اﻟﻀﻤﲑ
اﻟﻀﻤﲑ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا
ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺑﻮل ﺳﱰوم
ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺳﻬﻰ اﻟﺸﺎﻣﻲ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻫﺒﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻏﺎﻧﻢ
اﻟﻀﻤري
Conscience
ﺑﻮل ﺳﱰوم
Paul Strohm
اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﱃ ٢٠١٤م رﻗﻢ إﻳﺪاع ٢٠١٣/١٤٢٤٣ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ )ﴍﻛﺔ ذات ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻣﺤﺪودة( ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ ٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org : ﺳﱰوم ،ﺑﻮل. اﻟﻀﻤري :ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا/ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺑﻮل ﺳﱰوم. ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٧١٩ ٣٤١ ٢ : -١اﻟﻀﻤري ﰲ املﺴﻴﺤﻴﺔ -٢اﻷﺧﻼق املﺴﻴﺤﻴﺔ أ -اﻟﻌﻨﻮان ٢٧٤٫١ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :إﻳﻬﺎب ﺳﺎﻟﻢ. ﻳُﻤﻨَﻊ ﻧ َ ْﺴﺦ أو اﺳﺘﻌﻤﺎل أي ﺟﺰء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺄﻳﺔ وﺳﻴﻠﺔ ﺗﺼﻮﻳﺮﻳﺔ أو إﻟﻜﱰوﻧﻴﺔ أو ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ، وﻳﺸﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ واﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻋﲆ أﴍﻃﺔ أو أﻗﺮاص ﻣﻀﻐﻮﻃﺔ أو اﺳﺘﺨﺪام أﻳﺔ وﺳﻴﻠﺔ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﴍ. إذن ﱟ ﻧ َ ْﴩ أﺧﺮى ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﻔﻆ املﻌﻠﻮﻣﺎت واﺳﱰﺟﺎﻋﻬﺎ ،دون ٍ ﻧُﴩ ﻛﺘﺎب اﻟﻀﻤري ً أوﻻ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻋﺎم .٢٠١١ﻧُﴩت ﻫﺬه اﻟﱰﺟﻤﺔ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ اﻟﻨﺎﴍ اﻷﺻﲇ. Arabic Language Translation Copyright © 2014 Hindawi Foundation for Education and Culture. Conscience Copyright © Paul Strohm 2011. Conscience was originally published in English in 2011. This translation is published by arrangement with Oxford University Press. All rights reserved.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
ﺷﻜﺮ وﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻘﺪﻣﺔ -١اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ -٢ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري -٣ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ -٤ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟ -٥ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟ املﺮاﺟﻊ ﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ
7 9 13 39 59 75 93 117 125
ﺷﻜﺮ وﺗﻘﺪﻳﺮ
أو ﱡد أن أﺗﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ إﱃ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ روﺑﺮت أﻟﱰ وأﻛﻴﻞ ﺑﻴﻠﺠﺮاﻣﻲ وﻛﺮﻳﺴﺘﻮﻓﺮ ﺑﺮادﱄ وأﻧﺪرو ﻛﻮل وﻛﺎﺛﺮﻳﻦ ﻛﻮﺑﺮ وﻣﻮﻧﻴﻜﺎ ﻛﻮرﺗﻮن وﻫﻮﱄ ﻛﺮوﻛﺮ وأﻧﺘﻮﻧﻲ دي ﻛريﺗﺲ وﻛﺎروﻟني دﻳﻨﺸﻮ وﻣﻴﻜﺎﻟﻴﻨﺎ إﻳﻔﺮوز وﺟﻴﺲ ﻓني وﻛﻠري ﻫﺎرﻣﺎن وﺑﺮوس ﻛﻮﺟﻮت وﻟﻴﺪﻳﺎ ﻟﻴﻮ وﻣﻮرا ﻧﻮﻻن وﻟﻮرا ﺑريﻳﻞ وآﺳﻴﺎ رو وﻛﺎﺗﻲ ﺑﻮﺑﻜني وﻣريي روﺑﻦ وﺟﻴﻤﺲ ﺳﻴﻤﺒﺴﻮن وأﺑﺮاﻫﺎم ﺳﺘﻮل وﺟﻮن ﺑﻲ ﺳﱰوم وأرﻓﻴﻨﺪ ﺗﻮﻣﺎس ودﻳﻔﻴﺪ واﻻس ﻋﲆ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﻢ ﻟﻠﻨﺼﻴﺤﺔ واﻟﻨﻘﺪ.
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﻇﻠﺖ ﻇﺎﻫﺮة اﻟﻀﻤري — املﺘﻐرية واﻟﺮاﺳﺨﺔ ﰲ آن واﺣﺪ — ﺣﺎﴐة ﻋﲆ اﻣﺘﺪاد ﻋﺼﻮر وإﻣﱪاﻃﻮرﻳﺎت وﻣﻌﺘﻘﺪات وﻋﻘﺎﺋﺪ ،وأﺛﺮت ﰲ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩي ﻣﻨﺬ أﻟﻔﻲ ﻋﺎم وأﻛﺜﺮ .وﻗﺪ ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﺮوﻣﺎن )وأﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ »ﻛﻮﻧﺸﻴﻨﺘﻴﺎ«( ،ﺛﻢ اﺳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻬﺎ املﺴﻴﺤﻴﻮن اﻷواﺋﻞ. وﺗﺴﺎوى اﻹﺻﻼﺣﻴﻮن اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ واﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ املﺨﻠﺼﻮن ﰲ اﻋﺘﻤﺎدﻫﻢ ﻋﲆ ﻧﺼﺎﺋﺢ اﻟﻀﻤري وﺗﺤﺬﻳﺮاﺗﻪ .وﰲ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ،أﻋﺎد اﻟﻀﻤري اﺟﺘﻴﺎز اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ً ﻣﺒﺪﻻ ﻣﻮﺿﻊ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻣﻦ اﻟﻜﻤﺎل اﻟﺪﻳﻨﻲ إﱃ اﻟﺘﺤﺴني اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺑني اﻟﺘﺪﻳﻦ واﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ، واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .واﻟﻴﻮم ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ املﺘﺪﻳﻨﻮن وﻏري املﺘﺪﻳﻨني ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء .ﻓﻬﻮ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰة ﰲ ﻋﻠﻢ اﻟﻼﻫﻮت واﻟﻌﺒﺎدات ،وﻻ ﺗﻘﻞ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﰲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻔﻨﻮن .وﻳﺪﱠﻋﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻮن اﻟﺘﴫف وﻓﻖ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ،وﻫﻢ ﻳﻔﻌﻠﻮن أﺣﻴﺎﻧًﺎ .وﻣﻦ اﻟﻼﻓﺖ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﺑﺎﻟﻘﺪر ذاﺗﻪ اﺗﺴﺎع ﻧﻄﺎق اﻻﺣﺘﻜﺎم إﻟﻴﻪ ﺑني ﻛﻞ أﻃﻴﺎف اﻟﻨﺎس وﻓﺌﺎﺗﻬﻢ؛ ﻓﻬﻮ ﻣﺒﺤﺚ أﻛﺎدﻳﻤﻲ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻋﻮام اﻟﻨﺎس ،وﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﻪ اﻟﻨﺎس ﰲ ﻛﻞ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺜﻘﺔ ﺑﻮﺻﻔﻪ ً أﺳﺎﺳﺎ ﻷﻓﻌﺎﻟﻬﻢ. ﻗﺪ ﻳﺒﺪو أن ﻫﺬا اﻟﺮﺳﻮخ املﺬﻫﻞ اﻟﺬي ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ اﻟﻀﻤري ﻳﺸري إﱃ أﻧﻪ ﻛﻴﺎن ﺛﺎﺑﺖ ووﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ أﺣﺎدﻳﺔ ﻻ ﺗﺘﻐري ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ .واﻟﺤﻖ أن اﻟﻀﻤري ﻳﺤﻴﺎ ﰲ اﻟﺰﻣﻦ ،وﻣﻦ أﺷﺪ ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ ﺟﺎذﺑﻴﺔ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺪﻳﻞ اﻟﺬاﺗﻲ واﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ اﻟﻈﺮوف اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺛﺎﺑﺖ ،وﻛﺬﻟﻚ إدراﻛﻪ اﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻲ ﻟﴩوط املﻼءﻣﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة واملﻠﺤﱠ ﺔ .وﰲ ﻫﺬه »املﻘﺪﻣﺔ اﻟﻘﺼرية ﺟﺪٍّا« ،ﻟﻦ ً ﺗﺎرﻳﺨﺎ ﻣﻤﻴ ًﺰا وزاﺧ ًﺮا أﻋﺘﱪ اﻟﻀﻤري ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﻻ ﻳﺘﻐري ،ﺑﻞ ﺳﺄﻋﺪﱡه ﻣﻨﻘﺒﺔ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﺒﴩ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﺎﻷﺣﺪاث. ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻀﻤري أي ﻣﺤﺘﻮًى ﺛﺎﺑﺖ أو ﻏري ﻣﺘﻐري؛ ﻓﺒﺈﻣﻜﺎﻧﻪ أن ﻳﱪر اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﺬات وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﱪر ﺣﺐ اﻟﺬات اﻟﺬي ﻳﻨﻄﻮي ﻋﲆ أﻧﺎﻧﻴﺔ ،وﺑﻮﺳﻌﻪ أن ﻳﺤﺾ ﻋﲆ
اﻟﻀﻤري
ﻋﻤﻞ ﻟﻠﺨري أو ﻋﲆ ﻋﻤﻞ إرﻫﺎﺑﻲ .وﻗﺪ ﺗﻜﻮن إﻣﻼءات اﻟﻀﻤري ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ أو وﺛﻨﻴﺔ ،ﺗﺴﺘﻨﺪ إﱃ اﻟﺪﻳﻦ أو ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﻗﻮﻣﻴﺔ أﻧﺎﻧﻴﺔ أو دوﻟﻴﺔ ﺳﺨﻴﺔ .ﺑﻞ إن ﺟﻨﺲ اﻟﻀﻤري ﻳﻈﻞ ً ﻣﺠﻬﻮﻻ :ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺬﻛ ًﺮا أو ﻣﺆﻧﺜًﺎ ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺻﻮﺗًﺎ روﺣﺎﻧﻴٍّﺎ ﺑﻼ ﺟﺴﺪ أو ﺻﻮﺗًﺎ أﺑﻮﻳٍّﺎ، ﺑﻞ إﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺼﻮت ﺟﻤﻌﻲ ﻛﺎﻟﺮأي اﻟﻌﺎم .وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻣﺘﻐريًا ﺑﺎﻟﻘﺪر ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺼﺪره وﻣﻮﺿﻌﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﻳ َ ُﺼﻐﻰ إﻟﻴﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺻﻮﺗًﺎ ﻣﺤﻔ ًﺰا ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ أو ﺻﻮﺗًﺎ آﻣ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،وﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﰲ آن واﺣﺪ :ﻛﺎﺋﻦ ﺧﺎرق ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻨﺎ ﻛﻞ ﳾء ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺪﻳﻦ ﺑﻮﻻء ﺧﺎرﺟﻲ؛ ﺳﻮاءٌ ﻹﻟﻪ أو ﻟﻠﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم .ﻓﻘﺪ ُﻓﻌﻠﺖ أﺷﻴﺎء راﺋﻌﺔ وأﺧﺮى ﻧﻜﺮاء ﺑﺎﺳﻤﻪ ،ﻛﺎﻹﺻﻼح اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺨﺎﺿﻊ ﻟﻠﻌﻘﻞ واﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺠﻨﻮﻧﻴﺔ اﻟﻌﺎرﺿﺔ. ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻀﻤري ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ﻣﺰﻋﺠً ﺎ ،ﻓﻌﺎدة ﻣﺎ ﻳﺸﻌﺮ املﺮء اﻟﺬي ﻳﺤﴬه اﻟﻀﻤري — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ — ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺎن أﻓﻀﻞ ً ﺣﺎﻻ دوﻧﻪ .وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ذﻟﻚ ،إذا ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻣﺘﻐريًا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﻮﺿﻌﻪ أو ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ ،ﺗﻈﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻨﺎﴏ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻮﺻﻒ ﺑﺄﻧﻪ »ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ« ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺆﺳﻒ .وأﻳﻨﻤﺎ ووﻗﺘﻤﺎ ﻗﺎﺑﻠﻨﺎه ،ﻧﺠﺪ أن ﻋﺎدﺗﻪ املﻤﻴﺰة ﻫﻲ ً ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﻬﺪﺋﺔ أو اﻟﻄﻤﺄﻧﺔ .ورﻏﻢ ﺷﻴﻮﻋﻪ اﻟﻨﺨﺰ واﻟﻮﺧﺰ واﻟﺘﻤﻠﻖ واﻻﺳﺘﻨﻜﺎر واملﻀﺎﻳﻘﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻈﻞ أﻗﻞ اﻟﻈﻮاﻫﺮ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﻌﺜًﺎ ﻟﻠﴪور ﰲ اﻟﻨﻔﺲ .واﻟﺴﺆال ﻫﻨﺎ إذن :ملﺎذا ﻧﺤﺘﺎج ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ إﱃ ذﻟﻚ املﻔﻬﻮم املﺘﻘﻠﺐ واﻟﻘﺎﳼ وﺷﺪﻳﺪ اﻟﴫاﻣﺔ؟ واﻹﺟﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺪﻣﻬﺎ أن أﺣﻮاﻟﻨﺎ ﰲ وﺟﻮد اﻟﻀﻤري أﻓﻀﻞ ﻛﺜريًا ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﻏﻴﺎﺑﻪ. ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺗﻮﺻﻠﺖ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜري املﺘﻮاﺻﻞ ﰲ ﻣﺼﺪر اﻟﻀﻤري، وﻓﻴﻤﻦ ﺳﺎﻧﺪه ،وﻓﻴﻤﺎ ﻋﻨﺎه ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﺟﻴﺎل املﺘﻌﺎﻗﺒﺔ .ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻟﻪ ﺟﺬور ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ، وﻫﻮ ﻳﺘﺠﺪد وﻳﻜﻤﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺬور ،وﺗﻜﻤﻦ أﻗﴡ آﻣﺎﻟﻪ ﻟﻼﺳﺘﻤﺮار ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺔ ﻫﺬه »املﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺠﺬرﻳﺔ« — اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻋﻨﺎﻫﺎ اﻟﻀﻤري وﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ — ﻛﺄﺳﺎس ﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ املﺴﺘﻤﺮة واملﻠﺤﺔ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم. اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻀﻤري أﺛﺮ اﻟﻀﻤري ﰲ أﺷﺨﺎص ﻋﻈﻴﻤﻲ اﻟﺸﺄن ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﴘ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﻣﺮو ًرا ﺑﻐﺎﻧﺪي وﻣﺎﻧﺪﻳﻼ وآﺧﺮﻳﻦ ،ﻟﻜﻦ أﺻﻮﻟﻪ أوروﺑﻴﺔ أو ﻣﺴﺘﻤﺪة ﻣﻦ اﻷوروﺑﻴني )ﻛﻤﺎ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﺣﺘﻰ اﻵن رﻋﺎﺗﻪ ،إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ(. ﻻ ﻳﺤﺘﻜﺮ اﻟﻐﺮب اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ أو اﻟﺮﻓﺾ اﻟﺪاﺧﲇ املﺴﺘﻨﺪ إﱃ املﺒﺎدئ ﻟﻠﺴﻠﻮك املﺴﺘﻬﺠﻦ أﺧﻼﻗﻴٍّﺎ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن اﻟﻠﻐﺎت واملﺠﺘﻤﻌﺎت ﻛﺎﻓﺔ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ 10
ﻣﻘﺪﻣﺔ
واملﻤﻴﺰة ﻟﻠﻮاﺟﺐ أو املﺴﺌﻮﻟﻴﺔ أو اﻟﺨﺠﻞ ﻣﻦ اﻹﺧﻔﺎق ﰲ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﻤﻌﺎﻳري املﺠﺘﻤﻊ أو اﻟﺬات. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻌﱪﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺮادﻓﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻟﻠﻀﻤري ،ﻓﺈن ﻋﻠﻢ اﻟﻼﻫﻮت اﻟﻌﱪي ﻗﺪ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﺟﻴﺪًا ﻣﻊ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻹرادة واﻟﻨﻴﺔ واﻟﻮاﺟﺐ اﻷﺧﻼﻗﻲ واملﺴﺌﻮﻟﻴﺔ أﻣﺎم إﻟﻪ ﻳﻐﺮس اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ واﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﰲ ﻗﻠﺐ املﺆﻣﻦ )ﺳﻔﺮ اﻟﺘﺜﻨﻴﺔ ،١٤ : ٣٠إرﻣﻴﺎ .(٣٣ : ٣١ وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن املﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻌﱪﻳﺔ ﻟﻬﺎ أﺻﻮل ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋﻦ أﺻﻮل اﻟﻀﻤري ،ﻓﺈن ﺗﻠﻚ املﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﺑﺎﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ وﺗﻮﻃني ﻗﻮة أﺧﻼﻗﻴﺔ ﰲ اﻟﺠﺴﺪ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أﻧﻬﺎ ﺧﺪﻣﺖ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺰءًا ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ، ﱢ ﻣﺤﺴﻦ وﻗﻀﻴﺔ ﻏﺎﺋﺒﺔ) .وﻣﻤﺎ ﻳﻀﻴﻒ ﻣﺰﻳﺪًا ﻣﻦ اﻟﺜﺮاء ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺘﺒﺎدل ،أن اﻟﻠﻐﺔ ﻛﺘﺄﺛري اﻟﻌﱪﻳﺔ املﻌﺎﴏة ﺗﻀﻢ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﱄ ﻛﻠﻤﺔ matzpunاﻟﺘﻲ ﺗﻘﱰب ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ »اﻟﻀﻤري« ً وأﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ اﻻﺷﺘﻘﺎﻗﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ »داﺧﻠﻴﺔ« اﻟﻌﱪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ »ﺑﻮﺻﻠﺔ« (.وﻟﻠﻜﻠﻤﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ » syneidesisﺳﻴﻨﻴﺪﻳﺴﻴﺲ« اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ »ﺳﻤﺔ داﺧﻠﻴﺔ وأﺻﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺳﻤﺎت اﻟﺒﺼرية اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ« ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﻣﻊ اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ ،وﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أن ﺗﺘﺸﺎرك ﻣﻊ اﻟﻀﻤري ﰲ ﻣﻌﻨًﻰ اﻧﻌﻜﺎﳼ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬات ،أو ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬات ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺬات .أﻣﺎ املﺮادﻓﺎت اﻟﺒﻮذﻳﺔ واﻟﻬﻨﺪوﺳﻴﺔ ﻓﺘﻘﱰب ﻣﻤﺎ ﺗﻄﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ املﻌﺎﴏة »اﻟﻮﻋﻲ« أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻘﱰب ﻣﻦ »اﻟﻀﻤري« ،ﻟﻜﻦ املﻔﻬﻮﻣني ﻛﺎﻧﺎ ﻏري ﻣﻨﻔﺼﻠني ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ .وﺗﻌﻨﻲ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ » sovestﺳﻮﻓﻴﺴﺖ« ،وﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻘﺘﺒﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﻋﱪ »اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺴﻼﻓﻴﺔ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ« ،وﺗﺸﱰك ﻣﻊ »اﻟﻀﻤري« ﰲ ﻣﻌﻨﻰ املﻌﺮﻓﺔ املﺸﱰﻛﺔ ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻳﺮﻣﺰ ﻟﻠﻮﻋﻲ ذاﺗﻲ اﻻﻧﻌﻜﺎس ﺑﺎملﻌﺮﻓﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻻﺷﺘﻘﺎﻗﻴﺔ، ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ املﻘﺎرﻧﺔ ﺑني ) conﻣﺸﱰك( ) scientia +ﻣﻌﺮﻓﺔ( و) so-ﻣﻊ( ) vest +ﻣﻌﺮﻓﺔ(. واملﻔﻬﻮﻣﺎن اﻟﻜﻮﻧﻔﻮﺷﻴﻮﺳﻴﺎن »ﻟﻴﺎﻧﺠﺸﻦ« )وﺗﻌﻨﻲ املﺸﺎﻋﺮ اﻟﻮدﻳﺔ ﻟﻠﻘﻠﺐ/ﻟﻠﻌﻘﻞ( و»ﻟﻴﺎﻧﺞ ﳾ« )وﺗﻌﻨﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺴﻠﻴﻢ أو ﺣﺴﻦ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ( ﻳﺘﺸﺎﺑﻬﺎن ﺗﺸﺎﺑﻬً ﺎ ﻣﺜريًا ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﻣﻊ اﻟﻀﻤري ﰲ ﺗﺄﻛﻴﺪﻫﻤﺎ ﻋﲆ وﺿﻊ ﺿﻮاﺑﻂ ذاﺗﻴﺔ ،وﻗﺪ أﺛﺮﻳﺎ املﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﺪاﺋﺮة ﺣﻮل اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ .وﺗﻀﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻔﻬﻮم »اﻟﺰاﺟﺮ« أو »املﻘﻴﺪ« اﻟﺬي ﻳﻌﺮف ﻛﺎﻟﺘﺎﱄ» :واﻋﻆ ﷲ ﰲ ﻗﻠﺐ املﺆﻣﻦ ،اﻟﻨﻮر املﻠﻘﻰ ﻓﻴﻪ واﻟﺬي ﻳﻌﻴﺪه إﱃ اﻟﺤﻖ« ،وﻫﻮ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻣﺸﺎﺑﻪ ﻟﻠﻀﻤري ﰲ ﺗﺄﻛﻴﺪه ﻋﲆ ﺗﺤﺮﻳﻢ ارﺗﻜﺎب اﻵﺛﺎم. ﻳﻘﻮل املﺜﻞ اﻟﺬي ﻳﻌﻮد ﻟﻠﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ »ﻛﻞ اﻟﻄﺮق ﺗﺆدي إﱃ ﻛﻮﻣﺒﻮﺳﺘﻴﻼ« ،وﺗﺬﻛﺮﻧﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ املﺘﻨﻮﻋﺔ ﺑﺄن ﻫﺪف اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻳﻮﺟﺪ ﺧﺎرج ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻟﻀﻤري 11
اﻟﻀﻤري
ﻛﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ داﺧﻠﻪ .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﻢ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺸﺎﺑﻪ ﻟﻠﻀﻤري، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﻪ ،ﻓﻜ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻓﺮوق دﻗﻴﻘﺔ وﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺗﺠﻌﻞ دراﺳﺔ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﺪة دراﺳﺔ ﻣﺠﺰﻳﺔ .وﻗﺪ اﻓﱰﺿﺖ اﻟﻠﻴﱪاﻟﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﺑﻮاﻛريﻫﺎ أن اﻟﻨﻈﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ ،وأﻧﻪ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ً دﻗﻴﻘﺎ ،وﺧﺎﺻﺔ ﰲ ﺳﻴﺎق ﻓﺮوق ﻣﻬﻤﺔ ﻳﺠﺐ اﻻﻋﱰاف ﺑﻬﺎ .ﻟﻜﻦ اﺗﻀﺢ أن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻟﻴﺲ اﻹﻋﻼﻧﺎت املﻘﱰﺣﺔ ﻟﻠﻀﻤري اﻟﺪوﱄ أو املﺒﺎدرات املﻘﱰﺣﺔ ﺑني اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت واملﻔﱰض ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻀﻤري .ﻓﺎﻻﺣﱰام املﺘﺒﺎدل ﺑني اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ﻻ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪات اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻟﻠﺘﺸﺎﺑﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﺘﻘﺪﻳﺮي ﺑﺎﻟﺨﺼﺎﺋﺺ املﻤﻴﺰة ﻟﻜﻞ ﻧﻈﺎم. وﻣﻤﺎ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ أن ﻣﺒﺪأ املﻘﺎرﻧﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻳﻘﻊ ﺧﺎرج ﻧﻄﺎق ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺔ وﺧﺎرج ﺣﺪود ﻣﻌﺮﻓﺔ املﺆﻟﻒ .وﺳﻮف ﺗﺮﻛﺰ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺔ ﻋﲆ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎﺻﺔ أﺛﻨﺎء ﺗﻄﻮرﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺪى أﻟﻔﻲ ﻋﺎم ﰲ اﻟﻐﺮب .إن اﻟﻀﻤري — ﰲ أﻓﻀﻞ أﺣﻮاﻟﻪ وأﻓﻀﻞ أﺣﻮاﻟﻨﺎ — ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺴﻤﻌﺔ اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ أﺣﺪ اﻹﺳﻬﺎﻣﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺒﺎﻋﺜﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﺨﺮ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﺮاﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .ﻓﻬﻮ ،ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻖ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻼﻫﻮت ﻫﻨﺮي ﺗﺸﺎدوﻳﻚ ذات ﻣﺮة ،ﻳﻘﻒ ﺣﺼﻨًﺎ »ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ً وﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ وﺛﺎﺋﻖ ﻣﺜﻞ »اﻹﻋﻼن اﻟﻌﺎملﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن« اﻧﺘﻘﺎص ﻗﺪر اﻹﻧﺴﺎن«. اﻟﺬي أﻋﻠﻨﺘﻪ اﻷﻣﻢ املﺘﺤﺪة وﺗﻘﻮم ﺑﻪ ﺑﻌﺾ املﻨﻈﻤﺎت ﻣﺜﻞ »ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﻔﻮ اﻟﺪوﻟﻴﺔ« وﻣﻨﻈﻤﺔ »رﺻﺪ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن« ،ﻓﺈن اﻟﻀﻤري ﻟﺪﻳﻪ اﻟﻜﺜري ﻛﻲ ﻳﻘﺪﻣﻪ ﻟﻠﻤﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﺪاﺋﺮة ﺣﻮل ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻟﻜﻦ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﻧﴩه ﻟﻠﻐﺎت واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷﺧﺮى، ﻓﺈن إدراك ﺗﻄﻮره اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ — ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﺎﻻت إﺳﺎءة اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ واملﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﻰ ﻋﻨﻬﺎ وﻣﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎت — ﺳﻮف ﻳﺸﺠﻊ ﻋﲆ اﻟﻮﺻﻮل ﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻮاﺿﻊ املﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺑﻬﺎ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻫﺬا املﻔﻬﻮم ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ.
12
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻀﻤﲑ اﳌﺴﻴﺤﻲ
املرياث اﻟﻮﺛﻨﻲ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ املﺎﴈ ﻗﺪ اﺣﺘﻀﻨﺖ اﻟﻀﻤري ﴎﻳﻌً ﺎ وﺑﻼ ﻋﻨﺎء ﻳﺬﻛﺮ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳُ َ ﻣﺴﻴﺤﻲ ﰲ أﺻﻮﻟﻪ .ﻟﻜﻦ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻛﻮﻧﺸﻴﻨﺘﻴﺎ )اﻟﻀﻤري( ﻈ ﱡﻦ أن ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻀﻤري ﱞ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻔﻬﻮﻣً ﺎ ﻣﺰدﻫ ًﺮا ﰲ ﻓﻦ اﻟﺨﻄﺎﺑﺔ اﻹﻗﻨﺎﻋﻲ واملﺮاﻓﻌﺎت اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻟﺪى اﻟﺮوﻣﺎن ﻗﺒﻞ ﻣﻮﻟﺪ املﺴﻴﺢ ﺑﻔﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ .وﻗﺪ ﻣﻨﺢ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻀﻤري ﻋﻨﺪ اﻟﺮوﻣﺎن اﻷﻓﻜﺎر املﺴﻴﺤﻴﺔ املﺒﻜﺮة ﻋﻦ اﻟﻀﻤري ﻗﻮاﻣً ﺎ وﺛﺮاءً ﰲ اﻟﺨﻴﺎل ،وﺳﻴﻠﻘﻲ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ اﻟﻀﻮء ﻋﲆ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ واﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري .وملﺎ ﻛﺎن ﻫﺬا املﻔﻬﻮم ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻞ ﻋﱪ ﻫﺬه اﻟﺘﺼﻮرات ،ﻓﻘﺪ ﻇﻞ ﻣﺆﺛ ًﺮا ﻋﲆ رؤﻳﺘﻨﺎ ﻟﻠﻀﻤري ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺎﴐ. ﻛﺎن أﺳﺎس اﻟﻀﻤري اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ ﻫﻮ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم أو ﻣﺎ اﺗﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ املﺠﺘﻤﻊ؛ وﻣﻦ ﺛ ﱠﻢَ ﻓﺈن اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﲆ ﺧﻼف ﻣﻊ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم أو اﻻﺗﻔﺎق اﻟﺠﻤﻌﻲ ﻳﺠﺪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﺘﺄﻧﻴﺐ اﻟﻀﻤري واﺗﻬﺎﻣﺎﺗﻪ .وﻛﺎن ﺷﻴﴩون ﰲ ﺧﻄﺎﺑﺎﺗﻪ اﻟﺠﻤﺎﻫريﻳﺔ ﻳﺴﺘﻐﻞ اﻵراء وﻳﻄﻮﻋﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إدﺧﺎل اﻟﻀﻤري ﰲ ﺳﺠﺎﻻﺗﻪ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ املﻮﻛﻠني وﰲ إداﻧﺎﺗﻪ ﻟﻠﻤﺬﻧﺒني واملﺘﻜﱪﻳﻦ .وﰲ ﺧﻄﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »دﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻦ ﻣﺎﻳﻠﻮ« ،ﻳﻘﻮل ﺷﻴﴩون إن اﻟﻀﻤري ﻫﻮ املﴪح اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻠﻔﻀﻴﻠﺔ ،وﰲ ذﻟﻚ املﴪح ﻳﺆدي املﺮء دوره ﰲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال .وﻫﻮ ﻳﻘﻮل إن ﻣﻮﻛﻠﻪ ﻣﺎﻳﻠﻮ ﻗﺪ ﺳﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎره ﻷن ﻗﻮة اﻟﻀﻤري دﻋﻤﺘﻪ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻃﺎردﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﻄﺎرد املﺬﻧﺒني ﺑﺘﺼﻮرات ﻋﻦ اﻟﻌﻘﺎب .وﻳﺮى ﺷﻴﴩون أن اﻟﻀﻤري ً أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﱪاءة اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ .أﻣﺎ اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺎﺳﺪ ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻀﻢ إﱃ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻛﻲ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻣﻦ أﺧ ﱡﻠﻮا ﺑﺎملﻌﺎﻳري اﻟﻌﺎﻣﺔ .وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﰲ ﺧﻄﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »دﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻦ ﺳﻴﻜﺴﺘﻮ روﺷﻮ« :دﻋﻚ ﻣﻦ اﻟﻐﻀﺐ اﻟﺸﺪﻳﺪ؛ ﻓﺎملﺬﻧﺒﻮن ﻳﻌﺬﺑﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﻔﻜري ﰲ أﻓﻌﺎﻟﻬﻢ اﻵﺛﻤﺔ ،وﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺘﻨﻐﻴﺺ وﻳﻜﺎد ﻳُﺠﻦ ملﻌﺮﻓﺘﻪ ﺑﺎﻟﺠﺮم اﻟﺬي
اﻟﻀﻤري
ارﺗﻜﺒﻪ وﺗﺮوﻋﻪ أﻓﻜﺎره وﺿﻤريه اﻵﺛﻢ .وﻗﺪ ﺣﺎول اﻟﺨﻄﻴﺐ اﻟﺠﺪﱄ ﻛﻮﻳﻨﺘﻴﻠﻴﺎن أن ﻳﺜﺒﺖ أن ﻣﻦ ﻳَﺤِ ﺪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ،ﺳﻮاء ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ أو ﻣﻦ اﻟﻀﻤري املﺬﻧﺐ .وﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻟﺤﺮوب اﻷﻫﻠﻴﺔ« واﻟﺬي ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻟﻠﻘﺮن اﻷول ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،ﻳﺨﱪﻧﺎ ﻳﻮﻟﻴﻮس ﻗﻴﴫ ﻋﻦ اﻟﻀﺒﺎط اﻟﻔﺎﺳﺪﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺤﻤﻠﻮن املﻬﺎﻧﺔ ﻣﻦ رﻓﺎﻗﻬﻢ وذوﻳﻬﻢ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﻌﺬاب اﻟﺪاﺧﲇ ﻟﻠﻌﻘﻞ أو اﻟﺮوح ﻣﻦ اﻟﻀﻤري. وﻣﺮة أﺧﺮى ﻳﺨﱪﻧﺎ ﺷﻴﴩون ﻋﻦ ﻗﻴﴫ ﰲ ﺧﻄﺒﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻋﻦ اﻟﻮاﺟﺒﺎت« ً ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ» :ﻣﺎ اﻵﺛﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻘﺪ أن ﺿﻤريه ﻣﺜﻘﻞ ﺑﻬﺎ؟ وﻣﺎ اﻟﺠﺮاح اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ روﺣﻪ؟« وﺗﻌﺪ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻀﻤري ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﺣﺘﻰ إن أﺣﺪ ﻛﺘﺐ اﻟﺒﻼﻏﺔ املﻌﺎﴏة واﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻟﺒﻼﻏﺔ ﻟﻬريﻳﻨﻴﻮ« ﻳﻨﺼﺢ املﺪﱠﻋﻲ ﺑﺄن ﻳﻘﻮل إن ﺧﺼﻤﻪ ﻗﺪ أﺑﺪى ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻀﻤري اﻟﻴﻘﻆ، ً ﺧﺠﻼ أو ﻳﺼﺒﺢ ﺷﺎﺣﺒًﺎ أو ﻳﺘﻠﻌﺜﻢ أو ﻳﺘﻔﻮه ﺑﻜﻼم ﻏري ﻣﱰاﺑﻂ أي إﻧﻪ ﺷﻮﻫﺪ ووﺟﻬﻪ ﻳﺤﻤ ﱡﺮ أو ﻳﺒﺪي ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺮﻳﺒﺔ أو ﻳﻔﻀﺢ ﻧﻔﺴﻪ. وﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﻀﻤري — ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﺨﺪاع واﻟﺠﺮح واﻟﻮﺳﻢ أو اﻟﻮﺻﻢ — ﻟﻬﺎ ﻃﺎﺑﻊ ﻣﺄﻟﻮف ،ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻣﺎ زال ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﰲ ﻣﺤﺎوﻻت ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻣﻨﺬ أﻟﻔﻲ ﻋﺎم ملﻀﺎﻳﻘﺔ اﻷﴍار ودﻋﻢ اﻷﺧﻴﺎر ،وإﺻﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻳﺘﺠﺎﻫﻠﻮن اﻧﺘﻘﺎداﺗﻪ اﻟﻼذﻋﺔ ﺑﺎﻷﻟﻢ واﻟﺮﻋﺐ وﺷﺤﻮب اﻟﻮﺟﻪ واﻟﺮﺟﻔﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ وذﻟﻚ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻣﻨﺎﺳﺒَني ﻟﻠﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ اﻟﻨﺎﺷﺊ اﻟﺬي واﺟﻬﺘﻪ ﻣﻬﺎم ﻣﺘﻌﺪدة ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﻫﺪاﻳﺔ املﱰددﻳﻦ وﺗﻬﺬﻳﺐ املﺆﻣﻨني اﻟﺠﺪد ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺗﺸﺠﻴﻊ املﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ واﻹﺻﻼح اﻟﺸﺨﴢ ﰲ ﻧﻈﺎﻣﻪ .وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻗﺪ أﺛﺒﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻛﻮﻧﻪ ﱢ ﻣﺤﻔ ًﺰا ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ وداﻓﻌً ﺎ ﻟﺘﻐﻴري اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ً ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻠﺘﻜﻴﻒ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻊ اﻟﺘﻄﻠﻌﺎت واﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت املﺴﻴﺤﻴﺔ ،وﻻ ﻋﺠﺐ أن اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﺗﻤﺴﻜﺖ ﺑﻪ واﺳﺘﻔﺎﺿﺖ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻪ ﺑﺤﻤﺎس ﺷﺪﻳﺪ ﺣﺘﻰ إﻧﻪ أﺻﺒﺢ أﺣﺪ املﻜﻮﻧﺎت اﻷوﱃ واﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻟﻠﺮؤﻳﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ. املﺬﻫﺐ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ واﻟﻀﻤري ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻻﺳﺘﻴﻼء املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ﻫﻮ اﺧﺘﻴﺎر ﺟريوم ﻟﻜﻠﻤﺔ »ﻛﻮﻧﺸﻴﻨﺘﻴﺎ« اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﰲ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ ﻟﻠﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ إﱃ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ .ﻓﻔﻲ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﺗﻌﺘﻤﺪ رﺳﺎﺋﻞ ﺑﻮﻟﺲ ﻋﲆ ﻣﺼﻄﻠﺢ » syneidesisﺳﻴﻨﻴﺪﻳﺴﻴﺲ« ،وﻫﻮ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻋﺎم ﺷﺎﻣﻞ ﻳﺴﺒﻖ »ﻛﻮﻧﺸﻴﻨﺘﻴﺎ« ﰲ اﻹﻳﺤﺎء ﺑﻤﻌﻨﻰ املﻌﺮﻓﺔ املﺸﱰﻛﺔ أو املﻌﺮﻓﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺬات »اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮف ﺑﺬاﺗﻬﺎ« .وﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻻﺳﻢ »ﺳﻴﻨﻴﺪﻳﺴﻴﺲ« إﱃ »ﻛﻮﻧﺸﻴﻨﺘﻴﺎ« ،ﻗﺪم ﺟريوم ﻫﺬا املﺼﻄﻠﺢ اﻷﺧري ﰲ ﺧﻄﻮة 14
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
واﺣﺪة ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﻮﻋً ﺎ ﺷﺪﻳﺪ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬات ﰲ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن املﺼﻄﻠﺤني ﻟﻴﺴﺎ ﻣﱰادﻓني ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻓﺒﺎﺧﺘﻴﺎره ﻣﺼﻄﻠﺢ »ﻛﻮﻧﺸﻴﻨﺘﻴﺎ« ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺟريوم ً ً ﻓﺄوﻻ ﻛﺎن ﺗﺎرﻳﺦ ﻛﻠﻤﺔ »ﻛﻮﻧﺸﻴﻨﺘﻴﺎ« ﻳﺮﺑﻄﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ، ﺗﺠﻨﺐ ﺑﻌﺾ ﻣﺪﻟﻮﻻﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻧﺖ ﺣﺘﻤً ﺎ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻌﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ واملﺠﺎل اﻟﻌﺎم .وﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻌﺪ »ﺳﻴﻨﻴﺪﻳﺴﻴﺲ« ﺻﻔﺔ داﺧﻠﻴﺔ ﻣﺘﺄﺻﻠﺔ ﰲ اﻟﻔﺮد ،ﺗﻌﺪ »ﻛﻮﻧﺸﻴﻨﺘﻴﺎ« ﻣﺼﻄﻠﺤً ﺎ ذا وﺟﻪ ﻣﺰدوج ﻳﻨﻈﺮ ﰲ اﺗﺠﺎﻫني :داﺧﻠﻴٍّﺎ ﺑﻼ رﻳﺐ، ﻟﻜﻦ ً أﻳﻀﺎ ﺧﺎرﺟﻴٍّﺎ إﱃ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم واﻟﻘﻴﻢ املﺸﱰﻛﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺸﻴﴩوﻧﻲ واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ .وﻫﻜﺬا ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻀﻤري اﻹﻧﺠﻴﲇ واملﺴﻴﺤﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ؛ ﺣﻴﺚ ﻣﺰﺟﺖ ﺑني ﻣﺒﺎدئ اﻟﻮﻋﻲ اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺨﺎص واﻟﺘﻮﻗﻌﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ .وﻛﺎن ﻫﺬا املﺰج — أو رﺑﻤﺎ اﻟﺘﺸﻮش املﺤﺘﻤﻞ — ﺑني اﻟﺠﺎﻧﺒني اﻟﺪاﺧﲇ واﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ رﺑﻤﺎ ﺳﻴﻈﻞ ﻳﺨﺪم ﺳﻴﱢﺪَﻳﻦ ﻟﻸﺑﺪ :ﺻﺎﺣﺒﻪ أو اﻟﺨﺎﺿﻊ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،واﻵراء املﺬﻫﺒﻴﺔ أو اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻟﺮاﻋﻴﻪ اﻟﻜﻨﺎﺋﴘ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى. ﺳﻮف ﺗﻈﻞ ﺗﺼﻮرات اﻟﻀﻤري اﻟﺘﻲ وردت ﰲ رﺳﺎﺋﻞ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ — ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻠﺘﻬﺎ ً وأﻳﻀﺎ أﺳﺒﺎﺑًﺎ ﻟﻠﺠﺪال ﻋﱪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺟريوم اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ إﱃ اﻟﻐﺮب — ﻣﻘﺎﻳﻴﺲ ﺛﺎﺑﺘﺔ املﺴﻴﺤﻲ اﻟﻼﺣﻖ .وﺗﻈﻬﺮ أﻛﺜﺮ ﻫﺬه اﻟﺘﺼﻮرات ﺗﺄﺛريًا ﰲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ إﱃ أﻫﻞ روﻣﻴﺔ ﰲ اﻹﺻﺤﺎح اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻵﻳﺎت ،١٦–١٤اﻟﺘﻲ ﻳﻮﺿﺢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ أن اﻟﻴﻬﻮد ﺗﺤﻜﻤﻬﻢ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﻢ ،أﻣﺎ ﻏري اﻟﻴﻬﻮد أو املﺴﻴﺤﻴني ﻓﻬﻢ ﻳﺤﻜﻤﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻳﻈﻬﺮ أﺛﺮ اﻟﻨﺎﻣﻮس ﻣﺤﻔﻮ ًرا ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،ﺣﻴﺚ إن ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ .وﻫﻜﺬا ﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري ﻟﺪى اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﺟﺰءًا أﺳﺎﺳﻴٍّﺎ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ؛ وﻫﺪﻳﺔ ﻣﺒﺎﴍة وﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﻦ ﷲ إﱃ املﺆﻣﻦ؛ وﻫﻮ رأي ﺳﻮف ﻳﺰداد أﻫﻤﻴﺔ ﻣﻊ ﻇﻬﻮر اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﺬاﻫﺐ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻷوﱃ .ﻟﻜﻦ اﻟﻀﻤري ﻟﺪﻳﻪ ﻳﺆدي ً أﻳﻀﺎ دو ًرا ﻗﻀﺎﺋﻴٍّﺎ أﻋﻢ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻘﴤ ﺑني اﻷﻓﻜﺎر املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وأﺧريًا ﻓﻬﻮ ﻳﺸﻬﺪ أﻣﺎم ﷲ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ. ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻨﺎﴏ ﺷﺪﻳﺪة اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﰲ رواﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ أوﻏﺴﻄني ﻣﻦ ﻫﻴﺒﻮ رﻳﺠﻴﻮس ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﻦ ﺗﺤﻮﱡﻟﻪ إﱃ اﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ. ﻓﻘﺪ وُﻟﺪ أوﻏﺴﻄني وﺛﻨﻴٍّﺎ ،ﱠ وﺛﻘﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ اﻷدب اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،وﻗﴣ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ً ﻣﺘﻨﻘﻼ ﺑني اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺤﻮل ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ وﻳﺘﺒﻮأ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻛﺄﺣﺪ ﻣﺆﺳﴘ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ .وﻫﻮ ﻳﺼﻒ ﰲ ﺻﻔﺤﺘﻲ ٣٩٨-٣٩٧ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻻﻋﱰاﻓﺎت« ﻃﺮﻳﻘﻪ إﱃ اﻟﺘﺤﻮل ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﻳﺘﻀﻤﻦ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻠﻬﻮ واﻟﺘﺒﺎﻃﺆ .ﻓﺤﺘﻰ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺤﻮل ﻋﺪد ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ إﱃ املﺴﻴﺤﻴﺔ ،ﻇﻞ ﻣﱰددًا ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﻴﻘني ﺑﺸﺄن ﺧﻴﺎره .وﻳﺨﺎﻃﺒﻪ ﺿﻤريه وﻫﻮ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل ،وﻫﻮ ﺿﻤري ﻳﻘﻆ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺑﺸﺄن ﺗﺄﺧريه اﻟﺬي ﻻ داﻋﻲ ﻟﻪ: 15
اﻟﻀﻤري
ﻟﻘﺪ أﺗﻰ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن أﺗﺠﺮد ﻓﻴﻪ أﻣﺎم ﻧﻔﴘ وﻳﺘﻤﺘﻢ ﺿﻤريي ﺑﺪاﺧﲇ ً ﻗﺎﺋﻼ» :أﻳﻦ ﻟﺴﺎﻧﻲ؟ ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻚ ﻗﺪ ﻇﻠﻠﺖ ﺗﺆﻛﺪ أﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻄﺮح ﻋﺐء اﻟﻜﱪ ﻷﺟﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻏري ﻣﺆﻛﺪة .ﻟﻜﻦ اﻧﻈﺮ ،ﻓﺎﻷﻣﻮر اﻵن ﻣﺆﻛﺪة ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻣﻬﻤﻮﻣً ﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻌﺐء ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻵﺧﺮون اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺮﻫﻘﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻫﻜﺬا ﰲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻟﻢ ﻳﻘﻀﻮا ﻋﴩة أﻋﻮام وأﻛﺜﺮ ﻳﻔﻜﺮون ﰲ اﻷﻣﺮ ﻗﺪ ﺗﺨﻠﺼﻮا ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ أﻋﺒﺎﺋﻬﻢ «.وﻫﻜﺬا ﻓﻘﺪ أُﺻﺒﺖ ﺑﺎﻟﻀﻴﻖ اﻟﺪاﺧﲇ وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺤرية اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ واﻟﺨﺰي اﻟﺸﺪﻳﺪ. إن اﻟﻀﻤري ﻳﺘﺤﺪث ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﻣﺸﱰك ﻣﻊ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻀﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻨﺎﴏ ووﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ .وﻳﻜﻤﻦ أﺣﺪ املﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻟﻠﺘﻨﺎﻗﺾ ﺑني ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻀﻤري وﺳﻠﻮﻛﻪ ﰲ أﺻﻞ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ» :ﻛﻮن« » +ﺷﻴﻨﺘﻴﺎ«؛ ﻓﻜﻠﻤﺔ »ﺷﻴﻨﺘﻴﺎ« ﺗﻌﻨﻲ املﻌﺮﻓﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ،أو »ﻛﻮن« .واﻟﻀﻤري ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬات ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺸري ً أﻳﻀﺎ إﱃ املﻌﺮﻓﺔ املﺸﱰﻛﺔ ﻣﻊ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ أو أﺷﺨﺎص آﺧﺮﻳﻦ ،أو اﻧﻌﻜﺎﺳﻴٍّﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬات ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺬات .وﻫﻜﺬا ﻳﺒﺪو أن اﻟﻀﻤري ﻳﺘﺤﺪث إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻛﻤﻌﺮﻓﺔ داﺧﻠﻴﺔ — ﻣﻌﺮﻓﺔ ً ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ املﺮء ﰲ داﺧﻠﻪ — ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺪل ً ﺷﻤﻮﻻ ﺑﺸﺌﻮن أﻳﻀﺎ ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ أﻛﺜﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ملﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ »اﻵﺧﺮون« وﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮه ،أو ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ رﻓﺎق أوﻏﺴﻄني ﻗﺪ ﺗﺤﻮﻟﻮا إﱃ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ. ً وأﻳﻀﺎ ﻗﺪر ﻣﻦ ﴎﻋﺔ اﻟﻐﻀﺐ ﻛﺎﻧﺖ »ﺷﺨﺼﻴﺔ« اﻟﻀﻤري — اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﻧﻔﺎد اﻟﺼﱪ — ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺎﻣﻞ وﺳﻠﻴﻢ .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﺟﺰء ﺟﻮﻫﺮي ﻣﻦ أوﻏﺴﻄني، ً ﻣﺤﺮﺿﺎ ﻟﻪ ﻋﲆ اﻟﺨﻄﺄ ،وﻫﻮ ﺻﻮت »املﻌﺎرﺿﺔ ا ُملﺨﻠِﺼﺔ« ،وﻫﻲ ﻣُﺨﻠِﺼﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻧﺎد ًرا ﻣﺎ ﻳﻌﺪ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻋﻨﻴﻔﺔ .اﺳﺘﺨﺪم أوﻏﺴﻄني ﻫﻨﺎ ﻛﻠﻤﺔ increpareﺑﻤﻌﻨﻰ ﻳﺘﻤﺘﻢ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻦ املﻌﺎﻧﻲ اﻷﺧﺮى ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻮﺑﻴﺦ واﻟﺘﻘﺮﻳﻊ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺿﻤري أوﻏﺴﻄني ﺑﻜﺜﺮة، ً ﻣﺴﺘﻌﺮﺿﺎ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ »إزﻋﺎﺟﻪ« وإﺛﺎرة ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﻬﺎﺟﻢ أوﻏﺴﻄني ملﺮاوﻏﺘﻪ اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﺷﻌﻮره ﺑﺎﻟﺨﺰي ،وﻫﻲ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻀﻤري اﻟﺘﻲ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﻼزﻣﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم .وﻻ ﺗﻀﻢ ﺗﺮﺳﺎﻧﺔ أﺳﻠﺤﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻞ املﻤﻴﺰة اﻹﻟﺤﺎح املﺴﺘﻤﺮ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ املﺤﺎﻛﺎة اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻟﻨﻮﺑﺎت اﻟﱰدد ﻟﺪى أوﻏﺴﻄني وﺗﱪﻳﺮاﺗﻪ .وأﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري أن ﻗﻮﺗﻪ اﻟﺪاﻓﻌﺔ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ وﺣﺮﻳﺼﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﺤﺴني اﻟﺬاﺗﻲ ،وﺻﻮﺗﻪ ﻳﺴﻌﻰ إﱃ اﺗﺨﺎذ إﺟﺮاءات ،وﻫﻮ ﻟﻦ ﻳﺼﻤﺖ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻘﻖ أﻫﺪاﻓﻪ. 16
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
ملﺎذا ﻳﺤﺘﻤﻞ أوﻏﺴﻄني ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻮد املﺸﱰك اﻟﻌﻨﻴﺪ ﺻﻌﺐ اﻹرﺿﺎء؟ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻷن اﻟﻀﻤري ﻣﻮﺟﻮد ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ داﺧﻞ أﺳﻮار اﻟﺬات ،وﻳﺠﺐ ﻋﲆ أﻳﺔ ﺣﺎل أن ﻳﺆﺧﺬ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر، ً ﺷﻤﻮﻻ؛ ﻓﻬﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻷﻧﻪ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻣﻌﺮﻓﺔ وﺳﻠﻄﺔ ﺧﺎﺻﺘني ﻣﻦ ﻧﻮع أﻛﺜﺮ أﻛﺜﺮ أﻫﻤﻴﺔ ﻳﺠﺐ أﺧﺬﻫﺎ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر .وﺑﻮﺳﻌﻨﺎ أن ﻧﺼﻮغ ذﻟﻚ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻗﺎﺋﻠني :إن اﻟﻀﻤري ﻳﻌﻠﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻤﻪ أوﻏﺴﻄني )ﻛﻞ ﳾء ﻋﻦ أﻋﻮاﻣﻪ اﻟﻌﴩة ﻣﻦ املﺮاوﻏﺔ واﻟﺘﺄﺧري( ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ املﺰﻳﺪ )ﻛﻞ ﳾء ﻋﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ واﺳﺘﻐﻼل أﺻﺪﻗﺎء أوﻏﺴﻄني ﻟﻮﻗﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻓﻀﻞ( .وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻳﺴﺘﻐﻞ ﻫﺬا املﻮﻗﻊ اﻻﺳﱰاﺗﻴﺠﻲ ً ً ﻛﺎﻣﻼ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻼﺋﻢ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﻲ ﻳﺪﻋﻮ اﺳﺘﻐﻼﻻ اﻷﺳﻤﻰ — ﻋﲆ اﻟﺤﺪود ﺑني اﻟﺬات واﻵﺧﺮ — أوﻏﺴﻄني ﻧﺤﻮ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺬاﺗﻪ وﺑﺎﻟﺨﻴﺎرات اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺘﺨﺬﻫﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل املﺘﻘﻠﺒﺔ ُﺳﻠﻢ اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ اﻟﺒﺪاﺋﻲ إﱃ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻼﺣﻘﺔ ﰲ اﻟﻔﱰة اﻟﺘﻲ ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻵن اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ازدﻫﺮ ووﺿﺤﺖ ﺑﻌﺾ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎﺗﻪ اﻟﻐﺰﻳﺮة ﺗﺤﺖ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .وﺑﻮﺻﻔﻪ ﺻﻮﺗًﺎ ﻳﺘﺄرﺟﺢ ﻣﺎ ﺑني اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻨﺎوب ﺑني دو َري اﻟﺼﺪﻳﻖ واﻟﻌﺪو؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮم أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺑﺪور املﺸﺠﻊ املﺆﻳﺪ وأﺣﻴﺎﻧًﺎ أﺧﺮى ﻳﻘﻮم ﺑﺪور ﻗﺎس .وﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ أﺳﻮأ ﻧﻘﺎط ﺿﻌﻒ املﺮء ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺨﺎﻃﺒﻬﺎ ﰲ ﻧﻄﺎق ﻣﻌﺎﻳري ﺷﺎﻣﻠﺔ إﺻﻼﺣﻲ ٍ وﻋﻘﻼﻧﻴﺔ ،وﻫﻮ ﰲ آن واﺣﺪ ﻳﺆﺳﺲ ﺷﻌﻮ ًرا ﻗﻮﻳٍّﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،واﻧﻘﺴﺎﻣً ﺎ داﺋﻤً ﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺬات ﺑني املﻴﻞ اﻟﺨﺎص واﻹﺟﻤﺎع اﻟﻌﺎم ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى .وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ ﻣﺘﻨﻮﻋً ﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺔ ﻧﺸﺄﺗﻪ — وﺑﺬﻟﻚ املﻌﻨﻰ ﻓﻬﻮ ﺣﻴﻮي وﻣﺘﻘﻠﺐ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ — ﻓﻘﺪ ﺿﻤﻦ ﻃﻮﻳﻼ ً ً ً ﻻﺣﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﺛري اﻟﻀﺨﻢ واﻟﺨﻼف اﻟﻌﻘﺎﺋﺪي اﻟﺪاﺋﻢ. ﺗﺎرﻳﺨﺎ ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ واﺣﺪة ﻛﺎن ﻻﺗﺤﺎد اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ واﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺗﺄﺛري ﺑﺎﻋﺚ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻘﺮار؛ ﻓﻸول ﻣﺮة أﺻﺒﺢ اﻟﻀﻤري — ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻮل ﺣﺴﺐ ﺗﻘﻠﺒﺎت املﻮﻗﻒ واﻟﺮأي اﻟﻌﺎم — ﻣﺰودًا ﺑﻤﺤﺘﻮًى راﺳﺦ ﰲ ﺻﻮرة اﻟﻼﻫﻮت املﺴﻴﺤﻲ واﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﻮاردة ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ واملﻤﺎرﺳﺎت املﺆﺳﺴﻴﺔ .واﺣﺘﻔﻆ اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﻘﺪرﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺪاﺧﲇ وﻣﺨﺎﻃﺒﺔ ﺑﺎﻃﻦ املﺮء ،ﻟﻜﻦ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن ﻟﻠﺘﺴﺎؤل ﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﻘﻮل ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ. وﻗﺪ ُ ﺻﻮﱢرت ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل اﻟﺘﻲ »ﻳﻨﺸﺄ« ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻤري وﻟﺪﻳﻪ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻘﻮﻳﻢ واﻹﻳﻤﺎن اﻟﺼﺤﻴﺢ ﰲ إﺣﺪى دراﺳﺎت اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻔﺼﻴﻼً ﻟﺬﻟﻚ املﻮﺿﻮع ،وﻫﻲ دراﺳﺔ اﻟﺮاﻫﺐ اﻟﺒﻨﻴﺪﻛﺘﻲ ﺑﻴﱰ ﻣﻦ ﺳﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻋﻦ اﻟﻀﻤري« ،ﺣﻴﺚ ﻳﺠﺮي إﻋﺪاد ﻗﺎﻋﺔ اﺣﺘﻔﺎل راﺋﻌﺔ ﻟﻜﻦ اﻟﻀﻴﻒ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ ﺑﻌﺪ: ﺗﺨﻴﻞ ﻣﺎﺋﺪة ﻋﺎﻣﺮة ﺑﺄﺻﻨﺎف ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم … وﻫﺐ أن ﻛﻞ ﳾء ﻣﻬﻴﺄ ﺑﻨﻈﺎم ﺗﺎم ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﻌﻮزه اﻷﻧﺎﻗﺔ ،وﻻ ﻳﻜﻮن زاﺋﺪًا ﻋﻦ اﻟﺤﺎﺟﺔ أو ﺑﺎﻋﺜًﺎ ﻋﲆ 17
اﻟﻀﻤري
اﻟﻀﺠﺮ .ﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﱄ ﻫﺐ أن أﺟﻤﻞ اﻷﻣﺎﻛﻦ وأﻛﺜﺮﻫﺎ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ — ذﻟﻚ املﺨﺼﺺ ﻟﻠﻤﻠﻜﺔ ورﺑﺔ اﻟﺒﻴﺖ — ﺧﺎﻟﻴًﺎ … وأﺧريًا ﺗﺼﻞ املﺮأة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮارى ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻘﻤﺮ رﻫﺒﺔ أﻣﺎم ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺠﻠﺲ ﺗُﻐﻠﻖ اﻷﺑﻮاب وﻳﻜﺘﻤﻞ ﺿﻴﻮف وﻟﻴﻤﺔ اﻟﺰﻓﺎف .وﻳُﻌ َﻠﻦ اﺳﻤﻬﺎ ﻟﻠﺒﻼط املﻠﻜﻲ :ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺪة ﺗﺪﻋﻰ »اﻟﻀﻤري«. ً ﻣﺮﺳﻼ ﻣﻦ ﷲ إﱃ اﻟﺮوح املﺴﻴﺤﻴﺔ املﺘﻘﺒﻠﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﺧﺎوي وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﺣﺎﻣﻼ ﺧﺰاﺋﻦ اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻀﻢ أوراق ﻫﻮﻳﺘﻪ ووﺻﻴﺘﻪ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً ً أﻳﻀﺎ اﻟﻮﻓﺎض ،ﺑﻞ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت ﻏﺮﻓﺘﻪ املﻤﺘﻠﺌﺔ .وﺗﺘﻜﻮن ﺗﻠﻚ املﺤﺘﻮﻳﺎت — ﻫﻨﺎ وﰲ أﻣﺎﻛﻦ أﺧﺮى — ﻣﻦ آراء ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻳﻌﺘﻨﻘﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس :ﻛﺎﻟﺸﻬﺎدة اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﻳﺴني وﻛﻬﻨﺔ اﻻﻋﱰاف واملﺠﺎﻟﺲ واملﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ املﺨﻮﱠل ﻟﻬﺎ ﺗﻔﺴري ﻧﺴﺨﺔ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس املﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ. ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﻼﺣﻈﺎت ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ ﻟﻠﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎول ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻀﻤري .وﻳﻮﺣﻲ اﻟﻌﻨﻮان املﺜري »اﻹزﻋﺎج املﺘﻜﺮر ﻟﻠﻀﻤري« ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﺬات ،ﻟﻜﻦ ﻣﺘﻦ اﻟﻨﺺ ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﴎد ﻟﻠﻤﻼﻣﺢ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ واملﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻠﺘﻮﺑﺔ واﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺠﻤﻴﻊ املﺴﻴﺤﻴني أن ﻳﻌﺘﻤﺪوا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،وﻫﻲ :وﺻﺎﻳﺎ ﷲ واﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﺴﺒﻊ املﻤﻴﺘﺔ وﻣﺎ ﻳﺘﻔﺮع ﻣﻨﻬﺎ وﻗﻮاﻧني اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻘﻴﺔ واﻟﺼﻼة اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ وﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻻﻋﱰاف .وﻳﻨﺸﺄ اﻟﻀﻤري ﻋَ َﺮ ً ﺿﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺛﺎﻧﻮﻳﺔ ملﻤﺎرﺳﺔ اﻻﻋﱰاف ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺳﻠﻴﻢ ،وﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﻳُﻘﻴﱢﻢ اﻟﻨﺎدم ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻷﺳﻒ اﻟﺸﺪﻳﺪ و»ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﺒﻠﻞ وﺳﺎدﺗﻪ ﺑﺪﻣﻮﻋﻪ« .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﻨﻮان اﻟﺬي ﻳﺘﻀﻤﻦ ٍّ ﺣﺴﺎ ﺻﺤﻔﻴٍّﺎ ،ﻓﺈن ﻗﺼﻴﺪة »وﺧﺰ ً ﺗﺤﻠﻴﻼ ﻟﻠﻀﻤري اﻟﻔﺮدي اﻟﻀﻤري« اﻟﺘﻲ ُﻛﺘﺒﺖ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ أو اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ﻻ ﺗﻌﺪ أو اﻟﺸﺨﴢ ﻗﺪر ﻣﺎ ﻫﻲ ﺑﺤﺚ ﰲ اﻟﻌﻘﻴﺪة املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎع )اﻟﺨﻮف ﻣﻦ املﻮت واﻟﺠﺤﻴﻢ واملﻄﻬﺮ وﻋﻼﻣﺎت ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ واﻟﺤﺴﺎب وﻣﻜﺎﻓﺂت اﻟﺴﻤﺎء( .وﻟﻢ ﻳُﺬﻛﺮ اﻟﻀﻤري ﺳﻮى ﻋ َﺮ ً املﺘﻬﻤني اﻟﺨﻤﺴﺔ ﻋﴩ )إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺸﻴﺎﻃني واملﻼﺋﻜﺔ ﺿﺎ ﰲ اﻟﻘﺼﻴﺪة ،ﻣﺮة ﺑﻮﺻﻔﻪ أﺣﺪ ِ واﻟﺸﻬﺪاء وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ( اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﴬون ﻟﻠﺸﻬﺎدة ﺿﺪ اﻷﴍار ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب ،وﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﻮﺻﻔﻪ أﺣﺪ أﻧﻮاع اﻵﻻم اﻷرﺑﻌﺔ ﻋﴩ ﰲ اﻟﺠﺤﻴﻢ )ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﱪد واﻟﺠﻮع وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ( .وﻛﺎﻟﻌﺎدة ﺳﻮف ﻳﺴﺒﺐ اﻟﻀﻤري ﻣﻀﺎﻳﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ — ﻣﺜﻞ »اﻹزﻋﺎج« ٍّ ﺧﺎﺻﺎ و»اﻟﻌﺾ ﻛﺎﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻀﺎرة« — ﻟﻜﻦ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ ﻣﺸﱰك ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻔﺮد اﻟﻨﺎدم وﺣﺪه. 18
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
ﻻ أرﻏﺐ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﰲ إﻃﻼق أﺣﻜﺎم ﻋﺎﻣﺔ ﻏري ذات ﺟﺪوى ﻋﻦ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺣﻘﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ؛ وذﻟﻚ ﻷن اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻛﺎن ﻣﻔﻬﻮﻣً ﺎ ﻣﺘﺤﺮ ًﻛﺎ ﺷﺪﻳﺪ املﺮوﻧﺔ ،وﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺬي ﺗﺘﺨﺬه ﻧﺼﺎﺋﺤﻪ ً ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻠﺘﻨﺒﺆ ﺑﻪ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ،ﻓﻤﺎ زاﻟﺖ ﻫﻨﺎك ﻛﻞ املﻮﺿﻮﻋﺎت املﺄﻟﻮﻓﺔ واملﺘﻌﺎرﺿﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﻌﻤﲇ .وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ إﻳﻀﺎح ﻋﻤﻖ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ وﺗﻨﻮﻋﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أﺣﺪ أﻫﻢ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ وﻳﻠﻴﺎم ﻻﻧﺠﻼﻧﺪ ﺑﻌﻨﻮان »اﻟﻔﻼح ﺑريس«، وﻫﻲ ﻗﺼﻴﺪة رﻣﺰﻳﺔ ،ﺗُﺪﻋﻰ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ املﺤﻮرﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ وﻳﻞ ،وﻫﻮ ﺷﺨﺺ ﺗﻮاﺟﻬﻪ ﺻﻌﻮﺑﺎت وﺗﺤﺪﻳﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﻤﻴﻴﺰ واﻻﺧﺘﻴﺎر .وﺗﻤﺜﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﺎت اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻤري )وﻫﻮ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﺧﻼل ﻣﻌﻈﻢ أﺟﺰاء اﻟﻘﺼﻴﺪة( ﺻﻔﺎت ﺗﻘﻊ داﺧﻞ ﻋﻘﻞ وﻳﻞ وﺧﺎرﺟﻪ .وﻳﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﻀﻤري — اﻟﺬي أﺻﺒﺢ اﻵن ﻣﺬﻛ ًﺮا ،ﻓﻬﻮ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻐﻴري داﺋﻢ ﻟﻠﻨﻮع — ﻣﻊ وﻳﻞ ﺑﻌﺪة ﻃﺮق ﺑﻌﻀﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﺗﻌﻘﻴﺪًا ﻣﻦ أن ﻳُﻌ َﺮض ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻫﻨﺎ .وﺗﻌﺪ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺘﻪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ إﻟﻘﺎء املﻮاﻋﻆ واملﺤﺎﴐات ﻋﲆ وﻳﻞ ﺣﻮل أﻣﻮر اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ وﻳﻨﻔﺬﻫﺎ ﰲ ﺳﻠﻮﻛﻪ اﻟﺸﺨﴢ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن ﻧﺼﻴﺤﺘﻪ ﺗﺘﻜﻮن ﰲ اﻷﺳﺎس ﻣﻦ أﻣﻮر ﻣﻌﺮوﻓﺔ :أﻣﻮر ﻳﺠﺐ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺴﻴﺤﻲ أن ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ،وﻋﲆ وﻳﻞ أن ﻳﻀﺒﻂ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﺳﻠﻮﻛﻪ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻬﺎ .وﻳُﺼﻮﱠر اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﻄﺮق ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻓﻬﻮ ﺗﺎرة ﺣﺎرس وﺗﺎرة أﺧﺮى ﻣﺴﺘﺸﺎر ودﻟﻴﻞ ،أﻣﺎ رﻓﻴﻘﻪ اﻟﺪاﺋﻢ» :اﻟﻌﻘﻞ« ﻓﻬﻮ ﻳﺸﺠﻌﻪ وﻳﺴﻬﻞ ﻟﻪ ﻣﻬﻤﺘﻪ. ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻷﺑﻌﺎد ،ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻤﻦ ﺟﺰء ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺘﻪ ﰲ ﻣﻮﻗﻔﻪ داﺧﻞ ﻋﻘﻞ وﻳﻞ وﺧﺎرﺟﻪ ،ﻓﻬﻮ ﺻﻮت ﰲ رأس وﻳﻞ وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺆﺛﺮة ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻮاﺟﺒﺎﺗﻪ ﺗﺆﻛﺪﻫﺎ ﻗﺪراﺗﻪ وأﻟﻘﺎﺑﻪ املﺨﺘﻠﻔﺔ :ﻓﻬﻮ ﻣﺴﺘﺸﺎر ودﻟﻴﻞ وﻳﺸﻐﻞ ﻣﻨﺼﺐ ﻣﺴﺌﻮل أﻣﻦ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﻮﺣﺪة .وﻗﺪ ﻗﺎدﺗﻪ ﺗﻠﻚ املﺸﺎرﻛﺎت اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ إﱃ ﺻﻌﻮﺑﺎت ﻣﺘﻜﺮرة .وملﺎ ﻛﺎن ﻣﺠﱪًا ﻋﲆ اﺗﺨﺎذ ﻗﺮارات ﰲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻌﺮض ﻟﻠﻔﻀﺢ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﺸﻒ اﻷﺧﻄﺎء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻇﺮوف أﺧﺮى ﻟﺘﻤﺮ دون أن ﻳﻼﺣﻈﻬﺎ أﺣﺪ .وﰲ اﻟﻘﺼﻴﺪة ،ﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﺮﻳﺒﺔ ﺑﺎملﺪﻋﻮﱢﻳﻦ ﻟﺤﻔﻞ ﻋﺸﺎء ﺗﻀﻢ ﺣﺎﻣﻞ دﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﻼﻫﻮت ﻳﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻐﺮور ،وﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ ﺗﺮﺗﻴﺐ أﻓﻜﺎره واﻻﺳﱰﺧﺎء ﻓﻴﻨﴫف ﻋﻦ ﺿﻴﻮﻓﻪ؛ وﻧﺮاه ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻣﺤﺎﴏًا ﺑﺄﻋﺪاء ﺧﺎرﺟﻴني ،وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺬﻳﺮات ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺮﺗﻜﺐ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﻜﺎرﺛﻲ املﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻠﺮﻫﺒﺎن ﺑﺪﺧﻮل ﻗﻠﻌﺔ اﻟﻮﺣﺪة .وﺗﻮﺣﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن أﻓﻀﻞ ً ﺣﺎﻻ إذا رﻓﺾ ﺑﻌﺾ املﻬﺎم املﻮﻛﻠﺔ إﻟﻴﻪ وﺷﻖ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أﻗﻞ ﺟﻤﻮدًا ﻛﺄﻧﻪ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﻴﻞ ورﺣﺎﻟﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻛﻤﺎ ﻫﻲ 19
اﻟﻀﻤري
ﺑني أﻳﺪﻳﻨﺎ ،ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻻ ﺧﻴﺎر ﻟﺪﻳﻪ ﺳﻮى اﻟﴫاع ﻣﻊ ﺑﺪاﺋﻞ ﻣﻌﻴﺒﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺣَ َﻜﻤً ﺎ ﻟﻺﺟﻤﺎع املﺴﻴﺤﻲ. وﻫﻜﺬا ﻓﺈن اﻟﻀﻤري ﰲ ﻗﺼﻴﺪة ﻻﻧﺠﻼﻧﺪ ﻳﺜري ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴري واﻟﺘﻄﺒﻴﻖ، ﻟﻜﻦ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻀﻤري ﻗﺪ ﻳُﻬﺰم ﻣﺆﻗﺘًﺎ أو ﻳﺨﻄﺊ ﰲ أﻣﻮر ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺨﻴﺎر ﻣﺤﺪد، ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺧﻄﺄ ً ﻋﻘﺎﺋﺪﻳٍّﺎ ﴏﻳﺤً ﺎ أﺑﺪًا وﻻ ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻵراء املﻨﺤﺮﻓﺔ أو اﻟﺸﺎذة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺧﺎرج اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .وﻳﻘﺮ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ وﺑﻌﺾ املﺤﻠﻠني اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻴﺔ وﺟﻮد ﺿﻤري ﻣﻬﺮﻃﻖ أو ﻣﺬﻧﺐ ،ﻟﻜﻦ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎت اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻳﻈﻞ اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ أورﺛﻮذﻛﺴﻴٍّﺎ وﺣﺴﻦ اﻟﻨﻴﺔ. ﻟﻜﻦ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ املﺄﻟﻮﻓﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ إن اﻟﻀﻤري ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻛﻞ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ وﺣﺪه ﻟﻢ ﺗﺘﺒﻠﻮر ﺑﻌﺪ .وﻳﻠﺰم ﻟﻬﺬا اﻟﺘﺤﻮل ﺗﺼﻮر وﺟﻮد ﺿﻤري ﺧﺎص داﺧﲇ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻀﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﻣﻊ اﻟﻀﻤري اﻟﻌﺎم أو اﻟﺮﺳﻤﻲ .وﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﱰن ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻮل ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺎرﺗﻦ ﻟﻮﺛﺮ وﺻﻌﻮد ﻧﺠﻢ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻋﻼﻣﺎﺗﻪ اﻷوﱃ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟﻨﺴﺦ اﻷﺣﺪث ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻻﻧﺠﻼﻧﺪ .وﻗﺪ ُﻛﺘﺒﺖ ﻗﺼﻴﺪة »اﻟﻔﻼح ﺑريس« ﻋﲆ ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﻨﺬ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت وﺣﺘﻰ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ،وﺗﺘﻀﻤﻦ ﱠ ﻳﺨﺼﺺ ﻓﻴﻪ ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﻳﻞ ﻧﺴﺨﺘﻬﺎ اﻷﺧرية املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻨﺺ »ج« ﺟﺰءًا إﺿﺎﻓﻴٍّﺎ )اﻟﺬي ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻵن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذي ﻗﺒﻞ ﺑﺎملﺆﻟﻒ وﻳﻠﻴﺎم ﻻﻧﺠﻼﻧﺪ( ﺿﻤري ﺷﺨﴢ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﻀﻤري اﻟﻌﺎم .واﻷﻛﺜﺮ إﺛﺎرة ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﺿﻤريه اﻟﺸﺨﴢ واﻵﺧﺮ املﺠﺎزي ﻳﺪﺧﻼن ﰲ ﻣﺠﺎدﻟﺔ ،وﰲ ذﻟﻚ املﻘﻄﻊ ﻳﻮﺟﻪ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻀﻤري اﻻﺗﻬﺎم ﻟﻮﻳﻞ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺤﻴﺎ ﺣﻴﺎة ﻣﻨﻐﻤﺴﺔ ﰲ املﻠﺬات ﻻ ﻃﺎﺋﻞ ﻣﻨﻬﺎ .وﻳﺤﺪث ﻫﺬا ﰲ ﻣﻘﻄﻊ أﺿﻴﻒ إﱃ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﻴﺪة ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﱰض ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻀﻤري ﻋﲆ اﻟﻄﺮق املﺘﻜﺎﺳﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ وﻳﻞ ،وﻳﺮد وﻳﻞ )ﻋﲆ اﻟﻀﻤري( ً ﻗﺎﺋﻼ: … أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻛﺎن املﺴﻴﺢ ]ﻳﺘﻤﻨﻰ[ أن ﺗﻜﺘﺒﻪ ﰲ ﺿﻤريي ﺻﻠﻮات رﺟﻞ ﻣﺜﺎﱄ وﺗﻮﺑﺔ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻫﻲ اﻟﻌﻤﻞ ]اﻷﻋﲆ ﻗﻴﻤﺔ[ اﻟﺬي ﻳﺮﴈ ﷲ. ﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ اﻟﻀﻤري ﺑﺘﻔﺴري وﻳﻞ اﻟﻘﺎﺋﻞ إن ﺿﻤريه اﻟﺸﺨﴢ ﻳﻮاﻓﻖ ﻋﲆ ﻣﻤﺎرﺳﺎﺗﻪ املﻌﺘﺎدة ﻣﻦ اﻟﺘﴬع ﻟﻠﻘﺪﻳﺴني اﻷﺛﺮﻳﺎء واﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﺣني إﱃ آﺧﺮ .وﰲ ذﻟﻚ املﻘﻄﻊ ﻳﻔﺮض اﻟﻀﻤري )ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻛﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺸﱰ ًﻛﺎ أو ﺟﻤﺎﻋﻴٍّﺎ( ﻧﻔﻮذه ﻋﲆ ﺿﻤري وﻳﻞ )أو إدراﻛﻪ اﻟﺸﺨﴢ 20
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
ﻟﻠﺼﻮاب واﻟﺨﻄﺄ( ،ﻟﻜﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﻀﻤري املﺆﺳﴘ واﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ ﻗﺪ ﻳﺪﺧﻼن ﰲ ﻣﺠﺎدﻟﺔ ﺗﻌﺪ ﺗﻨﺒﺆﻳﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ذي دﻻﻟﺔ؛ ﻓﻀﻤري وﻳﻞ »اﻟﺨﺎص« ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻪ أي ﳾء ﻣﺒﺘﻜﺮ ﺑﺸﺪة ﻛﻲ ﻳﺪﱄ ﺑﻪ؛ ﺑﻞ إن اﻟﻀﻤري اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻳﺠﺪ ﻣﻼﺣﻈﺎﺗﻪ )ﻣﻼﺣﻈﺎت اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص( ﻋﺎدﻳﺔ وﺳﻄﺤﻴﺔ وﻳُﻨﺤﱢ ﻴﻬﺎ ﺟﺎﻧﺒًﺎ وﻫﻮ ﻏﺎﺿﺐ ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻳﻨﺘﴫ اﻟﻀﻤري اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﺨﻼف ﺑني اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎم ﻳﻨﺬر ﺑﻈﻬﻮر وﺿﻊ ﺳﻮف ﻳﺘﻜﺮر ﻛﺜريًا ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ،ﺛﻢ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻨﺘﴩًا ﰲ اﻟﻘﺮن ً ﺷﻤﻮﻻ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻓﺮق ﺑني اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي ورؤﻳﺔ اﻟﻀﻤري ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺜﺮ ً وﻗﺒﻮﻻ ﻟﺪى اﻟﻌﺎﻣﺔ .وﻗﺪ ﻳُﻨﻈﺮ ﻟﻬﺬا اﻟﻔﺮق ﰲ ﻗﺼﻴﺪة »اﻟﻔﻼح ﺑريس« اﻟﺘﻲ ُﻛﺘﺒﺖ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺗﺨﻴﻠﻴﺔ أو ﻣﺤﺘﻤﻠﺔ ،أو ﺛﻐﺮة ﻟﻢ ﻳﻤﻸﻫﺎ ﺑﻌ ُﺪ ﺿﻤري ﺷﺨﴢ أو إﺻﻼﺣﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﻟﻜﻦ ﻗﺪ ﻳﺘﻜﻮن وﻳﻨﻤﻮ داﺧﻠﻬﺎ ﺿﻤري ﺷﺨﴢ. ﻳﻈﻬﺮ ﻟﺠﻮء وﻳﻞ ﻟﻠﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ ﰲ ﻣﻮﻗﻒ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﲆ إﻛﺮاه؛ إذ ﻳﺠﺪ وﻳﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻴﻪ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﺷﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻀﻤري اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ .وﻫﻮ أﻣﺮ ﻣﻔﻬﻮم ،ﻓﺎﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﻠﻴﺎ — ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻠﻄﺔ روﺣﻴﺔ أو دﻳﻨﻴﺔ — ﺗﺤﺘﺎج إﱃ ﻣﻠﺠﺄ أو ﺑﺪﻳﻞ ،واﻟﻠﺠﻮء إﱃ ﺿﻤري ﺷﺨﴢ ﻳﻔﺘﺢ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺻﻐرية ﻟﺤﺠﺔ ﻣﻀﺎدة ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ .وﻗﺪ ﺷﻬﺪ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا وﰲ اﻟﻘﺎرة ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﻟﻠﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ املﺆﺳﺴﻴﺔ )وﺑﻌﻀﻬﺎ ،ﻛﺘﻠﻚ اﻟﺘﻲ واﺟﻬﺖ ﻻﻧﺠﻼﻧﺪ ،ﺳﻌﺖ إﱃ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﺑﺴﻴﻂ ملﻤﺎرﺳﺎﺗﻬﺎ ،واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻗﺪ ﻳُﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﺬﻳ ًﺮا ﻟﻠﺴﺨﻂ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ( .وﻳﺠﺪ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﻌﺎﻟﻘﻮن ً ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري اﻟﺬي ﺗﺮاﻗﺒﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ﻋﺰاءً ﻣﺘﺰاﻳﺪًا ﰲ ﻓﻜﺮة اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ املﺆﺳﺴﺎت. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﱠﺎب اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳني ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ — ﻣﺜﻞ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻼﻫﻮت اﻟﺸﻬري واﻟﱰ ﻫﻴﻠﺘﻮن واﻟﺴﻴﺎﳼ اﻟﺤﺰﺑﻲ ﺗﻮﻣﺎس أوﺳﻚ — ﻳﺤﺘﻜﻤﻮن إﱃ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ ،ﻓﺈن املﺼﺪر اﻷﻗﻮى ﻟﺬﻟﻚ اﻻﺣﺘﻜﺎم ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻼﻫﻮت ﺟﻮن واﻳﻜﻠﻴﻒ وأﺗﺒﺎﻋﻪ اﻟﻠﻮﻻردﻳني )ﻧﺴﺒﺔ إﱃ ﻟﻮﻻرد أﺣﺪ أﺗﺒﺎع واﻳﻜﻠﻴﻒ( .وﻗﺪ أﺛﺎر ﻫﺆﻻء املﻨﺸﻘﻮن دﻳﻨﻴٍّﺎ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ﻋﺪة ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﺳﻮف ﺗﺼﺒﺢ ﺑﺎرزة ﰲ اﻹﺻﻼح اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ .و ﱠملﺎ ﻛﺎن واﻳﻜﻠﻴﻒ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﻋﲆ ﻛﻞ اﻟﺠﺒﻬﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻜﻨﺎﺋﺴﻴﺔ ﺑﺸﺄن ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﺳﻮف ﺗﺆدي ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ إﱃ إداﻧﺘﻪ رﺳﻤﻴٍّﺎ )وإﱃ ﻧﺒﺶ ﻗﱪه وﺣﺮق ﺟﺜﺘﻪ( ،ﻓﻘﺪ ﻧﺎدى ﰲ اﻟﺨﻄﺒﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻷرﺑﻌني ﺑﺄﻧﻪ 21
اﻟﻀﻤري
ﻳﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﻔﺮد املﺴﻴﺤﻲ أن ﻳﺤﻜﻢ ﻋﲆ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﺑﻀﻤريه اﻟﺨﺎص ً ُ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ آراء اﻵﺧﺮﻳﻦ ،واﺳﺘﻤﺮ ﻣﺆﻛﺪًا أن :املﻨﱪ اﻷﺧري ﻟﻠﻔﻀﻴﻠﺔ »ﻳﻜﻤﻦ ﰲ ﺿﻤريي اﻟﺨﺎص« .وﻛﺎن ﻧﺺ ﻫﺬه اﻟﺨﻄﺒﺔ — ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ذي دﻻﻟﺔ — وﰲ ﺿﻮء اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻼﺣﻖ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺗﻨﺒﱡﺌﻲ ﻣﻦ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻐﻼﻃﻴني » :٥ : ٦ﻟﻴﺤﻤﻞ ﻛﻞ ﻓﺮد اﻟﻌﺐء اﻟﺨﺎص ﺑﻪ«. ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻘﻮد اﻷوﱃ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﱰة اﻟﺘﻲ ﺑﺮزت ﻓﻴﻬﺎ رؤﻳﺔ ﻓﺮدﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻀﻤري ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،ورﺑﻤﺎ ﻧﺠﺪ اﻟﺨﻄﻮة اﻷوﱃ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻮل ﰲ ﺳﻠﻮك ﺧﺼﻤني ﻣﺘﻜﺎﻓﺌني ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏﺮﻳﺐ. ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻣﻦ واملﺴﺘﺸﺎر ﻣﻮر ً ﺗﻘﻠﻴﻼ ﻣﻦ ﺷﺄن ﻳﻌﺪ اﻟﻘﻮل ﺑﻈﻬﻮر رؤﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻟﻠﻀﻤري ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ً وﺑﺨﺴﺎ ﻟﻘﺪر اﻟﺪﻗﺔ واﻟﺘﻨﻮع اﻟﻠﺬﻳﻦ اﺗﺴﻢ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﺘﻔﻜري ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ أﻟﻒ ﻋﺎم ﺳﺎﺑﻖ، اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ اﻟﺬي ﺗﺤﺪث ﺑﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻐريات .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺻﻌﺪت ﺗﻴﺎرات ﺟﺪﻳﺪة ﺑﺎرزة ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ،وﺑﺪأ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻣﺪﻓﻮﻋني ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻼﻫﻮت اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ اﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﺻﻞ املﺒﺎﴍ ﻣﻊ ﷲ وأﻫﻤﻴﺔ اﻹﻟﻬﺎم اﻟﺸﺨﴢ ،ﻳﺮون اﻟﻀﻤري ﻣﻼذًا ﻟﻠﺮأي اﻟﻔﺮدي ،ﺑﻞ ﺣﺘﻰ اﻟﺮأي اﻟﺸﺎذ ،أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎع اﻟﻜﻨﺎﺋﴘ اﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺜﻘﺔ .وﺗﻤﺎﺷﻴًﺎ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺸﺨﴢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻓﻘﺪ ﻗ ﱠﻞ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻀﻤري ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ اﻟﻮاﻓﺪة ﻣﻦ »اﻟﺨﺎرج ﻟﻠﺪاﺧﻞ« ،وازداد اﻋﺘﺒﺎره ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻌﺘﻘﺪات ً وﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺎره ﻧﺼريًا ﻟﻠﻮﺣﺪة وﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﺮاﺳﺨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻣﻦ »اﻟﺪاﺧﻞ ﻟﻠﺨﺎرج«. ً اﻵراء ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ اﻟﻀﻤري ﺳﻠﻄﺔ رﺑﻤﺎ ﺗﺜري اﻟﺸﻘﺎق وﺣﺎﻓ ًﺰا داﺧﻠﻴٍّﺎ ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻣﻠﺤٍّ ﺎ ﻗﺪ ﻳﻀﻊ املﺮء ﰲ ﴏاع ﻣﻊ املﺆﺳﺴﺎت وأﻧﻤﺎط املﻌﺘﻘﺪات املﻌﱰف ﺑﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﺼﺎﺣﺐ اﻟﻀﻤري إﱃ ﻣﻮاﻗﻒ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺨﻄﻮرة واملﺠﺎزﻓﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﺠﺐ أن ﻳُﺘﱠﺒَﻊ ﺧﺸﻴﺔ أن ﻳﻐﺎﻣﺮ املﺮء ﺑﺎﺳﺘﻘﺎﻣﺔ روﺣﻪ وﺧﻼﺻﻬﺎ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ. ﺗﺘﻀﺢ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ملﺎ ﻳﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »اﻟﻀﻤري اﻹﺻﻼﺣﻲ« ﰲ اﻟﻘﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ ﰲ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﻌﴩﻳﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ وﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﺑُﻌَ ﻴﺪ ذﻟﻚ .وﺗﻌﺪ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖ ذروﺗﻬﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮﻛﺎت املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ »ﺣﺮﻛﺎت اﻹﺻﻼح« أﻛﺜﺮ ً وﺻﻔﺎ ﺑﺴﻴ ً ﻄﺎ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ ﺧﺼﺎﺋﺼﻬﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺑﻌﺾ ﻋﻨﺎﴏ ﺗﻌﻘﻴﺪًا ﻣﻦ أن ﺗﻮﺻﻒ رد اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﺼﺎدم اﻟﺸﻬري اﻟﺬي وﻗﻊ ﺑني ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﺴري ﺗﻮﻣﺎس ﻣﻮر )اﻟﺬي ﻋُ ﺮف ً ﻻﺣﻘﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎس( .ﻟﻄﺎملﺎ اﻋﺘُﱪ ﻣﻮر ﺧﺼﻢ ﻫﻨﺮي 22
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
اﻟﻨﺼري اﻷول ﻟﻠﻀﻤري؛ إذ رﻓﺾ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ املﺒﺪأ ﻗﺒﻮل ﺗﺄدﻳﺔ َ »ﻗ َﺴﻢ اﻟﺴﻴﺎدة« ﻟﻠﻤﻠﻚ ﻫﻨﺮي ورﻓﺾ ﻗﻄﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻊ ﻛﻨﻴﺴﺔ روﻣﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺮي ذاﺗﻪ ﻛﺎن اﻟﻨﺼري اﻟﺪاﺋﻢ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ً ﺗﻄﺮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ. ﻣﺪﻫﺶ ﻟﺼﻮرة ﺟﺪﻳﺪة أﻛﺜﺮ
ﺷﻜﻞ :1-1املﻠﻚ ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻣﻦ :رﺟﻞ ﺣﻲ اﻟﻀﻤري؟ ﺑﻮرﺗﺮﻳﻪ ﻟﻬﺎﻧﺰ ﻫﻮﻟﺒﺎﻳﻦ اﻷﺻﻐﺮ ،ﻋﺎم 1 ١٥٣٧ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
ﰲ رﺑﻴﻊ وﺻﻴﻒ ﻋﺎم ،١٥٢٧ﺑﺪأ ﻫﻨﺮي ﻋﻼﻗﺘﻪ اﻟﻐﺮاﻣﻴﺔ ﺑﺂن ﺑﻮﻟني وﻋﻘﺪ اﻟﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻄﻼق ﻣﻦ املﻠﻜﺔ ﻛﺎﺛﺮﻳﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﺰوﺟﻬﺎ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ .وﻛﺎﻧﺖ »دواﻓﻌﻪ« أن ﻳﺘﺒﻊ ﻣﻨﻬﺞ اﻟﴩﻋﻴﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ املﺴﺘﻨﺪ إﱃ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس ،ﺣﻴﺚ اﻋﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻋﺪم ﴍﻋﻴﺔ زواﺟﻪ ﺑﻜﺎﺛﺮﻳﻦ أرﻣﻠﺔ ﺷﻘﻴﻘﻪ ،ﻟﻜﻦ »ﺣﺠﺘﻪ« ﺗﻀﻤﻨﺖ ﻋﺬاﺑﺎت ﺣرية اﻟﻀﻤري، وﻫﻮ ﺿﻤري ﻟﻴﺲ ﻣﺴﺘﻨﺪًا إﱃ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﺑﺎﺑﻮﻳﺔ أو ﺳﻠﻄﺔ ﻛﻨﺴﻴﺔ أو آراء اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻛﻜﻞ. ﻻ ﺷﻚ أن املﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺣﻮل اﻟﻀﻤري ﻗﺪ ﺑﺪأت ﰲ ﺟﻠﺴﺎت ﻣﻐﻠﻘﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻃﺒﻘﺎً ﻟﻠﺴﺠﻼت املﻜﺘﻮﺑﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﰲ دﻳﺴﻤﱪ ﻣﻦ ﻋﺎم ١٥٢٧أوﺿﺢ ووﻟﴘ ﻷﺣﺪ رﺳﻞ املﻠﻚ ً ﻗﺎﺋﻼ: 23
اﻟﻀﻤري
إن املﻠﻚ ﺑﺎﺟﺘﻬﺎده ﰲ اﻟﺪراﺳﺔ واﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،وﺗﺸﺎوره ﻣﻊ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻼﻫﻮت ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،وﺟﺪ أن ﺿﻤريه ﻣﺜﻘﻞ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ﺑﺰواﺟﻪ اﻟﺤﺎﱄ ،وﺳﻌﻴًﺎ إﱃ ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ روﺣﻪ ﺛﻢ إﱃ ﺗﺄﻣني ﺧﻼﻓﺘﻪ … اﻋﺘﱪ إﴏاره ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺰواج إﻫﺎﻧﺔ هلل وﻟﻺﻧﺴﺎن ،وﻫﻮ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺘﺄﻧﻴﺐ ﺿﻤري ﺷﺪﻳﺪ؛ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻳﺤﻴﺎ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ﻣﺮﺗﻜﺒًﺎ إﺳﺎءة ﺑﺤﻖ اﻟﺬات اﻹﻟﻬﻴﺔ. ﻟﻢ ﻳﻨﺤﺮف ﻫﻨﺮي ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺬر ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ اﻗﱰب ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﻳﻘﻮل ﺗﺸﺎﺑﻮﻳﺲ، ﻣﺒﻌﻮث اﻹﻣﱪاﻃﻮر ،ﰲ ﺧﻄﺎب أرﺳﻠﻪ ﺑﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻣﻦ أﺑﺮﻳﻞ ﻋﺎم ١٥٣٣ﻳﺼﻒ ﻓﻴﻪ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﺗﻀﺢ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ أن ﻫﻨﺮي ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻌﻨﺎد ،وأذاع ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺰوج آن ﺑﻮﻟني ﴎا ،وﻗﺎل ﺗﺸﺎﺑﻮﻳﺲ إﻧﻪ ﺗﻮﺳﻞ إﱃ ﻫﻨﺮي أن ﻳﻮﻗﺮ ﷲ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن ﻻ ﻳﻮﻗﺮ ﻏريه ٍّ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻟﻘﺪ أﺧﱪﻧﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ،وأن ﷲ وﺿﻤريه ﻋﲆ ﻋﻼﻗﺔ ﻃﻴﺒﺔ«. ﻣﻦ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺆﻛﺪ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻫﻨﺮي ﻣﺜﻘﻞ اﻟﻀﻤري »ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ« أو أن املﺸﻜﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻤﻦ ﰲ ﺟﺰء آﺧﺮ ﻣﻦ ﺟﺴﺪه )وﻫﻮ اﻻﺣﺘﻤﺎل اﻷﻛﱪ(؟ وﺗﻜﻤﻦ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﻧﺸﻮء ﻣﻨﺎخ ﻓﻜﺮي ﺟﺪﻳﺪ ،ﻛﺎن ﻫﻨﺮي ﻳﺘﻔﻬﻤﻪ وﻳﺪرﻛﻪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻗﺪ أﺗﺎح ﻫﺬا املﻨﺎخ ملﺆﻳﺪي أي ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻠﺘﺒﺲ أو ﻏري ﺷﺎﺋﻊ ﺑﺄن ﻳﻈﻠﻮا ﻋﲆ ﺗﺄﻳﻴﺪﻫﻢ ﻟﻬﺬا املﻮﻗﻒ أو اﻟﺘﻮﺟﻪ إذا أﻣﻜﻨﻬﻢ أن ﻳﺘﻮﺻﻠﻮا إﱃ ﺣﺠﺔ ﻣﻘﻨﻌﺔ ﻟﻺﻟﺤﺎح املﺴﺘﻤﺮ ﻟﻠﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ .وﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص ﺑﻬﻨﺮي ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻣﺠﺮد ذرﻳﻌﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻧﺠﺢ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﺑﺎﻫ ًﺮا ﰲ اﺳﺘﺨﺪام ﻧﻔﻮذه ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻠ ًﻜﺎ وﻣﻬﺎراﺗﻪ اﻟﺠﺪاﻟﻴﺔ ﰲ اﺟﺘﺬاب اﻟﻨﺎس إﱃ املﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﴩوط ﻣﻨﺤﺘﻪ ﺣﻖ اﻟﺘﺬرع ﺑﺎﻟﻀﻤري .وﺣﺼﻞ ﻫﻨﺮي ﻋﲆ ﺗﻨﺎزﻻت ﺟﺰﺋﻴﺔ — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ — ﺣﺘﻰ ﻣﻦ أﺷﺨﺎص ﺛﺎﺑﺘني ﻋﲆ ﻣﻮﻗﻔﻬﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺎردﻳﻨﺎل ﺟﻮن ﻓﻴﴩ ،ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ١٥٢٨أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ )ﻣﻨﻔﻌﻼ ﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻣﻔﻌﻤً ﺎ ﺑﺎﻷﻣﻞ( ً ً ﻗﺎﺋﻼ» :إﻧﻨﻲ ﻣﻘﺘﻨﻊ ﺑﺄن اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻛﺘﺐ ﻓﻴﴩ املﻠﻜﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ رﻓﺾ اﻟﻘﻮاﻧني اﻹﻟﻬﻴﺔ ،وأﻧﻪ إذا ﻛﺎن املﻠﻚ ﻗﺪ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﺤرية اﻟﻀﻤري ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ املﺤﺮﻣﺎت اﻟﻼوﻳﺔ ﻓﺴﻮف ﻳﻨﺤﻴﻪ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ٍّ ﺣﻘﺎ «.وﻗﺪ أﺷﻴﻊ ﻋﻦ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻧﻔﺴﻪ أﻧﻪ ﻳﻔﻜﺮ ﰲ ﻣﺨﻄﻂ ﻗﺼري اﻷﺟﻞ ﻳﻤ ﱢﻜﻦ ﻫﻨﺮي ﻣﻦ اﻟﺰواج ﺑﺎﻣﺮأﺗني ﺑﻬﺪف أن ﻳﺮﺗﺎح ﺿﻤري ﻫﻨﺮي. وﻫﻜﺬا ً أﻳﻀﺎ ﻧﺠﺪ ﻣﻮر ﺧﻼل ﻓﱰة ﺗﻮﻟﻴﻪ ﻣﻨﺼﺐ املﺴﺘﺸﺎر ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ١٥٢٩وﺣﺘﻰ ﻋﺎم ١٥٣٢ﻳﻤﻴﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﺴﻮﻳﺔ اﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻣﻮﻗﻔﻪ املﺘﻠﻮن إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ﺧﻼل ﻓﱰة ﺗﻮﻟﻴﻪ ﻣﻨﺼﺒﻪ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﻣﺴﺎﻋﺪة املﻠﻚ ﰲ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺮﻓﻀﻬﺎ ﺿﻤريه اﻟﺨﺎص ،ﻟﻜﻦ آﺧﺮﻳﻦ ﻫﻢ ﻣﻦ ﻗﺪ ﻳﺘﻄﻮﻋﻮن ملﻼﺣﻘﺔ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﻄﻼق اﻟﻜﱪى وﻫﻢ ﻳﻀﻤﻮن »ﻓﻘﻂ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻻﺣﻆ ﻓﻴﻬﻢ ﻧﻴﺎﻓﺘﻪ وﺟﻮد اﻟﻀﻤري )وﻫﻢ ﻋﺪد ٍ ﻛﺎف( وأﻗﻨﻌﻬﻢ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﺑﺄداء ﻫﺬا اﻟﺪور« .وﻛﺎن ﻣﻮر 24
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
ﻳﺄﻣﻞ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ )وﻫﻮ املﻮﻗﻒ اﻟﺬي ﺳﻴﱰاﺟﻊ ﻋﻨﻪ ﻧﺎدﻣً ﺎ ﺧﻼل أﺣﺪاث (١٥٣٤–١٥٣٢ أن ﻳﺠﺪ ﻫﻨﺮي ﻃﺮﻳﻘﺔ »ﻛﻲ ﻻ ﻳﺴﺒﺐ ﻷي إﻧﺴﺎن إزﻋﺎج اﻟﻀﻤري أو اﺿﻄﺮاﺑﻪ أﺑﺪًا« ﰲ ﺗﻠﻚ املﺴﺄﻟﺔ ،وأن اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص ﺑﻜﻞ ﻣﺸﺎرك ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻟﻦ ﻳﻤﺲ .وﻫﻜﺬا ﻧﺠﺪ ﺣﺘﻰ ﻛﺒﺎر املﺘﺸﻜﻜني ﻣﺜﻞ ﻓﻴﴩ وﻣﻮر ﻣﺴﺘﻌﺪﻳﻦ ﻟﻠﻤﻴﻞ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻨﺎﺷﺊ ﺣﻮل ﻗﺪﺳﻴﺔ اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي. ﻛﺎن اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺬي ﻣﺮ ﺑﻪ ﻫﻨﺮي ﻣﻦ اﻟﻀﻤري اﻟﻌﺎم إﱃ اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ ﺑﺤﻤﻠﺔ أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻃﻤﻮﺣﺔ .ﻓﻔﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺒﻜﺮة ﺟﻨﱠﺪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻼﻫﻮت املﺸﱰﻛني ﰲ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ وأﻋﻄﺎﻫﻢ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎت ﺑﺄن ﻳﺆﻟﻔﻮا »ﺳﻴﻨﺸﻮرا« ،وﻫﻮ ﻣﻨﺸﻮر ﻇﻬﺮ ﰲ ﻋﺎم ١٥٣١ ﻋﻦ اﻟﻘﺮارات املﺆﻳﺪة ﻟﻄﻼﻗﻪ ،وﻗﺪ دﻋﻤﺖ ﺣﺠﺠﻬﻢ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص ،وﻫﻲ ﺗﻌﻴﺪ ﺑﻌﺚ املﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻘﺪﺳﻴﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺨﺎص اﻟﺬي ُﻛﺘﺐ ﰲ ﺻﺪور اﻟﻨﺎس وﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻧﴩﻫﺎ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ. وﻓﻴﻤﺎ ﻳﲇ اﺳﺘﺸﻬﺎد ﺑﱰﺟﻤﺔ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ُﻛﺘﺒﺖ ﰲ اﻟﻔﱰة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻋﻦ اﻷﺻﻞ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ: إن اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻌﺎم ﻫﻮ ﻣﺎ أﻛﺪﺗﻪ ﻛﺘﺎﺑﺎت اﻟﺒﺎﺑﻮات ،أﻣﺎ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺨﺎص ﻓﻬﻮ ﻣﺎ ُﻛﺘﺐ ﰲ ﺻﺪور اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻮﺣﻲ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻛﻤﺎ ﻗﺼﺪ املﺼﻠﺤﻮن اﻷﺧﻼﻗﻴﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﻘﻮاﻧني اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﰲ ﺻﺪورﻫﻢ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ. وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﻔﻬﻮم اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺨﺎص اﻟﺬي ُﻛﺘﺐ ﰲ ﺻﺪور اﻟﻨﺎس ،ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﻌﻮدة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﻘﺮة ﻣﻦ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺮوﻣﺎن ﰲ اﻵﻳﺔ ١٤ﻣﻦ اﻹﺻﺤﺎح اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻫﻲ ﻓﻘﺮة ﻻ ﺗُﻨﴗ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻜﺘﺴﺐ اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﻠﺤﻮ ً ﻇﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﺼﻠﺤني اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴني واملﻨﺎﻫﻀني ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺎت .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻠﻦ املﺮء أﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺘﻮاﺻﻞ املﺒﺎﴍ اﻟﺸﺨﴢ ﻣﻊ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وأﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﻗﺎﻧﻮن ﻧُﻘﺶ ﰲ ﺻﺪره ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻓﺮﻳﺪ ،ﻓﺈن اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻌﺎم أو ﻛﺘﺎﺑﺎت اﻟﻜﻬﻨﺔ أو أي ﻋﻨﴫ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ً ﻣﻌﱰﻓﺎ ﺑﺎﻟﻬﺰﻳﻤﺔ: ﻳﻨﺴﺤﺐ إذا ﺗﺘﺒﻌﻨﺎ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وﺣﺮﻛﺔ ﺿﻤﺎﺋﺮﻧﺎ ﻓﻠﻦ ﻧﺼﺒﺢ ﺧﺎﺿﻌني ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﻳﺠﺐ داﺋﻤً ﺎ أن ﻳﻔﺴﺢ املﺠﺎل ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن اﻟﺨﺎص ،ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻳُﺤﺮﻣﻬﺎ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻹﻟﻬﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻄﻴﻊ ﺿﻤﺎﺋﺮﻧﺎ ،وﰲ اﻷﻣﻮر اﻷﺧﺮى ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻄﻴﻊ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. 25
اﻟﻀﻤري
ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن اﻟﻨﻈﺮة اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ أداة ﻟﻠﺘﺄﻧﻴﺐ ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﺘﻤﺮد ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻬﺎ املﺰﻳﺪ ﻟﺘﻘﺪﻣﻪ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻮرﻃﺔ ﰲ ﴏاﻋﺎت ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﺪى اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص اﻟﺬاﺗﻲ املﻨﻔﻠﺖ — اﻟﺬي ﻓﻀﻠﻪ ﻫﻨﺮي وﻣﺴﺘﺸﺎروه .ﻓﻘﺪ ﺷﺎرك اﻟﻜﺎردﻳﻨﺎل ﻓﻴﴩ ﰲ اﻟﻬﺠﻮم ﻋﲆ اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص ﰲ دﻓﺎﻋﻪ اﻟﺬي ﻛﺘﺒﻪ ﻋﺎم ،١٥٣٢-١٥٣١أﻣﺎ ﻣﻮر اﻟﺬي دﻋﻢ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﻗﻒ ﻫﻨﺮي ﰲ ﺗﻮﻗﻌﻪ ﺑﺄن اﻷﻓﺮاد ﻗﺪ ﻳُﺴﻤﺢ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎر ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻪ أو اﻻﻧﺴﺤﺎب ﻣﻨﻪ ،ﻓﻘﺪ دﻓﻌﻪ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ َ »ﻗ َﺴﻢ اﻟﺴﻴﺎدة« و»ﻣﺮﺳﻮم اﻟﺨﻼﻓﺔ« إﱃ اﺗﺨﺎذ ﻣﻮﻗﻒ ﺗﻘﻠﻴﺪي أﻛﺜﺮ ﺣﺴﻤً ﺎ .وﰲ ﺧﻄﺎﺑﺎﺗﻪ اﻷﺧرية ً ﻣﻮﻗﻔﺎ ﺿﺪ اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي اﻟﺠﺎﻧﺢ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ إﱃ أﻋﻮام ،١٥٣٤–١٥٣٢اﺗﺨﺬ اﻟﺬي أﺳﺎء ﺗﻮﺟﻴﻬﻪ ﺷﺨﺺ ﻏﺮﻳﺐ اﻷﻃﻮار أو ﻣﻬﺮﻃﻖ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺎرض ﺷﺌﻮن اﻟﻌﻘﻴﺪة املﺘﻔﻖ ً ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻗﺪ ﻛﺘﺐ إﱃ اﺑﻨﺘﻪ ﻣﺎرﺟﺮﻳﺖ ﻣﺘﺤﺪﺛًﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ رﺟﻞ »اﺗﺨﺬ ً ﻣﻌﺎرﺿﺎ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ واﺿﺤﺔ ﺗﺘﺠﲆ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻘﻴﺪة املﺴﻴﺤﻴﺔ املﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ ﻋﻘﻠﻪ وﺣﺪه ،أو ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻷﺧﺮى« ،ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺻﻞ إﱃ أن »ﻫﺬا اﻟﻀﻤري ﻣﻠﻌﻮن ﺑﺸﺪة« .وﺧﻼل اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت اﻟﻼﺣﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﻮر ،أﻛﺪ ﺗﺄﻛﻴﺪًا ﻣﺘﺰاﻳﺪًا ﻋﲆ ﻓﻜﺮة اﻻﺗﻔﺎق اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻋﲆ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺼﺤﻴﺢ .ﻓﻬﻮ ﻳﻮﴆ ﰲ »ﺣﻮار املﻮاﺳﺎة« ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﺑﺄن ﻳﺨﻀﻊ ﺣﻜﻢ اﻟﻀﻤري ﻟﻠﺘﺼﺤﻴﺢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ،ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ ﺷﻜﻞ ﻧﺼﻴﺤﺔ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﺻﺎﻟﺢ ﻓﺤﺴﺐ .وﰲ اﻟﺸﻬﻮر اﻷﺧرية اﻟﺘﻲ ﻗﻀﺎﻫﺎ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ أﺷﺪ ﻋﺰﻟﺔ وﺑُﻌﺪًا ﻋﻦ ﻧﺼﺎﺋﺢ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺼﺎﻟﺤني ،ﺿﻐﻄﺖ اﻟﻈﺮوف ﻋﲆ ﻣﻮر ﺿﻐ ً ﻄﺎ أﻛﱪ ﻣﻦ املﻌﺘﺎد ﻛﻲ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ إﻳﻌﺎزات ﺿﻤريه اﻟﺨﺎص ﻓﻘﻂ ،ﻟﻜﻨﻪ وﺟﺪ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻛﻲ ﻳﺴﺘﺤﺪث درﻋً ﺎ واﻗﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ؛ وﻫﻲ أن ﻳﺨﻠﻖ ﺻﻮﺗﻪ اﻟﺪاﺧﲇ أو اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﺨﺎص ﺑﻪ وﺟﻤﻬﻮره أو ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ اﻟﺨﺎص .وﻫﺬا املﺠﺘﻤﻊ ﻏري ﻣﻮﺟﻮد ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ أﺷﺨﺎص ﻛﺎن ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻻﺷﱰاك ﰲ أﺣﺎدﻳﺜﻬﻢ ،ﻟﻜﻦ ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺘﱪ ﻫﻴﺌﺔ »ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ« ﻣﻦ املﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ واﻟﻘﺪﻳﺴني واملﺼﻠﺤني اﻷﺧﻼﻗﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻌﻰ إﱃ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﻮاﻓﻘﺘﻬﻢ ،أو ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻮﻳﺒﻬﻢ ،إذا اﻗﺘﻀﺖ اﻟﴬورة ذﻟﻚ .وﻫﻮ ﻳﺼﻮغ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻄﺔ ﺑﺒﻼﻏﺔ ﰲ ﺧﻄﺒﺔ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻹداﻧﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺜﺒﺖ ﰲ ﻣﺬﻛﺮات ﺗﺸﺎﺳﺘﻠﻤﺎن: ﻗﺎﻃﻌﻪ املﺴﺘﺸﺎر ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻣﺎذا ﻫﻨﺎك ﻳﺎ ﻣﻮر؟ ﻫﻞ ﺗﺮﻏﺐ ﰲ أن ﺗُﻌﺘﱪ أﻛﺜﺮ ﺣﻜﻤﺔ وذا ﺿﻤري أﻛﺜﺮ ﻳﻘﻈﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ وﻧﺒﻼء املﻤﻠﻜﺔ؟« وأﺟﺎب ﻣﻮر ً ﻗﺎﺋﻼ: »ﺳﻴﺪي ،ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺳﻘﻒ واﺣﺪ ﰲ رأﻳﻚ ﻟﺪي ﻣﺎﺋﺔ ﻗﺪﻳﺲ؛ وﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺑﺮملﺎن 26
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
واﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﻨﺪك — وﷲ أﻋﻠﻢ ﺑﻨﻮﻋﻪ — ﻟﺪي ﻛﻞ املﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﺎﻣﺔ ملﺪة أﻟﻒ ﻋﺎم؛ وﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﻤﻠﻜﺔ واﺣﺪة ﻟﺪي ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻛﻞ املﻤﺎﻟﻚ املﺴﻴﺤﻴﺔ«.
ً ﺷﻜﻞ » :2-1اﻟﺴري ﺗﻮﻣﺎس ﻣﻮر ﻣﺘﺄﻣﻼ« ،ﺑﺮﻳﺸﺔ وﻳﻠﻴﺎم ﻫﻴﻜﻤﺎن ﺳﻤﻴﺚ أوﺑﺮي ،ﻋﺎم ١٨٩٠ 2 ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
27
اﻟﻀﻤري
ﺿﻤري »إﺻﻼﺣﻲ«؟ ﰲ ﺣﺎﻟﺘَﻲ ﻫﻨﺮي وﻣﻮر ﻧﺠﺪ ﻣﻌﺎﴏﻳﻦ ﻟﻬﻤﺎ ﻳﺸﱰﻛﻮن ﰲ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻜﻠﻤﺔ »اﻟﻀﻤري« ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻌﻨﻮن ﺑﻬﺎ أﻣﻮ ًرا ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻗﺪ أﻛﺪ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﻫﻨﺮي وﻛﺮوﻣﻮﻳﻞ — ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻣﻮر — وإﻧﺠﻴﻠﻴﻮ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن املﺤﻴﻄني ﺑﺈدوارد اﻟﺴﺎدس — اﺑﻦ ﻫﻨﺮي — ﺗﺄﻛﻴﺪًا ﻏري ﻣﺴﺒﻮق ﻋﲆ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ املﺘﻔﺮدة واملﺘﺸﺪدة ملﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ .ﻛﺎن ﻟﺪى ﻫﻨﺮي أﺳﺒﺎﺑﻪ ﻛﻲ ﻳﻔﻀﻞ ﻧﺰﻋﺎت ﺿﻤريه اﻟﺨﺎص ،ﻟﻜﻦ ﻣﻌﺎﴏﻳﻪ وﺧﻠﻔﺎءه اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻌﺼﺒًﺎ ﻃﻮروا اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص إﱃ ﻫﻮﻳﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻮﻟﻌﺔ ﺑﺎملﻈﺎﻫﺮ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﺎ .ﻫﻞ ﺗﻌﱪ ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻮﻳﺔ »إﺻﻼﺣﻲ« ﻣﻤﻴﺰ؟ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ،ﺑﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ »ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ« أو ﻋﻦ ﺿﻤري ﱟ ﱟ ﻷن ﻫﺬا اﻟﻀﻤري ﻳﺪﻋﻤﻪ وﻳﻀﻴﻒ إﻟﻴﻪ املﺜﺎل اﻷوروﺑﻲ. ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻠﺨﻴﺺ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻘﻮي ﻣﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﺑﺎﻟﻀﻤري واﻟﺬي ﻳﺘﺪﻓﻖ ﰲ اﺗﺠﺎه إﻧﺠﻠﱰا ،ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻣﺎرﺗﻦ ﻟﻮﺛﺮ اﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﺗﺄﻛﻴﺪًا ﻗﺎﻃﻌً ﺎ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ ،وﻗﺪ رﻛﺰ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﰲ إﻋﻼﻧﻪ اﻟﺸﻬري ﻋﺎم ١٥٢١ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﻮرﻣﺲ اﻟﺬي أﻋﻠﻦ ﻓﻴﻪ أن ً ﻣﻀﻴﻔﺎ» :ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺗﺮاﺟﻊ ﻋﻦ أي ﳾء ﻣﻤﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﺿﻤريه ﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﺳﻮى ﻟﻜﻼم ﷲ ً ﻓﺎﺿﻼ «.وﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن ﻓﻜﺮة أن وﻟﻦ أﻓﻌﻞ ،ﻓﻤﻌﺎرﺿﺔ اﻟﻀﻤري ﻟﻴﺴﺖ أﻣ ًﺮا آﻣﻨًﺎ وﻻ ٍّ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﺎﻟﻀﻤري ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ﻛﻼم ﷲ املﻮﺟﻮد ﰲ اﻟﻜﺘﺎب ﻳُﻜﻮﱢن اﻹﻧﺴﺎن اﺳﺘﻨﺘﺎﺟً ﺎ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ املﻘﺪس ﻓﺤﺴﺐ؛ وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻳﺘﺨﻄﻲ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ — ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﺗﻤﺮ دون ﻣﻼﺣﻈﺔ .وﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻔﻮر أن ﺗﺤﺪﱠث ﻣﺎرﺗﻦ ﻟﻮﺛﺮ ﻫﺘﻒ ﻳﻮﻫﺎن إﻳﻚ أﻣني اﻻﺟﺘﻤﺎع، ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﺮواﻳﺘﻪ ﻋﻦ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻓﻠﺘﻨﺢﱢ ﺿﻤريك ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻳﺎ ﻣﺎرﺗﻦ! ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﻨﺤﻴﻪ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻷﻧﻪ ﻣﺨﻄﺊ «.ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺧﻼف إﻳﻚ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﻊ اﻟﻀﻤري ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻪ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻣﻔﻬﻮم ﺟﺪﻳﺪ ﺿﺎر ﻟﻠﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺮﺷﺪًا ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮك .وملﺎ ﻛﺎن واﺛﻘﺎ ﰲ ﺻﺤﺔ ﻣﻮﻗﻔﻪ ً ﻟﻮﺛﺮ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻜﺘﺎب املﻘﺪس ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻳﻪ اﻟﻨﻴﺔ ﻟﺘﻨﺤﻴﺔ ﺿﻤريه ﺟﺎﻧﺒًﺎ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺨﻼف ﻣﻊ ﻗﺮاءة اﻹﻧﺠﻴﻞ ذاﺗﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ إﴏار ﻟﻮﺛﺮ ﻋﲆ ﺣﻘﻪ ﰲ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺣﻮل ﺗﻮﺻﻴﺎﺗﻪ .وﺗﺠﻨﺐ ﻟﻮﺛﺮ ﻣﻨﻬﺞ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﺬات ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻗﺒﻮل ﻧﺺ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس ﺑﻮﺻﻔﻪ »أداة ﺗﺤﻜﻢ« ﺧﺎرﺟﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ أﴏ ﻋﲆ ﺣﻘﻪ ﰲ ﺗﻔﺴري ﻧﺺ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس .وﻛﺎن ﻣﺎ أﺻﺎب ﻣﻤﺜﲇ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﺎﻟﻀﻴﻖ ﻫﻮ رﻓﻀﻪ ﻣﻨﺢ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻮﺳﻴﻄﺔ — ﻣﺜﻞ اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت املﺠﺎﻟﺲ واملﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ — أي دور ﺗﺤﻜﻴﻤﻲ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑني ﷲ واﻹﻧﺴﺎن .ﻛﺎن ﻟﻮﺛﺮ ﻳﻌﻠﻦ ﻣﻮﻟﺪ ﻓﻬﻢ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻀﻤري ،ﺗﺤﻮﱠل ﻣﻦ اﻟﻀﻤري املﻠﺘﺰم ﺗﺠﺎه 28
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
املﺆﺳﺴﺎت ﰲ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ إﱃ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري »اﻹﺻﻼﺣﻲ« اﻟﺬي ﻻ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﺄي ﳾء ﺳﻮى ﺑﺘﻮاﺻﻠﻪ املﺒﺎﴍ ﻣﻊ ﷲ ﻓﺤﺴﺐ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺿﺢ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس .وﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬا اﻹﴏار ﻋﲆ اﻟﺘﻔﺴري اﻟﺸﺨﴢ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺴري املﺆﺳﴘ أو اﻟﺠﻤﻌﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب املﻘﺪس أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻣﻠﺘﺰﻣً ﺎ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻣﻤﺜﲇ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ذوي اﻟﺘﻔﻜري املﺆﺳﴘ .وﻫﻜﺬا ﻓﻔﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﺣﻮل ﻋﺒﻮدﻳﺔ اﻹرادة« اﻟﺬي ﺻﺪر ﻋﺎم ١٥٢٥وﻛﺎن ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﺳﺠﺎﻟﻪ ﺿﺪ أﺣﺪ رواد اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ إراﺳﻤﻮس، ﻳﴫ ﻟﻮﺛﺮ ﻋﲆ أن »اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﻻ ﻳﻘﻴﺪﻫﺎ ﺳﻮى أﻣﺮ ﻣﻦ ﷲ ،وﻫﻜﺬا ﻳﺼﺒﺢ اﺳﺘﺒﺪاد اﻟﺒﺎﺑﻮات وﺗﺪﺧﻠﻬﻢ … ﻻ ﻣﻜﺎن ﻟﻪ ﺑﻴﻨﻨﺎ« .وﻛﺎن اﻷﻣﺮ اﻟﺤﺎﺳﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻮﺛﺮ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﰲ أن اﻟﻨﻔﺤﺎت املﺒﺎﴍة ﻟﻠﺮوح اﻟﻘﺪس ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﲆ اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﺤﺮ وﻟﻴﺴﺖ آﻣﺮة ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﺣﱰام إراﺳﻤﻮس ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺎت — ﺳﻮاءٌ أﻛﺎﻧﺖ ﻛﻨﺎﺋﺴﻴﺔ أم ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ — ﻻ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﺳﻮى اﻟﺘﻘﻴﻴﺪ» :ﻓﺎﻟﻘﻮاﻧني اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻣﻊ أواﻣﺮ ﷲ؛ ﻷن اﻷوﱃ ﺗﻘﻴﺪ اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ،أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﺤﺮرﻫﺎ«. وﻟﻢ ﺗﻨﺘﻘﺺ اﻻدﻋﺎءات اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﺑﺸﺄن اﻟﻀﻤري ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﻦ وﻻء اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴني ﻟﻔﻬﻤﻬﻢ اﻟﺨﺎص ﻟﻨﻔﺲ املﻔﻬﻮم .ﻟﻜﻦ اﻵراء اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ« و»ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ« ﺑﺪأت ﺗﺘﺒﺎﻋﺪ؛ ﺣﻴﺚ ادﱠﻋﻰ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ إراﺳﻤﻮس اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ وﻟﻮﺛﺮ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ أن »اﻟﻀﻤري« ﻫﻮ ﻣﺎ ﻓﻮﺿﻬﻤﺎ ﻟﺘﻔﺴري اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻬﻮ اﻟﺒﻮﺻﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﱰﺷﺪان ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة .إﻻ أن ﻟﻮﺛﺮ ﻳﺮﺳﺦ اﻻدﱢﻋﺎء اﻹﻧﺠﻴﲇ املﻌﺘﺎد ﺑﺄن اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ ﻫﻮ أﺳﺎس ﺗﻔﺴريه ﻟﻺﻧﺠﻴﻞ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺰﻋﻢ إراﺳﻤﻮس ،ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ املﻌﻘﻮﻟﻴﺔ ،أن ﻣﻤﺎرﺳﺎﺗﻪ اﻟﺘﻔﺴريﻳﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري وﻋﲆ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء .وﻳﺮى إراﺳﻤﻮس )ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ وﻋﻈﻤﺎء آﺧﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﻼﻫﻮت اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ( اﻟﻀﻤري ﻣﺮﺗﺒ ً ﻄﺎ ﺑﺎﻟﺤﻔﺎظ ﻋﲆ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﺧﻼﻗﻲ ،وﻫﻲ ﻣ َﻠﻜﺔ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﻣﻦ ﺑني اﻟﺨﻴﺎرات املﺘﻨﺎﻓﺴﺔ. ﻟﻜﻦ ﻟﻮﺛﺮ ﻻ ﻳﻌﺘﻘﺪ ذﻟﻚ ،ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻟﺪﻳﻪ ﻛﴩارة اﻟﱪق ،أي إﻧﻪ رﺳﺎﻟﺔ اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﺣﺎرﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺗﻐري ﺣﻴﺎة املﺮء ،وﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻳﺘﺤﻤﻠﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن )وﻳﺘﻀﺢ ذﻟﻚ ﺑﺸﺪة ﻟﺪى ﻛﺎﻟﻔﻦ( .وﻳﺆﻛﺪ ﻟﻮﺛﺮ — ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ إراﺳﻤﻮس — أن »اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻟﻴﺲ ﻣﺘﺸﻜ ًﻜﺎ ،وﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻀﻊ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ اﻟﺸﻜﻮك أو اﻷﻓﻜﺎر ﻓﺤﺴﺐ ،ﻟﻜﻨﻪ وﺿﻊ ﺗﺄﻛﻴﺪات أﻛﺜﺮ ﻳﻘﻴﻨًﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ذاﺗﻬﺎ وﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺎ«.
29
اﻟﻀﻤري
ﺷﻜﻞ :3-1ﻣﺎرﺗﻦ ﻟﻮﺛﺮ ﰲ ﻓﻮرﻣﺲ.
3
ﺷﻜﻮك ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻟﻜﻦ اﻟﻀﻤري اﻹﺻﻼﺣﻲ اﺻﻄﺪم ﺑﺸﻜﻮك وﻣﺼﺎﻋﺐ ﰲ ﻧﻔﺲ ﻟﺤﻈﺔ اﻧﺘﺼﺎره اﻟﻮاﺿﺢ. ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻀﻤري اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد املﺴ ﱠﻠﻤﺎت واﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ذا دﻻﻻت ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﻨﴫ )وﺗﺘﻀﺢ اﻟﺪﻻﻻت املﻮﺣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﴫ ﰲ اﻟﻠﻮﺣﺎت املﻌﺎﴏة ﻟﻠﻮﺛﺮ وﻫﻮ ﻳﻘﻮد اﻟﻀﻤري املﺤ ﱠﺮر ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ أﻧﻘﺎض اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ( .وﻣﺎ إن رﺳﺨﺖ ﻓﻜﺮة اﻟﻀﻤري املﺴﺘﻘﻞ املﺴﺘﻮﻃﻦ — ورﺑﻤﺎ املﻌﺼﻮم ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ — ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﺮﻳﺴﺔ ملﺠﻤﻮﻋﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻜﻮك وأوﺟﻪ اﻟﻘﺼﻮر اﻟﻮاﺿﺤﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﺑﺪا ﻓﺠﺄة ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ أﻗﻮى ﻣﺆﻳﺪي ﻫﺬا 30
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
اﻟﻀﻤري اﻟﺪاﺧﲇ اﻟﺸﺨﴢ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﻌﺼﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ أو ﻛﻔﺌًﺎ ﻟﺘﺤﻤﻞ املﺴﺌﻮﻟﻴﺎت املﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﻋﲆ ﻛﺎﻫﻠﻪ .وﻳﺪور أﺣﺪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت — وﻫﻮ ﺗﺤ ﱟﺪ إﻧﺴﺎﻧﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ دﻳﻨﻲ — ﺣﻮل وﻗﻮع اﻟﻀﻤري ﰲ َﴍَك اﻟﺠﺴﺪ وﺣﻴﺪًا .أﻣﺎ اﻟﻀﻤري اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﺬي ﻳﱰﻳﺚ ً أﻛﺜﺮ وﻳﻜﻤﻦ ﻋﲆ ﻋﻤﻖ أﻛﱪ ،واﻟﺬي ﻳﻈﻞ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ﻳﻘ ً ﻣﻨﻌﺰﻻ ﰲ اﻧﺘﻈﺎر ﺑﻴﺎﻧﺎت وﺗﻌﻠﻴﻤﺎت ﻈﺎ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ،ﻓﻜﺎن ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺠﺎﺳﻮس املﻨﻌﺰل اﻟﺬي ً ﺣﺎﻣﻼ ﺟﻬﺎز اﺳﺘﻘﺒﺎل ﻳﻠﺘﻘﻂ املﻮﺟﺎت اﻟﻘﺼرية ،وﺑﻄﺎرﻳﺔ ﻫﺒﻂ ﺑﺎملﻈﻠﺔ ﰲ أرض اﻟﻌﺪو أوﺷﻜﺖ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺎد وﻇﻞ ﻳﻨﺘﻈﺮ رﺳﺎﻟﺔ ﻗﺪ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ أﺑﺪًا .وﺑﴫف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻘﺎل ً أﻳﻀﺎ ً ﻣﻨﻌﺰﻻ ﻗﻂ وﻻ ﻳﻔﺘﻘﺮ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري املﺆﺳﴘ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﱃ أدوات اﻟﺪﻋﻢ واﻟﺘﺄﻳﻴﺪ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،ﺳﻮاءٌ أﻛﺎﻧﺖ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ أم ﻣﺆﺳﺴﻴﺔ أم داﺧﻠﻴﺔ .وﻓﻮر أن ﺗﺤﺮر اﻟﻀﻤري ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻮد اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ واﻟﻜﻨﺴﻴﺔ وأﺻﺒﺢ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ، ﺗﻌﺮض ملﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻴﺎرات واﻹﻏﺮاءات .وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ ﻗﺪ أﺿﺤﻰ ﻣﺮﺗﺒ ً ﻄﺎ ﺑﻔﻜﺮة اﻟﻔﺮد ﻏري املﻌﺼﻮم ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻣﺸﻜﻮ ًﻛﺎ ﰲ أﺣﻜﺎﻣﻪ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺧﺪاع اﻟﺬات وﻧﻘﺺ ﰲ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ وﳾء ﻣﺸﺎﺑﻪ ﻟﻠﻔﺴﺎد املﺎدي. ﻻ ﺗﻐﻴﺐ ﻫﺬه اﻟﺸﻜﻮك اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺣﻮل اﻟﻀﻤري ﻋﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺷﻜﺴﺒري اﻟﻘﻮﻳﺔ؛ ﻓﻘﺪ ً ﺗُ َ وﺻﻔﺎ ﻮﺻﻒ »ﻫﺎﻣﻠﺖ« ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﴪﺣﻴﺔ ﺗﺪور ﺣﻮل ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻋﻤﻞ اﻟﻀﻤري ،وﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﺸﺠﻌً ﺎ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق .ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻛﻠﻮدﻳﻮس ﻣﻦ »ﺳﻴﺎط« اﻟﻀﻤري ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﴫف ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻪ ،وﻳﺼﺎب ﻫﺎﻣﻠﺖ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﺑﺴﺒﺒﻪ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﻪ اﻟﻘﻮة. وﰲ ﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻪ اﻷﺷﻬﺮ اﻟﺘﻲ ﻳﻮازن ﻓﻴﻬﺎ ﺑني اﻟﻌﻤﻞ وﻓﻨﺎء اﻟﺬات ،ﻳﱰدد ﻫﺎﻣﻠﺖ ﻟﺨﺸﻴﺘﻪ ﻣﻤﺎ ﺑﻌﺪ املﻮت: ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ املﺠﻬﻮل ،اﻟﺬي ﻻ ﻳﺮﺟﻊ ﻣﻦ ﺗﺨﻮﻣﻪ أﺣﺪ ﻓﺘﻤﻠﻜﻨﺎ اﻟﺤرية ،وﺗﺆﺛﺮ اﺣﺘﻤﺎل اﻟﴩور اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻮﺛﻮب ﻧﺤﻮ أﺧﺮى ﻧﺠﻬﻠﻬﺎ ﻛﻞ اﻟﺠﻬﻞ، وﻫﻜﺬا أﻣﻜﻦ ﻟﻀﻤﺎﺋﺮﻧﺎ أن ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺟﺒﻨﺎء(٨٢–٣.١.٧٨) . ني َني ﺣﺪﻳﺜ َ ْ ِ ﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺬا اﻟﻀﻤري املﺴﺒﺐ ﻟﻠﻌﺠﺰ ﻳﺘﻜﻮن ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي ﻣﻦ أول ﻣﻌﻨَﻴ ْ ِ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ :اﻟﻮﻋﻲ )ﺑﻤﻌﻨﻰ املﻌﺮﻓﺔ املﺰﻋﺠﺔ( واﻟﻀﻤري )اﻟﺬي ﻳﺴﺒﺐ اﻟﻘﻠﻖ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺑﺄﻓﻜﺎر ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺎص ﰲ اﻵﺧﺮة ﺑﺴﺒﺐ اﻷﻓﻌﺎل اﻵﺛﻤﺔ( .ﻟﻜﻦ ﺳﻮاءٌ أﻛﺎن ﻫﺬا أم ذاك أم ﻛﻼﻫﻤﺎ ،ﻓﺈن ً وﻋﺎﺋﻘﺎ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺣﺎﻓ ًﺰا ﻟﻠﻌﻤﻞ. اﻟﻀﻤري ﻳﻘﺪم ﻫﻨﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ 31
اﻟﻀﻤري
وﺗﺘﻀﺢ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة ﻟﻠﻀﻤري املﺸﺘﺒﻪ ﺑﻪ ﰲ ﻣﴪﺣﻴﺔ »املﻠﻚ ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻣﻦ« ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻓﻠﻴﺘﴩ وﺷﻜﺴﺒري ،واﻟﺘﻲ ﺗُﺴﺘﺨﺪم ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ »اﻟﻀﻤري« ٢٤ﻣﺮة ،وﻫﻮ ﺿﻌﻒ اﻟﻌﺪد اﻟﺬي اﺳﺘُﺨﺪﻣﺖ ﻓﻴﻪ ﰲ أيﱟ ﻣﻦ ﻣﺆﻟﻔﺎت ﺷﻜﺴﺒري اﻷﺧﺮى .وأﺻﺒﺢ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص ﺑﻬﻨﺮي ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻪ ﻣﺸﺒﻌً ﺎ ﺑﺎﺷﺘﻬﺎء آن ﺑﻮﻟني .ﻓﻀﻤري ﻫﻨﺮي »ﻗﻀﻴﺐ ﺣﺴﺎس«، ﻓﻬﻮ ﻳﻔﻜﺮ ﰲ املﻮﻗﻒ اﻟﺬي »ﺗﺒﺪت ﻓﻴﻪ ﺣﺴﺎﺳﻴﺘﻪ ﻷول ﻣﺮة وﺗﻌﺮض ﻟﻺﺛﺎرة واﻟﻮﺧﺰ« ،وﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺗﻮرﻳﺔ ﺟﻨﺴﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻫﻲ إﻋﺎدة ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻟﻔﻬﻢ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ً ﻓﻴﻪ اﻟﻀﻤري »ﺑﻮﺧﺰ« ﺻﺎﺣﺒﻪ املﺬﻧﺐ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري اﻵن ﻋﻀﻮًا ً وﻣﻌﺮﺿﺎ ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻺﺛﺎرة ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻨﻮع املﻨﺤﺮف ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺴﻴﺪ .أﻣﺎ ﺿﻤري آن ﺑﻮﻟني ﻓﻬﻮ ﺑﺪوره ﻳُﺸﺒﱠﻪ ﺑﺄﻋﻀﺎﺋﻬﺎ اﻟﺘﻨﺎﺳﻠﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ »ﺿﻤري رﻗﻴﻖ ﻧﺎﻋﻢ« ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ اﻟﻠني ﻗﺎﺑﻞ »ﻟﻠﺘﻤﺪد« ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﺴﻊ ملﺎ ﻳﻘﺪﻣﻪ ﻫﻨﺮي. ﻛﺎن ﻋﻠﻢ اﻟﻼﻫﻮت ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻔﻌﻤً ﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ﺑﺎﻟﻘﺪر ذاﺗﻪ ﰲ وﺻﻔﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻀﻤري املﺠﺴﺪ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ،ﻓﻘﺪ ارﺗﻜﺐ ﻟﻮﺛﺮ )ﰲ ﻓﻘﺮة ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﻬﺎ إدوارد أﻧﺪرو( ﺧﻄﺄ ً ﺗﺼﻮﻳﺮﻳٍّﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎرن اﻟﻀﻤري ﺑﺮﺣﻢ املﺮأة واﻟﻌﻬﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺨﺼﻴﺘني .وﻓﻴﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮﻛﺰ ﺟﻨﻴﻒ اﻹﺻﻼﺣﻲ ،ﻛﺎن ﻛﺎﻟﻔﻦ ﻳﻮاﺟﻪ ﻣﺸﺎﻛﻠﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻊ اﻟﻀﻤري وﺗﺠﺴﻴﺪه؛ ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ أوﻛﻞ دو ًرا ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﻟﻠﻀﻤري ،ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻮﺿﻌً ﺎ ﻟﻠﺘﻘﻴﻴﻢ اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﻬﺎدئ واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ املﻨﺼﻒ ﻗﺪر ﻣﺎ ﻫﻮ أرض ﻣﻠﻮﺛﺔ دﻣﱠ ﺮﺗﻬﺎ اﻹﺛﺎرة وﺧﺪﱠرﻫﺎ اﻟﺬﻋﺮ .وﰲ ﺳﻴﺎق ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »املﺆﺳﺴﺎت« ،ﻳﺸري ﻛﺎﻟﻔﻦ إﱃ ﻋﺪة ﻧﻘﺎط ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﺣﻮل اﻟﻀﻤري )ﰲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺗﻮﻣﺎس ﻧﻮرث ً ﻣﺄﻟﻮﻓﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ( ﻣﺜﻞ أﻧﻪ »ﻣﻄﺒﻮع ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﷲ ﰲ ﻋﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن« ،وأن ﺿﻤريه ﻳﺆدي واﺟﺒًﺎ ﰲ ﻓﻀﺢ اﻵﺛﺎم أﻣﺎم ﻣﻨﺼﺔ اﻟﺤﻜﻢ اﻹﻟﻬﻲ .ﻟﻜﻨﻨﺎ ً أﻳﻀﺎ ﻧﻘﺎﺑﻞ أﻣﻮ ًرا ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻠﻘﻠﻖ أﻫﻼ ﻟﻠﻤﻬﺎم املﻮﻛﻠﺔ إﻟﻴﻪ أم ﻻ ،ﻓﻬﻮ ً ﺣﻮل ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻀﻤري املﻘﻴﻢ ً أوﻻ ﺿﻤري داﺧﲇ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻻ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ أو املﺆﺳﴘ ،وﻳﻮاﺟﻪ ﻛﻞ أﺧﻄﺎر اﻟﺘﺠﺴﻴﺪ؛ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻴﺰ املﻔﺮط ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﻏري املﻌﺼﻮم ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ ،ﺑﻞ واﻷﺳﻮأ ﻣﻦ ذﻟﻚ» ،اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ« ﻣﻊ ﻣﻮﻃﻨﻪ داﺧﻞ ً ً وﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺴﺘﺤﺚ ﻣﻠﻤﻮﺳﺎ ،ﺿﻤريًا ﺗﺒﺪو ﻋﻠﻴﻪ »اﻟﺠﺮاح«، اﻟﺠﺴﺪ .وﻳﺘﺨﻴﻞ ﻛﺎﻟﻔﻦ ﺿﻤريًا ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻋﲆ اﻟﺘﺤﺴﻦ اﻟﺬاﺗﻲ ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﻀﻤري ذاﺗﻪ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﻣﺴﺎﻋﺪة ،ﻓﻬﻮ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ ﷲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻃﺒﻴﺒًﺎ ﻛﻲ »ﻳﺸﻔﻲ آﻻﻣﻪ« .وملﺎ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻀﻤري ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻣﻨﺘﴫًا ،ﻓﻬﻮ ﺿﻤري ﰲ ﻣﺤﻨﺔ ﻣﺘﺰﻋﺰع ﰲ دﺧﻴﻠﺔ ﻧﻔﺴﻪ وﻳﺮﺗﺠﻒ ﻫﻠﻌً ﺎ ﻣﻦ ﻏﻀﺐ ﷲ» :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻳﺒﴫ ﺿﻤريﻧﺎ ً ﺧﻮﻓﺎ؟« وﻫﻮ ﺿﻤري ﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﺳﻮى اﻟﺴﺨﻂ واﻻﻧﺘﻘﺎم ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻪ أﻻ ﻳﺮﺗﺠﻒ وﻳﺮﺗﻌﺪ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪً ، ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﻜﺘﺴﺒﻬﺎ ،وﻓﻘﺪ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻮاﺟﺒﺎﺗﻪ اﻟﺘﺤﺬﻳﺮﻳﺔ .وﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ 32
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
ﺗﻠﻚ املﺴﺎﻋﺪة ﺳﻮى »ﺿﻤري ﻓﺎﺳﺪ« ،وﻓﺴﺎده ذو ﻋﻼﻗﺔ وﺛﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﻋﻦ ﻣﻜﻮﺛﻪ ﰲ اﻟﺠﺴﺪ .وﻟﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري ﻟﺪى ﻛﺎﻟﻔﻦ ﻳﻤﺜﻞ ﴍارة اﻟﻌﻘﻞ أو اﻟﺼﺪﻳﻖ املﺨﻠﺺ أو ﺣﺘﻰ ﻛﺎﺗﺐ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت املﺤﺎﻳﺪ اﻟﺘﺎﺑﻊ هلل ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﺠﺒﻦ أﻣﺎم اﻟﺸﻜﻮك اﻹﻟﻬﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﰲ ﻣﺤﻠﻬﺎ. وﻟﺪى ﻛﺎﻟﻔﻦ وأﺗﺒﺎﻋﻪ ﻳﻈﻞ داﺋﻤً ﺎ اﻻﺣﺘﻤﺎل اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ وﺟﻮد ﺿﻤري ﻧﻘﻲ ،ﻟﻴﺲ ﺑﻔﻀﻞ ﺟﻬﻮده اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﻜﻦ ﺑﻔﻀﻞ ﷲ وﺣﺪه .وﺗﺘﻤﺜﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻀﻤري اﻟﺬي ﺗُﺮك وﺣﻴﺪًا ﻛﻲ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺧﻄﺎﻳﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،أو ﻟﻢ ﻳﺪﻋﻤﻪ ﺳﻮى ﻣﺎ اﻋﺘﱪه ﻛﺎﻟﻔﻦ آﻟﻴﺎت اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻏري اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﰲ أن ﺟﻬﻮده ﻗﺎﴏة ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺣﺘﻤﻲ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻗﻮة اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ. وﰲ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻷﺧري ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ »املﺆﺳﺴﺎت« ،ﻳﻌﺮض ﻛﺎﻟﻔﻦ ﺣﺎﻟﺔ »اﻟﺤﺮﻳﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ«، واﻟﺘﻲ ﻳﺤﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺠﲇ رﺣﻤﺔ املﺴﻴﺢ ﻣﺤﻞ ﻗﻴﻮد اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺠﻠﺐ ﺳﻮى اﻟﺨﻮف اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻲ اﻟﺬي ﻳﺤﺪد ﻋﻘﻮﺑﺘﻪ املﻼﺋﻤﺔ أﻣﺎم املﻨﺼﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ .وﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﺗﻠﻚ، ﻳﺘﺠﺪد اﻟﻀﻤري وﻳﻨﻘﻰ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ رﺣﻤﺔ املﺴﻴﺢ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﻋﻮاﺋﻖ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﺑﺎﻷﴎار املﻘﺪﺳﺔ وﻳﺼﺒﺢ ً أﻫﻼ ملﻮاﺟﻬﺔ املﺸﻜﻼت ﻛﺎﻓﺔ ،ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻴﻘني ﻋﺮﺿﺔ ﻷن ﺗﻈﻞ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ إدراك ﻋﺎﻣﺔ املﺴﻴﺤﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎ زاﻟﻮا ﻳﻘﺎوﻣﻮن املﺸﻜﻼت اﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻣﻦ أﺑﺮز ﻣﻤﺜﲇ اﻟﻀﻤري اﻟﻜﺎﻟﻔﻴﻨﻲ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ آن ﻓﻮن ﻟﻮك ،اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻤﺖ ﺧﻄﺐ ﻛﺎﻟﻔﻦ وﻛﺘﺒﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﺎ اﻷوﱃ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ .وﰲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﺗﺄﻣﻼت ﻣﺬﻧﺐ ﺗﺎﺋﺐ ،ﺣﻮل املﺰﻣﻮر اﻟﺤﺎدي واﻟﺨﻤﺴني«، ﺗﺼﻒ ﺿﻤريًا واﻫﻨًﺎ ﻋﺎﺟ ًﺰا ،ﻟﻜﻨﻪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻗﺎدر ﻋﲆ اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺠﺮح ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴ ٍﺔ ﻣﺠﺮوح ﻣﺮﺗﺒﻚ: اﻟﺮﻋﺐ اﻟﺬي ﻳﺴﺒﺒﻪ ذﻧﺒﻲ ﻳﻨﻤﻮ ﻛﻞ ﻳﻮم وﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ َ ﺿﻌﻒ أﻣﲇ ﰲ اﻟﻌﻔﻮ اﻹﻟﻬﻲ وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ وأﻋﺎﻧﻲ ﰲ روﺣﻲ املﺴﺘﻌﺒﺪة ﻣﻦ اﻟﻨﺪم اﻟﺨﻔﻲ وﺗﺂﻛﻞ ﻓﺆادي. ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،ﻓﺈن ﺿﻤريﻫﺎ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺎﻟﻘﺪرة ﻋﲆ املﺒﺎﻟﻐﺔ ﰲ رد اﻟﻔﻌﻞ واﻻﻧﺘﻘﺎم اﻟﻌﻨﻴﻒ: 33
اﻟﻀﻤري
ﺿﻤريي اﻟﻘﺎﳼ ﻳﺸﻖ ﻗﻠﺒﻲ املﻤﺰق ﺑﺴﻜني ﺣﺎد وﻳﻄﺮح ﺧﺎرﺟً ﺎ اﻷﴎار اﻟﻜﺮﻳﻬﺔ ﻟﺤﻴﺎﺗﻲ اﻟﻘﺬرة. ﻻ ﻳﺰال ﻫﺬا اﻟﻀﻤري اﻟﻨﺎدم ﻣﺤﺎﴏًا ﰲ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ ﺑﴩى اﻟﺤﺮﻳﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ، وﻳﺘﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﺘﺒﺎدل ﺑني اﺗﻬﺎم اﻟﺬات املﺬﻋﻮر ورد اﻟﻔﻌﻞ املﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻪ. وﻳﺒﺪي ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﻟﻮﺛﺮ وﻛﺎﻟﻔﻦ ً ﻗﻠﻘﺎ ﺑﺸﺄن ﻛﻔﺎءة اﻟﻀﻤري وﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ أن ﻳﻜﻮن وﻋﺎءً ﻟﻠﺘﻮﻗﻌﺎت املﺮﺟﻮة ﻣﻨﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻌﺎﴏﻳﻬﻤﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻠﻘﻮا ﺗﺸﺠﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ ﻗِ ﺒﻞ أﻓﻜﺎر ﻏري ﻣﺆﻛﺪة ﺣﻮل اﻟﻀﻤري ﻛﻀﻤﺎن ﻟﺜﻮرة ﺟﺬرﻳﺔ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺗﻮﻗﻊ أن ﻳﺪرﻛﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮوق اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ أو أن ﻳﺴﺘﻮﻗﻔﻬﻢ ﺗﺤﺬﻳﺮ ﻟﻮﺛﺮ ﺑﺄن اﻟﻀﻤري ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻠﻘﻰ دﻋﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس ﰲ ﻛﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ،أو ﺗﺤﺬﻳﺮ ﻛﺎﻟﻔﻦ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﺨﻼص ﻋﲆ ﻳﺪ رﺣﻤﺔ املﺴﻴﺢ وﻓﻀﻞ ﷲ .وﻳﻤﻜﻦ َﱄ ﱡ آراء ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻟﻮﺛﺮ وﻛﺎﻟﻔﻦ ﻋﲆ ﻳﺪ املﺘﻌﺼﺒني اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴني ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي إﱃ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﺨﻴﻔﺔ. وﻗﺪ ﺣﺬر إراﺳﻤﻮس اﻟﺬي ﻛﺘﺐ إﱃ ﻟﻮﺛﺮ ﻗﺒﻞ اﻧﺪﻻع ﺣﺮب اﻟﻔﻼﺣني اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﻋﺎم ١٥٢٥ ﺑﻌﺎم واﺣﺪ ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﻘﺎدﻣﺔ ً ﻗﺎﺋﻼ» :إﻧﻨﻲ أرى أواﴏ اﻟﺼﺪاﻗﺎت ﺗﺘﻤﺰق وأﺧﴙ أن ﺗﺤﺪث اﺿﻄﺮاﺑﺎت دﻣﻮﻳﺔ «.ورد ﻟﻮﺛﺮ ﺑﺎﺣﺘﻘﺎر ً ﻗﺎﺋﻼ إﻧﻪ ﻣﻦ املﻔﱰض أن ﺗﺘﺴﺒﺐ ﻛﻠﻤﺔ ﷲ ﰲ ﺣﺪوث ﻓﺘﻨﺔ ،ﻣﺴﺘﺸﻬﺪًا ﺑﺈﻧﺠﻴﻞ ﻣﺘﻰ » :٣٤: ١٠ﻣﺎ ﺟﺌﺖ ﻷﻟﻘﻲ ﺳﻼﻣً ﺎ ﺑﻞ ً ﺳﻴﻔﺎ«. وﻋﻨﺪﻣﺎ واﺟﻪ ﻟﻮﺛﺮ اﻻﺿﻄﺮﺑﺎت اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻋﺎم ،١٥٢٥ﻛﺎن ﺣﺎﺳﻤً ﺎ ﰲ ﺗﻨﺼﻠﻪ ﻣﻨﻬﺎ وﺗﻮﻗﻌﻪ ﻟﻘﻤﻌﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ املﺪﻧﻴﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ — وﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ اﻷﻧﻮاع اﻷﺧﺮى ﻣﻦ اﻷﻗﻮال املﺘﻄﺮﻓﺔ — ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻮﺛﺮ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺴﻠﻄﺔ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ﻋﲆ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻓﻬﻢ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ،وﻛﺎن ﺛﻤﺔ رادﻳﻜﺎﻟﻴﻮن اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻮن ﺣﻘﻴﻘﻴﻮن ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ املﺘﻄﺮﻓني اﻟﺪﻳﻨﻴني .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﻼﺣﻈﺎت ﻟﻮﺛﺮ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ،ﻓﻘﺪ ﻳﻌﺘﱪ ﺗﻮﻣﺎس ﻣﻨﺘﴪ — ﻣﻨﻜﺮ اﻟﻌﻤﺎد املﺘﻤﺮد وأﺣﺪ ﻗﺎدة ﺣﺮب اﻟﻔﻼﺣني ﻋﺎم ١٥٢٥واﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ أن املﺆﻣﻨني اﻟﺤﻘﻴﻘﻴني ﺗﺤﺮﻛﻬﻢ روح ﷲ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﺞ ﰲ ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن — ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﺑﻦ ﻟﻮﺛﺮ .وﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺷﺘﻴﻔﻦ أوزﻣﻨﺖ» :ﻋﻨﺪ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻋﻠﻢ اﻟﻼﻫﻮت اﻟﻘﻠﺒﻲ ﻋﲆ املﺠﺘﻤﻊ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﻘﻴﺪة ﺛﻮرﻳﱠﺔ ٍّ ﺣﻘﺎ «.وﻣﻦ ﺗﻤﺮد أﺗﺒﺎع ﺟﻮن َﻫﺲ ﰲ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺘﺸﻴﻚ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ وﺣﺮوب اﻟﻔﻼﺣني ﰲ وﺳﻂ أوروﺑﺎ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻣﺮو ًرا ﺑﺎﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ،ﻧﺠﺪ اﻟﻀﻤري واﻵراء املﺘﻌﺎرﺿﺔ ﺑﺸﺄن إﻣﻼءاﺗﻪ ﰲ ﻗﻠﺐ اﻻﺿﻄﺮاب اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. ﻻ ﻋﺠﺐ أن ﺑﻌﺾ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴني اﻟﻘﻠﻘني — ﻣﺜﻞ اﻹﻧﺠﻴﲇ رﻳﺘﺸﺎرد ﻫﻮﻛﺮ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻗﻮاﻧني اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ« ) — (١٥٩٤ﻗﺪ ﺳﻌﻮا إﱃ إﻋﺎدة ﺗﺮﺳﻴﺦ اﻟﻀﻤري أو »ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ« 34
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﻋﺎدة اﺣﺘﻮاﺋﻪ ﰲ اﻟﻘﻴﻮد املﺆﺳﺴﻴﺔ .وﻳﻨﺼﺐ اﻫﺘﻤﺎم ﻫﻮﻛﺮ ﻋﲆ اﻟﺒﻴﻮرﻳﺘﺎﻧﻴني وﻣﻨﻜﺮي اﻟﻌﻤﺎد وأﻋﻀﺎء اﻟﻄﻮاﺋﻒ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﻀﻠﻮن ﺛﻤﺎر »اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﺨﺎص«، ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﰲ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ »ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ« ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺣﻜﺎم املﺠﺎﻟﺲ واملﺠﺎﻣﻊ ً أﺳﺎﺳﺎ ﻣﻼﺋﻤً ﺎ ﻟﻼﻋﺘﻘﺎد .وﻫﻮ ﻳﺸري إﱃ اﻟﺪور اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ واﻟﻬﻴﺌﺎت ذات اﻟﺨﱪة اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻓﺮ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻟﻠﻤﺠﺎﻟﺲ ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،وﻫﻮ املﻮازﻧﺔ ﺑني اﻷﻣﻮر ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺨﻼف واﻟﻮﺻﻮل إﱃ ً »أﺳﺎﺳﺎ ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﻟﻀﻤري أي ﺷﺨﺺ ﻋﺎﻗﻞ ﻛﻲ ﻳﺒﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ واﺟﺐ ﻗﺮارات رﺳﻤﻴﺔ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻮﻓﺮ اﻟﻄﺎﻋﺔ« .وﻳﻤﻨﺢ ﻫﻮﻛﺮ اﻟﻨﺎس اﻟﺤﻖ ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻘﻮاﻧني اﻟﺘﻲ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﰲ ﻗﺮارة أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻌﺎرض اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻹﻟﻬﻲ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄن ﺗﻠﻚ املﻌﺎرﺿﺔ ﻳﺠﺐ اﻟﺘﺨﲇ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺧﻼف »ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻄﺮح ﻋﲆ أي ﺷﺨﺺ وﻳﺘﻔﻬﻤﻪ ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺳﻮى أن ﻳﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﻪ« .وﻫﻮ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺠﺞ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻹﺑﺮاء ذﻣﺔ أﻛﺜﺮ اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﺗﺸﻜ ًﻜﺎ، »ﻓﺎﻻﺳﺘﺤﺴﺎن اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﺒﺪﻳﻪ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻷﻣﻮر اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻳﺠﻌﻞ ﺟﻮدﺗﻬﺎ أﻣ ًﺮا ﻣﺮﺟﺤً ﺎ« .وﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺠﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺮ اﻟﺰاوﻳﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،وﺗﻢ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺸﺪة ﰲ إﻧﺠﻠﱰا أﺛﻨﺎء ﻣﻘﺎﺿﺎة واﻳﻜﻠﻴﻒ وأﺗﺒﺎﻋﻪ ﰲ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ،وﻫﻲ ﺣﺠﺔ ﻳﻌﻮد ﻟﻬﺎ ﻫﻮﻛﺮ اﻹﻧﺠﻴﲇ اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ملﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻀﻤري اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻔﻲ اﻟﺮأي ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »ﻏﺸﺎوة ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ« ،وﻫﻮ ﻫﻨﺎ ﻳﺴﺘﺒﻖ وﻳﻌﺎرض ﻣﺎ ﻳﺼﻔﻪ ﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﻣﺎﻛﺲ ﺷﻴﻠﺮ ﺑﺄﻧﻪ »ﻣﺒﺪأ اﻟﻔﻮﴇ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ« اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻨﺪﻣﺎ »ﻳﻤﻜﻦ ﻷي ﺷﺨﺺ … اﻻﺣﺘﻜﺎم إﱃ »ﺿﻤريه« وﻣﻄﺎﻟﺒﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻻﻋﱰاف املﻄﻠﻖ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ«. ﺑﻌﺾ وﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ املﺴﻴﺤﻴﺔ املﺴﺘﻤﺮة ﻟﻠﻀﻤري أﺑﻌﺎد روﺣﻴﺔ وأﺧﻼﻗﻴﺔ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻤﺮ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺒﺪأ ً ﻋﻠﻤﺎﻧﻴٍّﺎ أﺧﻼﻗﻴٍّﺎ ﺑﻼ دﻋﻢ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري ﺗﻈﻞ ﻗﻮة ﻓﺎﻋﻠﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم، ﻓﺎﻟﺪﻳﻦ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﺣﺎﴐ ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻈﻢ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ .وﺗﻮاﺟﻪ املﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻟﻠﻀﻤري اﻟﻴﻮم ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ،وﻫﻲ املﻮازﻧﺔ ﺑني ﻣﻄﺎﻟﺒﺎت اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺸﺨﴢ اﻟﺪاﺧﲇ واﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ املﺆﺳﺴﻴﺔ. ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﺸﻜﻠﻴﺔ ﰲ اﻷﺧﻼق« ) ،(١٩١٦–١٩١٣ﻳﺒﺤﺚ ﻣﺎﻛﺲ ﺷﻴﻠﺮ ﻋﻦ ﻧﻘﻄﺔ وﺳﻂ ﺑني اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﻣﺬﻫﺐ اﻟﺨﻼص ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى .وﻫﻮ ﻳﺠﺎدل ﺑﺤﺪة أن اﻟﻀﻤري ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻮﺟﺰ ﺻﺤﻴﺢ ملﺎ 35
اﻟﻀﻤري
»ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻚ ،وﻟﻚ وﺣﺪك« ،ﻟﻜﻦ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي ﻳﺠﺐ ً أﻳﻀﺎ أن ﺗﻘﺪم ﰲ إﻃﺎر اﻟﺘﺰام ً ﺷﻤﻮﻻ ﺑﺎﻟﺒﺼرية اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ: أﻛﺜﺮ ﻓﻘﻂ اﻟﺘﻌﺎون ﺑني اﻟﻀﻤري وﻣﺒﺎدئ اﻟﺴﻠﻄﺔ وﻣﻀﻤﻮن اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﺑﺎﻟﺘﺼﺤﻴﺢ املﺘﺒﺎدل … ملﺼﺎدر ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻳﻀﻤﻦ ]ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺼرية[. وﺗﺘﻤﺜﻞ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه ﰲ أن اﻟﻀﻤري املﻨﻌﺰل أو اﻻدﱢﻋﺎء ﺑﻮﺟﻮد ﺿﻤري ﻣﺴﺘﻨري ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ً ﻣﻠﻄﻔﺎ. ﻣﻤﻴﺰ ﻳﻔﴤ إﱃ اﻟﻔﻮﴇ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗُﻤﻨﺢ اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ دو ًرا ً وﻣﻌﺮوﻓﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،إﻻ أن آراءه ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺘﺄﻳﻴﺪ ﻛﺎن ﺷﻴﻠﺮ ﻋﺎﻟﻢ ﻻﻫﻮت ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ، واﺳﻊ ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ املﻌﺎﴏة .وﺛﻤﺔ ﻣﻨﻬﺞ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﺳﻠﻄﻮي أﻛﺜﺮ ﺗﺸﺪدًا ﻳﺘﻀﺢ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت اﻟﻜﺎردﻳﻨﺎل راﺗﺴﻴﻨﺠﺮ ،اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻳُﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﻴﻨﺪﻳﻜﺖ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ، واﻟﺬي ﻳﺴﺘﻜﺸﻒ اﻟﺘﻨﻮﻳﻌﺎت املﺤﺘﻤﻠﺔ ﻟﻠﻨﺴﺒﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ وﻳﻬﺎﺟﻢ اﻟﺴﻠﻄﺔ املﺆﺳﺴﻴﺔ ﺑﺸﺪة ً ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ أﺣﺪ ﻋﻨﺎﴏ اﻟﻨﻈﺮة املﺘﻮازﻧﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮار أﻳﻀﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ أﻣ ًﺮا اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ .وﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻟﻀﻤري واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ« ) (١٩٩١ﻳﻘﻠﺺ راﺗﺴﻴﻨﺠﺮ ﻣﻦ ﻧﻮاح ﻋﺪﻳﺪة ،وﻫﻮ ﻳﺤﺎول أن ﻳﱪﻫﻦ ﺑﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﻋﲆ أن اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ دور اﻟﻀﻤري ﰲ ٍ املﺠﺮد ﻗﺪ ﻳﺨﻄﺊ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻮد ﻓﻴﻘﱰح ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻗﻞ إﻗﻨﺎﻋً ﺎ أن اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ اﻟﺬي ﺑُﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ﺻﻮرة ﺧﺎدﻋﺔ وﻏري ﴐورﻳﺔ ﻣﻦ ﺻﻮر اﻹدراك ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺧﺎرج ﻧﻄﺎق اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺸﺨﴢ .وﰲ رأﻳﻪ ،ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻓﺔ ﺣﺒٍّﺎ ﻏﺮﻳﺰﻳٍّﺎ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ واﻟﺨري ،ﻟﻜﻨﻬﻢ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﻨﺴﻮن ﺗﻠﻚ املﻴﺰة ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺘﻮﻗﻊ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ أن ﻳﺴﺘﻌﻴﺪوﻫﺎ ﺑﻼ ﻣﺴﺎﻋﺪة .وﻳﺘﻤﺜﻞ دور اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﰲ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻀﺎل ﻛﺜري اﻟﻨﺴﻴﺎن ﻋﲆ إﻋﺎدة اﻛﺘﺸﺎف ﻫﺬه املﻴﺰة اﻟﺨﻔﻴﺔ .وﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﻓﺈن اﻟﻀﻤري ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﻛﻲ ﻳﺼﻐﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ أو ﻳﻤﻴﺰ أﻫﺪاﻓﻪ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ .وﺑﻬﺬا املﻌﻨﻰ ﻓﺈن اﻟﻀﻤري ﻇﺎﻫﺮة ﺛﺎﻧﻮﻳﺔ ،واﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻣﻦ ﺟﺮاء اﻵﺛﺎم اﻟﺘﻲ ﻳﻘﱰﻓﻬﺎ املﺮء ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﺛﺎﻧﻮﻳﺔ .وﻳﺘﻤﺜﻞ دور اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ ﰲ إﻋﺎدة ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﻀﻤري ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻪ ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪﻗﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻛﻔﺎرة املﺴﻴﺢ. وﻋﻮدة إﱃ ﺛﺎﻟﻮث ﺷﻴﻠﺮ املﻜﻮﱠن ﻣﻦ اﻟﻀﻤري واﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ،أﻋﺘﻘ ُﺪ أن راﺗﺴﻴﻨﺠﺮ ﻳﺒﺎﻟﻎ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ اﻟﺴﻠﻄﺔ وﻳﻘﻠﻞ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻀﻤري؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻠﻞ ﻣﻦ وﺻﺎﻳﺔ املﺴﺌﻮﻟﻴﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﰲ اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻷﺧﻼﻗﻲ) .وﰲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻄﺎﺑﻖ ﻫﻨﺎ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﺣﺠﺔ ﻛﺎﻟﻔﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ إن اﻟﻀﻤري اﻟﺬي ﻻ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪة ،وآﻻم اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري ،ﻏري 36
اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ
ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﲆ أداء ﻣﻬﺎﻣﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﺼﻬﻤﺎ اﻟﻌﻔﻮ اﻹﻟﻬﻲ (.وﻳﻤﻜﻦ اﻟﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﺤﺠﺔ املﻀﺎدة اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ إن ﻋﻤﻞ اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﺑﺎﻟﺘﺰاﻣﻦ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺸﺨﴢ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﴍط ﻛﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻔﺎﻋﻠﻴﺔ .وﰲ أﺣﺪ املﻘﺎﻻت ﰲ ﻛﺘﺎب »اﻷﺧﻼﻗﻴﺎت وﻣﺎ وراءﻫﺎ« ،ﻳﻈﻞ ﻋﺎﻟﻢ ً ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻟﻠﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻹﺻﻼﺣﻴﺔ املﺒﻜﺮة ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻼﻫﻮت اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ اﻟﻠﻴﱪاﱄ ﺑﻮل ﺗﻴﻠﻴﻚ ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﺛﺒﺎت أن اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺸﺨﴢ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻫﻮ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ اﻟﺤﺎﻟﺔ املﻔﱰﺿﺔ ﻟﻠﻀﻤري. وﻫﻮ ﻳﺤﺎول أن ﻳﱪﻫﻦ )ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻣﺴﺘﻮﺣً ﻰ ﻣﻦ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻟﻜﻦ ﻣﻊ اﻟﺘﻮﺻﻞ ﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﻣﺨﺘﻠﻒ( أن »اﻟﻀﻤري املﻀﻄﺮب املﻨﺘﻘﺪ اﻟﺬي ﻳﻮﺟﻪ أﺻﺎﺑﻊ اﻻﺗﻬﺎم ﻫﻮ اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻷﺻﻠﻴﺔ ،وأن اﻟﻀﻤري اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ ﻏﻴﺎب ﻟﻠﻀﻤري اﻟﻔﺎﺳﺪ …« ،وﻫﻮ ﻳﺆﻛﺪ ً أﻳﻀﺎ أن »اﻟﺬات-اﻷﻧﺎ واﻟﻀﻤري ﻳﻨﻤﻮان ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎد أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻋﲆ اﻵﺧﺮ ،وأن … اﻟﺬات ﺗﻜﺘﺸﻒ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻻﻧﻔﺼﺎم ﺑني ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ وﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ« ،وأن اﻟﺬﻧﺐ ﻫﻮ اﻟﻌَ َﺮض اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻬﺬا اﻻﻧﻔﺼﺎم. ﻣﺘﻔﺎﺋﻼً ، ً ﻓﺒﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ملﺨﺎوﻓﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﺈن ﺿﻤريه املﺬﻧﺐ ﻟﻜﻦ ﺗﻴﻠﻴﻚ ﻳﻌﺪ ﻣﻔﻜ ًﺮا ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﺒﻨﺎء ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺣﺎﻓ ًﺰا إﻳﺠﺎﺑﻴٍّﺎ ﻟﻺﺻﻼح اﻟﺬاﺗﻲ. ﻻ وﺟﻮد ﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﻛﻲ أﺳﺘﺸﻬﺪ ﺑﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ املﻮﺿﻮﻋﺎت ،ﻟﻜﻦ ﺳﻴﻄﺮة ﻛﻞ ﱠني ﺑﻮل ﺗﻴﻠﻴﻚ وراﻳﻨﻬﻮﻟﺪ ﻧﻴﺒﻮر ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﺎﻟِﻤَ ﻲ اﻟﻼﻫﻮت اﻟﻠﻴﱪاﻟﻴ ْ ِ ﺗﻘﱰب ﺑﺄﻗﴡ درﺟﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ أن ﻧﻠﻤﺢ إﺟﻤﺎع اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴني املﺘﻌﻠﻤني ﺣﻮل اﻟﺬات واﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻀﻤري .وﺑﻌﺪ ﻣﺮاﺟﻌﺔ »ﻣﻨﻬﺞ« ﺷﻴﻠﺮ ﰲ اﺗﺠﺎه »اﻹﺟﻤﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ املﺴﺘﻨري« ،ﻳﻌﺮض ﻫﺬان اﻟﻌﺎملﺎن اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻮﺟﻮد واملﻄﺎﻟﺒﺔ اﻟﴩﻋﻴﺔ ﺑﺎﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ اﻹﻓﺮاط اﻟﻔﺮدي ﰲ اﻟﻘﻴﻢ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﻨﺠﺬب ﻧﺤﻮﻫﺎ اﻟﻀﻤري املﻀﻄﺮب .وﻳﴫ ﺗﻴﻠﻴﻚ ﻋﲆ أن املﻮﺿﻮﻋﺎت املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري »ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬاﺗﻲ واﻹرﺷﺎد اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻬﺪأ ﺣﺘﻰ ﻳﺸري إﱃ وﺟﻮد آﺧﺮ ﺟﺎﻣﻊ وﻣﺠﺘﻤﻊ ﺟﺎﻣﻊ« ،وﻫﻮ ﻳﴫ ً أﻳﻀﺎ ﻋﲆ أن وﺟﻮد ﷲ ﻳﻤﻜﻦ إدراﻛﻪ وﺗﻤﻴﻴﺰه — وﻟﻮ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺿﻌﻴﻒ — ﰲ اﻟﻄﻤﻮح اﻟﺠﺎﻣﻊ. وﻳُﺤﺘﻤﻞ أن ﻳَﻌﺘﱪ اﻹﻧﺠﻴﻠﻴﻮن املﻌﺎﴏون ﺗﻠﻚ املﻮاﻗﻒ املﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻣﻄﺎﻃﺔ وﻧﺴﺒﻴﺔ، وﻫﻢ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮن ﰲ ﺣﺮﻛﺔ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ املﺠﺘﻤﻌﻴﺔ واﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﻨﻴﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ املﺠﺘﻤﻌﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ اﻟﻠﻴﱪاﻟﻴﺔ .وﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻓﺈن ﻧﻴﺒﻮر ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪ ﻗﻠﻖ ﻣﻤﺎﺛﻞ ﱠ ﻋﱪ ﻋﻨﻪ ﰲ ﺻﻮرة اﻫﺘﻤﺎم اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﴫي ﺑﺎﻹرﺿﺎء املﺴﺘﻤﺮ »ﻟﻀﻤريه اﻟﺴﻠﻴﻢ« .وﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎن وﻣﺼريه« ) ،(١٩٤١ﻳﺘﺄﻣﻞ ﻧﻴﺒﻮر ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻼﺣ ً ﻈﺎ »ﻋﺎملﻴﺔ اﻟﻀﻤري املﻄﻤﱧ ﻟﺪى املﻌﺎﴏﻳﻦ« وﻳﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ أن: 37
اﻟﻀﻤري
اﻟﺘﺎرﻳﺦ املﻌﺎﴏ ﻣﲇء ﺑﻤﻈﺎﻫﺮ ﻧﻮﺑﺎت اﻟﻬﺴﺘريﻳﺎ واﻟﻐﻀﺐ ﻟﺪى اﻹﻧﺴﺎن وﺑﺄدﻟﺔ ﻋﲆ ﻗﺪرﺗﻪ وﻣﻴﻠﻪ اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﱠني ﻟﻜﴪ إﻳﻘﺎع اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ املﺘﻨﺎﻏﻢ وﺗﺤﺪي املﺒﺎدئ اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻟﻀﺒﻂ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ،ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺒﺪو أن ﺛﻤﺔ ذروة ﻟﻠﺪﻟﻴﻞ اﻟﻌﻜﴘ ﺗُ ﱢ ﻐري ﻣﻦ رأي اﻹﻧﺴﺎن املﻌﺎﴏ اﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ. ﻻ ﺷﻚ أن ﻓﻈﺎﺋﻊ اﻟﻬﻮﻟﻮﻛﻮﺳﺖ واملﺼﺎﺋﺐ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻣﻨﺬ أن ﻛﺘﺐ َ اﻟﺮﴇ اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻨﻪ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻼﻫﻮت ﻧﻴﺒﻮر ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﰲ ﻋﺎم ١٩٤١ﻗﺪ أﺿﻌﻔﺖ ﻣﻦ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ اﻟﻠﻴﱪاﱄ ﻳﻘﻊ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻼﺗﻬﺎﻣﺎت ﺑﺎﻹذﻋﺎن املﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻪ واﻟﺘﻜﻴﻒ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. وﺗﺸري اﻟﺪراﺳﺎت إﱃ أن املﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻌﻈﻢ املﻮاﻋﻆ ﰲ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻴﻮم ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻮاﻓﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﺬات وﻟﻴﺲ ﺑﺎملﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺮوﺣﻴﺔ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎرﺗﻜﺎب اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ واﻟﺨﻼص ،وﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻷب ﺑﺘﻠﺮ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ً وﺻﻮﻻ إﱃ اﻟﻄﻮاﺋﻒ املﻌﱰف ﺑﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﻗﺪ ﻳُﺘﻬﻢ اﻟﻀﻤري ﺑﺒﻌﺾ »اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ« ،وذﻟﻚ ﺑﺸﺄن ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺘﻪ ﻋﻦ ﻗﻴﺎدة املﺬﻧﺐ اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﻮﺑﺔ واﻟﺨﻼص. ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻓﻜﺮة اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ اﻟﻌﻨﻴﺪ ﻣﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﲆ املﻨﺎﻃﻖ اﻹﻧﺠﻴﻠﻴﺔ املﻌﺎﴏة ،دون أن ﺗﺨﻀﻊ ملﺮاﻗﺒﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ أو اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ .وﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻨﻜﺮ ﺟﻮن ﻟﻮك اﻟﺤﻤﺎس ﻏري املﻨﻈﻢ ،ﻛﺎن املﺆﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﲇ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻀﻮء ﰲ ﻋﻘﻠﻪ اﻟﺨﺎص ﻇﻨٍّﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﷲ ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن »ﻣﺠﺮد ﻗﻮة اﻗﺘﻨﺎﻋﻪ اﻟﺨﺎص« .وﺗﺤﺘﻔﻆ اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﺣﺎﻣﻴﺔ اﻟﻮﻃﻴﺲ واﻷﻗﻞ ﺳﻠﻄﺔ ﺑﻘﺪرﺗﻬﺎ ﻋﲆ إﺛﺎرة اﻷﻓﻌﺎل ﻏري املﺘﻮﻗﻌﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻳﻌﻈﻢ اﻻﻗﺘﻨﺎع اﻟﺸﺨﴢ املﺴﺘﻤﺮ ﺑﺎﻟﺘﻔﻮﻳﺾ اﻹﻟﻬﻲ ﻣﻦ ﺗﺄﺛريﻫﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻈﺮوف. ﻗﺪ ﻳُﻌﺘﱪ اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻪ — وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ اﻵن — ﻇﺎﻫﺮة ﺗﻌﺪدﻳﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري وﻟﻴﺲ ﻇﺎﻫﺮة ﻓﺮدﻳﺔ ،ﻟﻜﻦ إﻧﺠﺎزاﺗﻪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ واﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ املﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﻘﻮة ﻛﺒرية ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم ،وإن ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﻘﺘﴫة ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ. ﻫﻮاﻣﺶ (1) Thyssen-Bornemisza Museum, Madrid © The Gallery Collection/Corbis. (2) © Private collection/Ken Welsh/The Bridgeman Art Library. (3) © akg-images.
38
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻋﻠﲈﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤﲑ
ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳُﻨﻈﺮ إﱃ ﺗﺤﺮر اﻟﻀﻤري ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﺪﻳﻦ املﺆﺳﴘ ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎدت ً ﰲ ﻋﴫ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻗﺪ ﻳُﻌﺘﱪ ً ﺗﻨﺎﻗﻀﺎ — ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻏري ﻣﻘﺼﻮدة ﻧﺤﻮ أﻛﺜﺮ أﻳﻀﺎ — ﻋﲆ ٍ ﻟﻠﺤﻤﺎس اﻹﻧﺠﻴﲇ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﰲ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ واﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺠﻤﺎت ﻛﺎﻟﻔﻦ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻘﺴﻮة؛ ﺣﻴﺚ ﺻﻮره ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻧﺎﻗﺪًا ﻗﺎﺳﻴًﺎ ﻋﲆ ﻳﻘني ﻣﻦ أن اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺨﻼص ،وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻣَ َﻠ َﻜﺔ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب واﻟﺨﻮف وﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ أداء املﻬﺎم املﻮﻛﻠﺔ إﻟﻴﻬﺎ وﺗﺮﺗﺠﻒ ﻫﻠﻌً ﺎ أﻣﺎم ﷲ .وﻟﻢ ﻳﻘﺘﴫ ﺗﺄﺛري ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻛﺎﻟﻔﻦ اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻋﲆ ﺗﺠﻨﺐ ﻧﻈﻢ اﻻﻋﱰاف واﻟﺘﻮﺑﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ املﺆﺳﺴﻴﺔ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ ً ﻣﻔﻀﻼ أن ﻳﻮﻛﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ أﻣﺮ اﻟﺨﻼص ﻋﲆ ﺗﺠﻨﺐ اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ أداة ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻟﻠﺨﻼص، إﱃ ﻣﺪى إﻳﻤﺎن اﻟﻔﺮد ﺑﺎملﺴﻴﺢ .وﻫﻜﺬا ﻓﻘﺪ ﻧُﺰﻋﺖ ﺻﻔﺔ املﺆﺳﺴﻴﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ اﻹﻧﺠﻴﻠﻴﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺣﺎﻓ ًﺰا ﻣﺆﻳﱠﺪًا ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻹﺻﻼح اﻟﺬات وأﻋﻤﺎل اﻟﺨري. ٍّ ﻣﺴﺘﻘﻼ ،أو ﻣﻤﺜﻞ ارﺗﺠﺎﱄ ﻳﺘﻨﺎوب ﻟﻘﺪ ﺗُﺮك اﻟﻀﻤري وﺣﻴﺪًا ﻛﺄﻧﻪ ﺷﺨﺺ ﻳﺎﺋﺲ ﻳﻌﻤﻞ اﺳﺘﻌﻄﺎف ﷲ واﻟﺸﻌﻮر ﺑﺨﺸﻴﺘﻪ ،ﻓﺄﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺎ ﻳﺸﻦ ﻫﺠﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺒﻪ وأﺣﻴﺎﻧًﺎ أﺧﺮى ﻳﻌﱰف ﺻﺎﻏ ًﺮا ﺑﻌﺠﺰه. ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑني اﻟﻀﻤري واملﻌﺘﻘﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ املﺆﺳﴘ ﻟﻢ ِ ﺗﻨﺘﻪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ، ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻻ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺪﻋﻢ ﻛﺒري ﰲ اﻟﻄﻮاﺋﻒ املﺴﻴﺤﻴﺔ املﻨﻈﻤﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إن ً ً ﻛﻔﻴﻼ ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻈﻢ اﻹﻳﻤﺎن املﻌﺎﴏ ﻏﺎﻣﻀﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ راﻋﻴًﺎ أو ﷲ ﻳﻈﻞ ﻛﻴﺎﻧًﺎ ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ .وﺣﺘﻰ ﰲ وﻗﺘﻨﺎ اﻟﺤﺎﱄ ﻣﺎ زاﻟﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﻮاﻗﻒ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري َ ﻳﻨﺎﺷﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﷲ ﻣﺒﺎﴍة ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺘﻔﻮﻳﺾ اﻹﻟﻬﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻗﻀﻴﺔ ﻏﺎﺋﺒﺔ أو اﻟﺘﻲ ﻻ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻹﻟﻪ ﻗﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ﰲ ﺟﻨﺒﺎت املﴪح املﻌﺎﴏ ﻟﻠﻀﻤري ،ﻓﺈن املﺸﺎرﻛﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﺗﺘﺰاﻳﺪ اﻟﻨﻈﺮة إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ »ﻣﺮﺣﻠﺔ أﺧرية« أو
اﻟﻀﻤري
إﻗﺮا ًرا رﺳﻤﻴٍّﺎ ﻻ ﻧﺼﻞ إﻟﻴﻪ أﺑﺪًا ،ﻣﺜﻠﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺜﻞ اﻷﻧﻮاع اﻷﺧﺮى ﻣﻦ املﺮاﺣﻞ املﻨﻄﻘﻴﺔ اﻷﺧرية. وﻗﺪ أدى ﺗﻔﻜﻚ اﻟﺮواﺑﻂ ﺑني اﻟﺸﻌﺎﺋﺮ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي إﱃ إﻳﺠﺎد وﺿﻊ ﻣﻼﺋﻢ ﻟﻈﻬﻮر ﺿﻤري أﻛﺜﺮ »دﻧﻴﻮﻳﺔ« ،أو ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻘﻮل »إﻋﺎدة ﻇﻬﻮره« ،ﻓﺮﻏﻢ ﻛﻞ ﳾء ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻟﺪى اﻟﺮوﻣﺎن اﺟﺘﻤﺎﻋﻴٍّﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ دﻳﻨﻴٍّﺎ ﰲ ﺑﺪاﻳﺘﻪ ،وﻫﻜﺬا ﻓﺈن رؤﻳﺔ اﻟﻀﻤري ﻋﲆ أﻧﻪ ﻛﻴﺎن ﻣﺴﺘﻘﻞ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ أو ﺣﺘﻰ ﻛﻠﻴٍّﺎ ﻋﻦ اﻟﻮازع اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻛﺎﻧﺖ داﺋﻤً ﺎ ﻣﻄﺮوﺣﺔ وﻣﻮﺟﻮدة .وﻣﻨﺬ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ،ﺑﺪأ اﻟﻀﻤري اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﰲ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻤﲇ ﻣﻊ اﻟﻀﻤري املﺴﻴﺤﻲ ﻋﲆ اﻟﺘﺄﺛري ﻋﲆ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺷﺌﻮن اﻟﺒﴩ. ﻟﻜﻦ إذا ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﺳﻴﻌﻤﻞ دون ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ املﺆﺳﺴﻴﺔ وﺗﺤﻜﻴﻤﻬﺎ ،ودون أن ﻳﺤﻈﻰ ﺑﻤﺮﻛﺰ ﻣﻀﻤﻮن ﻛﻤﺒﻌﻮث ﻣﻦ ﷲ ،ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﺘﻌﺮض ﻟﺨﻄﻮرة اﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ً ﻣﺘﻌﺴﻔﺎ ﺳﻠﻴ َ ً ً ﻂ اﻟﻠﺴﺎن .وﻳﻠﺰم ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﲆ ﻣﺘﻄﻔﻼ أو واﺷﻴًﺎ أو ﺷﺨﺼﺎ ﻓﻀﻮﻟﻴٍّﺎ واﻋﺘﺒﺎره اﻟﻀﻤري اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﻟﻸﺑﺪ إﻋﺎدة ﺗﺄﺳﻴﺲ املﻔﺎﻫﻴﻢ وإﻋﺎدة ﻣﻨﺤﻪ ﺳﻠﻄﺎت واﺳﻌﺔ ﻛﻲ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﺛري ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻗﺪ ﺗﻄﻮرت ﻣﻬﻤﺔ إﻋﺎدة ﻣﻨﺢ اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻘﻲ ﻣﺘﻌﺪدة وﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺪة ،ﻟﻜﻦ ﻗﺪ ًرا ﻛﺒريًا ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺸﺎق اﻟﺘﻮﺿﻴﺤﻲ أ ُ َ ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻣﻦ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ وﻛﺘﱠﺎب املﻘﺎﻻت ورﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺒﺎرزﻳﻦ. ﻓﺼﻞ اﻟﻀﻤري ﻋﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻠﻘﻰ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻀﻤري ﻣﻦ إﴍاف أي ﻃﺎﺋﻔﺔ دﻳﻨﻴﺔ زﺧﻤً ﺎ ﻣﻨﺬ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ﺣﻮل اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ املﺘﺴﻊ ﻣﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻌﺘﻘﺪات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ. وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻗﺸﺎت ﻋﺎدة ﺗﻮﺣﻴﺪﻳﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺑﻌﻴﺪ ،ﻣﺜﻞ »ﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ املﺪﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ« ﻟﺠﻮن ﻣﻴﻠﺘﻮن ،ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻗﺸﺎت ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺪﻳﻨﻲ أوﺟﺪت ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ املﻮﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﻧﻮاع ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺤﺮﻳﺔ املﺘﺰاﻳﺪة ﻟﻠﻀﻤري. وﻳﻈﻬﺮ اﺗﺴﺎع ﻛﺒري ﻟﻠﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﰲ اﺗﺠﺎه اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﺟﻮن ﻟﻮك ﺑﺪءًا ﻣﻦ رﺳﺎﻟﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﺧﻄﺎب ﺣﻮل اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ« ) .(١٦٨٩وﻧﻈ ًﺮا ﻷن ﺣﺠﺘﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ اﻟﻘﻠﻖ ﺑﺸﺄن اﻟﺘﻌﺼﺐ ﺑني اﻟﻄﻮاﺋﻒ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﺗﻌﺘﱪ ٍّ ﻧﺼﺎ ﺿﺪ اﻟﺪﻳﻦ أو ﻏري دﻳﻨﻲ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﺗﻘﺪم ﻣﻨﻈﻮ ًرا واﺳﻌً ﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺄﺳﻴﺲ دﻓﺎﻋﻬﺎ ﻋﻦ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻀﻤري اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻋﲆ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺤﻘﻮق اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ. 40
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
وﻳﺘﻤﺜﻞ اﻗﱰاح ﻟﻮك ﰲ أن اﻟﴫاع اﻟﻄﺎﺋﻔﻲ اﻟﺬي ﻋﺎﻧﺖ ﻣﻨﻪ إﻧﺠﻠﱰا ﻣﺆﺧ ًﺮا ﻛﺜريًا وﻛﺎن ذا ً أﺳﺎﺳﺎ ﻟﺘﺤﺮرﻫﺎ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻛﺎرﺛﻴﺔ ،ﻟﻦ ﻳﻬﺪأ ﻣﺎ ﻟﻢ »ﺗُﺠﱪ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻋﲆ ﺟﻌﻞ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﱢ املﻨﺸﻘني ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ وﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻨﺎس أن ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ﻣﻨﻬﻢ أو ﻣﻦ ﺳﻮاء« .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﴫاع اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻫﻮ ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻮك ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﴫ ﻣﺎ ﺧﻠﺺ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻋﲆ ﻫﺬا املﺠﺎل ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺮى أن اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ املﺘﻌﺪدة ﻟﻠﻀﻤري ﻳﺠﺐ أن ﺗُﻌﺘﱪ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ وأﻻ ﺗُﻤَ ﺲ ﺳﻮاءٌ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﻠﻄﺔ املﺪﻧﻴﺔ أو اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻌﱰف ً ٍّ ﺧﺎﺻﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻀﻤري ،ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻣﺠﺎﻻ ﺑﻬﺎ أو ﻣﺴﻴﻄﺮة .وﺗﻈﻞ املﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ املﺪﻧﻲ ﺗﺘﺎح ﻟﻪ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺣﻘﻮﻗﻪ وﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺎﺗﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن .وﺗﻌﺪ اﻟﺤﺪود ﺑني املﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وإﴍاف اﻟﺪوﻟﺔ ﺿﺒﺎﺑﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻈﻞ اﻟﻔﺮد املﺴﻴﺤﻲ اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻌﻪ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺪﻳﻨﻲ ً ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﻠﻌﻘﻮﺑﺔ املﺪﻧﻴﺔ وﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻘﺒﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ إﱃ اﻧﺘﻬﺎك اﻟﻘﺎﻧﻮن املﺪﻧﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻻﺧﺘﻴﺎره أو ﻷﻓﻌﺎﻟﻪ .وﻣﺎ زال اﻹﻟﻪ ﺣﺎﴐً ا ﰲ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺨﻠﻴﻂ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن املﺪﻧﻲ ﺑﺪأ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ ﻋﻦ ﺟﺪارة ،ﻣﻤﻠﻴًﺎ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﺴﻠﻮك اﻟﻘﻮﻳﻢ. وﻛﻤﺎ ﺗﺼﻮر رﺳﺎﻟﺔ »ﺧﻄﺎب ﺣﻮل اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ« ،ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﻀﻤري املﺨﺘﻠﻂ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ وﺻﻔﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ »ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ« ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻟﻮك ﻳﻀﻊ ﻧﻈﺎﻣً ﺎ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻟﻠﻀﻤري ﰲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﺤﻜﻤﻪ اﻟﻘﺎﻧﻮن املﺪﻧﻲ ،وﻫﻮ ﻧﻈﺎم ﻳﺄﺧﺬ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر رؤﻳﺔ اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺤﻔ ًﺰا ﻣﻦ ﻗِ ﺒﻞ ﷲ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﴫ ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻔﻴﺰ ﻛﻲ ﻳﻌﱰف ﺑﻪ ﺿﻤريًا. وﰲ ﻣﻘﺎﻟﻪ ﺑﻌﻨﻮان »ﻣﻘﺎل ﻋﻦ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺒﴩي« ) (١٦٩٠ﻳﻌﻮد ﻟﻮك إﱃ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﰲ إﻃﺎر أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ وإﺛﺎرة ﻟﻠﺠﺪل ،وﻳﻔﱰض ﺻﻮرة ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻟﻠﻀﻤري ،وﻫﻲ أن ﻳﺤﻜﻤﻪ ﺳﻤﻮ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﴩي واﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ .وﻫﻮ ﻳﺮﻓﺾ اﻻدﱢﻋﺎءات ﻏري املﺪروﺳﺔ ﺑﺄن اﻟﻀﻤري ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﻔﻄﺮي )اﻟﺬي ﻳﻮﻟﺪ ﺑﻪ اﻹﻧﺴﺎن( أو أﻧﻪ ﻫﺪﻳﺔ ﻣﺮﺳﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ )أي إن ﷲ ﻫﻮ ﻣﻦ أرﺳﻠﻪ( ،ﺑﻞ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ أن اﻟﻌﻘﻞ ﻫﻮ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬي ﻳﻔﺼﻞ ﰲ ﴍﻋﻴﺘﻪ ،وﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻔﺼﻞ ﰲ ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ادﱢﻋﺎء اﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ .وﻫﻮ ﻻ ﻳﻨﻜﺮ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻹﻟﻬﻲ املﺒﺎﴍ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺆﻛﺪ أﻧﻪ إذا أﺧﻔﻖ ذﻟﻚ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﰲ اﺟﺘﻴﺎز اﺧﺘﺒﺎر اﻟﻌﻘﻞ ،ﻓﺈن اﻻدﱢﻋﺎء ﺑﻮﺟﻮده ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻮﺿﻊ ارﺗﻴﺎب .وﻋﲆ أﻳﺔ ﺣﺎل ،ﻓﺎﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ ﻟﻴﺲ املﺼﺪر اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻠﻘﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺆﻛﺪ ً ﻗﺎﺋﻼ: ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ أﻣﻮر أﺧﺮى ،ﻓﻬﻢ ﻳﻮاﻓﻘﻮن ﻋﲆ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ وﻳﻘﺘﻨﻌﻮن ﺑﺎﻻﻟﺘﺰاﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻴﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ .وﻗﺪ 41
اﻟﻀﻤري
ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻌﻬﻢ ﰲ اﻟﺮأي آﺧﺮون ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ وﻋﺎدات اﻟﺒﻼد واﻟﺬﻳﻦ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﻢ — أﻳٍّﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻮا ﺑﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ — ﰲ ﺣﺚ اﻟﻀﻤري ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ آراؤﻧﺎ أو أﺣﻜﺎﻣﻨﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻷﻓﻌﺎﻟﻨﺎ أو ﻓﺴﺎدﻫﺎ. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﺧﺘﻼﻓﻪ ﻣﻊ ﺗﻮﻣﺎس ﻫﻮﺑﺰ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﻘﺎط ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻮك ﻳﻮاﻓﻖ ﻋﲆ أن اﻟﻀﻤري ﻗﺎﺋﻢ ﻋﲆ »اﻟﺮأي«؛ وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻮﺣﺪًا أو ﻣﺘﺴﻠ ً ﻄﺎ ﺑﺎﻟﴬورة ﰲ إﻣﻼءاﺗﻪ .وﻳﺒﺪو أن ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻛﻮن أﺣﻜﺎم اﻟﻀﻤري اﻟﻴﻘﻆ ﻏري ﻛﺎﻣﻠﺔ وﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ — وﻟﻴﺴﺖ ﺗﺎﻣﺔ أو ﻓﻄﺮﻳﺔ — ﻛﺎﻧﺖ واﺿﺤﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل املﻼﺣﻈﺔ .وﻫﻮ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﺄﻣﺜﻠﺔ ﻣﻜﺮرة ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻣﻴﺸﻴﻞ دي ﻣﻮﻧﺘني ،واﻟﺘﻲ ﻳﱰك اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻬﺎ أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ اﻟﺮﺿﻊ ﰲ اﻟﻌﺮاء ﻟﻘﺘﻠﻬﻢ أو ﻳﺮﺑﻮﻧﻬﻢ ﻷﻛﻞ ﻟﺤﻮﻣﻬﻢ وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ ،وﻳﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺜﻠﺔ أﻧﻪ »إذا ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﺑﺮﻫﺎﻧًﺎ ﻋﲆ املﺒﺎدئ اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ املﺒﺎدئ املﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ املﺒﺎدئ اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ إن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻳﺮﺗﻜﺒﻮن ﻣﻦ اﻷﻓﻌﺎل ﻣﺎ ﻳﺘﺠﻨﺒﻪ آﺧﺮون ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻮازع ﻣﻦ اﻟﻀﻤري« .وﻫﻮ ﻳﺆﻛﺪ ﻣﺮا ًرا وﺗﻜﺮا ًرا ﻋﲆ أﻧﻨﺎ ﻧﻮاﺟﻪ »ﺟﺮاﺋﻢ ﻣﻨﻜﺮة ﺗُﺮﺗﻜﺐ ﺑﻼ ﻧﺪم«؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺄن اﻟﻀﻤري ﻟﻴﺲ ﺷﻴﺌًﺎ واﺣﺪًا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻃﺮاف وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺼﺒﺢ ﻛﺬﻟﻚ. وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺜﻖ »ﺑﺎملﺘﻌﺼﺒني« اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻌﻮن إﱃ ﻓﺮض اﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﻢ املﺘﻄﺮﻓﺔ أو ﻏري املﺘﺴﺎﻣﺤﺔ ﻋﲆ اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن املﺘﻌﺼﺐ ﻣﻘﺘﻨﻌً ﺎ ﺑﺄن آراءه ﻧﺘﺎج اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻹﻟﻬﻲ ،ﻓﻤﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن ﻳﺠﺪ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ذوي املﻌﺘﻘﺪات املﺸﺎﺑﻬﺔ رﻏﻢ اﺧﺘﻼﻓﻬﺎ ً ﻗﻠﻴﻼ ﻳﻌﺎرﺿﻮﻧﻪ: إذا ﻛﺎن اﻟﻀﻮء اﻟﺬي ﻳﻈﻦ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ أﻧﻪ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﰲ ﻋﻘﻠﻪ — وﻣﺎ ﻫﻮ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ إﻻ ﻗﻮة اﻗﺘﻨﺎﻋﻪ — ً دﻟﻴﻼ ﻋﲆ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﷲ ،ﻓﺈن اﻵراء املﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﺤﻖ ﰲ أن ﺗُﻌﺘﱪ وﺣﻴًﺎ ،وﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﷲ أﺑﺎ اﻷﻧﻮار ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ أﺑﺎ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ املﺘﻌﺎرﺿﺔ واملﺘﻨﺎﻗﻀﺔ. وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن أي وﺣﻲ ﻣﺰﻋﻮم ﻳﺠﺐ ﺗﻘﻴﻴﻤﻪ ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ أﺳﺲ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻏري اﻻﻗﺘﻨﺎع اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ،وﻳﺠﺐ ً أﻳﻀﺎ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر أن »ﻳُﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ« .وﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻗﺪ ﻧﺠﺪ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺤﺚ أن آراء أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس اﻗﺘﻨﺎﻋً ﺎ »ﻟﻢ ﺗُﺒ َْﻦ ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻞ أو اﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ أوﻫﺎم ﻋﻘﻞ ﻣﺘﺤﻤﺲ أو ﻣﺘﻌﺠﺮف …« .واﻟﻌﻘﻞ — وﻫﻮ ﺻﻮرة ﻣﻦ اﻟﺘﺠﲇ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ — ﻫﻮ 42
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
اﻟﱰﻳﺎق اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﺘﻠﻚ اﻷوﻫﺎم ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺘﻄﺮف ،وﻳﺠﺐ أن ﻧﻔﻀﻞ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ. ﺷﻬﺪ ﻟﻮك ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ اﻟﴫاﻋﺎت اﻟﺒﻴﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ-اﻷﻧﺠﻠﻴﻜﺎﻧﻴﺔ واﻟﴫاﻋﺎت اﻟﱪملﺎﻧﻴﺔ-املﻠﻜﻴﺔ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ،وﻫﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﴫاﻋﺎت ادﱠﻋﺖ ﻓﻴﻬﺎ أﻃﺮاف ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺘﻄﺮف ذات ﻗﻨﺎﻋﺎت راﺳﺨﺔ ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء أن اﻟﻀﻤري ﻫﻮ دﻟﻴﻠﻬﺎ .وملﺎ ﻛﺎن ﻟﻮك ﻳﺤﺘﻘﺮ ادﱢﻋﺎءات اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻏري املﺪروﺳﺔ وﻗﺪﺳﻴﺔ اﻟﻘﻨﺎﻋﺎت املﻄﻠﻘﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺷﻜﻞ رؤﻳﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﻻ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻪ أو ﺗﻘﻴﻴﻤﻪ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻋﲆ اﻟﻌﻘﺎب اﻹﻟﻬﻲ ﺑﺄي ﺣﺎل ﻣﻦ اﻷﺣﻮال ،رﻏﻢ ﺗﻘﺒﻠﻬﺎ ﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ أن ﻳﻘﺪم اﻟﻌﻘﺎب اﻹﻟﻬﻲ ً دﻟﻴﻼ ﻣﺆﻳﺪًا ﻟﻠﻀﻤري .وﺑﻌﺪ ﻟﻮك ،ﻗﺪ ﺗﺪﱠﻋﻲ أي رؤﻳﺔ ﻟﻠﻀﻤري اﻣﺘﻼﻛﻬﺎ ﻟﻠﺘﻔﻮﻳﺾ اﻹﻟﻬﻲ أو ﻻ ﺗﺪﱠﻋﻲ ذﻟﻚ ،ﻟﻜﻦ اﻷﻛﻴﺪ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻀﻄﺮة ﻟﺒﻨﺎء دﻋﻮاﻫﺎ ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻋﲆ أيﱟ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻻدﱠﻋﺎءات .وﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﻋﴫ اﻟﺮوﻣﺎن ﻳﻌﻮد اﻟﻀﻤري ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ،وﺗُﻌَ ﺪ دﻋﺎﺋﻤﻪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﻌﺎدات واﻹﺟﻤﺎع واﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﻘﻞ. ﺛﻤﺔ ﻣﻜﺴﺐ وﺧﺴﺎرة ﻫﻨﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻤﺜﻞ اﻟﺨﺴﺎرة ﰲ أن ﻓﺼﻞ اﻟﻀﻤري ﻋﻦ اﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ وﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﱃ ﺿﻤري ﻣﺘﺤﻴﺰ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﻈﺮوف وﻳﺨﻀﻊ ﻻﺧﺘﺒﺎر اﻟﻌﻘﻞ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻮك ﻳﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺘﻪ املﺆﻛﺪة ،أﻣﺎ املﻜﺴﺐ ﻓﻴﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﺗﺮﺳﻴﺦ اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﻈﺎﻣً ﺎ ﻣﺤﺪودًا ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺆﺛﺮ ﻟﺼﻨﻊ املﻌﺎﻧﻲ ﰲ اﻟﻨﻄﺎق اﻷوﺳﻊ ﻣﻦ اﻟﺸﺌﻮن اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .إﻧﻪ ﺿﻤري واﺿﺢ ﻻ ﻣﺮﻛﺰي؛ ﺿﻤري ﻣﺠﺮد ﻣﻦ ﻏﻼﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺼﻤﺔ اﻟﺰاﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ ،ﻟﻜﻨﻪ ً أﻳﻀﺎ ﺿﻤري ﻣﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﺪﺧﻮل ﰲ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﰲ ﺣﻠﺒﺔ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺪﻧﻴﻮي. ﺗﺒﻊ ﻟﻮك ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮاﻧﺐ أﻧﺘﻮﻧﻲ أﺷﲇ ﻛﻮﺑﺮ ،اﻹﻳﺮل اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﺸﺎﻓﺘﺴﺒريي ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄن اﻟﻨﺎس ﻳﻤﻠﻜﻮن »ﺣﺎﺳﺔ أﺧﻼﻗﻴﺔ« ﻓﻄﺮﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ وﻫﻮ ﻳﺮى أن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﺳﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﺼﺤﻴﺤﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻘﻞ .وﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺒﴩ واﻷﺷﻴﺎء واﻵراء واﻟﻌﺼﻮر« ) ،(١٧١٤–١٧١١وﺿﺢ ﻣﻔﻬﻮم »اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ« اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻤﻪ اﻻﺳﺘﺒﻄﺎن اﻟﺬاﺗﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ أﺳﺎﺳﻴٍّﺎ ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩي .وﻳﻠﻘﻲ ﺷﺎﻓﺘﺴﺒريي ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ذﻟﻚ اﻻﺳﺘﺒﻄﺎن ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻖ اﻟﻀﻤري ،وﻫﻮ ﻣﻠﻜﺔ ﺗﺤﺪد اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻌﻘﺎب ،وﻳﺠﺐ ﺗﻤﻴﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﺣﺴﺎب املﺮء اﻟﺒﺴﻴﻂ ملﺼﺎﻟﺤﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ .واﻟﻀﻤري ﺑﻬﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﳾء ﻣﺸﱰك ﺑني اﻟﺠﻤﻴﻊ؛ ﻓﺤﺘﻰ ﻣﺮﺗﻜﺒﻮ اﻟﴩ ﰲ رأﻳﻪ ﻳﺪرﻛﻮن أﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن اﻟﴩ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ذﻟﻚ .وﻫﻮ ﻳﻌﻠﻖ ﺑﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ً ﻗﺎﺋﻼ إن اﻟﻀﻤري ﻗﺪ ﻳُﻔﻬﻢ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﺧﻼﻗﻲ أو دﻳﻨﻲ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺠﺪ أن اﻟﻀﻤري اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري اﻷﺧﻼﻗﻲ أو اﻟﻔﻄﺮي، وﻫﻜﺬا ﻓﻬﻤﺎ ﻻزﻣﺎن ﻟﻪ ﻛﻲ ﻳﻌﻤﻞ .وﻷﻧﻨﺎ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺨﴙ اﻟﻌﻘﺎب اﻹﻟﻬﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ 43
اﻟﻀﻤري
ﻧﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أﻧﻨﺎ ﻗﺪ ارﺗﻜﺒﻨﺎ ً ﻓﻌﻼ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻠﻮم ،ﻓﺈن ﺗﻘﺪﻳﺮﻧﺎ ﻷﻓﻌﺎﻟﻨﺎ ﻟﻪ اﻷوﻟﻮﻳﺔ ﻋﲆ أﻳﺔ ﻣﺨﺎوف ﻗﺪ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﺣﻮل اﻟﻐﻀﺐ اﻹﻟﻬﻲ ،أي إن ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻠﻮم أﻣﺮ ﺷﺨﴢ ﺧﺎص ﺑﻨﺎ ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﲆ ﻣﻌﺎﻳري اﻟﺘﻘﻴﻴﻢ اﻟﻔﻄﺮي .وﻳُﺼﻮﱠر اﻹﻟﻪ ﻣُﺸﺎﻫﺪًا ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻘﻴﻴﻢ اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻮم ﺑﻬﺎ؛ أو »ﻛﻴﺎﻧًﺎ ﻣُﻔﱰ ًَﺿﺎ« ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺘﻮﻗري ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ً ً ﻓﺎﻋﻼ ذا ﺷﺄن ﰲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ: ﻃﺮﻓﺎ وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ]ﻟﻠﻀﻤري[ ﻗﻮﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻤﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻟﻸﻓﻌﺎل وﺑﺸﺎﻋﺘﻬﺎ ﻣﻊ اﻻﺣﱰام اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﺤﴬة اﻹﻟﻬﻴﺔ واﻟﺘﻮﻗري اﻟﻔﻄﺮي املﺴﺘﺤَ ﻖ ﻟﻬﺬا اﻟﻜﻴﺎن املﻔﱰض .ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﻴﺎر ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻠﺨﺰي اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ اﻟﴩ أو اﻟﺮذﻳﻠﺔ ﻗﻮﺗﻪ املﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺨﻮف اﻟﺰاﺋﺪ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻜﻴﺎن وﺗﻮزﻳﻌﻪ ﻟﻠﺜﻮاب واﻟﻌﻘﺎب ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺷﺎﻓﺘﺴﺒريي ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻘﺪر ﻛﺒري ﻣﻦ اﻻﺣﱰام اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﻴﺎن ،ﻓﺈﻧﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻳﺒﺬل ﺟﻬﺪًا ﻛﺒريًا ﻛﻲ ﻳﺒﻌﺪه ﻋﻦ أي دور ﻣﻬﻢ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺮى أﻧﻨﺎ ﻧﺘﺨﺬ ﻗﺮارﻧﺎ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﺑﺸﺄن أﻓﻌﺎﻟﻨﺎ »ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ« ﻋﻦ ﻗﺪرات ﷲ املﺴﻴﻄﺮة اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺜﻮاب أو اﻟﻌﻘﺎب .وﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻓﺈن اﻟﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﺗﺄﺛري ﻣﺸﻮه ﰲ ﻧﻈﺎم ﺷﺎﻓﺘﺴﺒريي، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮﺗﻜﺐ ً ﻓﻌﻼ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻌﻘﺎب ﻧﺘﻴﺠﺔ »ﻷﻳﺔ أواﻣﺮ ﻣﺰﻋﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ« .وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ذﻟﻚ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺆﻛﺪ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻏري ﴐورﻳﺔ ﺳﻮاءٌ ﻟﻠﺤﺚ ﻋﲆ أداء ﻓﻌﻞ ﻣﺎ أو ﺗﻘﻴﻴﻤﻪ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﻘﻮل ً أﻳﻀﺎ» :إذا ﻣﺎ اﺳﺘﺒﻌﺪﻧﺎ ﻛﻞ اﻷﻓﻜﺎر واﻟﺸﻜﻮك ﰲ أي ﺳﻠﻄﺎت ﻋﻠﻴﺎ ﻟﻸﺑﺪ« ،ﻓﺈن املﺬﻧﺒني ﺳﻴﻈﻠﻮن ﻳﻌﺎﻗﺒﻮن ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮﻫﻢ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺜﺎﻧﻮي أو ﻏري املﺒﺎﴍ املﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﺗﻌﺮﻳﺾ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ أو ﺳﻌﺎدﺗﻬﻢ ﻟﻠﺨﻄﺮ. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺿﻤري ﺷﺎﻓﺘﺴﺒريي ﻳﺼﻨﻒ ﻣﻊ ﻣﻔﺮدات اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ املﺨﻔﻔﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﺿﻤري دﻧﻴﻮي وﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ — ﻳﻘﻴﱠﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺨﺰي اﻟﺸﺨﴢ. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﺸﺎﻓﺘﺴﺒريي ﺑﺪوره ﺗﺄﺛري ﻛﺒري ﻋﲆ ﺟﻮزﻳﻒ ﺑﺘﻠﺮ؛ وﻫﻮ رﺟﻞ دﻳﻦ ﺗﻨﺎول »ﺧﻤﺲ ْ َ ﻋﴩ َة ﻣﻮﻋﻈﺔ أﻟﻘﻴﺖ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ روﻟﺰ« )ﻋﺎم املﺴﺎﺋﻞ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﰲ ﻣﺆﻟﻔﻪ .(١٧٢٦وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻗﺪ ﺗﺮاﺟﻌﺖ ،إﻻ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻌﺘﱪ أﻛﺜﺮ اﻟﺨﻄﺒﺎء ﺷﻌﺒﻴﺔ ﰲ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻀﻤري ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ أﺛﺮت آراؤه ﰲ اﻵراء اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻋﻦ اﻟﻀﻤري واﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﻮﺟﻮدة ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم. 44
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
وﻫﻮ ﻳﻌﱰف ﺑﺨﺸﻮع أن اﻟﻀﻤري ﻫﺒﺔ ﻣﻦ ﷲ أو ﻣَ َﻠﻜﺔ »ﻏﺮﺳﻬﺎ ﺑﺪاﺧﻠﻨﺎ ﺣﺎﻛﻤﻨﺎ اﻟﻔﻌﲇ« و»ﺧﺼﺼﻬﺎ ﻟﻨﺎ ﺧﺎﻟﻖ ﻃﺒﻴﻌﺘﻨﺎ« ،ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن ﺗﻠﻚ اﻟﻬﺒﺔ ﻣﺎ إن ﺗُﻤﻨﺢ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ ﷲ ﰲ اﺳﺘﻤﺮار أداﺋﻬﺎ ﻟﻌﻤﻠﻬﺎ .واﻟﻀﻤري ﻟﺪى ﺑﺘﻠﺮ ﻫﻮ ﺻﻮرة ﻣﻦ »اﻟﺘﻔﻜري … واﺳﺘﺤﺴﺎن ﺑﻌﺾ املﺒﺎدئ أو اﻷﻓﻌﺎل واﺳﺘﻨﻜﺎر اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ« .وﻳﻜﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري ﰲ ﻃﺒﻴﻌﺘﻨﺎ ،وﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻴﺢ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻏري املﺸﻮه ﻷي ﺷﺨﺺ ﺗﻔﻀﻴﻞ »اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻘﺴﻮة« ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر ذﻟﻚ أﻣ ًﺮا ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ. وﰲ ﺗﺤﻮﱡل ذي ﻣﻐ ًﺰى ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ اﻹﻧﺠﻴﻠﻴﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗَﻌﺘﱪ اﻟﻀﻤري ﻫﻮ ﻧﺎﻣﻮس ﷲ املﻜﺘﻮب ﰲ ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻳﺮى ﺑﺘﻠﺮ أن ﻫﻨﺎك اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺰﻋﺎت ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ — ﺑﻌﻀﻬﺎ إﱃ اﻟﺨري واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ إﱃ اﻟﴩ — وﻳﻀﻊ اﻟﻀﻤري ﰲ ﻣﻮﺿﻊ امل َﻠﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ »اﻟﺸﺎﻫﺪ« ﻋﲆ ﻧﺰﻋﺎﺗﻨﺎ وﺗﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﺎ .وﰲ رأﻳﻪ أن اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪرﻫﺎ ﺿﻤﺎﺋﺮﻧﺎ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺄن »ﺗُﺪﻋَ ﻢ وﺗﺆﻳﱠﺪ« ﻣﻦ ﷲ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻄﻲ ﷲ دو ًرا ﺗﻘﻨﻴٍّﺎ أو ﺗﻤﻬﻴﺪﻳٍّﺎ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﺘﺄﺛري اﻹﺿﺎﰲ اﻟﺬي ﺗﺜريه رﻏﺒﺘﻨﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﰲ اﺳﺘﺤﻘﺎق رأي ﷲ اﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﻓﻴﻨﺎ )ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺮى ﺷﺎﻓﺘﺴﺒريي( .وﰲ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻴﻴﺪ ﻟﻠﺴﺒﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﺆﺛﺮ ﺑﻬﺎ ﷲ ﻋﲆ ﻗﺮاراﺗﻨﺎ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ،ﻳﻌﺎرض ﺑﺘﻠﺮ أي »اﺳﺘﺒﺪاد« ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄن املﺆﺳﺴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﴐورﻳﺔ ﻹﻧﺸﺎء اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ املﺪﻧﻴﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﺎﻛﻲ ﻟﻮك ﰲ اﻟﺘﻤﺎس اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ وﻋﺪم اﻟﺘﺪﺧﻞ ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﻀﻤري: أي ﻣﺆﺳﺴﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﺑﻼ ﺗﺴﺎﻣﺢ دﻳﻨﻲ ﺗﻌﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﰲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﻪ ﻫﻲ ﰲ ﺣﺪ ذاﺗﻬﺎ دﻛﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ ﻋﺎﻣﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺰﻋﻢ اﻣﺘﻼك ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺘﺴﺒﺐ ﰲ أﺻﻨﺎف أﺧﺮى ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﻣﻦ ﻧﻮع أﺳﻮأ. ﻗﺪ ﻳﺒﺪو أن ﺑﺘﻠﺮ ﻳﻜﺮر ﻗﻮل ﻛﺎﻟﻔﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺴﻮء اﻟﻈﻦ ﰲ ﺳﻴﻄﺮة املﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺨﻴﺎر اﻟﻔﺮدي ،ﻟﻜﻦ ﺑﻨﻐﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﺘﻘﺪ اﻟﻘﻮة اﻟﺠﱪﻳﺔ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻳﺘﻘﺪم إﱃ ﻣﻮﻗﻊ ﻛﺎن ﻟﻴﻔﺰع اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴني اﻹﻧﺠﻴﻠﻴني اﻟﺴﺎﺑﻘني ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻘﻴﻴﺪ اﻻﺗﺼﺎل ﺑني ﷲ وﻗﻠﺐ اﻟﻔﺮد املﺴﻴﺤﻲ؛ وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻞ وﻟﻴﺲ اﻟﻮﺣﻲ .وﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺘﻠﺮ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﱪ ﻋﻦ ﺗﻮﻗريﻧﺎ هلل ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺳﻠﻄﺎﺗﻨﺎ ﰲ اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ،وﻫﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﻳﺪل ﻋﲆ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎهلل ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن أيﱞ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻠﻴني ﻟﻴﻌﺘﱪه دﻳﻨﻴٍّﺎ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق. 45
اﻟﻀﻤري
اﻟﻀﻤري واﻹﺟﻤﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أﻛﺪ أﻫﻢ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ﺗﺄﻛﻴﺪًا ﻣﺘﺰاﻳﺪًا ﻋﲆ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ،وأﺧريًا اﻹﺣﺴﺎس ،ﰲ اﻷﻣﻮر املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻻﺧﺘﻴﺎر اﻷﺧﻼﻗﻲ .إﻻ أن أي اﺧﺘﻴﺎر أﺧﻼﻗﻲ ﻳﺘﻢ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ داﺧﻞ ﻋﻘﻞ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻳﻈﻞ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺪوران ﰲ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻔﺮﻏﺔ وﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺴﻔﺴﻄﺔ .واﻟﻌﻘﻞ وﺣﺪه — أو ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ ﻋﲆ اﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ — ﻏري ٍ ﻛﺎف ملﺮاﻗﺒﺔ ﻋﻤﻞ اﻟﻀﻤري، وﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻔﺮد املﺴﺘﻘﻞ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻈﻞ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺨﻄﺄ أو ﻟﻠﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎملﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﺴﺘﺨﺪم ﰲ ﻏﻴﺎب ﺳﻠﻄﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ أو ﻗﻴﺪ .وإذا ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻘﻴﺪ ﻟﻦ ﻳﻮﻓﺮه إﻟﻪ ﻣﺘﺪﺧﻞ ﺑﻘﻮة ،أو ﺗﻮﻓﺮه أواﻣﺮ اﻟﺪﻳﻦ — وﻳﻌﺘﻘﺪ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﻟﻮك وﺷﺎﻓﺘﺴﺒريي أﻧﻪ ﻳﺠﺐ أﺳﺎﺳﺎ ً ً ﺑﺪﻳﻼ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ أﻻ ﻳﺤﺪث ذﻟﻚ — ﻓﺈن املﻴﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﺟﻤﺎع ﻳﻮﻓﺮ اﻟﺴﻠﻮك اﻷﺧﻼﻗﻲ. وﻗﺪ ﺗﻨﺎول إﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﻣﻘﺘﺼﺪ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ اﻷﺧﻼق« ) .(١٧٩٧وﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه ،ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻳﺪﻳﺮ »ﻣﺤﻜﻤﺔ داﺧﻠﻴﺔ ﰲ اﻹﻧﺴﺎن« ،ﻣﺨﺎﻃﺒًﺎ إﻳﺎه ﺑﺼﻮت ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺣﺘﻰ اﻟﻔﺎﺳﺪ إﻻ أن ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻴﻪ ،وﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻳﻌﱪ ﻋﻦ ﻧﺰوع اﻹﻧﺴﺎن ﻹﺻﺪار اﻷﺣﻜﺎم ،وﻫﻮ ﻣﻨﺪﻣﺞ ﰲ ﻛﻴﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ ،ﻟﻜﻦ املﺸﻜﻠﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺼﻮت وﰲ املﺤﻜﻤﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ أن املﺮء ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ، وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ أداء أدوار املﺪﱠﻋﻲ وﻫﻴﺌﺔ املﺤﻠﻔني واﻟﻘﺎﴈ اﻟﺤﺎﺳﻢ دون أن ﻳﺤﺪث ﺗﻀﺎربٌ ﰲ املﺼﺎﻟﺢ .وﻧﻈ ًﺮا ﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺗﻘﻴﻴﻢ املﺮء ﻟﺴﻠﻮﻛﻪ ،ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻀﻤﻦ وﺿﻌً ﺎ ﻣﻤﻴ ًﺰا ﺧﺎرج ﻧﻄﺎق اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﺸﺨﴢ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻫﺬا اﻟﺨﻴﺎر ﻣﻨﻪ .واﻟﺤﻞ اﻟﺬي ﻳﻘﱰﺣﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻮ اﻟﻘﻮل ﺑﺄﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻀﻤري ﺗﺨﺺ املﺮء وﺣﺪه ،ﻓﺈن ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﻳﺠﺐ أن ﺗُﻌﺘﱪ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺸﺨﺺ آﺧﺮ: ﻧﻈ ًﺮا ﻷن املﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻖ ﺿﻤري املﺮء ﻫﻲ أن ﻳﻔﻜﺮ ﰲ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﺑﺨﻼف ذاﺗﻪ … ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺣَ ﻜﻤً ﺎ ﻷﻓﻌﺎﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺘﻌﺎرض اﻟﻀﻤري ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ. وﻫﺬا »اﻟﺸﺨﺺ اﻵﺧﺮ« ﰲ اﻟﻨﻬﺞ اﻟﺬي ﻳﺴري ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ أو ﻣﺠﺮد ﺷﺨﺺ ﺧﻴﺎﱄ ﻳﻨﺴﺠﻪ اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ وﺣﻲ ﺧﻴﺎﻟﻪ ،وﻳﻌﺪ أﻋﻈﻢ ﺗﺠﺴﻴﺪ ﻟﻪ ﻫﻮ ﷲ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻮﺻﻔﻪ ٍّ ﻣﺴﺘﻘﻼ ﺑﺬاﺗﻪ: ﻣﺒﺪأ ً ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ وﻟﻴﺲ ﻛﻴﺎﻧًﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺨﻴﺎﱄ )اﻟﺤَ َﻜﻢ املﻌﺘﻤﺪ ﻟﻠﻀﻤري( ﻋﲆ ﺗﺤﺮي اﻟﻘﻠﻮب ،ﻓﺎملﺤﻜﻤﺔ ﻗﺪ ﻧﺼﺒﺖ »داﺧﻞ« اﻹﻧﺴﺎن ،ﻟﻜﻨﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻴﻪ أن »ﻳﻔﺮض ﻛﻞ 46
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
ً ﺷﺨﺼﺎ ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻴﻪ ﻛﻞ اﻟﻮاﺟﺒﺎت اﻻﻟﺘﺰاﻣﺎت« ،أي أن ﻳﻜﻮن — أو ﻳﻌﺘﱪ — أﻳٍّﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أواﻣﺮه … وملﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻜﻴﺎن اﻻﻓﱰاﴈ ﻛﲇ ﱡ اﻟﻘﺪرة ﻫﻮ ﷲ ،ﻳﺠﺐ أن ﻳُﻌﺘﱪ اﻟﻀﻤري ﻫﻮ املﺒﺪأ اﻟﺸﺨﴢ املﺴﺌﻮل أﻣﺎم ﷲ ﻋﻦ ﻛﻞ أﻓﻌﺎل املﺮء. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻳﺆﻛﺪ أن ﻫﺬا ﻣﺒﺪؤﻧﺎ ،وﻧﺤﻦ ﻧﻨﺸﺌﻪ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ» :ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻓﺈن املﻔﻬﻮم اﻷﺧري ﻣﺘﻀﻤﻦ داﺋﻤً ﺎ … ﰲ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻀﻤري«. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻨﺎ ﻧﺠﺘﻬﺪ داﺧﻠﻴٍّﺎ ﻛﻲ ﻧﻨﺸﺌﻪ ،ﻓﺈن ﻫﺬا املﻔﻬﻮم اﻟﻨﻘﺪي ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻣﻮاد ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ؛ وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻓﺈﻧﻪ وﺳﻴﻠﺔ ﻳﺘﺪﻓﻖ ﺑﻬﺎ اﻹﺟﻤﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﻘﻴﻢ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ املﺸﱰﻛﺔ ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ إﱃ ﺗﻘﻴﻴﻢ اﻻﺧﺘﻴﺎر أو اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺸﺨﴢ. »ﻣﺤﻜﻤﺔ« اﻟﻀﻤري ﰲ ﻣﺤﻜﻤﺔ إﻧﺠﻠﱰا اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﻀﻤري ،ﻳﻤﻜﻦ دراﺳﺔ ﻛﻞ وﻗﺎﺋﻊ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺑﻘﺪر أﻗﻞ ﻣﻦ اﻹﺟﺮاءات اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﺸﻜﻠﻴﺔ .وﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎط ﺑني املﺤﻜﻤﺔ واﻟﻀﻤري ﻟﻪ إﻳﺤﺎءات ﻋﺪﻳﺪة .وأﻳٍّﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﺎﺋﺼﻪ )اﻗﺮأ »املﻨﺰل اﻟﻜﺌﻴﺐ«!( ﻓﺈن ﻧﻈﺎم اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﰲ أﻓﻀﻞ ﺣﺎﻻﺗﻪ — ﻣﺜﻠﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﻀﻤري ﰲ أﻓﻀﻞ ﺣﺎﻻﺗﻪ — ﻳﺴﻌﻰ إﱃ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮازن ﺑني اﻟﴫاﻣﺔ واﻟﺮﺣﻤﺔ .وﻗﺪ ﻛﺜﺮت اﻟﺘﺸﺒﻴﻬﺎت اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺪى ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻀﻤري ،ﺣﻴﺚ وﻇﻒ اﻟﻀﻤري ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺪﻓﺎع واملﻘﺎﺿﺎة وﺣﻜﻢ املﺤﻠﻔني واﻟﺤﻜﻢ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻟﺘﻮﺿﻴﺢ إﺟﺮاءاﺗﻪ. ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻟﺪى اﻟﺮوﻣﺎن وﺛﻴﻖ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑﺎملﺤﺎﻛﻤﺎت اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ،ﻓﻔﻲ أﺣﺪ ﻣﺮات ﻇﻬﻮره اﻷوﱃ ﰲ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻳﺒﺪي اﻟﻀﻤري اﺳﺘﻌﺪاده »ﻟﻠﺸﻬﺎدة« ﻋﲆ ﺻﻔﺎﺗﻨﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ )رﺳﺎﻟﺔ ﺑﻮﻟﺲ اﻟﺮﺳﻮل اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ أﻫﻞ ﻛﻮرﻧﺜﻮس ،اﻵﻳﺔ ١٢ﻣﻦ اﻹﺻﺤﺎح اﻷول( .وﻳﺘﺨﻴﻞ ﻛﺎﻟﻔﻦ واﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﻮن اﻷواﺋﻞ اﻟﻀﻤري ﺷﺎﻫﺪًا ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﺼﻔﺢ ﻳﻠﻘﻲ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﲆ املﺬﻧﺒني و»ﻳﺴﺤﺒﻬﻢ ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ ﻣﺘﻬﻤني إﱃ ﻗﻔﺺ ً ﻣﺘﺨﻴﻼ »ﻣﺤﻜﻤﺔ املﺤﺎﻛﻤﺔ أﻣﺎم ﷲ «.وﻳﻨﻘﻞ اﻟﺴري ﺗﻮﻣﺎس ﺑﺮاون اﻟﺪﻋﻮى اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ إﱃ اﻟﺪاﺧﻞ، ﻗﺎﺋﻤﺔ داﺧﻠﻨﺎ ﺗﻘﻮم ﺑﺎﻻﺳﺘﺠﻮاب وﺗﺼﺪر أﺣﻜﺎم اﻟﱪاءة واﻹداﻧﺔ ﰲ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﺬات« .وﻳﻀﻴﻒ ﺟﻮﻧﺎﺛﺎن ﺳﻮﻳﻔﺖ إﱃ اﻻﺳﺘﻌﺎرة ً ﻗﺎﺋﻼ إن اﻟﻀﻤري »ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺪﻗﺔ ﻣﺪﻋﻴًﺎ وﻗﺎﺿﻴًﺎ ﰲ ﻣﺪع ﻣﺨﻴﻒ» ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻬﻤﻨﺎ ﺿﻤريﻧﺎ ﻣﺪع ،ﻟﻜﻨﻪ ٍ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ« ،وﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ٍ ً ﻧﻜﻮن ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﺬﻧﺒني« .وﻳﺮى إﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻀﻤري أﻳﻀﺎ ﻗﺎﺿﻴًﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺨﺎوﻓﻪ ﺗﻜﻤﻦ ﰲ اﻻﺗﺠﺎه املﻀﺎد ،ﻓﻬﻮ ﻳﺨﴙ أن ﺗﺸﺠﻊ املﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﺴﺎﻫﻞ اﻟﺰاﺋﺪ» :ﻓﺈذا اﻋﺘﱪﻧﺎ أن ﺛَﻤﱠ َﺔ إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻳﺘﻬﻤﻪ ﺿﻤريه وﻫﻮ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ اﻟﻘﺎﴈ ،ﻓﺘﻠﻚ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﺒﺜﻴﺔ ﻟﺘﻤﺜﻴﻞ املﺤﻜﻤﺔ ،ﻓﺒﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﻮف ﻳﺨﴪ املﺪﱠﻋﻲ ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ «.وﻳﺘﻤﺜﻞ اﻟﺤﻞ ﻟﺪﻳﻪ ﰲ إﻋﺎدة ﺗﺴﻮﻳﺔ املﻠﻌﺐ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ دﻋﻮة ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻀﻤري إﱃ أن ﻳﻔﻜﺮ ﰲ »ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻏري ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻲ ﻳﻜﻮن ﺣَ ﻜﻤً ﺎ ﻋﲆ أﻓﻌﺎﻟﻪ«.
47
اﻟﻀﻤري
إن اﻟﻀﻤري ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ املﺴﺘﻘﻠﺔ؛ ﻓﻼ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﻪ أﺑﺪًا ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻤﺜﻞ ﻏﺎﻳﺔ آﻣﺎﻟﻨﺎ ﻟﺠﻠﺴﺔ اﺳﺘﻤﺎع ﻋﺎدﻟﺔ واﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﱪاءة ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ.
ﻛﺎن اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي وﺿﻊ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻋﲆ أﺳﺎس اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ،وﻫﻮ أﺳﺎس ً إﻃﻼﻗﺎ ﺣﻀﻮر ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ إﻧﻜﺎر ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﷲ ﰲ اﻟﺸﺌﻮن املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﷲ — ﻫﻮ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻻﺳﻜﺘﻠﻨﺪي آدم ﺳﻤﻴﺚ .ﻛﺎن ﺳﻤﻴﺚ ﻣﻌﺎﴏًا ﻟﻜﺎﻧﺖ وأﺻﻐﺮ ﻣﻨﻪ ً ً ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻟﻨﻈﺮ ِة ﻛﺎﻧْﺖ ﻟﻠﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺸﺎﻫﺪًا ﻣﻮﺿﻮﻋﻴٍّﺎ ﻗﻠﻴﻼ ،وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺠﺪ ﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب ﺳﻤﻴﺚ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻧﻈﺮﻳﺔ املﺸﺎﻋﺮ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ« ) ،(١٧٥٩وﻫﻮ ﻋﻤﻞ ﻛﺎن ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﻃﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ .وﻳﻌﺘﱪ ﺳﻤﻴﺚ زﻋﻴﻢ اﻟﺘﻐﻴري اﻟﺠﺮيء ﰲ أي ﺗﺎرﻳﺦ ﻧﺎﺷﺊ ﻟﻠﻀﻤري؛ ﺣﻴﺚ وﺳﻊ ﻣﻦ ﻣﺠﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﻋﺎدة ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻢ اﻷﺧﻼﻗﻲ واﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﻧﻈﺎم ﻟﻠﻀﻤري ﻣﺴﺘﻘﻞ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ .وﻻ ﻳﺴﺘﺒﻌﺪ ﺳﻤﻴﺚ اﻹﻟﻪ ٍّ ﻣﺴﺘﻘﻼ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﺎﻣﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻘﺪﻣﻪ ﰲ ﺻﻮرة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻻ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻪ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﺑﺄﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩي ،وﻫﻮ ﻳﻘﺮ ﺑﺄن ﺣﺘﻰ املﺸﺎﻫﺪ املﻮﺿﻮﻋﻲ — أو »ﻧﺼﻒ اﻹﻟﻪ اﻟﺬي ﻳﻜﻤﻦ داﺧﻞ اﻟﻨﻔﺲ« — أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺎ ﻳﺨﺠﻞ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻨﻜﺎر اﻟﻌﺎم ﻷﻓﻌﺎل املﺮء. وﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻻت ،ﻳﻜﻤﻦ اﻟﻌﺰاء اﻟﻔﻌﲇ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﺬﻟﻴﻞ املﻌﺬﱠب ﰲ اﻻﺳﺘﺌﻨﺎف أﻣﺎم ﻣﺤﻜﻤﺔ أﻋﲆ ،أﻣﺎم ﻗﺎﴈ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺒﺼري ﺑﻜﻞ ﳾء اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺧﺪاﻋﻪ أﺑﺪًا. ﻟﻜﻦ اﻷﺳﺎس اﻟﺬي ﻳﺮﺗﻜﺰ إﻟﻴﻪ إﻳﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻹﻟﻪ ﻳﺘﻄﻠﺐ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل ﺳﻤﻴﺚ إن ﻓﻜﺮة وﺟﻮد ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺴﺘﻘﺒﲇ ﺗﺼﺪر ﻓﻴﻪ اﻷﺣﻜﺎم ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺻﺎﺋﺐ ﺑﻮاﺳﻄﺔ إﻟﻪ ﻣﻌﺼﻮم »ﺗﺘﻤﻠﻖ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ« إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻓﻴﻪ أن ﻧﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻨﻬﺎ، أي إﻧﻪ ﻻ ﻳﴫﱢ ح ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻠﻤﱢ ﺢ إﱃ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺒﺎﻋﺜﺔ ﻋﲆ اﻟﻌﺰاء ﻹﻟﻪ ﻣﻌﺼﻮم اﺧﱰاع ﺑﴩي .وﻫﻲ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷوﻟﻮﻳﺎت ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻘﺪم أﻓﻜﺎر اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ املﺴﺎءﻟﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻋﲆ أﻓﻜﺎره ﻋﻦ اﻹﻟﻪ وﺗﺮﺷﺪﻫﺎ: ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ]اﻹﻧﺴﺎن[ أن ﻳﻌﺘﱪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎءﻟﺔ أﻣﺎم رﻓﺎﻗﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮﱢن ﻓﻜﺮة ﻋﻦ اﻹﻟﻪ أو ﻋﻦ اﻟﻘﻮاﻧني اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺮب ﰲ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﺳﻠﻮﻛﻪ. 48
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
وﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﺳﻤﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﻘﻮل ﺑﺄﻧﻨﺎ »ﻧﺤﺎول ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﺳﻠﻮﻛﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻧﺘﺨﻴﻞ أن أي ﻣُﺸﺎﻫﺪ آﺧﺮ ﻋﺎدل ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻗﺪ ﻳﺮاﻗﺒﻪ« .وﻫﺬا اﻟﻔﺤﺺ اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺘﺄﻣﲇ ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻟﻜﻨﻪ ﺑﺪوره اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ» :ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن وﺣﺪه« ﻛﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﺳﻤﻴﺚ »ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﺘﻔﻜﺮ ﰲ ﺳﻠﻮﻛﻪ«؛ و ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻓﻠﻴﺲ ﷲ أو اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻄﺮي ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺪم ﻣﻌﻴﺎ ًرا ﻟﻠﺘﻘﻴﻴﻢ ،ﻟﻜﻨﻪ املﺠﺘﻤﻊ ووﺿﻊ املﺮء ﻓﻴﻪ» :أدﺧﻠﻪ ﰲ املﺠﺘﻤﻊ ،وﺳﻮف ﻳﺰود ﰲ اﻟﺤﺎل ﺑﺎملﺮآة اﻟﺘﻲ ﻃﻠﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ «.وﻳﻌﺪ ﻛﻴﺎن املﺮء اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻣﺰدوج اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻔﺮد وﺑﺎﻟﻘﺪر ذاﺗﻪ ﻣﻦ اﻵﺧﺮ .وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﺑﺸﺄن اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺸﺨﴢ: إﻧﻨﻲ أﻗﺴﻢ ﻧﻔﴘ — إذا ﺟﺎز اﻟﺘﻌﺒري — إﱃ ﺷﺨﺼني … ﻓﺄﻧﺎ اﻟﺒﺎﺣﺚ واﻟﻘﺎﴈ أﻣﺜﻞ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺎ اﻷﺧﺮى؛ أو اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺨﻀﻊ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﻟﻠﻔﺤﺺ واﻟﺤﻜﻢ .واﻷول ﻫﻮ ا ُملﺸﺎﻫِ ﺪ اﻟﺬي أﺣﺎول ﻣﺸﺎرﻛﺘﻪ رأﻳﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺴﻠﻮﻛﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ وﺿﻊ ﻧﻔﴘ ﰲ ﻣﻮﻗﻔﻪ وﺗﺨﻴﱡﻞ ﻛﻴﻒ ﻛﺎن املﻮﻗﻒ ﺳﻴﺒﺪو ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ … وأﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻬﻮ اﻟﻔﺎﻋﻞ أو اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻔﴘ ٍّ ﺣﻘﺎ رأي ﻣﺎ ﰲ ﺳﻠﻮﻛﻪ وأﻧﺎ ﰲ ﺛﻮب ﺷﺨﺼﻴﺔ ا ُملﺸﺎﻫِ ﺪ. واﻟﺬي أﺣﺎول ﺗﻜﻮﻳﻦ ٍ أُﻋﻴ َﺪ ﺗﻌﺮﻳﻒ املﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﻓﻬﻢ ﺳﻤﻴﺚ ﺑﺄن ذاﺗﻪ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺘﺤﺪث ﻣﻦ ﻣﻨﱪ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ ،ﻳﻤﺜﻞ املﻨﻈﻮر اﻟﻮاﺳﻊ ﻟ »رﺟﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﰲ أوروﺑﺎ« اﻟﺬي ﻳﻤﺘﻠﻚ ﰲ ﺣﻮزﺗﻪ إﺟﺎﺑﺎت ﻧﻤﻮذﺟﻴﺔ ﻣﻮﺣﺪة .وﻫﻨﺎ ﺗﻘﺎﺑﻠﻨﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ ،وﻫﻲ أﻧﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻧﺸﻚ ﰲ وﺟﻮد ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ ،أو أﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ وُﺟﺪ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ ذي اﻟﺤﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ املﺜﺎﱄ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺸﻚ ﰲ أن ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ وﻧﻮﻋﻪ واملﻌﺎﻳري اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﺗﺆﻫﻠﻪ ﺑﺎﻟﴬورة ﻛﻲ ﻳﻜﻮن ﺣَ ﻜﻤً ﺎ ﻧﻬﺎﺋﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻛﻞ املﻮاﻗﻒ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺘﻐﺎﻳﺮ .وﻳﺒﺪو اﻗﱰاح ﺳﻤﻴﺚ ﺑﺄن »ﻧﻔﺤﺺ ﺳﻠﻮﻛﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻦ أن أي ﻣُﺸﺎﻫِ ﺪ آﺧﺮ ﻋﺎدل ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻗﺪ ﻳﻔﺤﺼﻪ ﺑﻬﺎ« ﺟﺬاﺑًﺎ ﰲ ﺗﻌﻬﺪه ﺑﺎﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ »ا ُملﺸﺎﻫِ ﺪ املﻮﺿﻮﻋﻲ« ﻳﺒﺪو ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺤﺺ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺑﻌﻴﺪ اﻣﺘﺪادًا ﻟﻘﻴﻢ ﺳﻤﻴﺚ اﻟﺨﺎﺻﺔ وﻳﻘﻞ اﻋﺘﺒﺎره وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺟﺪﻳﺪة ً واﺳﺘﻜﻤﺎﻻ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ املﻬﻤﺔ ،ﺗﻌﺪ اﻓﱰاﺿﺎﺗﻪ املﻄﻤﺌﻨﺔ ﺣﻮل ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻻ ﻏﺒﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﺳﻬﻮﻟﺔ اﻟﻮﺻﻮل ﻟﻠﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻏري ﻣﻘﻨﻌﺔ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺤﺪﻳﺚ أو ﻋﻠﻢ اﻷﺧﻼق اﻟﺤﺪﻳﺚ. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻻﻋﱰاﺿﺎت ،ﻓﺈن ﻣﺤﺎوﻟﺘﻪ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻌﻴﺎر ﻣﻌﺘﺪل داﺧﻞ اﻟﺬات وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺗﻬﺬﻳﺐ املﻴﻞ اﻟﻔﺮدي ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﺣﻜﻢ اﻹﺟﻤﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﺗﻈﻞ 49
اﻟﻀﻤري
ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء .وﻻ ﺗﻌﺪ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ أو ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻔﺮط ،ﻓﻤﺎ زال ﺑﺈﻣﻜﺎن ﺿﻤريه اﻟﺨﺪش واﻟﻌﺾ وﻗﻴﺎدة اﻟﻔﺮد ﻧﺤﻮ اﻹﺻﻼح اﻟﺬاﺗﻲ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ رﺑﺎت اﻻﻧﺘﻘﺎم ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻴﻘﻈﻦ ﰲ ﻣﴪﺣﻴﺔ أورﺳﺘﻴﺎ .وﻫﻜﺬا ،ﻓﺤﺘﻰ ﻣﻦ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﰲ اﻟﴪ ﺳﻮف ً ﻣﻌﺎرﺿﺎ ﻟﻮﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ املﺸﺎﻫﺪ املﻮﺿﻮﻋﻲ» :ﻓﺘﻠﻚ اﻵﻻم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻳﺼﺪر ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﻜﻤً ﺎ ﻟﻠﻀﻤري اﻟﺨﺎﺋﻒ ﻫﻲ اﻟﺸﻴﺎﻃني ،أو رﺑﺎت اﻻﻧﺘﻘﺎم ،اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎرد املﺬﻧﺒني ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ«. ً ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮر املﺮﻫﻒ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﺪم وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ إدراك ﺳﻤﻴﺚ ﻟﻠﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ أﻣ ًﺮا ً وﺻﻔﺎ راﺋﻌً ﺎ ﻟﻀﻤري ﻳﻄﻤﺢ إﱃ ﺗﺄدﻳﺐ اﻟﺬات ،ﺿﻤري ﻗﻮي ﻳﻤﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﺪﺧﻞ وﻳﺸﻐﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻌﻮاﻗﺐ. ﻣﺸﻜﻠﺔ املﺒﺎدئ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻳﺮﻓﺾ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ املﻔﻬﻮم اﻟﻀﻴﻖ ﻟﻠﻀﻤري وﻳﻔﺘﺤﻮن ﻣﺠﺎل اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ ﻵﻓﺎق اﻹﺟﻤﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻷﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ ،وﻫﺬا املﻨﻈﻮر اﻟﻮاﺳﻊ ﴐوري ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺗﺼﻮر ﺳﻠﻴﻢ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري، ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻳﻤﺜﻞ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺟﺪﻳﺪة .ﻓﻌﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻗﻄﻊ اﻟﺼﻠﺔ ﺑني اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻀﻤري ﺗﻤﺎﻣً ﺎ وإﻋﺎدة ﺗﺮﺳﻴﺦ اﻟﻀﻤري ﰲ اﻹﺟﻤﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻳﺨﺎﻃﺮ ﺳﻤﻴﺚ وآﺧﺮون ﻳﺸﺎرﻛﻮﻧﻪ ﻧﻔﺲ اﻟﺮأي ﺑﱰك اﻟﻔﺮد ﺣﻲ اﻟﻀﻤري ﺗﺤﺖ رﺣﻤﺔ ﺗﺤﻴﺰ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻏري اﻟﺨﺎﺿﻊ ﻟﻠﻤﺴﺎءﻟﺔ. وﻣﻊ ﻣﻞء املﺒﺎدئ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﻔﺮاغ اﻟﺬي ﺧﻠﻘﻪ اﻟﺪور املﺘﻨﺎﻗﺺ هلل وﻟﻠﺪﻳﻦ ﰲ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻀﻤري ،ﻳﻨﺸﺄ اﺣﺘﻤﺎل أن ﻳﻨﺠﺮف اﻟﺨﻴﺎر اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺑﺘﻴﺎر ﻣﻦ اﻵراء اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻏري ً ﺧﻼﻓﺎ ﻟﻶراء املﻔﻨﺪة .وﻛﺎن أﺳﺎس اﻻﺣﱰام اﻷﺣﺪث ﻟﻠﻀﻤري وﺟﻮده ﻧﺼريًا ﻟﻠﻔﺮد املﻨﻌﺰل اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ اﻹﻟﺰاﻣﻴﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻓﻤﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﻳﻘﻨﻊ املﺮء ﺑﺮؤﻳﺔ اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺠﺮد ﺗﻔﺴري ملﺎ »ﻳﻌﺘﻘﺪه اﻟﺠﻤﻴﻊ« .وﻗﺪ ﺗﻮﱃ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﻟﻮﺛﺮ وأﺑﻄﺎل اﻹﺻﻼح اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺣﻘﻮق اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي أو ﺣﺘﻰ املﻨﺤﺮف )ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻵراء اﻟﺴﺎﺋﺪة( ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺷﻜﺎل اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ راﺋﻊ وﻓﻌﺎل ،ﻟﻜﻦ ﻣﺎ زال اﻟﺨﻼف اﻟﺘﺎﱄ دﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻦ ﺣﻘﻮق اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻵراء اﻟﺮاﺳﺨﺔ ﰲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻢ ﺑﻌﺪ. ﺑﺪأ ذﻟﻚ املﺄزق ﻳﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﴩت آراء ﰲ اﻟﻀﻤري — ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﺘﺰﻣﺖ واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻋﺎﻃﻔﻲ وﺷﺎﺋﻊ — ﰲ املﺠﺘﻤﻊ املﺪﻧﻲ .وﺗﺒﺪو اﻟﺮواﻳﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﴪﺣً ﺎ راﺋﺠً ﺎ ﻟﻠﻀﻤري ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻴﻪ ﻫﺬا املﻔﻬﻮم ﺑﻜﻔﺎءة ﺑﻮﺻﻔﻪ آﻟﻴﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻋﲆ اﻟﺨﻴﺎرات واﻷﻓﻌﺎل ﰲ املﺠﺘﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ .وﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻗﺎﻟﺒًﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴٍّﺎ ،ﻓﺈن 50
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻟﺘﻨﺎول ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻀﻤري ﰲ املﺠﺘﻤﻊ وﻣﻴﻠﻪ ﻷن ﻳﺘﺨﺬ داﺋﻤً ﺎ دور املﺆﻳﺪ ﻟﻠﻤﺒﺎدئ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ املﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﻴﺐ اﻟﺼﻐري ﰲ رواﻳﺔ »آﻣﺎل ﻋﻈﻴﻤﺔ« ﻋﲆ وﺷﻚ أن ﻳﴪق ﻃﻌﺎﻣً ﺎ وﻣﱪدًا ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺎﺟﻮﻳﺘﺶ اﻟﻬﺎرب ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪ ﺿﻤري ﻛﻬﺬا ،ﺿﻤري ﻳﺴﺒﺐ ﻟﻪ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ املﺘﺎﻋﺐ ﻟﻜﻨﻪ أداة أﻛﺜﺮ ﺗﺒﻠﺪًا وﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﻦ أن ﺗﻜﻮن ذات ﻧﻔﻊ ﻟﻪ ﰲ ﺗﺤﻠﻴﻞ ورﻃﺘﻪ .ﻓﺒﻌﺪ أن أﺧﻔﻰ ﴍﻳﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ﰲ ﺟﻴﺐ ﴎواﻟﻪ ﻛﻲ ﻳﻨﺠﺰ املﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ ُﻛﻠﻒ ﺑﻬﺎ ،ﺗﻌﺮض ﻟﻠﻬﺠﻮم ﺑﻌﻨﻒ: ً ً ﻃﻔﻼ ،ﻟﻜﻦ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻄﻔﻞ رﺟﻼ أو ﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري ﺷﻴﺌًﺎ رﻫﻴﺒًﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻬﻢ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﺎون ﻫﺬا اﻟﻌﺐء اﻟﺨﻔﻲ ﻣﻊ ﻋﺐء ﺧﻔﻲ آﺧﺮ ﻣﺨﺒﺄ ﰲ ﺟﻴﺐ ﴎواﻟﻪ، ﻳﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻛﺒريًا )وﻳﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﺷﻬﺪ ﺑﺬﻟﻚ(. وﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻟﺘﺄدﻳﺔ ﻣﻬﻤﺘﻪ ،ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺘﻬﻤً ﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﻳﻐﺮق ﰲ اﻟﻬﻼوس: َ اﻋﱰض ﻃﺮﻳﻘﻲ ﺛﻮر أﺳﻮد ﻳﺮﺗﺪي رﺑﻄﺔ ﻋﻨﻖ ﺑﻴﻀﺎء — وﻛﺎن ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻀﻤريي املﺴﺘﻴﻘﻆ ﺳﻴﻤﺎء ﻛﻬﻨﻮﺗﻴﺔ — ورﻣﻘﻨﻲ ﺑﺜﺒﺎت ﺑﻌﻴﻨني ﻣﺘﺼﻠﺒﺘني … ﺣﺘﻰ إﻧﻨﻲ اﻧﺘﺤﺒﺖ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻮﺳﻌﻲ ﻓﻌﻞ ﳾء ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،ﻓﻠﻢ آﺧﺬه ﻟﻨﻔﴘ!« وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻛﺎن ﺑﻴﺐ ﺳﻴﻐﺪو أﻓﻀﻞ ً ﺣﺎﻻ ﺑﻼ ﺿﻤري ﻣﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻌﺮف ﻛﻬﺬا ﻋﲆ اﻹﻃﻼق، ﻓﻬﻮ ﻣﺘﺸﺒﻊ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﺑﻤﺒﺎدئ أﺧﻼﻗﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻏري ﻧﺎﻗﺪة وﻃﺎﺋﺸﺔ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﺗﻌﻮق ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ ﺗﺤﻠﻴﻞ املﻮﻗﻒ اﻟﻐﺎﻣﺾ اﻟﺬي وﺿﻊ ﻓﻴﻪ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﺗﺤﺴﻦ ﻣﻨﻬﺎ. ً وﻻﺣﻘﺎ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﺮن ﻳﻤﺜﻞ ﻫﺎﻛﻠﱪي ﻓني — اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻬﺎ ﻣﺎرك ﺗﻮﻳﻦ — ﺿﺤﻴﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﻤﺒﺎدئ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﻀﻤري اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ،ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺪو أن اﺷﱰاك ﻫﺎك ﰲ ﻓﺮار ﺟﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻳﻌﻄﻴﻪ أﺳﺒﺎﺑًﺎ ﻻﺗﻬﺎم اﻟﺬات أﻗﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﺐ اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺬﻧﺒًﺎ ﻟﴪﻗﺔ ﻃﻌﺎم اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺷﺨﺺ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻣﺠﺮم ،ﻟﻜﻦ ﻫﺎك ﻳﻮﺟﻪ اﻻﺗﻬﺎم ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺨﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺴريات اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺣﻮل اﻟﴪﻗﺔ وﺣﻘﻮق املﻠﻜﻴﺔ واﻟﺴﻠﻮك اﻟﻘﻮﻳﻢ واﻟﺘﺪﻳﻦ اﻟﻈﺎﻫﺮي .وﻫﻨﺎ ﻳﻮﺑﺦ ﻫﺎك ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻠﻈﺮوف وﺗﻌﻠﻘﻪ اﻟﺸﺨﴢ ﺑﺠﻴﻢ ﺑﺄن ﻳﻄﻐﻰ ﻋﲆ اﻷﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﺟﻴﻢ ﻋﲆ اﻟﻔﺮار: 51
اﻟﻀﻤري
ﺷﻜﻞ :1-2ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺟﻴﻤﻴﻨﻲ ﻛﺮﻳﻜﻴﺖ ﺗﻠﻬﻮ ﺑﺸﺎرة اﻟﻀﻤري )»اﻟﻀﻤري اﻟﺮﺳﻤﻲ«(.
1
ﻣﻦ ﻳﻼم ﻋﲆ ذﻟﻚ؟ ﻳﺎ ﻟﻠﻌﺎر! أﻧﺎ! ﻟﻢ أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻧﺘﺰاع ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺿﻤريي ﺑﺄﻳﺔ ﻃﺮﻳﻘﺔ أو ﻛﻴﻔﻴﺔ ،وأﺻﺒﺢ ﻣﺜريًا ﻟﻠﻀﻴﻖ ﺣﺘﻰ ﻋﺠﺰت ﻋﻦ اﻟﺮاﺣﺔ ،وﻋﺠﺰت ﻋﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﺳﺎﻛﻨًﺎ ﰲ ﻣﻜﺎن واﺣﺪ … وﺣﺎوﻟﺖ أن أوﺿﺢ ﻟﻨﻔﴘ أﻧﻨﻲ ﻻ ﻟﻮم ﻋﲇﱠ ،ﻓﻠﻢ أﺳﺎﻋﺪ ﺟﻴﻢ ﻋﲆ اﻟﻔﺮار ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻜﻪ اﻟﴩﻋﻲ ،ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳُﺠ ِﺪ ﻧﻔﻌً ﺎ، ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻟﻜﻨﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻳﻔﺮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﻴﻘﻆ ﺿﻤريي ﻛﻞ ﻣﺮة ْ ﻓﻌﻠﺖ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺣﺮﻳﺘﻪ« … وﻫﻨﺎ ﻛﺎن ﺿﻤريي ﻳﺆﻧﺒﻨﻲ وﻳﺴﺄﻟﻨﻲ» :ﻣﺎذا ﻟﻚ اﻵﻧﺴﺔ واﺗﺴﻮن املﺴﻜﻴﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺮى ﻋﺒﺪﻫﺎ اﻟﺰﻧﺠﻲ ﻳﺮﺣﻞ أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻴﻚ وﻻ ﺗﺘﻔﻮه ﺑﻜﻠﻤﺔ؟«
ﴏﺻﻮر اﻟﻠﻴﻞ املﺘﻜﻠﻢ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﺷﺨﺼﻴﺔ »ﴏﺻﻮر اﻟﻠﻴﻞ املﺘﻜﻠﻢ« ،وﻫﻲ إﺣﺪى اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﰲ رواﻳﺔ »ﺑﻴﻨﻮﻛﻴﻮ« ﻟﻜﻮﻟﻮدي اﻟﺘﻲ ُﻛﺘﺒﺖ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،ﺣﻴﺚ أﻋﻄﻰ ﺑﻴﻨﻮﻛﻴﻮ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ املﻔﻴﺪة ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﺤﻘﻪ اﻟﺪﻣﻴﺔ ﴎﻳﻌﺔ اﻟﻐﻀﺐ ﰲ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺑﻤﻄﺮﻗﺔ ﺧﺸﺒﻴﺔ .ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻮد ﰲ ﺛﻮب »ﺟﻴﻤﻴﻨﻲ ﻛﺮﻳﻜﻴﺖ« ﰲ ﻧﺴﺨﺔ
52
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
ﻋﺎم ١٩٤٠اﻟﺘﻲ أﻧﺘﺠَ ﺘﻬﺎ ﴍﻛﺔ دﻳﺰﻧﻲ ،وﻳﺮﺗﻘﻲ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﺠﻨﻴﺔ اﻟﺰرﻗﺎء إﱃ دور ﺿﻤري ﺑﻴﻨﻮﻛﻴﻮ، وﻫﻲ ﺗﺬﻛﺮه ﻗﺎﺋﻠﺔ» :ﻫﻮ اﻟﺴﻴﺪ املﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺼﻮاب واﻟﺨﻄﺄ ،واملﺴﺘﺸﺎر ﰲ ﻟﺤﻈﺎت اﻹﻏﻮاء اﻟﺸﺪﻳﺪ ،واملﺮﺷﺪ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ املﺴﺘﻘﻴﻢ اﻟﻀﻴﻖ «.وﻳﺒﺪأ ﺟﻴﻤﻴﻨﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﱃ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺨﱪ اﻟﺠﻨﻴﺔ اﻟﺰرﻗﺎء ﺑﻴﻨﻮﻛﻴﻮ ﺑﺄن ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﻣﺎ ﺑني اﻟﺼﻮاب واﻟﺨﻄﺄ ،وﻳﺘﺴﺎءل ﺑﻴﻨﻮﻛﻴﻮ ﻛﻴﻒ ﻟﻪ أن ﻳﻌﺮف اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﺘﺠﻴﺒﻪ ﺑﺄن ﺿﻤريه ﺳﻮف ﻳﺨﱪه ،ﻓﻴﺘﺴﺎءل» :وﻣﺎ اﻟﻀﻤري؟« ً ﻣﺸريًا إﱃ أن ﺗﻠﻚ ا َمل َﻠﻜﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗُﻔﻌﱠ ﻞ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻣﺎ اﻟﻀﻤري؟ دﻋﻨﻲ أوﻻ ،وﻫﻨﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺟﻴﻤﻴﻨﻲ أﺧﱪك ،اﻟﻀﻤري ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﺼﻮت اﻟﻀﻌﻴﻒ اﻟﺨﺎﻓﺖ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ «.وﻳﻌﺪ ﺟﻴﻤﻴﻨﻲ ﻣﺘﻮاﺿﻌً ﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻼﺋﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻘﺪراﺗﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺤﻤﻞ اﻟﻬﺰاﺋﻢ املﺘﺘﺎﻟﻴﺔ واﻟﺘﻘﺮﻳﻊ املﺘﻮاﺻﻞ ً ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ» :أﺗﻌﻨﻲ أﻧﻚ ﺗﺘﻠﻘﻰ اﻷواﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﺮاد اﻟﻨﻄﺎط؟«( ﻟﻜﻨﻪ )ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻻﻣﺒﻮﻳﻚ ﻟﺒﻴﻨﻮﻛﻴﻮ ﻳﺜﺎﺑﺮ وﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﺷﺎرة اﻟﻀﻤري اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﺗﻘﺪﻳ ًﺮا ﻟﺠﻬﻮده. وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﺜﺎﺑﺮﺗﻪ ﻣﺘﻮارﺛًﺎ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻨﺎ ﻧﻘﺎﺑﻞ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻷول ﻣﺮة ﰲ ﻧﺴﺨﺔ املﻠﻚ ﺟﻴﻤﺲ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﻘﻞ إﻳﻠﻴﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻤﺎﺳﻪ اﻟﺰاﺋﺪ» :وﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮﻳﻖ ﺻﺪر ﺻﻮت ﺿﻌﻴﻒ ﺧﺎﻓﺖ، وﻛﺎن ﻫﻜﺬا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻌﻪ إﻳﻠﻴﺎ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻏﻄﻰ وﺟﻬﻪ ﺑﻌﺒﺎءة) «.اﻵﻳﺔ ١٢و ١٣ﻣﻦ اﻹﺻﺤﺎح اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ املﻠﻮك اﻷول( .وﰲ املﻌﺘﻘﺪات اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ اﻟﺘﻔﺴريﻳﺔ ،ﻓﻬﺬا ﻫﻮ ﺻﻮت ﷲ ﻳﺘﺤﺪث ﰲ ﻗﻨﺎع اﻟﻀﻤري .وﺗﺮﻓﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ املﺤﱰﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺟﻴﻤﻴﻨﻲ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﻧﺰوع ﻏﺎﻧﺪي إﱃ اﻟﻘﻮل ﺑﺄﻧﻪ »ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺼﻮت اﻟﺒﴩي أن ﻳﺼﻞ إﱃ املﺴﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻐﻄﻴﻬﺎ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري اﻟﻀﻌﻴﻒ اﻟﺨﺎﻓﺖ«.
ﻳﻘﺮر ﻫﺎك أن ﻳﺒﻠﻎ ﻋﻦ ﺟﻴﻢ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻜﺘﺐ رﺳﺎﻟﺔ ﻳﻜﺸﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻜﺎن ﺟﻴﻢ ﻳﻨﺘﺎﺑﻪ ﺷﻌﻮر »ﻃﻴﺐ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻗﺪ اﻏﺘﺴﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ« .ﻟﻜﻨﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓ ﱠﻜﺮ ﻣﻠﻴٍّﺎ ﰲ اﻷﻣﺮ ً ﻣﺘﻘﺒﻼ اﻟﻠﻌﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺑﺪ وأن ﺗﺼﺎﺣﺐ ﻣﺴﻠﻜﻪ اﻟﻀﺎل ،واﺧﺘﺘﻢ ﻛﻼﻣﻪ ﻗﺮر ﺗﻤﺰﻳﻖ اﻟﻮرﻗﺔ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﺣﺴﻨًﺎ ،ﺳﻮف أذﻫﺐ إﱃ اﻟﺠﺤﻴﻢ «.ﺛﻢ ﻣﺰﻗﻬﺎ .وﻳﺴﺘﺨﺪم ﻫﺎك املﻔﺮدات اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻤﻌﻨًﻰ ﺧﺎﻃﺊ ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ ،وﺗُﻌﺘﱪ ﺣﺎﻟﺘﻪ ﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﻣﺜﺎﻟﻴٍّﺎ ﻟﻠﻨﻘﻄﺔ اﻟﺘﻲ أﺛﺎرﻫﺎ ﺷﺎﻓﺘﺴﺒريي ﺣﻮل إﺳﺎءة اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺪﻳﻦ ﰲ اﻷﻣﻮر املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري: ﻓﺨﺸﻴﺔ ﷲ ﻷي ﺳﺒﺐ ﻏري ارﺗﻜﺎب ﻓﻌﻞ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻠﻮم ﻫﻲ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﺧﺸﻴﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ وﻟﻴﺴﺖ اﻹﻟﻬﻴﺔ ،وﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﺧﺸﻴﺔ اﻟﺠﺤﻴﻢ أو اﻷﻫﻮال اﻹﻟﻬﻴﺔ اﻷﻟﻒ وﺟﻮد اﻟﻀﻤري ً أﻳﻀﺎ. وﻫﻨﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﺻﻮرة ﻣﺸﻮﺷﺔ ﻟﻠﻌﻘﺎب اﻹﻟﻬﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺬ اﻷﻋﺮاف اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﻀ ﱠﻠﻠﺔ ،وﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻓﻤﻦ ﺳﺨﺎﻓﺔ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم املﺘﺨﻔﻲ ﰲ ﺻﻮرة 53
اﻟﻀﻤري
اﻟﺪﻳﻦ أن اﻟﺒﻄﻠني ﻏري ﻣﺰودﻳﻦ ﺑﻀﻤﺎﺋﺮﻫﻤﺎ اﻟﻮاﻫﻨﺔ ﻛﻲ ﻳﻘﺎوﻣﺎ .وﺗﺘﻄﻠﺐ ﺣﺎﻟﺘﺎ ﺑﻴﺐ وﻫﺎك أن ﻧﺴﻌﻰ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺗﺴﺎﻋﺪ اﻟﻔﺮد املﺴﺘﻌﺪ ﻟﺘﺤﺪي اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺴﺎﺋﺪة اﻟﻴﻮم، ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻢ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻀﻤري ذاﺗﻪ .وﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺎﺗني اﻟﺤﺎﻟﺘني ،وﺗﺤﺪﻳﺪًا ً ﻣﺠﻬﻮﻻ( وأﻛﺜﺮ ً ً ﻋﻤﻘﺎ ﺧﻴﺎراﺗﻬﻤﺎ ﺻﺪﻗﺎ )ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻫﺎك ،ﻳﻮﺟﻪ ﺿﻤري أﻛﺜﺮ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻣﺘﺤﺪﻳًﺎ ﺣﺘﻰ اﻵراء اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ أو املﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻗﺪ ﻳﻮﺻﻒ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺪي ﺑﺄﻧﻪ »أﺧﻼﻗﻲ« وﺻﺎدر ﻋﻦ أﺧﻼﻗﻴﺎت اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﺸﺨﴢ وﻟﻴﺲ »ﻣﻌﻨﻮﻳٍّﺎ« ﻣﺴﺘﻤﺪٍّا ﻣﻦ اﻻﻓﱰاﺿﺎت املﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻏري املﺪروﺳﺔ. وﻳﺬﻛﺮﻧﺎ وﺿﻊ ﻓﺮد ﻣﺤﺎط ﺑﺎملﺸﻜﻼت ﻋﲆ ﺧﻼف ﻣﻊ ﺿﻤري ﺧﺎﺋﻒ واﻫﻦ ﺑﺄن اﻹﺟﻤﺎع ً أﺳﺎﺳﺎ ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﻟﻠﻀﻤري ،وأن اﻟﻀﻤري اﻟﻮاﻗﻊ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﻟﻴﺲ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻻ ﻳﻌﺪ ﺑﺎﻟﴬورة ﺣ ٍّﺮا ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،وأن اﻟﻀﻤري ﻛﻲ ﻳﺆدي املﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﱰﻣﻪ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻌﻤﻞ ٍّ ﻣﺴﺘﻘﻼ ﻋﻦ اﻟﺘﺤﻴﺰات ﺿﻴﻘﺔ اﻷﻓﻖ ﻟﻶراء اﻟﺴﺎﺋﺪة .وﻳﺤﺎول اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻨﻔﻌﻲ ﺟﻮن ﺳﺘﻴﻮارت ﻣﻴﻞ أن ﻳﱪﻫﻦ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ املﻌﺘﻘﺪات ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻘﻨﻊ ،ورﺑﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﻣﻴﻞ أﻛﺜﺮ واﺿﻌﻲ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت ﺣﻮل اﻟﻀﻤري ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻋﻦ إدراﻛﻨﺎ املﻌﺎﴏ ملﻬﻤﺘﻪ ﰲ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻷﻗﻠﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ، وﻫﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﻏري ﺷﻌﺒﻲ ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺨﻠﺺ ﺻﺎدر ﻣﻦ ﻗﻮة اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ املﻌﺎدﻳﺔ أو اﻟﺮأي اﻟﺴﺎﺋﺪ. وﻫﻮ ﻳﻄﻠﺐ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﺟﻴﺪًا .وﻳﺒﺪو ٍ ﻛﺎف ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ ،ﻓﻤﻦ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ املﺠﺮد ﰲ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺘﻲ داﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻮك ﻏري وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه ﻳﺠﺐ أن ﻳﻤﺘﺪ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ إﱃ ﻛﻞ أﻧﻮاع اﻵراء اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻳﻌﺎرض ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء اﺳﺘﺒﺪاد اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ،ﻣﻌﻠﻨًﺎ أن »ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻤﻊ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻳﻌﺪ ﻃﻐﻴﺎﻧًﺎ أﻳٍّﺎ ﻛﺎن اﻻﺳﻢ اﻟﺬي ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺳﻮاءٌ أﻛﺎن ﻳﻌﱰف ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ إرادة ﷲ أم أواﻣﺮ اﻹﻧﺴﺎن« .وﻳﺘﻨﺎول ﻣﻘﺎﻟﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻣﻘﺎل ﻋﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ« ) (١٨٥٩ﴏاﺣﺔ »ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﺮد ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﴍﻋﻴﺔ وﺣﺪودﻫﺎ« ،ﻓﺎﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﻔﺮدي واملﺒﺎدرة اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻗﺪ ﻳﻘﻴﺪﻫﻤﺎ اﻟﺘﺤﻜﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻌﺎرض املﺼﻠﺤﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻣﻊ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﺤﺴﺐ .وﻫﻮ ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ: … ﺗﺸﻤﻞ ً أوﻻ اﻟﻨﻄﺎق اﻟﺪاﺧﲇ ﻟﻠﻮﻋﻲ ،و»ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻀﻤري« املﻠﺤﺔ ﰲ أﺷﻤﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ،وﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮ واﻹﺣﺴﺎس ،وﺣﺮﻳﺔ اﻟﺮأي واﻟﺸﻌﻮر املﻄﻠﻘﺔ ﰲ ﻛﻞ املﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ أو اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ أو اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ أو اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ أو اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ .وﻗﺪ ﻳﺒﺪو أن ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ اﻵراء وﻧﴩﻫﺎ ﺗﻘﻊ ﺿﻤﻦ ﻣﺒﺪأ آﺧﺮ ،ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﻤﻲ 54
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻔﺮدي اﻟﺬي ﻳﺨﺺ اﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻟﻜﻦ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﻔﺲ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮ ذاﺗﻪ وﺗﻌﺘﻤﺪ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ﻋﲆ ﻧﻔﺲ اﻷﺳﺒﺎب ،ﻓﻬﻲ ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ ﻻ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻨﻬﺎ .وﺛﺎﻧﻴًﺎ ،ﻳﺘﻄﻠﺐ املﺒﺪأ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ واملﻤﺎرﺳﺔ ،وﺣﺮﻳﺔ وﺿﻊ ﺧﻄﺔ ﻟﺤﻴﺎة املﺮء ﺗﻨﺎﺳﺐ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ،وﺣﺮﻳﺔ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻤﺎ ﻧﺤﺐ أن ﻧﻔﻌﻠﻪ ﴍﻳﻄﺔ اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻠﻌﻮاﻗﺐ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ دون أن ﻳﻌﻮﻗﻨﺎ اﻵﺧﺮون ٍّ ﺿﺎﻻ أو ﺧﺎﻃﺌًﺎ. ﻃﺎملﺎ ﻣﺎ ﻧﻔﻌﻠﻪ ﻻ ﻳﺆذﻳﻬﻢ ﺣﺘﻰ وإن رأوا ﺳﻠﻮﻛﻨﺎ أﺣﻤﻖ أو
ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺟﻨﺲ اﻟﻀﻤري ﻳﻘﻴﻢ اﻷﺑﻄﺎل املﺼﻮرون ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﰲ ﻣﻜﺎن ﻳﺸﺒﻪ ﻧﺎدي اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﺴﺎدة اﻟﻨﺒﻼء ،وﻫﻮ ﻣﻜﺎن ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺬﻛﻮري .وﻟﻢ ﻳﺘﻔﺎﺟﺄ اﻟﺴري ﺗﻮﻣﺎس ﻣﻮر اﻟﺬي ُﺳﺠﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺧﻠﺠﺎت ﺿﻤريه ﻋﻨﺪﻣﺎ رﻓﺾ اﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ﻋﲆ َﻗ َﺴﻢ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺧﱪﺗﻪ اﺑﻨﺘﻪ ﻣﺎرﺟﺮﻳﺖ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﱠ وﻗﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،وﻫﻮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﺎرﻧﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ — وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﺻﺎدﻣﺔ — ﺑﺤﻮاء اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ املﻐﻮﻳﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻔﱰض اﻋﺘﺒﺎرات ﻟﻠﻀﻤري ﻏري ذات ﺻﻠﺔ ﺑﺤﺎﻟﺘﻬﺎ. ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺮون اﻷﺧرية ﺷﻬﺪت ﺗﺤﺮﻳ ًﺮا ﻟﻠﻀﻤري اﻷﻧﺜﻮي ،ﺣﻴﺚ ﺗﻘﺒﻠﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺰاﻳﺎه وأﻋﺒﺎءه ،ﻣﺜﻞ رواﻳﺔ ﺑﺮوﻧﺘﻲ »ﺟني إﻳﺮ« اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ روﺗﺸﺴﱰ وﺟني ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻓﺮدي ملﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻀﻤري .وﻳﻤﺘﻠﻚ روﺗﺸﺴﱰ ﻗﻮة ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ذﻛﻮرﻳﺔ« ﻧﻈ ًﺮا ﻻﻛﺘﻔﺎﺋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ وﻗﺮﺑﻬﺎ اﻟﻮﺛﻴﻖ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻔﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻪ اﻷوﱃ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻣﻊ ﺟني ﻳﻬﻨﺊ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ ﻓﺼﻪ اﻟﺠﺒﻬﻲ اﻟﺒﺎرز ً ﻗﺎﺋﻼ »إﻧﻨﻲ أﻣﻠﻚ ﺿﻤريًا« وﻫﻮ ﻳﺸري إﱃ »اﻷﺟﺰاء اﻟﺒﺎرزة ﰲ رأﺳﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎل إﻧﻬﺎ ﺗﺪل ﻋﲆ وﺟﻮد ً ﺗﻠﻚ ا َمل َﻠﻜﺔ« .وﻫﻮ ﻳﻘﺮ ﺑﺎﻣﺘﻼك ﺟني ﻟﻀﻤري ً ﺿﻌﻴﻔﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﻮﻫﺒﺘﻪ .وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻳﻀﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﺘﱪه ﻛﺎن ﻣﺘﻨﻜ ًﺮا ﰲ ﺻﻮرة ﻋﺮاﻓﺔ ،ﻗﺮأ ﺧﻄﻮط ﺟﺒﻴﻨﻬﺎ ﻣﺆﻛﺪًا أﻧﻬﺎ ﺗﺪل ﻋﲆ إﴏارﻫﺎ ﻋﲆ اﺗﺒﺎع إرﺷﺎدات »ذﻟﻚ اﻟﺼﻮت اﻟﻀﻌﻴﻒ اﻟﺨﺎﻓﺖ …« ،ﻟﻜﻦ ﺿﻤري ﺟني ﻟﻪ وﺟﻮد ﻣﺆﻛﺪ ﺧﺎص ﺑﻪ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻘﻮل ﺑﻌﺪ أن ﻗﺮرت أن ﺗﻬﺠﺮ روﺗﺸﺴﱰ رﻏﻢ رﻏﺒﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﻘﺎء »ﺗﺤﻮل اﻟﻀﻤري إﱃ ﻃﺎﻏﻴﺔ ﻳﺨﻨﻖ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ«. ً ﺿﻌﻴﻔﺎ ،وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ »ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﻨﻄﻠﻘﻲ وﻫﺬا اﻟﻀﻤري واﺿﺢ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﺻﻮﺗﻪ ﻟﻴﺲ ﺧﺎﻓﺘًﺎ وﻻ ﴎﻳﻌً ﺎ ،ﻓﻠﻦ ﻳﺴﺎﻋﺪك أﺣﺪ ،وﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﻘﺘﻠﻌﻲ ﻋﻴﻨﻚ اﻟﻴﻤﻨﻰ وﺗﺒﱰي ذراﻋﻚ اﻟﻴﻤﻨﻰ ﺑﻨﻔﺴﻚ« .ﺛﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﺿﻤريﻫﺎ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ اﻣﺮأة ﻣﺘﺄﻟﻘﺔ ﰲ ﺣﻠﺔ أﻧﻴﻘﺔ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ وﺗﺨﺎﻃﺒﻬﺎ ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺪة ﻗﺎﺋﻠﺔ» :ﻓﺮي ﻣﻦ اﻹﻏﻮاء ﻳﺎ ﺑﻨﻴﺘﻲ!« وﺗﺠﻴﺐ ﺟني ﻗﺎﺋﻠﺔ »ﺳﻮف أﻓﻌﻞ ﻳﺎ أﻣﺎه «.وﻳﺒﺪو ﺟﻠﻴٍّﺎ أن ﺟني ﺗﻤﺘﻠﻚ ﺿﻤريًا ﻣﻤﻴ ًﺰا ﻧﺸ ً ﻄﺎ ،وﻫﻮ ﻳﺘﺠﺴﺪ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ أﻧﺜﻰ.
واﻟﻀﻤري ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺨﻴﻠﻪ ﻣﻴﻞ ﻫﻮ أﺣﺪ ﺟﻮاﻧﺐ »اﻟﻮﻋﻲ« ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﻬﻮ ﻳﻘﺼﺪ ﻫﻨﺎ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺣﺮة ﻃﻠﻴﻘﺔ وﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﺷﻌﻮر ﻣﺰﻋﺞ ﺑﺎﻟﻮاﺟﺐ أو أﻳٍّﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﻀﻤري اﻷﺧﺮى 55
اﻟﻀﻤري
اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﻋﻘﺎب ذاﺗﻲ .وﻫﻮ ﻳﺘﻨﺎول ﻣﺒﺎﴍة املﺄزق اﻟﺬي ﻣﺮ ﺑﻪ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﻫﺎك وﺑﻴﺐ وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﴩﻛﺎء اﻵﺧﺮﻳﻦ ﰲ املﺠﺘﻤﻊ اﻟﻔﻴﻜﺘﻮري ،ﻣﻌﻠﻨًﺎ ﻣﻌﺎرﺿﺘﻪ ﻷﺷﻜﺎل ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﻦ اﻟﻄﻐﻴﺎن اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻀﺢ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪوﻟﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ ﰲ اﻻﺳﺘﺒﺪاد اﻷﻛﺜﺮ اﻧﺘﺸﺎ ًرا ﻟﻠﺮأي اﻟﺠﻤﻌﻲ وﺗﺴﻠﻂ اﻟﻌﺎدات .وﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﺈن ﻣﻴﻞ ﻳﺤﺎول أن ﻳﱪﻫﻦ ﻋﲆ أن ﻣﻀﻤﻮن اﻟﻀﻤري اﻟﺤﺮ ﻻ ﺗﻮﻓﺮه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ أو اﻟﺪوﻟﺔ أو اﻟﺮأي اﻟﺠﻤﻌﻲ ،ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺨﺺ اﻟﻔﺮد وﺣﺪه ،وﺗﺘﻀﻤﻦ املﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻬﺎ ﻣﻴﻞ ﺑﺤﻤﺎس ﺷﺪﻳﺪ دﻋﻢ املﻨﺸﻘني ﻋﻦ اﻵراء اﻟﺘﻲ ﻳﺸﱰك ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﺜﻞ ﴐورة اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺈﻟﻪ أو ﺑﺎﻵﺧﺮة.
ﺷﻜﻞ :2-2ﺟﻮن ﺳﺘﻴﻮارت ﻣﻴﻞ.
2
وﻗﺪ أﺿﺎف أﺗﺒﺎﻋﻪ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻵراء ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﱄ أﻣﻮ ًرا ﻣﺜﻞ اﻻﻋﱰاض ً وﻓﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري وﺣﻖ املﺮء ﰲ ﻋﺪم اﺗﺒﺎع ﺑﻠﺪه ﰲ اﻟﺤﺮب .وﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ،ﻳﻌﺘﱪ ﻣﻴﻞ ﻣﺒﺎد ًرا ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ً ﺑﺎﻟﺮأي اﻟﺴﺎﺋﺪ اﻵن اﻟﻘﺎﺋﻞ إن اﻟﻀﻤري ﻳﺮﺗﺒﻂ ارﺗﺒﺎ ً وﺛﻴﻘﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮدﻳﺔ واﻻﺳﺘﺜﻨﺎء ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻃﺎ ﻃﺎ ً ﺣﻘﻮق اﻟﻀﻤري ﺗﺮﺗﺒﻂ ارﺗﺒﺎ ً وﺛﻴﻘﺎ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ آراء املﻬﻤﺸني واﻷﻗﻠﻴﺎت .وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻪ 56
ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻀﻤري
ﺑﺎﻟﻀﻤري املﻌﺎرض ،ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻴﻞ ﻋﲆ ﻣﺪ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد إﱃ ﻣﺠﺎل اﻻﺧﺘﻴﺎر واﻟﻔﻌﻞ — إﱃ »ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻧﺤﺐ« — ﻃﺎملﺎ ﻻ ﻳﺆذي أﺣﺪًا) .وﻫﻮ ﻫﻨﺎ ﻳﺒﺪأ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة ﺳﻮف ﻧﺘﻨﺎول املﺰﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ ً ﻻﺣﻘﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ(. ﻳﻌﺪ املﻨﻬﺞ اﻟﺬي ﻳﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﻟﻮك ﻣﺮو ًرا ﺑﻤﻴﻞ — واﻟﺬي ﻋﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﻮﺳﻴﻊ رﻗﻌﺔ اﻟﺤﻘﻮق واﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻟﻠﻀﻤري اﻟﻔﺮدي ﰲ اﻟﺸﺌﻮن اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء — أﺣﺪ اﻹﻧﺠﺎزات اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ واﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺮاﺋﻌﺔ ﻟﻠﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي .ﻟﻜﻦ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺑﻼﻏﺔ ﻫﺆﻻء املﺪاﻓﻌني وﻗﻮﺗﻬﻢ اﻹﻗﻨﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻠﻀﻤري ً أﻳﻀﺎ ﻣﻨﺘﻘﺪوه وﻣﻦ ﻳﻨﺘﻘﺼﻮن ﻣﻦ ﻗﺪره .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ اﻟﺘﻲ أﺷﺎرت ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻣﻴﻞ إﱃ ﺗﻤﻜني اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺣﺼﻨًﺎ ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ واﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﻔﺮدي ،ﺧﻀﻊ اﻟﻀﻤري ﻟﻬﺠﻮم ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻣﺮ ﱠﻛﺐ ﻣﺆﺛﺮ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﱠﺎب واملﻔﻜﺮﻳﻦ املﺴﺌﻮﻟني ﻋﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻓﻜﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ. ﻫﻮاﻣﺶ (1) © Disney. (2) © Courtesy of the Library of Congress.
57
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤﲑ :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ
ﺧﻼل اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ واﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،دﻋﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ املﻔﻜﺮﻳﻦ ،ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺜﻞ ﺑﺎﺗﻠﺮ وﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﺜﻞ ﺳﻤﻴﺚ ،إﱃ ﻧﻈﺮة ﻣﺘﻔﺎﺋﻠﺔ ﺗﺪور ﺣﻮل ﺿﻤري ﻳﺴﻬﻞ اﻛﺘﺴﺎﺑﻪ وﻳﺴﻌﻰ إﱃ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺨري اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .وﻗﺪ ﺗﺠﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻵراء املﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﰲ أﻋﻤﺎل ﻋﺪﻳﺪة ذات ﺷﻌﺒﻴﺔ ﰲ اﻷوﺳﺎط اﻟﻔﻜﺘﻮرﻳﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺴﺪﻫﺎ اﻟﻔﻨﺎن ﻫﻮملﺎن ﻫﺎﻧﺖ ﰲ ﻟﻮﺣﺘﻪ املﺴﻤﺎة »ﻳﻘﻈﺔ اﻟﻀﻤري« .ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ،ﺻﻮر ﻫﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﺗﻨﻮﻳﺮ اﺳﺘﻤﺪت إﻟﻬﺎﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﻤري ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺿﺎﻋﺖ آﻣﺎل أﺣﺪ املﺎﺟﻨني ﰲ ﻏﻮاﻳﺔ اﻣﺮأة ﺷﺎﺑﺔ ﻋﻨﺪ ﻇﻬﻮر ﻃﻴﻒ أﺧﻼﻗﻲ ﻟﻬﺎ .وﰲ ﻟﻮﺣﺔ ﻫﺎﻧﺖ — ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺎت واﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ ً ﻓﺒﺪﻻ اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ املﺸﻬﻮرة — ﻳﻮﺟﺪ ﺧﻠﻂ ﺑني اﻟﻀﻤري وﻣﺎ ﻳﺴﻤﱠ ﻰ ﺑﺎﻷﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ؛ ﻣﻦ املﻮاﻓﻘﺔ ﻋﲆ اﻟﺨﺮوج اﻟﻮﻗﺢ ﻋﻦ اﻟﺘﻮﻗﻌﺎت اﻟﻌﺎدﻳﺔ ،ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻀﻤري اﻟﻮﺗﺪ اﻟﺬي ﺗَﻔﺮض ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ اﻟﻘﻴﻮد واملﻮاﻧﻊ املﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺸﺨﴢ ﻟﻸﻓﺮاد ،ﻟﻜﻦ املﺤﺮك اﻟﻘﻮي ﻟﻠﻀﻤري ﻳﻌﻤﻞ ً ﻋﻤﻼ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻗﺪراﺗﻪ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ إن اﻗﺘﴫ دوره ﻋﲆ ﺿﺒﻂ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺸﺨﴢ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻘﻴﻢ املﺠﺘﻤﻊ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﻧﺮﺑﻄﻬﺎ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ ﺑﻜﺘﺐ املﺴﺎﻋﺪة اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺎع ﻟﻠﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ املﺸﻐﻮﻟني ﰲ أﻛﺸﺎك اﻟﺠﺮاﺋﺪ املﻮﺟﻮدة ﺑﺎملﻄﺎرات. وﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻵراء املﺘﻔﺎﺋﻠﺔ املﺸﻮﺷﺔ ﺣﻮل اﻟﻀﻤري — ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻳﻤﺜﻞ ﻣﺼﺪ ًرا ﻳﻌﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻠﺮﻗﻲ اﻷﺧﻼﻗﻲ — ﺳﻮى إزﻋﺎج املﺰﻳﺪ ﻣﻦ املﻌﻠﻘني املﺘﺸﻜﻜني ﰲ ﻫﺬه اﻵراء. ﻳﻨﺘﻤﻲ اﻟﻨﻘﺎد اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﻋﻦ اﻟﻀﻤري — واﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ — ﺑﺎﻟﻜﺎد إﱃ ﻓﺮﻳﻖ واﺣﺪ أو إﻃﺎر ﻓﻜﺮي واﺣﺪ )ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺑﻌﺾ ﺧﻄﻮط اﻟﺘﺄﺛري ً ﻣﺴﺌﻮﻻ ﻋﻦ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺑﻴﻨﻬﻢ( ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺸﱰﻛﻮن ﰲ اﺣﺘﻘﺎر ﻓﻜﺮة اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ اﻟﺘﺤﺴني اﻟﺬاﺗﻲ ﻏري ﻣﺜري ﻟﻠﻤﺸﺎﻛﻞ أو ﻣﺪاﻓﻌً ﺎ ﻛﺮﻳﻤً ﺎ ﻋﻦ املﺒﺎدئ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ .وﻳﻌﺮض
اﻟﻀﻤري
ﺷﻜﻞ :1-3ﻟﻮﺣﺔ »ﻳﻘﻈﺔ اﻟﻀﻤري« ﻟﻠﻔﻨﺎن وﻳﻠﻴﺎم ﻫﻮملﺎن ﻫﺎﻧﺖ ،ﻋﺎم .١٨٥٣
1
اﻟﻨﻘﺎد اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﱰاﺑﻄﺔ ﻣﻦ املﺸﻜﻼت :ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻳﻤﺜﻞ ﻋﺒﺌًﺎ ً زاﺋﻔﺎ وﻏري ﴐوري ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﻤﺜﻞ ﺻﻮت ﷲ اﻵﻣﺮ أو اﻹﺟﻤﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ املﺴﺘﻨري؟ وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن داع؟ ﺑﻞ أﺳﻮأ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻣﺎذا إن اﻟﻀﻤري ﻳﻤﺜﻞ ﻋﺒﺌًﺎ اﺧﱰﻋﻨﺎه وﻧﻔﺮﺿﻪ ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﻼ ٍ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺘﺄﺛريات اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ املﺴﺘﺒﺪة أو اﻟﺰاﺋﻔﺔ وأﺿﻔﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﻔﺔ ذاﺗﻴﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي إﱃ ﺿﻤري ﻳﺘﺸﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻴﺰ اﻟﺠﺎﻫﻞ واملﻨﻊ ﻏري املﺪروس؟ 60
ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ
اﻟﻬﺠﻮم ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ﰲ رواﻳﺔ »اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ واﻟﻌﻘﺎب« ) (١٨٦٦ﻟﺪوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ،ﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑﻄﻞ اﻟﺮواﻳﺔ )أو ﻋﲆ اﻷﺣﺮى ﺑﻄﻠﻬﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺼﻔﺎت املﺘﻮﻗﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻄﻞ( راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ﻣﺒﻜ ًﺮا ﺑﻔﻜﺮة أن اﻟﻀﻤري — أو ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺻﺎﺣﺒﻪ املﻼزم »اﻟﺨﻮف اﻟﻔﻄﺮي« — ﻗﺪ ﻳﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻗﻴﺪًا ﻏري ﴐوري ﻋﲆ اﺧﺘﻴﺎرات اﻹﻧﺴﺎن وأﻓﻌﺎﻟﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺼﻮر أن »اﻹﻧﺴﺎن إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﺎﻟﻨﺬاﻟﺔ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ … ﻻ ﻳﺘﺒﻘﻰ ﻟﻪ ﺳﻮى اﻟﺘﺤﻴﺰ واﻟﺨﻮف اﻟﻔﻄﺮي ،وﻻ وﺟﻮد ﻟﻠﺤﻮاﺟﺰ« .وﻳﻜﺮس املﺆﻟﻒ ﺑﻘﻴﺔ أﺣﺪاث اﻟﺮواﻳﺔ ﻹﻇﻬﺎر ﺧﻄﺄ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف وإﺛﺒﺎت وﺟﻮد اﻟﺤﻮاﺟﺰ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﱰك ﻫﺬه اﻟﺤﻮاﺟﺰ دون ﺗﺤﺪﻳﺎت؛ ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺤﺚ اﻟﺮواﻳﺔ ﰲ دراﺳﺔ اﻟﴩﻋﻴﺔ املﺨﺘﻠﻄﺔ واملﻨﻘﻮﺻﺔ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﻘﻴﻮد اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺮﺿﻬﺎ ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻨﺎ .وﻳُﻌﱰف ﺑﺎﻟﻀﻤري — وﻏريه ﻣﻦ اﻷﻧﻮاع اﻷﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻖ املﺼﺤﻮب ﺑﺎﻟﺸﻚ — ﺑﻮﺻﻔﻪ أﺣﺪ ﻫﺬه اﻟﺤﻮاﺟﺰ ،وﺗﺘﻌﺮض دواﻓﻊ ﺳﻠﻄﺘﻪ ﺑﺸﻜﻞ داﺋﻢ إﱃ اﺧﺘﺒﺎر ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﺸﻜﻚ. ﻳﺆﻛﺪ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻣﻦ اﻟﻀﻤري ﰲ ﻣﻘﺎل ﺟﺪﱄ ﻳﺰﻋﻢ ﻓﻴﻪ أن »اﻹﻧﺴﺎن »املﺘﻤﻴﺰ« ﻟﻪ اﻟﺤﻖ — وﻫﻮ ﻟﻴﺲ ٍّ ﺣﻘﺎ رﺳﻤﻴٍّﺎ ﺑﻞ ﺣﻘﻪ اﻟﺨﺎص — ﰲ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻀﻤريه اﻋﱰاﺿﺎ أﺧﻼﻗﻴٍّﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ً ً ﻗﺎﺋﻼ» :إﻧﻚ ﺑﺘﺨﻄﻲ ﻋﻘﺒﺎت ﻣﻌﻴﻨﺔ« .وﻳﻘﺪم ﺻﺪﻳﻘﻪ رازوﻣﻴﺨني ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ املﻄﺎف ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺈراﻗﺔ اﻟﺪﻣﺎء دون أن ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ … وﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮي، ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﺴﻤﺎح ﺑﺈراﻗﺔ اﻟﺪﻣﺎء دون اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ أو وﺟﻊ اﻟﻀﻤري أﻛﺜﺮ ﻓﻈﺎﻋﺔ ﻣﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ إراﻗﺔ اﻟﺪﻣﺎء ﻣﺴﻤﻮﺣً ﺎ ﺑﻬﺎ رﺳﻤﻴٍّﺎ وﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ «.ﻟﻜﻦ اﻟﻨﻘﺪ اﻷﻛﺜﺮ ﺣﺪة ﻳﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﲆ ﻟﺴﺎن ﺑﻮرﻓريي ﻗﺎﴈ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻊ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ،واﻟﺬي ﻳﻨﺎﻗﺸﻪ ﰲ ادﻋﺎءاﺗﻪ اﻟﺴﺎذﺟﺔ ﺑﺎﻟﺘﻤﻴﺰ ،ﺛﻢ ﻳﺨﻠُﺺ إﱃ املﻼﺣﻈﺔ ﻧﺎﻓﺬة اﻟﺒﺼرية ﺑﺄن ﺑﻌﺾ ﻫﺆﻻء اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺴﻤﻮن ﻇﺎﻫﺮﻳٍّﺎ ﺑﺎﻟﺘﻤﻴﺰ ﻗﺪ ﻳﺤﻘﻘﻮن أﻫﺪاﻓﻬﻢ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ )ﻋﲆ ﻟﺴﺎن راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف( »ﻳﺒﺪءون ﰲ إﻧﺰال اﻟﻌﻘﺎب ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ« .وﻗﺪ ﺗﻤﻜﻦ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ﻣﺆﻗﺘًﺎ ﻣﻦ ﻛﺒﺖ ﻫﺬا املﺒﺪأ اﻟﺘﴩﻳﻌﻲ ﰲ ﻋﻘﻠﻪ ،واﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻣﻨﻌﻪ ﻣﻦ اﻗﱰاف ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﳾء ﻟﻪ ﺛﻤﻦ »ﻟﻘﺪ ﻗﺘﻠﺖ ﻧﻔﴘ وﻟﻴﺲ اﻟﻌﺠﻮز اﻟﺸﻤﻄﺎء« ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ أن ﻫﺮوﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺴﻮة ﺿﻤريه ﻛﺎن ﻫﺮوﺑًﺎ ﻣﺆﻗﺘًﺎ وﻟﻴﺲ داﺋﻤً ﺎ .وﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﻴﺎس ﻋﺠﺰ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ﻋﻦ اﻟﻬﺮوب ﻣﻦ ﻗﺴﻮة ﺿﻤريه ،ﻳﻘﺪم ﻟﻨﺎ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺳﻔﻴﺪرﻳﺠﻴﻠﻮف ﻏري اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﺬي ﻳﺘﻨﺎوب ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺸﻮاﺋﻲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺄﻋﻤﺎل ﺷﺎﺋﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ وأﻋﻤﺎل أﺧﺮى ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻜﺮم املﻄﻠﻖ ،واﻟﺬي ﻳﺼﻒ ﺿﻤريه ﺑﺄﻧﻪ »ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺧﻤﻮل ﺗﺎم« .وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف 61
اﻟﻀﻤري
ﺗﺒﻨﱢﻲ ﻫﺬا املﻮﻗﻒ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻬﺪﻳﺪاﺗﻪ ﺑ »ﺗﺨﻄﻲ« اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ ،وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﺨﻴﱡﻼﺗﻪ اﻟﻨﺎﺑﻮﻟﻴﻮﻧﻴﺔ. ﺳﻮف ﻳﺘﻌﺮض راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﻠﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﰲ ﺳﻴﺒريﻳﺎ ﻋﻨﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺮواﻳﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻌﺚ ﻟﻦ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ »ﺗﺄﻧﻴﺐ اﻟﻀﻤري« اﻟﺬي ﺗﺘﺨﻴﻠﻪ دوﻧﻴﺎ املﺨﻠﺼﺔ )ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺿﻌﻴﻔﺔ اﻟﺨﻴﺎل( .وﺣﺘﻰ وﻫﻮ ﻳﻨﺪﻓﻊ ﻣﻬﺎﺟﻤً ﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻌﺠﺰه ﻋﻦ اﺗﺨﺎذ »اﻟﺨﻄﻮة اﻷوﱃ«، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ زال ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻛﱪﻳﺎﺋﻪ اﻟﺠﺮﻳﺤﺔ واﻻﻧﺘﻘﺎد اﻟﺘﺄدﻳﺒﻲ ﻟﻌﺠﺰه ﻋﻦ اﻟﻬﺮب ﻣﻦ أوﺟﻪ ﻗﺼﻮره أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻀﻤري ﻧﻔﺴﻪ ،وﺗﻈﻞ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﻣﺘﺄرﺟﺤﺔ وﻣﺘﻀﺎرﺑﺔ. وﺣﺘﻰ وﻫﻮ ﻳﺤﺎول اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻗﻮة ﻣﺆﺛﺮة ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﻳﺮﻓﻀﻪ ﺑﺜﺒﺎت ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻤﺜﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ »اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ« ﺧﻼل اﻟﺮواﻳﺔ ،وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺗﻔﺴريه ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻋﺒﺌًﺎ ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ ﰲ اﻧﺠﺬاﺑﻪ املﺒﻜﺮ اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ ﻟﻼﻋﱰاف ،وﰲ إﻓﺮاﻃﻪ ﰲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺬاﺗﻲ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣَ َﺮﴈ، وﰲ إﻗﺼﺎﺋﻪ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻟﺬاﺗﻪ اﻟﺠﺮﻳﺤﺔ وﻛﱪﻳﺎﺋﻪ املﻔﺮﻃﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺣﺐ ُﻣﺬِل ﻣﻬني. ﺗﻤﺜﻞ رواﻳﺔ »اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ واﻟﻌﻘﺎب« دراﺳﺔ ﻟﻠﻀﻤري وﻟﻴﺲ ﺗﱪﻳ ًﺮا ﻟﻪ ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺪﻗﻴﻖ، واﺳﺘﻤﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﺪراﺳﺔ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ اﻷﺧﺮى ،وﺧﺎﺻﺔ ﰲ رواﻳﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻛﺪ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻘﻄﺔ »اﻹﺧﻮة ﻛﺎراﻣﺎزوف« ) .(١٨٨١وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴريﻫﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ دراﺳﺔ »ملﺒﺎدئ« اﻟﻀﻤري ،وﻫﻲ ﺗﺒﺪأ ﺑﺘﻌﺮﻳﻒ »اﻟﻀﻤري اﻟﻜﺎراﻣﺎزوﰲ« ً اﺧﺘﺰاﻻ ﻹدراك أﺧﻼﻗﻲ ﺳﻄﺤﻲ وﻏري ﻣﻜﺘﻤﻞ ،ﺛﻢ ﺗﻄﺮح ﺗﺴﺎؤﻻت ﺑﻼ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﺑﻮﺻﻔﻪ ً واﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ إﺟﺎﺑﺔ ﺷﺎﻓﻴﺔ ﻋﻦ ﻛﻴﻒ وأﻳﻦ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺠﺪ رؤﻳﺔ أﻛﺜﺮ اﺳﺘﺪاﻣﺔ ﻟﻠﻀﻤري. اﻓﱰاﺿﺎت اﻟﺪﻳﻦ املﺆﺳﴘ ،ﻳﻘﺪم رﺋﻴﺲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ رؤﻳﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻳﺤﻤﻲ اﻟﻀﻤري ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ املﺠﺘﻤﻊ ،وﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﻐﻴري اﻟﻔﺮدي ﺑﻤﻘﺘﴣ »ﻗﺎﻧﻮن املﺴﻴﺢ ﻓﺤﺴﺐ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﲆ ﰲ اﻋﱰاف املﺮء ﺑﻀﻤريه« .وﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻀﻤري ﺗﺪﻳﺮه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ، وﻫﻮ ﻳﺘﻴﺢ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻺﺻﻼح اﻟﺪاﺧﲇ اﻟﺬي ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ »ﺗﺨﻔﻴﻒ« اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ. ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺪاول ﻟﻠﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﺑني اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ املﺆﺳﺴﻴﺔ واﻟﻔﺮد اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻘﺪ ذاﺗﻪ ﻟﻴﺲ ﺻﺎرﻣً ﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﻜﺎﰲ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ رﺋﻴﺲ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ املﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺗﻌﻠﻢ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻷﻓﺮاد أﻓﻀﻞ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻠﻤﻮﻧﻬﺎ ﻫﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ .وﺗﻮﺣﻲ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺷﻴﺦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺘﺤﺮر ً أﺳﺎﺳﺎ ﻣﺴﺘﻘ ٍّﺮا اﻟﺬاﺗﻲ ،وﻫﻲ ﰲ ﻣﺮوﻧﺘﻬﺎ »اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﻏري اﻟﻌﺎدﻳﺔ وﻏري املﺤﺪودة« ﻻ ﺗﻘﺪم ﻟﺘﻬﺪﺋﺔ ﺿﻤري ﻻ ﻳﻘﻨﻊ وﻻ ﻳﺸﺒﻊ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ،وﻳﻘﺪم رﺋﻴﺲ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﺿﻤريًا ﻣﺤﺪودًا واﺿﺤً ﺎ ﰲ ﻣﻄﺎﻟﺒﻪ ﺗﺪﻋﻤﻪ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ ﰲ ﻛﻞ املﻮاﺿﻊ. وﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻓﺈن إﻳﻔﺎن اﻟﻌﺎﻗﻞ )ﻟﻜﻦ املﻬﺰوز( ﻳﺘﺤﺎﻟﻒ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﻄﺎن أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺤﺎﻟﻒ ﻣﻊ رﺋﻴﺲ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ،وﺗﻌﺪ ﺣﻮارات إﻳﻔﺎن ﻣﻊ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﻌﱪة 62
ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ
ﻋﻦ اﻟﺸﻜﻮك واﻻﺣﺘﻤﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ داﺧﻞ ﻋﻘﻠﻪ .وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري ،ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺒﺪﻳﻞ اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮوﻳﺪﻳﺔ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻳﻘﺪم أﻛﺜﺮ اﻟﺒﺪاﺋﻞ إﻏﺮاءً وإرﺑﺎ ًﻛﺎ ،ﻣﺘﺬرﻋً ﺎ ﺑﺼﻴﻐﺔ اﻟﻨﻔﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻮغ ﺑﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺒﺪاﺋﻞ؛ أي إن إﻳﻔﺎن ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺄن ﻳﻘﻮل ﻣﺎ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ أو ﻳﺨﺸﺎه ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﺪﻋﻴًﺎ أﻧﻪ ﻳﻤﺜﻞ إﻏﻮاءً ﺷﻴﻄﺎﻧﻴٍّﺎ .وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري ،ﻳﺴﺘﺄﻧﻒ اﻟﺸﻴﻄﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﻗﻒ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ﻣﻘﺘﻨﻌً ﺎ ﺑﺄن ﻣﻬﻤﺔ اﻹﻧﺴﺎن املﺘﻤﻴﺰ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﻀﻤري .وﻳﺼﻴﺢ إﻳﻔﺎن ﰲ أﻟﻴﻮﺷﺎ ً ﻗﺎﺋﻼ: ﻟﻘﺪ ﺳﺨﺮ ﻣﻨﻲ! وذﻟﻚ ﺑﱪاﻋﺔ ،ﺑﱪاﻋﺔ ﺷﺪﻳﺪة ً ﻗﺎﺋﻼ» :اﻟﻀﻤري! ﻣﺎ اﻟﻀﻤري؟ إﻧﻨﻲ أﺧﺘﻠﻘﻪ ﺑﻨﻔﴘ ،ﻓ ِﻠ َﻢ أُﻋﺎﻧﻲ إذن؟ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎدة ،ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎدة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻋﲆ ﻣﺪار ﺳﺒﻌﺔ آﻻف ﻋﺎم .دﻋﻨﺎ إذن ﻧﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدة ،وﺳﻮف ﻧﺼﺒﺢ آﻟﻬﺔ!« ﻟﻘﺪ ﻗﺎل ذﻟﻚ ،ﻟﻘﺪ ﻗﺎل ذﻟﻚ! ﻟﻜﻦ إﻳﻔﺎن ،ﻋﲆ ﻏﺮار راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ،ﻳﻐﻮي ﻧﻔﺴﻪ وﻳﻌﺬﺑﻬﺎ ﺑﺄﻓﻜﺎر ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ،وﰲ أﻛﺜﺮ أﻓﻜﺎره ﺟﺮأة ﻓﻬﻮ ﻳﺪﱠﻋﻲ ﻟﻠﻘﺎﺗﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺳﻤريدﻳﺎﻛﻮف أﻧﻪ ﻟﻮﻻ ﷲ »ﻟﻜﺎن ﻛﻞ ﳾء … ﻣﺒﺎﺣً ﺎ ،ﻣﻬﻤﺎ ﺟﺮى ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻣﻦ اﻵن ﻓﺼﺎﻋﺪًا ﻳﺠﺐ أﻻ ﻳﺼﺒﺢ ﻫﻨﺎك أي ﳾء ﻣﻤﻨﻮع« .وﻫﻮ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺤﺘﻤﻞ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﳾء ﻋﲆ ﺷﻔﺎ اﻋﱰاف ﻣﺪﻓﻮع ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻣﺨﺎدع ﻟﺬاﺗﻪ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﺑﺎﺷﱰاﻛﻪ ﰲ ﻗﺘﻞ واﻟﺪه ،وﺗﻤﺘﺪﺣﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻷﺧﺮى ملﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ أﻟﻴﻮﺷﺎ »ﺿﻤريه اﻟﻌﻤﻴﻖ« ،وﺳﻮف ﺗﻌﻠﻦ ﻛﺎﺗﻴﺎ ﰲ املﺤﻜﻤﺔ أﻧﻪ ﺿﺤﻴﺔ »ﺿﻤري ﻋﻤﻴﻖ ،ﻋﻤﻴﻖ ﺑﺸﺪة« ﻳﻌﺬب ﻧﻔﺴﻪ ،وﺗﺤﻴﻴﻪ ﰲ ً »ﺑﻄﻼ ﻟﻠﴩف واﻟﻀﻤري« .ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ وﻫﻮ ﻳﺮﻗﺪ ﻣﺼﺎﺑًﺎ ﺑﺎﻟﺤﻤﻰ اﻟﺪﻣﺎﻏﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻪ املﺤﺎوﻻت ﻻﻣﺘﺪاﺣﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﻣﺠﺴﺪًا ﻟﻠﻀﻤري ﺗﺴﻌﻰ إﱃ ﻓﺮض وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻋﲆ ﻣﻮﻗﻒ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺪﻋﻤﻬﺎ .وﻓﻮر أن وﺿﺤﺖ ﻓﻜﺮة اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ اﺧﱰاﻋً ﺎ أو ً ﻣﻔﺮوﺿﺎ ذاﺗﻴٍّﺎ ،ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺘﺤﺪث رﺳﻤﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ وﻋﺒﺌًﺎ ﻏري ﴐوري ﺳﻴﺊ اﻟﺴﻤﻌﺔ ﻛﺎﻟﺸﻴﻄﺎن ذاﺗﻪ ،أو ﺣﺘﻰ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺧﻴﺎ ًرا ﺳﻴﺌًﺎ ﰲ أﻓﻜﺎر إﻳﻔﺎن املﺤﻤﻮﻣﺔ، ﻓﺴﻮف ﺗﻈﻞ ﻣﺼﺪر إزﻋﺎج إﺿﺎﰲ ملﻔﻬﻮم ﻳﻼﻗﻲ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ. ﻋﻨﺪ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﺮواﻳﺔ »رﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ أﻋﻤﺎق اﻷرض« ﻋﺎم ،١٨٨٧ﻛﺘﺐ ﻧﻴﺘﺸﻪ إﱃ ﺻﺪﻳﻘﻪ أوﻓﺮﺑﻴﻚ ً ﻗﺎﺋﻼ إن »ﻏﺮﻳﺰة اﻟﻘﺮاﺑﺔ )أم ﻣﺎذا أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ؟( ﻗﺪ أﻋﻠﻨﺖ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻮﺿﻮح ﰲ اﻟﺤﺎل« .وﻳﻌﺘﱪ اﻟﻘﻮل اﻟﺬي وﺟﱠ ﻬﻪ إﻳﻔﺎن إﱃ ﺳﻤريدﻳﺎﻛﻮف »ﻛﻞ ﳾء ﻣﺒﺎح« أﺣﺪ اﻟﺘﻌﺒريات اﻟﻨﻤﻮذﺟﻴﺔ ﻟﻨﻴﺘﺸﻪ ،وﺗﺸري ﺣﻘﻴﻘﺔ أن ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻗﺪ ﻛﺮر ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت 63
اﻟﻀﻤري
)ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،أو ﺧﺎﺻﺔ إن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺼﺎدﻓﺔ( ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »أﺻﻞ اﻷﺧﻼق وﻓﺼﻠﻬﺎ« إﱃ اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ املﺸﱰﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻫﺬان املﻔﻜﺮان .وﻗﺪ اﺣﺘﻔﻰ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﺑﺘﺄﻣﻼت رﺟﻞ اﻷﻋﻤﺎق املﺮوﻋﺔ ،وﺷﺎرﻛﻪ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ إن أﻗﴗ أﻟﻢ داﺧﲇ ﻣﱪح ﻣﻮﺟﻪ ﻟﻠﺬات ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺠﺴﺪ ﰲ املﺒﺪأ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﰲ ﻛﺘﺎب »أﺻﻞ اﻷﺧﻼق وﻓﺼﻠﻬﺎ« اﻟﻘﺎﺋﻞ إن »أﻧﺖ وﺣﺪك املﻼم ﻋﲆ ﺷﺌﻮﻧﻚ اﻟﺨﺎﺻﺔ« .وﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻫﺬا املﺒﺪأ اﺗﺠﺎه اﻻﺳﺘﻴﺎء ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻬﻤﻪ ﻧﻴﺘﺸﻪ ،وﻫﻮ اﻧﺤﺮاف ﻋﻦ اﻻﺗﻬﺎم املﻮﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﻈﺮوف اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ املﺘﻤﺮدة ﻧﺤﻮ اﺗﻬﺎم ﻟﻠﺬات ﻻ ﻣﱪر ﻟﻪ ﻟﻜﻨﻪ ﻣُﻠﺢ .وﻳﻤﺜﻞ أﺑﻄﺎل دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ — اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻬﻤﻮن ذواﺗﻬﻢ وﻳﻌﺎﻗﺒﻮﻧﻬﺎ — أﻓﻀﻞ ﻛﻮﻛﺒﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺨﻴﱡﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺑﻄﺎل ﻋﲆ ﻃﺮاز ﻧﻴﺘﺸﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻬﻤﻮن ذواﺗﻬﻢ ً أﻳﻀﺎ. وﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻧﻴﺘﺸﻪ ،ﻓﺈن اﻟﻀﻤري ﻳﺤ ﱢﺮض ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﺗﻬﺎم اﻟﺬاﺗﻲ ،وﻫﻜﺬا ﻓﻬﻮ ﻳﺼﺒﺢ ﺟﺰءًا ﻣﻦ املﺸﻜﻠﺔ وﻟﻴﺲ اﻟﺤﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي .وﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »أﺻﻞ اﻷﺧﻼق وﻓﺼﻠﻬﺎ« ،ﻳﺤﺎول أن ﻳﱪﻫﻦ أﻧﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺠﻤﺎت اﻟﻘﻴﻮد اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﺈن اﻟﻌﺪواﻧﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي واﻟﺘﻠﺬذ ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎم ﻗﺪ أﻋﻴﻘﺎ وأﺟﱪا ﻋﲆ اﻟﺘﻮﺟﻪ ﻟﻠﺪاﺧﻞ؛ وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ أﺻﺒﺢ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻌﺎدي ذاﺗﻪ وﺗﺮﺟﻢ ذﻟﻚ إﱃ ﻣﻤﺎرﺳﺎت ﺗﻌﺬﻳﺐ اﻟﺬات ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻘﺴﻮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻤﺎرﺳﻬﺎ أﺳﻼﻓﻨﺎ املﺘﻌﻄﺸﻮن ﻟﻠﺪﻣﺎء .واﻟﻀﻤري ﻫﻮ ﻣﺘﻌﻬﺪ ﻫﺬا اﻟﻌﻘﺎب اﻟﺬاﺗﻲ املﻐﺮوس ﻻ ﺷﻌﻮرﻳٍّﺎ ﰲ اﻟﺬﻫﻦ ،وﻫﻮ ﻳﻘﻮل» :إﻧﻨﻲ أﻧﻈﺮ ﻟﻠﻀﻤري اﻟﻨﺎدم ﺑﻮﺻﻔﻪ املﺮض اﻟﺨﻄري اﻟﺬي ﻳﺼﺎب ﺑﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ أﻛﺜﺮ اﻟﺘﻐﻴريات اﻟﺘﻲ ﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﺟﺬرﻳﺔ ،وﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﺘﻐﻴري اﻟﺬي ﺣﺪث ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻣﺤﺎﴏًا داﺧﻞ ﺟﺪران املﺠﺘﻤﻊ واﻟﺴﻼم «.وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻘﻴﺪة إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ وﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﻮﺟﻴﻪ إﺣﺒﺎﻃﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺮاء ﻫﺬا اﻟﺘﻘﻴﻴﺪ ﻟﻠﺪاﺧﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ »ﺣﻴﻮاﻧًﺎ ً ﻏﺎرﻗﺎ ﻳﺤﻚ ﺟﺴﻤﻪ ﺑﻘﻀﺒﺎن ﻗﻔﺼﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻨﻔﺴﻪ اﻷذى« .وملﺎ ﻛﺎن اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي ﰲ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺮد واﻟﻨﺪم ﻏري املﺤﺪود ،ﻓﻘﺪ »اﺧﱰع اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺎﺳﺪ ﻛﻲ ﻳﺆذي ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪ أن ُﺳﺪ املﺘﻨﻔﺲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﺮﻏﺒﺘﻪ«. وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن أﺳﻄﻮرة اﻷﺻﻞ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻨﻴﺘﺸﻪ ﺧﺎﻃﺌﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ وﻏري ﻣﻘﻨﻌﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻬﺬا املﻔﻬﻮم ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺨﻴﻞ اﻟﻀﻤري اﻟﻨﺎدم ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺗﻄﻮ ًرا ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﺣﻈﺮ اﻟﻘﺴﻮة وﺣﻈﺮ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ﺑﺎﻟﻌﻘﺎب اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻼزم ً ﺳﺎﺑﻘﺎ وﺗﺬﻳﻞ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻘﻀﺎﺋﻲ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻧﻘﺾ اﻟﻌﻬﻮد وﺧﺮق اﻟﻌﻘﻮد اﻷﻣﺮ ﻓﺈن اﻟﻀﻤري اﻟﻨﺎدم اﻟﺬي ﻳﺆﻟﻢ ﺻﺎﺣﺒﻪ وﻳﺰﻋﺠﻪ وﻳﺠﺮﺣﻪ وﻳﻬﺪده ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮدًا ﻣﻨﺬ ً ﺳﺎﺑﻘﺎ( ﰲ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﰲ اﻟﻘﻀﺎء اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ،وﻣﻨﺬ ﺗﺒﻨﱢﻲ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻟﻪ اﻟﺒﺪاﻳﺔ )ﻛﻤﺎ أوﺿﺤﺖ 64
ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ
ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم .وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﺗﺨﻴﻼت ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻟﻌﴫ ﻓﺮدوﳼ ﻛﺎن ﻓﻴﻪ اﻟﺒﴩ ﻳﺘﻘﺒﻠﻮن ﻋﻨﻔﻬﻢ وﻗﺴﻮﺗﻬﻢ وﻳﺤﺘﻔﻮن ﺑﻬﻤﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﺗﺨﻴﻼت ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ؛ وذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻣﻨﺬ ﻇﻬﻮر اﻟﻀﻤري ﻷول ﻣﺮة وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻨﻜﺮ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺴﻴﺊ وﻳﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﺘﺤﻮل إﱃ وﺿﻊ أﻓﻀﻞ .وﻛﻤﺎ أﻛﺪ ﺗﻴﻠﻴﻚ وآﺧﺮون ،ﻓﺈن اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺸﻌﻮرﻳﺔ ﻏري املﺴﺘﻘﺮة )وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﺷﺪﻳﺪة َ ﺑﺎﻟﺮﴇ ﻋﻦ »اﻟﻨﺪم«( ﻫﻲ اﻟﻮﺿﻊ اﻻﻓﱰاﴈ ﻟﻠﻀﻤري ،واﻟﻀﻤري »اﻟﺴﻠﻴﻢ« اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ أﻓﻌﺎل ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻋﻼﻣﺔ أﻛﻴﺪة ﻋﲆ وﺟﻮد ﻣﺸﻜﻠﺔ أﺧﻼﻗﻴﺔ.
اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﺜري ﻟﻠﻤﺘﺎﻋﺐ أم ذات أﺧﺮى؟ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻮﻳﺔ اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ »ذاﺗًﺎ أﺧﺮى« ﺧﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮت ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻬﺠﻢ ﺿﻤري ً ﻣﻨﻔﺼﻼ ﻋﻨﻪ أو أوﻏﺴﻄني ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻔﻈﻴٍّﺎ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ،وﻛﺎن ﺿﻤري أوﻏﺴﻄني ﻳﻤﺜﻞ ﺟﺰءًا ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻨﻪ أو ﻣﻮﺿﻊ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء ﻣﻨﻪ أن ﻳﺮاﻗﺐ ﺗﴫﻓﺎﺗﻪ .وﻗﺪ ﻋﻠﻖ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻼﻫﻮت وﻳﻠﻴﺎم ﺑريﻛﻨﺰ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﺧﻄﺎب اﻟﻀﻤري« ) ،(١٥٩٦ﺑﺪﻫﺎء ﻋﲆ ﻣﺎ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺗَ َﴫ َﱡﰲ اﻟﻔﻬﻢ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻳﻔﻜﺮ اﻟﻌﻘﻞ ﰲ ﻓﻜﺮة ،وﻳﺘﺨﻄﻰ اﻟﻀﻤري اﻟﻌﻘﻞ وﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ … وﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﺬا اﻟﺘﴫف اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻗﺪ ﻳﺸﻬﺪ اﻟﻀﻤري ﺣﺘﻰ ﻋﲆ أﻓﻜﺎره «.وﻳﺘﻌﺮض ﻧﻈريه اﻷدﺑﻲ ﺷﺒﻪ املﻌﺎﴏ، رﻳﺘﺸﺎرد اﻟﺜﺎﻟﺚ — ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺷﻜﺴﺒري — ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻟﺠﺰأﻳﻦ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀني ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺸﺎﺑﻪ، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﱰف ً ﻗﺎﺋﻼ »إﻧﻨﻲ … أﻛﺮه ﻧﻔﴘ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻸﻓﻌﺎل اﻟﺒﻐﻴﻀﺔ اﻟﺘﻲ ارﺗﻜﺒﺘْﻬﺎ ﻧﻔﴘ «.وﰲ اﻟﻘﺮن ً ﺷﻜﻼ ﻣﺤﺪدًا ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﻧﻌﻜﺎس ،وذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ أﺿﻔﻰ آدم ﺳﻤﻴﺚ وإﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮﻳﺎﺗﻬﻤﺎ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺘﻔﺮج ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻨﺎ ﻛﻞ ﳾء وﻳﺮاﻗﺐ أﻓﻌﺎﻟﻨﺎ. وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ اﻟﻨﻔﺲ واﻵﺧﺮ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ،ﻓﺈن ﺗﻠﻚ اﻟﺬات اﻷﺧﺮى ﺗﻤﺰج ﺑني ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ اﻟﻐﺮﻳﺐ واﻷﻟﻔﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة ﻣﻊ أﻓﻜﺎرﻧﺎ ،وﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﺗﻠﻚ »اﻟﺬات اﻷﺧﺮى« ﻣﺼﺪ ًرا ﻗﻴﻤً ﺎ ﻟﻠﺘﻌﻘﻴﺪ اﻷﺧﻼﻗﻲ ملﻌﻨًﻰ ﻣﻨﻘﻮص ﻟﻠﺬات ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ و»ﺻﺤﻴﺤﺔ« ،ﻟﻜﻦ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﺪاﺧﲇ .وﻗﺪ وﺿﻊ ﻓﺮوﻳﺪ ً ﻣﻌﻠﻘﺎ ﰲ ﻣﻘﺎﻟﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻋﻦ اﻟﻨﺮﺟﺴﻴﺔ« أن ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺪرة ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﻣﺼﺪر إزﻋﺎج، ً أﻋﺮاﺿﺎ ﺑﺎرزة ﻷﻣﺮاض اﻟﻀﻤري »ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »أوﻫﺎم املﻼﺣﻈﺔ« … اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﱪ ﺟﻨﻮن اﻟﻌﻈﻤﺔ« .وﻻ داﻋﻲ ﻷن ﻳﻮﺻﻢ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻀﻤري ﺑﺠﻨﻮن اﻟﻌﻈﻤﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻮﻓﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺬات َ ً املﺒﺘﲆ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ املﺼﺎب ﻣﺤﺘﻤﻼ ﻟﻠﺘﻮازن ،ﻟﻜﻦ اﻟﻔﺮد اﻷﺧﺮى ﻣﺼﺪ ًرا ﺑﺠﻨﻮن اﻟﻌﻈﻤﺔ ﰲ اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﺪاﺧﲇ.
وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﱠ ﺗﻮﺻﻞ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻬﻢ ،وﻳﺸﺒﻪ ﻫﺬا اﻟﻜﺸﻒ ﻣﺎ وﺳﻮس ﺑﻪ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻹﻳﻔﺎن ﻛﺎراﻣﺎزوف ً ﻗﺎﺋﻼ إن اﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﺣﻜﻢ اﻟﻀﻤري — ﺣﺘﻰ وإن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻃﻮﻋً ﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ — ﻓﻬﻮ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ أﻣﺮ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﻮم ﺑﻪ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ .وﺳﻮاءٌ أﻛﺎن 65
اﻟﻀﻤري
ً ﻣﻮﺟﻮدًا ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ أم ،ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻋﻲ، ﻣﻔﺮوﺿﺎ ﻣﺘﺄﺧ ًﺮا ،ﻓﺈن اﻟﻀﻤري اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﲆ اﻟﻨﺪم أﻣﺮ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺼﻴﺐ ﺑﻪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ،أو ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻧﺴﻤﺢ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺄن ﺗﺼﺎب ﺑﻪ. اﻗﱰح ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﻘﺴﻢ ﻋﲆ ذاﺗﻪ ،وأﻧﻪ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻣﻊ ﺻﻮت ﻣﻌﺎدٍ أو ﻋﻘﺎﺑﻲ ﻗﺪ اﺧﱰق ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻛﻞ املﺠﺎﻻت اﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ واﺳﺘﻘﺮ ﺑﻪ املﻘﺎم ﰲ اﻟﻌﻘﻞ .وﻳﺴﻤﻊ إﻳﻔﺎن ﻛﺎراﻣﺎزوف ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺻﻮت اﻟﺸﻴﻄﺎن، ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻨﺎ ﻧﺪرك أﻧﻪ ﺷﻜﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻴﺪ ﻟﺼﻮﺗﻪ ﻫﻮ .وﻳﺆﻛﺪ ﻧﻴﺘﺸﻪ أن ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر املﺆذﻳﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ﺻﻮﺗﻨﺎ اﻟﺨﺎص ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أﻓﻜﺎرﻧﺎ ﻧﺤﻦ ،ﻓﻨﺤﻦ — ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻛﺘﺎﺑﻪ »أﺻﻞ اﻷﺧﻼق وﻓﺼﻠﻬﺎ« — »ﻏﺮﺑﺎء ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ« ،أي إﻧﻨﺎ ﻧﻌﺰل ً أﻗﻮاﻻ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻘﺪم أﻓﻜﺎ ًرا ﻋﻘﺎﺑﻴﺔ أو أﻓﻜﺎ ًرا ﺗﺠﻠﺪ اﻟﺬات ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺨﺼﻴﺔ أو ﺧﺎﺻﺔ .وﻫﻮ ﻳﺘﻔﻬﻢ ﺟﻴﺪًا — ﻛﻤﺎ ﺳﻴﺘﻔﻬﻢ ﻓﺮوﻳﺪ — أن ﻫﺬا اﻟﺼﻮت اﻟﻌﻘﺎﺑﻲ ﻗﺪ ﻳﻘﺪم ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺘﺨﻔﻴًﺎ ﰲ املﻈﻬﺮ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﻟﻺﺻﻼح أو اﻟﺘﺄدﻳﺐ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﺴني ﺣﺎﻟﻨﺎ، ﻟﻜﻨﻪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻣﺼﺪر ﻟﻠﻌﺬاب اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ. وﻳﻌﻠﻖ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ!« ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻊ أن ﻧﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ وﻗﺖ ﻗﺮﻳﺐ ،وﺳﻮاءٌ أﻛﺎﻧﺖ اﻟﻈﺮوف ﻣﻮاﺗﻴﺔ أم ﻻ )وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺳﻮف ﻳﻘﻮل ﻧﻴﺘﺸﻪ إن اﻟﻈﺮوف ﻏري ﻣﻮاﺗﻴﺔ( ،ﻓﻤﻦ ﻏري املﺤﺘﻤﻞ أن ﻧﻨﺠﺢ ﰲ إﺑﻌﺎد ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻋﻦ رءوﺳﻨﺎ أو آذاﻧﻨﺎ .أﻣﺎ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺴﻠﻞ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت إﻟﻴﻨﺎ ﻓﻬﻮ ﻣﻮﺿﻮع ﺗﻌﻠﻢ ﻋﻨﻪ ﻓﺮوﻳﺪ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ ،وﻫﻮ ﻳﺒﻨﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻋﲆ اﻓﱰاﺿﺎﺗﻬﻤﺎ ﰲ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺻﻮت اﻷب املﻌﺎﻗﺐ. ﻳُﻌﺘﱪ إﻳﻔﺎن ﻛﺎراﻣﺎزوف ﺣﺎﻟﺔ ﻓﺮوﻳﺪﻳﺔ ﻧﻤﻮذﺟﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮر ﻓﺮوﻳﺪ ،ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﺘﻞ واﻟﺪه ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﱰف ﺑﺎﻻﺷﱰاك ﰲ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻷﻧﻪ ﺗﻤﻨﻰ ﻣﻮﺗﻪ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺴﺎءل أﺛﻨﺎء ﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻪ» :وﻣﻦ ﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﺘﻤﻨﻰ وﻓﺎة واﻟﺪه …؟« ﻫﺬا إذن ﻫﻮ ﻣﻮﻟﺪ اﻟﻀﻤري ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮده ﺷﻌﻮره ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ إﱃ ﺗﺨﻴﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﴍﻳ ًﻜﺎ ﰲ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻜﺒﻬﺎ .وﻻ ﻋﺠﺐ أن ﻓﺮوﻳﺪ — اﻟﺬي اﻋﺘﱪ »اﻹﺧﻮة ﻛﺎراﻣﺎزوف« أروع اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺘﻲ ُﻛﺘﺒﺖ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق — ﻗﺪ اﻧﺼﺐ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻣﻘﺎﻟﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﺟﺮﻳﻤﺔ ﻗﺘﻞ اﻷب« ،ﺣﻴﺚ وﺟﺪ ﰲ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﻣَ َﺮﺿﻴٍّﺎ ملﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﺻﻮت واﻟﺪه اﻟﻨﺎﻫﻲ ﰲ اﻷﻧﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﻗﻴﻮد ﻫﺬا اﻟﺼﻮت وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﺑﻘﺘﻞ واﻟﺪه .وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﻋﻦ اﻟﺮواﻳﺔ» :ﻻ ﻳﻬﻢ ﻣﻦ ارﺗﻜﺐ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ٍّ ﺣﻘﺎ ،ﻓﻌﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ ﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﺳﻮى ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ رﻏﺐ ﺷﻌﻮرﻳٍّﺎ ﰲ وﻗﻮﻋﻬﺎ وﻣﻦ رﺣﺐ ﺑﻮﻗﻮﻋﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﺖ «.وﻫﻮ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻴﺲ اﻷخ ﻏري اﻟﺸﻘﻴﻖ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﺳﻤريدﻳﺎﻛﻮف ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ دﻳﻤﻴﱰي وإﻳﻔﺎن. 66
ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ
ً ﻣﺤﺮﺿﺎ وﻣﻦ املﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻔﺮوﻳﺪﻳﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ أن اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ — واﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻟﻪ — أﻛﺜﺮ ﺣﺮﻳﺔ ﰲ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻣﻤﺎ ﻧﺘﺨﻴﻞ ،وأن ﻋﻼﻗﺘﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ اﻹﺟﺮاﻣﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻤﺎ ﻳﻔﱰﺿﻪ اﻟﻨﺎس ﻏﺎﻟﺒًﺎً . ﻓﺒﺪﻻ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻔﻌﻞ اﻹﺟﺮاﻣﻲ ،ﻓﺈن اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ املﺘﻮﻟﺪ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻤﻪ ﰲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻔﺮوﻳﺪي ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺣﺎﻓ ًﺰا ﻟﻠﻔﻌﻞ اﻹﺟﺮاﻣﻲ؛ وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻓﺈن اﻟﻔﺎﻋﻞ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻌﺪاء املﻜﺒﻮت أو أي ﻧﻮع آﺧﺮ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻴﺎء ﻳﺮﺗﻜﺐ )أو ﻳﺘﻮﻫﻢ أﻧﻪ ﻗﺪ ارﺗﻜﺐ( ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻌﺎدل ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ .وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻠﻘﻲ اﻟﻀﻮء ﻋﲆ ﻣﻮﺿﻮع ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻓﺮوﻳﺪ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺑﻜﺘﺎﺑﺎت ﻧﻴﺘﺸﻪ وإﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﻪ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻳﻨﺴﺐ إﻟﻴﻪ )ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »أﻧﻮاع اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﰲ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﴘ«( ﻣﻔﻬﻮم »ﺳﺒﻖ اﻟﺬﻧﺐ ﻟﻠﺠﺮﻳﻤﺔ« .وﰲ ﻫﺬا اﻻﺗﻬﺎم ،ﻳﻘﻞ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻀﻤري )ورﺑﻴﺒﻪ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ( ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ ً ﻣﺘﺄﺻﻼ ﰲ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ أو ﻣﱪﺋًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻳُﺮى ﺑﻮﺻﻔﻪ أﻣ ًﺮا أو ﺷﻌﻮ ًرا ﻻ ﻳﻬﺪأ ﺑﺎﻻﺳﺘﻴﺎء ﻣﻦ املﺮﺟﺢ أن ﻳﺆدي إﱃ ارﺗﻜﺎب ﺟﺮاﺋﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي إﱃ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻴﻬﺎ أو اﻟﺘﻜﻔري ﻋﻨﻬﺎ. ً ً ﻣﻨﻔﺼﻼ ﻟﺘﺘﺒﻊ أوﺟﻪ اﻟﺸﺒﻪ ﺑني أﻓﻜﺎر ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻓﺮوﻳﺪ وﻧﻴﺘﺸﻪ ﻣﻘﺎﻻ وﻳﺘﻄﻠﺐ اﻷﻣﺮ ﻋﻦ اﻟﻜﺒﺖ وﺑﻌﺾ املﻔﺎﻫﻴﻢ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻟﻜﻨﻨﻲ أود اﻹﺷﺎرة ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎص إﱃ اﻋﺘﻤﺎد ﻓﺮوﻳﺪ اﻟﻀﻤﻨﻲ — وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻌﻤﻖ — ﻋﲆ ﻧﻈﺮﻳﺎت ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻋﻦ اﻟﻀﻤري املﻌﺎﻗﺐ ﻟﻠﺬات ﰲ ﺻﻴﺎﻏﺘﻪ ﻷﻓﻜﺎره اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻋﻦ اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ أو اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ وﻋﺪاﺋﻬﺎ اﻟﻔﻄﺮي اﻟﻌﻘﺎﺑﻲ ﻟﻸﻧﺎ وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻟﻠﺬات .وﻳﻤﻜﻦ إﻳﻀﺎح ﻫﺬا اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﰲ اﻗﺘﺒﺎس ﺻﻐري ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ: ﻟﻴﺲ اﻟﻀﻤري … ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﻌﺘﻘﺪ ،ﻫﻮ »ﺻﻮت ﷲ داﺧﻞ اﻹﻧﺴﺎن« ،ﻟﻜﻨﻪ ﻏﺮﻳﺰة اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻪ ﻟﻠﺪاﺧﻞ ﻣﺎ إن ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺗﻔﺮﻳﻎ ﺷﺤﻨﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺎرج. )ﻧﻴﺘﺸﻪ» ،ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ أﻛﺘﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ املﻤﺘﺎزة«» ،ﻫﻮ ذا اﻹﻧﺴﺎن«( ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺤﻜﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ﻋﺪواﻧﻴﺘﻪ ،اﺷﺘﺪت املﻴﻮل اﻟﻌﺪواﻧﻴﺔ ﻟﻸﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ )اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ( ﻟﺪﻳﻪ ﺿﺪ اﻷﻧﺎ. )ﻓﺮوﻳﺪ» ،اﻷﻧﺎ واﻟﻬﻮ«( 67
اﻟﻀﻤري
وﰲ ﻛﻞ ﺣﺎﻟﺔ ،ﻳﺆدي اﻧﺴﺪاد ﻣﺨﺮج املﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺪاﺋﻴﺔ )ﻋﺪم ﻗﺪرة اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﻋﲆ ﺗﻔﺮﻳﻎ ﺷﺤﻨﺘﻬﺎ أو ﺗﻘﻴﻴﺪ اﻟﻌﺪواﻧﻴﺔ( إﱃ ارﺗﺪادﻫﺎ ﻟﻠﺪاﺧﻞ )ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﻟﻠﺬات أو اﻟﻌﺪواﻧﻴﺔ ﺿﺪ اﻷﻧﺎ(. ً وﺗﻌﻤﻞ اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ ﻟﺪى ﻓﺮوﻳﺪ — وﻻﺣﻘﺎ ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ — ﰲ ﺣﻴﺰ اﻟﻀﻤري، وﺗﺆدي ﻣﻬﺎم اﻟﺘﻮﺑﻴﺦ واﻟﺘﻘﺮﻳﻊ اﻟﺘﻲ ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﻮﻛﻞ إﱃ اﻟﻀﻤري .وﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻷﻧﺎ واﻟﻬﻮ«: ﻻ ﻳﻤﺜﻞ ﺗﻔﺴري اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﻮاﻋﻲ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ )اﻟﻀﻤري( أﻳﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﴫاع ﺑني اﻷﻧﺎ واﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ ،وﻫﻮ ً أﻳﻀﺎ ﺗﻌﺒري ﻋﻦ إداﻧﺔ ﴏﻳﺤﺔ ﻟﻸﻧﺎ ﺗﻌﻠﻨﻬﺎ وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ. ً ﻣﺮادﻓﺎ ﻟﻌﻤﻞ اﻟﻀﻤري ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﺗﺤﺖ ﻏﻄﺎء وﺗﻌﺪ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﺴني اﻟﺬات املﺰﻋﻮم ،ﺣﺘﻰ وﻫﻮ ﻳﺜﺒﺖ ﻛﻮﻧﻪ ﻋﻨﻴﺪًا ﻏري ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﱰﺿﻴﺔ ﰲ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺗﻪ. وﺗﺘﻜﻮن اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ — ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻓﺮوﻳﺪ — ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻊ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺸﻜﻞ »ﻣﻦ ﺗﺄﺛريات اﻟﺒﻴﺌﺔ واملﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺿﻬﺎ اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻋﲆ اﻷﻧﺎ واﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻤﻜﻦ اﻷﻧﺎ داﺋﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﻬﺎ« )»ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ«( .وﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه ،ﺗﻤﺜﻞ ﺗﻠﻚ املﺘﻄﻠﺒﺎت ﻋﺎدة — أو رﺑﻤﺎ داﺋﻤً ﺎ — اﺳﺘﺒﻄﺎﻧًﺎ ﻟﻮﺟﻬﺎت ﻧﻈﺮ اﻷم أو اﻷب ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺰداد ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻷﺻﻮات اﻷﺧﺮى املﻘﻴﺪة واﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ ﰲ املﺠﺘﻤﻊ ﻛﻜﻞ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺿﺢ ﰲ »اﻷﻧﺎ واﻟﻬﻮ«: ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﱪ اﻟﻄﻔﻞ ،ﻳﺘﻮﱃ املﻌﻠﻤﻮن وآﺧﺮون ﰲ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺪور اﻷب، وﺗﻈﻞ ﻗﻮة أواﻣﺮﻫﻢ وﻧﻮاﻫﻴﻬﻢ راﺳﺨﺔ ﰲ اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ ،وﺗﺴﺘﻤﺮ ﰲ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻋﲆ اﻷﺧﻼق ﰲ ﺻﻮرة اﻟﻀﻤري. وﺗﺼﻄﻒ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻷﻧﺎ اﻟﻘﻮة اﻟﱰاﻛﻤﻴﺔ ﻟﻜﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ واﻻﺳﺘﻬﺠﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﺮض ﻟﻬﺎ اﻟﻄﻔﻞ ﺧﻼل ﺣﻴﺎﺗﻪ؛ وﻫﻲ ﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى ﺣﺎﻟﺔ ﺣﺎدة ﻣﻦ ﻋﺪم اﻟﺘﻜﺎﻓﺆ. وﻳﺴﺘﻤﺮ ﻓﺮوﻳﺪ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻳﻌﺎﻧﻲ املﺮء ﻣﻦ اﻟﴫاع ﺑني ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻀﻤري وﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻷﻧﺎ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﰲ ﺻﻮرة اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ «.ﺑﻤﻌﻨﻰ آﺧﺮ ،ﻓﺈن اﻷﻧﺎ ﺗﺸﻜﻞ ذاﺗﻬﺎ أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻬﺰﻳﻤﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﺜﻘﻞ واﻟﺘﻨﻮع اﻟﺬي ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻪ اﻟﻘﻴﻮد واﻻﺗﻬﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻷﻧﺎ أن ﺗﻜﺎﻓﺤﻬﺎ .وﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﻔﺮ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻳﺮاﻗﺐ اﻷﻧﺎ وﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻳﺠﺪ اﻟﻌﺰاء ﻓﻴﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﳾء ﻟﻪ ﺛﻤﻦ ،وﻫﺬا اﻟﺜﻤﻦ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﰲ اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﺬاﺗﻲ. 68
ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ
وﺗﻜﻤﻦ إﺣﺪى ﻃﺮق إﻋﺎدة اﻻﻧﺪﻣﺎج املﺤﺘﻤﻠﺔ — وﺳﻮف أﺑﺘﻌﺪ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت ﻓﺮوﻳﺪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻛﻲ أﻓﻜﺮ ﻣﻠﻴٍّﺎ ﰲ املﻮاد اﻟﺘﻲ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس — ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ إن ﻗﺪرة اﻟﻀﻤري ﻋﲆ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﺬات أو اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻀﻤري اﻟﻐﺎﺋﺐ »ﻋﻦ اﻟﻨﺮﺟﺴﻴﺔ« .وﻫﻮ أﻣﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﻘﺒﻮل ،ﻓﻬﻮ ﺻﻮت ﻣﺮﻛﺐ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت ووﺟﻬﺎت ﻧﻈﺮ ﺧﺎرج املﻮﺿﻮع ،ﺳﻮاءٌ أﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﺻﻮت املﻨﻊ اﻷﺑﻮي أو أﺻﻮات ﺳﻠﻄﻮﻳﺔ أﺧﺮى ﺳﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ) .وﻳﺆﻛﺪ ﻣﻴﻞ ﰲ ﺳريﺗﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ أن اﻟﻀﻤري ﻛﺎن ﻳﺨﺎﻃﺒﻪ ﺑﺼﻮت واﻟﺪه ،وﻟﻴﺲ ﻣﻴﻞ وﺣﺪه ﻣﻦ ﻣﺮ ﺑﻬﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ (.وملﺎ ﻛﺎن ﺻﻮت اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﱰددًا ﺑني اﻟﺬات واﻵﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻀﻤري ﰲ ﺣﺎﻟﺔ أوﻏﺴﻄني ،ﻓﻬﻮ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻀﻤري ﺑﺼﻴﻐﺔ املﺨﺎﻃﺐ أﺣﻴﺎﻧًﺎ )»ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻚ« …( وﻳﺘﺤﺪث ﺑﺼﻴﻐﺔ املﺘﻜﻠﻢ )»ﻳﺠﺐ ﻋﲇﱠ« …( أﺣﻴﺎﻧًﺎ أﺧﺮى .أﻻ ﺗﻠﻤﺢ أﺛ ًﺮا ﻟﻼﻃﻤﺌﻨﺎن واﻟﺘﺒﺸري ﺑﺎﻟﻨﺠﺎح ﰲ اﺗﺨﺎذ اﻟﻀﻤري ﺻﻴﻐﺔ املﺘﻜﻠﻢ؟ ﻗﺪ ﻳﻌﺘﱪ اﺗﺨﺎذ اﻟﻀﻤري ﺻﻴﻐﺔ املﺘﻜﻠﻢ ﺗﻘﺪﻣً ﺎ ﰲ اﺗﺠﺎه ﻧﻀﺞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻀﻤري اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻣﺴﺘﻌﺪٍّا اﻵن ﻟﺘﻀﻴﻴﻖ اﻟﻔﺠﻮة ﺑني اﻷﻧﺎ واملﺘﻄﻠﺒﺎت املﻔﺮﻃﺔ ﻟﻸﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ أو اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺗﺤﻤﻞ املﺴﺌﻮﻟﻴﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻋﻦ اﺧﺘﻴﺎرات املﺮء وأﻓﻌﺎﻟﻪ. وﻟﻮ ﻧﺤﱠ ﻴﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر ﺟﺎﻧﺒًﺎ ،ﻓﺈن ﻓﺮوﻳﺪ ﻳﱰك اﻷﻧﺎ ﰲ ﻣﺄزق ﺧﻄﺮ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﻏري ﻗﺎدرة ﻋﲆ ﺗﺤﺮﻳﺮ ذاﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻴﻄﺮة اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ »ﺗﺴﺘﺸﻴﻂ ﻏﻀﺒًﺎ ﻣﻦ اﻷﻧﺎ ﺑﻘﺴﻮة ﺷﺪﻳﺪة« )»اﻷﻧﺎ واﻟﻬﻮ«(؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺴﺒﺐ ﰲ ﺷﻌﻮر ﺣﺘﻤﻲ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ .وﻳﻨﻀﻢ ﻓﺮوﻳﺪ إﱃ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ ﰲ إﻇﻬﺎر ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﻀﻤري ﰲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺬات ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ورﻃﺔ ﻻ ﻣﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻮرد ﺑﴩي ﺣﻴﻮي. ﺑﻘﺎء اﻟﻀﻤري أﺛﻨﺎء اﻟﻬﺠﻮم ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ،ﻧﻈ ًﺮا ملﻴﻠﻪ ﻟﻼﻧﺘﻘﺎد واﻟﺸﻜﻮى واﺳﺘﻴﺎﺋﻪ املﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ وﻣﻮﻗﻔﻪ ﻏري اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﱰﺿﻴﺔ ،ﻻ ﻳﺘﻮرط ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري ﰲ أي ﺗﻔﺴري زاﺋﻒ ﻟﻪ ،ﻓﺘﻠﻚ ﻫﻲ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻀﻤري املﻠﺤﻮﻇﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺼﺎص ﻣﻦ ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ، املﺠﺮﻣني اﻟﺮوﻣﺎن .وﻳﺄﺧﺬ ﻧﻘﺎد اﻟﻀﻤري إﺣﺪى ﻧﺰﻋﺎﺗﻪ املﻤﻴﺰة وﻳﻀﻌﻮن ﻟﻬﺎ ﺗﻘﻴﻴﻤً ﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻞ اﻋﺘﺒﺎرﻫﻢ ﻟﻬﺎ ﻗﻮة ملﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﺬات وﻳﺰﻳﺪ اﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب اﻟﺬاﺗﻲ ﻏري اﻟﴬوري .ﻟﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﻘﺎد اﻟﺼﺎرﻣﻮن ﻳﺠﺪون أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ إﻟﻐﺎء اﻟﻀﻤري أو إﻗﺼﺎؤه ،ﻓﻔﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻳﺒﺪو أن ٍّ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﻧﻔﺴﻪ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ وﻳﻤﻨﺢ اﻟﻀﻤري اﺣﱰاﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻣﻀﺾ. 69
اﻟﻀﻤري
وﻗﺪ ﻳﻜﻮن أﻛﺜﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎت إﺛﺎرة ﻟﻠﺪﻫﺸﺔ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﻓﺮوﻳﺪ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻛﻲ ﻳﺸﻮه ﺳﻤﻌﺔ اﻟﻀﻤري )ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﻣﱰادﻓﺎﺗﻪ املﺘﻤﺜﻠﺔ ﰲ اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ واﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ( »ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻌﺪه — ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻋﲆ اﻟﻮﻋﻲ واﺧﺘﺒﺎر اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ — ﻣﻦ ﺿﻤﻦ املﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻟﻸﻧﺎ« )»اﻟﺤﺪاد واﻟﺴﻮداوﻳﺔ«( .ﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺠﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻈﻤﺔ؟ وﻣﺎ وﺟﻪ اﻟﻌﻈﻤﺔ ﻓﻴﻪ؟ ﺑﻼ رﻳﺐ ﻓﺈن ﻓﺮوﻳﺪ ﻳﻘﱰح أﻧﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻮاﺣﻲ ﻗﺪ ﺗﺼﺒﺢ اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻣﻼذًا وﻣﻠﺠﺄ ً ﻣﻦ اﻷﻧﺎ املﻬﺰوﻣﺔ املﺴﺘﻌﺒﺪة ٍّ ﺣﻘﺎ» :ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﺘﻨﻊ املﺮء ﺑﺬاﺗﻪ ،ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ َ اﻟﺮﴇ ﰲ اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻷﻧﺎ« )»ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ«(. ذﻟﻚ أن ﻳﺠﺪ وﻳﻤﻜﻦ ﻟﻸﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ/اﻷﻧﺎ املﺜﺎﻟﻴﺔ/اﻟﻀﻤري ﰲ ﻇﻞ اﻟﻈﺮوف املﻨﺎﺳﺒﺔ أن ﺗﺸﻜﻞ ﻗﻮة ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻢ اﻟﺬاﺗﻲ وﺗﻘﺪﻳﺮ اﻟﺬات املﻄﻠﻮﺑَني ،ﻟﻜﻦ ﺗﻮﻓري »ﻣﻨﺰل آﻣﻦ« ﻣﺆﻗﺖ ﻟﻸﻧﺎ املﺮﻫﻘﺔ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺒﺪي ﺻﻔﺎت اﻟﻌﻈﻤﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ املﻔﺮﻃﺔ ﰲ اﻻﻧﺘﻘﺎد أﺣﺪ اﻷﻋﺪاء ِ اﻟﺮﺋﻴﺴني ﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻷﻧﺎ .وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﺗﻔﺴري أﻛﺜﺮ إﻗﻨﺎﻋً ﺎ ﻟﻌﻈﻤﺔ اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب ﻓﺮوﻳﺪ اﻟﺬي ﻛﺘﺒﻪ ﰲ أواﺧﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﻌﻨﻮان »ﻗﻠﻖ ﰲ اﻟﺤﻀﺎرة« ) ،(١٩٣٠واﻟﺬي ﻳﻨﻀﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﻀﻤري ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ إﺣﺪى اﻵﻟﻴﺎت اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﻘﻴﻴﺪ اﻟﺮﻏﺒﺎت اﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ )أو اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻓﻄﺮي( ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻌﺰز ﻣﺼﻠﺤﺔ املﺠﺘﻤﻊ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ،ﺳﻮاءٌ أﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺘﻌﻤﺪًا أم ﻻ .وﻻ ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ أن ﻛﺒﺖ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻀﻤري ﻟﻢ ﻳﻌﺪ أﻣ ًﺮا ٍّ ﺷﺎﻗﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﺮد ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﻓﺎﺋﺪة ﻋﺎرﺿﺔ — أو ﻟﻌﻠﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮد ﻓﺎﺋﺪة ﻋﺎرﺿﺔ — ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ .وﻳﺬﻫﺐ ﻓﺮوﻳﺪ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻨﺪ اﻹﺷﺎرة إﱃ أن ﺗﻄﻮر اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ ً ﺣﻠﻴﻔﺎ ﻟﻬﺎ واﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻟﺘﺠﺎﻫﻞ اﻧﺘﻘﺎداﺗﻬﺎ — ﻳﻤﻜﻦ أن — ﻣﻊ ﻛﻮن اﻟﻀﻤري ﻳﻜﻮن ﻣﺴﻌً ﻰ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ،وأن املﺠﺘﻤﻊ ﺑﻮﺳﻌﻪ ﺗﻄﻮﻳﺮ أﻧﺎ ﻋﻠﻴﺎ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ واﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أﻫﺪاﻓﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ: ﻗﺪ ﻳﻤﺘﺪ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﺑني ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺤﴬ وﻣﺴﺎر اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻔﺮدي ﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ أن املﺠﺘﻤﻊ ً أﻳﻀﺎ ﻳﻄﻮر اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ واﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺜﻘﺎﰲ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛريﻫﺎ. ً ﻣﻔﺮوﺿﺎ ذاﺗﻴٍّﺎ وﻳﻜﺘﺸﻒ ﻧﻴﺘﺸﻪ — اﻟﺬي ﺗﺒﺪو ﺳﺨﺮﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻌﺮف ﺣﺪودًا أو ﺗﺴﻮﻳﺎت — اﺣﺘﻤﺎﻻت إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﰲ ﺑﻌﺾ املﻮاﻗﻒ املﺪﻫﺸﺔ ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺬﻛﺮ ﰲ ﻣﻘﺎﻟﺘﻪ ﺿﺪ املﺴﻴﺤﻴني اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »املﺴﻴﺢ اﻟﺪﺟﺎل« اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎت املﺴﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﻗﻌﻬﺎ ﻗﺎرﺋﻪ ﻋﻦ »ﺗﺄﻧﻴﺐ اﻟﻀﻤري« 70
ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ
ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺟﺰءًا ﻣﻦ »ﻟﻐﺔ اﻹﺷﺎرة اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﺨﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ« .ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺘﺨﻴﻞ ﺿﻤري ﻃﺎﻫﺮ ﻣﺜﺎﱄ ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻪ ﻧﺰﻋﺔ ﻟﻠﻌﻘﺎب اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺠﺒﺎن ،ﻟﻜﻦ ﻟﻠﺘﻬﺬﻳﺐ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻘﻴﻢ املﺴﺘﻨرية )اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ( .وﻳﺪﺧﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻔﺮﻋﻲ ﰲ ﻣﻘﺎﻟﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن أﻣﻨﻴﺔ ﺗﺒﺪو ﻣﻬﻤﻠﺔ ﺑﺄن ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ »ﺿﻤريًا ﻋﻘﻼﻧﻴٍّﺎ« واﻓﻴًﺎ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ إرﺑﺎك اﻟﻌﻘﻞ ﺑﺘﻔﺴريات أﺧﻼﻗﻴﺔ َﻗﺒْﻠﻴﺔ .ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺗﻄﻮر املﻘﺎل ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﺪم اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ أداة ﺣﻴﻮﻳﺔ ﰲ إﻣﺎﻃﺔ اﻟﻠﺜﺎم ﻋﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻨﻔﺎق اﻟﺪﻳﻨﻲ: إﻧﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ — ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺿﻤريﻧﺎ اﻟﻴﻮم — ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺪع اﻟﺨﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺨﱰﻋﻬﺎ اﻟﻘﺴﺎوﺳﺔ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،وﻣﺎ اﻷﻫﺪاف اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺪﻣﻬﺎ ﰲ اﺧﺘﺰال اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي إﱃ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻧﺘﻬﺎك اﻟﺬات ﻗﺪ ﻳﺜري ﻣﻨﻈﺮﻫﺎ اﻟﻐﺜﻴﺎن. ودﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻦ أوﻟﻮﻳﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﲆ اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻮق إﱃ ﺳﻴﻄﺮة »اﻧﻀﺒﺎط اﻟﺮوح واﻟﻨﻘﺎء واﻟﴫاﻣﺔ ﰲ اﻷﻣﻮر اﻟﺮوﺣﻴﺔ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري وﻫﺪوء اﻟﺮوح اﻟﻨﺒﻴﻞ وﺣﺮﻳﺘﻬﺎ« .وﰲ ذﻟﻚ اﻟﺘﺼﻮر ،ﻳﺼﺒﺢ اﻟﻀﻤري اﻟﺤﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﺣﻜﻤً ﺎ وﻣﻘﺮ ًرا ﺣﺎﺳﻤً ﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ وأداة ﻳﻠﺘﻤﺲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﻮﺿﻮح اﻷﺧﻼﻗﻲ: ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﻌﻨﻴﻪ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﺮوح؟ أن ﻳﻘﺴﻮ املﺮء ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻪ، وأن ﻳﺤﺘﻘﺮ املﺮء »املﺸﺎﻋﺮ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ« ،وأن »ﻳﺤﻮل املﺮء ﻛﻞ ﻧَﻌَ ﻢ وﻻ إﱃ أﻣﺮ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري«. ً ﺣﺎرﺳﺎ ﻟﻼﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ،ﻣﻊ وﻳﺠﺐ أن ﺗﺪﻫﺸﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻜﺮة ﻋﻦ اﻟﻀﻤري املﺤﺮر ﺑﻮﺻﻔﻪ اﻟﻮﺿﻊ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﰲ املﻮاﺿﻊ اﻷﺧﺮى ،ﻟﻜﻦ ﻗﻮة اﻟﻀﻤري ﻃﺎملﺎ اﻋﺘﻤﺪت ﻋﲆ ﻗﺪرﺗﻪ املﺪﻫﺸﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﺮﻛﺔ وﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ إﻋﺎدة اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ وﻋﲆ إﻋﺎدة اﻻﻧﺨﺮاط ﰲ داع ﻟﺪﻫﺸﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻐري ﻣﻮﻗﻒ ﻧﻴﺘﺸﻪ أﺷﻜﺎل وﻗﻀﺎﻳﺎ ﺟﺪﻳﺪة ،وﻫﻜﺬا ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺛﻤﺔ ٍ املﻔﺎﺟﺊ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق. ً وﻳﻨﻄﺒﻖ ﻧﻔﺲ اﻷﻣﺮ أﻳﻀﺎ — ورﺑﻤﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻗﻞ إﺛﺎرة ﻟﻠﺪﻫﺸﺔ — ﻋﲆ دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ً ً داع ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻮد ﻣﻠﻔﻘﺎ اﻟﺬي ﻳﺘﻼﻋﺐ ﺑﻔﻜﺮة أن اﻟﻀﻤري ﻗﺪ ﻳﻜﻮن أﻣ ًﺮا وﻣﻔﺮوﺿﺎ ذاﺗﻴٍّﺎ ﺑﻼ ٍ ﻓﻴﻨﻈﻢ ﺗﺨﻴﻼﺗﻪ ﻣﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺮﻛﻬﺎ اﻟﻀﻤري أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺒري وﺗﺒﺪي ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﺗﺤﺖ دواﻓﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻻ ﺗﺤﻤﻞ ﺣﺘﻰ اﺳﻢ اﻟﻀﻤري .وﻳﺸﱰك ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف وإﻳﻔﺎن ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻤﻮذج ،وﻫﻮ إداﻧﺔ اﻟﻀﻤري 71
اﻟﻀﻤري
واﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﺎﻟﺨﻄﻂ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺠﻨﺐ اﻧﺘﻘﺎداﺗﻪ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻘﺪﻣﺎن أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﻤﺎ ﺷﺨﺼني ﻳﺤﺮﻛﻬﻤﺎ اﻟﻀﻤري .ﻓﺒﻌﺪ أن ارﺗﻜﺐ راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ،ﺷﻌﺮ ﰲ اﻟﺤﺎل ﺑﺮﻏﺒﺔ ﰲ اﻻﻋﱰاف ﻟﻠﺴﻠﻄﺎت وإﺑﺮاز دﻟﻴﻞ ارﺗﻜﺎﺑﻪ ﻟﻠﺠﺮﻳﻤﺔ: ﻛﺎن ﻳﺸﻌﺮ ﻛﺄن ﻣﺴﻤﺎ ًرا ﻗﺪ دق ﰲ ﻗﻤﺔ ﺟﻤﺠﻤﺘﻪ .وراودﺗﻪ ﻓﻜﺮة ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﲆ ﺣني ﻏﺮة :أن ﻳﻨﻬﺾ ﻓﻮ ًرا ﻓﻴﻘﱰب ﻣﻦ ﻧﻴﻜﻮدﻳﻢ ﻓﻮﻣﻴﺘﺶ ]وﻫﻮ ﻣﻮﻇﻒ ﺣﻜﻮﻣﻲ ﺑﺴﻴﻂ[ وﻳﻘﺺ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﺣﺪث ﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ،ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث ،ﺣﺘﻰ أدق اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ،وﻳﻘﻮده ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻪ ،ﻓريﻳﻪ اﻷﺷﻴﺎء ﻫﻨﺎك ،ﻋﻨﺪ اﻟﺮﻛﻦ ،ﰲ اﻟﻔﺘﺤﺔ .وﺑﻠﻐﺖ رﻏﺒﺘﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة أﻧﻪ ﻧﻬﺾ ﻟﻴﻨﻔﺬ ﻣﺎ ﻓﻜﺮ ﻓﻴﻪ. وﻗﺪ ﻳﺒﺪو ذﻟﻚ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻣﺎ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻮ »ﺷﻴﻄﺎن اﻟﻔﺴﺎد« ،وﻫﻮ إﻟﺤﺎح ﻟﻠﻀﻤري ﰲ أﺷﺪ ﺣﺎﻻﺗﻪ ﺗﺪﻣريًا ﻟﻠﺬات ،ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا أن راﺳﻜﻮﻟﻨﻴﻜﻮف ﻳﻘﴤ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺮواﻳﺔ ﰲ اﻻﻋﱰاف ﺑﴚء أو ﺑﺂﺧﺮ ،وﺗﺒﺪو رﻏﺒﺘﻪ اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﰲ »ﻣﻌﺎﻧﻘﺔ اﻷﻟﻢ« — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻮﺿﻮح — ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻳﺤﺮﻛﻬﺎ اﻟﻀﻤري .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﱰددون ﰲ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻣﺄﺳﺎﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺆﻛﺪ دوﻧﻴﺎ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﺸﻌﻮر »ﺑﺘﺄﻧﻴﺐ اﻟﻀﻤري« ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .وﻳﻨﻄﺒﻖ ﻧﻔﺲ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ إﻳﻔﺎن ﻛﺎراﻣﺎزوف ،ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺤﺎوﻻﺗﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﺘﺠﻨﺐ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎت اﻟﻀﻤري ورﻓﻀﻪ املﱰدد ﻟﻪ ،ﻓﺈن اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻳﺮوﻧﻪ أﺣﺪ أﺑﻄﺎل اﻟﻀﻤري ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﻬﻮ ﺑﻄﻞ ﻟﻠﺒﺤﺚ اﻟﻨﻔﴘ اﻟﺸﺨﴢ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ،وﺑﺼريﺗﻪ ﺑﻤﻮاﻓﻘﺘﻪ املﻀﻤﺮة أو رﻏﺒﺘﻪ اﻟﻀﻤﻨﻴﺔ ﰲ وﻓﺎة واﻟﺪه ﺗﻌﺪ ﺳﺒﺒًﺎ ﻣﴩوﻋً ﺎ ﻟﻠﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ،وﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻜ ًﺮا ﻓﺮوﻳﺪﻳٍّﺎ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮر ﻓﺮوﻳﺪ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ﺗﺒني اﺳﺘﻌﺪادًا أﺧﻼﻗﻴٍّﺎ راﻗﻴًﺎ ﻟﺘﺤﻤﻞ ﻋﺐء اﻟﻌﺬاب اﻟﺸﺨﴢ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﻧﻘﺪه اﻟﺮاﻓﺾ ﻟﻠﻀﻤري. ٍ وﻫﻜﺬا ،ﻓﺤﺘﻰ اﻟﻨﻘﺎد املﺘﺰﻣﺘﻮن ﻟﻠﻀﻤري ﻳﻤﻴﻠﻮن ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ وﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺑﻮاب اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ واﻟﺨﻠﻔﻴﺔ إﱃ اﻻﻋﱰاف ﺑﻤﺮﻛﺰﻳﺘﻪ وﻳُﺒﺪون ﻋﺪم اﺳﺘﻌﺪادﻫﻢ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﺘﻨﺤﻴﺔ ﻧﻔﺲ املﺒﺪأ اﻟﺬي ﻳﻬﺎﺟﻤﻮﻧﻪ ﺟﺎﻧﺒًﺎ .وﻻ داﻋﻲ ﻷن ﺗﺪﻫﺸﻨﺎ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﺘﺼﺤﻴﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺪ ذﻟﻚ اﻟﻀﻤري ﻣﺸﻮه اﻟﺴﻤﻌﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﺠﺄة إﱃ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻦ اﻻﺣﱰام .ﻓﻘﺪ ً ﺳﺎﺑﻘﺎ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﺎﻟﻔﻦ اﻟﺬي ﻋﺎب ﺑﻜﻞ وﺳﻴﻠﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻋﲆ أوﺟﻪ ﻗﺼﻮر اﻟﻀﻤري وﻋﺠﺰه ذﻛﺮت ﻏري اﺗﺠﺎﻫﻪ ً ﻋﻦ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﺎملﻬﺎم املﻮﻛﻠﺔ إﻟﻴﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﱠ ﻻﺣﻘﺎ إﱃ رؤﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻳﺘﺤﺮر ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻤري ﻣﻦ ﻣﻬﻤﺔ ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻟﻨﺎﻣﻮس وﻳﺘﻄﻬﺮ ﺑﻮاﺳﻄﺔ رﺣﻤﺔ املﺴﻴﺢ .وﺣﺘﻰ 72
ﺛﻼﺛﺔ ﻧﻘﺎد ﻟﻠﻀﻤري :دوﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ وﻧﻴﺘﺸﻪ وﻓﺮوﻳﺪ
أﺷﺪ ﻧﻘﺎد اﻟﻀﻤري ﻗﺴﻮة ﻻ ﻳﺒﺪو أﻧﻬﻢ ﻳﺴﻌﻮن إﱃ إﺑﻌﺎده ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻟﻜﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ اﻷﺳﺎﳼ ﻳﻨﺼﺐ ﻋﲆ ﺣﺎﻻت ﻣﺘﺨﻴﻠﺔ ﻹﻋﺎدة ﺗﺄﻫﻴﻠﻪ وﻋﻮدﺗﻪ. ﻫﻮاﻣﺶ (1) Tate Gallery © 2006 TopFoto.
73
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
ﻫﻞ اﻟﻀﻤﲑ ﺣﻖ ﻣﺪﲏ؟
ﻳﺒﺪو أن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻳﻤﻀﻮن ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ دون أن ﻳﻤﺘﻠﻜﻮا ﺿﻤريًا ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،ﻗﺎدرﻳﻦ ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ ﻋﲆ ارﺗﻜﺎب ﻣﺎ وﺻﻔﻪ ﻟﻮك ﺑ »اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﺎﺋﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎ َرس ﺑﻼ ﻧﺪم« .وﰲ ﻣﴪﺣﻴﺔ »اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ« ،ﻳﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﺷﻜﺴﺒري ﺷﺨﺼﻴﺔ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮ اﻟﻮﺿﻴﻊ املﻐﺘﺼﺐ وﻫﻮ ﻳﻔﻜﺮ ﰲ ارﺗﻜﺎب ﺟﺮﻳﻤﺔ اﻟﻘﺘﻞ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ ﺿﻤريه أﺟﺎب ً ﻗﺎﺋﻼ: ﻧﻌﻢ ﺳﻴﺪي ،أﻳﻦ ﻳﻜﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري؟ ﻟﻮ ﺗﻮرﻣﺖ ﻗﺪﻣﺎي ،ﻟﺸﻌﺮت ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺷﻌﺮ ﺑﻮﺟﻮد ﻫﺬا اﻟﻜﻴﺎن املﻘﺪس داﺧﻞ ﺻﺪري وﻟﻮ ﻗﺎم ﻋﴩون ﺿﻤريًا ﺑﻴﻨﻲ وﺑني ﺣﻜﻢ ﻣﻴﻼن ﻟﺬاﺑﺖ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺬوب اﻟﺴﻜﺮ ﰲ املﺎء! ﻳﻔﺘﻀﺢ أﻣﺮ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮ وﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﺑﺎﻟﻄﺮد ﻣﻦ اﻹﻣﺎرة اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ً دﻟﻴﻼ ﻋﲆ اﻧﺼﻼح ﺣﺎﻟﻪ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺗﻌﺪ ﻓﻜﺮة أن ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﺿﻤريًا ﻓﻜﺮة ﻧﺒﻴﻠﺔ ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻦ أﻣﻨﻴﺔ )ﺑﺄن ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﺿﻤريًا( ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ﺻﻮرة اﺳﺘﻨﺘﺎج )ﺑﺄن ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻟﺪﻳﻪ ﺿﻤري ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ( .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺘﴫف ﺑﺎﻓﱰاض أن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺎس ﻳﻤﺘﻠﻜﻮن ﺿﻤريًا ،وﻣﺠﺮد اﻟﺸﻚ ﺑﺄن أﺣﺪ املﺠﺮﻣني ﻳﻔﺘﻘﺮ إﱃ اﻟﻀﻤري ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻗﺴﻮة اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺆدي أي دﻟﻴﻞ )ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﻄﺤﻴٍّﺎ( ﻋﲆ وﺟﻮد ﺿﻤري ﺣﻲ إﱃ اﻟﺤﺚ ﻋﲆ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ. ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻔﱰض أن ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺿﻤريًا وﻧﺒﻨﻲ اﻷﻓﻌﺎل واﻟﺨﻴﺎرات ﻋﲆ أﺳﺎس ﻧﺼﺎﺋﺤﻪ ،ﺗﻈﻬﺮ ﻣﺸﻜﻠﺔ أﺧﺮى .ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻀﻤري أﻣ ًﺮا ﺣﺴﻨًﺎ ،وإذا ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﻼﻗﻮن اﻟﺘﺸﺠﻴﻊ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺘﻠﻘﻴﻨﻪ ،ﻓﺈﱃ أي ﻣﺪًى ﻳﺠﺐ أن ﻧﻜﻦ اﻻﺣﱰام ملﺴﺄﻟﺔ ﻣﺎ
اﻟﻀﻤري
ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻨﻴﺖ ﻋﲆ أﺳﺎس اﻟﻀﻤري؟ وﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎص ،إﱃ أي ﻣﺪًى ﻳﺠﺐ أن ﱠ ﻧﻜﻦ اﻻﺣﱰام ملﺴﺄﻟﺔ ﻳﺆﻳﺪﻫﺎ اﻟﻀﻤري وﻳﺘﺼﺎدف أﻧﻨﺎ ﻧﺨﺘﻠﻒ ﻣﻌﻬﺎ؟ ﺳﻮف ﻳﺘﻨﺎزل ﻣﻌﻈﻤﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﰲ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﺆﻳﺪﻫﺎ اﻟﻀﻤري ،وأﺣﺪ اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻟﻜﺎﺷﻔﺔ ﻟﻘﺪرة املﺠﺘﻤﻊ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻳﻘﺪﻣﻪ رﻓﺾ أداء اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ أﺳﺒﺎب ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻀﻤري .ﻓﻘﺪ اﻋﺘﱪ ﻫﺬا اﻟﺮﻓﺾ ،ﺑﻼ رﻳﺐ ،ﺟﺮﻳﻤﺔ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،ﻟﻜﻦ ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن — ﺣﺘﻰ وﺳﻂ آﻻم اﻟﺤﺮوب — اﺑﺘﻜﺮت اﻟﺪول ﺻﻮ ًرا ﻟﻺﻋﻔﺎء أو ً اﻋﱰاﺿﺎ ﻓﻠﺴﻔﻴٍّﺎ أو دﻳﻨﻴٍّﺎ داﺋﻤً ﺎ ﻋﲆ إزﻫﺎق اﻷرواح اﻟﺒﴩﻳﺔ. اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ ملﻦ ﻳﺒﺪون وﻳﻤﻜﻦ ﺗﺘﺒﻊ آﺛﺎر اﻻﻋﱰاض ﻋﲆ اﻟﺤﺮب ﰲ اﻟﻔﻜﺮ املﺴﻴﺤﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ )ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺮاﺟﻊ أﻣﺎم ﻧﻈﺮﻳﺎت »اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎدﻟﺔ« واﻟﺤﻤﻼت اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ اﻟﴩﻋﻴﺔ(، وأﻋﻴﺪ إﺣﻴﺎء اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﻘﺎﺋﻠني ﺑﺘﺠﺪﻳﺪ اﻟﻌﻤﺎد واملﻴﻨﻮﻧﺎﻳﺖ واﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳني ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ .وﻗﺪ ﺧﺪم ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳني اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﰲ ﺟﻴﻮش اﻟﻜﻮﻣﻨﻮﻟﺚ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺼﻠﺔ ﺑني اﻟﺴﻠﻤﻴﺔ وﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻀﻤري ﻗﺪ ﺗﺮﺳﺨﺖ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻈﻢ اﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻨﺸﺌني ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻷﺻﺪﻗﺎء وأﺿﻔﻮا ﺻﻔﺔ رﺳﻤﻴﺔ ﻋﲆ رﻓﺾ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﻢ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ .وﻗﺪ ﺗﺮك ﻟﻨﺎ أﺣﺪ اﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳني املﻌﱰﺿني اﻟﺬي ُ ﺿ ﱠﻢ إﺟﺒﺎرﻳٍّﺎ ﻟﺴﻼح اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ رواﻳﺔ ﻋﻦ رﺑﺎن ﻣﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣﻌﻪ ﺗﻮﱃ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻪ ً ﻗﺎﺋﻼ: ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ أﺣﺪ أﻓﺮاد ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳني ،وﻷﺟﻞ اﻟﻀﻤري ﻓﻬﻮ ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻌﻤﻞ، وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺄﻧﺎ … أﺗﻌﻬﺪ أﻣﺎم ﷲ ﺑﺄﻻ أﴐب أو أﺗﺴﺒﺐ ﰲ ﴐب أيﱟ ﻣﻦ أﻓﺮاد اﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳني أو أي ﻓﺮد آﺧﺮ ﻳﺮﻓﺾ إﻃﺎﻋﺔ املﻠﻚ ﻷﺟﻞ اﻟﻀﻤري. وﺛﻤﺔ ﺗﺄﺛريات ﻟﻠﻜﻮﻳﻜﺮﻳني ً أﻳﻀﺎ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﰲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺜﻞ ﺑﻨﺴﻠﻔﺎﻧﻴﺎ ورود آﻳﻼﻧﺪ ﺣﻴﺚ ﺻﺪر ﻗﺮار ﻗﺼري اﻷﺟﻞ ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻌﱪ ﻋﺎم ١٦٧٣ﺑﺈﻋﻔﺎء اﻟﺮﺟﺎل »املﻘﺘﻨﻌني ﰲ ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮز ﻟﻬﻢ اﻟﻘﺘﺎل ﺑﻬﺪف إزﻫﺎق اﻷرواح« ﻣﻦ أداء اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ. ً ﻃﺒﻘﺎ ﻹﻣﻼءات اﻟﻀﻤري ﺷﺎﺋﻌﺔ ﰲ ﺣﺮب اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ وﻛﺎﻧﺖ املﻌﺎرﺿﺔ اﻧﻘﺴﻤﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ إﱃ ﻣﻌﺴﻜﺮﻳﻦ ﺳﻮف ﻳﺴﺘﻤﺮان ﻋﱪ اﻟﻘﺮون اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻮا ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ وﻣﻦ أﴏوا ﻋﲆ املﻘﺎوﻣﺔ ﻏري املﴩوﻃﺔ )وﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳني( .وﺑﺮزت املﻌﺎرﺿﺔ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻹﻣﻼءات اﻟﻀﻤري ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳني واملﻴﻨﻮﻧﺎﻳﺖ واﻹﺧﻮة واملﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻷﺧﺮى املﺘﻤﺮدة ً أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ .وﻗﺪ اﺗﺒﻌﺖ وﻻﻳﺎت اﻻﺗﺤﺎد 76
ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟
وﻻﺣﻘﺎ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻜﻮﻧﻔﻴﺪراﻟﻴﺔ — ﴍوط اﻻﻧﺴﺤﺎب اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻻﻋﱰاض ً ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ — اﻟﻀﻤري ،وﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻻﺗﺤﺎد وﺿﻌﺖ ﴍوط ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ ﰲ اﻟﺘﻤﺮﻳﺾ واﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﻄﺒﻴﺔ ﰲ املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت. وﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻹﺟﺒﺎر ﻋﲆ اﻟﺨﺪﻣﺔ ﰲ ﺳﻼح اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺗﻄﻮﻋﻴﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻓﻴﻤﺎ ﺑني اﻟﺤﺮوب اﻷﻫﻠﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ،١٩١٦ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺷﺘﺪ اﻟﺠﺪال ﺑﺸﺄن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﺮة أﺧﺮى .وﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻓﻜﻤﺎ أﺷﺎر ﺟﻮن راي ﻇﻬﺮ ﻣﻮﺿﻮع »اﻻﻋﱰاض ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري« ﻷول ﻣﺮة ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻋﺎم ١٩١٤ﰲ ﺳﻴﺎق ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،ﺑﻞ ﰲ وﺻﻒ املﻌﺎرﺿﺔ املﻨﻈﻤﺔ واﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﻟﻠﺘﻠﻘﻴﺢ اﻹﺟﺒﺎري. وﺗﻀﻤﻦ ﻣﴩوع ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﻌﺎم ١٩١٦ﻣﺒﺪأ »اﻻﻋﱰاض ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري« ،ﻟﻜﻦ دون ﺗﻔﺼﻴﻞ دﻗﻴﻖ ﻋﻦ أي ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﻣﻦ املﻌﺘﻘﺪات أو ﻣﺪرﺳﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻟﺸﺨﴢ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ املﻌﱰض .وﻗﺪ ﻣﻨﺤﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﺘﻌﺪدة — ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻻﺷﱰاﻛﻴﻮن وﺟﻤﺎﻋﺔ »ﺑﻠﻮﻣﺰﺑريي« وآﺧﺮون — ﻣﻬﻠﺔ ﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎت اﻟﻀﻤري ﻏري املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺎﺋﺮ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ .وﻳﺘﻀﺢ ﺗﻌﻘﻴﺪ املﻌﺎﻳري اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﰲ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﲆ اﻻﻋﱰاض اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ً »ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري« ﰲ اﻷداء املﺨﺘﻠﻂ ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻢ اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺌﺖ ﻟﻠﻔﺼﻞ ﰲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻣﺤﺪدة، ﻣﺜﻞ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻹﻧﺼﺎف )واﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ »ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﻀﻤري«( ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ،وﻗﺪ واﺟﻬﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻴﺌﺎت ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻟﻔﺼﻞ ﻓﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮارات ﻧﺎﺗﺠﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻦ املﻴﻮل اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ أم ﻻ .وﻳﺴﺘﺸﻬﺪ راي ﺑﻮﺻﻒ اﻟﻜﻮﻳﻜﺮﻳني ملﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤرية واﻻرﺗﺒﺎك أﺛﻨﺎء اﻟﺸﻬﺎدة أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻴﺌﺎت ،وﻫﻲ اﻟﺸﻬﺎدة اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﺼﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻘﺪم اﻟﻄﻠﺐ ﺑﻤﺎ ﻳﲇ: اﻟﺤﻤﺎس واملﺜﺎﻟﻴﺔ وأﺣﻴﺎﻧًﺎ املﺒﺎﻟﻐﺔ ﰲ وﺻﻒ ﻗﻀﻴﺘﻪ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ أﺧﺮى اﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﺒﺪو ﺧﻴﺎﻟﻴٍّﺎ وﻣﺮﺗﺒ ًﻜﺎ أﻣﺎم اﻟﺪواﻓﻊ املﺨﺘﻠﻔﺔ — اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ — ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ اﻹﺧﻼص ﻷﻛﺜﺮ املﻔﺎﻫﻴﻢ ﺳﻤﻮٍّا ،ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺘﻮرط ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ﰲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎت ﻏري ذات ﺟﺪوى ﺣﻮل أﺷﺪ املﻔﺎﻫﻴﻢ وﺿﺎﻋﺔ ،وﻣﺤﺎط داﺋﻤً ﺎ ﺑﺼﻌﻮﺑﺎت ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﻔﺴري ﺻﺤﻴﺢ وﻋﻘﻼﻧﻲ ﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ. وﻳﺘﻀﺢ إﺧﻔﺎق ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم ﰲ اﻷداء املﺘﻘﻠﺐ ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻢ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺣﻴﺚ وﺟﺪ ﺣﻮاﱄ ﺳﺘﺔ آﻻف ﻣﻦ املﻌﱰﺿني ً َ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ إﻣﺎ ﻷﻧﻬﻢ ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري 77
اﻟﻀﻤري
ﺳﺠﻦ املﻌﱰض ﻋﲆ أداء اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻷﺳﺒﺎب ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري
»ﻧﻈﻒ ﻃﺎوﻟﺘﻚ وﻣﻘﻌﺪك وﻧﻈﻒ اﻷرض!«
زﻳﺎرة اﻟﻘﺲ اﻟﺨﺎﻃﻔﺔ
ﻣﻼﺣﻈﺔ: ﻣﻤﻨﻮع ﻋﲆ »املﺴﺘﺤﻤني« ملﺲ اﻟﺼﻨﺒﻮر.
ﻓﻮق املﻘﻌﺪ: ﻧﻈﺮة ﻣﺨﺘﻠﺴﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ »ادﺧﻞ وأﻏﻠﻖ اﻟﺒﺎب«
اﻟﺰﻳﺎرة. اﻻﺗﻔﺎق اﻟﻮدي
»ذا وﻳﻜﲇ«
»أﺗﺴﺎءل إن ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺟﻨﻨﺖ!«
ﺷﻜﻞ :1-4ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺑﺮﻳﺪﻳﺔ ﺗﻌﱪ ﻋﻦ »ﺳﺠﻦ املﻌﱰض ﻋﲆ أداء اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻷﺳﺒﺎب 1 ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري« ﺑﺮﻳﺸﺔ ﺟﻲ ﺑﻲ ﻣﻴﻜﻠﺮاﻳﺖ.١٩١٧ ،
78
ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟
ﻟﻢ ﻳﺤﻈﻮا ﺑﺠﻠﺴﺔ اﺳﺘﻤﺎع أو ﻷن ﺟﻠﺴﺔ اﻻﺳﺘﻤﺎع ﻗﺪ ُرﻓﻀﺖ؛ ﻣﻤﺎ ﻋﺮﺿﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﻜﺮر ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ،واﻹرﺳﺎل ﻟﻠﺴﺠﻮن اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ .ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ً ﻣﺪﻫﺸﺎ ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻤﻌﺖ املﺤﺎﻛﻢ إﱃ ﺣﻮاﱄ ١٦٥٠٠ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻮاﺣﻲ ﻻﻗﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم ﻧﺠﺎﺣً ﺎ دﻋﻮى ،وﺣﺼﻞ ٪٨٠ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻹﻋﻔﺎء املﴩوط اﻟﺬي ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ ،ﺛﻢ أدﺧﻞ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم ﰲ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﻌﺴﻜﺮي اﻟﺼﺎدر ﻋﺎم ١٩٣٩اﻟﺬي ﺳﻤﺢ ﺑﺎﻹﻋﻔﺎء ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ ً )ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺲ( ﻟﻸﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻓﻀﻮن أداء اﻟﺨﺪﻣﺔ أو ﻳﺮﺗﻜﺒﻮن ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻷﺳﺒﺎب ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﻓﻮر ﺗﺠﻨﻴﺪﻫﻢ ﰲ اﻟﺠﻴﺶ .وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺗﺘﺒﻊ ﻧﻔﺲ املﺴﺎر اﻟﻌﺎم ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻟﺘﻲ ﺳﻤﺤﺖ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻷوﱃ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ ملﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺒﺪون ﺗﻮﺟﻬً ﺎ دﻳﻨﻴٍّﺎ وﻋﻘﻴﺪة ﻣﺴﺎملﺔ راﻓﻀﺔ ﻟﻠﻌﻨﻒ )ﻟﻜﻦ دون اﻗﺘﺼﺎر ﻣﺤﺪد ﻋﲆ أﻋﻀﺎء »ﻛﻨﺎﺋﺲ اﻟﺴﻼم« اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ( ،ﺛﻢ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﰲ ﻋﺎم ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري ،ﺛﻢ ﻋﺎدت إﱃ ﺳﻴﺎﺳﺔ ١٩٤٨إﱃ اﻟﺘﺄﺟﻴﻞ اﻟﻔﻮري ﻟﻠﻤﻌﱰﺿني اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻜﻮرﻳﺔ. وﺣﺘﻰ ﻣﻊ اﺗﺴﺎع اﻟﻔﻬﻢ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻀﻤري ﻛﻲ ﻳﺸﻤﻞ اﻟﺪواﻓﻊ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ واﻷﺧﻼﻗﻴﺔ أﻳﻀﺎ دواﻓﻊ اﻻﻋﱰاض ً ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﺪواﻓﻊ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻷدﺑﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺤﻮﻟﺖ ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري ﻛﻲ ﺗﺸﻤﻞ اﻟﻘﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻧﺖ ﺧﺎرج ﺣﺪود اﻟﺪﻳﻦ املﺆﺳﴘ؛ ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ ً ﻣﻘﻴﺎﺳﺎ ﺑﻠﻐﺔ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﰲ املﺜﺎل ﺗﻔﻀﻞ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻋﻠﻴﺎ أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ ﺣﺪة اﻟﺸﻌﻮر ﻣﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﻀﻤري ﻋﱪ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻘﺒﻞ ﻣﺒﺪأ اﻹﻋﻔﺎء »ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺸﻌﺮون ﺑﻮﺧﺰ اﻟﻀﻤري ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻌﺘﻘﺪات أدﺑﻴﺔ أو أﺧﻼﻗﻴﺔ أو دﻳﻨﻴﺔ ،ﻓﻼ ﺗﺴﱰﻳﺢ ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ إذا ﺳﻤﺤﻮا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄن ﻳﺼﺒﺤﻮا ﺟﺰءًا ﻣﻦ آﻟﺔ ﻟﻠﺤﺮب« ) ٣٩٨اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ٣٣ف( .وﻳﺠﺐ وﺿﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻌﺘﻘﺪات — ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ — ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر أﺛﻨﺎء اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮار ،ﻃﺎملﺎ أﻧﻬﺎ »ﺗﻘﻮم ﺑﺪور اﻟﺪﻳﻦ ﰲ ﺣﻴﺎة املﺠﻨﺪ«. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺣﺪود اﻹﻋﻔﺎء ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ )أو ﺑﻌﺾ اﻟﻮاﺟﺒﺎت املﺤﺪدة ﰲ ﺣﺎﻟﺔ املﺠﻨﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ( ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﺤﻞ ﺗﻔﺎوض ﻣﺴﺘﻤﺮ ،وﻫﻨﺎ ﺗﻨﺸﺄ ﺣﺎﻻت ً اﻋﱰاﺿﺎ ﻣﺤﺪدًا أو اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻌﱰﺿﻮن ﻋﲆ اﻟﺤﺮوب ﻛﻠﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻤﻠﻜﻮن ً وﺳﻮاﺳﺎ ﻟﻠﻀﻤري ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺤﺮب ﻣﻌﻴﻨﺔ أو ﻧﻮع ﻣﺤﺪد ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﻜﻠﻤﺎ ً ﺗﻔﺼﻴﻼ زاد اﺣﺘﻤﺎل أن ﻳﺼﺒﺢ اﻷﻣﺮ ﻣﻮﺿﻊ ﺧﻼف .وﻳﺘﻤﺜﻞ ﻧﻤﻮذج أﺻﺒﺢ اﻻﻋﱰاض أﻛﺜﺮ ﻣﻌﺎﴏ »ﻟﻼﻋﱰاض املﺴﺘﻬﺪف« ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺠﻨﻮد اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴني اﻟﺬﻳﻦ ُﻛﻠﻔﻮا ﺑﺎﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺑﻼدﻫﻢ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻷﻋﺪاء املﻌﺘﺎدﻳﻦ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻗﴫ ﺧﺪﻣﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﺣﺪود ١٩٦٧ورﻓﺾ 79
اﻟﻀﻤري
ً أداء املﻬﺎم ﰲ اﻷراﴈ املﺤﺘﻠﺔ. وﻻﺣﻘﺎ ﻇﻬﺮت دﻋﺎوى ﻣﻀﺎدة ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ املﺤﺎﻓﻈني اﻟﺪﻳﻨﻴني اﻟﺬﻳﻦ رﻓﻀﻮا املﺸﺎرﻛﺔ ﰲ إﻏﻼق املﺴﺘﻮﻃﻨﺎت املﺤﻈﻮرة ﰲ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ أو ﺣﺘﻰ أداء اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق وﺿﻌً ﺎ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر املﺨﺎﻃﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺿﻬﺎ ﺗﻠﻚ املﻬﻤﺎت. وﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻮر ﻣﺤﻞ ﺟﺪال ﻣﺤﺘﺪم ﰲ إﴎاﺋﻴﻞ وأﻳﻨﻤﺎ ﻳﻤﺎ َرس اﻟﺘﺠﻨﻴﺪ اﻹﺟﺒﺎري، وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈذا ﺗﻨﺎوﻟﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬي ﻳﺒﻠﻎ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻣﻦ اﻻﻋﱰاض ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري ﻛﻜﻞ ،ﻓﺴﻨﺠﺪ أﻧﻪ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺎﺳﺘﻌﺪاد ﻛﺒري ﻟﺪى اﻷﻓﺮاد ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ املﻌﺘﻘﺪات ﻏري املﺄﻟﻮﻓﺔ وﺻﻌﺒﺔ اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﺪرك اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻧﻬﺎ ذات أﺳﺎس ﰲ اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ. وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻗﻮل ﻧﻔﺲ اﻟﴚء ﻋﻦ املﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﺪاﺋﺮة ﺣﺎﻟﻴٍّﺎ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺣﻮل »ﺑﻨﻮد اﻟﻀﻤري« اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻛﺪ ﺣﻘﻮق ﻣﻘﺪﻣﻲ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ ﰲ ﻣﻨﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺪﻣﺎت وﺧﺎﺻﺔ اﻹﺟﻬﺎض واﻟﺨﺪﻣﺎت املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻣﺆﺧ ًﺮا ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺸﻤﻞ ﻛﻞ اﻷﻣﻮر املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﻨﻊ اﻟﺤﻤﻞ .ﺳﻌﻰ اﻟﺒﻌﺾ إﱃ إﻳﺠﺎد اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻮازﻧﺎت ﺑني اﻻﻗﺘﻨﺎع اﻟﺸﺨﴢ واﻟﴬورة اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﺗﺤﻤﻲ ﺣﻘﻮق ﻣﻘﺪﻣﻲ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﰲ اﻟﺮﻓﺾ ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري ﻣﻊ اﻹﴏار ﻋﲆ أن ﻣﺼﻠﺤﺔ املﺮﴇ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻗﺪرة ﴎﻳﻌﺔ ﻋﲆ اﻟﻮﺻﻮل ﻟﻠﺨﺪﻣﺎت اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ )دون أن ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺑﺠﻮﻻت ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻀﻨﻴﺔ ﰲ املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت اﻷﺧﺮى( وﺣﻤﺎﻳﺔ املﺮﴇ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺮض ﻟﻠﻤﺨﺎﻃﺮ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن ﺛﻤﺔ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻗﻮﻳﺔ ﻣﺘﺒﺎدﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺮﻓني ،وﺧﺎﺻﺔ ﺑني اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴني واﻹﻧﺠﻴﻠﻴني املﻌﺎرﺿني ﻟﻺﺟﻬﺎض ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴني وأﺻﺤﺎب املﻌﺘﻘﺪات اﻷﺧﺮى اﻟﺬﻳﻦ ﻳﴫون ﻋﲆ اﻟﺤﺮﻳﺎت اﻹﻧﺠﺎﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى .وﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻔﺎﻗﻢ ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ إﱃ أزﻣﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﻨﺎول ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻣﺤﺪدة ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻄﻮارئ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﻨﺴﻞ وﺗﻮﻓري ﺣﺒﻮب »ﺻﺒﻴﺤﺔ اﻟﺠﻤﺎع« ﻟﻀﺤﺎﻳﺎ زﻧﺎ املﺤﺎرم واﻻﻏﺘﺼﺎب. وﻗﺪ أﺛري ﻣﻮﺿﻮع ﻣﻘﺪﻣﻲ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻓﻀﻮن ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺨﺪﻣﺎت املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻹﺟﻬﺎض ﻣﺆﺧ ًﺮا ﰲ وﻻﻳﺔ ﻣﺎﺳﺎﺗﺸﻮﺳﺘﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ »ﻣﺘﻮازﻧًﺎ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ« ﻳﻀﻤﻦ ﺗﻠﺒﻴﺔ »اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ« ملﻮﻇﻔﻲ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ ﺑﺼﻮرة ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻳﴫ ﻋﲆ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺨﺪﻣﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻌﺮض ﺻﺤﺔ املﺮﻳﺾ أو ﺳﻼﻣﺘﻪ ﻟﻠﺨﻄﺮ ﻋﻨﺪ رﻓﺾ اﻟﻌﻼج .وأﺻﺒﺢ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ »ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ ﺳﺎﺧﻨًﺎ« ،ﺣﻴﺚ أﺧﺬ املﺮﺷﺤﻮن اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻮن ﻳﻘﺪﻣﻮن ﺗﻔﺴريات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن ،واﻛﺘﺴﺢ ﻫﺬا اﻟﺠﺪال ﻣﺠﺎل ﻓﻀﺎء املﺪوﻧﺎت ﻣﺠﺘﺬﺑًﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺒني .وﻣﻦ ﻧﻤﺎذج ﻣﻮاﻗﻒ ﻣﺆﻳﺪي اﻹﺟﻬﺎض ﻣﺎ ﻳﲇ» :إذا ﻟﻢ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ أداء ﻛﻞ ﻣﻬﺎم وﻇﻴﻔﺘﻚ ﺑﻀﻤري ﻣﺴﱰﻳﺢ ،ﻓﻼ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺘﻠﻚ املﻬﻨﺔ «.ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ» :ﻟﻘﺪ ﺳﺌﻤﺖ 80
ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟
ً ﺣﻘﻮﻗﺎ ﻻ ﻳﺸﱰك ﻣﻦ ﻗﻴﺎم ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺑﻼدي ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﺤﺪدة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺗﻤﺘﻠﻚ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺼﻮرة ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ «.أﻣﺎ املﻮﻗﻒ املﻀﺎد ﻓﻴﺘﻤﺜﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﲇ» :ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻚ رﻓﺾ اﻟﻘﻮاﻧني واﻷواﻣﺮ ﻏري اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ «.وﻗﺪ أذﻳﻌﺖ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﴫﻳﺤﺎت املﺘﻄﺮﻓﺔ، ﻟﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﰲ وﺳﻂ اﻟﻔﻀﺎء اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲ ﻣﺠﻬﻮل املﺼﺪر املﺸﺘﻌﻞ ﺳﻌﻰ ﻋﺪد ﻻﻓﺖ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻣﻦ املﺸﱰﻛني إﱃ إﻳﺠﺎد ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻮازن واﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﺣﻞ وﺳﻂ ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺴﺎﻋني إﱃ اﻟﺘﻮﺻﻞ ﻟﺤﻞ وﺳﻂ» :ﻳﻜﻔﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد أﺣﺪﻫﻢ ﰲ املﺴﺘﺸﻔﻰ ﻋﲆ اﺳﺘﻌﺪاد ﻹﺟﺮاء اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ «.وﻗﺎل آﺧﺮ» :رﺟﺎءً اﻟﺤﻮار «.وﻗﺎل ﺛﺎﻟﺚ ﻳﺒﺪو ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن دﻳﻔﻴﺪ ﻫﻴﻮم» :ﻧﺤﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﺣﻞ ﻧﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ وﻻ ﻳﺴﺒﺐ ﺳﻮى أﺧﻒ اﻷﴐار«. وﻗﺪ ﺗﻨﺎول ﻣﻘﺎل ﰲ ﺟﺮﻳﺪة »أوﺑﺰرﻓﺮ« اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٥ﺳﺒﺘﻤﱪ ٢٠١٠ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺂراء ﻣﻌﺎﻟﺞ ﺟﻨﴘ رﻓﺾ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺧﺪﻣﺎت ﻟﻠﻤﺜﻠﻴني ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ أﺳﺒﺎب ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري ،وﺗﻨﺎول واﺣﺪ ﻣﻤﻦ أﺟﺮي ﻣﻌﻬﻢ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴني ﺑﺎﻟﺘﻤﻠﺺ ﻣﻦ واﺟﺒﺎﺗﻬﻢ املﻬﻨﻴﺔ ﻣﺪﻓﻮﻋﺔ اﻷﺟﺮ ﻷﺳﺒﺎب ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺬﻫﺐ ﻟﻠﺘﺴﻮق ﰲ املﺘﺠﺮ ﻗﺪ ﺗﺠﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠني ﻣﻦ اﻟﻔﺌﺎت اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :ﻣﺴﻠﻢ ﻻ ﻳﺒﻴﻊ اﻟﻜﺤﻮﻟﻴﺎت ،وﻫﻨﺪوﳼ ﻻ ﻳﺒﻴﻊ اﻟﻠﺤﻢ اﻟﺒﻘﺮي ،وﻳﻬﻮدي ﻻ ﻳﺒﻴﻊ ﻟﺤﻢ اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ ،وﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﻻ ﻳﺒﻴﻊ وﺳﺎﺋﻞ ﻣﻨﻊ اﻟﺤﻤﻞ ،وﻣﺴﻴﺤﻲ ﻻ ﻳﺒﻴﻊ أي ﳾء أﻳﺎم اﻵﺣﺎد ،وأﺣﺪ أﻓﺮاد ﻛﻨﻴﺴﺔ اﺳﻜﺘﻠﻨﺪا اﻟﺤﺮة ﻻ ﻳﺒﻴﻊ أﺳﻄﻮاﻧﺎت املﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﻣﺤﺮﻣﺎت ،وﻧﺒﺎﺗﻲ ﻻ ﻳﺒﻴﻊ أﻳﺔ ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺣﻴﻮاﻧﻴﺔ ،وﻣﻌﺎﻟﺞ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎن ﻻ ﻳﺒﻴﻊ أﻳﺔ أدوﻳﺔ. وﺗﺴﺎءل أﺣﺪ املﺸﱰﻛني اﻵﺧﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﻣﺤﺒﻄﺔ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺎﻹﻋﻔﺎءات ﻋﲆ أﺳﺎس »اﻟﻀﻤري« ،ﻓﺈﱃ أﻳﻦ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﻮدﻧﺎ ذﻟﻚ؟« ﻟﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻌﺒريات اﻟﺘﻲ ﺗﺪل ﻋﲆ اﻟﺴﺨﻂ ،ﻓﺈن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺎس — وﺣﺘﻰ ﻛﺘﱠﺎب ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت أﻧﻔﺴﻬﻢ — ﻗﺪ أﺑﺪوا ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺑﻌﺾ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻘﺒﻮل ﺑﻌﺾ املﺘﺎﻋﺐ اﺣﱰاﻣً ﺎ ﻟﻮﺳﺎوس اﻟﻀﻤري ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻘﺪﻣﻲ اﻟﺨﺪﻣﺎت ،ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻳﺆﻳﺪون اﻵراء املﻄﺮوﺣﺔ. وﻳﺆﻛﺪ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻋﻦ اﻟﺤﻠﻮل اﻟﻮﺳﻂ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﺑﻌﺾ اﻻﺣﱰام واﺟﺐ ﻷﺻﺤﺎب اﻟﻮﺳﺎوس اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ أو اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻃﺎملﺎ ﻫﺬا اﻻﺣﱰام ﻻ ﻳﴬ ﺑﺤﻘﻮق املﺮﴇ ﰲ اﻟﻌﻼج اﻵﻣﻦ واﻟﻔﻮري ،أو ﺣﻘﻮق اﻟﻌﻤﻼء ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺧﺪﻣﺎت ﺑﺪﻳﻠﺔ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ املﻨﺎﺳﺐ؛ أي إن 81
اﻟﻀﻤري
أﻋﺪادًا ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻺذﻋﺎن ملﻮاﻗﻒ ﻻ ﻳﺘﻔﻘﻮن ﻣﻌﻬﺎ — أو ﺣﺘﻰ ﻗﺪ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮن ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺸﺪة — ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺪﺧﻞ »ﺣﻘﻮق« اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي ﰲ اﻷﻣﺮ ،وذﻟﻚ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ إﱃ درﺟﺔ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ وﻣﺤﺪدة .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪرﺟﺔ ﻣﻦ اﻹذﻋﺎن ﻳﺘﺠﲆ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﺤﺎﱄ ﻟﻠﻀﻤري، ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺘﺠﲆ ﺑﺼﻮرة أوﺿﺢ ﻷﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﰲ اﻻﻋﱰاض ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري ﻋﲆ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،ﺗﻤﺘﺪ ﺣﻘﻮق اﻟﺮﻓﺾ املﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ﻷﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻧﻄﺎق اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺪاﺧﲇ ﻓﺤﺴﺐ ﻛﻲ ﺗﺸﻤﻞ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻔﻌﲇ. واﻟﺴﺆال اﻵﺧﺮ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻪ ﻫﻮ ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮارات اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺤﺪود اﻻﻋﺘﻘﺎد املﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري — وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮك — ﻳﺠﺐ أن ﺗﺘﺨﺬ ﻋﲆ أﺳﺎس ﻣﺮﺗﺠﻞ أم ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻟﻜﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﰲ ﻣﻨﱪ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم ،أو ﺳﻮاء ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﺛﻤﺔ أﺳﺎس ﻟﻠﺘﻔﻜري ﰲ أن ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻜﺎل ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖ أن ﺗﻤﺘﺪ ﻛﻲ ﺗﺼﺒﺢ ٍّ ﺣﻘﺎ ً ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻖ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن املﺪﻧﻲ أو اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ )ﻛﻤﺎ ﰲ اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ( أو ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺪوﱄ )ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﻣﻢ املﺘﺤﺪة(. اﻟﻀﻤري وﻣﺸﻜﻠﺔ »اﻟﺤﻘﻮق« ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻠﺨﻴﺺ املﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺠﺖ ﻋﻦ ﻣﺤﺎوﻻت ﺗﺮﻗﻴﺔ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻀﻤري إﱃ ﺣﻖ واﺟﺐ اﻟﻨﻔﺎذ ﰲ اﻹﻋﻼن اﻟﻌﺎملﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ اﻷﻣﻢ املﺘﺤﺪة )واﻟﺬي أُﻗﺮ ﻋﺎم ً ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ﺑﺎﻟﻀﻤري ،ﺣﻴﺚ أوﺿﺢ أن »ﺗﺠﺎﻫﻞ .(١٩٤٨وﻳﺘﻀﻤﻦ ﻫﺬا اﻹﻋﻼن ﺑﻨﺪًا ﻗﻮﻳٍّﺎ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن واﺣﺘﻘﺎرﻫﺎ ﻗﺪ أدى إﱃ ارﺗﻜﺎب أﻓﻌﺎل ﻫﻤﺠﻴﺔ وﺣﺸﻴﺔ ازدرت اﻟﻀﻤري اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ« ،وأﻛﺪ ً أﻳﻀﺎ أن »ﻟﻜﻞ ﺷﺨﺺ اﻟﺤﻖ ﰲ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻀﻤري واﻟﺪﻳﻦ« .وﻫﻲ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ وﺛﻴﻘﺔ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء ،وﻋﻨﺪ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﰲ ﻣﻨﻈﻤﺎت ﻣﺜﻞ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﻔﻮ اﻟﺪوﻟﻴﺔ وﻫﻴﻮﻣﻦ راﻳﺘﺲ ووﺗﺶ )ﻣﻨﻈﻤﺔ رﺻﺪ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن( ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﻗﻮة ﻛﱪى ﻟﻠﺘﺤﺴﻦ ﰲ ﻇﺮوف ﺿﺤﺎﻳﺎ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺴﻴﺎﳼ واﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﱰك ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴري واﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻋﺎﻟﻘﺔ. وﺗﺘﻌﻠﻖ إﺣﺪى ﺗﻠﻚ املﺸﻜﻼت ﺑﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﺒﺪأ اﻟﻀﻤري ذي اﻷﺻﻮل اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻣﻦ اﻟﻈﺮوف اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ .وﺗﺘﻀﺢ ﻣﺪى ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻫﺬه املﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،واﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺘﻔﺴريﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﱰﺟﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ إﱃ ٣٧٥ﻟﻐﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن ﻛﻞ ﻟﻐﺔ ﺑﴩﻳﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﻘﻴﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻲ واﻟﺴﻠﻮك اﻟﻘﻮﻳﻢ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت ﻏري اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﺮادﻓﺎت دﻗﻴﻘﺔ ﻟﻜﻠﻤﺔ 82
ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟
»اﻟﻀﻤري« ﻛﻤﺎ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﰲ اﻟﻐﺮب املﻌﺎﴏ .وﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺒﺎرزة اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻠﺘﻬﺎ ﱄ اﻷﺳﺘﺎذة ﻟﻴﺪﻳﺎ ﻟﻴﻮ أﺳﺘﺎذ اﻟﻠﻐﺎت واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﴩق آﺳﻴﻮﻳﺔ ﻣﺜﺎل ﻳﺨﺺ وﺿﻊ ﻣﺴﻮدة اﻹﻋﻼن ﻧﻔﺴﻪ: ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺟﺘﻤﻌﺖ اﻟﺴﻴﺪة روزﻓﻠﺖ واﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺘﻬﺎ ﻟﻮﺿﻊ ﻣﺴﻮدة اﻹﻋﻼن اﻟﻌﺎملﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻸﻣﻢ املﺘﺤﺪة ﰲ أرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﺟﺮت اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﻨﺎﻗﺸﺎت ﺣﻮل »اﻟﻀﻤري« .وﻗﺪ ﺗﻤﻜﻦ أﺣﺪ أﻋﻀﺎء اﻟﻠﺠﻨﺔ املﻬﻤني د .ﺑﻲ ﳼ ﺗﺸﺎﻧﺞ ،وﻫﻮ ﻛﺎﺗﺐ ﻣﴪﺣﻲ ودﺑﻠﻮﻣﺎﳼ ﺻﻴﻨﻲ ،ﻣﻦ إﻗﻨﺎع اﻟﻠﺠﻨﺔ ﺑﺘﺒﻨﱢﻲ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﻜﻮﻧﻔﻮﺷﻴﻮﺳﻴﺔ ﻟﻴﺎﻧﺠﺰﻳﻦ )اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ( اﻟﺘﻲ ﻃﺮﺣﻬﺎ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف ﻣﻨﺴﻴﻮس ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻓﺈن املﺼﻄﻠﺢ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي conscience »اﻟﻀﻤري« ﻛﺎن ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﺗﺮﺟﻤﺔ ملﻔﻬﻮم ﻟﻴﺎﻧﺠﺰﻳﻦ اﻟﺼﻴﻨﻲ ﰲ املﺎدة اﻷوﱃ ﻣﻦ اﻹﻋﻼن وﻟﻴﺲ اﻟﻌﻜﺲ! وﺗﻀﻴﻒ اﻷﺳﺘﺎذة ﻟﻴﻮ أن إﴏار ﺗﺸﺎﻧﺞ ﻋﲆ اﻟﺘﻮﺻﻞ ﻟﻔﻬﻢ ﻣﻮﺣﺪ ﻟﻠﻴﺎﻧﺠﺰﻳﻦ واﻟﻀﻤري ﻛﺎن ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺼﻴﺎﻏﺔ ﻣﺎ أﻃﻠﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ »ﻋﻼﻣﺔ رﺋﻴﺴﺔ« رﻣﺰﻳﺔ وﻣﺘﺤﺮرة ﻣﻦ ﻣﺪﻟﻮﻻﺗﻬﺎ املﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن أﺣﺪ اﻷﻋﻀﺎء اﻟﻐﺮﺑﻴني ﺑﺎﻟﻠﺠﻨﺔ ﻗﺪ ﺟﺎدل ً ً ﻋﻨﻴﻔﺎ ﺿﺪ اﻗﱰاح ﺗﺸﺎﻧﺞ ﺳﻌﻴًﺎ إﱃ اﻟﺘﻮﺻﻞ ﻟﻔﻬﻢ ﻟﻠﻀﻤري أﻗﺮب ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻷوروﺑﻲ ﺟﺪﻻ واملﺴﻴﺤﻲ .وﺗﺸري ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻗﺸﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪًا اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ أﺛﻨﺎء وﺿﻊ اﻹﻋﻼن إﱃ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻹﻋﻼن ،واﻟﺘﻲ أوﺟﺪﻫﺎ اﺳﺘﺨﺪام ٣٧٥ﻟﻐﺔ ﰲ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻔﺮع ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻔﺴريات ﻣﺤﻠﻴﺔ وﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻼﻟﺘﺰاﻣﺎت اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﰲ ﻃﺮق ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﻤﻮذج اﻷوروﺑﻲ. وإذا وﺿﻌﻨﺎ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺗﻨﻮع ﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ واﻟﻠﻐﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻣﻄﻤﺢ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﺗﻌﺮﻳﻒ وﻣﻘﻴﺎس ﻣﻌﱰف ﺑﻪ ﻋﺎملﻴﱠﺎ ﻟﻠﻀﻤري ﻟﻦ ﻳﺘﺤﻘﻖ أﺑﺪًا ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻣﺰاﻋﻢ ﻟﻌﺎملﻴﺘﻪ ﻋﲆ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ اﻟﻮﻫﻤﻲ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ املﻄﻠﻘﺔ املﺘﻤﺎﺛﻠﺔ ﰲ ﻛﻞ اﻟﻌﺼﻮر واملﺠﺘﻤﻌﺎت .واﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻻﻓﱰاﺿﺎت املﻄﻠﻘﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺻﻴﻐﺖ واﻧﺘﴩت ً أوﻻ ﰲ اﻟﻐﺮب ،أﺛﺎر أﺷﺨﺎص ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻻﻋﱰاﺿﺎت، ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻟﻐﻮي ﻛﻤﺎ ﰲ اﻟﻔﺠﻮة اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺑني اﻟﻀﻤري واﻟﻠﻴﺎﻧﺠﺰﻳﻦ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻐﻮﻳﺔ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ ﺗﺤﺪد اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ وﺗﺘﺤﺪد ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ،واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻳﻌﻮد إﱃ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﺤﻴﻖ ﻟﻠﻀﻤري ﻣﺴﺘﻨﻜ ًﺮا ارﺗﺒﺎﻃﻪ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ املﺴﻴﺤﻴﺔ .أﻣﺎ اﻻﻋﱰاﺿﺎت اﻷﺧﺮى املﻨﺘﺒﻬﺔ إﱃ املرياث اﻷﻗﺮب اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﰲ ﻋﴫ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻓﻬﻲ ﺗﻨﺘﻘﺪ اﻟﻨﺰﻋﺔ إﱃ 83
اﻟﻀﻤري
ﺷﻜﻞ :2-4د .ﺑﻲ ﳼ ﺗﺸﺎﻧﺞ ﻣﻦ اﻟﺼني ،ﻧﺎﺋﺐ رﺋﻴﺲ اﻟﻠﺠﻨﺔ ،ﻳﺤﻴﻲ اﻟﺴﻴﺪة إﻟﻴﻨﻮر روزﻓﻠﺖ ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،رﺋﻴﺴﺔ ﻟﺠﻨﺔ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ،وذﻟﻚ ﰲ اﻟﺠﻠﺴﺔ اﻷوﱃ ﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ 2 ﺑﺎﻹﻋﻼن اﻟﻌﺎملﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ،ﻟﻴﻚ ﺳﺎﻛﺴﺲ ،ﻧﻴﻮﻳﻮرك ٩ ،ﻳﻮﻧﻴﻮ .١٩٤٧
اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺬﻛﺮ »اﻟﺤﻘﻮق« ﺑﺼﻮرة ﻋﺎﻣﺔ وﻣﻄﺎﻟﺒﺎت اﻟﻀﻤري ﺑﺼﻮرة ﺧﺎﺻﺔ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ أن ﻳﺆدي ْ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮد املﺴﺘﻘﻞ .وﻳﻨﺸﺄ ذﻟﻚ اﻟﻘﻠﻖ ً ﻓﻘﺪ اﻟﺘﻮازن ﺑني اﻟﺤﻘﻮق واﻟﺤﺮﻳﺎت اﻟﻔﺮدﻳﺔ إﱃ اﻻﺳﺘﺨﻔﺎف ﺑﺤﻘﻮق املﺠﺘﻤﻊ ﻛﻜﻞ — وﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﻣﻤﺎرﺳﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ أو دﻳﻨﻴﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ — ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺼﺒﺢ أﻛﺜﺮ ﺣﺪة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﻌﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ إﱃ ﺗﺼﺪﻳﺮ أﻓﻜﺎرﻫﺎ ﺣﻮل اﻟﺤﺮﻳﺎت اﻟﻔﺮدﻳﺔ وﺣﻘﻮق اﻟﻀﻤري إﱃ اﻟﺒﻠﺪان اﻷﺧﺮى .وﻛﻤﺎ ﻻﺣﻆ آر ﺑﺎﻧﻴﻜﺎر ﻓﺈن ﺗﴩﻳﻌﺎت ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ أﻓﺮاد املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻏري اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺗﺜﺎر »ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﱪﻳﺮ اﻧﺘﻬﺎك ﺣﺮﻳﺔ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ«. ﻟﻮ اﻓﱰﺿﻨﺎ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﱰف ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺨﺠﻠﺔ :وﻫﻲ أن أي ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻟﺤﻘﻮق اﻟﻀﻤري ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ ﻋﲆ ﻣﺒﺎدئ ﻧﺴﺒﻴﺔ ﺗﺤﺪدﻫﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ وﻟﻴﺲ ﻋﲆ ﻣﺒﺎدئ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻋﺎملﻴﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺪت ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ .ﻻ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﺗﻠﻚ املﺸﻜﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻀﻴﻖ ﻣﺠﺎل اﻟﻨﺸﺎط املﺴﺘﻨﺪ إﱃ اﻟﻀﻤري ﻣﻦ اﻟﺪول واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت املﺘﻨﺎﻓﺴﺔ إﱃ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎرات اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﰲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺤﺪد ﻣﺘﺠﺎﻧﺲ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ،وأود اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ »اﻟﺘﺠﺎﻧﺲ اﻟﻨﺴﺒﻲ«؛ وذﻟﻚ ﻷن ﻛﻞ دوﻟﺔ أو ﻛﻴﺎن ﺳﻴﺎﳼ أو ﺣﺘﻰ 84
ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟
ﺣﻲ ﺳﻜﻨﻲ ﻳﻀﻢ أﻓﻜﺎ ًرا ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ وﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺔ ﺗﺸﺘﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮك املﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري .وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪول واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ﺗﻤﺘﻠﻚ وﺟﻬﺎت ﻧﻈﺮ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﰲ اﻻﺧﺘﻴﺎر ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري ،ﻓﻨﻔﺲ اﻷﻣﺮ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ اﻟﻼأدري اﻟﻐﺮﺑﻲ واملﺴﻠﻢ ﱡ اﻟﺴﻨﻲ ،أو ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻳﻜﺮي املﺆﻳﺪ ﻟﻠﺴﻼم وأﺣﺪ ﺣﺎﻣﲇ اﻟﺴﻼح ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﻠﺒﻨﺎدق املﻨﺎﴏة ﻟﺤﻘﻮق ﺣﺎﻣﲇ اﻟﺴﻼح ،ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﺎﻳﺸﻮن ﺟﻨﺒًﺎ إﱃ ﺟﻨﺐ. وإذا ﻧﺤﻴﻨﺎ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻻﺧﺘﻼف اﻟﺜﻘﺎﰲ ،ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻻﻋﱰاف ﺑﻮﺟﻮد ﻋﻘﺒﺔ أﺧﺮى أﻣﺎم اﻟﻘﺒﻮل ﺑﺰﻋﻢ ﻋﺎملﻴﺔ اﻟﻀﻤري؛ ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﺣﺴﻦ اﻟﻨﻴﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺨﻄﺊ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻓﻜﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ :ﻓﻬﺒﺔ ﷲ املﺘﻤﺜﻠﺔ ﰲ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﻌﻘﲇ ﻻ ﺗﺨﻄﺊ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻀﻤري اﻟﺬي ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﺨﺬ ﻗﺮارات ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺻﻌﺒﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺨﻄﺊ ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ، ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺴﺎﻋﺪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻋﲆ اﻟﻬﺮﻃﻘﺔ ﺑﻄﺮﻳﻖ اﻟﺨﻄﺄ .وﰲ ﻗﺼﻴﺪة »اﻟﻔﻼح ﺑريس« اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد ﻟﻠﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﻳﺮﺗﻜﺐ اﻟﻀﻤري اﻟﺨﻄﺄ اﻟﻜﺎرﺛﻲ املﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻠﺮﻫﺒﺎن ﺑﺪﺧﻮل ﻗﻠﻌﺔ اﻟﻮﺣﺪة ،وﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻪ اﻷﻣﺮ ﻣﻀﻄ ٍّﺮا إﱃ ﺧﻮض اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﺎﺣﺜًﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﺣﺪه .وﻳﺘﻌﺜﺮ اﻟﻀﻤري املﻌﺎﴏ املﺜﻘﻞ ﺑﺎﻟﻌﺎﻃﻔﺔ وا ُمل َ ﻔﺴﺪ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴريات اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﱪﺟﻮازﻳﺔ ﰲ املﻨﻄﻖ املﺨﻄﺊ واﻟﺘﺴﻮﻳﺎت اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ .وﻗﺪ رأﻳﻨﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ وﺻﻒ ﻣﺎرك ﺗﻮﻳﻦ املﻤﻴﺰ ﻟﻬﺎﻛﻠﺒريي ﻓني وﻫﻮ ﻳﻮﺑﺦ ﻧﻔﺴﻪ ﺷﺎﻋ ًﺮا ﺑﺘﺄﻧﻴﺐ اﻟﻀﻤري — وإن ﻛﺎن ﺷﻌﻮ ًرا ﺧﺎﻃﺌًﺎ — ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻘﻴﺎﻣﻪ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻌﺒﺪ اﻟﻬﺎرب ﺟﻴﻢ .وﻫﻨﺎك ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ً أﻳﻀﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻤري ﺑﺘﺴﻮﻳﺔ ﻣﺬﻟﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻳﺤﺮض ﻋﲆ ارﺗﻜﺎب ﺟﺮﻳﻤﺔ وﻳﺨﻄﺊ اﻟﻬﺪف ﺗﻤﺎﻣً ﺎ. وﻗﺪ ﻳﺠﻴﺐ املﺮء ً ﻗﺎﺋﻼ إن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻻت ﻟﻠﻀﻤري اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻻ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﻀﻤري ﻋﲆ اﻹﻃﻼق، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺠﺮد ﺻﻮرة ﻣﺰﻳﻔﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﻪ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ أن أﺣﻜﺎم اﻟﻀﻤري ﻟﻴﺴﺖ ﺻﺤﻴﺤﺔ أو ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﻤﻦ أﺷﻬﺮ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺼﺎرﺧﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ ذﻛﺮﻫﺎ واﻟﺘﻲ ﺧﺮج ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻤري ﻋﻦ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻛﻤﺎ أوﺿﺤﺖ ﻫﺎﻧﺎ آرﻧﺪت أن اﻟﻨﺎزﻳني ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ أﻳﺔ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻣﻊ اﻟﻀﻤري ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،ﺑﻞ إﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﱪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ذوي ﺿﻤري »ﺳﻠﻴﻢ« أو ﺣﻲ ،وﻫﻮ اﻟﻀﻤري اﻟﺬي — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻟﺒﻌﺾ — واﻓﻖ ﻋﲆ أﻓﻈﻊ اﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺗﻬﻢ. وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺨﺘﻠﻂ أﺣﻜﺎم اﻟﻀﻤري ﻣﻊ اﻟﺨﻴﺎرات واﻷﻓﻌﺎل اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﱃ اﻟﻀﻤري ،وﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﻔﺎدح أن ﻧﴫ ﻋﲆ أن ﻛﻞ ﺧﻼف ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻠﻪ ﺑ »ورﻗﺔ اﻟﻀﻤري«. ً اﻧﺘﻘﺎﺻﺎ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ،أو اﻟﺤﺎﻓﺰ اﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﻟﻠﺠﺪﻳﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺬي ﺗﻘﺪﻣﻪ وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﻀﻤري .ﻟﻜﻦ ﻳﻔﻀﻞ أن ﻳﻌﺘﱪ اﻹﴏار ﻋﲆ »ﺣﻖ« اﻟﺘﴫف ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻀﻤري ﻧﻘﻄﺔ ﺑﺪاﻳﺔ ﻟﻠﺘﻔﺎوض وﻟﻴﺲ ﻣﺤﻄﺘﻪ اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ. 85
اﻟﻀﻤري
ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﻀﻤري ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ﻣﺠﺎل املﻄﻠﺐ وﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ،ﻳﺤﺘﻤﻞ أن ﺗﺤﻘﻖ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪات ﻋﲆ ﺣﻘﻮق اﻟﻀﻤري أﻫﺪاﻓﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ .وﻳﻌﺘﱪ اﻻﻋﱰاف املﺘﻌﻘﻞ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ اﻟﺬاﺗﻲ أﺣﺪ اﻟﻄﺮق اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻦ اﻻﻟﺘﺰام اﻷﻣﺜﻞ ﺑﻤﻄﺎﻟﺐ اﻟﻀﻤري ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪ اﻹﻋﻼن أن »ﻟﻜﻞ ﺷﺨﺺ اﻟﺤﻖ ﰲ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻀﻤري واﻟﺪﻳﻦ« ،ﻓﻬﻮ ﻳﺸري إﱃ أﻣﻮر ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺪاﺧﲇ وﻟﻴﺲ إﱃ اﻹﺟﺮاءات املﺘﺨﺬة ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﻌﱰض ﻋﲆ ﺣﻖ اﻟﻔﺮد ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ أﻛﺪ ﺟﻮن ﻟﻮك أن »ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن« ،ﻛﺎن ﻳﺸري إﱃ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮ واﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺪاﺧﲇ )وﻟﻴﺲ اﻟﻔﻌﻞ( ،وﻳﺒﺪو أن ﻫﺬا اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ دﺣﻀﻪ اﻟﻴﻮم. ﻟﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ املﻌﺮﻛﺔ اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﰲ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﺤﺴﻢ .وﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ، ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن دﻓﺎع ﻟﻮك ﻋﻦ اﻟﻀﻤري ﻛﺎن ﻣﻘﺘﴫًا ﻋﲆ املﻌﺘﻘﺪات وﻟﻴﺲ اﻷﻓﻌﺎل ،ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﺳﻤﺢ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻘﻴﻮد اﻟﺠﺎدة ،ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻀﻊ — ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل — أﻳﺔ ﺑﻨﻮد ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮأة ،وأﻛﺪ ﻋﲆ إﻧﻜﺎره ملﺰاﻳﺎ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ املﻤﻨﻮﺣﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني واملﻠﺤﺪﻳﻦ ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻣﻌﺘﻘﺪات املﺮء »اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ« ﻗﺪ ﺗﺒﺪو ﻷول وﻫﻠﺔ أﻣ ًﺮا ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺪول اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻹﻛﺮاه ﻗﺪ أﺛﺒﺘﺖ ﻣﺮا ًرا وﺗﻜﺮا ًرا ﻣﻬﺎرﺗﻬﺎ ﰲ ﺻﻴﺎﻏﺔ أﻗﺴﺎم اﻟﻮﻻء واﻟﻄﻘﻮس املﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ إﺑﺮاز ﺗﻠﻚ املﻌﺘﻘﺪات واﻟﻀﻐﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻳﻌﺪ املﺜﺎل اﻟﺨﺎص ﺑﺴﻠﻄﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ املﺴﻴﺤﻴني اﻷواﺋﻞ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻘﺮاﺑني ﻟﻶﻟﻬﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﺘﺸﻒ ﻣﻴﻮﻟﻬﻢ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ً ﻣﺜﺎﻻ ﺷﻬريًا ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﻧﺘﻬﺎك .وﰲ رواﻳﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻇﻼم ﰲ اﻟﻈﻬرية« ،أﻟﺢ املﺆﻟﻒ املﻨﺎﻫﺾ ﻟﺴﺘﺎﻟني آرﺛﺮ ﻛﻮﺳﺘﻠﺮ ﰲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻦ »املﺤﺎﻛﻤﺎت اﻟﺼﻮرﻳﺔ« اﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻴﺔ وﻧﺠﺎح ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﲆ املﺤﺎﻛﻤﺔ ﰲ ﺗﺒﺪﻳﺪ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ أﺳﺲ اﻻﻋﺘﻘﺎد املﺴﺘﻘﻞ .وﻣﺎ زال اﻻﻋﱰاف واﻹﻧﻜﺎر ﺗﺤﺖ اﻹﺟﺒﺎر ﻣﻨﺘﴩًا ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت املﻌﺎﴏة ،وﻫﻮ ﻳﻤﺎ َرس ﺣﺎﻟﻴٍّﺎ ﰲ إﻳﺮان وﻛﻮرﻳﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ودول أﺧﺮى ﻣﻌﺎدﻳﺔ ﻟﻠﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﺨﺎرﺟﺔ ﻋﻦ املﺄﻟﻮف .وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺣﺘﻰ أﺑﺴﻂ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺸﺨﴢ ﻣﻮﺿﻊ ﺧﻼف ﺑﺼﻮرة أﺧﻄﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺼﻮره اﻟﺒﻌﺾ ،وﻣﺎ زال اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻬﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺣﺬ ًرا ﻣﺴﺘﻤ ٍّﺮا. ﻟﻜﻦ اﻻﺧﺘﺒﺎر اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ملﺒﺎدئ اﻹﻋﻼن ﻳﻜﻤﻦ ﰲ اﻟﺨﻄﻮة اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗُﺠﻠﺐ ﺣﻘﻮق اﻟﻀﻤري إﱃ ﻧﻄﺎق اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻌﺎم )ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺨﺎص املﺤﺾ( .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن 86
ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟
اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻳﻌﱰﺿﻮن ﻋﲆ اﻟﺤﻖ املﻄﻠﻖ ﻟﻠﻔﺮد أو اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﰲ اﻻﻋﺘﻘﺎد ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري، ﻓﺈن اﻷﻓﻌﺎل املﺮﺗﻜﺒﺔ ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري ﺗﺜري ﻣﺸﻜﻼت أﻛﺜﺮ ﺗﻌﻘﻴﺪًا؛ ﻓﺎﻷﻓﻌﺎل ﺗﺆﺛﺮ ﻋﲆ اﻵﺧﺮﻳﻦ؛ و ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛري ﻗﺪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻔﻌﻞ ٍّ ﺣﻘﺎ ً ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻠﺘﻄﺒﻴﻖ. وﻓﻮر ﻗﻴﺎﻣﻨﺎ ﺑﺘﻮﺳﻴﻊ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ﻛﻲ ﺗﺸﻤﻞ اﻟﺴﻠﻮك، ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻮاﺟﻪ املﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻌﺎرض أﻓﻌﺎل املﺮء اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ ﺿﻤريه ﻣﻊ ﺣﺮﻳﺎت اﻵﺧﺮﻳﻦ وﺣﻘﻮﻗﻬﻢ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا املﻮﺿﻮع داﺋﻤً ﺎ ﺣﺎﴐً ا ﺑﺪرﺟﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ﰲ املﻨﺎﻗﺸﺎت ﺣﻮل اﻟﻀﻤري .وﻗﺪ ﺗﻢ اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ﰲ ﻛﺘﺎب وﻳﻠﻴﺎم ﺗﻴﻨﺪﻳﻞ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻃﺎﻋﺔ رﺟﻞ ﻣﺴﻴﺤﻲ« ) (١٥٢٨اﻟﺬي ﻳﺪاﻓﻊ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﺳﺘﺴﻼم املﺴﻴﺤﻲ ﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻀﻄ ٍّﺮا »ﺑﺪاﻓﻊ ﻣﻦ ﺿﻤريه ً أوﻻ … ]و[ ﺛﺎﻧﻴًﺎ ﺑﺪاﻓﻊ ﻣﻦ ﺿﻤري ﺟﺎره« ،ﻣﻮﺿﺤً ﺎ أن اﻟﻀﻤريﻳﻦ ﻣﺘﺒﺎدﻻن ،وأن اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗُﺮﺗﻜﺐ )أو ﺗﻬﻤﻞ( ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄواﻣﺮ اﻟﻀﻤري ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛري ﺣﺘﻤﻲ ﻋﲆ ﺿﻤﺎﺋﺮ اﻵﺧﺮﻳﻦ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن ﺣﻘﻮق أي ﻓﺮد ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻤﺘﺪ إﱃ ﻣﺎ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ دون أن ﺗﺘﺼﺎدم ﻣﻊ ﺣﻘﻮق اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ذوي املﻴﻮل املﻌﺎرﺿﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي إﱃ ﺧﻠﻖ ﴏاع ﰲ املﺠﺘﻤﻊ ﻛﻜﻞ .وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻀﻤري ﺳﺘﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﻧﻄﺎق اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺨﺎص إﱃ ﻧﻄﺎق اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻌﺎم ،ﺗﺘﻤﺜﻞ املﻬﻤﺔ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺒﺎدئ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎع ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ املﻮازﻧﺔ ﺑني اﻟﺤﺪ اﻷدﻧﻰ ﻣﻦ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻣﻊ اﺣﱰام ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻛﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ )ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺧﺮى ﺑﺨﻼف ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ( ﺗﺠﺎه ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻷﻓﺮاده. ﻋ ﱠﺮف ﻫﻨﺮي ﺷﻮ — اﻟﺒﺎﺣﺚ ﰲ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺪوﱄ — ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ً ﺗﻌﺮﻳﻔﺎ ﻣﻔﻴﺪًا ﻓﻘﺎل إﻧﻬﺎ »اﻟﺤﺪ اﻷدﻧﻰ ﻣﻦ املﺘﻄﻠﺒﺎت املﻌﻘﻮﻟﺔ املﻔﱰض ﻋﲆ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد« .وﻳﺆﻛﺪ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺒري املﺘﻮازن ﺗﻮازﻧًﺎ ذﻛﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﺣﻘﻮق اﻟﻔﺮد ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ وﺟﻮد ﴍﻃني أﺳﺎﺳﻴني؛ ً أوﻻ :أن ﺗﻜﻮن املﺘﻄﻠﺒﺎت »ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ«؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﺗﺠﺘﺎز اﺧﺘﺒﺎر »املﻨﻄﻖ« ﻣﻤﺎ ﻳﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺰاﻣﻨﺎ ﺑﺎﻹذﻋﺎن ﻟﻠﻤﻄﺎﻟﺐ املﺘﻌﺼﺒﺔ أو ﻏري اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑُﻨﻴﺖ ﻋﲆ املﺼﻠﺤﺔ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ أو اﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ املﺘﺨﻴﱠﻞ ،ﻣﻦ اﻟﻨﻮع اﻟﺬي وﺻﻔﻪ ﻟﻮك ﺑﺄﻧﻪ »ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﻏﺮور ﻋﻘﻞ ﻣﺰﻫﻮ ﺑﻨﻔﺴﻪ« .وﺛﺎﻧﻴًﺎ :إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﴏار ﻋﲆ املﺘﻄﻠﺒﺎت ﺳﻮف ﻳﱰﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻞ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ )وﻟﻦ ﺗﻘﺘﴫ ﻋﲆ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺸﺨﴢ( ،إذن ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗﻘﺘﻄﻊ ﺗﻠﻚ املﺘﻄﻠﺒﺎت ﻣﻦ ﺣﻘﻮق اﻵﺧﺮﻳﻦ — ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗﺴﺒﺐ ﴐ ًرا ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻣﻴﻞ. ً ﻫﺎﺋﻼ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﺎ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ املﻌﻘﻮﻟﻴﺔ ،ﻓﻼ رﻳﺐ أن ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﻀﻤري ﺗﺤﻘﻖ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺼﻮرة واﺿﺤﺔ ﺑﺄﻣﻮر ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻻﻋﺘﻘﺎد املﺸﱰك .ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺘﻌﺮض ﻷﺻﻌﺐ اﻻﺧﺘﺒﺎرات 87
اﻟﻀﻤري
ﺣﺴﻨًﺎ ،ﺟﻴﻤﻴﻨﻲ اﻟﻠﻴﱪاﱄ! ﻟﻄﺎملﺎ ﻛﻨﺖ وﻟﺪًا ﺻﺎﻟﺤً ﺎ وﺗﺤﺮﻳﺖ اﻟﺼﺪق ،ﻟﻜﻨﻲ ﻻ أزال دﻣﻴﺔ ﺧﺸﺒﻴﺔ!
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻀﻌﻚ اﻟﻘﺪر أﻣﺎم ﺧﻴﺎرات ﻛﺮﻳﻬﺔ وﻻ ﺗﺪري ﻣﺎ ﺗﻘﺮره ... أﻃﻠﻖ ﺻﺎﻓﺮة ﺻﻐرية ،ﺻﻐرية ﺻﻐرية
اﺑﺘﻬﺞ! ﻻ ﻳﺰال ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻚ أن ﺗﻜﻮن ﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ، ﻟﻜﻦ ﺗﺬﻛﺮ ...
أﻳﻬﺎ اﻟﺼﺒﻲ اﻟﺨﺸﺒﻲ ،ﺗﻌﺎل واﻟﻌﺐ ﰲ ﻣﻨﴩة اﻷﺧﺸﺎب املﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻨﻤﻞ اﻷﺑﻴﺾ
ﻃـﺎخ
ودوﻣً ﺎ دع ﺿﻤريك ﻳﻜﻦ ...
أﻃﻠﻖ ﺻﺎﻓﺮة ﺻﻐرية! ﺻﻐرية ﺻﻐرية
ﺷﻜﻞ :3-4ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻬﻢ اﻟﻀﻤري :رﺳﻢ ﻛﺎرﻳﻜﺎﺗﻮري ﺑﻌﻨﻮان »ﺣﺴﻨًﺎ ،ﺟﻴﻤﻴﻨﻲ اﻟﻠﻴﱪاﱄ!« 3 ملﺎرﺗﻦ روﺳﻮن ،ﺑﺼﺤﻴﻔﺔ اﻟﺠﺎردﻳﺎن ١٠ ،ﻣﺎﻳﻮ .٢٠١٠
ﻹﻳﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﻀﻤري — ﻛﺈﻳﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﻜﻞ اﻷﻣﻮر املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق واﻟﺤﺮﻳﺎت املﺪﻧﻴﺔ — ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻄﺎﻟﺒني ﺑﺎﺣﱰام ﻣﻄﻠﺐ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻐﺮاﺑﺔ .ﻟﻜﻦ اﻷﺻﻞ اﻻﺷﺘﻘﺎﻗﻲ ﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻀﻤري ) con + scientiaأو املﻌﺮﻓﺔ املﺸﱰﻛﺔ( ﻃﺎملﺎ أﺷﺎر إﱃ أن أﻫﻢ ﻧﻘﺎط ﻗﻮﺗﻪ ﺗﻜﻤﻦ ﰲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎملﻴﻮل املﺸﱰﻛﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻛﱪ ،وﻫﻲ ﻧﻔﺲ وﺟﻬﺔ اﻟﻨﻈﺮ اﻟﺘﻲ ﻃﺮﺣﻬﺎ ﺗﻮﻣﺎس ﻫﻮﺑﺰ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﻠﻮﻳﺎﺛﺎن« ) (١٦٥١املﺘﻤﺜﻠﺔ ﰲ أن اﻟﻀﻤري ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﺟﻤﻌﻴٍّﺎ ﺗﻤﺎﺷﻴًﺎ ﻣﻊ أﺻﻠﻪ اﻻﺷﺘﻘﺎﻗﻲ وﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻔﺮدﻳﺔ اﻟﴪﻳﺔ .وﺳﻌﻴًﺎ ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ إﱃ أﺳﺎس ﺟﻤﻌﻲ ﻟﻠﻀﻤري ،اﺳﺘﻘﺮ ﻫﻮﺑﺰ ﻋﲆ املﺒﺪأ اﻟﻘﺎﺋﻞ إن »اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻫﻮ اﻟﻀﻤري اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﻌﻬﺪت ]اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ[ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أن ﺗﺴﱰﺷﺪ ﺑﻪ« .وﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ﻫﻮﺑﺰ ،ﻳﻘﺪم ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ املﻌﺎﴏ أﻣﺜﻠﺔ )ﰲ اﻟﻬﻨﺪ واﻟﺠﻨﻮب اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ وﺟﻨﻮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ وﻣﻴﺪان اﻟﺴﻼم اﻟﺴﻤﺎوي( ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ً اﻟﻌﺼﻴﺎن املﺪﻧﻲ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻗﺎﻧﻮن ﻓﺎﺳﺪ ﻳﺒﺪو ً ﻓﺎﺿﻼ ،وﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻻت ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻋﻤﻼ ﻧﺤﻮ ﻣﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﻴﻘﻆ ﻣﻔﻴﺪًا ﰲ ﺗﺤﺪي اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻔﺎﺳﺪ .وﻫﻜﺬا ﻓﻘﺪ ﻋﺪل ﻟﻮك وآﺧﺮون ﻋﲆ ٍ 88
ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟
ﻣﻮﻗﻒ ﻫﻮﺑﺰ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺬﻛريﻧﺎ ﺑﺄن اﻟﻘﻮاﻧني اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﺼﻴﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻗِ ﺒﻞ اﻷﺷﺨﺎص املﺴﺘﻌﺪﻳﻦ ﻟﺘﻘﺒﻞ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ ﺛﻤﻨًﺎ ﻟﻠﻌﺼﻴﺎن اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﲆ ﻣﺒﺎدئ ،واﺿﻌني ﺑﺬﻟﻚ أﺣﺪ اﻷرﻛﺎن اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ املﻬﻤﺔ ﰲ ﻣﻤﺎرﺳﺎت اﻟﻌﺼﻴﺎن املﺪﻧﻲ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻗﱰاح ﻫﻮﺑﺰ ﺑﺄن ﻳﺸﻜﻞ اﻟﻘﺎﻧﻮن »ﺿﻤريًا ﻋﺎﻣٍّ ﺎ« ﻳﻌﺪ اﻗﱰاﺣً ﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﺷﺎرﺗﻪ إﱃ أن اﻟﻀﻤري اﻟﺸﺨﴢ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺄﻓﻀﻞ ﺻﻮرة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺪ ﻧﻘﻄﺔ اﻋﺘﻘﺎد ﻣﺸﱰﻛﺔ. وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻀﻤري ﺗﺪﻋﻤﻬﺎ ﻣﺆﴍات اﻟﺪﻋﻢ اﻟﻌﺎم ﻛﺎﻟﻘﺎﻧﻮن أو اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺮﺳﻤﻲ ٍّ ﻣﺴﺘﺤﻘﺎ ﻣﻮﻗﻌﻪ أو ﺣﺘﻰ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم أو »املﻨﻄﻖ اﻟﺴﻠﻴﻢ« املﺤﺾ ،ﻓﺴﻮف ﻳﻈﻞ اﻟﻀﻤري املﺮﻛﺰي ﰲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺗﻨﺎ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ .أي إﻧﻪ ﻣﺎ دام اﻟﻀﻤري ﻳﺴﺘﻤﺪ ﺣﻴﻮﻳﺘﻪ ﻣﻦ املﺒﺪأ اﻹﻳﺜﺎري وﻳﻜﺮس ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﻓﺴﻮف ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻣﻮﻗﻌﻪ املﺮﻛﺰي ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ .ﻟﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺘﻌﺒري اﻟﴩﻃﻲ »ﻣﺎ دام« ﻫﻮ اﻟﺨﺪﻋﺔ ﻫﻨﺎ ،ﻓﺎﻟﻘﻮل إن اﻟﻀﻤري ﺳﻮف ﻳﺰدﻫﺮ إذا ﺗﻠﻘﻰ دﻋﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ أو اﻟﻘﺎﻧﻮن أو املﻨﻄﻖ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻳﻌﻨﻲ ﻛﻞ ﳾء وﻻ ﳾء ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ. وﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﺟﺪﻳ ًﺮا ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء ،ﻓﻬﻮ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺼﻴﻐﺔ ﻣﺎ زال ﻳﻘﻮم ﺑﺪور اﻟﺤﺠﺮ ﰲ ﻣﻀﺎﻓﺎ إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺰر واﻟﺒﻄﺎﻃﺲ واﻟﺒﺼﻞ ﺳﻮف ﻳﻜﻮﱢن ً ً ﻣﺮﻗﺎ ﺣﺴﺎء اﻷﺣﺠﺎر :ﻓﺎﻟﺤﺠﺮ ً ﻣﻀﺎﻓﺔ إﻟﻴﻪ املﺒﺎدئ املﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ واﻟﻔﻜﺮ اﻟﺠﲇ .ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻟﺬﻳﺬًا ،ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺘﴫ اﻟﻀﻤري ٍّ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻪ وﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ املﻨﻄﻖ اﻟﺴﻠﻴﻢ واملﻌﺮﻓﺔ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻟﺘﻜﻤﻠﺘﻪ اﻟﻀﻤري ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻀﻤﻮﻧًﺎ أو ﺣﺘﻰ ﻹﻋﻄﺎﺋﻪ ﻫﻮﻳﺘﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،أﻟﻦ ﻳﺘﻼﳽ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ إذن وﺟﻮده ﻛﻘﻮة ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؟ وﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺘﺒﻘﻰ ﺛﺎﺑﺘًﺎ وﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﺑﺸﺄن اﻟﻀﻤري ﻧﻔﺴﻪ؟ وﻣﺎ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻳﺘﺒﻘﻰ ﻟﻪ ﻛﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ؟ ﺳﻮف أﻋﻮد إﱃ اﻟﺪور اﻷﺳﺎﳼ ﻟﻠﻀﻤري ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ إﺟﺎﺑﺔ ،وﺗﺤﺪﻳﺪًا إﱃ اﻟﺼﻠﺔ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺑني اﻟﻀﻤري واﻹﻗﻨﺎع .وﻗﺪ ﺑﺪأ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﺑﺄﻣﺜﻠﺔ ﻳﻌﺪ اﺣﱰام اﻟﻀﻤري ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ إﻗﻨﺎع اﻷﺷﺨﺎص ﻏري املﻠﺘﺰﻣني ﺑﴚء ﻏري اﻟﻀﻤري ﺑﻤﻨﺢ إﺟﺎزة ﰲ »ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟﻀﻤري« ً اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ واملﻬﻦ اﻟﻄﺒﻴﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري ً ﻓﻌﺎﻻ ﺑﺸﺪة أﻳﻀﺎ ﰲ ﺻﻮرة أﺧﺮى ﻣﻦ اﻹﻗﻨﺎع ،وﻫﻲ إﻗﻨﺎع اﻟﺬات أﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎملﻌﺘﻘﺪات ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ أن ﺗﻌﻤﻞ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻬﺎ. ﻣﺎ ﻓﺎﺋﺪة اﻟﻀﻤري؟ ﰲ أﻓﻀﻞ ﺣﺎﻻت اﻟﻀﻤري وأﻧﺠﺤﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺾ ﻋﲆ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻬﺬﻳﺐ اﻻﻋﺘﻘﺎد أو ﻳ َُﻔﻌﱢ ﻠﻬﺎ ً ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ً ﻓﻌﺎﻻ ﰲ ﺟﺒﻬﺘني أﻳﻀﺎ ﻳﱰﺟﻢ اﻻﻋﺘﻘﺎد إﱃ ﻓﻌﻞ واﻟﺘﺰام .وﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري 89
اﻟﻀﻤري
ﻋﲆ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﺪر ﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ :ﺣﺚ اﻟﻔﺮد ﻋﲆ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻪ ﺑﺸﺄن اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻘﻮﻳﻢ ،ﺛﻢ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺷﺪﻳﺪ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺗﻠﻚ املﻌﺘﻘﺪات ﻋﲆ املﻮاﻗﻒ اﻟﻄﺎرﺋﺔ .وﻗﺪ وﺻﻒ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻌﻤﲇ ﻣﻦ اﻟﻀﻤري ﺑﺬﻛﺎء ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﺨﻼﺻﺔ اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ« اﻟﺬي ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ. ﻳﻤﻴﺰ ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ﺑني ﻓﻬﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﺧﻼﻗﻲ واﻟﻀﻤري ،ﻣﻼﺣ ً ﻈﺎ أﻧﻬﻤﺎ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﺨﻠﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .وﻫﻮ ﻳﺼﻒ ﻓﻬﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻣَ َﻠﻜﺔ ﻏﺮﻳﺰﻳﺔ أو ﻋﺎدة ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺗﻘﻨﻌﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨري وﺗﻘﺼﻴﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﴩ ،وﻫﻮ ﻳﺘﺠﺴﺪ ﰲ اﻷﺷﻴﺎء »املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل دون أي ﺑﺤﺚ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻌﻘﻞ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻣﺒﺪأ راﺳﺦ« .واﻟﻀﻤري ﻻ ﻳﻌﻠﻢ اﻷﻣﻮر أو ﻳﺪرﻛﻬﺎ ﻓﺤﺴﺐ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ،وﺗﺤﺪﻳﺪًا ﺗﻄﺒﻴﻖ املﻌﺮﻓﺔ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺤﺪدة. ً واﺻﻔﺎ اﻟﻀﻤري ﺑﺼﻔﺎت ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﻣﺜﻞ ﻛﻮﻧﻪ ﻗﻮة ﻣﺤﻔﺰة ،وﻣﻮﺿﺤً ﺎ وﻳﺴﺘﻤﺮ ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ، أﻧﻪ ﻳﴩع ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﰲ ﺗﻘﻴﻴﻢ اﻟﺨﻴﺎرات واﻷﻓﻌﺎل اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ» :ﻳﻘﺎل إن اﻟﻀﻤري ﻳﺸﻬﺪ ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺒﻪ أو ﻳ ُِﻠﺰﻣُﻪ أو ﻳﺤﺜﻪ ،وﻫﻮ ً أﻳﻀﺎ ﻳﺘﻬﻤﻪ أو ﻳﻌﺬﺑﻪ أو ﻳﻮﺑﺨﻪ ،وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﺘﺒﻊ ﺗﻄﺒﻴﻖ املﻌﺮﻓﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻧﻘﻮم ﺑﻪ «.وﻟﺴﺖ ﻣﻬﺘﻤٍّ ﺎ اﻵن ﺑﺮأي ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ اﻟﺨﻼﰲ اﻟﻘﺎﺋﻞ إن ﻓﻬﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﺧﻼﻗﻲ أﻣﺮ ﻓﻄﺮي )وﻫﻮ ﻣﺎ أﺷﻚ ﻓﻴﻪ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ( ،ﻟﻜﻨﻨﻲ أﻛﺜﺮ اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻟﻠﻀﻤري ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ املﺒﺎدئ املﻌﺮوﻓﺔ ﻋﲆ املﻮاﻗﻒ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ .ﻓﻤﻦ وﺟﻬﺔ ﻃﺎ ً ﻧﻈﺮه ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻟﻀﻤري ارﺗﺒﺎ ً وﺛﻴﻘﺎ ﺑﺎﻷﻓﻌﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ املﺮء ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻮﺻﻒ ﺑﺄﻧﻪ ﻧﺎﺋﻢ ﺣﺘﻰ ﻳُﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺗﻘﻴﻴﻢ اﻟﺨﻴﺎرات أو اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﺰم املﺮء اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ أو اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .وﻫﻜﺬا ﻳُﺴﺘﺪﻋﻰ اﻟﻀﻤري ﰲ املﻮاﻗﻒ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻋﻨﺪ وﺟﻮب اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮارات، ﱠ وﻳﺨﺼﺺ ﻟﻪ دور ﺷﺪﻳﺪ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﰲ ﺟﻮﻫﺮ اﻟﺨﻴﺎر املﺴﺘﻨري ﺑﺎملﺒﺎدئ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ. وﻫﻜﺬا ﻓﺈن اﻟﻀﻤري ﻳﻘﻮم ﺑﺪور ﺟﴪ ﻣﻬﻢ ﺑني اﻻﻋﺘﻘﺎد واﻟﻔﻌﻞ .اﻓﱰض أن أﺣﺪﻧﺎ ﻟﺪﻳﻪ رأي ﺻﺎﺋﺐ ،ورﺑﻤﺎ ﺗﻈﻦ أﻧﺖ أن رأﻳﻚ وﺣﻲ إﻟﻬﻲ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ أﻧﺎ ﻛﻮﱠﻧﺖ رأﻳﻲ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻃﻊ »دوﻧﺰﺑريي« اﻟﻬﺰﻟﻴﺔ أو ﻣﻦ اﻹذاﻋﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ أو ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ »ﻟﻨﺪن رﻳﻔﻴﻮ أوف ﺑﻮﻛﺲ« .ﻟﻜﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ أﺻﻞ اﻟﺮأي ﺗﻠﻚ أﻗﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻌﻞ ،وﻣﻤﺎ إذا ﻛﻨﺖ أﻧﺖ أو أﻧﺎ ﺳﻨﺤﻮل رأﻳﻨﺎ إﱃ ﻓﻌﻞ ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻣﻬﻤﺔ اﻟﻀﻤري :اﻹﻗﻨﺎع واﻟﺘﺄﺛري ﻋﲆ اﻟﺮأي واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ إذا ﻟﺰم اﻷﻣﺮ ،ﻟﻜﻦ ﰲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ اﻟﺼﺤﻴﺢ .ﻓﺎﻟﻨﻮاﻳﺎ اﻟﺤﺴﻨﺔ ،إذا ﻣﺎ اﺣﺘُﻔﻆ ﺑﻬﺎ ﺑﺴﻠﺒﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻓﻠﻦ ﺗﻔﴤ إﱃ اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ — أو ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ — ﻣﻦ اﻟﻀﻤري. وﻳﺘﻨﺎول ﻣﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎب ﺻﺪر ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﺣﻮل ﻣﻮﺿﻮع »اﻟﺤﻘﻮق« ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻘﺎدات اﻟﻘﻮﻳﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺴﺒﻴﺔ اﻟﻀﻤري اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ املﺰﻋﻮﻣﺔ وﻣﺤﺎﺑﺎﺗﻪ املﻬﻴﻤﻨﺔ ﻟﻠﻐﺮب وﺻﻌﻮﺑﺔ إﺻﺪار 90
ﻫﻞ اﻟﻀﻤري ﺣﻖ ﻣﺪﻧﻲ؟
اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎرض ﰲ اﻻدﻋﺎءات املﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﻘﻮق .ﻟﻜﻨﻪ )ﺑﻨﱪة ﻣﺘﺤرية ً ﻗﻠﻴﻼ( ﻳﻌﱰف »ﺑﺄن ﻟﺪﻳﻪ اﻋﺘﻘﺎدًا ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن اﻵن« .وﻧﻔﺲ اﻟﴚء ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري ،ﻓﻬﻮ ﻣﻔﻬﻮم ﻣﻄﺎﻃﻲ ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﻣﻦ املﺒﺎدئ أو ﺑﻤﺤﺘﻮى ﺛﺎﺑﺖ ﺧﺎص ﺑﻪ وﺣﺪه .ﻓﻤﻄﺎﻟﺒﺎت اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﻦ ﻧﺨﺘﻠﻒ ﻣﻌﻬﻢ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﺿﺎرة أو ﺣﺘﻰ ﻫﺪاﻣﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻨﺤﻦ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ ﺑﻌﻀﻬﺎ .وﻻ أﻋﻠﻢ أي ﺷﺨﺺ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻗﺪر أﻗﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮاءٌ ﻟﻨﻔﺴﻪ أو ﻟﻐريه .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺼﻴﺒﻪ ﺟﻨﻮن ﻣﺆﻗﺖ ﻗﺪ ﻳﺮﺗﻜﺐ ً ﻋﻤﻼ وﺣﺸﻴٍّﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻀﻤري ،وﺗﻠﻚ اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎت ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺠﻨﺒﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .ﻟﻜﻦ إذا اﻋﺘﱪﻧﺎ اﻟﻀﻤري ﻫﻮ ﻣﺒﺪأ اﻻﺳﺘﻴﺎء اﻟﺬي ﻳﺤﺚ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ أﺳﺎس ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد ،واﻟﺬي ﻟﻦ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻢ ﻣﻬﻤﺘﻪ، ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺴﻠﻢ ﺑﴬورة وﺟﻮد املﺰﻳﺪ ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ. أﻗﻮال ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ﺣﻮل اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ »ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﻄﺒﻴﻘﻴﺔ« ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ ذاﺗﻬﺎ ﻋﲆ ﻋﻼﻗﺔ املﻌﺮﻓﺔ ﺑﴚء ﻣﺎ :ﻧﻈ ًﺮا ﻷن ﻛﻠﻤﺔ ﺿﻤري أو ﻳﺪل اﻟﻀﻤري conscienceﺑﺎﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ إﱃ cum alio scientia؛ أو ﺗﻄﺒﻴﻖ املﻌﺮﻓﺔ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﺔ ﻓﺮدﻳﺔ … وﻳﺘﻀﺢ ﻧﻔﺲ اﻟﴚء ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺴﺐ ﻟﻠﻀﻤري ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﺎل إن اﻟﻀﻤري ﻳﺸﻬﺪ ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺒﻪ أو ﻳ ُِﻠﺰﻣُﻪ أو ﻳﺤﺜﻪ ،وﻫﻮ ً أﻳﻀﺎ ﻳﺘﻬﻤﻪ أو ﻳﻌﺬﺑﻪ أو ﻳﻮﺑﺨﻪ .وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﺘﺒﻊ ﺗﻄﺒﻴﻖ املﻌﺮﻓﺔ أو اﻟﻌﻠﻢ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻧﻘﻮم ﺑﻪ ،وﻫﻮ اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﺬي ﻳﺘﻢ ﺑﺜﻼث ﻃﺮق :أﺣﺪﻫﺎ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻧﺪرك أﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﴚء أو ﻟﻢ ﻧﻘﻢ ﺑﻪ؛ »ﺿﻤريك ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻚ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺤﺪﺛﺖ ﺑﺎﻟﺴﻮء ﻋﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ) «.ﺳﻔﺮ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،اﻹﺻﺤﺎح ً وﻃﺒﻘﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﺎل إن اﻟﻀﻤري ﻳﺸﻬﺪ .وﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أﺧﺮى ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻧﺤﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ،اﻵﻳﺔ ،(٢٣ ﺧﻼل اﻟﻀﻤري أن أﻣ ًﺮا ﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻢ أو ﻳﺠﺐ أﻻ ﻳﺘﻢ ،ﻫﻜﺬا ﻳﻘﺎل إن اﻟﻀﻤري ﻳﺤﺚ اﻹﻧﺴﺎن أو ﻳُﻠﺰﻣﻪ ﺑﺄن ﻳﻔﻌﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺎ .أﻣﺎ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،ﻓﺒﻘﺪر ﻣﺎ ﻧﺤﻜﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻀﻤري أن أﻣ ًﺮا ﻣﺎ ﻗﺪ أُﻧﺠﺰ ﺟﻴﺪًا أو ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺳﻴﺊ ،ﻫﻜﺬا ﻳﻘﺎل إن اﻟﻀﻤري ﻳﱪر ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ أو ﻳﺘﻬﻤﻪ أو ﻳﻌﺬﺑﻪ .واﻵن ﻳﺘﻀﺢ أن ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻮر ﺗﺘﺒﻊ اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﻔﻌﲇ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﲆ أﻓﻌﺎﻟﻨﺎ. )»اﻟﺨﻼﺻﺔ اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ« ،اﻟﺠﺰء اﻷول ،املﺴﺄﻟﺔ ،٧٩املﺎدة (١٣
ﻫﻮاﻣﺶ (1) The Religious Society of Friends in Britain.
91
اﻟﻀﻤري (2) United Nations Photo Library. (3) © Martin Rowson.
92
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ
ﻣﺴﻤﻮﻋﺎ؟ ﺻﻮت اﻟﻀﻤﲑ :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ً ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺗﺼﺪﻳﻖ أن أﺳﻮأ اﻟﺮﺟﺎل ﻗﺪ ﻳﺮﺗﻜﺒﻮن أﺳﻮأ اﻷﻓﻌﺎل دون أي إﺣﺴﺎس أو ﻧﺪم داﺧﲇ ،وﻫﻮ ﺻﻮت ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ؛ ﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻳُﺨﻤﺪون ﻫﺬا اﻟﺼﻮت وﻳﺘﺨﻠﺼﻮن ﻣﻨﻪ ،وأﻧﻬﻢ ﺑﺎﻋﺘﻴﺎد ارﺗﻜﺎب اﻹﺛﻢ ﻗﺪ ﻳﺼﻴﺒﻬﻢ اﻟﺼﻤﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮن ﻣﻦ ﺳﻤﺎع ﻫﺬا اﻟﺼﻮت اﻟﻀﻌﻴﻒ. )إدوارد ،إﻳﺮل ﻛﻼرﻳﻨﺪون، »ﻋﻦ اﻟﻀﻤري«(١٦٧٠ ، ﺻﻮت اﻟﻀﻤري ﻧﺸﺄ اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﱰاث اﻟﺸﻔﻬﻲ ﻟﻠﻘﻀﺎء واملﺮاﻓﻌﺎت ﰲ املﺤﺎﻛﻢ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،واﺣﺘﻔﻆ ﺑﺼﻔﺔ املﺪاﺧﻠﺔ اﻟﺸﻔﻬﻴﺔ .ﻓﻔﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أوﻏﺴﻄني اﻷوﱃ ﻣﻊ ﺿﻤريه واﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﺳﺘﻤﺎﻋﻪ إﱃ ﺻﻮﺗﻪ ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛري ﻛﺒري ﻋﻠﻴﻪ .دﻋﻨﺎ ﻧَﻌُ ْﺪ ﻟﻠﺤﻈﺔ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻘﺮة ﺷﺪﻳﺪة اﻷﻫﻤﻴﺔ: ﻟﻘﺪ أﺗﻰ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن أﺗﺠﺮد ﻓﻴﻪ أﻣﺎم ﻧﻔﴘ وﻳﺘﻤﺘﻢ ﺿﻤريي ﺑﺪاﺧﲇ ً ﻗﺎﺋﻼ» :أﻳﻦ ﻟﺴﺎﻧﻲ؟ ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻚ ﻗﺪ ﻇﻠﻠﺖ ﺗﺆﻛﺪ أﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻠﻘﻲ ﻋﺐء اﻟﻜﱪ ﻷﺟﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻏري ﻣﺆﻛﺪة .ﻟﻜﻦ اﻧﻈﺮ ،ﻓﺎﻷﻣﻮر اﻵن ﻣﺆﻛﺪة ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻣﻬﻤﻮﻣً ﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻌﺐء …« ﻻ ﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﻔﻘﺮة اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺻﻮﺗًﺎ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ﺗﺼﻒ اﻟﻀﻤري وﻫﻮ ﻳﺤﺚ ﻧﻔﺴﻪ ،أي إﻧﻪ ﺣﺮﻓﻴٍّﺎ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﺻﻮﺗﻪ .وﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪم أوﻏﺴﻄني ﰲ ﻋﺒﺎرﺗﻪ ﻛﻠﻤﺔ
اﻟﻀﻤري
increpareاﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ »اﻟﺤﻔﻴﻒ« ،وﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﺗﻌﻨﻲ »ﻳﻬﻤﻬﻢ« أو ً ﻣﻨﻤﻘﺎ ﻣﺘﻄﻮ ًرا ﻗﺪر ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﺘﻠﻌﺜﻢ »ﻳﺘﻤﺘﻢ« .وﻟﻴﺲ ﻫﺬا اﻟﺤﺮاك اﻷول ﻟﻠﻀﻤري ﺣﺪﻳﺜًﺎ أو ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺘﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﻖ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻲ ﺟﻤﻠﺔ »أﻳﻦ ﻟﺴﺎﻧﻲ؟« ﺣﻴﺚ ﻳﻄﺎﻟﺐ اﻟﻀﻤري ﺑﺎﻟﺤﻖ ﰲ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ .وﺗﱪز أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻀﻤري ﻟﺬاﺗﻪ ﰲ اﻟﻨﺰاع ﻋﲆ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن أوﻏﺴﻄني ﻳﻤﻠﻚ ﻟﺴﺎﻧًﺎ أم ﻻ .وﻗﺪ ﻗﺎم أﺣﺪ املﱰﺟﻤني ﺑﱰﺟﻤﺔ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ إﱃ »أﻳﻦ ﻟﺴﺎﻧﻚ؟« ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ »أﻳﻦ ﻟﺴﺎﻧﻲ؟« واﻻﻟﺘﺒﺎس ﻫﻨﺎ ﻣﻔﻬﻮم ً ﻣﻠﻤﻮﺳﺎ ﻓﺈن ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻀﻤﻦ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ .وإذا ﺟﺎز اﻟﺘﻌﺒري ،إذا أراد اﻟﻀﻤري أن ﻳﺠﻌﻞ ﺗﺄﺛريه ﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﲆ ﺣﻖ اﻟﺤﺪﻳﺚ وأدواﺗﻪ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ﺧﺎرج ﻧﻄﺎق ﺧﱪة أوﻏﺴﻄني املﺒﺎﴍة. ﻳﺆﻛﺪ اﻟﻀﻤري ﺑﻘﻮة ﻋﲆ ﺣﻘﻪ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وأﻧﻪ ﻟﻦ ﻳُﺤﺮم ﻣﻨﻪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺤﺪث ً ﺻﺪﻳﻘﺎ وﻣﺴﺘﺸﺎ ًرا وﻟﻴﺲ ﻣﻐﺘﺼﺒًﺎ أو ﻣﺘﻨﻤ ًﺮا ،وﻫﻮ ﻳﻌﱪ ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ داﺧﻠﻴٍّﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ وﻳﻈﻬﺮ ﺗﺄﺛري ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ً أﻳﻀﺎ داﺧﻠﻴٍّﺎ .وﺗﺒﺪو ﺻﻠﺘﻪ اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ ﺑﺼﺎﺣﺒﻪ واﺿﺤﺔ ﰲ اﺧﺘﻴﺎره ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ أوﻏﺴﻄني ﺑﻀﻤري املﺨﺎﻃﺐ املﺄﻟﻮف ﺑﺎﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ً tu ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﻀﻤري اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻟﺠﺎف .vosوﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻤﻴﻤﻴﺔ ﻓﺈن اﻟﻀﻤري ﻻ ﻳﺘﻨﺎزل ﻋﻦ أدوات اﻟﺒﻼﻏﺔ وﺗﻘﻨﻴﺎت اﻹﻗﻨﺎع اﻟﺸﻔﻬﻲ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت ﻛﺎﻟﺘﻬﻜﻢ واملﺤﺎﻛﺎة آن واﺣﺪ — ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﻋﺎدة اﻟﺘﻠﻔﻆ ﺑﻌﺒﺎرات أوﻏﺴﻄني املﻤﻴﺰة اﻟﺴﺎﺧﺮة — أو ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﰲ ٍ ﺑﻨﱪة ﺳﺎﺧﺮة؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻀﻊ اﻟﻔﻌﻞ »ﺳﻮف ﺗﻘﻮل« ﰲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺸري إﱃ ﺗﻜﺮار اﻷﻓﻌﺎل ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻟﻴﻌﻨﻲ ﺑﻬﺎ »أﻧﺖ ﺗﻘﻮل داﺋﻤً ﺎ« ،ﺛﻢ ﻳﻜﺮر أﺣﺪ ﻣﺮاوﻏﺎت أوﻏﺴﻄني اﻟﻌﺒﺜﻴﺔ ﺣﻮل اﻧﺘﻈﺎر اﻟﻴﻘني ﻗﺒﻞ اﻋﺘﻨﺎق اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻨﱪة ﺻﻮﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ. ﺗﺤﺘﺎج ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺿﻤري أوﻏﺴﻄني اﻟﻨﺎﺿﺠﺔ إﱃ ﺻﻮت ﻧﺎﻃﻖ ﻛﻲ ﻳﻨﻘﻞ اﻧﻔﻌﺎﻟﻪ اﻟﻐﺎﺿﺐ وﻧﻔﺎد ﺻﱪه وﺣﻤﻴﻤﻴﺘﻪ وإﻟﺤﺎح رﻏﺒﺎﺗﻪ اﻹﺻﻼﺣﻴﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻔﺎد اﻟﻀﻤري ﻣﺮا ًرا وﺗﻜﺮا ًرا ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻪ وﺗﻌﺒريه ﻋﲆ ﻣﺪار ﻣﺴريﺗﻪ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ املﻘﻨﻌﺔ املﺆﺛﺮة. وﰲ ﺛﻘﺎﻓﺔ أﺧﺮى وﻻﺣﻘﺔ ،وﻣﺪﻓﻮﻋً ﺎ ﺑﺴﻠﻄﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ )اﻵن ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ( ،ﻧﺠﺪ اﻟﻀﻤري ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺷﺨﺼﻴﺔ روﺑﻨﺴﻮن ﻛﺮوزو اﻟﺘﻲ اﺑﺘﻜﺮﻫﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ داﻧﻴﻴﻞ دﻳﻔﻮ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺳﻴﻄﺮت ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﻤﻰ واﻟﻴﺄس ،اﻋﱰض ﻛﺮوزو ﻋﲆ املﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻠﻘﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﷲ وﺗﻠﻘﻰ إﺟﺎﺑﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ: أﻧﺒﻨﻲ ﺿﻤريي اﻵن … وﻇﻨﻨﺖ أن ﺻﻮﺗﻪ ﻳﺨﺎﻃﺒﻨﻲ ً ﻗﺎﺋﻼ» :أﻳﻬﺎ اﻟﺘﱠﻌِ ﺲ! أﺗﺴﺄل ﻋﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ؟ اﻧﻈﺮ ﻟﻠﻮراء إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﻐﻴﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﺿﻴﻌﺘﻬﺎ واﺳﺄل ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻠﻪ«. 94
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
وﻳﺼﺪم ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻛﺮوزو ﻣﻠﻘﻴًﺎ ﺑﻪ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،وﺳﻮف ﻳﺘﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻼج وﺻﻔﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﺗﻨﺎول اﻟﺘﺒﻎ وﻗﺮاءة اﻹﻧﺠﻴﻞ. ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ٍ وإذا ﻧﺤﱠ ﻴﻨﺎ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ،ﻓﻤﺎ زال ﻫﺬا اﻟﻀﻤري ﻳﺸﱰك ﰲ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻊ ﺿﻤري أوﻏﺴﻄني ،ﻓﻀﻤري ﻛﺮوزو ﻋﲆ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﺪر ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺑﻴﺦ واﻹﻟﺤﺎح ،وﻫﻮ ﻳﺨﱪه ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﻜﻨﻪ ﻇﻞ ﻳﺘﺠﺎﻫﻠﻪ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ واﺟﺒًﺎ أن ﻳﺼﺪم ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻪ .وﻳﺪﻓﻊ ﻫﺬا اﻟﻀﻤري ﻛﺮوزو ﰲ اﺗﺠﺎه ﺑﺤﺚ روﺣﺎﻧﻲ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺑﺪأه ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ اﻣﺘﺪاد ﻷﻓﻜﺎره اﻟﺨﺎﺻﺔ أو مل َﻠﻜﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻛﺎﺋﻨﺔ ﻓﻴﻪ .وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻠﻢ أﺷﻴﺎء ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﻪ وﻳﺘﺤﺪث ﺑﻘﻮة ﻣﺎ ﻛﺎن ﻛﺮوزو وﺣﺪه ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﺳﺘﺠﻤﺎﻋﻬﺎ .وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻳﺤﺘﻞ ﻧﻔﺲ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻘﻮة اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﺘﻠﻪ ﻣﻊ أوﻏﺴﻄني؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺰج ﺑني وﻋﻲ داﺋﻢ ﺑﺎملﻮﻗﻒ وﻓﻬﻢ ﻣﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ملﺎ ﻳﺠﺐ ﻓﻌﻠﻪ ﺣﻴﺎﻟﻪ. وﻳﺘﻀﺢ ﻫﺬا اﻟﻐﻤﻮض ﰲ إﺟﺎﺑﺔ ﻛﺮوزو» :أﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر ﺑﺎﻟﺨﺮس ﻛﺎملﺸﺪوه، وﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﺗﻔﻮه ﺑﻜﻠﻤﺔ ،ﻛﻼ ،ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﱪﻳﺮ ﻟﻨﻔﴘ ،ﺑﻞ ﻧﻬﻀﺖ ﺣﺰﻳﻨًﺎ ً ﻣﺴﺘﻐﺮﻗﺎ ﰲ اﻟﺘﻔﻜري …« وﻟﺪﻳﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﺸﺎﺑﻪ ﻟﻠﴫاع ﺑني أوﻏﺴﻄني وﺿﻤريه ﻋﲆ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﻤﻠﻚ ﻟﺴﺎﻧًﺎ ،وﻫﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﺣﻮاري ﺗﻄﻠﺐ ﻓﻴﻪ »ﻧﻔﴘ« إﺟﺎﺑﺔ ﻣﻦ »ﻧﻔﴘ« ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺤﺪث أﺣﺪ اﻟﻄﺮﻓني ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﺳﻢ ﻛﺮوزو اﻟﻘﺪﻳﻢ أو املﻌﺘﺎد وﻳﺘﺤﺪث اﻵﺧﺮ ﺑﺎﺳﻢ ﺑﺰوغ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ )واﻟﺬي ﻳﺤﺘﻤﻞ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻛﺜري املﻄﺎﻟﺐ( .وﻳﺆدي اﻟﻀﻤري دور اﻟﺬات اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ ﻛﺮوزو ﻟﻜﻨﻬﺎ ذات اﻟﺘﺰاﻣﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ أﻛﺜﺮ ﺗﺄﻛﻴﺪًا وﺗﺘﺤﺪث ٌ ﺻﻮت ﻏريﺗﻪ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺎت اﻟﺘﺒﺸري واﻟﻬﻴﻤﻨﺔ. ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻟﺨﺎص ،ﻟﻜﻨﻪ وﰲ ﻣﺜﺎل أﺣﺪث ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺗﻘﺪم ﻗﺼﺔ روﺑﺮت ﻟﻮﻳﺲ ﺳﺘﻴﻔﻨﺴﻮن اﻟﻘﺼرية اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ً ً ﻣﻔﻮﺿﺎ ﻣﺒﺎﴍة ﻣﻦ ﷲ، ﻏﻤﻮﺿﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻋﻨﻮان »ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ« ﺿﻤريًا وﺿﻌﻪ أﻛﺜﺮ ﺑﻞ إﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ ارﺗﻜﺎب اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻷذى اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻲ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎ زال ﺿﻤريًا ذا ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺳﻮف ﻧﺘﻌﺮف ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻳﻘﺒﻞ ﺳﺘﻴﻔﻨﺴﻮن ﺑﺎﻓﱰاض اﻟﻀﻤري ذاﺗًﺎ ﺛﺎﻧﻴﺔ أو ﺑﺪﻳﻠﺔ، ﻗﻠﻴﻼ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻨﺢ ﻫﺬه اﻟﺬات ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺻﻮﺗًﺎ ،ﺑﻞ ً ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻄﻮر ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻜﺮة ً أﻳﻀﺎ ٍّ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن ﻣﺆﻗﺘًﺎ .وﺑﻄﻞ اﻟﻘﺼﺔ ﻗﺎﺗﻞ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺑﻌﺪ أن ارﺗﻜﺐ ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ﻣﻈﻬ ًﺮا ً ﻃﻴﻔﺎ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻳﺸﺒﻬﻪ وﻻ ﻳﺸﺒﻬﻪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ: وﻗﻒ ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ وﺣﺪق ﻓﻴﻪ ﺑﻌﻴﻨني ﻣﻔﺘﻮﺣﺘني .رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻏﺸﺎوة ﻋﲆ ﺑﴫه ،ﻟﻜﻦ ﻫﻴﻜﻞ اﻟﻘﺎدم اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺪا ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻳﺘﻐري وﻳﺮﺗﻌﺶ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ ﻫﻴﺎﻛﻞ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﰲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﻮع املﱰاﻗﺺ ﰲ املﺘﺠﺮ .أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛﺎن ﻳﻈﻦ أﻧﻪ 95
اﻟﻀﻤري
ﻳﻌﺮﻓﻪ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ أﺧﺮى ﻛﺎن ﻳﻈﻦ أﻧﻪ ﻳﺸﺒﻬﻪ ،وداﺋﻤً ﺎ ﻛﺎن ﻳﻜﻤﻦ ﰲ ﺻﺪره ﻛﻜﺘﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﺐ اﻟﺤﻲ اﻋﺘﻘﺎده ﺑﺄن ﻫﺬا اﻟﻜﺎﺋﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻷرض وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﷲ .وﻣﻊ ً ﻣﺄﻟﻮﻓﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﺮﻳﺐ وﻫﻮ ﻳﻘﻒ ﻧﺎﻇ ًﺮا ملﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ وﻗﺪ ذﻟﻚ ،ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻜﺎﺋﻦ ﻳﺒﺪو ارﺗﺴﻤﺖ اﻟﺒﺴﻤﺔ ﻋﲆ ﺷﻔﺘﻴﻪ. وﻣﺜﻠﻤﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺿﻤري ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ أوﻏﺴﻄني ودﻳﻔﻮ ،ﻳﺮﺗﺒﻂ ﻫﺬا اﻟﻄﻴﻒ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﺣﻤﻴﻤﻴﺔ ﻣﻊ ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ ،ﻓﻬﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ آﺧﺮ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻨﻪ ً ﻧﺤﻮ ﻣﺎ .وﺑﻴﻨﻤﺎ أﻳﻀﺎ ﻋﲆ ٍ ﻳﺼﺎرع أوﻏﺴﻄني ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﻠﻜﻴﺔ ﻟﺴﺎﻧﻪ ،وﻳﺠﺪ ﻛﺮوزو ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﺟﺪال ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ، ﻳﺘﻮﻫﻢ ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ وﺟﻮد ﻃﻴﻒ ﻣﺸﺎﺑﻪ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ اﻟﺤﻮار ﻣﻌﻪ ،ﻃﻴﻒ ﺧﺎرق ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ »ﺷﺒﻴﻪ« ﺑﻪ ﻳﺨﺎﻃﺒﻪ ﺑﺼﻮت ﻳﺸﺒﻪ ﺻﻮﺗﻪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺨﻴﻒ .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺳﺘﻴﻔﻨﺴﻮن أول ﻣﻦ اﺑﺘﻜﺮ ﺿﻤريًا ﻣﺘﺤﺮ ًﻛﺎ ﻣﺘﺤﺪﺛًﺎ ،ﻓﺎﻟﻀﻤري ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺑﺎرزة ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ ﻟﻠﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻣﺜﻞ ﻗﺼﻴﺪة وﻳﻠﻴﺎم ﻻﻧﺠﻼﻧﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻟﻔﻼح ﺑريس« ،وﻫﻮ ﻳﻈﻬﺮ ﻋﲆ ﺧﺸﺒﺔ املﴪح ﺑﺎﺳﻤﻪ ﰲ املﴪﺣﻴﺎت اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻌﺮض ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ واﻟﺴﺎدس ﻋﴩ .وﰲ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺜﻠﺔ ،ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﻀﻤري ﻣﻮﻫﺒﺔ اﻟﺨﻄﺎب اﻹﻗﻨﺎﻋﻲ. ﻳﺤﺎول ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ أن ﻳﻤﻨﻊ زاﺋﺮه املﺰﻋﺞ ﻣﻦ اﻻﻗﱰاب ،وﻫﻮ رد ﻓﻌﻞ ﻣﻌﺘﺎد ،ﻓﺎﻟﻀﻤري ﻏري ﻣﺮﺣﺐ ﺑﻪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ ﻇﻬﻮره ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺠﻠﺐ وﻋﻴًﺎ ذاﺗﻴٍّﺎ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺠﻠﺐ ﻣﻌﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺎت ﺷﺎﻗﺔ. ﺻﺎح ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ ً ﻗﺎﺋﻼ» :أﻧﺖ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﻲ؟ ﻛﻼ ،أﺑﺪًا ،ﻟﻴﺲ أﻧﺖ! أﻧﺖ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ ﺑﻌﺪ ،ﺣﻤﺪًا هلل أﻧﺖ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ!« وأﺟﺎب اﻟﺰاﺋﺮ ً ﻗﺎﺋﻼ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﺪة أو اﻟﺤﺰم املﻤﺘﺰج ﺑﺎﻟﺤﻨﺎن» :ﺑﻞ أﻋﺮﻓﻚ ،وأﻋﺮف دﺧﻴﻠﺘﻚ ﺟﻴﺪًا«. ﻳﺮﺗﻜﺐ ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ اﻟﺨﻄﺄ املﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﺣﻮار ﻣﻊ ﺷﺒﻴﻬﻪ ،وﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻳﻘﺘﻨﻊ ﺑﺎﻻﻋﱰاف ،وﻫﻮ اﻋﱰاف ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﰲ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ أو ﻻ .وﻋﻨﺪ اﻋﱰاف ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﻬﻤﺔ اﻟﺸﺒﻴﻪ ،ﻓﻴﺨﺘﻔﻲ وﻳﺘﻼﳽ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻳﱰك اﻟﻘﺎرئ ﻛﻲ ﻳﺘﺴﺎءل ﻋﻦ ﻧﻮاﻳﺎه اﻷﺻﻠﻴﺔ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﺒﻄﻞ: ً ﻧﻌﻮﻣﺔ ﺑﺪأت ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺰاﺋﺮ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﺘﻐري راﺋﻊ ﺟﻤﻴﻞ :ﻓﻘﺪ أﴍﻗﺖ وزادت وﻏﻤﺮﺗﻬﺎ ﻓﺮﺣﺔ اﻟﻨﴫ املﻤﺰوﺟﺔ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎن ،وﰲ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺘﻲ أﴍﻗﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻬﺘﺖ وﺗﻼﺷﺖ. 96
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
ﻳﻌﺪ ﺳﺘﻴﻔﻨﺴﻮن أﻗﻞ ﺗﺄﻛﺪًا أو ﺛﻘﺔ ﻣﻦ أوﻏﺴﻄني أو دﻳﻔﻮ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮه ﻟﻠﻀﻤري واﻟﻮﻻء املﻨﻘﺴﻢ أو املﻬﻤﺔ املﺰدوﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﻬﺎ اﻟﻀﻤري ،ﻓﺤﺪﻳﺚ ﺿﻤري ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ ﺣﺪﻳﺚ ُﻐﺮ ﻻ ﻳﺤﺎول إﻗﻨﺎﻋﻪ ﺑﺎﻟﺨﻼص ﻗﺪر ﻣﺎ ﻳﻌﺪ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب اﻟﺬاﺗﻲ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻘﻮم ﺑﺬﻟﻚ ﻣ ٍ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت وﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ اﻹﻗﻨﺎﻋﻲ. وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜريًا ﰲ ﻓﺤﻮاﻫﺎ ،إﻻ أن ٍّ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﺎ ً ﺷﺨﺼﺎ ﰲ ﻣﻮﻗﻒ ﺧﻄري ﻣﺴﺘﻌﺪ ﻻﺗﺨﺎذ ﻗﺮار ﺣﺎﺳﻢ ﺟﺪﻳﺪ ،ﺳﻮاءٌ اﻻﻫﺘﺪاء ﰲ ﻳﺘﻀﻤﻦ اﻟﺤﺎﻟﺘني اﻷوﻟﻴني أو اﻻﻋﱰاف ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ .وﻫﻜﺬا ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ »زﻳﺎرة« اﻟﻀﻤري اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻤري ﺑﺪور ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺧﺎﺻﺔ أو »ﻣﻄﻠﻌﺔ« ﻋﲆ املﺄزق اﻟﺬي ﻳﻤﺮ ﺑﻪ اﻟﺒﻄﻞ .ﻓﻤﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ ﻋﻘﻮد ﻛﺘﺐ ﺑﺮوﻧﻮ ﺳﻨﻴﻞ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻌﺒﻘﺮي »اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻘﻞ« اﻟﺬي أﺑﺪى ﻓﻴﻪ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺛﺎﻗﺒﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن اﻹﻏﺮﻳﻖ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن إﱃ ﺗﻔﺴري أﺣﺪ اﻟﺘﻐريات اﻟﻜﱪى ﰲ وﺟﻬﺔ اﻟﻨﻈﺮ أو ﺗﺒﻨﻲ ﻗﺮار ﺟﺪﻳﺪ ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺰﻳﺎرة ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻣﻦ إﻟﻪ أو أي وﺳﻴﻂ ﺧﺎرﺟﻲ آﺧﺮ — وﺳﻴﻂ ﻣﻄﻠﻊ ﻋﲆ املﻮﺿﻮع اﻟﺤﺎﱄ، ﻟﻜﻨﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺟﺪﻳﺪة أو ﺑﺼرية ﻧﺎﻓﺬة أو ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻄﺎﻟﺐ املﻌﺪﻟﺔ — وﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﻳﺎرة إﻣﺎ ﺣﻮا ًرا ﻳﻐري اﻟﺮأي أو ﻓﺮﺻﺔ ﻹﻗﻨﺎع اﻟﺸﺨﺺ املﱰدد أو اﻟﺤﺎﺋﺮ ﺑﺘﻐﻴري وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه .ﻓﻘﺪ ﺗﺰور رﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل أﺣﺪ اﻟﺸﻌﺮاء ﻛﻲ ﺗﺨﱪه ﺑﻤﺎدة ﺟﺪﻳﺪة أو ﻣﺼﺪر ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻺﻟﻬﺎم ،أو ﻗﺪ ﺗﻘﻨﻊ إﺣﺪى اﻵﻟﻬﺔ ﺗﻴﻠﻴﻤﺎﺧﻮس ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ واﻟﺪه .ﻟﺪﻳﻨﺎ اﻵن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﻠﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﻟﺪى اﻹﻏﺮﻳﻖ اﻟﻘﺪﻣﺎء ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﴫاع ﺑني اﻟﺮوح واﻟﺠﺴﺪ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ املﺴﻴﺤﻴﺔ أو اﻟﴫاع اﻟﺪاﺧﲇ ،واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﺬاﺗﻲ واﻻﻧﻌﻜﺎس ﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺻﻼح اﻟﺪﻳﻨﻲ ،واﻟﻮﻋﻲ اﻟﻔﺮوﻳﺪي ﺑﺎﻟﺪواﻓﻊ ﻏري املﻌﱰف ﺑﻬﺎ .ﻟﻜﻦ اﻟﻮﺻﻒ اﻷﻗﺪم ﻟﻠﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻳﻈﻞ ﻣﺘﺎﺣً ﺎ ً أﻳﻀﺎ ،وﺗﺘﻤﺘﻊ ﺧﻄﺎﺑﺎت اﻟﻀﻤري ﺑﺸﺒﻪ واﺿﺢ ﻣﻊ أﻛﺜﺮ ﻧﻤﺎذج اﻟﺘﻔﺴري اﻟﻨﻔﴘ اﺣﱰاﻣً ﺎ، ً ﻣﺄزﻗﺎ ﻻ ﺣﻞ ﻟﻪ زﻳﺎرة ﻣﻦ ﻣُﺤﺎور ﻣﻤﻴﺰ. واﻟﺘﻲ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻮاﺟﻪ وﻣﺎ زال اﻟﺴﺆال ً ﻋﺎﻟﻘﺎ :ملﺎذا ﻳﻌﱪ ﻋﻦ زﻳﺎرات اﻟﻀﻤري ﰲ ﺻﻮرة أﺣﺎدﻳﺚ ﻣﺒﺎﴍة؟ ﻓﻜ ﱞﻞ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻳﻘﺪم اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻛﻴﺎﻧًﺎ »ﺣﺪﻳٍّﺎ« ،أي إﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ آن واﺣﺪ وﻳﻤﺘﻠﻚ درﺟﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ املﻌﺮﻓﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ واﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ .وﻫﻜﺬا ﻓﺈن واﻟﺨﺎرج ﰲ ٍ اﻟﻀﻤري ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺮاﻗﺒًﺎ-ﻣﺸﺎر ًﻛﺎ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻮﺳﻂ ﺑني اﻟﻨﻔﺲ واﻟﻌﺎﻟﻢ .واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻮ اﻷداة املﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺪور اﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﻫﺬا ،ﻓﺎﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﺑني اﻟﻨﻔﺲ واﻵﺧﺮ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﻲ املﻬﻤﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ذاﺗﻪ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮي أﻧﻔﺴﻨﺎ ،ﺣﺘﻰ وﻧﺤﻦ ﻧﺴﺘﺨﺪم اﻟﻠﻐﺔ 97
اﻟﻀﻤري
ﻟﻌﺮض ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻳﻌﺪ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻠﻐﻮي ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻠﻜﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،ﻳﻌﱪ اﻟﻔﺠﻮة ﺑني اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج أو ﺑني املﺘﺤﺪث واملﺨﺎﻃﺐ .وﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷملﺎﻧﻲ ﻫﻴﺠﻞ ﰲ ﻣﺆﻟﻔﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻋﻠﻢ ﻇﻮاﻫﺮ اﻟﺮوح« ):(١٨٠٧ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻮ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﺬات اﻟﺬي ﻳﺒﻘﻰ ﻟﺪى اﻵﺧﺮﻳﻦ … إﻧﻪ اﻟﺬات — وﻗﺪ ﻗﺴﻤﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﱃ ﻗﺴﻤني — اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺣﻴﺎل ﻧﻔﺴﻬﺎ … ﻣﺤﺎﻓ ً ﻈﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺘﻠﻚ اﻟﺬات ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻨﺪﻣﺞ ﰲ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ وﻳﺼﺒﺢ وﻋﻴﻬﻢ ﺑﺬواﺗﻬﻢ. ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺗﻄﺒﻴﻖ وﺻﻒ ﻫﻴﺠﻞ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺑﺄﻧﻪ »اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﺬات اﻟﺬي ﻳﺒﻘﻰ ﻟﺪى اﻵﺧﺮﻳﻦ« ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺪﻗﺔ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري وﻛﻞ ﻣﺎ ﻻﺣﻈﻨﺎه ﻋﻨﻪ ﺣﺘﻰ اﻵن .ﻓﺎﻟﻀﻤري — ﻛﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻧﻔﺴﻪ — ﻳﺮﺑﻂ ﺑني اﻟﺬات اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ .ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻮ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻠﺘﻌﺒري ﻋﻨﻪ. وﺗﻜﻤﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﰲ اﻋﺘﻤﺎده ﻋﲆ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻠﻐﺔ، ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ ﻣﻠﻜﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ وﻣﻠﻚ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ .وإذا دﺧﻠﻨﺎ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺪﺧﻞ وﺳ ً ﻄﺎ ذا ﺗﺎرﻳﺦ وﺑﻴﺌﺔ ذات ﻣﻴﻮل ﻣﺘﻮارﺛﺔ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .ﻓﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻳﺴﺒﻖ وﺟﻮدﻫﺎ وﺟﻮد اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت املﺤﺪدة اﻟﺘﻲ ﻧﻀﻌﻬﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻣﺘﻀﻤﻨﺔ ﻻ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺑﺄﻏﺮاﺿﻨﺎ .وﻳﻤﻜﻦ ﻣﻘﺎرﻧﺔ املﻌﻨﻰ اﻟﺬي ﺗﺨﺪم ﺑﻪ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻚ َ اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎﺗﻨﺎ — وإن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺆﻗﺘًﺎ وﺑﺸﻜﻞ ﻏري ﻛﺎﻣﻞ ﻧﻈ ًﺮا ﻷﻧﻪ ﻳﺨﺪم ﺳﺎدة آﺧﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ — ﺑﻤﻮﻗﻒ اﻟﻀﻤري اﻟﺬي ﻳﺨﺎﻃﺐ اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت واﻟﺮﻏﺒﺎت ﻟﻜﻦ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼل ﻣﺰﻋﺞ .وﰲ إدراﻛﻪ اﻟﺨﺎص ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻘﻨﺎة اﻟﺘﻮاﺻﻠﻴﺔ ﺑني اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج — أي اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﺨﺎص واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ اﻟﻌﺎم — ﻗﺪ ﻳﻨﻈﺮ ﻟﻠﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺣﺎﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻧﻔﺴﻪ: ﺣﺪﻳﺚ داﺧﲇ ﻳﺨﺪم ﺳﻴﺪﻳﻦ — إذا ﺟﺎز اﻟﺘﻌﺒري — وﻫﻤﺎ اﻟﺬات واﻵﺧﺮ .و ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻳﻈﻞ أداة ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻹدراك اﻟﺬات ،ﻟﻜﻨﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻗﻮة ﻋﻨﻴﺪة ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻬﺎ. ﺻﻮت ﺿﻌﻴﻒ؟ ﰲ اﻟﻌﻘﻮد املﻀﻄﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﻫﺎ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ،ﻛﺘﺐ إدوارد ،إﻳﺮل ﻛﻼرﻳﻨﺪون )ﰲ اﻻﻗﺘﺒﺎس اﻟﺬي ذُﻛﺮ ﰲ ﻣﻄﻠﻊ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ( ﻣﺸريًا إﱃ أن اﻟﻀﻤري ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻜﻦ ﺑﺼﻮرة ﺿﻌﻴﻔﺔ أو واﻫﻨﺔ .وﻗﺪ ﻳﺨﺘﻔﻲ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،أﺣﺪﻫﺎ أن ﻳﺴﻘﻂ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﻟﻠﻌﺎدة )»ﻋﺎدة ارﺗﻜﺎب اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ« ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻛﻼرﻳﻨﺪون( أو اﻻﺳﺘﺴﻼم 98
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
املﺘﻜﺮر ﻟﻠﻨﺰﻋﺎت املﻌﺎرﺿﺔ .ﺑﻞ اﻷﺳﻮأ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺸﻚ ،اﻟﺬي ﻳﺘﻀﺢ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻨﺎول ﺳﺘﻴﻔﻨﺴﻮن ﻟﻀﻤري ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ ،ﰲ أن اﻟﻀﻤري ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻏري ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺜﻘﺔ أو ﻓﺎﺳﺪًا أو أن ﻧﺼﺎﺋﺤﻪ ﺗﺼﻄﺒﻎ ﺑﻤﺼﺎﻟﺢ أﺧﺮى .وﻛﺎن اﻟﻀﻤري داﺋﻤً ﺎ ً واﺛﻘﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻟﻜﻦ ﺿﻤري ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻟﺨﺪﻣﺔ ملﺼﺎﻟﺢ اﻵﺧﺮﻳﻦ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ، وﺻﻮﺗﻪ ﻫﻮ ﺻﻮت اﻟﺤﻴﺔ اﻟﺨﺒﻴﺚ املﻐﻮي ﰲ اﻟﺠﻨﺔ أو ﺻﻮت اﻟﺸﻴﻄﺎن وﻫﻮ ﻳﻐﻮي املﺴﻴﺢ، ﺻﻮت ﻳﻐﺰو أﻓﻜﺎر ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺆدي ﺑﻪ إﱃ ﺗﺪﻣري ذاﺗﻪ. وﺗﻌﺪ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻟﻮﻻء املﺸﻜﻮك ﻓﻴﻪ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺗﺸﱰك ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺠﺴﻴﺪات ﻣﺘﻌﺪدة ﻟﻠﻀﻤري ﰲ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﺠﻤﺎﻫريﻳﺔ ،وﻫﻲ ﺿﻤﺎﺋﺮ ﺗﻐﻮي وﺗﺸﻤﺖ وﺗﻬﺪد ﺑﺘﺪﻣري أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺑﻄﺮق أﺧﺮى .وأﻧﺎ أﻋﺘﻘﺪ أن ﻫﺬا ﻣﺜﻞ »ﺗﺄﺛري ﻻﻣﻮﻧﺖ ﻛﺮاﻧﺴﺘﻮن« ،وﻫﻮ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ إذاﻋﻲ ﻛﺎن ﻳﺒﺚ أﻳﺎم ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ وﻛﺎن ﻳﻘﺪم ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻛﺮاﻧﺴﺘﻮن »اﻟﻈﻞ« ،وﻫﻮ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﻌﺎﴏة ﺗﺠﺴﺪ اﻟﻀﻤري ،وﻛﺎن ﺷﻌﺎره »ﻣﻦ ﻳﻌﺮف ﻣﺎ اﻟﴩ اﻟﺬي ﻳﻜﻤﻦ ﰲ ﻗﻠﻮب اﻟﺒﴩ؟ اﻟﻈﻞ ﻳﻌﺮف!« وﻳﻌﻘﺒﻪ ﺿﺤﻜﺔ ﺳﺎﺧﺮة .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻛﺎن اﻟﻈﻞ ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ املﻮﻗﻒ اﻷﻗﻮى؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﺿﺤﺎﻳﺎ ﺳﺨﺮﻳﺘﻪ )ﻣﺜﻞ ﻣﺎرﻛﻬﺎﻳﻢ( ﻣﻦ اﻵﺛﻤني ﺑﻼ رﻳﺐ .ﻟﻜﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺎ ﰲ اﻻﺑﺘﻬﺎج اﻟﺨﺒﻴﺚ ﻟﻠﻀﻤري ﻛﺎن ﻳﻨﻔﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻫﺪﻓﻪ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻜﻤﺎل اﻷﺧﻼﻗﻲ .واﻟﻈﻞ ﺑﺪوره ﻟﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺦ املﻘﻠﺪة ﰲ ﻓﺌﺔ أﻓﻼم اﻟﺮﻋﺐ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎملﺮاﻫﻘني واﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺪى ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺨﺺ ﻏري ﻣﺮﺋﻲ أو ﻣﺘﻨﻜﺮ ﺿﺤﻴﺘﻪ ﺳﺎﺧ ًﺮا ﺑﴚء ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ »أﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ« أو ﺗﺤﺪﻳﺪًا »أﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ اﻟﺼﻴﻒ املﺎﴈ« .وﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﺼﻮت اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺪث ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﻗﻮة ﺧﺎرج اﻟﺬات — ﻟﻜﻨﻪ ذو ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻏري ﻋﺎدﻳﺔ ﺑﺎﻟﺬات — ﻣﻮﻫﺒﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﰲ إﺣﺪاث اﻟﺪﻣﺎر واملﺘﺎﻋﺐ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ .وﰲ ﺣني أﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻨﺎ ﻛﻞ ﳾء ،ﻓﻬﻮ ﻳﻈﻞ ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ ﻣﺨﻄﻄﺎﺗﻨﺎ اﻟﻬﺎدﻓﺔ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ دون أﻳﺔ ﻣﱪرات .وﻫﻜﺬا ﻳﻤﻜﻦ ﻹﺣﺪى اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﻟﻠﻀﻤري — وﻫﻲ أﻧﻪ ﻏري ﻣﺤﺒﻮب وﻻ ﻳﻤﻜﻦ رﺷﻮﺗﻪ أو ﴍاؤه وأﻧﻪ ﻳﻈﻞ ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻬﻢ — أن ﺗﻔﴪ ﺗﻌﻄﻠﻪ اﻟﺠﺰﺋﻲ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ. وﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﻀﻤري ﰲ ﻋﻤﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻠﻪ داﺋﻤً ﺎ ،وﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ أﺻﺒﺢ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺎﺣﱰام أﻗﻞ .وﻣﺎ زال ﻧﺪاؤه ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ ،ﻟﻜﻦ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﺧﺎﻓﺘًﺎ أو ً ً ﻓﺎرﻏﺎ ﻣﻦ املﺤﺘﻮى اﻷﺧﻼﻗﻲ املﻘﻨﻊ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻹﻋﺠﺎب .وﰲ أوﺳﺎط ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻏﺎﻣﻀﺎ أو ﻣﺤﺪدة ﻣﺎ زال اﻟﻀﻤري ﻳﻤﻠﻚ ﺻﻮﺗًﺎ وﻧﺪاءً ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻔﺮار ﻣﻦ اﻟﺸﻚ ﰲ أن ﻧﺪاءه ﻓﺎرغ :ﻓﻬﻮ ﻧﺪاء ﻣﻦ اﻟﺬات ﻟﻠﺬات ،ﻟﻠﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ — ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ داﺋﻤً ﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ — ﻟﻜﻨﻪ اﻵن ﻧﺪاء ﻣﺤﺎﴏ داﺧﻞ اﻟﺬات ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ،وﻻ ﺗﺴﻤﻌﻪ إﻻ اﻟﺬات ،وﻫﻮ ﻣﺠﺮ ٌد ﻣﻦ 99
اﻟﻀﻤري
أﻧﻮاع املﻀﻤﻮن اﻟﻮاﺿﺢ اﻟﺘﻲ ﺑﻮﺳﻌﻬﺎ أن ﺗﻀﻤﻦ ﻗﻮﺗﻪ وأﻫﻤﻴﺘﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .وﰲ اﻟﻨﻈﺎم ً ﻓﺎرﻏﺎ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ، اﻟﺨﺎص ﺑﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﺎرﺗﻦ ﻫﺎﻳﺪﺟﺮ ،ﻳﻌﺪ ﻧﺪاء اﻟﻀﻤري ﻓﻬﻮ أﻛﺜﺮ اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ ﺑﺎﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺬاﺗﻲ ﻟﻠﺬات ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺄي ﻣﻀﻤﻮن أﺧﻼﻗﻲ ﻣﻤﻴﺰ» :ﻳﻮﻗﻆ اﻟﻀﻤري اﻟﺬات ﻣﻦ ﺿﻴﺎﻋﻬﺎ ﰲ اﻵﺧﺮﻳﻦ «.وﻳﺪﻋﻮ ﻧﺪاء اﻟﻀﻤري اﻟﺬات إﱃ اﻟﻮﻋﻲ اﻷﺧﻼﻗﻲ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﻈﻞ ﻏري ﻣﺤﺪد ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﻀﻤﻮن ﻫﺬا اﻟﻮﻋﻲ )ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻼﺋﻤً ﺎ ﻟﻠﻤﻌﻀﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ ﻣﻬﻨﺔ ﻫﺎﻳﺪﺟﺮ ﺳﻴﺌﺔ اﻟﺴﻤﻌﺔ(. وﻳﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻀﻤري املﻬﻮوس ﺑﺬاﺗﻪ اﻟﻴﻮم — واﻟﺬي ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل إﻧﻪ ﻣﻦ أﺗﺒﺎع ﻣﺬﻫﺐ ﻫﺎﻳﺪﺟﺮ — ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻛﻼﻣﺎﻧﺲ ﰲ رواﻳﺔ ﻛﺎﻣﻮ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻟﺴﻘﻮط« ) ،(١٩٥٦وﻫﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ وﺻﻔﻬﺎ ﻛﺎﻣﻮ ﰲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﻧﻤﻮذج دﻗﻴﻖ ﻟﻀﻤري ﻧﺎدم«. وﻳﺘﺸﻜﻞ ﺿﻤري ﻛﻼﻣﺎﻧﺲ ﺑﺴﺒﺐ »ﴏﺧﺔ« أﻃﻠﻘﺘﻬﺎ اﻣﺮأة ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﰲ ﻧﻬﺮ اﻟﺴني، وﻫﻲ ﴏﺧﺔ »اﻧﺘﻈﺮﺗﻨﻲ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻗﺎﺑﻠﺘﻬﺎ ﻓﻴﻪ« و»ﻛﺎن ﻋﲇ ﱠ أن أﺧﻀﻊ ﻟﻬﺎ وأﻋﱰف ﺑﺬﻧﺒﻲ« .وﻫﻲ ﴏﺧﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﻼﻣﺎﻧﺲ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻬﺎ ،واﻵن ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻋﺠﺰه ﻋﻦ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻬﺎ — ﺣﺘﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ أﻳﻦ ﺻﺪرت أو ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ — ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة إﱃ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻬﺎدﺋﺔ .وﻻ ﺗﻌﺪ ﻣﺤﻨﺘﻪ دﻋﺎﻳﺔ ﻟﻘﻮة اﻟﻀﻤري اﻟﺘﺨﻠﻴﺼﻴﺔ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻘﺎﺑﻠﻪ وﻧﱰﻛﻪ وﻫﻮ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻠﻞ واﻟﻀﻌﻒ. ﻟﻜﻦ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري ﻣﺎ زال ﻳﺼﺎرع اﻟﻈﺮوف ﻛﻲ ﻳﻜﻮن ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ .ﻛﻤﺎ ﰲ أﻏﻨﻴﺔ إﻣﻴﻨﻢ اﻟﺸﻬرية »اﻟﻀﻤري اﻟﻨﺎدم« اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري ،ﺑﻞ ﻳﻘﺪم ً أﻳﻀﺎ ﺑﺼﻮرة ﻣﺤﱰﻣﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺤﻈﻰ ﺳﻮى ﺑﻨﺠﺎح ﻣﺤﺪود .وﻗﺪ أ ﱠﻟﻒ ﻣﻐﻨﻲ اﻟﺮاب اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ إﻣﻴﻨﻢ ً ﻋﺮﺿﺎ ﺗﻤﺜﻴﻠﻴٍّﺎ ﻣﺘﻌﺪد اﻷﺻﻮات ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻪ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻤﺜﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻔﻬﻴﺔ املﻌﺎﴏة ً ﻣﻦ ﻣﻤﺜﲇ املﺠﺘﻤﻊ اﻷﻗﻞ ﺗﻤﺘﻌً ﺎ ﺑﺎﻟﻀﻤري ﺑﻮاﺳﻄﺔ إﻣﻴﻨﻢ )ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺘﺤﺪﺛﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﺎرع واﻟﻐﺮﻳﺰة اﻷﻛﺜﺮ اﻧﺤﻄﺎ ً ﻃﺎ( ،وﺗﻘﻴﻴﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﻗِ ﺒﻞ إﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻬﻴﺐ ﻫﻮب واملﺘﺤﺪث اﻷﻛﱪ ﺳﻨٍّﺎ د .دري )ﰲ دور اﻟﻀﻤري(. وﰲ اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ اﻷول ﻣﻦ ﺑني ﺛﻼﺛﺔ ﺳﻴﻨﺎرﻳﻮﻫﺎت ،ﻧﺘﻌﺮف ﻋﲆ ﺷﺨﺼﻴﺔ إﻳﺪي وﻫﻮ ﻋﲆ وﺷﻚ ﴎﻗﺔ ﻣﺘﺠﺮ ﻛﺤﻮﻟﻴﺎت: املﺬﻳﻊ :ﻫﺬا ﻫﻮ إﻳﺪي ٢٣ ،ﻋﺎﻣً ﺎ. ﻳﺎﺋﺲ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة وﻣﻦ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﺑﻬﺎ اﻷﻣﻮر، ﻓﻴﻘﺮر أن ﻳﴪق ﻣﺘﺠﺮ ﻛﺤﻮﻟﻴﺎت. إﻳﺪي :ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺗﺤﻤﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ .ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺗﺤﻤﻞ. 100
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
املﺬﻳﻊ :ﻟﻜﻦ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﱠ ﻏري رأﻳﻪ ﻓﺠﺄة، وﻓﺠﺄة اﺳﺘﻴﻘﻆ ﺿﻤريه … إﻳﺪي :ﺗﺒٍّﺎ! ﻋﲇ ﱠ أن أﻗﻮم ﺑﺬﻟﻚ … ﻋﲇ ﱠ أن أﻗﻮم ﺑﺬﻟﻚ. د .دري :ﺣﺴﻨًﺎ ،ﺗﻮﻗﻒ. إﻳﺪي :ﻣﺎذا؟! د .دري :اﻵن ﻗﺒﻞ أن ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﺑﺎب ﻣﺘﺠﺮ اﻟﻜﺤﻮﻟﻴﺎت، وﺗﺤﺎول اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻮد ﻣﻦ اﻟﺪرج، ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ أن ﺗﻔﻜﺮ ﰲ اﻟﻌﻮاﻗﺐ. إﻳﺪي :ﻟﻜﻦ ﻣﻦ أﻧﺖ؟ د .دري :أﻧﺎ ﺿﻤريك اﻟﻠﻌني … وﻳﺘﺪﺧﻞ إﻣﻴﻨﻢ )ﰲ دور ﺳﻠﻴﻢ ﺷﻴﺪي( ﻛﻲ ﻳﻘﺎوم ﻧﺼﻴﺤﺔ اﻟﻀﻤري اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ،ﻣﻘﱰﺣً ﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ أن ﻳﴪق إﻳﺪي املﺎل و»ﻳﻄﻠﻖ اﻟﺮﺻﺎص ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﻫﺮة«. وﻳﻌﺪ د .دري — ﰲ دور ﺻﻮت اﻟﻀﻤري — ﻋﴫﻳٍّﺎ ﺟﺪٍّا :ﻓﻬﻮ ﻣﻘﻨﻊ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻟﻜﻨﻪ ً إﻃﻼﻗﺎ ﺗﻨﺤﻴﺘﻪ ﺟﺎﻧﺒًﺎ .وﻳﺘﻨﺎزع اﻟﻀﻤري ﻣﻊ ﺳﻠﻴﻢ ﺿﻌﻴﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء وﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﻋﲆ روح إﻳﺪي ،ﺛﻢ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﺤﺠﺔ ﻋﺘﻴﻘﺔ اﻟﻄﺮاز ﺣﻮل اﻟﺘﻌﻘﻞ واﻟﻌﻮاﻗﺐ »ﺣﺴﻨًﺎ ،ﻟﻜﻦ إذا ﺗﻢ ﻛﻞ ﳾء ﻛﻤﺎ ﻳﻔﱰض ،ﻓﺴﻮف ﻳﻌﺮف اﻟﺤﻲ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ وﻳﻔﻀﺤﻮﻧﻚ« ،وﻫﻲ ﺣﺠﺔ ﻣﻦ املﺴﺘﺒﻌﺪ أن ﺗﻨﺘﴫ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷﻗﻞ ً ﺗﻘﺒﻼ اﻟﺨﺎص ﺑﺮاب اﻟﻌﺼﺎﺑﺎت .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻳﻠﻘﻲ ﻣﻮاﻋﻆ أﺧﻼﻗﻴﺔ ﻷﺑﻄﺎل إﻣﻴﻨﻢ املﺮﻳﺒني ،ﻓﺈن دري ﻻ ﻳﺒﲇ ﺑﻼءً ﺣﺴﻨًﺎ ﰲ دور اﻟﻀﻤري .وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري ﻣﺠﺮدًا ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻮﻳﺾ اﻹﻟﻬﻲ ،ﻓﻬﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻬﺠﻮم ﻋﲆ ﺷﺨﺼﻪ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺣﺪث ﻋﻨﺪﻣﺎ »ﻳﺪﻋﻮه« ﺳﻠﻴﻢ ﺑﺎﺳﻤﻪ وﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﺴريﺗﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ املﺨﺘﻠﻄﺔ: اﻟﺴﻴﺪ دري؟ اﻟﺴﻴﺪ إن داﺑﻠﻴﻮ إﻳﻪ؟ اﻟﺴﻴﺪ إﻳﻪ ﻛﻴﻪ ﻳﺨﺮج ﻣﺒﺎﴍة ﻣﻦ ﻛﻮﻣﺘﻮن … ً ﻛﻴﻒ ﺑﺤﻖ اﻟﺠﺤﻴﻢ ﺳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ أﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﻨﻴﻔﺎ؟ وﻟﻠﻤﻔﺎرﻗﺔ ،ﻛﺎد ذﻛﺮ املﺎﴈ اﻟﻌﻨﻴﻒ ﻟﺪري/اﻟﻀﻤري ﻳﻌﻴﺪ إﻟﻴﻪ ﻣﺼﺪاﻗﻴﺘﻪ ،ﻟﻜﻦ ﰲ ً ﻣﺒﺘﺬﻻ ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﻘﻴﻘﺔ ذﻫﺎب ﻫﺬا اﻟﺪور إﱃ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ أﺻﺒﺢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻀﻤري دري ،وﻫﻮ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﻮﻗﺮة ﻟﻜﻨﻪ أﺻﺒﺢ اﻵن إﺣﺪى »اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ« ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮاب. وﻣﺎ زﻟﻨﺎ ﻧﺘﻌﺮف ﻋﲆ ﺻﻮﺗﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺴﻤﻌﻪ وﻧﺜﻨﻲ ﻋﲆ ﻣﻨﻄﻘﻪ املﺪروس ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻤﻠﻚ 101
اﻟﻀﻤري
اﻷﺛﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي ﻳﺴﺒﺐ ﺷﺤﻮب اﻟﻮﺟﻪ وارﺗﺠﺎف اﻟﺴﺎﻗني وﻛﻞ اﻷﻋﺮاض اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻴﺐ ﺿﺤﺎﻳﺎ اﻟﻀﻤري ﰲ املﺎﴈ. ﻣﻨﺎﻓﺴﻮ اﻟﺼﻮت ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ داﺋﻤً ﺎ ﺗﻜﺒري اﻟﺼﻮت اﻟﺨﺎﻓﺖ ﻟﻠﻀﻤري ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ ﻣﴪﺣﻴﺔ ﺷﻜﺴﺒري »رﻳﺘﺸﺎرد اﻟﺜﺎﻟﺚ« .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن رﻳﺘﺸﺎرد ﻋﲆ وﺷﻚ ﺧﻮض ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﻮزوورث وﺗﺆرﻗﻪ اﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ، ﺳﻤﻊ ﺿﻤريه ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺄﻟﻒ ﻟﻐﺔ» :ﺿﻤريي ﻟﻪ أﻟﻒ ﻟﻐﺔ ،وﻛﻞ ﻟﻐﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻘﺼﺺ ﻋﺪﻳﺪة، ً ﻣﻀﺎﻋﻔﺎ أو ﻣﺮﺗﻔﻌً ﺎ ،ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ وﻛﻞ ﻗﺼﺔ ﺗﺤﻜﻢ ﻋﲇ ﱠ ﺑﺎﻟﴩ «.وﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن اﻟﺼﻮت اﻷﺣﻴﺎن ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎملﻬﻤﺔ وﺣﺪه؛ إذ ﻧﺤﱠ ﻰ رﻳﺘﺸﺎرد ﺿﻤريه ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ »ﻟﻴﺲ ﺳﻮى ﻛﻠﻤﺔ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﺠﺒﻨﺎء« وﻫﻮ ﺑﺬﻟﻚ ﻧﻤﻮذج ﻳﺴﺘﺪل ﺑﻪ .وﻫﻮ ﻣﻬﺰوم أﻣﺎم اﻟﻀﻤري، ﻟﻜﻦ ﰲ ﺣﺎﻻت أﺧﺮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﺨﻤﺪ أو ﻳﺨﻔﺾ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري ﻗﺪ ﺗُﺴﺘﺪﻋﻰ ﻣﺼﺎدر اﺗﺼﺎل أﺧﺮى .وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﺒﴫي ﻳﺨﺪﻣﺎن أﻫﺪاف اﻟﻀﻤري ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻋﻼﻗﺘﻬﻤﺎ ﺑﻪ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺗﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﻌﺎوﻧﻴﺔ. ً ﺣﻠﻴﻔﺎ ﻋﻨﻴﺪًا — وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ — ﻟﻠﻀﻤري ،ﻓﻠﻄﺎملﺎ ﻛﺎن ﺗﻌﺪ اﻟﻜﻠﻤﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﺻﻠﺔ ﻣﺆﻛﺪة ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ .وﻣﻨﺬ ِﺳﻔﺮ داﻧﻴﺎل ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ أﺻﺎﺑﻊ ﻳﺪ إﻧﺴﺎن ﺗﻜﺘﺐ ﻋﲆ ﺣﺎﺋﻂ ﺑﻠﺸﺎﴏ ﻣﻠﻚ ﺑﺎﺑﻞ ،ﻛﺎن اﺗﺨﺎذ املﻄﻠﺐ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺻﻮرة ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻓﻜﺮة ﻣﻨﺘﴩة. وﺑﻼ رﻳﺐ ﻓﺎﻟﻴﺪ اﻟﺨﻔﻴﺔ ﰲ ﺳﻔﺮ داﻧﻴﺎل ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺘﺐ ﻧﺒﻮءة ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﻃﺎﺣﺔ ﺑﺎملﻠﻚ وﻟﻴﺲ أﻣ ًﺮا ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ .ﻟﻜﻦ رد اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺠﺴﺪي ﻟﻠﻤﻠﻚ اﻟﺬي ﺗﺘﻐري ﻓﻴﻪ ﻣﻼﻣﺤﻪ وﺗﻀﻄﺮب أﻓﻜﺎره وﺗﺼﻄﻚ رﻛﺒﺘﺎه ﻳﺒﺪي ﻛﻞ اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﺼﺎﺣﺐ ﻫﺠﻮم اﻟﻀﻤري ﰲ املﻌﺘﻘﺪات املﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻼﺣﻘﺔ .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﱪﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﻣﺮادﻓﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﺑﻌﺪ ،ﻓﺴﻮف ﺗُﺒﻨﻰ اﻟﺼﻠﺔ اﻟﻀﻤﻨﻴﺔ ﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ وإﻣﻼءات اﻟﻀﻤري ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ وﻳﻌﺎد ﺑﻨﺎؤﻫﺎ .وﰲ أﻃﺮوﺣﺔ ﺷﻬرية ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻓﺘﺢ ﻛﺘﺎب اﻟﻀﻤري وﻗﺮاءﺗﻪ« ،ﻳﺮﺑﻂ ﺟﻮن ﺟﺎﻛﺴﻮن ﺑني ﻛﺘﺎﺑﺔ داﻧﻴﺎل »إﻣﻼءات اﻟﻀﻤري ﻋﲆ ﺟﺪار ،وﻫﻮ ﺟﺪار اﻟﻀﻤري« وﺑني اﻟﺠﺪار اﻟﻨﺤﺎﳼ اﻟﺬي ﻳﻘﺎوم اﻹداﻧﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻏري اﻟﴬورﻳﺔ وأﻃﺮوﺣﺔ »ﻓﺘﺢ ﻛﺘﺎب اﻟﻀﻤري وﻗﺮاءﺗﻪ« ﻧﻔﺴﻬﺎ .وﻃﻮال ً ﻣﻐﺮوﺳﺎ ﰲ اﻟﺬﻫﻦ. ﺗﺎرﻳﺨﻪ ،ﺳﻌﻰ اﻟﻀﻤري إﱃ أن ﻳﺠﻌﻞ ﻧﻔﺴﻪ وﻣﺒﺎدﺋﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺪوﻧًﺎ أو ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻜﺮة »ﻛﺘﺎب« اﻟﻀﻤري ﻗﻮﻳﺔ ﺟﺪٍّا ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻗﺴﻤﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﱃ ﻣﻌﺘﻘﺪات ً وﻃﺒﻘﺎ ﻷﺣﺪ ﺗﻠﻚ املﻌﺘﻘﺪات ﻓﺈن ﻛﺘﺎب اﻟﻀﻤري ﻫﻮ ﻛﺘﺎب ﷲ ذاﺗﻪ ،اﻟﺬي ﺳﻮف ﻣﺘﻌﺪدة، 102
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
ﻳُﻔﺘﺢ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺴﺎب ،أي إﻧﻪ ﻛﺪﻓﱰ أو ﺳﺠﻞ اﻟﺸﻬﺎدة اﻟﺬي ﺗﺴﺠﻞ ﻓﻴﻪ أﻋﻤﺎل املﺮء ﻛﻤﺎ ذُ ِﻛﺮ ﰲ اﻵﻳﺔ ١٢ﻣﻦ اﻹﺻﺤﺎح اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ اﻟﺮؤﻳﺎ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺸﺎر ﻓﻴﻪ ﻛﺘﺎب اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ اﻷرواح اﻟﺘﻲ ﺗَﻤﺜُﻞ أﻣﺎم ﻋﺮش ﷲ: ورأﻳﺖ اﻷﻣﻮات ﺻﻐﺎ ًرا وﻛﺒﺎ ًرا واﻗﻔني أﻣﺎم ﷲ واﻧﻔﺘﺤﺖ أﺳﻔﺎر واﻧﻔﺘﺢ ﺳﻔﺮ آﺧﺮ ،ﻫﻮ ﺳﻔﺮ اﻟﺤﻴﺎة ،ودﻳﻦ اﻷﻣﻮات ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻜﺘﻮب ﰲ اﻷﺳﻔﺎر ﺑﺤﺴﺐ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ .وﺳﻠﻢ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﻣﻮات اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻴﻪ وﺳﻠﻢ املﻮت واﻟﻬﺎوﻳﺔ اﻷﻣﻮات اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻴﻬﻤﺎ ودﻳﻨﻮا ﻛﻞ واﺣﺪ ﺑﺤﺴﺐ أﻋﻤﺎﻟﻪ. ﰲ أﻳﻘﻮﻧﺎت اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ،ﰲ ﺗﺮاث اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﺑﺎﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء اﻟﺬي ﻳﺒﻠﻎ ذروﺗﻪ ﰲ املﺜﺎل اﻟﺮاﺋﻊ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﲆ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺔ آﻳﺎ ﺻﻮﻓﻴﺎ ،ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻪ املﺴﻴﺢ ﰲ ﻳﺪه. ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻟﺨﺎص ﺑﺈرﻣﻴﺎ داﻳﻚ اﻟﺬي ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ وﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻟﻀﻤري اﻟﺼﺎﻟﺢ« اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻦ ﻓﻴﻪ ً ﻗﺎﺋﻼ: اﻟﻀﻤري ﻛﺘﺎب ،وﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﺗُﻔﺘﺢ ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب وﺗﻮﺿﻊ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس وﻳُﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻬﺎ. وﺛﻤﺔ ﻣﻌﺘﻘﺪ ﺑﺪﻳﻞ ﻳﺸﺠﻌﻪ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻋﲆ داﺧﻠﻴﺔ اﻻﻋﱰاف ﺑﻌﺪ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ واملﻤﺎرﺳﺎت اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺤﻔﻆ اﻟﺴﺠﻼت املﻜﺘﻮﺑﺔ ،وﻳﺘﺨﻴﻞ ﻫﺬا املﻌﺘﻘﺪ ﻛﺘﺒًﺎ ﻋﺪﻳﺪة — ﺑﻤﻌﺪل ﻛﺘﺎب ﻟﻜﻞ ﻣﺴﻴﺤﻲ — ﻳﻘﻮم ﻓﻴﻪ ﺿﻤريه ﺑﺪور اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻃﻮال ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﺤﺘﻔ ً ﻈﺎ ﺑﻨﺴﺨﺔ أﻣﻴﻨﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻪ .وﻫﺬا اﻟﺮأي ﺛﺎﺑﺖ ﰲ ﻛﺘﺎب دان ﻣﻴﺸﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻷواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ وﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »وﺧﺰ اﻟﻀﻤري« واﻟﺬي ﻳﺠﺪ ﻓﻴﻪ املﺴﻴﺤﻲ اﻟﻀﺎ ﱡل ﺧﻄﺎﻳﺎه ﻣﺬﻛﻮرة ﰲ »ﻛﺘﺎب ﺿﻤريه املﻘﻴﺪ ﻋﲆ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ أو ﻋﲆ ﺟﻠﺪ اﻟﻐﻨﻢ« .وﻫﻮ ً أﻳﻀﺎ »ﻛﺘﺎب اﻟﺤﺴﺎب« اﻟﺬي ﻳﻄﻠﺒﻪ املﻮت ﻣﻦ إﻓﺮﻳﻤﺎن )اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻌﺎدي( ﰲ املﴪﺣﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل دﻳﺚ :اﻧﻈﺮ إﱃ … … ﻛﺘﺎب اﻟﺤﺴﺎب اﻟﺨﺎص ﺑﻚ اﻟﺬي ﺗﺤﴬه أﻧﺖ … واﻧﻈﺮ ﻓﻴﻪ ﻛﻲ ﺗﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺑﻚ ﻓﺴﻮف ﺗُﺴﺄل أﻣﺎم ﷲ ،وﺗُﻌﺮض ﻋﻠﻴﻚ ﺳﻴﺌﺎﺗﻚ اﻟﻜﺜرية وﺣﺴﻨﺎﺗﻚ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ. 103
اﻟﻀﻤري
ﺷﻜﻞ :1-5ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ املﻮﺗﻰ املﺒﻌﻮﺛني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻢ »ﻛﺘﺎب اﻟﻀﻤري« اﻟﺨﺎص ﺑﻪ، 1 ﻟﻮﺣﺔ ﺟﺪارﻳﺔ ﺟﺼﻴﺔ ﰲ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ أﻟﺒﻲ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ.
ﻳﻌﻠﻦ إﻓﺮﻳﻤﺎن أن ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻏري ﺟﺎﻫﺰ ﻟﻠﻌﺮض وﻳﻄﻠﺐ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﻋﺎﻣً ﺎ ﻛﻲ ﻳﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﻠﻦ ﻳُﻤﻨﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات .وﻳﻈﻬﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺠﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﺿﻤري ﻣﺴﻴﺤﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﰲ ﺳﺠﻞ داﺋﻢ ﰲ وﺻﻒ ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب ﻋﲆ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺠﺪارﻳﺔ ﰲ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ »أﻟﺒﻲ« اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ ﻷواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ،واﻟﺘﻲ ﻧﺮى ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻬﺎﻟﻜني ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺿﻴﻖ ﺑﺎملﺠﻠﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﻨﻬﻢ ،وﻣﻮﻛﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺟني ﻳﻌﺮﺿﻮن ﻛﺘﺒﻬﻢ أﻣﺎم اﻟﻌﺮش ﻣﻔﺘﺨﺮﻳﻦ ﺑﻬﺎ» :أﻣﺎم اﻟﻌﺮش ﺗُﻔﺘﺢ اﻟﻜﺘﺐ«. 104
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
ﻳﻌﺪ اﻟﻘﺎﺳﻢ املﺸﱰك ﺑني ﺗﻠﻚ املﻌﺘﻘﺪات أن اﻟﻀﻤري اﻟﻔﺮدي — ﺑﻌﺪ أن ﻳﺠﻤﻊ ﻣﻼﺣﻈﺎﺗﻪ ﰲ ﻣﺠﻠﺪ واﺣﺪ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ — ﻳﺤﻮل ﻫﺬا املﺠﻠﺪ واﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ إﱃ ﺣﺴﺎب ﻋﺎم .وﰲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »اﻟﻔﻼح ﺑريس« اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ،ﻳﻘﺪم ﻟﻨﺎ وﻳﻠﻴﺎم ﻻﻧﺠﻼﻧﺪ ﺿﻤريًا ﻳﻘﻮم ﺑﺪور »ﻛﺎﺗﺐ اﻹﻟﻪ وﻣﻮﺛﻘﻪ«، ﺣﻴﺚ ﻳﺆدي ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﺼﻦ داﺧﻞ اﻟﺬات ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺪون املﻼﺣﻈﺎت ﺣﻮل ﺳﻠﻮك اﻟﻔﺮد ﻛﻲ ﺗُﻌﺮض ﰲ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻹﻟﻪ اﻷﺧرية .وﺗﺸﻜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺣﻠﻘﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻘﺘﻄﻔﺎت أدﺑﻴﺔ ﻣﺠﻤﻌﺔ ﻳﺼﻔﻬﺎ روﺑﺮت ﺑريﺗﻮن ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺗﴩﻳﺢ اﻟﺴﻮداوﻳﺔ« املﺘﻬﻤﻮن ﺑﺄﻧﻬﺎ »دﻓﱰ ﺿﺨﻢ ُﻛﺘﺒﺖ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ،وﻫﻮ ﺳﺠﻞ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﲆ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ« .وﻳﺜﺒﻂ ِ اﻵﺧﺮون ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎﺗﻨﺎ ،ﻟﻜﻦ »اﻟﻀﻤري وﺣﺪه ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳُﻌَ ﱡﺪ أﻟﻒ ﺷﺎﻫﺪ ﻳﺘﻬﻤﻮﻧﻨﺎ«. ً ً وﻋﻤﻴﻼ ﻣﺰدوﺟً ﺎ وﻣﺴﺘﺸﺎ ًرا ﻋﺎﻣﻼ ﻣﻨﻘﺴﻤً ﺎ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ وﻫﻜﺬا ﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺆﺗﻤﻨًﺎ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﺤﻘﺎت ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ،وﻫﻮ ﻣﺤﺎور ﻳﻌﻮد إﱃ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻛﻲ ﻳﺪون ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﻋﻨﺎ وﻳﻌﺮﺿﻪ ﻣﻜﺘﻮﺑًﺎ أﻣﺎم اﻟﻘﺎﴈ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ .وﻋﲆ ﻏﺮار اﻟﺼﻮت اﻟﺬي ﻳﻘﻊ ﻋﲆ اﻟﺤﺪود ﺑني اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ،ﻗﺪ ﻳﻔﻴﺪ اﻟﻀﻤري املﻜﺘﻮب ﺻﺎﺣﺒﻪ أو ﻳﴬه .وﺗﺒﺪو ﺗﻠﻚ اﻻزدواﺟﻴﺔ ﰲ ﻛﺘﺎب أﻧﺪرو ﺟﻮﻧﺰ اﻟﺬي ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ وﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻛﺘﺎب اﻟﻀﻤري اﻷﺳﻮد« اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﻓﻴﻪ اﻟﻀﻤري ﺑﺪور »ﻧﺎﺋﺐ ﷲ داﺧﻞ اﻟﺮوح« ،ﺣﻴﺚ ﻳﺪون ﻣﻼﺣﻈﺎت ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻷﻫﺪاف ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ» :ﺛﻤﺔ ﺿﻤري داﺧﻞ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﺮى ﻛﻞ أﻋﻤﺎﻟﻪ وﻳﺮاﻗﺒﻬﺎ وﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺴﺠﻞ دﻗﻴﻖ ﻟﻬﺎ ،وﻫﻜﺬا ﻳﺼﺒﺢ ﺷﺎﻫﺪًا ﺳﻮاءٌ ﻣﻊ اﻟﺮوح أو ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب «.وﺳﻮف ﺗﻘﺪم ﺷﻬﺎدﺗﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ﰲ ﺻﻮرة ﻛﺘﺎب» :إن اﻟﻀﻤري ﻳﻼﺣﻆ ﻛﻞ أﻋﻤﺎﻟﻚ … وﻳﺪوﻧﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻷﺳﻮد«. وﺗﻤﺎﺷﻴًﺎ ﻣﻊ ﻧﺰﻋﺔ اﻟﺴﺠﻞ املﻜﺘﻮب ﻟﻠﺘﻤﻠﺺ ﻣﻦ ﺗﺤﻜﻢ اﻟﻜﺎﺗﺐ أو ﺣﺘﻰ اﻟﻔﺮار ﻣﻨﻪ، ﻳﻘﻮم اﻟﻀﻤري )اﻟﺬي ﻳﺴﺪي اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﻟﺴﺒﺐ وﻳﺴﺠﻞ ﻟﺴﺒﺐ آﺧﺮ( ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﴎﻳﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أدوار ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺧﺪع ﺗﺠﺴﺲ ﴏﻳﺤﺔ .وﰲ »رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ« اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ إدوارد رﻳﻨﻮﻟﺪز ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ» ،ﻳﻬﺪف اﻟﻀﻤري … إﱃ ﻣﺮاﻗﺒﺔ أﻓﻌﺎﻟﻨﺎ ﴎا« وﺗﺴﺠﻴﻞ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻪ ﺑﺎﻟﺤﱪ اﻟﴪي» :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗُﻌﺮض ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﺧﻔﻴﺔ ٍّ وﻏري ﻣﻘﺮوءة ﻛﺎﻟﺤﺮوف اﻟﺘﻲ ُﻛﺘﺒﺖ ﺑﻌﺼري اﻟﻠﻴﻤﻮن أﻣﺎم ﻧريان اﻟﺤﺴﺎب اﻹﻟﻬﻲ ،ﻓﺴﻮف ﺗﺼﺒﺢ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻮﺿﻮح «.وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﻻءات املﺨﺘﻠﻄﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﻬﺎ واﻻﺣﺘﻤﺎل اﻟﺪاﺋﻢ ﻟﻠﺘﻔﺴريات املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺗﻈﻞ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺤﻮﻫﺎ :ﻓﺘﺄﻧﻴﺐ اﻟﻀﻤري »ﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﺑﺤﺮوف ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ إزاﻟﺘﻬﺎ وﻟﻦ ﺗُﻤﺤﻰ أﺑﺪًا«. 105
اﻟﻀﻤري
وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻓﻜﺮة ﻛﻮن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒري ﻋﻦ اﻟﻀﻤري ﻓﻜﺮة ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن، واملﺆﻳﺪ اﻟﻌﴫي اﻟﻮاﺿﺢ ﻟﻔﻜﺮة اﻟﻀﻤري املﻜﺘﻮب أو اﻟﻀﻤري املﻌﱪ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺟﻴﻤﺲ ﺟﻮﻳﺲ اﻟﺬي ﺗﻮﺿﺢ رواﻳﺘﻪ »ﺑﻮرﺗﺮﻳﻪ ﻓﻨﺎن ﺷﺎب« )(١٩١٦–١٩١٤ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﲆ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻀﻤري اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ .وﻣﻤﺎ ﻻ ﺟﺪال ﻓﻴﻪ ﺗﻔﻀﻴﻞ ً ﺟﻮﻳﺲ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ ،ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ ﻳﻌﺪ اﻟﻀﻤري ﱠ ً ﻣﻨﺎﻓﺴﺎ ﻗﻮﻳٍّﺎ ﻛﺘﺎﺑﺔ املﻌﱪ ﻋﻨﻪ ﻟﻠﻀﻤري ﱠ املﻌﱪ ﻋﻨﻪ ﺷﻔﻬﻴٍّﺎ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺘﻔﻮق ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺳﺘﻴﻔﻦ دﻳﺪﻟﻮس اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻬﺎ ﺟﻮﻳﺲ ،ﻻ ﺑﺪ وأن ﺗﻨﺘﴫ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﲆ ﺗﻨﺎﻓﺮ اﻷﺻﻮات اﻟﺬي ﻳﻬﺎﺟﻢ ﺳﺘﻴﻔﻦ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار: … ﻛﺎن ﻗﺪ ﺳﻤﻊ ﺣﻮﻟﻪ اﻷﺻﻮات املﺴﺘﻤﺮة ﻟﻮاﻟﺪه وﻣﻌﻠﻤﻴﻪ ﻳﺤﺜﻮﻧﻪ ﻋﲆ أن ﻳﺼﺒﺢ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴٍّﺎ ﺻﺎﻟﺤً ﺎ ﻗﺒﻞ أي ﳾء … وﺳﻤﻊ ﺻﻮﺗًﺎ آﺧﺮ ﻳﺤﺜﻪ ﻋﲆ أن ﻳﺼﺒﺢ ﻗﻮﻳٍّﺎ ً ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻟﺒﻠﺪه … ﺷﺠﺎﻋً ﺎ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﻨﻴﺔ … ﻟﻜﻦ ﺻﻮﺗًﺎ آﺧﺮ أﻣﺮه أن ﻳﺼﺒﺢ وﺻﻮﺗًﺎ دﻧﻴﻮﻳٍّﺎ ﻳﺄﻣﺮه ﺑﺄن ﻳﺮﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮى واﻟﺪه املﺘﺪﻧﻲ ﺑﺠﻬﺪه ،وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ً زﻣﻴﻼ ﻣﻬﺬﺑًﺎ … وﻛﺎن اﻟﻠﻐﻂ اﻟﺬي ﺻﻮت رﻓﺎق املﺪرﺳﺔ ﻳﺤﺜﻪ ﻋﲆ أن ﻳﺼﺒﺢ ﺗﺤﺪﺛﻪ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻮات اﻟﺠﻮﻓﺎء ﻫﻮ ﻣﺎ أدى ﺑﻪ ﻷن ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺣﺎﺋ ًﺮا. ﻳﺄﺗﻲ ﰲ املﻘﺎم اﻷول ﺑني ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻮات ﺻﻮت اﻟﻀﻤري اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ،وﻟﻪ ﻣﻮﻗﻒ ﺛﺎﺑﺖ ﻳﺘﻀﺢ ﰲ ﻣﻮﻋﻈﺔ داﺧﻞ اﻟﺮواﻳﺔ» :ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻚ اﻟﻮﻗﺖ واﻟﻔﺮﺻﺔ ﻛﻲ ﺗﺘﻮب ﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻞ …« وﻳﻤﻜﻦ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻮات املﺴﺒﺒﺔ ﻟﻠﺸﻠﻞ ﺑﺎﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﺪى ﻓﺮوﻳﺪ ،ﻓﻬﻲ ﺻﻮت داﺧﲇ ذو أﺻﻞ أﺑﻮي ﻣﺆﺛﺮ وﻏﺮﻳﺐ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﰲ ﻣﻄﺎﻟﺒﻪ اﻟﻌﻨﻴﺪة … وﻣﻦ ﺛَﻢ ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺠﻮﻳﺲ ﺻﻮت أو أﺻﻮات ﻳﺠﺐ أن ﺗﺴﺘﺒﺪل .وﺛﻤﺔ ﺻﻮت آﺧﺮ ﻣﺤﻮري ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺴﺘﻴﻔﻦ ،وﻫﻮ ﺻﻮت ﻳﺨﺎﻃﺐ روﺣﻪ ﻣﺒﺎﴍة ،ﻫﻮ »ﻧﺪاء اﻟﺤﻴﺎة ﻟﺮوﺣﻪ ﻻ اﻟﺼﻮت اﻟﻔﻆ املﺘﺒﻠﺪ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ املﺜﻘﻞ ﺑﺎﻟﻮاﺟﺒﺎت واﻟﻴﺄس ،وﻻ اﻟﺼﻮت ﻏري اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﺬي اﺳﺘﺪﻋﺎه إﱃ ﺻﻼة املﺬﺑﺢ اﻟﻜﺌﻴﺒﺔ« .وﻳﺰﻳﻦ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت اﻟﻔﻦ اﻹﺑﺪاﻋﻲ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ وﻳﺠﻴﺰﻫﺎ ،ﻓﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﻲ اﻷداة اﻟﺘﻲ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺑﻬﺎ اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻨﻈﺮاﺋﻪ اﻷﻳﺮﻟﻨﺪﻳني» :ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻪ إزﻋﺎج ﺿﻤﺎﺋﺮﻫﻢ أو اﻹﻟﻘﺎء ﺑﻈﻼﻟﻪ ﻋﲆ ﺗﺨﻴﻼت ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ …؟« واﻹﺟﺎﺑﺔ اﻟﺸﻬرية ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﻲ: »إﻧﻨﻲ أذﻫﺐ ﻟﻠﻤﺮة املﻠﻴﻮن ﻷواﺟﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ وﻷﺻﻨﻊ ﰲ ورﺷﺔ روﺣﻲ اﻟﻀﻤري اﻷزﱄ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﺠﻨﺲ اﻟﺬي أﻧﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ «.وﻟﻠﻀﻤري ﻫﻨﺎ ﻣﻌﻨًﻰ ﻣﺰدوج ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻜﻠﻤﺔ :conscienceﺣﻴﺚ دﻣﺞ ﻣﻌﻨﻰ ﻛ ﱟ ﻞ ﻣﻦ » consciousnessاﻟﻮﻋﻲ« وconscience 106
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
»اﻟﻀﻤري« ﰲ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة وﻫﻲ »اﻟﻀﻤري« ﻗﺒﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ) .وﻣﺎ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺟﻮﻳﺲ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ أن ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﰲ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻤﻌﺎﻧﻴﻬﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ( .وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ »اﻟﻮﻋﻲ« ﻓﺈن ﺟﻮﻳﺲ ﻳﻌﻨﻲ »اﻟﻀﻤري« ً أﻳﻀﺎ ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺠﻮﻳﺲ ﺗﻌﺪ اﻷداة املﻤﻴﺰة ﻟﻠﺘﻌﺒري ﻋﻨﻪ ﻫﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻟﻴﺲ اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﻗﺪ ﻳﻀﺎف ﻟﻠﻀﻤري اﻟﺼﻮﺗﻲ واملﻜﺘﻮب — وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﻨﺎﻓﺴﻬﻤﺎ — املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪواﻓﻊ اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻴﺔ واملﺮﺋﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرةً ، ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺘﺠﺴﺪ اﻟﻀﻤري ﰲ اﻟﻜﻠﻤﺔ املﻨﻄﻮﻗﺔ أو املﻜﺘﻮﺑﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﺠﺴﺪ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮﻳﺮ :ﺳﻮاءٌ أﻛﺎن ﺗﺼﻮﻳ ًﺮا ﺑﺎﻟﺮﺳﻢ أم اﻟﻨﺤﺖ أم ﺻﻮرة ﻣﻠﺼﻘﺔ ﰲ ﻛﺘﺎب ،ﻟﻜﻦ ً أﻳﻀﺎ وﺧﺎﺻﺔ ﰲ اﻷﺷﻜﺎل اﻷﺣﺪث واﻷﻛﺜﺮ إﻟﺤﺎﺣً ﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻮري ﻟﻠﻨﺴﺦ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲ. ﻟﻠﺪواﻓﻊ املﺮﺋﻴﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﺗﺎرﻳﺦ ﻃﻮﻳﻞ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺼﻒ ﺻﻮر ﺻﻠﺐ املﺴﻴﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ ﻷواﺧﺮ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﱰاث املﺸﺎﺑﻪ ﰲ ﻓﻦ اﻟﺒﺎروك وﻓﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻣﻌﺎﻧﺎة املﺴﻴﺢ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻤﺎس رد ﻓﻌﻞ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻧﺎدم .وﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮر ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻄﺎﻟﺒﻬﺎ أﻛﺜﺮ وﺿﻮﺣً ﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﺸﺎﻫﺪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ املﺰج ﺑني وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮض ،ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ واﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺨﱪ املﺸﺎﻫﺪ ﺑﺄن ﺗﻠﻚ اﻵﻻم ﻗﺪ اﺣﺘُ ِﻤﻠﺖ ﻷﺟﻠﻪ، وﻣﻄﺎﻟﺒﺘﻪ ﺑﺈﺻﻼح ﻧﻔﺴﻪ .وﻗﺪ زﻳﻨﺖ ﻗﻨﻄﺮة املﺬﺑﺢ ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻛﻨﺎﺋﺲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﺮﺳﻮم ﺗﺼﻮر ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﺼﻠﺐ ﺗﺒﺪو ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻴﻨﺎ املﺴﻴﺢ املﺼﻠﻮب — ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺪﻫﺶ — ً داﻋﻴﺔ ٍّ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻢ إﱃ اﺗﺨﺎذ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﻨﻈﺮان ﻣﺒﺎﴍة إﱃ رﻋﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻛ ﱟﻞ ﻋﲆ ﺣﺪة، رد ﻓﻌﻞ ﺷﺨﴢ ﺗﺠﺎه املﻌﺎﻧﺎة املﺼﻮرة ﻓﻴﻬﺎ .وﻗﺪ ﺳﻌﻰ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﺟﻮﻳﺎ وﺑﺎرﻻخ وﻛﻮﻟﻮﻳﺘﺰ ودﻳﻜﺲ وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧني اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴني اﻵﺧﺮﻳﻦ إﱃ اﺳﺘﺜﺎرة اﻟﻀﻤري وإﺛﺎرة املﺸﺎﻋﺮ اﻟﺴﻠﻤﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺼﻮﻳﺮﻫﻢ اﻟﺴﺨﻲ ﻟﻔﻈﺎﺋﻊ اﻟﺤﺮوب. ً أﺳﺎﺳﺎ ﻣﺸﱰ ًﻛﺎ ﻣﻊ اﺳﺘﻘﺒﺎل ﺗﺘﻘﺎﺳﻢ رؤﻳﺔ ﺻﻠﻴﺐ ﻣﻨﺤﻮت أو ﻟﻮﺣﺔ ﺟﺪارﻳﺔ أو ﻧﻘﺶ ﺻﻮرة ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ أو أي ﺻﻮرة ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ أو رﻗﻤﻴﺔ أﺧﺮى ،ﻟﻜﻦ اﻹﻧﺘﺎج املﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ واﻹﻟﻜﱰوﻧﻲ ﻳﺜري ً أﻳﻀﺎ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻜﺜﺎﻓﺔ واﻟﴪﻋﺔ و»املﻘﻴﺎس« املﺠﺮد .وﻗﺪ ﺣﺴﻨﺖ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﻓﺮ واﻟﻜﻤﻴﺔ وﺳﻬﻮﻟﺔ اﻹﻧﺘﺎج ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺼﻮرة املﺮﺋﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﻨﺘﺠً ﺎ ﻟﻠﻀﻤري وﺣﺎﻓ ًﺰا ﻟﻪ .ﻓﺎﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗُﻠﺘﻘﻂ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻬﺎﺗﻒ املﺤﻤﻮل ﺛﻮان ﻣﻌﺪودة ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﺘﺄﺛريﻫﺎ ﻟﻜﻨﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺗﻨﺘﴩ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ ﰲ دﻗﺎﺋﻖ أو ٍ ﺿﺨﻤً ﺎ. وﺗﺘﻔﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﴪﻋﺔ واﻟﻮﻓﺮة ﰲ اﻹﻧﺘﺎج وﴎﻋﺔ اﻟﺘﺄﺛري ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﻊ رؤﻳﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﻃﺎملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﴐة ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺣﻘﻘﺖ ﻫﻴﻤﻨﺔ إﺿﺎﻓﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻷﺧرية :أﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﱪ 107
اﻟﻀﻤري
ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﺻﻮرة ﺗﻔﻜري ﻫﺎدئ ﻟﻜﻦ ﰲ ﻟﺤﻈﺔ ﺧﺎﻃﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺼرية املﻔﺎﺟﺌﺔ املﺪرﻛﺔ ﺑﺎﻟﺤﺪْس .وﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ُﻣﻨ َ ﱢ ﻈﺮ ﻣﺜﻞ ﺟﻮزﻳﻒ ﺑﺘﻠﺮ — اﻟﺬي رأى ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ أن اﻟﻀﻤري ﻧﺎﺗﺞ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜري اﻟﺠﻴﺪ ﰲ »ﺳﺎﻋﺔ ﻫﺪوء« — رأى آﺧﺮون أن اﻟﻀﻤري ﻣَ َﻠ َﻜﺔ ﻓﻄﺮﻳﺔ أو ﻏﺮﻳﺰﻳﺔ ،ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ﰲ ﻣﺨﺎوﻓﻬﺎ ،وﻗﺎﻃﻌﺔ ﰲ ﻣﻄﺎﻟﺒﻬﺎ ،ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻣﺮت ﺑﻄﻠﺔ ﻟﻮﺣﺔ ﻫﻮملﺎن ﻫﺎﻧﺖ املﺴﻤﺎة »ﻳﻘﻈﺔ اﻟﻀﻤري« ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺑﻬﺬه اﻟﻬﺠﻤﺔ ﻣﻦ ﺿﻤريﻫﺎ. وﺗﻌﺪ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺼﻮر ﻓﺠﺄة ﺛﻢ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻓﺠﺄة ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﺘﺠﺎﻧﺴﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺮؤﻳﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻗﻨﺎﻋﺔ أﻛﺜﺮ ﺗﴪﻋً ﺎ )ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ أﻗﻞ ﻳﻘﻴﻨًﺎ(. ﺗﺸﱰك اﻟﺼﻮر أو اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﴩ ﺑﴪﻋﺔ اﻟﱪق ﻣﻦ اﻟﻬﺎﺗﻒ املﺤﻤﻮل إﱃ اﻟﺸﺎﺷﺔ ﻣﻊ اﻟﺼﻮت واﻟﻜﻠﻤﺔ ﰲ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﺳﺘﺪﻋﺎء رد ﻓﻌﻞ ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري .وﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺎﻻت ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺎ ﺗﺴﺘﺪﻋﻴﻪ اﻟﺼﻮرة ﻧﺎﺗﺠً ﺎ ﻋﻦ ﻫﺪف ﻣﺎ — ﺳﻮاءٌ ﻫﺪف املﺘﺤﺪث أو املﺆﻟﻒ أو املﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻲ .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻳﺼﻒ روﺑﺮت ﻛﻮﻟﺰ اﻟﺪاﻓﻊ اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻲ ﺑﺄﻧﻪ راﺳﺦ ﰲ ﺿﻤري املﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻲ ،ﻣﺜﻞ ﺟﻴﻤﺲ أﺟﻲ »اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻹﺛﺎرة واﻟﺘﺤﺪي ﻧﺘﻴﺠﺔ أواﻣﺮ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ وﻋﻴﻪ اﻟﻔﻨﻲ وﺿﻤريه وﻣﻄﺎﻟﺒﻬﻤﺎ« .وﻫﻮ ﻳﺼﻒ آﻟﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﺳﻼح« و»أداة« و»اﺳﺘﺪﻋﺎء ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ« ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻛﻠﻬﺎ ﺑﱪاﻋﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻣﺼﻮر ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ ﻟﻪ ﻫﺪف ﻣﻌني وﻳﺤﺮﻛﻪ اﻟﻀﻤري. ﻟﻜﻦ اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻓﻮر اﻟﺘﻘﺎﻃﻬﺎ وﻧﴩﻫﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻗﺪرة ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻋﲆ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ اﻟﻬﺪف ﻣﻨﻬﺎ ،أو ﺣﺘﻰ إذا أﺑﺪت ﻫﺪﻓﻬﺎ اﻷﺻﲇ ﻓﻠﺪﻳﻬﺎ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻋﻦ ً ذﻟﻚ اﻟﺪاﻓﻊ .وﻳﺘﺨﻴﻞ ا ُملﻨ ﱢ أﻋﻤﺎﻻ ﻓﻨﻴﺔ ﻟﻬﺎ رﻏﺒﺎت ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻈﺮ املﻌﺎﴏ إم ﺟﻴﻪ ﺗﻲ ﻣﻴﺘﺸﻞ وﻟﻬﺎ أﻏﺮاض ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪﻳﻬﺎ وﻟﻬﺎ ﻧﻮع ﺧﺎص ﻣﻦ »ﺗﺄﺛريات ﻣﻴﺪوﺳﺎ« .وﻛﻤﺎ ﻳﺪرك ﻣﻴﺘﺸﻞ ،ﻓﺈن املﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ أﻳٍّﺎ ﻛﺎن ﻫﺪﻓﻪ ﻳﱰك اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻛﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﻌﻤﻠﻬﺎ .وﻳﻌﺪ ﻫﺬا ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ً أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻓﻮر أن ﻳُﻘﺎل واﻟﻜﺘﺎب ﻓﻮر أن ﻳُﻜﺘﺐ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﴩ ﰲ اﻟﺤﺎل ﺑﴪﻋﺔ اﻟﱪق ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻘﻞ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﺑﺄﻫﺪاف ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ .وأﻳٍّﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻴﺔ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ،ﻓﺴﻮف ﺗُﻘﺒﻞ اﻟﺼﻮرة ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ — أو ﻻ — ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺮد ﻓﻌﻞ املﺸﺎﻫﺪﻳﻦ .وﻫﻜﺬا ﻳﺘﻠﻘﻰ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري إﺿﺎﻓﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم املﻄﺒﻮﻋﺔ واﻷﺣﺪث ﻣﻦ ذﻟﻚ … ﻟﻜﻨﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻳﻮاﺟﻪ ﺧﻄﺮ اﻟﺘﻐﻴري أو ﺣﺘﻰ اﻟﺬوﺑﺎن أﺛﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ. 108
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
ﺧﻔﻮت ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ﻧﺤﻮ ﺧﻄﺮ ﻣﻦ إﺧﺮاﺳﻪ اﻟﺘﺎم ﺛﻤﺔ ﻧﻤﻮذج ﻣﻌﺎﴏ ﻋﲆ ﻛﺒﺖ اﻟﻀﻤري ﰲ ﺻﻮرة ﺗﻘﱰب ﻋﲆ ٍ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﻟﺘﻘﺎرﻳﺮ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔﻈﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ ارﺗُﻜﺒﺖ ﰲ ﺳﺠﻦ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ .ﻓﻘﺪ ﻋﻤﺪوا إﱃ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺘﺴﺠﻴﻼت اﻟﺼﻮﺗﻴﺔ واﻟﺼﻮر واملﻄﺒﻮﻋﺎت ،ﻟﻜﻦ ﺑﺘﺄﺛري ﻣﺸﻮه ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ.
ﺷﻜﻞ :2-5ﺳﺎﺑﺮﻳﻨﺎ ﻫﺎرﻣﺎن ﺗﺸري ﺑﺈﺻﺒﻌﻬﺎ ﺑﻌﻼﻣﺔ اﻟﺘﺸﺠﻴﻊ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺟﺜﺔ املﻌﺘﻘﻞ ﻣﻨﺎﺿﻞ 2 اﻟﺠﻤﺎدي ﰲ ﺳﺠﻦ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ.
ﻓﻠﻨﺄﺧﺬ ً ﻣﺜﻼ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﺎﺑﺮﻳﻨﺎ ﻫﺎرﻣﺎن ،وﻫﻲ اﻟﺴﻴﺪة اﻟﺘﻲ اﻟﺘﻘﻄﺖ ﻣﻌﻈﻢ ﺻﻮر أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ،وﺗﻈﻬﺮ ً أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮر ﻣﺆدﻳﺔ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ اﻟﺸﻬرية )اﻹﺷﺎرة ﺑﺈﺑﻬﺎﻣﻬﺎ ﻟﻸﻋﲆ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﺸﺠﻴﻊ( ﺑﺠﻮار اﻟﺠﺜﺚ املﻤﺜﻞ ﺑﻬﺎ .وﻋﻨﺪ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ، ﺗﺒﺪو ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﱰب ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻄﺮﻗﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺈﻳﺠﺎز ﻋﺪة ﻣﺮات ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب، وﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺷﺨﺺ ﺑﻼ ﺿﻤري .ﻟﻜﻦ ﻫﺎرﻣﺎن ﺗُﻈﻬﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺿﻤري ﻣﻌﺎﴏة، ﻓﻤﺎ زاﻟﺖ ﺗﺰﻋﺠﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺻﻮره ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻀﻴﻖ ﰲ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ﻋﺪﻳﻤﺔ اﻟﻀﻤري. 109
اﻟﻀﻤري
ً ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺻﻮرﻫﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻷي ﻣﺒﺎدرة ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري إﻃﻼﻗﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ دواﻓﻌﻬﺎ ﺗﻮﺛﻴﻘﻴﺔ — ﻻ ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻛﻮﻟﺰ أو أﺟﻲ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ — ﺑﻞ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺑﻬﺎ ﺻﻮر اﻟﺤﻔﻼت اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺮي ﺗﺤﻤﻴﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻔﻴﺲ ﺑﻮك إﱃ ﺗﻮﺛﻴﻖ ﻟﺤﻈﺎت املﺮح اﻟﺼﺎﺧﺐ واﻷﻓﻌﺎل اﻟﻔﺎﺿﺤﺔ ،أو ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺪاول ﺑﻬﺎ ﻃﻼب املﺪرﺳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ اﻵن اﻟﺼﻮر اﻟﺨﻠﻴﻌﺔ ﻋﲆ اﻟﻬﻮاﺗﻒ املﺤﻤﻮﻟﺔ .وﻫﻜﺬا ﺛﻤﺔ ﳾء ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﺠﺴﻴﺪ اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺜري اﻟﺘﻔﺴريات أو ﺣﺘﻰ ﻳﺸﺠﻊ ﻋﲆ إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ .ﺗﺄﻣﻞ رواﻳﺔ ﻫﺎرﻣﺎن اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻋﻦ ﻧﺸﺄة اﻟﺪاﻓﻊ اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻲ ﻟﺪﻳﻬﺎ: ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﻧﴗ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ .أﻫﺒﻂ اﻟ ﱠﺪ َرج ﺑﻌﺪ أن أﻧﻔﺦ ﰲ اﻟﺼﺎﻓﺮة وأﻗﺮع ﻋﲆ ً ﺑﻌﺼﺎ ﻓﺄﺟﺪ »ﺳﺎﺋﻖ ﺳﻴﺎرة اﻷﺟﺮة« ﻣﻜﺒﻞ اﻟﻴﺪﻳﻦ ﻟﻠﺨﻠﻒ وﻣﻘﻴﺪًا ﰲ اﻟﺰﻧﺎزﻳﻦ ﻧﺎﻓﺬﺗﻪ ﻋﺎرﻳًﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ وُﺿﻊ ﻟﺒﺎﺳﻪ اﻟﺪاﺧﲇ ﻋﲆ رأﺳﻪ ووﺟﻬﻪ .ﻛﺎن ﻳﺒﺪو ﻛﺎملﺴﻴﺢ، وﻛﻨﺖ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ أﺿﺤﻚ ﺛﻢ ذﻫﺒﺖ ﻹﺣﻀﺎر آﻟﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واﻟﺘﻘﻄﺖ ﻟﻪ ﺻﻮرة. ﺛﻢ أﺧﺬ أﺣﺪ زﻣﻼﺋﻲ ﻋﺼﺎي وﺑﺪأ ﰲ »ﻟﻜﺰ« ﻋﻀﻮه اﻟﺘﻨﺎﺳﲇ ﺑﻬﺎ .وﻓﻜﺮت ﻣﺮة ً ﻃﺮﻳﻔﺎ ،ﺛﻢ ﺻﺪﻣﻨﻲ اﻷﻣﺮ :إﻧﻬﺎ ﺻﻮرة ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺮش. أﺧﺮى ﰲ أن ذﻟﻚ ﻳﺒﺪو ﻳﺠﺐ أﻻ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ .ﻓﺎﻟﺘﻘﻄﺖ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر ﺗﻠﻚ املﺮة ﻣﻦ أﺟﻞ »ﺗﺴﺠﻴﻞ« ﻣﺎ ﻳﺤﺪث. ﻳﺒﺪو أن ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺄدﻳﺐ اﻟﺬاﺗﻲ وﻗﻊ ﻫﻨﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻜﺮر ردود أﻓﻌﺎﻟﻬﺎ اﻷوﻟﻴﺔ املﺮﺣﺔ ﺛﻢ ﺗﺘﺤﻮل إﱃ أﻧﻮاع أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺘﴫﻓﺎت .وﻫﻲ ﺗﺆﺟﻞ املﺴﺌﻮﻟﻴﺔ أو ﺗﺘﺨﲆ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺣﻤﻠﻬﺎ آﻟﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واﻟﺘﻘﺎط اﻟﺼﻮر .وﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﺗﻌﺪ ﺻﻮرﺗﻬﺎ اﻷوﱃ أﺣﺪ اﻟﺪﻻﺋﻞ ﻋﲆ اﻻﺑﺘﻬﺎج »اﻟﻮﺣﴚ« ﺑﺎﻟﻨﴫ اﻟﺬي ﺗﺼﻔﻪ ﺳﻮﻧﺘﺎج ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻮان »ﻋﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ« )» :(١٩٧٧ﻛﻨﺖ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ أﺿﺤﻚ ﺛﻢ ذﻫﺒﺖ ﻹﺣﻀﺎر آﻟﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واﻟﺘﻘﻄﺖ ﻟﻪ ﺻﻮرة «.ﻟﻜﻦ داﻓﻌﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻔﻜري ﻫﻮ اﻟﺘﻘﺎط اﻟﺼﻮر »ﻣﻦ أﺟﻞ »ﺗﺴﺠﻴﻞ« ﻣﺎ ﻳﺤﺪث« .ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ وﺻﻔﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﺧﻄﺔ ﻻﺳﺘﺜﺎرة اﻟﻀﻤري ﰲ اﻵﺧﺮﻳﻦ. وﻫﻲ ﺗﻘﻮل ﰲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ» :ﻛﻨﺖ أرﻏﺐ ﻓﺤﺴﺐ ﰲ ﺗﻮﺛﻴﻖ ﻛﻞ ﻣﺎ أراه «.وﰲ ﻣﻮﺿﻊ ﺛﺎﻟﺚ: »إذا ﺟﺌﺘﻚ وﻗﻠﺖ ﻟﻚ »ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺤﺪث« ﻓﻠﻦ ﺗﺼﺪﻗﻨﻲ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ … ﻟﻜﻦ إذا ﻗﻠﺖ »ﻫﺬا ﻣﺎذا ﻳﺤﺪث ،واﻧﻈﺮ ﻟﺪي اﻟﺪﻟﻴﻞ« ﻓﻼ أﻋﺘﻘﺪ أن ﺑﻮﺳﻌﻚ اﻹﻧﻜﺎر «.واﻟﻔﻜﺮة املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﻘﻖ ﺳﻮى ﻧﺼﻒ املﺮﺟﻮ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ املﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻀﻤري؛ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺎﺗﺨﺎذ أي إﺟﺮاء إﺿﺎﰲ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻋﺪم اﺗﺨﺎذ أي إﺟﺮاء ،وﻛﺎن اﻟﺪاﻓﻊ ﻟﺪﻳﻬﺎ »ﻣﺠﺮد ﻋﺮض ﻣﺎ ﻳﺤﺪث وﻣﺎ ﻳُﺴﻤَ ﺢ ﺑﻔﻌﻠﻪ«. 110
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
وﻧﺠﺪ ﰲ ﻋﺒﺎرﺗﻬﺎ »ﻣﺎ ﻳُﺴﻤَ ﺢ ﺑﻔﻌﻠﻪ« ﺗﻠﻤﻴﺤً ﺎ ﻋﻦ املﺸﻜﻠﺔ اﻟﻜﱪى املﺘﻤﺜﻠﺔ ﰲ اﻷزﻣﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث :إﻫﻤﺎل ﻛﺒﺎر املﺴﺌﻮﻟني وﻏﻴﺎب املﺠﺘﻤﻊ اﻟﺮادع — ﺑﻞ اﻷﺳﻮأ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﺷﱰاك املﺠﺘﻤﻊ ﰲ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈﱃ ﺟﺎﻧﺐ املﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻟﻨﺪم ﻫﺎرﻣﺎن املﻐﺮض وﻣﺤﺎوﻟﺘﻬﺎ اﻟﺘﻬﺮب ﻣﻠﻘﻴﺔ اﻟﻠﻮم ﻋﲆ أﻃﺮاف أﺧﺮى ،ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻣﺤﺎوﻟﺘﻬﺎ املﺘﺄﺧﺮة ﻻﻟﺘﻤﺎس ﻣﻮﻗﻒ أﺧﻼﻗﻲ .وﻳﻘﺪم ﻟﻨﺎ املﻮﻗﻒ ﻣﺸﻬﺪًا ﻣﺰدﺣﻤً ﺎ ﻣﻮﺣﻴًﺎ ﺗﺘﺪاﻓﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺰﻋﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ املﺮﺋﻲ ﻣﻊ اﻻﺑﺘﻬﺎج ﺑﺎﻟﻨﴫ واملﺮح ﰲ ﻏري ﻣﻮﺿﻌﻪ ،واﻟﻨﺰﻋﺔ اﻻﺳﺘﻌﺮاﺿﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺲ ﺑﻮك واﻟﺴﻴﺎﺣﺔ واملﺬﻫﺐ اﻟﺤﴘ واﻟﺘﺤﺮش اﻟﺠﻨﴘ واﻟﺴﺎدﻳﺔ وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪواﻓﻊ واملﺜريات اﻷﺧﺮى .وﺑﻤﻌﻨًﻰ آﺧﺮ ،ﻳﺼﻌﺐ اﻟﻔﺼﻞ ﺑني اﻟﺪاﻓﻊ ﻟﺘﻮﺛﻴﻖ اﻟﻀﻤري وﺑني ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻮاﻓﺰ اﻷﺧﺮى ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺮات »املﺮﺋﻴﺔ« .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺒﺪو أن اﻟﺘﻘﺎط اﻟﺼﻮر ﻗﺪ ﺳﺎﻫﻢ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻌﻘﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ،ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ. ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ رؤﻳﺔ ﻧﻔﺲ ﺗﺘﺎﺑﻊ اﻷﺣﺪاث ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺟﻮ دارﺑﻲ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﺎﻹﺑﻼغ ﻋﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ اﻧﺘﻬﺎﻛﺎت ﰲ ﺳﺠﻦ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ،ﺣﻴﺚ ﻣﺮ دارﺑﻲ ً أﻳﻀﺎ ﺑﺘﺠﺮﺑﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﺑﺪأت ﺑﺈﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺎﻟﺒﻬﺠﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﺼﻮر ،ﺛﻢ ﺑﺸﻌﻮر ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب ﻏري املﺄﻟﻮف ،وﺑﻠﻎ اﻷﻣﺮ ذروﺗﻪ ً ﻣﻘﺒﻮﻻ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ«( ﺛﻢ اﺗﺨﺬ ﻗﺮا ًرا ﺑﺘﺴﻠﻴﻢ اﻟﺼﻮر ﰲ ﻟﺤﻈﺔ أﺧﻼﻗﻴﺔ )»ﻻ ﻳﺒﺪو ﻫﺬا اﻷﻣﺮ إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ذﻟﻚ املﻮﻗﻊ اﻟﺠﻬﻨﻤﻲ: ﻛﻨﺖ أﺗﺼﻔﺢ اﻟﺼﻮر ﻣﺮاﺟﻌً ﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ اﻟﺘﻘﻄﻬﺎ زﻣﻴﲇ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺤﻠﺔ ﺣﻴﺚ ﻛﻨﺎ ﻧﻘﻴﻢ ﻗﺒﻞ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮر اﻷﺧﺮى ﻓﺠﺄة .وﻛﻲ أﻛﻮن ً ﺻﺎدﻗﺎ ،ﻇﻨﻨﺖ ﰲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ أﻧﻬﺎ ﺻﻮر ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻄﺮاﻓﺔ .أﻧﺎ آﺳﻒ ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻐﻀﺐ ﻣﻨﻲ اﻟﻨﺎس إذا أرادوا ،ﻟﻜﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻓﺘﻰ ﻛﺸﺎﻓﺔ ،ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ ﻛﺎﻧﺖ رؤﻳﺔ ً ﻃﺮﻳﻔﺎ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮ ذﻟﻚ اﻟﻬﺮم ﻣﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻴني اﻟﻌﺮاة ﻷول وﻫﻠﺔ أﻣ ًﺮا ﻓﺠﺄة ﻫﻜﺬا ﺿﺤﻜﺖ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﻳﺎ ﻟﻠﻬﻮل! إﻧﻨﻲ أﻧﻈﺮ إﱃ ﻫﺮم ﻣﻦ املﺆﺧﺮات!« ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر اﻷﺧﺮى ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ ،وﻫﻲ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺴﺠﻨﺎء وﻫﻢ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮن ﻟﻠﴬب أو اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪو ﻓﻴﻬﺎ رﺟﻞ ﻋﺮاﻗﻲ ﻋﺎرﻳًﺎ ﻋﺎر آﺧﺮ ،وﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﻳﺠﺜﻮ ﻋﲆ رﻛﺒﺘﻴﻪ أﻣﺎم رﺟﻞ ﻋﺮاﻗﻲ ٍ ً ﻣﻘﺒﻮﻻ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﱄ .وﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ اﻟﺘﻮﻗﻒ إﺑﺎﺣﻴﺔ ﻹذﻻل اﻟﺴﺠﻨﺎء — ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ،وﺑﻌﺪ ﺣﻮاﱄ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم اﺗﺨﺬت ﻗﺮا ًرا ﺑﺘﺴﻠﻴﻢ اﻟﺼﻮر. 111
اﻟﻀﻤري
ﻗﺪ ﻳﻨﺸﺄ وﺻﻔﻪ ﻟﻠﺼﻮر ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﻏري ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ« وإﻇﻬﺎر ﺗﺪﺧﻠﻪ اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻣﻦ داﻓﻊ آﺧﺮ ﺑﺨﻼف ﻗﻮاﻧني »اﻟﻀﻤري« ،وﻫﻮ اﻟﺘﺰام اﻟﺒﻄﻞ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺑ »ﻗﺎﻧﻮﻧﻪ« أو ﺷﻌﻮره ﺑﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﳾء ﻣﺎ ً ﻻﺋﻘﺎ أم ﻻ .وﺷﺨﺼﻴﺎت ﻣﺜﻞ ﻧﺎﺗﻲ ﺑﺎﻣﺒﻮ ﺑﻄﻞ رواﻳﺎت ﻛﻮﺑﺮ وﻫﺎﻛﻠﱪي ﻓني — ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﻋﺪد ﻻ ﻳﺤﴡ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﺑﻴني املﻨﻌﺰﻟني ﻣﺜﻞ ﺷﺨﺼﻴﺘَﻲ ﺷني ووﻳﻠﻴﺎم ﻣﺎﻧﻲ ﰲ ﻓﻴﻠﻢ »ﻏري املﻐﻔﻮر ﻟﻪ« — ﺗﻌﻮد ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ إﱃ ﻛﺘﺎب اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻏري املﺪوﻧﺔ واملﻮاﺛﻴﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗُﺨﺎ َﻟﻒ ،وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ رؤﻳﺔ ﺗﻔﺴري دارﺑﻲ املﻮﺟﺰ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﻟﺼﻨﻴﻌﻪ ﰲ ﺿﻮء ذﻟﻚ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺼﻨﻴﻌﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻀﻤري ،وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻀﻤري املﺴﺘﺜﺎر ﻋﻦ ً ﻃﺮﻳﻖ ﺻﻮرة ﺗﻘﺪم ً داﻣﻐﺎ ﻋﲆ ﺣﺪوث ﺳﻠﻮك ﻏري ﻣﻘﺒﻮل .وﻻ ﻳﺴﺘﺨﺪم دارﺑﻲ ﻧﻔﺴﻪ دﻟﻴﻼ ﻛﻠﻤﺔ »اﻟﻀﻤري« ﻛﻲ ﻳﺼﻒ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ،ﻟﻜﻦ املﺤﺎور واملﺆﻟﻒ وﻳﻞ إس ﻫﻴﻠﺘﻮن ﻳﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻌﺎن ﺑﻬﺎ ﰲ ﻋﻨﻮان ﻣﻘﺎﻟﻪ »ﺳﺠني اﻟﻀﻤري«. ً ﻣﻘﺒﻮﻻ« ،وﻛﺎن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ وﺧﺰة أو وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺤﺚ ﻋﲆ ﻓﻌﻞ ﺛﻤﺔ ﳾء ﰲ اﻟﺼﻮر »ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ دارﺑﻲ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﰲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﻟﻜﻨﻪ ﻗﺎم ﺑﻪ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .وﻛﺄن ﺷﻴﺌًﺎ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻳﺠﺴﺪ اﻷﺣﺪاث؛ وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻓﻘﺪ أﺗﺎح ﻟﻬﺎرﻣﺎن أن ﺗﺮى ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺴﺠﻨﺎء ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ ﺻﻮرة ﻣﻦ ﺻﻮر »اﻟﺘﺤﺮش« .ﻟﻜﻦ أﻳﻦ ﻣﻨﻈﻮر اﻟﻀﻤري أو ﺻﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ؟ ﻟﻘﺪ ﻗﻠﺖ إﻧﻪ ﺳﻮف ﻳُﻜﺘﻢ ،وﺣﺪث ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ ﰲ ﺗﻌﻠﻴﻘﻬﺎ ﻋﻦ »اﻟﺘﺤﺮش« — وﻫﻮ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻧﻘﺪي ﻳﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أول ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ،رﺑﻤﺎ ﻋﻠﻖ ﰲ ذﻫﻨﻬﺎ ﻣﻦ دورة ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻏري ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ ،أو ذﻛﺮه ﻣﺤﺎﻣﻲ اﻟﺪﻓﺎع .وﻳُﺴﻤﻊ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري ﺧﺎﻓﺘًﺎ ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﺟﻤﻠﺔ ﻫﺎرﻣﺎن املﺘﻜﺮرة »ﻳﺠﺐ ﻋﺪم ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ« ،وﻫﻮ ﺻﻮت ﺻﺎدر ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ﻟﻜﻨﻪ ﻳُﺴﻤﻊ ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ ،ﺻﻮت اﻟﺤﻈﺮ املﺘﺄﺧﺮ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﺈن اﻟﻈﻬﻮر املﺘﺄﺧﺮ ﻟﺼﻮت اﻟﻀﻤري ﻳﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﺗﻨﺎزل أﺧﻼﻗﻲ ﻣﺎ ،ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ ﺑﴩاﺋﻂ ﺗﺴﺠﻴﻞ املﻜﺘﺐ اﻟﺒﻴﻀﺎوي ﰲ ﻋﻬﺪ ﻧﻴﻜﺴﻮن اﻟﺘﻲ اﻗﱰح ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺪﺑري ﻣﻜﺎﺋﺪ ﴍﻳﺮة أﺛﻨﺎء ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮر املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻔﻀﻴﺤﺔ ووﺗﺮﺟﻴﺖ ،ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮ أن اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻗﻴﺪ اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻓﺄﺿﺎف ﻋﲆ ﻋﺠﻞ» :ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﺳﻴﻜﻮن ﺧﻄﺄً« .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ﺻﻮت اﻟﺤﻈﺮ املﺘﺄﺧﺮ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻻ ﳾء. إذا اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن ﺻﻮت اﻟﻀﻤري ﰲ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ﻛﺎن ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻧﺤﻮ ﺧﺎﻓﺖ وﻣﺘﺄﺧﺮ؛ ﻣﻤﺎ أﻓﴣ إﱃ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ .واﻟﻔﻜﺮة ﺑﺸﺄن ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ ﺳﻮى ﻋﲆ ٍ اﻟﻀﻤري ﻣﺮﺗﻔﻊ اﻟﺼﻮت أو املﻌﺮﻓﺔ املﺸﱰﻛﺔ ) — (con-scientiaﻛﻤﺎ ﻳﻮﺣﻲ أﺻﻞ اﻟﻜﻠﻤﺔ — أن اﻟﻀﻤري ﻳﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ أو اﺗﻔﺎق ﺑﺸﺄن اﻟﺮأي اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أو اﻟﻜﻨﺎﺋﴘ اﻟﺬي ﻳﻘﻨﻊ اﻟﺸﺨﺺ املﺨﻄﺊ وﻳﻮﺑﺨﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﺳﻠﻮﻛﻪ .وﻛﺎن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﺻﺤﻴﺤً ﺎ 112
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺮوﻣﺎن واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﰲ ﺻﻮرة ﻣﻌﺪﻟﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻵدم ﺳﻤﻴﺚ وﻣﺆﻳﺪي ﻣﺬﻫﺐ املﻨﻔﻌﺔ .إﻻ أن اﻟﺼﻮت اﻟﺬي ﺗﺴﻤﻌﻪ ﻫﺎرﻣﺎن ﺻﻮت وﺣﻴﺪ ﻣﻨﻌﺰل ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﺎﺳﻢ أي ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻋﲆ اﻹﻃﻼق. ﺗُ ِﺮك ﻣﻮﻇﻔﻮ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ﻟﻴﻌﻤﻠﻮا ﰲ ﻓﺮاغ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺛﻘﺎﰲ ﻣُﺮ ِﺑﻚ ،ﺷﺒﻴﻪ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺬي وﺻﻔﻪ اﻟﺮواﺋﻲ وﻳﻠﻴﺎم ﺟﻮﻟﺪﻧﺞ ﰲ رواﻳﺘﻪ »أﻣري اﻟﺬﺑﺎب« واﻟﺘﻲ ﻳﺘﺪﻫﻮر ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺎل ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﰲ ﻇﻞ ﻏﻴﺎب اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﺘﻮﺛﻴﻘﻴﺔ ﻣﻨﻘﻮﺻﺔ، وﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻛﺎﻧﺖ ً ﻫﺪﻓﺎ ﰲ ﺣﺪ ذاﺗﻬﺎ وﻟﻴﺴﺖ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻔﻌﻞ آﺧﺮ ،وﻛﺎن اﻟﻠﺠﻮء ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم املﻄﺒﻮﻋﺔ )ﻋﱪ اﻟﺤﻮارات اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ( ﺑﻬﺪف اﻟﺘﱪﺋﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﻟﻠﺸﻬﺎدة ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري .وأﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﰲ اﻷﻣﺮ أن اﻟﺼﻮت اﻟﻘﺎﺋﻞ »ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻚ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺬﻟﻚ« ﻳﺤﻞ »ﻣﺤﻞ« اﻟﻀﻤري ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺴﻤﻰ »ﺿﻤريًا« وﻳﻔﺘﻘﺮ إﱃ اﻟﺴﻠﻄﺔ املﻤﻨﻮﺣﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﰲ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ املﺘﻌﺪدة .وﻫﻮ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ أداة ﻟﻠﻤﻨﻊ ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻤﺜﻞ »ﻧﺪاءً« ﺑﺄي ﻣﻌﻨًﻰ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺘﻮﻗﻌﻪ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻮﺟﱠ ﻪ »ﻧﺪاء« اﻟﻀﻤري — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ املﺜﺎﻟﻴﺔ — إﱃ ﺷﺨﺺ ﻓﺎﻋﻞ ﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن ﻳﺘﴫف؛ أي ﺷﺨﺺ ﻗﺪ ﻳُﻘ ِﺪ ُم ٍّ ﺣﻘﺎ ﻋﲆ ﻓﻌﻞ ﳾء ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺖ ﰲ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ﺗﺤﺪث دون أي اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ. وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻳﻌﺪ ﺳﺠﻦ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺤﺪودة ،وﻫﻮ أﻛﺜﺮ ﻣﻜﺎن ﻏري ﻣﻼﺋﻢ ﻳﻤﻜﻦ ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ اﻟﻀﻤري أو ﺗﺨﻴﻠﻪ ﻟﻼﺳﺘﻤﺎع إﱃ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري أو اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﺤﻔﻴﺰ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻟﻠﻀﻤري .وﻗﺪ ﻋﺪت ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ املﻮﺟﺰ ﺑﺒﻌﺾ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت، ﻟﻜﻨﻬﺎ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺿﺌﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .وﺛﻤﺔ أﻣﺜﻠﺔ أﻛﺜﺮ ﺗﺸﺠﻴﻌً ﺎ ﻳﺪوي ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري ﻧﺤﻮ أﻛﺜﺮ ﺗﺄﻛﻴﺪًا ﰲ ﻟﺤﻈﺎت اﻷزﻣﺎت اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﻘﺮارات املﺆملﺔ .ﻓﻘﺪ ﺿﺤﱠ ﻰ ﻻزاﻧﺜﺎ ﻋﲆ ٍ وﻳﻜﺮاﻣﺎﺗﻮﻧﺞ — وﻫﻮ ﺻﺤﻔﻲ ﺷﺠﺎع ﻣﻦ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ — ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻛﺸﻒ اﻟﻔﺴﺎد، ﻓﻜﺘﺐ ﺗﻘﺮﻳﺮ وداع ﻛﺎن ﺷﺒﻴﻬً ﺎ ﺑﺨﻄﺎب ﻧﻌﻴﻪ اﺧﺘﺘﻤﻪ ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﺛﻤﺔ ﻧﺪاء أﺳﻤﻰ ﻣﻦ املﻨﺼﺐ اﻟﺮﻓﻴﻊ واﻟﺸﻬﺮة واﻟﺮﺑﺢ واﻷﻣﻦ ،وﻫﻮ ﻧﺪاء اﻟﻀﻤري «.وأوﺿﺢ ﻓﺮﻳﺪ داﺑﻠﻴﻮ ﺛﻴﻞ اﻻﺑﻦ ﻣﻔﴪا أﺳﺒﺎب ﺗﺼﻮﻳﺘﻪ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﴩوع — اﻟﻌﻀﻮ اﻟﺠﻤﻬﻮري ﺑﻤﺠﻠﺲ وﻻﻳﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك — ً ﻗﺎﻧﻮن ﻣﺘﻌﺜﺮ ﻳﺒﻴﺢ زواج املﺜﻠﻴني ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﺛﻤﺔ ﺻﻮت ﺿﻌﻴﻒ داﺧﻠﻚ ﻳﺨﱪك ﻣﺘﻰ ﻓﻌﻠﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﺻﺤﻴﺤً ﺎ وﻣﺘﻰ ﻓﻌﻠﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﺧﺎﻃﺌًﺎ … وﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻳﺰﻋﺠﻨﻲ «.وﴏح ﺳﻠﻤﺎن ﺗﻴﺴري ﺣﺎﻛﻢ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺠﺎب ﰲ ﺑﺎﻛﺴﺘﺎن ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺗﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ ﻳﻮم اﻷول ﻣﻦ ﻳﻨﺎﻳﺮ ﻋﺎم ً ٢٠١١ ﻗﺎﺋﻼ» :إن ﻟﻢ أؤﻳﺪ ﺿﻤريي ،ﻓﻤﻦ ﺳﻴﻔﻌﻞ؟« وذﻟﻚ ﻗﺒﻞ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ﻣﻦ اﻏﺘﻴﺎﻟﻪ. ﻛﺬﻟﻚ أوﺿﺢ آن ﻛﺎو ﻋﻀﻮ اﻟﻜﻮﻧﺠﺮس اﻟﺠﻤﻬﻮري اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﺻﻮﱠت ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﴩوع 113
اﻟﻀﻤري
ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ اﻟﺬي أﺛريت ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻌﺮﻛﺔ — واﻟﺬي ﻫﺰم ﰲ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﻗﺎﺋﻼ» :ﻛﺎن ﻋﲇ ﱠ أن أﺗﺨﺬ ﻗﺮا ًرا ً اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ — ً ﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ ﻋﲇ ﱠ ﺿﻤريي ِﺑﻨﺎءً ﻋﲆ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت أﻫﺎﱄ داﺋﺮﺗﻲ «.وﺛﻤﺔ آﺧﺮون ﻳﺘﺨﺬون ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ﻗﺮارات ﺻﻌﺒﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻀﻤري ،ﻟﻜﻦ ﺻﻮت اﻟﻀﻤري — ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ — ﻻ ﻳُﺴﻤﻊ ﻏﺎﻟﺒًﺎ إﻻ ﺧﺎﻓﺘًﺎ ﻣﺸﺘﺘًﺎ ،وﺗﺨﻤﺪ ﻃﺎﻗﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﺘﻐﻴري وﺗﺘﺒﺪد وﺗﻀﻴﻊ. رﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻀﻤري داﺋﻤً ﺎ ﰲ أزﻣﺔ ،وﺳﺒﺐ اﻷزﻣﺔ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء ﻫﻮ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ وﻳُﺴﺘﺪﻋﻰ ﻓﻴﻪ ﻓﻴﺼﻞ أو ﻳﺨﻔﻖ ﰲ اﻟﻮﺻﻮل .ﻟﻜﻦ اﻟﻀﻤري اﻟﻴﻮم ،ﻧﻈ ًﺮا ﻻﻧﻔﺼﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﺟﺬوره اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﰲ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ واﻷﺧﻼﻗﻴﺎت املﺴﻴﺤﻴﺔ وﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ،واﻧﺠﺮاﻓﻪ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﺤﻮادث اﻻﻧﺘﻬﺎك ،ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻬﺪدًا أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي وﻗﺖ ﻣﴣ .ﻟﻘﺪ اﻋﱰﻓﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أن اﻟﻀﻤري ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻫﻮﻳﺔ« ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ أي ﻣﻀﻤﻮن ﺛﺎﺑﺖ أو ﻣﺘﺄﺻﻞ ﺧﺎص ﺑﻪ ،وﻗﺪ ﻳ ﱠ ُﺤﻔﺰ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﺎ أو املﻮﻗﻒ املﻀﺎد ﻟﻪ ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء .وﺛﻤﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت أﺧﺮى أدت ﻣﻬﺎﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺑﻼ أي ﺿﻤري ﻋﲆ اﻹﻃﻼق .ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻧﻔﻘﺪه ٍّ ﺣﻘﺎ إذن إن وﺟﺪﻧﺎ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﻼ ﺿﻤري ﻣﺜﻞ ﺷﺨﺼﻴﺔ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮ ﰲ ﻣﴪﺣﻴﺔ ﺷﻜﺴﺒري اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﻗﻂ ﺑﻮﺟﻮد ﻫﺬا اﻟﻜﻴﺎن املﻘﺪس داﺧﻞ ﺻﺪره وﻛﺎن ﻳﻌﺘﱪه أﻗﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻮرم إﺻﺒﻊ ﻗﺪﻣﻪ؟ ﻟﻴﺲ اﻟﺸﺨﺺ املﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ اﻷﺧﻼق ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﻣﻔﺮدات اﻟﻀﻤري أو ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ﻛﻲ ﻋﺎر ﻣﻘﻴﺪ ﻣﻐ ﱠ ﻄﻰ اﻟﺮأس ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻠﺘﻌﺬﻳﺐ ﺑﻤﻌﺰل ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺼﺪﻣﺔ واﻻﺳﺘﻴﺎء ﻟﺮؤﻳﺔ إﻧﺴﺎن ٍ ﻋﻦ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺒﴩي وﻋﺮﺿﺔ ﻟﻜﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﺴﺨﻂ واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ،ﻓﺒﺎﻟﻄﺒﻊ ﺳﻮف ﻳﺴﺘﻨﻜﺮ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﺤﱰم أﺧﻼﻗﻴٍّﺎ ﰲ »أي« ﻣﺠﺘﻤﻊ ذﻟﻚ املﺸﻬﺪ ﻣﻌﱪًا ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت واملﻔﺎﻫﻴﻢ املﺘﺎﺣﺔ ﰲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ .وﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻀﻤري ﻗﺪ أﻳﺪت ﻣﺮﺗﻜﺒﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﺮاﺋﻢ اﻟﺒﺸﻌﺔ ﰲ ﺳﺠﻦ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ،ﺳﻮاءٌ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ املﺠﻨﺪﻳﻦ اﻟﻔﺎﺳﺪﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﺳﻠﻮﻛﻬﻢ ﻣﺨﺰﻳًﺎ وﺣﻘريًا إﱃ أﻗﴡ درﺟﺔ ،أو اﻟﻀﺒﺎط ،أو ﺗﺴﺎﻫﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻌﺎل أو ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺠﻴﻌﻬﺎ ﻟﻬﺎ .ﻟﻜﻦ ﻳﻈﻞ اﻟﻀﻤري ﻫﻮ املﺠﺎل اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺬي ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻴﻪ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﴏﺧﺎت اﻟﻐﻀﺐ ،وذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻷﻧﺠﻠﻮ أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ واﻷوروﺑﻴﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻀﻌﻒ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻀﻤري وﻳﺨﻔﺖ ﺻﻮﺗﻪ أو ﻻ ﻳُﺴﻤﻊ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ،ﺳﻮف ﻧﺼﺒﺢ اﻷﻓﻘﺮ أﺧﻼﻗﻴٍّﺎ. ﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﴍت ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ إﱃ أن ﻗﻮة اﻟﻀﻤري اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﰲ اﻟﺘﺰاﻣﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ اﻹﺻﻼﺣﻲ ،وإذا ﻣﺎ ﻗﻴﱠﻤﻨﺎ ﺳﺠﻦ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ﺑﻬﺬا املﻘﻴﺎس ،ﻓﺴﻴﺘﺤﺘﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ 114
ﺻﻮت اﻟﻀﻤري :ﻫﻞ ﻣﺎ زال ﻣﺴﻤﻮﻋً ﺎ؟
أن ﻧﺤﻜﻢ ﻋﲆ أﺑﻮ ﻏﺮﻳﺐ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ اﻟﺬرﻳﻊ .ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﻋﻘﺎب أي ﻣﺴﺌﻮل ﻋﺎﱄ اﻟﺮﺗﺒﺔ؛ وأُﻏﻠﻖ اﻟﺴﺠﻦ ﺛﻢ أﻋﻴﺪ ﻓﺘﺤﻪ ﺗﺤﺖ رﻋﺎﻳﺔ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى؛ وأﻗﺮت اﻹدارة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺻﻮ ًرا ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎل اﻟﺠﱪي؛ وﻻ ﻳﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﻣﺎ اﻟﺬي ﺣﻞ ﺑ »ﺳﺎﺋﻖ ﺳﻴﺎرة اﻷﺟﺮة« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻠﺘﻌﺬﻳﺐ .وﻛﻲ ﻳﺰدﻫﺮ اﻟﻀﻤري وﻳﻜﻮن ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى أﻓﻀﻞ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ وأﻗﻮاﻫﺎ، ﻳﺠﺐ أﻻ ﻳﻘﺘﴫ ﻋﲆ أﺣﺎﺳﻴﺲ ﺑُﻐﺾ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺟﺪﻳ ٍﺪ اﻟﻘﺪر َة ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷﻓﻌﺎل ً أﻳﻀﺎ. ﻫﻮاﻣﺶ (1) © Hervé Champollion/akg-images. (2) © STR New/Reuters.
115
اﳌﺮاﺟﻊ
ﻣﻘﺪﻣﺔ Henry Chadwick, Some Reflections on Conscience: Greek, Jewish and Christian (London: Council of Christians and Jews, 1968). I am indebted to conversations with Robert Alter of University of California, Berkeley, on the Hebrew conscience and the etymology of matzpun. Philip J. Ivanhoe, Ethics in the Confucian Tradition (Indianapolis: Hackett, 2002); Confucian Moral Self-Cultivation (Indianapolis: Hackett, 2000). I am indebted to conversations about liangxin with Lydia Liu of Columbia University, and also Xiao Han. On al-zãjir, see D. S. Margoliouth, ‘Conscience (Muslim)’, in Encyclopaedia of Religion and Ethics (New York, 1908). I am indebted to Cathy Popkin of Columbia University for her observations on Russian sovest.
اﻟﻀﻤري
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول My comments on syneidesis are informed by Dominic Mangiello, ‘Conscience’, in A Dictionary of Biblical Tradition, ed. David L. Jeffery (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1992). Also see Mangiello’s excellent summary of traditions of conscience in works of English literature. Peter of Celle, ‘On Conscience’, Selected Works, tr. Hugh Feiss (Kalamazoo, MI: Cistercian Publications, 1987). A. V. C. Schmidt (ed.), Vision of Piers Plowman: A Critical Edition of the B-Text, 2nd edn. (London: Everyman, 1995). Derek Pearsall (ed.), Piers Plowman: A New Annotated Edition of the C-text (Exeter: University of Exeter Press, 2008). John Wyclif, Sermon 49, in Sermones, Latin Works, vol. 7:3 (London, 1890). On Fisher’s rejoinder, see Richard Rex, The Theology of John Fisher (Cambridge: Cambridge University Press, 1991). More’s letters are cited from The Correspondence of Sir Thomas More, ed. Elizabeth Frances Rogers (Princeton: Princeton University Press, 1947). Henry’s Censurae are printed in The Divorce Tracts of Henry VIII, ed. Edward Surtz and Virginia Murphy (Angers: Moreana, 1988). Other period documents are cited from Letters and Papers … of the Reign of Henry VIII, vols 4:1 and 5 (The Stationery Office, 1878–80). Luther’s words are quoted from D. Martin Luthers Werke, kritische Gesamtausgabe, vol. 7 (Weimar: Böhlaus, 1897). On Luther and Erasmus, see Luther and Erasmus: Free Will and Salvation, ed. E. G. Rupp and P. S. Watson (Philadelphia: Westminster Press, 1969). For Luther’s comparison of conscience to sexual organs, see Works, ed. J. Pelikan, vol. 27 (St Louis: Concordia, 1955–96). For Calvin’s Institutes, see Institution of Christian Religion, tr. Thomas Norton, 1578 (EEBO). The full modern English text is available at
118
املﺮاﺟﻊ (http://www.ccel.org/ccel/calvin/institutes) (accessed 31 January 2011). I thank Katherine R. Cooper for introducing me to the sonnets of Anne Vaughan Lock. See (http://newmedia.alma.edu/ottenhoff/psalm51/ meditations.htm) (accessed 31 January 2011). Richard Hooker, Of the Laws of Ecclesiastical Polity, ed. Christopher Morris, vol. 1 (London: Everyman’s Library, 1907). Max Scheler, Formalism in Ethics (Evanston, IL: Northwestern University Press, 1973); Person and Self-Value (Dordrecht and Lancaster: Nijhoff, 1987). Reinhold Niebuhr, The Nature and Destiny of Man (New York and London: Nisbet, 1941). For Tillich, see below.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻰ For Locke’s Letter Concerning Toleration, see (http://www.constitution .org.jl/toleration.htm). For the Essay Concerning Human Understanding, see (http://www.oreganstate.edu/instruct/phl302/texts/ locke/locke1/Essay_contents.html) (accessed 31 January 2011). Anthony Ashley-Cooper, Earl of Shaftesbury, Characteristiks of Men, Manners,
Opinions,
Times
(1737),
vol.
2,
sec
1.
(http://
www.oll.libertyfund.org/index) (accessed 31 January 2011). Joseph Butler’s celebrated ‘cool hour’ occurs in Sermon 11, Fifteen Sermons Preached at the Rolls Chapel, ed. W. R. Matthews (London, 1953). Immanuel Kant, The Metaphysics of Morals, ed. Mary Gregor (Cambridge Texts in the History of Philosophy, 1996). Adam Smith, The Theory of Moral Sentiments, ed. Knud Haaksonssen (Cambridge Texts in the History of Philosophy, 2002).
119
اﻟﻀﻤري John Stuart Mill, Essay on Liberty: (http://etext.virginia.edu/toc/modeng/ public/MilLib2.html) (accessed 31 January 2011).
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ Fyodor Dostoevsky, Crime and Punishment, tr. R. Pevear (London: Vintage Classics, 1993); The Brothers Karamazov, tr. R. Pevear (London: Everyman’s Library, 1990). Cathy Popkinhas assisted me with comments on the intimate relation of Russian sovest (etymologically, ‘with’ + ‘knowledge’) with Western (and, ultimately, Greek and Greek Orthodox) ideas of conscience. Basic Writings of Nietzsche, tr. Walter Kaufmann (New York: Modern Library, 2000). On the letter to Overbeck, see Kaufmann, Nietzsche: Philosopher, Psychologist, Antichrist (Princeton: Princeton University Press, 1950). Freud’s various essays are found in the Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud, tr. J. Strachey (London: Hogarth Press, 1953–74).
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ Among many pertinent studies of conscientious objection are Peter Brock (ed.), Records of Conscience: Three Autobiographical Narratives by Conscientious Objectors, 1665–1865 (York: William Sessions, 1993); John Rae, Conscience and Politics: The British Government and the Conscientious Objector to Military Service, 1916–1919 (Oxford: Oxford University Press, 1970); A. Keim and G. Stoltzfus, The Politics of Conscience: The Historical Peace Churches and America at War, 1917– 1955 (Scottdale, PA: Herald Press, 1988); Peter Brock (ed.), Liberty
120
املﺮاﺟﻊ and Conscience: A Documentary History of Conscientious Objectors in America through the Civil War (Oxford: Oxford University Press, 2002). I am indebted to Records of Conscience for the instance of the objecting Quaker. On ‘conscience clauses’, see especially Ben Smith, ‘Coakley’s Conscience Clause’,
Politico,
44,
(http://www.politico.com/blogs/bensmith/
0110) (accessed 31 January 2011). For the Universal Declaration of Human Rights, see (http://www.un.org/ en/documents/udhr) (accessed 31 January 2011). Alan Gewirth, Human Rights: Essays on Justification (Chicago: University of Chicago Press, 1982) contributed valuably to my thinking about this chapter. I am indebted to him for the Supreme Court citation. See also Henry Shue, Basic Rights (Princeton: Princeton University Press, 1996). For a lively discussion of ‘rights’ as a basis for justice, see Joseph R. Slaughter, Human Rights, Inc (New York: Fordham University Press, 2007). R. Panikkar’s discussion of Western concepts of civil liberty and their applicability to non-Western cultures appears in Diogenes, 120 (1982). Hannah Arendt, Eichmann in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil (London: Penguin, 1977). William Tyndale, Obedience of a Christian Man, ed. David Daniell (London: Penguin, 2000). I thank Holly Crocker for bringing Tyndale to my attention. For Hobbes on conscience, see Leviathan, ed. J. C. A. Gaskin (Oxford World’s Classics, 1996), especially part 1, chapter 7. A stimulating blog by Stanley Fish adduces Hobbes as a proponent of public (versus private) conscience in relation to discussions of religiously
121
اﻟﻀﻤري based medical conscience clauses. In his acute analysis, Fish observes that ‘one can (and should) relax the obligations of faith when one is not in church’. See New York Times Opinion, 12 April 2009:
(http://www.opinionator.blogs.nytimes.com/2009/04/12/
conscience-vs-conscience) (accessed 31 January 2011). For Aquinas, see St Thomas Aquinas, Summa Theologica, tr. Fathers of the Dominican Province, vol. 1 (New York: Benziger Brothers, 1947), Part 1, Question 79, Article 13. The commentator who wants ‘a little human rights just now’ is Slaughter, Human Rights, Inc, previously cited.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ Edward, Earl of Clarendon, Miscellaneous Works, 2nd edn. (London, 1751). I thank Laura Perille for this reference. Augustine’s Confessions is available in numerous editions; the Latin text is conveniently found in Loeb Classical Library, 2 vols (1989). Robinson Crusoe is also widely available; see Oxford World’s Classics, ed. Keymer et al. (2008). ‘Markheim’, The Complete Short Stories of Robert Louis Stevenson, ed. Barry Menikoff (New York: Modern Library, 2002). Seventeenth-century works by Andrew Jones, Jeremiah Dyke, and John Jackson may be found in Early English Books Online (hereafter, EEBO). For a discussion of conscience ‘written on the heart’, see Eric Jager, The Book of the Heart (Chicago: University of Chicago Press, 2000). Pamela Gradon (ed.), Ayenbite of Inwit, Early English Text Society, Original Series, no. 278 (Oxford, 1987). ‘Everyman’, Medieval Drama, ed. David Bevington (Boston: Houghton Mifflin, 1975).
122
املﺮاﺟﻊ Martin Heidegger, Being and Time, tr. Joan Stambaugh (New York: SUNY Press, 1996). Camus’s characterization of Clamance is from Charles Rolo, ‘Albert Camus: A Good Man’, The Atlantic Monthly (May 1958), 32. James Joyce, A Portrait of the Artist as a Young Man (London: Penguin, 1992). On documentary photography, see Robert Coles, Doing Documentary Work (Oxford: Oxford University Press, 1997). For the agency of images, see W. J. T. Mitchell, What Do Pictures Want? (Chicago: University of Chicago Press, 2005). The Sabrina Harman quotations are from Philip Gourevitch and Errol Morris, ‘Exposure: The Woman Behind the Camera at Abu Ghraib’, New Yorker, 28 March 2008. Also see Gourevitch and Morris, The Ballad of Abu Ghraib (New York: Penguin, 2009). Wil S. Hylton, ‘Prisoner of Conscience’, appeared in GQ magazine, September 2006. Susan Sontag, On Photography (New York: Anchor Books, 1990).
اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻮاردة داﺧﻞ إﻃﺎرات «ﻣﺤﻜﻤﺔ »اﻟﻀﻤري In addition to works cited above, see J. Swift, ‘On the Testimony of Conscience’, Irish Tracts and Sermons, ed. Louis Landa (Oxford: Blackwell, 1948).
ﴏﺻﻮر اﻟﻠﻴﻞ املﺘﻜﻠﻢ The Pinocchio of C. Collodi, tr. J. T. Teehan (New York: Schocken Books, 1985).
123
اﻟﻀﻤري
ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺟﻨﺲ اﻟﻀﻤري Jane Eyre is available in many editions; see Oxford World’s Classics (2008).
ﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﺜري ﻟﻠﻤﺘﺎﻋﺐ أم ذات أﺧﺮى؟:اﻟﻀﻤري See William Perkins, A Discourse of Conscience, 1596; Early English Books Online. I thank Abraham Stoll for this reference.
«أﻗﻮال ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﻳﻨﻲ ﺣﻮل اﻟﻀﻤري ﺑﻮﺻﻔﻪ »ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﻄﺒﻴﻘﻴﺔ Thomas Aquinas, Summa Theologica, Part 1, Question 79, Article 13.
124
ﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ
For the origins of conscience in legal pleading, I am indebted to C. A. Pierce, Conscience in the New Testament (London: SCM Press, 1955). This notably perceptive study abounds in fresh insights and is especially to be recommended. Valuable observations on Christian traditions of conscience and the predicaments of conscience today are to be found in Paul Tillich, the ‘Transmoral Conscience’, in Morality and Beyond (New York: Harper Torchbooks, 1966), pp. 65–81. For a fine discussion of conscience in Luther’s early theology, see Michael G. Baylor, Action and Person: Conscience in Late Scholasticism and the Young Luther (Leiden: Brill, 1977). Some of the possible extremities of Protestant conviction are discussed by Steven E. Ozment, Mysticism and Dissent: Religious Ideology and Social Protest in the Sixteenth Century (New Haven and London: Yale University Press, 1973). Many of the writings considered in my second chapter, together with other subjects of importance, are treated with impressive depth in Edward G. Andrew, Conscience and Its Critics: Protestant Conscience, Enlightenment Reason, and Modern Subjectivity (Toronto and London: University of Toronto Press, 2001). Highly recommended.
اﻟﻀﻤري Especially pertinent to Kant, and also richly engaged with other themes treated in this book, is Thomas E. Hill, ‘Four Conceptions of Conscience’, Human Welfare and Moral Worth: Kantian Perspectives (Oxford: Oxford University Press, 2002). Additional perspectives on issues treated here are to be found in Charles Taylor, Sources of the Self (Cambridge: Cambridge University Press, 1989) and Paul Ricoeur, Oneself as Another (Chicago and London: University of Chicago Press, 1992).
126