متيز ديننا ( اإلسالم ) بالتوازن العجيب بني املادة والروح ،بني متطلبات الدنيا واآلخرة ،وقد ذكر القرآن الكرمي ذلك بكل وضوح ،قال تعالى :ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ القصص ، 77 :فالذي خلق النفوس ،سبحانه ،يعلم انطالقتها في الدنيا إذا أقبلت عليها هذه الدنيا ،فإذا لم يكن لإلنسان دين يحميه من الركض الوحشي فيها :ساقته أمامها وال تبالي بأي الوديان هلك . باملقابل ،عندما تتمكن العقيدة الصحيحة من قلب املؤمن :يصبح كل ما سوى اهلل ال قيمة له ،كل الدنيا مبا فيها ،ويصبح الشعار
ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙﯚ ﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠ ﯡ الشعراء . 51 – 50 : إنها العقيدة الراسخة في القلب هي التي غيرت موقفهم ،ورفعت معنوياتهم ،وسمت بهم بعد أن كانوا يقولون :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ . إخواني في كتائب صالح الدين ، وفي مكاتب جامع ،واجملاهدين من كل فصيل في امليدان : إن عدونا ميكن أن ينتصر علينا إذا هزمنا في ميادين األخالق والدين فقبلنا أن نحذو حذوه في األخالق العامة وإن كنا نخالفه في خصوصيتها ، مطلوب منا أن نتواصل مع الناس ،
وينغرز بيننا وبينهم عنصر الرحمة والرفق ،فالناس ال زالوا بعيدين عن منهج اإلسالم في نظرته للحياة ، وهم في حاجة ماسة إلى ملسة حنان ورفق توصلهم إلى طريق اهلل . إننا نعيش احلياة لنجعلها طريقنا إلى اآلخرة ،وإلى اجلنة ،وإلى اإلسالم وجهنا ووجهتنا إلى اهلل تعالى ،قال تعالى :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ لقمان . 22 : فاستمسكوا بالعروة الوثقى ،وأسلموا وجهكم هلل ،وضعوا الدنيا ومتاعها خلفكم ،وال يغرنكم متاعها ،فمتاعها قليل ،ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ العنكبوت . 64 :
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
* التناول القرآني للمعارك اهلجومية )6( ........................................................ * الثبات ام الشتات ..أيهما خيارك ؟ )10( ............................................................. * أساليب ومبادئ القائد صالح الدين األيوبي )13( .......................................... * بناء املخطط االسرتاتيجي )14( ......................................................................... * الدفـــــــــــــــــاع )16( .................................................................................................. * تقنيات التجسس احلديثة )17( ........................................................................ * كارل فون كالوزفيتز )19( ............................................................................. * أوبة كعب ..أيها املخلفون !! )20( .................................................................... * لتكون رج ً ال !! )22( ...............................................................................................
3
في معرِض اللقاء بني أبي سفيان سؤال وبني هرقل ملك الروم وفي ُ َ هرقل عن طبيعة العالقة بني النبي واملشركني والقتال بينهما ،قال هرقل: فهل قاتلتموه؟ قال أبو سفيان :نعم. قال هرقل :فكيف كان قتالكم إياه؟ أبو سفيان :احلرب بيننا سجال ،ينال منا وننال منه . مما ال شك فيه أن اجلهاد في كل زمان ومكان له ثوابت ومتغيرات ، وإن من أثبت الثوابت لهذه الفريضة املباركة هو قول النبي ( : اجلهاد ماض إلى يوم القيامة ) . ٍ أما املتغيرات والتي هي عكس الثوابت فهي أمور ثانوية في ليست في املنهج واملبدأ وهي من الفروع وليست من األصول ،تتغير بتغير الزمان أو املكان أو األشخاص لها ضوابط شرعية عامة ،تفصيالتها تخضع إلى مداخالت يقدرها اجملتهدون باألدلة ،قابلة للحوار والنقاش. وما يهمنا هنا وفي هذه األيام خاصة هو أن نذكر الثوابت التي رسمتها النصوص الشرعية على طريق اجلهاد ،وهذه الثوابت نحن اليوم بأمس احلاجة إلى إعادة تذكرها ونشرها وفقهها ،نحن اليوم وفي هذا
4
الوضع البائس لألمة اجلريحة نحتاج حقيقة إلى الرجوع إلى ثوابتنا التي بدأ بعض املتخاذلني يعيد الكالم فيها ويزيد ،ليحيلها إلى متغيرات من األفضل لنا في هذا الوقت أال نتمسك بها ،فمن قائل :أين اجلهاد ؟ ،ومنهم من يقول :انتهى اجلهاد ،ومنهم من ينادي :ألقوا السالح وارفعوا راية السياسية ،وغيرهم وغيرها من األقاويل واالفتراءات . إن الذين ينادون بهذه األقاويل واألراجيف لينسون أو يتناسون حقائق شتى عن طبيعة هذا الركن الركني من أركان اإلسالم بل ويهملون الطبيعة احلية لهذا الدين بشكل عام ،ولست هنا بصدد سرد النصوص واحلجج التي تؤيد هذا املذهب وحقيقته ،ولكني أقول :إن أكثر املسلمني على قناعة بأن اجلهاد ماض إلى يوم القيامة ،وإن أحوال أكثر املسلمني تدل على أنهم على قناعة بأن العالم أجمع ال ميكن له أن يُسقط راية اجلهاد في العالم ،بل إن كثيرا ً منهم ال يدرك معنى الصراع بني احلق والباطل ،وال يقرأ تاريخ األمة وتاريخ األنبياء من القرآن خاصة .وما صولة تكساس التي قادها نضال مالك إال دليال واقعيا واضحا على
حياة اجلهاد في قلوب أبناء اإلسالم، حيث قال قائد قاعدة فورت هود روبرت كون ( :إن التقارير األولية غير مؤكدة أشارت إلى أن مطلق النار قال :اهلل أكبر ،مضيفا أنه لم يتوفر دليل على أن الهجوم كان عمال إرهابيا ). العالم يحارب وعد اهلل مبضي اجلهاد ،ونحن نصدق اهلل ونقسم بهزمية العالم الذي حارب اهلل سبحانه وتعالى ،النظام العاملي اجلديد يقوم على مفهوم محدد وواضح املعالم وهذا املفهوم هو: أن اجلهاد هو اإلرهاب ،وكل مجاهد إرهابي ،وال بد من مالحقة اإلرهابيني وقمع اإلرهاب ،مبعنى ال بد من مالحقة أولياء اهلل وقمع شريعة اهلل سبحانه وتعالى ،فحرب بهذه الصورة نتيجتها معروفة لنا سلفا ً قصها اهلل علينا في كتابه وبينها لنا رسوله في سنته فقال عليه الصالة والسالم كما عند البخاري وأحمد وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي قال: قال اهلل تعالى ( :من عادى لي وليا فقد آذنته باحلرب) أي أعلمته بالهالك، وحرب اهلل تعالى هي على من يعادي أولياءه لواليتهم هلل ويتخذهم أعدا ًء بسبب دينهم.
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
ولئن كانت هناك فترة في اجلهاد العراقي ،فإن مآسي ومساوئ الساسة العراقيني و ( املستعرقني ) فيها من اخليبة واخلذالن للشعب العراقي ما تُنبئ بعودة سريعة للجهاد، في البلد الذي تساوى عنده الهم في املاضي واحلاضر ،إال أنه كان يشعر بفخر العزة وعزة اجلهاد حينما كان الشعب كله يؤمن بسياسة اجلهاد ال بجهاد السياسة . يقول تعالى :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ البقرة: ( 193وإذا كان النص عند نزوله يواجه قوة املشركني في شبه اجلزيرة ،وهي التي كانت تفنت الناس، ومتنع أن يكون الدين هلل ،فإن النص عام الداللة ،مستمر التوجيه واجلهاد ماض إلى يوم القيامة .ففي كل يوم تقوم قوة ظاملة تصد الناس عن الدين، وحتول بينهم وبني سماع الدعوة إلى اهلل واالستجابة لها عند االقتناع واالحتفاظ بها في أمان ،واجلماعة املسلمة مك ّلفة في كل حني أن ِّ حتطم هذه القوة الظاملة ..وتطلق الناس أحرارا ً من قهرها يستمعون ويختارون ويهتدون إلى اهلل) )في ظالل القرآن (. )102/2 نعم الدرب صعب والثمن باهض واملسيرة طويلة والشبهات شتى.. لكن قيادة اجلهاد يفرزها امليدان بحره وبرده ...تتقاسم مع القيادة األمن واخلوف... مع جنودها احللو واملّر، ّ قيادة تقاتل وتقتل في ساحة الشرف في سبيل قضيتها ...عكس املتاجرين بقضايا ودماء املستضعفني ...يقدمون األمة للحتوف ويجمحون إلى أبناء ّ الكهوف ،يزجون بهم في اخلنادق وأما أهل ويختفون في الفنادق اإلرجاف والتخذيل؛ فهم أحط قيمة
في عني العد ّو والصديق منّا ،ألنّهم رضوا بالهوان يوم أشربوا ال ّوهن، ومن خان دينه هل يؤمتن على شيء. يصفوننا بالتهور ..وهل تهورٌ أشد من محاربة دين اهلل .. وإنّي مسائلكم؛ أكان جهاد رسول اهلل وعدة؟ وصحابته تهورا وهم أقل عددا ّ وماذا فعلتم أنتم بتعقلكم؟ إ ّن ما بحك ٍم عظيم ًة قدره قدره اهلل ّ ّ ِ وفوائ َد جسيمة وانّه ليتبني املؤمن من املنافق ،الذين ملا أمروا بالقتال ،ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ؛ أي ذبا ً عن دين اهلل وحماية له ،وطلبا ملرضاة اهلل، ﭦ ﭧ ؛ عن محارمكم وبلدكم إن لم يكن لهم ن ّية صاحلة ،فأبو ذلك واعتذروا بان قالوا؛ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ،وهم َك َذب ٌة في هذا ،فأين الغيرة الدينية والنخوة الرجولية؟ ٌ قليــل عديــ ُدنا ُعيــرنا أنّا ت ّ فقلت لها إ ّن الكرا َم قليــلُ ُ وال َّ كانت بقايا ُه ِمثلنا قل من ْ َ للعال ُ وكهو ُل باب تسامى ُ ش ٌ ٌ قليــل وجارُنا ضـــ ّرنا أنّا وما َ ُ ذليــل عزيـ ٌز وجارُ األكثريـ َن من األسس التّي رسخها القرآن
الكرمي في نفوس الصحابة رضي اهلل عنهم ؛ أ ّن بقاء اإلسالم وشرائعه التّي منها اجلهاد ذروة سنامه ،ليس معلقا بأشخاص ولو كانوا أنبياء... ثم ترسخ هذا املبدأ باحلدث واحلديث. ّ للهّ شاء ا أن تكون موقعة أحد ،ثاني موقعة بني اإلميان والكفر وقتل فيها من الصحابة خلق كثير منهم حمزة أسد اهلل وسيد الشهداء، وأشيع مقتل النّبي فخارت عزائم وألقى بعض الصحابة سالحه ،وقال؛ على ما نقاتل بعد مقتله ؟! وقال آخرون؛ لو كان ن ّبيا ما قتل! بل فكرت طائفة في مصاحلة قريش حلقن دمائها وحفظ أموالها ...فقالوا ؛ كيف نهزم ويقتل منّا ونحن املّسلمون على احلق، وعدونا على الباطل؟! واستغل آخرون ّ احلدث ،وث ّبت اهلل طائفة فقالت؛ إن كان محمد قد قتل فإن اهلل حي ال ميوت ،وقال آخرون؛ إن قتل فلنقاتل ولنمت على ما مات عليه . حدثت هذه النّازلة ودعوة اإلسالم ودولته ال زالت في املهد لم تتخط اخلط األحمر ،وفي خضم احلدث ويوجه... وتفاعالته ينزل القرآن يع ّلم ّ ﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓ ﯔ ؛ ال تهنوا وتضعفوا في أبدانكم وال حتزنوا في قلوبكم عندما أصابتكم املصيبة وابتليتم بهذه البلوى فإ ّن احلزن في القلوب والوهن على األبدان زيادة مصيبة عليكم وأعون لعدوكم عليكم ،بل شجعوا قلوبكم وص ّبروها وادفعوا عنها احلزن ،وتصلبوا على قتال عدوكم ،وذكر اهلل تعالى أنه ال يليق بهم الوهن واحلزن وهم األعلون في اإلميان . فحري باجملاهد أن يستذكر التاريخ ٌ ويسبشر ويبشر به ،فالتأريخ كله إشارة واضحة الداللة وبينة األثر بصحة قوله حينما يقول ( :اجلهاد ماض إلى يوم القيامة ) .
5
عندما نتكلم عن موضوع علمي عسكري مثل املعركة الهجومية وكيفية التناول القرآني لها فليس معنى ذلك أننا نضفي على القرآن الكرمي الصبغة العلمية أو أننا ننادي بأن الكتاب الكرمي أحد املصادر العلمية الدنيوية ،فالقرآن الكرمي كتاب هداية ورحمة ،وكل لفظ وكل آية وكل سورة فيه هي إعجاز إلهي ال يشعر به إال املتدبر بحق واملتأمل بصدق والدارس بعمق ،وحيث يستزيد ذلك املتدبر أو املتأمل أو الدارس ومضات ونفحات روحانية تتراكم داخله في صورة إميان فوق إميان ونور على نور . والكتاب الكرمي تناول صور املعركة
6
القتالية كما نعرفها في عصرنا اليوم ،سواء كانت هذه املعركة هجومية وهي الصورة الرئيسية للمعركةالقتالية -أو الصورة الدفاعية ، وكل ما هو مشتق منهما من صور قتالية أخرى ،وحتى ميكننا استعراض التناول القرآني للمعركة الهجومية فمن املهم أن نوضح كيف تتم هذه املعركة ،وذلك من خالل صور واضحة ومبسطة يتمكن معها القارئ الكرمي أن يلم بتلك املعركة ،ثم نتناول بعد ذلك كيفية التناول القرآني للمعركة الهجومية . ونظرا ً ألن املعركة الهجومية التي تتم في عصرنا اليوم تنفذ من
خالل مجموعة من املراحل ؛ لذا فإن تناولنا لها سوف يتم مرحلة مرحلة ،أو صورة صورة وبالترتيب والترقيم ؛ حتى يكون هناك سهولة ويسر عند إيضاح التناول القرآني ،ونعرف ماذا قال القرآن الكرمي في كل مرحلة، وكيف عبر عنها ،ووجه اإلعجاز املوجود في سياق التناول . المعركة الهجومية في عصرنا تتم املعركة الهجومية في عصرنا اليوم من خالل ست مراحل ،هي كاآلتي : .1مرحلة حشد القوات : لتنفيذ معركة هجومية ضد دفاعات معادية ال بد من حشد القوات
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
في مناطق احلشد ،وهي مناطق بعيدة عن العدو يتوفر فيها األمن سواء من مصادر نيران العدو أو عناصر استطالعه واستخباراته العسكرية ،وتكون هذه املنطقة على مسافة من العدو مناسبة ال تسبب اإلرهاق للقوات عند تنفيذ التحرك ،وفي حالة تواجدها على مسافة بعيدة حتدد أماكن وقفات لراحة القوات ، وفي هذه املنطقة يتم التزاوج بني عناصر االلتحام واملشاة ( الدبابات القوات اخلاصة ) ..وبني عناصراالقتحام وعناصر النيران (املدفعية - الهاونات – الصواريخ ) ...وأيضا ً تتم جميع إجراءات التخطيط للمعركة للوصول للخطة القتالية التي سوف يتم تنفيذها . .2مرحلة التحرك واالقتراب من دفاعات العدو : وفي هذه املرحلة تتحرك القوات من مناطق حشدها في اجتاه العدو من خالل تقدم يحقق السيطرة على القوات ،وغالبا ً ما تتم هذه املرحلة ليالً حتى ال يتكشف فيه الهجوم ،إضافة إلى ذلك فإن هناك العديد من اإلجراءات التي تهدف إلى سرية التحرك واالقتراب ،مثل السيطرة على الضوضاء واإلضاءة اخلاصة بالقوات ،وعلى حجم االتصاالت الالسلكية حتى ال تلتقط أي محادثات قد يستفيد منها العدو. .3مرحلة التحول من تشكيالت التحرك إلى تشكيالت القتال : عند االقتراب من العدو ووجود القوات في مرامي أسلحته تقوم القوات بالتحول السريع من تشكيل التحرك إلى تشكيل املعركة ، ويشترط في هذه املرحلة السرعة في التحول ،ووجود إخفاء ممثل في درجة إظالم معينة ؛ لذلك غالبا ً ما جند أن هذه املرحلة تتم في فترة الشفق البحري حيث تستغل القوات
فترة هذا الشفق في إجراء التحول املطلوب من تشكيل التقدم إلى تشكيل املعركة . .4مرحلة الهجوم على دفاعات العدو : بعد انتهاء القوات من اتخاذ تشكيالت القتال ووصولها إلى خط البدء للعملية الهجومية وحيث يكون هذا الوصول غالبا ً مع انتهاء الشفق البحري وبداية الشفق املدني والذي يعتبر نهارا ً كامالً من وجهة النظر العسكرية . تبدأ العملية الهجومية في اإلضاءة الكاملة ،حتى تستطيع كل وحدة مقاتلة رؤية الهدف املطلوب االستيالء عليه ،وتقوم بالقتال في االجتاه الذي يؤدي بها إلى هذا الهدف. ويختلف شكل املناورة املستخدمة لتنفيذ القتال من وحدة إلى أخرى طبقا ً لشكل العدو وطبيعة األرض
،ورغم هذا اخلالف املنطقي في شكل قتال الوحدات إال أن هذا القتال لن يخرج عن اقتراب محسوب باستغالل النيران وخصائص األرض ، ثم االنقضاض السريع على القوات احملاربة في صورة إغارة ممزوجة بصيحة النصر ( اهلل أكبر ) ،تلك الصيحة التي أطلقها السلف الصالح فدانت لهم الدنيا شرقا ً وغربا ً وهم القلة . .5مرحلة القتال لالستيالء على أهداف العدو :
تستمر القوات في تنفيذ العملية الهجومية لتدمير دفاعات العدو واختراق قواته ،ودفع القوات املتواجدة في اخللف لتطوير عملية الهجوم ، واستغالل النجاح الذي يتم حتقيقه ،وأهم ما مييز هذه املرحلة : أ .الضوضاء الشديدة والصوت العالي ؛ حيث حركة املعدات القتالية ،ونيران األسلحة واملدفعيات ، واصطدام قوات اجلانبني ببعض . ب .الرؤية احملدودة في أماكن مختلفة والتي تنتج عن الغبار املتصاعد من حركة املعدات واألسلحة واملدفعيات ،وتنفيذ القوات لصور املناورة سواء االلتفاف أو التطويق ،إضافة إلى ذلك فقد يلجأ أحد األطراف إلى استخدام املواد الدخانية لتعمية الطرف اآلخر . ج .التداخل بني األطراف املقاتلة ، وظهور االختراقات احملدودة في دفاعات اجلانب املدافع في شكل جيوب ما تلبث أن تتوحد وتتسع مشكلة اختراقا ً عميقا ً يصل إلى وسط أو مركز القوات املدافعة . د .وتعتبر هذه املرحلة هي املرحلة الرئيسة في حجم اخلسائر التي تقع باألطراف املقاتلة سواء في األفراد أو املعدات . .6مرحلة تدمير العدو وتحقيق الهدف : تتيح هذه املرحلة كما سبق اإليضاح من خالل توحد اجليوب التي جنحت القوات املهاجمة في اختراقها
7
بدفاعات العدو ،ويالحظ هنا أن عملية استغالل النجاح وتطوير الهجوم تتم في اجتاهات قد مت تركيز القوات فيها منذ بدء الهجوم بحيث يحقق هذا التركيز سرعة الوصول إلى التجمع الرئيس للعدو وتدميره ،والتواجد في منتصفه أو وسطه ، وتعرف هذا االجتاهات باسم االجتاه الرئيس للهجوم ،وغالبا ً ما يكون هذا االجتاه كاآلتي : أ .إذا كان االجتاه الرئيس للقوات في منتصف مواجهة القتال فإنه يؤدي إلى تدمير التجميع الرئيس للعدو من خالل شطره إلى أجزاء ،وتدمير كل شطر على حدة . ب .إذا كان االجتاه الرئيس للقوات في ميني أو يسار مواجهة القتال فإنه يؤدي من خالل مناورة جانبية ومفاجئة غير متوقعة إلى مركز جتميع العدو . املعركة الهجومية في القرآن .1مرحلة حشد القوات : تناول القرآن الكرمي هذه املرحلة في قول املولى : ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨ ﯩﯪﯫ ﯬﯭ األنفال.60: ويالحظ هنا أن األمر اإللهي جاء في صورة عامة شامالً إعداد وجتهيز القوات في أوقات السلم ،وأيضا ً القيام بحشدها استعدادا ً لتنفيذ
8
القتال ،وواضح من قوله تعالى أن اإلعداد هنا يشمل عنصر القوة ممثلة في القوة البشرية واألسلحة واملعدات ،وكذلك عنصر املناورة ممثالً في رباط اخليل ،وحيث كانت اخليل هي العنصر املشترك في أغلب معارك هذه الفترة من الزمن ،وكانت هي وسيلة املناورة الرئيسة . ويجب أال ننسى هنا أن أي معركة قتالية تتم في عصرنا اليوم تتكون من عنصرين أساسيني ،هما :النيران ،واملناورة وقد وردا في اآلية الكرمية ألهميتها القصوى عند تنفيذ القتال الصحيح . .2مرحلة االقتراب من دفاعات العدو : تناول القرآن الكرمي هذه املرحلة من خالل القسم اإللهي في قوله تعالى ( :والعاديات ضبحا ً ) ،والعاديات املقصود بها الدواب التي لها القدرة على العدو والسرعة خالل تنفيذ األعمال القتالية ،وهي على وجه التحديد اخليل واإلبل ،حيث كان يتم استخدامها في القتال في عصر نزول القرآن . وعندما نتأمل القسم اإللهي هنا فال بد أن ندرك أن هناك وجه إعجاز في تلك اخمللوقات ،ويكفي إليضاح ذلك أن نقول :إن اإلبل واخليل كانتا - وسوف تستمر إلى يوم قيام الساعة - أداة من أدوات القتال ،فعلى الرغم من التطور الكبير الذي شهدته معدات املناورة مثل الدبابة والناقلة املدرعة والطائرة العمودية إال أن هناك العديد من اجليوش العاملية التي حتتفظ بوحدات كبيرة من اخليالة والهجانة ، خصوصا ً إذا كانت مسارح عمل هذه اجليوش ذات طبيعة جبلية أو غابات وأدغاال ً ،وأيضا ً في املسارح الصحراوية لتغطية مواجهات احلدود الواسعة . ويالحظ هنا أن اآلية الكرمية عندما تكلمت عن العاديات لم
تتناول التوقيت الذي تتحرك فيه ، حيث سيتم استنتاج ذلك من اآلية التي تليها ،وإمنا تناولت اآلية ما يجب أن يراعى أثناء التحرك ،فجاء اللفظ الكرمي ( ضبحا ً ) والذي هو الصوت الوسط للخيل بني الصهيل واحلمحمة ،وكأمنا تريد اآلية الكرمية أن تدعونا إلى أن حترك العاديات املقترب في اجتاه العدو ال بد أن يكون حتركا ً مخفيا ً ال تصدر فيه عن اخليل أصوات عالية ،وإمنا أصوات مقبولة ال تكشف حترك القوات ،ولعل ذلك واضح من خالل حديثنا عن هذه الصورة في املعركة الهجومية التي تتم في عصرنا اليوم . .3مرحلة ال��ت��ح��ول م��ن تشكيالت ال��ت��ح��رك إل��ى تشكيالت ال��ق��ت��ال : وقد عبر القرآن الكرمي عن هذه املرحلة من خالل قول املولى : (فاملوريات قدحاً) ،وهو الشكل الذي تتخذه القوات املتحركة عند قيامها باتخاذ تشكيل القتال ،حيث تقوم
بتنفيذ ذلك بأقصى سرعة ممكنة نظرا ً لوجودها في ميدان العدو ،ونتيجة السرعة في التنفيذ يظهر الشرر من أقدام وأرجل اخليل ،والشرر املنطلق من أرجل وأقدام اخليل ال يظهر إال إذا كان هناك درجة من اإلظالم ،وحيث غالبا ً ما تتم هذه املرحلة في فترة الشفق البحري .
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
ومن هنا جند أن لفظ ( قدحا ً ) قد أوحى لنا بتوقيت هذه املرحلة ، وبالتالي فإن جميع املراحل السابقة لها تكون سابقة في التوقيت ،مبعنى إذا كانت هذه املرحلة (التحول من تشكيل التقدم إلى تشكيل املعركة) تتم في فترة زمنية بها درجة إظالم فإن املراحل السابقة -ونقصد هنا مرحلة االقتراب من دفاعات العدو -تتم في فترة الليل كما سبق اإليضاح. .4مرحلة الهجوم على دفاعات العدو : وقد تناول القرآن الكرمي هذه املرحلة في قوله تعالى ( :فاملغيرات صبحا ً )، ولعل استخدام لفظ اإلغارة أصدق كثيرا ً من لفظ الهجوم على دفاعات العدو ،فاملعركة احلديثة في عصرنا اليوم تتم على مواجهات واسعة وفواصل كبيرة ،األمر الذي يسمح للوحدات املهاجمة بالتعامل املستقل واملنفصل مع دفاعات العدو ،وتأخذ الصورة بعد وصول القوات إلى خط بدء الهجوم صورة اإلغارة ممثلة في االقتراب املستور واالنقضاض السريع على تلك الدفاعات . ويالحظ هنا أن حتديد التوقيت جاء واضحا ً وصريحا ً ؛ حيث تتم هذه املرحلة صباحا ً ،وحيث إن الصباح أو النهار من وجهة النظر العسكرية يبدأ مع بداية الشفق املدني ،واملرحلة السابقة ( فاملوريات قدحا ً ) متت وهناك درجة من الظالم ،وهذا ما يعني أنها تتم في فترة الشفق البحري ،وبالتالي
فمرحلة ( العاديات ضبحا ً ) تتم أثناء الليل ووجود الظالم . .5مرحلة القتال لالستيالء على أهداف العدو : وقد عبر القرآن الكرمي عن هذه املرحلة من خالل قوله سبحانه : ( فأثرن به نقعا ً ) ،ومعنى أثرن أي : أحدثن به نقعا ً ،والنقع هنا له معان عديدة ،فهو يأتي مبعنى شق اجليب (االختراق الهجومي لدفاعات العدو) ومعنى الغبار واألتربة ( التي تنتج من حركة اخليل ،والدبابات في عصرنا اليوم ) ومعنى رفع الصوت ( الضوضاء الناجتة عن املعركة ) ومعنى القتل والتدمير ( اخلسائر التي حتدث في هذه املرحلة ) . وحيث هناك أكثر من عشر معان للفظ القرآني ،وعلى الرغم من اختالفها متاما ً بعضها عن بعض ،إال أن جميعها تصب في صلب موضوع هذه املرحلة . .6مرحلة تدمير العدو وتحقيق الهدف : تناول القرآن الكرمي هذه املرحلة في قوله تعالى ( :فوسطن به جمعا ) ، وكما سبق اإليضاح عند شرح هذه املرحلة أن توسط التجميع القتالي املعادي يعني النجاح الكامل في حتقيق الهدف النهائي ،وأن الوصول إلى ذلك يتم من خالل توحيد اجليوب اخملترقة مع بعضها البعض وفي إطار اجتاه محدد منتقى بعناية من قبل ( أثناء التخطيط للمعركة في منطقة احلشد ) بحيث يحقق هذا االجتاه سرعة عمل القوات املهاجمة واحملافظة على إجراءات التنسيق بينها . والوصول إلى وسط التجميع املعادي قد يتم باملواجهة أو من األجناب ،فإذا كان من املواجهة فإن (وسطن) هنا تأتي مبعنى شطرا ً ،أما إذا كان الوصول إلى التجمع
املعادي من خالل األجناب فإن لفظ الوسط هنا يأتي مبعنى املركز ،وهنا يكون التعبير القرآني الكرمي قد غطى املفهوم الكامل للمرحلة وبأشكال املناورة املطلوبة لتحقيق ذلك . الخالصــة : .1إن التناول القرآني للمعركة الهجومية يتم من خالل خمس آيات تتكون من عشرة ألفاظ ،ورغم ذلك فإن التناول القرآني عبر عن محتويات املعركة بالكامل ،بل وتطرق إلى تفاصيل دقيقة للغاي ة ،وهذا االختصار الشديد والتكامل العجيب خارج قدرة البشر . .2إن التناول القرآني للمعركة الهجومية يتم من خالل استخدامات لفظية غريبة وعجيبة ،وانظر إلى لفظ ضبحا الذي يدل على ما يجب اتخاذه من إجراءات أثناء حركة القوات ،ولفظ قدحا ً الذي يدل على توقيت احلدث بصورة ضمنية ،وطبيعة احلدث بصورة صريحة ...وهكذا . .3لفظ نقعا ً اللفظ العجيب املتعدد املعاني اخملتلفة والتي استخدمها املولى سبحانه بالكامل في سياق موضوع الذي تتحدث عنه املرحلة اخلامسة ،وهذا اللفظ في حد ذاته حتد واضح لكل جهابذة اللغة العربية :من يستطيع استخدام لفظ له عشر معان مختلفة ويسخر تلك املعاني في سياق املوضوع الذي يتكلم عنه ؟!
9
يقول الباري عز وجل :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚﮛ ﮜﮝﮞﮟ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧ ﮨ هود . 113 – 112 : إن قضية االستمرار في االمتثال ألمر اهلل في املنشط واملكره من القضايا اجلوهرية في التصور اإلسالمي ،ومن القضايا اجلوهرية كذلك في بنية التشريع وأدبياته ، وليس أدل على ذلك من وصية اهلل
10
لنبيه في هذه اآلية وفي غيرها بـ ( االستقامة ) ،التي هي :املداومة على فعل ما ينبغي فعله ،وترك ما ينبغي تركه . وقد قام بإسداء النصح بلزومها ملن سأله عن قول فصل يصلح به هَّ الل جماع أمره ،ف َع ْن ُ س ْف َيا َن ب ْ ِن َع ْب ِد ِ هَّ الل ، ال َّث َق ِف ِّي َقا َل ُ :قلْ ُت :يَا ر َ ُ سو َل ِ سأ َ ُل َع ْن ُه اإلسالم َقوال ً ال أ َ ْ ُق ْل لِي ِفي ْ أَحدا ً بعد َك َ ،قا َل ُِ ( :ق ْل آمنْت باللهَّ َ َْ َ َ ُ ِ ِ اس َت ِق ْم ) رواه مسلم . َف ْ ولنا مع هذه اآليات املباركة الوقفات
التالية : .1إن في قوله جل وعال :ﮏ ﮐﮑ ،وقوله :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ إشارة واضحة إلى ما يعترض سبيل االستقامة من مالبسات الس ّراء والض ّراء ،وقد أخبرنا ربنا أن من طبيعة البسط والتمكن استدعا َء البغي والطغيان ،حيث قال سبحانه :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ..الشورى ، 27 :والبغي هو مجاوزة احلد ،وهو يتجسد في صور متعددة :فبغي القوة :البطش
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
بالضعفاء ،وبغي اجلاه والنفوذ : الظلم وأكل احلقوق ،وبغي العلم: اعتماد العالم على ما لديه من شهرة ومكانة ؛ مما يدفعه إلى القول بغير دليل ،ورد أقوال اخملالفني من غير حجة وال برهان ،وطغيان املال :التبذير واإلسراف والتوسع الزائد في املتع واملرفهات . والعارض الثاني لالستقامة على خالف األول :حيث تدفع الطموحات ،والتطلعات املصلحية ،والضعف ،والظروف الصعبة إلى مصانعة الظاملني ومداهنتهم وإشعارهم بالرضا عما هم فيه ،واالستفادة من قوتهم وما لديهم من متاع في حتسني األحوال وحتقيق املكاسب ... مع أن طبيعة االستقامة وااللتزام في هذه احلال تقتضي املناصحة ، والهجر ،والضغط األدبي ،والتحذير مناف من التمادي في ذلك ،وهذا كله ٍ للركون ؛ لكن الشيطان يبرهن دائما ً على أنه ميلك خبرات مميزة في تزيني الباطل والتلبيس على اخللق ،فهو ينسيهم أحكاما ً ومواعظ وأدبيات ومواقف وجتارب ،ويدفع بهم بعيدا ً عن كل ذلك ! .2إن االستقامة في التحليل النهائي ليست سوى متحور املسلم حول مبادئه ومعتقداته ،مهما كلف ذلك من عنت ومشقة ،ومهما ضيع من فرص ومكاسب . وينبغي أن يكون واضحاً :إن املرء إذا أراد أن يعيش وفق مبادئه ،ورغب إلى جانب ذلك أن يحقق مصاحله إلى احلد األقصى ،فإنه بذلك يحاول اجلمع بني نقيضني ،وسيجد أنه ال بُد في بعض املواطن من التضحية بأحدهما حتى يستقيم أمر اآلخر . إن حتقيق املصلحة على حساب عد انتصارا ً لشهوة ،أو مصلحة املبدأ ي ُ ّ آن ّية ،أما االنتصار للمبدأ على حساب
املصلحة ،فإنه مبثابة ( التربع ) على قمة من الشعور بالسعادة والرضا ، والنصر واحلكمة ،واالنسجام والثقة بالنفس ،وقد أثبتت املبادئ أنها قادرة على أن تكرر االنتصار املرة تلو املرة ، كما أثبت اجلري خلف الشهوات دون قيد وال رادع أنه يحقق نوعا ً من املتع واملكاسب اآلن ّية ،لكنه ال يفتأ أن يرتد على صاحبه بالتدمير الذاتي ،
حيث ينمو الظاهر على حساب فساد الباطن ،ويتأ ّلف الشكل على حساب ضمور املضمون ! إن املبدأ أشبه شيء بـ (النظارة) إذا وضعناها على أعيننا ،فإن كل شيء يت ّلون بلونها ،فصاحب املبدأ له طريقته اخلاصة في الرؤية واإلدراك والتقومي :إنه حني يرى الناس يتسابقون على االستحواذ على منصب ؛ يستغرب من ذلك ،ويتر ّفع ؛ ألن مبدأه يقول له شيئا ً آخر غير ما تقوله الغرائز لآلخرين ،وإذا رأى الناس يخبطون في املال احلرام ؛ تقززت نفسه ؛ ألنه يعلم ضخامة العقوبة التي تنتظر أولئك ،وإذا أصيب مبصيبة ؛ فإنه يتجلد ويصبر ؛ ألنه يرجو املثوبة عليها من اهلل تعالى . إذا ق ّلبنا النظر في اهتمامات الناس ومناشطهم اليومية ،فإن من السهل الوقوف على احملور الذي يعلقون عليه توازنهم العام ،وهناك
همه األكبر النجاح في تشاهد :من ّ عمله واحملافظة على سمعته فيه .. كما تشاهد من يتمحور حول املتعة ، فهو يبحث عنها في كل نادٍ وواد ،ومن يتمحور حول املال ،فهو يجوب العالم بحثا ً عنه ..ومن يبحث عن السيطرة والنفوذ ،فهو مستعد ألن يفعل أي شيء في سبيل التمكن والتحكم . وجتد ثلة قليلة بني هذا الطوفان من البشر استهدفت أن حتيا هلل ،وأن ثم :فإنه ميكن تبحث عن رضوانه ،ومن َّ تفسير كل أنشطتها ومقاصدها في ضوء هذا احملور ،وهذه الثلة هي التي النبي rأن يفصح عن محورها أ ُ ِمر ّ باعتباره رائدها وهاديها :ﯓ ﯔ ﯕﯖﯗﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ األنعام . 163 – 162 : إن الذين يعلنون الوالء للمبادئ كثيرون ،بل هم أكثر أهل األرض ولكن ال برهان على ذلك لدى أكثرهم، وميكن أن يقال :إن ألكثر الناس دينني: دينا ً معلَنا ً ودينا ً حقيق ّيا ً ،ودي ُن املرء احلقيقي هو الذي يكرِّس حيـاته من أجله . إن من طبيعة املبدأ أنه ميد من يتمحور حوله بقوى وإمكانات خارقة وخارجة عن رصيده الفعلي ،ولذا : فإن التضحيات اجلليلة ال تصدر إال عن أصحاب املبادئ وااللتزام ،وهم أنفع الناس للناس ؛ ألنهم يثرون احلياة دون أن يسحبوا من رصيدها احليوي ، إذ إنهم ينتظرون املكافأة في اآلخرة ،والتمحور حول املبدأ هو الذي مينح احلياة معنى ،ويجعلها تختلف عن حياة السوائم الذليلة التي حتيا من أجل التكاثر ومجرد البقاء ..املبدأ هو الذي يُضفي على تصرفاتنا االنسجام واملنطقية ،ويجعلها واضحة مفهومة . نحن ال ننكر أن الظروف الصعبة
11
إن هناك فترة سماحات تطول أو تقصر بني االنحراف وعواقبه ،وهذا هو تاما ً ،كما أنه هو الذي جعل االبتالء ّ الذي ج ّرأ أهل املعاصي على التماري في غيهم ،لكن العاقل احلصيف ينظر دائما ً إلى األمام ويتحسس ما آت ،ويضغط على واقعة من أجل هو ٍ السالمة في مستقبله . .4علينا أن جنمع بني النصوص التي تدل على ضرورة االستقامة وااللتزام باملنهج الرباني ،والنصوص التي تفيد رفع احلرج والعنت عن هذه األمة ،من مثل قوله تعالى :ﮨ ﮩﮪﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ احلج ،78:وقوله :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ البقرة ، 286 :وقوله :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ البقرة ، 185 :وإذا فعلنا ذلك ،فإننا سنفهم من مجموعها أمرين : األول :هو ضرورة تزويد املسلمني بثقافة شرعية تتضح فيها حدود الواجبات ،واملباحات واحملظورات ،مبا يشكل خارطة فكرية واضحة ملا ينبغي أن يكون عليه سلوك املسلم وعالقاته .
تُو ِهن من سيطرة املبدأ على السلوك ،لكن تلك الظروف هي التي متنحنا العالمة الفارقة بني أناس تش ّبعوا مببادئهم ؛ حتى اختلطت بدمائهم وحلومهم ،وأناس ال متثل املبادئ بالنسبة لهم أكثر من تكميل شكلي لبشريتهم . .3ال مياري أحد في أن اإلنسان اكتشف في العصر احلديث من اآليات والسنن ما لم يكتشف عشر معشاره في تاريخ البشرية الطويل ،لكن مع هذا فعنصر اخملاطرة واإلمكانات املفتوحة ما زال قائما ً ؛ حيث تتحكم في الظاهرة الواحدة عشرات األلوف من العالقات التي يصعب معها التنبؤ بنتائج االجتهادات واألنشطة اخملتلفة ،وال سيما في القضايا الكبرى ،كمصائر األمم واحلضارات ، وقضايا التقدم والتخلف ،وما تنطوي عليه من تفاعالت وتغيرات ،وإن اهلل قد ضمن لنا نتائج االستقامة في الدنيا واآلخرة ،فهي بوجه من الوجوه وعلى نحو من األنحاء ال تكون إال خيرا ً ،وإال في صالح اإلنسان ،وقد قال اهلل :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ األعراف ، 128 :وقوله : ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ طه : ، 132وقوله : ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ األعراف . 96 : أما من يسلك دروب املعاصي والفجور ،ويتبع مغريات األهواء والشهوات :فإنه يظل يتوجس خيفة من سوء العاقبة ،لكنه ال يعرف شكل العقوبة ،وال طريقة نزولها وال توقيتها ؛ ليكون الشك والغموض الثاني :توفير الظروف والشروط واخلوف عاجل جزائه ،ومقدم ًة للبالء املوضوعية التي جتعل التزام املسلم الذي ينتظره ،ثم تكون اخليبة الكبرى بدينه ميسورا ً ،وبعيدا ً عن احلرج واخلسارة العظمى ! واملشقة التي ال تحُ تمل ؛ إذ أنه ال يكفي
12
أن تكون التعاليم اإلسالمية ضمن الطوق ،بل ال بُد إلى جانب ذلك من أن تكون الظروف املعيشية العامة التي يحيا فيها املسلم مناسبة ، ومشجعة على االلتزام . ِ إنه كلما تعقدت الظروف املطلوبة للعيش الكرمي ّ : قل عدد أولئك الذين يتصرفون ضمن مبادئهم ، ويلتزمون حدود الشرع ،فحني يكون املرتّب الشهري للموظف ال يكفي لسداد أجرة البيت الذي يسكنه ،فإن شريحة كبيرة من املوظفني سوف تلجأ إلى طرق غير مشروعة في تأمني احتياجاتها اليومية ، وآنذاك سيشعرون أن االلتزام التام ال يخلو من العنت ،وحينئذ سيكون عدد امللتزمني بالطرق الشرعية في الكسب محدودا ً . إن احلضارة احلديثة أضعفت اإلرادة مبا أوجدته من صنوف اللهو واملتع ،وجعلت الشروط املطلوبة للحد األدنى من العيش الكرمي فوق طاقة كثير من الناس ،كما أنها أوجدت من الطموحات إلى الكماليات ،وأشكال املر ِفهات ما يتجاوز بكثير اإلمكانات املتاحة ،وهذا كله جعل االستقامة على الشرع احلنيف بحاجة إلى منط من الرجال أرقى ،كما جعل من الواجب على األمة أن تفكر مل ّيا ً في توفير ظروف تساعد على االستقامة ،وحتفز عليها . واملنهجية اإلسالمية تقوم دائما ً على ما ميكن أن نسميه بـ ( احللول املركبة ) ؛ إذ إن هناك من النصوص واألحكام ما يرفع الوتيرة الروحية للمسلم ،كما إن هناك ما يزيد في بصيرته ،وهناك ما يدعوه إلى الصبر واجللد ،وهناك ما يحفزه على حتسني ظروف عيشه وأدائه ،وال بُد أن مننح الفاعلية لكل ذلك حتى ميكن جتسيد املنهج الرباني في حياة الناس .
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
إن الرجل العسكري العبقري هو الذي يجعل لديه دائما ً خطة للدفاع عن وطنه ،فقد يأتي الوقت الذي يهاجم فيه في عقر داره ويضطر للدفاع عنها ضد املغيرين ،كان صالح الدين األيوبي رحمه اهلل قائدا ً ممتازا ً يعرف قيمة الدفاع وأهميته لذلك اهتم بأن يجعل ملصر حصونا ً قوية تقف أمام املهاجم شامخة غير هيابة . والفكرة في إقامة احلصون أمران : األول :أن بالد الشرق كانت تعتمد على احلصون في دفاعاتها ،والثاني : أن مصر كلها سيول ،ومن ميلك ناحية اجلبل املطل على عاصمتها استطاع أن يسيطر على املوقف ،ولذلك أنشأ صالح الدين قلعة في مصر سماها باسمه وقد وضع أسس التحصينات الدفاعية عن بالده . الشورى من خصائص القائد احملنك واملقاتل املمتاز أن ال يتقيد برأيه وينفرد مبا يراه بل يحاول أن يأخذ بآراء اآلخرين قوال ً وفعالً ،ويعمل مبا هو مطلوب ومناسب . لقد كان القائد صالح الدين رحمه اهلل عندما يريد أن يقوم بأي عمل عسكري يدعو رجاله إلى االجتماع ويأخذهم بالنقاش ويسمع إلى آراء اجلميع ومن ثم يناقش حسنات
وسيئات كل رأي ويضع بعد ذلك اخلطة املناسبة أو العمل املنطقي الذي يوصل إلى نتيجة سليمة . تقدير الموقف إن تقدير القائد للموقف احلربي له أثر كبير في نتيجة هذا املوقف ، فكلما كان القائد متخذا ً الفكرة والتركيز في تقديره للموقف كانت النتيجة أفضل وذات فائدة جيدة ، وهذا ما كان يتصف به القائد صالح الدين ،فلقد كان يقدر موقفه في كل حلظة ،وقد ظهر ذلك في معركة حطني حني انتخب موقع املعركة ، وأيضا ً منع احملاوالت التي كان يريدها اإلفرجن من قطع خط الرجعة ،وهذا يدل على حنكته وتقديره اجليد للمعركة ،وفي جميع معارك صالح الدين كان تقدير املوقف الذي يضعه ناجحا ً وصادرا ً عن تفكير عميق وخبرة جيدة مما أدى إلى النصر املؤزر والقضاء على الصليبيني . االستطالع لقد عمل القائد صالح الدين مبا هو معروف في احلرب احلديثة باالستطالع والكشف والرصد ،وكان يعتمد على عيونه الذين يرسلون لتقصي أخبار العدو وأماكن ضعفه وقوته وكمية القوات املتحشدة ،وهذا ما قام به في حصار القدس ،فقد أرسل عيونه ملدة خمسة أيام ،اختبروا املناطق
الضعيفة واستطاع بعد ذلك أن يجتازها ويستولي على القدس . عالقته بجنده إن ثقة القائد بنفسه ثم ثقة قادته وجنوده به لها تأثير كبير في عالقات القائد وجنوده وفي تنفيذ هؤالء اجلنود ألوامر قائدهم وهم مؤمنون متاما ً بأن ما يقوله حق ،وكان اجملاهد صالح الدين من ذوي األخالق النبيلة ،وكان مؤمنا ً بأنه يعمل لغرض شريف نبيل ،وكان واثقا ً من أن نصر اهلل قريب ، وكل هذا جعل عالقته بجنده عالقة حسنة وإميانهم به اإلميان القوي املتني الذي يصدر عن عقيدة راسخة في قلوبهم ،كانت معاملته جلنده حسنة يرفع من مستواهم ويشعر بشعورهم ويتلمس احتياجاتهم مما زاد في ثقتهم به ،وقد كانوا يرون فيه األب والقائد احلاكم العادل . المحارب الشجاع لقد كان القائد صالح الدين كغيره من القائد العظام في اإلِسالم ميتاز بشجاعة نادرة ال مثيل لها هي قدوة جلنوده ومرؤوسيه ،يدلنا على ذلك أنه ال يخشى سهام عدوه املرسلة إليه وكان يركب جواده وهو مريض ويقود جنده ويندفع أمامهم ،فإذا طلبوا منه أن يريح نفسه قال ( :إمنا أشعر باملرض حني أترك ظهر جوادي ) .
13
ليست هناك استراتيجية ناجحة دون وجود مخطط استراتيجي ناجح ،يحدد : .1الهدف األساسي من الصراع . .2ويدرس الظروف الدولية احمليطة به. .3ويرصد اإلمكانيات االقتصادية واإلعالمية والعسكرية والبشرية والعوامل املعنوية لنا ،وبنفس الدقة التي نسلكها عند رصد نفس العناصر لدى العدو . واخملطط االستراتيجي الناجح ال يتوقف عند الدراسة والرصد للعوامل الصانعة للعمل االستراتيجي فقط ، ولكنه يدرس هذه العوامل وفق رؤية ديناميكية ،أي يدرس ردود أفعال هذه العناصر في حالة تفاعل وتأثير ،ال حالة سكون وجمود ،ومن ثم فإن التفكير االستراتيجي يجب أن يتسم بقدرة عالية على التصور املدروس ويضع في حسابه موقفا ً : إزاء كل تصرف يصدر عن اخلصم . أو خلل يقع فيه أحد أساليبنا أو فشل حلركة عسكرية أو سياسية أو دبلوماسية أو أمنية . باإلضافة إلى وضع مخطط كامل ملواجهة الظرف الدولي يحدد : .1مدى االستفادة من مساعدة
14
احللفاء . .2وحتييد القوى الدولية املتحالفة مع العدو . .3أو إبطال أي أثر إيجابي ميكن أن توفره هذه القوى للعدو . أفضل وسيلة لبناء المخطط يقول ليدل هارت : إن كل مخطط ينبغي أن يأخذ بعني االعتبار احتماالت إحباطات بواسطة العدو ،وأفضل وسيلة للتغلب على هذه املشكلة هي عمل مخطط :يتالئم بسهولة مع الظروف ( مرن ) ،مع القدرة على االحتفاظ بعامل املبادأة ( الس ْبق ) ،ومن ثم يجب استخدام خط يقود إلى أهداف متتالية -مستورة ،أي ذات طبيعة ضمنية -جلعل اخلصم في حيره تامة . إن عدم وجود أهداف متناوبة عمل يخالف طبيعة الصراع احلقيقية ، ويناقض األفكار الالمعة التي نشرها بورسني في القرن الثامن عشر ، وكان مما قاله :يجب أن يكون لكل مخطط عدة فروع ،على أن يكون كل فرع منها قادرا ً على السير باملعركة إلى النجاح . وقد طبق نابليون هذا الدرس من بعده وكان يبحث دائما ً كما يقول
عن إنشاء مخطط ذي فرعني ،ثم استفاد شيرمان بعد 70سنة من هذه التجربة ،وخلق فكرته اجلديدة التي تهدف إلى وضع العدو في حالة تستولي عليه فيها احليرة . هدف الصراع ويجب علينا عند وضع اخملطط االستراتيجي أن ندرس موضوعية هدف الصراع ،وإزالة أي غموض قد علق مبعناه . إن غاية أي صراع عسكري أو سياسي يستهدف حتقيق السلم في ظروف أفضل ،أي سالم وطبيعة مستقرة ،لذا يجب قيادة الصراع مع التفكير في السلم الذي سيعقبه . ركائز المخطط االستراتيجي ركائز اخملطط االستراتيجي هي : .1مطابقة الهدف مع اإلمكانيات، ألن من احلماقة أن نرغب في أشياء ال نستطيع صنعها ،وتبدأ احلكمة االستراتيجية عندما ندرك ما هو ممكن ،ومدى القدرة على حشد جميع العناصر وتقدير األوضاع احلقيقية املاثلة أمامنا دون أن نكتفي مبجرد االعتقاد بتحقيق الهدف . كما يجب الثقة في الهدف وعدالته ،والثقة في دقة وصحة اخملطط االستراتيجي ذاته ،وهذا
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
ما يجعل النجاح في حتقيق أهداف سياسية مستحيلة أمورا ً ممكنة ، شريطة أن ال تستهلك هذه الثقة أي عناصر إيجابية في قوانا ،أو تدفعنا إلى سلوك التهوين من قوة اخلصم . .2احتفظوا دائما ً بالهدف ماثالً أمامكم ،مع مطابقة مخططكم على الظروف ،وإدراك أن هناك أكثر من طريق للوصول إلى الهدف ،مع االهتمام باألهداف املرحلية لتأثيرها الشديد على الهدف األصلي ،ونتذكر أن الفشل في خطوة مرحلية أو هدف جزئي أمر سيء ،ولكن متابعة اجلهد غير اجملدي باستخدام أساليب عقيمة أشد سوءا ً . .3التقدم إلى اخلصم عند مواجهته من أكثر اخلطوط ابتعادا ً عن تفكيره ، أي التقدم إليه من خالل الظرف األقل توقعا ً في اعتقاده ،فعلينا أن نضع أنفسنا مكان اخلصم ،ونفكر كما لو كنا ضمن صفوفه لنقدر األشياء التي ال يتوقعها ،ونعرف ميكانيزم تفكيره إزاء كل حدث وإدراكه لهدف الصراع ،ومدى قوة أساليبه وجوانب الضعف في بنيانه . .4استثمار خط املقاومة األضعف ،أي التركيز على جوانب الضعف لدى العدو على الصعيد السياسي أو االقتصادي أو العسكري أو األمني . .5إرباك اخلصم بعرض عدد من األهداف السياسية أو العسكرية بحيث تدخله في حالة من احليرة الدائمة ال يستطيع فيها أن يحدد الهدف الذي سنقدم على حتقيقه . إن األخذ بخط عمليات يؤدي إلى أهداف متتالية يضع اخلصم في حالة من االرتباك واحليرة ،باإلضافة إلى أن الفشل في هدف جزئي ميكن تغطيته بالنجاح في حتقيق هدف أكثر أهمية ،بينما يؤدي تهديدنا لهدف واحد إلى
احتمال الفشل في حتقيقه ،ذلك ألن مفاجأة اخلصم ال تدوم طويالً . .6مراعاة املرونة سواء في التخطيط أو في حشد القوى ،أو في املواقف السياسية بحيث تتالئم نتائج هذه السياسة مع الظروف وال تتصادم مع الهدف النهائي للصراع . .7عدم إلقاء كل إمكانياتنا في عمل استراتيجي أو تكتيكي إذا كان اخلصم يتوقع هذه اخلطوة من جانبنا، ألنه يكون في هذه احلالة مستعدا ً لصد هذه الصدمة أو حتاشيها . وتعلمنا التجارب التاريخية أنه ال ميكن أن نحقق ضربة سياسية مجدية بشكل فعال إذا لم نشل أوال ً مقاومة العدو أو قدرته على حتاشي هذه الضربة ،وليس هناك قائد يقبل القيام بهجوم حقيقي على خصم متمركز قبل أن يتأكد من ابتداء هذا الشلل ،وينجم الشلل عن فقدان اخلصم للنظام أو حتطم معنوياته أو مفاجأته . .8ينبغي عدم جتديد الهجوم بنفس الرؤية أو األسلوب بعد أن فشل في املرة األولى ،حتى لو مت تقوية اإلمكانيات املهاجمة ،فإنها ال تبرر جتديد هذا النمط من الهجوم لئال يكون اخلصم قد حصل على قوى جديدة خالل فترة توقف الصراع ،كما أنه من املتوقع ارتفاع روحه املعنوية بعد أن جنح في إحباط مخططنا املرة األولى . أنواع االستراتيجيات مي��ك��ن ت��ص��ن��ي��ف ال��ن��م��اذج االستراتيجية اخملتلفة كلها نظريا ً داخل نوعني رئيسني هما : أ .االستراتيجية املباشرة . ب .االستراتيجية غير املباشرة . وتتالءم االستراتيجية املباشرة في جوهرها مع فكرة البحث عن النتيجة
احلاسمة ،أو الردع باستخدام قوة عسكرية ،كوسيلة رئيسة أو التلويح بهذه القوة . وهي قبل كل شيء نابعة من استراتيجية كالوزفيتز التي تعتبر تصحيحا ً للعقيدة املبنية على الديناميكية العقلية ولقد كانت هذه العقيدة مصدر إلهام للقادة العسكريني في احلرب العاملية األولى والقادة األملان واألميركيني في احلرب العاملية الثانية . أما االستراتيجية غير املباشرة فتعتبر مصدر إلهام جميع أنواع الصراعات التي ال تبحث عن احلل املباشر بصدام القوى املسلحة ولكن بوسائل غير مباشرة ،سياسية واقتصادية ( في حال احلرب الثورية ) . تتضمن هذه االستراتيجية عدم أخذ الثور من قرنيه ،أي عدم اختبار العدو في امتحان مباشر للقوة ، ولكن هذه االستراتيجية تتضمن عدم االقتراب من اخلصم إال بعد أخذ االحتياطات الالزمة إلزعاجه ومفاجأته وخداعه بهدف زعزعة توازنه بهجوم غير متوقع نقوم به من اجتاهات متعددة . والواقع أن تكتيكات االقتراب غير املباشر هي وسيلة تفرض نفسها على أحد اخلصمني املتنازعني إذا كان ال يثق ثقة تامة بأنه من القوة بحيث يستطيع التغلب على خصمه في معركة تنشب على أرض يختارها عدوه . ويقترح ليدل هارت االستخدام املنهجي لالقتراب غير املباشر ،مبعنى التقدم نحو اخلصم من اجتاهات غير متوقعة ،ثم التقدم في اجتاهات متعددة والقيام بتغييرها بحيث تصرف تفكير اخلصم عن األهداف احلقيقة للهجوم .
15
الدفاع موقف يوجد في احلرب حتى يكون الهجوم أكثر فاعلية . أميرال الفريد ماهان ال يوجد وسيلة للدفاع على املدى الطويل أفضل من التوغل داخل حدود العدو . جنرال روبرت لي إن من يحاول الدفاع عن كل شيء في وقت واحد هم أصحاب التفكير السطحي ،أما العقول الواعية فينظرون إلى األمور الرئيسة فقط ،ويتحملون بعض الصعاب في محاولة لتفادي عاصفة شديدة وذلك حتى يتجنبوا عاصفة أسوأ منها ، إن محاولة احلصول على كل شيء تنتهي بحصولك على ال شيء . فريدريك األعظم كيف يكون انسحابا ً ،ونحن قد بدأنا للتو هجوما ً في اجتاه آخر ؟ جنرال أوليفر سميث يعرف اجلنراالت أن الدفاع ال يجعل أحدا ً ينتصر ،وأنه ال بد في النهاية أن
16
تهاجم وتقتحم ،لذلك ميكننا أن نرى من خالل نصائحهم أن هناك اجتاها ً ضد فكرة الدفاع ،فاألميرال فاراجت يؤكد أن أفضل طريقة للوقاية من طلقات العدو هي طلقات محكمة تطلقها مدافعنا ،ويتفق اجلنرال لي مع نفس الفكرة ،وهي فكرة ال بد وأنك قد سمعت بها من قبل :إن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع ،بينما يكون من اخلطأ أن نفترض وجوب الهجوم دائما ً ،إال أن االحتفاظ بروح املبادرة في التعامل مع العدو هو مفهوم يستحق وضعه في االعتبار . ويشرح األميرال ماهان كيف أن الدفاع وجد أساسا ً حتى يكون الهجوم أكثر فاعلية في مكان آخر ،هناك مغزى لرأيه هذا ،فال أحد يستطيع أن يكون قويا ً في كل شيء ،حيث ال تتوفر أبدا املوارد الكافية إذا ما حاولنا تقسيم مواردنا بالتساوي على كل احتياجاتنا ،بل لو فعلنا ذلك لضعفنا ورمبا نفشل في النهاية فالفكرة أن نضع املوارد واألموال واملعدات حيث تكون احلاجة ماسة لها لتحقيق أهدافنا ،وننفذ سياسة الدفاع في االجتاهات األخرى .
يقول فريدريك شيئا ً شديد الشبه بهذا عندما يقول :إن العقول الصغيرة هي التي حتاول أن تدافع عن كل شيء ،إنه شيء ال ميكن حتقيقه ، لذلك فالسياسة السليمة في ميدان احلرب أو العمل أو احلياة هي تلك التي تختار املناطق األكثر حساسية أو التي ميكن أن نسميها مواضع حاسمة ثم يتم التركيز عليها مبا لدينا من موارد سواء عن طريق الدفاع أو الهجوم . لذا تذكر دائما ً : من املمكن أن يكون الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع ،ضع هذا في اعتبارك دائما ً . من املمكن -بل ومن الضروري- أن تقترن عمليات الدفاع بعمليات الهجوم . الدفاع االستراتيجي قد يتطلب هجوما ً تكتيكيا ً . ال حتاول الدفاع عن كل شيء ،لن تستطيع حتقيق ذلك ،عليك بتوجيه مواردك واستثمار إمكانياتك في املواضع احلاسمة حتى حتقق أهدافك.
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
رمبا جتدها كلها أو بعضها ،ورمبا تكتشف أن ابنك يلعب غدا ً بنموذج مصغر لها ،ما دام الصينيون قد فكوها ،فأبشر ..كل شيء سيكون مقلدا ً بدقة ،ورخيصا ً ألقصى درجة هذا بالضبط ما قاله أحد خبراء هندسة الطيران العسكريني عند سؤاله عن الطائرة األميركية التي ضبطها الصينيون متلبسة مبراقبتهم ،فكان جزاؤها أن يتم فكها قطعة قطعة ،والكشف عن أسرارها . أشعلت قضية تلك الطائرة األميركية فضول املاليني ملعرفة نوعية املهمة التي يقوم بها مثل هذا النوع من الطائرات ،كما بدأ الناس يبحثون عن اجلديد واملثير في عالم اجلاسوسية واالستخبارات . خسارة فادحة حسب حتليالت مصادر عسكرية عديدة ،فإن احتجاز الدولة الصينية للطائرة األميركية يعتبر خسارة عسكرية فادحة بسبب ما حتتويه الطائرة من أجهزة حساسة للغاية من الناحية األمنية . فالطائرة والتي هي من نوع EP-3E ARIES IIتعتبر جوهرة تاج البحرية األميركية من حيث قدرتها على جمع املعلومات شديدة احلساسية ؛ فتلك محملة بأجهزة استقبال الطائرة ّ وهوائيات قادرة على اعتراض وحتليل
االتصاالت الالسلكية العسكرية واملدنية ،باإلضافة إلى األنواع األخرى من االتصاالت االلكترونية ،من بريد الكتروني وأجهزة فاكس واتصاالت هاتفية ،وميكن للقوات األميركية من خالل حتليل هذه االتصاالت التع ّرف على خطط وحتركات القوات الصينية في حالتي السلم واحلرب . تبلغ كلفة هذه الطائرة 36مليون دوالر ،وهي قادرة على الطيران ملا يزيد عن اثنتي عشرة ساعة وملسافة 3000 ميل بحري ،أي ما يوازي 5555كلم ، ويوجد من هذا النوع نحو 12طائرة لدى البحرية األميركية ،وتتسع لـ 24فردا ً هم طاقم الطائرة الكاملة ما بني طيارين وتقنيني . وللطائرة أربعة محركات ،وطولها 32.28مترا ً وعرضها باجلناحني 30.36 مترا ً ،ويتوقع أن تكون الطائرة قد اجتهت إلى سواحل الصني من القاعدة األميركية املتواجدة في اليابان . وقد كانت مسؤولية تلك الطائرة القيام برحالت منتظمة على السواحل الصينية من أجل معرفة وحتديث شفرات االتصال اخلاصة باألجهزة الصينية ،من خالل التع ّرف على التوقيع اإللكتروني ومصدر وتردد هذه االتصاالت ،والتي يتم تغييرها بشكل مستمر من أجل متويه السلطات األميركية . ومع أن تعليمات وزارة الدفاع
األميركية واضحة لطاقم مثل هذه الطائرات بالنسبة إلى ضرورة تخريب األجهزة احلساسة وأية معلومات سرية موجودة على الطائرة فور وقوعها في أيدي العدو ،فإنه حتى ما يتبقى بعد عملية التخريب من معاجلات processorsقوية للغاية ،ودوائر إلكترونية شديدة السرعة ال متتلك مثلها الدولة الصينية ،ميكن استغاللها من أجل بناء قذائف باليستية وأسلحة نووية وأنظمة القتفاء أجهزة الرادار شديدة احلساسية . عالم اجلاسوسية مليء دائما ً باألجهزة املتخصصة من أجل أداء املهمات الصعبة ،فهناك الكاميرات صغيرة احلجم لتصوير املستندات الهامة ،والتي ميكن للجاسوس إخفاؤها في كعب حذائه ،وهناك علبة السجائر التي استخدمها جاسوس الـ كي جي بي نيكوالي خوخلوف في أوائل اخلمسينيات ، والذي كان يحمل السجائر املزيفة التي بها رصاصات مسممة . وهناك أيضا ً الشمسية ذات الطرف املدبب املسموم ،والتي استخدمت لقتل املنشقّ البلغاري جيورجي ماركوف في أثناء ركوبه أحد األتوبيسات في لندن ،ثم هناك األجهزة احلديثة والتي ميكن شراؤها من األماكن املتخصصة أو حتى
17
من على االنترنت ،مثل الهاتف احملمول اجملهز بجهاز تخليط يقوم بتغيير شفرات االتصال 150مرة في الثانية ،مما يعطي للمتكلم األمان التام من أجل نقل املعلومات الهامة بدون خوف من التنصت ،أو اجلهاز الصغير الذي يخبرك بوجود متنصت ملكاملاتك الهاتفية ،أو اجلهاز الذي يخبرك مبكان وجود أجهزة التنصت مبنزلك ،أو الساعة اليدوية اجملهزة بكاميرا الفيديو ،أو اجلهاز الصغير الذي يركب في لوحة املفاتيح اخلاصة بكمبيوتر أحد األشخاص ،والذي يسجل األصوات الصادرة في أثناء الكتابة على لوحة املفاتيح للتعرف على كل حرف يضغط عليه ،وبالتالي يستطيع التعرف على ما يكتبه الشخص املتجسس عليه على جهازه اخلاص ..وغيره وغيره . ومع طرافة ورمبا فائدة هذه األجهزة بالنسبة إلى بعض اجلواسيس ،فإن عالم اجلاسوسية في حقيقة األمر قد أصبح أعقد وأكثر تقنية من مثل هذه األجهزة بكثير . عالم شديد التعقيد متثل األقمار الصناعية رمبا أهم طرق التجسس في الوقت احلالي ، وميثل التواجد األميركي في الفضاء اخلارجي نحو % 90من املواصالت الفضائية ،وهناك أنواع عديدة من األقمار الصناعية ،فهناك مثالً األقمار اخلاصة بالتقاط الصور والتي مت ّر فوق أية نقطة على الكرة األرضية مرتني يوميا ً ،تتراوح قدرة التبني لهذه األقمار ما بني 10سنتيمترات إلى حوالي متر واحد . وقد حدثت تطورات هامة في تكنولوجيا حتليل الصور امللتقطة ،بحيث أصبح من املمكن تكوين صورة ثالثية األبعاد تبعا ً للمعلومات
18
القادمة من الفضاء اخلارجي والتي استخدمت عام 1995في تزويد الطيارين باملعلومات الالزمة عن األهداف املنشودة في البوسنة ،كما تستخدم في اكتشاف نقاط ضعف املناطق الواقعة حتت حراسة مشددة والتابعة لكبار جتار اخملدرات من أجل اقتحامها . وميكن لهذه األقمار الرؤية عبر السحب وليالً ،بل وباستطاعة بعضها اكتشاف التحركات القائمة حتت سطح األرض !! وهناك نوع آخر من األقمار الصناعية تقوم باالستطالع اإللكتروني ،والقادرة على اعتراض ماليني االتصاالت الهاتفية ورسائل الفاكس والبريد االلكتروني يوميا ً من العالم أجمع، ومع أن الشبكة تسيطر عليها الواليات املتحدة األميركية ،فإن الدول الناطقة باالنكليزية ( بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا ) تشترك معها فيها ،وقد صممت شبكة ايشالون في أول األمر منذ نحو عشرين سنة من أجل مراقبة االتصاالت العسكرية والدبلوماسية لالحتاد السوفياتي وحلفائه من دول الكتلة الشرقية ،ولكن مهمتها الرسمية حت ّولت بعد انتهاء احلرب الباردة للكشف عن خطط اإلرهابيني وجتار اخملدرات واالستخبارات السياسية والدبلوماسية . وقامت الدول املشاركة في الشبكة بإنشاء محطات أرضية لالعتراض اإللكتروني ،وبإنشاء أقمار صناعية اللتقاط جميع االتصاالت لألقمار الصناعية واملوجات الصغرى واالتصاالت اخللوية واتصاالت األلياف الضوئية ،تقوم الشبكة بتفنيد اإلشارات املعترضة في كمبيوترات ضخمة تسمى بالقواميس ،
واملبرمجة على البحث في كل اتصال عن كلمات أو عبارات أو عناوين أو حتى أصوات معينة ،كل دولة من الدول املشاركة في الشبكة مسؤولة عن مراقبة جزء معني من الكرة األرضية . وهناك أيضا أقمار اإلنذار املبكر ،والتي تكتشف إطالق الصواريخ من أراضي العدو ،وأقمار اكتشاف االنفجارات من أجل متابعة التجارب النووية . للتجسس عصر جديد ّ دخول احلاسوب اآللي إلى أغلب األجهزة احلكومية وغير احلكومية ، بل وإلى الكثير من املنازل باإلضافة إلى انتشار االنترنت انتشار النيران في احلشائش اجلافة ،أدى إلى دخول عصر التجسس أيضا ً ،ويقول جديد من ّ أحد اجلواسيس السابقني إن %90 من املعلومات التي يحتاج إليها أي جاسوس يستطيع أن يحصل عليها من املصادر العامة . الكثير من االتصاالت حتصل من خالل البريد اإللكتروني وغرف الدردشة ،والتي حتصل الدول نتيجة مراقبتها على معلومات هامة للغاية ،هذا باإلضافة إلى إمكان اختراق أجهزة الكمبيوتر اخلاصة عبر االنترنت . ويوفر االنترنت أيضا ً سبيالً لالتصال ما بني األنظمة أو اجلماعات اخملتلفة أضمن إلى حد ما من طرق االتصال التقليدية ،بسبب سعة االنترنت الهائلة وبالتالي صعوبة مراقبة جميع االتصاالت القائمة بها ،كما أن االنترنت يوفر لتلك اجلماعات -بل ولألجهزة احلكومية -ساحة خصبة للتعرف على الناس ومعرفة املناسب منهم للتجنيد ،وهكذا ،وباختصار شديد نرى كيف يراقب العالم بعضه البعض بإحساس مستمر من الريبة والشك والترقب .
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
ولد كارل فون كالوزفيتز عام 1780 في بورغ باملانيا ،وفي عام 1792عمل مدرسا ً للجيش البروسي ،واشترك في حملة الراين ( ، ) 1794 - 1793 وانتسب إلى األكادميية العسكرية في برلني في عام ،1801ثم اشترك في حملة يينا عام ، 1806حيث عمل خاللها مرافقا ً عسكريا ً لألمير أوغوست البروسي ،فجرح وأسر . وقد ساهم كالوزفيتز في كل املعارك التي كانت ضد نابليون ، ورفض استسالم بالده للفرنسيني ، كما عدل كالوزفيتز اخلطة الروسية للدفاع عن البالد ،أمام غزو نابليون . وفي املرحلة النهائية من تقهقر نابليون في روسيا ،كان كارل فون مفوضا ً في اتفاقية توروجني ،والتي متت بني الضباط الروس واجلنرال يورك الذي كان يقود املفرزة البروسية في اجليش النابوليوني الكبير ،وقد أ َ َّمن َْت هذه االتفاقية حياد اجلنود البروسيني ،وأدت إلى حرب التحرير البروسية ، وقد لعب كالوزفيتز دورا ً هاما ً في هذه االتفاقية .
وفي حملة 1813عني رئيسا ً ألركان اجلنرال تيلمان في معارك ليني وفافر ، ومات متأثرا ً مبرض الكوليرا في برسالو عام . 1831 أفكار كالوزفيتز كان كالوزفيتز يشبه احلرب مببارزة على نطاق واسع ،ويقارنها بصراع بني اثنني من املتبارزين ،ويستنتج من ذلك أن احلرب عمل من أعمال العنف تستهدف إكراه اخلصم على فرض إرادتنا ،فالعنف إذن هو الوسيلة ، والغاية هي فرض إرادتنا على اخلصم ، وليس هناك من حدود للتعبير عن هذا العنف ،ومن هذا يستنتج كالوزفيتز أن الهدف من أي عمل عسكري هو هزمية العدو أو نزع سالحه . ويسخر كالوزفيتز من النظرية القدمية القائلة ( باحلرب دون إهراق الدماء ) ،فيقول :ال حتدثونا عن قادة ينتصرون دون سفك دماء . من أقواله في حرب العصابات إن حرب العصابات هي حربالشعب ،فكلما زاد االحتكاك بالعدو واتسعت رقعته :زاد التسلح وتنامت
االستجابة الشعبية للنضال ،لتعمل كالنار املتدرجة البطيئة التي متتد لتتلف قواعد العدو وتقض مضاجعه ،ولهذا يجب أن يوضع في احلسبان عند التخطيط االستراتيجي لهذا النوع من احلرب العمل على كسب مساندة الشعب . يجب اعتماد التكتيك االنتقاميوالصاعق في األعمال العسكرية ،وعدم التورط مبقاتلة األهداف الرئيسة ،وتفادي اجملابهات الصامدة ،ألنه ال ميكن االعتماد على معركة واحدة بسبب استحالة الوصول إلى الذروة واحلسم العسكري . يجب العمل على توسيع مسرحالعمليات إلى أكبر مدى ،إلجبار العدو على توزيع طاقاته وقواته ،وبالتالي إفقاده ميزة احلشد ،واستنزافه وإرهاقه . يجب أن تدار العمليات من الداخل ،لتسهل ضبط األمور ،ولإلطالع املستمر عن كثب على األوضاع ، ولتلبية متطلبات املعركة في الوقت املناسب .
19
اجلهاد ماض إلى يوم القيامة ،هكذا آمنا بها عقيدة لن تلني ،وسيلتحق بركبنا أبطال كثر ،ولن نعدم دعاء املعذورين ،وسينضم إلى كتائبنا جيل الشباب العاشق للجهاد ،الطامح للبذل والعطاء ،واملتطلع إلى نصر املسلمني على عدوهم ،وسيصبر ذلك اجليش اجلهادي يحدوهم اميانهم باهلل ، وثبات مبادئهم ،وصدق نياتهم وإخالصهم في ذودهم وعطائهم ،وسيسيرون بخطى واثقة يبتغون الفوز باجلنة والنجاة من النار ،مسجلني في تاريخ املسلمني صفحات جهاد صادق ال تتيه . ومنذ انطالقة اجلهاد في بالدنا
20
انضمت إلينا قلوب راسخة ،وأقدام ثابتة ،ال تزال تقدم وتقدم ،أدهشت بحق العاكفني على أنفسهم في حجرهم ،وأذهلت اخلصوم الذين يواجهون تلك القوة اجلهادية التي معنى للخوف من املوت في ال تعرف ً قلوبها ،مع كل من تقدم ..بقي هناك من تخلف ! وهنا لي أن اسكب العبرات !! أجل ..أسكبها شفقة ورحمة على اؤلئك الذين غابت عنهم لذة اجلهاد في سبيل اهلل ،وانزووا في قارورة اآلمال الوهمية ،واختبأوا حتت عباءة اجلهاد عن بُعد أو اجلهاد حلول شبابية ،إنني أشفق على هؤالء ألنهم لم
يشعروا بقيمة اجلهاد العملية ،ولم يذوقوا طعم احلرية التي يستشعرها اجملاهد وهو يحمل سالحه يذود به عن دينه وعرضه وأهله !! آن األوان أن ال يتخلف أحد ،وإن كان فينا من هو ثاني عطفه يتأمل جماله ،وبرد عريشه ،وحسن زوجه ،وراحة عياله ،فإن اجلهاد اليوم بحاجة إلى من يؤثر الراحة ويدعها هلل ، حتى لو أبطأ به مسيره أو بعيره ،أو طال عليه األمد ولم يقس قلبه ،أو حتى قسى قلبه ،فإن التفاتة إلى إصالح النفس باجلهاد -جهاد عدو اهلل - كفيل بأن يحدث التغيير واإلصالح .. وشعار شباب اجلهاد اليوم « :إن كان
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
به خير فسيلحقه اهلل بنا ،وإن كان غير ذلك فقد أراحنا اهلل منه « . روى الطبراني عن أبي خيثمة ،وابن اسحاق ومحمد بن عمر عن شيوخهما قالوا : ملا سار رسول اهلل أياما ً دخل أبو خيثمة على أهله في يوم حار ،فوجد فيه امراتني له في عريشني لهما في حائطه ،وقد رشت كل منهما عريشها ،وبردت له فيه ماء ،وهيأت فيه طعاما ً ،فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امراتيه وما صنعتا له فقال :سبحان اهلل ! رسول اهلل قد غفر اهلل له ماتقدم من ذنبه وما تأخر في الضح والريح واحلر ،يحمل سالحه على عنقه ،وأبو خيثمة في ظل بارد ،وطعام مهيأ ،وامرأة حسنة ،في ماله مقيم !؟ ما هذا بالنَّصف ! ثم قال :واهلل ال أدخل عريش واحدة منكما حتى أحلق برسول اهلل ، فهيئا لي زادا ً . ففعلتا ،ثم خرج في طلب رسول اهلل حتى أدركه حني نزل تبوك ،وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب اجلمحي في الطريق يطلب رسول اهلل فترافقا ،حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهيب :إن لي ذنبا ً فال عليك إن تخ ّلف عني حتى آتي رسول اهلل ، ففعل ،حتى إذا دنا من رسول اهلل قال الناس :هذا راكب على الطريق مقبل ،فقال رسول اهلل : كن أبا خيثمة ، فقال رجل :هو واهلل يا رسول اهلل أبو خيثمة ،فقال رسول اهلل « :أولى لك يا أبا خيثمة « ،ثم أخبر رسول اهلل اخلبر ،فقال له رسول اهلل خيرا ً ودعا له بخير . فابك على فكن أبا خيثمة ..أو ِ نفسك ،فقد أبكاني حالك وغفلتك. ولسنا نضن بحسن ظن على عامل اختاره العارفون ليكون في
ميدان اجلهاد بالكلمة ،وأن نحسن فيه املقال ،لكن ال يكون ذلك مدرسة تثبط أصحاب العزائم ،وتذهب جذوة احلماسة في نفوس الباذلني ،فأقل ما يقدمه جهاد الكلمة ،كلمة ودعاء ، وإن حالت األمور دون ذلك ،فباملال وهو ليس جزاء أو فضل بل واجب وملزم . وإني هنا أدلكم على جتارة مغفرة الذنوب ،ورفع الدرجات ،وحيازة القوة والهيبة ،ولطاملا أرخت سدولها الليالي على مختبيء يفر من اجلهاد ويتولى يوم الزحف ..وسيغرق مرتني ،مرة في وحل الهزمية ومرة في وحل الذنوب . واخمللص من ذلك ..هو اجلهاد في سبيل اهلل ومشاركة اجملاهدين يومهم وليلهم وقيام الليالي للدعاء بنصرهم ..فهم من يحفظ اهلل بهم اليوم دينك وعرضك ونفسك ويحمونك ،ولقد هابتك اخلصوم ملا علمت قوة ضرباتهم وجالدة بأسهم ،وما أوتيت البيوت والناس إال يوم ترك أهل اجلهاد بال دعاء وال مال وال علماء وال منافح يذكر للناس مناقبهم . عن ابن مسعود قال : ملا سار رسول اهلل إلى تبوك
جعل يتخلف عنه الرجل ،فيقولون :يا رسول اهلل ،تخلف فالن ،فيقول : « دعوه ،فإن يك فيه خير فسيلحقه اهلل تعالى بكم ،وإن يك غير ذلك فقد أراحكم منه « ،حتى قيل :يا
رسول اهلل ،تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره ،فقال رسول اهلل : فإن يك فيه خير فسيلحقه اهلل بكم ،وإن يك غير ذلك فقد أراحكم اهلل تعالى منه ،وت ّلوم أبو ذر على بعيره ، فلما أبطأ به أخذ متاعه فحمله على ظهره ،ثم خرج يتبع رسول اهلل ماشيا ً ،فأدرك رسول اهلل في بعض منازله ،فنظر ناظر من القوم فقال :يا رسول اهلل ،إن هذا الرجل ميشي في الطريق وحده ،فقال رسول اهلل : كن أبا ذر ،فلما تامله القوم ، قالوا :يا رسول اهلل هو واهلل أبو ذر ، فقال رسول اهلل : رحم اهلل أبا ذر ،ميشي وحده ،وميوت وحده ،ويبعث وحده ،فلما قدم أبو ذر على رسول اهلل أخبره خبره ،فقال :قد غفر اهلل لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا ً إلى أن بلغتني ) . ً لكن كعبا تخلف !! وإن تخلفت مثل كعب فإن كعبا ً تخلف وكان يقول : « لم أتخلف عن رسول اهلل في غزوة غزاها قط إال في تبوك ،غير أني تخلفت في بدر ،ولم يعاتب أحدا ً تخلف عنها ،إمنا خرج رسول اهلل واملسلمون يريدون عير قريش حتى جمع اهلل بينهم وبني عدوهم على غير ميعاد « . فقل لي أيها املتخلف :أأنت تخلفت ألنك لم تعلم غزوة !! أم إنك آثرت الدعة والراحة ،وقلت لنفسك معي من القوم كثير !!؟ فيا شباب اجلهاد والبطولة :سيروا على دربكم في جهاد العدو ،وسحق جبروته ،وإرغام أنفه ..حتى يذله اهلل وينهزم بإذنه تعالى . فلكل من تخلف ..اُعلمه أن كعبا ً شهد املشاهد كلها ..فلما تخلف عن تبوك ..عاد وتاب ..وإننا ننتظر عودة اخمللفني وإيابهم !!
21
رجولة أهل الهمم واملعالي هي السعي احلثيث إلى جنة عرضها السماوات واألرض ،ومن متطلبات هذا السعي أن تكتسب من العلم أوفره ،وأن تنال من األدب أكثره ،ومن معالي األمور وجميلها ما يزين رجولتك ،ويجعلك محط اآلمال ومعقد األماني ،بعيدا ً عن عثرات الطريق ومزالق املسير . تصبح رجال أيها الشاب إذا اكتملت فيك مقومات الرجولة الظاهرية من ارتواء اجلسم ونضارته ،وقوة الشباب وحيويته وظهور الشوارب واللحى ، وهذه كلها تشترك فيها أمة مثلك من الشباب ..صاحلهم وطاحلهم ،مسلمهم وكافرهم ،برهم وفاجرهم .. بعض احليوانات تشترك مع اإلنسان في هذه الصفات من عضالت وقوة حتمل ،لكنك رجل مميز وشاب متفرد ..نريدك رجالً مسلما ً ال رجالً مجردا ً ! ولكي تكون كذلك فاآلفاق أمامك مفتوحة ،ودروب اخلير سهلة ميسورة ،وحصاد العلم قد دان وقرب ،وغراس اخللق ينتظر اجلاني .. فهيا لتنال نصيبا ً وافيا ً من ذلك فتكون رجالً كما نريد ،وكما تريد ، بل وكما يريد اهلل ذلك ،فاألسرة واجملتمع واألمة بحاجة إلى شباب صاحلني مصلحني ،فهذا الدين يحتاج إلى رجل ..ولكن ليس رجل فحولة فحسب ،بل رجل بطولة وصبر ،يحمل هم الدعوة ويقوم بها ويصبر على ما يالقيه ،يسعى جادا ً لنيل العلم واالرتقاء في درجاته ،عفيف اللسان نزيه اجلوارح ..تسارع قدمه إذا سمع األذان ..ويتردد بني جنباته آيات القرآن . وبعيدا ً عن التنظير والكلمات اإلنشائية ،أذكرك بأمور ،إن متسكت بها وأخذت بأطرافها فزت ورب الكعبة : أوالً :خلقت ألمر عظيم فاحذر أن
22
يغيب ذلك عن بالك طرفة عني ،فاهلل عز وجل يقول في محكم التنزيل :ﭳ ﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹ . ثانياً :الصالة ..الصالة ! فإنها عماد الدين والركن الثاني العظيم ،وال ّ حظ في اإلسالم ملن ترك الصالة ،فال تتهاون وال تتكاسل وال تتشاغل عن أدائها في وقتها مع جماعة املسلمني ،يقول الرسول ( : العهد الذي بيننا وبينهم الصالة فمن تركها فقد كفر ) . ونرى البعض يغتم ويهتم لفقد أمر من أمور الدنيا من ضياع قلم أو فقد محفظة ..وال يهتم بأن يفوته تكبيرة اإلحرام أو الصالة مع اجلماعة ،وواهلل لن يفلح من تركها ! ثالثاً :ما أضاع ساعات الزمن وأيام العمر مثل حياة الفارغني وأصحاب الهوايات الضائعة واألوقات املسلوبة ممن همهم إضاعة الساعات واألوقات في لهو وعبث ،فاحرص على وقتك فإنه أغلى من املال ،وإن كان مالك تستطيع أن حتافظ عليه وتنميه وتستثمره فإن الوقت قاتل وقاطع ،واألنفاس ال تعود . رابعاً :العلم طريق الوصول إلى خشية اهلل عز وجل فسارع إليه وابدأ بالعلم الشرعي الذي تقيم به أمور دينك ،وما نلت من علم دنيوي حتتاجه األمة فاجعل نيتك فيه خدمة اإلسالم واملسلمني حتى تؤجر عليه . خامساً :حسن اخللق كلمة لطيفة طرية على اللسان ،ولكن عند التطبيق تتباين الشخصيات ويفترق الرجال إلى أصول وفروع ! وال يغيب عن بالك أن حسن اخللق من صلب هذا الدين ..فبر والديك ،وارفق بأخيك ،وأحسن إلى صديقك ، وتعاهد جارك . سادساً :مع تنوع املعارف والعلوم ال بُد أن يكون لك سهم من تلك الطروحات
حتى تكون قوي الفكر ،ثابت املعلومة ، على إطالع واسع لتنمي ثقافتك ،ومثلك يحذر الطروحات الفكرية التي يدعيها بعض املوتورين واملرجفني ممن ال يذكرون اهلل إال قليال ! سابعاً :القدوة علم تسير خلفه وتستظل بآرائه وتستلهم طريقه ،فمن قدوتك يا ترى ؟ وال أعرف البن اإلسالم قدوة سوى محمد وصحبه الكرام وسلفه الصالح . ثامناً :أنت -وال ريب -تتطلع إلى غد مشرق وسعادة دائمة وظل وارف ،فعليك بتقوى اهلل في السر والعلن فإنها وصية اهلل لألولني واآلخرين وطريق النجاة يوم الدين ( :من عمل صاحلا ً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) . تاسعاً :لتكن قوي اإلرادة ،ماضي العزمية ،وألق ما تقع عليه عينك من احملرمات ،وابتعد عن الرذائل ومواطن الشبه والريب ،ولتكن لك قوة داخلية تسخرها لتزكية نفسك وصفاء سريرتك وذلك مبراقبة اهلل عز وجل على كل حني ومداومة العمل الصالح . عاشراً :الدعاء هو العبادة ،وكم أنت فقير إلى ربك وموالك ،فبالدعاء يكون انشراح النفس وطمأنينتها وطلب العون من اهلل عز وجل ،فال تغفل عنه ،واحرص على البعد عن موانع اإلجابة ،وكلما غفلت تذكر كثرة دعاء األنبياء ألنفسهم وحرصهم على ذلك . أيها الرجل الشاب ! يا من استقبلت الدنيا بوجهك ..إنها كلمات وإن كانت مكررة فأبشر وأمل إن وقعت في نفسك موقعا ً ،فعندها تكون رجالً وال كل الرجال ،بل رجل أثنى اهلل عز وجل عليه في مواضع عدة من كتابه الكرمي ،وحسبك هذا الثناء لتكون رجالً .
ﻛﺘﺎﺋـــــــﺐ ﺻــــــﻼح اﻟﺪﻳــــــــﻦ ا�ﻳﻮﺑــــــــﻲ
حني تتاح لإلنسان فرصة متميزة فإنه يعاب على تفريطه في استثمارها واغتنامها ،ويزداد العتب حني تكون الفرص محدودة واملكاسب املضاعة عالية وكبيرة ،لكن أشد من ذلك وأوْلى بالعتب أن يتمكن من فرصة فيفرط فيها ،وينقض غزله بيده ويخرب بيته بنفسه . وثمة حاالت من ذلك حتصل للمجاهدين وهي ليست بالقليلة ، ومن ذلك : أن يكون الشخص في موقع له أهميته وتأثيره ،فيضحي به نتيجة إصراره على أعمال أو مواقف ال ترقى أهميتها وتأثيرها إلى ما هو فيه . أن يرتكب شخص أو قسم مخالفات قانونية أو أمنية أو إدارية تؤدي إلى التعويق عن أعمال أكثر أثرا ً وأهمية . أن يتسبب في القضاء على مشروعات قائمة بسبب اإلصرار على ما هو دونها في املصلحة ،بل قد يفوت األمران كالهما . إن من يقرأ التاريخ سيجد حكومات وأحزاب وحركات إسالمية سقطت وقضي عليها بسبب مواقف وقرارات خاطئة نتيجة ما ترى أنه مصلحة ، وفات في ذلك من املصالح أضعاف أضعاف ما كانت ترنو إليه من عملها ،بل قد ضاعت املصلحتان كالهما . إننا قد نعتذر عن أخطائنا بأعذار نعتقد صحتها وليست كذلك : فتارة نعتذر بأننا مستهدفون
من أعدائنا ،ونشن حملة ضارية عليهم وعلى ما فعلوه ،واألعداء ال ينتظر منهم إال ما هو أسوأ مما فعلوا ،ولِ َم ال نعيب أنفسنا أننا لم نستطع اكتشاف مؤامرة العدو ،أو تفويت الفرصة عليه ،أو االستعداد ملواجهته ؟ وفي مواقف ليست بالقليلة نفسر كل ما يصدر من اآلخرين بأنه مؤامرة وباعثه النكاية بنا لديننا ودعوتنا وجهادنا وسالمة منهجنا .. وهذا قد يحصل كثيرا ً ،لكن ليس كل ما يفعله اآلخرون ميكن أن يفسر بالضرورة بهذا التفسير . وتارة نعتذر بسالمة منهجنا ونس ِّوغ إخفاقنا وجناح اآلخرين بأننا أسلم منهجا ً وأثبت طريقاً. وتارة نعتذر بأن كل ما يصيبنا إمنا هو ابتالء من اهلل ليرفع به درجاتنا وميحصنا ..لكننا نغفل عن أن احملنة واالبتالء هي مقاساة عذاب الطريق الصحيح ،ولكن اخلطأ هو عذاب الطريق غير الصحيح ،فهل نحن ال نخطئ ! وتارة نحول انهزامنا إلى نصر ،وإخفاقنا إلى جناح ،مبالغني في وصف منجزاتنا ،ومهونني من شأن خسائرنا . ً وتارة نشن هجوما على من ينتقدنا متهمني رأيه وتارة نواياه . لقد قال اهلل عن صفوة خلقه وخيرهم بعد األنبياء حني هزموا في أحد وأصابهم ما أصابهم :ﯽ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ آل عمران ومع ذلك لم يكن هذا األمر منقصا ً من شأن ذاك الرعيل ؛ بل كان دافعا ً له الستيعاب الدرس وجتاوز األزمة . إن إدراكنا ملسؤوليتنا عن أعمالنا ،والتفكير اجلاد في العواقب واملآالت ،وموازنة املصالح واملفاسد :يعيننا بإذن اهلل على جتنب إخفاقات ومواقف فشل ،ويزيد من فرصة احملافظة على مشروعاتنا وأعمالنا اجلهادية . ونحتاج أن نضيف إلى ذلك اجلرأة على انتقاد أنفسنا ومراجعة أعمالنا ، والفصل بني سالمة املنهج واملمارسة ،والفصل بني حسن النية وحسن العمل ،والفصل بني صحة احلقائق واملنطلقات وبني مدى انطباقها على الواقع أو ما يعبر عنه األصوليون بتحقيق املناط . ونحتاج أن نضيف إلى ذلك تقليل املساحة التي حتتلها العاطفة من تفكيرنا ومواقفنا ،والنظر البعيد الذي يتجاوز ما حتت أقدامنا ،والعمل باستراتيجية املدى املتوسط والبعيد ،ال أن ننشغل بالعمل اليومي لنُستهلك ونبقى في خانة ردود األفعال . وذلك كله لن ينقلنا للعصمة؛ فسنبقى بشرا ً نخطئ ونصيب ، ونكبو وننهض ،لكنه سيقلل من حاالت اإلخفاق ،وسيحافظ أكثر على مشروعاتنا ومنجزاتنا ،واهلل املوفق .
23