اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﺗﺄﻟﻴﻒ وﻳﻠﻴﺎم ﺳﺘﺎﻧﲇ ﺟﻴﻔﻮﻧﺲ
ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﲇ أﺑﻮ اﻟﻔﺘﻮح ﻛﺎﻣﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﻧﻮر اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺴﻌﻮد
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
A Primer on Political Economy
وﻳﻠﻴﺎم ﺳﺘﺎﻧﲇ ﺟﻴﻔﻮﻧﺲ
William Stanley Jevons
رﻗﻢ إﻳﺪاع ٢٠١٤ / ٢٢٢٧٧ ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٧٦٨ ٢٠٢ ٢ : ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ٨٨٦٢ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ ٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org : ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :ﺧﺎﻟﺪ املﻠﻴﺠﻲ. ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺼﻮرة وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ملﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻷﺧﺮى ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. Cover Artwork and Design Copyright © 2015 Hindawi Foundation for Education and Culture. All other rights related to this work are in the public domain.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ
9 19 27 37 47 53 57 65 77 85 93 101 107 113 121 125 131
ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻧﺤﻤﺪك اﻟﻠﻬﻢ ﻋﲆ آﻻﺋﻚ ،وﻧﺼﲇ وﻧﺴﻠﻢ ﻋﲆ رﺳﻠﻚ وأﻧﺒﻴﺎﺋﻚ. وﺑﻌﺪ ،ﻓﻼ ﻳﺨﻔﻰ أن اﺳﺘﻮاء ﺧﺪﻳﻮﻧﺎ اﻷﻋﻈﻢ وداورﻳﻨﺎ اﻷﻓﺨﻢ ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ ﺑﺎﺷﺎ دور ﺟﺪﻳ ٍﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺪم ﻋﲆ اﻷرﻳﻜﺔ اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ ﻛﺎن ﻋﻨﻮاﻧًﺎ ﻋﲆ دﺧﻮل اﻟﺒﻼد املﴫﻳﺔ ﰲ ٍ ﺗﻤﺾ أﻳﺎ ٌم ﻗﻼﺋ ُﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺠﻠﻮس اﻟﺠﻠﻴﻞ ﺣﺘﻰ ﻧﺸﻄﺖ اﻟﻬﻤﻢ ﻣﻦ ﻛﺒﻮﺗﻬﺎ، واﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ ،وﻟﻢ ِ وﻫﺒﱠﺖ املﺪارك ﻣﻦ ﻏﻔﻮﺗﻬﺎ ،وﺑﺮزت اﻟﻨﻬﻀﺔ املﴫﻳﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﻦ وراء اﻟﺤﺠﺎب اﻟﺬي أﺳﺪﻟﺘﻪ دوﻧﻬﺎ ﺣﻮادث اﻟﺪﻫﺮ ،واﻧﺒﺜﺖ روح اﻟﻨﺸﺎط واﻟﺤﻤﻴﺔ ﰲ ﻗﻠﺐ اﻟﻨﺸﺄة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻬﻀﺔ ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ إﱃ ﻋﻤﻞ املﴩوﻋﺎت اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﰲ اﻟﻌﺎدة داﻟﺔ ﻋﲆ أﻣﻴﺎل ﻣﻠﻴﻚ اﻟﺒﻼد واﻟﻘﺎﺑﺾ ﻋﲆ أزﻣﱠ ﺔ اﻟﻌﺒﺎد؛ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣَ ْﻦ أﻧﺸﺄ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣَ ْﻦ أ ﱠﻟﻒ اﻟﻜﺘﺐ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم وأذاﻋﻬﺎ ﺑني اﻟﻌﻤﻮم ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﻓﺎد اﻟﻮﻃﻦ ﺑﻐﺮﻳﺐ اﻻﺧﱰاع ﻓﺎﺳﺘﺤﻖ اﻟﺘﻌﻀﻴﺪ ﻣﻦ وﱄ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻋﲆ ﻗﻠﻮب اﻷﻣﺔ ،وﻣﻨﻬﻢ ،وﻣﻨﻬﻢ ،ﻣَ ْﻦ ﻳﻀﻴﻖ دون ﺣﴫ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ املﻘﺎم. ُ وﺣﻴﺚ ﻛﻨﺎ ﻣﻦ أﻓﺮاد ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺸﺄة أﺗﻴﺢَ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻌ ﱢﺮب ﻫﺬا املﺆﻟﻒ اﻟﺠﻠﻴﻞ ،وﻧﱪزه ﻣﻦ ً ﻣﺆﻟﻔﺎ ﻣﻦ املﺆﻟﻔﺎت ﺧﻠﻒ ﺳﺘﺎر اﻟﻠﻐﺔ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺑﺤﻠﻴﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻫﻮ واﺣ ٌﺪ ﻣﻦ ٣٥ ً وﻧﻘﻼ ملﺎ ﻧُﻘِ َﻞ اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ،أﺧﺬﻧﺎ ﻋﲆ ﻋﻬﺪﺗﻨﺎ ﻧﻘﻠﻬﺎ إﱃ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﴩﻳﻔﺔ؛ اﺳﱰدادًا ملﺎ ُﺳﻠِﺐَ ﻣﻨﱠﺎ
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻋﻨﱠﺎ ،وﻧﺤﻦ وﻻ ﺷ ﱠﻚ ﻟﻢ ﻧﻘﺪم ﻋﲆ ﺗﺤﻤﻞ أﻋﺒﺎء ﻫﺬا املﴩوع ﱠإﻻ ملﺎ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﰲ ﺷﻴﻢ إﺧﻮاﻧﻨﺎ اﻟﻜﺮام ﻣﻦ اﻟﺘﻐﺎﴈ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﺠﺪوﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻞ وﻣﻮاﺿﻊ اﻟﺰﻟﻞ ،ﻓﻤﺎ ﰲ ﻃﺎﻗﺘﻨﺎ ﺑﺬﻟﻨﺎه ،وﻻ ﻳﻜﻠﻒ ﷲ ً ﻧﻔﺴﺎ ﱠإﻻ وﺳﻌﻬﺎ. ﻋﲇ أﺑﻮ اﻟﻔﺘﻮح ﻛﺎﻣﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﻧﻮراﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺴﻌﻮد
8
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
) (1ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ؟ ﻫﻮ ﻋﻠ ٌﻢ ﻳﺒﺤﺚ ﰲ ﺛﻮرة اﻟﺸﻌﻮب واﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔ أﻣﱠ ٍﺔ ﻓﻮق ﻣﺮﺗﺒﺔ أﻣﱠ ٍﺔ أﺧﺮى ﰲ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ ،واﻟﻐﺮض ﻣﻨﻪ اﻹرﺷﺎد إﱃ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ؛ ﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻋﺪد اﻟﻔﻘﺮاء واملﺴﺎﻛني ﺑﻘﺪر اﻟﻄﺎﻗﺔ ،وإﻳﻘﺎف ﻛ ﱢﻞ واﺣ ٍﺪ ﻋﲆ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻪ إﱃ اﻗﺘﻄﺎف ﺛﻤﺎر ﻋﻤﻠﻪ .وﻻ ﻣﺮاء ﰲ أﻧﻪ ﺗﻮﺟﺪ ﻋﻠﻮ ٌم أﺧﺮى ﺗﺮﻣﻲ إﱃ ﻫﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻛﻌﻠﻢ اﻵﻻت؛ إذ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻪ ﻧﻬﺘﺪي إﱃ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻘﻮة وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﴫف ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ إﺑﺮاز ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻷﻋﻤﺎل. وﻋﻠﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﺬي ﻧﻌﺮف ﺑﻪ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﺠﻮاﻫﺮ اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﺨﺮاج اﻷﻟﻮان اﻟﺰاﻫﻴﺔ ،واﻟﺼﺒﻐﺎت اﻟﺒﺎﻫﻴﺔ ،واﻷﻋﻄﺎر اﻟﺰﻛﻴﺔ ،واﻟﺰﻳﻮت اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺎﻳﺎ اﻟﻜﺮﻳﻬﺔ اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﻠﻒ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﻐﺎز ،وﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ ،وﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻨﺎﻓﻌﻪ اﻻﻫﺘﺪاء ﻋﲆ ﻣﺘﻦ اﻟﺒﺤﺎر واﻷﻗﻴﺎﻧﻮﺳﺎت وﻋﻠﻢ ﻃﺒﻘﺎت اﻷرض ،وﻳﺮﺷﺪﻧﺎ إﱃ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﻢ اﻟﺤﺠﺮي واﺳﺘﺨﺮاج املﻌﺎدن. ً ﴐورﻳﺔ ﻟﺘﻘﺪم اﻹﻧﺴﺎن وﺗﺮﻗﻴﺔ ﺷﺄﻧﻪ وﺗﺤﻘﻴﻖ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ،ﺑﻞ وﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻮم ﻓﻘﻂ ً اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أﺧﺮى ﺗﺮﺟﻊ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻐﺮض ﻛﻌﻠﻮم اﻟﺤﻘﻮق ً ﻣﺜﻼ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺒﺤﺚ إن ﻫﻨﺎك ﻋﻠﻮﻣً ﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﻖ اﻟﴩﻋﻲ ﻟﺒﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺪد ﺑﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﻖ ،وﺗﻜﻔﻠﻪ ﻗﻮاﻧني ﻋﺎدﻟﺔ ،وﻛﺬا ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ؛ ﻓﺈن اﻟﻘﺼﺪ ﻣﻨﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻨﻈﺎﻣﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ، وﻣﺰاﻳﺎ ﻛﻞ ﻧﻈﺎ ٍم ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻶﺧﺮ ،وﻛﺬا ﻋﻠﻢ اﻟﻄﺐ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﺳﺒﺎب املﺮض وﻋﻠﻞ ٍ ﺑﻤﻤﻠﻜﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ اﻟﻌﺎﻫﺎت ،وﻛﺬا ﻋﻠﻢ اﻹﺣﺼﺎء؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﻮي ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻮادث واﻷﻣﻮر املﺘﻌﻠﻘﺔ أو ﺑﺠﺰءٍ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻬﺬه اﻟﻌﻠﻮم ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻬﺪﻳﻨﺎ إﱃ ﴏاط اﻟﺜﺮوة واﻟﻨﻌﻴﻢ واﻟﻌﻘﻞ.
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وﻟﱧ ﻛﺎن اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻮم ﻛﻠﻬﺎ ﻫﻮ ﻋني اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ، ﻏري أن ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﻳﻤﺘﺎز ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﻧﻪ ﻳﺒﺤﺚ ﰲ اﻟﺜﺮوة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ،وﻃﺮق اﻟﺘﴫف ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﺣﺴﻦ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم اﻷﺧﺮى ﻻﻛﺘﺴﺎﺑﻬﺎ .وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣَ ْﻦ ﻳﴘء اﻻﻋﺘﻘﺎد ﰲ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺒﺤﺚ ﰲ اﻟﺜﺮوة ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ، وﻳﻘﻮﻟﻮن :إن ﺛَﻤﱠ َﺔ أﻣﻮ ًرا أَﺣﺮى ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ واﻟﺪراﺳﺔ ﻛﺎﻟﻔﻀﻴﻠﺔ واملﺤﺒﺔ واﻟﻜﺮم، وﻳﻮدون ﻟﻮ ﺗﻜﻮن أﺑﺤﺎث اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻗﺎﴏة ﻋﲆ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر دون اﻟﺜﺮوة ،ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﻋﲆ أن ٍ ﺳﻌﺔ ﺑﺎﻟﺤﺬق واملﻬﺎرة ﰲ اﻷﺧﺬ واﻟﻌﻄﺎء واﻛﺘﻨﺎز اﻹﻧﺴﺎن ﰲ وﺳﻌﻪ أن ﻳُﺜﺮي وﻳﺼري ذا ﻧﻘﻮده ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺒﺨﻴﻞ اﻟﺤﺮﻳﺺ ﻋﲆ ﻣﺎﻟﻪ ،وﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻷﺣﺴﻦ واﻷوﱃ ﻫﻮ ﴏف اﻟﻨﻘﻮد ﱠ ٌ ﻓﺮﻳﻖ إﱃ اﻟﻄﻌﻦ واﻟﺨﻼن واﻟﺠﻤﻬﻮر ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ،ﻓﻘﺪ ذﻫﺐ ﰲ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻷﻫﻞ واﻷﻗﺎرب ﰲ ﻣﺒﺎدئ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ .وﻧﺤﻦ إذا ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﻧﺠﺪ أن ﻻ ﻣﺤﻞ ﻟﻬﺬه ﺑﻘﻮل ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻗﺎوﻳﻞ؛ إذ إﻧﻪ ﻗﺪ ﻏﺎب ﻋﻦ ذﻫﻨﻪ املﻄﺎﻋﻦ ،وﻻ ﻻﻋﱰاﺿﺎت املﻌﱰض ﻋﻠﻴﻪ ٍ أن اﻟﻮاﺟﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻮﺿﻮع ﺑﺤﺚ أي ﻋﻠ ٍﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم ﺷﻴﺌًﺎ واﺣﺪًا ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻠﻘﻴﻨﻪ وﺑﺪﻳﻬﻲ ﺟﻤﻠﺔ ﻋﻠﻮ ٍم اﺟﺘﻤﺎﻋﻴ ٍﺔ ﻛﺮة واﺣﺪة ﻹﻳﻘﺎﻓﻪ ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ذﻟﻚ املﻮﺿﻮع، ﱞ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺼﺢ اﻟﺘﻨﺪﻳﺪ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ ً ﻣﺜﻼ ﻷن ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ دراﺳﺔ اﻟﻜﻮاﻛﺐ ﻓﻘﻂ ،أو ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت ﻷن ﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ اﻟﻜﻤﻴﺔ واﻷﻋﺪاد ﻻ ﻏري ،ﱠ وإﻻ اﺿﻄﺮ املﺒﺘﺪئ ﻷﺟﻞ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻮم إﱃ ٍ اﺑﺘﺪاﺋﻲ ﻳﺸﻤﻞ ﻣﻌً ﺎ ﻋﻠﻮم اﻟﻔﻠﻚ ،وﻃﺒﻘﺎت اﻷرض ،واﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ،واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻣﺆﻟﻒ درﺳﻬﺎ ﰲ ﱟ واﻟﻔﺴﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ … إﻟﺦ ،وﻫﻮ ﻣﺤﺎ ٌل .وﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﺪة ﻋﻠﻮ ٍم ﻃﺒﻴﻌﻴ ٍﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ دراﺳﺘﻬﺎ ٌ ٌ ﻣﺨﺼﻮص ﻫﻮ ﺑﺤﺚ ﻣﻨﻔﺮد ًة ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﺪة ﻋﻠﻮ ٍم اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ ً ﻣﺠﻤﻼ. اﻟﻐﺮض املﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﺬات ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻴﺴﺖ ﻣﺒﺎﺣﺚ ﻣﺘﻌﺪد ًة ﻳﻜﻮن اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻴﻬﺎ ) (2اﻟﻮﺳﺎوس اﻟﺘﻲ رﺳﺨﺖ ﰲ اﻋﺘﻘﺎدات اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺸﺄن اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ً إن اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬي ﻧﺘﺼﺪى ﻟﺪراﺳﺘﻪ ﻗﺪ ﻛﺎن ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻣﺠﺎﻻ ﻟﻠﻈﻨﻮن واﻟﻮﺳﺎوس ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ وﻗﺖ ﻟﻢ ﻳﻘﻔﻮا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻮﻗﻮف اﻟﺘﺎم ،وﻻ رﻳﺐ ﰲ أن ﻫﺬه اﻟﻈﻨﻮن واﻟﻮﺳﺎوس ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ادﱢﻋﺎﺋﻬﻢ ٌ ﻣﺴﺎس ﺑﺎﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ،وﻫﻢ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳ َِﺮدوا ﺣﻴﺎﺿﻪ وﻟﻢ ﻳﻘﱰﺑﻮا اﻹملﺎم ﺑﻜ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺳﻮاﺣﻠﻪ ،وﻣﻌﻠﻮ ٌم أﻧﻪ ﻻ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ ذوي اﻟﻄﺒﺎع املﺴﺘﻘﻴﻤﺔ واﻷذواق اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ُ ﻳﺠﴪ ٌ ﻣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻜﺴﻮف واﻟﺨﺴﻮف، ﻋﲆ ﻣﻌﺎرﺿﺔ اﻟﻜﻴﻤﺎوي ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻔﻨﻪ ،واﻟﻔﻠﻜﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻪ واﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﻌﺎرف ﺑﻄﺒﻘﺎت اﻷرض ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺼﺨﻮر واﻷﺣﺎﻓري ،وﻟﻜﻦ ﻧﺮى ﺟﻤﻴﻊ 10
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻨﺎس ﻳﺒﺪون آراءﻫﻢ ﺑﺄﻳﺔ ﻛﻴﻔﻴ ٍﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة ،وﺗﺄﺛري ارﺗﻔﺎع اﻷﺟﺮة، ٍ ﺑﺨﺴﺔ ،إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ املﺴﺎﺋﻞ ذات اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﺑﺄﺛﻤﺎن واﻟﴬر اﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ٍ ﰲ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .ﻓﺄوﻟﺌﻚ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺪرون أن ﻫﺬه املﻮﺿﻮﻋﺎت أﺻﻌﺐ إدرا ًﻛﺎ ﻣﻦ إدراك اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء واﻟﻔﻠﻚ واﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ،وأن اﻟﻌﻤﺮ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ إذا أُﻓﻨ َِﻰ ﰲ ﻣﺪرﺳﺔ ﻗﻮاﻋﺪ ﺗﻠﻚ املﻮﺿﻮﻋﺎت ﻻ ﻳﺘﺴﻨﻰ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻮﺛﻮق ﻣﻦ ﺳﻼﻣﺔ اﻟﻮﻗﻮع ﰲ اﻟﺰﻟﻞ ،ﻋﲆ أن ذﻟﻚ ٍ وﻗﻮف ﺗﺎ ﱟم اﻟﻔﺮﻳﻖ املﻜﺎﺑﺮ ﻣﻊ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺼ ﱠﺪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﺪراﺳﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ،ﻳﺪﱠﻋﻲ أﻧﻪ ﻋﲆ ﺑﻘﻮاﻋﺪه وﻣﺒﺎدﺋﻪ. وإذا ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻋﻦ أﴎار ﺗﻬﺎﻓﺖ أوﻟﺌﻚ اﻟﻘﻮم ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه املﺪﻋﻴﺎت اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ،ﻧﺠﺪ أﻧﻪ ٌ ﻓﺮﻳﻖ ﻳﺒﻐﺾ دراﺳﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وﻳﻨﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻷزﻣﺎن اﻟﻐﺎﺑﺮة ٌ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﻌﺮﺿﻮن ﻋﻦ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ،وﻳﻨﺄون ﻋﻨﻪ ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﻢ؛ ﻳﻮﺟﺪ اﻵن ُ َ وذﻟﻚ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن ﻓ ِﻄ َﺮ ﻋﲆ املﴤﱢ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﻤﻴﻞ إﻟﻴﻪ أﻫﻮاؤه وﻣﺰاﻋﻤﻪ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ،ﻓﺈن اﺳﺘَ ْﻠﻔ َﺖ ٍ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻏري املﻮﺻﻠﺔ إﻟﻴﻬﺎ، اﻟﻌﺎرف أﻧﻈﺎره إﱃ أﻧﻪ إﻧﻤﺎ ﻳﻘﺼﺪ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﻏﺎﻳ ٍﺔ ً ﻣﻨﺎﻗﻀﺔ ﻟﻬﺬه ﻋﲆ ﺧ ﱟ ﻂ ﻣﺴﺘﻘﻴ ٍﻢ ،ﺟﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻐﻴﻆ واﻟﻐﻀﺐ ،وﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﻨﻄﺒﻖ ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ اﻹﺣﺴﺎن أو اﻟﺼﺪﻗﺔ؛ ﻓﺈن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﻈﻨﻮن أن ﻣﻦ اﻟﺜﻮاب وﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق إﺳﺪاء ﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﺘﺄﺛري اﻟﺬي ﺗﺤﺪﺛﻪ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺤﺴﻨﺔ َمل ْﻦ ﻳﺴﺄﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮاء ﺑﺪون ٍ ﻳﻨﻈﺮون ﺑﻌني اﻟﴪور واﻧﴩاح اﻟﺼﺪر إﱃ أﻧﻬﻢ أﺗﻮا ً ﻋﻤﻼ ﺻﺎﻟﺤً ﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻮ ﺗﺄﻣﻠﻮا ﰲ ﻋﻮاﻗﺐ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ وﻫﻮ ﺗﻜﺜري ﻋﺪد اﻟﺴﺎﺋﻠنيَ ،ﻟﻤَ ﺎ أﻗﺪﻣﻮا ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻪ واﻧﺘﻈﺎر املﺜﻮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻮ ﺗﺄﻣﻞ املﺘﺄﻣﻞ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻋﻠﻨًﺎ ﻣﻦ اﻵﺛﺎم اﻟﻌﻈﺎم واﻟﺬﻧﻮب اﻟﻜﺒرية، ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺻﺪﻗﺎت املﺎﺿني اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻤﻮا ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺼﺪﻗﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ً ﻛﻤﻴﺔ واﻓﺮ ًة ﻣﻦ اﻷﻣﺔ ْ أﺧ َﻠﺪت إﱃ اﻟﻜﺴﻞ واﻟﺴﻜﻮن وﻋﺪم املﺒﺎﻻة ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ أن املﻌﻴﺸﺔ ﺑﺎﻟﻜﺪ واﻟﻜﺪح ،ﻓﺎﻟﻐﺮض املﻘﺼﻮد ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻫﻮ اﻟﱪﻫﺎن ﻋﲆ ري ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻻﻟﺘﻔﺎت إﱃ أن اﻟﻮاﺟﺐ ﻟﻴﺲ إﻫﻄﺎل اﻹﺣﺴﺎن واﻟﺼﺪﻗﺔ ﺑﻼ َر ِوﻳﱠ ٍﺔ وﻻ ﺗﺪﺑ ٍ ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﺸﻌﺐ وﺗﺪرﻳﺒﻪ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ،وإرﺷﺎده إﱃ ﻃﺮق اﻛﺘﺴﺎب املﻌﻴﺸﺔ ،واﻗﺘﺼﺎد ﳾءٍ ً ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﻜ ﱢﺪ واﻟﺘﻌﺐ، ﻣﻤﺎ اﻛﺘﺴﺒﻪ ﻟﻴﻨﻔﻌﻪ ﰲ أﻳﺎم اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺨﻮر اﻟﻘﻮى وﻻ ﺗﻌﻮد َ وإذا ﻟﻢ ﻳﺘﺪﺑﺮ ﰲ اﻗﺘﺼﺎد ﳾءٍ ﻟﻬﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ ،ﻓﻌﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻜﺒﺪ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﺳﻮء ﺗﺒ ﱡَﴫه ،وﻳﺘﺠﺮع ﻣﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻛﺄس اﻏﱰاره ﺑﺎملﺴﺘﻘﺒﻞ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﻌﺎﻣﻠﺔ ﺗﻈﻬﺮ أﻧﻬﺎ ﻋﲆ ٍ واﻟﻘﺴﻮة ،ﻓﻘﺪ أﻧﺤﻰ املﺒﺎﻟﻐﻮن ﰲ اﻟﺮأﻓﺔ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮاء واﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻠﻮم واﻟﺘﻨﺪﻳﺪ ﻋﲆ ﻋﻠﻢ ٌ ﺻﺎرﻣﺔ ،وإن اﻟﻘﺼﺪ ﻣﻨﻪ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺛﺮوة اﻷﻏﻨﻴﺎء وإﻫﻼك اﻻﻗﺘﺼﺎد ،وﻗﺎﻟﻮا :إﻧﻪ ﻋﻠ ٌﻢ ﻗﻮاﻋﺪه اﻟﻔﻘﺮاء. 11
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وﻫﻮ ﺧﻄﺄ ٌ ﱢ ٌ ﺑني؛ إذ إن اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻬﺪ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﺜﺮوة واﻟﻐﻨﻰ ،ﻻ ﻳﻘﻮل :إن اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﲆ اﻟﻐﻨﻲ املﺤﺎﻓﻈﺔ ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻋﲆ ﻣﺎﻟﻪ ﻛﺎﻟﺒﺨﻴﻞ أو اﻹﴎاف ﻓﻴﻪ ﻛﺎملﺒﺬر اﻟﺴﻔﻴﻪ ،ﻓﺈن ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻻ ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳُﺴﺘﻔﺎد ﻣﻨﻪ إﻟﺰام اﻟﻐﻨﻲ ﺑﴫف ﻣﺎﻟﻪ ﰲ ﻏري ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺨري إذا ﻛﺎن ﰲ ﻃﺎﻗﺘﻪ اﻷﺧﺬ ﺑﻴﺪ اﻟﻘﺮﻳﺐ ،وﻣﻌﺎوﻧﺔ اﻟﺮﻓﻴﻖ ،وإﻧﺸﺎء اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻛﺨﺰاﻧﺎت اﻟﻜﺘﺐ ودﻳﺎر اﻟﺘﺤﻒ واملﺴﺘﺸﻔﻴﺎت واملﺪارس وﻣﺎ ﺷﺎﻛﻞ ،وﺗﺨﻔﻴﻒ أﻋﺒﺎء املﺼﺎﺋﺐ ﻋﻦ ﻋﻮاﻫﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﺤﻮزﺗﻬﻢ ﻣﺎ ﻳَﻘﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،وواﺟﺒﺎت اﻟﺸﻔﻘﺔ ﺗﺤﺘﻢ ﻋﲆ اﻷﻏﻨﻴﺎء أن ﻳﻮاﻓﻮا أرﺑﺎب اﻟﻌﺎﻫﺎت واﻷﻣﺮاض املﻌﺠﺰة ﺑﺎملﺴﺎﻋﺪة اﻟﻼزﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﻏﻮاﺋﻞ اﻟﺨﻄﺮ اﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺟﺔ .وﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮل :إن أﻗﴡ ﻣﺎ ﻳﻮدﱡه اﻻﻗﺘﺼﺎدي أن َ ﺗﻮﺿﻊ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﰲ ﻣﺤﻠﻬﺎ، ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﻜﻮن ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ ﴐر اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﺮام ﺑﻬﺎ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﻢ؛ إذ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﻌﻞ اﻟﺨري ﻳﺆدي إﱃ اﻟﴬر اﻟﺒﻠﻴﻎ ﺑﺬات املﻘﺼﻮد ملﺼﻠﺤﺘﻪ ﻫﺬا اﻟﻔﻌﻞ. ً ً وﻣﻤﺎ ﻧﺬﻛﺮه ﻫﻨﺎ ﻣﻊ اﻷﺳﻒ اﻟﺰاﺋﺪ واﻟﺤﺰن اﻟﺸﺪﻳﺪ ،أن آﻻﻓﺎ ﻣﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺴﻌﻮن وراء ﺗﺤﺴني أﺣﻮاﻟﻬﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎل وﺳﺎﺋﻂ ﺗﺆدي إﱃ ﺿﺪ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮوﻣﻮن اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻛﺎﻻﻋﺘﺼﺎم واﻹﴐاب ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،ورﻓﺾ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻵﻻت ،وإﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻛﺪح. ﻣﻦ اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻒ ﻋﻦ رﻏﺒﺘﻬﻢ ﰲ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﺜﺮوة ﺑﻼ ﻛ ﱟﺪ وﻻ ٍ وﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﺣﺎﺻ ٌﻞ ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﺮﻳﺔ املﺒﺎدﻟﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﴤ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ ﺷﻌﻮب أوروﺑﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ إﻧﻜﻠﱰا ﺑﺈﻃﻼق اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ،ﻋﲆ أن ﻋﻨﺪ اﻟﺸﻌﻮب اﻷﺧﺮى — وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة أﺳﱰاﻟﻴﺎ — ﻗﻮاﻧني ﻳُﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻧﻄﺎق اﻟﺜﺮوة ،وإﻓﺎﺿﺔ اﻟﺨريات ﻋﲆ اﻷﻫﻠني ﻣﻊ ﻣﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل املﺤﺼﻮﻻت اﻟﻮاﻓﺮة اﻟﻮاردة ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻷﺧﺮى ،وﻳﺰﻋﻢ ٌ ٍ وﺳﻬﻮﻟﺔ، ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ زﻳﺎدة اﻟﺜﺮوة ﺑﺈﺣﺪاﺛﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ إﺣﺪاﺛﻬﺎ ﺑﻜﺜﺮ ٍة ﻣﺪﻳﻨﺔ ،ﺑﻞ ﻛﻞ ٍ ٍ أﻣﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺼﺪﱢر إﱃ ﻏريﻫﺎ ﻣﺮﻛﺰ ﻣﻦ ﻣﺮاﻛﺰ اﻟﺘﺠﺎرة ،وﻛﻞ ﻓﺈن ﻛﻞ ٍ ﺑﺨﺲ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺸﱰي املﺤﺼﻮﻻت اﻷﺧﺮى ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺗﺼﺪﻳﺮه ﺑﺜﻤﻦ ٍ ٍ ٍ ﺛﻤﻦ. ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ وﺑﺨﺲ ٍ ﻓﻌﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﻪ اﻟﺘﺒﴫ ﰲ اﻟﻌﻮاﻗﺐ ،واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﻌﻮد ﻣﻨﻪ اﻟﺨري اﻟﺸﺎﻣﻞ ﻟﻠﻌﺸرية ،ﺑﻞ ﻟﻸﻣﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ،وإذا ﻧﻈﺮﻧﺎ إﱃ ﺛﺮوة إﻧﻜﻠﱰا ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ ﻧﺠﺪ اﻟﺠﺰء اﻷﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺴري ﺑﻤﻘﺘﴣ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ آدم ﺳﻤﻴﺚ Adam Smithﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﺳﻤﺎه »ﺛﺮوة اﻟﺸﻌﻮب« ،ﻓﻠﻘﺪ ﱠ ﺑني ﰲ ﻫﺬا املﺆﻟﻒ اﻟﺠﻠﻴﻞ ﻓﺎﺋﺪة ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻌﻤﻞ وﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ،وﻗﺪ ﻣﴣ ﻋﲆ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻧﺤﻮ ﻣﺎﺋﺔ ٍ ﺳﻨﺔ 12
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ ُ ﻳﺠﴪ أﺣ ٌﺪ ﻋﲆ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ املﻔﻴﺪة .وﻣﻦ املﺆﻛﺪ أن اﻟﺸﻌﺐ إذا ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﲆ ﻗﻮاﻋﺪ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻓﻬﻮ ﻣﻀﻄ ﱞﺮ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ إﱃ اﺳﺘﻨﺒﺎط ً ﻣﻨﻄﺒﻘﺔ ﻋﲆ ﻣﻨﺎﻓﻌﻪ ﺗﻤﺎم اﻻﻧﻄﺒﺎق ،وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺔ ﻗﻮاﻋﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﻳﺨﺎﻟﻬﺎ واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﰲ ﳾءٍ ،وﻫﺬا ﻣﻦ اﻷدﻟﺔ اﻟﺪاﻣﻐﺔ ﻋﲆ ﺣﺎﺟﺔ اﻹﻧﺴﺎن — ذﻛ ًﺮا أم أﻧﺜﻰ — إﱃ ﻗﻮاﻋﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﻠﻢ ﺗﻨﺰل ﻣﻨﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻟﺪﻟﻴﻞ املﺮﺷﺪ إﱃ ﺳﺒﻞ املﻨﻔﻌﺔ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ. ) (3ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ إن ﺗﻘﺴﻴﻤﺎت ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﻫﻲ ﻋني ﻓﺮوﻋﻪ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﻜﻮن ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺟﺎرﻳًﺎ ﻋﲆ ﻣﻨﻬﺎﺟﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻌﻠﻤﻪ ً أوﻻ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻮﺿﻮع ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ،وﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪه ﺗﺒﻴني ﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ واﻟﺘﴫف ﻓﻴﻬﺎ ،وﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﺮع ﻳﺮى اﻟﻘﺎرئ أﻧﻪ ٍ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﺎ ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﺼﺢ إﻃﻼق ﻟﻔﻆ اﻟﺜﺮوة ﻋﲆ ﳾءٍ إﻻ إذا أﻣﻜﻦ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻫﺬا اﻟﴚء ﻋﲆ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﺜﺮوة ﻳﺠﺐ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﻃﺮق اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ ،وﰲ اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻘﺎرئ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﺜﺮوة وإﻳﺠﺎدﻫﺎ ،وﰲ اﻟﻔﺮع اﻟﺮاﺑﻊ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ ﻋﲆ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﻛﺪﱢﻫﻢ وﺗﻌﺒﻬﻢ إﻳﺠﺎدﻫﺎ واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ. أرﺑﻌﺔ؛ وﻫﻲ ً ٍ أوﻻ: أﻣﻮر وﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮل ﻧﻘﻮل :إن ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻳﺒﺤﺚ ﰲ ٍ املﺎدة .ﺛﺎﻧﻴًﺎ :اﻻﺳﺘﻨﻔﺎد أي اﻻﺳﺘﻬﻼك .ﺛﺎﻟﺜًﺎ :إﺣﺪاث اﻟﺜﺮوة وﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ .راﺑﻌً ﺎ :ﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ. واﻟﻜﻼم ﰲ ﻫﺬه املﻮﺿﻮﻋﺎت ﻛﻠﻬﺎ ﻳﺴﺘﻠﺰم اﻹملﺎع إﱃ ذﻛﺮ اﻟﴬاﺋﺐ واﻟﺮﺳﻮم ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻟﻜ ﱢﻞ ﺑﻠ ٍﺪ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺟﺰءٍ ﻣﻦ ﺛﺮوﺗﻪ ﻷﺟﻞ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻤﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺒﻼد وﺣﻜﻮﻣﺔ اﻷﻣﺔ، وﻳﻤﻜﻦ ﺿ ﱡﻢ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﴬاﺋﺐ إﱃ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ أﻗﺴﺎم ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ وﻫﻮ ﻗﺴﻢ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺜﺮوة. ) (4ﰲ اﻟﻜﻼم ﻋﲆ اﻟﺜﺮوة واملﺤﺼﻮﻻت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ إذا اﻗﺘﴫﻧﺎ ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ :إﻧﻪ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ اﻟﺜﺮوة ،وﻛﻨﱠﺎ ﻻ ﻛﺎف ﻹﺑﺎﻧﺔ املﻌﺮف ،وإذا ﻋُ ﱢﺮ َ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﻌﻠﻢ وﻻ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﺜﺮوة ،ﻟﻜﺎن ذﻟﻚ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻏري ٍ ف ﺣ ﱞﺪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺣﺪو ٍد أﺧﺮى ،ﻓﺎﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ ﻫﻮ ﻓﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﺤﺪود؛ ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮن املﻮﺿﻮع واﺿﺢ املﻌﻨﻰ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻠﻨﻌ ﱢﺮف ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺜﺮوة ﻓﻨﻘﻮل: ٌ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﰲ ﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﻻ رﻳﺐ ﰲ أن اﻟﻌﺪد اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﻮﻫﻢ أن ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ٌ اﻟﺜﺮوة ،وأن اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻫﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻏﻠ ٌ ﻓﺎﺣﺶ؛ إذ ﻳﻮﺟﺪ ﻛﺜريون ﻂ 13
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
اﻏﺘﻨﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﻢ — ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻻ ﻳﻮﺟﺪ واﺣ ٌﺪ ﻣﻨﻬﻢ — ﻳﻘﺪر ﻋﲆ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺜﺮوة ،وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﺣﻞ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ وﺗﻤﻬﻴﺪ ﻫﺬه املﻌﻀﻠﺔ. ٍ ﻧﻔﻴﺲ ﻣﻌﺪن ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ واﻟﺮاﺳﺦ ﰲ ﻣﻌﺘﻘﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ أن اﻟﺜﺮوة ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﻧﻘﻮ ٍد ٍ ٍ ً ﺧﺰاﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺗﺤﺘﻮي ﻫﻮ اﻟﺬﻫﺐ أو اﻟﻔﻀﺔ ،وأن اﻹﻧﺴﺎن املﺜﺮي ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻤﺘﻠﻚ أﻛﻴﺎس ﻣﻶﻧﺔ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ أو اﻟﻔﻀﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﲆ ﻧﻘﻴﺾ ذﻟﻚ؛ إذ ﻣﻦ اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻋﲆ ﻋﲆ ٍ اﻟﻌﻤﻮم أن اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻟﻴﺲ ﰲ ﺣﻮزﺗﻬﻢ ﱠإﻻ ﻗﻠﻴ ٌﻞ ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ،وأﻣﺎ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻓﻤﻮد ٌع ﰲ ﺑﻨﻮﻛﺔ املﻀﺎرﺑﺎت. ً ً ﻓﺴﻴﺤﺔ ﻣﻦ اﻷرض ،ﻋﲆ أن اﻟﺜﺮوة ﻣﺴﺎﺣﺔ ورﺑﻤﺎ ﻳُﻘﺎل :إن املﺜﺮي ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ اﺗﺴﺎع اﻷرض واﻧﻔﺴﺎح ﻣﺪاﻫﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﻋﲆ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ً ٍ ﻗﻄﻌﺔ ﻟﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻏﻨﻴٍّﺎ ،ﻓﻬﻮ إذا اﻣﺘﻠﻚ وﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ؛ ﻷﻧﻪ إذا اﻋﺘُﱪ املﺎﻟﻚ ً ﻣﺴﺎوﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﰲ املﺴﺎﺣﺔ ﺑﺄﺳﱰاﻟﻴﺎ ﻻ ﻳُﻌﺘﱪ ﻛﺬﻟﻚ ،ودﻟﻴﻞ ذﻟﻚ ﻫﻮ أن ﻣﺘﻮﺣﴚ أﺳﱰاﻟﻴﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﺘﻠﻜﻮن أراﴈ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ﻗﺒﻞ اﺳﺘﻴﻼء إﻧﻜﻠﱰا ﻋﻠﻴﻬﺎ — وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋِ َ ﻈﻢ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻫﺬه اﻷراﴈ — ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻜﺒﺪون اﻟﻔﻘﺮ املﺪﻗﻊ؛ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺆﺧﺬ ﺑﺎﻟﴫاﺣﺔ أن اﻷرض وﺣﺪﻫﺎ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﺜﺮوة. وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳُﻘﺎل ً أﻳﻀﺎ :إﻧﻪ ﻟﻜﻲ ﺗﻜﻮن اﻷرض ﺛﺮو ًة ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻛﺜرية أﺣﺮاش اﻟﺨﺼﺐ واﻟﱪﻛﺔ ،ﺟﻴﺪة اﻟﱰﺑﺔ ،ﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﺟﺪاول املﺎء اﻟﻜﺜرية اﻷﺳﻤﺎك ،وﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ٍ ﻳُﻨﺘَ َﻔﻊ ﺑﺄﺧﺸﺎﺑﻬﺎ ،وﻳﺠﺐ أن ﺗﺒﻄﻦ أرﺿﻬﺎ اﻟﻜﻤﻴﺎت اﻟﻮاﻓﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ واﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﻨﺤﺎس وﻣﻌﺎدن اﻟﺬﻫﺐ ،ﺛﻢ إذا ﻛﺎن اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺬي ﻓﻴﻪ ﻫﺬه اﻷرض ﺟﻴﺪ اﻟﻄﻘﺲ ﺣﺎﴐ اﻟﺸﻤﺲ واﻓﺮ املﻴﺎه ،ﻓﻼ ﺷ ﱠﻚ ﰲ أﻧﻪ ﻳُﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻐﻨﻴﺔ اﻟﻜﺜرية اﻟﺨري واﻟﱪﻛﺔ ،وﻻ ﻧﻨﻜﺮ أن ﻫﺬه ً ً ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻏري أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺬﻛﺮﻫﺎ ﻫﻨﺎ إﻻ ﻟﻨﺒني أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﰲ ﺣ ﱢﺪ ذاﺗﻬﺎ أﻣﻮاﻻ اﻷﺷﻴﺎء ُﺳﻤﱢ ﻴَﺖ اﻟﺜﺮوة املﻘﺼﻮدة ﺑﺎﻟﺬات ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ أﻧﻪ ﺗﻮﺟﺪ ﺷﻌﻮبٌ ﻛﺜري ٌة ﺗﻌﻴﺶ ﰲ ﺑﻼدٍ أﻣﻮاﻟﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻏﺰﻳﺮ ٌة ﺟﺪٍّا ،ﻛﻬﻨﻮد أﻣريﻛﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻴﺸﻮن ﰲ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻵن، وﻫﻢ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﰲ أﺧﻔﺾ درﺟﺎت اﻟﻔﻘﺮ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﺪرون أو ﻻ ﻳﺮﻳﺪون ﺑﺬل ﻣﺠﻬﻮداﺗﻬﻢ ﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﻮال اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ إﱃ ﺛﺮو ٍة أﺻﻠﻴ ٍﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻌﻮبٌ أﺧﺮى ﻛﺎﻟﻬﻮﻻﻧﺪﻳني ً ﻣﺜﻼ أرض ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻋﺪﻳﻤﺔ اﻟﺨري واﻟﱪﻛﺔ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻢ ﰲ أرﻓﻊ درﺟﺎت ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻮق ٍ اﻟﺜﺮوة واﻟﻐﻨﻰ ﺑﺤﺬﻗﻬﻢ وﻣﻬﺎرﺗﻬﻢ وﺻﻨﺎﻋﺘﻬﻢ وﺣﺴﻦ ﺗﺪﺑريﻫﻢ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳُﻌ َﻠﻢ أن اﻟﺜﺮوة أﺷ ﱡﺪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎملﻬﺎرة واﻟﻌﻤﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻷرض اﻟﺨﺼﺒﺔ واﻹﻗﻠﻴﻢ املﻌﺘﺪل ،وﻫﺬا ﻻ ﻳﻨﻔﻲ ﴐورة 14
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺧﺎﺻﻴﺘَﻲ اﻟﺨﺼﻮﺑﺔ واﻋﺘﺪال اﻟﻄﻘﺲ ﰲ ﺻريورة ﺛﺮوة أﻳﺔ ٍ أﻣﺔ ﻣﻌﺎدﻟﺔ ﻟﺜﺮوة أﻣﺔ إﻧﻜﻠﱰا أو ﻓﺮﻧﺴﺎ أو اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة … إﻟﺦ. ) (5ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺜﺮوة؟ ﻋﺮف اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺸﻬري ﻧﺎﺳﻮﺳﻨﻴﻮر اﻟﺜﺮوة ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت» :اﻟﺜﺮوة ﺗﺸﻤﻞ ﺟﻤﻴﻊ ً ً ﻣﺬﻫﺒﺔ ﻟﻠﺘﻌﺐ ﺟﺎﻟﺒﺔ ﻟﻠﴪور أو اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺪاول ،املﺤﺪودة ﺑﺎﻟﻜﻤﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ٍ ٍ واﺳﻄﺔ «.وﺗﻮﺿﻴﺢ ذﻟﻚ ﻫﻮ أن ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺗﺸﻤﻠﻪ ﻟﻔﻈﺔ »ﺛﺮوة« ﻳﺠﺐ أن ﺑﻮاﺳﻄﺔ أو ﺑﺪون أﻣﻮر ﺣُ ﻜﻢ أﻣﻮر ﻳﻤﺘﺎز أﺣﺪﻫﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ ،وﻛ ﱡﻞ ﳾءٍ ﺗﻮﻓﺮت ﻓﻴﻪ ﻫﺬه اﻟﺜﻼﺛﺔ ٍ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻪ ﺛﻼﺛﺔ ٍ ً ً ﻣﺬﻫﺒﺔ ﺟﺎﻟﺒﺔ ﻟﻠﴪور أو ﺑﺄﻧﻪ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ،وإذا اﺳﺘﺒﺪﻟﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ »ﺗﻜﻮن ٍ ٍ واﺳﻄﺔ« ﺑﻠﻔﻈﺔ »ﻧﺎﻓﻌﺔ« اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ أو ﺑﺪون ﻟﻠﺘﻌﺐ ﻧﻘﻮل :إن اﻟﺜﺮوة ﻫﻲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ: ً ً ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺪاول. أوﻻ: ﺛﺎﻧﻴًﺎ :ﻣﺤﺪودة اﻟﻜﻤﻴﺔ. ﺛﺎﻟﺜًﺎ :ﻧﺎﻓﻌﺔ. ﻓﻴﺒﻘﻰ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻵن أن ﻧﻔﻬﻢ اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺜﻼث ،وﻧﻘﻒ ﻋﲆ ﻣﻌﻨﻰ ً ً وﻧﺎﻓﻌﺔ ﻓﻨﻘﻮل: ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺪاول وﻣﺤﺪودة اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺜﺮوة ﻣﺘﻰ ﺗﻜﻮن ) (6اﻟﺜﺮوة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺪاول ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ،وﺗﺨﺘﻠﻒ ﺷﺨﺺ إﱃ ﺣﻮزة اﻟﴚء اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺪاول ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺣﻮزة ٍ ٍ ً ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎل؛ ﻓﺘﺎر ًة ﻳﻜﻮن ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ اﻧﺘﻘﺎل اﻟﴚء ﻧﻔﺴﻪ اﻧﺘﻘﺎﻻ ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ ﻛﺎﻧﺘﻘﺎل اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺤﺮر ،أو اﻣﺘﻼكٍ ﴍﻋﻲ ﻛﺎﻧﺘﻘﺎل ﻣﻠﻜﻴﺔ ﻣﻦ ﻳ ٍﺪ إﱃ أﺧﺮى ،وﺗﺎرة ﻳﻜﻮن ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻋﻘ ٍﺪ ﱟ ٍ اﻷراﴈ واملﻨﺎزل. واﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﺨﺎدم ملﻮﻻه ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﻧﺘﻘﺎل ،وﻛﺬﻟﻚ ﻧﻐﻤﺎت ٌ ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ املﻮﺳﻴﻘﻰ وﻧﺼﺎﺋﺢ اﻟﻮاﻋﻆ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺗﻮﺟﺪ أﺷﻴﺎء ﻛﺜري ٌة ﺷﺨﺺ إﱃ آﺧﺮ ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ :أن اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻐﻨﻲ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻜﺮي ﺧﺎدﻣً ﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ ٍ 15
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻃﺒﻴﺐ ،وﻟﻜﻦ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﴍاء اﻋﺘﺪال ﺻﺤﺔ ﻫﺬا اﻟﺨﺎدم ،وﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻜﺮي ﻣﻌﺎرف أﺣﺴﻦ ٍ أن ﻫﺬه املﻌﺎرف ﻻ ﺗﻔﻴﺪ اﻟﺼﺤﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﴍاء أو ﺑﻴﻊ ﻣﺤﺒﺔ اﻷﻗﺮﺑﺎء واﺣﱰام اﻷﺻﺤﺎب وﺳﻌﺎدة اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ اﻟﻨﻘﻴﺔ ،وﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻓﻌﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻻ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺴﻌﺎدة؛ ﻷن ﻫﺬه اﻟﺜﺮوة اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُ َ ﺸﱰَى وﻻ ﺗُﺒَﺎع ً وﺑﺪﻳﻬﻲ أن اﻟﻔﻘري ذا ﻣﻄﻠﻘﺎ. ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺜﺮوة اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪد اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﴚءٍ ﱞ اﻟﺬﻣﺔ اﻟﻄﺎﻫﺮة واﻟﻀﻤري اﻟﺴﻠﻴﻢ واﻟﺼﺎﺣﺐ املﺨﻠﺺ واﻟﺼﺤﺔ اﻟﺠﻴﺪة ﻳﻤﻜﻨﻪ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﻳﻜﻮن أﺳﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻲ املﺤﺮوم ﻣﻦ ﻫﺬه املﺰاﻳﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻧﻘﻮل ﻣﻦ ٍ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى :إن اﻹﻧﺴﺎن إذا ﺣﺎز ﻫﺬه املﺰاﻳﺎ ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺛﺮوﺗﻪ وﻏﻨﺎؤه ﻋﲆ ﺣﺮﻣﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻓﻮاﺋﺪﻫﺎ ،ﻓﻴُﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻦ ﻫﺬا أن اﻟﺜﺮوة ﻣﺤﻤﻮد ٌة ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻘﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻴﺎج ،وﺗﺮﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﻛﻠﻔﺔ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ. ) (7اﻟﺜﺮوة ﻣﺤﺪودة املﻘﺪار وﻣﻦ ٍ وﺟﻪ آﺧﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﴚء ﺛﺮو ًة إﻻ إذا ﻛﺎن ﻣﺤﺪود املﻘﺪار ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﰲ ﻗﺒﻀﺘﻨﺎ ﻣﻦ أي ﳾءٍ ﻣﺎ ﻧﺮوﻣﻪ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻜ ﱡﻞ ﻛﻤﻴ ٍﺔ أﻣﻜﻨﻨﺎ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﴚء ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﺗﻘﻊ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﻮﻗﻊ اﻻﻋﺘﺒﺎر ،وﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻫﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﻬﻮاء اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻨﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ﰲ اﻷﺣﻮال اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻻ ﻳﺼﺢ أن ﻳُﺤﺴﺐ ﺛﺮو ًة؛ إذ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴﺲ ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن ﱠإﻻ أن ﻳﻔﺘﺢ ﻓﺎه وﻳﺴﺘﻨﺸﻖ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ،وﻻ ﻣﺮاء ﰲ أن ﻫﺬا اﻟﻬﻮاء اﻟﺬي ﻧﺴﺘﻨﺸﻘﻪ ﻧﺎﻓ ٌﻊ ﺟﺪٍّا ﻟﻠﺤﻴﺎة، ﻏري أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺪﻓﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻧﻈري اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ؛ ﻷن املﻮﺟﻮد ﻣﻨﻪ ﻏﺰﻳ ٌﺮ وﻳﻜﻔﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،أﻣﺎ إذا ﺻﺎرت ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻬﻮاء ﻣﺤﺪود ًة ﻛﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﰲ ﻧﺎﻗﻮس اﻟﻐﻮاﺻني أو ﺑﺪاﺧﻞ ﻣﻨﺎﺟﻢ املﻌﺎدن ،ﻓﺈﻧﻬﺎ وﻻ ﺷ ﱠﻚ ﺗُ َ ﺤﺴﺐ ﺛﺮو ًة ﺗﺒﺬل دون اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ املﺒﺎﻟﻎ اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ،وﻻ ﺑ ﱠﺪ أن ﻳﺤﺼﻞ ذﻟﻚ إذا ﻧُﻔﺬ ﻣﴩوع اﻟﺬﻳﻦ اﻗﱰﺣﻮا إﻧﺸﺎء ﴎداب ﺗﺤﺖ ﺑﺤﺮ املﻨﺶ ﻳﻮﺻﻞ ﺑﻼد ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺈﻧﻜﻠﱰا. ٍ ﻗﻠﻴﻠﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻪ ﻳُﺴﺘَﻌﻤَ ﻞ أﻣﻮر وﻫﺬا ﺣﺠﺮ املﺎس ﻣﻊ ارﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﱠإﻻ ﰲ ٍ ﻟﻠﺰﻳﻨﺔ أو ﻟﻘﻄﻊ اﻟﺰﺟﺎج أو ﺧﺮق اﻟﺼﺨﻮر ،واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ارﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻧﺎﺷﺊ ٌ ﻋﲆ اﻟﺨﺼﻮص ﻣﻦ ﻗﻠﺘﻪ وﻧﺪورﺗﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺼﺢ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻨﺪورة ﻓﻘﻂ ﻋﻠﺔ ارﺗﻔﺎع اﻟﻘﻴﻤﺔ؛ إذ ﻳﻮﺟﺪ ﱞ ﺧﺎص ﻓريﺗﻔﻊ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ املﻌﺎدن اﻟﻨﺎدرة ﺟﺪٍّا ﺗﺒﻘﻰ ﺑﺨﺴﺔ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻬﺎ اﺳﺘﻌﻤﺎ ٌل رﻓﻴﻊ؛ ﺑﺜﻤﻦ ﺛﻤﻨﻬﺎ ﺑﻨﺴﺒﺔ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﻌﺪن اﻹرﻳﺪﻳﻮم ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳُﺒﺎع ٍ ٍ 16
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻷﻧﻪ ﻳﺼﻠﺢ ﰲ ﻋﻤﻞ أﻟﺴﻨﺔ اﻷﻗﻼم املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ،وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﺼﻨﻮﻋﺎت اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، وﻣﺎ ﻳﺴﺘﺨﺮج ﻣﻦ ذﻟﻚ املﻌﺪن اﻟﻘﻠﻴﻞ. ٌ ﻧﺎﻓﻌﺔ ) (8اﻟﺜﺮوة وﻣﻦ ٍ وﺟﻪ ٍ ﺛﺎﻟﺚ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻤﻴﺰ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ أن ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺐ اﻟﺜﺮوة ﻳﻜﻮن ﻧﺎﻓﻌً ﺎ، ٍ ٍ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺮق ،وﻗﺎل ﺳﻨﻴﻮر ﻣﺼﻠﺤﺔ وﻳﻜﻮن ﻣﺤﺒﻮﺑًﺎ وﻣﺮﻏﻮﺑًﺎ أو أﻋﻨﻲ ﻳُﺴﺘﻌﻤﻞ ﰲ — Seniorوﻗﻮﻟﻪ اﻟﺤﻖ اﻟﺼﺤﻴﺢ :إن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺐ اﻟﴪور وﺗﺬﻫﺐ ٍ ٍ واﺳﻄﺔ ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ املﻮﺳﻴﻘﻰ املﺘﻄﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻮاﻗﻴﻊ ا ُملﺆداة أﺣﺴﻦ ﺑﻮاﺳﻄﺔ أو ﺑﺪون اﻟﻌﻨﺎء ﱢ املﺨﻔﻒ ﻟﻮﻃﺄة اﻷﻟﻢ ﻋﲆ املﺮﻳﺾ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ أداءٍ ،ﺗﻜﻮن ﻣﻦ ﺑﻮاﻋﺚ اﻟﴪور ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺪواء ﺟﺎﻟﺒﺎت اﻟﴪور وﻣﺬﻫﺒﺎت اﻟﻌﻨﺎء ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻨﺎول اﻷﻃﻌﻤﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺪﻓﻊ أﻟﻢ اﻟﺠﻮع وﻳﺤﺪث ﻟﺬة أﻛﻞ اﻷﻏﺬﻳﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ .وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺎﻟﻔﺎﺋﺪة أي اﻟﻨﻔﻊ ﻣﻮﺟﻮد ٌة ﻛﻠﻤﺎ ازداد اﻟﴪور وﻗ ﱠﻞ اﻟﻌﻨﺎء، وﻟﺴﻨﺎ ﻧﺘﻌﺮض إﱃ اﻟﺒﺤﺚ ﰲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﴪور وﻃﺒﻴﻌﺘﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻬ ﱡﻢ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ٍ واﺳﻄﺔ ﻛﺎﻟﺜﻴﺎب اﻟﺴﻴﺎﳼ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﻧﺘﻌﺮض إﱃ ﺗﺤﺪﻳﺪ وﺗﻌﻴني اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺠﺎﻟﺒﺔ ﻟﻠﴪور ﺑﺪون ٍ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻛﺎﻵﻻت اﻟﺘﻲ اﺳﺘُﺨﺪﻣﺖ ﻟﻌﻤﻞ ﻫﺬه اﻟﺜﻴﺎب ،وﺗﻜﻮن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻲ أﺟﺴﺎﻣﻨﺎ ،أو ﻧﺎﻓﻌﺔ ﺑﺎﻟﻮاﺳﻄﺔ إذا ﺻﻠﺤﺖ ﰲ اﺻﻄﻨﺎع اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻨﻔﺪﻫﺎ اﻷﻓﺮاد ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻛﺎﻵﻻت واﻟﻌِ ﺪد واملﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ )اﻟﺨﺎم( … إﻟﺦ ،أﻣﺎ املﺮﻛﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﻨﺰﻫﺔ ﰲ اﻟﺨﻠﻮات ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻓﺎملﻨﻔﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻻ واﺳﻄﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ ﺑﺨﻼف ﻋﺮﺑﺔ اﻟﻔﺮان اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﻴﺶ ﻣﻦ اﻟﻔﺮن ٍ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻳﺼﻌﺐ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﺎﻳني ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﻔﺮق ﺑني ﻛ ﱠﻞ ﻳﻮ ٍم ،ﻓﺈن اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻨﻬﺎ ٍ واﺳﻄﺔ ،وإن املﻠﻌﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﻟﺤﺎﻟﺘني ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻗﻠﻨﺎ إن اﻟﻐﺬاء اﻟﺬي ﻳﺪﺧﻞ ﰲ اﻟﻔﻢ ﻧﺎﻓ ٌﻊ ﺑﻼ ٌ ٍ ﺑﻮاﺳﻄﺔ. ﻧﺎﻓﻌﺔ ﺗﻮﺻﻞ ﻫﺬا اﻟﻐﺬاء إﻟﻴﻪ ) (9اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ اﻵن ﺑﺎﻟﺪﻗﺔ واﻟﻀﺒﻂ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﺜﺮوة ،وﻟﻜﻦ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﲆ اﻟﺪوام ﺳﻨﺴﺘﺒﺪﻟﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻴﺄﺗﻲ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،ﺗﺎر ًة ﺑﻠﻔﻈﺔ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ، وﺗﺎر ًة ﺑﻠﻔﻈﺔ املﺎل. واﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻫﻲ ﻛﻞ ﺟﺰءٍ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ﻣﺤﺪود اﻟﻜﻤﻴﺔ ،ﻧﺎﻓ ٌﻊ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻼﻧﺘﻘﺎل ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ: اﻟﺼﻮف واﻟﻘﻄﻦ واﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﺸﺎي واﻟﻜﺘﺐ واﻷﺣﺬﻳﺔ … إﻟﺦ ،ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﰲ ﺑﻌﺾ 17
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
اﻟﻈﺮوف وﻟﻴﺲ ﰲ ﻛﻠﻬﺎ؛ ﻷن اﻟﺼﻮف املﻮﺟﻮد ﻋﲆ ﺟﺴﻢ اﻟﺸﺎة اﻟﻬﺎﺋﻤﺔ ﰲ اﻷودﻳﺔ واﻟﺠﺒﺎل ً ُﺤﺴﺐُ ﻻﻳ َ ﺑﻀﺎﻋﺔ ،وﻣﺜﻠﻪ اﻟﺤﺪﻳﺪ املﻮﺟﻮد داﺧﻞ املﻨﺠﻢ وﻟﻢ ﻳُﺴﺘَﺨ َﺮج ﻣﻨﻪ ،ﻓﺎﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﺑﻨﺎءً ً ﺣﻘﻴﻘﺔ ،ﻣﺮﻏﻮبٌ ﻓﻴﻪ ،ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻴﻌﻪ واﺑﺘﻴﺎﻋﻪ. ﻧﺎﻓﻊ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻫﻲ ﻛ ﱡﻞ ﳾءٍ ٍ ً وﺑﺪﻻ ﻋﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻟﻔﻈﺔ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﺳﻨﺴﺘﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻛﻠﻤﺔ املﺎل؛ ﻷﻧﻬﺎ أﻋﻢ وأﺳﻬﻞ ﰲ اﻟﻨﻄﻖ ،ﻣﻊ ﺗﺬﻛري اﻟﻘﺎرئ ﺑﺄن أﻟﻔﺎظ املﺎل واﻟﺒﻀﺎﻋﺔ وأﺟﺰاء اﻟﺜﺮوة ﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺔ املﻌﻨﻰ.
18
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﲏ ﰲ املﻨﻔﻌﺔ
ٌ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ) (1اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻨﺎ ً ﻧﻮع إذا أﻣﻌﻨﱠﺎ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﺮﻫﺔ ﻧﺮى ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم أن رﻏﺒﺘﻨﺎ ﻻ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﱠإﻻ إﱃ ﺟﺰءٍ ﺣﻘ ٍ ري ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻧﻮع وﺟﺰءٍ ﻣﻦ آﺧﺮ ،واملﻌﺎﻳﻨﺔ ﺗﺜﺒﺖ أن ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ،وأﻧﻨﺎ ﻧﻔﻀﻞ اﻣﺘﻼك ﺟﺰءٍ ﻣﻦ ٍ اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﻤﻴﻞ إﱃ ﺟﻌﻞ ﻏﺬاﺋﻪ ﻣﺮﻛﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻘﻂ أو اﻟﺒﻄﺎﻃﺲ ﻓﻘﻂ أو اﻟﻠﺤﻢ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ إﱃ ﺗﻔﻀﻴﻞ اﻟﻐﺬاء ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﻌﻴﺶ واﻟﺒﻄﺎﻃﺲ ﻣﻌً ﺎ ،ورﺑﻤﺎ أﺿﺎف إﻟﻴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ املﴩوﺑﺎت املﻨﻌﺸﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻧﺮى أن اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻼﺑﺲ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ. ﻧﻌﻢ ،ﻗﺪ ﻳﺸﺘﻬﻲ وﻻ رﻳﺐ أن ﻳﻜﻮن ﺣﺎﺋ ًﺰا ﻋﲆ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻠﺒﻮﺳﺎت ،وﻟﻜﻦ ﻋﲆ ﴍﻳﻄﺔ أن ﻳﻜﻮن ً ﺑﻌﻀﻬﺎ ً ﺧﻔﻴﻔﺎ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻟﻠﻨﻬﺎر واﻵﺧﺮ ﻟﻠﻴﻞ ،وﻏريﻫﺎ ﻟﻸﺳﻔﺎر ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا. ﺛﻘﻴﻼ وﺑﻌﻀﻬﺎ وﻣﻦ اﻟﻬﺬﻳﺎن واﻟﺘﻔﺎﻫﺔ أن ﺗﻜﻮن ﺧﺰاﻧﺔ اﻟﻜﺘﺐ ﺟﻤﻴﻊ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻣﺘﻤﺎﺛﻠﺔ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ وأن املﺸﻬﻮر ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ﻋﺪم اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻊ ﺑني ﻧﺴﺨﺘني ﻣﺘﻤﺎﺛﻠﺘني ،ﻓﻜﻴﻒ ﺑني ﻣﺠﻠﺪات ﻣﻜﺘﺒ ٍﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ،وﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال وﻏريﻫﺎ ﻧﺮى أن اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻹﻧﺴﺎن ﺗﻤﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﻐري واﻻﺧﺘﻼف ،ﻓﺈذا ﻗﴣ اﻹﻧﺴﺎن ﻟُﺒﺎﻧﺘﻪ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ اﺳﺘﺒﺪﻟﻬﺎ ﺑﺄﺧﺮى وﻫﻜﺬا ،وﻗﺪ ﺳﻤﱠ ﻰ ﺳﻨﻴﻮر اﻟﺬي ﺳﺒﻖ إﻳﺮاد اﺳﻤﻪ ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ﺑﻨﺎﻣﻮس اﻟﺘﻨﻮع ،وﻫﻮ أﻫﻢ اﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ. ﺗﺴﻠﺴﻼ ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎً ، ً وﻳُﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﻫﺬا أن ﻟﻸﻫﻤﻴﺔ ﰲ ﺗﺘﺎﺑﻊ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻨﺎ ﻓﻤﺜﻼ اﻟﻐﺬاء ﴐوريﱞ ﻟﺤﻴﺎﺗﻨﺎ ،ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻏريه ﻧﻜﻮن ﺳﻌﺪاء إذا ﺣﺼﻠﻨﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﻴﺶ اﻟ َﻜﻔﺎف ،وﻣﺘﻰ ﺣﺼﻠﻨﺎ
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻌﻴﺶ ﻟﺰﻣﺘﻨﺎ اﻟﻠﺤﻮم واﻟﺒﻘﻮل واﻟﻔﻮاﻛﻪ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﺄﻛﻮﻻت اﻟﻠﺬﻳﺬة ،وﻟﻴﺴﺖ املﻼﺑﺲ ﺑﺪرﺟﺔ اﻷﻏﺬﻳﺔ ﰲ اﻟﴬورة ،وﻟﻜﻦ إذا ﺻﺎر ﰲ وﺳﻊ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻣﻨﺰل ﻣﻌﺎﺷﻪ ﺑﺎﻟﺴﻌﺔ واﻟﻴﴪ اﺑﺘﺪاءً ﰲ ﺗﺤﺴني ﻟﺒﺎﺳﻪ ،ﺛﻢ ﺗﺘﻠﻮ ذﻟﻚ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ٍ ﻣﻨﺰل أرﻓﻊ ذرو ًة وأوﺳﻊ ﻟﻠﻤﻌﻴﺸﺔ ﻓﻴﻪ ،وﻛﻠﻤﺎ ازدادت اﻟﺜﺮوة ﻛﻠﻤﺎ ازدادت اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ ﺳﻜﻦ ٍ ﻓﻨﺎءً ،وﻣﺘﻰ ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻫﺬا املﻨﺰل ﺗﻮﺟﻬﺖ إرادﺗﻪ إﱃ ﻓﺮﺷﻪ ﺑﺎﻷﺛﺎث اﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﺧﺰاﻧﺎت اﻟﻜﺘﺐ ،وأﻟﻮاح اﻟﺮﺳﻮم ،وآﻻت املﻮﺳﻴﻘﻰ ،وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﻟﻮازم اﻟﺒﺬخ ،وﻋﲆ ﻫﺬا املﻨﻮال ﺗﻜﻮن ً ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﲆ املﺜﺎل اﻵﺗﻲ؛ وﻫﻮ اﻟﻐﺬاء واﻟﻠﺒﺎس واملﺴﻜﻦ واﻟﺘﻌﻠﻢ واﻟﺰﺧﺮﻓﺔ واﻟﻠﻬﻮ. اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ وﻣﻤﺎ ﺗﻬﻢ ﻣﻼﺣﻈﺘﻪ أﻧﻪ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ٌ ﻏﺎﻳﺔ وﻻ ﺣ ﱞﺪ ﻟﻸﺷﻴﺎء املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻤﻴﻞ اﻟﻐﻨﻲ إﱃ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﺬي ﻳﻤﻠﻚ ﺑﻴﺘًﺎ ً ﻻﺋﻘﺎ ﺑﻪ ﻳﻮد ﻟﻮ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﻣﻨﺰ ٌل آﺧﺮ ،وﻗﺪ ﻻ ﻳﻘﺘﴫ ﺑﻌﺾ اﻷﻏﻨﻴﺎء واملﺜﺮﻳﻦ ﻋﲆ ﻣﻨﺰ َﻟ ْني ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ،أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺪاﺧﻞ املﺪﻳﻨﺔ واﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺄﻃﺮاﻓﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻳﺘﺨﺬ ﻟﻪ أرﺑﻌﺔ أو ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻨﺎزل أو أﻛﺜﺮ ،وﻳُﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﻫﺬه املﻠﺤﻮﻇﺎت أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻟﺪى اﻟﺸﻌﻮب املﺘﻤﺪﻧﺔ اﻟﺜﺮوة اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ اﻟﻜﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻧﻘﻄﺎع أﻓﺮادﻫﺎ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻋﲆ ﻃﻠﺒﻬﺎ واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ إذ إﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻴﴪ ﻟﻨﺎ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺪﻳﺪ ًة ،ﻓﺈﻧﻪ ﺗﻮﺟﺪ أﺷﻴﺎء أﺧﺮى ﻧﺘﻤﻨﻰ ﻟﻮ أن ﺗﻘﻊ ﰲ أﻳﺪﻳﻨﺎ. ﱠ ﺗﺤﺴﻦ ﻏﺬاؤه اﺷﺘﻬﻰ اﻟﻠﺒﺎس اﻟﺤﺴﻦ ،ﻓﺈذا وﻗﺪ د ﱠﻟﺖ املﺸﺎﻫﺪات ﻋﲆ أن اﻹﻧﺴﺎن إذا ﻣﻨﺰل ﻃﻴﺐ املﻨﺎخ ،ﺟﻤﻴﻞ اﻟﻮﺿﻊ ،ﻳﻔﺮﺷﻪ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎش ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻫﺬه اﻷﻣﻨﻴﺔ ﻃﻤﺢ إﱃ اﻣﺘﻼك ٍ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ واملﺘﺎع اﻟﻨﻔﻴﺲ ،وإذا ﻓﺎﺿﺖ ﻟﺪﻳﻪ اﻟﺨريات وﻛﺜﺮ ﻫﻄﻮل اﻟﻨﻌﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻼ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻓﺮع واﺣ ٍﺪ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻴﺲ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻔﺮوع ﻣﻌً ﺎ؛ ﻷن املﺰارﻋني ﻗﺪ ﻳﺴﻘﻄﻮن ﻣﻦ ذروة ﱠإﻻ ﰲ ٍ اﻟﺜﺮوة إذا ﻛﺜﺮت ﻋﻨﺪﻫﻢ اﻟﺤﺒﻮب ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﺳﺘﻨﻔﺎدﻫﺎ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ً ﺑﺪﻻ ﻋﻦ اﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻮب أن ﻳﴫﻓﻮا ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﻢ إﱃ اﻻﺳﺘﻨﻔﺎع ﻣﻦ ﻟﺤﻮم اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت وأﻟﺒﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻳُﺨﴙ واﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬه ﻣﻦ أن اﻵﻻت ﺗﺤﺪث ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻜﺜرية ﻣﺎ ٍ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ،وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺪوﺛﻪ ﻫﻮ ﻳﻀﻄﺮ اﻟﻌﻤﺎل إﱃ ﻣﻼزﻣﺔ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ وذﻟﻚ ملﺪ ٍة ً ﺻﻨﻌﺔ أن أوﻟﺌﻚ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪ ﴐب ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻦ ﺗﻨﺎول ﺻﻨﻌﺘﻬﻢ ﻳﺘﺨﺬون ﻟﻬﻢ ﻏري اﻷوﱃ.
20
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ً ﻧﺎﻓﻌﺔ؟ ) (2ﻣﺘﻰ ﺗﻜﻮن اﻷﺷﻴﺎء ً ﻧﺎﻓﻌﺔ؟ وﻣﺘﻰ ﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﻐﺮض اﻷﺻﲇ اﻟﺬي ﻧﺮﻣﻲ إﻟﻴﻪ ،إﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺒﺤﺚ :ﻣﺘﻰ ﺗﻜﻮن اﻷﺷﻴﺎء ﻛﺬﻟﻚ؟ ﻓﻨﻘﻮل :إن ذﻟﻚ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﺑﺎﺣﺘﻴﺎﺟﻨﺎ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻴﺎء أو ﻋﺪم اﺣﺘﻴﺎﺟﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ، ﻓﺈن أﻏﻠﺐ اﻷﺷﻴﺎء املﺤﻴﻄﺔ ﺑﻨﺎ ﻛﺎﻟﻬﻮاء واملﺎء واملﻄﺮ واﻷﺣﺠﺎر واﻷرض … إﻟﺦ ،ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ﰲ ﳾءٍ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﻘﺼﻨﺎ ،أو ﻷن اﻟﻼزم ﻟﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻠﻴ ٌﻞ وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻜ ﱢﻞ ٍ ﴎﻋﺔ ،وﻟﻨﺒﺤﺚ ﺑﻜ ﱢﻞ اﻋﺘﻨﺎءٍ ﻋﻤﱠ ﺎ إذا ﻛﺎن ﻳﺠﻮز اﻟﻘﻮل ﺑﺄن املﺎء ﻧﺎﻓ ٌﻊ وﰲ أي ﻣﻌﻨًﻰ. ﺳﻤﻌﻨﺎ ً أﻧﺎﺳﺎ ﻛﺜريﻳﻦ ﻳﺰﻋﻤﻮن أن املﺎء أﻧﻔﻊ املﻮاد املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﺬﻟﻚ وﻣﻜﺎن ،وﻟﻜﻦ إذا ﻃﻐﻰ املﺎء ﻓﻮﺻﻞ إﱃ أﻋﺘﺎب املﻨﺎزل وﺗﺠﺎوزﻫﺎ إﱃ اﻟﺪاﺧﻞ، زﻣﺎن ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ٍ ﻓﺈن املﻨﻔﻌﺔ ﺗُﺴ َﻠﺐ وﻻ ﺷ ﱠﻚ ﻋﻨﻪ ،وإذا رﺷﺢ ﰲ اﻟﺠﺪران ﻓﺴﺒﺐ إﺻﺎﺑﺔ املﻔﺎﺻﻞ ﺑﺎﻵﻻم ﻧﻘﻲ اﻟﺸﺪﻳﺪة اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﻼ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺎره ﻣﴬٍّ ا وﻏري ﻧﺎﻓﻊ ،وإذا اﺣﺘﺎج إﻧﺴﺎ ٌن إﱃ ﻣﺎءٍ ﱟ ٍ ﻓﺤﻔﺮ ﺑﱤًا وﻋﺜﺮ ﻋﲆ ِﻃﻠﺒﺘﻪ وﻫﻲ ﻫﺬا املﺎء ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻮن ﻧﺎﻓﻌً ﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ إذا ﺣﻔﺮ ﺑﱤًا ﻣﻦ آﺑﺎر املﻌﺎدن أو ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﻔﺤﻢ اﻟﺤﺠﺮي ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺤﻔﺮ إذ وردت املﻴﺎه وﺣﺎﻟﺖ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻔﺤﻢ ،ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن املﺎء ﻳﻜﻮن ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺧِ ﻠﻮٍّا ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺋﺪة واﻟﻨﻔﻊ ،وﻗﺪ ﻳﺤﺪث أن اﻷﻣﻄﺎر ﺗﺴﻘﻂ ﺑﻐري اﻧﺘﻈﺎ ٍم ﰲ ﺑﻌﺾ املﻤﺎﻟﻚ ﻛﺄﺳﱰاﻟﻴﺎ ً ﻣﺜﻼ ،ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﺠﻔﺎف ﺳﻨﺔ أو ﺳﻨﺘني ،وﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ، وﺗﺠﻒ اﻷﻧﻬﺎر ﰲ داﺧﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺎرة ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﺗﻨﻀﺐ املﻴﺎه ﺑﺤﻴﺚ إن املﺴﺘﻨﻘﻌﺎت اﻵﺳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮواﺋﺢ اﻟﻜﺮﻳﻬﺔ ﺗُﻌﺘﱪ وﻗﺘﺌ ٍﺬ ﻣﻦ أﻧﻔﺲ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳ َ ُﺤﱰز ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﺤﻔﻆ ري ﺣﻴﺎة ﻗﻄﻌﺎن املﺎﺷﻴﺔ واﻷﻏﻨﺎم ،وﰲ ﺑﻼد اﻟﻐﺎﻟﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺛﻤﻦ اﻟﺪﻟﻮ ﻣﻦ املﺎء ﰲ ﻛﺜ ٍ ً ﺷﻠﻨﺎت )ً ١٥ ٍ ﺻﺎﻏﺎ( ،ﻓﺈذا ﺗ ﱠﻢ دور اﻟﺠﻔﺎف ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻘﻄﺖ املﻴﺎه ﻗﺮﺷﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺎﻳني ﺛﻼث ً ﺑﻐﺘﺔ ﰲ اﻷﻧﻬﺎر ﻓﺘﺪﻣﱢ ﺮ ﻣﺎ ﺗﻤ ﱡﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﻮر واﻟﻘﻨﺎﻃﺮ واملﻨﺎزل ،وﺗﻐﺮق اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان ،وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ ﺗﻤﺎم اﻟﻮﺿﻮح أﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن املﺎء ﻳﻜﻮن ﻧﺎﻓﻌً ﺎ أﺣﻮال ﻛﺜريةٍ. داﺋﻤً ﺎ؛ ﻷﻧﻪ أﴐﱠ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ﰲ ٍ وﻣﻠﺨﺺ ﻣﺎ ﻳُﺆﺧﺬ ﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﻫﻮ أن املﺎء ﻳﻜﻮن ﻧﺎﻓﻌً ﺎ ﰲ املﻜﺎن واﻟﺰﻣﺎن اﻟﺬي ﻧﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﴍط أن ﻳﻜﻮن ﺑﻤﻘﺪار اﻟﺤﺎﺟﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻛ ﱡﻞ املﺎء ﻧﺎﻓﻌً ﺎ وإﻧﻤﺎ اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﰲ ٍ وﻗﺖ ﻣﻌﻠﻮ ٍم وﻫﻮ وﻗﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ. وﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ اﻵن اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎه أن ﺗﻜﻮن اﻷﺷﻴﺎء ﻣﺤﺪودة اﻟﻜﻤﻴﺔ ﺗُﺤﺴﺐ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ،وﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺤﺪودًا ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻪ؛ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن ﻻ أﻗﺪاح ﰲ اﻟﻴﻮم ،وﻻ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ وزﻧﻪ ﻋﲆ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﴩب أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ أو أرﺑﻌﺔ ٍ 21
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
أرﻃﺎل ﻣﻦ اﻟﻐﺬاء ،وﺑﻬﺬه املﺜﺎﺑﺔ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﺑﻤﻘﺘﻀﺎه ﻻ ﺑﻌﺾ ٍ ﻳ َ ُﺤﺴﺐ اﻟﺜﻮر اﻟﻀﺨﻢ ﰲ ﺟﻬﺎت أﻣريﻛﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة؛ وﻫﻮ ﻛﺜﺮة ﻋﺪد اﻟﺜريان وﻗﻠﺔ ﻋﺪد اﻵﻛﻠني ،ﻧﻌﻢ إن اﻟﺜﻮر اﻟﺬي ﻳُﺆﻛﻞ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻧﺎﻓ ٌﻊ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﻓﺮاد ﻧﻔﻌﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻷﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ،وﻟﻜﻦ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﰲ اﻷول ٌ ﻏﺎﻳﺔ ﰲ اﻟﺒﺨﺲ؛ ﺑﺴﺒﺐ ﻛﺜﺮة املﻮاﳾ وﻋﺪم اﺣﺘﻴﺎج اﻷﻫﻠني ﻟﺠﻤﻴﻌﻬﺎ. ) (3ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻏﺎﻳﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻌﻰ إﻟﻴﻬﺎ ﰲ وﺳﻌﻨﺎ اﻵن أن ﻧﻘﻒ اﻟﻮﻗﻮف اﻟﺘﺎم ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ اﻹملﺎم ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ، وﻫﻮ ﻗﻀﺎء ﺣﻮاﺋﺠﻨﺎ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻘﺪر اﻟﻄﺎﻗﺔ ،وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻟﺬﻟﻚ أن ﻧﺒﺤﺚ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾءٍ ﻋﲆ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﴬورﻳﺔ ﻟﻨﺎ ،ﻓﻨﻘﻮل :ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﳾءٍ إذا ﺻﺎر ﰲ ﻗﺒﻀﺘﻨﺎ ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﻷﻣﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر ،وﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﴚء اﻟﺬي ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ ﻣﺘﻨﺎﺳﺒًﺎ ﻣﻊ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻨﺎ؛ ﻓﻼ ﻳﺠﺐ ٍ ً ً ﻣﺜﻼ ﻋﲆ ﺻﺎﻧﻊ اﻷﻣﺘﻌﺔ واﻷﺛﺎث أن ﻳﺼﻨﻊ ﻋﺪدًا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﻣﻦ املﻮاﺋﺪ وﻋﺪدًا ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ اﻟﻜﺮاﳼ، ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻞ ﻳﺠﻌﻞ ﻋﺪد ﻫﺬه أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺪد ﺗﻠﻚ ،وﻫﻜﺬا اﻟﺤﺎل ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻳﺠﺐ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻠﻪ وأداﺋﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ ،وﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن املﺼﻨﻮع ﻣﻨﻪ زﻳﺎد ًة ﻋﻦ اﻟﻼزم؛ إذ اﻷﺣﺴﻦ ﴏف اﻟﻮﻗﺖ واﻟﺘﻌﺐ واملﺎل ﰲ ﻋﻤﻞ ﳾءٍ ﻏري اﻷول. وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ً أﻳﻀﺎ أن ﻧﺒﺬل ُﻗﺼﺎرى اﻟﺠﻬﺪ ﰲ اﻹﺣﺪاث واﻹﻳﺠﺎد ﺑﺄﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ؛ إذ إن اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻨﺎءٌ ﱞ ﺷﺎق ،وﻧﺤﻦ إﻧﻤﺎ ﻧﺮﻏﺐ أن ﻧﺮﻓﻊ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ ُﻛ ْﻠﻔﺔ اﻟﻌﻨﺎء واملﺸﻘﺔ واﻟﻘﻠﻖ ﻋﲆ ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻌﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﻪ اﻷﺳﺘﺎذ ﻫﺮن Hearn أﺣﺪ أﺳﺎﺗﺬة ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﻠﺒﻮرن Melbourneاﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،ﻋﻠﻢ ﺑﺬل املﺠﻬﻮد ﻟﻘﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺎت، وﻧﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺮوﻣﻬﺎ ﻣﻦ أﻗﺮب اﻟﻄﺮق املﻮﺻﻠﺔ إﻟﻴﻬﺎ وأﻛﺜﺮﻫﺎ ً ﺳﻬﻮﻟﺔ ،وﻫﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻮال ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة اﻟﻮاﻓﺮة ﻣﻊ ﺑﺬل أﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ. ) (4ﻣﺘﻰ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﺳﺘﻨﻔﺎد اﻟﺜﺮوة؟ ٍ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻫﻮ ﺳﻠﺐ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻨﻬﺎ ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ اﻟﻔﺤﻢ املﺤﺮوق واﻟﺨﺒﺰ اﺳﺘﻨﻔﺎد ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻄﺮق املﺄﻛﻮل واﻵﻧﻴﺔ املﻜﺴﻮرة وﻫﻜﺬا ،وﺗﻔﻘﺪ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ أي ﻣﻨﻔﻌﺘﻬﺎ ٍ اﻟﻔﺴﺎد ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﰲ اﻟﻠﺤﻮم واﻷﺳﻤﺎك ،وﺗﺠﺪد اﻷزﻳﺎء ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺴﺎء ،واﻟﻘِ ﺪم ﻛﻤﴤ اﻟﺴﻨﺔ 22
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻋﲆ اﻟﺘﻘﻮﻳﻢ املﻮﺿﻮع ﻟﻬﺎ … إﻟﺦ ،وﻗﺪ ﺗﺘﻠﻒ اﻷﺑﻨﻴﺔ وﺗﺤﱰق ﻣﺨﺎزن اﻟﺤﺒﻮب وﺗﻐﺮق اﻟﺴﻔﻦ، ﺑﴪﻋﺔ وﺗُ َ ٍ ﻔﻘﺪ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺰول املﻨﻔﻌﺔ ﺑﺒﻂءٍ أو ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﺳﺘﺨﺪام اﻷﺷﻴﺎء ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎل إذا أردﻧﺎ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ ،وأن ﻧﺴﺘﻔﻴﺪ ﺑﻘﺪر اﻹﻣﻜﺎن ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺣﻈﻴﻨﺎ وﻧﺤﻈﻰ ﺑﺎﻣﺘﻼﻛﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﺘﻠﻒ ﳾءٌ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل ﻛﺎﻟﻜﺘﺎب وﻟﻮح اﻟﺼﻮرة ،ﻓﻜﻠﻤﺎ ازداد اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ازدادت ﻣﻨﻔﻌﺘﻪ ،وﻳﺰﻳﺪ ﻧﻔﻌً ﺎ ً أﻳﻀﺎ إذا اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻳ ٍﺪ إﱃ أﺧﺮى ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﰲ اﻟﻜﺘﺐ املﻮﺟﻮدة ﺑﻘﺎﻋﺎت املﻄﺎﻟﻌﺔ ،وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﺤﺪث ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺑﺘﻀﺎرب املﻨﻔﻌﺔ أي ﺗﻀﺎﻋﻔﻬﺎ ،ﻓﺈن ﺧﺰاﺋﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ودور اﻟﺘﺤﻒ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ وﻏريﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﻀﺎﻫﻴﻬﺎ ﺗﺠﻌﻞ املﻨﻔﻌﺔ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ واملﴫوﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺗُﴫف ﰲ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻟﻠﻤﻨﻔﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺘﻄﻒ ﻣﻨﻬﺎ. وأﻣﺎ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻼﳽ ﺑﻤﺠﺮد اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل ﻛﺎﻟﻐﺬاء ً ﻣﺜﻼ ،ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻻ ﻳﻨﺘﻔﻊ ٌ ﺷﺨﺺ واﺣﺪٌ ،وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﺳﺘﻨﻔﺎدﻫﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺣﺎﺋﺰ ًة ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﻣﺜﻼ ً ﻋﲆ أﻋﻈﻢ ﺻﻔﺎت املﻨﻔﻌﺔ واﻟﻔﺎﺋﺪة ،وﻟﻨﻔﺮض ً رﺟﻼ ﺿ ﱠﻞ ﰲ اﻟﺼﺤﺎري واﻟﻘﻔﺎر ،وﻟﻢ ً دﻓﻌﺔ واﺣﺪ ًة، ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻐﺬاء ،ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺪ ﻓﺎﻗﺪ اﻟﻌﻘﻞ إذا أﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻪ ﺳﻮى ﺟﺰءٍ ٍ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ وﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻋﲆ وﺷﻚ ﺗﻜﺒﺪ آﻻم اﻟﺠﻮع ﻣﺪة أﻳﺎ ٍم ،أﻣﺎ إذا ﺟﻨﺢ إﱃ ادﱢﺧﺎر ذﺧريﺗﻪ واﻟﺤﺮص ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﺟﺰءًا واﺣﺪًا ﻳﺮاه ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻧﺸﺎﻃﻪ وﺑﺚ اﻟﻘﻮة ﻓﻴﻪ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻗﺪ أﺣﺴﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﰲ اﻟﻌﻮاﻗﺐ ،وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻘﺘﺪي ﺑﻪ ﰲ ادﱢﺧﺎر ﻣﺎ ﻧﺴﺘﻔﻴﺪه ﻣﻦ املﺎل أﺛﻨﺎء ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ،ﻓﻼ ﻳﴫف اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻣﻨﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺴﺒﻪ ﻣﺪة ازدﻳﺎد ﺣﺮﻛﺔ اﻷﻋﻤﺎل؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ إذا ﺑﻄﺄت ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻴﺨﻠﺪ ﻋﻨﺪﺋﺬ إﱃ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ واﻟﻜﺴﻞ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺤﺎل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﺎ ﻳﴫف ﻣﻦ املﺎل أﻳﺎم اﻟﺸﺒﻴﺒﺔ ﰲ اﻟﺒﺬخ واﻷﻣﻮر اﻟﺘﺎﻓﻬﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻨﻔﻊ أﻳﺎم اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻌﺬر اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﴬورﻳﺎت اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ،واملﺄﺧﻮذ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﻫﻮ أن اﻟﺜﺮوة ﺗُﺴﺘﻨﺘﺞ ﻟﺘُﺴﺘﻨﻔﺪ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺼﺢ أن ﺗُﺴﺘﻨﻔﺪ ﱠإﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻔﻌﺔ اﺳﺘﻔﺎدﺗﻬﺎ ﻋﻈﻴﻤﺔ. ) (5ﰲ اﻟﻮﺳﺎوس املﺘﺪاوﻟﺔ ﺑﺸﺄن اﻻﺳﺘﻨﻔﺎد ﻻ ﻳﻨﺪر ﺳﻤﺎع ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻳﺰﻋﻤﻮن ﺑﺄن اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺬل املﺎل ﻟﺘﻌﻀﻴﺪ اﻟﺘﺠﺎرة وﺗﻮزﻳﻊ ﻧﻄﺎﻗﻬﺎ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﻪ إذا اﻛﺘﻨﺰ ﻛ ﱡﻞ واﺣ ٍﺪ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ املﺎل ً ﺑﺪﻻ ﻋﻦ ﺑﺬﻟﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﻴﻞ، ﻓﺈن اﻟﺘﺠﺎرة ﻻ ﻳﻨﻔﻖ ﺳﻮﻗﻬﺎ ،واﻟﻌﻤﺎل ﻻ ﻳﺠﺪون ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﻪ ،وﻧﴫاء ﻫﺬه املﺰاﻋﻢ ﻫﻢ اﻟﺘﺠﺎر؛ إذ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻤﻜﻦ اﻟﺨﻴﺎط ً ﻣﺜﻼ ﻣﻦ إﻗﻨﺎع زﺑﻮﻧﻪ ﺑﻮﺟﻮب ﻋﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻪ ﻣﻦ املﻼﺑﺲ ﻋﻨﺪه ﻛﻠﻤﺎ ازدادت أرﺑﺎﺣﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ورﺑﺖ ﻓﻮاﺋﺪه اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﺛﻢ إن اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ 23
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ً ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻟﺼﺎﻟﺤﻪ؛ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻳﻌﱰﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻴﺎﻟﻮن إﱃ ﺗﺼﺪﻳﻖ اﻟﱪاﻫني اﻟﺘﻲ ﻳﺨﺎﻟﻬﺎ اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﴪور اﻟﻨﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﴍاﺋﻬﻢ ﻣﻼﺑﺲ ﺟﺪﻳﺪة وأﺷﻴﺎء ﻣﺤﺒﻮﺑﺔ ،واﻟﱪاﻫني اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪدﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻏﻼط املﴬﱠ ة. ٍ وﺳﻴﻠﺔ ﻣﻦ وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻊ اﻟﻐﻨﻲ أن ﻳﺤﺘﻤﻲ ﻋﻦ ﺗﻨﺸﻴﻂ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺄﻳﺔ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ،ﻓﺈذا اﻗﺘﺼﺪ ﻧﻘﻮده ﻓﺎملﺮﺟﺢ أﻧﻪ ﻳﻀﻌﻬﺎ ﰲ أﺣﺪ اﻟﺒﻨﻮﻛﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻠﺒﺚ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻼ ﻓﺎﺋﺪةٍ؛ ﻷن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻨﻚ ﻳﻘﺮﺿﻬﺎ ﻟﻠﺘﺠﺎر وأﺻﺤﺎب املﻌﺎﻣﻞ وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻧﻄﺎق أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ وﺗﻜﺜري ﻋﺪد ﻋﻤﱠ ﺎﻟﻬﻢ ،وإذا اﺷﱰى ﺑﻬﺎ أﺳﻬﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻓﺈن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺒﻀﻮن ﻣﻨﻪ ﺛﻤﻦ ﻫﺬه اﻷﺳﻬﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻪ ﰲ اﺳﺘﺜﻤﺎر ً ﻓﻀﺔ وذﻫﺒًﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺎﺋﺪ ًة ﻣﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﻓﺎﺋﺪ ٍة ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ ،أﻣﺎ إذا اﻛﺘﻨﺰ ﻧﻘﻮده ٌ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﰲ إﺧﻔﺎء اﻟﺬﻫﺐ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ ﻃﻠﺐ اﻟﻔﻀﺔ واﻟﺬﻫﺐ واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،وإذا اﻫﺘ ﱠﻢ ﻓﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺗﻜﻮن ﺣﺾ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﰲ أﻋﻤﺎل اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ وﻏريﻫﺎ ﻋﲆ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺎﺳﺘﺨﺮاج ﻣﻌﺪن اﻟﺬﻫﺐ. وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺮى أن اﻟﻐﻨﻲ ﺑﺘﻌﻴﻴﻨﻪ ﻃﺮﻳﻖ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻧﻘﻮده ﻳﺮﺷﺪ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ إﱃ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ إﻗﺒﺎﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ. ٍ ٍ راﻗﺼﺔ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﺘﻜﺜري ﻋﺪد ﺻﺎﻧﻌﻲ اﻷزﻳﺎء ﺑﻠﻴﻠﺔ وإذا راق ﻟﺪﻳﻪ أن ﻳﺤﺘﻔﻞ واملﻼﺑﺲ وأدوات اﻟﺰﻳﻨﺔ واﻟﺮوﻧﻘﺔ … إﻟﺦ ،وﻻ ﺷ ﱠﻚ ﰲ أن اﻟﺤﻔﻠﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺄﺛريٌ ﻋﻈﻴﻢٌ ،وﻟﻜﻦ إذا اﻗﺘﺪى ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻐﻨﻲ ﰲ إﺣﻴﺎء اﻟﺤﻔﻼت وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﻠﻴﺎﱄ ً ﻣﻬﻨﺔ ﻟﻬﻢ ،أﻣﱠ ﺎ إذا وﺿﻊ اﻷﻏﻨﻴﺎء اﻟﺮاﻗﺼﺔ ،ﻓﺈن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎع ﻳﺘﺨﺬون ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ٍ ري ﻧﻘﻮدﻫﻢ ﻹﻧﺸﺎء ﺳﻜﺔ ﺣﺪﻳﺪﻳ ٍﺔ ﺟﺪﻳﺪ ٍة ﻓﻼ ﺑ ﱠﺪ ﻟﻬﺬه اﻟﺴﻜﺔ ﻣﻦ ﻣﻔﺘﺸني وﻣﻬﻨﺪﺳني وﻛﺜ ٍ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻤﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل. ً أﻣﺮ واﺣﺪٍ ،وﻫﻮ ﻫﻞ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ،ﻓﺈن املﺴﺄﻟﺔ ﺗﻨﺤﴫ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﰲ ٍ املﺮاﻗﺺ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﺳﺘﻔﺎدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ؟ إن اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺮﻗﺺ ﻗﺪ ﻳﺪﺧﻞ ً اﻟﴪور ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ٍ ﺑﺎﻫﻈﺔ ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﻔﻠﺔ وﻗﺖ ﻣﺤﺪودٍ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻜﻠﻒ ﻣﺼﺎرﻳﻒ واملﺪﻋﻮﻳﻦ ﻋﻨﺪه؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻀﻄﺮون إﱃ ﴍاء املﻼﺑﺲ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻠﻒ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺒﺎﻫﻈﺔ، ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ارﺗﻴﺎﺣً ﺎ وﺑﻤﺠﺮد اﻧﻘﻀﺎض ﺣﻔﻠﺔ اﻟﺮﻗﺺ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺎﺋﺪ ٌة، ﻣﺴﺘﻤ ٍّﺮا ﻋﻨﺪ ﻣَ ْﻦ ﺣﴬﻫﺎ ،أﻣﺎ اﻟﺴﻜﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﺒﺒًﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻼوﺳﻄﻴﺔ ﻟﻠﴪور ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻨﻘﺺ أﺛﻤﺎن اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺑﺴﺒﺐ ﺳﻬﻮﻟﺔ اﻟﻨﻘﻞ ،وﺗﺴﻤﺢ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺑﺎﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻟﻬﺮج اﻟﺤﺎﺻﻞ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ اﻟﺨﻠﻮات ،ﺣﻴﺚ اﻟﺴﻜﻮن واﻟﻬﺪوء ودواﻋﻲ اﻟﺼﺤﺔ. 24
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮن املﺤﺾ اﺳﺘﺤﺴﺎن اﻻﺳﺘﻨﻔﺎد ﻟﺬاﺗﻪ ،أو ﻷﻧﻪ ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻀﺪًا ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﻣﻮﺳﻌً ﺎ ﻟﻨﻄﺎﻗﻬﺎ؛ إذ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن وﻗﺖ ﴏف ﺛﺮوﺗﻪ أن ﻻ ﻳﻔﺘﻜﺮ ﱠإﻻ ﰲ اﻟﻔﻮاﺋﺪ واملﺰاﻳﺎ اﻟﻌﺎﺋﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺸﻌﺐ. وﻳﻘﻊ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺧﻄﺄٍ ﻣﻀﺎد ﻟﺬﻟﻚ ،وﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﱪون ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻳُﴫَف ﴐ ًرا ،وﻳﻘﻮﻟﻮن: ﺳﺒﻴﻞ ﺗُﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﺜﺮوة ﻫﻮ اﻟﺤﺮص ﻋﻠﻴﻬﺎ واﺳﺘﺰادﺗﻬﺎ ﺑﺎﻷرﺑﺎح ،أو إﻫﻤﺎل إن أﺣﺴﻦ ٍ ﻫﺬه واﻻﻗﺘﺼﺎر ﻋﲆ اﻛﺘﻨﺎز اﻟﺬﻫﺐ ﻟﺬاﺗﻪ .ﻫﺬا ﻫﻮ ﺗﺼﻮر اﻟﺒﺨﻼء ،وﻻ ﻳﺨﻠﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻦ وﺟﻮد ﻋﺪدٍ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺤﺮﻣﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻦ ﻟﺬات املﻌﻴﺸﺔ املﻌﺘﺎدة إرﺿﺎءً ملﻴﻠﻬﻢ؛ وﻫﻮ ﺗﻮﻓﺮ اﻟﺸﻌﻮر ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء املﺜﺮﻳﻦ ،ﻋﲆ أن ﻫﺬا اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻻ ﻳﴬﱡ ﺑﺄﻓﺮاد ﺑﻨﻲ ﻧﻮﻋﻪ ﴐ ًرا ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ ﺛﺮوة اﻟﺒﻼد ،وﻻ ﺑ ﱠﺪ أن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ أﺣﺪ اﻟﻨﺎس آﺟﻼ ،وأ َ ِﺿ ْ ﻋﺎﺟﻼ أو ً ً ﻣﻮﺿﻊ ﻒ إﱃ ذﻟﻚ أﻧﻪ إذا وﺿﻊ ﺛﺮوﺗﻪ ﰲ أﺣﺪ اﻟﺒﻨﻮﻛﺔ أو ﰲ ﻣﻨﻬﺎ ٍ ً ً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﺰﻳﺎدة رأس ﻣﺎل اﻷﻣﺔ ،وﺗﺴﻬﻴﻠﻪ ﺧﺪﻣﺔ آﺧﺮ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ أدﱠى ﺗﺸﻴﻴﺪ املﺼﺎﻧﻊ واﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ واﻷﻋﻤﺎل اﻷﺧﺮى املﻬﻤﺔ ،وﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﻤﻴﻠﻮن ﻛﻞ املﻴﻞ إﱃ ﴏف ﻧﻘﻮدﻫﻢ ﰲ املﻼذ اﻟﺰاﺋﻠﺔ ،وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﻮﻻﺋﻢ اﻟﺸﺎﺋﻘﺔ ،واملﺒﺎﻟﻐﺔ ﰲ إﺗﻘﺎن اﻟﺰي، ﺣﺘﱠﻰ ﻟﻘﺪ ﺻﺎر ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة وﺣﺴﻦ اﻟﻄﺎﻟﻊ أن ﻳُﺮى ٌ أﻧﺎس آﺧﺮون ﻳﺤﺎﻓﻈﻮن ﻋﲆ ﺛﺮوﺗﻬﻢ وﻻ ﻳﺘﴫﻓﻮن ﻓﻴﻬﺎ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻼﺋﻖ اﻻﺣﺘﻤﺎء ﻋﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ اﻻﻧﴩاح واﻻﻧﺒﺴﺎط واﻟﻔﺮح ذرﻳﻌﺔ ﻟﺠﻤﻊ اﻟﻨﻘﻮد واﻛﺘﻨﺎزﻫﺎ؛ إذ ﻗﺪ ﺳﺒﻖ أن ﻗﻠﻨﺎ :إن اﻷﺷﻴﺎء ﻻ ﺗُﻌ ﱡﺪ ﺛﺮو ًة ﱠإﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ ً ً وﻣﺤﺒﻮﺑﺔ ،وإذا وﺿﻊ ﻛ ﱡﻞ اﻟﻨﺎس ﻧﻘﻮدﻫﻢ ﰲ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﺜﺮ ﻟﻠﺤﺪ اﻟﺬي ﻧﺎﻓﻌﺔ ً ﻋﺎﺋﻘﺎ وﴐ ًرا ﻻ رﺑﺤً ﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻳﺼﻌﺐ ﻣﻌﻪ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻛ ﱢﻠﻬﺎ ،ﻓﺘﺼﺒﺢ اﻷرﺻﻔﺔ إذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺛَﻤﱠ َﺔ ﺳﻔ ٌﻦ ﺗﺸﺤﻦ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻦ إﻧﺸﺎء اﻟﺴﻔﺎﺋﻦ إذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌﻤﻞ ﻟﺼﻨﻊ ﻣﻜﺎن إﱃ آﺧﺮ ،وﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ إﻧﺸﺎء ﻫﻨﺎك ﺑﻀﺎﺋﻊ أو ﻣﺴﺎﻓﺮون ﻟﺘﻨﻘﻠﻬﻢ ﻣﻦ ٍ ٍ اﻷﻗﻤﺸﺔ إذا ﻛﺎن ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻌﺎﻣﻞ أﺧﺮى ﺗﻘﻮم ﺑﺼﻨﻊ ﻣﺎ ﻳﻔﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻣﻦ املﻨﺴﻮﺟﺎت اﻟﻘﻄﻨﻴﺔ أو ﻏريﻫﺎ. وﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﻳُﺆﺧﺬ أن اﻟﺜﺮوة و ُِﺟﺪ ْ ٍ وﺳﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ، َت ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎل واﻻﺳﺘﻬﻼك ﺑﺄﻳﺔ وأن اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﺗﺒﺎﻋﻪ ﻫﻮ ﴏف ﻣﺎ ﺑﻘﺒﻀﺘﻨﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻧﺴﺘﺨﺮج ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﻌﻮد ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻋﲆ أﻗﺎرﺑﻨﺎ وأﺻﺤﺎﺑﻨﺎ وﺟﻤﻴﻊ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻔﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺄﻣﺮﻫﻢ واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺸﺄﻧﻬﻢ. 25
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﰲ إﺣﺪاث اﻟﺜﺮوة
) (1وﺳﺎﺋﻞ اﻹﺣﺪاث أﻣﺮ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ ﻣﺮاﻋﺎﺗﻪ ﰲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻌﻴني اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﺎج أول ٍ إﻟﻴﻬﺎ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ أي ﻋﻤﻠﻬﺎ وإﺣﺪاﺛﻬﺎ ،ﻣﻊ ﻣﻼﺣﻈﺔ أﻧﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ إﺣﺪاﺛﻬﺎ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ .وﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ ﻫﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻳﺴﺘﻠﺰم اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﴬورﻳﺔ ٌ ﺛﻼﺛﺔ ﺗﺴﻤﻰ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﺣﺪاث؛ اﻷوﱃ :اﻷرض .اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :اﻟﻌﻤﻞ .اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﻹﺣﺪاث اﻟﺜﺮوة ،وﻫﻲ أﻣﻮر ﻗﺒﻞ إﻣﻜﺎن اﻟﴩوع ﰲ إﺣﺪاث اﻟﺜﺮوة ،ﻓﺈذا رأس املﺎل .وﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ ﺗﻮﻓﺮ ﻫﺬه اﻟﺜﻼﺛﺔ ٍ ﺗﻮﻓﺮت ﻧﺴﺘﺨﺪم اﻟﻌﻤﻞ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻷرض ،وﻧﺴﺘﻌﻤﻞ رأس املﺎل ﰲ ﻣﻮاﻓﺎة اﻟﻌﺎﻣﻞ ﺑﺎﻵﻻت واﻟﻌُ ﺪَد وﻣﺪارﻛﺘﻪ ﺑﺎﻟﻐﺬاء اﻟﻼزم ﻟﻪ أﺛﻨﺎء اﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ،وﻧﴩع ﰲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺑﺎﻟﺘﻮاﱄ ﻓﻨﻘﻮل: ) (1-1اﻷرض ﻳﻨﺒﻮع املﻮاد ٍ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﺪ ﱡل ﻛﻠﻤﺔ اﻹﺣﺪاث ﺑﺎﻟﴫاﺣﺔ ﻋﲆ أﻧﻨﺎ إذا أردﻧﺎ إﺣﺪاث اﻟﺜﺮوة ﻳﺠﺐ أن ﻧﻌﻤﺪ إﱃ ﺑﺤﺮ ،وﻧﺴﺘﺨﺮج ﻣﻨﻪ املﺎدة اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﱃ ﺛﺮوةٍ، ﻧﻬﺮ أو ٍ اﻷرض أو إﱃ ﺑﺤري ٍة أو ٍ وﻻ ﻳﻬﻤﻨﺎ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻤﱠ ﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ املﻮاد ً آﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﻄﺢ اﻷرض أو ﻣﻦ املﻌﺎدن واملﻨﺎﺟﻢ أو ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺎر واﻷﻗﻴﺎﻧﻮﺳﺎت .وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻧﻘﻮﻟﻪ :إن أﻏﺬﻳﺘﻨﺎ ﺗﺤﺪث ﻋﲆ ﺳﻄﺢ اﻷرض ﻛﺎﻟﺤﺒﻮب واملﺎﺷﻴﺔ واﻟﻄﻴﻮر … إﻟﺦ ،وﻣﻼﺑﺴﻨﺎ ﺗُﺼﻨَﻊ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ واﻟﺼﻮف واﻟﺘﻴﻞ واﻟﺠﻠﻮد ،وﻫﻲ
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وارد ٌة ﻣﻦ ذﻟﻚ املﻮرد ﺑﻌﻴﻨﻪ ،واملﻌﺎدن ﻳﻜﻮن اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺣﻔﺮ اﻷرض واﻟﺒﺤﺚ ﰲ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ،واﻷﻧﻬﺎر واﻟﺒﺤريات واﻟﺒﺤﺎر ﻣﻦ اﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ املﻬﻤﺔ ﻟﻠﺜﺮوة؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺤﺼﻮل ﺑﺪون اﻷﻏﺬﻳﺔ واﻟﺰﻳﺖ وﻋﻈﺎم اﻟﺒﺎل … إﻟﺦ .وﻻ ﻳﺨﻔﻰ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻋﻤﻞ أي ٍ أن ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻟﺪﻳﻨﺎ املﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ ﺗﺸﻐﻴﻠﻬﺎ ﻹﺣﺪاث ﻫﺬا املﺤﺼﻮل ،ﻓﻠﻌﻤﻞ اﻟﺪﺑﻮس ً ﻣﺜﻼ ﻳﻠﺰم أن ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪﻧﺎ اﻟﻨﺤﺎس واﻟﺰﻧﻚ واﻟﻘﺼﺪﻳﺮ املﺴﺘﺨﺮج ﻣﻦ املﻌﺎدن ،وﻟﻌﻤﻞ ﺧﻴﻂ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﻳﻠﺰم وﺟﻮد اﻟﺤﺮﻳﺮ واﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﴬورﻳﺔ ﻟﺘﻠﻮﻳﻨﻪ ،وﻛﻞ ﳾءٍ ﻧﻠﻤﺴﻪ أو ﻧﺴﺘﻌﻤﻠﻪ أو ﻧﺄﻛﻠﻪ أو ﻧﴩﺑﻪ ﻻ ﺑ ﱠﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺼﻨﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ ﻣﺎد ٍة واﺣﺪ ٍة أو ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻮاد ،وﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن ً ﻣﻮﺟﻬﺔ إﱃ ادﱢﺧﺎر ﻛﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﻮع املﻮاد اﻟﴬورﻳﺔ. ﻋﻨﺎﻳﺘﻨﺎ وﰲ ﻏﺎﻟﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﻧﺤﺘﺎج إﱃ ﳾءٍ ﻏري املﺎدة اﻷوﻟﻴﺔ ﻛﺎﻟﻘﻮة اﻟﴬورﻳﺔ ﻟﻨﻘﻞ ﻫﺬه املﺎدة وﺗﺸﻐﻴﻠﻬﺎ ،وﻗﺪ ُﻓﻄﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﲆ املﻴﻞ إﱃ ﺗﺠﻨﺐ ﺗﻜﺒﺪ ﻋﻨﺎء اﻟﻌﻤﻞ؛ ﻟﻜﻴﻼ ﺗﺘﻌﺐ أﻋﻀﺎؤه ﻣﻦ ﻣﺰاوﻟﺘﻪ ،ﻓﻴﺸﻴﺪ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻃﻮاﺣني اﻟﻬﻮاء ﻟﻄﺤﻦ اﻟﺤﺒﻮب ،واﻟﺴﻔﺎﺋﻦ ﻟﻨﻘﻞ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،وآﻻت اﻟﺒﺨﺎر ﻟﺪﻓﻊ املﻴﺎه ،واﻟﻘﻴﺎم ﺑﺄﻧﻮاع اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺼﻌﺒﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﺎﻷرض ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ ﻟﻨﺎ ﻣﻌً ﺎ ﻣﻮاد اﻟﺜﺮوة ،واﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻫﺬه املﻮاد إﱃ ﺛﺮوةٍ ،وﻛﻞ ﳾءٍ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻂ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻮاﺳﻄﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻂ اﻹﺣﺪاث ﻳُﺴﻤﻰ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ. وأﻫﻢ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻷرض؛ ﻷﻧﻬﺎ ملﺎ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ واﻟﺮﻃﻮﺑﺔ ﺑﻜﻤﻴ ٍﺔ واﻓﺮ ٍة ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺮﺛﻬﺎ وزرﻋﻬﺎ ﻓﺘﺄﺗﻲ ﺑﺄﻧﻮاع املﺤﺼﻮﻻت ،وﻷﻫﻤﻴﺔ ذاك اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻧﺮى أن اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني ﻗﺪ أﻓﺎﺿﻮا ﰲ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻴﻪ ،وإن ﺗﻜﻦ ﻣﻠﺤﻮﻇﺎﺗﻬﻢ ﺗﻨﻄﺒﻖ ً أﻳﻀﺎ ﻋﲆ اﻟﺼﺨﻮر واﻷﻧﻬﺎر ،وﻻ ٌ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﺎﻟﺒﺤﺎر ،ﻏري أن ﻫﺬا املﺘﺴﻊ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ املﺎء ﻳﺨﻔﻰ أن ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع ﺳﻄﺢ اﻷرض املﻠﺢ ﻻ ﻳُﺴﺘﺨﺮج ﻣﻨﻪ ﱠإﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ،ﻫﺬا ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ﺳﻤﻚ اﻟﺒﺎل وﺑﻌﺾ أﻧﻮاع اﻷﺳﻤﺎك. ﻳﻨﺒﻮع ﻣﻦ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ املﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ؛ أي ﻓﺈذا ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻋﲆ اﻷرض ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻧﻘﺼﺪ ﺑﻜﻼﻣﻨﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻛﻞ ٍ ٌ ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،واﻷرض وﻳﻨﺒﻮع املﻮاد واﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺣﺪو ٌد ﻛﻞ ٍ ﰲ املﻌﻨﻰ. ) (2-1اﻟﻌﻤﻞ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﻮم وﺣﺪﻫﺎ ﺑﺈﻳﺠﺎد اﻟﺜﺮوة وإﺣﺪاﺛﻬﺎ ،ودﻟﻴﻞ ذﻟﻚ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﻳﻤﻮت ﰲ وﺳﻂ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﻜﺜرية اﻟﺨﺼﺐ اﻟﺠﻴﺪة اﻟﱰﺑﺔ إذا ﻟﻢ ﻳﺘﻜﺒﺪ ﻣﺸﻘﺔ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء املﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ ،ﻓﺎﻟﻮاﺟﺐ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻫﻮ ﺑﺬل اﻟﺘﻌﺐ ﻻﻗﺘﻄﺎف ﺛﻤﺎر اﻷﺷﺠﺎر ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮن ﺛﺮو ًة ،واﺻﻄﻴﺎد اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺒﻞ إﻣﻜﺎن إﻧﻀﺎﺟﻬﺎ 28
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
واﻟﺘﻠﺬذ ﺑﻄﻌﻤﻬﺎ ،واﻟﻮاﺟﺐ ً أﻳﻀﺎ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ املﻼﺑﺲ اﻟﺠﻴﺪة واملﻨﺎزل اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺴﻜﻨﻰ واﻷﻏﺬﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ادﱢﺧﺎرﻫﺎ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎ ٍم ،أن ﻳﺒﺬل اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺠﻬﺪ وﻳﻜ ﱠﺪ وﻳﻌﻤﻞ ،ﺛ ﱠﻢ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ ً ﻣﻨﻄﺒﻘﺔ ﻋﲆ ﺣﺎﺟﺎﺗﻨﺎ. ﺟﻤﻊ املﻮاد اﻟﻼﺋﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺞ وﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺜﺮوة اﻷﻣﺔ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﺒﺬﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط واملﻬﺎرة ﰲ اﻟﻌﻤﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ً ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ ﻛﺜﺮة املﻮاد املﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻬﺬه ﺑﻼد أﻣريﻛﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ً ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻣﺜﻼ ﻗﺪ ﻻﺣﻈﻨﺎ أرض ﻧﺒﺎﺗﻴ ٍﺔ ﻛﺜرية اﻟﺨﺼﺐ ،ﺗﺤﺘﻮي ﰲ ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻨﺎﺟﻢ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﻐﻨﻴﺔ ،وذات ٍ اﻟﻔﺤﻢ اﻟﺤﺠﺮي واملﻌﺎدن ،وﺗﺸﻤﻞ أﻧﻬﺎرﻫﺎ ﻋﲆ اﻷﺳﻤﺎك اﻟﻜﺜرية ،وﻏﺎﺑﺎﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻷﺧﺸﺎب اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ،وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ املﻮاد اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻧﻌﻠﻢ أن اﻟﻬﻨﺪﻳني اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني ﺳﻜﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﺎع ﻗﺪ ﻋﺎﺷﻮا آﻻف اﻟﺴﻨني وﻫﻢ ﰲ ذ ﱢل اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻔﺎﻗﺔ؛ واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻫﻮ ﺗﺠﺮدﻫﻢ ﻋﻦ املﻌﺎرف اﻟﴬورﻳﺔ ﻟﺘﺸﻐﻴﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﻟﻴﻖ واﺳﺘﺨﺮاج اﻟﺜﺮوة ﻣﻨﻬﺎ ،وﰲ ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺪل ﺑﺎﻟﻮﺿﺎﺣﺔ ﻋﲆ أن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي راﺋﺪه اﻟﺤﺬق واملﻬﺎرة واﻻﻧﺘﻈﺎم ﴐوريﱞ ﻹﺣﺪاث اﻟﺜﺮوة. ) (3-1رأس املﺎل ري ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد ﳾءٍ آﺧﺮ ﻏري ﻣﺎ ﺳﺒﻖ وﻫﻮ رأس املﺎل، ﻹﻣﻜﺎن إﺣﺪاث ﻛﺜ ٍ اﻟﺬي ﻳﺴﺎﻋﺪ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أﺛﻨﺎء ﺗﻨﺎوﻟﻬﻢ اﻷﻋﻤﺎل ﻋﲆ ﻗﻀﺎء ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﻢ ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن اﻹﻧﺴﺎن ٍ ﻣﺮات ،ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪه ﻳﻠﺰﻣﻪ أن ﻳﺄﻛﻞ ﻣﺮ ًة ﰲ اﻟﻴﻮم ﻋﲆ اﻷﻗﻞ إن ﻟﻢ ﻧﻘﻞ ﻣﺮﺗني أو ﺛﻼث ذﺧري ٌة ﻣﻦ اﻟﻐﺬاء ﻓﻼ ﺑ ﱠﺪ أن ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﱠ وإﻻ ﻣﺎت ﺟﻮﻋً ﺎ ،ﻓﻨﺮاه ﻳﻨﺰع اﻟﺠﺬور ﻣﻦ ﻣﻐﺎرﺳﻬﺎ وﻳﺠﻤﻊ اﻟﺤﺒﻮب املﺘﻔﺮﻗﺔ ،وﻳﺴﺘﻮﱄ إذا أﻣﻜﻨﻪ ﻋﲆ ً ﻛﻤﻴﺔ ﻛﺒري ًة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﺗﻠﻘﺎء ﻓﺎﺋﺪ ٍة اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ،ﻓﺈذا ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﴏف ٍ ﻃﻔﻴﻔﺔ ﺟﺪٍّا ،وﻗﺪ ﻳﻀﻄﺮ أﻫﺎﱄ أﺳﱰاﻟﻴﺎ اﻷﺻﻠﻴﻮن ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻻﺻﻄﻴﺎد اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻟﻐﺬاﺋﻬﻢ أن ﻳﻌﻤﺪوا إﱃ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺄوي إﻟﻴﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،ﻓﻴﻠﻘﻮﻧﻬﺎ ﻋﲆ ﻃﻮﻳﻞ ﺑﻘﻄﻊ أﺻﻠﻬﺎ اﻟﺜﺎﺑﺖ ﺑﻤﻘﺎﻃﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ اﻟﺼﻠﺪ ،واﻟﺬﻳﻦ ﺗﻜﻮن اﻷرض ﺑﻌﺪ ﻋﻨﺎءٍ ٍ ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ﻫﻜﺬا ﻻ ﻳﺠﺪون اﻟﻘﻮة واﻟﻮﻗﺖ اﻟﻼزﻣَ ْني ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻷﻏﺬﻳﺔ ﺑﺎﻟﻄﺮق اﻟﺴﻬﻠﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻠﺰم زﻣ ٌﻦ ﻃﻮﻳ ٌﻞ ﻷﺟﻞ ﺣﺮث اﻷرض وﻋﺰﻗﻬﺎ وﺑﺬرﻫﺎ وﺣﻴﺎﻃﺘﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺪﻓﻊ اﻟﻐﻮاﺋﻞ أﺷﻬﺮ ﻋﲆ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻋﲆ أﻧﻪ إذا ﺗﻴﴪت ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل ﻓﻼ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ اﻧﺘﻈﺎر اﻟﺤﺎﺻﻼت ﻣﺪة ﺳﺘﺔ ٍ اﻷﻗﻞ ،وﻻ رﻳﺐ ﰲ أن ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻐﺬاء اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻖ اﻟﺰراﻋﺔ ﺗﻜﻮن ﻛﺜري ًة وواﻓﺮ ًة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﺎ ﺑُﺬِل ﻣﻦ املﺠﻬﻮد ،ﻏري أن اﻟﻬﻨﺪﻳني املﺘﻮﺣﺸني واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻷﺧﺮى اﻟﻬﺎﺋﻤﺔ ﰲ 29
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ودﻳﺎن اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ ﻻ ﺗﻘﺪر ﻋﲆ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺼﱪ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺒﺖ اﻟﺒﺬور وﺗﻨﻤﻮ وﻳﻨﻀﺞ ﺛﻤﺮﻫﺎ؛ وﻟﺬا ﻧﺮى ﻓﻘﺮاء اﻷﻫﺎﱄ اﻷﺻﻠﻴني ﻣﻦ أﺳﱰاﻟﻴﺎ ﻳﻀﻄﺮون إﱃ اﻟﺘﻘﺎط اﻟﺤﺒﻮب واﻟﺘﻐﺬي ﺑﺎﻟﺪﻳﺪان وﺑﻌﺾ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت. وﺟﺎء ﰲ اﻷﻣﺜﺎل اﻟﻴﺎﺑﻮﻧﻴﺔ» :اﺣﻔﺮ اﻟﺒﱤ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻌﻄﺶ «.وﻧﺤﻦ ﻧﻮ ﱡد ﻟﻮ أن ً وﻣﻌﻤﻮﻻ ﺑﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد رأس املﺎل ﻟﻠﻘﺪرة ﻋﲆ ﻳﻜﻮن ﻣﻐﺰى ﻫﺬا املﺜﻞ ﺳﺎرﻳًﺎ املﻌﻴﺸﺔ أﺛﻨﺎء ﺣﻔﺮ اﻟﺒﱤ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﺑ ﱠﺪ إذا أردﻧﺎ ﻧﻮال اﻟﺜﺮوة ﺑﻼ ﺗﻜﺒﺪ ﻣﺸﻘﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺰاﺋﺪ ٌ ٌ اﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺬاء ،ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﻘﺎء أﺛﻨﺎء ﻣﺰاوﻟﺔ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﻬﺬه ﻛﻤﻴﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻟﺪﻳﻨﺎ ﱡ ﻳﻜﻒ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ ﻣﺼﺎدﻓﺔ اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻻﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺔ ﺗﺴﻤﻰ رأس املﺎل ،وﺑﺪون رأس املﺎل ﻻ اﻟﻌﻮاﺋﻖ واﻟﺼﻌﻮﺑﺎت ،ﺑﻞ ﻳﻜﻮن ﻋﲆ ﺷﻔﺎ ﺧﻄﺮ املﻮت ﻣﻦ اﻟﺠﻮع ،وﻗﺪ وﺻﻔﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺎرﺗﻴﻨﻮ Miss Martineauﰲ اﻟﻘﺼﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ أﻗﺎﺻﻴﺼﻬﺎ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﺘﻬﺎ ﻟﺘﺴﻬﻴﻞ ﺗﻨﺎول ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﺑﻌﻨﻮان »املﻌﻴﺸﺔ ﰲ اﻟﺼﺤﺮاء« La Vie au désertأﺣﻮال اﻟﻨﺰﻻء اﻷوروﺑﻴني ﰲ رأس اﻟﺮﺟﺎء اﻟﺼﺎﻟﺢ ﺑﺎﻟﻄﺮف اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻦ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻓﺮﺿﺖ وﻫﻤً ﺎ أن أﻣﺔ اﻟﺒﺸﻤﻦ Les Bushmenﻫﺠﻤﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻧﻬﺒﺖ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺤﻔﻮ ً ﻇﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال اﻻﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺔ ،ﻓﺒﻴﻨﺖ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻷﻏﺬﻳﺔ واﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ؛ إذ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﱠإﻻ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻵﻻت واملﻮاد واﻟﺰﻣﻦ اﻟﴬوري ﻹﻧﻬﺎء اﻟﻌﻤﻞ ،وﻟﻜﻦ أﻳﻦ ﻳﻮﺟﺪ اﻟﻮﻗﺖ؟ واملﺠﺮدون ﻋﻦ أﻣﻮاﻟﻬﻢ اﻻﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺔ ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻋﲆ ﺑﺎﻟﻬﻢ ﺳﻮى اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻠﺠﺄٍ ﻳﺄوون إﻟﻴﻪ أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ اﺗﻘﺎء اﻟﺤ ﱢﺮ واﻟﱪد ،وﻏﺬاءٍ ﻳﻄﻔﻮن ﺑﻪ ﻧﺎر ﺟﻮﻋﻬﻢ. وﻣﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﺗﻤﺎم اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﴐورة رأس املﺎل واﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻨﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻘﺮأ ﻗﺼﺺ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺮﺗﻴﻨﻮ ً أوﻻ ،ﺛﻢ ﻳﺪرس ﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻬﺎ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ. وﻳﺘﻌﺬر ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن ﴐورة رأس املﺎل ﻟﻺﺣﺪاث ﻛﴬورة اﻷرض واﻟﻌﻤﻞ ﻟﻬﺎ؛ ﻷن رأس املﺎل ﻟﻴﺲ ﱠإﻻ ﺛﻤﺮ ٌة ﻣﻦ ﺛﻤﺮات اﻷرض واﻟﻌﻤﻞ ﻓﻬﻮ ﻓﺮ ٌع ﻣﻨﻬﻤﺎ وﻫﻤﺎ اﻷﺻﻞ ﻟﻪ، ﻣﺎل وإن ﻳﻜﻦ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻴﺠﺐ دوﻣً ﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺣﺪاث ﺑﻜﺜﺮ ٍة أن ﻳﻜﻮن ﰲ ﺣﻮزة اﻹﻧﺴﺎن رأس ٍ ﺻﻐريًا. ﻋﲆ أﻧﻪ ﻻ ﺟﺪوى ﻣﻦ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﺼﻮر اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻜﻮﱢن ﺑﻬﺎ رأس املﺎل اﻷول؛ إذ ﻹﺻﺎﺑﺔ ﻫﺬا اﻟﻐﺮض ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻬﻘﺮى إﱃ اﻷزﻣﺎن اﻷوﱃ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻘﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻴﺸﺔ ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن أﻗﺮب إﱃ اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ اﻟﺒﴩﻳﺔ ،وﻣﻦ املﺆﻛﺪ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻌﻴﺶ وا ُملﺪَى واملﻼﻋﻖ ،وأن ﻧﺴﺘﺠﻠﺐ اﻟﺤﺮارة إﱃ ﺟﺴﻮﻣﻨﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ املﻼﺑﺲ 30
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
ﻣﺎل ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﲆ املﻌﻴﺸﺔ أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء، واملﺴﺎﻛﻦ إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻳﻨﺎ رأس ٍ ً ﻓﺮأس املﺎل ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﴐوريﱞ ﴐور ًة ﻣﻄﻠﻘﺔ إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻌﻤﻞ ،ﻓﻌﲆ اﻷﻗﻞ ﻟﻠﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ إﺗﻤﺎم ٍ ﻛﻮاﺳﻄﺔ ﺑﻨﺠﺎح ،ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻓﻴﻪ ،وﰲ وﺳﻌﻨﺎ أن ﻧﻌﺘﱪ رأس املﺎل ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ٍ ﺛﺎﻧﻮﻳ ٍﺔ ،وﻧﺮﺗﺐ وﺳﺎﺋﻂ اﻹﺣﺪاث ﺑﺎﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻵﺗﻴﺔ: اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﴬورﻳﺔ اﻟﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ
اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﻌﻤﻞ رأس املﺎل
) (4-1ﻛﻴﻔﻴﺔ زﻳﺎدة اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻐﺮض اﻷﺻﲇ اﻟﺬي ﻧﻜ ﱡﺪ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻫﻮ زﻳﺎدة اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ، أﻋﻨﻲ اﻻﺳﺘﺤﺼﺎل ﻋﲆ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻧﻘﻮم ﺑﻪ ،وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ ،أﻋﻨﻲ: ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ً أوﻻ :ﰲ اﻟﻮﻗﺖ املﻨﺎﺳﺐ. ﺛﺎﻧﻴًﺎ :ﰲ املﻜﺎن املﻨﺎﺳﺐ. ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ. ﺛﺎﻟﺜًﺎ :ﺑﺄﻧﺴﺐ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﰲ اﻟﻮﻗﺖ املﻨﺎﺳﺐ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻃﺒﻌً ﺎ ﻋﻤﻞ اﻷﺷﻴﺎء ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﺴﻬﻞ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ ،وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﺮى أن ﰲ اﻹﻣﻜﺎن اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻜﺜرية ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻧﻘﻮم ﺑﻪ ،ﻓﺈذا ﻧﻈﺮﻧﺎ إﱃ اﻟﺼﻴﺎد ﻧﺮى أﻧﻪ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﲆ ﺿﻔﺔ اﻟﻨﻬﺮ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻔﺠﺮ أو ﰲ املﺴﺎء ،أي ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﻜﺜﺮ ﻓﻴﻪ اﻷﺳﻤﺎك وﺗﻈﻬﺮ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ ﻷﻛﻞ ﻣﺎ ﻳُﺪﱃ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺼﻨﺎرة ،وﻛﺬا اﻟﻔﻼح ﺗﺮاه ﻻ ﻳﺤﺼﺪ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ ﱠإﻻ ﻋﻨﺪ ﻇﻬﻮر اﻟﺸﻤﺲ وملﻌﺎن ﺿﻮﺋﻬﺎ ،واﻟﻄﺤﺎن ﻻ ﻳﻄﺤﻦ اﻟﺤﺒﻮب ﱠإﻻ إذا ﻫﺐﱠ اﻟﻨﺴﻴﻢ أو اﻣﺘﻸ ً ﻣﻮاﻓﻘﺎ اﻟﻐﺪﻳﺮ ﺑﺎملﺎء ،ورﺑﺎن اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻻ ﻳﱰك ﺳﻔﻴﻨﺘﻪ ﺗَﻤْ َﺨﺮ ﻋُ ﺒﺎب اﻟﺒﺤﺮ ﱠإﻻ إذا ﻛﺎن اﻟﻬﻮاء ودرﺟﺔ املﺪ واﻟﺠﺰر ﻣﺴﺎﻋﺪ ًة ،وﻋﻠﻢ اﻟﻔﻼح ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ أوﻗﺎت اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﺢ ﻓﻴﻬﺎ 31
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،ﻓﱰاه ﻳﺒﺬر اﻷرض ﰲ ﻓﺼﻞ اﻟﺨﺮﻳﻒ أو ﻓﺼﻞ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺄي ٍ اﻟﺮﺑﻴﻊ ،وﻳﻨﻘﻞ اﻟﺴﻤﺎد ﰲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﱰاﻛﻢ اﻟﺠﻠﻴﺪ ﻋﲆ ﺳﻄﺢ اﻷرض ،وﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﻮﺿﻊ اﻟﺤﻮاﺟﺰ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﺪ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ﻏري ﻫﺬا ،وﻳﺨﺰن اﻟﺤﺼﺎد ﻋﻨﺪ ﺗﻤﺎم ﻧﻀﺠﻪ واﻋﺘﺪال اﻟﻄﻘﺲ. واﻋﺘﺎد اﻟﻔﻼﺣﻮن ﰲ ﺑﻼد ﻧﺮوج أن ﻳﺸﺘﻐﻠﻮا ﺑﺘﻤﺎم اﻟﻨﺸﺎط واﻟﻬﻤﺔ ﰲ ﻗﻄﻊ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ؛ ﻟﺘﺠﻔﻴﻔﻬﺎ وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻏﺬاءً ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت أﺛﻨﺎء ﺷﻬﺮي ﻳﻮﻟﻴﻮ وأﻏﺴﻄﺲ ،ﻓﻼ ﻳﻌﻠﻘﻮن أﻓﻜﺎرﻫﻢ ﺑﺎﻟﻐﺎﺑﺎت وﻗﻄﻊ اﻷﺧﺸﺎب ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺪة ذﻳﻨﻚ اﻟﺸﻬﺮﻳﻦ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﺗﻤﺎم اﻟﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮن ﻟﺪﻳﻬﻢ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻜﺎﰲ أﺛﻨﺎء ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء املﺴﺘﻄﻴﻞ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻌﻤﻞ ،وﺳﺒﺐ ﻗﻄﻌﻬﻢ اﻷﺷﺠﺎر ﰲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء دون ﻏريه ﻣﻦ اﻟﻔﺼﻮل ﻫﻮ ﻟﻜﻮن اﻟﺜﻠﻮج ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﺗﻤﻸ ﺗﺠﺎوﻳﻒ اﻟﺠﺒﺎل وﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻮدﻳﺎن ،ﻓﻴﺘﺴﻨﻰ ﻟﻬﻢ وﻗﺘﺌ ٍﺬ أن ﻳﻨﻘﻠﻮا اﻷﺷﺠﺎر املﻘﻄﻮﻋﺔ ﺑﺎﻟﺴﻬﻮﻟﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ إﱃ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ اﻷﻧﻬﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎملﻴﺎه اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ذوﺑﺎن اﻟﺜﻠﻮج، ﻓﺘﺪﻓﻊ ﺗﻴﺎراﺗﻬﺎ ﺟﺬوع ﺗﻠﻚ اﻷﺷﺠﺎر إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳُ َﺮاد ﻣﻦ املﺪاﺋﻦ واملﻮاﻧﻲ .وﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ٍ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﰲ اﻟﻐﺪ، اﻟﺤﺴﻨﺔ واملﺒﺎدئ املﺸﻜﻮرة أن ﻻ ﻳﻌﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻴﻮم ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻌﻤﻠﻪ وﻟﻜﻦ ﺗﻮﺟﺪ ﻗﺎﻋﺪ ٌة أﺣﺴﻦ وأﺟﺪر ﺑﺎﻻﺗﺒﺎع ﻣﻦ ﺗﻠﻚ وﻫﻲ ﻻ ﻳﺼﺢ أن ﻧﺆﺟﻞ ﻟﻠﻐﺪ ﻣﺎ ﰲ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ٍ ٍ ﻋﻤﻞ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻨﺎ أن ﻧﻌﻤﻠﻪ اﻟﻴﻮم ﺗﺎﻣﺔ ،ﻋﲆ أﻧﻪ ﻟﻠﻘﺪرة ﻋﲆ اﻻﺻﻄﺒﺎر وإﺟﺮاء ﻛﻞ ٍ ﻣﺎل ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﻔﱰة ﺑني ﻛ ﱢﻞ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ املﻨﺎﺳﺐ ﻟﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻟﺪى اﻹﻧﺴﺎن رأس ٍ ٍ ﻣﻨﺎﺳﺐ وآﺧﺮ. وﻗﺖ ٍ اﻟﻌﻤﻞ ﰲ املﻜﺎن املﻨﺎﺳﺐ ً ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻷﻋﻤﺎل ﰲ املﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﻨﺎﺳﺒﻪ أﻛﺜﺮ وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﻮم ﺑﻜ ﱢﻞ ٍ ٌ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻇﺎﻫﺮ ٌة ﻻ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻏريه ﻟﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﻜﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺖ ﺗﴫﻓﻨﺎ ،وﻫﺬه ﺑﺮﻫﺎن؛ ﺣﺘﻰ إن ﻣﺠﺮد اﻹﺷﺎرة ﻟﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﺎﻓﻬﺔ؛ إذ ﻻ ﻳﺼﺢ ً ﻣﺜﻼ أن ﻧﻐﺮس ٍ أﺷﺠﺎر اﻟﻔﻮاﻛﻪ ﰲ رﻣﺎل ﺳﻮاﺣﻞ اﻟﺒﺤﺎر ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺑﺬر اﻟﺤﺒﻮب ﻋﲆ اﻟﺼﺨﻮر ﰲ أﻣﻞ اﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ ،وﻻ ﻳﺮﺗﺎب أﺣ ٌﺪ ﰲ أن ﻫﺬه ﺧﺴﺎر ٌة ﻣﺆﻛﺪ ٌة ،واﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻀﻊ ﺗﻌﺒﻪ ووﻗﺘﻪ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺨﺴﺎرة واﻟﻀﻴﺎع ﻻ ﺧﻼف ﰲ أﻧﻪ ﻳُﻌﺪ ﻓﺎﻗﺪ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺘﺼﻮر. أﺣﻮال أﺧﺮى ﺗﺘﻮﻗﻒ املﺴﺄﻟﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﻔﺎوت ﰲ املﺤﺼﻮل؛ إذ ﻗﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ٍ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ وﰲ ٍ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،ﻓﻔﻲ ﺟﻨﻮب إﻧﻜﻠﱰا ً اﻟﺠﻬﺎت ﻣﺤﺼﻮ ٌل ﻗﺪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻜﻤﻴﺘﻪ ﰲ ٍ ﻣﺜﻼ ﻳﻤﻜﻦ زرع اﻟﻜﺮوم ﰲ اﻟﺨﻼء واﺗﺨﺎذ اﻟﻨﺒﻴﺬ ﻣﻨﻬﺎ ،ﱠإﻻ أن اﻟﻜﺮوم ﺗﻨﻤﻮ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وأملﺎﻧﻴﺎ أﺣﺴﻦ 32
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
ﻣﻦ إﻧﻜﻠﱰا ،واﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي ﻳُﺴﺘﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ إذا ﺑُ ِﺬ َل ﻓﻴﻪ ﻧﻔﺲ املﺠﻬﻮد اﻟﺬي ﻳُﺒﺬَل ﻻﺳﺘﺨﺮاﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺮوم اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﰲ اﻟﻜﻤﻴﺔ وأﺟﻮد ﰲ اﻟﺼﻨﻒ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﻣﻦ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ اﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻨﺒﻴﺬ ﻳﺠﺪر ﺑﻬﻢ أن ﻳﺴﻜﻨﻮا اﻟﻘﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ ،أو ﻳﱰﻛﻮا اﻟﻔﺮﻧﺴﻮﻳني واﻹﺳﺒﺎﻧﻴني واﻷملﺎﻧﻴني ﻳﺴﺘﺨﺮﺟﻮن اﻟﻨﺒﻴﺬ ﺑﺮﺳﻤﻬﻢ ،وﻟﺴﻨﺎ ﻧﻨﻜﺮ أن اﻟﺒﻼد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﺟﻴﺪة اﻟﱰﺑﺔ ﻛﺜرية اﻟﺨﺼﺐ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺜرية اﻟﺮﻃﻮﺑﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ أرﺿﻬﺎ أﻧﺴﺐ ﻟﻨﻤﻮ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ املﺰارﻋﻮن ﻟﱰﺑﻴﺔ املﺎﺷﻴﺔ واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳُﺴﺘﺨ َﺮج ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ واﻟﺰﺑﺪة واﻟﺠﺒﻦ. وﻟﻜﻲ ﻳُﺜﺮي اﻟﻨﺎس ﺑﻘﺪر اﻹﻣﻜﺎن ﻳﺠﺐ أن ﻛﻞ ٍ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت ﺗﺘﻤﺴﻚ ﺑﻤﺎ ﺗﻨﺘﺠﻪ ٍ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ،وأن ﺗﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ اﻷﺷﻴﺎء اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺘﺠﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج أرﺿﻬﺎ ٍ ﻛﻤﻴﺎت ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﺒﺎدل ﻣﻊ اﻟﺘﺠﺎرة اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،ﻓﻬﺬه ﺑﻼد اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﺆدي واﻓﺮ ًة ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ واﻟﺤﺒﻮب واﻟﺸﺤﻢ واﻟﻠﺤﻢ واﻟﻔﻮاﻛﻪ وزﻳﺖ اﻟﺒﱰول ،ﻫﺬا ﻋﺪا اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ واﻟﻨﺤﺎس وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﻌﺎدن ،وﻛﺬا أﺳﱰاﻟﻴﺎ وزﻳﻼﻧﺪا اﻟﺠﺪﻳﺪة وﺑﻼد أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺗﻨﺘﺞ اﻟﺼﻮف واﻟﺠﻠﻮد واﻟﺴﻜﺮ واملﺘﺒﻼت اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ واﻟﺬﻫﺐ واﻟﻨﺤﺎس واملﺎس ،واﻟﺠﻬﺎت اﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ املﺤﺼﻮرة ﺑني املﺪارﻳﻦ ﺗﻨﺘﺞ زﻳﺖ اﻟﻨﺨﻞ واﻟﻌﺎج وﺧﺸﺐ اﻟﺘﻴﻚ واﻟﺼﻤﻎ … إﻟﺦ ،وأﻣريﻛﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺗﻜﺜﺮ ﻓﻴﻬﺎ املﺎﺷﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺨﺬ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺠﻠﻮد واﻟﻌﻈﺎم واﻟﺸﺤﻢ واﻟﻘﺮون واﻟﻠﺤﻮم … إﻟﺦ ،واﻟﺼني ﺗﺒﻌﺚ إﱃ ﺟﻬﺎت اﻷرض ﻣﺎ ﺗﺨﺮﺟﻪ أرﺿﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺎي ،وﻫﻲ ﺗﺼﺪر ﻏري ﻫﺬا اﻟﺼﻨﻒ اﻟﺤﺮﻳﺮ واﻟﺰﻧﺠﺒﻴﻞ وﻣﺎ ﻻ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻬﻨﺪ ﺗﺼﺪر اﻟﻘﻄﻦ واﻟﻨﻴﻠﺔ واﻷرز واﻟﺴﻜﺮ ،وﻫﻜﺬا ﻛﻞ ﺟﺰءٍ ﻣﻦ أﺟﺰاء اﻷرض ﺗﻨﺘﺞ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ املﺤﺼﻮﻻت واﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ٍ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻨﺘﺞ ﰲ ﻏريﻫﺎ ،وﻟﻮ أﻧﺼﻒ ﺑﻨﻮ اﻹﻧﺴﺎن وﺣﻜﻮﻣﺎت اﻟﺒﻼد وﺟﻌﻠﻮا اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺘﺪﺑري راﺋ َﺪﻳْﻦ ﻟﻬﻢ ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ملﻨﺤﻮا اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺤﺮﻳﺔ املﻤﻜﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﻨﺘﺎج ﻛﻞ ﳾءٍ ﰲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﻠﺰم ﻓﻴﻬﺎ زﻳﺎدة اﻟﻌﻨﺎء واملﺸﻘﺔ. اﻻﺷﺘﻐﺎل ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﻧﺴﺐ ﻣﻜﺎن ﻣﻦ اﻷﻣﻜﻨﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﻮع اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ املﻌﻤﻮل ﺑﻬﺎ ﰲ ٍ إﻟﺰام اﻟﻌﺎﻣﻞ ﺑﺈﺗﻤﺎم ﻋﻤﻠﻪ ﻋﲆ أﻟﻴﻖ ٍ وﺟﻪ وأﻧﺴﺒﻪ ،أي ﻻ ﻧﱰﻛﻪ ﻳﻀﻴﻊ زﻣﻨﻪ أو ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻐﺶ ٌ ﻃﺮق ﻛﺜري ٌة ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﻠﺰم ﻻﺧﺘﻴﺎر أﺣﺴﻨﻬﺎ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻌﺎﻣﻞ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ ،وﺗﻮﺟﺪ
33
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﺷﺨﺺ ﺗﻮﻓﺮت ﻓﻴﻪ املﻌﻠﻮﻣﺎت ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﺎﻫﺔ واﻟﺤﺬق ،أو ﺗﺤﺖ ﻣﻼﺣﻈﺔ وإدارة ﻋﲆ ٍ ٍ اﻟﻼزﻣﺔ واملﻬﺎرة اﻟﴬورﻳﺔ ،وﺳﻮى ذﻟﻚ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ إﱃ أﻗﺴﺎ ٍم ﻣﺘﻌﺪدةٍ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻦ إﺗﻤﺎم اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻋُ ﻬﺪ إﻟﻴﻪ ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ٍ وﺟﻪ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺼﺎﺣﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻛ ﱡﻞ ٍ ٍ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﻌﻠﻢ وﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ. ﰲ ) (5-1اﻟﻌﻠﻢ ً ﺣﺎذﻗﺎ أي ﻣﺎﻫ ًﺮا ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﻘﺪر اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻻ ﻳﻠﺰم ﻓﻘﻂ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻣﺘﺪرﺑًﺎ ﻋﲆ ﺻﻨﻌﺘﻪ ،ﺑﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ ً ٌ ﻣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ أﻳﻀﺎ أن ﻳﻜﻮن ﺣﺎﺋ ًﺰا ﻋﲆ ﻣﻌﺎرف ﻋﻠﻤﻴ ٍﺔ ﻟﻬﺎ اﻟﺬي ُﻓﻮ َ ﱢض إﻟﻴﻪ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ. واﻟﺠﺰء اﻷﻫﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﺤﻮادث اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻳﺒﺤﺚ ﰲ أﺳﺒﺎب اﻷﺷﻴﺎء ،أي اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ٌ ﻧﺎﺗﺠﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺟﻤﻌﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ أﺷﻴﺎءَ أﺧﺮى ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ آﻟﺔ اﻟﺒﺨﺎر ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺬي ﻣﺂﻟﻪ أﻧﻪ إذا ُﺳ ﱢﺨ َﻦ املﺎء ﺗﺼﺎﻋﺪ ﻣﻨﻪ ﺑﺨﺎ ٌر ﻳﺘﻤﺪد ﺗﻤﺪدًا ﺟﺴﻴﻤً ﺎ ،وﻣﻦ ﻟﻮازم ذﻟﻚ ﻣﻜﺎن اﻟﻮﻗﻴﺪ واﻟﻔﺤﻢ اﻟﺤﺠﺮي واملﺎء واملﺮﺟﻞ ﻓﻬﻲ إذن ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻘﻮة .وإذا أﻣﺮ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻴﻪ ﻫﻮ أن ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻛﺎن ﻟﺪى اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻤ ٌﻞ ﻳﺮﻳﺪ إﺗﻤﺎﻣﻪ ﻓﺄول ٍ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻊ اﻹﻛﺜﺎر ﻣﻨﻪ؛ ﻷن اﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻜﻠﻒ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺆﻧﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻨﻪ. وﻗﺎل اﻟﴪﺟﻮن ﻫﺮﺷﻞ :إن اﻟﻌﻠﻢ ﻳﺮﺷﺪﻧﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن إﱃ ﻣﻌﺮﻓﺔ أن ﺑﻌﺾ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻧﺮﻳﺪ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻠﻬﺎ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إﺟﺮاؤﻫﺎ ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ اﺧﱰاع ٍ آﻟﺔ ﺗﺘﺤﺮك ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ً ً أﺣﻴﺎن أﺧﺮى ﻳﺮﺷﺪﻧﺎ اﻟﻌﻠﻢ إﱃ أن اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺎول أﺑﺪﻳﺔ ﻻ اﻧﻘﻄﺎع ﻟﻬﺎ ،وﰲ ﺣﺮﻛﺔ ٍ زﻣﺎن ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ ﻋﻤﻞ ﳾءٍ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﺎﺳﺪة ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ املﻈﻨﻮن ﻣﺪة ٍ ﻃﻮﻳﻞ أن أﻧﺠﻊ اﻟﻄﺮق ﻹذاﺑﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻫﻲ ﺗﻤﺮﻳﺮ اﻟﻬﻮاء اﻟﺒﺎرد ﻣﻦ اﻟﻔﺮن املﻮﺿﻮع ﻓﻴﻪ ٍ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﻏري أن اﻟﻌﻠﻢ ﻗﺪ ﱠ ﺑني أن اﻟﻼزم ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ ذﻟﻚ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﻤﺮﻳﺮ اﻟﻬﻮاء اﻟﺴﺎﺧﻦ ﺑﻘﺪر اﻹﻣﻜﺎن وﻟﻴﺲ اﻟﺒﺎرد ﻛﻤﺎ ﻛﺎن املﺘﺒﺎدر إﱃ اﻟﺬﻫﻦ ً أوﻻ ،وﰲ ﻏﺎﻟﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﻗﺪ ﻳﺮﺷﺪﻧﺎ اﻟﻌﻠﻢ إﱃ إﺗﻤﺎم اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻧِﻴﻂ ﺑﻨﺎ ﻣﻊ ﺗﺠﻨﺐ اﻹﻛﺜﺎر ﻣﻦ اﻻﺷﺘﻐﺎل. ً ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻟﻬﻢ أﺛﻨﺎء وﻟﺬا ﻧﺮى املﻼﺣني ﻳﺴﺘﻄﻠﻌﻮن ﺣﻮادث املﺪ واﻟﺠﺰر؛ ﻟﻜﻲ ﺗﻜﻮن أﺳﻔﺎرﻫﻢ ،وﻣﺴﺎﻋﺪ ًة ﻋﲆ ﻗﻄﻊ املﺸﻘﺔ ،وﻧﺮى ً أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺤﻮادث اﻟﺠﻮﻳﺔ ﻳﺼﻨﻌﻮن اﻟﺨﺮط اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺷﺪ رﺑﱠﺎن اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮن اﻟﺮﻳﺢ وﺗﻴﺎر املﻴﺎه ،ﻣﺴﺎﻋﺪﻳﻦ ري .وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘﻮل :إن اﻟﻌﻠﻢ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﻐﻄﺎء زﻣﻦ ﻗﺼ ٍ ﻟﻘﻄﻊ املﺴﺎﻓﺎت اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﰲ ٍ 34
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
أﻣﻮر ﻋﺠﻴﺒ ٍﺔ ﻟﻮﻻه ﻟﺨﻠﻨﺎﻫﺎ ﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻼت ،وﻣﻦ أﻗﺮب اﻟﺸﻮاﻫﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻛﺘﺸﺎف ﻋﻦ ٍ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﺸﻤﴘ )اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺎ( وأﺳﻼك املﻜﺎملﺔ )اﻟﺘﻠﻔﻮن( ،وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﺮﻓﻊ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻹﻧﺴﺎن إﱃ اﻟﺪرﺟﺎت اﻟﻌﻠﻴﺔ ،وﺗﻤﻴﺰه ﻋﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻌﺠﻢ ،ﻻ ﻣﻨﺸﺄ ﻟﻬﺎ ﱠإﻻ اﻟﻌﻠﻢ ،وﻟﻘﺪ ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ اﻟﺸﻬري ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎه: »ﻃﻮﺑﻰ َمل ْﻦ وﻗﻒ ﻋﲆ أﺳﺒﺎب اﻷﺷﻴﺎء«.
35
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﰲ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻌﻤﻞ
) (1ﻣﻨﺸﺄ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻌﻤﻞ ﱠ ﻳﺘﻮﱃ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻌﻤﻞ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ﻧﺮى أن ﻛﻞ واﺣ ٍﺪ ﻣﻨﻬﻢ إذا اﺷﺘﻐﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻤﺎل ٍ وﻳﱰك ﻟﺰﻣﻼﺋﻪ ﻣﺰاوﻟﺔ ﺑﻘﻴﺘﻪ ،وﻳﻨﻘﺴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﰲ أﻳﺔ ٍ ﻓﺮوع ﻛﺜريةٍ ،ﻛ ﱡﻞ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت إﱃ ٍ ٌ ٌ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺬاﺗﻬﺎ ،وﻳﺼﺎدف ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ﻋﻨﺪ اﻷﻣﻢ املﺘﻤﺪﻧﺔ وﻣﺘﻔﺎوﺗًﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻓﺮع ﻣﻨﻬﺎ ٍ ٍ ﻣﺤﻀﺔ ،ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺮى ﰲ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻋﲆ ﺣﻘﺎرﺗﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﻤﺎم ﻋﻨﺪ اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﱪﺑﺮﻳ ٍﺔ وﺿﻴﻖ ﻧﻄﺎﻗﻬﺎ اﻟﺠﺰار واﻟﺨﺒﺎز واﻟﺤﺪاد واﻟﻨﺠﺎر .وﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻮاﺣﺪة؛ إذ ﻟﻮ ﺗﺄﻣﻞ املﺘﺄﻣﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ أﻓﺮادﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ﻳﺠﺪ أن اﻟﺰوج أي رب اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻳﺤﺮث اﻷرض أو ﻳﻘﻄﻊ أﺷﺠﺎر اﻟﻐﺎﺑﺎت أو ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل ،واﻟﺰوﺟﺔ ﺗﻬﻴﺊ اﻟﻄﻌﺎم وﺗﻌﺘﻨﻲ ﺑﺸﺌﻮن املﻨﺰل وﺗﻨﺴﺞ اﻷﻗﻤﺸﺔ ،واﻷﺑﻨﺎء ﻳﺼﻴﺪون اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت أو ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل. ﻳﺮﻋﻮن اﻷﻏﻨﺎم ،واﻟﺒﻨﺎت ﻳﺒﻌﻦ اﻷﻟﺒﺎن ،إﱃ آﺧﺮ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﻛ ﱠﻞ ٍ ﺷﻌﺮ ﻣﻌﻨﺎه ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ» :ﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺼﻨﻌﻪ وﺟﺎء ﰲ إﺣﺪى اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﻴﺖ ٍ املﺘﻈﺮﻓﻮن ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن آدم ﻳﻔﻠﺢ اﻷرض وﺣﻮاء ﺗﻐﺰل؟!« وﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل أن ﺗﻮزﻳﻊ ً ﻣﺠﺎﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻮﺟﻮ ٌد ﻣﻦ اﻷزﻣﺎن املﻮﻏﻠﺔ ﰲ اﻟﻘﺪم؛ ﺣﻴﺚ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻟﻢ ﺗَ َﺪ ْع ﻷﺣ ٍﺪ ﻣﻈﻬﺮ املﺘﻈﺮف اﻟﺬي ﻻ ﻳﺒﺎﱄ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ وﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﱠإﻻ إﱃ ﻗﻀﺎء اﻟﻮﻗﺖ ﰲ املﴪات واﻟﺤﺒﻮر.
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وﰲ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﺤﺎﴐة ﻳﻤﺘﺪ اﻟﻌﻤﻞ إﱃ ﻣﺎ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء ،ﻓﻠﻴﺴﺖ املﺪاﺋﻦ ﻓﻘﻂ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،واﻟﺼﻨﺎع اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻨﺎول ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻢ ً ً ﻣﺨﺼﻮﺻﺎ، ﻋﻤﻼ واﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﻌﺪﻳﺪة املﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ،ﺑﻞ إن املﺮاﻛﺰ ً أﻳﻀﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻔﻲ أﺣﺪﻫﺎ ﺗُ َ ﻨﺴﺞ اﻷﻗﻄﺎن ،وﰲ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﺼﻮف ،وﰲ ﻏريﻫﻤﺎ اﻟﺘﻴﻞ واﻟﺤﺮﻳﺮ ،وﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﺗﺨﺘﺺ ﻣﺮاﻛﺰ ﺳﺘﺎﻓﻮردﺷري وﻛﻠﻴﻔﻠﻨﺪ وﺑﻼد اﻟﻐﺎل وﺟﻨﻮب أﻳﻘﻮﺳﺔ ﺑﻌﻤﻞ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،وﻣﺮﻛﺰ اﻟﻐﺎل اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺑﻌﻤﻞ اﻟﻨﺤﺎس ،وﻧﻮﺗﻨﺠﺎم وﻟﻴﺴﺴﱰ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﺨﺰف واﻟﻘﺒﻌﺎت ،وﺷﻤﺎﱄ أرﻟﻨﺪة ﺑﺎﻷﻗﻤﺸﺔ ﻣﻌﻤﻞ؛ ﻓﻼ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ أن املﺨﻴﻄﺔ ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ،وﻏري ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ املﺪﻳﺮ واملﺤﺎﺳﺐ وﻣﺴﺎﻋﺪوه واملﻌﻠﻤﻮن ﻟﻜ ﱢﻞ ﻗﺴ ٍﻢ ﻣﻦ أﻗﺴﺎم اﻟﻌﻤﻞ ،واﻟﻮاﺳﻢ )اﻟﻨﺸﺎﻧﺠﻲ( وﻣﺪﻳﺮ اﻵﻻت وﺳﺎﺋﻘﻮ اﻟﻌﺮﺑﺎت واﻟﺴﻤﺎﴎة واﻟﺤﻤﱠ ﺎﻟﻮن إﻟﺦ إﻟﺦ ،وﻫﺆﻻء ﻋﺪا ﻣﺪﻳﺮي اﻵﻻت اﻷﺻﻠﻴني وأرﺑﺎب اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺨﺎﺻﺔ. ﻓﺒﻨﺎءً ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﻳﻜﻮن ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﻤﻞ ﺳﺎرﻳًﺎ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ أﻓﺮاد اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻠﻮك اﻟﻔﻘري إﱃ املﻠﻚ اﻟﻜﺒري. ) (2آدم ﺳﻤﻴﺚ وﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻄﺮق ﻋﺪﻳﺪةٍ ،وﻗﺪ ﺑﺤﺚ آدم ﺳﻤﻴﺚ اﻟﺬي أﴍﻧﺎ إن ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻮاﺋﺪ ﺟﻤﱠ ًﺔ ٍ ً ﻣﺪﻗﻘﺎ ﻣﻔﻴﺪًا ْ اﺳﺘَﺤْ َﺴﻨﱠﺎ إﻳﺮاده ﻫﻨﺎ إﺗﻤﺎﻣً ﺎ إﻟﻴﻪ ﰲ ﺻﺪر ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع ﺑﺤﺜًﺎ ﻟﻠﻔﺎﺋﺪة. ﻗﺎل ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﺎﺿﻞ :إن ﻟﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﺛﻼث ﻣﺰاﻳﺎ أﺻﻠﻴﺔ؛ أوﻟﻬﺎ :زﻳﺎدة ﺣﺬق ﻋﺎﻣﻞ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺨﺎص ﺑﻪ .ﺛﺎﻧﻴﻬﺎ :ﺗﺠﻨﺐ ﺿﻴﺎع اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳ َ ُﻔﻘﺪ ﻋﺎد ًة ﻟﺪى اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻋﻤﻞ آﺧﺮ .ﺛﺎﻟﺜﻬﺎ :املﺴﺎﻋﺪة ﻋﲆ اﺧﱰاع ﻋﺪدٍ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ اﻵﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺬﻟﻞ ﻋﻤﻞ ﻟﺘﻨﺎول ٍ ﻣﻦ ٍ ٍ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻏريه. ﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﻌﻤﻞ وﺗﺨﺘﴫه ،وﺗﺴﻤﺢ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﻮم ﻣﻘﺎم وﻻ ﻳﺮﺗﺎب أﺣ ٌﺪ ﰲ أن اﻟﺘﺪرب واﻟﺘﻤﺮن ﻳﺰﻳﺪان ﰲ املﻬﺎرة ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻳﺤﺎول اﻟﻠﻌﺐ ﻋﲆ آﻟﺔ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ﺑﺪون أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻗﻮاﻋﺪﻫﺎ ووﻗﻒ ﻋﲆ أﴎارﻫﺎ ،أو ﻣَ ْﻦ ﻳﻘﻠﺪ اﻟﺤﻮاة ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ املﺆﺳﺴﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﺷﺎﻗﺔ واﻟﺨﻔﺔ ،وﺑﺪون اﻟﺘﻤﺮن اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻻ ﻳﻘﻮم اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻘﻮارﻳﺮ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ ،وإذا وﺻﻞ إﱃ ﻋﻤﻞ ﳾءٍ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﻘﻦ ﺻﻨﻌﻪ
38
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
وﻳﴪع ﻋﻤﻠﻪ إذا ﻛﺮره ﻏﺎﻟﺒًﺎ ،وﻗﺎل آدم ﺳﻤﻴﺚ :إن اﻟﺤﺪاد إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﻌﻮدًا ﻋﲆ ﺻﻨﻊ ﻣﺴﻤﺎر رديءٍ، املﺴﺎﻣري ﻻ ﻳﻘﺪر أن ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﻮاﺣﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٢٠٠إﱃ ٣٠٠ ٍ ﻣﺴﻤﺎر ﰲ اﻟﻴﻮم ،ﰲ ﺣني أن اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺬﻳﻦ وﻟﻜﻨﻪ إذا ﺗﻤ ﱠﺮن ﺗﻤ ﱠﻜﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ٨٠٠أو ١٠٠٠ ٍ ﻣﺴﻤﺎر ﰲ اﻟﻴﻮم ﺗﺮﺑﻮا ﰲ ﺻﻨﻌﺔ ﻋﻤﻞ املﺴﺎﻣري ﻗﺪ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ أن ﻳﺼﻨﻊ ٢٣٠٠ ٍ ٍ ﺑﴪﻋﺔ اﻟﻮاﺣﺪ ،وﻻ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ اﻹﻛﺜﺎر ﻣﻦ إﻳﺮاد اﻷﻣﺜﻠﺔ ،وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻧﻘﻮﻟﻪ أن ﻻ ﻳَﺼﻨﻊ اﻟﴚءَ وإﺗﻘﺎن ﱠإﻻ اﻟﺬﻳﻦ ﴏﻓﻮا أوﻗﺎﺗﻬﻢ وأﺗﻌﺎﺑﻬﻢ ﰲ ﺗﻌﻠﻢ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﻢ. ٍ وﻣﻦ ٍ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﻞ ملﺰاوﻟﺔ ٍ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴ ٍﺔ ﻗﺪ ﻳﻀﻴﻊ داﺋﻤً ﺎ زﻣ ٌﻦ ﻛﺜريٌ ﻛﻠﻤﺎ اﻧﺘﻘﻞ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻣﻦ ٍ ﻣﺮات ﻋﺪﻳﺪ ًة ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﻮاﺣﺪ .واﻟﻼزم ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﻨﻊ اﻹﻧﺴﺎن ً ٍ ﻋﻤﻼ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل أن آﺧﺮ ً ﺻﻨﺪوق ﻣﺜﻼ ،ﻓﺈذا أﺗﻤﱠ ﻪ وﺟﺪ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺠﻤﻊ ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ اﻵﻻت واملﻮاد اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺼﻨﻊ ٍ ﺑﺤﺬق أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺻﻨﻊ ذﻟﻚ اﻟﺼﻨﺪوق ،وﻟﻜﻦ إذا ﺗﺼﺪﱠى اﺳﺘﻌﺪادًا إﱃ ﺻﻨﻊ ﻏريه ٍ ً ﺧﻄﺎب ﻟﻠﺰم ﻟﻪ أن ﻳﺤﴬ أﺷﻴﺎء ﺑﺪﻻ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺜﺎﻧﻲ إﱃ إﺻﻼح ﺣﺬاءٍ أو ﺗﺤﺮﻳﺮ ٍ ﻛﺜري ًة اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﻬﺬه اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﻳﺬﻫﺐ آدم ﺳﻤﻴﺚ إﱃ أن اﻟﺮﺟﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ — ﻋﻤﻞ إﱃ آﺧﺮ — ﻳﺠﻨﺢ إﱃ اﻟﻔﺘﻮر واﻟﺘﻬﺎون ،ﻓﺈذا ﺗﻜﺮر اﻻﻧﺘﻘﺎل ﺻﺎر أي ﺣﺎﻟﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ ٍ ﰲ ﻋﺪاد اﻟﻜﺴﺎﱃ املﺘﻬﺎوﻧني ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل .وﺟﻤﻠﺔ اﻟﻘﻮل :إن آدم ﺳﻤﻴﺚ ﺑﺮﻫﻦ ﻋﲆ أن ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺆدي إﱃ اﺧﱰاع اﻵﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﴫ اﻟﻌﻤﻞ؛ ﻷن اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﺣﺴﺐ زﻋﻤﻪ ﻳﺴﻬﻞ ً ﻣﻨﴫﻓﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ املﻮﺻﻠﺔ إﱃ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻌﻮن إﻟﻴﻬﺎ إذا ﻛﺎن اﻧﺘﺒﺎﻫﻬﻢ إﱃ ﻫﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ. وﻧﺤﻦ ﻧﺸ ﱡﻚ ﰲ ﺻﺤﺔ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ،ﻧﻌﻢ ﻧﺴ ﱢﻠﻢ أن اﻟﻌﻤﺎل ﻗﺪ ﻳﻜﺘﺸﻔﻮن ﰲ ﺑﻌﺾ ٍ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪٍّا ،وﻟﻜﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻃﺮق وأﺳﺎﻟﻴﺐ ﻟﺘﻘﻠﻴﻞ اﻟﻌﻤﻞ أدت إﱃ اﺧﱰاع أﺷﻴﺎءَ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﲆ ٍ ً ﻣﺠﺎﻻ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ اﻻﺧﱰاع؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻠﻤﺎﻫﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎع أن ﻳﺠﻌﻠﻮا ﺻﻨﻌﺘﻬﻢ ﻟﻼﺧﱰاع ،وﻟﻢ ﻳﺼﻞ أﺷﻬﺮ املﺨﱰﻋني ﻣﺜﻞ ﺟﻤﺲ وات وﺑﺮاﻣﺎ وﻓﻮﻟﺘﻮن وروﺑﺮﺗﺲ وﺳﻤﻴﺚ وﻫﻮ وﻓﺮﺑﺮن ووﻳﺘﻮرث وإﺳﺘﻔﺎﻧﺴﻦ ووﺗﻴﺴﺘﻮن وﺑﺴﻤﺮ وﺳﻴﻤﻨﺲ إﱃ اﺧﱰاﻋﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺧ ﱠﻠﺪت أﺳﻤﺎءﻫﻢ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺎﺗﺒﺎع اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ أﺷﺎر إﻟﻴﻬﺎ آدم ﺳﻤﻴﺚ ،إﻧﻤﺎ ﺑﺈﻋﻤﺎل ﻗﺮاﺋﺤﻬﻢ وﻣﺰاوﻟﺔ اﻟﺪرس واﻟﺒﺤﺚ ،وﻛﺜﺮة اﻟﺘﺪ ﱡرب ﻋﲆ ﺗﺸﻴﻴﺪ اﻵﻻت ،واﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻌﻤﻞ ﻫﻮ أن ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻣﺴﺎﻋﺪ ًة ﻋﻈﻤﻰ ﻋﲆ اﻻﺧﱰاع ﺑﻄﺮﻳﻖ أﻧﻪ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻜ ﱢﻞ ٍ ٍّ ﺧﺎﺻﺎ ﻣﻦ اﻵﻻت ،وﻳُﺮى ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻇﺎﻫ ًﺮا ﺗﻤﺎم اﻟﻈﻬﻮر ﰲ إﻧﻜﻠﱰا؛ ﺣﻴﺚ أن ﻳﺘﺨﺬ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻌﻤﻞ واﺣ ٍﺪ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺘﻮي ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻻ ﻳﺨﺮج ﱠإﻻ ﻣﻦ ٍ ﻳﻨﺪر رؤﻳﺔ ٍ 39
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ٌ ﺣﺎدث ﰲ ﺑﻼد اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻋﲆ اﻵﻻت اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻹﺣﺪاث ﻫﺬه اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ،وﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وﻳﻜﻮن ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﺧﺼﺐ املﺰاﻳﺎ ﻣﻦ ﻋﺪة وﺟﻮ ٍه ﻧﻮردﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﻮاﱄ ،وﻫﻲ: ) (1-2ﺗﻌﺪد اﻟﺨﺪﻣﺎت أﺷﺨﺎص، ﻗﺪ ﻳﻤﻜﻦ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺤﻴﺚ إن اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺨﺪﻣﺔ ﺟﻤﻠﺔ ٍ ٌ ﻣﺨﺼﻮص ،وﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻫﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻧﻪ إذا ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﺷﺨﺎص ﻋﺎﻣ ٌﻞ ُﻛ ﱢﻠ َ ﻒ ﺧﺎد ٌم ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ إﱃ اﻟﺒﻮﺳﺘﺔ ﻟﻴﻮدع ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻄﺎﺑًﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻮدع ﻓﻴﻬﺎ ﻋﴩﻳﻦ ﺧﻄﺎﺑًﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﴪﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻀﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻄﺎب اﻷول ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺎﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻘﻮم ﺑﻮﺿﻊ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﺗﻮﺟﻪ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﺪ ٍة ﻟﻮﺿﻌﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻣﻦ ٍ ﻣﻤﻠﻜﺔ إﱃ اﻟﻄﺮف ﺧﻄﺎب ﻣﻦ ﻃﺮف ﻫﺬا املﺜﺎل ﻳﻈﻬﺮ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﻳﻤﻜﻦ إرﺳﺎل ٍ اﻵﺧﺮ ﺑﺒﻨﺲ أو ﻧﺼﻒ ﺑﻨﺲ ،وﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ إرﺳﺎل اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺜﻤﻦ ٌ ٍ ٍ رﺳﺎﻟﺔ ﺗُ َ ﻣﺒﻌﻮث ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺬاﺗﻬﺎ ﻃﻮل اﻟﺴﻠﻚ وﺗﻮزع ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺮﺳﻞ اﻟﻘﻠﻴﻞ؛ ﻷن ﻛ ﱠﻞ ٍ رﺳﺎﻟﺔ واﺣﺪ ٍة ﱠإﻻ ﰲ اﻟﻨﺎدر. ﺧﺼﻮﴆ )اﻟﺴﺎﻋﻲ( ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺤﻤﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﱟ ً ﺑﻘﻌﺔ ﻣﻦ وﻻﺣﻆ واﺗﲇ — أﺣﺪ رؤﺳﺎء اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ — أن اﻟﺴﻮاﺣني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺘﺸﻔﻮن ﺑﻘﺎع اﻷرض ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻔﻮن ﻋﻨﺪ ﻫﺠﻮم اﻟﻠﻴﻞ ﻟﻠﻤﺒﻴﺖ ﻳﻘﺘﺴﻤﻮن اﻷﻋﻤﺎل ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻓﻴﺄﺧﺬ أﺣﺪﻫﻢ ﻋﲆ ﻋﻬﺪﺗﻪ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﻮل ،واﻵﺧﺮ ﻳﺨﺮج اﻟﺬﺧرية واملﺆن ،وﻏريه ﻳﻮﻗﺪ اﻟﻨﺎر وﺑﺪﻳﻬﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻬﺬﻳﺎن إذا أﴐم ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ وﻳﻬﻴﺊ اﻟﻄﻌﺎم ،وﻏريه ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎملﺎء وﻫﻜﺬا. ﱞ ً ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ،أو ﻫﻴﱠﺄ ﻃﻌﺎﻣً ﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ؛ ﻷن إﻳﻘﺎد اﻻﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﺳﺎﺋﺤً ﺎ اﻟﺬﻳﻦ وﺟﻬﺘﻬﻢ واﺣﺪ ٌة ﻧﺎ ًرا اﻟﻨﺎر وﺗﺤﻀري اﻟﻄﻌﺎم ﻷﺟﻞ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ً ﻧﻔﺴﺎ ﻳﺴﺘﻠﺰم ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻋني اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﻠﺰم ﻟﻌﻤﻞ ﺷﺨﺺ واﺣﺪٍ. ذﻟﻚ ﻷﺟﻞ ٍ ٍ ﻵﻻف ﺑﻞ ملﻼﻳني ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص ،ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ إذا وﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء إذا ﻋُ ﻤﻠﺖ ﺻﻠﺤﺖ زوﺑﻌﺔ ً ٍ ﻣﺜﻼ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ ،ﻓﻔﻲ وﺳﻌﻪ أن ﻳﻮﺻﻞ وﺻﻞ ﻷﺣﺪ اﻟﻨﺎس ﺧﱪٌ ﻣﻬ ﱞﻢ ﻛﻘﻴﺎم ﻫﺬا اﻟﺨﱪ إﱃ ﻋﻠﻢ ٍ أﻣﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﻨﴩه ﰲ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ،وإذاﻋﺘﻪ ﻋﲆ ﻟﺴﺎن ﺻﺤﻒ اﻷﺧﺒﺎر. ٌ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ وﻣﻦ اﻟﺨريات اﻟﻌﻤﻴﻤﺔ أﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻟﻮﻧﺪرة ﻣﻜﺘﺐٌ ﻳﻘﻮم ﻓﻴﻪ اﺛﻨﺎن أو اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺠ ﱢﻮ ﺑﺠﻤﻴﻊ اﻟﺒﻼد ،ﻓﻌﻠﻢ ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ أﺑﺤﺎﺛﻬﻢ ﻣﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻮﻗﺖ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﺣﺮار ٍة أو ﺑﺮود ٍة … إﻟﺦ ،وﻋﲆ ﻫﺬا املﺜﺎل ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻗﺎﻋﺪة ﺗﻀﺎرب اﻟﺨﺪﻣﺎت وﺗﻌﺪدﻫﺎ. 40
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
) (2-2ﺗﻌﺪد اﻟﺼﻮر وﺗﻌﺪد اﻟﺼﻮر ﻣﻦ أﻧﺠﻊ وﺳﺎﺋﻞ إﻧﻤﺎء ﻣﺤﺼﻮل اﻟﻌﻤﻞ؛ ﻷﻧﻪ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻵﻻت واﻟﻘﻮاﻟﺐ اﻟﺘﻲ ﺻﻠﺤﺖ ﻟﻌﻤﻞ ﳾءٍ ﻣﺎ ﰲ ﺣﻮزﺗﻨﺎ ﻓﻤﻦ املﻤﻜﻦ ﻏﺎﻟﺒًﺎ اﻹﻛﺜﺎر ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﴚء ﺑﻌﻴﻨﻪ ٍ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد أو ﻻﺻﻄﻨﺎع ﺑﺪون ﺻﻌﻮﺑ ٍﺔ وﻻ ارﺗﺒﺎكٍ ،وﺣﻔﺮ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﺐ ﻟﴬب ٍ ً ً اﻟﻮﺳﺎﻣﺎت ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻠﺰم ً ﺑﺎﻫﻈﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﺗ ﱠﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻗﺎﻟﺐ ﻃﻮﻳﻼ وﻣﺼﺎرﻳﻒ ﻋﻤﻼ ري ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد أو ﻗﺎﻟﺐ اﻟﻮﺳﺎم املﺼﻨﻮع ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺎدة ﺳﻬﻞ اﺳﺘﺨﺪام أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻻﺻﻄﻨﺎع ﻛﺜ ٍ ري ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﻣﺎت ،وﺗﻜﻮن ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ اﻟﴬب زﻫﻴﺪ ًة ﺟﺪٍّا. اﻟﻨﻘﻮد أو ﻛﺜ ٍ وأﺣﺴﻦ ﻣَ ﺜ َ ٍﻞ ﻳﻤﻜﻦ إﻳﺮاده ﻫﻨﺎ ﻟﺘﺒﻴني ﻣﺰاﻳﺎ ﺗﻌﺪد اﻟﺼﻮر ﻫﻮ آﻟﺔ اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ؛ إذ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن ﻧﺴﺦ ﻣﺆﻟﻔﺎت ﺷﻜﺴﺒري اﻟﺸﺎﻋﺮ املﺸﻬﻮر ﻛﺎن ﻳﻜﻠﻒ ﻗﺒﻞ اﺧﱰاع ﻫﺬه اﻵﻟﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ً ٢٠٠ﺟﻨﻴ ٍﻪ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺛﻤﻦ اﻟﻜﺘﺐ املﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺨ ﱢ ﻓﻀﻼ ﻂ اﻟﻴﺪ رﻓﻴﻌﺔ اﻟﺜﻤﻦ ﺟﺪٍّا ،ﻫﺬا ﻋﻤﱠ ﺎ ﻛﺎن ﻳﻘﻊ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻏﻼط اﻟﻌﺪﻳﺪة. ً ً ﺟﻤﻴﻼ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻃﺒﻌً ﺎ وﻳﺴﻬﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﰲ أﻳﺎﻣﻨﺎ ﻫﺬه ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺆﻟﻔﺎت ذﻟﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ ٍ ﺷﻠﻦ واﺣﺪٍ ،وﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺠﻠ ٍﺪ ﻣﻦ ﺗﻐﻠﻴﻒ ﻣﺠﺮ ٍد ﻣﻦ اﻷﻏﻼط ﻋﲆ ورق ﺑﻤﺒﻠﻎ ﻗ ﱠﻞ أن ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ٍ ٍ رواﻳﺎت واﻟﱰﺳﻜﻮت اﻟﺸﻬرية ﺑﺴﺘﺔ ﺑﻨﺴﺎت ،ﻧﻌﻢ ﻗﺪ ﻳﻜﻠﻒ ﺟﻤﻊ ﺣﺮوف أﺣﺪ املﺆﻟﻔﺎت املﻬﻤﺔ ٍ ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ،وﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﺗ ﱠﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻃﺒﻊ ﻣﺌﺎت اﻵﻻف ﻣﻦ وﻃﺒﻌﻪ ﺟﻤﻠﺔ ﻗﻠﻴﻞ ﻋﲆ ﺛﻤﻦ اﻟﻮرق واﻟﺘﺠﻠﻴﺪ ،واملﺘﺄﻣﻞ ﻳﺠﺪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ أن اﻟﻨﺴﺦ ﺗُﺒﺎع اﻟﻨﺴﺨﺔ ﺑﺰﻳﺎدة ﻣﺒﻠﻎ ٍ ٍ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﰲ ﻣﺼﻠﺤﺘﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻛﺎﻟﻜﺮاﳼ واملﻮاﺋﺪ وأواﻧﻲ اﻟﺴﻜﺮ واﻟﺸﺎي ً ﻣﺜﺎل أﺻﲇﱟ؛ وﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ أﺻﺒﺢ ﰲ اﻹﻣﻜﺎن ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻵﻟﺔ ﻋﲆ واملﻼﻋﻖ … إﻟﺦ ٍ ٍ ﻣﺜﺎل ﺷﻠﻨﺎت أو أﻗﻞ ،وﻟﻜﻨﻪ إذا رﻏﺐ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﺘني ﺑﺨﻤﺴﺔ اﺑﺘﻴﺎع ﱟ ﱟ ﻛﺮﳼ ﻣﻦ ٍ ﻛﺮﳼ ٍ ٍ ﻣﺮات. آﺧﺮ ﺑﻠﻎ ﺛﻤﻨﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻤﻦ اﻷول ﺧﻤﺲ أو ﻋﴩ ) (3-2اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﺸﺨﴢ ﺷﺨﺺ أن ﻳﺨﺘﺎر اﻟﺼﻨﻌﺔ وﻣﻦ ﻣﺰاﻳﺎ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻫﻮ أن اﺧﺘﻼف اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻜ ﱢﻞ ٍ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﻓﻘﻪ ،وﻳﺮى أﻧﻪ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﻗﻴﺎﻣً ﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻏريﻫﺎ ،ﻓﱰى اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻘﻮي املﺘني اﻟﺒﻨﻴﺔ ً ً ﺻﻨﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ أو ﻳﺘﻨﺎول ﺻﻨﻌﺔ ﺣﺮﻓﺔ ﻟﻪ ،واﻟﺮﺟﻞ اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻳﺮأس ﻳﺘﺨﺬ اﻟﺤﺪادة اﻷﺣﺬﻳﺔ ،واملﺎﻫﺮ اﻟﻠﺒﻴﺐ ﻳﺘﻔﺮغ إﱃ ﻋﻤﻞ اﻟﺴﺎﻋﺎت ،أﻣﺎ اﻟﺠﺎﻫﻞ واﻟﻐﺒﻲ ﻓﻘﺪ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﺎن أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﰲ ﻛﴪ اﻷﺣﺠﺎر وإزاﻟﺔ أﺳﻮار اﻟﺤﺪاﺋﻖ ً ﺷﺨﺺ ﻳﺘﻨﺎول ﻋﲆ ﻣﺜﻼ ،وﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻛ ﱡﻞ ٍ 41
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ٍ رﻓﻴﻌﺔ ،ﻓﻤﻦ اﻟﺨﺴﺎرة اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻌﻤﻮم اﻟﺤﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ أﺟﺮ ٍة املﻬﺎرة ﰲ ﻛﴪ اﻷﺣﺠﺎر أو رﻓﻊ اﻟﻘﻤﺎﻣﺎت ﻣﻦ ﻗﻮارع اﻟﻄﺮﻗﺎت ،وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘﻮل :إﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ اﺗﱠﺴﻊ ﻧﻄﺎق ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺜﺮ ﻋﺪد املﺼﺎﻧﻊ واملﻌﺎﻣﻞ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺳﻬﻞ ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ واﺣ ٍﺪ وﺟﻮد ٍ ﺧﺪﻣﺔ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻪ واﺳﺘﻌﺪاده ،ﻓﻴﺼﻨﻊ اﻟﻌﻤﺎل املﺎﻫﺮون اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ً ﻷﺣ ٍﺪ آﺧﺮ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ؛ ﻷن ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻃﺮﻗﺎ وأﺳﺎﻟﻴﺐ ﺗﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻋﲆ ﻋﻤﻞ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻠﺰم ﻋﻤﻠﻬﺎ املﻬﺎرة واﻟﺤﺬق ،وﻳﺮﺳﻢ املﻌﻠﻤﻮن ﺧﻄﺔ اﻟﻌﻤﻞ وﻳﻮزﻋﻮﻧﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﺎل ،وﻳﻘﻮم اﻟﻜﺘﺒﺔ املﺘﻌﻮدون ﻋﲆ اﻟﺤﺴﺎب ﺑﻤﺴﻚ اﻟﺪﻓﺎﺗﺮ ودﻓﻊ املﻄﻠﻮب ﻟﻠﺪاﺋﻨني وﻗﺒﺾ املﻄﻠﻮب ﻣﻦ املﺪﻳﻨني وﻣﺪﻳﺮ املﻌﻤﻞ ،وﻻ ﺑ ﱠﺪ أن ﻳﻜﻮن ً رﺟﻼ ﻣﺎﻫ ًﺮا ﺧﺒريًا ﻳﺒﺬل ﻛﻞ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﰲ إدارة اﻷﻋﻤﺎل ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ٍ وﺟﻪ ،وﻳﺸﱰي اﻟﻼزم ﻟﺬﻟﻚ املﻌﻤﻞ ﺑﺎﻷﺛﻤﺎن املﻔﻴﺪة أو ﻳﺨﱰع اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة ً ﻣﺸﺘﻐﻼ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺗﺴﻬﻴﻞ اﻟﻌﻤﻞ وﺗﻜﺜري اﻟﺤﺎﺻﻞ ﻣﻨﻪ ،وﻳﻜﻮن ﻛ ﱡﻞ واﺣ ٍﺪ املﻨﻮال ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺜﻤﺮ ﻋﻤﻠﻪ ﺛﻤ ًﺮا ﻛﺜريًا ﻟﻴﻨﻔﻊ ﺑﻪ ﻏريه وﻧﻔﺴﻪ. ﱢ املﺤﲇ ) (4-2اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻷﻋﻤﺎل ﺛ ﱠﻢ إن ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻔﴤ إﱃ اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ املﺤﲇ أي ﻳﺄذن ﺑﺈﺟﺮاء ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع ﰲ املﻜﺎن اﻷﻟﻴﻖ ﺑﻪ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠم ]ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ[ أن ﻛ ﱠﻞ ٍ اﻷﻋﻤﺎل ﻳﺠﺐ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻨﻪ ﻛﺜري ًة ﻏﺰﻳﺮ ًة ،ﻏري أن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﱠإﻻ ﺑﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻗﺪ راﻋﻰ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ،ﻓﱰاﻫﻢ ﻳﺼﻨﻌﻮن اﻟﻨﺒﻴﺬ واﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ وأﺻﻨﺎف اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺒﺎرﻳﺰﻳﺔ اﻟﺸﻬرية وﻳﺴﺘﻮردون اﻟﻘﻄﻦ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻨﺸﺴﱰ Manchesterواﻟﺒرية ﻣﻦ ﺑﻮرﺗﻦ وﺗﺮﻧﺖ Burton-ou-trentواﻟﻔﺤﻢ اﻟﺤﺠﺮي ً ﻣﺆﺳﺴﺎ ﻋﲆ ﻗﺎﻋﺪ ٍة ﻣﻦ ﻧﻮﻛﺎﺳﺘﻞ Newcastleوﻣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺘﺠﺎرة ﺣﺮ ًة وﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ٍ ٍ ٍ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ ﻳﺘﻌﻠﻢ إﺗﻘﺎن ﻣﺪﻳﻨﺔ وﻛ ﱠﻞ ﻣﺘني ،ﻓﺈن ﻛ ﱠﻞ ﺛﺎﺑﺘﺔ وﻣﺒﺪأٍ ٍ ٍ املﺪاﺋﻦ واملﺮاﻛﺰ اﻷﺧﺮى ،وﻋﲆ ﻫﺬا املﻨﻮال اﻣﺘﺎزت ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﺮﻛﻨﻮل Clerkenwellﺑﻌﻤﻞ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﰲ اﻹﺗﻘﺎن ،وﺑﺮﻣﻨﻐﻬﺎم Birminghamﺑﻌﻤﻞ اﻷﻗﻼم اﻟﺼﻠﺐ ،وﻣﺪﻳﻨﺔ ردﻳﺘﺶ Redditchﺑﻌﻤﻞ اﻹﺑﺮ ،وﻣﺪﻳﻨﺔ ﺷﻔﻴﻠﺪ Sheffieldﺑﻌﻤﻞ ا ُملﺪَى ،وﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﺘﻮك Stokeﺑﻌﻤﻞ أواﻧﻲ اﻟﺨﺰف ،وﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﻮﻓﻨﱰي Coventryﺑﻌﻤﻞ اﻟﴩاﺋﻂ ،وﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﻨﺖ ﻫﻠﻨﺲ Saint-Helen’sﺑﻌﻤﻞ املﺮاﺋﻲ ،وﻣﺪﻳﻨﺔ ﻟﻮﺗﻦ Lutonﺑﻌﻤﻞ ﻗﺒﻌﺎت اﻟﺨﻮص ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا. 42
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
وﻟﻴﺲ ﰲ اﻹﻣﻜﺎن ﻋﲆ اﻟﺪوام إﻳﻀﺎح اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﻷﺟﻠﻪ ﺗﺘﻘﻦ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﳾءٍ ﰲ ٍ ﺟﻬﺔ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،ﻛﺈﺗﻘﺎن ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﻮن ً Lyon دون ٍ ﻣﺜﻼ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺤﺎﺻﻞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ،وﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻤﺘﻊ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺘﻤﺎم ﺣﺮﻳﺘﻪ ﰲ ﴍاء اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏريﻫﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻟﻢ ﺗُﺼﻨَﻊ ﱠإﻻ ﻟﺘﺤﺼﻴﻞ اﻟﴪور واملﻨﻔﻌﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻹﻳﺠﺎد اﻟﻌﻤﻞ ﻷﺟﻞ اﻟﻌﻤﺎل. ٍ ﻣﺪﻳﻨﺔ وﻣﺘﻰ ﻣﻨﺤﺖ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ أدت إﱃ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺑني ﻣﺮﻛﺰ وآﺧﺮ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ ﺑني أﻣﺘني إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪ ٌة ﻋﻦ اﻷﺧﺮى ،واﺗﺼﺎل وأﺧﺮى أو ﺑني ٍ ﻋﻼﺋﻖ اﻟﺘﺠﺎرة ﺑني أﻣﺘني ﻣﻦ أﻋﻈﻢ وﺳﺎﺋﻞ زﻳﺎدة اﻟﺜﺮوة واﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﻤﻞ ،وﺑﻬﺬا اﻻﺗﺼﺎل ﺗﻤﻴﻞ أﻣﻢ اﻷرض إﱃ املﻌﻴﺸﺔ ﰲ وﺋﺎ ٍم ﺗﺎ ﱟم ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﱠإﻻ ً أﻣﺔ واﺣﺪ ًة. ) (5-2ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻟﺸﻐﻞ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻬﻨﺔ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ وﻳﺴﻤﻰ ذﻟﻚ ﺑﺘﻘﺴﻴﻢ إﻧﺎ ﻧﺮى اﻵن املﺰاﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻦ إﺗﻘﺎن ﻛ ﱢﻞ ٍ ٌ ٍ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل ﺣﺘﻰ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻳﻘﻮم ﺑﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺸﻐﻞ؛ ﻷن اﻟﺸﻐﻞ ﻳﻨﻘﺴﻢ إﱃ ﺟﻤﻠﺔ أﺟﺰاءٍ ً ً ﻋﻤﻞ واﺣ ٍﺪ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة ﺑﻌﻀﻬﻢ ً ﺟﻤﻠﺔ ﻛﺘﺎب ﻳﻠﺰم أن ﻓﻤﺜﻼ ﻷﺟﻞ إﻳﺠﺎد ﺑﻌﻀﺎ، ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺗﺘﻤﻴﻢ ٍ ٍ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎع ﻳﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ؛ إذ إن اﻟﺴﺒﺎﻛني ﻳﺬﻳﺒﻮن اﻟﺤﺮوف ،وﺻﻨﺎع اﻵﻻت ﻳﺮﻛﺒﻮن آﻟﺔ اﻟﻄﺒﻊ ،واﻟﻮرق ﻳﺸﻐﻞ ﻣﻦ ٍ ﺟﻬﺔ واﻟﺤﱪ ﻣﻦ أﺧﺮى ،واملﺒﺎﴍون اﻟﻄﺒﻊ ﻳﺪﻳﺮون ﱡ ﻳﺼﻔﻮن اﻷﺷﻐﺎل وﻳﻨﻈﻤﻮﻧﻬﺎ ،واملﺆﻟﻒ ﻳﻮرد اﻷﺻﻞ )اﻟﻨﺴﺨﺔ املﺮاد ﻃﺒﻌﻬﺎ( واﻟﺠﻤﱠ ﺎﻋني اﻟﺤﺮوف ،واملﺼﺤﺢ ﻳﺼﻠﺢ اﻟﻐﻠﻄﺎت ،وﻋﻤﺎل اﻟﻄﺒﻊ ﻳﻨﻘﻠﻮن اﻷوراق املﻄﺒﻮﻋﺔ ﻟﺤﻔﻈﻬﺎ ،ﺛ ﱠﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ املﺠﻠﺪون ،ﻛ ﱡﻞ ذﻟﻚ ﺑﺨﻼف اﻟﺤِ ﺮف اﻟﺼﻐرية املﺘﻌﺪدة اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻞ اﻵﻻت ٍ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺤِ ﺮف اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،ﻓﻤﺜﻞ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﻤﺜﻞ ٍ ﻣﺘﻘﻨﺔ ﻣﺮﻛﺒ ٍﺔ ﻣﻦ ﻋﺪة دواﻟﻴﺐ آﻟﺔ ً ً ﻣﺴﺘﺪﻳﻤﺔ ،ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺴﻤﻴﻪ اﻧﺘﻈﺎﻣً ﺎ ﻣﺮﻛﺒًﺎ ،أي ﺣﺮﻛﺔ واﺣﺪ ًة ﻳﺘﺤﺮك ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﺎ ٍ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻳﺘﻌﺎوﻧﻮن ﻣﻌً ﺎ ﻋﲆ إدراك ﻏﺎﻳ ٍﺔ ﻣﻘﺼﻮدةٍ ،وﻣﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﺣﺮف أﻧﺎس ذوي إن ﺟﻤﻠﺔ ٍ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أن أﻏﻠﺐ اﻟﻨﺎس ﻳﺠﻬﻠﻮن ﻋﺪد ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻟﻢ ﻳﻘﺮره أﺣﺪٌ، ﻣﻼﺣﻈﺘﻪ أن ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﱞ اﻟﺤﺮف املﻮﺟﻮدة وﻛﻴﻔﻴﺔ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻠﺰم ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺳﺘﺔ وﺛﻼﺛﻮن ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻟﺘﺸﻐﻴﻞ اﻷﺟﺰاء املﺘﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ ،وﻗﺪ ﻳﺸﱰط ﰲ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺠﻴﺐ ﻋﻤﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻗﺪ ﻳﺰﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد ﰲ ﺗﺸﻐﻴﻞ اﻟﻘﻄﻦ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٍ ٍ ٍ ﻣﺎﺋﺔ. ﻣﻬﻨﺔ أرﺑﻌني وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗُﺨﱰَع ﺣِ َﺮ ٌ ٍ ً اﻛﺘﺸﺎف ﺟﺪﻳﺪٍ ،ﻓﺎﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺎ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﻘﺐ ف ﺟﺪﻳﺪ ٌة ً )اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﺸﻤﴘ( ً ﺣﺮﻓﺔ ﺟﺪﻳﺪ ًة ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﺴﻜﻚ ﻣﺜﻼ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ وﺟﻮد ﺳﺖ ﻋﴩة 43
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ني ﻣﻦ ﻣﺪة ﺧﻤﺴني ً اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ أوﺟﺪت ﻋﺪة وﻇﺎﺋﻒ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ أﺛ ٌﺮ وﻻ ﻋ ٌ ﺳﻨﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ دﺧ ٌﻞ ﰲ إﻧﺸﺎء ﻫﺬه اﻟﺤﺮف واﻟﺘﴫﻳﺢ ﺑﻬﺎ؛ ﻷن اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻋﺎﺟ ٌﺰ ﻋﻦ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻋﺪد إﻧﺴﺎن أن ﻳﻌﺮف اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ وﻣﺎ ﻳﺸﱰك ﰲ ﻛ ﱢﻞ واﺣﺪ ٍة ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل؛ إذ ﻟﻴﺲ ﰲ وﺳﻊ أي ٍ ﻣﺎ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ وﺗﻔﺘﻘﺮ إﻟﻴﻪ ﻇﺮوف املﺴﺘﻘﺒﻞ ،وﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء إﻧﻤﺎ ﺗﻨﺘﻈﻢ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻮاﻓﻖ ﻟﺬوﻗﻪ وﻣﴩﺑﻪ، اﻹﻟﻬﺎم اﻟﻐﺮﻳﺰي ﰲ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﻜ ﱞﻞ ﻳﻘﻮم ٍ وﺟﺪﻳ ٌﺮ ﺑﺄن ﻳﻨﺎل ﻣﻨﻪ ﺛﻤﺮة أﺗﻌﺎﺑﻪ ،وﻗﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﻧﻮ ٌع آﺧﺮ ﻣﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﺸﻐﻞ ﻣﺘﺒﺎﻳ ٌﻦ ﻋﻤﱠ ﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﺑﻌﻤﻞ واﺣ ٍﺪ ﻣﻌﻠﻮ ٍم ،ﻓﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ اﺗﻔﺎق اﻟﺒﺤﺎرة ﻛﻞ اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ وﻫﻮ اﻟﺘﻌﺎون ﻋﲆ اﻟﻘﻴﺎم ٍ ﻣﺮﻛﺐ واﺣﺪٍ ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ،ﻓﻴﻘﺎل ﰲ ﺣﻤﻞ واﺣﺪٍ ،أو اﻟﺘﺠﺬﻳﻒ ﰲ ﺣﺒﻞ واﺣﺪٍ ،أو رﻓﻊ ٍ ﻋﲆ ﺟ ﱢﺮ ٍ ٍ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل :إﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﺮﺗﻴﺐٌ ﺑﺴﻴ ٌ ﻂ؛ ﻷن اﻟﺮﺟﺎل ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻧﻮﻋً ﺎ واﺣﺪًا ﻣﻦ اﻟﺸﻐﻞ ،وأﻣﱠ ﺎ إذا ٍ ﻣﺨﺎﻟﻒ ،ﻓﻴﻘﺎل ﺣﻴﻨﺌﺬٍ :إن اﻟﱰﺗﻴﺐ ُﻣ َﺮ ﱠﻛﺐٌ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أراد ﻋﻤﻞ أرادوا أن ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ٍ إﻧﺴﺎ ٌن ً ﺣﺎل ﻓﻔﻲ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻣﺜﻼ أن ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺘﺪﺑﻴﺐ دﺑﻮس وآﺧﺮ ﺑﻌﻤﻞ ٍ ٍ رأس ﻟﻪ ،وﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻳﻮﺟﺪ اﻟﱰﺗﻴﺒﺎن اﻟﺒﺴﻴﻂ واملﺮﻛﺐ. ٌ ﻓﺈذا اﺷﺘﻐﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﺑﺤﺎر ٍة ﰲ أرﻏﺎط )وﻧﺶ( واﺣﺪة ﻓﺎﻟﱰﺗﻴﺐ ﺑﺴﻴﻂ؛ ﻷن ﻛ ﱠﻞ ﻓﺮ ٍد ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻌﻤﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻴﻨﻪ اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻠﻪ اﻵﺧﺮون ،وﻟﻜﻦ اﻟﻘﺒﻄﺎن اﻷول واﻟﻘﺒﻄﺎن اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﺮﻛﺐ؛ إذ إن ٍّ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺄﺷﻐﺎل ﺑﱰﺗﻴﺐ واﻟﻨﺠﺎر ورﻳﺲ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ واﻟﻄﺒﺎخ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ٍ ٍ ً ٍ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أن اﻷﻧﻔﺎر ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﲆ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻟﻮ أﺧﺬﻧﺎ ٍ ٍ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻣﺮ ﱠﻛ ٍﺐ، ﺑﺴﻴﻂ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻀﺒﺎط ﻻﺧﺘﻼف وﻇﺎﺋﻔﻬﻢ واﺧﺘﺼﺎﺻﺎﺗﻬﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﲆ ٍ ري ﻋﻤﱠ ﺎ إذا اﺷﺘﻐﻞ ﻛ ﱡﻞ واﺣ ٍﺪ ﺑﻤﻔﺮده. ﻓﺎﻟﺘﻌﺎون ﻳﺠﻌﻞ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺸﻐﻞ أﻛﺜﺮ ﺑﻜﺜ ٍ ) (3ﰲ ﻣﻀﺎر ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ً ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻌﺾ ﻣﻀﺎر ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ املﻮﺟﻮد اﻟﻴﻮم ﰲ اﻟﺒﻼد املﺘﻤﺪﻧﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﻴﺎن ٍ ﻛﺎف ﻟﻴﺴﺖ ﺑﴚءٍ ﻳُﺬ َﻛﺮ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺘﻨﺘﺠﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺳﻨﺄﺗﻲ ﻋﲆ ٍ ﻟﻬﺎ. ً أوﻻ :ﻳُﺴﺘﻨﺘَﺞ ﻣﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ وﺣﴫ ﻗﻮة اﻟﺸﺨﺺ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﺗﻔﺮغ إﻧﺴﺎ ٌن ﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ملﺎ وﺟﺪ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻜﺎﰲ ملﺒﺎﴍة اﻷﻋﻤﺎل اﻷﺧﺮى وإﺗﻘﺎﻧﻬﺎ ﱠ ﺣﻖ اﻹﺗﻘﺎن، ٍ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺲ ﰲ وﺳﻌﻪ أن ﻳﺸﺘﻐﻞ — ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎل — أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﺰءٍ ﻣﻦ ﻋﴩة أﺟﺰاء اﻟﺪﺑﻮس ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﺗﻮﺟﺪ رﺟﺎ ٌل ً ﻣﺜﻼ ﻟﻢ ﻳﺘﻘﻨﻮا إﻻ ﻋﻤﻞ رءوس اﻟﺪﺑﺎﺑﻴﺲ .وﻛﺎن اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﻮن 44
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
ٍ ﺑﺤﺎﻟﺔ واﺣﺪةٍ ،ﻓﺈذا اﻧﺘﻘﻞ رﺟ ٌﻞ ﺗﻌﻮد ﻋﲆ أن ﻻ ﻳﺼﻨﻊ ﻳﻘﻮﻟﻮن :إن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻠﺰﻣﻪ اﻟﺘﻤﺴﻚ ً ْ ُ أﺣﺬﻳﺔ إﱃ ﺑﻼد ﻓﺎروﻳﺴﺖ Far-westﺑﺄﻣريﻛﺎ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻏري ﻛﻒءٍ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﱠإﻻ دﺑﺎﺑﻴﺲ أو ٍ وﻫﻠﺔ أﻧﻪ ﺑﺄﻋﺒﺎء اﻷﻋﻤﺎل املﻨﻮﻃﺔ ﺑﺎملﺰارع واﻟﻔﻼح اﻟﻨﺮوﻳﺠﻲ أو اﻟﺴﻮﻳﺪي اﻟﺬي ﻳﻈﻬﺮ ﻷول ﻗﺎﴏ اﻟﻔﻜﺮ ﻳﻤﻜﻨﻪ وﻻ ﻣﺮﻳﺔ ﺑﻨﺎء ﻣﻨﺰﻟﻪ وزرع أرﺿﻪ واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺠﻮاده واﺻﻄﻨﺎع ﻋﺮﺑﺎﺗﻪ وأواﻧﻴﻪ وأﺛﺎث ﺑﻴﺘﻪ ﻋﲆ ﻗﺪر اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗﺠﺪ اﻟﺠﻠﻮد اﻟﺤﻤﺮ )ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺑﺄﻣريﻛﺎ( ذوي ري ﻣﻦ املﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ املﺎﻫﺮ ﰲ ﻗﻀﺎء ﻟﻮازﻣﻪ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻛﻔﺎء ٍة واﺳﺘﻌﺪادٍ أﻛﺜﺮ ﺑﻜﺜ ٍ وﻫﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﰲ اﻟﺼﺤﺮاءُ ، وﻗﺼﺎرى اﻟﻘﻮل أن اﻟﺼﺎﻧﻊ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮﻓﺘﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻋﻤﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﰲ اﻟﺘﺸﺒﺚ واﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﺎملﻬﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﺗﻘﻨﻬﺎ ،وأﻣﱠ ﺎ إذا أراد اﻟﴩوع ﰲ ٍ أن ﻳﻘﻮم ﺑﻪ أﺣﺴﻦ ﻗﻴﺎ ٍم ﻓﺘﻌﻮد ﻋﻘﺒﺎه ﺑﺎملﴬة ﻋﻠﻴﻪ وﻋﲆ ﻏريه. أﻣﱠ ﺎ اﻟﴬر اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻬﻮ زﻳﺎدة ارﺗﺒﺎك اﻟﺘﺠﺎرة؛ إذ إن ﺣﺼﻮل أﻗﻞ ﻣﻬﻨﺔ ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﰲ ٍ ٍ ﻓﺎﻗﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻢ ﺷﺨﺺ ﻳﺘﻘﻦ ﻓﺮﻋً ﺎ واﺣﺪًا ﻣﻦ ﻓﺸﻞ ﻳﻌ ﱡﻢ وﻳﻨﺘﴩ ،ﻓﻜ ﱡﻞ ٍ ٍ ٌ ً ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻟﻘ ﱠﻠﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ، ﻣﻬﻨﺔ أﺧﺮى ،وإذا ﺣﺼﻞ ﺗﻐﻴريٌ ﰲ اﻟﺰي اﻟﺠﺎري وﻛﺴﺪت ﻓﻜﻢ ﻛﺎن ﰲ ﻏﺎﺑﺮ اﻷزﻣﺎن ﻣﻦ ﺑﻀﺎﺋﻊ ﺷﺘﻰ ﻟﻬﺎ رواجٌ ﻋﻈﻴ ٌﻢ واﻧﻘﺮﺿﺖ ﻣﻊ ﺗﻮاﱄ اﻷﻳﺎم، أﻋﻤﺎل أﺧﺮى ﺗﻘﻮم ﺑﺄَوَد وأﺻﺒﺢ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻌﻴﺸﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻠﺰﻣني ﺑﺎﻟﺴﻌﻲ وراء ٍ ً ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ .وﻣﻤﺎ زاد اﻟﻄني ً ٍ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل اﻷ ْﻛﻔﺎء، ﺣﺮﻓﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻠﺔ أن ﻛ ﱠﻞ وﻳﺼﻌﺐ ﺟﺪٍّا ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ املﺴﺘﺠﺪﻳﻦ ﻻ ﺳﻴﱠﻤﺎ املﺘﻘﺪﻣني ﰲ اﻟﺴﻦ أن ﻳﺘﻌﻠﻤﻮا ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ زﻣﻦ ﻣﺪﻳﺪٍ. اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻳﻨﺎﻓﺴﻮا ﻣَ ْﻦ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﻪ ﻣﻦ ٍ ً ﻓﻤﺜﻼ ملﺎ اﻧﺘﻬﻰ اﻟﺸﻐﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺟﻢ وﻗﺪ ﺗﺴﺎﻋﺪﻫﻢ اﻟﺘﻘﺎدﻳﺮ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻓﺘﻨﺠﺢ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﻢ، »ﻛﺮﻧﻮاي« Cornouaillesﺗﻮﺟﻪ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ إﱃ ﻣﻨﺎﺟﻢ أﺧﺮى ،وﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺼﻌﺐ ﻛﺜريًا أﺷﻐﺎل ﺟﺪﻳﺪ ٍة ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ،وذﻟﻚ ﻳﻔﺮض ﻋﲆ ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ Trade-unionsﻋﺪم وﺟﻮد ٍ ٍ ﻣﻬﻨﺔ ﻟﻢ ﻳﻤﺎرﺳﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. اﻟﺘﻌﺮض ﻟﻠﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜني ﰲ ﺗﻌﺎﻃﻲ وﻗﺪ ﺣﺎول ﻋَ ﻤَ ﻠﺔ ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﻔﺤﻢ ﻣﻨﻊ ﻋَ ﻤَ ﻠﺔ ﻛﺮﻧﻮاي ﻋﻨﺪ دﺧﻮل املﻨﺎﺟﻢ ً ﺧﻮﻓﺎ ﻋﲆ ﻧﻘﺼﺎن أﺟﻮرﻫﻢ وﻫﺎن ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﺮك إﺧﻮاﻧﻬﻢ ﻳﻤﻮﺗﻮن ﺟﻮﻋً ﺎ ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﺐﱢ اﻟﺬات ٍ ﺑﻤﻬﻨﺔ واﺟﺘﻬﺪ ﰲ إﺑﻌﺎد ﻛﻞ اﻟﺼﻨﺎع اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﻨﻬﺎ ﺻﺎﻧﻊ واﻹﴐار ﺑﺎﻟﻐري؛ إذ ﻟﻮ اﺳﺘﺄﺛﺮ ﻛ ﱡﻞ ٍ واﺣﺘﻜﺮﻫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،ﻟﺮأﻳﻨﺎ ً ﻓﺌﺔ ﻛﺒري ًة ﻣﻤﻦ ﺳﺎء ﺣﻈﻬﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮن ﰲ ﻣﺄوى ﻋﺪﻳﻤﻲ اﻟﺘﻜﺴﺐ إﻧﺴﺎن ﰲ أن Work-houseﻣﻦ دون أن ﻳﻘﱰﻓﻮا ذﻧﺒًﺎ ﻣﺎ ،ﻓﺎﻷﺟﺪر ﺗﺨﻮﻳﻞ اﻟﺤﻖ ﻟﻜ ﱢﻞ ٍ ﻋﻤﻞ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ؛ إذ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺤﻘﻮق املﻘﺪﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺄي ٍ ٍ ٍ ﴍﻳﻔﺔ أرادﻫﺎ. ﺣﺮﻓﺔ ﻟﻠﻌﺎﻣﻞ ﻫﻮ ﻣﻨﺤﻪ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ ﰲ اﻣﺘﻬﺎن أﻳﺔ 45
اﻟﻔﺼﻞ اﳋﺎﻣﺲ ﰲ رأس املﺎل
) (1ﻣﺎ ﻫﻮ رأس املﺎل؟ ﺗﻜ ﱠﻠﻤﻨﺎ ﻋﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﻤﻞ وﻣﻨﺎﻓﻌﻪ وﻣﻀﺎره ،وﻟﻨﴩع ﰲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ أﻣﻮال ﺟﺪﻳﺪةٍ ،وﻗﺪ وﺳﺎﺋﻞ اﺳﺘﻨﺘﺎج اﻟﺜﺮوة وﻫﻲ رأس املﺎل اﻟﺬي ﻧﺴﺘﻌني ﺑﻪ ﻋﲆ إﻳﺠﺎد ٍ ﻣﺎل؛ ﻷﻧﻪ إذا ﻣﻠﻚ رﺟ ٌﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻣﺎل ﺛﺮو ًة وﻻ ﺗﻜﻮن ﻛ ﱡﻞ ﺛﺮو ٍة رأس ٍ ﻳﻜﻮن ﻛ ﱡﻞ رأس ٍ أو ﻣﻦ اﻷﺻﻨﺎف اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺑﻬﺎ ﴍاء ﻣﺆﻧﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻪ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻘﻂ ﻣﺎل؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﰲ اﺳﺘﻨﺘﺎج ﻋﻤﻞ ﻛﺎن ،ﻓﺈن ﺛﺮوﺗﻪ ﻻ ﺗُﻌﺘﱪ رأس ٍ دون أن ﻳﻌﻤﻞ أي ٍ ً ﻣﺸﺘﻐﻼ ﺑﺒﻨﺎء ٍ ﺑﱤ أو ﻋﻤﻞ ﻋﺮﺑ ٍﺔ أو إﺣﺪاث أي ﺛﺮو ٍة أﺧﺮى ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺑﻴﺖ أو ﺣﻔﺮ ٍ ٍ ﻣﺎل. ﻋﻤﻞ ﻳﻌﻮد ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﻨﻔﻌﺔ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﺘﻌ ﱡﺪ ﺛﺮوﺗﻪ وﻗﺘﺌ ٍﺬ رأس ٍ ﳾءٍ ﻛﺎن ﻳﻜﻔﻴﻪ ﻣﺆﻧﺔ ٍ ٍ ﻟﺘﻌﺐ ﻋﻈﻴ ٍﻢ، ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﺗﺤﺘﺎج وأﻋﻈﻢ ﻣﺰﻳ ٍﺔ ﻟﺮأس املﺎل ﻫﻲ أن ﻳﺘﻴﴪ إﺗﻤﺎم اﻟﻌﻤﻞ ٍ ﻓﺈذا أراد رﺟ ٌﻞ ً ري ﺟﺪٍّا ﺑﱤ إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﱠإﻻ رأس ٍ ﻣﺜﻼ أن ﻳﺤﻤﻞ ﻣﺎءً ﻣﻦ ٍ ﻣﺎل ﺻﻐ ٍ اﻟﺘﺰم ﺑﻨﻘﻞ املﺎء إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ دﻟﻮًا دﻟﻮًا ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺐ واملﺸﻘﺔ ،وأﻣﱠ ﺎ إذا ﻛﺎن ﺣﻤﺎر وﻗﺮﺑ ٍﺔ وﺧﻔﻒ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﺎﻧﻴﻪ ﻣﺎل ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﺗﻤ ﱠﻜﻦ ﻣﻦ اﺑﺘﻴﺎع ﻋﻨﺪه رأس ٍ ٍ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺐ ،وإذا ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺎ ٌل أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ً ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻜﻮن ﻋﻤﻞ ﻗﻨﺎة ﻣﺎءٍ أﻳﻀﺎ ﻓﺄﺣﺴﻦ أو ﺑﺎﻷﺣﺮى وﺿﻊ ﻣﻮاﺳري ﺣﺪﻳ ٍﺪ ﻹﻳﺼﺎل املﻴﺎه ﻣﻦ اﻟﺒﱤ إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ .ﻧﻌﻢ ،وإن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﰲ أول اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺐ ﱠإﻻ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ووﺻﻮل املﺎء إﱃ ﺑﻴﺘﻪ ﻳﺒﻘﻰ آﻣﻨًﺎ ﻣﺮﺗﺎﺣً ﺎ.
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
) (2ﰲ رأس املﺎل اﻟﺜﺎﺑﺖ واملﺘﺪاول ٌ ﺛﺎﺑﺖ وﻣﺘﺪاو ٌل ،وﻳﻠﺰﻣﻨﺎ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ اﻟﻔﺮق ﺑني اﻻﺛﻨني. ﻳﻘﺎل ﻋﺎد ًة :إن رأس املﺎل ﻓﺮأس املﺎل اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ اﻟﻔﺎورﻳﻘﺎت واﻵﻻت واملﺮاﻛﺐ واﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ً ﻃﻮﻳﻼ وﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ، وﻋﺮﺑﺎت اﻟﻨﻘﻞ واﻟﺮﻛﻮب وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻜﺚ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻷﻣﻼك اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ؛ إذ إن اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ً ﻣﺜﻼ واﻟﺠﻮاﻣﻊ واﻵﺛﺎر ﱠإﻻ أن ذﻟﻚ ﻻ ﻳﺸﻤﻞ ﻛ ﱠﻞ ٍ ﻣﺎل؛ واﻟﺮﺳﻮم واﻟﻜﺘﺐ وأﺷﺠﺎر اﻟﺰﻳﻨﺔ وﻏريﻫﺎ ﻗﺪ ﺗﻤﻜﺚ زﻣﻨًﺎ ﻣﺪﻳﺪًا ،ﻏري أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺮأس ٍ ﺑﴪور ﻋﲆ ﺑﻌﻤﻞ ﺧرييﱟ وﻋﺎدت أﻣﻮال ﺟﺪﻳﺪةٍ ،ﻧﻌﻢ رﺑﻤﺎ أﺗﺖ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ إﻳﺠﺎد ٍ ٍ ٍ ﻣﺎل ٍ ﺛﺎﺑﺖ ﰲ اﺻﻄﻼح اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني. ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ وزادت ﰲ ﺛﺮوة املﻤﻠﻜﺔ ،ﱠإﻻ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺮأس ٍ أﻣﱠ ﺎ رأس املﺎل املﺘﺪاول ﻓﻴﺘﻜﻮن ﻣﻦ املﺄﻛﻮﻻت واملﻠﺒﻮﺳﺎت وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﴬورﻳﺔ ﻟﺮد ﻋﻮز اﻟﻌﻤَ ﻠﺔ ،وﻳﺴﻤﻰ ﺑﺮأس املﺎل املﺘﺪاول؛ ﻷﻧﻪ ﻗﻠﻴﻞ املﻜﻮث ،ﻓﺎﻟﺒﻘﻮل ً ﻣﺜﻼ أو ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ أﺻﻨﺎف اﻟﻄﻌﺎم ﺗﻔﻨﻰ ﺑﻤﺠﺮد اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺜﻴﺎب ﺗَ َﺒﲆ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﺑﻀﻌﺔ ٍ ﺳﻨﻮات ،ﻓﺮأس املﺎل املﺘﺪاول املﻮﺟﻮد اﻟﻴﻮم ﰲ اﻟﺒﻠﺪ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮدًا أﺷﻬﺮ أو ٍ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘني. أﻣﺎ رأس املﺎل اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻬﻮ ﻫﻮ ،ﻧﻌﻢ رﺑﻤﺎ اﻧﺪرﺳﺖ ﺑﻌﺾ ﻓﺎورﻳﻘﺎت وذﻫﺒﺖ ﻓﺮﻳﺴﺔ اﻟﺤﺮﻳﻖ وﺗﻼﺷﺘﻬﺎ أﻳﺪي اﻟﺪﻣﺎر ،أو أن ﺑﻌﺾ اﻵﻻت اﺳﺘُﻌﻴﻀﺖ ﺑﺄﺧﺮى ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﻐﻴريات ٌ ﻧﺴﺒﻴﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻣﻊ أن رأس املﺎل املﺘﺪاول ﻛﻠﻪ ﻳﺘﻐري ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺳﻨﺔ أو ﺳﻨﺘني ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ. واﻟﺘﻘﻠﺒﺎت ﻋﲆ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ واﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑني رأس املﺎل اﻟﺜﺎﺑﺖ واملﺘﺪاول ،ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ً ً ﺛﺎﺑﺘﺔ ً ً ﻛﻠﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﺪﻗﻴﻖ ﺑﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺆﻛﻞ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ وﻻ ﺑﻌﺾ أﻧﻮاع ﻣﻦ رءوس املﺎل ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺘﺪاول ،وأﻣﺎ اﻟﻄﺎﺣﻮﻧﺔ ﻓﻴﻤﻜﻦ ﻣﻜﻮﺛﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺨﻤﺴني ٍ ﺳﻨﺔ ﻣﺎل ٍ ﻗﻠﻴﻞ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ رأس ٍ زﻣﻦ ٍ ٍ ﻣﺎل ٍ ﺛﺎﺑﺖ ،وﻟﻜﻦ ﻛﻴﺲ اﻟﻄﺤني اﻟﺬي ﻳﻤﻜﺚ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻣﺪة ﻋﴩ وﻫﻲ وﻻ ﺷ ﱠﻚ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ رأس ٍ ﺳﻨني ﻓﻤﻦ اﻟﺼﻌﺐ إﻟﺤﺎﻗﻪ ﺑﺄﺣﺪ اﻟﻘﺴﻤني ،وﰲ اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻧﺠﺪ أن اﻟﻔﺤﻮم اﻟﺤﺠﺮﻳﺔ ري ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ — وﻻ ﻣﺮﻳﺔ زﻣﻦ ﻳﺴ ٍ واﻟﺰﻳﻮت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻶﻟﺔ اﻟﺒﺨﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﺘﻬﻠﻚ أو ﺗﻨﺘﻬﻲ ﰲ ٍ ﻣﺘﺪاول ،ﺑﺨﻼف اﻟﻌﺮﺑﺎت ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻤﻜﺚ ﻋﴩ ﺳﻨني ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،واﻵﻻت اﻟﺒﺨﺎرﻳﺔ ﻣﺎل ٍ — رأس ٍ ﺗﻌﻴﺶ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﴩﻳﻦ ٍ ﺳﻨﺔ ،واملﺤﻄﺎت ﺛﻼﺛني ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ،وﻻ ﻳﺒﻌﺪ أن ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻻﻋﺘﻨﺎء ﺗﻤﻜﺚ اﻟﻜﺒﺎري واﻟﺪﻫﺎﻟﻴﺰ واﻟﺮدوم ﻣﺎﺋﺘني ﻣﻦ اﻟﺴﻨني ،ﻓﻤﻦ ﺛﻢ ﻧﺮى أن ﺗﻘﺴﻴﻢ رأس املﺎل ً ٌ وﻣﺘﺪاوﻻ ﻛﻠﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎملﺪة ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻳﻌﺘﱪ ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻃﺎﻟﺖ ﻣﺪة وﺟﻮده وﻣﻨﻔﻌﺘﻪ، ﻫﺬه املﺪة. 48
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ
) (3ﰲ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻻﺳﺘﺤﺼﺎل ﻋﲆ رأس املﺎل رأس املﺎل ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد واﻟﺘﻘﺘري ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﻌﻲ وراء ً دﻓﻌﺔ واﺣﺪ ًة؛ ﻷﻧﻚ ﺗﺠﺪ ً ﻣﺜﻼ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻮﺣﴚ املﺴﻜني اﻟﺬي ﺟﻤﻊ اﻷﻣﻮال وﻋﺪم اﺳﺘﻬﻼﻛﻬﺎ ً ﻣﺎل ،ﻓﺈن ﺗﻮﻓﺮ ﻳﻀﻄﺮه ﻣﻌﺎﺷﻪ إﱃ إﺟﻬﺎد اﻟﻨﻔﺲ ﰲ اﻟﺸﻐﻞ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ رأس ٍ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰه وأﻣﻜﻨﻪ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﻌﻤﻞ اﻟﻘﴘ واﻟﻨﺒﺎل ﻟﺘﺴﻬﻴﻞ اﻗﺘﻨﺎص اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎل ،وﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ﻛﻠﻤﺎ اﺷﺘﻐﻠﻨﺎ ﻹﺻﺎﺑﺔ ﻣﺮﻣﻰ ﻏﺮض ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟﻪ ﻫﺬه اﻟﻘﴘ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ رأس ٍ ﺳﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﲆ ذﻟﻚ رأس املﺎل اﻟﺬي ﻧﺴﻌﻰ ﰲ ﻧﻤﻮه. ﻓﺎﻟﺘﻘﺘري ﻫﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ اﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻌﻢ ﺑﴚءٍ أوﺟﺪﻧﺎه أو ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ إﻳﺠﺎده ﺑﻜﺪﱢﻧﺎ وﻛﺪﺣﻨﺎ. أﻣﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻓﻬﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﺣﻔﻆ اﻟﴚء دون أن ﻳﻤﺴﻪ أﺣ ٌﺪ ﻟﻠﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻬﻮ ﻣﺘﻮﻓ ٌﺮ ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻌﻤﻠﻪ .ﻓﻠﻮ ﻛﺎن ﻟﺪي ً ﻣﺜﻼ ﻣﺎ ﻳﻤﻮﻧﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ وأﻛﻠﺘﻪ ﻓﻠﻴﺲ ﺛَﻤﱠ َﺔ ٍ ﻧﻘﻞ أو ﺑﺄي ﳾءٍ آﺧﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻣﻦ اﻗﺘﺼﺎدٍ ،وإﻧﻤﺎ إذا أﻛﻠﺘﻪ واﺷﺘﻐﻠﺖ ﺑﻌﻤﻞ ﻣﺤﺮاث أو ﻋﺮﺑﺔ ٍ ﻣﺎل ٍ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻟﻠﺒﻘﺎء ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﻲ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻋﲆ اﻹﻳﺮاد؛ ﻓﻘﺪ ﺣﻮﻟﺖ اﻟﺨﺒﺰ إﱃ رأس ٍ ﻣﺎل. ﻋﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﺈﻧﻲ ﻟﻢ أﺗﺤﺼﻞ ﻋﲆ رأس ٍ ﻟﻮ أﻛﻠﺘﻪ ﺑﺪون ٍ ٌ ﻣﺤﺮاث ﺟﻴ ٌﺪ ﻟﺮﺑﻤﺎ أﻣﻜﻦ ﻓﺮأس املﺎل ﻳﺪوم ﺑﺪوام اﻟﴚء املﻮﺿﻮع ﻫﻮ ﻓﻴﻪ؛ إذ ﻟﻮ و ُِﺟ َﺪ ﻣﻜﻮﺛﻪ ﻋﴩﻳﻦ ٍ ﺳﻨﺔ ،ﻓﻔﻲ ﻫﺬه املﺪة ﻳﺤﺼﻞ ﻣﺎﻟﻜﻪ ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻋﲆ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻌﻤﻞ ورأس املﺎل ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ ،وﻛﺬﻟﻚ رأس املﺎل املﻮﺿﻮع ﰲ ﻋﺮﺑﺎت ﻗﻄﺎر اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻠﺰﻣﻬﺎ ﺗﺸﻐﻴﻠﻪ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻳﺠﺐ اﺳﱰداده ﰲ ﻣﺪة اﻟﻌﴩ ﺳﻨني اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻜﺜﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻌﺮﺑﺎت ﺑﻮﺟﻪ ﻋﻤﻞ ﻳﻜﻮن داﺋﻤً ﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺘﻪ ﻣﻌﺘﱪًا ﺣﺎل ﻓﺮأس املﺎل املﻌني ﻷي ٍ اﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ،وﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ أﺟﻮر أو أﺷﻴﺎء ﺗُﺪﻓﻊ أﺟﻮ ًرا ،وﻣﺼﺪاق ذﻟﻚ أن رأس املﺎل ﰲ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪ ً ﻣﺜﻼ ﺑﺼﻔﺔ ٍ ﻳﱰﻛﺐ ﻣﻦ أﻏﺬﻳ ٍﺔ وﻣﻼﺑﺲ وﺑﻌﺾ أﺷﻴﺎء أﺧﺮى أُﻧﻔﻘﺖ ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺄﻋﺒﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺌﻮن .ﻧﻌﻢ ،وإن ﻛﺎن ﻣﻦ املﺤﻘﻖ أﻧﻪ ﻟﺰم ً ٍ أﻳﻀﺎ ٍ وأدوات آﻻت وﻗﻀﺒﺎن وﻗﺮﻣﻴﺪ )ﻃﻮب( أﺧﺮى ،وﻟﻜﻦ ﺑﻤﺎ أن ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء ﻛﺎﻧﺖ اﺳﺘﺤﴬت ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﻓﻴﻤﻜﻨﻨﺎ ً ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ أﺟﺮة اﻷﺟﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺻﻨﻌﻮﻫﺎ ،وﻫﻜﺬا ﻛﻠﻤﺎ أن ﻧﻘﻮل :إن رأس املﺎل املﻌني ٌ ﻋﻤﻞ وﺟﺪﻧﺎ أن رأس املﺎل ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻣﺼﺎرﻳﻒ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ. اﺳﺘﻘﺼﻴﻨﺎ ﻛ ﱠﻞ ٍ
49
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
) (4ﰲ وﺿﻊ رأس املﺎل ﻟﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع أﻣﺮان ﻳﺠﺐ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻤﺎ :ﻛﻤﻴﺔ رأس املﺎل ،واﻟﺰﻣﻦ املﻮﺿﻮع ﻓﻴﻪ؛ ﻷن ﻛﻤﻴﺔ رأس املﺎل ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺳﺘﺸﻐﻞ ً ﺛﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻋﲆ ﻗﺪر ﻃﻮل املﺪد وﻗﴫﻫﺎ املﻮﺿﻮﻋﺔ ﻷﺟﻠﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻜﻤﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻳﺰرع ً ﻣﺜﻼ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ املﺰروﻋﺎت ﻻ ﻳﻠﺰﻣﻪ أن ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻧﺘﻴﺠﺔ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﱠإﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﴤ ٍ ﺳﻨﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﻘﺮﻳﺐ. ﻓﻠﻮ ﻛﻠﻔﺘﻪ ﻣريﺗﻪ وﻣﻠﺒﻮﺳﺎﺗﻪ ﻣﺒﻠﻎ ٧٥٠ﻓﺮﻧ ًﻜﺎ ﰲ ﻣﺪة ٍ ﻣﺎل، ﺳﻨﺔ ﻟﻜﻔﺎه ﻫﺬا املﺒﻠﻎ رأس ٍ رﺟﺎل ﻟﺰرع ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ املﺰروﻋﺎت ﻻﻗﺘﴣ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ازدﻳﺎد رأس املﺎل وﻟﻮ اﺟﺘﻤﻊ ﺛﻼﺛﺔ ٍ ٍ ﻣﺮات أي ٢٢٥٠ﻓﺮﻧ ًﻜﺎ ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال اﻟﺘﻨﺎﺳﺒﻴﺔ. ﺛﻼث أﻣﺎ ﰲ زراﻋﺔ اﻟﻜﺮم ﻓﻴﺠﺐ اﻻﻧﺘﻈﺎر ﻋﺪة ﺳﻨني ﻗﺒﻞ أن ﻳﺒﺘﺪئ ﺑﺎﻟﻄﺮح ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ: ٍ ﺳﻨﻮات ﻓﻴﻜﻮن زارع اﻟﻜﺮم ﻣﺤﺘﺎﺟً ﺎ إﱃ = ٧٥٠ × ٥ ﻟﻨﻔﺮض أﻧﻪ ﻳﻠﺰم اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺧﻤﺲ ٣٧٥٠ﻓﺮﻧ ًﻜﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺘﺜﻤﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﻘﻄﻔﺔ اﻷوﱃ ،وﻟﻮ وُﺟﺪ ﺛﻼﺛﺔ زارﻋني ﻻﺣﺘﻴﺞ إﱃ × ٣ ،١١٢٥٠ = ٧٥٠ × ٥وﻟﻮ وﺟﺪ ﻋﴩة ﻻﺳﺘﻠﺰم ﻟﻬﻢ ٣٧٥٠٠ = ٧٥٠ × ٥ × ١٠ﻓﺮﻧﻚٍ ، وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا. ٍ ﻣﻬﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻳﻜﻮن ﻣﻨﺎﺳﺒًﺎ ﻟﻌﺪد وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻳﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﺟﻠﻴٍّﺎ أن رأس املﺎل اﻟﻼزم ﻷﻳﺔ ﺗﻨﺎﺳﺐ ٍ ﺛﺎﺑﺖ املﺴﺘﺨﺪﻣني واملﺪة املﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ رأس املﺎل ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻊ ذﻟﻚ أدﻧﻰ ٍ ٌ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺟﻤﻴﻌﻪ ﺑﺎﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻳُﺴﱰد ﻓﻴﻪ رأس ﺑني ﻋﺪد اﻟﻌﻤَ ﻠﺔ ورأس املﺎل اﻟﻼزم؛ ﻷن ذﻟﻚ ﻣﺎل ﻻ ﻳﻜﻔﻴﻪ ﱠإﻻ زﻣﻨًﺎ ً ﻗﻠﻴﻼ ،واملﺰارع املﺎل ،ﻓﺎﻟﺒﺪوي املﺴﻜني ﻳﺪﺑﺮ أﻣﺮه ﰲ املﻌﺎش ﺑﺮأس ٍ ﻣﺎل ﻳﻜﻔﻴﻪ ملﺪة ٍ ﺳﻨﺔ. ﻳﺤﺘﺎج ﻟﺮأس ٍ وأﻣﱠ ﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻣﻼك اﻟﻮاﺳﻌﺔ املﺘﻌﻮد ﻋﲆ إدﺧﺎل اﻹﺻﻼﺣﺎت املﻬﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻴﺤﺘﺎج إﱃ ريُ ، وﻗ ْﻞ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﺰم ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻟﻠﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ؛ رأس ٍ ﻣﺎل أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﻜﺜ ٍ ﻣﺎل ٍ ﺛﺎﺑﺖ ﻫﻮ اﻟﺠﺴﻮر واملﺤﻄﺎت واﻟﻘﻀﺒﺎن واﻟﻮاﺑﻮرات ﻷن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻮد ﺗﺘﺤﻮل إﱃ رأس ٍ وﻏريﻫﺎ. ﻣﺎل ) (5ﰲ أن اﻟﺸﻐﻞ ﻻ ﻳﺼﺢ اﻋﺘﺒﺎره رأس ٍ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻊ أن اﻟﺸﻐﻞ ﻫﻮ رأس ﻣﺎل اﻟﻔﻘري ،وأن ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﻛﻤﺎ ﻟﻠﻐﻨﻲ ﰲ اﻟﺘﻌﻴﺶ ﻣﻦ رأس ﻣﺎﻟﻪ ،ﻓﻨﻘﻮل :إن ﻫﺬا اﻟﺤﻖ ﻣﺨﻮﱠل ﻟﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻳﺎ ﺗﺮى وﻫﻮ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻣﺎل ﻋﻨﺪه ،ﺑﻞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻳﻀﻄﺮ إﱃ إﻳﺠﺎد ﺛﺮو ٍة ﻣﺎ واﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ ﺑﻐريﻫﺎ ﻟﻌﺪم وﺟﻮد رأس ٍ 50
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ
ﻣﺎ ﻳﺴﺪ ﺑﻪ ﻋﻮزه ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﻢ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﴍع ﻓﻴﻪ؛ وذﻟﻚ ﻷن ﺷﻐﻠﻪ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﺑﻞ ﻳﺤﺘﺎج ً ٍ ٍ وأدوات أﺧﺮى ،ﻓﻬﺬه اﻷﺷﻴﺎء املﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻬﻤﺎت وأﻳﻀﺎ ﻳﻠﺰﻣﻪ ﺑﻌﺾ ملﺎ ﻳﻤريه ﰲ ﻫﺬه اﻷﺛﻨﺎء، ﻣﺎل. ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﱢن رأس املﺎل ،وﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻟﺸﻐﻞ ﺑﺮأس ٍ وﻗﺪ ﺳﻤﻌﻨﺎ ً ﻣﺎل وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ،وﻫﻮ ﻣﺎل ،واﻟﺬﻛﺎء رأس ٍ أﻳﻀﺎ ﻏري ﻣﺮ ٍة أن اﻷرض رأس ٍ ﺧﻄﺄ ٌ ٌ ﻣﺤﺾ؛ إذ املﻌﻨﻰ املﻘﺼﻮد ﻫﻮ وﻻ ﺷ ﱠﻚ ﱠ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﻌﻴﺸﻮن ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﺜﻤﺮوﻧﻪ ﻣﻦ اﻷرض وﻣﺎ ﻳﻘﺘﺒﺴﻮﻧﻪ ﻣﻦ ذﻛﺎﺋﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ أن آﺧﺮﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻨﺘﺠﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﺎل وﻻ اﻟﺬﻛﺎء ،ﺑﻞ إن اﻹﻳﺮاد ﻳﺴﺘﻠﺰم ﻛﻤﺎ رأس ﻣﺎﻟﻬﻢ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻷرض ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺮأس ٍ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ :اﻷرض واﻟﺸﻐﻞ ورأس املﺎل .وﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ اﻟﻜﲇ إﺷﻜﺎل ﻫﺬه ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻴﺎء اﻷﺷﻴﺎء ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻌً ﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ اﻟﻈﺎﻫﺮ.
51
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﰲ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺜﺮوة
) (1ﻛﻴﻒ ﺗﻮزع اﻟﺜﺮوة؟ ﻋﺮﻓﻨﺎ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﺜﺮوة ،وﻛﻴﻔﻴﺔ وﺟﻮب اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﻮﺻﻮل ﻹﺣﺪاﺛﻬﺎ ﺑﻜﻤﻴ ٍﺔ واﻓﺮ ٍة ﻣﻊ ٍ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﰲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ،أﻻ وﻫﻲ ﺗﻮزﻳﻊ ﻗﻠﺔ اﻟﺘﻌﺐ ،ﻏري أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻟﻶن ﻋﲆ أﻫﻢ اﻟﺜﺮوة ﺑني ﻣﻦ أﺣﺪﺛﻮﻫﺎ. وﻣﻮاد اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻫﻲ ﻛﻤﺎ أﺳﻠﻔﻨﺎ اﻷرض واﻟﺸﻐﻞ ورأس املﺎل ،ﻓﺈذا ﺗﻴﴪت ﻫﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺷﺨﺺ واﺣ ٍﺪ ﻓﻼ ﻣﺮﻳﺔ ﰲ أﻧﻪ ﻳﻜﻮن املﺎﻟﻚ ﻟﻠﻤﺤﺼﻮل ﻋﺪا ﻣﺎ ﺗﺄﺧﺬه اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺜﻼث ﻟﺪى ٍ ﻛﺎﻟﴬاﺋﺐ ً ﻋﺎﻣﻞ ﻳﻤﻠﻚ اﻷرض ﻛﻠﻬﺎ ورأس ﻣﺜﻼ ،وﻟﻜﻦ ﻳﻨﺪر ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﺤﺎﴐة وﺟﻮد ٍ املﺎل ﻛﻠﻪ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻪ؛ إذ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﺗﻀﻄﺮه ﻟﻼﻧﺘﻘﺎل ﻋﻨﺪ ﻏريه أو املﻌﻴﺸﺔ ﰲ ﺑﻴﺖ ﻏريه واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻻﺧﱰاﻋﺎت واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت واﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻏريه. أﺷﺨﺎص ﺷﺨﺺ واﺣﺪٍ ،ﺑﻞ ﻋﲆ اﺗﺤﺎد ﺟﻤﻠﺔ ﻓﺈﺣﺪاث اﻟﺜﺮوة إذن ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ إرادة ٍ ٍ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻧﺼﻴﺐٌ . ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﻷرض واﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺎملﺎل واﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،وﻟﻜ ﱢﻞ ٍ ٌ وﺳﻴﻠﺔ واﺣﺪ ٌة ﰲ اﻟﺜﺮوة املﺤﺪﺛﺔ ،ﻓﻌﲆ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ أن ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ أﻣﱠ ﺎ إذا ﻟﻢ ﻳﺘﻴﴪ ﱠإﻻ ﻣﻌﺮض املﺴﺎوﻣﺔ ،وﻟﻪ اﻟﺨﻴﺎر ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﰲ ﻃﻠﺐ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻣﻊ ٍ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﲆ ﻗﻮاﻋﺪ ﻃﺒﻴﻌﻴ ٍﺔ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺜﺮوة ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﺼﺪﻓﺔ وﻻ ﻟﻠﺠﺰاف ﺗﺄﺛريٌ ﱞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺳﻨﴩﺣﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﴫﻳﻦ اﻵن ﻋﲆ إﻳﺮاد ﻣﺎ ﻳُﻌ َﻠﻢ ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺐ اﺧﺘﺼﺎص ﻗﺴ ٍﻢ ري ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ،واﺧﺘﺼﺎص ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد ﺑﻤﻌﻈﻤﻬﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ ﺑﴚءٍ ﻳﺴ ٍ
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ً ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﻜﺪون وﻳﻜﺪﺣﻮن وﻳﺒﺬﻟﻮن ﻣﺎ ﰲ وﺳﻌﻬﻢ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻷرض ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮا ﻣﺤﺼﻮﻻﺗﻬﺎ ،ﻓﻴﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﺋ ٍﺬ ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض وﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺤﺼﻮﻻت اﻟﺠﺰء اﻷﻋﻈﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺼﻴﺐ اﻟﻌﻤَ ﻠﺔ ﱠإﻻ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻘﻀﺎء ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ،ﻓﻤﺘﻰ ﻋﺮﻓﻨﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ أن اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻳﺄﺧﺬ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺴريًا ﺳﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ املﺜﲆ ﻟﻨﻤﻮ إﻳﺮادﻫﺎ ،ﻏري أﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮل :إن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ٌ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ .وﻣﻮﺿﻮع ﻛﻼﻣﻨﺎ اﻵن ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺜﺮوة ﺑني اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وأﺻﺤﺎب اﻷرض ورأس املﺎل واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،ﻓﻨﺼﻴﺐ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻳﺴﻤﻰ أﺟﺮ ًة ،وﻧﺼﻴﺐ ﺻﺎﺣﺐ ً اﻷرض ﻳﺴﻤﻰ ً ﴐﻳﺒﺔ. دﺧﻼ ،وﻧﺼﻴﺐ ﺻﺎﺣﺐ املﺎل ﻳﺴﻤﻰ رﺑﺤً ﺎ ،وﻧﺼﻴﺐ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻴﻤﻜﻨﻨﺎ إذن أن ﻧﻘﻮل ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻮم :إن ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺸﻐﻞ ﺗﻨﻘﺴﻢ إﱃ أرﺑﻌﺔ أﻧﺼﺒ ٍﺔ ﻋﲆ اﻟﺼﻔﺔ اﻵﺗﻴﺔ: املﺤﺼﻮل ،واﻷﺟﺮة ،واﻟﺪﺧﻞ ،واﻟﺮﺑﺢ ،واﻟﴬﻳﺒﺔ. ) (2ﻧﺼﻴﺐ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﰲ اﻷﺟﻮر ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻔﻘﻪ ﻛﻨﻪ املﻌﺎﻧﻲ وﻧﺘﻤﻌﱠ ﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻴﺪًا .إن ﻛﻠﻤﺎت :أﺟﺮ ٌة ،وإﻳﺮادٌ ،ورﺑﺢٌ ،اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻫﻨﺎ ﻻ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻛ ﱠﻞ اﻻﻧﻄﺒﺎق ﻋﲆ املﻌﻨﻰ اﻟﺸﺎﺋﻊ ﺑني اﻟﻨﺎس؛ ﻷن ﻣﺎ ﻳُﻌ َ ﻄﻰ ﻣﻦ اﻷﺟﻮر ﻟﻠﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﺟﺰءٍ ﻣﻦ اﻟﺮﺑﺢ ،واﻹﻳﺮاد ﻳﺘﻀﻤﻦ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﺮﺑﺢ، وأﻣﱠ ﺎ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﺮﺑﺢ ﻓﻴﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎره أﺟﺮ ًة أو إﻳﺮادًا إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﻌﻠﻮ ٍم. واﻷﺟﺮ ﰲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻻ ﻳُﻄ َﻠﻖ ﱠإﻻ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳُﺪﻓﻊ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺗﻌﺎب اﻟﻌﻤﻞ؛ ﻷن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﻤﺘﻠﻜﻮن أدواﺗﻬﻢ وﻣﻌﺪاﺗﻬﻢ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﻢ ،وﻫﺬه اﻷدوات ﻛﻠﻬﺎ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﺟﺰءٍ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح .ﻓﺎﻷﺟﺮة إذن ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ رأس ﻣﺎل ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺧﺼﻢ ﻫﺬا اﻟﺮﺑﺢ ،وﻳﻜﻮن ﻣﻦ املﻮاﻓﻖ ً أﻳﻀﺎ ﺗﻨﺰﻳﻞ ﻣﺎ ﻳُﺪﻓﻊ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﴐاﺋﺐ. ) (3ﰲ ﺣﺼﺔ اﻷرض اﻹﻳﺮاد وﻫﻮ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ املﺤﺼﻮل ﻳﺪل ﰲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳُﺪﻓﻊ ﻷﺟﻞ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺳﻮاء ﻛﺎن ً أرﺿﺎ أو ﻧﻬ ًﺮا أو ﺑﺤري ًة ،ﻓﺈﻳﺮاد املﻨﺰل أو املﻌﻤﻞ ﻻ ﻋﺎﻣﻞ اﺳﺘﺨﺪام أي ٍ ﱟ ﻣﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ،وﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻳُﻌﺘﱪ ﻛﻠﻪ إﻳﺮادًا ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ؛ ﻷن ﺑﻨﺎء اﻟﺒﻴﺖ واملﻌﻤﻞ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﴏف ٍ أرﺑﺎح ﻳﺠﺐ اﺳﺘﻨﺰاﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻞ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻹﻳﺮاد اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ،ﻓﺒﻌﺪ ﻟﻬﺬا املﺒﻠﻎ ﻣﻦ ٍ اﺳﺘﻨﺰال ﻫﺬه اﻷرﺑﺎح ﻳﻜﻮن إﻳﺮاد املﻨﺰل ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻞ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ اﻷرض 54
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس
املﺸﻴﺪ ﻓﻮﻗﻬﺎ املﻨﺰل ،وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ اﻹﻳﺮاد اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺑﻠﻔﻈﺔ ﻣﻜﺴﺐ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻨﻘﻒ ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺑﻌﺪُ. ري ﻣﻤﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﺗﺤﺖ ﺗﴫف ﻧﺼﻴﺐ رأس املﺎل أو اﻟﺮﺑﺢ ﻳﻜﻮن ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻗﻞ ﺑﻜﺜ ٍ أرض أو ﻳﺸﻴﺪ املﺘﻤﻮل ،ﻓﺼﺎﺣﺐ املﺎل ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﴩع ﰲ ﻋﻤﻞ اﻷﺷﻴﺎء ﻛﺄن ﻳﺴﺘﺄﺟﺮ ﻗﻄﻌﺔ ٍ ً ً ﻣﻌﻤﻼ أو ﻳﺸﱰي ٍ رﺟﺎﻻ ﻟﻴﻘﻮﻣﻮا ﺑﺄﻋﺒﺎء اﻷﻋﻤﺎل وﻳﻨﻘﺪﻫﻢ أﺟﺮ ًة ،وﻗﺪ آﻻت ،وﻳﺴﺘﺨﺪم ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻜﻮن ﺻﺎﺣﺐ املﺎل ﻫﺬا ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﺪﻳ ًﺮا ﻷﻋﻤﺎل ﻧﻔﺴﻪ وﻳﺸﺘﻐﻞ ﻣﻊ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﺪًا ﺑﻴ ٍﺪ ورﺑﻤﺎ اﺷﺘﻐﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻣﺘﻰ اﻧﺘﻬﺖ اﻷﺷﻐﺎل وﺑﻴﻌﺖ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺣﻔﻆ ﺛﻤﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻟﻪ دﻓﻊ ﺟﺰءٍ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ أﺟﻮر اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ زﻣﻦ اﻟﺘﺸﻐﻴﻞ ،وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻼف ذﻟﻚ دﻓﻊ ٌ ﻣﺒﻠﻎ ﻳﺴﺘﻌني ﺑﺠﺰءٍ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ املﻌﻴﺸﺔ، إﻳﺠﺎر اﻷرض ،وﺑﻌﺪ ﺧﺼﻢ ﻫﺬه املﺒﺎﻟﻎ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻪ ٍ ﻗﻴﻤﺔ أﺧﺮى ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺗﻌﺎب وﻫﺬا املﻜﺴﺐ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ أرﺑﺎح رأس املﺎل وﻋﲆ ﻣﺪﻳﺮ اﻟﻌﻤﻞ .وﻣري اﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﻳﻘﻮم ﺑﴚءٍ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﱠإﻻ ﰲ اﻟﻨﺎدر ،ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻧﺼﻴﺒﻪ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ :ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ املﺤﻞ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺒﺘﺎع ﻣﻨﻪ رﺧﻴﺺ ،واﻧﺘﻘﺎء اﻟﻌﻤَ ﻠﺔ املﺎﻫﺮﻳﻦ ،وﻣﺴﻚ اﻟﺪﻓﺎﺗﺮ ،وإﺟﺮاء ﻋﺪة ﺑﺴﻌﺮ املﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ اﻟﺠﻴﺪة ٍ ٍ ً ﺻﻌﻮﺑﺔ وأدﻋﻰ إﱃ اﻟﻀﻌﻒ أﺷﻴﺎء أﺧﺮى ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن اﻟﺸﻐﻞ اﻟﻌﻘﲇ ﻫﻮ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻛﺜﺮ ﻋﻤﻞ ﻣﻬ ﱟﻢ ﺗﺼﺎدﻓﻪ أزﻣﺎت وﺻﻌﻮﺑﺎت ﺗﺪﻋﻮه ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﻐﻞ اﻟﻴﺪوي ،ﻓﺈذا ﺑﺪأ ﰲ إدارة ٍ إﱃ اﺿﻄﺮاب اﻟﻔﻜﺮ وﺗﻜﺒﺪ أﻋﻈﻢ اﻷﺷﺠﺎن؛ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻟﻮ ﻧﺠﺢ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻜﺎن ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ أﺧﺬ اﻟﻨﺼﻴﺐ اﻷوﻓﺮ ﻣﻦ اﻹﻳﺮاد ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أﺗﻌﺎﺑﻪ ،وﻫﺬا اﻟﻨﺼﻴﺐ ﻳﺴﻤﻰ ﻣﺼﺎرﻳﻒ إدارة اﻟﻌﻤﻞ ري ﻣﻦ ﻧﺼﻴﺐ اﻷﺟري اﻟﺒﺴﻴﻂ ﱠإﻻ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﺮج وﻣﺮاﻗﺒﺘﻪ ،وﻫﻮ وإن ﻛﺎن ﰲ اﻟﻌﺎدة أﻫﻢ ﺑﻜﺜ ٍ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻪ أﺟﺮ ًة. ً وﻳﺠﺐ ً ﺿﻤﺎﻧﺔ ملﺎ ﻋﺴﺎه ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻦ املﺨﺎﻃﺮ؛ ﻷﻧﻪ أﻳﻀﺎ ﺣﻔﻆ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ املﻜﺴﺐ ً ٍ وﻋﻘﻼ ﺗﻀﻴﻊ ﻣﻨﻪ دراﻫﻢ ﻣﺪﻳﺮ ﻣﻬﺎر ًة ﺗﻘﻠﺒﺎت ،ورﺑﻤﺎ أن أﻋﻈﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﻌﺾ ٍ ﻷﺳﺒﺎب ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﰲ اﻟﺤﺴﺒﺎن ،ﻓﺄﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺗﺠﺪه ﺑﻌﺪ أن ﻳﺸﻴﺪ ﻣﻌﺪود ٌة وﺗﺬﻫﺐ أدراج اﻟﺮﻳﺎح ٍ املﻌﻤﻞ ﻳﻌﺮض اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻃﻠﺐ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ ،وﺗﺎر ًة ﻳﺘﻌﺬر ﻋﻠﻴﻪ ﴍاء املﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻣﻮاﻓﻖ ،وﻃﻮ ًرا ﻳﺘﴬر اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وﻳﴬﺑﻮن ﻣﻜﺎن ﻏري ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن املﻌﻤﻞ ﺑُﻨ َِﻲ ﰲ ٍ ٍ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻃﻠﺒًﺎ ﰲ زﻳﺎدة أﺟﻮرﻫﻢ ،وﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺨﻄﺄ ﻓﺎﻟﺨﺴﺎرة ﻋﺎﺋﺪ ٌة ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺐ املﺎل ً ٍ ﻋﻴﺸﺔ راﺿﻴ ٍﺔ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻀﻄﺮه دواﻋﻲ ﻃﺎﺋﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﰲ ﺣﺎل؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺨﴪ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ اﻟﺤﺎل ﻟﴫﻓﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺷﻮﻫﺪ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ أﻣﻀﻮا ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﺸﻐﻞ وأﺻﺒﺤﻮا أﻏﻨﻴﺎء، 55
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻃﺎرئ ﻻﻋﻮﺟﺎج ﰲ اﻟﺮأي أو ﻟﻨﺰول وﻟﻜﻨﻬﻢ ﰲ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ﺿﻴﻌﻮا ﻛ ﱠﻞ أرزاﻗﻬﻢ وأﻣﻮاﻟﻬﻢ ٍ ٍ ﺧﺎرﺟﻲ. ﱟ ﻓﻴﺠﺐ ﺗﻨﺸﻴﻂ ﺻﺎﺣﺐ املﺎل ﺑﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻋﲆ اﻗﺘﺤﺎم ﻫﺬه اﻷﺧﻄﺎر؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻮ أﻗﺮض اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ رأس ﻣﺎﻟﻪ ﻟﺘﺴﻨﻰ ﻟﻪ أن ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ رﺑﺤً ﺎ ﻣﺆﻛﺪًا ،ﻓﺈذا ﺗﺮك ﻫﺬا اﻟﺮﺑﺢ املﺆﻛﺪ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﺒﺎل ﺑﺎﻷﺧﻄﺎر ﻻ ﺑ ﱠﺪ وأن ﻳُﻜﺎﻓﺄ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺻﻪ واﺳﺘﻌﻤﻞ أﻣﻮاﻟﻪ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة ﻏري ٍ ٍ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﺑﻬﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺗﻮازي أرﺑﺎح اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻨﺎﺟﺤﺔ ﺧﺴﺎﺋﺮ املﴩوﻋﺎت ﻏري اﻟﻨﺎﺟﺤﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﺤﺼﻞ أﺻﺤﺎب املﺎل ﻋﲆ أرﺑﺎح أﻣﻮاﻟﻬﻢ وﻗﻴﻤﺔ أﺗﻌﺎﺑﻬﻢ ،ﻓﻤﻦ ذﻟﻚ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ إذن وﺿﻊ املﻌﺎدﻟﺔ اﻵﺗﻴﺔ: املﻜﺴﺐ = ﻣﺼﺎرﻳﻒ اﻹدارة +اﻟﺮﺑﺢ +ﻣﺒﻠﻎ اﻟﻀﻤﺎﻧﺔ ﻣﻦ اﻷﺧﻄﺎر. ) (4ﰲ اﻟﺮﺑﺢ اﻟﺮﺑﺢ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳُﺪﻓﻊ ﻧﻈري اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﺮأس املﺎل ،وﻫﺬا اﻟﺮﺑﺢ ﺗﻜﻮن زﻳﺎدﺗﻪ وﻗﻠﺘﻪ ﻣﺘﻌﻠﻘﺘني ﺑﺰﻳﺎدة ﻣﺒﻠﻎ رأس املﺎل وﻗﻠﺘﻪ ،وﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﲆ ﺣﺴﺐ ﻃﻮل املﺪة وﻗﴫﻫﺎ املﻮﺿﻮع ﻷﺟﻠﻬﺎ رأس املﺎل ،ﻓﻤﻌﺪل اﻟﻔﺎﺋﺪة إذن ﻳﻘﺪر ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر املﺒﻠﻎ واملﺪة ،ﻓﻠﻮ ﻗﻠﻨﺎ :إن ﺳﻌﺮ اﻟﻔﺎﺋﺪة ٌ ٍ ﻓﺮﻧﻜﺎت، ﺧﻤﺴﺔ ﰲ املﺎﺋﺔ ﻟﻜﺎن املﺮاد ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻓﺮﻧﻚٍ ﺗﺮﺑﺢ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ ﺧﻤﺴﺔ ً ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ. وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻌﺪدت اﻟﺴﻨﻮات وﺗﻜﺮر وﺟﻮد ﻣﺎﺋﺔ ﻓﺮﻧﻚٍ ﰲ املﺒﻠﻎ ازداد اﻟﺮﺑﺢ زﻳﺎد ًة وأﻣﱠ ﺎ ﻣﻌﺪﱠل اﻟﻔﺎﺋﺪة اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻊ اﻵن ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ١إﱃ ٥ﰲ املﺎﺋﺔ. ﺧﻤﺴﺔ أو ً ً ﺳﺘﺔ ﰲ املﺎﺋﺔ ﻟﻢ ﻳُﻌﺘﱪ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ رﺑﺤً ﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ ،وإﻧﻤﺎ وﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﺗﺠﺎوز املﻌﺪل ﺗﻌﻮﻳﺾ ﻟﻸﺧﻄﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻬﺪد رأس املﺎل. ﻳﻌﺘﱪ ﺑﺼﻔﺔ ٍ ﻓﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﻣﻌﺪل اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻳﻠﺰﻣﻨﺎ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ أرﺑﺎب اﻷﻣﻼك؛ ﻷﻧﻪ ﺑﺮﻫﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻼك ﺑﺄﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ املﺎل ﻣﻦ ﺿﻴﺎع ﺣﻘﻮﻗﻪ ،ﻓﻤﻦ املﺤﺘﻤﻞ إذن أن ﻳﻜﻮن ً أرﺑﻌﺔ ﰲ املﺎﺋﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﻣﻌﺪل اﻟﻔﺎﺋﺪة اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺤﺎﴐة ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﺒﻼد؛ ﻷﻧﻚ ﺗﺮاه ﰲ إﻧﻜﻠﱰا وﻫﻮﻻﻧﺪا أﻗﻞ ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ اﻟﺠﻬﺎت اﻷﺧﺮى ،وﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻧﺠﺪه ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ٦أو ٧ﰲ املﺎﺋﺔ ،وﻣﻤﺎ ﻳﺠﺐ اﻻﻟﺘﻔﺎت إﻟﻴﻪ ﻫﻮ أن ﻣﻌﺪل اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻷﻋﻤﺎل ،ﺑﻌﻜﺲ املﻜﺴﺐ اﻟﺬي ﻳﺘﻐري؛ ﻷن ﺑﻌﺾ اﻷﻋﻤﺎل ﺗﺴﺘﻠﺰم ﻣﺼﺎرﻳﻒ ﻷﺧﻄﺎر أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏريﻫﺎ؛ ﻷن ﺻﺎﺣﺐ املﺎل ﻻ ﻳﻬﻤﻪ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﻣﻮﺿﻮع أو ﺗﻜﻮن ﻣﻌﺮﺿﺔ ٍ اﺳﺘﻌﻤﺎل املﺒﻠﻎ املﻘﱰض؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻧﺮى أن ﻣﻌﺪل اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻳﻜﺎد أن ﻳﻜﻮن واﺣﺪًا ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺠﺎرة. 56
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﰲ اﻷﺟﻮر
) (1ﰲ اﻷﺟﺮة اﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ واﻷﺟﺮة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺷﻬﺮ اﻷﺟﺮة ﻛﻤﺎ أﺳﻠﻔﻨﺎ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬه اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻧﻈري أﺗﻌﺎﺑﻪ ،ﺳﻮاء ﻛﺎن ﰲ ﻛ ﱢﻞ ﻳﻮ ٍم أو ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ أو ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺳﻨﺔ ،ﻓﺎﻟﺒﺴﺘﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻳﺴﺘﻮﱄ ﻋﲆ ﺣﻘﻮﻗﻪ ﻛ ﱠﻞ ﻣﺴﺎءٍ ،واﻟﺼﺎﻧﻊ ٍ ٍ ﺟﻤﻌﺔ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ،وأﻣﱠ ﺎ ﺳﺒﺖ أو ﻳﺄﺧﺬ أﺟﺮﺗﻪ ﻋﺎد ًة ﰲ ﺻﺒﺎح ﻛ ﱢﻞ املﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﻓﻴﺄﺧﺬون ﻣﺮﺗﺒﺎﺗﻬﻢ ﺷﻬﺮﻳٍّﺎ ،واملﺪﻳﺮون واملﻮﻇﻔﻮن وﻛﺎﺗﻤﻮ اﻷﴎار ﻳﻨﻘﺪون ﺷﻬﻮر وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛ ﱠﻞ ٍ ﺳﻨﺔ ،ﻓﻤﺘﻰ دُﻓﻌﺖ اﻷﺟﺮة ﺷﻬﺮﻳٍّﺎ أو ﰲ ﻣﻮاﻋﻴﺪ أﻃﻮل أﻣﺪًا ﻣﻦ ﻛ ﱠﻞ ﺛﻼﺛﺔ ٍ ﻣﺮﺗﺐ ،وﻫﺬا املﺮﺗﺐ ﻻ ﻳﺨﺮج ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻪ أﺟﺮ ًة. ذﻟﻚ ﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻬﺎ ﻋﺎد ًة اﺳﻢ ٍ وﻗﺪ ﻗﻠﻨﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ املﺘﻘﺪم :إن اﻷﺟﺮة ﺗﱰﻛﺐ ﻣﻦ ﺟﺰءٍ ﻣﻦ إﻳﺮادات اﻟﻌﻤﻞ واﻷرض ً ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻋﻈﻤﻰ دﻓﻊ ﺗُﻌﻄﻰ ﻟﻠﻌﺎﻣﻞ ،وﻫﻨﺎ ﻧﻘﺎﺑﻞ ورأس املﺎل ،وﻗﺪ ﻗﻠﻨﺎ اﻵن :إﻧﻬﺎ ﻋﺒﺎر ًة ﻋﻦ ٍ ﰲ املﻮﺿﻮع اﻟﺬي ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪده ،واﻟﻌﺎدة املﺘﺒﻌﺔ اﻵن ﻫﻲ دﻓﻊ اﻷﺟﺮة ﻧﻘﺪًا ،ﻓﺎﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ٍ ﺑﻤﻬﻨﺔ ﰲ اﻟﻘﻄﻦ ﻳﺴﺘﺨﺮج ﻧﺴﻴﺠً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ ،وﻟﻜﻨﻪ ﰲ آﺧﺮ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻻ ﻳُﻮﰱ ﺣﻘﻪ ﻳﺸﺘﻐﻞ إﻧﺴﺎن ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻣﻨﻬﺞ ﻳﻨﻬﺠﻪ ﻛﻞ ﻗﻄﻨًﺎ وإﻧﻤﺎ دراﻫﻢ ﻣﻌﺪودات ،وﻫﺬا أﺳﻬﻞ ٍ ٍ ﻗﻄﻦ أو ﺷﻴﺌًﺎ آﺧﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻪ ﻻﺳﺘﻠﺰم ﺑﻴﻌﻪ ﻟﴩاء ﻗﻮﺗﻪ اﺳﺘﻮﱃ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻋﲆ ﺣﻘﻪ ﻧﺴﻴﺞ ٍ وﻣﻠﺒﻮﺳﺎﺗﻪ ودﻓﻊ إﻳﺠﺎر ﻣﻨﺰﻟﻪً ، ﻓﺒﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺄﺧﺬ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﺨﺮج ﻣﻦ املﺼﻨﻮﻋﺎت ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ املﺎل اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻪ ﻧﻘﻮدًا.
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وﺳﱰى اﻵن ﴐورة اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني اﻷﺟﺮة اﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ واﻷﺟﺮة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻓﻨﻘﻮل :إن ﻣﺎ ﻳﺴﻌﻰ وراءه اﻟﻌﺎﻣﻞ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻮ املﺄﻛﻞ واملﻠﺒﺲ واﻟﺪﺧﺎن واﻷﺷﻴﺎء اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰﻣﻬﺎ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ املﻌﺎﺷﻴﺔ ،ﻓﻬﺬه اﻷﺷﻴﺎء ﺗﻜﻮن اﻷﺟﺮة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻌﺎﻣﻞ ﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﻛﺜريًا ﺑﺎزدﻳﺎد أو ﻗﻠﺔ اﻟﺪراﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻘﺪﻫﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﻛﻠﻬﺎ وﻻ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ وﻻ ﻳﴫﻓﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻘﻮﺗﻪ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ارﺗﻔﻌﺖ أﺳﻌﺎر اﻟﻘﻤﺢ واﻟﻘﻄﻦ ﺗﻨﻘﺺ أﺟﻮر اﻟﻌﻤﺎل؛ ﻷﻧﻪ ري ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻨﻘﺪه ﻣﻦ اﻷﺟﺮة ،وأﻣﱠ ﺎ ﻟﻮ اﻧﺨﻔﻀﺖ أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﴍاء ﺟﺰءٍ ﻳﺴ ٍ ﺳﻠﻊ ﺑﻬﺬه اﻷﺟﺮة ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ زادت أﺟﺮة اﻟﻌﺎﻣﻞ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻗﺘﻨﺎء ﺟﻤﻠﺔ ٍ اﻋﺘﺎد اﻟﻨﺎس ﻋﲆ أن ﻳﻮﺟﻬﻮا ﺟ ﱠﻞ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﻛﺜﺮة اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻘﺪوﻧﻬﺎ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ﻳﻮ ٍم ﻣﻦ اﻟﺸﻐﻞ ﻟﺘﺼﻮرﻫﻢ أﻧﻪ ﺑﺎزدﻳﺎد أﺟﺮﺗﻬﻢ ٢٥ﰲ املﺎﺋﺔ ﺗﺰداد ﺛﺮوﺗﻬﻢ ٢٥ﰲ املﺎﺋﺔ ،ﻏري أن ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻄﺮد ًة ﰲ ﻛ ﱢﻞ اﻷﺣﻮال؛ إذ ﻟﻮ ارﺗﻔﻊ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﺛﻤﻦ اﻟﺴﻠﻌﺔ ٢٥ﰲ املﺎﺋﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﺛﺮوﺗﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ دون زﻳﺎد ًة وﻻ ﻧﻘﺼﺎن. وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن أﻫﻢ اﻷﻣﻮر إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﻜﺜري اﻟﺜﻤﺮة وﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﺈذا ً ً ﻛﺎن ﰲ اﻻﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ً ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﺑﻌﻤﻞ أﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺘﻠﺰﻣﻪ ﺳﻠﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ ﻛﺎﻟﻘﻄﻦ ﻣﺜﻼ أن ﺗﺼﻨﻊ ٍ ﺑﻤﺒﻠﻎ ﻣﻌﻠﻮ ٍم ﺑﺜﻤﻦ أﻗﻞ ،وﻳﻘﺪر إذ ذاك ﻛ ﱡﻞ واﺣ ٍﺪ أن ﻳﺸﱰي ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻴﻊ ﻫﺬه اﻟﺴﻠﻌﺔ ٍ ٍ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺸﱰﻳﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ اﻟﻌﻤﻞ ،وﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﻫﺬا اﻟﻔﺮض ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ املﺼﻨﻮﻋﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻛﺎﻷﻗﻤﺸﺔ واﻟﺠﻮارب واﻷﺣﺬﻳﺔ واﻵﺟﺮ واملﻨﺎزل واﻟﻜﺮاﳼ واملﻮاﺋﺪ واﻟﻜﺘﺐ … إﻟﺦ ،أي إﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء ﻣﻘﺎدﻳﺮ ﻛﺜري ًة ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻌﻤﻞ اﻷول اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻠﺰم ملﻘﺎدﻳﺮ أﻗﻞ ﻻﻣﺘﻠﻚ اﻹﻧﺴﺎن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻤﻘﺎدﻳﺮ واﻓﺮ ٍة ﺟﺪٍّا. ﺑﺄﺛﻤﺎن وﻣﻦ املﺆﻛﺪ أن ﻧﻤﻮ اﻷﺟﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﻻ ﻳﻜﻮن ﱠإﻻ ﺑﻌﻤﻞ املﺼﻨﻮﻋﺎت ٍ ٍ ﺑﺨﺴﺔ؛ إذ ﻻ ﻳﺸ ﱡﻚ ﻋﺎﻗ ٌﻞ ﰲ أن اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻳﺨﴪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺮﺗﻔﻊ أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﻴﻌﻬﺎ؛ ﻷن املﺴﺘﻨﻔﺪﻳﻦ ملﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻳﻘﺘﺼﺪون ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﻼزم ﻟﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﺄﺛﻤﺎن واﻫﻴ ٍﺔ ﻓﺈن ﺟﻤﻴﻊ املﺴﺘﻨﻔﺪﻳﻦ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ،وﺑﻤﺎ أن ﻛ ﱠﻞ أﻣﱠ ﺎ إذا ﺻﻨﻌﺖ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ٍ اﻟﻨﺎس ﻣﺴﺘﻨﻔﺪون ﻓﻜﻠﻬﻢ ﻳﻜﺴﺒﻮن ﻣﺎ داﻣﻮا ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻮن اﻷﺻﻨﺎف اﻟﺘﻲ ﻫﺒﻄﺖ أﺳﻌﺎرﻫﺎ، وﻻ ﻳُﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﺼﻨﺎع واﻟﺘﺠﺎر ﻳﺘﺄملﻮن ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻘﺼﺎن؛ ﻷﻧﻪ إذا اﺧﱰع أﺣﺪ املﺨﱰﻋني اﺧﱰاﻋً ﺎ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ أن ﻳﺴﻬﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ إﻛﺜﺎر املﺤﺼﻮل ،ﻓﻔﻲ إﻣﻜﺎن اﻟﺼﺎﻧﻊ ﺑﺜﻤﻦ أرﻓﻊ ﻣﻤﺎ ﻗﺒﻞ ،أي إن أﺟﺮﺗﻪ ﺗﺰداد ً ﺑﺪﻻ ﻋﻦ أن ﺗﻘﻞ أن ﻳﺒﻴﻊ ﻧﺼﻴﺒﻪ ﻣﻦ املﺤﺼﻮل ٍ وﺗﻨﻘﺺ اﻟﻨﻘﺼﺎن اﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﻫﺒﻮط املﺤﺼﻮل ،أﻣﱠ ﺎ اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻓﺮﺑﻤﺎ اﻛﺘﺴﺐ ً ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺻﻨﻒ ﻳﺒﻴﻌﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻜﺴﺒﻪ ﻳﺰداد ﺑﺎزدﻳﺎد اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﻴﻌﻬﺎ ،وﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪﱠم ﻳُﺴﺘﻨﺘﺞ أن 58
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ
ازدﻳﺎد املﺤﺼﻮل وﻧﻘﺼﺎن ﺛﻤﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻳﻔﻴﺪان اﻟﺠﻤﻬﻮر وﻳﻜﺴﺒﺎﻧﻪ ،وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻟﺠﻠﺐ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ. ) (2ﻣﺼﺪر ﻓﺮق اﻷﺟﻮر ً وﻗﻮﻓﺎ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ﺳﺒﺐ اﻟﻔﺮوق اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﻣﻦ اﻷﺟﻮر ﻟﻸﻋﻤﺎل ﻣﻤﺎ ﻳﻬﻢ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻴﻪ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﺈن ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻮﱄ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﻮاﺣﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻮﱄ ﻋﻠﻴﻪ ﻏريه ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺮ ٍة ﺑﻞ أﻟﻒ ﻣﺮةٍ ،وﻳﻈﻬﺮ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎف وﺟﻮد ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼف اﻟﻮاﺿﺢ واﻟﻔﺮق اﻟﺠﺴﻴﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ أن ﻳﻘﺘﻨﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄن ذﻟﻚ ﻧﺎﺗﺞٌ ﺑﺎﻟﴬورة ﻣﻦ ﺗﻔﺎوت اﻟﻘﻮى اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ واﻟﺠﺴﻤﻴﺔ ﰲ اﻹﻧﺴﺎن وﺗﺒﺎﻳﻦ اﻟﻄﺒﺎع. وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻳﻘﻮﻟﻮن :إن ﺑﻨﻲ آدم وُﻟﺪوا أﺣﺮا ًرا ﻣﺘﺴﺎوﻳﻲ اﻟﺪرﺟﺔ واملﻘﺎم، وﺟﻪ ﻳﺼﺢ أن ﻻ ﻳﻜﻮن ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ٍ وﻫﻮ ﻗﻮ ٌل ﻛﻤﺎ ﻳﺼﺢ أن ﻳﻜﻮن ﰲ ﻣﺤﻠﻪ ﻣﻦ ٍ وﺟﻪ آﺧﺮ؛ ً ﺿﻌﻴﻔﺎ إذ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣَ ْﻦ ﻳﻜﻮن ﻗﻮي اﻟﺒﻨﻴﺔ ﻣﺘني اﻟﺠﺴﻢ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ،وﻣَ ْﻦ ﻳﻜﻮن ٌ ﺗﻔﺎوت ﰲ اﻷﺟﺴﺎم واﻟﻘﻮى وﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ ﺗﻨﺎول ﻣﺎ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻪ اﻷول ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ،وﻛﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ُ ٌ ﺗﻔﺎوت واﺿﺢٌ ﰲ املﺪارك واﻟﻌﻘﻮل ،وﺗﻜﻔﻞ اﻷﺟﺮ ﻧﻮاﻣﻴﺲ ﺗﺴﻤﻰ اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻮﺟﺪ ﻧﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ ﺳﻴﺄﺗﻲ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ. وﻛﻤﺎ أن أﺛﻤﺎن اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺗﺮﺗﻔﻊ إذا ﻛﺎن املﻮﺟﻮد ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻷﺳﻮاق ً ﻗﻠﻴﻼ واﻟﻄﻠﺐ ﻣﺘﻮاﺗ ًﺮا، ً ﺧﺼﻮﺻﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻤﻴﺔ املﺘﺤﺼﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺨﺎص ﺗﺮﺗﻘﻲ ﻛﺬﻟﻚ أﺟﺮة ﻋﻤﻞ اﻟﻌﺎﻣﻞ ٌ ٌ ﻗﻠﻴﻠﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ املﻬﻢ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻛﻤﻴﺔ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺴﻠﻊ ﻏﺰﻳﺮة واملﻮﺟﻮد ﻣﻨﻪ ﰲ اﻷﺳﻮاق ٍ اﻟﻔﺮق ﺑني ﻃﻠﺐ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ وﻃﻠﺐ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﴬوري ﻻﺻﻄﻨﺎع ﻫﺬه اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ؛ ﻷﻧﻪ إذا ﻛﺎن ﻳﻠﺰم ﻣﻦ ﳾءٍ ﻣﺎ ﻛﻤﻴﺔ واﻓﺮة ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻠﺰم ً أﻧﺎس أ ْﻛﻔﺎء ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻌﻤﻞ ﻫﺬا أﻳﻀﺎ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ٍ اﻟﴚء. ﻓﺈذا اﺷﱰﻳﺖ ﺑﺎروﻣﱰًا ﻣﻌﺪﻧﻴٍّﺎ ﻓﺈﻧﻲ أدﻓﻊ ﺛﻤﻨﻪ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻤﻞ اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﻘﺎدر ﻋﲆ ﻋﻤﻞ ٍ ٍ ﺑﺎروﻣﱰات ﻣﻌﺪﻧﻴ ٍﺔ ،وﻛﺎن ﻻ ﻟﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أن ﻳﻘﺘﻨﻮا ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺒﺎروﻣﱰ ،وإذا راق ﻳﻮﺟﺪ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻌﻤَ ﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻜﻔﺎءة اﻟﴬورﻳﺔ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻞ ﻫﺬه اﻟﺒﺎروﻣﱰات، ﻓﺈن ﻫﺆﻻء ﻳﻄﻠﺒﻮن ﺳﻌ ًﺮا ﻣﺮﺗﻔﻌً ﺎ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻠﻬﻢ ،ﻧﻌﻢ إن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﱰون اﻟﺒﺎروﻣﱰات ﻻ ﻣﺎل ﻳﺸﱰي ﻳﺪﻓﻌﻮن ﻋﺎد ًة ﻟﻠﻌﻤﺎل أﺟﺮة ﻋﻤﻠﻬﻢ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد ٍ ﺷﺨﺺ ﻳﻤﺘﻠﻚ رأس ٍ ﻋﻤﻮﻣﻲ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﴩاء أن ﻫﺬا املﺘﻤﻮل ﻳﻘﺪم أﺟﺮ ﻣﺨﺰن اﻟﺒﺎروﻣﱰات وﻳﻌﺮﺿﻬﺎ ﻟﻠﺒﻴﻊ ﰲ ﱟ ٍ أﺷﻬﺮ ﻋﲆ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻃﻠﺐ اﻟﺒﺎروﻣﱰات ﻛﺜريًا أو ً ﻗﻠﻴﻼ، اﻟﻌﻤﺎل ﻟﻌﺪة أﺳﺎﺑﻴﻊ أو ﻟﻌﺪة ٍ 59
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وﻳﺴﺘﺨﺪم ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﻌﺪد اﻟﻜﺜري أو اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل ،وﺑﻬﺬه املﺜﺎﺑﺔ ﻳﺼري ﻃﻠﺐ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻛﻄﻠﺐ اﻟﻌﻤﻞ وﻣﻮازﻳًﺎ ﻟﻪ ،ﺛ ﱠﻢ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﺮﺑﺢ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﺘﺴﺒﻪ ً ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻨﺎﻣﻮس اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ املﺘﻤﻮل ،وﻟﻜﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺜﻨﺎء ﺗﻜﻮن أﺟﺮة اﻟﻌﻤَ ﻠﺔ ٍ ﺻﺤﺔ ﺟﻴﺪ ٍة ﻓﺈن ﻗﻮﺗﻬﻢ اﻟﻌﻀﻠﻴﺔ ﻛﺄﺛﻤﺎن اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ واﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺎ داﻣﻮا ﰲ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰم ﺗﺠﺸﻢ اﻟﺘﻌﺐ واملﺸﻘﺔ ،وﺑﻨﺎءً ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻤﺎ ﻳﻌﺮﺿﻮﻧﻪ ﻣﻦ ً ً ﻓﺮع ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﻋﻤﺎل ﻳﻜﻮن ﻛﺜري اﻟﻜﻤﻴﺔ ،وﻣﺎ داﻣﻮا ﻻ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ أو ﻣﻬﺎر ًة ﰲ ٍ ﻓﺮوع اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻼ أﻣﻞ ﻟﻬﻢ ﰲ ارﺗﻔﺎع أﺟﺮﺗﻬﻢ ،واﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺎرﺑﻮن اﻷﻗﺰام أي ﺻﻐﺎر اﻟﻘﺎﻣﺎت ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل أو ﻛﺎﻧﻮا ً ﻏﺎﻳﺔ ﰲ ارﺗﻔﺎع اﻟﻘﺎﻣﺔ وﺑﺪاﻧﺔ اﻟﺠﺴﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﺷﺎﺋﻌني ﰲ اﻷﻋﻤﺎل ﺷﻴﻮع ﻣﺘﻮﺳﻄﻲ اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ﻓﺈذا ﺣﺪث أن ً ﻋﻤﻼ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﱠإﻻ ﻗﺰ ٌم ﻣﻦ اﻷﻗﺰام ً ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪٍّا؛ أو أﺣ ٌﺪ ﻣﻦ ذوي اﻟﻘﺎﻣﺎت اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪٍّا ،ﻓﻴﻜﻮن اﻟﺤﻖ ﻷﺣﺪﻫﻤﺎ أن ﻳﻠﺘﻤﺲ أﺟﺮ ًة ﻷن اﻷﻗﺰام ﻳﺴﺘﻌﺮﺿﻮن ﰲ اﻟﻌﺎدة ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻐﺮاﺑﺔ واﻟﺘﻌﺠﺐ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺮﺟﺎل ٍ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺧﺼﻮﺻﻴ ٍﺔ؛ ﻷن اﻷﺷﻐﺎل ذوي اﻟﻘﺎﻣﺎت املﺮﺗﻔﻌﺔ واﻟﻘﻮة اﻟﺨﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎدة ﻻ ﻳﺼﻠﺤﻮن اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰم اﻟﻘﻮة اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻵﻻت ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ٍ رﻓﻴﻌﺔ ﺑﺎﺷﺘﻐﺎﻟﻬﻢ ﰲ ﻗﻄﻊ اﻟﻔﺤﻢ اﻟﺤﺠﺮي ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺟﻤﻪ أو ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ أُﺟَ ٍﺮ ً ً ً ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻻ وﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ ﰲ إذاﺑﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻨﺎر؛ ﻷن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل ﻳﺴﺘﻠﺰم ﻗﻮ ًة ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻵﻻت ﱠإﻻ ﺑﻌﺪ ﺻﻌﻮﺑ ٍﺔ وﻋﻨﺎءٍ ﺟﺴﻴﻤَ ْني ،واملﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﺈذاﺑﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ﰲ اﻟﺴﻨﺔ ﻧﺤﻮ ٦٠٠٠ﻓﺮﻧﻚٍ . ٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ؛ ﻷن اﻷﻏﻨﻴﺎء وﻟﻠﻤﻬﺎرة واملﻌﺮﻓﺔ دﺧ ٌﻞ ﻋﻈﻴ ٌﻢ ﰲ ﺣﺼﻮل اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻋﲆ أﺟﺮ ٍة ﻳﺤﺒﻮن اﻟﺘﻤﺎم ﰲ ﻛ ﱢﻞ ﳾءٍ ،واﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﰲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻬﻢ إﺗﻘﺎن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﻌﻬﺪ إﻟﻴﻬﻢ ﻳﻠﺘﻤﺴﻮن ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﻪ أﺟﺮة ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪٍّا ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ أن ﻛﻞ أﻓﺮاد اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ٍ ﻟﺪرﺟﺎت ﺗﺘﻔﺎوت ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺗﻔﺎوﺗًﺎ ﻇﺎﻫ ًﺮا ،وﻟﻜﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﻮﺟﺪ أن ﻳﺤﺴﻨﻮا اﻟﻐﻨﺎء ﻗﻠﻴ ٌﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ أن ﻳﻐﻨﱡﻮا ﻣﺜﻞ املﺴﱰ ﺳﻤﺲ رﻳﻔﺲ اﻟﺸﻬري ﺑﺮﺧﺎﻣﺔ اﻟﺼﻮت واملﻬﺎرة اﻟﺘﺎﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ،ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ وﻣﻦ ﺑﻠﻐﻮا ﺷﺄوه ﰲ املﻬﺎرة ﻻ ﻳﺘﻨﺎزﻟﻮن ﻋﻦ اﻟﺘﻤﺎس ٍ ﻗﻄﻌﺔ ﻏﻨﺎﺋﻴ ٍﺔ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺄداﺋﻬﺎ ،وﻛﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ أﺟﺮ ٍة ﺗﻮازي ٥٠٠أو أﻟﻒ ﻓﺮﻧﻚٍ ﻋﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻫﺬا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﻐﻨني ﻳﺤﺼﻞ ً أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﻬﺮة املﺸﺨﺼني واملﺤﺎﻣني واملﻬﻨﺪﺳني؛ إذ ﻗﺪ أﺣﻴﺎن ﻛﺜري ٍة رأس ﻣﺎل اﻟﻌﺎﻣﻞ ،ﻓﺎملﺼﻮر ً ﻣﺜﻼ ﻗﺪ ﻳﻤﴤ أﺷﻬ ًﺮا ﻋﺪﻳﺪ ًة ﺗﻜﻮن املﻬﺎرة ﰲ ٍ ٍ ٍ ٍ ﺑﺂﻻف ﻣﺘﻮاﻟﻴﺎت ﰲ رﺳﻢ ﺻﻮر ٍة ﻛﺒريةٍ ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻎ ﰲ إﺗﻘﺎﻧﻬﺎ ﻛ ﱠﻞ املﺒﺎﻟﻐﺔ ﺑﺎﻋﻬﺎ ﺳﻨﻮات أو 60
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ
ﻣﻌﺪود ٍة ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ،وﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻳﺘﻬﺎﻓﺘﻮن ﻋﲆ ﴍاﺋﻬﺎ؛ ﻷن ﻛﺜريًا ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻤﻴﻞ إﱃ اﻗﺘﻨﺎء اﻟﺼﻮر املﺘﻘﻨﺔ اﻟﺮﺳﻢ. ٌ ٌ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺗﻮﺟﺪ ﻇﺮوف ﻛﺜرية ﺗﺠﻌﻞ اﻷﺟﺮ أﻛﺜﺮ أو أﻗﻞ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺪﻣﺎت ﻋﻤﱠ ﺎ ﻫﻲ ﰲ ﻏريﻫﺎ ،وﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻷﺟﻞ ﺗﺒﻴني ذﻟﻚ ﱠإﻻ اﻟﺘﻌﻮﻳﻞ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ آدم ﺳﻤﺚ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد، ٍ ﻇﺮوف أﺻﻠﻴ ٍﺔ أﺳﻨﺪ إﻟﻴﻬﺎ أﺳﺒﺎب اﻟﺘﻔﺎوت اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﻓﻨﻘﻮل :ﻗﺪ أورد ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺧﻤﺴﺔ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﺑني اﻷﺟﺮ وﺑﻌﻀﻬﺎ ﰲ اﻟﺨﺪﻣﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻫﺬه اﻟﻈﺮوف ﻫﻲ: ً أوﻻ» :ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺨﺪﻣﺔ« :إذا ﻛﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﻣﺤﺒﻮﺑًﺎ ﺑﺬاﺗﻪ ﻓﻘﺪ ﻳﺠﺬب إﱃ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎع رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻟﻘﻠﺔ أﺟﺮﺗﻪ ﻻ ﻳﺮﺿﻮن ﺑﻬﺎ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺤﺒﻮﺑًﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻫﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺿﺒﺎط اﻟﺠﻴﺶ ﺑ ٍّﺮا وﺑﺤ ًﺮا ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﺒﻀﻮن املﺮﺗﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮازي ﻣﺎ ﻳﺒﺬﻟﻮﻧﻪ ﻣﻦ املﺸﻘﺔ واﻟﺘﻌﺐ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ أداء ﻫﺬه اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ملﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮوﻧﻪ ﻣﻦ املﺠﺪ واﻟﻔﺨﺎر واﺗﺴﺎع ﻧﻄﺎق اﻟﻨﻔﻮذ إذا ﻗﺎﻣﻮا ﺑﻬﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺠﺰار ﻓﺈن ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻳﺄﻧﻒ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻃﻴﻬﺎ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ملﺎ ﺗﺴﺘﻠﺰﻣﻪ ﻣﻦ ﻗﺴﻮة اﻟﻘﻠﺐ وﺷﺪﺗﻪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺒﺄ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت ملﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮه ﻣﻦ املﻜﺎﺳﺐ اﻟﺒﻠﻴﻐﺔ. ﺛﺎﻧﻴًﺎ» :ﺳﻬﻮﻟﺔ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻌﻤﻞ واملﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰﻣﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺔ« :إن ﻟﻬﺬا اﻟﻈﺮف ٌ أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻈﻤﻰ؛ وﺳﺒﺐ ذﻟﻚ ﻫﻮ أن اﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﺔ ﻓﻘريٌ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﱰﺑﻴﺔ ً ﺻﻨﻌﺔ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻴﻠﻘﻮن ﺑﻬﻢ إﱃ اﻟﺘﻤ ﱡﺮن ﻋﲆ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻴﺪوﻳﺔ أﺑﻨﺎﺋﻪ وﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ ٍ ﺻﻨﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻴﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﺴﺒﻬﻢ ﱠإﻻ رﺑﺤً ﺎ دﻧﻴﺌًﺎ ﺟﺪٍّا ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ أﻧﻪ ﻷﺟﻞ ﺗﻌ ﱡﻠﻢ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻛﺼﻨﻌﺔ املﻬﻨﺪس ﻳﻠﺰم ﺑﻌﺪ ﴏف املﺒﺎﻟﻎ اﻟﺒﺎﻫﻈﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻗﺘﻄﺎف ﺛﻤﺎر اﻟﻌﻠﻮم ٍ ٍ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﺗﺐ املﻬﻨﺪﺳني ﺳﻨﻮات ﰲ املﺨﺘﺼﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻨﻌﺔ ،أن ﻳﻤﴤ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﺪة ﻟﻠﺘﻤﺮن ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ واﻛﺘﺴﺎب اﻷرﺑﺎح اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻚ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ أن اﻟﻘﻠﻴﻞ ً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪٍّا. ﻣﻤﻦ ﻳﻨﺠﺤﻮن ﰲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺼﻌﺒﺔ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ﻣﺒﺎﻟﻎ ﺛﺎﻟﺜًﺎ» :دوام اﻟﺨﺪﻣﺔ« :إذا ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﻋﲆ ٍ ﺛﻘﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﺒﻘﻰ وﻳﻘﺒﺾ أﺟﺮﺗﻪ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎ ٍم ٍ ﺿﻌﻴﻒ، ﺑﻤﺮﺗﺐ ﻃﻮل اﻟﺴﻨﺔ ،ﻓﻤﻦ اﻟﻌﺎدة أن ﻫﺎﺗني املﺰﻳﺘني إذا ﺗﻮﻓﺮﺗﺎ ﺗﻠﺰﻣﺎﻧﻪ اﻻﻗﺘﻨﺎع ٍ وﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﻋﺴﺎﻛﺮ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﻳﻘﺒﺾ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﲆ ٢٥ﺷﻠﻨًﺎ ﰲ ﺑﺄﻋﻤﺎل اﻷﺳﺒﻮع ،وﻟﻮ أﻧﻬﻢ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻫﺬا املﺒﻠﻎ اﻟﺪﻧﻲء ﻳﻀﻄﺮون إﱃ اﻻﺷﺘﻐﺎل أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ٍ ﻏﺎﻳ ٍﺔ ﰲ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ واﻟﺨﻄﺮ؛ واﻟﺴﺒﺐ ﰲ رﺿﺎﺋﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ املﺒﻠﻎ ﺛﻘﺘﻬﻢ ﺑﺪوام وﻇﻴﻔﺘﻬﻢ ﻣﺎ دام أوﻟﻴﺎء أﻣﻮرﻫﻢ ﻣﻤﻨﻮﻧني ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺳﻠﻮﻛﻬﻢ وﻛﻤﺎل أﺧﻼﻗﻬﻢ ،أﻣﱠ ﺎ اﻟﺒﻨﱠﺎء واﻟﻨﺠﺎر وﻣﻦ ﻛﺎن ﻋﲆ ﺷﺎﻛﻠﺘﻬﻤﺎ ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻓﻤﻦ اﻟﻌﺎدة أن ﻳﺨﻠﻮا ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻘﺐ اﻟﻔﺮاغ 61
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ً ﻣﻄﺎﺑﻘﺎ ﻟﻮﻗﺖ ﻋﴪﻫﻢ وﻋﺪم إﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻮاﻓﺎة ﻋﺎﺋﻼﺗﻬﻢ ﻣﻨﻪ ،ورﺑﻤﺎ ﺟﺎء وﻗﺖ إﺧﻼﺋﻬﻢ ﺑﺎملﺴﺎﻋﺪة املﻌﻴﺸﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ،وﻛﺬا اﻟﺤﺎل ﰲ اﻟﺒﻨﱠﺎﺋني واﻟﻄﻮﱠاﺑني اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻟﻌﻤﻞ ً رﻓﻴﻌﺔ ﰲ ﺑﺎﻗﻲ ﻓﺼﻮل أﺛﻨﺎء ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء وﺳﻘﻮط اﻷﻣﻄﺎر ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺠﻌﻠﻮن أﺟﺮﻫﻢ ٍ ٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﰲ اﻟﺒﻨﻴﺔ وﻗﻮ ٍة ﻣﺘﺎﻧﺔ اﻟﺴﻨﺔ .ورﺟﺎل أرﺻﻔﺔ املﻮاﻧﻲ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻋﲆ ً ﻋﻈﻴﻤﺔ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ واﻓﺮ ٍة ﰲ اﻟﻌﻀﻼت وﻟﻜﻦ ﻻ ﻣﻬﺎرة ﻋﻨﺪﻫﻢ ،ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن أﺟﺮ ًة ٍ ﻧﺸﺎط ووردت اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻜﺜرية ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﻮاﻓﺮة ،وﻟﻜﻦ إذا اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﰲ ﺿﻌﻔﺖ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة وﻛﺜﺮت اﻷﻧﻮاء ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻀﻄﺮ اﻟﺴﻔﻦ إﱃ اﻟﺒﻘﺎء ﺧﺎرج املﻴﻨﺎء ﻓﺈن اﻟﻜﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﻌﻮن ﰲ ﻫﺎوﻳﺔ اﻟﻔﻘﺮ املﺪﻗﻊ؛ ﻟﻌﺪم وﺟﻮد ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﻪ وﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ﻣﻨﻪ اﻟﻘﻮت اﻟﴬوري. راﺑﻌً ﺎ» :اﻟﺜﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﺗﻮﻓﺮﻫﺎ ﻓﻴﻤﻦ ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ« :ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﺄﻣﻞ ﰲ وﻇﻴﻔﺔ ﺑﺄﺣﺪ اﻟﺒﻨﻮﻛﺔ ً ٍ ﻣﺜﻼ أو ﻋﻨﺪ ﺻﺎﻧﻊ اﻟﺴﺎﻋﺎت واﻟﺠﻮاﻫﺮ أو ﻏريه ﱠإﻻ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ٍ ﺣﺴﻦ ،وﻻ ﳾء أﺻﻌﺐ ﻋﲆ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺨﺎﺋﻦ وﺻﻴﺖ إذا ﻛﺎن ﺣﺎﺋ ًﺰا ﻋﲆ ﺷﻬﺮ ٍة ﻃﻴﺒ ٍﺔ ٍ ٍ ٍ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺬي ﻻ ﴍف ﻟﻪ ﻣﻦ وﺟﻮد ﻻﺋﻘﺔ ﺑﻪ ،وﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻓﺤﺴﻦ اﻟﺼﻴﺖ ﴐوريﱞ ٍ رﻓﻴﻌﺔ ،ﺑﻞ ﻷﻧﻪ ﰲ ذاﺗﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻟﻴﻜﻮن وﺳﻴﻠﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ أﺟﺮ ٍة ﻟﻌﻤﻞ ﻣﻬ ﱟﻢ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﻏﻨﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻋﻨﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺼري اﻹﻧﺴﺎن املﺎﻫﺮ ﻣﺪﻳ ًﺮا ٍ ذﻣﺘﻪ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ ﻟﻠﺮﻳﺐ واﻟﺸﻚ. ٍ ً ﺧﺪﻣﺔ ﻣﺎ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ اﻟﴬر ﺑﺄﺟﺮة اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺠﺤﻮن ﺧﺎﻣﺴﺎ» :ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻻرﺗﻴﺎب ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺎح ﰲ ري ﻣﻦ اﻷﺣﻮال أن اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ أن ﻳﻤﻨﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﻢ« :ﻗﺪ ﻳﺤﺪث ﰲ ﻛﺜ ٍ ﻋﻦ اﻟﻨﺠﺎح ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ :أن اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﰲ اﻟﺒﻨﻮﻛﺔ أو ﰲ املﻜﺎﺗﺐ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﱠ املﺤﻼت؛ وﻟﻬﺬا ﻓﺈن أﺟﻮرﻫﻢ ﻗ ﱠﻞ أن ﻛﺘﺒ ٍﺔ ﻗﺪ ﻳﻨﺠﺤﻮن ﰲ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰﻣﻬﺎ ﻫﺬه ً رﻓﻴﻌﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻌﺎﻃﻮن ﺣﺮﻓﺔ املﺤﺎﻣﺎة ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻮق أﻣﺎم املﺤﺎﻛﻢ ﻗﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﻜﻮن ﻗﻠﻴ ٌﻞ ﻣﻨﻬﻢ واﻗﻔني ﻋﲆ املﻌﺎرف اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ واملﻬﺎرة اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻨﺠﺎح ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن املﺒﺎﻟﻎ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،واﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻨﺠﺤﻮن ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻛﺘﺴﺎب ﻫﺬه املﺒﺎﻟﻎ ً ﺣﺮﻓﺔ ﻏريﻫﺎ. ﻳﻌﺪﻟﻮن ﻋﻦ ﺣﺮﻓﺔ املﺤﺎﻣﺎة وﻳﺘﻌﺎﻃﻮن ٌ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪٍّا؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻨﺠﺤﻮا ﰲ ﻏريﻫﺎ وﺗﻮﺟﺪ أﻋﻤﺎ ٌل ﻛﺜري ٌة أﺟﺮة اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ ً ﺣﺮﻓﺔ وﻳﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل أن ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺑﻬﺎ .وﻗﺪ ﻳﺤﺼﻞ ﻛﺜريًا أن اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺪ أن ﻳﺘﻌﻠﻢ ً أﺣﻮال أﺧﺮى ﻗﺪ ﻳﻀﻄﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎع ﺑﺴﺒﺐ وﻗﻮﻓﺎ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ﻳﺠﺪ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻪ ﺑﴚءٍ ،وﰲ ٍ 62
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ
ﻋﻤﻞ ﻏريه ،وأوﻟﺌﻚ اﻟﺼﻨﺎع ﻋﺪم إﻗﺒﺎل اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻬﻢ أن ﻳﺒﺤﺜﻮا ﻋﲆ ﺗﻌﺎﻃﻲ ٍ ٍ ﺻﻨﻌﺔ ﺟﺪﻳﺪ ٍة ﻳﻜﻮﻧﻮن ﰲ اﻟﻌﺎدة ﻣﻤﻦ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﰲ اﻟﺴﻦ وﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﻓﻘﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻻﺑﺘﺪاء ﰲ ﺗﻌﻠﻢ ﺻﻌﺒ ٍﺔ .واﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮﺑﻮا اﻟﱰﺑﻴﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ وﺗﻠﻘﻮا اﻟﻌﻠﻢ ﰲ املﺪارس ﺛ ﱠﻢ ﻟﻢ ﻳﻔﻠﺤﻮا ﻳﻤﻴﻠﻮن ﰲ ٍ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدة إﱃ اﻻﺳﺘﺨﺪام ﺑﻮﻇﺎﺋﻒ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻷﴎار أو اﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺠﺎر ﰲ اﻟﺠﻬﺎت ،وأﻣﱠ ﺎ ﻏريﻫﻢ ﻓﻴﺴﻮﻗﻮن املﺮﻛﺒﺎت أو ﻳﺪﺧﻠﻮن اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ أو ﻳﻘﻄﻌﻮن اﻷﺣﺠﺎر ،وأﻣﱠ ﺎ ٍ ﺧﻴﺎﻃﺎت أو ﻳﺸﺘﻐﻠﻦ ﺑﺎﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،وﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻔﻘريات ﻓﺘﺴﺘﺨﺪم ﺑﺼﻔﺔ ﺻﺎﻧﻊ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪر ﺑﺮاﻫني وﻃﻴﺪ ٌة ﺗﺪل ﻋﲆ ﴐورة ﺗﺨﻮﻳﻞ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻋﲆ أداﺋﻬﺎ؛ إذ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل أن ﺗﻐﻠﻖ أﺑﻮاب اﻟﺮزق وﺗﻀﻴﻖ وﺟﻮه املﻜﺎﺳﺐ ﻋﲆ املﺴﺎﻛني ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﻀﻴﻴﻘﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﻠﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪون اﻻﺳﺘﺌﺜﺎر ﺑﻬﺬه اﻷرزاق واملﻜﺎﺳﺐ. ) (3اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ ً ً ﻃﻴﺒﺔ وﻫﻲ ﻋﺒﺎر ٌة ﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻳﻮﻣﻴﺔ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻊ أن اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﺘﺴﺐ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻋﻤﻠﻪ ملﻌﻨﺎﻫﺎ ،وﻏﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ أﻧﻬﺎ ﺗﻜﺎﻓﺊ ﻣﺎ ﻳُﻘﺎل ﻣﻦ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ٌ وﺳﻴﻠﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ اﻻﺳﺘﺪﻻل ﻋﲆ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ؛ ﻓﺈن ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل ﻟﻪ ،وﻻ ﺗﻮﺟﺪ ٍ ﺷﻠﻨﺎت ،وﻏريﻫﻢ ﻋﴩة ﻣﻦ ﻳﻘﺒﺾ ﺷﻠﻨًﺎ واﺣﺪًا ﰲ اﻟﻴﻮم وآﺧﺮﻳﻦ ﺛﻼﺛﺔ أو أرﺑﻌﺔ أو ﺧﻤﺴﺔ أو ﻋﴩﻳﻦ ﺷﻠﻨًﺎ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻓﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﺑني ﻫﺬه اﻷﺟﻮر املﺨﺘﻠﻔﺔ؟ ﻧﻘﻮل :إﻧﻪ إذا أرﻳﺪ ﺑﻬﺬه اﻟﻌﺒﺎرة أن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻨﻘﺪون اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﺠﻴﺪة وﺟﺐ أن ﻳﺒﺘﺪأ ً أوﻻ ﺑﻤﺴﺎواة ﻛﻞ اﻟﺮﺟﺎل ﰲ اﻷﺧﻼق واﻟﺨﻮاص املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻗﺪ رأﻳﻨﺎ أن اﻷﺟﻮر ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﲆ ﺣﺴﺐ ﻗﻮاﻧني اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ ،وأﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻔﻌﻠﺔ ﰲ املﻬﺎرة واﻟﻘﻮة ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﺎﺋﺞ ٌ ً ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮض ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،ﻓﻴﻨﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﺠﻴﺪة ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻬﻢ واﻟﻄﻠﺐ ﻛﺄﺛﻤﺎن اﻟﻘﻄﻦ واﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﻓﻜﻤﺎ أن ﻛ ﱠﻞ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻟﻪ ﺣﺒﻮبٌ أو ﻗﻄ ٌﻦ أو ﺣﺪﻳ ٌﺪ أو أي ٍ ﺛﻤﻦ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺑﴩط أن ﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﻏريه ﻋﻦ أن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺜﻠﻪ، ﺳﻠﻌﺔ أﺧﺮى ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﺑﺄﻋﲆ ٍ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺼﺎﻧﻊ ﻳُﺨﻮﱠل ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ أن ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺄﻋﲆ أﺟﺮ ٍة ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﴩط أن ﻻ ﻳﻌﺎرض اﻟﻌﻤَ ﻠﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﰲ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ.
63
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﰲ ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ
) (1اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ إن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﻔﺘﻜﺮون ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم أن أﺣﺴﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻻرﺗﻔﺎع أﺟﻮرﻫﻢ ﻫﻲ اﻻﺗﺤﺎد؛ إذ ﻳﻀﻄﺮ ٍ ﺣﺮﻓﺔ واﺣﺪ ٍة أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ إﱃ زﻳﺎدﺗﻬﺎ ،ﻓﴩﻛﺔ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻫﻲ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻋَ ﻤَ ﻠﺔ أرﺑﺎب ﻳﺘﻌﻬﺪون ﺑﺎﻟﺮﺿﻮخ ﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت ٍ ﻟﺠﻨﺔ ﻳﻨﺘﺨﺒﻮﻧﻬﺎ وﺑﺪﻓﻊ ﻣﺎ ﻳُﻔﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻮم ،وﻫﺬه ﻧﺴﻖ واﺣ ٍﺪ ﻓﺒﻌﻀﻬﺎ ﻳﻨﻬﺞ ﻣﻨﻬﺠً ﺎ ﻗﻮﻳﻤً ﺎ وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﺘﺨﺒﻂ ﰲ ﺳريه، اﻟﴩﻛﺎت ﻟﻴﺴﺖ ﻋﲆ ٍ ً ٍ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ،وﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮن أﻋﻤﺎل وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﴩﻛﺎت ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑﺠﻤﻠﺔ ٍ ٌ ﺗﻌﺎون ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻟﻮ دﻓﻊ ً ﻣﻔﺮوض أﺳﺒﻮع ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺜﻼ أﺣﺪ اﻷﻋﻀﺎء ﺷﻠﻨًﺎ ﻛ ﱠﻞ ﴍﻛﺎت ٍ ٍ ﻋﲆ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ،وزاد ﻋﲆ ذﻟﻚ رﺳﻢ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ وﺑﻌﺾ ﻣﺼﺎرﻳﻒ أﺧﺮى ﻃﻔﻴﻔﺔ ﺑﻤﺮض، ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﰲ أﺧﺬ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﺷﻠﻨًﺎ ﰲ اﻷﺳﺒﻮع ﻋﻨﺪ إﺻﺎﺑﺘﻪ ٍ ﻛﺎن ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﺑﻌﺪ ٍ ﺷﻐﻞ أﺧﺬ ً ﻣﺜﻼ ﻋﴩة وﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺴﱰد ﻗﻴﻤﺔ أدواﺗﻪ إذا ﺣُ ﺮﻗﺖ أو ﻓﻘﺪت ،وإن وُﺟﺪ ﺑﺪون ٍ ً ٍ ﻣﺒﻠﻐﺎ أﺳﺒﻮع ﻣﺪ ًة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ،وإذا أﺻﺎﺑﺘﻪ ﻣﺼﻴﺒﺔ أﻗﻌﺪﺗﻪ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ أﺧﺬ ﺷﻠﻨﺎت ﰲ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺗﻌﻮﻳﺾ ،وﻣﺘﻰ ﻣﺎت دﻓﻦ ﻋﲆ ﻣﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ. واﻓ ًﺮا ﺑﺼﻔﺔ ٍ ﻓﻜﻞ ﻫﺬه اﻟﱰﺗﻴﺒﺎت واﻟﻨﻈﺎﻣﺎت ﺟﻴﺪ ٌة؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻜﻔﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻐﻮاﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﻼﻗﺎﺗﻬﺎ ،وﺗﻘﻲ اﻟﻔﻌَ ﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط ﰲ ﻣﻬﻮاة اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻔﺎﻗﺔ ،وﻣﺎ داﻣﺖ ﻫﺬه ﻏﺎﻳﺔ وارﺗﻴﺎح ،وﻗﺪ ﻳﻤﻜﻦ ﻫﺬه ﴍﻛﺎت اﻟﻔﻌﻠﺔ ﻳﺠﺐ املﻮاﻓﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ واﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻬﺎ ﺑﻜ ﱢﻞ رﻏﺒ ٍﺔ ٍ اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت ً أﻳﻀﺎ أن ﺗﺴﻌﻰ ﰲ ﻣﺼﻠﺤﺔ أﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﺑﺎﻹﻟﺤﺎح ﻋﲆ أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﺑﺄن ﻳﻨﻈﻤﻮا
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻣﻌﺎﻣﻠﻬﻢ ﻋﲆ ﺣﺴﺐ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺼﺤﻴﺔ ،ﻓﻠﻮ ﻗﺎم ﻋﺎﻣ ٌﻞ ﺑﻤﻔﺮده ورﻓﻊ ﺷﻜﻮاه ﻣﻦ ارﺗﻔﺎع ﺣﺮارة ﻣﺤﻼت اﻟﻮرش أو ﻣﻦ ٍ آﻟﺔ ﺧﻄﺮ ٍة أو ﻣﻦ ﻋﺪم اﻋﺘﺪال وﻧﻘﺎوة اﻟﻬﻮاء ﰲ املﻨﺠﻢ ﻋﲆ ً ً ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻳُﺮام ﻣﺎ ُﺳ ِﻤﻌَ ﺖ ﺷﻜﻮاه ،وأﻣﱠ ﺎ إذا ﻗﺎم ﻛ ﱡﻞ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وﺷﻜﻮا ﻣﺮة واﺣﺪة وأﻋﺮﺑﻮا ﻋﻦ ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻣُﺜﲆ ،ﻓﻬﻨﺎك ﻗﺼﺪﻫﻢ ﰲ ﻋﺪم اﻟﺬﻫﺎب إﱃ اﻟﺸﻐﻞ ﻣﺎ داﻣﺖ اﻷﺣﻮال ﻏري ﺳﺎﺋﺮ ٍة ﻋﲆ ﻳﺘﺒﴫ ﺻﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ ﰲ املﺴﺄﻟﺔ ﺟﻴﺪًا وﻳﻌﻤﻞ ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﺨري واﻟﺼﻮاب ﻣﻨﻌً ﺎ ﻟﻠﻨﺰاع، إﻧﺴﺎن اﻋﺘﻨﻰ ﺑﺄﻣﻮر ﺣﻴﺎﺗﻪ وﺻﺤﺘﻪ وﺳﻌﻰ ﰲ ﺷﺌﻮﻧﻪ ،ﻓﻼ ﻟﻮم وﻻ ﺗﺜﺮﻳﺐ وإﻧﺎ ﻧﻌﺬر ﻛ ﱠﻞ ٍ ﻋﲆ ﻫﺆﻻء اﻟﻔﻌﻠﺔ إذا ﻋﺎرﺿﻮا ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال ،واﺗﻔﻘﻮا ﻋﲆ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت اﻟﺘﻲ رأوا ﻣﻦ ً ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﺔ ﻛ ﱠﻞ اﻻﺳﺘﺤﺴﺎن ﻟﺪى اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎم. اﻟﻌﺪل ﻃﻠﺒﻬﺎ؛ إذ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل ﺗﻜﻮن وﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ إﱃ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﺶ ،وأن اﻟﻌﺎرﻳﻦ ﻋﻦ املﻌﺎرف واﻟﻌﻠﻮم اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻻ ﻳﺘﺄﻣﻠﻮن ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﰲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒﻮن؛ ﻷﻧﻬﻢ رﺑﻤﺎ ﻃﻠﺒﻮا ﺷﻴﺌًﺎ ً ﻣﺴﺘﺤﻴﻼ أو ﻳﺘﺴﺒﺐ ﻋﻨﻪ ﺗﻌﻄﻴﻞ اﻟﺸﻐﻞ ،ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻟﻔﻌﻠﺔ أن ﻳﻤﺸﻮا ﻣﴚ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم ،وﺑﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻀﻴﻌﻮن ﺷﻴﺌًﺎ وﻳﻨﺠﺤﻮن اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺘﺪﺑري ،وﻳﺴﺘﺸريوا ﰲ ﻣﺴﺎﻋﻴﻬﻢ ،وﻳﻌﻮد ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺮﺑﺢ واﻟﻔﻼح. ) (2ﰲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺪة اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺪاﻋﻴﺔ ﻟﻠﻨﺰاع ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻀﻴﻬﺎ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﰲ اﻟﻴﻮم ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ إﻧﺴﺎن ﻳﻤﻜﻨﻪ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻗﺪ ﻳﻘﺎول اﻟﺼﺎﻧﻊ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ أو ﺑﺎﻟﻘﻄﻌﺔ ﺑﺤﻴﺚ إن ﻛ ﱠﻞ ٍ أن ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻛﺜريًا أو ً إﻧﺴﺎن ﻋﲆ ﻣﺎ ﻗﻠﻴﻼ ﻋﲆ ﺣﺴﺐ إرادﺗﻪ ،وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﻌﻤﻞ ﻛ ﱡﻞ ٍ ﺗﺪاﺧﻞ ﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،وأﻣﱠ ﺎ ﰲ املﻌﺎﻣﻞ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ﻓﻼ ﻳﺼﺢ ﺗﺮك اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﻮاﻓﻘﻪ دون أدﻧﻰ ٍ ً اﺣﺘﻴﺎج وﺷﺄﻧﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺸﺘﻐﻠﻮا ﻣﺎ داﻣﺖ آﻻت اﻟﺤﻴﺎﻛﺔ واﻷﻧﻮال داﺋﺮة ورﻓﻘﺎؤﻫﻢ ﰲ ٍ إﻟﻴﻬﻢ ،ﻓﺈذن ﺻﺎر ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺪة اﻟﻌﻤﻞ .أﻣﱠ ﺎ ﺻﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻔﻀﻞ ﻃﻮل ﻣﺪة اﻟﺸﻐﻞ؛ ﻷﻧﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﻪ وﻋﻤﺎراﺗﻪ ﻛﺜﺮة اﻟﺸﻐﻞ وزﻳﺎدة اﻷرﺑﺎح ،ﻓﻤﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ أن ﻳﺆﺧﺬ رأي اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﰲ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻗﺪ ﻳﻐﱰون ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ وﻳﺘﺼﻮرون أﻧﻬﻢ ٍ ﺳﺎﻋﺎت أو ﻋﴩ ،وﻳﻔﺘﻜﺮون أن ﺻﺎﺣﺐ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ أﺟﺮ ٍة ﺳﻮاء اﺷﺘﻐﻠﻮا ﺗﺴﻊ املﻌﻤﻞ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺰﻳﺪ ﺛﻤﻦ ﺑﻀﺎﺋﻌﻪ أو ﻳﺤﺘﺴﺐ اﻟﻔﺮق ﻋﲆ أرﺑﺎﺣﻪ اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻧﻈﺮوا ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻟﻮﺟﺪوا أن أﺟﺮة اﻟﻌﻤﻞ ﻫﻲ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﺑﻌﺪ ﺧﺼﻢ دﺧﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض وﻓﺎﺋﺪة ﺻﺎﺣﺐ املﺎل ،ﻓﺈذن ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠﺰﻫﺎ اﻟﻔﺎورﻳﻘﺎت ﰲ ﺗﺴﻌﺔ أﻳﺎ ٍم أﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﺗﻨﺘﺠﻪ ﰲ ﻋﴩة أﻳﺎ ٍم ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ،ملﺎ أﻣﻜﻦ إﻋﻄﺎء 66
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ
ً ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﰲ اﻹﺗﻘﺎن ﻛﻠﻤﺎ ﻫﺆﻻء اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺰﻳﺎدة اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﺒﻮﻧﻬﺎ ،ﻫﺬا وﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺎورﻳﻘﺎت ﻛﺎن اﻟﺸﻐﻞ ذا ﺛﻤﺮ ٍة ﻋﻈﻤﻰ .وﻣﻦ اﻟﻌﺪل أن ﻳﻔﻀﻞ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻘﺪون رواﺗﺐ ﻋﻈﻴﻤﺔً ﻧﻘﺼﺎن ﺳﺎﻋﺎت ﺷﻐﻠﻬﻢ ﻋﲆ زﻳﺎدة أﺟﻮرﻫﻢ ،ﻓﻬﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻟﻬﺎ ﺷﺄ ٌن ﻋﻈﻴﻢٌ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻮﻓﻴﻬﺎ ﱠ ﺣﻘﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا املﺨﺘﴫ ،وإﻧﻤﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻘﻮﻟﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد إﻧﻤﺎ ﻫﻮ إذا ً ﻣﺨﺼﺼﺔ أراد اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺗﻨﻘﻴﺺ ﺳﺎﻋﺎت ﺷﻐﻠﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﻮغ ﻟﻬﻢ أن ﻳﻄﻠﺒﻮا اﻷﺟﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا اﻟﻨﻘﺼﺎن؛ ﻷن ﺗﻨﻘﻴﺺ اﻟﺴﺎﻋﺎت ﳾءٌ وزﻳﺎدة أﺟﺮة اﻟﺴﺎﻋﺔ ﳾءٌ آﺧﺮ، ً ﻛﺄﻣﺮ ﻣﻄﻠﻘﺎ اﻋﺘﺒﺎرﻫﻤﺎ وﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺠﻤﻊ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﻴﺌني ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺠﺐ ٍ واﺣﺪٍ. ) (3ﰲ زﻳﺎدة اﻷﺟﻮر إن أﻫﻢ املﺴﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﻪ أﻧﻈﺎرﻫﺎ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ارﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺔ أﺟﻮرﻫﻢ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻔﺘﻜﺮون أﻧﻬﻢ إذا ﻟﻢ ﻳﺘﻴﻘﻈﻮا وﻳﺄﺧﺬوا ﺣﺬرﻫﻢ ﻳﺴﻠﺐ أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ اﻟﺠﺰء اﻷﻋﻈﻢ ً واﻫﻴﺔ ﺟﺪٍّا ،وﻳﺘﻮﻫﻤﻮن أن أﺻﺤﺎب ﻣﻦ املﺤﺼﻮل ،وﻻ ﻳﻌﻮدون ﻳﺪﻓﻌﻮن إﻟﻴﻬﻢ ﱠإﻻ أﺟﻮ ًرا اﻷﻣﻮال ﻳﺠﻮﻟﻮن ﰲ ﻣﻀﻤﺎر اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا داﺋﻤً ﺎ ﻣﻼﺣﻈني وﻣﻬﺪدﻳﻦ ﺑﺎﻟﺨﺴﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،وﻳﻌﺘﱪون أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﺑﺼﻔﺔ ﻇﻠﻮﻣني ﻳﻔﻌﻠﻮن ﻛﻴﻔﻤﺎ ﺷﺎءوا ،ﻣﻊ أن ﻛ ﱠﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻮﻫﻤﺎت إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺧﻄﺄ ٌ ﻋﻈﻴﻢٌ. ٍ إذ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺼﺎﺣﺐ املﺎل أن ﻳﺘﻤﺘﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٍ ﻃﺎﺋﻠﺔ؛ ﻷن ﺑﺄرﺑﺎح ﺳﻨﺔ أو ﺳﻨﺘني ٍ إﺧﻮاﻧﻪ إذا ﻋﻠﻤﻮا ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺠﺘﻬﺪون ﰲ ﺗﻘﻠﻴﺪه ،ﻓﻴﻜﺜﺮ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻃﻠﺐ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وﺗﺰﻳﺪ أﺟﻮرﻫﻢ، ً وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك أيﱡ ﱟ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺘﺼﻮر أن ﴍﻛﺎت اﻟﻔﻌﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺄﺛري اﻟﺪاﺋﻤﻲ ﺣﻖ ٌ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ اﻵن أﻛﺜﺮ ﰲ ارﺗﻔﺎع أﺟﻮرﻫﻢ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ،ﻧﻌﻢ ﻻ ﺷ ﱠﻚ ﰲ أن ﻫﺬه اﻷﺟﻮر ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛني أو أرﺑﻌني ﺳﻨﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎدة ﻧﺸﺄ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻋﻦ وﻓﺮة اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﻛﺎﻟﻴﻔﻮرﻧﻴﺎ Californieوأﺳﱰاﻟﻴﺎ ،Australieوأﻣﺎ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺰﻳﺎدة ﻓﻴﻤﻜﻦ ﻧﺴﺒﺘﻬﺎ ﺑﻜ ﱢﻞ ٍ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻟﻠﺘﺤﺴﻴﻨﺎت اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﰲ اﻟﻔﺎورﻳﻘﺎت ،وﻟﻠﺴﻌﺎدة اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﺑﺎﻟﺒﻼد ،ودﻟﻴﻠﻨﺎ ﻋﲆ ذﻟﻚ أن ﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎدة ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻘﺘﴫ ًة ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ املﻨﺘﻈﻤني ﰲ ﺳﻠﻚ اﻟﴩﻛﺎت ،ﻓﺈن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻳﻜﺴﺒﻮن اﻵن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻐﺎﺑﺮ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺬﻳﻦ ً ً ﺧﺪﻣﺔ أﺣﺴﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺪون ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻢ أدﻧﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻻﻋﺘﺼﺎب أﺑﺪًا ،ﺑﻞ ﻳﱰﻛﻮن ً ﴍﻛﺔ ﻟﻬﻢ. ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻗﺪ ارﺗﻔﻌﺖ ﻣﺎﻫﻴﺎﺗﻬﻢ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا أﺳﺴﻮا 67
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
) (4ﰲ اﻻﻋﺘﺼﺎب واﻟﻄﺮد اﻻﻋﺘﺼﺎب ﻫﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ إﴐاب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ؛ ﻟﻜﻲ ﻳﺘﺤﺼﻠﻮا ﻣﻦ أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻟﻄﻠﺒﺎت ﻛﺰﻳﺎدة اﻷﺟﺮة وﻧﺤﻮﻫﺎ ،واﻟﻄﺮد ﻫﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﻣﻨﻊ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﻐﻞ ﻧﻘﺺ ﰲ اﻷﺟﺮة أو ﻣﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﺎﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﻤﻜﺚ ﺑﻌﺾ ﻹﺟﺒﺎرﻫﻢ ﻋﲆ ﻗﺒﻮل ٍ ﺷﻬﻮر ،ﻓﻴﻘﺘﺎﺗﻮن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺘﻮﻓ ًﺮا ﻟﺪﻳﻬﻢ ،أو ﻣﻦ اﻹﻋﺎﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﺪة ٍ إﻳﺎﻫﻢ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻷ ُ َﺧﺮ ،أو اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺣﺰﺑﻬﻢ ،أو أرﺑﺎب اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ اﻷﺧﺮى ،وﰲ ﻫﺬه اﻟﻔﱰة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ وﻗﻮف ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻔﺎورﻳﻘﺎت ﺧﺴﺎﺋﺮ ٌ ﺟﻤﺔ ﻋﲆ أرﺑﺎﺑﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ اﻵﺧﺮون ،ﻓﺈذا ﻣﺎ داﻣﺖ اﻋﺘﺼﺎﺑﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أو أرﺑﺎب ﻣﻨﻮال ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻘﻮاﻧني وﻻ ﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻵداب أن ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﺑﴚءٍ؛ املﻌﺎﻣﻞ ﺳﺎﺋﺮ ًة ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ٍ ﻷن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺘﻘﻴﺪ ﺑﻮﻋ ٍﺪ ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ اﻟﺸﻐﻞ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أن اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻳﺮى أن إﻧﺴﺎن ،وﻛﺬﻟﻚ أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻌﺎﺋﺪة ﻋﲆ اﻷﻣﺔ ﺑﺎملﻨﻔﻌﺔ إﻃﻼق ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻜ ﱢﻞ ٍ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﻄﻠﻘﻲ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﺑﻀﺎﺋﻌﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ أي اﻟﻔﺮﻳﻘني ً ﻓﻤﺜﻼ إذا وﻋﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ أو اﻟﻔﻌﻠﺔ ﻓﺴﺦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ املﻌﺎﻫﺪات، ﺑﺄن ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻵﺧﺮ اﻷﺳﺒﻮع وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺄدﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ؛ إذ إﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺣ ٍّﺮا ﱠإﻻ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻓﺎء أﻧﺎس آﺧﺮﻳﻦ ﰲ ﺑﻮﻋﺪه ،وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﻮغ ﻷي ﻋﺎﻣﻞ أن ﻳﻐﺎدر ﺷﻐﻠﻪ إذا ﻛﺎن ﰲ ذﻟﻚ إﻳﻘﺎع ٍ ٍ ﻣﻬﺎوي اﻷﺧﻄﺎر ،وﻗﺪ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﰲ أﻣريﻛﺎ ﺳﻮاﻗﻮ اﻟﻮاﺑﻮرات واﻟﺤﺮاس ﰲ أﺛﻨﺎء ﺳري اﻟﻮاﺑﻮر ً ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻛﺎﻟﻘﺘﻞ. وﻳﱰﻛﻮن املﺴﺎﻓﺮﻳﻦ وﺷﺄﻧﻬﻢ ،وﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻌ ﱡﺪ أﻣﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺠﻤﻬﻮر ﻧﺘﺞ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ املﻨﻮﻃني ﺑﺘﻮزﻳﻊ املﻴﺎه أو ﺑﻜ ﱢﻞ ٍ إﻋﻼن ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؛ ﻷن ﰲ اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت املﻌﻴﺸﻴﺔ ﻻ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﻳﻮﻗﻔﻮا اﻟﻌﻤﻞ ﻓﺠﺄ ًة دون ٍ اﻷﻣﻦ اﻟﻌﺎم ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻪ ،وﻣﻦ واﺟﺒﺎت اﻟﺸﺎرع ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ ﻣَ ْﻦ ﻳﻨﺰﻋﻮن إﱃ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻻﻋﺘﺼﺎب. ) (5ﰲ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻟﺼﻐﺮ ﻫﺬا املﺆﻟﻒ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ أن ﻧﺴﺘﻘﴢ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻧﺸ ﱡﻚ ﰲ أن اﻋﺘﺼﺎﺑﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺨﺴﺎﺋﺮ ٍ ﺟﻤﺔ ﻋﲆ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ وﻋﲆ ﻏريﻫﻢ ،وﻧﺮى أﻧﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ اﻋﺘﺼﺎب ﰲ ﻣﺪة اﻟﺜﻼﺛني ﺳﻨﺔ اﻷﺧرية ﻻرﺗﻔﻌﺖ أﺟﻮرﻫﻢ اﻟﻴﻮم أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ، أي ٍ 68
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ
وﻛﺎﻧﻮا ﺗﻼﻓﻮا اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺣ ﱠﻠﺖ ﺑﻬﻢ واﻟﺘﻘﺘريات اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ اﻟﺘﺰﻣﻮﻫﺎ ﻟﻀﻴﻖ ذات ﻳﺪﻫﻢ. وﻟﻘﺪ أﺑﺎن اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻮن واﺗﺲ John Wattsﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ املﻌﻨﻮن ﺑﺎﻷﺟﺮة ورأس املﺎل أﻧﻪ إذا ﻧﺠﺢ اﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻨﻪ ﺧﺴﺎﺋﺮ ٌ ﺟﻤﺔ. ٍ ﺑﻄﺎﻻت ﻋﺮﺿﻴ ٍﺔ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ وإﻟﻴﻚ ﻣﺎ أورده ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد» :إﻧﻪ ﻟﺤﺪوث اﻟﺴﺎﺋﺮة ﻋﲆ أﺣﺴﻦ ﻧﻈﺎ ٍم أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴني أﺳﺒﻮﻋً ﺎ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺎﻣﻞ ،ﻓﻜﻞﱡ ٍ أرﺑﻌﺔ ﰲ املﺎﺋﺔ أﺳﺒﻮع ﻳﻘﺪر إذن ﺑﺎﺛﻨني ﰲ املﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ،ﻓﻠﻮ اﻋﺘﺼﺐ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻋﲆ ﻃﻠﺐ ٍ ﻋﻼو ًة ﻋﲆ أﺟﻮرﻫﻢ واﺳﺘﻤﺮوا ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﺪة ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻟﻠﺰم أن ﻳﺸﺘﻐﻠﻮا اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﺷﻬ ًﺮا ﺑﺎﻷﺟﺮة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﻴﺤﺼﻠﻮا ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻌﺎدل ﻣﺎ ﻓﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ املﻜﺴﺐ ﰲ أﻳﺎم اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ، ً ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﰲ املﺎﺋﺔ واﺳﺘﻤﺮ ذﻟﻚ أرﺑﻌﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ﻟﻢ وﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮ اﻋﺘﺼﺐ اﻟﻔﻌﻠﺔ ﻋﲆ ﻃﻠﺐ ﻋﻼو ٍة ٍ ﺗﻌﺪﻳﻼت ﺟﺪﻳﺪ ٍة ﰲ اﻷﺟﻮر رﺑﺤﻮا ﺷﻴﺌًﺎ ﰲ آﺧﺮ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻗﺪ ﻳﺤﺪث ﻏﺎﻟﺒًﺎ أﻧﻪ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻌﺾ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻌﻮض اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ اﻷﺧرية ،ﻓﻴﻜﻮن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣﺜﻞ اﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺬي ﻳﻨﺠﺢ ﻛﻤﺜﻞ ﻗﻀﻴ ٍﺔ ﻣﻜﺘﺴﺒ ٍﺔ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ «.ﻓﻠﻮ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ أن أﻛﺜﺮ اﻋﺘﺼﺎﺑﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻻ ﺗﺠﺪي ﻧﻔﻌً ﺎ ،وأﻧﻬﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻻ ﺗﻌﻮد ﱠإﻻ ﺑﺎﻟﺨﺴﺎرة اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ،وأﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﺻﺎدﻓﺘﻬﺎ ٍ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﺑﻄﺎﻟﺔ وﻻ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ وﻧﺠﺤﺖ ﻟﻜﺎن ﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن ﺗﺄﺗﻲ ﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎدة ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ ﺑﺪون ٍ ﴐر ﻟﺼﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﺸﻐﻞ ،وأن اﻟﺨﺴﺎرة ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻓﻘﻂ ﺑﻀﻴﺎع اﻷﺟﻮر ،ﺑﻞ ﺑﺈﺣﺪاث ٍ ﰲ ﻣﺼﺎﻟﺤﻪ ورأس ﻣﺎﻟﻪ ،وﻫﺬا اﻟﴬر ﻻ ﺗﻌﻮد ﺳﻮء ﻋﻘﺒﺎه داﺋﻤً ﺎ ﱠإﻻ ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،ملﺎ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك أدﻧﻰ رﻳﺒ ٍﺔ ﰲ أن اﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ إﻧﻤﺎ ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﻛ ﱡﻞ ﻣﴬ ٍة وﺧﴪان .وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘﻮل أن اﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ﴐبٌ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮن واﻟﻬﺬﻳﺎن. ) (6اﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﰲ اﻻﻋﺘﺼﺎب ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻤﻌﺘﺼﺒني ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أدﻧﻰ ﱟ ﺣﻖ ﰲ ﻣﻨﻊ ﻋَ ﻤَ ﻠﺔ آﺧﺮﻳﻦ ﻋﻦ أﺧﺬ ﻣﺤﻠﻬﻢ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ و ُِﺟ َﺪ ٌ أﻧﺎس ﺧﺎﻟﻮن ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ وﻛﺎﻧﻮا ﻣﺴﺘﻌﺪﻳﻦ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺑﺄﺟﺮ ٍة أﻗﻞ ﻟﻌﺎدت اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻋﲆ وﻃﻠﺐ ،وﺻﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻋﺮض اﻟﻌﻤﻮم ﻣﺎ ﻋﺪا املﻌﺘﺼﺒني؛ ﻷن املﺴﺄﻟﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ ٍ ٍ ٌ ٍ ٍ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺄﺟﺮ ٍة أﻗﻞ ﻣﻤﻜﻨﺔ؛ إذ ﻟﻮ ﻇﻬﺮ ﻟﻪ ﻗﻴﻤﺔ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﺄﻗﻞ ﻟﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ ﻋﺪم ﻗﺒﻮﻟﻪ ،وﻗﺪ ﻳﺤﺪث أن املﻌﺘﺼﺒني ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﺤﺎوﻟﻮن ﻣﻨﻊ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﻦ أﺧﺬ ﻣﺤﻠﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮن ﻛﺜريًا ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﻬﺪﻳﺪ واﻟﻮﻋﻴﺪ ،وﻣﺜﻠﻬﻢ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ؛ ﻣﺴﻮغ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻛﻤﺜﻞ ﻣﻦ ﻳﻄﻠﺐ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﺤﻞ ﺑﺼﻔﺔ ﺣﻖ ﻟﻪ ﺑﺪون أدﻧﻰ ﱟ ٍ 69
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
إذ ﻻ ﻳﻜﻮن اﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ ﱠإﻻ إذا أﺟﻤﻌﻮا ﻋﲆ اﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻪ ،وأﻣﱠ ﺎ إذا ﴍع أﺣﺪ ً ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺑﺘﻘﻴﻴﺪ املﻌﺘﺼﺒني ﰲ ﺗﻬﺪﻳﺪ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ أو ﻣﻨﻌﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺸﻐﻞ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،وﻳﺴﺒﺐ ﴐ ًرا ﻟﻠﻌﻤﻮم ،ﻓﻠﻺﻧﺴﺎن اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ اﻹﺣﺠﺎم ﻋﻦ اﻟﺸﻐﻞ، وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﴬوري ً أﻳﻀﺎ ﺣﻔﻆ اﻟﺤﻖ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﰲ اﻹﻗﺪام ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ إذا ﺣﺴﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ، ﻓﻬﺬه اﻷﺣﻜﺎم ﻻ ﻳﴪي ﻣﻔﻌﻮﻟﻬﺎ ﻓﻘﻂ ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،ﺑﻞ ﻳﴪي ً أﻳﻀﺎ ﻋﲆ أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ؛ إذ ﻻ ﻳﺴﻮغ اﻟﺒﺘﺔ ﻟﺼﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﻄﺮد ﻋﻤﺎﻟﻪ أن ﻳﻬﺪد أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ اﻵﺧﺮﻳﻦ وﻳﻠﺰﻣﻬﻢ ﺑﺎﺗﺒﺎع ﺧﻄﺘﻪ ،وأﻣﱠ ﺎ ﻟﻮ ﻫﺪد ﺑﻌﺾ أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﺑﺈﺣﺪاث ﻣﴬ ٍة ملﻦ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون ﻗﻔﻞ ورﺷﻬﻢ ﻋﻮﻗﺒﻮا أﺷﺪ ﻋﻘﻮﺑﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻧﺎد ٌر ﺣﺼﻮﻟﻬﺎ ،ﻓﺎﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وﻃﺮدﻫﻢ ﻻ ﻳﻜﻮﻧﺎن ﻗﺎﻧﻮﻧﻴني ﱠإﻻ إذا ﻛﺎن اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻣﻤﻜﻨًﺎ ﺗﻐﻴري اﻷﺟﺮة أو ِْ ﺑﻌﺾ اﻟﴩاﺋﻂ اﻷﺧﺮى ﻟﻠﻌﻤﻞ. ﻓﺈذا ﺷﻜﺎ ﻋﻤﺎل ﺣﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺔ أﺟﻮرﻫﻢ ﺑﺮﻫﻦ ﻟﻬﻢ اﻻﻋﺘﺼﺎب ﻋﲆ ﺻﻮاب ﺷﻜﻮاﻫﻢ ً ﻓﻤﺜﻼ ﻟﻮ ُرﺋ َِﻲ أن أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻏري ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﲆ وﺟﻮد ﻋَ ﻤَ ٍﻠﺔ أ ْﻛﻔﺎء ﺑﻬﺬه اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ، ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻻﻟﺘﺰﻣﻮا ﺑﺰﻳﺎدﺗﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻮ أﻣﻜﻨﻬﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ آﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻘﻴﻤﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ ﻟﻜﺎن ً ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺤﺎﻟﺔ ﻏﺮور؛ ﻷن أﺟﻮرﻫﻢ ﻛﺎﻧﺖ ذﻟﻚ ﺑﺮﻫﺎﻧًﺎ ﻋﲆ أن ﻫﺆﻻء املﻌﺘﺼﺒني ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ٍ وﻃﻠﺐ ،ﻓﻤﺜﻞ ﻣﻦ ﻳﴬﺑﻮن ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻛﻤﺜﻞ ﻣﻦ ﻋﺮض اﻟﺘﺠﺎرة ،وﻛﻞ ذﻟﻚ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﺄﻟﺔ ٍ ٍ ﺛﻤﻦ ﻳﻜﻮن ﻟﺪﻳﻬﻢ ﳾءٌ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﰲ ﻣﺨﺎزﻧﻬﻢ وﻳﺮﻓﻀﻮن ﺑﻴﻌﻪ ﻃﻤﻌً ﺎ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ٍ ﺟﻴﺪٍ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﻮا ﺑﻬﺬا اﻟﻔﻌﻞ ﻣﻐﺮورﻳﻦ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺼﱪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻼﻗﻮﻧﻪ ﺗﻠﻘﺎء ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ ،وأﻣﱠ ﺎ ﻣﻦ ﺳﻤﺤﻮا ﺑﺎﻟﺒﻴﻊ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ املﻨﺎﺳﺐ ﻓﻘﺪ ﺣﺼﻠﻮا ﻣﻦ ﺑﻀﺎﺋﻌﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺮﺑﺢ اﻟﻜﺎﰲ .وﻣﻦ اﻟﺒﺪﻳﻬﻲ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ املﺒﺎح ﻷي ﺗﺎﺟﺮ أن ﻳﻬﺪد أو ﻳﻤﻨﻊ زﻣﻼءه ﻋﻦ اﻟﺒﻴﻊ ﻷيﱟ ٍ ﻛﺎن ،واﺗﺤﺎد اﻟﺘﺠﺎر ﰲ ﺷﺄن اﻟﺒﻴﻊ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻋﻦ اﻻﻋﱰاض؛ ﻷﻧﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﺗﺤﺎد ﻋﲆ ﴎﻗﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮر ،ﻓﺎﻟﺬي ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﺮاﻋﺎﺗﻪ ﻫﻮ ﻛ ﱡﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﺻﺎﻟﺢ اﻷﻣﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ ،وﻫﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻻ ﺗُﺪ َرك ﱠإﻻ ﺑﺈﻃﻼق اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﻠﻨﺎس ﰲ املﺰاﺣﻤﺔ ،وﺑﻴﻊ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺑﺄﺑﺨﺲ اﻷﺛﻤﺎن. ) (7ﰲ اﺣﺘﻜﺎر ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻻ ﻣﺸﺎﺣﺔ ﰲ أن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤِ َﺮ ِ ف ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ﺑﺎﺗﺤﺎدﻫﻢ اﻟﻔﻮز ﺑﺮﻓﻊ أﺟﻮرﻫﻢ إﱃ ﻣﺎ ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة؛ ﻷن اﻷﺟﻮر ﻛﺄﺛﻤﺎن اﻟﺴﻠﻊ ﺗﺘﻘﻴﺪ ﺑﻘﻮاﻧني اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈذا أﻣﻜﻦ ﺗﻘﻠﻴﻞ ﻋﺪد ﺻﻨﺎع اﻟﻘﺒﻌﺎت ﻟﻘ ﱠﻠﺖ ﻛﻤﻴﺔ املﺼﻨﻮع ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ،وارﺗﻔﻊ ﺛﻤﻨﻪ ،وﻃﻠﺐ ﻫﺆﻻء ً ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻬﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ٍ وﻗﺖ آﺧﺮ ،وﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﴩﻛﺎت ﺗﺤﺎول اﻟﺼﻨﺎع أﺟﻮ ًرا 70
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ
ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻛﻤﻴﺔ املﺼﻨﻮﻋﺎت؛ وذﻟﻚ ﺑﻘﺒﻮل ﻋﺪدٍ ﻣﺨﺼﻮص ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻣﺬة »اﻟﺼﺒﻴﺎن« ،وﻳﺄﺑﻮن ٍ اﻟﺸﻐﻞ ﻣﻊ ﻛ ﱢﻞ ﻣَ ْﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﺎرس ﻫﺬه املﻬﻨﺔ ،وﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن ﻳُ َﻜ ﱠﻠﻞ ﻫﺬا املﴩوع ﺑﺎﻟﻨﺠﺎح ﻣﺘﻰ ً ﻗﻮﻳﺔ ،ﻓﺒﻬﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺗﺼﺒﺢ املﻬﻨﺔ ﻣﺤﺘﻜﺮ ًة، ﻛﺎﻧﺖ املﻬﻨﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻷﻫﻤﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﴩﻛﺔ ٍ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ، ﺑﺄﺛﻤﺎن أﺟﻮر واﻓﺮةٍ؛ وذﻟﻚ ﺑﻤﺒﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻨﺘﺞ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر وﻳﺤﺼﻞ ﺻﻨﺎﻋﻬﺎ ﻋﲆ ٍ ٍ ً ﴐﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﻤﱠ ﺎل اﻟﻜﺎرات اﻷﺧﺮى ،ﻓﻬﺬه ﻓﺒﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻳﺤﺼﻠﻮن ﻃﻤﻊ وﻓﺴﺎدٍ ،وﻳﺠﺐ ﻋﲆ وﻻة اﻷﻣﻮر أن ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻛﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ إذن ﻃﺮﻳﻘﺔ ٍ ً ً ﻗﺎﺿﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ؛ ﴐﺑﺔ ﰲ ﺗﺜﺒﻴﻂ ﻫﻤﻢ ﻫﺆﻻء املﺤﺘﻜﺮﻳﻦ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻊ ﺗﻮاﱄ اﻷﻳﺎم ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻷن ﺟﻤﻴﻊ أرﺑﺎب اﻟﺤِ َﺮ ِ ف ﻳﺤﺎوﻟﻮن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﻤَ ْﻦ ﻧﺠﺤﻮا ﰲ ﻣﺴﺎﻋﻴﻬﻢ ،وملﺎ ﻳﺮى أن ﺑني ﺻﻨﺎع اﻟﻘﺒﻌﺎت ارﺗﺒﺎ ً ﻃﺎ زاﺋﺪًا ،ﻳﺠﺘﻬﺪ ﺻﻨﺎع اﻷﺣﺬﻳﺔ واﻟﺨﻴﺎﻃﻮن وأرﺑﺎب اﻟﺤِ َﺮف اﻷﺧﺮى ﰲ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﻛﻠﻤﺘﻬﻢ وﺣﴫ ﻋﺪد اﻷﺷﺨﺎص املﺘﺪرﺑني ﻣﻨﻬﻢ ،وﻟﻮ ﻧﺠﺢ ﻫﺆﻻء ﰲ ﻣﴩوﻋﻬﻢ ً وﺧﻴﻤﺔ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺤﺎوﻟﻮن وﻗﺘﺌ ٍﺬ أن ﻳﻐﺘﻨﻮا ،وذﻟﻚ إﻧﻤﺎ ﻳﻔﴤ إﱃ وﻗﻮع اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻟﻜﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ٍ ﻣﻬﻨﺔ واﺣﺪ ٍة ﺑﺄﴐار املﻬﻦ اﻷﺧﺮى ﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﺛﺮاء ﻛ ﱢﻞ املﻬﻦ ﰲ اﻟﻔﻘﺮ؛ ﻷﻧﻪ إذا أﻣﻜﻦ إﺛﺮاء ﺑﺎﻧﺘﻬﺎج ﻫﺬه اﻟﺨﻄﺔ. وﻻ ﺷ ﱠﻚ أن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﺘﻮﻫﻤﻮن أﻧﻪ إذا ِزﻳﺪت أﺟﻮرﻫﻢ ﻓﺎﻟﺰﻳﺎدة ﺗﻜﻮن ﻣﻦ ﻣﻮاﻟﻴﻬﻢ، وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﻫﻢ ﺧﻄﺄ ٌ ٌ ﻣﺤﺾ؛ ﻷن أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻻ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻬﻢ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻋﲆ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﻓﻌﻮا ﺛﻤﻦ ﺳﻠﻌﻬﻢ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻳﺄﺧﺬون ﻣﻦ اﻟﺸﺎري ﻗﻴﻤﺔ زﻳﺎدة اﻷﺟﻮر اﻟﺘﻲ ﻣﺒﻠﻎ ﻳﻘﺎﺑﻞ اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ ﻣﻦ اﻋﺘﺼﺎب اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﺪﻓﻌﻮﻧﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ إﻳﺠﺎد ٍ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن وإﻳﻘﺎﻓﻬﻢ ﻟﻸﻋﻤﺎل ،ﻓﺎملﺸﱰون ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻓﻌﻮن ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺰﻳﺎدة ،ﻧﻌﻢ إن املﻮﴎﻳﻦ ﻗﺪ ﻳﺪﻓﻌﻮن ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،ﱠإﻻ أن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﺘﺤﻤﻠﻮن اﻟﺠﺰء اﻷﻋﻈﻢ ،ﻓﻨﺘﻴﺠﺔ اﺣﺘﻜﺎر ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺗﻜﻮن ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﴬ ًة ﺑﺎﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻮد ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪة ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد ﻣﻨﻬﻢ ،وﺑﺎملﴬة ﻋﲆ أﻛﺜﺮﻫﻢ ،وذﻟﻚ ﻟﻜﻮن ﺗﻘﻴﻴﺪﻫﻢ وﺣﺒﺲ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ ﻳﻤﻨﻌﺎﻧﻬﻢ ﻋﻦ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﻓﻘﻬﻢ ،ﻓﻤﻦ أﺳﻌﺪﻫﻢ اﻟﺤﻆ ﻣﻨﻬﻢ ﺗﺤﺴﻨﺖ ﺣﺎﻟﺘﻬﻢ ،وﺳﺎءت أﺣﻮال إﺧﻮاﻧﻬﻢ ،واﻻﻋﺘﺼﺎب اﻟﺬي ﻳﺤﺼﻞ ﻻﺳﺘﻤﺮار اﻻﺣﺘﻜﺎر ﻳﻨﻘﺺ ﻣﻦ املﺒﻠﻎ املﺨﺼﺺ ﻟﻸﺟﻮر.
71
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
) (8ﰲ ﺟﻤﻌﻴﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻗﺪ ﻳﻨﺘﺤﻞ أﻧﺼﺎر ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺳﺒﺒًﺎ ﻳﺴﻮﱢغ وﺟﻮدﻫﻢ ،وﻫﻮ ﻛﻮن املﺤﺎﻣني واﻷﻃﺒﺎء ٌ ﺟﻤﻌﻴﺎت ﺗﻤﺎﺛﻞ ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،وﻛﺄﻧﻲ ﺑﺎﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻛﻐريﻫﻢ ﻣﻤﻦ ﺗﻘﺪﻣﻮا: وﻏريﻫﻢ ﻟﻬﻢ ٌ ٍ ﺿﻌﻴﻒ؛ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن ﴍﻛﺎت ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻠﻮن أﻧﺘﻢ ،و َﻟﻌَ ﻤْ ﺮ اﻟﺤﻖ إن ﻫﺬا املﺴﺘﻨﺪ إﻧﻨﺎ ﻧﺆﺳﺲ أﻧﺎس ﻏريه واﻗﻌني ﰲ اﻟﺨﻄﺄ ﻋﻴﻨﻪ ،وإﻧﺎ املﺨﻄﺊ ﻻ ﻳﺴﻮغ ﻟﻪ أن ﻳﻨﺘﺤﻞ ﻋﺬ ًرا ﻣﻦ وﺟﻮد ٍ ﻧﺴ ﱢﻠﻢ أن ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻧﻈﺎﻣﺎت املﺤﺎﻣني ﻻ ﺗﻔﻀﻞ ﻋﲆ ﻧﻈﺎﻣﺎت ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،ﻓﻤﻦ ذﻟﻚ إﻟﺰام املﺤﺎﻣﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺤﻀﻮر ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻻﺋﻢ ،وﻣﻨﻌﻪ ﻋﻦ ﻗﺒﻮل أﻳﺔ ﻗﻀﻴ ٍﺔ ﻧﻘﺼﺖ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺒﻠﻎ ﻣﻌﻠﻮ ٍم ،وإﻟﺰاﻣﻪ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﰲ ﻣﻜﺘﺒﻪ وﻛﻴ ٌﻞ ﻳﺘﻮﺳﻂ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني أرﺑﺎب أﺗﻌﺎﺑﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ٍ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ،وأن ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪه ﺷﺎبﱞ ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻤﺮﻳﻦ ،وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻻﺷﱰاﻃﺎت اﻟﺘﻲ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ زﻳﺎدة املﻜﺴﺐ. ٍ إﺻﻼﺣﺎت ﱠإﻻ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ املﺰاﻳﺎ، وﻟﻮ أن ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت ﺗﺤﺘﺎج إﱃ ﺟﻤﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻤﻨﻊ ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻄﺎت اﻟﺘﻲ أﺳﻨﺪﻧﺎﻫﺎ إﱃ ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،ﻓﺈن ﻋﺪد اﻷﻋﻀﺎء اﻟﺬﻳﻦ إﻧﺴﺎن اﺷﺘﻬﺮ ﺑﺤﺴﻦ اﻟﺴرية وﺗﺤﺼﻞ ﻋﲆ املﻌﻠﻮﻣﺎت ﻳﻨﺘﻈﻤﻮن ﰲ ﺳﻠﻜﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﺤﺪدًا ،ﻓﻜﻞ ٍ اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﺗﺨﺎذ ﺣﺮﻓﺔ املﺤﺎﻣﺎة ً ﻣﺜﻼ ،ﻧﻌﻢ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻵن ﰲ اﻟﺤِ َﺮف اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ واﻟﻄﺒﻴﺔ ٍ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ،إﻻ أن املﻘﺼﻮد ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻟﻴﺲ ﱠإﻻ ﺗﺨﺼﻴﺺ وﻏريﻫﺎ ﱠإﻻ ﻣﻦ ﻗﺪﱠم اﻣﺘﺤﺎﻧًﺎ ﰲ ﻣﻮاد املﻬﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻬﻢ اﻟﻌﻤﻮم. ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻟﻠﺤﺠﺮ ﻋﲆ ﺣﺮﻳﺔ وﻣﻤﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت ﻋﻦ ﻏريﻫﺎ ﻫﻮ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﻌﺮض أﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﺑﻤﻨﻌﻬﻢ ﻋﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﺠﺪ ﰲ ﻛﻞ اﻟﻌﻤﻞ ،وﺗﺄدﻳﺔ ﻣﺎ ﰲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻬﻢ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد ﺑﺎﻟﻨﻔﻊ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم. ٌ ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﺑﺸﺄن اﻟﻌﻤﻞ ) (9أوﻫﺎ ٌم ﻳﻈﻦ اﻟﻜﺜري أن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ إن ﻟﻢ ﻳﴪﻋﻮا ﰲ إﻧﺠﺎز أﺷﻐﺎﻟﻬﻢ ﺗﺰﻳﺪ أﺟﻮرﻫﻢ؛ ﻷن اﻟﺸﻐﻞ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ٌ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ زﻳﺎدة اﻟﻌﻤﺎل ،ﻣﻊ أن ذﻟﻚ ﺧﻄﺎ ٌ ﻓﺎﺣﺶ ﻳﻌﻮد ﺑﺎﻟﴬر اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻋﲆ اﻷﻣﺔ، ﻓﺈن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﻈﻨﻮن أن اﻟﺸﻐﻞ ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﻮﺟﺐ ﻋﺪدًا واﻓ ًﺮا ﻣﻨﻬﻢ ،ﻛﻠﻤﺎ اﻟﺘﺰم ﺻﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ ﺑﺎزدﻳﺎد اﻷﺟﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻓﻌﻬﺎ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻳﺘﺤﻮل ﺟﺰءٌ ﻣﻦ ﺛﺮوة أﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال إﱃ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ، ﻓﻴﻈﻬﺮ ﻟﻬﻢ إذن أن ﻛ ﱠﻞ ٍ ﺗﺤﺴني ﻧﺘﻴﺠﺘﻪ وﻓﺮة اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻘﻠﻞ أرﺑﺎﺣﻬﻢ؛ اﺧﱰاع أو آﻟﺔ أو ٍ ٍ وﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ اﻣﺘﻨﻌﺖ ﻃﺎﺋﻔﺔ املﻌﻤﺎر ﻣﻦ أن ﺗﺮﻓﻊ املﻮاد اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺒﻨﺎء ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺤﺒﻞ واﻟﺒﻜﺮة، 72
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ
ٌ ﻣﺘﻌﺒﺔ وﺧﻄﺮ ٌة — وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ املﻮاد وﺗﻤﺴﻜﺖ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ً ﻓﻌﻠﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻋﲆ أﻛﺘﺎﻓﻬﻢ وﻳﺘﺴﻠﻘﻮن ﻋﲆ اﻟﺼﻘﺎﺋﻞ — وذﻟﻚ ﻷن ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻳﺴﺘﻠﺰم ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻄﻮاﺑﻮن ﻗﺪ اﻣﺘﻨﻌﻮا ﻋﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻵﻻت؛ ﻷن اﻟﺒﻨﺎﺋني ﻻ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﺎﻟﻠﺒﻦ املﺼﻨﻮع ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻵﻻت ،وﺑﻌﺾ اﻟﺠﻤﺎﻋني اﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ اﻟﺸﻐﻞ ﰲ املﻌﺎﻣﻞ اﻟﺘﻲ أُدﺧﻠﺖ ً ٍ ﺑﴪﻋﺔ ،ﻓﻼ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﺤﺎل ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ أن اﻟﺸﻐﻞ ﻳﺴﻬﻞ وﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ آﻻت اﻟﺠﻤﻊ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ إﻟﻴﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ وﺗﻘﻞ أﺟﻮر املﺸﺘﻐﻠني ﻣﻨﻬﻢ ،وﻋﻨﺪﻧﺎ أن ﻫﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﻏري ﺻﺎﺋﺒ ٍﺔ وﺳﻴﺌﺔ ﻃﺮق أﺣﺴﻦ اﻟﻌﻘﺒﻰ ،ﻓﺈن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﺴﻜﻮن ﺑﻄﺮق اﻟﺸﻐﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻌﺪ اﺧﱰاع ٍ أﺟﻮر واﻫﻴ ٍﺔ ،وﺑﻤﺎ أن اﻟﻄﺮق اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ أﺻﻌﺐ ﻣﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪة، ﻣﻨﻬﺎ ،ﻻ ﻳﺘﺤﺼﻠﻮن ﱠإﻻ ﻋﲆ ٍ ً ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻸﻣﺮاض واﻷﺧﻄﺎر ،ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺮى ﺣﺎﺋﻜﻲ ﺳﺒﻴﺘﺎ ﻟﻔﻴﻠﺪس Spitalfieldsﻣﺎ ﻓﻴﻜﻮﻧﻮن ً ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ أن ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻮا اﻟﻨﺴﻴﺞ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻵﻻت اﻟﺒﺨﺎرﻳﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ زاﻟﻮا ﻳﻨﺴﺠﻮن ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺻﺎﻧﻌﻲ املﺴﺎﻣري ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺳﻮث ﺳﺘﺎﻓﻮردﺷري South Staffordshireﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻧﻬﺎ ٍ ﺣﺮﻓﺔ إذا ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ اﻟﺸﺒﱠﺎن املﺘﺒﴫﻳﻦ واﻧﺘﻔﻌﻮا ﺑﺎﻻﺧﱰاﻋﺎت ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ،وﻓﺎﺗﻬﻢ أن ﻋَ ﻤَ ﻠﺔ أﻳﺔ ً ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻣﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﺨﻴﺎﻃﺎت ﰲ ﺑﻼد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻨﺠﺢ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﻢ ،ﻓريﺑﺤﻮن أرﺑﺎﺣً ﺎ ً واﻫﻴﺔ ﺟﺪٍّا ﻗﺒﻞ اﺧﱰاع آﻻت اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ اﻷﻣريﻛﺎﻧﻴﺔ ،وملﺎ وُﺟﺪت ﻫﺬه اﻵﻻت ﺧﺸني أﺟﻮرﻫﻦ املﻮت ﺟﻮﻋً ﺎ؛ ﻷن ﺷﻐﻞ ﻫﺬه اﻵﻻت ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺷﻐﻞ اﻟﻴﺪ ﻋﴩﻳﻦ ﻣﺮة ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﱠ ﻛﻦ ﻳﻨﺘﻈﺮن؛ ﻷن اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻟﻢ ﻳﺘﻴﴪ ﻟﻬﻦ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ ﻋﲆ اﻵﻟﺔ زادت أﺟﻮرﻫﻦ ،واﻟﻠﻮاﺗﻲ ﺗﻌﻠﻤﻦ اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ ﻋﲆ اﻵﻟﺔ زادت أﺟﻮرﻫﻦ ً أﻳﻀﺎ ،ﻓﺈن أﺟﺮة اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ﺗﺒﻠﻎ اﻵن ﻋﴩﻳﻦ ﺷﻠﻨًﺎ ﰲ اﻷﺳﺒﻮع اﻟﻮاﺣﺪ ،وﻟﻮ ﺳﺌﻞ ﺳﺎﺋ ٌﻞ :وﻣﻦ أﻳﻦ ﻟﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ؟ ﻗﻠﻨﺎ :إﻧﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻵﻻت ﺗﻴﴪ ﻋﻤﻞ ﻣﻼﺑﺲ واﻓﺮ ٍة ﻓﻘ ﱠﻞ ﺛﻤﻨُﻬﺎ وﻛﺜﺮ ﻣﺸﱰوﻫﺎ. وإذا اﺳﺘﻌﻤﻞ ﻧﺤﺎﺗﻮ اﻷﺣﺠﺎر اﻵﻻت ﻻﻛﺘﺴﺒﻮا ً أﻳﻀﺎ ﻛﺎﻟﺨﻴﺎﻃﺎت ،ﻓﺈن أﺟﺮة ﻧﺤﺎﺗﻲ ٌ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ارﺗﻔﺎﻋً ﺎ زاﺋﺪًا ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﺴﻨﻰ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻷﺣﺠﺎر ﱠإﻻ ﰲ أﺑﻨﻴﺔ اﻷﺣﺠﺎر اﻵن اﻷﻏﻨﻴﺎء ،ﻓﺈذا أﻣﻜﻦ ﺗﻨﻘﻴﺺ ﻫﺬه اﻷﺟﻮر ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎل اﻵﻻت ﻷﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ اﻟﺒﻨﺎء ﺑﺎﻷﺣﺠﺎر، ﻓﻴﻜﺜﺮ اﻟﻼزم ﻣﻨﻬﺎ ،وﻳﺴﻬﻞ ﻋﲆ اﻟﺒﻨﺎﺋني ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺘﺴﻮﻳﺔ اﻷﺣﺠﺎر املﻘﻄﻮﻋﺔ ﺑﺎﻵﻻت ً ﺑﺪﻻ ﻋﻦ إﻣﻀﺎء اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻄﻮﻳﻞ ﰲ ﻗﻄﻌﻬﺎ وﺗﺴﻮﻳﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻴﺪ ،وﻻ ﺷ ﱠﻚ أﻧﻪ ﻟﻮ اﺳﺘُﻌﻤﻠﺖ اﻵﻻت ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﺷﺘﻐﺎل ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﻧﻔﺎر ﺑﺎﻵﻻت ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺤﺎل ﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﺪد اﻟﺒﻨﺎﺋني ٌ ﺟﻠﻴﻠﺔ ،ﻧﻌﻢ إن اﻟﺤﺮوف ﰲ املﻄﺎﺑﻊ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ إذا اﺷﺘﻐﻠﻮا ﺑﺂﻻت اﻟﺠﻤﻊ ﻟﻌﺎدت ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻮاﺋﺪ ً ٍ اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﻮاﺣﺪ ﻟﻮ اﺳﺘﻌﺎن ٍ ﺣﺮوﻓﺎ أﺿﻌﺎف ﻣﺎ إذا ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﻦ ﺑﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺘﻘﻨﺔ ﻟﺠﻤﻊ ﺑﺂﻟﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ ﺗﻜﻮن ﺗﺨﻔﻴﺾ ﺛﻤﻦ اﻟﻄﺒﻊ ،ﻓﻴﺰﻳﺪ ﻋﺪد اﻟﻜﺘﺐ واملﺠﻼت واﻟﺠﺮاﺋﺪ واﻟﻨﴩات 73
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ٌ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺪون اﻧﻘﻄﺎع ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺠﺰءٌ ﻣﻦ ﺑﺎﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ ،ﻓﻴﺸﺘﻐﻞ ﺑﺬﻟﻚ ٍ ﺣﺮوف ذات ُﺳﻤﻚٍ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻒ وﺗﺮﺗﻴﺐ اﻟﺼﺤﻴﻔﺎت واﻟﺘﺼﺤﻴﺢ وﻏري اﻟﻌﻤﻞ ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑني ﺣﺎل ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ذﻟﻚ ،ﻻ ﻳﺘﻴﴪ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﺎﻵﻻت ،ﻓﻴﺸﺘﻐﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻵﻻت ،وﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ رﻓﻊ ﻗﻴﻤﺔ اﻷﺟﻮر ﱠإﻻ ﺑﺰﻳﺎدة ﻣﺤﺼﻮل اﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﺑﺘﻨﻘﻴﺼﻪ ،ﻓﺈن ﻣﺠﻤﻮع أﺟﻮر اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻫﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ املﺤﺼﻮل اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﺑﻌﺪ ﺧﺼﻢ املﺼﺎرﻳﻒ واﻟﻔﻮاﺋﺪ واﻟﴬاﺋﺐ ،وﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ إﱃ ً ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮن ﻋﲆ ﻋﻤﺎﻟﺔ ﻟﻨﻜﺎﺷري Lancashireﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أﻧﻬﻢ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن أﺟﻮ ًرا ً ً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﺪد اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤني ﺑﺈدارﺗﻬﺎ ،ﻓﺈذا أﻋﻤﺎﻻ اﻟﻨﺴﻴﺞ ﺑﺎﻷﻧﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠﺰ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮا ﺑﻬﺬه اﻵﻻت اﺿﻄﺮوا إﱃ ﻧﺴﻴﺞ اﻟﻘﻄﻦ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺳﻜﺎن ﻛﺸﻤري ،وﻟﻮ ُﻓﺮض ﻋﺪم وﺟﻮد ٍ آﻟﺔ واﺣﺪ ٍة ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻟﻌﻢ اﻟﻔﻘﺮ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻟﻀﺎﻫﺖ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻗﺮﻳﺐ ،ﻓﻼ ﻳﻔﻮت اﻟﻌﺎﻣﻞ إذن أن اﻟﻐﺮض ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺰارﻋﻮ ﺑﻠﺪة وﻟﺘﺸري Wiltshireﻣﻦ ﻋﻬ ٍﺪ ٍ اﻷﺻﲇ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻫﻮ إﺣﺪاث اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ واﻟﺴﻠﻊ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﴪﻋﺔ واﻟﻜﺜﺮة ﻻ ﻣﺠﺮد اﻻﺷﺘﻐﺎل. ) (10اﻟﺸﻐﻞ ﺑﺎملﻘﻄﻮﻋﻴﺔ ﺗﺴﻌﻰ ﺑﻌﺾ ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﰲ أن ﻻ ﻳﺸﺘﻐﻞ أﻋﻀﺎؤﻫﺎ ﺑﺎملﻘﻄﻮﻋﻴﺔ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﻤﻨﻌﻬﻢ أﺟﻮر ﻣﺤﺪد ٍة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻘﺪر اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻧﻪ ،وﺗﺤﺮﺿﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻷﺳﻠﻮب ﻋﻦ ﻗﺒﻮل ٍ املﻌﺘﺎد اﻟﺬي ﺗُﺤَ ﺪ ُد اﻷﺟﺮة ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﻤﻀﻮﻧﻪ ﰲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،وﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺬي ﻳﻜﺘﺴﺐ ﻓﺮﻧ ًﻜﺎ واﺣﺪًا ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ً ﻣﺜﻼ — ﺳﻮاء أﴎع ﰲ اﻟﺸﻐﻞ أو أﺑﻄﺄ — ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ اﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺒﻂءٍ ﻣﺎ دام ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻎ ﰲ اﻟﻜﺴﻞ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻳﺴﺘﻠﺰم ﻃﺮده ،وﻣﻦ املﻌﻠﻮم ً ً أﻋﻤﺎﻻ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﻦ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﻓﻤﻦ املﺴﺘﺤﺴﻦ أﻳﻀﺎ أن ﻣﻦ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎملﻘﻄﻮﻋﻴﺔ ﻳﻨﺠﺰ إذن اﻟﺘﺸﻐﻴﻞ ﺑﺎملﻘﻄﻮﻋﻴﺔ إذا أﻣﻜﻦ ﻣﻘﻴﺎس اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﺘﺴﺐ اﻟﻌﺎﻣﻞ أﺟﺮ ًة ً ﻋﺎﻟﻴﺔ؛ ﻷن ﻣﻨﻔﻌﺘﻪ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﺠﺪ ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻫﻮ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ اﻷﺟﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻊ ﻟﻪ، ً ﻣﺤﺘﺠﺔ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﴩﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺗﻌﺎرض ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن أﺳﻠﻮب اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎملﻘﻄﻮﻋﻴﺔ، ﺑﺄن ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻳﻜﻠﻒ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻹﻓﺮاط ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﴬ ﺑﺼﺤﺘﻪ ،وﻫﻮ اﺣﺘﺠﺎجٌ ﺑﺎﻃ ٌﻞ؛ إذ إﻧﺴﺎن ﻗﺎد ٌر ﻋﲆ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺼﺤﺘﻪ ،وﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻫﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ أﻧﻪ ﺗﻮﺟﺪ املﻔﺮوض ﻋﻤﻮﻣً ﺎ أن ﻛ ﱠﻞ ٍ ﺻﻨﺎﺋﻊ وﻣﻬ ٌﻦ ﻋﺪﻳﺪ ٌة ﺗﻨﻘﺪ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎملﻘﻄﻮﻋﻴﺔ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﻘﻢ ﻣﻦ ٌ ﴍﻛﺎت ملﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﺎﻟﻚ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ،وإذا ﻛﺎن ﺛَﻤﱠ َﺔ ﳾءٌ ﻳُﺨﴙ ﻣﻨﻪ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺗﻬﺎﻣﻠﻬﻢ وﺗﻜﺎﺳﻠﻬﻢ ،وﻟﻮ دﻗﻘﻨﺎ اﻟﺒﺤﺚ ﰲ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻋﲆ ﻋﺪم رﺿﺎﻫﺎ 74
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ
ﺑﺎﻟﺸﻐﻞ ﺑﺎملﻘﻄﻮﻋﻴﺔ ،ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺨﴙ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ؛ ﻷن ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ اﻷﺷﻐﺎل ٍ ﺑﴪﻋﺔ ،وﻫﻲ ﺗﻌﺘﻘﺪ أن ﰲ ذﻟﻚ ﺧﺴﺎر ًة ﻋﲆ ﺑﻌﻀﻬﻢ ،وﻗﺪ ﺳﺒﻖ أﺟﺒﻨﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﻋﱰاض، وﺑﻴﱠﻨﱠﺎ أن اﻟﻘﺼﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺘﻪ ،وأﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺜﺮت املﺘﺤﺼﻼت ﻛﻠﻤﺎ ارﺗﻔﻌﺖ ً ﻋﺎﻣﻼ اﻷﺟﻮر ،أﻣﺎ أﻋﻀﺎء ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮن — وﻛﺄﻧﻬﻢ ﻣﺨﻠﺼﻮن :إﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻛﺜريًا ﻓﻴﺤﺮم إﺧﻮاﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻨﻈﺮون إﱃ اﻷﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ً واﻫﻴﺔ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ازدﻳﺎدﻫﺎ ﻣﺎ داﻣﻮا ﻣﺘﻤﺴﻜني ﺑﻤﺒﺪﺋﻬﻢ ،ﻓﺈذا أردﻧﺎ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ﱠإﻻ أﺟﻮ ًرا أن ﻧﺰﻳﺪ ﰲ ﺛﺮوة اﻷﻣﺔ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﻟﻮﺟﺐ ﻋﲆ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﱠﺎ أن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﰲ وﺳﻌﻪ ﻹﺣﺪاث اﻟﺜﺮوة ،وأن ٍ ﺧﺎﺻﻴﺎت ﻟﻢ ﻧﻔﺰ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻨﺠﺤﺖ ﻣﺴﺎﻋﻴﻬﻢ ﻻ ﻳﻐﺒﻂ اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻨﺤﺘﻬﻢ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ إﻧﺴﺎن ﻳﺤﺪث ﺛﺮو ًة وﻻ ﻳﻌﻮد ﻧﻔﻌﻬﺎ ﱠإﻻ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﻞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻳﻌ ﱡﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﱠﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻳﻨﺪر وﺟﻮد ٍ ﻧﻔﻌﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﺈن ﻧﺘﻴﺠﺘﻬﺎ ﻳﻜﻮن ﺗﻨﻘﻴﺺ أﺛﻤﺎن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن أو ﺗﺴﻬﻴﻞ ﻣﺸﺎق اﻟﻌﻤﻞ. ) (11اﻷوﻫﺎم اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﺑﺸﺄن املﺴﺎواة ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻋَ ﻤﻠﺔ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻋﺪم ارﺗﻴﺎﺣﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺑﻐني ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وذﻟﻚ ﻟﺴﺒﺒني؛ اﻷول: ﺗﻮﻫﻤﻬﻢ أﻧﻪ إذا ﻗﺎم أﺣﺪ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وﺟ ﱠﺪ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ رﺑﻤﺎ أﺣﺮم ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﻐﻞ .واﻟﺜﺎﻧﻲ: ملﺎ ﺟُ ﺒﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻐرية واﻟﺤﺴﺪ .وﻟﻮ أﻧﻌﻤﻨﺎ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أن ﻫﺬه اﻹﺣﺴﺎﺳﺎت ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎﴏ ًة ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،وﻛﻞ ﻣَ ْﻦ ﻳﱰوى ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻳﺄﺳﻒ ﻛﻞ اﻷﺳﻒ ﻣﻦ ٍ ٍ ﻓﺎﻗﺔ ﺷﺪﻳﺪةٍ ،وﻗﺪ واﺳﻌﺔ ،واﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ ﰲ رؤﻳﺘﻪ اﻟﻌﺪد اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﰲ ﺛﺮو ٍة ﻳﺴﻮء ﱡ ﻇﻦ اﻟﺒﻌﺾ ﰲ اﻟﻘﻮاﻧني اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺎرض ﻫﺬه اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ،ﻋﲆ أن اﻟﻘﻮاﻧني ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ذﻧﺐ ،وأﺣﺰاب املﺴﺎواة ﻳﻘﻮﻟﻮن :إن ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻳُﻮﻟﺪون أﺣﺮا ًرا وﻣﺘﺴﺎوﻳﻦ، ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ٍ وﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ املﻮاﻓﻘﺔ ﻋﲆ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻳﻮﻟﺪون أﺣﺮا ًرا؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻤﻀﻮن أﻋﻮاﻣً ﺎ ﻋﺪﻳﺪ ًة وﻫﻢ ﰲ اﺣﺘﻴﺎج إﱃ ﻣﺴﺎﻋﺪة واﻟﺪﻳﻬﻢ ،وﻟﻮ ﺳﻠﻤﻨﺎ أﻧﻬﻢ ﻳﺼريون أﺣﺮا ًرا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺒﻠﻐﻮن ﱠ ﺳﻦ اﻟﺮﺷﺪ، ٍ ﻻ ﻧﺴ ﱢﻠﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﺘﺴﺎوون؛ ﻷن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻜﻮن ﻗﻮي اﻟﺒﻨﻴﺔ ﻣﺘﻤﺘﻌً ﺎ ﺑﺎﻟﺼﺤﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ وﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط واﻟﺬﻛﺎء ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﺿﻌﻴﻒ ﻋﺪﻳﻢ اﻟﻬﻤﱠ ﺔ ،وﻻ ﺗﺄﺛري ﻟﻠﻘﻮاﻧني ﻋﲆ ٍ ً ﻫﺬه اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت؛ إذ ﻻ ﻳُﺘﺼﻮر أن ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻳﻘﻮي ً ﺿﻌﻴﻔﺔ ،ﻓﻬﺬه اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﺗﻜﻮن ﺳﺒﺒًﺎ ﺑﻨﻴﺔ رﺟﻞ واﻣﺮأ ٍة ﻧﺒﻎ ﰲ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏريﻫﻢ ،وﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ أﻟﻒ إﻧﺴﺎن ﺑني ٍ ٍ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ واﺷﺘﻬﺮوا ﺑﺎﻟﻜﻔﺎءة وﻗﻮة اﻻﺧﱰاع ،ﻓﺒﺎﻟﺠﺪ واﻟﺜﺒﺎت ﻣﻊ اﻷﻫﻠﻴﺔ اﺧﱰﻋﺖ 75
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
آﻻت اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ واﻟﺘﻠﻐﺮاف واﻟﺘﻠﻔﻮن وﻏريه ﻣﻤﺎ ﻋﺎد ﺑﺎﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻋﲆ اﻟﻨﻮع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑﺄﴎه. ﻧﺘﺞ ﻟﻨﺎ إذن ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم أن املﻨﻔﻌﺔ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﺗﻘﴤ ﺑﺘﻨﺸﻴﻂ ﻣﻦ ﻇﻬﺮ اﺳﺘﻌﺪادﻫﻢ ﻟﻨﻔﻊ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وذﻟﻚ ﺑﻤﻨﺤﻬﻢ اﻟﱪاءات وﺣﻔﻆ ﺣﻘﻮق املﺆﻟﻔني ﻣﻨﻬﻢ؛ ﻷﻧﻨﺎ إذا ﺛﺒﻄﻨﺎ ﻫﻤﻤﻬﻢ أو ﻣﻨﻌﻨﺎﻫﻢ ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻤ ﱢﺪ اﻟﻌﺮاﻗﻴﻞ واﻟﺼﻌﻮﺑﺎت ﺳﺎع وراء اﻻﺧﱰاع ﻳﺴﻌﻰ ﰲ أﻣﺎﻣﻬﻢ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ اﻟﺘﻘﻬﻘﺮ؛ ﻷن ﻛ ﱠﻞ ﻣﺠﺘﻬ ٍﺪ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ ٍ ﺗﺤﺴني ﺣﺎﻟﺘﻪ وﺣﺎﻟﺔ أﻣﺘﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺒني ﻟﻬﺎ ﻃﺮق زﻳﺎدة اﻟﺜﺮوة وﺗﺴﻬﻴﻞ اﻟﻌﻤﻞ. ﺗﺤﺴني ﻣﺎ ،ﻓﻠﻮ وُﺟﺪت وﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎه ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ اﻻﺧﱰاﻋﺎت املﻬﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ ٌ ٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻣﻴﺪ اﻟﻼزم ﻟﻠﺒﻨﺎء وﺟﺐ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ، ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ ﻧﻘﻞ ﻛﻤﻴ ٍﺔ ﻓﺈن ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﻣﺮاﻋﺎﺗﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻨﻔﻌﺔ أﺻﺤﺎب اﻷﺷﻐﺎل؛ ﻷن ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ٍ ٍ ﻻﺋﻘﺔ، ﻣﺤﻼت ﻏري ﰲ ﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﺒﻨﺎء أو ﰲ ﻧﻔﻘﺘﻪ ،ﻳﻜﻮن ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ إﻟﺰام اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺴﻜﻨﻰ ﰲ ورﺑﻤﺎ ﻟﻮ أُدﺧﻠﺖ اﻟﻄﺮق املﺴﻬﻠﺔ ﺗﺤﺴﻨﺖ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ. إﻧﺴﺎن ﺑﻤﺎ ﰲ ﺑﺨﺲ ﱠإﻻ إذا اﺷﺘﻐﻞ ﻛ ﱡﻞ وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ أﺷﻴﺎء ﺟﻴﺪ ٍة وﺑﺜﻤﻦ ٍ ٍ ٍ وﺳﻌﻪ ،وزاده اﻧﺘﻈﺎر املﻜﺎﻓﺄة ﻧﺸﺎ ً إﻧﺴﺎن ﺑﺎﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﻜ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻃﺎ ،ﻓﻴﺠﺐ إذن اﻟﺘﴫﻳﺢ ﻟﻜ ﱢﻞ ٍ ﻳﺮﻳﺪ ،وﺑﺎﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ املﻜﺎﺳﺐ ،ﺑﻞ وﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ وﺗﻨﺸﻴﻄﻪ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﺐ اﻟﺘﺬﻣﺮ ﻣﻦ ﻋﺪم املﺴﺎواة ﰲ اﻟﺜﺮوة؛ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﺒﺘﺪئ ﰲ اﻟﺜﺮوة ﻳﺘﻮﻓﺮ ً ﺣﺬﻗﺎ وﻣﻬﺎر ًة ،ﻓﻴﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻪ زﻳﺎدة ﺛﺮوﺗﻪ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻼ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎل وﻳﺰداد ﻋﻨﺪه رأس ٍ ﻟﻠﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ﻛﺜريًا ﻳﺤﺮﻣﻮن ﻏريﻫﻢ ،ﻓﺈن اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺑﱰاﻛﻢ أﻣﻮاﻟﻬﻢ وﺑﺈﻧﺸﺎﺋﻬﻢ ﻟﻠﻤﻌﺎﻣﻞ واﻟﻄﻮاﺣني واﻟﺒﻴﻮﺗﺎت واﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ،وﺑﺘﻨﻈﻴﻤﻬﻢ ﻟﻠﺤِ َﺮف ﻳﺸﻐﻠﻮن اﻷﻟﻮف ﻃﺮﻳﻖ آﺧﺮ ،ﻋﲆ أن أرﺑﺎح ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وﻳﻨﻘﺪوﻧﻬﻢ أﺟﻮ ًرا ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ٍ أﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال ﻟﻴﺴﺖ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﱠإﻻ ﺟﺰءًا ﺻﻐريًا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﺒﺎﻟﻎ اﻟﺠﺴﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﴫﻓﻮﻧﻬﺎ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ أن ﻳﺰﻳﺪوا ﰲ ﺛﺮوﺗﻬﻢ ﱠإﻻ إذا دﻓﻌﻮا أﺟﻮر اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أﺟﻮ ًرا ﻟﻌﻤﻠﺘﻬﻢ، ﻋﻴﺸﺔ راﺿﻴﺔً. ً ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻬﻢ أن ﻳﻌﻴﺸﻮا
76
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﰲ اﻟﺘﻌﺎون
أملﻌﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ إﱃ ﺑﻌﺾ املﻀﺎر اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻼف اﻟﻮاﻗﻊ ﺑني اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وأﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال، وﻟﻨﺒﺤﺚ اﻵن ﰲ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﺿﺖ ملﻼﺷﺎة ﻫﺬه املﻀﺎر ،وﻟﺘﻤﻬﻴﺪ اﻟﻮﻓﺎق ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني. ) (1ﰲ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ اﻓﺘﻜﺮ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﺑﻤﺠﺮد ﺣﺼﻮل ﺧﻼف ﺗﻌﻴني ﻣﺤﻜﻤني ﻟﺴﻤﺎع ﻃﻠﺒﺎت ٍ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ وإن ﻛﻨﱠﺎ ﻻ ﻧﻨﻜﺮ أن أﺳﺒﺎﺑًﺎ ﻋﺪﻳﺪ ًة ﺗﺆﻳﺪ اﻟﺨﺼﻤني وﺗﺤﺪﻳﺪ أﺟﺮ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ملﺪ ٍة ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ،ﱠإﻻ أﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮل :إﻧﻬﺎ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻣﺒﺎدئ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺸﻐﻞ واملﺘﺠﺮ؛ إذ ﻟﻮ أردﻧﺎ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﺤﻜﻢ ﻗﺎﺿﻴًﺎ ﻟﻮﺟﺐ أن ﺗُﻤﻨﺢ ﻗﺮاراﺗﻪ اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ﻋﲆ ﺣﺮﻳﺔ اﻷﺟري اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻮل ﻟﻪ ﺣﻖ اﻟﺸﻐﻞ وﻋﺪﻣﻪ ،وﻋﲆ ﺣﺮﻳﺔ ﺻﺎﺣﺐ املﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻮل ﻟﻪ ً أﻳﻀﺎ ﺣﻖ ﺗﺸﻐﻴﻞ أﻣﻮاﻟﻪ وﻋﺪﻣﻪ ،أو ﺑﻴﻊ ﺗﺠﺎرﺗﻪ ﺑﺎﻷﺛﻤﺎن اﻟﺠﺎرﻳﺔ ،ﻫﺬا وإذا أﻣﻜﻦ ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻻﺳﺘﺒﺪادﻳﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻷﺟﻮر ،ﻷﻣﻜﻦ ً أﻳﻀﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪ أﺛﻤﺎن اﻟﻐﻼل واملﻌﺎدن واﻷﻗﻄﺎن وﺑﻘﻴﺔ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻴﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺸﺎرع ﻣﻦ ﻣﺪ ٍة ﻣﺪﻳﺪ ٍة أن ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻷﺛﻤﺎن ٌ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﻛﻞ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑﻤﻘﺪار املﻌﺮض ﺑﺎﻟﻘﻮاﻧني واﻟﻠﻮاﺋﺢ أﻣ ٌﺮ ﻣﺤﺎ ٌل؛ إذ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن اﻷﺛﻤﺎن ٍ ﺻﻨﻒ واملﻄﻠﻮب ﻣﻨﻪ ،وﻟﻴﺲ ﰲ ﻗﺪرة أﺣ ٍﺪ أن ﻳﻌني ﻫﺬه املﻘﺎدﻳﺮ ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻟﻠﺒﻴﻊ ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻗﺒﻞ وﺟﻮدﻫﺎ ﺑﺸﻬﺮ أو ﺑﺸﻬﺮﻳﻦ ،وﻣﺜﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪر ﻗﻮاﻧني وﻟﻮاﺋﺢ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ،ﻛﻤﺜﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻦ ﻗﻮاﻧني ﻟﺘﻌﻴني اﻟﺤﻮادث اﻟﺠﻮﻳﺔ ﰲ اﻷﻋﻮام اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ،ﻓﺈن ﺣﺎﻟﺔ اﻷﺳﻮاق ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﺤﻮادث ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺮوب واﻷﺧﻄﺎر اﻟﻌﺪﻳﺪة آدﻣﻲ اﻹﻧﺒﺎء ﻋﻨﻬﺎ. املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﰲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ﱟ ٍ ﺑﺼﻔﺔ إﺟﺒﺎرﻳ ٍﺔ، وﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻳﺘﺒني أﻧﻪ ﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻷﺳﻌﺎر واﻷﺟﻮر ﻣﻘﺪﻣً ﺎ ٌ ﺑﻴﻊ وﴍاءٍ ﻟﺼﺎﺣﺐ املﺎل ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﺈن ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺤﺎﻟﺔ اﻷﺳﻮاق ،ﻓﻬﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ٍ ٍ ٍ ﻗﻴﻤﺔ أﻣﻜﻨﻪ ﻣﻤﻜﻨﺔ ،وﻟﻸﺟري أن ﻻ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﱠإﻻ ﺑﺄﻋﲆ املﻄﻠﻘﺔ ﰲ إﻋﻄﺎء اﻟﻌﺎﻣﻞ أﻗﻞ أﺟﺮ ٍة اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻫﺬا ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ ﻋﲆ اﻷﺟري ﺑﺈﻋﻼن ﺻﺎﺣﺐ أﺳﺒﻮع إﱃ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ ﻳﻮﻣً ﺎ ،وﻋﲆ ﺻﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ ﻗﺒﻞ ﺗﺮﻛﻪ اﻟﺸﻐﻞ ﺑﻤﺪ ٍة ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ٍ املﻌﻤﻞ ﺑﺈﻧﺬار أﺟريه ﻗﺒﻞ ﻓﺼﻠﻪ ﻋﻦ أﺷﻐﺎﻟﻪ ﰲ املﺪة ﻋﻴﻨﻬﺎ. ) (2ﰲ املﺼﺎﻟﺤﺔ ً ﺟﻠﻴﻠﺔ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ اﻻﻋﱰاﺿﺎت اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ أوردﻧﺎﻫﺎ ﻧﺮى أن ﻣﺠﺎﻟﺲ املﺼﺎﻟﺤﺎت ﺗﺆدي ﻓﻮاﺋﺪ ٍ ﺑﺼﻔﺔ إﻟﺰاﻣﻴ ٍﺔ ،وﺗﺘﺸﻜﻞ ﻫﺬه املﺠﺎﻟﺲ ﻣﻦ رﺟﺎل ﻳُﻨﺘﺨﺒﻮن ﻟﺴﻤﺎع ﺿﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻷﺟﻮر املﻨﺎﻗﺸﺔ ﰲ أﺳﺒﺎب اﻟﻨﺰاع ،وﻗﺪ ﺗﺨﺘﻠﻒ اﻟﻄﺮق املﺘﺒﻌﺔ ﰲ ﻧﻈﺎم ﻫﺬه املﺠﺎﻟﺲ ،ﻓﺘﺎر ًة ﻳﻨﺘﺪب ً ﺛﻼﺛﺔ أو أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﻳﻨﺘﺪب أﺻﺤﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻋﺪدًا ﻣﺴﺎوﻳًﺎ ملﻮاﻓﺎة املﺠﻠﺲ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻓﺮﻳﻖ دﻋﻮاه ﺑﺠﻤﻴﻊ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ،وﻳﺴﻌﻰ اﻟﻜﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﻮﻓﺎق ،وﻓﻮ ًرا ﻳﻘﺪم ﻣﻨﺪوﺑﻮ ﻛ ﱢﻞ ٍ ٍ ﴍوط ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ اﻷﺧﺼﺎم رﺟﻞ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﺎﻟﺤﺰم وﻋﺪم املﺤﺎﺑﺎة ،وﻫﻮ ﻳﺒﺬل اﻟﺠﻬﺪ ﰲ اﻗﱰاح إﱃ ٍ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ. أﻣﱠ ﺎ إذا ﺗﻌﻬﺪ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘني ﻣﻘﺪﱠﻣً ﺎ أن ﻳﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻪ اﻟﺴﺎﻋﻲ ﰲ اﻟﺼﻠﺢ ﻟﻜﺎﻧﺖ ٌ ٍ ﺳﻠﻄﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴ ٍﺔ ﺗﻨﻔﻴﺬﻳ ٍﺔ ،وﻋﲆ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺪاﺧﻞ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ أﻗﺮب ﳾءٍ ﻟﻠﺘﺤﻜﻴﻢ ،ﱠإﻻ أﻧﻬﺎ ﺣﺎل ﻓﻠﻢ ﺗﻨﺘﴩ ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ؛ ﻷن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻮﻗﻔﻮا وﻟﻢ ﻳﺮﺿﻮا ﺑﺎﺗﺒﺎع ﻗﺮارات ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻣﺠﺎﻟﺲ املﺼﺎﻟﺤﺎت إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻮاﻓﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﺻﺤﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﱠإﻻ أﻧﻬﻢ ﺗﻮﻗﻔﻮا ً أﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﻗﺒﻮل اﻟﻘﺮارات اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪة ،وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻧﺮى أﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﺐ ً ﻓﺮﻳﻖ ﺻﺎدﻗﺎ ﻟﻠﺨﺼﻤَ ْني ،ﺟُ ﱡﻞ ﻣﻘﺼﺪه إزاﻟﺔ ﻋﺪم ﺛﻘﺔ ﻛ ﱢﻞ أن ﻳﻜﻮن املﺼﺎﻟِﺢ ﻗﺎﺿﻴًﺎ ﺑﻞ ﺧِ ٍّﻼ ٍ ﺑﺎﻵﺧﺮ ،ﻣﻈﻬ ًﺮا ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻃﻠﺒﺎت ﺧﺼﻤﻪ واملﺴﺘﻨﺪات اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﻜﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﺐ أن أﺳﺒﻮع أو ﺗﺮاض اﺧﺘﻴﺎريﱟ ﻻ ﻳﻨﻔﺬ ﻣﻔﻌﻮﻟﻪ ﱠإﻻ ﻣﺪة ﻳﻜﻮن اﻻﺗﻔﺎق ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﻜ ٍﻢ ،ﺑﻞ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ٍ ٍ أﺳﺒﻮﻋني أي ﻣﺪة اﻟﺘﻌﻬﺪ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ اﻟﺬي أﺳﻠﻔﻨﺎ ذﻛﺮه ،وﺑﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻔﻴﺪة، 78
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ
ﱠإﻻ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺰﻳﻞ أﺳﺒﺎب اﻟﻨﺰاع؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻠﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أن ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ وﻣﺼﻠﺤﺔ أﺻﺤﺎب ٌ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. املﻌﺎﻣﻞ ﻣﺘﺤﺪ ٌة ﻻ ) (3ﴍﻛﺎت اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ اﻗﱰﺣﺖ ﻟﺘﺤﺴني ﺣﺎﻟﺔ اﻷﺟري ﻫﻲ ﴍﻛﺎت اﻟﺘﻌﺎون إذا ﻗﺼﺪﻧﺎ ٍ ﻏﺎﻳﺎت أﺧﺮى ﻻ ﺑﻬﺎ اﺗﺤﺎد أﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال واﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،وﻗﺪ ﻳﻘﺼﺪ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﻬﺬه اﻟﴩﻛﺎت دﺧﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺎملﻮﺿﻮع اﻟﺬي ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪده ،وأول ﻣﻦ اﺑﺘﺪع ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻋَ ﻤَ ﻠﺔ روﺷﺪال ﻣﻦ ﻣﺪة ﺛﻼﺛني ً ﺳﻨﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺷﺎﻫﺪوا أن اﻟﺘﺠﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﻴﻌﻮن ﺑﺎﻟﺘﻔﺮﻳﻖ )اﻟﻘﻄﺎﻋﻲ( ً ﺟﺴﻴﻤﺔ ،ﻓﻌﺰﻣﻮا ﻋﲆ اﻻﺗﺤﺎد ﻻﺑﺘﻴﺎع ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻳﺮﺑﺤﻮن أرﺑﺎﺣً ﺎ ﻟﺘﻮزﻳﻌﻪ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﺳﻤﻮا ﴍﻛﺘﻬﻢ ﺑﴩﻛﺔ اﻟﺘﻌﺎون ،وﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ اﻧﺘﴩت اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ،وأُﻧﺸﺌﺖ ﻣﺨﺎزن ﺗﺒﻴﻊ ﻟﻠﻤﺸﱰﻛني ﻓﻘﻂ ،وأرﺑﺎﺣﻬﺎ ﺗُ َﻘ ﱠﺴﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﻴﻨﻬﻢ، ﻓﻜﺎن ﻟﻬﺬه اﻟﴩﻛﺎت ﻓﻮاﺋﺪ ﻻ ﺗﻨﻜﺮ؛ إذ ﺳﺎﻋﺪت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻋﲆ اﻻﻗﺘﺼﺎد ،وﺣﻤﻠﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﺣﺐ اﻻﺷﱰاك ﰲ اﻷﻋﻤﺎل ،وﺣﺮﺿﺖ اﻟﺘﺠﺎر ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﺗﺨﻔﻴﺾ اﻷﺳﻌﺎر وﻣﻌﺎﻣﻠﺔ املﺸﱰﻳﻦ ﺑﺎﻟﻠﻄﻒ واﻟﻠني ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﻌ ﱡﻠﻖ ﻟﻬﺬه اﻟﴩﻛﺎت ﺑﺎملﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺒﺤﺚ ﻓﻴﻬﺎ اﻵن ،وﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻨﺰاع ﺑني اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وأﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال ،وﻟﻮ دﻗﻘﻨﺎ اﻟﺒﺤﺚ ﰲ ﻧﻈﺎم ﻣﺨﺎزن ﻫﺬه اﻟﴩﻛﺎت ً ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ملﺒﺪأ اﻟﺘﻌﺎون ،ورﺑﻤﺎ زاد ﰲ ﻫﺬه املﺨﺎﻟﻔﺔ ﻋﻦ املﺨﺎزن اﻟﻌﺎدﻳﺔ؛ وذﻟﻚ ﻷن ﻟﻮﺟﺪﻧﺎه اﻷﺧرية ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ أو ﻣﻦ ﻳﻬﻤﻪ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ،وأﻣﺎ اﻷوﱃ ﻓﻴﺪﻳﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ أﺟريٌ ﻻ ﻳﻬﻤﻪ رﺑﺤﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ. وﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﻌﺎون ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ ﱠإﻻ إذا ﻛﺎن ﻟﺠﻤﻴﻊ املﺸﱰﻛني ﻧﺼﻴﺐٌ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح ،أﻣﺎ ﰲ ﻋﺎﻣﻞ ﻳﺴﻌﻰ ﰲ اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ أﺟﺮ ٍة ﻋﺎﻟﻴ ٍﺔ ،ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻪ راﺟﺖ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺮاﻫﻨﺔ ﻓﻜ ﱡﻞ ٍ أم ﻛﺴﺪت ،ﻓﺈن أﺣﺴﻦ ﻋﻤﻠﻪ اﻧﺘﻔﻊ ﺻﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ وإﻻ وﻗﻊ ﰲ اﻟﺨﺴﺎرة ،وﰲ اﻟﺤﺎﻟﺘني أﺟﺮﺗﻪ واﺣﺪ ٌة ،ﻧﻌﻢ إﻧﻪ ﻟﻮ أﻫﻤﻞ ﺷﻐﻠﻪ ً ﻛﻠﻴﺔ رﺑﻤﺎ ﻳﻄﺮده ﺻﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻮ أﻇﻬﺮ ﻗﻠﻴﻞ اﻻﻋﺘﻨﺎء ﻷﻣﻦ ﴍ ذﻟﻚ ،وﻗﺪ ﻳﻼﺣﻆ اﻟﻨﺒﻬﺎء ﻣﻦ أﺻﺤﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻓﻴﻜﺎﻓﺌﻮن ٍ درﺟﺎت أﺳﻤﻰ ،وﻟﻜﻦ املﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺑﺰﻳﺎدة أﺟﻮرﻫﻢ ،وﺑﻨﻘﻠﻬﻢ ﻣﻦ درﺟﺎﺗﻬﻢ إﱃ ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺗﻌﱰض ﻋﲆ ﻫﺬا املﻨﻬﺞ؛ ﻷن ﻣﻦ ﻣﺒﺎدﺋﻬﺎ املﺴﺎواة ﺑني اﻟﻌﻤﺎل املﺸﺘﻐﻠني ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أن اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﺰﻋﻤﻮن أﻧﻬﻢ ﻟﻮ ﺑﺬﻟﻮا اﻟﺠﻬﺪ ﰲ اﻟﺸﻐﻞ ﻟﻘ ﱠﻠﺖ ﺑﻌﻤﻞ واﺣﺪٍ، ٍ َ اﻷﻋﻤﺎل وﻟﺤﺮﻣﻮا ﺑﻌﺾ رﻓﻘﺎﺋﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﺴﺐ ،ﻓﱰاﻫﻢ ﻻ ﻳﴪﻋﻮن ﰲ إﻧﺠﺎز أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ،ﻋﲆ 79
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
أن اﻷﺟﺪر ﺑﻬﻢ ﻫﻮ اﻻﺟﺘﻬﺎد ﰲ ﴎﻋﺔ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻣﻊ ﺗﻤﻬﻴﺪ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت ﻋﲆ ﻗﺪر اﻻﺳﺘﻄﺎﻋﺔ؛ ٌ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻌﻮن. ﻷن زﻳﺎدة أﺟﻮرﻫﻢ ) (4اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ إن أﺣﺴﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻻﺗﺤﺎد اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وأﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال ،ﻫﻲ أن ﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻠﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح إذا ﻛﺎن رواج اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻗﺪ اﻗﱰح املﺴﻴﻮ ﺷﺎرل ﺑﺒﺎج Charles ٌ ﺛﺎﺑﺖ ،وﻗﺴ ٌﻢ ﻳﺨﺘﻠﻒ Babbageﺳﻨﺔ ١٨٣٢أن ﺗﻘﺴﻢ أﺟﺮة اﻟﻌﺎﻣﻞ إﱃ ﻗﺴﻤني :ﻗﺴ ٌﻢ ﺑﺎﺧﺘﻼف أرﺑﺎح ﺻﺎﺣﺐ املﻌﻤﻞ ،وﺟُ ﱢﺮب ﻫﺬا املﴩوع ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﻨني اﻷﺧرية ﰲ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻌﺎﻣﻞ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻣﻌﻤﻞ ﺣﺪﻳﺪ ﻓﻮﻛﺲ ﻫﻴﺪ وﴍﻛﺎه ،M. M. Fox Head et Cوﻣﻌﺎﻣﻞ اﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻔﺤﻢ اﻟﺤﺠﺮي ﻟﱪﻳﺠﺲ M. M. Briggsوﻛﺎن اﻻﺗﻔﺎق املﺘﺒﻊ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻳﻘﴤ ﺑﺄن ﻳُﺒﺘﺪأ ﺑﺨﺼﻢ ﻋﴩ ٍة ﰲ املﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح ﺑﺼﻔﺔ ﻓﻮاﺋﺪ ﻷﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال ،ﺛﻢ ﻳُﺨﺼﻢ ﻣﻨﻬﺎ ً ً وﻣﺒﻠﻐﺎ ﻧﻈري ﻣﺎ ﻳﺘﻠﻒ أﻳﻀﺎ ﻣﺎﻫﻴﺎت ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ملﺪﻳﺮي املﻌﻤﻞ ﻣﻜﺎﻓﺄ ًة ﻟﻬﻢ ﻋﲆ ﺣﺴﻦ إدارﺗﻬﻢ، ﻣﻦ اﻵﻻت )ﻫﺮش اﻵﻻت( واﻟﺪﻳﻮن ﻏري املﻨﺘﻈﺮ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ،واﻟﺒﺎﻗﻲ ﻳﻘﺴﻢ ﻗﺴﻤني؛ ﻳﻌﻄﻰ اﻷول ﻟﺼﺎﺣﺐ املﺎل ،واﻵﺧﺮ ﻳﻮزع ﺑني اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺗﻮزﻳﻌً ﺎ ﻣﻨﺎﺳﺒًﺎ ﻷﺟﻮرﻫﻢ اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ. َ ﻋﺎﻣﻞ ﰲ آﺧﺮ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺑﻤﺒﻠﻎ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ إﱃ ﺳﻨﺔ ﻳﻜﺎﻓﺊ ﻛ ﱡﻞ وﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻛﺎن ٍ ٍ ٍ ﺟﻨﻴﻬﺎت ،وﻗﺪ ُﺳﻤﻴﺖ ﻫﺬه اﻟﴩﻛﺎت ﺑﺎﻟﴩﻛﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،وﻋﻨﺪﻧﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻮ اﻧﺘﴩت ﻋﴩة ﻟﻌﻤﺖ ﻣﺰاﻳﺎﻫﺎ ،ﻓﺒﻬﺎ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻌﻤَ ﻠﺔ أﻧﻬﻢ ﻛﻠﻤﺎ ﺟﺪﱡوا واﺟﺘﻬﺪوا ﻛ ﱠﻠﻤﺎ زادت ﻣﻜﺎﻓﺄﺗﻬﻢ اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ، ﻓﻴﺸﻤﺮون ﻋﻦ ﺳﺎﻋﺪﻫﻢ وﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻮن اﻻﻗﺘﺼﺎد ﰲ اﻟﻮﻗﺖ وﰲ اﻷدوات ،وﻳﺘﺤﻘﻘﻮن ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ أن أﻧﻔﻊ اﻻﺗﺤﺎد ﻟﻬﻢ ﻫﻮ اﻻﺗﺤﺎد ﻣﻊ أﺻﺤﺎب ﻣﻌﺎﻣﻠﻬﻢ ،ﻓﻴﺰول وﺑﺎء اﻹﴐاب ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺒﻄﺎﻟﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻓﺮض وﻛﺎﻧﺖ أﺟﻮر اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻟﻈﻬﺮ ذﻟﻚ ﰲ آﺧﺮ اﻟﺴﻨﺔ ورﺟﻌﺖ ﻧﺼﻒ اﻟﺰﻳﺎدة ﻋﻠﻴﻬﻢ ،أﻣﺎ أﺻﺤﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺴﱰﻳﺤﻮن ﻣﻦ أﺧﻄﺎر املﻨﺎوﺷﺎت ،وﻣﺎ ﻳﺨﴪوﻧﻪ ﰲ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻳﺴﺘﻌﻮض ﻟﻬﻢ ﺑﺎﺟﺘﻬﺎد رﺟﺎﻟﻬﻢ وزﻳﺎدة اﻋﺘﻨﺎﺋﻬﻢ وﺟﺪﻫﻢ ،وﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ إدارة اﻷﻋﻤﺎل ﺣﺴﺐ إرادﺗﻬﻢ ﺑﺪون ﺗﺪاﺧﻞ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻟﻄﻠﺐ ﺣﺴﺎب أو ﻏري ذﻟﻚ، إﻧﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﰲ آﺧﺮ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﺳﻨﺔ أن ﺗﻘﺪم اﻟﺪﻓﺎﺗﺮ ﻷﺣﺪ املﺎﻟﻴني ملﺮاﺟﻌﺘﻬﺎ ،وﻟﺘﺤﺪﻳﺪ اﻷرﺑﺎح اﻟﻮاﺟﺐ ﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،وﻗﺼﺎرى اﻟﻘﻮل أﻧﻪ ﻟﻮ اﻧﺘﴩت ﻫﺬه اﻟﴩﻛﺎت ﻟﻌﻠﻢ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أن ﻓﻮاﺋﺪ أﺗﻌﺎﺑﻬﻢ ﺗﺮﺟﻊ ﻋﲆ أﺻﺤﺎب املﻌﺎﻣﻞ وﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻌً ﺎ ،وﺑﺬا ﺗﺰول أﻏﻠﺐ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﻊ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻦ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻋﺪﻳﺪ ٌة؛ ﻓﺈن أﻏﻠﺐ أﺻﺤﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻻ ﻳﻨﻈﺮون إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌني اﻟﺮﺿﺎ ﻟﺨﻮﻓﻬﻢ ﻣﻦ إﻇﻬﺎر أرﺑﺎﺣﻬﻢ إﱃ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،وﻟﻜﻮﻧﻬﻢ ﻻ 80
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ
ﻳﻘﺪرون املﻨﺎﻓﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠﻢ ﻣﻦ ﺗﺤﺴني اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺤﺎﴐة ﱠ ﺣﻖ ﻗﺪرﻫﺎ ،واﻷﻏﺮب ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻫﻮ ٌ ﻣﻀﻌﻔﺔ ﻛﻮن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻻ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ ﻫﺬه اﻟﴩﻛﺎت؛ ﻷن »ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ« ﺗﻌﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ ﻟﺴﻠﻄﺘﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺳﺎرت ﻫﺬه اﻟﴩﻛﺎت ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻘﺪم ﰲ ﺟﻤﻴﻊ املﺪن اﻟﺘﻲ أُﻧﺸﺌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ،إﱃ أن أﺗﺖ »ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ« ﻓﻮﺳﻮﺳﺖ ﰲ ﻗﻠﻮب أﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﻋﺮﺿﻮا ﻋﻨﻬﺎ. ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻷﻫﺎﱄ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻲ ﺑﺼريﺗﻬﺎ اﻟﺨﺮاﻓﺎت واﻟﺠﻬﻞ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﻣﺼﺎﻟﺢ ﺑﻼدﻫﺎ. وﻧﻈ ًﺮا ﻟﺘﻨﺎﻓﺮ »ﴍﻛﺎت اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ« واﻟﺠﻬﻼء ﻣﻦ أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻗﺪ ﻳُﺨﴙ ﻣﻦ ﻋﺪم ﺗﻘﺪم ٌ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻻﻗﺘﺼﺎد واﻧﺘﺸﺎر اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻵن ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺴﻴﺎﳼ ،وﻻ ﺷ ﱠﻚ أﻧﻬﺎ ﺗﻨﺎل ﺣ ٍّ ﻈﺎ واﻓ ًﺮا ﰲ اﻷﻋﴫ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ،وﻗﺪ اﻋﱰف ﺑﻤﺰاﻳﺎﻫﺎ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﻮﺗﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ واﻟﴩﻛﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﺑﺈﻋﻄﺎء ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﻴﻬﺎ ﻣﻜﺎﻓﺄة ﰲ أواﺧﺮ اﻟﺴﻨني اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻷرﺑﺎح ،وﴎت ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺨﻄﺔ إﺣﺪى ﴍﻛﺎت اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺪة أرﺑﻌني ٍ ﺑﺄﻋﻤﺎل ،وأن أرﺑﺎح اﻟﴩﻛﺎت ﻇﺎﻫﺮ ٌة ﺳﻨﺔ ،وﺑﻤﺎ أن اﻟﴩﻛﺎت ﺗﻨﻔﺮد ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ٍ ﻟﻠﻌﻤﻮم ،ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﻳﺄﺗﻲ زﻣ ٌﻦ ﺗﻨﺘﴩ ﻓﻴﻪ اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻛ ﱠﻞ اﻻﻧﺘﺸﺎر ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ ٌ ﻣﺘﺒﻌﺔ ﰲ ﴍﻛﺔ اﻹﻋﻼﻧﺎت اﻟﺸﻬرية ﻟﻠﺨﻮاﺟﺎت ﺳﻤﻴﺚ ﻣﻦ ﻣﺼﺪر ﻳﻮﺛﻖ ﺑﻪ أن ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ وأوﻻده. ) (5ﴍﻛﺎت اﻟﻌﻤﻞ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﻌﺎون ً ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ أﻣﻮرﻫﻢ؛ ﻟﻴﻜﻮن ﰲ ري ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻋﲆ اﻗﺘﺼﺎد أﻳﻀﺎ ﺑﺎﺗﻔﺎق ﻛﺜ ٍ ٍ ٍ ٍ وأدوات ﻟﻴﺸﺘﻐﻠﻮا ﻋﲆ ﺣﺪﺗﻬﻢ ،وﻳﻜﻮﻧﻮا ﻫﻢ وآﻻت ﻣﺎل ﻳﺸﱰون ﺑﻪ ﻣﻌﺎﻣﻞ املﺴﺘﻘﺒﻞ رأس ٍ أرﺑﺎب املﺎل وأﺻﺤﺎب املﻌﻤﻞ ﻓﱰﺟﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻷرﺑﺎح ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ،واﻟﴩﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ٍ ﴍﻛﺎت اﻋﺘﻴﺎدﻳ ٍﺔ ﻣﺴﺎﻫﻤﻮﻫﺎ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻟﻬﺬه اﻟﴩﻛﺎت ﻣﻦ ﻫﻲ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ رؤﺳﺎء وﻣﺪﻳﺮﻳﻦ ﻳ َ ُﻨﺘﺨﺒﻮن ﻣﻦ ﺑني املﺴﺎﻫﻤني ،وﺗﻌﻄﻲ ﻟﻬﻢ أﺟ ًﺮا ﻣﻨﺎﺳﺒًﺎ ﻷﻋﻤﺎﻟﻬﻢ وﺟﺰءًا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻬﺘﻤﻮا ﺑﻨﺠﺎح اﻟﴩﻛﺔ وﻳﻈﻬﺮوا ﻧﺸﺎ ً ﻃﺎ زاﺋﺪًا؛ ﻷن اﻟﺮؤﺳﺎء إن ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا أ ْﻛﻔﺎء أو ﻟﻢ ﻳﻬﺘﻤﻮا ﺑﺎﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﱠ ﺣﻖ اﻟﻘﻴﺎم ملﺎ ﻧﺠﺢ املﴩوع. ٍ ﴍﻛﺎت ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ﺑﺈﻧﻜﻠﱰا وﻓﺮﻧﺴﺎ وﻗﺪ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﻨني اﻷﺧرية ﺟﻤﻠﺔ وأﻣريﻛﺎ وﺑﻜﺎﻓﺔ اﻟﺒﻼد ،ﱠإﻻ ﱠ أن أﻏﻠﺒﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﻟﺴﻮء اﻹدارة ،ﻓﺈن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ املﺴﺎﻫﻤني ﻻ ً ﻋﻈﻴﻤﺔ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﺗﻌﻮدوا ﻋﲆ رؤﻳﺔ اﻷﻋﻤﺎل ﺳﺎﺋﺮة ﻋﻤﻞ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ ﻣﻬﺎر ًة ﻳﻌﻠﻤﻮن أن إدارة أي ٍ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﺘﺪﺑري ﻏريﻫﻢ ﻟﻬﺎ ،وﻋﻤﻮا اﻷﺑﺼﺎر ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻨﺠﺢ ﻋﻤ ٌﻞ 81
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﺑﺪوﻧﻬﺎ ،وﻫﻲ اﻻﻟﺘﻔﺎت اﻟﺪاﺋﻢ واﻻﻋﺘﻨﺎء اﻟﻜﲇ واﻟﺤﺴﺎب اﻟﺪﻗﻴﻖ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻧﺮاﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﺘﻨﻮن ﺑﺎﻧﺘﻘﺎء ﻣﺪﻳﺮﻳﻦ أ ْﻛﻔﺎء ،وﻻ ﻳﺜﻘﻮن ﻛ ﱠﻞ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﻤﻦ ﻳﻨﺘﺨﺒﻮﻧﻬﻢ ﻟﺬﻟﻚ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻜﺜريٌ ﻣﻦ ﺗﻌﺎون ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﳾءٍ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﺄﺟﺮ ﻋَ ﻤَ ًﻠﺔ اﻟﴩﻛﺎت ﺗﺪﻋﻲ أﻧﻬﺎ ﴍﻛﺎت ٍ ً ٍ واﻫﻴﺔ ﻣﺮﺗﺒﺎت ﺧﻼف املﺴﺎﻫﻤني وﻻ ﺗﻌﻄﻴﻬﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح ،وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﻌﻄﻲ ملﺪﻳﺮﻳﻬﺎ ﱠإﻻ ٌ ٌ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ،ﻏري ﺣﺴﻨﺔ ﴍﻛﺎت ﻣﺤﺪد ًة ،وﻋﻨﺪﻧﺎ أن اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ﻟﻴﺴﺖ ﱠإﻻ اﻹدارة ،ﻻ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ. وﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮل ﺿﺪ ﻧﺠﺎح ﻫﺬه اﻟﴩﻛﺎت ﻫﻲ ﻗﻠﺔ أﻣﻮاﻟﻬﺎ ،ﻓﻠﻮ ﻛﺴﺪت اﻟﺘﺠﺎرة ملﺎ أﻣﻜﻨﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺘﺎﺑﻊ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﺳﻨني ،ﻓﺘﻔﺘﻘﺮ إﱃ اﻟﺴﻠﻔﺔ وﺗﺮﻫﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﻬﺎ وآﻻﺗﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ أﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال ﻻ ﻳﺜﻘﻮن ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻤﺘﻠﻚ ٍ ﻋﻘﺎرات ﻓﺘﻀﻤﺤﻞ إذن ،وﺗﻠﺘﺰم ﺑﺒﻴﻊ أﻣﻼﻛﻬﺎ ﺑﺄﺑﺨﺲ اﻷﺛﻤﺎن ،ﻓﻼ ﺗﻌﻮد اﻟﻔﺎﺋﺪة إﻻ ﻋﲆ ﻣﻦ اﺷﱰاﻫﺎ. وﻟﻨﺎ اﻟﻌﺸﻢ أن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﺼريون ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ذوي ﺛﺮو ٍة ﻣﻨﺎﺳﺒ ٍﺔ ،ﻓﺈن ﺗﻬﺬﺑﻮا ورﺑﱠﺘﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرب ﻧﺠﺤﺖ ﻣﻌﺎﻣﻞ ﴍﻛﺎت اﻟﺘﻌﺎون ،وأﻣﺎ اﻵن ﻓﺎﻷﺻﻮب ﺗﺮك إدارة اﻷﻋﻤﺎل ﻷﺻﺤﺎب ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ املﻬﺎرة ،وﺧﺒريون ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل، اﻷﻣﻮال ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻋﲆ ٍ ٌ ﻣﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ ﻧﺠﺎح املﴩوع ،ﻓﻴﺒﺬﻟﻮن ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻨﺸﺎط واﻻﻋﺘﻨﺎء. أن ﺣﻔﻆ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ) (6ﰲ اﻟﺘﺒﴫ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﻮﺟﺒﺔ ﻟﻠﺘﺄﺳﻒ واﻟﺘﺤﴪ ﻋﺪم اﻋﺘﻨﺎء اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﺑﺘﻮﻓري ﺟﺰءٍ ﻣﻦ أﺟﻮرﻫﻢ؛ ﻟﻴﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻋﲆ ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﻞ اﻷﻋﻤﺎل ،أو ﺗﻌﱰﻳﻬﻢ اﻷﻣﺮاض ،أو ﺗﺤﻞ ﺑﻬﻢ املﺼﺎﺋﺐ، رواج ،وﻟﻮ ﻗ ﱠﻠﺖ ﻓﻜﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﻋﺎﺋﻼت ﻋَ ﻤَ ٍﻠﺔ ﺗﻨﻔﻖ ﻛﺎﻣﻞ أﺟﻮرﻫﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﻷﻋﻤﺎل ﰲ ٍ إﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﺘﺼﺪ ﺟﺰءًا ﻣﻦ إﻳﺮاده؛ ﺣﺎل ،ﻋﲆ أﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ اﻷﻋﻤﺎل أﺻﺒﺤﺖ ﰲ أﺳﻮأ ٍ ٍ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻧﻘﺘﴫ ﻫﻨﺎ ﻋﲆ ذﻛﺮ ﺑﻌﻀﻬﺎ: ﻷﺳﺒﺎب ﻋﺪﻳﺪ ٍة وذﻟﻚ ٍ ٌ ﻣﺮض أو ) (١اﻷﻣﻮال املﻘﺘﺼﺪة ﺗﻨﻔﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻋﻨﺪ وﻗﻮﻋﻪ ﰲ اﻟﺤﺎﺟﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أﺻﺎﺑﻪ ٌ ٌ ﴐورﻳﺔ ملﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻣﺪة ﺷﻴﺨﻮﺧﺘﻪ ،وﻣﺴﺎﻋﺪة أرﻣﻠﺘﻪ ﻣﺼﻴﺒﺔ ،وﻫﻲ ﻗﻠﺖ اﻷﻋﻤﺎل أو ﺣ ﱠﻠﺖ ﺑﻪ وأوﻻده ﻟﻮ أدرﻛﺘﻪ املﻨﻴﺔ. ﺑﺄرﺑﺎح ﺗﺰﻳﺪ ﰲ دﺧﻞ اﻟﻌﺎﻣﻞ. ) (٢ﻟﻮ اﺳﺘُﻌﻤﻠﺖ اﻷﻣﻮال املﻘﺘﺼﺪة ﻟﺠﺎءت ٍ 82
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ
ً ٍ أﻣﻮاﻻ ﻷﻣﻜﻨﻪ اﻻﺗﺠﺎر أو ﴍاء ٍ ﻋﻤﻞ آﻻت ) (٣ﻟﻮ اﻗﺘﺼﺪ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻣﺘﻘﻨﺔ ،وإن أﻗﺪم ﻋﲆ ٍ وﺛﻖ اﻟﻨﺎس ﺑﻪ. إﻧﺴﺎن ،ذﻛ ًﺮا ﻛﺎن أو أﻧﺜﻰ ،ﻣﺎ دام ﻣﺘﻤﺘﻌً ﺎ ﺑﺼﺤﺘﻪ أن وﻟﻬﺬه اﻷﺳﺒﺎب ﻳﺠﺐ ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ ﻻ ﻳﴫف ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ زاد ﻋﻦ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ؛ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎن ﻋﺎزﺑًﺎ ﻻ ﺑ ﱠﺪ وأن ﺗﻄﺮأ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻮادث ﻣﺜﻞ ﺿﻌﻒ اﻟﺠﺴﻢ واﻟﺘﻘﺪم ﰲ اﻟﺴﻦ وﻏريﻫﺎ ﺗﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﺗﻜﺴﺐ ﻣﻌﺎﺷﻪ ،وﻣﻦ ً أﻣﻮاﻻ ﻟﴫﻓﻬﺎ ﻟﻮ ﻃﺮأت ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬه اﻟﺤﻮادث؛ ﻟﻜﻲ ﻻ ﻳﻀﻄﺮ إﱃ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻘﺘﺼﺪ ﺑﺴﻂ ﻳﺪه ﻟﻠﺴﺆال ،أو ﻟﺬل اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﻣﻠﺠﺄ اﻟﻔﻘﺮاء. ﱠ ٍ ﺣﺎدث أﻣﱠ ﺎ إذا ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺘﺰوﺟً ﺎ وﻟﻪ أوﻻ ٌد ﺻﻐﺎ ٌر ﻟﻜﺎن أﺣﻮج ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد ،ﻓﺈن ﻛﻞ ري ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،ﻓﻴﺼﺒﺢ أوﻻدﻫﻢ ﺑﻼ ﻣﻌني ،ﺗﻘﻮم ﺑﱰﺑﻴﺘﻬﻢ ﺧﻄﺮ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ أن ﻳﻮدي ﺑﺤﻴﺎة ﻛﺜ ٍ ٍ اﻷراﻣﻞ ،وﺗﻼﻗﻲ ﰲ ذﻟﻚ ﻣ ﱠﺮ اﻟﻌﺬاب ،ورﺑﻤﺎ أﻓﴣ ﺑﻬﻦ اﻟﺤﺎل إﱃ ذ ﱢل اﻟﺴﺆال. ﻣﻨﺘﻈﺮ ﺣﺼﻮﻟﻪ ،ﻓﻼ ﻳﺠﺐ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻧﻌﻢ ،إن اﻷﻣﺔ ﻗﺪ ﺗﻘﻊ ﰲ ﺑﻼءٍ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻏري ٍ ً ﻓﻤﺜﻼ ﻟﻮ أُﺻﻴﺐ ﺷﺎبﱞ ﺑﻔﻘﺪ أن ﺗﻼم اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻋﺪم أﺧﺬﻫﻢ اﻻﺣﺘﻴﺎﻃﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﺠﺸﻤﻪ، ﻋﻀﻮ ﻣﻦ أﻋﻀﺎﺋﻪ ﻟﻜﺎن ً أﻫﻼ ملﺴﺎﻋﺪة أﻫﻞ اﻟﱪ واﻹﺣﺴﺎن ،إﻻ أن ﻫﺬه ﺑﴫه أو ﺑﻔﻘﺪ ٍ اﻷﺣﻮال ﺗﻌﺪ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻻﺳﺘﺜﻨﺎء ،وﺗﻜﻔﻲ ملﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﺨريﻳﺔ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﺜﺮ ﺣﺪوث ﻏريﻫﺎ. ٌ وربﱠ ﻣﻌﱰض ﻳﻘﻮل :ﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﺘﻴﴪ ﻟﻠﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد وأﺟﻮرﻫﻢ ﻗﻠﻴﻠﺔ وﻧﻔﻘﺎﺗﻬﻢ ٍ أﺻﺒﺤﺖ ﻛﺜري ًة؟ ﻓﺎﻟﺠﻮاب :إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻨﻜﺮ أن ﺑﻌﻀﻬﻢ — ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻣﺰارﻋﻲ ﺟﻨﻮب إﻧﻜﻠﱰا — ﻻ ﻳﺮﺑﺤﻮن إﻻ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﴩاء ﻗﻮﺗﻬﻢ وﻣﻼﺑﺴﻬﻢ ،ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻬﺎت ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﺘﻮﺳﻂ دﺧﻞ ٍ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻋﻦ ١٢أو ١٥ﺷﻠﻨًﺎ ﰲ اﻷﺳﺒﻮع ورﺑﻤﺎ أﻗﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻫﺆﻻء ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻛ ﱢﻞ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮن اﻷوﻻد إﻻ أن ﻋَ ﻤَ ﻠﺔ املﻌﺎﻣﻞ ﻳﺮﺑﺤﻮن ﺟﻨﻴﻬني أو ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﰲ اﻷﺳﺒﻮع، واﻟﺒﻨﺎت — وﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن اﻟﻮاﻟﺪة — ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ً أﻳﻀﺎ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﰲ أﻳﺎم رواج اﻟﺸﻐﻞ رﺑﻤﺎ اﻛﺘﺴﺒﺖ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﰲ ﻣﻨﺸﺴﱰ أو ﰲ ﻟﻴﺴﱰ أو ﰲ أي ﺑﻠ ٍﺪ ﺻﻨﺎﻋﻴ ٍﺔ أﺧﺮى ٩٥٠ﺟﻨﻴﻬً ﺎ وأﻛﺜﺮ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ،وﺑﻌﺾ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ املﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﻤﻨﺎﺟﻢ اﻟﻔﺤﻢ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮن ﺿﻌﻒ ﻫﺬا املﺒﻠﻎ ﰲ أﻳﺎم اﻟﺮواج ،ﻓﺘﻜﻮن رواﺗﺒﻬﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رواﺗﺐ املﻌﻠﻤني واﻟﻜﺘﺒﺔ اﻷول ،ﻓﻤﻦ اﻟﺨﻄﺄ إذن اﻟﻘﻮل ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أن ﻳﻘﺘﺼﺪوا ،وﻟﻮ أﻧﻪ ﻳﺘﻌﺬر ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع أن ﻧﻀﻊ ً ﺛﺎﺑﺘﺔ ،إﻻ أﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮل ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻮم :إﻧﻪ ﻳﺘﻴﴪ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻛﺎن دﺧﻠﻪ أﻛﺜﺮ ﻗﺎﻋﺪ ًة ﻣﻦ ﺟﻨﻴ ٍﻪ ﰲ اﻷﺳﺒﻮع ،وﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ إﺛﺒﺎت ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻊ إﴐابٌ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ، ﻓﺈن اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ﻳﻜﺘﻔﻮن ﺑﻨﺼﻒ أﺟﻮرﻫﻢ اﻟﻌﺎدﻳﺔ أو ﺛﻠﺜﻬﺎ ،وﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻳﻜﺘﻔﻮن ﻣﺪة 83
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
أﺷﻬﺮ ﺑﻤﺒﻠﻎ ١٢أو ١٥ﺷﻠﻨًﺎ ،وﻫﻮ املﺒﻠﻎ اﻟﺬي ﺗﴫﻓﻪ ﻟﻬﻢ ﴍﻛﺘﻬﻢ ،وﻛﺜريًا ﺛﻼﺛﺔ أو أرﺑﻌﺔ ٍ ً ٍ أﻗﺴﺎط ﻹﻋﺎﻧﺔ رﻓﻘﺎﺋﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ اﻧﻘﻄﻌﻮا ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﺪ ًة ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻣﺎ ﻳﻠﺘﺰﻣﻮن ﺑﺪﻓﻊ ﰲ اﻹﻣﻜﺎن اﻗﺘﺼﺎد ﺟﺰءٍ ﻣﻦ أﺟﻮرﻫﻢ ﻹﻋﺎﻧﺔ رﻓﻘﺎﺋﻬﻢ ﺿﺪ أﺻﺤﺎب اﻷﻣﻮال ،ﻓﻼ ﺷ ﱠﻚ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ً أﻳﻀﺎ اﻗﺘﺼﺎد ﻫﺬه املﺒﺎﻟﻎ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ. ً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪٍّا، وﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن ﻛﻤﻴﺔ اﻷﻣﻮال املﴫوﻓﺔ ﰲ املﴩوﺑﺎت اﻟﺮوﺣﻴﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺒﻠﻐﺖ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ً ٍ ﺟﻨﻴﻬﺎت ﻣﺎﺋﺔ وأرﺑﻌني ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ،أﻋﻨﻲ أرﺑﻌﺔ وﻃﻔﻞ ،وﻻ ﺷ ﱠﻚ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﻗﺘﺼﺎد ﻧﺼﻒ ﻫﺬا املﺒﻠﻎ ﻋﲆ رﺟﻞ واﻣﺮأ ٍة ﻋﻦ ﻛ ﱢﻞ ٍ ٍ ﻧﻔﺲ ﻣﺎ ﺑني ٍ ً اﻷﻗﻞ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ أن ﻳﻘﺘﺼﺪوا ﻛﻞ ٍ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻣﺴﺎوﻳًﺎ ﺑﺎﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ﻟﺪﺧﻞ اﻷﻣﺔ ﺳﻨﺔ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻤﱠ ﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﺼﺤﺔ واﻵداب. ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ،
84
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ ﰲ املﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﻘﺎرﻳﺔ
ﻣﻮاد اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ٌ ﺛﻼث :اﻟﻌﻤﻞ ،ورأس املﺎل ،واﻷرض ،وﻗﺪ ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻋﲆ املﺎدﺗني اﻷوﻟﻴني ،وأملﻌﻨﺎ إﱃ اﻟﺨﻼف اﻟﺬي ﻳﺤﺼﻞ ﺑﺸﺄﻧﻬﻤﺎ ،وﺳﻨﺘﻜﻠﻢ اﻵن ﻋﲆ ﻗﺴ ٍﻢ آﺧﺮ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ، وﻫﻮ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻮزﻳﻊ املﺎدة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ أي اﻷرض ،ﻓﻨﻘﻮل: ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻤﻠﻚ اﻷراﴈ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﺰﻣﺎن واملﻜﺎن ،ﻓﻬﻲ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا اﻟﻴﻮم ﻏريﻫﺎ أﺟﻴﺎل؛ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻧﺮوج واﻟﺮوﺳﻴﺎ واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،ﻻ ﺑﻞ وإﻧﻜﻠﱰا ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺪة ﺑﻌﺾ ٍ ٍ ٍ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﻻ ﻳﻮاﻓﻖ اﻟﺠﻬﺔ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﻟﻮ ﺗﻐريت ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف. ﻇﺮوف ﻷن ﻣﺎ ﻳﻮاﻓﻖ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ وﻟﻮ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﺟﺘﻤﺎع ﻣﻮاد اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﺜﻼث ،ﻟﻮﺟﺪﻧﺎﻫﺎ ﺗﺎر ًة ﻣﺘﻮﻓﺮ ًة ﻋﻨﺪ أﺷﺨﺎص ،ﻓﻔﻲ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺎح ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮق ﻛﻮﻻﻳﺎت أﻣريﻛﺎ ﺷﺨﺺ واﺣﺪٍ ،وﻃﻮ ًرا ﻋﻨﺪ ﺟﻤﻠﺔ ٍ ٍ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﰲ اﻷزﻣﺎن اﻟﻐﺎﺑﺮة ،املﺎﻟﻚ ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض واﻟﻌﻤﻞ ورأس املﺎل؛ ﻷن اﻟﻌﺒﺪ ﰲ ري ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ ،وإن اﺷﺘﻐﻞ ﻓﻼ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﺄﺟﺮﺗﻪ، اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻴﺲ ٍ ﺑﻌﺎﻣﻞ ﻷﻧﻪ ﻏري ﻣﺨ ٍ وﺣﺎﻟﺘﻪ ﺗﻘﺮب ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺒﻬﻴﻢ ،ﻓﻜﻤﺎ أن املﺰارع ﻳﻌﺘﱪ ﺑﻬﺎﺋﻤﻪ وأﻏﻨﺎﻣﻪ ﺟﺰءًا ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﺳﻴﺪ اﻟﻌﺒﺪ ﻳﻌﺘﱪه ﺟﺰءًا ﻣﻦ رأس ﻣﺎﻟﻪ ،وﺑﻤﺎ أن اﻟﻌﺒﺪ ﻳﺸﺘﻐﻞ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ أﻧﻔﻪ وﻻ ٍ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻓﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﺮق ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﻜﺎﻓﺄ ًة ﻋﲆ ﺷﻐﻠﻪ ﻓﻼ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻠﻒ ﺑﻪ ،وﻟﺴﻨﺎ ﰲ ﻣﺴﺘﺤﺴﻨًﺎ اﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ أو ﻻ؛ ﻷن ذﻟﻚ أﻣ ٌﺮ ﺗﻨﻬﻰ ﻋﻨﻪ اﻵداب.
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺒني ﺗﻮزﻳﻊ ﻣﻮاد اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻻﺳﱰﻗﺎق ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻵﺗﻲ: اﻷرض ﻣﻮﱃ اﻟﻌﺒﺪ
اﻟﻌﻤﻞ رأس املﺎل
ري ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ﻣﺤﻞ أﺻﺤﺎب اﻷرض ،وﺗﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﴐﻳﺒ ٍﺔ وﻗﺪ ﺗﺤﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﰲ ﻛﺜ ٍ ﺗﻔﺮﺿﻬﺎ ﻋﲆ املﺰارﻋني ،ﻓﻴﻘﻮﻣﻮن ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ورأس املﺎل ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺒ ٌ ني ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻵﺗﻲ: اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ املﺰارﻋﻮن
اﻷرض اﻟﻌﻤﻞ رأس املﺎل
وﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻫﻲ املﺘﺒﻌﺔ اﻵن ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ وﻣﴫ 1وﺑﻼد اﻟﻌﺠﻢ ،وﰲ ﺟﻤﻠﺔ ﺑﻼدٍ ﴍﻗﻴ ٍﺔ، ٌ ﻣﺘﺒﻌﺔ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺗﻐريات ﰲ اﻟﻬﻨﺪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،وﻋﻨﺪﻧﺎ أﻧﻬﺎ أﴐ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺑﻌﺪ وﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ً أوﻻ ،أي ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻻﺳﱰﻗﺎق؛ ﻷن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪد ﻗﻴﻤﺔ
1ﰲ اﻷﺻﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻷراﴈ املﴫﻳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ،ﻓﺄﻧﻌﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﲇ ﺑﺎﺷﺎ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ ً ﴐﻳﺒﺔ ﺗﻮازي ﻋﴩ ﻏﻠﺘﻬﺎ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﺳﻤﻴﺖ ﺑﺎﻷرض اﻟﻌﴩﻳﺔ ،وﰲ اﻟﺘﻤﻠﻴﻚ ،وﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٥٤رﺑﻄﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ ١٨١٣ﻣﺴﺤﺖ ﺑﻘﻴﺔ اﻷراﴈ ووزﻋﺖ ﻋﲆ اﻷﻫﺎﱄ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ دﻓﻊ ﴐﻳﺒ ٍﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ، ﺛﻢ أﺧﺬت ﺣﻘﻮق املﻨﺘﻔﻊ ﺗﺰداد ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ إﱃ ﺳﻨﺔ ،١٨٧١ﻓﺼﺪرت ﻻﺋﺤﺔ املﻘﺎﺑﻠﺔ وﻗﻀﺖ ﺑﺄن ﻣﻦ ﻳﺪﻓﻊ ٍ ﻋﺎل ﻗﻴﻤﺔ ﺧﺮاج أرﺿﻪ ﻣﺪة ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﻳُﻌﺘﱪ ﻣﺎﻟ ًﻜﺎ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ،وﰲ ) ١٥أﺑﺮﻳﻞ ﺳﻨﺔ (١٨٩١ﺻﺪر أﻣﺮ ٍ ً ً ﺗﺎﻣٍّ ﺳﺎوى ﺑني اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺪﻓﻌﻮا املﻘﺎﺑﻠﺔ واﻟﺬﻳﻦ دﻓﻌﻮﻫﺎ ،ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ اﻷراﴈ املﴫﻳﺔ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ ﻣﻠﻜﺎ ﺎ ﻟﻸﻫﺎﱄ ،وﻫﺎ ﻫﻮ ﱡ ﻧﺺ اﻷﻣﺮ املﺬﻛﻮر: اﻋﺘﺒﺎ ًرا ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ أﻣﺮﻧﺎ ﻫﺬا ﻳﻜﻮن ﻷرﺑﺎب اﻷﻃﻴﺎن اﻟﺨﺮاﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺪﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ املﻘﺎﺑﻠﺔ ﺣﻘﻮق املﻠﻜﻴﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ ﰲ أﻃﻴﺎﻧﻬﻢ ،أﺳﻮة ﺑﺄرﺑﺎب اﻷﻃﻴﺎن اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺖ ﻋﻨﻬﺎ املﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ أو ﺟﺰء ﻣﻨﻬﺎ.
86
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ
اﻟﴬﻳﺒﺔ ،وﻟﻬﺎ أن ﺗﺤﺪدﻫﺎ ﻛﻴﻒ ﺷﺎءت ،وأﻧﻪ ﻳﺼﻌﺐ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻫﺬه اﻟﴬاﺋﺐ ﻣﻦ اﻟﻌﺸﻮر، وﻟﻮ ﻋﺠﺰ املﺤﺼﻮل ملﺎ أﻣﻜﻦ املﺰارع ﺗﺴﺪﻳﺪ املﻄﻠﻮب ﻣﻨﻪ ،ﻓﻴﻀﻄﺮ إﱃ اﻟﺴﻠﻔﺔ وﺗﺴﺪ ﰲ وﺟﻬﻪ أﺑﻮاب املﻜﺎﺳﺐ. ٌ ٌ ﺣﺴﻨﺔ ﻟﻮ أﻣﻜﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻫﻲ أن ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض ﻳﺰرﻋﻬﺎ ﻃﺮﻳﻘﺔ أﺧﺮى وﻳﻮﺟﺪ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻳﺴﺘﻌني ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻪ ،وﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ أﻗﺮب ﳾءٍ ﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻻﺳﱰﻗﺎق ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﱡ ﺷﺨﺺ واﺣﺪٍ. ﺗﻮﻓﺮ ﻣﻮاد اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﻋﻨﺪ ٍ اﻷرض املﺰارع
اﻟﻌﻤﻞ رأس املﺎل
إﻻ أﻧﻬﺎ ﺗﺨﺎﻟﻔﻬﺎ ﻋﲆ ﺧ ﱟ ﻂ ﻣﺴﺘﻘﻴ ٍﻢ ﰲ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮه ،وﻣﺰاﻳﺎﻫﺎ ﻻ ﺗﻨﻜﺮ؛ ﻷن اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻷرض وﻟﻮازﻣﻬﺎ ،وﻫﻮ ﺣﺮ اﻟﺘﴫف ﻓﻴﻬﺎ ،ﻣﺘﻮﻓﺮة ﻟﺪﻳﻪ ﴍاﺋﻂ اﻹﻗﺪام ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ﺗﺤﺴني ﻳﺪﺧﻠﻪ ﻋﲆ زراﻋﺘﻪ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ ﺛﺮوﺗﻪ، وإﺗﻘﺎﻧﻪ ،ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎد ،ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻠﻢ أن أي ٍ وﻳﻨﺘﻔﻊ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه. وﻗﺪ ُﺳﻤﻴﺖ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺴﺤﺮ املﻠﻜﻴﺔ؛ وذﻟﻚ ﻷن املﺰارع ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺘﺤﻘﻘﻪ أن ﻓﺎﺋﺪة ﺷﻐﻠﻪ ﻋﺎﺋﺪ ٌة ﻋﻠﻴﻪ وﻋﲆ ذوﻳﻪ ،ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻴﻠﻪ إﱃ اﻟﺸﻐﻞ زﻳﺎد ًة ﺗﻔﻮق اﻟﻌﻘﻮل ،ﺣﺘﻰ إن اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني ﺷﺒﻬﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺴﺤﺮ. وﻳﺴﻬﻞ اﺗﺒﺎع ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ،ﻣﺜﻞ ﻏﺮﺑﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة واﻟﻜﻨﺪا وﻣﺴﺘﻌﻤﺮات أوﺳﱰاﻟﻴﺎ وﺣﻜﻮﻣﺔ اﻟﻜﺎب؛ ﻷن أراﺿﻴﻬﺎ ﺑﺨﺴﺔ اﻷﺛﻤﺎن ،وﻻ ﺗﺴﺘﻠﺰم ً ً ﻏﺎل وﻻ آﻻت ﻣﺘﻘﻨﺔ وﻻ ﺗﺼﻔﻴﺔ وﻻ ﺗﺼﻠﻴﺢ. أﻣﻮاﻻ ﻟﻔﻼﺣﺘﻬﺎ ﻃﺎﺋﻠﺔ ﻟﻌﺪم اﺣﺘﻴﺎﺟﻬﺎ ﻟﺴﻤﺎدٍ ٍ وﻗﺪ ُ اﻋﱰض ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺄن اﻟﺬي ﻳﺰرع أرﺿﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻻ ﺑ ﱠﺪ وأن ﻳﻜﻮن ﻓﻘريًا ً ﻋﻤﺎﻻ ﻳﺰرﻋﻮن ﻟﻪ أرﺿﻪ، وﻗﻠﻴﻞ املﻬﺎرة؛ إذ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻏﻨﻴٍّﺎ ﻻﺳﺘﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ أن ﻳﺴﺘﺄﺟﺮ ﻣﺎل ﻻ ﻋﺎﻣﻞ ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﺎﻫ ًﺮا ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ أن ﻳﺠﻌﻞ ﺳﻌﻴﻪ ﻗﺎﴏًا ﻋﲆ ﻓﻴﻜﻮن ﺻﺎﺣﺐ ٍ ٍ ﻋﻤﻞ ﻣﻬ ﱟﻢ ﻣﻊ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﺗﺠﺰؤ اﻟﻌﻤﻞ. ﻋﻤﻞ ﻃﻔﻴﻒ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻪ ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ إدارة ٍ ٍ ﻓﻠﻮ ﻛﺎن ﻓﻘريًا ﻟﴫف ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ املﺎل ﰲ ﴍاء اﻷرض وﺑﻌﺾ ﻟﻮازﻣﻬﺎ ،وﻣﺎ ﺑﻘﻰ ٍ ﺗﺤﺴﻴﻨﺎت ﻣﺜﻞ ﴍاء ٍ ٍ أﺻﻴﻠﺔ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد ﰲ اﻟﺸﻐﻞ؛ آﻻت ﻣﺘﻘﻨﺔ ،وﺑﻬﺎﺋﻢ ﻟﻪ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻹدﺧﺎل 87
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وﻟﺬﻟﻚ ﺗﺮاه ﻻ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﺄﺗﻌﺎﺑﻪ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻷرض ﺑﺨﺴﺔ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻛﺜرية اﻟﺨﺼﻮﺑﺔ، ﻧﻌﻢ إن ﻣﺎ ﺳﻤﻴﻨﺎه ﺑﺴﺤﺮ املﻠﻜﻴﺔ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻔﻼح ﻋﲆ اﻟﺠﺪ واﻟﺜﺒﺎت ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ،إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﺒﻊ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻴﺪوم ﻓﻘريًا ،رﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ املﺸﺎق اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻜﺒﺪﻫﺎ ،وﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻫﺪ ﻋﲆ ٍ ﺟﻬﺎت أﺧﺮى ﻣﻦ أوروﺑﺎ ذﻟﻚ أن املﺰارع ﰲ ﺑﻼد ﺳﻮﻳﴪا وﺑﻠﺠﻴﻜﺎ وأﺳﻮج وﻧﺮوج ،وﺑﻌﺾ ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻳﻔﻠﺤﻬﺎ ،وﻳﻮاﻟﻴﻬﺎ ﺑﺨﺪﻣﺘﻪ ً ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ﻃﻮل ﻣﺪة اﻟﺼﻴﻒ ،وﻻ ﺗﻔﻮﺗﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﻣﻦ زراﻋﺘﻪ إﻻ اﻟﻜﻔﺎف ،وﻟﻮ ﻧﻘﻞ املﺤﺼﻮل ً ﺳﻨﺔ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺒﴫ ،ﻓﻴﻠﺘﺰم ﺑﺄن ﻳﻘﱰض أو أو ﺳﻨﺘني ﻟﻮﻗﻊ ﰲ اﻟﻔﺎﻗﺔ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﲆ ٍ ﻳﺒﻴﻊ ﻣﺤﺼﻮﻻﺗﻪ ﻗﺒﻞ أواﻧﻬﺎ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ أرﺿﻪ ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻟﺮﻫﻦ ﻟﺮﻫﻨﻬﺎ ،أي أﻋﻄﺎﻫﺎ ملﺪﻳﻨﻪ ً ﺿﻤﺎﻧﺔ ﻟﺪﻳﻨﻪ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻟﻠﺪاﺋﻨني ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺟﺰءٌ ﰲ اﻷرض وﰲ رأس املﺎل ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺒ ٌ ني ﰲ اﻟﺸﻜﻞ اﻵﺗﻲ: اﻟﺪاﺋﻦ املﺰارع
اﻷرض رأس املﺎل اﻟﻌﻤﻞ رأس املﺎل
) (1املﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﻘﺎرﻳﺔ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ً وأﻣﻮاﻻ ﻛﺜري ًة ،وﺑﻤﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻓﻦ اﻟﻔﻼﺣﺔ ﺑﺎﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﻠﺰم ﻣﻬﺎر ًة زاﺋﺪ ًة ٌ ﱠ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺒﺪأ ﺗﺠﺰؤ اﻟﻌﻤﻞ ،وﺗﺸﱰك ﻓﻴﻬﺎ ﻃﺒﻘﺎت اﻷﻣﺔ، أن املﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﻘﺎرﻳﺔ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻓﻤﻦ املﺤﺘﻤﻞ أﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﴩ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ. وﻛﻴﻔﻴﺔ اﺷﱰاك ﻃﺒﻘﺎت اﻷﻣﺔ ﻣﺒ ٌ ني ﰲ اﻟﺸﻜﻞ اﻵﺗﻲ: املﺎﻟﻚ
اﻷرض رأس املﺎل
88
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ
املﺴﺘﺄﺟﺮ
اﻟﻌﻤﻞ رأس املﺎل اﻟﻌﻤﻞ
اﻟﻌﺎﻣﻞ
ٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،ﻳﺴﻌﻮن ﰲ وأﺻﺤﺎب اﻷﻣﻼك اﻟﻌﻘﺎرﻳﺔ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻫﻢ ﻋﺎد ًة أرﺑﺎب ﺛﺮو ٍة ٍ اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ أﻣﻼكٍ واﺳﻌﺔ وﻻ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ ﺗﺸﻐﻴﻠﻬﺎ ،وﺑﻤﺎ أن ﻟﻬﻢ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻫﻲ اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻃﺒﻴﻌﻴ ٍﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮﻧﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﻣﻜﺴﺐٌ ﺣﻘﻴﻘﻲ ،وأﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﺎدة ﱞ ٍ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺘﻲ أدﺧﻠﻮﻫﺎ ﻋﲆ اﻷرض ﻣﺜﻞ :املﺒﺎﻧﻲ واﻟﺴﻜﻚ واﻷﺳﻮار واﻷﺟﺮان وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ رﺑﺢٌ ﻻ ﻣﻜﺴﺐ )ﰲ اﺻﻄﻼح اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني(. واملﺴﺘﺄﺟﺮون ﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل املﺘﻨﻮرﻳﻦ املﺜﺮﻳﻦ ،ﻳﺴﺘﺄﺟﺮون اﻷرض وﺗﻮاﺑﻌﻬﺎ، ٍ ٍ وآﻻت ﻣﺘﻘﻨﺔ ،وﻳﺆﺟﺮون ﻋَ ﻤَ ًﻠﺔ ﻟﻸﺷﻐﺎل اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،وﻳﻘﻮﻣﻮن ﻫﻢ وﻋﺮﺑﺎت وﻳﺸﱰون أﻏﻨﺎﻣً ﺎ ﺑﺎﻹدارة وﻣﺴﻚ اﻟﺤﺴﺎب ،وﴍاء ﻣﺎ ﻳﻠﺰم ،وﺑﻴﻊ املﺤﺼﻮل ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا. دار ﻳﺴﺘﺄﺟﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺄﺟﺮ اﻷرض أو ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻜﻬﺎ، أﻣﺎ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻓﻬﻮ أﺟريٌ ،ﻳﻌﻴﺶ ﰲ ٍ وﻻ ﳾء ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻋﲆ اﻻﺟﺘﻬﺎد ﰲ اﻟﻌﻤﻞ؛ ﻷن ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺷﻐﻠﻪ ﻻ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﻞ ﻋﲆ ﻣﺆﺟﺮه. ً ﺟﺴﻴﻤﺔ ،ﻓﻤﻦ ﻣﺰاﻳﺎﻫﺎ أن املﺴﺘﺄﺟﺮ وﻟﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻓﻮاﺋﺪ ﻋﻈﻤﻰ ،ﻛﻤﺎ أن ﻟﻬﺎ ﻣﻀﺎ ﱠر ٌ ﻣﺎل ﻋﻈﻴ ٍﻢ ،ﻓﻴﻤﻜﻨﻪ اﺗﺒﺎع ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء ،وﻟﻪ ﻋﲆ دراﻳﺔ ﺑﻔﻦ اﻟﻔﻼﺣﺔ ،وﻳﻤﺘﻠﻚ رأس ٍ ٍ اﻟﻄﺮق اﻟﺴﻬﻠﺔ وﺗﻄﺒﻴﻖ ﺟﻤﻴﻊ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﻛ ﱠﻞ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﻣﻦ اﻷرض واﻟﻌﻤﻞ ،وﻣﻦ ﻣﺰاﻳﺎ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ً أﻳﻀﺎ أن املﺴﺘﺄﺟﺮ ﻻ ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻷرض واﻷﻣﻮال اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ، ﻓﺘﺒﻘﻰ ﻛ ﱡﻞ أﻣﻮاﻟﻪ ﺗﺤﺖ ﺗﴫﻓﻪ ،وﻳﻤﻜﻨﻪ ﴍاء اﻟﺴﻤﺎد اﻟﺠﻴﺪ وأﺣﺴﻦ أﺟﻨﺎس املﺎﺷﻴﺔ، وﻗﺪ ﻳُﺴﺘﺤﺴﻦ اﺗﺒﺎع ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﰲ اﻷﻣﻼك املﺘﺴﻌﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺘﺠﺰؤ اﻟﻌﻤﻞ ﻛﻤﺎ ﰲ املﻌﺎﻣﻞ ،ﻓﻴﻨﺘﺞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﻌﺾ املﺰاﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ ]راﺟﻊ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ[ ،وأﻣﱠ ﺎ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﲆ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ اﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ؛ إذ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻣﻀﺎر ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻓﺘﻌﻮد اﺳﺘﻘﻼل اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺘﻠﻜﻮن اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻧﻬﺎ ،وﻟﻮ ﻃﺮدﻫﻢ املﺴﺘﺄﺟﺮ أو ﻃﻌﻨﻮا ﰲ اﻟﺴﻦ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ أن ﻳﺸﺘﻐﻠﻮا ،ملﺎ أﻣﻜﻨﻬﻢ ﺗﻜﺴﺐ ﻣﻌﺎﺷﻬﻢ ،ﻓﻴﻀﻄﺮون إﱃ اﻟﺪﺧﻮل ٌ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻻ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻬﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻣﻌﻬﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﺳﺒﺐ ﻫﺬه ﰲ ﻣﻠﺠﺄ اﻟﻔﻘﺮاء؛ ﻷن أﺟﻮرﻫﻢ املﴬة ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻌﻀﻪ إﱃ اﻟﻘﻮاﻧني املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮاء ،أو إﱃ ﻛﺜﺮة اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ اﻟﻔﻘﺮاء اﻟﺠﻬﻼء، 89
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ٍ ﺑﺂﻻت ﻛﻌَ ﻤَ ﻠﺔ املﻌﺎﻣﻞ، ﻓﺈذا ﺗﺤﺴﻨﺖ اﻟﻘﻮاﻧني املﺨﺘﺼﺔ ﺑﻬﻢ ،وﺗﻬﺬب اﻟﻔﻼﺣﻮن ،اﺷﺘﻐﻠﻮا وﺗﺤﺼﻠﻮا ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻣﺜﻠﻬﻢ ،وﻟﺰادت أﺟﻮرﻫﻢ. وﻗﺪ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻘﺪ اﻹﻳﺠﺎر ﺑني ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض واملﺴﺘﺄﺟﺮ ،إﻻ أن اﻟﻜﺜري ﻣﻦ أرﺑﺎب ٍ اﻟﺜﺮوة املﺘﺴﻌﺔ ﻻ ﻳﺮﺿﻮن ﺑﺘﺄﺟري أراﺿﻴﻬﻢ ملﺪدٍ ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻓﻬﻢ ﻳﺮﻏﺒﻮن أن ﻳﻜﻮن ﻟﻬﻢ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻓﺴﺦ اﻟﻌﻘﺪ وﻃﺮد ﻣﺴﺘﺄﺟﺮﻳﻬﻢ ﺑﻌﺪ إﻋﻼﻧﻬﻢ ﺑﻤﺪ ٍة ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ٍ ﺳﻨﺔ ،ﻓﻴﺤﺮﻣﻮﻧﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت اﻟﺘﻲ أدﺧﻠﻮﻫﺎ ﻋﲆ اﻷرض ،ﻗﺎﺻﺪﻳﻦ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻨﻔﻮ ٍذ ﻛﻨﻔﻮذ املﻠﻮك ﰲ ﻣﻤﺎﻟﻜﻬﻢ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﺸﺎﻫﺪ أن ً أﻧﺎﺳﺎ ﺑﻌﺪ أن اﻛﺘﺴﺒﻮا أرﺑﺎﺣً ﺎ ﻛﺜري ًة ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﻬﻢ ﻳﺸﱰون ٍ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺟﺪٍّا؛ وذﻟﻚ ملﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ املﻴﻞ إﱃ اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ واﻻﺳﺘﺒﺪاد ،وﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺑﺄﺛﻤﺎن أراﴈ وﻟﻮ ٍ إﱃ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا وأﻳﻘﻮﺳﺔ وأﻳﺮﻟﻨﺪة ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺰل ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻻﻟﺘﺰام »ﻛﺄﻳﺎم اﻟﺴﻨﺎﺟﻖ ﰲ ﻣﴫ« ،وﺑﻤﺎ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب أن ﻧﺒﺤﺚ ﰲ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ إﻻ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻨﻘﻮل :إن ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﴬ ٌة ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،ﻓﺈن املﺴﺘﺄﺟﺮ ﻟﻌﻠﻤﻪ أن ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻷرض اﻟﺤﻖ ﰲ أن ﻳﻄﺮده ﰲ أي ٍ وﻗﺖ ،ﻻ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت اﻟﻼزﻣﺔ؛ وذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻳﺨﴙ ﻣﻦ ﻃﺮده ،أو ﻣﻦ زﻳﺎدة ﻗﻴﻤﺔ اﻹﻳﺠﺎر ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻗﺪ ﻳﺤﺴﻦ ٌ ﻣﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﰲ اﻷرض ،إﻻ أﻧﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻮ ﻧﺰﻋﺖ ﻣﻨﻪ املﺴﺘﺄﺟﺮ زراﻋﺘﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﺣﺎل ﻓﻼ ﻳﺬوق املﺴﺘﺄﺟﺮ ﻟﻼﺳﺘﻘﻼل ﻃﻌﻤً ﺎ ،ﻣﻊ ﻟﻜﺎن ذﻟﻚ أﻗﺮب ﳾءٍ ﻟﻠﴪﻗﺔ ،وﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ إﻧﺴﺎن ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﻪ ،وﻳﺤﺴﻦ ﺑﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا املﻘﺎم أن ﻧﻘﻮل :إﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﻛ ﱠﻞ ٍ ﻋﲆ اﻟﺸﺎرع أن ﻻ ﻳﻨﴗ أن اﻟﻘﻮاﻧني إﻧﻤﺎ اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﻔﻌﺔ اﻷﻣﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ ،ﻻ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻘﻂ ،واﻟﻘﻮاﻧني املﺨﺘﺼﺔ ﺑﻌﻼﻗﺎت أﺻﺤﺎب اﻷرض ﻣﻊ املﺴﺘﺄﺟﺮﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﻨﻬﺎ إﻻ أﺻﺤﺎب اﻷﻣﻼك ،وﻟﻢ ﻳﺮاﻋﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺰراﻋﺔ ،ﺑﻞ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﻢ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﺴني ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘني: ٍ اﻷوﱃ :ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻹﻳﺠﺎرات ملﺪدٍ ﻃﻮﻳﻠﺔ. ٍ ﻃﺮف«. ﺗﻌﻮﻳﺾ »ﺧﻠﻮ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﺑﺎﻹﻳﺠﺎرات اﻟﺘﻲ ﻟﻠﻤﺴﺘﺄﺟﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻃﻠﺐ ٍ ٍ ) (1-1ﰲ اﻹﻳﺠﺎرات ملﺪدٍ ﻃﻮﻳﻠﺔ ٍ أرض أو ٍ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﺑﻴﺖ ملﺪ ٍة ﻋﻘﺪ اﻹﻳﺠﺎر ﻫﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﺗﻌﻬ ٍﺪ ﺑني اﺛﻨني ﻳﻠﺰم أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺘﺴﻠﻴﻢ ٍ ﻣﺒﻠﻎ ﻣﺤﺪدٍ ،وﻳﻠﺰﻣﻬﻤﺎ ﻣﻌً ﺎ ﺑﺎﺣﱰام ﺟﻤﻴﻊ اﻟﴩوط املﺒﻴﻨﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﺪ. وﻳﻠﺰم اﻵﺧﺮ ﺑﺪﻓﻊ ٍ ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪة اﻹﻳﺠﺎر ﺛﻼﺛني ٍ ﺳﻨﺔ أو أﻛﺜﺮ ﻟﻜﺎن املﺴﺘﺄﺟﺮ ﻛﺄﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض، ٌ ﻣﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻪ ﰲ اﻟﺴﻨني اﻷوﱃ إدﺧﺎل اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﻼزﻣﺔ؛ ﻷﻧﻪ 90
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ
ٌ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﰲ اﻟﻌﺎدة؛ وﻟﺬا ﺑﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺣﻠﻮل أﺟﻞ اﻹﻳﺠﺎر ،ﻓﻔﻲ ﴍﻗﻲ إﻧﻜﻠﱰا وأﻳﻘﻮﺳﺔ ﻣﺪة اﻹﻳﺠﺎر ً ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻛ ﱠﻞ اﻟﺘﻘﺪم ،وﻻ ﺷ ﱠﻚ أن ﻃﻮل ﻣﺪة اﻹﻳﺠﺎر ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻧﺮى اﻟﺰراﻋﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺘﻨﺸﻴﻂ املﺰارﻋني وﺗﻘﺪم اﻟﺰراﻋﺔ ،وﻻ ﻳﻨﺘﺞ ﻣﻨﻪ ﴐ ٌر ﺳﻮى أن املﺴﺘﺄﺟﺮ ﻻ ﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﺈﺻﻼح اﻷرض ﰲ أواﺧﺮ ﻣﺪة اﻹﻳﺠﺎر. ) (2-1ﰲ اﻹﻳﺠﺎرات اﻟﺘﻲ ﻟﻠﻤﺴﺘﺄﺟﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻃﻠﺐ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ أﻳﻀﺎ أن ﻳُﻌ َ ﻣﻦ املﺴﺘﺤﺴﻦ ً ﺗﻌﻮﻳﺾ ﻟﺰم ﺑﱰك اﻷرض اﻟﺤﻖ ﰲ ﻃﻠﺐ ٍ ﻄﻰ ﻟﻠﻤﺴﺘﺄﺟﺮ اﻟﺬي أ ُ ِ ﻳﺴﺎوي ﻗﻴﻤﺔ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺘﻲ أدﺧﻠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﲆ املﺴﺘﺄﺟﺮ إﺛﺒﺎت ﻣﺎ أﻧﻔﻘﻪ أﺳﻮار ،أو ﻹﻧﺸﺎء ﺳﻜﻚٍ ،أو ﻟﺘﺼﻠﻴﺢ اﻷرض أو ﻟﺘﺴﻤﻴﺪﻫﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺼﻌﺐ ﻟﺒﻨﺎء أﺟﺮان أو ٍ إﺻﻼح ،ملﻌﺮﻓﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﻳﺨﴪه ﻋﲆ أﻫﻞ اﻟﺨﱪة أن ﻳﺤﺪدوا ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺪة اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﺄي ٍ ﺗﻌﻮﻳﺾ ،أﻣﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض املﺴﺘﺄﺟﺮ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻪ اﻷرض ،وﻹﻋﻄﺎﺋﻪ ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺑﺼﻔﺔ ٍ ﻓﻴﻠﺘﺰم ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻪ ﻫﺬا املﺒﻠﻎ إن ﺻﻤﻢ ﻋﲆ ﻃﺮده ،وﻟﻪ أن ﻳﺰﻳﺪ ﻗﻴﻤﺔ اﻹﻳﺠﺎر ﻋﲆ املﺴﺘﺄﺟﺮ ً ﻣﺘﺒﻌﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء إﻧﻜﻠﱰا، اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺨﴪ ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻟﻮ أن ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﻴﺴﺖ ً ﻃﻮﻳﻠﺔ ﰲ ﺷﻤﺎل أﻳﺮﻟﻨﺪة ،ﻓﻜﺎن إﻻ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﺪﻳﺜﺔ اﻟﻌﻬﺪ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﻣﺪ ًة ً ﻣﺒﻠﻐﺎ ﺟﺴﻴﻤً ﺎ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت اﻟﺘﻲ أدﺧﻠﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ املﺴﺘﺄﺟﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻳﺪﻓﻊ ﻟﻠﺴﺎﺑﻖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ أن ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض ﻻ ﻳﻄﺮد املﺴﺘﺄﺟﺮ اﻷﻣني ﺑﻤﺠﺮد اﻗﺘﻀﺎء إرادﺗﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻮﻳﺾ ﻟﻠﻤﺴﺘﺄﺟﺮ اﻟﺬي ﻳﻠﺰم ﺑﱰك اﻟﻌﺎدة املﺘﺒﻌﺔ ﰲ ﻳﻮرﻛﺸري Yorkshireﺗﻘﴤ ﺑﺈﻋﻄﺎء ٍ اﻷرض ،وﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ أن ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ﺗﺼري ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻧﺎﻓﺬ املﻔﻌﻮل ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻠﺪ ،ﻫﺬا وإن ﻻﺋﺤﺔ أراﴈ أﻳﺮﻟﻨﺪة اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ املﺴﱰ ﻏﻼدﺳﺘﻮن ﻗﺪ ﺧﻮﻟﺖ ﻟﻠﻤﺴﺘﺄﺟﺮ ﻫﺬا اﻟﺤﻖ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وإذا ﻛﺎن املﺮﻏﻮب ﻣﻦ اﻷرض ﻫﻮ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺧﺼﺼﺖ ﻷﺟﻠﻪ — ﻻ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺗﴫف املﺎﻟﻜني اﻟﺬﻳﻦ أﻋﻤﻰ اﻟﻜﱪ ﺑﺼريﺗﻬﻢ — ﻟﻮﺟﺐ إﺟﺒﺎرﻫﻢ ﻋﲆ ﺗﺄﺟري أرﺿﻬﻢ ﺳﻨﺔ ً ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ٣٠إﱃ ٍ ٥٠ ٍ ٍ ملﺪدٍ ﺗﻌﻮﻳﻀﺎت ﻳﺤﺪدﻫﺎ أﻫﻞ ﻣﺜﻼ ،أو ﻋﲆ إﻋﻄﺎء املﺴﺘﺄﺟﺮﻳﻦ اﻟﺨﱪة ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻟﻔﻼﺣﺔ.
91
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
) (2ﰲ أﺻﻞ املﻜﺴﺐ ﻣﻦ اﻟﴬوري أن ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﻨﺸﺄ املﻜﺴﺐ؛ ﻟﻨﻌﻠﻢ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ اﺳﺘﻴﻼء ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض ﺗﻌﺐ وﻻ ﺷﻘﺎءٍ ،وﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻋﲆ ﺟﺰءٍ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ املﺘﺤﺼﻞ ﺑﺪون أدﻧﻰ ٍ ﻣﻜﺴﺐ ،وﻣﺠﺮد اﻟﺒﺤﺚ ﻳﻨﺤﴫ ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ واﺣﺪةٍ ،وﻫﻲ :ﻫﻞ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أﻧﻪ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد ٍ ٍ ﻃﻔﻴﻔﺔ ،أو وﺟﻮد ﻋﺪدٍ ﻗﻠﻴﻞ ري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﺤﺼﻠﻮن ﻋﲆ ﻣﻜﺎﺳﺐ ٍ ﻳُﺴﺘﺤﺴﻦ وﺟﻮد ﻛﺜ ٍ ٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ؟ ﻳﺘﺤﺼﻠﻮن ﻋﲆ ﻣﻜﺎﺳﺐ وﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﺮوق املﻜﺎﺳﺐ ﺑﺎﺧﺘﻼف ﺧﺼﻮﺑﺔ اﻷراﴈ ،أﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻷرض ﻛﻠﻬﺎ ً ً ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ واﺣﺪ ٍة ملﺎ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ٌ ٍ ﻓﺮق ﺑني املﻜﺎﺳﺐ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ أن ﺳﻄﺢ وﻣﻨﺰرﻋﺔ ﻣﺴﻄﺤﺔ ٌ وأودﻳﺔ ،ﺑﻌﻀﻪ ﻗﺎﺑ ٌﻞ ﻟﻠﻔﻼﺣﺔ ،واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﺻﺤﺎري ﻗﻔﺮاء أو ﺻﺨﻮ ٌر اﻟﻜﺮة ﺑﻪ ﺟﺒﺎ ٌل ﻣﺤﺼﻮل أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ وﺑﺪﻳﻬﻲ أن ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض اﻟﺠﻴﺪة ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﺻﻤﺎء، ٍ ﱞ ﻣﺰارع ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﻘﻄﻌﺔ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻳﻔﻠﺤﻬﺎ، ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض اﻟﺮدﻳﺌﺔ ،وﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ أن ﻛﻞ ٍ وﺑﺬل ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺟﻬﺪًا ﻣﺘﺴﺎوﻳًﺎ ،ﻟﻔﺎز ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض اﻟﺠﻴﺪة ﺑﺰﻳﺎد ٍة ﰲ دﺧﻠﻪ ،وﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎدة ً ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ أن ﻫﻲ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ املﻜﺴﺐ ،وﻫﻜﺬا ﻳﻜﻮن اﻟﺤﺎل إذا أﺟﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻷرض أرﺿﻪ ﻳﺰرﻋﻬﺎ. ً ﻣﺤﺼﻮﻻ ﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﺻﺎر ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻗﻴﻤﺔ املﻜﺴﺐ ،ﻓﺈن اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ ﻣﺴﺎوﻳًﺎ ﻷﺟﻮر اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ وأرﺑﺎح املﺒﺎﻟﻎ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻠﺰﻣﺘﻬﺎ اﻟﺰراﻋﺔ ،ﻻ ﻳﻘﺎل ﻋﻨﻬﺎ :إﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﺞ ﻣﻜﺴﺒًﺎ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻘﺼﺪ ﺑﺎملﻜﺴﺐ ﻫﻨﺎ اﻟﻔﺮق ﺑني ﻣﺤﺼﻮل اﻷراﴈ اﻟﺠﻴﺪة وﻣﺤﺼﻮل اﻷراﴈ ﻏري اﻟﺠﻴﺪة ﻟﻮ ﺗﺴﺎوت املﺼﺎرﻳﻒ ،وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ً أﻳﻀﺎ أن ﻧﺒني ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﺑﻌﺒﺎر ٍة أﺧﺮى ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ: أرض إﻳﺮادﻫﺎ ﻳﺴﺎوي ﻫﺬه إن ﺛﻤﻦ اﻟﻐﻼل ﻳﺘﺤﺪد ﺑﺎملﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺘﻲ ُﴏﻓﺖ ﻻﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ ﻣﻦ ٍ ٍ ﻗﺤﻠﺔ، أراض املﺼﺎرﻳﻒ؛ إذ ﻟﻮ اﻓﺘﻘﺮ اﻟﺤﺎل ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻛﻤﻴﺔ ﻏﻼل واﻓﺮ ٍة ﻟﻠﺰم اﺳﺘﻌﻤﺎل ٍ ٍ ٍ درﺟﺔ أﻗﻞ ﻣﻦ درﺟﺔ اﻷراﴈ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺘﺞ إﻻ ﻣﺎ ﻳﺴﺎوي املﺼﺎرﻳﻒ ،ﺣﻴﺚ إن أي ﻣﻦ اﻷراﴈ اﻟﺨﺼﺒﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﻣﻦ ﻣﺪ ٍة ﻣﻀﺖ ،وﺣﻴﺚ إن اﻟﻐﻼل املﺘﺴﺎوﻳﺔ ﰲ اﻟﺠﻮدة ﺗُﺒﺎع ﺑﺄﺛﻤﺎن ﻣﺘﺴﺎوﻳ ٍﺔ ﻣﻬﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ املﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻠﺰﻣﺘﻬﺎ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻣﻜﺴﺐ اﻷرض اﻟﺠﻴﺪة ٍ ٌ ﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ اﻟﻔﺮق ﺑني ﺛﻤﻦ إﻳﺮادﻫﺎ وﺛﻤﻦ إﻳﺮاد اﻷرض اﻟﻘﺤﻠﺔ.
92
اﻟﻔﺼﻞ اﳊﺎدي ﻋﴩ ﰲ املﺒﺎدﻟﺔ
) (1ﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮن املﺒﺎدﻟﺔ؟ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ زﻳﺎدة اﻟﺜﺮوة املﺒﺎدﻟﺔ ،أﻋﻨﻲ إﻋﻄﺎء اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻻ ٍ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻗﻠﻨﺎ :إن اﻟﺜﺮوة ﺗﺘﻜﻮن اﺣﺘﻴﺎج إﻟﻴﻬﺎ واﺳﺘﻌﻮاﺿﻬﺎ ﺑﺄﺷﻴﺎء أﺧﺮى ﰲ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺪاول. ٍ ﺻﻨﻒ ﻣﻌﻠﻮ ٍم وﺗﺤﺼﻠﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻼ ﻟﺰوم ﻋﻨﺪﻧﺎ ملﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﻟﻮازﻣﻨﺎ ﻓﺈذا ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺤﺘﺎج إﱃ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﻒ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺤﺘﺎج إﱃ أﺷﻴﺎء أﺧﺮى ،وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﺘﺒني أن املﺒﺎدﻟﺔ ﺗﻌﻮد ﺑﺎملﻨﻔﻌﺔ ﻋﲆ املﺘﺒﺎدﻟني. وﻗﺪ اﻋﱰض ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﲆ املﺒﺎدﻟﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ :إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻔﺎﺋﺪ ٍة ﻣﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻜﻮن إﻻ ﺑني ﺷﻴﺌني ﻣﺘﺴﺎوﻳني ﰲ اﻟﻘﻴﻤﺔ ،وﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ ً أﻳﻀﺎ :إن ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺴﺒﻪ أﺣﺪ املﺘﺒﺎدﻟني ﻳﺨﴪه ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ املﺘﺒﺎدل اﻵﺧﺮ ،وﻫﺬه اﻷﻗﻮال ﺗﺪﻓﻊ إﱃ ﺗﻮﻫﻢ أن اﻟﺘﺠﺎرة ﻫﻲ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﺳﻠﺐ أﺣﺪ املﺘﺒﺎدﻟني ،واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﺸﻴﺌني املﺘﺒﺎدﻟني ﻣﺘﺤﺪان ﰲ اﻟﻘﻴﻤﺔ وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎن ﰲ املﻨﻔﻌﺔ، واملﻘﺼﻮد ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرة ﻫﻮ زﻳﺎدة املﻨﻔﻌﺔ. وﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن ﺛﻤﻦ اﻷﺷﻴﺎء ﻟﻴﺲ ﻣﻨﺎﺳﺒًﺎ ملﻨﻔﻌﺘﻬﺎ؛ إذ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻜﺎن اﻟﻬﻮاء واملﺎء واﻟﺨﺒﺰ ﻣﻦ أﻏﲆ اﻷﺷﻴﺎء ﺛﻤﻨًﺎ ،ﻣﻊ أن اﻟﻬﻮاء واملﺎء ﻻ ﻳﺪﻓﻊ ﻟﻬﻤﺎ ﺛﻤ ٌﻦ ،واﻟﺨﺒﺰ ﺛﻤﻨﻪ زﻫﻴﺪٌ، وﻟﻔﻬﻢ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ »اﻟﻘﻴﻤﺔ«.
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
) (2ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻘﻴﻤﺔ؟ ٍ ﺻﻨﻒ ﺑﺂﺧﺮ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻌﺮف اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻠﺰم إﻋﻄﺎؤﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﻒ ﻟﻮ أردﻧﺎ ﻣﺒﺎدﻟﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔً ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻳﻘﺎل ﻋﻦ ﳾءٍ :إن ﻟﻪ ً ٍ اﻷول ﻟﻠﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻛﻤﻴ ٍﺔ إذا أﻣﻜﻨﻨﺎ ﺑﻤﺒﺎدﻟﺘﻪ اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻛﻤﻴ ٍﺔ واﻓﺮ ٍة ﻣﻦ أﺻﻨﺎف أﺧﺮ ،ﻓﻴﻘﺎل :إن ﻟﻠﺬﻫﺐ أو ﻟﻠﻤﺎس ً ً ﻋﻈﻴﻤﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺒﺎدﻟﺘﻪ ﺑﻜﻤﻴ ٍﺔ واﻓﺮ ٍة ﻣﻦ اﻷﺻﻨﺎف اﻷﺧﺮى ،أﻣﺎ اﻟﺮﻣﺎد ﻓﺈن ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻗﻴﻤﺔ ٌ ﻣﻌﺪوﻣﺔ ﺑﺎملﺮة؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻪ ﺑﴚءٍ ﻣﺎ ،ﻋﲆ أن ﻛﻠﻤﺔ »ﻗﻴﻤﺔ« زﻫﻴﺪ ٌة ﺟﺪٍّا أو ﻫﻲ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻴﻘﺎل :إن اﻟﻜﻴﻨﺎ ذات ٍ ٍ ﻗﻴﻤﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ دواء اﻟﺤﻤﻰ ،وإن ﻟﻠﺤﺪﻳﺪ ﻣﻌﺎن ﺗﺪل ﻋﲆ ﺟﻤﻠﺔ ٍ ﻗﻴﻤﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻘﻮي اﻟﺠﺴﻢ ،وإن ﻟﻠﻤﺎء ً ً ﻗﻴﻤﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻄﻔﺊ اﻟﺤﺮاﺋﻖ ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ،وﰲ ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﻻ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﻌﻨﻰ املﺒﺎدﻟﺔ؛ ﻷن اﻟﻜﻴﻨﺎ دواء ﻟﻠﺤﻤﻰ ﺳﻮاء ﻛﺎن اﻟﻘرياط ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺴﺎوي ٍ ً ﺷﻠﻨﺎت ،واملﺎء ﻟﻮ وﺟﺪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ املﻨﺎﺳﺐ ﻹﻃﻔﺎء اﻟﺤﺮاﺋﻖ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻨﺴﺎ واﺣﺪًا أو ﻋﴩة ﺛﻤﻨﻪ ،ﻓﻴﺘﻀﺢ ﻣﻦ ذﻟﻚ إذن أن ﻛﻠﻤﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﺗُﺴﺘﻌﻤﻞ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﲆ ﻗﻴﻤﺔ ٍ ﻣﺒﺎدﻟﺔ ،وأﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل ،وﻗﻴﻤﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل ،وأن ﻟﻜﻞ ﳾءٍ ﻗﻴﻤﺘَ ْني :ﻗﻴﻤﺔ ٍ ٌ ٌ ﻋﻈﻴﻤﺔ .وﻗﻴﻤﺔ اﺳﺘﻌﻤﺎل أي ﳾءٍ ﻫﻲ ﻋﺒﺎر ٌة دﻧﻴﺌﺔ وﻗﻴﻤﺔ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ اﻷﺷﻴﺎء ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺒﺎدﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻘﺪار ﻣﻨﻔﻌﺘﻪ ،أو ﺑﺎﻷﺣﺮى ﻣﻨﻔﻌﺔ اﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﻧﺴﺘﻌﻤﻠﻪ ﻣﻨﻪً ، ﻣﺜﻼ ﻗﻴﻤﺔ اﺳﺘﻌﻤﺎل املﺎء ﻫﻲ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ املﻨﻔﻌﺔ اﻟﻌﺎﺋﺪة ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ املﺎء اﻟﺬي ﻧﺴﺘﻌﻤﻠﻪ ﻟﻠﴩب أو ﻟﻠﻐﺴﻴﻞ أو ﻟﻠﻄﺒﺦ ً ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺸﻤﻞ ﻣﻴﺎه اﻟﻐﺮق أو أو ﻟﻠﺮش وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ،وﻟﻜﻦ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﻨﻔﻌﺔ املﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺐ رﻃﻮﺑﺔ املﻨﺎزل أو ﺗﺮﺷﻴﺢ املﻨﺎﺟﻢ … إﻟﺦ. ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻬﻢ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺘﻠﻴﺎﻧﻲ املﺪﻋﻮ ﺟﻴﻨﻮﻓﻴﺰي Genovesiﺣﻴﺚ ﻗﺎل» :ﺑﺎملﺒﺎدﻟﺔ ﻧﻌﻄﻲ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﺣﺘﻴﺎﺟﻨﺎ ﻧﻈري ﻣﺎ ﻧﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ «.ﻓﺈن ٍ ﻣﺨﺼﻮص ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﻬﺬا اﻟﺼﻨﻒ اﻧﺘﻔﺎﻋً ﺎ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺤﺘﺎج ﺻﻨﻒ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ﻛﻤﻴﺔ واﻓﺮة ﻣﻦ ٍ ﺻﻨﻒ آﺧﺮ ،ﻓﺎملﺒﺎدﻟﺔ ﺗﻌﻮد إذن ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪة ﻋﲆ املﺘﺒﺎدﻟني؛ ﻷن ٍّ ٍ ٍ ﻛﻼ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﻣﻦ إﱃ ﻛﻤﻴ ٍﺔ ٌ ٌ ً ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻻز ٌم ﻟﻪ ،ﻓﺈﻧﻜﻠﱰا ﻣﺜﻼ ﻳُﺴﺘﺨ َﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻤﻴﺔ واﻓﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ، ٌ ﻛﻤﻴﺔ واﻓﺮ ٌة ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ ،وﺑﻤﺎ أن إﻧﻜﻠﱰا ﻻ ﺗﺼﻨﻊ ﻧﺒﻴﺬًا ﻓﺘﻀﻄﺮ إﱃ وﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗُﺼﻨَﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﺳﺘرياده ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ أو ﻣﻦ أي ﺑﻠ ٍﺪ آﺧﺮ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ ﻛﻤﻴ ٍﺔ واﻓﺮ ٍة ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ ،ﻓﻠﻮ أﻋﻄﺘﻬﺎ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ ﻧﻈري ﻣﺎ ﺗﺄﺧﺬه ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ، ﻟﻌﺎدت ﻫﺬه املﺒﺎدﻟﺔ ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪة ﻋﲆ ﻛﻠﺘﺎ املﻤﻠﻜﺘني. وﻗﺪ ُ اﻋﱰض ﻋﲆ اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﺪﻳﻤﺔ اﻟﻔﺎﺋﺪة؛ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺤﺪث ﺑﻀﺎﺋﻊ ﺟﺪﻳﺪ ًة، ﻓﻔﻲ املﺜﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻔﺤﻢ واﻟﻨﺒﻴﺬ ﻻ ﺗﺘﻐري ،ﺣﺼﻠﺖ املﺒﺎدﻟﺔ أو ﻟﻢ ﺗﺤﺼﻞ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا 94
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ
اﻻﻋﱰاض ﻣﺮدودٌ ،ﺑﻤﺎ أن ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻻ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺜﺮوة إﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻣﻨﻔﻌﺘﻬﺎ، أﻋﻨﻲ ﻓﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻬﻠﻚ ﺑﻔﺎﺋﺪ ٍة أو ﻻ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻨﻘﻮل :إن اﻟﴚء اﻟﺬي ﻻ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ،وﻫﺬا ﻳُﻌﺪ ﺛﺮو ًة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻤﺘﻠﻜﻪ ﻳﻌﺘﱪ ﺛﺮو ًة ﻋﻨﺪ اﻧﺘﻘﺎﻟﻪ إﱃ ٍ اﻷﻣﺮ ﻫﻮ املﻘﺼﻮد ﻣﻦ املﺒﺎدﻟﺔ. ٍ ﻧﺴﺒﺔ ﰲ املﺒﺎدﻟﺔ ) (3اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺗﺪل ﻋﲆ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮر ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺒﺎدﻟﺔ ﻷي ﳾءٍ إﻻ ﺑﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻫﺬا اﻟﴚء ﺑﺎﻷﺷﻴﺎء اﻷﺧﺮ ،وﺗﺨﺘﻠﻒ ﻫﺬه ﺑﺸﻠﻦ واﺣ ٍﺪ ﺗﻜﻮن أﻛﺜﺮ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻷﺷﻴﺎء ،ﻓﻜﻤﻴﺔ اﻟﺒﻄﺎﻃﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ اﺑﺘﻴﺎﻋﻬﺎ ٍ ﻣﻦ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺨﺒﺰ ،وﻛﻤﻴﺔ اﻟﺨﺒﺰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻠﺤﻢ وﻫﻜﺬا ،إذن ﻟﻮ ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻋﲆ ﻗﻴﻤﺔ أي ﳾءٍ ﻣﺎ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ذﻛﺮ اﻟﴚء اﻟﺬي ﻧﻘﺎرﻧﻪ ﺑﻪ ،ﻓﺈن ﻛﻠﻤﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﺗﺪل أن اﻟﻜﻤﻴﺔ املﺨﺼﻮﺻﺔ ٍ ٍ ٍ ﺻﻨﻒ آﺧﺮ ،واﻟﻘﻴﻤﺔ ﻫﻲ ﻋﺒﺎر ٌة ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﻣﻦ ﺻﻨﻒ ﻣﻌﻠﻮ ٍم ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺒﺎدﻟﺘﻬﺎ ﺑﻜﻤﻴ ٍﺔ ﻣﻦ ﻋﻦ ﻧﺴﺒﺔ ﻫﺎﺗني اﻟﻜﻤﻴﺘني ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ :ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻃﻠﻨﺎﺗﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻳﻠﺰم إﻋﻄﺎء ﻛﺮﺗري )ﻣﻜﻴﺎل إﻧﻜﻠﻴﺰي( ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ ،ﻓﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ﻛﻨﺴﺒﺔ ١إﱃ ،١أﻣﺎ ﻟﻮ أرﻳﺪ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻃﻠﻨﺎﺗﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس ﻟﻠﺰم إﻋﻄﺎء ٣٠ﻛﺮﺗريًا ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ ،ﻓﺘﻜﻮن اﻟﻨﺴﺒﺔ ﻫﻨﺎ ﻛﻨﺴﺒﺔ ١إﱃ ٣٠وﻫﻜﺬا ،إﻻ أﻧﻨﺎ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻧﻌﱪ ﻋﻦ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺜﻤﻦ ،وﺛﻤﻦ أي ﳾءٍ ﻫﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺪراﻫﻢ اﻟﺘﻲ ﺗُﴫف ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﴚء ،واﻟﻨﺴﺒﺔ ﻫﻨﺎ ﻣﺤﺼﻮرة ﺑني ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺪراﻫﻢ وﻛﻤﻴﺔ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺒﺘﺎﻋﻬﺎ ،وﺳﻨﺮى ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن اﻟﺪراﻫﻢ ﻻ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ً ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻛﺒﻘﻴﺔ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ. واﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻨﻘﻮد ﻳﺴﻬﻞ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﴚء ﺑﻘﻴﻤﺔ أي ﳾءٍ آﺧﺮ، ﻓﺈذا ﻋﻠﻤﻨﺎ ً ﻣﺜﻼ أن رﻃﻞ اﻟﺒﻄﺎﻃﺲ ﻳﺴﺎوي ً ﺑﻨﺴﺎ واﺣﺪًا ،وأن رﻃﻞ اﻟﺨﺒﺰ ﻳﺴﺎوي ﺛﻼﺛﺔ ٍ ٍ رﻃﻞ واﺣ ٍﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﺴﺎت ،ﻟﻌﻠﻤﻨﺎ ﰲ اﻟﺤﺎل أن ﻗﻴﻤﺔ ﺑﻨﺴﺎت ،وأن رﻃﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻳﺴﺎوي ﺗﺴﻌﺔ ٍ أرﻃﺎل ﻣﻦ اﻟﺒﻄﺎﻃﺲ. أرﻃﺎل ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ وﺗﺴﻌﺔ اﻟﻠﺤﻢ ﺗﺴﺎوي ﻗﻴﻤﺔ ﺛﻼﺛﺔ ٍ ٍ ) (4ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ ٍ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ — ﺳﻨﴩﺣﻬﺎ اﻵن — وأﻫﻤﻬﺎ ﻗﻮاﻧني اﻟﻌﺮض ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻗﻴﻤﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﻘﻮاﻧني واﻟﻄﻠﺐ ،واﻟﻌﺮض ﻫﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ املﺮاد ﺑﻴﻌﻬﺎ ،واﻟﻄﻠﺐ ﻫﻮ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ املﺮاد ﴍاؤﻫﺎ. 95
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﺻﻨﻒ ﻳﺒﺤﺚ ً ٍ أوﻻ ﻋﻦ إﻧﺴﺎن ﴍاء أي وﻗﺪ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ؛ ﻷﻧﻪ إذا أراد ٍ اﻟﺜﻤﻦ ،ﺛﻢ ﻳﻌني اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﱰﻳﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﻓﺮﺿﻨﺎ وﻛﺎن ﺛﻤﻦ اﻟﺮﻃﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ أرﺑﻌﺔ ً ٍ ٍ ﺛﻼﺛﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ،رﺑﻤﺎ اﺿﻄﺮ اﻟﻔﻘﺮاء إﱃ ﺗﻘﻠﻴﻞ ﻣﺮﺗﺒﻬﻢ أو ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ ﺑﻨﺴﺎت ً ٍ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺒﻄﺎﻃﺲ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺛﻤﻦ اﻟﺮﻃﻞ ﻣﻦ ﺻﻨﻒ آﺧﺮ أﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ إﱃ ﴍاء ً ٍ اﻟﻠﺤﻢ ﺷﻠﻨًﺎ أو أرﺑﻌﺔ ﻋﴩ ً ﺑﻨﺴﺎت ،ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ أﻛﻞ ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ ﺗﺴﻌﺔ ﺑﻨﺴﺎ، اﻟﻠﺤﻢ ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻘﺘﺼﺪون ﻓﻴﻪ ،ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﻄﻠﺐ ،وأﻣﺎ اﺧﺘﻼف اﻟﻌﺮض، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻮ ُﻓﺮض ارﺗﻔﺎع ﺛﻤﻦ اﻟﻠﺤﻢ ﻷﴎع أﺻﺤﺎب املﻮاﳾ إﱃ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﻃﻠﺒًﺎ ﰲ اﻟﺮﺑﺢ ،وﻟﻮ ﻫﺒﻂ اﻟﺴﻌﺮ ﻷرﺟﺌُﻮا اﻟﺒﻴﻊ إﱃ ٍ وﻗﺖ آﺧﺮ ،إذن ﻟﻮ ارﺗﻔﻊ اﻟﺜﻤﻦ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﻌﺮض وﻳﻘﻞ اﻟﻄﻠﺐ ،وﻟﻮ ﻫﺒﻂ اﻟﺜﻤﻦ ﻳﻘﻞ اﻟﻌﺮض وﻳﻜﺜﺮ اﻟﻄﻠﺐ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮ زاد اﻟﻌﺮض وﻗﻞ اﻟﻄﻠﺐ ﻳﻬﺒﻂ اﻟﺜﻤﻦ، وﻟﻮ ﻗﻞ اﻟﻌﺮض وﻛﺜﺮ اﻟﻄﻠﺐ ﻳﺮﺗﻔﻊ اﻟﺜﻤﻦ ،وﺑﻤﺎ أن ﻫﺬه اﻟﻘﻮاﻧني ﻋﲆ ﻏﺎﻳ ٍﺔ ﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ، ﺳﻨﺒﻴﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺸﻜﻞ اﻵﺗﻲ: اﻟﺜﻤﻦ
اﻟﻌﺮض اﻟﻄﻠﺐ
ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻛﺜري
ﻗﻠﻴﻞ
ﻗﻠﻴﻞ
ﻛﺜري
ﺑﺨﺲ
ٍ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻛﺎﻧﺖ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺼﻞ ﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻵن أن ﻧﻔﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﺤﺪد ﺛﻤﻦ أي ﺑﺜﻤﻦ اﻟﺜﻤﻦ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻪ اﻟﻌﺮض ﻣﺴﺎوﻳًﺎ ﻟﻠﻄﻠﺐ؛ ﻷن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪون ﴍاء ﺑﻀﺎﺋﻊ ٍ ﻣﻌﻠﻮ ٍم ،وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻪ ﻳﻀﻄﺮون إﱃ زﻳﺎدﺗﻪ؛ ﻟﻴﺸﺠﻌﻮا ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺠﺎر ﻋﲆ اﻟﺒﻴﻊ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪم أﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ارﺗﻔﻊ اﻟﺜﻤﻦ ﻛﺜﺮ اﻟﻌﺮض. ٍ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻋﻦ اﻟﺜﻤﻦ اﻟﺠﺎري ،ﻟﻌﻠﻢ ﺑﺜﻤﻦ ﺻﻨﻒ وﻟﻮ رﻏﺐ أﺣﺪ املﺸﱰﻳﻦ اﺑﺘﻴﺎع ٍ ﻣﺨﺼﻮص ٍ ٍ ﱠ ﻓﺎﻟﻔﻼﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺧﺬ ﻗﺪ ًرا ﻣﻦ املﺴﲆ ً ﻣﺜﻼ ﻟﺒﻴﻌﻪ ﰲ اﻟﺴﻮق ﺑﺬﻟﻚ ﰲ اﻟﺤﺎل اﻟﺒﺎﺋﻌﻮن اﻵﺧﺮون، ﺗﻌﻠﻢ ﺑﻤﺠﺮد وﺻﻮﻟﻬﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﻌﺮض أزﻳﺪ ﻣﻦ املﻌﺘﺎد أو ﻻ ،ﻓﺈذا ﻗ ﱠﻞ اﻟﺸﺎرون ﺧﺸﻴﺖ ً ﻋﺎزﻣﺔ ﻋﲆ ﻣﺸﱰاﻫﺎ ﺑﺎﻟﺜﻤﻦ، ﻋﻮدﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ،وﺑﺪون أن ﺗﺸﱰي اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﺴﺎ واﺣﺪًا أو اﺛﻨني ً رﻃﻞ ً ﻣﺜﻼ ،وﰲ اﻟﺤﺎل ﺗﻀﻄﺮ ﺑﻘﻴﺔ ﺑﺎﺋﻌﺎت ﻓﺘﻀﻄﺮ إﱃ ﺗﻘﻠﻴﻞ ﺛﻤﻦ ﻛ ﱢﻞ ٍ املﺴﲆ إﱃ اﻟﺒﻴﻊ ﺑﻬﺬا اﻟﺜﻤﻦ؛ إذ ﻻ ﻳﺮﻏﺐ أﺣ ٌﺪ ﰲ ﴍاء ﻣﺴﲆ ﺑﺴﻌﺮ اﻟﺮﻃﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ١٫٨٠ﻓﺮﻧﻚٍ ﺑﺎﺋﻊ آﺧﺮ. ﺑﺎﺋﻊ إذا أﻣﻜﻨﻪ اﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻣﺴﲆ ﻳﻤﺎﺛﻠﻪ ﰲ اﻟﺠﻮدة ﺑﻤﺒﻠﻎ ١٫٦٠ف ﻣﻦ ٍ ﻣﻦ ٍ 96
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ
ً ﻗﻠﻴﻠﺔ ،أو ﻛﺎن املﺸﱰون ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ ﻟﻜﺎﻧﺖ وﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻤﻴﺔ املﺴﲆ املﺮاد ﺑﻴﻌﻬﺎ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺑﻌﻜﺲ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم؛ إذ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺑﺎﺋﻌﺎت املﺴﲆ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﺗﴫﻳﻒ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ،وﻳﴪع اﻟﺸﺎرون إﱃ اﺑﺘﻴﺎع ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﻢ ﻣﻦ املﺴﲆ ﻗﺒﻞ ﻧﻔﺎده ،وﻫﺬا اﻹﻗﺒﺎل ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺒﺎﺋﻌﺎت ﻋﲆ دﻓﻊ اﻷﺛﻤﺎن ،وﺑﻬﺬه املﺴﺎوﻣﺔ ﺗﺠﺪد أﺛﻤﺎن اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ .وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘﻮل :إن اﻟﺜﻤﻦ اﻻﻋﺘﻴﺎدي ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﺴﺎوى ﺑﻪ اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ. ) (5ﰲ ارﺗﺒﺎط اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﺸﻐﻞ ٍ ﻣﻬﻤﺔ وﻫﻲ اﻟﺠﻮاب ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال :ﻫﻞ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺸﻐﻞ أو ﺳﻨﺒﺤﺚ اﻵن ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ٍ ارﺗﺒﺎط ﺑني اﻟﻘﻴﻤﺔ واﻟﺸﻐﻞ؟ ﻓﻨﻘﻮل: ﻻ؟ وﺑﻌﺒﺎر ٍة أﺧﺮى :ﻫﻞ ﻣﻦ ً ﻣﺸﻘﺔ ﺷﺎﻫﺪت ﻓﺌﺔ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني أن اﻷﺷﻴﺎء ذات اﻟﻘﻴﻤﺔ املﺮﺗﻔﻌﺔ ﻛﺎﻟﺬﻫﺐ ﺗﺴﺘﻠﺰم زاﺋﺪ ًة ﻟﻠﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا :إن اﻟﻌﻨﺎء اﻟﺬي ﻳﺘﻜﺒﺪه اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ أي ﳾءٍ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ارﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﴚء ،ﻋﲆ أن ﻫﺬا ﺧﻄﺄ ٌ ﱢ ٌ ﺑني؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻟﻮ اﻋﺘﻤﺪﻧﺎ ﻫﺬا املﺒﺪأ ﻟﻮﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل :إن ﻛﻞ ﳾءٍ اﺳﺘﻠﺰم ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎء ﻳﻜﻮن ﻣﺮﺗﻔﻊ اﻟﻘﻴﻤﺔ، ﻛﺘﺎب وﻃﺒﻌﻪ وﺗﺠﻠﻴﺪه ﻋﻨﺎءً ﻛﺒريًا، ﺑﺤﻘﻴﻘﻲ ،ﻓﻠﻮ اﺳﺘﻠﺰم ﺗﺄﻟﻴﻒ وﻛﻠﻨﺎ ﻳﻌﻠﻢ أن ذﻟﻚ ﻟﻴﺲ ﱟ ٍ وﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻋﻠﻴﻪ أﺣ ٌﺪ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ إﻻ ﻗﻴﻤﺔ زﻫﻴﺪة ،وﻟﻨﺎ ﰲ اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺘﻲ أ ُ ِ ﻧﺸﺌﺖ ﺗﺤﺖ ﻧﻬﺮ ً أﺷﻐﺎﻻ ﻛﺜري ًة ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻤﺖ ﻟﻢ دﻟﻴﻞ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎه ،ﻓﺈﻧﻬﺎ اﺳﺘﻠﺰﻣﺖ اﻟﺘﻴﻤﺰ أﻋﻈﻢ ٍ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ املﺮور ﺑﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ إذن ﻻ ﺗﺬﻛﺮ ،وﻟﻢ ﺗﺘﺤﺴﻦ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ً ٌ ٌ ﻗﻴﻤﺔ ،وﻻ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ،ﻓﻤﻦ املﺤﻘﻖ إذن أن ﻣﺠﺮد اﻟﺸﻐﻞ ﻻ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﴚء ﺳﻜﺔ أﻧﺸﺌﺖ ﺑﻬﺎ إﻋﻄﺎء اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺸﻐﻞ ﻣﻦ ﺧﺎﺻﻴﺘﻪ أن ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻠﴚء ﻣﻨﻔﻌﺔً. ً وﻗﺪ ﻳُﺸﺎﻫﺪ ً ٍ ٍ ﺷﻐﻼ ﺑﺎملﺮة ،أو ﻻ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻠﺰم ﻗﻴﻤﺔ أﻳﻀﺎ ﺑﻌﺾ أﺷﻴﺎء ذات ً ً ً ﺳﺒﻴﻜﺔ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﻓﻮﺟﺪ ﺷﻐﻼ ﻳﺴريًا، ﺗﺴﺘﻠﺰم ﱠإﻻ ﻓﻤﺜﻼ ﻟﻮ ﻣ ﱠﺮ أﺣﺪ اﻟﺮﻋﺎة اﻷﺳﱰاﻟﻴني ﻋﲆ ٍ ً ً ﻗﻴﻤﺔ ﺷﻐﻼ ﻣﺘﻌﺒًﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻟﻬﺬه اﻟﻘﻄﻌﺔ اﻟﺬﻫﺐ ذﻫﺐ وأﺧﺬﻫﺎ ،ﻓﻼ ﻳُﻌﺪ أﺧﺬه ﻟﻬﺎ ٍ ذﻫﺐ أﺧﺮى ﻣﺴﺎوﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﻮزن ،وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ املﻨﺎﺟﻢ ﻳُﺴﺘﺨﺮج ﻣﻨﻪ ﻛﻘﻴﻤﺔ أي ﻗﻄﻌﺔ ٍ ٌ ٌ ٌ واﻫﻴﺔ رﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ اﻷﺗﻌﺎب ﻛﻤﻴﺎت ﻛﻤﻴﺎت واﻓﺮ ٌة ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻻ ﻳُﺴﺘﺨﺮج ﻣﻨﻪ إﻻ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻠﺰﻣﻬﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺜﻤﻦ ذﻫﺐ أي ﻣﻨﺠ ٍﻢ ﻳﺴﺎوي ذﻫﺐ املﻨﺎﺟﻢ اﻷﺧﺮى ﻋﻨﺪ اﺗﺤﺎد اﻟﻌﻴﺎر. ﻧﺘﺞ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﺸﻐﻞ ﻟﻴﺲ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ارﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺬﻫﺐ ،ﺑﻞ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ ﻫﻮ أن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ ازدﻳﺎد اﻟﻜﻤﻴﺔ املﻮﺟﻮدة ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻨﻪ ،وﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ﻓﺎﻟﴚء 97
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ٌ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪ اﺣﺘﻴﺎج اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ ،ﻫﺬا وإذا ﻛﺎن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﳾءٍ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎء ﻻﺷﺘﻐﻞ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﺳﺘﺨﺮاﺟﻪ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺗﻜﻮن اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺬﻫﺐ ٍ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺬﻫﺐ املﺴﺘﺨﺮج ﻛﻘﻴﻤﺔ اﻟﺬﻫﺐ املﻮﺟﻮد ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ أن درﺟﺔ اﻻﺣﺘﻴﺎج إﻟﻴﻪ ﻟﻢ ﺗﺘﻐري ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻏﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻣﺤﺪود ٌة؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ :إن اﻟﺜﺮوة ﻻ ﺑ ﱠﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺤﺪودة اﻟﻜﻤﻴﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﺜﺮت ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺬﻫﺐ ﺣﺘﻰ ﻋﺎدﻟﺖ ﻛﻤﻴﺎت اﻟﺮﺻﺎص واﻟﻨﺤﺎس ﻻ ﺑﺪ وأن ﺗﻘﻞ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻋﻦ اﻷول؛ ﻷن ﻛﻤﻴﺘﻪ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﻟﻘﺪر اﻟﻜﺎﰲ ﻟﻌﻤﻞ اﻟﺤﲇ واﻟﺴﺎﻋﺎت واملﺼﻮﻏﺎت … إﻟﺦ ،وﻳﺘﺴﻨﻰ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ وأﺣﻮاض ،وﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺬﻫﺐ ﻟﻴﺲ ﺑﴬوريﱟ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء. أوان ٍ ﻟﻌﻤﻞ ٍ ٍ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺻﻨﻒ وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘﻮل :إﻧﻪ إذا أﻣﻜﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻛﻤﻴ ٍﺔ واﻓﺮ ٍة ﻣﻦ أي ٍ اﻟﻌﻨﺎء ﻻﻛﺘﻔﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻜﻤﻴﺔ املﻮﺟﻮدة ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻨﻪ ،وﻣﺎ رﻏﺒﻮا ﰲ زﻳﺎدﺗﻬﺎ ،وﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ ٍ ﺻﻨﻒ ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﲆ ﻣﺮﺗﻔﻊ ،ﻓﺈذن اﻟﻌﻨﺎء املﺒﺬول ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ أي ﺑﺜﻤﻦ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺸﱰوﻧﻪ ٍ ٍ ﻗﻴﻤﺘﻪ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﻨﺎء زﻳﺎدة أو ﻧﻘﺼﺎن اﻟﻜﻤﻴﺔ املﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺰداد أو ﺗﻨﻘﺺ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﺟﺰءٍ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻜﻤﻴﺔ. ) (6ﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ارﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻠﺆﻟﺆ؟ ﻟﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻘﺪم ﺟﻠﻴٍّﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺠﻴﺐ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال :ﻫﻞ ﻳُﻐﺎص ﰲ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺎر ٌ ٌ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﻷﻧﻪ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ اﻟﻐﻮص ﰲ ﻗﺎع ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ،أو أن ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻠﺆﻟﺆ ﻷن ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻟﺒﺤﺎر؟ ﻓﻨﻘﻮل: ﻻ ﻳﺨﻔﻰ أن اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻠﺆﻟﺆ أﻣ ٌﺮ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺮ واﻟﻨ ﱠ َ ﺼﺐ ،ﻓﺈن أﺛﻘﺎل ﺗﺠﺬﺑﻬﻢ إﱃ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺎر ،وﻻ ﻳﺘﻨﻔﺴﻮن ﻣﺪة وﺟﻮدﻫﻢ اﻟﻐﻮاﺻني ﻳﻀﻄﺮون إﱃ ﺣﻤﻞ ٍ ً ً ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪٍّا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﺎ ﻳﻼﻗﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮن ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻶﻟﺊ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺪوﻧﻬﺎ ﺗﺤﺖ املﺎء، ً املﺼﺎﻋﺐ ،ﻓﻴُﺴﺘﻨﺘَﺞ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻷﺟﻮر اﻟﺘﻲ ﺗُﻌ َ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ وإﻻ ﻛﺎﻧﺖ ﻄﻰ ﻟﻬﻢ ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻏري ﻣﻨﺎﺳﺒ ٍﺔ ﻟﻠﺸﻐﻞ ،ﻋﲆ أن ذﻟﻚ ﻟﻴﺲ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ أن ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻠﺆﻟﺆ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺟﺪٍّا؛ ﻷﻧﻪ إذا ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻜﺎن ﻟﻠﺼﺪف اﻟﺬي ﻳﻮﺟﺪ داﺧﻠﻪ اﻟﺪر ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﻛﻘﻴﻤﺔ اﻟﺪر ﻧﻔﺴﻪ ،واﻟﺤﺎل أن اﻟﺼﺪف ﻣﻌﺘﱪٌ ﺿﻤﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﻘﻴﻤﺔ ،وﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻫﻮ اﻟﻌﻨﺎء ﻟﻜﺎن ملﻦ ﻳﻐﻄﺲ وﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ ﺑﺄي ﳾءٍ اﻟﺤﻖ ﰲ ﺑﻴﻊ ﻫﺬا ﻣﺮﺗﻔﻊ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﴚء اﺳﺘﻠﺰم ﻏﻄﺎﺳﻪ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ ،واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﻠﺆﻟﺆ ﺑﺜﻤﻦ اﻟﴚء ٍ ٍ 98
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ
ٌ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ؛ ﻷن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻫﻦ ﻋﻘﻮ ٌد ﻣﻨﻪ ،وﻳﺮﻏﺒﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻓﺎﻟﺴﺒﺐ إذن ﰲ ارﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻶﻟﺊ ﻫﻮ ﻣﻨﻔﻌﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻴﺪات ،واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻫﺬه املﻨﻔﻌﺔ ﻫﻮ أن اﻟﺴﻴﺪات ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺼﻠﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻶن ﻋﲆ ﻛﻤﻴ ٍﺔ ﻛﺎﻓﻴ ٍﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺴﻴﺪات اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻘﺪر اﻟﻜﺎﰲ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺼﻌﺐ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺎر ،وﺑﺎﻻﺧﺘﺼﺎر اﻟﻌﺮض ﺗﺎﺑ ٌﻊ ﻟﻠﻌﻨﺎء، ٌ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻼﺣﺘﻴﺎج. واﻻﺣﺘﻴﺎج ﺗﺎﺑ ٌﻊ ﻟﻠﻌﺮض ،واﻟﻘﻴﻤﺔ
99
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﲏ ﻋﴩ ﰲ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ
) (1ﰲ املﺒﺎدﻟﺔ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﻮاﺳﻄﺔ املﺒﺎدﻟﺔ ،ﻓﻴﻌﻄﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﺷﻴﺌًﺎ وﻳﺄﺧﺬ ﺷﻴﺌًﺎ ﺑﺪﻟﻪ ﻏري اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ، ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أﻋﻄﻰ ﻗﻤﺤً ﺎ وأﺧﺬ ﺳﻜ ًﺮا أو ﻛﺘﺎﺑًﺎ وأﺧﺬ ﻧﻈﺎر ًة ،وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ املﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻋﻨﺪ ً ﻛﻤﻴﺔ واﻓﺮ ًة ﻣﻦ اﻟﻐﻼل اﻷﻣﻢ املﺘﺄﺧﺮة ﰲ اﻟﺘﻤﺪن ،ﻓﺎﻟﺴﺎﺋﺢ ﰲ أواﺳﻂ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻌﻪ واﻟﻘﻼﺋﺪ واﻟﺨﻨﺎﺟﺮ وﻳﻌﻄﻲ ﻫﺬه اﻷﺻﻨﺎف ﻟﻸﻫﺎﱄ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﺎ ﻳﺆدوﻧﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺪم أو اﻟﻘﻮت، وﺗُﺴﺘﻌﻤﻞ املﺒﺎدﻟﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺑني أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ أو اﻷﻣريﻛﺎﻧﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻨﺎدر ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻻرﺗﺒﺎك. ﻓﻠﻮ اﺣﺘﺎج اﻹﻧﺴﺎن إﱃ ﻧﻈﺎر ٍة وﻛﺎن ﻋﻨﺪه ﻛﺘﺎبٌ ﻻﺿﻄﺮ إﱃ ٍ ﻃﻮﻳﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻬﺘﺪي ﺑﺤﺚ ٍ ﺑﻜﺘﺎب ،وﻟﻮ وﺟﺪه ﻣﺤﺘﺎﺟً ﺎ إﱃ ﻛﺘﺎﺑﻪ دون ﻏريه ﺷﺨﺺ ﻋﻨﺪه ﻧﻈﺎرة ﻳﺮﻳﺪ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ ﻋﲆ ٍ ٍ ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺮﺑﻤﺎ أن ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻜﺘﺎب ﺗﺰﻳﺪ أو ﺗﻨﻘﺺ ﻋﻦ ﻟﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ أﻏﺮب اﻟﺼﺪف، ٌ ٌ اﻟﻨﻈﺎرة ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻋﻨﺪه ﻧﻈﺎرة ﺟﻴﺪة أن ﻳﺸﻄﺮﻫﺎ ﺷﻄﺮﻳﻦ ،ﻳﻌﻄﻲ ﻛ ﱠﻞ واﺣ ٍﺪ ﺷﺨﺺ ﻣﻌﻠﻮ ٍم ﺑﺪون أن ﺗﻀﻴﻊ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ. ﻣﻨﻬﻤﺎ إﱃ ٍ
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
) (2ﰲ ﻣﺰاﻳﺎ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ ٍ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺠﺰﺋﺔ وﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻋﻨﺪ إن اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ ﺗﺰﻳﻞ ﺻﻌﻮﺑﺎت املﺒﺎدﻟﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﻣﺒﺎدﻟﺔ ،وﻳﻤﻜﻨﻪ اﻋﺘﺒﺎر ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺴﻠﻊ ﻋُ ً ٍ ﻤﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﻼل ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﺼﻔﺔ اﻷزﻣﺎن املﺎﺿﻴﺔ ﻋُ ﻤﻠﺔ ﻟﻠﺒﻼد اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،ﻓﻜﺎن اﻟﻔﻼح ﻳﺨﺰن ﻏﻼﻟﻪ ﺣﺘﻰ إذا اﺣﺘﺎج ﻻﺑﺘﻴﺎع ً ﻏﻼﻻ ،وإذا ﻓﺮﺿﻨﺎ أن اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ املﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻫﻲ اﻟﻐﻼل ،وأراد ﺣﺼﺎن أو ﻋﺮﺑ ٍﺔ دﻓﻊ اﻟﺜﻤﻦ ٍ ﺑﻤﺤﺮاث ﻓﻼ ﻳﻀﻄﺮ إﱃ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻤﱠ ﻦ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻌﺮﺑﺔ وﻳﻌﻄﻴﻪ ﻣﺤﺮاﺛﺎً، ٍ ٌ ﺷﺨﺺ اﺳﺘﺒﺪال ﻋﺮﺑ ٍﺔ ٍ ﺑﻤﺤﺮاث ،وإذا زادت ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻐﻼل ،ﺛﻢ ﻳﺴﺘﺒﺪل اﻟﻐﻼل ﺑﻞ ﻳﺴﺘﺒﺪل اﻟﻌﺮﺑﺔ ٍ ﻋﻦ املﺤﺮاث ﻟﻜﻔﻰ ﺻﺎﺣﺐ املﺤﺮاث إﻋﻄﺎء ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﺮﺑﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻮب ﻹﺗﻤﺎم املﻮازﻧﺔ، ً واﺳﻄﺔ ﰲ املﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﺘﻘﺴﻤﻬﺎ إﱃ ﻋﻤﻠﻴﺘني. ﻓﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺤﺮاث
ﺑﻴﻊ
ﻋﻤﻠﺔ ﻋﺮﺑﺔ
اﺑﺘﻴﺎع
ورﻏﻤً ﺎ ﻋﻦ ﻓﺼﻠﻬﺎ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﻮاﺣﺪة إﱃ ﻋﻤﻠﻴﺘني ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺴﻬﻞ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ؛ ﻷن اﻟﻌﻤﻠﻴﺘني ﺷﺨﺺ واﺣﺪٍ. ﻻ ﻳُﺸﱰط إﺗﻤﺎﻣﻬﻤﺎ ﻣﻊ ٍ ) (3ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻢ اﻻﺗﻔﺎق ﻋﲆ ﻋُ ٍ ﻣﺸﱰ ،وملﻦ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ :إﻧﻪ ﺑﺎﺋﻊٌ. ﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻳُﻘﺎل ملﻦ ﻳﻨﻘﺪﻫﺎ :إﻧﻪ ٍ وﻟﻮ ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ اﻟﺒﻴﻊ واﻟﴩاء ﻻ ﻳﺨﺮﺟﺎن ﻋﻦ املﺒﺎدﻟﺔ ،ﺑَﻴْ َﺪ ﱠ أن إﺣﺪى اﻟﺒﻀﺎﻋﺘني املﺒﻴﻌﺔ أو املﺸﱰاة ﻣﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻟﺴﻬﻮﻟﺔ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ،وﰲ اﻹﻣﻜﺎن ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ ً ٌ واﺳﻄﺔ ﻟﻠﻤﺒﺎدﻟﺔ ،ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻳﺪ املﺒﺘﺎع إﱃ ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ﻟﺘﻜﻮن ﺑﺎﻟﺒﻀﺎﻋﺔ املﺘﺪاوﻟﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ٌ ﺑﻴﻊ أو ﴍاءٍ ﺗﻮﺟﺪ ﻧﺴﺒﺔ ﺑني ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ وﺑني اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ،وﺗﻠﻚ ﻳﺪ اﻟﺒﺎﺋﻊ ،ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ٍ اﻟﻨﺴﺒﺔ ﺗﺪل ﻋﲆ ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻐريﻫﺎ ،وﻗﻴﻤﺔ املﺒﺎدﻟﺔ ﻫﻲ ﻋني ﻫﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ ]اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ – اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺗﺪل ﻋﲆ ﻧﺴﺒﺔ ﰲ املﺒﺎدﻟﺔ[ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗُﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﻌﻤﻠﺔ ٍ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺛﻤﻦ ﻫﺬه اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ،ﻓﻴﻜﻮن اﻟﺜﻤﻦ ﻳﻜﻮن اﻟﻘﺪر املﺪﻓﻮع ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻠﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ 102
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ
إذن ﻋﺒﺎر ًة ﻋﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﴚء ﻣﻌﱪًا ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔ ،وﺑﻤﺎ أن اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺔ ٍ ﺻﻨﻒ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﺻﻨﺎف اﻷﺧﺮى، ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺻﻨﺎف ،ﻓﻴﻤﻜﻦ واﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬه ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻗﻴﻤﺔ أي وﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﻳﻠﺰم ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس ﻟﻠﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﺮﺻﺎص ،أو ﻣﺎ ٍ ﺻﻠﺐ ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺰﻧﻚ واﻟﻄﻮب واﻷﺧﺸﺎب ،ملﺎ ﻳﻠﺰم ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ٍ أﻣﻜﻨﻨﺎ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻨﺤﺎس ﺑﺎﻟﺰﻧﻚ ،أو اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺨﺸﺐ ،ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻟﻮ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن املﺜﻘﺎل ﻣﺜﻘﺎل ،وﻣﻦ اﻟﺮﺻﺎص ،٦٤٠٠وﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ املﺼﻨﻮع اﻟﺬﻫﺐ ﻳﺴﺎوي ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس ١٧٠٠ ٍ ﻣﺜﻘﺎل ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس ﺗﺴﺎوي ١٦٠٠٠ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا، ،١٦٠٠٠ﻟﺤﻜﻤﻨﺎ أن ١٧٠٠ ٍ ﻓﺤﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻜﻮن اﻟﺬﻫﺐ أو اﻟﺼﻨﻒ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي اﺗﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴﻜﻮن ﻋُ ً ﻣﻘﻴﺎس ﻤﻠﺔ ﻫﻮ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ٍ ﻣﺸﱰكٍ ﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺔ اﻷﺷﻴﺎء ،ﺑﻮاﺳﻄﺘﻪ ﻳﺘﻴﴪ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻌﺮﻓﺔ أﺛﻤﺎن أﻧﻮاع اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،وﻳﺎ ٍ إﻧﺴﺎن ﺑﺘﺼﻮر ﻗﻴﻤﺔ اﻷﺷﻴﺎء ،وﺑﺎﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻜ ﱢﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺰﻳ ٍﺔ ٍ ٍ ٍ ﺑﻌُ ٍ ﻣﺨﺼﻮص ،ﻓﺈذن ﻳﻜﻮن ﺑﺜﻤﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﻴﻊ؛ ﻷن ﻗﻴﻤﺔ ﻛﻞ ﻤﻠﺔ ٍ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ٍ ﻟﻠﻌُ ﻤﻠﺔ وﻇﻴﻔﺘﺎن: ٌ واﺳﻄﺔ ﰲ املﺒﺎدﻻت اﻷوﱃ :أﻧﻬﺎ ٌ ﻣﻘﻴﺎس ﻣﺸﱰ ٌك ملﻌﺮﻓﺔ ﻗﻴﻤﺔ اﻷﺷﻴﺎء .وﻻ ﻳﻌﺰب ﻋﻦ اﻟﻔﻜﺮ أن اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ وإن اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :أﻧﻬﺎ أدت ﻫﺬه اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ ]اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ – ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ[ ،وإذا زادت ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻗﻠﺖ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ،أي ارﺗﻔﻌﺖ أﺛﻤﺎن اﻟﺴﻠﻊ واﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ. ) (4ﰲ ﻣﺎدة اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻷن ﺗﻜﻮن ﻋُ ً ٌ أزﻣﺎن ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﻨﺒﻴﺬ ﻤﻠﺔ ،وﻗﺪ اﺳﺘُﻌﻤﻞ ﰲ ﻗﺪ ذﻛﺮﻧﺎ أن ﻛﻞ اﻷﺻﻨﺎف ٍ واﻟﺒﻴﺾ واﻟﺰﻳﺖ اﻟﻄﻴﺐ واﻷرز واﻟﺠﻠﻮد واﻟﺘﺒﻎ واملﺤﺎر واملﺴﺎﻣري ﺑﺼﻔﺔ ﻋُ ﻤﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻗﺪ أﻗﺮ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم ﻋﲆ أن املﻌﺎدن ﻫﻲ أﺻﻠﺢ ﻟﻬﺬه املﻬﻤﺔ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ؛ وذﻟﻚ ﻟﻌﺪة وﺟﻮهٍ: ً أوﻻ :ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻫﺬان املﻌﺪﻧﺎن ﺳﻬﲇ اﻟﺤﻤﻞ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﺟﺰءًا ﺻﻐريًا ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﻌﺎدل ﻗﻴﻤﺔ ﻛﻤﻴ ٍﺔ واﻓﺮ ٍة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ أو اﻟﺨﺸﺐ أو ﻏري ذﻟﻚ. ﺛﺎﻧﻴًﺎ :ﻟﻜﻮﻧﻬﻤﺎ ﻏري ﻗﺎﺑﻠني ﻟﻺﺗﻼف ﻣﺜﻞ اﻟﺒﻴﺾ واﻟﻨﺒﻴﺬ واﻟﺨﺸﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻬﻤﺎ ﻳُﺤﻔﻈﺎن إﱃ ﻧﻘﺺ ﰲ ﻗﻴﻤﺘﻬﻤﺎ. ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ ﺑﺪون ٍ 103
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﺛﺎﻟﺜًﺎ :ﻷن ﻣﻌﺪﻧﻬﻤﺎ ﻣﺘﺤﺪ اﻟﺼﻔﺔ ،ﻓﺎﻟﺬﻫﺐ اﻟﻨﻘﻲ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﰲ ﳾءٍ ﻋﻦ ﻣﺜﻠﻪ ،وﻣﻬﻤﺎ اﺧﺘﻠﻂ ﺑﺠﺴ ٍﻢ آﺧﺮ أﻗﻞ ﻣﻨﻪ ً ﻗﻴﻤﺔ ﺳﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻘﺪاره. ٍ ﻧﻘﺺ؛ إذ ﻳﻜﻮن ﻣﺠﻤﻮع اﻷﺟﺰاء ﻣﺴﺎوﻳًﺎ ﻟﻸﺻﻞ راﺑﻌً ﺎ :ﻟﻜﻮﻧﻬﻤﺎ ﻳﻨﻘﺴﻤﺎن ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺑﺪون ٍ ﰲ اﻟﻘﻴﻤﺔ. ً ﺧﺎﻣﺴﺎ :ﻻﻧﻔﺮادﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﺒﻬﺠﺔ واﻟﻠﻤﻌﺎن ،وﻻﺧﺘﺼﺎص اﻟﺬﻫﺐ ﺑﺎﻟﺜﻘﻞ ﻳﺼﻌﺐ ﺗﺰﻳﻴﻔﻬﻤﺎ، وﺑﻤﺠﺮد اﻟﺘﻤﻮﱡه ﻳﺘﻴﴪ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻐﺶ واﻻﺣﱰاس ﻣﻨﻪ. ٍ ً ﺑﴪﻋﺔ. ﺳﺎدﺳﺎ :ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻻ ﺗﺘﻐري ﻗﻴﻤﺘﻬﻤﺎ ﻓﻠﻮ ﻛﺎن املﺤﺼﻮل ردﻳﺌًﺎ ﺗﻀﺎﻋﻒ ﺛﻤﻦ اﻟﻐﻼل ،ﻛﻤﺎ أن أﺛﻤﺎن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻔﺴﺎد ﻛﺎﻟﺒﻴﺾ واﻟﺠﻠﻮد وﻏريﻫﻤﺎ ﺗﺘﻐري ﻛﺜريًا ،ﺑﻌﻜﺲ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﻓﺈن ﺗﻐﻴري ﻗﻴﻤﺘﻬﻤﺎ ﺑﻄﻲءٌ ﺟﺪٍّا؛ وذﻟﻚ ﻟﻄﻮل أﻣﺪﻫﻤﺎ وﻗﻠﺔ املﺤﺼﻮل ﻣﻨﻬﻤﺎ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺗﺘﻐري ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻐري ﻗﻴﻤﺔ ﺑﺎﻗﻲ اﻷﺷﻴﺎء. ) (5ﰲ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ املﻌﺪﻧﻴﺔ إن أﻏﻠﺐ املﻌﺎدن ﻣﺜﻞ اﻟﻨﺤﺎس واﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﻘﺼﺪﻳﺮ واﻟﺮﺻﺎص وﻏريﻫﺎ ﻗﺪ اﺳﺘُﻌﻤﻠﺖ ﰲ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻷﺟﺴﺎم املﺮﻛﺒﺔ ﻛﺎﻟﱪﻧﺰ واﻟﻨﺤﺎس اﻷﺻﻔﺮ، اﻟﻨﻘﻮد، وﻟﻜﻦ اﻷﻣﻢ ﻋﺪﻟﺖ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه املﻮاد وﻓﻀﻠﺖ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ واﻟﻨﺤﺎس ،ﻓﺎﻟﻨﺤﺎس ً ﻗﻄﻌﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻘﻠﺔ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﺻﻌﺐ اﻟﻨﻘﻞ ،وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﺒﻼد اﻟﺴﻮﻳﺪ ،وﻗﺪ رأﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﻘﻮد ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ﻃﻮﻟﻬﺎ ﻗﺪﻣﺎن وﻋﺮﺿﻬﺎ ﻗﺪمٌ ،ﻓﺎﻟﺘﺎﺟﺮ ﻛﺎن ﻣﻀﻄ ٍّﺮا ﻟﺤﻤﻞ ﻧﻘﻮده ﰲ ﻋﺮﺑ ٍﺔ ﻟﻮ أراد ﴍاءَ ﳾءٍ ،وأﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﺎﻟﻨﺤﺎس ﻳُﺴﺘﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﺼﻐرية ﻻ ﻏري ،وﻗﺪ ﻳﻀﺎف إﻟﻴﻪ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺪﻳﺮ ﻟﺰﻳﺎدة ﻣﺘﺎﻧﺘﻪ ﻓﻴﺴﺘﺤﻴﻞ إﱃ ﺑﺮﻧﺰ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ً ﻋﻘﺒﺔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ دﻓﻊ املﺒﺎﻟﻎ اﻟﺼﻐرية واﻟﻜﺒرية، ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﺴﻜﺴﻮﻧﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻀﻴﺔ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻫﻲ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ واﻟﱪﻧﺰ ﻛ ﱞﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﺐ ،ﻓﻔﻲ إﻧﻜﻠﱰا ﻧﺮى وأﺣﺴﻦ ﺑﻤﺠﺒﻮر ﻋﲆ ﻗﺒﻮل أن اﻟﺬﻫﺐ وﺣﺪه ﻫﻮ اﻟﻌﻤﻠﺔ املﻌﺘﱪة اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺲ ٍ ٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻧﻘﻮ ٍد ﻏري اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،ﻓﻤﻦ ﻛﺎن ﻣﺪﻳﻨًﺎ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﺟﻨﻴ ٍﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ دﻓﻊ ﻛﻤﻴ ٍﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻨﻴ ٍﻪ ذﻫﺒًﺎ ﻟﻮﻓﺎء دﻳﻨﻪ ،وأﻣﺎ اﻟﻔﻀﺔ ﻓﻼ ﻳﺠﱪ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﲆ ﻗﺒﻮل أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أرﺑﻌني ﺷﻠﻨًﺎ ٍ ﺷﻠﻦ واﺣﺪٍ. ﰲ دﻓﻌﺔ واﺣﺪةٍ ،وﻣﻦ اﻟﱪﻧﺰ ﻻ ﻳﺠﱪ ﻋﲆ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٍ 104
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ
) (6ﰲ اﻟﺠﻨﻴﻪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي إن أﻏﻠﺐ املﺘﻌﺎﻣﻠني ﺑﺎﻟﺠﻨﻴﻪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻻ ﻳﺪرون ﻣﺎ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺠﻨﻴﻪ ،وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻤﻮﻧﻪ ﻋﻨﻪ ٌ ٌ ٌ ﻣﺴﻜﻮﻛﺔ ﺑﻤﻘﺘﴣ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﻄﻌﺔ؟ ﻫﻲ أﻧﻪ ٌ ﻣﻨﻘﻮش ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻼﻣﺔ ﻫﺬه اﻟﺪار ،وﻻ ﺗﻘﻞ زﻧﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺎﺋﺔ أﻣﺮ اﻟﱪملﺎن ﰲ دار ﴐب إﻧﻜﻠﱰا، ً ﻗﻤﺤﺔ وﻧﺼﻒ. واﺛﻨني وﻋﴩﻳﻦ وﻣﺘﻮﺳﻂ وزن اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ﻫﻮ ١٢٣٢٧٤ﺣﺒﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﻳﺰن ﻛﻞ ﺟﻨﻴ ٍﻪ ً ٍ ﺑﴪﻋﺔ ،واﻟﺠﻨﻴﻪ ﻣﻘﺒﻮ ٌل وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺘﺪاول ﻳﺨ ﱡﻞ ﻫﺬا اﻟﻮزن ﻫﺬا اﻟﻘﺪر ﺑﺎﻟﺘﺪﻗﻴﻖ، ً ﻗﻤﺤﺔ وﻧﺼﻒ وﺳﻜﺘﻪ ﻇﺎﻫﺮ ٌة ،وﻗﺪ ﺗﻌﻮد اﻟﻨﺎس ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻣﺎ داﻣﺖ زﻧﺘﻪ ﻣﺎﺋﺔ واﺛﻨني وﻋﴩﻳﻦ ﻋﲆ ﻗﺒﻮل اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت اﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﻘﺪر ،واﻟﻘﺎﻧﻮن ﻳﺠﱪ ﻋﲆ ﻗﺒﻮل ﻋﴩﻳﻦ ﺷﻠﻨًﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺠﻨﻴﻪ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺬﻫﺐ ،وذﻟﻚ ﴐوريﱞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻘﻴﻢ اﻟﺠﺰﺋﻴﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﺟﻌﻞ اﻟﺸﻠﻦ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻟﺴﻬﻞ ﺿﻴﺎﻋﻪ وﻗﻞ وزﻧﻪ ﺑﺎﻟﺘﺪاول ،ﰲ ﺣني أن اﻟﻔﻀﺔ املﻮﺟﻮدة ﺑﻌﴩﻳﻦ ﺷﻠﻨًﺎ ﻻ ﺗﻌﺎدل اﻟﺠﻨﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ؛ ﻷن ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺗﺘﻐري ﺑﺘﻐري أﺛﻤﺎن اﻟﻔﻀﺔ ،ﻓﺎﻵن ﻗﻴﻤﺔ ﻋﴩﻳﻦ ﺷﻠﻨًﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ﺗﻌﺎدل ﺳﺘﺔ ﻋﴩ ﺷﻠﻨًﺎ وﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺑﻨﺴﺎت ،أي ﺧﻤﺴﺔ أﺳﺪاس اﻟﺠﻨﻴﻪ ،وملﻨﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ إزاﻟﺔ اﻟﻔﻀﺔ اﺿﻄﺮت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إﱃ ﺗﻨﺰﻳﻞ ﻣﻘﺪار اﻟﻔﻀﺔ ﰲ ﻛﻞ ٍ ﻗﻄﻌﺔ ﻋﻦ ﻣﻘﺪار اﻟﻔﻀﺔ املﻨﻘﻮش ﻓﻮﻗﻬﺎ ،وﻟﻠﺴﺒﺐ ﻋﻴﻨﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﺒﻨﺲ ﻣﻦ اﻟﱪﻧﺰ ﻣﺎ ﺑﻨﺲ ،ﻓﻼ ﻳﻘﺪم أﺣ ٌﺪ ﻋﲆ إذاﺑﺔ أو ﺗﺒﺪﻳﻞ ﻫﺬه اﻟﻘﻄﻊ ملﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺴﺎرة ﻳﺴﺎوي ﺳﺪس ٍ ﻋﻠﻴﻪ. ) (7ﰲ ﻋُ ﻤﻠﺔ اﻟﻮرق ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗُﺴﺘﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﻌُ ﻤﻠﺔ ﻗﻄ ٌﻊ ﻣﻦ اﻟﻮرق ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻋ ٌﺪ ﺑﺎﻟﺪﻓﻊ ،ﺑﺪل اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ واﻟﱪوﻧﺰ ،وﻗﺪ ﻳﺴﺘﺤﺴﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻮرق ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن املﺒﻠﻎ ﺟﺴﻴﻤً ﺎ؛ ﻷن اﻟﻮرق ٍ ﺟﻨﻴﻬﺎت ﺗﻌﻬ ٌﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻚ ﺳﻬﻞ اﻟﺤﻔﻆ ﺧﻔﻴﻒ اﻟﺤﻤﻞ ،ﻓﻮرﻗﺔ اﻟﺒﻨﻚ املﺮﻗﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ اﻟﺬي وﺿﻌﻬﺎ ﺑﺪﻓﻊ ﻫﺬا املﺒﻠﻎ ملﻦ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ؛ وﻟﺬا ﻳﻘﺎل :إن اﻟﻮرق ﻗﺎﺑ ٌﻞ ﻟﻠﺘﺤﻮﻳﻞ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻮ أﻣﻜﻦ ﻣﺎﻟﻜﻬﺎ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮد ﰲ أي ٍ وﻗﺖ ﻳﺮﻳﺪه ،ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﻜﻮن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﻞ أﻓﻀﻞ ،وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳ َ ُﺨﴙ ﻣﻨﻪ أن اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺬي وﺿﻌﻬﺎ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ إﺑﺪاﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮد ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ذﻟﻚ ﻟﻠﺒﻨﻮﻛﺎت ﻓﺘﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺪﻓﻊ وﻻ ﺗﻔﻲ ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻬﺪت ﺑﻪ، ٍ ﻋﻤﻠﺔ أﺧﺮى ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺬه وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺗﻘﻮم اﻷوراق ﻣﻘﺎم اﻟﻨﻘﻮد ﻟﻮ ﺗﻌﴪ وﺟﻮد 105
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺤﻮﻳﻞ أو إﻧﻬﺎ ﻋُ ٌ ٍ إﻧﺴﺎن ﻟﻌﻠﻤﻪ أن ﻏريه ﻻ ﻳﻘﺪر ﻤﻠﺔ ،ﻓﻴﻘﺒﻠﻬﺎ ﻛﻞ اﻷوراق :إﻧﻬﺎ ﻏري ٍ ﻋﲆ رﻓﻀﻬﺎ ﻟﻮ ﻋُ ﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻏري أن ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ وﺧﻴﻤﺔ اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ؛ ﻟﺘﻌﻠﻖ اﻟﺴﻨﺪات ﺑﺎﻟﻘﺪر ٍ ﺑﻘﻴﻤﺔ أﻗﻞ اﻟﺬي وﺿﻊ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﻤﻜﻨﻮن ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺪاد دﻳﻮﻧﻬﻢ ﺣﺎل ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﴍح ﻫﺬه املﺴﺎﺋﻞ اﻟﻌﻮﻳﺼﺔ ﰲ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺪاﻧﻮﻫﺎ ،وﻋﲆ ﻛﻞ ٍ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب.
106
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ ﰲ اﻟﺴﻠﻔﺔ واﻟﺒﻨﻮﻛﺎت
) (1ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺴﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﴬوري ملﺘﻌﻠﻤﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ أن ﻳﻌﺮﻓﻮا ﺗﻤﺎم املﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺴﻠﻔﺔ ،ﻓﻘﺪ ٍ ﺑﴩط أن ﻳﺮد ﻣﺎ أﺧﺬ ﺑﻌﺪ ﻣﴤ ﻳﻘﺎل :إن أﺣﻤﺪ أﻗﺮض ﻋﻠﻴٍّﺎ إذا أﻋﻄﺎه ﺟﺰءًا ﻣﻤﺎ ﻳﻤﺘﻠﻜﻪ ٌ ض ،وﻋﲇ ﱞ ﻣ ُْﻘ َ ِﱰ ٌ وﻗﺖ ﻣﻌﻠﻮ ٍم ،ﻓﺄﺣﻤﺪ ﰲ ﻫﺬا املﺜﺎل ﻳﻘﺎل ﻟﻪ ﻣ ُْﻘ ِﺮ ٌ ٍ ﻣﺒﻴﻨﺔ ﻋﲆ ض ،واﻟﺴﻠﻔﺔ ﺛﻘﺔ اﻟﻨﺎس ﺑﺒﻌﻀﻬﻢ ،ﻓﺈﻗﺪام أﺣﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻔﺔ ﻫﻮ ﻟﺘﺄﻛﺪه أن ﻋﻠﻴٍّﺎ ﻳﺮد إﻟﻴﻪ ﻣﺎ اﻗﱰض ري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن — ﻓﺄﺣﻤﺪ داﺋ ٌﻦ وﻋﲇ ﱞ ﻣﺪﻳ ٌﻦ ،وﻻ ﺗُﺴﺘﻌﻤﻞ ﻣﻨﻪ — وﻗﺪ ﻳﺨﻄﺊ زﻋﻤﻪ ﰲ ﻛﺜ ٍ ﻟﻔﻈﺔ ﺳﻠﻔﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻴﺎن ،ﻓﻠﻮ اﻗﱰض إﻧﺴﺎ ٌن ﺟﻮادًا أو ﻛﺘﺎﺑًﺎ أو ً آﻟﺔ أو ﻏري ذﻟﻚ ،ودﻓﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﴚء ﻟﻘﻴﻞ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ :إﻧﻪ أﺟﺮ ٌة ،واملﺒﻠﻎ اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻳﺴﻤﻰ ﻗﻴﻤﺔ اﻹﻳﺠﺎر ،ﻓﻔﻲ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﻘﻮد ﻟﻐﺎﻳﺔ اﻵن ،ﺗﺮى اﻷﻫﺎﱄ ﻳﻘﺮﺿﻮن ً ﺻﻨﻔﺎ آﺧﺮ ﻣﺮﻏﻮﺑًﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،وﰲ وﻳﻘﱰﺿﻮن اﻟﻘﻤﺢ أو اﻟﺰﻳﺖ أو اﻟﻨﺒﻴﺬ أو اﻷرز أو اﻟﺠﻬﺎت اﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳُﺼﻨﻊ ﻓﻴﻬﺎ زﻳﺖ اﻟﺒﻠﺢ ﺗﻨﺤﴫ اﻟﺴﻠﻔﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﻒ. وأﻣﺎ ﰲ اﻟﺒﻼد املﺘﻤﺪﻧﺔ ﻓﻘﺪ ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة ﺑﺎﻗﱰاض اﻟﺪراﻫﻢ ،ﻓﻠﻮ أراد إﻧﺴﺎ ٌن اﻗﺘﻨﺎء ٍ آﻟﺔ ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ ،واﺷﱰى ﺷﺨﺺ ﻳﻘﺮﺿﻪ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻪ ﺑﺄﺣﺴﻦ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪه ﻣﺎ ﻳﺸﱰﻳﻬﺎ ﺑﻪ ،ﺑﺤﺚ ﻋﻦ ٍ اﻵﻟﺔ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻤﻦ اﻟﺒﺎﺋﻊ املﺸﱰي ﻓﻴﻌﻄﻴﻪ اﻵﻟﺔ وﻳﻘﺮﺿﻪ ﺛﻤﻨﻬﺎ ،أي
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
إﻧﻪ ﻻ ﻳﺄﺧﺬه ﻣﻨﻪ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر .واﻟﺴﻠﻔﺔ ذات أﻫﻤﻴ ٍﺔ ﻛﱪى؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﺣﺴﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻷﻟﻘﺖ اﻷﻣﻼك ﺑني ﻳﺪي ﻣﻦ ﻳﺤﺴﻦ إدارﺗﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﻬﻢ أﻣﻼ ٌك ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺸﺌﻮﻧﻬﺎ ﻛﺎﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل واﻟﺸﻴﻮخ وأرﺑﺎب اﻟﻌﺎﻫﺎت وﻏريﻫﻢ .وﻗﺪ ﺗﻜﺜﺮ أﻣﻼك اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻓﻼ ﻳﻬﺘﻤﻮن ﺑﺎﻷﺷﻐﺎل ﻟﻮ وﺟﺪوا ﻣﻦ ﻳﻘﻮم ﻣﻘﺎﻣﻬﻢ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻬﺘﻤﻮن ﺑﺄﺷﻐﺎﻟﻬﻢ ،إﻻ أﻧﻬﻢ ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻬﺎء ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ إﻗﺮاﺿﻬﺎ ملﺪدٍ ﻗﺼريةٍ، املﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﺿﻴﻖ ذات اﻟﻴﺪ ﻋﻦ إﻧﺸﺎء املﻌﺎﻣﻞ وﻓﺘﺢ املﻨﺎﺟﻢ واﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة؛ ﻟﻌﺪم وﺟﻮد ﻣﺎ ﻳﺸﱰون ﺑﻪ اﻷدوات واﻵﻻت واملﺤﻼت واﻷراﴈ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﺬه املﴩوﻋﺎت ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﱰض إﻻ إذا ﻛﺎن ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ إذا اﺷﺘﻬﺮ ﺑﺎملﻬﺎرة واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﺤﺼﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪه ﻣﻦ املﺎل. ) (2ﰲ اﻟﺴﻠﻔﺔ ﺑﻤﻘﺘﴣ اﻟﺮﻫﻦ أﻧﻮاع اﻟﺴﻠﻔﺔ ﻣﺘﻌﺪد ٌة ،ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺗﺮى اﻟﻘﺮﻳﺐ أو اﻟﺼﺎﺣﺐ ﻳﻤﺪ ﻳﺪ املﺴﺎﻋﺪة ً ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻣﺴﺘﺪﻳﻤً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ،ملﺎ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺔ ،وﻗﺪ ﺗُ ْﻘ َﱰَض ﻟﻘﺮﻳﺒﻪ أو ﺧﻠﻴﻠﻪ ﺑﺈﻗﺮاﺿﻪ ٌ ٍ ﻣﺒﻠﻎ رﻫﻨﻴﺎت ،ﻓﺼﺎﺣﺐ ﻣﻌﻤﻞ ﻏﺰل اﻟﻘﻄﻦ ﻳﺮﻫﻦ ﻫﺬا املﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﻤﻘﺘﴣ ﻣﺒﺎﻟﻎ ٍ اﻗﱰﺿﻪ ،أي إﻧﻪ ﻳﻌﻄﻲ ﻟﻠﺪاﺋﻦ اﻟﺤﻖ ﰲ ﺑﻴﻊ املﻌﻤﻞ ﻟﻮ ﺗﺄﺧﺮ ﻋﻦ اﻟﺪﻓﻊ ﰲ املﻴﻌﺎد املﺤﺪود، وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﻘﺎل :إن املﻌﻤﻞ ﻣﺮﻫﻮ ٌن ،واﻟﴩﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮض ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻛﺜرية، ﻣﻨﻬﺎ ﴍﻛﺎت اﻟﻀﻤﺎﻧﺔ وﴍﻛﺎت اﻟﺒﻨﺎء وﻏريﻫﺎ ،وﻗﺪ ﻳﻔﻌﻞ ﻛﺬﻟﻚ ً أﻳﻀﺎ اﻷﻏﻨﻴﺎء ،ﻓﻌﺪ ٌد واﻓ ٌﺮ ﻣﻦ املﻨﺎزل واﻟﻌﻘﺎرات واملﻌﺎﻣﻞ واملﺨﺎزن ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻠﻤﺎﻟﻚ اﻟﻈﺎﻫﺮي ،وﻟﻜﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺮﻫﻦ ،وﻣﻌﺪل ﻓﺎﺋﺪة ﻫﺬه اﻟﺪﻳﻮن ﻫﻮ ﻣﻦ ٤ ١٢ﰲ املﺎﺋﺔ إﱃ ٥ ١٢ﰲ املﺎﺋﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺮﻫﻦ ﻣﺄﻣﻮﻧًﺎ ،أي ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺄﻛﺪ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻪ ﻟﻮ ﺑﻴﻊ اﻟﴚء املﺮﻫﻮن ﻟﺰاد ﻋﻦ أﺻﻞ اﻟﺪﻳﻦ، واﻟﻌﺎدة أن ﺗﻘﺪر اﻷﺷﻴﺎء ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺄﻣﻦ اﻟﺪاﺋﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ أو ﻣﻦ ﻫﺒﻮط اﻷﺳﻌﺎر ،ﻓﺎملﺤﻞ اﻟﺬي ﺗﻜﻮن ﻗﻴﻤﺘﻪ ١٠٠٠ﺟﻨﻴ ٍﻪ ﻳﺮﻫﻦ ﻋﲆ ﻣﺒﻠﻎ ٧٠٠أو ٨٠٠ﺟﻨﻴﻪ، وﻗﺪ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻘﺮض ﻣﻦ ٦إﱃ ٧ﰲ املﺎﺋﺔ أو أﻛﺜﺮ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﴚء املﺮﻫﻮن ﻣﻄﻌﻮ ٌن ﰲ ﻣﻠﻜﻴﺘﻪ أو ﻣﺸﻜﻮ ٌك ﰲ ﺛﺒﺎت ﻗﻴﻤﺘﻪ ،ﻓﺰﻳﺎدة اﻟﻔﺎﺋﺪة ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻬﺪد اﻟﺪاﺋﻦ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ ﻋﺪم ﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﲆ املﺒﻠﻎ املﻘﱰض ،واﻟﺮﻫﻦ ﻳﺨﺘﺺ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺑﺎﻷﻣﻮال اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ، أي اﻟﺘﻲ ﺗﺪوم زﻣﻨًﺎ ﻣﺪﻳﺪًا ﻛﺎملﻨﺎزل واملﻌﺎﻣﻞ واﻟﺴﻔﻦ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺆﺧﺬ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﲆ ٍ دﻳﻮن وﻗﺘﻴ ٍﺔ. ﻛﻤﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻛﺎﻟﻘﻄﻦ واﻟﻨﺒﻴﺬ واﻟﻐﻼل ﻟﻀﻤﺎﻧﺔ ٍ 108
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ
) (3ﰲ اﻟﺒﻨﻮﻛﺎت ﰲ اﻟﺒﻼد املﺘﻤﺪﻧﺔ ﺗُﻘﺮض أﻏﻠﺐ املﺒﺎﻟﻎ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻮﻛﺎت ،وﺗﻠﻚ املﺤﻼت ﺗﺘﺠﺮ ﰲ اﻟﻘﺮوض أو ٍ آن واﺣﺪٍ ،إﻻ أن وﻇﻴﻔﺘﻬﻢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ اﻟﺪﻳﻮن ،وﻗﺪ ﻳﺸﺘﻐﻞ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺑﺜﻼث أو أرﺑﻊ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﰲ ٍ اﺣﺘﻴﺎج ﻫﻲ اﻗﱰاض اﻟﺪراﻫﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس وإﻋﻄﺎؤﻫﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺴﻠﻔﺔ ملﻦ ﻫﻢ ﰲ ٍ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻮ ﺑﺎع أﺣﺪ اﻟﺘﺠﺎر ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ وﺗﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﺛﻤﻨﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ ﻫﺬا ﻣﺮﺗﺒﺎت أو أﻗﺴﺎ ٌ ٌ ط ﻣﺸﱰ ﺑﻀﺎﺋﻊ ﺟﺪﻳﺪةٍ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺗُﴫف إﻟﻴﻬﻢ اﻟﺜﻤﻦ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ٍ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻻ ﻳﻨﻔﻘﻮﻧﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺮ ٍة واﺣﺪةًٍ ، ٍ ٍ ﻓﺒﺪﻻ ﻣﻦ أوﻗﺎت ﻣﻤﺎﺛﻞ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺮد إﻟﻴﻬﻢ ﰲ دﺧﻞ ٍ أو أي ٍ ً ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻟﻠﴪﻗﺔ أو اﻟﺘﺒﺪﻳﺪ أو اﻟﺤﺮﻳﻖ ﺑﺪون أن ﺗﺄﺗﻴﻬﻢ ﺑﺄي أن ﻳﱰﻛﻮا ﻫﺬه اﻟﻨﻘﻮد ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻓﺎﺋﺪ ٍة ﻳﻨﺼﻔﻮن ﰲ ﺗﺴﻠﻴﻤﻬﺎ ﻟﻠﺒﻨﻮﻛﺔ ،أي إﻧﻬﻢ ﻳﻘﺮﺿﻮﻧﻬﺎ إﻳﺎﻫﺎ ﺑﴩط ردﻫﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻄﻠﺐ، وﰲ اﻟﻌﺎدة أن اﻟﺘﺠﺎر وأرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ﻳﺮﺳﻠﻮن ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ املﺒﺎﻟﻎ املﺘﻮﻓﺮة ﻟﺪﻳﻬﻢ إﱃ اﻟﺒﻨﻮﻛﺎت، وﻻ ﻳﺒﻘﻮن ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ً ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ أو ﺑﻌﺾ املﺸﱰوات اﻟﺼﻐرية. وﻫﺎك ﺑﻴﺎن أﻫﻢ املﺰاﻳﺎ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ وﺿﻊ اﻟﻨﻘﻮد ﰲ اﻟﺒﻨﻮﻛﺎت: ٍ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪٍ ،ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻷﻗﻔﺎل أﻣﻦ؛ ﻷن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻨﻚ ﻳﻀﻌﻬﺎ ﰲ ) (١اﻟﻨﻘﻮد ﺗﻜﻮن ﰲ ٍ ﻳﺤﺮﺳﻬﺎ اﻟﺤﺮس ً ﻟﻴﻼ. ) (٢ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻼزم ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﺤﺎوﻳﻞ املﺨﻮﻟﺔ ملﻦ أﻋﻄﻴﺖ ﻟﻪ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ اﻟﺒﻨﻚ ﺑﺎملﺒﻠﻎ املﺬﻛﻮر ﺑﻬﺎ. ٍ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻷﻣﺎﻧﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺘﻨﻮع ﻛﻴﻔﻴﺔ ) (٣ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﻳﺘﻌﻬﺪ اﻟﺒﻨﻚ ﺑﺪﻓﻊ ﻓﺎﺋﺪ ٍة ﺑﺄﺳﺒﻮع، ﺗﺴﻠﻴﻢ اﻷﻣﺎﻧﺎت ،ﻓﺒﻌﺾ املﺤﻼت ﻳﺸﱰط ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺐ املﺎل اﻹﻋﻼن ﻗﺒﻞ أﺧﺬ املﺒﻠﻎ ٍ ﺷﻬﻮر أو ٍ ﺳﺘﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ زادت ﻣﺪة اﻟﺴﻠﻔﺔ ﻛﻠﻤﺎ ﺷﻬﺮ أو ﺛﻼﺛﺔ وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻘﱰض اﻟﻨﻘﻮد ملﺪة ٍ ٍ ارﺗﻔﻌﺖ اﻟﻔﺎﺋﺪة. ٌ ﻛﻨﺎﻳﺔ وﻗﺪ ﻳﻜﺜﺮ وﺿﻊ اﻷﻣﺎﻧﺎت ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮه اﻟﺘﺠﺎر ﺑﺎﻟﺤﺴﺎب اﻟﺠﺎري ،وﻫﻮ ﻋﻦ وﺿﻌﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﻨﻚ ﺑﴩط إﻣﻜﺎن اﻷﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ٍ وﻗﺖ ﻳﺮﻳﺪه اﻟﺘﺎﺟﺮ ﺑﺪون ﺳﺎﺑﻘﺔ ً ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺟﺪٍّا وﻣﻌﺪوﻣﺔ ﺑﺎملﺮة؛ ﻷن اﻟﺒﻨﻚ ﻣﻀﻄ ﱞﺮ إﱃ إﻋﻼن ،وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﻜﻮن اﻟﻔﺎﺋﺪة ٍ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺟﺰءٍ ﻣﻦ املﺎل ﺗﺤﺖ ﻃﻠﺐ ﻋﻤﻼﺋﻪ ﻟﻌﺪم ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﴬون ﻓﻴﻬﺎ.
109
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ٍ أﻣﺎﻧﺎت ﺟﺪﻳﺪة ،وﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ وﻟﻜﻦ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﻳﺄﺧﺬون أﻣﺎﻧﺎﺗِﻬﻢ ﻓﺎﻵﺧﺮون ﻳﺴﻠﻤﻮن أن ﻋﻤﻼء ﺑﻨﻚٍ ﻣﻬ ﱟﻢ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن ﻛﻠﻬﻢ ﰲ ٍ وﻗﺖ واﺣ ٍﺪ إﱃ ﻧﻘﻮدﻫﻢ؛ وﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﺗﺠﺪ اﻟﺒﻨﻚ ٌ ﻣﺒﻠﻎ واﻓ ٌﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ،ﻳﻨﺘﻔﻊ ﻣﻨﻪ ﺑﺈﻗﺮاﺿﻪ ملﻦ ﻫﻢ داﺋﻤً ﺎ ﻋﻨﺪه — ﺑﺨﻼف رأس ﻣﺎﻟﻪ — اﺣﺘﻴﺎج إﱃ اﻟﺴﻠﻔﺔ .وأﻧﻮاع اﻟﺴﻠﻔﺔ ﻣﺘﻌﺪد ٌة ،وﻗﺪ رأﻳﻨﺎ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻳﻘﺮض أﻣﻮاﻟﻪ ﰲ ٍ ﺑﻌﺪ أﺧﺬ اﻟﺮﻫﻦ اﻟﻼزم ﻋﲆ املﻨﺎزل أو اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ أو أﺳﻬﻢ اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ أو اﻷﺳﻬﻢ اﻷﺧﺮى، ٍ ﺟﺴﻴﻤﺔ؛ وذﻟﻚ ملﺎ ﻳﻼﻗﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت واﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺒﻨﻚ ﻟﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﻳﻜﻮن ﰲ ﻣﺒﺎﻟﻎ ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﺴﻠﻔﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﴫﻳﺢ ﻟﻠﻌﻤﻴﻞ ﺑﺄن ﻳﺄﺧﺬ ﰲ وﺟﻮد اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ وﻗﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ ،وأﻗﺮب ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ وﺿﻊ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ املﺒﺎﻟﻎ ،وﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻟﻠﺒﻨﻚ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ أن ﻳﺜﻖ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﻪ ٍ ﺿﻤﺎﻧﺎت ﻣﻨﻪ أو ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ. ﺑﺄن ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ) (4ﰲ اﻟﺤﻄﻴﻄﺔ ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻨﻚ ﻻﺳﺘﺜﻤﺎر أﻣﻮاﻟﻪ ﻫﻲ أﺧﺬ اﻷوراق إن أﻫﻢ وأوﻓﻖ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻣﻊ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺤﻄﻴﻄﺔ ،أي إﻧﻪ ﻳﻘﺪم ً ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﻮرﻗﺔ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ً ﻗﻤﺎﺷﺎ ﺑﻤﺒﻠﻎ أﻟﻒ ﺟﻨﻴ ٍﻪ، وﻋﺪ اﻟﺪﻓﻊ املﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻨﺪ ،ﻓﻠﻮ ﻗﺪرﻧﺎ أن ﻣﺤﻤﺪًا ﺑﺎع ﺣﺴﻨًﺎ ً ﺿﻌﻴﻔﺎ اﺗﻔﻖ ﻣﻊ ﺷﻬﻮر وﻟﻢ ﻳَ ِﺒﻊ ﺣﺴ ٌﻦ ﻣﺎ اﺷﱰاه ،ﻓﺈذا ﻛﺎن رأس ﻣﺎﻟﻪ ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻣﻀﺖ ﻋﺪة ٍ ً ﻛﻤﺒﻴﺎﻟﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻔﺔ: ﻣﺤﻤ ٍﺪ ﻋﲆ ﺗﺄﺟﻴﻞ دﻓﻊ ﺛﻤﻦ اﻟﻘﻤﺎش ،ﻓﻴﺴﺤﺐ ﻣﺤﻤ ٌﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﰲ أول ﻓﱪاﻳﺮ ﺳﻨﺔ ٩٤ ﺟﻨﻴﻪ ﻣﴫي ١٠٠٠ ﺑﻤﺪة ﺛﻼﺛﺔ ﺷﻬﻮر ﺗﺪﻓﻊ إﱃ ﻣﻦ أرﻳﺪ ﻣﺒﻠﻎ أﻟﻒ ﺟﻨﻴ ٍﻪ ،واﻟﻘﻴﻤﺔ وﺻﻠﺘﻚ. ﻣﺤﻤﺪ وﻟﺤﺴﻦ أﻧﻪ ﻣﺴﺤﻮبٌ ﻋﻠﻴﻪ ،وذﻟﻚ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ إﻗﺮار ﻓﻴﻘﺎل ملﺤﻤﺪٍ :إﻧﻪ ﺳﺎﺣﺐ اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ، ٍ ﻣﺤﻤ ٍﺪ أن ﺣﺴﻨًﺎ ﻣﺪﻳﻦ ﺑﺎملﺒﻠﻎ املﺬﻛﻮر ،ﻓﺈذا ﺻﺎدﻗﻪ ﺣﺴ ٌﻦ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻳﻜﺘﺐ ﻋﲆ ﻇﻬﺮ اﻟﺴﻨﺪ ﻋﻨﺪ ﻋﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻘﺒﻮل وﻳﻀﻊ ﻋﻼﻣﺘﻪ ﺗﺤﺘﻬﺎ. ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺴﺎﺣﺐ اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ واملﺴﺤﻮب ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻤﻦ ﻳﻮﺛﻖ ﺑﻬﻢ ﻻ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻨﻚ ﻣﻦ اﺳﺘﻼم اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ،ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة اﻟﺤﻄﻴﻄﺔ ،أي إﻧﻪ ﻳﺸﱰﻳﻪ ﺑﺎملﺒﻠﻎ املﺮﻗﻮم ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺧﺼﻢ ٍ ﺧﻤﺴﺔ ﰲ املﺎﺋﺔ ﻟﻠﻤﺪة اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻋﻦ اﺳﺘﺤﻘﺎق اﻟﺪﻓﻊ ،وﻫﺬا اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻔﺎﺋﺪة ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر 110
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ
ﻫﻮ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻀﻤﺎﻧﺎت؛ ﻷﻧﻪ ﻋﻨﺪ ﺣﻠﻮل املﻴﻌﺎد ﻳﻀﻄﺮ ﺣﺴ ٌﻦ إﱃ دﻓﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ،وإﻻ ﻓﻴﻘﺪم ﺷﺨﺺ ﻵﺧﺮ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻋﺒﺎر ٍة ﺗُﻜﺘﺐ ﻋﲆ اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻢ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻘﻞ اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﻣﻦ ٍ ﺣﺴﻦ ﻇﻬﺮ اﻟﻮرﻗﺔ ،ﺗﺸري ﺑﺎﻟﺪﻓﻊ إﱃ آﺧﺮ ﻣﺴﺘﻠ ٍﻢ ،وﻋﻨﺪ ﺣﻠﻮل املﻴﻌﺎد ﻳﺬﻫﺐ ﻫﺬا املﺴﺘﻠﻢ إﱃ ٍ وﻳﻄﺎﻟﺒﻪ ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺈذا ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺪﻓﻊ ﻛﺎن ﻟﻪ أن ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﺳﺒﻘﻮه ﰲ اﻣﺘﻼك اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ.
111
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ﰲ أدوار اﻟﺴﻠﻔﺔ
ٌ دورﻳﺔ ) (1ﰲ أن اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ٍ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ أدوار ﺣﺎﻟﺔ واﺣﺪةٍ ،ﺑﻞ ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ﻣﻦ اﻟﺒﺪﻳﻬﻲ أن ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ﻻ ﺗﺜﺒﺖ ﻋﲆ ٍ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻴﺐ وﺗﻈﻬﺮ ﰲ ُﻣﺪَدٍ أدوار ﻣﺘﻮاﻟﻴ ٍﺔ ،وﻗﺪ ﻳﻘﺎل ﻋﻦ اﻷﺷﻴﺎء :إﻧﻬﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ٍ ﻣﺘﺴﺎوﻳ ٍﺔ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ً ﻣﺜﻼ ،أو ﺗﺮﺗﻔﻊ وﺗﻨﺨﻔﺾ ﻛﻤﺪ اﻟﺒﺤﺮ وﺟﺰره ،ﻓﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻟﻬﺎ ﻣ ﱞﺪ وﺟﺰ ٌر ٍ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻛﻤﺎ ﱠ ٍ ﺑني ذﻟﻚ املﺴﻴﻮ أوﻳﻠﻴﺎم ﻻﻧﺠﺘﻮن ﻣﻨﺬ ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،وﻗﺪ ﺻﺪق ﺷﻜﺴﺒري أوﻗﺎت ﰲ ﰲ ﻗﻮﻟﻪ :إن ﻟﻠﺰﻣﺎن ﰲ أﻓﻌﺎﻟﻪ ﻣﺪٍّا وﺟﺰ ًرا ،ﻓﻤﻦ ﺻﺎدﻓﻪ املﺪ رﻓﻌﻪ إﱃ أوج اﻟﺴﻌﺎدة .وﻣﻦ ٌ راﺋﺠﺔ ﰲ ﻓﺼﲇ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﺒﺐٌ ﻋﻦ ﺗﻮاﱄ اﻟﻔﺼﻮل ،ﻓﺎﻷﺷﻐﺎل ﺗﻜﻮن واﻟﺼﻴﻒ ،وأﻣﺎ ﰲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻓﺘﻜﻮن ﻛﺎﺳﺪ ًة ،وﻗﺪ ﺗﺴﻬﻞ اﻟﺴﻠﻔﺔ ﰲ ﻳﻨﺎﻳﺮ وﻓﱪاﻳﺮ وﻣﺎرس وﻳﻮﻧﻴﻮ وﻳﻮﻟﻴﻮ وأﻏﺴﻄﺲ وﺳﺒﺘﻤﱪ ،وأﻣﺎ ﰲ أﻛﺘﻮﺑﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﻴﴪ إﻻ ﺑﻜ ﱢﻞ ﺻﻌﻮﺑ ٍﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻜﺜﺮ ارﺗﻔﺎع اﻟﻔﺎﺋﺪة ،ﻓﻴﺰداد ﻋﺪد اﻟﺘﻔﺎﻟﻴﺲ ﰲ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﻬﺮﻳﻦ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ أﻳﺎم اﻟﺴﻨﺔ ،وﻗﺪ ﻳﺨﴙ اﻟﺘﺎﺟﺮ ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﺷﻬﺮي أﺑﺮﻳﻞ وﻣﺎﻳﻮ ،إﻻ أﻧﻪ ﻟﻮ ﺗﺒﴫ ﻟﻬﻤﺎ واﺳﺘﻌﺪ ﻟﻜﺴﺎد اﻷﺷﻐﺎل ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻷﻣﻦ ﻣﻦ ﺧﻄﺮﻫﻤﺎ. ٌ وﻗﺪ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ اﻷﺷﻐﺎل ﺣﺮﻛﺔ أﺧﺮى ،وﻟﻜﻨﻬﺎ أﻃﻮل ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻛﺔ املﺘﻘﺪﻣﺔ؛ إذ إﻧﻬﺎ ﺳﻨﻮات ﺻﻌﻮدًا وﻫﺒﻮ ً ٍ ﻃﺎ ،وﺳﺒﺐ ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺪورﻳﺔ ﻣﺠﻬﻮ ٌل ،وﻟﻜﻦ ﺗﺴﺘﻐﺮق ﻋﴩ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺘﻤﻞ اﻟﺸﻚ أن اﻟﻨﺎس ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻨني ﺗﺰداد ﺛﻘﺘﻬﻢ وﻳﺤﻴﺎ أﻣﻠﻬﻢ، ً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﻮ أﻗﺮﺿﻮا أﻣﻮاﻟﻬﻢ إﱃ ﻓﻴﻔﺘﻜﺮون أن ﺛﺮوة اﻟﺒﻼد ﺳﺘﻨﻤﻮ ،وأﻧﻬﻢ ﻳﺤﺼﻠﻮن ﻓﺎﺋﺪ ًة
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
املﻌﺎﻣﻞ واﻟﺒﻨﻮﻛﺎت أو اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ أو اﻟﺴﻔﻦ ،أو ﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ ذﻟﻚ ﻣﻦ املﴩوﻋﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة، ﻓﻠﻮ اﺧﺘﻠﺠﺖ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر ﺿﻤﺎﺋﺮ ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد ﴎى ﺗﻴﺎرﻫﺎ ﰲ أﻓﺌﺪة اﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ٍ ﺣﻔﻠﺔ ،ﻟﻨﺰﻋﺖ أﻋﻀﺎء ﻫﺬه ﻟﻮ و ُِﺟﺪ ﺷﺨﺼﺎن أو أﻛﺜﺮ ﻣﻤﻦ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﱃ اﻟﻔﺮح واﻟﴪور ﰲ اﻟﺤﻔﻠﺔ إﱃ ﻣﺠﺎراﺗﻬﻢ ،ﻓﻴﻌﻠﻮ اﻻﻧﴩاح ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،وﻗﺪ ﺗﻤﺘﺪ ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ إﱃ ﻛﺎﻣﻞ أﺑﻮاب اﻟﺘﺠﺎرة ،ﻓﻴﻨﺸﻂ ﻣﻦ اﻷﻣﺔ ﻛ ﱡﻞ ذي ﻣﻬﺎرةٍ ،وﻳﻌﺮض ﻣﻦ املﴩوﻋﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة واﻻﺧﱰاﻋﺎت اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﺴﺎرع املﺜﺮون ﻣﻌﻪ إﱃ املﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻴﻪ ،وﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻹﻗﺒﺎل ﺳﺒﺒًﺎ أﻋﻤﺎل أﺧﺮى، ﻻﺳﺘﻨﻬﺎض ﻫﻤﻢ ﻣﻦ ﻳﺮوق ﰲ أﻋﻴﻨﻬﻢ ﻛﺴﺐ اﻟﺪﻳﻨﺎر ،ﻓﻴﻘﺪﻣﻮن ﻋﲆ اﺑﺘﻜﺎر ٍ وﻛﻠﻤﺎ ارﺗﻔﻌﺖ أﺳﻬﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﴩﻛﺎت ﻇﻦ اﻟﻨﺎس أن اﻷﺳﻬﻢ اﻷﺧﺮى ﺳﱰﺗﻔﻊ ً أﻳﻀﺎ ،وﻛﻞ اﻷﻓﻜﺎر ﺣﺘﻰ املﺴﺘﺤﻴﻠﺔ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ أﻧﺼﺎ ًرا ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،ﻋﴫ اﻵﻣﺎل اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،ﻓﻴﻨﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮه اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﻮن ﺑﴪﻋﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ. ) (2ﰲ ﴎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻏﺐ اﻟﺘﺠﺎر إﺧﺮاج املﴩوﻋﺎت اﻟﺘﻲ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ زﻣﻦ ﴎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ٍ ﻛﻤﻴﺎت واﻓﺮ ٍة ﻣﻦ اﻷدوات ،ﻓريﺗﻔﻊ ﺛﻤﻦ ﻫﺬه ﻣﻦ ﺣﻴﺰ اﻟﻘﻮل إﱃ ﺣﻴﺰ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻳﻔﺘﻘﺮون إﱃ ٍ ﺑﴪﻋﺔ ،وﻳﻨﻘﺪ ﺻﺎﻧﻌﻮﻫﺎ أﺟﻮ ًرا واﻓﺮ ًة ،ﻓﻴﻨﻔﻘﻮﻧﻬﺎ ﰲ ﺗﺤﺴني ﺣﺎﻟﻬﻢ وﴍاء اﻟﺜﻴﺎب اﻷدوات اﻟﺠﺪﻳﺪة واﻷﺛﺎث وﻏري ذﻟﻚ ،وﻟﻬﺬه اﻷﺳﺒﺎب ﻳﻜﺜﺮ ﻃﻠﺐ ﻫﺬه اﻷﺻﻨﺎف ،وﻳﺘﺤﺼﻞ ﺑﺎﺋﻌﻮﻫﺎ ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺗﺼﻌﺪ أﺛﻤﺎن اﻷﻧﻮاع اﻷﺧﺮى ﻣﻊ ﻋﺪم ﺗﻮﻓﺮ اﻷﺳﺒﺎب رﺑﺢ ﺟﺴﻴ ٍﻢ، ﻋﲆ ٍ ﻟﺬﻟﻚ ،وﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻻرﺗﻔﺎع ﻧﺎﺷﺌًﺎ ﻋﻦ ﻣﺠﺮد وﺟﻮد ﻣﺎ ﻳُﺪﻋﻰ ﺑﺎﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ؛ وذﻟﻚ ﻷن ﻣﺤﺘﻜﺮي ً ﻫﺬه املﻮاد ﻳﻈﻨﻮن أن ﺑﻀﺎﻋﺘﻬﻢ ﺳﱰﺗﻔﻊ ً ﻋﻈﻴﻤﺔ أﻳﻀﺎ أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﻴﺪﺧﺮون ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻘﺎدﻳﺮ ﻃﻤﻌً ﺎ ﰲ اﻟﺮﺑﺢ اﻟﻜﺜري ،وﺗﺮى اﻟﺘﺠﺎر ﻣﻘﺒﻠني ﻋﲆ اﻟﴩاء ﻇﻨٍّﺎ ﻣﻨﻬﻢ أن ﺻﻌﻮد اﻷﺛﻤﺎن ﻣﺴﺘﻤ ﱞﺮ ،وأﻧﻬﻢ ﻟﻮ ﺑﺎﻋﻮا ﰲ اﻟﻮﻗﺖ املﻨﺎﺳﺐ ﻷﻟﻘﻮا ﻋﻦ ﻋﺎﺗﻘﻬﻢ ﻛ ﱠﻞ ﺧﺴﺎر ٍة ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ ﻫﺒﻮط اﻷﺳﻌﺎر ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ. وﻟﻜﻦ دوام ﻫﺬا اﻟﺤﺎل ﻣﻦ املﺤﺎل؛ ﻷن اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺴﺎﻫﻤﻮا ﰲ اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻳﻠﺰﻣﻬﻢ أن ﻳﺪﻓﻌﻮا ﻗﻴﻤﺔ اﻷﻗﺴﺎط اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،أي إﻧﻬﻢ ﻳﺘﺤﺼﻠﻮن ﻋﲆ ﻗﻴﻤﺔ رأس املﺎل اﻟﺬي ﺗﻌﻬﺪوا ﺑﻪ، ﻓﻴﺄﺧﺬون اﻷﻣﺎﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﰲ اﻟﺒﻨﻮﻛﺎت ،وﺗﺼﺒﺢ املﺒﺎﻟﻎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺮﺳﻢ اﻟﺴﻠﻔﺔ أﻗﻞ ﻣﻦ ذي ﻗﺒﻞ ،وﻳﻨﻜﺐ أﺻﺤﺎب املﻌﺎﻣﻞ واﻟﺘﺠﺎر ،وﻏريﻫﻢ ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺬﻳﻦ ً رﻏﺒﺔ ﰲ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻧﻄﺎق أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ وﻃﻤﻌً ﺎ ﻳﺼﻨﻌﻮن أو ﻳﺸﱰون أﻧﻮاع اﻟﺴﻠﻊ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻔﺔ، ﰲ اﻷرﺑﺎح اﻟﺠﺴﻴﻤﺔ ،ﻓﺤﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻨﻘﻮد اﺗﺒﺎﻋً ﺎ ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ ،أي إن 114
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ
ﺷﻬﻮر ،وﻫﻜﺬا ﺗﺄﺧﺬ أﺳﺒﻮع إﱃ ﺳﺘﺔ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﺗﺰداد إذا ﻛﺎن اﻻﻗﱰاض ملﺪ ٍة ﻗﺼريةٍ ،ﻣﻦ ٍ ٍ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﰲ اﻟﴪﻋﺔ ،ﺣﺘﻰ إن ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻣﺘﻌﺎﻃﻲ اﻟﺘﺠﺎرة ﻣﺨﺎﻃ ًﺮا أو ﻋﺪﻳﻢ ٌ ﺷﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﺎملﺤﻞ اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﺗﺰﻳﺪ دﻳﻮﻧﻪ ﻋﻦ رأس ﻣﺎﻟﻪ ،وﻳﻘﺎل ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﺣﻮال :إن اﻟﺴﻠﻔﺔ اﻟﺬي رﺑﻤﺎ ﻛﺎن رأس ﻣﺎﻟﻪ ١٠٠٠٠٠ﺟﻨﻴ ٍﻪ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ ٢٠٠٠٠٠أو ٣٠٠٠٠٠ﺟﻨﻴ ٍﻪ ﻗﻴﻤﺔ ً ً ﻗﺎﺿﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺘﻌﺎﻃﻲ ﴐﺑﺔ ﺛﻤﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ اﺷﱰاﻫﺎ ،ﻓﴪﻋﺔ ارﺗﻔﺎع ﻓﺎﺋﺪة اﻟﺴﻠﻔﺔ ﺗﻜﻮن اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ؛ ﻷﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﰲ وﻗﺖ ﺑﺪﺋﻬﻢ ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﺋﺪة اﻟﺪﻳْﻦ ٢أو ٣ﰲ املﺎﺋﺔ، ﻓﺈذا ارﺗﻔﻊ ﻫﺬا اﻟﻔﺎﺋﻆ إﱃ ٧أو ٨ﰲ املﺎﺋﺔ ﺧﺸﻮا ﻣﻦ ﻛﻮن ﺟﺰءٍ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح ﻳُﴫَف ٍ ﺣﻮاﻻت أو اﻗﱰﺿﻮا ﰲ دﻓﻊ ﻓﺎﺋﺪة رأس املﺎل املﻘﱰَض ،وﻗﺪ ﻳﻀﻄﺮب ﺑﺎل اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺬوا ﺗﺤﺖ رﻫﻦ اﻟﺴﻠﻊ ،ﻓﻴﺴﻌﻮن ﰲ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﻋﲆ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ،وﻳﻀﻄﺮ اﻟﺘﺠﺎر إﱃ ﺑﻴﻊ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺛﻤﻦ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ،وملﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﰲ اﻟﺒﻴﻊ ﺑﻬﺬه ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﺑﺄﺣﺴﻦ ٍ ً ﻧﺰوﻻ ﻛﻠﻴٍّﺎ أﺟﺪر اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻳﻈﻦ اﻵﺧﺮون أن ﺑﻴﻊ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﺻﻨﺎف ﻗﺒﻞ ﻧﺰول اﻟﺜﻤﻦ ً ﺗﺎﺟﺮ إﱃ ﺗﴫﻳﻒ ﻣﺎ ﰲ ﻣﺨﺎزﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،وﻟﻜﻦ ملﺎ ﻧﺎل ﻋﺎﻗﺒﺔ ،ﻓﻴﴪع ﻛ ﱡﻞ ﺑﻬﻢ وأﺳﻠﻢ ٍ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب ﺗﺮاه ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﴩاء ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﻌﺎر ﻣﺘﻬﺎود ًة ﺟﺪٍّا، ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﺪرون ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﰲ اﻟﺴﻠﻔﺔ، وﻫﻨﺎك اﻟﻄﺎﻣﺔ اﻟﻜﱪى ﻋﲆ ٍ وإذا ﺑﺎﻋﻮا ﺑﺎﻷﺛﻤﺎن املﺘﻬﺎودة ﻧﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﺴﺎرة ﻣﺎ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺘﻌﻮﻳﻀﻪ رأس ﻣﺎﻟﻬﻢ ،ﻓﻴﻘﻒ ﺣﺎﻟﻬﻢ وﻳﺘﺄﺧﺮون ﻋﻦ دﻓﻊ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﺑﻌﺒﺎر ٍة أﺧﺮى :ﻳﺸﻬﺮ إﻓﻼﺳﻬﻢ وﻳﺎ ﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ ،ﻛﺄرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ ً ﻣﺜﻼ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﻋﻮا ﻟﻠﻤﻔﻠﺴني وﻟﻢ ﻳﻘﺒﻀﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﺛﻤﻨًﺎ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺘﺤﺼﻠﻮن ﻋﲆ املﺒﺎﻟﻎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺑﻤﺎ أﻧﻬﻢ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻳﻜﻮﻧﻮن اﻗﱰﺿﻮا املﺒﺎﻟﻎ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﺸﻐﻴﻞ ﻣﻌﺎﻣﻠﻬﻢ ،ﻓﻴﺼﺒﺤﻮن — وﻫﻢ ً أﻳﻀﺎ — ﻣﻔﻠﺴني، وﻗﺪ ﻳﻤﺘﺪ ﻓﻘﺪ اﻟﺜﻘﺔ ﻫﺬا وﻳﻨﺘﴩ ،ﺣﺘﻰ إن املﺤﻼت اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻗﱰﺿﺖ إﻻ ﻣﺒﺎﻟﻎ زﻫﻴﺪ ًة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺮأس ﻣﺎﻟﻬﺎ ﺗﺼﺒﺢ وﻫﻲ ﻣﻬﺪد ٌة ﺑﺎﻹﻓﻼس. ) (3ﰲ اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻷزﻣﺔ ﻫﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ،وﻫﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺨﻄﺮة اﻟﻔﻈﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﻀﺢ ﻓﻴﻪ ﺣﺎﻟﺔ ٍ ﺑﴪﻋﺔ ،واﻟﺴﻠﻔﺔ واملﴩوﻋﺎت ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت ﻫﺬه ﻣﻦ أﺻﺎﺑﻪ ﻣﺮض اﻹﻓﻼس وﻫﺒﻮط اﻷﺛﻤﺎن ٍ ﻣﴩوﻋﺎت اﻟﺴﺎﻋﺔ املﺸﺌﻮﻣﺔ ،ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال ،ﻓﻠﺴﺖ ﺗﺮى ﻣﻦ ﻳﺠﺎزف ﺑﻌﺮض ٍ ﴍﻛﺎت ﻏري املﻮﺟﻮدة؛ ﻷن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس ﻳﻼﻗﻮن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أﺷﺪ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت ﰲ ﺟﺪﻳﺪ ٍة أو إﻧﺸﺎء ﺳﺪاد ﻣﺎ ﺗﻌﻬﺪوا ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻗﺪ ﺗﻬﺒﻂ اﻟﺤﺮﻛﺔ ،وﻳﻈﻬﺮ ﻟﻠﻌﻴﺎن أن ﻛﺜريًا ﻣﻦ املﴩوﻋﺎت 115
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳُ ْﺆﻣﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮﺑﺢ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﻴﺴﺖ إﻻ ﺧﻄﺄ ً ً ٍ ﺟﻬﺎت ﻣﺤﻀﺎ ،ﻛﺈﻧﺸﺎء ﺳﻜﻚٍ ﺣﺪﻳﺪﻳ ٍﺔ ﰲ ﺳﻔﻦ ﻻ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻨﺲ ﳾءٍ ،أو ﻓﺘﺢ ﻣﻨﺎﺟﻢ ﰲ أﻣﺎﻛﻦ ﺧﺎﻟﻴ ٍﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ ،أو ﺗﺸﻐﻴﻞ ٍ ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ،ﻛﻞ ﻫﺬه اﻻرﺗﺒﺎﻛﺎت املﺴﺘﺤﻴﻠﺔ ﺗُﱰك ﰲ زواﻳﺎ اﻹﻫﻤﺎل ،وﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺴري ﴏ َ ف ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻳﻀﻴﻊ ﻋﺒﺜًﺎ ،وﴐر ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻻ ﻳﻘﺘﴫ ﻋﲆ ﺧﺴﺎرة املﺴﺎﻫﻤني ُ ِ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻨﻪ ً أﻳﻀﺎ وﻗﻮف ﺣﺎل اﻟﻌﻤﺎل ،ﻓﻬﺆﻻء ﻳﺼﺒﺤﻮن وﻻ ﻋﻤﻞ ﺑني أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻓﻴﻪ ،ﻧﻌﻢ ﻻ ﻧﻨﻜﺮ أن املﴩوﻋﺎت اﻟﺤﺴﻨﺔ ﻗﺪ ﺗﺘﻢ ،وأﻧﻬﺎ ﺗﺸﻐﻞ اﻟﻘﺎﺋﻤني ﺑﺘﻨﻔﻴﺬﻫﺎ وﺑﺎﺋﻌﻲ اﻷدوات اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل ﺗﺘﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﺑﺪون أن ﻳﺘﺠﺎﴎ أﺣ ٌﺪ ﻋﲆ اﻟﴩوع ﰲ ﻏريﻫﺎ؛ ﻷن اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ واﻟﺘﻔﺎﻟﻴﺲ واﻟﻐﺶ اﻟﺬي أﻣﺎط ﻋﻨﻪ اﻟﻠﺜﺎم اﻧﻘﻼب اﻷﺣﻮال ﻗﺪ أرﻋﺐ اﻟﻨﺎس ،وﻣﺘﻰ دﺧﻞ اﻟﺨﻮف ﻗﻠﺐ ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد ﴎى إﱃ ﻏريﻫﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻌﺪوى ﻗﻄﻴﻊ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﺎم وﺻﺎر ﻋﻤﻮﻣﻴٍّﺎ ،وﰲ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﻮال ﻳﻜﻮن ﻣﺜﻞ أرﺑﺎب اﻷﺷﻐﺎل ﻛﻤﺜﻞ ٍ ﻣﻄﻠﻖ اﻟﴪاح ،ﻳﺘﺒﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ ،وﰲ ﺑﺤﺮ ٍ ﺳﻨﺔ أو ﺳﻨﺘني ﻳﻬﺒﻂ ﺛﻤﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﻔﺤﻢ ً واﻷﺧﺸﺎب وﻏريﻫﺎ ﻫﺒﻮ ً ﺟﺴﻴﻤﺔ، ﻃﺎ ﻛﻠﻴٍّﺎ ،ﻓﻴﺘﻜﺒﺪ املﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﺈﺧﺮاﺟﻬﺎ أو ﺑﻴﻌﻬﺎ ﺧﺴﺎر ًة ﺷﻐﻞ ،ﻓﻴﻜﻔﻮن ﻋﻦ اﻟﺒﺬخ ،وﻳﻘﻞ ﻃﻠﺐ ﺑﻌﺾ اﻷﺻﻨﺎف، وﻳﻤﻜﺚ ﻋﺪ ٌد ﻋﻈﻴ ٌﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﻌﻠﺔ ﺑﺪون ٍ ﻓﺘﻜﺴﺪ اﻟﺘﺠﺎرة وﻳﺮﺗﺪي ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺮداء اﻟﻔﻘﺮاء ،وﻳﻨﻔﻘﻮن اﻷﻣﻮال املﺘﻮﻓﺮة ﻋﻨﺪﻫﻢ ٍ ﺳﻨﻮات ﺣﺘﻰ ﻳﻨﴗ اﻟﺘﺠﺎر ﻣﺎ أﻟ ﱠﻢ ﻣﻦ اﻷﻋﻮام اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ،وﺗﺴﺘﻤﺮ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺳﻨﺘني أو ﺛﻼث ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺒﻮط اﻷﻣﺎﻧﻲ ،أو ﻳﻨﺸﺄ ﺟﻴ ٌﻞ ﺟﺪﻳ ٌﺪ ﻳﺠﻬﻞ ﻣﺎ وﻗﻊ ﺑﺎﻟﻘﻮم ﻣﻦ املﺼﺎﺋﺐ ،وﻳﻄﻤﻊ أرﺑﺎح أﺧﺮى ،وﰲ ﻣﺪة اﻟﻜﺴﺎد ﺗﺮى املﻮﴎﻳﻦ ﻳﻀﻌﻮن ﰲ اﻟﺒﻨﻮﻛﺎت ﻣﺎ زاد ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻴﻞ ٍ ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال ،وﻫﻜﺬا ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺘﺠﺎر ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ أﺛﻤﺎن اﻟﺴﻠﻊ ،ﻓﻴﺰﻳﺪ رأس املﺎل ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺞ وﺗﻨﻘﺺ ﻓﺎﺋﺪة اﻟﺴﻠﻔﺔ ،وﻻ ﻳﻤﴤ زﻣ ٌﻦ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ إﻻ وﻳﺮى ً ﺣﺮﺻﺎ ﰲ ﻣﺪة اﻷزﻣﺔ — أن ﻣﻦ ﺻﺎﻟﺤﻬﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﺒﻨﻮﻛﺎت — اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا أﺷﺪ اﻟﻨﺎس دور ﺟﺪﻳ ٍﺪ اﻗﱰاض اﻟﻨﻘﻮد املﱰاﻛﻤﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،ﻓﺘﺘﺤﺴﻦ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﺎل ،وﺗﺪﺧﻞ اﻟﺴﻠﻔﺔ ﰲ ٍ ﻳﺤﺼﻞ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﰲ اﻟﺪور اﻟﺴﺎﺑﻖ. ٌ دورﻳﺔ ) (4ﰲ أن اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻟﻮ ﻛﺎن ﰲ اﻹﻣﻜﺎن ﻣﻌﺮﻓﺔ وﻗﺖ ﴎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ واﻷزﻣﻨﺔ ﻟﻜﺎن اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻷﺷﻴﺎء وأﻧﻔﻌﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﺳﻒ أن ﻣﺜﻞ ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻷﺣﻮال ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻹﺧﺒﺎر ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ؛ ٌ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﺘﺄﺛري ﻛﻞ اﻟﺤﻮادث ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻛﺎﻟﺤﺮوب واﻟﺜﻮرات واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻷن ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة واملﻌﺎﻫﺪات اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ورداءة املﺤﺼﻮل أو ﺟﻮدﺗﻪ وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،إﻻ أن ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﻮﺟﺒﺔ 116
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ
ٍ ﺳﻨﻮات ،ﻓﻔﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ﻟﻠﺪﻫﺸﺔ واﻻﺳﺘﻐﺮاب ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻛ ﱠﻞ ﻋﴩ — ﻣﻊ اﺧﺘﻼف ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ﻋﻤﱠ ﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻴﻮم — ﺣﺼﻞ ﻛﺴﺎ ٌد ﰲ ﺳﻨﻲ ١٧٥٣ و ١٧٦٣و ١٧٧٢أو ٧٣و ١٧٨٣و ،١٧٩٣وﰲ ﻫﺬا اﻟﻘﺮن ﻧﺮى أﻧﻪ ﺣﺼﻞ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٨١٥ و ١٨٢٥و ١٨٣٩–٣٦و ١٨٤٧و ١٨٥٧و ١٨٦٦وﻟﻮﻻ اﻟﻜﺴﺎد اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﰲ أﻣريﻛﺎ ﺳﻨﺔ ١٨٧٣ﻟﺤﺼﻠﺖ ً أﻳﻀﺎ ﺳﻨﺘﻲ ١٨٧٦و ،١٨٧٧ﻓﻤﺤﺼﻮل اﻟﻜﺮم ﰲ أوروﺑﺎ ﻳﻜﻮن ﺟﻴﺪًا ﰲ ﻛﻞ ﻋﴩ ﺳﻨني أو إﺣﺪى ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ﻣﺮة ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻘﺤﻂ ﰲ اﻟﻬﻨﺪ ﻳﺄﺗﻲ ﰲ املﺪة ﻋﻴﻨﻬﺎ ٌ ﻣﺮ ًة ً ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺄﺣﻮال اﻟﺠﻮ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻐري دورﻳٍّﺎ ﰲ أﻳﻀﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ،وﻫﺬا اﻟﺘﻐري ﻧﺎﺷﺊ ٌ ﺑﺪون ﺷ ﱟﻚ ﻣﻦ زﻳﺎدة اﻟﺤﺮارة املﻨﺒﻌﺜﺔ ﻣﻦ وﻛﺴﻮر ،وﻗﺪ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ ارﺗﻔﺎع اﻟﺤﺮارة زﻳﺎد ٌة اﻟﺸﻤﺲ املﺸﺎﻫﺪة ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻋﴩ ﺳﻨني ٍ ﰲ املﺤﺼﻮل ورأس املﺎل ،وأرﺑﺎح اﻟﺘﺠﺎرة ﺗﻜﺜﺮ اﻷﻣﺎﻧﻲ املﺴﺒﺒﺔ ﻟﴪﻋﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ، ري ﻣﻦ املﴩوﻋﺎت ﻣﻦ وأﻣﺎ اﻧﺨﻔﺎض اﻟﺤﺮارة ﻓﻴﻘﻠﻞ ﻣﻦ ﻛﻤﻴﺔ املﺤﺼﻮل ،وﻳﻮﻗﻒ ﺣﺮﻛﺔ ﻛﺜ ٍ ٌ ﻋﻼﻣﺔ ﺗﻨﺒﺌﻨﺎ ﻋﻦ اﻧﺘﻬﺎء ﻣﺪة اﻟﴪﻋﺔ واﺑﺘﺪاء اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ. أﻗﺴﺎم املﻌﻤﻮرة ،وﻫﺬه ٍ ﺳﻨﻮات ﻛﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪ ذﻟﻚ دور ﻣﻦ أدوار اﻟﺴﻠﻔﺔ ﻣﺪة ﻋﴩ وﻗﺪ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻛﻞ ٍ املﺴﻴﻮ ﺟﻮن ﻣﻴﻠﺲ ﰲ ﻣﻨﺸﺴﱰ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺜﻼث ﺳﻨني اﻷوﱃ ﺗﻜﻮن ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ﺧﻔﻴﻔﺔ، وﻣﺤﻼت اﻟﺸﻐﻞ ﻗﻠﻴﻠﺔ ،واﻷﺛﻤﺎن ﻣﺘﻬﺎودة ،واﻟﻔﺎﺋﺪة ﻻ ﺗُﺬ َﻛﺮ ،واﻟﻔﻘﺮ ﻋﺎﻣٍّ ﺎ ،ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ً ﺑﺎﻋﺘﺪال، ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻣﺘﺰاﻳﺪ ًة ،وﺗﺮﺗﻔﻊ اﻷﺛﻤﺎن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺛﻼث ﺳﻨني ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ٍ وﺗﺘﺤﺴﻦ اﻟﺴﻠﻔﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻌﺾ أﻋﻮا ٍم ﺗﺰداد ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة زﻳﺎد ًة ً ﺑﺎﻧﻘﻼب ﻋﻈﻴ ٍﻢ ﰲ اﻷﺣﻮال ،وﻫﺬا اﻻﻧﻘﻼب ﻳﺸﻐﻞ ﺳﺎﺑﻘﺎ — ﺷﺪﻳﺪ ًة ،وﺗﻨﺘﻬﻲ — ﻛﻤﺎ ﴍﺣﻨﺎه ٍ اﻟﺴﻨﺔ اﻷﺧرية ﻣﻦ اﻟﺴﻨني اﻟﻌﴩ ،ﻓﻴﻜﻮن دور اﻟﺴﻠﻔﺔ ﻗﺪ ﺗﻢ ﻋﲆ اﻟﺼﻔﺔ املﻮﺿﺤﺔ ﺑﻌﺪ: ﺳﻨﻮات
ﺳﻨﻮات
ﺳﻨﺘﻲ
ﺳﻨﺔ
ﺳﻨﺔ
)(٣ ،٢ ،١
)(٦ ،٥ ،٤
)(٨ ،٧
٩
١٠
اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ
اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ
اﻷزﻣﺔ
ﺷﺪﻳﺪة
زاﺋﺪة اﻟﺸﺪة
اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ
ﻧﺎﻣﻴﺔ
117
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
وﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ اﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻮ أن اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻻ ﺗﺴري داﺋﻤً ﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﻈﺎم ٍ ﺳﻨﻮات أو ﺛﻤﺎن ﻓﻘﻂ ،وﻗﺪ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺬي ذﻛﺮﻧﺎه ،ﻓﻘﺪ ﻳﻤﻜﺚ اﻟﺪور ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺗﺴﻊ ٌ ٌ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺗﺤﺪث اﺿﻄﺮاﺑًﺎ ﰲ اﻟﺪور ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﺪﻫﺸﺔ أن اﻻﻧﻘﻼب اﻟﻜﲇ ﻳﺄﺗﻲ أزﻣﺎت ﺣﺮب وﺳﻼ ٍم ،وﻣﻬﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ اﻟﺤﻮادث. داﺋﻤً ﺎ ﰲ آﺧﺮ اﻟﺪور ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺔ اﻷﻣﺔ ﻣﻦ ٍ ) (5ﰲ اﻻﺣﱰاس ﻣﻦ اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻗﻞ اﻟﺒﺼري ﻣﺎ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻷزﻣﺎت ﻣﻦ املﺼﺎﺋﺐ اﻟﺠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺴﺒﺐ ٌ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺴﺎرة ،واﻟﻔﻌﻠﺔ ﻫﻢ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﺗﺄﺛ ًﺮا ري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻗﻠﻤﺎ ﺗﻨﺠﻮ ﻋﻨﻬﺎ دﻣﺎر ﻛﺜ ٍ ﻋﻤﻞ ،واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻻ ﻳﺪرك اﻷﺳﺒﺎب املﻮﺟﺒﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت ،ﻓﺒﻌﻀﻬﻢ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﺪون ٍ ﻟﺨﻔﺾ أﺟﺮﺗﻪ ﻓﻴﴬب ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻻ ﻳﻔﻴﺪه ﻫﺬا اﻹﴐاب إﻻ أﺣﺰاﻧًﺎ ،وﻣﻦ ﻫﺬا ﻳﻈﻬﺮ أن ٌ ً ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺎل أو ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ — ﺗﺠﺎ ًرا ﻛﺎﻧﻮا أو ﻓﻌﻠﺔ أو أﺻﺤﺎب ٍ رواج ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ ﺳﻘﻮﻃﻬﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﺎ ﰲ اﻟﻜﺴﺎد، ﺑﺄﺷﻐﺎل — ﻣﻌﺮﻓﺔ أن اﻟﺘﺠﺎرة إذا ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻣﺎ ٍ ٍ ﺗﺤﺴني ﺗﺎ ﱟم أن ﻳﻤﻌﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﺟﻴﺪًا ﰲ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﺛﺮوﺗﻪ، ﻓﻴﺠﺐ ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن إذا رأى اﻟﺤﺎﻟﺔ ﰲ ٍ ﻓﺤﺺ؛ ﻷن أﻏﻠﺐ اﻟﻨﺎس ﻳﻔﻌﻠﻮن ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻞ، وﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ أن ﻳﻘﻠﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻏريه ﻣﻦ دون ٍ ً رﺑﺢ ﻋﻈﻴ ٍﻢ ،ﻟﺮأﻳﺖ ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻓﻤﺜﻼ ﻟﻮ ارﺗﻔﻌﺖ أﺛﻤﺎن اﻟﻔﺤﻢ ،وﺗﺤﺼﻞ أرﺑﺎب املﻨﺎﺟﻢ ﻋﲆ ٍ اﻟﻨﺎس ﻳﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ ﻣﻨﺎﺟﻢ ﺟﺪﻳﺪة ،ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻻ ﻳﺼﺢ ﴍاء أﺳﻬﻢ املﻨﺎﺟﻢ؛ إذ ﻻ ﻳﻤﴤ زﻣ ٌﻦ ﺣﺘﻰ ﺗُﻔﺘَﺢ ﻣﻨﺎﺟﻢ ﺟﺪﻳﺪ ٌة ،وملﻨﺎﺳﺒﺔ اﻷزﻣﺔ ﻳﻘﻞ ﻃﻠﺐ اﻟﻔﺤﻢ ،وﻳﺘﻜﺒﺪ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻣﻦ ﺳﺖ ﻋﴩة ً ً ﺳﻨﺔ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ،وﻃﺎملﺎ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺧﺴﺎر ًة ذﻟﻚ ﰲ أﻧﻮاع اﻟﺘﺠﺎرة اﻷﺧﺮى ،ﻓﺎﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻣﻘﺘﻀﺎﻫﺎ ﻫﻲ ﻣﴩوع ﻛﺎن ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻪ اﻟﺘﺠﺎرة إﻧﺸﺎء املﻌﺎﻣﻞ وﻓﺘﺢ املﻨﺎﺟﻢ ،أو اﻟﺒﺪء ﺑﺄي ٍ ً ﻗﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﻔﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻳﺘﻢ ﺣﻔﺮ ﰲ ﻛﺴﺎدٍ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن أﺟﻮر اﻟﻔﻌﻠﺔ وﻓﺎﺋﺪة اﻟﺴﻠﻔﺔ ٍ ﻗﻠﻴﻠﺔ ،وﺗﻜﻮن اﻟﻮرش اﻵﺑﺎر وﺗﺸﻴﻴﺪ اﻟﻌﻤﺎرات وﻋﻤﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻼزﻣﺔ ﺑﻤﺼﺎرﻳﻒ ﻗﺪ اﺳﺘﻌﺪت ،ﻓﻴﺼﺎدﻓﻬﺎ ﺗﺤﺴﻦ اﻷﺣﻮال ،وﺗﻜﻮن املﻌﺎﻣﻞ املﺰاﺣﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻟﻌﺪد ،وﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻻ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ أرﺑﺎب اﻟﻄﻤﻊ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﻬﺪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ إﻧﺸﺎء اﻟﴩﻛﺎت ،وﺗﻔﺮﻳﻖ اﻷﺳﻬﻢ ﰲ وﻗﺖ إﻗﺒﺎل اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ ،أي ﰲ زﻣﻦ ﴎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،وﻫﻢ ﺣﺮﻳﺼﻮن ﻋﲆ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ أﺳﻬﻤﻬﻢ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻘﻠﺐ اﻟﺤﺎل ،ﻓﻴﻠﻘﻮن اﻟﺨﺴﺎرة ﻋﲆ ﻋﺎﺗﻖ ﻣﻦ ﻳﻐﺮوﻧﻬﻢ، ﻋﻤﻞ ﺟﺪﻳ ٍﺪ أﺛﻨﺎء املﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺎﻗﻞ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻣﻦ اﻻﺷﱰاك ﰲ أي ٍ 118
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ
ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ﺷﺪﻳﺪ ًة ﺟﺪٍّا ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻴﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺳﻬﻢ املﺸﻜﻮك ﰲ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ،أو املﻘﺼﻮد ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺠﺮد اﻟﺮﺑﺢ املﺆﻗﺖ ،واﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ ﺑﺄﺳﻬ ٍﻢ ﺛﺎﻧﻴ ٍﺔ ﻻ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ري ،وﻃﺎملﺎ ﻏﻔﻞ اﻟﻌﻘﻼء ﻋﻦ ﻣﺮاﻋﺎة ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ،ﻓﻘﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻷزﻣﺔ ﺑﻜﺜ ٍ املﻠﻮﻛﻴﺔ ﻛﺘﺎبٌ ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﺴري إﺳﺤﺎق ﻧﻮﺗﻦ ،ﻳﻜﻠﻒ ﻓﻴﻪ أﺣﺪ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﺄن ﻳﺸﱰي ﻟﻪ ﺑﻌﺾ أﺳﻬ ٍﻢ ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺑﺤﺮ اﻟﺠﻨﻮب ،وﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ ﻫﺬه اﻟﴩﻛﺔ ﻓﻄﻦ ﻟﻬﺬا املﺜﺎل وﻻ ﻳﻘﻠﺪ ﻏريه ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻷﻋﻤﻰ ،وﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻘﻞ ﰲ ٍ اﺿﻤﺤﻼل ،ﻓﻠﻴﺘﻌﻆ ﻛ ﱡﻞ ٍ اﻷزﻣﺎت أو ﺗﻜﻮن أﻗﻞ ﴐ ًرا ،وﺳﺘﺘﻮاﱃ أدوار اﻟﺴﻠﻔﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻟﻬﺎ اﻟﻨﺎس وﻳﻜﻮﻧﻮا ﻋﲆ ﺣﺬر ﻣﻨﻬﺎ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﲆ أرﺑﺎب اﻷﺷﻐﺎل اﻹﻗﺪام ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ ﰲ زﻣﻦ اﻟﻜﺴﺎد ،واﻟﺘﺒﴫ ٍ واﻟﱰوي ﰲ زﻣﻦ اﻟﺮواج ،ﺑﻌﻜﺲ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮن اﻟﻴﻮم ،ﻓﺎﻟﻮﻗﻮف اﻟﺘﺎم ﻋﲆ أدوار اﻟﺴﻠﻔﺔ ﻫﻮ اﻟﻜﻔﻴﻞ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ أوﻗﺎﺗﻬﺎ؛ وﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻗﺪ أﻃﻠﻨﺎ اﻟﴩح ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ.
119
اﻟﻔﺼﻞ اﳋﺎﻣﺲ ﻋﴩ ﰲ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ
اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺨﺪم املﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻷﻣﺔ ،وﺗﻨﻘﺴﻢ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل إﱃ ﻗﺴﻤني :ﻗﺴ ٌﻢ اﺿﻄﺮاريﱞ ،وﻗﺴ ٌﻢ اﺧﺘﻴﺎريﱞ ؛ ﻓﺎﻟﻘﺴﻢ اﻻﺿﻄﺮاري ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ ،ﻣﺜﻞ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ اﻟﻌﺪو ﻟﻬﺎ ،وﺗﻮﻃﻴﺪ اﻷﻣﻦ ﰲ داﺧﻠﻴﺘﻬﺎ ،وﻣﻼﻓﺎة ﻛ ﱢﻞ ﺛﻮر ٍة ﺗﻬﺪد ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻣﻌﺎﻗﺒﺔ املﺠﺮﻣني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺮﻗﻮن ﺣﺮﻣﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﻳﻜﺪرون ﺻﻔﺎء اﻟﺮاﺣﺔ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ،وﺗﺮﺗﻴﺐ املﺤﺎﻛﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺑني اﻷﻫﺎﱄ ﻣﻦ اﻟﺨﻼف ،وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ. وأﻣﺎ اﻟﻘﺴﻢ اﻻﺧﺘﻴﺎري ﻓﻴﻌﻢ ﻛﻞ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إﺗﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﻔﺎﺋﺪةٍ، ﻣﺜﻞ :إﻳﺠﺎد ﻋَ ﻤَ ٍﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪﻳﻦ ،وﺗﻮﺣﻴﺪ ﻃﺮﻳﻘﺔ املﻜﺎﻳﻴﻞ واملﻮازﻳﻦ ،وإﻧﺸﺎء اﻟﻄﺮق وﻣﻮاﻻﺗﻬﺎ وﻣﻜﺘﺐ ﻟﻨﴩ وﺣﴫ وﻃﻨﻲ ﻟﻨﻘﻞ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ،وﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﺮﺻ ٍﺪ ﺑﺎﻹﺻﻼح ،وﺗﻨﻈﻴﻢ ﺑﺮﻳ ٍﺪ ﱟ ٍ اﻟﺤﻮادث اﻟﺠﻮﻳﺔ ،وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ،واﻷﻋﻤﺎل اﻻﺧﺘﻴﺎرﻳﺔ ﻋﺪﻳﺪ ٌة ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺣ ﱟﺪ ملﺎ ﺗﻌﻬﺪت ﺑﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻣﻨﻬﺎ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺣﴫ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻻﺧﺘﺼﺎص ﺑﻬﺎ، واﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻬﺎ اﻷﻫﺎﱄ؛ ﻷن أﺧﻼق وﻋﻮاﺋﺪ اﻷﻣﻢ وﻃﺮق ﻣﻌﺎﺷﻬﺎ وﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ً اﺧﺘﻼﻓﺎ ﻛﻠﻴٍّﺎ ،ﺣﺘﻰ إن ﻣﺎ ﻳﺼﻠﺢ ﻗﻮﻣً ﺎ ﻳﴬ آﺧﺮﻳﻦ. ﻓﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ واﻷﺳﱰاﻟﻴﺔ ً ﻣﺜﻼ ﺗﻨﺸﺌﺎن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻋﲆ ﻧﻔﻘﺘﻬﻤﺎ، ٌ ً ً ﻻزﻣﺔ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ،ﻓﻼ ﻳﺘﻌني أﻧﻬﺎ ﻻزﻣﺔ أو ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ أو أﻳﺮﻟﻨﺪا واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ً أﻳﻀﺎ ،وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﻨﺎ اﻟﺘﺠﺎرب أﻧﻪ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﺗﺄﺗﻲ إدارة اﻟﱪﻳﺪ
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﺑﺄرﺑﺎح واﻓﺮةٍ ،وإدارة اﻟﺘﻠﻐﺮاف ﻻ ﻳﻜﻔﻲ إﻳﺮادﻫﺎ ﻣﴫوﻓﻬﺎ ،وﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﺆﻛﺪة أن اﻟﱪﻳﺪ ٍ ﺗﺴﻠﻴﻢ زﻣﺎم اﻟﺨﻄﻮط اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ إﱃ ﻋﻤﺎل اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻳﻜﻮن ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ ﺧﺴﺎرﺗﻬﺎ ً ﺟﺴﻴﻤﺔ ،ﻓﻤﻦ ﻫﺬا ﻳﺘﺒني أﻧﻪ ﻻ ﺑ ﱠﺪ ﻟﻜﻞ ٍ ﻣﺨﺼﻮص .وﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﻓﺤﺺ ﺧﺴﺎر ًة ٍ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ٍ ٍ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻮﻣﻴ ٍﺔ ﻣﺎ ﻫﻲ املﺰاﻳﺎ وﻣﺎ ﻫﻲ املﻀﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ ﻋﲆ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻫﻮ أن ﻳﺒني ﺗﺪاﺧﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ اﻷﻋﻤﺎل. ) (1ﰲ املﺰاﻳﺎ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﺗﺪاﺧﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ٍ ﻣﻌﻤﻞ ﺻﻨﻒ ﻣﻌﻠﻮ ٍم ﰲ ﻗﺪ ﻳﻨﺘﺞ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ وﻓ ٌﺮ ﻋﻈﻴ ٌﻢ ﻣﻦ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﻠﺰم اﻟﺒﻼد ﻣﻦ ٍ ً ﻓﻤﺜﻼ ﻣﻜﺘﺐ ﺣﻮادث اﻟﺠﻮ ﺑﻠﻮﻧﺪرة ﻳﺮد إﻟﻴﻪ ﻛﻞ ﻳﻮ ٍم ﻣﻦ أﻧﺤﺎء املﻤﻠﻜﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ واﺣﺪٍ، وﻣﻦ املﻤﺎﻟﻚ اﻷوروﺑﻴﺔ رﺳﺎﺋﻞ ﺑﺮﻗﻴ ٍﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﻮ ،ﻓﻴﻘﺎﺑﻞ ﺑني ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﺮد إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ،وﻳﻨﴩ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺑﺤﺜﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﻠﻐﺮاف واﻟﺠﺮاﺋﺪ ،وﻟﻴﺲ ﰲ إﻣﻜﺎن أﺣ ٍﺪ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ أن ﻳﺘﻤﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﻤﺎ ﺗﴫﻓﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻛ ﱠﻞ ﻋﺎ ٍم ﻋﲆ ﻫﺬا املﻜﺘﺐ إن ﻫﻮ إﻻ ﳾءٌ زﻫﻴ ٌﺪ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺨﺪم اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻣﻦ ﺗﻨﺒﻴﻬﻪ إﱃ اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺜﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻐﺮق أو اﻧﻔﺠﺎر املﻨﺎﺟﻢ ،أو ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ املﺼﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺣﺪوﺛﻬﺎ ﺳﺒﺒًﺎ ﻋﻦ ﺟﻬﻠﻨﺎ ﺑﺤﺎﻟﺔ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﻤﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻳﺘﺒني أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻮاب أن ﺗﺨﺘﺺ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻤﻌﺎﻫﺪة اﻟﺤﻮادث اﻟﺠﻮﻳﺔ. وﻗﺪ ﻳﺤﺪث وﻓ ٌﺮ ﻋﻈﻴ ٌﻢ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﻨﺸﺊ إدار ًة ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ إدارة اﻟﱪﻳﺪ؛ ﻷﺟﻞ ﻧﻘﻞ ٍ ﴍﻛﺎت ﻟﻬﺬا اﻟﺨﺼﻮص ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺮﺳﻞ اﻟﴫر اﻟﺼﻐرية ،ﻓﻔﻲ إﻧﻜﻠﱰا ﺗﻮﺟﺪ ﺟﻤﻠﺔ ٍ ﻋﺮﺑﺔ إﱃ ٍ ٍ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﴍﻛﺎت ﺟﻬﺔ ﺑﻌﻴﺪ ٍة ﻟﻨﻘﻞ ﴏ ٍة واﺣﺪةٍ ،ﻓﻔﻲ ﻟﻮﻧﺪرة ﺗﻮﺟﺪ ﺳﺖ أو ﺳﺒﻊ ٌ ٌ ٍ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﴍﻛﺔ ﻣﻦ ﴍﻛﺎت اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻟﻨﻘﻞ اﻟﴫر داﺧﻞ املﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﻞ ﻣﺨﺰن ﻣﻦ املﺨﺎزن اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ،وﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺗﺒﺬﻳ ٌﺮ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﰲ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،وﻛﻞ ٍ ﻃﺎﺋﻞ ،ﻓﻠﻮ ﺗﻜﻠﻔﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻬﺬه املﻬﻤﺔ ﻟﻜﻔﺎﻫﺎ إرﺳﺎل ﻋﺮﺑ ٍﺔ واﺣﺪ ٍة ﻛﻞ وﰲ اﻟﻘﻮى ﺑﺪون ٍ ﺷﺎرع ،ﻓﺘﻮزع ﻋﲆ ﻛﻞ ٍ ﺑﻴﺖ ﻣﺎ ﻳﺨﺼﻪ ،وﺑﻬﺬه اﻟﻮاﺳﻄﺔ ﺗﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ اﻗﺘﺼﺎدٍ ﰲ املﺴﺎﻓﺎت ٍ وﰲ اﻟﻮﻗﺖ.
122
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ
) (2ﰲ املﻀﺎر ﺑﺄﻋﻤﺎل ﻳﻤﻜﻦ اﻷﻫﺎﱄ أو اﻟﴩﻛﺎت أداؤﻫﺎ؛ ﻷن ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﴬة اﺷﺘﻐﺎل اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ٍ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻻ ﻳُﺤﺎﻟﻮن ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻴﺪاع إﻻ ﰲ اﻟﻨﺎدر ،وﻗﺪ ﺗُﴫف ﻟﻬﻢ ﰲ ﻫﺬه ٌ ﻣﻌﺎﺷﺎت ،وﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أن ﺗﱰك ﻣﴩوﻋً ﺎ أﺧﺬت ﰲ إﺗﻤﺎﻣﻪ اﻟﺤﺎﻟﺔ إﻻ ﺑﺘﺤﻤﻠﻬﺎ ﻣﺼﺎرﻳﻒ ﺑﺎﻫﻈﺔ ،وﻋﲆ ﻫﺬا ﻓﻬﻲ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﰲ إﺗﻤﺎم ﻣﴩوﻋﻬﺎ ﺻﺎﻟﺤً ﺎ ﻛﺎن أو ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﻴﻬﺎ ﺗﻌﻠﻤﻬﻢ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳ َ ُﻔﺼﻠﻮن ﻣﻦ وﻇﺎﺋﻔﻬﻢ إﻻ ﺻﺎﻟﺢ، ﻏري ٍ وﺗﺮﺗﺐ ﻟﻬﻢ املﻌﺎﺷﺎت ،ﻓﻬﻢ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ أﻗﻞ ﻧﺸﺎ ً ﻃﺎ واﻋﺘﻨﺎءً ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﻲ اﻷﻫﺎﱄ ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻬﻢ ٍ ﻣﺮﺗﺒﺎت واﻓﺮ ًة. ﻳﻨﻘﺪون ﺑﻤﴩوع ﺟﺪﻳ ٍﺪ ﻓﻤﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻠﻘﺎرئ اﻟﺨﺒري أن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻻ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻻﺷﺘﻐﺎل ٍ ٍ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أوﻓﺮ وأﺣﺴﻦ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﱄ ،وﺧﻼﺻﺔ إﻻ إذا ﻛﺎن ﻳﺘﺒني ﻟﻬﺎ ﺟﻠﻴٍّﺎ أﻧﻬﺎ أﻗﺪر ﻋﲆ إﺗﻤﺎﻣﻪ ﻣﻌﻤﻞ واﺣ ٍﺪ ﻣﺘﻮﻓﺮ ٌة ﻟﺪﻳﻪ أﻣﻮا ٌل ﻛﺜري ٌة ،واﻟﴬر اﻟﻘﻮل :إن ﻣﺰﻳﺔ ﺗﺪاﺧﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ وﺟﻮد ٍ ﻣﻨﺤﴫٌ ﰲ زﻳﺎدة املﺼﺎرﻳﻒ ،ﻓﻔﻲ اﻟﱪﻳﺪ ﺗﺘﻐﻠﺐ املﺰاﻳﺎ ﻋﲆ املﻀﺎر ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ٌ ﺟﺴﻴﻤﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮ أُﻧﺸﺊ ﺑﺮﻳ ٌﺪ ﻟﺘﻮزﻳﻊ اﻟﴫر ،وأﻣﺎ ﰲ اﻟﺘﻠﻐﺮاف ﻓﺎملﺰاﻳﺎ ﻋﺪﻳﺪ ٌة واﻟﺨﺴﺎرة وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺸﱰي وﺗﺪﺑﺮ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ،ﻷﺿﺤﺖ املﺰاﻳﺎ ً ً ﺟﺴﻴﻤﺔ ،وﰲ أﻣريﻛﺎ ﻧﺮى ﴍﻛﺎت اﻟﱪﻳﺪ أﺣﺴﻦ إدارة وأﻛﺜﺮ اﻧﺘﻈﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﻴﻠﺔ واﻟﺨﺴﺎﺋﺮ إدارة ﺑﺮﻳﺪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،وﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﺆﻛﺪة إن إدارة اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ واﻟﺘﻠﻐﺮاﻓﺎت ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻫﻲ اﻵن أﺣﺴﻦ إﺗﻘﺎﻧًﺎ وأﻛﺜﺮ ﻧﻈﺎﻣً ﺎ ﻣﻤﺎ ﻟﻮ دﺧﻠﺖ ﺗﺤﺖ إدارة اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ.
123
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﰲ اﻟﴬاﺋﺐ
) (1ﰲ ﴐورة اﻟﴬاﺋﺐ ٍ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺎ ﻣﻔﺘﻘﺮة إﱃ ﻧﻘﻮ ٍد ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻋﻤﺎل املﺘﻌﻬﺪة ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،ﻓﻼ ﺑ ﱠﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد ﻛﺜريةٍ ،وﻣﻦ اﻟﻨﺎدر أﻧﻬﺎ ﺗﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻫﺬه املﺒﺎﻟﻎ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﺮﻫﺎ ،ﻓﻴﱰﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺒﻠﻎ ﻳُﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻷﻣﺔ ﻟﺴﺪاد إذن ﻓﺮض اﻟﴬاﺋﺐ ،واﻟﴬاﺋﺐ ﻋﻨﺪ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني ﻫﻲ ﻛ ﱡﻞ ٍ املﺼﺎرﻳﻒ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ املﺤﻠﻴﺔ واﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗُﺪﻓﻊ ﴐاﺋﺐ ﺑﺪون أن ﻧﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ ،وﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ﻧﺼﻒ ﺛﻤﻦ ﻃﻮاﺑﻊ اﻟﺒﻮﺳﺘﺔ ،وﺑﻌﺾ املﺪن ﺗﺪﻓﻊ اﻟﴬاﺋﺐ ﺿﻤﻦ ﺛﻤﻦ اﻟﻐﺎز واملﺎء اﻟﺬي ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻪ. وﻗﺪ ﺗﻔﻨﻨﺖ اﻷﻣﻢ ﻋﲆ اﺧﺘﻼف اﻷزﻣﺎن واﻷﻣﺎﻛﻦ ﰲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﴬاﺋﺐ ،ﻓﻜﺎن ٌ ٌ ﺷﺨﺺ ،ذﻛ ًﺮا ﻛﺎن أو أﻧﺜﻰ ،راﺷﺪًا أو ﻏري راﺷﺪٍ ،وﻗﺪ ﻣﻔﺮوﺿﺔ ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ﴐﻳﺒﺔ ﻳﻮﺟﺪ ٍ ٌ ﴐﻳﺒﺔ أﺧﺮى ﻋﲆ أُﻟﻐﻴﺖ ﻫﺬه اﻟﴬﻳﺒﺔ ﻣﻦ إﻧﻜﻠﱰا ﰲ ﻋﻬﺪ ﻏﻴﻠﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ،وﻛﺎن ﻳﻮﺟﺪ املﻮاﻗﺪ ،ﻓﻜﺎن أﻫﻞ املﻴﴪة اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻜﻨﻮن اﻟﺒﻴﻮت املﺘﺴﻌﺔ ﻳﺪﻓﻌﻮن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳَﺄْوون املﻨﺎزل اﻟﺤﻘرية ﻟﻘﻠﺔ ﻣﻮاﻗﺪﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻷﻫﺎﱄ ﺗﺘﺬﻣﺮ ﻣﻦ دﺧﻮل اﻟﺠﺎﺑﻲ إﱃ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﻟﺘﻌﺪاد املﻮاﻗﺪ ،ﻓﺄُﻟﻐﻴﺖ ﻫﺬه اﻟﴬﻳﺒﺔ واﺳﺘُﺒﺪﻟﺖ ﺑﴬﻳﺒ ٍﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﻮاﻓﺬ؛ ﻷن اﻟﺠﺎﺑﻲ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﻳﻌﺪﻫﺎ ﺑﻄﻮاﻓﻪ ﺣﻮل اﻟﺒﻴﺖ ،واﻵن ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻗﺪ ﻋﺪﻟﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﴬﻳﺒﺔ ،وﺻﺎرت إﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻘﻴﻤﺔ أﺟﺮة ﺑﻴﺘﻪ وﻣﻘﺪار دﺧﻠﻪ. ﺗﻔﺮض اﻷﻣﻮال ﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ ) (2ﰲ اﻷﻣﻮال املﻘﺮرة واﻷﻣﻮال ﻏري املﻘﺮرة ٍ ﺑﺼﻔﺔ ﻧﻬﺎﺋﻴ ٍﺔ ﻣﻦ ﻳﺪﻓﻌﻬﺎ، اﻷﻣﻮال املﻘﺮرة ﻋﻨﺪ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻤﻞ أﻋﺒﺎءﻫﺎ ٌ ٌ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ؛ إذ ﻋﺮﺑﺎت ﻛﺎﻟﴬﻳﺒﺔ املﻔﺮوﺿﺔ ﻋﲆ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻋﻨﺪه ﺧﺪا ٌم أو إن أﻏﻠﺐ اﻟﻨﺎس ﻻ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻋﺮﺑﺎﺗﻬﺎ إﻻ ملﺼﻠﺤﺘﻬﺎ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ،ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻣﺎ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ،وﻟﻜﻦ إذا اﻗﱰﺿﺖ اﻟﴬﻳﺒﺔ ﻋﲆ ﻋﺮﺑﺎت اﻟﻨﻘﻞ ﺗﺪﻓﻌﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﴬاﺋﺐ ﻋﲆ ٍ وﻋﺮﺑﺎت اﻟﺘﺠﺎرة ﻓﺈن اﻟﺮﻛﺎب واملﺒﺘﺎﻋني ﻟﻠﺒﻀﺎﺋﻊ املﻨﻘﻮﻟﺔ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺗُﺤﻤﻞ ﻋﲆ ﻋﻮاﺗﻘﻬﻢ، وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﴬﻳﺒﺔ ﻣﻘﺮرة؛ وﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻻ ﺗُﻔ َﺮض ﴐاﺋﺐ ﻋﲆ ﻋﺮﺑﺎت إﻧﺴﺎن أو ﻋﲆ اﻟﺘﺠﺎرة .وﻣﻦ اﻷﻣﻮال املﻘﺮرة ﰲ إﻧﻜﻠﱰا اﻟﴬﻳﺒﺔ املﻔﺮوﺿﺔ ﻋﲆ دﺧﻞ ﻛ ﱢﻞ ٍ اﻟﻜﻼب أو ﴐﻳﺒﺔ اﻟﻔﻘﺮاء وﻫﻠ ﱠﻢ ﺟ ٍّﺮا ،وﻗﺪ ﻳﻜﺜﺮ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﴬﻳﺒﺔ املﻘﺮرة إﱃ ﻏري ﻣﻘﺮرةٍ، وﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻓﻌﻮن ﻛ ﱠﻞ ﴐﻳﺒ ٍﺔ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؛ ﻓﺎﻷﻣﻮال ﻏري املﻘﺮرة ﺗﺘﺤﺼﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺴﺘﻌﻴﻀﻮن ﻣﺎ دﻓﻌﻮه ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﻴﻬﻢ ،وأﻫﻢ ﻫﺬه اﻷﻣﻮال ﰲ إﻧﻜﻠﱰا رﺳﻮم اﻟﺠﻤﺮك املﴬوﺑﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻴﺬ واملﴩوﺑﺎت اﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻟﺪﺧﺎن وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺻﻨﺎف املﺠﻠﻮﺑﺔ ﻟﻠﺒﻴﻊ ،وﻛﺎن ﻳﺆﺧﺬ ﻗﺴ ٌﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ داﺧﻞ املﻤﻠﻜﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ رﺳﻮم اﻟﺠﻤﺮك ،واﻵن ﺗﺆﺧﺬ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﻮم ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻷﺻﻨﺎف ﻓﻘﻂ ﻣﺜﻞ ً ﻣﺴﺎوﻳﺔ ملﺎ ﻳﺆﺧﺬ ﰲ املﴩوﺑﺎت اﻟﺮوﺣﻴﺔ ،واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺠﻬﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ أن ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺮﺳﻮم اﻟﺠﻤﺮك ﻋﲆ اﻟﻮاردات اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻌﺮﻗﻲ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻳُﺪﻓﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳُﺪﻓﻊ ﻋﲆ اﻟﻌﺮﻗﻲ أﻣﻮال اﻟﻔﺮﻧﺴﺎوي ،ﻓﻴﺤﺼﻞ ﻫﻨﺎك ﺗﻮاز ٌن ﻳﻀﻤﻦ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ،وﺗﺘﺤﺼﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﲆ ٍ ﻃﺎﺋﻠﺔ ،ورﺳﻢ اﻟﺘﻤﻐﺔ؛ أي اﻟﺮﺳﻢ اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻫﻮ ً ٍ أﻳﻀﺎ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷﻣﻮال ﻏري املﻘﺮرة؛ إذ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻳﻘﴤ ﺑﺄن اﻟﺤﺠﺞ واﻹﻳﺼﺎﻻت واﻟﺤﻮاﻻت ﻻ ﻳُﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ إﻻ إذا دﻓﻌﺖ رﺳﻢ اﻟﺘﻤﻐﺔ، ﺑﻨﺲ إﱃ ٍ آﻻف ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﴚء املﺘﻌﺎﻗﺪ ﻋﻠﻴﻪ، وﻳﺨﺘﻠﻒ ﻫﺬا اﻟﺮﺳﻢ ﻣﻦ ٍ ٌ ٌ وﻫﺬا اﻟﺮﺳﻢ ﻫﻮ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﴐﻳﺒﺔ ﻣﻘﺮرة ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣَ ْﻦ ﻳﺘﺤﻤﻠﻪ ﻧﻬﺎﺋﻴٍّﺎ؛ ﻷن ذﻟﻚ أﻣ ٌﺮ ﻳﺘﻐري ﺑﺘﻐري اﻟﻈﺮوف.
126
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ
) (3ﰲ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﴬاﺋﺐ إن آدم ﺳﻤﻴﺚ ﻫﻮ أول ﻣﻦ وﺿﻊ ﻗﻮاﻋﺪ ﻹرﺷﺎد اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ ﻓﺮض اﻟﴬاﺋﺐ ،وﺑﻤﺎ أن ﻫﺬه اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻋﲆ ﻏﺎﻳ ٍﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ ،وﻫﺎك ﺑﻴﺎﻧﻬﺎ: ) (1-3ﻗﺎﻋﺪة املﺴﺎواة ٍ دوﻟﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﻢ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺜﺮوﺗﻬﻢ ،أي ﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺪﺧﻞ اﻟﺬي رﻋﺎﻳﺎ ﻛ ﱢﻞ ٌ ﻧﺴﺒﻲ ﻣﻔﺮوض ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺰءٌ ﻳﺤﺼﻠﻮﻧﻪ ﺗﺤﺖ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،ﻓﻜ ﱡﻞ ﻓﺮ ٍد ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺮﻋﺎﻳﺎ ﱞ ٍ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﺎ ،ﻓﻤﺠﻤﻮع اﻷﻣﻮال ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻳﺒﻠﻎ اﻟﻌﴩة ﻣﻦ أﺟﺮﺗﻪ أو ﻣﺮﺗﺒﻪ أو ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺘﺴﺒﻪ ﰲ املﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻹﻳﺮادات ،وﻳﺘﻮزع ﺑﺎملﺴﺎواة اﻟﺘﻘﺮﻳﺒﻴﺔ ﻋﲆ ﻃﺒﻘﺎت اﻷﻣﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن أرﺑﺎب اﻟﺜﺮوة اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻳﺪﻓﻌﻮن أﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻔﻘﺮاء املﻌﺎﻓني ﻣﻦ دﻓﻊ املﺎل املﻔﺮوض ﻋﲆ اﻟﺪﺧﻞ ،واﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺪﺧﻨﻮن وﻻ ﻳﴩﺑﻮن ﻣﴩوﺑًﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﺤﻤﻠﻮن ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال إﻻ ﴐﻳﺒﺔ اﻟﻔﻘﺮاء ،وﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ وﺟﻮد ﴐﻳﺒ ٍﺔ ﻳﺘﺴﺎوى ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻫﺎﱄ، ٌ ٌ ﻧﺴﺒﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ دﺧﻞ ﻛ ﱢﻞ ﴐﻳﺒﺔ ﻓﺎﻟﴬﻳﺒﺔ املﻔﺮوﺿﺔ ﻋﲆ اﻟﺪﺧﻞ ﻫﻲ إﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ،واﻟﻔﻘﺮاء ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺪﻓﻌﻮﻧﻬﺎ أﺑﺪًا ،وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﺰوم ﻓﺮض ﺟﻤﻠﺔ ٍ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﺘﻰ إن ﻣﻦ ﻳﺘﻨﺼﻞ ﻣﻦ أﺣﺪﻫﺎ ﻻ ﻣﻨﺎص ﻟﻪ ﻣﻦ اﻷﺧﺮى. ﴐاﺋﺐ ) (2-3ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻳﺠﺐ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻛﻞ ﻓﺮ ٍد ﻣﻦ أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ٌ ﻏﺎﻳﺔ ﰲ اﻷﻫﻤﻴﺔ؛ إذ ﺑﺪوﻧﻪ ﺗﻮﺿﻴﺢ زﻣﻦ اﻟﺪﻓﻊ وﻛﻴﻔﻴﺘﻪ وﻗﻴﻤﺔ اﻷﻗﺴﺎط ،وﻫﺬا اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻟﺠﺎﺑﻲ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ اﻷﻫﺎﱄ وﺗﺤﺼﻴﻞ ﻣﺎ ﺷﺎء ،ورﺑﻤﺎ ﺗﻌﺮض ﻟﻘﺒﻮل اﻟﺮﺷﻮة ﻣﺘﻌﻬﺪًا ﺑﺘﻨﻘﻴﺺ اﻟﴬﻳﺒﺔ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺤﺼﻞ اﻷﻣﻮال ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺗﺜﻤني اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ،ﻓﺎﻟﺰﻳﺖ ً ﻣﺜﻼ ﺗﺨﺘﻠﻒ أﺛﻤﺎﻧﻪ ﻛﺜريًا ﺑﺎﺧﺘﻼف أﺻﻨﺎﻓﻪ وﺷﻬﺮﺗﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﺑﻲ أن ﻳﻘﺪر ﺑﺎﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﻗﻴﻤﺘﻪ؛ ﻷﻧﻪ إن ﺻﺪق ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ أﺻﺤﺎب اﻟﺰﻳﺖ ﺧﴚ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻘﻴﻤﺔ أﻛﱪ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن، وﺑﻤﺎ أن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ إﻇﻬﺎر ﻣﺎ ﻳﺮﺗﻜﺒﻪ اﻟﺘﺠﺎر أو اﻟﺠﺒﺎه ﻣﻦ اﻟﻐﺶ ،ﻓﻴُﺨﴙ ﻣﻦ ﱠ أن ﺑﻌﺾ ً ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻜﻤﻴﺘﻪ ﻓﻘﻂ ﻓﻴﻈﻬﺮ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ املﺜﻤﻨني ﻳﻘﺒﻠﻮن اﻟﺮﺷﻮة ،وﻟﻜﻦ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﴐﻳﺒﺔ اﻟﺰﻳﺖ اﻟﻐﺶ ﺑﺴﻬﻮﻟﺘﻪ ،وﻣﺎ ذﻛﺮﻧﺎه ﻋﻦ اﻟﺰﻳﺖ ﻳﺼﺪق ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺻﻨﺎف اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ً اﺧﺘﻼﻓﺎ ﻛﺒريًا. 127
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
) (3-3ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻠﻴﺎﻗﺔ ٍ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻳﺠﺐ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﴬاﺋﺐ ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ وﰲ اﻟﻮﻗﺖ املﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﻤﻤﻮل ،وﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة ذات ٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﺑﻤﺎ أن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻮﺟﻮد ًة إﻻ ملﺼﻠﺤﺔ اﻷﻣﺔ ،ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺮاﻋﻲ راﺣﺘﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﰲ وﺳﻌﻬﺎ ،ﻓﻼ ﺗﻄﺎﻟﺒﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣﻮال إﻻ ﰲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺴﻬﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﺪﻓﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻳﻌﱰض ﻛﺜريًا ﻋﲆ اﻟﻌﺎدة املﺘﺒﻌﺔ ﰲ إﻧﻜﻠﱰا ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﰲ ﻳﻨﺎﻳﺮ؛ ﻷن اﻟﻄﻠﺒﺎت ﺗﺰداد ﻋﲆ ٌ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة؛ اﻷﻫﺎﱄ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﻬﺮ ،ﻓﻤﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻳﻈﻬﺮ أن رﺳﻮم اﻟﺠﻤﺮك واملﻜﻮس ً ً زﺟﺎﺟﺔ ﻣﻦ املﴩوﺑﺎت أو أوﻗﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﺎن ً ﻣﺜﻼ، ﻷن املﻤﻮل ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺮﺳﻢ ﻋﻨﺪ ﻣﺎ ﻳﺸﱰي ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﺸﺄ دﻓﻌﻬﺎ ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ أن ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﴩاء — ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ أﺣﺴﻦ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﺎل ﻓﺈن ﻣﻦ ﻳﻬﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﴏف اﻟﻨﻘﻮد ﰲ ﴍاء اﻟﺪﺧﺎن أو ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻮﺟﻮه — وﻋﲆ ﻛ ﱢﻞ ٍ املﴩوﺑﺎت ﻳﻬﻮن ﻋﻠﻴﻪ ً أﻳﻀﺎ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺪراﻫﻢ ،وﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ﻳﻜﻮن اﻟﺮﺳﻢ املﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ اﻹﻳﺼﺎﻻت ﰲ ﻣﺤﻠﻪ؛ ﻷن اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻣﺎﻟﻪ ﻳﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻪ ٍ ﺿﻌﻴﻒ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻠﻤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ. إﻋﻄﺎء ﺟﺰءٍ ) (4-3ﻗﺎﻋﺪة اﻻﻗﺘﺼﺎد ً ٍ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪٍّا ،ﺣﺘﻰ إن ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﺘﺤﺼﻴﻞ ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ املﺼﺎرﻳﻒ ﻳﺠﺐ اﺳﺘﻌﻤﺎل ً ﻋﻤﺎﻻ اﻷﻫﺎﱄ ﻳﺮد ﻣﻌﻈﻤﻪ اﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ،وﻋﲆ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﺴﻦ ﻓﺮض اﻟﴬاﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰم ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ ﻟﺘﺤﺼﻴﻠﻬﺎ؛ ﻷن ﻣﺮﺗﺒﺎﺗﻬﻢ ﺗﺴﺘﻐﺮق ﺟﺰءًا ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،أو ﺗﺤﺪث ارﺗﺒﺎ ًﻛﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻼ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أن ﺗﻀﻄﺮ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة ،أو ﻳﺠﻌﻞ اﻷﺛﻤﺎن ﺗﺮﺗﻔﻊ، ﻟﴫف ﳾءٍ ﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ أو ﺛﺮوﺗﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ؛ ﻷن ذﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﴐﻳﺒ ٍﺔ أﺧﺮى ،وﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻮﺟﻬﺔ ﻳﻜﻮن رﺳﻢ اﻟﺘﻤﻐﺔ ﻣﺬﻣﻮﻣً ﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻠﺰم املﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ ﻣﻜﺘﺐ اﻟﺘﻤﻐﺔ، ﻋﻤﺎل ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ. أو ﺗﻀﻄﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إﱃ اﺳﺘﺨﺪام ٍ ﻷﺗﻌﺎب ﻋﺪﻳﺪةٍ ،ﻓﻼ ﻳﺪﻓﻌﻪ املﺘﻌﺎﻗﺪون ،ﻣﻌﺘﻤﺪﻳﻦ وﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻳﻜﻮن اﻟﺘﻤﻐﺔ ﺳﺒﺒًﺎ ٍ ﻋﲆ ذﻣﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ ،وﺗﻜﻮن ﻋﻘﻮدﻫﻢ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻠﻐﺎ ًة ،ﻓﻬﻞ ﻳﺠﻮز أن ﺗﺤﺮم ٍ ﻳﻬﻤﺎت؟ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻃﻤﻌً ﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ ُد َر
128
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ
) (4ﰲ ﻣﺬﻫﺒﻲ ﺣﺮﻳﺔ املﺒﺎدﻻت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ وﺣﻤﺎﻳﺔ املﺤﺼﻮﻻت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ً رﻏﺒﺔ ﰲ ﻣﺴﺎﻋﺪة إن أﻏﻠﺐ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻗﺪ اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﻋﲆ ﺗﻮاﱄ اﻷزﻣﺎن ﻓﺮض اﻟﴬاﺋﺐ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﻼد ،ﻇﻨٍّﺎ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﺖ اﻷﻫﺎﱄ ﻣﻦ اﺑﺘﻴﺎع اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﴬاﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻷﻗﺒﻠﻮا ﻋﲆ ﴍاء ﻣﺤﺼﻮﻻت اﻟﺒﻼد ،ﻓﱰوج ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ،وﻫﺬا ﺧﻄﺄ ٌ ﺟﺴﻴ ٌﻢ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺪﻋﻮه ﺑﺨﻄﺄ ﺣﺰب املﺤﺼﻮﻻت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺮﻳﺐ اﻟﺪﺧﻮل ﻋﲆ ﺷﺨﺺ ﻗﺎم ﻟﻴﻌﻄﻞ ﻋﻠﻴﻪ أو ﻋﻘﻮل اﻟﺠﻤﻬﻮر؛ إذ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﺸﺎﻫﺪة أن اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻳﻜﺮه ﻛ ﱠﻞ ٍ ﺑﺄﺛﻤﺎن أﻗﻞ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳُﻘ ِﺒﻞ اﻷﻫﺎﱄ ﻋﲆ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺗﺮى ﻳﺒﻴﻊ اﻷﺻﻨﺎف اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺠﺮ ﻓﻴﻬﺎ ٍ اﻟﺼﻨﺎع واﻟﺘﺠﺎر اﻟﻮﻃﻨﻴني ﻳﺸﻜﻮن وﻳﺘﺠﻤﻌﻮن ﻟﻴﻔﻬﻤﻮا اﻟﻨﺎس أﻧﻬﻢ ﻣﻐﺒﻮﻧﻮن ﰲ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﺗﻠﻚ اﻷﻗﻮال ﺗﺤﺮك ﰲ ﻗﻠﻮب اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻜﱪﻳﺎء وﺣﺐ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻓﻼ ﻳﺮﴇ ﺑﺄن ﺗﺘﻐﻠﺐ ٌ ﻋﻠﻴﻪ ٌ أﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﺗﺮى أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ — ملﺎ ﻟﻬﻢ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ املﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ — أﻣﺔ ﻳﺴﺪدون ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻛﻠﻤﺎ ﻻح ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﱪاﻫني واﻷدﻟﺔ ،ﻟﻴﺒﻴﻨﻮا ﻟﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﺖ دﺧﻮل ﻗﺮﻳﺐ ،وأﺷﻐﻠﻮا ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ زﻣﻦ ٍ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻻﺟﺘﻬﺪوا ﰲ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﻀﺎرﻋﻬﺎ ﰲ ٍ ﺿﻼل ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻤَ ﻠﺔ ،ﻓﺘﺘﺤﺴﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ وﺗﺰداد ﺛﺮوﺗﻬﺎ ،وﻫﻢ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﰲ ٍ ﻣﺒني ]اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ – أوﻫﺎم ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﺑﺸﺄن اﻟﻌﻤﻞ[؛ ﻷن املﻘﺼﻮد ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻴﺲ ٍ ﻣﺠﺮد اﻟﻌﻤﺎل ،وﻟﻜﻦ اﻟﺘﻤﺘﻊ ﰲ ﺑﺤﺒﻮﺣﺔ اﻟﻌﻴﺶ واﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ. ٌ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻫﺬا وﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ اﻹﻧﻜﺎر ﺑﺄن ﻛﺜريًا ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻷﻣﻼك أو املﻨﺎﺟﻢ أو املﻌﺎﻣﻞ ﻟﻬﻢ ﻛﱪى ﰲ ﻓﺮض اﻟﺮﺳﻮم ﻋﲆ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ املﻤﺎﺛﻠﺔ ملﺎ ﻳﺘﺠﺮون ﻓﻴﻪ ،إﻻ أﻧﺎ ﻧﻘﻮل :إن اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﻮم ﺑﺎﻟﻔﺎﺋﺪة ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﻳﺘﻨﺎزﻟﻮا ﻋﻨﻬﺎ؛ إذ املﻘﺼﻮد ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻣﺨﺼﻮص ﻣﻨﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻳﻔﻮت أرﺑﺎب اﻟﺴﻴﺎﳼ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻨﻔﻌﺔ اﻷﻣﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ ،ﻻ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻗﺴ ٍﻢ ٍ ﻣﺬﻫﺐ ﺣﻤﺎﻳﺔ املﺤﺼﻮﻻت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ أن اﻟﻐﺮض ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻫﻮ إﻳﺠﺎد اﻷﺻﻨﺎف ﺑﻜﺜﺮ ٍة ٌ ﺑﺄﺛﻤﺎن ﻣﺘﻬﺎود ٍة ﺑﺪون أن ﺗﺼﺪر أﺟﻨﺒﻴﺔ ﺑﺨﺲ ،وأﻧﻪ ﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﺗﺮد ﺑﻀﺎﺋﻊ وﺑﺜﻤﻦ ٍ ٍ ٍ ٌ وﻃﻨﻴﺔ ﻟﺪﻓﻊ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ،وﻗﺪ ﴍﺣﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ أن اﻟﺜﺮوة ﺗﺰداد ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﺑﻀﺎﺋﻊ اﻷﺻﻨﺎف ﰲ املﺤﻞ املﻨﺎﺳﺐ ،وﻟﻴﺲ دﻟﻴ ٌﻞ أﻋﻈﻢ ﻋﲆ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ املﺤﻞ إﻻ ﺑﻴﻊ اﻷﺻﻨﺎف اﻟﺘﻲ ﺑﺜﻤﻦ ﻣﺘﻬﺎودٍ ،أي إﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎن ﰲ ﻗﺪرة أرﺑﺎب املﻌﺎﻣﻞ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻗﻬﺮ أﺻﺤﺎب ﺗﻮﺿﻊ ﻓﻴﻪ ٍ املﻌﺎﻣﻞ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،ﻟﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﱪاﻫني اﻟﻘﺎﻃﻌﺔ ﻋﲆ أن ﺗﺸﻐﻴﻞ اﻟﺼﻨﻒ املﻘﺼﻮد ﰲ اﻟﺒﻼد اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ أﻓﻴﺪ. ﻣﻌﱰض ﻳﻘﻮل :ﻣﺎذا ﻳﺼري إﻟﻴﻪ ﻋﻤﻠﺘﻨﺎ ﻟﻮ أﺗﺘﻨﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺻﻨﺎف ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ورب ٍ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ؟ ﻓﻨﺠﻴﺒﻪ إن ذﻟﻚ أﻣ ٌﺮ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﺤﺼﻮل؛ إذ إن ورود اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ إﱃ 129
اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ
ﺑﻼدﻧﺎ ﻳﺴﺘﻠﺰم دﻓﻊ أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ،إﻣﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻨﻘﻮد أو ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺑﻀﺎﺋﻊ أﺧﺮى ،ﻓﺈذا ﺑﺎدﻟﻨﺎﻫﻢ ﺑﺎﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻟﺰم ﺗﺸﻐﻴﻞ ﻫﺬه اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻋﻨﺪﻧﺎ ،وﻛﻠﻤﺎ زاد اﺑﺘﻴﺎﻋﻨﺎ ﻟﻠﻮاردات اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻛﻠﻤﺎ زاد اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻋﻤﻠﺘﻨﺎ ،ﻓﺒﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻳﻜﻮن ﴍاء اﻷﺻﻨﺎف اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ أﻋﻈﻢ ﻣﺴﺎﻋ ٍﺪ ﻟﻠﻤﻌﺎﻣﻞ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ ﺣﺮﻛﺔ أﻧﻮاع اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ املﺘﻮﻓﺮة ﴍوﻃﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﻼد ،واﻟﺘﻲ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ ﺗﺰداد اﻟﺜﺮوة ﻛﺜريًا. ) (5ﰲ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ أﻣﺎ ﻟﻮ دُﻓﻊ ﺛﻤﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻨﻘﻮد ملﺎ ﻧﻔﺪت ﺛﺮوة اﻟﺒﻼد ﻛﻤﺎ زﻋﻤﻪ اﻷﻗﺪﻣﻮن، اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻈﻨﻮن أن اﻟﺒﻼد ﺗﺰداد ﺛﺮو ًة ﻛﻠﻤﺎ دﺧﻠﻬﺎ ﳾءٌ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ أو اﻟﻔﻀﺔ ،و َﻟﻌَ ﻤْ ﺮ ٌ ﺳﺨﻴﻔﺔ؛ إذ ﻣﺎ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ ﺟﻤﻊ اﻟﻘﻨﺎﻃري املﻘﻨﻄﺮة ﻣﻦ ﻫﺬه املﻌﺎدن اﻟﺤﻖ إﻧﻬﺎ ﻟﻔﻜﺮ ٌة ً ً ﻧﻘﺼﺎ ﰲ اﻷرﺑﺎح ،ورﺑﻤﺎ ﺣﻤﻞ ذﻟﻚ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻋﺪم اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻳﺘﻜﺒﺪ ﻣﻘﺘﻨﻮﻫﺎ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻋﲆ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﰲ أواﻧﻴﻬﻢ ،ﻓﻴﺰداد ﴎورﻫﻢ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﻨﻘﺺ أرﺑﺎﺣﻬﻢ. وﻟﻜﻦ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻮم ﺗﺨﺰﻳﻦ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺰاﺋﺪة ﻋﻤﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرة اﻻﻋﺘﻴﺎدﻳﺔ ﻻ ﻳﻌﻮد ﺑﺎﻟﺨﺴﺎرة إﻻ ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺒﻪ ،وﻻ ﺧﻮف ﻣﻦ أن اﻟﺒﻼد ﺗﺼﺒﺢ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﺎ وﻗﺪ ﻧﻔﺪ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد؛ ﻷﻧﻪ إن ﻗﻠﺖ ﻛﻤﻴﺘﻬﺎ زادت ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ — ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ — وﻫﺒﻄﺖ اﻷﺳﻌﺎر ﻓﺘﻘﻞ اﻟﻮاردات وﺗﺰداد اﻟﺼﺎدرات ،وملﺎ ﺣﻮﺗﻪ ﺑﻼد أﺳﱰاﻟﻴﺎ وأﻣريﻛﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﻳُﺴﺘﺤﺴﻦ أن ﺗﺪﻓﻊ ﻗﻴﻤﺔ وارداﺗﻬﺎ ﻧﻘﻮدًا ﻟﺘﻮﻓﺮ املﻌﺎدن اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ﻋﻨﺪﻫﺎ، ٍ ﺑﺨﺎف أن اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﻳﺴﺘﺨﺮﺟﺎن ﻣﻦ املﻨﺎﺟﻢ ،ﻓﻴﱰﺗﺐ إذن ﻋﲆ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ وﻟﻴﺲ ﺗﺮﻏﺐ دﻓﻊ ﺛﻤﻦ وارداﺗﻬﺎ ﻧﻘﻮدًا أن ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻨﺎﺟﻢ ،أو أن ﺗﺴﺘﺠﻠﺐ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه ً ً أﺟﻨﺒﻴﺔ ﺑﺪون أن أﺻﻨﺎﻓﺎ اﻷﺻﻨﺎف ﻣﻦ اﻟﺒﻼد املﻮﺟﻮدة ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺈذن ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﺸﱰي ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻣﺎ ﻳﻮازي ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ،وﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺗﻜﻮن اﻟﺘﺠﺎرة اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب املﺴﺎﻋﺪة ﻋﲆ رواج اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ.
130
اﳋﺎﲤﺔ
ﻣﻮﺟﺰ ﰲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ،وأن ﻣﺨﺘﴫ ﻟﻴﻌﻠﻢ اﻟﻘﺮاء اﻟﻜﺮام أن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ٍ ٍ ﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﺗﺴﺘﻮﰲ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﴍح ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ املﻔﻴﺪ ،وﻟﻜﻦ ﻋَ ﱠﻠﻨﺎ أن ﻧﻜﻮن ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻨﺎ اﻟﻐﺎﻳﺔ املﻘﺼﻮدة ،ﻟﻮ ﻛﺎن ﻫﺬا املﺨﺘﴫ ﻳﺤﻤﻞ ﻗﺮاءﻧﺎ ﻋﲆ اﻟﺘﻔﺎﺗﻬﻢ إﱃ اﻟﴩوح املﻄﻮﻟﺔ، ﻣﺴﺒﺐ ﻟﻠﻜﺪر، وﻟﻌﻠﻬﻢ رأوا ﺑﻌﻜﺲ ﻣﺎ ﻳﺰﻋﻤﻪ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ أن اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻟﻴﺲ ﺑﻌﻠ ٍﻢ ٍ ﻓﻬﻞ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﻜﺪرة اﻟﺴﻌﻲ ﰲ ﺗﺨﻔﻴﻒ أﺣﻤﺎل اﻟﻌﺎﻣﻞ املﺴﻜني أو ﰲ ﺗﺤﺴني ﺣﺎﻟﺘﻪ ،ﻧﻌﻢ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻜﺪ ًرا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻳﺤﻤﻠﻨﺎ ﻋﲆ إﻣﻌﺎن اﻟﻔﻜﺮ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻔﻘﺮ ،أو أﻗﻌﺪﺗﻬﻢ اﻟﺤﺎﺟﺔ ،أو ﰲ ﺳﻮء ﺣﻆ ﻣﻦ ﺳﺎﻗﺘﻬﻢ املﻘﺎدﻳﺮ إﱃ ﻣﻼﺟﺊ اﻟﻔﻘﺮاء أو إﱃ اﻟﺴﺠﻮن أو املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ،أو ﰲ اﻹﴐاب ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،أو ﰲ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ أو اﻟﺘﻔﺎﻟﻴﺲ أو ﰲ ﻏﻼء املﻌﻴﺸﺔ أو ﰲ املﺠﺎﻋﺎت ،أو ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻜﺪر ﻟﻬﺎ اﻟﻘﻠﺐ وﻳﺤﺰن ﻟﻬﺎ اﻟﻔﺆاد، ذﻧﺐ ،أوَﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺼﻮاب وﻟﻜﻦ ﻗﻞ ﱄ — رﻋﺎك ﷲ — ﻫﻞ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ٍ اﻻﻋﱰاف ﺑﺄن اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻋﻠ ٌﻢ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﻔﺎﺋﺪة ،ﻟﻮ ﻳُﺪرس ﺗﻤﺎم اﻟﺪراﺳﺔ ملﺤﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر املﻜﺪرة ،وأرﺷﺪﻧﺎ إﱃ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻫﻤﺘﻨﺎ ﰲ ﺗﻔﺮﻳﺞ ﻛﺮﺑﺔ ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن.