The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat Al-Ahzab

Page 1

Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS) ISSN (E): 2305-9249 ISSN (P): 2305-9494 Publisher: Centre of Excellence for Scientific & Research Journalism, COES&RJ LLC

Online Publication Date: 1st July 2020 Online Issue: Volume 9, Number 3, July 2020 https://doi.org/10.25255/jss.2020.9.3.1263.1287

The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat Al-Ahzab Ihssan Ali Mahamoud Abdel-Hadi Student in the department: Fundamentals of Religion, College of Sharia, University of Jordan, Amman, Jordan E-mail: ihsan1989.hadi@gmail.com Abstract: This study examined what are the methods of media misinformation among the hypocrites through Surat Al-Ahzab, in order to know the reality of the role they played during the Battle of Al-Khandaq, and the extent of these methods in the modern era. Among the objectives of the study are the statement of the anecdotal media methods adopted by the hypocrites, clarification of the actual media methods issued by them, and an indication of the extension of these media methods to our present time all through Surat Al-Ahzab. The researcher followed the deductive approach and the inductive approach to follow these methods in the surah. The researcher discussed in the first topic the anecdotal media methods of the hypocrites, and in the second topic the actual media methods, and in the third topic the effects of these media methods and their impact on the modern era. The study concluded that the media hypocrisy in its two ways (both verbal and actual) are more deadly in society, and more influential in souls, and in political (war), social and economic struggles. Keywords: misinformation, methods, media, hypocrites, parties This work is licensed under a Creative Commons Attribution 4.0 International License.


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫‪Citation:‬‬ ‫‪Abdel-Hadi, Ihssan Ali Mahamoud (2020); The methods of media misinformation‬‬ ‫‪among the hypocrites in light of Surat Al-Ahzab; Journal of Social Sciences‬‬ ‫;‪(COES&RJ-JSS), Vol.9, No.3, pp:1263-1287‬‬ ‫‪https://doi.org/10.25255/jss.2020.9.3.1263.1287.‬‬ ‫عنوان البحث‪ :‬أساليب التضليل اإلعالمي عند المنافقين في ضوء سورة األحزاب‪.‬‬

‫اسم الباحث‪ :‬إحسان علي محمود عبد الهادي‪ ،‬طالب في قسم‪ :‬أصول الدين ‪ ،‬كلية‪ :‬الشريعة‪ ،‬الجامعة‬

‫األردنية ‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪.‬‬

‫البريد االلكتروني للباحث المرسل‪:‬‬

‫‪ihsan1989.hadi@gmail.com‬‬

‫أساليب التضليل اإلعالمي عند المنافقين في ضوء سورة األحزاب‬ ‫الملخص‬

‫التعرف‬ ‫تناولت هذه الدراسة ماهية أساليب التضليل اإلعالمي عند المنافقين من خالل سورة األحزاب‪ ،‬بغية ّ‬

‫على حقيقة الدور الذي قاموا به خالل معركة الخندق‪ ،‬ومدى امتداد هذه األساليب في العصر الحديث‪.‬‬

‫تبناها المنافقون ‪ ،‬وتوضيح األساليب اإلعالمية‬ ‫ومن أهداف الدراسة بيان األساليب اإلعالمية القولية التي ّ‬ ‫الفعلية التي صدرت عنهم‪ ،‬وبيان امتداد هذه األساليب اإلعالمية إلى زمننا الحاضر كل ذلك من خالل‬ ‫ّ‬ ‫سورة األحزاب‪،‬‬

‫واتبع الباحث المنهج االستنباطي والمنهج االستقرائي لتتبع تلك األساليب في السورة‪.‬‬

‫وقد تناول الباحث في المبحث األول األساليب اإلعالمية القولية عند المنافقين‪ ،‬وفي المبحث الثاني‬

‫الفعلية‪ ،‬وفي المبحث الثالث آثار تلك األساليب اإلعالمية ووقعها على العصر‬ ‫األساليب اإلعالمية‬ ‫ّ‬ ‫الحديث‪.‬‬

‫أشد فتكا في المجتمع‪ ،‬وأكثر‬ ‫أن أساليب النفاق اإلعالمية بشقيها(القولية والفعلية) ّ‬ ‫وخلصت الدراسة إلى ّ‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫تأثي ار في النفوس‪ ،‬وفي المعتركات السياسية (الحربية) و‬ ‫ّ‬ ‫الكلمات المفتاحية‪ :‬التضليل‪ ،‬أساليب‪ ،‬اإلعالم‪ ،‬المنافقون‪ ،‬األح ازب‪.‬‬ ‫المقدمة‬

‫الحمد هلل على نعمائه وفضله‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪ ،‬وعلى آله وصحبه؛ وبعد‪:‬‬

‫تتناول هذه الدراسة اإلجابة عن سؤال رئيسي ومهم أال وهو‪ :‬ما أساليب التضليل اإلعالمي عند المنافقين‬ ‫في ضوء سورة األحزاب‪.‬‬

‫أهمية هذه الدراسة في كونها مهمة لطلبة الدراسات العليا في جانب التفسير الموضوعي‬ ‫ومن هنا تظهر ّ‬ ‫ألنها تبحث في الكيفية التي برز فيها دور المنافقين أثناء الحصار ببث الدعايات الكاذبة‪ ،‬ومحاولة تخذيل‬ ‫المؤمنين عن القتال‪ ،‬وتثبيطهم عن الوقوف في وجه األحزاب‪ ،‬واإلرجاف وبث الخوف والرعب بين المؤمنين‬

‫تعد أيضا مهمة لطلبة الدراسات العليا من الجانب المنهجي حيث تبين منهجية المنافقين‬ ‫في المدينة‪ ،‬و ّ‬ ‫‪1264‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫القولية والفعلية في محاول ة التشكيك بصدق وعد اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم للمؤمنين بانتشار‬

‫الحق ‪-‬‬ ‫الصد عن‬ ‫اإلسالم ونصرة اهلل تعالى لهم‪ ،‬وكيف بذلوا في سبيل ذلك جهدهم‪ ،‬وأعملوا ألسنتهم في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خضم هذه المعركة‪ -‬وفي أذية النبي الكريم صلى اهلل عليه وسلم والمؤمنين‪.‬‬ ‫في‬ ‫ّ‬

‫مشكلة الدراسة ‪ :‬تحاول هذه الدراسة اإلجابة عن السؤال الرئيس اآلتي‪ :‬ما أساليب التضليل اإلعالمي عند‬ ‫المنافقين في ضوء سورة األحزاب؟ وينبثق عنه األسئلة الفرعية اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬ما األساليب اإلعالمية القولية التي تبناها المنافقون من خالل سورة األحزاب؟‬

‫الفعلية التي صدرت عن المنافقين من خالل سورة األحزاب؟‬ ‫‪ -2‬ما األساليب اإلعالمية‬ ‫ّ‬ ‫‪ -3‬ما وقع هذه األساليب اإلعالمية على العصر الحديث‪ ،‬وهل لها امتداد فيه؟‬ ‫أهداف البحث‪:‬‬

‫تبناها المنافقون من خالل سورة األحزاب‪.‬‬ ‫‪ -1‬بيان األساليب اإلعالمية القولية التي ّ‬ ‫الفعلية التي صدرت عن المنافقين من خالل ذات السورة‪.‬‬ ‫‪ -2‬توضيح األساليب اإلعالمية‬ ‫ّ‬ ‫‪ -3‬بيان امتداد هذه األساليب اإلعالمية الصادرة عن المنافقين في زمننا الحاضر‪.‬‬ ‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫هنالك دراسات كثيرة تناولت الحديث عن المنافقين من خالل سورة األحزاب‪ ،‬وعن سورة األحزاب وتضمنت‬

‫الحديث عن المنافقين‪ ،‬لعله من أهمها‪:‬‬

‫‪‬‬

‫دراسات تناولت الحديث عن سورة األحزاب‪:‬‬

‫موضوعية‪ -‬للطالب شريف الدين مصطفى حسن‪،‬‬ ‫‪ -1‬معالم المجتمع اإلسالمي في سورة األحزاب‪-‬دراسة‬ ‫ّ‬

‫تعرض الباحث‬ ‫وقد قدمت هذه الدراسة لنيل درجة الدكتوراه في جامعة أم درمان اإلسالمية في السودان‪ ،‬وقد ّ‬ ‫في أحد مطالب بحثه إلى موقف المتخاذلين من المنافقين واليهود خالل تصويره ألحداث غزوة األحزاب‪.‬‬

‫‪ -2‬األلفاظ التي انفردت بها سورة األحزاب‪-‬دراسة داللية موضوعية‪ ،‬لألستاذ الدكتور جهاد محمد‬ ‫النصيرات‪-‬جامعة مؤتة سنة ‪2014‬م‪ ،‬وقد تناولت هذه الدراسة األلفاظ القرآنية التي انفردت بها سورة‬ ‫األحزاب‪ ،‬اشتقاقاً وجذ اًر‪ ،‬من خالل ربط هذه األلفاظ في أصولها ودالالتها المعجمية ‪ -‬من حيث الداللة‬ ‫والموضوع‪ -‬مع شخصية سورة األحزاب في موضوعاتها وقضاياها التي عالجتها‪.‬‬

‫‪ -3‬شخصية القائد في ضوء سورة األحزاب‪ -‬لألستاذ الدكتور جهاد محمد النصيرات‪-‬الجامعة األردنية‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬وقد تناولت هذه ال دراسة شخصية القائد من خالل سورة األحزاب‪ ،‬في دراسة موضوعية ‪ ،‬تهدف‬ ‫للوقوف على أهمية هذه الشخصية القيادية ‪ ،‬ووظائفها ‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬وقد تطرق الباحث إلى أن من وظائف‬

‫القائد عدم طاعة الكافرين والمنافقين؛ و ّأنه البد له أن يحذر أراجيف الفئات المعادية من الداخل والخارج ‪،‬‬ ‫ففئة المنافقين _ الطابور الخامس _ تفتك بالمجتمع المسلم منً الداخل‪ ،‬وتوهي أركانه‪ ،‬لذا فإن سورة‬ ‫األحزاب أعطت هذه الفئة عناية خاصة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫دراسات تناولت الحديث عن المنافقين‪:‬‬

‫‪ -1‬المنافقون في القرآن‪ ،‬رسالة جامعية لنيل درجة الماجستير‪-‬حينها‪-‬للباحث عبد العزيز الحميدي سنة‬

‫قدمت‪ ،‬ولكنها أقدم رسالة جامعة في موضوعها‬ ‫‪1395‬هـ‪1974-‬م‪ ،‬ولم يذكر الباحث من ألي جامعة ّ‬ ‫‪1265‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫زمنية‪ ،‬ذكر من ضمنها(موقف المنافقين في‬ ‫قسم الباحث دراسته إلى فترات ّ‬ ‫استطعت االطالع عليها‪ ،‬وقد ّ‬ ‫غزوة األحزاب)‪ ،‬وكانت دراسته جلها في جمع آيات الموضوع‪ ،‬والروايات الحديثية الواردة في هذا الصدد‬

‫تنزل اآليات فيها‪.‬‬ ‫بشكل سردي تاريخي بحت‪ ،‬واالستدالل منه إلى زمن ّ‬

‫قدمت لنيل درجة الماجستير في جامعة‬ ‫األمة‪ ،‬وهي رسالة جامعية ّ‬ ‫‪ -2‬دراسة قرآنية في النفاق وأثره في حياة ّ‬ ‫الملك سعود سنة ‪1415‬هـ‪1994-‬م للباحث عادل الشدي‪ ،‬وهي دراسة موضوعية تعرضت لآليات التي‬ ‫تعرض‬ ‫تكلمت عن قضية النفاق من خالل جمعها وتصنيفها‪ ،‬وتقسيمها معتمدا على أسباب النزول‪ ،‬وقد ّ‬ ‫لذكر أهداف المنافقين ووسائلهم‪ ،‬ومدى تأثيرها على المجتمع‪.‬‬

‫قدمت لنيل درجة‬ ‫السنة‪ ،‬للباحث أنس محمود اشتيوي‪ ،‬وقد ّ‬ ‫‪ -3‬النفاق والمنافقون دراسة في القرآن و ّ‬ ‫تعرض الباحث لمفهوم النفاق لغة‬ ‫الماجستير في أصول الدين في جامعة النجاح سنة ‪2016‬م‪ ،‬وقد ّ‬ ‫وعدد فيه مباحث‬ ‫واصطالحا‪ ،‬وداللة هذا اللفظ في القرآن‪ ،‬وأفرد فصال لذكر أساليب المنافقين في المدينة؛ ّ‬

‫مثل‪ :‬التشكيك‪ ،‬والرياء‪ ،‬والتثبيط‪ ،..‬ثم ختم دراسته بفصل تكلّم فيه عن النفاق في الواقع المعاصر من جهة‬

‫عالمية‪.‬‬ ‫اجتماعية وسياسية وا‬ ‫ّ‬

‫وقد أفدت من جملة هذه الدراسات إدراج مفهوم النفاق في التمهيد لهذه الدراسة إسوة بمن سبقني‪ ،‬وأضفت‬

‫ثم عرضت أخي ار لذكر أساليب المنافقين وأثرها‬ ‫إلى ذلك التعريف بسورة األحزاب لموضعها من هذه الدراسة‪ّ ،‬‬ ‫في اإلعالم المعاصر‪.‬‬ ‫منهج البحث‪:‬‬

‫المنهج المتّبع في هذا البحث‪:‬‬ ‫مفسرين في موضوع هذه الدراسة‪.‬‬ ‫‪-1‬المنهج االستقرائي‪ :‬حرصت عل تتبع أهم أقوال ال ّ‬ ‫‪-2‬المنهج االستنباطي‪ :‬وذلك من خالل استنباط أساليب المنافقين اإلعالمية‪ ،‬القولية والفعلية على ٍّ‬ ‫حد‬ ‫سواء‪ ،‬عن طريق استنطاق آيات السورة‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫مقدمة وتمهيد وثالثة مباحث وخاتمة‪ ،‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫إن طبيعة هذا البحث تقتضي أن تكون خطته من ّ‬ ‫ّ‬ ‫المقدمة‪ :‬أهميَّة البحث‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬ومنهج دراستِه‪.‬‬ ‫التمهيد‪ :‬وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعريف بمحددات البحث‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التعريف بسورة األحزاب والوحدة الموضوعية فيها‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األساليب اإلعالمية القولية عند المنافقين في سورة األحزاب‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التشكيك‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المبالغة في الكذب واختالق األعذار‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التثبيط عن الجهاد‪.‬‬

‫الفعلية التي صدرت عن المنافقين من خالل سورة األحزاب‪ ،‬وفيه‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬األساليب اإلعالمية‬ ‫ّ‬

‫مطلبان‪:‬‬

‫‪1266‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعويق‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اإلرجاف‪.‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬آثار األساليب اإلعالمية من خالل سورة األحزاب‪ ،‬ووقعه على العصر الحديث وفيه ثالثة‬

‫مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬آثار األساليب اإلعالمية على المؤمنين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آثار األساليب اإلعالمية على المنافقين‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آثار األساليب اإلعالمية وامتدادها في العصر الحديث‪.‬‬

‫أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬ ‫الخاتمة‪ :‬وفيها ّ‬ ‫المطلب األول ‪ :‬التعريف بمحددات البحث‪.‬‬

‫التمهيد‬

‫التعريف بالتضليل لغة واصطالحا‪:‬‬

‫أوالا‪ :‬المعنى اللغوي لكلمة (التضليل)‪.‬‬

‫كلمة (تضليل) على وزن (تفعيل) وجذرها هو (ضلل)‪ ،‬قال ابن منظور في معنى الجذر‪(":‬ضلل) الضَّال ُل‬ ‫والضَّاللةُ ُّ‬ ‫ضد الهُ َدى والرَّشاد"‪.1‬‬

‫عدة لمعنى هذه الكلمة وما يد ّل عليه أصلها واشتقاقاتها‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫وذكر الزبيدي معان ّ‬ ‫ض ُّد ا ْله َدى ‪ ،‬والر ِ‬ ‫الضالَ ُل محَّرَكةً ‪ِ :‬‬ ‫‪َّ -1‬‬ ‫َّشاد‪.‬‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫المطلوب‪.‬‬ ‫صل إلى‬ ‫‪ -2‬فَ ْق ُد ما ُي َو ِّ‬ ‫طلُ ِ‬ ‫ق ال ُيو ِّ ِ‬ ‫ك طَ ِري ٍ‬ ‫وب‪.‬‬ ‫الم ْ‬ ‫‪ُ -3‬سلُو ُ‬ ‫ص ُل إلى َ‬ ‫َ‬ ‫الع ُدو ُل عن الطري ِ‬ ‫الم ْستَِق ِيم ‪.‬‬ ‫هو ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫‪َ -4‬‬ ‫ِ​ِ​ِ‬ ‫‪ -5‬يقال َّ ِ‬ ‫َضلَْلتُهُ) ‪ ،‬وللشيء الثابت في موضعه إالَ ّأن َك لَ ْم تَ ْهتَِد إِلَْي ِه‬ ‫للش ْيء الزائل في َموضعه قد (أ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫جاء ِم َن الم ْف ُع ِ‬ ‫الض ِ‬ ‫َضلَْلتُهُ)‪.‬‬ ‫الل ِم ْن ِقَبلِ َ‬ ‫قلت‪(:‬أ ْ‬ ‫ول به‪َ ،‬‬ ‫ك َ‬ ‫جاء ِم َن ّ‬ ‫قلت َ‬ ‫َ‬ ‫‪(:‬ضلَْلتُهُ)‪ ،‬وما َ‬ ‫(ضلَْلتُهُ) ‪ ،...‬و ُكل ما َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحجَّة ‪.‬‬ ‫ضل الش ْي ُء ‪ :‬إذا َخف َي َ‬ ‫اب عن ُ‬ ‫ضل الكاف ُر ‪ ،‬إذا َغ َ‬ ‫اب ‪ُ ،‬يقا ُل ‪َ :‬‬ ‫وغ َ‬ ‫‪َ -6‬‬ ‫َن تَ ِ‬ ‫الشه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضو َن َ ُّ‬ ‫داه َما‬ ‫داهما فَتُ َذ ِّك َر إِ ْح ُ‬ ‫ض َّل إِ ْح ُ‬ ‫داء أ ْ‬ ‫ِّس ُ‬ ‫‪ -7‬الضَّال ُل ‪ :‬الن ْ‬ ‫من َ‬ ‫يان ‪ ،‬ومنهُ قَ ْولُهُ تَعالى ‪{ :‬م َّمن تَْر َ ْ‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يب ِح ْفظُها عنها ‪.‬‬ ‫األ ْ‬ ‫يب عن حفْظها ‪ ،‬أو َيغ َ‬ ‫ُخرى} ‪ ،‬أي تَغ َ‬ ‫ثانيا‪ :‬المعنى االصطالحي‪.‬‬

‫عرف أبو البقاء (الضالل) بأنه ‪ ":‬كل عدول عن النهج عمدا أو سهوا قليال كان أو كثيرا"‪.1‬‬ ‫ّ‬

‫‪1‬‬

‫‪ -‬ا بن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم األفريقي المصري‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار صادر ‪ -‬بيروت(ج‪/11‬‬

‫ص‪.)390‬‬

‫الرزاق الحسيني‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬دار‬ ‫محمد بن‬ ‫‪ - 2‬الزبيدي‪ ،‬أبو الفيض‬ ‫محمد بن عبد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الهداية(ج‪ /29‬ص‪.)344-343‬‬

‫‪1267‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫ثم زاد في تعريفه وحصره بقوله‪ ":‬التضليل يجري في العقليات وفيما كان من باب االعتقاد"‪.2‬‬ ‫ّ‬ ‫الح ْمل على‬ ‫(التضليل)‪":‬‬ ‫معنى‬ ‫عن‬ ‫قال‬ ‫حيث‬ ‫السعادات‬ ‫أبو‬ ‫أضافه‬ ‫ما‬ ‫يف‬ ‫ر‬ ‫التع‬ ‫في‬ ‫ندخل‬ ‫أن‬ ‫ويمكننا‬ ‫َ‬ ‫الضالل و ُّ‬ ‫َّ‬ ‫الدخول فيه"‪.3‬‬ ‫أن التضليل البد في من طرفين‪ :‬م َ ِّ‬ ‫ضلَّل‪.‬‬ ‫مهمة ّ‬ ‫تبين ّ‬ ‫وم َ‬ ‫وهذه زيادة ّ‬ ‫ضلل‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫أن الضالل قد يقع من الفرد نفسه‬ ‫ّ‬ ‫ويتبن لنا مما ذكر من المعاني اللغوية‪ ،‬وما جاء في المعنى االصطالحي ّ‬ ‫من باب النسيان أو خفاء ما يبحث عنه أو العدول عن الحق عمدا أو سهوا‪.‬‬

‫وقد يقع عليه من غيره كما قال أبو السعادات ّأنه حمل على الضالل والدخول فيه‪ ،‬وهذا ما يمس صلب هذه‬ ‫الدراسة‪.‬‬

‫بأنه‪ :‬كل عدول عن النهج عمدا أو سهوا‪ ،‬قليال كان أو كثيرا‪،‬‬ ‫وننتهي إلى تعريف لفظ (التضليل) مما سبق ّ‬ ‫غيره‪ ،‬ويكون في العقليات وفيما كان من باب االعتقاد‪ ،‬إذ باب الفقه يقال‬ ‫من الفرد نفسه أو وقع عليه من ّ‬ ‫ألنه محل اجتهاد‪.‬‬ ‫فيه‪ :‬أخطأ وليس ض ّل؛ ّ‬ ‫التعريف باإلعالم لغة واصطالحا‪:‬‬

‫قال ابن فارس‪ " :‬العين والالم والميم أضل صحيح واحد ‪ ،‬يدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره‪ ،‬ومن‬

‫ذلك اخذت العالمة ‪ ،‬ويأتي الفعل (علم) بمعنى (عرف) فيتعدى إلى مفعول واحد ‪ ،‬ويأتي ( علم) أيضا‬ ‫بمعنى (شعر) فيكون كذلك ‪ ،‬وقد يتعدى بالهمزة فيقال ‪ :‬أعلمته بكذا‪ ،‬أو بالتضعيف ‪ ،‬فيقال ‪ :‬علمته بكذا‬

‫‪،‬والعلم نقيض الجهل"‪.4‬‬

‫ويأتي اإلعالم بمعنى األذان كما ذكره الجوهري فقال ‪ ":‬فاألذان هو إخبار واعالم بدخول الوقت"‪.5‬‬

‫ويختص اإلعالم ‪" :‬بما كان إخبا ار سريعا"‪.6‬‬

‫و" قيل أعلمه األمر ‪ :‬أخبر به وعرَّفه إياه"‪.7‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الكفوي‪ ،‬أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني‪ ،‬كتاب الكليات‪ ،‬تحقيق عدنان درويش وآخرون‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪-‬‬

‫بيروت ‪1419 -‬هـ ‪1998 -‬م (ص‪.)894 :‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫ المصدر السابق (ص‪.)45 :‬‬‫‪ -‬ابن ال جزري‪ ،‬أبو السعادات المبارك بن محمد‪ ،‬النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬تحقيق طاهر أحمد الزاوي و‬

‫محمود محمد الطناحي‪ ،‬طبعة ‪1399‬هـ ‪1979 -‬م‪ ،‬المكتبة العلمية ‪ -‬بيروت(ج‪ /3‬ص‪.)206‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬أبو الحسين أحمد بن زكريا‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق عبد السالم محمد هارون‪ ،‬طبعة ‪1399‬هـ‬

‫‪1979 -‬م‪ ،‬دار الفكر(ج‪ -4‬ص‪.)109‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ -‬الجوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد (‪393‬هـ)‪،‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1990‬م‪ ،‬دار العلم للماليين‪-‬‬

‫بيروت(ج‪.)2068-5‬‬

‫‪6‬‬

‫‪ -‬األصفهاني‪ ،‬محمد بن المفضل أبو القاسم (‪502‬هـ) مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬تحقيق مصطفى بن عودي‪ ،‬الطبعة‬

‫األولى‪ ،‬مكتبة فياض(ص‪.)437‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ -‬عمر‪ ،‬أحمد مختار( ‪ )2008‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬عالم الكتب‪ -‬القاهرة (ج‪-2‬‬

‫ص‪.)1541‬‬

‫‪1268‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫بالغا ‪ :‬أي أوصلتهم إلى المطلوب ‪ .‬قال تعالى " ولقد‬ ‫وجاء اإلعالم بمعنى التبليغ ‪ ،‬يقال ‪ ":‬بلغت القوم ً‬

‫أوص ًل ‪ :‬إشاعة‬ ‫وصلنا القول لعلهم يتذكرون " القصص ‪ 392 :‬واإلبالغ هو اإليصال‪ْ ،‬‬ ‫أعلَ َم و ْأبلَ َغ َ‬ ‫وبي َ‬ ‫ّ‬ ‫َّن و َ‬ ‫‪1‬‬ ‫المعلومات وبثها واذاعتها على الناس " ‪.‬‬

‫ويتضح لنا مما سبق أن اإلعالم ال يكون إال بين طرفين‪ :‬معطي ومتلقي‪ ،‬و ّأنه يترك عالمة في الشيء‬ ‫(معنوية)‪ :‬وهي تأثر الناس بما يعلمونه‪.‬‬ ‫أما اإلعالم في االصطالح‪ ،‬فهو من " مصدر (أعلم) و ُهو عبارة عن تَ ْح ِ‬ ‫صيل ا ْلعلم واحداثه ِع ْند ا ْل ُم َخاطب‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫جِ‬ ‫اهال بِا ْل ِ‬ ‫علم بِ ِه ليتَ َحقَّق إِ ْح َداث ا ْلعلم ِع ْنده وتحصيله لَ َد ْي ِه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصدق في ْاإل ْع َالم دون ْاإل ْخَبار‪ ،‬ألَن ْاإل ْخَبار َيقع على ا ْل َكذب بحكم التعارف‪َ ،‬ك َما َيقع على‬ ‫َوي ْشتَرط‬ ‫ْ‬

‫الصدق قَا َل هلل تَ َعالَى‪ { :‬إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} (الحجرات‪.2")6:‬‬ ‫ْ‬ ‫ومن المعاصرين من يعرفه فيقول ‪ " :‬هي كافة أوجه النشاط االتصالية التي تستهدف تزويد الجماهير بكافة‬ ‫الحقائق واألخبار والمعلومات السليمة عن القضايا والمعلومات والمشكالت ومجريات األمور بطريقة‬

‫موضوعية"‪.3‬‬

‫الشمري‪" :‬اإلعالم ‪ :‬هو نقل المعلومات والمعارف الفكرية والسلوكية بطريقة معينة عبر أدوات ووسائل‬ ‫ويقول ّ‬ ‫اإلعالم والنشر بقصد التأثير"‪.4‬‬ ‫وعرفه بعضهم فقال ‪" :‬هو إيصال المعلومات والحقائق والمعارف من قبل قائم باالتصال إلى الجماهير‬

‫المتلقية ‪ ،‬بأساليب معينة ؛ بغية التأثير في الرأي العام وتوجيهه للقيام بردود أفعال معينة تخدم الهدف الذي‬

‫يسعى إليه القائم بالعملية اإلعالمية"‪.5‬‬

‫أن اإلعالم‪ :‬هو عملية تقع بين طرفين أحدهما معطي للمعلومات واآلخر‬ ‫ومن خالل التعريفات السابقة نقول ّ‬ ‫مستقبل لها؛ بقصد التأثير عليه ليخدم أهداف القائمين على العملية اإلعالمية‪.‬‬

‫التعريف بالنفاق لغة واصطالحا‪ :‬قال ابن فارس في معنى النفاق في اللغة‪(":‬نفق) النون والفاء والقاف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أصالن صحيحان‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ومتَى‬ ‫يدل ُ‬ ‫أحدهما على انقطا ِع شيء وَذهابه‪ ،‬واآلخر على إخفاء شيء واغماضه‪َ .‬‬ ‫تقاربا‪.‬‬ ‫صل‬ ‫ُح ِّ‬ ‫الكالم فيهما َ‬ ‫ُ‬ ‫ت نفقةُ القوم‪.‬‬ ‫الدابةُ ُنفوقاً‪ :‬ماتت‪ ...‬ونفَق‬ ‫َّ‬ ‫فاألول‪َ :‬نفَقَت ّ‬ ‫الشيء‪ :‬فني يقال قد َن ِفقَ ْ‬ ‫ُ‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫ انظر‪ :‬معجم مفردات القرآن الكريم (ص‪.)195‬‬‫ الكليات (ص‪.)148‬‬‫‪ -‬حسين‪ ،‬سمير محمد(‪ ،)1984‬اإلعالم واالتصال بالجماهير والرأي العام‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عالم الكتب ‪،‬‬

‫القاهرة(ص ‪.)22‬‬

‫‪4‬‬ ‫الشمري‪ ،‬فهد بن عبد الرحمن ( ‪ 1431‬هـ ‪ 2001 -‬م ) التربية اإلعالمية وكيف التعامل مع اإلعالم الطبعة‬ ‫ ّ‬‫األولى‪،‬الرياض (ص‪.)52‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬راضي‪ ،‬سمير جميل ( ‪ 1417‬هـ ‪ 1996 -‬م ) اإلعالم اإلسالمي رسالة وهدف ‪ ،‬دعوة الحق ‪ ،‬كتاب شهري‬

‫يصدر عن رابطة العالم اإلسالمي (العدد ‪ ،172‬السنة ‪ ،15‬ص ‪.)29‬‬

‫‪1269‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫ِ‬ ‫ص إلى مكان‪ .‬و َّ‬ ‫‪ ...‬واألصل اآلخر َّ‬ ‫اليربوعُ من ُج ْح ِره‬ ‫النفَق‪َ :‬س َر ٌ‬ ‫النافقاء‪ :‬موضعٌ يرقِّقه َ‬ ‫ب في األرض له َم ْخلَ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َرب َّ‬ ‫صاحبه يكتُم‬ ‫ق‪ ،‬أي خرج‪ .‬ومنه اشتقاق النِّفاق‪ ،‬ألن‬ ‫افقاء برأسه فانتفَ َ‬ ‫َ‬ ‫فإذا أُت َي من قَبل القاصعاء َ‬ ‫الن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإليمان في خفاء‪ .‬ويمكن َّ‬ ‫أن األص َل في الباب‬ ‫خرج منه‪ ،‬أو يخرج هو من‬ ‫َ‬ ‫خالف ما ُيظهر‪ ،‬فكأن اإليمان َي ُ‬ ‫‪1‬‬ ‫المسلك َّ‬ ‫َّ‬ ‫النافذ الذي ُيمكن الخرو ُج منه" ‪.‬‬ ‫ق‪:‬‬ ‫ف‬ ‫الن‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫الخ‬ ‫وهو‬ ‫واحد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ​ُ ُ‬ ‫َ‬

‫النفاق كاآلتي‪:‬‬ ‫فاألصالن المذكوران يمكن تنزيلهما على معنى ّ‬ ‫األول ‪ :‬انقطاع اإليمان من قلب المنافق وذهابه‪ ،‬إما كلّه أو بعضه‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬إخفاء المنافق للكفر‪ ،‬أو خروجه من اإلسالم‪ ،‬وستر ذلك بإظهار خالفه وهو اإلسالم‪.‬‬

‫ق ُنفُوقاً مات ‪ ...‬و َّ‬ ‫النفقة ما أُنِفق والجمع‬ ‫ق‬ ‫الفرس والدابةُ وسائر البهائم َي ْنفُ ُ‬ ‫ويقول ابن منظور‪ (":‬نفق ) َنفَ َ‬ ‫ُ‬ ‫المنافق ُمنافقاً َّ‬ ‫نِفاق ‪...‬و َّ‬ ‫للنفَق وهو‬ ‫ق أي منقطع ‪ ...‬سمي‬ ‫ق السريع االنقطا ِع من كل شيء يقال سير َن ِف ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الن ِف ُ‬ ‫ق كاليربوع وهو دخوله نافقاءه [أي جحره] ‪ ..‬وله جحر‬ ‫َّرب في األَرض وقيل إنما سمي ُمنافقاً ألنه نافَ َ‬ ‫الس َ‬ ‫ِ‬ ‫القاصعاء فهو يدخل في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القاصعاء أو‬ ‫النافقاء ويخرج من‬ ‫ب قَصَّع فخرج من‬ ‫آخر يقال له القاصعاء فإذا طل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المنافق يدخل في اإلسالم ثم يخرج منه من غير‬ ‫يدخل في القاصعاء ويخرج من النافقاء فيقال هكذا يفعل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِّفاق الدخول في‬ ‫المنافق في الدين والنِّفاق بالكسر فعل‬ ‫المنافق والن ُ‬ ‫الوجه الذي دخل فيه ‪ ..‬ومنه اشتقاق ُ‬ ‫إسالمي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به وهو‬ ‫الخروج عنه من آخر ‪ ...‬وهو اسم‬ ‫اإلسالم من َو ْجه و ُ‬ ‫ّ‬ ‫قي ِ‬ ‫نافق ُمنافقة ونِفاقاً وهو مأْخوذ‬ ‫الذي َي ْس ُتر ُك ْفره ويظهر َ‬ ‫إيمانه وان كان أَصله في اللغة معروفاً يقال نافَ َ ُ‬ ‫‪2‬‬ ‫من النافقاء ال من َّ‬ ‫َّرب الذي يستتر فيه لستره ُك ْفره" ‪.‬‬ ‫النفَق وهو الس َ‬ ‫أن المصطلحات التي جاء بها اإلسالم متولّدة من أصول لغة العرب‪ ،‬وان كانت لم تعرف من‬ ‫ويستفاد منه ّ‬ ‫قبل بالمعنى الذي استحدثه اإلسالم للقالب اللغوي المتأصل عندهم‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمعنى االصطالحي للنفاق‪:‬‬

‫فقد قال الجرجاني في تعريف للنفاق ّأنه‪ ":‬إظهار اإليمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب" ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ظ ِه َر ِْ‬ ‫ان‪َ :‬ك ِد ِ‬ ‫اء أ َْبطَ َن ِد ًينا ِم ْن ْاأل َْدَي ِ‬ ‫ين‬ ‫َن ُي ْ‬ ‫ويقول ابن تيمية في تعريف النفاق‪ُ ":‬ه َو أ ْ‬ ‫اإل ْس َال َم َوُي ْبط َن َغ ْي َرهُ َس َو ٌ‬ ‫‪4‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َعم ِ‬ ‫ا ْلَيهُوِد َو َّ‬ ‫ال الصَّالِ َح " ‪.‬‬ ‫ص َارى أ َْو َغ ْي ِرِه ْم‪ ،‬أ َْو َك َ‬ ‫الن َ‬ ‫ان ُم َعط ًال َجاح ًدا للصَّان ِع َوا ْل َم َعاد َو ْاأل ْ َ‬ ‫‪3‬‬

‫وقال الحافظ الحكمي‪":‬هو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله مع االنقياد ظاه ار رئاء الناس"‪.5‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التعريف بسورة األحزاب والوحدة الموضوعية فيها‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫ معجم مقاييس اللغة(ج‪ /5‬ص‪.)454‬‬‫ لسان العرب(ج‪ /10‬ص‪.)357‬‬‫‪ -‬ال جرجاني‪ ،‬علي بن محمد بن علي‪ ،‬التعريفات‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري‪ ،‬الطبعة األولى ‪1405‬هـ‪ ،‬دار الكتاب‬

‫العربي ‪ -‬بيروت (ص‪.)311‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبدالحليم‪ ،‬اإليمان األوسط‪ ،‬تحقيق محمود أبو سن‪ ،‬الطبعة األولى ‪1422‬هـ‪ ،‬دار طيبة‬

‫للنشر ‪ -‬الرياض (ص‪.)18‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ -‬ال حكمي‪ ،‬حافظ بن أحمد‪ ،‬أعالم السنة المنشورة العتقاد الطائفة الناجية المنصورة‪ ،‬تحقيق حازم القاضي‪ ،‬الطبعة‬

‫الثانية ‪1422‬هـ‪ ،‬و ازرة األوقاف‪-‬السعودية (ص‪.)230 :‬‬

‫‪1270‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫مدنية؟‬ ‫مكية أم ّ‬ ‫اختلف المفسرون في سورة األحزاب؛ هل هي ّ‬

‫مدنية‪ ،‬ونقل اإلجماع واالتفاق على ذلك‪ ،‬ذكره الرازي والثعالبي وابن عطية األندلسي والعز‬ ‫سورة األحزاب ّ‬ ‫بن عبد السالم‪ 4‬والقرطبي‪ 5‬وابن عاشور‪ 6‬وغيرهم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫بمكيتها أمثال ابن عادل‪ 7‬وأبو الليث السمرقندي‪ 8‬وعبد القاهر الجرجاني‪ ،9‬وخالفهم‬ ‫ولكن هنالك من قال ّ‬ ‫يكاد ال يذكر في مقابل قول الجمهور‪.‬‬ ‫"وعدد آياتها سبعون وثالث آيات في جميع العدد‪ ،‬وليس فيها اختالف"‪ ،10‬وترتيبها في المصحف الثالث‬

‫والثالثون‪.11‬‬

‫وبالنسبة للوحدة الموضوعية للسورة؛ فقد تكلمت السورة عن موضوعات تبدو متباينة للناظر من الوهلة‬ ‫ّ‬ ‫األولى‪ ،‬وليس األمر كذلك فقد تحدثت السورة عن التبني‪ ،‬والميثاق‪ ،‬وعن زوجات رسول اهلل صلى اهلل عليه‬

‫‪1‬‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬ال رازي‪ ،‬فخر الدين محمد بن عمر التميمي الشافعي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬الطبعة األولى‪1421‬هـ ‪ 2000 -‬م‪،‬‬

‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت (ج‪ /25‬ص‪.)164‬‬

‫‪2‬‬

‫‪-‬انظر‪ :‬الثعالبي‪ ،‬عبد الرحمن بن محم د بن مخلوف‪ ،‬الجواهر الحسان في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي)‪ ،‬مؤسسة‬

‫األعلمي للمطبوعات ‪ -‬بيروت(ج‪ /3‬ص‪.)217‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬ا بن عطية‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن غالب األندلسي‪ ،‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬تحقيق عبد‬

‫السالم عبد الشافي محمد‪ ،‬الطبعة األولى‪1413‬هـ ‪1993-‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬لبنان(ج‪ /4‬ص‪.)422‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬عز الدين‪ ،‬ابن عبد العزيز بن عبد السالم السلمي الدمشقي الشافعي(‪ 660‬هـ)‪ ،‬تفسير العز بن عبد‬

‫السالم‪ ،‬تحقيق عبد اهلل بن إبراهيم الوهبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ ‪1996-‬م‪ ،‬دار ابن حزم‪-‬بيروت(ص‪.)889 :‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬القرطبي ‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين(‪671‬هـ)‬

‫‪،‬الجامع ألحكام القرآن(تفسير القرطبي)‪ ،‬تحقيق أحمد البردوني وابراهيم أطفيش‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1384‬هـ ‪ 1964 -‬م‪،‬‬ ‫دار الكتب المصرية ‪ -‬القاهرة (ج‪ /14‬ص‪.)113‬‬

‫‪6‬‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬محمد الط اهر بن محمد بن محمد الطاهر التونسي (‪1393‬هـ)‪،‬التحرير والتنوير‪ ،‬الطبعة‬

‫األولى‪1420‬هـ‪2000/‬م‪ ،‬مؤسسة التاريخ العربي‪ ،‬بيروت (ج‪ /21‬ص‪.)175‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ -‬ا بن عادل‪ ،‬أبو حفص عمر بن علي الدمشقي الحنبلي‪ ،‬اللباب في علوم الكتاب‪ ،‬تحقيق عادل أحمد عبد الموجود‪،‬‬

‫الطبعة األولى‪ 1419‬هـ ‪ 1998-‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت (ج‪ /15‬ص‪.)495‬‬

‫‪8‬‬

‫‪ -‬ال سمرقندي‪ ،‬أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم الفقيه الحنفي‪ ،‬بحر العلوم‪ ،‬تحقيق محمود مطرجي‪ ،‬دار الفكر‬

‫‪ -‬بيروت(ج‪ /3‬ص‪.)39‬‬

‫‪9‬‬ ‫ـ)‪،‬د ْرُج ُّ‬ ‫اآلي‬ ‫الدرر في تَِفسيِر ِ‬ ‫ ال جرجاني‪ ،‬أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي األصل (‪471‬ه َ‬‫والسُّور‪ ،‬تحقيق وليد بِن أحمد بن ِ‬ ‫الح َس ْين‪،‬إياد عبد اللطيف القيسي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1429‬هـ ‪ 2008 -‬م‪،‬‬ ‫صالح ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫مجلة الحكمة‪ ،‬بريطانيا(ج‪ /3‬ص‪.)1395‬‬

‫‪10‬‬

‫‪ -‬نبيل‪ ،‬آل إسماعيل‪ ،‬كتاب الروضة في القراءات اإلحدى عشرة‪-‬دراسة وتحقيقا‪،-‬أطروحة مقدمة لجامعة االمام‬

‫محمد بن سعود‪ -‬السعودية سنة ‪1415‬هـ‪ ،‬للباحث (ج‪/1‬ص‪.)592‬‬

‫‪11‬‬

‫‪ -‬ال خضيري‪ ،‬محمد بن عبد العزيز بن أحمد‪ ،‬السراج في بيان غريب القرآن‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1429‬هـ ‪2008 -‬‬

‫م‪ ،‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪ ،‬المملكة العربية السعودية (ص‪)215 :‬‬

‫‪1271‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫وسلم‪ ،‬وعن زواج زينب رضي اهلل عنها‪ ،‬والحجاب‪ ،‬وعن المنافقين والمرجفين‪ ،‬وعن الساعة واألمانة‪ ،‬ونحن‬

‫في ق اررة أنفسنا نعلم أن القرآن مترابط من أول آية فيه إلى آخر آية‪ ،‬ويبين ما ذكرناه ما نقله الدكتور جهاد‬ ‫نصيرات في بحثه (األلفاظ التي انفردت بها سورة األحزاب) عن سيد قطب‪ " :‬وبالنظر إلى فترة نزول هذه‬

‫السورة الممتدة من بعد غزوة بدر إلى ما قبل صلح الحديبية فإن السورة صورت هذه الفترة من حياة‬

‫المسلمين تصوي ار واقعيا مباشرا‪ ،‬تتولى فيه السورة جانبا من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة‪ ،‬وابراز تلك‬ ‫المالمح وتثبيتها في حياة األسرة والجماعة‪ ،‬وبيان أصولها من العقيدة والتشريع وفي أثناء الحديث عن تلك‬

‫األوضاع والنظم يرد الحديث عن غزوة األحزاب وغزوة بني قريظة‪ ،‬ومواقف الكفار والمنافقين واليهود فيهما‬

‫ودسائسهم في وسط الجماعة المسلمة وما وقع من خلل وأذى بسبب هذه الدسائس"‪.1‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬األساليب اإلعالمية القولية عند المنافقين في سورة األحزاب‪.‬‬

‫اجتماعيا ظاه ار يؤثر في المجتمع أيما تأثير‪ ،‬وأصل هذا النفاق ومصدره فساد ما في‬ ‫تعالج السورة خلال‬ ‫ّ‬ ‫القلوب ‪ ،‬ولكن اهلل كان رقيبا عليهم يفضحهم في ذلك كلّه‪ ،‬فكانت أساليبهم اإلعالمية القولية كما في السورة‬ ‫متعددة ‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التشكيك‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﭽ َّما َكان ٱللَّه لِي َذر ٱلۡمؤۡ ِمنِين علَى ما أَنتُمۡ علَيۡ ِ‬ ‫يث ِم َن ٱلطَّي ِ‬ ‫ِّبۡ ﭼ‬ ‫ه َحتَّى َي ِم َيز ٱلۡ َخبِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ​َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫سنة اهلل تعالى في خلقه‪ ،‬ليميز ‪ -‬وهو أعلم بذلك ‪ -‬المؤمن من الكاذب في‬ ‫(آل عمران‪ .)179 :‬فاالبتالء ّ‬ ‫إيمانه‪ ،‬وانما جعل ذلك التمييز تنبيها للمؤمنين لئال يدخل في صفوفهم من ليس منهم‪.‬‬

‫وبعد أن وصف الحق سبحانه مجيء األحزاب من حول المدينة‪ ،‬وما أصاب المؤمنين من خوف وقلق‪ ،‬ذكر‬

‫ردة فعل المنافقين في أول الفتنة‪ ،‬فكان ذلك مخيبا لهم ال لغيرهم‪ ،‬قال تعالى واصفا‬ ‫مباشرة بعد ذلك ّ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ُقلُوبِ ِهم‬ ‫ِفي‬ ‫ين‬ ‫ون‬ ‫َيقُو ُل‬ ‫َوِاذۡ‬ ‫ذلك‪ :‬ﭽ‬ ‫في‬ ‫حالهم‬ ‫وفاضحا‬ ‫َوٱلذ َ‬ ‫ٱلۡ ُمَنفقُ َ‬ ‫َّم َرضۡ َّما َو َع َدَنا ٱللَّهُ َوَر ُسولُهۥُٓ إِ َّال ُغ ُرورۡا ﭼ(األحزاب‪ ،)١٢:‬فوقعوا في التشكيك والتكذيب فور ولوج الفتنة‬ ‫إليهم‪.‬‬

‫أعني بالتشكيك هنا‪ :‬التشكيك بوعد اهلل تعالى ورسوله بالنصر‪ ،‬وفي ترويج مثل هذا اإلعالم المضاد للوحي‬

‫لمعنويات الجيش المسلم‪ ،‬وتزييف لألمور‪ ،‬وزلزلة لألرض من تحت أقدام ضعاف اإليمان‪.‬‬ ‫الحق هدم‬ ‫ّ‬

‫قال ابن عادل‪ ":‬فظن المنافقون أن ما قال اهلل ورسوله كان زو اًر ووعدهما كان غرو اًر حيث ظنوا بأن الغلبة‬ ‫وفارس وأحدنا ال يستطيع أن يجاوز رحله هذا واهلل الغرور"‪.2‬‬ ‫ص ِر الشام‬ ‫واقعة لهم ‪َ:‬ي ِع ُدَنا‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫محمد فَتْ َح قُ ُ‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ انظر‪ :‬النصيرات‪ ،‬جهاد‪ ،‬األلفاظ التي انفردت بها سورة األحزاب(ص‪.)9‬‬‫‪ -‬ابن عادل‪ ،‬أبو حفص عمر بن علي الدمشقي الحنبلي‪ ،‬اللباب في علوم الكتاب الطبعة األولى‪ 1419‬هـ ‪1998-‬‬

‫م‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت (ج‪/15‬ص‪.)514‬‬

‫‪1272‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫النبي صلى اهلل عليه وسلم ويكفرون بما جاء به‬ ‫المحمدية واإلسالم‪ ،‬إذ هم بذلك يكذبون‬ ‫وهذا كفر بالرسالة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من عند اهلل تعالى‪ ،‬قال أبو حيان عن قولهم‪ ":‬هو على سبيل الهزء ‪ ،‬إذ لو اعتقدوا أنه رسول حقيقة ما قالوا‬

‫هذه المقالة"‪.1‬‬

‫واالستهزاء بالنبي صلى اهلل عليه وسلم وبما جاء به كفر بنص كتاب اهلل تعالى‪:‬ﭽ ُقلۡ أَبِٱللَّ ِه َو َء َايتِ ِۦه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف َعن طَائِفَةۡ‬ ‫يمنِ ُكمۡ​ۡ إِن َّنعۡ ُ‬ ‫َوَر ُسولِهۦ ُكنتُمۡ تَسۡتَهۡ ِزُء َ‬ ‫ون ‪َ ٦٥‬ال تَعۡتَذ ُروْا قَدۡ َكفَرۡتُم َبعۡ َد إ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ين ﭼ (التوبة‪.)٦٦-٦٥:‬‬ ‫ِّمن ُكمۡ ُن َعذبۡ طَائفَةَۡ بِأََّنهُمۡ َك ُانوْا ُمجۡ ِرِم َ‬ ‫وقال ابن عاشور مؤيدا ذلك‪ ":‬وقول المنافقين هذا يحتمل أن يكونوا قالوه علنا بين المسلمين قصدوا به‬

‫إدخال الشك في قلوب المؤمنين لعلهم يردونهم عن دينهم"‪.2‬‬

‫بعضه من بعض‪ ،‬وهو ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫داخل‪.‬‬ ‫مشتق‬ ‫احد‬ ‫والتشكيك من الش ّ‬ ‫ك‪ ،‬و"(شك) الشين والكاف أصل و ٌ‬ ‫يدل على التَّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫جسمه‪...‬ويكون هذا من َّ‬ ‫ظم بين الشيئين إذا‬ ‫ِّنان‬ ‫الن ْ‬ ‫من ذلك قولهم ش َك ْكتُه بالرُّمح‪ ،‬وذلك إذا طَعنتُه َ‬ ‫فداخل الس ُ‬ ‫َ‬ ‫ُش ّكا‪.‬‬ ‫اك كأنه ُش َّ‬ ‫الش َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ألن َّ‬ ‫ان في م َش ٍّ‬ ‫ك له األمر ِ‬ ‫سمي بذلك َّ‬ ‫ك‬ ‫ومن هذا الباب‬ ‫الشك‪ ،‬الذي هو خالف اليقين‪ ،‬إنما ِّ‬ ‫َ‬ ‫العود‬ ‫واحد‪ ،‬وهو ال يتيقن واحداً منهما‪ ،‬فمن ذلك اشتقاق الشك‪ .‬تقول‪ :‬شككت بين ورقتين‪ ،‬إذا أنت َغ َرْز َ‬ ‫ت ُ‬ ‫فيهما فجمعتَهما"‪.3‬‬

‫وهو‪ ،‬أي" الشك‪ :‬اعتدال النقيضين عند اإلنسان وتساويهما‪ ،‬وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند‬

‫النقيضين‪ ،‬أو لعدم األمارة فيهما‪ ،‬والشك ربما كان في الشيء هل هو موجود أو غير موجود؟ وربما كان في‬ ‫جنسه‪ ،‬من أي جنس هو؟ وربما كان في بعض صفاته‪ ،‬وربما كان في الغرض الذي ألجله أوجد‪ .‬والشك‪:‬‬ ‫ضرب من الجهل‪ ،‬وهو أخص منه؛ ألن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأسا‪ ،‬فكل شك جهل‪ ،‬وليس‬

‫كل جهل شكا "‪.4‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المبالغة في الكذب واختالق األعذار‪.‬‬

‫أشار الحق سبحانه إلى موقفهم هذا في قوله تعالى‪ :‬ﭽ َوَيسۡتَٔأۡ ِذ ُن فَ ِريقۡ ِّمنۡ ُه ُم َّ‬ ‫ون إِ َّن ُبُيوتَ​َنا‬ ‫ٱلنبِ َّي َيقُولُ َ‬ ‫ون إِ َّال ِف َرارۡا ﭼ(األحزاب‪.)١٣:‬‬ ‫َعوۡ َرةۡ َو َما ِه َي بِ َعوۡ َرٍةۡ إِن ُي ِر ُ‬ ‫يد َ‬ ‫هؤالء لم يريدوا القتال ابتداء عند الخندق‪ ،‬وال حتى عن بيوتهم وأعراضهم كما زعموا ‪ -‬كذبا ‪ ،-‬إنه الخوف‬ ‫العدو‪ ،‬والنفاق المتأصل في القلوب ال يجر على صاحبه إال المواقف المخزية‪ ،‬فسألوا النبي‬ ‫والجبن عن لقاء‬ ‫ّ‬ ‫الكريم صلى اهلل عليه وسلم التخلّف عن القتال وعن المعركة في موضعها المطلوب‪ ،‬وتعلّلوا بأعذار واهية‬

‫فإن ضعفة اإليمان حين يرون صدور‬ ‫ّك ّذبها القرآن‪ّ ،‬‬ ‫وبين فساد سرائرهم‪ ،‬وفي ذلك تضليل منهم لغيرهم‪ّ ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أبو حيان‪ ،‬محمد بن يوسف الشهير األندلسي‪ ،‬تفسير البحر المحيط‪ ،‬تحقيق عادل أحمد عبد الموجود و علي‬

‫محمد معوض‪،‬الطبعة األولى‪ 1422‬هـ ‪ 2001 -‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬لبنان(ج‪/7‬ص‪.)212‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫ التحرير والتنوير (‪.)207 /21‬‬‫ معجم مقاييس اللغة البن فارس (ج‪/3‬ص ‪.)173‬‬‫‪ -‬مفردات ألفاظ القرآن (ج‪/1‬ص ‪.)548‬‬

‫‪1273‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫اإلذن لهؤالء في مثل هذا الموقف الصعب (المعركة)‪ ،‬فسيسارع ك ّل منهم إلى اختالق األعذار حتى يلحقوا‬ ‫أن بيوتهم عورة ‪ -‬تضليال في نشر هذا اإلعالم بين صفوف المسلمين ‪ ،-‬فإن‬ ‫ولما زعموا ّ‬ ‫بهم في تخلّفهم‪ّ ،‬‬ ‫كانت كذلك ‪ -‬وليست كذلك كما أخبر القرآن‪ ،-‬فسيسارع غيرهم إلى ّأنهم يريدون أيضا حماية بيوتهم‬ ‫مبينا كذبهم‬ ‫وذ ارريهم كما فعل هؤالء‪ ،‬وبذلك يتزعزع الصف المسلم في وجه األعداء‪ ،‬لذلك نزل الوحي ّ‬

‫أن بيوتهم عورة‪.‬‬ ‫وافتراءهم في ذلك‪ ،‬بتكذيب دعاية ّ‬ ‫اإلنسان وك ّل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عز وج ّل ‪( :‬إِ َّن ُبُيوتَ​َنا‬ ‫أمر ُي ْستَ ْح َي منه فهو َع ْورة ‪...‬وقوله ّ‬ ‫الع ْوَرة ‪ :‬سوأةُ‬ ‫قال الخليل‪ ":‬و َ‬ ‫‪1‬‬ ‫خلو إحدى العينين‬ ‫أي ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ليست بحريزِة" ‪ ،‬وقد ذكر ابن فارس ّ‬ ‫َعوۡ َرةۡ) ْ‬ ‫أن أصل الكلمة من العور‪ ،‬وهي ّ‬ ‫مما ُح ِمل على األصل‪َّ ،‬‬ ‫كأن‬ ‫ثم قال‪ ":‬ومن الباب ال َع ْورة‪ ،‬واشتقاقُها من الذي ّ‬ ‫قد ْمنا ذكره‪ ،‬و ّأنه ّ‬ ‫من النظر‪ّ ،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫لخلوه" ‪.‬‬ ‫العورةَ‬ ‫ٌ‬ ‫شيء ينبغي مراقبتُه ّ‬ ‫للعدو‪ ،‬خالية ممن يحميها إن أدركها بأس األعداء‪ ،‬و" اعتذروا أن بيوتهم‬ ‫أن بيوتهم مكشوفة‬ ‫فزعم المنافقون ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُعرضة للعدو والسارق ؛ ألنها غير محصنة ‪ ،‬فاستأذنوا ليحصنوها ثم يرجعوا إليه ‪ ،‬فأكذبهم اهلل تعالى بقوله‬

‫بعورٍة} ‪ ،‬بل هي حصينة ‪{ ،‬إن يريدون إال ف ار اًر} من القتل"‪.3‬‬ ‫‪{ :‬وما هي ْ‬ ‫عز وجل بآية تفردت بها أيضا سورة األحزاب‪ ،‬وهي قوله تعالى { بيوت النبي }‬ ‫وقد أتى اهلل ّ‬ ‫(األحزاب‪)53:‬لإلشارة أن النبي صلى اهلل عليه وسلّم يجري عليه ما يجري عليكم‪ ،‬فإن كان ألحدكم بيت أو‬ ‫اثنان يخاف عليهم‪ ،‬فللنبي صلى اهلل عليه وسلم بيوتا أيضا‪ ،‬وفيه تعريض بتضليلهم وكذبهم على المؤمنين‬

‫فيما أعلموهم إياه‪ ،‬وكشف لمحاولتهم الفرار والتثبيط من عزائم المسلمين بقولهم هذا‪.‬‬

‫قال الرازي عن المنافقين‪ ،‬و ّأنهم إنما حملهم الهلع من الموت على أن قالوا ذلك‪ ":‬واستأذنوه وتعللوا بأن بيوتنا‬

‫عورة أي فيها خلل ال يأمن صاحبها السارق على متاعه والعدو على أتباعه ثم بين اهلل كذبهم بقوله {‬

‫‪ }    ‬وبين قصدهم وما تكن صدورهم وهو‬ ‫الفرار وزوال القرار بسبب الخوف"‪.4‬‬

‫والمنافقون بفعلهم واعالمهم هذا‪ ":‬يحرضون أهل المدينة على ترك الصفوف‪ ،‬والعودة إلى بيوتهم ‪ ،‬بحجة أن‬

‫إقامتهم أمام الخندق مرابطين هكذا‪ ،‬ال موضع لها وال محل‪ ،‬وبيوتهم معرضة للخطر من ورائهم‪ ،‬وهي دعوة‬

‫خبيثة تأتي النفوس من الثغرة الضعيفة فيها‪ ،‬ثغرة الخوف على النساء والذراري‪ ،‬والخطر محدق والهول‬

‫جامح ‪ ،‬والظنون ال تثبت وال تستقر!‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫ كتاب العين (ج‪ /2‬ص‪.)237‬‬‫ معجم مقاييس اللغة (ج‪ /4‬ص‪.)185‬‬‫ البحر المديد (ج‪ /6‬ص‪.)20‬‬‫‪ -‬مفاتيح الغيب(ج‪/25‬ص‪.)173‬‬

‫‪1274‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫ﭽ َوَيسۡتَأٔۡ ِذ ُن فَ ِريقۡ ِّمنۡ ُه ُم َّ‬ ‫ون إِ َّن ُبُيوتَ​َنا َعوۡ َرةۡﭼ(األحزاب‪..)١٣:‬يستأذنون بحجة أن‬ ‫ٱلنبِ َّي َيقُولُ َ‬ ‫بيوتهم مكشوفة للعدو‪ ،‬متروكة بال حماية‪ ،‬وهنا يكشف القرآن عن الحقيقة‪ ،‬ويجردهم من العذر والحجة‪:‬‬ ‫ون إِ َّال ِف َرارۡا}"‪.1‬‬ ‫{ َو َما ِه َي بِ َعو َرة }‪..‬ويضبطهم متلبسين بالكذب واالحتيال والجبن والفرار‪ { :‬إِن ُي ِر ُ‬ ‫يد َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ين‬ ‫المنافقون هم أهل الخديعة والكذب‪ ،‬يختلقون األعذار الكاذبة ليدّلسوا على المسلمينﭽ إِ َّن ٱلۡ ُمَنفق َ‬ ‫ِ‬ ‫ون ٱللَّهَ َو ُه َو َخ ِد ُعهُمۡ ﭼ (النساء‪ ،)١٤٢:‬يقول الشنقيطي في هذا الصدد‪ ":‬وكان خداعهم بالقول‬ ‫ُي َخد ُع َ‬ ‫ون بِأَلۡ ِسَنتِ ِهم َّما لَيۡ َس ِفي قُلُوبِ ِهمۡ​ۡﭼ(الفتح‪.)١١:‬‬ ‫وبالفعل وخداعهم بالقول في قوله عنهم‪ :‬ﭽ َيقُولُ َ‬ ‫وخداعهم في الفعل في قوله عنهم‪ :‬ﭽ وِا َذا قَاموْا إِلَى َّ ِ‬ ‫ون َّ‬ ‫اسﭼ(النساء‪.)١٤٢:‬‬ ‫اموْا ُك َسالَى ُي َار ُء َ‬ ‫ٱلن َ‬ ‫ٱلصلَوة قَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون إال ف َرارۡا ﭼ(األحزاب‪. ")١٣:‬‬ ‫وفي الجهاد قولهم‪:‬ﭽ إِ َّن ُبُيوتَ​َنا َعوۡ َرةۡ َو َما ه َي ب َعوۡ َرةۡ إن ُير ُ‬ ‫يد َ‬

‫فهم َّ‬ ‫ضمنيا في بدايتها في‬ ‫يدعون بظواهرهم وأقوالهم وأفعالهم ما ليس في بواطنهم‪ ،‬وقد ّنبهت السورة لذلك‬ ‫ّ‬ ‫الدعي غير ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ويدعيه غير‬ ‫أبيه ّ‬ ‫كلمة { أدعيائكم }(األحزاب‪ :)4:‬وهي من " الد ْع َوةُ [بالكسر] ‪ّ :‬ادعاء الولد ّ ّ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫ولغيرك ُيقَا ُل ‪ّ :‬اد َعى حقّاً أو باطالً " ‪.‬‬ ‫عي حقّاً لك‬ ‫االدعاء أن ّ‬ ‫أبيه‪ ...‬و ّ‬ ‫تد َ‬ ‫أن النبي صلى اهلل عليه وسلم كان قد تبنى زيدا قبل أن يبعث بالرسالة‪ ،‬فكان يدعى زيد بن محمد‬ ‫وذلك ّ‬ ‫(صلى اهلل عليه وسلم)‪ ،‬فلما جاء اإلسالم بتحريم ذلك‪ ،‬دعي زيد باسم أبيه‪ ،‬وقصته عندما اختار النبي‬ ‫وعمه معلومه‪.4‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم على أبيه ّ‬ ‫أن األقوال البد أن تكون مطابقة لألحوال والوقائع‪ ،‬فإن خالفت ذلك كانت الدعاوي باطلة‪،‬‬ ‫وتأصيل ذلك ّ‬

‫يقول ابن عاشور في هذا الصدد‪ ":‬فهذا مقدمة لما أمر النبيء صلى اهلل عليه وسلم باتباعه مما يوحى إليه‬

‫وهو تشريع االعتبار بحقائق األشياء ومعانيها‪ ،‬وأن مواهي األمور ال تتغير بما يلصق بها من األقوال‬ ‫المنافية للحقائق‪ ،‬وأن تلك الملصقات بالحقائق هي التي تحجب العقول عن التفهم في الحقائق الحق‪ ،‬وهي‬

‫التي ترين على القلوب بتلبيس األشياء‪ ....‬أي‪ :‬ال يقول الباطل مثل بعض أقوالكم من ذلك القبيل‪.‬‬

‫والمقصود التنبيه إلى بطالن أمور كان أهل الجاهلية قد زعموها وادعوها‪ .‬وابتدئ من ذلك بما دليل بطالنه‬ ‫الحس واالختبار ليعلم من ذلك أن الذين اختلقوا مزاعم يشهد الحس بكذبها يهون عليهم اختالق مزاعم فيها‬

‫شبه وتلبيس للباطل في صورة الحق فيتلقى ذلك باإلذعان واالمتثال‪ ...‬وإلفادة هذا المعنى قيد بقوله‪:‬‬ ‫اه ُكم} فإنه من المعلوم أن القول إنما هو باألفواه فكان ذكر {بِأَ ْفو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اه ُك ْم} مع العلم به مشي ار إلى أنه قول‬ ‫{بِأَ ْف َو ْ‬ ‫َ‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ في ظالل القرآن(ج‪/6‬ص‪.)57‬‬‫‪ -‬الشنقيطي‪ ،‬محمد األمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني (‪1393‬هـ)‪،‬أضواء البيان في إيضاح القرآن‬

‫بالقرآن‪ ،‬طبعة ‪ 1415‬هـ‪ 1995 -‬مـ‪ ،‬دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع‪ -‬بيروت(ج‪/8‬ص‪.)191‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ -‬الفراهيدي‪ ،‬أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬تحقيق مهدي المخزومي وابراهيم السامرائي‪ ،‬دار‬

‫ومكتبة الهالل(ج‪ /2‬ص‪.)221‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬ا بن حجر‪ ،‬أحمد بن علي أبو الفضل العسقالني الشافعي‪ ،‬اإلصابة في تمييز الصحابة‪ ،‬تحقيق علي محمد‬

‫البجاوي‪ ،‬الطبعة األولى ‪1412‬هـ‪ ،‬دار الجيل ‪ -‬بيروت(ج‪ /2‬ص‪.)599‬‬

‫‪1275‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫ال تتجاوز داللته األفواه إلى الواقع‪ ...‬فعلم من تقييده {بِأَ ْفو ِ‬ ‫اه ُك ْم} أنه قول كاذب ال يطابق الواقع وزاده‬ ‫َ‬ ‫تصريحا بقوله‪{ :‬واللَّهُ َيقُو ُل ا ْل َح َّ‬ ‫ق} فأومأ إلى أن قولهم ذلك قول كاذب"‪.1‬‬ ‫َ‬ ‫أن المنافقون أدعياء بنسبتهم أنفسهم إلى المجتمع المسلم‪ ،‬فأفعالهم تخالف أقوالهم‪،‬‬ ‫وفي هذا إشارة‬ ‫ّ‬ ‫ضمنية ّ‬ ‫جليا في تضليلهم اإلعالمي أثناء الفتن واألزمات‬ ‫يظهرون اإلسالم‪ ،‬ويبطنون الكفر‪ ،‬ويظهر ما يبطنوه ّ‬ ‫والحروب‪.‬‬ ‫أن ّادعاءاتهم كاذبة في قوله تعالى‪{ :‬ولكن ما تعمدت قلوبكم} (األحزاب‪)5:‬‬ ‫وجاء ما يؤكد ّ‬ ‫قال الدكتور جهاد النصيرات‪ ":‬جاءت كلمة (القلب) نحو (‪ )10‬مرات في هذه السورة‪ ،‬وهي بذلك من أكثر‬ ‫السور التي ذكرت فيها هذه الكلمة"‪.2‬‬

‫ولكن هذا التركيب (تعمدت قلوبكم) له داللة فريدة‪ ،‬فهو في موضعه في هذه السورة التي تكلمت وفضحت‬

‫سرائر المنافقين وخفاياهم وخبث إعالمهم‪ ،‬وما كانت هذه العبارة لتأتي هكذا جزافا دونما إشارة ضمنية‪ ،‬بل‬

‫أن أساليبهم اإلعالمية المضللة التي‬ ‫احتوت ‪ -‬فيما أرى‪ -‬على إشارة واضحة لفساد قلوب المنافقين‪ ،‬و ّ‬ ‫تعمدة‪ ،‬القولية والفعلية على ٍّ‬ ‫حد سواء‪ ،‬فكان هذا التركيب معج از في موضعه في‬ ‫وم َّ‬ ‫تصدر منهم مقصودة ُ‬ ‫طوية‪ ،‬ولم أجد أحدا‬ ‫بداية السورة‪ ،‬وكأنه يؤذن ببيان تعمد القوم جميع ما صدر منهم عن سوء قصد وفساد ّ‬ ‫أشار إلى هذا األمر‪ ،‬وأرجو أن أكون وفقت فيه‪.‬‬

‫أن‬ ‫وكذلك ألمح قوله تعالى ّ‬ ‫لنبيه صلى اهلل عليه وسلّم‪ {:‬وتخفي في نفسك ما اهلل مبديه } (األحزاب‪ّ ،)37:‬‬ ‫اجتماعيا يتمثّل في إخفاء شيء واظهار ما يخالفه‪.‬‬ ‫السورة تعالج خلال‬ ‫ّ‬

‫وكأن السورة تعالج موضوع القلوب‬ ‫أن مادة (الخفاء) في كلمة (تخفي) تتعلّق بأعمال القلوب أيضا‪ّ ،‬‬ ‫ونلحظ ّ‬ ‫أكثر من غيره من الموضوعات‪ ،‬وأهل النفاق { يخفون في أنفسهم ما ال يبدون لك} (آل عمران‪ ،)154:‬وفي‬

‫أن من أساليبهم اإلعالمية إظهار الباطل واخفاء الحقيقة (الكذب)‪.‬‬ ‫ذلك إشارة إلى ّ‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬التثبيط عن الجهاد‪.‬‬

‫لن ينتهي المنافقون عن أالعيبهم وخداعهم وتضليل الناس بإعالمهم‪ ،‬فها هو القرآن يخبرنا أيضا عن دور‬

‫مرة أخرى‪ ،‬فلم‬ ‫من أدوارهم الفاسدة التي لعبوها في محاولة هدم البيت المسلم‪ ،‬واضعاف الصف المجاهد ّ‬ ‫يكتفوا بالتشكيك بالوحي الصادق‪ ،‬ولم يكتفوا بترك ساحة القتال بعد أن خرجوا إليها‪ ،‬ولم يكتفوا بالتخلف‬ ‫لصدهم عن‬ ‫ابتداء عن الذهاب ساحة المعركة‪ ،‬بل عمدوا إلى تثبيط غيرهم ممن استجابوا لدعوة الجهاد‬ ‫ّ‬

‫النجاة بأنفسهم فقط‪ ،‬بل يريدون ايضا المشاركة في هزيمة‬ ‫نصرة النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬هم ال يريدون ّ‬ ‫المسلمين‪ ،‬والحاق الضرر بالنبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وارجاع المدينة ‪ -‬يثرب بزعمهم‪ -‬إلى سابق عهدها‬ ‫في الجاهلية‪ ،‬لذلك وقفوا هذا الموقف مع غيرهم‪ ،‬فجعلوا يهدمون ما بقي من إيمان عند ضعفة المؤمنين‬

‫بدعوتهم إلى التخلف معهم عن القتال‪ ،‬واالستئذان من النبي صلى اهلل عليه وسلم كما استأذنه هؤالء من‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ التحرير والتنوير (ج‪ /21‬ص‪.)186 -182‬‬‫موضوعية‪-‬‬ ‫ النصيرات‪ ،‬جهاد‪ ،‬بحث محكم بعنوان‪ :‬األلفاظ التي انفردت بها سورة األحزاب‪-‬دراسة داللية‬‫ّ‬

‫(ص‪.)11‬‬

‫‪1276‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫قبل‪ ،‬ففضح اهلل أمرهم‪ ،‬وكشف سترهم‪ ،‬وأخبرهم في هذه السورة ّأنه يعلمهم بشخوصهم‪ ،‬ويسمع ويرى ما‬ ‫ِ​ِ‬ ‫يقومون به في هذا الصدد‪ ،‬فقال تعالى‪:‬ﭽقَدۡ يعۡلَم ٱللَّه ٱلۡمع ِّوِق ِ‬ ‫ين ِ​ِإلخۡ َونِ ِهمۡ َهلُ َّم‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ين من ُكمۡ َوٱلۡقَائل َ‬ ‫َُ َ‬ ‫يالﭼ(األحزاب‪.)١٨:‬‬ ‫ون ٱلَۡبأۡ َس إِ َّال َقلِ ً‬ ‫إِلَيَۡناۡ َوَال َيأۡتُ َ‬

‫وي ْمَنعُ ‪ ،‬وهم‬ ‫يقول صاحب البحر المديد‪ ":‬أي ‪ :‬يعلم َم ْن ُي ِّ‬ ‫عو ُ‬ ‫ق عن نصرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ‬ ‫المنافقون والمثبطون للناس عن الخروج إلى الغزو ‪َ { ،‬وٱلقَآئِلِينَ ِ ِ​ِلخ َٰ َونِ ِهم } في الظاهر ؛ من ساكني المدينة‬ ‫ودعوا محمداً "‪.1‬‬ ‫من المسلمين ‪َ { :‬هلُ َّم إِلَيَۡناۡ} ؛ تعالوا إلينا ‪ُ ،‬‬

‫ويقول ابن عاشور‪ ":‬أي‪ :‬يعلم أنهم ال يقصدون بجمع إخوانهم معهم االعتضاد بهم في الحرب ولكن عزلهم‬

‫عن القتال"‪.2‬‬

‫" والمعنى ‪ :‬إن اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬ال يخفى عليه حال أولئك المنافقين‪ ،‬الذين يخذلون ويثبطون ويصرفون‬

‫إخوانهم فى النفاق والشقاق‪ ،‬عن االشتراك مع المؤمنين‪ ،‬في حرب جيوش األحزاب‪ ،‬ويقولون لهم‪َ { :‬هلُ َّم‬ ‫ِإلَيَۡناۡ} أي‪ :‬أقبلوا نحونا‪ ،‬وتعالوا إلى جوارنا‪ ،‬وال تنضموا إلى صفوف المسلمين"‪.3‬‬ ‫الفعلية التي صدرت عن المنافقين من خالل سورة األحزاب‪:‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬األساليب اإلعالمية‬ ‫ّ‬ ‫المطلب األول‪ :‬التعويق‪.‬‬

‫الع ْوق‬ ‫حب َسه‬ ‫َّر ُ‬ ‫"الع ْو ُ‬ ‫ق‪ْ :‬‬ ‫ف‪ُ ،‬يقال‪ :‬عاقَه عن كذا َيعوقُه‪ :‬إذا َ‬ ‫وصرفَه‪...‬و َ‬ ‫قال أبو الفيض الزبيدي‪َ :‬‬ ‫الحب ُس والص ْ‬ ‫َ‬ ‫‪4‬‬ ‫أيضاً‪ :‬التّثْبيط كالتّعويق‪ ،‬و ْ ِ‬ ‫الو ْجه الذي أر َاده" ‪.‬‬ ‫االعتياق يقال‪ :‬عاقَه عن َ‬ ‫وانما أدرجته (التعويق) ضمن األساليب الفعلية؛ ألن الكلمة جاءت في اآلية في صورة اسم فاعل‪.5‬‬

‫والتعويق المذكور في اآلية ليس وصفا عارضا للمنافقين‪ ،‬بل هو صفة الزمة ثابتة في حقهم في كل زمان‬

‫وصفاً ثابتاً لفري ٍ‬ ‫ومكان‪ ،‬وخصوصا عند المصائب والمحن‪ ،‬و" ُنالحظُ َّ‬ ‫ق‬ ‫أن‬ ‫التعويق قد عرضه اهلل ّ‬ ‫َ‬ ‫عز وج ّل ْ‬ ‫من المنافقين‪ ،‬ولم َي ْذ ُك ْرهُ َعلى َّأنه ُم َجّرد َع َر ٍ‬ ‫استدعتْهُ حالَةٌ ُم ْزِع َجة‪ ،‬وهو األ َْمر الذي كان في غزوة‬ ‫ض طارئ‬ ‫َ‬ ‫األحزاب‪ ،‬فحصل فَ ْه ُم ِق ْسِم التَّ ْعوي ِ‬ ‫المعوقين"‪.6‬‬ ‫ق والتثبيط من ِذ ْك ِر‬ ‫ّ‬

‫‪1‬‬

‫‪ -‬الفاسي‪ ،‬أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني اإلدريسي الشاذلي أبو العباس‪ ،‬البحر المديد‪ ،‬الطبعة‬

‫الثانية ‪ 2002‬م ‪ 1423 -‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية ـ بيروت(ج‪/6‬ص‪.)24‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫ التحرير والتنوير(ج‪/21‬ص‪.)217‬‬‫ الوسيط (ص‪.)3406 :‬‬‫ تاج العروس(ج‪ /26‬ص‪.)224‬‬‫ انظر‪ :‬معجم اللغة العربية المعاصرة (ج‪ /2‬ص‪.)1577‬‬‫‪ -‬حبنكة الميداني‪ ،‬عبد الرحمن حسن‪ ،‬البالغة العربية أسسها وعلومها وفنونها‪ ،‬الطبعة االولى ‪1996‬م‪ ،‬دار القلم‬

‫‪ -‬الدار الشامية ‪ -‬دمشق (ص‪.)704 :‬‬

‫‪1277‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫وذكر االسم هنا في صيغة تشعر بالتكثير‪ ،‬فالمنافقون كلّهم دون‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫ين ِم ْن ُك ْم) أ ِ‬ ‫َي ا ْل ُم ْعتَ ِرض َ‬ ‫القرطبي‪ ":‬قَ ْولُهُ تَ َعالَى‪( :‬قَ ْد َي ْعلَ ُم اللهُ ا ْل ُم َع ِّوِق َ‬ ‫ِ‬ ‫صلَّى اللَّه علَْي ِه وسلَّم‪ ،‬و ُهو م ْشتَ ٌّ ِ‬ ‫ص َرفَنِي َع ْنهُ‪.‬‬ ‫ق م ْن َعاقَني َع ْن َك َذا أ ْ‬ ‫َي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ​َ​َ َ َ ُ‬

‫معوقون‪ ،‬يقول‬ ‫استثناء‪-‬وهم كثر‪ِّ -‬‬ ‫اس َع ِن َّ‬ ‫ص ُّدوا َّ‬ ‫ي‬ ‫النبِ ِّ‬ ‫ِم ْن ُك ْم ِأل ْ‬ ‫الن َ‬ ‫َن َي ُ‬ ‫ق‪َ ،‬علَى التَّ ْكثِ ِ‬ ‫ير"‪.1‬‬ ‫َو َع َّو َ‬

‫ويقول ابن عطية‪ ":‬المعوقين " وهم الذين يعوقون الناس عن نصرة الرسول ويمنعونهم باألقوال واألفعال من‬

‫ذلك ويسعون على الدين وتقول عاقني أمر كذا وعوقني إذا بالغت وضعفت الفعل"‪.2‬‬

‫نوهت ألنها جاءت في صيغة اسم فاعل‪ ،‬فهم قاموا‬ ‫واإلعاقة تحصل باللسان واألفعال‪ ،‬وانما ذكرتها هنا كما ّ‬ ‫حضوا غيرهم إلى تقليدهم في فعلهم تثبيطا لهم عن نصرة النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬يقول ابن‬ ‫ثم ّ‬ ‫بالقعود‪ّ ،‬‬ ‫جزي‪ ":‬المعوقين منكم أي الذين يعوقون الناس عن الجهاد ويمنعونهم منه بأقوالهم وأفعالهم والقائلين‬ ‫إلخوانهم هلم إلينا هم المنافقون الذين قعدوا بالمدينة عن الجهاد وكانوا يقولون لقرابتهم أو للمنافقون مثلهم‬

‫هلم إلى الجلوس معنا بالمدينة وترك القتال"‪.3‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬اإلرجاف‪.‬‬

‫ف‬ ‫ت‪ .‬اللَّْي ُ‬ ‫ث‪ :‬أ َْر َج َ‬ ‫ومعنى "اإلرجاف ‪َ :‬ر َج َ‬ ‫ت إِ َذا تَ​َزْل َزلَ ْ‬ ‫ت وأ ُْر ِجفَ ْ‬ ‫َرض وأ َْر َجفَ ْ‬ ‫ف ا ْلَبلَ ُد إِ َذا تَ​َزْل َز َل‪َ ،‬وقَ ْد َر َجفَت األ ُ‬ ‫‪4‬‬ ‫خاضوا ِفي األَخبار السَّيَِّئ ِة َوِذ ْك ِر الفتَ ِن" ‪.‬‬ ‫القوم إِ َذا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫و"اإلرجاف‪ :‬اإلخبار الكاذب"‪.5‬‬

‫و" الرجفة‪ :‬ميد األرض بهم وزلزلتها عليهم وتداعيها بهم وذلك نحو من الخسف‪ ،‬ومنه اإلرجاف باالخبار"‪.6‬‬ ‫ون ِفي ا ْل َم ِد َين ِة فيهم ثالثة أقاويل‪:‬‬ ‫َ"وا ْل ُم ْر ِجفُ َ‬ ‫أحدها‪ :‬أنهم الذين يكاثرون النساء ويتعرضون لهن‪ ،‬قاله السدي‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أنهم الذين يذكرون من األخبار ما يضعف به قلوب المؤمنين وتقوى به قلوب المشركين قاله قتادة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن اإلرجاف التماس الفتنة‪ ،‬قاله ابن عباس‪ ،‬وسميت األراجيف الضطراب األصوات بها وافاضة‬ ‫الناس فيها "‪.7‬‬

‫يقول سيد‪ " :‬والصورة التي يرسمها هذا النص‪ ،‬هي صورة جماعة في المعسكر اإلسالمي‪ ،‬لم تألف نفوسهم‬

‫النظام؛ ولم يدركوا قيمة اإلشاعة في خلخلة المعسكر؛ وفي النتائج التي تترتب عليها‪...‬وعلى أية حال فهي‬ ‫سمة المعسكر الذي لم يكتمل نظامه؛ أو لم يكتمل والؤه لقيادته ‪ ...‬وهذه الخلخلة هي التي كان يعالجها‬

‫القرآن بمنهجه الرباني‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬

‫ تفسير القرطبي (ج‪ /14‬ص‪.)151‬‬‫ المحرر الوجيز (ج‪ /4‬ص‪.)432‬‬‫ التسهيل لعلوم التنزيل البن جزى (ج‪ /2‬ص‪.)360‬‬‫ لسان العرب(ج‪-9‬ص‪.)113‬‬‫ الكليات(ص‪.)101 :‬‬‫ المحرر الوجيز (ج‪/4‬ص ‪.)369‬‬‫‪ -‬الماوردي‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري‪ ،‬النكت والعيون‪ ،‬تحقيق السيد بن عبد المقصود بن عبد‬

‫الرحيم‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ /‬لبنان (ج‪/4‬ص ‪.)424‬‬

‫‪1278‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫ِ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّس ِ‬ ‫ونهۥُ ِمنۡ ُهمۡﭼ (النساء‪:‬‬ ‫ين َيسۡتَنۡبِطُ َ‬ ‫ول َوِالَى أ ُْولِي ٱلۡأَمۡ ِر منۡ ُهمۡ لَ َعل َمهُ ٱلذ َ‬ ‫ﭽ َولَوۡ َرُّدوهُ إِلَى ٱلر ُ‬ ‫‪)٨٣‬‬ ‫أي لو أنهم ردوا ما يبلغهم من أنباء األمن أو الخوف إلى الرسول [ ص ] إن كان معهم‪ ،‬أو إلى أمرائهم‬

‫المؤمنين‪ ،‬لعلم حقيقته القادرون على استنباط هذه الحقيقة؛ واستخراجها من ثنايا األنباء المتناقضة‪،‬‬

‫والمالبسات المتراكمة"‪.1‬‬

‫و" المرجف من اإلرجاف‪ ،‬وهو َّ‬ ‫الر ِجفَةُ * تَتَْب ُعهَا‬ ‫ف َّا‬ ‫الهزة العنيفة التي تزلزل‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪َ {:‬ي ْوَم تَْر ُج ُ‬ ‫الرِ‬ ‫َّادفَةُ }(النازعات‪ )7 :‬فالمرجفون هم الذين يحاولون زلزلة الشيء الثابت‪ ،‬وزعزعة الكيان المستقر‪ ،‬كذلك‬ ‫وهزها إلضعافه والقضاء عليه‪.‬‬ ‫كان المنافقون كلما أروا لإلسالم قوةً حاولوا زعزتها ّ‬

‫روجون‬ ‫وهؤالء هم الذين نسميهم في التعبير السياسي الحديث (الطابور الخامس)‪ ،‬وهم الجماعة الذين ُي ِّ‬ ‫اإلشاعات‪ ،‬ويذيعون األباطيل التي تُ ِ‬ ‫ضعف التيار العام وتهدد استق ارره‪.‬‬ ‫ف [هو] الذي يمشي بالفتنة واألكاذيب؛ ليصرف أهل الحق عن حقهم‪ ،‬بما ُيشيع من بهتان‬ ‫إذن‪ :‬المر ِج ُ‬ ‫وأباطيل"‪.2‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬آثار األساليب اإلعالمية من خالل سورة األحزاب‪ ،‬ووقعه على العصر الحديث‪ :‬من‬

‫أن تعود آثار أساليبهم اإلعالمية على المؤمنين بالسوء‪ ،‬ولكن زمن نزول الوحي أثناء وجود النبي‬ ‫المفترض ّ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلّم بين ظهراني المسلمين كان يقيهم شرور هذه الفئة وما تكيده من دوائر على المسلمين‪،‬‬ ‫أشد منها على المؤمنين‪ ،‬وذلك بفضل اهلل تعالى‪ ،‬بكشفه وفضحه لكذبهم‬ ‫فلذلك كانت اآلثار على المنافقين ّ‬ ‫وأالعيبهم وخداعهم‪ ،‬وما زالت البشرّية بالعموم‪ ،‬وأهل اإليمان على وجه الخصوص يعانون من هذه اآلثار‬

‫السلبية لمثل هذا التضليل حتى عصرنا الحاضر‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬آثار األساليب اإلعالمية على المؤمنين‪.‬‬

‫قد أثبت اهلل تعالى تحقق وقوع األذى بالنبي صلى اهلل عليه وسلم وبالمؤمنين من قبل أهل الكفر والنفاق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ون ٱللَّهَ وَر ُسولَهۥُ لَ َعَنهُم ٱللَّهُ ِفي ُّ‬ ‫َع َّد لَهُمۡ‬ ‫ٱلدنَۡيا َوٱلۡأخ َرِة َوأ َ‬ ‫ين ُيؤۡ ُذ َ‬ ‫وذلك في قوله سبحانه‪ :‬ﭽ إِ َّن ٱلذ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ين َوٱلۡ ُمؤۡ ِمَن ِت بِ َغيۡ ِر‬ ‫ون ٱلۡ ُمؤۡمن َ‬ ‫ين ُيؤۡ ُذ َ‬ ‫َع َذابۡا ُّم ِهينۡا ﭼ(األحزاب‪ )٥٧:‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽ َوٱلذ َ‬ ‫َما ٱكۡتَ َسُبوْا فَقَِد ٱحۡتَ َملُوْا ُبهۡتَنۡا َوِاثۡمۡا ُّمبِينۡا ﭼ(األحزاب‪ ،)٥٨:‬فالمنافقون لم يتركوا أحدا من‬ ‫أذاهم‪ ،‬سواء أكان ذلك بالجنان أم باللسان أم باألركان‪.‬‬ ‫ومن آثار ذلك‪:‬‬

‫‪ )1‬تكذيبهم هلل تعالى ورسوله‪ ،‬وفي هذا أذى واضح منهم للحق‪ -‬ولن يبلغوا ذلك ‪ ،-‬وذلك واضح في قوله‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِفي قُلُوبِ ِهم َّم َرضۡ َّما َو َع َدَنا ٱللَّهُ َوَر ُسولُهۥُٓ إِ َّال ُغ ُرورۡا‬ ‫ون َوٱلذ َ‬ ‫تعالى عنهم‪:‬ﭽ َوِاذۡ َيقُو ُل ٱلۡ ُمَنفقُ َ‬ ‫ﭼ(األحزاب‪ ،)١٢:‬وفيه تكذيب هلل تعالى فيما وعد به من نصر المؤمنين‪ ،‬وتكذيب للنبي صلى اهلل عليه‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن موقع التفاسير ‪( http://www.altafsir.com‬ج‪/2‬ص ‪.)201‬‬‫‪ -‬الشعراوي‪ ،‬محمد متولي (‪1418‬هـ)‪ ،‬الخواطر (تفسير الشعراوي) مطابع أخبار اليوم (ص‪.)3516 :‬‬

‫‪1279‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫وسلّم في رسالته‪ ،‬وهذا من أكبر األذى منهم في جنب اهلل تعالى وجناب رسوله الكريم صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬

‫" فنسبة الغرور إلى اهلل ورسوله إما على معنى التشبيه البليغ واما ألنهم بجهلهم يجوزون على اهلل أن يغر‬

‫عباده‪ ،‬ويحتمل أنهم قالوا ذلك بين أهل ملتهم فيكون نسبة الوعد إلى اهلل ورسوله تهكما"‪.1‬‬

‫‪ )2‬اإلرجاف الواقع من المنافقين بين صفوف المسلمين‪ ،‬فقد أعملوا ألسنتهم‪ ،‬واجتهدوا غاية االجتهاد في زعزعة‬ ‫الصف المسلم‪ ،‬بنشر األخبار والدعايات الكاذبة بين المسلمين‪ ،‬مما كان له األثر الكبير في اجتماع بعض‬

‫ضعفة اإليمان حولهم‪ ،‬واستجابتهم لهم‪ ،‬وهذا مما أوقع الضعف في صف المجاهدين‪ ،‬وزاد من المسؤولية‬

‫الملقاة على عاتقهم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آثار األساليب اإلعالمية على المنافقين‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمنافقين‪ ،‬فقد انقلب السحر على الساحر‪ ،‬فبدل أن يجنوا ثمار مكائدهم‪ ،‬جنوا بدال من ذلك‬

‫عواقب وخيمة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن تلك اآلثار التي حدثت لهم من خالل هذه السورة‪:‬‬

‫‪ )1‬التمييز بين المؤمن والمنافق من أهل المدينة‪ ،‬فقد أصبح األمر في أكثر وضوحا من ذي قبل‪ ،‬فاألمر كان‬ ‫طياته صفاء المجتمع من الكدر المختلط بهم‪ ،‬لذلك جاء األمر اإللهي‬ ‫في ظاهره الشر‪ ،‬ولكنه حمل في ّ‬ ‫للنبي صلى اهلل عليه وسلم والمؤمنين باجتناب طاعة المنافقين واتباع نصائحهم الكاذبة‪ ،‬ولم يكن هذا األمر‬

‫‪)2‬‬

‫أن أمر المنافقين افتضح وأصبح ظاهرا‪ ،‬وشخوصهم في األغلب معلومة‪ ،‬فيمكن اآلن‬ ‫اإللهي ليكون لوال ّ‬ ‫للمؤمنين الوقاية من ضررهم‪ ،‬واجتناب مصاحبتهم ومجالستهم واالستماع إليهم‪.‬‬

‫أصبحت نعوتهم لدى القوم معلومة‪ ،‬فهم المنافقون الذين يظهرون ما يبطنون‪ ،‬وهم مرضى‬

‫القلوب الذين لم يدخل اإليمان ويستقر فيها‪ ،‬وهم المرجفون الذين يروجون الشائعات الكاذبة‪ ،‬ويروعون بها‬

‫اآلمنين‪ ،‬فصار كالمهم ُمكذبا‪ ،‬وأعمالهم مردودة‪ ،‬ومجالسهم مرفوضة‪ ،‬حتى جاء النهي للنبي صلى اهلل‬ ‫أشد المصائب عليهم‪.‬‬ ‫عليه وسلم عن الصالة عليهم‪ ،‬وهذا من ّ‬

‫‪)3‬‬

‫توعد اهلل تعالى لهم بالعذاب األليم في اآلخرة بسبب تعمدهم إلحاق األذية برسول اهلل صلى اهلل‬

‫‪)4‬‬

‫تهديدهم بعذاب التهجير من المدينة والتعذيب والقتل إن استمروا على فسادهم ومكرهم‬

‫‪)5‬‬

‫عليه وسلم والمؤمنين‪.‬‬ ‫ودسائسهم‪.‬‬

‫استحقاقهم اللعن من اهلل عز وج ّل على ما فعلوه وما اقترفوه‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آثار أساليب التضليل اإلعالمي وامتدادها في العصر الحديث‪.‬‬

‫أن خطر المنافقين لم ينته‪ ،‬بل تفاقم وتعاظم كلما تباعد الزمان عن العهد النبوي‪ ،‬وال أعلم‬ ‫بما ّأننا نؤمن ّ‬ ‫عاما لإلعالم حتى في الغرب‪ ،‬بل ربما اتفق‬ ‫زمانا انتشر فيه ضررهم وكذبهم واعالمهم‪ ،‬حتى أصبح منهجا ّ‬ ‫أن تشويه الحقائق‪،‬‬ ‫االثنان (أهل الكفر والنفاق) على معايير‬ ‫ّ‬ ‫لمنهجية واحدة لإلعالم العالمي‪ ،‬لذلك نرى ّ‬ ‫والتالعب بالمعلومات‪ ،‬وتغييب الحق‪ ،‬واظهار الباطل في صورة الحقيقة لهو أظهر سمات اإلعالم العالمي‬

‫اآلن؛ (العربي والغربي) على حد سواء‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬التحرير والتنوير(ج‪/21‬ص‪.)207‬‬

‫‪1280‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫وتحديدا في قاموس ويبستر‬ ‫ولقد "ظهر مصطلح (تضليل) ألول مرة في القواميس اإلنجليزية في ‪،1985‬‬ ‫ً‬

‫عرف المصطلح ( تضليل) في قاموس ويبستر‬ ‫الجامعي الجديد وفي قاموس التراث األمريكي في ‪ ،1985‬ولم ُي ّ‬ ‫الدولي الجديد أو في موسوعة بريتانيكا الجديدة‪ ... ،‬مما دفع المتحدثين باإلنجليزية لتوسيع استعمال‬ ‫ٍ‬ ‫محتو على مواد خاطئة أو مضللة عن قصد‪،‬‬ ‫المصطلح ليشمل‪" :‬أي تواصل حكومي (معلن أو مخفي)‬ ‫والمقترنة بمعلومات مختارة صحيحة عادة‪ ،‬والتي تسعى إلى تضليل أو التالعب بالنخبة أو بالجمهور‬

‫الكبير"‪.2"1‬‬

‫أن هذا التوسع بالمعنى المذكور أقرب ما يكون إلى تعريف (التضليل اإلعالمي) كمصطلح‬ ‫وقد رأيت ّ‬ ‫مرّكب‪ ،‬وهو أولى به‪.‬‬

‫ولقد كان المنافقون يثيرون الخوف والرعب بين صفوف المسلمين قبل أن تبدأ المعركة‪ ،‬فكانوا بهذا التخويف‬

‫يثبطون من أرخى سمعه لهم عن الجهاد ونصرة النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وما زال هذا السالح الذي‬ ‫استخدمه المنافقون في تضليلهم اإلعالمي (التخويف باختالق األكاذيب) مستعمال وساريا‪ ،‬بل أصبح هو‬

‫األداة الحقيقية والمحرك األقوى إلظهار ردة فعل الشعوب وفق ما يريده المضللون والسياسيون بإعالمهم‪،‬‬

‫وكأن المجتمعات أصبحت كقطيع خراف يسوقه اإلعالم بسوط الخوف الكاذب‪ " ،‬فالسياسي الذي يريد دفع‬ ‫ّ‬ ‫الجمهور للموافقة على سياساته وق ارراته‪ ،‬إما أن يدفعهم إلى ذلك عن طريق إقناعهم بالمصلحة المترتبة‬

‫عليها‪...،‬واما أن يدفعهم لإلذعان بدافع الخوف"‪.3‬‬

‫واإلنسان خلق في الدنيا ليواجه المصاعب والمشاق‪ ،‬وليكون محل ابتالء وامتحان { لقد خلقنا اإلنسان في‬

‫كبد }‪" ،‬قال الحسن‪ :‬يكابد مصائب الدنيا وشدائد اآلخرة"‪ ،4‬فالخوف جبلّ ّي عنده؛ إذ تستدعي حياته هذه‬ ‫وجود الخوف الفطري حتى يميز الخطر والشر فينجو منه‪.‬‬

‫ولكن عندما يكون هذا التخويف مختلق ألمر وهمي أو تافه ال يستحق الوجل منه‪ ،‬ولكن لحاجة في نفوس‬

‫اإلعالمية‪"،‬فأكبر عقبة تواجه اإلعالم‬ ‫المضللين‪ ،‬تجدهم ينجحون في يعظمون الخوف عند الناس بأساليبهم‬ ‫ّ‬ ‫بأن نسبة‬ ‫في تطبيق إستراتيجية(التخويف) ليس في إثبات مصدر الخطر نفسه‪ ،‬وانما في إقناع الجمهور ّ‬

‫تحقق الخطر مرتفعة جدا"‪.5‬‬

‫‪The New Image-Makers: Soviet Propaganda & ، (1988)Ladislav ،Bittman - 1‬‬ ‫‪ ،Brassey's Inc ،Disinformation Today‬صفحات ‪. ISBN 978-0-08-034939-8،24 ,7‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫ ‪https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B6%D9%84%D9%8A%D9%84#cite_note‬‬‫‪bittman1988-22‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫ فهمي‪ ،‬أحمد‪ ،‬هندسة الجمهور‪ ،‬الطبعة األولى ‪1436‬هـ‪ ،‬مكتب مجلة البيان‪ ،‬الرياض‪-‬السعودية (ص‪.)176‬‬‫ تفسير القرطبي (ج‪ /20‬ص‪.)62‬‬‫‪ -‬هندسة الجمهور (ص‪.)175‬‬

‫‪1281‬‬


‫‪Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287‬‬

‫أن هذه "اإلستراتيجية (المتاجرة‬ ‫وقد ذكر أستاذ علم االجتماع في جامعة كاليفورنيا باري جالنسر ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫بالخوف)‪...‬تعتمد على ثالثة أساليبك‪ :‬التكرار‪ ،‬وجعل غير المألوف مألوفا‪ ،‬والتضليل" ‪.‬‬

‫أما بالنسبة للتكرار‪ ،‬فقد تكررت خيانة المنافقين للمؤمنين في المعارك‪ ،‬في غزوة أحد والخندق(األحزاب)‬ ‫ّ‬ ‫والمريسيع‪ ،‬فمواقفهم المخزية متكرره‪ ،‬ففي أحد كانت دعايتهم المضللة المغرضة { لو نعلم قتاال التبعناكم}‪،‬‬ ‫وفي الخندق { إن بيوتنا عورة}‪ ،‬وفي ذلك إضعاف للصف المسلم أثناء القتال‪ ،‬وتثبيط لضعفة اإليمان عن‬

‫المضي قدما في الجهاد‪.‬‬

‫أما بالنسبة لغير المألوف الذي حاولوا أن يجعلوه مألوفا‪ ،‬فهو قولهم عند بداية المعركة { ما وعدنا اهلل‬ ‫وّ‬ ‫يتبين لهم بعد أنه ليس كذلك‪،‬‬ ‫أن ساحة القتال ما زالت قائمة‪ ،‬والوعد الحق لم ّ‬ ‫ورسوله إال غرورا}‪ ،‬مع ّ‬ ‫النبي‬ ‫ولكنهم استعجلوا بذكر عاقبة السوء ‪ -‬بظنهم‪ -‬المتوقعة للمسلمين؛ ليصلوا بذلك إلى تكذيب دعوة‬ ‫ّ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫وقد صدقهم اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم في كل وعدهم به سابقا‪ ،‬ولكنه سالح التثبيط‬

‫والتخويف‪ ،‬وتصوير غير المألوف بما هو مألوف‪ ،‬وحاشا هلل أن يخلف وعده‪.‬‬

‫أما بالنسبة للتضليل‪ ،‬فذلك واضح في قولهم {إن بيوتنا عورة}‪ ،‬ففيه من التضليل والكذب ما فيه‪ ،‬وما‬ ‫وّ‬ ‫استخدموه إال ليوقعوا ضعاف المسلمين في الخوف على بيوتهم وأعراضهم من خلفهم‪ ،‬فيحملهم هذا إلى‬

‫النكوص على أعقابهم لحماية بيوتهم‪.‬‬

‫مر الزمان‪ ،‬يحذو كل جيل منهم‬ ‫وهكذا نرى ّ‬ ‫أن األساليب واحدة ومتشابهة ومتكررة‪ ،‬وملّة الكفر واحدة على ّ‬ ‫المضلِّل من المنافقين وصوال إلى وقتنا الحاضر‪ ،‬والمتمثّل‬ ‫حذو من قبلهم‪ ،‬لذلك نرى امتداد اإلعالم الكاذب ُ‬

‫في اإلعالم العالمي المعاصر‪ ،‬ال يستثنى من ذلك إعالم دون آخر‪ ،‬ولكن ربما تفاوتوا في درجة إخفاء‬ ‫الحقيقة ٌّ‬ ‫كل بحسب طغيانه وجبروته‪ ،‬وكم شابه حال اإلعالم اليوم حال اإلعالم زمن فرعون‪ ،‬فقد قاد األخير‬ ‫حملة إعالمية شرسة في صدد حماية حكمه‪ ،‬وتشويه صورة الدعوة اإلسالمية التي جاء بها موسى عليه‬

‫أن الحديث في هذا المبحث عن سورة األحزاب‪ ،‬ألشبعت المقام هنا حديثا عن إعالم فرعون‬ ‫السالم‪ ،‬ولوال ّ‬ ‫وصدهم عن دعوة الحق‪.‬‬ ‫وأثره في إضالل قومه‬ ‫ّ‬

‫ويقول الدكتور محمد عمارة في تأثير النزعة الغربية حتى في تشويه الحقائق الكبرى‪ ،‬والتي استقى منها‬ ‫المنافقون أسس إعالمهم ‪" :‬هذه "النزعة المركزية" قد جعلت الثقافة الغربية تنكر تنوع العالم إلى حضارات‬ ‫متعددة و متمايزة و مستقلة في ثقافاتها‪...‬فزعمت هذه المركزية أن الحضارة الغربية هي الحضارة‬

‫تصب العالم‪ -‬بالتغريب‪ ..‬و أخي ار بالعولمة‪ -‬في قالب حضاري و ثقافي و قيمي وحيد‪...‬و لقد‬ ‫العالمية‪...‬و‬ ‫ّ‬ ‫ضمن للغرب "راحة الضمير" أو موته!‪ -‬و هو يمارس هذا العدوان على "اآلخر الحضاري"‪ -‬و بالذات‬

‫"اآلخر اإلسالمي"‪-‬ذلك ال ميراث المشوه و العدائي الذي حفلت به ثقافته المدنية تاريخيا‪ ،‬على اختالف‬ ‫حقولها و ميادينها‪ ،‬إزاء اإلسالم و مقدساته و أمته و حضارته‪..‬و هو الميراث الذي ال يزال فاعال في‬

‫‪1‬‬

‫‪ -‬المصدر السابق (ص‪.)178‬‬

‫‪1282‬‬


‫‪The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..‬‬

‫اإلعالم الغربي‪..‬و التعليم الغربي‪..‬و دوائر الفكر و الدراسات‪..‬و عند صناع القرار حتى كتابة هذه‬

‫الصفحات!"‪.1‬‬

‫المضللة إلى اإلعالم العربي بكامل صورته وتفاصيله الحداثيون (المنافقون‬ ‫قلت‪ :‬وقد نقل هذه النزعة ُ‬ ‫الجدد)‪.‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫أهمها‪:‬‬ ‫توصلَت هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدراسة ‪ -‬بحمد اهلل تعالى وحده ‪ -‬إلى مجموعة من النتائج‪ ،‬لع ّل من ّ‬ ‫لمعنويات الجيش المسلم‪ ،‬وتزييف‬ ‫‪ )1‬التضليل اإلعالمي هي الوجه المضاد للوحي اإللهي‪ ،‬وفي ترويجه هدم‬ ‫ّ‬ ‫لألمور‪ ،‬وزلزلة لألرض من تحت أقدام ضعاف اإليمان‪.‬‬ ‫‪ )2‬من عوامل االعتبار في تجريم الفعل النظر إلى مصدر الفعل ‪ -‬وهو القلب‪.-‬‬

‫االجتماعية‪.‬‬ ‫اإلعالمية‪ ،‬لتشمل محاولة إفساد الحياة السياسية و‬ ‫عددت السورة جملة من أساليب المنافقين‬ ‫‪ّ )3‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫‪ )4‬النفاق دائما ما يبرز في المعتركات السياسية (الحربية) و‬ ‫ّ‬ ‫اإلعالمية على وحدة وتماسك المجتمع المسلم‪.‬‬ ‫‪ )5‬أوضحت السورة اآلثار الكارثية ألساليب المنافقين‬ ‫ّ‬

‫أشد فتكا في المجتمع‪ ،‬وأكثر تأثي ار في النفوس‪.‬‬ ‫تعد أساليب النفاق اإلعالمية بشقيها(القولية والفعلية) ّ‬ ‫‪ )6‬وأخيرا؛ ّ‬ ‫توصي هذه الدراسة بـ‪:‬‬

‫تحدثت عن ظاهرة‬ ‫‪ )1‬استكمال هذه الدراسة بشكل أوسع من الناحية القرآنية في جميع السور‬ ‫المدنية التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫النفاق والمنافقين‪.‬‬ ‫‪ )2‬تدريس هذه الدراسة ومثيالتها ضمن مقررات الدراسات اإلعالمية‪.‬‬

‫علي بإتمام هذه الدراسة‪ ،‬فما كان فيه من صواب فمن اهلل وحده‪ ،‬وما كان‬ ‫وبعد‪ :‬فأحمد اهلل تعالى أن ّ‬ ‫من ّ‬ ‫فمني ومن الشيطان‪ ،‬وأستغفر اهلل تعالى منه‪.‬‬ ‫من زلل أو نقص ّ‬

‫‪List of references and sources‬‬ ‫‪abn eadil , 'abu hafas eumar bin eali aldimashqii alhunbalia , allibab fi eulum‬‬ ‫‪alkitab altabeat al'uwlaa 1419 ha -1998 m , dar alkutub aleilmiat - bayrut.‬‬ ‫‪abn eashur , muhamad alttahir bin muhamad bin muhamad alttahir altuwnisiu‬‬ ‫‪(1393 h) , altahrir waltanwir , altabeat al'uwlaa 1420 ha / 2000 m , muasasat‬‬ ‫‪alttarikh alearabii , bayrut.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عمارة‪ ،‬محمد‪،‬اإلسالم واآلخر من يعترف بمن؟ ومن ينكر من؟‪،‬مكتبة الشروق الدولية ‪(،2004‬ص‪-135‬‬

‫‪)136‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪1283‬‬


Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287

abn eatiat , 'abu muhamad eabd alhaq bin ghalib al'andilsi , almuharir alwajiz fi tafsir alkitab aleaziz , tahqiq eabd alsalam eabd alshshafi muhamad , altibeat al'uwlaa 1413 ha - 1993 m , dar alkutub aleilmiat - lubnan. abn faris , 'abu alhusayn 'ahmad bin zakariaa , maejam maqayis allughat , tahqiq eabd alsalam muhamad harun , tbet 1399 ha - 1979 m , dar alfikr. abn hajar , 'ahmad bin eali 'abu alfadl aleusqilaniu alshaafieii , al'iisabat fi tamyiz alsahabat , tahqiq eali muhamad albajaawi , altibeat al'uwlaa 1412 h , dar aljil bayrut. abn jazi alkalbi , 'abu alqasim , muhamad bin 'ahmad bin muhamad bin eabd allh , alghurnatii (741 ha) altashil lieulum altanzilat , tahqiq eabd allah alkhalidii , altibeat al'uwlaa 1416 h , dar al'arqam - bayrut. abn jzry , 'abu alsaeadat almubarak bin muhamad , alnihayat fi ghurayb alhadith wal'athar , tahqiq tahir 'ahmad alzzawi w mahmud muhamad altinahi , tbet 1399 ha - 1979 m , almuktabat aleilmiat - bayrut. abn manzur , muhamad bin mukrim al'afriqii almisrii , lisan alearab , altibeat al'uwlaa , dar sadir - bayrut. abn timiat , 'ahmad bin ebdalhlym , al'iiman al'awsat , tahqiq mahmud 'abu sini , altubeat al'uwlaa 1422 h , dar tayibatan lilnashr - alriyad. abn zanjilat , eabd alruhmin bin muhamad 'abu zret , hujat alqarra'at , tahqiq saeid al'afghani , altubeat alththaniat 1402 - 1982 m , muasasat alrisalat - bayrut. abu hian , muhamad bin yusif alshahir al'undilsia , tafsir albahr almuhit , tahqiq eadil 'ahmad eabd almawjud w eali muhamad maeawad , altabeat al'uwlaa 1422 ha - 2001 m , dar alkutub aleilmiat - lubnan. al'alusiu , shihab aldiyn mahmud bin eabd allh alhusayni (1270 h) , ruh almaeani fi tafsir alquran aleazim walsabe almathanii , tahqiq eali eabd albari eatiat , altibeat al'uwlaa -1415 h , dar alkutub aleilmiat - bayrut. al'asfihaniu , muhamad bin almufadal 'abu alqasim (502 h) mufradat 'alfaz alquran , tahqiq mustafaa bin eudiin , altibeat al'uwlaa , maktabat fayadin. aleashr , tahqiq sabie hamzat hakimiin , tabet eam 1981 m , majmae allughat alearabiat - dimashq. 1284


The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..

alfarahidiu , 'abi eabd alruhmin alkhalil bin 'ahmad , kitab aleayn , tahqiq mahdii almakhzumi wa'iibrahim alsamrayy , dar wamaktabat alhilal. alfasi , 'ahmad bin muhamad bin almahdi bin eajibat alhusnii al'iidrisii alshshadhilii 'abu aleabbas , albahr almudid , altubeat alththaniat 2002 m - 1423 h , dar alkutub aleilmiat bayrut. alhukmiu , hafiz bin 'ahmad , 'aelam alsanat almanshurat liaietiqad alttayifat alnnajiat almansurat , tahqiq hazim alqadi , altibeat alththaniat 1422 h , wizarat al'awqafi-aliseudiat. aljuhari , 'iismaeil bin hammad (393 ha) , taj allughat wasahah alearabiat , altibeat alrrabieat 1990 m , dar aleilm lilmalayina- bayrut. aljurjani , eali bin muhamad bin eali , altaerifat , tahqiq 'iibrahim al'abyariu , altibeat al'uwlaa 1405 h , dar alkitab alearabiu - bayrut. alkifawi , 'abu albaqa' 'ayuwb bin musaa alhusayni , kitab alkliyat , tahqiq eadnan druish wakharun , muasasat alrisalat - bayrut - 1419 h - 1998 m. almawrdy , 'abu alhasan eali bin muhamad bin habib albasri , alnakt waleuyun , tahqiq alsyd bin eabd almaqsud bin eabd alrahim , dar alkutub aleilmiat - bayrut / lubnan. alnasirat , jhad , bahath mahakum bieanwan: al'alfaz alty ainfaradat biha surat walati -drasat mawdue mwdwey. alniysaburiu , 'abu bakr 'ahmad bin alhusayn bin mihran (381 h) , almabsut fi alqura'at alqartabiu , 'abu aleabbas 'ahmad bin eumar bin 'iibrahim (656 h) , almufaham lamaa 'ushkil min talkhis kitab muslim tahqiq muhyi aldiyn dib mistu wakharun , altubeat al'uwlaa 1417 ha - 1996 m , dar abn kthyr , dimashq - bayrut. alqartabiu , 'abu eabd allah bin 'ahmad bin 'abi bikr bin farih al'ansarii alkhazrajii shams aldiyn (671 h) , aljamie walquran (tfsir alqartabi) , tahqiq 'ahmad albrdwni wa'iibrahim 'atfish , altubeat alththaniat 1384 ha - 1964 m , dar alkutub almisriat - alqahirat. alrraghib al'asfihaniu , alhusayn bin muhamad bin almufadal 'abu alqasim , mufradat 'alfaz alquran , dar alqilm

1285


Journal of Social Sciences (COES&RJ-JSS), 9(3), pp.1263-1287

alrrazi , fakhar aldiyn muhamad bin eumar altamimii alshshafieii , mafatih alghayb , altabeat al'uwlaa 1421 ha - 2000 m , dar alkutub aleilmiat - bayrut. alshaerawiu , muhamad mutawaliy (1418 h) , alkhawatir (tfasir alshuerawiu ,) matabie 'akhbar alyawm. alshanqitiu , muhamad al'amin bin muhamad almukhtar bin eabd alqadir aljakniu (1393 h) , 'adwa' albayan fi 'iidah alquran bialquran , tbet 1415 h- 1995 m , dar alfikr liltabaeat w alnashr w altawziea- bayrut. altahawiu , 'abu jaefar 'ahmad bin muhamad bin salamat bin eabd almalik bin salimat al'azdi alhajrii almisrii (321 h) , sharah mushakil alathar almualafin , tahqiq shueayb al'arnuiwt , altibeat al'uwlaa 1415 ha-1494 m , muasasat alrasalati. alzubaydi , 'abu alfayd mhmmd bin mhmmd bin eabd alrzzaq alhusayni , taj aleurus min jawahir alqamus , dar alhday. Bittman، Ladislav (1988)، The New Image-Makers: Soviet Propaganda & Disinformation Today، Brassey's Inc، ‫ ص فحات‬7, 24، ISBN 978-0-08-034939-8. eimaruh , muhamad , al'islam walakhar min yaetarif bimn? wamin yunkir min? , maktabat alshuruq alduwaliat 2004. eumar , 'ahmad mukhtar eabd alhamid (1424 h) , mejm allughat alearabiat almueasirat , altabeat al'uwlaa 1429 ha - 2008 m , ealam alkutb. fahami , 'ahmad , handasat aljumhur , altibeat al'uwlaa 1436 h , maktab majalat albayan , alryad-alsewdy. habinikat almaydanii, eabd alruhmin hasan, albalaghat alearabiat 'assaha waeulumuha wafunuunuha , altibeat al'uwlaa 1996 m , dar alqulm - aldaar alshaamiat - dimashq. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B6%D9%84%D9%8A%D9%84#cite_ note-bittman1988-22 husayn, samir muhamad (1984), al'iielam walaitisal bialjamahir walraay aleami, altibeat al'uwlaa, ealam alkutub, alqahirat. qatab, syd, fi zilal alquran mawqie altafasir http://www.altafsir.com.

1286


The methods of media misinformation among the hypocrites in light of Surat ..

rady, samir jamil (1417 h - 1996 m) al'iielam al'iislamiu risalatan wahadaf, daewat alhaqi, kitab shahriun yasdur ean rabitat alealam al'iislami. shamri, fahd bin eabd alrihmun (1431 h - 2001 ma) altarbiat al'iielamiat wakayf altaeamul mae al'iielam altibeat al'uwlaa, alriyad. syd qutb, abn 'iibrahim husayn alshadhili (1966), fi zilal alquran, altibeat alssabieat 1978 m, dar alshruq.

1287


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.