)Ù”(
كانت واحدة مف الميالي الثقيمة،
ال أستطيع وصفيا بأق ّؿ مف ذلؾ.. خطر لي أف أقوـ بكتابة تحقيؽ صحفي عنوانو (مف يستطيع النوـ؟) ولكنني لـ أفعؿ ،فقد كاف يكفي أف أقوـ "غزة". بكتابة ىواجسي الميمية ،يوماً بعد يوـ ،ألدر َؾ ما الذي يحدث في ّ كانت واحدة مف الميالي الثقيمة. بت ُّ عيني ،رغـ أنني ُّ كنت أغمقيما أصبلً حينما استطعت إغبلؽ أي وقت لست أدري في ِّ أشؾ تماماً ،فيما إذا ُ ُ ُ ّ أناـ. مف يستطيعُ النوـ ؟ َّقات عمى الباب كافية ألف توقظني. كانت الد ُ ٍ شيء يختمط في ىذا الرأس الصغير ،الذي طالما وصفتو أمي تحبباً: كؿ ّ أف اهلل لـ "انظروا ،صاحبة الرأس الصغير ،وأختيا ،في الواحدة منيما ٌ عقؿ أكثر مما فيرؤوسكـ مجتمعيف .لو ّ
غزة". يرزقني سوى البنات ،لكنت أسعد أىؿ ّ يسرني ،ويزعجني. ّ كاف ذلؾ ّ
السيء أف تممؾ رأساً صغي ارً في وطف ليس فيو سوى اليراوات الكبيروة وفوىات البنادؽ المتطمعة إليؾ. مف ّ الصغر ،واتّخذت ما يكفي مف لكنني ُ حسمت األمر في النياية لصالح رأسي .نعـ حسمتو لصالح ىذا ّ االحتياطات المبلئمة لحجمو ،عكس توأمي وشبييتي..
وقمت :لف ابتعدت عـ مدى الي اروات ما أمكف ،ألنني صرت عمى يقيف مف أف ضربة واحدة تكفي لتيشيمو، ُ ُ
األياـ ستثبت أنني كنت مخطئة في ىذا! يكوف بإمكاف الق ّناصيف إصابتو وىو بيذا الحجـ ،مع ّ أف ّ
كانت تمؾ األحاسيس تنتابني في االنتفاضة األولى ،أما اآلف ،فبل أعرؼ تماماً ،إف كنت ما زلت أف ّكر بالطريقة نفسيا أـ أنني أتذكر تمؾ الطريقة التي كنت أفكر بيا!. مروحية ،وحتى مقاتمة ،كاف يكفي لزعزعة عيارات زمف طوي ُؿ مف القصؼ :قنابؿ وصواريخ ،دبابات وطائرات ُ ّ يتباىوف -كما في ك ّؿ حرب -بدقّتيـ في تحديد أنواع األسمحة ،لكنني لـ أف كثيريف صاروا َ لدي ،مع ّ السمع ّ
يفرؽ بيف طرقات قوية عمى أكف منيـ ،وظ ّؿ ىذا األمر ىو األكثر قدرة عمى إثارة دىشتي ،فمف يستطيع أف ّ باب ،وبيف أصوات القنابؿ في إفاءة عثر عمييا بأعجوبة في نيايات الميؿ.
تقؿ عف خبرتي!! رجعوا يقصفوا ،أـ ىناؾ مف يطرؽ الباب؟ سألت أمي ،وقدأف خبرتيا ال ّ ْ أثبتت ّ
ألف أف أحداً لف يفعؿ ذلؾ سواي ،وليس ىناؾ اآلف سوى ّ جدتي في الغرفة التي (ترتاح فييا) ّ نيضت ،أعرؼ ّ ُ
تردد دائماَ. الرصاص ال يبمغيا تماماً ،كما ّ صوت ّ
صباح الخير. صباح ال ّنور.أم ِؾ موجودة؟ ّ موجودة.و ِأبوؾ ؟ ِ السجف ! أبي! أنت تعرفيف ،في ّنسيت ،يمعف الشيطاف! ُ االحتبلؿ ؟!أظف ،في غيره ؟! ُّتفضمي ! ّأريد أف أطمب ِ كنت أحمـ دائماً أف يكوف لي منؾ طمباً واحداً ،فأنت مثؿ ابنتي. ال .قبؿ أفْ أتفضؿُ ، وصمتتُ . ّ ابنة مثمُؾ ،أو مثؿ ِ أختؾ ،ولكف إف ساعدتني سيكوف لي بنت!! ماذا تقصديف ؟ ستكوف ِأختؾ ابنتي !!
ومف قاؿ أ ّنيا ليست ِابنتؾ ؟! صبية ما شاء اهلل ،تممي العيفِ ، ابني ِكبر ،كبر بما فيو الكفاية ،و ِمثمؾ! وكما تريف ،الدنيا بيف الحياة أختؾ ّ أريدؾ أف تقنعي أم ِؾ .صحيح أف وجود ِ بأف ىذا الوقت ىو األنسب ألزوجو ،و ِ أبيؾ في والموت ،وقد ف ّكرت ّ ّ ّ تتحسف أحوالنا بد منو ،فمو انتظرنا حتى لكف ذلؾ ال ّ السجف يجعؿ األمر غير مناسب في نظر بعض الناسّ ، ّ ّ
أحد األمر مصيبة ،وال َ ويرحؿ االحتبلؿ ،وتتحرر فمسطيف ،ويعود جزءىا الذي الذي احتّموه قبؿ ىذا الجزء ،لكاف ُ
تزوج وال أحد خمّؼ. ّ
ٍ ٍ أظف تستند بخشبة كاف طمبيا كافياً لعقد لساني تماماً ،فوجدت نفسي أشبو بوىف إلى حمؽ الباب ،بعد زمفّ ، ُ ىزة رأسي كما أىز رأسي دوف أف أدرؾ معنة ما أفعمو ،لك ّنيا فيمت ّ أنيا قاؿ فيو الكثير ،وجدت نفسي ّ تشتيي. ِ الخطوتيف المتيف تفصبلننا ،وطبعت قبمة عمى جبيني. خطت ِ غيرؾ ،وصدؽ قمبي. قمت ،ليس لي لقد ُتيـ بالذىاب. وفجأة استدارت ّ إلي وكانت يدي تقبض عمى طرؼ ثوبيا األسود الطويؿ. ّ امتدت يدي ،أدركتيا قبؿ أف تبتعد ،التفتت ّ قمت ليا. أدخمي ،نشرب الشاي معاً عمى األق ّؿ ،ونفطرُ .ِ ثـ ال ،ال .الشاي نشربو بعديف .ولست جائعة ،اآلفّ سأمر عمى البيت آخذ بعض األشياء التي أحتاجياّ ، أذىب ألطمئنو .تعرفيف ،الولد يحبيا منذ زمف طويؿ ،وكنت أنتظر اليوـ الذي يكبر فيو .أعرؼ انيا أكبر منو
الحد؟ اليوـ عيد ميبلده ،لماذا ال تأتيف؟ يحب إلى ىذا ّ قميبلً ،لكنو استطاع أف يكبر ليمحؽ بيا ،ىؿ رأيت أحداً ّ ر ِ ائحتؾ مف رائحتيا .سأقيـ حفبلً صغي ارً. وأخذىا صمتيا بعيداً. اصمت النظر إلييا .متعبة كانت كما لو كانت عمى مشارؼ الستّيف ،لكنيا كانت طويمة كما عرفتيا دائماً ،رغـ و ُ ٍ كافية لسحؽ قامة سنديانة. أف األعباء الممقاة عمى قمبيا ّ شريف البنت ،ما ر ِ أيؾ ؟! شر الولد ،وأنت تب ّ -أنا أب ّ
ىزة رأسي كما تشتيي ،اندفعت ييتز ،دوف أف أدري ما الذي يعنيو ذلؾ ،لكنيا فيمت ّ وثاني ًة وجدت رأسي ّ ثـ قالت :مالي في ىالدنيا غيرؾ ،اهلل يرضى عميؾ، نحويّ ، قبمتني مف جبيني ثانيةً ،تراجعت قميبلً ،تأممتنيّ ،
لزوجتؾ ّإياه. جبرتي خاطري ،واهلل لو كاف لي ولد ثاني ّ
تحبينني؟ ولو خالتي آمنة ،وىؿ أنا بحاجة إلى دليؿ ألعرؼ كـ ّتقميد جنا ٍح ببل جدوى. يرؼ محاوالً امتؤلت عيناىا بالدموع .استدارت ،ورحت أراقبيا تبتعد ،وغطاء رأسيا ّ َ
***
مف يطرؽ بابنا مف صبيحة اهلل ىذه؟أمي دوف أف تستطيع أف تفتح عينييا. سألتني ّ أعدت :صوت القنابؿ. صوت القنابؿ .قمت ليا ،و ُظننت أنني أحمـ .اهلل ال يخمّي واحد فييـ ،خمطوا ليمنا بنيارنا .أال يتعبوف ،أال كنت متأكدة مف ىذا ،ولكننيُ يناموف ،ىؿ ىـ طرش ال يسمعوف صوت القنابؿ التي يطمقونيا؟!!
حيف أصبح رأسي تحت المحاؼ ،سألتني :كـ الساعة اآلف؟ السادسة. -السادسة ،قومي ،ألـ تشبعي نوماً ؟!!
)Ù•(
إف الشمس قد أصبحت في ِ السماء، وسط قمت ليـ َّ ُ ْ َ
قمت ليـ ،ما ىذا الكسؿ الذي نزؿ فجأة عميكـ ،لـ قمت ليـ ىذا مرةّ ، يتحرؾُ ، ُ لكف أحداً منيـ لـ ّ الكبلـ مائة ّ َ اآلف ،أف االبف وال األخ ،لقد نمتُـ كثيراً ،أكثر مما يجب ،وعمي ُكـ أف الزوج وال تكونوا ىكذا مف قبؿ ،ال تصحوا ْ ُ ُ ُ أذىب. تتحدثوا معي قميبلً قبؿ أف تروا الشمس ،عمى ّ األقؿ ،وأف ّ ْ
سنتحدث فييا جاىزة ،ألنني أف ّكر فييا منذ ٍ زمف إف الشاء جاىز ،والفطور جاىز ،والمواضيع التي ّ قمت ليـ ّ ُ طويؿ ،لك ّنيـ ظمّوا نائميف.
ِ عت ىذه مما ىو عميو قميبلً ،قميبلً فقط ،النتز ُ مف َ أيف نزؿ ىذا الكس ُؿ يا ّ ربي ،عمييـ فجأة ،لو كاف قمبي أقسى ّ ٍ لكف قمبي ال ُيطاوعني. وحولتيا إلى عاصفةّ ، الجوّ ، األغطية عنكـ ونثرتُيا في ّ حنوف مف يومو! األحف م ّني ،يا أخي الذي لـ يفارقني ،حيف فارقني الكبلـ غيرؾ يا مصطفى ،يا أخي مف كاف يقوؿ ىذا ّ ُ لورية ،وبعضيـ وصؿ السويد. ذىبوا ،بعذىـ ّ لؤلردف وبعضيـ ّ اأىخروف ،حيف ُ ٍ جية تُنادي واحداً منكـ، أف ك ّؿ ىؿ تذكر ،راحوا يتطمّعوف لمجيات، ويتسمعوف صوتيا ،قمت ليـ :أعرؼ ّ ّ بقية أصو ِ الصوت حتى يختفي فيو .ىكذا قمت ات الجيات األخرى ،ويتبع وسيسمعُ صوتيا ّ َ وحده ،مف دوف ّ
ليـ ،كأنؾ فيمسوؼ واهلل ،وحيف قالوا لؾ ساخريف ،وأنت يا أستاذ مصطفى :ما ىي الجي ُة التي تناديؾ وال لؤلرض. أشرت تسمع سوى صوتيا؟ ْ َ أما الجيات ففوقيا. قالوا لؾ :األرض ليست جية ،األرض مكافّ ، قمت ليـ :ك ّؿ الجيات تمتقي ُىنا ،فييا ،ومف يممكيا يممؾ الجيات جميعيا. َ غزة ،بعد زواجي ،حيف أرادوا لي أف اهلل ،لقد أطربني كبلمؾ يوميا ،ال ،ليس ألنؾ ستبقى عندي ىنا ،في ّ وقت لـ ي ُكف جاءني ِ أبقى شجرة وحيدة ،ببل سند ،في ٍ فيو الولد; ال ،أطربني أل ّنو أطربني ،وقد أطربيا ،رندة،
حيف أعدتُو عمى مسامعيا ،فقالت لي :مسموح لي أف أكتُ َب ىذا الكبلـ؟ َ وكتبتو في دفترىا! فقمت ليا مسموح. ُ ُ أتخرج مف الجامعة ،أال أصر عمى أف أتعمّـ ،و ّ كـ مصطفى لي؟ آه؟ قؿ لي كـ مصطفى لي؟ مصطفى الذي ّ
الحد وأف يطربني؟ يستحؽ أف أفيـ كبلمو إلى ىذا ّ ّ
جره حممو في أف يكوف لو حمـ يجره خوفو عمى أوالدهّ ، سامحني ،يا مصطفى ،ولكنني سأقو ُؿ لؾ ،إف الذي لـ ّ
لبقيت ىنا ،معي، متزوجاً ،ولؾ أوالد، كنت خارج شقائنا ىذا عمى شطّ ّ َ غزة .ال ،ال تفيمني غمط ،فحتى لو َ ّ
عشروف ولداً تخاؼ عمييـ لبقيت معي ،وقد قمتيا بنفسؾ ،رغـ أ ّنؾ لـ تقميا :وآمنة ،نتركيا حتى لو كاف لؾ َ لمف ىنا؟!
ِ يسرىـ أف تبحث عف سبب آخر لمبقاء معي ،وأف تشير أعر ُ ؼ أ ّنني لـ أسمعيا ،لك ّنؾ بالتأكيد قمتَيا ليـ ،وكاف ّ
يبرئوا ضمائرىـ ،وىـ يتيامسوف في آذاف إلى جيتؾ الوحيدة ،جيتؾ التي تتجمع فييا الجيات كميا ،كي ّ
بعضيـ البعض :عمى األق ّؿ ىناؾ مف سيبقى ويرعى أختنا.
إف اهلل يخمؽ اإلنساف مف ترابيف ،تراب المكاف بقيت ،بقيت تماماً ،قمت ليـ :ىناؾ أسطورة فمسطينية تقوؿ ّ وقد َ ّ عرفت مف زماف ،أننا خمقنا مف ىذا التراب وحده ،أل ّننا الذي ولد فيو ،وتراب المكاف الذي سيموت فيو .لقد َ
اب عميو ولدنا وعميو نموت ،وقد ُ أما نحف ،فالذي ينادينا تر ُ يكوف تراب أخوتي ىو الذي ينادييـ ،تراب موتيـّ ،
نداء بيذا الوضوح؟. حياتنا ،ىكذا مف األوؿ ،ومف منا ال يستطيع أف يسمعَ ً
أنت تذكر حكاي َة الشييد محمد موسى أبو جزر ،تذكرىا طبعاً ،إنيا تصديؽ لكبلمؾ الذي قمتو ،كيؼ يمكف أف نفسرىا؟ رجؿ يغيب أربعيف عاماً عف وطنو ،ويشارؾ في معارؾ ال حصر ليا خارج فمسطيف ،وبعد أف يعود ّ يستشيد وىو يجافع عف (رفح) ،ىنا ،قربنا. اهلل ،اهلل يا مصطفى!. في ،فجأة ،كال ّنور، فيمت اآلف، لقد فيمت اآلف كبلمؾ الذي قمتو ليـ ،فيمتو يا مصطفى ،اهلل كيؼ أشرؽ َّ ُ ُ
فيمت يا مصطفى ،ليس ىناؾ مبرر أف أكوف كنت تسمعو ،ولـ تكف تخبرني، ُ فيمت لماذا أشرت إلى الترابَ . ُ نحسيا ،ألنيا فينا ،فيؾ ،في دمؾ ،أمسعيا تجري. سمعت ىذه األسطورة أو ال، قد ُ الميـ أننا ّ ّ كيؼ لـ يفيموا؟ أحب المبالغة ،فالزماف بالغ أتذ ّكرؾ ،دائماً كنت تسبقيـ عشر خطوات ،عمى األق ّؿ .ال ُ أريد أف أبالغ ،لـ أعد ّ معي بما يكفي ويزيد .دائماً كنت تسبقيـ عشر خطوات عمى األق ّؿ .أتذ ّكر ،حيف جاء جماؿ لخطبتي ،حيف
أي عروس :مف ّ حدث أبي ،وحيف ارتبؾ أماـ سؤالو الذي لـ يكف مفاجئاً ،السؤاؿ المتوقع الذي يسألو أىؿ ّ ويف بتعرؼ البنت؟!
السماء سقطت عمى رأسو ،وبعد قميؿ عرؼ أنيا كانت ممتمئة بالغيوف .ىكذا كاف إف ارتبؾ الحزيف!! قاؿ لي ّ َ
غرقت في ماء لـ أر مثمو يا آمنة ،ال ،ليس عرقاً ،لو كاف عرقاً ألحسستو يتسمؿ يستعيد الحكاية ويضحؾ: ٌ مف تحت ثيابي ،بكنيا كاف يأتي مف تحتيا ومف فوقيا.
وتحبيا أيضاً !. قاؿ لو: ّ وتجر الحزيف وقاؿ لو :وىؿ عمى الرجؿ أف يتزوج المرأة التي يكرىيا؟! ّأ عمي ؟! بتتمسخر ّلمزواج!. عمي؟ ما في عندي بنات ّ ىكذت صرخ أبي في وجيو .بتتمسخر ّ ييمؾ! وحدؾ الذي وقفت معي ،وحدؾ الذي قمت لي تمؾ الكممات البسيطة :وال ّ ييمني؟ إف لـ يخطبني اليوـ ،فمتى يكوف ذلؾ ،بعد أـ يعود مف مصر؟ لـ تزؿ أمامو -وال ييمني ،كيؼ وال ّ
أربع سنوات حتى يتخرج ،واهلل يعمـ ما الذي يمكف أف يحدث في أربع سنوات. ييمؾ !. وأعدتَيا :وال ّ
دمت أعدتيا ،فإنؾ تعرؼ ما الذي تقولو ،ما الذي تعنيو ،فمـ أفتح الموضوع ثانية. فقمت :ما َ ُ وقمت لي :ال تقطعي أىمو ،زورييـ ،إنيـ يحبونؾ ،عيشي معيـ كما لو أ ّن ِؾ واحدة منيـ ،خطيبة ابنيـ، وزوجة المستقبؿ. ِف ْك َرؾ !؟ طبعاً.جف. سي ّ ولكف أبي ُربما ،في البداية فقط. غزة ،وليس في مصر، أف جماؿ ىنا في ّ ّ جف لو ّ سي ّ جف؟ ال ،ال ّ سي ّ سيجفّ ، أظف ذلؾُ ، ُقمت لو /تزور ثاحباتيا ،أخواتو ،فجماؿ في ك ّؿ ما قمتو حدث ،نعـ ،كؿ ما قمتَو .أرغى وأزبد ،وشتـ ،وحيف َ مصر ،وليس ىناؾ سوى الختيار والختيارة والبنات .قاؿ :وليكف! ال تزورىـ ،يعني ال تزورىـ!.
عشت في بيتنا ،ويوماً بعد يوـ ،لـ يعد يسألني :أيف عشت معيـ في البيت طواؿ تمؾ السنوات أكثر مما لكنني ُ ُ ِ لست أدري لماذا كاف عميو أف يبدو قاسياً .ىؿ ىنالؾ كنت؟ كاف يراني سعيدةً بوجودي معيـ ،اهلل يرحمو، ُ سبب سوى أنو أب ،وأف ىمومنا أكبر مف جيؿ؟!
تزوجيو يابا .أفض ُؿ بيت لمبنت ىو البيت الذي يحبيا فيو أىؿ زوجيا أكثر منو .اآلف أعرؼ ناداني ،وقاؿ ليّ : انيـ يحبونؾ!
وصمت طويبلً .ثـ قاؿ لي :أما أف يأتي ىو ويقوؿ لي بأنو يحبػ . .ىكذا مف الباب لمطاقة ،فيذا ال يجوز،
ِ فيمت.
قمت لو :حاضر. ُ جد؟!! وعندىا راح يضحؾ ويضحؾ :ىؿ اعتقدت أنني أقو ُؿ ىذا الكبلـ عف ّ وراح يضحؾ ويضحؾ حتى مات. اهلل يرحمو.
** ** **
بأف ضحكي فاؽ ك ّؿ الحدود. أحس ّ وىا أنا أضحؾ وأضحؾ ،و ّ بد لي مف أف أبكي قميبلً إذف. ال ّ الحزف ،واهلل إنكـ حيرتوني!! كنت ىا قد اآلف إف ُ ُ بكيت ! .ولكنني ال أعرؼ َ أمسح دموع الفرح أـ دموع ُ ُ وبعديف يا والد. الشمس أصبحت في وسط السماء ،ما ىذا الكسؿ الذي نزؿ فجأة عميكـ؟ لـ تكونوا ىكذا مف قبؿ ،وعميكـ أف ُ
معي قميبلً ،قبؿ أف أذىب. تصحوا اآلف ،أف تروا الشمس عمى ّ األقؿ ،وأف ّ تتحدثوا َ
تنس عميؾ الكثير ،فأنت خاؿ الولد .وأنت يا صالح ،قوـ ،قوـ شوؼ الشمس ،شمس مصطفى /مصطفى ،ال َ
أحد يفوت ٌ تفوتيا ،شوفيا ،ىذه شمس عامؾ الجديد ،شمس سعدؾ .يا كسوؿ ،يا أىبؿ! ىؿ ّ عيد ميبلدؾ ،ال ّ شمسو ،شمسو التي تشرؽ لو وحده ،أنظر ،حتى الغباش ال وجود لو اليوـ ،حتى الدخاف غير موجود .ىؿ
تعرؼ مف متى أنتظر ىذا اليوـ؟!! ُ أعد، أعد عمى أصابعي ،لكف ما يدىشني أف أصابعي لـ تعد تنتيي ،ولمذلؾ أعد و ّ بقيت ّ من ُذ ..ال أدري ،وأنا ّ ُ
كبرت. ليبلً نيا ارً ،حتى توقفت فجأة ،وعندىا انتبيت ،وعرفت أنؾ قد ُ
تبح بو حتى لمتراب ،ألف الريح ستعرفو! لقد ف ّكرت طويبلً ،طويبلً تبح بو ألحد ،ال ُ اآلف ،سأقوؿ لؾ س ارً ،ولؾ ال ُ
سأزوجكما. جداً ،ولـ أجد أفضؿ مف ىذت. ّ تريد أف تنيض ،ببلش ! ال ُ
ِ ب نفسي بيذا ك ّؿ يوـ. ىا ىو الشاي يبرد قبؿ أف تشربوه ،واهلل ُ لست أدري لماذا أتع ُ أما أنت يا مصطفى فيا أنا أقوليا لؾ ،سأذىب وأخطبيا وحدي إف لـ تنيض. ّ لف تنيض!! طيب !! ّ لو مفاجأة. أي شيءّ .إياؾ! ألنني سأجعميا ُ إذا أفاؽ قبؿ عودتي ال ت ُقؿ لو ّ
)Ù–(
اـ كثيرة، أحياناً ّ تمر ّأي ٌ
أخوي جواد وسميـ، دوف أف أرى ّ دوف أف أرى أحداً، يقب ِ نطمئف أمي ويطمئ ّناف عمينا ،وىما ال بعرفاف أننا نحف الذيف ّ يمراف ،في الظبلـ غالباً ّ بلف ّ خطفاً ّ يدي ّ عمييف.
تمر أياـ كثبرة دوف أف أراىما. أحياناً ّ ربما التي ال يستطيع مكاف ما أف يبقييا ال ،ذلؾ ال يعني أنني أمضي اليوـ وراء باب مقفؿ .فأنا الوحيدة ّ
داخمو أكثر مما تُريد.
أحس أنني جالسة يتعمؽ األمر بالبصؿ أو بسواه ،لك ّنني بصمتؾ محروقة! تقو ُؿ لي أمي ،وأقوؿ ليا :الُ ّ
باستمرار في مقبلة تحتيا نار.
أخرج لمشوارع كي أرى ،فبل أرى شيئاً. حد أنني ال أستطيعُ أف أرى أحداً تماماً. نحف كثيروف في ىذا الشريط الضيؽ إلى ّ ُ ّ أحس أننا لو نظرنا مرة واحدة لمبحر فستبتمعو في البيت كثيروف ،في الشارع ،في المدرسة ،في السوؽ ،و ّ أعيننا!. ُ
وكثيروف في أحزاننا .. قموب أكبر كي تتسع لكؿ ىذا األسى .قالتيا ذات مرة جدتي ،ولـ أفيـ كبلميا إال بعد زمف طويؿ. كاف يمزمناٌ
أي يوـ مف األياـ ؟ وذات يوـ سألتيا :كيؼ تفسريف ّ أف أحبلمنا لـ تصغر في ّ إلي وقالت :ما الذي تعنينو ؟ التفتت ّ ات ِ قمت ليا :قبؿ سنو ٍ قمت:كاف يمزمنا قموب أكبر كي تتسع لكؿ ىذا األسى. ُ قمت ىذا الكبلـ ؟! إلي َد ِى َ فالتفَ ْ ش ًة قالت :أنا ُ تت ّ نعـ ِمسجؿ في دفتري أيضاً. أنت ،وىو ّ
أنت ِ قمت كبلماً كيذا ،و ِ فإف ىذا الكاـ صحيح! كتبتوّ ، كنت ُ إذا ُقالت. وماذا عف أحبلمنا؟ سألتيا. أحبلمنا لـ تكبر .قالت. ما الذي تعنينو ؟األحبلـ ،ك ّؿ األحبلـ تولد صغيرة وتظ ّؿ صغيرة ،ولذلؾ ،ليس أحبلمنا لـ تكبر ألنيا أحبلـ صغيرة منذ البداية.ُ األحبلـ كبيرة لقامت بنفسيا لترعانا. غريباً أننا نحف مف نرعاىا طواؿ العمر .لو كانت ُ مسموح لي أكتب ىذا الكبلـ ؟ مسموح ،بس ما تزيدي مف عندؾ!المبلئـ الذي الجو يجب أف ّ طبعاً ،كبلـ كيذا لـ أكف أسمعو عمى الطّالعة والنازلة كما ُيقاؿ .كاف ُ أحضر لو ّ َ أوقية بزر يمكف لو أف يتفتح فيو ،ولـ تكف ّ جدتي ذات مطالب كثيرة كي تصؿ إلى تجمييا ىذا .كؿ ما يمزميا ّ ّ ِ وصمة مديح ألسنانيا القوية التي ال تشبو أسناف بنات ىذه وفنجاف قيوٍة كبير تختتـ بو القزقزة بعد بطيخ، ُ تبوح بما أتمنى سماعو في ىذا الوقت ، بد أف يكوف ذلؾ ما بيف التاسعة والعاشرة ليبلً ،ألنيا األياـ ،وال ّ ُ
وتناـ.
ال شيء يجعمني أناـ كالقيوة! تقو ُؿ لي.وتذىب في ٍ نوـ عميؽ. ُ أفيؽ فتسألني :مف أحياناً ،في بعض الميالي ،تصحو عمى صوت القنابؿ ،فتأتي إلى فراشيّ ، تيزنيي إلى أف َ ِ مرة؟ أيف اشتريت القيوةَ آخر ّ فأقو ُؿ ليا نصؼ نائمة :مف عند "أبو مسعود". الجو تجعمني ال ،ال تشتري القيوة منو مرة أخرى ،قيوتو خفيفة ،خفيفة إلى ّتمر في ّ حد أف رصاصة واحدة ّ
أصحو .اشتري لي مف قيوة "المغربي" فيي الوحيدة التي تبقيني نائمة حتى السابعة صباحاً.
** ** **
ظمّت جدتي صديقتي الوحيدة ،عكس توأمي التي كاف لدييا مف الصديقات ما يكفي عشر ٍ بنات وحيدات. جدتي :الحمدهلل أف ىذه المستورة قد أصبحت جدتي صديقتي الوحيدة إلى أف وصمت آمنة ،فقالت ّ ظمّت ّ جارتنا ،ألنيا خففت مف أوجاع رأسي الكثيرة التي تسببينيا لي بأسئمتؾ الكثيرة التي ال تنتيي. خمس دقائؽ ،ودائماً في الحرة ،لكنيا غير العجيب أنيا ال تستطيع الجموس في مكانيا وقالت أمي معمقة: ُ َ
أي بنت أكثر مف يوميف .واذا لـ تجد أحداً تقاتمو ،تقاتؿ خياليا!. قادرة عمى إقامة عبلقة صداقة واحدة مع ّ
بأف الذي يمزميا (حفاظة) تعرفت إلى واحدة فأرد :وما الذي يمكف أف أفعمو؟ أف أجامؿ وأجامؿ؟ .كمما ّ أحسست ّ ُ ُ ال صديقة .بنات جاىبلت !!
ِ أمي ساخرة. اسـ اهلل عميؾ يا عبقرية زمانؾ! تقو ُؿ ّوتضيؼ أختي :بتف ّكر نفسيا طو حسيف. ُ جدتي :بقربمنا ؟! طو حسيف ميف؟ .تسأؿ ّتجيب أختي. ىذا كاتب يا ستّي.ُ كاتب عدؿ ؟ أل ،كاتب ُكتب. ُكتب زواج يعني ؟. أل ،كاتب كتب مف التي نق أر مثميا في المدارس. ولماذا لـ تقولي ىذا مف الصبح .ىيؾ أحرجيتيني !.سقطت في االمتحاف ترد أختي وترمقني بنظرة مف طرؼ عينيا .كما لو أنيا نجحت ،وأنا متأسفة يا ستّيّ .ُ
لممرة العاشرة.
*** *** ***
آمنة ،كانت أشبو بنسمة ،مرت ذات ٍ يوـ مف شارعنا ،توقفت قميبلً ،أعجبيا المكاف فقررت أف تقيـ فيو. كنت أنا أوؿ مف يراىا مف أىؿ بيتنا ،جميمة كممثبلت السينما ،تشبو "آثار الحكيـ" .تشبييا حيف دقت بابناُ ، كثي ارً.
سألتني :ىؿ ىنالؾ بيوت لئليجار ىنا؟ لئليجار ال ،ولكف ىنالؾ بيت لمبيع. لمبيع؟ .لـ نفكر بشراء بيت .وأظننا ال نستطيع.كانت تحدثني بميجة مف يعرفني مف سنوات طويمة ،تحدثني كبنت كبيرة ،وليس كبنت صغيرة أطمت مف نصؼ عت الباب كمّو. باب .شجعني ىذا كثي ارً ،أشر ُ وقفت محتارة ،ثـ سألتني :وأيف البيت؟ ُ أشرت بيدي نحو البيت المجاور لبيتنا :ىذا . ُ نظرت صوب البيت ،أحسست أنيا لف تر شيئاً ،فمضت إلى الطرؼ الثاني مف الشارع، رجعت خطوتيف لموراء، ُ ٌ وكنت أتأمميا. كانت تتأمؿ البيت ُ
ِ البيت نخمة!. بعد قميؿ سارت باتجاىي :في قمت ليا :نعـ ،في البيت نخمة ،وىنالؾ نخمة أخرى يحجبيا السور. ُ ثـ مضت. شك ارً .قالت لي ّأنس وجييا ،حدثت جدتي عف تمؾ المرأة التي جاءت وسألت عف بيت ىنا في حينا، أياـ طويمة مرة ،لكنني لـ َ
وقمت ليا إنيا تشبو آثار الحكيـ. ُ
فقالت لي :تشبو الدكتور عبداهلل!. يا جدتي ،الحكيـ اسـ أبوىا. اسـ أبو ميف ؟ آثار. -آثار .وىؿ لآلثار آباء مثمنا؟
يا ستي ،آثار الحكيـ اسـ ممثمة مصرية في السينما والتمفزيوف. ولو! .وىؿ تشترى األسماء في مصر ليسمييا أبوىا آثار؟ ثـ لنفترض أ ّنيا تشترى ،فقد كاف يمكنو أفيشتري اسماً أجمؿ ليا ،بخاصة وأنو دكتور!. األسماء ال تشترى. يا ستي،ُ تريديف أف تعمميني أف األسماء ال تشترى؟ .بتفكريني ىبمة؟ .طبعاً األسماء ال تشترى ،ولكف ىيؾ المثؿ. بس بذمتؾ يا ستي ،اسميا ،كمو عمى بعضو ،أليس جميبلً ؟.وصفية) بذمتؾ مش أحمى مف كؿ أسماء بصراحة ،متزعميش مني! .أل مش حمو ،شوفي إسمي شو حمو( ،ّ
ىذه األياـ؟ -طبعاً.
ِ اعترفت!. -أىا،
** ** **
ذات ٍ فرحت كثي ارً ،وحيف رأيت رجاالً يفرغوف الشاحنة فرحت، خرجت فوجدتو أمامي، سمعت الباب ُيطرؽ، يوـ ٌ ُ ُ ُ أماـ البيت المجاور ،تركتيا واقفة ،قبؿ أف أعرؼ ما الذي تريده ،ورحت أعدو لمداخؿ صارخ ًة بفرح :آثار
الحكيـ ستصبح جارتنا ،ستصبح جارتنا!. سألتني أختي :آثار ميف ؟ آثار الحكيـ . مجنونة ِغزة ؟ بده يجيبيا عمى ّ أنت .آثار الحكيـ شو ّ لكنيا نيضت وراحت تجري لمباب الخارجي.بعد قميؿ عادت صارخ ًة :آه واهلل!!. منكف بنصؼ ىذا كنت أتمنى أف تكوف الواحدة ّ ىب في أطرافناُ : خرجت أمي عمى صراخ الفرح المباغت الذي ّ النشاط حيف أطمب منيا شيئاً .بدؿ ىذه النطنطة الفارغة .واتجيت لمباب.
أىبلً يا أختي .سمعناىا تقو ُؿ ذلؾ.بل أي جارٍة مف جاراتنا ،أى ً كنا ُ نقؼ خمؼ أمي ونحف نتقطع غيظاً ألنيا لـ تعرفيا ،ألنيا تخاطبيا كما تخاطب ّ
يا اختي.
كنت ونسيت أنا نفسي أنيا امرأة تشبو آثار الحكيـ ،وليست آثار نفسيا ،حيف صدقت أختي بأنيا ىي. وقمتُ : ُ ُ ىبمة فعبلً !
عمي أف أتعرؼ عمى جيراني قبؿ أف أتعرؼ عمى بيتي .الجار قبؿ الدار .ثـ اضافتِ :أختؾ آمنة ،أـ صالح. ّ ّ ّ اكتشفت أنني أراهُ لممرة األولى. المتكور .بطنيا الذي قالت ألمي ،وراحت تشير بفرح إلى بطنيا ُ ّ أىبلً وسيبلً .قالت ليا أمي .تفضمي. اسمحي لي ،في يوـ آخر. أـ صالح! .قالت أختي.قمت. أـ صالح!ُ . وحامؿ! .قالت أختي.قمت. وحامؿ!ُ . ال يمكف أف تكوف آثار الحكيـ .قالت أختي.قمت. بؿ ىي آثار الحكيـ ،وال ّبد أنيا اعتزلت ّ الفف ،وقررت أف تتفرغ ألسرتياُ . ولكف اسميا آمنة ،وليس آثار. ِّ ستثبت أنني عمى األياـ اضفت : لمفنانات و أف الحقيقي ،أال أكيد ىذا اسمياتعرفيف ّ ُ الفنانيف أسماء فنية؟ .و ُ َ َ ُ ّ حؽ ّ
** ** **
صد ِ قت كبلمي؟ .ال قمت ألختي :شفتي .ىؿ ّ َ بعد أسابيع ،حيف عرفنا أف زوجيا كاف يدرس في مصر ،ورأيناهُ ، وتزوجيا ،وقررت االنتقاؿ معو إلى ىنا. ّ بد انو تعرؼ إلييا ىناؾ ّ
الفف وترحؿ إلى ىنا ،ومف أجؿ مااذا؟ أف تتزوج! وىؿ ىناؾ قمّة -وىؿ تعتقديف أف آثار مجنونة لتيجر ّ
عرساف في مصر ؟.
كنت ممثمة ،و ِ بذمتؾ لو ِالفف؟. التقيت بشاب كزوجيا ،أال تيجريف ّ أعرؼ مف أيف أتاني ىذا الكبلـ!. سألتيا ،وأا ال ُ الفف!. الفف ،وأبو ّ صمتت طويبلً ،ثـ قالت لي :الصحيح أىجر ّ ِ اعترفت ،إنيا آثار الحكيـ. أىا ،إذف -ال ،ليست آثار الحكيـ.
** ** **
الذىاب لزيارتيا ،حاممة ىدية ليا :دزينة مف فناجيف القيوة ،رجوناىا أف تأخذنا معيا. قررت أمي حيف ْ َ نرتجؼ فرحاً وارتباكاً .حتى أختي التي كانت تؤّكد لي يوماً بعد ٍ يوـ أنيا ليست آثار فتحت الباب ،كنا حيف ُ ُ الحكيـ.
حيف رأتنا معاً سألت :ميف رندة ،وميف لميس؟. قالت أختي :أنا لميس. وقمت :ال .أنا لميس. ُ صدقنا إننا إنسيناه!! أمي :آه ،عدنا لتعب القمب المي ما ّ فصرخت ّ ِ صامتتيف ،في الوقت الذي كانت أني تتحدث معيا في مواضيع كثيرة لـ جمسنا في غرفة الضيوؼ الصغيرة أف امي وقفت معمنة انتياء الزياة ،سألناىا معاً ،وبببل نسمع منيا شيئاً ،فقط كنا نتأمميا .وحيف انتبينا إلى ّ مقدمات :ىؿ ِ أنت آثار الحكيـ؟. ِ بطرؼ مف ثوب أمنا ،وسألتنا باستغراب شديد :آثار الحكيـ؟ مف آثار التفتت إلينا وقد أمسكت ك ّؿ واحدةً منا الحكيـ؟؟
أال تعرفينيا حتى؟ سألناىا معاً .وصمتنا.ِ ِ حجرييف ،فاجأتنا بضحكة أعادتنا إلى أصمنا بش ارً مرة ثانية. تمثاليف وحيف رأتنا وقد تحولنا إلى الحد؟ .ىذه ىي المرة األولى التي يقوؿ لي فييا أحد مثؿ ىذا الكبلـ. طبعاً بعرفيا .ولكف ىؿ أشبييا ليذا ّوقبمتني. وقبمتيا ،ودارت نصؼ دورٍة حوؿ أمي حتى أدركتني في اختبائي ىناؾ ّ ثـ انحنت نحو أختي أوالً ّ ِ صدقت اآلف أنيا ليست آثار الحكيـ؟. حيف وصمنا الباب قالت لي أختي :ىؿ قت .ألنيا أحمى منيا. قمتّ : صد ُ ُ -
)Ù—(
جماؿ ،يا جماؿ!
الساعة صارت تسعة .جماؿ ،ال أريد أف يسمعوا صوتي ،لقد ذىبت إلييـ ،رأيت رندة ،رندة أختيا .أخت وحدثتيا في الموضوع ،لف تستطيع أف تتصور كـ ىي رائعة ىذه البنت ،واهلل لو كاف ميف؟؟ أخت لميس!! ّ أميا وىي تدعوىا دائماً "صاحبة يحبيا قميبلً ،لخطبتيا ىي وليس لميس ،لكف القمب وما ىوى! لقد صدقت ّ تحيرني يا جماؿ، الرأس الصغير" ظمت جميمة ،كمميس ،وصغيرة مثمما عرفتيا ّأوؿ مرة .تعرؼ؟ .ىذه المسألة ّ
دائماً نظ ّؿ نحتفظ بالصورة التي رأينا الشخص عمييا أوؿ مرة ،أنت بالنسبة لي دائماً ذلؾ الشاب الذاىب إلى ٍ أنت ،ليس ألنني أحتفظ أي مدينة غير ّ غزة .ال ،ال تفيمني غمط ،أنت ما زلت كما َ مصر ،الشاب الخائؼ مف ّ
بيذه الصورة لؾ ،بؿ ألنؾ فعبلً بقيت ىكذا ،جميبلً وطويبلً ،ولكي أثبت لؾ ذلؾ ،أنظر إلى رأسؾ ،ليس فيو حتى اآلف شعرةُ شيب واحدة. أميات ،وعرفت أبناءىـ وبناتيـ ،لـ يكف اآلباء واألميات لكف األمر لـ يزؿ يحيرني يا جماؿ ،لقد ُ عرفت آباء و ّ بعمر أبنائيـ اليوـ ،كانوا أصغر ،لكنني ال أستطيع أف أرى االبف أكبر مف أبيو ،أو البنت أكبر مف أميا ،ميما
االبف وميما عاشت البنت. عاش ُ ابيضت عيونيـ ،وثقؿ سمعيـ، دائماً يظموف أصغر .حتى لو غطّاىـ وىر شعرىـ و ّ ُ الشيب وانحنت ظيورىـ ّ يظمّوف أصغر ،ىؿ الحظت ذلؾ؟
أي أنا نفسي ُ قابمت أناساً يا جماؿ ..زماف ،كانوا أكبر مني قميبلً ،أو كثي ارً ،لكنيـ ماتوا ،استشيدوا ،رحموا ،أو ّ ٍ شيء تريده ،واليوـ أصبحت أكبر منيـ بكثير ،لكنني لـ أزؿ أراىـ أكبر مني ،كما رأيتيـ أوؿ مرة. ستضيعني بيذا الكبلـ!. جماؿ، ّ ستجعمني أنسى. لقد رأيتيا. أف ِ أباؾ في السجف منذ عشريف سنة، قمت ليا ،يا رندة يا حبيبتي، ُ أعرؼ ّ لسو بتسألني ميف ؟ رندة! ُ ميف ؟ ّ
يجب أف تسير ىنا ،رغـ ك ّؿ شيء .قد ال أكوف قمت ليا ذلؾ ،ولكني ال أكذب عميؾ ،فمو رأيتيا لكف الحياة ّ ُ يذىب أىؿ العريس عمي أف أقوليا ،لكني سأقوؿ ليا ىذه الكممات كممة كممة .كاف رحت مرتكبة .دائماً ُ ُ ّ شموؾ ،أف يقولوا كبلماً ال يميؽ ،وأنا أخاؼ مف فأنت تعرؼ ،أسوأ شيء أف يف ّ ّ يقدموف خطوةً ويؤخروف خطوةَ ، أف المسألة كانت مختمفة ،فحيف يطمب شيء كيذا. أنسيت ما الذي فعمو أبي بنا ،حيف رفض طمبؾ؟ صحيح ّ َ
فإف االثنيف معاً يشعراف باليواف ذاتو ،ولكف المسألة أعقد شاب يد بنت يحبيا وتكوف تحبو ويرفض طمبيما ّ
أف لميس ظمّت دائماً سر ،رغـ ّ ىنا ،نعـ أعقد ،صحيح أف لميس وصالح يحباف بعضيما ،والمسألة مش ّ الحؽ، لكف الصعب أف رندة أكبر مف لميس ،صحيح أكبر بخمس دقائؽ ال غير ،ولكنيا أكبر ،وليا ّ متكتّمةّ ،
أحد بالقوؿ، في نظر أميا وأبييا وأخوييا أف تتزوج أوالً ،لذلؾ جرحيا ٌ ُ أحببت أف أتحدث مع رندة أوالً ،حتى ال ُي ّ زوجت أختيا وىي التي أعطت الوعد تزوجت أختؾ الصغيرة قبمؾ .فيمتني؟ حتى تحس أنيا ىي التي ّ ّ لقد ّ ثـ عميؾ أف تتذكر أنيا صاحبتي ،صحيح أنني لـ أزؿ أراىا كما رأيتيا أوؿ مرة وىي تختبئ خمؼ بالزواجّ . إلي كأنني آثار الحكيـ ،أعرؼ أنني لـ أقؿ لؾ ىذا الكبلف ،لكنو أسعدني كثي ارً ،لـ أقمو لؾ حتى أميا ،وتتطمع ّ ال تعتقد أنني شايفة حالي!!
أقسـ باهلل العظيـ عشر مرات ،ال بؿ أريد أف أقوليا ،ولكف ما الذي فعمتو يا جماؿ؟ ىا قد قمتيا لؾ وأنا ال ُ ُ ثماني عشرة مرة ،بعمر ابننا في صباحو ىذا ،أنني لـ أقصد أف أقوليا لؾ. صدقتني؟ .حبيبي!. خبلصّ ، كنت أقولو؟. ما الذي ُ تصور أف رندة عمي، ُ فتصور -واإلنساف يبقى إنساناً في النيايةّ - ّ كنت أقوؿ يا جماؿ ،إف المسألة صعبة ّ أخذت عمى خاطرخا ،وقالت لي :كنت أعتقد أنني أنا صديقتؾ المفضمة ،وانؾ تحبينني أكثر ،و ِ أنؾ حيف تفكريف ٍ ِ مصيبة ىذه التي سأقع فييا ،حيف ال أجد كبلماً أفسر ليا أي تصور ّ بعروس البنؾ ،لف تجدي أفضؿ منيّ . األمر بو.
حب الصحيح ،ما في أفضؿ منيا ،أقوؿ لؾ ىذا بصوت منخفض حتى ال يسمعني صالح ،لكف الوالد وقع في ّ
لميس مف ،....ال لف أقوؿ ذلؾ ،ال لف أقوؿ. زعمت؟ .خبلص ،سأقوليا لؾ!.
عرفت؟ ال أتذكر أنني قمتُيا لؾ ،ومف تقولي لي :مف أوؿ ىبة ىواء أطارت الفستاف؟ .مف قاؿ لؾ ذلؾ؟ .كيؼ ْ تجر وقاليا لؾ ،ولكنو لـ يقميا لي وأنا أمو!! ال ،ال المستحيؿ أف يقوليا الولد! ىؿ مف المعقوؿ أف يكوف قد ّأ
جد. يمكف ،فحيف يصؿ األمر إلى ىبة اليواء التي أطارت الفستاف ،أي فستاف ،فإف األمر يتحوؿ إلى أكثر مف ّ يكوف الولد قد كبر دوف أف أنتبو ،كبر الولد وأصبح ،ماذا أقوؿ ،أصبح عريساً ،دوف أف أنتبو. تطور! لكف الحب لـ يبدأ ،عمى أي حاؿ مف ىاف ،بدأ قبؿ زمف طويؿ ،ىنا يمكف أف أقوؿ أنو ّ ألـ أقؿ لؾ يا جماؿ ،إننا نحتفظ بالصورة األولى عف الناس الذيف نعرفيـ ،والصحيح ،ىا قد المثؿ الصحيح، المثؿ الذي ال مثؿ بعده ،أوالدنا ..أوالدنا يا جماؿ ،أوالدنا الذيف يظموف في أعيننا أوالداً ،أوالنا الصغار الذيف ال نتصورىـ كبا ارً ميما كبروا.
فيمتني اآلف. جدة ،وتصبح جداً ،ولكننا لف نصدؽ أنو طبعاً .غداً سنزوجو ،ويكوف لو أوالد ،قوؿ :إف شاء اهلل ،وأص ِب ُح ّ ّ أصبح أباً ،كما لف يصدؽ أحد يعرفنا مف زماف أننا أصبحنا جداً وجدة.
يحبوف اآلخريف عمى الصورة التي رأوىـ عمييا أوؿ مرة .نعـ .ما ىو السبب في رأيؾ؟ أنا كؿ الناس يا جماؿ ّ
أقرقع رأسؾ بيذا الكبلـ ،ولكنني أظف يحيرني ىذا األمر كثي ارً .طبعاً ،أنا ال أف ّكر في ىذا ليؿ نيار ،وال أريد أف َ أف الناس يحبوف مف أحبوا عمى تمؾ الصورة التي رأوىـ بيا أوؿ مرة ،ألنيـ يعرفوف في قرارة أنفسيـ ،كما
يقاؿ ،أف ىؤالء الناس سيتغيروف ،وأنيـ لف يكونوا أولئؾ الناس الذي عرفوىـ ،ولذلؾ يكونوف مضطريف لبلحتفاظ بالصورة األولى. أف اإلنساف آلة تصوير! نعـ ،آلة تصوير .ىا عمي! لقد فكرت في المسألة كثي ارً جداً ،وأدركت أخي ارً ّ ال تضحؾ ّ أنت تضحؾ .تضحؾ! ال تريدني أف أنيي كبلمي .ببلش .خمص .لف أتكمـ. قد عقمي؟ عمي؟ ىؿ تجاممني إذف؟ تأخذني عمى ّ أتعني أنؾ فعبلً ال تضحؾ ّ إف عقمي كبير .وال يمكف أف يكوف أقؿ مف ذلؾ؟ لكف الفكرة عجيبة .طبعاً عجيبة ،ولماذا أقوليا لؾ؟ تقوؿ ليّ : عمي اف أثرثر فقط! أف أقوؿ كبلماً يسوى ،وكبلماً ما يسواش ،وأنا أتحدث معؾ؟! ىؿ ّ تجاممني ،أـ تقوؿ الصدؽ .ك ّؿ كبلمي يسوى. شك ارً. وحتى المي ما يسواش؟ أحدثؾ ،وأنت تعرؼ أنني فعمتيا، وبقيت أياماً أحدثؾ .لف ّ ماذا تقصد؟ ىا قد عدنا لمبداية ،سأزعؿ واهلل ،ولف ّ ُ
تعد تسمعني! تمؾ غمطة لف أعيدىا ،لـ أعيدىا أبداً ،ال أقطع ىذا طويمة ال أحدثؾ ،حيف ُ فيمت خطأ أنؾ لـ ُ الوعد حتى أرضيؾ ،ال ،بؿ ألنني فقط لف أعيدىا.
أتريدني أف أكمؿ؟ نتحدث .ذ ّكرتني ،عف اإلنساف باعتباره آلة تصوير. أي شيء كنا ّ ولكف ،عف ّ اإلنساف آلة تصوير بالتأكيد ،وال يمتقط لكؿ شيص يعرفو سوى صورة واحدة .طبعاً ،ال أحد يعرؼ طوؿ نعـ، ُ أظف ،واهلل أعمـ ،أنو فيمـ يطوؿ ويقصر حسب إقباؿ اإلنساف عمى الفيمـ الموجود داخؿ الواحد منا ،لكنني ّ
الحياة أو إدباره .حسب االستعماؿ يعني ،فما دمت تستعمؿ عينيؾ جيداً ،وىكا تقوماف ،ىنا ،بدور العدسة، يمتد ليكوف قاببلً الحتضاف صور أخرى. فإف الفيمـ الذي في داخمؾ ّ ّ
بعضا لناس تعجبيـ بعض الصور فيكبرونيا ،ويضعونيا عمى حوائط بيوتيـ ،أعني الصور التي يمتقطونيا بكاميراتيـ العادية ،ولكف صدقني سيأتي ذلؾ اليوـ الذي باستطاعتؾ فيو أف ترى صورتؾ داخؿ الشخص الذي تصدؽ كبلمي ىذا ،فإنؾ ستصدقيا ،أل ّنؾ أظف أف فيروز سبقت زمانيا ،سبقتو بكثير ،واذا لـ ّ يحبؾ .وفي ىذه ّ تحب أغانييا كميا ،أليس كذلؾ؟ فيي الوحيدة التي غ ّنت: ّ دقّت عمى قمبي وقاؿ لي افتحو تا شوؼ قمبي إف كاف بعده مطرحو اهلل ،اهلل !! حب لكي أقمؿ مف ألؼ مرة قمت لي ،عجيب يا آمنة ،ك ّؿ أغانييا حموة ،أتمنى العثور عمى أغنية واحدة ال تُ ّ
حبي بيا ،ولكنيا كاممة ،ىؿ تعتقديف أنيا كاممة ألنني أحبيا ،أـ أنيا كاممة ألف أغانييا كذلؾ؟ ابتعدنا مرة ثانية!
أريد أف أقوؿ لؾ ،لسنا آالت تصوير فقط ،بؿ معامؿ تصوير غريبة عجيبة ،ألنني ال أخفيؾ ،حيف ذىبت كنت ُ ُ اليوـ لطمب يد لميس ،رأيت رندة عمى الصورة التي التقطتيا ليا عدستاي ،أعني الصورة التي رأيتيا عمييا
إلي باعتباري ...ياعتباري تمؾ الممثمة أوؿ مرة :البنت الصغيرة التي تختبئ وراء أميا ،وخي تختمس النظر ّ فكرت أف أعود .وأنت تعرؼ أف الفرؽ في العمر بينيما خمس دقائؽ، قمت لؾ اسميا!! وىكذا ،لمحظة، ُ التي ُ كما أنيما الخالؽ الناطؽ زي بعض ،يعني حبة فوؿ وانقسمت.
أظف أف عمينا مف اآلف أف نكوف جاىزيف لمفرح ،أسوأ شيء أف يباغتؾ الفرح رغـ أنؾ تنتظره مف زمف ولكفّ ، طويؿ. أليس ذلؾ عجيباً يا جماؿ ،أليس عجيباً أف الفرح يباغتنا دائماً؟ أتعرؼ لماذا؟ ألف اإلنساف يش ّؾ في الدنيا ،اإلنساف ش ّكاؾ يا جماؿ ،واسمح أف أقوؿ بأنو مراوغ ،نعـ مراوغ .كممة ببساطة ّ
كبيرة ىذه؟ أعرتؼ ،نعـ كممة كبيرة!.
اإلنساف يراوغ ،أتعرؼ لماذا؟ حتى ال يفقد الدىشة .فقط حتى ال يفقدىا. لست فيمسوؼ وال بطيخ!! منذ مدة تقوؿ لي ىذا الكبلـ وتعيده ،لكنني أحب أف أقوؿ لؾ ،إنني لـ أكف أرى ُ تماماً يعني ببساطة ،عدساتي كاف عمييما الكثير مف الغبار.
اآلف، لست أدري إف كنت أفضؿ مف آمنة القديمة أـ ال .لكف الذي يؤكد لي أنني أفضؿ ،إحساسي أنا آمنة أخرى، ُ
تحبني اآلف أكثر!. بأ ّنؾ ،رغـ قمة كبلمؾ في الفترة االخيرةّ ،
)Ù˜(
وجود آمنة في البيت المجاور،
الكثير غير َ وغيرنا ،أنا وأختي. ّ ضيؽ الفارؽ أختي التي ،ودوف ّ مقدمات تخّمت عف نصفيا صديقاتيا مف أجؿ أف تكوف إلى جانب آمنة ،وىذا ّ أف شيئاً لـ يتغير في الكبير بيننا مف حيث عدد الصديقات ،وجعمني أبدو في عيني أمي أق ّؿ عزلة ،مع ّ ّ الحقيقة. أقؿ يظف أنيا قابمة لمتحقؽ ،إذ غدت المقبلة تحتي ّ أما أنا ،فقد حدث وأف تحققت المعجزة التي لـ يكف أحد ّ سخونة ،بحيث أصبح بإمكاف أمي أف تبحث عني وتجدني في ِ بيت آمنة. غالباً ما كنا ننتظرىا عند بوابة البيت ،في وقت عودتيا مف عمميا مف مركز تأىيؿ المصابيف الذي قادتيا شيادتيا الجامعية في عمـ النفس إليو كمشرفة ،مف طرؼ الشارع تطؿ حزينة دائماً ،لكنيا ما إف ترانا ،حتى تنشر ابتساماتيا التي عرفناىا بيا. كاف عمي أف أنتظر زمناً طويبلً كي أدرؾ حجـ األسى الذي تدفنو في عتمة داخميا. ليس ىناؾ أكثر إيبلماً مف أف ترى طفبلً يتألـ ،طفبلً تعرؼ أنو لف يمشي ،طفبلً لف يعرؼ إلى األبد ماسيحدث غداً ،في ىذه الدنيا ،طواؿ حياتو. ألف آمنة لـ تعترض عمى حيف تنتبو أمي لوجودنا تطمب منا الخروج لمعب ،فنخرج ،ال ألنيا طمبت ذلؾ ،بؿ ّ ذلؾ الطمب ،ويكوف ىذا كافياً إلفيامنا أف ىذا الوقت ليما .لكننا لـ نكف نبتعد ،نجمس عند العتبة ،أو نسند ظيرينا إلى النخمتيف الوحيدتيف في حوش بيتيا ،أختي تسند ظيرىا لمنخمة الصغيرة وأنا لمنخمة الكبيرة ،وننتظر األوامر. ىكذا أصبحنا نسمي طمبات أمي.
-مف الصعب أف تجد القدرة في نفسؾ عمى الوقوؼ منتصباً وأنت ترى ما تراه.
كاف عمييا الذىاب كثي ارً إلى المستشفيات لبللتقاء باألطفاؿ المصابيف ،واقناع بعض األىؿ الذيف لـ يكونوا، غالباً ،يقبموف وضع أبنائيـ تحت رعاية خاصة.
-يقتمؾ أف ىذا العدد اليائؿ مف األطفاؿ لف يروا الشمس.
الرصاصات التي كانت تطاؿ عيوف األطفاؿ بالذات ،كانت تعذبيا أكثر ،وكانت اإلصابات تزداد ،وفي لحظات تتحدد كما لو أنيا في مكاف آخر ،تقوؿ: حيف أسير في الشارع أظؿ أتمفّت أمامي ،حولي ،باحثة عنيا ،عيونيـ!.أقو ُؿ لع ّؿ واحدة سقطت ىنا ،ويفزعني تناثر األلواف عمى بعض الجدراف ،فأقوؿ لعميا عيونيـ .باألمس جاؤوا بعيوف زجاجية ،عيوف خضراء ،وزرقاء ،وبنية ،وعسمية ،وسوداء ،عيوف صغيرة ،وكبيرة ،عيوف ميتة. عت . فز ُ وقمت لعميا بعض عيوف ىؤالء األطفاؿ ،يقتمعونيا وبعد أف يسرقوا الحاة منيا يعيدونيا إلييـ. ُ أحد األطفاؿ اقترح أف يغمض كؿ طفؿ عينو الباقية ويتناوؿ عيناً عف الطاولة .رفضنا ذلؾ ،رفضنا ،ولكنيـ ُ لكف األمر تحوؿ إلى مأساة ،حيف فتح األطفاؿ أخذوا يبكوف ،وصرخ أكثر مف واحد منيـ :ىذا عدؿ! فقبمناّ ،
عيونيـ ورأينا عيناً خضراء إلى جوار عيف سوداء ،وعينا عسمية إؿ جوار عيف زرقاء ..ضحكوا في البداية ، تماسكت قدر لكنيـ راحوا يبكوف بفزغ كما لو أنيـ التقوا فجأة بوحوش صغيرة تسكنيـ دوف أف يدروا. ُ وصحوت مف نومي أكثر فزعاً ! استطاعتي ،جمعنا العيوف ،أخرجنا األوالد مف الصالة. ُ
..ولكف، ما الذي ُيمكف أف تفعميو حيف تقوؿ لؾ بنت لـ تبمغ الثامنة مف عمرىا فجأة وىي تصرخ :ىذه عيوف ميتة،
وأنا أريد عيني الحقيقية ،أريدىا اآلف ،اآلف!.
ِ أمامؾ غير قادرة عمى السيطرة عمى أعضائيا المرتجفة ،تفرفط كجناحي عصفور مذبوح؟. وتسقط
** *** **
ايد أوامر حظر التجوؿ ،كانا سببيف كافييف لكي يجعبل اعتقا ُؿ جماؿ الذي لـ يفرح برية ابنو سوى شيريف ،وتز ُ شباؾ الغرفة المط ّؿ عمى حوش آمنة ،إلة درجة أنيا جعمتنا أمي تنسى وجودنا ذات يوـ، تأمؿ ّ ُ وتذىب في ّ ّ
أحد سواىا .وحيف سألتيا :شو في؟ أف ثمة شخصاً يقؼ خمفيا ،ال يراه ٌ نحس ّ ّ ترد. لـ ّ وسألتيا ثانية ،وعدىا انتبيت .قالت:
سأحوؿ ىذا الشباؾ إلى باب .ليس مف الضروري أف أدور مف باب حوشنا إلى باب حوش آمنة كي أصؿ ّ
بيتيا أو تصؿ بيتنا.
أصر أنو لي ،وىي تصر أنو ليا ،بمجرد أف كنا كبرنا قميبلً ،ولـ نعد نتشاجر كثي ارً بسبب اسميا الذي ُ كنت ّ اكتشفنا أنو أحمى مف االسـ اآلخر ،أو بسبب صالح .ىذا الشجار الذي لـ يكف يتوقؼ حوؿ مف سترعاه منا.
والحقيقة أف أختي لـ تعد ميتمة بوجود لعبة حية ليا ،ألنني اكتشفت أف عدد صديقاتيا يتضاءؿ ،وأف ولداً واحداً يسكف بجانب دكاف (المغربي) قد احت ّؿ مكاف أربع بنات ُك ّف ال يفارقنيا. لكف ،سأعترؼ أف صالح كاف يحبيا أكثر مني ،رغـ أنني ال أعرؼ كيؼ كاف يفرؽ بيننا ،وحيف أصبح لو لساف مثؿ ألسنة البشر ،كاف السؤاؿ الوحيد الذي ال يك ّؿ ترديده :متى تعود لميس ؟ فأقوؿ لو :أنا لميس. الِ ،أنت لميس األخرى. سؤالو ىذا كاف كافياً إلحداث ارتباكات كثيرة في حياة لميس ،فبمجرد أف تسمعو أمي ،تصرخ في وجيي،اذىبي وفتّشي لي عف أختؾ المفعوصة ،وىاتييا فو ارً. رندة ؟.بدؾ تج ّننيني؟! أل لميسّ ،عندىا أراه يبتسـ ،أرى صالح يبتسـ ،صالح الذي أصبح يدرؾ أفضؿ الطرؽ وأقصرىا الستعادتيا مف الشوارع وىو في مكانو. ذلؾ لـ يحدث بيف ليمة وضحاىا ،فقد ضاع الولد مرتيف ،وفي المرة الثالثة فقدنا األمؿ في العثور عميو ،وفي كؿ مرة كنا نسألو :ما الذي جاء بؾ إلى ىنا؟.
أدور عمى لميس!. ّ -
ذات ٍ بدؾ؟؟ يوـ وقؼ عمى الباب ونادى ،لميس ،لميس .وكانت تحدث سامر ،فتى أحبلميا .وحيف أجابت :شو ّ بحبؾ!. بحبؾ يا لميس! ّ قاؿ لياّ : تحدثني بعد اعتراؼ صالح المجمجؿ ذاؾ ،كانت عمى يقيف مف أنني مف دفعتو لقوؿ ما قالو: أسبوعاً كامبلً لـ ّ ومف أيف لولد بيذا العمر أف يقوؿ شيئاً كيذت لو لـ توضع الكممات كممة كممة في فمو؟. الحقيقي كاف وتمر أياـ أخرى قبؿ أف أدرؾ أف االحراؾ وأقسـ ليا ،أف ليس لي عبلقة باألمر ،فبل ّ تصدقنيّ ، ّ لسامر ،وليس ليا .إذ ارتفع صوت أوالد الحارة الذيف أصبحوا يقولوف لو :الناس في إيش ،وانت في إيش، بتحب !. الناس بتموت وانت ّ أف سؤالو عنيا لـ يعد يأتي بيا إليو ،التجأ إلى لكف صالح ،بمغة ّ صعد األمر أكثر ،فحيف أدرؾ ّ غزة ىذه األياـّ ، صب وسائؿ أخرى أقوؿ :ذات مرة أحضرت أمي الشاي مف بيتنا لنشربو في بيت آمنة ،وعندما ناتيت مف ّ الشاي في الكاسات /تناوؿ صالح واحدة ،وتناولت أمي واحدة ،وتناولت أمي واحدة ،وتناولت آمنة واحدة ،وما أصرت آمنة أف آخذىا ،فاندفع وأمسؾ "الكاسة" ،في الوقت إف مددت يدي حتى صرخ بي :ال! ىذه لمميسّ . الذي كانت فيو يده األخرى تثبض عمى الثانية .ساخناً كاف الشاي .رجتو أمي أف يضع ما في يديو عمى األرض ،لكنو رفض وتراجع خطوات ،كاف أشبو بقطة أنشبت مخالبيا في اليواء ،بعد قميؿ رأينا دموعو تتدفؽ مف عينيو بسبب األألـ الذي تسببو لو سخونة الشاي ،وخشينا أف نقترب منو فيندلؽ الشاي عمى جسمو، فبقينا بعيديف. لـ تشرب آمنة الشاي ،أو أمي ،وبقيت في مكاني خائفة أرتجؼ ،وكأنني السبب ،وظؿ ممسكاً ما بيديو حتى عادت أختي. تمؾ الميمة اندفعت أمي تضربيا بكؿ ما تطاليا أصابعيا ،وىي تصرخ :أنا رندة ،لكف أمي لـ تتوقؼ إلى أف تعبت فجمست مصمقة ظيرىا بالجدار ،كأنيا تدفعو لموراء ،كما لو أنيا لو تحركت سيسقط .ويسقط معو البيت كمو ،العالـ كمو ،وفي لحظة مف لحظات يأسيا القميمة التي كنا نراىا قالت :يا ربي ،ماؿ الذي فعمتو حتى تمقى أفرؽ فوؽ صدري جباؿ اليموـ ىذه ،واحد في السجف ،واثناف مبلحقاف ،وبنتاف ال أستطيعُ أف أح ّكميما أو ّ بينيما!؟
لـ تعرؼ أختي بما حدث ،لـ تقؿ ليا أمي شيئاً عف ذلؾ الذي فعمو صالح ،ولـ أقؿ ليا ،ألنني أحسست أنيا قد تشمت بي بعد أف ىزمتني بالضربة القاضية عمى جبية ىذا القمب الصغير ..لكنيا ذات يوـ ستعرؼ.
** ** **
نحف فمـ يكف يمزمنا الكثير مف الذكاء حتى نعرؼ أف حاؿ زوحيا جماؿ مف حاؿ أبينا ،وحاؿ أخوينا المذيف أما ُ ّ
ظبل يتشاجراف كوؿ الوقت ،واحد منيما يدافع عف تنظيمو ،يتشاجراف دوف أف يتذك ار أف رأسييما مطموباف لرصاصة واحدة. فتتدخؿ أمي لحسـ الخبلؽ وىي تقوؿ ليما: مش عارؼ عمى إيش بتتقاتموا ،ما ىو ،إذا كنت مع حماس إسرائيؿ بتقتمؾ ،واذا كنت مع الجياد إسرائيؿ بتقتمؾ ،واذت كنت مع فتح أو الشعبية أو الديمقراطية إسرائيؿ بتقتمؾ ،واذا كنت مع المقاومة إسرائيؿ بتقتمؾ، ضده إسرائيؿ بتقتمؾ، واذا كنت مع االستسبلـ إسرائيؿ بتقتمؾ ،واذا كنت مع أبو عمار إسرائؿ بتقتمؾ ،واذا كنت ّ واذا كنت بتفتح الشباؾ عمى شاف تشوؼ شو صاير ،بيجي ق ّناص وبيقتمؾ .واذا كنت ماشي في الشارع أو نايـ في بيتؾ وفي في حالؾ ،بيجي صارخ مف السما وبقتمؾ!! وعمى إيش إنتو بتتقاتموا واهلل ماني فاىمة!
** ** **
لقد مضى ذلؾ الزماف الذي كانت أمي تقؿ فيو آلمنة وىي تراقبنا بطرؼ عينيا :وجيؾ مفتح ىذا الصباح ،ىؿ جاء الميندس ؟ وتضحؾ آمنة التي بقيت عروساً في أعيننا حتى بعد أف أنجبت صالح ،تضحؾ دوف أف تجيب. أـ الميندس تسمؿ إلى بيتو ،وتعرؼ أختي سبب الضحؾ ،فتضحؾ ،فأقوؿ ليا زاجرة في الخارج ما فتعرؼ أمي ّ إف نصبح وحدنا :وما الذي يجعمؾ تضحكيـ؟ الضحؾ مف دوف سبب قمة أدب.
فترد :ذات يوـ ستفيميف ،وعندىا ستضحكيف عمى نفسؾ ألنؾ لـ تكوني تضحكيف! ّ
شو ؟ -ال شيء .
** ** **
تظمئف عميو ،تراقبو مف بعيد بعيني ابنة فجأة أصبح عمى لميس أف تبلحؽ سامر مف حاجز إلى حاجز كي ّ تحس أف الوضع أصبح أكثر خطورة ،وأف تحذيراتيا لو تتبلشى مع الثالثة عشرة الممتمئتيف ىمعاً ،وحيف ّ
حد أف البعض تصاعد صوت الرصاص ،أو حيف يختفظو دخاف قنبمة مسيمة لمدموع ،تخرج مف مكمنيا ،إلى ّ أصبح يدعوىا "بقوات التدخؿ السريع الفمسطينية". حقيقي مف أنفسنا ،حيف استطاعت في إحدى المرات أف تحممو عمى لكف سخريتنا ىذه تحولت إلى خجؿ ّ ظيرىا وتجري بو بعيداً عف جنود حاجز "المنطار" الذيف اندفعوا لمقبض عميو ،أو اإلجياز عميو ،بعد أف أدركوا أنيـ أصابوه. تحولت لميس فجأة إلى بطمة ،وأصبحت أكثر فخ ارً بأنني أختيا .وؿ أجرؤ عمى سرقى نصرىا منيا ،بحيث تحاشيت الدخوؿ معيا في أي معرك ًة حوؿ االسـ لزمف طويؿ ،وقاؿ ليا صالح :بحبؾ ألنؾ شجاعة. أنني ُ
** ** ** ذات يوـ عادت لميس مف المدرسة ،فوجدت صورة سامر عمى باب بيتنا ،وفوقيا عبارة بخطّ أسود عريض (نعي شييد)
** ** **
ِ ؟أردت أف أكوف أنا لميس ،يوميف أو الحد الذي ال ُيحتمؿ ،فقمت ليا :لميس ،إذا أصبحت حزينة ،حزينة إلى ّ
ثبلثة ،حتى تستريحي قميبلً مف أحزانؾ ىذه ،فسأكوف.
أريد أف أقوؿ لؾ الكبلـ نفسو ،فأنت تبديف أكثر حزناً منبِ ، ألنؾ ال تبكيف كنت ُ وقالت ليُ : ُ
)Ù™(
الشيداء ال يكبروف بيذه السرعة، حتى ُ
الحد. ال .ال يمكف أف تكوف قد كبرت إلى ىذا ّ الشيداء يعودوف أطفاالً ؟ إف تقو ُؿ لي ّ َ إف األطفاؿ الصغار يتحولوف إلى طيور في أظف ذلؾ ،قمت لؾ ّ قمت ل ّؾ ىذا الكبلـ؟ .ال ّ ىذه ال أعرفيا ،ىؿ ُ تظؿ تنادييـ الج ّنة ،أما أكثر الناس حباً لمحريةّ ، ُ الشيداء فيـ طيور الدنيا الجميمة .أعرؼ لماذا؟ ألنيـ ُ
يجروف وراءىا ،وألنيا تحبيـ تواصؿ المعب معيـ ،تعمو وتيبط فيصعدوف خمفيا وينزلوف ،يفتشوف وتنادييـ، َ
عنيا في كؿ مكاف ،وىـ ال يعرفوف أنيا مختبئة في أجسادىـ. السر ، الجنود يعرفوف ىذا ّ
نعـ الجنود ىناؾ خمؼ الحواجز ،في الطائرة المروحية ،في الدبابة ،الق ّناصوف فوؽ األبراج يعرفوف السر، يصوبوف نيرانيـ نحونا ،نعـ ،ىذا كؿ ما في األمر ،ال يصوبوف نحونا كي يقتموننا ،يصوبوف وليذا السبب ّ
نحونا كي يقتموا الحرية التي تختبئ فينا ،الحرية التي نطاردىا طوؿ عمرنا كي نمسؾ بيا .ىؿ فيمت ؟.
عمي يا ربي أف أواصؿ الصراخ في آذانيـ كي صالح ،يا صالح! ىا قد عاد لمنوـ مف جديد! ىؿ ٌ مكتوب ّ يستيقظوا؟ يا صالح. ما الذي تقولو يا جماؿ؟! كيؼ أتركو يوصاؿ النو ،أشياء كثيرة تنتظر أف نقوـ بيا ،ىؿ تعرؼ ما الذي يعنيو نسود وجيؾ مع الناس .عميو أف ينيض لنذىب لشراء بدلة لو ،بدلة العرس؟ يعني أف ّ نحضر لو جيداً حتى ال ّ
أخذت مقاسو لكي أشتري أتذكر ما الذي حصؿ قبؿ شير حيف تميؽ بو .ال يمكف أف آخذ مقاسو وىو نائـ، ُ ُ ُ أف آخر واحدة كنت قد اشتريتيا لو كانت أصغر مف بيجامة لو ،وحيف عدت وجدتو قد أصبح أطوؿ؟؟! مع ّ ُ نصؼ ىذه! قمت لي يوميا :إنؾ لـ تأخذي قياساتو بشكؿ صحيح .ىذا ك ّؿ ما في األمر.
حممت البيجامة واستبدلتيا ببيجامة أ؟كبر ،ما الذي حدث؟ لقد كانت البيجامة الثانية صغيرة أيضاً! وحيف ُ َ ال .ىذا األمر ليس في قدرتي ،بيف ذىابي وعودتي يكوف الولد قد أصبح أطوؿ وأعرض .أل ،أنا ال أشكو مف ىذا ،الحمدهلل عمى ذلؾ ،ولكنني ال أستطيع أف أمضي العمر عمى الطريؽ بيف محبلت بيع المبلبس وىنا. صاحب المحؿ قاؿ لي :يا أختي ،ىذه أكبر بيجامة موجودة في السوؽ.
قمت لو .فأ ّكد لي أنو ال يوجد لديو إال بيجامات رجالية أصبلً!. أال يوجد لديؾ بيجامات رجالية؟ُ .أتيت ببيجامة كانت أصغر بكثير. درت ّ غزة كميا ذلؾ اليوـ ،وكمما ُ لقد ُ األمر تحممتو ،لكنني ال أستطيعُ أف أتحمؿ األمر إذا كاف متعمقاً ببدلة األعرس. ذلؾ ُ يا صالح، يا جماؿ، يا مصطفى ،أنت خاؿ العريس ،وعميؾ أف تذىب مع الجاىة لتطمب البنت ،ما الذي حدث لؾ؟ ىؿ تريد أف ِ أىمس أياـ زماف ،فأجدؾ فوؽ وحدؾ ،أنت الذي لـ تتركني وحدي في أي يوـ مف األياـ؟ كنت تقوؿ لي اذىبي ُ
أعرؼ أنؾ متعب ،مف يومؾ كنت متعباً ،ولكف ىذا ال يبرر لؾ أف تواصؿ نوؾ رأسي .وحتى قبؿ أف أىمس، ُ كأنؾ ال تسمعني. بد أف آخذه ما أحد لي غيرؾ يا مصطفى ،أنت خاؿ العريس ،وصالح يحبؾ ،انيض وقؿ لو أف ينيض ،ال ّ نسيت ىذا؟ ما الذي يحدث لعقمؾ يا آمنة؟! معي لشراء البدلة ،الزواج ليس مزحة ،وىناؾ بدلة العروس ،كيؼ ُ
تفكريف في بدلة ابنؾ وال تفكريف بثوب العروس التي ستغدو ابنتؾ أيضاً.
** ** **
عمي أف أستشير رندة في المسألة، ُ سأغيب قميبلً .سمعتـ ،قميبلً ،ربع ساعة ،أو نصؼ ساعة عمى األكثرّ ، يخصيف أكثر ،ربما كاف في نفسيا فستاف عرس يفيمف ما ربما يكوف ليا رأي ،ولتسأؿ ىي لمييس ،البنات َ ّ تنتظر ىذا اليوـ مف زمف طويؿ .وبدؿ أف أدور وأدور بيف المحبلت بحثاً عف فستاف ،قد يعجبيا معيف .فيي ُ
نذىب معاً ونشتريو. وقد ال يعجبيا، ُ
كنت في مكاف آخر ،وبيننا حواجز كثيرة ،دوريات أنا نفسي فعمت ذلؾ ،ولكنني كنت مضطرة ،ألنؾ يا جماؿ َ ُ
وعزؿ مناطؽ عف مناطؽ.
لـ يتغير شيء مف يوميا.. ولد وبنت!. وحبمت وولدت، حبمت لـ يتغير شيء ،سوى أنني لدي ٌ ُ ُ ُ ُ وولدت ،و َ أصبح ّ
إف عرساً كعرسكما ال يمكف أف يتـ .ما داـ العريس في منطقة والعروس في منطقة ،وما يوميا قالوا لي ّ بينيما كؿ ىذه القوات.
أيت أكثر مف عروس تعبر الحواجز ،والجنود ينظروف إلييا مف خمؼ أكياس الرمؿ ، قمت ليـ، بعيني ىاتيف ر ُ ٌ ّ لبست ثوبي األبيض ،أعادوني .قاؿ لي فعمت ،حيف مثميف .وحيف ومف طاقات أبراج الدبابات .وسأفع ُؿ ّ ُ ُ الجندي :أعراس ما في! .أعراس ممنوع!
ات تمنعونيا أيضاً حيف يكوف بإمكانكـ فع ُؿ ذلؾ ،ال تريدوف أف فقمت ليـ :وما ىو المسموح ىنا؟! حتى الجناز ُ ُ نزؼ ال في أعراسنا وال في جنازاتنا.
لوحت لؾ عمى الجية األخرى لمحاجز ،لوحت لي ،وتفرقنا. ثبلثة أياـ كاممة لـ يتوقؼ فييا بكائي ،إلى أف جاءني الخبر منؾ يا جماؿ ،فقمت لي إبقى في مكانؾ ،أنا الذي سيأتي. ال ،دخيمؾ!! أب شيء ماعدا ىذا ،أتريدىـ أف يقتموؾ؟ أتتذكر أـ محمد تمؾ التي حدثتؾ عنيا ،تمؾ المرأة التي ذىبت ألبارؾ ليا بزفاؼ إبنيا ،واستقبمتني أماـ الباب كما استقبمت غيري ،وىي تزغرد وتغني ،وحيف راحت قمت في نفسي ىذا البكاء ليس بكاء فرح يا آمنة .وكأف المرأة التي بجانبي سمعتني ،فقالت لي :لقد تبكي ُ االنتظار قميبلُ ،يوماً واحداً ،يوميف؟ تصور!! ألـ يكف بإمكانيـ استشيد قبؿ ساعتيف .قبؿ ساعتيف مف عرسو ّ ُ أقؿ ،أقؿ بواحد فقط ال غير ،ىؿ بذلؾ سيختفي ىذا ما الذي كاف سيحدث إذا كاف عدد الناس الذيف قتموىـ ّ
الجحيـ الذي زرعوه فوؽ رؤوسنا ويسقونو بالرصاص والقنابؿ ويحرسونو باالطائرات منذ خمسيف عاماً وأكثر؟ ُ ىؿ سييجر النوـ أعينيـ وتؤنبيـ ضمائرىـ ألنيـ لـ يقتموا كما عمييـ أف يقتموا؟ ال ،ال أريد أف تأتي. وطمأنوني، قالوا سنحضره في سيارة إسعاؼ ،اطمئ ّني. أطمئف ،أال يفتشوف سيارات اإلسعاؼ؟ أال يطمقوف النار عمييا؟. كيؼ ّ سنجد طريقة. قالوا: ُ ٍ ٍ مت قبؿ لترم ُ لقد َ كمف يا جماؿ عمى مسافة قريبة مف االحجاز ،ولوال رحمة ربنا ألصابؾ ما أصاب ذلؾ العريسّ ، أف أتزوج.
صمت طويبلً يوميا عمى الطرؼ الثاني. ّ
قمت لي :كيؼ لـ أفكر بذلؾ؟ ىؿ ِ أنت عمى استعداد إلي أنو العمر كموَ ، ألو ،ألوُ ، رحت أصرخ .وبعد زمف ّ خيؿ ّ أف تتزوجي مف شييد؟ الكبلـ الذي تقولو ،ىؿ جننت؟ أريدؾ حياً ،وحياً. ما ىذا ُ فقمت :الشيداؤ أحياء أيضاً ،أليس كذلؾ؟ فقمت لؾ :نعـ أحياء ،ولكنني أريدؾ كماف أنت اآلف ،حياً كما أنت اآلف ،وليس حياً كشييد. ِ مساء سنكوف عندكـ ،العيمة اطمئني ،اطمئ ّني .لف أسمح ليـ أفيجعموؾ تنتظريف أكثر مف ىذا .غداً ً بالميمة ،البسي ِ ثوبؾ ،ثوبؾ األبيض ،وانتظريني. ِ خطيبؾ؟ سيقتمونو!. جف قمت لمضطفى ىذا الكبلـ ،فقاؿ :ىؿ ّ ُ انتظرتُ َؾ ،وانتظرتؾ ،لـ ِ دخمت ألخمع تأت ،وجاء واحد يقوؿ لي إنؾ في المستشفى ،في مستشفى غزة المركزي. ُ ثوب العرس ،فقاؿ لي :إنو يريدؾ أف تأتي كما ِ أنت. فرحت أبكي ،أبكي كما لو أنني فقدتُ ْؾ. ُ آخر ما كنت أتوقعو أف أراؾ في المستشفى احتضنتُ َؾ بأبيضي الذي تبتسـ كما لو أف شيئاً بالدـ ،وكاف ُ استحـ ّ ّ ُ لـ يحدث. وقت تبتسـ فيو؟ تبتسـ!! سأقتمؾ ،أىذا ٌ قمت لي لقد أليمتُ َؾ الفكرة ،ولذا ،تسممت إلى داخؿ نعش!! وكاف الجميعُ يبكوف عند الحاجز ،وىـ يحيطوف بؾ ،ولكف ليس حزناً ،بؿ خوفاً عميؾ أيضاً.
الجنود لـ يقتنعوا بذلؾ ،أرادوا أف يروا ما في النعش ،وحيف قيؿ ليـ أف ذلؾ مستحيؿ ،قالوا لمجميع حسناً، مدداً في العتمة ،است ّؿ حربتو وغرسيا بيف شقوؽ الخشب ،إلى ابتعدوا ،وصعد أحد الجنود حيث أنت ،وحدؾّ ، أف غاصت في المحـ ،وعندما لـ يسمع صراخاً ،نزؿ مف العربة ،لكف شيئاً ما أعاده .غرس الحربة ثاني ًة في مكاف آخر ،تأكد مف أنيا استقرت داخؿ المحـ في أعمؽ نقطة يمكف أف تبمغيا ،وسحبيا ثانية مف جديد. وحيف ىبط غرس الحرة في كيس رمؿ. بفز ٍع أدرؾ الجميعُ ما حدث ،وتصاعد فزعيـ عندما أروا في الضوء الشاحب آثار دـ عمى الكيس. حي ،أـ لـ يخطر ذلؾ ببالو ،ىؿ كاف ىؿ رأى ّ الجندي ذلؾ ،ىؿ كاف يعرؼ أف حربتو غاصت في لحـ كائف ّ تمد أماـ الحاجز؟ فرحاً بتعذيب ميت في نعش كما يكوف فرحاً بتعذيب امرأة حامؿ ُ
إلي وحمموني إلي َؾ في المستشفى. إلي ىنا ،حيث ُ أنتظر ،أتوا ّ لكنؾ لـ تصرخ .وبدؿ أف يأتوا بؾ ّ ِ طعنتيف مثميما مف أجؿ عروسو؟ كـ عريساً يمكف أف يحتمؿ االبتعاد عنؾ؟ وتسألني لماذا أحب ُؾ إلى ىذا ّ َ الحد؟ لماذا ال أستطيعُ
** ** **
يا صالح، يا جماؿ، يا مصطفى، وبعديف ؟ كـ ،والبنطموف شورت!. أنا رايحة ،سأشتري البدلة ،حتى لو كاف الجاكيت ُ نصؼ ّ
)Ùš(
الزفاؼ، لكي نشتري ثوب ّ
كنت قادمة إل ِيؾ لكي نذىب معاً ،أنا وأنت والعروس ،مف حقيا أف تختاره بنفسيا ،أليس كذلؾ؟ قالت لي. ُ قمت ليا :نعـ. ُ أف (أبو عنتر) استشيد فقمت أذىب ألعزي أىمو. كنت قادمة ولكنني في الطريؽسمعت ّ ُ مصطفى الرمبلوي؟ سألتيا دىشة. ال أعرؼ .قالت لي آمنة .أعرؼ أف اسمو أبو عنتر .أضافت. ومف يقتؿ أبو عنتر؟ سألتيا وأحسست بسذاجة سؤالي التي ال حدود ليا. ولو يا رندة ،ومف يقتؿ الناس ىنا غيرىـ؟ كاف يمر قرب مفرؽ الشيداء .القذيفة جاءتو مباشرة ،قذيفةدبابة وأطارت وجيو .لـ يعرفو أحد ،ثـ عرفوه مف ثيابو ،ىؿ الصياب أوضح مف الوجوه؟! اهلل يرحمو.استعدت صورتو ،صورة الرجؿ األربعيني بثيابو الرثة ،الرجؿ الحافي الذي يتنقؿ بيف بسطات الخضار في ُ يزج بو ما تبقى مف فضبلت الفواكو التالفة. المخيـ حامبل كيس خيش عمى ظيره ّ
سألت عف ببيتيـ ،فقالوا لي يعزي بوفاة (أبو عنتر). بد أف تذىبي يا آمنة ،فمف يمكف أف ّ قمت لنفسي ،ال ّ ُ ُ -
أنو كاف يعيش وحيداً في ىذه الغرفة ،وانو كاف يغيب عنيا أياناً ،وسألتني امرأة :بتقربي لو؟ أجبتيا :نعـ. عزتني! .صحيح أف اهلل حرمو نعمة العقؿ ،لكنو كاف عاقبلً إلبى درجة أنو فقالت لي المرأة :البقية في حياتؾّ . لـ يؤذ احداً .سألتيا :مف أيف تخرج الجنازة؟ قالت لي :مف المستشفى ،مف مستشفى الشفاء .ذىبت إلى ىناؾ ،والحمدهلل وصمت في الوقت المناسب .رأيت الناس ىناؾ كثيريف (أمة اهلل!) ىمست لنفسي ال بد أف ىناؾ شخصاً ميماً استشيد أو مات .وحيف سألت أحد الشباب ،ومف أيف سيخرجوف بجنازة أبو عنتر؟ قاؿ اظف أف ال أحد سيتذكره ،كانت لي :ىذه جنازة أبو عنتر! كنت ّ قمت الدنيا بخير .أبو عنتر الذي ُ بكيت يا رندةُ . ُ وقمت نحف أوالد حياة ،أقصد شعبنا ،واال لكانو ىزمونا منذ مئة عاـ. جنازتو كبيرة إلى ىذا الحد، ُ ** ** ** عرفت أف الجنود احتجزوا جثمانو ساعات .قالوا إنو كاف يحاوؿ زرع عبوة ناسفة عند الحاجز! .. ُ
ألصدؽ ىذا الحكي. عمي اف أكوف مجنونة ّ أبو عنتر؟! ّ ِ ومشت اآلالؼ ،آ واهلل ،آالؼ ،مف الشفاء إلى النصيرات إلى بيتو، حيف سارت الجنازة مشيتث وراءىا. ووجدت أيضاً أف ىناؾ أناساً زي التراب يبكوف عميو ،فتأكد لي أف الدنيا بخير فعبلً .صموا عميو في الجامع الكبير في المخيـ ،خرجوا ،فتبعتيـ إلى أف وجدت نفسي في مقبرة الشيداء. قمت :ما ِ كنت قادمة ِ ذىبت ، دمت وصمت يا آمنة إلى ىنا ،فمتطمئني عمييـ! ُ إليؾ ،لكنني ُ ىناؾ تذكرت أنني ُ
فابتعدت وأنا أسير عمى رؤوس وأنا أقوؿ لعميـ استيقظوا ،لكنيـ كانوا نائميف .كما تركتيـ ،تصوري!. ُ أصابعي .ال أحد يعرؼ اآلف ما يحدث حيف يستيقظ الناس يارندة ،توقظ األـ ابنيا وتقوؿ لو :روخ اشتري لي
كيمو بطاطا ،وبعد خمس دقائؽ يعود لمبيت شييداً .أنت تعرفيف الشييد سمير عميوة ،لـ يخرج لشراء بطاطا أب ولو سبع بنات وولد ،خرج لكي يوزع بطاقات الدعوة لعرس أخيو محمد ،ولـ يعد ألسرتو إال ألمو ،فيو ٌ
شيبداً.
تعرفيف .. ِ ألست صحافية. ثـ صمتت :شو بدي أقوؿ ألقوؿ .أنت تعرفيف أكثر مني. ّ أريد أف أقوؿ ليا أنني صحافية مع وقؼ التنفيذ ،ألف أحبلمي لـ تتحقؽ ،ألنيا ربما كانت أكبر بكثير مف كنت ُ ُ
رأسي الصغير .إال أنيا فاجأتني :أعرؼ أنؾ تكتبيف .وأنؾ ستنشريف ما تكتبينو ذات يوـ!. مف قاؿ لؾ ذلؾ؟ -وؿ يا رندة!! لـ أكف أعرؼ أنؾ تستيينيف بخالتؾ آمنة.
وحيف رجوتيا اف تخبرني حمفتني .وبعد أف تأكدة مف أنني أقسمت اليميف صادقة ،وأنني لف أبوح باسـ مف عيني ،صمتت قميبلُ ،ثـ ىمست :لميس. تكؼ عف قراءة السر ،دوف أف ّ أفشى ّ ّ لميس! لميس؟ ما أنا لميس! وىؿ تظنيف أنني ال أعرفيا ،وىي التي ستصبح زوجة ابني ،أو أنيا تخبئ شيئاً عني؟وتمفتت حوليا :ىؿ ىي في البيت ؟ ال ،خرجت!مف الغرفة البعيدة جاء صوت جدتي :مع ميف بتحكي؟
مع حالي يا ستي. اهلل يردلؾ عقمؾ يا بنتي!!رأتنا أمي ،قطعت الساحة الترابية إلى أف وصمتنا :آمنة؟ تفضمي .لماذا تتحدثاف عمى العتبى .أدخمي. تسير إلى أف دخمنا تمؾ الغرفة التي تحوؿ شباكيا إلى باب ُيفتح دخمت آمنة ،أغمقت الباب وراءنا .وظمت أمي ُ
عمى حوش بيت آمنة.
قومي اعممي شاي .قالت لي أمي ،وقبؿ أف أنيض عف الكرسي ،استدركت :ظمّي ِأحضره أنت ،سأذىب و ّ ّ بنفسي .وذىبت. ** ** منذ زمف بدأت أمي تدرؾ أف آمنة ال تستطيع التحدث عمى راحتيا إال معي ،وكاف يسرىا ذلؾ ،وحيف نخرج أنا وآمنة ،كنت ألمح ذلؾ االطمئناف الذي يغمر وجو أمي. مع آمنة أعرؼ أنؾ ستكونيف بخير.كانت أمي تعرؼ أيف نذىب عادةً ،ألنيا كانت ترافقنا في أحياف كثيرة ،ولـ يكف ىناؾ مكاف نذىب إليو أكثر مف بيوت عزاء الشيداء. الواجب واجب .تقوؿ لي آمنة .يحب أف يحس ع=ىؤالء الناس أنيـ ليسوا وحيديف بعد أف فقدوا أبناءىـِ عميؾ. وآباءىـ .ليس ىناؾ أصعب مف فقدات االبف أو البنت أو األخ أو الزوج الذي تحبيف ،أو أي عزيز واألدىى مف ىذا الفقداف ىو موعده ،إنو يأتي في الوقت الذي تتوقعينو أف يأتي فيو تماماً ،ألف ىذا الوقت ىو ِ فيمت ؟ كؿ لحظة ،لكنو يكوف مفاجئاً دائماً. ىؿ تسمحيف لي بكتابة ىذا الكبلـ؟ أي كبلـ؟ الذي قمتو اآلف؟ آ ،باني عمى حقيقتؾ!ثـ تصمت :وىؿ مثؿ ىذا الكبلـ ُيكتب؟! ثـ تسترؽ نظرة ال أستطيع فيـ معناىا إلى حوش بيتيا ،تعود بعدىا بتحدثني كما لو أف البيت الذي نظرت إليو ليس ليا.
ىؿ لميس ىنا؟ ال ،خرجت!. خرجت!! ألـ تعرؼ بأنني قادمة ؟نسيت أف أقوؿ ليا. ُ ِ نسيت ؟ يا رندة ،أىذا مف األشياء التي يمكف أف تنسى ؟ سامحيني. طيب أمؾ ،ىؿ فتحت الموضوع معيا؟ تعرفيف ،أمي موافقة ،دائماً تقوؿ لي :ومف أيف لنا بعريس أفضؿ مف صالح ،وبأىؿ أفضؿ وأشرؼ مفعرس في بيت حيف يكوف األب أىمو؟ لكنيا أحياناً ،تتذكر أبي ،تتذكر أخوي ،تتذكرني ،فتقوؿ لي :وىؿ ُيقاـ ٌ
محبوساً واألوالد مطارديف .سنبكي ونحف نتذكرىـ أكثر مما سنفرح بالعرساف.
إلي ،ىؿ ىناؾ أكبر مف مصيبتي؟ ولكنني دائماً أقوؿ ،الدنيا حياة مف موت، معيا حؽ ،ولكف ،لتنظر ّوتعرفيف الباقي. أعرؼ ،إال أف الناس ال يتحمموف مآسييـ يالشجاعة نفسيا.حؽ. في ىذه معؾ ّ** ** حيف عادت أمي بالشاي ،وضعتو امامنا .ثـ استدارت لتخرج .فسألتيا آمنة :لماذا ال تشربيف الشاي معنا؟ مشغولة .أنتيي مف الغسيؿ وأعود.ِ تساعدؾ رندة ،أو لميس ،لميس التي أصبحت اآلف عروساً؟ ولماذا العمييف .قالتيا أمي وىي تغادر البيت دوف أف تستدير بوجييا إلينا!. اهلل يرضىّ ** ** بعد خروج أمي ،تمس آمنة لي. -عمى األقؿ ،ذ ّكرتيا بأف لميس أصبحت عروساً .ىذا نصؼ الطريؽ كي نطمب يدييا رسمي.
ىززت رأسي موافقة. ُ شوفي ،اليوـ تأخرنا ،ولميس غير موجودة ،والصحيح ،استشياد أبو عنتر أحزنني .صحيح يا ربي أ ّنوارتاح ،ولكف ألـ تكف ىناؾ وسيمة أفضؿ تريحو بيا ،غير أف يقتمو الجنود بقذيفة دباباة؟! صمتت قميبلً. ىمست ليا محاولة مواساتيا :يمكف ألف اهلل أراد أف يكرمو بالشيادة! ثـ راحت تردد :أستغفر اهلل .حيف ُ فكرؾ؟ىززت رأسي. ُ وقبؿ أف تًنيي شاييا فوجئت بيا تنيض :إلى أيف ،بدري؟ عمي .الدنيا ّليمت .ونادية تعبت كما تريف .وتشير لصغيرتيا نادية التي أدركت حزف أميا قبؿ ال ،سيقمقوف ّأف تدرؾ أي شيء آخر. تعود الخارحي ،فأسأليا أف تخرج مف الباب الذي يصؿ الغرفة بحوش بيتيا .فمعميا أراقبيا تتجو نحو الباب ُ ّ لعادتيا القديمة ،رغـ أنني أعرؼ جوابيا. بقيت في البيت ،ولـ أخرج .وتعرفيف ،ىذه قمت بزيارة .أحس أنني إذاُ أحس أنني ُ ُ عدت مف ىنا ،فإنني ال ّ
زرت أحداً. ىي الخطوات الوحيدة التي أخطوىا وأقوؿ أنني ُ أمضي معيا نحو الباب، أفتحو، تخرج، وأظ ّؿ أراقبيا حتى تختفي..
فتموح لي ،تتجو يدىا ُ أعود ،أدخؿ الغرفة حيث كنا ،ومف الباب الذي يوصؿ بيتننا ببيتيا ،الباب الشباؾ ،أراىاّ ،
إلي ،وتبتسـ قبؿ أف تختفي. بالمفتاح إلى باب الغرفة ،وأسمع طقطقة القفؿ .تمتفت ّ عيني!. أرد بابتسامتي الدموع التي أفمتت مف أبتسـ ،لكنني ال أستطيع أف ّ ّ
)Ù›(
ما الذي يقصفونو اليوـ؟
سألت الناس ،ما الذي يقصفونو اليوـ؟ وقبؿ أف يجيب أحد األوالد ،قمت أـ جواد ،حيف ُ ُ كنت عائدةً مف عند ّ
لو :أعرؼ .ال تقؿ لي .ألـ يقصفوا المقبرة؟ تي. فقاؿ لي: ٌ صحيح يا خالَ ْ
ولد جمي ٌؿ وطيب مثمؾ ،مثمؾ حيف كنت صغي ارً يا صالح .دعوت لو :اهلل يخميؾ ألمؾ. ٌ ِ أنسيت ما حدث يا آمنة؟ قمت لنفسي ثـ ُ ّ تأممتو كثي ارًّ ، وجئت راكضة. ُ ألـ أقؿ لكـ :لـ يعد ىناؾ أي مكاف آمف ؟ أتعرفوف ،لـ يعد ىناؾ أي ٍ مكاف آمف! تتذكروف مصطفى الرمبلوي- أبو عنتر؟ مصطفى ما غيره ،قتموه عمى مفترؽ الشيداء .قمبي سوغوشنس ،ويقوؿ لي :ما داموا وصموا لقتؿ مصطفى ،اهلل يرحمو ،فمماذا تستبعدوف أف يقتموننا جميعاً؟
غزة ىز ّ حتى مقبرة الشيداء لـ تعد آمنة يا آمنة ،ستة صورايخ ،ولماذا؟ ىؿ سمعتـ ذلؾ اليدير؟ لقد ّ أي ٍ مكاف آمف. بأكمميا.لـ يعد ىناؾ ّ قمت لو :اهلل صبح ،وسألني :ىؿ أنت محتاجة لشيء سا خالتيُ . عمي "عزيز"" ،عزيز" ما غيره!ّ . قبؿ قميؿ ّ مر ّ يرضى عميؾ ويخمؾ ألمؾ .ال يا حبيبي. فقاؿ :عمى أي حاؿ ،أنا لف أكوف بعيداً. قمت لو :ستحفروف قبو ارً جديدة؟ ىز برأسو :بعد قميؿ يأتي الشباب. ّ الولد معذّب بحفر القبور .يقوؿ لي دائماً ،تعرفيف يا خالتي آمنة :إنيـ يفاجئوننا ،ويقتموف شبابنا تعرفوف ،ىذا ُ كؿ يوـ ،ويجب أف ال نفاجأ .يجب أف تكوف ىناؾ قبور جاىزة .أعرؼ أننا في الفترة األخيرة حفرنا قبو ارً أكثر، تجمع الناس إلنقاذ مف في السيارة والشارع أغارت طائراتيـ ولكنيـ قبؿ أياـ فاجأونا بصاروخ قتؿ ثبلثة ،وحيف ّ
وقتمت سبعة ،وأصابت خمسيف.
قالوا لي إف أحد المصابيف فقد ساقو ،وبعد بحث طويؿ عثروا عمى الساؽ ،لكنو ما إف رآىا حتى راح يصرخ: لدي. ألـ تبلحظوا؟ كـ ساقاً ُيمنى يممكف أف يكوف ّ مجزرة يا خالتي. ِ الحيطاف وسطوح البيوت ،وحيف جمعناىـ في أكياس كنا نعرؼ أف ىناؾ شباب بقينا يوميف نمممـ لحميـ عف أحداً ال يستطيغُ معرفة لحـ ىذا مف لحـ ذاؾ؟ فقمت ليـ لماذا ال ندفنيـ في قبر واحد .رفضوا .ولكف قولي لي يا خالتي آمنة :ألـ يكف ذلؾ أفضؿ ،ولماذا نشغؿ ىؤالء الشيداء بالبحث عف أجزائيـ يوـ القيامة داخؿ قبور أخرى؟ لـ أعرؼ بماذا أجيبو. قاؿ :أتعرفيف ما الذي أتمناه يا خالتي؟ ماذا يا ابني؟ قاؿ :أف يجيء يوـ ال نكوف فيو مضطريف لحفر قبور احتياطية.بد لنا مف أف نحفر القبور قبؿ موت الناس ،فإف عمينا أف .. ليساألمر بيدنا .قمت لو .ولكف إذا كاف ال ّ ُ
أريد أف أوصيؾ ،وما بدؾ توصاي ،يا ريت لما تحفروا القبر تجعموه واسع حتى وتمعثمت ،قبؿ أف أنطقياُ : ُ الشييد يرتاح في ،وعميؽ حتى ال تصمو الصواريخ إذا قصفوا المقبرة.
ثـ قاؿ لي اطمئ ّني يا خالي ،واهلل أنني أحفر القبر كما لو أنني أحفره لنفسي!!. وفجأة راح يضحؾ ويضحؾّ ،الشر بعيد. ّ يا ريت يكوف بعيد.ٍ الشمس ثـ استدار ،كانت َ ُ ابتعد خطوات ّ
كنت يحدث ،لكنني حيف فتحتيما ثاني ًة ُ
وقمت ىذا ال يمكف أف عيني فركت أيت وجيو! ُ ُ خمفو ساطعةً ،لكنني ر ُ ّ مت ،ال أرى وجيو أيضاً .وسمعتو يقو ُؿ لي :بس ،ال سمح اهلل ،إف ّ
عمي ،وتحكي معي ،فأنا أعرؼ ،وال ألوـ الناس ،إنيـ مشغولوف دائماً بمف سيموت ،وليس َ تنس ْي أف ّ تمري ّ سيموتوف!. حؽ .حتى أنا ،أنظري ،مشغو ٌؿ بالذي بمف مات .ومعيـ ّ ْ ** ** قمت لو :ما الذي تفعمو ىنا؟ مرةُ ، عندما ر ُ أيت عزيز يحفر ّأوؿ ّ أتذكروف؟
فقاؿ :أحفر قبو ارً. تجد في جيوب الشيداء؟. قمت لو :وما الذي يمكف أف ُ فقاؿ لي :أال تعرفيف؟ قمت لو .وقد حسبتو سارؽ قبور مثؿ أولئؾ الذيف نسمع عنيـ أو نراىـ في األفبلـ. ال ،ال أعرؼُ .ِ لنبش قبورىـ ،إنيـ يييموف التراب عمييـ أكثر قاؿ لي :اطئمني .الذيف يسرقوف الشيداء ،ليسوا مضطريف أتعرفيف لماذا؟ لماذا؟ِ فيمت؟ أف الشيداء لف يعودوا! حتى يطمئنوا ّفيمت .وأحببتو. قمت لو: ُ ُ ثـ راح يضح ُؾ بيف القبور. ّ قمت لو :وطّي صوتَؾ. ُ حباً لمحياة. أكثر الناس ّ أكثر الناس حباً لمضحؾ ،أل ّنيـ ُ قاؿ لي :اطمئ ّني ،ىؤالء ىـ ُ إلي. يسير بيف الشواىج ،وكأنو راح ُ ُ يعرؼ طريقو مف ألؼ عاـ ،رشيقاً ،ودوف أف ينظر أمامو ،حتى وصؿ ّ اإلنساف دروي الحياة إال حيف يعمؿ ،سواء كاف ىذا العم ُؿ ىو حفر لقبور أو وقمت :ال يدرؾ أحببتو عزيز ىذا، ُ ُ
بناء القصور.
في إحدى المرات ،قمت لو :يا عزيز يا خالتي .الصياح رباح ،يمكنكـ أف تكمموا العمؿ غداً ًً. سيحفروف طوؿ الميؿ .فسألني :وىؿ تضمنيف أنيـ إلي انيـ أريد أف أناـ ،و ُ كنت متعبةُ ، ُ َ أريد أف تناموا ّ ، وخيؿ ّ لف يقتموا أحداً الميمة؟ فقمت لو :أل. ُ فقاؿ :احتمميني إذف. كأف الشمس لـ تغب ،جاءت تذكروف ،بعد نصؼ ساعة مف ىذا الكبلـ ،في تمؾ الميمة مف تموز؟ والدنيا نارّ ،
طاشرة إؼ ٔٙوألقت صاروخاً زنتو ألؼ رطؿ وقتمت الشييد صبلح شيادة وستى مف عائمة "مطر" وحدىا.
غزة أعينيـ ،حيف أمطرت السماء ثبلث مرات ،ثبلث مرات في يوـ واحد، يصدؽ أىؿ ّ تذكروف ،يوـ الجنازة لـ ّ في شير تموز! شير الحريؽ! وصرت حزيناً أكثر. أخاؼ مف نفسي، صرت وذات مرة قاؿ لي :يا خالتي، ُ ُ ُ بني؟ فسألتو :ولماذا يا ّ عمي أف أترؾ فييا أصحابي أو فراشي لكي أحفر قبو ارً جديدة /ألنني فقاؿ :ألنني أصبحت بالمحظة التي يجب ّ اف ىنالؾ موتاً قادماً في الطريؽ ،موتاً أكثر ،وما يعذبني أنني ال أعرؼ أي طريؽ أصبحت أشعر في لحظة ما ّ يستجيب لمفأس بسيولة غير عادية. حفرت قب ارً ،وكاف التراب سيسمؾ ،ألسبقو وأحذر الناس .وقاؿ لي :اليوـ ُ ُ
وأخذني مف يدي وأراني القبر.
أنظري ،ىينا صخور في ىذا القبر ،وصخور في ىذا القبر ،ما الذي يعنيو أف يكوف ىذا القبر الذي يقع فيالحد .كمو تراب ؟ وسطييما ليناً إلى ىذا ّ قمت لو :اهلل يعمـ!.أحس. فقاؿ لي :وأنا ّتعرفوف؟ بعد يوميف استُشيد. قاؿ ألصحابو عند المنطار :اسبقوني. سألوه :عمى ويف؟ حد ِ عنو عزيز!. فقاؿ :عمى خالتي آمنة .قولوا ليا دلّينا عمى القبر الذي ّ ثؾ ُ
)ٜ(
دائماً أقؼ محتارة
أماـ تجميات الناس ،بعضيـ مف كبار السف ،مف األمييف الذيف لـ يذىبوا لمدرسة في أي يوـ مف حياتيـ، أي متعمّـ ال يستطيعُ قوؿ نصفو .ما زلت أتساءؿ كيؼ يحدث لك ّنيـ فجأة يقولوف كبلماً عميقاً إلى ّ حد ّ اف ّ ذلؾ؟ إنيـ يقولوف تمؾ العبارة كما لو أنيـ فكروا فييا طوؿ حياتيـ ،مع أنني سأكوف ِ دىشة أيضاً ،لو قاؿ لي وخبأوىا ليذا الموقؼ أو ذاؾ ،ألف عبارة كيذه مف الصعب أف أحد أنيـ سمعوىا وحفظوىا عف ظير قمب ّ ٍ ساعة أو ات ال تمقى عمى المساف ليمفظيا بعد آخر لـ يعشيا ،عبار ٌ تُحفظ ،مف الصعب أف يقوليا شخص ُ سنوات.
ائي ُ وقمت إنيـ يشبيوف الناس الموجوديف في الروايات .حيف يكوف ىناؾ شخص في الرواية ،ال يعمؿ الرو ّ عمى كتابة كؿ ما يفكر فيو ذلؾ الشخص طوؿ النيار ،إنو يساعده عمى قوؿ أجمؿ ما فيو ،ولذلؾ نفاجأ نحب الشاعر ربما ،نحف نعرؼ ولكننا نتناسى أف الشاعر يأكؿ باألمر .ونحب الشخص في الرواية ،كما ّ ِ نستبعد ذلؾ كمو وال ب أو يسمع موسيقى أو يبوؿ .ولكننا التمفزيوف ويحمـ ويشرب ويشاىد ُ َ ويبلعب أو ُيغاض ُ ُ ِ الس ِ تصبح أعيننا شاع ارً ،كما نرى مف الشاعر إال شعره ،ونحبو ليذا أيضاً ،وليذا َّ ُ بب بالذّات ُيص ِب ُح في ُ شخصي ًة في الروايات. الشخصي ُة َّ َّ
كنت أق أر رواية (أـ سعد) وأقو ُؿ مف أيف المرأة بك ّؿ ىذه الحكمة؟ نعـ (أـ سعد) أفض ُؿ مثاؿ .ولكف خطر لي أف ُ ِ فعمتو في حياتيا خارج تمرض وكيؼ تفرح؟ ما الذي غساف؟ كيؼ ُ ُ أسأؿ :ما الذي تفعمو أـ سعد خارج رواية ّ ِ الصفحات التسعيف لمرواية؟ ِ عشريف أو نفسو قبؿ ستكوف رائع ًة دائماً ،لكنيا قد ال تكوف رائعة بالمقدار أف ام أرةً مثؿ (أـ سعد) أعرؼ ّ َ ُ
عيف سنة ،ربما كانت مثمي ،مثمنا ،ولكف ىذا ال ينفي سؤالي :كيؼ وضع غساف أجمؿ ما فييا في ثبلثيف أو أر َ ِ ِ أحبتو كأنو سعد ابنيا ،وعند ذلؾ فاضت أحاسيسيا وأفكارىا روحيا و ّ س ْت إليو ُ الرواية؟ ىؿ ألنو حيف التقاىا أن َ يجب اف يقاؿ في كما لو أنيا ّ تحدث روحيا؟ أـ ألف الروايات ال تكوف روايات إال إذا كانت ىكذا؟ تقوؿ ما ُ يجب أف يقاؿ فيو ىذا الكبلـ يعينو وليس أي ٍ لتعود ثانية وتقوؿ ما يجب اف كبلـ سواه ،وتختفي َ الوقت الذي ُ ّ
يقاؿ في موقؼ آخر.
كـ صفح ًة كاف عمى غساف كنفاني أف يكتب لو أراد أف يحكي حكاية أـ ٍ سعد بتفاصيميا الدقيقية؟ وىؿ كنا َ َ ٍ صفحة أو ألفيف؟ ىؿ كنا سنحبيا مثمما أحييناىا في التسعيف صفحة؟ وىب سنحبيا لو قرأنا حياتيا في ألؼ
ىي كاممة ىنا ال ينقصيا شيء ،ال لشيء إال ألنيا تمؤل المحظة ،في حيف ُيمضي الناس أعمارىـ خارج
لحظاتيـ؟
ؽ و ٍ قمت لنفسيِ . أنت التي لنـ تستطيعي نشر تحقي ٍ احد مف التحقيقات الصحفية التي تكتبييا نيف ُ ستُج ّن َ
إثر آخر. وترسمينيا لمصحؼ فترفضيا واحداً َ
أحدىـ قاؿ ِ الشيداء ،أو غير الشيداء يفكروف عمى ىذا النحو! لؾ :ال يمكف أف يكوف األطفاؿ ُ تكتشفوف كتبتو عنيـ ،ما قالوف، أوف ما ُ ال ،إنيـ يفكروف ىكذا ،وأعمؽ أيضاًّ ،َ حيف تقر َ لكف مشكمتكـ أنكـ َ ِ ِ روف أفضؿ منكـ ،ألنكـ أوالد القواميس ال األميات أف يفكروف أفضؿ منكـ ،و ّ ّ الحزينات يف ّك َ أف ىؤالء األطفاؿ ّ
نخبئو عادة وتنسوف أف المفتاح تتصوروف –بامتبلككـ لمفاتيح النشر -نكـ األكثر حكمة. أوالد الحياة! .أل ّنكـ ُ َ َ ِ السجادة التي نمسح بيا غبرة الطري ِ ؽ ووحميا عف أرجمنا أماـ العتبات!! تحت النشر في ىذه الصحيفة طوؿ حياتي ما داـ ذلؾ أدركت أنني لف أستطيع حدث ذلؾ منذ شيور ،وعندىا ُ َ ٍ أمتار مف مبنى مكتب الجريدة ،أحسست بنفسي وية ،ويمكف الصحفي فييا .لكنني بعد أف أصبحت عمى بعد ّ ِ أبطاؿ وبطبلت أحس ُو في ىؤالء البشر أو القو ُؿ عظيمة! ما لو أنني ُ استطعت الوصو َؿ إلى ذلؾ التجمي الذي ّ حددت لو حجمو تماماً ،ىذا الذي نمسح بيا أقدامنا؟ لقد الروايات ،واال ،مف أيف جاء لي مثؿ السجادة التي ُ ُ ِ يجب أف نقولو ،كيؼ يقا ُؿ وكيؼ يمسؾ بيديو مفاتيح أفواىنا ،وقموبنا ،ما يجب أف نقولو وما ال يرى بأنو ُ آلي في كمبيوتر. ٌي ُ كتب ،ما لو أنو مصحح ّ
ِ ِ ِ بشطب مثاؿ ائي ًة لفكرت يعب ُر عف ىؿ مثا ُؿ ربما لو ُ كنت رو ّ الحالة كما عبرت عنيا السجادة؟ ّ الكمبيوتر ّ الكمبيوتر ألنو ليس بتألّؽ األوؿ.
أسمعو ،وبعضيا ولكف ،ما الذي أفعمو اآلف ،إنني أجمع الحكايات ،واحدةً بعد أخرى ،حكايات صغيرةٌ ،بعضيا ُ يفعمو كتّابنا اليوـ .لماذا ال يكتبوف عف أقص ُو مف صفحات الجرائد .وأظ ّؿ أتساء ُؿ :ما الذي ُ أعيشو ،وبعضيا ّ
ذلؾ كمو؟ ** **
ألقي بو ذات يوـ بيف يدي كاتب ،أو أفتّش عف قبر التاريخي من ُذ ذلؾ الشجار ُ ّ قررت أف أكتب ما أراه! وقد َ غساف كنفاني وأقوؿ لو قـ واكتب ىذه الحكايات ،الحكايات اليتيمة التي ال يكتبيا أحد .فالحكاي ُة التي ال نكتبيا ،حكايتنا التي ال نكتبيا ،أتعرؼ ما يكوف مصيرىا؟ اسمح لي يا غساف ،أف أسألؾ ،أسألؾ مف قمبي، مصير الحكايات أحدثؾ أنت ،ألنؾ منا؟ ىؿ تعرؼ ما فأمامؾ يمكف أف أصرخ أو َّ أحس بإحراج ،ألنني ّ أجف و ّأال ّ ُ التي ال نكتبيا؟
إنيا تصبح ممكاً ألعدائنا. ** ** اب أمضي لبابع الذي لـ أجده يوماً مغمقاً. ىكذا دائماً ،كمما كانت تغمؽ األبو ُ يسير في شارع أعرفو وال أعرفو ،شارع واس ٍع ونظيؼ وحولو فرحت ،كاف ليمة أمس رأيتو ،غساف ،في الحمـ، ُ ُ ِ إلي أنني أحمـ، البحر مف خيؿ َّ الجانبيف ،تبعتو أوالً ،تبعتو مف بعيد ..لـ أجرؤ عمى االقتراب ُ منو ،وفي الحمـ ّ ِ شجاعتؾ ،تتحدثيف وسمعت صوتاً يقوؿ لي ،لعمّو صوتي :أيف إلي أنني سأصحو ،ك ّؿ األشياء تشابكت، وخيؿ َّ ُ ّ
تفريف ىارب ًة كفأرٍة مذعورة؟ عنو ليؿ نيار ،وحيف يط ّؿ ّ
الصحفي. قمتو لذلؾ أنا فأرةٌ مذعورة؟قمت ذلؾ الكبلـ الذي ُ كنت فأرةً مذعورةً لما ُ غضبت .لو ُ ُ ّ ِ لقائو بيذا النقاش. سأضيع فرصة اكتشفت أنني لكنني ُ ّ ابتعد كثي ارً ،ولكنني نظرت نحوه ،كاف قد ألف أمي نفسيا تُخرِبطُ سمعت صوتو يناديني باسمي .وحيرني ىذاّ ، َ ُ ُ
بيننا.
قدمي األرض. المست إحدى رحت أركض نحوه ،لكف الماء راح يعمو كمما ُ ُ ّ ويطمب مني أف أسرع. وسمعتو مرة أخرى يناديني باسمي. ُ ُ ِ يبتسـ لي ،وحيف وتمتد ،وكاف تمتد فقدت األمؿ في أف أصمو في الوقت عت ،وحيف ّ أيت يده ّ المناسب ،ر ُ ُ أسر ُ ُ بأف تمؾ ِ يد أختي. اكتشفت َّ لمست أطراؼ أصابعو، اليد ىي ُ ُ ُ
) ٔٓ (
ال تخمّيني أضحؾ!
مف شاف اهلل. ما الذي سيقولو الناس لو سمعوني؟. ِ إلي إشارةً صغيرة تقوؿ لي فييا أخرجي نسترؽ لقاءات زواجنا ،كما لـ نسترؽ أعرؼ ،ك ّنا ُ لقاءات ّ حبنا ،ترس ُؿ ّ البيت فقط ،وسيري في أي اتّ ٍ مف ِ سأختار المحظ َة التي نمتقي فييا. جاه تريديف، ّ ُ غزة" بأكمميا ،مف شماليا لجنوبيا ،ومف شرقيا لغربيا. كنت أمشي و ُّ أحس َّأن َؾ " ّ ُ أسألؾ ،ما الذي يحدث لنا؟ زوجة وتواعد زوجاه؟ ِ ِ متعة في ِ ٍ أكثر. حياة التخفّي؟ تعرفيف، تصدقي ،ىذه أفض ُؿ صدقي أو ال ّ فتقوؿ ليّ : يشعر المرُء بقيمة المقاء ْ ُ أزع ُؿ. الحب؟ وأقو ُؿ لؾ :ماذا تعني؟ ىؿ كنت تخدعني ّأياـ ّ ٍ ِ ِ ِ بأف لمعالـ معنى آخر، أحس ّ تنير ّ -ال ،لـ اكف أخدعؾ ،ولكف في عتمة التخفّي ىذه ،ىناؾ نقطة ضوٍء حيف ُ
غير ىذا البؤس.
ٍ طويمة ،أماكف لـ أكف أعرؼ بيا موجودة ،وحيف أقو ُؿ ل َؾ :تبالغُ في تذىب بعيداً بي ،داخؿ أزقّة كنت َ ُ الناس مكف أف ُيقا ُؿ لو ضبطنا احتياطاتؾ األمنية؟ تقو ُؿ لي :بؿ احتياطاتي الزوجي ّة! تصوري ما الذي ُي ُ ّ ُ غزة ،ك ّؿ و ٍ اليوـ رجبلً مع زوجتو!! احد سيقو ُؿ لآلخر :ىؿ سمعت؟ لقد شاىدنا متمبسيف؟ سنصبح حديث ّ ّ َ
ىا عدت تضحؾ!. المرة ،لف أضح َؾ أبداً. ولك ّنني لف أضحؾ ىذه ّ اؾ ،وحيف أسير مف ٍ تعرفيف ،كاف قمبي سيبدأ بالتقافز داخؿ صدري لمجرِد فكرِة أ ّنني سأر ِبعيد متتبعاً ّ ُ ٍ خطو ِ لكف المفارق َة أي اتؾ ،أقو ُؿ ىذه امرأة، شيء َ ّ بينؾ وبينياّ . تستحؽ أف تشعؿ حرباً مف أجميا ،إف حا َؿ ّ أ ّنيـ يدركوف ما أف ّكر ِ أحمد اهلل في فيو ،ولذلؾ كنت تبوح لي بذلؾ ،و ُ يشعموف حرباً لكي يمنعوني مف لقائياَ . َ ُ أسمعؾ تقاطع أفكاري التي لـ أقميا :أتعرفيف يا آمنة متى سري :ك ّؿ ىذه الحياة القاسي ُة لـ تقمؿ مف ّ حبو لي .و ُ ّ
يحس أف ىذه النفس يستسمـ اإلنساف؟ يستسمـ اإلنساف حيف ينسى مف ّ يحب ،وال يتذ ّكر سى نفسو ،ورغـ أنو ّ ُ ُ مدينة فار ٍ ٍ ِ بالنسبة ِ ِ غة الحقيقة تكوف قد تحولت إلى إليو ،إال أنيا في ىي أغمى ما في الوجود في تمؾ المحظة ال بشر فييا ،وال أشجار ،وال شوارع ،وال ذكريات ،وال حتى بيوت ،ليس فييا سوى ظبلؿ أسوارىا ،وال شيء غير ذلؾ. ال تجعمني أبكي، مف شاف اهلل ال تجعمني أبكي. ٍ شاعر في ىذه المحظة، تتحوؿ إلى ال ّ يخرج ّإال في شاعر في ك ّؿ إنسنا ،ال اء تماماً ،ولكف ىناؾ رندة تعتقد ّ ُ ُ أف كؿ الناس شعراء ،ال ليسوا شعر َ ٌ منو في أي ٍ وقت عند ذلؾ ّ يتوىج ويقو ُؿ شيئاً مف المستحيا أف تسمعو ُ المحظة التي يمتقي فييا بنفسو تماماً َ ، ّ ِ الفضائيات ،حيف الصبية الممرضة ىالة جبر في فيمـ "جنيف" الذي بثّتو سمعت ما قالتو آخر .تقو ُؿ لي :ىؿ ّ ّ ْ
مخيـ جنيف؟ أف الذي اكتشفت ّ تجمس إلى جانب جثّتو في سيارة ااإلسعاؼ ىو شقيقيا جابر الذي استشيد في ّ ُ زف ىو أف تستطيع أف تمنع نفس َؾ مف أف تبكي أماـ أحد مف ِ أجؿ الدموع ْ لقد قالتّ : الح ُ الحزفُ ، ليست ىي ُ ىذا األحد.
ِ بموت أخيو. تريد أف تفاجئو ولـ يكف ىذا األحد غير شقيقيا الصغير الذي ال ُ ُ مرات قميمة ،ولؤلسؼ ،بعضيمبل بعض الناس ،تقوؿ ،بمكف أف تأتي ىذه ُ المحظات في حياتيـ كثي ارً ،وبعضيـ ّ الموت. تتوىج ىذه المحظة عنده إال قبؿ لحظات مف ْ
تعرؼ ما الذي يدور في عقؿ ىذه المجنونة التي لـ تزؿ أصدؽ رندة؟ ىؿ ُ أصدقيا ،كيؼ ال ّ وبصراحة ،أنا ّ ثـ تحفر مصرة عمى أ ّنيا لميس؟ أف تتسمّؿ مف ّ غساف كنفاني ،آّ ، غزة وتذىب إلى قبر ّ ّ غساف كنفاني حبيبؾ! ّ ِ ِ وتحفر حتّى ِ تحد َث فتح ًة في ِ الحياة – جمعتو مف حكايات ،وتقو ُؿ لو :في ىذه األوراؽ مف وتعطيو ك ّؿ ما القبر ُ
ِ ِ لمكتابة مف جديد!. الموت عن َؾ ،وتعود تنفض الموت الموجوِد فييا -ما يكفي ألف يجعم َؾ رغـ ك ّؿ ُ َ "جماؿ" ،ىؿ ترى جما َؿ ِ ىذه الميمة؟. تحررت مف ٍ زمف بعيد. ليم ٌة مثؿ تمؾ الميالي التي تشتيييا ،ليمة ىادئة كما لو ّ أف غزة قد ّ شوؼ ..
الموت. بعد ْ يجب أف يسمحوا لو أف يكتُ َب رواي ًة واحدةً عمى األق ّؿ َ رندة تقو ُؿ لي :و ٌ غساف يا آمنةُ ، احد مث َؿ ّ يعرؼ أكثر م ّنا كمّنا .لكف الشيء الذي يعذّبو أ ّنو ال يعرؼ ما يدور اآلف؟ إنو وتقو ُؿ لي :ىؿ تعتقديف أ ّن ُو ال ُ ُ ي زماف. يمكف أف يستطيع أف يكتُ َب ز ّ
الء .أساليا ،ولماذا؟ فتقو ُؿ لي أل ّنيـ جميموف، الموت، شيية جالميميف وتقو ُؿ لي :ك ّؿ ْ َ َ يثيروف ّ وغساف مف ىؤ ْ ّ يحس الموت ُ ّ
بعض ينجح. ُ ْ
ينجح وأحياناً ال بوجودىـ ما إف يولدوا ،ولذلؾ يحاو ُؿ االنقضاض عمييـ من ُذ البداية ،أحياناً َ ُ يتنب ُو ،ويسمع خطو ِ ات الموت فور نزولو مف ِ صحيح أ ّن ِؾ ال أمو، ىؤالء َ الجميميف ّ ٌ ُ بطف ّ
يكوف يفع ُؿ ذلؾ، يركض في الشوارع محاوالً الفرار مف ذلؾ الفناء الذي ُيبلحقو ،لكنو تستطيعيف رؤي َة رضي ٍع ُ ُ
كثيريف. وغساف مف ىؤالء ،بؿ كاف أسرعَ مف ْ ّ
ٍ مجنوف ،سباؽ ال رحمة لييرب ،فالمسألة تكوف أشبو بسباؽ ليس ولكف ،ىؿ تعرفيف لماذا ُ ْ يركض يا آمنة؟ الَ ،
تصبح كؿ األشياء الجميمة التي كاف يمكف أف فيو ،فإذت استطاع اكض يأخذ روحو ويأخذ ّ الموت أف ُيدر َؾ الر َ ُ َ الجميموف يا آمنة بصبحوف جميميف فقط ،ألنيـ استطاعوا الوصوؿ مم َؾ ذلؾ الشخص لو أ ّنو سبؽ الموت. َ
يحبونيا ،األشياء التي نحبيا ،األشياء التي تحبيا الحياة. إلى األشياء التي ّ
حيف يصمونيا أوالً، الموت يا آمنة ،ال يرحميـ ،ىؤالء ،لكنيـ ال يرحونو ،يحرروف األشياء الجميم َة ُ و ُ منو َ َ ِ الشمس والمطر ،يحرروف الفراش َة الحصاف و البيت وصييؿ العصفور ونافذة يحرروف الوردةَ والشجرةَ وجناح ْ َ ْ ِ أف ىذا العالـ كاف مف سأسألؾ سؤاالً واحداً :ىب تصدقينني يا آمنة ،ولكف النمر والغزاؿ .قد ال ّ تعتقديف ّ َ و َ ِ العالـ مف ِ ِ الموت كاف أف الموت؟ ىؿ بيف ف ّك ّي الجميموف جما َؿ لـ ينتزع ىؤالء الممكف أف ْ تعتقديف ّ َ َ َ َ يكوف لو ْ ٍ أكبر ،أنظري ماذا غساف كاف يفع ُؿ ذلؾ ،وألنو يدرؾ تماماً ّ ُ أي شيء ىنا لوالىـ؟ ّ يمكف أف يبقي لنا ّ أف الصراع َ
ِ الموت أف خطى ست وثبلثيف سنة ،ترؾ لنا ك ّؿ ىذا الجماؿ ،ال بؿ أق ّؿ مف ىذه ّ فعؿ ،خبلؿ ّ المدة ،فحيف أدر َؾ ّ َ يحب الكتاب َة كتب. كتب أل ّن ُو ُّ َ كتب في أق ّؿ مف ستة عشر عاماً ما ْ كتب ما َ أتعتقديف أ ّنو َ تزداد اندفاعاً وراءهََ ،
كتب يمكف أف فقط؟ ال .ال كافَ ، األمر كذلؾ ،ولو َ َ ُ غساف كتب ما َ لكاف ثبلث ُة أربا ِع البشر كتّاباً يا آمنةّ ، يكوف ُ ويحبني شخصياً! يحبنا، ُ ّ يحب الحياةّ ، ألنو ّ
فأعود انظري اآلف ،أحياناً أخرج لحوش اليبت ،وأرى الموت يحمّؽ في طائرة األباتشي أو طائرة إؼ ،ٔٙ ُ ٍ ِ تستطيع شيء ولك ّن َؾ لف أصرخ :تستطيعُ أف تفع َؿ ك ّؿ غساف ،أرفعيا لمسماء و ْ َ ْ لمداخؿ بسرعة أحم ُؿ مجمّدات ّ
نسيت؟ قت َؿ ىذاْ ،لقد سبق َؾ وفزنا بيذا كمّو ،ىؿ ْ ..
تحس أنني ُ أحس ّ أحس ا ّنيا أجم ُؿ م ّني ،رغـ أ ّنيا ّ بأف ىذه البنت تشبيني .ال ،أحياناً ّ أتعرؼ يا جماؿ ،أحياناً ّ أجم ُؿ ميا.
أكوف ِ نبدؿِ ، أنت؟ أنت تكونيف أنا ،وأنا مرة :تيجي ّ عمي ،ولكنني ُ ُ قمت ليا ذات ّ ال تضح ّؾ ّ وقمت ليا :يا ريت!. ريت ،وىيؾ ببط ّؿ أتخانؽ مع أختي عمى اإلسـ! فقالت لي :يا ْ ْ ُ ** ** ** صورتؾ. يريد ْ قمت ْ لؾ .صالح ُ ُيريد صورت َؾُ . ولماذا صورتي فأنا أراهُ كمّما كاف ذلؾ متاحاً؟ قمت لي.يريد قو ،نعـ ،أحياناً َ أصد ْ يوـ .أحياناً ّ إنو ُصورتؾ ،ألف ذلؾ المتاح ال يكفيو .يعتقد أف شكمؾ ّ يتغير ك ّؿ ْ ٍ ٍ ٍ ٍ لؾ بحاجة إلي َؾ، أحس فييا بأنني بحاجة َ ّ أصدقو ،بخاصة حيف ال أستطيعُ استدعاء وجي َؾ تماماً في لحظة ّ َ ِ ِ أحس أحس بأننا لـ نفرح أبداً ،ال ،أرجوؾ ال تفيمني غمط ،أحياناً ّ كا ّنؾ بحاجة المرأة والحبيبة ،أتعرؼ ،أحياناً ّ ِ ِ المر ِ لننجب ومرة صالح ،قبؿ مرة لننجب الوحيدتيف تيف ْ المتيف اختمى الو ُ ّ ْ َ السجفّ ، احد م ّنا فيو باآلخر كانتا ّ أف ّ
ي. حولونا إلى نادية بعد ْ ْ السجف ،وىا َ مفارخ َ دوف أف ندر ْ أنت تر ْ ى ،كأ ّنيـ ّ ِ بعد أف اقتطعوا تسع سنو ٍ ِ لؾ. سجنيـ. بظبلـ روحي ات مف بسجن ِي ْـ ْ َ ُ ْ ْ مجرد مفارخ؟ تقو ُؿ لي :إ ّنني أبال ْغ؟ أل ّننا لسنا ّ
ولكف ىذه المبالغى ال تد ّؿ ّإال عمى شيء واحد ،أ ّننا ُحرمنا مف العيش معاً ،تعني أ ّننا ك ّنا أعرؼ أنني أبالغُ، ُ ّ
أكثر. ُ نحتاج لبعضنا البعض ْ
عميؾ أف ِ ِ ِ تريو ّإياىا لحظ ًة وتقومي بتمزيقيا بعد سأفعؿ ،ولكف اللتقاط صورٍة قمت لي :كمّما سنحت الفرص ُة ْ َ ذلؾ .اتّفقنا؟.
وماذا أقو ُؿ لو؟. مزقييا. بعد أف إف أبا َؾ كاف الصورِة ّ قولي ْثـ َ لو ّ َ يشبع مف ّ اليوـ ىكذاّ ، َ أقنعو؟ وكيؼ َ ْ ِ لؾ تحتاج ليذه الصورة ،أل ّنني القادمة مختمفاً قميبلً ،وا ّنؾ لف المرة سأحضر َ قولي لو ّ ،َ إف أبا َؾ سيوف في ّ ُ
صورةً أجدد!.
مرة، ىؿ أقوؿ لؾ إ ّنو كاف أف ّ يرفض ّ ُ أمزؽ الصورة ،يرفض ويبدأ بالبكاء ْ.عندىا أقوؿ لو :كما في ك ّؿ ّ أنت نريد أف يعرفوا تعرؼ، إذف .أنت ْ سأخبئيا ل َؾ ْ َ ألف االحتبلؿ ُيطاردهُ ،وال ُ سأخبئيا ّ يـَ . . ّ ّ شكمو تماماً .أل ّن ْ
تعرؼ. ْ
تعتقديف أنني ولد؟. فيقو ُؿ لي :وىؿ َ ابني .أنت أكبر!. ال ،أنت َلست ولداً .أنت ْ ِ ِ ِ يدي لكي وحيف ُ يغمض عينيو ،أرتكو و ُ أذىب إلى الغرفة الثانية ،أشعؿ ال ّنور ،أمسؾ الصورة بيف أصايعَ ّ عيني فبل أنظر إليو ،أغمض ينفجر أمزقيا ،وما إف أحاوؿ حتى ّ بكائي ،وأقوؿ :ياهلل ،ال أستطيعُ أف أمزقيا وأنا ُ ُ ْ ّ صورتؾ ،صورة حبيبي ،لكف صوت البكاء في النور كي أممؾ شجاع َة تمزيؽ أنيض وأطفئ ثـ ْ ُ ْ َ أستطيعّ ،
ِ تعرؼ ذلؾ؟. أعمى ،ىؿ الظبلـ ُيص ِب ُح ُ ْ
أسود ِ تيتز حولي ِ لفرط يدي ،وثوني قد أصبح نشيجي ،وحيف تظ ّؿ لفرط أرى العتم َة ّ َ الشمس أجد صورت َؾ بيف ّ ُ ْ ِ عميو مف رماد الميؿ. ما تساقطَ أخبئيا. أخبئ صورت َؾ ..وتأتي صورةٌ أخرى ،و ّ عند ذلؾ ّ .. ٍ إلي صارخاً: فعمت ذلؾ .أل ّنني لـ أكف الحمدهلل أنني ُ سأعرؼ الكممات التي سأقوليا ُ ُ ُ لو ،حيف يأتي ذات يوـ ّ يف عمى تمزيؽ صورِهِ . ِ اآلف ،أنظري ،ليس لدينا صورة واحدة لو. كنت تصريف ،و َ َ تصر َ كنت ّ بيديؾ يقفز في اليواء كما أ ّنؾ تمس ُؾ سأفاجئو ،حيف لك ّنني أذىب لممخبأ وأخرجيا كمّيا ،وأناولو ّإياىا ،وأراهُ ُ َ ْ ُ ثـ ترفعو وتتمقّفو. ُ وترفعو ،تمقي بو لؤلعمى وتتمقّفو مف جديدّ ، ترفعو .. وتتم ّقفو .. نمت !. ني ُ جماؿ ،كأ ّن ْ
) ٔٔ (
تأتيف متأخرة دائماً ؟ لماذا َ
تأتيف متأخرة دائماً؟ قاؿ لي آمنة. وسألتني :لماذا تأتيف متأخرة دائماً ! ْ ىؿ تعنيف أ ّنو غير موجود ؟ -نعـ يا رندة ،غير موجود.
** **
حدثتني كثي ارً ّ يمزم ِؾ الح ّؿُ . اسميا رندة! ُ
عف عزيز .قالت لي :بما أ ّنؾ مث ُؿ ابنتي ،فأنني سمحت لنفسي بأف أف ّكر ِ وجدت فيؾ طويبلً ،وقد ُ ِ يمزم َؾ يا عزيز بنت رقيقة مثمُ َؾ ٌ عريس مثؿ عزيز! وأصارحؾ ،لقد فاتحتو بالموضوِع أيضاًُ :
جت دوف أف أعرؼ!. خالتي .بعد قميؿ شوي يا شوي ُ تزو ُ سأكتشؼ أنني ّ ّ ّ ْ يجب أف يعرفو أحد ،اقتربت مني ،وحيف تأكدت مف أف ال أحد ىنا غيرنا وكما لو أنيا تيمي لي س ارً ال ُ ىمست :اطمئ ّني ،خالتؾ آمنة كبرت قميبلً. -ماذا تعنيف؟
بعد ٍ ٍ لت أتسمؿ الصحيح طويؿ أضافت: وقت كبرت كثي ارً ،ولكنني رغـ ذلؾ لـ أصبح رجعية! فحتى ىذا اليوـ ال ز ُ ُ ُ عميؾ ال تقولي ىذا الكبلـ ألحجِ . ِ موعد غرامي مع جماؿ .لكف ِ ٍ أنت تعرفيف ،ما زالوا باهلل خفية مف أجؿ ّ أريد أف أكوف السبب في حدوث مكروه لو. ُيطاردونو ،وال ُ
المستمر عف عزيز قد أثار فضولي فعبلً ،ليس كفتاة ،بؿ كحالمة بالكتابة ،أو جامعة حكايات كاف حديثيا ّ
فمسطينية.
ٍ ٍ سريعة مف شيء يحصي القبور الفارغة بنظرٍة أي قالت لي آمنة :أحياناً يأتي إلى المقبرة وقبؿ أف يفعؿ ّ صغير ،وأنا أي قبر منيا ،فبدأ يبكي ،يبكي كطفؿ عينيو .أدرؾ ذلؾ دوف أف يقوؿ لي .ذات مرة لـ يجد ّ ْ أىدىده .ويظؿ ِ ِ يبكي حتّى بعد أف يغمؽ عينيو براحتيو .فأحس بأف الدمع قادـ منمكاف بعيد ،مكاف بعيد جداً، ربما مف أوؿ جنازة لشييد سقط عمى ىذا األرض ،ربما مف جنازة عيسى عميو السبلـ .أنظر إلى الدمع فأراه متعباً ،مثمنا ،ولست أدري ،حيف كنت أضع رأسو عمى كتفي ىؿ كنت أضع رأسو أـ أضع تمؾ الدموع التي قد تكوف ،مثمنا ،تبحث عف كتؼ.
بأف عمره ألؼ عاـ. يا إليي تعبت .كاف يقوؿ لي.فأحس ّ ّ تمتد يدي إلى الفأس حتى لزراعة مرة قاؿ :أتعرفيف يا خالتي آمنة ،بعد رحيؿ ىذا االحتبل عف أرضنا لف ّ ذات ّ الزىور!
تفرحيـ بذلؾ. فأقوؿ لو :إال ىذا ،ىـ يريدوننا أف نكوف غير جميميف ،ال ّ وتصمت ،ثـ تقوؿ لي :أظنو لف يحتمؿ األمر مف ىنا حتى ننتصر! جممتيا تمؾ ،جعمتني أوافؽ عمى القدوـ لمتعرؼ إليو .قمت :إف فيو شيئاً مف ذلؾ النور الذي ينبعث مف البشر. فتّشنا عنو كثي ارً ذلؾ النيار ،عبرنا أماـ الحواجز ،لـ نجده ،في شوارع رئيسة لـ نجده ،في أزقة قادنا القمب إليياف لـ نجده ،ثـ قالت لي آمنة :لماذا ال نبحث عنو في بيتو؟ وىؿ تعرفينو؟ ال.قمت ليا :وكيؼ سنبحث؟ قالت :نذىب إلى المقبرة ونتبع النور الذي تحدثت عنو إلى أف نصؿ لبيتيـ! مف حدثؾ عف خيط النور؟ ال أحد .واهلل ال أحد .كانت تنفي كطفمة صغيرة ضبطت متمبسة بارتكاب ذنب.ي حاولت تيجئتيا بسؤاؿ سريع قد يميييا بالبحث عف إجابة لو :وما الذي ستقولو أمو حيف تجد امرأتيف -ز ّ القمر!! -تسأالف ،ىكذا مف الباب لمطاقة؟ -أقوؿ لؾ ،وما تستغربيش .ستفرح؟
ستفرح. نعـ صدقيني ستفرح ،األميات غريبات في ىذه المسألة ،يبدييف أنيف غاضبات أماـ الناس ،أو غيرمرتاحات! ولكف فيما بعد ،تبدأ الواحدة منيف تضحؾ في عبيا .اسأليني .فأنا أعرؼ ىذا الكبلـ! تذكريف ،حيف أصبحت لميس تخترع الكبلـ لتقوؿ لي بخجؿ ،كأنني ال أعرؼ ،أشياء جميمة عف صالح .وأقوؿ لنفسي الحمدهلل ،ىا قد كبر الولد بحيث أصبح بإمكانيا أف تراه ،يعني أف يمؤل عينيا! ال أخفيؾ ،كنت أفرح. فمف أيف ألـ مثمي بفتاة البنيا مثؿ لميس .ومف أيف لو أيضا؟ ثـ التفتت إلي وقالت :ىا أنا مشغولة بؾ ،مشغولة بعزيز ،وال أرى أحداً مشغوالً بي؟ إلي .ما الذي تعنيف بيذا الكبلـ؟ أنت أقرب شخص في ىذه الدنيا ّنزوجيما ،وأنت وعدت ،لقد وعدت أنؾ ستكمميف -وبعديف يا رندة! المسألة طالت أكثر مما يجب ،وعمينا أف ّ
أمؾ ،لننتيي منف ىذا األمر.
أنس .قمت ليا ،ولكنني لـ أجد الوقت المبلئـ لذلؾ! لـ َ بصراحة ،كاف يمكف أف أتحدث مع لميس مباشرة ،وأطمب يدىا مف نفسيا .فيي كبيرة وباستطاعتيا أفلمحت ليا ،وأظف أنيا فيمتني ،بؿ أظف تقرر المناسب مف غير المناسب لياّ ، لكف األصوؿ أصوؿ .مف أياـ ّ أنيا أحبت تمميحي ،ألنيا ظمت صامتة ،وأنت تعرفيف ،السكوت مف عبلمات الرضا .أليس كذلؾ؟ ثـ إف األمور إذا ما سارت كما أفكر ،فمربما صار العرس عرسيف ،عرس لميس وعرسؾ. تزوجيني لعزيز ليذا السبب؟ ألنؾ تظنيف أنني الكبيرةة؟ وفجأة وجدت نفسي أسأليا بغضب :وىؿ تريديف أف ّ إلي آمنة بعينيف دامعتيف :ولو! لقد كبرت نعـ ،ولكف ألـ أؤكد لؾ بأنني لست رجعية! نظرت ّ ِ الحد؟! وقمت لنفسي :لقد جننت ،ما الذي يحدث لؾ لتدخمي ىذه المعبة ،وتتوغمي فييا إلى ىذا ّ
** **
ما دمنا وصمنا لمسو ِ ؽ ،سأشتري بعض الخضار ،منذ مدة لـ أطبخ ليـ طبخة تسند أمعاءىـ كما يجبْ. بتشيي اليوـ شايفة؟! المموخية ّ
ىززت رأسي ،سأشتري الدجاج مف شارعنا ،بدؿ أف نحممو إلى ىناؾ .ثـ التفتت إلي :ما ر ِ أيؾ أف تتغدي معنا ُ ّ اليوـ؟ ولعمو يفاجئنا فيأتي. مف ؟ِ صرت ناسية؟!! -عزيز ،ولو
** **
بعد أياـ زرتيا .كانت حزينة ،قالت لي :لماذا تأتيف دائماً متأخرة؟ ولكنني اليوـ لـ ِجئت ىكذا بالصدفة. آت لموعد محدد بينناُ . َ ِ تأخرت! رغـ ذلؾجاء عزيز وذىب ،أـ ماذا؟ ىؿ َِ ِ تأخرت .وراحت تبكي. ولكنؾ قالت لي ،أتى ،ولـ يذىب،ورحت أسير بيف الشواىد ،عندىا أحسست بذلؾ الياجس ،الذي خطر لي ذات يوـ حوؿ الشيداء، تركتيا ُ يسير في عروقي :ىؿ ثمة يوـ مر مف ىنا دوف أف يستشيد فيو أحد؟
ِ أياـ قميمة مرة دوف أف نخسر أحداً ،أياـ قميمة بدت لي رحت أتصفح التواريخ المنقوشة عمى الشواىد ،ثمة ٌ ِ ِ الموت ال أكثر ،األياـ اإلجازة ،األياـ التي يكوف مضط ارً فييا لمذىاب في ميمات عطمة لمحظة كأنيا أياـ يبدو، عاجمة .ووقد صدمني ذلؾ الجشع ،جشعو ،إنو يمتيـ األخضر واليابس دوف أف يعني لو ذلؾ ،عمى ما ُ شيء. أي ْ ّ
سنوات طويمة سرتيا بيف تمؾ الشواىد ،سنوات تتراكض فييا األياـ متقافزة مف قبر إلى قبر ،إلى أف وجدت نفسي أماـ تاريخ أعادني لمزمف الذي أنا فيو .أمس .وفوؽ ذلؾ التاريخ ،كاف يط ّؿ مف ممص ٍ ؽ كبير ،ومف بيف إلي أنني أعرفو ،وحيف قرأت االسـ رحت أبكي. أزىار لـ ّ تجؼ ،بعد ،وجو شابّ ، خيؿ ّ لعمؾ أخذت الأمر بجدية أكثر مني ،قمت لو! لعمؾ أحببتني إلى حد أنؾ لـ ترغب أبداً في أف تراني ،ولذلؾعمي. اختصرت الطريؽ مف أولع ،ورحمت .ولكف ّإياؾ أف تكوف فعمت ذلؾ ىرباً مني ،ال خوفاً ّ ماذا تقوؿ؟
جننت ؟ ألحادث مف في القبور! نيضت بسرعة ،رحت أركض بيف القبور .ما الذي يحدث لي؟ ىؿ ُ ُ وقالت لي :لماذا تركضيف ىكذا؟ ىؿ ج ِ ننت؟ ُ عمي. بعد يوميف رأيتيا .قالت لي :إنيا غاضبة جداً ّ مت رأسيا ورجوتيا أف تسامحني. قب ُ ّ فسامحتني.
** ** ٍ صمت لـ ندر مف أيف ىبط ،وكيؼ انتشر حولنا دوف أف نبلحظو ييبط ،دوف أف نبلحظو جمست طويبلً في ُ
ينتشر ،ثـ سمعتيا تقوؿ لي ،وكاف صوتيا قادماً مف مكاف بعيد ،بعيد جداً ،بعيد ،قرب ذلؾ اليوـ الذي رأيتيا فييا أوؿ مرة ،عمى بابنا تسألني: شايفة يا رندة ،أذىب لمشوؽ ثـ أطبخ وأنفخ ،وبعد كؿ ىذا التعب ،ال أحد يأكؿ .شوفي الطبخة عمى حاليا.واهلل ما أنا عارفة ليش بتعب حالي. توكمي؟. إلي وقالت :أحطمؾ صحف ّ ْ ثـ التفتت ّ
) ٕٔ (
سمعتُيا تُنادي
كما لـ تُ ِ ناد مف قبؿ .. كانت ىائج ًة :يا بنت .يا بنت. ذىبت إلييا مسرعةً ،متجاوزة لمصطبة اإلسمنتية ،والدرجات الصاعدة نحو سطح المنزؿ ،لـ ت ُكف الساع ُة قد ُ تجاوزت السادسة والنصؼ صباحاً. آ ،شو في يا ستّي ؟أيف اشتريت القيوة أمس ،ألـ أقؿ ِ الزفت! ىؿ شو في؟لؾ ال تشتري مف قيوة ىذا ّ وتسأليف أيضاً .مف َ َ
أف نومي فخذ خروؼ يحمثيا عمى ال ّ يحمصيا عمى الشمس!! لقد قطّع نومي ،كما لو ّ شمس ىذا المعيف؟!! ىؿ ّ ّ
تحت ساطور أبو العبد!
أشتر القيوةَ منو ،اشتريتيا ِ لك ّنني لـ ِلؾ مف أحسف مح ّؿ في شارع عمر المختار. شو إسمو؟فقمت :أشتري ِ ؽ فتذ ّك ِ شممت رائحة القيوة في الطري ِ اشتريت. لؾ منيا .وقد رتؾ، واهلل ما أنا عارفة ،لكننيُ ُ ُ
قاؿ لي إنيا قيوةٌ برازيمية مئة في المائة.
قيوة برازيمية؟! ومف قاؿ ِلؾ أف تشتري لي قيوة برازيمي؟ لقد أخبرتني أمي ِتحبينيا. أنؾ ّ ّ أصبحت أكرىيا! خمسيف أو ستّيف سنة ،ولكنني حيف فقدت األم َؿ أحبيا ؟؟ أحببتيا في الماضي قبؿُ َ ازيمية يا ستّي. ال أحد يكرهُ القيوة البر ّحت أراقب يدىا ألوؿ مرة ،خائفة مف أف تقفز نحو ع ّكازىا قوية لدرجة أنني ُر ُ -أنا أكرىيا .قالت ذلؾ بنبرة ّ
عمي. وتنياؿ بو ّ
ِ فيمت ؟! الدار. أريد أف تد ُخ َؿ ّ قيوة مثؿ ىذه ،ال ُتقوليف لي السبب؟ فيمت يا ستّي! ولكف لماذا ال ُ َ
ألنيا خربطت عياراتي!قد عقمي. لـ أفيـ يا ستّي .مف شاف اهلل خذيني عمى ْ سيدؾ ،سيدؾ ،رأيتو الميمة خمس مرات في الحمـ!ِ حممت الميمة بو .قولي مف أوؿ! يعنيِ قيوتؾ خربطت عياراتي .لقد كففت عف الحمـ بو منذ حممت بو أقوؿ لؾ إف عمرؾ ما راح تفيمي .ألننيُ
كنت أحب القيوة البرازيمية حيف كاف يراسمني مف البرازيؿ، زمف طويؿ .تستطيعيف أف تقولي إنني قاطعتو .لقد ُ عرفت أف ىناؾ قيوة برازيمية ،لـ أعد أشرب إال منيا ،مع أنني ويقوؿ :إنو سيعود .في تمؾ األياـ ،حيف ُ
كنت أعرؼ ،أعرؼ ،ألف متأكدة مف أنيـ كانوا ييضحكوف َّ عمي أحياناً ويشتروف لي قيوة مف "اليمف" ! لكنني ُ َ ِ فقدت األمؿ بعودتو ،أنا بعد أف مات دوف أف يأتي كما وعد ،فإف فيمت؟ .أما بعد أف جدؾ لـ ت ُكف فييا. رائحة ّ ُ سيرة القيوة البرازيمية أصبحت تقشعر بدني.
ِ أعد أشربيا أبداً. لـ أعد أشربيا فيمت ،لـ ُ حاولت أف أنططؽ كممة واحدة ،كممتيف ،أف أعتذر ،لكف يدىا كانت تبدأ بالتطمع إلى الع ّكاز. ُ ِ تسببت بو الميمة .لقد رأيتو في الحمـ ،أتسمعيف؟ رأيتو في الحمـ ،ولذلؾ أسكتي يعني أسكتي .يكفي ماكنت متيقظة لو. صحوت بسرعة ،حتى أنيي المقاء مف أولو .وحاوؿ مرة وثانية وثالثة بعد ذلؾ ،ولكنني ُ ُ قمت لؾ يا بنت لماذا يحمـ الناس؟ ثـ تصمت :ىؿ ُ ال. ألنيـ ال يشبعوف مف الحياة ،يحمموف حتى يتخيموا أنيـ ليسوا نائميف ،بؿ مستيقظيف ،وأف شيئاً لـ ِيضع ُ
عمييـ ،وأنا أيضاً ،أما أف أحمـ بو فأبداً !
فنمت ،وأصبحت الساحة خالية لو، حتى لو نقص عمري .لكف ما باليد حيمة أحياناً! يبدو أنني تعبت أخي ارً،ُ تجر وقاؿ ليِ : ٍ عميؾ أف مقاومة تذكر ،كما تقوؿ اإلذاعات .ويا ريتو اكتفى بيذا ،لقد ّأ أي فدخؿ إلى حممي دوف ّ وجدت لؾ تتزوجي .وأنا لـ أزرؾ ىنا ،إال بعد أف وصفية. تتزوجي يا ُ ُ ّ أتزوج! قاؿ :نعـ ،عميؾ أف ّ فقمت لو :أنا ّ ّ صرخت في وجيو ،وكماف جايب العريس معاؾ .وينو!! بعديف ،ىؿ جننت يا رجؿ ،ىؿ تعتقد عريساً لقطة. ُ الديف :يا قمت لو ،وال لت صبية بحيث ُيمكنني أف أتزوج؟ حتى أنني حياء في ّ انفعمت إلى ّ حد أنني ُ ُ أنني ما ز ُ َ
عيني لتُدرؾ ذلؾ .فقاؿ لي :ال تخدعيني. بأف ك ّؿ خزوقي س ّكرت .كاف يكفي أف تنظر في شايب ،أال ُ تعرؼ ّ ّ
مت ُك ِ فصرخت بو :وىؿ رأيتني قبؿ أف تموت؟ أظ ّنؾ لـ تتذكر وجيي حيف كانت صبية ،وال أحمى!! حيف ّ ُ َ نت ّ تتييأ لمصعود إلى ربيا .فقاؿ لي :ال يمكف أف تكوني ِ أمت إال مف ّأياـ!. روحؾ ّ ُ ُ كبرت ،فأنا لـ ُ ربؾ ،صارلؾ أكثر مف خمسيف ستيف سنة ميت .فقاؿ لي :يا مف أياـ؟ ُقمت لو .مف أياـ ؟! يالمي ما بتخاؼ ّ استطعت أف آتي ِ إلميؾ مف البرازيؿ حتى غزو خمس عمي!! لو أنني ميت منذ ذلؾ الزماف ،لما ُ امرأة ال تفاولي ّ مرات وأعود في ليمة واحدة! إذف كنت تعرؼ أنني ال أريدؾ أف تدخؿ إلى حممي ،تعرؼ أنني أغمقت الحمـ في وجيؾ مرة ،مرتيف ،ثبلثاً ، الحد ،أنت الذي أربعاً ،خمساً ،إلى أف أتعبتني واستغممت تعبي ودخمت منو .وقمت لو :ما دمت نشيطاً إلى ىذا ّ تستطيع الذىاب إلى البرازيؿ والعودة في ليمة واحدة خمس مرات ،فمماذا ال تتزوجني أنت؟ أتزوجؾ أنا ؟ آ ،أنت ،وىؿ ينقصني طوؿ أـ عرض ،أـ عيناف أـ ماذا؟ كيؼ يمكف أف أتزوجؾ وأنت زوجتي؟ ىؿ ج ِننت؟ ُ ستتزوجني وأنت زوجي؟! آ واهلل صحيح ،كيؼّ ِ عقمؾ ،قاؿ لي. ىا قد عاد إليؾبجد ! أتزوج يعني؟ ّ أتُريدني أف ّ فقاؿ :نعـ.ِ إلي الميمة خمس مرات إال لشيء واحد ،ىؿ تعرفيف عرفت قصده ،آ لكنني يا ستّي ُ ُ عرفت قصده ،فيو لـ يأت ّ ما ىو؟ حف. وقبؿ أف أجيب قالت لي :يا ستّي سيدؾ ّ ّح َّف ؟.الحوريات!. أترحـ عميو ،اهلل عاقبو وحرمو مف آه ّّ حف ،وأكيد إل ّنو ما عمؿ في حياتو شيء واحد يجعمني ّ لـ أفيـ يا ستّي.جدؾ ىذا كاف يعمؿ ألؼ حيمة وحيمة ،بعد زواجنا ،حتى (وال حياء في الديف) .. لـ تفيميّ .عمرؾ ِ قديش ِ إنت؟ ثـ صمتت وسألتنيّ : ّ
يمكف خمسة وعشريف. خمس وعشريف يعني بتفيمي ما الذي يحدث بيف الزوج وزوجتو؟ىززت رأسي. ُ جدؾ كاف يعمؿ ألؼ حيمة وماذا؟ ّ وحيمة.ِ فيمت؟ بدوا ّإياني. إذا كاف ّفيمت. ْ فكيؼ ال يجيء خمس مرات في ليمة واحدة مف البرازيؿ؟ .كيؼ ؟وتصمت كثي ارً ،ثـ حيف تراني أىـ بالنيوض ،تقولي لي :اقعدي ،لـ ِ أنو كبلمي. ّ ّ كيؼ أخوتؾ؟صعب .تعرفيف حيف ُيطاردوف شخصاً ،فإننا ال نستطيع إال اف نخاؼ عميو. أخبارىـ مميحة ،بس الوضعْ
عيونيـ عمى األرض ،وعيونيـ في السماء طائرات ،بعضيا نراه ،وبعضيا ال نراه. اهلل معاىـ.فتعود لمكبلـ. أتحرؾ ُ وتصمتّ . ريده سيدؾ فعبلً ؟ أتعرفيف ما الذي ُي ُ َ -ماذا ُيريد ؟
أظف أف لؤلمر عبلقة بحرمانو مف الحوريات!. إلي .وال ّ يريد أف يأذخني عنده .كأنو اشتاؽ ّ ِبدأت تح ّنيف يا ستّي؟ لكنني لف أموت مف أجؿ مبلقاتو!الشر بعيد. ّنفسي. ولكف ىناؾ شيئاً آخر ال أريد أف أموت وىو في الشر دائماً قريب .أال تعرفيف ذلؾّ .ْ
ما ىو؟عيني ىذه ىؿ تعتقديف أنني عشت كؿ ما عشتو ،وتحممت كؿ ما تحماتو حتى أموت قبؿ أف أرى بخزوؽّ رحيؿ ىؤالء؟ ىؿ تعتقديف أنني سأموت قبؿ أف أطمئف عميؾ ،وعمى أمؾ ،وعمى أخوتؾ؟ أال يكفييـ أنيـ حرموني مف أف أطمئف عمى أختؾ ،وجماؿ ،وصالح وآمنة ،ومصطفى ،وعزيز؟ عزير؟ مف عزيز؟ سألتيا.بتتخبا. ىناؾ أشياء ماّ قمت ليا :ولكنني لـ أره! أتعتقديف بأنني ال أعرؼ؟ ولكنني أحس أنو كاف يمكف أف يكوف الوضع أفضؿ لو أتيح لكما ذلؾ.حزنتيني يا ستّي. ّ يا ريت كاف بإيدي أفرحؾ. وجودؾ وحده يفرحني.ِ أحس إ ّنؾ بدؾ تيربي مني. آىا اعترفي .مش ك ّؿشوي أطمّع عميؾ ّ ّ طيب ،مسموح لي أروح؟ ْ مسموح. أكيد ؟ ولِؾ أكيد .واذا ما راح تقومي ،راح أضربؾ بيالع ّكاز. إال ىذا!.ناؾ .مع آمنة . أجد نفسي ُى ْ وبعد ،ال أدريُ .
) ٖٔ (
كنت متأكدة مف أ ّنؾ أنت أنت .. ُ
كنت متأكدة مف أنؾ أنت الذي رحمت ، بد مف ٍ إلي. موت كبير ،موت غير وكاف ال ّ ّ عادي كي يمنع َؾ مف الوصوؿ ّ ممقى أماـ نت أشاىد التمفزيوف والى جانبي رندة وصالح ،كنا نشاىد التمفزيوف وال نشاىده ،ىكذا كاف ُك ُ ً أبصارنا دوف أف نعيره اىتماماً. مر ٍ رت ،ولماذا يبقى مفتوحاً ما دمنا ال نشاىده؟ ات كثيرةً ف ّك ُ ٍ ولكننا كنا ننظر ِ ٍ ننتظر أف نراه لسبب ال نعرفو .رندة كانت تسألني :وما الذي لحظة وأخرى دائماً، إليو ،بيف ُ ِ ونحف شاىدناهُ ونشاىدهُ بأعيننا ىذه؟ الشاشة عمى ىذه ُ ألف ىناؾ أشياء ال نراىا بأعيننا .لكف رندة ربما كانت العادة ،العادة ال غير .إذ ال ّ اضع أحياناً ،ونرىّ ، ّ بد أف نتو َ
قالت لي :ليس ميماً أف نرى ما ال نراه بأعيننا ،ألننا نرى ما يشبيو ىنا.
حب لميس ،لكف ذكية ىذه البنت ،أتعرؼ ،لو كاف صالح يحبيا قميبلً، ُ لفكرت بيا ،وساعدتو عمى أف ينسى ّ القمب وما ىوى!
قمت لؾ ىذا الكبلـ!. ال تؤاخذني كـ مرةً ُ تصدقو ،ولكف ىذه البنت ،حيف بأف يدىا في يدي ،وعمى جبيني ،حتى ّ أحس ّ الصحيح أنيا لـ تتركني .دائماً ّ
أناـ مرتاحة ،أناـ كجنيف في رحـ أمو. ُ تجمس قرب رأسي في الميؿ ،وتضعُ كفيا عمى جبينيُ ،
ىناؾ مكاف ثـ ىؿ اسم ِؾ رحمة ،وليس رندة .فقالت لي :أوالً أنا اسمي َ ُ قمت ليا :كاف ُ ْ لميسّ ، يجب أف يكوف ُ يمكف أف تعيش ِ االسـ بباؿ سأموت بمجرِد أف يخطر ىذا كنت كنت سأموت قبؿ أف ْ ُ أولدُ . ُ فيو الرحم ُة ىنا؟ ُ ُ أتعرفيف لماذا؟ ألنيـ قتموا الرحم َة أوالً. شيء، أمي .أنظري إلييـ ،إنيـ يقتموف ك ّؿ َ ْ
أحبلمي. اقب أصابعيا ،وأقو ُؿ :لو لـ تكف أصابعيا دقيق ًة عمى ىذا النحو ،لما استطاعت أف تنقّ َي ُ وكنت أر ُ ْ نعـ ،تنقي أحبلمي ،حيف أكوف نائمة.
ٍ ٍ تجمس قربي، ابيس. لماذا تستغرب ْ ُ أي أحبلـ مزعجة أو كو ْ ذلؾ؟ ألـ أقؿ لؾ ،حيف تكوف قرب رأسي ،ال أرى ّ ُ تنصب شبكة تمنعُ مرور ما يفزعني ،ما ال يجعمني أناـ. وكما لو أنيا ُ
وقد سألتيا ذات مرة ،كيؼ تستطيعيف أف تفعمي ذلؾ يا رندة؟ سألتني :وما ىو الذي أستطيعُ أف أفعمو؟ قمت ليا. أنا عارفة وأنت عارفة! ُلي :واهلل ما أنا عارفة إشي!. ْ فقالت ْ ِ بإمكانؾ أف تذىبي أفضؿ، أصبحت وقمت ليا :لقد جننت .فمـ أصارحياْ، وخشيت أف أصارحيا ،فتقو ُؿ أنني ْ ْ ُ ُ ُ وتنامي في فر ِ إليو ؟ اشؾ ،ألـ تشتاقي ْ يشتاؽ لفر ِ يعرؼ ىؿ سيصحو حياً أو ميتاً فيو. اشو ىنا وىو ال فقالت لي :ومف ُ ْ ُ جواىا. يخرج أيت؟ الكبلـ مف َّ أر ْ ُ ُ ذات ٍ الطرؽ ويغمقوف السماء أتجوؿ في داخمي ،أكوف مضطرة لمتجوؿ في داخمي يوـ قالت لي :حيف يغمقوف َ أكتشؼ أف ىناؾ أعتقد أنيا موجودة .أتعرفيف ما ىي :الكممات .نعـ، خالتي .وىناؾ أفاجأ بأشياء لـ أكف يا ُ ُ ْ ٍ ٍ ٍ شمس تشرؽ تتبلصؽ، كممات مضيئة ،حيف تتجمعُ حيف بي، كممات كثيرة ،تمسكني مف يدي كممات ُ ُ ٌ ُ وتسير ْ كبيرةٌ ،وأرى أكثر ،أحس أكثر ،أر ِ اؾ حتى ،أرى لميس ،صالح ،جماؿ ،أخوي ،أرى جدتي ،أراكـ كمّكـ وأفيمكـ ْ أكثر. ْ
ِ الشاشة دوف أف نشاىدىا .لـ تقؿ، لكنيا لـ تقؿ لي ما رأت عمى شاشة التمفاز ذلؾ اليوـ ،ونحف ننظر إلى وقت طوي ٌؿ ،قبؿ أف تقوؿ لي :إنيا كانت تعرؼ ،ألنيا كانت تريدني أف أعرؼ بنفسي ،قالت لي: وسيمر ٌ معنى. تغدو ببل آخر ،فإنيا ُ ىناؾ أشياء يجب اف يعرفيا اإلنساف بنفسو ،واذا قاليا لو شخص ُ ً
أريد أف أتأكد. أحسست، لكنني أريد أف أعرؼ .ال ،لـ أكف ُ أحسست يوميا بما حدث ،ولـ أكف ُ ُ ُ ٍ ونحف البيت ،مع أختؾ، ابؽ ىنا في أي سنذىب مشوا ارً ْ كممة ،نيضنا ،االثنتاف ،قمنا لصالحَ ، ُ ُ دوف أف نقوؿ ّ صغي ارً ونعود.
كنت فعمت ذلؾ فإنني سأكوف قد أتعرؼ لـ أرد أف أنفعؿ ،أو أف أبكي ،ألنني كنت أدرؾ أنني لو ُ أعمنت موتؾُ . ُ ُ
إلي إشاراتؾ القصيرة ،التي أتبعيا ،فأجد ،بعدىا ،نفسي معؾ. أريدؾ أف تجيء ،كنت أريدؾ أف ترسؿ ّ
لكف صالح رفض ،فنادينا لميس ،قمت ليا يا لميس ،ىؿ يمكف أف تجمسي مع نادية ،سنذىب مشوا ارً صغي ارً ونعود. قمت سيغير صالح رأيو ،لكنو انطبؽ فميا ،كما لو أنيا ولدت ببل فـ .وحيف دخمت ولـ تكف رندة تتكمـ، َ لميسُ ، ْ
تصور!. لـ يغير رأيو ليبقى في البيتَّ ،
تعرؼ. تريد أف الولد عندىا ازداد ْ ْ يعرؼ ،ورندة تعرؼ ،وأنا وحدي التي ال ُ قمتُ ، خوفيُ ، ْ سألت نفسي ،ىؿ ر ِ ِ السيؿ معرف ُة الوجو عمى الشاشة .كانت الدماء تغطيو .وفي الطريؽ لـ يكف مف أيت وجياً ُ إليؾ ِ أـ خيؿ ِ أنؾ ِ األشبلء اختمطت ببعضيا البعض ،ولعميا شكمت وجياً بالصدفة، تريف وجياُ؟ ال أعرؼ .كؿ ْ ٍ كنت أفزعُ في وجياً ليس بالضرورة أف يكوف وجيؾ ،ألنني كنت أراؾ ك ّؿ مرة عمى ىيئة أخرى كمما التقيتُؾُ ، ِ البداية ،وأقوؿ لنفسي ما الذي يفعمو ىذا االحتبلؿ ِ بجسدؾ كؿ مرٍة إلى ذراعي ٍ رجؿ بؾ يا آمنة ،إنو يقذؼ ْ يخيفني. األمر كاف ترينو لممرة األولى! ال تأخذ كبلمي أكبر مف حجمو ،ألنؾ تعرؼ أنني أحبؾ ّ ُ ولكف َ ْ قمت لؾ :يا عيبؾ ،عجوز بعمؾ ،يبلحؽ بنتاً بعمر ابنتو .وعندىا رحت أتذكر عندما نيرتُ َؾ ذات يوـ ،حيف ُ ُ
تضحؾ ،وتضحؾ ،ولو لـ تضحؾ لما عرفتُ َؾ أبداً!.
غادرت البيت .لـ أكف جاسوس ،يتبعني ،إنو يراقبني من ُذ قمت :ىذا ثـ تمؾ المرة ،حيف تبعتني وشككت ْ ُ فيؾُ ، ُ ْ فقدت األم َؿ في عدت لمحارِة بعد أف حيف كنت حريص ًة دائماً. أتوقع أف تقترب إلى ىذا ّ ُ ُ الحد ،وأنا ُ أتذكر َ ُ تضميمؾ ،وأنت تجري ورائي غير ٍ الد وكيؼ قادر عمى أف تدركني؟ ْ َ صرخت جاسوس ،جاسوس .فاندفع األو ُ ُ
ولكف ،اهلل رحمؾ ،حيف استطعت اليرب قبؿ أف يمحقوا بؾ تماماً. وراءؾ بالحجارةّ . ِ مت لي. لكف ىذا الخوؼ ْ َ ميـّ ، قاتؿُ .ق َ ُ -كنت ستقتمينني يا آمنة .بعض الحذر ّ
أصبحت اليـ عمى القمب ،كثيروف. ُ ولـ أعد أصرخ صرخة كتمؾ ،مع أنني ُ كنت أعرؼ أف الجواسيس ز ّ ي ّ الصبر بحيث أقبؿ بالعودة إلى أصبحت أممؾ فعمي ،و أي جاسوس ُ مستعدة أف أدور طواؿ اليوـ ،حتى أنيؾ ّ َ ّ ِ البيت حتى دوف أف أراؾ أحياناً.
ثـ عرض التمفزيوف قاؿ إف الطائرة التي ألقت الصاروخ قتمت واحداً ،وأصابت آخر ،إصابتو خطيرة لمغايةّ . ٍ شييد وطمب ممف يعرفو أف يتوجو لمستشفى الشفاء فوراً. صورة صمت رندة ىو الذي كاف يخيفني أكثر ،إال أنيا فتحت فميا أخي ارً حيف أدركت أف صالح سيأتي معنا. ُ خير!. إف شا اهلل ْيريد اليوح بع. السر وال ُ قالت ذلؾ ،كما لو أنيا جدتيا ،وليست رندة .ألنيا قالتيا كمف يعرؼ ّ
وكنت منو ألعرفو ،ال ،ليس ىو. وقمت ليا :ال بيس ىو .لو كاف ىو لعرفتو عمى الفور .يكفي أف أرى جزًء ُ ُ ُ أعرؼ أنؾ لست أنت ،ألنؾ ال يمكف أف تكوف ىذا الفتات المبعثر .أيف طولؾ؟ أيف عيناؾ؟ يداؾ؟ ابتسامتؾ؟ ُ
أيف خطوتؾ؟! لست أنت. ال َ ، شي ٍء تغير ،حيف وصمنا المستشفى ،كانت الدنيا قائم ًة قاعدة .مئات الناس جاءوا لممستشفى .جاؤوا ّ لكف كؿ ْ عميؾ. ليتعرفوا ْ نشؽ طريقنا عبر الناس الذيف كانوا يبكوف ،ووصمنا لذلؾ الشخص الذي يرتدي األبيض عندما استطعنا أف ّ أريد أف أراه .فسألني :بتقربي لو؟ قمت لوُ : الممطّخ بالدـ عمى باب المشرحةُ ، فقمت لو :إنو زوجي. ُ ِ زوجيف ! مف إ ّن ُو تعرفف ّ عميو وقُ َ عشروف امرأة ّ عشروف امرأة؟ ال .جماؿ ليس لو سوى زوجة واحدة ،ىي أنا.ترينو. منيف قالت ىذا الكبلـ .ولذلؾ سأدعؾ ك ّؿ واحدةْ ّ صالح بالدخوؿ ،منعو ،وقاؿِ : أنت فقط .فبقي مع رندة. ىـ ْ وحيف ّ االنفجار إلى فحـ. الغطاء عنؾ ،لـ َأر شيئاً ،وكاف الدخاف يغطي تمؾ األشبلء التي لـ يحوليا رفع َ ُ رجوتو أف يكشؼ الغطاء أكثر .فقاؿ لي :ما الذي تريديف بعيني عف شيء يشير إليؾ ،لـ أجد. حاولت البحث ُ ُ ّ رحت أف تريو؟ ال شيء ُيرى يا أختي! ال شيء! ولكنو رفع الغطاء أكصر ،ولـ أر شيئاً ،فبدأت أبكي ،ثـ ُ أصرخ ،جماؿ ،جماؿ.
سألني :ىؿ تعر ِ فت عميو؟ ّ وكاف صراخي يزداد. لمحت وجو صالح حتى جففت جاءت ممرضة ،أحاطتني بذراعيا ،وسارت بي نحو البوابة الخارجية .وما إف ُ وجؼ صراخي ،كما لو أنني لـ أصرخ ولـ ِ َّ فقمت :ال ،ليس ىو .حيف دموعي، أبؾ .لقد رأيتُؾ .رأيتُ َؾ في وجيوُ . نفسي. سألت حيف أنت حيف سألني صالح. سألتني رندة. ُ لست َ وثمتَ : ُ وقمت :لست َ ُ أنت َ ْ
ِ ثت بعتمة الميؿ. قمت ليا :ال. نعود وحيف قالت لي رندةُ : وتشب ُ لمبيت إذفُ ، ّ
سأذىب وأعود ،أمسكت صالح مف يده وسارت بو ،ابتعد معيا كما لو أنني لست أمو، رندة فيمتني ،فقالت: ُ أكثر. ابتعد بيدوء وىذا أخافني ْ
جمست ،وبعد زمف اكتشفت أنني أسند ظيري إلى ظير امرأة أخرى .سألتيا :مف ِ أنت يا عمى عتبات المستشفى ُ وقمت ليا :وأنا زوجتو! فسمعنا امرأة أخرى وقالت :ال ،أنا أعرفو ،فأنا زوجتو! وقالت أختي؟ فقالت :زوجتو! ُ األـ! فسكتنا طويبلً ،قبؿ أف تقوؿ واحدة أخرى :إنني امرأة :إنيا أمو ،وال شيء يدرؾ أم ارً كيذا مث ُؿ قمب ّ صبية :ليس لي غيره ،إنو أخي الوحيد ،فمماذا تريدوف أف تأخذوه مني؟ متأكدة مف أنو ىو ،إنو زوجي! وقالت ّ
سمعت طفبلً صغي ارً يصرخ :يابا ،يابا ،بدي أبوي! فسكتنا طويبلً .إلى أف ُ نيضت. فجأة ُ
إلى أيف؟ سألتني امرأة كانت قد أخبرتني أنؾ زوجيا ،وأنيا متأكدة مف ذلؾ ،ألنيا أنجبت من َؾ سبعة أوالد:بد تعرفو أكثر ثبلث بنات وأربعة أوالد، نجب كؿ ىذا العدد مف شخص ال ّ ُ وقمت في نفسي حيف سمعتيا :امرأة تُ ُ مف امرأة أنجبت اثنيف منو! وأعادت سؤاليا :إلى أيف؟ وكأنيا ال تريدني أف أبتعد ،وكأنيا تريدني أف أكوف
زوجتؾ ،وليست ىي! ألـ يقولوا إف ىناؾ جريحاً؟ سألتيا.نصؼ رأسو طار! قالوا ،وقالوا إف إصابتو خطيرة .وانو في غيبوبة قد ال يصحو منيا،ُ فعدت لمكاني. ُ *** ليس أق ّؿ مف عشر بيوت عزاء أقيمت مف "جباليا" إلى "الشاطئ" إلى "النصيرات" إلى "البريج" إلى ""المغازي" وقدموا العزاء في رفح أيضاً. "دير البمح" حتى "خاف يونس" .وقاؿ لي بعض الناس الذيف ّ عزوني ،أ ّنيـ ذىبوا ّ تحولت إلى حتى رندة ولميس ،لـ تعرفا شيئاً مف أخوييما ،جواد وسميـ ،المذيف ظي ار في الجنازة ،الجنازة ّ األياـ. أنت ،أـ أنؾ شخص آخر، ٌ أنت َ كنت َ مظاىرة ،لـ تعرفا إف َ شييد آخر .قاال ليا :ىذه مسائؿ تكشفيا ّ
نحف. وليس ْ
األمر لـ ي ُكف بيذه السيولة. ّ لكف َ
) ٔٗ (
أبتعد فتأخذه ام أرةٌ غيري! أخاؼ أف قالت: ُ َ
قمت آلمنة .دعيو يناـ. دعيو يناـُ .وسمعت عف الكثير ىناؾ في الضفة ،لكف ما حدث ىنا ،في مقبرة الشيداء ،كاف شاىدت الكثير في غزة، لقد ُ ُ شيئاً أراه لممرة األولى.
نساء كثيرات تحمقف حوؿ القبر يبكيف مف فيو .كؿ واحدة منيف كانت عمى يقيف بأف مف القبر ىو زوجيا، ابنيا ،أو أخوىا ،أو حبيبيا .وكؿ واحدة منيف ،كانت تبكيو وتتطمع لباب المقبرة ،فمعمو يأتي فجأة ليقوؿ ليا: وما الذس تفعمينو ىنا؟! لـ يكف ىناؾ ما يشير إلى أنو ىو ،سوى ذلؾ اإلحساس الغامض الذي ينتشر في القمب ويطبؽ عميو مف جميع الجيات ،محوالً إياهُ إلى قطعة مف أسى. قمت ليا :دعيو يناـ. ُ أخاؼ أف أبتعد فتأخذه امرأة غيري! فقالت: ُ *** *** *** لـ تكف نظرات النسوة أقؿ حزناُ وخوفاُ عمى مف في القبر مف آمنة. لكنيف قبمف بتقاسـ ذلؾ الحس ،بحيث كاف يمكف بعد أياـ أف يتبلشى ذلؾ الشعور االمض الذي يسكف كؿ واحدة منيف إلقصاء األخرى بعيداً. ثمة أوالد حضروا ،بكوا قميبلً ،بكوا كثي ارً .وبعد أياـ كاف يمكف أف تشاىدىـ يمعبوف بيف القبور معاً ،كأخوة، أف مف في القبر أبوىـ. يدركوف ّ كف ستحدثف عف كؿ ولعميـ وصموا إلى تمؾ النتيجة التي لـ يكف باستطاعة النساء الوصوؿ إلييا ،حينما ّ الشباب ،بعيداً عف المقبرة ،ويقمف :إنيـ أوالدنا.
إنو أبونا!. كأنيـ قالوا ُ : انيف. وبوماً بعد يوـ، أصبحت أسمعُ حكايات مختمفة عف ذلؾ الشخث الذي تتشبث بو أحز ّ ُ
أحياناً ،كاف شخصاً مطارداً ،وأحياناً ،كاف في طريقو لمبيت ،أو في طريقو لممظاىرة ،أو في طريقو لمجنازة ،أو يعمـ ما ىو .. في طريقو لشيء لـ يكف ُ تتاح لو الفرص ُة لمشاىدة ابنو؟! تقو ُؿ واحدة :لقد تزوجنا منذ ستة أشير! كيؼ يقتمونو ىكذا ،كيؼ ال ُ وتحتضف جنينيا كما لو أنو فوؽ صدرىا. ُ
وتذىب بعيداً في رثائو ورثاء أبيضيا الذي حممت بو. وتقوؿ أخرى :إنو خطيبي، ُ وتقوؿ ثالثة :كاف يقوؿ لي :كؿ ىذا الموت ،ورـ ذلؾ عشنا وسنعيش لنشاىد أحفادنا بأعيننا .كاف فرحاً ألنو سيصبح جداً .حيف تزوجنا كاف في أوائؿ العشرينيات مف عمره وكنت في التاسعة عشرة .فأقوؿ لو :واف شاء ُ اهلل نتحرر وتشاىد أبناء أحفاددؾ ،فيقوؿ لي :الموت أصبح أكثر!
القمب أف تكوف عمى مسافة خطوات مف إنساف ستراه ،إنساف كاف يعرؼ أنو لف يشاىد حفيده .شيء يقطّع َ
تتمناه ،وفجأة يفقأوف عينيؾ عمى ىذا النحو.
وتقوؿ رابعة :ليس لي غيره ىنا ،ال أحد لي غيره ىنا .أىمي مشتتوف في الخارج ،كؿ واحد في بمد. وحيف يأتي المساء ،تمممـ أـ األبناء أبناءىا مف بيف القبور ،أو يأتي أبناء بأنفسيـ إلعادة أميـ لمبيت، وتمممـ الصبية أسزدىا ،وتنس ّؿ وتنس ّؿ بيدوء فتاتاف تأتياف معاً ،وتذىباف معاً .كؿ ما سمعتو :أنو كاف األخ واألب واالبف والخطيب ليما .وتضيؼ واحدة منيما :أو أكثر.
أسئمتيـ أبعد. فتحترـ النسوة األخريات أحزانيما وال يذىبف في ّ وتبقى آمنة ..آمنة التي تحولت إلى حارسة لمقبر. *** *** *** في الصباح تأتي كؿ واحدة منيف ليا بطعاـ ،لكف يدىا لـ تكف تمتد إليو. وغالباً ،عند الضحى ،يأكؿ األوالد كؿ شيء. فجأة لـ تعد الخطيبة تأتي .غابت ثبلثة أياـ .قالت امرأة :ال بد أف نذىب لنسأؿ عنيا .ليكوف صار إليا إشي! لكنيا جاءت في اليوـ الرابع ،جمست .سألتيا :ماذا حصؿ؟ فظمت صامتة .ثـ بكت كثي ارً .إلى ذلؾ الحد الذي البنت لـ ِ خطيبيا. تبؾ كؿ ىذا البكاء ،إال ألنيا تأكدت أف مف في القبر تحس ،بأف ىذه ُ ُ جعؿ كؿ امرأة موجودة ّ الجريح مف غيبوبتو وتحدث؟ سألتيا واحدة. ىؿ أفاؽُ
ال. ولماذا تبكيف ؟بكيت أمس فرحاً .ألنو عاد!! ألنني ،ال أعرؼ ماذا أقوؿ لكف .ألنني خجمة مف نفسي .ألننيُ صمت عميؽ. عـ ٌ ّ منيف قادرة عمى إيجاد الفرؽ بيف أف تينئ ىذه الصبية بعودة خطيبيا ،أـ تبكي نفسيا ألف ولـ تكف الواحدة ّ إمكانية أف يكوف مف في القبر قد أصبح شييدىا أكثر!
لقد تزوجنا وأنجبنا ،وفرحنا بأوالدنا ،ولؾ الحؽ أف تفرحي مثمما فرحنا .مبروؾ .قالت ليا المرأة التي أوشكتأف تكوف جدة. فبكت الصبية أكثر. أترككف ىنا ،وحدكف؟ كيؼ سأذىب وّ ألنو ال بد أف تذىبي .اذىبي.أسميت ابني عمى اسمو .ولكف في ىذا القبر أسماء كثيرة! لكنت ُ لو كنت أعرؼ اسـ الشييدُ ، تزوجي وأنجبي ،آخر شي ميـ ىنا ىو األسماء .انظري إلينا ،كؿ واحدة منا تحمؿ اسماً ليذا الذي تحتالتراب ،ولكف الشيء الوحيد المؤكذ ،ليس األسماء ،إنو ذلؾ اإلنساف الذي في داخمو. عند الغروب ،كانت تمؾ الصبية ىي األكثر حرصاً عمى ّأال تكوف أوؿ مف يترؾ ذلؾ القبر .ظمت جالسة إلى أف بدأ أوالد كثيروف يتصايحوف ويبكوف ،فاضطرت أمياتيـ لمعودة بيـ .وحينما نيضت أخي ارً ،قالت :سأعود. فخرج النداء مف أكثر مف فـ :ال .ال تعودي!. ** ** ** تعو ،في يدىا سخاف شاي ،وبعض الطعاـ ،تجمس صامتة ،فأحس أف أكثر مف واحدة بيف حيف وآخر كانت ُ الحد. تشجعيا عمى أال تكوف حزينة بفرحتيا إلى ىذا ّ تبكي كثي ارً أو قميبلً ،وتختفي. بعد أسبوعيف ،لـ يكف قد تبقى سوى خمس نساء يأتيف كؿ يوـ. يبؽ سوانا ،خمس نساء .قالت امرأة وصمتت. -لـ َ
لكف الذي في القبر واحد .قالت أخرى. أظف أننا أربع نساء ،ولسنا خمساً .ىناؾ واحدة قصفوا بيتيا اليوـ في المغازي .استشيدت. مف؟ أـ فؤاد .حزنيف. فجأة نسيف مف في القبر ،وبدأف يبكيف رفيقة ّ لقد استشيدت قبؿ أف تعرؼ إف كاف مف في القبر زوجيا أـ ال. ستعرؼ قبمنا! تعرؼ قبمنا ؟؟ نعـ ستعرؼ قبمنا.*** *** *** كنت أحسو ،أف دموع آمنة ،كانت تينمر متبعثرة في كؿ االتجاىات ،كأنيا تبكي مميوف شخص الشيء الذي ُ
في لحظة واحدة.
عميؾ أف تعودي لنادية ،لصالح .أقو ُؿ ليا. ىؿ تعبتُـ منيما؟يتفجر دوف لقد أصبحا جزءاً مف أسرتنا منذ ذلؾ المساء ،لكف الشيء الذي كاف يؤرقنا ،ىو بكاء أمي الذيُ
البكاء اآلف؟ أتريديف أف نعذب صالح أكثر؟ تطعـ أو تنظؼ نادية ابنة العاميف :ولماذا موعد كمما راحت ُ ُ فتمسح دموعيا بطرؼ كميا. ُ
بكاء مستم ارً .وحيف أسأليا :لماذا البكاء ثـ أصبح بإمكانيا أف تحبسيا طوؿ النيار ،ما إف يناما حتى تبدأ ً اآلف .تسألنيِ : إنت ميف؟ لميس واال رندة؟ ياما ! واهلل مانا عارفة ّ تسألينني لماذا البكاء؟ ومتى سأبكي إذف؟ كمنا يا ابنتي ،مرة واحدة ،مف أوؿ غزة حتى آخرىا ،لماذا اليجب عمينا أف نزغرد طوؿ الوقت؟ لماذا؟ ألف أوالدنا شيداء .ولكنيـ أوالدنا .كؿ يوـ ،كؿ ساعة، نبكي؟ ىي ُ
أريد سماعو .كؿ ىذا الخوؼ عمييـ ،كؿ ىذا كؿ لحظة أنتظر أف ّ يدؽ أحدىـ الباب ويأتيني بالخبر الذي ال ُ
ِ ألف عمييـ يجب أف أزغرد .أتعرفيف لماذا تبكي األميات خوفاً عمى أبنائيف طوؿ الوقت؟ ّ الخوؼ ،وفي النياية ُ يطالبيف بيا العالـ .تبكي الواحدة منا يخجمف مف ىذه الزغرودة التي أف يزغردف مرة واحدة .واحدة فقط .كي ال ّ َ
كوؿ الوقت ألنيا تعر أف ىناؾ لحظة آتية ،ستكوف فييا مضطرة ألف تخوف أحزانيا ،حيف يكوف عمييا أف تزغرد .ثـ ىؿ تعرفيف مف ىو الذي يجبرنا عمى أف نزغرد فعبلً؟ ال ،ليس أىمنا وأقاربنا وجيراننا ،ال ،ليسوا يحس لحظ ًة ىـ ،الذي ُيجبرنا عمى أف نزغرد في جنازات شيدائنا ىو ذلؾ الذي قتميـ ،نزغرد حتى ال نجعمو ّ أنو ىزمنا ،واف عشنا ،سأذكرؾ أننا نبكي كثي ارً بعد أف نتحرر!
سنبكي كؿ أولئؾ الذيف كنا مضطريف أف نزغرد في جنازاتيـ ،سنبكي كما نشاء ،ونفرح كما نشاء ،وليس حسب المواعيد التي يحددىا لنا الذي ُيطمؽ النار عمييـ وعمينا اآلف .فنحف لسنا أبطاالً ،ال ،لقد فكرت طويبلً ُ
مشطروف أف نكوف كذلؾ. في ىذا ،وقمت لنفسي نحف لسنا أبطاالً ،ولكننا َ ** *** *** أخوي. قمقت عمى قمقت كثي ارً عمى أميُ ، ذلؾ اليوـُ ، ّ في الصباح حممت أمي نادية وأمسكت بيد صالح وذىبنا لممقبرة. أبصرتيـ .. مف بعيد ّ
حزف غيابو موزعاً عمى عدد أكبر ..وكمما اختفت واحدة أخاؼ أكث .فقد كاف كنت كمما كاف عددىف ّ ُ ّ يقؿُ ، ُ
الحزف فوؽ قموب اآلخريف. حصتيا مف ُ خمّفت ّ
احتضنت آمنة ابنتيا ،لكنيا لـ ت ُكف تبكي .شيء ما في داخميا ،كاف يجعميا أكثر تماسكاً كمما لمحت صالح. قمت ِ لؾ .إنو لي. ُ ال تقطعي األمؿ .قالت ليا أمي.سأذىب اليوـ لممستشفى ،وأسأؿ. وقمت: ُ ُ ِ االستشياد فوؽ الشاىدة المؤقتة .وأتساءؿ :أي ٍ يبحث كتب فوؽ ىذا التاريخ؟ ىؿ كنت أق أر تاريخ ُ ُ سي ُ اسـ ُ التاري ُخ عف األسماء ليمؤل ىذا الفراغ المخيؼ؟ أـ تبحث األسماء عف التاريخ ليكوف لمرورىا معنى وأثر؟ وما
ىو الذي يتعذب أكثر في بحثو عف اآلخر؟ سأذىب اليوـ لممستشفى. قمت ليا: ُ ُ يمت بسبب ىذا الصاروخ لمات بسبب غيابو عني ك ّؿ ىذا الوقت .إ ّن ُو ىو!. فقالت لي :ال تذىبي .لو لـ ُ
وذىبت. ُ ِ العودة حامم ًة ذلؾ االسـ ،االسـ كمو. لكنني لـ أجرؤ عمى صد ِ ِ قت اآلف؟ قالت لي قبؿ أف أتكمـ :كاف عميؾ أف تصدقيني .ىؿ ّ ىززت رأسي. ُ ِ آخر مف تبقى مع آمنة. كانت الفتاتاف ىما ُ نيضتا ،عانقتا آمنة جوف أف تقوال شيئاً ..وابتعدتا .. شيء ُيقاؿ ًْ ؟ وقمت في نفسي :ىؿ ظ ّؿ ُ ٌ لكف شيئاً ما دمعني أف أنيض وأجري إلى أف أدركتيما ىناؾ عند سور المقبرة. ّ حيف أحسنا بخطواتي توقفتا. وصمت. إلى أف ُ أليث تماماً. لـ أ ُكف ُ كنا نعرؼ .قالت واحدة منيما. كنا نعرؼ ،ألننا منذ زمف طويؿ نعيش وحدنا .ليس لنا أحد ،كنا نعرؼ ،إذ ليس لنا أحد!.نريد أف نذىب نريد أف نتركو وحيداً ،لـ نكف ُ حاولت أف أسأؿ .لكنيا قالت :ال تسألي .وقالت الثانية :لـ ن ُكف ُ ُ
نطمئف بأنو ألحد .اآلف تغير األمر! لف يكوف وحيداً بعد اليوـ .. قبؿ أف ّ وابتعدتا .. ِ أستطع .. أي شيء ،كممة حتى ،لـ ُ حاولت أف أقوؿ شيئاً ّ ، أبكي. ُ فجمست ْ
) ٔ٘ (
تعرؼ ذلؾ ؟ ىؿ ُ
أنا اآلف وحدي معؾ. ذىبف ،وبقينا وحدنا. كمّيف َ بعضيف: لكف ،بيف يوـ وآخر يعود ّ الدنيا بخير. لسو بخير .. وحياتؾ الدنيا ّ ِ فيؾ. عمي ْ َ في ،أو لبلطمئناف ّ يأتيف لبلطمئناف عمي َؾ ّ صالح قاؿ لي :أكاف ال ب ّد أف تحرقي الصور؟ كاف يمكف أف يكوف لدينا اآلف ما يذ ّكرنا ِ بو .وبكى. ُ أريد أف يحزف بوجود كؿ تمؾ الصور بيف يديو. ولـ أكف ُ قمت لو :أولـ تعرؼ بأنيـ قصفوا المقبرة .لماذا يقصفوف مقبرة؟ إنيـ يتعبوف مف البحث عف صور لمذيف ُ قتموىـ .رندة قالت لي إنيـ يريدوف أف يتأكدوا مف أف الذي قتموه قد قتموه تماماً! أريدىا كميا. وقمت لصالح :سأعطي َؾ صورة واحدة .فقاؿُ : ُ مخبأة. الولد ّ أحس ُ بأف الصور كميا موجودة ىناؾّ ، ىؿ تعرؼ؟ أنا ال أعرؼ كيؼ ّ لدي فييا منؾ أي شيء سوى الذكريات .الذكريات التي أحييا لعمي ُ كنت أخشى أكثر منو لحظ ًة كيذه ،ليس ّ تعود قادرة عمى وتذىب ،دوف أف تخمؼ لنا سوى الجنوف .الذكريات التي تيرـ فبل وأكرىيا ،التي تأتي ُ ُ استحضار ٍ وجو واحد نحبو ونحتاجو في لحظة ما. ذىبف. كمّيف َ كاف يمكف أف تكوف قدر أي و ٍ يسكف خارج ىذا التراب. منيف ،بأف تكوف قدري الذي احدة ّ ُ ّ ليف في الوقت نفسو. ليس أسوأ مف أف أتمناؾ لي ،وأتمناؾ ّ لسنا مبلئكة. اي. لكف األسوأ أف تكوف لي ،وتصبح لسو ْ
أنت ألي و ٍ ٍ احدة منا ،أو ألي ٍ طفؿ، كنت في لحظات كثيرة أظ ّن َؾ ليا ،أكثر مما َ أـ فؤاد التي استشيدت ،تعرفيا! ُ يستحؽ أف بدي لو شيئاً كبي ارً ،لـ ِ نبده ،كي قمت أنؾ ليا فعبلً ،واف ذلؾ الذي في القبر ماف ّ وحيف استش ِي َد ْتُ ،
وقمت :إف اهلل يحبيا ذىبت ،ذىبت شييدةً ،وال شيء آخر، يكوف لواحدة منا ،كاف يستحؽ الذىاب إليو ،وىي ْ ُ نستحؽ كؿ ىذا العذاب؟ كمنا أحسسنا أنيا وتساءلت :ما الذي فعمناهُ ىنا عمى ىذه األرض كي أكثر منا. ّ ُ غادرتو ،أما األطفاؿ فكانوا أصغر أخذت َؾ ،ولمحظات كثيرٍة كنت أعتقد أف التراب الذي نجمس حولو فارغ ،ألنؾ ُ صمت تماماً .ولـ يعد ييمو شيء، مف أف يكوف عبلم ًة عمى شيء لـ يعودوا يرونو ،سوى صالح ،صالح الذي َ
حتى لميس.
لؾ شيئاً مما ِ يفيض فيقو ُؿ ِ بو. غرؽ أحزانو ُىناؾ ،فمعمّو ُ قمت ليا :خذيو لمبحر يا لميس .خذيو لمبحر .فمعمو ُي ُ ُ لكنو رفض.
ِ بالنسبة ليا. يدور كانت أفضؿ شيء أما نادية ،فنعمة الجيؿ بما ُ حتى أنيا تضحؾ! قبؿ أياـ أفمتت مف بيف يدي أـ جواد ،وراحت تركض بيف القبور. األطفاؿ ال يعرفوف شيئاً عف أولئؾ الذيف فييا. فأحسست بخجؿ شديد ،كأنني أنا التي أضحؾ ،أليست قطع ًة مني ،خرجت مف لحمي ،وسارت ىكذا وضحكت، ْ ُ وتكبر وتكبر ،وأنت تنظر إلييا ،ثـ فجأة تنفصؿ عف تكبر كمعجزة .نعـ ّ ُ تصور ىذا :قطعة مف جسمؾُ ، أمامي ُ
جسدؾ وتبدأ في البكاء ،ثـ بالضحؾ ،ثـ باليرب منؾ ،في البداية تدركيا ،ولكنيا ما إف تجد أجنحتيا الكاممة الموت أف يكوف جزء منا قد نتناثر عبر والدنا ،أتعرؼ لماذا؟ ألننا نحرص حيف يجيء حتى تطير وتبتعد .نحف ُ ُ أفمت منو .ولكنو ُيدركيـ ،تقوؿ لي؟! َ
نعـ يدركيـ ،لكنيـ يكونوف بدورىـ قد تناثروا في أبنائيـ أيضاً. طارد ،كمنا مطاردوف ىنا ..كمنا. الم ْ َ لست وحدؾ ُ تسير لموراء ،إليؾ انت ،إلى لكنني أعرؼ أف نادية تركض نحو فقدانؾ ،أعرؼ أنيا كمما ابتعدت ،اكتشفت أنيا ُ قمب طفؿ ،أيف أنت؟ وسأبحث عف إلي ،سؤاليا الكبير الثقيؿ الذي ال يحتممو ُ سؤاليا الذي ستحممو ذات ليمة ّ إجابة قد يحتمميا قمبي وقمبيا.
قمت لؾ :نحف وحدنا اآلف. ُ ىؿ أصبح الوضع أفضؿ ،أعني جسدؾ ،ىؿ أعادوا لؾ بقية أجزائو؟
نموت عمى ىذه الصورة؟ كامميف ،فمماذا نولد ُ َ ِ ِ ولديؾ .ورندة قالت لي الكبلـ نفسو .وجاءت لتكتب عميؾ أف تعودي اآلف لمبيت .إلى أـ جواد قالت لي: اسم َؾ فوؽ ذلؾ التاريخ المعمؽ في اليواء ببل ٍ اسـ يسنده ،التاريخ المتأرجح ،التاريخ الذي قالت لي عنو رندة ظالـ ألف مائة عاـ مف التضحيات ،لـ تقنعو بأننا أوالد ىذه الحياة أكثر مف أي كائف يتفنف في إنو تاريخ ٌ اقتبلعيا .التاريخ الذي قالت عنو إنو ال يشبع وأنو كالنار .وىا نحف ،نصرخ في وجيو :تريد أكثر؟ خذ، تريد مجزرةً ،خذ ،ونبكي .وما زلنا نجري نحو تمؾ تريد أكثر ،خذ .أال يكفيؾ اليوـ مف قتموا فرادى؟ ُ ونبكيُ . اكتفيت. المحظة التي سيقو ُؿ لنا فييا فجأة: ْ سأعود لؾ ،نعـ ،عمي أف أذىب ،ألنؾ تقوؿ لي اذىبي ،ال لسبب آخر. ِ اثنيف مني في مقبرة واحدة. سأعيش إلى أف أرلى سأعود إليؾ .ولكنني لـ أكف أعرؼ أنني ُ حيف استشيد مصطفى ،قمت لي :ال تخشي شيئاً ،فأنا ِ معؾ .كاف ىذا يقويني قميبلً ،رغـ أنني أعرؼ اف ِ عميو ألف السيارة التي كاف فييا كانت معي ،ولف يعود ،بعد أف أطمؽ المستوطنوف الرصاص مصطفى لـ ُ يعد ْ تحاو ُؿ تجاوز سيارتيـ .ىؿ تتصور! أىذا سبب ٍ اإلنساف ىنا؟ كاؼ كي يموت ُ
قمت لؾ :ما داـ ىذا قدره ،فالحمدهلل أنو استشيد قبؿ أف يعرفو صالح ونادية .كانت ستكوف كارثة، ذات مرة ُ
تصور كيؼ يمكف أف يحتمموا فراؽ شخص مثمو .ولكف ما يعذبني أنو راح بمحة عيف ،ببل سبب. سأعود ،ال تقمؽ عمينا. ال ،ال تقمؽ عمينا. ٍ مسافة تمنعؾ مف أف ترانا. لف نبتعد إلى سنظ ّؿ في مرمى بصرؾ .أمامؾ ،حولؾ.
أحس دائماً أف الحياة ستكوف قصيرة معؾ ،حتى لو عشنا معاً مئة سنة .يعذبني أنني كنت يعذبني أنني ُ ّ أحسستيا قصيرة ،وىا ىـ يأتوف مف كؿ الجيات بدباباتيـ وطائراتيـ وجنراالتيـ كي يجعموىا أقصر .كما لو أف
كؿ سنة سقتمعونيا مف روحنا ستضاؼ إلى أعمارىـ ويعمروف لؤلبد. سأعود إليؾ. لف أبتعد.
سألت رندة التي لـ تعد تقو ُؿ لي إلي القدرة عمى أف أسأؿ مف جديد .أمس أمي ُ ُ سألت رندة ،أترى لقد عادت ّ قمت ليا :يا رندة ،كانتا فجأة أنيا لميس .سألتيا عف الفتاتيف المتيف لـ تبتعدا عف ترابؾ منذ ذلؾ اليوـُ . ِ حزينتيف دائماً ،ولكنيما لـ تتكمما كثي ارً .أليس كذلؾ؟ ىناؾ سر تخبئانو عميقاً ،وال تريداف البوـ بو .سر وكنت سأسأليما، يناـ في اختفائو الطويؿ؟ ُ صعب .أخشى أف يكوف متزوجاً مف إحداىما! واال ،أيف كاف ُ ٍ لحظة ما اكتشفنا أننا نحبؾ وأحسست بأف أكثر مف امرأة كانت ستسأؿ .ولـ نسأؿ .أتعرؼ لماذا؟ ألننا في سألت رندة .فقالت لي ،لف تصدقي كمنا .ألنؾ لـ ت ُكف ربما ألي واحدة منا تماماً .أما بعد أف أصبحت لي ،فقد ُ ما سأقولو ِ لؾ. سأصدؽ. فأقسمت ليا أنني ّ ُ فقالت ليُ :رغـ ذلؾ لف تصدقي. فقمت ليا :سأصدؽ. ُ تريد أف تعرؼ! ىا أنت مثمي ُ أحس بذلؾ. ّ تريد أف تعرؼ!. ال تقؿ لي أنؾ ال ُ ِ ِ ِ وتتممساف ترابو الجماؿ فتاتاتف بيذا نفسو مف أف يعرؼ حيف تكوف ىناؾ ال أظف أف أحداً يممؾ القوة كي يمنع ُ
بذلؾ الحناف.
تعديف ِستصدقيف إذف؟ قالت لي. بأنؾ ّ في. ْأعد .مف شاف اهلل يا رندة ،يكفيني ما َّ حيرني :إنيما مبلكاف!!. فقالت لي ىكذا ،قاؿ لي ،بيدوٍء ّ أل ،مستحيؿ.كنت أعرؼ ِ تصدقيني ،قالت لي. أنؾ لف ّ ُ عند المساء،بعيني ىاتيف ضوءىما أيت أجنحتيما ألوؿ مرة ،وكانتا أجمؿ مف قبؿ .أجمؿ بكثير ..رأيت رأيتيما تعوداف ،ر ُّ سمعت صوتيما ،الصوت الذي ال يشبيو أي صوت آخر، إلي .وفجأة ُ الشفاؼ ،وظمتا تقترباف حتى وصمتا ّ
ش ْي عميو .لف يكوف وحيداً معنا ،سنظ ّؿ عمي أجنحتيما وقالتا لي :اذىبي اآلف .ال تخ َ صوت مف نور ،أألقتا َّ ىنا إلى أف تعودي. ِ ِ تنسبلف بخفة تنيضاف ،ثـ وىكذا في كؿ مرة ،ما إف أص ُؿ إلى بوابة المقبرِة وأرى تراب َؾ ،حتى أبصرىما، تموحاف وتغادراف المقبرة مف الجانب اآلخر. المبلئكة التي ال ُ تجرح حتى اليواءّ ، أمس. كؿ شيء أصبح بالنسبة لي أمس ،حتى اليوـ ،أتعرؼ ذلؾ؟ عمي .لـ يستطع أحد أف أمسُ ، عمي يا رندة ،صحيح إني أنج ّنيت ،لكف ال تضحكي ّ قمت لرندة :ال تضحكي ّ استطعت ِ ِ أنت؟ كيؼ ؟؟ فكيؼ ذكور واناث، َ يثبت أف المبلئك َة ٌ بقصتيما مف أوليا إلى آخرىا. فأخبرتني ّ أحس فييا بأف البشر يمكف أف يكونوا مبلئكة فعبلً. تمؾ كانت المرة األولى التي ّ قت . اآلف ّ صد ُ ُ قمت لياَ :
) ٔٙ (
لـ نكف نظف
خبأتيا آمنة ،ووضعتيا ذات صبا ٍح بيف يدي ِ ستبعث الحياةَ فجأة داخؿ ذلؾ الطفؿ، ابنو، ُ أف صور جماؿ التي ّ
وتحيمو إلى كائف آخر تماماً ،كائف غير ذلؾ الذي عرفناىث منذ بكائو األوؿ وضحكتو األولى.. ُ
شط شعره .ويسأؿ أمو مرتيف :ىؿ أشبيو يحمؿ الصور ،كما لو أنو ميمة ،بعد أف يشد حزماه ،وبم ّ ٌ ذاىب في ّ
فعبلً.
تشبيو كثي ارً . ماؿ الذي ينقصني ألشبيو تماماً؟! ينقص َؾ أف توف بعمره فقط ،أف تكبر!يجب أف أشبيو منذ اآلف. فقط؟ ّأظف أف شعره كاف أطوؿ ،سأطي ُؿ شعريُ . تيز آمنة رأسيا ،وتقوؿ لو :دير بالؾ عمى حالؾ. ّ ** ** ** الباب الواصؿ بيف بيتينا. يطرؽ ُ َ تفتح لميس .يرتبؾ .يتراجعُ خطوتيف .أبصره .أدعوهُ لمدخوؿ .يدخؿ مرتبكاً .وجد لميس كاف كافياً ،دائماً، ُ
لتحويؿ الصبي إلى بركة عرؽ ،فكيؼ وىو عمى ىذه الحاؿ ،بشعره المرتب ،وحزامو المشدود ،ووجيو المضيء؟ سأترككما وحدكما .تقو ُؿ لميس ،وتخرج.اقبو وىو يتابعيا بعينيو ،موشكاً عمى البكاء. أر ُ عـ صالح؟ أقو ُؿ لو . ما ىذه الشياكة يا ّفييمس لي :وطّي صوتؾ. فأىمسيا ىمساً :ما ىذىالشياكة يا عـ صالح؟ -ىؿ أشبيو ؟
مف؟أبي.أرجع رأسي إلى الوراء قميبلً ،أنظر إليو ،تتغير مبلمحو ،كما لو أنو ينتظر نتيجة امتحاف ستقرر مصيره إلى األبد. الحؽ يقاؿ :تشبيو. إلى أي حد؟ كثي ارً. أمي قالت لي ىذا الكبلـ ،ولكف كيؼ يمكف أف أشبيو تماماً؟ بسيطة. كيؼ بسيطة؟ قولي لي. أف تكبر. ما الذي يحدث في ىذا البيت .أمي تقوؿ كبلماً ،وتعيدينو ِأنت. ىؿ قاؿ أمؾ ىذا الكبلـ؟ بالحرؼ!! إذف عميؾ أف تصدقنا. ولكنني أريد أف أشبيو اآلف.وبيف لحظة وأخرى ،ال ينسى أف يمقي نظرةً نحو باب الحوش خائفاً ،أو متمنياً أف تظير لميس. أيف ذىبت؟ مف ؟ .. -تقصد لميس؟
بد أنيا عند جدتي ،أو ربما تساعد أمي .أنادييا؟ ّ ييز رأسو .ال ّ ال. ولماذا تسأؿ عنيا؟ ال أعرؼ. لكنني أعرؼ. تعرفيف ماذا؟ أنؾ تعزىا كثي ارً .صحيح؟ صحيح. أقصد كثي ارً جداً .صحيح؟ صحيح. أقصد كثي ارً جداً جداً جداً .صحيح ؟ ىؿ ر ِأيت كؿ صوره ؟ مف؟ أبي .ِ ٍ ٍ إلجابتو كي أعرؼ .فيو يعرؼ أنني أعرؼ .كاف ىذا يربكو بحاجة اإلفبلت .ولـ أ ُكف َ بسؤاؿ واحد كاف يستطيعُ أحياناً .وبخاصة ،حيف تظير لميس فجأة ،فتتحوؿ األنظار كميا إليو .كما لو أنو ىو الذي دخؿ ،في الوقت تشيح ىي ،بوجييا بعيداً. الذي ُ ِ لدرجة أنني أتمنى النزوؿ إلى الشارع ،شارعنا ،وأف أعطي صالح ما منذ أياـ قالت لي :كؿ حياتنا ُد ّمرت، ِ ٍ ٍ ثـ ما ىذا الي يريد ،فقط ،مف أجؿ أف يقوؿ لي بصوت عاؿ أحبؾ يا لميس .ولكنني أعرؼ أنو لف يقولياّ . أظف صي يقؼ في الشارع وينادي كما لو أنو يبيعُ الخيار :بحبؾ يا لميس! تعرفيف يا رندة؟ ّ أفكر فيو؟ ولد قد ُن ّ
انيا كانت جميم ًة جداً حيف كاف يقوليا في الماضي.
جميمة ومقبولة ،صحيح أنيا كانت تغيظني في بعض المواقؼ ،لكنني اآلف أكتشؼ أنيا كانت جميمة .لعيبل مر مف سنوات يعد كاف يا رندة ،مع ّ صالح ذلؾ الطفؿ الذي َ ُ أجمؿ شيء حدث في شارعنا منذ ولدت .لـ ُ أف ما ّ
نشبو أنفسنا كثي ارً ،لكننا ال نشبييا تماماً ،فيناؾ في نحف تماماً ،كمما ُ نعد حتى ُ نعد ُ نحف ،لـ ُ ليس كثي ارً ،ولـ ُ الداخؿ أشياء كثيرة تتمنى أف تخرج وتحتؿ مبلمحنا التي ال تشبينا وخوفنا الذي ال يشبينا ،وأحزاننا التي ال
تشبينا ،وأفراحنا التي ال تُشبينا. قمت ليا :مسموح لي أكتب ىذا الكبلـ. ُ ِ الكبلـ. النياية ىو ىذا أظف أف ك ّؿ ما سيبقى في فقالت لي :مسموح .اكتبيّ . ْ تشبو نفسؾ ،ويجع ُؿ الشارع يشبيف نفسو، الحرية ىي الشيء الوحيد الذي يجعمؾ وكتبت في دفتري أيضاً: ُ ُ ّ والبحر نفسو ،والسماء نفسيا ،والصباح نفسو ،وقيوة جدتي نفسيا ،والزىور نفسيا ،والحب نفسو ،والعمر تشبو نفسيا ىنا ،ألنيا ليست نفيو ،والطفولة نفسيا ،والشيخوخة نفسيا ،والمقبرة نفسيا ،حتى المقبرة ال ُ
حرة ،ليست حرة في أف تكبر يوماً بعد ٍ وتيرـ كما يريدوف ليا ال كما تولد بر ُ يوـ بصورٍة طبيعية .حتى المقا ُ ُ تُريد. ىؿ سيدفنونو ىنا؟ ال ىناؾ! ىناؾ ؟ ولماذا؟ألف المقبرةَ امتؤلت. ّ امتؤلت ،ولكف كيؼ؟ألف الموت كثير .فقط ألف الموت كثير. ّ** ** ** شوي. حبيو ُ قمت لمميسّ : ّ فحبيو ِ ِ صغير إلى ىذا الحد؟ أحب فيخ وىو األمر ىكذا أنت ،ثـ ماذا ّ ٌ إذا كاف ُِ بعد سنو ٍيجعمؾ اآلف الفرؽ الذي الفرؽ الذي أراه يتبلشى، ستكتشفيف أنو أصبح شاباً ،وسينتيي ىذا ات ُ ُ َ
صبية كبيرة ،ويجعمو صبياً صغي ارً. -إنو ولد.
أكبر قميبلً. ال ُ ،إنو ُ ** ** ** ت حولي فأكتشؼ أف صالح اختفى. أتمفّ ُ يطرؽ باب جيراننا. أخرج لمحوش ،أشرع الباب الحديدي عمى الشارع. ُ ُ أتمفت قي االتجاىيف ،أراهُ ُ تخرج الجارة .يبادرىا بالسؤاؿ. ىؿ ر ِصور أبي؟ أيت َ الصوت :ال. َ وأسمعُ ِ سأريؾ إياىا إذف. طيب أد ُخؿ.ش ُغ ْؿ! شك ارً ،وراي ُتظير الجارةُ عمى العتية ،ويبدأ ىو باستعر ِ بعد أخرى .وحيف ينتيي يسأليا :ىؿ يشبيني؟. اض الصور ،واحدة َ ُ كثي ارً.أحد أنو يشبيني تماماً؟!! لماذا ال يقو ُؿ لي ٌترتبؾ الجارة ،وأراه متجياً لمبيت التالي ،يطرقو. أحد غيره. ك ّؿ مف في الحارِة أروا صور جماؿ التي يحمميا بيف يديو خائفاً عمييا ،ومحاذ ارً أف يممسيا ٌ َ بعد الصور فجأة. حيف يرى يداً ّ تمتدُ ،ي ُ ممنوع الممس! يقوؿ.عمي أف يعود حزيناً ،يقوؿ لي :ال أحد يقوؿ أنني أشبيو تماماً ،كميـ ولكنو ُ َ يقولوف لي :تشبيو كثي ارً .ىؿ ّ أسأ َؿ لميس أيضاً؟. لميس؟أفاجأ بسؤالو.
يا ريت . لماذا يا ريت ؟أرتب ُؾ :ال لشيء ،ولكف أظنيا كانت تستحؽ أف تُسأؿ منذ البداية. ىؿ تعنيف بأنني تأخرت ؟تحدث .أف تسأليا. أبداً .في مسائؿ كيذه ،ال يكوف ىناؾ أي تأخير.النيف أف ُ ّ لميس .لميس. ال .ال تُنادييا اآلف. ومتى سأنادييا؟ لميس.ِ ليس أكثر مف سبع تظ ّؿ لميس بسرعة كما لو أنيا كانت طوؿ الوقت خمؼ الباب قريب ًة ،وأنسى أف حوشنا َ
خطوات.
شو في؟ صالح حابب يسألؾ سؤاؿ. إسأؿ !تحسف ليجتيا معو. أنيض ُ َ لكي ّ ألخرج ،وفي طريقي ألكزىاّ ، ابقي ىنا .يقوؿ لي.أعود بسرعة. الحماـ و ُ سأصؿ ّأقؼ عمى ِ طوتيف مف ِ ِ الباب. بعد ُخ لكنني ُ ٍ ِ لحظات وأنا أعرؼ أف ىناؾ اثنيف في الداخؿ الغرفة ييبط صمت ،إلى حد أنني لو لـ أغادرىا منذ في داخؿ لظننت أنيا فارغة. ُ كيفؾ صالح ؟ مميح .بس مش كثير.الصمت مف جديد. ويعود ُ
تريد أف تقوؿ شيئاً ،صحيح ؟ أظف أنؾ ُ صحيح.ىو؟ وما َأريد أف أسألؾ سؤاالً. ُ اسأؿ.عمي أف أريؾ أوالً صور أبي ،وقبؿ ذلؾ ،ىؿ تعاىدينني أف تقولي الصدؽ. ولكف ّ ِأقسـ. تقسميف عمى ماذا ؟ أف أقوؿ الصدؽ. اآلف المسائؿ واضحة .فاألوالد يخفوف نصؼ الكبلـ دائماً لكي يقسموا بشيء وىـ يفكروف بشيء آخر.اطمئف. ّ معمش ،بإمكانؾ أف تُمسكييا ويعود الصمت مف جديد .وأكاد أسمعُ صوت احتكاؾ الصور ،ثـ أسمعو يقوؿ: ّ
بيدؾ.
ييوي قمبي في الخارج. ىؿ سمح ٍ ألحد أف يممس الصور أخي ارً ! آ ،ىؿ يشبيني ؟!! الصحيح ؟ آ ،الصحيح ،ألـ تُقسمي؟ الصحيح ..يشبيؾ تماماً .فجأة أسمع صرخة الصبي كما لو أنو يتابع مباراة كرة ٍ فريقو أجمؿ ىدؼ ليصؿ إلى أجمؿ فوز. قدـ يحقؽ فييا ُ ُ ُ ّ عرفت لماذا ِ الحد! اآلفأحبؾ إلى ىذا ّ ُ
أستدير عائدة ،فأجد لميس وحدىا ساىمة. ُ أسأليا :أيف اختفى؟ فتشير إلى الباب الذي ُيفضي لحوشيـ.
) ٔٚ (
عمياء نت لو ُك ُ َ
لقمت ًُ أف الموت أكثر مف الحياة ىنا، ً استندت إلى حمقو ،وتأممت ىؤالء األوالد في لكنني كمما أوشكت أف أصؿ ليذه الحقيقة ،فتحت الباب ،و ُ الشارع.
يحيرني دائماً أف ىناؾ أفواجاً جديدة منيـ ،في عمر واحد ،فجأة يبزغوف ،ىـ الذيف لـ يكف ليـ أي وجود ىنا. نوار الموز أو الميموف .أفواج كاممة ،لـ أكف رأيت أياً منيـ مف قبؿ .يتعثروف وينيضوف، يبزغوف تماماً ،مثؿ ّ فوج جديد ،يمؤل الشارع ،ويدفيـ نحو الحارة وقبؿ أف يستطيعوا الوصوؿ بمفردىـ إلى نياية الشارع يأتي ٌ األوسع ليكوف االرع لمفوج الجديد ولقموب األميات التي تتطمع مف شقوؽ النوافذ واألبواب نصؼ المشرعة
لبلطئمناف عمييـ. لو كنت عمياء، لقؿ إف الموت أكثر مف الحياة ىنا. الشيء الوحيد الذي لـ أستطع تخيو حتى اآلف ،ىو كيؼ يولدوف فجأة ،ويكبروف فجأة ،ويغادروف الحارة فجأة ،ويأتييـ الموت فجأة. ِ الحياة قبؿ أف تنتيي. ينقض ممزقاً دورة الموت الذي يحيرني ىذا ّ ُ ّ ليتجاوز الحار ِ ٍ ات القريبة والبعيدة وقمؽ يعيش أتيح لو أف ما الذي كاف َ َ ُ يمكف أف يكونو أي واحد منيـ ،لو َ أىمو عميو كمما سمعوا رصاصاً أو ىبط ليؿ؟
منذ ٍ تطمب منو عدـ إطبلؽ النار عمى أي ٍ طفؿ قيادتو يعترؼ فيو بأف ائيمي ُ ُ أياـ قر ُ ُ َ أت حوا ارً مع قناص إلسر ّ يجب أف يكوف عمره أكبر مف ذلؾ حسب التعميمات .فسألتو الصحفية :ولكف عمرهُ أقؿ مف اثنتي عشر عاماًُ ، كيؼ تعرفوف أف الطفؿ أكبر مف ذلؾ أو أصغر ،وأنتـ ىنا خمؼ الحواجز أو فوؽ األبراج؟!
نطمب مف ك ّؿ طفؿ إبرَاز شيادة ميبلده قبؿ قتمو. نحف ال نستطيعُ أف فأجاب القناص ُ : َ ُ صالح حمؿ الصور ،ومضى إلى ىناؾ ،أبعد ،إلى ذلؾ المكاف الذي استشيد فيو والده ،ظؿ يسأؿ إلى أف عرؼ المكاف ،وفوؽ ما تبقى مف ٍ رماد كاف يقؼ ساعات ،وكمما مر شخص أوقفو :ىؿ تعرؼ ىذا؟ إنو أبي ،وىنا استشيد.
ذات ٍ عنو ،لـ نجده ،سألنا في المستشفيات ،في مراكز األمف الوطني ،في يوـ اختفى مف أماـ أعيننا ،بحثنا ُ الحارات ،ولـ نعثر عميو.
كمنا كنا نبكي خائفيف أف تصؿ آمنة قبؿ رجوعو. مكاف و ٍ قالت أختي :لـ يبؽ سوى ٍ احد. سألناىا :وما ىو؟ قاؿ :المكاف الذي استشيد فيو أبوه ،ألنو سألني عنو. إلي ،ثـ سألني :ىؿ تعرفيف ىذا؟ إنو أبي ،وىنا استشيد. ذىبنا ،وجدناه ىناؾ .حيف وصمتو نظر ّ لو :أعرؼ. قمت ُ ُ وكاف متعباً ال يقوى عمى الوقوؼ. عدنا ِ بو .وحينما وصمت آمنة ،كاف قد ناـ. أرادت أف توقظو ،ليناـ في فراشو. ِ دعيو ىنا في بيتنا لمصباح .الولد تعباف! ولكف كيؼ أناـ ىناؾ وحدي مع نادية؟ نامي ىنا .قالت ليا أمي.ترقب المشيد بعينيف دامعتيف. وكانت جدتي ُ لكف .. ال لكف وال غيره .ياما نمنا عندؾ.** ** ** ** االىتداء إلى مكاف وجوده صعباً ،كمما اختفى ،ولكننا أصبحنا أكثر حرصاً عمى أال يختفي أصبلً. لـ يعد ُ ذات ٍ يوـ قاؿ لي :لـ أعد أستطيع النوـ. ليمى استيقظنا عمى صراخ آمنة; وذات ٍ
تشير إلى فراش المجروح .وحيف وصمنا ،كانت رحنا نجري نحو بيتيا ،حتى أف جدتي أفاقت عمى ذلؾ الصراخ ْ ُ أي شيء ،سوى صراخيا. صالح غير قادرة عمىقوؿ ّ اندفعنا نركض في الشوارع ،أنا وىي وأمي. نخاؼ عمييا أكثر ،رغـ أف سنوات مرت عمى ذلؾ اليوـ، قمنا لمميس ابقي ىنا ،فمنذ استشياد سامر صرنا ُ شيء ما كاف يجعميا البنت ااألصغر لمعائمة ،بعيداً عف الدقائؽ الخمس التي تفصؿ بيننا .وقد كاف أكثر ما
يؤرقنا أنيا لـ تتحدث حوؿ سامر أبداً .كأنيا لـ تكف تعرفو .كأنو بـ يكف ذات يوـ عمى بعد خطو ٍ ات مف ىنا يموح ليا عند زاوية الشارع. ّ بحثنا في شوارع المخيـ كميا ،لـ نجده ،قمنا لعمو عاد ،وحيف وصمنا ،وجدناهُ نائماً. توقظو .أمسكتيا أمي مف يدىا ،،وكانت ترتجؼ. أرادت آمنة أف ُ -دعيو .الولد لـ يعد يناـ .احمدي اهلل أنو استطاع أخي ارً.
** ** **
أستعيد صورتيما اآلف :لميس وصالح ،وأقو ُؿ ىنالؾ شي ما كاف يربطيما أكثر مما يبدو عمى السطح. ُ شيء عميؽ ،ال أستطيع أف أفيمو .ولـ ي ُكف خوفي مف اختفائيما فجأة ىو الشيء الوحيد.
** ** **
ال أناـ .فمماذا أتركيـ يناموف .قاؿ صالح لي .وقاؿ :إف لميس عاىدتو :وأنا لف أترميـ يستريحوف في النيار!. عاىدت نفسي أال أتركيـ يناموف في الميؿ!. وقاؿ :وأنا ُ قمت لو :اتّفقتـ أخي ارً. ُ نحف لـ نختمؼ!. فقاؿ ليُ :
طمبت منو أف يوضح .قاؿ لي :أنا ال أعرؼ شيئاً .أعرؼ أنيا قالت لي ىذا الكبلـ. وعندما ُ ِ دخمت وجدتيا تحدؽ في ظير المرآة كما لو أنيا استشياد سامر ،دخمت الغرفة ،وقمبت المرآة .وحينما بعد ُ ترى صورتيا.
وجود األغاني في ىذا العالـ صدفة .فمـ تعد استعدت صورة لميس التي تغيرت فجأة ،كما لو أنيا اكتشفت َ ُ
ٍ ِ ط الدار والمرآة أشبو بخط سير تتوقؼ عف سماعيا .وأصبحت مشاويرىا بيف بوابة قطار ال يستطيعُ التقا َ ِ أنفاسو بيف محطتيف ال ثالث ليما. البنت قريباً .تقو ُؿ لي جدتي. جف ىذه ستُ ُّ لماذا؟. مش شايفاىا طوؿ النيار قداـ المراية ؟ لـ أفيـ .ِ اإلنساف أماـ المرآة طويبلً. الجنوف أف يقؼ يا ستّي ..أقرب ًُ الطرؽ إلىُ لماذا ؟خيالو في ىذه الحالة أكثر مما يرى نفسو. لسو بتسألي!! ألنو يرى ُ لماذا؟ّ . وما الذي يعنيو ىذا ؟سيتذكر نفسو ظبلً أكثر مما يتذكرىا يعني أنو سيتذكر نفسو في المرآة أكثر مما يتذكر نفسو خارجيا .يعنيُ
حقيقةً ،ومع األياـ ال يعود يرى سوى الصورة ،وبعدىا يختفي األصؿ. -تخيفينني يا جدتي.
بأف ذلؾ المفعوص سيراىا ،وتتأكد مف أنو يحمـ بيا، بر األماف! ما إف تتأكد ّ ال ،ال تخافي .أختؾ ّلسو عمى ّ
فيعود ليا عقميا! حتى تخرج صورتيا مف المرآة ألنيا ستراهُ ىو فييا. ُ واهلل ما أنا فاىمة .ِ عميؾ. -أصمؾ صغيرة ،بدري
عمي ،صحيح أف رأسي صغير ،ولكف واهلل إنني أفيـ كؿ شيء. يا ستي شو بدري ّ ِبعد كبلمي. لكنؾ لـ تفيمي ُ
سأكتبو .ربما أفيمو ذات يوـ .ىؿ يمكف أف تعيدي ما قمتيو.قمتو نرة ثانية؟ ىذا الكبلـ ال ُيعاد .ألنو يخرج ىكذا مرة يا مصيبتي ،وكيؼميماً مثؿ الذي ُ ُ سأعيد كبلماً ّ
واحدة.
عمى شاني. سأحاوؿ .المعنى عمى األق ّؿ.أكتب .وحيف أنتيي تقو ُؿ لي :وما الذي ستفعمينو بكبلـ ستؾ .خوفي أف أذىب ، أحضر دفتريُ ، تعيد كبلميا و ْ ُ ُ أراهُ في الجرايد حيف تكبريف! ال ،اطّمئني.ِ ِ وصفية قالت ىيؾ وما الشر بعيد، ّ -ىذا الكبلـ لؾ وحدؾ يا رندة!! ما بدي تصير الناس تقوؿ ،بعد ما أموتّ ،
قالت ىيؾ!!
تحدؽ في :ىذا الكبلـ ِ لؾ ألنؾ ستفيمينني .أنا عارفة إنو راسؾ صغير ،بس أنا متأكدة إنو م ّخ صافي ! ثـ ّ ّ ّ
** ** **
األقرب إلييا ،وما إف نفتحيما حتى أف صالح ىو ُ كما لو ّ الوحيد الذي يذ ّكر لميس بسامر .نغمض أعيننا فنراهُ ُ ٍ ٍ ِ خاطفة ذات ٍ حمـ لحظة تقصيو بعيداً .كما لو أنو السبب في كؿ ما جرى .ويغدو تقربو إلييا معجزةٌ تحققت في ال عبلقة لو بالواقع.
** ** ** األمر كاف يربكو .يربكو كثي ارً ،أكثر مف مرة بكى .قاؿ لي :لكف لميس مش ىيؾ. ىذا ُ أذني. فأطمب منو أف يشرح .فأكاد ال أصدؽ ّ ِ تفعمو عميو ،أف تجعمنا نتأد مف أنيا لف تسامحو .وحيف نختفي يكوف الشيء الوحيد الذي أشد ما تحرض كاف ّ ُ
عكس ذلؾ.
وضعت خطاً كعبلمة ،ألعرؼ إف كانت تقمبيا لترى نفسيا في حد أنني اقب المرآة ،بؿ وصمت إلى ّ ُ ُ ُ وصرت أر ُ ٍ غفمة منا أـ ال ،وكاف الشيء الذي أخافني أنيا لـ تكف تفع ُؿ ذلؾ أبداً. قمت لجدتي كؿ شيء. ونحف ننظر إلييا!. البنت مف بف أيدينا تسربت ُ ُ فقالت :لقد ّ
) ٔٛ (
أستطيعُ أف أنادييا فتجيب.
قمت لي.. أنا وحدي الذي أعرؼ أيف ىي .أنا وحدي الذي أستطيعُ أف أنادييا فتجيبَ . الحد قمت لؾ :مف شاف اهلل يا صالح .ليس لي غيركما ،أنت وأختؾ .لميس ستعود وحدىا ،ىي كبيرة إلى ذلؾ ّ تضيع طريؽ البيت. الذي لف يجعميا ّ ولكف أبي كاف أكبر منيا ولـ يستطع أف يعود ! َّوسرقت غافمتيـ وحيف بكت رندة قمت ليا :اعطيني صورتيا .وحيف قالت :بعديف .سأعطيؾ إياىا بعديف. َ َ المرآة!
قمت لي :الحمدهلل أف وجو المر ِ في ِ آة كاف طواؿ تمؾ الفترة إلى الحائط. البيت َ قمت لي :ألف صورة لميس بقيت فييا!. وقبؿ أف أسألؾ لماذا؟ َ أعرؼ كيؼ تصبح الحياة صعبة لكنيا لف تكوف مستحيم ًة يا صالح ،ما دمنا معاً ،أعرؼ كيؼ يفتقد أنا ُ تطبؽ الدنيا عمى صدره ،كما تطبؽ مطرق ُة عمى عمبة معدنية فارغة .أعرؼ ذلؾ. اإلنساف اليواء فجأة ،وكيؼ ُ
تخبرني. البيت قبؿ أف ورجوتؾ أال تغادر َ ْ
قمت :و ِ ِ َّ َّ وقمت: وصمت قميبلً، أنت، العالـ سوى لميس، قمت لي :لو لـ ي ُكف في َ ثـ َ أتذكر حيف َ ُ وصمت قميبلً؟ّ ،
َّ البحر. السماء ونحف وحدنا ىنا ،ببل جنود ،كانت وصمت قميبلً، ونادية وأبي، ُ ُ ُ ستكوف أجمؿ و ْ
عميؾ، تخاؼ ففرحت ،فرحت كثيراً بما سمعت ،ثـ قالت لي بأنيا أعدت عمى مسامع رندة ما قمتَو لي، لقد ْ ُ ْ ُ لي أكتب ىذا الكبلـ؟ حيف سألتني: ُ وتأكدت مف ذلؾ َ ٌ مسموح ْ
فقمت ليا :ولـ ال !؟ ُ تكتبيف أكثر مما قالو ،ما قالو ليس بيذا الطوؿ. فذىبت وأحضرت دفترىا ،وراحت تكتب وتكتب .قمت ليا: ْ َ ولمف. قالو ، ْ أكتب متى ُ فقالت لي :ال تقمقي .إنني ُ
الشيداء األطفاؿ ،وذات ٍ وبكت ،ألف الصور أصبحت كثيرة، يوـ أتت كانت تجمعُ صور تعرؼ رندة ،منذ عرفتيا ْ ْ ْ بشر .سألتيا :شو في يا رندة .فقالت :رغـ ىذا العدد الكبير مف الصور ثـ ر ُ أيت حزناً لـ أره مف قب ُؿ عمى وجو ْ الموت .وبكت تصوروا .الصورة الوحيدة التي ليـ ىي التي التقطت بعد ْ إال أف ىناؾ شيداء لـ يسبؽ ليـ أف ّ الموت. كانت مشوىة بسبب الرصاص والشظايا ،بسبب ْ ألف بعض الصور كانت ال تُشبييـ ،ألف وجوىيـ ْ ّ
سألتني :كيؼ أضعُ صورةً كيذه ليـ بيف الصور وقد كانوا أجمؿ؟ ْ بو. قمت ليا :اكتبي عنيـ ،اكتبي بعض ما قالوه ،ما حمموا ْ يوميا ُ اء ،دوف أف تكوف معيا .وفي ٍ بيت عز ٍ فمـ تعد تترؾ أميا تذىب إلى أي ِ ويتحدثف، النساء يبكيف وقت كانت َ ُ ّ ُ ُ كبلميف عف آخر ما قالو الشيداء الصغار ،عف آخر ما فعمُوه. تبحث بيف كانت ُ ّ
تجمس وتكتب ،وحيف أمر بيا أرى عينييا حمراويف بسبب الدموع الكثيرة التي ذرفتيا. لمبيت، وحيف تعود ْ ُ أسأليا :تبكيف! أما ِ بكيت ىناؾ. بكيت ،ولكف حيف أكتب عنيـ أحس بأنني أعرفيـ ،بأنني أعيشيـ وعشتيـ ،فأكتشؼ دائماً أ ّنني لـ ِ أبؾ ْ لي. يميؽ ىناؾ بما ُ ْ بفقدانيـ .ىنا ،حيف أصبح وحدي ،أحس بأنني أنا التي فقدتيـ ،وأدرؾ أنيـ كانوا ْ لي :نفسي ينتيي االحتبلت قبؿ ما يخمص ىالدفتر. وتقو ُؿ ْ ِ دفاتر مثبتةالواحد منيا باآلخر .وقالت لي: اشترتو ،كاف أشبو بعشرة كنت أنظر إلى دفترىا ،وأقو ُؿ مف أيف ُ
لسبب قد ال يخطر عمى ِ ٍ أحد ،حتى ببالؾ يا خالتي آمنة .أبكي ألف خطي أصبح يصغر يوماً أبكي أحياناً باؿ ْ ُ ٍ أبكي. الجنود في الشوارع أيت بيضاء، صفحات نظرت إلى ما تبقى مف يوـ ،وكمما ُ َ وخرجت ور ُ ُ ُ َ بعد ْ أعود و ْ انتييت مف ٍ تحدثني ،وتحدثؾ ،وتحدث زمف طويؿ .ىؿ تبلحظُ كيؼ لكنت البنت، صالح ،لوالىا ىذه تعرؼ يا ْ ُ ُ ْ ْ عجبي ،أما اآلف ،فبل. يثير نادية ،إنيا ال تنسى نادية، ّ األمر ُ وتحدثيا كما لو انيا بنت كبيرة ،في البداية كاف ُ ْ ويجب أف تظؿ كذلؾ. أشياء ال يمكف أف تفيـ، ىناؾ ُ ُ
تعرؼ أف لميس بـ تعد مثؿ زماف ،كبرت ،ولكنؾ كبرت أيضاً ،كبرت واستطعت المحاؽ بيا ،ىذا الكبلـ قمتو ُ تنظر إلييا أخي ارً. قالتو لرندة ،ولـ تستغرب ،ىي نفسيا ُ ْ لمميس ،أو قالت شيئاً يشبيو ،أتذكر كيؼ أصبحت ُ ٍ األسود فوؽ الناعـ أيت ذلؾ الزغب شيء تغير ،ولـ أكف ىناؾ َ بحاجة إلى أف أتوقع شيئاً وأنا أشاىده .فجأةً ر ُ ٌ َ تناثرت عمى طرفي أنفؾ وعمى أرنبتو بخجؿ .تعرؼ ،دائماً أحببت أيت بعض الحبوب التي ْ العمياْ .فجأة ر ُ شفتؾ ُ ِ أصغر. تقؼ عمى وجيو أرنبة ىاتيف الكممتيف :أرنبة األنؼ .يوميا أحسست بأن َؾ صبي أرنب ُ ُ ْ ىا ىي نادية بدأت تضحؾ.. ي ِ عجبؾ ىذا يا شقية ! ُ يقيف ،بأف ىنالؾ شيئاً تغير ،ولكف الذي لـ يتغير ىو إصرارؾ عمى الذىاب إلى ذلؾ الموقع الذي كنت عمى ْ ُ ويعطونؾ يقفوف أحد يبتعد مشيحاً بوجيو ،كانوا كميـ َ ليـ ،ولـ يكف ٌ َ استشيد فيو أبوؾ ،تخرج صوره ،وترييا ُ
إلقاء الوقت الكافي لقوؿ ما تريد .بعضيـ يبكي ،وبعضيـ يراؾ أصغر عم ارً ،يرونؾ طفبلً لـ يكف مف العدؿ ُ ٍ جبؿ مف العذاب فوؽ صدرْه. أريد أف أقوؿ لؾ شيئاً ،وال تضحؾ عمي ،مثمما يضحؾ أبوؾ ،ىذا الضح ُؾ سبب ٍ عؿ كاؼ ألف أز َ ولكفُ ، ّ عميكما: لقد كنت متأكدة مف أف لميس ستكوف زوجتؾ.تبكي. ىا أنت تضحؾ .تضحؾ أـ ْ تبكي. ْ ال .أريد َؾ أف تضحؾ. ٍ ِ ع. يكفيو، غزة فيو ما ُ بحر ّ أي ُدمو ْ يعد بحاجة إلى ّ بحيث لـ ُ
** **
الذي أفرحني أف لميس لـ ِ كنت أتوقع .وقد كنت حريص ًة عمى أف أرى تأت مجنون ًة لمبحث عف مرآتيا كما ُ ِ ِ أي انفعاؿ. نظرتيا لممكاف الذي كانت المرآة معمقة فيو .فمـ تُبد ّ رندة أسرت لي :أف لميس لـ تعد ترى نفسيا. سألتيا :كيؼ ؟ ٍ بحاجة إلى مرآة ،ألنو أصفى مف أي مرآة ،وصورتو تجرحو! تحس بأنيا طيؼ ،وأف الطيؼ ليس فقالت :إنيا ّ ِ ِ القميمة التي كاف يختفي فييا القناصوف، القميمة التي لـ ي ُكف ُيسمعُ فييا رصاص ،في األياـ أتذكر ،في األياـ ِ أشياء ال تعرفيا ،وىي تحدؽ في اليواء بفوىات مدافعيا ،كانت لميس تصعد بالبحث عف الدبابات وتنشغؿ ُ َ ٍ مكاف يمكف أف تراه ،وفي كؿ مرٍة كانت تقوؿ ،لقد استطاعت اليوـ أف ترى أكثر لمسطح ،ترسؿ بصرىا إلى أبعد ْ مف يوـ أمس.
رندة سألتيا :وماذا ر ِ اليوـ .قالت :ليس ميماً مقارن ًة بالذي سأراهُ غداً! أيت ْ فتيعد ما قالتو. وكاف ىذا يحيرنا ،وفي اليوـ التالي ،أسأليا أنا ،أسأليا بنفسي، ُ
تصعد لمسط ِح كي ترى ما تراه لميس. وىكذا أصبحت رندة ُ فقمت لعميا تنظر لمبعيد كي تراؾ ىنا .ويا ريتني لـ أقؿ ىذا الكبلـ ، لكف ما كاف يريحيني أنيا بدأت تراؾ أكثرُ . أو يخطر ببالي.
** *
الحد ولـ أكف أعرؼ! ىيؾ ،إذف! المسائؿ وصمت إلى ىذا ّ بد مف أف أعرؼ أم ارً كيذا ،مصادفة ،مف لميس، قمت لرندة ،كيؼ ال تكونيف صريح ًة معي يا رندة .أكاف ال ّ ُ أسترؽ السمع؟ وأنا ّ
لـ تُجب رندة ..وكنت أعرؼ ،ما الذي يمكف أف تقولو! اشتريت ثوب الزفاؼ .وحيف رأتو طار عقميا ،فراحت ترجوني :مف شاف اهلل ،أعطيني إياه لكنني فاجأتيا :لقد ُ يا خالتي آمنة ..مف شاف اهلل .
قمت ليا :ال ،ىذا لمميس يعني لمميس. ُ فقالت لي :ولكف أنا لميس. فقالت لي :ال ِ أنت رندة .ال تجننيني. فقالت :خبلص أنا ردنة .ولكف أال تبلحظيف أف الفستاف صغير؟ نعـ أالحظ ،وىؿ تعتقديف أنني عمياء؟ ألـ أقؿ ِلؾ أف الذيف يحبوف بعضيـ البعض يتحولوف إلى طيور صغيرة ؟! ال ،لـ تقولي ىذا الكبلـ عمف يحبوف بعضيـ البعض ،قمتيو عف أولئؾ الذيف يستشيدوف صغا ارً. منذ متى لـ تعودي قادرة عمى أف تفيميني يا رندة؟ منذ متى؟ تسألينني سؤاالً كيذا ،وىؿ ىناؾ فرؽ بيفىؤالء ،وىؤالء ؟ تصور أف رندة التي تعرؼ كؿ شيء ،قالت لي ال أعرؼ! ال أعرؼ .قالت ليّ .ِ اآلف. فقمت ليا :لقد عرفت ْ ُ
** ***
صالح ،يا صالح .. ٍ ييب بعد اليوـ .. لف تعود بحاجة ليواء ّ
) ٜٔ (
تأخرّ ،دقت عمى بابنا .. عندما َ
كثيروف ،يجب أف الذىاب إلى مستشفى الشفاء ،ىناؾ أطفا ٌؿ عمي ُ َ ُ خرجت ،قالت لي آمنة :قد أتأخر اليوـّ ، أتحدث مع أىميـ ،وكانت شبو تائية . حيف يأتي صالح ،دعيو عندكـ حتى أعود .وابتعدت وىي ممسكة ِ بيد ابنتيا . سألتيا :ونادية ؟ وقت ٍ ِ كاؼ . لدي ٌ نادية سأمر عمى الحضانة وأحضرىا بنفسي ،سيكوف ّ نعرؼ كمنا أف صالح تغير بعد أف حدث ما حدث ألبيو ،كأنو أدر َؾ بغريزِة االبف ،ىؿ لبلبف غريزة كغريزة األـ؟
ٍ ضربة تستطيع احتماؿ أمو لف ِلـ ال ،أوليس أف ُ كأف صالح أدر َؾ ّ األـ ،مف لحميا وروحيا ؟ ّ ُ َ االبف مف رحـ ّ ٍ قاتمة أخرى في القمب. لـ يعد يغادر البيت إال إذا طمب اإلذف منيا ،وبعد ٍ زمف لـ يعد يغادرهُ أبداً ،لـ تعد عيناه تفارقانيا ،وحيف يحس ِ الغرفتيف ،ينيض ليتفقدىا مختمقاً أسباباً ال تقنع أحداً. أنيا تأخرت أكثر مف البلزـ في إحدى
عميو .أريده أف يطيعني ،ولكف ليس إلى ىذا الحد! كما لو أف المكاف الوحيد الذي كاف أصبحت أشفؽ لقدْ ُ مستعداً أف يذىب ِ إليو ىو المكاف الذي استشيد فيو أبوه ،حيف قمنا لو :كفى ،لـ يعد يغادر البيت .أريده أف عسكرية بعيدةً بحجر فميقذفيا. دوري ًة يخرج ،أف يمعب ،أف ..واذا ما اشتيى أف َ ّ يقذؼ ّ
كانت آمنة تقو ُؿ ذلؾ ألمي وتعيدهُ لنا فرداً فرداً وىي حزينة .دوف أف تدري أف صالح ال يسعى إلرضائيا ،بقدر تغيب أمو عف عينيو. يريد أف ما بدأ يخاؼ عمييا .كما لو أنو ىو الذي ال ُ َ
** **
ِ ِ ِ ِ نفسؾ أف يكوف ي إف كنت تتمنيف في أمي قالت لي :إذا كنت رندة ،فإنؾ تعذّبيف نفسؾ بيذا الولد ،وال أدر ْ أخاؾ أو يكوف شيئاً آخر؟ أـ أنؾ ما ز ِ ِ لت تعتقديف أنؾ البنت التي لـ تزؿ تتمنى الحصوؿ عمى تمؾ صالح المعبة التي اختارت أختيا. لـ أفيـ ما قالتو أمي ،في البداية ،عف ٍ قالتو مف أدركت أنيا قالت كؿ ىذا الكبلـ ،ألنيا لعبة تختار ،لكنني ُ ُ ِ لحظة صفاء. قمبيا في
** **
كانت في المستشفى، الولد يبكي ،الولد الصغير الذي بعثرت رصاصة الدمدـ نصؼ عاموده الفقري، آمنة كانت في المستشفى ،وكاف ُ
ِ ساقيف يجري بيما ،أو يكذب بيما حيف يغير عمى سيارات الجنوِد ويقوؿ ألمو :بيما وخّمفتو ببل قامة ،ببل ِ ومطاردة أف آمنة ستأخذه مف أمو كما أخذتو الرصاصة مف المعب كنت ألعب الكرة! كاف الولد يبكي خائفاً مف ّ ُ ُ الجنوِد والتجرؤ عمى الحواجز.
فجأةً مؤلت الضجة الممرات والغرؼ وغطّت عمى صوت الصغير .سألت آمنة الممرضة التي تقؼ عند الباب تستطمعُ ما يدور :ما الذي يحدث ؟ كأنو طف ٌؿ مصاب. حتى متى يا ربي؟ قالت آمنة .بعد ٍ ينيض مف نومو ويسير في نومو. نيضت ،كما لو أنيا شخص قميؿ ْ ُ لكنيا َ أحست أنيا لـ تعد تسمع شيئاً . بكاء الولد الصغير خمفيا فجأةّ ، اختفى ُ في نياية الجموع التي تحمؿ الولد المصاب سألت :ما الذي حدث ؟ رد أحد الفتياف :شييد . ّ كـ عمره ؟! -أربعتعشر سنة ،خمستعش ،أكثر ،أقؿ ،ما عادت تفرؽ!
قالت :اهلل يصبر أمو . وعادت لمداخؿ. جمست ،لـ يكف الصغير يبكي ،الصغير الذي لـ ِ أقؿ ،اختفى عمى حافة السرير تغ ْب عنو سوى دقيقة أو ّ ْ كطفؿ لف تواصؿ الرصاصة سرقة أجمؿ ما ِ ٍ لديو ،طوؿ حياتو ،وىو ينظر إلييا أف تفعؿ ذلؾ وال صراخو ،وبدا يستطيع شيئاً. ىؿ سكت الطفؿ فعبلً ،الطف ُؿ الذي كـ حبست أمو دموعيا وىي ترجوهُ أف يوافؽ أف تأخذه (خالتو) آمنة إلى كنت تذىب إلييا". المركز والبقاء مع األطفاؿّ ، ألف "المركز ليس سوى مدرسة ،مدرسة كالتي َ
المتناثريف فوؽ وحوؿ األسرة المنتشرة في الغرفة الكبيرة الزوار ،األطباء ،الممرضات، اختفى ُ َ صوت المرضىّ ، عمقو أف ..وثاني ًة وجدت آمنة نفسيا تنيض ،تتبع ذلؾ الضجيج الذي تحوؿ إلى صمت ،صمت لـ يستطع ُ
يمحو آثار خطواتو الدامية في الممر.
عمى باب غرفة الطوارئ ،أدركتيـ ،شقّت طريقيا بصعوبة .وىي تحس بأف المسافة بيف البو ِ ابة والسرير ىي الصبي الذي عبرت أطوؿ مسافة تقطعيا عمى قدمييا طوؿ عمرىا .وحيف وصمت ..نظرت إلى وجو ذلؾ ّ بالدـ. الرصاصة رأسو ،نظرت إلى مبلمحو المغطاة ّ ىؿ تعرفينو ؟ سأليا أحدىـ.وخرجت. ىزت رأسيا ،كما لو أنيا تقو ُؿ ال، ّ ْ تسير إلى أف وصمت بيتيا ،بيتنا . ظمّت ُ خرجت . قرعت الباب ، ُ قمت ليا :أيف نادية ؟ قالت :نادية؟ مش عارفة. إف صالح لـ يعد. وقمت ليا ّ ُ ولد يشبيو!. فقالت لي :أعرؼ .فيناؾ في المستشفى ٌ
) ٕٓ (
ألمي : ُ قمت ّ
ِ ِ منكف. البداية كنت أعرؼ ،لكنني لـ أعد أعرؼ شيئاً .كمّو تفرقيف بيننا ،فقالت لي :ال أعرؼ .في ّ كيؼ كنت ّ
في األوؿ ،لـ يكف صعباً ،ولكنو اختمؼ فيما بعد.
ِ ِ ِ ِ تريد اسـ لميس ،ألنو تصر عمى أنيا ُ ىؿ كنت أنت التي خربطت عياراتي ،أـ أختؾ ،ال أعرؼ .رندة كانت ّ أجمؿ مف اسميا .ىكذا قالت لي ،وبكت :لماذا لـ تسموني أنا لميس وىي رندة؟!
رفضت ،وعدناىا ورفضت لميس أف تتخمى عف اسميا .حاولنا أف نقنعيا ،كانت صغيرة ،أصغر بخمس دقائؽ، ْ رفضت :كيؼ سأعرؼ نفسي فيما بعد !؟ بمعبة ،بأي شيء تشتييو ،مقابؿ االسـ، ْ أنت ِ ألنؾ ِ قمنا ليا :ستعرفينيا ِ أنت. سأموت مت ،ىؿ أجيب أف أـ أحد :لميس .ىؿ تجيب رندة؟ واذا ما حدث لي شيء ،إذا ّ فقالت :وحيف ينادي ٌ ُ ُ ُ أنا أـ رندة؟!
يتشبث رأسيا بكتفييا .ولكنني أعرؼ أنكما كنتما تتبادالف األسماء .ال تنكري!. تشبثت باسميا ،كما ّ ّ ولـ أكف أنكر .لكف واحدةً منا خرجت إلى السطح ذلؾ اليوـ ،ورآىا القناص ،فأطمؽ رصاصة واحدة. رصاص ًة واحدة تكفي أحياناً وتزيد. تتطاير ،فأدركنا أف ىناؾ رصاصاً ، وكمّما راح أحد يحاوؿ الوصوؿ إلييا فوؽ السطح ،رأينا حواؼ اإلسمنت ُ ِ ِ المسافة التي تفصمنا عنيا ،بعد ساعتيف استطعنا قطع يأتي مف بعيد ،نراهُ ولكننا ال نسمع صوتو ،بعد ِ ممقى ممقى وسط بحيرة دـ صغيرة ،وكاف اسميا إلى جانبيا ساعتيف قطعنا األمتار األربعة! وجدناىا جسدىا ً ً ِ ٍ الوقت الذي كانوا ُينزلوف الجسد المثقوب ،الجسد الذي لت بو ،في عصفور صغير، ىناؾ مثؿ حممت االسـ ونز ُ ُ
فتحت ِ أف آخر شيء يفكروف بو ىو االسـ ،خبأتو ،وكانوا يصرخوف ت فوجدت ّ ُ فيو الرصاص ُة نافذةً عمياء .تمفّ ُ المسج ِ اة ،وفي أقؿ حدؽ في الجثّ ِة عميّ ، ّ ويبكوف ،وظموا كذلؾ إلى أف رآني أحد جيراننا أبكي ،وكأنني أبكي ّ ٍ ٍ صمت. يابسة مف قطعة مف لحظة اندفع السؤاؿ المخيؼ الذي أحاؿ العالـ كمو إلى ْ مف التي استشيدت؟ لميس أـ رندة؟أمي عبر دموعيا ،وسألتني :ميف يا بنتي ؟! إلي ّ التفتت ّ فبقيت صامتة . ُ
** **
اآلف أنيض في الميؿ ،أتسمؿ لتمؾ الغرفة التي طالما جمعتنا كمنا ،الغرفة التي تفضي لحوش آمنة ،أفتح الدفتر وأقرأ ،وأق أر ،حتى الصباح ،وأدىش مف أننا عشنا ىذا الزمف كمو. ع. أسير في الشار ْ تمر بي إحدى جاراتنا .تقوؿ لي :صباح الخير يا رندة. فأقوؿ ليا :أنا لميس يا خالتي. فتقوؿ :ال تؤاخذيني . وبعد نصؼ ساعة أو أكثر أراىا تعود ،ىي نفسيا ،وحيف تصؿ تقوؿ لي :مرحباً يا لميس .كيؼ حالؾ ؟ فأقوؿ ليا :أنا رندة يا خالتي. أمي أصبحت تخاؼ عمي .قالت لي :إذا ِ بقيت ىكذا ستصبحيف مجنونة. ّ تمت ؟! ولكف لماذا؟ ألنني ُأريد أف يعرؼ الناس أنيا لـ ُ تمت ؟ فتسألني :مف ىي التي لـ ُ أستطيع أف أقوؿ .اسأليو! الحب ،وبمفردي لف فأقوؿ ليا :وحده صالح الذي كاف يعرؼ ،وحده ّ َ
** **
ذات صباح ، وقفت طائرةٌ في السماء، حدقت في شارعنا، ّ
وبعد ٍ قميؿ ألقت قنبمة .. رأيناىا قادمةً ،قادمة ببطء شديد ،حتى أننا لـ نشعر بأف عمينا أف تحرؾ ،أف نبتعد ،أو أف نأخذ األرض وتمفت حولي ،لـ َأر أمي ،لـ أر نفسي طوح بك ّؿ شيء إلى الفضاء. ّ ثـ صحونا عمى انفجارىا الذي ّ منبطحيفّ .
..لكنني رحت أركض صوب الباب الذي يفضي لحوش آمنة .لـ أره ،وىكذا عبرتُو دوف أف أالحظ ذلؾ، ٍ بجسد أمامي ،لـ يكف سوى جسد أمي. أصطدـ فوجدت نفسي ُ ُ يبتعد. فرحت أفعؿ مثميا ،ساعات كثيرة وأنا أطرد الغبار بعيداً دوف أف بعد قميؿ أبصرت يدييا تطرداف الغبار، ْ ُ ٍ أشبلء أيت سمعت أصوات أناس يصرخوف ،قادميف مف ك ّؿ مكاف .وحيف ىدأ كؿ شيء ،واستعدت عيني ،ر ُ ُ ً معمقة في اليواء ،ولـ يكف قد تبقى مف البيت غير شحوب النخمتيف.
** **
الشاي ،جاىز يا خالتي آمنة ،
.. ..
الميـ ديري بالؾ عمى نادية . غمّبت حالي؟! ال ،ما فييا غمبة . ّ
.. ..
تقوليف أنيا شاطرة وتستطيعُ أف ترعى نفسيا بنفسيا؟ َ
.. ...
طمنتيني . ّ
.. ..
وأنا ؟
.. ..
قمت ِ لؾ في المرة األخيرة. مثمما ُ
.. ..
ِ مصدقة ،حتى اآلف ؟. لست ّ
.. . .
لكنني أقو ُؿ ِ خرجت إلى السطح ،ولـ أكف خائفة ،وحيف لؾ الصحيح .أمس ،أحسست بأف الميؿ كاف مضيئاً، ُ نظرت ،لـ أصدؽ عيني ،رأيت الناس في الشوارع مثؿ قناديؿ الميؿ ،كانو حزينيف نعـ ،ولكنيـ كانوا مثؿ قناديؿ الميؿ ،وكنت أنا نفسي مضيئة وحزينة .تعرفيف ،خالتي ،حيف لف نستطع الوصوؿ ألفراحنا المضيئة ،يبدو أف حزننا ىو الذي أصبح مضيئاً ،واال لكنا انطفأنا كما تقوؿ جدتي منذ مئة عاـ. ! .. .. -
تقوليف إنو حمـ كبير؟!! ال ،لـ يكف حمماً كبي ارً ،كاف حمماً ال غير. .. ..أمي مني أف أكتب ليا كممة (فمسطيف). ىذا الصباح طمبت ّ .. ..؟ٍ طفمة صغيرة ،وأغمقت الغرفة عمى نفسسيا. فرت ىارب ًة مثؿ -نعـ كتبتيا ،وحيف أصبحت الورق ُة بيف يديياّ ،
خر َج ْت ،وبيدىا ورقة أخرى ،مكتوب عمييا فمسطيف ،كانت أكثر حيرة .رجتني أف أقوؿ ليا أي ورقة وحينما َ
ِ ط أف ط لميس .وراحت تبكي. الورقتيف مكتوبتيف بخ ّ ط رندة ،وأي ورقة ُكتبت بخ ّ كتبت بخ ّ فقمت ليا :الصحيح ّ ُ يدي. ْ
فقالت ليِ : إنت ميف؟. ...؟ .. .. ...ِ اآلف ،فمف أقوليا أبداً ؟ أف عمي أف أخبرىا تعتقديف ّ بالحقيقة إذف ،ألنني إف لـ أقميا َ َ .. .. حاضر . . ..؟.ِ أعدؾ ،سأخبرىا . -
تمت ) ( ّ