اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﺗﺄﻟﻴﻒ زﻛﺮﻳﺎ ﻣﻬﺮان
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ زﻛﺮﻳﺎ ﻣﻬﺮان
رﻗﻢ إﻳﺪاع ٢٠١٤ / ١٤١٨٣ ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٧١٩ ٩٨٩ ٦ : ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ٨٨٦٢ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ ٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org : ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :ﺧﺎﻟﺪ املﻠﻴﺠﻲ. ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺼﻮرة وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ملﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻷﺧﺮى ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. Cover Artwork and Design Copyright © 2015 Hindawi Foundation for Education and Culture. All other rights related to this work are in the public domain.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
ﻣ َُﻘﺪﱢﻣَ ﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
7 9
ُﻣ َﻘ ﱢﺪ َﻣﺔ
ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻜﺜريون ﻣﻨﺎ أن اﻷﺳﻌﺎر ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ ،وأﻧﻪ ﺣني ﻋُ ﻘﺪت اﻟﻬﺪﻧﺔ زاد ارﺗﻔﺎﻋُ ﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻏري ﻣﻌﻘﻮل ،وﻣﻤﺎ ﻧﺮوﻳﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﲆ ذﻟﻚ أن ﻗﻨﻄﺎر اﻟﻘﻄﻦ اﻟﺴﻜﻼرﻳﺪس ﺑﻠﻎ ﰲ ﺑﻮرﺻﺔ اﻟﻜﻮﻧﱰاﺗﺎت ً ١٩٦ رﻳﺎﻻ ،وإردب اﻟﻘﻤﺢ ِﺑﻴ َﻊ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ املﺘﻮﺳﻄﺔ ُ ِ اﻟﺨﺼﻮﺑ ِﺔ دُﻓﻊ ﻓﻴﻪ ٥٠٠ﺟﻨﻴﻪ ﺛﻤﻨًﺎ، ﺳﺒﻌﺔ ﺟﻨﻴﻬﺎت ،وأن اﻟﻔﺪان ﻣﻦ اﻷرض ٌ أزﻣﺎت وﺟﻤﻴﻊ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻟﻜﻦ ﺣﺪث ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﺰول ﰲ اﻷﺳﻌﺎر ،وﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﻋﲆ ﻣﴫ ِ ﻣﺘﻜﺮرة ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺔ ١٩٣١املﺸﺌﻮﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻨﻄﺎر اﻟﺴﻜﻼرﻳﺪس ﺑﺠﻨﻴﻬني، وﻟﻢ ﻳﺰد ﺛﻤﻦ اﻟﻔﺪان ﻣﻦ اﻷرض اﻟﺠﻴﺪة ﻋﻦ ٨٠ﺟﻨﻴﻬً ﺎ إذا وﺟﺪ راﻏﺒًﺎ ﰲ ﴍاﺋﻪ ،وﻻ زاﻟﺖ آﺛﺎر ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﻴﺌﺔ ﻋﺎﻟﻘﺔ ﺑﺄذﻫﺎﻧﻨﺎ ،ﺑﻞ ﻻ زاﻟﺖ أﻣﻼك ﺑﻌﻀﻨﺎ إﱃ اﻵن ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺘﺴﻮﻳﺎت اﻟﻌﻘﺎرﻳﺔ. وﻫﺎ ﻧﺤﻦ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻧﺮى اﻷﺳﻌﺎر ﻗﺪ ارﺗﻔﻌﺖ ،وأﻧﻬﺎ ﺗﺴري ﰲ ﻏﻼءٍ ﻣُﻄﺮد ،رﻏﻢ ً وﺧﺼﻮﺻﺎ ذَوُو اﻹﻳﺮادات اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ، ﻣﺎ ﺑﺬﻟﺘْﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﻮد .ﻏﻼءٌ ﻳﺸﻜﻮه اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌً ﺎ، وﺑﺎت اﻟﻨﺎس ﻳﺘﺴﺎءﻟﻮن :ﻫﻞ ﺳﻴﺤﺪث ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ؟ وﻣﺎ ﻫﻲ أﺳﺒﺎب اﻟﻐﻼء واﻷزﻣﺎت؟ وﻣﺎ ﻫﻲ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ؟ وﻗﺪ أﺧﺬت اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻣﻦ اﻵن؛ ٌ دروس ﻳﺠﺐ اﻻﻧﺘﻔﺎ ُع ﺑﻬﺎ ،وﻧﺴﻤﻊ أن ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﻜﺮر أﺧﻄﺎء املﺎﴈ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ املﺎﴈ ﺣﻜﻮﻣﺘﻨﺎ وﻣﻌﺎﻫﺪﻧﺎ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺗﺪرس اﻵن ﻣﺸﻜﻼت ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب ،وأن اﻟﺨﱪاء ﺟﺎدﱡون ﰲ ٍ ﻣﺆﺗﻤﺮات ﺗُﻌﻘﺪ ﺑني وﻗﺖ وآﺧﺮ ﻟﺒﺤﺚ ﺷﺌﻮن اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﺠﺎرة ﻗﺼﺪ ﺑﺤﺚ املﴩوﻋﺎت ،وأن اﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﺗﻔﺎق ﺑني اﻟﺪول ،ﻓﻼ ﺗﺘﺤﺎرب اﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ ،وﻻ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻸزﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻋﺎد ًة ﻋﻘﺐ اﻟﺤﺮوب. ٍ ﺑﻮﺟﻪ ﻋﺎم ﻣﻌﺮوف؛ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﰲ أﻳﺪي اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻧﻘﻮد ،وﻗﻠﺔ ﻣﺎ أﻣﺎ اﻟﻐﻼء ﻓﺴﺒﺒﻪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﺑﻀﺎﺋﻊ ،ﺣﺘﻰ َﻟﻴﻘﻮل ﻟﻚ رﺟ ٌﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ إذا ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻐﻼء :إن
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﻟﻨﻘﻮد ﻛﺜرية ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻨﺎس ﻣﺎذا ﻳﺼﻨﻌﻮن ﺑﻬﺎ ،وإﻧﻬﻢ َﻟﻴﻔﻀﻠﻮن أن ﻳﺸﱰوا اﻟﺴﻠﻊ وﻟﻮ ﱡ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﻟﻴﺔ .أﻣﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻧﺎل ﻗﺴ ً ﺗﻀﺨﻢ ﻄﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻴﻘﻮل ﻟﻚ :إن اﻟﺒﻼد ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪﺛﺘْﻪ اﻟﺤﺮب ،وﻫﺬا اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺳﺒﱠﺐ ﻟﻨﺎ اﻟﻐﻼء ،ﻓﻬﻮ ﻳﻀﻴﻒ اﻟﺘﻀﺨﻢ إﱃ اﻟﺤﺮب؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف إﻻ ﺗﻀﺨﻢ اﻟﺤﺮوب ،وﻗﺪ اﻧﻄﺒﻌﺖ ﰲ ذﻫﻨﻪ ﺻﻮر ٌة ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﺮﺑني ،املﺎﺿﻴﺔ واﻟﺤﺎﴐة ،وﻫﻮ ً أﻳﻀﺎ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻧﺘﺎﺋﺞ ذﻟﻚ اﻟﺘﻀﺨﻢ إﻻ ﺣني ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﺘﺄﻟﻢ ﻣﻨﻬﺎ وﻳﻄﺎﻟﺐ ُ ﻛﻮارث أﴐت ﺑﺎﻷﻣﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺒﺬل اﻟﻌﻼج ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺪرك أﻧﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬا اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻗﺪﻳﻤً ﺎ وﺣﺪﻳﺜًﺎ ،وأﺧﺬت اﻟﻌﺎﻟﻢ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻓﻐريت ﻣﻦ ﻗﻮاﻋﺪ ﺑﻨﺎﺋﻪ اﻻﻗﺘﺼﺎدي.
8
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﱡ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ ﺗﻌﺮﻳﻒ ً ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻗﺒﻞ إن ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻫﺬه Inflationاﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﻌﻬﺎ اﻵن ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ إﻻ ﰲ ﺑﻌﺾ ﻛﺘﺐ اﻻﻗﺘﺼﺎد ،وﻟﻢ ﻳﺘﻔﻖ ﺑﻌ ُﺪ ﺧﱪاءُ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻘﻮد ﻋﲆ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺘﻀﺨﻢ ،ﻓﺒﻌﻀﻬﻢ وﺻﻔﻪ ﺑﺄﻧﻪ اﻟﻜﺜﺮة ﰲ اﻟﻨﻘﻮد ،وﻫﺬا ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺑﺪاﺋﻲ ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ارﺗﻘﻰ ﺑﻪ ً ﻗﻠﻴﻼ ﻓﻘﺎل :إﻧﻪ اﻟﻜﺜﺮة ﰲ اﻟﻨﻘﻮد واﻷﺛﻤﺎن ،وﻗﺎل ﺑﻌﺾ اﻟ ُﻜﺘﱠﺎب املﻌﺎﴏﻳﻦ :إﻧﻪ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ زﻳﺎدة املﻘﺪِرة اﻟﴩاﺋﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،وﻫﺬا ﻗﺮﻳﺐٌ ﺟﺪٍّا ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ؛ ﻷن ﻣﺠﺮد ﻛﺜﺮة اﻟﻨﻘﻮد أو ﻛﺜﺮة اﻟﻨﻘﻮد واﻷﺋﺘﻤﺎن ﻣﻌً ﺎ — وإن ﻛﺎﻧﺖ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻟﺤﺎﻻت ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺘﻀﺨﻢ — إﻻ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻻ ﺗﺆدي إﻟﻴﻪ. وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻓﻤﻦ املﺘﻌني أن ﻧﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺜﺮوة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،ﻓﺈن زادت اﻟﻨﻘﻮد ﱡ ﺗﻀﺨﻢ؛ ﻷن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺗﻘﺘﴤ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﻳﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗُﻤﻠﻴﻬﺎ، زﻳﺎدة ﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻼ وﻧﺤﻦ ﻧﺮى أن ﻧُﻌ ﱢﺮ َ ف اﻟﺘﻀﺨﻢ ﺑﺄﻧﻪ :اﻟﺰﻳﺎدة ﰲ اﻟﻨﻘﻮد ﻋﻦ اﻟﺤﺪ اﻟﻮاﺟﺐ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت ﰲ ﺑﻠﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ،وﻧﺘﻤﺴﻚ ﺑﻌﺒﺎر ِة ﻋﻦ اﻟﺤﺪ اﻟﻮاﺟﺐ رﻏﻢ ﻣﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎرة ً ﻣﻨﻄﺒﻘﺎ ﻋﲆ ﻣﻦ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﻻ ﻳُﺴﺘَﺤﺐﱡ ﰲ اﻟﺘﻌﺎرﻳﻒ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻫﻨﺎ ﻣﻘﺼﻮدٌ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ً اﻧﻄﺒﺎﻗﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ أي ﺗﻌﺮﻳﻒ آﺧﺮ ،وﻧﺮى اﻟﺘﻘﻠﺺ — Deflationﻋﻜﺲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،أو أﻛﺜﺮ اﻟﺘﻀﺨﻢ — ﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﻠﺔ اﻟﻨﻘﻮد ﻋﻦ اﻟﺤﺪ اﻟﻮاﺟﺐ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت ﰲ ﺑﻠﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد.
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮد ﺑني اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ واملﻌﺎرﺿﺔ ُ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻘﺪار اﻟﻨﻘﻮد اﻟﻮاﺟﺐ ﺗﻮاﻓﺮﻫﺎ ﰲ ﺑﻠﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ﻟِﺴ ﱢﺪ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ املﺨﺘﻠﻔﺔ، املﺴﺄﻟﺔ إذن إن َﻗ ﱠﻞ ذﻟﻚ املﻘﺪار أُﺻﻴﺐ اﻟﻨﺎس ﺑﻀﻴﻖ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﻘﻮد ،وإن ﻛﺜﺮ ﻛﺎن ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻮق ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺒﺬﻟﻮه ﻟﻴﺸﱰوا اﻟﺴﻠﻊ ﻓﺮﻓﻌﻮا أﺛﻤﺎﻧﻬﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ٍ إﻓﺮاط اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺮﺷﻴﺪ ُة ﰲ ﺗﺪﺑري اﻟﻨﻘﻮد ﻫﻲ اﻟﻮﻗﻮف ﺑﺎﻟﻨﻘﻮد ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺪ اﻟﻮاﺟﺐ ﻟﻬﺎ ﰲ ﻏري ً ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ واﻟﺜﺮوات ﺛﺎﺑﺘﺔ ،واﻷرزاق ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﺠﺮاﻫﺎ أو ﺗﻔﺮﻳﻂ ﰲ ﻛﻤﻴﺘﻬﺎ؛ ﻟﺘﻜﻮن اﻷﺳﻌﺎر اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﻓﻼ ﻳُﻀﺎر ﻗﻮم ﺑﺎﻟﻀﻴﻖ أو ﺑﺎﻟﻐﻼء ،وﻻ ﺗﺴﻌﺪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺑﺸﻘﺎء ﺟﻤﺎﻋﺔ. ﺗﻠﻚ اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺨﻄرية اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﻧﺎﻫﺎ ﰲ اﻟﻔﱰة ﻣﺎ ﺑني اﻟﺤﺮﺑني املﺎﺿﻴﺔ واﻟﺤﺎﴐة ،واﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻟﻨﺎ اﻵن ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺪﻣﺎﺗﻬﺎ ﻗﺪ ذﻛﺮﻫﺎ املﻘﺮﻳﺰي ﰲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ أ ﱠﻟﻔﻬﺎ ﺳﻨﺔ ٨١٧ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﴍح ﻓﻴﻬﺎ ﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ اﻵن ﺑﺎﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ ﴍﺣً ﺎ ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ .ﻛﻤﺎ ﺗﻜﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﺗﺪﻫﻮر اﻟﻌﻤﻼت وإﻋﺎدة ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ ،وﻋﻦ اﻟﺠﻴﺪ واﻟﺮديء ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ،وﻋﻦ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺴﻚ ،وأﺛﺮ اﻟﻨﻘﻮد ﰲ اﻷﺳﻌﺎر ،وﻗﺪ اﻗﱰب ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ اﻵن ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮد ،ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻊ اﻟﺤﺠﺮ اﻷول ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ Davanzatiﺳﻨﺔ ١٥٨٨ﻣﻴﻼدﻳﺔ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ Lezione sulle Moneteﺣني ﻗﺎل ﻓﻴﻪ: إن ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒﻪ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ أﺷﻴﺎء ﺗﻮازي ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ ذﻫﺐ وﻓﻀﺔ وﻧﺤﺎس. وأﺧﺬ Lockeﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎرة ﻓﴬب ﻋﻠﻴﻬﺎ ً ﺑﻤﻴﺰان ﺗﻮﺿﻊ اﻟﻨﻘﻮد ﰲ إﺣﺪى ﻛﻔﺘﻴﻪ ﻣﺜﻼ ٍ واﻟﺴﻠﻊ ﰲ اﻟﻜﻔﺔ اﻷﺧﺮى ﻣﻨﻪ؛ ﻟﻴﻜﻮن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻗﻴﺎس وﻣﻮازﻧﺔ. وﻟﻜﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻻ ﺗﺠﻠﺐ اﻟﺨريات ﻣﺮة واﺣﺪة ﺛﻢ ﻳﺒﻄﻞ ﻋﻤﻠﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻳﺪ إﱃ أﺧﺮى ﻟﺘﺆدي ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﻋﺪة ﻣﺮات ،ﺷﺄﻧﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺷﺄن اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺗُﻘﺎس ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺑﻤﻘﺪار ﻣﺎ ﺗﺴري ﻓﻴﻪ ﻣﻦ رﺣﻼت ،ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻻﻧﺘﻘﺎد اﻟﺬي وُﺟﻪ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﰲ أول دور ﻣﻦ أدوارﻫﺎ ،وﻗﺪ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﻪ John Stuart Millﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل ﺑﺄﻧﻪ :ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ اﻟﻨﻘﻮد ﺗُﺘﺪاول ﻋﴩ ﻣﺮات ﻟﻴﺒﻴﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﺳﻠﻌً ﺎ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ،ﻓﺈن ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﺔ ﺗﻜﻔﻲ ،وﻗﺪ أوﺿﺢ Sismondiﻫﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﺑﻘﻮﻟﻪ :إن ﻣﻘﺪار اﻟﻨﻘﻮد وﻫﻲ ﺗُﺘﺪاول ﰲ املﻌﺎﻣﻼت ﺑﺒﻠﺪ ﻣﺎ ﺗﻮازي ﻣﻘﺪار اﻟﺪﻓﻌﺎت ﰲ وﻗﺖ ﻣﻌني ﻣﻘﺴﻮﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻋﺪد املﺮات اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪاوﻟﻬﺎ اﻷﻳﺪي ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ. 10
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ذﻟﻚ ﺗﻄﻮر املﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﻌﺘﻴﺪة ،ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮد Theory of Moneyﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺗﺆﻛﺪ وﺟﻮد ﻋﻼﻗﺔ وﺛﻴﻘﺔ ﺑني ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮد وﺑني اﻷﺳﻌﺎر، وﻗﺪ ﻋﺎرﺿﻬﺎ ﺑﺸﺪة ،Hidelbrandﺣني ﻛﺘﺐ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٨٨٣ﻳﻘﻮل :إﻧﻬﺎ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺳﻘﻴﻤﺔ ٍ اﻟﺘﺰاﻣﺎت ﻣﺘﻜﻠﻔﺔ؛ إذ ﻻ ﻣﺤﻞ ﻟﺮﺑﻂ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﺎﻟﺴﻠﻊ واﻟﻨﺎس ﻳﺘﺒﺎﻳﻌﻮن ﰲ املﻌﺎﻣﻼت ﻟﻴﺤﻘﻘﻮا ﻣﻌﻴﻨﺔ املﻘﺎدﻳﺮ ﻣﻘﺪرة اﻟﻘﻴﻢ ﻋﻨﺪ ﺣﺪوﺛﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻣﺤﻞ ﻻﻓﱰاض ﻛﻤﻴﺎت ﻏري ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮﻳﺎت ،وﻻ ﻣﺤﻞ ً أﻳﻀﺎ ﻹﺳﻨﺎد اﻟﴪﻋﺔ ﰲ اﻟﺘﺪاول إﱃ اﻟﻨﻘﻮد وﺗﺸﺒﻴﻪ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﺎﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﰲ ً ٌ ﺣﺮﻛﺔ ذاﺗﻴﺔ ﺑﺪاﻓﻊ ﺧﺎص ﻓﻴﻬﺎ، ﻗﻴﺎس ﻣﻊ اﻟﻔﺎرق ،ﻓﺎﻟﺴﻔﻴﻨﺔ إﻧﻤﺎ ﺗﺘﺤﺮك رﺣﻼﺗﻬﺎ؛ ﻷن ذﻟﻚ ٌ ﻣﺤﺾ ﻳﺤﺮﻛﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻃﺒﻖ أﻏﺮاﺿﻬﻢ. ﺳﻠﺒﻲ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻨﻘﻮد ﻋﻤﻠﻬﺎ ﱞ وﻫﺬه املﻌﺎرﺿﺔ — وأﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ — ﻟﻢ ﺗﻨﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻘﻴﺖ ﻣﺘﻤﻜﻨﺔ ﰲ أﻓﺌﺪة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني ﺣﺘﻰ ْ ﻻﻗﺖ أﺧريًا ﻣﻨﺎﻗﺸﺎت وﺗﺤﻠﻴﻼت أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﻌﻦ ﻋﲆ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ، ﺑﻌﺪ أن ﺗﻌﺪﱠدت ﻣﺼﺎد ُر اﻟﻨﻘﻮد وﺗﺸﻌﺒﺖ أﻏﺮاﺿﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﻘﺪم اﻟﺤﺎﱄ وﻣﺎ اﺳﺘﺤﺪﺛﺘْﻪ اﻟﺒﻨﻮك ﻣﻦ ﻧ ُ ُ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮن اﻟﻨﻘﻮد ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻓﻘﻂ ﻈﻢ ﻣﺆﺛﺮة ﻋﲆ ﴎﻋﺔ ﺗﺪاول اﻟﻨﻘﻮد وﻃﺮق ﺗﺪاوﻟﻬﺎ، ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻄﻊ املﻌﺪﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ،وإﻧﻤﺎ ﺟﺎءت اﻟﺒﻨﻮك ً ﻣﺎﻻ ملﻦ ﻻ ﻣﺎل ﰲ ﻳﺪه، ﻓﻬﻲ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﻣﺪﺧﺮات أﺷﺨﺎص ﻟﺘﻘﺮض آﺧﺮﻳﻦ ،وﻫﺬه اﻟﺒﻨﻮك ﻓﻮق ذﻟﻚ ﻗﺪ ﺗَﺒﺴﻂ ﻳﺪﻫﺎ وﻗﺪ ﺗَ ُﻐﻠﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺗُﺤْ ﺴﻦ إدارة اﻷﻣﻮال وﻗﺪ ﺗﺴﻴﺌﻬﺎ ﻓﺘﺴﺒﺐ اﻟﻨﺠﺎح أو اﻹﺧﻔﺎق ﻟﻠﻤﴩوﻋﺎت وﻟﻸﻋﻤﺎل اﻟﺤﺮة. ﱠ ﻫﺬه اﻻﻋﺘﺒﺎرات — وﻏريﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﻘﴤ ﺑﻪ ﻇﺮوف وﻗﺘﻨﺎ اﻟﺤﺎﴐ — ﻗﺪ ﺟﻌﻠﺖ ُﻛﺘﺎب اﻟﻨﻘﻮد ﻳﺘﺠﺎدﻟﻮن ﻓﻴُﻜﺜﺮون اﻟﺠﺪل ﻋﻨﺪ دراﺳﺘﻬﻢ ﻟﻠﻄﻠﺐ واﻟﻌﺮض ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻮد ملﻌﺮﻓﺔ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻬﺎ وﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ﻋﻨﺪ ﺗﺄﺛريﻫﺎ ﻋﲆ اﻷﺳﻌﺎر؛ ﻓﻤﻨﻬﻢ Aftalionﻳﻘﻮل :ﺑﺄن اﻹﻳﺮاد اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻫﻮ املﺴﻴﻄﺮ ﻋﲆ املﻮﻗﻒ اﻟﺮاﻓﻊ اﻟﺨﺎﻓﺾ ﻟﻸﺳﻌﺎر ،وﻣﻨﻬﻢ Fisherﻳﺮى اﻟﻌﱪة ٌ ﻣﻨﻄﻖ ﺳﻠﻴﻢٌ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪرة اﻟﴩاﺋﻴﺔ ﻟﻠﻨﻘﻮد ﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ﻓﻌﻠﻴﻬﺎ وﺣﺪﻫﺎ املﻌﻮل ،وﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻖ ﺑﺄذﻫﺎﻧﻨﺎ ،وﻫﻮ أﻧﻬﺎ ﻣﺠﻠﺒﺔ اﻟﺨريات ،ﻓﻘﺪرﺗﻬﺎ ﻻ ﻧﻘﺼﺪ اﻟﻨﻘﻮد ﻟﺬاﺗﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ِ ﻋﲆ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺎ ﻧﺒﺘﻐﻴﻪ ﻣﻨﻬﺎ — ﺑﻼ ﺷﻚ — أﻫﻢ اﻟﻌﻮاﻣﻞ وأﺑﻌﺪﻫﺎ أﺛ ًﺮا ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ إﱃ اﻟﻨﻘﻮد. Quantity
11
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﺣﺬار ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت واﻹﺣﺼﺎءات ٌ ﻋﺮض ﻋﺎﺟﻞ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮد ،وﻣﺎ وُﺟﱢ َﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻘﺪ ﻧﺮى أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺰﺣﺰﺣﻬﺎ ذﻟﻚ ً وﺗﻌﻠﻴﻘﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻻ ﻧُﺤﺐﱡ ْ أن ﻧﺘﻮﺳﻊ ﰲ ﻫﺬا ﻋﻦ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ،إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﴍﺣً ﺎ ﻟﻬﺎ اﻟﺼﺪد ،ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻧﺮى اﻷﺧﺬ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ إﻻ ﰲ ﱡ ﺗﺤﻔﻆ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت ﱢ املﺘﻌني ﻋﻨﺪ ﺗﻄﺒﻴﻖ أﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ اﻟﻮاﺟﺒﺔ اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﰲ ﻛﻞ زﻣﺎن وﻣﻜﺎن ،وﻧﺮى أﻧﻪ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أن ﻧﻘﻴﻢ وزﻧًﺎ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﻈﺮوف املﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻳُﺮاد اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻓﻴﻬﺎ. ﻫﺬا ،وﻻ ﳾء أﺑﻐﺾ إﱃ ﻧﻔﴘ ﻣﻦ ﺗﻠﻜﻢ املﻌﺎدﻻت اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻠﻂ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻘﻬﺎء اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺠﱪ ﻋﲆ ﻧﻈﺮﻳﺎت اﻟﻨﻘﻮد ﻛﻠﻤﺎ أرادوا أن ﻳﺜﺒﺘﻮا رأﻳًﺎ ﻟﻬﻢ أو ﻳﻘﻴﻤﻮا ﻋﻠﻴﻪ اﻷدﻟﺔ. وأﻛﺮه ً أﻳﻀﺎ اﻟﺮﺳﻮم اﻟﺒﻴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻳﺮوﻧﻬﺎ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ اﻹﺣﺼﺎءات اﻟﺘﻲ ﺗُﺼﺪرﻫﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت واملﻌﺎﻫﺪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واملﺎﻟﻴﺔ؛ ﻟﺘُ ﱢﺒني ﺑﻬﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﺄﺳﻌﺎر اﻟﺴﻠﻊ وﻧﻔﻘﺎت املﻌﻴﺸﺔ. وأﻋﺘﻘﺪ أن ﻫﺬه اﻹﺣﺼﺎءات ﻻ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺧﺎدﻋﺔ ،ﻓﺈذا أردﻧﺎ أن ﻧﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﰲ أي ﻏﺮض ﻣﻦ أﻏﺮاﺿﻨﺎ ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻋﲆ اﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ وﺳﻴﻠﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﻴﺔ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺨﻄﺊ. وإﻧﻲ — ﻟﻬﺬه اﻷﺳﺒﺎب — ﻻ أﺗﻤﺴﻚ ﻛﺜريًا ﺑﺎﻟﻨﻈﺮﻳﺎت ،وﻻ أرى أن أﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ إﻻ ﺑﻘﺪر؛ ﻷﻧﻲ أرﻳﺪ أن أﺟﺮب ﻃﺮﻳﻘﺔ أُﺧﺮى ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﻮاﻗﻊ املﻠﻤﻮس ،ﻓﺄﺟﻌﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳُﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘ ﱡﻠﺺ ،وأﺟﻌﻞ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ ٍّ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﻔﴪ ﻟﻨﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،وﺳﺒﻴﲇ ﰲ ذﻟﻚ ْ أن أﺧﺘﺎر ﻣﻦ ﻗﺼﺺ اﻟﻨﻘﻮد ﻣﻨﺬ ﻋﺮف اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻨﻘﻮد إﱃ اﻵن ﺻﻮ ًرا ﻧﻤﻮذﺟﻴﺔ أﴍح ﺑﻬﺎ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع اﻟﻬﺎ ﱠم ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ. اﻟﺘﻘﻠﺺ ﻳﺴﺒﺐ أزﻣﺔ ﺳﻨﺔ ٥٩٤ق.م ﰲ أﺛﻴﻨﺎ ﻛﻨﺖ أُرﻳﺪ أن آﺗﻲ ﻫﻨﺎ ﺑﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻠﻴﺪﻳني ،وﻫﻢ أو ُل ﺷﻌﺐ ﺳﻚ اﻟﻨﻘﻮد ﻋﲆ أﺻﺢﱢ اﻷﻗﻮال ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ أﻋﺜﺮ ﻋﲆ ذﻟﻚ إﻻ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻏﺮﻳﻖ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﻘﻠﻮا ﻋﻦ اﻟﻠﻴﺪﻳني ﻓﻜﺮة ْ ٍ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﺄﺛﻴﻨﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ٥٩٤ق.م ﻷزﻣﺔ ﴐب اﻟﻨﻘﻮد وﻧﴩوﻫﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ذﻛ ٌﺮ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻹﻳﻘﻮﻧﻮﻣﻴﻘﺎ Oeconomicaاﻟﺘﻲ ﺗﻮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻒ أرﺳﻄﻮ ،وﻗﺪ وُﺿﻌﺖ
12
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،وﻗﺎل واﺿﻌﻬﺎ :إﻧﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺠﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ اﻟﺘﻲ اﺗﱠﺒَﻌَ ﻬﺎ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻟﻴﺤﺘﺎﻟﻮا ﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﺟﻤﻊ املﺎل ،وﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﻳﻔﻴﺪ املﺮء ﰲ ﺗﺪﺑري ﺷﺌﻮﻧﻪ وﻣﻌﺎﺷﻪ. ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﺔ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﻗﻠﺔ اﻟﻨﻘﻮد ﻋﻦ اﻟﺤﺪ اﻟﻮاﺟﺐ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ — ﺑﻐري ﺟﺪل — أزﻣﺔ ﺗﻘﻠﺺ ﻧﻘﺪي ،وﻣﻦ املﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻨﺪ املﺆرﺧني أن ﺻﻮﻟﻮن ﻗﺪ ﻋﺎﻟﺞ ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﻲ َﺷﺒ ْﱠﺖ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﺛﻮر ٌة ﺑني اﻟﺪاﺋﻨني وﻣﺪﻳﻨﻴﻬﻢ ﰲ أﺛﻴﻨﺎ ،وﻻ ﺧﻼف ﺑني املﺆرﺧني ً أﻳﻀﺎ ﰲ أن ﺻﻮﻟﻮن ﻗﺪ ﺣَ ﱠﺮ َر املﺪﻳﻨني ،وﻣﻨﻊ اﻟﺪاﺋﻦ أن ﻳﺴﱰق ﻣﺪﻳﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻓﻴﻪ دﻳﻨﻪ ،وﻻ ﺧﻼف ً أﻳﻀﺎ ﰲ أن ﺻﻮﻟﻮن ﻗﺪ ﻋﺎﻟﺞ ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﺔ ﺑﺘﺨﻔﻴﺾ ﺛﻠﺚ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺪﻳﻮن ،وﻟﻜﻦ اﻟﺨﻼف ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌﻬﺎ ﺻﻮﻟﻮن ﰲ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ذﻟﻚ اﻟﺘﺨﻔﻴﺾ. ﻳﺴﺘﻔﺎد ﻣﻦ اﻟﺮأي املﻨﺴﻮب إﱃ أرﺳﻄﻮ أن ﺻﻮﻟﻮن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﺈﺧﺮاﺟﻪ ﻟﺴﺪاد اﻟﺪﻳﻮن دراﺧﻤﺔ ﺟﺪﻳﺪة أﻗﻞ وزﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻤﻘﺪار اﻟﺜﻠﺚ ،وﻳﺴﺘﻔﺎد ﻣﻦ رأي ﺑﻠﻮﻃﺮخ أن ﺻﻮﻟﻮن ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻛﻞ ﺳﺒﻌني دراﺧﻤﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﺴﺪاد ﻋﻤﻞ ﻣﺎﺋﺔ دراﺧﻤﺔ ،وﻗﺪ اﺗﻀﺢ أﺧريًا أن اﻟﺮأي اﻷول ﻫﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻜﻮن ﺻﻮﻟﻮن ﻗﺪ اﺗﺒﻊ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌﻬﺎ اﻟﺮﺋﻴﺲ روزﻓﻠﺖ ﺳﻨﺔ ١٩٣٤ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻧﺰل وزن اﻟﺪوﻻر ٪٤٠٫٩٤ﻣﻦ وزﻧﻪ ،وﻣﺴﻴﻮ ﻓﺎن زﻳﻠﻨﺪ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٣٥ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻔﺾ اﻟﺒﻠﺠﺎ ٪٢٨ﻣﻦ وزﻧﻬﺎ ﻟﻴﻌﺎﻟﺞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ أزﻣﺔ اﻟﺘﻘﻠﺺ ﰲ ﺑﻼده ﺑﻤﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ اﻵن .Reflation اﻟﺘﻀﺨﻢ ﺳﻨﺔ ٤٠٦ق.م ﺑﺄﺛﻴﻨﺎ ٌ ٌ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﺳﺒﺒﻬﺎ اﻟﺤﺮب ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني أﺳﺒﺎرﺗﺎ ،ﺗﻠﻚ ﺿﺎﺋﻘﺔ وﻣﻦ املﺤﻦ اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﻋﲆ أﺛﻴﻨﺎ اﻟﻀﺎﺋﻘﺔ ﻗﺪ اﺿﻄﺮت ﺣﻜﻮﻣﺔ أﺛﻴﻨﺎ إﱃ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ اﻷﻓﺮاد ،ﺑﻞ وﻣﺎ ﰲ املﻌﺎﺑﺪ ﻣﻦ املﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ،ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ أﺧﺬﺗْﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﺳ ﱠﻜﺘْﻬﺎ ﻟﺘُﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﺿﺖ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﴬاﺋﺐ اﻟﻔﺎدﺣﺔ؛ ﻟﺘﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻹﻧﻔﺎق ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب ،وﻣﻦ املﻬﻢ أن ﻧﺬﻛﺮ أن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻵﺛﻴﻨﻴﺔ ﻗﺪ أﺟﱪت اﻟﺸﻌﺐ ﻋﲆ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻧﻘﻮد ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس ﻣﻤﻮﻫﺔ ﺑﻄﻼء ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ،وﻫﺬا ﻫﻮ ﻧﻔﺲ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻪ اﻵن اﻟﺪول ﰲ ﺳ ﱢﻜﻬﺎ ﻧﻘﻮدًا ً وورﻗﺎ ﺗﺼﺪره ﺧﺰاﻧﺎﺗﻬﺎ ﺑﻔﺌﺎت ﺻﻐرية ﻳﺴﻤﻰ ﻧﻘﻮد اﻟﻄﻮارئ ﺑﺮوﻧﺰﻳﺔ ﺑﺪل اﻟﻨﻘﻮد اﻟﻔﻀﻴﺔ واﻟﴬورات .Emergency Currency
13
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻓﻴﻠﻴﺐ واﺑﻨﻪ اﻹﺳﻜﻨﺪر ﰲ اﻟﻨﻘﻮد ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ اﻹﻏﺮﻳﻖ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺬي اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد واملﻌﺎﺑﺪ ﰲ ﻧﻘﻮدﻫﻢ ،وإﻧﻤﺎ اﺳﺘﻌﻤﻠﻮه ﰲ أﻏﺮاض اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﺣﺘﻰ إذا ﺻﺎرت ملﻘﺪوﻧﻴﺎ اﻟﺰﻋﺎﻣﺔ ﻋﲆ ﺑﻼد اﻹﻏﺮﻳﻖ، وأراد ﻓﻴﻠﻴﺐ أن ﻳﻀﻊ ﻧﻈﺎﻣً ﺎ ﻋﺎﻣٍّ ﺎ ﻟﻠﻨﻘﺪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد؛ ﻛﺎن ﻣﻦ املﺘﻌني ﻋﻠﻴﻪ أن ﱢ ﻳﻮﻓﻖ ﱡ وﺗﻌﺼﺒﻬﻢ ﻟﻘﻄﻌﺔ اﻟﺪراﺧﻤﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺑني ﴐورات اﻟﺘﺠﺎرة ﺑني ﻣﺤﺒﺔ اﻹﻏﺮﻳﻖ ﻟﻠﻔﻀﺔ ُ اﻟﻔﺮس ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎل ﻋﻤﻠﺘﻬﻢ املﻌﺮوﻓﺔ »ﺑﺎﻟﺪارﻳﺔ« اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻓﺴﺪﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ً ﺧﺎﻟﺼﺎ ،ﻓﴬب ﻗﻄﻌً ﺎ ﻣﻔﻀﻠﺔ ﻋﻨﺪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻌﻮب؛ ﻷن ﻋﻴﺎرﻫﺎ ﻛﺎن ٩٧٠ﻣﻦ اﻷﻟﻒ ذﻫﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ أﺟﺎز اﻟﺘﺒﺎﻳﻊ وإﺑﺮاء اﻟﺬﻣﻢ ﺑﻬﺎ أو ﺑﺎﻟﻘﻄﻊ اﻟﻔﻀﻴﺔ. وﻫﻜﺬا اﻋﺘﻤﺪ ﻓﻴﻠﻴﺐ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﻈﺎم املﻌﺮوف ﰲ ﻛﺘﺐ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺑﻨﻈﺎم املﻌﺪﻧني ،Bimetallismوﺳﺎﻋﺪﺗﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ زﻳﺎدة ﻣﺤﺼﻮل اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺟ َﻢ اﻛﺘُﺸﻔﺖ ﰲ ﺗﺮاﻗﻴﺎ وﻣﻘﺪوﻧﻴﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻘﻲ ﺻﻌﻮﺑﺎت ﻛﺒرية ﰲ ﺣﻤﻞ اﻹﻏﺮﻳﻖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم؛ ً ﻣﻨﺎﻓﺴﺎ ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ، ﻷﻧﻬﻢ أﺣﺒﻮا اﻟﻔﻀﺔ واﺗﺨﺬوا اﻟﺪراﺧﻤﺔ ﻋﻤﻠﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون اﻟﺬﻫﺐ ﻟﻬﺎ وملﺎ ﻣﺎت ﻓﻴﻠﻴﺐ َ وﺧ َﻠ َﻔﻪ اﺑﻨﻪ اﻹﺳﻜﻨﺪر اﺳﺘﺸﺎر أﺳﺎﺗﺬﺗﻪ اﻟﺤﻜﻤﺎء ﻓﺄﺷﺎروا ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄن ﻳﺤﱰم ﺷﻌﻮر اﻹﻏﺮﻳﻖ ﰲ ﻣﺤﺒﺘﻬﻢ ﻟﻠﻔﻀﺔ وأن ﻳﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ،ﻋﲆ أن ﻳَﺴﺘﻜﺜﺮ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ ﻟﻴﻘﴤ ﻋﲆ ﺳﻴﺎﺳﺔ ُ اﻟﻔﺮس ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ أرﻫﻘﺖ اﻹﻏﺮﻳﻖ ﺑﺎﻟﻌﴪ واﻟﺨﺰي ﰲ أرزاﻗﻬﻢ ،وﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﻢ ،وﻛﺮاﻣﺘﻬﻢ. وﻋﻤﻞ اﻹﺳﻜﻨﺪر ﺑﺮأي أﺳﺎﺗﺬﺗﻪ َﻓ َﺴ ﱠﻚ ﻋﻤﻠﺘﻪ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻞ وزﻧﻬﺎ ١٣٥ﻗﻤﺤﺔ، وﻋﻴﺎرﻫﺎ ٩٩٧ﰲ اﻷﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎص واﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ؛ ﻟﺘﻜﻮن أرﻗﻰ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﺔ اﻟﻔﺮس ،وﻫﺬا ﻋﻴﺎر ﻟﻢ ﻳُﺴﻤﻊ ﺑﻤﺜﻠﻪ ﰲ ﴐب اﻟﻨﻘﻮد. ﻫﺰم اﻹﺳﻜﻨﺪر اﻟﻔﺮس واﺳﺘﻮﱃ ﻋﲆ ﻛﻨﻮز اﻟﺬﻫﺐ ﰲ آﺳﻴﺎ ،ﻓﻜﺜﺮ ﻋﻨﺪه ذﻟﻚ املﻌﺪن ١ ً اﻟﻨﻔﻴﺲ ﻛﺜﺮة أﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ ﻗﺪره ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ملﻌﺪن اﻟﻔﻀﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻧﺴﺒﺘﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻨﺴﺒﺔ ١٠ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ . ١٣١ ٌ ﺿﻴﻖ ﺷﺪﻳﺪ وﻧﺰول ﰲ أﺳﻌﺎر اﻟﺴﻠﻊ ﻋﻨﺪ ارﺗﻔﻌﺖ إذن ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻔﻀﺔ ،واﺳﺘﺘﺒﻊ ذﻟﻚ اﻹﻏﺮﻳﻖ. وﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻣﺎم اﻹﺳﻜﻨﺪر إﻻ ﻋﻼجٌ واﺣ ٌﺪ وﻫﻮ أن ﻳﻀﺨﻢ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﻔﻀﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻖ إﻧﻘﺎص وزﻧﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﻪ اﻟﻮزن اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺘﺒﻌً ﺎ أﻳﺎم واﻟﺪه ،ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﺄن ﺗُﴫف ﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻧﻘﻮده اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﺑﻌﴩﻳﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﺑﻬﺬا اﻟﺘﻀﺨﻢ ﰲ رﻓﻊ اﻷﺳﻌﺎر ﰲ ﺑﻼده ،ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺢ ﰲ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ اﻟﻔﺮس ﺣﺮﺑﻴٍّﺎ ،واﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ. 14
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻣﴫ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺒﻄﺎﻟﺴﺔ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ أن ﻣﴫ ﻗﺪ ﴐﺑﺖ اﻟﻨﻘﻮد ﻗﺒﻞ أن ﻓﺘﺤﻬﺎ اﻹﺳﻜﻨﺪر ،واﻟﺼﺤﻴﺢ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ٌ ﻃﺮﻳﻘﺔ أﻓﻀ ُﻞ ﻣﻦ اﻷﺟﺮام املﻌﺪﻧﻴﺔ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺣﻠﻘﺎت ﻣﻘﺪرة اﻟﻮزن ﻳﺘﺒﺎﻳﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،وﺗﻠﻚ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ ﻋ ﱠﺮﺿﺖ اﻟﺸﻌﻮب ملﻌﻀﻼت ﻛﺜرية .وملﺎ دﺧﻠﻬﺎ اﻹﺳﻜﻨﺪر ﴐب ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻤﻠﺔ ،ﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﻋﻤﻠﺔ ،وﻗﻴﻞ :إﻧﻬﺎ ﺗﺬﻛﺎر ﻟﻔﺘﺤﻪ ﻣﴫ ،وﻗﺪ رﺳﻢ ﻧﻔﺴﻪ واﺿﻌً ﺎ ﻋﲆ رأﺳﻪ ﺧﻮذة ﻗﺪ أﻃﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺮﻧﺎن ﻫﻤﺎ ﺷﻌﺎر اﻹﻟﻪ آﻣﻮن اﻟﺬي اﻧﺘﺴﺐ إﻟﻴﻪ ﰲ ﻣﻌﺒﺪ ﺳﻴﻮة، َﻓ ُﺴﻤﱢ ﻲ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺴﺒﺐ ﺑﺬي اﻟﻘﺮﻧني ﻛﻤﺎ ورد ﰲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ. وﻗﻔﻞ اﻹﺳﻜﻨﺪر راﺟﻌً ﺎ إﱃ آﺳﻴﺎ ﻟﻴﺴﺘﺄﻧﻒ ﻏﺰواﺗﻪ ،ﻓﻤﺎت ﺑﻬﺎ وآل ﻣﻠﻚ ﻣﴫ إﱃ ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﻗﻮاده ﻫﻮ ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس اﻟﺬي أﺳﺲ ﺑﻬﺎ دوﻟﺔ اﻟﺒﻄﺎﻟﺴﺔ ،وﻫﺆﻻء وإن اﺳﺘﻘﻠﻮا ﺑﻤﴫ إﻻ أن اﻟﻄﺎﺑﻊ واﻟﻮزن اﻹﻏﺮﻳﻘﻴني ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺘﻐﻠﺒني ﻋﲆ ﻧﻘﻮدﻫﻢ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺜﻮا أن اﺳﺘﺤﺪﺛﻮا ﻗﻄﻌً ﺎ ﺟﺪﻳﺪة ﰲ ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ووزﻧﻬﺎ ،ﻓﻔﻲ اﻟﻔﻀﺔ َﺳ ﱡﻜﻮا ﻗﻄﻌﺔ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ دراﺧﻤﺎت وﻋﴩ دراﺧﻤﺎت ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﴐﺑﻬﻢ ﻟﻘﻄﻊ اﻟﺬﻫﺐ ﻳﺠﺮي ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم إﻻ ﰲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎت ﺗﺘﻮﻳﺞ اﻟﺒﻄﻠﻴﻤﻮس أو زواﺟﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﻮدﻫﻢ راﺋﺠﺔ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ أﻳﺎم ﻛﺎﻧﺖ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ وﻃﻦ اﻟﻌﻠﻮم واﻷﻣﻮال. واﺳﺘﻤ ﱠﺮ اﻟﺤﺎل ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ أوﺷﻚ أن ﻳﻨﻀﺐ ﻣَ ﻌِ ُ ني اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﰲ ﻣﴫ ﻟﻌﻬﺪ ﻛﻠﻴﻮﺑﺎﺗﺮة ،اﻟﺘﻲ أﴎﻓﺖ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ وﻋﲆ اﻟﺠﻴﺶ ،واﺿﻄﺮت أن ﺗﺴﻚ ﻋﻤﻼت اﻟﻔﻀﺔ ﻣﻦ ْ وأﻛﺜﺮت ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻔﻀﻴﺔ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﻮزن واﻟﻘﻄﻊ اﻟﱪوﻧﺰﻳﺔ اﻟﻜﺒرية اﻟﺤﺠﻢ ﻋﻴﺎر واﻃﺊ، ِﻟﺘُﻨﻔﻖ ﻋﲆ ﺣﺮوﺑﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺮوﻣﺎن. ْ ارﺗﻔﻌﺖ أﺳﻌﺎ ُر اﻟﺴﻠﻊ ﰲ ﻣﴫ ،ﺑﻞ وﰲ و َﻟﻤﱠ ﺎ ﻫﺰﻣﻬﺎ اﻟﺮوﻣﺎ ُن ودﺧﻠﻮا اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﱡ وﺗﻀﺨﻤﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺣﺪث رد ﻓﻌﻞ ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﺑﻌﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻗﺘًﺎ ﻗﺼريًا؛ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﻨﻘﻮد ً ً ﻓﺎﺣﺸﺎ ،وزاد ﻋﲆ اﻷزﻣﺎت ﻣﺤﺎرﺑﺔ ﻧﺰوﻻ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ املﺎﺿﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﻌﺪه اﻷﺳﻌﺎر اﻟﺮوﻣﺎن ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺔ ﰲ ﻣﴫ ﻟﻴﺠﻌﻠﻮﻫﺎ ﻣﺰرﻋﺔ ﺗﻘﺪﱢم ﻟﻬﻢ اﻟﺤﺒﻮب .ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ً ﻋﺼﻔﺎ أﺗﻰ ﻋﲆ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺟ ﱠﺮت اﻟﻜﻮارث واملﺤﻦ ﻋﲆ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ وﻣﴫ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻋﺼﻔﺖ ﺑﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﰲ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ ﻃﺎرف وﺗﻠﻴﺪ.
15
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﻟﴫاع ﺑني روﻣﺎ وﻗﺮﻃﺎﺟﻨﺔ وﻣﻦ اﻟﺤﺮوب اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻗﺮﻳﺐ اﻟﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﺤﺮﺑني املﺎﺿﻴﺔ واﻟﺤﺎﴐة ،ﺗﻠﻚ ﺣﺮب روﻣﺎ ٌ ﺗﻨﺎﻓﺲ ﻋﲆ اﻟﺘﺠﺎرة واملﻼﺣﺔ ﰲ وﻗﺮﻃﺎﺟﻨﺔ ،ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ ﺧﺼﻮﻣﺔ ﺑني ﺟﻨﺴني ،وﺣﻘﻴﻘﺘُﻬﺎ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ ﻣﺪة ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺧﺮج ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮوﻣﺎن ﻣﻨﺘﴫﻳﻦ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ دﻓﻌﻮا ﰲ ً ً ﺣﻜﻮﻣﺔ وﺷﻌﺒًﺎ. ﻃﻮﻳﻼ ﰲ اﻟﺪﻳﻮن اﻟﻨﴫ ﺛﻤﻨًﺎ ﻏﺎﻟﻴًﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻏﺮﻗﻮا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺮوﻣﺎ ﺑُ ﱞﺪ ﻣﻦ أن ﺗﻀﺨﻢ ﻧﻘﺪﻫﺎ وﻣﻴﺰاﻧﻴﺘﻬﺎ أﺛﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮوب وﺑﻌﺪﻫﺎ ،وﻗﺪ ذﻛﺮ ﻟﻨﺎ ﺑﻠﻴﻨﻲ أن اﻟﺮوﻣﺎن ﺧﻔﻀﻮا اﻵس إﱃ ﺳﺪس وزﻧﻪ ﰲ أواﺋﻞ ﺳﻨﻲ اﻟﺤﺮب ،وﻟﻜﻦ ً ﻣﻨﺎﺻﺎ ﻓﺴﺘﻮس ﻳُﺮﺟﻊ ﺗﻨﻘﻴﺺ وزن اﻵس إﱃ أواﺧﺮ ﺳﻨﻲ اﻟﺤﺮب ﺣني ﻟﻢ ﻳﺠﺪ اﻟﺮوﻣﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺨﻔﻴﺾ وﻃﺄة اﻟﺪﻳﻮن ،وﻳﻘﻮل ﰲ ﺳﻴﺎق ﻛﻼﻣﻪ ﻋﺒﺎرة ﺗﺴﺘﺤﻖ ﻣﻨﺎ اﻹﻋﺠﺎب وﻫﻲ» :أن اﻟﺪاﺋﻦ ﻗﺪ ﺿﺎع ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ دﻳﻨﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺨﻔﻴﺾ وزن اﻟﻌﻤﻠﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أُﺧﺮى ﻗﺪ اﻛﺘﺴﺐ؛ ﻷن اﻟﴬاﺋﺐ اﻟﻔﺎدﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺆدﻳﻬﺎ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﻗﺪ ﻗ ﱠﻠﺖ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ«، ﻣﻌﺎن اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ؛ إذ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎرة ﻗﺪ أوﺟﺰ ﺑﻬﺎ املﺆرخ ﻓﺴﺘﻮس ﻣﺎ ﻳﺤﺘﻮﻳﻪ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻣﻦ ٍ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻳﻴﴪ ﻟﻠﻤﺪﻳﻦ دﻓﻊ دﻳﻨﻪ وﻳﻈﻠﻢ اﻟﺪاﺋﻦ ﺣني ﻳﻘﺒﺾ دﻳﻨﻪ ﺑﻌﻤﻠﺔ ﻗﻮﺗﻬﺎ اﻟﴩاﺋﻴﺔ ﻣﻨﺤﻄﺔ ،وﻫﺬا ﻫﻮ ﱠ ﻣﻠﺨﺺ ﻣﺎ ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ اﻷﺳﺘﺎذ ﻓﻴﴩ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ .Money Illusion واﻟﺼﺤﻴﺢ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺑﻠﻴﻨﻲ ﻣﻦ أن اﻟﺮوﻣﺎن أَﻧ ْ َﻘﺼﻮا وزن ﻋُ ﻤﻠﺘﻬﻢ ﰲ أواﺋﻞ ﺳﻨﻲ اﻟﺤﺮب؛ ﺑﺪﻟﻴﻞ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳُﻨﻘﺼﻮا ﻓﻘﻂ وزن اﻵس اﻟﻨﺤﺎس اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻤﺎد ﻧﻘﺪﻫﻢ ،وإﻧﻤﺎ ﺳﻜﻮا ﻋﻤﻠﺔ ﻓﻀﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺳﻤﻮﻫﺎ Quadrigatusﺗﴫف ﺑﺪﻳﻨﺎر وﻧﺼﻒ دﻳﻨﺎر ،ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺜﻮا أن اﺳﺘﺒﺪﻟﻮﻫﺎ ﺑﺄﺧﺮى ﰲ ﻧﺼﻒ وزﻧﻬﺎ ﺛﻢ ﺳﻤﻮﻫﺎ Victoritatusﺗﻴﻤﻨًﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺳﺘﺆدي إﱃ اﻟﻨﴫ. وﺣني ﺟﺮى ﻫﺎﻧﻴﺒﺎل ﰲ زﺣﻔﻪ إﱃ روﻣﺎ ،أﺻﺪر ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺴﻨﺎت ﻗﺎﻧﻮن Lex Flamina اﻟﺬي ﺧﻔﺾ اﻵس إﱃ ﺟﺰء ﻣﻦ اﺛﻨﻰ ﻋﴩ ﻣﻦ وزﻧﻪ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻘﺺ ً أﻳﻀﺎ ٪١٤ﻣﻦ وزن اﻟﺪﻳﻨﺎر ْ وﺟﻌﻠﻪ ﻳُﴫف ﰲ املﻌﺎﻣﻼت ﺑﺴﺘﺔ ﻋﴩ ً وﻟﻜﻦ أﺑﻘﺎه ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺠﻨﻮد ﻣﻘﺪ ًرا ﺑﻌﴩ آﺳﺎ ﻓﻘﻂ، آﺳﺎت ،ﻓﻜﺎن ﻟﻶس ﰲ ﴏﻓﻪ ﻗﻴﻤﺘﺎن :إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﻷﻓﺮاد اﻟﺸﻌﺐ واﻷُﺧﺮى ﻟﻠﺠﻨﻮد ،وﻫﺬا ﺷﺒﻴ ٌﻪ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ أملﺎﻧﻴﺎ ﰲ املﺎرك وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﰲ اﻟﻠرية ،ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻠﺖ ُﻛ ٍّﻼ ﻣﻦ ﻫﺎﺗني اﻟﺪوﻟﺘني ﺳﻌﺮﻳﻦ ﻟﴫف ﻋﻤﻠﺘﻬﺎ ﻟﺘﺠﺘﺬب اﻟﺴﺎﺋﺤني ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺤﺮب اﻟﺤﺎﴐة ،ﺑﻞ ﻟﻘﺪ أﺧﺬت أملﺎﻧﻴﺎ ﻫﺬه اﻟﻔﻜﺮة وﻃﺒﻘﺘﻬﺎ ﰲ ﻧﻈﺎم دﻗﻴﻖ ﻣﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﺳﻌﺮ اﻟﴫف اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻟﺘُﺴﺎﻋﺪ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﻋﲆ املﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ. 16
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
وملﺎ ﺗﻌﺬر اﺳﺘريا ُد اﻟﺮوﻣﺎن ﻟﻠﻔﻀﺔ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺤﺼﺎر اﻟﺒﺤﺮي اﻟﺬي ﴐﺑﺘﻪ ﻗﺮﻃﺎﺟﻨﺔ ﻋﲆ ﺷﻮاﻃﺌﻬﻢ ،أﻣﺮ اﻟﺴﻨﺎت ﺑﺴﻚ ﻋﻤﻠﺔ ﻧﺤﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﻼءٌ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ﺗﻘﻮم ﰲ اﻟﺘﺪاول َ اﻟﺮوﻣﺎن أن ﻳﻘﺒﻠﻮا ،ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻀﺤني ﻟﻔﺮط وﻃﻨﻴﺘﻬﻢ ﻣﻘﺎم اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻔﻀﻴﺔ ،وﻧﺎﺷﺪ ً ﻃﻮﻳﻼ ﺗﺤﺖ أﻋﺒﺎء اﻟﺪﻳﻮن واﻟﻌﻤﻼت واﻓﺘﺨﺮوا ﺑﺎﻣﺘﻼﻛﻬﺎ ،واﻧﺘﴫت روﻣﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ رزﺣﺖ اﻟﻔﺎﺳﺪة اﻟﺘﻲ ﻏﺮﻗﺖ ﰲ ﻛﺜﺮﺗﻬﺎ ،إﱃ أن أﻣﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﺴﱰد اﻟﻌﻤﻼت اﻟﺮدﻳﺌﺔ ،وﺗُﺨﺮج ﺑﺪﻟﻬﺎ ﻋﻤﻼت ﺟﻴﺪة ﺑﻌﺜﺖ اﻟﺜﻘﺔ ﰲ اﻟﻨﺎس ،ووﺿﻌﺖ ﺣﺪٍّا ﻟﺘﻘﻠﺒﺎت اﻷﺳﻌﺎر ،ﻓﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺖ روﻣﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن ﺗﻨﻬﺾ ﻟﺘﺒﻨﻲ إﻣﱪاﻃﻮرﻳﺘﻬﺎ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ. ٌ أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺎﻓ ٌﻞ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻣﻤﺎ ﺣﺪث ِﻟ ُﺪ َوﻟِ ِﻪ املﺘﻌﺪدة ﰲ ﺛﻮراﺗﻬﺎ وﺣﺮوﺑﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺒﻼد اﻷﺧﺮى ،ﻓﻘﺪ ﻋﺮف أﺣﺴﻦ اﻟﻨﻘﻮد وأﺳﻮأﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ اﻣﺘﺎز ﺑﺄﺟﻤﻞ اﻟﻨﻘﻮش اﻟﺘﻲ أﺛﱠﺮت ﻋﲆ أﺷﻜﺎل اﻟﻨﻘﻮد ﰲ زﺧﺮﻓﻬﺎ ،وﻧ َ ُ ﻘﴫ ﻛﻼﻣﻨﺎ ﻋﲆ ﺛﻼﺛﺔ أﻣﺜﻠﺔ :أوﻟﻬﺎ ﰲ ﺻﺪر اﻹﺳﻼم ﰲ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﻌﺒﺎﳼ ،واﻟﺜﺎﻟﺚ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ وﻫﻮ اﻷﻫﻢ؛ ﻟِﻤﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﺤﺮوب ﻣﻦ ﺗﺄﺛريات اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ. أﻣﺎ ﰲ ﻋﻬﺪ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺛﻨﺎ املﺆرﺧﻮن ﻋﻦ ﻗﺤﻂ ﺷﺪﻳﺪ ﻋﺎم اﻟﺮﻣﺎدة ،أﺻﺎب اﻟﻌﺮب ﺑﻨﻘﺺ اﻟﺜﻤﺮات واﻷﻣﻮال ،اﺳﺘﻐﺎث ﻓﻴﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺎﻣﻠﻪ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻓﺤﻔﺮ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻣﻦ ﺣﺎﺷﻴﺔ اﻟﻔﺴﻄﺎط إﱃ اﻟﻘﻠﺰم ،وأرﺳﻞ ﻓﻴﻪ اﻷﻗﻮات ملﻜﺔ واملﺪﻳﻨﺔ ،وﻧﺮى ذﻟﻚ اﻟﻘﺤﻂ أزﻣﺔ إﻧﺘﺎج وﻧﻘﻮد ﻣﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻋﻘﺐ اﻟﺤﺮوب ،ﻋﺎﻟﺠﻬﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﺎﺳﺘرياد املﺤﺎﺻﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،وأدرك ﺑﺜﺎﻗﺐ ﻓﻜﺮه أﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻀﺨﻴﻢ اﻟﻨﻘﻮد وإﻛﺜﺎرﻫﺎ ﻟﺘﻔﻲ ﺑﺤﺎﺟﺎت املﺴﻠﻤني ً »ﻧﺴﺒﺔ إﱃ أﺣﺪ ﴎاة اﻟﺘﻲ ﻛﺜُﺮت وزاد ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﺎﻟﺪراﻫﻢ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﺪراﻫﻢ اﻟﺒﻐﻠﻴﺔ اﻟﻔﺮس واﺳﻤﻪ رأس اﻟﺒﻐﻞ« ،أﻣﺮ ﻋﻤﺮ دار اﻟﴬب اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ أن ﺗﻨﻘﺺ وزﻧﻬﺎ ﻓﺘﺠﻌﻠﻪ ﺳﺘﺔ ﻣﺜﺎﻗﻴﻞ ﻟﻜﻞ ﻋﴩة دراﻫﻢ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻣﺜﻘﺎل ﻟﻜﻞ درﻫﻢ ،وأن ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﷲ أﻛﱪ« ،وﻫﺬا اﻟﺬي ﻓﻌﻠﻪ ﻋﻤﺮ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺑﻠﻐﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﺗﻀﺨﻴﻢ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﺘﺨﻔﻴﺾ اﻟﻮزن. ﱡ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻣﺎ ﺣﺪث ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴني ﺣني أﻧﻘﺺ ﻋﺒﺪ ﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ وزن اﻟﺪرﻫﻢ وﻣﻦ ُ ﺣﺒﺔ ،ﺛﻢ ﺣﺒﺘني ،ﻓﻴﻤﺎ ﴐﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﺎﻷﻧﺒﺎر؛ وﻗﺪ اﺿﻄﺮه إﱃ ذﻟﻚ ﻗﻠﺔ ﻣﻮارده ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ وﻛﺜﺮة ﻣﺎ أﻧﻔﻘﻪ ﰲ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ اﻟﻔﺘﻦ واﻟﺜﻮرات اﻟﺘﻲ ﴍد وﻗﺘﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺜريﻳﻦ ،ﺣﺘﻰ ﱠ ﻟﻘﺒﻮه ﺑﺎﻟﺴﻔﺎح. 17
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
أﻣﺎ ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻓﺈﻧﻪ وإن ﺣﺎرب اﻟﺮوم ﰲ ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎرك ﺑﺮﻳ ٍﺔ وﺑﺤﺮﻳ ٍﺔ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﱠ ﺿﺨﻤﻬﺎ وزﻳﺮه ﺟﻌﻔﺮ اﻟﱪﻣﻜﻲ املﺘﻼف اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼرية ﻟﻢ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﲆ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻧﴩ اﻟﺒﺬخ ﻋﲆ اﻷﻋﻮان ،واﻹﴎاف ﰲ اﻟﻘﺼﻮر واﻹﺻﻼﺣﺎت ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﺴﺘﻄﻴﻊ ذﻟﻚ ﻟﻮﻻ أﻧﻪ أﻧﺰل ﻣﻦ وزن اﻟﺪرﻫﻢ ﺛﻼﺛﺔ أﻋﺸﺎره ،ﻛﻤﺎ أﻧﻘﺺ ﻣﻦ وزﻧﻪ اﻟﺪﻳﻨﺎر ،ﺣﺘﻰ إﻧﻚ ﻟﺘﺠﺪ ﰲ املﺘﺤﻒ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻲ ﻧﻘﻮده ﻫﺬه أﻗﻞ وزﻧًﺎ وﻋﻴﺎ ًرا ﻋﻦ ﻧﻘﻮد أﺳﻼﻓﻪ .وملﺎ َﻗﺘَ َﻞ ﻫﺎرون ﺟﻌﻔ ًﺮا ﻋَ ِﻬ َﺪ إﱃ اﻟﺴﻨﺪي ﺑﺈﺻﻼح اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻔﻌﻞ. ﺗﺄﺛري اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﰲ ﻣﴫ وﻗﻊ اﻟﻌﺐء اﻷوﰱ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺮوب ﻋﲆ ﻣﴫ واﺿﻄﻠﻊ ﺑﻪ اﻷﻳﻮﺑﻴﻮن وﺑﻌﺾ املﻤﺎﻟﻴﻚ ،وﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ أن ﻧﺬﻛﺮ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮوب وإن ﻛﺎﻧﺖ دﻳﻨﻴﺔ ﰲ ﻣﻈﻬﺮﻫﺎ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﰲ ﺑﻮاﻋﺜﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ أﻫﻤﻬﺎ ﺗﻔﻮق ﻣﴫ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،وﻗﺎم ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻘﺴﻂ ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ﰲ وﻗﺖ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﴫ ﻗﺪ ﺷﻔﻴﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ أزﻣﺎت ﻣﺘﻼﺣﻘﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮوب ،وﻣﻤﺎ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻬﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺑﺤﺴﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ املﺎﻟﻴﺔ أﻧﻪ اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺤﺘﻔﻆ ِﻲ ﻟﻪ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﺪﻳﻨﺎره اﻟﺬﻫﺒﻲ ﺑﻮزﻧﻪ »ﻳﻌﺎدل ٤٫٢٧٦ﺟﺮاﻣﺎت«؛ ﻟﻴُﺒﻘ َ اﻋﺘﻤﺪت ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺪة ،وﻟﻜﻨﻪ ﴐب ﻧﻘﻮده اﻟﻔﻀﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻴﺎر ،٥٠٠وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻪ أن ﻳﻔﻌﻞ ﻏري ذﻟﻚ ﻟﻴﻨﻔﻖ ﻋﲆ اﻟﻘﺘﺎل وﻳﻤﺪ ﺟﻴﻮﺷﻪ ﺑﻤﺎ اﺣﺘﺎﺟﺖ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺆن وﺳﻼح. ً ْ ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ ﰲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت وﻧﻘﻮدُه ﻓﺄﺿﺤﺖ ﻛﻠﻤﺘُﻪ وﻗﺪ اﻧﺘﴫ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺣﺮﺑﻴٍّﺎ وﻣﺎﻟﻴٍّﺎ، ﻣﻨﺘﴩة ﺣﺘﻰ ﰲ ﺑﻼد أﻋﺪاﺋﻪ اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻌﻤﻠﻮﻫﺎ ﰲ ﴍاء ﻣﺎ راﻗﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﻠﻊ اﻟﴩﻗﻴني .وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﻟﻬﺬه املﻌﺎرك ﻇﻬﺮت آﺛﺎ ُرﻫﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﰲ ﻣﴫ أﻳﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺎدل ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ ،ﻓﻘﺪ ﻗ ﱠﻠﺖ اﻟﻨﻘﻮد واملﻌﺎد ُن واﻧﺨﻔﻀﺖ اﻷﺳﻌﺎر ﺑﻌﺪ ﺻﻌﻮدﻫﺎ ،وﺿﺎﻋﻒ اﻟﺒﻼء ٌ ﻣﺠﺎﻋﺔ واﻧﺘﴩت اﻟﻨﻘﻮد املﺰﻳﻔﺔ واﻟﻨﺎﻗﺼﺔ اﻟﻮزن. أن َﻗ ﱠﻞ ﻓﻴﻀﺎن اﻟﻨﻴﻞ ،ﻓﺤﺪﺛﺖ ﻣﻊ اﻷزﻣﺔ وﺗﻮاﻟﺖ ﻋﲆ ﻣﴫ اﻷزﻣﺎت ،ﺣﺘﻰ إذا ﺟﻠﺲ ﻋﲆ ﺗﺨﺘﻬﺎ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﱪس ﺣﺎول أن ﻳﺼﻠﺢ اﻟﻌﻤﻠﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺑﻌﺪ أن أﺻﻠﺤﻬﺎ اﺿﻄﺮ ﺑﺪوره إﱃ ﺗﻀﺨﻴﻤﻬﺎ ﰲ ﺣﺮوﺑﻪ وﻏﺰواﺗﻪ اﻟﻜﺜرية اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻷزﻣﺎت ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻔﺖ ﻣﻦ ﻣﴫ ﻧﻘﻮد اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ وﺻﺎرت اﻟﻌﻤﻠﺔ املﺘﺪاوﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس وﺣﺪه. ﻗﺎل املﻘﺮﻳﺰي :إﻧﻬﺎ ﻛﺜﺮت ﻛﺜﺮة ﺳﺒﺒﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﺒﻮار ،ﺣﺘﻰ ﺑﻴﻌﺖ ﻋﲆ اﻟﻌﺮﺑﺎت ،وﻧﻮدي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎملﺰاد اﻟﻌﻠﻨﻲ» :ﺣﺮاج ،ﺣﺮاج« ،وﻗﺪ أدرك املﻘﺮﻳﺰي املﻌﻨﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﺘﻀﺨﻢ وﴍﺣﻪ ﴍحَ ﻋﻠﻴ ٍﻢ ﺑﺄﺳﺒﺎﺑﻪ وﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ،وﺳﺎﻗﻬﺎ ﰲ أُﺳﻠﻮب ﻗﺼﴢ ﺟﺬاب. 18
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﺗﺄﺛري اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﻘﻮد أوروﺑﺎ وﻗﺪ ﺣﺪث ﰲ أوروﺑﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﺬي ﺣﺪث ﰲ ﻣﴫ وزﻳﺎدة ،ﻓﻘﺪ ﺗﻮاﻟﺖ اﻷزﻣﺎت ﻋﻠﻴﻬﺎ واﺧﺘﻔﺖ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺠﻴﺪة واملﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ،ﺑﻞ اﻣﺘﺎزت أوروﺑﺎ ﺑﻔﺴﺎد ﻟﻢ ﻳُﺴﻤﻊ ﺑﻤﺜﻠﻪ ﰲ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻌﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت؛ ذﻟﻚ أن ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺎﻋﺪ املﺰﻳﱢﻔني ﻋﲆ اﻟﺘﺰﻳﻴﻒ ﻧﻈريَ ﺟُ ٍ ﻳﻘﺪﻣﻮﻧﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﺗﺠﻴﺰ ذﻟﻚ رﺳﻤﻴٍّﺎ ،وﻗﺪ َﺳﻤﱠ ﺘْﻪ ﺗﱪﻋﺎت ﻟﻠﺤﺮب ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻋﻲ ﺑﺄن اﻟﻨﻘﻮد املﺰﻳﱠﻔﺔ ﺳﻴﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ املﺰﻳﻔﻮن ﰲ ﺟﻠﺐ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ﻓﻼ ﴐر ﻋﲆ ﺑﻼدﻫﻢ ﺗﺰﻳﻴﻔﻬﺎ. ُ اﻟﺮدﻳﺌﺔ اﻟﺠﻴﺪ َة ،ﻓﻐﺮﻗﺖ أوروﺑﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﻌﻮﺑًﺎ واﻧﺘﻬﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﺄن ﻃﺮدت اﻟﻨﻘﻮد وﺣﻜﻮﻣﺎت ﰲ ﺧﻀﻢ ﻣﻦ ﻧﻘﻮد ﻣﺰﻳﻔﺔ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ اﻟﻨﺎس أن رﻓﻀﻮﻫﺎ ﰲ املﻌﺎﻣﻼت .أﻣﺎ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ اﻟﻘﻮة ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺠﻴﺪة واملﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ املﺨﺒﺄة ﻋﻨﺪ اﻷﻓﺮاد .وأﻣﺎ إﻧﺠﻠﱰا ﻓﻘﺪ ﺟﺮﺑﺖ ﻛﻞ ﺣﻴﻠﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ ،وملﺎ أﻋﻴﺘﻬﺎ اﻟﺤﻴﻞ أﻗﻔﻠﺖ دار اﻟﴬب ً ﻃﻮﻳﻼ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻜﺖ ﻋﻤﻠﺔ أﺧﺬﻫﺎ ﱡ اﻟﺼﻴﺎغ ﻓﺼﻬﺮوﻫﺎ ﺳﺒﺎﺋﻚ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻌﻮد إﱃ زﻣﻨًﺎ اﻟﺘﺪاول ﻓريﺑﺤﻮا ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ املﺮﺗﻔﻌﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻄﻮﻧﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮﺻﺎن ﻟﻴﻬﺮﺑﻮﻫﺎ وﻳﺘﺠﺮوا ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﺨﺎرج .واﺿﻄﺮت إﻧﺠﻠﱰا ﺳﻨﺔ ١٢٩٩إﱃ أن ﺗﺼﺪر ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻳﻘﴤ ﺑﺈﻋﺪام املﻬﺮﺑني واﺳﺘﻌﺎﻧﺖ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻘﺮﺻﺎن ﻋﲆ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ،ﻓﺄﺣﻠﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻏﻨﻤﻮه ﻣﻦ املﻬﺮﺑﺎت. وﺻﺎرت اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻓﻘﻂ ﻋﲆ اﻟﺴﺒﺎﺋﻚ اﻟﺠﻴﺪة ﻓﺒﻴﻌﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻠﻊ ،وﻫﻜﺬا رﺟﻌﺖ اﻟﺪول إﱃ ﻋﻬﺪ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﻘﻮد ﺣني ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺟﺮام املﻌﺪﻧﻴﺔ ﺗﺆدي دور اﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ً وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،إذا ﺗﻌﺬر اﻟﺘﺒﺎدل ﻋﻴﻨًﺎ ،وﺣَ ﱠﻠﺖ ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ﺑني اﻟﻨﺎس ﰲ املﻌﺎﻣﻼت، َ املﻌﻀﻠﺔ ﺑﺈﺧﺮاج ﻋﻤﻼت ﻓﻀﻴﺔ ﻛﺒرية اﻟﺤﺠﻢ ﺳﻤﻴﺖ Grossoﻗﻠﺪﻫﺎ اﻟﺠﺮﻣﺎن واﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ وﺳﻤﻮﻫﺎ ،Grochenوﻫﻮ اﻟﻠﻔﻆ اﻟﺬي ﺣ ﱠﺮﻓﻪ اﻷﺗﺮاك إﱃ ﻏﺮوش واملﴫﻳﻮن إﱃ ﻗﺮوش. ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺟﻨﻮة اﻟﻨﻘﺪي ْ ٌ ﺷﻨﻴﻊ ﰲ أﺳﻌﺎر ﺑﺎرﺗﻔﺎع ﺑﺪأت أزﻣﺎت ﻃﺎﺣﻨﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﺮب املﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ، ﺣ ﱠﻠﺖ ﺑﺄوروﺑﺎ ٍ ٍ املﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺰراﻋﻴﺔ واملﺼﻨﻮﻋﺎت ،أﻓﺎد ﻣﻨﻪ املﺰارﻋﻮن واﻟﺘﺠﺎر واﻟﺼﻨﺎع أﻛﱪ اﻟﻔﻮاﺋﺪ أﺛﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب وﰲ اﻟﻔﱰة اﻟﺘﻲ أﻋﻘﺒﺘْﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮﺑﺢ اﻟﻔﺎﺣﺶ اﻟﺬي ﺟﻨﺎه املﻨﺘﺠﻮن واﻟﺘﺠﺎر أﺗﻰ ﺑﻌﺪه ،ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ،ﻧﺰو ٌل ﺷﻨﻴ ٌﻊ ﻫﻮى ﺑﺎﻷﺳﻌﺎر إﱃ اﻟﺤﻀﻴﺾ أﴐﱠ ﺑﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺎت واﻷﻓﺮاد ،ﻟﻢ ﻳﻔﻠﺢ ﻓﻴﻪ ﺗﺴﻌري املﻌﺎدن وﺗﻐﻴري وزن اﻟﻨﻘﻮد وﻋﻴﺎرﻫﺎ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ 19
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﱠ ً ﺟﻌﻼ ملﻦ ﻳﴬب اﻟﻨﻘﻮد اﻟﻔﻀﻴﺔ أو ﻓﻀﻠﺖ أن ﺗﻘﻔﻞ دار اﻟﴬب وأن ﺗﻌﻄﻲ ﻳﺴﺘﻮرد املﻌﺎدن ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض ﻣﻦ أوروﺑﺎ ،أﻣﺎ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻟﻜﻞ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻋُ ﻤﻠﺔ ،ﺑﻞ ﻋﻤﻼت ﻣﺘﻀﺎرﺑﺔ ﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺔَ ، وﺿﺞﱠ ﺑﺎﻟﺸﻜﻮى اﻟﺘﺠﺎر وﻣﻌﺎﻫﺪ املﺎل؛ ﻷن املﻘﺮض أو اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﻌﺮف ﺑﺄﻳﺔ ﻧﻘﻮد ﺳﻴﻘﺒﺾ َدﻳْﻨﻪ. ْ ﻗﺮرت ﻋﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮ اﻗﺘﺼﺎدي ﻋُ ﻘﺪ ﰲ ﺟﻨﻮة؛ ﻷﻧﻬﺎ وملﺎ رأت اﻟﺪول ﺳﻮء ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﻛ ًﺰا ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ ﻫﺎﻣٍّ ﺎ اﻣﺘﺎز ﺑﺎﻟﻮﺳﻄﺎء ﰲ اﻟﺤﻮاﻻت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ،واﺳﺘﻤﺮ املﺆﺗﻤﺮ ﻣﻨﻌﻘﺪًا ﻣﻦ أﻛﺘﻮﺑﺮ ﺳﻨﺔ ١٤٤٥إﱃ ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺳﻨﺔ ١٤٤٧ﻳﺒﺤﺚ وﻳﺪرس ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺪوﺑﻮ اﻟﺪول واﻟﺒﻴﻮت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ واملﺎﻟﻴﺔ اﻟﻜﺒرية ،وﻗﺪ اﺧﺘﻠﻔﻮا ،ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ﰲ املﺆﺗﻤﺮات اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﺼﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺪوﺑﻮ ﻛﻞ دوﻟﺔ ملﺼﻠﺤﺘﻬﺎ ،ﻓﻴﺆدي ﺑﻬﻢ ذﻟﻚ إﱃ ﻓﺸﻞ املﺆﺗﻤﺮات أو ﺗﺄﺟﻴﻠﻬﺎ. وﺧﻼﺻﺔ ﻣﺎ وﺻﻠﻮا إﻟﻴﻪ أﻧﻬﻢ اﻧﻘﺴﻤﻮا إﱃ ﻓﺮﻳﻘني ،ﻓﺮﻳﻖ اﻷﻗﻠﻴﺔ اﻟﺬي اﻗﱰح ﻋﲆ َ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد :ﻧﻘﻮد ذﻫﺒﻴﺔ ﺑﻤﻘﺪار اﻟﺜﻠﺚ ،وﻧﻘﻮد ﻓﻀﻴﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت أن ﺗﺘﺨﺬ ﺑﻤﻘﺪار اﻟﺜﻠﺚ ،وﻧﻘﻮد ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺮدﻳﺌﺔ اﻟﻮزن واﻟﻌﻴﺎر ﺑﻤﻘﺪار اﻟﺜﻠﺚ ﻛﺬﻟﻚ ،وﺣﺠﺔ ﻫﺬا اﻟﻔﺮﻳﻖ أن ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺤﻞ اﻟﻌﻤﲇ ﱡ اﻟﺬي ﱢ ﻳﻮﻓﻖ ﺑني ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ وﺑني اﻟﺤﺎﻟﺔ ْ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻨﻘﻮ ُد ﰲ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺪول ،أﻣﺎ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻵﺧﺮ — وﻫﻮ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ — املﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﻲ ﻣﻨﺪوﺑﻲ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ واملﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ اﻗﱰح أن ﻳﻜﻮن اﻟﺬﻫﺐ ﻫﻮ »اﻷﺳﺎس« اﻟﺬي ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺪول ﰲ ﴐﺑﻬﺎ ﻟﻠﻨﻘﻮد؛ ﻷﻧﻪ» :ﻳﺜﺒﱢﺖ اﻷﺳﻌﺎر وﻳﻨﺸﻂ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ«، ﱠ املﺆﺳﺲ ﻋﲆ ﻋﻤﻠﺔ اﻟﻔﻠﻮرﻳﻦ وأﺷﺎر ﻫﺬا اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻋﲆ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺟﻨﻮة أن ﺗﺴﺘﺒﻘﻲ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،وﻗﺪ أﺧﺬت ﺑﻬﺬا اﻟﺮأي ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﺄﺻﺪرت ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻳُﻠﺰم اﻟﺘﺠﺎر ﺑﺪﻓﻊ ﻣﺎ ﻳُﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻏﺮاﻣﺎت ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ وﻳﻤﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻮل أي ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻋﲆ ﺟﻨﻮة إﻻ إذا ﻛﺎن ﻋﺎملﻲ ﻻﺗﺨﺎذ ﻧﻘﺪ دوﱄ ﻣﺜﺒﺖ ﻋﲆ ﻣﻌﻘﻮدًا ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ .ﺗﻠﻚ أول ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺑﺬﻟﻬﺎ ﻣﺆﺗﻤ ٌﺮ ﱞ أﺳﺎس اﻟﺬﻫﺐ. وﻳﺬ ﱢﻛﺮﻧﺎ اﻟﺨﻼف اﻟﺬي وﻗﻊ ﰲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺟﻨﻮة ،ﺑﺎﻟﺨﻼف اﻟﺬي وﻗﻊ ﺑني ﻣﻨﺪوﺑﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﺑني ﻣﻨﺪوﺑﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﻟﻨﺪرة اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﺮﻳﻖ ﻣﺼﺎﻟﺤَ ُﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ. ﺳﻨﺔ ،١٩٣٢وﻛﺎن ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ ﻓﺸﻠﻪ ﻣﺮاﻋﺎ ُة ﻛ ﱢﻞ ٍ
20
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻛﺜﺮة املﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﺗﺆدي إﱃ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﺗﻘﻠﺺ آﺧﺮ ﻇﻞ ﻟﻺﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﺣني اﺳﺘﻮﱃ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻮن ﻋﲆ َ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ املﺄﻟﻮف ﻟﻼﺗﺠﺎر اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﺳﻨﺔ ،١٤٥٣وﺳﺪ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﺢُ ﰲ وﺟﻪ اﻷوروﺑﻴني ً ﻃﺮﻳﻘﺎ إﱃ اﻟﴩق ﺑﺎﻟﺪوران ﺣﻮل ﻣﻊ اﻟﴩق اﻷﻗﴡ ،ﻓﺎﻟﺘﻤﺲ ﺑﺎرﺗﻠﻤﻴﻮدﻳﺎز وﻓﺎﺳﻜﻮدﺟﺎﻣﺎ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﻛﻤﺎ ذﻫﺐ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﺲ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ملﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻐﺮض ﰲ رﺣﻠﺔ ﺟﺮﻳﺌﺔ ﻓﻮﻗﻊ ﻋﲆ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﺑﺬﻟﻚ دﺧﻞ اﻷوروﺑﻴﻮن ﰲ دور اﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﺒﻼد اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺬي ﺟﻠﺐ ﻟﻬﻢ املﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ وﻣﺎ ﺑﻌﺪه ﻣﻦ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ وآﺳﻴﺎ وأﻣﺮﻳﻜﺎ. ﻗﺪر اﻟﻌﻼﻣﺔ ﺳﻮﻳﺘﺒري Soetbierﻣﺎ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻪ اﻷوروﺑﻴﻮن ﻣﻦ ذﻫﺐ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ٦٩٠ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺎرك ذﻫﺒًﺎ ﻣﻌﻈﻤﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﻨﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻲ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ اﻟﺠﻨﻲ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي اﻟﺬي ﻟﻌﺐ دو ًرا ﻫﺎﻣٍّ ﺎ ﰲ ﻧﻘﻮد إﻧﺠﻠﱰا ،وﻗﺪر اﻟﻌﻼﻣﺔ Lexisﻣﺎ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻪ اﻹﺳﺒﺎن ﻣﻦ ذﻫﺐ اﻷﻧﺘﻴﻞ واملﻜﺴﻴﻚ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٥٠٠إﱃ ﺳﻨﺔ ١٥٢٠ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ١٥ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺎرك ذﻫﺒًﺎ ،وﻣﺎ ﺻﺪﱠرت املﻜﺴﻴﻚ وﺣﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٥٢٢إﱃ ﺳﻨﺔ ١٥٤٧ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ٨٠ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺎرك ذﻫﺒًﺎ ،ﺗﻠﻚ أرﻗﺎم ﻫﺎﺋﻠﺔ إذا ﻗﻮرﻧﺖ ﺑﺜﺮوة أوروﺑﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨني. أﻣﺎ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﺳﺒﺎن ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻣﺒﺪأ اﻷﻣﺮ ﻗﻠﻴﻠﺔ؛ ﻷﻧﻬﻢ وﺟﻬﻮا ﺟﻬﻮدﻫﻢ إﱃ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺬﻫﺐ املﻮﺟﻮد ﺑﻜﺜﺮة ﻗﺮب اﻟﺸﻮاﻃﺊ ﺑﻌﻜﺲ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﺟﻤﻬﺎ داﺧﻞ اﻟﺒﻼد ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﻏﻠﻮا ﻓﻴﻬﺎ اﺳﺘﻨﺰﻓﻮا ﻣﻨﺎﺟﻢ املﻜﺴﻴﻚ ،وﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ ،وﺑريو ،وﻛﺎن ﻣﺤﺼﻮل اﻟﻔﻀﺔ ﰲ ﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ وﺣﺪﻫﺎ ﻳﺮﺟﺢ ﺑﺈﻧﺘﺎج أﻣﺮﻳﻜﺎ وأوروﺑﺎ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺴﻨني. ُ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻸوروﺑﻴني أﻧﻬﻢ ارﺗﻜﺒﻮا ﻣﻦ اﻟﻔﻈﺎﺋﻊ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﺼﻮل وﻟﻦ ﻳﻨﴗ ﻋﲆ املﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﻣﺎ ﺗﻘﺸﻌ ﱡﺮ ﻟﻪ اﻷﺑﺪا ُن ،ﻓﻜﻢ أﻫﻠﻜﻮا ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﺣﺮﻗﻮﻫﺎ ٌ رﺣﻤﺔ ﻣﻌﺪن ﻧﻔﻴﺲ ،وﻟﻢ ﺗﺄﺧﺬ اﻷوروﺑﻴني وﺑﻼدﻫﺎ ملﺠﺮد اﻟﻈﻦ أﻧﻬﺎ ﺑﻼ ٌد ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ٍ ُ ٌ اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ اﻟﺘﻲ َﺳﻤﱠ ﻮْﻫﺎ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ،وواﺟﺐُ اﻟﺮﺟﻞ ﺷﻔﻘﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮب اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ .ﺗﻠﻚ ﻫﻲ أو اﻷﺑﻴﺾ ﻧﺤﻮ ﺗﻤﺪﻳﻦ اﻟﺸﻌﻮب املﻠﻮﻧﺔ. ُ ﻛﻤﻴﺔ املﻌﺎدن اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﻨﻤﻬﺎ اﻹﺳﺒﺎن ﻋﲆ أﺳﻌﺎر اﻟﺴﻠﻊ ﻓﺮﻓﻌﺘْﻬﺎ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ أﺛﱠﺮت ﻫﺎﺋﻼ ،ﺛﻢ ا ﱠ ارﺗﻔﺎﻋً ﺎ ً ﻃﺮد اﻻرﺗﻔﺎع ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺣﺪٍّا ﻏري ﻣﻌﻘﻮل ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ، ﱢ واﻟﺼﻼت ﰲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ،وﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ إﱃ إﻧﺠﻠﱰا، واﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺤُ ﻜﻢ اﻟﺠﻮار وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻪ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳ َِﺰ ْد ﻋﲆ أﻣﺜﺎل ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﺳﻌﺎ ُر ﻗﺒﻞ اﻟﻐﻼء ﰲ ﻫﺎﺗني اﻟﺪوﻟﺘني .وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ اﻻرﺗﻔﺎع اﻟﺬي ﻋَ ﱠﻢ أوروﺑﺎ ﺣﺪث ﺑﺴﺒﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﰲ ﻛﻞ 21
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻧﺰول ﻓﺎدح ﰲ اﻷﺳﻌﺎر، ﺷﻨﻴﻊ ﻳُﺼﻴﺐ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻟﻜﻮارث واملِ ﺤَ ﻦ ﻣﻦ ﺗﻀﺨﻢ ﻣﻦ َر ﱢد ﻓﻌﻞ ٍ ٍ وﺧﺮاب ﻟﺒﻴﻮت ﻋﺎﻣﺮة. ٍ وﻣﻦ ﺳﻨﻦ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﰲ اﻷﻓﺮاد واﻟﺪول أن ﻳَﺸﻘﻰ ﺑﻪ أول ﻣَ ﻦ أﺳﻌﺪه ،وﻃﺒﻴﻌﻲ أن ﺗﻜﻮن إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ — وﻫﻲ أول ﻣَ ﻦ ﻧَﻌِ َﻢ ﺑﺎﻟﺘﻀﺨﻢ — أُوﱃ ﺿﺤﺎﻳﺎ ﻫﺒﻮط اﻷﺳﻌﺎر ،وﻣﻦ املﻬﻢ ﻫﻨﺎ أن ﻧﺬﻛﺮ أن اﻟﺸﻌﺐ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ اﺳﺘﻔﺎد ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮد ﰲ اﻷﺳﻌﺎر ،إﻧﻤﺎ اﻟﺬي اﺳﺘﻔﺎد ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮد ﻫﻢ ﺣُ ﻜﺎم اﻹﺳﺒﺎن اﻟﺴﻔﻬﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺬروا اﻷﻣﻮال اﻟﺠﻤﺔ ﰲ ﴍاء اﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺎت، وﺳﻠﻊ اﻟﱰف اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺷﱰوﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ﺑﺄﺑﻬﻆ اﻷﺛﻤﺎن. وﺣﺪث ﻋﻜﺲ ذﻟﻚ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻧﺠﻠﱰا؛ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻔﺪ اﻟﺤﻜﺎم وإﻧﻤﺎ اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻔﺎدوا ﻫﻢ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻮُﺳﻄﻰ واﻟﺼﻨﺎع اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﻋﻮا ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗِﻬﻢ إﱃ ﺛُﺮاة اﻹﺳﺒﺎن ،وﺣﻜﺎﻣﻬﺎ وأﺧﺬوا ً ً ﻃﺎﺋﻠﺔ اﺣﺘﻔﻈﻮا ﺑﻬﺎ وأﺣﺴﻨﻮا اﻟﻘﻴﺎم ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻨﻬﺎ أﺳﺎس ﺛﺮوات ﻗﻮﻣﻴﺔ أﻣﻮاﻻ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻤﻮا أن ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺨﺎرج واﻟﻨﺰوح إﱃ اﻟﺒﻼد اﻟﺒﻌﻴﺪة ﰲ ﻃﻠﺐ اﻟﺮزق ،ﻓﻬﺎﺟﺮ اﻟﻜﺜريون ﻣﻨﻬﻢ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ واﻟﻬﻨﺪ اﺳﺘﺠﻼﺑًﺎ ﻟﻠﺨريات وﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ املﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ، وﻗﺎم ﻣﻦ وراﺋﻬﻢ رﺟﺎ ٌل أﻣﺪوﻫﻢ ﺑﺎملﺎل ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﻬﻀﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر واﻟﺘﻮﺳﻊ املﺸﺌﻮم اﻟﺬي ﺟَ ﱠﺮﻫﻢ إﱃ ﻣﺎ ﻗﺎم وﻳﻘﻮم ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﺮوب. ً وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺮﻣﻮا اﺗﺒﻊ اﻹﺳﺒﺎن ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻻﺳﺘﺌﺜﺎر ﺑﺎملﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻴَﺒﺬﻟﻮﻫﺎ ﰲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﻲ أﺛﺎروﻫﺎ ﻟﻨﴩ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ،وﻛﺎن اﻹﺳﺒﺎن ً ﺗﺤﻘﻴﻘﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض — ﻳﻨﻘﻠﻮن املﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﻋﲆ ﻣﺮاﻛﺐ إﱃ ﺟﻨﻮة وﻣﻨﻬﺎ ﺗُ َﻮ ﱠزع ﻋﲆ — ْ اﻋﺘﻨﻘﺖ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ ،ﻓﺄُﻏﻠﻘﺖ دار اﻟﴬب اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ،ﻟﻮﻻ أن ﺟﺒﺎﺑﺮة اﻟﻘﺮﺻﺎن اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ وﻗﻔﻮا ﻟﻺﺳﺒﺎن ﰲ ﻋﺮض اﻟﺒﺤﺎر وﺳﻠﺒﻮﻫﻢ ﺗﺠﺎرﺗﻬﻢ وﻣﻌﺎدﻧﻬﻢ. وملﺎ اﺻﻄﻠﺢ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻣﻊ اﻹﺳﺒﺎن ﺳﻨﺔ ١٦٣٠اﺷﱰﻃﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ ﻣﻌﺎﻫﺪة ﻛﻮﺗﻨﺠﺘﻦ أن ﻳﻨﻘﻠﻮا اﻟﻔﻀﺔ ﰲ املﺮاﻛﺐ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ إﱃ أﻧﺘﻮرب وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺸﻤﺎل اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻔﻀﺔ ،واﺷﱰط اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻓﻮق ذﻟﻚ أن ﺗﻔﺮغ املﺮاﻛﺐ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺷﺤﻨﺘﻬﺎ ﰲ ﻟﻮﻧﺪرة؛ ﻟﻴﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻛﻞ ﻛﻔﺎﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ املﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ، ﺛﻢ ﺗﻌﻮد ﻓﺘﺤﻤﻞ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﺑﻌﺪ ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻳﺪ اﻹﺳﺒﺎن ،وﻗﺪ ﻛﺴﺐ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﺑﺬﻟﻚ ً ﺳﻮﻗﺎ ﻛﺴﺒني :اﻷول اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺮاﻛﺒﻬﻢ ﰲ أﻋﻤﺎل اﻟﻨﻘﻞ اﻟﺒﺤﺮي ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﺟﻌﻞ ﻟﻮﻧﺪرة ﻟﻠﻤﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﺗَﻌ ﱠﻮ َد ُه اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﻓﺼﺎر ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ املﺎﻟﻴﺔ.
22
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻧﺘﻴﺠﺔ املﻐﺎﻣﺮات املﺎﻟﻴﺔ ْ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﺂﻣﺎﻟﻪ وﺑﻤﴩوﻋﺎﺗﻪ ﻣﻦ أروع ﻣﺂﳼ ﺟﻤﻊ املﺎل ﻗﺼﺔ اﻹﺳﻜﺘﻠﻨﺪي John Lawاﻟﺬي ﺑﻮﴆ اﻟﻌﺮش ،ورﺟﺎل اﻟﺒﻼط ﻓﺸﺎرﻛﻮه ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻪ، إﻧﺠﻠﱰا ﻓﺮﺣﻞ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ووﺛﱠﻖ ﻋﻼﻗﺎت ﱢ وأﺳﺲ ﺟﻮن ﻟﻮ ﺳﻨﺔ ١٧٢٠ﺑﻨﻚ Banque Royale؛ ﻟﻴﺠﻌﻠﻪ ﺑﻨ ًﻜﺎ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﻛﻤﺎ أﺳﺲ ﻣﺌﺎت اﻟﴩﻛﺎت ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻌﻘﻮل ﻧﺎﺟﺢ واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ اﻧﺪﻓﻊ ﰲ ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛري اﻟﺘﻀﺨﻢ املﺎﱄ ُ ٌ ٌ املﻐﺎﻣﺮات اﻟﺘﻲ ﻳﺒﻌﺜﻬﺎ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻣﻦ وﴍﻛﺎت أﻣﻠﺘْﻬﺎ ﴍﻛﺎت ﻓﺠﺔ اﻟﺬي أﺣﺪﺛﻪ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﻨﻮع املﺴﻤﻰ ﴍﻛﺎت »اﻟﻔﻘﺎﻗﻴﻊ« ،وأﻗﺒﻠﺖ اﻷﻳﺎم ﻋﲆ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺎﻣﺘﻠﻚ ﺛﺮوة ﻟﻢ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﻬﺎ ً أﻣﻮاﻻ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻷﺧﺮى ﻟﺘُﺴﺘَ َﻐ ﱠﻞ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﴩﻛﺎت ،ﺛﻢ أدﺑﺮت أﺣﺪ ،واﺟﺘﺬﺑﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻣﻌ ُﻪ ﱠ ﻋﻨﻪ وﻋﻦ ﴍﻛﺎﺗﻪ اﻷﻳﺎم ،ﻓﺄﻓﻠﺴﻮا وﺣﻠﺖ ﺑﻔﺮﻧﺴﺎ ﺑﻞ وﺑﺄوروﺑﺎ اﻷزﻣﺎت ،أﻣﺎ أﻛﱪ ﻣﺎﱄ ﻋﺮﻓﻪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وأﻣﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻪ اﻟﻔﻀﻞ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ أوراق املﺼﺎرف وﻧ ُ ُ ﻈﻤﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﺳﺎر ﰲ ﺷﻮارع اﻟﺒﻨﺪﻗﻴﺔ ﻳﺴﺄل اﻟﻨﺎس اﻟﺼﺪﻗﺎت ﺣﺘﻰ ﻣﺎت. أوراق اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ وﰲ إﺑﺎن اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ أﺧﺮﺟﺖ ﺣﻜﻮﻣﺘُﻬﺎ ً ورﻗﺎ ﻋﲆ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ﺳﻤﱠ ﺘْﻪ ،Assignatsوﻗﺎﻟﺖ: إﻧﻪ ﻣﻐ ٍّ ﻄﻰ ﺑﺄﻣﻼك اﻟﺘﺎج واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،وﺿﻤﻨﺖ ﻟﻪ ً أﻳﻀﺎ رﺑﺤً ﺎ؛ ﻟﻴُﻘﺒﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ْ أﻛﺜﺮت ﻣﻨﻪ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺟَ ﻌَ َﻠﻪ ﻋﺪﻳ َﻢ اﻟﻘﻴﻤﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻟﻠﻤﺎرك اﻷملﺎﻧﻲ — ﻣﻤﺎ ﺳﻨﺬﻛﺮه ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ — ﻛﻼﻫﻤﺎ ﺿﺎع ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻜﺜﺮة وﺗﺪﻫﻮر اﻟﻐﻄﺎء. ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺣﺮوب ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن وﺣني ﺟ ﱠﺪ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﰲ ﻏﺰواﺗﻪ ﻫﻠﻌﺖ أﻓﺌﺪة املﺎﻟﻴني واﻧﺪﻓﻌﻮا ﻳﻄﻠﺒﻮن وداﺋﻌﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻮك، ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ أواﺋﻞ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ ،ﻓﺘﻌﺮﺿﺖ ﺑﻨﻮ ٌك ﻛﺒري ٌة ﻟﻺﻓﻼس ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺔ ١٨٩٧ ً أﺳﻄﻮﻻ ﻟﻴﻨﺰل ﺑﻪ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،ﻓﺘﻮاﱃ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﻨﻮك ،ﺣﺘﻰ ﺑﺎت ذاع أن ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻗﺪ أﻋﺪ ﺣﺮج ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻣﻌﻪ ﻣﺨﺮﺟً ﺎ إﻻ أن ﻳﻠﺠﺄ إﱃ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻣﺄزق ﺑﻨﻚ إﻧﺠﻠﱰا ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ٍ ٍ ً وﻓﻌﻼ أﺟﺎﺑﺘﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ ٢٦ﻓﱪاﻳﺮ إﱃ ﻟﺘﴫح ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ دﻓﻊ ﻣﺎ ﻳُﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻧﻘﺪًا، ﻣﺎ َ ﻃ َﻠﺐَ ،ﺛﻢ أﴎﻋﺖ ﺑﺎﺗﺨﺎذ اﻹﺟﺮاءات اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺤﺾ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻗﺒﻮل اﻟﺒﻨﻜﻨﻮت اﻟﺼﺎدر ﻣﻨﻪ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻣﻄﺎﻟﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻀﺐ ﻣﻌﻴﻨُﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻧﺎﺷﺪت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﻃﻨﻴﺔ ُ ً ﻛﻔﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ أن ﻳﻀﺤﻮا ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻋﻨﺪ ﻇﻨﻬﺎ ﺑﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ أﺧﻼﻗﻬﻢ 23
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
املﺄزق اﻟﻌﺴري ،ﻓﻘﺮر املﺎﻟﻴﻮن واﻟﴩﻛﺎت أن ﻻ ﻳﺴﺤﺒﻮا أﻣﻮاﻟﻬﻢ ،وأن ﻳَﻘﺒﻠﻮا اﻟﺒﻨﻜﻨﻮت ﰲ املﻌﺎﻣﻼت. ﻟﻜﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﻗﺪ اﺧﺘﻔﻰ واﻟﺒﻨﻜﻨﻮت ﻗﺪ ﻛﺜُﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻓﻘﺪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ٪٤٠ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﱡ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺬي اﻗﺘﻀﺘْﻪ ﻇﺮوف ﺑﻨﻚ إﻧﺠﻠﱰا اﻟﺬي أﺻﺪر ﻛﻤﻴﺔ ﻛﺒرية ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻜﻨﻮت ﺑﺴﺒﺐ ُ أﻋﻄﺎﻫﺎ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺘﻲ زادت ﻧﻔﻘﺎﺗﻬﺎ ،وﻟﻠﺒﻨﻮك اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ أﻟﺰم ﺑﻤﻌﺎوﻧﺘﻬﺎ ﻟﺘﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺒﻘﺎء ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻌﺼﻴﺐ ،وارﺗﻔﻌﺖ اﻷﺳﻌﺎر ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ﰲ اﻟﺤﺮوب ،ﺑﺴﺒﺐ ﻛﺜﺮة اﻟﻨﻘﻮد املﺘﻀﺨﻤﺔ وﻗﻠﺔ اﻷﻏﺬﻳﺔ واﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﺘﻮرد ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج. وملﺎ ُﻫﺰم ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن أﺧﺬت اﻷﺣﻮال ﺗﻌﻮد ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ إﱃ ﻣﺠﺮاﻫﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ وأﺧﺬت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ٍ ﺑﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﻳَﻘ ﱠﻞ املﺘﺪاول ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻜﻨﻮت ،ﻓﺄﺧﺬ ﺳﻌﺮه ﻳﺮﺗﻔﻊ ،ﺣﺘﻰ أوﺷﻚ أن ﻳﺼﻞ إﱃ ﺳﻌﺮه اﻷﺳﻤﻰ ،وﻗﺪﻣﺖ ﻟﻠﱪملﺎن ﻋﺮاﺋﺾ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻮﻗﻌﻮﻫﺎ ﻓﻴﻬﺎ أن ﺗُﺼﻠﺢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺷﺄن اﻟﻨﻘﻮد ،وأن ﺗَﺮﺟﻊ اﻟﺒﻼد إﱃ ﻇﺮوﻓﻬﺎ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻬﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إﱃ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﻮه، وأﺻﺪرت ﻗﺎﻧﻮن ٢٢ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺳﻨﺔ ١٨٦٦املﻌﺮوف ﺑﻘﺎﻧﻮن اﻟﻠﻮرد ﻟﻴﻔﺮﺑﻮل اﻟﺬي ﻧﺺ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ أن اﻟﺪﻓﻊ ﻟﻜﻞ دَﻳﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ٤٠ﺷﻠﻨًﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺻﺤﻴﺤً ﺎ إﻻ ﺑﻌﻤﻠﺔ اﻟﺬﻫﺐ ،ﻓﺈن ﻗ ﱠﻞ اﻟﺪﱠﻳﻦ ﻋﻦ ذﻟﻚ أﻣﻜﻦ ﺳﺪاده ﺑﺎﻟﻘﻄﻊ اﻟﻔﻀﻴﺔ. وﺣﺪث ﻹﻧﺠﻠﱰا وﻣﺴﺘﻌﻤﺮاﺗﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻌﻮدة إﱃ اﻟﺬﻫﺐ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ١٩٢٥ ٌ أزﻣﺎت وﺷﺪاﺋ ُﺪ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﺷﻌﻮب اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﻘ ﱡﻠﺺ ﰲ اﻟﻨﻘﻮد ،ﺗﻮاﻟﺖ ﺑﺴﺒﺒﻪ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ. ﻧﻈﺮة ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻠﻨﻘﻮد أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﻈﻤﻰ املﺎﺿﻴﺔ وﺑﻌﺪﻫﺎ ﱠ ﻳﺘﻠﺨﺺ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻠﻨﻘﻮد أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ ﰲ أن اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻗﺪ أﻋﻔﺖ اﻟﺒﻨﻮك املﴫح ﻟﻬﺎ ﺑﺈﺻﺪار اﻟﺒﻨﻜﻨﻮت ﻣﻦ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻪ ﺑﺎﻟﻘﻄﻊ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ وﻣﻦ اﺗﺨﺎذ اﻟﺬﻫﺐ ﻏﻄﺎءً ﻟﻪ ،واﻗﱰﺿﺖ ً ﻗﺮوﺿﺎ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد وﻣﻦ اﻟﺒﻨﻮك املﺮﻛﺰﻳﺔ أدت إﱃ زﻳﺎدة اﻟﻨﻘﻮد وﺗﻀﺨﻤﻬﺎ؛ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ً ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺘﻲ أرﻫﻘﺖ ﺑﻨﻜﻬﺎ ﺑﻄﻠﺐ ﻟﺘﻨﻔﻖ ﻋﲆ اﻟﻘﺘﺎل ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺮز اﻟﻨﴫ ﺑﺄي ﺛﻤﻦ، اﻋﺘﻤﺎدات ﻣﺘﻜﺮرة ﺑني ٍ وﻗﺖ وآﺧﺮ. وأﺻﺪرت اﻟﺪول ﻧﻘﻮدًا ورﻗﻴﺔ ﻣﻦ ﻓﺌﺎت ﺻﻐرية؛ ﻟﺘﺴﺪ ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﻔﺮاغ اﻟﺬي ﺳﺒﱠﺒَ ُﻪ اﺧﺘﻔﺎء اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻔﻀﻴﺔ »املﻌﺎوﻧﺔ« ،رأﻳﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﻣﴫ ً ورﻗﺎ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮوش وﺑﻘﻴﻤﺔ ﻋﴩة ﻗﺮوش. 24
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
وﻟﻢ ﺗﻘﻒ ﺣﻜﻮﻣﺎت اﻟﺒﻼد املﺤﺎرﺑﺔ ﻋﻨﺪ ﺣﺪ اﻻﺳﺘﺪاﻧﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﻮﺑﻬﺎ وﺑﻨﻮﻛﻬﺎ ،ﺑﻞ اﻗﱰﺿﺖ ﻣﻦ ﺑﻼدٍ أﺧﺮى ﻣﺤﺎﻳﺪ ٍة وﻣﺤﺎرﺑ ٍﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺟ ﱠﺮاء ذﻟﻚ أن اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ً ً ْ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻟﻬﺎ. داﺋﻨﺔ ﻷوروﺑﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ أﺻﺒﺤﺖ وﻋﻘﺐ إﻋﻼن اﻟﻬﺪﻧﺔ أوﻗﻔﺖ إﻧﺠﻠﱰا ﻣﺸﱰى اﻟﺪوﻻرات ،وﻋﻘﺪ اﻟﻘﺮوض ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬا اﻹﻳﻘﺎف ﺛﺒﺎت ﺳﻌﺮ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﴫف اﻟﺪوﻻر ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻨﺸﻄﺖ ﻣﺆﻗﺘًﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ وأﺧﺬ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ وﻟﻠﺜﻘﺔ ِ ﺑﻤﺘﺎﻧﺔ ﻣﺎﻟﻴ ِﺔ إﻧﺠﻠﱰا ،وأﺧﺬت إﻧﺠﻠﱰا ﰲ ﺗﻨﻘﻴﺺ املﺘﺪاول ﻣﻦ ﻧﻘﻮدﻫﺎ ﺑﻨﺎء ﻋﲆ ﻣﺸﻮرة ﻟﺠﻨﺔ Cunliffeاﻟﺘﻲ أﺷﺎرت ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ً أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻻﻗﺘﺼﺎد ﰲ اﻻﻗﱰاض ﻣﻦ ﺑﻨﻚ إﻧﺠﻠﱰا. أﻣﺎ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﺈن دﺧﻮل اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻟﺤﺮب وإرﺳﺎﻟﻬﺎ ً ﺟﻴﺸﺎ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ؛ ﻟﻴﺤﺎرب ٍ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﺳﺎﻋﺪت اﻟﻔﺮﻧﻚ ﻋﲆ اﻟﺼﻌﻮد أﻣﻮال ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻘﺪ أﻓﺎدﻫﺎ ﻣﺎ أﻧﻔﻘﻪ ذﻟﻚ اﻟﺠﻴﺶ ﻣﻦ ٍ ﻣﺆﻗﺘًﺎ ،ﺛﻢ ﻧﺰل ،ﺛﻢ ﺻﻌﺪ ﺑﻌﺪ اﻟﻬﺪﻧﺔ ﻋﲆ أﺛﺮ اﺣﺘﻼﻟﻬﺎ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺮور وإﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﰲ املﻌﺎﻫﺪة ً ﺗﻌﻮﻳﻀﺎ ﻛﺒريًا ﻗﺒﻞ أملﺎﻧﻴﺎ. أﻣﺎ املﺎرك اﻷملﺎﻧﻲ ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻘﺪ ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻪ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب؛ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻔﺬة اﻟﺘﻲ ﺳﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻨﻚ اﻟﺮﻳﺦ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﻫﺰﻳﻤﺔ اﻷملﺎن أﺧﺬ ﻳﺘﺪﻫﻮر ،ﺣﺘﻰ َﻛﺜ ُ َﺮ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٢٣ ﻛﺜﺮ ًة ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻻ ﻳﻮازي ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻮرق اﻟﺬي ﻳُﻜﺘﺐ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺳﻨُﺒَﻴﱢﻨ ُ ُﻪ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ. ﻣﺆﺗﻤ ٌﺮ ﻟﻠﻨﻘﻮد ﰲ ﺑﺮوﻛﺴﻞ ﺛﻢ آﺧﺮ ﰲ ﺟﻨﻮة ﻌني ﻋﲆ اﻟﺪول أن ﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ؛ ﻟﺘﺴﺘﺄﻧﻒ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ا ُمل ﱠ ِ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ،وﺗﺴﱰد ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﺑﻌﺪ أن ﺧﻤﺪت ﻧﺎر اﻟﺤﺮب وﺳﻜﻨﺖ ﻟﻐﺔ اﻟﺴﻴﻒ واملﺪﻓﻊ ،وﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﱃ ذﻟﻚ واﻟﻨﻘﻮد ﻛﺜري ٌة ﺗﻌﺒﺚ ﺑﺎﻷﺳﻌﺎر وﺑﺎﻹﻧﺘﺎج ،ﻓﻼ ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ ﺿﺎﺑﻂ وﻻ ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ وﻋﺒﺜﻬﺎ أي اﻋﺘﺒﺎر. ٌ وﻗﺮوض ﻧﻘﻮ ٌد ﻣﻦ اﻟﻮرق ﻣﻦ ﺷﺘﻰ اﻷوﺿﺎع ﺻﺎدر ٌة ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻮك املﺮﻛﺰﻳﺔ واﻟﺤﻜﻮﻣﺎت، اﻗﱰﺿﺘﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت وأﺑﺎﺣﺖ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺒﻨﻮك أن ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﰲ ﻏﻄﺎء ﻣﺎ ﺗﺼﺪره ﻣﻦ ﺑﻨﻜﻨﻮت، وﻗﺮوض اﻗﱰﺿﻬﺎ اﻷﻓﺮاد ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻮك واﻟﴩﻛﺎت ﻟﻠﺘﺠﺎرة واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ،وﺑﻼد ﻟﻢ ﺗﻜﻦ زراﻋﻴﺔ ﻃﻤﻌﺖ ﰲ أن ﺗﻜﻮن زراﻋﻴﺔ ،وأُﺧﺮى ﻻ ﻋﻬﺪ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺔ أﻧﺸﺄت اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت وراﺣﺖ ﺗﺤﺮص ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻇﻞ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺬي ﺳﺎد ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﻼد. ﻋﻘﺪت اﻟﺪول ﻣﺆﺗﻤﺮﻳﻦ ﻟﺒﺤﺚ املﻮﻗﻒ ووﺻﻒ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﻼج ،أوﻟﻬﻤﺎ ﰲ ٍ رﻏﺒﺎت ﺑﺮوﻛﺴﻞ ﺳﻨﺔ ،١٩٢٠وﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ ﰲ ﺟﻨﻮة ﺳﻨﺔ ،١٩٢٢واﻧﺘﻬﻰ املﺆﺗﻤﺮ اﻷول إﱃ 25
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻳﺪﻋﻮ ﺑﻬﺎ اﻟﺪول إﱃ ﻣﻨﻊ اﻟﺘﻀﺨﻢ وﴎﻋﺔ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺬﻫﺐ ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ ،ﻣﻊ ﴐورة وﺟﻮد ﺑﻨﻚ ﻣﺮﻛﺰي ﰲ ﻛﻞ دوﻟﺔ .أﻣﺎ املﺆﺗﻤﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺮر ﻫﺬه اﻟﺮﻏﺒﺎت ،واﻗﱰح ً أﻳﻀﺎ ﻋﲆ اﻟﺪول أن ﺗﻮازن ﻣﻴﺰاﻧﻴﺎﺗﻬﺎ وأن ﺗﻘﺘﺼﺪ ﰲ اﻟﻨﻔﻘﺎت وأن ﺗﺜﺒﱢﺖ ﻋﻤﻠﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﻌﺮ ﺟﺪﻳﺪ إذا اﺳﺘﺤﺎل اﻟﺮﺟﻮع إﱃ اﻟﺴﻌﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ. وأﺧﺬت ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﺑﺘﻠﻚ املﻘﱰﺣﺎت ﻓﺜﺒﺘﺖ ﻋﻤﻠﺘﻬﺎ ﻋﲆ وزن أﻗﻞ ﰲ ﻇﺮوف ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻓﺎﻟﻨﻤﺴﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٩٢٢واﻟﺮوﺳﻴﺎ ﰲ ﺳﻨﺘﻲ ،١٩٢٤-٢٣ﺛﻢ املﺠﺮ ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٩٢٥وﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٩٢٦وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٩٢٧وﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ .١٩٢٨أﻣﺎ إﻧﺠﻠﱰا ﻓﻘﺪ ﻋﺎدت إﱃ اﻟﺬﻫﺐ ﻋﻮدًا أﺑﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﱪﻳﺎؤﻫﺎ أن ﺗﺤﺪث أيﱠ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﰲ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻨﻘﻮد ،ﻓﺴﺒﺐ ذﻟﻚ ﺗﻘ ﱡﻠ ً ﺼﺎ ﰲ ﺑﻼدﻫﺎ واﻟﺒﻼد املﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺎ .أﻣﺎ أملﺎﻧﻴﺎ ﻓﻘﺪ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻧﻘﻮدﻫﺎ ﰲ ﻛﺜﺮ ٍة ﺟﺎﻣﺤﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻗﻀﺖ ٍّ ﻣﺴﺘﻘﻼ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺴﻴﺊ اﻟﺬي ﺛﻢ ﺑﻌﺜﺖ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺟﺪﻳﺪ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ أﻓﺮدﻧﺎ ﻟﻬﺎ ﺑﺤﺜًﺎ ﻧﺪرس ﰲ ﺿﻮﺋﻪ أﴐار اﻟﺘﻀﺨﻢ إذا وﺻﻞ إﱃ ﺣﺪ ﻏري ﻣﻌﻘﻮل ،ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺘﻜﻠﻢ ﰲ ﺑﺤﺚ ﺧﺎص ﻋﲆ رﺟﻮع إﻧﺠﻠﱰا إﱃ اﻟﺬﻫﺐ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﻟﺘﻘ ﱡﻠﺺ ﺟﺎزﻓﺖ ﺑﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ ﰲ ﻏري أواﻧﻪ ً ﻋﺎﻣﻼ ﻫﺎﻣٍّ ﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺎق ﺑﻬﺎ وﺑﻐريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺪول املﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﴐار. ﻓﻜﺎن ﻛﺎرﺛﺔ املﺎرك ،ﻧﺪرس ﰲ ﺿﻮﺋﻬﺎ أﺳﺒﺎب وﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻀﺨﻢ املﺨ ﱢﺮب رﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺘﻀﺨﻢ املﻌﻘﻮل ﻣﻔﻴﺪًا ﰲ ﺗﻨﺸﻴﻂ ﻋﺠﻠﺔ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺤﺮة ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻌﻼﻣﺔ ،Keynesوﻟﻜﻦ اﻟﺘﻀﺨﻢ إذا زاد ﻋﻦ اﻟﺤﺪ أﻓﻠﺘﺖ اﻟﻨﻘﻮد ﻣﻦ ﻳﺪ اﻟﻘﺎﺑﻀني ﻋﲆ زﻣﺎﻣﻬﺎ ،وﻗﺪ ً أﻣﺜﻠﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد املﻌﺪﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﺪول ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﺟﺌﻨﺎ رأﻳﻨﺎ ﺑﻤَ ﺜ َ َﻠني ﻣﻦ اﻟﻮرق اﻟﻨﻘﺪي ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ واﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ .وﻫﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﴬب ً ﻣﺜﻼ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻤﺤﻨﺔ املﺎرك؛ ﻳﺮﻳﻨﺎ أن ﻛﺜﺮﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳُﺴﻤﻊ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ﻗﺪ رﻓﻌﺖ اﻷﺳﻌﺎر رﻓﻌً ﺎ ﻟﻢ ﻳُﺴﻤﻊ ﺑﻤﺜﻠﻪ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻬﺖ ﺑﺎﻟﺨﺮاب واﻹﻓﻼس ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ واﻟﺸﻌﺐ اﻷملﺎﻧﻲ.
J. M.
اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻳُﻠﻬﺐ اﻹﻧﺘﺎج واﻻﺳﺘﻬﻼك واﻟﺘﺠﺎرة ،ﺛﻢ ﻳﻬﻮي ﺑﻬﺎ ﺟُ ﱠﻦ املﻨﺘﺠﻮن ﺑﺎﻹﻧﺘﺎج ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﻜﺜﺮة املﻄﺮدة ﰲ إﺻﺪار املﺎرك ،وﻫﺬه اﻟﻜﺜﺮة ﻛﺎن ﺻﻌﻮد أﺳﻌﺎر اﻟﺴﻠﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻋَ ْﺪوًا ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ،ﻓﻜﻞ ﺳﻠﻌﺔ ﺗﺒﺎع ﺑﺮﺑﺢ ﻛﺒري ﻋﻤﺎ ﺗَ َﻜ ﱠﻠ َﻔﻪ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺰﻳﺎدة املﺘﻮاﻟﻴﺔ ﰲ ﻣﻘﺪار اﻟﻨﻘﻮد ،وﺗﺰﻳﺪ ً أﻳﻀﺎ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ املﺴﺘﻬﻠﻜني ﻋﲆ 26
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﻻﺳﺘﻬﻼك واملﺸﱰﻳﻦ ﻋﲆ اﻟﴩاء؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻧﻘﻮدًا ﺗﻘﻞ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻋﻦ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﻠﻴﻪ ،واﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺪرون ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮن ﺑﻬﺎ وﻻ ﻣﺎذا ﻳﻜﻮن ﺷﺄﻧﻬﺎ ﰲ ﻏﺪﻫﻢ. وﻳﴪف املﺴﺘﻬﻠﻜﻮن واملﺸﱰون ﰲ اﻟﴩاء وﰲ اﻻﺳﺘﻬﻼك ،ﺣﺘﻰ اﻟﺴﻠﻊ اﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔ ﻳُﻘﺒﻠﻮن ٌ ﺣﺎﺟﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ — ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل — ﺧريٌ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ،وﻫﻢ ﻳﻔﻀﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﻘﻴﻤﺘﻬﺎ وﻻ ﻳﻠﺤﻘﻬﺎ اﻟﺘﻠﻒ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،Sachwarenوﻳﺘﺰاﺣﻤﻮن ﻋﲆ ﴍاﺋﻬﺎ واﻗﺘﻨﺎﺋﻬﺎ؛ ﻷن ﰲ ذﻟﻚ ﺗﺄﻣﻴﻨًﺎ ﻟﻬﻢ ﺿﺪ اﻟﻬﺒﻮط املﺘﻮاﱄ ﰲ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻨﻘﻮد. وﺗُﻘ ِﺒ ُﻞ اﻟﺪول اﻷﺧﺮى ﻋﲆ ﴍاء املﺼﻨﻮﻋﺎت اﻷملﺎﻧﻴﺔ؛ ﻟﺘﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻧﺰول ﻗﻴﻤﺔ املﺎرك ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﻤﻼﺋﻬﺎ ﻓﺘﻨﺸﻂ ﺗﺠﺎرﺗﻬﺎ ﻧﺸﺎ ً ﻃﺎ ﻻ ﻳُﺴﺘﻐﺮب ﰲ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮوف اﻟﺸﺎذة. وﻳﻨﺘﻬﺰ أﺻﺤﺎب املﺼﺎﻧﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻓﻴﴪﻋﻮن ﺑﺘﻨﻈﻴﻢ ﻣﺼﺎﻧﻌﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ ﺗُﺼﺒﺢ اﻟﻘﻮة اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ املﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٢٢ﺿﻌﻒ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻮم ﻋﻘﺪ اﻟﻬﺪﻧﺔ، وﺗﺰﻳﺪ ﺻﻨﺎﻋﺔ املﻮاد اﻟﻜﻴﻤﺎﺋﻴﺔ ٪١٧٣ﰲ ﺗﻠﻚ املﺪة ،ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺟﻨﺎه اﻷملﺎن ﻣﻦ أرﺑﺎح ﻃﺎﺋﻠﺔ ً وﺧﻴﺎﻻ ﻻ وﺟﻮد ﻟﻪ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻛﺎﻧﺖ وﻫﻤً ﺎ وﺣني ﺗﻨﺒﻬﺖ املﺼﺎﻧﻊ واﻟﴩﻛﺎت املﺘﻌﺎﻣﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺨﺎرج إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،أو ﺣني أﺧﺬت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺘﻨﺒﻪ ﻟﻬﺎ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ املﺘﻌﺎﻣﻠني ﻣﻊ اﻟﺨﺎرج أن ﻳﺪﻓﻌﻮا ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻷملﺎﻧﻴﺎ ﺑﻨﻘﻮد ﻣﺤﱰﻣﺔ ﻛﺎﻟﺠﻨﻴﻪ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ،أو اﻟﻔﺮﻧﻚ اﻟﺴﻮﻳﴪي ،أو اﻟﺪوﻻر اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ،وﺗﺤﴫ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ً وأﻳﻀﺎ ﴏف اﻟﻨﻘﻮد ﻋﲆ ﻋﻤﻼت اﻟﺪول اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺑﻨﻮك ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻛﻞ اﻟﺤﻮاﻻت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ، اﻷﺧﺮى ،وﺗﻀﻊ ﻟﻪ ﺳﻌ ًﺮا رﺳﻤﻴٍّﺎ وﺗُﻌﺎﻗﺐ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻨﻔﺬ ذﻟﻚ ﻟﺘﻤﻨﻊ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﺳﺘﻨﺰاف ﺛﺮوة أملﺎﻧﻴﺎ وﺗﺒﺬل ﻛﻞ ﺟﻬﺪ ﻣﻤﻜﻦ ،وﻟﻜﻦ املﺎرك رﻏﻢ ﻫﺬه اﻟﺠﻬﻮد أﺧﺬ ﰲ اﻻﺣﺘﻀﺎر. وﻣﻦ اﻟﺤﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﻟﺠﺄ إﻟﻴﻬﺎ أﺻﺤﺎبُ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﺒرية ذات اﻟﺴﻤﻌﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ﻹﻧﻘﺎذ ٍ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﻢ إﻧﺸﺎءُ ﻓﺮوع ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺨﺎرج ،واﺷﺘﻐﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﻔﺮوع ﺑﻬﻤﱠ ﺔ ﻫﻲ اﻷﺻﻞ ،واﻷﺻﻞ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ﻣﺠﺮد ﻣﻜﺎﺗﺐ وإدارات ﻟﻬﺎ ﺗﺼﺪر اﻟﻔﻮاﺗري وﺗُﺮاﺟﻊ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت وﺗُﻌﺪ املﻴﺰاﻧﻴﺎت اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ ﻟﺘﺘﻠﻮﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻧﻌﻘﺎدﻫﺎ آﺧﺮ اﻟﻌﺎم. ﺗﺄﺛري اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻋﲆ اﻟﺴﻨﺪات واﻷﺳﻬﻢ وﰲ ﺑﺪء اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻳﻘﻞ اﻹﻗﺒﺎل ﻋﲆ اﻟﺴﻨﺪات ﻋﻦ اﻹﻗﺒﺎل ﻋﲆ اﻣﺘﻼك اﻟﺴﻬﻮم ،وذﻟﻚ ﻣﺮده إﱃ ﻛﻮن اﻟﺴﻨﺪات — ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ أو ﻋﲆ اﻟﴩﻛﺎت — ﺗﻌﻄﻲ ﻓﻮاﺋﺪ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻣﻘﺪرة ﻟﻬﺎ، ﺑﻌﻜﺲ اﻟﺴﻬﻮم ﻓﺈن اﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻨﺸﻂ وﻫﻲ ﻣﺤﻞ رﻏﺒﺔ؛ ﻷن ﻣﺎ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﻣﻦ رﺑﺢ ﻳﺼﻌﺪ ﺑﺼﻌﻮد أرﺑﺎﺣﻬﺎ املﺘﺰاﻳﺪة ،واﻟﴩﻛﺎت ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺘﻀﺨﻢ ﺳﻮاء ﻛﺎن ﰲ وﻗﺖ اﻟﺤﺮب أو ﺑﻌﺪه ﺗُﺪر أرﺑﺎﺣً ﺎ ﻃﺎﺋﻠﺔ ﺗﻔﻮق ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن رأس ﻣﺎﻟﻬﺎ. 27
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
وﻛﻠﻤﺎ زاد اﻟﺘﻀﺨﻢ زاد اﻹﻗﺒﺎل ﻋﲆ اﻟﺴﻨﺪات واﻟﺴﻬﻮم؛ ﻷن اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺤﺴﻮن ﻓﻌﻞ اﻟﺘﻀﺨﻢ إﻻ ﺑﻌﺪ وﻗﺖ ﻗﻠﻴﻞ ،ﻓﺈذا ﺗﻨﺒﻬﻮا ﻟﻪ أﻗﺒﻠﻮا ﻋﲆ اﻷوراق املﺎﻟﻴﺔ ﻣﻌﺘﻘﺪﻳﻦ أن اﻣﺘﻼﻛﻬﺎ ﺧري ﻣﻦ اﻣﺘﻼك اﻟﻨﻘﻮد املﺘﺪﻫﻮرة ،ﺗﻠﻚ ﺣﺎﻟﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻟﻬﺎ دﺧﻞ ﻛﺒري ﰲ ﺳري اﻟﺘﻀﺨﻢ. اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ ﻋﺪد اﻟﴩﻛﺎت وﰲ رأس ﻣﺎﻟﻬﺎ وﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻀﺨﻢ أن ﺗﺰﻳﺪ اﻟﴩﻛﺎت زﻳﺎدة ﻏري ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ،وﺗﺰﻳﺪ رءوس اﻷﻣﻮال املﺴﺘﻐﻠﺔ ٌ ﴍﻛﺎت ﰲ رءوس ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻃﻤﻌً ﺎ ﰲ اﻟﺮﺑﺢ ،ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺗﺆﺳﺲ ﴍﻛﺎت ،وﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺗﺰﻳﺪ أﻣﻮاﻟﻬﺎ ،وإذا اﺳﺘﺜﻨﻴﻨﺎ ﴍﻛﺎت املﻼﺣﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻷملﺎن ﻣﺒﺎﴍﺗﻬﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺤﺼﺎر وﺗﻌﻘﺐ اﻟﻌﺪو ﻟﻠﺴﻔﻦ وإﻏﺮاﻗﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻋﺪد رءوس أﻣﻮال ﴍﻛﺎﺗﻬﻢ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ واﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻗﺪ ﺗﻀﺨﻢ ِﺑ َﺪو ِْر ِه ﺗﻀﺨﻤً ﺎ ً ﻫﺎﺋﻼ ﻻ ﺗﺠﻴﺰه ﻇﺮوﻓﻬﻢ — ﻟﻮ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ. واﻟﺘﻀﺨﻢ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ إﻧﺸﺎء ﴍﻛﺎت ﻓﺠﺔ ﻏري ﻣﺪروﺳﺔ ﻻ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﻨﺎﻓﺲ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ ،ﺑﻞ ﺗﻨﺎﻓﺲ ً أﻳﻀﺎ اﻟﴩﻛﺎت ذات اﻟﺨﱪة واملﺮان ،وﻳﻘﻮم ﺑني اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﰲ ﻏﺮض واﺣﺪ أو أﻏﺮاض ﻣﺘﻘﺎرﺑﺔ ﴏا ٌع ﻻ ﺗﺆﻣَ ﻦ ﻋﻮاﻗﺒﻪ ،ﻳﺆدي ﺑﻜﺜري ﻣﻨﻬﺎ إﱃ اﻹﻓﻼس. ﺗﺄﺛري اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻋﲆ اﻷﺟﻮر واﻷﺳﻌﺎر ﺗﺮﺗﻔﻊ اﻷﺟﻮر واﻷﺳﻌﺎر ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻀﺨﻤﺖ اﻟﻨﻘﻮد ،ﻓﺎﻷﺟري ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻋﲆ اﻟﻐﻼء ﺻﱪًا وﻫﻮ ﻣﺮﻫﻖ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،ﻳﺮى ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻳﺠﻨﻲ اﻷرﺑﺎح اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ﻓﻴﻄﺎﻟﺒﻪ ﺑﺮﻓﻊ أﺟﺮه ،ﺛﻢ ﻻ ﻳﻔﺘﺄ ﻳﻄﺎﻟﺒﻪ ً ﻓﺎﺣﺸﺎ ﻓﻼ ﻳﻌﻮد ﰲ ﻣﻜﻨﺔ ﺑﺎﻟﺰﻳﺎدة ،وﻫﻮ ﻣُﺤﻖ ﰲ ﻃﻠﺒﻪ؛ ﻷن ﻧﻔﻘﺎت املﻌﻴﺸﺔ ﺗﻐﻠﻮ ﻏﻼءً اﻷﺟري أن ﻳﻌﻴﺶ إﻻ ﺑﺄﺟﺮ ﻳﻄﺮد ارﺗﻔﺎﻋﻪ ﻛﻠﻤﺎ اﻃﺮد ارﺗﻔﺎع ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﻘﺎت. وﰲ أوﻗﺎت اﻟﺘﻀﺨﻢ ﺗﻘﻊ أﺳﻮأ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻋﲆ اﻷﺟري ﻛﻠﻤﺎ ﻃﺎﻟﺖ ﻣﺪة اﻟﺪﻓﻊ ﻟﻪ ،ﻓﺎﻷﺟري اﻟﺬي ﻳﻘﺒﺾ ﻣﺮﺗﺒﻪ ﻛﻞ ﺷﻬﺮ ﻳُﻀﺎر أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻷﺟري اﻟﺬي ﻳﻘﺒﺾ أﺟﺮه ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ،واﻷﺟري اﻟﺬي ﻳﻘﺒﺾ أﺟﺮه ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ﻳُﻀﺎر أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻷﺟري اﻟﺬي ﻳﻘﺒﺾ أﺟﺮه ﻛﻞ ﻳﻮم .ﻓﻜﻠﻤﺎ ﻃﺎﻟﺖ املﺪة ﰲ ﻗﺒﺾ اﻷﺟﺮ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻌﺮض اﻷﺟري ﻟﻠﴬر اﻟﺤﺎدث ﻣﻦ اﻻرﺗﻔﺎع املﺘﺰاﻳﺪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻋﻦ ﻳﻮم ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﻌﺎر ﰲ املﺴﺎء ﻏريﻫﺎ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﰲ ﻳﻮ ٍم واﺣﺪ. وأﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﺷﻘﺎءً ﺑﺎرﺗﻔﺎع اﻷﺳﻌﺎر ﻫﻢ املﻬﺬﺑﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻐﻀﺒﻮن أو ﻳﻠﺠﺌﻮن إﱃ ﴐبَ ﺑﻬﻢ املﺜﻞ ﻋﲆ اﻟﺒﺆس ﰲ ﺗﻀﺨﻢ املﺎرك ﻓﻘﻴﻞ ﻋﻨﻪ اﻟﻌﻨﻒ ﻛﺄﺳﺎﺗﺬة اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﺬﻳﻦ ُ ِ »اﻟﺒﺆس اﻟﻌﻠﻤﻲ«. 28
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
أﻣﺎ اﻻرﺗﻔﺎع ﰲ اﻷﺳﻌﺎر ﻓﻴﻄﺮد ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺜُﺮت اﻟﻨﻘﻮد ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻤﺘﺎز ﺑﻤﻴﺰﺗني: ) (١ﻻ ﻳﻜﻮن اﻻرﺗﻔﺎع ﺑﻨﺴﺒﺔ واﺣﺪة ﰲ اﻟﺴﻠﻊ. ) (٢ﻻ ﻳﻜﻮن اﻻرﺗﻔﺎع ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻣﺘﻮاﻓﻘﺔ ﻣﻊ اﻟﺰﻳﺎدة املﺘﻮاﻟﻴﺔ ﰲ اﻟﻨﻘﻮد. وﻫﺬا ﻳﺘﻨﺎول اﻟﺴﻠﻊ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﻧﻮاع ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎول اﻟﺴﻠﻊ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻧﻮع واﺣﺪ؛ ﻷن ﻇﺮوف اﻟﺴﻠﻊ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻧﻔﻘﺎت اﻹﻧﺘﺎج وﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻇﺮوف اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ ،واﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻟﻠﻤﻨﺘﺞ واملﺴﺘﻬﻠﻚ واﻟﺘﺎﺟﺮ ﻟﻬﺎ دﺧ ٌﻞ ﻛﺒري. اﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺸﺨﴢ ﻟﻠﺘﻨﺒﱡﻪ وﻓﻬﻢ اﻟﻘﻮة اﻟﴩاﺋﻴﺔ وﺗﺄﺛريﻫﻤﺎ ﻋﲆ ﺳري اﻟﺘﻀﺨﻢ ﱡ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻋﲆ اﻷﺳﻌﺎر ﻛﻮن اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﻨﺘﺒﻬﻮن ﻟﻠﺘﻀﺨﻢ اﻟﺬي وﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻌﻮاﻣﻞ ﰲ ﺗﺄﺛري ٍ ﺑﺪرﺟﺔ واﺣﺪة Inflation Consciousness؛ ﻻﺧﺘﻼف أﻣﺰﺟﺘﻬﻢ ﻳﺠﺮي ﺗﺤﺖ أﺑﺼﺎرﻫﻢ واﺳﺘﻌﺪادﻫﻢ اﻟﺬﻫﻨﻲ واﻟﻌﻠﻤﻲ ،ﻓﻜﺜريٌ ﻣﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻔﻘﺪ اﻷﻣﻞ ﰲ رﺟﻮع اﻟﻨﻘﻮد إﱃ ﻗﻴﻤﺘِﻬﺎ ُ ٌ ﺣﺎدث ﻣﻦ ﻏﻼء ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻻ ﻳﺪرك ﻓﻌﻞ اﻟﻘﻮة وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻌﻠﻴ َﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، اﻟﴩاﺋﻴﺔ ﻟﻠﻨﻘﻮد ،ﺑﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺪرﻛﻬﺎ وﻟﻜﻦ ﺗﴬه ﻓﻄﻨﺘﻪ ﻓﺘﻮدي ﺑﻪ إﱃ اﻟﺘﻔﺎؤل أو اﻟﺘﺸﺎؤم ﻓﻴﻀﻞ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﻫﻮ ﻣﺒﴫ. ﺗﺄﺛري اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻋﲆ اﻟﺒﻨﻮك واﻟﴩﻛﺎت ﺻﻔﻰ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺒﻨﻮك اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ أﻋﻤﺎﻟﻪ ،وذﻟﻚ اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻮك ﻛﺎن ﻣﻨﺘﴩًا ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ أﺣﻴﺎء ﺑﺮﻟني واﻟﺒﻼد اﻷﺧﺮى اﻟﻬﺎﻣﺔ ،وأﺻﺤﺎب ﻫﺬه اﻟﺒﻨﻮك أو ﻣﺪﻳﺮوﻫﺎ ﻗﺪ أﺳﺎءوا إﱃ اﻟﺸﻌﺐ اﻷملﺎﻧﻲ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﺿﺎرﺑﻮا ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻮدﻋً ﺎ ﰲ ﺑﻨﻮﻛﻬﻢ ،وﺑﻌﻀﻬﻢ اﺣﺘﺎل ﻋﲆ إﺧﺮاج ﻣﺎﻟﻪ إﱃ اﻟﺒﻼد املﺤﺎﻳﺪة ﺛﻢ أﻓﻠﺲ ﺑﺎﻟﺘﺪﻟﻴﺲ .أﻣﺎ اﻟﺒﻨﻮك اﻟﻜﺒرية ﻓﻘﺪ ﺳﺎرت ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي ﻓﺮﺿﺘﻪ ﻟﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ زاﺋﺪة أن ﺗﻨﺠﻮ ،أﻣﺎ ﺑﻨﻮك اﻟﺘﺴﻠﻴﻒ اﻟﻌﻘﺎري ﻓﻘﺪ ﺳﺪد ﻟﻬﺎ املﺪﻳﻨﻮن ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻌﻤﻠﺔ رﺳﻤﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ رﻓﻀﻬﺎ ،وأﻛﺜﺮﻫﻢ ﺻﻔﻰ أﻋﻤﺎﻟﻪ أو ﺗﺤﻮل إﱃ ﴍﻛﺎت ﺗﺘﺠﺮ ﰲ أراﴈ اﻟﺒﻨﺎء واﻟﺰراﻋﺔ.
29
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﺧﺘﻼل املﻴﺰاﻧﻴﺔ وإﻓﻼس اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺣﻜﻮﻣﺔ أن ﺗﺴري ﰲ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮوف ﺑﻐري أن ﺗﺨﺘﻞ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺘُﻬﺎ ،ﻓﻜﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ رﺟ ٌﻢ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ ،وﻛﻞ ﺷﻬﺮ ﻳُﻈﻬﺮ ً ﻓﺮﻗﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﺑني اﻹﻳﺮادات واملﴫوﻓﺎت ،وﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ أن ﺗﻌﺮﺿﺖ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ إﱃ ﻣﺎ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٢٣؛ ﻓﺘﺨﺒﻄﺖ ﺗﺨﺒﻂ املﻔﻠﺲ اﻟﺬي ﻓﻘﺪ ﻋﻘﻠﻪ ،وأﺻﺪرت ﰲ ﻣﺎرس ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﺗﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﺟُ ﺒﺎة اﻟﴬاﺋﺐ أن ﻳُﺮاﻋﻮا ﻋﻨﺪ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﻣﻘﺪار ﺳﻘﻮط املﺎرك ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﺠﺰت ﻋﻦ ﺗﻨﻔﻴﺬه وﻛﺎن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ إﺷﻬﺎر ﻟﻺﻓﻼس اﻟﻌﺎم. واﺳﺘﺄﻧﻔﺖ ﻋﻬﺪًا ﺟﺪﻳﺪًا ﺑﺈﺻﺪار ﻣﺎرك ﺟﺪﻳﺪ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﺿﻄﺮت أن ﺗﻌﺪل ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ً ﻗﺮﺿﺎ ﻣﻘﺪاره اﻟﻨﻘﺪي ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑَﺤَ َﺚ Dawesﻣﻘﺪرﺗﻬﺎ ﻋﲆ دﻓﻊ اﻟﺘﻌﻮﻳﻀﺎت واﻗﱰح ﻟﻬﺎ ً إﺟﺎﺑﺔ ﻟﻄﻠﺐ اﻟﺤﻠﻔﺎء ٨٠٠ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺎرك ذﻫﺒًﺎ؛ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻋﻤﻠﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺬﻫﺐ ،ﻓﻨﻈﻤﺘﻬﺎ؛ وأﻓﺎدت أﻛﱪ ﻓﺎﺋﺪة. إﻧﺠﻠﱰا ﺗﺄﺧﺬ ﺑﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻘﻠﺺ ﻓﺘﴬ ﻧﻔﺴﻬﺎ واﻟﺒﻼد املﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺎ َ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺗﻨﻘﻴﺺ اﻟﻨﻘﻮد واﻟﻘﺮوض اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔً ، ﻋﻤﻼ ﺑﻤﺸﻮرة أﻣﺎ إﻧﺠﻠﱰا ﻓﺈﻧﻬﺎ اﺗﱠﺒَﻌﺖ ﻟﺠﻨﺔ َﻛﺜﻠﻴﻒ اﻟﺘﻲ ﺣَ ﱠﻀﺘْﻬَ ﺎ ﻋﲆ ذﻟﻚ وﻋﲆ اﻻﺳﺘﺰادة ﻣﻦ ﻏﻄﺎء اﻟﺒﻨﻜﻨﻮت وﻣﻮازﻧﺔ املﻴﺰاﻧﻴﺔ ٌ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،واﻛﺘﺴﺒﺖ إﻧﺠﻠﱰا َ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،ﺣﺘﻰ ﺛﻘﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﺘﺪﻓﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻣﻮا ٌل وﺻﻞ اﻟﺠﻨﻴﻪ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي إﱃ ٤٫٦٨٥دوﻻرات ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أن ﺗﺘﻄﻠﻊ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ إﱃ اﺳﱰﺟﺎع ﻣﺮﻛﺰ ﻟﻮﻧﺪرة املﺎﱄ اﻟﺬي ﻫﺪدﺗﻬﺎ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺑﺎﻧﺘﺰاﻋﻪ ﻣﻨﻬﺎ. واﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻳُﻠﺘﻤﺲ ﻟﻬﻢ اﻟﻌﺬر إذا ﻋﻤﻠﻮا ﻋﲆ اﺳﱰﺟﺎع ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻟﻮﻧﺪرة ،أو إﻋﺎدة اﻟﺠﻨﻴﻪ إﱃ ﺳﻌﺮه اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻪ زﻋﻴﻢ ﻧﻘﻮد اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺳﻴﺪﻫﺎ ،وﻣﻦ دواﻋﻲ ﻣﺠﺪﻫﻢ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻮﻧﺪرة ﻣﻌﻘﺪ اﻟﻘﺮوض اﻟﺪوﻟﻴﺔ ،وﻏﺮﻓﺔ املﻘﺎﺻﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ،وﺳﻮق اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺤﺮة ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ زﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ ،إﻧﺠﻠﱰا ﺗﺮى أن ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ ﻋﲆ املﺎل أﺳﺎس ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻫﺬا ﱞ ﺣﻖ؛ ﻓﺎملﺎل ﻗﻮام اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻨﺪ اﻷﻓﺮاد واﻟﺪول. وﻛﺎن ﻣﻦ املﺘﻌني أن ﺗﺮﺟﻊ إﻧﺠﻠﱰا إﱃ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺬﻫﺐ ﻳﻮم ﺗﻮﻟﺖ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ وزار ُة املﺤﺎﻓﻈني ،وﻫﻢ ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ إﻻ ﺑﺎملﺒﺎدئ املﻮروﺛﺔ ،وﰲ رأﺳﻬﺎ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ ،وﻣﻜﺎﻧﺔ ﻟﻮﻧﺪرة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ. وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺤﺬﻳﺮ ﺧﱪاﺋﻬﻢ اﻷﺧﺼﺎﺋﻴني ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﻨﻘﻮد وﻣﻌﺎ َرﺿﺔ ﺣﺰب اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ أﺛﺒﺘﻮا أن ﺗﻮازن املﻴﺰاﻧﻴﺔ ﻏري ﺳﻠﻴﻢ ،ﺑﻞ ﻣﻔﺘﻌَ ﻞ ﺑﺎﻟﴬاﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﻧﺎء ﺑﻬﺎ ﻛﺎﻫﻞ اﻟﺸﻌﺐ، 30
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
وأﺛﺒﺘﻮا أن اﻟﺮﺟﻮع إﱃ اﻟﺬﻫﺐ ﻳُﻠﺤﻖ ﺑﺎﻹﻧﺘﺎج اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻲ وﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ أﺑﻠﻎ اﻷﴐار؛ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻓﺈن ﻣﺴﱰ ﺗﴩﺷﻞ اﺳﺘﺼﺪر ﰲ ٢٥ﻣﺎﻳﻮ ﺳﻨﺔ ١٩٢٥ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع إﱃ اﻟﺬﻫﺐ وﺳﻂ ﺿﺠﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﰲ اﻟﱪملﺎن ،وﻗﺪ أﻟﺰم ذﻟﻚ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﺑﻨﻚ إﻧﺠﻠﱰا أن ﻳﺒﻴﻊ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﺳﺒﺎﺋﻚ ملﻦ ﻳﺮﻳﺪ ،Gold Bullion Standardوزن اﻟﺴﺒﻴﻜﺔ ٤٠٠أوﻗﻴﺔ ﺑﺴﻌﺮ ٣ﺟﻨﻴﻪ و ١ ١٢ﺷﻠﻦ و ١٠ ١٢ﺑﻨﺲ ﻟﻸوﻗﻴﺔ. ْ رﺟﻌﺖ إﻟﻴﻪ ﰲ أﻋﻘﺎﺑﻬﺎ ﺑﻼ ُد اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ واﻟﺒﻼد املﺘﺼﻠﺔ وﺣني رﺟﻌﺖ إﻧﺠﻠﱰا ﻟﻠﺬﻫﺐ ﻧﻘﻮدﻫﺎ ﺑﺎﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ وﻣﻨﻬﺎ ﻣﴫ ،اﻟﺘﻲ ﻓﻘﺪت اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ اﻟﻨﻘﺪي ﺑﻤﺎ أﺻﺪرﺗﻪ ﺣﻜﻮﻣﺘﻬﺎ ﻣﻦ ْ أﺟﺎزت ﺑﻬﺎ ﻟﻠﺒﻨﻚ اﻷﻫﲇ أن ﻳَﺴﺘﻌﻤﻞ ﺳﻨﺪات اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ دﻛﺮﻳﺘﺎت وأواﻣﺮ وزارﻳﺔ ﺑﺪل اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﻏﻄﺎء ﻣﺎ ﻳُﺼﺪره ﻣﻦ ﺑﻨﻜﻨﻮت. وﻛﺎن ﻟﺮﻓﻊ ﺳﻌﺮ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ أﺳﻮأ اﻵﺛﺎر ﰲ إﻧﺠﻠﱰا واﻟﺒﻼد املﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺎ، ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﻮى ﻋﲆ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻧ ُ ﱢ ﻈﻤﺖ ﺗﻨﻈﻴﻤً ﺎ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻇﻠﺖ ﻣﺼﺎﻧﻊ إﻧﺠﻠﱰا ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ آﻻﺗﻬﺎ وﻃﺮاﺋﻖ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎَ ،ﻓ َﻘ ﱠﻞ أو اﻧﻌﺪم رﺑﺢ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وزاد اﻟﻌﻄﻞ ﰲ ﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ،واﺳﺘﺪﻋﻰ ذﻟﻚ إﻋﺎﻧﺘَﻬﻢ واﻻﻟﺘﺠﺎء إﱃ رﻓﻊ اﻟﴬاﺋﺐ ،ﻓﺄُﺛﻘﻞ ﻛﺎﻫﻞ املﻴﺰاﻧﻴﺔ ،واﺟﺘﻤﻌﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﻞ ﻓﺄﴐت ﺑﺎملﺎﻟﻴﺔ واﻟﺘﺠﺎرة اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ. ِ »ﻣﻜﻤ ﱠﻼن« ﻟﺒﺤﺚ اﻟﺤﺎﻟﺔ واﻗﱰاح ﻣﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻬﺎ وﺷﻜﻠﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٢٩ﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﻼج ،و َﻟﻤﱠ ﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺠﻨﺔ ﺗﻘﺮﻳﺮﻫﺎ ﻧﴩﺗﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﻜﺎن ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﴏاﺣﺔ داﻋﻴًﺎ ﻟﺰﻳﺎدة املﻮﻗﻒ ﺳﻮءًا ﻋﲆ ﺳﻮء؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺸﻒ اﻟﻌﻴﻮبَ ،وﺗﺄﺛﺮ ﺑﻪ اﻟﻜﺜريون ﻓﺴﺤﺒﻮا أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻣﻦ إﻧﺠﻠﱰا ﻟﻴُﻮدِﻋﻮﻫﺎ ﺑﻼدًا أﺧﺮى. ﺗﻔﺎﻗﻤﺖ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٩٣١ﻓﺎملﻴﺰاﻧﻴﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﺑﻬﺎ ﻋﺠ ٌﺰ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ١٢٠ﻣﻠﻴﻮن ٌ ﻧﻘﺺ ﺷﻨﻴ ٌﻊ ﻳﺴﺪد ﻣﻦ ﺗﺠﺎرﺗﻬﺎ ﻏري املﻨﻈﻮرة ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻣني ﺟﻨﻴﻪ ،واملﻴﺰان اﻟﺘﺠﺎري ﺑﻪ واﻟﻨﻘﻞ اﻟﺒﺤﺮي وﻣﻦ رءوس اﻷﻣﻮال املﺴﺘﻐ ﱠﻠﺔ ﰲ اﻟﺨﺎرج ،وﺑﻨﻚ إﻧﺠﻠﱰا ﻛﺎد ﻳﻔﺮغ رﺻﻴﺪه املﻌﺪﻧﻲ .ﻓﺄﴎﻋﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺎﺳﺘﺼﺪار ﻗﺎﻧﻮن ٢١ﺳﺒﺘﻤﱪ ﺳﻨﺔ ١٩٣١ﻹﻳﻘﺎف املﺎدة اﻷوﱃ ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮن ،١٩٢٥ورﺟﻌﺖ إﻧﺠﻠﱰا واﻟﺒﻼد املﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺬﻫﺐ ﻟﺘﺼﻠﺢ أﺧﻄﺎء املﺎﴈ اﻟﺬي دﻓﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﺛﻤﻨًﺎ ﻏﺎﻟﻴًﺎ ،ﻫﻲ واﻟﺒﻼد املﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺎ. ً ﻣﺘﺼﻼ ﺑﺎﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ،ﻓﻘﺪ أﺻﻴﺒﺖ ﻣﴫ ﺑﺎﻟﻜﺎرﺛﺔ اﻟﻜﱪى وملﺎ ﻛﺎن اﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي ﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ اﻟﺘﻘﻠﺺ ،ﻓﺎﻟﻘﻄﻦ — وﻫﻮ ﻋﻤﺎد ﺛﺮوة اﻟﺒﻼد — اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺘﻮﺳﻂ ﺳﻌﺮ ﻗﻨﻄﺎره ً ٩ ١٥ ً رﻳﺎﻻ اﻟﺴﻜﻼرﻳﺪس ﻣﻦ رﺗﺒﺔ ﻓﻮﱄ ﺟﻮدﻓري ٥٠رﻳﺎﻻ ﰲ ﺳﺒﺘﻤﱪ ﺳﻨﺔ ،١٩٢٥ﻧﺰل إﱃ ١٦ 31
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﰲ ﺳﺒﺘﻤﱪ ﺳﻨﺔ ،١٩٣١واﻷﺷﻤﻮﻧﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺘﻮﺳﻂ ﺳﻌﺮه ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺗﺒﺔ ً ٣٠ رﻳﺎﻻ ﰲ ً ٧ ١٢ رﻳﺎﻻ ﻟﻠﻘﻨﻄﺎر ﰲ ﺳﺒﺘﻤﱪ ﺳﻨﺔ ،١٩٣١ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺤﺒﻮب ﺳﺒﺘﻤﱪ ﺳﻨﺔ ،١٩٢٥ﻧﺰل إﱃ ١٦ ﻗﺮﺷﺎ ﻟﻺردب ،واﻟﻔﻮل ﺑﺴﻌﺮ ً ٥٠ ِﺑﻴﻌﺖ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺬرة ﺑﺴﻌﺮ ً ٣٥ ﻗﺮﺷﺎ ﻟﻺردب ،وﺑﻠﻎ ﻋﺠﺰ اﻟﺼﺎدرات ﻋﻦ اﻟﻮاردات ١٤٥٨٢٠٠٠ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٩٣٠ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻷزﻣﺔ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ زاﻟﺖ ﺑﻌﺾ آﺛﺎرﻫﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ إﱃ اﻟﻴﻮم رﻏﻢ ﻣﺎ ﺑُﺬل ﰲ ﺗﺴﻮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻮن اﻟﻌﻘﺎرﻳﺔ. اﺧﺘﻼل املﻴﺰاﻧﻴﺔ ﻳﺆدي إﱃ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺎﻟﻐﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ اﺳﺘﻄﺎﻋﺔ أملﺎﻧﻴﺎ دﻓﻊ ﻣﺎ ﻓﺮﺿﺘﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻌﻮﻳﻀﺎت اﻟﺤﺮب، ً أﻣﻮاﻻ واﻋﺘﻘﺪت أﻧﻬﺎ ﺑﺎﺣﺘﻼل اﻟﺮور وﺑﻐريه ﻣﻦ أﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ اﻟﺨﺸﻨﺔ أن ﺗﻌﺘﴫ ﻣﻦ أملﺎﻧﻴﺎ ﻃﺎﺋﻠﺔ ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ ﰲ اﻻﺳﺘﺪاﻧﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻜﻬﺎ اﻟﺬي أﺟﱪﺗْﻪ ﻋﲆ أن ﻳﺮﻓﻊ اﻋﺘﻤﺎداﺗﻪ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ً ً ﻗﺮوﺿﺎ ﺿﺨﻤﺔ ﰲ آﺟﺎل وأﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻚ اﻟﻜﺮﻳﺪي ﻧﺎﺳﻴﻮﻧﺎل وﻏريه ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، ﻗﺼرية وﺑﺄذوﻧﺎت ﻋﲆ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ﻟﺘﺴﺪد اﻟﻌﺠﺰ املﺘﻮاﱄ ﰲ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺎﺗﻬﺎ ،وﻳﻀﻄﺮ ﺑﻨﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ أﻣﻠﺘْﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إﱃ ﺗﻀﺨﻴﻢ اﻟﺘﺪاول ﰲ ورﻗﻪ ،ﻓﻴﺼﻞ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٢٤إﱃ ٤٣٫٣٠٤ﻣﻠﻴﺎر ﻓﺮﻧﻚ ﺑﺰﻳﺎدة ٢٫٣٠٤ﻣﻠﻴﺎر ﻋﻦ اﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﴫﺣً ﺎ ﻟﻪ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ أن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ إﺟﺎزة ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺰﻳﺎدة اﻹﺻﺪار إﱃ ٤٥ﻣﻠﻴﺎر ﰲ ﻧﻈري أن ﻳﺮﻓﻊ ﻟﻬﺎ اﻻﻋﺘﻤﺎدات إﱃ ٢٦ﻣﻠﻴﺎر ﻓﺮﻧﻚ ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ إﺳﻘﺎط وزارة ﻫﺮﻳﻮ. ﻇﻬﺮ ﻟﻠﻮزارة اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﻜﻢ أن املﻴﺰاﻧﻴﺔ ﱠ ﻣﻠﻔﻘﺔ ،وأن اﻟﻌﺠﺰ ﻓﻴﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻇﻨﱠﺘﻪ، وأن اﻟﴬاﺋﺐ واﻟﻘﺮوض اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻻ ﺗﻔﻲ ﻟﺴﺪ اﻟﻨﻘﺺ ،ﻓﻠﺠﺄت إﱃ اﻻﻗﱰاض ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺑﻨﻚ ١٠٠ Morganﻣﻠﻴﻮن دوﻻر ،وﻣﻦ إﻧﺠﻠﱰا ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺑﻨﻚ ٤ Lazard ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ؛ ﻟﺘﻮازن ﺑﻬﻤﺎ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺘﻬﺎ ،وﻟﺘﻤﻨﻊ اﻟﻔﺮﻧﻚ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻫﻮر ،وﻧﺠﺢ اﻟﻘﺮﺿﺎن ﻣﺆﻗﺘًﺎ ﰲ ﺗﺪﺑري املﻴﺰاﻧﻴﺔ وﰲ رﻓﻊ ﺳﻌﺮ اﻟﻔﺮﻧﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺪوﻻر ﻣﻦ ٢٨إﱃ ،١٨وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺠﻨﻴﻪ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻣﻦ ١٢٠إﱃ ٧٨ﰲ ﴏف اﻟﻔﺮﻧﻚ. ﴏاع ﺑني املﻀﺎرﺑني اﻟﺪوﻟﻴني واﻟﺒﻨﻮك املﺮﻛﺰﻳﺔ ٌ َ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر املﻀﺎرﺑني اﻟﺪوﻟﻴني ا َملﻬَ ﺮة ،ﻓﻬﺎﺟﻤﻮا اﻟﻔﺮﻧﻚ ﻟريﺑﺤﻮا ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺻﺔ واﻏﺘﻨﻢ إﻧﺰال ﺳﻌﺮه ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ ﰲ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻋﲆ اﺧﺘﻼل املﻴﺰاﻧﻴﺔ وﻋﺠﺰ ﺗﺠﺎرة ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ، ً ٍ ﺑﺘﺤﺎﻟﻒ ﻋﺘﻴﺪ ﺑني ﺑﻨﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﺑﻨﻚ إﻧﺠﻠﱰا، ﻣﻜﻔﻮﻻ ﻟﻮﻻ أن املﺼﻠﺤﺔ ﻗﻀﺖ وﻛﺎن ﻧﺠﺎﺣﻬﻢ 32
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
واﻟﻔﺪرال رﻳﺰرف اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻗﺎم ﰲ وﺟﻬﻬﻢ ﻟﻴﻔﺴﺪ ﺧﻄﻄﻬﻢ ،ﻓﺒﺎع واﺷﱰى اﻟﻌﻤﻼت واﻧﺘﴫ ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺒﱠﺪوه ﺧﺴﺎﺋﺮ ﻓﺎدﺣﺔ. إﻳﻘﺎف اﻟﺘﻀﺨﻢ وﺗﺜﺒﻴﺖ اﻟﻔﺮﻧﻚ ﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﻋﲆ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﺪة وزارات ﺳﻨﺔ ،١٩٢٥ﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﻣﻮازﻧﺔ املﻴﺰاﻧﻴﺔ وإﻳﻘﺎف اﻟﺘﻀﺨﻢ ،ﺣﺘﻰ ﻗ ﱠﻠﺖ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٩٢٦وأﺧﺬ املﺎﻟﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني واﻷﺟﺎﻧﺐ ﰲ ﺳﺤﺐ وداﺋﻌﻬﻢ وﺑَﻴْﻊ أوراﻗﻬﻢ املﺎﻟﻴﺔ وﺗﻬﺮﻳﺐ ﻧﻘﻮدﻫﻢ إﱃ اﻟﺒﻼد اﻷﺧﺮى ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف ،وﻧﺸﻂ املﻀﺎرﺑﻮن ﻓﻨﺰل اﻟﻔﺮﻧﻚ إﱃ ٢٤٥ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺠﻨﻴﻪ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي. وﻧﺎدى اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﺑﻮﺟﻮب ﺗﺄﻟﻴﻒ وزارة وﻃﻨﻴﺔ ﻟﺘﺘﻮﱃ إﻧﻘﺎذ املﻮﻗﻒ ،ﻓﺘﺄﻟﻔﺖ وزارةٌ ﺑﺮﻳﺎﺳﺔ »ﺑﻮاﻧﻜﺎرﻳﻪ« ﻣﻮﺿﻊ اﻻﺣﱰام ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ وﻣﻦ املﺎﻟﻴني واﻟﺒﻨﻮك ،وﻗﺪ أﻋﻠﻦ ﰲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻪ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﺪاﻧﺔ ،ﺑﻞ ﻋﲆ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﺜﻘﺔ ﺑﻪ وﺑﺴﻴﺎﺳﺔ ﺣﻜﻮﻣﺘﻪ، ً وﻓﻌﻼ ﻣﺎ ﻛﺎد ﻳﺒﺪأ ﻋﻤﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﻌﺪ اﻟﻔﺮﻧﻚ إﱃ ١٨٥ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺠﻨﻴﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﻪ ْ وأﺧﺬه اﻷﻣﻮر ﺑﺎﻟﺤﺰم واﻟﺠﺮأة املﺼﻠﺤﺔ ﻛﻔﻴﻠني ﺑﻨﺠﺎﺣﻪ ،ورﺟﻊ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﻫﺎﺟﺮت ﻣﻨﻬﺎ ،وﻇﻞ اﻟﻔﺮﻧﻚ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﺷﻬﺮ ﻋﲆ ﺳﻌﺮ ٢٥ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺠﻨﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺛﺒﱠﺘَﺘْﻪ اﻟﻮزارة ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٢٨ﻋﲆ أﺳﺎس اﻟﺬﻫﺐ ﻣﺘﺨﺬة ﻟﻮزﻧﻪ ٦٥٫٥ﻣﻠﻠﻴﺠﺮاﻣً ﺎ وﻟﻌﻴﺎره ٩٠٠ ﻣﻦ اﻷﻟﻒ. اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺑني اﻟﺮﺧﺎء واﻷزﻣﺎت إذا أﺧﺬﻧﺎ ﺑﻈﻮاﻫﺮ اﻷﻣﻮر ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة أن ﺗﻌﺮف اﻷزﻣﺎت وﻫﻲ ﺑﻼ ٌد أﺻﺎﺑﺖ ﻣﻦ املﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺼﺒﻪ ﻏريﻫﺎ ،وﺟﻤﻌﺖ ﻣﻦ املﺎل ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗَﺤْ ِﻮ ِه ﺑﻼ ٌد أﺧﺮى ،وﺗﻘﺪﻣﺖ ﰲ ً داﺋﻨﺔ ﻷوروﺑﺎ ﺑﻌﺪ أن اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺗﻘﺪﻣً ﺎ ﻻ ﻧﻈري ﻟﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻬﺎ ً ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻟﻬﺎ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﻮﻓﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺜﺮاء ﻣﺎ ﻻ ﻳُﻈﻦ ﻣﻌﻪ أن ﺗﻘﻊ ﰲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻷزﻣﺎت أو أن ﺗﻤﺮ ﺑﺎﻟﺸﺪاﺋﺪ. وﻟﻜﻦ اﻟﻮاﻗﻊ ﻏري ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺟﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﺮاؤﻫﺎ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ،وﺗﻠﻚ املﻜﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ُ ﻓﺎﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺑﺤﻜﻢ أﻧﻬﺎ ﻣﺎﻟﻜﺔ ﻟﻠﻤﺎل واملﻌﺎدن ﻧﺤﺴﺪﻫﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻢ ﺗَﺨ ُﻞ ﻣﻦ ﻣﺘﺎﻋﺐ، اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ،وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺮﺧﺺ اﻟﻨﻘﻮد وﺗﻀﻌﻒ ﻣﻦ ﻗﺪرﺗﻬﺎ اﻟﴩاﺋﻴﺔ Purchasing 33
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
،Power of Moneyوﺑﺤﻜﻢ أﻧﻬﺎ ﺑﻼ ٌد ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺮاز اﻷول؛ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺮﻓﻊ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻨﻘﻮد وإﻻ أﴐت ﺑﺈﻧﺘﺎﺟﻬﺎ اﻟﺰراﻋﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ،وﻣ ﱠﻜﻨﺖ اﻟﺪول اﻷﺧﺮى ذوات اﻟﻨﻘﻮد واﻷﺟﻮر اﻟﺮﺧﻴﺼﺔ أن ﺗﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ أو ﻋﲆ اﻷﻗﻞ أن ﺗﻨﺎﻓﺴﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة ﺣني ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺰاﺣﻤﺘﻬﺎ ﺑﺼﻨﺎﻋﺎت أﻗﻞ ﻣﻦ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺛﻤﻨًﺎ. ﻓﺈذا ﺳﻴﻄﺮ رﺟﺎل املﺎل ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴني ﻓﻤﻦ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺪوﻻر ﻣﺮﺗﻔﻊ اﻟﻘﻴﻤﺔ ،وإذا ﺳﻴﻄﺮ رﺟﺎل اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴني وﺿﻌﻮا اﻟﺪوﻻر ﰲ اﻟﻮﺿﻊ املﻨﺎﺳﺐ ﻟﻈﺮوف اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗُﻤﻨﻰ ﺑﺎﻟﻌﻄﻞ واﻷزﻣﺎت ،وﻗﺪ ﺗﺤﻤﻠﺖ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ٍ أزﻣﺎت ﻣﺘﻜﺮر ًة ﻛﺎن أﻫﻢ ﻋﺎﻣﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻘﺎء اﻟﺪوﻻر ﻣﺮﺗﻔﻊ اﻟﻘﻴﻤﺔ؛ ﻷن ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﻮﻓﺮ ً ً ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﴫﻓﺔ إﱃ ﻋﻼج اﻷزﻣﺎت ﺑﺎﻟﻘﺮوض ،وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﻨﺘﻘ َﺪة ﺑﻌﺜﺖ ﺗﻀﺨﻤً ﺎ ﰲ اﻟﻘﺮوض وﺣﻔ ً ﻈﺎ ﻣﺼﻄﻨﻌً ﺎ ﻟﻸﺳﻌﺎر ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺳﻴﺎﺳﺘُﻪ اﻟﺘﻲ أﺷﺎرت ﺑﻬﺎ ﻟﺠﺎﻧﻪ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻼج ﻟﻸزﻣﺎت ﺑﻤﻠ ﱢ ﻄﻔﺎت وﻣﺨﺪرات ﺿﺎرة. واﺳﺘﺪﻋﻰ ﺗﺴﻬﻴﻞ اﻟﻘﺮوض أن ﻳﻐﺘﻨﻢ اﻟﺴﻤﺎﴎة ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻓﺰﻳﻨﻮا ﻟﻠﻤﻐﺎﻣﺮﻳﻦ أن ً ﻗﺮوﺿﺎ ﻵﺟﺎل ﻗﺼرية ﻳﺘﻀﺎرﺑﻮن ﺑﻬﺎ ﰲ ﺑﻮرﺻﺎت اﻷوراق املﺎﻟﻴﺔ، ﻳﻘﱰﺿﻮا ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻮك ﻃﻤﻌً ﺎ ﰲ ﻛﺴﺐ ﺳﻬﻞ ﴎﻳﻊ ،وﺣني اﺳﺘُﺤﻘﺖ ﻫﺬه اﻟﻘﺮوض ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ﺳﺪادﻫﺎ ،ﻓﺒﺎﻋﻮا أوراﻗﻬﻢ املﺎﻟﻴﺔ ﺑﻴﻊ اﻟﺴﻤﺎح؛ ﻟﻴﺪﻓﻌﻮا ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﻠﺒﻨﻮك ﻓﻬﻮت أﺳﻌﺎر اﻷوراق ،وﻛﺎﻧﺖ ﺻﺎﻋﻘﺔ اﻟﺤﻲ املﺎﱄ ﰲ »وال ﺳﱰﻳﺖ« ،وﺗﻮﻗﻔﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻨﻮك ﻋﻦ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ،وﻧﻈﻢ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﻮﻓﺮ ﻫﻴﺌﺔ املﻌﴪة ﺗُﻘ ﱠ ِ ﻄﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺼﻜﻮك اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺬر ﺗﺤﺼﻴﻞ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ. ﻟﺘﺴﻠﻴﻒ اﻟﺒﻨﻮك ﻟﻢ ﻳُﻔﺪ ﻋﻼج املﺴﻜﻨﺎت اﻟﻮﻗﺘﻴﺔ؛ ﻓﺄﺳﻌﺎر املﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻧﺤﻄﺖ ،واﻹﻧﺘﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ أﺻﺒﺢ ﻋﻘﻴﻤً ﺎ ،وزاد اﻟﻌﻄﻞ ﺑني اﻟﻌﻤﺎل ﻓﺒﻠﻎ ،٨٣٠٠٠٠٠وأﺻﻴﺒﺖ ﻓﻮق ذﻟﻚ املﻴﺰاﻧﻴﺔ ﺑﻌﺠﺰ ﺑﻠﻎ ٢٢٥٠ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر ﰲ أواﺧﺮ ﺳﻨﺔ ،١٩٣٢ﺑﻴﻨﻤﺎ أﺧﺬت ﺻﻨﺎﻋﺔ إﻧﺠﻠﱰا ﺗﺮوج وﺗﻨﺎﻓﺲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ؛ ﻷن اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ﺣُ ﻔﻆ ﰲ ﺳﻌﺮ ﴏف ﺣﻮاﱄ ٣٫٥٠دوﻻ ًرا .وأدرﻛﺖ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة أن ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺒﻘﺎء ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ ﻻ ﺗﻤ ﱢﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻼج اﻷزﻣﺎت املﺘﻜﺮرة ،ﻓﺎﺗﺨﺬت ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻟﻼﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﺧﻄﻮات ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻠﺨﺴﺎرة ،ﻓﺒﺪأت ﺑﺘﺤﺮﻳﻢ إﺻﺪار اﻟﺬﻫﺐ ﻟﻠﺨﺎرج؛ ﻟﺘﻔﺴﺪ رﻛﻨًﺎ ﻣﻦ أرﻛﺎن ﻗﺎﻋﺪﺗﻪ اﻟﻀﺎرة وﻫﻮ ﺣﺮﻳﺔ »ﺗﻨﻘﻠﻪ اﻟﺬاﺗﻲ« ،ﺛﻢ ﺗﺨﻄﻮ ﺧﻄﻮة أﺧﺮى ﻓﺘﺤﺮم أن ﻳﺤﻮز اﻷﻓﺮاد ﻣﻨﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ١٠٠دوﻻر ،ﺛﻢ ﺗﻘﴤ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺧﻄﻮة ﺛﺎﻟﺜﺔ ﺧﻄﺎﻫﺎ اﻟﺮﺋﻴﺲ روزﻓﻠﺖ ﺣني أﻋﻠﻦ ﰲ ٩ﻣﺎﻳﻮ ﺳﻨﺔ ١٩٣٣أن ﴍط اﻟﺬﻫﺐ ﻗﺪ أُﻟﻐﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮد ﻧﻬﺎﺋﻴٍّﺎ. وﻣﻤﺎ ﻳﺠﺪر ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن إﻧﺠﻠﱰا وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻋﻦ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺬﻫﺐ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ وﻗﺖ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﺑﻨﻮ ُﻛﻬﺎ ﻛﻔﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ املﻌﺪن ،ﺑﻌﻜﺲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة 34
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻓﻘﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻋﻦ اﻟﺬﻫﺐ وﺑﻨﻮﻛﻬﺎ ﺗﻤﻠﻚ أﻛﱪ ﻣﻘﺪار ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،أﺻﻴﺒﺖ ﺑﺴﺒﺒﻪ »ﺑﺎﻟﺘﺨﻤﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ« ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﻮن. ﻣﺆﺗﻤﺮ ﻟﻨﺪرة ﺗﻔﺴﺪه أﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﺪول ُ ﻣﺠﻠﺲ ﻋﺼﺒ ِﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﺪو َل إﱃ ﻋﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮ اﻗﺘﺼﺎديﱟ ؛ ﻳﻨﺘﺸﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﻴﺌﺔ دﻋﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﺎدﺗْﻪ ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﻨﻘﺪ واﻻﻗﺘﺼﺎد ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﱠﺒﻬﺎ ﺗﺮﺧﻴﺺ ْ ﻟﺠﺄت ﻛﻞ دوﻟﺔ ﻧﻘﺪﻫﺎ ﻟﺘُﻮازن ﻣﻴﺰاﻧﻴﺘﻬﺎ ،وﺗﺴﺎﻋﺪ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﻋﲆ املﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ إﱃ وﺿﻊ اﻟﻌﺮاﻗﻴﻞ واملﻮاﻧﻊ ﰲ ﺗﺠﺎرة ﻏريﻫﺎ ،ﺗﻠﻚ ﺣﺮب اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ أَﴐﱠ ت ﺑﺎﻟﺪول ﻛﻠﻬﺎ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﺎ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻣﻦ ﻧﻬﺎﻳﺔ. ِ املﺆﺗﻤﺮون أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﰲ ُﺷﻌﺒﺘني: ﻋُ ﻘﺪ ذﻟﻚ املﺆﺗﻤﺮ ﺑﻠﻨﺪرة ﰲ ١٢ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺳﻨﺔ ،١٩٣٣وﺑﺪأ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺗﺨﺼﺼﺖ ﻟﺪرس ﻣﺸﻜﻼت اﻟﻨﻘﻮد وﻣﺎ ﺗﻔﺮع ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻛﺎﻻﺋﺘﻤﺎن واﻷﺳﻌﺎر واﻟﴫف، واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺨﺼﺼﺖ ﻟﺪرس اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺗﻨﺎول ﻋﻤﻠﻬﺎ اﻟﺘﺠﺎرة ،واﻹﻧﺘﺎج ،واﻻﺳﺘﻬﻼك، واﻟﺘﻮزﻳﻊ. وﻟﻜﻦ أﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﺪول أﻓﺴﺪت املﺆﺗﻤﺮ ﰲ أﻳﺎﻣﻪ اﻷوﱃ؛ ﻓﻘﺪ أﺛﺎرت ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻋﻘﺒﺔ ﺗﺜﺒﻴﺖ اﻟﻨﻘﻮد؛ ﻷن ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﺎ — وﻗﺪ ﺛﺒﱠﺘﺖ ﻧﻘﺪﻫﺎ ﻛﻤﺎ رأﻳﻨﺎ — ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﴤ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﺪﻓﻊ اﻟﺪول اﻷﺧﺮى إﱃ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﻧﻘﻮدﻫﺎ ﻋﲆ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺬﻫﺐ ،وﻗﺎﻟﺖ ﰲ ﺗﱪﻳﺮ ذﻟﻚ :إﻧﻪ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻷﺑﺤﺎث املﺆﺗﻤﺮ إﻻ إذا ﺛﺒﱠﺘﺖ اﻟﺪول ﻧﻘﻮدﻫﺎ ﻟﺘﺜﺒﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻷﺳﻌﺎر. وﻧﺎﴏت ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ وﺳﻮﻳﴪا وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺧﺎﻟﻔﺘﻬﺎ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﺎ ،أن ﺗﺜﺒﺖ ﻧﻘﻮدﻫﺎ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮﻓﻊ اﻷﺳﻌﺎر ﰲ ﺑﻼدﻫﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ ﰲ ﺗﱪﻳﺮ ﻣﻮﻗﻔﻬﺎ :إن إﺻﻼح اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻋﻼج أزﻣﺎﺗﻪ ﻣﻘﺪﱠم ﻋﲆ أي اﻋﺘﺒﺎر آﺧﺮ .أﻣﺎ إﻧﺠﻠﱰا ﻓﻘﺪ وﻗﻔﺖ ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑني اﻟﺮأﻳني ،وﻟﻌﻞ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻣﻮﻗﻔﻬﺎ اﻟﺤﺎﺋﺮ أن ﻛﺒﺎر املﺎﻟﻴني اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﺎﻃﺮون ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻛﺘﻠﺔ اﻟﺬﻫﺐ رأﻳﻬﺎ ﰲ ﴐورة اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﴎﻳﻌً ﺎ ﻋﲆ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺬﻫﺐ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ أن ﺗﺜﺒﺖ اﻟﻨﻘﻮد ﻓﺘﺤﻔﻆ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ اﻟﴩاﺋﻴﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ أﺟﻤﻊ ﺧﱪاء ً وأﻳﻀﺎ ﻣﻤﺜﻠﻮ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ أو املﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﻋﲆ ﴐورة اﻟﺴري اﻟﻨﻘﻮد اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﺑﺒﻼدﻫﻢ ﰲ ﻇﻞ اﻟﻮرق اﻟﻨﻘﺪي ﺗﺤﺖ إدار ٍة رﺷﻴﺪ ٍة ﺗﺮاﻋﻲ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ وﺗﻜﻔﻞ ﻟﻬﻢ وﻹﻧﺠﻠﱰا اﻟﻴﴪ واﻟﺮﺧﺎء.
35
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻗِ َ ﴫ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻨﺪ ﻛﺘﻠﺔ اﻟﺬﻫﺐ ﻓﺸﻞ املﺆﺗﻤﺮ ﻧﺘﻴﺠﺔ أﻧﺎﻧﻴﺔ ﻛﺘﻠﺔ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻘﺼرية اﻟﻨﻈﺮ اﻟﺘﻲ أَﻋْ ﻤَ ﺘْﻬﺎ ﻣﺼﺎﻟﺤُ ﻬﺎ اﻟﻌﺎﺟﻠﺔ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻘﺪﱢر ﺳﻮﻳﴪا أﻧﻬﺎ ﺑﻠﺪ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺋﺤني وﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ واﻷﻣﺮﻳﻜﺎن .وﻟﻢ ﺗُ َﻘﺪﱢر ﻓﺮﻧﺴﺎ أﻧﻬﺎ دوﻟﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺎت وﻋﲆ اﻟﺘﺠﺎرة ً ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺴري ﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ واﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ ﻏري املﺘﻄﻮرة ٍ واﻷﻣﺮﻳﻜﺎن .وﻏﺎب ﻋﻦ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ أن ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎل ﻧﻈﻤﺘﻪ ﺑﻄﺮﻳﻖ اﻟﻘﺮوض و»إﻧﺘﺎج ﻣﺪﺑﺮ« ﻻ ﻳﻜﻔﻴﺎن ملﺎ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻏﺰوات ﺗﺤﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺠﺪ اﻟﺮوﻣﺎن ،ﻓﺈذا ﺑﺪأ ﺗﺤﻘﻴﻖ أﻃﻤﺎﻋﻬﺎ وﺣﺎرﺑﺖ اﻟﺤﺒﺸﺔ اﺳﺘﻨﻔﺪت ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ذﻫﺐ وﻛﺴﺪت ﺗﺠﺎرﺗﻬﺎ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ إﻻ ﻗﺮﻳﺒﺔ اﻟﺸﺒﻪ ﺑﻔﺮﻧﺴﺎ ﺟﺎرﺗﻬﺎ. ﻓﻠﻢ ﻳَ ُ ﻄﻞ أﻣﺮ اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﻧﻬﺎرت وﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺗﺤﺎﻟﻔﻬﺎ وﺗﻌﺼﺒﻬﺎ ﻟﻠﺬﻫﺐ ٌ دوﻟﺔ إﺛﺮ أﺧﺮى ،واﺿﻄﺮت إﱃ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﻋﻤﻼﺗﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺔ ١٩٣٥ﺧﻔﻀﺖ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ وزن اﻟﺒﻠﺠﺎ ،٪٢٨ﺛﻢ أﻋﻘﺒﺘْﻬﺎ ﺳﻮﻳﴪا وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،وأﺧريًا ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٣٦ ﺧﻔﻀﺖ اﻟﻔﺮﻧﻚ ٪٣٠ﻣﻦ وزﻧﻪ ﺑﻤﻮاﻓﻘﺔ إﻧﺠﻠﱰا وأﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻛﺘﻠﺔ اﻟﺬﻫﺐ أن أﴐت ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﱠ وأﺧ َﺮت ﺣﻞ أزﻣﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻋﺎدت ﺟﻤﻴﻊ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﻨﺤﻲ ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ ﺑﺎﻟﻼﺋﻤﺔ ،وﺗﺮاه املﺴﺌﻮل اﻷول ﻋﻤﺎ ﺣﺪث وﻳﺤﺪث ﻣﻦ اﺧﺘﻼف ﰲ اﻷرزاق ،وأن ﺗﻌﺼﺐ ﻛﻞ دوﻟﺔ ملﺼﺎﻟﺤﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ وﻣﺤﺎرﺑﺘﻬﺎ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺪول ﺻﻨﺎﻋﻴٍّﺎ وﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ وﻣﺎﻟﻴٍّﺎ؛ ﻗﺪ أدى ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻊ إﱃ اﻟﻜﻮارث. اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﻮن ﻳﻨﺎدون ﺑﺨﻠﻊ اﻟﺬﻫﺐ وإﻧﺸﺎء ﺑﻨﻚ ﻋﺎملﻲ َ اﻟﺨﻼﺋﻖ وأﺻﺒﺢ وﻧﺮى ُﻛﺘﱠﺎبَ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺪول ﻳﻨﺎدون ﺑﺄن اﻟﺬﻫﺐ ﻗﺪ اﺳﺘَﻌﺒﺪ ﻃﺎﻏﻴﺔ ﻻ ﻣﻌﻘﺐ ﻟﺤﻜﻤﻪ ﺣني ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺑني اﻟﺸﻌﻮب ﻟﻴﻔﺴﺪ ﻓﻴﻬﺎ ،وأﻧﻪ ﻗﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺤﺎﺟﺎت اﻟﻨﺎس وأﻏﺮاض اﻟﺘﺠﺎرة ،ﻓﻼ ﻣﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻪ إذا ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ إزاﺣﺘﻪ ﻋﻦ ﻋﺮﺷﻪ ،وﻟﻜﻦ ﻋﺎملﻲ أو ﺑﺘﺤﻮﻳﻞ ﺑﻨﻚ اﻟﺘﺴﻮﻳﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ إﱃ ﺑﻨﻚ ﻛﻴﻒ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﱃ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﺑﺈﻧﺸﺎء ﺑﻨﻚ ﱟ ً ﻋﺎملﻴﺔ ﺗُﻘﺒﻞ ﰲ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺒﻼد وﺗَﻨﺴﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺮﻛﺰي ﻋﺎملﻲ ﺗﺴﺘﻮدﻋﻪ اﻷﻣﻢ ذﻫﺒﻬﺎ وﻳُﺼﺪر ﻋﻤﻠﺔ َ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،وﻫﺬا — ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ — ﻫﻮ أﺳﺎس املﴩوﻋني املﻘﺪﻣني اﻵن ﰲ إﻧﺠﻠﱰا اﻟﺪول ﻋﻤﻼﺗﻬﺎ واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻟﻨﻘﺪ ﻋﺎملﻲ ﻳﺼﺪره ﺑﻨﻚ دوﱄ ﻛﺎﺗﺤﺎدٍ ملﻘﺎﺻﺔ ﻋﺎملﻴﺔ ،ﻓﺎملﴩوع اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻗﺪ أﻋﺪه اﻟﻠﻮرد Keynesوﻳﻌﺮف اﻵن ﺑﺎﺳﻤﻪ ،وﻫﻮ أﺣﺪ اﻟ ُﻜﺘﱠﺎب اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻤﻠﻮا ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ وﻧﺎدَوا ﺑﺈﻳﺠﺎد ﺑﻨﻚ دوﱄ. 36
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
أملﺎﻧﻴﺎ ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﺤﺮب ﺑﺎﻗﺘﺼﺎد ﻋﺴﻜﺮي ﺣﺎدث ﰲ اﻟﺪول ،ﻛﺎﻧﺖ أملﺎﻧﻴﺎ ﺗﻨ ﱢ ٌ ﻈﻢ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﻨﻈﻴﻤً ﺎ اﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ وﺑﻴﻨﻤﺎ ذﻟﻚ اﻻﺿﻄﺮاب اﻟﻨﻘﺪي أول ﺧﻄﻮاﺗﻪ ذﻟﻚ اﻟﻘﺎﻧﻮن املﺴﻤﱠ ﻰ ﺑﻘﺎﻧﻮن »إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء أملﺎﻧﻴﺎ اﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ« اﻟﺬي اﺳﺘﺼﺪره وزﻳﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺷﻤﻴﺖ Schmittﰲ ٢٧ﻓﱪاﻳﺮ ﺳﻨﺔ ،١٩٣٤ﻓﺠﻌﻞ َ َ اﻟﺘﺎﻣﺔ ﻋﲆ املﺎل واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ — ﻣُﻤَ ﺜ ﱠ َﻠ ًﺔ ﰲ وزﻳﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎد — ً دﻗﻴﻘﺎ ،ﻋﻬﺪ ﰲ اﻹﴍاف ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﺷﺎﺧﺖ ،Schachtوﻟﻜﻦ وﻫﻴﺌﺎﺗﻬﺎ املﻨﻈﻤﺔ ﺗﻨﻈﻴﻤً ﺎ اﻟﻨﺎزﻳني ﻟﻢ ﻳُﻤﻬﻠﻮه ﻓﻌﻴﻨﻮا اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﻮﻧﻚ Funkوﻫﻮ ﻣﻦ أﻗﻄﺎﺑﻬﻢ؛ ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻫﺬا اﻟﱪﻧﺎﻣﺞ اﻟﻘﻮﻣﻲ املﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﻹﴍاف املﻄﻠﻖ ﻋﲆ اﻟﺒﻨﻮك ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﻨﻘﻮد واﻟﻘﺮوض ،وﻋﲆ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺰراﻋﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ،وﻋﲆ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ واﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ؛ ﻟﻴﺴريوا ﺑﻬﺬه املﺠﻤﻮﻋﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ إﱃ ﻏﺎﻳﺔ ﻛﱪى ،اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﻠﺤﺮب اﻟﺘﻲ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻗﺪ أﺗﻘﻨﻮا ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺴﻜﺮي .Wehrwirchaft ﻧﻈﺮة ﻋﺎﻣﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻮد ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮب اﻟﺤﺎﴐة ﻫﻲ اﻟﺸﻮط اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ أو ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ — ﰲ ﻧﻈﺮﻧﺎ — ﻋﻦ اﻟﺤﺮوب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ،وأﻛﱪ اﻟﻈﻦ أﻧﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ﻟﻦ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ إﻻ ﺑﻤﻘﺪار ﻣﺎ ﻳﺘﺠﻪ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ٌ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺑﺤﺘﺔ ،ﴏا ٌع اﺳﺘﻌﻤﺎري ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻵن ﻧﺤﻮ اﻻﺷﱰاﻛﻴﺔ .أﻣﺎ اﻷﺳﺒﺎب ﻓﻬﻲ املﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ واﻷﺳﻮاق اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ. ﱡ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺬي ﻋ ﱠﻢ ﺟﻤﻴﻊ وأﻣﺎ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻨﻘﻮد ﻓﻘﺪ رأﻳﻨﺎ ﻃﻼﺋﻌَ ﻬﺎ اﻵن ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺤﺎر ً ﺑﺔ وﻣﺤﺎ ِﻳﺪ ًة ،ﻓﺎملﺤﺎرﺑﺔ ﺗُﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد واﻟﻘﺮوض ،ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ﰲ ﻛﻞ اﻟﺒﻼد، ِ اﻟﺤﺮوب؛ ﻟﺘﻨﻔﻖ ﻋﲆ اﻟﻘﺘﺎل ،وأﻣﺎ املﺤﺎﻳﺪة — إن وﺟﺪت ﻣﺤﺎﻳﺪة — ﻓﻘﺪ ﺗَﻀﺨﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﻘ ُﺪ ً أﻳﻀﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﺤﺮب ﻗﺪ ﺗُﺰج ﻓﻴﻬﺎ ،أو ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎملﺤﺎرﺑني ،ﻣﺘﺄﺛﺮ ٌة ﺑﻈﺮف ﻣﻦ ﻇﺮوﻓﻬﻢ. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻣﺒﺘ َﻜﺮات ﻫﺬه اﻟﺤﺮب اﻻدﺧﺎ ُر اﻹﺟﺒﺎريﱡ وﻗﺎﻧﻮن اﻹﻋﺎرة واﻟﺘﺄﺟري ﻋﻨﺪ اﻷﻣﻢ املﺘﺤﺪة ،وﺗﻄﺒﻴﻖ أملﺎﻧﻴﺎ »اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺠﺪﻳﺪ« ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني اﻟﺪول املﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻣﻌﻬﺎ أو اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻀﻊ ﻻﺣﺘﻼﻟﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺳﻬﱠ ﻞ اﻹﻧﻔﺎق ﻋﲆ دول اﻷﻣﻢ املﺘﺤﺪة ذﻟ َﻚ اﻟﻨﻈﺎ َم اﻟﻔﺬ اﻟﺬي اﺗﺒﻌﺘْﻪ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة َ وﺳﻤﱠ ﺘْﻪ ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻋﺎرة واﻟﺘﺄﺟري املﺘﺒﺎدل ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني اﻟﺪول املﻌﺎدﻳﺔ ﻷملﺎﻧﻴﺎ، 37
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻓﺘُﻘﺪﱢم ﻛﻞ دوﻟﺔ ﻣﻦ املﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ واﻷﺳﻠﺤﺔ واﻷﻏﺬﻳﺔ واﻟﻨﻘﻮد ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻟﻠﺴري ﺑﺎﻟﺤﺮب إﱃ اﻟﻨﴫ ،ذﻟﻚ ﺣﺴﺎب ﺟﺎر ﻫﺎﺋﻞ اﻷرﻗﺎم ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻪ ﺑﻌﺪ. أﻣﺎ أملﺎﻧﻴﺎ ﻓﻘﺪ ﺳﻌﱠ ﺮت املﺎرك ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﻤﻼت اﻟﺒﻼد املﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻣﻌﻬﺎ أو املﺤﺘﻠﺔ ﺑﻬﺎ … ً دﻗﻴﻘﺎ وﺟﻌﻠﺖ املﺎرك أﺳﺎس املﻌﺎﻣﻼت وﻧﻈﻤﺖ اﻹﻧﺘﺎج واﻻﺳﺘﻬﻼك ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺗﻨﻈﻴﻤً ﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﺪول ،أو ﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﺪول وﺑﻌﻀﻬﺎ ،وﺑﺬﻟﻚ أﺻﺒﺤﺖ ﺑﺮﻟني ﻏﺮﻓﺔ املﻘﺎﺻﺔ ﺑني ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،واملﺎرك ﻋﻤﻠﺘﻬﺎ اﻟﺪوﻟﻴﺔ. وﻧﻌﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﺠﻴﻮش املﺤﺘﻠﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﻨﻔﻖ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻠﻬﺎ ،ﻓﺘﻀﺨﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﻘﻮد وﺗﺴﺒﺐ ﻟﻬﺎ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎء املﺆﻗﺖ ،وأملﺎﻧﻴﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻴﻪ ﻧﻔﻘﺎت اﻻﺣﺘﻼل ،ﻓﻴﻐﺪﻗﻪ ﺟﻨﻮدﻫﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،وﺗﺸﱰي ً أﻳﻀﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ،وﺗﺴﺘﺨﺪم ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻟﻬﺎ وﺗﺪﻓﻊ ﻟﻬﻢ ﺑﻨﻘﻮدﻫﻢ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻣﺤﺴﻮﺑﺔ ﻋﲆ ﺳﻌﺮ ﴏف املﺎرك ،وإذا اﺷﱰوا ﻣﻨﻬﺎ دﻓﻌﻮا ﻟﻬﺎ ﺑﺎملﺎرك ﻣﺤﺴﻮﺑًﺎ ﻋﲆ ﺳﻌﺮ اﻟﴫف اﻟﺬي ﻗ ﱠﺪ َرﺗْﻪ ﻟﻌﻤﻼﺗﻬﻢ .وﺑﺪﻳﻬﻲ أن أملﺎﻧﻴﺎ ﺗﺸﱰي وﺗﺴﺘﺨﺪم ﻣﻦ ﻋﻤﺎل ﻫﺬه اﻟﺸﻌﻮب أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺸﱰﻳﻪ ﻫﺬه اﻟﺸﻌﻮب ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻴﻜﻮن اﻟﺒﺎﻗﻲ دﻳﻮﻧًﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﺸﻌﻮب ﰲ ذِ ﻣﱠ ﺔ أملﺎﻧﻴﺎ ﺗﺘﻢ ﺗﺼﻔﻴﺘﻬﺎ ﻧﻬﺎﺋﻴٍّﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب. اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﻨﻘﺪي ﰲ ﻣﴫ أﻣﺎ ﰲ ﻣﴫ ﻓﻘﺪ أَﺧﺬت اﻟﻨﻘﻮد املﺘﺪاوﻟﺔ ﺗﺰﻳ ُﺪ زﻳﺎد ًة ﻣُﻄﺮدة أﺛﻨﺎء ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ،ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ اﻵن ١١٢ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ،ﻣﻨﻬﺎ ١٠٥ﻣﻠﻴﻮن ﺑﻨﻜﻨﻮت ﺻﺎدر ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻚ اﻷﻫﲇ ،واﻟﺒﺎﻗﻲ ﻧﻘﻮد ﻣﻌﺎوﻧﺔ ورﻗﻴﺔ وﻣﻌﺪﻧﻴﺔ ﺻﺎدرة ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ املﴫﻳﺔ .وﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻜﺜﺮة املﺘﺰاﻳﺪة ﰲ ﺷﻬﺮ ﻋﻦ آﺧﺮ ﻻ ﻋﻬﺪ ملﴫ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩١٩ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻞ ﺳﻌﺮ ﻗﻨﻄﺎر اﻟﻘﻄﻦ إﱃ أﻛﺜ َﺮ ﻣﻦ أرﺑﻌني ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن املﺘﺪاول ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻜﻨﻮت ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ٦٨ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﻓﻘﻂ، وﻗﺪ زاد ً أﻳﻀﺎ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺸﻴﻜﺎت ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﺎ ﺣﺼﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻘﺎﺻﺔ اﻟﺴﻨﺔ املﺎﺿﻴﺔ ٧٥٦٠٠٠ﺷﻴﻚ ،ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ٢٦٦٠٠٠٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ ،ﻣﻘﺎﺑﻞ ٦٩٠٠٠٠ﺷﻴﻚ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٣٩ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻓﻘﻂ ١١٩٠٠٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ. أﻣﺎ اﻟﻮداﺋﻊ ﰲ اﻟﺒﻨﻮك ﻓﻘﺪ زادت زﻳﺎد ًة ﺟﺴﻴﻤﺔ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ،وﻳﻜﻔﻲ أن ﻧﻌﺮف أن وداﺋﻊ اﻷﻓﺮاد ﰲ اﻟﺒﻨﻚ اﻷﻫﲇ وﺣﺪه ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺳﻨﺔ ١٩٣٩ﻣﻘﺪارﻫﺎ ٧١٣٢٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ ،ﻗﻔﺰت ﰲ اﻟﺴﻨﺔ املﺎﺿﻴﺔ إﱃ ٥٢٠٠٠٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻮداﺋﻊ اﻷﻣريﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻨﻚ ﺳﻨﺔ ١٩٣٩ﻣﻘﺪارﻫﺎ ٣٣٠٣٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ ﺻﺎرت ﰲ اﻟﺴﻨﺔ املﺎﺿﻴﺔ 38
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
٦٠٠٠٠٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ .ﻻ ﻧﺰاع إذن ﰲ ﻛﺜﺮة املﺎل ﺑﻤﴫ وأن ﻛﺜﺮﺗﻪ ﺗَ ﱠ ﻄﺮد ،ﺳﻮاء ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺘﺪاول أو املﻮدع ﰲ اﻟﺒﻨﻮك وﻋﻨﺪ اﻷﻓﺮاد واﻟﴩﻛﺎت. أﻣﻮال ُﻛﻨﱠﺎ ﻧﺪﻓﻌﻬﺎ ﻟﻠﺨﺎرج ﻓﻴﻤﺎ وﻳﻌﺰى اﻟﺴﺒﺐ ﰲ زﻳﺎدة اﻷﻣﻮال ﺑﻤﴫ إﱃ اﺣﺘﺒﺎس ٍ ﻧﺴﺘﻮرده ﻣﻦ ﺑﻀﺎﻋﺔ ،وإﱃ ﻣﺎ ﺗﻨﻔﻘﻪ اﻟﺠﻴﻮش اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،وإﱃ ﺗﻘﺪم ﻣﴫ اﻟﺤﺎﴐ ،وﺣﺎﺟﺎﺗﻬﺎ املﺘﺰاﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰﻣﻬﺎ ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ املﺮﺟﻮة. وﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻣﻦ املﺘﻌني ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺠﻴﺐ ﻋﲆ ﺳﺆال ﻣﺎ زال ﻳﱰدد ﻋﲆ اﻷﻟﺴﻨﺔ ،وﻫﻮ: ﻫﻞ ﰲ ﻣﴫ ﺗﻀﺨﻢ؟ وﻗﺪ اﻗﱰن وﺿﻊ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻐﻼء اﻟﺬي ﻳﺸﻜﻮ ﻣﻨﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ؛ ﻓﺎﻷرﻗﺎم ﺗﺪﻟﻨﺎ ﻋﲆ أن ﻧﻔﻘﺎت املﻌﻴﺸﺔ ﺑﻤﴫ ﻗﺪ زادت ﻋﻦ ﻣﺜﻴﻼﺗﻬﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻼد ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ْ ﺑﻠﻐﺖ ﰲ ﻓﱪاﻳﺮ املﺎﴈ ،٢٦٤ﺑﺰﻳﺎدة ١٦٤ﻋﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮب، ﻧﺮاﻫﺎ ﰲ ﻣﴫ ﻧﺮاﻫﺎ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ١٩٩ﺑﺰﻳﺎدة ٩٩ﻋﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ﰲ ﺳﻨﺔ ،١٩٣٩ﺑﻞ ﻟﻢ ﺗﺰد ﻋﻦ أرﻗﺎم ﺳﻨﺔ ١٩١٤إﻻ ٦٨ﻓﻘﻂ. وﻫﻨﺎك ﻇﺎﻫﺮة أﺧﺮى؛ وﻫﻲ أن اﻷﺳﻌﺎر وﻧﻔﻘﺎت املﻌﻴﺸﺔ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺷﻬﻮ ًرا ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻻرﺗﻔﺎع ﰲ ﻣﴫ ﻣُﻄﺮد ،وﺑﻴﻨﻤﺎ إﻧﺠﻠﱰا واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﻫﻤﺎ ﰲ ﺣﺮب ،ﻟﻢ ﺗﺰد ﻧﻘﻮدﻫﻤﺎ وأﺳﻌﺎر اﻟﺴﻠﻊ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﺎ زادﺗﻪ ﻧﻘﻮد ﻣﴫ وأﺳﻌﺎر اﻟﺴﻠﻊ وﻧﻔﻘﺎت املﻌﻴﺸﺔ ﻓﻴﻬﺎ. وإﻧﻲ — ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ — ﻟﺴﺖ أؤﻣﻦ ﺑﺎﻷرﻗﺎم املﺴﺘﻤَ ﺪة ﻣﻦ اﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺎت ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻌﺎدي؛ ﻓﻬﺬه اﻷرﻗﺎم ﺑﺎﻋﱰاف اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني أرﻗﺎ ٌم ﻏري ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺣﺬروﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺒﻬﻢ، وﻗﺎﻟﻮا :إﻧﻬﺎ ﻣﻔﺘﻌﻠﺔ وإن ﻛﺎﻧﺖ أﻗﺮب اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ملﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﻨﺪ املﻘﺎرﻧﺎت؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻞ أن ﻧﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ أوﻗﺎت اﻟﺤﺮب ،وﻫﻲ أوﻗﺎت ﻏري ﻋﺎدﻳﺔ ﺗﺆﺧﺬ اﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺎت ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﻌﺎر اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻠﻊ ،واﻟﺘﺴﻌرية ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ً ﻣﻘﻴﺎﺳﺎ ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ؛ — ﻛﻤﺎ ﻻﺣﻈﺖ ﻟﺠﻨﺔ املﺎﻟﻴﺔ ﺑﻤﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب — ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ ﻋﻮاﻣ ُﻞ اﻟﺴﻮق اﻟﺴﻮداء. أﻣﺎ اﻟﺴﺆال ﻋﻦ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﻓﻘﺪ ﻃﺮﺣﻪ اﻟﻨﺎﺋﺐ املﺤﱰم اﻷﺳﺘﺎذ ﻧﺼري ﻋﲆ وزﻳﺮ املﺎﻟﻴﺔ ﰲ ﺟﻠﺴﺔ ١٣ﻣﺎرس ،ﻓﺄﺟﺎب ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﻧﻪ» :ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻣﴫ ﺗﻀﺨﻢ ﺑﺎملﻌﻨﻰ املﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ، وإﻧﻤﺎ ﻫﻨﺎك أﻣﻮا ٌل ﻣﺘﻮاﻓﺮة ﰲ اﻟﺒﻼد ﺳﻮاء املﺘﺪاول ﻣﻨﻬﺎ أو املﻜﺪس ﰲ اﻟﺒﻨﻮك وﺻﻨﺎدﻳﻖ ٌ ﻋﺮض ﻣﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ ﻟﺴﺒﺐ ﺗﻌﺬر وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ اﻟﺘﻮﻓري ،ووﻓﺮة اﻷﻣﻮال ﻻ ﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ اﻟﺒﺤﺮي ،وﺿﺂﻟﺔ املﺴﺘﻮ َرد ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،ﻓﱰﺗﺐ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﻐﻼء ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل«. 39
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
وﺑﻬﺬا ً أﻳﻀﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﺠﻨﺔ املﺎﻟﻴﺔ ﺑﻤﺠﻠﺲ اﻟﺸﻴﻮخ ﰲ ﺗﻘﺮﻳﺮﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ملﴩوع ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ ،١٩٤٥-١٩٤٤وﻟﻜﻦ ﻟﺒﻌﺾ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني رأيٌ ﻣﻌﺎرض ﻳﻘﻮل ﺑﺄن ﻣﺎ ﰲ ً ﺗﻄﺒﻴﻘﺎ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ أن أﴍﻧﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﰲ ﻣﺴﺘﻬ ﱢﻞ ﻣﴫ ﻫﻮ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ .وﻫﻢ ﻳﺮون أن اﻟﻨﻘﺺ ﰲ اﻟﺴﻠﻊ ﻣﺘﻰ ﺻﺎﺣَ ﺒَﻪ زﻳﺎدة ﰲ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮد ﻓﻬﻨﺎك اﻟﺘﻀﺨﻢ ،وﻳﺴﺘﻨﺪ أﺻﺤﺎب ﻫﺬا اﻟﺮأي ﻋﲆ ﻣﻘﺎل ﻧﴩﺗﻪ ﻣﺠﻠﺔ اﻹﻳﻜﻮﻧﻮﻣﺴﺖ ﺑﺘﺎرﻳﺦ ١٥ ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺟﺎء ﻓﻴﻪ أن ﻣﺎ ﺗﻨﻔﻘﻪ اﻟﺠﻴﻮش اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺑﻤﴫ ﻗﺪ ﺳﺒﺐ ﻟﻬﺎ ﺗﻀﺨﻤً ﺎ .وأﺻﺤﺎب ﻫﺬا ٍ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺒﻨﻚ دﻳﻮن ملﴫ ﻋﲆ إﻧﺠﻠﱰا، اﻟﺮأي ﻳﺘﻮﻗﻌﻮن ﻗﻴﺎم ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺑﺴﺒﺐ ٍ اﻷﻫﲇ اﻟﺴﻨﺪات اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﻏﻄﺎء ﻣﺎ ﻳﺼﺪره ﻣﻦ ﺑﻨﻜﻨﻮت. ﱡ اﻟﺘﻮﺳﻂ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺮأﻳني ،ذﻟﻚ رأي اﻟﻠﺠﻨﺔ املﺎﻟﻴﺔ ﺑﻤﺠﻠﺲ وﻫﻨﺎك رأيٌ ﺛﺎﻟﺚ ﻇﺎﻫﺮه اﻟﻨﻮاب ﰲ ﺗﻘﺮﻳﺮﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻤﻴﺰاﻧﻴﺔ ،وﺗﻠﻚ اﻟﻠﺠﻨﺔ ﺗﺮى أن ﺑﻤﴫ ﺗﻀﺨﻤً ﺎ ﻏري ﺿﺎر؛ »ﻷن اﻟﻠﺠﻨﺔ ﺗﺮى أن ﻛﺜﺮة اﻟﻨﻘﺪ املﺘﺪاوَل ﰲ ﻣﴫ إﻧﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﲆ أﺳﺎس ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻮال املﺤﺒﻮﺳﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﻫﻲ دﻳﻮن ملﴫ ﰲ اﻟﺨﺎرج ،ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر زﻳﺎدة اﻟﻨﻘﺪ ً ﺧﺼﻮﺻﺎ وأن اﻟﻌﻤﻠﺔ املﴫﻳﺔ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﻀﻤﻮﻧﺔ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺤﺎﱄ ﺗﻀﺨﻤً ﺎ ﺿﺎ ٍّرا، وﺑﺴﻨﺪات ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺘني املﴫﻳﺔ واﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ«. وﻫﺬه اﻟﻠﺠﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﺬﻛﺮ أن ﻏﻄﺎء اﻟﺬﻫﺐ ﻫﻮ ﻓﻘﻂ ٦٢٤١٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ ،وأن اﻟﺴﻨﺪات املﴫﻳﺔ ﻫﻲ ١٥٠٠٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ ،وأن اﻟﺒﺎﻗﻲ وﻣﻘﺪاره ٩٥٠٠٠٠٠٠ﺟﻨﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺪات اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻛﺎدت اﻟﻠﺠﻨﺔ أن ﺗﻘﻄﻊ ﺑﺄن اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ واﻟﺴﻨﺪات اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻟﻦ ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻠﺠﻨﺔ أن ﺗﺒﺪي رأﻳًﺎ ﻛﻬﺬا ﻋﻜﺴﻪ ﻫﻮ ﻳﺼﻴﺒﻬﻤﺎ ﺗﺨﻔﻴﺾ اﻟﺼﺤﻴﺢ اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻋﺎد ًة ﻋﻘﺐ اﻟﺤﺮوب. واﻟﺬي أراه ﻫﻮ أن ﻣﺎ ﰲ ﻣﴫ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﻀﺨﻢ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ ،وأذﻫﺐ إﱃ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﺄﻗﻮل :إن اﻵراء اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﺗﻬﺎ ﺑﺮﻏﻢ ﺗﻌﺎرﺿﻬﺎ ﻗﺪ أﺟﻤﻌﺖ ﻋﲆ وﺟﻮد اﻟﺘﻀﺨﻢ ،وﺻ ﱠﻮ َرﺗْﻪ ﰲ ﻧﻮاﺣﻴﻪ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،واﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺎدث اﻵن ﰲ ﻣﴫ ﻫﻮ اﻟﺘﻀﺨﻢ املﻌﺮوف ﺑﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺮب ،War Inflationوﻻ ﻳﺸﱰط ﻓﻴﻪ أن ﻳﻜﻮن ﰲ ﺑﻠﺪ ﻣﺤﺎرب ،أو أن ﻳﻜﻮن ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻓﺴﺎد ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ ﻏري ﻣﺘﻮازﻧﺔ Unbalanced Budgetﺑﺴﺒﺐ اﻹﻧﻔﺎق ﻋﲆ اﻟﺤﺮب ،وﻗﺪ ﻣﺮرﻧﺎ وﻣﺮت ﺑﻤﺜﻠﻪ اﻟﺪول ﺣﺘﻰ املﺤﺎﻳﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ.
40
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺎﱄ ﺑﻤﴫ ﻟﻪ ﻇﺎﻫﺮة ﺟﺪﻳﺪة ﱡ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﰲ ﻣﴫ ﻗﺪ ﻓﺎﺗﻬﻢ أن ﻳﺬﻛﺮوا أن اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺎﱄ ﻟﻪ ﻋﻨﺪﻧﺎ إن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن ﻋﻦ ﻃﺎﺑ ٌﻊ ﺧﺎص؛ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳَﻌُ ﱠﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﻃﺒﻘﺎت اﻷﻣﺔ ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ ،ﻓﻬﻨﺎك ﻗﻮم ﻗﺪ ﻧﻌﻤﻮا ﺑﺎﻟﺘﻀﺨﻢ وﺟﻤﻌﻮا ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﺠﻤﻌﻮه ﻣﻦ ﻣﺎل ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻔﻼﺣﻮن — وﻫﻢ أﺣﻖ اﻟﻨﺎس ﺑﺄن ﻳﻨﻌﻤﻮا ﺑﺎﻟﺘﻀﺨﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﻢ ﻣﻨﺘﺠني — ﻗﺪ أﺻﺎﺑﻬﻢ ﻧﺬﻳ ٌﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻠﺺ؛ ﻷﻧﻬﻢ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻗِ ﱠﻠﺘِﻬﺎ؛ ﻟﻨﺪرة اﻟﺴﻤﺎد ﻳﺸﱰون ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﻢ ﻏﺎﻟﻴًﺎ وﻳﺒﻴﻌﻮن ﻣﺤﺎﺻﻴ َﻠﻬﻢ رﺧﻴﺼﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،ﻓﺎﻟﻔﻼح ﻟﻢ ﻳﻜﺴﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب اﻟﺤﺎﴐة ﻛﻤﺎ ﻛﺴﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ ،ﻓﻤﺎذا ﻳﻜﻮن ﻣﻮﻗﻔﻪ إذا ﺣﺪث رد ﻓﻌﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ وﺗﻮاﻟﺖ اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ داﺋﻤً ﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﻀﺨﻢ اﻟﺤﺮوب. ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻐﻼء واﻟﺘﻀﺨﻢ ﺑﺎﻟﻄﺮق اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ أﺗﺖ ﺣﻜﻮﻣﺘُﻨﺎ ﻋﺪة أﻋﻤﺎل ﻟﺘﺤﺎرب ﺑﻬﺎ اﻟﻐﻼء وﺗﺆﺛﺮ ﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮد؛ ﻓﻘﺪ ﺳﻌﱠ ﺮت ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻠﻊ وﺣﺪدت ﻛﻤﻴﺔ املﺴﺘﻬﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،وﻫﺬا أﻣ ٌﺮ واﺟﺐ ،وﻟﻜﻦ ﻧﻔﺎذ اﻟﺘﺴﻌرية اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﺿ ِﺒ ُ ﻻ ﺑﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺤﺰم واﻟﺸﺪة .وﻗﺪ ﻋﺎﻗﺒﺖ املﺤﺎﻛﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻤﻦ ُ ﻄﻮا ﻋﺎﺑﺜني ﺑﻤﺎ ﺻﺪر ﻣﻦ أواﻣﺮ ،وﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﻔﻲ؛ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎوﻧﺔ اﻷﻫﻠني ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺎﻣﺘﻨﺎﻋﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﴩاء ﻣﻤﻦ ﻳﺮﻓﻊ اﻷﺳﻌﺎر ،وﻻ ﺑﺪ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻦ أن ﻳﻘﻮم اﻟﺠﻤﻴ ُﻊ ﺑﺎﻟﻮاﺟﺐ املﻔﺮوض ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف. َ وﻗﺪ ﻓﺮﺿﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أرﺑﺎح ﻏري ﴐﻳﺒﺔ اﻷرﺑﺎح اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ؛ ﻟﺘﻤﺘﺺ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ زاد ﻣﻦ ٍ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺮب ،وﻛﻨﺎ ﻧﻤﻴﻞ إﱃ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻫﺬه اﻟﴬﻳﺒﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳ َ ٌ ﺻﻨﺎﻋﺎت ﻻ ُﻌﻔﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻬﺪ ملﴫ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ،أو ﺗﻜﻮن اﻟﺒﻼد ﻣﺤﺘﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ .وﻗﺪ أﺷري ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﻤﺎ ﺟﺎء ذﻛﺮﻫﺎ ﰲ اﻟﻜﺘﺐ واﺗﱡ ِﺒﻌﺖ ﰲ ﺑﻼد أﺧﺮى ﻹﻳﻘﺎف ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ إﻳﻘﺎﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﺰﻳﺎدات ا ُملﻄﺮدة ﰲ اﻟﻨﻘﻮد ﻣﺜﻞ :اﻻﻗﱰاض ،وﺑﻴﻊ اﻟﺬﻫﺐ. أﻣﺎ ﻋﻦ اﻻﻗﱰاض ﻓﻘﺪ ﺣﻮﻟﺖ ﺣﻜﻮﻣﺘﻨﺎ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ إﱃ دﻳﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ رأﻳﻨﺎ أن ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻔﺪ اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﰲ اﻣﺘﺼﺎص اﻟﺰاﺋﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد أو ﻋﲆ اﻷﻗﻞ إﻳﻘﺎﻓﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳُﻔﻴﺪ ﰲ اﻻﻣﺘﺼﺎص أي ﻗﺮض ﻳﻌﻘﺪ؛ إذ ﻻ ﻓﺎرق ﺑني ﻧﻘﻮد ﻋﻨﺪ زﻳﺪ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻣﻨﻪ ﻋﻤﺮو ،وﻻ ﻓﺎرق ﺑني ﻧﻘﻮد ﻣﻮدﻋﺔ ﰲ ﺧﺰاﺋﻦ اﻟﺒﻨﻮك ﻟﺤﺴﺎب اﻷﻓﺮاد وﺑني ﻧﻘﻮد ﻣﻮدﻋﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺤﺴﺎب اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،إﻧﻬﺎ ﻧﻘﻮد ﻣﻮﺟﻮدة »ورأس ﻣﺎل ﺗﺤﺖ اﻟﻄﻠﺐ« ،واﻟﻨﻘﻮد 41
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
املﺘﻜﺪﺳﺔ ﰲ اﻧﺘﻈﺎر اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺤﺮة ﻫﻲ اﻟﺘﻀﺨﻢ ﺑﺬاﺗﻪ ،ﻓﻼ ﻳﻔﻴﺪ ﻫﺬا اﻟﻌﻼج إﻻ إذا ﻧُﻔِ ﺬﱠت ﺑﻬﺎ ﻣﴩوﻋﺎت ﻓﻮ ًرا ،أو ُ اﺷﱰﻳﺖ ﺑﻪ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ﻣﻤﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ اﻟﺒﻼد. وﻣﻤﺎ ﻓﻜﺮت ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أن ﺗﺒﻴﻊ ﻣﺴﺎﺣﺎت واﺳﻌﺔ ﻣﻦ أراﺿﻴﻬﺎ أو أراﴈ اﻷوﻗﺎف، وﻫﺬا ً أﻳﻀﺎ ﻻ ﻳﻔﻴﺪ ﰲ ﻣﻨﻊ اﻟﺘﻀﺨﻢ وﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻷن اﻟﻨﻘﻮد ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺣﺴﺎب اﻷﻓﺮاد ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ إﱃ ﺣﺴﺎب اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ اﻟﺒﻨﻮك ﻓﻼ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻮى ﺗﻐﻴري اﺳﻢ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ، ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺘﻮﺳﻊ ﰲ ﺑﻴﻊ اﻷراﴈ اﻟﺰراﻋﻴﺔ وأراﴈ اﻟﺒﻨﺎء ﻋﻤ ٌﻞ ﻟﻪ أﺧﻄﺎره إذا ﻟﻢ ﻳﺪرس اﻟﺪرس اﻟﻜﺎﰲ ،وﻟﺴﻨﺎ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ ﺗﺬﻛري ﻣﻦ ﻳﻬﻤﻬﻢ اﻷﻣﺮ أن ﺗﻮﺳﻊ املﺪن وإﻧﺸﺎء اﻟﻀﻮاﺣﻲ وﺑﻴﻊ اﻷراﴈ ﻣﻘﺴﻄﺔ ﻋﲆ آﺟﺎل ﻗﺪ ﺗُﺴﺘﺤﻖ ﰲ أوﻗﺎت ﺷﺪاد ﻗﺪ ﺟﺮﺑﻨﺎه ﰲ ﺳﻨﻮات ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻨﻪ اﻷزﻣﺎت. أﻣﺎ ﺑﻴﻊ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﻣﴫ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ً ﻋﻤﻼ ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ وﺳﻴﻠﺔ ﻻﻣﺘﺼﺎص اﻟﺰاﺋﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ،ﻓﻘﺪ ﻋُ ﺮﺿﺖ ﺳﺒﺎﺋﻚ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ اﻟﺒﻨﻮك ﺑﺴﻌﺮ ﻳﻮازي ﺳﻌﺮ درﻫﻢ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ اﻟﺼﺎﻏﺔ، واﻟﺬﻳﻦ أﺷﺎروا ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻄﺎت ﺑﻬﺬا اﻟﺴﻌﺮ ﺑﻌﻘﻴﺪة ﻏري ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺗﺘﻬﻢ اﻟﴩﻗﻴني ﺑﺤﻴﺎزة اﻟﺬﻫﺐ ،ﻓﺎﻟﻐﺮﺑﻴﻮن ﻳﻌﺘﻘﺪون أن اﻟﻬﻨﺪي ﻳﻜﺘﻨﺰ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ اﻷﻗﺒﻴﺔ ،وأن املﴫي ﻳﺨﻔﻴﻪ ﺗﺤﺖ اﻟﺒﻼﻃﺔ أو ﰲ ﻣﺼﻮﻏﺎت زوﺟﺘﻪ وﺑﻨﺎﺗﻪ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﺟﻌﻠﻮا ﺳﻌﺮ اﻷوﻗﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ اﻟﻬﻨﺪ ٢٨٤ ﺷﻠﻨًﺎ » ً ١٣٨٤ ٢١ ﻗﺮﺷﺎ« ،وﰲ ﻣﴫ ﺑﻤﺎ ﻳﻮازي » «٢٠٦٠٤ﺳﻌ ًﺮا ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻷوﻗﻴﺔ ﻻ ﺗﺒﺎع ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ ﰲ ﻟﻮﻧﺪرة ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻘﻂ ﻣﺴﻌﺮة رﺳﻤﻴٍّﺎ ﺑﻤﺒﻠﻎ ١٦٨ﺷﻠﻨًﺎ »ً ٨١٩ ﻗﺮﺷﺎ« ﰲ ﺑﻨﺴﺎ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ً ١٨ ﺑﻨﻚ إﻧﺠﻠﱰا ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ أن ﺻﺎرت اﻟﺮوﺑﻴﺔ ﺗﺴﺎوي ً ١٠ ١٢ ﺑﻨﺴﺎ وﻫﻮ ﺳﻌﺮه اﻟﺮﺳﻤﻲ ،وﻃﺮﻳﻘﺔ ﺑﻴﻊ اﻟﺬﻫﺐ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻣﻘﺼﻮ ٌد ﺑﻬﺎ اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻋﻦ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ املﺪﻳﻦ. ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي ﻋﻦ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ أو ﺗﻐﻴري ﺳﻌﺮ ﴏﻓﻬﻤﺎ ﺧﻴﻞ ﻟﺒﻌﺾ املﺸﺘﻐﻠني ﰲ ﺑﻮرﺻﺎت اﻷوراق املﺎﻟﻴﺔ — ﻋﲆ إﺛﺮ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺪﻳﻦ املﴫي اﻟﻘﺪﻳﻢ إﱃ دﻳﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺪﻓﻊ ﰲ ﻣﴫ ﺑﺎﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي — أن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي واﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ﻗﺪ ﺣُ ﻞ ﻣﻨﻬﺎ رﺑﺎط ﻗﻮي؛ ﻷن اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎن ﻣﴩو ً ﻃﺎ ﻓﻴﻪ دﻓﻊ ﻓﻮاﺋﺪه ﺑﺎﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ،وﺗﻮﻗﻊ ﻗﻮم أن ﻇﺮوف اﻟﻌﻤﻠﺘني ﻗﺪ ﺗﻘﴤ ﺑﻌﻤﻞ ﻳﻐري ﺳﻌﺮ اﻟﴫف اﻟﺤﺎﱄ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺘﺎن — ﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ أو إﺣﺪاﻫﻤﺎ — ﻗﺪ ﺗﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ ذوي اﻟﺮأي ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺳﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني أﺧريًا ﻛﻌﻼج ﻟﻠﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺎدث ﰲ ﻣﴫ ،وﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ً أﻳﻀﺎ ﻟﺪﻳﻦ ﻣﴫ 42
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﻋﲆ إﻧﺠﻠﱰا اﻟﺬي ﻻ ﻳﻘﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮه اﻵن ﻋﻦ ٣٥٠ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻜﻪ اﻷﻓﺮاد واﻟﺒﻨﻮك ﻣﻦ ﺳﻨﺪاﺗﻬﺎ. واﻟﺬي ﻧﺮاه ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ﻫﻮ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﴫ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق — ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ — أن ﺗﻔﺼﻞ اﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي ﻋﻦ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ أو أن ﺗﻐري ﺳﻌﺮ اﻟﴫف اﻟﺤﺎﱄ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،رﺑﻤﺎ ﻳﺮى اﻟﺒﻌﺾ أﻧﻪ ﻻ ﺧﻮف ﻋﲆ ﻣﴫ وﻫﻲ داﺋﻨﺔ ﻹﻧﺠﻠﱰا ،أو أن ﰲ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﴫ أﻻ ﺗﺮﺑﻂ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻌﻤﻠﺔ إﻧﺠﻠﱰا اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺤﺮب ﻣﺪﻳﻨﺔ ،وأﻧﻪ ﻣﻦ املﺼﻠﺤﺔ — واﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬه — أن ﻧﺠﻌﻞ اﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي ﻳﺸﻖ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ إﱃ اﻟﺴﻌﺮ اﻟﻮاﺟﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ .ﻧﻘﻮل :إن ﻫﺬا ﻛﻼم ﻧﻈﺮي ﻣﺤﺾ ﻳﻨﻔﻴﻪ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻓﺎﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي وﻫﻮ ﻣﺘﺼﻞ ﺑﺎﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ وﰲ ﻧﻄﺎﻗﻪ ،واﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ﻣﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺪوﻻر ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻧﻘﺪ ﻋﺎملﻲ ﻟﻪ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮن ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻟﻜﱪى ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ أن ﻳﺴﺘﻘﻞ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﰲ اﻟﻈﺮوف اﻟﺤﺎﴐة، ﻣﴫ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺑﻨﻚ ﻣﺮﻛﺰي؛ ﻷن اﻟﺒﻨﻚ اﻷﻫﲇ املﴫي ﺑﻨﻚ وإن ﺗﻤﺘﻊ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﺰاﻳﺎ اﻟﺒﻨﻮك املﺮﻛﺰﻳﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻀﻄﻠﻊ ﺑﻮاﺟﺒﺎﺗﻬﺎ — ﻣﻊ اﻷﺳﻒ — وﻫﺬا ﻣﺎ ﻟﻔﺘﻨﺎ إﻟﻴﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ. ً وﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه ﻫﻲ املﺮة اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﻮﺛﺎ ﰲ ﺻﺪد ﻓﺼﻞ اﻟﻌﻤﻠﺘني؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺮض ﻟﻬﺬا اﻟﺒﺤﺚ املﺮﺣﻮم ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب ،واﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﺆاد ﺑﻚ ﺳﻠﻄﺎن ﺳﻨﺔ ١٩٣٢ﻋﲆ إﺛﺮ ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺗﻘﻠﺺ اﻟﻨﻘﺪ املﴫي ﺑﻌﺪ أن رﺟﻌﺖ إﻧﺠﻠﱰا ﻟﻠﺬﻫﺐ ﻓﺄﺻﺎﺑﻬﺎ وأﺻﺎﺑﻨﺎ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﴬر ،ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻨﱠﺎه ﰲ ﺻﻔﺤﺔ .٣٠وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ رأي ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ وﻓﺆاد ﺑﻚ ﻟﻌﻼج ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﺔ أن ﻳﻔﺼﻞ اﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي ﻋﻦ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ وأن ﻳﺜﺒﺖ ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ ﺑﻌﺪ ً ْ اﺳﺘﻘﺪﻣﺖ ﺣﻜﻮﻣﺘﻨﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ﺧﺒريًا ﻋﺎملﻴٍّﺎ ﰲ اﻟﻨﻘﻮد وأﻳﻀﺎ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﻗﻴﻤﺘﻪ إﱃ ،٪٧٥ ﻣﺴﻴﻮ ﻓﺎن زﻳﻠﻨﺪ ﻓﻜﺎن ً أﻳﻀﺎ ﻣﻦ رأﻳﻪ اﻟﻔﺼﻞ ﻣﻊ ﺗﺜﺒﻴﺖ اﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ ﰲ ﺣﺪود ٪٦٠ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﺑﻤﻮاﻓﻘﺔ إﻧﺠﻠﱰا ،وأن ﻧﺄﺧﺬ ﺑﻘﺎﻋﺪة اﻟﴫف ﺑﺎﻟﺴﺒﺎﺋﻚ ،وﻟﻜﻦ ﺧﺒريًا آﺧﺮ ﻫﻮ اﻟﺴري اﺗﻮﻧﻤﱪ وﻫﻮ ﻣﻦ أﻋﻀﺎء ﻣﺠﻠﺲ إدارة ﺑﻨﻚ إﻧﺠﻠﱰا ﻛﺎن ﻣﻦ رأﻳﻪ اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﻟﻨﺪرة اﻟﺬي ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﰲ ﺻﻔﺤﺔ ٣٣و ،٣٤وﻗﺪ أﺧﺬت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺮأﻳﻪ واﻧﺘﻈﺮت ﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ املﺆﺗﻤﺮ وﻟﻜﻨﻪ ﻓﺸﻞ — ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ — ﻟﺘﻌﺼﺐ ﻛﻞ دوﻟﺔ ملﺼﻠﺤﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ. وﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻵن اﻷﺧﺬ ﺑﺮأي ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ،واملﺴﻴﻮ ﻓﺎن زﻳﻠﻨﺪ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻫﻲ ﻋﻜﺲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻻ ﺑﺎﻟﻔﺼﻞ ﰲ وﻗﺖ ﺗﻘ ﱡﻠﺺ وأزﻣﺎت ،وﻧﺤﻦ اﻵن ﰲ وﻗﺖ ﺗﻀﺨﻢ وﻛﺜﺮة ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻮن إﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻌﺎدي أﻛﱪ ﻋﻤﻴﻞ ﻟﻨﺎ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻫﻲ ﻧﻘﻮد، 43
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
ﺑﻨﻮع ﺧﺎص ﻣﻮﺿﻊ اﻋﺘﻤﺎدﻧﺎ ﰲ ﺗﺠﺎرة اﻟﻘﻄﻦ اﻟﺬي ﻳﻌﺘﱪ ﻣﺤﺼﻮﻟﻨﺎ وإﻣﱪاﻃﻮرﻳﺘﻬﺎ ،وﻫﻲ ٍ ً ﻓﻀﻼ اﻟﺮﺋﻴﴘ ،ﻓﺈذا ﻓﺼﻠﻨﺎ اﻟﺠﻨﻴﻪ املﴫي ﻋﻦ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ ﻟﻢ ﻧﺄﻣﻦ ﺗﻘﻠﺒﺎت ﺳﻌﺮ ﴏﻓﻬﻤﺎ، ﻋﻦ ﻛﻮن اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﰲ اﻻﻗﺘﺼﺎد. ﻣﴩوﻋﺎت ﻧﻘﺪ دوﱄ ﻳﺼﺪره ﺑﻨﻚ ﻋﺎملﻲ واﺗﺤﺎد ﻣﻘﺎﺻﺔ وﺗﺜﺒﻴﺖ أﺳﻌﺎر اﻟﴫف ْ ورﺟﻌﺖ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺎﱄ وﻣﺎ ﻳﺘﻮﻗﻊ ﻣﻨﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ﰲ ﺻﻔﺤﺔ ،٣٥ﻓﻘﺪ أُﻋﻠﻦ ﰲ أﺑﺮﻳﻞ ﺳﻨﺔ ١٩٤٣أن ﻣﻨﺪوﺑني ﻋﻦ اﻟﺪول اﻟﺜﻼث :روﺳﻴﺎ، وإﻧﺠﻠﱰا ،واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،ﻳﺪرﺳﻮن ﻣﴩوﻋني أﺣﺪﻫﻤﺎ إﻧﺠﻠﻴﺰي ﻳﻌﺮف ﺑﻤﴩوع اﻟﻠﻮرد ﻛﻴﻨﺰ ،Keynesواﻟﺜﺎﻧﻲ أﻣﺮﻳﻜﻲ ﻳﻌﺮف ﺑﻤﴩوع دﻛﺘﻮر ،Whiteﻛﻼﻫﻤﺎ ﻳﺮﻣﻲ إﱃ إﻳﺠﺎد ﻧﻘﺪ ﻋﺎملﻲ »ﻳﺴﻤﻴﻪ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي Bancorواﻷﻣﺮﻳﻜﻲ «Unitasﻳﺼﺪره ﻣﻌﻬﺪ دوﱄ ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﲆ ﻓﻜﺮة اﻟﺘﻌﺎون ﺑني اﻷﻣﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﻜﺮر أﺧﻄﺎء املﺎﴈ. واملﴩوﻋﺎن ً أﻳﻀﺎ ﻣﺘﻔﻘﺎن ﰲ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ اﻟﺬﻫﺐ ﻟﻴﻜﻮن أﺳﺎس اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﱄ؛ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻳﺮﻳﺎن اﻟﺬﻫﺐ ﴐ ًرا ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ؛ ﻟﺼﻔﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻪ — رﻏﻢ ﻃﻐﻴﺎﻧﻪ — ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺜﻘﺔ واﻻﺣﱰام ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ وأﺳﺎس ﺗﺜﺒﻴﺖ اﻟﻨﻘﻮد وﺣﻔﻆ اﻷﺳﻌﺎر ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ. وإذا ﻛﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻌﺮف ﺑﻌﺪ ﻣﻮﻗﻒ روﺳﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﱄ ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ،ﻓﺈن ﻣﻮﻗﻒ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ واﻷﻣﺮﻳﻜﺎن ﻓﻴﻪ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼف ﰲ وﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ ﺳﺒﺒﻪ ﻇﺮوف ﻛﻞ دوﻟﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﺈﻧﺠﻠﱰا دﺧﻠﺖ اﻟﺤﺮب ﻣﺪﻳﻨﺔ وﺳﺘﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ وﻗﺪ زادت دﻳﻮﻧﻬﺎ ،واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺑﻌﻜﺴﻬﺎ دﺧﻠﺖ اﻟﺤﺮب داﺋﻨﺔ وﺳﺘﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ وﻗﺪ زادت داﺋﻨﻴﺘﻬﺎ ،وإﻧﺠﻠﱰا ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ وﻣﺎﻟﻴٍّﺎ ﺑﺒﻼد ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﻨﻘﻮد ،واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة — وﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﻋﺰﻟﺘﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﺗﺼﺎﻻ ً ً وﺛﻴﻘﺎ ،وﻳﴫح ﺑﻌﺾ ﺳﺎﺳﺘﻬﺎ ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺠﺐ أن — اﻋﺘﺰﻣﺖ أن ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺪول ﻳﻜﻮن وﺣﺪة ﻻ ﺗﺘﺠﺰأ ،وأن اﺳﺘﻐﻼل اﻟﺸﻌﻮب واﻟﻘﺎرات ﻗﺪ اﻧﺘﻬﻰ وﻗﺘﻪ وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻷﺧﺬ ﺑﻔﻜﺮة اﻟﺪوﻟﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺮﻣﻲ ﻣﻦ وراء ﻣﴩوﻋﻬﺎ إﱃ ﺟﻌﻞ اﻟﺪوﻻر زﻋﻴﻢ ﻧﻘﻮد اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻻ ﺗﺴﻠﻢ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ زﻋﺎﻣﺔ اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻋﲆ ﻧﻘﻮد اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺗﺮى أن ﻳﻘﻮم املﴩوع ً أوﻻ وﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء ﻋﲆ اﺗﺤﺎد دوﱄ ﻟﻠﺘﺼﻔﻴﺎت ﻳﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﺣﺴﺎب دوﻟﺔ إﱃ ﺣﺴﺎب أﺧﺮى ﰲ دﻓﺎﺗﺮه ﻣﻊ رﺑﻂ اﻟﻌﻤﻼت ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻘﻮم ﺑني اﻟﺪول ﺣﺮوب ﻋﻤﻼت ﻛﺎﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻋﻘﺐ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ. 44
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
وﺗﺮى إﻧﺠﻠﱰا ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻈﺮوﻓﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ أن ﻳﻜﻮن ﻟﺒﻌﺾ أﻋﻀﺎء ﺗﻠﻚ املﺆﺳﺴﺔ ﻣﺮﻛ ًﺰا ﻣﺰدوﺟً ﺎ ملﺎ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني دول أﺧﺮى ﻣﻦ ﺻﻼت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ أو ﻧﻘﺪﻳﺔ ،وﻫﻲ ﺗﻨﺺ ﻋﲆ ذﻟﻚ؛ ﻟﺘﻨﻔﻲ ٍّ ﺧﺎﺻﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﻼد املﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺎ وﻣﺮﻛ ًﺰا آﺧﺮ ﻗﺒﻞ أﻋﻀﺎء املﺆﺳﺴﺔ، ﻛﻞ ﺷﻚ ﺑﺄن ﻟﻬﺎ ﻣﺮﻛ ًﺰا وروﺳﻴﺎ واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻻ ﺗﺴﻠﻤﺎن ﻟﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻷن ﻫﺬا ﻣﻌﻨﺎه أن اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﱄ ،ﺑﻞ اﻟﻨﻘﻮد اﻷﺧﺮى ،ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﻨﻔﺬ إﱃ دوﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﺪاﺧﻠﺔ ﰲ ﻧﻄﺎق اﻻﺳﱰﻟﻴﻨﻲ إﻻ ﺑﺘﴫﻳﺢ ﻣﻨﻪ. وﻫﻨﺎك ً أﻳﻀﺎ ﺧﻼف ﻋﲆ ﻋﺪد اﻷﺻﻮات ﰲ ﻣﺠﻠﺲ إدارة املﺆﺳﺴﺔ؛ ﻓﺎﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺗﺮى أن ﺗﻜﻮن اﻷﺻﻮات ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﺤﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻓﻌﻬﺎ اﻟﻌﻀﻮ ﺑﴩوط وﻗﻴﻮد ﻣﻌﻴﻨﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ إﻧﺠﻠﱰا واﻟﺒﻼد املﺘﺼﻠﺔ ﺑﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻟﻬﺎ أﻏﻠﺒﻴﺔ اﻷﺻﻮات ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ ﻣﺠﻠﺲ ﻋﺼﺒﺔ اﻷﻣﻢ ،واﻟﺮوﺳﻴﺎ ﺗﺨﴙ ذﻟﻚ وﺗﺮى ﻣﻦ ﺣﻘﻬﺎ ﰲ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ أن ﻳﻜﻮن ٌ ٌ أﺻﻮات ﻋﺪﻳﺪة. ﺻﻮت ﻓﺘﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺎﺗﻬﺎ املﺘﺤﺪة وﻫﻨﺎك ً ٌ ﺧﻼﻓﺎت ﻛﺜري ٌة أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻋﲆ ﺗﺴﻮﻳﺎت اﻟﺪﻳﻮن وﻃﺮق دﻓﻌﻬﺎ ،وﺣﻖ ﻛﻞ أﻳﻀﺎ ﻋﻀﻮ ﰲ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﻋﻤﻠﺘﻪ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻈﺮوﻓﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻟﻌﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺨري ﻟﻸﻣﻢ املﺘﺤﺪة أن ﺗﱰك املﻨﺎﻗﺸﺎت اﻵن ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺼﻄﺪم ﺑﻤﺎ اﺻﻄﺪم ﺑﻪ ﻣﻴﺜﺎق اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ ﻣﻦ ﻋﻘﺒﺎت ﻗﻀﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﻣﻬﺪه ،وﻟﺴﻨﺎ ﻧﺴﺘﺒﻌﺪ أن ﻳﻜﻮن ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ذﻟﻚ اﻟﻨﺒﺄ اﻟﺬي أذاﻋﺘﻪ وﻛﺎﻟﺔ روﺗﺮ أﺧريًا وﻗﺪ ﺟﺎء ﻓﻴﻪ أن اﻷﻣﻢ املﺘﺤﺪة ﻗﺮرت إﻧﺸﺎء ﺻﻨﺪوق ﻟﺘﺴﻮﻳﺔ دﻳﻮن ﻃﺎرﺋﺔ وﺗﺜﺒﻴﺖ أﺳﻌﺎر ﴏف ﻋﻤﻼﺗﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻋﺪﻟﺖ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ اﺗﺨﺎذ ﻧﻘﺪ ﻋﺎملﻲ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺘﻘﻴﺪ ﰲ أﻣﺮ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎملﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﲇ اﻟﺤﺮب. دورة اﻷرزاق ﱡ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺎدث اﻵن ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﺑﻼد ﻳﺮى اﻟﻘﺎرئ ﻣﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎه ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻴﺲ ﰲ ﻣﻘﺪورﻧﺎ أن ﻧﻘﻒ ﰲ وﺟﻬﻪ ،وأﻧﻪ ﻇﺎﻫﺮ ٌة ﻣﻦ اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ إﱃ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﱄ اﻟﺤﺎﴐ ،ﻏﻼء ﻳﻌﻘﺒﻪ ﻫﺒﻮط ﰲ اﻷﺳﻌﺎر ،واﺿﻄﺮاب ﰲ اﻟﻨﻘﻮد ﻋﻨﺪ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ ﻟﻸرزاق ،رﺧﺎء ﺑﻌﺪه أزﻣﺎت ،وﻋﴪ ﺛﻢ ﻳُﴪ ،ﺗﻠﻚ »دورة اﻷرزاق«ُ ،ﺳﻨﺔ ﷲ ﺗَﺒْﺪ ً ﷲ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ ﴿ َو َﻟ ْﻦ ﺗَ ِﺠ َﺪ ﻟ ُِﺴﻨ ﱠ ِﺔ ِ ِﻳﻼ﴾. وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻨﺎ أن ﻧﻠﺠﺄ إﱃ اﻟﻄﺮق اﻟﺘﻲ اﺿﻄﺮت إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒﻼد املﺘﺤﺎرﺑﺔ ﻟﻨﻘ ﱢﻠﺪﻫﺎ ﰲ زﻳﺎدة اﻟﴬاﺋﺐ واﻹﻛﺜﺎر ﻣﻦ اﻟﻘﺮوض ،ﻓﺘﻠﻚ ﺑﻼ ٌد ﻻ ﺑﺪ ملﻴﺰاﻧﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﴬاﺋﺐ اﻟﻔﺎدﺣﺔ واﻟﻘﺮوض املﺮﻫِ ﻘﺔ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺘﻠﻚ اﻟﺒﻼد املﺘﺤﺎرﺑﺔ ﺗﺸﱰي ﺑﻬﺬه اﻷﻣﻮال ﻣﻔﺮﻗﻌﺎت وﻣﺮاﻛﺐ ،ﻓﻬﻲ ﰲ 45
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻔﴪ اﻟﺘﻀﺨﻢ واﻟﺘﻘﻠﺺ
اﻟﻮاﻗﻊ ﺗﺤﺮق اﻟﻨﻘﻮد وﺗﻠﻘﻲ ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﻴﻢ ﻓﺘُﻨﻘﺺ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻤﻴﺘﻬﺎ وﺗﻘﻠﻞ أﺛﺮﻫﺎ ﰲ اﻷﺳﻌﺎر، وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﻜﻮن اﻟﻐﻼء ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،أﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﻣﴫ وﺑﻼد اﻟﴩق. وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺎﻟﻌﻼج ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ ﺑﺎﺳﺘرياد اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ وﺗﻨﻔﻴﺬ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻨﻔﻴﺬه ﻣﻦ املﴩوﻋﺎت ﻓﻮ ًرا ،ورﺻﺪ اﺣﺘﻴﺎﻃﻲ ملﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻨﻔﻴﺬه اﻵن ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﺗﻌني ﺑﺎﻟﺬات )اﻧﻈﺮ .(Helffrich, Menger ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺎﱄ وإﻧﻲ أﺷري ﺑﺄﻣﺮﻳﻦ :أوﻟﻬﻤﺎ اﻻﺣﺘﻴﺎط ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﺘﻀﺨﻢ .ﻓﻠﻴﺴﺪد ﻛﻞ ﻣﺪﻳﻦ ﻣﻨﺎ دﻳﻨﻪ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮد اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ املﻨﺨﻔﻀﺔ اﻟﻘﻴﻤﺔ وﻟﻴﻤﺘﻨﻊ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﴩاء ﺑﺄﺳﻌﺎر ﻏري ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ إﻻ ﻋﻨﺪ اﻟﴬورة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻢ ذﻟﻚ ،وﻟﻨﺤﺬر ﻣﻦ اﻟﴩاء ﺑﺎﻟﺘﻘﺴﻴﻂ. وإﻧﻲ أﺷري ﺑﺄﻣﺮﻳﻦ :أوﻟﻬﻤﺎ اﻻﺣﺘﻴﺎط ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺸﻜﻮ ﻣﻦ اﻟﺘﻀﺨﻢ وﻗﺪ أﻓﺪﻧﺎ ﻣﻨﻪ أن أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﺪاﻳﻦ اﻟﺪول ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪاﻳﻨﻨﺎ ،وﻟﻨﺬﻛﺮ أن ﻣﻦ ﻣﺰاﻳﺎ اﻟﺘﻀﺨﻢ أن ﻣﴫ ﰲ اﻟﺤﺮب املﺎﺿﻴﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺒﺪأ ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻨﺘﻬﺰ ﻓﺮﺻﺔ اﻟﺘﻀﺨﻢ اﻟﺤﺎﱄ ﻟﻨﺴﺘﻜﻤﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻬﻀﺔ. ١٥أﺑﺮﻳﻞ ﺳﻨﺔ ١٩٤٤
46