ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﺗﺄﻟﻴﻒ أﻣني اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ أﻣني اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ
رﻗﻢ إﻳﺪاع ٢٠١٥ / ٩٧٩٣ ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٧٦٨ ٢٧٩ ٤ : ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ٨٨٦٢ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ ٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org : ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :إﻳﻬﺎب ﺳﺎﻟﻢ. ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺼﻮرة وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ملﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻷﺧﺮى ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. Cover Artwork and Design Copyright © 2015 Hindawi Foundation for Education and Culture. All other rights related to this work are in the public domain.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺨﴬاء اﻷﻧﺪﻟﺲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن اﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن أﺑﻄﺎل ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻷرض وأﻫﻠﻬﺎ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻣﻌﺮض ﻓﻨﻲ ﰲ دﻳﺮ ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻠﺪ اﻟﺴﻴﺪ ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻻﺋﺤﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ
7 11 17 49 63 71 79 91 97 111 123
اﳉﺰﻳﺮة اﳋﴬاء
1
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ أﻏﺮاﴈ ﰲ اﻟﺮﺣﻠﺔ املﻐﺮﺑﻴﺔ أن أزور إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺑﻌﺪ أن ِﺳﺤْ ُﺖ ﰲ املﻨﻄﻘﺔ، وﺷﺎﻫﺪت ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺤﺎﻣﻴﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﰲ دور اﻹﻧﺸﺎء ،وﻣﺎ ﻻ ﻳﺰال ﻋﻬﺪًا ً وأﻣﻼ ،رأﻳﺖ ﱠ ﻷﺗﺤﻘﻖ ﻣﺎ ﻻح ﱄ — وﻟﻢ أ ُ ْﺧﻔِ ِﻪ ﻋﲆ اﻟﻘﺎرئ — ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﲇ ﱠ أن أﻗﺎﺑﻞ اﻟﺠﻨﺮال ﻓﺮﻧﻜﻮ ﻣﻦ أﻧﻮار وﻇﻼل اﻟﺨﻄﺔ املﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة. وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺤﺴﺒﺎﻧﻲ أن اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺳﺘﺪوم ﺷﻬﺮﻳﻦ ،وﺗﻤﺘﺤﻦ اﻷﻋﺼﺎب واﻟﻌﻈﻢ ﻣﻨﻲ ﰲ ً ﺗﺠﻮاﻻ وﺗﻔﻜريًا ،إﻧﻤﺎ ُ ﻛﻨﺖ َﻓ ِﺮﺣً ﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﺮا َﻛ َﻢ ﺑني ﻳﺪي ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺪرس أﺷﺪ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻌﻤﻞ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻛﻤﺎ ُ ﻛﻨﺖ ﻣﴪو ًرا ﺑﻤﺎ ﻣﻬﱠ ﺪﺗﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻦ ُﺳﺒُﻞ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﻌﻠﻢ. وﻫﺎ أﻧﺎ ذا واﻟﺮﻓﻴﻖ اﻟﺒﺴﺘﺎﻧﻲ ﻋﲆ اﻟﺪوام ،ﻧﻌﻮد ﻣﻦ ﺗﻄﻮان إﱃ ﻣﻄﺎرﻫﺎ؛ ﻟﻨﻄري ﻫﺬه املﺮة ﰲ ﻃﻴﺎرة أملﺎﻧﻴﺔ إﱃ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﻻ ﺗﺸﺒﻪ ﻃﻴﺎرﺗﻨﺎ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﰲ وﺟﻬﻬﺎ وأﺛﺎﺛﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺗﺸﺒﻬﻬﺎ ﺑﺎﻃﻨًﺎ ﰲ اﻟﺠﻬﺎز .إن ﻋﲆ ﻫﺬه اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺘﻖ واﻟﻘِ ﺪَم ،ﻻ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﴚء ﻣﻦ ﻣﺘﺎﻧﺘﻬﺎ، وإن ﻛﺎﻧﺖ املﺘﺎﻧﺔ ﻏري ﻣﻌﻘﻮدة ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ واﻟﻬﻨﺎءة. وﻟﻘﺪ أﺿﺤﻜﻨﻲ ﻣﻦ ﻗِ ﺪَﻣﻬﺎ — واملﺮﺟﺢ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺻﺒﺎﻫﺎ ﻟﻠﺠﻴﺶ — أن ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﺎ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻣﺠﻬﱠ ﺰة ﺑﺎﻟﺴﻴﻮر ،ﻳﺸﺪﻫﺎ اﻟﺮﻛﺎب إﱃ أوﺳﺎﻃﻬﻢ إذا ﻣﺎ ﺧﻄﺮ ﻟﻬﺎ ،ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻼ ﺑﻬﻠﻮاﻧﻴٍّﺎ ،ﻓﺘﻨﻘﻠﺐ ً اﻟﺮﻳﺎح اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،أن ﺗﻌﻤﻞ ً ﻣﺜﻼ ﻇﻬ ًﺮا ﻟﺒﻄﻦ أو ﺟﻨﺎﺣً ﺎ ﻟﺪوﻻب!
ُ 1ﻛﺘِﺒﺖ .١٩٣٩
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وهلل در ﺟﻨﺎﺣﻬﺎ اﻟﺤﺎﻣﻞ ﻟﺬﻳﺬ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻟﻠﻐﺮﻳﺐ َ ﴢ ﻣﻦ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ! هلل در ذﻟﻚ اﻟﺠﻨﺎح اﻟﻘ ِ ﱢ املﻀﻤﱠ ﺦ ﺑﻄﻴﺐ إﻓﻨﻰ واﻟﻌﺮاﺋﺶ ،املﱪﻗﺶ ﺑﺄﻟﻮان ﻧﻬﺮ اﻟﺬﻫﺐ Rio de Orosاملﺘﻄﺮب ﺑﺄﻓﺎوﻳﻪ وأﻏﺎرﻳﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﺨﺎﻟﺪات. وﻫﺎك اﻟﺘﻌﺎوﻳﺬ واﻟﻄﻼﺳﻢ ﻋﲆ اﻟﺠﻨﺎﺣني ﻟﺘﻘﻲ اﻟﻄﻴﺎرة ﻧﻔﺜﺎت اﻟﺠﻦ اﻟﺠﻮﻳﺔ ،وﺻﻮﻻت ً ﺣﺮوﻓﺎ ُد ْ ﻃ َﺸﻠﻨ ْ ِﺪﻳﱠﺔ 2ﻣﺘﺼﻠﺔ اﻷرواح اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ واﻷوﻗﻴﺎﻧﻮﺳﻴﺔ ،وﻫﺎﻛﻬﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺠﻨﺎﺣني ﻂ ،وﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﻏﺰﻟﻴﺔ3 . ﻏري ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ،ﺗﺒﺪأ ﺑﻤﻘﻄﻊ ْ أﺧﻂ وﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻤﻘﻄﻊ َﺷ ْﺨ ْ ﻫﺬه اﻟﻄﺎﺋﺮة اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﺨﺎﻟﺪات؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻐ ﱢﺮد اﻟﻜﻨﺎر املﺴﺤﻮر ﻋﲆ أﻓﻨﺎن اﻟﺨﻤﺎﺋﻞ اﻟﺪرﻳﺔ ،وﺗﺮﻛﺐ اﻟﻘﻴﺎن اﻟﺴﺎﺣﺮة ﻣﻨﺎﻛﺐَ اﻷﻣﻮاج اﻟﺰﻣﺮدﻳﺔ — ﻫﻲ ﺳﺠﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻌﺎت ،ﺗﻐﺘﻔﺮﻫﺎ ﻟﻨﺎ املﻘﺎﻣﺎت. 4 ﻃﺮﻧﺎ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻀﺤﻰ ﻏﺮﺑًﺎ ﺑﺸﻤﺎل ،ﻓﻮق أرض ﻏري ﻣﺴﺤﻮرة ،ﺗﺘﻤﻮج ﺑﺎﻟ ﱡﺮﺑﺎ اﻟﺨﴬاء وﺑﺎﻟﺤﻘﻮل املﻮﺷﺎة ﺑﺄﻟﻮان اﻟﺰرع اﻟﺠﺪﻳﺪ ،واﻟﱰﺑﺔ ﻏري املﺰروﻋﺔ .وﻣﺎ ﻋﺘﻤﻨﺎ أن ﴏﻧﺎ ﻓﻮق ﻣﺜﻘﻼ ﺑﺎﻟﻀﺒﺎب ،إﻻ أﻧﻪ ﱡ ً ﻳﺮق ﰲ أﻣﺎﻛﻦ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺘﺨﺮﻗﻪ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ املﻴﺎه ،ﻓﺪﺧﻠﻨﺎ ﺟﻮٍّا اﻟﻔﺎﺗﺮة ،وﺗﻨري رﻗﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ وﺑﺎﺧﺮة ﺗﻤﺨﺮ أﻣﻮاﺟﻪ .ﻫﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺼﻮرﻫﺎْ ، وإن ﻛﺬﱠﺑﻬﺎ اﻟﺒﴫ املﺨﺪوع اﻟﺬي ﻳ ُِﺮﻳﻨﺎ اﻟﺒﺤﺮ ﺳﺎﻛﻨًﺎ ،واﻟﺒﺎﺧﺮة ﻧﻘﻄﺔ ﰲ ﻧﻮن اﻟﺴﻜﻮن. ﻓﻮق ﺑﺤﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻀﺒﺎب واملﺎء ﻧﻄري ﻏﺮﺑًﺎ ﻣﻌ ﱢﺮﺟني ﻋﻦ ﺟﺒﻞ ﻃﺎرق .ﻟﻴﺲ اﻟﺠﻨﺎح أن ﻳﻄﺮح ﻇﻠﻪ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺠﺒﻞ — ﺟﺒﻞ ﻃﺎرق؟ أﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ؛ إﻧﻪ ﻟﺠﺒﻞ ﺟَ ْ ﺎن ﺑُﻮ ْل ،إﻧﻪ ﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﱪ واﻟﺘﻘﻮى .ﻛﻴﻒ ﻻ ،وﻟﻠﺤﺼﻮن ﻛﻤﺎ ﻟﻠﻘﺪﻳﺴني ٌ ﻫﺎﻟﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ ،ﻫﻮ وﻣﺎ ﻓﻮﻗﻪ ﻣﻦ ﺳﻤﺎء ِ ﻫﻲ رﻣﺰ اﻟﻘﺪاﺳﺔ وﺣﺮﻣﺘﻬﺎ ،ﻓﻼ ﺗُﻤﺘﻬﻦ ﻣﻦ َ اﻟﱪ أو اﻟﺒﺤﺮ ،وﻻ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ،إﻻ إذا ﻛﺎن ً ﺣﺎﻣﻼ ﺣﺪﻳﺪًا وﻧﺎ ًرا؟ وﻣﺎ ﻛﺎن اﻷملﺎن ﺣﺎﻣﻠني ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻏري اﻟﺴﻼم وأﺑﻨﺎﺋﻪ، املﺘﺠﺎﴎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺠﻨﺤﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻓﻮق املﻀﻴﻖ إﱃ اﻟﻐﺮب ﻓﺎﻟﺸﻤﺎل ،ﻓﻐﺪت ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺗﺤﺘﻨﺎ ،واﻟﺼﺨﺮة إﱃ ﻳﻤﻴﻨﻨﺎ ﺗﺘﺤﺠﺐ ﺑﺎﻟﻀﺒﺎب. اﻟﻀﺒﺎب ،ﻛﻨﱠﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻟﻒ ﻣﱰ ﻓﻮق ﺑﺤﺮه اﻟﻔﴤ ،وﻛﺎن ﺟﻮﱡﻧﺎ ﺻﺎﻓﻴًﺎ ،إﻻ ﻏﺸﺎء ﻣﻨﻪ ﻳُﺤﺲ ﺑﻪ وﻻ ﻳُ َﺮى ،ﻓﻴﺤﺠﺐ اﻟﺸﻤﺲ وﻻ ﻳﺤﺠﺐ ﻧﻮرﻫﺎ.
.Deutchland 2 .M-CABY Aktiengerettschat 3 4اﻷرض املﺴﺤﻮرة اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻨﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﳾء. 8
اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺨﴬاء
اﻟﻀﺒﺎب واﻷرض واﻟﺴﻤﺎءُ ،وﻧﺤﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻣﻨﺴﻠﺨﻮن ﻋﻨﻬﺎ ،وﻣﺘﺼﻠﻮن ﺑﻬﺎ .ﻧﺴري ،ﻧﻄري آﻣﻨني ﻣﻄﻤﺌﻨني .ﻧﺤﻦ اﻟﺼﺒﻴﺔ اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة ،أﺑﻨﺎء اﻟﻌﻠﻢ ،ﻧﺪرك ً ﺣﺮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻣﻮس ،ﻓﻨﻌﻘﻞ ﻳﻮﻣً ﺎ ﰲ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ،وﻧﺠﻦ أﻳﺎﻣً ﺎ ،ﻧﺴﺎﻟﻢ ﻫﺬه اﻷرض ﺣﻴﻨًﺎ ،ﻓﻨﻨﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎء اﻟﻮرد ﻣﻦ ﻋﻠﻴﺎﺋﻨﺎ، وﺣﻴﻨًﺎ ﻧﺮﻣﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﻨﺎر ،واﻷرض ﺗﺴﺘﻤﺮ ﰲ دوراﻧﻬﺎ ،وﻻ ﺗﺒﺎﱄ ﺑﺤﺪﻳﺪﻧﺎ ،وﻻ ﺑﻤﺎء اﻟﻮرد. وﻫﻲ ﺗﺪور ﺗﺤﺖ اﻟﻄﺎﺋﺮة دورﻳﺘﻬﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ واﻟﺴﻨﻮﻳﺔ ،ﻓﻴﴪع اﻟﻀﺒﺎب ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل إﱃ اﻟﺠﻨﻮب ،وﻧﺴﺒﺢ ﻧﺤﻦ ﻓﻮق اﻟﻀﺒﺎب ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب إﱃ اﻟﺸﻤﺎل .ﺣﺮﻛﺎت أرﺑﻊ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ﻏري ﻣﺘﻨﺎﻓﺮات ،ﺷﻤﺎﻟﻴﺔ وﺟﻨﻮﺑﻴﺔ وﴍﻗﻴﺔ ،وﺣﺮﻛﺔ اﻷرض اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ. وﻧﺤﻦ ﰲ وﺳﻂ ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺎت ،ﺳﺎﻛﻨﻮن ﻫﺎدﺋﻮن ﻣﻄﻤﺌﻨﻮن ،ﻣﺎ داﻣﺖ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻏري ﻣﺘﻨﺎﻓﺮة ،ﻓﺘﺴري ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺧﻂ أﻳْﻨ ِْﺸﺘَﻴْﻨِﻲ 5ﻏري ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ .أﻣﺎ ﺧﻄﻨﺎ اﻟﺸﻤﺎﱄ املﺴﺘﻘﻴﻢ، َ ﻓﻠﻴﺴﺎ إﻻ ﻣﻈﻬ ًﺮا ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ ،واﻟﺤﺪﺑﺔ وﺧﻂ اﻟﻀﺒﺎب اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ املﺴﺘﻘﻴﻢ، ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻛﺎﺋﻨﺔ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗُ َﺮى؛ ﻓﻬﻲ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ اﻻﺣﺪﻳﺪاب اﻷرﴈ واﻟﻔﻠﻜﻲ ﺗﺤﺘﻨﺎ وﻓﻮﻗﻨﺎ. وأﻣﺎ اﻟﺨﻂ املﺴﺘﻘﻴﻢ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﰲ ﻏري اﻟﻜﻮارث واﻟﺨﻮارق ،ﺣﺘﻰ ﰲ ﺳﻘﻮط اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ املﻘﺬوﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﺮة اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ .ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﺑﺔ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ،وﻟﻮ ﺻﻌﺪ اﻟﻀﺒﺎب ﻋﻤﻮدﻳٍّﺎ ً ﻣﺠﺎﻻ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﺑﺎﻟﺨﻄﻮط واﻋﻮﺟﺎﺟﻬﺎ، ﻋﻞ ،ملﺎ ﺗﺮك ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﴪﻋﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ املﻘﺬوﻓﺔ ﻣﻦ ٍ وﻟﻮ ﻃﺮﻧﺎ ﻧﺤﻦ ﻋﻤﻮدﻳٍّﺎ ﺑﴪﻋﺔ اﻟﱪق ،أو ﺑﴪﻋﺔ اﻟﻨﻮر ،ﻓﻘﺪ ﻧﺘﻐﻠﺐ ﻟﺤﻈﺔ ﻋﲆ ﻋﻮاﻣﻞ اﻻﻋﻮﺟﺎج ﰲ اﻟﻜﻮن ،ﻓﻨﻌﻠﻮ إﱃ ﺣﺪ اﻻﺧﺘﻨﺎق ﰲ اﻟﻔﻀﺎء ،أو ﻧﻬﺒﻂ وأﻧﻒ ﻃﺎﺋﺮﺗﻨﺎ ﰲ اﻟﱰاب أو ﺑني اﻟﺼﺨﻮر. ﻗﻠﺖ إﻧﻬﺎ — ﻻ ﻓﺾ ﺟﻨﺎﺣﻬﺎ — ﻣﻦ اﻟﻄﺮاز اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﺗﻌﻠﻦ ﺑﺴﻴﻮرﻫﺎ اﻷﺧﻄﺎر اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ،وﺗﻤﺘﺤﻦ املﻨﺎﻋﺔ واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻓﻴﻪ ﺑﻤﺎ ﺗﻴﺒﺴﻪ وﺗﻀﻴﻘﻪ ﰲ ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﺎ ،وﻻ ﺗﺤﺮﻣﻪ اﺳﺘﻤﺎع ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ﰲ ﻣﺤﺮﻛﺎﺗﻬﺎ. ٍ ﺑﺼﻮت ﻳﻘ ﱢﻠﺪ ﺻﻮﺗﻬﺎ وﻻ ﻳﺪﻧﻮ ﻣﻨﻪ :ﻣﺎ ﻋﻠﻮﻧﺎ؟ ﻓﻜﺘﺐ ﰲ دﻓﱰ ﻣﺬﻛﺮاﺗﻲ ﺳﺄﻟﺖ اﻟﻘﻴﱢﻢ 1700Mأي أﻟﻒ وﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﱰ. ﻓﻤﻦ ﻋﻠﻮ أﻟﻒ وﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﱰ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺘﺼ ﱠﻮ َر اﻟﺤﺮﻛﺎت؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ ﺣني ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻗﻄﻊ اﻟﻀﺒﺎب ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ،ﻓﺘﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﻘﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض
5 ً ﻧﺴﺒﺔ إﱃ ﱠ اﻟﻌﻼﻣﺔ أﻳﻨﺸﺘني ﻣﻜﺘﺸﻒ ﻧﺎﻣﻮس اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ.
9
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﱠ وﻳﺘﺒني ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ أن اﻟﻀﺒﺎب ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻣﺘﺤﺮك ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل إﱃ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﺨﴬاء أو اﻟﺪﻛﻨﺎء، — ﰲ ﺣﺎﻟﻨﺎ اﻟﺤﺎﴐة — وﻧﺤﻦ ﻓﻮﻗﻪ ﻃﺎﺋﺮون ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب إﱃ اﻟﺸﻤﺎل. وإﻧﻨﺎ ﻟﻨﺸﻌﺮ ﺑﺬﻟﻚ وﻧﺪرﻛﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮى ﺧﻴﺎل اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻋﲆ اﻟﻀﺒﺎب ﺗﺤﺘﻬﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﻧﺪرك ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﴪﻋﺔ وﻻ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ؛ ﻓﻨﻈﻦ أﻧﻨﺎ ﻧﻄري ﻃري اﻟﻬﻮن ،واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﻔﻀﺎء ﺣﻮﻟﻨﺎ ،ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﳾء ﺟﺎﻣﺪ ﺳﺎﻛﻦ ﻳﺼﺤﱢ ﺢ اﻟﺒﴫ املﺨﺪوع وﻳُﻨ ِﺒﺊ ﺑﺎﻟﴪﻋﺔ وﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ اﻟﻜﻴﻠﻮﻣﱰﻳﺔ ﰲ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ .إﻧﻪ — ﰲ ﺣﺎﻟﻨﺎ اﻟﺤﺎﴐة — أرﺑﻌﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰات وﻳﺰﻳﺪ. ﺗﺮق ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻀﺒﺎب ﺗﺤﺘﻨﺎ ،وﺗﺄﺧﺬ ﺑﺎﻟﺘﻘ ﱡ وﺑﻌﺪ ﺧﻤﺴني ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﱡ ﻄﻊ واﻻﻧﺘﺸﺎر ،ﻓﻴﻈﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺨﴬاء — ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ — ﺑﻌﺾ رءوس ﺟﺒﺎﻟﻬﺎ، وﻫﻲ ﻛﺎﻟﺠﺰر ﰲ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ اﻷﻣﻮاج .ﺛﻢ ﻳﺘﻸﻷ ﻃ َﺮف ﻣﻦ اﺧﴬار ﺳﻬﻠﻬﺎ Vegaاﻟﺮﺣﺐ املﺪﻳﺪ. ﺛﻢ ﱠ ﻧﺘﺒني ،وﻧﺤﻦ ﻧﻬﺒﻂ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﺎﺋﻨﺎ ،ﻃﺮق اﻟﺴﻴﺎرات ،وﻫﻲ ﻛﻈﻼل ﻋﻤﺪ اﻟﱪق ،وﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨﻨﺎﻓﺲ ﺗﺪبﱡ دﺑﻴﺒًﺎ. ﺛﻢ ﱠ ﻧﺘﺒني اﻟﺒﻴﻮت ﰲ اﻷرﻳﺎف ،واملﻮاﳾ ﰲ اﻟﺤﻘﻮل ،واﻟﺪﺧﺎن ﻳﺼﻌﺪ ﻣﻦ ﻣﺪﺧﻨﺔ ﺣﻤﺮاء. ﱡ اﻟﺘﻐري ﰲ وﺟﻪ اﻷرض وأﻟﻮاﻧﻪ ،ﻳﻔﺎﺟﺌﻨﺎ دوﻻب اﻟﻄﺎﺋﺮة ﺑﺘﺤﻮﻳﻠﻬﺎ وﺑﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺮاﻗﺐ ً إﱃ ﺳﻴﺎرة ﺗﺪرج ﻋﲆ اﻷرض دروﺟً ﺎ ﻋﻨﻴﻔﺎ رﺟﺮاﺟً ﺎ ،ﻓﻨﺘﻨﺒﻪ ﻟﻠﻤﻄﺎر؛ ﻣﻄﺎر إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ.
10
اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻳﻘﻮل ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ :إن اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺗُﺪﻋَ ﻰ اﻟﻴﻮم اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻫﻲ اﻟﺠﺰء اﻷﺧري ﻣﻦ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻹﻳﱪﻳﺔ اﻟﺬي ُﻗﺬِف ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﻮف اﻟﺒﺤﺮ إﱃ ﻣﺎ ﻓﻮق املﻴﺎه ﰲ اﻟﺪور اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ Tertiary periodوﺑﻌﺪه1 . وإن ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻫﺬه ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻐﻤﻮرة ﺑﺎملﻴﺎه ﺣﺘﻰ ﻣﺎ وراء ﺟﺒﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺳﺎﻋﺔ رﻣﻠﻴﺔ ،ﻳﺼﻞ ﻃﺮﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺮوﻳني ﻋﻨﻖ دﻗﻴﻖ ،ﻓﺪ ﱠُق ﻫﺬا اﻟﻌﻨﻖ — اﻧﻜﴪ — ﰲ ﺻﻌﻮد »اﻟﺴﺎﻋﺔ« ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،ﺧﻼل اﻧﻔﺠﺎرات ﺑﺮﻛﺎﻧﻴﺔ ،وﺗﻔﺘﺖ ﺻﺨﻮر ﻧﺎرﻳﺔ ﰲ ﻗﻌﺮه ،ﻓﺘﻜﻮﱠن ﺑني اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ املﻤ ﱡﺮ اﻟﺬي ﻳُﺪﻋَ ﻰ اﻟﻴﻮم ﻣﻀﻴﻖ ﺟﺒﻞ ﻃﺎرق. وإن اﻟﻀﻐﻂ اﻟﻨﺎﺷﺊ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﻔﺘﱡﺖ وﺗﻠﻚ اﻻﻧﻔﺠﺎرات ﻛﺎن ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻗﻮة ودﻓﻌً ﺎً ، ﻋﻤﻼ ﺑﻤﺪى اﻟﺘﻔﺘﱡﺖ وﻋﻨﻒ اﻻﻧﻔﺠﺎر ،ﻓﺘﱪز اﻷرض ﻓﻮق املﻴﺎه ﺑﺴﺎﺋﻂ ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺎﻳني، وﺟﺒﺎﻻ ﰲ ﺑﻌﻀﻬﺎ َ ً ً اﻵﺧﺮ؛ ﻓﺘﺒﺪو ﻣﺘﺪرﺟﺔ ،وﺗﺒﺪو ﻣﺘﻘﻄﻌﺔ ،ﺑﺄﻧﺠﺎد وأﻏﻮار ،وأودﻳﺔ وﺗﻼﻻ و ُرﺑًﺎ ً ﺷﻤﺎﻻ، وﺑﻄﺎح ،ﻛﻬﺬه اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ اﻵن ﻓﻴﻬﺎ ،اﻟﻜﺎﺋﻨﺔ ﺑني ﺟﺒﺎل ﻣﻮرﻳﻨﻪ اﻟﻼﺻﻘﺔ ﺑﻬﺎ وﺟﺒﺎل إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ؛ أي ﺟﺒﺎل ﻧﺎﻓﺎدا ،Sierra de Navadaوﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﻨﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف وﻣﺎﺋﺘﻲ ﻣﱰ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ. وﻫﺬه اﻟﺒﻼد ،اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺗُ ﱠ ﻘﺴﻢ ﺟﻐﺮاﻓﻴٍّﺎ إﱃ ﻗﺴﻤني :اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﻌﻠﻴﺎ واﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺴﻔﲆ. ﻓﺎﻟﻌﻠﻴﺎ ﻫﻲ ﺷﻤﺎﱄ اﻟﻮادي اﻟﻜﺒري ،واﻟﺴﻔﲆ ﺟﻨﻮﺑﻴﱡﻪ ،وﻫﻲ وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﻤﺎ
» 1ﺑﻌﺪ اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻟﺚ ارﺗﻔﻊ ﻓﻮق اﻟﺒﺤﺮ ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع اﻟﻘﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ« ،دراﺑري Draperﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ» :اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻌﻘﲇ ﰲ أوروﺑﺎ«.
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﺳﻮرﻳﺎ ،ﰲ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻓﺘﺘﺸﺎﺑﻪ ﰲ اﻟﺠﻔﺎف اﻟﺼﻴﻔﻲ ،وﰲ اﻻﻋﺘﺪال ﻛﻞ ﻓﺼﻮل اﻟﺴﻨﺔ، وﰲ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت واﻷﻃﻴﺎر. ﻫﺬه اﻷرض اﻟﺨﺼﺒﺔ اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ اﻟﺠﻮاﻧﺐ واﻟ ﱡﺮﺑﺎ ﱡ ﻳﺸﻘﻬﺎ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺬي أﺳﻤﺎه اﻟﻌﺮب اﻟﻮادي اﻟﻜﺒري ،وﻫﻮ ووادﻳﻪ آﺧِ ﺮ ﻣﺎ ﺑﺮز ﻓﻮق املﻴﺎه ،إذ ﻛﺎن اﻟﻀﻐﻂ ﺗﺤﺘﻬﺎ ً ﻗﻠﻴﻼ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻠﻮ ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﰲ أﻋﲆ ﻣﻜﺎن ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴني ﻣﱰًا. وإن اﻟﻮادي اﻟﻜﺒري ﻫﺬا ﻷﻛﱪ ﻧﻬﺮ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﻬﺮ إﺑﺮة ،ﻓﻬﻮ ﻳﻨﺒﻊ ﰲ ﺟﺒﺎل ﻗ َﺰورﻻ ،Casorlaوﻳﺠﺘﻤﻊ إﻟﻴﻪ أﻧﻬﺮ ﻋﺪة ﺻﻐرية ،ﺗﺠﺮي ﻣﻦ ﺳﻔﻮح ﺟﺒﺎل ﻣﻮرﻳﻨﻪ ،أﻋﺎﻟﻴﻪ ﻫﺎﺋﺠﺔ ﺻﺎﺧﺒﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺼﻞ إﱃ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻫﺎدﺋًﺎ ،وﻳﺠﺮي ﰲ اﻟﺒﺴﺎﺋﻂ ﻣﺘﺴﻌً ﺎ ﻣﺮﺗﺎﺣً ﺎ ،ﻓﻴﺼﻠﺢ ﻟﻠﻤﻼﺣﺔ اﻟﴩاﻋﻴﺔ إﱃ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ املﻌﺘﺪﻟﺔ اﻟﺤﺠﻢ ﺗﺒﺤﺮ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﺧﻠﻴﺞ ﻗﺎدش ﻓﺎﻟﺒﺤﺮ اﻷﻃﻠﻨﺘﻴﻖ .وﻫﺬا اﻟﻨﻬﺮ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻔﻴﻀﺎن املﻔﺎﺟﺊ اﻟﴪﻳﻊ ،ﻣﻦ ذوب اﻟﺜﻠﺞ ﻋﲆ اﻟﺠﺒﺎل ،ﻓﻴﺒﻠﻎ ﻋﻠﻮه — ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل — ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻣﺘﺎر .ﺷﺎﻫﺪﺗﻪ ﻣﺮة ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﰲ رﺑﻴﻊ ﺳﻨﺔ ،١٩١٧ﻳﻮم ﺑﻠﻎ ارﺗﻔﺎع املﻴﺎه ﺧﻤﺴﺔ أﻣﺘﺎر ،ﻓﺎﺳﺘﺤﺎﻟﺖ أﺳﻮاق املﺪﻳﻨﺔ أَﻧْﻬُ ًﺮا ،وﺳﺎﺣﺎﺗﻬﺎ ٍ ﺑﺤريات. ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻧﺪﻟﺲ أﻳﺎم اﻟﻌﺮب ﺗﻨﺤﴫ ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﻗﺮﻃﺒﺔ وﺟﻴﺎن وﻏﺮﻧﺎﻃﺔ وﻣﻠﺤﻘﺎﺗﻬﺎ، وﻫﻲ ﺗُ ﱠ ﻘﺴﻢ اﻟﻴﻮم إدارﻳٍّﺎ إﱃ ﺛﻤﺎﻧﻲ وﻻﻳﺎت 2 ،أﻣﺎ اﺳﻤﻬﺎ ﻓﻘﺪ اﺧﺘُﻠِﻒ ﰲ ﺗﻔﺴريه ،ﻓﻘﻴﻞ إﻧﻪ ً ﻧﺴﺒﺔ إﱃ ﺷﻌﺐ اﻟﻮﻧﺪال ،أو إﱃ اﺳﻢ املﻴﻨﺎء اﻟﺬي ﻋﱪوا ﻣﺤ ﱠﺮف ﻣﻦ وﻧﺪاﻟﺴﻴﺎ Vandalicia ﻣﻨﻪ اﻟﺒﺤﺮ إﱃ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ؟ وﻗﺪ ﻗﺎل ﺑﻌﺾ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ إﻧﻬﺎ ﻋﺮﺑﻴﺔ اﻷﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ أرض املﻐﺮب ،وﻫﺬا ﻣﺴﺘﻐﺮب! إﻻ أن ﰲ »اﻟﻘﺎﻣﻮس« ،ﻣﺎدة دﻟﺲ :أدﻟﺴﺖ اﻷرض؛ أي اﺧﴬﱠ ت ﺑﺎﻷدﻻس ،ﺟﻤﻊ دﻟﺲ ،وﻫﻮ ﻧﺒﺖ ﻳﻮرق آﺧِ ﺮ اﻟﺼﻴﻒ .ﻓﻬﻞ ﻳﺼﺢ اﻻﻓﱰاض أن اﻟﻌﺮب اﺷﺘﻘﻮا ﻣﻦ أدﻟﺲ ً ﻓﻌﻼ ﻟﻠﻤﻄﺎوﻋﺔ أﻧﺪﻟﺲ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮا :اﻷﻧﺪﻟﺲ؟ إن ﻻﺧﴬار اﻟﺼﻴﻒ ﰲ آﺧِ ﺮ اﻟﺼﻴﻒ، ﺑﻌﺪ ﺟﻔﺎف ﺑﻀﻌﺔ أﺷﻬﺮ ،ﺑﻬﺠﺔ ﱢ ﺗﺆﻫﻠﻬﺎ ﻻﺳﻢ ﺧﺎص ﺑﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﺑﻬﺠﺔ اﻻﺧﴬار داﺋﻤﺔ ﰲ اﻟﻔﺼﻮل اﻷرﺑﻌﺔ؛ ﻷن أﻛﺜﺮ ﻫﺬه اﻷرض ﻣﻐﺮوﺳﺔ ﺑﺎﻟﺰﻳﺘﻮن. ﻗﺎل أﺣﺪ ﻋﻠﻤﺎء املﺴﻠﻤني إن اﻟﻨﺼﺎرى ﺣُ ِﺮﻣﻮا ﺟﻨﺔ اﻵﺧﺮة ،ﻓﺄﻋﻄﺎﻫﻢ ﷲ ﺟﻨﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ؛ أي اﻷﻧﺪﻟﺲ .ﻓﻼ رﻳﺐ ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷﺧري ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ،وﻻ ﻋﻴﺐ ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷول إن ﻛﺎن اﻟﺤﺎرم ﷲ.
2ﻫﻲ :املﺮﻳﺔ ،وﻗﺎدش ،وﻗﺮﻃﺒﺔ ،وﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،وﺣﻠﻔﺔ ،وﻣﺎﻟﻘﺔ ،وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،وﺟﻴﺎن. 12
اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﺧﺎرﻃﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﰲ اﻟﺪاﺋﺮات ﻣﺪن اﻷﻧﺪﻟﺲ املﺸﻬﻮرة.
ﻓﺒﻌﺪ أن ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ املﻀﻴﻖ املﺸﻬﻮر ﰲ اﻟﻄﺮف اﻟﴩﻗﻲ ﻣﻦ ﺟﺒﺎل ﻣﻮرﻳﻨﻪ ،وﴍﻋﻨﺎ ﺗﻐري ﻛﻞ ﳾء؛ اﻷرض واﻟﻬﻮاء واﻟﻨﺒﺎت وﻃﺒﺎﺋﻊ اﻟﻨﺎس. ﻧﻬﺒﻂ إﱃ اﻟﺴﻬﻮل ،ﱠ َ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻘﺼﻮر ﻣﺘﺪاﻋﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﻌﺮب ،وﺑﺄﺑﺮاج ﺑُﻨِﻴﺖ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻷﻣﻮﻳني ،ﻓﻮﺻﻠﻨﺎ إﱃ اﻟﻘﺮﻳﺔ El Carpioاﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﲆ اﻟﺤﺪود ﺑني اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﻌﻠﻴﺎ واﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺴﻔﲆ ،ﺑﻌﺪ أن ﻫﺒﻄﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻮ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ آﻻف ﻣﱰ ﻋﻨﺪ ﺳﻨﺘَﺎﻟﻴﻨﺔ ،Santa Elenaإﱃ ﻧﻴﻒ وﻣﺎﺋﺔ ﻣﱰ ﻓﻮق اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻨﺪ ﻗﺮﻃﺒﺔ .وﻗﺒﻞ أن ﻧﺪﺧﻞ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻧﻤﺮ ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،اﻟﺘﻲ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﺑﺎﺳﻢ أﺧﺘﻬﺎ َ ﺳﺎﻋﺔ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﺗﺮﺷﻘﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ أي اﻟﺰﻫﺮاء ،Mediva Azahraﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﺑﺴﻬﺎم اﻟﻬﺠرية ،ﻓﻜﺎدت أﺳﻮاﻗﻬﺎ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس.
13
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻗﻔﻨﺎ ﰲ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻟﻠﺰﻳﺎرة ،وﰲ ﻗﻮﱄ ﻗﺮﻃﺒﺔ أﻗﻮل :اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒري؛ ذﻟﻚ اﻷﺛﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﻔﻨﻲ اﻟﻨﺎدر اﻟﻨﻈري ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ3 . زرت اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺳﻨﺔ ،١٩١٧ﻓﻜﺎﻧﺖ دﻫﺸﺘﻲ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎرة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ؛ ﰲ زﻳﺎرﺗﻲ ً ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺑﺄﺟﻤﻌﻪ أو ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺗﻜﺘﻨﻔﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺜﻼث ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷوﱃ ﻛﺎن اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺼﻐرية ،ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺎت اﻟﻐﻮﻃﻴﺔ ،وﻛﺎن اﻟﺴﻘﻒ ﺑﺮواﻓﺪه ﻣﺤﺠﻮﺑًﺎ ﺑﺴﻘﻒ ﻣﻦ اﻟﺠﺺ ﻣﺒﻴﺾ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻌﻤﺪ ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺒﻼط .ﻋﻈﻤﺔ ﺗُﺬَل ﺑﺎﻟﻔﺄس واملﻌﻮل، ﺟﻤﺎل ﻳﺸﻮﱠه ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ،روﻋﺔ ﺗُ ﱠ ﻜﻔﻦ ﺑﺎﻟﺠﺺ ،وﺗُﻘﺒﱠﺢ ﺑﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻔﺼني. ُر ِوي أن املﻠﻚ ﺷﺎرﻟﺲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻗﺎل ﻳﻮم زار اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻮﱃ املﺴﻴﺤﻴﻮن ﻋﻠﻴﻪ: ﻟﻮ ُ ﻛﻨﺖ ﻋﺎ ًملﺎ ﺑﻤﺎ ﻋﺰﻣﻮا ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻪ ملﺎ أذﻧﺖ ﺑﻪ؛ ﻷن ﻣﺎ ﺑﻨﻴﺘﻢ ﻣﻮﺟﻮد ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،أﻣﺎ ﻣﺎ ﻫﺪﻣﺘﻢ ﻓﻤﻨﻘﻄﻊ اﻟﻨﻈري ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﺑﻌﺪ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺗُﺼﻠِﺢ ﻣﺎ أﻓﺴﺪه اﻟﻨﺼﺎرى اﻷﻗﺪﻣﻮن؛ ً أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺮواﻓﺪ املﻨﻘﻮﺷﺔ املﻠﻮﻧﺔ ،وﻗﺪ ﻛﺎدت ﺗﺒﲆ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺎت ﻓﻘﺪ أﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ وراء اﻟﺠﺺ ً ﱡ ﺷﻜﻼ وﻟﻮﻧًﺎ — أﺛ ٌﺮ واﻟﺘﻌﺼﺐ ،وراء ذﻟﻚ اﻟﺴﻘﻒ اﻟﺴﻤﺞ ،إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺰال ﻟﻠﻔﻦ — اﻟﺠﻬﻞ َ ﻓﺒﺎﴍ ﱡ اﻟﺼﻨﺎع ﻋﻤﻞ اﻟﺮواﻓﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮش واﻷﻟﻮان اﻷﺻﻠﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻓﻴﻬﺎ، َ ﻗﺪ أﻧﺠﺰوا ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﻘﻒ ،ﻓﺄﻋﺎدوا إﻟﻴﻪ ﺟﻤﺎﻟﻪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،وﻫﻮ إﱃ ﺟﻨﺐ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻒ اﻷﻣﺴﺢ املﺒﻴﺾ ،آﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺒﻬﺎء. وﻣﻤﱠ ﺎ ﻋﻤﻠﻮه ﻹﺗﻤﺎم املﻨﱪ اﻟﻔﻨﻲ أﻧﻬﻢ ﺣﻔﺮوا ﺣﻮل ﻗﺴﻢ ﻣﻦ اﻟﻌُ ﻤُﺪ ،ﻧﺤﻮ ﻧﺼﻒ ذراع، ﻓﺒﺪت ﻗﻮاﻋﺪه اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،وأﻋﺎدوا اﻟﺘﺒﻠﻴﻂ ﰲ ﻣﺴﺘﻮى اﻷرض اﻟﺠﺪﻳﺪ. وأﻫﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ أﻧﻬﻢ ﻧﺰﻋﻮا ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺗﻠﻚ املﺬاﺑﺢ ،أو اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺼﻐرية، اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰﻳﺪ ﰲ ﺗﺸﻮﻳﻬﻪ. أﻣﺎ اﻟﻘﻨﺎدل ،ﺗﻠﻚ املﺌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﱢر اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻓﺘﺰﻳﺪ ﺑﺮوﻋﺘﻪ وﺟﻼﻟﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻏري ﻗﻨﺪﻳﻞ واﺣﺪ ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس املﻄﺮق ،ﻳﺰﻳﱢﻦ اﻟﻴﻮم اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰال ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺗﻘﺎم ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺼﻼة. 3ﻛﺎن ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴني ﻣﻌﺒﺪ اﻟﺠﺎﻧﻮس Janusﻓﺘﺤ ﱠﻮ َل ﰲ اﻟﻌﻬﺪ املﺴﻴﺤﻲ إﱃ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻛﱪى ،ﻓﺄﻗﺎم املﺴﻠﻤﻮن ﻣﺴﺠﺪًا ﻓﻴﻬﺎ ،وﺗﺮﻛﻮا ﻧﺼﻔﻬﺎ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴني .وﰲ ﺳﻨﺔ ١٦٩ﻫ٧٨٨/م اﺷﱰى ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪاﺧﻞ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻫﺪم اﻟﺒﻨﺎء ﺑﺄﺟﻤﻌﻪ ،وﺑﻨﻰ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﻣﺴﺠﺪًا ﻫﻮ ﻧﻮاة اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺤﺎﱄ؛ ﻓﺰﻳ َﺪ ﺑﻤﺴﺎﺣﺘﻪ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وأﺿﻴﻔﺖ إﻟﻴﻪ اﻟﺰﻳﺎدة اﻟﻜﱪى ﰲ ﻋﻬﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺛﻢ ﰲ ِ أﻳﺎم اﻟﺤﺎﺟﺐ املﻨﺼﻮر ﺑﻌﺪه؛ أي ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺎﴍ ﻟﻠﻤﻴﻼد. 14
اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻛﺎن أﻧﺎس ﺳﺎﻋﺔ زﻳﺎرﺗﻨﺎ ﻳﺼﻠﻮن ،وأﻧﺎس ﻣﻦ اﻟﻌﻤﱠ ﺎل ﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﰲ ﺗﺠﺪﻳﺪه .وﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﻟﻨﺎ إن اﻟﻌﻤﻞ ﺳﻴﺘﻢ ﺑﻨﻘﻞ ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻓﻴﻐﺪو اﻟﺠﺎﻣﻊ أﺛ ًﺮا ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺪة ،أﺛ ًﺮا ﻟﻠﺰﻳﺎرة واﻟﻌﻠﻢ ﻓﻘﻂ ،ﻛﺎﻟﺤﻤﺮاء ﰲ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،واﻟﺼﻮﻣﻌﺔ ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ. إن أﺟﻤﻞ ﺑﻘﻌﺔ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻫﻲ ﻫﺬه اﻟﺘﻲ ﺑني ﻗﺮﻃﺒﺔ وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﻛﻨﺎ ﻧﺮﺳﻞ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ اﻵﻓﺎق اﻟﺒﻌﻴﺪة املﴩﻗﺔ ،واﻷرض ﺑﻴﻨﻨﺎ وﺑﻴﻨﻬﺎ ﺗﺘﻤﻮج أﻟﻮاﻧًﺎ ﺑﻤﺎ ﰲ ﺣﻘﻮﻟﻬﺎ ورﺑﺎﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﻊ املﺰروﻋﺔ واملﺤﺼﻮدة ،اﻟﺒﻘﻊ اﻟﺨﴬاء واﻟﺤﻤﺮاء واﻟﺬﻫﺒﻴﺔ واﻟﺒﻨﻴﱠﺔ ،وﻫﻨﺎك اﻷراﴈ ً ﺻﻔﻮﻓﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺒﻂ وﺗﻌﻠﻮ ﺑﺮﻓﻖ ورﺷﺎﻗﺔ ،ﻓﺘﺒﺪو ﻛﺎﻷراﺟﻴﺢ وﻗﺪ ُﻏ ِﺮﺳﺖ ﺑﺎﻟﺰﻳﺘﻮن ﺻﻔﻮف اﻟﻌﻤﺪ ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒري ،أو ﺻﻔﻮف ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد؛ ﺟﻨﻮد اﻟﺴﻼم. ﻫﻲ ذي اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﰲ ﻣﺠﺪﻫﺎ ،ﰲ ﻟﻄﻔﻬﺎ وﺣﺴﻨﻬﺎ وﺳﻜﻮﺗﻬﺎ وﺛﻤﺎرﻫﺎ. وﻫﺎك اﻟﻮادي اﻟﻜﺒري ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺑﻨﻬﺮ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،ﻧﻬﺮ اﻟﺸﻨﻴﻞ ،ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑَﻠﻤﺎ دِ ل رﻳﻮ ،Palma Del Rioوﰲ ﺑﻴﻨﺎ ﻓﻠﻮر Pena Florﺷﻼﻻت ﺗﺪﻳﺮ ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ﻃﻮاﺣني ﺣﺪﻳﺜﺔ وﻗﺪﻳﻤﺔ، وﺑني اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻃﺎﺣﻮن ﻣﻦ ﻋﻬﺪ اﻟﻌﺮب ﻻ ﺗﺰال ﻋﺎﻣﺮة. وﻫﺬه ﻗﺮﻣﻮﻧﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﲆ رأس اﻟﺮاﺑﻴﺔ ،ﻫﻲ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻠﻬﺎ ﻣﻮﳻ ﺑﻦ ﻧﺼري ﺑﻌﺪ اﺣﺘﻼﻟﻪ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﻳﻤﺮ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ أﺳﻔﻠﻬﺎ إﱃ أﻋﻼﻫﺎ ﻓﻴﻨﻜﺸﻒ ﻣﻨﻪ اﻟﻄ َﺮف اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺟﺒﺎل ﻣﻮرﻳﻨﻪ ،اﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﻨﺎﻫﺎ ﰲ ذﻫﺎﺑﻨﺎ إﱃ ﻣﺪرﻳﺪ. وﻫﻲ ذي ﻗﻠﻌﺔ وادي اﻟﻐﺎر Alcala de Guadairaﻓﺮن إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﻣﻮرد ﺧﺒﺰﻫﺎ، وزاوﻳﺔ ﻣﻦ زواﻳﺎ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺸﺎرد ﰲ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ اﻷوﱃ ،ﻓﻘﺪ ﻃﺎملﺎ ﻓ ﱠﺮ ﻫﺎرﺑًﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ ،وﻋﺎد ﻣﻨﻬﺎ إﱃ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ واﻟﺤﺐ راﺋﺪه. وﻣﻦ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻧﺼﻞ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ إﱃ ﻗﺮﻳﺔ ﺣُ ﺴﻦ اﻟﻔﺮج ﻋﲆ ﺿﻔﺔ اﻟﻨﻬﺮ ،وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻗﺪﻳﺲ ﺗُﺪﺧِ ﻞ اﻟﻘﺪاﺳﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ رﻗﺒﺘﻪ ﰲ اﻟﻨﱢري اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻓﻘﺮﻳﺔ ﺣُ ْﺴﻦ اﻟﻔﺮج اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺆﻣﱡ ﻬﺎ أﻫﻞ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮب ﻟﻠﺘﻨ ﱡﺰه ،ﺗُﺪﻋَ ﻰ اﻟﻴﻮم San Juan de Aznalfaracheأي اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺣﻨﺎ ﺣﺴﻦ اﻟﻔﺮج! وﰲ ﺳريﻧﺎ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﻧﻤﺮ ﺑﻘﺮﻳﺔ اﻷﺧﺘني ،Dos Hemanasﺣﻴﺚ ﻗﻀﻴﻨﺎ ﰲ رﺑﻴﻊ ﺳﻨﺔ ١٩١٧ﻳﻮﻣً ﺎ ﺳﻌﻴﺪًا ﻧﻘﻮم ﺑﻌﻤﻞ ﻏري ﺳﻌﻴﺪ ،وﻫﻮ اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﰲ اﻟﺮﻳﻒ ﻋﲆ ﺑﻴﺖ ﻧﺴﻜﻨﻪ، إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻨﺎ ﻣﻔﺘﺎح ﻟﺒﻴﺖ ﻫﻮ ُﻗ َ ﺼ ْري ﻣﻨﻤﻨﻢ ،ﻛﺜري اﻟﻐﺮف واﻷروﻗﺔ ،وإﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻣﺴﺘﻮدع ﻣﻔﺘﻮح ﺑﺎﺑﻪ ،ﻓﺪﺧﻠﻨﺎه ﻓﺈذا ﻫﻨﺎك ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﱪاﻣﻴﻞ اﻟﻜﺒرية ﻣﻸى ﺑﺎﻟﺰﻳﺘﻮن اﻷﺧﴬ اﻟﻔﺎﺧﺮ املﻜﺒﻮس ﺑﺎملﺎء واملﻠﺢ .اﻟﺰﻳﺘﻮن! وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﱠﺎ ﻫﺠﻤﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،ذﻫﺒﺖ ﺑﻘﻴﻤﺔ اﻟﻐﺬاء اﻟﺬي ﺣﻤﻠﻨﺎه ﻣﻌﻨﺎ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ. 15
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻫﺬه اﻟﻜﺮوم اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﱢﻖ اﻵﻓﺎق ﺗﺬ ﱢﻛﺮﻧﻲ ﺑﻜﺮوم زﺣﻠﺔ ،وﻫﺬه ﻣﺪﻳﻨﺔ ﴍﻳﺶ املﺸﻬﻮرة ﺑﺨﻤﻮرﻫﺎ .إﻧﻨﺎ اﻵن ﰲ اﻟﻄﺮف اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺴﻔﲆ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻜﺜﺮ ﻛﺬﻟﻚ املﻨﺎﺟﻢ واملﺮاﻓﺊ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ ﻓﻔﻲ ﺟﻮار ﴍﻳﺶ ﰲ ﺷﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻐﺮﺑﻲ ،ﺳﺎن ﻟﻮﻛﺎر ده ﺑﺎراﻣﻴﺪا Sanlucar de Baramedaاﻟﺘﻲ ﻳﺼﺐ اﻟﻮادي اﻟﻜﺒري ﰲ ﺑﺮزﺧﻬﺎ املﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻴﻨﺎؤﻫﺎ ﻋﺎﻣ ًﺮا ﰲ املﺎﴈ ،ﻳﺠﺎري ﻣﻴﻨﺎء ﻗﺎدش ،وﻣﻨﻪ َ ﺳﺎﻓ َﺮ ﻛﻮملﺒﻮس ﺳﻔﺮﺗﻪ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ أﺑﺤﺮ ﻣﺎﺟﻼن Magellanﻟريﺣﻞ رﺣﻠﺘﻪ ) (١٥١٩ﺣﻮل اﻷرض. وﰲ ذﻟﻚ اﻟﺠﻮار اﻟﻴﻮم أﻛﱪ ﻣﻌﺎدن اﻟﻨﺤﺎس ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻓﻤﻌﺎدن اﻟﻨﻬﺮ اﻷﺣﻤﺮ Rio ً ﺷﻤﺎﻻ ﻣﻦ ﻣﻴﻨﺎء ﺣﻠﻔﺔ َ Huelvaﺷ َﻐ َﻠﻬﺎ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﻮن ،واﻟﻴﻮم ﺗﺸﻐﻠﻬﺎ ﴍﻛﺔ Tinto إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻓﺘﺴﺘﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻠﻴﻮن ﻃﻦ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ. وﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺣﻠﻔﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻋﲆ أرﺑﻌني ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﺎﺟﻢ ﺗﺮﺷﻴﺶ — ﺗﺮﺷﻴﺶ اﻟﺘﻮراة واﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴني ،ﺗﺮﺷﻴﺶ اﻟﺬﻫﺐ .ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﺮوة ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺻﻮر. وﻻ ﺗﺰال ﻗﺎدش ﻣﻴﻨﺎء إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻋﲆ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﻃﻠﻨﺘﻴﻖ .ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺎ، أو ﺑﺎﻟﺤﺮي ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺧﻠﺠﺎﻧﻬﺎ ،واﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻨﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ إﱃ رأس ﺑَ ﱟﺮ دوﻧﻬﺎ ،ﻓﺠﻨﺤﻨﺎ ﻣﻨﻪ إﱃ اﻟﴩق اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،وﺑﻌﺪ أرﺑﻌني أو ﺧﻤﺴني ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا دﺧﻠﻨﺎ ﰲ ﻏﺎﺑﺎت اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ واﻟﺴﻨﺪﻳﺎن ،اﻟﺘﻲ ﺗﻜ ﱢﻠﻞ اﻟ ﱡﺮﺑﺎ ﺑﺠﻮار ﻃﺮﻳﻔﺔ. وﻫﺎ ﻧﺤﻦ أوﻻء ﻋﲆ رأس ﺑ ﱟﺮ َ آﺧﺮ ﻧﻄﻞ ﻋﲆ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷﺑﺤﺮ :اﻷوﻗﻴﺎﻧﻮس واﻟﺨﻠﻴﺞ واﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ ،وﺑﻌﺪ أن ﻧﻄﻮي ﺑﻀﻌﺔ أﻛﻮاع ﻣﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻧﺤﻦ ﻧﻬﺒﻂ إﱃ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﺤﺮ ،وﻧﴩف ﻋﲆ ﺟﺒﻞ ﻃﺎرق ،ﻧﺼﻞ إﱃ ﻧﻬﺮ اﻟﻌﺴﻞ اﻟﺬي ﻳﴩﱢف ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﺰﻳﺮة.
16
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
املﺪن ﺑﺮوﺣﻬﺎ ﻻ ﺑﴫوﺣﻬﺎ ،وﺑﺮﺳﺎﻟﺘﻬﺎ ﻻ ﺑﻤﺴﺎﺣﺘﻬﺎ .املﺪن ﺑﻌﻈﻤﺘﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻻ ﺑﺜﺮوﺗﻬﺎ املﺤﺼﻴﺔ .املﺪن ﺑﻤﺎ اﺳﺘﻤﺘﻌﺖ وﺑﻤﺎ ﻗﺎﺳﺖ ،ﻻ ﺑﻤﺎ اﻧﻄﻮى ﻣﻦ زﻣﺎﻧﻬﺎ ،وﻻ ﺑﻌﺪد ﺳ ﱠﻜﺎﻧﻬﺎ. املﺪن ﺑﻴﻮﻣﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﺪ املﺠﻴﺪ ،ﻻ ﺑﺄﻳﺎﻣﻬﺎ اﻟﺘﻜﻼﻧﻴﺔ واﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ. املﺪن ﻣﺜﻞ املﺮأة ﰲ ﻣﺰاﺟﻬﺎ وﺧﻴﺎﻟﻬﺎ ،ﰲ اﻟﺒﺎﻃﻦ واﻟﻈﺎﻫﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﻬﺎ ،ﰲ زﻳﻨﺘﻬﺎ وﻓﺘﻨﺘﻬﺎ، ﰲ أواﺑﺪ ﻫﻮاﻫﺎ ،ﰲ ﻗﻴﻮد ﺣﺒﻬﺎ ،ﰲ ﺳﺒﺤﺘﻬﺎ وﺑﺨﻮرﻫﺎ. ﻫﺬه املﺮأة ﻫﻲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ 1ﺳﻴﺪة ﱡ اﻟﺸﻘﻴﻔﺎت 2 ،وﺑﻨﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ورﺑﺔ اﻟﺨﺼﺐ واملﺘﻊ. ﺗﺮﻗﺺ ﻓﺘﺴﻤﻊ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺻﻮت ُﺧ َﺸﻴْﺒﺎﺗﻬﺎ ،وﺗﺼﲇ ﻓﱰدد ﺻﻠﻮاﺗﻬﺎ املﺪن واﻟﻘﺮى ،ﻓﻬﻲ اﻷم، وﻫﻲ اﻻﺑﻨﺔ ،وﻫﻲ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻌﺎﺷﻘني! ً ودﻻﻻ .ﺗﻔﺘﻞ ﺗﻀﻊ املﺸﻂ اﻟﺮﻓﻴﻊ اﻟﻌﺮﻳﺾ اﻟﺘﺎج ﰲ ﺷﻌﺮﻫﺎ ،وﺗﻬﺰ رأﺳﻬﺎ ﻏﻨﺠً ﺎ ﺧﴫﻫﺎ ،إذ ﺗﺴﻜﺖ اﻟﺨﺸﻴﺒﺔ ﺑﻴﺪﻳﻬﺎ ،ﻓﺘﻨﻔﺘﺢ ﻃﻴﺎت ﻓﺴﺘﺎﻧﻬﺎ ،وﺗﻨﺘﴩ ﻣﻨﻪ اﻷﻣﺎﻧﻲ واﻟﺼﺪود! ﺛﻢ ﺗﴬب اﻷرض ﺑﺮﺟﻠﻬﺎ ،ﻓﺘﻨﺼﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻗﻠﻮب اﻟﺮﺟﺎل. إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﺮاﻗﺼﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘ ﱢﺮر ﻣﺼري اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﺘﺆﻳﱢﺪه ﰲ ﺣﺒﻪ ،ﺛﻢ ﺗﻘﻴﱢﺪه ﺑﺎﻟﺒﻨني. ﻫﻲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﺮوﻣﺎن. وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ املﺮﺗﻠﺔ ﻟﻠﻌﺬراء ،املﺸﻌﻠﺔ اﻟﺸﻤﻮع ﻟﻠﻘﺪﻳﺴني .ﻫﻲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻐﻮط واﻹﺳﺒﺎن.
1إﺳﺒﻴﻠﺘﺲ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ. 2ﱡ اﻟﺸﻘﻴﻔﺎت ﻣﺼﻐﺮة :ﻫﻲ ﺻﻨﻮج ﻣﻦ ﻧﺤﺎس ،أو ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﺗﻌﻘﺪﻫﺎ اﻟﺮاﻗﺼﺎت ﺑني أﺻﺎﺑﻊ اﻟﻴﺪﻳﻦ ،ﻓﱰاﻓﻖ ﰲ إﻳﻘﺎﻋﻬﺎ ﺣﺮﻛﺎت اﻟﺮاﻗﺼﺔ اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ. Espiletis
اﻟﺮوﻣﺎن وﺳﻔﻴﱠﺎ
Sevilla
اﻹﺳﺒﺎن ،وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮب اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎدوا ﰲ ﺗﻌﺮﻳﺒﻬﻢ إﱃ
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷﻋﻴﺎد ،واملﻮاﻛﺐ واملﻬﺮﺟﺎﻧﺎت — ﻣﻮاﻛﺐ اﻟﻘﺪﻳﺴني ،وﻣﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺮﺑﻴﻊ، وﺣﺮب اﻟﺜريان .ﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺒﻬﺠﺔ واﻟﺤﺒﻮر ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻤﺮ وﺑﺨﻮر ،وﺑﻤﺎ ﻳﺘﻀﻮﱠع ﰲ ﻋﺮﺻﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﻴﺐ اﻟﺮﻳﺎﺣني واﻟﺰﻫﻮر. ﱠ ﻳﺘﺠﺴﻢ ﺣﻴﻨًﺎ ﰲ رب ﻣﻦ اﻷرﺑﺎب ،ﻓﺘُﻨﻈﻢ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ،وﺗُﺼﻮﱠر وإن ﻹﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻣﺰاﺟً ﺎ ﱢ ً ﱠ ﻳﺘﺠﺴﻢ ﰲ ﻏﻮل أو ﺟﻨ ﱟﻲ ،ﻓﺘﺄﻛﻞ أﺑﻨﺎءﻫﺎ ،وﺗﴬم اﻟﻨﺎر ﰲ اﻟﺼﻮر ،وﺗُﻨﺤﺖ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ،وﺣﻴﻨﺎ ﻣﺮاﺑﻌﻬﺎ. وإن ﻟﻬﺎ روﺣً ﺎ ﺗﺮﻓﻞ ،ﻣﺜﻞ ﺑﻨﺎﺗﻬﺎ ،ﰲ اﻟﺪﻣﻘﺲ وﰲ اﻟﺤﺮﻳﺮ ،روﺣً ﺎ ﺗﺄﺑﻰ اﻟﻌُ ﺮي ،روﺣً ﺎ ﺗﺘﻘﻨﻊ ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ ﻋﲆ ﻣﴪح اﻟﻮﺟﻮد ،واﻟﺨﻴﺎل املﻨﺸﻮد ،ﺗﻤﺜﱢﻞ أﻣﺎم ﷲ ﺣﻴﻨًﺎ ،وﺣﻴﻨًﺎ أﻣﺎم إﺑﻠﻴﺲ، ً ً ﺻﺎدﻗﺎ راﺋﻌً ﺎ ﻓﻴﻄﺮب ﷲ ،وﻳﻄﺮب إﺑﻠﻴﺲ ،وﻳﻬﻤﺲ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﺗﻤﺜﻴﻼ ﺗﻤﺜﱢﻞ ﺟﻤﻴﻊ أدوار اﻟﺤﻴﺎة ﰲ أذﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺪ إﱃ ﻗﻠﺒﻬﺎ اﻟﻨﻮ َر واﻟﺒﺨﻮر ،و ُﻣ ﱠﺮ اﻟﺸﻌﻮر ،ﻓﻴﻨﻮر ﻓﻴﻪ اﻟﻴﺎﺳﻤني، وﻳﻨﻮر ﻓﻴﻪ اﻟﺼﱪ واﻟﻘﻨﺪول. وإن ﻹﺷﺒﻴﻠﻴﺔ رﺳﺎﻟﺔ ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻮارﻓﺔ اﻟﻈﻼل ،اﻟﻮاﻓﺮة اﻷﻧﻮار؛ ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻄﺎﻣﻌﺔ ﺑﺨﻠﻮد ﻃﻴﺒﺎت اﻟﺤﻴﺎة؛ ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺤﺒﻴﺐ واﻷدﻳﺐ ،وﺣﺎﻣﻼت اﻟﻄﻴﺐ؛ ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ املﻄﺮود وﺻﺎﺣﺐ اﻟﺠﻨﻮد. هلل درك ،ﻳﺎ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ! إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﺮوﻣﺎن واﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن. ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﻋﻮاﻫﻞ روﻣﺎ ُوﻟِﺪوا ﰲ ﻛﻨﻔﻚ 3 ،وﺳﻴﺪ ﻣﻦ ﺳﺎدات اﻟﻌﺮب ﺟﻠﺲ ﻋﲆ ﻋﺮﺷﻚ، وﻛﺒﺎر ﻣﻠﻮك ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ وأرﻏﻮن ﺣﻤﻠﻮا ﺳﻴﻔﻚ وﻳﺮاﻋﻚ وﺻﻠﻴﺒﻚ. إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻗﻴﴫ أﻧﺖ ،وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ املﻌﺘﻤﺪ ،ﻛﻤﺎ أﻧﺖ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻓﺮﻧﻨﺪ اﻟﻘﺪﻳﺲ. وﺣﻴﺚ دُﻓِ ﻦ ﻓﺮﻧﻨﺪ — ﰲ ﻗﺪس أﻗﺪاﺳﻚ — 4دُﻓِ ﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﺳﻔﺎح ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺎﺣني. وﺣﻴﺚ ﺟﻠﺲ املﻌﺘﻤﺪ — ﻋﲆ ﻋﺮش اﻟﺤﺐ واﻟﺸﻌﺮ وﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق — ﺟﻠﺲ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﺎت ﻣﻦ اﻟﻌﺘﺎة املﺠﺮﻣني5 . ٍ هلل درك ،ﻳﺎ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ! ﻓﻤﺎ أرﺣﺐَ ﻓِ ﻨﺎءك ،وﻣﺎ أﺑﻌﺪ ﻣﺪى ﺣﻨﺎﻧﻚ! 3ﰲ إﻳﺘﺎﻟﻴﻜﺎ ،ﻋﲆ ﺳﺒﻌﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰات ﻣﻦ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔُ ،وﻟِﺪ ﺗﺮاﺟﺎن وﻫﺪرﺑﺎن وﺗﻴﻮدﺳﻴﻮس ،وﻫﻲ اﻟﻴﻮم ﺗُ َ ﻘﺼﺪ ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ. ﱠ 4ﰲ ﻓﻨﺎء املﺬﺑﺢ اﻟﻜﺒري ﺑﺎﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ،وﺗﺤﺖ املﺬﺑﺢ دُﻓِ ﻦ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﻓﺮﻧﻨﺪ واملﻠﻚ ﺑﻄﺮس املﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻌﺎﺗﻲ. 5املﻌﺘﻀﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﺳﻠﻒ املﻌﺘﻤﺪ. 18
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ﻳﺰرع املﻌﺘﻀﺪ اﻟﺰﻫﻮر ﰲ ﺟﻤﺎﺟﻢ أﻋﺪاﺋﻪ وأﻋﺪاﺋﻚ ،وﻳﺰﻳﻦ ﺑﻬﺎ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻘﴫ، ﻓﺘﺒﺘﺴﻤني وﺗﻨﺸﺪﻳﻦ اﻷﺷﻌﺎر. ﻳﴩب أﺑﻨﺎؤك ﻣﻴﺎه اﻟﺤﻤﺎم ﻟِﺤَ ﻈﻴﱠﺔ املﻠﻚ اﻟﺴﻔﺎح ،ﻓﺘﻀﺤﻜني وﺗﺮﻗﺼني. ﻳﺬﻫﺐ ﺳﻴﺪك ،ﻓﻼ ﻳﺬﻫﺐ ﻣﺎ ﻋﻨﺪك ﻣﻦ ﺣﺐ ووﻓﺎء ،وﻳﻮم ﻳﻌﻮد ﺗﻘﺪﱢﻣني ﻟﻪ ﻗﻠﺒًﺎ ﻋﺎﻣ ًﺮا ﺑﺎﻟﻮﻓﺎء واﻟﺤﺐ. ِ وأﻧﺖ ﰲ ﺗﻘ ﱡﻠﺒﻚ أﺣﺠﻞ ﻣﻨﻚ ﰲ ﻗﻠﺒﻚ. ﺳﻤﻌﺖ املﺆذن ﻳﺆذﱢن ،واﻟﻜﺎﻫﻦ ﻳﺮﺗﱢﻞ ،ﻓﺨﺸﻌﺖ وﺳﺠﺪت. ِ ِ أﺣﺴﻨﺖ .وﻗﺎل َي اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ واﻹﻳﻤﺎن ،ﻓﻘﺎل ﷲ: وﺷﻴﺪت املﻌﺎﺑﺪ واملﺴﺎﺟﺪ واﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﺑﻴﺪ ِ اﻟﻔﻦ :ﺣﺒﻴﺒﺘﻲِ ، أﻧﺖ! ِ ِ ِ ورﺣﺖ ﺗﻐﻨني ﻟﻠﺠﻠﻨﺎر ،وﺗﺮﻗﺼني ﻟﻠﻮرد واﻟﻴﺎﺳﻤني، وﺑﺎﻫﻴﺖ، ﻓﺰﻫﻮت ،ﻳﺎ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ، وﻧﺎدﺗﻚ ﴍﻳﺶ 6 ِ ِ ﻋﺼﻴﺖ ﺣﺒﻴﺒﻴﻚ. ﻓﻠﺒﻴﺖ ،وﻣﺎ ً ِ ِ ﺟﻤﺎﻻ واﻓﺘﻨﺎﻧًﺎ .ﺛﻢ أﺛﻠﺜﺖ، ﻓﺎزددت ﴍﺑﺖ اﻟﻜﺄس ﺑﺎﺳﻤﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ اﻟﻜﺄس ﻋﲆ ذﻛﺮﻫﻤﺎ، ﻓﻔﺮح إﺑﻠﻴﺲ. واﻟﺘﻬﺐ دﻣﻚ ،ﻓﺠﻠﺴﺖ ﺟﻠﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎن ،ﰲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺜريان ،وﻫﻠﻠﺖ ﻟﻠﺬاﺑﺤني» :أﻧﺪا، أﻧﺪا7 «. ِ ِ ﻓﻘﻠﺖ :ذﻫﺐٌ وﻳﺎﻗﻮت .وﻗﺒﻠﺖ ﻣﻦ ﻳﺪ اﻟﺬاﺑﺢ ﻋﺮﺑﻮن رأﻳﺖ اﻟﺪم ﻳﺠﺮي ﻋﲆ اﻟﺮﻣﻞ، 8 اﻟﻐﺮام ،وﻋُ ﺪ ِْت إﱃ ﺑﻴﺘﻚ ﺗﺤﻤﻠني اﻟﺘﺬﻛﺎر اﻟﺪاﻣﻲ ،ﻓﻌ ﱠﻠﻘﺘِﻪ ﺑني اﻟﺸﻤﻮع. ﰲ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﺿﺠﺔ ،وﰲ اﻟﺒﻴﻮت واملﺨﺎزن ﺿﺠﺎت .ﻓﺎﻟﺸﻤﺎﻣﺴﺔ ﻳﻨﻈﻔﻮن ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﺴني واﻟﻘﺪﻳﺴﺎت ،واﻟﻜﻬﱠ ﺎن ﻳﺨﺮﺟﻮن اﻟﺤﲇ ﻣﻦ أﺳﻔﺎﻃﻬﺎ ،واﻟﺨﺪم ﻳﺰﻳﻠﻮن اﻟﻐﺒﺎر ﻋﻦ اﻷﺛﻮاب اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺼﻮر ،واﻟﻨﺠﱠ ﺎرون ﻳﺒﻨﻮن اﻟﺴﺪد واﻟﻬﻮادج ،واﻟﻨﺴﺎء ﻳﻤﻸن اﻟﻘﻤﺎﻗﻢ ﺑﻤﺎء اﻟﻮرد ،واﻟﺒﻨﺎت ﻳﻀﻔﺮن أﻛﺎﻟﻴﻞ اﻟﺰﻫﻮر ،وﺑﺎﺋﻌﻮ اﻟﺴﻤﻚ ﻳﺠﻠﺒﻮن اﻟﻘﻨﺎﻃري ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻳﺪس9 ، وﻣﻌﺎﻣﻞ اﻟﺒرية ﺗﻀﺎﻋﻒ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ. ﻫﻲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﱠ ﺗﺘﺄﻫﺐ ملﻬﺮﺟﺎﻧﻬﺎ اﻷﻛﱪ ،ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻷﺳﺒﻮع املﻘﺪس ،املﻬﺮﺟﺎن املﻨﻘﻄﻊ اﻟﻨﻈري ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ املﺴﻴﺤﻲ ،ﺑﻞ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ .ﻓﻤﻦ أﺣﺪ اﻟﺸﻌﺎﻧني إﱃ أﺣﺪ اﻟﻔﺼﺢ ﺗﻐﺪو 6ﴍﻳﺶ :Jerezﺑﻠﺪة ﻣﺸﻬﻮرة ﺑﺨﻤﻮرﻫﺎ. 7أﻧﺪا ﺑﺎﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ :ﻣﺮﺣﻰ. 8ﰲ ﺣﺮب اﻟﺜريان ،ﻣَ ﻦ ﻳﺬﺑﺢ اﻟﺜﻮر ﻳﻘﻄﻊ أذﻧﻪ ،وﻳﻘﺪﱢﻣﻬﺎ َملﻦ ﻳﺤﺒﻬﺎ ﺑني املﺘﻔﺮﺟني. 9ﻫﻮ اﻟﺠﻤﱪي ﰲ اﺻﻄﻼح املﴫﻳني. 19
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً ً ﻛﺎﻣﻼ ،ﻫﻮ أﺳﺒﻮع اﻵﻻم ﻋﻨﺪ ﺣﺎﻓﻼ ﺑﺎﻫ ًﺮا ،ﻳﺴﺘﻤﺮ أﺳﺒﻮﻋً ﺎ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ ﻣﻬﺮﺟﺎﻧًﺎ ﻧﺼﺎرى اﻟﴩق ،واﻷﺳﺒﻮع املﻘﺪﱠس ﻋﻨﺪ اﻷوروﺑﻴني. وﻫﻮ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ أﺳﺒﻮع املﻮاﻛﺐ ﺑﻞ املﻌﺎرض؛ ﻓﺘﺨﺮج اﻟﻬﻮادج ﻣﻦ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻷﺳﺒﻮع ﺑﺤﺴﺐ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﺼﺪره ﺣﻜﻮﻣﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺴري ﺑﻤﻮﻛﺐ ﻓﺨﻢ ﺿﺨﻢ إﱃ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻣﺎرة ﺑﺸﺎرع املﺪﻳﻨﺔ املﺸﻬﻮر ،اﻟﻀﻴﱢﻖ املﺘﻌ ﱢﺮج اﻟﻜﺜري اﻟﻘﻬﻮات واﻟﺤﺎﻧﺎت ودور اﻟﻘﻤﺎر ،وﻫﻮ ﺻﺎدق اﻻﺳﻢ واﻟﺮﺳﻢ؛ ﻫﻮ ﺷﺎرع اﻟﺤﻴﺔ Seirpis اﻟﺬي ﺗَﺤْ ﺪُث ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻓﻴﻪ اﻷﻋﺠﻮﺑﺔ اﻟﻜﱪى .ﻛﻴﻒ ﻻ وﻫﻮ ﻋﲆ ﺿﻴﻘﻪ وﻗﴫه ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻸﻟﻮف ﻣﻦ أﺑﻨﺎء املﺪﻳﻨﺔ ،واﻷﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﺰوﱠار اﻷوروﺑﻴني واﻷﻣﺮﻳﻜﻴني! وﻫﺎ ﻫﻮ ذا املﻮﻛﺐ ﻳﺠﺘﺎز ﺷﺎرع اﻟﺤﻴﺔ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﱃ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ،ﻫﻮ ﻣﻮﻛﺐ ﻣﻦ اﻟﻬﻮادج ﻳﺤﻤﻞ ﻛﻞ ﻫﻮدج ،ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ،ﻋﴩة أو ﻋﴩﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،ﻳﺤﻤﻠﻮﻧﻪ ﻋﲆ اﻷﻛﺘﺎف ،وﻫﻮ ﻣﻐ ٍّ ﻄﻰ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت اﻷرﺑﻊ ﺑﺄﺳﺘﺎر ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻓﻼ ﻳُ َﺮى ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻠﺔ ﻏري أرﺟﻠﻬﻢ؛ ﻓﻴﺒﺪو ﰲ ﻣﺠﻤﻠﻪ ﻛﺠﻨ ﱢ ﱟﻲ ذي ﻋﴩﻳﻦ أو أرﺑﻌني ِر ً ﺟﻼ! ﻫﺬه اﻟﻬﻮادج ﺗﻘﻒ ﻣﻦ ﺣني إﱃ ﺣني ﻟﺘﺴﱰﻳﺢ ﺗﻠﻚ اﻷرﺟﻞ ،ﺛﻢ ﺗﺴﺘﺄﻧﻒ اﻟﺴري ،وأﻫﻞ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ واملﺘﻔﺮﺟﻮن ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ أﻗﻄﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺟﺎﻟﺴﻮن ﰲ اﻟﻘﻬﻮات ،وﰲ اﻷﻃﻨﺎف ﻓﻮﻗﻬﺎ، أو واﻗﻔﻮن ﰲ اﻟﺤﺎﻧﺎت ،ﻳﴩﺑﻮن اﻟﺒرية ،وﻳﺄﻛﻠﻮن اﻟﻘﺮﻳﺪس ،وﻳﻨﺘﻘﺪون اﻟﻬﻮادج أو ﻳﺜﻨﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ. وﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ اﻟﺒﻴﻮت وأﻃﻨﺎﻓﻬﺎ ﺗﻨﺜﺮ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺎء اﻟﻮرد ﻣﻦ ﻗﻤﺎﻗﻤﻬﻦ ﻋﲆ املﻮﻛﺐ ،وﻳﺮﻓﻌﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﰲ وﻗﻔﺎﺗﻬﻦ وﻏﻨﱠﺎﺗﻬﻦ ،ﺑﺄﻫﻞ أﺻﻮاﺗﻬﻦ وﻗﻠﻮﺑﻬﻦ ﺑﺎﻹﻧﺸﺎد واﻻﺑﺘﻬﺎج ،ﻓﻴﺬ ﱢﻛ ْﺮ َن ﱠ اﻟﺘﺠﻮﻳﺪ .ﻓﻬﻞ ﻫﻲ ﻳﺎ ﺗُ َﺮى ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﺮوح اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺗﺘﻮارﺛﻬﺎ اﻷﺻﻮات واﻟﻘﻠﻮب اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ؟ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن املﻮﻛﺐ ﺳﺎﺋ ًﺮا إﱃ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﱪى ،ﺗُ َﺮى اﻟﻬﻮادج ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺠﺮى اﻟﴩاع ﰲ اﻟﺮﻳﺢ اﻟﻄﻴﺒﺔ ،ﻓﻼ ﺗﻤﻴﺪ وﻻ ﺗﻀﻄﺮب ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﰲ ﻋﻮدﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺒﺪو ﻛﺎملﺮاﻛﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﺎذﻓﻬﺎ اﻷﻣﻮاج ،ﻓﺘﺨﴙ وأﻧﺖ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ أن ﺗﻤﻴﺪ ﻓﺘﻬﻮي إﱃ اﻷرض … ﻫﻲ املﻮاﻛﺐ املﻘﺪﺳﺔ ﻳﻤﴚ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻠﺐ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﺘﱠﻘِ ﱡﻲ اﻟﻄﺮوب ،وﻳﺠﻠﺲ ﻋﻘﻠﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺎن، ﻣﺘﻔﺮﺟً ﺎ ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻪ ،وﻋﲆ ﺑﻄﻨﻪ ،وﻋﲆ اﻷﺟﻨﺒﻴﺎت اﻟﺤﺴﺎن ،املﺘﻔﺮﺟﺎت ﻣﺜﻠﻪ ،املﺸﺎرﻛﺎت ﻟﻪ ﰲ ﴍب اﻟﺠﻌﺔ ،وأﻛﻞ اﻟﻘﺮﻳﺪس. ﻫﻲ املﻮاﻛﺐ املﻘﺪﺳﺔ ،ﻣﻮﻛﺐ ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﻣﻮﻛﺒﺎن ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ؛ واﺣﺪ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح، واﻟﺜﺎﻧﻲ ﰲ املﺴﺎء. وﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻳُﺴﻤَ ﻊ املﻴﺰارﻳﺮه Misarereﻧﺸﻴﺪ املﻮت ﻋﲆ اﻷرﻏﻦ اﻟﻜﺒري ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﱪى. 20
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ً ﺧﻤﺴﺎ وﺗُﺸﻌَ ﻞ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ — أي ﰲ ﺳﺒﺖ اﻟﻨﻮر — ﺷﻤﻌﺔ اﻟﻌﻴﺪ اﻟﺠﺒﺎرة ،اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ وﻋﴩﻳﻦ ﻗﺪﻣً ﺎ ً ﻃﻮﻻ ،وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻛﻴﻠﻮ وزﻧًﺎ. ُ ﻛﺪت أﻧﴗ ﺣﻔﻠﺔ اﻟﻐﺴﻞ ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﻔﻼت املﻬﻴﺒﺔ ،ﺗﻘﺎم ﻳﻮم اﻟﺨﻤﻴﺲ ﰲ وﺳﻂ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻓﻴﺸﻬﺪﻫﺎ أﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﻨﺎس املﺰدﺣﻤني ﰲ اﻷروﻗﺔ اﻟﺮﺣﺒﺔ .ﻫﻮ ذا ﻣﺸﻬﺪ ﻣﻦ املﺸﺎﻫﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﻳﻤﺜﱢﻠﻪ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ واﻟﻜﺮادﻟﺔ وﺑﻀﻌﺔ ﺻﺒﻴﺎن ﻓﻘﺮاء ،ﻓﻴﻐﺴﻞ ﻛﺒري اﻟﻜﺮادﻟﺔ ﺑﻬﻲ ،وﻫﻢ ﻳﺮدﱢدون أرﺟﻠﻬﻢ واﻟﻨﺎس ﰲ ﺧﺸﻮع ،ﺛﻢ ﻳﻤﴚ أﻣﺮاء اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ املﺘﻀﻌﻮن ﰲ ﻣﻮﻛﺐ ﱟ ٍ ﻛﻠﻤﺎت ﻻﺗﻴﻨﻴﺔ ﺑﻠﻬﺠﺎت ﻏري ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ،ﺗﺪل ﻋﲆ ﻣﺎ ﺑﺼﺪر ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﻤﺎﺳﺔ أو ﻓﺘﻮر: »ﺗﺪﻳﻮم ﻟﻮداﻣﺲ« ً ﻣﺜﻼ. ﰲ رﺑﻴﻊ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﻈﻤﻰ 10ﺷﻬﺪت املﻬﺮﺟﺎن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺑﻤﻮاﻛﺒﻪ وﺣﻔﻼﺗﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ. 11 وﰲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ اﻟﻨﴫ ،ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺠﻨﺮال ﻓﺮﻧﻜﻮ ،ﺷﻬﺪت ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻬﺮﺟﺎﻧًﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺪﻗﻴﻖ أﻗﻮل :ﺷﺎﻫﺪﺗﻪ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻷﺧرية ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻪ اﻷﺧري ،ﻓﺤﺴﺒﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻳﻮﻣً ﺎ ،واﻟﻴﻮم ﺷﻬ ًﺮا. ﻟﻘﺪ ﺣﺮﻣﺖ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ املﻬﺮﺟﺎﻧﺎت ﻣﺪة اﻟﺤﺮب اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،ﻓﺘﻀﺎﻋَ َ ﻒ ﺷﻮﻗﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ؛ ﻓﺨﺮﺟﺖ ﰲ رﺑﻴﻊ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﺗﺤﻤﺪ ﷲ ،وﺗﺴﺒﱢﺢ اﻟﻌﺬراء ،وﺗﺤﺘﻔﻞ ﺑﺎﻟﻨﴫ وﺗﻘﻴﻢ املﻬﺮﺟﺎن .ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻌﴩﻳﻦ ً أﻟﻔﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﻬﺎ وﺑﻨﺎﺗﻬﺎ ورﺟﺎﻟﻬﺎ وﺷﺒﺎﻧﻬﺎ إﱃ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺴﻴﺪة رﺑﺔ اﻟﻌﻴﺪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﻣﺮﺣً ﺎ وﻃﺮﺑًﺎ وﺣﺒﻮ ًرا. واﻟﺴﻴﺪة رﺑﺔ اﻟﻌﻴﺪ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﻋﺬراء اﻟﻄﻞ أو اﻟﻨﺪى ،Virgen de la Roseoوﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﰲ ﻣَ ﺮﻳﺴﻤﺎ ،marismaوﻫﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺧﺎرج إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﻋﲆ ﺧﻤﺴني ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ﻣﻨﻬﺎ .ورﺑﺔ اﻟﻌﻴﺪ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﻛﺬاك اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ،ﻓﻴﻘﺎم ﻟﻬﺎ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﺳﻤَ ﻴْﻬﺎ اﻟﻄﺎﻫﺮﻳﻦ ،ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻳﺪوم ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻳﺎم. ﻫﻲ »ﻋﻤﺎرة« اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻋﺬراء اﻟﻨﺪى ،ﻓريﻛﺐ املﻌﺘﻤﺮون واملﻌﺘﻤﺮات اﻟﺨﻴﻞ واﻟﺒﻐﺎل واﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﻀﺨﻤﺔ ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﺜريان ،وﻳﺤﻤﻠﻮن ﻓﺮﺷﻬﻢ وﻣﻮاﻋﻴﻨﻬﻢ إﱃ ﻣَ ﺮﻳﺴﻤﺎ!
10ﺳﻨﺔ .١٩١٧ 11ﺳﻨﺔ .١٩٣٩ 21
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻫﻮﻻ! ُﻛ ﱠﺮه! وﻳﻘﻴﻤﻮن ﻫﻨﺎك ﰲ ﻫﺮج وﻣﺮج ،وﻣﺮح وﻃﺮب؛ ﻳﻘﻴﻤﻮن اﻟﺼﻠﻮات ،وﻳﴩﺑﻮن اﻟﺒريا ،وﻳﺄﻛﻠﻮن اﻟﻘﺮﻳﺪس ،وﻳﺼﻴﺪون اﻟﻄﻴﻮر! ﻗﺎل اﻟﺪﻟﻴﻞْ : إن ﺷﺌﺘﻢ أن ﺗﺸﺎﻫﺪوا املﻮﻛﺐ راﺟﻌً ﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺘﺜﺮ ،ﻓﻌﻠﻴﻜﻢ أن ﺗﻼﻗﻮه ﺧﺎرج املﺪﻳﻨﺔ. اﺳﺘﺼﻮﺑﻨﺎ اﻟﺮأي ،وﴎﻧﺎ ﻧﻘﻄﻊ اﻟﺠﴪ ﻋﻨﺪ ﺑﺮج اﻟﺬﻫﺐ إﱃ ﺗﺮﻳﺎﻧﺎ — ﺑﻠﺪة اﻟﻌﻤﺎل ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻌﺎﻣﻞ اﻟﺰﻟﻴﺞ أي اﻟﻘﻴﺸﺎﻧﻲ .ﺗﺮﻳﺎﻧﺎ ﻓﺨﺎرﻳﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،وﻣﺮﺑﺾ واملﻌﺎﻣﻞ، ﻋﻤﺎﻟﻬﺎ. وﰲ ﻃﺮﻳﻖ املﻮﻛﺐ اﻟﻌﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﻣﺮﻳﺴﻤﺎ ،اﻟﺘﻘﻴﻨﺎ ﺑﻄﻼﺋﻌﻪ ،ﺑﻌﺪ أن اﺟﺘﺰﻧﺎ ﻧﺤﻮ ﻋﴩﻳﻦ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ،واﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻨﻪ ،ﺛﻢ اﻧﺨﺮﻃﻨﺎ ﰲ ﺳﻠﻜﻪ ،وأﻣﺴﻴﻨﺎ ﻣﻦ املﻌﺘﻤﺮﻳﻦ ،وﻻ اﻋﺘﻤﺎر ﻏري اﻟﻔﻀﻮل! وﻟﻜﻨﻨﺎ ﴎرﻧﺎ ﺑﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻔﺮح اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﺑﺨﻴﻠﻬﺎ ورﺟﻠﻬﺎ وﻋﺮﺑﺎﺗﻬﺎ، وﺑﺪﻓﻮﻓﻬﺎ ُ وﺷﻘﻴﻔﺎﺗﻬﺎ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﻤﻊ ﻏري أﺻﻮات اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺮﺗﻠﻦ ،وﻳﴬﺑﻦ ﻋﲆ اﻟﺸﻘﻴﻔﺎت، وﴏﻳﻒ اﻟﺪواﻟﻴﺐ اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻟﻠﻌﺮﺑﺎت اﻟﺨﺸﻨﺔ ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﺜريان. وﻫﻨﺎك ﻋﺮﺑﺎت اﻟﻨﻘﻞ اﻟﻜﺒرية وﻗﺪ ﻛﺪﺳﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﻌﻀﻬﻦ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ،أﴎاب ﻣﻨﻬﻦ ﰲ أﺛﻮاب اﻟﻌﻴﺪ ،اﻟﺰاﻫﻴﺔ اﻷﻟﻮان ،ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﻮس ﻗﺰح ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﺜريان ،واﻟﺮﺟﺎل ﻋﲆ اﻟﺨﻴﻞ واﻟﺒﻐﺎل ،ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﻌﺎت اﻟﺴﻮداء اﻟﻘﻮراء اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ،اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ اﻟﺘﺎج ،املﺠﺴﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﺮﺟﻞ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ )اﻟﻜﺎﺑﺎﺑريو-اﻟﻔﺘﻰ( ،وﻗﺪ أردف اﻣﺮأﺗﻪ أو أﺧﺘﻪ أو ﻋﻤﺘﻪ ﻋﲆ ﺣﺼﺎﻧﻪ أو ﺑﻐﻠﻪ. اﻟﺪواﻟﻴﺐ اﻟﻀﺨﻤﺔ املﻄﻮﻗﺔ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ ،وﺑﻴﻨﻬﺎ ﻋﺮﺑﺎت ﺑﻤﺠﺎﻟﺲ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ،ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﺜريان ،وﻳﺴﻮﻗﻬﺎ رﺟﺎل ﺑﺎﺳﻤﻮ اﻟﻮﺟﻮه ،وإﱃ اﻟﻴﻤني واﻟﻴﺴﺎر ﻣﻨﻬﻢ أﻧﻮار وﺟﻮه اﻟﺤﺴﺎن، ووراءﻫﻢ ﰲ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﻋﲆ ﻓﺮاش ﻣﻦ اﻟﺘﺒﻦ ﴎب ﻣﻨﻬﻦ ﻳﻐﻨني .ﻫﻮ ذا املﻮﻛﺐ ﺑﺼﻮرة ﻇﺎﻫﺮة، وﺑﺮوﺣﻪ وﻗﻠﺒﻪ. ﻳﻌﻮد ،ﺑﻌﺪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻳﺎم ﻣﻦ اﻟﻄﺮب ،وﺑﻠﻮغ اﻷرب ،وﻻ وﻫﻦ وﻻ ﺗﻌﺐ ،ﻳﻌﻮد ﻛﻤﺎ ﺧﺮج ﺣﺎﺟٍّ ﺎ ،ﰲ ﻏﻤﺮة اﻟﴪور واﻟﻄﺮب. وﻫﺎ ﻫﻮ ذا ﻋﺎﺋﺪ ،ﻟﻪ أول وﻟﻴﺲ ﻟﻪ َ آﺧﺮ ،وﻫﺎ ﻧﺤﻦ أوﻻء ﰲ ﻏﻤﺎر املﻌﻴﱢﺪﻳﻦ واملﻌﻴﺪات. ً اﺣﺘﻼﻻ ﻣﻜﺮه أﺧﻮك ﻻ ﺑﻄﻞ! ﻓﻼ ﻃﺮﻳﻖ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻏري ﻫﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ ،واملﻮﻛﺐ ﻳﺤﺘﻠﻪ ﻣﻬﺮﺟﺎﻧﻴٍّﺎ ،ﻓﻴﺴري ﺳري اﻟﺴﻠﺤﻔﺎة وﻻ ﻋﺠﺐ؛ ﻓﻘﺪ ﻗﻄﻌﺖ ﺛرياﻧﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم أرﺑﻌني ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا، واﻟﺨﻴﻞ واﻟﺒﻐﺎل ﻣﺜﻞ اﻟﺜريان ﻣﻜﺪودة ﻣﺮﻫﻘﺔ. 22
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
وﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﻒ ﰲ ﻛﻞ ﻗﺮﻳﺔ ﻟﻨﺴﻤﻊ ﻧﺴﺎءﻫﺎ ﻳﺮﺣﱢ ﺒﻦ ﺑﻨﺎ ﻣﻨﺸﺪات اﻷﻧﺎﺷﻴﺪ ،وﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﺳﺎﺣﺔ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﺛﻢ ﻧﺴﺘﺄﻧﻒ اﻟﺴري .ﺗﺘﺤﺮك اﻟﺴﻠﺤﻔﺎة! ﻓﻴﺎ ﻗﺪﱢﻳﺴﺔ ﻣﺮﻳﺴﻤﺎ ،ﻳﺎ ﺳﻴﺪة اﻟﻄﻞ ،ﻳﺎ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻃريي إﻟﻴﻨﺎ ،وﺑﺠﻨﺎﺣﻴﻚ أﻧﻘﺬﻳﻨﺎ .ﻟﻘﺪ دﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ اﻷﻓﻖ ،وﻛﺎدت ﺗﻐﻴﺐ. أُﺷﻌﻠﺖ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ أﻧﻮار ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺰال ﰲ أوﻟﻪ ،وﻗﻞ ﰲ آﺧِ ﺮه، وأﻣﺎم اﻟﺪﻳﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﰲ ﻏﺎﺑﺮ اﻟﺰﻣﺎن ﻗﴫًا ﻟﻔﺎﺗﺢ املﻜﺴﻴﻚ ،وﻗﺎﻫﺮ اﻟﻬﻨﻮد ﻓﺮﻧﻨﺪو ُﻛﺮﺗﻴﺲ .Cortezواﻋﻠﻢ أﻋﺰك ﷲ أن ﻛﺮﺗﻴﺲ أول ﻣَ ﻦ أدﺧﻞ اﻟﺨﻴﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﱃ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل ﻗﺎﻣﻮس اﻷﻋﻼم» :ﻳﺠﺐ ﱠأﻻ ﻧﻨﴗ ،ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻪ ﰲ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت، وﺗﻮﺳﻴﻊ ﻧﻄﺎق ﻋﻠﻮﻣﻨﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ،أﻧﻪ ﰲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ ﻟﻠﻬﻨﻮد أﻫﻞ اﻟﺒﻼد ﻛﺎن ﺟﺎﺋ ًﺮا ﻋﺘﻴٍّﺎ«. ِ ﻧﺴﻴﺖ اﻷﻗﺪا ُر ﻛﺮﺗﻴﺲ اﻟﺬي ﻣﺎت ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻘﴫ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ، وﻫﻞ ﻣﻨﺒﻮذًا ﻣﻨﺴﻴٍّﺎ؟ ﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﺗﺼﺪﱠى ﻣﺮ ًة ﰲ آﺧِ ﺮ أﻳﺎﻣﻪ ،ﻟﻌﺮﺑﺔ اﻹﻣﱪاﻃﻮر »ﺷﺎرﻟﺲ اﻟﺨﺎﻣﺲ« ﻓﺄﻧﻜﺮه ،ﻓﻘﺎل» :أﻧﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﻋﻄﺎك ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ أورﺛﻚ أﺟﺪادك ﻣﻦ املﺪن«. رﺣﻢ ﷲ ﻛﺮﺗﻴﺲ ،وإن ﰲ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺰﻳﺔ واﻟﺮﺣﻤﺔ .ﻓﻬﻞ ﻫﻨﺎك ﻣَ ﻦ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﻌﺪه ﻟﻠﻬﻨﻮد أﺑﻨﺎء أوﻟﺌﻚ اﻟﺒ ﱠُﺴﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻐ ﱠﻠﺐَ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻬﻢ؟ ﻓﺈﻧﻬﻢ اﻟﻴﻮم ،ﺑﺎﺳﻤﻬﻢ واﺳﻢ أﺟﺪادﻫﻢ ،ﻳﱰﺣﱠ ﻤﻮن ﻋﻠﻴﻪ. وﻟﻪ اﻟﻔﻀﻞ اﻵن ﺑﻤﺎ أﻧﺴﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻣ ﱢﺮ اﻻﻧﺘﻈﺎر .ﻓﻬﺎ ﻫﻲ ذي اﻟﺴﻠﺤﻔﺎة ﺗﺘﺤﺮك ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﻓﺎرﺳﺎ ﺑني ﻓﺘﺎﺗني ﻳﻄﻠﻖ ﻟﺠﻮاده اﻟﻌِ ﻨﺎن .ﺗﻘﺪ َ ً ﱠس اﺳﻢ ﺗﻤﴚ ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﺗﻤﴚ ﻣﴪﻋﺔ ،وﻫﺎك »اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء« ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺠﺎﺑﺖ ﻃﻠﺒﻨﺎ! ﻣﺎ ﻛﺪت أﻧﺘﻬﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﺣﺘﻰ ﻋﺎدت اﻟﺴﻠﺤﻔﺎة إﱃ ﻃﺒﻌﻬﺎ ،وﻋﺎد اﻟﻔﺎرس إﱃ ﺳﺎﺑﻖ ﺳريه ،ﻳﻄﻤﱧ املﻠﻴﺤﺘني ،اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻀﻦ واﻟﺘﻲ ﻳﺮدف ،ﻳﻄﻤﺌﻨﻬﻤﺎ ﺑﺼﻮت ﺧﺸﻦ وﻛﻠﻤﺎت ﻋﺬﺑﺔ. وﻛﺎن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﻀﻴﻖ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻓﻴﻐﺺ ﺑﺎملﻮﻛﺐ ،أو ﻳﺤﺪث ﻓﻴﻪ اﺣﺘﻘﺎﻧًﺎ ،ﻓﻴﻘﻒ رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ – ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ – ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع اﻟﺴﺎﻋﺔ ،اﻟﻠﻬﻢ ﻫﻮ ْﱢن ﻫﻮ ْﱢن! ﻓﺄﺳﻤﻊ ﻣَ ﻦ ﻳﻘﻮل :ﺗﺄﻣﱠ ِﻞ اﻟﺜريان ﻳﻬُ ْﻦ أﻣﺮك. ﻛﻨﺖ أﺗﺄﻣﻞ ﻏري اﻟﺜريان ،ﻛﻨﺖ أﺗﺄﻣﻞ اﻟﻨﺴﺎء املﻌﻴﺪات ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻦ وأﺻﻮاﺗﻬﻦ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻒ ﺗﻠﻚ ُ اﻟﺨﺸﻴﺒﺎت ﰲ »ﺗَ ْﺮﺗَﺘﺎﺗﻬﺎ« ﺣﺘﻰ ﺧﻼل اﻻﻧﺘﻈﺎر ،وﻻ ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻮات ﰲ أﻏﺎﻧﻴﻬﺎ ،ﺑﻞ ً ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰداد ً وﻋﻨﻔﺎ ،هلل درﻫﺎ! ﻋﻤﻼ ُ ﺳﻤﻌﺖ وﻫﺬه اﻟﺜريان ،ﻧﻌﻢ ﻫﻲ ﻣﻜﺪودة ﻣﺮﻫﻘﺔ ،وﺻﺎﺑﺮة ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻃﺎﺋﻌﺔ ﺻﺎﻣﺘﺔ .ﻣﺎ ُ وﻛﻨﺖ أﺧﴙ أن ﻳﻔﻠﺖ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻮر ،وﺗﻔﺮ ﻫﺎرﺑﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﺛﻮ ًرا ﻳﺨﻮر وﻟﻮ ﻣﺮة، ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ. 23
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً ﻃﺎﻋﺔ وﺻﱪًا وﺧﻨﻮﻋً ﺎ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ أﺣﺮار ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻔﺮار وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎرة ،وﻻ ﻧﻔﻌﻞ. ﻓﻘﺎل اﻟﺒﺴﺘﺎﻧﻲ أﻟﻔﺮﻳﺪ :ﻧﺤﻦ ﻧُﺠ ﱡﺮ ،وﻫﻢ ﻳَﺠ ﱡﺮون. ﻓﻘﻠﺖ :أَوَﻟﻴﺲ ﻟﺠﺎﺋﻊ وﻋﻄﺸﺎن ﻣﻦ ﻓﻀﻞ ﰲ اﻟﺴﻜﻮت واﻟﺼﱪ؟ وﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﺎﺋﻊ ﻛﻌﻚ ،أو ﱠ ﺳﻘﺎء ﺳﻮس ،وﻻ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣَ ﻦ ﻳﻔ ﱢﻜﺮ ﺑﻐري اﻟﻨﺴﺎء املﺴﻨﻮﺟﺔ ،أو ﺑﺎﻟﺤﺮي ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل املﺴﻨﻮﺟﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ،وأﻳﻦ ﱢ اﻟﺴﻨْﻮاج؟ 12وأﻳﻦ اﻟﻨﺰل ﻳﻠﺒﻲ ﻃﻠﺒﻨﺎ؟ ً ﻣﻘﻔﻼ ،وﺟﺎءﻧﺎ اﻟﺨﺎدم وﺻﻠﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ،ﻓﴩﺑﻨﺎ املﺎء؛ ﻷن اﻟ »ﺑﺎر« ﻛﺎن ﺑﴚء ﻳﺸﺒﻪ ﺳﻨﺎوﻳﺞ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺠﺒﻦ. وﻧﻤﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻋﲆ أﺻﺪاء اﻷﻏﺎﻧﻲ ،وأﺻﻮات ﱡ اﻟﺸﻘﻴﻔﺎت ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﱰاﺟﻊ ﰲ آذاﻧﻨﺎ، وﺗﱰدد ﰲ اﻷﺣﻼم ،ﺑﻞ ﰲ اﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ. ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﺠﺎوز ﺣﺪ املﻌﻘﻮل ،أو ﺣﺪ اﻹدراك اﻟﻬﻨﻲء املﺴﱰﻳﺢ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ ،ﻳﺨﺮج ﻋﻦ وﺿﻌﻪ اﻷﺻﲇ وﻣﻌﻨﺎه؛ ﻓﺎﻟﺬي ﻳﺤﺐ اﻟﻐﻨﺎء ً ﻣﺜﻼ وﻳﺘﺬوﻗﻪ ﻻ ﺗﺮوﻗﻪ ﺷﻼﻻت ﻣﻨﻪ ،ﺗﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺣﻨﺠﺮة ﻣﺠﻬﻮدة ،واﻟﺬي ﻳﻬﻮى ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﺮﻗﺺ ﻻ ﻳﻬﺰه ﻣﺮﻗﺺ ﻳﻀﻢ ﻣﺎﺋﺔ أو ﺧﻤﺴني ﻣﻦ اﻟﺮاﻗﺼﺎت واﻟﺮاﻗﺼني؛ ﻓﺎﻟﻌني ﻻ ﺗﺮﺗﺎح إﱃ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺣﴫه ﰲ ﻣﺸﻬﺪ واﺣﺪ ،أو ﺑﺼﻮرة واﺣﺪة ،واﻷذن ﻻ ﺗﻠﺘﺬ ﺑﻐري املﻤﻜﻦ اﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻪ ،ﺑﻤﺠﻤﻠﻪ وﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ﺟﺰﺋﻴﺎﺗﻪ، ﻣﻦ اﻷﻟﺤﺎن. ﻫﺬا اﻟﺬي أﻗﻮﻟﻪ ﰲ اﻟﻐﻨﺎء واﻟﺮﻗﺺ ﻳﺼﺢ ﻛﺬﻟﻚ ﰲ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﻜﱪى اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﴍوط اﻟﻌﺒﺎدة ،وأوﻟﻬﺎ ﺣﴫ اﻟﻔﻜﺮ واﻹرادة ﰲ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺮوﺣﻲ ،إﻻ إذا ﻛﺎن املﺘﻌﺒﺪ ﴐﻳ ًﺮا ،ﻓﻼ ﻳﺮى ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻏري ﻏﺮﺿﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻷﺳﻤﻰ ،وأﻳﻦ ﻫﺬا اﻟﻐﺮض ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،أو ﻏري اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻸ املﻜﺎن ﺑﺂﺛﺎرﻫﺎ وﺧﻨﻔﺸﺎرﻫﺎ ،ﺑﺘﺤﻔﻬﺎ وﺗﻮاﻓﻬﻬﺎ ،ﻓﺘﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻹﺣﺴﺎﺳﺎت ،وﺗُﺒﻌِ ﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﺑﻮاﻋﺚ اﻟﻐﺒﻄﺔ واﻟﺤﺒﻮر.
12ﺳﻨﻮاج ،ﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ Sandwichاﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،أي ﻗﻄﻌﺔ ﻟﺤﻢ أو ﺟﺒﻦ أو ﻏريﻫﺎ ﺑني ﻗﻄﻌﺘني رﻗﻴﻘﺘني ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ،وﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺠﺎز :ﻛﻞ ﳾء ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺷﻴﺌني وﻫﻮ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻛﺎﻟﻠﺤﻢ ﺑني اﻟﺨﺒﺰﺗني ﻣﺴﻨﻮج، وﺳﻨﺪوﻳﺶ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت اﻷوروﺑﻴﺔ ﺳﻨﻮﻳﺶ. 24
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ﻳﻘﻮل ﻟﻚ اﻟﺪﻟﻴﻞ ،وأﻧﺖ ﺳﺎﺑﺢ ﰲ ﻟﺠﺞ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻬﻨﺪﳼ اﻟﻐﻮﻃﻲ ،ﺑني اﻟﻌﻀﺎدات اﻟﻀﺨﻤﺔ ،ﺗﺤﺖ اﻷﻗﻮاس اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ،ﰲ ﻧﻮر ﻣﻜ ﱠﺮر ﺑﺎﻟﺰﺟﺎج املﻠﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮﺳﻮم اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ،ﻳﻘﻮل ﻟﻚ اﻟﺪﻟﻴﻞ ،وأﻧﺖ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺒﻬﺠﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ :إن ﻃﻮل ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻗﺪم ،وﻋﺮﺿﻬﺎ ﻣﺎﺋﺘﺎن وﺧﻤﺴﻮن ﻗﺪﻣً ﺎ ،ﻓﺘﻬﺒﻂ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﺎﺋﻚ ،وﺗﺘﺤﻄﻢ رءوس أﺣﻼﻣﻚ .ﻓﻬﻞ أﻧﺎ ﰲ ﻣﻜﺘﺐ أﺷﱰي ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض؟ 13 وﻳﻘﻮل ﻟﻚ إن ﰲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﺧﻤﺴﺔ وﺳﺒﻌني ﺷﺒﺎ ًﻛﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج املﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮم املﻠﻮﻧﺔ ،ﻓﺘﻮد ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﺒﺎ ًﻛﺎ واﺣﺪًا ،ﺑﺤﺠﻢ ﻣﻌﻘﻮل ،ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺪرﺳﻪ ﺑﻌﻴﻨﻚ وذﻫﻨﻚ ،وﺗﺤﴫه ﰲ ﻗﻔﺺ ﺣﺒﻚ؛ ﻟﺘﺘﻠﺬذ ﺑﻤﺤﺎﺳﻨﻪ اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻛﻠﻬﺎ. أﻣﺎ اﻟﺨﺸﺐ املﺤﻔﻮر ،ﻋﲆ وﻓﺮه وأﻧﻮاع ﻓﻨﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻓﻬﻮ دون اﻟﻔﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻧﺸﺎﻫﺪ ﰲ اﻟﻘﴫ أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻨﻪ راﺋﻌﺔ. وأﻣﺎ أن ﰲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ،إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻴﻬﺎ ،ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺼﻐرية ،وﻛﻞ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻫﻲ ﻣﺘﺤﻒ ﻟﻠﺼﻮر اﻟﺰﻳﺘﻴﺔ واﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ،ﻓﻠﻴﺲ ﰲ اﻟﻘﻮل ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ،وﻟﻜﻦ أﻛﺜﺮ ﺗﻠﻚ اﻵﺛﺎر اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﻮﺳﻂ أو اﻟﺪون ﰲ اﻟﻔﻨﻮن. وﺑﻴﻨﺎ أﻧﺖ ﺷﺎﺧﺺ ﺑﺒﴫك إﱃ اﻟﻨﺎﻓﺬة املﺪورة اﻟﻜﺒرية ،ﻓﻮق اﻟﺒﺎب اﻟﻜﺒري ،ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻓﺬة اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ وﻗﺪ رﺻﻌﺖ ﺑﺎﻟﺰﻣﺮد واﻟﻴﺎﻗﻮت ،ﻳﺴﺘﻮﻗﻔﻚ اﻟﺪﻟﻴﻞ ،وﻳﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮك إﱃ ﺑﻼﻃﺔ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻴﻚً ، ﻗﺎﺋﻼ :ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﺪﻓﻮن ﻓﺮﻧﻨﺪو ﻛﻮﻟﻮن — ﻛﻮملﺒﺲ — اﺑﻦ املﻜﺘﺸﻒ اﻟﻌﻈﻴﻢ .اﺑﻨﻪ! ﻧﻌﻢ. وﻫﺎ ﻫﻮ ذا اﻷﺛﺮ اﻟﺘﺬﻛﺎري ﻟﻠﻮاﻟﺪ اﻟﺨﺎﻟﺪ ،ﻫﻮ ﻣﺆﻟﻒ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺪة ﺗﻘﻮم ﻓﻮﻗﻬﺎ أرﺑﻌﺔ أﺷﺨﺎص رﻣﺰﻳﻮن ﻳﻤﺜﱢﻠﻮن املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻷرﺑﻊ :ﻗﺸﻄﻴﻞ وﻟﻴﻮن وأرﻏﻮن وﻧﺒﺎر،
13ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﰲ املﺴﺎﺣﺎت ،ﻓﺈﻧﻲ أﻧﻘﻞ رﻗﻤً ﺎ َ آﺧﺮ ﻳُﺜ ِﺒﺖ أن ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻫﻲ أﻛﱪ ﻛﻨﺎﺋﺲ أوروﺑﺎ ،ﺑﻌﺪ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻣﺎر ﺑﻄﺮس ﺑﺮوﻣﺎ ،وﻫﺎك اﻟﻘﻴﺎس ﺑﺎﻟﺘﺪﻗﻴﻖ :ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻫﻲ ١٤٢٠٠٠أﻟﻒ ﻗﺪم ﻣﺮﺑﻌﺔ ،وﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻄﺮس ﻫﻲ ١٦٢٠٠٠أﻟﻒ ﻗﺪم ﻣﺮﺑﻌﺔ. 25
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻳﺮﻓﻌﻮن ﻋﲆ أﻳﺪﻳﻬﻢ اﻟﺘﺎﺑﻮت املﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﺟﺜﺔ ﺧﺮﻳﺴﺘﻮﻓﺮ ﻛﻮملﺒﻮس ،وﻋﻠﻴﻪ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻫﻲ اﻟﻌﺎﻗﺔ أﻣﻬﺎ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ14 «. ﱠ ﺗﻮﺑﻴﺦ ﻷﻣريﻛﺎ» :اﻟﻨﺎﻛﺮة اﻟﺠﻤﻴﻞ، وﰲ ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺪﻓﻮن ﻛﺬﻟﻚ املﻠﻚ ﻓﺮﻧﻨﺪ ﻏﺎﻟﺐ اﻟﻌﺮب ،وﻣﻌﻴﺪ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ إﱃ املﻠﻚ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ )١٢٥٢م( ﻓﺼﺎر ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﻓﺮﻧﻨﺪو .وﻫﺎ ﻫﻨﺎ ،ﺗﺤﺖ املﺬﺑﺢ املﺪﻓﻮن أﻣﺎﻣﻪ اﻵﺧﺮ ﱠ اﻟﻘﺪﻳﺲ ،ﺑﻘﻴﱠﺔ ذﻟﻚ املﻠﻚ َ املﻠﻘﺐ ﺑﺒﻄﺮس اﻟﻌﺎﺗﻲ ،وﻣﻌﻪ ﺣﻈﻴﺘﻪ ﻣﺎرﻳﺎ ﺑﺎدﻳﻠﻴﺎ. ﻫﺬا ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﺑﺮﺣﻤﺘﻬﺎ املﻠﻮك ،اﻟﻘﺪﻳﺴني ﻣﻨﻬﻢ واﻟﺨﺎﻃﺌني. ً ﻃﺮﻳﻔﺎ وأﻣﺎ ﰲ اﻟﻼﻫﻮت ،ﻳﻨﺒﻮع اﻷدﻳﺎن اﻷرﺿﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﺈن ﰲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ أﺛ ًﺮا ﻣﻨﻪ ﻫﻮ »ﻣﺬﺑﺢ اﻟﺠﻨﺐ« ،وﻓﻴﻪ ﺻﻮرة زﻳﺘﻴﺔ ﻟﻠﻔﻨﺎن اﻹﺷﺒﻴﲇ ﻟﻮﻳﺲ ده ﻓﺮﻏﺎس Vargas ﺗﻤﺜﱢﻞ آدم وﺣﻮاء ﻳﻌﻈﻤﺎن ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء .ﻫﻮ اﻟﺘﺼﻮف أو ﻃﻠﻴﻌﺘﻪ ﰲ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ. ﺳﻜﺮﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳُ ْﺨ َﻠ َﻖ اﻟ َﻜ ْﺮ ُم
ﺷ ﺮﺑ ﻨ ﺎ ﻋ ﻠ ﻰ ذﻛ ﺮ اﻟ ﺤ ﺒ ﻴ ﺐ ﻣ ﺪاﻣ ﺔ
أﻃﻠﻨﺎ اﻟﻮﻗﻮف ﰲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻏﺮﺿﻨﺎ ﻫﺬه املﺮة ﻏري إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ — ﰲ ﺻﻮﻣﻌﺘﻬﺎ اﻟﺸﻬرية اﻟﺘﻲ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﺧرياﻟﺪا — إﱃ ﺗﻤﺜﺎل اﻟﻔﺘﺎة اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻓﻮق اﻟﻘﺒﺔ رﻣﺰ اﻹﻳﻤﺎن، وﻫﻮ ﻳﺪور ﻋﲆ ﻣﺤﻮره ﻛﺪوﻻب اﻟﻬﻮاء؛ ﻟﺬﻟﻚ ُﺳﻤﱢ ﻲ ﺧرياﻟﺪا .Giraldillo واﻟﺬي ﻳﻬﻤﻨﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺼﻮﻣﻌﺔ أو املﻨﺎرة ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﺮب املﻐﺮب ﻳﺪﻋﻮن املﺌﺬﻧﺔ ،ﻫﻮ أﻧﻬﺎ ﺗﻤﺜﱢﻞ ﻋﻬﺪﻳﻦ وﻓﻨني .ﺑﻨﺎﻫﺎ املﻌﻠﻢ ﺟﺎﺑﺮ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن أﺑﻲ ﻳﻌﻘﻮب ﻳﻮﺳﻒ املﻮﺣﺪي ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮم 15 ،وﺑﻨﻰ اﻟﱪج اﻷﻋﲆ ﻓﻮق اﻟﺼﻮﻣﻌﺔ ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٥٦٨وﻫﻮ
14ﻣﺎ ارﺗﺎﺣﺖ ﻋﻈﺎم ﻛﻮملﺒﻮس ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻮﰲ املﻜﺘﺸﻒ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﰲ ﺑﺎﻳﺎدوﻟﻴﺪ ) ٢٠ﻣﺎﻳﻮ (١٥٠٦ ودُﻓِ ﻦ ﰲ دﻳﺮ ﺑﺈﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،وﺑﻤﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻗﺪ أوﴅ ﺑﺄن ﻳ َ ُﺪﻓﻦ ﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﺎن دوﻣﻨﻐﻮ ،ﻧُﻘِ ﻠﺖ ﺟﺜﺘﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ،١٥٤٢ودُﻓِ ﻨﺖ ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺘﻬﺎ اﻟﻜﱪى .ﺛﻢ اﺳﺘﻮﻟﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﰲ ﻋﻬﺪ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن اﻷول ،ﻓﻨُﻘِ ﻠﺖ َ اﺳﺘﻘ ﱠﻠﺖ ﺟﺰﻳﺮة ﻛﻮﺑﺎ ﻋﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻧُﻘﻠﺖ ﺑﻘﻴﺔ ﻛﻮملﺒﻮس ﻋﻈﺎم ﻛﻮملﺒﻮس ﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻫﺎﻓﺎﻧﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻷرﺿﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧرية إﱃ ﻛﻨﻴﺴﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻜﱪى ) (١٨٩٩ﺣﻴﺚ ﻫﻲ اﻟﻴﻮم. 15ﻛﺎﻧﺖ ﻻﺧرياﻟﺪا ﻫﺬه ﻣﺌﺬﻧﺔ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒري اﻟﺬي ﻇ ﱠﻞ املﺴﻴﺤﻴﻮن ﻳﺼﻠﻮن ﻓﻴﻪ ﻣﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﻴﻼﺋﻬﻢ ﻋﲆ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،أي ﻣﻦ ١٢٥١إﱃ ،١٤٠١وﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﺔ ُﻫﺪِم اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﺎ ﻋﺪا املﺌﺬﻧﺔ واﻟﺒﻮاﺑﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻔﴤ إﱃ اﻟﺼﺤﻦ ،وﻫﻮ اﻟﻴﻮم ﻳُﺪﻋَ ﻰ »ﻓﻨﺎء اﻟﻠﻴﻤﻮن« .وﺑﻮﴍ ﺑﻨﺎء ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺒﻨﺎء ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻤﺖ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ. 26
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ﻣﻦ ﻓﻦ اﻟ »رﻧﺴﺎﻧﺲ« 16ﰲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ،وﰲ اﻟﻔﻨني ﻣﺜﺎل ملﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ اﻹﺳﺒﺎن اﻷﺳﻠﻮب املﺪﺟﻦ Estilo Modeian؛ أي اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑني اﻟﻬﻨﺪﺳﺘني اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ17 . إن ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺪرس؛ ﻷن ﻧﺰﻋﺎﺗﻨﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻴﻮم ﺗﻌﻮد إﱃ اﻟﺠﻤﻊ واﻹدﻣﺎج؛ ﻟﺘﺴﺎﻋﺪ ﰲ ﺗﻘ ﱡﺮب اﻟﺸﻌﻮب ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ. ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﻬﻨﺪﳼ ﺑﻴﺘﺎن ﻣﻔﺘﻮﺣﺎن ﻟﻠﺴﻴﺎح ،ﻫﻤﺎ ﺑﻴﺖ اﻟﻜﻮﻧﺖ ده إﻟﺒﺎ اﻟﺤﺎﻓﻞ ﺑﺎﻟﻔﻨﱠني اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻐﻮﻃﻲ ،واﻟﻨﻘﻮش ﰲ اﻵﺛﺎر اﻟﻔﻀﻴﺔ ﺑﺎﻷﺳﻠﻮﺑني ،وﺑﻴﺖ ﺑﻴﻼﻃﻮس اﻟﺬي ﻛﺎن ﰲ أﻳﺎم ﺻﺎﺣﺒﻪ ،ﻓﺮﻧﻨﺪو ده رﻳﺒريا 18 ،ﻣﺤ ﱠ ﻂ رﺣﺎل اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻔﻨﺎﻧني، وﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﻏﻨﻐﻮرا وﴎﻓﻨﺘﺲ وﻫﺮﻳﺮا ،ﻫﻮ ﺟﺎﻣﻊ ،ﰲ أﺳﺎﻟﻴﺒﻪ اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ ،ﺑني اﻟﻌﺮﺑﻲ ً ﻃﺮﻳﻔﺎ ﻣﻨﺴﺠﻤً ﺎ ،ﺗﻠﺘﺌﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻨﺎﴏ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻻ ﺗﻀﻴﻊ واﻟﻐﻮﻃﻲ واﻹﻳﻄﺎﱄ ،ﺟﻤﻌً ﺎ أﺷﻜﺎﻟﻬﺎ اﻷﺻﻠﻴﺔ. وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ﻫﺬه اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ،ﻏري ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﻴﺘني واﻟﺼﻮﻣﻌﺔ :ﺑﺮج اﻟﺬﻫﺐ Torre de ً أﺻﻼ أﺣﺪ أﺑﺮاج اﻟﻘﴫ ،وﺟُ ﻌِ ﻞ ﰲ ﻋﻬﺪ ﺑﺪرو اﻟﻌﺎﺗﻲ ﺳﺠﻨًﺎ وﺑﻴﺘًﺎ ﻟﻠﻤﺎل. Oroاﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﺎﻟﻘﺴﻢ اﻷﺳﻔﻞ املﻀﻠﻊ ﺑُﻨِﻲ ﺳﻨﺔ ،١٢٢٠ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻴﺪ أﺑﻲ اﻟﻌﻼء اﻟﺤﺎﻛﻢ املﻮﺣﺪي، واﻟﻘﺴﻢ اﻷﻋﲆ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ املﺴﻴﺤﻲ ﺑﻌﺪه ،وﻗﺪ أﺳﻤﻲ »ﺑﺮج اﻟﺬﻫﺐ« ﻻ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﺑﻴﺖ املﺎل؛ ﺑﻞ ﻷن ﻟﻮن اﻟﻘﻴﺸﺎﻧﻲ ﻓﻴﻪ ذﻫﺒﻲ. ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ ﺗﺜﺒﺖ أن اﻧﺪﻣﺎج اﻟﻔﻨني اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻐﻮﻃﻲ أو اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﻣﻤﻜﻦ ،وﻫﻮ ﺟﻤﻴﻞ ً ﻣﺘﻨﺎﺳﻘﺎ ﻣﻨﺴﺠﻤً ﺎ ،ﻛﻤﺎ ﰲ ﻻﺧرياﻟﺪا وﺑﺮج اﻟﺬﻫﺐ ،وأﻣﺎ اﻟﺘﺰﻳني واﻟﻨﻘﺶ ﻓﺈن ﰲ ﻣﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﻘﴫ أﻣﺜﻠﺔ راﺋﻌﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ. ﻫﺬا اﻟﻘﴫ ﻣﺜﻞ ﻓﺎرس ﻣﻐﻮار ﻗﴣ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﰲ اﻟﻐﺰوات واﻟﺤﺮوب ،ﻓ ُ ﻄﻌِ ﻦ ﰲ وﺟﻬﻪ وﺻﺪره وﺟﻮارﺣﻪ ﻛﻠﻬﺎ ،ﴐب ﻓﻴﻪ اﻟﺘﺸﻮﻳﻪ ﻋﺼﺎه واﻟﺪﻫﺮ ﻋﻮاﻣﻞ أﻳﺎﻣﻪ ،وﻣﺎ زال ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ً ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﻣﻬﺎﺑًﺎ ﺑﻄﻠﻌﺘﻪ وروﺣﻪ وﻋﻈﻴﻢ ﺧﻠﻘﻪ. ﻣﻦ ذﻟﻚ 16ﻫﺬا اﻟﻔﻦ اﻹﻳﻄﺎﱄ اﻟﺤﺎﻣﻞ ﻃﺎﺑﻊ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،Renaissanceدﺧﻞ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ،وﻛﺎن ﰲ أوج اﻹﻗﺒﺎل ﻳﻮم ﺑُﻨِﻴﺖ اﻟﻘﺒﺔ ﻓﻮق املﺌﺬﻧﺔ. 17اﻟﻌﺮب اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺨ ﱠﻠﻔﻮا ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺠﻼء اﻷول ،وﺣﺎﻓﻈﻮا ﻋﲆ دﻳﻨﻬﻢ ،ﻳُﺪﻋَ ﻮن املﺪﺟﻨني ،وﻣﻨﻬﺎ ،Modejanأﺧﺬﻫﺎ اﻹﺳﺒﺎن ﱢ ﻟﻴﻌﱪوا ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑني ﻣﺎ ﺗﻘﺪﱠﻣَ ﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ وﻏريﻫﺎ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻠﻤﻠﻚ ﺑﺪرو ﱠ املﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻌﺎﺗﻲ ﺣﺮس ﻣﻦ املﺪﺟﻨني. َ َ وﺑﺎﴍ ﺑﻌﺪ 18آل رﻳﺒريا ﻣﻦ اﻷﴎ اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ .ﺳﺎﻓ َﺮ أﺣﺪﻫﻢ وﻫﻮ املﺮﻛﻴﺰ ده ﻃﺮﻳﻔﺔ إﱃ اﻟﻘﺪس، َ ﻋﻮدﺗﻪ ﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﺄﻃﻠﻖ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ اﻻﺳﻢ املﻌﺮوف ﺑﻪ اﻟﻴﻮم؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻇﻨﻮه ﺗﻘﻠﻴﺪًا ﻟﺒﻴﺖ ﺑﻴﻼﻃﻮس. 27
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﺑُﻨِﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﴫ ،أو ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﴫ وﺣﺼﻦ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن املﻮﺣﺪي أﺑﻲ ﻳﻌﻘﻮب ﻳﻮﺳﻒ ) (١١٨٤ﻓﺘﻬ ﱠﺪ َم ﰲ اﻟﺤﺮوب ،وأﻋﺎد ﺑﻨﺎءه أﻳﺎم املﻠﻚ ﺑﻄﺮس اﻟﻌﺎﺗﻲ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ،ﻣﻬﻨﺪﺳﻮن وﻋﻤﱠ ﺎل ﻣﻦ املﻐﺎرﺑﺔ املﺘﻨﴫﻳﻦ .Morescos
ﺑﻬﻮ ﻟﻠﻌﺬارى ﺑﻘﴫ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ.
ﺛﻢ ﺷﻴﱠﺪت املﻠﻜﺔ إﻳﺰاﺑﻠﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ورﻣﱠ َﻢ وﺟ ﱠﺪ َد ﻓﻴﻪ ﻋﻤﱠ ﺎل وﻣﻬﻨﺪﺳﻮن إﻳﻄﺎﻟﻴﻮن ﻟﻠﻤﻠﻚ ﺷﺎرﻟﺲ اﻟﺨﺎﻣﺲ. وﻗﺪ أُﺻﻠِﺢ و ُرﻣﱢ ﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﰲ ﻋﻬﺪ ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺮاﺑﻊ ) ،(١٦٣٤وﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ) (١٧٦٢ﺷﺒﱠﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻨريان ،ﻓﺬﻫﺒﺖ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﺳﻘﻮﻓﻪ ،ﻓ ُﺮﻣﱢ ﻢ ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ،١٨٠٥وﻻ ﺗَ َﺴ ْﻞ ملﺎذا أ ُ ِ ﻫﻤ َﻞ ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ! ﻫﻲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻞ املﻠﻮك واﻷﻣﻢ ﻋﻦ ﻛﻞ ﳾء ﺳﻮاﻫﺎ. ﺛﻢ ﺟُ ﺪﱢد ) (١٨٥٧ﰲ ﻋﻬﺪ املﻠﻜﺔ إﻳﺰاﺑﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺠﺪﻳﺪًا ﻛﻠﻴٍّﺎ ﺑﺎﻷﺳﻠﻮب اﻟﻐﺮﻧﺎﻃﻲ ﺗﻘﻠﻴﺪًا ﻟﻠﺤﻤﺮاء ،ﺑﻨﻘﺸﻪ وﺣﻔﺮه ،وﺑﻨﻮاﻓﺬه اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ Ajimezأي اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑني ﻋﻤﺪ ﻣﺰدوﺟﺔ رﻓﻴﻌﺔ ،ذات أﻗﻮاس ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﻧﻌﻞ اﻟﻔﺮس — ﻧﻌﻔﺮﻳﺔ19 . 19ﻧﺤﺖ اﻟﻌﺮب ﻋﺒﺸﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ ،وﻋﺒﻘﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﻗﻴﺲ وﻏريﻫﺎ ،ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻨﺴﺐ ﻫﺬه اﻷﻗﻮاس إﱃ ﻧﻌﻞ اﻟﻔﺮس — وﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﺘﻤﻴﱠﺰ ﺑﻬﺎ — إن ﻟﻢ ﻧﻘﻞ :ﻧﻌﻔﺮﻳﺔ؟ 28
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ﺑَﻴْ َﺪ أن ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻏري ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ،وﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺨ ﱞﻞ ﺑﻪ ،وﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﺎﻣﻊ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻏريه ﻣﻤﺎ ذﻛﺮت. ً ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ رواﻓﺪ ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﺑﻄﺎﺑﻌﻪ اﻷول اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﺰال ﻋﲆ اﻹﺟﻤﺎل ﺳﻘﻮﻓﻪ وﺧﺸﺒﻬﺎ ،املﺤﻔﻮر املﻠﻮﱠن ﻣﻨﻬﺎ ،واملﻤﻮﱠه ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ. ً أﺷﻜﺎﻻ ﻣﻦ اﻷﺳﻠﻮب املﺪﺟﻦ، أﻣﺎ ﺟﺪران ردﻫﺔ اﻟﺴﻔﺮاء ،ﻓﺎملﺪﻗﻖ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻜﺘﺸﻒ وأﺧﺮى ﰲ اﻹدﻣﺎج واﻻﺧﱰاع. ً أﻗﻮاﺳﺎ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻧﻌﻔﺮﻳﺔ ،وﻫﺎك ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻫﻲ ذي ﻋﻤﺪ إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ Renaissanceﺗﺤﻤﻞ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻜﻮﰲ ﻳﺘﺨ ﱠﻠﻠﻬﺎ ﻗﻄﻊ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻐﻮﻃﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﰲ ﻣﺪح املﻠﻚ ﺑﻄﺮس اﻟﻌﺎﺗﻲ املﺸﻐﻮف ﺑﺎﻟﺤﲇ20 . وﻫﺬه ﻣﻨﺎﻃﻖ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺤﺮوف اﻟﻜﻮﻓﻴﺔ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ أﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ﻣﺸﻮﺷﺔ ،ﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ دواﺋﺮ ﻣﺬﻫﺒﺔ ،ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﺻﻮر أﺳﺪ وأﺑﺮاج أو ﻗﺼﻮر ﺑﺎﻷﺳﻠﻮب اﻟﻐﻮﻃﻲ .إن ﻫﺬا اﻟﺘﻘﻄﻴﻊ َﻟﺠﻤﻴﻞ ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﰲ ﻧﻈﺮي ذروة ﺑﻠﻐﻬﺎ اﻟﻔﻦ املﺰدوج ،ذروة ﻓﻨﻴﺔ ذوﻗﻴﺔ؛ ﻓﺎملﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ املﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻜﻮﻓﻴﺔ ﺗُﺘﻌِ ﺐ اﻟﺒﴫ وﺗُﺮﻫِ ﻖ اﻟﺬﻫﻦ املﺴﺘﻜﺸﻒ ُ ﺑﺘﻨﺎﺳﻘﻪ واﻧﺴﺠﺎﻣﻪ ﺧﻔﺎﻳﺎ أﻟﻔﺎﻇﻬﺎ؛ ﻓﻴﺠﻲء ﻫﺬا اﻟﺘﻘﻄﻴﻊ ﻣﺮﻳﺤً ﺎ ﺑﺄﺳﺪه وأﺑﺮاﺟﻪ ،وﻣﻔﺮﺣً ﺎ وﺳﻬﻮﻟﺔ ﺑﻴﺎﻧﻪ. وﺗﻠﻚ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ اﻟﺤﻔﺮ واﻟﻨﻘﺶ واﻟﺘﻠﻮﻳﻦ ﻋﲆ اﻟﺠﺪران ،وﻫﻲ ﻏﻮﻃﻴﺔ اﻟﺮﺳﻢ واﻷﺳﻠﻮب ،ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ إﻃﺎر ﻋﺮﺑﻲ ﺗُﻘ ﱠﻠﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﺤﺮوف اﻟﻜﻮﻓﻴﺔ واملﻐﺮﺑﻴﺔ. وﻫﻨﺎك ﺣﺎﺋﻂ ﺣﺎﻓﻞ ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺧ ٍّ ﻄﺎ ورﺳﻤٍّ ﺎ ،ﻣﻦ أﺳﻔﻠﻪ إﱃ أﻋﻼه ،ﺗﻌ ﱠﺪد ْ َت ﻣﻨﺎﻃﻘﻪ وﺗﻨﻮﱠﻋَ ْﺖ ،وﻫﻮ واﺣﺪ ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ ﺣﻴﻄﺎن ﺗﺬ ﱢﻛﺮ ﺑﺮدﻫﺔ اﻟﺴﻔﺮاء ﺑﺎﻟﺤﻤﺮاء ،إﻧﻤﺎ ﻳﻜ ﱢﻠﻠﻬﺎ ﺳﻘﻒ ﺑﻘﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ املﺤﻔﻮر واملﻠﻮن اﻟﻐﻮﻃﻲ اﻟﺸﻜﻞ واﻷﺳﻠﻮب ،وﻻ ُ ﺗﻨﺎﻓ َﺮ ﺑني ﻫﺬا اﻟﺴﻘﻒ وﺗﻠﻚ اﻟﺠﺪران ،وﻻ ﺑني اﻟﻔﻨني ،ﺑﻞ إن اﻗﱰاﻧﻬﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ ﺑﺠﻤﺎﻟﻴﻪ: اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ واﻟﺒﻼﻏﺔ. ﻓﻬﻞ ﻳﺼﺢ ﻫﺬا اﻻﻧﺪﻣﺎج اﻟﻔﻨﻲ اﻟﻬﻨﺪﳼ ﰲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺘني اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ إرث اﻷﺟﺪاد املﺘﺤﺎرﺑني ﺑﺎﻷﻣﺲ ،املﺘﺂﺧني اﻟﻴﻮم ﰲ املﻐﺮب اﻷﻗﴡ؟ 20ﰲ ﻫﺬا اﻟﻘﴫ ﻗﺘَ َﻞ املﻠﻚ ﺑﻄﺮس ﺿﻴﻔﻪ أﺑﺎ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻐﺮﻧﺎﻃﻲ؛ ﻃﻤﻌً ﺎ ﺑﺠﻮاﻫﺮ ﻛﺎن ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ ﺧﺎﺗﻢ ﺑﻴﺎﻗﻮﺗﺔ ﻛﺒرية أﻫﺪاﻫﺎ ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ إﱃ »اﻟﱪﻧﺲ اﻷﺳﻮد« وﱄ ﻋﻬﺪ ﻣﻠﻚ إﻧﻜﻠﱰا إدورد اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل دوزي، وﻫﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻣﻊ ﺟﻮاﻫﺮ اﻟﺘﺎج اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي. 29
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻻﻧﺪﻣﺎج ﰲ ﻋﺎدات اﻟﺸﻌﺒني وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ ،ﻓﺘﻨﺸﺄ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺣﻀﺎرة ﴍﻗﻴﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ ،ﻋﺮﺑﻴﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ؟ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨًﺎ إﻻ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻌﺎون اﻟﺸﻌﺒني ً وﻋﻤﻼ ﺑﺎملﺼﺎﻟﺢ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ املﺸﱰﻛﺔ. ﻋﲆ أﺳﺎس اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻦ، أﻣﺎ اﻷدﻳﺎن ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗَﺤُ ﻮل ﰲ زﻣﺎﻧﻨﺎ دون ﻫﺬا اﻻﻧﺪﻣﺎج ،وﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .اﻷدﻳﺎن ﻗﺪ ﺗﺤﺎ َرﺑ َْﺖ ﰲ املﺎﴈ ،وﺗﻌﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺮوب! ﻫﻞ ﻫﻨﺎك ﻓﻦ ﰲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ واﻟﺰﺧﺮف ﻳﺼﺢ أن ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﻓﻨٍّﺎ ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ؟ أﺟﻴﺐ :ﻧﻌﻢ .إﱃ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻷﻋﻄﻴﻚ املﺜﻞ واﻟﱪﻫﺎن؛ ﻫﻨﺎك اﻟﻘﴫ أو اﻟﺤﺼﻦ أو اﻻﺛﻨﺎن ﻣﻌً ﺎ ،ﺗﺮاﻫﻤﺎ اﻟﻴﻮم ﰲ ﻧﺠﺪ أو ﰲ إﻣﺎرة ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات ﻋﲆ اﻟﺸﻮاﻃﺊ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻫﻤﺎ أﺳﺎس ﻛﻞ ﻓﻦ دُﻋِ ﻲ ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻲ أو املﻐﺮﺑﻲ. وأﻣﺎ ﺻﻔﺔ اﻟﺒﻨﺎء اﻷوﻟﻴﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺳﻮر ﺑﺄﺑﺮاج ،أو ﻣﺮﺑﻊ ﺑﺠﺪران ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻓﻴﻬﺎ أو ﰲ اﻟﺴﻮر ﻧﻮاﻓﺬ ﺻﻐرية ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ،وذﻟﻚ ﻟﻸﻣﺎن واﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻓﻴﺄﻣﻨﻮن أﻋﺎﺻري اﻟﺮﻣﺎل ،أو ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻷﻫﻞ واﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﻴﺄﻣﻨﻮن ﻏﺰوات اﻟﻌﺪو. وﰲ داﺧﻞ املﺮﺑﻊ أو اﻟﺴﻮر ﺣﺼﻦ ﺑﺒﱤ ﻣﺎء ،وﺑﻴﻮت ﺣﻮﻟﻪ ﻟﻠﺴﻜﻦ ،ﺑﻴﻮت ﻣﻦ ﻟ ِﺒﻦ أو ﻃني ،ﺟﺎﻓﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮ ،ﻗﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ ﻛﺎﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻛﺠﻮ اﻟﺒﺎدﻳﺔ .ﻻ زﻫﻮر ،ﻻ أﻟﻮان ،ﻻ ﻣﻴﺎه ﺟﺎرﻳﺔ ،واﻟﻨﻔﺲ ﺗﻮﱠاﻗﺔ إﱃ ﻣﺎ ﺣُ ِﺮﻣﺖ ،وﻋﲆ اﻷﺧﺺ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻧﻄﻖ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ،أو ﺑﺎﻟﻜﻼم املﻮزون ﱠ املﻘﻔﻰ ﻣﻨﺬ اﻟﻘِ ﺪَم ،وﻗﺮأ ﰲ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﻴﺎة ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻪ ،وأﺷﻴﺎء ﻣﻤﺎ ﰲ ﻗﻠﺒﻪ. ﱠ إذن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﳾء ﻳﻠ ﱢ اﻟﺠﺎف اﻟﻘﺎﳼ؛ ﻓﻠﺠﺄ إﱃ اﻟﺠﺺ واﻷﻟﻮان ﻄﻒ ﻫﺬا اﻟﻈﺎﻫﺮ اﻷرﺑﻌﺔ — اﻷﺻﻔﺮ واﻷﺧﴬ واﻷزرق واﻷﺣﻤﺮ — ﻳﺰﻳﱢﻦ ﺑﻬﺎ ﺣﺎﺋ ً ﻄﺎ داﺧﻞ ﺑﻴﺘﻪ ،وﺑﺎﺑًﺎ وﻧﺎﻓﺬة. وإﻧﻚ ﻟﱰاه ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ﻳﺤﻔﺮ اﻟﺮﺳﻮم اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ دواﺋﺮ وﻣﺮﺑﻌﺎت وﺧﻄﻮ ً ﻃﺎ ﺑﺎﻟﺠﺺ ﻋﲆ ﺟﺪران املﺠﻠﺲ أو ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻘﻬﻮة ،وﺗﺮاه ﻳﺼﺒﻎ أﺑﻮاﺑﻪ ﺑﺎﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮت ،وﻳﺮﺳﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪواﺋﺮ املﻘﺴﻤﺔ واملﺮﺑﻌﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ واملﺎﺋﻠﺔ ،وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻮم اﻟﺠﺎﻣﺪة. ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺔ ﰲ ﺑﺴﺎﻃﺔ املﺠﻤﻮع وﻗﺴﺎوﺗﻪ ،وﰲ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺰﻳني اﻟﺪاﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺘﻤﺜﻞﱠ ﻛﺬﻟﻚ ﰲ ﻟﺒﺎس اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻣﻦ اﻟﺼﻮف ﻛﺎن أم ﻣﻦ اﻟﺨﺎم ذي اﻟﻠﻮن اﻟﻮاﺣﺪ ،اﻟﻘﺎﺗﻢ واﻷدﻛﻦ، واﻟﺨﻄﻮط اﻟﻘﻮﻳﻤﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻛﺨﻄﻮط اﻟﺴﻮر ﻟﻠﺤﺼﻦ أو اﻟﻘﴫ أو اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻌﺎدي .ﻣﺜﺎل ﱠ وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﺒﺎءة اﻟﻔﻀﻔﺎﺿﺔ ذات اﻟﻠﻮن اﻟﻮاﺣﺪ ،واﻟﺨﻂ اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺳﻮر اﻟﺮﺟﻞ، ﱢ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻮل اﻟﻄﻮق وﻋﲆ اﻟﺼﺪر ً ﻟﻴﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﺑﺨﻴﻂ اﻟﻔﻀﺔ أو اﻟﺬﻫﺐ؛ وﺟﻮم ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ،وﻳﻨﻌﺶ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻮﱠاﻗﺔ إﱃ اﻟﺠﻤﺎل. 30
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺎدﻳﺔ :ذﻟﻚ اﻟﻘﴫ اﻟﻮاﺟﻢ ﰲ ﻇﺎﻫﺮه ،املﴩق ﺑﻌﺾ اﻹﴍاق ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎءة اﻟﻔﻀﻔﺎﺿﺔ اﻟﺨﺸﻨﺔ ،املﻄﻮﻗﺔ ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺐ — ﻣﻦ اﻟﺰﻳﻨﺔ — ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ .ﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻪ ،ﻣﻊ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،دﻳﻦ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ،إﱃ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﻬﺎ واﺣﺘ ﱠﻠﻬﺎ وﻋﻤﱠ َﺮﻫﺎ. وﻛﺎن اﻟﺴﻮرﻳﻮن اﻟﻌﺮب — اﻟﻐﺴﺎﺳﻨﺔ وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻴﻤﻦ واﻟﺤﺠﺎز — ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،ﰲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ اﻷول ،ﻗﺪ أﺧﺬوا ﻋﻦ اﻟﺮوﻣﺎن وﻋﻦ اﻟﺮوم — اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴني — ﺑﻌﺪﻫﻢ ،ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻓﻨﻮﻧﻬﻢ ﰲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ،وأﺿﺎﻓﻮا إﻟﻴﻬﺎ أﺷﻴﺎءَ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﻢ — وﻣﻦ وﺣﻲ ﺑﻼدﻫﻢ وﻃﺒﺎﺋﻌﻬﻢ اﻟﴩﻗﻴﺔ — ﻓﺼﺎر ﻟﻠﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ Romanesqueواﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ﺷﻜﻞ ﻳُﻌ َﺮف ﺑﺎﻟﺴﻮري، ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻟﺴﻮري. وﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻞ اﻟﻌﺮب اﻟﺸﺎم ﺣﺎﻣﻠني ﻣﻦ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻣﻊ اﻹﺳﻼم أوﻟﻴﱠﺎﺗﻬﻢ اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ ،ﻛﺎن ﰲ دﻣﺸﻖ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﱠﺎع واﻟﺒﻨﱠﺎﺋﻴني ﻣَ ﻦ ﻃﺒﱠﻘﺖ ﺷﻬﺮﺗﻬﻢ اﻵﻓﺎق ،ﻓﺒﻠﻐﺖ روﻣﺔ واﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ21 . واﺟﺘﻤﻊ اﻻﺛﻨﺎن ،اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻔﺎﺗﺢ واﻟﻌﺮﺑﻲ املﺎﻫﺪ ،واﻗﱰن اﻟﻔﻨﺎن ﰲ دﻣﺸﻖ .ﻓﻤﻦ ﺳﻮر اﻟﺤﺼﻦ ﺗﺪرﺟﻨﺎ إﱃ ﺟﺪران اﻟﻘﺼﻮر ،املﻬﻴﺒﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻮر ﰲ اﻧﺒﺴﺎﻃﻬﺎ اﻟﻘﺎﺗﻢ اﻷﺻﻢ ،وﰲ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬﻫﺎ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻘﻮس اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ﺻﻨﻌﻨﺎ ً ﻗﻮﺳﺎ ﺗﻼﺋﻢ ﻣﺰاﺟﻨﺎ ،أو ﺗُﺸ ِﺒﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﺰﻳ ًﺰا ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﻫﻮ ﻧﻌﻞ اﻟﻔﺮس .وﻣﻦ اﻟﻌﻤﻮد اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﻧﺰﻋﻨﺎ اﻟﻀﺨﺎﻣﺔ وﻟﺰﻣﻨﺎ أﺷﻜﺎﻻً ﺗﻌﻮدﺗﻬﺎ اﻟﻌني ،وأﺣﺒﻬﺎ اﻟﻘﻠﺐ ،ﻛﺎﻟﻨﺨﻠﺔ ﰲ ﺻﺤﻦ اﻟﺪار ،أو ﻛﺎﻟﺨﻴﺰراﻧﺔ ﺑﻴﺪ اﻷﻋﺮاﺑﻲ! وﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﺧﱰاع وذﻟﻚ اﻻﻗﺘﺒﺎس ُوﻟِﺪت اﻟﻨﻮاﻓﺬ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ،ذات اﻟﻌﻤﺪ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ املﺰدوﺟﺔ واﻷﻗﻮاس اﻟﻨﻌﻔﺮﻳﺔ ،وﻣﻦ اﻟﺨﻂ اﻟﻮاﺣﺪ ﺑﺎﻟﻘﺼﺐ وﺑﻌﺾ اﻟﺮﺳﻮم اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ ﺑﺎﻟﺠﺺ ﺗﺪرﺟﻨﺎ إﱃ ﻓﻦ اﻟﺘﻘﺮﻧﺺ ،وإﱃ ذﻟﻚ اﻟﺬﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺶ واﻟﺮﻗﻢ واﻟﺘﺰﻳني اﻟﺘﻲ دﻋﺎﻫﺎ اﻟﻌﺮب ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ ﺑﺎﻟﺘﺴﻄري واﻟﺘﺼﻐري واﻟﺘﻮرﻳﻖ واﻟﺘﻘﻀﻴﺐ. 21ﺑﻞ ﻛﺎن ﻟﻠﺴﻮرﻳني ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺄرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ،ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺸﻬﺮة .ﺟﺎء ﰲ داﺋﺮة املﻌﺎرف اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﰲ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺻﻔﺤﺔ ٤٨٤ﻣﺎ ﻳﲇ: ً ً وزﺧﺮﻓﺎ؛ ذﻟﻚ ﺷﻜﻼ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻫﺪرﻳﺎن ) (١٣٨–١١٢ﻧﺸﺄت ﰲ ﺳﻮرﻳﺎ ﻫﻨﺪﺳﺔ ﺳﻮرﻳﺔ ﻷن ﰲ اﻟﺒﻼد ﺗﻜﺜﺮ اﻟﺤﺠﺎرة وﻳﻘﻞ اﻟﺨﺸﺐ ،وﻷن اﻟﺮوح اﻟﴩﻗﻴﺔ ﺗﻤﻴﻞ إﱃ اﻟﺰﺧﺮف واﻟﺘﺰﻳني، وﻛﺜريون ﻣﻦ اﻟﺒﻨﱠﺎﺋﻴني ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ وﺑﻌﺪه ﻛﺎﻧﻮا ﺳﻮرﻳني ،أو أﻧﻬﻢ ﺗﻤ ﱠﺮﻧﻮا ﰲ ﺳﻮرﻳﺎ ،وآﺛﺎر ﻓﻨﻬﻢ ﻇﺎﻫﺮة ﰲ ﻗﴫ اﻹﻣﱪاﻃﻮر دﻳﺮﻛﻠﻴﺴﻴﺎن ﺑ »ﺳﺒﺎﻻﺗﻮ« ،وﰲ ﺑﻌﺾ ﻣﺒﺎﻧﻲ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻗﺴﻄﻨﻄني ﰲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ.
31
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
أﺟﻞ ،ﻟﻘﺪ ﻧﺸﺄت ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﰲ اﻟﺒﻨﺎء ،وﺗﻠﻚ اﻷﺷﻜﺎل ﰲ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ ،ﻣﻦ اﻟﻔﻨني: اﻟﻔﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻷوﱠﱄ ،واﻟﻔﻦ اﻟﺴﻮري اﻟﺮﻓﻴﻊ ،واﻗﱰﻧﺎ وﻧﺸﺄا ﻓﻨٍّﺎ واﺣﺪًا ﺧﻼل ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ اﻷوﱃ ﰲ املﴩق واملﻐﺮب ،ﻓﺤﻤﻠﻪ ﻣﻊ دﻳﻦ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن ،ﺣﻤﻠﻮه ﻣﻦ اﻟﺸﺎم إﱃ اﻟﻘريوان – إﱃ املﻐﺮب اﻷﻗﴡ – إﱃ ﻓﺎس إﱃ دﻳﺎر اﻟﻌﺪوة. وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺼﻮن املﻐﺮب وﻗﺼﻮره ،ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﻋﲆ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺨﺎرﺟﻲ اﻟﺬي وﺻﻔﺖ ،ﻓﻐﺪت ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﰲ زﻳﻨﺘﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ .ﺟﺎء اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺮﻣﺎح ﺑﻴﺪﻫﻢ ،واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﻊ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﰲ اﻟﻘﻠﻮب. وﺑﻌﺪ أن دﺧﻠﻮا اﻷﻧﺪﻟﺲ ،واﺳﺘﻘﺮوا ﺑﻬﺎ ،ﺟﺎء إﺧﻮاﻧﻬﻢ املﺴﺘﻌﻤﺮون ﻣﻦ ﺳﻮرﻳﺎ ﱠ ﱠ واﻟﺮﺳﺎم واﻟﻨﻘﺎش وﻣﴫ وﻓﻠﺴﻄني ،وﺟﺎء ﻣﻊ اﻟﺴﻮرﻳني — اﻟﺸﻮام واﻟﺤﻤﺎﺻﻨﺔ — اﻟﺒﻨﱠﺎء واملﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﺮﺧﺎم. ﻫﻮ ذا اﻟﻔﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻳﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﻔﻦ اﻟﻐﻮﻃﻲ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪ ً ﺷﺎﻣﻼ ﺑﻨﻔﻮذه ﻓﻨﻮن اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ،ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ ،وأﺻﺒﺢ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ املﻮاﺿﻴﻊ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺜﺮ املﻨﻘﺒﻮن ﰲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺑﻤﺪرﻳﺪ ،ﻋﲆ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻟﻠﺮﻫﺒﺎن 22ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺻﻔﺤﺎﺗﻬﺎ اﻷوﱃ ﺑﺎﻟﺤﺮوف املﻠﻮﻧﺔ اﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﻴﺔ ،وﻓﻴﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ رﺳﻮم ﻟﻘﺼﻮر ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻓﺨﻤﺔ ﺑﻨﻮاﻓﺬﻫﺎ وأﺑﺮاﺟﻬﺎ ،وﺑﺄﻗﺴﺎم ﻣﻦ داﺧﻠﻬﺎ ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﻣﺰﺧﺮﻓﺔ. ٌ ﻣﺪرﺳﺔ ﱠ وﻛﺎن ﻗﺪ ﱠ ﻟﻠﻨﺴﺎخ ،ﻳﺘﻌﻠﻤﻮن ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨﻂ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﰲ اﻟﺸﻤﺎل ﺑﺪﻳﺮ ﻣﻦ اﻷدﻳﺮة واﻟﺮﺳﻢ واﻟﺘﻮرﻳﻖ — ﺗﺼﻮﻳﺮ ورق اﻷﺷﺠﺎر — اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺬه املﺪرﺳﺔ وآﺛﺎرﻫﺎ ﺗﺄﺛري ﺑﻠﻴﻎ ﰲ ﻓﻨ ﱠ ِﻲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واﻟﻨﺤﺖ ،ﻟﻴﺲ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﰲ أوروﺑﺎ ﺟﻤﻌﺎء. وﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،واﻟﻔﻦ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن دﻳﻨﻲ ﻣﺤﺾ ،أن ﺗﺘﺄﺛﱠﺮ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺑﻔﻨﻮن ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻛﺎﻷملﺎن واﻟﻔﻼﻣﻨﺪ واﻟﻄﻠﻴﺎن .وﺑﻤﺎ أن ﻓﻨﻮﻧﻬﺎ اﻷوﱃ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺤﴫة ﻋﲆ ً وﻧﻘﺸﺎ ﰲ اﻟﻔﻀﺔ واﻟﻨﺤﺎس؛ ﻛﺎن اﻹﺟﻤﺎل ﰲ ﺗﺰﻳني اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ وﻣﺬاﺑﺤﻬﺎ ،ﺣﻔ ًﺮا ﰲ اﻟﺨﺸﺐ، ً اﻟﻔﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺧﺎرج املﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺘﻲ ﻣ ﱠﺮ ذﻛﺮﻫﺎ ،ﻛﺒﻀﺎﻋﺔ »اﻟﺘﻬﺮﻳﺐ« ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺤﻈﻮ ًرا، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺒﺎﺣﺚ املﺪﻗﻖ ﻳﺮى ﻣﻦ آﺛﺎره — ﻣﻦ اﻟﺘﻮرﻳﻖ واﻟﺘﺴﻄري واﻟﺘﻘﻀﻴﺐ — ﰲ ﺑﻌﺾ ﺻﻮر املﺪارس اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﰲ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ وﻗﺸﻄﻴﻠﺔ وﻟﻴﻮن وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﺎ. ﻓﻘﺪ أﺧﺬت ﻣﺪرﺳﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﴚء اﻟﻜﺜري ،وﻣﻮﱠﻫﺘﻪ ﺑﺎﻷﻟﻮان اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ، واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ،ﻓﻼ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﺮوﺑﺘﻪ ﰲ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ اﻟﺒﺎﻫﺮة ،وﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻛﺎن 22ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﻟﻸخ ﺑﻴﺎﺗﻮس Beautusﰲ ﺳﻔﺮ اﻟﺮؤﻳﺎ .Apocalypse 32
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ﺑني اﻷﻣﺘني ﻣﻦ ﻋﺪاء واﻋﺘﺪاء وﺣﺮوب؛ ﻓﺎﻟﻔﻨﺎن ،وإن ﻛﺎن ﻋﲆ اﻹﺟﻤﺎل ﻻ ﻳﺬﻋﻦ ملﺸﻴﺌﺔ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﻛﺎن ﻳﻘﺘﺒﺲ ﻋﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻳﺤﺎول أن ﻳﺨﻔﻴﻬﺎ ،أو أﻧﻪ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ ﻣﻐﺮﺑﻴﺔ Moresque؛ ﻷن اﻟﻌﺪاء ﺑني اﻹﺳﺒﺎن واملﻐﺎرﺑﺔ ﻛﺎن أﺧﻒ ﻣﻨﻪ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني اﻟﻌﺮب. وﻗﺪ ﻳُﺴﺘﻐﺮب ﻗﻮﱄ إن املﺼﻮرﻳﻦ ،وﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ وﺑﺘﺸﻴﻘﻮ وزورﺑﺎران، ﱠ واﻟﻨﻘﺎﺷني؛ ﻓﺎﺳﺘﻮﺣﻮا ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ أﺧﺬوا ﻋﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ املﻬﻨﺪﺳني ﰲ ﺗﻌﻤري اﻷﻟﻮان واﻟﻈﻼل ﰲ ﺻﻮرﻫﻢ ،ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻮﺣﻮا ﰲ اﻟﺰﺧﺮف واﻟﺘﺰﻳني ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﺎ داﺧﻞ اﻟﺠﺪران. وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﲆ اﻟﻌﺎرﻓني أن اﻟﺼﻮرة اﻟﺰﻳﺘﻴﺔ ،ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ ،ﻻ ﺗﺘﻢ وﻻ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﺤﺎﺳﻨﻬﺎ ،ﺑﺪون اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﺴﻮري ﰲ ﻛﺘﻞ اﻟﻨﻮر واﻟﻈﻞ واﻟﺨﻄﻮط ،ﺛﻢ اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﺎ ﰲ ﻣﺤﻮر واﺣﺪ ،أو اﺗﺠﺎﻫﻬﺎ إﻟﻴﻪ .وﻫﺬا اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ واﻟﺘﻌﻤري ،واﻟﺘﻜﺘﱡﻞ اﻟﺴﻮري املﻨﺒﺴﻂ أو اﻟﻨﺎﺗﺊ املﺘﻨﺎﺳﻖ املﻨﺴﺠﻢ ﰲ ﻛﻞ أﺷﻜﺎﻟﻪ ،ﺗﺠﺪه ﻣﻤﺜ ﱠ ًﻼ أﺑﺪع ﺗﻤﺜﻴﻞ ﰲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﻮر واﻷﺑﺮاج واﻷﺳﻮار اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أو املﻐﺮﺑﻴﺔ ،املﺘﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ،اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ، ﻄﻖ ﰲ اﻟﺠﺒﺎل ،ﻓﻜﺄن اﻟﺒﻨﱠﺎء ﻣﺼﻮﱢر ،وﻛﺄن املﺼﻮﱢر ﺑﻨﱠﺎء23 . ﻛﺎﻟﻨ ﱡ ُ أﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﱰ ،وﻣﺎ ﻫﻮ ﻇﺎﻫﺮ ،ﻣﻦ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﻔﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﰲ اﻟﻔﻦ ً ﻣﺠﻬﻮﻻ ﰲ املﺎﴈ ،إﻻ ﻋﻨﺪ اﻻﺧﺘﺼﺎﺻﻴني ،ﺑﻞ أﻗﻮل :إن اﻟﺒﺎﺣﺜني ﰲ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ً ُ ﻛﺸﻔﺖ املﻮﺿﻮع ﻗﺪﻳﻤً ﺎ وﺣﺪﻳﺜﺎ أﻫﻤﻠﻮا أو ﺟﻬﻠﻮا اﻷﺳﺎس اﻟﻌﺮﺑﻲ — ﻻ املﻐﺮﺑﻲ — اﻟﺬي اﻟﻨﻘﺎب ﻋﻨﻪ ،واﻟﻔﻦ اﻟﺴﻮري ﰲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ واﻟﺘﺰﻳني اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺣﺘﻰ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻵﺛﺎر اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ
23وﻧﺴﺎج .ﻓﺼﻨﻌﺔ اﻟﻨﺴﺞ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب وﺻﻠﺖ ﰲ ﻛﻤﺎﻟﻬﺎ إﱃ ﻓﻦ ﺟﻤﻴﻞ ،وﻋﲆ اﻷﺧﺺ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺰﻳﱢﻦ اﻟﺪﻳﺒﺎﺟﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮ ْ ورﻗﻢ وﺗﻠﻮﻳﻦ ،ﻣﻤﺎ اﺳﺘﻌﺎن ﺑﻪ اﻟﻔﻨﺎﻧﻮن اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮن. ﻗﺎل اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﺮدﻳﻨﺎﻧﺪ ﻛﻠﺮ Kellerاﻟﺴﻮﻳﴪي ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻏﺎرة اﻟﻌﺮب ﻋﲆ ﺳﻮﻳﴪا« ،اﻟﺬي ﺗﺮﺟﻤﻪ اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن وﺿﻤﻨﻪ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺗﺎرﻳﺦ ﻏﺰوات اﻟﻌﺮب« ﺻﻔﺤﺔ ٢٧٣ﻣﺎ ﻳﲇ: ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎدة اﻟﻨﺴﻴﺞ ﻣﻦ اﻟﺨﺰ وﺧﻴﻮط اﻟﻔﻀﺔ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﺑﺎﻟﺘﻄﺮﻳﻖ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪور ﺑﺨﻴﻄﺎن اﻟﻔﻀﺔ ﺑﻨﻮد ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻷﺻﻔﺮ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﺰال اﻟﻔﻀﺔ ﺗﻠﻤﻊ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﻨﺴﻴﺞ ،وﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻟﻮان اﻷﻃﻠﺲ اﻷﺻﻔﺮ ،ﻓﻴﺨﺎل اﻟﺮاﺋﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻀﺔ ذﻫﺒًﺎ. ﻫﻲ ﻫﻲ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﰲ وﺿﻊ اﻷﻟﻮان ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ ،رﻗﺎﺋﻖ ﻣﺘﻌﺎوﻧﺔ ،ﻓﺘﻨﻌﻜﺲ ﺧﻼل اﻷﺧﻼط ،وﺗﺰﻳﺪ ﺑﺠﻤﺎل اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻨﻲ. 33
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
واﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،وﻻ ﻳﺼﺢﱡ رأي ،وﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻧﻈﺮ ﰲ املﻮﺿﻮع ،ﺑﺪون درس اﻟﻔﻨني اﻟﺴﻮري واﻟﻌﺮﺑﻲ. ﻋﲇ ﱠ ﻛﺬﻟﻚ أن أﻗﻮل إن اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮت ﻫﻲ ﻛﺎﺋﻨﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﰲ ﻓﻦ اﻷوﻟني ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن ،اﻟﺬﻳﻦ َﻗ ﱠﻠﺪوا ﻛﺜريًا َ وﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ اﺑﺘﺪﻋﻮا ،ﺑﻞ ﰲ آﺛﺎر اﻟﻔﻨﺎﻧني ،زﻋﻤﺎء اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،وﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ وزورﺑﺎران وﻫﺮﻳﺮا وﺑﺘﺸﻴﻘﻮ ورﻳﺒريا ،وﻛﻞ ﻫﺆﻻء ﻧﺒﻐﻮا ﰲ زﻣﻦ واﺣﺪ — ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ .ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻻﻗﺘﺒﺎس ﰲ ﻓﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻋﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻐ ﱠﻠ ًﻔﺎ ﺑﻐﻼف اﻟﺨﻄﺮ واﻟﺘﻨ ﱡﻜﺮ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ املﺎﴈ ،ﰲ ﻋﻬﺪ اﻻﺳﺘﻴﻼء اﻟﻌﺮﺑﻲ. وﻫﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ واﻟﻨﻬﻀﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺣَ ِﺮﻳﱠﺔ ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺒﻼد أﻳﺎم اﻟﻌﺮب ﳾء ﻳُﺬ َﻛﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﱡ واﻟﺘﻔﺴﺦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،واﻟﺤﺮوب اﻷﻫﻠﻴﺔ، اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺘﺠﺰؤ اﻟﺴﻴﺎﳼ، ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني اﻟﻌﺮب املﻐﺎرﺑﺔ. ﱢ ﻣﺘﺄﺻﻠﺔ ﰲ اﻟﻌﺮب أﻧﻔﺴﻬﻢ؛ وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻵﻓﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﱡ اﻟﺘﻔﺴﺦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﺠ ﱠﺰأة ﺑﻴﻨﻬﻢ إﱃ إﻣﺎرات ﺻﻐرية وﻛﺒرية ،وﻛﺎن أو اﻟﺘﺤﺰب اﻟﺴﻴﺎﳼ واﻹﻗﻠﻴﻤﻲ واملﺬﻫﺒﻲ ﺿﺎرﺑًﺎ أﻃﻨﺎﺑﻪ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮوب اﻷﻫﻠﻴﺔ ﰲ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني اﻹﺳﺒﺎن. اﻟﺒﻼد، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ﰲ أﺑﻬﻰ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻹﺳﺒﺎن ﳾء ﻳُﺬ َﻛﺮ. ﻓﻤﺎ اﻟﺴﺒﺐ؟ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ،ﻋﲆ ﺗﺸﺎﺑُﻪ اﻟﺒﻴﺌﺘني ،اﺟﺘﻤﺎﻋﻴٍّﺎ وﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ ،ﻫﻮ أن اﻟﻌﺮب ﻛﺎﻧﻮا ﻓﺎﺗﺤني ﻣﺤﺘﻠني ﺳﺎﺋﺪﻳﻦ ،وأﺻﺤﺎب دﻋﻮة ﻛﺒرية — أﺻﺤﺎب دﻳﻦ ﺟﺪﻳﺪ — وﻛﺎن اﻹﺳﺒﺎن ﻣﻐﻠﻮﺑني ﻋﲆ أﻣﺮﻫﻢ ،وواﻗﻔني ﰲ ﻣﺠﻤﻞ أﺣﻮاﻟﻬﻢ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ وﻃﻦ ﻫﻮ ﻟﻬﻢ، وﻣﺎ ﻫﻮ ﻟﻬﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺨﺎذﻟﻬﻢ. ﻟﻴﺲ ﻣَ ﻦ ﻳﻨﻜﺮ أﻧﻬﻢ ،ﻣﻊ ذﻟﻚ ،أﺻﺤﺎب اﻟﺒﻼد ،وأن اﻟﻌﺮب اﻷﺟﺎﻧﺐ — ﻧﻌﻢ اﻷﺟﺎﻧﺐ — ﻣﺘﻐﻠﺒﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﻴﻄﺮون .ﻓﻤﺎ ﴐت اﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﺑﻬﻢ وﻻ ﴐﻫﻢ اﻟﺘﺨﺎذل ،ﻛﻤﺎ ﴐ اﻹﺳﺒﺎن املﻐﻠﻮﺑني. وﻻ ﻧﻬﻀﺔ ﻟﻠﻔﻦ أو ﻟﻠﻌﻠﻢ أو ﻟﻠﻮﻃﻦ ﰲ أﻣﺔ ﻣﻐﻠﻮﺑﺔ ،وﻻ ﻳﻘﻮم ﻟﻬﺬه اﻷﻣﺔ ﻗﺎﺋﻢ؛ ﻻ ﺗﺘﻔﺘﺢ أزاﻫﺮ ﻧﺒﻮﻏﻬﺎ وﻻ ﺗﻈﻬﺮ أﻋﻼم ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ ،ﻣﺎ دام ﻟﻸﺟﻨﺒﻲ ﻳﺪ ﰲ ﺣﻜﻤﻬﺎ ،أو ﱡ ﺗﺪﺧﻞ ﺳﻴﺎﳼ ﰲ ﺷﺌﻮﻧﻬﺎ. 34
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
وﻫﺬا اﻟﺬي أﻗﻮﻟﻪ ﰲ ﻣﺎﴈ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻳﺼﺢ ﰲ ﺣﺎﴐ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺤﻜﻢ اﻷﺟﻨﺒﻲ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﺗﻘﻬﻘﺮﻫﺎ ،أو ﺑﺎﻟﺤﺮي ﺳﺒﺐ ﺟﻤﻮدﻫﺎ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ اﻟﺤﻜﻢ ،ﻓﻬﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻴﻮم. وﻟﻴﺲ ﰲ اﻟﺤﺎﻟني ﻏري ﻧﺘﻴﺠﺔ واﺣﺪة .ﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وازدﻫﺮت إﻻ ﺑﻌﺪ اﻧﻘﺮاض اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﰲ اﻟﺒﻼد ،وﻻ ﺗﻘﻮم اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ً ﺷﺎﻣﻼ ،إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻳﺨﺮج اﻷﺟﺎﻧﺐ املﺴﻴﻄﺮون ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﺗﺰدﻫﺮ ازدﻫﺎ ًرا ﻗﺎل ﻓﺮﻧﻨﺪو ﻫ ﱢﺮﻳﺮا Herreraأﻛﱪ ﺷﻌﺮاء اﻷﻧﺪﻟﺲ واﺑﻦ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،وأول املﺠﺪﱢدﻳﻦ» :اﻟﻠﻐﺔ ﻻ ﺗﻤﻮت ﻣﺎ داﻣﺖ ﻋﲆ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﺎس وﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ،وﻫﻲ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﰲ اﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺎل ﻗﺪﻳﻢ«. واﻟﺘﺤﺴﻦ ﻓﺘﻔﻮق ﰲ ﻳﻮﻣﻬﺎ أﻣﺴﻬﺎ ،وﺗﻨﺒﺬ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﺠﺪﱡد ﻛ ﱠﻞ ٍ 24 وﻗﺎل ﻟﻮﺑﻪ ده ﻓﻴﻐﺎ Lope de Vegaﺷﺎﻋﺮ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﻜﺒري» :اﻟﻘﻠﻴﻞ وﻫﻮ ِﻣ ْﻠﻜﻲ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﺜري وﻫﻮ ِﻣ ْﻠﻚ ﻏريي«. ﰲ ﻫﺎﺗني اﻟﻜﻠﻤﺘني ﻧﻮر ﻳﴤء ﻣﻬﺪ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ازدﻫﺮت ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻣﻬﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻬﻀﺔ. ﻓﺄول ﻣَ ﻦ رﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮاﻫﺎ اﻟﻔﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ املﺠﺮدة ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ أو اﻟﻐﻮﻃﻴﺔ أو اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ،ﻫﻮ اﻟﻨﺤﱠ ﺎت ﻣﺮﺗﻴﻨﺲ ﻣﻮﻧﺘﺎﻧﻴﺎس .Martinez Montanes وأول ﻣَ ﻦ ﱠ أﺳ َﺲ ﻣﺪرﺳﺔ ﻟﻠﻔﻨﻮن ﻋﲆ ﻣﺒﺪأ اﻟﺘﺠﺪﱡد ﻫﻮ اﺑﻦ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﺧﻮﺳﻪ دي رﻳﺒريا .Jose de Ribera وﻣﻤﱠ ﻦ ُوﻟِﺪوا ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﱠﺎب املﺠﺪﱢدﻳﻦ :ﻟﻮﺑﻪ ده روﻳﺪا ،Lope de Rueda وﻣﺎﺗﻴﻮ أﻟﻴﻤﺎن .Mateo Alimanوﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧني زﻋﻤﺎء اﻟﻨﻬﻀﺔ :ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﻫﺮﻳﺮا اﻷب وﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ اﻻﺑﻦ ،وﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﺑَﺘﺸﻴﻘﻮ ،Patchecoوزورﺑﺎران ،Zurbaranوﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ ،Bartolome Morilloوﻓﻼﺳﻜﻴﺰ .Diego Velasquez ﻗﺒﻞ ﻫﺆﻻء ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﻨﻮن اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﺤﻀﺔ ،ﺳﻮاء ﰲ أﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ ،أم ﰲ ﻗﻴﻮدﻫﺎ، أم ﻗﻮاﻟﺒﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺷﺎع ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﺑني اﻟﻔﻨﺎﻧني ﻣﺎ ﻫﻮ ﺷﺎﺋﻊ ﰲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﻴﻮم :اﻟﻨﻘﻞ ﻋﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ، واﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ،ﻣﻊ اﻟﺘﻘﻴﱡﺪ ﺑﺎﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻓﻜﺎن اﻟ »ﺑﺎروك« 25ﻣﻦ اﻟﻔﻦ ،أي املﺒﺎﻟﻐﺔ ﰲ اﻟﻨﺰﻋﺎت 24وﻟﻪ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ رواﻳﺔ ﺗﻤﺜﻴﻠﻴﺔ. Baroque 25ﻣﺪرﺳﺔ ﻟﻠﻔﻨﻮن ﻳﻤﺘﺎز أﺳﻠﻮﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻄﻮط املﻠﺘﻮﻳﺔ املﺘﻘﻄﻌﺔ ،وﺗﻤﺘﺎز روﺣﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎل اﻟﺸﺎذ، واﻟﺘﺼﻮر اﻟﺸﺨﴢ املﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ. 35
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﺧﻴﺎﻻ؛ ﻓﺘﻔﻨ ﱠ َﻦ أﺷﻴﺎﻋﻪ ﰲ أﺛﻮاب اﻟﻘﺪﻳﺴني ً ً ً ﻣﺜﻼ وﺷﻜﻼ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،اﻟﻐﻮﻃﻴﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،رﺳﻤً ﺎ وﺗﻄﺮﻳﺰﻫﺎ دون اﻟﻨﺰﻋﺎت اﻟﺮوﺣﻴﺔ ،وﰲ اﻟﺮءوس اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ واﻟﺨﻮارق اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﱢﻠﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻣﻘﺘﻀﺐ. وﻛﺎد اﻟ » ُرﻛﻮﻛﻮ« 26ﻳﻘﴤ ﺑﺨﺰﻋﺒﻼﺗﻪ ﻋﲆ ﻓﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ،ﻟﻮﻻ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ،ورﻓﻌﺘﻪ إﱃ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻣﻦ اﻹﺑﺪاع ﺟﺪﻳﺪة ،وإن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺎ أُﺑﺪع ﺑﴚء ﻳُﺬ َﻛﺮ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻛﺎن اﻟﺨﻄﻮة اﻷوﱃ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻻﺳﺘﻘﻼل. وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﻋﻨﴫ اﻟ »ﻓﻼﻣﻴﺶ« Flemishاﻟﺼﺎﰲ ﻣﻨﻪ واملﻤﺰوج ﺑﺎﻷملﺎﻧﻲ ،وأول ﻣَ ﻦ أﺧﺬ ﻣﻦ ﻓﻨﺎﻧﻲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﻼﻣﻴﺶ ﻫﻮ ﺳﻨﺸﻴﺰ ده ﻛﺴﱰو ،Sanchez de Castroوﻗﺪ ﺗﺒﻌﻪ ﻛﺜريون .ﻫﺬه املﺪرﺳﺔ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﺄﺷﻜﺎل اﻟﻔﻦ اﻟﻈﺎﻫﺮة، ﻛﻘﺎﻣﺎت اﻟﻘﺪﻳﺴني اﻟﻨﺤﻴﻠﺔ ،ووﺟﻮﻫﻬﻢ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ املﺨﺮوﻃﺔ ،وأﻟﻮان أﺛﻮاﺑﻬﻢ اﻟﺰاﻫﻴﺔ. ﺛﻢ دﺧﻞ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﻔﻦ اﻹﻳﻄﺎﱄ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،اﺑﻦ اﻟﻨﻬﻀﺔ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﺮﻧﺴﺎﻧﺲ ،Renaissanceﻓﻜﺎن ﻟﻮﻳﺲ ده ﻓﺎرﻛﺎس Luis de Vargasوﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﺑﺘﺸﻴﻘﻮ اﻟﺮاﺋﺪَﻳﻦ ﻟﻬﺎ ،اﻟﻨﺎﴍَ ﻳﻦ أﻋﻼﻣﻬﺎ. وﻗﺪ ﺳﺎﻓﺮ إﱃ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﰲ ﻋﻬﺪ رﻓﺎﺋﻴﻞ وﻣﻴﻜﻞ آﻧْﺞ؛ أي ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ،١٥٤٠ﻛﺜريون ﻣﻦ ﻓﻨﱠﺎﻧﻲ اﻟﺒﻼد ،ﻃﺎﻟﺒني اﻟﻌﻠﻢ ﰲ َﻛﻨَﻒ ﻛﺒﺎر املﻌﻠﻤني ،ﻓﺒﺪأ اﻟﻨﻔﻮذ اﻹﻳﻄﺎﱄ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤني ﻳﻌﻠﻮ ﻛﻞ ﻧﻔﻮذ َ آﺧﺮ وﻳﺘﻘﺪﱠﻣﻪ .ﻫﻲ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪﻳﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﺰﻋﻤﺎﺋﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ذﻛﺮت اﺗﺠﺎه واﺣﺪ ،إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻋﲆ اﺧﺘﻼف اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ واﻷﻣﺰﺟﺔ .ﻓﻤﺎ ﺧﻠﺖ ﻧﺰﻋﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﺰﻋﺒﻼت ،وﻻ ﻛﺎﻧﺖ املﺒﺎﻟﻐﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ داﺋﻤً ﺎ ﻣﺮﻧﺔ رﺻﻴﻨﺔ. ﺧﻮﱠف ﻫ ﱢﺮﻳﺮا زﻣﻼءه ﺑﴬﺑﺎت رﻳﺸﺘﻪ اﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ،وﺑﴩار ﻣﺰاﺟﻪ اﻟﻌﺼﺒﻲ ،وأﺿﺤﻜﻬﻢ زورﺑﺎران ﺑﺸﺬوذه وادﻋﺎﺋﻪ .ﻻ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﻻ ﺧﻴﺎل وﻻ وﻫﻢ ﰲ ﻓﻦ زورﺑﺎران ،وﻻ رﺻﺎﻧﺔ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺠﻲء ﺑﺼﺒﻴﺎن اﻷزﻗﺔ ً ﻣﺜﻼ وﻳُﻠﺒﺴﻬﻢ ﻗﻤﺼﺎﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎم ﻟﻴﻤﺜﱢﻞ املﻼﺋﻜﺔ ﰲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ ً ﺗﻤﺜﻴﻼ واﻗﻌﻴٍّﺎ ﻏري ﺧﻴﺎﱄ ،وﻟﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﻄﺤﺎت إذا ﺻﺢﱠ اﻟﺘﻌﺒري اﻟﺼﻮﰲ ﰲ ﻓﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻮف إﻻ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻌﺎرﻳﺔ املﺮﻋﺸﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﰲ زﻣﺎﻧﻪ ﻳَ ْﻠ ِﺒ ْﺴ َﻦ املﺸﺪات اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻓﱰق ﺧﺼﻮرﻫﻦ وﺗﺼﻐﺮ ﻣﻨﻬﻦ اﻟﺼﺪور ،ﻓﺠﺎءت اﻟﻘﺪﻳﺴﺎت ﰲ ﺻﻮر زورﺑﺎران ﺑﺼﺪور ﻣﺴﺤﺎء ﻛﺎﻟﺮﺟﺎل! Rococo 26ﰲ ﻫﺬه املﺪرﺳﺔ ﺗﻄﻮﱢر اﻟ »ﺑﺎروك« ﺑﺎملﺤﺎﺳﻦ ،وﻋﲆ اﻷﺧﺺ ﰲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ.
Baroque
36
ﺗﻄﻮ ًرا ﺳﻠﺒﻴٍّﺎ زاد ﰲ اﻟﺘﺸﻮﻳﻪ ﻣﻨﻪ ،وذﻫﺐ
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
أﻣﺎ ﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ ،ﻛﺒري اﻟﻔﻨﺎﻧني وأﺷﻬﺮﻫﻢ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺮج ﻃﻮال ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﻻ ﻛﺎن ﻣُﻜ ِﺜ ًﺮا ﰲ اﻗﺘﺒﺎﺳﻪ ﻋﻦ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴني اﻟﻌﻈﺎم ،ﻣﺜﻞ ﺗﻴﺘﻴﺎن وﻛﻮ ﱢرﺟﻴﻮ وﺗِﻨﺘﻮرﺗﻮ 27ﰲ اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ، وﻣﻴﻜﻞ آﻧﺞ ﰲ اﻟﻌﻈﻤﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق .ﺑﻞ ﻣﴙ ﰲ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﻛﺈﺳﺒﺎﻧﻲ ﻣﺴﺘﻘﻞ ،وﺗﻄﻮﱠر ﰲ أﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ﻓﻜﺎن ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺑﺎﻟﺒﺎرد واﻟﺤﺎر واملﺒﺨﺮ ،ﺑﻞ ُﻗ ﱢﺴﻤﺖ ﺻﻮره إﱃ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺴﺎم أو أدوار ،وﰲ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﺗﺤ ﱡﻜﻢ واﺟﺘﻬﺎد ،ﻓﺈن ﰲ ﺑﻌﺾ ﺻﻮر اﻟﺪور اﻷول ،املﺼﻮرة ﺑﺎﻷﻟﻮان اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ اﻟﺠﺎﻓﺔ ،ﻣﺘﺎﻧﺔ ورﺻﺎﻧﺔ ،وﰲ ﺑﻌﺾ ﺻﻮر اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﻓﻪ واﻟﺮﻛﻴﻚ ﻣﺎ ﻳﻤﺘﺎز ﺑﻪ اﻟﺪور اﻷول ،وﰲ ﺻﻮره اﻷﺧرية ،أي ﰲ اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻣﺎ ﻳﺼﺢ أن ﻳُﻌَ ﱠﺪ ﻣﻦ اﻟﺪورﻳﻦ اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ. ﻟﻘﺪ أﺟﺎد ﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ ﰲ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﺣﻴﺎة اﻷﻧﺒﻴﺎء واﻟﻘﺪﻳﺴني ،ﻛﻤﺎ أﺟﺎد ﰲ ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻷوﻻد؛ ً ﺻﺪﻗﺎ وﺑﻼﻏﺔ وﻋﻠﻤً ﺎ ﺑﻌﻴﺪ اﻟﻘﺮار ﺑﻜﻮاﻣﻦ اﻟﻨﻔﺲ ،ﺑﻞ إن أوﻻد اﻷزﻗﺔ ،ﻓﺈن ﰲ اﻟﻨﻮﻋني اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﻳﺘﺨ ﱠﻠﻞ ﻧﻮر ﻋﻴﻮن اﻟﺼﺒﻴﺎن ﰲ ﻫﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت ﻫﻮ ﻣﻦ رﺻﺎﻧﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء ،وﻣﺎ ﰲ ﻋﻴﻮن اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻫﻮ ﻣﻦ روح اﻟﺼﺒﻴﺎن. وﻣﻦ أﺳﻠﻮب اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺻﻮرة ﻛﺒرية ﰲ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮس ﺑﻠﻎ ﻓﻴﻬﺎ ذروة اﻟﻔﻦ. ﱠ املﺒﺨﺮ ،ﻓﻬﻮ ذاك اﻟﺬي ﺗﻨﺘﴩ ﻣﻦ أﻟﻮاﻧﻪ اﻟﺤﻮاﳾ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻛﺎﻟﻀﺒﺎب أﻣﺎ أﺳﻠﻮﺑﻪ واﻟﺒﺨﺎر ،وﺗﻠﺒﺴﻬﺎ روﻋﺔ اﻟﻐﺴﻖ املﺘﺨﻠﻒ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ أﻟﻮان اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻐﺎرﺑﺔ. ﻗﻠﺖ :إن ﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ ﻫﻮ ﻛﺒري ﻓﻨﱠﺎﻧﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ ،وﻫﻨﺎك أﻛﱪ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ،وإن ﻛﺎن ﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ أﺷﻬﺮﻫﻢ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ أﺷﻬﺮﻫﻢ ﻟﺪى اﻟﻌﺎرﻓني املﺘﺬوﻗني روﻋﺔ اﻟﻔﻨﻮن ،وﻫﻮ اﻟﻴﻮم أﺷﻬﺮﻫﻢ ﻋﲆ اﻹﻃﻼقُ .وﻟِﺪ ﻣﺜﻞ ﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ وإن ﻛﺎن ﺗﻠﻤﻴﺬَ ﺑﺘﺸﻴﻘﻮ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﺧﺎرج ﻣﺪرﺳﺘﻬﺎ اﻟﻔﻨﻴﺔ. إن ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﰲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﴎﻓﻨﺘﺲ ﰲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ؛ ﻓﻘﺪ رﻓﻊ اﻻﺛﻨﺎن ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﺤﻴﺎة اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ إﱃ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻨﺒﻮغ اﻟﻌﺎﱄ ،وﻫﻮ ﻣﺜﻞ ﴎﻓﻨﺘﺲ ﻋﺒﻘﺮي ﻓﺬ ،ﻻ ﺗﺼﺢ املﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني أﺣﺪ ﻣﻦ ﻧﻮاﺑﻎ اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى ،رأى اﻟﻔﻦ ﰲ زﻣﺎﻧﻪ إﺳﺒﺎﻧﻴٍّﺎ دﻳﻨﻴٍّﺎ ،ﻓﺼﻤﱠ َﻢ ﻋﲆ أن ﻳﺠﻌﻠﻪ أوروﺑﻴٍّﺎ ﺑﻞ ﻋﺎملﻴٍّﺎ .ﰲ ﻓﻨﻮن زﻣﻼﺋﻪ ﻃﻐﺖ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻋﲆ أوروﺑﺎ!
.Titian, Corregio, Tintoreito 27 37
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
إن رﻣﱪاﻧﺖ Rembrandtأﻋﻈﻢ اﻟﻔﻨﺎﻧني ﺑﻌﺪ ﻣﻴﻜﻞ آﻧﺞ ،ده ﻓﻨﴘ ،ﺗﻨﺤﴫ ﻣﺰﻳﺔ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﰲ اﻟﻨﻮر ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﰲ أزﻳﺎء أﺷﺨﺎﺻﻪ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ أﺧﺮى ﰲ ﺷﺨﺼﻴﺔ املﺼﻮﱠر ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﺘﻨﻘﻠﻚ ﺗﻮٍّا إﱃ ﻣﻜﺎن اﻟﺤﺎدث ،أو إﱃ ﻣﻘﺮ اﻟﻮﺣﻲ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ. ﻟﻴﺲ ﻟﻔﻼﺳﻜﻴﺰ ﳾء ﻣﻦ ﻫﺬه املﺰاﻳﺎ اﻟﻔﻨﻴﺔ؛ ﻓﻬﻮ ﻣﺜﻞ اﺑﻦ وﻃﻨﻪ ﴎﻓﻨﺘﺲ ﻻ ﻳﻘﻴﱢﺪ ﻓﻨﻪ ﺑﻘﻴﺪ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻻﺻﻄﻼﺣﺎت اﻟﺸﻜﻠﻴﺔ واﻟﺸﺨﺼﻴﺔ .إن ﺑﺼرية اﻻﺛﻨني ﻣﺜﻞ ﺑﴫﻫﻤﺎ ﻣﻨﻄﻠﻘﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻧﺎﻓﺬة ﺗﺴﺘﻜﺸﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ ،ﰲ ﺣﻘﺎﺋﻘﻬﺎ ووﻗﺎﺋﻌﻬﺎ، ﰲ اﻟﺪاﺋﻢ واﻟﺰاﺋﻞ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺑﺪون ﺧﺪاع ﺑﴫي أو ﺣﻴﻠﺔ ﻓﻨﻴﺔ ،ﻓﻼ ﴎﻓﻨﺘﺲ وﻻ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﻳﺘﻮ ﱠرع ﰲ ﺗﻤﺜﻴﻠﻬﺎ ﺑﺄﺣﻂ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ وﺑﺄﺳﻤﺎﻫﺎ .اذﻛﺮ ﻣﻮاﻗﻊ دون ﻛﻴﺨﻮﺗﻪ ﺗﺠﺪﻫﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻻ ﺗﻤﻴﻞ ﻗﻴﺪ ﺷﻌﺮة ﻋﻦ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺧﻴﺎﻟﻪ ﰲ اﻟﺤﺐ ،وﻣﺜﻠﻪ اﻷﻋﲆ ﰲ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ واﻹﺣﺴﺎن. واذﻛﺮ ﰲ ﻟﻮﺣﺎت ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﺻﻮر املﻠﻚ ﻓﻴﻠﻴﺐ واﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﺎﻟﻜﺔ واملﺤﺒﻮس ،واﻟﺴﻴﺪة اﻟﻌﺬراء Madonnaوﻫﻲ ﺻﻮرة ﱠ ﻓﻼﺣﺔ أﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺴﺤﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ أو دﻳﻨﻴﺔ أﺳﻄﻮرﻳﺔ أو ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ. ﻧَﻘﻞ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﻣﻦ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻟﻔﻦ ﺧﺎدﻣً ﺎ ﻟﻠﺪﻳﻦ واﻟﻜﻨﺎﺋﺲ واﻷدﻳﺮة ،إﱃ ﻣﺪرﻳﺪ — إﱃ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ — إﱃ اﻟﻘﴫ املﻠﻜﻲ ﰲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ؛ ﺻﻮر ًة ﻣﻦ ﺻﻮره ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ْ ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻟﻪ ﺑﺎبَ اﻟﻘﴫ ،وﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ﺻﺎر ﻣﻦ املﻘﺮﺑني ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ املﻠﻚ ﻓﻴﻠﻴﺐ ﻣﻤﺘﻄﻴًﺎ ﺟﻮاده، ﰲ اﻟﺒﻼط. وﻗﻴﻞ إن املﻠﻚ ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺮاﺑﻊ ،ملﺎ رأى ﺻﻮرة اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﺎﻟﻜﺔ وﻓﻴﻬﺎ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﻧﻔﺴﻪ ً واﻗﻔﺎ ﻳﺼﻮﱢرﻫﺎ ،أﺧﺬ اﻟﺮﻳﺸﺔ ورﺳﻢ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﺑﺎﻟﺤﱪ اﻷﺣﻤﺮ ﻋﲆ ﺻﺪر املﺼﻮﱢر ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﺤﻪ اﻟﻮﺳﺎم ﻗﺒﻞ أن ﺗﻤﺖ اﻷﺻﻮل اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ؛ وﻫﻲ أن ﺗﺘﻌني ﻟﺠﻨﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﰲ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ واﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﰲ ﻧﺴﺒﻬﺎ ،ﻓﻘ ﱠﺮرت ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺠﻨﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺒﺤﺚ أن ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻣﻦ ﺷﻮاﺋﺐ اﻟﻜﻔﺮ ،وﺷﻮاﺋﺐ اﻟﺪم اﻟﻴﻬﻮدي أو املﻐﺮﺑﻲ ،وﻣﻦ دﻧﺲ املﻜﺎﺳﺐ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة .ﻫﻮ ذا اﻟﻨﺒﻞ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ املﺆﻳﱠﺪ — واملﻘﻴﱠﺪ — ﺑﺎﻟﺒﻼط. وﻳﻮم أﻋﻄﻰ املﻠﻚ اﻟﻔﻨﺎﻧني ﻣﻮﺿﻮع ﻃﺮد املﻐﺎرﺑﺔ ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻳﺘﺒﺎرون ﻓﻴﻪ ،ﺣﺎز ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ اﻟﺠﺎﺋﺰة ﺑﺼﻮرة ﺻ ﱠﻮ َرﻫﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ. إن ﻟﻔﻦ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ أدوا ًرا ﻛﻤﺎ ﻟﻔﻦ ﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ وﻏريه ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻔﻨﺎﻧني؛ ﻓﺎﻟﺪور اﻷول ً ً ﺻﺎدﻗﺎ أﻣﻴﻨًﺎ ﺑﺪﻳﺒﺎﺟﺔ ﺑﺎرزة اﻟﺘﻘﺎﻃﻴﻊ ﻛﺎﻟﻨﻘﺶ ﰲ اﻟﺤﺠﺮ ،وﺑﺎﻧﺴﺠﺎم ﺗﻤﺜﻴﻼ ﻳﻤﺜﱢﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻮان اﻟﺤﻤﺮاء واﻟﺼﻔﺮاء واﻟﺒﻨﻴﱠﺔ. 38
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
واﻟﺪور اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﺒﺪأ ﺑﺰﻳﺎرﺗﻪ ﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،وﺗﺄﺛﱡﺮه ﺑﻔﻨﻮن ﻣﻴﻜﻞ آﻧﺞ وﺗﻴﺘﻴﺎن وﺗﻨﺘﻮرﺗﻮ، ﻓﴩع ﻳﺼﻮﱢر ﻣﺜﻠﻬﻢ ﰲ ﻓﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر ،وﻛﺎن ﻳﺼﻮﱢر ﻛﺬﻟﻚ ﰲ اﻟﻨﻮر املﻨﻌﻜﺲ؛ ﻟﻴﻠ ﱢ ﻄﻒ أﻟﻮاﻧﻪ ،وﻳﻌ ﱢﺰز اﻟﺮﺣﺎﺑﺔ ﰲ أوﺿﺎﻋﻪ وأﺷﻜﺎﻟﻪ. أﻣﺎ ﰲ اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻓﺎﻟﻔﻜﺮ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﻐ ﱠﻠﺐ ﰲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ ،أو ﻣﺰﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﺎﻣﻲ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻌﻪ وﴎﻓﻨﺘﺲ ﰲ ﻣﺴﺘﻮًى واﺣﺪ ،وﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻇﺎﻫﺮ ﺑﺄﺗﻢ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ وأﺑﻠﻐﻬﺎ ﰲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ املﺸﻬﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗُﺪﻋَ ﻰ اﻟﺮﻣﺎح ،Las Lanzasوﻫﻲ ﺗﻤﺜﱢﻞ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺤﺮب اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﰲ ﻓﻼﻓﻮرس ﺑﻌﺪ ﺣﺼﺎر ﺑﺮﻳﺪا اﻟﻄﻮﻳﻞ ،وﺗﺴﻠﻴﻢ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﺟﻮﺳﺘني إﱃ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﻟﻴﻮﻧﺮدو .وﺗﻤﺜﱢﻞ ﻏري ذﻟﻚ ،ﺗﻤﺜﱢﻞ ﻛﺮم اﻷﺧﻼق؛ ﻓﺎﻟﻘﺎﺋﺪ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺳﻴﻒ ﺧﺼﻤﻪ ،ﺑﻞ ً ﺟﻤﻴﻼ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮل :ﺳﻠﻤﺖ ﻛﺮاﻣﺘﻚ! ﻫﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺣﺮب داﻣﺖ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮات، ﻳﺮدﱡه إﻟﻴﻪ ردٍّا واﻧﺘﻬﺖ ﻛﻤﺎ أرادﻫﺎ اﻟﻔﻨﺎن ،ﻋﲆ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ،ﻓﻜﺎن ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ أﻣري ﺑﻴﺎﻧﻬﺎ ،وروح ِﺳ ْﻠﻤﻬﺎ املﻜﻠﻞ ﺑﻤﺜﻞ أﻋﲆ ﻣﻦ ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق. ﻛﺎن ﻋﻬﺪ املﻠﻚ ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺮاﺑﻊ ) (١٦٦٥–١٦٢١اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﰲ اﻟﻔﻨﻮن واﻟﻌﻠﻮم، َ ﻋﻨﻮان اﻟﻔﺴﺎد ﰲ اﻷﺧﻼق ،واﻟﺘﻬﺘﱡﻚ واﻻﺳﺘﻬﺘﺎر وﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ،ﻣﺜﻞ ﻋﻬﺪ ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ، ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ اﻟﺒﻼط املﻠﻜﻲ .وﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﻨﺰﻳﻪ ﰲ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ً وﺣﺬﻗﺎ ﰲ ﻛﻞ زﻣﺎن ،ﻋﺎش ﰲ اﻟﻄﻴﺐ اﻟﻘﻠﺐ ،ذﻟﻚ اﻟﻔﻨﺎن اﻷﻛﱪ ﰲ زﻣﺎﻧﻪ ،واﻟﻜﺒري ﻓﻨٍّﺎ ﺗﻠﻚ املﻮﺑﻘﺎت ،واﺣﺘﻤﻞ ﻣﺎ اﺣﺘﻤﻞ ،وﺻﻮﱠر ﻟﺰﻣﺎﻧﻪ ﺻﻮرة ﺻﺎدﻗﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺑﺪون ﻣﺮارة أو رﺟﺎﻻ ﰲ اﻟﺒﻼط ﻛﺎﻧﻮا أﻗﺰاﻣً ﺎ َﺧ ًﻠﻘﺎ ُ ً ﺿﻐﻴﻨﺔ .ﻋﲆ أﻧﻪ وﺟﺪ ملﺎ ﻛ َ وﺧ ًﻠﻘﺎ، ﻈﻢ ﻣﻨﻔﺬًا ﺣني ﺻﻮﱠر ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﻮزﻳﺮ اﻷول أوﻟﻴﻔﺎرس ،Olivaresﻓﺨﻠﺪﻫﻢ ﰲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ ﺑﺄﺳﻠﻮﺑﻪ اﻟﺒﻠﻴﻎ اﻟﺼﺎدق اﻟﻀﺎرب إﱃ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ؛ ﻓﺠﺎء أوﻟﺌﻚ اﻷﻗﺰام 28رﻣﻮ ًزا ﻟﻠﻌﺎ َﻟﻢ اﻟﺴﻴﺎﳼ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﻼﳽ ﺗﺼﻨﱡﻌً ﺎ وﻓﺴﺎدًا ،وﻫﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت ﻫﻲ ﻣﻦ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ اﻋﱰاف ﺻﺎدق ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﺎﻟِﻤً ﺎ ﺑﻪ ،وﺳﺎﻛﺘًﺎ ﻋﻨﻪ إﻻ ﻓﻴﻬﺎ. ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺖ ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﰲ ﻧﺸﻮﺋﻪ وﺗﻄﻮره، ﻫﺬه اﻟﺤﻘﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺘﻲ ﻧُﻌﻨﻰ ﺑﻬﺎ ،ﻋﺎﻣﻞ ﴍﻗﻲ ﻏري ﻋﺮﺑﻲ ،وﺻﻞ إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻣﻊ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﺸﺎب ﻳﻮﻧﺎﻧﻲ اﺳﻤﻪ دوﻣﻴﻨﻜﻮ ﺛﻴﻮﺗﻮﻛﻮﺑﻮﱄ ،ﻓﺄﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ ﺟﻨﺴﻴﺘﻪ ،وﺻﺎر ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻹﻏﺮﻳﻘﻲ .El Greco .El-Boldo, El-Primo, El Nino 28 39
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً ﻛﺮﻛﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎن اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة، إﺟﻤﺎﻻ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ وﻧﺤﻦ ﻧﺴﺘﻌﺮض اﻟﻔﻨﻮن ٍ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،أن ﻧﺨﺺ ﻛﻞ ﻓﻨﺎن ﻣﻤﱠ ﻦ ذﻛﺮﻧﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ، ً وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻣﻌ ﱢﺮﻓﻮن ٍّ ﺗﻌﺮﻳﻔﺎ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ؛ ﻓﻌﴗ أن ﻳﺤﺒﺐ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻮاﺻﻠﺔ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻢ إﱃ اﻟﻘﺎرئ اﻟﺪرس واﻟﺘﻌ ﱡﺮف؛ ملﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻟﺬة ،وملﺎ ﻓﻴﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﰲ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ املﺜﻘﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ إﻻ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ. ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻧﺨ ﱡ ﻄﻬﺎ اﻋﺘﺬا ًرا ﻋﻤﱠ ﺎ ﻃﺎل ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ،وﻋﻤﱠ ﺎ ﻗﴫ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ ُ أﺳﻠﻔﺖ اﻟﻘﻮ َل — ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ وﻓﻨﻪ. اﻹﺷﺒﺎع ﻟﻠﻤﻮاﺿﻴﻊ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ ،وأﻫﻤﻬﺎ — ﻛﻤﺎ ﻋﲆ ﱠ أن ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﻛﺎن ﻣﻌﺠﺒًﺎ ِﺟﺪ اﻹﻋﺠﺎب ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ ،وﻣﺎ ﺧﻼ ﻣﺤﱰﻓﻪ ،ﺑﺈﺷﺒﻴﻠﻴﺔ أو ﺑﻤﺪرﻳﺪ ،ﻣﻦ آﺛﺎره اﻟﻔﻨﻴﺔ. أﻣﺎ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻷﺟﻨﺒﻲ ﰲ ﻓﻦ اﻟﻐﺮﻳﻜﻮ ﻓﻠﻴﺲ إﻳﻄﺎﻟﻴٍّﺎ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬ ﺗﻴﺸﻴﺎن ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﻴﺰﻧﻄﻲ؛ ﻫﻮ إرﺛﻪ اﻟﺠﻨﴘ اﻟﺜﻘﺎﰲ اﻟﻔﻨﻲ ،إرﺛﻪ اﻟﴩﻗﻲ ،ﻇﻬﺮ ﰲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ ﻣﻨﺬ ﺑﺪأ ﻳﺼﻮﱢر ﰲ ﺗﻮﻟﻴﺪو — ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ — املﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎم ﻓﻴﻬﺎ ،ﺑﻌﺪ ﺳﻔﺮه ﻣﻦ ﻣﺴﻘﻂ رأﺳﻪ ،إﱃ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ. وأﻣﺎ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻨﺤﴫ ﰲ اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻳﺘﺠﺎوزه إﱃ اﻟﺸﻜﻞ؛ أي إﻧﻪ ﻳﺸﻤﻞ اﻟﻘﺎﻟﺐ واملﻌﻨﻰ واﻟﺪﻳﺒﺎﺟﺔ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻷوﱠل ﻣﺎ ﺻﻮﱠره وﻗ ٌﻊ ﻣﺪﻫﺶ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ،ﻋﲆ وﻓﺮة اﻵﺛﺎر اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻓﻴﻪ وﻛﺜﺮة اﻟﻔﻨﺎﻧني؛ ﻓﻬﺎ ﻫﻨﺎ وﺟﻮه ﻟﻠﻘﺪﻳﺴني ﻏري ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ،وأﻟﻮان ﻟﻠﺪﻳﺒﺎج واﻟﺪﻣﻘﺲ ﺟﺪﻳﺪة ،ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻷرﺟﻮان اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰال إﱃ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻧﺎد ًرا ﰲ ﻏري ﺻﻮَر اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ. وﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﻘﺪرة ﻏري اﻋﺘﻴﺎدﻳﺔ ﰲ ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻷﻟﻮان وﺗﴫﻳﻔﻬﺎ ،وﻟﺠﻤﻴﻊ ﻫﺬه املﺰاﻳﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ املﻌﻨﻰ؛ ﻫﻲ اﻟﻌﻈﻤﺔ. ﻓﺎﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ ﰲ ﻓﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻈﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﱢﺰ ﻛﺬﻟﻚ ﱠ ﺗﺘﺠﲆ ﰲ اﻟﻔﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺻﻮر ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﻋﻦ ﺳﻮاﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺎﻟﺤﻤﺮاء ،وﻋﲆ اﻷﺧﺺ ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒري ﺑﻘﺮﻃﺒﺔ .وﻫﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻇﺎﻫﺮ ﰲ أﺟﻤﻞ وأروع ﻣﻈﺎﻫﺮه ﰲ اﻟﻔﻦ اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ اﻟﺨﺎﻟﺪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻤﺎ ﺗﻌَ ﺪ ْ ﱠت ﺷﻬﺮﺗﻪ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،أو ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﻦ واملﺸﺠﻌني واملﻌﺠﺒني ﺑﺎﻟﻔﻦ ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﻓﻈﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﺒﻘﺮي ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﻐﻤﻮ ًرا ﺑﺎﻟﺨﻤﻮل اﻟﺬي ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن ﻧﺴﻴﺎﻧًﺎ. ﺛﻢ ﺑُﻌِ ﺚ ﰲ أواﺳﻂ اﻟﻘﺮن املﺎﴈ ،وذاع اﺳﻤﻪ وﺧﱪه وﻓﻨﻪ ،ﻓﻮﻗﻒ اﻟﻨﺎﻗﺪون أﻣﺎم ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ ِوﻗﻔﺔ اﻹﻋﺠﺎب واﻹﻛﺒﺎر. وﻣﻦ ﻋﺠﻴﺐ اﻟﻈﺎﻫﺮات اﻟﻔﻨﻴﺔ أن ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﺳﻠﻒ اﻟﻔﻨﺎن اﻷﻛﱪ ﰲ اﻟﻘﺮن ً أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻔﻦ اﻟﻔﺮﻧﴘ اﻟﺸﻬري وأﺗﺒﺎﻋﻪ. املﺎﴈ؛ أي ﺳﻴﺰان ،Paul Cezanneوأن ﻳﻜﻮن ﻓﻨﻪ 40
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ﱡ ﺗﻤﺖ إﻟﻴﻪ ِﺑ ِﺼ َﻠ ٍﺔ ﻛﺮﻳﻤﺔ، وﻛﺬﻟﻚ ُﻗ ْﻞ ﰲ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ؛ ﻓﺈن ﻣﺪرﺳﺘﻪ اﻟ »إﻣﱪﺛﻴﻮﻧﻴﺰم« ﻓﺎﻹﻏﺮﻳﻘﻲ وَﻟﺪ ﺳﻴﺰان ،واﻹﺳﺒﺎﻧﻲ وﻟﺪ ﻣﻮﻧﻪ وﻣﺎﻧﻪ ورﻧﻮار وﺑﻴﺴﺎرو 29وإﺧﻮاﻧﻬﻢ اﻟﻜﺜريون. وﻫﺎ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ أرﻳﺪ أن أﻗﻮل ﻛﻠﻤﺔ ﰲ اﻟ »إﻣﱪﺛﻴﻮﻧﻴﺰم« وﻗﺪ أﺿﻊ ﻟﻔﻈﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻟﻬﺎ .ﻓﻤﺎ ﻫﻮ أﺻﻞ اﻟﻠﻔﻈﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ؟ أول ﻣَ ﻦ ﺧﺮج ﻋﲆ املﺪارس اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ،وراح ﺗﻮٍّا إﱃ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻳﺴﺘﺨﱪ ﺣﺎﻟﻬﺎ ،وﻳﺴﺘﻄﻠﻊ أﴎارﻫﺎ ،ﻫﻮ إدوار ﻣﻮﻧﻪ ،وأول ﻣﺎ ﻗ ﱠﺮره ﻣﻮﻧﻪ ﻫﻮ أن ﻣﻈﻬﺮ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺰاﺋﻞ ﻫﻮ أﻫﻢ ﻟﻠﻔﻨﺎن ﻣﻦ ﻣﻈﻬﺮﻫﺎ اﻟﺪاﺋﻢ .ﺛﻢ ﴍع ﻳﺪرس ﻫﺬه املﻈﺎﻫﺮ اﻟﺰاﺋﻠﺔ ﰲ اﻷﻧﻮار واﻟﻈﻼل ،واﻷﺷﻴﺎء اﻟﺠﺎﻣﺪة واملﺘﺤﺮﻛﺔ ،وﻳﺼﻮﱢرﻫﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﻮال َ اﻟﻠﻔﻈﺔ إﱃ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺮﺟﻤﺔ وﻫﻮ ﻣﺘﺄﺛﺮ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻠُ ﱢﻘﺐَ ﻟﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟ »إﻣﱪﺛﻴﻮﻧﺴﺖ« ،وﺗﺮﺟَ َﻢ ُﻛﺘﱠﺎﺑُﻨﺎ ﺣﺮﻓﻴﺔ ﻓﻘﺎﻟﻮا :اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺘﺄﺛريي واملﺪرﺳﺔ اﻟﺘﺄﺛريﻳﺔ .وﻫﺬا ﰲ ﻧﻈﺮي ﺧﻄﺄ؛ ﻷن اﻟﺘﺄﺛري ﻣﻤﻜﻦ ً وزاﺋﻼ ،وﻻ ﻳُﺮاد ﺑﺎﻷﺻﻞ اﻟﻔﺮﻧﴘ ﻏري اﻟﺰاﺋﻞ ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ .وإن ﰲ ﻟﻐﺘﻨﺎ أن ﻳﻜﻮن داﺋﻤً ﺎ ً ً ﻛﺎﻣﻼ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﰲ ﻣﺎدة ﻓﻌﻞ .ﻓﻤﻦ اﺷﺘﻘﺎﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﻔﻌﻞ … ﻟﻔﻈﺔ ﺗﺆدي ﻫﺬا املﻌﻨﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻫﺎك ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺨﱪ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻣﻮس: اﻻﻧﻔﻌﺎ ُل ﻋﻨﺪ اﻟﺤﻜﻤﺎء اﻟﺘﺄﺛ ُﺮ ،واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺎت ﻋﻨﺪﻫﻢ اﻟﻜﻴﻔﻴﺎت اﻟﺮاﺳﺨﺔ املﺤﺴﻮﺳﺔ ﻛﺼﻔﺮة اﻟﺬﻫﺐ ،واﻻﻧﻔﻌﺎﻻت ﻫﻲ اﻟﻜﻴﻔﻴﺎت املﺤﺴﻮﺳﺔ ﻏري اﻟﺮاﺳﺨﺔ — اﻟﺰاﺋﻠﺔ — ﻛﺼﻔﺮة اﻟﺨﻮف )اﻟﻘﺎﻣﻮس( أو ﻛﺼﻔﺮة اﻷﻓﻖ املﻘﺎﺑﻞ ملﻐﺮب اﻟﺸﻤﺲ. إذن ،ﻳﺼﺢ وﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﻮل :ﻣﺪرﺳﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت ،واﻟﻔﻦ اﻻﻧﻔﻌﺎﱄ ،واﻟﻔﻨﺎﻧﻮن اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻴﻮن وﺻﻮرة اﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ. وﻫﺬه املﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻲ ُو ِﻟﺪت ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮد ﻋﲆ املﺪارس اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ Acadamie ﱡ ﱡ ﻳﻤﺖ ﻓﻦ ﺳﻴﺰان واملﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺖ ﺑﻨَﺴﺒﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ ،ﻟﻔﻼﺳﻜﻴﺰ ،ﻛﻤﺎ Dogmatie ﻧﺸﺄت ﻋﻨﻪ ﰲ زﻣﺎﻧﻨﺎ إﱃ اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ اﻟﺸﻬري ﺛﻴﻮﺗﻮﻛﻮﺑﻮﱄ. ﺑﻘﻲ أن ﻧﺬﻛﺮ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻠﻤﺤﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻌﺒﻘﺮي اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ َ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي ﻳﺸﺎرك ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﰲ ﺷﻬﺮﺗﻪ وﻣﺠﺪه ،وﻻ ﻳﺸﺎرﻛﻪ ﰲ ﻋﺬوﺑﺔ ْ اﻟﻨﻔﺲ وﺳﻤﻮ اﻟﺘﻔﻜري ،وﻻ ﻋﺠﺐ؛ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻏري زﻣﺎﻧﻪ وﻣﻦ ﻏري ﻣﻜﺎﻧﻪ ،ﺟﺎء ﺑﻌﺪ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﺑﻨﺤﻮ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ،وﻋﺎش ﰲ زﻣﻦ اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻟﺤﺮوب اﻟﻨﺎﺑﻠﻴﻮﻧﻴﺔ ،وﺷﻬﺪ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدة اﻟﺒﻮرﺑﻮن ،روﺣﺘﻬﻢ اﻷﺧرية ،ﺛﻢ اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﺮﺣﻠﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺘﻘﻬﻘﺮ؛ إذ ﺑﻴﻌﺖ ﻓﻠﻮرﻳﺪا ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة، واﺳﺘﻘ ﱠﻠﺖ ﺑريو واملﻜﺴﻴﻚ. .Monet, Manet, Renoir, Pissaro, Sisley, etc 29 41
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻛﺎن ﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﻏﻮﻳﺎ Goyaاﻷرﻏﻮﻧﻲ Aragonاملﻮﻟﺪ ،ﻗﺴﺎوة ﺟﻮ اﻟﺸﻤﺎل ،وﺟﻔﺎف ﺳﻤﺎﺋﻪ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺒﻘﺮﻳﺘﻪ وﻟﻴﺪة اﻟﻔﻴﺎﰲ واﻟﺼﺨﻮر ،ورﺑﻴﺒﺔ اﻟﺸﻤﺲ املﺘﻬﺎﻓﺘﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺤﺠﺐ ،ﺣﺠﺐ اﻟﺸﻚ واﻻزدراء؛ ﻓﺎﺳﺘﻌﺎض ﻋﻦ اﻟﺤﺮارة ﺑﺎﻷﺷﻌﺔ اﻟﺤﺎدة اﻟﻨﺎﻓﺬة ،وﺟﺎءت ﰲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ اﻟﻐﺒﺴﺎء ﻛﻤﺴﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺮوب ﰲ وﺟﻪ اﻟﻐﺴﻖ. إن ﻏﻮﻳﺎ ،ﰲ ﻧﺰﻋﺘﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪة إﱃ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وﰲ ﻣﻼزﻣﺘﻪ ﻟﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺪوام ،ﰲ ﻋُ ﺠَ ﺮﻫﺎ وﺑُﺠَ ﺮﻫﺎَ ،ﻟ ِﻤﺜ ُﻞ إﻣﻴﻞ زوﻻ ﰲ اﻵداب .وﻫﻮ ﰲ ﺗﻬ ﱡﻜﻤﻪ ﻣﺜﻞ ﻫﻮﻏﺮت ،Hogarthوﰲ ﻣﺠﻮﻧﻪ ﻣﺜﻞ راﺑﻴﻠﻪ .Rabelais ﻋﱪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ اﺧﺘﻠﺞ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ وﻻح ﻟﺨﺎﻃﺮه ،ﺑﺎﻟﺮﻳﺸﺔ واملﻨﻘﺎش ،ﻋﲆ اﻟﻠﻮﺣﺔ وﻗﺪ ﱠ َ وﰲ ﻟﻮح اﻟﻨﺤﺎس .ﻓﺈن ﻣﺤﻔﻮراﺗﻪ Etchingsﻣﺜﻞ زﻳﺘﻴﺎﺗﻪ — ﺻﻮره اﻟﺰﻳﺘﻴﺔ — ﻟﻔﻲ املﻨﺰﻟﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ اﻟﻌﺰﻳﺰة ﻣﻦ اﻟﻔﻦ. وﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻌﺮض ﻃﺮﻳﻒ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺟﺎب ﻓﻨﱡﻪ اﻷﻣﺔ وﻣﻌﺎﻫﺪﻫﺎ ،ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ إﱃ املﻬﺮﺟﺎﻧﺎت ،إﱃ ﺳﺎﺣﺔ ﺣﺮب اﻟﺜريان ،إﱃ اﻟﺒﻼط املﻠﻜﻲ ،إﱃ املﺮاﻗﺺ ،إﱃ ﻗﺪس أﻗﺪاس اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ ﻓﺘﻨﺎول ﻫﺬه املﻮاﺿﻴﻊ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺮﻳﺸﺘﻪ وإزﻣﻴﻠﻪ ،وﺣﻮﱠﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ وﻧﺤﺎﺳﻪ إﱃ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﺣﻴﺔ ﻧﺎﻃﻘﺔ ﺻﺎدﻗﺔ ﺿﺎﺣﻜﺔ ﻣﺘﻬﻜﻤﺔ. وإن ﺿﺤﻜﺔ ﻏﻮﻳﺎ ﻏري ﺿﺤﻜﺔ ﴎﻓﻨﺘﺲ؛ ﻓﻀﺤﻜﺔ ﴎﻓﻨﺘﺲ ﺗﻀﺤﻚ وﺗﻄﺮب ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﺿﺤﻜﺔ ﻏﻮﻳﺎ ﻫﻲ ﺿﺤﻜﺔ ﱠ ﺣﻔﺎر اﻟﻘﺒﻮر ﺣﻴﻨًﺎ ،وﺣﻴﻨًﺎ ﺿﺤﻜﺔ ﻣﺪﻣﻦ ﰲ ﺣﺎﻧﺔ، وداﺋﻤً ﺎ ﻫﻲ ﺿﺤﻜﺔ ﺳﻴﱠﺎف ﻳﻘﻄﻊ وﻻ ﻳﻌ ﱡﺪ اﻟﺮءوس! إن ﻓﻦ ﻏﻮﻳﺎ َﻟ ﱞ ﻔﻦ إﺳﺒﺎﻧﻲ ﻣﺠﺮد ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻫﻮ ﻓﻦ دﻳﻮان اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ اﻷﻋﲆ ،ﻫﻮ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ﺑﺪون ﺣﺮارة ﻗﻠﺒﻪ ،وﻫﻮ ﴎﻓﻨﺘﺲ ﺑﺪون ﺣﺮارة إﻳﻤﺎﻧﻪ. ﻗﺎل اﻟﻌﺮب ﰲ ﻗﺮﻃﺒﺔ وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻛﻠﻤﺔ ر ﱠددَﻫﺎ اﻟﻜﺘﱠﺎب ،وﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺮدﱢدوﻧﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن دون ﺗﺮ ﱟو وﺗﺤﻘﻴﻖ .ﻓﻘﺪ ﺗَﺼﺪُق ﰲ اﻟﻌﻬﺪ اﻷﻣﻮي اﻟﺬي ازدﻫﺮ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﰲ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ واﺷﺘُﻬﺮ ﺑﺎﻟﻄﺮب واﻟﻐﻨﺎء ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺮوج ﻫﻨﺎ آﻻت املﻮﺳﻴﻘﻰ ﻛﻤﺎ ﺗﺮوج ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺘﺐ ،واﻷﻏﻠﺐ أﻧﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ أﻗﺮب إﱃ اﻟﻨﻜﺘﺔ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وﻫﻲ ﰲ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﺬي ﻋﻨﻴﻨﺎ ﺑﻪ، وﰲ زﻣﺎﻧﻨﺎ ،ﻏري ﺻﺤﻴﺤﺔ .ﻓﺈﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﱠ َ ﺗﺒني ﻫﻲ ﻣﻬﺐ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻷدﺑﻴﺔ ﰲ اﻟﺘﺠﺪﱡد، وﻫﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺷﺠﺎر اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻐ ﱢﺮد ﻋﲆ أﻓﻨﺎﻧﻬﺎ ﻃﻴﻮر املﺮح واملﻬﺮﺟﺎﻧﺎت ،وﻻ ﻓﺮق ﺑﻴﻨﻬﺎ — ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ — وﺑني ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺧﺮى أﻧﺪﻟﺴﻴﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺷﺎرﻛﺖ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ وﺑﻠﻨﺴﻴﺔ وﻗﺮﻃﺒﺔ ﰲ ﻧﻬﻀﺔ اﻟﺘﺠﺪد ،ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎرك ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ﰲ ﻛﻞ ﻣﻬﺮﺟﺎن. 42
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
إﻧﻤﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ املﺪن ﺑﻠﻄﻒ ﻣﺰاﺟﻬﺎ وﺗﻘ ﱡﻠﺒﻪ ،وﺷﺪة ﻫﻮاﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺪوام. ﻫﻲ روح ﻣﺮ ﱠﻛﺒﺔ ﻣﻦ أرواح ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﺘﻌﺪدة ،ﺻﺎﺧﺒﺔ اﻷﻟﻮان؛ ﺣﻤﺮاء ﺣﺘﻰ اﻷرﺟﻮان، ﺻﻔﺮاء ﺣﺘﻰ اﻟﺬﻫﺐ ،زرﻗﺎء ﺣﺘﻰ ﱠ اﻟﻼ َز َو ْردِ ،ﺧﴬاء ﺣﺘﻰ اﻟ ﱡﺰﻣ ﱡﺮد .ﻓﻬﻲ اﻟﺮاﻗﺼﺔ ،وﻫﻲ اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ ،وﻫﻲ املﺤﺴﻨﺔ ،وﻫﻲ اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ اﻟﻘﻠﺐ ،وﻫﻲ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،أو ﺑﺎﻟﺤﺮي ﺑﻨﺘﻬﺎ ﺗﺮﻳﺎﻧﺎ ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻌﺎﻣﻞ ﻋﱪ اﻟﻨﻬﺮ ،ﻣﺤﻮر ﻣﻦ ﻣﺤﺎور اﻟﻌﻤﺎل؛ ﻳﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻨﻬﺎ دﺧﺎن املﻌﺎﻣﻞ، اﻟﺰﻟﻴﺞ ،ودﺧﺎن اﻻﺿﻄﺮاب واﻹﴐاب. وﻫﻲ ﻋﲆ اﻟﺪوام إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﻔﻨﺎن ،واﻟﻌﻴﺪ واملﻬﺮﺟﺎن ،وﻫﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺜريان، وﺳﺎﺣﺎت اﻟﺒﺨﻮر واﻟﺼﻠﺒﺎن ،واﻟﺨﻨﺠﺮ ودوﻻب اﻟﺰﻣﺎن ،ﻫﻲ ﻫﻲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ وﻣﻮرﻳﻠﻴﻮ وﻫ ﱠﺮﻳﺮا ،إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ وﻓﺮﻧﻨﺪو ورﻳﺒريا ،إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ،وﺑﻄﺮس اﺑﻦ إﺑﻠﻴﺲ! ﻧﻌﻮد إﱃ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮب ،ﻓﻨﺴﻤﻊ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻳﻘﻮل إن ﻫﺬه املﺪﻳﻨﺔ ،إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة إﻳﱪﻳﺔ ،ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺠﺎرة ﺑني ﻗﺎدش وﻣﺎرﻧﺪا وﺳﻜﻤﻨﻘﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﻟﻴﻮس ﻗﻴﴫ ﺳﻨﺔ ٥٤ق.م ،وﺑﻌﺪ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺻﺎرت ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﻮﻧﺪال ،ﻓﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻐﻮط ﺑﻌﺪﻫﻢ ،ﺛﻢ ﺟﺎء اﻟﻌﺮب — ﻓﻨﺮﺟﻮ اﻟﺪﻟﻴﻞ اﻵن أن ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻴﻨﺎ. ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻣﻌﻬﻢ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن أﻛﺜﺮﻫﻢ ﰲ اﻟﻔﺘﺢ اﻷول ﻣﻦ ﻋﺮب اﻟﺤﺠﺎز، ﺑﻀﻌﺔ أﻻف ﻣﻦ اﻟﱪﺑﺮ 30 ،ﻓﻤﺎ ﻃﺎﻟﺖ أﻳﺎم اﻟﻮﻻء ﺑني اﻟﺸﻌﺒني ،ﺣﺘﻰ ذ ﱠر ِت اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻗﺮﻧﻬﺎ ﰲ ﻋﻤﺎﻟﺔ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺑﻦ ﻗﻄﻦ ،ﻓﻘﺎم اﻟﱪﺑﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب ﻳﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻧﺼﺎرى اﻟﺒﻼد. وﻛﺎن ﰲ ﺳﺒﺘﺔ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ اﻟﺴﻮرﻳﻮن ،ﻣﻦ ﺣﻤﺺ ودﻣﺸﻖ ،ﻳﺮﻳﺪون اﻟﻌﺒﻮر إﱃ اﻷﻧﺪﻟﺲ، وﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﻻ ﻳﺠﻴﺰ ذﻟﻚ ﻟﺜﺄر ﻛﺎن ﻟﻪ ﻋﲆ أوﻟﺌﻚ اﻟﺴﻮرﻳني ،ﺣﻤﻠﻪ ﰲ ﺻﺪره ﻣﻦ اﻟﺸﺎم ،ﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎز .وﻟﻜﻨﻪ وﻗﺪ أﺣﺎق ﺑﻪ ﺧﻄﺮ اﻟﱪﺑﺮ ،ﺗﻨﺎﳻ اﻟﺜﺄر واﺳﺘﻈﻬﺮ اﻟﺴﻮرﻳني ،ﻓﻌﱪوا املﻀﻴﻖ وﺣﺎرﺑﻮا ﰲ ﺟﻴﺸﻪ ﻣﺴﺘﺒﺴﻠني ،ﻓﻐﻠﺒﻮا اﻟﱪﺑﺮ ﰲ ﻣﻮاﺿﻊ ﻋﺪة ،واﺳﺘﺘﺐﱠ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻠﻌﺮب. ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،واﻟﺠﻴﺶ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﻣﻦ ﺳﻮرﻳﻲ ﺣﻤﺺ ودﻣﺸﻖ ،وﻳﺮأﺳﻪ ﺑﻠﺞُ اﻟﻘﻴﴘ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻗﺸري 31 ،ﻓﻠﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﻮا وﻋﺒ َﺪ املﻠﻚ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﺎ ﺑَ ﱠﺮ ﺑﻮﻋﺪه ﻟﻬﻢ ،ﺧﻠﻌﻮه ﺛﻢ ﻗﺘﻠﻮه ،وو ﱠﻟﻮا ﺑﻠﺠً ﺎ ﻣﻜﺎﻧﻪ.
30ﻛﺎن ﻣﻊ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﻳﺎد ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻞ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﺛﻨﺎ ﻋﴩ أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ ،أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﱪﺑﺮ. 31ﻫﻮ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺬي أرﺳﻠﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻫﺸﺎم ﻟﻴﺆدﱢب اﻟﱪﺑﺮ. 43
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻓﻘﺎم أﺑﻨﺎء ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﻳﺜﺄرون ﻷﺑﻴﻬﻢ ،ﻓﻨﴫﻫﻢ املﺪﻧﻴﻮن ،وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ،وﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻠﺨﻤﻲ وﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻔِ ﻬﺮي ورﺟﺎﻟﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ اﻧﻀﻢ إﻟﻴﻬﻢ أوﻟﺌﻚ اﻟﱪﺑﺮ أﻋﺪاؤﻫﻢ ﺑﺎﻷﻣﺲ ،وأﺻﺤﺎب ﺛﺄر اﻟﻴﻮم ،ﻓﺒﻠﻎ ﻋﺪدﻫﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺧﻤﺴني ً أﻟﻔﺎ ،وﻣﺎ ﺗﺠﺎوز ﻋﺪد ﺟﻴﺶ ﺑﻠﺞ اﻻﺛﻨﻲ ﻋﴩ أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ. وﻗﻌﺖ اﻟﻮﻗﻌﺔ ﺑني اﻟﺠﻴﺸني )٧٤٢م( ﻓﺎﻧﺘﴫ اﻟﺴﻮرﻳﻮن ﻓﻴﻬﺎ ،ودﺧﻠﻮا ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻇﺎﻓﺮﻳﻦ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻓﻘﺪوا ﻗﺎﺋﺪﻫﻢ ﺑﻠﺠً ﺎ اﻟﺬي ﺟُ ِﺮح ﰲ ﺗﻠﻚ املﻌﺮﻛﺔ وﻣﺎت ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﻗﻠﻴﻠﺔ، َ ً ﱠَ ﻋﺎﻣﻼ ﻋﲆ اﻷﻧﺪﻟﺲ. ﺛﻌﻠﺒﺔ اﻟﻴﻤﻨﻲ ﻓﻌني اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻫﺸﺎ ٌم وﻛﺎن ﺛﻌﻠﺒﺔ أﻋﺪل أو أﻗﻞ ﺟﻮ ًرا ،ﰲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ اﻷﻋﺪاء؛ أي ﻋﺮب اﻟﺤﺠﺎز ،أي اﻟﻘﻴﺴﻴني، ً ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺑني أﺑﻨﺎء اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻮاﺣﺪ ،وﻣﺎ وﻣﺎ زاﻟﺖ اﻟﻌﺪاوات ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﺑﻞ ﺷﺒﱠﺖ ﻧﺎر اﻟﺤﺮب ﻫﻮ ﰲ ﻧﻈﺮ أﺣﺪ اﻟﻔﺮﻳﻘني ﻛﺬﻟﻚ .ﻫﻮ وﻃﻨﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻌﺮب ،وﻣﺎ أﻧﺘﻢ إﻻ ﺳﻮرﻳﻮن .ﻧﺤﻦ — اﻟﺴﻮرﻳني — اﻟﻌﺮب ،ﻧﺤﻦ اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﻮن ،وﻣﺎ أﻧﺘﻢ إﻻ ﻗﻴﺴﻴﻮن. ً ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ املﺪﻧﻴني .اﻧﺘﴫ ﺛﻌﻠﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﺴﻴﻒ ﻳﺜﺒﺖ ﻣﺎ ﻧﻘﻮل؛ اﻧﺘﴫ اﻟﺴﻮرﻳﻮن أﻣﻴﺔ وﻗﻄﻦ ،اﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ وﺟﻴﺸﻬﻤﺎ ،ﻓﺄﺧﺬوا ﻣﻨﻬﻢ أﻟﻒ أﺳري ﻣﻦ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء ،وﺑﺎﻋﻮا اﻟﻨﺴﺎء ﻛﺎﻷرﻗﺎء ﺑﺎملﺰاد ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ أﻓﻈﻊ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ .اﻟﻌﺮﺑﻴﺎت ﺗﺒﺎع ﻛﺎﻟﺠﻮاري؟! ﻫﻲ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻟﺴﻮداء ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻮرﻳني اﻟﻔﺎﺗﺤني ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ زادت ﰲ اﻟﻨﻔﺮة واﻟﻀﻐﻴﻨﺔ ﺑني اﻟﺤﺰﺑني؛ ﻓﻘﺎم ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﻳﺤﺘﺠﻮن ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ وﻳﻄﻠﺒﻮن ﻣﻦ ﺣﻨﻈﻠﺔ اﻟﻜﻠﺒﻲ ﺣﺎﻛﻢ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ أن ﻳﺮﺳﻞ إﱃ أرض اﻟﻌﺪوة ﻣَ ﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳُﻌِ ﻴﺪ اﻟﻨﻈﺎم واﻟﻌﺪل إﱃ ﻣﺠﺎرﻳﻬﻤﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ ﻓﺄرﺳﻞ ﺣﻨﻈﻠﺔ أﺑﺎ ﺧﻄﺎر اﻟﻜﻠﺒﻲ ،ﻣﻦ وﺟﻬﺎء دﻣﺸﻖ ،ﻓﻘﺒﻠﻪ اﻟﺴﻮرﻳﻮن واﻟﺤﺠﺎزﻳﻮن. وﻛﺎن أﺑﻮ ﺧﻄﺎر ﺣﻜﻴﻤً ﺎ ﻛﺮﻳﻤً ﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﺒﴩ اﻟﻨﺎس ﺑﻪ وﺑﺤﻜﻤﻪ ،ﻓﺄول ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ أن ﴎحَ اﻟﺠﻨﻮد وأﻗﻄﻌﻬﻢ اﻷراﴈ، أﻃﻠﻖ ﴎاح اﻷﴎى ،وأﺑﻄﻞ ﺑﻴﻊ اﻟﺠﻮاري اﻟﻌﺮﺑﻴﺎت ،ﺛﻢ ﱠ ﻓﺄﻧﺰل اﻟﺤﻤﺼﻴني ﺑﺈﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،واﻟﺪﻣﺸﻘﻴني ﺑﺎﻟﺒرية ،واﻟﻘﻨﴪﻳني ﺑﺠني ،واملﴫﻳني ﺑﺘﺪﻣري، واﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴني ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺮة وﺿﻮاﺣﻴﻬﺎ. وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟ ﺣﺮب أﺧﺮى وﺧﻼﻓﺔ أﻣﻮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،ﺳﻨﻘﺺ ﻋﻠﻴﻚ ﻗﺼﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺼﻞ إﱃ ﻗﺮﻃﺒﺔ. ً ﻗﺎل اﻟﺪﻟﻴﻞ :وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﺧﻼﻓﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻗﺎم ﻛ ﱡﻞ ﻣَ ﻦ ﻣَ ﻠﻚ ﻓﺪاﻧﺎ ﻣﻦ اﻷرض ﱢ ﻳﻨﺼﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد — ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ! ً زاوﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻪ. ﻓﻨﺴﺘﺄذن اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻟﻨﻨري 44
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﺧﻼﻓﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ ) (١٠٣١اﺳﺘﻘ ﱠﻞ زاوي ﺑﻦ زﻳﺮي ﺑﻐﺮﻧﺎﻃﺔ ،وﻗﺎم ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻘﺎﴈ أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ اﻟﺤﻤﴢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺎد 32ﻳﻌﻠﻦ اﺳﺘﻘﻼل ﱢ وﻳﺆﺳﺲ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺠﻤﻬﻮري. املﺪﻳﻨﺔ، وﻛﺎن ﻫﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻷوﱃ — اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﺳﻤً ﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ — ﻓﺈن ﺣﻜﻤﻪ دام ﺗﺴﻊ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،ﻓﺨﻠﻔﻪ اﺑﻦ ﻋﺒﺎد َ آﺧﺮ ﻫﻮ اﺑﻨﻪ املﻌﺘﻀﺪ ،ﻓﺤﻜﻢ ﺳﺒﻌً ﺎ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ، ﺛﻢ املﻌﺘﻤﺪ املﺸﻬﻮر أﺑﻮ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ املﻌﺘﻀﺪ ،اﻟﺬي ﺣﻜﻢ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ، وﻣﺎت ﰲ املﻨﻔﻰ ﺑﺄﻏﻤﺎت. ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ أو اﻹﻣﺎرة داﻣﺖ إذن ﺳﺘني ﺳﻨﺔ ﻻ ﻏري ،ﻓﺎﻧﻀﻤﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﺧﻼل ﻫﺬه املﺪة :ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ ﺑﻨﻮ ﺟَ ﻬْ ﻮر ،واﻟﺠﺰﻳﺮة ورﻧﺪا وﺗﻮاﺑﻌﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺣﻮزة ﺑﻨﻲ ﺣﻤﻮد ،وﻧﺒﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻳﺤﻴﻰ ،وﺳﻠﺒﺔ ﺑﻨﻲ ﻣﺮﻳﻦ ،وﻃﻠﻴﻄﻠﺔ وﴎﻗﺴﻄﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﻮ ﱠﻟﺪت ﺗﻠﻚ اﻷﻟﻘﺎب اﻟﺘﻲ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﻴﺘًﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ذﻫﺐ ً ﻣﺜﻼ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻛﺎذﺑًﺎ ﻓﻴﻤَ ﻦ أ َ ْﺳﻤَ ﻮْا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ وﻧﻈﺎم اﻟﺪوﻟﺔ وﺟﻨﺎح اﻟﺪوﻟﺔ … وﻫﻠﻢ ﺟ ٍّﺮا. ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ) (١٠٨٤–١٠٢٣ﻛﺎﻧﺖ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ أول ﻣﺪﻳﻨﺔ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻓ َﻜ َﺴ َﻔ ْﺖ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ واﻷدب ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﰲ أﻳﺎم املﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻷﺧﺺ ﻛﺤﻠﺐ ﰲ ﻋﻬﺪ ﺳﻴﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻳﻘﺼﺪﻫﺎ اﻟﺸﻌﺮاء واﻷدﺑﺎء ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﺒﻼد؛ ﻟﻴﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﺄﻧﺲ أﻣريﻫﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻣُﻌﻄﻴﺎﺗﻪ. وﻣﺎ ﻃﺎل ﺻﻔﺎء اﻟﺠﻮ ﻟﻠﺸﻌﺮ واﻟﺸﻌﺮاء؛ ﻷن أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺴﺎدس ﻣﻠﻚ ﻗﺸﻄﻴﻠﺔ وﻟﻴﻮن ﻗﺎم ﻳﺤﺎرب املﺴﻠﻤني ،وﻳﺸﻦ ﻋﲆ ﻣﺪﻧﻬﻢ اﻟﻐﺎرات ﻟﻴﺨﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ،وﻣﻊ أن ﻣﻠﻮك املﺴﻠﻤني ﺟﻤﻌﻮا ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻛﻠﻤﺘﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻤﺎ ﺗﻤ ﱠﻜﻨﻮا ﻣﻦ َﺧ ْﻀﺪ ﺷﻮﻛﺘﻪ. ﻟﻨﺴﺘﻨﺠﺪ إذن ﺑﺈﺧﻮاﻧﻨﺎ ﻋﱪ املﻀﻴﻖ .ﻫﻨﺎك ﻛﺎن ﻗﺪ ﻇﻬﺮ زﻋﻴﻢ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﺮاﺑﻄني، ﻫﻮ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔني ،ﻣﺆﺳﺲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺮاﻛﺶ ،وﻓﺎﺗﺢ ﺑﻼد ﺗﻠﻤﺴﺎن ،ﻓﺎﺳﺘﻨﺠﺪه املﻠﻮك املﺴﻠﻤﻮن ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﺴﺎ َر َع ﻳﻮﺳﻒ إﱃ ﻧﺠﺪﺗﻬﻢ .وﻣﺎ ﻛﺎد ﻳﺼﻞ إﱃ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺨﴬاء ﺣﺘﻰ ا ْﻟﺘﺤﻢ ﺟﻴﺸﻪ وﺟﻴﺶ اﻟﻨﺼﺎرى ﰲ اﻟﻮﻗﻌﺔ املﺸﻬﻮرة؛ واﻗﻌﺔ اﻟﺰﻻﻗﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻨﺘﴫًا. ﻧﴫ ﷲ املﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﻳﺪ ﻳﻮﺳﻒ ،ﺛﻢ ﻧﴫ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﲆ أﻣﺮاء املﺴﻠﻤني ،ﻓﻘﺪ رأى ﱠ املﻘﺴ ِﻤني املﺘﺤ ﱢﺰب ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ﻻ ﻳﺼﻠﺤﻮن ِﻟﻤُﻠﻚ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔني أن أوﻟﺌﻚ اﻟﻌﺮب
32ﺑﻨﻮ ﻋﺒﺎد ﻳﻨﺘﻤﻮن إﱃ املﻨﺬر ﺑﻦ ﻣﺎء اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻦ ﻟﺨﻢ ،ﺟﺎءوا اﻷﻧﺪﻟﺲ ﰲ ﺟﻨﺪ ﺣﻤﺺ. 45
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً ﻓﺼﻼ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب ﻫﻮ ﻛﺎﻟﺠﺰﻳﺮة ﰲ ﺑﺤﺮ اﻟﻨﺼﺎرى؛ ﻓﺄزاﺣﻬﻢ ﻋﻦ ﻋﺮوﺷﻬﻢ ،وﻗﺮأ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت املﺒﺎرﻛﺔ. وﻗﺪ أدرك املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد أن ﻧﻈﻢ اﻷﺷﻌﺎر ﻻ ﻳﻘﻲ ا ُملﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎر؛ ﻓﺎﺳﺘ ﱠﻞ ﺳﻴﻔﻪ ﻋﲆ ﻳﻮﺳﻒ ،وﻛﺎن ﻣﺪﺣﻮ ًرا ،ﻓﻨُﻘِ ﻞ ﻫﻮ واﻟﺮﻣﻴﻜﻴﺔ إﱃ أﻏﻤﺎت ﺑﺎملﻐﺮب ،ﻫﻮ واﻟﺮﻣﻴﻜﻴﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﻘﺼﺔ املﺸﻬﻮرة ﺑﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ: ﻧﺴﺞ اﻟﺮﻳﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء َز َرد
…
…
…
…
أ َ ِﺟ ْﺰ ﻳﺎ اﺑﻦ ﻓﺄُﻏﻠِﻖ ﻋﲆ اﻟﻮزﻳﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮُ ، وﻓﺘﺢ ﻋﲆ ﺟﺎرﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻨﺰه ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻋﲆ ﺿﻔﺔ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻜﺒري ،وﻫﻲ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ا َملﻠﻚ املﺘﻨ ﱢﻜﺮ ووزﻳﺮه ،ﻓﺴﻤﻌﺘﻪ ﻳﻘﻮل: ﻋﻤﺎر33 .
ﻧﺴﺞَ اﻟﺮﻳﺢُ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء َز َرد
…
…
…
…
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر: …
…
…
ﻳﺎ ﻟﻪ درﻋً ﺎ ﻣﻨﻴﻌً ﺎ ﻟﻮ ﺟَ ﻤَ ﺪْ!
…
ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻫﻲ اﻟﺮﻣﻴﻜﻴﺔ ،وﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻫﻲ اﻷوﱃ ﻣﻦ أﻳﺎم وأﺷﻬﺮ وﺳﻨني ﻧﺎدرة ﰲ ﺣﻴﺎة املﺤﺒني. ﻧﺴﺞ اﻟﺮﻳﺢ ﻋﲆ املﺎء َز َرد! وﻛﺎن ﻣﻠﻚ املﻌﺘﻤﺪ ﻛﺎﻟﺮﻳﺢ ﻋﲆ املﺎء. وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ واﻟﺮﻣﻴﻜﻴﺔ ﻛﺎﻟﻨﺴﻴﻢ اﻟﻌﺎﻃﺮ ﰲ روﺿﺔ اﻟﻌﺎﺷﻘني. ﻗﺎل اﻟﺪﻟﻴﻞ :وﺣﻤﻞ املﻬﱠ ﺎد ﻋﲆ املﺮاوﻳﺪ — املﻮﺣﺪون ﻋﲆ املﺮاﺑﻄني — واﻧﺘﺰﻋﻮا ا ُملﻠﻚ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ﺳﻨﺔ .١١٤٧
33املﻌﺘﻤﺪ واﺑﻦ ﻋﻤﺎر ﻧﺪﻳﻤﻪ ورﻓﻴﻘﻪ ووزﻳﺮه ،ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺘﻨﺰﻫﺎن ﰲ ﺑﺮج اﻟﻔﻀﺔ ﻣﻨﺘﺰه إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻌﺎم ﻋﲆ ﺿﻔﺎف اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻜﺒري. 46
إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ
وﺑﻌﺪ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ — ﻣﺎ أﻃﻮل ﺻﱪ أوﻟﺌﻚ اﻷﻗﺪﻣني! — أﻋﺎد املﺴﻴﺤﻴﻮن اﻟﻜ ﱠﺮة ﻋﲆ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﺑﻘﻴﺎدة املﻠﻚ ﻓﺮﻧﻨﺪ اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻓﺮﻧﻨﺪ اﻟﻘﺪﻳﺲ ،وﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﻌﺮﺑﻲ املﺴﻠﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ اﻷﺣﻤﺮ ﻣﻠﻚ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ 34 ،ﻓﺴ ﱠﻠﻤَ ِﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﺣﺼﺎر دام ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ )١٢٤٨م(. ودﺧﻞ اﻟﻘﺪﻳﺲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻇﺎﻓ ًﺮا ،ﺛﻢ ﻃﺮد ﻣﻨﻬﺎ املﺴﻠﻤني — ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني. إﻳﻪ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮب ،ﻣﺎ أﻗﴫ ﻳﻮﻣﻚِ ،وﻣﺎ أﻃﻮل ذﻛﺮاكِ ! وﻣﺎ أﻧﺼﻊ ﻳﻤﻴﻨﻚِ ،وﻣﺎ أﻗﺘﻢ ﻳﴪاكِ ! املﻌﺘﻤﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ،واملﻌﺘﻀﺪ اﻟﺴﻔﺎح ،ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻛﺎن أﻣريكِ ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻛﺎن ِﻧريًا ﻋﻠﻴﻚ. ﻛﻼﻫﻤﺎ أﺣﺐ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺛﻢ أﺣﺒﱠﻚ ،وﻣﺎ أﺧﻠﺺ ﻟﻚِ . ﻧﻔﺲ املﻌﺘﻤﺪ ﰲ اﻟﺠﺎرﻳﺔ اﻋﺘﻤﺎد35 . وﻧﻔﺲ املﻌﺘﻀﺪ ﰲ ﺟﻤﺎﺟﻢ اﻷﻋﺪاء ،املﺰروﻋﺔ ﺑﺎﻟﺰﻫﻮر. اﻟﺸﻌﺮ ﰲ اﻟﻔﻮاﺟﻊ ،واﻟﺸﻌﺮ ﰲ اﻟﻐﺮام! واﻟﺤﻜﻢ هلل — وﻟﻠﻤﺮاﺑﻄني. ُﺤﺘﻘﺮ ﱢ وﻫﻞ ﻳ َ اﻟﺸﻌْ ﺮ ،وﻫﻮ ﻣﻦ روح ﷲ؟! ﻋﺎدت اﻟﺮﻣﻴﻜﻴﺔ وأﻣريﻫﺎ ﻣﻦ رﺣﻠﺔ ﰲ اﻟﺸﻤﺎل ﺣﻴﺚ ﺷﺎﻫﺪت اﻟﺜﻠﺞ ﻋﲆ أﻓﻨﺎن اﻷﺷﺠﺎر، ً ﱡ ﺗﺤﻦ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺴﺄﻟﻬﺎ أﻣريﻫﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ املﻠﻚ :ﻣﺎ ﺑﻚِ ؟ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻓﺮاﻗﻬﺎ املﺸﻬﺪ ،وﻏﺪت ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ :أﺷﺘﺎق إﱃ ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺜﻠﺞ .ﻓﻘﺎل ﺳﱰﻳﻨﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة ﻫﺬا اﻟﻘﴫ. وﺟﺎء ﺑﺄﺷﺠﺎر ﻣﻦ اﻟﻠﻮز ﻓﻐﺮﺳﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ،واﻟﻠﻮز ﻳﺰﻫﺮ ﰲ اﻟﺸﺘﺎء .وﻫﺎ ﻫﻮ ذا ﻳﺎ اﻋﺘﻤﺎد ،اﻟﺜﻠﺞ ﻋﲆ اﻷﻓﻨﺎن! ﻣﺎ أﺟﻤﻞ ﺣﺒﻚ ،وﻣﺎ ﱠ أرق ﺷﻌﻮرك ،وﻣﺎ أﻟﻄﻒ ﺧﻴﺎﻟﻚ ،أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ،ﻳﺎ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﺤﻴﺎة! وﻛﺎن املﻌﺘﻀﺪ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ،وﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ،وﺑﺴﻠﺦ اﻟﺠﻤﺎﺟﻢ ،وﻻ ﻳﺄذن ﻟﻌﻴﻨﻪ أن ﺗﺮى، وﻻ ﻟﻴﺪه أن ﺗﻠﻤﺲ ﻏري اﻟﺰﻫﻮر. 34ﻛﺎن اﺑﻦ اﻷﺣﻤﺮ واﺑﻦ ﺣﻤﻮد ﻳﺘﻨﺎزﻋﺎن ا ُملﻠﻚُ ، ﻓﻘﺘِﻞ اﺑﻦ ﺣﻤﻮد ﰲ املﺎرﻳﺔ ) (١٢٣٨واﺳﺘﻮﱃ اﺑﻦ اﻷﺣﻤﺮ ﻋﲆ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ وﻣﺎﻟﻘﺔ ،وﻋﲆ ﺟﻴﺎن اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﻫﺎ ﻗﺎﻋﺪة ملﻠﻜﻪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺧﻼ ﻟﻪ اﻟﺠﻮ ،وﻛﺎن املﻠﻚ ﻓﺮﻧﻨﺪ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺪ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﲆ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،وﻫ ﱠﻢ ﺑﺎﻟﺰﺣﻒ إﱃ ﺟﻴﺎن ،ﻓﺮأى اﺑﻦ اﻷﺣﻤﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ أن ﻳﻮاﻟﻴﻪ ،وﻳﺴﺎﻋﺪه ﰲ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻟﻴُﺒﻌِ ﺪه ﻋﻦ ﻋﺎﺻﻤﺘﻪ. 35اﺳﻤﻬﺎ اﻋﺘﻤﺎد ،واﻟﺮﻣﻴﻜﻴﺔ ﻧﺴﺒﺔ إﱃ ﺳﻴﺪﻫﺎ اﻷول رﻣﻴﻚ. 47
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻣﺎ أدق ﻇﻠﻤﻚ ،وﻣﺎ أرق ﺧﻴﺎﻟﻚ اﻟﺪﻣﻮي ،أﻳﻬﺎ املﻠﻚ ،ﻳﺎ ﺷﺎﻋﺮ املﻮت! وﺑﺬﻛﺮى اﻻﺛﻨني ﻳﺘﻠﻤﻆ اﻟﺘﺎرﻳﺦ … ﰲ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻘﴫ ﺷﺠﺮة ﻣﻦ املﻨﻐﻮﻟﻴﺔ ،ﺟﺬﻋﻬﺎ ﺿﺨﻢ ﻗﺼري ﻣﻌﻘﺪ ﻗﺒﻴﺢ اﻟﻮﺟﻪ، وأﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻋﺎﻟﻴﺔ وارﻓﺔ زاﻫﺮة ،ﻫﻲ أﻛﱪ ﺷﺠﺮة ﺷﺎﻫﺪت ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ،وﻫﻲ رﻣﺰ ذﻳﻨﻚ اﻟﻌﻬﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﻜﻢ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺎد .ﺟﺬﻋﻬﺎ ﴐﻳﺢ املﻌﺘﻀﺪ ،وزﻫﺮﻫﺎ ﻳﺮدﱢد ذﻛﺮى املﻌﺘﻤﺪ ﻛﻞ رﺑﻴﻊ؟ وﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷﺳﻔﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﴫ ،وراء ﺷﺠﺮة املﻨﻐﻮﻟﻴﺔ ،ذﻟﻚ اﻟﺤﻤﱠ ﺎم اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺤﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﺎرﻳﺎ ﺑﺎدﻳﻠﻴﻪ ﺣﻈﻴﱠﺔ ﺑﻄﺮس أخ املﻌﺘﻀﺪ. وﺟﺪران ذﻟﻚ اﻟﺤﻤﱠ ﺎم ﻻ ﺗﺰال ﺗﺴﻤﻊ ﻗﻬﻘﻬﺔ أوﻟﺌﻚ املﺨﻨﺜني اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﴩﺑﻮن ﻣﻦ املﺎء اﻟﺬي ﺗﺴﺘﺤﻢ ﻓﻴﻪ ﺑﺎدﻳﻠﻴﻪ اﻟﺤﺴﻨﺎء. وﺑﻄﺮس واملﻌﺘﻀﺪ ﻻ ﻳﺴﻤﻌﺎن اﻟﻴﻮم ﻏري ﻗﻬﻘﻬﺔ اﻷﺑﺎﻟﺴﺔ ،وﻫﻢ ﻳﻬﻴﺌﻮن ﻟﻬﻤﺎ ﴍاﺑًﺎ ﻣﻦ ﻏﺴﻠني! 36 وﰲ ﺟﻮار ﺷﺠﺮة املﻨﻐﻮﻟﻴﺔ ،ﻣﻘﺼﻮرة املﻠﻚ اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﻜﺮﻳﻢ ،وﺗﺠﺎﻫﻬﺎ دروب ﻣﻨﺤﻨﻴﺔ ﱠ اﻟﻌﺸﺎق ،ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺎﻓﻮرات ﺗﻔﺎﺟﺌﻬﻢ ﺑﻤﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﻴﻀﺤﻚ ﺑني اﻟﺰﻫﻮر واﻟﺮﻳﺎﺣني ،ﺗُﺪﻋَ ﻰ درب اﻟﻼﻋﺐ واﻟﻠﻌﻮب ،وﺗﻐ ﱢﺮد اﻟﻄﻴﻮر ﰲ اﻟﻘﻠﻮب! ﻓﻴﺎ أﻳﻬﺎ املﻠﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ ،وﻳﺎ أﻳﻬﺎ املﻠﻚ اﻟﺤﻜﻴﻢ ،إن ذﻛﺮﻛﻤﺎ اﻟﻄﻴﺐ َﻟﺨﺎﻟﺪ ﺑني زﻫﻮر املﻨﻐﻮﻟﻴﺔ ورﻳﺎﺣني درب ﱠ اﻟﻌﺸﺎق!
36ﻫﻮ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺷﺎرﻟﺲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ) (١٥٥٦–١٥١٦ﺗﻨﺎ َز َل ﻋﻦ اﻟﻌﺮش ﻻﺑﻨﻪ ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻋﺎش ﺳﻨﺘني ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻐﻤﻮ ًرا ﺑﻠﻄﻒ اﻟﺤﻴﺎة. 48
اﻟﻔﺎﲢﻮن اﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن
ﻣﻨﺬ أﻟﻒ وﻣﺎﺋﺘني وﺳﺒﻊ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ — أي ﰲ ﺳﻨﺔ — ٧١٢وﻗﻒ ﻋﻨﺪ أﺑﻮاب ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺎردا 1ﺟﻴﺶ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب واﻟﱪﺑﺮ ﻋﺪده ﻋﴩة آﻻف ،وﻗﻴﻞ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩ ً أﻟﻔﺎ ﺑﻘﻴﺎدة ﻣﻮﳻ ﺑﻦ ﻧﺼري. وﻛﺎن أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪ أﻗﻔﻠﻮا أﺑﻮاﺑﻬﺎ ،ووﻗﻔﻮا ﰲ اﻷﺑﺮاج وﻋﲆ اﻟﺴﻮر ﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻨﻬﺎ، ﻓﺪار اﻟﻘﺘﺎل ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني اﻟﻌﺮب ،واﺷﺘﺪ وﻃﺎل. َ ﺣﺎﴏَﻫﺎ أﺷﻬ ًﺮا ،وﻗﺮﻣﻮﻧﺔ ،ﺑﻌﺪ ﻗﺘﺎل ﺷﺪﻳﺪ، وﻛﺎن ﻣﻮﳻ ﻗﺪ ﻓﺘﺢ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﻓﺄﺑﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﻤﺘﻪ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ أن ﻳﻌﻮد ﻣﻦ أﻣﺎم ﻣﺎردا ﻣﺪﺣﻮ ًرا. اﺳﺘﻤﺮ اﻟﻘﺘﺎل ،ﺗﺘﺨﻠﻠﻪ اﻟﺤﻴﻞ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ،وأوﻟﻬﺎ وأﺣﺒﻬﺎ ﻟﺪى اﻟﻌﺮب اﻟﻜﻤني ،وﻛﺎن اﻟﻠﻴﻞ ﱠ ﻓﺎﻧﻘﺾ ﻋﲆ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻋﻨﺪ ﺧﺮوﺟﻬﻢ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ ﻟﻠﻘﺘﺎل ،ﻓﻔﺘﻚ ﺑﻬﻢ ﻓﺘ ًﻜﺎ ﺣﻠﻴﻒ اﻟﻜﻤني؛ ذرﻳﻌً ﺎ ،ﻓﻤﺎت ﻛﺜريون ،وﻓ ﱠﺮ اﻵﺧﺮون ﻫﺎرﺑني. ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺛﺒﺖ أﻫﻞ ﻣﺎردا ﰲ اﻟﺪﻓﺎع ﻣﻦ وراء ﺳﻮرﻫﻢ املﻨﻴﻊ ،ﻓﻌﻤﻞ اﻟﻌﺮب دﺑﱠﺎﺑﺔ ،دبﱠ اﻟﻜﻠﴘ ،ووﺻﻠﻮا إﱃ ﺣﺎﺋﻂ ﰲ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻟﻔﺪاﺋﻴﻮن إﱃ ﺑﺮج ﻣﻦ أﺑﺮاج املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻨﻘﺒﻮا اﻟﺼﺨﺮ ﱠ داﺧﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻤﻮد ،ﻓﻌﻤﻠﻮا ﻓﻴﻪ اﻟﻔﺌﻮس واملﻌﺎول ،ﻓﺎﺳﺘﻔﺎق ﻣﻦ ﺻﻮت ﴐﺑﺎﺗﻬﻢ اﻟﻌﺪوﱡ، وﻗﺎﺑﻠﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻮم اﻟﻜﻤني ،ﻓﺎﺳﺘﺸﻬﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣَ ﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺗﺤﺖ اﻟﺪﺑﺎﺑﺔ ،وأ ُ ِ ﺳﻤﻲ ذﻟﻚ اﻟﱪج ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ ﺑﺮج اﻟﺸﻬﺪاء.
1ﻣﺎردا اﻟﻌﺮب ﻫﻲ ﺑﺎﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،Meriadوﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺮوﻣﺎن إﻣﺮﻳﺘﺎ .Emerita
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻳﻔﺎوض ﰲ اﻟﺼﻠﺢ ،ﻓﺪُﻫﺸﻮا ملﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ اﻟﻬﺪﻧﺔ ،ﻓﺨﺮج وﻓﺪ ﻣﻦ أﻫﻞ املﺪﻳﻨﺔ ِ ً ﺷﻴﺨﺎ ذا ﻟﺤﻴﺔ ﺑﻴﻀﺎء؛ ﻓﺎﺳﺘﻤﻌﻮا إﻟﻴﻪ وﺣﻤﻠﻮا ﴍوﻃﻪ إﱃ أﻫﻠﻬﻢ. رأوا أن ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺠﻴﺶ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ أواﺧﺮ رﻣﻀﺎن. ﺛﻢ ﻋﺎدوا ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،ﻓﺈذا اﻟﺸﻴﺦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻠﺤﻴﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻛﻬﻞ ﺑﻠﺤﻴﺔ ﺣﻤﺮاء، ﻫﻮ ﻫﻮ ﻣﻮﳻ ﺑﻌﻴﻨﻪ ،وﻗﺪ ﺻﺒﻎ ﻟﺤﻴﺘﻪ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ﻟﻠﻌﻴﺪ ،أو ﻟﺤﺴﻨﺎء ﻣﻦ ﺣﺴﺎن ﻣﺎردا، واﻟﻨﺼريﻳﻮن ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻗﻮﱠاﻣﻮن ﻋﲆ اﻷﻋﺠﻤﻴﺎت .ﻓﻘﺪ ﺗﺰوﱠج ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﻣﻮﳻ أﻏﻴﻠﻮﻧﺔ زوﺟﺔ ردرﻳﻖ ﻣﻠﻚ اﻟﻐﻮط ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻗﻌﺔ اﻟﺘﻲ ُﻗﺘِﻞ ذﻟﻚ املﻠﻚ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻫﺎ ﻫﻮ ذا واﻟﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ أﺑﻮ اﻟﻠﺤﻴﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ،ﻳﻤﺸﻄﻬﺎ ﺑﺄﻧﺎﻣﻠﻪ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ وﻳﺮ ﱡد ذﻟﻚ اﻟﻮﻓﺪ ﻋﻦ وﺟﻬﻪ ً ﻗﺎﺋﻼ :ﻻ ﻳﺮﺟﻊ اﻟﻌﺮب ﻋﻦ ﻗﺼﺪﻫﻢ ،وﻻ ﱢ ﻳﻐريون ﰲ ﻣﻄﺎﻟﺒﻬﻢ. ﻳﺸﺎور أﻫﻠﻪ ،ﻓﺼﱪ املﺎردﻳﻮن ،وﻣﺎ وﻫﻨﻮا ﰲ املﺴﺎوﻣﺔ ﻋ ﱠﻠﻬﻢ ﻳﺨ ﱢﻠﺼﻮن ﻋﺎد اﻟﻮﻓﺪ ِ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ املﻔﺮوض ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻟﻮ ﺣﲇ ﱠ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ،ﻓﻌﺎدوا ﻳﺴﺎوﻣﻮن ،أو ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل املﺆرخ ﻳﺮاوﺿﻮن. وﻛﺎن ﻣﺠﻲء اﻟﻮﻓﺪ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻳﻮم اﻟﻌﻴﺪ ،ﻋﻴﺪ اﻟﻔﻄﺮ ،ﻓﺪﻫﺸﻮا ،ﺻﻌﻘﻮا ﺑﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪوا؛ إن ﻫﺬا اﻟﻌﺮﺑﻲ ملﻦ اﻟﺠﻦ ﻳﺄﻛﻞ وﻟﺪ آدم ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻳﻌﻤﻞ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ،ﻛﻴﻒ ﻻ وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻨﺬ ﻳﻮﻣني ذا ﻟﺤﻴﺔ ﺑﻴﻀﺎء ،وﻛﺎن ﺑﺎﻷﻣﺲ أﺣﻤﺮ اﻟﻠﺤﻴﺔ ،وﻫﻮ اﻟﻴﻮم ﺷﺎب ذو ﻟﺤﻴﺔ ﻳﻐري ﻫﺆﻻء اﻟﻌﺮب ﻟﺤﺎﻫﻢ ،وﻻ ﱢ ﺳﻮداء! ﱢ ﻳﻐريون ﻛﻼﻣﻬﻢ! ﻓﻤﺎ راو َ َض املﺎردﻳﻮن ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ،وﻻ ﻓﺎوﺿﻮا ،وﻻ ﺟﺎدﻟﻮا ،وﻻ ﺳﺎوﻣﻮا ،ﺑﻞ ﻋﺎدوا ﺗﻮٍّا إﱃ أﻫﻠﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن :إن ﻣَ ﻦ ﻧﻘﺎﺗﻞ أﻧﺒﻴﺎء ﻳﺘﺨﻠﻘﻮن ﻛﻴﻒ ﺷﺎءوا ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎر ﻣﻠﻜﻬﻢ ﺷﺎﺑٍّﺎ ً ﺷﻴﺨﺎ .أﻋﻄﻮه ﻣﺎ ﻳﺴﺄل ،وﻻ ﺗﱰددوا ،وﻻ ﺗﻤﺎﻃﻠﻮا ،وﻻ ﺗﺴﻮﱢﻓﻮا. ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﺻﺎﻟﺢ أﻫ ُﻞ ﻣﺎردا اﻟﻌﺮبَ — ﺳﻘﻴًﺎ ﰲ اﻟﺠﻨﺔ ﻟﻠﺤﻴﺔ ﻣﻮﳻ! — ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﻮا، ﻓﺪﻓﻌﻮا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني دِ ﻳَﺔ اﻟﻘﺘﲆ ﻳﻮم اﻟﻜﻤني ،وأﻣﻮال ﻣَ ﻦ ﻓ ﱡﺮوا ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ﻫﺎرﺑني ،وﺣﲇ ﱠ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻟﻠﻘﺎﺋﺪ ﻧﻔﺴﻪ! ﺛﻢ ﻓﺘﺤﻮا ﻟﻪ املﺪﻳﻨﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ،ﻳﻮم ﻋﻴﺪ اﻟﻔﻄﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ وﺗﺴﻌني ﻟﻠﻬﺠﺮة )٧١٣م(. ﻛﺎن ﻣﻮﳻ ﺑﻦ ﻧﺼري اﻟﻠﺨﻤﻲ اﻟﺤﺠﺎزي ﻛﺒري اﻟﻬﻤﺔ ،ﻋﻈﻴﻢ اﻟﺨﻠﻖ ،ﻃﻤﻮﺣً ﺎ ﺷﺠﺎﻋً ﺎ، ﺷﺪﻳﺪ اﻹﻳﻤﺎن واﻹرادة .ﻫﻮ ﻓﺎﺗﺢ املﻐﺮب وﻣﺪوﱢخ اﻟﱪﺑﺮ ،اﻟﱪﺑﺮ اﻟﺬﻳﻦ ارﺗﺪوا اﺛﻨﺘﻲ ﻋﴩة ﻣﺮة ﰲ أﻗﻞ ﻣﻦ اﺛﻨﺘﻲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ. 50
اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن اﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن
ﻋ ﱠﻠﻤﻬﻢ ﻣﻮﳻ اﻹﻳﻤﺎن واﻟﻄﺎﻋﺔ واﻹﺧﻼص ﺑﺎﺳﻢ ﷲ واﻟﺮﺳﻮل ،ووﺿﻊ ﰲ رءوﺳﻬﻢ ﻋﻴﻮﻧًﺎ ﺗﺮى ﻟﻬﻴﺐ ﻧﺎر اﻟﺠﺤﻴﻢ ،واﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ وﺗﺤﺘﻬﻢ املﺮﺗﺪﱡون! ﻓﻬﻮ اﻟﺬي رﻓﻊ أﻋﻼم اﻟﻌﺮب واﻹﺳﻼم ﰲ ﺑﻠﺪان املﻐﺮب ﻛﻠﻬﺎ ،وأدﺧﻠﻬﺎ ﰲ ﺣﻮزة اﻟﻌﺮب املﺴﻠﻤني. وﻫﻮ اﻟﺬي ﻓﺎوﺿﻪ ﻳﻠﻴﺎن ﺣﺎﻛﻢ ﺳﺒﺘﺔ ﰲ أﻣﺮ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﺷﻮﱠﻗﻪ إﱃ ﻏﺰوﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﻟﺪى ﻃﺎرق ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد ،وﺑﻤﺎ ﻳﻘﺪﱢﻣﻪ ﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﻦ .ﻗﻴﻞ إن ﻳﻠﻴﺎن ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ اﻧﺘﻘﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ املﻠﻚ ردرﻳﻖ ،واﻟﺬي ﻳﻈﻬﺮ أﻧﻪ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ِﻟﻴُﺒﻌِ ﺪ أوﻟﺌﻚ اﻟﻌﺮب واﻟﱪﺑﺮ املﺴﻠﻤني ﻋﻨﻪ. اﺗﻖ ﻓﻜﺘﺐ ﻣﻮﳻ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻳﺴﺘﺄذﻧﻪ ﰲ ﻏﺰو اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻓﻜﺎن ﺟﻮاب اﻟﻮﻟﻴﺪ أن ِ ﷲ وﻻ ﺗﻐﺮ ْر ﺑﺎملﺴﻠﻤني ﰲ ﺑﺤﺮ ﺷﺪﻳﺪ اﻷﻫﻮال .ﻓﺄﺻﻠﺢ ﻣﻮﳻ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻷﻫﻮال ً ﻗﺎﺋﻼ :إﻧﻪ ﺧﻠﻴﺞ ﻳُ َﺮى ﻣﻦ أوﻟﻪ ﻣﺎ وراء آﺧِ ﺮه. وﻏﻠﺒﺖ إرادة ﻣﻮﳻ ﺧﻮف اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻓﺄرﺳﻞ وﻟﻴﱠﻪ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﻳﺎد ﻳﻔﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ. ﱢ وﺗﻐﻀﺒﻪ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﴫﱡف وﺟﺎءﺗﻪ أﺧﺒﺎر ﻃﺎرق ﺗﺜري أﺷﻮاﻗﻪ إﱃ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت، ﻳﺨﺎﻟﻒ أﻣﺮه؛ ﻓﺼﻤﱠ َﻢ ﻋﲆ اﻟﻐﺰو ﰲ دار اﻟﻌﺪوة ،وﺷﻤﱠ ﺮ ﰲ اﻹﻋﺪاد ﻟﻪ ،ﻓﻌﱪ املﻀﻴﻖ ﺑﻌﺪ ﻃﺎرق ﺑﺴﻨﺘني ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺠﻴﺶ ﻣﻦ وﺟﻬﺎء اﻟﻌﺮب وﻋﺮﻓﺎء اﻟﱪﺑﺮ ،وﻣﻌﻬﻢ واﺣﺪ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤ ٍﺪ ﻋﻤ ُﺮه ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ،وﻛﺜريون ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ. وﻣﴙ ﻣﻮﳻ ﰲ ﻏري اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺬي ﺳﻠﻜﻪ ﻃﺎرق ،ﻓﻔﺘﺢ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ ،ﺛﻢ ﻗﺮﻣﻮﻧﺎ ،ﺛﻢ ﻣﺎردا. ً ﺷﻤﺎﻻ إﱃ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن وﻟﻴﱡﻪ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﻳﺎد ،ﻓﺨﺮج ملﻼﻗﺎﺗﻪ وزﺣﻒ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﺗﻌﻈﻴﻤﻪ ،ﻓﻜﺎن ﺳﻼم وﻛﺎن ﺑﻌﺪ اﻟﺴﻼم أن وﺿﻊ ﻣﻮﳻ اﻟﺴﻮط ﻋﲆ رأس ﻃﺎرق ،ووﺑﱠﺨﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺧﻼف رأﻳﻪ ،ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻞ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻓﺄﺗﺎه ﺑﻬﺎ ،وﻋﻦ ﺗﻠﻚ املﺎﺋﺪة … ﺗﻠﻚ املﺎﺋﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻐ ﱠﺰل ﺑﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﺼﺔ ﰲ ﻛﺘﺎب »أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ« ،ﻓﻘﺎل إﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﱠ املﺬﻫﺐ ،وﺑﺄرﺟﻞ ﻣﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻫﻲ ﻣﺎﺋﺪة ﺑﻮﺟﻪ ﻣﻦ املﺮﻣﺮ ﰲ إﻃﺎر ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺼﺎﰲ. وﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪى ﺗﻠﻚ اﻷرﺟﻞ ﻣﻜﺴﻮرة ،ﻓﻮﺿﻊ اﻟﺴﻮط ﻋﲆ رأس ﻃﺎرق ،ﻓﺄﻗﺴﻢ ﻃﺎرق ﺑﺎهلل وﺑﺎﻟﻨﺒﻲ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ — وﷲ ﻛﺬﻟﻚ أﺻﺒﺘﻬﺎ .ﻓﺄﻣﺮ ﻣﻮﳻ ﺑﺄن ﻳُﻌﻤَ ﻞ ﻟﻬﺎ ِرﺟﻞ ﻣﻦ ذﻫﺐ ،ﺛﻢ و ُِﺿﻌﺖ ﰲ ﺳﻔﻂ ﻣﻦ اﻟﺨﻮص ،وﺣُ ِﻤﻠﺖ ﻣﻊ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ. ﻳﻘﻮل أﺣﺪ املﺆرﺧني إن ﻣﻮﳻ رﴈ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺎرق ،وﻣﴙ وإﻳﺎه ،ﻣﴙ ﺧﻠﻔﻪ ﰲ ﺟﻴﻮﺷﻪ إﱃ اﻟﺜﻐﺮ اﻷﻋﲆ ،ﻓﺎﻓﺘﺘﺤﻮا ﴎﻗﺴﻄﺔ. 51
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً وﻳﻘﻮل َ ﻃﺎرﻗﺎ ﺷﻜﺎ ﻣﻮﳻ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ ،وأﻳﱠﺪَه ﰲ ﺷﻜﻮاه آﺧﺮ ﻣﻦ املﺆرﺧني إن رﺳﻮل اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻐﻴﺚ اﻟﺮوﻣﻲ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻨﻜﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻧُﻜﺐ ﺑﻬﺎ. ً وﻃﺎرﻗﺎ اﺷﱰَ َﻛﺎ ﰲ ﻏﺰو ﺑﻼد اﻟﺸﻤﺎل ،ﻓﻜﺎن وﻟﻜﻦ املﺆرﺧني ﻣﺘﻔﻘﻮن ﰲ أن ﻣﻮﳻ ﻃﺎرق ورﺟﺎﻟﻪ ﰲ املﻘﺪﻣﺔ ،ﻓﻴﺠﻲء ﻣﻮﳻ ﻣﻜﻤﱢ ًﻼ ﻋﻤﻞ ﻣﻮﻻه ،وﻣﺜﺒﺘًﺎ ﻣﺎ َ ﻋﺎﻫ َﺪ اﻷﻫﺎﱄ ﻋﻠﻴﻪ. ﻣﺸﻮا ﰲ اﻟﺒﻼد ﻓﺎﺗﺤني ﻇﺎﻓﺮﻳﻦ ﻏﺎﻧﻤني اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ،ﺣﺎﺻﺪﻳﻦ زرع ﻗﻠﻮب ﻧﻀﺞ ﻟﻠﻤﻨﺠﻞ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣَ ﻦ ﻳﻘﻮل ﻻ ،وﻻ ﻣَ ﻦ ﻛﺎن ﻳﻌﺎرض ﺑﻐري ﻃﻠﺐ اﻟﺼﻠﺢ. ﻗﻠﺖ إن ﻣﻮﳻ ﻛﺎن ﻋﺎﱄ اﻟﻬﻤﺔ ﻃﻤﻮﺣً ﺎ ﺷﺠﺎﻋً ﺎ ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ إرادﺗﻪ ﻣﺠﺮدة ﻣﻦ ﻗﻮة اﻟﺘﺼﻮﱡر؛ ﻓﻨﻈﺮ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،ورأى وراءﻫﺎ اﻷرض اﻟﻜﺒرية ،أي أوروﺑﺎ ،ﻓﻄﻤﻊ ﺑﺄن ﻳﻘﻄﻌﻬﺎ ﻓﺎﺗﺤً ﺎ ﺑﺴﻢ ﷲ واﻟﺮﺳﻮل ﻟﻠﻌﺮب واملﺴﻠﻤني ،وأن ﻳﻌﻮد إﱃ اﻟﺸﺎم ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أملﺎﻧﻴﺎ ﻓﺎﻵﺳﺘﺎﻧﺔ ﻓﺂﺳﻴﺎ اﻟﺼﻐﺮى ،ﻓﻴﺴﻠﻚ ﺑﻌﺪه اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮن اﻟﻌﺮب ﻃﺮﻳﻖ اﻟﱪ إﱃ اﻟﴩق ﺑﺪل ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺒﺤﺮ. وﻟﻜﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻗﻄﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺮؤﻳﺔ املﺠﻴﺪة ،ﻓﻜﺘﺐ ﻳﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﻘﺪوم إﱃ دﻣﺸﻖ؛ ﻟﻴﻘﻒ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺧﱪ اﻷﻧﺪﻟﺲ. ﻓﻘﺎل ﻣﻮﳻ ﻟﻠﺮﺳﻮل ﻣﻐﻴﺚ اﻟﺮوﻣﻲ :ﰲ اﻟﺸﻤﺎل ﺑﻼد ﺗﻨﺎدﻳﻨﺎ ،ﺗﻨﺎدي املﺴﻠﻤني ﺗﻌﺎ َل ﻣﻌﻨﺎ ﻧﻔﺘﺤﻬﺎ ،ﻓﺘﻜﻮن ﴍﻳﻜﻨﺎ ﰲ اﻷﺟﺮ واﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ،ﺛﻢ ﻧﻌﻮد إﱃ اﻟﺸﺎم. ﻓﺰﺣﻔﻮا إﱃ ﺟﻠﻴﻘﻴﺎ Galiciaﻓﺎﻓﺘﺘﺤﻮا اﻟﺤﺼﻮن ،وﺑﻠﻐﻮا ﺻﺨﺮة … ﻋﲆ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺧﴬ )ﻛﺬا( ،وﻛﺎﻧﻮا ﻛﻠﻤﺎ ﻣَ ﱠﺮ ﻗﻮم ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻤﻮﺿﻊ اﺳﺘﺤﺴﻨﻮه ﺣﻄﻮا ﺑﻪ اﻟﺮﺣﺎل ،وﻧﺰﻟﻮه ﻗﺎﻃﻨني. وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ،إذ َﻗ ِﺪ َم ﻋﻠﻴﻪ رﺳﻮل َ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أردف ﺑﻪ ﻣﻐﻴﺜًﺎ، وﻣﻌﻪ ﻛﺘﺎب ﻓﻴﻪ ﺗﻮﺑﻴﺦ ﻹﺑﻄﺎﺋﻪ ﰲ اﻟﻌﻮدة. ﻓﻌﺎد ﻣﻮﳻ ﻣﻦ ﺟﻠﻴﻘﻴﺎ ،واﺳﺘﺨﻠﻒ اﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻋﲆ إﻣﺎرة اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺘﻲ اﻧﺪﻣﺠﺖ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﰲ وﻻﻳﺔ املﻐﺮب ،وأﻗ ﱠﺮه ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ. ورﻛﺐ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﻣﻌﻪ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﻳﺎد ،وأﺣﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ واﻷﻣﻮال واﻟﺠﻮاﻫﺮ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳُﻘﺪﱠر ﻗﺪرﻫﺎ ،وﺛﻼﺛﻮن أﻟﻒ رأس ﻣﻦ اﻟﺴﺒﻲ. ﻋﺎد اﻟﻔﺎﺗﺢ ﻇﺎﻓ ًﺮا ﻏﺎﻧﻤً ﺎ ،ﻓﻤﺎذا ﻟﻘﻲ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻜﻪ أﻣري املﺆﻣﻨني؟ ﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﻣﺎ وﺻﻞ إﱃ دﻣﺸﻖ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت اﻟﻮﻟﻴﺪ وﺧﻠﻔﻪ أﺧﻮه ﺳﻠﻴﻤﺎن ،وﻗﻴﻞ إﻧﻪ ملﺎ ﺗﻮﺟﱠ َﻪ إﱃ املﴩق ،واﻧﺘﻬﻰ إﱃ ﻣﴫ ،ﺑﻠﻐﻪ اﻟﺨﱪ ﺑﻤﺮض اﻟﻮﻟﻴﺪ ،وواﻓﺎه ﻛﺘﺎب ﻳﺴﺘﺤﺜﻪ ﻋﲆ اﻟﻘﺪوم ،وﻛﺘﺎب َ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻳﺜﺒﱢﻄﻪ ،ﻓﺄﴎع ﻣﻮﳻ ﰲ اﻟﻌﻮدة ووﻓﺪ ﻋﲆ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻪ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،ودﻓﻊ إﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﺧﺎﺋﺮ واﻷﻣﻮال ،ﻓﻐﺎظ ذﻟﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎن وأﺳﺎء ﻣﻜﺎﻓﺄﺗﻪ ﺣني أﻓﴣ اﻷﻣﺮ إﻟﻴﻪ. 52
اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن اﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن
ﻗﺎل املﺆرخ :أوﻗﻔﻪ ﰲ ﻳﻮم ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺤﺮ ﰲ اﻟﺸﻤﺲ ،وﻛﺎن ً رﺟﻼ ﺑﺎدﻧًﺎ ذا ﻧﺴﻤﺔ — رﺑﻮ ُ ﻛﺘﺒﺖ إﻟﻴﻚ ﻓﻠﻢ ﺗﻨﻈﺮ ﻛﺘﺎﺑﻲ .ﻫﻠﻢ — ﻓﻮﻗﻒ ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻂ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻗﺎل ﻟﻪ ﺳﻠﻴﻤﺎن: َ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر .ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ أﻣري املﺆﻣﻨني ،أﺧﺬﺗﻢ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻲ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال ،ﻓﻤﻦ أﻳﻦ ﱄ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ؟ ﻓﻘﺎل ﺳﻠﻴﻤﺎن :ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ .ﻓﺎﻋﺘﺬر ،ﻓﻘﺎل اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ :ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر .وأﻣﺮ ﺑﺘﻌﺬﻳﺒﻪ ،وﻋﺰم ﻋﲆ ﻗﺘﻠﻪ وﻗﺘﻞ ﺟﻤﻴﻊ أوﻻده. وﻟﻘﺪ أﻣﺮ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﺑﺈﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺑﺄﺧﺬ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﻮﳻ ﺑﻦ ﻧﺼري وﺗﻌﺬﻳﺒﻪ ،واﺳﺘﺌﺼﺎل أﻣﻮال ﺑﻨﻲ ﻣﻮﳻ ،ﻓﺴﺠﻨﻪ اﻷﻣري وﻋﺬﱠﺑَﻪ ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻪ. وأﻣﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﻣﻮﳻ ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﻪ ﻣﺎ ﺣ ﱠﻞ ﺑﺄﺑﻴﻪ وأﺧﻴﻪ وأﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ ،ﺧﻠﻊ اﺑﻦ ﻣﺮوان، ﻓﺠﺎء أﻣﺮ ﺳﻠﻴﻤﺎن إﱃ وﺟﻮه اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﻘﺘﻠﻪ ،ﻓﻘﺘﻠﻮه وأرﺳﻠﻮا ﺑﺮأﺳﻪ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ. ﺣﴬ اﻟﺮأس ﺑني ﻳﺪي ﺳﻠﻴﻤﺎن ،اﺳﺘﺪﻋﻰ إﻟﻴﻪ ﻣﻮﳻ ﺑﻦ ﻧﺼري ،وﻗﺎل :أﺗﻌﺮف ﻓﻠﻤﺎ أ ُ ِ َ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﺎل ﻣﻮﳻ :ﻧﻌﻢ ،أﻋﺮﻓﻪ ﺻﻮﱠاﻣً ﺎ ﻗﻮﱠاﻣً ﺎ ،ﻓﻌﻠﻴﻪ ﻟﻌﻨﺔ ﷲ إن ﻛﺎن اﻟﺬي ﻗﺘﻠﻪ ﺧريًا ﻣﻨﻪ. وذُﻛِﺮ ﰲ وﻓﺎة ﻣﻮﳻ أﻧﻪ ﺣﺞﱠ ﻣﻊ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺳﻠﻴﻤﺎن ،ﻓﻠﻤﺎ َ وﺻ َﻼ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺎل ﻷﺻﺤﺎﺑﻪَ :ﻟﻴﻤﻮﺗَ ﱠﻦ ﺑﻌﺪ ﻏ ٍﺪ رﺟﻞ ﻗﺪ ﻣﻸ ذﻛﺮه املﴩق واملﻐﺮب. وﻛﺎن ﻣﻮﳻ 2ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ3 . ﻣﻨﺬ أن ُﻓﺘِﺤﺖ ﻣﺎردا )٧١٢م( إﱃ أن اﺳﺘﻌﺎدﻫﺎ املﻠﻚ أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺘﺎﺳﻊ )١٢٢٨م( ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺣﻜﻢ اﻟﻌﺮب ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ. ﺗﻮ ﱠ ﻃﻨﻮﻫﺎ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ وﺳﺖ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ،وﻛﺎﻧﻮا ﺳﺎدﺗﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ آﺛﺎرﻫﻢ اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻏري اﻟﺤﺼﻦ. ﻋﲆ أن ﻓﻴﻬﺎ ،وﰲ ﺿﻮاﺣﻴﻬﺎ ﻣﻦ آﺛﺎر اﻟﺮوﻣﺎن ،ﺷﻴﺌًﺎ ﻛﺜريًا؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ً أﺻﻼ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ روﻣﺎﻧﻴﺔ ﺛﻢ ﺻﺎرت ،ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻘﺮ اﻟﺮوﻣﺎن ﰲ اﻟﺒﻼد ،ﻗﺎﻋﺪة ﻟﻮﻻﻳﺔ ﻟﻮﺳﻴﺘﺎﻧﻴﺎ ُ 2وﻟِ َﺪ ﻣﻮﳻ ﺑﻦ ﻧﺼري اﻟﻠﺨﻤﻲ ﺑﻤﻜﺔ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩ﻟﻠﻬﺠﺮة ،ﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ،ووﱄ أﻣﺮ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺳﻨﺔ ،٨٩أي ﰲ اﻟﺴﺒﻌني ﻣﻦ ﺳﻨﱢﻪ ،وﺗﻮﰲ ﺳﻨﺔ ٩٨/٧١٧م ﺑﻮادي اﻟﻘﺮى. ﱠ َ 3ﻣﺎ ﺗﻘ ﱠﺪ َم ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﻫﻮ ﺧﻼﺻﺔ أﺧﺒﺎر ملﺆرﺧﻲ اﻟﻌﺮب واﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ،ﻧﻘﻠﻬﺎ وﻋﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﻣريُ ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺗﺎرﻳﺦ ﻏﺰوات اﻟﻌﺮب«. 53
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت ﻏﺮﺑًﺎ إﱃ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻫﻲ ﻟﺸﺒﻮﻧﺔ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﱪﺗﻐﺎل اﻟﻴﻮم ،ﻋﲆ ﺧﻂ اﻟﻌﺮض اﻟﻮاﺣﺪ ،وﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ املﺴﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﺑني إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﻣﺎردا؛ أي ﻧﺤﻮ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰ. ُ دﺧﻠﻨﺎﻫﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب ﻗﺎدﻣني ﻣﻦ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،راﻏﺒني ﰲ املﺒﻴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﻧ ُﺰﻟﻬﺎ ٍّ ﻏﺎﺻﺎ ﴪﺣني ﻣﻦ اﻟﺠﻴﺶ. ﺑﺎﻟﻀﺒﺎط اﻹﺳﺒﺎن وا ُمل ﱠ وﻣﺎ رﺳﺦ ﰲ اﻟﺬﻫﻦ ﻣﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎه ،وﻧﺤﻦ ﻧﻤﺮ ﺑﺄﺳﻮاﻗﻬﺎ ،ﻏري ﻣﺸﻬﺪ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﺤﺮب املﺤﺰﻧﺔ .ﻫﻮ ﰲ ﺣﻘﻞ ﻗﺒﺎﻟﺔ إﺣﺪى ﺳﺎﺣﺎﺗﻬﺎ ،ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻬﺮم ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ املﻜﴪ املﻜﺪس ﺑﻌﻀﻪ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ؛ ﻫﻮ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺳﻴﺎرات ودراﺟﺎت وﻣﺪاﻓﻊ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻵﻻت املﺤﻄﻤﺔ ً ﻣﺮﻓﻘﺎ ﻣﻦ ﻣﺮاﻓﻖ واملﻌﻄﻠﺔ ﻟﺤﺮب ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن املﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎردا ،ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ، اﻟﺜﻮرة ﺗﺼﺐ ﻓﻴﻪ ﺧﺮاﺑﻬﺎ ،وﻫﻮ أول ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﺧﺮاﺋﺒﻬﺎ ،وﺧﺮاﺋﺐ اﻟﻌﻤﺮان. ﺷﺘﺎن ﺑني ﺣﺮوب اﻟﺰﻣﺎن اﻟﻐﺎﺑﺮ وﺣﺮوﺑﻨﺎ ،ﺷﺘﺎن ﺑني ﺧﺴﺎرة وﺧﺴﺎرات ،ﺑني د ﱢك اﻟﺤﺼﻮن وﻫﺪم اﻷﺑﺮاج واﻷﺳﻮار ﺑﺎﻷﻣﺲ ،وﺗﺪﻣري ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﺠﻪ اﻟﻌﻠﻢ وﻳﺼﻨﻌﻪ اﻹﻧﺴﺎن، ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن. ً ﺷﻤﺎﻻ ﺑﴩق إﱃ ﺗﺮوﺧﻴﻮ Trujilloﺗَﺮﺧﻴﱠﺔ اﻟﻌﺮب ،ﻓﺪﺧﻠﻨﺎﻫﺎ ﺑﻌﺪ واﺻﻠﻨﺎ اﻟﺴري اﻟﻐﺮوب ،وﺣﻄﻄﻨﺎ ﰲ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل رﺣﺎﻟﻨﺎ — ﺣﻘﺎﺋﺒﻨﺎ — ﺛﻢ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻨﺰﻫﺔ ﰲ ﺳﺎﺣﺔ املﺪﻳﻨﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺸﺎء ،ﻓﺠﻠﺴﻨﺎ ﰲ رواق ﻗﻬﻮة ﻣﻦ املﻘﺎﻫﻲ ،ﻗﺒﺎﻟﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻓﻮق اﻟﺴﺎﺣﺔ واﻟﺒﻠﺪة ﺗﺤﺘﻬﺎ ،وأﻣﺎم اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻤﺜﺎل ﻟﺮﺟﻞ ﻋﲆ ﺟﻮاد ﻫﻮ اﺑﻦ ﺗﺮﺧﻴﻮ وﺑﻄﻠﻬﺎ ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﺑﻴﺰارو .Pizzaro ﺑﻴﺰارو! ﻋﺎدت ﺑﻲ اﻟﺬﻛﺮى إﱃ أﻳﺎم املﺪرﺳﺔ ﺑﻨﻴﻮﻳﻮرك؛ إذ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺪرس ﺗﺎرﻳﺦ أﻣﺮﻳﻜﺎ، وﻣﺎ ﻳﺰﻳﻦ وﻳﺸني أوﻟﻪ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻜﺸﺎﻓﺎت واﻟﻔﺘﻮﺣﺎت واﻻﻏﺘﺼﺎﺑﺎت ،اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ واﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ واﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ. وﻫﺎ ﻧﺤﻦ أوﻻء ﰲ ﺑﻠﺪة أﺣﺪ أوﻟﺌﻚ املﻜﺘﺸﻔني اﻟﻔﺎﺗﺤني ،ﺑﻞ ﰲ وﻻﻳﺔ اﺳﱰﻣﺎدورا ،ﻣﻬﺪ اﻟﻜﺒﺎر واﻟﺼﻐﺎر ،ﻣَ ﻦ ﺧﺎﺿﻮا اﻟﺒﺤﺎر واﻗﺘﺤﻤﻮا اﻷﻫﻮال واﻷﺧﻄﺎر ،ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن. واملﺤﺰن ﻫﻮ أن أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻧُﻜﺒﻮا ﰲ آﺧِ ﺮ أﻣﺮﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﻧُﻜﺐ ﻣﻮﳻ ﺑﻦ ﻧﺼري ووﻟﺪاه وآل ﺑﻴﺘﻪ. ﱡ ﻓﺴﻨﻘﺺ اﻵن ﻗﺼﺔ اﺑﻦ ﺗﺮوﺧﻴﻮ أﻣﺎ وﻗﺪ ﻗﺼﺼﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﻗﺼﺔ ﻣﻮﳻ ﺑﻤﺎردا، ُ ﱠ ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﺑﻴﺰارو وﺑﻌﺾ زﻣﻼﺋﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺗﺤني اﻹﺳﺒﺎن .ﻓﺎﻟﺪﻫﺮ ﻗﻠﺐٌ ﰲ اﻟﻨﺎس واﻷﻣﻢ، ﻳُﺮﻛﺒﻬﻢ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﻨﻜﺒﻴﻪ إﱃ ذروات املﺠﺪ واﻟﺜﺮوة ،وﻳﻮﻣً ﺎ ﻳﺮﻛﺒﻬﻢ ﻛﺎﻟﻜﺎﺑﻮس ﻓﻴﻨﺎﻣﻮن ﻧﻮﻣﺔ »ربْ ﻓﺎن ِوﻧ ْ َﻜﻞ« وأﻫﻞ اﻟﻜﻬﻒ. ِ 54
اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن اﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن
ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ رﻛﺐ اﻟﺪﻫﺮ اﻹﺳﺒﺎن ،ﻓﺎﺳﺘﻜﻨﱡﻮا ﺗﺤﺖ ﻛﺎﺑﻮﺳﻪ ،ﺑﻌﺪ أن أﻧﱡﻮا ،ﺛﻢ ﻫﺠﻌﻮا ﻫﺠﻌﺘﻬﻢ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ — ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ! ﺛﻢ ﻇﻬﺮت ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻴﻘﻈﺔ ،ﻓﻘﺎﻣﻮا ﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺎدوا ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﻣﺎردا ،ووﻗﻔﻮا ﻋﻨﺪﻫﺎ ،وﻣَ ﻦ ﻳﻘﻒ ﻳﺮﻛﺒﻪ اﻟﺪﻫﺮ! ً ﺟ ﱠﺪ َد اﻟﻌﺮب ﺻﻮﻟﺘﻬﻢ ﰲ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﱠ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻜﻨﱡﻮا وﻋﺎدوا إﱃ ﻫﺠﻌﺘﻬﻢ ﻓﺄن اﻹﺳﺒﺎن اﻟﺘﻲ داﻣﺖ ﻣﺎﺋﺘني وﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ. ﺛﻢ اﺗﺤﺪ ْ َت ﻣﻤﻠﻜﺘَﺎ أرﻏﻮن وﻗﺸﻄﻴﻠﺔ ،و ُو ِﻟﺪت إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة .ﻧﻬﺾ اﻟﺸﻌﺐ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ. َ وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮوف اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ ﻗﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻔ ْﺖ ﰲ أوروﺑﺎ ،وﻛﺎن ﻛﻮملﺒﻮس ﻗﺪ اﻛﺘﺸﻒ ﻋﺎ ًملﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ،وﻛﺎن ﻗﺪ اﻧﺘﴫ ﻓﺮﻧﻨﺪ وإﻳﺰاﺑﻠﺔ املﺘﺤﺪﻳﻦ ﻋﲆ أﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﷲ آﺧِ ﺮ ﺑﻨﻲ اﻷﺣﻤﺮ. ﴎ ْت ﰲ اﻟﺒﻼد روح املﻐﺎﻣﺮة واﻻﺳﺘﻜﺸﺎف ﻃﻤﻌً ﺎ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ، وﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف أﻣﺮﻳﻜﺎ َ َ وﺣﺒٍّﺎ ﺑﻨﴩ اﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ — ﺧﺴﺌﺖ ﻳﺎ ﻟﻮﺛري! — ﺑني اﻟﻬﻨﻮد .ﻓﺈن ﺧﴪت روﻣﺎ أملﺎﻧﻴﺎ ،ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻹﺻﻼﺣﻴﺔ اﻟﻠﻮﺛريﻳﺔ ،ﻓﺈﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻻﺑﻨﺔ اﻟﺘﻘﻴﺔ اﻟﻨﻘﻴﺔ اﻟﻐﻴﻮر ﺗﺠﻴﺌﻬﺎ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ. ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻛﺎن ﻃﺎرق وﻛﺎن ﻣﻮﳻ ،واﻟﻴﻮم — ﰲ ﻫﺬا اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ — ﻳﻮم ﻛﺮﺗﻴﺰ وﻣﻠﻴﺒﺎو وﺑﻴﺰارو وﺑﻨﺴﻪ ده ﻟﻴﻮن وﻏريﻫﻢ. ﻣﻨﺬ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﺸﺖ روح اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ واملﺪﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﴩق إﱃ اﻟﻐﺮب ،وﻻ ﺗﺰال ﺑﻌﺪ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ،ﺑﻌﺪ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ،ﺗﻤﴚ ﻏﺮﺑًﺎ — ﻏﺮﺑًﺎ ﻋﱪ اﻷوﻗﻴﺎﻧﻮس — إﱃ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ. وﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻏﺮﺑًﺎ — ﻏﺮﺑًﺎ ﻋﱪ اﻷوﻗﻴﺎﻧﻮس اﻟﻬﺎدي إﱃ اﻟﴩق اﻷﻗﴡ — إﱃ اﻟﻴﺎﺑﺎن 4 ،وﻣﻦ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﺗﺴﺘﺄﻧﻒ اﻟﺴري ﻏﺮﺑًﺎ إﱃ اﻟﺼني ،إﱃ اﻟﻬﻨﺪ ،إﱃ اﻷﻓﻐﺎن وإﻳﺮان ،إﱃ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ! ﻫﻲ ذي املﺮﺣﻠﺔ اﻟﻜﱪى ﻟﻠﻤﺪﻧﻴﺔ ،وﻫﻲ ﻏري رﺣﻠﺘﻨﺎ اﻵن. ﻟﻨﻌﺪ إذن إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،إﱃ ﺗﺮوﺧﻴﻮ ﻣﺴﻘﻂ رأس املﺴﺘﻜﺸﻒ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﻓﺮﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﺑﻴﺰارو. 4ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺔ ١٨٥٥ﻛﺎن ﻟﻠﻴﺎﺑﺎن ﺳﻮر ﻣﻌﻨﻮي ﻣﻨﻴﻊ ﻛﺴﻮر اﻟﺼني اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻳﻔﺼﻠﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻣﺎ اﻧﻬﺪم ذﻟﻚ اﻟﺴﻮر ،واﻧﻔﺘﺤﺖ أﺑﻮاب اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻟﻠﻤﺪﻧﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻋﻘﺪت اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻷول ﻣﺮة ﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٥٥ﻣﻌﺎﻫﺪ َة ﺳﻼم ووﻻء ،وﺑﺪأ اﻟﺸﺒﺎن اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﻳﺆﻣﱡ ﻮن ﻛﻠﻴﺎت أﻣﺮﻳﻜﺎ وإﻧﻜﻠﱰا ﻳﺘﻠﻘﻨﻮن ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،واﻟﻔﻀﻞ ﰲ ﻋﻘﺪ ﺗﻠﻚ املﻌﺎﻫﺪة ﻟﺮﺟﻞ أﻣﺮﻳﻜﻲ واﺣﺪ ﻫﻮ اﻟﻜﻮﻣﻮدور ﺑريي .Perry 55
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ، ﻣﺎ ﻛﺎد ﻛﻮملﺒﻮس ﻳﻌﻮد ﻣﻦ رﺣﻠﺘﻪ اﻷوﱃ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﴩت ﰲ أوروﺑﺎ، وﻋﲆ اﻷﺧﺺ ﰲ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ اﺳﱰﻣﺎدورا روح املﻐﺎﻣﺮة واﻻﻛﺘﺸﺎف .ﻛﺎن ﺑﻴﺰارو ﻳﻮﻣﺬاك ﰲ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺳﻨﻪ ،ﻳﺮﻋﻰ ﺧﻨﺎزﻳﺮه ﰲ ﺣﻘﻮل ﺗﺮوﺧﻴﻮ ،ﻓﱰك ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﻮل وﺑﺎع ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ،وﺳﺎ َر َع إﱃ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻳﻨﺸﺪ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺗﺤﻤﻠﻪ إﱃ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻰ ﺑﻜﻮﻟﻮﻣﺒﻮس واﻧﺨﺮط ﰲ ﺳﻠﻚ ﺑﺤﱠ ﺎرﺗﻪ ﰲ رﺣﻠﺘﻪ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ. وﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ َ راﻓ َﻖ ﺑﻠﺒﺎو ﰲ رﺣﻠﺘﻪ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ .ﺑﻠﺒﺎو ﻣﻜﺘﺸﻒ اﻷوﻗﻴﺎﻧﻮس اﻟﻬﺎدي ،ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺬﻛﺮ ﰲ اﻟﻜﻼم ﻋﻨﻪ .ﻛﺎن ﻳﺰن ذات ﻳﻮم ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﺟﻤﻌﻪ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ ،ﻓﴬب أﺣﺪ اﻟﻬﻨﻮد املﻴﺰان ﺑﻴﺪه وﻧﺜﺮ اﻟﺬﻫﺐ ﻋﲆ اﻷرض ً ﻗﺎﺋﻼ :إن ﻛﺎن ﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﻄﻠﺒﻮن وﺗﺸﺘﻬﻮن ،ﻓﺄﻧﺎ أدﻟﻜﻢ ﻋﲆ ﺑﻼد ﻳﺄﻛﻞ أﻫﻠﻬﺎ وﻳﴩﺑﻮن ﺑﺂﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ. ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻬﻨﺪي ﻳﻌﻨﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺑريو اﻟﺘﻲ ﻋﺰم ﺑﻠﺒﺎو ﻋﲆ اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ،ﻓﺤﺎﻟﺖ اﻷﻗﺪار ً ﺣﻤﻠﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎف ﺑريو دون ذﻟﻚ ،وﻗﺪ ﺧﺪﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﻗﺪار ﺑﻴﺰارو ،اﻟﺬي ﻋﺎد إﱃ ﺑﻼده ﻟﻴﻬﻴﱢﺊ وﻓﺘﺤﻬﺎ. وﻗﺪ اﺷﱰك ﰲ ﻣﴩوﻋﻪ ،اﺛﻨﺎن ﻣﻦ أﺑﻨﺎء وﻃﻨﻪ؛ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺟﻨﺪي ﻣﻐﺎﻣﺮ اﺳﻤﻪ دﻳﺎﻏﻮ ده أملِ ﻐﺮو ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻛﺎﻫﻦ ﻋﻠﻴﻢ ﺑﺄﻣﻮر اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﻜﻴﻢ ،اﺳﻤﻪ ﻫﺮﻧﻨﺪو ﻟﻮك5 . أﺑﺤﺮ ﺑﻴﺰارو ﺑﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻪ اﻷﺷﺪاء ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٥٢٤وﻟﺤﻖ ﺑﻪ ﴍﻳﻜﻪ اﻟﺠﻨﺪي ﺑﺤﻤﻠﺔ أﺧﺮى ،ﻓﻮﺻﻠﺖ اﻟﺤﻤﻠﺘﺎن ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ إﱃ ﺑريو ،وأﻟﻘﻮا ﻣﺮاﺳﻴﻬﻢ ﰲ ﻣﻴﻨﺎء ﺑﻠﺪة ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ُ ﻃﻤﺒﻴﺰ .Tombez ﻓﻨﺰل اﻹﺳﺒﺎن إﱃ اﻟﱪ ﺑﴚء ﻣﻦ اﻷﻫﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ وﻗﻌﻬﺎ ﰲ ﻗﻠﻮب اﻷﻫﺎﱄ اﻟﻬﻨﻮد، ﻓﺮﺣﱠ ﺒﻮا ﺑﺎﻷﺟﺎﻧﺐ أﺟﻤﻞ ﺗﺮﺣﻴﺐ ،وﻫﻢ ﻳﻈﻨﻮﻧﻬﻢ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻵﻟﻬﺔ. وﻛﺄﻧﻬﻢ ﺛﺒﺘﻮا ﰲ ﻇﻨﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ زاروا اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،وﺷﺎﻫﺪوا ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎملﻼﺣﺔ وﻣﻦ اﻟﺬﺧرية واملﺌﻮﻧﺔ واﻟﺪﺟﺎج؛ ﻓﻌﺠﺒﻮا ﺟﺪٍّا ﻟﻠﺪﺟﺎج ،وﻗﺪﻣﻮا ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ﻫﺪﻳﺔ اﻟﱰﺣﻴﺐ واﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﺧﺒ ًﺰا وﺛﻤﺎ ًرا ورأﺳني ﻣﻦ اﻟﻼﻣﺎ؛ ﻏﻨﻢ اﻟﺒريو اﻟﺘﻲ أﺳﻤﺎﻫﺎ اﻹﺳﺒﺎن اﻟﺠﻤﺎل ،وﻗﺪ أﻫﺪى ﺑﻴﺰارو زﻋﻴﻢ اﻟﻘﻮم ً ﻓﺄﺳﺎ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ،وﻫﻮ أﻧﺪر وأﻋﺰ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺼﺎرى. – وﻫﺬه اﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ! أﺷﺎر اﻟﺰﻋﻴﻢ إﻟﻴﻬﺎ .ﻓﺴﺄﻟﻪ ﺑﻴﺰارو ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﱰﺟﻤﺎن إذا ﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺸﻬﺪ ﻋﻤﻠﻬﺎ ،ﻓﺄﺟﺎب اﻟﻬﻨﺪي ﺑﺎﻹﻳﺠﺎب؛ ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻴﺰارو أﺣﺪ رﺟﺎﻟﻪ أن ﻳﻄﻠﻖ ﺑﻨﺪﻗﻴﺘﻪ ﻋﲆ .Hernando Luque. Diego de Aliegro 5 56
اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن اﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن
ﻫﺪف ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ،ﻓﺄﻃﻠﻘﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﺰﻋﻴﻢ ورﺟﺎﻟﻪ دويﱠ اﻟﺒﺎرود ورأوا ﻓﻌﻠﻪ ﰲ اﻟﺨﺸﺐ املﺤﻄﻢ ،رﻓﻌﻮا أﻳﺪﻳﻬﻢ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﺧﺎﺷﻌني ﱢ ﻣﻜﱪﻳﻦ. وﻛﺎﻧﺖ أﺧﺒﺎر ﺑﻴﺰارو ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ إﱃ ﻣﻠﻚ اﻟﺒﻼد اﻹﻧﻜﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳُﺪﻋَ ﻰ اﻹﻧﻜﺎ أﺗﺎوﻟﺒﺎ El-Inca ،Atahualpaﻓﺄذن ﻟﻬﻢ ﰲ اﻟﻨﺰول ﺑﻄﻤﺒﻴﺰ ،ﺛﻢ ﰲ املﺜﻮل ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ،ﻓﺎﺣﺘﺎل ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ ﺑﻴﺰارو ﻋﲆ اﻹﻧﻜﺎ وﻗﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺳﺠﻨﻪ ﰲ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﻮﻫﺎ. ﻟﻘﺪ اﻛﺘﺸﻔﻨﺎ ﺑﻼدًا ﺟﺪﻳﺪة ،ﻓﻴﺠﺐ أن ﻧﺤﺘﻠﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ املﻠﻚ ،وﻻ ﻳﺴﻬﻞ ذﻟﻚ ﺑﻐري ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳُﻠﻘِ ﻲ اﻟﺮﻋﺐ ﰲ ﻗﻠﻮب أﻫﻞ اﻟﺒﻼد. وﻗﺪ ﺣﺎر أﺗﺎوﻟﺒﺎ ﺑﺄﻣﺮ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎس؛ ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻵﻟﻬﺔ ملﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﺎﺑﻠﻮن ﻣﻌﺮوﻓﻪ ﺑﺎﻹﺳﺎءة ،ﻓﺴﺄﻟﻬﻢ ذات ﻳﻮم ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪون ،ﻓﺄﺟﺎب اﻟﻜﺎﻫﻦ :ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻬﺪﻳﻚ إﱃ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ .وأﺟﺎب ﺑﻴﺰارو :وﻧﻀﻢ ﻣﻠﻜﻚ إﱃ ﻣﻠﻚ إﻣﱪاﻃﻮر إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ. ﻓﻬ ﱠﺰ رأﺳﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل :أﺧﱪوﻧﻲ أﻧﻜﻢ ﺗﺮﻳﺪون اﻟﺬﻫﺐ .ﻓﺈن أﻃﻠﻘﺘﻢ ﴎاﺣﻲ أﻓﺮش ﻟﻜﻢ ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ. أرﺳﻞ ﺑﻴﺰارو إﱃ رﻓﻴﻘﻪ اﻟﻜﺎﻫﻦ ﻧﻈﺮة اﺳﺘﻔﻬﺎم وإﻋﺠﺎب ،ﺛﻢ ﺳﻤﻊ أﺗﺎوﻟﺒﺎ ﻳﻘﺴﻢ ﺑﺮﺑﻪ ،ورآه ﻳﺮﻓﻊ ﻳﺪه إﱃ أﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺋﻂ ،وﻳﻘﻮل :إن أﻃﻠﻘﺘﻢ ﴎاﺣﻲ أﻣﻸ ﻟﻜﻢ ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ. ﻳﻘﻮل املﺆرخ ﺑﺮﻳﺴﻜﻮت :Prescottﻛﺎن ﻃﻮل اﻟﻐﺮﻓﺔ ٢٢ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﻋﺮﺿﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔ ﻋﴩ ﻗﺪﻣً ﺎ ،وﻋﻠﻮ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺣﻴﺚ اﻧﺘﻬﺖ ﻳﺪ اﻹﻧﻜﺎ ﺳﺒﻌﺔ أﻗﺪام؛ ﻓﻼ ﻋﺠﺐ إذا َﻗ ِﺒﻞ ﺑﻴﺰارو ووﻋﺪه ﺧريًا .ﻓﺄرﺳﻞ اﻹﻧﻜﺎ رﺳﻠﻪ إﱃ املﺪن واﻟﺪﺳﺎﻛﺮ ﻳﺠﻤﻌﻮن ﺑﺎﺳﻤﻪ اﻷواﻧﻲ واملﻮاﻋني واﻟﺘﺤﻒ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،ﻣﺎ ﰲ املﻌﺎﺑﺪ ﻣﻨﻬﺎ وﻣﺎ ﰲ اﻟﻘﺼﻮر املﻠﻜﻴﺔ ،وﻳﺠﻴﺌﻮن ﺑﻬﺎ إﻟﻴﻪ. وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﻴﺰارو ﺑﺮﻫﺎﻧًﺎ ﻋﲆ ﺣﺴﻦ ﻧﻴﺘﻪ أن رﻓﻊ اﻟﻘﻴﻮد ﻋﻦ اﻹﻧﻜﺎ ،وأذن ﻷﻫﻠﻪ وﺑﻌﺾ وﺟﻬﺎء املﺪﻳﻨﺔ ﰲ زﻳﺎرﺗﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺨﻠﻌﻮن ﻧﻌﺎﻟﻬﻢ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺪﺧﻠﻮا اﻟﻐﺮﻓﺔ املﺴﺠﻮن ﻓﻴﻬﺎ. ﻓﻘﺎل ﺑﻴﺰارو ﻟﻜﺎﻫﻨﻪ :ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺤﱰم ﻗﺪﻳﺴﻨﺎ اﺣﱰام ﻫﺆﻻء اﻟﱪاﺑﺮة ملﻠﻴﻜﻬﻢ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻋﲆ ﺿﻼل ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻫﻮ ﰲ ﻏري ﻣﺤﻠﻪ. وﻣﺎ ﻣ ﱠﺮ اﻟﺸﻬﺮ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء اﻟﺮﺳﻞ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،ﺑﺎﻟﺘﺤﻒ واﻷواﻧﻲ واملﻮاﻋني اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،ﻓﻤﻠﺌﻮا اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﺪ اﻟﺬي أﺷﺎر إﻟﻴﻪ اﻹﻧﻜﺎ ﺑﻴﺪه ،ﻓﻜﺎدت ﻋﻴﻮن أوﻟﺌﻚ اﻹﺳﺒﺎن ﺗﻄري ﻣﻦ رءوﺳﻬﻢ ،ملﺎ ﺷﺎﻫﺪت. وﻗﺪ ﻗ ﱠﺮر ﺑﻴﺰارو اﻟﻘﺴﻤﺔ ،ﺑﻌﺪ أن أﻓﺮز ﻣﺎ ﻳﻮازي اﻟﺨﻤﺲ ُﻟري َﺳﻞ إﱃ املﻠﻚ ﺑﺈﺳﺒﺎﻧﻴﺎ. وﻗ ﱠﺮر ﻛﺬﻟﻚ أن ﺗُﺼﻬَ ﺮ ﺗﻠﻚ اﻵﻧﻴﺔ واملﻮاﻋني واﻟﻜﻨﻮز؛ ﻟﻴﺘﻤ ﱠﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﻮزﻳﻊ ﻗﺴﻤﺔ رﺟﺎﻟﻪ ﻋﲆ اﻟﺴﻮاء ﺑﻴﻨﻬﻢ. 57
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻋﲆ أﻧﻬﻢ أﺑﻘﻮا ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺤﻒ اﻟﻔﻨﻴﺔ ُ ﻟﱰ َﺳﻞ إﱃ املﻠﻚ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ آﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﻮرﻳﻖ وﺗﻘﻠﻴﺪ اﻷزﻫﺎر واﻟﺜﻤﺎر ،وﻛﺎن ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪ ﻋﺮﻧﻮس ﻣﻦ اﻟﺬرة ﺑﺤَ ﺒﱢﻪ اﻟﺬﻫﺒﻲ املﻠﻔﻮف ﺑﺄوراق ﻣﻦ ﻓﻀﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺪ ﱠﻟﺖ ﻣﻨﻪ ﴍاﺑﺔ ﺧﻴﻮﻃﻬﺎ ﻣﻦ ذﻫﺐ. ُ ﺻ ِﻬﺮ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺒﻴﺎت ،وأُﻋِ ﻴﺪ ﺻﺒﻪ ﺳﺒﺎﺋﻚ ﺑﺎﻟﻮزن اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻓﺒﻠﻐﺖ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻮازي ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳني ﻟرية إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ! ﻓﺄﻳﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻏﻨﺎﺋﻢ ﻃﺎرق وﻣﻮﳻ؟ وأﻳﻦ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﺤﻒ املﺎﺋﺪة اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑﻬﺎ ﻃﺎرق ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ؟ وﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻟﻢ ﻳﻈﻔﺮ أﺗﺎوﻟﺒﺎ ﺑﺤﺮﻳﺘﻪ ،ﻓﻠﻘﺪ ﺻﺪق ﻫﻮ وﺑَ ﱠﺮ ﺑﻮﻋﻮده ،وأﺧﻠﻒ ﺑﻴﺰارو وﴍﻛﺎه ﺑﻮﻋﻮدﻫﻢ. ﺣﻲ ﻳُﺮ َزق؟ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﺘﻮﻟﻮن ﻋﲆ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺑريو وﻣﻠﻴﻜﻬﺎ ﱞ ﻟﻘﺪ ﻗﺪﻣﻮا ﻟﻠﺠﺮﻳﻤﺔ ﺑﻌﻤﻞ ﻣﺴﻴﺤﻲ ،وﻛﺎن اﻟﻜﺎﻫﻦ ﻫﺬه املﺮة ﻣﻤﺜﻞ اﻟﺪور اﻷول ﰲ اﻟﺮواﻳﺔ. – إﻟﻬﻚ ،ﻳﺎ أﺗﺎوﻟﺒﺎ ،ﻏري ﷲ ﺧﺎﻟﻖ اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض ،وﺧﺎﻟﻘﻚ وﺧﺎﻟﻘﻨﺎ. – ﺧﺎﻟﻘﻜﻢ وﺧﺎﻟﻘﻲ؟ إذن ﻧﺤﻦ إﺧﻮان. – إﺧﻮان ﺑﺎﻟﺮب. – ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌ ﱢﺮﻓﻚ إﻟﻴﻪ ،ﺗﻌﺎ َل وﻧﻘ ﱢﺮﺑﻚ ﻣﻨﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻌﻴﺪ إﻟﻴﻚ ﺣﺮﻳﺘﻚ ،وﻗﺒﻞ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﺠﺐ أن ﺗُﻨﻜِﺮ إﻟﻬﻚ وﺗَﻨﺒﺬه؛ ﻓﻠﻮ ﻛﺎن إﻟﻬﻚ ٍّ ﺣﻘﺎ َﻟﺨ ﱠﻠ َ ﺼﻚ ﻣﻦ اﻷﴎ ،ﺑﻞ وملﺎ أذن ﰲ أﴎك. ﻫﻮ ذا اﻟﱪﻫﺎن اﻟﺬي أﻓﺤﻢ أﺗﺎوﻟﺒﺎ؛ ملﺎذا ﻳﱰﻛﻨﻲ اﻟﺮب رﺑﻲ ،ﻓﻠﻮ ﻛﺎن رﺑٍّﺎ ملﺎ ﺗﺮﻛﻨﻲ. وﻗﻴﻞ إن أﺗﺎوﻟﺒﺎ اﻋﺘﻨﻖ اﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ ،وﻛﺘﺐ اﺳﻢ ﷲ ﻋﲆ ﻇﻔﺮ إﺑﻬﺎﻣﻪ ،وﴍع ﻳﺮدﱢده ﺻﺒﺎح ﻣﺴﺎء ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺰال أﺳريًا. ﻗﺎل اﻟﻜﺎﻫﻦ ﻟﻮك :وﻟﻚ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ اﻟﺘﻌﺰﻳﺔ اﻟﻜﱪى. وﻣﺎذا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎل املﺆرخ ﺑﺮﻳﺴﻜﻮت :إن إﻋﺪام آﺧِ ﺮ إﻧﻜﺎ ملﻤﻠﻜﺔ ﺑريو ،اﻹﻧﻜﺎ أﺗﺎوﻟﺒﺎَ ،ﻟ ِﻤﻦ أﻓﻈﻊ ﻣﺎ ارﺗﻜﺒﻪ أوﻟﺌﻚ اﻹﺳﺒﺎن. أﺳﻠﻔﺖ اﻟﻘﻮل إن ﻟﺒﻴﺰارو ﴍﻳﻜني ،وﻗﺪ ﺷﻬﺪت وﺳﻤﻌﺖ ﴍﻳﻜﻪ اﻟﻜﺎﻫﻦ ،أﻣﺎ ﴍﻳﻜﻪ اﻟﺠﻨﺪي دﻳﺎﻏﻮ ده أملِ ﻐﺮو ﻓﻘﺪ ﱠ ﺗﻮﻏﻞ ﰲ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﺷﻮاﻃﺊ ﺷﻴﲇ ،وﻋﺎد إﱃ ﺑﻴﺰارو ﻳﻘﺘﺴﻤﺎن ﻣﻠﻜﻬﻤﺎ ،ﻓﺎﺧﺘ َﻠ َﻔﺎ ﰲ اﻟﺤﺪود واﻟﺴﻴﺎدة واﺣﱰَﺑَﺎ ،ﻓﻐﻠﺐ ﺑﻴﺰارو أملِ ﻐﺮو ،وأﻣﺮ ﺑﺈﻋﺪاﻣﻪ ﻓﺄُﻋﺪِم. وﻛﺎن ﻟﻠﻘﺎﺋﺪ أملِ ﻐﺮو اﺑ ٌﻦ ُﻫﻤَ ﺎم ﻣﺤﺒﻮب ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎم ﻳﺜﺄر ﻷﺑﻴﻪ ﻧﴫوه ،وراﺣﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻳﻄﻠﺒﻮن ﺑﻴﺰارو ،ﻓﻈﻔﺮوا ﺑﻪ ﰲ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺑريو وﻗﺘﻠﻮه ﺳﻨﺔ .١٥٤١ 58
اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن اﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن
اﻧﺘﻬﺖ ﻫﺬه اﻷﺧﺒﺎر املﻔﺠﻌﺔ إﱃ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﺷﺎرﻟﺲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ،ﱠ َ ﻓﻌني ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻟﻪ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﺠﺪﻳﺪة ،اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﻬﺎ ﺑﻴﺰارو ،وﺑﻌﺚ ﻣﻌﻪ ﻗﻮة ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﻘﻤﻊ اﻟﻔﺘﻦ وﺗﺜﺒﻴﺖ اﻷﻣﻦ واﻟﻨﻈﺎم، ﻓﺄرﺳﻠﻬﺎ ﻧﺎﺋﺐ املﻠﻚ ﻓﻮر وﺻﻮﻟﻪ إﱃ ﺑريو ﻋﲆ أملِ ﻐﺮو ورﺟﺎﻟﻪ اﻟﺜﺎﺋﺮﻳﻦ ،ﻓﻮﻗﻌﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﻮﻗﻌﺔ اﻟﺘﻲ ُﻗﺘِﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻻﺑﻦ وﺟُ ِﺮح وأ ُ ِﴎ أﻛﺜﺮ رﺟﺎﻟﻪ. ﻛﺬﻟﻚ اﻧﺘﻬﺖ املﻘﺪﻣﺎت اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ ﻟﻼﺳﺘﻴﻼء املﻨﻈﻢ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻧﺘﻬﺖ ﺣﻴﺎة ﺑﻄﻞ ﺗﺮوﺧﻴﻮ وﴍﻛﺎﺋﻪ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف أرض اﻟﺬﻫﺐ واﻏﺘﺼﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﻫﻠﻬﺎ اﻟﻬﻨﻮد. ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف ﻛﻮملﺒﻮس ﻷﻣﺮﻳﻜﺎ أﻫﻢ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎف ﺑﻠﺒﺎو ﻟﻸوﻗﻴﺎﻧﻮس اﻟﻬﺎدي، ﻧﻔﺴﺎ ،وأﻛﺮﻣﻬﻢ ً وﺑﻠﺒﺎو Vaco Nunez De Balboaﻫﻮ أﴍف املﻜﺘﺸﻔني اﻹﺳﺒﺎن ً ﺧﻠﻘﺎ، وأﺣﺮﺻﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﻌﺪل وأﺳﺒﺎﺑﻪ ﰲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻨﺎس ،ﻫﻨﻮدًا ﻛﺎﻧﻮا أم ً ﺑﻴﻀﺎ. وﺑﻠﺒﺎو ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻫﺬه املﻨﻄﻘﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،اﺳﱰاﻣﻮﻧﻲ 6ﻣﻦ ﺑﻠﺪة ﻓﻴﻬﺎ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﴍﻳﺶ اﻟﻜﺎﺑﺎﻳﺮو ،Jerez De Cabailleroوﻗﺪ راﻓﻖ ﻛﻮملﺒﻮس ﻣﺜﻞ ﺑﻴﺰارو ﰲ رﺣﻠﺘﻪ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ. ﺛﻢ رﺣﻞ رﺣﻼت إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﻛﺎن ﻫﻮ ﻗﺎﺋﺪ ﺣﻤﻼﺗﻬﺎ ،ﻓﺒﻠﻎ ً أرﺿﺎ ﰲ اﻟﻌﻨﻖ اﻟﺬي ﻳﺼﻠﻬﺎ ﺑﺄﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،اﺳﻤﻬﺎ دارﻳﺎن Darienأول ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻫﻨﺎك، وﺧﻠﻴﺠً ﺎ ﻳﻤﺘﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻏﺮﺑًﺎ ،ﻓﺠﺎزه ﺑﻠﺒﺎو ذات ﻳﻮم ،ووﺻﻞ إﱃ ﺟﺒﻞ أﺧﺬ ﻳﺼﻌﺪ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ أدرك اﻟﺮأس ﻣﻨﻪ ،ﻓﻮﻗﻒ ﻣﺒﻬﻮﺗًﺎ» ،ﺻﺎﻣﺘًﺎ ﻋﲆ ﻗﻤﺔ دارﻳﺎن« ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻓﻴﻪ؛ إذ أﴍف ﻋﲆ ﺑﺤﺮ ﻋﻈﻴﻢ َ ﻇﻨﱠﻪ ﻷول ﻣﺮة ﺑﺤﺮ اﻟﻬﻨﺪ. َ وﺧ ﱠﺮ ﺑﻠﺒﺎو ﺳﺎﺟﺪًا ﻳﺸﻜﺮ ﷲ ،ﺛﻢ ﻧﺰل ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ إﱃ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﻐﺮﺑﻲ ،وﺻﺎح ﺑﻤﻞء ﺻﻮﺗﻪ ً ﻗﺎﺋﻼ :ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺮ وﻫﺬه اﻷرض ﻣﻠﻚ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وإﻧﻲ أرﻓﻊ ﻓﻮﻗﻬﺎ اﻟﻌﻠﻢ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﺑﺎﺳﻢ ﷲ واملﻠﻚ. وﻛﺎن ﺑﻠﺒﺎو ﻗﺪ ﻋﺰم ﻋﲆ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻮاﻃﺊ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ؛ ﻟﻴﺼﻞ إﱃ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ ﻋﻨﻬﺎ إن أﻫﻠﻬﺎ ﻳﺄﻛﻠﻮن وﻳﴩﺑﻮن ﰲ آﻧﻴﺔ ﻣﻦ ذﻫﺐ؛ أي ﺑﻼد ﺑريو ،اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﻬﺎ ﺑﻌﺪه ﺑﻴﺰارو ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ. وﻟﻜﻦ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة دارﻳﺎن ،اﺑﻦ ﺑﻼده اﻟﺬي ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺑﺪرارﻳﺎس Padrariasﺣﺎل دون ﻗﺼﺪه ،ﺣﺴﺪًا وﻛﻴﺪًا ،ﺑﻌﺪ أن اﻛﺘﺸﻒ اﻷوﻗﻴﺎﻧﻮس اﻟﻬﺎدي ،ﺑﻞ اﺗﱠﻬﻤﻪ ﺑﻤﺨﺎﻟﻔﺔ اﻷواﻣﺮ ً ﻧﺴﺒﺔ إﱃ ،Estremaduraوﻣﺘﻰ ﺷﺬﱠ ِت اﻟﻠﻐﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺗﺸﺬﱡ ﺑﻼ ﻋﻘﻞ. Estremeno 6 59
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت واملﻜﺘﺸﻔني» .ﻟﻘﺪ أﻗﺪﻣﺖ ،ﻳﺎ ﺑﻠﺒﺎو ،ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻚ ﺑﺪون إﺟﺎزة؛ ﻓﺄﻧﺖ ﻣﺬﻧﺐ ،ﺑﻞ أﻧﺖ ﻣﺘﻤﺮد ﻋﲆ اﻟﻘﺎﻧﻮن«. هلل ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﺑﻴﺪ ﺻﻐﺎر اﻷﻧﻔﺲ واﻟﻌﻘﻮل! وﻣﺎ ﺷﺄن ﺑﻠﺒﺎو وﺑﺪرارﻳﺎس ﻏري ﺷﺄن ﻛﻞ ﻛﺒري ذي ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ،وﻛﻞ ﺻﻐري ذي ﺳﻴﺎدة. وﻟﻘﺪ ز ﱠﻛﻰ ذو اﻟﺴﻴﺎدة ﺣﺴﺪه وﻛﻴﺪه ﺑﺎﻟﻐﺪر ،ﻓﺄﻏﺮى ﺑﻠﺒﺎو ﺑﻜﺘﺎب اﺳﺘﺪﻋﺎه ﻓﻴﻪ إﻟﻴﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﺣﴬ أﻟﻘﻰ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﺠﻨﻪ ،ﺛﻢ اﺗﻬﻤﻪ ﺑﺨﻴﺎﻧﺔ اﻟﻮﻃﻦ ،وأﺟﱪ اﻟﻘﺎﴈ ﻋﲆ أن ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻹﻋﺪام. وﻗﺪ ﻧ ُ ﱢﻔﺬَ اﻟﺤﻜﻢ ﰲ ﺳﺎﺣﺔ أﻛﻼ Aclaﻣﻦ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة دارﻳﺎن ﺳﻨﺔ .١٥١٧ وﻫﺬا ﺑُﻨﺴﻪ ده ﻟﻴﻮن اﻟﺬي ﺣﺎ َربَ اﻟﻌﺮب ﰲ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،واﻟﻬﻨﻮد ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ؛ ﻓﻘﺪ راﻓﻖ ﻛﻮملﺒﻮس ﰲ رﺣﻠﺘﻪ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،وﻋُ ﱢ َ ني ﺣﺎﻛﻤً ﺎ ﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ املﺴﺘﻌﻤﺮة اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ ﱠ أﺳ َﺴﻬﺎ ﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﻫﺎﻳﺘﻲ ،وأﺳﻤﺎﻫﺎ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺼﻐرية .Espanola ﺧﻮان ﺑُﻨﺴﻪ ده ﻟﻴﻮن Juan Ponce de Leonﻫﺬا ،ﺳﻤﻊ ذات ﻳﻮم اﻟﻬﻨﻮد ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ ﻧﺒﻊ ﻣﺎء ﰲ اﻟﱪ اﻟﻜﺒري ﻟﻪ ﻣﺰﻳﺔ إﻟﻬﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺠﺪﱢد اﻟﺤﻴﺎة ،وﻳﺤﻔﻈﻬﺎ ﰲ ﻣﻴﻌﺔ اﻟﺸﺒﺎب. وﻛﺎن ﺑُﻨﺴﻪ ﰲ اﻟﻼﻣْ ﺄَﻟِﻒ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،واﻷَﻟ ِْﻔﺒَﺎء ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ آﻣﺎﻟﻪ ،ﻓﺸﻤﱠ ﺮ ﰲ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺮﺣﻠﺔ اﻟﻜﱪى ،ﻟﻼﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻈﻴﻢ .وﻫﻞ اﻛﺘﺸﺎف أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﺑﻞ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ؟! أﺑﺤﺮ ﺑﻨﺴﻪ ده ﻟﻴﻮن ورﺟﺎﻟﻪ ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻳﻨﺸﺪون ذﻟﻚ اﻟﻨﺒﻊ ،ﻓﻮﺻﻠﻮا إﱃ أرض ﻛﺜرية اﻷزﻫﺎر؛ ﻓﺄﺳﻤﺎﻫﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻠﻮرﻳﺪا ،وﻧﺰﻟﻮا ﻓﻴﻬﺎ .وﻣﺸﻮا ﻳﺒﺤﺜﻮن داﺧﻞ اﻟﺒﻼد وﻳﺴﺄﻟﻮن ،وﻻ ﻳﺒﺎﻟﻮن ﺑﺎملﺸﻘﺎت واﻷﺧﻄﺎر ،ﺑﻞ ﻳﺤﺎرﺑﻮن وﻫﻢ ﻳﺒﺤﺜﻮن ،ﻳﺤﺎرﺑﻮن اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺼﺪﱡوﻧﻬﻢ وﻳﺮدﱡوﻧﻬﻢ وﻳﺮﻣﻮﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﺒﺎل. وأﻳﻦ ﻧﺒﻊ ﻣﺎء اﻟﺸﺒﺎب؟! ﺑﺪأ اﻟﺮﺟﺎل ﻳﺸ ﱡﻜﻮن ،وﻳﺸ ﱡﻜﻮن ﰲ ﺻﺤﺔ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻮا؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻨﺒﻊ ﻳﺘﻮارى ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻐﻠﻐﻠﻮا ﰲ اﻟﺒﻼد ،ﻳﺘﻮارى ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻌﺪم! وأوﺷﻚ رﺟﺎل ﺧﻮان ﺑُﻨﺴﻪ ده ﻟﻴﻮن أن ﻳﺘﻤ ﱠﺮدوا ،وﻣﺎ ﺳﻜﻨﺖ ﻋﺪاوات اﻟﻬﻨﻮد ،ﻓﱰاﺟﻌﺖ اﻟﺤﻤﻠﺔ إﱃ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻣﻨﻪ إﱃ املﺴﺘﻌﻤﺮة ﺑﺠﺰﻳﺮة ﻫﺎﻳﺘﻲ. أﻣﺎ ﻗﺎﺋﺪﻫﺎ ﻓﻘﺪ ﻟﻘﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺰﻳﺔ ﰲ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ً أرﺿﺎ ﺟﺪﻳﺪة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺧﺼﺒﺔ ،وﻋﺎد إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻨﺒﺄ اﻟﻌﻈﻴﻢ إﱃ املﻠﻚ ،ﻓﻌﻴﱠﻨَﻪ املﻠﻚ ﻗﺎﺋﺪًا ﺣﺎﻛﻤً ﺎ Adelantadoﻟﻠﺒﻼد اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻠﻮرﻳﺪا ،ﻋﲆ ﴍﻳﻄﺔ أن ﱢ ﻳﺆﺳﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة. 60
اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن اﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن
ﺣﺸﺪ ﺧﻮان ﺑُﻨﺴﻪ ده ﻟﻴﻮن ً ﺟﻴﺸﺎ ﻟﻠﻤﺴﺘﻌﻤﺮة ،وﻋﺎد ﺑﻪ إﱃ أرض اﻷزﻫﺎر ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻮدة ﺣﻤﻴﺪة؛ ﻓﻤﺎ ﻛﺎد املﺴﺘﻌﻤﺮون ﻳﻨﺰﻟﻮن إﱃ اﻟﱪ ،وﻳﺸﺪﱡون اﻷوﺗﺎد ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﻬﻨﻮدَ ،و ْﻟ َﻮ َل اﻟﻬﻨﻮد ﻣﺴﺘﻨﻔﺮﻳﻦ وﻫﺮوﻟﻮا ﻣﺴﺘﺒﺴﻠني :اﻟﻌﺪو ،اﻟﻌﺪو! ﺟﺎءوا ﻳﻄﺮدون اﻟﻌﺪو ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﻢ ،وﺷﻨﱡﻮﻫﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺮﺑًﺎ ﺣﺎﻣﻴﺔ؛ ﻓﻘﺘﻠﻮا ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻹﺳﺒﺎن ،وﴍﱠدوا َ اﻵﺧﺮﻳﻦ. وﻗﺪ أ ُ ِﺻﻴﺐ ﺑُﻨﺴﻪ ده ﻟﻴﻮن ﺳﻨﺔ ١٥٢١ﺑﺴﻬﻢ ﻣﺎ ﺷﻔﻲ ﻣﻦ ﺟﺮﺣﻪ .ﻣَ ﻦ ﻟﻢ ﻳَﻤ ْ ُﺖ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻣﺎت ﺑﺎﻟﻨﺒﺎل! ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻬﻨﻮد ﻣﻌﺎدﻳﻦ ملﻜﺘﺸﻒ ﻧﻬﺮ املﻴﺴﺴﺒﻲ ووادﻳﻪ ،ﻓﺮﻧﻨﺪو ده ﺳﻮﻃﻮ Fernando de Satoاﺑﻦ ﺑﻠﺪة ﺑﻠﺒﺎو ،ورﻓﻴﻖ ﺑﻴﺰارو إﱃ ﺑريو. ُ واﻟﺘﻔﻠﺴﻒ. وﻣﺎ ﻛﺎن وﻻؤﻫﻢ ﻣﺠ ﱠﺮدًا ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺐ ﱢ ﻛﻨﺖ اﺑﻦ اﻟﺸﻤﺲ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺪﱠﻋِ ﻲ ،ﻓﺄﻋﻄﻨﺎ اﻟﱪﻫﺎن .ﻧﺸ ْ – إن َ ﻒ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺮ ،ﻧﺼﺪﻗﻚ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻤﻠﺔ ده ﺳﻮﻃﻮ أﻛﱪ اﻟﺤﻤﻼت اﻻﺳﺘﻜﺸﺎﻓﻴﺔ وأﺗﻤﻬﺎ ،ﺣﻤﻠﺔ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ رﺟﻞ ﺑﻤﻌﺪاﺗﻬﻢ ﻟﻠﻘﺘﺎل ،وﺑﻨﻮاﻓﻞ اﻷﺑﻬﺔ ،ﺣﻤﻠﺔ ﻓﺨﻤﺔ ﺑﺨﻴﻠﻬﺎ وﺑﻨﺎدﻗﻬﺎ ورﻣﺎﺣﻬﺎ وأﻋﻼﻣﻬﺎ وأﺑﻮاﻗﻬﺎ وﺧﻮذاﺗﻬﺎ اﻟﻼﻣﻌﺔ. ﱡ ﻓﻼ ﻋﺠﺐ إذ اﺳﺘﻘﺒﻠﻬﺎ اﻟﻬﻨﻮد ﺑﴚء ﻣﻦ اﻟﻮﻻء ،وﻟﻜﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﺣﻠﻮﻫﺎ ،وﺗﻐﻠﻐﻠﻮا ﰲ أودﻳﺘﻬﺎ وﺟﺒﺎﻟﻬﺎ ،وﰲ ﻓﻴﺎﻓﻴﻬﺎ وﻣﺴﺘﻨﻘﻌﺎﺗﻬﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ أﴏح ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد وأﺻﺪقً ، ﻗﻮﻻ ً ً ﺻﻴﻔﺎ وﺷﺘﺎء ،ﰲ ﺣﺮﻫﺎ وﺑﺮدﻫﺎ وﻋﻤﻘﻬﺎ وﺗﺠﻬﱡ ﻤﻬﺎ. وﻓﻌﻼ، ً ً ْ وﴍﻗﺎ ،ﻓﺠﺎﺑﺖ اﻷراﴈ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ اﻟﻴﻮم وﻻﻳﺎت ﺷﻤﺎﻻ وﻏﺮﺑًﺎ أﻣﻌﻨﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻤﻠﺔ ﻓﻠﻘﺪ أﻻﺑﺎﻣﺎ وأرﻛﺎﻧﺴﻮ وﺗﺎﻧﻴﴘ ،ﴍق اﻟﻨﻬﺮ وﻏﺮﺑﻪ ،وﻗﺎﺳﺖ ﻣﻦ املﺸﻘﺎت أﺷﺪﻫﺎ ،وﻣﻦ ﺧﻴﺒﺔ اﻵﻣﺎل أﻗﺴﺎﻫﺎ .ﻻ ﻛﻨﻮز ،ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ،وﻻ ذﻫﺐ. َ إﻧﻤﺎ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﺣ ﱞﺮ ﰲ اﻟﺼﻴﻒ ،وﺑﺮد ﰲ اﻟﺸﺘﺎء ،وﺟﻮع وﺑﺮﻏﺶ وﺣُ ﻤﱠ ﻰ ،ﻓﺘ َﻜ ْﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﻤﻠﺔ ،ﻓﺬﻫﺒﺖ ﰲ ﺳﻨﺘني ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻔﻬﺎ ،وﻋﺎد اﻟﺒﺎﻗﻮن ﺷﺒﻪ ﺣﻔﺎة ﻋﺮاة ﻳﺘﻘﻬﻘﺮون إﱃ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ. وﻣﺎ ﻧﺠﺎ ده ﺳﻮﻃﻮ ﻣﻦ ﴐﺑﺎت إﴎاﺋﻴﻞ ﰲ وادي املﻴﺴﺴﺒﻲ. ﻣَ ﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻣﻦ املﻜﺘﺸﻔني ،ﻣﺎت ﺑﺎﻟﻨﺒﺎل ،وﻣَ ﻦ ﻟﻦ ﻳﻤﺖ ﺑﺎﻟﻨﺒﺎل ﻣﺎت ﺑﺎﻟﺤﻤﻰ! وﻗﻄﻌﻮا ﺟﺬع ﺳﻨﺪﻳﺎﻧﺔ وﺣﻔﺮوه ،وواروا ﺟﺜﺔ زﻋﻴﻤﻬﻢ ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ ﺑﺤﺜﻮا ﰲ اﻟﻨﻬﺮ ﻋﻦ ﻋﻤﻖ ﺳﺎﺗﺮ ﺣﻨﻮن ،ﻓﺄﻧﺰﻟﻮه ﻫﻨﺎك ﺳﻨﺔ .١٥٤٢ وﺟﺎء اﻟﺮﺳﻮل ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ زﻋﻴﻢ اﻟﻬﻨﻮد ﻳﺴﺄل ﻋﻦ اﻟﺰﻋﻴﻢ ده ﺳﻮﻃﻮ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ إن ﷲ اﺳﺘﺪﻋﺎه إﻟﻴﻪ ﻷﻣﺮ ﻣﻬﻢ. 61
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﺛﻢ ﺟﺎء وﻣﻌﻪ ﺷﺎﺑﺎن ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد ﻓﻘﺎل :ﻣﻦ ﻋﺎداﺗﻨﺎ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﻮت رﺟﻞ ﻋﻈﻴﻢ أن ﻧﺮﺳﻞ واﺣﺪًا ﻣﻨﱠﺎ ﻳﺮاﻓﻘﻪ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻷرواح؛ ﻓﺎﻟﺰﻋﻴﻢ ﻳﻘﺪﱢم ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﺎﺑني ﻟﺘﺨﺘﺎروا واﺣﺪًا ﻣﻨﻬﻤﺎ. ﻓﺄﺟﺎب ﻛﺒري اﻟﻘﻮم ﻟﻮﻳﺲ ده ﻣَ ﺴﻜﻮزو ً Mascoso ﻗﺎﺋﻼ :ﻟﻢ ﻳَﻤ ُِﺖ اﻟﺰﻋﻴﻢ ،ﺑﻞ ﺳﺎﻓﺮ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻗﺪ راﻓﻘﻪ ﻛﺜريون ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻨﺎ .إﻧﻨﺎ ﻧﺸﻜﺮ زﻋﻴﻤﻜﻢ ،وﻧﺮﺟﻮه وﺷﻌﺒﻪ أن ﻳُﻘﻠِﻌﻮا ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة اﻟﱪﺑﺮﻳﺔ.
62
أﺑﻄﺎل ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ
ﻣﺜ ﱢ ْﻞ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻧﺠﺪًا ﻣﻦ اﻷرض ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻣﱰ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﻴﻪ ﺿﻠﻮع وﺗﺠﺎوﻳﻒ ﻫﻲ ﻣﻨﺎزل املﻴﺎه وﻣﺠﺎرﻳﻬﺎ ،وﺑﻄﺎح ﺷﺎﺳﻌﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﺰروﻋﺔ ﻗﻤﺤً ﺎ ،ﻣﻐﺮوﺳﺔ زﻳﺘﻮﻧًﺎ ،ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻷﻓﻖ ﻫﻼل ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ .ﺛﻢ ﻣﺜ ﱢ ْﻞ ﰲ وﺳﻂ ذﻟﻚ اﻟﻨﺠﺪ راﺑﻴﺔ ﺻﺨﺮﻳﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﱰ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻮاه ،ﻳﺠﺮي ﻋﻨﺪ ﺳﻔﺤﻬﺎ وﻳﻜﺘﻨﻔﻬﺎ ﻧﻬﺮ ﻧﺸﻴﻂ ﺿﺤﱠ ﺎك ،ﻫﻮ اﻟﻄﺎﺧﻮس، ﻓﺘﺘﺼﻞ ﺻﺨﻮر ﺿﻔﺘﻴﻪ اﻟﻌﺎﻟﻴﺘني ﺑﺎﻟﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة املﺮﺻﻮﻓﺔ املﱰاﺻﺔ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺑﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺨ ﱠﻠﻠﻬﺎ ﺧﻄﻮط وﺣﺮوف رﻓﻴﻌﺔ ﻣﻌﻮﺟﺔ ﻛﺎﻟﻈﻼل املﻤﺪودة املﺘﻘﻄﻌﺔ؛ ﻫﻲ ذي ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﺑﺄﺳﻮاﻗﻬﺎ وﺳﺎﺣﺎﺗﻬﺎ وﺑﻴﻮﺗﻬﺎ املﺰدﺣﻤﺔ ،وﻫﻲ ذي ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﰲ ﺑﻴﺌﺘﻬﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ. ﺛﻢ ﻋُ ْﺪ ﻣﻌﻲ إﱃ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﻐﺎﺑﺮ اﻟﺒﻌﻴﺪ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺮوﻣﺎن ،ﻧﺠﺘﻤﻊ ﻄﻢ؟ ﻧﻌﻢ ،ﻃﻠﻴ ُ ﺑﻤﺆرخ اﺳﻤﻪ ﻟﻴﻔﻲ Levyﻓﻴﻘﻮل ﻟﻨﺎ :ﻃﻠﻴ ُ ﻄﻢ Toletumﻫﻲ ﺿﻴﻌﺔ ﰲ ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة إﻳﺒريوس ،ﺿﻴﻌﺔ ﺻﻐرية ﰲ ﻣﺮﻛﺰ ﻣﻦ اﻷرض ﺣﺼني ،اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺑﻨﺎء ﺑﻼدﻧﺎ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ واﻟﺘﺴﻌني واملﺎﺋﺔ ق.م ،ﻓﺄﻗﺎﻣﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺼﻨًﺎ ﺻﺎر ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة ﻣﺪﻧﻴﺔ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻣﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻮﻻﻳﺔ ﻛﻨﺘريﻳﻪ .وﻳﻘﻮل ﻏري ﻟﻴﻔﻲ ﻣﻦ املﺆرﺧني إن اﺑﻦ ﻃﻠﻴﻄﻢ ﻛﺎن ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺨﺮاج ﻟﺮوﻣﺎ ،وﻳﺤﻤﻞ اﻟﺴﻼح ﻟﻴﺤﺎرب ﰲ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ روﻣﺎ ،وﻳﺴﺘﺠري ﺑﺂﻟﻬﺔ روﻣﺎ ﻋﲆ ﺣ ﱠﻜﺎﻣﻬﺎ ﻓﻴﺠريوﻧﻪ — ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ! وﺟﺎء ﺑﻌﺪ اﻟﺮوﻣﺎن إﱃ ﻃﻠﻴ ُ ﻄﻢ ﻗﻮم ﻣﻦ اﻟﻐﻮط اﻟﻨﺼﺎرى ،املﺘﺸﻌﺜﺔ ﺷﻌﻮرﻫﻢ ،اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ﻧﻈﺮاﺗﻬﻢ ،ﻓﺤﻮﱠﻟﻮا املﻌﺎﺑﺪ إﱃ ﻛﻨﺎﺋﺲ ،وﴎت إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﴩق ﻧﺰﻋﺎت ﻻﻫﻮﺗﻴﺔ ﰲ ﻃﺒﻴﻌﺔ املﺴﻴﺢ وﻣﺸﻴﺌﺘﻪ اﻹﻟﻬﻴﺔ واﻟﺒﴩﻳﺔ ،ﻓﻌﻘﺪوا املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻟﺘﻤﺤﻴﺺ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺰﻋﺎت ،ﻓﺎزداد ﺷﻌﻮرﻫﻢ ﺗﺸﻌﱡ ﺜًﺎ ورءوﺳﻬﻢ وﺟﻌً ﺎ .ﻓﻘﺎل ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻨﻬﻢ :اﻟﺤﻖ ﻣﻊ آرﻳﻮسَ . ﻓﻀﺞﱠ اﻟﻔﺮﻳﻖ َ اﻵﺧﺮ وﻫﻮ ﻳ ِ ُﻘﺴﻢ ﺑﺮوﻣﺎ املﺴﺘﻘﻴﻤﺔ اﻟﺮأي ،واﺳﺘﻤﺮوا ﻣﺘﻨﺎزﻋني ﻣﺘﺨﺎﺻﻤني ﺣﺘﻰ اﻧﺘﴫت اﻵرﻳﻮﺳﻴﺔ ﰲ ﺑﻠﺪﻫﻢ — اﻧﺘﴫت إﱃ ﺣني .ﺛﻢ ﻗﺎم أﺣﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﻐﻮط ﻳﻄﻬﱢ ﺮ اﻟﺒﻠﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
اﻟﻬﺮﻃﻘﺔ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ،ﻓﻄﻬﱠ َﺮﻫﺎ ﺗﻄﻬريًا ،وﻏﺴﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪم ،وأﻋﺎدﻫﺎ إﱃ ﺣﻀﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ املﻘﺪﺳﺔ ﺳﻨﺔ ٥٨٩م. وأوﻟﺌﻚ اﻟﻐﻮط اﻟﻨﺼﺎرى املﺘﺸﻌﺜﺔ ﺷﻌﻮرﻫﻢ اﻟﺴﺎﺟﻴﺔ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ اﻟﻠﺤﺎظ ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺴﻠﻮن ﺑﺘﻌﺬﻳﺐ اﻟﻴﻬﻮد ،وﻳﺘﻘﺮﺑﻮن ﻣﻦ ﷲ وﻗﺪﻳﺴﻴﻪ ﺑﺄﻣﻮال ﻳﺒﺘﺰوﻧﻬﺎ ﻣﻦ »ﺷﻌﺐ ﷲ اﻟﺨﺎص« ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎء ﻃﺎرق ﺑﻦ زﻳﺎد ﻣﻦ ﺟﻨﻮﺑﻲ املﻀﻴﻖ ،ووﺿﻊ اﻟﺴﻴﻒ ﰲ رﻗﺒﺔ ﻣﻠﻴﻜﻬﻢ ردرﻳﻖ ،وﻣﴙ ﺑﺠﻴﺸﻪ املﻈﻔﺮ ﰲ اﻟﺒﻼد ،ﻓﺎﺗﺤً ﺎ ﻏﺎﻧﻤً ﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻹﺳﻼم واﻟﻌﺮب ،ﻛﺎن ﻳﻤﴚ أﻣﺎﻣﻪ أﺑﻨﺎء إﴎاﺋﻴﻞ أدﻻء أوﻟﻴﺎء ،ﻓﻴَﺼﺪُﻗﻮﻧﻪ اﻟﺨﱪ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﺎﻣ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﺒﻼد وﺧﺼﺒًﺎ ﻣﻦ اﻷرض. ووﺻﻞ ﻃﺎرق إﱃ ﻃﻠﻴ ُ وﺧري اﻟﻐﻮط أﻫﻠﻬﺎ ﰲ واﺣﺪة ﻄﻢ ﻓﻔﺘﺤﻬﺎ ،وﻏﻨﻢ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ، ﱠَ ﻣﻦ ﺛﻼث ﻧِﻌَ ﻢ؛ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﻓﺎدوا ﺑﺂرﻳﻮس وروﻣﺎ ودﺧﻠﻮا ﰲ اﻹﺳﻼم ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﻓ ﱡﺮوا ﻫﺎرﺑني ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ دﻓﻌﻮا اﻟﺠﺰﻳﺔ ،وأﻗﺎﻣﻮا واملﺴﻠﻤني ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ — ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ اﻵن — آﻣﻨني ﻣﻄﻤﺌﻨني. وﺛﺒﺘﺖ ﻗﺪم اﻟﻌﺮب ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ،ﻓﺒﻨﻮا املﺴﺎﺟﺪ ،وأﻧﺸﺌﻮا املﺪارس واملﻌﺎﻫﺪ اﻟﺼﺤﻴﺔ، ﻟﻬﻢ وﻹﺧﻮاﻧﻬﻢ اﻟﺠُ ﺪُد واﻟﺬﻣﱢ ﻴني ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮا ﻷوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻣﱢ ﻴني ً ﻗﻮﻻ ﴏﻳﺤً ﺎ أﻳﱠﺪوه ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ اﻟﻨﺎﻃﻖ ﰲ ﻏﻤﺪه :أﻧﺘﻢ ﰲ ذﻣﺔ اﻹﺳﻼم ،وﻫﺆﻻء اﻟﻴﻬﻮد ﰲ ذﻣﺘﻜﻢ أﺑﻨﺎء ﺑﻠﺪﻛﻢ إﺧﻮاﻧﻜﻢ؛ ﺣﺴﻨﻮا إﻟﻴﻬﻢ ﻧ ُ ِ ﻓﺄ َ ِ ﺤﺴ ْﻦ إﻟﻴﻜﻢ. ﱠ ﺗﻨﻔ َﺲ ﺑﻨﻮ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﺼﻌﺪاء ،ورﻓﻌﻮا اﻟﺼﻠﻮات إﱃ رﺑﻬﻢ ﻳﻬﻮه؛ ﻟﻴﻜﻸ اﻹﺳﻼم واملﺴﻠﻤني ،وﴍﻋﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳُﺼ ﱡﻠﻮن ﺑﻠﻐﺔ اﻟﻔﺎﺗﺤني — ﺳﺒﺤﺎن رب اﻟﻌﺎملني! وﻧﺸﺄ ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﺟﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻳﻜﺘﺐ اﻟﻨﺎﺑﻐﻮن ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻜﺘﺐ وﻳﻨﻈﻤﻮن اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ؛ ﻓﺂﻛﻠﻮا املﺴﻠﻤني وﺷﺎرﺑﻮﻫﻢ ،وﺷﻬﺪوا أﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺧري اﻟﻨﺎس ،وﺑﻤﺎ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪوا ﻏري ذﻟﻚ ُﺳﻤﱡ ﻮا :ﻣُﻮزاراب Mozarab؛ أي ﻣﺴﺘﻌﺮﺑني. اﻧﻌﻘﺪت ﻋُ َﺮى اﻟﻮﻻء واﻹﺧﺎء ﺑني ﺟﻤﻴﻊ ﺳﻜﺎن ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺴﻌﻴﺪ، اﻟﺬي دام ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ وﺧﻤﺲ وﺳﺒﻌني ﺳﻨﺔ ،ﻣﻨﻘﻄﻌً ﺎ ﻃﺒﻌً ﺎ ﰲ ﺳﻌﺪه ،ﺗﻘ ﱡ ﻄﻊ ﺣﺒﻞ اﻟﺨري ﰲ اﻹﻧﺴﺎن. وﻣﻤﺎ ﻻ رﻳﺐ ﻓﻴﻪ أﻧﻪ ﻛﺎن أﺳﻌﺪ زﻣﺎن ﻣﻦ أزﻣﻨﺔ ﻫﺬه املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﺎزدﻫﺮت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﱪﻳﺔ ،وﺷﻴﱢﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﴏوح ﻟﻠﻌﻤﺮان؛ ﻓﺘﻌﺪدت أﻧﻮال اﻟﻨﺴﻴﺞ ،وﺗﺠﺪدت ﻣﺼﺎﻧﻊ اﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﺴﻼح ،ﻓﺎزداد ﻋﻤﺮان ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ،وﺑﻠﻎ ﻋﺪد ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ ﻧﻔﺲ .ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪة ،ﺑﻨﺖ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﱡ اﻟﺴﻌﺪى .وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟ ﻟﻜﻞ ﳾء إذا ﻣﺎ ﺗَ ﱠﻢ ﻧﻘﺼﺎن! 64
أﺑﻄﺎل ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ
وﻣﺎ أﴎع ﻣﺎ ﻛﺎن ﻧﻘﺼﺎﻧﻪ ﰲ اﻟﻌﺮب ،وﻣﺎ أﺷﺪه وأﻋﻤﱠ ﻪ ،اﻟﻌﺮب … ﻟﻴﺲ ﰲ اﻟﻔﺎﺗﺤني ﺷﻌﺐ ﻳﻀﺎﻫﻴﻬﻢ اﻗﺘﺪا ًرا واﻧﺘﺼﺎ ًرا ،وﻟﻴﺲ ﰲ املﺘﻘﻬﻘﺮﻳﻦ ﻣَ ﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺸﻖ ﻏﺒﺎرﻫﻢ. ﺳﻘﻄﺖ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،ﻓﺘﻌﺪﱠدت اﻟﻘﺮﻃﺒﺎت اﻟﺴﺎﻗﻄﺎت ،ﺑﻞ ﺗﻌﺪﱠدت اﻹﻣﺎرات املﺴﺘﻘﻼت ،واﻷﻟﻘﺎب واﻟﺴﺨﺮﻳﺎت ،واﻟﻀﻐﺎﺋﻦ واملﺬﻻت ،إﻧﻤﺎ ﻟﻄﻠﻴﻄﻠﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ ﺑﻨﻲ ذي اﻟﻨﻮن ﻳﻮم َ آﺧﺮ ﻣﻦ أﻳﺎم اﻟﻨﻌﻴﻢ ،ﻳﻮم ﻣﻘﺪاره ﺧﻤﺴﻮن ﺳﻨﺔ. ﺛﻢ دارت ﺑﻬﻢ اﻷﻳﺎم ،ﻓﺠﺎء ﻣﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ املﺘﺤﺪﻳﻦ ،ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ وﻟﻴﻮن ،املﻠﻚ أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺴﺎدس ،ﺳﻨﺔ ،١٨٨٥ﻳﺴﺎﻋﺪه ذﻟﻚ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺼﻨﺪﻳﺪ زﻳﺪ اﻟﴪوﺟﻲ — اﻟﺴﻴﺪ اﺑﻦ ﺑﻴﺒﺎر — ﻓﺘﻐ ﱠﻠﺐَ ﻋﲆ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ اﻟﻌﺮب ،ودﺧﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻇﺎﻓ ًﺮا ،وﺻﲆ ُﻛﻬﱠ ﺎﻧُﻪ ﺻﻼﺗﻬﻢ اﻷوﱃ ﱠ ﻓﺘﻐريَت روح ﰲ ﻣﺴﺠ ٍﺪ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺟﺪﻫﺎ ،وﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘني ﻧﻘﻞ ﻋﺎﺻﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﺮﻏﻮس إﻟﻴﻬﺎ، ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ،ﱠ ﺗﻐريَت وﻣﺎ ﺗﻄﻮرت ،ﺑﻞ ﻋﺎدت إﱃ اﻟﻮراء ،إﱃ ﻋﻬﺪ اﻟﻐﻮﻃﻴني ،وﻋﺎدت إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﻮر املﺸﻌﺜﺔ ،دون اﻟﻌﻴﻮن اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ اﻟﻠﺤﺎظ. ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻴﻮن ﰲ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺣﻤﺮاء ﺟﺎﺣﻈﺔ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ ،دﻳﻦ املﺴﻴﺢ، ﺻﻮْﻟﻬﺎ و َ ﻓﱰ ﱠﻛﺰت اﻟﺴﻴﺎدة واﻧﺤﴫ ﺧريﻫﺎ وﴍﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ اﻧﺤﴫ َ ﻃﻮْﻟﻬﺎ ،ﰲ اﻹﻛﻠريوس. وأﻣﺴﺖ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﺗُﺪﻋَ ﻰ »روﻣﺎ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ« ،ﻓﺎﺷﺘﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ أﺻﺤﺎب اﻷرﺟﻮان ذوو اﻟﻘﻠﻨﺴﻮة ﻣﻨﻬﻢ ،وذوو اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ،اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ واﻟﻜﺮادﻟﺔ ،أوﻟﻮ اﻷﻣﺮ واﻟﻨﻬﻲ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ً دوﻟﺔ ﺿﻤﻦ دوﻟﺔ ،ﻓﺄﻧﺸﺌﻮا املﺪارس ،ﱠ وأﺳﺴﻮا املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت وﻋﻤﱠ ﺮوا اﻟﺠﺴﻮر واﻟﺤﺼﻮن ،وﺟﺪﱠدوا ﰲ اﻟﻨﺎس اﻟﻨﻌﺮة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ،ﻧﻌﺮة اﻟﺘﻌﺼﺐ واﻻﺿﻄﻬﺎد؛ ﻓﻜﺎن اﻟﻴﻬﻮد أول املﻀﻄﻬﺪﻳﻦ. ﱠ ﻓﻴﺴﺨﺮون وﻳُﺒ ﱠﻠﺼﻮن، أﺟﻞ ،ﻗﺪ ﻋﺎد اﻟﻨﺎس إﱃ ﺗﻘﻠﻴﺪ أﺟﺪادﻫﻢ اﻟﻐﻮط؛ إﱃ ﺗﻌﺬﻳﺐ اﻟﻴﻬﻮد وﻳﺴﺎﻣﻮن أﻧﻮاع اﻟﺬل واﻟﻌﺬاب ،ﺑﺎﺳﻢ »اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ؛ دﻳﻦ املﺴﻴﺢ«. ﻗﺎل املﺆرﺧﻮن إﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺣﺎدث ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ إﻻ وﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻳﺪ ﻓﻴﻪ ،إن ﺧريًا أو ﴍٍّا. وﻫﺬا اﻟﻜﺮدﻳﻨﺎل ﻣﻨﺪوﺳﻪ Pedro Gonzalez de mendozaﻋﺪو اﻟﻌﺮب ﻋﻤﻮﻣً ﺎ، وﻋﺪو ﺑﻨﻲ اﻷﺣﻤﺮ ﻋﲆ اﻷﺧﺺ ،ﺻﻠﻴﺒﻪ ﺳﻴﻒ ﻋﲆ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،وﺳﻴﻔﻪ ﺻﻠﻴﺐ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻣﺎ ﻣﺎت ﺳﻴﺎدة اﻟﻀﻮن ﺑﺪرو ،ﻗﺒﻞ أن رأت ﻋﻴﻨﺎه آﺧِ ﺮ ﻣﻠﻮك اﻟﻌﺮب ﻳﺨﺮج ﻣﺪﺣﻮ ًرا ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺮاء. وﻫﺬا اﻟﻜﺮدﻳﻨﺎل ﺳﺰﻧﺮوس Ximenez de Cisnerosﻳﻔﺮض ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺠﻼﻟﺔ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﺴﺄل ﻋﻦ ﻣﺼﺪر ﺳﻴﺎدﺗﻪ ﻳﻄ ﱡﻞ ﻣﻦ َ ﻃﻨْﻒ ﻗﴫه ﺑﻤﺪرﻳﺪ ﻋﲆ
65
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﺟﻴﺸﻪ املﺤﺸﻮد ﰲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﴫ 1 .أﻳﺬﻛﺮك ﻫﻮ وأﺧﻮه ده ﻣﻨﺪوﺳﻪ ﺑﻜﺮدﻳﻨﺎل ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺸﻬري رﻳﺸﻴﻠﻴﻮ؟ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻣﻬﺪ أﻣﺜﺎل رﻳﺸﻴﻠﻴﻮ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳُﻌﺪﱡون ﺑﺎﻟﻌﴩات ،ﻓ َﻜ َﺴ ْ ﻔﺖ ﻋﻈﻤﺘﻬﻢ ﻋﻈﻤﺔ املﻠﻚ ،وﻗﺪ أﺑﻰ ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ أن ﻳﺴﺘﻈﻞ ﺑﻈﻠﻬﻢ ،ﻓﻨﻘﻞ ﺑﻼﻃﻪ إﱃ ﻣﺪرﻳﺪ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﺎﺻﻤﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪة. ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤني ﺑﺪأت ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻣﺮﺣﻠﺘﻬﺎ اﻷوﱃ ﰲ اﻟﺘﻘﻬﻘﺮ ،وﻣﺎ ﻃﺎل أﻣﺮﻫﺎ ﻫﺬا ﺣﺘﻰ أﻣﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ أو اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﰲ ﻣﺪن إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وأﻣﺴﺖ املﺎﺋﺘﺎ أﻟﻒ ﻣﻦ ﺳ ﱠﻜﺎﻧﻬﺎ ﻋﴩﻳﻦ أو ﺧﻤﺴﺔ وﻋﴩﻳﻦ ً أﻟﻔﺎ ﻓﻘﻂ. وﻃﻠﻴﻄﻠﺔ اﻟﻴﻮم ﻫﻲ املﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺰال ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺳﻠﻴﻤً ﺎ ﰲ ﺷﻜﻠﻪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻻ ﺟﺪﻳﺪ ﰲ ﺑﻨﺎء ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ،وﻻ ﺗﺠ ﱡﺪ َد ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ؛ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻋﺎﻟﻴﺔ واﺟﻤﺔ، ذات أﺑﻮاب ﺿﺨﻤﺔ ،ﻣﺼﻔﺤﺔ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﺑﺨﻮﺧﺎت ﺗﺬﻛﺮ ﺑﺄﺑﻮاب اﻟﻘﻼع واﻟﻘﺼﻮر ،وﺑﺤﻠﻘﺎت — دﻗﺎﻗﺎت — ﻃﺮﻳﻔﺔ اﻷﺷﻜﺎل ،وﺑﻨﻮاﻓﺬ ﺗﻔﺘﺢ ﻋﲆ اﻟﺼﺤﻦ ﻻ ﻋﲆ اﻟﺠﺎدة ،وأﻛﺜﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺎدات ﻻ ﺗﺄذن ﻟﻐري اﻷرﺟﻞ اﻟﺒﴩﻳﺔ أن ﺗﻄﺄ ﺣﺠﺎرﺗﻬﺎ — وأرﺟﻞ أﺷﺒﺎح املﺎﴈ ﻛﺬﻟﻚ — ﻓﻴﺴﻮد ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ ازدﺣﺎﻣﻬﺎ ﺳﻜﻮن رﻫﻴﺐ .ﻫﻮ املﺎﴈ ﻳﺤﻴﱢﻴﻚ ﺻﺎﻣﺘًﺎ ،وﻗﺪ ﻳﻬﻤﺲ ﰲ ﻗﻠﺒﻚ ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﺣﻨني ً وأﳻ ،ﻣﻦ وراء َﺧﻮ َْﺧﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺗﻨريﻫﺎ ﻋني ﻧﺠﻼء ،أو ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺪﻗﺎت ﻟﺤﻠﻘﺔ ﺻﻘﻠﺘﻬﺎ أﻳﺪي اﻟﻄﻮارق واﻟﻄ ﱠﺮاق. أﺳﻮاق ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ وﺟﺎداﺗﻬﺎ ،إﻧﻬﺎ ﰲ ﺿﻴﻘﻬﺎ واﻟﺘﻔﺎﻓﻬﺎ واﻋﻮﺟﺎﺟﻬﺎ ﻟﻜﺎﻟﴪادﻳﺐ ،ﺗﻀﻴﻊ ﻓﻴﻬﺎ ،وإن ﻛﻨﺖ ﻻ ﺗﻀﻴﻊ ﰲ ﻟﻨﺪن أو ﺑﺎرﻳﺲ ،وإﻧﻚ َﻟﺘﻔﺮﺣﻦ ﺑﺎﻟﺠﺎدة إن َ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮوﻗﻬﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واملﻌﻨﻮﻳﺔ ﰲ ﻏﺎﺑﺮ اﻷﺣﻘﺎب واﻷﺟﻴﺎل .ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺎدات ﺗﻨﻘﻠﻚ روﺣً ﺎ وﺟﺴﻤً ﺎ إﱃ ﻋﻬﺪ اﻟﻌﺮب ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﻠﻬﺠﺮة. ً ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻏﻮﻃﻴﺔ ،وأﺑﺮاﺟً ﺎ ﻋﺮﺑﻴﺔ وإن ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻛﺒرية، وﴏوﺣً ﺎ ﻣﺘﺪاﻋﻴﺔ ﺗُﺪﻋَ ﻰ »أﻟ َﻜﺰار« ،وﺑﻴﻮﺗًﺎ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺘﺎﺣﻒ ﻓﻨﻴﺔ وأﺛﺮﻳﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻴﺖ اﻟﻔﻨﺎن املﺸﻬﻮر اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ .El Greco أﻣﺎ ﻗﴫ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻣﺜﻞ ﺻﻮر ٍة ﻣﻦ ﺻﻮر ذﻟﻚ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻌﻈﻴﻢ ،ﻋُ ﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﺧﺮاﺋﺐ اﻟﺰﻣﺎن ،ﻣﺤﺮوﻗﺔ اﻷﻃﺮاف ﺑﺎﻟﻴﺔ ﻣﻤﺰﻗﺔ ،ﻓﻴﻠﻮح ﺧﻼل اﻟﺨﺮوق ﻓﻴﻬﺎ واﻟﺤﺮوق، 1ملﺎ ُﺳﺌِﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ املﻌﺰ ﻟﺪﻳﻦ ﷲ ﻛﻴﻒ ﻳﺜﺒﺖ ﻧﺴﺒﻪ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ؟ أﺟﺎب ﻣﺸريًا إﱃ ﺳﻴﻔﻪ :ﺑﻬﺬا .ﺛﻢ ﻧﺜﺮ ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻪ ً ﻗﺎﺋﻼ :وﺑﻬﺬا. 66
أﺑﻄﺎل ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ
ﳾءٌ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ﻋﺘﻴﻖ ،ﰲ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻮان اﻟﺮاﺋﻌﺔ .وﻟﻘﺪ ﺷﺎﻫﺪﺗﻪ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻘﺮون َ ﻓﺮﻳﺴﺔ اﻟﻨريان ،ﻓﺄُﻋِ ﻴﺪ ﺑﻨﺎؤه اﻟﻐﺎﺑﺮة ،ﻓﻬﻮ ﻛﺜري اﻟﻨﻜﺒﺎت ،دُﻣﱢ ﺮ ﺛﻼث ﻣﺮات ،وذﻫﺐ ﻣﺮﺗني ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،وأ ُ ﱢﺳ َﺲ ﻓﻴﻪ ﺳﻨﺔ ١٨٨٢ﻣﺪرﺳﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ. ﻓﺎﻟﻘﴫ ﻗﺼﻮر ﺑﺤﺼﻮن وأﺑﺮاج ،ﰲ ﻗﻠﺒﻪ ﺻﺤﻦ ﺑﺄروﻗﺔ إﻏﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ،وﰲ وﺳﻂ اﻟﺼﺤﻦ ﺗﻤﺜﺎل ﻟﻜﺎرﻟﻮس اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻤﺘﻄﻴًﺎ ﺣﺼﺎﻧﻪ. َ َ ﻫﺬا ﻗﺒﻞ اﻟﺜﻮرة اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻷﺧرية ،وأﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﺎﻟﻘﴫ ﻋﺎد إﱃ ﻣﺎ أﻟِﻔﻪ ﰲ املﺎﴈ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎر .ﺗﺪﺧﻞ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺑني اﻟﺮدوم ،وﺗﻘﻒ ﰲ ﺻﺤﻨﻪ أﻣﺎم ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺘﻤﺜﺎل ،واﻟﺤﺼﺎن ﻣﻄﺮوح ﻋﲆ اﻷرض ،واﻟﻔﺎرس — ﻛﺎرﻟﻮس اﻟﺨﺎﻣﺲ — ﻻ ﻳﺰال ﻋﲆ اﻟﺼﻬﻮة ،ﻛﺄﻧﻪ ﺟﺰء ﻣﺖ اﻟﺤﺼﺎن وﻣﺎ ْ ٍ ﺑﻘﻨﺒﻠﺔ ﻃﻴﺎر ٌة ﻣﻦ ﻃﻴﺎرات اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ َر ِ رﻣﺖ ﻣﺘﻤﱢ ﻢ ﻟﻬﺎ! ﴐﺑﻪ اﻟﺘﻘﻲ :ﻫﻲ ذي أﻋﺠﻮﺑﺔ ﻣﻦ أﻋﺎﺟﻴﺐ اﻟﺤﺼﺎر ،ﺑﻞ ﻣﻦ أﻋﺎﺟﻴﺐ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ راﻛﺒﻪ! ﻗﺎل اﻟﺪﻟﻴﻞ ﱡ اﻟﺨﺎﻟﺪة؛ ﻳﺴﻘﻂ ﺣﺼﺎﻧﻬﺎ وﻻ ﺗﺴﻘﻂ ﻫﻲ! واﻟﺤﻖ ﻳﻘﺎل إن ﺣﺼﺎر اﻟﻘﴫ ﰲ اﻟﺸﻬﺮﻳﻦ اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺜﻮرة َﻟ ِﻤﻦ أروع ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎد اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻨﴗ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ،وﻛﺎدت ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﺗﺘﻮارى ﰲ ﺧﻤﻮل ذﻛﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﻋني اﻟﺸﻬﺮة واﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻓﺄﻋﺎدﻫﺎ ذﻟﻚ اﻟﺤﺼﺎر إﻟﻴﻬﻤﺎ ،ﺑﻞ ﻋﺎد ﺑﻬﺎ إﱃ أﻳﺎﻣﻬﺎ اﻷُوَل؛ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻐﻮﻃﻴﺔ املﺸﻬﻮرة ﺑﺎﻟﺒﺴﺎﻟﺔ واﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ،ﻓﻮﻗﻒ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺻﺒﺎح ﻣﺴﺎء ﻣﻦ ﺷﻬﺮي أوﻏﺴﻄﺲ وﺳﺒﺘﻤﱪ ١٩٣٦ﻳﺴﺘﻤﻊ إﱃ ﺣﺪﻳﺚ ذﻟﻚ اﻟﺤﺼﺎر وأﻫﻠﻪ اﻟﻔﺪاﺋﻴني. ﻛﺎن اﻟﺠﻨﺮال ﺧﻮﺳﻪ ﻣ ُْﺴ َﻜ ْﺮدو Jose Moscardoﻣﺪﻳﺮ اﻟﻔﺮع اﻟﺮﻳﺎﴈ ﰲ املﺪرﺳﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻳﻮم أُﻋﻠِﻨﺖ اﻟﺜﻮرة ،وﻛﺎن ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﰲ اﻟﻘﴫ ﺑﻀﻊ ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ واﻟﺪرك واﻟﻜﺘﺎﺋﺐ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻧﺎﻗﻤﻮن ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳني ،ﻧﺎﻫﺪون ﻣﺜﻠﻪ ملﻘﺎوﻣﺘﻬﻢ؛ ﻓﻠﻤﺎ أُﻋﻠِﻨﺖ اﻟﺜﻮرة ﻫﺒﱡﻮا ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم ﺗﺤﺖ ﻟﻮاﺋﻬﺎ .وﻗﺪ دﺧﻞ اﻟﻘﴫ ﻣﻊ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪرك ﻧﺤ ُﻮ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ املﺪﻧﻴني؛ ﻧﺴﺎء اﻟﺠﻨﻮد وأوﻻدﻫﻢ ،ﻓﺒﻠﻎ ﻋﺪد املﺘﺤﺼﻨني ﻓﻴﻪ أﻟﻒ وﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ ،ﻣﻨﻬﻢ أﻟﻒ وﻣﺎﺋﺘﺎن ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺤﻤﻠﻮا اﻟﺴﻼح ﻟﻠﺪﻓﺎع. ط ﻛﺒريَﻫﻢ اﻟﺠﻨﺮال ﻣﺴﻜﺮدو ﻗﺎﺋﺪًا ،ﻓﺄﻣﺮ ﰲ ٢١ﻳﻮﻟﻴﻮ ﺑﺄن ﺗُ َ وﻗﺪ اﻧﺘﺨﺐ اﻟﻀﺒﺎ ُ ﻘﻔﻞ ﻛﻞ أﺑﻮاب اﻟﻘﴫ ،وأُﻋﻠﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺮﰲ. ﻣﻨﺬ ذاك اﻟﻴﻮم ﺑﺪأ اﻟﺤﺼﺎر ،ﻓﻄﺎر ﻓﻮق اﻟﻘﴫ ﻃﺎﺋﺮات اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،و َرﻣَ ْﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞُ ، ﻓﻘﺘِﻞ اﺛﻨﺎن ،وﺟُ ِﺮح أﺣﺪ ﻋﴩ .ﺛﻢ َرﻣَ ِﺖ املﻨﺎﺷري وﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺎن وإﻧﺬارَ ، ذﻫﺒَﺎ ﻣﻊ ً رﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﺪﻓﺎع وﺷﺪ ًة ﰲ املﻘﺎوﻣﺔ. اﻟﺮﻳﺢ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ واﻹﻧﺬارات ﺗﺰﻳﺪ املﺘﺤﺼﻨني 67
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻛﺎن ﻟﻠﺠﻨﺮال ﻣﺴﻜﺮدو اﺑ ٌﻦ ﰲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ ِﺳﻨﱢﻪ ،ﻗﺒﻀﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ ﻣﻈﺎﻫﺮات ﺿﺪﻫﺎ ،ﻓﺨﻄﺮ ﻟﻘﺎﺋﺪ املﺮﻛﺰ ﺑﻤﺪرﻳﺪ ﺧﺎﻃﺮ ﱠ ﻧﻔﺬَه ﰲ اﻟﺤﺎل؛ أﻣﺮ ﺑﺄن ﻳﺤﴬ اﺑﻦ اﻟﺠﻨﺮال إﱃ ﻣﻜﺘﺒﻪ ،ﺛﻢ ﺗﻨﺎ َو َل اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن ،وﻃﻠﺐ اﻟﻘﴫ ﺑﻄﻠﻴﻄﻠﺔ ،ﻓﺪار ﺑﻴﻨﻪ وﺑني اﻟﺠﻨﺮال ﻣﺴﻜﺮدو اﻟﺤﻮار اﻟﺘﺎﱄ2 : اﻟﻘﺎﺋﺪ ﺑﻤﺪرﻳﺪ :إﱃ ﺟﻨﺒﻲ اﻵن اﺑﻨﻚ ﻟﻮﻳﺲ املﺘﻬﻢ ﺑﺎﻻﺷﱰاك ﰲ ﻣﺆاﻣﺮة ﻋﲆ ﺳﻼﻣﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﺈن َﺳ ﱠﻠﻤﺖ ﻋُ ﻔِ ﻲ ﻋﻨﻚ وﻋﻨﻪ ،وإن ﻟﻢ ﺗﺴ ﱢﻠﻢ ذﻫﺒ َْﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺟﺰاءَ ﺧﻴﺎﻧﺘﻚ .إﻧﻨﺎ ﻧﻌﻄﻴﻚ ﻋﴩ دﻗﺎﺋﻖ ﻟﺘﻘ ﱢﺮر ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ،وﻫﺎ ﻫﻮ ذا اﺑﻨﻚ ﻟﻮﻳﺲ ﻳﻜ ﱢﻠﻤﻚ. اﻻﺑﻦ :أﻟﻮ ﺑﺎﺑﺎ ،ﻛﻴﻒ أﻧﺖ؟ اﻷب :ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺣﺴﻨﺔ ﻳﺎ وﻟﺪي .ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ؟ ﱢ اﻻﺑﻦ :ﻻ ﳾء ،ﻻ ﳾء .ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﻬﻢ ﺳﻴﻌﺪﻣﻮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص إن ﻟﻢ ﺗﺴﻠﻢ اﻟﻘﴫ، ﻓﻼ ﺗﻬﺘﻢ ﻷﻣﺮي. اﻷب :اﺳﻤﻊ ﻳﺎ وﻟﺪي ،إن ﻛﺎن ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻓﺴ ﱢﻠﻢ ﻧﻔﺴﻚ إﱃ ﷲ ،واﻫﺘﻒ ﻟﻴﺤﻴﺎ اﻟﺴﻴﺪ املﺴﻴﺢ ،وﻟﺘﺤﻴﺎ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﻣﺖ ﻣﻴﺘﺔ اﻷﺑﻄﺎل واﻟﺸﻬﺪاء. اﻻﺑﻦ :أﻗﺒﱢﻠﻚ ﻳﺎ أﺑﻲ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﻮداع. اﻷب :أﻗﺒﱢﻠﻚ ﻳﺎ وﻟﺪي وأﺳﺘﻮدﻋﻚ ﷲ. اﻟﻘﺎﺋﺪ :ﺳﺄﻧﺘﻈﺮ ﻋﴩ دﻗﺎﺋﻖ ﻟﺘﺠﺎوب اﻟﺠﻮاب اﻷﺧري. اﻟﺠﻨﺮال ﻣﺴﻜﺮدو :ﻻ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ اﻻﻧﺘﻈﺎر ،اﻋﻤﻠﻮا ﻣﺎ ﺗﺸﺎءون؛ ﻓﺎﻟﻘﴫ ﻻ ﻳُﺴ ﱢﻠﻢ ﻗﻄﻌً ﺎ. أُﻋﺪِم اﺑﻦ اﻟﺠﻨﺮال ﻣﺴﻜﺮدو ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ،واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺤﺼﺎر ،ﻓﺎزداد املﺘﺤﺼﻨﻮن ﻧﺸﺎ ً ﻃﺎ وﻋﺰﻣً ﺎ. ﺛﻢ ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أن ﺗﺨ ﱢﻠﺺ اﻟﻨﺴﺎء واﻷوﻻد ﻗﺒﻞ أن ﺗﴬب اﻟﴬﺑﺔ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ؛ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﰲ ﻣﻨﺸﻮر رﻣﺘﻪ إﺣﺪى ﻃﺎﺋﺮاﺗﻬﺎ إﻧﻬﺎ ﺳﺘﻌﻔﻮ ﻋﻨﻬﻦ وﻋﻦ أوﻻدﻫﻦ إن اﺳﺘﺴﻠﻤﻮا وأﺧﻠﺪوا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻟﻠﺠﻨﺮال ﻟﻴﺒ ﱢﻠﻎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أﻧﻬﻦ ﱢ ﻳﻔﻀﻠﻦ املﻮت ﻣﻊ رﺟﺎﻟﻬﻦ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻷﻣﺎن. 2ﻫﺬا اﻟﺤﻮار ﻣﻜﺘﻮب ﻋﲆ ﻟﻮﺣﺔ ﻣﻌﺮوﺿﺔ ﰲ ﻣﻜﺘﺐ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﻣﺴﻜﺮدو ،وﻗﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ املﻜﺘﺐ ﻳﻮم زرﻧﺎ اﻟﻘﴫ ﻻ ﻳﺰال ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ أﻳﺎم اﻟﺤﺼﺎر. 68
أﺑﻄﺎل ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ
ﻫﻲ ﺑﻄﻮﻟﺔ املﺴﻴﺤﻴني اﻷوﻟني ،ﻓﺮاﺋﺲ اﻟﺴﺒﺎع ﺑﺮوﻣﺎ .ﻫﻲ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺎوز ﺣﺪ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ اﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ؛ ﻷن ﻣﻨﺸﺄﻫﺎ اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻹﻳﻤﺎن ،وﻗﺪ ﺗﺠَ ﱠﻠ ْﺖ ﰲ أوﻟﺌﻚ اﻹﺳﺒﺎن ،وﰲ ذﻟﻚ املﻜﺎن اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ،وﰲ ﺗﻠﻚ املﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ،ﻛﺄن أرواح ﺷﻬﺪاء املﺎﴈ وأﺑﻄﺎﻟﻪ ﻗﺪ ﱠ ﺗﺠﺴﻤَ ْﺖ ﻓﻴﻬﻢ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻗﻠﺒًﺎ واﺣﺪًا وروﺣً ﺎ واﺣﺪة ﻣﻊ زﻋﻴﻤﻬﻢ وﻗﺎﺋﺪﻫﻢ ﻣﺴﻜﺮدو، ذﻟﻚ اﻷب اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ واﺑﻦ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن اﻟﻌﺠﻴﺐ ،اﻟﺸﺎﻣﻞ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻣﴣ ،اﻟﺨﺼﺐ ﰲ ﻛﻞ ﳾء. اﺳﺘﻤ ﱠﺮ اﻟﺤﺼﺎر ﺷﻬ ًﺮا ،وﺗﻼ اﻟﺸﻬ َﺮ ﺷﻬ ٌﺮ َ آﺧﺮ ،واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺮﻣﻲ اﻟﻘﴫ ﺑﺎﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ﻣﻦ ﻣﺪاﻓﻌﻬﺎ اﻟﻀﺨﻤﺔ ،وﺑﺎﻟﻘﺬاﺋﻒ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﺮات .ﺛﻢ ﰲ ٩أﻳﻠﻮل ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎدة أن ً ً ﺣﺎﻣﻼ ﻗﺮا ًرا ﻓﻴﻪ ﺧريﻫﻢ ،ﻓﺠﺎء اﻟﺮﺳﻮل ﻓﺄُدﺧِ َﻞ اﻟﻘﴫ ﺑﻌﺪ أن ُﺷﺪ ِﱠت رﺳﻮﻻ ﺗﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻋﲆ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﺛﻢ ﺣُ ﱠﻠ ْﺖ ﰲ ﻣﻜﺘﺐ اﻟﺠﻨﺮال ﻣﺴﻜﺮدو ،ﻓﻜﺎن ﺣﺪﻳﺚ وﻛﺎن ﺳﻜﻮت. ﺧﺮج اﻟﺮﺳﻮل ﻣﻦ اﻟﻘﴫ ﻛﻤﺎ أُدﺧِ َﻞ إﻟﻴﻪ ،ﻓﻌﺎد ﻳﺤﻤﻞ ﺟﻮاب ﻣﺴﻜﺮدو ،ﺑﻞ ﺟﻮاب ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ أُ ِ املﺤﺼﻮرة ﺟﻤﻴﻌً ﺎ؛ ﱢ ﺗﻔﻀﻞ املﻮت ﻋﲆ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ،إﻧﻤﺎ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻃﻠﺒًﺎ واﺣﺪًا ﻓﻘﻂ، وﻫﻮ أن ﺗﺮﺳﻞ إﻟﻴﻨﺎ ﻛﺎﻫﻨًﺎ ﻳﻌﺮﻓﻨﺎ وﻳﻌﻄﻴﻨﺎ اﻟﻘﺮﺑﺎن املﻘﺪس. أﺑﻄﺎل ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ! ﻟﻘﺪ ﺳﺎر اﺳﻤﻬﻢ ﺳري اﻟﱪق ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻛﺘﺒﺖ اﻟﺠﺮاﺋﺪ املﻘﺎﻻت ﰲ ﺗﻤﺠﻴﺪ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺰال ﻟﻬﺎ ﺻﻮت وأﺛﺮ ﰲ ﻣﺪﻧﻴﺘﻨﺎ املﺎدﻳﺔ ،ﺑﻞ إن ﻫﺆﻻء اﻹﺳﺒﺎن ﻓﺎﻗﻮا ﺑﺒﻄﻮﻟﺘﻬﻢ ﺑﻄﻮﻟﺔ أﺟﺪادﻫﻢ اﻷﻗﺪﻣني ﰲ ﺣﺼﺎر ﻧﻮﻣﻨﺴﻴﻪ3 . أﺟﺎﺑﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻃﻠﺒﻬﻢ ﺑﺄن أرﺳﻠﺖ ﻛﺎﻫﻨًﺎ إﱃ اﻟﻘﴫ ،ﻓﻘﺎم ﺑﻮاﺟﺒﻪ ،ﻓﺴﻤﻊ املﺤﺎﴏون اﻟﻘﺪﱠاس ،واﻋﱰﻓﻮا وﺗﻨﺎوﻟﻮا اﻟﻘﺮﺑﺎن املﻘﺪس ،وﻋﻤﱠ ﺪت أ ﱞم ﻃﻔﻠﻬﺎ اﺑﻦ ﺷﻬﺮ — ُوﻟِﺪ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺤﺼﺎر — وﻫﻲ ﺗﻘﻮل :ﻓﺪﻳﺔ َملﻦ ﻓﺪاﻧﺎ ﺑﺪﻣﻪ ﻋﲆ اﻟﺼﻠﻴﺐ وﻓﺪﻳﺔ ﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺎ. ﻣﻀﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ ﻋﻤﻠﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻔﺮت ْ ِ ﻟﻐﻤً ﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﻘﴫ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ ﺛﻢ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﺣﺸﺖ اﻟﺼﺨﻮر ﰲ اﻷﺳﺎس ﺑﺎﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ. وﰲ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ﻣﻦ أﻳﻠﻮل أُﺷﻌِ ﻠﺖ اﻟﻨﺎر ﰲ اﻷﺳﻼك املﻤﺘﺪة إﱃ ﺗﻠﻚ اﻷﻟﻐﺎم ،ﻓﺤﺪث اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﺬي ﻣﻸ اﻟﺴﻤﺎء دﺧﺎﻧًﺎ ودوﻳٍّﺎ ،وﺗﺮدﱠدت أﺻﺪاؤه ﰲ أﺳﺲ املﺪﻳﻨﺔ، وﰲ اﺿﻄﺮاب أﻣﻮاج اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ.
ً ﻃﻮﻳﻼ ﺣﺎﴏﻫﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺳﺒﻴﻮ ﺳﻨﺔ ١٣٨ق.م ﺣﺼﺎ ًرا 3ﻧﻮﻣﻨﺴﻴﻪ Numentiaﰲ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ أراﻏﻮنَ َ ، ﺛﻢ دﻣﱠ َﺮﻫﺎ. 69
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻗﺪ ﺗﻼ ذﻟﻚ اﻻﻧﻔﺠﺎر ﻫﺠﻮم ﻋﲆ املﺤﺎﴏﻳﻦ ،ﻓﺼﻤﺪوا ﻟﻠﻌﺪو ﰲ اﻷروﻗﺔ واﻟﴪادﻳﺐ، واﺣﺘﺪﻣﺖ املﻌﺮﻛﺔ ﰲ دﺧﺎن ذﻟﻚ اﻻﻧﻔﺠﺎر ،وﺑني اﻟﺠﺪران املﺘﻬﺪﻣﺔ ،ﻓ ُﻜﺘِﺐ اﻟﻨﴫ ﻟﺮﺟﺎل اﻟﺠﻨﺮال ﻣﺴﻜﺮدو. رﺟﻊ ﺟﻴﺶ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﺪﺣﻮ ًرا ،واﺳﺘﺄﻧ َ َ ﻒ اﻟﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﺤﻔﺮ ﺗﺤﺖ اﻟﻘﴫ ووراء ﺟﺪراﻧﻪ، َ املﺤﺎﴏون ﻳﺴﻤﻌﻮن وﻗﻊ أﺻﻮات اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﺼﺨﻮر ،وﻻ ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻫﺬه املﺮة ﻓﻜﺎن ﻫﺠﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد ،ﺑﻞ ﻣﻦ ﺣﺠﺎرة اﻟﻘﴫ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻗﺪ دُﻣﱢ َﺮ ﺗﺪﻣريًا :ﺳﻨﻤﻮت ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺮدم وﺑني اﻷﻧﻘﺎض. 4 وﻣﺎ ﻣﺎت ﻏري ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺪة اﻟﺤﺼﺎر ،وﻗﺪ ُﺷﻮﻫِ َﺪ ﰲ ذﻟﻚ ،ﺑﻌﺪ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻬﺎﺋﻞ ،ﻋﺴﺎﻛﺮ ﻗﺎدﻣني إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻣﻦ ﻏري ﺟﻬﺔ ﻣﺪرﻳﺪ؛ ﻫﻲ اﻟﻨﺠﺪة ،ﻧﺠﺪة اﻟﺜﻮار ،وﺻﻠﺖ ﻣﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻄﻠﻴﻌﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب ،وﻛﺎن أول ﻣَ ﻦ دﺧﻞ اﻟﻘﴫ ،ﻣﻦ ﻛﻮة ﺟﺪار ﻣﻬﺪوم، ﱞ اﻟﺠﻨﻮد املﻐﺎرﺑﺔ ﻳﺤﻤﻞ ﺑﺸﺎﺋﺮ اﻟﺨﻼص. وﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ وﺻﻞ ﺟﻴﺶ اﻹﻧﻘﺎذ ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﺠﻨﺮال ﻓﺎﻟريا ،Valeraﻓﺎﻧﻜﻔﺄ ﺟﻴﺶ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﻦ املﺪﻳﻨﺔ ،ودﺧﻞ املﻨﻘﺬون اﻟﻘﴫ ﰲ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح ﺗﺘﺨ ﱠﻠﻠﻬﺎ إﴍاﻗﺎت ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻮع.
4اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺤﺼﺎر ﺷﻬ ًﺮا وﺛﻤﺎﻧﻴﺔ وﻋﴩﻳﻦ ﻳﻮﻣً ﺎ ،ﻓﻤﺎت ﺛﻤﺎﻧﻮن ﻣﻦ أﻟﻒ وﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻧﻔﺲ ،وﻛﺎن ﻋﺪد اﻟﺠﺮﺣﻰ واملﺮﴇ ﻳﻮم اﻹﻧﻘﺎذ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ. 70
ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻷرض وأﻫﻠﻬﺎ
ً ﻃﺮﻳﻘﺎ ﻣﻠﻜﻴٍّﺎ َ آﺧﺮ إﱃ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،ﻓﴪﻧﺎ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﺑﴩق إﱃ ﻋﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ إﱃ ﻣﺪرﻳﺪ ﻟﻨﺴﻠﻚ ُ أ َر ُ ﻧﺨ ِﻮﻳﺲ ،Aranjuezاملﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ أﺛﺮ ﻋﺮﺑﻲ أو ﻏﻮﻃﻲ؛ ﻓﻘﺪ أ ﱢﺳ َﺴ ْﺖ ً ﻣﺼﻴﻔﺎ ﻟﻠﻤﻠﻜﺔ إﻳﺰاﺑ ﱠﻠﺔ، ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ﻷﺧﻮﻳﺔ ﻣﻦ اﻷﺧﻮﻳﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺻﺎرت ﻓﺸﻴﱢﺪت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺼﻮرُ ، ﺛﻢ ﻣﺤﻄﺔ ﺻﻴﺪ ملﻠﻮك ﻗﺸﺘﺎﻟﺔُ ، وﻏ ِﺮﺳﺖ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ﺑﻜﻞ ﻧﺎدر ﻣﻦ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺸﺠﺮ واﻟﺰﻫﻮر ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻣﺸﻬﻮرة ﺑﺤﺪﻳﻘﺘﻬﺎ اﻟﻐﻨﱠﺎء ،وﺑﻄﻴﻮرﻫﺎ اﻟﻐ ﱢﺮﻳﺪة، ﱠ اﻟﻘﱪة ،وﺑﺤ ﱢﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﺼﻴﻒ ،وﺣﻤﻴﱠﺎﺗﻬﺎ! ﻓﻬﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺧﺘﺎرﺗﻬﺎ املﻠﻜﺔ اﻟﺘﻘﻴﺔ ً ﻣﺼﻴﻔﺎ ﻟﻬﺎ؟ اﻟﻨﻘﻴﺔ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﻣ ﱠﺮ اﻟﺠﺎﻫﻞ اﻟﺴﻌﻴﺪ ،ﻓﻤﺎ ﺷﻤﻤﻨﺎ ﻧﻔﺢ ﻃﻴﺒﻬﺎ ،وﻻ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻋﻨﺪﻟﻴﺒﻬﺎ ،وﻻ ﱠ ﱡ اﻟﺘﻐري ﰲ املﻨﺎخ ،واﻷرض واﺣﺪة ﻟﻨﺘﺤﻘﻖ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻨﻬﺎ ،وإﻧﻪ َﻟﻌﺠﻴﺐ ﻫﺬا وﻗﻔﻨﺎ ً ﰲ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ وﻋﻠﻮﻫﺎ .ﻟﻴﺲ ﺑني أرﻧﺨﻮﻳﺲ وﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﻣﺜﻼ ﻏري ﺧﻤﺴﺔ وﺛﻼﺛني ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا، وﻻ ﺗﻔﺎﺿﻞ ﰲ اﻟﻌﻠﻮ ،وﻻ ﰲ ﺟﻤﺎل املﻜﺎن؛ ﻓﻨﻬﺮ اﻟﻄﺎﺧﻮس ﻳﺠﺮي ﰲ ﺳﻬﻮل املﺪﻳﻨﺘني ﱠ ﺑﺎﻟﻘﱪة وﻳﻄﻮﻗﻬﻤﺎ ﺑﺬراﻋﻴﻪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن أرﻧﺨﻮﻳﺲ ﺗﻨﻔﺮد ﺑﺎﻟﺤﺮ واﻟﺤﻤﻰ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻨﻔﺮد اﻟﺘﻲ ﺗﻐ ﱢﺮد ﻋﲆ أﻓﻨﺎن أﺷﺠﺎرﻫﺎ املﺠﻠﻮﺑﺔ ﻣﻦ إﻧﻜﻠﱰا ،وﺑﺎﻟﻬﻠﻴﻮن اﻟﺬي ﻳﻨﺒﺖ ﰲ أرﺿﻬﺎ. إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺰال ﰲ ﻧﺠﺪ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻋﲆ ﺗﻠﻚ املﺎﺋﺪة املﺮﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض ،املﻤﺘﺪة ً ﴍﻗﺎ ﺑﻐﺮب ً وﺷﻤﺎﻻ ﺑﺠﻨﻮب ،ﻟﺘﺼﻞ ﰲ ﻣﻨﺤﺪراﺗﻬﺎ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ إﱃ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ واﻷوﻗﻴﺎﻧﻮس ،وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﰲ ﺷﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﺟﺒﺎل اﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑني اﻟﻘﺸﺘﺎﻟﺘني اﻟﺠﺪﻳﺪة واﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﰲ ﺟﻨﻮﺑﻬﺎ ﺟﺒﺎل ﻣﻮرﻳﻨﻪ ﺑني ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة واﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺗﺘﻨﻮﱠع اﻟﱰﺑﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺘﺨﺼﺐ وﺗﺠﺪب وﺗﺒﻮر ،ﻛﻤﺎ ﱠ ﻳﺘﻐري وﺟﻬﻬﺎ وﻣﻨﺎﺧﻬﺎ ،وﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﺬي ﻧﺠﺪه أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﰲ أﺳﻤﺎء ﺿﻴﺎﻋﻬﺎ ،ﻛﻘﴫ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺣﻨﺎ ً ﻣﺜﻼ ،ﻓﻤﻦ أﻳﻦ ﺟﺎء اﻟﻘﴫ ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ؟ أو ﻛﻴﻒ اﺗﺼﻞ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﺎﻟﻘﴫ؟ ﻗﺪ ﻻ ﻧﺠﺪ ﰲ ﻏري إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ﰲ اﻻﺳﻢ اﻟﻮاﺣﺪ.
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻟﺬﻟﻚ أﺳﺒﺎب ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ وﻟﻐﻮﻳﺔ؛ ﻓﺎﻟﻘﴫ Alcazarﺑﻨﺎه اﻟﻌﺮب ﻃﺒﻌً ﺎ، واﻟﻠﻔﻈﺔ ﱠ ﺗﻌﺸ َﻘﻬﺎ اﻹﺳﺒﺎن ،ﻓﺰرﻋﻮﻫﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن .أﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ،ﻓﻬﻮ أن ذﻟﻚ اﻟﻘﴫ ﺑﻌﺪ أن آ َل إﱃ اﻟﻨﺼﺎرى ﺟُ ﻌِ ﻞ ﻣﻘ ٍّﺮا ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ ﺣﻨﺎ وإﺧﻮاﻧﻪ — ﻷﺧﻮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺣﻨﺎ — اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﺠﺎﻫِ ﺪ اﻟﻌﺮب ،وﺗﺴﺘﺄﺻﻞ ﺷﺄﻓﺘﻬﻢ ،ﺛﻢ ﺧﻤﺪت ﻧﺎر ﺗﻘﻮاﻫﺎ ،وﻣﺎ ً ﺷﻔﺎﻋﺔ ﺑﻨﺼﻒ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﺧﱪﻫﺎ ﻏري »ﻗﴫ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺣﻨﺎ« اﻟﺬي اﺷﺘُﻬﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻨﺒﻴﺬه ً ﺷﻔﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻨﺼﻒ َ اﻵﺧﺮ .ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﺣﺼﻦ أو ﻗﴫ ﻛﺎن ﻟﻠﻌﺮب اﺳﻤﻪ ،وﺑﻤﻌﺎﻣﻞ ﺻﺎﺑﻮﻧﻪ ﺛﻢ ﺻﺎر ﻟﻺﺳﺒﺎن ،ﻳﻨﻌﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻮل أو اﻟﺘﻄﻮر؛ ﻓﻘﴫ اﻟﺠﻌﻔﺮﻳﺔ ﺑﴪﻗﺴﻄﺔ أﻣﴗ ﺑﻌﺪ ﻋﺰه وﻓﻀﻠﻪ ﻣﺮﻛ ًﺰا ﻟﺪﻳﻮان اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ .Inquisitionوﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺬي ﺳﻠﻜﻪ ﻣﻮﳻ ٌ ﻗﺮﻳﺔ ُوﻟِﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣَ ﻦ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻤﻪ ﺗُﺮﻛﻮﻳﻤﺎدا ﺑﻦ ﻧﺼري وأدﻟﺘﻪ اﻟﻴﻬﻮد إﱃ أﺷﺘﻮرﻳﺔ Torquemadaأﻛﱪ ﻋﺪو ﻟﻠﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا واﻟﺬﻳﻦ ﻫﺎدوا واﻟﻨﺼﺎرى واﻟﺼﺎﺑﺌني .رﺣﻢ ﷲ ﻓﺮاﺋﺴﻪ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ. إن ﻧﺠﺪ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻟﻴﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻧﺠﺪ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﻋﻠﻮه املﺴﺘﻤﺮ املﺴﺘﻮي ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑﻀﻊ ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﻜﻴﻠﻮﻣﱰات ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻛﺎن اﻻﺗﺠﺎه ،ﰲ ﺣني أن ﻧﺠﺪ اﻟﻌﺮب اﻟﺬي ﻳﺒﺪأ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز ﻋﻨﺪ ﺣﻀﻦ — ﻣَ ﻦ رأى ﺣﻀﻨًﺎ ﻓﻘﺪ أﻧﺠﺪ — ﻳﺄﺧﺬ ﰲ اﻻﻧﺤﺪار املﺘﻮاﺻﻞ ﻏري املﺤﺴﻮس ،ﻓﻴﺼﻞ ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ إﱃ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﺤﺮ ﰲ اﻷﺣﺴﺎء ،وﻫﻮ ﰲ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﱠ ﱠ ﻳﺘﻐري املﻨﺎخ ،إﻻ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻮاﺣﺎت ،ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺎرض. ﺗﺘﻐري اﻟﱰﺑﺔ ،وﻻ واﻟﺠﻮﻳﺔ واﺣﺪ ،ﻓﻼ أﻣﺎ ﰲ ﻧﺠﺪ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻓﺈن اﻟﻌﻠﻮ ،ﺑﻌﺪ أن اﺟﺘﺰﻧﺎ ﻣﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴني ﻣﱰًا ﻣﻦ ﻣﺪرﻳﺪ ﻫﻮ واﺣﺪ وﻧﻴﻒ وﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﻣﱰ ﻓﻮق اﻟﺒﺤﺮ ،وﻟﻜﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷرض ﺑﻌﺪ »ﻗﴫ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺣﻨﺎ« ﻫﻲ ﻏريﻫﺎ ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ وﺟﻮارﻫﺎ. ﻓﺒﻌﺪ اﻟﻘﴫ ﻧﺪﺧﻞ ﰲ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻻﻣﻨﺸﺎ La Manchaاﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻢ، أﻃﻠﻘﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻌﺮب ﻟﻴﺒﺴﻬﺎ 1وﻣﺤﻠﻬﺎ .وﻫﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻔﻈﻬﺎ اﻹﺳﺒﺎن ﰲ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺘﻬﻢ وﰲ آداﺑﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻫﻲ اﻟﻠﻔﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺧ ﱠﻠﺪﻫﺎ ﴎﻓﻨﺘﺲ ﰲ ﺑﻄﻞ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺿﻮن ﻛﻴﺨﻮﺗﻪ ده ﻻﻣﻨﺸﺎ. وﻫﺎ ﻫﻨﺎ ،ﰲ ﺟﻮار اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺣﻨﺎ وﻗﴫه ﻗﺮﻳﺔ ُ ﻃﺒﻮزو Tobasoﻣﺴﻘﻂ رأس ﺗﻠﻚ اﻟﺪرة اﻟﻴﺘﻴﻤﺔ واﻟﺨﺮﻳﺪة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ،أﻣرية اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺒﻬﺎء ورﺑﺔ اﻟﺤﺐ واﻟﻮﻓﺎء ،دُﻟﺸﻨﻴﺔ اﻟﻄﻮﺑﺰﻳﺔ، ﻋﺮوس أﺣﻼم اﻟﻀﻮن ﻛﻴﺨﻮﺗﻪ.
1اﻟﻨﺸﺎة :اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ﺟﻤﻊ ً ﻧﺸﺎ )اﻟﻘﺎﻣﻮس( .واملﻨﺸﺎ :اﺳﻢ ﻣﻜﺎن. 72
ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻷرض وأﻫﻠﻬﺎ
وﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ َ أرﻏﻤﺎﺳﻴﱠﺔ Argamasillaاﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎل إﻧﻬﺎ اﻟﺒﺎب اﻟﺬي أﻃﻞ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ رأس ذﻟﻚ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻟﻜﻦ املﺆﻟﻒ ﴎﻓﻨﺘﺲ ﻳﺸﻚ ﰲ ذﻟﻚ ،وﻣﺎ ﱠ اﻟﻌﺎﻟﻢ ُ ﺣﻘ َﻖ ﺣﴬﺗﻪ ﰲ اﻷﻣﺮ ﻟﻜﻲ ﻻ ﺗﻨﻔﺮد ﺑﻠﺪة ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺑﻔﺨﺮ املﻮﻟﺪ اﻟﻜﻴﺨﻮﺗﻲ. ﻻﻣﻨﺸﺎ ،ﻫﻲ ﺑﻼد ﺿﻮن ﻛﻴﺨﻮﺗﻪ ،وﻟﻴﺲ ملﺴﻘﻂ رأﺳﻪ ﺑﻠﺪ ﻣﻌﺮوف ﻟﻴﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﻪ املﺘﻨﺎﻓﺴﻮن .ﻻﻣﻨﺸﺎ ،وﻛﻔﻰ .ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي! ِﻟ َﻢ اﺧﺘﺎر املﺆﻟﻒ ﻫﺬه اﻷرض اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ اﻟﻌﺎﺑﺴﺔ ً وإﴍاﻗﺎ؟ أ َ ِﻟﻴُﺘِ ﱠﻢ ﻏﺮﺿﻪ ﰲ ﺗﺼﻮﻳﺮ زﻣﺎﻧﻪ اﻟﻴﺎﺑﺲ ﻟﻴﻤﺜﱢﻞ ﻓﻴﻬﺎ أﻋﻈﻢ أدوار اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ ﺧﺼﺒًﺎ اﻟﻌﺎﺑﺲ ،وأﺑﻨﺎء زﻣﺎﻧﻪ املﺎﺣﻠﺔ أﻳﺎﻣﻬﻢ وأﺣﻼﻣﻬﻢ ﺑﺮﻳﺸﺔ اﻟﺴﺤﺮ واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ؟ إﻧﻲ أﺟﻨﺢ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻈﻦ .وﻛﺄﻧﻲ ﺑﻪ ﻳﻘﻮل :ﻫﺎﻛﻢ اﻟﻌﻮﺳﺞ ﻳﻨﺒﺖ ﺗﻴﻨًﺎ ،وﻫﺎﻛﻢ اﻟﺘني وﻗﺪ اﺳﺘﺤﺎل ﻋﻮﺳﺠً ﺎ، إﻳ ٍﻪ ﻳﺎ أﴍاف إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﻳﺎ أﺑﻨﺎء إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ املﻘﻠﺪﻳﻦ ﻟﻸﴍاف! أﻧﺘﻢ اﻟﻴﻮم اﻟﻌﻮﺳﺞ ،وﻗﺪ ﻛﻨﺘﻢ ِ وأﻧﺖ ﻳﺎ ﻻﻣﻨﺸﺎ ،ﻳﺎ ﻋﻮﺳﺠﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺳﺘﺼﺒﺤني ﺗﻴﻨﺔ ﻣﺜﻤﺮة ﺛﻤﺎ ًرا ﻃﻴﺒﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘني، أﺟﻤﻊ .ﻫﺬه ﻫﻲ — ﰲ ﻧﻈﺮي — رﺳﺎﻟﺔ ﴎﻓﻨﺘﺲ ﰲ ﺿﻮن ﻛﻴﺨﻮﺗﻪ ،وﻣﺎ ﺳﻮى ذﻟﻚ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب ﺗﻔﻜﻬﺔ وﺗﻄﺮﻳﺐ. ﻟﻴﺤﺎرب إذن دواﻟﻴﺐ اﻟﻬﻮاء ﰲ ﻫﺬه اﻟﺼﺤﺮاء ،وﰲ ﺻﺤﺮاء إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .ﻫﻲ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ورﻣﺰ ،وﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﺎﻟﻴﺔ .ﻛﺎن اﻟﻬﻮاء ﻳﻌﺼﻒ ،ﻣﺜﻞ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ﴎﻓﻨﺘﺲ ،ﻣﻦ ﺗﺤﺖ إﱃ ﻓﻮق ،ﻓﻴﻘﺘﺼﺪ اﻟﻔﻼح املﻨﺸﺎوي ﺑﻀﻊ دواﻟﻴﺒﻪ ،ﻓﻴﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ إﱃ ﻋﴩة أﻗﺪام ﻓﻘﻂ ﻓﻮق اﻷرض؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻔﺎرس أن ﻳﺠﺮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻴﻔﻪ أو ﻳﺬﻳﻘﻬﺎ ﻃﻌﻦ رﻣﺤﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺿﻮن ﻛﻴﺨﻮﺗﻪ ،وﻣ ﱠﺰ َﻗﻬﺎ ﴍ ﻣﻤﺰق .أﺗﻘﻮل إﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻣ ﱠﺰﻗﺖ ،وﻣﺎ ﱠ وﻗﺮت؟ ﻟﺴﺖ أذﻛﺮ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺑﺎﻟﺒﻄﻞ املﻐﻮار ،أو ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﻫﻮ ﺑﻬﺎ؛ ﻷن ﻋﻬﺪي ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ﻗﺪﻳﻢ. ﱠ وﺗﻘﺸ َ وﰲ ﻫﺬه اﻟﺠﺒﺎل ﺗﺎب ﺿﻮن ﻛﻴﺨﻮﺗﻪ إﱃ ﷲ ،ﱠ ﻒ ،وﺟ َﻠ َﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻨﺴ َﻚ وﺗﻌﺒﱠ َﺪ ﱠ ً وﺗﺰﻟﻔﺎ إﱃ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﻗﻠﺒﻪ دﻟﺸﻨﻴﺔ اﻟﻄﺒﻮزﻳﺔ .وﻓﻴﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﻔﺎر ًة ﻋﻦ ذﻧﻮﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ، اﺟﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺴﺎﺣﺮ ﻣﻨﺘﻴﺴﻴﻨﻮس ،ﺑﻜﻬﻔﻪ املﺜري اﻟﺸﻬري ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻨﺠﻢ ﻧﺤﺎس ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺮوﻣﺎن. ﻟﻨَﺪ َِع اﻟﻐﺎﺑﺮ ﻣﻦ ﺗﻮارﻳﺦ وأﺳﺎﻃري ،وﻧﺄﺧﺬ اﻟﺤﻴﺎة ﰲ ﺣﺎﴐ ﺧﱪﻫﺎ وﺧريﻫﺎ ،ﻓﺈن ﰲ ﻫﺬه اﻷرض ﻗ ًﺮى ﻛﺜرية ،ﺗﺒﺪو ﻛﺎﻟﺒﺜﻮر ﰲ وﺟﻪ املﺠﺪور ،وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﴏح ﻗﺎﺋﻢ ﻏري اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،أو ﳾء ﻣﺘﺤﺮك ﻏري دواﻟﻴﺐ اﻟﻬﻮاء ،وﰲ ﻫﺬه اﻷرض ﺣﻴﺎة زراﻋﻴﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ اﻟﻌﻬﺪ — رأﻳﻨﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺤﻤﻠﻦ ﻋﲆ رءوﺳﻬﻦ اﻟﺠﺮار وﻗﺪ ﻣﻸﻧﻬﺎ ﻣﺎءً ﻣﻦ اﻟﻌني ﻛﺄﻧﻬﻦ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺎت أو ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺎت. 73
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ورأﻳﻨﺎ اﻟﻌﺠﻠﺔ اﻟﻜﺒرية املﺘﻘﻠﻘﻠﺔ ،ذات اﻟﺪوﻻﺑني اﻟﻀﺨﻤني املﻘﺮﻗﺮﻳﻦ ،ﻳﺠﺮﻫﺎ ﺑﻐﻞ أو ﺛﻮر ،أو اﺛﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﺒﻐﺎل أو اﻟﺜريان .رأﻳﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﻌﺠﻼت ﺗﺘﻘﻠﻘﻞ ،وﺳﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﺗﻘﺮﻗﺮ ﰲ اﻟﻘﺮى وﰲ املﺪن. وﻫﺎك ﻓﻼح ﻟﺒﻨﺎن أو ﻓﻠﺴﻄني ،ﺑﻞ ﻓﻼح ﺑﺎﺑﻞ وآﺷﻮر ،ﻳﺤﺮث أرﺿﻪ — ﻳﺪﻏﺪﻏﻬﺎ — ﺑﻤﺤﺮاث ﻣﺎ ﺑ َِﲇَ ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺤﺮاث اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ أﻃﻮل وأﻣﺘﻦ ﻇﻔ ًﺮا ﻣﻦ ﻣﺤﺮاث اﻟﻔﻼح املﻨﺸﺎوي ،اﻟﺬي ﻳﺠﺮه ﺑﻐﻞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ أو ﺑﻐﻼن. ﻋﺠﺒﺖ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﻌﺎﴆ ﻋﲆ أدوات اﻟﺰراﻋﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﰲ أرض ﻣﺜﻞ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻛﺜرية اﻟﺴﻬﻮل ،وﻻ ﻋﺠﺐ أن ﻇﻞ ﻣﺴﺘﻌﺼﻴًﺎ ﰲ ﺟﺒﺎل ﻟﺒﻨﺎن وﻣﻨﺤﺪراﺗﻬﺎ اﻟﻜﺜرية اﻟﺪﻛﺎت ،ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ اﺳﺘﻌﻤﺎل املﺤﺮاث اﻟﺘﺠﺎري أو آﻟﺔ اﻟﺤﺼﺎد املﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ. ورأﻳﻨﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﰲ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻐﺮوب ﻳﺤﺼﺪن ﺑﺎملﻨﺎﺟﻞ ﻗﻤﺢ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻳﺬ ﱢﻛﺮﻧﻚ ﺑﺼﻮرة ﻣﻴﻠﻴﻪ Milletاملﺸﻬﻮرة. إن اﻹﺳﺒﺎن ﻣﺘﺸﺒﺜﻮن ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،ﻣﻘﻴﻤﻮن ﻋﲆ ﻣﺎ ورﺛﻮه ﻣﻦ ﻋﺎدة وﻋﻘﻴﺪة ،إن ﻛﺎن ﰲ اﻟﺰراﻋﺔ أم ﰲ اﻟﺪﻳﻦ ،أو ﰲ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ — ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ — أو ﰲ املﻌﺎﻣﻼت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،وإﻧﻬﻢ َﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﺮب ﻻ ﻳ ِ ُﺤﺴﻨﻮن اﻹﻋﻼن ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻳﺴﺘﻨﻜﺮوﻧﻪ ،وﻻ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﻛﺜريًا ﰲ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ، ﻣﺘﻮﻗﺮون ﱡ ﱢ ﺗﻮﻗ َﺮﻧﺎ ،وﻣﺆﺟﻠﻮن إﱃ اﻟﻐﺪ دﻳﻦ ﺣﻜﻮﻣﺎت وأﻣﻢ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن .ﻫﻢ ﻗﺎﻧﻌﻮن ﻗﻨﻮﻋﻨﺎ، ِ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﻌﻤﻠﻮه ﰲ اﻟﺤﺎل .ﻫﺬه اﻵﻓﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻨﺎ وﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ واﻟﻮﻗﺎر ﺑني املﺰارﻋني واﻟﺘﺠﺎر. وﻟﻘﺪ ﻗﺪﱠﻣﺖ ً ﻣﺜﻼ ﻣﻦ ﻋﺠﻴﺐ ﻗﻨﺎﻋﺘﻬﻢ وﺻﺪﻗﻬﻢ ﰲ املﻌﺎﻣﻠﺔ؛ إذ ﻗﺼﺼﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻗﺼﺔ ً رﻏﺒﺔ ﺑﻔﻨﺠﺎن ﺳﺎﻋﺘﻲ ﰲ ﺑﺮﻏﻮس ،وﻫﺎك ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻏري ذﻟﻚ :وﻗﻔﻨﺎ ﻣﺮة ﰲ إﺣﺪى اﻟﻘﺮى؛ ﻣﻦ اﻟﻘﻬﻮة ،ﻓﺠﺎء ﺻﺎﺣﺐ املﻘﻬﻰ ﻳﺨﺪﻣﻨﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﺮﻏﺒﺘﻨﺎ وﺑﺄﻧﻨﺎ أﺑﻨﺎء ﻣﺪﻳﻨﺔ، أو ﻣﻦ أﻫﻞ اﻷﻣﺼﺎر ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻋﺮب اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،ﻗﺎل ﻟﻨﺎ :ﻗﻬﻮﺗﻨﺎ ﻏري ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻜﻢ ،إن ﻣﺸﻴﺘﻢ ﻳﴪﻛﻢ. إﱃ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ — وﻫﻲ ﻗﺮﻳﺒﺔ — ﺗﺠﺪوا ﻣﺎ ﱡ وﻛﻨﱠﺎ ﻧﺪﺧﻞ املﺨﺰن ﺑﻤﺪرﻳﺪ ﻓﻨﺴﺄل ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎ ﻓﺘﺤﴬﻫﺎ اﻟﺒﺎﺋﻌﺔ ﺑﺎﺳﻤﺔ ،أو اﻟﺒﺎﺋﻊ ﺳﺎﻛﺘًﺎ ،دون أن ﻳﻔﻮﻫﺎ ﺑﻐري ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺴﻌﺮ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻏري ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﺎﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻤَ ﻊ ﻻ ﺗﺠﺎوز اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻓﻼ ﻳﺤﺎول ﺻﺎﺣﺐ املﺨﺰن أن ﻳﺒﻴﻌﻚ ﺷﻴﺌًﺎ َ آﺧﺮ ،أو ﻳﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮك إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻤﺎ ﺗﺒﺘﻐﻴﻪ أو ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻪ :ﻏري ﻣﻮﺟﻮد ،ﺳﻨﻴﻮر .وﻗﺪ ﺗﺘﺒﻊ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺎﻳني ﻛﻠﻤﺔ أﺧﺮى :ﻗﺪ ﺗﺠﺪ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﰲ املﺨﺰن اﻟﻔﻼﻧﻲ ﰲ اﻟﺠﺎدة اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ. ﻗﻠﺖ إن اﻹﺳﺒﺎن ﻣﺘﺸﺒﺜﻮن ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،ﻣﻘﻴﻤﻮن ﻋﲆ ﻣﺎ ورﺛﻮا ﻣﻦ ﻋﻘﻴﺪة وﻋﺎدة؛ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﲇ ﱠ أن أﻗﻮل ﻛﺬﻟﻚ إﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﱠ إن ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ روﺣً ﺎ ﺟﺪﻳﺪة، 74
ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻷرض وأﻫﻠﻬﺎ
ُ ً ﻛﻨﺖ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻣﻨﺬ رﺑﻊ ﻗﺮن، وﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ املﺪن اﻟﻜﱪى وﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎع. ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﻈﻤﻰ ،وﻛﻨﺖ ﰲ ارﺗﻴﺎدي املﻘﺎﻫﻲ أﻋﺠﺐ ﻟﻮﺟﻬﻬﺎ املﺬﻛﺮﱠ ً ﻣﺎﺷﻴﺔ ﰲ وﻟِﺠﻮﱢﻫﺎ اﻟﻌﺮﻳﻖ ﰲ اﻟﺘﺬﻛري .ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺷﺎﻫﺪ اﻣﺮأة ﰲ ﻣﻘﻬً ﻰ ،وﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُ َﺮى اﻟﺸﺎرع دون ﺧﺎدﻣﺔ أو وﺻﻴﻔﺔ ﻟﻬﺎ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ إذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ إﺣﺪى اﻟﻄﺒﻘﺘني اﻟﻮﺳﻄﻰ أو اﻟﻌُ ﻠﻴﺎ .ﻛﺎﻧﺖ املﺮأة إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ. ً ْ أﻣﺴﺖ أوروﺑﻴﺔ ،وﻫﻲ ﺗﺸﺎرك ﰲ اﻷﻋﻤﺎل اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﺎملﺮأة اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻛﺎﻟﺮﺟﺎل ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻋﲆ ﳾء ﻛﺜري ﻣﻦ ﺣﺸﻤﺔ املﺮأة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳَﺰﻳﺪ ﰲ ﻓﻀﻠﻬﺎ وﻓﺘﻨﺘﻬﺎ .املﺮأة اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﺸﺌﻮن ﺑﻼدﻫﺎ َ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻻ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﰲ َز ْﻫ ِﻮﻫﺎ وﻣﺮﺣﻬﺎً ، اﻧﻄﻼق اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ أو اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، ﻣﺜﻼ، وﻻ ﺗﺴﱰﺳﻞ ﰲ ﺣﺮﻳﺘﻬﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﺳﱰﺳﺎل اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺎت. وﻻ ﻳﺰال ﰲ اﻟﺮﺟﻞ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ أﺷﻴﺎء ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻣﻦ رﺟﻮﻟﺘﻪ وﺧﺸﻮﻧﺘﻪ؛ ﻓﻬﻮ ﰲ ِ ﻳﺠﺎﻣﻞ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ ﻟﻠﻤﺮأة ﻻ ﻳﺨﻨﻊ ﺧﻨﻮع اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ،وﻻ ﻳﺘﺼ ﱠﻠﺐ ﺗﺼﻠﺐ اﻷملﺎﻧﻲ ،وﻻ اﻟﻔﺮﻧﴘ أو اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﻳﺠﺮي ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑني اﻟﺘﻘﻴﻴﺪ واﻟﺘﴪﻳﺢ ،ﺑني املﻌﺮوف واﻟﻌﺪل ،ﻓﻼ ﻳﺤﺒﺲ املﺮأة ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،وﻻ ﻳﺒﺎﻟﻎ ﰲ املﺠﺎﻣﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ. اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن أﻋﻮد إﱃ اﻷرض واﻟﺘﺎرﻳﺦ وأﺣﻮال اﻟﻨﺎس .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻹﺳﺒﺎن ﰲ ﺟﻬﺎدﻫﻢ اﻟﻌﺮب ﻳﱰﻛﻮن ﺑﻮ ًرا ﻛﻞ أرض ﻳﺨﺮﺟﻮﻧﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻟﻴﺤﺸﺪوا ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻴﻮش ،وﻳﻮاﺻﻠﻮا اﻟﺠﻬﺎد؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺮى ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﻜﺎﺋﻨﺔ ﺑني اﻷﻧﺪﻟﺲ وﻗﺸﺘﺎﻟﺔ؛ أي ﰲ ﻻﻣﻨﺸﺎ واﺳﱰﻣﺎدورا ،ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻷراﴈ ﻏري املﺸﺠﺮةُ ، ﺑﺎﻟﺤﺮيﱢ ﺑﻌﺪ وﻗ ِﻞ اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ املﺎﻟﺤﺔ .ﻓﺒﻌﺪ أن أﺧﺮﺟﻮا اﻟﻌﺮب ﻣﻨﻬﺎ ،أو ِ أن اﻧﺘﺰﻋﻮا ﻗﺮﻃﺒﺔ وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﻃﻠﻴﻄﻠﺔ وﺑﻠﻨﺴﻴﺔ ﻣﻦ أﻳﺪﻳﻬﻢ ،ﺑﻘﻴﺖ اﻷراﴈ املﺠﺎورة ﻟﺘﻠﻚ املﺪن واملﻘﺎﻃﻌﺎت ﺟﺪﺑﺎء ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ،وﻗﺪ ﺷﻐﻠﺘﻬﻢ اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ،واﻟﺤﺮوب اﻷﻫﻠﻴﺔ ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﺣﺮاﺛﺘﻬﺎ؛ ﻓﺎﻛﺘﺴﺒﺖ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺠﺪب واﻟﺒﻮار. ﻋﲆ أن ﻟﻠﻮﺿﻊ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﺠﻐﺮاﰲ ﻣﻔﻌﻮﻟﻪ ﰲ ﺧﺼﺐ اﻷرض وﺟﺪﺑﻬﺎ ،وﻣﺎ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻔﻴﺎﰲ ﺗﺸﻜﻮ إﻫﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺸﻜﻮ إﻫﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺘﺒﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ :وادي ﻳﺎﻧﺎ ووادي اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻜﺒري ،وﺗﺤﺮﻣﻬﺎ املﻴﺎه .ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ رآﻫﺎ اﻟﻌﺮب ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﱃ ،وأﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻻﺳﻢ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﻪ اﻟﻴﻮم ،إﻧﻤﺎ ُﻗ ﱢﺴﻤﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ ﻗﺴﻤني :اﻷﻋﲆ واﻷﺳﻔﻞ ،واﻻﺳﻢ واملﺴﻤﻰ ﰲ اﻟﻘﺴﻢ اﻷﻋﲆ ،أﻣﺎ ﰲ اﻷﺳﻔﻞ ﻋﻨﺪ ﺑﻠﺪة أﻟﺒﻴﻨﺎس Valdepenasودوﻧﻬﺎ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﻓﻼ ﻳﺒﻘﻰ ﻏري اﻻﺳﻢ ،ﻓﺘَ ْﺨ َﻀ ِ ﻮﴐ اﻷرض ،وﺗﻜﺜُﺮ اﻟﻜﺮوم ﺑني ﻣﺰروﻋﺎﺗﻬﺎ. 75
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻻ ﻧﺰال ﻣﻊ ذﻟﻚ ﰲ ﻧَﺠْ ِﺪ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،املﺘﻌﺪد اﻟﻮﺟﻮه ﰲ ﺳﻬﻠﻪ وﺟﺒﻠﻪ ،وﻫﺎ ﻧﺤﻦ أوﻻء ﻧﺪﻧﻮ ﻣﻦ أﻋﻼه ﰲ ﺟﺒﺎل ﻗﻄﻌﻨﺎﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﺮب ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ ﻣﺪرﻳﺪ ،وﻧﺠﺘﺎز اﻵن ﻃ َﺮﻓﻬﺎ اﻟﴩﻗﻲ .ﻫﻲ ﺟﺒﺎل ﻣﻮرﻳﻨﻪ Sierra Morenaاﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑني ﻧﻬﺮ وادي ﻳﺎﻧﺎ واﻟﻮادي اﻟﻜﺒري، وﻓﻴﻬﺎ ﻣﻤﺮ ﺧﺸﻦ اﻟﺠﻮاﻧﺐ واﻟﻄﻠﻌﺔ ،رﻓﻴﻊ راﺋﻊ ﻣﻬﻴﺐ ،ووادٍ ذ ﱠﻛﺮﻧﻲ ﺑﻮادي اﻟريﻣﻮك، ني ﻣﻦ اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺪﻛﻨﺎء ،ﺗﺮاﻓﻘﻨﺎ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﻮادي ﺗﺤﺘﻨﺎ ،ﻓﺘﻈﻬﺮ ﻧﺼﻌﺪ ﻓﻴﻪ ﺑني ﻧ َ ْﻔﻨ َ َﻔ ْ ِ ُ رﻓﻴﻘﻬﺎ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺼﻐري .املﺎء وﺗﺘﻮارى ﰲ ﺑﻀﻌﺔ أﻧﻔﺎق ،ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ وﻳﺘﻮارى ﺑني اﻟﺼﺨﻮر واﻟﺒﺨﺎر واﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ﰲ املﻤﺮ اﻟﻮاﺣﺪ! ذﻟﻚ املﻤﺮ أو املﻀﻴﻖ — ﺑﻞ ﻫﻮ اﻻﺛﻨﺎن ﻣﻌً ﺎ — ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺑﺎﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ Puerto de ،Despenaperrosوﻳُﺪﻋَ ﻰ ﻛﺬﻟﻚ »ﻗﻤﺔ اﻟﻜﻼب« ،ﻫﻮ اﻟﺒﺎب ﺑني اﻷﻧﺪﻟﺲ وﻗﺸﺘﺎﻟﺔ ،ﻛﺎن ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﺎﺗﺤني ﰲ زﺣﻔﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب إﱃ اﻟﺸﻤﺎل ،إﱃ ﻗﻠﺐ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﺛﻢ إﱃ رأﺳﻬﺎ ﰲ أﺷﺘﻮرﻳﺔ. ﺑﻠﻐﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻮ املﻤﺮ ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﻣﱰ ،ﺛﻢ أﺧﺬﻧﺎ ﰲ اﻟﻬﺒﻮط ،ﻓﺄﻃﻠﻠﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ ﻋﲆ اﻟﺴﻬﻮل ُ اﻟﻔﻴﱠﺢ املﺘﻤﻮﺟﺔ اﺧﴬا ًرا ،وﻋﲆ اﻟﺠﺒﺎل املﻜﻠﻠﺔ ﺑﺎﻟﺜﻠﺞ ﻫﻨﺎك ﰲ اﻷﻓﻖ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ اﻟﺒﻌﻴﺪ ،ﻫﻨﺎك اﻟ »ﺳريا ده ﻧﺎﻓﺎدا« .Sierra de Navada وﻫﺎك أول ﻣﺤﻄﺔ ﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،اﺳﻤﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ ﻫﻴﻼﻧﺔ ،Santa Elena وﺧﱪﻫﺎ ﺧﱪ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ اﺳﻤﻬﺎ ،املﴩﻓﺔ ﺑﺬﻛﺮ أﻛﱪ اﻟﻔﺎﺗﺤني .ﻓﻤﻦ واﺗﺮﻟﻮ Water loaإﱃ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ ﻫﻴﻼﻧﺔ ،وﻣﻦ ﻫﻴﻼﻧﺔ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻫﺬه إﱃ واﺗﺮﻟﻮ اﻟﻌﺮب، »إﱃ ﻻس ﻧﺎﺑﺎس ده ﻃﻠﻮزا« Las Navas de Tolosaاﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻨﻬﺎ .ﻫﻨﺎك ﻧُﻜﺒﻮا ﻧﻜﺒﺘﻬﻢ اﻟﻜﱪى ،ﻫﻨﺎك وﻗﻒ ﻟﻬﻢ ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى ﻳﻤﺪﻫﻢ ﺟﻴﺶ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴني اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني واﻹﺳﺒﺎن اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎرﺑﻮا ﰲ اﻟﴩق. وﻛﺎن اﻟﻌﺮب املﻮﺣﺪون ﻗﺪ ﺟﺪﱠدوا اﻟﺠﻬﺎد ﻳﻘﻮدﻫﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﻌﻘﻮب املﻨﺼﻮر ،ﻓﺎﻧﺘﴫوا ﻋﲆ املﻠﻚ أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﰲ وﻗﻌﺔ اﻟﻌ ﱠﺮاﻗﺔ ﺳﻨﺔ .١١٩٥وﺣﺎوﻟﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن ﻳﺠﺪﱢدوا اﺳﺘﻴﻼءﻫﻢ ﻋﲆ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ وراء ﺟﺒﺎل ﻣﻮرﻳﻨﻪ ،ﰲ ﻗﻠﺐ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ؛ أي ﻋﲆ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ وﴎﻗﺴﻄﺔ وﺗﻮاﺑﻌﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺎم ﺑﺎﻧﺒﺎرة ،ﺑﻌﺪ اﻧﻜﺴﺎر اﻟﺼﻠﻴﺒﻴني ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧرية ﰲ ﻓﻠﺴﻄني، ﻳﺪﻋﻮ ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى ﻟﺠﻬﺎد املﺴﻠﻤني ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ؛ ﻓﻠﺒﱠﻰ اﻟﺪﻋﻮة ﻣﻠﻮك ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ واﻟﱪﺗﻐﺎل وأرﻏﻮن وﻧﺒﺎرة ،وﺟﺎءﻫﻢ ﻓِ ﺰﻋً ﺎ أوﻟﺌﻚ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮن اﻟﻌﺎﺋﺪون ﻣﻜﺴﻮرﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﴩق؛ ﺟﺎءوا ﻳﺒﻐﻮن اﻻﻧﺘﻘﺎم .ﻓﺰﺣﻒ ﺟﻴﺶ اﻟﺤﻠﻔﺎء اﻟﺠﺮار إﱃ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ووﻗﻒ ﺑﻌﺪ أن اﺟﺘﺎز ﻣﻤﺮ دﺳﺒﻨﻴﺎﺑﻮروس ،ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺳﺎﻧﺘﺎ إﻟﺒﻴﻨﺎ. 76
ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻷرض وأﻫﻠﻬﺎ
وﺧﺮج اﻟﻌﺮب واﻟﱪﺑﺮ ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻨﺎﴏ ﺧﻠﻒ املﻨﺼﻮر ﻳﻌﻘﻮب ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻮا ﰲ ﻫﺬا اﻟﺠﻮار ﺑﺠﻴﻮش اﻟﺤﻠﻔﺎء ،ووﻗﻌﺖ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﻮﻗﻌﺔ اﻟﻜﱪى ،وﻗﻌﺔ اﻟﻌﻘﺎب ﺗﻤﻮز ﺳﻨﺔ ١٢١٢ اﻟﺘﻲ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﰲ اﻟﺘﻮارﻳﺦ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ Las Navas da Tolosa؛ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻗﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﺖ ﻋﲆ دوﻟﺔ املﻮﺣﺪﻳﻦ ﺑﻘﺮﻃﺒﺔ — ﻣﺎ ﻋﺎﺷﺖ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻏري ﺧﻤﺲ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ — ورد ِﱠت اﻟﻌﺮبَ إﱃ اﻟﺠﻨﻮب ،إﱃ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،إﱃ اﻟﺸﻮاﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،ﻓﻤﺎ ﺗﺸﻮﱠﻗﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ ﻣﺎ وراء ﺟﺒﺎل ﻣﻮرﻳﻨﻪ.
77
ﻗﺮﻃﺒﺔ
1
ﻣﻦ آﻓﺎت ﻋﺮب اﻟﻔﺘﺢ اﻷُوَل أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺴﺘﺄﺛﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ،وﻏري ﻋﺎدﻟني ﰲ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﺑني املﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ،وﻣﻦ آﻓﺎت إﺧﻮاﻧﻬﻢ اﻟﱪﺑﺮ ،اﻟﺬﻳﻦ راﻓﻘﻮا ﻃﺎرق ﺑﻦ زﻳﺎد وﻣﻮﳻ ﺑﻦ ﻧﺼري، ً رﻏﺒﺔ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﻌﻴﻢ اﻟﺪاﺋﻢ ،ﺑﻞ أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺘﻘ ﱢﻠﺒني ﰲ ﻧﺰﻋﺎﺗﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،وأﺷﺪ ﻛﺎن ﰲ اﻟﻌﺮب أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻛﺜريون ﻣﻦ ﻫﺆﻻء املﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﺣﻄﺎﻣﻬﺎ. وﻣﻦ آﻓﺎت أوﻟﺌﻚ اﻟﻌﺮب اﻟﺤﺰﺑﻴﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ؛ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ واﻟﻘﻴﺴﻴﺔ ،واﻟﺪوﻟﻴﺔ؛ اﻷﻣﻮﻳﺔ واﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،واملﺬﻫﺒﻴﺔ؛ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﺸﻴﻌﻴﺔ واﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ اﻟﺴﻨﻴﺔ. وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻀﻐﺎﺋﻦ اﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﻣﺘﺄﺻﻠﺔ ﰲ ﺻﺪورﻫﻢ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﻨﻜﺮ ﻣﺨﻴﻒ .ﻗﺎل أﺣﺪ زﻋﻤﺎء اﻟﻘﻴﺴﻴني» :ﻟﻮ أن دﻣﺎء أﻫﻞ اﻟﺸﺎم ﺟُ ِﻤﻌﺖ ﱄ ﰲ ﻗﺪح ﻟﴩﺑﺘﻬﺎ «.ﺑﻞ ﻛﺎن ﺑﻐﺾ اﻟﻘﻴﴘ ﻟﻠﻴﻤﻨﻲ ،وﺑﻐﺾ اﻟﻴﻤﻨﻲ ﻟﻠﻘﻴﴘ ،أﺷﺪ ﻣﻦ ﺑﻐﺾ اﻟﻌﺮب ﻟﻸﻋﺎﺟﻢ. وﻣﺎ اﺧﺘﻠﻒ اﻟﱪﺑﺮ ﻋﻦ اﻟﻌﺮب ﰲ ﺿﻐﺎﺋﻨﻬﻢ وأﻫﻮاﺋﻬﻢ؛ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻨﺤﺎزون ﺣﻴﻨًﺎ إﱃ ﻫﺬا ﻣﺜﻼ ً اﻟﺤﺰب وﺣﻴﻨًﺎ إﱃ َ اﻵﺧﺮ ،ﻓﻴﺴﺘ ﱡﻠﻮن ﻋﲆ اﻟﻘﻴﺴﻴﺔ ً ﺳﻴﻔﺎ ﻛﺎن ﻳﻘﻄﺮ ﺑﺪﻣﺎء اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ.
1ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ اﻷُﻣﻮي ﱠ املﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ ،ﱠ أﺳ َﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺳﻨﺔ ١٣٨ﻫ٧٥٥/م وﺟﻌﻞ ﻋﺎﺻﻤﺘﻬﺎ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،وﻗﺪ داﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٤٢٢ﻫ١٠٣١/م ﺛﻢ ﺗﻔ ﱠﻜﻜﺖ ،ﻓﺄﻣﺴﺖ دوﻳﻼت ﻋﺪة ﰲ ﻋﻬﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ .أﻣﺎ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻓﻘﺪ اﻧﻀﻤﺖ إﱃ إﻣﺎرة إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٠٧٠م ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٠٩١م اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﺮاﺑﻄﻮن ،ﻓﺎملﻮﺣﺪون ﰲ ﺳﻨﺔ ،١١٤٨ﺛﻢ اﻧﺘﺰﻋﻬﺎ ﻣﻦ املﻮﺣﺪﻳﻦ ﰲ ٢٢ﺗﻤﻮز ﺳﻨﺔ ١٢٣٦ املﻠﻚ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﻓﺮدﻳﻨﺎﻧﺪ ،ﻓﺎﻧﺘﻬﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﻌﺮب ﻓﻴﻬﺎ.
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻣﻦ آﻓﺎت اﻟﻌﺮب واﻟﱪﺑﺮ ﻋﲆ اﻟﺴﻮاء أﻧﻬﻢ ﻳﺆﺛﺮون اﻷﺷﺨﺎص ﰲ اﻷﺣﻜﺎم ﻋﲆ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،واﻟﻘﻮة اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻋﲆ اﻟﺤﻖ املﴩوع ،ﻓﻴﻨﻔﺮون ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﺴﺘﻨﻔِ ﺮ ،وﻻ ﻳﺤﺴﺒﻮن ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ وﻻ ﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻷﻣﻮر ﺣﺴﺎﺑًﺎ. وﻣﻦ آﻓﺎت اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﺒﻨﻴٍّﺎ ﻋﲆ أوﺿﺎع دﻳﻨﻴﺔ — ﺗﻌﺪ ﻣُﻨ ﱠﺰﻟﺔ — وﺷﺨﺼﻴﺎت ﱢ ﺗﻨﻔﺬﻫﺎ وﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺑﺪل أن ﻳﻜﻮن ﱠ ﻣﺆﺳ ًﺴﺎ ﻋﲆ أﻧﻈﻤﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ، ودﺳﺘﻮر ﻳﺤﺪﱢد ﻧﻄﺎﻗﻬﺎ وﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻴﺘﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس اﺣﱰام اﻟﺪﺳﺘﻮر اﺣﱰاﻣﻬﻢ ﰲ اﻷﻗﻞ ﻟﻠﺸﺨﺺ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﻪ ،وﻳﺬﺑﱡﻮن ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺎم واﻟﻘﺎﻧﻮن ذﺑﱠﻬﻢ ﻋﻦ ﻫﺬا املﻌﺰ ﻟﺪﻳﻦ ﷲ ،أو ذﻟﻚ املﻌﺘﺼﻢ ﺑﺎهلل ﺗﻌﺎﱃ. ﻟﺴﺖ أُﻧﻜِﺮ أن اﻷﺣﻜﺎم اﻷوروﺑﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ اﻹﺟﻤﺎل ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻂ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺸﺨﴢ اﻻرﺗﺠﺎﱄ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻄﻮﱠرت إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻮﻗﻬﺎ؛ أي إﱃ وﻃﻨﻴﺔ ﺑﺄﻧﻈﻤﺔ، ودوﻟﺔ ﺑﺪﺳﺘﻮر ،ﻓﻨﺸﺄ ﻣﻦ اﻟﻔﻮﴇ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ً ﻣﺜﻼ ﻧﻈﺎم ﺳﻴﺎﳼ ﻣﺪﻧﻲ ﺷﻤﻞ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ وﻟﻴﻮن ،ﺛﻢ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ وأرﻏﻮن ،ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﺳﺒﺎﻧﻴٍّﺎ دوﻟﻴٍّﺎ ،ﺛﺎﺑﺖ اﻷرﻛﺎن ،وذا ﻣﺮوﻧﺔ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺘﻄﻮر. أﻣﺎ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺼﻮل واﻟﻄﻮل ﰲ املﴩق واملﻐﺮب، ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﺛﺎﺑﺘًﺎ إﻻ اﻟﺠﻤﻮد ،واﻟﺘﻘﻴﺪ ﺑﺄوﺿﺎع ﺟﺎﻣﺪة ،ﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺒﺘﺔ ،أو ﺑﺎﻟﺤﺮي ﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺘﻄﻮر ﻣﺎ داﻣﺖ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻣُﻨ ﱠﺰﻟﺔ .ﻓﺈﻣﺎ أن ﺗُ َ ﻠﻐﻰ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ ،وإﻣﺎ أن ﺗﺒﻘﻰ داﺋﻤً ﺎ ﻋﲆ ﺟﻤﻮدﻫﺎ .ﻫﺬا ﰲ املﺎﴈ وﰲ ﻛﻞ اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻏري اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻧﺎﻣﻮس اﻟﻨﺸﻮء واﻻرﺗﻘﺎء ﰲ زﻣﺎﻧﻨﺎ ﺗﻐ ﱠﻠﺐَ ﻋﲆ »املﻨﺰﻻت« ﰲ اﻷوﺿﺎع اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﺘﻄﻮﱠرت ﰲ اﻟﻌﺮاق وﰲ ﻣﴫ ﺗﻄﻮ ًرا أوروﺑﻴٍّﺎ؛ إذ أ ُ ِ ﻧﺸﺌﺖ ﰲ اﻟﺒﻠﺪان ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ دﺳﺘﻮرﻳﺔ. ﻓﻠﻮ أن ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر ﺣﺪث ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﺣﺪوﺛﻪ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ املﺴﻴﺤﻴﺔ، ﻓﺘﻜ ﱠﻠﻠﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﺪﺳﺘﻮر ﻳ َ ُﺮﻓﻊ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ واﻟﺮﻋﻴﺔ ،وﻳُﺤﱰَم اﺣﱰام اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، وﺑﻜﻠﻤﺔ أﺧﺮى ﴏﻳﺤﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ،ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻣﺘﺤﺪﻳﻦ ﰲ وﻃﻨﻴﺘﻬﻢ اﺗﺤﺎدﻫﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﰲ اﻟﻌﻬﺪ اﻷول ﻟﻺﺳﻼم ،وﻟﻮ أﻧﻬﻢ ﻧﺒﺬوا اﻷوﺿﺎع اﻟﺠﺎﻣﺪة ﰲ اﻟﺤﻜﻢ ﻧﺒﺬﻫﻢ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﰲ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻟﻮ أﻧﻬﻢ أدرﻛﻮا ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺘﻀﺎﻣﻦ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻘﺪﱠﻣﻮا اﻟﻀﻤﺎن اﻟﻌﺎم ﻋﲆ اﻟﻀﻤﺎن اﻟﺨﺎص اﻟﺤﺰﺑﻲ أو اﻟﺸﺨﴢ ،وﻋﺪﻟﻮا ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻈﻬﺎر ﺑﺎﻷﻋﺎﺟﻢ ﻋﲆ إﺧﻮان ﻟﻬﻢ ﻣﻦ دﻳﻨﻬﻢ وﺟﻠﺪﺗﻬﻢ؛ ﻟﻘﺎﻣﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ املﺘﺤﺪة ﻋﲆ أ ُ ُﺳﺲ ﻣﺘﻴﻨﺔ وﻃﻴﺪة ﺛﺎﺑﺘﺔ ،و َﻟﺪاﻣﺖ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم. 80
ﻗﺮﻃﺒﺔ
وﻫﻨﺎك أﺳﺒﺎب أﺧﺮى ﻟﻀﻌﻒ اﻟﻌﺮب وﻓﺴﺎد أﻣﺮﻫﻢ ،ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺘﴪي وﻣﺎ ﻳﺨﻠﻔﻪ ﰲ اﻟﺤﺮﻳﻢ ،وﰲ اﻷﻣﺔ ،وﰲ املﻠﻚ ،ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ واﺿﻄﺮاﺑﺎت وﻓﺘﻦ ،وﻣﻨﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ﺗﺰوﱡج ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ وأرﻏﻮن ،ﻓﻨﺸﺄ ﰲ اﻟﺒﻼد املﺴﻠﻤني ﺑﺎملﺴﻴﺤﻴﺎت ،وﻗﺪ ﺷﺎع ﺷﻴﻮﻋً ﺎ ذرﻳﻌً ﺎ ﺻﻨﻒ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ُﺳﻤﱡ ﻮا املﻮ ﱠﻟﺪﻳﻦ وﻫﻢ املﻮ ﱢﻟﺪون ﻟﻜ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ اﺿﻄﺮاب وﻓﺴﺎد ﰲ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺪﻳﻦ .ﻣﺎ ﻛﺎن أوﻟﺌﻚ املﻮ ﱠﻟﺪون ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا ،وﻻ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ إﻣﻌﺎت ،ﺣ ﱠ ٍ ﻄﺎﺑني ﰲ ﻛﻞ وادٍ ،ﻣﻌﻔﺮﻳﻦ ﰲ ﻛﻞ َﻛ ْﺮﻣﺔ وﺣﺼﺎد. ﻛﻔﺮوا ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا وﴍ املﻮ ﱠﻟﺪﻳﻦ ﻋﲆ اﻷﻣﺔ ﻣﻮ ﱠﻟﺪ ﰲ اﻟﺒﻴﺖ املﺎﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺗﻘ ﱠﻠ َﺪ اﻟﺤﻜﻢ ﻛﺎن ﺿﻌﻴﻒ اﻟﻬﻤﺔ ً ﻣﺮاوﻏﺎ ﻣﺘﺬﺑﺬﺑًﺎ ،وإن ﺗﻘ ﱠﻠﺪَه أخ ﻟﻪ أو اﺑﻦ ﻋﻢ ﻛﺎن ﻣﺜريًا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻔﺘﻦ ﻃﻤﻌً ﺎ ﺑﻤﻨﺼﺒﻪ. واﻟﺮأي، وﻗﺪ ُﻣﻨِﻴﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ،وﻫﻲ ﰲ إﺑﱠﺎن ﻣﺠﺪﻫﺎ وﻋﻤﺮاﻧﻬﺎ، ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﻋﺠﱠ ﻠﺖ ﺑﺎﻟﻄﻮر اﻷﺧري ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ،ﻃﻮر اﻟﺘﻘﻬﻘﺮ واﻟﻔﺴﺎد، ﻃﻮر اﻟﻔﻮﴇ واﻟﻔﺘﻦ ،ﻃﻮر اﻻﺿﻤﺤﻼل. ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻌﻢ ﺑﺤﻜﻢ ﻓﺮﻳﺪ ﰲ اﻟﻘﻮة واﻟﻌﺪل وﺣﺴﻦ اﻟﺘﺪﺑري ،ﻫﻮ ﺣﻜﻢ ذﻟﻚ اﻷﻣﻮي اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﱠ املﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻨﺎﴏ ،وﻗﺪ دام ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻄﻠﻌً ﺎ ﻷﻧﻮار اﻟﻌﻠﻢ واملﺪﻧﻴﺔ واﻟﻌﻤﺮان ،وﻛﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻨﺎﴏ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻋﻮاﻫﻞ زﻣﺎﻧﻪ ً ً وﺣﻜﻤﺔ واﻗﺘﺪا ًرا .ﻓﻬﻮ ﺟﺪﻳﺮ إذن ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺻﺎﻏﻪ ﻟﻪ ﻣﺆرﺧﻮ اﻟﻌﺮب وﺷﻌﺮاﺋﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ املﺪﻳﺢ ﻋﲆ ﻏﻠﻮﱢه2 . وﻗﺪ دام ازدﻫﺎر املﻠﻚ ،وروﻧﻖ اﻟﺤﻀﺎرة ﰲ ﻋﻬﺪ اﺑﻨﻪ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،اﻟﺬي اﻗﺘﻔﻰ أﺛﺮ واﻟﺪه ،وﻛﺎن إﱃ ذﻟﻚ ﻣﺤﺒٍّﺎ ﻟﻠﻌﻠﻢ واﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﺸﺠﱢ ﻌً ﺎ ﻋﲆ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ أﺳﺎء إﱃ اﻹرث اﻷﻣﻮي املﻠﻜﻲ ﻓﻴﻤﺎ أدﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ دم أﻋﺠﻤﻲ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺰوﱠجَ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﻣﺮأة
2وﻏﻠﻮ اﻟﻌﺮب ﰲ املﺪﻳﺢ أو ﰲ اﻟﺬم ﻳﺒﻠﻎ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺎﻳني ﺣ ﱠﺪ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻻﺳﺘﻬﺠﺎن .ﻓﻤﻤﺎ ﻳُﺤ َﻜﻰ ﻋﻦ املﴩف ﺑﺄﻋﲆ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺰﻫﺮاء، ﻫﺬا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ أﻧﻪ أراد اﻟﻔﺼﺪ ﻳﻮﻣً ﺎ ،ﻓﻘﻌﺪ ﰲ اﻟﺒﻬﻮ اﻟﻜﺒري ِ ﱠ وﺟﺲ ﻳﺪ اﻟﻨﺎﴏ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ إذ أﻃﻞ زرزور ﻓﺼﻌﺪ واﺳﺘﺪﻋﻰ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻄﺒﻴﺐ اﻵﻟﺔ ﻋﲆ إﻧﺎء ﻣﻦ ذﻫﺐ ﰲ املﺠﻠﺲ ،وأﻧﺸﺪ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ: إﻧﻤﺎ ﺗﻔﺼﺪ ﻋ ً ﺮﻗﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺤﻴﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻨﺎ
أﻳ ﻬ ﺎ اﻟ ﻔ ﺎﺻ ﺪ رﻓ ًﻘ ﺎ ﺑ ﺄﻣ ﻴ ﺮ اﻟ ﻤ ﺆﻣ ﻨ ﻴ ﻨ ﺎ
81
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻣﻦ ﺷﻌﺐ آل »ﺑﺎﺳﻚ« Basqueاﻹﺳﺒﺎﻧﻲ اﻟﺪﻳﺎر ،اﺳﻤﻬﺎ أورورا ،Auroraﻓﺪُﻋِ ﻴﺖ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺻﺒﺤً ﺎ ،ﻓﻮﻟﺪت اﺑﻨًﺎ ﻛﺎن وﺣﻴﺪ أﺑﻴﻪ ﻫﻮ ﻫﺸﺎم اﻟﺬي ﺧﻠﻔﻪ ﺳﻨﺔ ٩٧٦ﻋﲆ اﻟﻌﺮش. ﻫﺸﺎم ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﻦ ﺻﺒﺢ اﻟﺒﺎﺳﻜﻴﺔ — ﻫﺸﺎم اﻟﺜﺎﻧﻲ — ﻫﻮ ﻣَ ﻦ أﴍت إﻟﻴﻪ ﻛﺴﺒﺐ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺘﻘﻬﻘﺮ ﰲ املﻠﻚ واﻷﻣﺔ ،ﺧﻼل ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ؛ أي ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﺣﺎﺟﺒﻪ اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ، وإﱃ أن اﺣﺘﺪﻣﺖ اﻟﺤﺮوب اﻷﻫﻠﻴﺔ ﻓﺄد ْ ﱠت إﱃ اﻟﻔﻮﴇ واﻻﺿﻤﺤﻼل ،وإﻟﻴﻚ اﻟﺒﻴﺎن. ﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺧﻠﻔﻪ اﺑﻨﻪ ﻫﺸﺎم اﻟﻘﺎﴏ ،ﻓﺘﻮ ﱠﻟ ِﺖ اﻟﺤﻜﻢ أﻣﻪ اﻟﺒﺎﺳﻴﻜﻴﺔ، ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻏﺎﻟﺐ ﻋﻢ اﻟﺤﺎﺟﺐ اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ وأﻛﱪ اﻟﻘﺎدة ﰲ اﻟﺠﻴﺶ. وﻛﺎن اﻟﺤﺎﺟﺐ ﻣﺰاﺣﻤﻬﻤﺎ وﻣﻨﺎوﺋًﺎ ﻟﻬﻤﺎ ،ﻓﺤﺠﺮ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻓﺎﻧﺘﴫ ﻟﻪ ﻏﺎﻟﺐ ،وﻛﺎن وﺻﺒﺤً ﺎ ً ﺣﻠﻔﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ اﻟﺤﺮب ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،أي ﺑني ﻏﺎﻟﺐ واﻟﺤﺎﺟﺐ ﺻﻬﺮه ،ﻓﺎﺳﺘﻈﻬﺮ ﻏﺎﻟﺐ ﺑﻨﺼﺎرى ﻟﻴﻮن ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﺘﴫًا؛ ﻓﻘﺪ ُﻗﺘِﻞ ﰲ املﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ُﻛﺘِﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﴫ ﻟﺼﻬﺮه، ﱠ ﻣﻈﻔ ًﺮا ،واﺳﺘﻘﻞ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ. ﻓﺪﺧﻞ ﻗﺮﻃﺒﺔ وﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ أﺣَ ﺐﱠ ﺻﺒﺤً ﺎ ﰲ ﺻﺒﺎﻫﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻼﳽ ذﻟﻚ اﻟﺤﺐ ﱢ ﺗﺸﻔﻴًﺎ وﻛﻴﺪًا؛ ﻓﻘﺪ ﺣ ﱠﺮﺿﺖ ﻏﺪت ﺧﺼﻤً ﺎ ﻟﻠﺤﺒﻴﺐ ،ﻻ دﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻦ ﺣﻘﻮق اﺑﻨﻬﺎ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ اﻟﺤﻜﺎم ورﺟﺎل اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ زﻳﺮي ﺑﻦ ﻋﻄﻴﺔ ،ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺨﺸﺎه اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ،وﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻳﺨﴙ ﺳﻮاه. ﻛﺎن اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺣﺎﺟﺒًﺎ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺣﺎﺟﺒًﺎ ﻳﻌﺮف ﺣﺪود وﻇﻴﻔﺘﻪ ﻓﻼ ﻳﺘﻌﺪﱠاﻫﺎ؛ 3ﻷن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻣﺮ واﻟﻨﻬﻲ .أﻣﺎ ﰲ ﺧﻼﻓﺔ اﺑﻨﻪ ﻫﺸﺎم ﻓﻘﺪ ﺻﺎر اﻟﺤﺎﺟﺐ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮه ،ﺑﻞ اﻟﻄﺎﻣﻊ ﺑﺎﻟﻌﺮش .ﻫﺎ ﻫﻮ ذا اﻟﻨﻘﺺ ﰲ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﺪﻳﻦ ،وﻫﺎ ﻫﻲ ذي إﺣﺪى آﻓﺎت اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺸﺨﴢ اﻻرﺗﺠﺎﱄ. ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ املﺮء ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻄﻤﻊ ،إن ﻛﺎن ﺳﻠﻴﻢ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،ﺑﺎﻏﺘﺼﺎب املﻠﻚ، ﻓﻴﺰج ﺑﺎﻟﺒﻼد ﰲ ﻏﻤﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﻮﴇ ﺗُﻔﴤ إﱃ اﻻﻧﺤﻼل واﻻﺿﻤﺤﻼل .ﻣﻤﺎ ﻻ رﻳﺐ ﻓﻴﻪ أن اﻟﺤﺎﺟﺐ اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻛﺎن ﺷﺠﺎﻋً ﺎ وﻛﺎن ﺗﻘﻴٍّﺎ ،وﻛﺎن ﻏﻴﻮ ًرا ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ،ﺑﻞ ﻛﺎن ً ﺑﻄﻼ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر أﺑﻄﺎل اﻟﺠﻬﺎد .ﻏﺰا ﰲ ﺳﺒﻊ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﺳﺘٍّﺎ وﺧﻤﺴني ﻏﺰوة — ﻏﺰوﺗني ﻛﻞ ﻋﺎم، ﰲ اﻟﺮﺑﻴﻊ وﰲ اﻟﺼﻴﻒ — وﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻣ ﱠ ُﻮﻓ ًﻘﺎ. أﺟﻞ ،ﻛﺎن ﻣ ﱠ ُﻮﻓ ًﻘﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل املﺆرﺧﻮن اﻟﻌﺮب واﻟﺸﻌﺮاء ،وﻳﻘﻮﻟﻮﻧﻬﺎ ﻣﺒﺘﻬﺠني ﻣﻔﺘﺨﺮﻳﻦ .ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ؟ إن ﻣﻦ ﺣﻮادث اﻟﺘﺎرﻳﺦ وأﻋﻤﺎل رﺟﺎﻟﻪ اﻷﻗﺪﻣني ﻣﺎ ﻫﻮ 3وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﺤﺎﺟﺐ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﺷﺒﻪ وزﻳﺮ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ. 82
ﻗﺮﻃﺒﺔ
ﺧري ﻋﲆ اﻟﺪوام ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﴍ ﰲ ﻛﻞ زﻣﺎن وﻣﻜﺎن ،وﻣﻨﻬﺎ ﺑني اﻻﺛﻨني ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧري وﴍ ﰲ زﻣﺎﻧﻪ .أﻣﺎ ﻏﺰوات اﻟﺤﺎﺟﺐ اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ املﻠﻘﺐ ﺑﺎملﻨﺼﻮر 4 ،ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﻒ اﻷول وﻻ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻟﻴﺴﺖ ﴍٍّا وﺧريًا ﰲ ﻛﻞ زﻣﺎن وﻣﻜﺎن ،وﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻘﻮل ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،وﻧﺤﻦ ﻧﻌﻴﺪ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﻨﻤﺤﺺ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ وأوﻫﺎم؛ إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ زﻣﺎﻧﻬﺎ وﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨري اﻟﺬي ﻳﺮﴈ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ. وﻏﺰا ﺑﻨﺒﻠﻮﻧﺔ ،ودوﱠخ أرﺿﻬﺎ ،وﻓﺘﺢ ﻣﻌﺎﻗﻠﻬﺎ ،وﺧ ﱠﺮب ﺣﺼﻮﻧﻬﺎ. وﻏﺰا ﻟﺸﺒﻮﻧﺔ ﻓﺪوﱠخ اﻟﺒﺴﺎﺋﻂ ،وﻓﺘﺢ املﻌﺎﻗﻞ ،وﺧ ﱠﺮب اﻟﺤﺼﻮن ،وأﻓﺴﺪ اﻟﻌﻤﺎﺋﺮ ،وﻏﻨﻢ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ،وﺳﺒﻰ اﻟﺴﺒﺎﻳﺎ ،وﻋﺎد ﻣﻈﻔ ٍّﺮا. ﱠ وﺟﺎء ﺷﻨﺘﻴﺎﻗﺐ ،ﻓﻬﺪم ﻣﺼﺎﻧﻌﻬﺎ وأﺳﻮارﻫﺎ وﻛﻨﻴﺴﺘﻬﺎ ،وﻋﻔﻰ آﺛﺎرﻫﺎ ،ﻓﻌﺎدت ﻫﺸﻴﻤً ﺎ ﻛﺄن ﻟﻢ َ ﺗﻐﻦ ﺑﺎﻷﻣﺲ. وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻴﻮﺷﻪ ﺗَﺬﺑﺢ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺎرى ،وﺗﺴﺒﻲ اﻟﻨﺴﺎء واﻷوﻻد ،ﻓﻴﺒﺎﻋﻮن ﱠ أرﻗﺎء ﰲ أﺳﻮاق ﻗﺮﻃﺒﺔ وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﻏﺮﻧﺎﻃﺔ. وﻣﻊ ذﻟﻚ أﻗﻮل إن اﻟﻐﺰو ﻏﺰو ،إن ﻛﺎن ﻣﻦ املﺴﻠﻤني أم ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺎرى ،وﻗﺪ ﻛﺎن ً وﻗﺘﻼ وﺗﺪﻣريًا .ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ إذن أﻗﻒ ﻣﱰددًا ﰲ املﺎﴈ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻧﻬﺒًﺎ وﺳﻠﺒًﺎ ﰲ إﻋﺠﺎﺑﻲ ﺑﺎﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ اﻟﺤﺎﺟﺐ املﻨﺼﻮر ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻐﺎزي اﻟﻌﻈﻴﻢ ﰲ ﺗﻘﻮاه ،اﻟﺤﺎﻣﻞ ﻋﻠﻢ اﻹﺳﻼم وﺳﻴﻔﻪ ،واﻟﺤﺎﻣﻞ ﺗﺎﺑﻮﺗﻪ ﻣﻌﻪ ﰲ ﻏﺰواﺗﻪ ،اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻦ ﻏﺒﺎرﻫﺎ اﻟﻼﺻﻖ ﺑﺄﺛﻮاﺑﻪ ﻟﺘُﺼﻨَﻊ ﻣﻨﻪ ﻟﺒﻨﺔ ﺗُ َ ﻮﺿﻊ ﺗﺤﺖ رأﺳﻪ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎﺑﻮت؛ ﻫﺬا اﻟﻐﺎزي اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﻢ ﻳﱰك أﺛ ًﺮا ﻣﻦ آﺛﺎر اﻟﻌﻤﺮان واﻟﺮﻗﻲ ﰲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ ﻏﺰاﻫﺎ ،ودوخ أرﺿﻬﺎ ،وﺧ ﱠﺮب ﺣﺼﻮﻧﻬﺎ. ﻻ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،ﻟﻴﺲ ﰲ ﻛﻞ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أﺛﺮ واﺣﺪ ﻣﻦ آﺛﺎر املﻨﺼﻮر اﻟﺤﻤﻴﺪة، ﻣﺒﺎل ﺑﻨﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻪ. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻃﺎﻣﻌً ﺎ ﺑﺎﻟﻌﺮش ،وﻏري ٍ ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻫﺸﺎم اﻟﻘﺎﴏ ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺤﺎﺟﺐ املﺘﻄﺎول ،وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ املﺮأة اﻷﻋﺠﻤﻴﺔ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﰲ ﺣﺮﻳﻢ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻫﺸﺎم ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﺎﺟﺒﻪ. ً دﻗﻴﻘﺎ ،ﻓﺎﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮه ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ أراد أن ﻳﻜﻮن وﻗﺪ اﺗﺨﺬ ﰲ اﻻﻏﺘﺼﺎب أﺳﻠﻮﺑًﺎ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ ﷲ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺻﺎﻧ َ َﻊ اﻷﻣﺔ ﻓﻘﺎل ﰲ اﻷول :إﻧﻲ اﻟﺤﺎﺟﺐ وﻟﻘﺒﻲ املﻨﺼﻮر ،ﻓﻼ أرﻳﺪ أن أﺳﻤﱠ ﻰ ﺑﻐري اﻟﺤﺎﺟﺐ املﻨﺼﻮر .ﺛﻢ أﺿﺎف إﻟﻴﻪ ﺳﻨﺔ ٩٩١م ﻟﻘﺐ املﺆﻳﺪ ،املﻨﺼﻮر املﺆﻳﺪ، 4املﻨﺼﻮر ﻟﻘﺐ اﺗﺨﺬه ﻏري واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء واملﻠﻮك ،ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻞ أوﻟﻬﻢ املﻨﺼﻮر اﻟﻌﺒﺎﳼ ،وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺬﻫﺒﻲ اﻟﺴﻌﺪي ﺳﻠﻄﺎن املﻐﺮب ،وﻳﻌﻘﻮب املﻨﺼﻮر اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ املﻮﺣﺪي. 83
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻗ ﱠﻠﺪ اﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ اﻟﺤﺠﺎﺑﺔ .وﰲ ﺳﻨﺔ ٩٩٦أﻣﺮ ﺑﺄن ﻳُﺪﻋَ ﻰ وﺣﺪه ﰲ املﻤﻠﻜﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺪ: اﻟﺴﻴﺪ املﻨﺼﻮر املﺆﻳﺪ. وﻣﻊ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻤﺮ ﰲ ﻣﺴﺎﻋﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺣﻤﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﲆ أن ﱢ ﻳﻮﻗﻊ ﺻﻚ اﻟﺘﻨﺎزل ﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﻌﺮش. اﻟﺴﻴﺪ املﻨﺼﻮر املﺆﻳﺪ ،واﺑﻨﻪ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﺣﺎﺟﺒﻪ ،وﻫﺸﺎم ﻣﺠﺮد ﻣﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺳﺠني ِ ﻣﻐﺘﺼﺒًﺎ ،وﻛﺎن إﱃ ذﻟﻚ اﻟﺴﺒﺐَ اﻷو َل ﰲ ﰲ ﻗﴫه؛ إذن ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻣﺪﻣﱢ ًﺮا ،وﻛﺎن اﺗﺤﺎد ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى ﻋﲆ املﺴﻠﻤني. ﺳﺖ وﺧﻤﺴﻮن ﻏﺰوة ﻣ ﱠ ُﻮﻓﻘﺔ ،وﻫﺬه اﻟﻐﺰوة اﻷﺧرية ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻤﺠﺪ ﻏﺰواﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ .ﺗﺄﻟﺐَﱠ ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى ﻋﲆ املﻨﺼﻮر ،واﻟﺘﻘﺖ ﺟﻴﻮﺷﻬﻢ اﻟﺠﺮارة ﺑﺠﻴﻮﺷﻪ املﺆ ﱠﻟﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب واﻟﱪﺑﺮ واﻟﺼﻘﺎﻟﺒﺔ ﻋﻨﺪ ﻧﻬﺮ اﻟﺪوﻳﺮة ،ﻓﺪارت املﻌﺮﻛﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ )٣٩٠ﻫ١٠٠٠/م( ،واﺳﺘﻤﺮت ﻣﻦ اﻟﻔﺠﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﻐﺮوب ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻃﻠﺐ املﻨﺼﻮر ﻗﻮاده ﰲ املﺴﺎء ﻟﻴﺸﺎور ﻣﻌﻬﻢ ﰲ اﻷﻣﺮ ،ﻗﻴﻞ ﻟﻪ إﻧﻬﻢ ﺳﻘﻄﻮا ﴏﻋﻰ ﰲ اﻟﻘﺘﺎل ،وﻗﺪ ﺳﻘﻂ أﻟﻮف ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني وﻣﻦ اﻟﻨﺼﺎرى، وﻟﻜﻦ اﻟﻐﻠﺒﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني .ﻫﻲ املﻌﺮﻛﺔ اﻷﺧرية اﻟﺘﻲ ﺧﺎض ﻋﺒﺎﺑﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻣﻨﻬﺰﻣً ﺎ ﻣﺪﺣﻮ ًرا ،ﻓﻤﺎ ﻋﺎش ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻏري ﺳﻨﺘني وﺑﻀﻌﺔ أﺷﻬﺮ. ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻴُﻤْ ﻦ واملﺠﺪ ،ﺗﺒﺪأ ﺑﺨﻼﻓﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺜﺎﻟﺚ ،وﺗﺴﺘﻤﺮ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺤَ َﻜﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﻴﻌﱰﻳﻬﺎ ﰲ اﻟﺮﺑﻊ اﻷﺧري ﺣﻤﺎﺳﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺮاز اﻷول ،ﺟﺪﱠدﻫﺎ اﻟﺤﺎﺟﺐ املﻨﺼﻮر ﰲ ﻏﺰواﺗﻪ ،ﻓﻨﺒﱠﻬﺖ ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى إﱃ وﺟﻮب اﻻﺗﺤﺎد ملﻘﺎوﻣﺘﻬﺎ ،وﺗﺠﺪﻳﺪ اﻟﺤﻤﻼت ﻋﲆ اﻟﻌﺮب. وﻗﺪ ﺗﻼ ﻫﺬه اﻟﺤﻘﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺛﻼﺛﻮن ﺳﻨﺔ ﺳﻮداء ،ﺑﺪأت ﺑﻌﻬﺪ ﻋﺒﺪ املﻠﻚ املﻈﻔﺮ، اﺑﻦ اﻟﺤﺎﺟﺐ املﻨﺼﻮر ،اﻟﺬي ﺣﻜﻢ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ﺣُ ْﻜﻢ أﺑﻴﻪ ،ﻓﺎﺷﺘﻌﻠﺖ ﻧﺎر اﻟﻔﺘﻨﺔ ﰲ ﻗﺮﻃﺒﺔ، ﻏري ﺷﻴﺌًﺎ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺤﺎﺟﺐ ﺗﺠﺎه اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ املﺴﺠﻮن، ﻓﺄﺧﻤﺪﻫﺎ املﻈﻔﺮ ،وﻗﺘﻞ رﺟﺎﻟﻬﺎ ،وﻣﺎ ﱠ َ ﺗﻘﺎوم ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺸﺘﻰ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻈﺎﻫﺮة واﻟﺨﻔﻴﺔ ،دون أن ﻓﺎﺳﺘﻤﺮت أﻣﻪ اﻟﺒﺎﺳﻴﻜﻴﺔ ِ ﺗﺆﺛﱢﺮ ﰲ ﻋﺰﻣﻬﻢ وﺧﻴﺎﻧﺘﻬﻢ. ﻓﺒﻌﺪ وﻓﺎة ﻋﺒﺪ املﻠﻚ ﻗﺎم ﺑﺎﻷﻣﺮ أﺧﻮه ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﱠ املﻠﻘﺐ ﺑﺸﻨﺠﻮل 5 ،وﻳﻈﻬﺮ أن أﺑﻨﺎء اﻟﺤﺎﺟﺐ املﻨﺼﻮر ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺜﻠﻪ ﰲ ﺣﺒﻬﻢ ﻟﻸﻟﻘﺎب؛ ﻓﺒﻌﺪ أن اﻧﺘﴫ املﻈﻔﺮ ﻋﲆ أﻋﺪاﺋﻪ 5ﻛﺎن اﺑﻦ املﻨﺼﻮر ﻣﻦ أم وﻟﺪ ﻧﴫاﻧﻴﺔ ﻫﻲ اﺑﻨﺔ املﻠﻚ ﺷﻨﺠﺔ Sanchaﻣﻠﻚ ﻟﻴﻮن ،ﻓﺪﻋﺘﻪ ﺷﻨﺠﻮل ﺗﺬ ﱡﻛ ًﺮا ﺑﺎﺳﻢ أﺑﻴﻬﺎ. 84
ﻗﺮﻃﺒﺔ
آﺧﺮ ﻫﻮ ﺳﻴﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻠﻔﻪ أﺧﻮه ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﱠ اﻧﺘﺤﻞ ﻟﻘﺒًﺎ َ ﻟﻘﺐَ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻨﺎﴏ ﻟﺪﻳﻦ ﷲ ،ﺷﻨﺠﻮل اﻟﻨﺎﴏ ﻟﺪﻳﻦ ﷲ! ﻫﻲ ٍّ ﺣﻘﺎ ﻣﻦ املﻬﺰﻻت املﻔﺠﻌﺎت .وﻗﺪ اﻗﺘﺪى ﺷﻨﺠﻮل ﺑﺄﺑﻴﻪ ﰲ ﺗﺸﺪﻳﺪ اﻟﻌﴪ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻷﻣﻮي ،واﻻﺳﺘﺒﺪاد واﻻﺳﺘﻘﻼل ﺑﺎ ُملﻠﻚ ،إﻧﻤﺎ ﻛﺎن دون أﺧﻴﻪ ﺷﺠﺎﻋﺔ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﲆ ﳾء ﻣﻦ دﻫﺎء أﺑﻴﻪ .ﺷﻨﺠﻮل املﻮ ﱠﻟﺪ اﻟﺴﺨﻴﻒ اﻟﻌﻘﻞ ﻃﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻫﺸﺎم أن ﻳﺠﻌﻠﻪ وﱄ ﻋﻬﺪه ،ﻓﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ ﺑﺸﻬﺎدة اﻟﻘﻀﺎة ،ﻓﺄﺛﺎر ﻋﻠﻴﻪ وﻋﲆ ﺷﻨﺠﻮل أﻛﺎﺑﺮ املﺴﻠﻤني ،وﻓﻴﻬﻢ اﻟﻘﺮﺷﻴﻮن واﻷﻣﻮﻳﻮن ،ﻓﺒﺎﻳﻌﻮا ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻫﺸﺎم ،ﱠ وﻟﻘﺒﻮه ﺑﺎملﻬﺪي ﺑﺎهلل ،ﺛﻢ ﻗﺒﻀﻮا ﻋﲆ ﺷﻨﺠﻮل ،واﺣﺘﺰوا رﻗﺒﺘﻪ ،وﺣﻤﻠﻮا رأﺳﻪ إﱃ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪ. وﺟﺎء رؤﺳﺎء اﻟﱪﺑﺮ ﻳﻨﴫون ﻫﺬا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ املﻬﺪي ،ﻓﺎﻧﻘﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻷﻣﻮﻳني؛ ﻧﻜﺎﻳﺔ ﺑﺄوﻟﺌﻚ اﻟﱪﺑﺮ أﻋﺪاﺋﻬﻢ ،وﺑﺎﻳﻌﻮا ﻫﺸﺎم ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﺎﴏ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺴﻮاد ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻊ املﻬﺪي ،ﻓﻘﺒﻀﻮا ﻋﲆ ﻫﺸﺎم وأﺧﻴﻪ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ،وأﺣﴬوﻫﻤﺎ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ، ﻓﺄﻣﺮ ﺑﴬب ﻋﻨﻘﻴﻬﻤﺎ. وﻓ ﱠﺮ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﺑﻦ أﺧﻴﻬﻤﺎ — اﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ — ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﺧﺎرج ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺑﺎﻟﱪﺑﺮ ،ﻓﺒﺎﻳﻌﻮه ﻋﲆ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﱠ وﻟﻘﺒﻮه ﺑﺎملﺴﺘﻌني. ﻫﺬان اﻟﺨﻠﻴﻔﺘﺎن ،املﺴﺘﻌني واملﻬﺪي ،ﻛﻤﱠ ﻼ اﻟﻌﻤﻞ املﻨﻜﺮ اﻟﺬي َ ﺑﺎﴍَه اﻟﺤﺎﺟﺐ املﻨﺼﻮر ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﱪﺑﺮَ ، ٌ وآﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ،ﻓﻘﺎﻣﺖ اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ، وأﺑﻨﺎؤه؛ ﻓﻘﺪ ﻧﴫ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ َ وﻛﺎﻧﺖ أﺷﺪ ً وﻳﻼ ﻋﲆ اﻟﺒﻼد ﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠﻣَ ﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ اﻟﻌﺎﻣﺮﻳﺔ؛ ذﻟﻚ ﻷﻧﻬﻤﺎ اﺳﺘﻌﺎﻧﺎ ﺑﺎﻟﻨﺼﺎرى اﻟﻮاﺣﺪ ﻋﲆ َ اﻵﺧﺮ. راح املﺴﺘﻌني ﻳﺴﺘﻌني ﺑ »اﺑﻦ أﻟﻔﻮﻧﺲ« 6 ،ﻓﺄﻋﺎﻧﻪ ﻋﲆ املﻬﺪي. وﺟﺎء املﻬﺪي ﻳﺪﻋﻮ »اﺑﻦ أﻟﻔﻮﻧﺲ« ﻟﻠﺘﺤﺎﻟﻒ ،ﻓﻠﺒﱠﻰ اﻟﺪﻋﻮة ﻣﴪو ًرا ،وﻟﺴﺎن ﺣﺎﻟﻪ َ ﺑﺎﻵﺧﺮ ،ﻓﺄُﻓﻨﻲ اﻻﺛﻨني. ﻳﻘﻮل :أﺣﺎرب اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ودﺧﻞ املﺴﺘﻌني ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻇﺎﻓ ًﺮا ،ﺛﻢ ُ ﻃ ِﺮد ﻣﻨﻬﺎ. ودﺧﻞ املﻬﺪي اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻣﻨﺘﴫً ا ،ﺛﻢ ﺧﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺪﺣﻮ ًرا ﻣﺬﻣﻮﻣً ﺎ. وأﻋﺎد املﺴﺘﻌني اﻟﻜ ﱠﺮة ،ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻨﺼﺎرى ،ﻓﺪﺧﻞ املﺪﻳﻨﺔ ﻇﺎﻓ ًﺮا ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ. ً ً اﺣﺘﻼﻻ ﺛﺎﻧﻴﺔ، وﻛ ﱠﺮر املﻬﺪي اﻹﻋﺎدات ،ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻨﺼﺎرى ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺎﺣﺘ ﱠﻞ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻗﺼري اﻷﺟﻞ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺘني ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺘﻬﻲ اﻟﻌﻮاذل.
6أي اﺑﻦ املﻠﻚ أﻟﻔﻮﻧﺲ املﻌﺮوف ﺑﺎﺑﻦ اﻟﱪﺑﺮﻳﺔ. 85
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع ﻣَ ﻦ ﺧ َﻠ َﻔﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻮﻳني ،ﰲ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ،أن ﻳﻨﻘﺬوا اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺮق ،ﻓﺤﻜﻢ املﺮﺗﴤ — ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮاﺑﻊ — ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﺣﻜﻤً ﺎ ﻣﺘﺰﻋﺰﻋً ﺎ ) ،(١٠٢٠–١٠١٤وﻣﺎ ﻛﻤﻞ املﺴﺘﻈﻬﺮ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﺨ َﻠ َﻔﻪ اﺑﻨﻪ املﺴﺘﻜﻔﻲ ،ﻓﺤﻜﻢ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﺣﻜﻤً ﺎ ﻣﺮﻗﻌً ﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺸﺎم اﻟﺜﺎﻟﺚ آﺧِ ﺮ اﻷﻣﻮﻳني ،أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﺼﺪاع اﻧﺘﻬﺖ ١٠٢٧ ﺑﺪور اﻟﺘﻔﻜﻚ اﻟﺬي ﺗﺒ ﱠ ﻄﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﺮب واﻟﱪﺑﺮ ،ﻓﺎﺳﺘﻘﻠﻮا ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل ،ﻛﻞ ﰲ ﻧﺎﺣﻴﺘﻪ ،ﺑﺎدﻳﺲ ﰲ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،واﻟﻐﺰﻧﻲ ﰲ روﻧﺪة ،واﻟﱪزاﱄ ﰲ ﻗﺮﻣﻮﻧﺔ ،واﻟﻬﺮاون ﰲ ﴍﻳﺶ ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا .ﺛﻢ ﺗﻘﻤﱠ َ ﺺ اﻟﺰﻋﻤﺎء ﻣﻠﻮ ًﻛﺎ ﺑﺄﻟﻘﺎب ﺿﺨﻤﺔ ،ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻗﻮﻟﺔ اﻟﺤﻖ؛ ﻓﻜﺎن ﺑﻨﻮ ﻋﺒﺎد ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،وﺑﻨﻮ ذي اﻟﻨﻮن ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ،وﺑﻨﻮ ﻫﻮد ﰲ ﴎﻗﺴﻄﺔ ،وﺑﻨﻮ أﺑﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﰲ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ، وﺑﻨﻮ ﺟﻬﻮر ﰲ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ﻣﺮة أﺧﺮى. ﻓﺮح ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى ﺑﻤﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺜﻠﻬﻢ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ؛ ﻣﺸﺘﱠﺘﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ ،ﻣﺘﺨﺎذﻟني ﻣﺘﺤﺎرﺑني .ﻓﻤ ﱠﺮ ْت ﺧﻤﺴﻮن ﺳﻨﺔ وﻫﺬه اﻟﺤﺎل ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺑﴬﺑﺎﺗﻬﺎ املﺴﻠﻤني واﻟﻨﺼﺎرى ،إﻻ أﻧﻪ ﺗﺨ ﱠﻠﻠﻬﺎ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ املﺴﻴﺤﻴني إﺷﻌﺎﻋﺎت اﻟﻴﻘﻈﺔ واﻟﻨﺸﺎط ،ﻓﺤﻤﻠﻮا ﺣﻤﻼت ﱠ ﻣﻮﻓﻘﺔ ﻋﲆ أﻋﺪاﺋﻬﻢ؛ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ أول ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻧﺘﺰﻋﻮﻫﺎ ﻣﻨﻬﻢ، ﺛﻢ اﺳﺘﻮﱃ اﻟﺴﻴﺪ اﺑﻦ ﺑﻴﺒﺎر ﻋﲆ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ ،ووﺻﻞ أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺴﺎدس إﱃ ﻃﺮف اﻟﺠﺰﻳﺮة، ُﺨﺮج اﻟﻌﺮب إﱃ ﻃﺮﻳﻔﺔ ،ﻓﻘﴣ ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻋ ﱠﻮ َل ﻋﲆ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺠﻬﺎد ﻟﻴ ِ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد. ﻓﻜﺘﺐ ﺑﻌﺾ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ إﱃ ﺑﻄﻞ املﻐﺮب ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻳﻮﺳﻒ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔني ﻳﺴﺘﻈﻬﺮوﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﻌﺪو ،وﻗﺼﺪه املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﱠﺎد ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﻣﺆﻳﺪًا ﻟﺰﻣﻼﺋﻪ ،ﻓﺠﺎز ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺠﻴﺸﻪ املﻀﻴﻖ، وراح ﻳﻄﻠﺐ أﻟﻔﻮﻧﺲ ﻓﺎﻟﺘﻘﻰ ﺑﻪ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﺎداﺧﻮس ،وﻫﻨﺎك ا ْﻟﺘﺤﻢ اﻟﺠﻴﺸﺎن ﰲ املﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﱠ اﻟﺰﻻﻗﺔ ﺳﻨﺔ ،١٠٧٧ﻓﻬُ ِﺰم اﻟﻨﺼﺎرى ﴍ ﻫﺰﻳﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،واﺿﻄﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔني أن ﻳﻌﻮد إﱃ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ؛ ﻟﻴﻘﻤﻊ ﻓﺘﻨﺔ ﺷﺒ ْﱠﺖ ﻫﻨﺎك ﻧﺎ ُرﻫﺎ ،ﻓﻌﺎودت اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻪ ،ﻓﻜﺘﺐ إﻟﻴﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ ﻟﺤﻜﻢ اﻟﺒﻼد. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻳﻮﺳﻒ — ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ — ﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻔﺘﻰ ﻋﻠﻤﺎءه ﰲ ﻓﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ واﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻹﻧﻘﺎذ املﺴﻠﻤني ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺴﺎد ﻣﻠﻮﻛﻬﻢ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻌﻠﻤﺎء إن ذﻟﻚ ﺟﺎﺋﺰ ﺑﻞ واﺟﺐ ،ﻓﺄرﺳﻞ إذ ذاك ً ﺟﻴﺸﺎ ﺑﻘﻴﺎدة اﺑﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ،ﻓﺎﺳﺘﻮﱃ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻳﻼت ﻛﻠﻬﺎ، ﻧﺰل وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﰲ أﻏﻤﺎت، وﻧﻘﻞ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ إﱃ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،وﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ،اﻟﺬي أ ُ ِ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺮاﻛﺶ ،ﺣﻴﺚ ﻗﴣ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات ﺗﺤﻘﻖ ﺻﺤﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻗﺎﻟﻬﺎ ،وﻫﻲ :ﺣﺮز اﻟﺠﻤَ ﺎل ﰲ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ وﻻ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ﰲ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ .واﻟﺸﺎﻋﺮ ﰲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ،ﻣﺜﻠﻪ ﰲ ﺧﻴﺎﻟﻪ. ِ 86
ﻗﺮﻃﺒﺔ
أﻣري ﻻ ﻳﺒﺎﱄ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺟﻮد ،ﻓﻴﻤﻮت — وﻗﺪ ﻣﺎت املﻌﺘﻤﺪ ﰲ ﺳﻨﺔ — ١٠٩٦ﻣﺘﻤﱢ ﻤً ﺎ واﺟﺒﺎﺗﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ! ﻗﺎم املﺮاﺑﻄﻮن 7ﺑﺪﻋﻮة دﻳﻨﻴﺔ ،ﺗﻄﻬريًا — ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮن — ملﺎ اﻋﱰى اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎد ،وﴍه ﻣﺎ ﱠ ﺗﻔﴙ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ؛ ﻓﺄﻓﺘﻰ ﻋﻠﻤﺎء املﻐﺮب ﺑﻔﺘﺤﻬﺎ ،واﻧﺘﺰاﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺪ اﻟﻌﺮب، ﻣﺘﻌﴪا؛ ﻷن اﻟﻌﺮب أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﺎوﻧﻮا اﻟﻔﺎﺗﺢ ،ﺑﻞ »املﺘﺴﺎﻫﻠني ﰲ دﻳﻨﻬﻢ« ،وﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻔﺘﺢ ً اﺳﺘﻈﻬﺮوا ﺑﻪ ﻋﲆ اﻷﻋﺪاء اﻟﻨﺼﺎرى ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠم ،ﻓﻈﻬﺮﻫﻢ وﻛﻤﱠ َﻞ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻨﺒﺬﻫﻢ ﻇﻬﺮﻳٍّﺎ. وﻛﺎن ﻣﺬﻫﺐ املﺮاﺑﻄني ﻗﺎﺋﻤً ﺎ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴري اﻟﻠﻔﻈﻲ اﻟﺤﺮﰲ ﻟﻠﻘﺮآن ،ﻓﻴﻘﻔﻮن ﻋﻨﺪ ﻇﻮاﻫﺮ املﻌﺎﻧﻲ وﻻ ﻳﺘﻌﺪوﻧﻬﺎ ،ﻓﺎﺗﱡ ِﻬﻤﻮا ﺑﺎﻟﺘﺠﺴﻴﻢ؛ أي إن ﷲ ﺟﺴﻢ ﻋﲆ ﺻﻮرة اﻹﻧﺴﺎن ،وﻫﻮ ﻧﻈﺮﻳٍّﺎ ﻋني اﻟﻜﻔﺮ ،وأﻣﺎ ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن املﺮاﺑﻄﻮن ﻣﻦ ﻏﻼة اﻟﺪﻳﻦ ،ﺑﻞ اﻟﺘﺪﻳﻦ ،ﻓﻌﺪﱡوا ُ ﺗﺴﺎﻫﻞ اﻷﻣﻮﻳني ﻣﻦ املﻔﺎﺳﺪ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءوا ﻳُﺼﻠِﺤﻮﻧﻬﺎ. وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﺻﺤﺎب دﻋﻮة أﺧﺮى ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﰲ املﻐﺮبَ ،ﻟﺘﺄ ﱠﻟﺐَ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى ﻟﺸﺪة ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻏﻠﻮﻫﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،وﻟﻜﻦ ﺣﻜﻤﻬﻢ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻟﻢ ﻳَ ُﺪ ْم ﻏري ﺳﺖ وﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ .ﻓﻔﻲ أواﺳﻂ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﻗﺎم املﻮﺣﱢ ﺪون ﻳﺘﻬﻤﻮن املﺮاﺑﻄني ﺑﻤﺎ ﻛﺎن املﺮاﺑﻄﻮن ﻳﺘﻬﻤﻮن ﺑﻪ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ. وﻣَ ﻦ ﻫﻢ املﻮﺣﱢ ﺪون؟ ﻫﻢ اﻟﺘﺎﺑﻌﻮن ﻻﺛﻨني ﻣﻦ ﻛﺒﺎر املﻐﺎرﺑﺔ اﻟﻌﺮب — ﻛﺒﺎر اﻟﻨﻔﻮس واﻟﻬﻤﺔ واﻟﻜﻠﻤﺔ ،د َرﺟَ ﺎ ﻣﻦ ﻛﻮخ اﻟﻀﻌﺔ ،وﺗﺪ ﱠرﺟَ ﺎ إﱃ ذروات اﻟﺴﻴﺎدة واملﺠﺪ — أﺣﺪ ﻫﺆﻻء اﻻﺛﻨني ﻫﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت اﻟﺴﻮﳼ ،ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﺼﻤﻮدة ،اﺑﻦ ﺧﺎدم اﻟﻘﻨﺎدﻳﻞ ﰲ ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺮﻳﺘﻪ ،وﻗﺪ اﺷﺘُﻬﺮ ﻣﻨﺬ ﺻﺒﺎه ﺑﺎﻟﺘﻘﻮى واﻟﺘﻌﺒﱡﺪ ،ﺛﻢ ادﱠﻋَ ﻰ أﻧﻪ ﴍﻳﻒ ﻋﻠﻮي ،ﱠ وﻟﻘﺐَ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎملﻬﺪي ،ﻓﺸﺎع أﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺮاﻣﺎت وﻗﻴﺎﻣﺎت ﻳﺌﻮﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎم ﺑﺄﻣﺮ ﷲ .ﻓﻤﻦ ﻋﺠﺎﺋﺒﻪ أﻧﻪ ﴍب اﻟﺒﺤﺮ ﻣﺮﺗني ،وأﻣﺮ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﺠﺜﺎ ﻣﻌﻪ هلل ﺗﻌﺎﱃ! وﻣﻦ أﺧﺒﺎره اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أﻧﻪ ﺣﺞ ﺑﺎﴍ اﻟﺪﻋﻮة ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ وﻟﺘﻄﻬري وﻫﻮ ﰲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﺳﻨﻪ ،وملﺎ ﻋﺎد ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎز َ َ َ واﻵﺧﺮ ﻫﻮ ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﲇ اﻟﻔﺨﺎري — ﻛﺎن أﺑﻮه ﻳﺼﻨﻊ اﻟﻔﺨﺎر اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻷرﺟﺎس. َ َ َ — اﻟﺬي ﻫﺎم ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ﻣﻨﺬ ﺻﺒﺎه ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﻟﻠﻌﻠﻢ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﺑﺎﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت ،ﻓﺘﺂﻟﻔﺎ وﺗﺂﺧﻴَﺎ — اﻟﻨﻔﻮس ﺟﻨﻮد ﻣﺠﻨﱠﺪَة — ﺛﻢ اﺷﱰ َﻛﺎ ﰲ اﻟﺪﻋﻮة. 7املﺮاﺑﻂ :املﻼزم ﺛﻐﺮ اﻟﻌﺪو ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺠﺎ ًزا املﺮاﺑﻄﻮن؛ أي املﻼزﻣﻮن ﺛﻐﻮر أﻋﺪاء اﻟﺪﻳﻦ ،واملﺮﺑﻮط ،وﻳﻘﻮل اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ﻣﺎراﺑﻮ :Marabuاﻟﺰاﻫﺪ اﻟﺤﻜﻴﻢ املﻨ ﱢﺰه ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ. 87
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻛﺎن اﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت ﰲ اﻟﺒﺪء اﻷﺳﺘﺎذ ،وﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ ،ﺛﻢ ﺻﺎر اﻷﺳﺘﺎذ املﻬﺪي، واﻟﻄﺎﻟﺐ ﻗﺎﺋﺪًا ﻟﺠﻴﺸﻪ ،وﻗﺪ ﺧ َﺮﺟَ ﺎ ﻣﻦ ﺿﻮاﺣﻲ وﻫﺮان وﻣﻌﻬﻤﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﺗﺒﺎع ﰲ أول أﻣﺮﻫﻤﺎ ،ﻓﻤﺮوا ﺑﺘﻠﻤﺴﺎن ،واﺳﺘﻤﺮوا ﺳﺎﺋﺮﻳﻦ إﱃ ﻓﺎس ،ﻓﻤﺮاﻛﺶ ﻗﺎﻋﺪة املﺮاﺑﻄني ،ﺣﻴﺚ أﻋﻠﻨﻮا اﻟﺪﻋﻮة وﺑﺪءوا ﺑﺜﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ واﻟﺤﴬ ،ﻓﺎﺿﻄﻬﺪوا وازدادوا ﻗﻮة وﻋﺪدًا .وﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت ﰲ ﺟﻬﺎده املﺮاﺑﻄني أﻧﻪ أﻧﺸﺄ ﻣﺠﻠﺲ ﺷﻮرى ﻳﻤﺜﱢﻞ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ واﻟﺘﻪ، ﻓﺴﺎﻋَ َﺪ املﺠﻠﺲ ﰲ ﺣﺸﺪ ﺟﻴﺶ ﻟﻠﺠﻬﺎد ،وﻛﺎن ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ ﻗﺎﺋﺪًا ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺠﻴﺶ ،ﻓ ُﻜﺘِﺐَ ﻟﻪ اﻟﻨﴫ ﰲ املﻌﺎرك واﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﰲ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت. وﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﰲ اﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت ﺳﻨﺔ ١١٢٨ﱠ ﺗﻤﴙ ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ ﻋﲆ اﻟﺨﻄﺔ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﻄﻬﺎ ﻟﻪ، ﻓﻮﺻﻞ ﰲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻪ إﱃ وﻫﺮان ،ﺛﻢ إﱃ ﺗﻮﻧﺲ ،ودوﻧﻬﺎ إﱃ ﺑﺮﻗﺔ ،ﻓﺤﺪود ﻣﴫ .ﺧﻼل ذﻟﻚ ﺟﺎز املﻀﻴﻖ إﱃ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﺤﻤﻞ ﻋﲆ املﺮاﺑﻄني ﻫﻨﺎك ﺣﻤﻼت ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ )،(١١٥٦–١١٤٦ ﻓﺎﻧﺘﴫ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،واﺳﺘﺄﺻﻞ ﺷﺄﻓﺘﻬﻢ ،ﺛﻢ ﱠ أﺳ َﺲ ﻋﲆ أﻧﻘﺎض اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ دوﻟﺔ املﻮﺣﺪﻳﻦ اﻟﺘﻲ داﻣﺖ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ،وﻛﺎن ﻫﻮ أول ﻣَ ﻦ ﺟﻠﺲ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﲆ ﻋﺮش ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷﻣﻮي اﻟﻜﺒري. أﻣﺎ ﻣﺬﻫﺐ ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ ﻓﻬﻮ ﺟﺎﻣﻊ ﻷﺷﻴﺎء ﻣﻦ ﺷﺘﻰ املﺬاﻫﺐ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ اﻷﺷﻌﺮﻳﺔ واملﻌﺘﺰﻟﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ وإﺟﻤﺎع اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،ﻣﻊ ﺗﺮك اﻟﺮأي واﻟﻘﻴﺎس. وﻗﺪ ﻋﺎد إﱃ ﺗﺄوﻳﻞ ﻣﺎ اﺷﺘُﺒﻪ ﻣﻦ اﻵﻳﺎت واﻷﺣﺎدﻳﺚ ،دون اﻟﺘﻔﺴري اﻟﻠﻔﻈﻲ؛ ﻷن اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻈﺎﻫﺮ اﻵﻳﺔ ﻗﺪ ﻳﺒﻌﺚ إﱃ اﻟﺘﺠﺴﻴﻢ ،وﻫﺬا ﻳﻨﺎﰲ ﺻﻔﺎت اﻟﻜﻤﺎل اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺮﺑﻮﺑﻴﺔ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﱠ ﻛﻔ َﺮ املﺮاﺑﻄني ودﻋﺎﻫﻢ ﺑﺎملﺠﺴﻤﺔ. ﺛﻢ ﺗﺨ ﱠﻠ َ ﺺ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻛﻠﻪ إﱃ اﻟﺪﻋﻮة املﺒﻬﻤﺔ؛ أي اﻷﻣﺮ ﺑﺎملﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ املﻨﻜﺮ ،وأﺿﺎف إﻟﻴﻬﺎ ﰲ اﻹﻣﺎﻣﺔ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺸﻴﻌﻴﺔ اﻻﺛﻨﻲ ﻋﴩﻳﺔ ،ﻓﺠﺎء ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻣﺮ ﱠﻛﺒًﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ،ﻣﻦ ﴍاذم املﺬاﻫﺐ املﺘﻨﺎﻗﻀﺔ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ دوﻟﺔ املﻮﺣﺪﻳﻦ ﻋﲆ ﻗِ َﴫ ﻋﻬﺪﻫﺎ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻓﻌﺎدت اﻟﺤﻀﺎرة ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ إﱃ اﻻزدﻫﺎر ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎدت ﺗﻀﻤﺤﻞ ﰲ ﻋﻬﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ وﰲ آﺧِ ﺮ ﻋﻬﺪ املﺮاﺑﻄني.
88
ﻗﺮﻃﺒﺔ
ﻗﺎل أﺣﺪ ﻛﺘﱠﺎب املﻐﺮب ﰲ املﺆﻣﻦ إﻧﻪ »ﺑﺴﻂ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﰲ املﻐﺮب، ﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ زواﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ8 «. َ ﻓﺤﺎﻓ َ دﺧﻞ اﻹﺳﻼم إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ،وزﺣﻒ ﻓﺎﺗﺤً ﺎ إﱃ ﺑﻼد اﻟﺸﻤﺎل ،ﻓﻌﺎد ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺪﺣﻮ ًرا ،وأﻟﻘﻰ ِﺑ ِﺠﺮاﻧﻪ ﰲ اﻷرض اﻟﺪاﻓﺌﺔ اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ اﻟﺨﺼﺒﺔ؛ أي اﻷﻧﺪﻟﺲ. ﺛﻢ ﺟﺎء اﻹﺳﻼم اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،وﻣﻦ ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ ،ﺑﺮوح ﺟﺪﻳﺪة ﻧﺸﻴﻄﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ؛ ﻓﺠ ﱠﺪ َد ﻟﻠﻌﺮب ﻣﺠﺪًا ،ﺗﺨ ﱠﻠﻠﺘﻪ ﻓﱰات داﻣﺴﺔ. ﴎ ْت ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ املﻐﺎرﺑﺔ إﱃ املﺴﻴﺤﻴني أﻧﻔﺴﻬﻢ ،ﻓﺠ ﱠﺪد ْ َت وﻟﻜﻦ روح اﻟﻨﺸﺎط واﻟﻌﻨﻒ َ َ ﰲ اﻟﺸﻤﺎل ،ﺑني ﺻﺨﻮره وﰲ ﺧﺸﻮﻧﺔ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ،روحَ اﻟﻔﺘﺢ واﻟﺠﻬﺎد. أي إن ﻧﺼﺎرى اﻟﺸﻤﺎل ﺣﻤﻠﻮا ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﺠﻨﻮب ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻺﺳﻼم اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ،ﻓ ُﻜﺘِﺐَ اﻟﻨﴫ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻷﻫﻞ اﻟﺒﻼد.
8ﻛﺎن ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ أدﻳﺒًﺎ ﻳﻨﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻟﻪ وزﻳﺮ ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺜﻞ اﺑﻦ ﻋﻤﺎر وزﻳﺮ املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ،ﻫﻮ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻋﻄﻴﺔ .ﻗﺎل اﻟﺮاوي :ﻣَ ﱠﺮ ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ ﺑﺒﻌﺾ ﻃﺮق ﻣﺮاﻛﺶ ،وﻣﻌﻪ وزﻳﺮه اﺑﻦ ﻋﻄﻴﺔ ،ﻓﺄﻃﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎك ﺟﺎرﻳﺔ ﺑﺎرﻋﺔ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻓﻘﺎل: أ َ َﺳ َﺮ ْت ﻓﺆادي ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎك إذ ﻧﻈ ْ ﺮت وﺳﺄل وزﻳﺮه أن ﻳﺠﻴﺰ ،ﻓﻘﺎل: ﺣﻮراءُ ﺗﺮﻧﻮ إﻟﻰ اﻟﻌ ﱠﺸﺎق ﺑﺎﻟ ُﻤ َﻘﻞ ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ: ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻟﺤﻈﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻋﺎﺷﻘﻬﺎ اﺑﻦ ﻋﻄﻴﺔ: ﺳﻴﻒ اﻟﻤﺆﻳﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ
89
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻗﻠﺖ اﻟﻨﴫ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ،واﻷﺻﺢ أن أﺿﻴﻒ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻨﺴﺒﻲ — اﻟﻨﴫ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ اﻟﻨﺴﺒﻲ — ﻓﺒﻌﺪ وﻗﻌﺔ اﻟﻌﻘﺎب ،اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻋﻨﺪﻫﺎ اﻟﺪور اﻟﺘﻮﺣﻴﺪي املﺠﻴﺪ ،اﺳﺘﻤﺮ املﻮﺣﱢ ﺪون ﰲ اﻟﺤﻜﻢ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ،ﻓﺄﺧﺬت ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺳﻴﺎدﺗﻬﻢ ﰲ اﻻﻧﺤﻄﺎط ،ﻓﺨﴪوا ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺳﻨﺔ ،١٢٣٦وإﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﺳﻨﺔ ١٢٤٨وﻣﻠﺤﻘﺎﺗﻬﻤﺎ. وﻷﻣﺮ ﻣﺎ ﱠ ﺗﻮﻗ َﻔ ْﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺣﺮﻛﺎت ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى .ﺳﻜﻨﺖ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ ،ﺗﻘﺎﻋﺪت أرﻏﻮن، ﻧﺎﻣﺖ ﻟﻴﻮن ،وﻣَ ﱠﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻫﻲ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل ،ﻣﺎﺋﺘﺎن وﺧﻤﺴﻮن ﻣﻦ اﻟﺴﻨني! وﻣﺎ ﻧﺎﻣﺖ أﻣﺔ اﻟﻌﺮب ،وﻻ ﺗﻘﺎﻋﺪت ،وﻻ ﺳﻜﻨﺖ رﻳﺤﻬﺎ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺧﴪﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان؛ ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻌﺪ دوﻟﺔ املﻮﺣﺪﻳﻦ دوﻟﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،أﺧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ ﰲ اﻟﻌﻈﻤﺔ واملﺠﺪ ،واﻟﺤﻀﺎرة واﻟﻌﻤﺮان ،ﻫﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،دوﻟﺔ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻟﺒﻨﻲ ﻧﴫ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﱠ أﺳ َﺴﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ اﻷﺣﻤﺮ 9 ،وداﻣﺖ ﻋﺰﻳﺰة ﻋﺎﻣﺮة ﻣﺎﺋﺘني وﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ.
9ﺑﻨﻮ اﻷﺣﻤﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻧﴫ اﻟﺘﻲ ﱡ ﺗﻤﺖ ﺑ َﺮﺣِ ﻢ ﻣﺎﺗﱠﺔ إﱃ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎدة اﻟﺨﺰرﺟﻲ اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ. 90
ﻣﻌﺮض ﻓﻨﻲ ﰲ دﻳﺮ
ﻛﺎن أﺳري اﻟﺤﺮب ﰲ املﺎﴈ ﺷﺒﻴﻬً ﺎ ﺑﺎﻟﺮﻗﻴﻖ ،ﺗﺘﺪاوﻟﻪ أﻳﺪي اﻟﻔﺎﺗﺤني ،ﻓﻴﻨﺘﻘﻞ ﻛﺴﻠﻌﺔ ﻣﻦ ﺑﻼد إﱃ ﺑﻼد ،وﻳﺴﻮء أو ﻳﺤﺴﻦ ﺣﺎﻟﻪ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﺣﻮال ﺳﺎدﺗﻪ اﻟﺨﻠﻘﻴﺔ واملﺎدﻳﺔ. وﻛﺎن اﻟﻌﺮب ،ﰲ ﻏﺎﻟﺐ أﻣﺮﻫﻢ ﻫﺬا ،ﻣﻦ اﻟﺴﺎدة اﻟﻜﺮام ،ﻳﺘﺎﺟﺮون ﺑﺎﻟﺮﻗﻴﻖ ﺗﺠﺎر ًة ﴍﻳﻔﺔ ،ﻻ ﻏﺒﻦ وﻻ ﻇﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻳ ﱢ ً ُﺸﻐﻠﻮن اﻷﴎى ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ ،وﻋﲆ اﻷﺧﺺ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻳ ِ ُﺤﺴﻨﻮﻧﻬﺎ ،إﱃ أن ﻳﻔﺪﻳﻬﻢ أﻫﻠﻬﻢ أو أﺻﺤﺎﺑﻬﻢ أو دوﻟﻬﻢ. وﻛﺎن ﻣﻦ ﺣﻆ ﺑﻌﺾ اﻷﴎى أﻧﻬﻢ دﺧﻠﻮا ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻌﺮب اﻟﺨﺎﺻﺔ ،دﺧﻠﻮا ﺑﻴﻮت املﺴﻠﻤني ،ﻓﺼﺎروا ﻣﻦ أﻫﻠﻬﺎ ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﻌ ﱠﻠﻤﻮا اﻟﺪﻳﻦ ،وأﺻﺒﺤﻮا إﺧﻮاﻧًﺎ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني ،وﻻ ﺣﺮج إن أوﻟﺌﻚ اﻷﴎى ﻛﺎﻧﻮا ﻳ َ إن ﻗﻠﻨﺎ ﱠ ْ ُﺮﻓﻌﻮن إﱃ ﻣﻨﺰﻟﺔ املﻮاﱄ واﻟﻌﺒﻴﺪ املﻘ ﱠﺮﺑني. ً أﺻﻼ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ »ﺳﻼف« ،Slavs وﻣﻨﻬﻢ ﰲ املﻐﺮب وﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺼﻘﺎﻟﺒﺔ ،وﻫﻢ أﴎﻫﻢ اﻷملﺎن ﰲ ﺣﺮوﺑﻬﻢ ،ﺛﻢ ﺑﺎﻋﻮﻫﻢ إﱃ اﻟﻌﺮب ﺗﻤﺎدﻳًﺎ ﰲ إذﻻﻟﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻈﻨﻮن، ﺑﺎﻋﻮﻫﻢ إﱃ اﻟ »ﺳﺎراﺳني« ﻓﺄﺣﺴﻦ اﻟ »ﺳﺎراﺳني« ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻔﻌﻠﻮن ﺑﻐريﻫﻢ ﻣﻤﱠ ﻦ ﻣﻠﻜﺖ أﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ،وﺻﺎروا ﻳﺴﻤﻮن ﻛ ﱠﻞ ﻣَ ﻦ ﻳﺄﴎون ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب اﻷﺧﺮى ﺑﺎﺳﻤﻬﻢ؛ أي ﺻﻘﺎﻟﺒﺔ. وﻛﺜﺮ اﻟﺼﻘﺎﻟﺒﺔ ﰲ اﻟﺪﻳﺎر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﺼﺎر اﻟﻮﻟﺪ اﻟﺼﻘﻠﺒﻲ ﰲ اﻟﺤﺮﻳﻢ، واﻟﺤﺎﺟﺐ اﻟﺼﻘﻠﺒﻲ ﰲ ﻣَ ﺸﻮر اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ،واملﻮﱃ اﻟﺼﻘﻠﺒﻲ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻮﺟﻬﺎء واﻷﺋﻤﺔ، واﻟﺠﻨﺪي اﻟﺼﻘﻠﺒﻲ ﰲ اﻟﺠﻴﺶ أو ﺑﺎﻟﺤﺮي ﰲ اﻟﺤﺮس املﻠﻜﻲ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﰲ ﺑﻼط أﻣري املﺆﻣﻨني ٌ ً »ﺟﻴﺶ« ﻣﻨﻬﻢ ،وﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﺎﴏ، ﺑﻘﺮﻃﺒﺔ، ﻧﻮاﺣﻲ ﺑﻼد اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ ﻋﲆ ﺷﻮاﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺳﻮد ،وﻛﻠﻬﻢ ﻳُﺪﻋَ ﻮن ﺻﻘﺎﻟﺒﺔ.
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﻛﺎﻧﻮا — ﻣﺜﻞ املﻮاﱄ ﰲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻌﺒﺎﳼ — أدﺑﺎء وﺷﻌﺮاء وأﺻﺤﺎب ﺻﻨﺎﻋﺎت ،ﻓﻨﻌﻤﻮا ﰲ َﻛﻨَﻒ اﻟﻌﺮب ،وﻣﺎرﺳﻮا املﻬﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺬﱡ ﻟﻬﻢ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﺎ .ﻛﺎﻧﻮا أﴎى وأرﻗﺎء أﺣﺮا ًرا! وﻟﻜﻨﻬﻢ ﰲ اﻧﺘﻘﺎﻟﻬﻢ إﱃ ﻏري اﻟﻌﺮب ﻣﻦ اﻟﺴﺎدة اﻟﻔﺎﺗﺤني ،أو املﻔﺘﺪﻳﻦ ،أو اﻟﺸﺎرﻳﻦ، ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻮدون أﴎى وأرﻗﺎء ،وﻳُﻌﺎﻣَ ﻠﻮن ﻛﺬﻟﻚ .ﻫﺬا إذا ﻋﺪل ﻓﻴﻬﻢ ﺳﺎدﺗﻬﻢ اﻟﺠُ ﺪُد. وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮادث اﻻﻧﺘﻘﺎل ،ﻋﲆ أﻧﻮاﻋﻪ ،ﺗﺘﻠﻮ ﻛﻞ ﺣﺮب ﻣﻦ اﻟﺤﺮوب ،وﻛﻞ ﻏﺰوة ﻣﻦ اﻟﻐﺰوات ،وﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻓﻴﻬﺎ ﻏري أﺻﻮﻟﻴني ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺜﻞ أﻋﺪاﺋﻬﻢ ﰲ اﻟﺴﻠﺐ واﻟﻨﻬﺐ واﻷﴎ واﻟﺘﺪﻣري. ﱠ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻫﺸﺎ ٍم؛ َ ِ وﻫﺎك ﻣَ ﺜ َ َﻠﻬﻢ اﻷﻋﲆ ،ﺣﺎﺟﺐَ ﻋﺎﻣﺮ ﻣﺤﻤﺪًا املﻠﻘﺐ ﺑﺎملﻨﺼﻮر ،وﻗﺪ اﺑﻦ ٍ ﻏﺰا ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺧﻤﺴني ﻏﺰوة ﱠ ﻣﻮﻓﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻫﺎك ً ﻣﺜﺎﻻ ﻣﻦ ﻏﺰواﺗﻪ :ﻓﻘﺪ وﺻﻞ ﻣﺮة إﱃ أﻗﴡ ﺑﻼد اﻟﺸﻤﺎل ،إﱃ ﺟﻠﻴﻘﻴﺎ ،إﱃ ﺑﻠﺪة ﺷﻨﺘﻴﺎﻗﺐ Santiagoﻫﻨﺎك ،ﻓﺎﻛﺘﺴﺤﻬﺎ وأﴎ اﻷﴎى ﻣﻦ أﻫﻠﻬﺎ ،وﺟ ﱠﺮد ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻗﺪﻳﺴﻬﺎ ﺳﺎﺟﺎﻛﻮب ﻣﻦ ﺗُﺤَ ﻔﻬﺎ وأﺟﺮاﺳﻬﺎ ،وﺣﻤﱠ َﻞ اﻷﴎى ﺗﻠﻚ اﻷﺟﺮاس إﱃ ﻗﺮﻃﺒﺔ. وداﻟﺖ اﻷﻳﺎم ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ ،ﻓﺴﻘﻄﺖ ﺧﻼﻓﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺑﻌﺪ ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ وﻓﺎة املﻨﺼﻮر، ﻓﺪﺧﻞ اﻟﻨﺼﺎرى اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن املﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺟﺮاس ﻻ ﺗﺰال ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ،ﻓﺄﻋﺎدوﻫﺎ ﻋﲆ ﻇﻬﻮر اﻷﴎى املﺴﻠﻤني ،إﱃ ﻛﻨﻴﺴﺘﻬﺎ ﰲ ﺷﻨﺘﻴﺎﻗﺐ ﺑﺠﻠﻴﻘﻴﺎ. وﻟﻘﺪ ﱠ ﺧﺺ املﻨﺼﻮر اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ اﻵن ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻐﺰوة ﻣﻦ ﻏﺰواﺗﻪ ،ﻓﺎﻛﺘﺴﺢ اﻷدﻳﺮة اﻟﻐﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﱡﺤَ ﻒ ،وﻣﻨﻬﺎ دﻳﺮ ﺳﺎن ﺑﺪرو ،ﻗﺒﻞ أن دُﻓِ ﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻴﺪ ُروي ﺑﻴﺒﺎر وزوﺟﺘﻪ وﺣﺼﺎﻧﻪ. ﺗﻮﰲ اﻟﺤﺎﺟﺐ املﻨﺼﻮر ﺳﻨﺔ ١١٠٢ﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﻟﺴﻴﺪ ﺑﺜﻼث ﺳﻨﻮات ،وﻛﺎن ﻣﺜﻠﻪ ﰲ ﺧﺎﺗﻤﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﺪﺣﻮ ًرا ﻣﺤﺰوﻧًﺎ .ﺗﻮﰲ اﻟﺴﻴﺪ ﺑﻌﺪ أن ﻛﴪه املﺮاﺑﻄﻮن ،وﺗﻮﰲ املﻨﺼﻮر ﺑُﻌَ ﻴْﺪ وﻗﻌﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﺪوﻳﺮة ،اﻟﺘﻲ ﻗﺎد اﺑﻨﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻴﻮش اﻟﻌﺮب ﻋﲆ ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى اﻟﺜﻼﺛﺔ؛ أي ﻣﻠﻮك ﻟﻴﻮن وﻧﺒﺎرة وﻗﺸﺘﺎﻟﺔ ،وﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺪﺣﻮ ًرا. وﻋﺎد اﻟﻈﺎﻓﺮون ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ،وﻳﺴﻮﻗﻮن اﻷﴎى ﻣﻦ ﻋﺮب وﺻﻘﺎﻟﺒﺔ؛ ً ﺳﺎﺑﻘﺎ ،ﻟﻴﻘﻮﻣﻮا ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل ﰲ اﻟﺤﻘﻮل واملﺼﺎﻧﻊ، ﻓﺄﻧﺰﻟﻮﻫﻢ ﰲ اﻷدﻳﺮة اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺴﺤﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮن وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷدﻳﺮة دﻳﺮ ﺳﻴﻠﻮس ،Silosﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺳﺘني ﻛﻴﻠﻮﻣﱰًا ﻣﻦ ﺑﺮﻏﻮس ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻴﻪ زﻫﺎء ﻣﺎﺋﺔ أﺳري. 92
ﻣﻌﺮض ﻓﻨﻲ ﰲ دﻳﺮ
وﺳﻴﻠﻮس دﻳﺮ ﻗﺪﻳﻢ ،أﻗﺪم ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺑﻨﺎه أﺣﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﻐﻮط ﰲ اﻟﻘﺮن ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن اﻷب دوﻣﻴﻨﻴﻖ — اﻟﻘﺪﻳﺲ اﻟﺴﺎدس ﻟﻠﻤﻴﻼد ،وﻛﺎن ﻣﺸﻬﻮ ًرا ﰲ أوروﺑﺎ دوﻣﻴﻨﻴﻖ ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ — ﻳﺪﻳﺮ ﺷﺌﻮﻧﻪ .ﻫﻮ دﻳﺮ ﻟﻠﺮﻫﺒﻨﺔ اﻟﺪوﻣﻴﻨﻴﻘﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻋﺎد إﻟﻴﻪ اﻟﺪوﻣﻴﻨﻴﻘﻴﻮن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﻳﻮم ُ ﻃ ِﺮدوا ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺳﻨﺔ .١٨٨٠ ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮل دﻟﻴﻞ ﺑﻴﺪﻳﻜﺮ ،وﻳﻘﻮل ً أﻳﻀﺎ ﻣﺎ ﻳُﺪﻫﺶ اﻟﺴﺎﺋﺢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،ﻓﻤﻨﺬ رﺑﻊ ﻗﺮن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﻌﺮﺑﺎت ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻞ إﱃ ﻛﻞ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد؛ ﻓﻜﺎن ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺋﺢ اﻟﺮاﻏﺐ ﰲ زﻳﺎرة دﻳﺮ ﺳﻴﻠﻮس ً ﻣﺜﻼ أن ﻳﺴﺎﻓﺮ ﺑﺎﻟ »دﻳﻠﻴﺠﺎﻧﺲ«؛ أي ﻋﺮﺑﺔ اﻟﱪﻳﺪ ،إﱃ ﻗﺮﻳﺔ ﺑَ ْﺮﺑَﺎدﻳﱡﻮ ،Barbadilloوﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺨﻴﻞ أو اﻟﺒﻐﺎل إﱃ اﻟﺪﻳﺮ ﰲ اﻟﺠﺒﻞ ،ﻓﺘﺴﺘﻐﺮق اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻳﻮﻣني. أﻣﺎ اﻟﻴﻮم — وأﻣﺎ ﻧﺤﻦ — ﻓﻘﺪ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﺮﻏﻮس ﰲ اﻟﺴﻴﺎرة ﺑﻌﺪ اﻟﻐﺪاء ،ﻓﻮﺻﻠﻨﺎ إﱃ اﻟﺪﻳﺮ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ،وأﻗﻤﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻧﻄﻮف ﰲ رﺑﻮﻋﻪ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت ،ﺛﻢ ﻋﺪﻧﺎ إﱃ اﻟﻨ ﱡ ُﺰل ﻣﺴﺎءً ﻟﻠﻌﺸﺎء. اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻬﻴﺞ ،ﻳﺰﻳﱢﻦ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ اﻟﺤﻮر اﻟﺒﺎﺳﻖ ،وﻳﻤﺘﺪ اﺧﴬار اﻟﺴﻬﻮل إﱃ اﻵﻓﺎق املﴩﻗﺔ، إﻻ ﻣﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ اﻟﻘﺮى ،وﻗﺪ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﻣﻨﻬﺎ دﻛﻨﺎء ﺳﻤﺮاء ﻻﺻﻘﺔ ﺑﺎﻷرض ،ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻲ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ إﱃ ﻣﺪرﻳﺪ ،ﻻ ﺷﺎﻣﺦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء ﻏري اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﺑﺎب اﻟﺪﻳﺮ أﺣﺪ اﻟﺮﻫﺒﺎن ،وراﻓﻘﻨﺎ ً دﻟﻴﻼ ،ﻓﻤﺸﻴﻨﺎ ﰲ ﺧﻄﻮاﺗﻪ ﺗﻮٍّا إﱃ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪ ﻓﻴﻪ ،وﻫﻮ اﻟﺼﺤﻦ ﺑﺄروﻗﺘﻪ اﻷرﺑﻌﺔ ،املﺴﻘﻮﻓﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺸﺐ املﺤﻔﻮر ،اﻟﺸﺒﻴﻪ ﰲ أﻟﻮاﻧﻪ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻟﺮواﻓﺪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ. ﻫﺬا اﻟﺼﺤﻦ ﺑﺄروﻗﺘﻪ اﻷرﺑﻌﺔ وﻋُ ﻤُﺪﻫﺎ وأﻗﻮاﺳﻬﺎ ،ﻫﻮ أﺟﻤﻞ ﻣﺜﺎل ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻟﻠﻔﻦ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ،Romanesqueﻓﺎﻷروﻗﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﻋُ ﻤُﺪ ﻣﺰدوﺟﺔ ،ﺑﺄﻗﻮاس ﻣﺴﺘﺪﻳﺮة ،وﺗﻴﺠﺎن ﺑﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﻫﻲ ﺑﻴﺖ ﻗﺼﻴﺪﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﺼﺤﻦ ﺑﻤﺠﻤﻠﻪ ﻫﻮ ﺑﻴﺖ ﻗﺼﻴﺪ اﻟﺪﻳﺮ. ﻋﻨﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻴﺠﺎن ﻳﻨﺘﻬﻲ ﰲ ﻧﻈﺮي اﻟﻔﻦ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ،وﺑﺘﻠﻚ اﻟﺘﻴﺠﺎن ﻳﻘﻮم املﻌﺮض اﻟﻔﻨﻲ اﻟﺬي أﴍت إﻟﻴﻪ ﰲ ﻋﻨﻮان ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻧﺴﺘﻤﺪ اﻟﱪﻫﺎن ﻋﲆ أن إدارة اﻟﺪﻳﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺄﻳﺪي رﻫﺒﺎن أﻓﺎﺿﻞ ،ﻳ ِ ُﺤﺴﻨﻮن ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻷﴎى ،ﻓﻴُﻄﻠﻘﻮن ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ ﰲ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳُﺤﺴﻨﻮﻧﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﻢ — أي أوﻟﺌﻚ اﻟﺮﻫﺒﺎن — ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﺪﱢرون اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻗﺪرﻫﺎ. ُ ﻗﻠﺖ إﻧﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻴﺠﺎن ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻔﻦ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ؛ ﻷن اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﱢﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﰲ أﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ وﻣﻮاﺿﻴﻌﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻔﻨﻮن ،ﻓﻜﻞ ﻋﻤﻮد ﻳﺨﺘﻠﻒ ﰲ ﻧﻘﺶ ﺗﺎﺟﻪ 93
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﺗﻤﺎﺛﻴﻠﻪ ﻋﻦ َ اﻵﺧﺮ .ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻮش ﻣﺎ ﻫﻮ روﻣﺎﻧﻲ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﴍﻗﻲ ﻓﺎرﳼ ،وﴍﻗﻲ ﻫﻨﺪي ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﻮﻃﻲ ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻷﻧﺪﻟﴘ ،واﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻓﻤﻦ اﻟﺮﻣﻮز اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ،إﱃ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ ،إﱃ اﻟﺘﻮرﻳﻖ واﻟﺘﺨﺮﻳﻢ ،إﱃ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﺴﺎﺣﺮة واﻟﺴﺎﺧﺮة واملﺮوﻋﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﺑﺸﺘﻰ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ،وﺑﺪرﺟﺎت ﻣﻦ اﻹﺗﻘﺎن ،ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻴﺪ واﻟﻮﺳﻂ واﻟﺪون؛ ﻫﺎك ﻣﻌﺮض اﻷﴎى اﻟﻔﻨﺎﻧني ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ،وﺑﻴﻨﻬﻢ املﻘ ﱢﻠﺪ واﻟﻄﺎﻟﺐ واﻷﺳﺘﺎذ واﻟﻌﺒﻘﺮي. ﻗﺎل اﻟﺮاﻫﺐ اﻟﺪﻟﻴﻞ :ﰲ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﻛﺎن املﺴﻴﺤﻴﻮن واملﺴﻠﻤﻮن ﰲ ﺣﺮوب ﻣﺴﺘﻤﺮة ،ﻓﻴﺄﴎ املﺴﻠﻤﻮن اﻷﴎى ،وﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻬﻢ ﰲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ،وﰲ ﺗﻌﻤري ﻣﺪﻧﻬﻢ، وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ املﺴﻴﺤﻴﻮن ﺑﺄﴎى املﺴﻠﻤني .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺪﻳﺮ ﻛﺜريون، وﺑﻴﻨﻬﻢ ﱡ اﻟﺼﻨﱠﺎع اﻟﺤﺎذﻗﻮن ﺑﺎﻟﻨﻘﺶ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ؛ ﻓﺼﻨﻌﻮا اﻟﻌُ ﻤُﺪ واﻟﺘﻴﺠﺎن ﻟﻬﺬه اﻷروﻗﺔ، وﻧﺤﺘﻮا اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺘﻲ ُزﻳﱢﻨ َ ِﺖ اﻟﻌُ ﻤُﺪ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪﺋﺬٍ. إن أوﻟﺌﻚ اﻷﴎى اﻟﻔﻨﺎﻧني ﻗﺪ ﺗﻌ ﱠﻠﻤﻮا واﻗﺘﺒﺴﻮا ﻓﻨﻮن ﻣَ ﻦ ﺗﻘﺪﱠﻣﻬﻢ ﰲ املﴩق واملﻐﺮب، َ واﻵﺧﺮ ﻋﻦ رﺳﻮم ﻓﺎرﺳﻴﺔ ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ،وﻏريه ﻋﻦ اﻟﻐﻮط ﻓﻨﻘﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴني، ً رءوﺳﺎ ﺑﴩﻳﺔ واﻟﻌﺮب ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻔﻨﱠﺎن ﻗﺮأ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﺐ ﻋﻦ اﻟﺘﻘﻤﱡ ﺺ اﻟﻬﻨﺪي ،ﻓﺼﻮﱠر ﻓﻮق ﻣﻨﺎﻛﺐ ﺣﻴﻮاﻧﺎت رﻫﻴﺒﺔ أو ﻗﺒﻴﺤﺔ أو داﺟﻨﺔ ،وذاك ﻛﺎن ﻳﺤﺴﻦ اﻟﻨﻘﺶ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﺠﺎء ﻋﻤﻠﻪ املﻤﺜﱢﻞ ﻟﺨﻄﻮط اﻟﺮواﺷﻦ واﻟ ﱡﺮ ُﻗﻢ أﺑﺪع ﺗﻤﺜﻴﻞ. إن ﰲ اﻷروﻗﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷول ،ﺳﺘني زوﺟً ﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌُ ﻤُﺪ ،وﰲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ ُ ذﻛﺮت. ﻣﺜﻠﻬﺎ ،وﻛﻠﻬﺎ ﺑﺘﻴﺠﺎن ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮش املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻣﺰﻳﱠﻨَﺔ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ املﺘﻨﻮﻋﺔ ،اﻟﺘﻲ ﴎﻫﻢ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ، ﻫﻮ ذا ﻣﻌﺮض أوﻟﺌﻚ اﻷﴎى اﻟﻔﻨﺎﻧني اﻟﻌﺮب واﻟﺼﻘﺎﻟﺒﺔ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻧﻌﻤﻮا ﰲ أ َ ْ ِ ﺑﺪﻳﺮ ﺳﻴﻠﻮس ،وﻟﻴﺲ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻋﻠﻴﻬﻢ ﻏري ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ َﺧ َ ِﱪﻫﻢ َ ﺗﻨﺎﻗ َﻠﺘْﻬﺎ اﻷﺟﻴﺎل، وﻫﺬه اﻵﺛﺎر اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻄﺮﻳﻔﺔ .ﻓﺈن ﰲ اﻟﺪﻳﺮ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ أﻟﻒ ﻛﺘﺎب، وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺘﺎب واﺣﺪ ،ﻋﲆ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖ ،ﻳﺬﻛﺮ ﰲ ﻓﻘﺮة أو ﺣﺎﺷﻴﺔ أوﻟﺌﻚ اﻷﴎى اﻟﻔﻨﺎﻧني، رﺣﻤﻬﻢ ﷲ. وﻣﻦ آﺛﺎر دﻳﺮ ﺳﻴﻠﻮس ﻣﺘﺤﻒ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺻﻐري ،ﻣﻌﺮوﺿﺔ ﻓﻴﻪ أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺎدن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ،وﻃﺒﻘﺎﺗﻬﺎ اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،وﻣﻦ ﻃﻴﻮرﻫﺎ وﺣﻴﻮاﻧﺎﺗﻬﺎ ،وﺑﻴﻨﻬﺎ اﻟﺼﻘﺮ واﻟﻬﺪﻫﺪ، واﻟﺬﺋﺐ واﻟﺨﻨﺰﻳﺮ اﻟﱪي. وﻣﻦ ﻣﺂﺛﺮ رﻫﺒﺎن اﻟﺪﻳﺮ اﻷﺳﺎﺗﺬة ،أﻧﻬﻢ ﻳﻌ ﱢﻠﻤﻮن اﻟﻼﻫﻮت ﰲ ﻣﺪرﺳﺘﻪ اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ، وﻳﺼﻨﻌﻮن اﻟﺨﻤﺮ ،ﻻ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ،ﺑﻞ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ وﻟﻠﻄﻠﺒﺔ؛ ﻋﻮﻧًﺎ ﻋﲆ اﻟﻼﻫﻮت. 94
ﻣﻌﺮض ﻓﻨﻲ ﰲ دﻳﺮ
ﻛﺎن اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻗﺪ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺰاﺋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﺠﺎء إﱃ ﻏﺮﻓﺔ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ﻳﺮﺣﱢ ﺐ ﺑﻨﺎ ،وﻗﺪ ﺣ ﱠﺪﺛَﻨﺎ ﻋﻦ زﻋﻴﻢ اﻟﺒﻼد اﻟﺠﻨﺮال ﻓﺮﻧﻜﻮ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻌﺠﺐ ﺑﻪ ،ﻓﻘﺎل :ﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل ،ﻣﻦ ﻏﻠﻴﺴﻴﺎ، وﻋﺒﺎﻗﺮة اﻹﺳﺒﺎن ﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل. ﻻ أﻇﻦ أن ﺣﴬة املﺤﱰم أراد أن ﻳﻐﻤﻂ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺣﻘﻬﺎ ،وأن ﻳُﻨﻜِﺮ ﺷﻬﺮ َة أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ُ ﺷﺌﺖ أن أذﻛﺮ اﻟﻌﺒﺎﻗﺮة ﻣﻦ ﻋﺮب وإﺳﺒﺎن ،إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻗﺎﻟﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻔ ﱠﺰﻧﻲ ،وﻣﺎ اﻟﻌﺮب ﺗﺄ ﱡدﺑًﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ :وﻫﻞ ﻧﻨﴗ أن ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ُوﻟِﺪ ﺑﺈﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ،وأن اﻟﺪﻛﺘﺎﺗﻮر اﻟﺠﻨﺮال ﺑﺮﻳﻤﻮ ده رﻳﻔريا ﻣﻦ ﴍﻳﺶ؟ ﻛﺎن أﺣﺪ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﻗﺪ ﺟﺎء ﺑﴚء ﻣﻦ ﺧﻤﺮ اﻟﺪﻳﺮ ،ﰲ ﻛﺌﻮس ﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻬﺎ إﻻ أﻧﻬﺎ ﺻﻐرية ،ﻓﴩﺑﺖ ﻛﺄﳼ ﻗﺒﻞ أن ذﻛﺮت ﻓﻼﺳﻜﻴﺰ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟﻈﺮﻳﻒ اﻟﺨﻔﻴﻒ اﻟﺮوح، ﺑﻌﺪ ﺟﻮاﺑﻲ ﻋﲆ ﻛﻠﻤﺘﻪ :ﺗﺴﺘﺤﻖ ً ﻛﺄﺳﺎ أﺧﺮى! ُ ُ ﻛﺘﺒﺖ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺪﻳﺮ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ :ﰲ اﻟﻌﺰﻟﺔ ﻧﺠﺪ ﷲ .ﻓﻘﻠﺖ ﻟﺤﴬﺗﻪ وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺘﻬﺎ :وإﻧﻲ ﻣﺴﻴﺤﻲ ﺛﺎﻟﻮﺛﻲ .ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ وأﻣﺮ ﺑﺎﻟﻜﺄس اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،ﻟﻪ وﱄ ،ﻓﺄﺛﻠﺜﻨﺎ ﻋﲆ ذﻛﺮ اﻟﺤﺒﻴﺐ ،ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ.
95
ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻠﺪ اﻟﺴﻴﺪ
1
ﺑني إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﺑُﺮﻏﻮس ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ وﺟﻮﻳﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وأﺧﻼﻗﻴﺔ .أﻣﺎ املﺴﺎﻓﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن أﻗﴫﻫﺎ؛ ﻷن اﻟﺴﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰ ﺑني املﺪﻳﻨﺘني ﺗﻘﻄﻌﻬﺎ ﺟﻮٍّا ﰲ ﺳﺎﻋﺘني ،وﺑ ٍّﺮا ﰲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﺎﻋﺎت. وأﻣﺎ املﺴﺎﻓﺎت ﻏري اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﺒﺪأ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺼﻞ ﻣﻦ إﺣﺪى املﺪﻳﻨﺘني إﱃ اﻷﺧﺮى، ﻓﻴﻌﻜﺮ ﻣﺰاﺟﻚ إن ﻛﻨﺖ ﺻﺎﰲ املﺰاج ،وﻳﺼﻔﻮ إن ﻛﺎن ﻋﻜ ًﺮا ،وﺗﺸﺘﺎق إﱃ اﻵﻓﺎق اﻟﻮاﺳﻌﺔ املﴩﻗﺔ إن ﻛﻨﺖ ﻗﺎدﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﺗﺘﻌﺐ ﻣﻨﻬﺎ إن ﻛﻨﺖ ﻗﺎدﻣً ﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺒﺎل ُﻛﻨْﺘَ ْريﻳﺔ. وﻳﺠﻒ ﻫﻨﺎك ﻓﻴ ﱡ ﱡ َﺨﻒ وﻳُﻨﻌﺶ ،وﻗﺪ ﺗﺠﻒ ﰲ اﻟﺸﻤﺎل ﻳﺮﻃﺐ اﻟﻬﻮاء ﻫﻨﺎ ﻓﻴﻜﺜﻒ وﻳُﻀﻨﻲ، اﻟﺠﺪ وﻳﻘﺴﻮن ،وﺗﺠﻲء ﺣﺘﻰ ﻣﻬﺮﺟﺎﻧﺎﺗﻬﻢ دﻛﻨﺎء اﻟﻮﺟﻮه واﻟﻨﻔﻮس ،ﻓﻴُﻤﻌﻦ اﻟﻨﺎس ﰲ ِ اﻟﻠﻮن ﺷﻤﺎﻟﻴﺔ. وﻻ ﺣﺮج إن ﻗﻠﻨﺎ ﻣﺠﻤﻠني إن إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ،وﻣﺪرﻳﺪ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،وﺑﺮﻏﻮس ﻏﻮﻃﻴﺔ، ﻏﻮﻃﻴﺔ أملﺎﻧﻴﺔ ،إن ﻛﺎن ﰲ ﻛﻨﻴﺴﺘﻬﺎ اﻟﻜﱪى وﴎاﻳﺎﻫﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،أم ﰲ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ اﻟﺠﺒني، أو ﰲ ﺳﺎﺣﺎﺗﻬﺎ اﻟﺼﻐرية املﺘﺄﻧﻘﺔ ﰲ وﺟﻮﻣﻬﺎ وﻣﻨﻄﻘﻬﺎ. ﻫﻮ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ اﻟﻐﻮﻃﻲ ،واﻟﻔﻦ اﻟﻐﻮﻃﻲ ،واﻟﺮوح اﻟﻐﻮﻃﻴﺔُ ، وﻗ ْﻞ ﻫﻮ ﺟﻮ اﻟﺸﻤﺎل ،وأﻓﻖ اﻟﺸﻤﺎل واﻟﻄﺒﺎﺋﻊ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ .ﻳﻤﴚ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺧﻂ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ إﱃ أﻏﺮاﺿﻬﻢ ،وإن اﻋﻮﺟﱠ ﺖ اﻷﺳﻮاق وﺿﺎﻗﺖ؛ ﻷن ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺟﺎﻓﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺠﺬب اﻟﻨﻈﺮ أو ﻳﺴﺘﻮﻗﻔﻪ. ُﻮرث املﺸﺎﻛﻞ وﻳﺴﻠﻜﻮن املﺴﻠﻚ اﻟﻘﻮﻳﻢ ﰲ ﻣﻌﺎﻣﻼﺗﻬﻢ؛ ﻷن اﻻﻋﻮﺟﺎج ﻣﺘﻌﺐ ،وﻫﻮ ﻓﻮق ذﻟﻚ ﻳ ِ 1ﺑﺮﻏﺸﺖ اﻟﻌﺮب.
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ووﺟﻊ اﻟﺮأس .أﻣﺎ أن ﻳﴪﻋﻮا أو ﻳﺒﻄﺌﻮا ﰲ اﻟﺴري واﻟﺴﻠﻮك ،ﻓﺬﻟﻚ أﻣﺮ ﺛﺎﻧﻮي ،أو أﻧﻬﻢ ﱢ ﻳﻔﻀﻠﻮن اﻟﺮﻓﻖ واﻟﺘﻤﻬﱡ ﻞ ﻋﲆ اﻟﻜﺪح واﻹﴎاع. وﻫﺎك املﺜ َﻞ ملﺎ ﻗﺪﱠﻣْ ُﺖ :ﺗﻌﻄﻠﺖ ﺳﺎﻋﺘﻲ ﰲ ﺑﺮﻏﻮس ،ﻛﻤﺎ اﻋﺘَ ﱠﻠ ْﺖ ﺻﺤﺘﻲ ،ﻟﺴﺒﺐ واﺣﺪ ﻋﲆ ﻣﺎ أﻇﻦ ،ﻫﻮ اﻟﻄﻘﺲ ،ﻓﻤﻦ ﺳﻤﺎء ﺗﻄﻮان املﴩﻗﺔ وﺟﻮ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ اﻟﻌﺎﻃﺮ ،ﻃﺮﻧﺎ ﺛﻢ وﺛﺒﻨﺎ وﺛﺒﺔ واﺣﺪة إﱃ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﺒﺎرد ،واﻟﺮﻃﻮﺑﺔ واملﻄﺮ واﻷوﺣﺎل ،واﻟﺰﻛﺎم ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ وﺑﺼﺎﺣﺒﻬﺎ! ﻓﺤﻤﻠﻨﺎﻫﺎ أﻧﺎ واﻟﺮﻓﻴﻖ اﻟﺒﺴﺘﺎﻧﻲ ،ﺗﺮﺟﻤﺎﻧﻲ املﻼزم ،إﱃ أﺣﺪ أﻃﺒﺎء اﻟﺴﺎﻋﺎت، ﻓﻮﺿﻊ اﻟﺰﺟﺎﺟﺔ ﻋﲆ ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻓﺤﺼﻬﺎ ،ﺛﻢ أﻋﺎدﻫﺎ ً ﻗﺎﺋﻼ :ﻟﻴﺲ ﰲ اﻹﻣﻜﺎن إﺻﻼﺣﻬﺎ. ﻓﺄﺧﺬﻧﺎﻫﺎ إﱃ زﻣﻴﻞ ﻟﻪ ﰲ اﻟﺸﺎرع ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ اﻷول ،وﺑﻌﺪ اﻟﻔﺤﺺ أﻋﺎدﻫﺎ َ ﺷﺌﺖ أﺻﻨﻌﻪ، إﱄ ﱠ وﻫﻮ ﻳﻬﺰ رأﺳﻪ .ﺛﻢ ﻗﺎل :اﻟﺠﺰء املﻜﺴﻮر ﻓﻴﻬﺎ ﻏري ﻣﻮﺟﻮد ﻋﻨﺪي ،ﻓﺈن ُ ﺷﺌﺖ ذﻟﻚ؛ ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﺟﺊ ﺑﺮﻏﻮس وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻳﺴﺘﻐﺮق ﻣﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ إﱃ اﻷرﺑﻌﺔ اﻷﺳﺎﺑﻴﻊ .ﻓﻤﺎ ﻷﻗﴤ ﻓﻴﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم. وﻗﺪ أﺟﺎب ﺣﴬﺗﻪ ﻋﲆ ﺳﺆال َ آﺧﺮ ً ﻗﺎﺋﻼ :ﻗﺪ ﺗﺠﺪون ﻣﺜﻞ اﻟﺠﺰء املﻜﺴﻮر ﻋﻨﺪ ﻏريي، وﻟﻜﻨﻲ أﺷﻚ ﰲ ذﻟﻚ. دﺧﻠﻨﺎ إﱃ ﻣﺨﺰن اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﺜﺎﻟﺚ ،وﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻨﻪ إﱃ اﻟﺮاﺑﻊ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻄﺒﻴﺐ املﺴﺘﻘﻴﻢ اﻟﺮأي :ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺛﻤﻴﻨﺔ ،ﻓﺎﻷﺣﺴﻦ ﱠأﻻ ﺗﺼﻠﺤﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ. أرﺑﻌﺔ ﻣﻨﻬﻢ — وﻃﺒﻴﺐ اﻟﺴﺎﻋﺎت ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺜﻞ ﻃﺒﻴﺐ اﻷﺳﻨﺎن — ﻳﻨﻔﻀﻮن أﻳﺪﻳﻬﻢ ً ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ واﻟﻜﺴﺐ .ﻓﻬﻞ ﺗﻈﻦ أن أﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺜريون؟ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻲ ،وﻳﺰدرون أﻧﺎ ﻻ أﻇﻦ أﻧﻬﻢ ﻣﻮﺟﻮدون ﰲ ﻏري ﺑﺮﻏﻮس. وﻋﻨﺪﻣﺎ رﺣﻨﺎ ﻧﺸﱰي ﺳﺎﻋﺔ وﻗﺘﻴﺔ ﻟﻠﺴﻔﺮ ،ﺗﻘﻮم ﻣﻘﺎم املﻌﻄﻠﺔ ،ﻛﺎن اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻳﻌﺮض ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ ،وﻳﻨﻄﻖ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ،ﺟ ﱡﻠﻬﺎ أرﻗﺎم ،وﻫﻞ ﻋﻨﺪﻛﻢ أرﺧﺺ ﻣﻦ ﻫﺬه؟ اﻟﺠﻮاب :ﻗﺪ ﺗﺠﺪون ﻋﻨﺪ ﻓﻼن ﰲ اﻟﺸﺎرع اﻟﻔﻼﻧﻲ. َ واﻟﺴﻴﺪ اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻓﻼن ﻳﺮﻳﻨﺎ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه دون إﴎاف ﰲ اﻟﻘﻮل أو اﻟﻌﻤﻞ ،وآﺧﺮ ﻳﻌﻴﺪ اﻟﺴﺎﻋﺎت إﱃ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ،وﻳﻌﻮد ﻫﻮ إﱃ ﻛﺮﺳﻴﱢﻪ ،دون أن ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة .ﻻ ﺗﺸﻮﻳﻖ وﻻ ﻣﺴﺎوﻣﺔ ،وﻻ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺗﺠﺎرﻳﺔ أو ﻏري ﺗﺠﺎرﻳﺔ ،ﻓﺎﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻠﻄﻴﻔﺔ اﻟﻮﺟﻴﺰة اﻟﻬﺎدﺋﺔ ﺗﻘﺮن ﺑﺮوح ﻣﺜﻠﻬﺎ ،وﻻ اﻛﱰاث ﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﻣﻦ رزق أو ﻓﺎت ،ﻫﻲ ذي ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﺮﻏﻮس ،وﻫﻮ ذا ﺻﻨﻒ ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ. وﰲ ﻫﺬه املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻘﺎهٍ ،ﰲ ﺷﺎرﻋﻬﺎ اﻟﻮاﺳﻊ اﻟﻮﺣﻴﺪ ،ﻋﲆ إﺣﺪى ﺿﻔﺘﻲ اﻟﻨﻬﺮ ،ﺗﻄﻤﺢ إﱃ اﻟﻌﻼء املﺪﻧﻲ — اﻟﺒﺎرﻳﴘ أو املﺪرﻳﺪي — ﻓﺘﺒﻠﻐﻪ ﰲ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ واﻷﺛﺎث واﻷﻧﺎﻗﺔ ،وﺗﻔﻮﻗﻪ ﰲ اﻟﺨﺪﻣﺔ وﰲ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﱡ ﻮﻧﻬﺎ. 98
ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻠﺪ اﻟﺴﻴﺪ
وﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﺎرع ﺗﺼﻌﺪ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ ﺳﻔﺢ اﻟﺮاﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻓﻮﻗﻬﺎ ،ﻓﺘﻔﴤ اﻷﺳﻮاق ﺑﻜﺂﺑﺘﻬﺎ إﱃ ﺳﺎﺣﺎت ﺻﻐرية ﺻﺎﻣﺘﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﺟﺎدﱠات ﺿﻴﻘﺔ ﻣﺘﻌﺮﺟﺔ ،ﺗﺤﻨﻮ اﻟﺒﻴﻮت ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ،وﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻏﺎﺋﺼﺔ إﱃ وﺳﻄﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻳُ َﺮى ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻮق اﻟﺴﻄﻮح ﻏري اﻟﻘﺒﺎب. وﻟﻬﺬا اﻟﺸﺎرع اﻟﺒﺎرﻳﴘ أو اﻟﱪﻟﻴﻨﻲ ﺣﺎﺟﺐ ﰲ ﺣﻠﺔ ﺧﴬاء ،واﻗﻒ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني اﻟﻨﻬﺮ، ﻫﻮ اﻹﺳﺒﺎﻟﻮن Espalon؛ أي املﻨﺘﺰه ،وﻟﻪ ﺻﻨﻮ ﻋﲆ اﻟﻀﻔﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻓﻴُﺴﻤﱠ ﻰ ﻫﺬا :املﻨﺘﺰه اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وذﻟﻚ اﻟﺬي أﻣﺎم املﻘﺎﻫﻲ :املﻨﺘﺰه اﻟﻘﺪﻳﻢ. وﺑني اﻻﺛﻨني ﻳﺠﺮي ﻧﻬﺮ أرﻟﻨﺴﻮن Arlanzonاملﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﻟﻴﺲ ﺑﺒﻌﻴﺪ ﱡ ﺗﺪﻓ ًﻘﺎ ﻗﺼري املﺪى ،ﻓﻴﺼﻞ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﺳﺎﻛﻨًﺎ ُﻣﺘﱠﻀﻌً ﺎ ،ﻓﻴﺠﺮ أذﻳﺎﻟﻪ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﴩق إﱃ اﻟﻐﺮب، ﺛﻢ ﻏﺮﺑًﺎ ﺑﺠﻨﻮب ﻟﻴﺘﺤﺪ ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﻞ إﱃ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ Balenciaﺑﻨﻬﺮ ﻳﺠﺮي ﺟﻨﻮﺑًﺎ إﱃ اﻟﺸﻤﺎل ﻫﻮ ﺑﺴﻮرﻏﺔ ،Pasuergoﻓﻴﻤﺮان ﺑﺒﻠﺪ اﻟﻮﻟﻴﺪ Valladolidﻣﺘﺤﺪﻳﻦ ﻣﺘﻌﺎﻇﻤني، وﻳﺼﻄﺪﻣﺎن ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﻨﻬﺮ اﻷﻛﱪ ﻧﻬﺮ دوﻳﺮو ،Dueroﻓﻴﺒﻠﻌﻬﻤﺎ وﻳﺤﻤﻠﻬﻤﺎ ﰲ ﺟﻮﻓﻪ، ُ اﻟﺤﻮت ﻳﻮﻧﺎن ﰲ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺰﻣﺎن ،ﻳﺤﻤﻠﻬﻤﺎ إﱃ ﺳﻤﻮرا ،Zamoraﻓﺒﻼد اﻟﱪﺗﻐﺎل، ﻛﻤﺎ ﺣﻤﻞ ﻓﺎﻷوﻗﻴﺎﻧﻮس! وﺑﺮﻏﻮس ﺗﻘ ﱢﻠﻢ أﺷﺠﺎر ﺣﺪﻳﻘﺘﻬﺎ ،وﺗﴩب اﻟﻘﻬﻮة أو اﻟﺨﻤﺮ أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻷﺷﻜﺎل ،اﻷﻧﻴﻘﺔ اﻟﺼﻔﻮف ،وﻻ ﺗﺒﺎﱄ ﺑﻤﺼري ﻧﻬﺮﻫﺎ اﻟﻮدﻳﻊ. وﻟﱪﻏﻮس ﻛﻤﺎ ﻟﻐريﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺪن إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻏﻮﻃﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ، َ أﺿﺎﻓﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء وزﻳﻨﺎت وﻣﺸﺎﻳﻦ .ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ﺷﻮ َﱠﻫﻬﺎ اﻟﺰﻣﺎن واﻹﻧﺴﺎن ،ﺑﻤﺎ أﻋﻈﻢ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺎت اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،ﺗﻘﻮم ﰲ ﺳﻔﺢ اﻟﺮاﺑﻴﺔ ،وﺗﻠﺼﻖ ﺑﻬﺎ ﻛﺠﺰء ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺿﺨﻢ ﻋﺠﻴﺐ. وﻫﻲ ﻋﲆ ﺿﺨﺎﻣﺘﻬﺎ وﺗﻔ ﱡﺮﻋﻬﺎ ﺿﺎﺋﻌﺔ ﺑني اﻟﺮاﺑﻴﺔ واملﺪﻳﻨﺔ ،ﻛﻤﺎ أن ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﻬﻨﺪﳼ اﻷﺻﲇ ﺿﺎﺋﻊ ﰲ اﻹﺿﺎﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺑُﻨِﻴﺖ ﺣﻮﻟﻪ ،وﻫﻲ ﻛﺜرية ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﺧﻤﺲ ﻋﴩة ﻛﻨﻴﺴﺔ أُﻟﺼﻘﺖ ﺑﺠﻮاﻧﺒﻬﺎ وزواﻳﺎﻫﺎ ،ﻓﺼﺎرت وﻫﻲ داﺧﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﱪى ﺗﺘﻨﺎزﻋﻬﺎ ﻗﻠﻮب املﺆﻣﻨني وأﻧﻈﺎرﻫﻢ. ﰲ إﺣﺪى ﻫﺬه اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺼﻐرية ،أﻋﻨﻲ »ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﺠﺴﺪ املﻘﺪس« ،ﺻﻨﺪوق ﻟﺒﻄﻞ ﺑﺮﻏﻮس ﰲ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺰﻣﺎن ،ﺑﻞ ﺑﻄﻞ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﰲ ﻛﻞ زﻣﺎن ،ﱠ املﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﺴﻴﺪ ،وﻗﺼﺘﻪ ﻃﺮﻳﻔﺔ ﱡ ﻧﻘﺼﻬﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪُ .ﻓﺎﻋﻠﻢ اﻵن أن ذﻟﻚ اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺬي ﻳﺰﻳﻦ ﻛﻨﻴﺴﺔ »اﻟﺠﺴﺪ املﻘﺪس« 99
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً ورﻣﻼ ،وﺧﺪع ﺑﻪ ﻳﻬﻮدﻳني ﻣﻦ ﻳﻬﻮد ﺑﺮﻏﻮس. ﻫﻮ ﻫﻮ اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺬي ﻣﻸه اﻟﺴﻴﺪ ﺣﺠﺎر ًة ﻫﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﻄﺮﻳﻔﺔ. وﻟﻘﺪ ﱠ أﺳ َﺲ ﻫﺬه اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﰲ اﻟﺮﺑﻊ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺎﴍ ،املﻠ ُﻚ ﻓﺮدﻳﻨﻨﺪ اﻟﺜﺎﻟﺚ وأﺳﻘﻒ إﻧﻜﻠﻴﺰي ،ﺛﻢ و ﱠﻛ َﻼ ﺑﻬﺎ اﻟﺰﻣﺎن ،واملﻬﻨﺪﺳني اﻷملﺎن واﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ،وأﻫﺎﱄ ﺑﺮﻏﻮس اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ وﻳﻨﺎﻣﻮن ﺛﻼﺛني ،ﻓﺎﺳﺘﻤﺮوا واﻟﺰﻣﺎن واملﻬﻨﺪﺳني ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ وﺳﺘٍّﺎ وأرﺑﻌني ً ﺳﻨﺔ ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﺘﺎم اﻷﺗﻢ ﺳﻨﺔ .١٥٦٧–١٢٢١ ﻓﻬﻞ ﻳُﺴﺘﻐ َﺮب ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻌﺪﱡد اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ؟ وﻫﻞ ﻳُﺴﺘﻐ َﺮب اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ واﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ؟ ﻟﻘﺪ ﺿﺎع اﻟﻘﺪﻳﺴﻮن واﻟﻘﺪﻳﺴﺎت ﰲ زﺧﺮف ﻃﺎ ٍم ﻣﻦ اﻟﺰﺧﺎرف اﻟﻔﻀﻴﺔ واملﺮﻣﺮﻳﺔ واﻟﺬﻫﺒﻴﺔ واﻟﺨﺸﺒﻴﺔ واﻟﺠﺼﻴﺔ ،ﻓﻼ ﻋﺠﺐ إذا ﻛﺎن اﻟﺰاﺋﺮون ﻳﺘﻴﻬﻮن ﻓﻴﻬﺎ. ﺑﺮﻏﻮس — ﺑﺮﻏﺸﺖ اﻟﻌﺮب — ﻫﻲ ﻣﱰﺑﻌﺔ ﻋﲆ ﻣﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻷرض ﺗﻌﻠﻮ زﻫﺎء أﻟﻒ ﻣﱰ ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،ﱠ أﺳ َﺴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ٨٨٤م اﻟﻜﻮﻧﺖ اﻟﻘﺸﺘﺎﱄ دﺑﺎﻏﻮ ﺑﻮرﺳﻴﻠﻮس Porcelosوﻣﺎ ﻋﺰز اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ،ﻓﺠﺎء ﻣﻠﻚ أﺷﺘﻮرﻳﺔ ﻳﺤﻤﻴﻬﺎ. ً ﻃﻮﻳﻼ؛ ﻓﻘﺪ ﻗﺎم ﺣﺎﻛﻢ املﺪﻳﻨﺔ أردوﻧﻮ ﻋﲆ آل ﻋﲆ أن اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻷﺷﺘﻮرﻳﺔ ﻟﻢ ﺗَ ُﺪ ْم ﺑﻮرﺳﻴﻠﻮس ،ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻻﺳﺘﻘﻼل ،ﻓﺬﺑﺤﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎم اﻷﻫﺎﱄ ﻋﲆ أردوﻧﻮ ً ﻓﺄﻟﺤﻘﻮه ﺑﺂل ﺑﻮرﺳﻴﻠﻮس ،ﱠ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ رأﺳﻬﺎ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺑﺮﻏﻮس وأﺳﺴﻮا اﻷﺑﺮار ،ﺣﻔﻆ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واملﺪﻳﻨﺔ اﺳﻤﻴﻬﻤﺎ. وﻣﺎ ﻃﺎﻟﺖ ﻣﻊ ذﻟﻚ أﻳﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ؛ ﻷن اﺑﻦ ﺑﺮﻏﻮس اﻷﺑﺮ ﻓﺮﻧﺎن ﻏﻨﺴﺎﻟﺲ Gonzalesﱠ ﻓﻀ َﻞ اﻹﻣﺎرة ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺷﻴﱠﺪ ﻟﻬﺎ وﻟﻨﻔﺴﻪ ﻗﴫًا ﻋﲆ رأس اﻟﺮاﺑﻴﺔ ،ﻓﻨﻌﻤﺖ ﰲ ﻋﻬﺪه ،واﻧﺘﻘﻠﺖ ﺑﻌﺪه ﺑﻌُ ﺮس ﻣﻠﻜﻲ إﱃ ﻣﺠﺪ أﻋﲆ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس ،وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺮﻏﻮس ﻣﻦ ﺟﻬﺎز اﻟﻌﺮوسُ ، ﻓﻀﻤﱠ ْﺖ إﱃ ﻣﻤﻠﻜﺘﻲ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ وﻟﻴﻮن املﺘﺤﺪﺗني ،وﺟُ ﻌِ ﻠﺖ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻟﻘﺸﺘﺎﻟﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ. ُ ﺛﻢ ﺗﻜ ﱠﻠﻞ ﻣﺠﺪﻫﺎ ﺑﺄﺳﻘﻔﻴﺔ أ ﱢﺳ َﺴ ْﺖ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻹﻛﻠﻴﻞ ﻛﺎن — ﻣﺜﻞ اﻷﻣﺠﺎد اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﱠﻣَ ﺘْﻪ — ﻗﺼريَ اﻷﺟﻞ؛ ﻓﻘﺪ أ ُ ﱢﺳﺴﺖ اﻷﺳﻘﻔﻴﺔ ﺳﻨﺔ ،١٠٧٤وﺳﻘﻄﺖ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻴﺪ املﺴﻴﺤﻴني ﺳﻨﺔ ،١٠٨٧ﻓﻨُﻘِ ﻞ ﺑﻼط املﻠﻚ ﻣﻦ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ إﻟﻴﻬﺎ. َﻛ َﺴ ْ ﻔﺖ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ﺑﺮﻏﻮس ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ اﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﴚء ﻣﻦ ﺷﻬﺮﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﻳﺎم ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،اﻟﺬي ﺟﻌﻞ ﻣﺪرﻳﺪ ﻋﺎﺻﻤﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪة ،ﻓﺄﻣﺴﺖ ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﻜﺮ ًة ﺑني املﺪن .ﻗﺎل ﻛﺎﺗﺐ زارﻫﺎ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ :ﻟﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﻣﻦ ﺑﺮﻏﻮس ﻏري اﻻﺳﻢ. 100
ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻠﺪ اﻟﺴﻴﺪ
إﻧﻤﺎ ﻋﺎدت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ اﻟﺤﻴﺎة واﻻزدﻫﺎر ،وﻫﻲ اﻟﻴﻮم ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﺎﻣﺮة ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻌﻤﺎر اﻷوروﺑﻲ ﻻ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ .ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﺎء ﺟﺪﻳﺪ ،وﻻ زﻳﺎدة ﻛﺒرية ﰲ ﻋﺪد ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳَ ْﺮﺑُﻮن ﻋﲆ اﻟﺜﻼﺛني أﻟﻒ ﻧﻔﺲ. وﰲ ﺑﺮﻏﻮس ﻛﺜري ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ املﺨ ﱢﻠﺪة ﻟﺬﻛﺮ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ اﻷﺑﺮار ،ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪس اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ وﻟﺮﺋﻴﴘ ﻣﺮﻳﻢ ،وﻫﻮ أﺛﺮ ﻗﺪﻳﻢ ﺟﻠﻴﻞ ﺑﺄﺑﺮاج ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ ،وﻣﺴﻼت ،وﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ملﺆﺳﺲ املﺪﻳﻨﺔ، َ ْ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺘﻬﺎ ُ وﻟﻐﻨﺴﺎﻟﺲ واﻟﺴﻴﺪ ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﺠﴪ اﻟﺬي ﻳﺼﻞ املﺘﻨﺰه اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺎملﺘﻨﺰه اﻟﻘﺪﻳﻢ، وﻫﻮ ﻣﺰﻳﱠﻦ ﺑﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﻣﻠﻮك اﻟﻐﻮط واﻹﺳﺒﺎن. وﰲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺮ ﻗﺴﻢ َ آﺧﺮ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻫﻮ دون اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺸﻤﺎﱄ ﰲ ﻋﻤﺮاﻧﻪ .إﻧﻤﺎ ﻫﻨﺎك اﻷدﻳﺮة — وﻣﺎ أﻛﺜﺮﻫﺎ ﰲ ﺑﺮﻏﻮس وﺟﻮارﻫﺎ! — اﻷدﻳﺮة اﻟﻌﺎﻣﺮة واملﻬﺠﻮرة ،واملﺘﺤﻮﻟﺔ إﱃ ﻣﺮاﻛﺰ ﻟﻠﻌﻤﺮان ،ﻣﻨﻬﺎ دﻳﺮ ﺳﺎن ﺑﺪرو اﻟﻘﺮدﻳﻨﻲ ،Cardenaﺣﻴﺚ دُﻓِ ﻦ اﻟﺴﻴﺪ وزوﺟﺘﻪ ﺷﻤﻴﻨﺔ وﺣﺼﺎﻧﻪ ﺑﺒﻴﺸﺎ. وﻣﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﺒﻴﻮت ﰲ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﻠﻚ ﺑﻮاﺟﻬﺎﺗﻬﺎ واﻷﺑﺮاج إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻴﻬﺎ، واﻷﺷﻜﺎل اﻟﻘﺮدﻳﻨﻴﺔ Gargoylesملﺰارﻳﺒﻬﺎ ،إﱃ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﻋﲆ اﻷﺧﺺ إﱃ أوروﺑﺎ اﻟﻐﻮﻃﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن! ﻗﻠﺖ إن ﻟﻜﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻛﱪى ﺗﻌﻠﻮﻫﺎ ،ﺗﺸﻤﺦ ﻓﻮﻗﻬﺎ ،وﻫﺬا ﻻ ﻳﺼﺢ ﰲ ﺑﺮﻏﻮس؛ ﻷن اﻟﺮاﺑﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻓﻮق اﻟﺒﻠﺪة وﻓﻮق اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﱪى. ﻣﺘﺪاع ،أو ﺧﺮاﺋﺐ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﴫًا ،وﻫﻲ اﻟﻴﻮم زرﻳﺒﺔ وﻋﲆ رأس ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺑﻴﺔ ﻗﴫ ٍ ﻟﻠﻤﻮاﳾ .ذﻟﻚ اﻟﻘﴫ ﻛﺎن ﻟﻔﺮﻧﺎن ﻏﻨﺴﺎﻟﺲ ،ﺛﻢ ﺻﺎر ﻣﻘ ٍّﺮا ﻷﻣﺮاء ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ ،وﻣَ ْﺮﺑَﻌً ﺎ ﻟﻸﻓﺮاح املﻠﻜﻴﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺰوﱠجَ ﻓﻴﻪ إدوار اﻷول ﻣﻠﻚ إﻧﻜﻠﱰا ﺑﺄﻟﻴﻨﻮر أﻣرية ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ ،وﻓﻴﻪ ﺑﺪأ اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﺠﺪه ،ﻳﻮم اﻗﱰاﻧﻪ ﺑﺸﻤﻴﻨﺔ Ximenaﺣﻔﻴﺪة املﻠﻚ أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺨﺎﻣﺲ. ﱠ ﺗﺤﺼ َﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﰲ ﺣﺮوﺑﻬﻢ اﻟﻨﺎﺑﻠﻴﻮﻧﻴﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺎ َو َل اﻟﺪوق وﻫﻨﺎك وﻟﻨﻐﺘﻮن ﺳﻨﺔ ١٨١٢أن ﻳﺄﺧﺬ ﺑﺮﻏﻮس ،ﻓ ُﺮ ﱠد ﻋﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺳ ﱠﻠﻤﺖ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ. وﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﱪى إﱃ اﻟﻘﴫ ،ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ املﻘﱪة ،ﻛﺎن اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ُوﻟِﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻴﺪ. أﻣﺎ وﻗﺪ أﺧﱪﺗﻚ أﻳﻦ دُﻓِ ﻦ اﻟﺴﻴﺪ ،وأﻳﻦ ﺗﺰوﱠجَ ،وأﻳﻦ ُوﻟِﺪ ،ﻓﺈﻧﻚ ﺳﺎﺋﻞ وﻻ ﺷﻚ اﻟﺴﺆال اﻟﺴﺪﻳﺪ :وﻣَ ﻦ ﻫﻮ ﻫﺬا ﱠ اﻟﺴﻴﱢﺪ ،أو ﱢ اﻟﺴﻴﺪ؟
101
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
روي دﻳﺎز ده ﺑﻴﺒﺎر ،Ruy Diaz de Vivarﻫﻮ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻋﻨﱰ واﻟﺴﻔﺎح وأﺑﻮ زﻳﺪ اﻟﴪوﺟﻲ ﰲ ﺷﺨﺺ واﺣﺪ .ﻫﻮ ﻋﻨﱰ ﺑﺸﺠﺎﻋﺘﻪ ﻻ ﺑﺸﻌﺮه ،وﻫﻮ اﻟﺴﻔﺎح ﺑﻘﺴﺎوﺗﻪ وﻣﻄﺎﻣﻌﻪ ،وﻫﻮ ﺑﺨﻔﺘﻪ و َ ﻇﺮﻓﻪ وﻣَ ْﻜ ِﺮه أﺑﻮ زﻳﺪ اﻟﴪوﺟﻲ. أﻣﺎ ﻟﻘﺒﻪ اﻟﺴﻴﺪ ،ﻓﻘﺪ أﻃﻠﻘﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﺮب املﺤﺒﻮن ﻟﻪ ،واملﻌﺠَ ﺒﻮن ﺑﻪ ،ﻓﺄﺧﺬه اﻹﺳﺒﺎن ﻋﻨﻬﻢ ،وﺻﺎر ﻳُﻌ َﺮف ﰲ ﺗﺎرﻳﺨﻬﻢ وأﺳﺎﻃريﻫﻢ وأﺷﻌﺎرﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻴﺪ .El Cid واﻟﺴﻴﺪ ﺳﻴﱢﺪان :ﺳﻴﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﺳﻴﺪ اﻷﺳﺎﻃري. أﻣﺎ ﺳﻴﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻓﻬﻮ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻋﺎش ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ )–١٩٢٦ ،(١٠٩٩وﻛﺎن ﰲ ﻣﻐﺎﻣﺮاﺗﻪ وﻛﺒﺎﺋﺮ أﻋﻤﺎﻟﻪ ،اﻟﴩﻳﻔﺔ وﻏري اﻟﴩﻳﻔﺔ ،اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ وﻏري اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ،ﰲ اﻟﺤﺮب وﰲ ﱢ اﻟﺴ ْﻠﻢ — اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ — وﰲ اﻟﻐﺰوات املﺴﻴﺤﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ — ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ اﻟﻜﻔﺎر وﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﻌﻬﻢ — ﻛﺎن اﻟﺴﻴﺪ املﺜ َﻞ اﻷﻋﲆ ﻟﻠﺒﻄﻞ اﻟﻘﺸﺘﺎﱄ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ،وأﺻﺒﺢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻄﻞ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻷﻣﺠﺪ ،ﺑﻄﻠﻬﺎ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻷﺳﻄﻮري. ﻛﺎن أول ﻧﺒﻮﻏﻪ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑني املﻠﻜني ،ﺳﺎﻧﺘﺸﻮ اﻟﻘﺸﺘﺎﱄ وﺳﺎﻧﺘﺸﻮ اﻟﻨﺒﺎ ﱢري ،Navarreوﻛﺎن ﻫﻮ ﰲ ﺟﻴﺶ اﻷول ،ﻓﱪز ذات ﻳﻮم ﰲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺘﺎل وﺣﺪه ﻳﺪﻋﻮ ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻠﻚ ﻧﺒﺎرة ﻟﻠﻨﺰال .ﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻗﺪ أﺧﺬﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺎ أﻇﻦ ﻋﻦ اﻟﻌﺮب. ﻂ رأﺳﻚ أو ﺗﻘ ﱠ – ﺗﻌﺎل ﻧﻔﺼﻞ اﻷﻣﺮ ﺑﺴﻴﻔﻨﺎ ،ﻓﺈﻣﺎ أن أﻗ ﱠ ﻂ رأﳼ. ﻧﺰل اﻟﺒﻄﻼن إﱃ املﻴﺪان ،وﻛﺎن اﻟﺴﻴﺪ ﻣﻨﺘﴫًا ،ﻓﻘﺒﱠ َﻠﻪ املﻠﻚ ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻴﻪ ،ﱠ وﻟﻘﺒَﻪ ﺑﺎﻟﺒﻄﻞ املﺠﺎﻫﺪ ،Compeadorﺛﻢ زوﱠﺟﻪ ﺑﺤﻔﻴﺪة ﺳﻠﻔﻪ أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ،وأرﺳﻠﻪ إﱃ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻳَﺠﺒﻲ اﻟﺨﺮاج. ﻛﺎن املﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﻻ ﻳﺰال ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﻋﲆ اﻟﻌﺮش ،ﻓﺎﺳﺘﻌ ﱠﺪ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺴﻴﺪ ﺑﻤﺎ َ واﺑﻦ اﻷﺣﻤﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ، ﻳﺴﺘﺤﻘﻪ ﻣﻦ اﻹﻛﺮام؛ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ! وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﰲ ﺣﺮب َ ﻓﻮﺻ َﻞ اﻟﺴﻴﺪ إﱃ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﻔ ﱠﺮغ املﻌﺘﻤﺪ ﻷﻣﺮه. وﺻﻞ إﱃ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ واﻟﺤﺮب ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺣﺎﻣﻴﺔ ،ﻓﺴﻤﻊ :ﻣَ ﻦ ﻳﺤﺎرب اﻟﺴﻴﺪ؟ ﻓﺠﺎل وﺻﺎل ﻋﲆ ﻫﺎﻣﺶ املﻌﺮﻛﺔ — ﺣﺎ َربَ ﻟﻨﻔﺴﻪ — ﻗﺒﻞ أن اﻧﺘﴫ اﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﻋﲆ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ اﻷﺣﻤﺮ، وﻋﺎد ﺑﻤﺎ ﻏﻨﻢ ﻣﻦ أﻣﻮال وأﴎى إﱃ ﺑﺮﻏﻮس. ِ ﻣﺮت اﻟﺴﻨﻮن وﻫﻮ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺬه اﻟﻐﺰوات ﺑﺎﺳﻢ املﻠﻚ وﻟﻠﻤﻠﻚ ،ﻓﻴﻐﺰو »اﻟﻜﻔﺎر« ﻳﻮﻣً ﺎ، وﻳﻮﻣً ﺎ ﻳﺸﻨﻬﺎ ﻋﲆ أﻋﺪاء ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ ﰲ أراﻏﻮن وﻧﺒﺎره ،ﺣﺘﻰ ُﻣﻨِﻲ أﺧريًا ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻨﻰ ﺑﻪ ﻣَ ﻦ ﻳﺨﺪﻣﻮن املﻠﻚ. 102
ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻠﺪ اﻟﺴﻴﺪ
– اﻟﺴﻴﺪ ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻧﺎ ﻳﻐﺰو ﺑﺎﺳﻤﻜﻢ ،وﻳﻐﻨﻢ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ وﻳﺴﺒﻲ اﻟﺴﺒﺎﻳﺎ ،وﻻ ﻳﻌﺮف ﻏري ﻧﻔﺴﻪ ،وﻫﻮ ﻳَﺠﺒﻲ اﻟﺨﺮاج وﻻ ﻳﺆدي ﻣﻨﻪ إﱃ ﺧﺰاﻧﺔ املﻠﻚ ﻏري اﻟﻴﺴري. ً ﻏﻀﺒﺔ ﻣﻠﻜﻴﺔ ،وﻧﻔﻰ وﻗ ﱠﻞ ﰲ املﻠﻮك ﻣَ ﻦ ﻻ ﻳﺼﺪﱢق اﻟﻮاﳾ ،ﻓﻐﻀﺐ أﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺴﺎدس اﻟﺴﻴﺪ ﻣﻦ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ. ﻛﺎن روي ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﰲ اﻟﺨﻤﺴني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،وﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ املﺎل ،ﻓﺴﺎ َر َع أﺑﻮ زﻳﺪ اﻟﴪوﺟﻲ إﱃ ﻧﺠﺪة ﻋﻨﱰ ،ودﺑﱠ َﺮ اﻷﻣﺮ .ﻫﻲ ﻗﺼﺔ اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺬي رأﻳﻨﺎه ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ، وأﺻﺒﺢ ﻛﻨ ًﺰا ﻣﻦ ﻛﻨﻮزﻫﺎ .ﻫﻲ ﺣﻴﻠﺔ اﻟﺴﻴﺪ أﺑﻲ زﻳ ٍﺪ اﻟﴪوﺟﻲ ،اﻟﺬي ﻣﻸ ذﻟﻚ اﻟﺼﻨﺪوق ً ورﻣﻼ ،وأﻗﻔﻠﻪ ﺑﺄﻗﻔﺎل ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ ،وﺧﺘﻤﻪ وﺟﺎء ﺑﻪ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ أﺣﺪ ﺧﺪﻣﻪ إﱃ راﺷﻴﻞ ﺣﺠﺎرة ً ﻗﺎﺋﻼ» :ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﺪوق ﺟﻮاﻫﺮي وﻛﻨﻮزي ﱠني ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﺨﺎﻃﺒﻬﻤﺎ وﺑﻴﺪاس اﻟﻴﻬﻮدﻳ ْ ِ ﻛﻠﻬﺎ ،ﺟﺌﺖ أرﻫﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪﻛﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻃﺮدﻧﻲ املﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﻼده ،وﻋﲇ ﱠ ﻣﺎل ﻟﺮﺟﺎﱄ وﺧﺪﻣﻲ ،وﻋﲇ ﱠ واﺟﺐ ﻟﺰوﺟﺘﻲ ﻗﺒﻞ اﻟﺮﺣﻴﻞ ،ﻓﺎﺣﺘﻔﻈﻮا ﺑﺎﻟﺼﻨﺪوق إﱃ أن أﻋﻮد ،وأﻋﻄﻮﻧﻲ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ دوﻗﺔ — ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﻻ ﻏري — ﻓﺎﻟﺠﻮاﻫﺮ واﻟﻜﻨﻮز ﰲ اﻟﺼﻨﺪوق ﺗﺴﺎوي أﺿﻌﺎف أﺿﻌﺎف ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻤﺔ«. َ واﺣﺘﻔ َ ﻈﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺼﻨﺪوق إﱃ أن ﻋﺎد اﻟﺴﻴﺪ ،أو إﱃ أن ﺷﺎء رب دﻓﻊ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺎن املﺎل، إﴎاﺋﻴﻞ أن ﻳﻜﺸﻒ اﻟﺨﺪﻋﺔ .وﻫﻨﺎك رواﻳﺘﺎن ﻳﺮدﱢدﻫﻤﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ :اﻷوﱃ ﺗﺜﺒﺖ أن اﻟﺴﻴﺪ ﻓﻚ اﻟﺮﻫﻦ ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻨﻔﻲ ذﻟﻚ. ﺑﻌﺪ أن ﺗﺴ ﱠﻠ َﻢ املﺎل ﻣﻦ ﺑﻴﺪاس وراﺷﻴﻞ ﺧﺮج اﻟﺴﻴﺪ ﻣﻦ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ ﻏﺎزﻳًﺎ ﺑﻼد املﺴﻠﻤني، وﻣﻌ ﱢﺮﺟً ﺎ ﻋﲆ دﻳﺎر اﻟﻴﻬﻮد ،اﻟﻴﻬﻮد واملﺴﻠﻤﻮن أﻋﺪاء اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻣﺎﻟﻬﻢ ﺣﻼل ،ودﻣﻬﻢ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻮال — ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮل ﷲ ﻟﻌﺒﺪه روي ﺑﻴﺒﺎر ،وﻳﻘﻮل ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺒﻮا أﻋﺪاءﻛﻢ — ﻓﻴﻤﺘﺸﻖ روي اﻟﺴﻴﻒ ﺣﻴﻨًﺎ ،وﺣﻴﻨًﺎ ﻳﻠﻮﱢح ﺑﺎﻟﺼﻠﻴﺐ اﻟﻌﺎﺟﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﻤﻠﻪ داﺋﻤً ﺎ. ﺳﻴﻒ اﻟﻜﺜﻠﻜﺔ ﰲ رﻗﺎب املﺴﻠﻤني ،وﻟﻜﻦ ﰲ املﺴﻠﻤني اﻟﺸﺠﺎع واﻟﻜﺮﻳﻢ واﻟﻬﻤﺎم واﻟﺤﻜﻴﻢ ،واملﻨﺘﻔﻌﻮن ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ. – ﻫﺬي ﻫﻲ ﻣﺼﻠﺤﺘﻨﺎ ،ﻳﺎ ﺳﻴﺪ ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻣﺼﻠﺤﺘﻚ؛ ﻓﻌﻠﻴﻚ أو ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺠﻤﻊ ﺑني املﺼﻠﺤﺘني وﻧﻮﺣﱢ ﺪﻫﻤﺎ. – دﻣﻜﻢ ﺣﻼل ﱄ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻨﻔﻌﻨﻲ .ﺗﻌﺎﻟﻮا إذن ﻧﻮﺣﱢ ﺪ اﻟﻐﺎرات واﻟﻐﺰوات وﻧﺘﻘﺎﺳﻢ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ. ﻫﻲ اﻷﻣﺜﻮﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﻠﻤَ ﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ ،ﻓﻌ ﱠﺰز ﰲ ﺷﺨﺼﻪ أﺑﺎ زﻳﺪ اﻟﴪوﺟﻲ ،وﻋﺰل اﻟﺴﻔﺎح .اﻟﻨﻬﺐ اﻟﻨﻬﺐ ،وإذا ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ ،ﻓﺎﻟﺨري ﻟﻠﺪﻳﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ وﻟﻜﻨﻴﺴﺔ املﺴﻴﺢ، 103
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻫﻮ أن ﻧﺮﺳﻞ املﻘﺘﻮل إﱃ اﻟﺠﺤﻴﻢ ﻻ إﱃ اﻟﺴﻤﺎء .ﻣﺎ ﱄ وﻫﺪاﻳﺔ اﻟﻜﻔﺎر ،ﻓﺈن ﷲ ﻳﻬﺪي ﻣَ ﻦ ﻳﺸﺎء .ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮل أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ املﺴﻠﻤﻮن. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺴﻴﺪ ﺻﻠﻴﺒﻴٍّﺎ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺻﻠﻴﺒﻪ اﻟﻌﺎﺟﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﻤﻠﻪ داﺋﻤً ﺎ ،وﻻ ﻛﺎن ﱢ ﻣﺒﴩًا ﻣﻨﺬ ًرا .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺼري اﻟﻨﻈﺮ ،ﺑﻌﻴﺪ اﻟﺨﻴﺎل ،ﻳ ﱡ ُﺠﻦ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ،وﻳﺮى ﰲ ﺳﻴﻔﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ، رﺣﻤﺔ اﻟﺴﻴﻒ! ﻻ ،ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺠﺎﻫﺪًا ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ،وﻻ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴﻴﺪ املﺴﻴﺢ واﻟﻌﺬراء اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﺤﺐ اﻟﻘﺘﺎل ﺣﺒﻪ ﻟﻠﻤﺎل ،وﺛﱠﺎﺑًﺎ ﺧﻔﻴﻒ اﻟﻴﺪ واﻟ ﱢﺮﺟﻞ ،ﻣﺘﺤﺮ ًﻛﺎ ﻋﲆ اﻟﺪوام، وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻷﻋﺮاﺑﻲ ﰲ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻧﻬﱠ ﺎﺑًﺎ ﻏري ﱠ وﻫﺎب. ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﻜﺘﱠﺎب ﻓﻴﻪ إﻧﻪ ﻛﺎن ﻏﻮﻃﻴٍّﺎ ﰲ اﻟﻘﺘﺎل ،وﻓﻨﻴﻘﻴٍّﺎ ﰲ ﺣﺐ املﺎل؛ أي إﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﺴﻴﺤﻲ اﻻﺳﻢ ﻓﻴﻨﻴﻘﻲ املﺰاج واﻟﻨﺰﻋﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻔﻄﺮة اﻟﻐﻮﻃﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻴﻘﻆ ﻣﻦ ﺣني إﱃ ﺣني ،ﻓﺘﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﺔ .املﺴﻴﺢ ﺳﻴﺪي وﻋﻤﻴﺪي ،واﻟﻌﺬراء أﻣﻲ اﻟﺤﻨﻮن، ﻓﻤﺎذا ﻋﻤﻠﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﻤﺎ؟ ﻻ ﳾء ،ﻻ ﳾء. ﱡ ﻳﺸﻦ ﻏﺎرة دﻳﻨﻴﺔ ﺻﻠﻴﺒﻴﺔ ،ﻓﻴﻘﺘﻞ »اﻟﻜﻔﺎر« ﺣﻴﺚ ﻳﺜﻘﻔﻬﻢ، وﰲ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻮى وﻳﻘﺪﱢﻣﻬﺎ ﱠ ﻛﻔﺎرة ﺑني ﻳﺪي ﺳﻴﺪه اﻹﻟﻬﻲ ،وأﻣﻪ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻌﻮد إﱃ ﺳﺠﻴﺘﻪ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،إﱃ ﻋﻨﱰ وأﺑﻲ زﻳﺪ اﻟﴪوﺟﻲ. – وملﺎذا ﻧﻘﺘﻞ ﱠ اﻟﻜﻔﺎر ،ﻳﺎ ﻓﺎﻧﺲ )أﺣﺪ ﻗﻮاده( ملﺎذا؟ أﻟﻴﺲ ﺧريًا ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻧﻮاﻟﻴﻬﻢ، وﻧﻨﺘﻔﻊ ﺑﻬﻢ؛ ﻓﺈن ﻓﻴﻬﻢ اﻟﺤﻜﺎم وﻓﻴﻬﻢ اﻷﻏﻨﻴﺎء ،وﻓﻴﻬﻢ اﻟﺸﺠﻌﺎن املﻔﻠﺴني املﺠﺎﻫﺪﻳﻦ. ﻓﻬﺆﻻء إن أﺣﺴﻨﺎ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﻢ وأﴍﻛﻨﺎﻫﻢ ﰲ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﻳﺠﺎﻫﺪون ﻣﻌﻨﺎ ،ﻳﺴﺎﻋﺪوﻧﺎ ﻋﲆ أﺑﻨﺎء دﻳﻨﻬﻢ اﻷﻏﻨﻴﺎء واﻟﺤ ﱠﻜﺎم. وﻫﻨﺎك ا َملﻠﻚ اﻟﺬي ﻧﻔﺎه ،واملﺴﻴﺤﻴﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎدوا ﺑﻪ ووﺷﻮا ﺑﻪ .ﻓﻬﻞ ﻳﺠﻮز أن ﻳﻨﺴﺎﻫﻢ؟ ﻛﻼ ،وﺳﻴﺘﻌﺎون وأﺧﺎه املﺴﻠﻢ ﻋﲆ اﻟﱪ واﻟﺘﻘﻮى .أﺟﻞ ،إن ﰲ املﺴﻠﻤني ﻣَ ﻦ ﻳُ َﺆ ُ اﺧﻮن ﻏري املﺴﻠﻢ ﻷﻏﺮاﺿﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻣﺜﻞ اﺑﻦ ﻫﻮد ﺻﺎﺣﺐ ﴎﻗﺴﻄﺔ. إﱃ اﺑﻦ ﻫﻮد إذن ،ﻧﺘﺤﺎﻟﻒ وإﻳﺎه ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ .ﷲ أﻛﱪ! ﷲ أﻛﱪ! ﺗﻌ ﱠﻠﻤَ ﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ ،وﺣﻤﻞ املﻘﺘﺪر ﺑﻦ ﻫﻮد ﻋﲆ أﻋﺪاء اﺑﻦ ﻫﻮد املﺴﻠﻤني ،ﻫﺎ ﻫﻮ ذا ﺑﻄﻞ اﻟﻨﺼﺎرى ﺷﺎﻫ ًﺮا ﺳﻴﻔﻪ ،وﻋﲆ أﻋﺪاء اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻨﺼﺎرى ،ﻫﺎ ﻫﻮ ذا ﺑﻄﻞ املﺴﻠﻤني ،وﻗﺪ ﻫﺪاه ﷲ. ﻗﴣ اﻟﺴﻴﺪ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮات ﻳﻐﺰو اﻟﻐﺰوات املﺴﻴﺤﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﺔ اﻟﴪوﺟﻴﺔ. ُ ُ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻏﻨﻴٍّﺎ؛ ﻏﻨﻴٍّﺎ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ﻛﻨﺖ ﻓﻘريًا – واﻟﺤﻤﺪ هلل رب اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض، ُ ُ ﻓﻜﻨﺖ ﻣﻨﺘﴫًا ﰲ املﻌﺎرك ،وﻣﻨﺘﴫًا وﻧﺎزﻟﺖ املﻠﻮك، وﺑﺎﻷﻣﻼك واﻷﻣﻮال .ﺻﺎﻫﺮت اﻷﻣﺮاء، 104
ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻠﺪ اﻟﺴﻴﺪ
ﰲ اﻟﻘﺼﻮر .املﺴﻠﻤﻮن ﻳﺤﱰﻣﻮﻧﻨﻲ ،واﻟﻨﺼﺎرى ﻳﺨﺎﻓﻮﻧﻨﻲ ،واﻟﻴﻬﻮد ﻳﺪﻓﻌﻮن … أﻧﺎ اﻟﺴﻴﺪ، ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺼﻮﻟﺔ واﻻﻗﺘﺪار … وﻫﻨﺎك ﰲ املﻐﺮب ﺟﻮاﻣﻊ وﻗﺼﻮر — وﻳﻬﻮد — وﻫﻨﺎك أﻧﺎس ﺑﺎق ﻫﺎ ﻫﻨﺎ … ﻓﺈن ﰲ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ اﻟﻜﱪى. ﻳﻨﺎدوﻧﻨﻲ وﻳﻨﺘﻈﺮون ،وﻟﻜﻨﻲ ٍ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ اﻟﺠﺎﻟﺴﺔ ﻋﲆ ﻋﺮﺷﻬﺎ ﺑني اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ و اﻟﻨﻬﺮ اﻷﺑﻴﺾ ،Guadalaviar دﺧﻠﻬﺎ اﻟﻌﺮب ﰲ ﺳﻨﺔ ٧١٤ﻟﻠﻤﻴﻼد ،ﻓﺤﻜﻤﻮﻫﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑﺪﻣﺸﻖ ،ﺛﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑﻘﺮﻃﺒﺔ ،وﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮط ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺑﻴﺪ اﻟﻨﺼﺎرى اﺳﺘﻘ ﱠﻞ ﺑﻬﺎ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺎﻣﺮ وﺧﻠﻔﺎؤه ﻣﻦ آل ﺑﻴﺘﻪ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﺮاﺑﻄﻮن ﺳﻨﺔ ،١٠٩٢ﻳﻮم ﻛﺎن اﻟﺴﻴﺪ ﻳﻌ ﱡﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻠﺰﺣﻒ إﻟﻴﻬﺎ. وﺟﺎء اﻟﺴﻴﺪ ﺑﺴﺒﻌﺔ آﻻف ﻣﻘﺎﺗﻞ أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني اﻟﻌﺮب ،ﻓﺴﺎ َر َع ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔني ﺳﻴﺪ املﺮاﺑﻄني إﱃ ﻧﺠﺪة املﺪﻳﻨﺔ. واﻟﺘﺤﻢ اﻟﺠﻴﺸﺎن اﻹﺳﻼﻣﻲ املﺴﻴﺤﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ املﻐﺮﺑﻲ ،ﻓﱰاﺟَ َﻊ املﻐﺎرﺑﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﴏ املﺪﻳﻨﺔ ﺣﺼﺎ ًرا دام ﺗﺴﻌﺔ اﻟﺨﺪع اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳُﺒﺎ َرى اﻟﺴﻴﺪ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻓﺒﻌﺪ أن َ َ أﺷﻬﺮ ،ﻗﺎل أﺑﻮ زﻳﺪ اﻟﴪوﺟﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ املﻔﺘﺎح ،ﻓﺎﻧﻔﺘﺤﺖ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﺴﻮر. ﺳ ﱠﻠﻤﺖ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ ﺳﻨﺔ ١٠٩٤ﻓﺪﺧﻠﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ ﻇﺎﻓ ًﺮا ،وﺣﻜﻤﻬﺎ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﺣﻜﻤً ﺎ ﺳﺪﻳﺪًا ً ﻋﺎدﻻ. ﻋﲆ أن املﺮاﺑﻄني اﺳﺘﻤﺮوا ﻳﺤﻮﻣﻮن ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻳﺸﻨﻮن اﻟﻐﺎرات ،ﻓﻨﺎﺟَ َﺰﻫﻢ اﻟﺴﻴﺪ، وردﱠﻫﻢ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺮا ًرا ،ﻓﺤﻤﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﻤﻠﺔ ﱠ املﻮﻓﻘﺔ ﺳﻨﺔ ١٠٩٩وﻫﺰﻣﻮه ،وﻛﺎدوا ﻳﺄﴎوﻧﻪ. ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ آﺧِ ﺮ ﻣﺎ ُﻗ ﱢﺪ َر ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻗﺪ ﺗﻜﻮن اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﻋﺠﱠ ﻠﺖ ﺑﺄﺟﻠﻪ. وﻟﻜﻦ زوﺟﺘﻪ ﺷﻤﻴﻨﺔ اﺳﺘﻤﺮت ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﺗﻨﺎﺟﺰ املﺮاﺑﻄني ،وﻗﺪ ﻗﺒﻀﺖ ﻋﲆ زﻣﺎم اﻟﺤﻜﻢ ،وﺟﻠﺴﺖ ﻋﲆ ﻛﺮﺳﻴﻪ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات. ﻗﺎل املﺆرخ املﺤﻘﻖ :ﻋﻨﺪﻣﺎ رأت ﺷﻤﻴﻨﺔ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ِ ﺗﻮاﺻﻞ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ املﺪﻳﻨﺔ، ً ﻫﺎرﺑﺔ إﱃ ﺑﻼد اﻟﺸﻤﺎل ،وﻣﻌﻬﺎ ﺟﺜﺔ زوﺟﻬﺎ ،ﻓﺪﻓﻨﺘﻬﺎ ﺑﺪﻳﺮ ﻗﺮدﻳﻨﻴﺔ ،ﻗﺮب ﺑﺮﻏﻮس ﻓ ﱠﺮ ْت ً ﻋﻤﻼ ﺑﻮﺻﻴﺘﻪ. وﻗﺎل اﻟﻘﺼﴢ ِﺑﻠ َِﺴﺎﻧ َ ِﻲ املﺆرخ واﻟﺸﺎﻋﺮ :ﻋﻨﺪﻣﺎ رأت ﺷﻤﻴﻨﺔ أن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﺮار، اﻣﺘﻄﺖ ﺑﺒﻴﺸﺎ ﺟﻮاد زوﺟﻬﺎ ،ووﺿﻌﺖ اﻟﺠﺜﺔ أﻣﺎﻣﻬﺎ ،وأﻏﺎرت ﻓﺎﺧﱰﻗﺖ ﺻﻔﻮف املﻐﺎرﺑﺔ ِ املﺤﺎﴏﻳﻦ املﺪﻳﻨﺔ … وﻟﻠﺴﻴﺪ اﻟﺨﺮاﰲ ﻗﺼﺺ ودواوﻳﻦ ،أﻫﻤﻬﺎ »ﻣﻠﺤﻤﺔ اﻟﺴﻴﺪ« ،وﻫﻲ أﻗﺪم املﻼﺣﻢ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ» ،وأﻳﺎم اﻟﺴﻴﺪ« وﻫﻮ ﺗﺎرﻳﺦ رواﺋﻲ ،أو رواﻳﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﰲ أﺳﻠﻮﺑﻬﺎ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ،وﻗﺪ ﻧُﻈﻢ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﰲ ﻛﺘﺎب أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ .ﻫﺬا اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ وﺣﺪﻫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﰲ ﻣﺪﺣﻪ وﺗﻤﺠﻴﺪه. 105
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
أﻣﺎ اﻟﺮواﻳﺔ ﰲ دﻓﻨﻪ ﻓﻼ ﻏﺒﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻋﻈﺎﻣﻪ ،ﻣﺜﻞ ﻋﻈﺎم ﻛﻮملﺒﻮس ﺑﻌﺪه ،ﺗﻌﺬﱠﺑ َْﺖ ﻋﺬاﺑًﺎ ﻏري أﺑﺪي؛ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﺤﻮادث اﻟﺰﻣﺎن ،وﺣﻤﱠ ﻰ اﻹﻳﻤﺎن ﰲ اﻹﻧﺴﺎن ،زﻫﺎء ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ،ﻓﻨُﻘِ ﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻈﺎم ﺧﻼل ﺗﻠﻚ املﺪة إﱃ ﺑﻠﺪة ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ إﱃ ﺑﻴﺖ ﺑﱪﻏﻮس، ﺛﻢ ﻧُﻘِ ﻞ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٨٨٣إﱃ ﻣﻘﺮﻫﺎ اﻷﺧري — إن ﺷﺎء ﷲ — ﺑﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﴪاي، اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺻﻨﺪوق »اﻟﺠﻮاﻫﺮ واﻟﻜﻨﻮز« اﻟﺘﻲ ﺧﺪع ﺑﻪ اﻟﺴﻴﺪ ﱠني راﺷﻴﻞ وﺑﻴﺪاس رﺣﻤﻬﻤﺎ ﷲ. ذﻳﻨﻚ اﻟﻌﱪاﻧﻴ ْ ِ ﰲ ﺑﺮﻏﻮس وﻟﻴﻮن ﻧﺸﺄت اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎوﻣﺖ املﺴﻠﻤني ،وﺗﻐ ﱠﻠﺒ َْﺖ ﺑﻌﺪ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﺗﻐ ﱡﻠﺒًﺎ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ — وﺗﻐ ﱠﻠﺒ َْﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ — ﻓﺈن إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ املﺴﻴﺤﻴﺔ روﺣﻴٍّﺎ ﻫﻲ ﰲ دﻣﻬﺎ ﻋﺎملﻴﺔ ،ﻛﻴﻒ ﻻ وﻗﺪ ﺟﺮت ﰲ ﻋﺮوﻗﻬﺎ دﻣﺎء اﻟﻔﺎﺗﺤني اﻟﺮوﻣﺎن واﻟﻐﻮط واﻟﻌﺮب واﻟﱪﺑﺮ، وﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺤﻤﻞ ﰲ ﻋﺮوﻗﻪ ﻣﺰﻳﺠً ﺎ ﻣﻦ دﻣﺎء اﻷﻗﺪﻣني اﻟﴩﻗﻴني واﻟﻐﺮﺑﻴني. ﻟﻘﺪ اﻧﺒﻌﺜﺖ ﻫﺬه اﻟﺸﻌﻮب ﻛﻠﻬﺎ وﺗﺠ ﱠﺪد ْ َت ،ﻓﺘﻮﺣﱠ ﺪت روﺣﻬﺎ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻫﺬا ﰲ اﻟﻜﻴﺎن اﻟﺠﻨﴘ اﻟﻘﻮﻣﻲ؛ أي ﰲ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ .وأﻣﺎ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﰲ أﻳﺎم اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻳﻬﻮدﻳﺔ ،إﻧﻤﺎ املﺴﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎن ﺳﺎﺋﺪًا ،واملﺴﻴﺤﻲ ﻣﺴﻮدًا ،واﻟﻴﻬﻮدي أﻗﻠﻴﺔ ﺗﺎﺋﻬﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ. ﺑﻞ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺳﺎدة ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﺗﺠﺮي ﰲ ﻋﺮوﻗﻬﻢ دﻣﺎء اﻟﻐﻮط واﻟﻴﻬﻮد ،وﻛﺎن ﻫﻨﺎك أﺳﺎﻗﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺎرى اﻣﺘﺰج ﺑﺪﻣﻬﻢ دم ﻋﺮﺑﻲ ﻳﻤﻨﻲ ،أو ﺳﻮري ،أو ﺑﺮﺑﺮي ،وﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺷﻌﺮاء وﻋﻠﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد ﺗﺮﺑﱠﺖ أﻣﻬﺎﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﺮﻳﻢ. أﻣﺎ اﻟﻘﴫ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﻐﺎﻟﺐ أو املﻐﻠﻮب ،وﻫﻮ واﺣﺪ ﰲ اﻟﺠﻤﻴﻊ — ذﻟﻚ اﻟﻘﴫ اﻟﺴﺎﻛﻦ، أو املﺘﺤﺮك ،أو املﻀﻄﺮب اﻟﻬﺎﺋﺞً ، ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻴﻘﻈﺎت وﻟﻠﻔﺮص واﻷﺣﻮال — ﻓﻘﺪ ﱠ ﻳﺘﻐري اﺳﻤً ﺎ، ﻳﺘﻐري ً ً وﻻ ﱠ وﻋﻤﻼ. ﻫﺪﻓﺎ وﻗﺪ ﱠ ﺗﻐري ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺛﻼث ﻣﺮات ﰲ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ،ﻓﻜﺎن وﺛﻨﻴٍّﺎ روﻣﺎﻧﻴٍّﺎ ،وﻛﺎن ﻣﺴﻴﺤﻴٍّﺎ ﻏﻮﻃﻴٍّﺎ ،وﻛﺎن ﻣﺴﻠﻤً ﺎ ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ .ﺛﻢ ﻋﺎد ﻣﺴﻴﺤﻴٍّﺎ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴٍّﺎ ،وﻫﺬا ﻃﺒﻴﻌﻲ؛ ﻷن املﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻐﻮﻃﻴﺔ ﻟﻌﻨﺘﻬﺎ روﻣﺎ ،وروﻣﺎ أم إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪﻳﻢ .ﻓﻄﺒﻴﻌﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺴﻴﺤﻴﺘﻬﺎ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﻣﻘﺪﱠﺳﺔ. أﻣﺎ ﻏري اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﰲ أﻣﺮﻫﺎ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻓﻬﻮ أن اﻟﻴﻬﻮد واﻟﻌﺮب واﻹﺳﺒﺎن ﺗﺂ َﻟﻔﻮا ﰲ ﻣﻌﺎﻣﻼﺗﻬﻢ وﺗﺰاوﺟﻮا ،وﻣﺎ ﺗﺂ َﻟﻔﺖ أدﻳﺎﻧﻬﻢ وﻻ ﺗﺴﺎملﺖ ،ﺑﻞ ازدادت ﻧﻔﻮ ًرا ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ،وﻏﻼ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ،ﻓﺘﺤﺎرﺑﺖ وﺗﻄﺎﺣﻨﺖ. 106
ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻠﺪ اﻟﺴﻴﺪ
وﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺎﻳني ﺗﺘﻬﺎدن ﺑﺪون ﻣﻘﺪﻣﺎت أو ﺗﻔﺎﻫﻢ ،إﻧﻤﺎ ﺗﺘﻌﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب ﻓﺘﺴﻜﻦ وﺗﻨﺎم ،ﻓﻴﺘﺤﺎرب إذ ذاك اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻊ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ملﺂرب ﻏري دﻳﻨﻴﺔ ،وﻳﺘﺤﺎرب اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ً ﻧﻜﺎﻳﺔ ﺑﺈﺧﻮاﻧﻪ اﻹﺳﺒﺎن ،أو ﻃﻤﻌً ﺎ ﺑﺎﺳﱰﺟﺎع ﻣﺪﻳﻨﺔ أو ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ذﻫﺒﺖ ﻣﻦ ﻣﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ؛ ﻳﺪه. »وﺧﺮج املﻬﺪي وﻣﻌﻪ اﺑﻦ أذﻓﻮﻧﺶ ﻟﻘﺘﺎل املﺴﺘﻌني ﺑﺎهلل؛ ﻓﺎﻧﻬﺰم وﻣَ ﻦ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني واملﺴﻴﺤﻴني«. »وﻛﺎن ﻣﻮﳻ أﻣري ﴎﻗﺴﻄﺔ ﻳﺤﺎرب املﺴﻴﺤﻴني ) ،(٨٥٨ﻓﻈﻔﺮ ﺑﻬﻢ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ، إﻻ أﻧﻪ اﻧﻜﴪ ﰲ آﺧِ ﺮ اﻷﻣﺮ ،وﺗﻐ ﱠﻠﺐَ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻠﻚ أﺷﺘﻮرﻳﺔ ،ﻓﻌﺰﻟﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤَ ﻜﻢ ﻣﻦ إﻣﺎرة ﴎﻗﺴﻄﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﺸﺎط ﻏﻴ ً ﻈﺎ ،واﻧﺤﺎز إﱃ املﺴﻴﺤﻴني ،وزوﱠجَ اﺑﻨﺘﻪ ﺑﻤﻠﻚ ﻧﺎﺑﺎرا «.Navarre »وﺛﺎر ﻧﺼﺎرى ﻧﺎﺑﺎرا ﻋﲆ ﺣ ﱠﻜﺎم اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ﺳﻨﺔ ٨٢٠ﻣﻦ ﺷﺪة ﻋﺴﻔﻬﻢ وﺟﻮرﻫﻢ، واﺗﻔﻘﻮا ﻣﻊ املﺴﻠﻤني ،ﻓﺴ ﱠﻠﻤﻮﻫﻢ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻨﺒﻠﻮﻧﺎ«. وﻣَ ﻦ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻋﺪوا اﻟﺴﻴﺪ ﻟﻴﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ املﺮاﺑﻄني ،وﻳﺴﺘﻮﱄ ﻋﲆ ﺑﻠﻨﺴﻴﺔ؟ ﻫﻢ املﺴﻠﻤﻮن اﻟﻌﺮب. وﻣَ ﻦ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ أﻋﺎﻧﻮا ﻓﺮﻧﻨﺪو اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﲆ اﺑﻦ ﻋﺒﺎد ﺑﺈﺷﺒﻴﻠﻴﺔ؟ ﻫﻢ اﻟﻌﺮب املﺴﻠﻤﻮن. ﻓﻼ ﺗَ َﺴ ْﻞ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ اﻟﻨﺎس ،وﺗﻔﻌﻠﻪ اﻷﻣﻢ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺸﺘﺪ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﻌﺪاوات ،وﺗﺴﻴﻄﺮ اﻷﻫﻮاء ﻋﲆ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ وأﻋﻤﺎﻟﻬﻢ. أَوَﻣَ ﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺮب أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ﻗﺮﻃﺒﺔ وﰲ ﺑﻐﺪاد ﻳﻜﻴﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ ،وﻻ ﻳﻨﻈﺮون ﰲ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﺪﻳﻦ إﱃ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻣﺪى اﻟﻜﻴﺪ واﻟﻀﻐﻴﻨﺔ؟ 2 وﻣﺎ ﻛﺎن اﻹﺳﺒﺎن ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ ،ﻋﲆ ﻏري ﻫﺬه اﻟﺤﺎل ،ﻗﺒﻞ اﺗﺤﺎدﻫﻢ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ، اﻟﺬي أﺧﺮﺟﻬﻢ ﻋﻦ ﻋﺎملﻴﺘﻬﻢ اﻷوﱃ ،وﺟﻌﻠﻬﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﻓﺮدﻳﻨﺎﻧﺪ وإﻳﺰاﺑﻠﺔ ،إﺳﺒﺎﻧﻴني ﻓﺎﺗﺤني ﻣﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻠﺘﻐ ﱡﻠﺐ أﺳﺒﺎبٌ ﻏري اﻟﺘﺤ ﱡﺰب واﻟﺘﺨﺎذل ﰲ املﻐﻠﻮﺑني ،وﻏري املﻜﺎﺋﺪ واﻷﺣﻘﺎد.
2ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻠﻮك ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻳﺮاﺳﻠﻮن ﻗﻴﺎﴏة اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﺣﺮب ﻣﻊ ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺸﺎم وﻓﺎرس وﻣﴫ ،ﻛﺎن ﺧﻠﻔﺎء اﻟﴩق ﻳﻌﻘﺪون ﻣﻌﺎﻫﺪات ﻣﻊ ﻣﻠﻮك اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﺣﺮب ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻣﻊ ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ )اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن» ،ﺗﺎرﻳﺦ ﻏﺰوات اﻟﻌﺮب« ،ﺻﻔﺤﺔ .(١١٦ 107
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻛﺎن اﻹﻳﻤﺎن ﻗﻮة اﻟﻌﺮب اﻟﻐﺎﻟﺒﺔ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ أﻣﺮﻫﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ — اﻟﻐﺰو واﻟﺤﺮوب — ﺗﺪﻋﻢ اﻹﻳﻤﺎن ﺗﺎر ًة ،وﻃﻮ ًرا ﺗﻐﺬﱢي اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ وﺗﻬﻴﺠﻬﺎ؛ ﻓﻴﺘﻐ ﱠﻠﺐ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ وﻗﻮﺗﻬﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷﻣﻮي ً ﱠ وﺗﺘﺄﺳﺲ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ ﻣﺜﻼ ﻋﲆ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻔِ ﻬْ ِﺮي، ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﻳﺘﻐﻠﺐ ﺑﺎﺳﻢ اﻹﻳﻤﺎن وﻗﻮﺗﻪ املﻨﺼﻮر ﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺎﻣﺮ ً ﻣﺜﻼ ﰲ ﻏﺰواﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ — وﻋﲆ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻧﻔﺴﻪ. ﻫﺬه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﺼﺢﱡ ﻛﺬﻟﻚ ﰲ ﻋﻜﺴﻬﺎ ،أو ﺑﺎﻟﺤﺮي ﰲ ﻣَ ﻦ ﺣﺎرﺑﻮا اﻟﻌﺮب؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮة اﻹﺳﺒﺎن ﺗﻈﻬﺮ ﺣﻴﻨًﺎ ﰲ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻨﺎﻫﻀﺔ ،وﺣﻴﻨًﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺠﺪﱠد ﻣﻦ إﻳﻤﺎن .ﻫﺬا ﰲ اﻟﺠﻨﻮب ،وﰲ ﻗﻠﺐ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ؛ أي ﰲ ﻗﺸﺘﺎﻟﺔ وأراﻏﻮن. أﻣﺎ ﰲ اﻟﺸﻤﺎل ،ﰲ ﺟﻠﻴﻘﻴﺎ وأﺷﺘﻮرﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻹﻳﻤﺎن املﺴﻴﺤﻲ ﻋﺪو اﻟﻌﺮب اﻟﻐﺎﻟﺐ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻋﺪوﻫﻢ ،ﰲ اﻟﺸﻤﺎل ،اﻟﺸﻤﺎ َل ﻧﻔﺴﻪ :اﻟﱪد ورﻃﻮﺑﺔ اﻟﻬﻮاء واﻷوﺣﺎل واﻟﺮﻳﺎح واﻟﺜﻠﻮج؛ ﻓﻼ رﺟﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،وﻻ ﻋﺮب اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻳﺘﺤﻤﻠﻮن ﺑﺮد اﻟﺠﺒﺎل واﻷﺻﻘﺎع اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ 3 .إن ﺑﻠﺪ اﻟﻮﻟﻴﺪ ً ﻣﺜﻼ ﺗﻌﻠﻮ ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﱰ ،وﻟﻴﻮن ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ،وإن ﻣﻴﺰان اﻟﺰﺋﺒﻖ ﰲ ذﻟﻚ اﻹﻗﻠﻴﻢ ﻳﺴﻘﻂ إﱃ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﴩة — ﻓﺮﻧﻬﻴﺖ — ﺗﺤﺖ اﻟﺼﻔﺮ .ﻓﻤﺎ ﻫﺬه ﺑﺄرض ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﻨﺒﺖ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،إن ﻛﺎن ﺑﺬره ﻣﻦ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة أو ﻣﻦ املﻐﺮب. َ وإن َ ذﻛﺮت ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان! ذَ ﱠﻛﺮﺗُ َﻚ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﻠﺖ :ﺗﻠﻚ ﺟﺒﺎل اﻟﻴﻤﻦ ،وﻓﻴﻬﺎ أﻋﲆ ﻣﻤﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻷﺧﺮى؛ وﻫﻲ أن اﻟﻴﻤﻦ اﻟﻌﺎﱄ — ذﻣﺎر وﺻﻨﻌﺎء وﻣﻨﺎﺧﺔ — ﻫﻮ ﻋﲆ اﺛﻨﺘﻲ ﻋﴩة درﺟﺔ ﻣﻦ ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ،وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﰲ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﺑﺮﻏﻮس ً ﻣﺜﻼ ،ﻫﻲ ﰲ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻷرﺑﻌني ﻣﻦ ﺧﻄﻮط اﻟﻌﺮض. ﻓﺎﻟﻴﻤﻨﻲ اﺑﻦ ذﻣﺎر أو ﺻﻨﻌﺎء ،اﻟﺬي ﻳﱪد ﰲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ،ﻳﻤﻮت ﺑﺮدًا ﰲ ﺑﻠﺪ اﻟﻮﻟﻴﺪ، ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺟﻠﻴﻘﻴﺎ وأﺷﺘﻮرﻳﺔ.
3ﻗﺎل أﺣﺪ ﺷﻌﺮاﺋﻬﻢ ﺑﻌﺪ ﻏﺰوة ﰲ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ. ﻳﺤﻞ ﻟﻨﺎ ﺗﺮك اﻟﺼﻼة ﺑﺄرﺿﻬﻢ
وﺷﺮب اﻟﺤﻤﻴﺎ وﻫﻮ ﺷﻲء ﻣﺤﺮم
ﻓ ﺮا ًرا إﻟ ﻰ ﻧ ﺎر اﻟ ﺠ ﺤ ﻴ ﻢ ﻓ ﺈﻧ ﻬ ﺎ
أرق ﻋ ﻠ ﻴ ﻨ ﺎ ﻣ ﻦ ﺷ ﻨ ﻴ ﺮ وأرﺣ ﻢ
108
ﺑﺮﻏﻮس ﺑﻠﺪ اﻟﺴﻴﺪ
ً ﺷﻤﺎﻻ ﺑﻐﺮب ،ووﺻﻠﻮا إﱃ وﻗﺪ َﺧﱪ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮبُ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﻮم زﺣﻔﻮا ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ ً ﴍﻗﺎ إﱃ وادي أﺑريه ،وﻣﻨﻬﺎ أﺷﺘﻮرﻳﺔ وﺟﻠﻴﻘﻴﺎ ،ﻓﻤﺎ ﻋﺘﻤﻮا أن اﻧﻜﻔﺌﻮا ﻋﻨﻬﻤﺎ ،وﺳﺎروا ﻋﺎدوا إﱃ ﻗﻠﺐ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻘﺮوا ﰲ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ وﻣﺎردا ،ﺣﻴﺚ اﻟﱪد ﺷﺘﺎءً ﻻ ﻳﺠﺎوز اﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﻳﺘﺤﻤﻠﻮن.
109
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
1
ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺎت اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻜﻔﺎرات ﻋﻦ ذﻧﻮب اﻟﻨﺎﻃﻖ ﺑﺎﻟﻀﺎد؛ اﻟﺤﺞﱡ إﱃ اﻟﺤﻤﺮاء اﻟﺘﻲ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ: ﺗﻤﺪ ﻟﻬﺎ اﻟﺠﻮزاءُ ﻛ ﱠ ﻒ ﻣﺼﺎﻓﺢ
وﻳﺪﻧﻮ ﻟﻬﺎ ﺑﺪر اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻨﺎﺟﻴﺎ
ﻛﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺟﱢ ني .زرت ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد املﺒﺎرﻛﺔ ﰲ ﻣﻮﺳﻢ ﻇﻨﻨﺘﻪ ً وﻣﻦ ﺣﻈﻲ أﻧﻲ ُ أوﻻ ﻣﻮﺳﻢ اﻷﻋﻴﺎد ،وﻟﻜﻨﻲ ﺑﻌﺪ أن ﻃﻔﺖ ﺷﻮارع ﺳﻔﻴﻠﻴﺎ — إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ — وﺗﻨﺸﻘﺖ ﻫﻮاءﻫﺎ، وﺷﻤﻤﺖ ﻃﻴﺒﻬﺎ ،وﺳﻤﻌﺖ ﺣﻤﱠ ﺎرﻫﺎ ﱠ وﻓﻼﺣﻬﺎ وﴍﻳﻔﻬﺎ ﻳﺘﻐﻨﻮن ﺑ »أﻧﺪﻟﺜﻴﱠﺎ« — وﻫﻮ ﻳﻠﻔﻈﻮن اﻟﺴني ﺛﺎء — وﻳﻨﺎﺟﻮن رﺑﺔ اﻟﴪور ﻟﻴ َﻞ ﻧﻬﺎر ﺑﻌﻴﻮﻧﻬﻢ وﺑﺄرواﺣﻬﻢ اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ﺳﺎﻋﺔ اﻷﺷﻐﺎل، وﺑﺎﻟﻌﻮد واﻟﻘﺎﻧﻮن ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻠﻬﻮ واﻟﻄﺮب؛ ﻋﻠﻤﺖ أن ﻋﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻣﻮاﺳﻢ ،وﻣﻮﺳﻤﻬﺎ أﻋﻮام دون اﻧﻘﻄﺎع. ﻓﺄﻧﺪﻟُﺜﻴﱠﺎ ﺑﻼد اﻟﺮﻗﺺ واﻟﻘﻤﺎر ،ﺑﻼد اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ وﴏاع اﻟﺜريان ،إﻧﻬﺎ ﻗﻄﺐ اﻟﴪور ﰲ ﻓﻠﻚ اﻹﺳﺒﺎن ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﰲ ﻧﻈﺮ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴني ﺑﻼد ﷲ وﺣﺪﻫﺎ ،وﻗﺪ ﻗﺎل أﺣﺪ ﻇﺮﻓﺎﺋﻬﺎ» :ﺧﻠﻖ ﷲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﰲ ﺳﺘﺔ أﻳﺎم ،ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻟﻴﺴﱰﻳﺢ«. ً ﻣﺠﺎﻻ ﻟﻼرﺗﻴﺎح؛ ﻋﲆ أن اﻟﺰاﺋﺮ ﻻ ﻳﺮى ﺣﺘﻰ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﺗﻌﺎﱃ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﺴﻜﻮن أو ﱠ ﻓﺎﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻣﺜﻞ املﻘﺎﻫﻲ واملﺴﺎرح وﺑﻴﻮت املﻴﴪ ،ﻛﻠﻬﺎ أﺑﺪًا ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ،ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺮﻛﺔ
ُ 1ﻛﺘِﺒﺖ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺳﻨﺔ ) ١٩١٦اﻟﻨﺎﴍ(.
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
اﻟﺪاﺋﻤﺔ ،واﻟﻨﺎس ﻗﺎﺋﻤﻮن ﻗﺎﻋﺪون ﻳﻮدﱢﻋﻮن ﻋﻴﺪًا وﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻮن ﻋﻴﺪًا .وﻣﻦ ﻏﺮﻳﺐ اﻷﻣﻮر أن ﺣﻴﺚ ﺗﻜﺜﺮ اﻷﻋﻴﺎد ﺗﻘﻞ اﻟﺼﻼة؛ ﻓﺎﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮن ﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻳﺼ ﱡﻠﻮن رﻏﻢ ﻣﻮاﻛﺒﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ وﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﻛﻨﺎﺋﺴﻬﻢ اﻟﺮﻫﻴﺒﺔ اﻟﻔﺨﻴﻤﺔ ،وﻗﺪ ﻳَﺤُ ﻮل اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻈﺎﻫﺮ ﰲ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت دون اﻟﺼﻠﻮات ،وﻗﺪ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ املﺮء أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﻦ اﻟﱪﻛﺔ؛ إذ ﻻ وﻗﺖ َملﻦ ﻋﻴﺪه داﺋﻢ أن ﻳﺤﺎﺳﺐ ﻧﻔﺴﻪ ،أو ﻳﺤﺴﺪ ﺟﺎره ،أو ﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑﺎﻟﺘﺬﻣﺮ واﻟﺸﻜﻮى. واﻟﺬي ﻳ َُﺨﻴﱠﻞ ﱄ أن ﷲ ﺑﻌﺪ أن ﺟﻠﺲ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻳﺴﱰﻳﺢ ،ﺑﺎ َر َﻛﻬﺎ ﺛﻢ ﻫﺠﺮﻫﺎ! وأﺑﻨﺎء اﻟﺒﻼد ﺣﺘﻰ اﻵن ﻳﻌﻴﱢﺪون ﻛﺘﻼﻣﻴﺬ املﺪرﺳﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﻐﻴﱡﺐ املﻌﻠﻢ ،وﻣﺎ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﺎح ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﱠ ﺗﺠﺴﺪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض! ﻓﻔﻲ ﺳﻤﺎﺋﻬﺎ وﰲ ﺷﻤﺴﻬﺎ ﻋﺮش اﻟﱪﻛﺔ ،وﻣﺎ ﺗﺠﲆ وﻣﺎ ﻟﻠﻌﻴﺪ و ﱠَﻫﺎج ،وﰲ ﺑﺴﺎﺗﻴﻨﻬﺎ وﰲ ﻣﺮوﺟﻬﺎ ﺣﻠﺔ ﻟﻠﻌﻴﺪ ﻻ ﺗﺒﲆ ،وﰲ ﻫﻮاﺋﻬﺎ ﺟﺮﺛﻮﻣﺔ ﺳﺤﺮ ﺗﺪﺧﻞ ﻗﻠﺒﻚ ﻓﺘﴪع ﺗﺮﻗﺺ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﻬﻮﻳﻚ وﺗﺴﺘﻐﻮﻳﻚ ﻓﺘﺨﻔﻒ اﻟﺮوح ﻣﻨﻚ إﱃ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺪاﺋﺮة ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻄﺮب واﻟﴪور ،ﻓﺘﺴﱰﺳﻞ ﻣﺜﻞ أﺑﻨﺎء اﻟﺒﻼد ،وﺗﺴري ﻣﻌﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻴﺪ ﺻﻐري إﱃ ﻋﻴﺪ ﻛﺒري ،إﱃ ﻋﻴﺪ أﻛﱪ ،إﱃ ﻋﻴﺪ اﻷﻋﻴﺎد ﰲ اﻟﺮﺑﻴﻊ. ﺛﻼﺛﺔ أﺑﻮاب ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻈﻞ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﰲ وﺟﻪ اﻷﻧﺪﻟﴘ :ﺑﺎب املﻘﻬﻰ ،وﺑﺎب اﻟ »ﻛﺎﺳﻴﻨﻮ« ،وﺑﺎب اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﻓﻬﻮ إذا ﺧﴪ ﰲ املﻘﺎﻣﺮة ﻳﺆم اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ أو املﻘﻬﻰ ﺣﺴﺐ ذوﻗﻪ وإﻟﻬﺎﻣﻪ؛ ﱢ ﻟﻴﻐري ﻣﻦ ﺣﻈﻪ .وﻟﻢ أ َر ﻣﺎ ﺳﻮى ذﻟﻚ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻟﻠﻬﺮب ﻣﻦ اﻷﻋﻴﺎد ﺑﺎﺑًﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣً ﺎ ،إﻻ إذا ﻟﺠﺄ اﻟﺴﺌﻮم إﱃ اﻟﺠﺒﺎل ،أو ﻃﻔﻖ ﻳﺮﻛﺾ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺎدش أو ﻣﺎﻟﻘﺔ، ﻓﻴﻌﺘﺼﻢ ﻫﻨﺎك ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ ،أو ﻟﺒﺲ ﻗﺒﻊ اﻟﺨﻔﺎء اﻟﺬي ﻳﺠﺪه ﰲ ﺧﺰاﻧﺔ اﻟﻐﺎﺑﺮ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن. ﻟﻜﻦ ً ﻣﻬﻼ! ﻓﻔﻲ ﻗﻠﺐ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﻠﺠﺄ ﻗ ﱠﻠﻤﺎ ﻳﻠﺠﺄ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮن إﻟﻴﻪ .ﻫﻨﺎك ﻣﻘﺎم ﻻ ﺗﺴﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﺿﺠﺔ اﻟﻌﻴﺪ ،وﻻ ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻪ أﺻﺪاء اﻷﻏﺎرﻳﺪ ،ﻣﻘﺎم ،ﺑﻞ ﻣﻘﺎﻣﺎت ﻫﻲ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﰲ ﻟﻴﺎل ﺑﺎﻫﺮة ﻋﺎﻃﺮة، اﻷﻧﺪﻟﺲ أﺛ ًﺮا وذﻛ ًﺮا ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﴪور أﻳﺎم زاﻫﺮة ،وﻣﻦ اﻟﻄﺮب ٍ وﻣﻦ املﺠﺪ أﻋﻼم وﻗﺒﺎب وﻣﻌﺎﻫﺪ وأﻧﺼﺎب ،ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﻏري ﻗﺼﻮر ﻣﺘﻬﺪﻣﺔ ﻧﺒﺘﺖ ﰲ ﺟﺪراﻧﻬﺎ اﻷﻋﺸﺎب ،وﻧﻈﻢ اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت ﻣﺮﺛﺎﺗﻪ ﻓﻮق اﻟﻨﻮاﻓﺬ واﻷﺑﻮاب ،وﺟﻠﺲ ﰲ ﻋﺮوﺷﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺴﻜﻮن ،ودُﻓِ ﻦ ﰲ ﺟﻨﺎﺗﻬﺎ املﻬﺠﻮرة اﻟﺸﻌﺮ واﻷدب واﻟﻔﻨﻮن .وإﻧﻚ َﻟﺘﺴﻤﻊ ﻟﺴﻜﻮﻧﻬﺎ املﻬﻴﺐ وﺧﻠﻮﱢﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻧﺲ اﻟﺮﻫﻴﺐ ﻫﻤﺲ اﻟﺸﻤﺲ ،وﻫﻲ ﺗﺘﻤﴙ ﰲ ﻋﺮﺻﺎﺗﻬﺎ ،ووﻗﻊ ﻧﻘﻂ اﻟﻨﺪى ﻣﻦ أﻏﺼﺎن اﻟﻠﻴﻤﻮن واﻟﺮﻣﺎن ﻋﲆ ورق اﻟﻮرد واﻟﺒﻴﻠﺴﺎن.
112
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻃﻠﻮل ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻣﻌﺎﻫﺪ وﻗﺼﻮ ًرا ،ﻫﻲ داﺋﺮة املﺠﺪ وﻗﻄﺐ اﻟﺤﺒﻮر ،ﰲ ﻗﻨﺎﻃﺮﻫﺎ وﻗﺒﺎﺑﻬﺎ وأﺑﻮاﺑﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﻧﺎدرة ،وﰲ ﻛﻞ رﺳﻢ ﻣﻦ رﺳﻮﻣﻬﺎ آﻳﺔ ﺟﻤﺎل ﺗُﺪﻫِ ﺶ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم أرﺑﺎب اﻟﻔﻦ ،وﰲ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﻋﲆ ﺟﺪراﻧﻬﺎ درة ﻣﻦ املﻌﻨﻰ ،أو زﻫﺮة ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻮى ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﰲ ﺑﻼط ﻣﻨﻘﻄﻊ اﻟﻨﻈري ﻟﻮﻧًﺎ وﺗﺬﻫﻴﺒًﺎ. واﻷرض ﻣﺜﻞ ﺑﺪاﺋﻊ اﻟﺪﻳﺒﺎج
وﺻﻨﺎﺋﻊ اﻟﺰﻟﻴﺞ ﻓﻲ ﺣﻴﻄﺎﻧﻬﺎ
ً ً وﻇﻼﻻ ﻋﺮوﺳﺎ ﻟﺮﺑﺔ اﻟﻨﺴﻴﺎن ،وﻣﺪﻓﻨًﺎ ملﺠﺪ اﻟﺰﻣﺎن، ﻫﺬي آﺛﺎر اﻟﻌﺮب وﻗﺪ أﻣﺴﺖ ﺗﺠﻠﺐ اﻷﺣﺰان ،وﻋِﱪة ﺑﻠﻴﻐﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن .وﻫﻲ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﺑﻬﺠﺔ ﻟﻠﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ،وﻣﺼﺪر وﺣﻲ ﻷرﺑﺎب اﻟﻔﻨﻮن واملﺘﻔﻨﻨني .وﻟﻜﻦ اﻟﺬﻛﺮى … هلل ﻣﻦ ذﻛﺮى ﺗﻘﺒﺾ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﺘﺠﻌﻠﻬﺎ ﻛﺎﻟﺠﻤﺎد! هلل ﻣﻦ آﺛﺎر ﺗﺒﺘﻬﺞ ملﺮآﻫﺎ اﻟﻌني ﻓﻴﺬوب ملﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﻔﺆاد! هلل ﻣﻦ ﺑﻠﺪ َ ﺗﻐﻨ ﱠ ْﺖ ﺑﻤﻜﺎرﻣﻪ ﻛﻞ ﺑﻼد! هلل ﻣﻦ ﻋﺰﻛﻢ وﻣﺠﺪﻛﻢ َ اﺑﻦ أﻣﻴﺔ واﺑﻦ ﻋﺒﺎد وﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ واملﻨﺼﻮر واملﻌﺘﻤﺪ ،ﻣَ ﻦ ً ﺷﻐﻔﺎ ﺷﺎدوا ﻣﻌﺎﻫﺪ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺪﻳﻦ! ﻃﺎملﺎ اﻫﺘﺰت اﻟﻨﻔﺲ ﻟﺬﻛﺮ ﻣﺂﺛﺮﻛﻢ ،وﻃﺎملﺎ وﻗﻔﺖ اﻟﻌني ﻋﻨﺪ أﺳﻤﺎﺋﻜﻢ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻃﺎملﺎ ﺗﺎﻗﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻨﻲ واﻟﻌني إﱃ ﻣﺸﺎﻫﺪة ﻣﺎ ﱠ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻵﺛﺎر املﺠﻴﺪة .ﻫﺎ ﻗﺪ اﺳﺘُ ِﺠﻴﺒ َْﺖ ِﻃﻠﺒﺘﻲ؛ ﻓﻘﺪ وﻃﺌﺖ ً أرﺿﺎ ﻋﻄﺮﺗﻬﺎ ﺷﻤﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ،وﺟُ ْﻠ ُﺖ ﰲ ﺑﻼدٍ ﻋﻤﱠ ﺮﺗﻬﺎ ﻫﻤﻢ اﻟﻌﺮب ،ووﻗﻔﺖ أﻣﺎم ﻋﺮوش ﻫﺪﻣﺘﻬﺎ ﻋﺼﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮب. َ ﴎرت أﻧﻲ ﻓﺰت ﺑﻤﻬﺮب ﻣﻦ اﻟﻌﻴﺪ ،ﻓﺮﺣﺖ ﻛﺎﻟﻬﺎﺋﻢ أﻧﺸﺪ ﺗﺤﻒ اﻟﻨﺴﻴﺎن ﺑﻞ ﻣُﺨﺒﱠﺂت اﻟﺰﻣﺎن ،وﻣﺎ اﻟﺒﺎدي ﻣﻦ أﺛﺮ ﻏري ﻏﻼف ﻟﻜﻨﺰ ﻣﻜﻨﻮن ﻳﺴﺘﺨﺮﺟﻪ اﻟﻌﻠﻢ وﺗﺠﻠﻮه اﻟﻔﻨﻮن .ﻓﻤﻦ ﻗﴫ إﱃ ﺑﺮج ،وﻣﻦ ﺑﺮج إﱃ ﻣﺘﺤﻒ ،ﴎت ﻛﺎﻟﻬﺎﺋﻢ اﻟﻮﻟﻬﺎن ،ﻧﺴﻴﺖ اﻟﻌﻴﺪ ﰲ اﻟﻘﺮﻳﺐ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻣﻦ املﺎﴈ املﺠﻴﺪ ،ﻓﻤﻦ اﻟ »ﻫﺮﻟﺪا«؛ أي املﺌﺬﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺎدﻫﺎ املﻬﻨﺪس ﺟﺎﺑﺮ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻳﻌﻘﻮب ،إﱃ ﺑﺮج اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺬي ﺷﺎده اﺑﻦ اﻟﻌﻼء ﻋﲆ ﺿﻔﺔ اﻟﻮادي اﻟﻜﺒري ،وﻣﻦ اﻟﱪج إﱃ اﻟﻘﴫ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳَ َﺰ ْل ﻓﻴﻪ زاوﻳﺔ ﻋﺎﻣﺮة ﻳﻘﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻠﻚ اﻹﺳﺒﺎن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺆ ﱡم إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ، وﻣﻦ اﻟﻘﴫ إﱃ املﺘﺤﻒ ،وﻓﻴﻪ ﻣﻦ آﺛﺎر اﻟﻔﻨﻮن واﻟﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﺪﻫﺶ .ﻫﺬه أﺑﻮاب ﺧﻼص ﻣﻦ اﻷﻋﻴﺎد … وﻟﻜﻦ اﻟﻔﺮح ﺑﺎﻟﺨﻼص ﻻ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻳﺰول ،ﻓﻴﺤﻞ ﻣﺤﻠﻪ ﻛﺂﺑﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻮﻗﻊ ﺗﻜﺎد ﺗﺸﺎﺑﻪ ﺣﺰن املﺤﺐ ﰲ ﻓﺮاق اﻟﺤﺒﻴﺐ .وﰲ ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﻄﻠﻮل واﻵﺛﺎر ﻳﺴﱰﺳﻞ املﺮء اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻟﺸﻌﻮر إﱃ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻃﻒ ،وﻣﺘﻰ ﺗﻜﺎﺛﺮت اﻷﺣﺰان واﺷﺘﺪت ﻳﻘﺎم ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻴﺪ، ﻓﻴﻀﺤﻚ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ وﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ ،وﻳﺮدﱢد اﻷﻟﺤﺎن وﻫﻮ ﻳﻨﻮح. وﻗﻔﺖ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺌﺬﻧﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﻫﻲ أﻋﻈﻢ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﰲ أوروﺑﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻄﺮس ﰲ روﻣﺎ ،ﻓﺎﻧﻜﺸﻔﺖ ﺗﺤﺖ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻫﻲ ﻣﴩﻗﻴﺔ، 113
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﺑﻞ ﻣﻐﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﺳﻄﻮﺣﻬﺎ اﻟﺒﻴﻀﺎء ،وﺟﺎدﱠاﺗﻬﺎ اﻟﻌﻮﺟﺎء ،وﻋﺮﺻﺎﺗﻬﺎ اﻟﺨﴬاء ،وﻣﺼﺎﻃﺒﻬﺎ اﻟﺤﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﻔﻞ واﻟﻘﺮﻧﻔﻞ واملﺮدﻛﻮش ،وأﻫﻠﻬﺎ اﻟﺴﺎﺋﺮﻳﻦ ﰲ اﻷﺳﻮاق ﻛﺄن ﻻ ﺷﻐﻞ ﻟﻬﻢ ﻏري ً ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮل :ﻻ ﻣﻬﺮب ﻟﻚ ﻣﻨﻲ وأﻧﺖ ﰲ ﺷﻢ اﻟﻨﺴﻴﻢ وﻗﻄﻒ اﻟﺰﻫﻮر؛ ﻓﱰاءَى ﱄ اﻟﻌﻴﺪ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد! ﻓﺤﻮﱠﻟﺖ ﻧﻈﺮي إﱃ اﻟﻘﴫ وﺑﺴﺘﺎﻧﻪ اﻟﻔﺴﻴﺢ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،ﺛﻢ إﱃ اﻟﱪج ﻋﲆ ﺿﻔﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﻜﺒري ،ﻓﺴﺎح ﺑﻲ اﻟﻔﻜﺮ إﱃ اﻟﺸﺎم ،إﱃ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،إﱃ اﻟﺤﺠﺎز ،إﱃ اﻟﺤﺮﻣني .ﺟﺎﻟﺖ ﺑﻲ اﻷﺣﻼم ،ﻓﺄدﻧﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻣﺠﺪ اﻟﻌﺮب اﻟﻐﺎﺑﺮ ،ﺑﻞ ﻣﺜﱠﻠﺘﻪ أﻣﺎﻣﻲ ﺣﻴٍّﺎ. ﻋﺮب اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻋﺮب اﻟﺸﺎم ،ﻋﺮب اﻟﻌﺮاق ،ﻋﺮب اﻟﻬﻨﺪ .أﻳﻌﺮف ﺑﻌﻀﻬﻢ ً ﺑﻌﻀﺎ اﻟﻴﻮم إذا اﺟﺘﻤﻌﻮا ﰲ ﻧﺠﺪ ً ﻣﺜﻼ أو ﰲ اﻟﺤﺠﺎز؟ وأي ﺻﻠﺔ ﺑني ﺑﻨﻲ ﻋﺒﱠﺎد ﰲ أوج ﻣﺠﺪﻫﻢ وﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ،وﺑني ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس وﺑﻨﻲ ﺑﺮﺑﺮ املﻐﻮل؟ ﺑﻞ أي ﺻﻠﺔ ﺗﺼﻠﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ ﺑﻌﺮب اﻟﺠﺰﻳﺮة؟ ﴎﻫﺎ اﻟﻴﻮم أﺑﻨﺎءُ اﻟﻴﻤﻦ ً ﻣﺜﻼ ،وﻳﺤﱰﻣﻮن ﺷﺎرﺗﻬﺎ، ُﺪرك ﱠ وأي ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻳ ِ وﻳﺆﻣﱢ ﻠﻮن ﺑﺘﺠﺪﻳﺪ ﻋﺰﻫﺎ؟ أﻟﻴﺲ ﻟﻠﻌﺮب ﻣﻦ اﻟﻔﻜﺮ ﻧ َ ﱢريًا إﻻ إذا اﺣﺘ ﱠﻚ ﺑﺄﻓﻜﺎر ﺑﻌﻴﺪة ﻏﺮﻳﺒﺔ؟ أَو ََﻻ ﻳﺜﻤﺮ اﻟﻨﺒﻮغ اﻟﻌﺮﺑﻲ إﻻ إذا ﻟُ ﱢﻘﺢ ﺑﻨﺒﻮغ أﺟﻨﺒﻲ؟ ﻫﻞ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﺒﻐﺪاد ﻛﺎن ﻟﻠﱪاﻣﻜﺔ، وﺑﺎﻟﺸﺎم ﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ،وﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ﻟﻠﻔﺮﻧﺠﺔ ،وﺑﺴﻤﺮﻗﻨﺪ ﻟﻠﻌﺠﻢ ،وﺑﻜﺸﻤري ﻟﻠﻬﻨﻮد؟ ﻓﻤﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻣﺠ ٍﺪ ﺷﺎدَه أوﻟﺌﻚ اﻟﻌﺮب ﺧﺎرج اﻟﺠﺰﻳﺮة؟ وﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻗِ َﴫ ﻋﻬﺪه واﺿﻤﺤﻼﻟﻪ؟ ُ ﺑﻬﺠﺔ ﻣَ ﻦ ﺷﺎﻫﺪ أﺟﻤﻞ اﻵﺛﺎر زرت اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺣﺎﺟٍّ ﺎ ﻻ ﺑﺎﺣﺜًﺎ ﻣﻨﻘﺒًﺎ ،وﻋﺪت ﻣﻨﻬﺎ وﰲ ﻧﻔﴘ وﺣﺪﱠث أﻓﻀﻞ ﻣَ ﻦ ﰲ اﻟﺪﻳﺎر. ﻓﺒﻌﺪ أن ﺷﺎﻫﺪت ﻣﺎ ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ً أﻳﻀﺎ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﰲ ﻣﺤﴩ ﻣﻦ اﻷﻋﻴﺎد ،ﻗﻠﺖ ﰲ ﻧﻔﴘ :اﻟﻬﺮب رأس اﻟﺤﻜﻤﺔ .ﻓﺴﺎﻓﺮت إﱃ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن وﺣﺎﴐة اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وأﻗﻤﺖ ﰲ اﻟﻘﺼﺒﺔ اﻟﺤﻤﺮاء أﺳﺒﻮﻋً ﺎ وددت ﻟﻮ ﻛﺎن أﺷﻬ ًﺮا ،وﻛﺎن ﻗﺼﺪي أن أﻗﻴﻢ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ﻟﻮﻻ ﱡ دف اﻟﻌﻴﺪ و َزﻣْ ُﺮه. ﻓﻘﺪ ﺻﺎد َ َف أن زﻳﺎرﺗﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺮﺑﻴﻊ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻫﻞ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻗﺪ أﻗﺎﻣﻮا ﺑﻌ ُﺪ ﻣﻬﺮﺟﺎن أﻳﺎر ،ﻋﻴﺪ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﻌﻈﻴﻢ — وﻫﻮ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻌﻴﺪ اﻟﻨريوز ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺠﻢ واﻟﻌﺮب، وﻗﺪ ﻳﻜﻮن أُﺧِ ﺬ ﻋﻨﻬﻢ — وﻛﻨﺖ ﺷﺎﻫﺪت ﰲ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﻓﺎﺗﺤﺔ ذا املﻬﺮﺟﺎن اﻟﺬي ﻳﺪوم ﺷﻬ ًﺮا ً ﻛﺎﻣﻼ ،وﻫﺮﺑﺖ ﻣﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻮﻳﻞ ﻟﻠﻬﺎرﺑني؛ ﻓﻬﺎ إﻧﻪ ﻟﺤﻘﻨﻲ ِﺑ َﺨﻴْﻠِﻪ َو َرﺟْ ﻠِﻪ ،ﺑﺨﻴﺎﻣﻪ ً ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺤﻤﺮاء وﻗﺼﻮرﻫﺎ وﻧﻮﺑﺎﺗﻪ وﻣﺸﻌﻮذﻳﻪ ،ﺑﺄﻋﻼﻣﻪ وراﻗﺼﺎﺗﻪ وأﻏﺎﻧﻴﻪ ،ﻓﻬﺮﺑﺖ اﻟﺤﺎﻓﻠﺔ ﺑﺠﻴﱢﺪ اﻟﺸﻌﺮ ﰲ ﻣﺪح ﻣﻠﻮﻛﻬﺎ ،وذﻛﺮ ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﺎ ،ووﺻﻒ ﺟﻨﺎﺗﻬﺎ وﺑﺮﻛﺎﺗﻬﺎ ،وﺳﺎﻓﺮت إﱃ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻣﺴﻘﻂ رأس اﺑﻦ رﺷﺪ أﺑﻲ اﻟﻮﻟﻴﺪ؛ ﻷﺷﺎﻫﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒري اﻟﺬي ﺷﻴﱢﺪ ،ﻋﻬﺪ 114
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷول ،ﻣﺴﺠﺪًا ﺻﻐريًا ،ﻓﻨﻤﺎ واﻟﺪوﻟﺔ ﻧﻤﻮٍّا ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ؛ إذ أﺿﺎف إﻟﻴﻪ ﺧﻠﻔﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷرﺑﻌﺔ أﻗﺴﺎﻣً ﺎ ﻛﺒرية زادت ﺑﻔﺨﺎﻣﺘﻪ وﺟﻤﺎﻟﻪ ،وﻫﻮ اﻟﻴﻮم ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﲆ ﻋُ ﻤُﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺎوز اﻷﻟﻒ. وﺻﻠﺖ إﱃ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻣﺴﺎءً ،وأﻧﺎ أﺣﻤﺪ ﷲ ﻋﲆ ﺧﻼﴆ ﻣﻦ املﻬﺮﺟﺎن ،ﻟﻜﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﺪت أﻧﺰل ﻣﻦ ﻋﺮﺑﺔ اﻟﺴﻜﺔ إﻻ ورب اﻟﻌﻴﺪ واﻷﻏﺎرﻳﺪ واﻟﻜﺎﺑﻮس اﻟﻌﻨﻴﺪ … ﻓﻈﻨﻨﺖ أﻧﻬﺎ أﺻﺪاء ﻣﻦ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻟﻢ ﺗَ َﺰ ْل ﺗﺮن ﰲ أذﻧﻲ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺴﺘﻌﻴﺬًا ﻣﺴﺘﺴﻠﻤً ﺎ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻷﺻﻮات َت وﺗﺮ ﱠدد ْ َت وﺗﺠ ﱠﺪد ْ وﻗﺪ ﺗﻀﺎﻋَ َﻔ ْﺖ وﺗﻌ ﱠﺪد ْ َت .ﻟﻬﺎ ﻏﻨﺎت وﻫﺪﻳﺮ ،ﻏﺮﻳﺒﺔ اﻷﻟﺤﺎن واﻷﻏﺎﻧﻲ واﻟﻀﻮﺿﺎء ،وﻗﺪ ﻣﻸت اﻟﻔﻀﺎء ﱠ وﺣري َْت ﺣﺘﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﻼ زﺋري اﻷ ُ ْﺳﺪ وﻗﺪ ﺧﺎﻟﻄﻬﺎ ﺻﻔري اﻟﺒﻼﺑﻞ ،وﻻ ﻧﻬﻴﻖ اﻟﺤﻤري ﺑني ﻋﺠﻴﺞ اﻟﺜريان وﺻﻴﺎح اﻟﺪﻳﻮك ،وﻻ ﺻﺪى املﺪاﻓﻊ وﻗﺪ ﺗﺨ ﱠﻠ َﻠﻬﺎ ﻧﻌﻴﻖ اﻟﺒﻮم وﻋﻮاء اﻟﺜﻌﺎﻟﺐ ،وﻻ اﻷﺑﻮاق وﻗﺪ ﻧﻔﺨﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺮود ،وﻻ اﻟﺪﻓﻮف ﰲ أﻳﺪي اﻟﺠﻨﻮد؛ ﺑﻞ ﻛﻠﻬﺎ اﺟﺘﻤﻌﺖ ﰲ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺿﺠﻴﺠً ﺎ وﺗﺼﺎﻋﺪت ﻋﺠﻴﺠً ﺎ ،ﻛﺄﻧﻬﺎ أﻟﺤﺎن ﻣﻦ اﻟﺠﺤﻴﻢ .ﺳﺪدت أذﻧﻲ ﻣﺴﺘﻐﻔ ًﺮا ﷲ ﻣﺴﱰﺣﻤً ﺎ ،ﻓﺈذا ﺑﺼﻮت ﻳﻬﻤﺲ ﻓﻴﻬﺎ :ﻳﺎ ﻫﺎرب ،ﻳﺎ ﺟﺒﺎن ،ﻫﻲ ﻧﻮﺑﺎت املﻬﺮﺟﺎن. َ َ »ﻋﻴﺪ ﺑﺄﻳﺔ ﺣﺎل ﻋﺪ َ ْت ﻳﺎ ﻋﻴﺪ!« … أ َﻻ ﻣﻬﺮب ﻣﻨﻚ ﰲ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ؟! أ َﻻ ﻣﻠﺠﺄ ﻟﻠﻐﺮﻳﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻴﻤﻚ وﺧﻤﺮك وﻃﺒﻠﻚ وزﻣﺮك؟! وﻗﺪ زاد ﰲ اﻟﻄني ﺑﻠﺔ أن املﻨﺎزل واﻟﻔﻨﺎدق ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬا اﻟﻌﻴﺪ املﺒﺎرك ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻶﻧﺔ ،ﻻ ﻏﺮﻓﺔ وﻻ ﻓﺮﺷﺔ وﻻ ﻣﺴﻨﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻐﺮﻳﺐ وﻻ ﻟﻘﺮﻳﺐ. ﻓﺒﻌﺪ أن ﺟُ ﻠﻨﺎ املﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ أو ﻣﺎ ﺗﻸﻷ ﺑﺎﻷﻧﻮار ﻣﻨﻬﺎ ،وأﺟﺮة اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺗﺼﻌﺪ ﻛﺎﻟﺰﺋﺒﻖ ً ﺧﺠﻼ ﻣﻦ ﺿﻴﻖ ﺑﻠﺪه ﰲ وﺟﻪ ﰲ ﺗﻤﻮز ،ودﻟﻴﲇ اﻟﱰﺟﻤﺎن ﻳﺤﺮك ﻳﺪﻳﻪ وﻳﻬﺰ ﻛﺘﻔﻴﻪ ،ﺷﺎﻛﻴًﺎ اﻟﺰاﺋﺮ اﻟﻜﺮﻳﻢ ،وﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﺑﻮاﺑﺔ ﻛﺒرية إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﻣﺼﺒﺎح ﺻﻐري ﺿﺌﻴﻞ ،ﻓﱰﺟﱠ َﻞ اﻟﺪﻟﻴﻞ، ﻧﺰ َل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻮﺣﻲ» :اﻧﺰل ﻳﺎ ﺳﻨﻴﻮر اﻧﺰل! ﺳﺂﺧﺬك إﱃ ﺑﻴﺖ ﻋﻤﻲ ،وﻫﻮ ﺑﻴﺖ وﻗﺎل ﻛﻤَ ﻦ أ ُ ِ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻚ«. ﻓﻨﺰﻟﺖ واﻟﺤﻘﻴﺒﺔ ﺑﻴﺪي ،وﻛﺬﻟﻚ ﻗﻠﺒﻲ ،ﻓﻤﺸﻴﺖ وراءه ،وﻛﺎن املﺼﺒﺎح ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب آﺧِ ﺮ ﻋﻬﺪي آﻧﺌ ٍﺬ ﺑﺎﻟﻨﻮر .ﻣﺸﻴﻨﺎ ﰲ زﻗﺎق ﺿﻴﻖ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﻊ اﻟﺴﺎﺋﺮ ﻓﻴﻪ؛ ﻟﻘﺮب ﺣﺎﺋﻄﻴﻪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻦ َ اﻵﺧﺮ ،إﻻ إذا وﻗﻊ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ أو ﻇﻬﺮه ،وﻣﻨﻪ إﱃ ﺳﺎﺣﺔ ﱠ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺑﺒﻌﺾ ُ ﺗﻨﻔﺴﺖ اﻟﺼﻌﺪاء ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺪﺧﻞ اﻟﺴﺎﺣﺔ إﻻ ﻟﻨﺨﺮج اﻟﻨﻮر ﻣﺼﺒﺎحٌ ﻣﻦ ﺷﺒﺎك ﻣﻔﺘﻮح. ﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﺷﺒﻪ ﺟﺎدة ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺒﻪ ﻗﻨﺪﻳﻞ ﻇﻨﻨﺘﻪ ﻟﺒﻌﺪه ﺑﺼﻴﺺ اﻟﺤﺒﺎﺣﺐ ،وﻟﻢ ﻧﺼﻞ إﻟﻴﻪ ﺷﻤﺎﻻ إﱃ زﻗﺎق َ ً آﺧﺮ ﻣﻈﻠﻢ ،وﻗﻒ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻓﻴﻪ وﻗﺎل: ﻷﺗﺤﻘﻖ ﻇﻨﻲ ،ﺑﻞ ﴎﻧﺎ ﻳﻤﻴﻨًﺎ ﺛﻢ 115
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
أﻋﻄﻨﻲ ﻳﺪك! ﻓﺄﻧﺰﻟﻨﻲ َد َرﺟً ﺎ درﺟﺎﺗُﻪ ﻣﺜ ُﻞ دﻛﺎت ﻟﺒﻨﺎن ﻣﺘﻬﺪﻣﺔ ،وﻫﻮ ﻳﻘﻮل :ﻻ ﺗﺨﻒ وﺻﻠﻨﺎ .وأﻧﺎ أﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﴘ :أﻳﻘﻴﻢ ﻋﻤﻪ ﺗﺤﺖ اﻷرض؟ ﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﺪ َرج دون ﺣﺎدث ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻃﺒﻴﺐ ،ﻓﺎﻧﺒﺴﻄﺖ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻃﺮﻳﻖ ﺷ ﱠﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺪﻧﺎ ﻧﺴﻴﻨﺎه ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻨﻮر .ﻣﺸﻴﻨﺎ ﻣﴪﻋني ،ﻓﺈذا ﻫﻨﺎك ﻣﺼﺒﺎح ﻻ رﻳﺐ ﻓﻴﻪ ﻓﻮق ﺑﺎب ﻣﻔﺘﻮح ،دﺧﻠﻨﺎه ﻛﺄﻧﻪ ﺑﺎب اﻟﺠﻨﺔ ،وﴎﻧﺎ إﱃ ﻓِ ﻨﺎء اﻟﺪار ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻋﺎﻣﺮة ﺑﺎﻷﻧﻮار ،ﻓﻴﻬﺎ أﻗﻔﺎص ﺗﻐﺮد ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻄﻴﻮر ،وﻣﺴﺘﻨﺒﺘﺎت ﻧ ﱠﻮ َر ْت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺰﻫﻮر ،وﻟﻜﻦ اﻟﺪار ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺲ، وﻗﺪ ﻛﺎن أﻫﻠﻬﺎ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻳﻌﻴﺪون ،ﻣﺎ ﺳﻮى رب اﻟﺒﻴﺖ وﻫﻮ ﺷﻴﺦ ﺟﻠﻴﻞ ،ﻓﺘﻘ ﱠﺪ َم ﻳﺘﺄﻫﻞ ﺑﺎﻟﻐﺮﻳﺐ وﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ. ً ﺗﻜ ﱠﻠ َﻢ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ اﻟﺸﻴﺦ ،وﺳﺎر وﻫﻮ ﻳﺸري أن أﺗﺒﻌﻪ ،ﻓﺄدﺧﻠﻨﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐرية ﻻ ﻧﺎﻓﺬة ﻓﻴﻬﺎ وﻻ ﺷﺒﺎك ،إﻻ أن ﰲ ﺑﺎﺑﻬﺎ — وﻫﻮ ﻗﺒﺎﻟﺔ اﻟﺤﻮض ﻣﻦ اﻟﻔِ ﻨﺎء — ﺛﻘﻮﺑًﺎ ﺗﺆذن ﺑﺪﺧﻮل اﻟﻬﻮاء وﺻﻮت ﺧﺮﻳﺮ املﺎء ،وﺑﻌﺪ املﺴﺎوﻣﺔ — ﻻ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﻴﻮم — ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻓﻬﺶ ﱠ ﻋﺮﺑﻲ ،ﱠ وﺑﺶ ،وﻧﺎدى ﻗﺮﻳﺒﻪ وﻫﻮ ﻳﺸري إﱃ ﻗﻠﺒﻪ وﻳﻘﻮل: اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻦ أﺻﲇ .ﻓﻘﻠﺖ: ﱞ ﻛﻠﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻋﺮب .إﻻ أﻧﻪ ﺗﻘﺎﺿﺎﻧﻲ أﺟﺮة اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺛﻼﺛﺔ أﺿﻌﺎف إﻛﺮاﻣً ﺎ ﻟﻠﻌﻴﺪ ،وﻗﺒﺾ اﻟﻘﻴﻤﺔ ً ﺳﻠﻔﺎ إﻛﺮاﻣً ﺎ — ﻋﲆ ﻣﺎ أﻇﻦ — ﻟﻠﻌﺮب. وﺑﻌﺪ ﺣﺪﻳﺚ ﻛﺎن اﻟﱰﺟﻤﺎن ﺻﻠﺘﻪ ،ﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻤﱠ ﻦ ﻳﻌﺠﺒﻮن ﺟﺪٍّا ﺑﻌﺮب اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وإن ﻛﺎن ﻻ ﻳﻌﺮف ﻟﻠﻀﻴﺎﻓﺔ ﻣﻌﻨًﻰ ،وﻳﻌﺮف ﻟﻠﻤﺎل أﻟﻒ ﻣﻌﻨًﻰ .ﻓﻬﻮ ﰲ ﻫﺬا ﻣﺜﻞ ﻛﻞ اﻹﺳﺒﺎن ،ﺑﻞ ﻣﺜﻞ أﻛﺜﺮ اﻷوروﺑﻴني اﻟﻴﻮم ،وﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻴﻠني ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔ ﱢﺮﻗﻮن ﺑني اﻟﻌﺮب واملﻐﺎرﺑﺔ ،أو ﺑني ﻣَ ﻦ ﺟﺎء ﻣﻦ ﺑﺮ اﻟﺸﺎم وﻣَ ﻦ ﺟﺎء ﻣﻦ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ؛ ﻓﻼ ﻳﻘﻮل »ﻣﻮرو« إذا أراد أن ﻳﻘﻮل »ﻋﺮﺑﻲ« ،واﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ .وﻫﻮ ﱢ ﻳﻔﻀﻞ اﻷﻣﻮﻳني ﻋﲆ ﺳﻮاﻫﻢ، وﻳﻌﺠﺐ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻘﺮﻃﺒﺔ ﰲ ﻋﻬﺪﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮة واملﻨﺰﻟﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن .وأﺧﱪﻧﻲ ً أﻳﻀﺎ أن ﻟﻪ وﻟﻌً ﺎ ﰲ درس اﻵﺛﺎر ،وﺑﺎﻷﺧﺺ آﺛﺎر ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ود ﱠﻟﻨﻲ إﱃ ﺑﻴﻮت ﰲ املﺪﻳﻨﺔ ﻻ ذِ ْﻛ َﺮ ﻟﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻟﺪﻟﻴﻞ ﺣﻴﺚ ﺗُ َ ﺸﺎﻫﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ اﻟﺒﻼط اﻟﺰﻟﻴﺠﻲ؛ أي املﺰﺟﺞ ﱠ املﺬﻫﺐ. َ َ ﱢ وﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎل اﻟﺸﻴﺦ — وﻗﺪ أﻃﻠﻖ ِﻟﻠﺴﺎن اﻟﻌِ ﻨﺎن — أن ﻗﺪ أﻛﻮن ﺗﻌِ ﺒًﺎ ﻧﻌِ ًﺴﺎ ﴎ ﺑﻐﺮﻳﺐ اﻟﺼﺪﻓﺔ ،واﺳﱰﺳﻞ ﰲ ﴎوره ،ودﻋﺎﻧﻲ إﱃ َردﻫﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺮ واﻟﻀﺠﺮ ،ﻓﻘﺪ ُ ﱠ ﺟﻤﻴﻼ ﻧﺎد ًراٍّ ، ً ُ ُ ﺷﺎﻫﺪت ،ﻓﺘﺠ ﱠﺪد ْ َت ﰲ ﱠ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻧﺘﻌﺸﺖ ﺑﻤﺎ وﺣﻘﺎ إﻧﻲ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ﻟريﻳﻨﻲ أﺛ ًﺮا ﺑﺎﻟﺴﻬﺮ واﻟﺤﺪﻳﺚ .ﻛﻴﻒ ﻻ واﻷﺛﺮ ﻋﺮﺑﻲ ،ذ ﱠﻛﺮﻧﻲ ﺑﻤﺎ ﻗﺮأﺗﻪ ﻣﺮة ﻋﻦ أﺣﺪ اﻷوﻟﻴﺎء ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﻣَ ﱠﺮ ﺑﺎﻟﺰﻫﺮاء ﻗﴫ املﻨﺼﻮر ،ﻓﻘﺎل» :ﻳﺎ دار ﻓﻴﻚ ﻣﻦ ﻛﻞ دار ،ﻓﺠﻌﻞ ﷲ ﻣﻨﻚ ﰲ ﻛﻞ دار!« وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻌﺪ دﻋﻮﺗﻪ إﻻ أﻳﺎم ﻳﺴرية ﺣﺘﻰ »ﻧ ُ ِﻬﺒﺖ ذﺧﺎﺋﺮﻫﺎ ،وﻋَ ﱠﻢ اﻟﺨﺮاب ﺳﺎﺋﺮﻫﺎ«. 116
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً ﺟﻤﻴﻼ ﻣﻦ ذاك اﻟﺨﺮاب ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮدﻫﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﻔﺮش واﻟﺒﻨﺎء .ﻋﲆ وﻫﺎك أﺛ ًﺮا ﱠ اﻟﺠﺪران اﻷرﺑﻌﺔ ُزﻧﺎر ﻣﻦ اﻟﺒﻼط اﻟﺰﻟﻴﺠﻲ ﻣﻨﻘﻮش ﻓﻴﻪ» :ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ ،واﻟﺤﻤﺪ هلل ﻋﲆ ﻧﻌﻤﺔ اﻹﺳﻼم«. وﻛﺬﻟﻚ ﻧﺘﻒ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻔ ﱠﻜﻜﺔ اﻷﻟﻔﺎظ ،ﻣﻘ ﱠ ﻄﻌﺔ املﻌﻨﻰ ،ﺳﺄﻟﻨﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﻗﺮاءﺗﻬﺎ ً وﴎ ﺟﺪٍّا ،ﺛﻢ ﻗﺎل :وﻋﻨﺪي أﺛﺮ َ آﺧﺮ ﻳﻬﻤﻚ. وﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ،ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻃﺎﻗﺘﻲ ،ﻓﻬَ ﱠﺰ رأﺳﻪ ﻣﻮاﻓﻘﺎ ُ ﱠ وﺣﻤﻞ اﻟﻘﻨﺪﻳﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﲆ اﻟﺮف ،وﺧ َﺮجَ ﻳﺘﻘﺪﻣﻨﺎ إﱃ زﻗﺎق ﺧﺎرج اﻟﺪار ،وﻫﻨﺎك ﰲ َ اﻷﺣﺮف اﻟﺰﻣﺎ ُن ،ﻓﻘﺮأﺗﻬﺎ ﺣﺎﺋﻂ ﻇﺎﻫﺮه ﻗﺪﻳﻢ ﺣﺠ ٌﺮ ﻣﻨﻘﻮش ﻓﻴﻪ »رﺷﺪ« ،وﻗﺪ ﻛﺎد ﻳﻤﺤﻮ ً ﻣﺪﻫﻮﺷﺎ ،ﻓﻬَ ﱠﺰ اﻟﺸﻴﺦ رأﺳﻪ ،وﻗﺎل :ﻻ ﺷﻚ ﻋﻨﺪي أن ﻫﺬا ﺑﻴﺖ آﻓِ ﱡﺮوس — أي اﺑﻦ رﺷﺪ — اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌ ﱢﻠﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ. واﻷﻏﻠﺐ أن ﺑﻴﺖ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف وﺑﻴﻮت ﻛﺒﺎر املﺴﻠﻤني أ ُ ِﺻﻴﺐ ﺑﻤﺎ أ ُ ِﺻﻴﺒﺖ ﺑﻪ ﻗﺼﻮر اﻟﺴﻼﻃني ،ﻓﺘﺒﻌﺜﺮت ﺣﺠﺎرﺗﻪ ،ورﺳﺎ ﰲ ذا اﻟﺠﺪار ﺑﻌﻀﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺣﺎول أن أزﻋﺰع رأي اﻟﺸﻴﺦ أو أﻓﺴﺪ ﻇﻨٍّﺎ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﻓﺨﺮ ،ﻓﻘﻠﺖ :وﻫﻞ ﻫﺬه اﻟﺪار ﻗﺪﻳﻤﺔ؟ ﻓﻘﺎل :اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻲ أﻗﺪم ﻣﺎ ﰲ اﻟﺪار ﺑﻨﺎءً ،وﻫﺬا اﻟﺤﺎﺋﻂ ﻣﻦ ﺣﻴﻄﺎﻧﻬﺎ. ﻋﺪت إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻲ ،وأﻧﺎ ﻻ أدري أﻧﻲ دُرت ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،ﻓﺪﺧﻠﺘﻬﺎ واﻟﻬﻮاﺟﺲ ﺗﻤﻠﻚ ﻧﻔﴘ وﺗﺘﺠﺎذب اﻟﻔﻜﺮ ﻣﻨﻲ .ﻧﻌﻢ ،إن ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﺗﻪ ﻟﺘﺎﻓﻪ ﺟﺪٍّا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻔﺨﺎﻣﺔ واﻟﻌﻈﻤﺔ ﰲ ﻗﺼﻮر إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ وﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻌني ﻻ ﺗﺮى ﻣﺎ ﺗﺮاه اﻟﻨﻔﺲ ،وﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﺗﺤﺴﺐ ﻟﻠﺮؤﻳﺎ ﺣﺴﺎﺑًﺎ .إن ﺛﻼﺛﺔ أﺣﺮف ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﰲ ﺣﺠﺮ ﻟ ِِﺸﺒْﻪ ﻧﺎﻓﺬة ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐرية، أرﺗﻨﻲ — ﺑﻞ ﻗ ﱠﺮﺑﺖ ﻣﻨﱢﻲ — ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ املﺠﻴﺪ. َ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ َ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﻴﺖ اﺑﻦ رﺷﺪ! ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ ،وﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ ﻋﺮﺑﻴﺔ، اﺑﻦ رﺷﺪ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ! أﺿﻐﺎث أﺣﻼم! ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺤﺠﺮ ﻣﻦ ﺣﺠﺎرة ﻗﱪ اﺑﻦ رﺷﺪ، ﻓﺎﻹﻓﺮﻧﺠﺔ ﻫﺪﻣﻮا وﺑﻌﺜﺮوا ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻮر املﺴﻠﻤني .اﻋﱰﺗﻨﻲ اﻟﺮﻋﺸﺔ ﻣﻦ ذي اﻟﺬﻛﺮى. ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل وﺟﺪت ﻧﻔﴘ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﰲ دار ﻟﻢ ﺗﺰل اﻟﺮوح اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺣﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،اﻟﺮوح اﻟﺨﺎﻟﺪة ﰲ اﻟﺸﻌﺮ وﰲ اﻟﻌﻠﻢ وﰲ اﻟﻔﻨﻮن ،اﻟﺮوح اﻟﺤﺎﻓﻠﺔ ﺑﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر ﻛﺎﺑﻦ رﺷﺪ، واﻹدرﻳﴘ ،واﺑﻦ اﻟﻌﻮام أﺑﻲ زﻛﺮﻳﺎ ،واﻟﺨﻠﻒ أﺑﻲ اﻟﻘﺎﺳﻢ ،واﺑﻦ زﻳﺪون ،واﺑﻦ اﻟﺨﻄﻴﺐ، وأﺻﺤﺎب املﻮﺷﺤﺎت. ﻫﺎ إن آﺛﺎرﻫﻢ أﻣﺴﺖ ﰲ ﻛﻞ دار ﻣﻦ دور اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ،وﻫﻢ أو أﺑﻨﺎؤﻫﻢ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ املﻌﺠﺒني ﱠ وﻟﻜﻦ ﻣُﻠ ًﻜﺎ ﺷﻴﱠﺪوه أﻣﴗ أﺛ ًﺮا ﻣﻦ اﻵﺛﺎر، ﺑﻬﻢ ،ﻓﻔﻲ ﻗﻠﺐ اﻷﻧﺪﻟﺲ روح اﻟﻌﺮب ﺧﺎﻟﺪة، وﻣﺠﺪًا أﻗﺎﻣﻮه اﺳﺘﺤﺎل ً ﻃﻠﻼ ﻣﻦ اﻷﻃﻼل ،وﻣﻌﺎﻫﺪ ﻋِ ْﻠﻢ ﱠ أﺳﺴﻮﻫﺎ ﻟﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺠﺮ ﻋﲆ 117
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
َ اﺳﺘﻘ ﱠﺮ — ﺑﻌﺪ اﻧﻔﺠﺎر ﺑﺮﻛﺎن اﻟﺘﻌﺼﺐ — ﰲ ﺣﺎﺋﻂ ﺟﺪﻳﺪ أو ﰲ ﺑﻴﺖ ﺣﻘري ﺣﺠﺮ ،إﻻ ﻣﺎ ﻣﺠﻬﻮل. ﻓﻤﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﻳﺎ ﺗُ َﺮى ﰲ ﺳﻘﻮط ذﻟﻚ املﻠﻚ اﻟﺬي ﺷﻌﱠ ﺖ أﻧﻮاره ﰲ ﻇﻠﻤﺎت أوروﺑﺎ ﻛﻨﺠﻮم اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﰲ اﻟﺪﺟﻰ؟ وﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ اﺿﻤﺤﻼل أرﻛﺎﻧﻪ وأﺻﻮﻟﻪ؟ ﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻗِ َﴫ ﻋﻬﺪه وزوال ﻣﺠﺪه؟ أﻗﻔﻠﺖ اﻟﺒﺎب وﻧﺰﻋﺖ ﺛﻴﺎﺑﻲ وأﻧﺎ ﻫﺪف ملﺜﻞ ذي اﻟﺘﺴﺎؤﻻت ،ﺛﻢ أﻃﻔﺄت اﻟﺸﻤﻌﺔ ،وﴎت ﺗﻮﺳ ُ إﱃ اﻟﴪﻳﺮ ﻣﻀﻄﺮب اﻟﻨﻔﺲ أﻋ ﱢﻠﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻮم ،وﻟﻜﻨﻲ ﱠ ﺪت اﻷرق وأن أﺳﻤﻊ ﺧﺮﻳﺮ املﺎء ﻣﻨﻌﻜﺴﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﻧﻘ ً ً ﻣﺘﻜﴪا ﻣﻦ ﺛﻘﻮب ﻄﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر اﻟﺬي دﺧﻞ ﰲ ﻓِ ﻨﺎء اﻟﺪار ،وأرى ً اﻟﺒﺎب ،وﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ ﻫﻨﻴﻬﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﺪأت ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻂ ﺗﻤﺘﺪ ،ﻓﺎﺗﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﻛﺪاﺋﺮة وﻫﻲ ﺗﺮﺗﺞ وﺗﺘﺤﺮك .ﻧﻬﻀﺖ ﻣﻦ اﻟﴪﻳﺮ ﻷرى ﻣﺎ ﰲ اﻟﺪار ،ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب وﺧﺮﺟﺖ ً ﻣﺴﺘﻜﺸﻔﺎ ،ﻓﺈذا ﻫﻨﺎك ﻣﺴﺘﻨﺒﺘﺎت اﻟﺰﻫﻮر واﻟﺸﺎذروان واﻷﻗﻔﺎص واﻟﻌﺼﺎﻓري ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺎﺋﻤﺔ، وﻻ ﻧﻮر ﻏري ﻣﺎ ﻳﺸﻊ ﻣﻦ املﺼﺒﺎح ﰲ اﻹﻳﻮان .ﻋُ ﺪت إﱃ ﻏﺮﻓﺘﻲ وأﻧﺎ أﻇﻦ أن ﻣﺎ ﺑﺪا ﱄ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﺪﻋﺔ اﻟﺒﴫ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻨﻮر ،ﺑﻌﺪ أن أﻗﻔﻠﺖ اﻟﺒﺎب ،ﻗﺪ أﺣﺎط ﺑﺎﻟﻜﺮﳼ ﻛﺎﻟﻬﺎﻟﺔ ،واﺳﺘﺤﺎل ً ً ً ً ﺟﻠﻴﻼ ﻳﺸﺒﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﺷﻴﺨﺎ ﺟﺎﻟﺴﺎ أﻣﺎﻣﻲ — ﺷﺨﺼﺎ ﻫﻴﻮﻟﻴٍّﺎ ،ﺑﻞ رأﻳﺖ — دﻓﻌﺔ واﺣﺪة اﻟﺒﻴﺖ ،إﻻ أﻧﻪ ﻻﺑﺲ ﺟﺒﺔ وﻋﻤﺎﻣﺔ. ذﻋﺮت وﻫﻤﻤﺖ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ،ﻓﺴﺎ َر َع ﻣُﻄﻤ ِﺌﻨًﺎ وﻗﺎل ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ :اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻜﻢ. ﻓﻘﻠﺖ :ورﺣﻤﺔ ﷲ وﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ،أﻳﺘﻔﻀﻞ ﺳﻴﺪي اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﺳﻤﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ؟ ﻓﻘﺎل :اﺑﻦ رﺷﺪ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻜﻢ ﺑﺎﻟﺨري وﻃﻮل اﻟﺒﻘﺎء. – أﺑﻮ اﻟﻮﻟﻴﺪ؟ – ﺑﻌﻴﻨﻪ. ُ اﺳﺘﺤﻘﻘﺖ ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻜﻢ ذي اﻟﺰﻳﺎرة؟ – وﻟِ َﻢ ُ َ ﻓﺠﺌﺖ أﺟﻠﻮ ﻓﻜﺮ َك وأﺟﻴﺐ ﺳﺆاﻟ َﻚ. وﺳﺄﻟﺖ، – ﻓ ﱠﻜ ْﺮ َت ﻳﺎ رﻳﺤﺎﻧﻲ – ﻏﻤﺮﺗﻨﻲ وﷲ ﺑﻔﻀﻠﻚ. ُ وﻟﺴﺖ اﻟﻴﻮم ﻣﻨﻬﻢ. – اﻟﻔﻀﻞ ﻟﺬوﻳﻪ أرﺑﺎب اﻟﻔﻜﺮ واﻟﺮؤﻳﺎ، ﻗﺎل ذﻟﻚ وﻫﻮ ﻳﻬﺰ رأﺳﻪ ﻛﻤَ ﻦ ﺗﺆملﻪ اﻟﺬﻛﺮى. – وﻟﻜﻦ َزﻳْﺘﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ﻟﻢ ﻳَ َﺰ ْل ﻳﺸﺘﻌﻞ ﰲ ﻣﺼﺎﺑﻴﺤﻬﻢ. – ﻧﻌﻢ ،ﰲ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ﻻ اﻟﻌﺮب ،واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ أن ﻗﺪ اﻣﺘ َﺰجَ ﺑﺰﻳﺘﻨﺎ ﻛﺜريٌ ُﺤﺴﻦ اﻟﻌﺮب ﺗﺼﻔﻴﺘﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ .أﺟﻞ ،ﻗﺪ ﺧﺎ َﻟ َ ﻣﻦ املﺎء ،وﻟﻢ ﻳ ِ ﻂ ﻋﻠﻮﻣﻨﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ 118
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ً ﺷﻔﺎﻓﺎ ﺑﺎﻫ ًﺮا اﻟﺨﺮاﻓﺎت واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻷوﻫﺎم ،ﻧﻈﺮﻧﺎ إﱃ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺧﻼل ﺳﺘﺎر ﻫﻮ اﻹﺳﻼم ،ﻛﺎن ﰲ اﻷﺣﺎﻳني ﻛﺤﺎﻟﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻋﻬﺪ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮﻳني ،ﻓﱰاءت ﻟﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻜﻮن، ٌ ﻏﺎﻣﺾ أو ﻣﻘﻄﻊ ،ﻓﺎﺳﺘﺨﺪﻣﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ وأﻫﻤﻠﻨﺎ أﺷﻴﺎء ﺟُ ﱢﲇ ﱠ ﺑﻌﻀﻬﺎ وﺑﻌﻀﻬﺎ ً ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ أﻫﻤﻠﻨﺎً ، ﺟﻬﻼ ،ﻣﺎ ﺧﺎﻟﻒ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻦ .ﻻ ﻳﺨﺪﻋﻨﻚ ﻣﺎ ﺗﻘﺮؤه ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻛﺮﻫﺎ أو ﻋﻦ ﺗﺴﺎﻫﻞ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ وﺣﻠﻤﻬﻢ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ — ﻣﺎ ﺧﻼ اﺛﻨني أو ﺛﻼﺛﺔ — آﺛﺮوا املﻠﻚ ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ ،واﻟﺴﻴﺎدة املﻄﻠﻘﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻌﺪل .ﻛﺎن أﻛﺜﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺸﻌﺮاء ﻳﺄﺗﻤﺮون ً ﻧﺎﻗﺼﺎ ،ﺑﻞ ﻣﺰﻳﺠً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺨﺮاﻓﺔ واﻟﺨﻴﺎل، ﺑﺄﻣﺮﻫﻢ وﻳﺘﺰﻟﻔﻮن إﻟﻴﻬﻢ ،ﻓﺠﺎء ﻋﻠﻤﻬﻢ ً ﻣﻜﺮوﻫﺎ ،ﻓﺠﺎ َرى ودا َرى اﺗﻘﺎء ﺳﻴﺎدة ﻣﻄﻠﻘﺔ ،ﺟﺎﺋﺮة ،ﻋﻤﻴﺎء. وﻛﺎن اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ وﻻ ﺷﻚ أﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ إﺣﺮاق اﻟﻜﺘﺐ ﰲ ﻫﺬه املﺪﻳﻨﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ املﻨﺼﻮر ،ﺛﻢ ﰲ ﻋﻬﺪ أوﻟﺌﻚ اﻟﱪاﺑﺮة املﺮاﺑﻄني ،ﺣﺘﻰ إن أﺣﺪ ﻗﻀﺎة ﻗﺮﻃﺒﺔ أﺻﺪر ﻓﺘﻮاه ﺑﺈﺣﺮاق ﻛﺘﺐ اﻟﻐﺰاﱄ، وﺣ ﱠﺮ َم ﻗﺮاءة »إﺣﻴﺎء ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ« ،ﻣﻊ أن اﻟﻐﺰاﱄ ﻣﻦ أﻛﱪ امل ﱠﺰاﺟني .ﻫﺬا أﺣﺪ اﻷﺳﺒﺎب ﰲ ﺳﻘﻮط املﻠﻚ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ. وﻫﻨﺎك أﺳﺒﺎب أﺧﺮى ،ﻓﺎذﻛﺮ — رﻋﺎك ﷲ — أن ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻔﺘﺢ؛ أي ﺣﺘﻰ ﻣﺠﻲء ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷﻣﻮي ،ﻛﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﰲ اﻟﺸﺎم ﱢ ﻳﻌني ﻋﺎﻣﻠﻪ ﻋﲆ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺣﻴﻨًﺎ وﺣﻴﻨًﺎ ﻳ ُِﺠﻴﺰ ﻟﻮاﱄ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ أن ﱢ ﻳﻌني ﻣَ ﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻪ ،ﻓﻜﺎن اﻟﻌﺎﻣﻞ ﺗﺎر ًة ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻧﻔﺴﻪ ،وﺗﺎر ًة ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ واﻟﻴﻪ ﰲ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،وأﺧﺮى ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻣﻞ ﱢ ﻳﻌني ﻧﻔﺴﻪ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻣ ﱠﻜ َﻦ ﰲ اﻟﻄﺎﻣﻌني ﺑﺎملﻠﻚ روح اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ 2أو اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ،وﻫﻲ ﺟﺮﺛﻮﻣﺔ ﺧﻄﻞ ﺟﺎءت ﻣﻦ اﻟﺸﺎم ،ﻓﻨﺨﺮت ﰲ ﻋﺮش اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﺰﻋﺰﻋﺘﻪ ،ﺛﻢ ﻫﺪﻣﺘﻪ ،ﻓﻼ اﻟﺪﻳﻦ وﻻ اﻟﻠﻐﺔ وﻻ اﻟﺨﻄﻮب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ أزاﻟﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ أو ﻟ ﱠ ﻄﻔﺖ ﰲ اﻷﻗﻞ ﺳﻮرﺗﻬﺎ .وﻗﺪ ﻛﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ﻧﻈﻦ أن ﻻ ﺧري ﰲ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﺪﻳﻦ رﻛﻨًﺎ ﻣﻦ أرﻛﺎﻧﻬﺎ ،ﻻ ﺧري ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺸﻌﺐ ﻧﺎﻫﺾ ﻧﺸﻴﻂ ﻃﺎﻣﻊ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎدة واﻻﺳﺘﻴﻼء ،وﻟﻜﻦ ﻧﻌﻠﻢ اﻟﻴﻮم أن اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻛﺎﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺗﻮ ﱢﻟﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺮوح املﺤﺪودة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮى — ﰲ ﻏري ﺷﺌﻮﻧﻬﺎ وﰲ ﻏري ﻋﺎداﺗﻬﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ ،ﰲ ﻏري داﺋﺮﺗﻬﺎ اﻟﻀﻴﻘﺔ اﻟﺼﻐرية — ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻏري اﻻزدراء واﻟﻜﺮه واﻟﺬم واﻻﺿﻄﻬﺎد؛ ﻓﻼ ﺧري ً ً ﺟﻨﺴﻴﺔ. دﻳﻨﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ أو ﰲ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ – وﻫﻞ ﻳﺮى ﺳﻴﺪي اﻷﺳﺘﺎذ ﺧريًا ﰲ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻛﱪى ﺗﺠﻤﻊ ﻋﺼﺒﻴﺎت أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎﻃﻘني ﺑﺎﻟﻀﺎد ً ﻣﺜﻼ؟ 2ﻳﺮﻳﺪ اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ أو اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ )اﻟﻨﺎﴍ(. 119
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
– إذا ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨًﺎ ﻓﻬﻮ ﻏري ﻣﺴﺘﺤﺴﻦ اﻟﻴﻮم وﻏري ﻣﻔﻴﺪ ،ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﴬ؛ ﻓﻔﻲ ﺿﺨﺎﻣﺔ املﻠﻚ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﺳﺘﺒﺪاد — ﻗﺎ ِﺑ ْﻞ ﺑني ﺣﻜﻢ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ وﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس ً ﻣﺜﻼ — وﰲ اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﺟﻬﻞ ،وﰲ اﻟﺠﻬﻞ ﺣﻴﻒ ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻠﻤﺎء؛ ذﻟﻚ ﻷن اﻟﻌﺮب ﺑﻞ املﺴﻠﻤني ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﰲ داﺋﺮة ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺿﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﺨﱰق اﻟﻨﻮر ﺣﺪودﻫﺎ اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ،وأﻣريﻫﻢ اﻟﻌﺎﻟِﻢ ﻻ ُﺮﴈ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وأﻣريﻫﻢ اﻟﺠﺎﻫﻞ ﻻ ﻳ ِ ﻳ ِ ُﺮﴈ اﻟﺨﺎﺻﺔ املﻔﻜﺮة ،ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺤﻜﻢ إﻻ ﺑﺎﻟﻘﻮة، واﻟﻘﻮة ﻋﻴﺐ ﻗﺒﻴﺢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن3 . ﱢ ﺑﺎﻟﱰﻗﻲ واﻟﺘﻤﺪﱡن؟ – وﻫﻞ ﻟﻌﺮب اﻟﺠﺰﻳﺮة أﻣﻞ – ﻻ أﻣﻞ ﻣﺎ داﻣﺖ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ أﺳﺎس أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ؛ ﻓﺎﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷﺳﺒﺎب ﰲ ﺳﻘﻮط اﻟﻌﺮب ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ وﰲ اﻟﺸﺎم وﰲ اﻟﻌﺮاق وﰲ اﻟﻬﻨﺪ .ﻗﺪ ﺟﺎءوا ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ً ﻣﺜﻼ وﻣﻌﻬﻢ ﻧﺰﻋﺎﺗﻬﻢ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ واملﴬﻳﺔ واﻟﻘﻴﺴﻴﺔ واﻟﺸﺎﻣﻴﺔ ،وﻣﺎ ﻣ ﱠﺮ ﻋﴩون ﺳﻨﺔ ﺣﺘﻰ اﺷﺘﻌﻠﺖ اﻟﺤﺮب ﺑني ﻗﺤﻄﺎن وﻣﴬ ،وﻛﺎﻧﺖ أول ﺣﺮب أﻫﻠﻴﺔ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وأﺧﺬت ﻫﺬه اﻟﺮوح اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺗﻤﺘﺪ ﺑﺎﻣﺘﺪاد املﻠﻚ ،ﻓﻜﺎن ﻣﻠ ًﻜﺎ واﻫﻴًﺎ ﻣﺘﺰﻋﺰﻋً ﺎ .ﻟﻘﺪ ﺗﻔ ﱠﻜ َﻜ ْﺖ أوﺻﺎﻟﻪ ،ﻓﻜﺎن ﰲ »املﺮﻳﺔ« آﺧﺮ ،وﰲ »ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ« ﺳﻠﻄﺎنَ ، ﻣﻠﻚ ،وﰲ »ﻣﺮﺳﻴﺎ« َ وآﺧﺮ ﰲ »إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ« ،وﻫﻢ ﻳﺘﻘﺎﻃﻌﻮن وﻳﺘﻄﺎﺣﻨﻮن ،ﻓﺠﺎء ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔني اﻟﱪﺑﺮي ،ﻓﺎﻏﺘﻨﻢ ﻓﺮﺻﺔ ﺧﻼﻓﻬﻢ وﻧﺰاﻋﻬﻢ َ ﻓﺴﺎدَ، ﺛﻢ اﻋﱰى ﻗﻮم ﻳﻮﺳﻒ ﻣﺎ اﻋﱰى ﺳﻠﻔﺎءه ،ﻓﺘﻌﺎون اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺘﻐ ﱠﻠﺒﻮا وﺳﺎدوا .ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﰲ دوﻟﺔ املﻐﻮل ﰲ اﻟﻬﻨﺪ ،ﻓﺈن ﻧﺰﻋﺎﺗﻬﻢ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺗﻐ ﱠﻠﺒ َْﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﻤﻬﱠ ِ ﺪت اﻟﺴﺒﻴ َﻞ ﻟﺘﻐ ﱡﻠﺐ أﻣﺮاء اﻟﻬﻨﺪ ﻋﲆ ﻣﻠﻜﻬﻢ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﻘﺼري اﻟﻌﻬﺪ. ً ﻓﻀﻼ ﻻ ﻳُﻨ َﻜﺮْ ، وإن ﺑﺎ َﻟ َﻎ اﻟﻨﺎس ﺑﺬﻛﺮه، وأﻃﺮق اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ ﺛﻢ ﻗﺎل :إن ﻟﻠﻌﺮب وﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘﻚ ﺗﺴﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻚ ﺳﺆاﻻت ﻳُﺸﺘَ ﱡﻢ ﻣﻨﻬﺎ إﻧﻜﺎر ﻫﺬا اﻟﻔﻀﻞ .أﻧﺖ ﻣ ُِﺼﻴﺐ ﰲ ﻗﻮﻟﻚ: إن ﻧﺒﻮغ اﻟﻌﺮب ﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻳﺜﻤﺮ إﻻ إذا اﺣﺘ ﱠﻚ ﺑﻨﺒﻮغ ﻏريه ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب .وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻜﺎك ﻟﻢ ﻳﺬﻫﺐ ﺑﻤﻴﺰة اﻟﻨﺒﻮغ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺑﻞ أﻇﻬﺮﻫﺎ ﻗﻮﻳﺔ ﱢ ﻧرية ﻣﺸﻌﺸﻌﺔ ،أﺧﻔﺖ ﰲ ﻧﻮرﻫﺎ ﱡ اﻟﺘﻮﻫﺞ ،ﺟﻤﻴﻞ اﻷﺷﻌﺔ ،ﴎﻳﻊ اﻻﻧﻄﻔﺎء، اﻟﺒﺎﻫﺮ ﻣﻴﺰة اﻟﻨﺒﻮغ اﻷﺟﻨﺒﻲ ،وﻧﻮر اﻟﻌﺮب ﺷﺪﻳﺪ واﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أو ﻣﻴﺰة اﻟﻨﺒﻮغ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮب ﺛﺎﺑﺘﺔ ﰲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت واﻟﻔﻨﻮن .ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻟﻠﺮوﻣﺎن ﻓﻀﻞ ﰲ ﺗَﺪْﻣﺮ ،وﻟﺒﺰﻧﻄﻴﺔ ﻓﻀﻞ ﰲ اﻟﺸﺎم ،وﻟﺒﻨﻲ ﺳﺎﺳﺎن واﻟﱪاﻣﻜﺔ ﻓﻀﻞ ﰲ ﺑﻐﺪاد ،وﻟﻠﻔﺮﻧﺠﺔ ﻓﻀﻞ ﰲ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،وﻟﻠﻬﻨﻮد ﻓﻀﻞ ﰲ ﻛﺎﺑﻮل؛ ﻓﺬﻟﻚ ﻷن اﻟﻨﺒﻮغ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻌﺚ 3ﻛﺎﻧﺖ املﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﺤ ﱡﺮر ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ،ﻋﲆ أن ﰲ ﻋﺒﺎرة املﺆﻟﻒ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ )اﻟﻨﺎﴍ(. 120
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻣﺎ دُﻓِ ﻦ ﻣﻦ ﻋﻠﻮﻣﻬﻢ وﻓﻨﻮﻧﻬﻢ ،ﻓﺄﺿﺎءﻫﺎ وأﺣﻴﺎﻫﺎ ،وأﻋﺎد إﱃ ﻣﺪﻧﻴﺎﺗﻬﻢ ﻣﺠﺪﻫﺎ ،وﻗﺪ ﺗَﺠَ ْﻠﺒَﺐَ ﺟﻠﺒﺎﺑًﺎ ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ ﻓﺨﻴﻤً ﺎ .إن اﻟﻨﺒﻮغ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﺳﺘﻮﱃ ﰲ املﺎﴈ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻮغ اﻷﺟﻨﺒﻲ ،ﻓﺎﺳﺘﺨﺪﻣﻪ واﻧﺘﻔﻊ ﺑﻪ ،وﻫﻮ اﻟﻴﻮم واﻗﻒ ﺑني ﻗﻮات ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻮغ اﻷوروﺑﻲ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻗﺘﺤﺎﻣﻬﺎ. – وﻫﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻬﺎ ﻣﻊ ﺣﻔﻆ املﻴﺰة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻴﻪ؟ – ﻧﻌﻢ ،إذا ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻳﺪرﻛﻮن أﺳﺒﺎب ﺳﻘﻮﻃﻬﻢ ﰲ املﺎﴈ ﻓﻴﺘﻘﻮﻧﻬﺎ. – وﻫﻞ ﻟﺴﻴﺪي اﻟﺸﻴﺦ أن ﻳﺬﻛﺮ ﻏري ﻣﺎ ذﻛﺮ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺴﻘﻮط؟ – ﻗﺪ أﴍت إﱃ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﻓﺄزﻳﺪك إﻳﻀﺎﺣً ﺎ ،واﻋﻠﻢ رﻋﺎك ﷲ أﻧﻲ أﺗﻜﻠﻢ اﻵن ﻣﺴﻠﻤً ﺎْ ، وإن ﻛﻨﱠﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎﻟﺪ ﻣﺠ ﱠﺮدﻳﻦ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ ﺻﺒﻐﺎت اﻷدﻳﺎن ﻛﻠﻬﺎ ،أﺗﻜﻠﻢ اﻵن ﻣﺴﻠﻤً ﺎ؛ ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أزل أذﻛﺮ اﻟﻘﻮم اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن اﻟﺠﺴﺪ ﻣﻨﻬﻢ ،وأﻗﺎم ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﱰة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن، وﻟﻢ أزل أﻧﻈﺮ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﻤَ ﻦ ﻳﻨﻈﺮ إﱃ ﺧﻴﺎل اﻟﺤﺒﻴﺐ ﰲ ﺑﺤرية اﻟﺬﻛﺮى. ُ ﻋﺪت اﻟﻴﻮم إﱃ اﻟﺤﺒﻴﺐ ،ﻓﻼ أﻇﻨﻨﻲ أﻛﻮن ﻣﻦ اﻟﺮاﻏﺒني ﻓﻴﻪ املﻌﺠﺒني ﺑﻪ .ﻻ ﻋﲆ أﻧﻲ ﻟﻮ ﻳُﺪﻫﺸﻨﱠﻚ ﻣﺎ أﻗﻮل؛ ﻓﺈن اﻻﺳﻼم اﻟﻴﻮم ﻟﻢ ﻳَ َﺰ ْل ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻮم ُ ﻛﻨﺖ أﻋ ﱢﻠﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،إﺳﻼﻣً ﺎ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ وﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ وﰲ اﻻﺟﺘﻤﺎع .إن اﻟﻨﺒﻲ أول ﻣَ ﻦ ﺷﺎد اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻷرﻛﺎن اﻟﺜﻼﺛﺔ ،ﻟﻜﻦ ﺧﻠﻔﺎءه أﺳﺎءوا اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل ،ﻓﻜﺎن ﱠ أن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ رﻓﻊ ﺻﻮﻟﺠﺎﻧﻪ ﻓﻮق اﻷرض وﻣﺪه إﱃ اﻟﺴﻤﻮات ،وﰲ اﻟﺠﻤﻊ ﺑني اﻟﺴﻠﻄﺘني اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ إﻓﺴﺎد ﻟﻼﺛﻨني ،وﻫﺬا اﻟﺨﻠﻂ ﰲ اﻷﺣﻜﺎم ﻣﺜﻞ اﻟﺨﻠﻂ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم ،ﻳﺒﺪو اﻟﻘﺒﻴﺢ ﻓﻴﻪ ً أوﻻ ﻓﻴﻨﻤﻮ ﴎﻳﻌً ﺎ ﻓﻴﻔﺴﺪ اﻟﺼﺤﻴﺢ ،وﻟﻮ ُﺳﺌﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﰲ ذا اﻟﺨﻠﻂ ملﺎ ﻛﺎن ﻋﻨﻪ اﻟﻴﻮم راﺿﻴًﺎ. ً ﺧﻼﺻﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻣﻦ ﺷﻜﻠﻴﺎت اﻷدﻳﺎن – وﻫﻞ ﻳﺮى ﺳﻴﺪﻧﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﰲ ﺟﻮﻫﺮ اﻟﺪﻳﻦ وﺳﻴﺎدات اﻟﺪﻧﻴﺎ؟ – إن ﻧﻈﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺤﺪود ،ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻈﺮ اﻷرواح ،ﻋﲆ أن آﻓﺎﻗﻨﺎ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل أوﺳﻊ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ آﻓﺎق اﻷﺣﻴﺎء ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺎﻟﺤني املﻘﺮﺑني ﻣﻨﻬﻢ؛ ﻓﺎملﺴﺎﻓﺔ ﺑني ﺟﺮم َ وآﺧﺮ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻛﺎﻟﻔﺮﺳﺦ ً ﻣﺜﻼ ﻋﻨﺪﻛﻢ .وﻳﺼﺢ ﻫﺬا اﻟﻘﻴﺎس ﰲ املﻌﻨﻮﻳﺎت ً ً إﺟﺎﺑﺔ ﻟﺴﺆاﻟﻚ :إن ﻛﻞ أﻳﻀﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ أﻗﻮل، ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎع واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺪﻳﻦ ،إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﻨﺎﻣﻮس اﻟﺘﻄﻮر واﻟﺘﺤﻮل ،ﻧﺎﻣﻮس اﻟﻨﺸﻮء واﻻرﺗﻘﺎء ،وﻫﺬا اﻟﻨﺎﻣﻮس ﺻﺤﻴﺢ ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺎت وﰲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎت وﰲ اﻟﺮوﺣﻴﺎت ً أﻳﻀﺎ ،ﺻﺤﻴﺢ ﻋﲆ ﻗﺪر ﻣﺎ ﻧﺮى اﻵن .وﻗﺪ ﻳﺴﻠﻚ ﺑﻨﻮ أﻟﻔﺎ ﺑﻞ ً اﻷرض وﻛﻞ ﺣﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﺒﻴﻠﻪ ً أﻟﻮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻨني ،ﻓﻴﺼﻠﻮن إذ ذاك إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﺴﺒﻴﻞ وﻳﺒﺘﺪئ ﺳﺒﻴﻞ َ آﺧﺮ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن أوﺳﻊ ﻣﻨﻪ وأﻃﻮل .إن ﷲ ﻻ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﺴﻜﺎن اﻷرض ً ﻣﻮاﻓﻘﺎ ﻟﺤﺎل اﻹﻧﺴﺎن املﺎدﻳﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ ،واﻟﻜﺸﻒ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﴎار اﻟﻮﺟﻮد إﻻ ﻣﺎ ﻛﺎن 121
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺮﻗﻲ ﰲ اﻟﺤﺎﻟني .إﻧﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﻣﻘﻴﻢ اﻟﺤﺪود وﻋﺎﻟﻢ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻳﻘﺪﱢم ﻟﻜﻢ ﰲ اﻷرض ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﺒﻪ إﻻ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ﻫﻀﻤﻪ واﻗﺘﺒﺎﺳﻪ ،ﻓﻠﻮ أُﻋﻠِﻤﺘﻢ ً ﻣﺜﻼ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺣﺎل اﻟﺒﴩ ﺑﻌﺪ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ،ملﺎ ﻛﻨﺘﻢ ﺑﺬا اﻟﻌﻠﻢ راﺿني؛ ﻷﻧﻪ إذا أُﻧ ِﺒﺌﺘﻢ ﺑﺤﺎل أﺣﺴﻦ ﻛﺮﻫﺘﻢ ﻣﺎ أﻧﺘﻢ ﻓﻴﻪ ،وإذا أُﻧ ِﺒﺌﺘﻢ ﺑﺴﻮء املﺴﺘﻘﺒﻞ أﺳﺄﺗﻢ إﱃ اﻟﺤﺎﴐ ﺑﺎﺳﱰﺳﺎﻟﻜﻢ إﱃ اﻟﺸﻬﻮات واﻟﻠﺬات، ﻓﺘﻔﺴﺪون ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﻠﺘﻬﺎ .وﺣﺎﻟﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻷرواح ﺷﺒﻴﻪ ﻧﻮﻋً ﺎ ﺑﺤﺎﻟﻜﻢ ،إﻻ أن ﺣﺪود اﻹدراك ﻋﻨﺪﻧﺎ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺣﺪودﻛﻢ؛ ﻟﺬﻟﻚ أﻗﻮل إن ﻧﺎﻣﻮس اﻟﻨﺸﻮء واﻻرﺗﻘﺎء اﻟﻴﻮم أﻣﺎﻣﻜﻢ وﺣﻮﻟﻜﻢ وﻓﻮﻗﻜﻢ وﻓﻴﻜﻢ ،ﻓﺎدرﺳﻮه واﻓﻘﻬﻮه واﻧﺘﻔﻌﻮا ﺑﻪ ،وﻻ ﺗﻤﺪوا أﻳﺪﻳﻜﻢ إﱃ ﺳﺘﺎر اﻷﴎار إذا رأﻳﺘﻤﻮه ﻳﺘﺤﺮك ،ﺑﻞ ﻛﻮﻧﻮا ﻣﺘﻴﻘﻈني ﻣﺘﺒﴫﻳﻦ ،راﻏﺒني ﺑﻜﻞ ﻣﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﻟﻮﺟﻮد ،ﺗﺎﺋﻘني إﻟﻴﻬﺎ ،واﻧﺒﺬوا ﻣﻦ ﺛﻤﺎر اﻟﺒﺎرح ﻣﺎ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻤﺎﺋﺪة اﻟﻴﻮم. ً دﻓﻌﺔ واﺣﺪة ،إﻻ ﻧﻘ ً ﻄﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻬﺘﺰ ﻓﻮق ﻛﺮﳼ وﻣﺎ ﻛﺎد ﻳ ُِﻨﻬﻲ ﻛﻼﻣﻪ ﺣﺘﻰ زال اﻟﻨﻮر ﻓﺎرغ ،وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻋﲆ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺧﻼل اﻟﺜﻘﻮب ﰲ اﻟﺒﺎب.
122
ﻻﺋﺤﺔ ﺗﺎرﳜﻴﺔ
ﺑﺎﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﺣﻜﺎﻣﻬﺎ اﻟﻌﺮب واﻟﱪﺑﺮ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﻨﺬ اﻟﻔﺘﺢ )٧١٢م( إﱃ ﺳﻘﻮط ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ).(١٤٩٢ اﻟﻌﻤﺎل :ﻋﺪدﻫﻢ اﺛﻨﺎن وﻋﴩون ،أوﻟﻬﻢ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﻳﺎد ﺳﻨﺔ )٩٢ﻫ٧١٢/م( ،وآﺧِ ﺮﻫﻢ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻔﻬﺮي ﺳﻨﺔ )١٣٨ﻫ٧٥٦/م(1 . اﻷﻣﻮﻳﻮن :ﻋﺪدﻫﻢ ﻋﴩون ،أوﻟﻬﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﱠ املﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ ،وآﺧِ ﺮﻫﻢ ﻫﺸﺎم اﻟﺜﺎﻟﺚ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮاﺑﻊ ﺳﻨﺔ :ﻣﻦ ١٣٨ﻫ إﱃ ٤٢٢ﻫ ،أي ﻣﻦ ٧٥٦م إﱃ .١٠٣١ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ :ﻋﺪدﻫﻢ ﺧﻤﺲ وﻋﴩون ،وأﺟﺪر ﺗﻠﻚ اﻹﻣﺎرات ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ إﺷﺒﻴﻠﻴﺔ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺎد، وﻋﺪد أﻣﺮاﺋﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﻻ ﻏري ،اﻟﻘﺎﴈ املﺆﺳﺲ واﺑﻨﻪ املﻌﺘﻀﺪ ،وﺣﻔﻴﺪه املﻌﺘﻤﺪ ،ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ٤١٤ﻫ إﱃ ﺳﻨﺔ ،٤٨٤أي ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٠٢٤م إﱃ ﺳﻨﺔ .١٠٩٢ املﺮاﺑﻄﻮن :ﻋﺪدﻫﻢ ﺳﺘﺔ ،أوﻟﻬﻢ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔني ،وآﺧِ ﺮﻫﻢ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻏﺎﻓﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ٤٨٣ﻫ إﱃ ﺳﻨﺔ ،٥٤٣أي ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٠٩١م إﱃ ﺳﻨﺔ .١١٤٩ املﻮﺣﺪون :ﻋﺪدﻫﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﴩ ،أوﻟﻬﻢ ﻋﺒﺪ املﺆﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﲇ ،وآﺧِ ﺮﻫﻢ أﺑﻮ اﻟﻌﻼء اﻟﻮاﺛﻖ ،ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ٥٤١ﻫ إﱃ ﺳﻨﺔ ،٦٦٧أي ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١١٤٧م إﱃ ﺳﻨﺔ .١٢٦٩
1ﻛﺎن ﻋﺎﻣﻞ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑﺪﻣﺸﻖ ﱢ ﻳﻌني اﻟﻌﻤﱠ ﺎل ﻋﲆ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﰲ ﺑﺪء اﻷﻣﺮ ،ﺛﻢ ﺻﺎر اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻌﻴﱢﻨﻬﻢ ،ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﻣﺜﻞ ﻋﻤﱠ ﺎل إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄني ﺑﺪﻳﻮاﻧﻪ املﻠﻜﻲ.
ﻧﻮر اﻷﻧﺪﻟﺲ
اﻟﻨﴫﻳﻮن :ﻋﺪدﻫﻢ واﺣﺪ وﻋﴩون ،أوﻟﻬﻢ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻧﴫ ﱠ املﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻐﺎﻟﺐ ،وآﺧِ ﺮﻫﻢ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ ،ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ٦٢٩ﻫ إﱃ ﺳﻨﺔ ،٨٩٧أي ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٢٣٢م إﱃ ﺳﻨﺔ .١٤٩٢
124