة الرعـــي/ الفضـــاء المفتـــوح ،إلـــى المدينـــة ،االســـتقرار ،ومـــن التشـــتت إلـــى المركـــز /التحضـــر ـ والحضـــارة .ولكـــن ـ بعـــد قـــرون ـ وخـــال العقـــود األخيـــرة ،فـــان ظاهـــرة (الصـــوت /والشـــفاهي /حـــد الخطابـــات التحريضيـــة) فـــي الشـــوارع ،وعبـــر مواقـــع التواصـــل االجتماعـــي، والفضائي ــات األخ ــذة بالزي ــادة بحس ــب خارط ــة الفوض ــى، والعشـــوائيات ..الـــخ ،أعادتنـــا إلـــى عصـــر مـــا قبـــل المعلق ــات ،حي ــث الن ــص الم ــدوّ ن ،المع ــد للق ــراءة ،ب ــات خ ــارج مجال ــه ف ــي عملي ــات البن ــاء ،إن كان تقدميــا ً ،أو مطالب ـا ً بالع ــودة إل ــى األص ــول :أي إل ــى م ــا قب ــل عص ــر الكتابـــة /وبواكيـــر المعرفـــة. ولعـــل الصدمـــات مازالـــت تشـــتغل بقـــوة (الخلـــع) و (الهـــدم) و (التقويـــض) وكأن التقـــدم /التطـــور ،يتقاطـــع مـــع (الهويـــة) االيكولوجيـــة /المعرفيـــة ،حيـــث تؤكـــد بعـــض اإلحصائيـــات ،أن أمـــة (اقـــرأ) تراجعـــت ،ليـــس قياســـا ً باألمـــم المعاصـــرة ،ومـــا لديهـــا مـــن فتوحـــات
علمي ــة ،ومنج ــزات معرفي ــة كب ــرى ،ب ــل بماضيه ــا نفس ــه، فـــي وادي النيـــل أو فـــي وادي الرافديـــن ،وقبعـــت فـــي القـــاع. وال غرابـــة أن هنـــاك مـــن يـــرى فـــي هـــذا التراجـــع/ واالرتـــداد ،نصـــراً مـــؤزراً فـــي التخريـــب ،الهـــدم، والعـــودة إلـــى البريـــة ،والـــى محـــو كل اثـــر مـــن آثـــار الخب ــرة ،العم ــل ،والمعرف ــة ،أي إلـــى :الصفـــر ،تقدمــا ً ، ولكـــن إلـــى أيـــن...؟ وألن النخــب المعنيــة بالكتابــة ـ القــراءة والتدويــن والمعرفة ـ هـــي األخـــرى ،تراجعـــت عـــن أداء دورهـــا المشـــهود له ــا ف ــي أربعيني ــات الق ــرن الماض ــي وخمس ــينياته انته ــاء ً بالســـتينيات ،ليـــس برغبتهـــا ،بعـــد أن أصبـــح وجودهـــا (الجســدي/اليومي) مهــدداً ،بــل ألن التقــدم فــي مجتمعاتهــا أصبـــح يمثـــل خطـــراً ،ممـــا ســـمح لعصـــر (الفوضـــى/ وخل ــط المفاهي ــم) أن يصدمن ــا بـــ (معلقات ــه) الس ــوداء ،ب ــل وان يتوغـــل فـــي التفكيـــك ،والتقســـيم ،واســـتبدال حقـــوق اإلنســـان ،بالنهـــب ،االغتصـــاب ،االغتيـــال ،التهجيـــر، وتهدي ــد الحي ــاة ذاته ــا بالع ــودة إل ــى عدمه ــا. إنهــا معضلــة مصائــر ،...تــزداد تعقيــداً ،بغيــاب (العقــل) وتــزداد اســتخفافا ً حتــى بقوانيــن النبــات ،الحيــوان ،بمنــح الـــا شـــرعية أولويـــات تدفـــع بالمعرفـــة ـ بـــكل أشـــكالها ـ إلـــى خـــارج التاريـــخ .فهـــل المنجـــزات التـــي حققهـــا أســـاتذة الماضـــي ،وعلمـــاؤه ،والمعلقـــات التـــي دونـــت بالذه ــب واح ــدة م ــن اب ــرز عالمات ــه ،س ــيذهب م ــع دخ ــان الحرائ ــق ،وغباره ــا ،...أم أن الظلم ــات ،مهم ــا تراكم ــت، ف ــا من ــاص م ــن إنه ــا ال تق ــدر عل ــى س ــلب نظ ــام الب ــذرة م ــن لغ ــز انبعاثه ــا...؟ فــي عــام ،2015وفــي بغــداد ،أن تصــدر ســتة كتــب ،فــي الحق ــل الفن ــي ،أرى إنه ــا تس ــتحق الق ــراءة ،أو باألح ــرى: لف ــت االنتب ــاه إل ــى م ــا فيه ــا م ــن إص ــرار عل ــى مقاوم ــة الغي ــاب ،واالرت ــداد ،والتش ــبث بحي ــاة تنتم ــي إل ــى األلفي ــة الثالث ــة ،ولي ــس إل ــى عص ــر األص ــوات ،وال ــى م ــا قب ــل التاري ــخ.
121
1ـ يا باسل احلزن ـ الفنّان جواد سليم كما رآه الشاعر عبد األمري احلصريي البصام. تأليف :مؤيد داود ّ
تجتمـــع فـــي هـــذا الكتـــاب [يـــا باســـل الحـــزن] لمؤيـــد البصـــام ،عناصـــر متعــدد تجعــل منــه وثيقــة مــن الصعــب أن يعيــد نســجها ،وكتابتهــا ،ســوى مؤيــد البص ــام نفس ــه .إنه ــا ليس ــت بديه ــة ،ب ــل ألن االعت ــراف ـ م ــع النف ــس وضده ــا ـ ب ــات غائبــا ً ،م ــن ناحي ــة ،وألن التق ــدم يتطل ــب حف ــراً ف ــي مخفي ــات التاري ــخ قب ــل أن يت ــوارى ،ويغي ــب ،م ــن ناحي ــة ثانيـــة .فالشـــجاعة ـ هنـــا ـ تتجـــاوز المغامــرة ،ألنهــا تقــف ضــد الالمبــاالة، والخمـــول ،والســـكينة ،خاصـــة عندمـــا تتعلــق الكلمــات بالمصائــر ،واالتجاهات والتيـــارات التـــي مازالـــت تمتلـــك أطيافه ــا وأش ــباحها ،ف ــي واقعن ــا الي ــوم. فالكت ــاب يرجعن ــا إل ــى س ــتينيات الق ــرن الماض ــي ،مس ــلطا ً الض ــوء عل ــى ع ــدد مـــن عالماتـــه ،التـــي شـــارفت علـــى
االندثـــار ،والـــزوال .فالكاتـــب يـــدوّ ن ـ وال يحك ــي ـ كي ــف كت ــب الش ــاعر عب ــد األميـــر قصيدتـــه ،احتفـــاء ً باســـتذكار بجـــواد ســـليم ،وأســـباب إقامـــة المهرجـــان ،فـــي الوقـــت نفســـه يســـلط الضـــوء علـــى موهبـــة شـــعرية كبيـــرة مكثـــت بعيـــدة عـــن ذاكـــرة الوســـط الثقافـــي ـ بـــل واالجتماعـــي أيضـــا ً . فالكاتـــب لـــم يهمـــل نظـــام الســـيرة، االعتـــراف ،الشـــهادة ،الوثيقـــة ،وقـــد رصده ــا م ــن الداخ ــل ،بوصف ــه ش ــاهداً عليهـــا ،فضــاً عـــن مشـــاركته فيهـــا، وف ــي أحداثه ــا ،ب ــأدوات فن ــان ،ق ــاص، ناقـــد ،عـــاش حقبـــة تميـــزت بالتمـــرد، الصخ ــب ،والم ــرارات أيضــا ً .واليك ــم بعضــا ً مم ــا كتب ــه ،ف ــي ه ــذا الكت ــاب إلـــى جانـــب شـــهادات أخـــرى: فـــي العقـــد الســـتيني مـــن القـــرن الماضـــي ،اندلعـــت حركـــة ثوريـــة ف ــي مختل ــف إنح ــاء العال ــم ،صاحب ــت التطـــورات الهائلـــة فـــي العلـــوم المعرفيـــة والتكنولوجيـــا وتقنيـــات االتص ــاالت والمواص ــات ،وق ــد ش ــكل جزؤه ــا األكب ــر الطلب ــة وفئ ــة المثقفي ــن والشـــباب ،وكان الفضـــاء الثقافـــي العراق ــي ،واح ــداً م ــن ه ــذه الفض ــاءات الـــذي تحـــرك بفـــورة ثقافيـــة جـــاءت مخ ــاض م ــن كب ــت الحري ــات ،وف ــرض ال ــرأي الواح ــد ،ول ــو بأش ــكال وصي ــغ مختلف ــة ،فت ــارة نح ــو اليمي ــن ،وت ــارة نحـــو اليســـار .وفـــي هـــذه االنتفاضـــة التقــت االتجاهــات السياســية والمعرفيــة علـــى رأي واحـــد ،وهـــو ال بـــد مـــن التغييـــر ،وإيجـــاد البديـــل الحضـــاري لالرتقـــاء باإلنســـان والوطـــن .وفـــي وســـط هـــذا االهتمـــام كانـــت تلتئـــم حـــركات فنيـــة وأدبيـــة وسياســـية 122
أنتجـــت أفـــكاراً تجريبيـــة وإبداعـــات عظيمـــة ،مـــا زالـــت ثمارهـــا تؤطـــر المشــهد الثقافــي العراقــي حتــى اليــوم .
(ص ــدر الكت ــاب ع ــن دار دجل ــة ـ ناش ــرون وموزع ــون ـ عم ــان .)2016
تناصات املرئي د .جواد الزيدي
يختـــار د .جـــواد الزيـــدي المرئـــي (الصــور /األشــكال /العالمــات /الرمــوز ..ال ــخ) ثيم ــة لمفه ــوم التن ــاص (ممي ــزاً االختـــاف بيـــن التنـــاص واإلغـــارة، بي ــن االس ــتعارة والس ــطو ،بي ــن الس ــرقة الخالق ــة واالنتح ــال الس ــلبي...الخ) ف ــي التشـــكيل العربـــي الحديـــث ،...منهجـــا ً لـــه فـــي كتابـــه [تناصـــات النـــص]. إن عمليـــة (التأثـــر والتأثيـــر) ،وإلقـــاء الظـــال مـــن العمليـــات المهمـــة فـــي الحق ــول المعرفي ــة بش ــكل ع ــام والفن ــون
علــى وجــه الخصــوص ،إذ ال يمكــن: نش ــوء ش ــيء م ــن ف ــراغ م ــا ل ــم يك ــن هنـــاك إطـــار معرفـــي ومرجعـــي يغلف ــه ويحتوي ــه .وي ــرى :إن كل اث ــر جديـــد قائـــم علـــى مبـــدأ التناصيـــة، حيـــث تتداخـــل النصـــوص عبـــر التاريـــخ الشـــخصي ،أو المرشـــح م ــن الالوع ــي الجمع ــي لتنت ــج نصــا ً جدي ــداً ،وه ــذا م ــا يفس ــر لن ــا التماث ــل الكبيـــر فـــي حكايـــات الشـــعوب علـــى الرغـــم مـــن اختـــاف البنيـــة الزمكانيـــة.. فالنظــم المعرفيــة الحديثــة قــد اقترنــت بأخـــرى ســـبقتها ،فهـــي تظهـــر بأشـــكال وأنمـــاط مختلفـــة لكنهـــا تأسســـت علـــى مبـــدأ الخالصـــات المترشـــحة منهـــا ،ولهـــذا يعـــود الفك ــر والف ــن إل ــى المه ــادات األول ــى يســـتلهم منهـــا توابـــع جديـــدة... ليذك ــر :فف ــي الف ــن تت ــم الع ــودة إل ــى فنـــون الكهـــوف أو إلـــى التـــراث المكس ــيكي والت ــراث الفن ــي األفريق ــي استشـــهاداً بنكـــوص الفـــن األوربـــي الحديـــث إلـــى هـــذه المرجعيـــات الهامـــة ،فضـــاً عـــن االنفتـــاح عل ــى الم ــوروث الجمال ــي والفك ــري العربـــي اإلســـامي والتعاطـــي معـــه بجديــة الغنــاء الشــكل الفنــي الحديــث وتحديــداً فــي حقــل الرســم...؛ حيــث امتلـــك «الشـــرق اإلســـامي» نقـــاء الل ــون والفك ــرة المطلق ــة الت ــي كان ــت تنعـــت فلســـفته بهـــا ،فضـــاً عـــن كوني ــة الرمزي ــة والخي ــال الش ــاعري الـــذي ينســـجم مـــع أطروحـــات الواقعيـــة الســـحرية التـــي ســـادت كمنه ــج لبل ــورة الخط ــاب ف ــي الثقاف ــة األوربيـــة. فيلقــي الضــوء علــى مفاهيــم التنــاص ـ المرجعيـــات والمعنـــى ،ثـــم تنـــاص الخف ــاء والتجل ــي ف ــي الرس ــم العرب ــي الحدي ــث ،..واث ــر المتخي ــل الس ــحري فـــي الرســـم الواقعـــي العربـــي،..
وتمثـــات النظـــم الزخرفيـــة، والحروفي ــة ،وتن ــاص الرس ــم العرب ــي وجوهـــر العمـــارة اإلســـامية... والباحــث ـ هنــا ـ يضــع المتلقــي أمــام حقيقـــة إن تجربـــة الفنـــان العربـــي الحديثـــة وليـــدة تأثيـــرات أوربيـــة، متنوعـــة ،ومختلفـــة ،األمـــر الـــذي حتــم عودتــه إلــى ارثــه اإلســامي،... فظهـــر النســـق ألحروفـــي كأحـــد التي ــارات البصري ــة ،باإلضاف ــة إل ــى المورثـــات واثـــر البيئـــة والثقافـــة... الـــخ ،ليؤشـــر اثـــر الثـــورة التقنيـــة وحـــدوث االنزيـــاح الهائـــل علـــى الصعيــد الفكــري واألخالقــي ،بهجــرة الفنـــان العربـــي إلـــى األصقـــاع البـــاردة ،حيـــث حدثـــت تحـــوالت نح ــو التجري ــد الخال ــص ال ــذي هج ــره الفنـــان األوربـــي منـــذ قـــرن مـــن الزمـــن ،أو التمثـــل بتيـــارات مـــا بع ــد الحداث ــة بع ــد الض ــخ اإلعالم ــي للثقاف ــة الس ــائدة ،...منبهــا ً إل ــى دور وس ــائل االتص ــال الحديث ــة والس ــريعة التـــي كانـــت عامـــاً مهمـــا ً فـــي التعـــرف علـــى أدق التفاصيـــل فـــي حيـــاة األخـــر الثقافيـــة وســـهولة الوصـــول إلـــى المعلومـــة الجديـــدة. كل هـــذه األســـباب مجتمعـــة دعـــت الفنانيـــن الشـــباب للتنـــاص المباشـــر م ــع تل ــك التج ــارب دون الع ــودة إل ــى مراجعته ــا أو مراجع ــة تراثي ــة ،ف ــي ضـــوء حلقـــات االندمـــاج والتالحـــم بيـــن الثقافـــات ،لهـــذا لـــم يظهـــر تي ــار فن ــي مرئ ــي يس ــتند إل ــى تراث ــه الفكـــري والجمالـــي ،أو فـــي األقـــل مـــا يصبـــح امتـــداداً حقيقيـــا ً لذلـــك الجي ــل ال ــذي صن ــع أدوات ــه وح ــارب مـــن اجـــل تكريســـها فـــي ذاكرتـــه، وذاكـــرة اآلخـــر ،بوصفهـــا جـــزءاً م ــن هوي ــة محلي ــة وإنس ــانية قب ــل كل شـــيء. (صـــدر الكتـــاب عـــن دار أمـــل الجديـــدة ـ دمشـــق )2015 123
تاريخ اجلمال تأليف :امربتو ايكو، ترمجة :د .نوري مصطفى بهجت
يذكـــر الفنـــان والطبيـــب د .نـــوري مصطفـــى بهجـــت ،انـــه أثنـــاء ترجمتـــه لكتـــاب (تاريـــخ الجمـــال) لمؤلفــه امبرتــو ايكــو ،ال حــظ تنويهــا ح ــول موض ــوع الف ــن الحدي ــث ،أي: االرت نوف ــو .فيذك ــر :ان ــه األس ــلوب الــذي ظهــر فــي نهايــة القــرن التاســع عشـــر ،خـــال الثـــورة الصناعيـــة والمكننـــة فـــي أوربـــا ،فـــي الحقبـــة الت ــي كان فيه ــا الع ــراق تح ــت الحك ــم العثمانـــي. فيأتـــي النـــص المترجـــم ليوضـــح مــدى أهميــة هــذا األســلوب فــي الفــن العالمـــي ،...وفـــي فنـــون الشـــعوب غيـــر األوربيـــة .فلقـــد غـــدا أســـلوبا ً متكام ـاً ،بعــد أن عمــل فنــان االرت نوف ــو عل ــى ف ــك جمي ــع االرتباط ــات مـــع الحقبـــة الكالســـية وكســـر الحواجـــز بيـــن الفنـــون الجميلـــة والفنـــون التطبيقيـــة ،ألنـــه مثـــل
طريقـــة خاصـــة مـــن التفكيـــر حـــول المجتم ــع الحدي ــث وأس ــاليب التصني ــع الحديثـــة. وعلـــى الرغـــم مـــن تراجـــع أثـــره خـــال حداثـــة المجدديـــن مـــن فنانـــي القــرن العشــرين ،إال انــه عمــل جســراً مهمـــا ً بيـــن مؤرخـــي الحـــركات الفني ــة الحديث ــة ،باإلضاف ــة إل ــى ذل ــك فـــان حركـــة االرت نوفـــو قـــد نالـــت اعتـــراف اليونســـكو ،والمؤسســـات المعنيـــة بالتـــراث الحضـــاري .ألن االرت نوفـــو :هـــو مـــن األســـاليب الفنيـــة والهندســـية المعماريـــة والتصاميـــم والفنـــون الطباعيـــة المســتوحاة مــن الطبيعــة ،فضـاً عــن ديناميتــه الشــكلية المتموجــة والمتدفقــة باألق ــواس والخط ــوط ذات اإليقاع ــات المتع ــددة المنب ــه إل ــى مكام ــن الجم ــال فـــي أصولهـــا وإعـــادة الحيـــاة لهـــا بمنحهـــا إضافـــات رمزيـــة وجماليـــة. ألن ــه سيش ــكل نظ ــرة بصري ــة متمي ــزة علـــى خـــاف الفنـــون والحـــرف التقليديـــة ،إلـــى جانـــب اســـتخدامه للخام ــات غي ــر المألوف ــة لبل ــورة رؤى فنيـــة أكثـــر صلـــة بـــروح العصـــر. هنـــا تظهـــر أهميتـــه كعنصـــر يســـهم بإعـــادة العالقـــة مـــا بيـــن المجتمـــع والفــن برؤيــة متحــررة ومحفــزة لتأمــل األس ــرار الجمالي ــة ف ــي الطبيع ــة ،دون إهمـــال العمـــل علـــى خلـــق هيئـــات غي ــر متوقع ــة .وه ــي رؤي ــة الباح ــث ماريـــو امايـــا ،بعـــد اســـتعراض تأثيرات ــه ف ــي فن ــون مختل ــف العواص ــم األوربيـــة.
الكتاب صدر عن شبكة اإلعالم العراقي ـ عام )2015
تنمية التذوق الفين التشكيلي دراسة جتريبية د .ماضي حسن
م ــن يتصف ــح كت ــاب د .ماض ــي حس ــن [تنميـــة التـــذوق الفنـــي التشـــكيلي ـ دراس ــة تجريبي ــة] ق ــد ال يخط ــر ببال ــه إن الكتـــاب أنجـــز خـــال ســـنوات الم ــوت :فاالحت ــال ل ــم يتوق ــف ع ــن ه ــدم المؤسس ــات ،الذاك ــرة ،والدول ــة، بـــل ذهـــب ابعـــد مـــن ذلـــك بإعـــادة (العـــراق) ـ ضمـــن حـــرب ســـرعان مـــا راحـــت تتوغـــل فـــي الهـــدم ـ إلـــى مـــا قبـــل عصـــر الزراعـــة. فخـــال هـــذه الســـنوات كان ماضـــي حســـن يراقـــب ،برهافـــة رســـام، بلـــده يتعـــرض للضيـــاع ،بصمـــت، وكأن ثمـــة مســـرحية أعـــدت وعلينـــا أن نـــؤدي فيهـــا أدوارنـــا الهامشـــية، ونغيـــب. ً وألننــي واكبــت دراســته ،يومـا بيــوم، 124
فـــان تشـــبثه بمفهـــوم التربيـــة ،فـــي مجـــال الفنـــون التشـــكيلية ،ســـمح لـــه بإجـــراء دراســـة تجريبيـــة توضـــح مـــدى أهميتهـــا فـــي مجـــاالت الحيـــاة بص ــورة عام ــة ،وعن ــد الفناني ــن عل ــى نحـــو خـــاص. فيذك ــر د .عب ــد المنع ــم خي ــري ،ب ــان الكتـــاب هـــو :دراســـة ميدانيـــة رائـــدة فـــي اختصـــاص التربيـــة الفنيـــة فـــي العـــراق ،فهـــي تؤكـــد وجـــود عالقـــة بيـــن النواحـــي الوظيفيـــة والجماليـــة، فضـــاً عـــن رســـم الخطـــوط العريضـــة للطريـــق الـــذي يســـلكه اإلنس ــان لك ــي يحص ــل عل ــى المتع ــة الفني ــة ،....لكنه ــا (متع ــة) تس ــتند إل ــى األدوات ،ومنهـــا البصـــر ،فاألخيـــر يشـــكل نســـبة ،%83حيـــث التـــذوق الفنـــي يعنـــي تقديـــراً جماليـــا ً /فنيـــا ً ،ويحتـــاج إلـــى مســـتوى مهـــذب ومتط ــور إلش ــباع الذه ــن بالم ــدركات الصوريـــة المخزونـــة والممارســـة المســـتمرة لتدريـــب العيـــن ،....إن الباحـــث معنـــي عبـــر دراســـته هـــذه بالتـــذوق الجمالـــي /الفنـــي ،..ليـــس علـــى صعيـــد التطبيقـــات العمليـــة، لـــدى الفنـــان ،بـــل الصعيـــد النظـــري أيضـــا ً . وعملي ـا ً فــان التربيــة ال يمكــن عزلهــا عـــن المســـتويات األرقـــى لـــإدراك، ضمــن الفنــون الجميلــة علــى اختــاف تخصصاتهـــا التـــي تعـــد وســـيلة مـــن وســـائل تنميـــة ســـلوك الفـــرد المتعلـــم وتوجيهـــه توجيهـــا ً تربويـــا ً وفنيـــا ً ،فهـــي ليســـت دراســـة لمهـــارات حرفي ــة حس ــب ،ولكنه ــا نش ــاط ذهن ــي وبدنـــي يشـــحذ القـــدرات اإلبداعيـــة لـــدى المتعلـــم ،عبـــر تنظيـــم أفـــكاره واهتماماتـــه وتربيتهـــا وتخطيطهـــا،
وعبـــر ابتـــكار أســـاليب تســـتند إلـــى حداث ــات العص ــر ،ودوره ــا ف ــي بن ــاء ذائقـــة متجـــددة ،وجماليـــة. ( ص ــدر الكت ــاب ع ــن دار ألجواه ــري ـ بغ ــداد ـ ش ــارع المتنب ــي)
التصميم الكرافيكي دراسة حتليلية معتز عناد غزوان
توغلـــت الحداثـــة فـــي معمـــار الحيـــاة المعاصــرة بقدرتهــا علــى بنــاء مفاهيــم تطبيقيـــة باليـــات سلســـة ،أو عنيـــدة، بفعـــل المفاهيـــم النظريـــة .علـــى أن الخب ــرة النظري ــة ل ــم تع ــد فائض ــة إزاء عصـــر مميـــز بالتحـــوالت والتجـــدد. الكاتـــب معتـــز عنـــاد غـــزوان يســـهم بدراســة مفهــوم (التصميــم الكرافيكــي) وأسس ــه ،مانحــا ً النظري ــات واألف ــكار تطبيقاتهمـــا اليوميـــة ،البصريـــة والتكوينيـــة ،جماليـــا ً . فالتصمي ــم الكرافيك ــي ه ــو :نش ــاط ل ــه عالقـــة بـــكل أشـــكال العـــرض ،ليـــس بوصفـــه واجهـــة تقـــود الـــى المنتـــج ف ــي م ــا يش ــبه المنب ــه العرض ــي ،ب ــل
ه ــو الطاق ــة الت ــي م ــن خالله ــا يصب ــح الموضـــوع مـــادة للخيـــال والحلـــم ،ال مجــرد لحظــة اســتهالكية عابــرة .ذلــك ألن قيم ــة المنت ــج (المنج ــز الفن ــي) ال تكم ــن ف ــي مادت ــه ،ب ــل ف ــي الخط ــاب ال ــذي يعي ــد صياغت ــه ،ليس ــهم بتنمي ــة هـــذه اللغـــة والكشـــف عـــن بعـــض مخفياتهـــا ،وأســـرارها. ه ــذا م ــا اش ــره د .س ــعيد بنك ــراد ـ ف ــي تقديم ــه للكت ــاب ـ موضحــا ً أيضــا ً إن التصمي ــم الكرافيك ــي ه ــو لغ ــة قائم ــة بذاتهـــا ،لهـــا قواعدهـــا وتركيبهـــا الداخلـــي ،فهـــي ال تكـــرر حالـــة تواصليـــة ســـابقة عليهـــا ،وال تســـتعيد فائضـــا ً طارئـــا ً ،بـــل تقـــول مـــا ال تس ــتطيع المفاهي ــم التعبي ــر عن ــه وف ــي جمي ــع الح ــاالت ال يمك ــن فصل ــه ع ــن الرغبـــة فـــي التعبيـــر عـــن انفعـــاالت اإلنســـان ،ظاهرهـــا وغابرهـــا ،وعـــن قدرتـــه علـــى تثبيـــت منتجـــات الفكـــر فـــي رمـــوز ماديـــة قابلـــة للتصميـــم والت ــداول ف ــي الفض ــاء وف ــي الزم ــن. فمـــا ضـــاع فـــي اللغـــة ،يســـتعاد مـــن خ ــال التعبي ــر البص ــري .فنح ــن ف ــي واقـــع األمـــر نتحـــدث داخـــل عالـــم ونبصـــر داخـــل عالـــم آخـــر. وف ــد تن ــاول المؤل ــف ه ــذا الموض ــوع بقـــراءة :اثـــر الســـريالية وخطابهـــا البصـــري ،وجماليـــات التكـــرار، واألبعـــاد النفســـية فـــي ملصقـــات األطف ــال ،وفاعلي ــة النقط ــة ودالالته ــا فـــي التصميـــم الكرافيكـــي ،بالتحليـــل وبالصـــور اغنـــاء ً لموضوعـــه فـــي مجـــاالت طالمـــا أهملـــت ،ولـــم تأخـــذ أهميتهـــا كعالمـــات قائمـــة علـــى أســـس جديـــرة بالدراســـة ،والبحـــث، والقـــراءة.
( والكتاب صدر عن شبكة اإلعالم العراقي ـ عام )2015
125
حمطات بني الطب والفن
حترير :معتز عناد غزوان.
قـد يبـدو كتـاب محطـات بيـن الطـب والفـن سـيرة شـخصية للفنـان والطبيب نـوري مصطفى بهجت ،قـام بإعدادها، معتـز عنـاد غـزوان ،ولكـن قراءتهـا، سـتقود للتعـرف علـى حقائـق جيل رائد لـن يقـارن إال بالحقـب البطوليـة! وهـذا ليـس إطـراء ًلشـخصية اسـتثنائية مثـل بهجـت ،وليـس إضفـاء هالة علـى جيل أنجـز مهمتـه كاملـة ،بـل ألننـا إزاء تاريـخ أبـى أن يدفن تحـت رماد حرائق حضـارة قـدر لهـا أن ال تغـادر بيسـر! فمـا أنجـزه معتـز عنـاد ،بإعـادة بنـاء صـرح اجتمعت فيه عناصـر (اإلبداع) يعد ـ بذاته ـ إحياء ً لمشروع (التحديث) الـذي عمـل عليـه جيـل الـرواد ،والـذي مـازال يتعـرض للمحـو ...ولكـن مـن هـو نـوري مصطفـى بهجت؟ عندمـا أبصـر نـوري مصطفـى بهجـت النـور ،عـام 1924لـم تكـن بغـداد، ومعظـم المدن العربيـة ،تحلم بأكثر من ديمومـة االنتمـاء إلـى الماضـي :قرون امتـدت حتـى كادت ال تتـرك أثـراً لها،
كالـذي أنجزتـه بغـداد ،قبـل ألـف عام، فـي عصرهـا الذهبـي .وهـذه ليسـت مفارقـة ،أن يأخـذ التمـرد مـداه تحـت تيـار (التحديـث) أو أن يضـع حـداً ـ بلا مبالغـة ـ حمـل عنـوان :الريـادة، بـل ،برنامجـا ً مازالت قراءته مؤجلة، بمـا أنجزتـه مـن تدشـينات رائـدة ،بعد قـرون مـن الظلمـات. علـى أن مشـروع (التحديـث) ،بعـد الحـرب العالميـة األولـى ،سيشـكل ظاهـرة اسـتدعت تضافـر مكوناتهـا. فالمدينـة ،بغـداد ،للمـرة األولـى ،لـم تعـد معزولـة عـن تيـارات التغييـر، والتحـوالت ،ألنهـا ،فـي هـذا السـياق، سـمحت لظهـور من يعيد الحيـاة إليها، ليـس وفـق تعاليـم القـرون الوسـطى، وعصـور محاكـم التفتيـش ،والحروب األهليـة ،بـل بحسـب التحـول للعبـور نحـو عالـم قائـم علـى :االبتـكارات، والتدشـين ،ومغـادرة الرضا بالخمول، وكراهيـة المعرفيـة! وألن نـوري مصطفـى بهجـت ،فـي نشـأته البكر ،وما بعدها ،وجد مسـاحة للتقـدم ،وليـس للـردع ،فانـه لـم يغامـر فـي االكتشـاف ،وفـق مفهـوم الكسـب أو الخسـران ،بـل أعـاد ـ عبـر الوعيه ـ مفهـوم بنـاء الحضـارات المخبـأة/ المسـتترة ،التـي كوّ نـت خارطـة عمـل جيناتـه الوراثيـة ،مـع حاضـره ،كـي تتـوازن فيهمـا عناصـر البنـاء ،مـع مفهـوم التدشـين ،أو االبتـكار ،فـي عصـر الحداثـات األوربيـة ،بغـزارة تنوعهـا ،وعملهـا علـى نسـج دروب المسـتقبل ،وليـس االرتـداد ،أو البقـاء فـي الصفـر .فوجد انه إزاء عالم شـبيه بعمـل المنقـب االثـاري فـي الكشـف عـن المخبـآت ،والمخفيـات ،وفـك طلسـماتها ،ومشـفراتها ،فـكان الوعـي بمـا سـينجز ،قـاده للحفـر فـي أكثـر المناطـق غموضـا ً :الوعـي بالحيـاة ـ أي الوعـي بجمالياتهـا ـ وإنهـا لـم تخلـق للغيـاب ،بـل كـي تتجانـس فيهـا
ديناميتهـا ،وعالماتهـا.، فالنشـأة ،وولـع بهجـت بالفنون ،مهدت لـه ممارسـة رسّـخ فيهـا شـروطها النظريـة ،والفكريـة ،فالخيـال لديـه، لـم ينفصـل عـن الممارسـة العمليـة، إزاء متغيـرات تطلبـت عنـاد البـذرة، ولغزهـا في األخيـر .فالرهافة ّ تجذرت كممارسـة ليـس لقـراءة المشـهد ،بـل للديمومـة اإلقامـة فـي مناطقه الخالقة: الحيـاة بصفتهـا مشـفرة بتاريـخ طويل للتحـوالت مـن األرض (اآللهـة األم)، إلـى اليـد ،ومن ثم إلى الوعـي ،الفكر، وقد اجتمعـت لصياغة الوعي بتضافر هـذه األزمنـة فـي زمنهـا المسـتحدث، وتكاملـه ،كحياة غيـر فائضة ،وجديرة باإلضافـات :التدشـينات. وبقـراءة األسـماء المميـزة لمرحلـة الـرواد ـ منـذ ثالثينيات القرن الماضي وصـوالً إلـى خمسـينياته ـ فـان وعيـا ً بالتركيـب أو التوليـف ،والتنـوع أو التعدديـة ،كان ممهـداً للخـروج مـن الصفـر ـ تقريبـا ً ـ نحـو مدينـة ترغـب ان تنسـج مصيرها ،مـن الداخل ،رغم عثـرات الماضـي وتراكمات سـلبياته، مـن ناحيـة ،والتيارات الحديثـة الوافدة أو التـي مازالـت غريبـة ،مـن ناحيـة ثانيـة .بـل كان علـى بغداد ان تسـتثمر موروثاتهـا الخالقـة المدفونـة ،ومـا كان يحـدث فـي العالـم ،علـى نحـو يعيـد إليهـا هويتها ،ومعالمهـا الحقيقة، كمدينـة لـم تمـت ،ولـم تدفـن بعـد. فالرؤيـة لـدى الطبيـب الفنـان تدحـض النفـع ،وتخالـف مفهـوم اإلنتـاج ـ االسـتهالك ،نحـو المعنـى ،وقـد غـدا فعلاً انطولوجيـا ً ـ بيئويـا ً ،ينبنـي ّ ويتجـذر بالبنـاء ،وقـد غـدا فعلاً مسـتحدثا ً ،ضمـن أزمنـة تميـزت بمـا تركتـه أزمنـة الـرداءة ،فضلاً مواجهـة الحاضـر بقـدرات نادرة على التجـاوز ،والتقـدم. ففـي التفاصيـل االسـتثنائية التـي يرويهـا عن قرى العـراق النائية ،عبر 126
عملـه ،كطبيـب ،وفـي تأسيسـه المبكر لمشـروعات العالج الطبيعـي ،ودوره فـي التجمعـات الفنيـة ،مـن الرسـم إلـى الموسـيقا إلـى التجمعـات الفنيـة، والثقافيـة ،ال يغـرق ،أو يغطـس، حيـث الشـيطان يكمـن فيهـا ،بـل علـى العكـس ،نحيـا الحيـاة بصفتهـا تحديـا ً دائمـا ً يمنحهـا ديناميتهـا ـ وديمومتها. فالطبيـب لـم يختر إال دحـض (المهنة) أو (الوظيفـة) كـي يجعـل الوسـائل مندمجـة بغاياتهـا ،ويجعـل منها رهافة ترتقـي بالفعـل نحـو رمزيتـه ،ومـا يمتلكهـا مـن مُثـل ،وجماليـات. فهـل كان هـذا محـض مصادفـة ،أن فـان خطـر االرتـداد ليـس مزحـة! وهنـا سـتأخذ القراءة ممـرات كل منها يقـود إلـى النتيجـة ذاتهـا :الهويـة .وإذا لـم أكـن معنيـا ً كثيـراً بالطـب ـ رغـم انـه احـد أكثـر شـروط الحيـاة حيوية ـ فـان النصـوص الفنية للطبيب ،سـتبقى مميـزة بانحيازهـا لعمـل اجتمعـت فيـه الدوافـع الفنيـة ـ الجماليـة ،بالنسـق االيكولوجـي .فقـد قـدم لنـا ،مـع جيـل الـرواد ـ واعنـي بهـم الجماعـات التـي ظهـرت منـذ نهايـة ثالثينيـات القـرن الماضـي حتـى خمسـينياته ـ خالصات شـكلت تاريـخ مفهوم الفـن الحديث في العـراق .تاريـخ ال يـروى حسـب ،بـل غـدا مرئيا ً ،لتضافـر روافده العالمية، بموروثاتـه الزاخـرة بالمشـفرات، وبحاضـر قـاوم غيابـه. وهذا ما حصل لألستاذ حافظ ألدروبي ـ لم يكن إال نسـقا ً شـبيها ً باالنتقال من الشـفاهية إلـى التدوّ يـن ،ومن اإلصغاء إلـى التأليـف علـى صعيـد األصـوات، كمثـال لتجريبيـة اسـتبعدت العشـوائية نحـو وحـدة تضمنـت تنصيصـات كـي تثمـر توليفاتهـا االنطباعيـة ،لكـن ليس بالمعنـى االنفعالـي ـ اللحظـوي ـ إال كـي تعـزز رؤيتـه الواقعيـة فـي عالقة الفنـان بالمـكان ،وتاريخـه ،وأساسـا ً فـي منـح الروحي شـفافية متحررة من
القيـود .وربمـا كان هـذا واحـداً مـن األسـباب التـي سـمحت لـه أن يشـترك مـع فائـق حسـن والشـيخلي والقصاب ومحمـود صبـري فـي جماعـة الـرواد ( ،)1950وليـس فـي جماعـة االنطباعيـن العراقييـن ،انتمـاء عفوي لبدائيـة معاصـرة قائمـة علـى الخبرة، وليـس علـى التلقائيـة ،أو المصادفات، ممـا سـمح لـه أن يـدوّ ن ـ بالرسـم ـ تاريخـه الروحـي ،إلـى جانـب التاريخ الـذي عاشـه مولعـا ً بالوطـن كانتمـاء إلـى الحضـارة ،وليـس للأرض حسب . ذلـك ألن هـذه الوحـدة ،بيـن التاريـخ والـذات ،شـبيهة برؤيـة الفنـان إلـى سلامة الجسـد /الفكر ،عبر تخصصه الريـادي ،ومـن ثـم ،فـان رؤيتـه، كطبيـب ،أكـدت ان الحيـاة مـن غيـر فـن ،كعالمـة منفصلـة عـن سـياقها، فالجـدل ،وربمـا (الصيـرورة) ،فـي هـذا النسـيج ،لخـص ّهـذه الوحـدة، كانسـان لـم يفـرط بما كان يـراه ينتظر هـذه التعدديـة ـ وهـذا التكامـل. (الكتـاب صـدر عـن وزارة الثقافـة /دائـرة العالقـات الثقافيـة العامـة بغـداد )2015
ليسـت محـض مصادفـة أن يتذكـر رافـع الناصـري (النهر/المـاء) فـي عامـه الرابـع ،وقـد ولـد فـي فضـاء مـزدوج ـ وموحـد بيـن الصحـراء والسـماء (تكريـت ،)1940فـي فاتحـة كتـاب [ رافع الناصـري /النهر وأنـا ..عشـق علـى مـر السـنين] ،بـل مدخلاً لمنظومة فنيـة زاخرة بتحرير الوعـي مـن التباسـاته ـ وأقنعته .فالماء ليـس عنصـراً منفصلاً عـن :النـار/ الهـواء /التـراب ،بل عنصـراً مضاداً للمـادة ،بوصفـه جوهـر :لغـز الحيـاة. والكتـاب ،هـو بمثابـة وجهات نظر مجموعة من الكتاب ،تضمن إشـارات تماثـل عمليـة نسـج لنـص ال يعلن عن مـوت :الفـن ،بل عن نقيضه ،في زمن سـيادة الخـراب .فالكتـاب ـ بمجموعه ـ يأتـي فـي مواجهـة حقبـة (تفكيـك) و (محـو) تعرضـت لهـا حضـارة العـراق الحديث ،فالمسـاهمون :ضياء العـزاوي /مي مظفر /فاروق يوسـف/ عـادل كامـل /إبراهيـم رشـيد ،إلـى جانـب شـهادات :عمّـار داود /نظهـر احمـد /هنـاء مـال هللا ،تنسـج هـذا النـص ،وتمنحـه مقاربـة لمنجـز رافـع الناصـري. املعلم
النهر وأنا ..عشق على مر السنني رافع الناصري حترير :مي مظفر ،صالح عباس
لـم نخسـر رافـع الناصـري، برحيلـه ،اليـوم ،بـل خسـرناه عندمـا وجـد انـه ال يمتلـك إال أن يغـادر مشـغله فـي بغـداد ،بحثـا ً عـن هـواء صالـح للتنفس :نهايـة مازالت تجرجر مقدماتهـا معهـا ،مـن غيـر خاتمـة. فالفنـان الـذي أكمـل دراسـته فـي معهـد الفنـون الجميلـة ببغـداد ،وبكين، ولشـبونة ،عـاد ليؤسـس ورشـة لفـن الطباعـة (الكرافيـك) فـي المعهد الذي درس فيـه ببغـداد .ورشـة للطلاب، 127
وأخـرى شـخصية ،لكنهـا سـرعان مـا تحولـت إلـى مشـغل للعمـل الجمعـي. فالـذي تعلمـه مـن األسـتاذ فائـق حسـن ،ومـن الـرواد عامـة ،طـوره فـي بكيـن ،بدراسـة أصـول أقـدم فـن، هنـاك ،ثـم تعـرف علـى التقنيـات المتقدمـة لـه ،بأصولهـا األوربيـة، فـي لشـبونة .وخالصـة هـذا الـدرس، أن رافـع الناصـري ،تعلـم أن (يتعلـم) وان يكـون (معلمـا ً ) ،مثـل أسـتاذه فائـق حسـن ،وأسـاتذته فـي الصيـن، والبرتغـال. وكلمـة معلـم ،جديـرة بفنـان كـرس حياتـه للفـن ،وللفـن بصفتـه عالمـة حضاريـة ،أكثـر من أية كلمـة أخرى. فالمعلـم اجتمعـت فيه خصـال لم تتوفر إال لـدى (أسـطوات) وادي الرافديـن، ولـدى الحرفييـن القدمـاء ،كالصاغـة، والخطاطين ،والنسـاجين ،والحفارين، والبنائييـن فـي العـراق القديـم. تعلـم كيـف يتعلـم .وهـذا ال عالقـة لـه ،بفنـه ،أو حتـى بشـخصيته ،بـل له عالقـة بأخالقيـات العمـل .بالحرفـي البغـدادي الـذي ترجـع جـذوره إلـى سـومر وأكـد ،وبالحرفـي الصينـي التـي ترجـع جذوره إلى كونفشـيوس، وبحرفـي أوربـا الكبـار أمثـال دورر، ورامبرانـت ،وغويـا ،ومونـخ .وهـي أصـول اشـتركت فيهـا حضـارات متعـددة ،تاريخيـة ومعاصـرة ،لكنهـا مكثـت تتقـدم مـع تقـدم المفاهيـم، والتقانـات. بالحرفـة ،وألغازهـا ،وأصولهـا ،بـل ألنـه أدرك ان دور (المعلـم) إن غاب، فـان الفوضـى لـن تبنـي حضـارة.
128