طلعنا عالحرية / العدد 77

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪77‬‬ ‫‪2016 / 9 / 25‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل‬ ‫سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج‬


‫‪2‬‬

‫استباحة االنســانية في حلب‬ ‫افتتاحية بقلم د‪ .‬محمد العمار‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫سا ِئ َ‬ ‫يل أَ َّن ُه َمنْ‬ ‫“ ِمنْ أَ ْجلِ َذلِ َك َك َت ْبنَا ع َ​َل َب ِني إِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َقت َ​َل َن ْف ًسا ِب َغ ْ ِي َن ْف ٍس أَ ْو َف َسا ٍد ِف ال ْر ِض َف َكأ َّ َنا‬ ‫َّاس‬ ‫َّاس َج ِمي ًعا َو َمنْ أَ ْح َياهَ ا َف َكأَ َّ َنا أَ ْح َيا الن َ‬ ‫َقت َ​َل الن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َات ث َّم إِ َّن ك ِث ًريا‬ ‫َج ِمي ًعا َولق ْد َجا َء ْته ُْم ُر ُسلنَا ِبال َب ِّين ِ‬ ‫س ُف َ‬ ‫ون” [املائدة‪]32:‬‬ ‫ِم ْنه ُْم َب ْع َد َذلِ َك ِف ْالَ ْر ِض لَ ُم ْ ِ‬ ‫يتحدث القرآن الكريم عن مرشوع الخلق‬ ‫اإلنساين كوعد سالم‪ ،‬ويخربنا أن مهمة اإلنسان‬ ‫يف هذا املرشوع هي أنجاز هذا الوعد‪ ،‬وتحقيق‬ ‫إرادة الله يف اإلنسان بإنجاز هذا الوعد‪ ،‬الذي‬ ‫رصحت املالئكة باستحالته بحسب القصة‬ ‫القرآنية والواردة يف الكتب املقدسة األخرى‬ ‫أيضاً‪ ،‬يف الوقت الذي أعلن فيه الحق سبحانه‬ ‫إميانه بقدرة هذا املخلوق عىل اقتحام العقبة‪،‬‬ ‫وتحدي الصعاب وإنجاز املهمة وتحقيق الوعد‪،‬‬ ‫وأجاب عىل اعرتاض املالئكة الذين قالوا “أتجعل‬ ‫فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح‬ ‫بحمدك ونقدس لك” أجاب عىل احتجاجهم‬ ‫الرصيح بلغة أكرث مبارشة متتلئء جزماً وحس ًام‬ ‫وإيجازاً‪ ،‬ومتأل من يستمع إليها إمياناً ويقيناً أيضاً‪:‬‬ ‫“إين أعلم ما ال تعلمون”‪.‬‬ ‫هذا النص املوجز يلخص رحلة اإلنسانية‪ ،‬من‬ ‫الفساد وسفك الدماء باتجاه تحقيق إرادة الله‬ ‫يف اإلنسان‪ ،‬عندما يصل اللحظة التي يكف فيها‬ ‫عن الفساد وسفك الدماء‪.‬‬

‫لكن يف لحظة تدشني مرشوع الخلق اإلنساين‪،‬‬ ‫يروي القرآن أن تاريخ املرشوع اإلنساين د ُِشن‬ ‫باختالف بني اثنني من ذرية آدم‪ ،‬ح ّوله العجز‬ ‫اإلنساين والقصور يف إدارته إىل خالف‪ ،‬نتج‬ ‫عنه أيضاً سفك دماء وجرمية قتل‪ .‬لكن الالفت‬ ‫أن الوصول إىل الجرمية مر عرب موقف إنساين‬ ‫نبيل‪ ،‬هو املثل األعىل لإلنسان بحسب الخطاب‬ ‫القرآين‪ ،‬هو خالصة رحلة اإلنسان عىل األرض‪،‬‬ ‫وجوهر رسالته؛ حيث أعلن أحد ابني آدم‪ ،‬أنه‬ ‫بلغ درجة من النضج األخالقي والوعي اإلنساين‬ ‫تجعله يتقبل املوت وال يقبل أن يرتكب جرمية‬ ‫قتل‪ ،‬فقال ألخيه‪“ :‬لنئ بسطت إىل يدك لتقتلني‬ ‫ما أنا بباسط يدي إليك ألقتلك إين أخاف الله‬ ‫رب العاملني”‪ .‬لقد أعلن أنه دخل عهد اإلنسان‬ ‫املكرم‪ ،‬الذي بدأ يعي إنسانيته ويدرك معنى أن‬ ‫يكون إنساناً‪ ..‬هذا الوعي الذي يحول بينه وبني‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫ارتكاب الجرمية والقيام بفعل القتل‪.‬‬ ‫نتدارس هذا وقلوبنا تتفطر أملاً وحرسة عىل‬ ‫الفظاعات الوحشية التي ترتكب يف مدينة حلب‪،‬‬ ‫عىل مرأى ومسمع العامل (الحر) (املتحرض) بل‬ ‫بتواطئه املعلن أحياناً والضمني غالباً‪ ،‬ونتطلع‬ ‫إىل األفق القرآين الذي رسمه النص االفتتاحي‬ ‫الذي يتحدث عن النفس اإلنسانية كحرم ال‬ ‫يجوز تدنيسه وال انتهاكه‪ ،‬وأن أي تدنيس أو‬ ‫انتهاك لهذا الحرم يف أي زمان ومكان ألي نفس‬ ‫كانت‪ ،‬هو استباحة وانتهاك لإلنسانية كلها‪.‬‬ ‫أكرث ما يف مشهد الجرمية يف حلب من بشاعة‬ ‫وفظاعة‪ ،‬أن كثريين من وقودها وجناتها‪،‬‬ ‫ممن يقدسون هذا الكتاب أو يقدسون غريه‬ ‫من الكتب الساموية التي تعطي اإلنسان هذه‬ ‫املكانة‪ ،‬وهم رشكاء بطريقة مبارشة أو غري‬ ‫مبارشة يف املذبحة والفظاعة الجارية اآلن‪.‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫كلمة‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان‬ ‫نصار‬ ‫أنور البني‬ ‫أسامة ّ‬

‫قسم املرأة‬ ‫يارا بدر‬

‫رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫الغالف‬ ‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫سمري خلييل سمري خلييل ‪ -‬هاين عباس‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫من أجل اإلصــاح الديني‪ :‬علينا‬ ‫مواجهــة بعض دعوات “اإلصالح”‬

‫‪3‬‬

‫عماد الع ّبار‬

‫الالزم إلطالق نقاش حيوي حول تراث املجتمع وثوابته الثقافية‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫يف سوريا‪ ،‬يفتقد املجتمع إىل الحد األدىن من املقومات‬ ‫التي تؤهله لتفعيل نقاش كهذا‪ ،‬فغالبية الناس‬ ‫مشغولون بالبحث عن أساسيات الحياة‪ .‬وعوضاً عن‬ ‫أن يكون ه ّمهم مناقشة الرتاكامت السلبية يف موروثهم‬ ‫الثقايف‪ ،‬فإ ّنهم مهمومون فعلياً بإزالة الركام الناجم عن‬ ‫الحرب الدموية القامئة‪ ،‬وبإحصاء الخسائر يف األرواح‬ ‫واملمتلكات‪.‬‬ ‫بالنسبة لكثري من سور ّيي الخارج‪ ،‬تبدو األولويات‬ ‫مختلفة كل ّياً‪ ،‬ويبدو ّأن كثريين صاروا يعتربون اإلسالم‬ ‫عبئاً عليهم‪ ،‬بعد أن تصاعدت الحمالت اإلعالمية لليمني‬ ‫الغريب املتط ّرف‪ ،‬بشكل متزامن مع العمليات اإلرهابية‬ ‫املتفرقة‪ ،‬ومع توعد الجامعات املتطرفة بعمليات‬ ‫جديدة مع كل تدخل غريب يف املنطقة‪...‬‬ ‫مناسبة حديثنا هذا‪ ،‬صدور العديد من الدعوات مؤخرا‪ً،‬‬ ‫يرص أصحابها عىل وضعها ضمن خانة اإلصالح‪،‬‬ ‫والتي ّ‬ ‫لكنّني أطلق عليها اسم‪ :‬دعوات الهدم‪ .‬فهي ال تكتفي‬ ‫بالدعوة إىل مراجعة الرتاث وغربلته‪ ،‬بل تع ّمم اتهاماتها‬ ‫نص يح ّرض عىل العنف‬ ‫عىل النص القرآين وتصفه بأ ّنه ّ‬ ‫والكراهية‪ ،‬وتدعو بشكل رصيح أو ّ‬ ‫مبطن إىل تحييده‬ ‫عن حياة املسلمني‪.‬‬ ‫يقع أصحاب دعوات الهدم يف مغالطات وتناقضات‬ ‫عديدة‪ ،‬إذ يبدو ّأن إحساسهم بزعزعة االستقرار الناجم‬ ‫عن العمليات اإلرهابية هو أحد أسباب هذا التخ ّبط‪،‬‬ ‫فغالبيتهم أصبحوا الجئني مؤخراً أو مواطنني يف دول‬ ‫غربية‪ ،‬نتيجة موجة النزوح الكبرية منذ أن ا ّتسع نطاق‬ ‫الحرب يف سوريا‪.‬‬ ‫من الواضح ّأن رشيحة كبرية منهم‪ ،‬وغالبيتهم علامنيون‬ ‫متطرفون‪ ،‬وهم أقرب فكرياً إىل اليمني الغريب املتط ّرف‪،‬‬ ‫باتوا يشعرون بثقل التحريض املتصاعد يف كثري من‬ ‫املجتمعات الغربية ض ّد املهاجرين املسلمني‪ ،‬كونهم‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫يعد اإلصالح الديني‪ ،‬والثقايف بصورة عامة‪ ،‬ركيزة‬ ‫أساسية يف عملية التغيري‪ .‬ولكن اإلصالح يحتاج إىل ج ٍّو‬ ‫مالئم الستيعاب الحراك الثقايف املطلوب لإلصالح‪ .‬أي‬ ‫يحتاج‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬إىل الح ّد األدىن من االستقرار‬

‫مازالوا محسوبني يف نظر الغرب‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬عىل‬ ‫املجتمعات اإلسالمية التي جاؤوا منها‪ .‬وبالتايل بات‬ ‫الت ّربؤ من ثقافة هذه املجتمعات‪ ،‬أو اعتناق وجهة‬ ‫النظر الغربية املتط ّرفة تجاه الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ر ّد‬ ‫واع ّربا‪ ،‬من قبلهم تجاه املجتمعات األم‪،‬‬ ‫فعل‪ ،‬غري ٍ‬ ‫كوسيلة لتحصيل القبول من املجتمع أو الوطن البديل‪،‬‬ ‫أو للخالص رمبا من هذا االنتامء الذي يالحقهم‪ ،‬مهام‬ ‫حاولوا التربؤ منه‪ ،‬وكأنه لعنة ال فكاك منها!‬ ‫اعتنق هؤالء أكرث األفكار تطرفاً تجاه العرب واملسلمني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مم يجعلني أجزم ّ‬ ‫بأن املسألة ال تعدو أن تكون مج ّرد‬ ‫رد فعل‪ ،‬ممزوج بخوف شخيص مام ستحمله مرحلة‬ ‫قادمة من تهديد للمهاجرين إىل الغرب‪ّ .‬‬ ‫ولعل أكرث‬ ‫األفكار املطروحة غرابة هي فكرة املساواة بني داعش‬ ‫واإلسالم‪ ،‬وإطالق أحكام عا ّمة عىل الرتاث والثقافة‬ ‫العربية واإلسالمية‪ ،‬بوصفهام مولداً للعنف بالرضورة‪،‬‬ ‫املعب الحقيقي عن‬ ‫أو الرتويج لفكرة ّأن داعش هي ّ‬ ‫شعور مجتمعاتنا تجاه الغرب‪..‬‬ ‫ال ميكن أن تصدر أفكار كهذه عن موقف متّزن تجاه‬ ‫هذه املنطقة وثقافتها وتاريخها‪ ،‬فداعش ليست منتجاً‬ ‫حتمياً لثقافة هذه املجتمعات‪ ،‬بالرغم من ّأن التطرف‬ ‫كان موجوداً يف تاريخها‪ ،‬كام هو الحال يف تاريخ غريها‬ ‫من املجتمعات‪ ،‬بل ّإن داعش معضلة مر ّكبة وشديدة‬ ‫التعقيد‪ ،‬وإن كنّا نتحدّث عن االستبداد كخلل داخيل يف‬ ‫مجتمعاتنا‪ ،‬فال ميكن تجاهل دور االستعامر يف تخريب‬ ‫املنطقة‪ .‬بل ّإن داعش بالذات مل تظهر ّإل بعد االحتالل‬ ‫األمرييك للعراق‪ ،‬والذي م ّكن املليشيات الشيع ّية‬ ‫الطائفية‪ ،‬فكان التنظيم املتطرف وليداً مش ّوهاً كحصيلة‬ ‫لهذا التخريب‪.‬‬ ‫يعتمد بعضهم يف مقاربتهم للمسألة عىل ردود فعل‬ ‫كثري من املسلمني‪ ،‬والذين قد يؤيدون بعض أفعال‬ ‫داعش اإلجرامية‪ ،‬كنوع من ردود الفعل عىل بعض‬ ‫أفعال الغرب التخريب ّية يف املنطقة‪ .‬لكنّ ردود الفعل‬ ‫هذه‪ ،‬وما يرافقها من استحضار لبعض الشواهد الدين ّية‬ ‫(بعضها مشكوك يف صحته‪ ،‬وبعضها اآلخر غري متّفق‬ ‫عىل فهمه أيضاً) ال تعني شيئاً يف أي مقياس علمي‬

‫موضوعي للرأي العام يف املجتمع‪.‬‬ ‫ففي مجتمعاتنا بالذات‪ ،‬ليس من الصواب القول ّإن‬ ‫يصح هذا‬ ‫مجموعة ما مت ّثل رغبات عموم املجتمع‪ .‬ال ّ‬ ‫القول ال عىل التنظيامت املتط ّرفة‪ ،‬وال عىل األنظمة‬ ‫الحاكمة‪ .‬ففي مجتمعات تفتقد إىل الح ّد األدىن من‬ ‫حرية التعبري عن الرأي‪ ،‬ال ميكن تفسري السكوت أو‬ ‫الرضوخ لألمر الواقع عىل أ ّنه قبول‪ ،‬وال ميكن أص ًال‬ ‫تعميم قبول فئة من الناس عىل الناس ك ّلهم‪.‬‬ ‫إن كان التعميم أمراً مرشوعاً‪ ،‬وهو ليس كذلك‬ ‫بأي حال‪ّ ،‬‬ ‫فإن األوىل تعميم الجرائم التي ارتكبتها‬ ‫الحكومات الغربية عىل املجتمعات التي أفرزتها‪ ،‬فهي‬ ‫يف النهاية حكومات َ‬ ‫منتخبة وتحظى بتأييد الغالبية‬ ‫من شعوبها‪ ،‬ومل تدخل حرباً يف الرشق األوسط إال‬ ‫مبوافقة من برملاناتها املنتخبة‪ ،‬والتي مت ّثل شعوبها متثي ًال‬ ‫نفتقده يف بلداننا‪ .‬ولكنّ املستلبني للغرب يتجنّبون هذا‬ ‫النوع من التعميم هنا بالذات‪ ،‬بل باتوا يتجنبون حتى‬ ‫مج ّرد اإلشارة لدور الغرب‪ ،‬إن كان يف الحرب الدائرة‬ ‫يف سوريا‪ ،‬أو يف دعمه املسبق للديكتاتوريات العربية‪،‬‬ ‫أو يف الحروب التي شنّتها جيوشهم وأحدثت الفوىض‬ ‫وأنتجت اإلرهاب‪..‬‬ ‫وعوضاً عن أن يقوم هؤالء بدور إيجايب يف الغرب يخدم‬ ‫قضايا املنطقة‪ ،‬وعوضاً عن البحث عن أنصار القضايا‬ ‫اإلنسانية هناك ملناهضة استغالل الشعوب‪ ،‬بات الغرب‬ ‫منصة لبعض املستلبني يحاربون من خالل منابره ثقافة‬ ‫ّ‬ ‫مجتمعاتهم األصلية‪ ،‬بعد أن أصبحوا الجئني عنده‪..‬‬ ‫صار التحقري من شأن ثقافة مجتمعات املنطقة الشغل‬ ‫الشاغل لرشيحة كبرية منهم‪ ،‬وصارت املساواة بني‬ ‫ثم املطابقة بني‬ ‫مقصد النص وفهم املتطرفني له‪ ،‬ومن ّ‬ ‫اإلرهاب واإلسالم‪ ،‬أمراً بديهياً عندهم‪ .‬واألسوأ من كل‬ ‫يتم تغليف هذا االحتقار الضمني للمجتمعات‬ ‫ذلك‪ ،‬أن ّ‬ ‫ً‬ ‫مبشاريع تدّعي السعي لإلصالح‪ ،‬ولذلك أصبح لزاما عىل‬ ‫دعوات اإلصالح الحقيق ّية أن مت ّيز نفسها عن دعوات‬ ‫الهدم تلك‪..‬‬ ‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل بات من الرضوري مواجهتها‪،‬‬ ‫كعامل آخر يضاف إىل العوامل ّ‬ ‫املعطلة للنهضة‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫الــا مقروء في االتفاق‬ ‫الروسي‬‫األمريكي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شوكت غرزالدين‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫مقاالت‬

‫يكمن الال مقروء أو املسكوت عنه يف االتفاق‬ ‫األمري ّ‬ ‫الرويس يف عدم تطابق األهداف املرجوة‬ ‫يك‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫مع النتائج املتحققة‪ .‬فالفجوة السحيقة بني أهداف‬ ‫االتفاق وبني النتائج التي وقعت بالفعل‪ ،‬تزعزع اآلمال‬ ‫املعقودة عىل دورهام يف العمل ّية السياس ّية من جهة‬ ‫أوىل‪ ،‬وتطرح علينا السؤال التايل من جهة ثانية‪ :‬هل‬ ‫تقدم يف‬ ‫يستطيع فع ًال األمريكيون والروس إحرا َز‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ووقف‬ ‫العمل ّية السياس ّية ومتدي َد الهدنة وتعميمها‬ ‫وتقديم املساعدات اإلنسان ّية؟‬ ‫القتل والتهجري واللجوء‬ ‫َ‬ ‫أم أنهام عاجزتان عن فعل ذلك؟!‬ ‫والجواب الدارج والسائد هو أنهام تستطيعان ولكنهام‬ ‫ال تريدان َّ‬ ‫الحل لغايات خف ّية‪ .‬ويستند مثل هذه‬ ‫قياس عىل ما مىض من ثنائية القطب ّية‬ ‫الجواب إىل ٍ‬ ‫يف عامل الحرب الباردة؛ أيام كان األمريكيون والروس‬ ‫يترصفون كأسياد للعامل وبقية الدول تخضع إلرادتهام‪.‬‬ ‫ولكن عامل ما بعد الحرب الباردة يختلف جذرياً عن‬ ‫عامل ما قبلها؛ فتعدد األقطاب يجعل العاملَ معدو َم‬ ‫القطب ّية وال كبري فيه أوالً‪ ،‬والتدخل والتداخل والتشابك‬ ‫ُيع ِّقد القضية السور ّية أكرث فأكرث ويجعلها لعبة دول ّية‬ ‫ثانياً‪ ،‬والتناظر بني القوى الكبرية وبني القوى الصغرية‬ ‫يجعل من الجميع العبني أساس ّيني ثالثاً‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫واقع النظام السوريّ بوصفه “نظاماً سياسياً مخرتقاً”‬ ‫حسب توصيف “خلدون النقيب” رابعاً‪ .‬فمن اجتامع‬ ‫هذه العالقات هنا يبدو عجز هاتني الدولتني أكرب من‬ ‫قدرتهام‪ ،‬وهذا ما تثبته الوقائع شيئاً فشيئاً‪.‬‬ ‫وهم سائدٌ مفاده‬ ‫إذاً‪ ،‬املقرو ُء يف اتفاق مسخ القطبني‪ٌ ،‬‬ ‫َّأن جميع أوراق ّ‬ ‫السيايس لثورة الحر ّية والكرامة‬ ‫الحل‬ ‫ّ‬ ‫السور ّية‪ ،‬بأياديهام! ولكن غري املقروء هو َّأن العاملَ‬ ‫انعدام للقطب ّية ال تصح معه هذه القراءة‬ ‫تح ّول إىل‬ ‫ٍ‬ ‫باملرة‪ .‬وتكفي الوقائع األخرية لنقض هذا الوهم؛‬ ‫تلك الوقائع املتمثلة بقصف ناقالت اإلغاثة يف حلب‬ ‫وانهيار الهدنة املتفق عليها وقصف موقع للنظام يف‬ ‫دير الزور‪ ..‬فاألقطاب باتت كثرية تفوق احتامل ما‬ ‫يسمى تندراً بالقوى الكربى‪ .‬وبات فعلهام هدَّاماً ال‬ ‫َبنَّا ًء‪ .‬واالخرتاق أصبح شخصياً ال سياسياً فحسب‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬نفهم تح ّول الجامعات الوطن ّية املوالية‬ ‫نتف تتبناها الدول والسفارات وتتالعب‬ ‫واملعارضة إىل ٍ‬ ‫بها‪ .‬ونفهم غياب املعقول ّية السياس ّية يف حساب‬

‫السيايس املخرتق يكون مرتعاً‬ ‫املصالح؛ ألن النظام‬ ‫ّ‬ ‫للتنافس يصعب معه حساب تكلفة التدخل وتقدير‬ ‫فوائده‪ .‬ونادراً ما يستطيع العب واحد أو أكرث من فرض‬ ‫إرادته عىل الالعبني اآلخرين‪ .‬وهذه حالة تستوعب أي‬ ‫عدد من الالعبني الداخليني والخارجيني‪ ،‬وتكون عندها‬ ‫املبادرات السياسية كردة فعل عىل التوجهات الدول ّية‪.‬‬ ‫لحقها النظام العاملي فيه‪ ،‬وال يرتكها تفلت من‬ ‫وال ُي ِ‬ ‫قبضته يف آنٍ ‪.‬‬ ‫السيايس املخرتق مجابهة داخلية‬ ‫ويعيش النظام‬ ‫ّ‬ ‫يوم ّية رشسة ومستمرة‪ .‬وال ُيفهم وضعنا الراهن إال‬ ‫بسياق النظام العاملي وتأثريات ما بعد الحداثة‪ .‬و ُيتَّبع‬ ‫يف مثل حالتنا سياسة فرض الواقع بخطفة رسيعة أو‬ ‫تدريجي ويرفض التفاوض؛ ألن الرصاعَ ال يتجزأ‬ ‫بتثاقلٍ‬ ‫ّ‬ ‫إىل أصل وفروع ويبقى مبدئياً‪ ،‬مام يخلق انسداداً يف‬ ‫األفق‪ .‬ويف حال الدخول يف املفاوضات‪ ،‬يجب ْأن تكون‬ ‫عرب وسيط يضمن االتفاقات‪ ،‬ويتم الرتكيز عىل النتيجة‬ ‫الصفر ّية مبعنى مكسب العب هو خسارة العب آخر‪.‬‬ ‫ويدور الرصاع حول شخصية الرئيس وتسييس مسألة‬ ‫األقل ّيات وتوظيفها‪.‬‬ ‫يتكئ الخطاب السائد عىل أطروحات ثالث هي مبثابة‬ ‫عكازات تساعده يف امليض قدماً وهي‪:‬‬ ‫أطروحة إسقاط الرئيس‪ ،‬وأطروحة التدخل‪ ،‬وأطروحة‬ ‫الطائف ّية‪ .‬والسؤال املطروح هنا هو ملاذا تتشابه‬

‫األوضاع يف سور ّية والعراق واليمن بالرغم من اختالف‬ ‫التدخل واختالف مصري الرئيس واختالف الطائف ّية؟‬ ‫ّ‬ ‫فحل‬ ‫فالتدخل الدو ّيل يف العراق تح ّول الحتاللٍ ؛‬ ‫الجيش العراقي‪ ،‬واجتث حزب البعث الحاكم قائد‬ ‫وعي “برمير” حاك ًام عسكرياً‪ ،‬ثم تم‬ ‫الدولة واملجتمع‪ّ ،‬‬ ‫القبض عىل “صدام” ومحاكمته وإعدامه‪ .‬بينام يف ليبيا‬ ‫كان تدخ ًال عسكرياً بدون احتالل‪ ،‬و ُقتل “القذايف” بيد‬ ‫ليبية بدون محاكمة‪ .‬أما اليمن فاستقال الرئيس بعد‬ ‫محاول ٍة لقتله‪ ،‬وبعدها تحو ّلت اليمن لساحة رصاع‬ ‫إقليم ّية‪ .‬أما يف سورية فالتدخل العسكريّ املبارش‬ ‫كان لصالح النظام‪ ،‬وما زال الرئيس يحكم‪ ،‬ولكن‬ ‫رغم هذا‪ ،‬تتشابه األوضاع لدرجة التامثل‪ .‬ولنالحظ‬ ‫أن ليبيا ليس فيها طائفية؛ ألنهم من طائفة واحدة‪،‬‬ ‫بينام اليمن فيه طائفتني تتصارعان‪ ،‬أما العراق ففيه‬ ‫تعدد طائفي وقومي وديني كام سور ّية‪ ،‬وتبقى تهمة‬ ‫الطائف ّية وصف ًة ال عالقة لها بالنتائج كام يعتقد البعض‪.‬‬ ‫واألسباب هنا كام الحلول هي يف محل آخر‪.‬‬ ‫يجب أن ال نتوقع من اآلخرين الدوليني مساعدتنا ألننا‬ ‫طيبون أو ألننا مساملون! بل يجب ْأن نتوقع االنقضاض‬ ‫علينا لتفسخنا‪ .‬فلنو ِقف إذاً الخطاب املتهافت الذي‬ ‫أضاع التضحيات والجهود السور ّية سدىً ‪ّ .‬‬ ‫فكل فعلٍ‬ ‫وجهد وعمل بحاجة إىل نظرية وخطاب واقعي‬ ‫يوصف الواقع كام هو ال كام نريد‪.‬‬ ‫ِّ‬


‫الســورية‪:‬‬ ‫وثيقة‬ ‫ّ‬ ‫المعارضة ّ‬ ‫بتعديلها‬ ‫ودعــوات‬ ‫نصوص خالفية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪5‬‬

‫كمال شيخو‬

‫مالحظات نقدية‬

‫ويف ترصيحه ملجلة (طلعنا عالحرية) قال شالل كدو‪،‬‬ ‫سكرتري حزب اليسار الكردي وعضو االئتالف ممثل‬ ‫املجلس الكردي‪ّ ،‬إن‪“ :‬الوثيقة تلغي حقيقة التعدد اإلثني‬ ‫يف سورية‪ ،‬وتتناغم مع نظرية البعث الذي كان وال زال‬ ‫يسعى إىل تعريب البرش والشجر والحجر يف البالد”‪،‬‬ ‫وانتقد ع ّد اللغة العربية لغة رسمية وحيدة يف البالد‪،‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬هي إلغاء متعمد‪ ،‬وتجاهل ال ميكن القبول به‬ ‫للغة الكردية التي ال بد أن تكون اللغة الرسمية الثانية يف‬ ‫البالد‪ ،‬وخاصة باملناطق الكردية؛ وحتى يف املناطق ذات‬ ‫األغلبية السكانية الكردية”‪.‬‬ ‫وتابع حديثه‪“ :‬تتجاهل الوثيقة االعرتاف بالشعب‬ ‫الكردي يف كردستان سورية‪ ،‬الذي يعيش عىل أرضه‬ ‫التاريخية‪ ،‬وينكر حقوقه وفق العهود واملواثيق الدولية‪.‬‬ ‫ومن شأنها أن تؤدي إىل انهيار بنية املجتمع السوري‬ ‫وتقسيم البالد والعباد إىل جامعات وثقافات وإثنيات‬ ‫متناحرة”‪.‬‬ ‫غري ّإن موفق نريبية‪ ،‬نائب رئيس االئتالف‪ ،‬وعضو‬ ‫املكتب التنفيذي لحركة مواطنة‪ ،‬كشف خالل لقائه مع‬ ‫مجلة (طلعنا عالحرية) أن “املس ّودة ُط ِرحت عىل أعضاء‬ ‫االئتالف‪ ،‬ونوقشت يف هيئتها السياسية وبحضور ممثيل‬ ‫جميع الكتل‪ .‬وشهدت خالفات وتباينات موضوعية‬ ‫وذاتية” وذكر أن االئتالف أرسل إىل الهيئة العليا‬ ‫للمفاوضات املسودة املعدلة‪ ،‬وطلبوا من لجنة الصياغة‬

‫تقارير‬

‫واستنكرت املنظمة األثورية تجاهل وثيقة املعارضة‬ ‫وجود وحقوق الشعب الرسياين اآلشوري والتي أق ّرتها‬ ‫جميع أطر املعارضة يف وثائقها‪ .‬وجاء يف بيان صدر عنها‬ ‫بالثامن من الشهر الجاري‪ّ ،‬إن “الوثيقة تسعى الختزال‬ ‫الهوية السورية بالديانة اإلسالمية والقومية العربية؛‬ ‫وهي رؤية قارصة وأحادية‪ ،‬وتجايف املنطق‪ ،‬وتتنكر‬ ‫لحقائق التاريخ والواقع” واتهمت الوثيقة بالغموض‪،‬‬ ‫وعدم الشفافية وغياب ضامن حقوق األقليات وحاميتها‬ ‫من طغيان األكرثية‪.‬‬ ‫ولدى حديثه مع مجلة (طلعنا عالحرية) نقل كرم دويل‬ ‫عضو املكتب السيايس للمنظمة األثورية وممثلها يف‬ ‫االئتالف‪ّ ،‬إن‪“ :‬الوثيقة اختزلت هوية السوريني بالعروبة‬ ‫واإلسالم فقط‪ ،‬وأقرنت الثقافة السورية بالعربية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬واعتربتها املحدد الوحيد للعالقات االجتامعية‬ ‫بني السوريني عىل اختالف انتامءاتهم اإلثنية ومعتقداتهم‬ ‫الدينية”‪ ،‬وأعرب مستغرباً‪“ :‬الوثيقة تتناقض مع تاريخ‬ ‫سوريا التي ال تبدأ بالحقبة العربية واإلسالمية؛ وهو‬ ‫سياق ينطوي عىل أدلجة التاريخ والواقع‪ ،‬بل يتجاهل‬

‫صالحيات محدودة‬

‫بينام رفض املجلس السوري الرتكامين عرب بيان نرش يف‬ ‫السابع من الشهر الجاري‪ ،‬وثيقة املعارضة واعتربت “كل‬ ‫ما ورد فيه ميثل هيئة التفاوض فقط؛ وال تلزم املكون‬ ‫الرتكامين جمل ًة وتفصي ًال” وطالبوا تشكيالت املعارضة‬ ‫عدم تجاهل املكون الرتكامين واالعرتاف بحقوقهم‬ ‫الدستورية والقومية ضمن إطار الوطن السوري‪.‬‬ ‫ويف إفادة صحفية نرشت بالعارش من الشهر الجاري‪،‬‬ ‫عرب أحمد جقل عضو املكتب السيايس يف تيار الغد‬ ‫السوري عن خيبة أمله وأمل تركامن سوريا من تجاهل‬ ‫وثيقة املعارضة تركامن سوريا‪ ،‬وطالب بعدم‪“ :‬تهميش‬ ‫الرتكامن يف آي عملية سياسية‪ ،‬وأن ميثل أبناؤه بشكل‬ ‫واضح ومتثيل حقيقة واقعهم وحجم تضحياتهم”‪.‬‬ ‫ومل يستبعد شالل كدو اتخاذ املجلس الكردي مواقف‬ ‫أكرث حس ًام مع غياب التمثيل الوازن ألكراد سورية يف‬ ‫الهيئة العليا للمفاوضات‪ ،‬وأكد ّأن‪“ :‬الكرد برمتهم‬ ‫يرفضون هذه الوثيقة‪ .‬ومن غري املستبعد أن يكون‬ ‫هنالك خيارات أخرى أمام املجلس يف حال االستمرار يف‬ ‫إنكار حقوق الشعب الكردي الذي يعد ثاين أكرب مكون‬ ‫يف البالد”‪.‬‬ ‫يف حني أبدى كرم دويل متسك املنظمة اآلثورية بوحدة‬ ‫املعارضة‪ ،‬وقال‪“ :‬سنميش بنفس األدوات وبذات الروح‬ ‫اإليجابية‪ ،‬ونسعى بالتعاون مع اإلخوة باملجلس الكردي‬ ‫وبعض قوى املعارضة لتعديل ما ورد يف وثيقة اإلطار‬ ‫التنفيذي للحل السيايس”‪ ،‬منوهاً ّإن “املوقف الذي‬ ‫ستتبناه الهيئة العليا حيال االحتجاج املقدم‪ ،‬سيشكل‬ ‫عام ًال حاس ًام يف تحديد خياراتنا يف قادم األيام”‪.‬‬ ‫بي ّد ّإن موفق نريبية أكد ّأن “هذه الخالفات لن تؤثر عىل‬ ‫يرص عىل‬ ‫سري عمل هيئة التفاوض العليا‪ ،‬ألن الجميع ّ‬ ‫الدفع بالعملية السياسية‪ ،‬ووضعها عىل سكة التفاوض‬ ‫للبدء مبرحلة انتقالية”‪ ،‬ويف ختام حديثه قال‪“ :‬ألننا‬ ‫جميعاً نريد الخالص والخروج من هذا النفق املظلم”‪.‬‬

‫العدد ‪- 77 -‬‬

‫الدينيةحيث تنتمي أكرثية السوريني إىل العروبةوتدين باإلسالم”‪.‬‬

‫واعتربت يف بندها السادس القضية الكردية قضية وطنية‬ ‫سورية‪ ،‬وطالبت بالعمل عىل ضامن حقوقهم القومية‬ ‫واللغوية والثقافية دستورياً‪ .‬إال أنها أغفلت حقوق‬ ‫املكونني الرسياين اآلشوري والرتكامين‪ ،‬األمر الذي دفع‬ ‫كتلها السياسية اىل إصدار بيانات ترفض نص الوثيقة‬ ‫املنشور وطالبت بتعديلها‪.‬‬

‫توافقات املعارضة‬

‫‪2016 / 9 / 25‬‬

‫أثارت رؤية املعارضة السورية والتي حملت عنوان‪:‬‬ ‫“اإلطار التنفيذي للحل السيايس وفق بيان جنيف‬ ‫‪ ،”2012‬بعد ْأن طرحتها هيئة املفاوضات العليا املعارضة‬ ‫بداية الشهر الجاري من لندن‪ ،‬ردوداً وانتقادات من‬ ‫كتل املكونات الرئيسية الئتالف قوى الثورة واملعارضة‬ ‫السورية‪ ،‬واألخري إحدى أبرز كيانات هيئة التفاوض‪.‬‬ ‫االنتقادات والتحفظات طالت املادة األوىل من املبادئ‬ ‫األساسية لوثيقة املعارضة؛ إذ نصت عىل أن “سوريا جزء‬ ‫ال يتجزأ من الوطن العريب‪ ،‬واللغة العربية هي اللغة‬ ‫الرسمية للدولة”‪ ،‬وعدت “الثقافة العربية اإلسالمية‬ ‫معيناً خصباً لإلنتاج الفكري والعالقات االجتامعية بني‬ ‫السوريني عىل اختالف انتامءاتهم اإلثنية ومعتقداتهم‬

‫كل الثقافات والحضارات والشعوب التي تفاعلت عىل‬ ‫هذه الجغرافية منذ آالف السنني”‪.‬‬ ‫وأشار خالل لقائه‪“ :‬تجاهل املكون القومي الرسياين‬ ‫اآلشوري والذي يعترب من أقدم شعوب املنطقة‪ ،‬يف‬ ‫الوقت الذي تم ذكر القومية الكردية ولو بشكل التفايف‪،‬‬ ‫ينطوي عىل ذهنية تسعى الستعادة واحياء الرؤية‬ ‫البعثية يف سعيها لصهر الجميع يف بوتقة الهوية العربية‬ ‫اإلسالمية”‪.‬‬ ‫كام شد ّد املجلس الوطني الكردي يف بيان نرش بالعارش‬ ‫من الشهر الجاري‪ ،‬أن “الوثيقة تلغي حقيقة التعدد‬ ‫القومي العتبارها أن سوريا جزء من الوطن العريب”‬ ‫واعترب اعتامد الوثيقة اللغة العربية لغة رسمية وحيدة‬ ‫يف البالد؛ إلغا ًء وتجاه ًال للغة الكردية ولغات املكونات‬ ‫األخرى‪.‬‬

‫أن ُتراعي االتفاقية املوقعة بينهم وبني املجلس الكردي‬ ‫وباقي كتله السياسية‪ ،‬الفتاً‪“ :‬انطلقنا من مالحظات‬ ‫األخوة األكراد وباقي الكتل‪ ،‬إال أن قضية ّ‬ ‫البت يف رؤية‬ ‫املعارضة‪ ،‬تقع خارج صالحيات االئتالف وأعضائه؛ كوننا‬ ‫جزءاً من هيئة التفاوض وليس العكس؛ ما أدى إىل وجود‬ ‫مالحظات عليها‪ ،‬وأنا أيضاً فوجئت بها ً‬ ‫قليل!”‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫ســوريون على الهامش!!‬ ‫سامي الساري‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫تقارير‬

‫قد يوحي هذا العنوان إىل فئات ورشائح كبرية من‬ ‫املجتمع السوري‪ ،‬فالكثري من السوريني والسوريات‬ ‫طوال خمسة عقود كانوا يعتربون أنفسهم مهمشني‬ ‫أو جرى تهميشهم بحكم أنهم يعيشوا يف عهد أبشع‬ ‫سلطة ديكتاتورية واستبدادية عرفتها البرشية‪،‬‬ ‫متمثلة بفرتة حكم نظام األسد األب واالبن‪ ،‬ومع‬ ‫انطالق االنتفاضة يف آذار‪ -‬مارس ‪ 2011‬بدأ هذا‬ ‫الشعور بالتبدد والزوال وأن السوريني والسوريات‬ ‫لن يقبلوا أن يتم تهميشهم بعد اآلن‪ ،‬إال أن هناك‬ ‫فئة ورشيحة من املجتمع السوري قد تم تهميشها‬ ‫من قبل النظام وحتى من قبلنا كسوريني خرجوا‬ ‫ضد الظلم والفساد‪ ،‬فطوال الست سنوات املاضية‬ ‫مل يلتفت أي أحد منا إىل معاناة سكان البوادي‬ ‫والذين ال يزالوا بعيداً عن أذرع الحضارة بسبب‬ ‫عدم اتخاذ سياسات اقتصادية وتنموية ناجحة يف‬ ‫السابق‪ ،‬وبسبب ظروف الحرب التي متر بها البالد‬ ‫يف الوقت الحايل‪ ،‬فام هي ظروف سكان البوادي‬ ‫قبل الثورة؟ ومباذا أثرت الحرب عليهم؟ وما هي‬ ‫الظروف التي يعيشونها األن؟‬ ‫ظروف سكان البوادي قبل الثورة‬ ‫“تهميش متعمد لسكان البادية وسياسات‬ ‫حكومية فاشلة ومليارات رسقت تحت مسمى‬ ‫تنمية البادية”‪.‬‬ ‫يقول خلف الجدعان أحد سكان البادية يف دير‬ ‫الزور معرفاً عن نفسه‪“ :‬ولدت يف سنة الربيع‬ ‫األويل و ‪-‬للعلم‪ -‬إن سكان البوادي ال يعتمدون‬ ‫التاريخ امليالدي وال حتى الهجري‪ ،‬بل يستبدلونها‬ ‫بأخرى كالقول‪( :‬السنة التي مات بها فالن‪ ،‬سنة‬ ‫الجوع‪ ،‬سنة الربيع‪ ،‬سنة الحالول‪ ،‬سنة املحل‪،‬‬ ‫‪...‬الخ) ولكل منها داللة راسخة ومحفوظة تلقائياً‬ ‫يف العقل الجمعي‪ ،‬وتتناقلها األجيال تباعاً‪،”..‬‬ ‫بالعودة إىل حديث الجدعان‪“ :‬أعيش هنا مع‬ ‫أفراد أرسيت البالغ عددهم ستة وثالثني شخصاً مبن‬ ‫فيهم والديت العجوز التي تقيض معظم أوقاتها يف‬ ‫النوم بسبب كرب سنها‪ ،‬ونعيش هنا بغري إرادتنا؛‬ ‫فالزراعة الخفيفة وتربية قطعان املوايش هي‬ ‫مهنتنا األساسية‪ ،‬فنحن نتحمل برد الشتاء وح ّر‬ ‫الصيف من أجل أن نعيش‪ ،‬وألننا نعتمد بالدرجة‬ ‫األوىل عىل النساء يف كل يشء فإننا نتزوج من‬

‫أربعة نساء أو أكرث! فهنّ من يقمن بالرعي أحياناً‬ ‫وحلب املوايش وصناعة السمن والجنب وحصد‬ ‫املحاصيل الزراعية وتربية األوالد وخياطة بيوت‬ ‫الشعر التي نسكن بها أثناء رحيلنا إىل مكان آخر‪..‬‬ ‫يف السابق كنا نستطيع أن نرعى يف البادية يف كل‬ ‫مكان إال أن (الحكومة) يف السنوات األخرية بدأت‬ ‫مبنعنا من الرعي بحجة أنها تقوم بإنشاء محميات‬ ‫طبيعية ومر ٍاع‪ ،‬فقامت مبنع الرعي تحت مسمى‬ ‫زيادة الغطاء النبايت‪ .‬فزرعوا بعض النباتات عىل‬ ‫أطراف الطرقات ويف الواجهات وتركوا الباقي‪،‬‬ ‫وقد كلفت مليارات اللريات”‪ ..‬يتساءل الجدعان‪:‬‬ ‫“كتبوا عىل الورق بأنها محميات ومر ٍاع طبيعية‪،‬‬ ‫ويف الوقت نفسه منعوا األغنام من الدخول إليها‪،‬‬ ‫فلامذا أطلقوا عليها اسم (مراعي)؟! فنضطر لرشاء‬ ‫األعالف واألدوية البيطرية من السوق السوداء‪،‬‬ ‫وتكون باهظة الثمن أو بتقديم عدد ال بأس به‬ ‫من األغنام لدوريات (الحكومة) مقابل السامح لنا‬ ‫بالرعي لساعات محدودة يف هذه (املراعي) فأين‬ ‫سنذهب؟ وال أحد يلتفت لنا أو يقدم لنا املساعدة‬ ‫أو تعويضات ريثام ينتهي مرشوع (املحميات)”‬ ‫يتابع الجدعان رسد معاناتهم‪“ :‬أوالدنا ال يتلقون‬ ‫التعليم أو اللقاحات‪ ،‬وهذا إهامل متعمد فنحن مل‬ ‫نعد نرحل من مكان إىل آخر كام يف السابق‪ ،‬فيوجد‬ ‫لدينا تجمعات مأهولة بالسكان نرحل منها يف فرتة‬ ‫انقطاع األمطار‪ ،‬لكننا نعود إليها‪ ،‬أي أننا نصف‬ ‫مستقرين‪ ..‬فهم أي (الحكومة) ال يهتمون بنا إال يف‬ ‫صفقات تصدير األغنام حيث يشرتونها منا بأبخس‬ ‫األمثان ويبيعونها باملقابل بأسعار مرتفعة للدول‬ ‫األخرى عرب التجار املتنفذين واملرتبطني بهم”‪.‬‬ ‫أوضاع سكان البادية يف الوقت الحايل‪:‬‬ ‫“استغالل الحواجز للشاحنات التي تنقل األغنام‪..‬‬ ‫تدخل تنظيم داعش يف حياتهم‪ ..‬يأس واستسالم‬ ‫للواقع”‪.‬‬ ‫“‪ 100‬ألف لرية سورية مثن (الرتفيق) عن كل‬ ‫شاحنة تحمل األغنام” بهذه الكلامت أبدى أحد‬ ‫سكان بادية تدمر ويدعى أبو صالح استغرابه لهذه‬ ‫الظاهرة‪ ،‬وقال أبو صالح عن الرتفيق‪“ :‬هو مصطلح‬ ‫يستغل حاجة الناس؛ وهو عبارة عن رسقة (عينك‬ ‫عينك) وحواجز الجيش السوري املنترشة عىل‬

‫طريق أثريا ‪ -‬خنارص‪ -‬السلمية هي من اخرتعت‬ ‫هذا املصطلح‪ ،‬ويعني أن يعطي صاحب األغنام‬ ‫مبلغاً من املال مقابل عدم تعرض حواجز الجيش‬ ‫له‪ .‬ومن املعروف أن هذا الطريق هو الرشيان‬ ‫الحيوي للتنقل بني مناطق البادية السورية‪.‬‬ ‫والرتفيق أيضاً يشمل شحن البضائع واملواد الغذائية‬ ‫واألعالف‪ ..‬الخ‪ ،‬وهذا ما يفرس ارتفاع أسعار كل‬ ‫أنواع السلع”‪ ،‬يتابع أبو صالح قائ ًال‪“ :‬ليس الرتفيق‬ ‫هو املشكلة الوحيدة فأجور الشاحنات قد ارتفعت‬ ‫إىل أكرث من ‪ 10‬أضعاف ما كانت عليه يف السابق‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل وجود قطاع الطرق واللصوص‬ ‫والشبيحة‪ ،‬وهم كاملنشار” كام وصفهم أبو صالح‬ ‫الذي يتابع‪“ :‬هذا عدا أن تكلفة سقاية األغنام‬ ‫أصبحت مرتعفة جداً”‪ ،‬ويختم أبو صالح حديثه‬ ‫أنه يف حرية كبرية من أمره‪“ :‬أكاد أن استسلم للواقع‬ ‫وأبحث عن مهنة أخرى‪ ،‬فرتبية األغنام يف هذا‬ ‫الزمن أصبحت من شبه املستحيل‪ ،‬وما كان ينقصنا‬ ‫إال تنظيم داعش لتكتمل معاناتنا‪ ،‬فهم موجودون‬ ‫يف البوادي كالنمل‪ ،‬بل وساهموا بتغيري منط حياتنا‪،‬‬ ‫فهم ال يسمحون للنساء بالخروج يف املراعي إال‬ ‫(باللباس الرشعي) وهذا أمر مل نعتد عليه من‬ ‫قبل! باإلضافة إىل الطريقة املستفزة بأخذ الزكاة؛‬ ‫فهم يأخذونها عنوة‪ ،‬باإلضافة إىل تجنيد أبنائنا‬ ‫يف صفوفهم وتهريب األغنام إىل الدول املجاورة”‪.‬‬ ‫وتعترب األغنام السورية من أجود أنواع األغنام يف‬ ‫العامل‪ ،‬ويحذر أبو صالح أن “مهنة تربية األغنام‬ ‫ستتالىش وتختفي إذا ما استمرت عىل هذا الحال؛‬ ‫فالعديد من أقاريب قد باعوا أغنامهم وامتهنوا نقل‬ ‫النفط الخام عرب الصهاريج الكبرية‪ ،‬وأغلب الظن‬ ‫أنني سأفعل مثلهم”‬


‫حتــى ال نكرر أخطاء حمص‪..‬‬ ‫لــن نفترق و ســنغرس فكر العودة‬

‫‪7‬‬

‫محمد هشام‬

‫العدد ‪- 77 -‬‬ ‫‪2016 / 9 / 25‬‬

‫تجربة داريا مل تكن األوىل وال يبدو أنها األخرية‪،‬‬ ‫بظل نظام ّ‬ ‫فايش سبق وأن عرض حل التهجري عىل‬ ‫أهايل حي الوعر كمخرج لحصارهم‪ ،‬والتي ميكن‬

‫أن تصبح واقعاً يف ّ‬ ‫ظل صمت املجتمع الدويل املتآمر‪.‬‬

‫تقارير‬

‫مل تكن داريا املدينة األوىل التي تتعرض لإلفراغ القرسي من‬ ‫أهلها و تهجريهم‪ ،‬فقد سبقتها من قبل أحياء ريف حمص‬ ‫الجنوبية يف ‪ 2014‬فيام عرف بالتغريبة الحمصية‪ ،‬والتي كانت‬ ‫مأساة باب سباع بدايتها‪ ،‬حيث تعرضت لإلفراغ والتهجري يف‬ ‫تسوية رعتها األمم املتحدة‪ ،‬التي يفرتض بها أن متنع مثل‬ ‫هذه التجاوزات التي تعد جرمية‪ ،‬امتثاالً وعم ًال مبا تنص عليه‬ ‫قوانينها واألعراف الدولية التي متنع التهجري الطائفي‪.‬‬ ‫‪--‬‬‫“هي جولة‪ ،‬و الجولة األهم هي جولة العودة والعمل عليها”‪.‬‬ ‫بهذه العبارات يفتتح خالد أبو النور الناشط و أحد املهجرين‬ ‫حديثه مع طلعنا عالحرية‪ ،‬ويتابع‪“ :‬فكر العودة ليس مجرد‬ ‫نظرية‪ ،‬و إمنا مجموعة كبرية من األعباء والتكاليف التي تحتم‬ ‫علينا حملها والعمل عليها”‪.‬‬ ‫و لدى سؤاله عن أبرز الصعوبات التي من املحتمل أن‬ ‫تواجههم خالل عبء غرس فكر العودة يف نفوس األهايل و‬ ‫الثوار‪ ،‬قال‪“ :‬العودة لداريا قضية وجود‪ ،‬و متوت القضية إن‬ ‫مل تحظ بحناجر تنادي بها‪ ،‬وسواعد تعمل عليها”‪ ،‬ثم أضاف‪:‬‬ ‫“لقد أخطأ ثوار حمص عندما تخلو عن فكرة العودة باملفهوم‬ ‫التطبيقي‪ ،‬إذ سمحوا لألهايل بأن تتفرق وتترشذم منذ البداية‬ ‫بني املخيامت عىل امتداد أرياف إدلب‪ ،‬األمر الذي باعد‬ ‫كتلتهم السكانية عن بعضها‪ ،‬وص ّعب عليهم إيجاد مرشوع‬ ‫يجمعهم‪ ،‬مام دفع الكثريين منهم إىل مغادرة سوريا إىل تركيا‬ ‫يف وقت الحق‪ ،‬وبعضهم إىل أوروبا”‪.‬‬ ‫ويتفق معه الناشط سعيد أبو هادي الذي خرج برفقة أهايل‬ ‫داريا إىل إدلب‪ ،‬لكنه يضيف‪“ :‬تجربة حمص أعطتنا درساً‬ ‫ولن نكرر الخطأ نفسه”‪ .‬وعن أبرز أخطاء تجربة حمص‬ ‫يتحدث سعيد عن رؤيته‪“ :‬الذي أسهم بتضييع قضية العودة‬ ‫لحمص تفرق األهايل وتشتتهم بعد الخروج‪ ،‬وتوزعهم عىل‬ ‫عدد كبري ومتباعد من املخيامت دون محاولة الحفاظ عىل‬ ‫كتلتهم البرشية يف مكان واحد أو أمكنة محددة ومحدودة‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل فرط عقد كتائبهم وتشتت العنارص بني فصائل‬ ‫وألوية الشامل‪ ،‬أن تتفرق العوائل والثوار يعني أن يتفرق‬ ‫صوت القضية”‪.‬‬ ‫فيام أفاد الناشط اإلعالمي رضوان الهندي يف وقت سابق‬ ‫لوسائل اإلعالم أن “‪ 90%‬من أهايل الخالدية غادروا سوريا‪،‬‬ ‫و‪ 10%‬يف مخيامت اللجوء”‪ ..‬و يرى مراقبون أن أهايل‬ ‫الخالدية عينة عن أهايل مدن الريف الحميص الذي تعرض‬ ‫للتهجري‪.‬‬

‫يف تاليف ذلك‪:‬‬ ‫يقول عبد الرحمن أبو أحمد الناشط يف العمل‬ ‫اإلنساين‪“ :‬النخبة لفاعلة التي خرجت مع أهايل‬ ‫داريا إىل إدلب وضعت تجربة أحياء ريف‬ ‫حمص نصب أعينها‪ ،‬وسعت لتجنبها‪ ،‬حيث تم‬ ‫تجميع األهايل يف بلدتني اثنتني بشكل رئييس‪،‬‬ ‫وتم إسكانهم يف قرية منوذجية ذات منازل‬ ‫منحرصة بكتلة واحدة يف بلدة أطمة‪ ،‬إضافة‬ ‫إىل بلدة جرجناز‪ ،‬وتم انتخاب لجان ممثلة‬ ‫من األهايل يف كلتا البلدتني لتسهيل التواصل‬ ‫مع الفعاليات املحلية واملنظامت‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫التواصل مع اللواء واملجلس املحيل سابقاً‪،‬‬ ‫والذي ال زال أفراده يديرون شؤون األهايل‬ ‫واملدنيني بعد خروجهم” ويضيف‪“ :‬يتم وضع‬ ‫خطة بالتواصل مع املنظامت لدراسة مرشوع‬ ‫رشاء أرض زراعية كبرية وبناء مدينة سكنية‬ ‫ونقل كافة األهايل إليها‪ ،‬حفاظاً عىل كتلتهم‬ ‫البرشية من التشتت والترشذم‪ ،‬والعمل عىل‬ ‫تقديم سائر الخدمات والتسهيالت لهم‪،‬‬ ‫وإعادة األطفال إىل مدارسهم‪ ،‬والعمل عىل‬ ‫تأمني فرص عمل لألهايل تكفيهم حاجتهم‪،‬‬ ‫وتخطو عىل طريق إعادة الحياة الطبيعية‬ ‫اآلمنة للسكان بشكل يلغي حاجتهم إىل السفر‬ ‫ومغادرة البالد”‪..‬‬ ‫‪--‬‬‫وقد أفاد النقيب سعيد نقرش أبو جامل قائد‬ ‫لواء شهداء اإلسالم‪ ،‬يف وقت سابق إىل عدد‬

‫من وسائل اإلعالم بأن ثوار داريا تلقوا عروضاً‬ ‫بشكل غري مبارش لالنضامم إىل فصائل محلية‪،‬‬ ‫ثم أردف‪“ :‬األولوية تكمن يف الحفاظ عىل‬ ‫كتلة اللواء” وأنه سيعمل يف الشامل كغريه‬ ‫من الفصائل ليدافع عن الجبهات ويحمل يف‬ ‫أهدافه مرشوع الرجوع إىل داريا‪.‬‬ ‫‪--‬‬‫حول هذا الجهد يفيد زياد أبو عبدو أحد‬ ‫ناشطي داريا أن غرس فكر العودة يعد من‬ ‫أهم أولويات النخب يف الفرتة القادمة‪،‬‬ ‫مبيناً حجم الرضر الذي ترتب عىل إهامل‬ ‫هذه الخطوة يف تجرلة حمص‪ ،‬وحول هذه‬ ‫اآللية أفاد‪“ :‬من املمكن بعد استقرار األهايل‬ ‫عقدُ ندوات ثقافية وحوارية ومهرجانات‬ ‫يف معسكرات التدريب‪ ،‬تحث عىل الحفاظ‬ ‫عىل الكتلة‪ ،‬وأنها املفتاح الوحيد الذي يكفل‬ ‫إمكانية العودة‪ ،‬وعدم أفول شمس القضية‪،‬‬ ‫إضافة إىل نشاطات مامثلة مناسبة لألهايل‬ ‫ذكوراً و إناثاً‪ ،‬تغرس يف نفوسهم فكر العودة‬ ‫وتحثهم عىل تطوير أنفسهم وتنمية مواهبهم‬ ‫وقدراتهم‪ ،‬بشتى الوسائل املتاحة‪ ،‬لتحصيل‬ ‫الجاهزية للبناء والرتميم فور الرجوع”‪.‬‬ ‫‪---‬‬


‫اإلخالء القسري‬ ‫‪8‬‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫تأيت عملية التهجري واإلخالء القرسي التي تعرض لها‬ ‫أهايل مدينة داريا‪ ،‬لتسلط الضوء من جديد عىل‬ ‫أحد االنتهاكات والجرائم الخطرية التي قام النظام‬ ‫السوري بارتكابها منذ بداية الثورة السورية يف عام‬ ‫‪ ،2011‬حيث شهدت عدة مناطق هذه العملية‬ ‫سابقاً كام هو الحال يف حمص والقصري‪ ،‬وال تزال‬ ‫مناطق أخرى تتعرض وعرضة لتكون ضحية هذه‬ ‫الجرمية كمعضمية الشام وحي الوعر‪..‬‬ ‫تعريف اإلخالء القرسي‪:‬‬ ‫هو طرد دائم أو مؤقت ألفراد أو أرس و\ أو‬ ‫مجتمعات محلية ض ّد إرادتهم من املنازل و\‬ ‫أو األرايض التي يشغلونها دون أن توفر أشكال‬ ‫مناسبة من الحامية القانونية أو غريها من أشكال‬ ‫وتيس لهم سبل الحصول عليها‪.‬‬ ‫الحامية َ‬ ‫وقد عرفت لجنة القانون الدويل يف األمم املتحدة‬ ‫جرمية اإلبعاد يف سياق تعريفها للجرائم ض ّد‬ ‫اإلنسانية يف مسودة الجرائم املخ ّلة بسلم البرشية‬ ‫وأمنها لعام ‪ 1954‬بأنه‪:‬‬ ‫“يعني إبعاد السكان أو النقل القرسي للسكان أو‬ ‫األشخاص املعنيني قرساً من املنطقة التي يوجدون‬ ‫فيها بصفة مرشوعة‪ ،‬بالطرد أو بأي فعل قرسي‬ ‫آخر دون مربرات قانونية يسمح بها القانون‬ ‫الدويل”‪.‬‬ ‫وهذا ما أكدته املادة السابعة الفقرة ‪ /2‬د من‬ ‫النظام األسايس للمحكمة الجنائية الدولية عندما‬ ‫نصت عىل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫رحـل مرتكب الجرمية‪ ،‬أو أن ينقل قرساً‬ ‫“‪1‬ـ أن ُي ّ‬ ‫شخص أو أكرث إىل دولة أخرى‪ ،‬أو مكان آخر‬ ‫بالطرد‪ ،‬أو بأي فعل قرسي آخر ألسباب ال يق ّرها‬ ‫القانون الدويل‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يكون الشخص أو األشخاص املعنيني‬ ‫موجودين بصفة مرشوعة يف املنطقة التي أبعدوا‬ ‫منها عىل هذا النحو‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪3‬ـ أن يكون مرتكب الجرمية ملام بالظروف‬ ‫الواقعية التي تقررت عىل أساسها مرشوعية هذا‬ ‫الوجود‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن يرتكب هذا السلوك كجزء من هجوم واسع‬

‫النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان‬ ‫املدنيني وأن يكون الجاين ينوي هذا السلوك وهذا‬ ‫الهجوم الواسع النطاق”‪.‬‬ ‫كام نصت املادة ‪ 8‬من النظام األسايس للمحكمة‬ ‫الجنائية الدولية‪ ،‬عىل أن هذه الجرمية هي جرمية‬ ‫حرب عندما ترتكب يف حالة النزاع املسلح‪ ،‬ولكن‬ ‫يف نفس الوقت أقر هذا النظام بأن هذه الجرمية‬ ‫تنطوي عىل تداخل بني جرائم الحرب والجرائم‬ ‫ضد اإلنسانية‪ ،‬أي أنها من املمكن ارتكابها كجرمية‬ ‫ض ّد اإلنسانية زمني السلم والنزاع املسلح‪.‬‬ ‫أنواع عمليات اإلخالء القرسي‪:‬‬ ‫تجري هذه العمليات من املساكن واألرايض يف‬ ‫املناطق الحرضية والريفية‪ ،‬ويف البلدان النامية‬ ‫واملتطورة عىل حد سواء‪ ،‬ويرتاوح نطاقها بني فرد‬ ‫واحد أو أرسة أو مجموعة أو جامعة واحدة إىل‬ ‫حي بأكمله أو عمليات ترحيل واسعة النطاق‬ ‫تشمل عرشات آالف السكان‪.‬‬ ‫وليست جميع حاالت اإلخالء محظورة مبوجب‬ ‫القانون الدويل لحقوق اإلنسان؛ كأن تكون هناك‬ ‫رضورة إلبعاد األشخاص عن األرايض املعرضة‬ ‫للخطر املحدق بحياتهم‪ ،‬ومع ذلك ينبغي أن‬ ‫تتامىش عمليات اإلخالء مع القوانني الوطنية‬ ‫واملعايري الدولية وفق األصول القانونية‪ ،‬حيث ال‬ ‫يؤدي صدور قرار إداري أو قضايئ وحده بالرضورة‬ ‫إىل حالة إخالء قانونية أو مربرة بأي شكل من‬ ‫األشكال‪ ،‬ما مل ميتثل القرار إىل املعايري الدولية‬ ‫لحقوق اإلنسان وااللتزامات املتصلة بالدولة‪.‬‬ ‫ولكن يف الحاالت األخرى يشكل اإلخالء القرسي‬ ‫انتهاكاً جسي ًام لعدة حقوق من حقوق اإلنسان‬ ‫سواء بشكل مبارش أو غري مبارش‪ ،‬يأيت يف مقدمتها‬ ‫الحق يف الحياة والحق يف عدم الخضوع ملعاملة‬ ‫قاسية أو ال إنسانية أو مهينة‪ ،‬وحق الشخص يف‬ ‫األمن عىل شخصه‪ ،‬والحق يف مستوى معييش‬ ‫مالئم (سكن وغذاء ومرافق صحية الئقة)‪ ،‬كذلك‬ ‫حق الشخص يف عدم التدخل يف خصوصياته أو‬ ‫شؤون أرسته أو بيته‪ ،‬وحرية التنقل واختيار مكان‬ ‫اإلقامة‪ ..‬يضاف إىل ذلك كل من الحق يف الرعاية‬

‫الصحية والتعليم والعمل وامللكية والحق يف‬ ‫االنتصاف الف ّعال‪ ،‬والحق يف التصويت واملشاركة‬ ‫يف إدارة الشؤون العامة‪.‬‬ ‫ويندرج اإلخالء القرسى للسكان بهدف إخراجهم‬ ‫من مناطقهم‪ ،‬ضمن جرائم الحرب وجرائم اإلبادة‬ ‫الجامعية والجرائم ض ّد اإلنسانية وفق قاموس‬ ‫القانون الدويل والقانون الدويل اإلنساين‪.‬‬ ‫وال تنطوي حاالت اإلخالء القرسي بالرضورة عىل‬ ‫استخدام القوة البدنية‪ ،‬فيمكن أن تتم هذه‬ ‫الجرمية باملضايقات والتهديدات أو بأي نوع من‬ ‫أنواع الرتهيب‪ ،‬حيث يكفي جعل بقاء شخص من‬ ‫األشخاص يف املنزل ال يطاق بقطع إمدادات املياه‬ ‫والكهرباء مث ًال‪ ،‬لنشهد حالة إخالء قرسي‪.‬‬ ‫وال ترتبط الحامية لألشخاص من اإلخالء القرسي‬ ‫بحقوق امللكية‪ ،‬فال يتم النظر لنوع الحيازة سواء‬ ‫ملكية أو إيجاراً عاماً أو خاصاً أو سكناً تعاونياً أو‬ ‫ترتيباً جامعياً أو استثامراً أو سكناً طارئاً أو مؤقتاً‬ ‫أو استيطاناً غري نظامي‪.‬‬ ‫ويف سورية يتم اإلخالء القرسي بالقوة املادية‬ ‫املبارشة وبشكل معنوي أيضاً‪ ،‬حيث يستخدم‬ ‫النظام القوة املفرطة والوحشية والتهديد‬ ‫باستخدامها؛ واستخدام االعتقال والحصار‪ ،‬مام‬ ‫يجرب املدنيني واملقاتلني عىل ترك منازلهم وبيوتهم‬ ‫إىل مكان آخر ال ميتّون له بصلة سوى أنه أرض‬ ‫سورية يف حال كان اإلبعاد داخلياً‪ ،‬عىل أمل‬ ‫الرجوع إىل ماض وتاريخ وذكريات تم دفنها مع‬ ‫شهداء ومشاعر وعواطف وضحكات ودموع‬ ‫ولحظات ماتت مع أحبة‪ ،‬مل يبق منها إال األطالل‪،‬‬ ‫التي يعمل النظام عىل محوها واخرتاع واقع جديد‬ ‫يناسبه ويناسب حلفائه املجرمني‪ ،‬الذين يسعون‬ ‫الستيطان وهضم حقوق السكان األصليني لهذه‬ ‫األرايض دون أي وجه حق‪.‬‬ ‫ويبدو أن إعادة الحال اىل ما كان عليه سيكون‬ ‫صعباً ال سيام يف ظل سيطرة النظام عىل السجالت‬ ‫الرسمية الخاصة باألحوال املدنية وامللكيات‬ ‫العقارية‪ ،‬ويف ظل مقدرته عىل إصدار ترشيعات‬ ‫وقوانني تساعده يف طمس معامل هذه الجرائم‬


‫الرابطة السورية للمواطنة‪..‬‬ ‫الدور واألهداف‬

‫‪9‬‬

‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪- 77 -‬‬ ‫‪2016 / 9 / 25‬‬

‫يف وقت أصبحت فيه املواطنة‪ ،‬أكرث من أي‬ ‫وقت مىض‪ ،‬مفهوماً جوهرياً لبناء سورية وطناً‬ ‫لكل مواطنيه‪ ،‬وبعد أن عرفت سورية يف العقود‬ ‫الخمسة األخرية شك ًال فريداً من أشكال االستبداد‬ ‫ُغ ّيبت خالله فكرة املواطنة عن الربامج التعليمية‬ ‫يف املدارس وعن املامرسة يف الحياتني السياسية‬ ‫واالجتامعية‪ ،‬كان البد من خلق كيان مدين سوري‬ ‫يويل األهمية البالغة ملسألة املواطنة‪ ،‬فكان أن‬ ‫ُأسست “الرابطة السورية للمواطنة” (‪)SL4C‬‬ ‫عىل يد مجموعة من السوريات والسوريني يف ‪15‬‬ ‫كانون الثاين ديسمرب ‪.2011‬‬ ‫تعرف الرابطة نفسها عىل أنها‪“ :‬تجمع مدين‬ ‫طوعي لكل من يرغب يف العمل عىل ترسيخ‬ ‫املواطنة وقيمها يف سورية عىل صعيد العالقة بني‬ ‫املواطنني‪ .‬والعالقات بينهم وبني الدولة‪ .‬والعالقات‬ ‫بينهم وبني املحيط الذي يعيشون فيه”‪.‬‬ ‫وتؤكد الرابطة يف موقعها اإللكرتوين أنها “ليست‬ ‫تنظي ًام سياسياً‪ ،‬وإمنا تعمل يف الشأن العام وتسعى‬ ‫إىل أن تكون ذات تأثري يف املجتمع املدين”‪.‬‬ ‫وهي “تؤمن أن أي شكل قد تنتهي إليه األزمة‬ ‫السورية لن يقوى عىل بناء الدولة املدنية‬ ‫الدميقراطية املنشودة‪ ،‬وعىل تحقيق استقرار‬ ‫املجتمع‪ ،‬مامل يقم عىل أساس املواطنة الكاملة”‪.‬‬ ‫مشري ًة إىل أن تلك األسس هي‪“ :‬املواطنة‪ ،‬والحرية‬ ‫واملساواة واملشاركة واملسؤولية‪ .‬مبعنى املشاركة‬ ‫الواعية والفاعلة لكل شخص دون استثناء ودون‬ ‫وصاية من أي نوع يف بناء اإلطار االجتامعي‬ ‫والسيايس والثقايف للدولة”‪.‬‬ ‫وبحسب الدكتور حسان عباس (رئيس الرابطة)‬ ‫فإنه “مع انطالقة انتفاضة الكرامة‪ ،‬يف سورية‬ ‫ملح‪ ،‬أهمية مت ّلك الشباب املشارك‬ ‫ظهرت‪ ،‬بشكل ٍّ‬ ‫يف املظاهرات السلمية لثقافة املواطنة‪ .‬و ّمثة أمران‬ ‫أكدّا هذه األهمية‪ :‬األول هو أن املصطلح صار‪،‬‬ ‫بني عشية وضحاها‪ ،‬مصطلحاً تحشيدياً‪ ،‬تتناقله‬ ‫تبي داللته‬ ‫األدبيات املؤيدة لالنتفاضة دون أن ّ‬ ‫العلمية‪ ،‬ودون أن ّ‬ ‫توضح ما هي مبادئ املواطنة‬ ‫وما هي قيمها‪ .‬أما الثاين فهو أن النظام قد عمل‪،‬‬

‫من األيام األوىل‪ ،‬عىل تقويض البعد املواطني‬ ‫لالنتفاضة من خالل تطييفها أوالً (خطاب بثينة‬ ‫شعبان يف ‪ 26‬آذار ‪ ،)2011‬ومن خالل دفعها‬ ‫بالقوة نحو العسكرة (استخدام العنف بشكل‬ ‫مبكر ومتسارع) ثانياً”‪.‬‬ ‫املواطنة هي الحل األمثل‬ ‫ال تدّعي الرابطة متثيل أشخاص بعينهم‪ ،‬أو‬ ‫مجموعات محددة‪ .‬فهي –والكالم هنا لـ د‪.‬‬ ‫حسانعباس‪(“ -‬جسم مدين) مفتوح أمام كل‬ ‫من يرغب بالعمل من أجل تحقيق املواطنة‬ ‫يف سورية‪ .‬لهذا السبب ال تعتمد الرابطة مبدأ‬ ‫االنتساب‪ ،‬وال بطاقة عضوية‪ ،‬وال رسوم انتساب‪،‬‬ ‫وال هيكلية تراتبية‪ ..‬الرابطة (وهذا ما يفرس‬ ‫اسمها) تربط بني املواطنني السوريني الفاعلني من‬ ‫أجل املواطنة‪ .‬وهذا الربط يكون من خالل العمل‬ ‫يف الربامج واملشاريع القامئة‪ ..‬تطرح الرابطة‪ ،‬أو‬ ‫يضم عدداً‬ ‫تستقبل‪ ،‬برامج عديدة‪ ،‬وكل برنامج ّ‬ ‫من املشاريع‪ ،‬يعمل بها مواطنون مقتنعون‬ ‫بأن املواطنة هي الحل األمثل ملا يعرتض الوطن‬ ‫السوري من تصدّعات‪ .‬رمبا أمكننا القول إن هؤالء‬ ‫هم من متثلهم الرابطة”‪.‬‬ ‫ومن األهداف املحددة للرابطة‪ :‬نرش ثقافة‬ ‫املواطنة وقيمها والدفاع عنها‪ ،‬وتعميق املعرفة‬ ‫بالهوية الوطنية وثقافاتها‪ ،‬وكذلك تعميق الخربات‬ ‫يف قضايا املواطنة‪ ،‬وتكريس مفهوم املساواة يف‬ ‫الحقوق والواجبات بني املواطنني‪/‬ات‪ ،‬والعمل‬ ‫ميدانياً لتكريس مبدأ املشاركة يف الحياة العامة‪،‬‬ ‫وترسيخ ثقافة التشاركية وثقافة التط ّوع يف الحياة‬ ‫العامة‪ ،‬واملساهمة يف تأهيل الكفاءات يف قضايا‬ ‫فض النزاع والسلم األهيل والعدالة االنتقالية‬ ‫وغريها من القضايا امللحة يف املرحلة التي متر بها‬ ‫سورية اليوم‪ ،‬واملساهمة أيضاً يف تحسني أوضاع‬ ‫الالجئني السوريني‪ ،‬واملساهمة يف حامية الرتاث‬ ‫املادي وغري املادي والطبيعي‪.‬‬ ‫وتؤكد أدبيات الرابطة‪ ،‬أن “دولة املواطنة التي‬ ‫تقوم عىل هذه األسس‪ ،‬يتمتع فيها املواطنون‬ ‫بحقوقهم ويلتزمون بواجباتهم دون أي متييز‬

‫عىل أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الجهة‬ ‫أو العقيدة”‪ .‬الفت ًة إىل أنها “منظمة غري ربحية‬ ‫مسجلة يف هولندا”‪.‬‬ ‫مبادئ وقيم املواطنة يف دليل خاص‬ ‫ليس من املبالغة القول إن تغييب فكرة املواطنة‬ ‫يعد –بحسب الخرباء واملختصني‪ -‬سبباً من‬ ‫أسباب الوضع الذي وصلت إليه سورية اليوم‪.‬‬ ‫وقد أظهرت استبيانات وحوارات قام بها فريق‬ ‫من الباحثني السوريني أن “معظم الناس يجهلون‬ ‫املعنى الحقيقي للمواطنة‪ ،‬مبن فيهم أولئك الذين‬ ‫يرفعونها شعاراً لدولة املستقبل”‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق أصدرت الرابطة مؤخراً‪ ،‬بالتعاون‬ ‫مع دار “بيت املواطن”‪ ،‬وبدعم من مؤسسة‬ ‫‪ Hivos‬الهولندية‪ ،‬القسم النظري من “دليل‬ ‫املواطنة”‪ ،‬والذي قام بإعداده فريق من الباحثني‪،‬‬ ‫هم‪ :‬د‪.‬حسان عباس‪ ،‬وصباح الحالق‪ ،‬وماريانا‬ ‫الطباع‪ ،‬وسام جالحج‪ .‬وقام بتنفيذه فنياً فايز عالم‪.‬‬ ‫وقد وضعت الرابطة مرشوع هذا الدليل منذ‬ ‫سنتني تقريباً‪ ،‬وقامت بتطبيق مواده يف ورشها‬ ‫التدريبية عىل املواطنة وقضاياها‪ .‬وهو يتك ّون‬ ‫من جزأين‪ ،‬صدر الجزء األول وهو القسم النظري‪،‬‬ ‫وتم االنتهاء مؤخراً من وضع اللمسات األخرية‬ ‫عىل الجزء الثاين‪ ،‬وهو القسم العميل الذي ستقوم‬ ‫الرابطة بإصداره قريباً بعد إخضاع مواده لالختبار‬ ‫العميل لتاليف ما قد يلقاه الباحثون واملتعاملون‬ ‫معه‪ ،‬من هنات وثغرات فيه”‪.‬‬ ‫ويرشح الدليل بجزئه األول بشكل أسايس معنى‬ ‫املواطنة‪ ،‬واملبادئ التي تقوم عليها وهي أربعة‬ ‫مبادئ أساسية‪ :‬التشاركية‪ ،‬الحرية‪ ،‬املساواة‪،‬‬ ‫املسؤولية‪ .‬ثم يعرض ألربع قيم من قيم املواطنة‬ ‫وهي‪ :‬الكياسة‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والوعي املدين‬ ‫واإلنسانية‪.‬‬ ‫كام يستعرض الدليل بعض القضايا املرتبطة‬ ‫باملواطنة مثل‪ :‬الجندر‪ ،‬العلامنية‪ ،‬الدميقراطية‪،‬‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬التعليم‪ ،‬التنمية املستدامة‪ ،‬املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬والثقافة‪ .‬بأسلوب مكثف لكنه واضح‬ ‫يتناسب مع اآلليات املتبعة يف ورش التمكني‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫سوريا ‪:‬اتفاقية القضاء على جميع‬ ‫أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)‬ ‫المحامية دعد موسى‬ ‫صادقت سوريا عىل اتفاقية القضاء عىل جميع أشكال‬ ‫التمييز ضد املرأة (سيداو) عام ‪ 2002‬باملرسوم‬ ‫الترشيعي ‪330‬‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫اتفاقية (سيداو) صدرت عام ‪ 1979‬دخلت حيز التنفيذ‬ ‫عام ‪ 1981‬تتألف من ديباجة و‪ 30‬مادة‬ ‫وهي تعترب مبثابة إعالن عاملي لحقوق املرأة نظراً ملا‬ ‫تتمتع فيه من شمولية يف معالجة قضايا التمييز ض ّد‬ ‫تنص‬ ‫النساء‪ ،‬وضامن املساواة أمام القانون من حيث ّ‬ ‫عىل اتخاذ التدابري الهادفة إىل تحقيق املساواة الفعلية‬ ‫بني الرجال والنساء يف امليادين السياسية واالقتصادية‬ ‫واالجتامعية‪ ،‬وتلزم الدول بالعمل عىل تعديل األمناط‬ ‫االجتامعية والثقافية للسلوك فيام يتعلق بالجنسني‪.‬‬ ‫كام إنها تطالب باملساواة عىل صعيد الحياة الخاصة‬ ‫والعامة‪ ،‬وقد شملت كافة املجاالت املتعلقة بقضايا‬ ‫املرأة‪ .‬وأهم ما يف االتفاقية أنها تناولت التمييز‬ ‫موضوعاً محدداً وعالجته بعمق وشمولية بهدف‬ ‫إحداث تغيري جذري وفعيل يف أوضاع املرأة‪.‬‬ ‫تعترب (سيداو) األساس القانوين والعميل للقضاء عىل‬ ‫التمييز ض ّد النساء يف العامل‪ ،‬ومبثابة مؤرش عىل التزام‬ ‫الدول األطراف يف االتفاقية بتحقيق املساواة أمام‬ ‫القانون يف ترشيعاتها الوطنية وتعديل ما هو مخالف لها‪.‬‬

‫ورغم تصديق سوريا عليها‪ ،‬تحفظت عىل مواد‬ ‫أساسية يف االتفاقية مبا ال ينسجم مع غرض االتفاقية‬ ‫وجوهرها‪ ،‬والينسجم مع الواقع الفعيل للمرأة‬ ‫السورية‪ ،‬والتحفظات تنسجم جميعها مع الوضع‬ ‫القانوين التمييزي ض ّد النساء السوريات‪ .‬وبالعودة‬ ‫إىل تلك التحفظات نجدها ترتكز عىل املساواة أمام‬ ‫القانون‪ ،‬وخاصة ما يتصل باملرأة لناحية عالقاتها‬ ‫األرسية وحياتها الخاصة‪.‬‬ ‫فاملادة ‪ 2‬تنص عىل‪“ :‬تشجب الدول األطراف جميع‬ ‫أشكال التمييز ض ّد املرأة‪ ،‬وتوافق أن تنتهج‪ ،‬بكل‬ ‫الوسائل املناسبة ودون إبطاء‪ ،‬سياسة القضاء عىل‬ ‫التمييز ض ّد املرأة وتحقيقاً لذلك‪ ،‬تتعهد بالقيام مبا ييل‪:‬‬ ‫تجسيد مبدأ املساواة بني املرأة والرجل يف دساتريها‬ ‫الوطنية أو ترشيعاتها املناسبة األخرى‪ ،‬إذا مل يكن‬ ‫هذا املبدأ قد أدمج فيه حتى اآلن‪ ،‬وكفالة التحقيق‬

‫العميل لهذا املبدأ من خالل القوانني والوسائل املناسبة‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫اتخاذ التدابري الترشيعية املناسبة وغريها من اإلجراءات‬ ‫الرضورية‪ ،‬مبا يف ذلك ما يقتيض األمر من جزاءات‬ ‫لحظر كافة أشكال التمييز ض ّد املرأة‪.‬‬ ‫إقرار الحامية القانونية لحقوق املرأة عىل قدم املساواة‬ ‫مع الرجل‪ ،‬وضامن الحامية الفعالة للمرأة من أي عمل‬ ‫متييزي‪ ،‬عن طريق املحاكم الوطنية ذات االختصاص‬ ‫واملؤسسات العامة األخرى‪.‬‬ ‫االمتناع عن االضطالع بأي عمل أو مامرسة متييزية ض ّد‬ ‫املرأة‪ ،‬وكفالة ترصف السلطات واملؤسسات العامة مبا‬ ‫يتفق وهذا االلتزام‪.‬‬ ‫اتخاذ جميع التدابري املناسبة للقضاء عىل التمييز ضد‬ ‫املرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة‪.‬‬ ‫اتخاذ التدابري املناسبة مبا يف ذلك الترشيعية‪ ،‬لتعديل‬ ‫أو إلغاء القوانني واألنظمة واألعراف واملامرسات‬ ‫القامئة التي تشكل متييزاً ضد املرأة‪.‬‬ ‫إلغاء جميع قوانني العقوبات الوطنية التي تشكل‬ ‫متييزاً ضد املرأة”‪.‬‬ ‫إن التحفظ عىل هذه املادة ينايف روح وجوهر‬ ‫االتفاقية‪ ،‬وسببه التمييز املوجود يف الدستور وقوانني‬ ‫األحوال الشخصية وقانون العقوبات وقانون الجنسية‬ ‫واألعراف واملامرسات التمييزية ض ّد النساء‪ ،‬وعدم‬ ‫وجود أليات لحامية النساء من التمييز‪ ،‬بل وعىل‬ ‫العكس مامرسة التمييز ضدهنّ عىل الصعد كافة‪.‬‬ ‫املادة ‪1-“ :9‬متنح الدول األطراف املرأة حقاً متساوياً‬ ‫لحق الرجل يف اكتساب جنسيتها أو االحتفاظ بها أو‬ ‫تغيريها‪ ،‬وتضمن بوجه خاص أال يرتتب عىل الزواج من‬ ‫أجنبي أو تغيري جنسية الزوج أثناء الزواج‪ ،‬أن تتغيري‬ ‫جنسية الزوجة أو أن تصبح بال جنسية أو أن تفرض‬ ‫عليها جنسية زوجها‪2- .‬متنح الدول األطراف املرأة حقاً‬ ‫متساوياً لحق الرجل فيام يتعلق بجنسية أطفالها”‪.‬‬ ‫تحفظت سوريا عىل هذه املادة الفقرة ‪ 2‬لتعارضها مع‬ ‫قانون الجنسية الذي مينع املرأة السورية من حق منح‬ ‫الجنسية ألبنائها‪.‬‬ ‫املادة ‪ 15‬فقرة ‪“ :4‬متنح األطراف الرجل واملرأة نفس‬ ‫الحقوق فيام يتعلق بالقانون املتصل بحركة األشخاص‬

‫وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم”‪ .‬فيام ماتزال‬ ‫املرأة السورية محرومة من التن ّقل‪.‬‬ ‫املادة ‪ - 1“ :16‬تتخذ الدول األطراف جميع التدابري‬ ‫املناسبة للقضاء عىل التمييز ضد املرأة يف كافة األمور‬ ‫املتعلقة بالزواج والعالقات األرسية‪ ،‬وتضمن بوجه‬ ‫خاص‪ ،‬عىل أساس تساوي الرجل واملرأة‪:‬‬ ‫أ‪ -‬نفس الحق يف عقد الزواج‪.‬‬ ‫ب‪ -‬نفس الحق يف حرية اختيار الزوج‪ ،‬ويف عدم عقد‬ ‫الزواج إال بالرضا الحرالكامل‪.‬‬ ‫ج‪ -‬نفس الحقوق واملسؤوليات أثناء الزواج وعند‬ ‫فسخه‪.‬‬ ‫د‪ -‬نفس الحقوق واملسؤوليات كوالدة‪ ،‬بغض النظر‬ ‫عن حالتها الزوجية‪ ،‬يف األمور املتعلقة بأطفالها‪ ،‬ويف‬ ‫جميع األحوال‪ ،‬تكون مصالح األطفال هي الراجحة‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬نفس الحقوق يف أن تقرر بحرية وبشعور من‬ ‫املسؤولية عدد أطفالها والفرتة بني طفل وآخر‪ .‬ويف‬ ‫الحصول عىل املعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة‬ ‫بتمكينها من مامرسة هذه الحقوق‪.‬‬ ‫و‪ -‬نفس الحقوق واملسؤوليات فيام يتعلق بالوالية‬ ‫والقوامة والوصايا عىل األطفال وتبنيهم‪ ،‬أو ما شابه‬ ‫ذلك من األنظمة املؤسسية االجتامعية‪ ،‬حيث توجد‬ ‫هذه املفاهيم يف الترشيع الوطني‪ ،‬ويف جميع األحوال‬ ‫تكون مصالح األطفال هي الراجحة‪.‬‬ ‫ز‪ -‬نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫الحق يف اختيار اسم األرسة‪ ،‬واملهنة‪ ،‬والوظيفة‪.‬‬ ‫ح‪ -‬نفس الحقوق لكال الزوجني فيام يتعلق مبلكية‬ ‫وحيازة املمتلكات‪ ،‬واإلرشاف عليها‪ ،‬وإدارتها‪ ،‬والتمتع‬ ‫بها‪ ،‬والترصف فيها‪ ،‬سواء بال مقابل أو مقابل عوض‬ ‫ذي قيمة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ال يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوين‪،‬‬ ‫وتتخذ جميع اإلجراءات الرضورية‪ ،‬مبا فيها الترشيع‪،‬‬ ‫لتحديد سن أدىن للزواج ولجعل تسجيل الزواج يف‬ ‫سجل رسمي أمراً إلزامياً”‪.‬‬ ‫لقد تحفظت سوريا عىل الفقرات ‪(1‬ج‪-‬د‪-‬و‪-‬ز )‬ ‫والفقرة‪ ، 2‬والسبب يف ذلك يعود إىل التمييز ضد املرأة‬ ‫داخل األرسة ويف العالقة الزوجية وحياتها الخاصة‬ ‫املكرس يف قوانني األحوال الشخصية واألحوال املدنية‪.‬‬


‫يوميات ياسمين (‪)11‬‬

‫‪11‬‬

‫سالم الغوطاني‬

‫العدد ‪- 77 -‬‬

‫عندك ْأن تقوم ابنتك‬ ‫الحاصل ِ‬ ‫“ياسمني” ِب َه ّم ِك!‬ ‫آه يا أمي لو تعرفني مدى‬ ‫استجدايئ ومعانايت واالبتزاز‬ ‫الذي تعرضت له؛ ليك‬ ‫لك عىل كريس نقال‬ ‫أحصل ِ‬ ‫يساعدك عىل الحركة بدوين‪،‬‬ ‫يعجبك ألنه يعمل‬ ‫ولكنه مل‬ ‫ِ‬ ‫بال “ياسمني”‪ .‬فاملعنيون‬ ‫اإلنسان ّية‬ ‫باملساعدات‬ ‫والطب ّية يحتاجون لجهو ٍد‬ ‫كبري ٍة إلقناعهم؛ فالحاالت‬ ‫كثرية وهم يسرتزقون‪ .‬فمن‬ ‫جه ٍة إىل أخرى‪ ،‬ومن تقري ٍر‬ ‫طبي إىل آخر‪ ،‬وال تنيس‬ ‫ٍّ‬ ‫االستشارات والطب الشعبي‬ ‫ومن هذه القصص التي ال‬ ‫تنفع حتى للتسل ّية‪..‬‬ ‫ملاذا أعاتب وملن أشتيك؟‬ ‫ملاذا هذه الذاكرة ا ُمل ِل ّحة‬

‫‪2016 / 9 / 25‬‬

‫لوحة للفنان ديالور عمر بعنوان “قصة الجئة”‬

‫لوحة للفنان ديالور عمر‬

‫شهادات‬

‫ْ‬ ‫تلقت خرباً عن ابنها‪ُ “ :‬قتل تحت التعذيب”!‬ ‫فانجلطت ُ‬ ‫وصادم‬ ‫أليم‬ ‫ٌ‬ ‫وش ّلت نصفياً‪ .‬خ ٌرب ٌ‬ ‫ُ‬ ‫تحرض‬ ‫للجميع! كيف؟ متى؟ أين؟ ملاذا؟‪..‬‬ ‫جميع أدوات االستفهام واالستغراب دفعةً‬ ‫واحد ًة وال مجيب عن الالمعقول إال التأقلم‬ ‫معه‪ .‬فكرت األم مبعقول ّية لربه ٍة‪“ :‬لـم يكن‬ ‫فيه ع ّلة ملا اعتقلوه! فكيف ميوت؟” ولكن‬ ‫دماغها مل يستوعب هول الخرب‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫كان الخ ُرب ٌ‬ ‫وأعظم‪.‬‬ ‫أجل‬ ‫عليك‬ ‫ُ‬ ‫جلل‪ ،‬ووقعه ِ‬ ‫خ ٌرب أو إشاع ُة ال فرق؛ ففي سور ّية‪ ،‬ال متييز‬ ‫بينهام‪ ،‬إال بعد فوات األوان‪ ،‬يف هذا الليل‬ ‫الطويل الطويل والذي تبدو فيه ّ‬ ‫“كل‬ ‫البقرات سوداوات”! آه يا أمي آه‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫أطالل األحداث واألماكن‬ ‫تدور يف ذاكريت‬ ‫ّ‬ ‫املهشمة وتذريها‬ ‫فتحن فضالت روحي‬ ‫للجحيم‪ ..‬هل للروح فضالت كام للجسم؟‬ ‫وهل علينا االنتهاء من إعادة تدويرها كام‬ ‫نفعل مع فضالتنا؟ رمبا‪ .‬ولكن ما السبيل‬ ‫لدفن ذاكرتنا مرة وإىل األبد؟ يا لهول‬ ‫الذاكرة‪ ،‬ذاكرتنا!‬ ‫تضغط ع ّ‬ ‫النصفي يا أمي‪،‬‬ ‫شللك‬ ‫حالة‬ ‫يل‬ ‫ّ‬ ‫واملسؤوليات امللقاة عىل عاتقي لغياب‬ ‫ال ِرجال وحضور الشياطني‪ .‬وتضيق علينا‬ ‫غرفتنا التي رمبا لقبور املسؤولني ببلدنا ما‬ ‫وأنت‬ ‫بك برىض؟ ِ‬ ‫هو أوسع منها! ملاذا أعتني ِ‬ ‫التي طردتني وأوالدي باإلضافة ألختي‬ ‫إليك! وتركتينا يف حال‬ ‫وأوالدها عندما لجأنا ِ‬ ‫لجأت إلينا‬ ‫سبيلنا نتدبر أمرنا متوحدين‪ .‬ثم ِ‬ ‫بك‪ .‬ملاذا؟ هل‬ ‫بعد شللك‬ ‫النصفي لنعتني ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫كنا حقاً ببيوتنا يوماً وط ِردنا منها؟! ال أدري‪..‬‬ ‫وبالرغم من معرفتنا الالحقة َّأن الخ َرب‬ ‫كاذب‪ ،‬وأخي ما زال حياً يف أقبية األمن‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫حالتك مل تتحسن‪ ،‬وكأنك تعاقبني‬ ‫أن‬ ‫إال‬ ‫ِ‬ ‫بشعورك بالذنب‪ .‬لدرجة‬ ‫نفسك وتعاقبينا‬ ‫ِ‬ ‫أنك غري قادرة عىل فعل يشء إال الظهور‬ ‫ِ‬ ‫مظهر الطفلة العاجزة‪ .‬فمن باب تحصيل‬

‫من غري قصد؟ إنها ُتذكرنا بوجعنا‪ ،‬عجزنا‪ ،‬خوفنا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫العاقي باألبوين‪“ .‬ميكن‬ ‫مبصاف‬ ‫خذالننا‪ ..‬وتجعلنا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الغلب أليل أنا فيه‪ ،‬ههههههه‪ّ ،‬‬ ‫نشط ذاكريت! ما‬ ‫َّ‬ ‫بعرف‪ .‬يوم طردتنا من بيتك املكون من غرفتني‬ ‫كام ُطردنا من بيوتنا‪ -‬والذي كنت قد استأجرتيه‬‫بعدما تهجرنا كلنا من بيوتنا وال يوجد لنا أي مكان‬ ‫نذهب إليه أنا وأوالدي األربعة وأختي وأوالدها‪..‬‬ ‫حجتك أن البيت‬ ‫كنت قو ّية يف ذاك الوقت وكانت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اليتسع لنا جميعا”‪ً.‬‬ ‫آه يا أمي الضعيفة اآلن ماذا نفعل؟ أين نذهب؟‬ ‫ُ‬ ‫األرض فتُفتح السامء‪ ..‬هل ُف ِتحت األرض‬ ‫تنسدُّ‬ ‫يوماً وانسدّت السامء؟! آه يا أمي‪ ،‬آه يا الله‪ ،‬فالله‬ ‫دامئاً أكرب!‬ ‫يتبع‪..‬‬


‫نساء في مخيمات اللجوء‪..‬‬

‫‪12‬‬

‫ضحايا مختلف أشكال العنف واإلساءة‬ ‫ّ‬ ‫وهن ضحايا الحرب‬ ‫غياث الجندي‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫إذا كانت حتمية االنهيار السوري كارثية عىل السوريني‬ ‫مبجملهم‪ ،‬فإنها أكرث كارثية عىل النساء السوريات‪ .‬لقد‬ ‫اضط ّرت النساء السوريات إىل املجازفة والهروب من‬ ‫جحيم ما يحصل يف سورية نحو مخيامت اللجوء ا ُملنترشة‬ ‫يف الدول املجاورة أو اليونان وغريها من الدول األوربية‪.‬‬ ‫يف مخيامت اللجوء‪ ،‬ال تقل الحياة بشاعة بالنسبة للنساء‬ ‫ّ‬ ‫عم شاهدن يف سورية قبل الرحيل‪ ،‬باستثناء النجاة من‬ ‫ً‬ ‫القذائف والرباميل املتفجرة‪ .‬ففي لبنان مثال‪ ،‬تع ّرضت‬ ‫النساء السوريات ‪-‬ومن ضمنهنّ فتيات بعمر الطفولة‪-‬‬ ‫إىل االستغالل الجنيس البشع من قبل أشخاص من املفرتض‬ ‫أنهم يقومون بحمياتهن بعد هروبهن نحو النجاة‪.‬‬ ‫لقد خريت النساء ما بني اإلهانة والذل والجوع‪ ،‬وبني‬ ‫التنازل عن كرامتهن‪ .‬ففي تقرير عرضته مؤخراً “القناة‬ ‫الرابعة” الربيطانية (قمت بتحريره وترجمته) تكلمت‬ ‫أكرث من خمس نساء عن معاناتهنّ يف مخيامت اللجوء‬ ‫اللبنانية‪ .‬يف نفس الربنامج تكلمت سيدة من ريف دمشق‬ ‫كيف اشرتط أحد موزعي وقود التدفئة عليها أن تزوره يف‬ ‫بيته لتحصل عىل الوقود وحني رفضت ذلك بشدة وبينت‬ ‫له كيف فقدت زوجها يف قصف النظام للمنطقة السكنية‪،‬‬ ‫“تنازل” الشخص وقال لها ميكن البنتك (‪ 13‬سنة) أن تقوم‬ ‫باملهمة! مل تكن تلك إال واحدة من عرشات الحاالت التي‬ ‫حصلت وتحصل كل يوم يف تلك املخيامت‪ .‬هناك‪ ،‬يف تلك‬ ‫املخيامت‪ ،‬ال يوجد مساعدات إنسانية لالجئني بشكل‬ ‫عام‪ ،‬أو هنالك مساعدات شحيحة تضمن لهم بقاءهم‬ ‫اليومي فقط‪ .‬وليس هناك أي مقومات تضمن للنساء‬ ‫السوريات األمان‪ .‬معظم النساء الالجئات يف املخيامت‬ ‫فقدن أباءهن أو أزواجهن يف الحرب‪ ،‬وهذا يجعلهنّ‬ ‫فريسة سهلة ألصحاب السلطة يف املخيامت‪ .‬أيضاً تنبع‬ ‫هذه الحالة من الصورة املجتمعية والدينية السائدة أن‬ ‫النساء فقط “يسرتهن” الزواج‪.‬‬

‫يف نفس املخيامت ومخيامت يف بلدان أخرى من ضمنها‬ ‫األردن وتركيا‪ ،‬قامت مجموعات تعمل يف املخيامت‬ ‫برتتيبات مشينة تكللت بالزواج املبكر لفتيات سوريات‬ ‫تحت السن القانوين لرجال تبلغ أعامرهم أضعاف أعامر‬ ‫الفتيات املتزوجات‪ ،‬هم من دول الخليج ودول عربية‬ ‫أخرى‪ .‬لقد م ّرت هذه الحاالت بصمت مخيف؛ حيث‬ ‫ال تحظى هذه الفتيات وال حتى النساء بأدىن ح ّد من‬ ‫الحامية القانوية‪ ،‬وال توجد أيضاً أي عمليات توعية‬ ‫ألهايل الفتيات‪ ،‬ناهيك عن الوضع املادي لألهايل هناك‪،‬‬

‫والحاجة املاسة للناس للخروج من أجواء‬ ‫املخيامت السيئة بأي طريقة‪ .‬مل تكن هنالك‬ ‫خيارات أخرى أمام النساء والفتيات‪ ،‬ولكن كان‬ ‫هنالك خيار وهدف واضح أمام املجموعات‬ ‫تلك؛ أال وهو استغالل هؤالء الفتيات‪ .‬إنها‬ ‫ثقافة استغالل النساء وخصوصاً يف فرتة األزمات‬ ‫كاألزمة السورية الحالية‪.‬‬ ‫أ ّما يف مخيامت اللجوء اليونانية حيث يوجد‬ ‫أكرث من ‪ 55000‬الجئ والجئة عالقني يف ظروف‬ ‫شديدة الصعوبة‪ ،‬حيث ال توجد مساعدات‬ ‫وال أماكن تتوفر فيها أدىن مقومات الحياة‪،‬‬ ‫تبقى النساء يف قمة املترضرات من الظروف‬ ‫املفروضة عليهن‪ .‬فباإلضافة إىل غياب الدعم‬ ‫الحكومي واملؤسسايت‪ ،‬وغياب املنظامت املعنية‬ ‫بحقوق املرأة بشكل عام‪ ،‬تعيش النساء يف جو‬ ‫مشحون بالخوف والقلق من الظروف السائدة‬ ‫ضمن هذه املخيامت‪.‬‬ ‫أكرث من ‪ 400‬امرأة قلن إنهنّ تع ّرضنّ للتحرش‬ ‫الجنيس من قبل رجال من جنسيات مختلفة‪،‬‬ ‫مبا فيها الجنسية السورية م ّمن يعيشون ضمن‬ ‫املخيامت! وذلك يف إطار مجموعة مقابالت‬ ‫أجريت مع أكرث من ‪ 500‬امرأة وفتاة‪ ،‬وعدد‬ ‫رصحن‬ ‫كبري من هؤالء الفتيات والنس ّوة ّ‬ ‫بأنهنّ ال يتجرأن عىل الخروج خارج الخيم أو‬ ‫الكرافانات‪ ،‬حيث يخشني التحرش الجنيس‬ ‫اللفظي أو الجسدي‪ .‬هنالك عدد كبريمن النساء‬ ‫يف املخيامت اللوايت يعشن مع أطفالهن‪ ،‬حيث‬

‫ينتظرن ّمل الشمل ألزواجهن يف البلدان األوربية‬ ‫أو هنّ نساء فقدن أزواجهن يف الحرب السورية‬ ‫أو يف أماكن احتجاز النظام‪.‬‬ ‫قد يبدو الوضع القانوين بالنسبة للنساء يف‬ ‫اليونان أفضل منه يف الدول املحيطة بسورية‬ ‫مثل لبنان ومرص واألردن وتركيا‪ ،‬لكن هنالك‬ ‫عقبات كثرية تواجهها املرأة كذلك‪ ،‬أ ّولها عدم‬ ‫موحدة من الحكومة اليونانية‬ ‫وجود خطة ّ‬ ‫لحامية النساء‪ ،‬باإلضافة إىل تردّد النساء يف‬ ‫التقدم بشكوى ض ّد املتحرشني خوفاً من‬ ‫املجتمع املحيط يف املخيامت‪ ،‬وخوفاً من خطر‬ ‫وقوف املجتمع ض ّد املشتكيات واتهامهنّ ‪:‬‬ ‫“بأنها هي أصل املشكلة” وبغريها من املفاهيم‬ ‫املجتمعية السائدة‪.‬‬

‫األسوأ من كل هذه الظروف التي تعيشها‬ ‫النساء يف تلك املخيامت‪ ،‬تبقى الفتيات‬

‫الصغريات واألطفال بشكل عام بدون أي عملية‬ ‫تعليمية أو توعوية‪ .‬واذ تغيب عن املشهد قضايا‬

‫الزواج املبكر‪ّ ،‬‬ ‫فإن قضايا التحرش الجنيس بالفتيات‬

‫القارصات موجودة وبكثافة داخل املخيامت‪.‬‬ ‫هذه الصورة القامتة ألوضاع النساء يف مخيامت‬ ‫اللجوء تحتاج إىل حلول عاجلة من ضمنها‬ ‫الوضع الفوري آلليات حامية قانونية وإنسانية‬ ‫تضمن للنساء األمان ومتنع زواج القارصات‬ ‫اللوايت هن عرضة للعنف واإلساءة‪ .‬وأيضاً‬ ‫ينبغي وضع آليات توعوية للرجال من أجل‬ ‫الح ّد من التحرش الجنيس بالنساء‪.‬‬


‫ ‬

‫المرأة السورية والثورة‬ ‫‪13‬‬

‫جورج كتن‬

‫*‪ -‬وضع النساء يف ظل حكم النظام السوري‪:‬‬

‫ال يتقدم النظام االستبدادي رغم ادعائه العلامنية‬ ‫كثرياً يف مجال التعامل مع املرأة قبل الثورة واثنائها‪،‬‬ ‫قانونه لألحوال الشخصية ترك للمؤسسات الدينية‬ ‫حر ّية الترصف فيام يتعلق بالترشيع‪ .‬وهو قانون ُي ّيز‬ ‫بني املرأة والرجل يف امور الزواج والطالق والوصاية‬ ‫واالرث وغريها‪ .‬فاملرأة ال تستطيع تزويج نفسها دون‬ ‫موافقة ويل امرها‪ ،‬حتى يف حالة طالقها او وفاة زوجها‪،‬‬ ‫ويف الزواج املختلط يحق للمسلم ان يتزوج من غري‬ ‫املسلمة فيام ال يحق للمسلمة ان تتزوج من غري‬ ‫املسلم‪ ،‬وترفض السلطة اصدار قانون للزواج املدين‪.‬‬ ‫املرأة السورية محرومة من اعطاء جنسيتها الوالدها‪،‬‬ ‫وهناك قيود عىل تنقلها وسكنها‪ ،‬وال يعاقب القانون‬ ‫اجبار الزوج لزوجته عىل املعارشة‪ ،‬ويعفى املغتصب‬ ‫من العقوبة فيام لو تزوج من ضحيته!!‪ .‬وطوال حكم‬ ‫البعث عوقبت ما ُي ّس ب”جرائم الرشف” بالسجن‬ ‫ألشهر ال أكرث إىل أن ُرفعت ل‪ 5‬سنوات‪ ،‬دون الوصول‬ ‫لعقوبة القتل العمد املشابهة لها التي تحكم باملؤبد‬ ‫او االعدام‪ّ ،‬‬ ‫شجع عىل ارتكاب عمليات قتل واسعة‬ ‫مم ّ‬ ‫للنساء بحجة “الرشف!”‪.‬‬ ‫كام ضيق النظام عىل أي نشاط نسايئ مستقل لتحصيل‬ ‫حقوق املرأة‪ ،‬وعىل الجمعيات النسائية املدنية حتى‬ ‫ا ُملش ّكلة قبل االستقالل أوبعده‪ ,‬والتي كان لها دور‬ ‫كبري يف نضال املرأة من جل حقوقها‪ ،‬وقام بتحويل‬ ‫االتحاد النسايئ من “نقابة” تدافع عن املرأة وحقوقها‬ ‫اىل جهاز سيايس تابع لالمن ُيق ّيد أي نشاط نسايئ‬ ‫سيايس أو اجتامعي أو ثقايف لضبطه ضمن توجهات‬

‫*‪ -‬وضع النساء يف ظل حكم النظام السوري‪:‬‬

‫ليست حال املراة بأفضل يف املناطق التي خرجت عن‬ ‫سيطرة النظام‪ ،‬بل إ ّنها اسوأ حسب الفصائل املسلحة‬ ‫املهيمنة عليها والتي ترتاوح من أقىص التشدّد كام يف‬ ‫مناطق داعش اىل الفصائل االسالمية املعتدلة‪ .‬فبدل أن‬ ‫تم التضييق‬ ‫تجد املرأة حرية أوسع يف املناطق ا ُملح ّررة ّ‬ ‫عليها وفقدت حقوقاً كانت قد حصلت عليها بنضال‬ ‫طويل‪ .‬وذلك ملا يسود يف اوساط الفصائل االسالمية‬ ‫من مفاهيم متخلفة تصنف املرأة يف مرتبة أدىن من‬ ‫الرجل‪ ،‬حيث املرأة “ناقصة عقل ودين” مهمتها منزلية‬ ‫فقط لرعاية اوالدها وارضاء زوجها القوام عليها‪.‬‬ ‫عال صوت السالح عىل أصوات الناس ا ُملطالبة بالحرية‬ ‫للجميع‪ ،‬بحيث أصبحت السياسة تنبع من فوهة‬ ‫البندقية‪ ،‬فحامل السالح ال يتحكم فقط يف السياسة‬ ‫العامة بل عمل لفرض قيود اجتامعية متشددة عىل‬ ‫الجميع وخاصة النساء‪ ،‬وب ّرر ذلك بنصوص دينية‬ ‫وعرف سائد‪ ،‬باإلضافة لبنية ُمجتمع ّية ُمتخل ِفة ذكور ّية‬ ‫التوجه وخاصة يف األرياف‪ ،‬تنسجم مع ما يهدف‬ ‫اليه االسالم السيايس من ابقاء املرأة ضمن قيودها‬ ‫ومنعها من تحصيل حرياتها‪ .‬وافضل مثال عىل التعامل‬ ‫مع املرأة الناشطة خطف “رزان زيتونة” و”سمرية‬ ‫الخليل” ورفاقهم اثناء تأديتهم واجبهم الثوري يف‬ ‫مناطق يهيمن عليها االسالم السيايس‪.‬‬ ‫التضييق عىل الحريات يف “املناطق املحررة” يتناول‬ ‫الجميع رجاالً ونساء‪ ،‬لكنه اكرث قساوة بالنسبة‬ ‫للمرأة‪ .‬وبذلك تراجعت املشاركة الواسعة للمرأة‬ ‫يف الفرتة السلمية اىل أدوار ثانوية تكاد ال تتجاوز‬ ‫ا ُملق ّرر لها حسب النصوص املستقاة من الدين‪ ،‬فيام‬ ‫عدا بعض النشاطات االغاثية ‪ .‬أ ّما يف املجال القتايل‬ ‫فقد اقترصت عىل مشاركة جزئية‪ ،‬كام يف امللتحقات‬ ‫بالقوات الكردية‪ ،‬او قوات النظام حيث اوكل ملجندات‬

‫تفتيش النساء عىل الحواجز‪ ،‬أو ارشاكها مبناطق داعش‬ ‫يف كتائب امنية نسائية خاصة مبالحقة النساء وقمع‬ ‫مخالفاتهن للقيود املفروضة‪.‬‬

‫*‪ -‬املشاركة السياسية للمرأة السورية‪:‬‬

‫مشاركة املرأة يف املجال السيايس وصنع القرار كانت‬ ‫محدودة جداً يف أوساط الهيئات السياسية ا ُملعارضة‬ ‫كاالئتالف واملجالس املحلية رغم اعتبارها املؤسسات‬ ‫االكرث تقدماً يف أوساط املعارضة‪ ،‬ويكاد يكون متثي ًال‬ ‫شكلياً او نوعاً من الديكور الظهار اإلئتالف بوجه‬ ‫“حضاري” امام الجهات الداعمة‪ ,‬ورمبا ينتظر املرأة‬ ‫مستقبل اسوأ يف حالة وصول تنظيامت االسالم‬ ‫السيايس للسلطة‪.‬‬ ‫ما ميكن استنتاجه من مسرية الحراك النسايئ السوري‬ ‫أن املرأة لن تحصل عىل حقوقها إ ّال يف ظل نظام‬ ‫دميقراطي علامين يقطع الطريق عىل تطبيق رشائع‬ ‫دينية ال تتوافق مع العرص ومع املسرية االنسانية‬ ‫الحضارية‪.‬‬ ‫الثورة ال تكون ثورة فع ًال إن اقترصت عىل اسقاط‬ ‫نظام ليليه آخر ُيعيد التضييق عىل الحريات وبشكل‬ ‫خاص حرية املراة التي يقاس بها مدى تقدم البلدان‬ ‫والشعوب‪ .‬لن تكون ثورة إن مل تسن قوانني تقدمية‪،‬‬ ‫تناقش مسوداتها منذ اآلن‪ ،‬وبخاصة قانون عرصي‬ ‫لالحوال الشخصية يعتمد كمرجعية االعالن العاملي‬ ‫لحقوق االنسان والعهود واالتفاقيات الدولية املتممة‬ ‫له‪ ،‬والخطوة االوىل يف هذا املجال تشكيل منظامت‬ ‫نسائية ال تتبع النظام او املعارضة او اية جهة سياسية‪،‬‬ ‫متثل املرأة وتعمل من اجل حقوقها ومساواتها بالرجل‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫شاركت املراة السورية اىل جانب الرجل يف الثورة‬ ‫السلمية ض ّد النظام االستبدادي الذي اذاق السوريني‬ ‫رجاالً ونسا ًء دون تفريق اشكاالً ُمتعدّدة من القمع‬ ‫واالذالل‪ .‬وكانت مشاركتها الواسعة يف املرحلة السلمية‬ ‫يف التظاهر واالعتصامات والقاء الخطب يف التجمعات‬ ‫الشعبية وتوزيع النرشات واالشرتاك يف اطالق االحزاب‬ ‫الجديدة وتحرير صحف الثورة وتشكيل التنسيقيات‬ ‫والنشاطات االغاثية وغريها‪ .‬كام نالت نصيبها من‬ ‫االعتقال واالختطاف والتعذيب والقتل واالغتصاب‬ ‫والرتحيل واللجوء‪ ،‬وتحملت املسؤولية عن اعالة ارستها‬ ‫عند اعتقال او استشهاد املعيل‪ .‬وقد تراجع هذا الدور‬ ‫عند االنتقال ملرحلة حمل السالح بعد هيمنة الفصائل‬ ‫االسالمية املسلحة‪.‬‬

‫السلطة‪ .‬فيام سمح رغم علامنيته املزعومة بانتشار‬ ‫تنظيم “القبيسيات” الرجعي ا ُملك ّرس لتطبيق قيود‬ ‫متشددة عىل املرأة واملجتمع‪ .‬وانضم ل”االتفاقية‬ ‫الدولية للقضاء عىل جميع اشكال التمييز ضد املرأة‪-‬‬ ‫سيداو”‪ ،‬لكنه تح ّفظ عىل مواد فيها تناقض تعامله‬ ‫التمييزي ض ّد املرأة‪ .‬كام تعامل مع االعالن العاملي‬ ‫لحقوق االنسان واالتفاقيات الدولية املشابهة بانتقائية‬ ‫تفقدها تأثريها يف تطوير حقوق السوريني من نساء‬ ‫ورجال‪.‬‬


‫شذرات نسوية‬ ‫‪14‬‬ ‫جمال سعيد‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫‪1‬‬ ‫عىل الرغم من التضييق عليهن‪ ،‬يندر وجود‬ ‫مرحلة من تاريخ املجتمعات البرشية ال حضور‬ ‫فيها للنساء يف الحياة السياسية والثقافية أو سواها‬ ‫من الفعاليات املرتبطة مبا اصطلح عىل تسميته‬ ‫“البنية الفوقية”‪ .‬ارتبط حضور املرأة‪ ،‬بعد نشوء‬ ‫املجتمع األبوي الذكوري‪ ،‬بظروف أو طاقات‬ ‫استثنائية متتعت بها بعضهن‪ ،‬األمر الذي أتاح بروز‬ ‫دور هذه املرأة أو تلك يف ظل الهيمنة الذكورية‪.‬‬ ‫ويف أغلب األحوال تحولت املرأة إىل جزء من أرسة‬ ‫(سواء كانت زوجة أو ابنة أو أماً أو أختاً) يسيطر‬ ‫عليها الذكر‪ .‬ومن الجوانب التي أكدت سيطرة‬ ‫الذكور ثقافة جعلت املرأة سلسلة من العورات‪،‬‬ ‫عليها صيانتها‪ ،‬ال من أجل نفسها بل من أجل‬ ‫غريها‪ ،‬وتلك الثقافة تربط رشف الرجل باملرأة ‪،‬‬ ‫(ال بصدقه أو شهامته أو حلمه) بل بجانب من‬ ‫سلوكها أو جسدها‪ .‬ويف هذا اإلطار ارتبطت‬ ‫الشتائم بجسد املرأة أيضاً‪ ،‬ومبيدان الجنس عىل‬ ‫وجه التحديد‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫م ّر زمن طويل عىل انطالقة الحوار يف الثقافة‬ ‫العاملية والعربية حول مسألتي تح ّرر املرأة‬ ‫واملساواة بني الجنسني‪ .‬يذكر بعض أبناء جييل‬ ‫أبحاث “قاسم أمني” مث ًال‪ ،‬وأغلبهم يذكرون‬ ‫أبحاث الدكتورة “نوال السعداوي”‪ ،‬التي انشغلت‬ ‫وشغلت القراء العرب بأبحاث جريئة يف سبعينيات‬ ‫ومثانينيات القرن املايض تحت عناوين مثل “املرأة‬ ‫والجنس” و”الرجل والجنس” و “األنثى هي‬ ‫األصل” وغريها‪ ،...‬ويذكر البعض‪ ،‬رمبا‪ ،‬وجهة‬ ‫نظر الراحل “جورج طرابييش” يف سياق انتقاده‬ ‫للسعداوي التي اعتربها (أنثى ضد األنوثة) انطالقاً‬ ‫من ّأن تح ّرر املرأة ال يعني إعدام األنوثة‪ ،‬واملساواة‬ ‫مع الرجل ال تعني تحول األنوثة إىل ذكورة‪ ،‬بل‬ ‫تعني إتاحة الفرص لألنوثة لتكون طاقة فاعلة (مبا‬ ‫هي أنوثة) يحتاجها املجتمع‪.‬‬ ‫وشهدت الحياة الثقافية والسياسية حضوراً أصيالً‬ ‫للمرأة العربية يف الحياة السياسية والثقافية‬ ‫والنضالية‪ ،‬واشتهر يف املنطقة العديد من النساء‬

‫ممنّ عارصناهم‪ ،‬مثل “جميلة بوحريد” و”ليىل‬ ‫خالد”‪ ،‬و”سحر خليفة”‪ ،‬و”فاطمة املرنييس”‪،‬‬ ‫عداك عن الفنانات الكبريات مثل “فريوز” و”أم‬ ‫كلثوم” وغريهن‪ .‬وعرفنا أيضاً النساء اللوايت‬ ‫استخدمن (مثلام استخدم الرجال) كإكسسوارت‬ ‫لألنظمة القمعية فشغلن مناصب وزارية أو‬ ‫أصبحن عضوات يف برملانات التصفيق واملديح‪.‬‬ ‫وبرصف النظر عن مختلف العوامل تزايدت‬ ‫مشاركة نساء منطقتنا (الرشق األوسط وشامل‬ ‫أفريقيا) يف مختلف مناحي الحياة منذ خمسينيات‬ ‫القرن املايض حتى اليوم‪ .‬ويف سوريا شهدنا أسامء‬ ‫الفتة لسيدات يف ميادين العلوم واألدب والفن‪.‬‬ ‫وقد نرش الكثري عن دور املرأة يف الثورة الذي‬ ‫تجاوز كثرياً صناعة املكاديس واملكابيس واالسهام‬ ‫يف االقتصاد املنزيل‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ال يندر أن تجد رج ًال كذلك الحلبي الذي اشتهر‬ ‫بعبارته املؤثرة عن زوجته “مريت تاج رايس” ولكنه‬ ‫ليس النمط السائد من الرجال عىل أي حال‪ .‬وال‬ ‫يستحيل أن تجد رج ًال يربط رشف املرء بسلوكه‬

‫ال بجسد إحدى قريبات الدرجة األوىل‪ .‬ولكنه أيضاً‬ ‫ليس منطاً سائداً‪ .‬وبوجه عام تبني يف السنوات‬ ‫األخرية أن عدد املتخلفني مل يكن قلي ًال‪ ،‬فقد‬ ‫حملت وسائل اإلعالم و”السوشيال ميديا” مواقف‬ ‫معيبة‪ ،‬جعل املوالون للنظام من النساء املعارضات‬ ‫“مجاهدات نكاح” وجعل املعارضون من النساء‬ ‫املواليات “بنات متعة”‪ .‬وبلغ انحطاط الشتامني‬ ‫الذين سخروا إعالمهم للنيل من السوريات‪ ،‬أنهم‬ ‫لو صدقوا لكانت البالد مح ًال لبنات الهوى!‬ ‫‪4‬‬ ‫أسوأ ما شهدته سوريا‪ ،‬يف السنوات األخرية من‬ ‫انتهاكات تجسد االغتصاب الذي شهدته معتقالت‬ ‫النظام‪ ،‬واملناطق التي سيطرت عليها قوى إسالمية‬ ‫متشددة مثل داعش‪ ،‬ولعل يف إعادة إحياء أسواق‬ ‫النخاسة سواء عرب االتجار بالنساء اليزيديات أو‬ ‫غريهن من املختطفات يف سورية والعراق ما يؤكد‬ ‫أننا ميكن أن نرى‪ ،‬بعد كل اإلنجازات التي حققتها‬ ‫النساء يف منطقتنا والعامل‪ ،‬رشعنة أحط تجليات‬ ‫االستعباد واالسرتقاق‪ ،‬وإعادة عرص الجواري‬ ‫واإلماء‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫تشظية‬ ‫نثوية ُم‬ ‫حداد‪ :‬مرآة ُأ ّ‬ ‫دعد ّ‬ ‫في ُعقود َ‬ ‫الس ّ‬ ‫وري‬ ‫الخراب ُّ‬

‫‪15‬‬

‫د‪ .‬مازن أكثم سليمان‬

‫الوقائعي املَعيش بالقتامة وانسداد اآلفاق‪.‬‬ ‫ص َب َغ ْت عالَمها‬ ‫ّ‬

‫نالحظ تعدُّ د‬ ‫يف نظرة عا ّمة إىل حياة الشاعرة ِ‬ ‫اهتامماتها اإلبداعية بني العزف والرسم والنحت‬ ‫وكتابة قصص األطفال وبعض املرسحيات‪ ،‬إىل جانب‬ ‫صدور ثالث مجموعات ِشعرية لها‪ ،‬فض ًال عن التحاقها‬ ‫بدراسة ال ُّلغة العربية وآدابها يف الجامعة‪ُ ،‬ث َّم عدم‬ ‫إكاملِها لهذه ال ِّدراسة‪ ،‬وانرصا ِفها أيضاً إىل تع ُّلم ال ُّلغتني‬ ‫الفرنسية واألملانية‪.‬‬ ‫ترسم من حيث‬ ‫ويبدو َّأن هذه االهتاممات العريضة ُ‬ ‫املبدأ صور ًة عن حجم الطاقة الحيات ّية ورغبة اإلنجاز‬ ‫ُ‬ ‫تكشف من‬ ‫والع َمل لدى دعد من ناحية ُأوىل‪ ،‬لكنَّها‬ ‫ناحية ثانية مدى فيضان دفقات اإلبداع لديها‪ ،‬وبح ِثها‬ ‫ا ُملستم ّر عن أدوات ُمتن ِّوعة ُتف ِّر ُغ ع َربها ِّ‬ ‫تشظيا ِتها‬ ‫ُ‬ ‫وتبسط بواسطتها أبعا َد ذا ِتها‬ ‫الروح ّية والعقل ّية‪،‬‬ ‫تبعثة يف حيا ٍة عاشتْها غا ِرقةً‬ ‫ُ‬ ‫الوجود ّية ا ُملتشتِّتة وامل ِ‬ ‫يف الق َلق والحزن والكآبة واإلحباط‪ ،‬وه َو األم ُر الذي‬ ‫ضج ْت بأحاسيس الفراغ‬ ‫أظ َه َر ْت ُه عوا ُملها الشعر ّية التي َّ‬ ‫ّاهضة عىل رصا ِعها ّ‬ ‫الضاري مع املَعنى املَفقود‬ ‫الن ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والها ِرب بني ظالل املعيش املتقلص رويدا رويدا‪ ،‬وشبح‬ ‫وقاس‪ .‬قالت الشاعرة يف‬ ‫املوت ا ُملتمدِّد بتسا ُر ٍع ُمؤملٍ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تحمل الزهو َر إىل ق ِربها‪/‬أنا‬ ‫أحد نصوصها‪“ :‬أنا من‬ ‫ابن ُة الشيطان‪/..‬أنا ابن ُة هذ ِه ال ّليلة املجنونة‪/..‬ابنة‬ ‫وعيي‪/..‬وصديقي‪ ..‬أنا‪/‬أنا أك ُرث الناس عتقاً‪/‬أنا َخمري‬ ‫ُ‬ ‫تحمل الزهو َر إىل قربها‪/،‬وتبيك‪..‬‬ ‫يف رشاييني‪/،‬أنا من‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫َّإن أيَّ فعْلٍ تأوي ٍّ‬ ‫يل ُمتم ِّع ٍن ينبغي ْأن ُيق ِّل َب ُمستويات‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫القراءة تقليباً ُمستم ّرا‪ ،‬وأن ُينق َح بعض الدَّالالت‬ ‫عل َ‬ ‫َّعي _ولَ ْو إىل حني_‪َّ ،‬‬ ‫ا ُملمكنة الت ُّ‬ ‫ذلك يقو ُد إىل َف ْه ٍم‬ ‫البصي الظاهريّ ‪ ،‬وصوالً‬ ‫السطح َ‬ ‫أبعد من ُمستوى َّ‬ ‫البصيّ العميق‪،‬‬ ‫السطح َ‬ ‫إىل رحلة الغوص يف ُمستوى َّ‬ ‫أرغب يف بلو ِغ ِه يف هذه املَقالة ا ُمل َ‬ ‫قتضبة‪ ،‬مبا‬ ‫وهذا ما ُ‬ ‫الشخيص الوجوديَّ يف دالالت تجربة‬ ‫الجانب‬ ‫يتجا َو ُز‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫حياة دعد حدّاد وقصائدها‪ ،‬ومبا ال يسقط أبدا يف‬ ‫َ‬ ‫الخوض فيها‪،‬‬ ‫قالب ال ِّدراسات النَّس ِو ّية التي ال ُأح ِّبذ‬ ‫َ‬ ‫ص عىل قراءة هذه الشاعرة يف سياق املشهد‬ ‫ولذلك ُأ ِ ُّ‬ ‫الثقايف واالجتامعي والسيايس السوري العام يف حقبة‬ ‫ُمحدَّدة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تحتل الشاعرة دعد حدّاد (‪ )1991 _ 1937‬مكان ًة‬ ‫َ‬ ‫خاصة يف املشهد الشعري السوري ل َعوا ِمل عدّة‪ ،‬منها‬ ‫ّ‬ ‫َّص‪،‬‬ ‫ُخصوص ّية تجربتها وفرادتها عىل ا ُملستوى الن ِّ ّ‬ ‫جوانب تعكس إىل‬ ‫ومدى انطواء هذه التجربة عىل‬ ‫َ‬ ‫ُحدود ا ُملطا َبقة النِّسب ّية ا ُملستويات الرتاجيد ّية التي‬

‫من ِش َّد ِة ِّ‬ ‫الشعر”‪.‬‬ ‫ُيفيض الت ُ‬ ‫َّواش ُج الوجوديُّ بني ذات الشاعرة الوقائع ّية‬ ‫التي كانت ُتكا ِبدُ متزُّقا ِتها الداخلية والخارجية يف العامل‬ ‫ا ُملحيط‪ ،‬والذات ِّ‬ ‫بس َط ْت‬ ‫الشعر ّية االفرتاض ّية التي َ‬ ‫أساليب وجو ِدها الن َِّّص ّية عرب رُؤىً سوداو ّية يا ِئسة‬ ‫َ‬ ‫وعبث ّية يف أحيانٍ كثرية‪ ،‬إىل َف ْهم مدى ارتباط هذا‬ ‫العضويّ بني العالَمني‪ ،‬بحالة اإلخفاق ا ُملض ِنية‬ ‫التَّشا ُبك ُ‬ ‫ُِ‬ ‫ْ‬ ‫تبعث الحياة‬ ‫واجه ِة‬ ‫م‬ ‫يف‬ ‫الشاعرة‬ ‫عىل‬ ‫ت‬ ‫التي ق َب َض‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ذات وحيدة ّ‬ ‫وهشة وعارية‬ ‫وتباعُ ِدها املستم ّر‪ ،‬وعج ِز ٍ‬ ‫بأبسطِ أحالمها األنثوية‬ ‫أما َم قسوة العامل عن اإلمساك َ‬ ‫كالح ّب والشعور باألمان واالستقرار‪ ،‬وهذا التَّفسري‬ ‫ُ‬ ‫ال يقف يف دالال ِت ِه بالتأكيد عن َد حالة دعد (املرأة‬ ‫يعكس بق ّوة صورة املرأة يف‬ ‫والشاعرة) وجود ّياً‪َّ ،‬إنا‬ ‫ُ‬ ‫حقبة اجتامعية وسياسية عاشتها سورية‪َ ،‬‬ ‫ذلك َّأن هذه‬ ‫املرأة عىل الرغم ّ‬ ‫مم بدا أ َّن ُه ُي ِّث ُل ُمكتسبات اجتامعية‬ ‫وع َمل ّية حا َز ْتها‪ ،‬ظ َّل ْت دامئاً‬ ‫َ‬ ‫تحت وطأة ُطغيان‬ ‫ذكوريّ أقصاها عن الدور الوجودي األصيل والفا ِعل‪،‬‬ ‫ْإن بوصف هذا الطغيان ُحضوراً لسلطة بطريركية‬ ‫اجتامعية تقليدية وموروثة‪ ،‬أو بوص ِف ِه ُحضوراً لسلطة‬ ‫الحكم‪ ،‬وقا َم ْت‬ ‫بطريركية سياسية هي َمن َْت عىل مقاليد ُ‬ ‫بإخصاء املجتمع ذكوراً وإناثاً‪ ،‬ولَ ْو كان الحيث الواقع‬ ‫عىل املرأة ُمضاعَفاً يف ضو ِء ابتالع هذه السلط ِة‬ ‫الحقيقي العام‪،‬‬ ‫العنف الفضا َء‬ ‫الشمولي ِة والفائض ِة ُ‬ ‫َّ‬ ‫عىل العكس _نسب ّياً طبعاً_ من فرتة ما بعد االستقالل‬ ‫هي دعد نفسها تقول يف قصيدتها‬ ‫الليربالية‪ .‬فها َ‬ ‫َّ‬ ‫والعيون‪/‬واألضواء‬ ‫يل‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫سوى‬ ‫يشء‬ ‫“إىل دمشق”‪“ :‬ال‬ ‫ُ‬ ‫صوت‪/‬‬ ‫ا ُملتنا ِثرة البعيدة‪/‬واالصطدامات ال َّرقيقة‪/‬و ُب َّحة‬ ‫ٍ‬ ‫وكالب ضا ّل ٍة وحيد ٍة‪/‬يا لصوت األقدام َ‬ ‫تحت النَّوافذ‪/‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪/‬تصبحون عىل خ ٍري‪/‬‬ ‫تصبحون عىل خ ٍري أ ُّيها األصدقا ُء‬ ‫و َف ْج ٍر يأيت ند ّياً كالعادة‪ /‬وأحذي ٍة َمفقوع ٍة‪ /‬وانتظار”‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّمشقي الق ِلقَ‬ ‫ليس مشه َد‬ ‫َ‬ ‫والكئيب َ‬ ‫لعل هذا املَشه َد الد َّ‬ ‫دعد حداد وحدها‪ ،‬بل ه َو مشهدُ املرأة السورية‬ ‫ا ُمله َّددة وا ُملنتهَكة يف مرحلة سياسية واجتامعية م َّوهَ ْت‬ ‫هذا االنتهاك بشعارات العدالة والتَّقدُّ م ّية‪ .‬ويبدو‬ ‫أوسع أيضاً أ َّن ُه مل ُيكن ِحكراً عىل النساء وحدهنَّ‬ ‫برؤية َ‬ ‫مص ُري الوقوع فرا ِئ َس له ّو ِة االغرتاب والعجز واالنتظار‪،‬‬ ‫كان َ‬ ‫بل َ‬ ‫ذلك مصري جيل كامل قا َرعَ اليأس واإلحباط‬ ‫ً‬ ‫والح ِّر ّية‪ .‬قالت‬ ‫ب‬ ‫والح‬ ‫بالحياة‬ ‫ام‬ ‫ل‬ ‫حا‬ ‫اآلفاق‬ ‫وانغالق‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أطفال‪/...‬يحفرون قربي يف ال ّثلج‪/.‬‬ ‫الشاعرة‪“ :‬ثالث ُة‬ ‫والح ِّر ّية‪/...‬ثالثة أطفال‪ ...‬أبرياء‪/...‬‬ ‫والحزن ُ‬ ‫ال َوحدة ُ‬ ‫إ َّنهُم ُح ْم ُر ال ُوجوه من ال َّت َعب‪/...‬ومن الشوق لدفني‪/...‬‬

‫َ‬ ‫والح ِّر ّي‬ ‫ة‪/‬تحت وابلِ‬ ‫والحزن ُ‬ ‫ثالثة أطفال‪/...‬ال َوحدة ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يحفرون ُبع ْم ٍق‬ ‫لج‪/‬يحفرون‪/...‬إ َّنهُم‬ ‫املطر‪/...‬أو ال َّث‬ ‫لج‪/...‬عميقٌ ‪ ...‬عميقٌ ‪ُ ...‬بع ْم ِق‪/...‬بحري ٍة منس ّية‪.”....‬‬ ‫وال َّث ُ‬ ‫َ‬ ‫يحفرون ق َرب الشاعرة‬ ‫والح ِّر ّية‪،‬‬ ‫والحزن ُ‬ ‫نعم‪ ،‬ال َوحدة ُ‬ ‫اب هو العا ِم ُل ا ُملهي ِمنُ‬ ‫ُبع ْم ِق ُبحري ٍة منس ّية! فالخر ُ‬ ‫عىل الفضاء العام‪ ،‬وأحال ُم الخالص الفرد ّية تصط ِد ُم‬ ‫ُ‬ ‫يقذف‬ ‫با ُملستوى االجتامعي والسيايس الوقائعي الذي‬ ‫أ ّية ُمحا َولة انعتاق بني براثن اليأس والفراغ وقوى‬ ‫التعديم واملوت‪ ،‬بدءاً من ُطموحات األنثى البسيطة‪،‬‬ ‫وانتها ًء باآلمال الوطن ّية ُ‬ ‫الكربى‪ .‬قالت الشاعرة‪“ :‬أعرين‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العصفور‪/،‬أخاف ْأن يرسقني‬ ‫انتباهَ َك‪/‬ال ُتغنِّ كثرياً أ ُّيها ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪/)...(/،‬الطفل يف املصيدة‪/..‬أعرين انتباهَ َك”‪.‬‬ ‫الوقت‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا‪ُ ،‬تح ِك ُم ال َوحدة قبضتَها عىل أساليب وجود‬ ‫الذات الشعر ّية الن َِّّص ّية‪ ،‬بع َد ْأن أح َك َم ْت قبضتَها عىل‬ ‫أساليب وجود الذات الشاعرة الوقائع ّية‪ ،‬وال َوحد ُة يف‬ ‫ُ‬ ‫تنفصل نهائ ّياً عن كونها تنطوي عىل‬ ‫هذا اإلطار ال‬ ‫أسئلة وجود ّية وميتافيزيق ّية‪ ،‬لكنَّها يف الوقت نفسه‪،‬‬ ‫الصلة بالحياة السورية العا ّمة وتفاصي ِلها‬ ‫وثيقة ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫املَسكوت عنها واملهي ِمنة يف تلك الحقبة املريرة‪ ،‬والتي‬ ‫مل ّ‬ ‫تكف عن دفع ال َّذوات التي ق َه َرها الح ِّيز العام إىل‬ ‫ُ‬ ‫وي ِكنُ أليِّ‬ ‫االنسحاب واالنكفاء والتقوقع واالنعزال‪ُ ،‬‬ ‫الح َظ سيطرة ال ُّرؤى السوداء عىل‬ ‫ٍ‬ ‫قارئ ُمتع ِّمق ْأن ُي ِ‬ ‫َ‬ ‫قصائد معظم شعراء سورية يف تلك املرحلة‪ ،‬فها هي‬ ‫لج يف‬ ‫السيجار ُة‬ ‫َ‬ ‫‪/..‬وذاب ال َّث ُ‬ ‫ذا الشاعرة تقول‪“ :‬ذا َب ِت ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صديق ّإل الينبوع‪/...‬إل َّ‬ ‫الشلل اآليت‬ ‫الكأس‪/،‬وال من‬ ‫ٍ‬ ‫من قلبي‪/...‬يسقيني ويسقي الوحيدين‪/...‬يشء من‬ ‫الصا ِرم ال ِعمالق”‪.‬‬ ‫التَّاليش يف هذا الكون ّ‬ ‫ليس من باب ا ُملبالَغة أن أخت ِت َم بالقول َّإن دعداً‬ ‫َ‬ ‫تلمسوا منذ َ‬ ‫تلك‬ ‫وعدداً من الشعراء السوريني قد َّ‬ ‫أض ُع َ‬ ‫نفي القاد َم‪ ،‬وال َ‬ ‫ذلك يف إطار‬ ‫الفرتة ا ُملستق َب َل ُ‬ ‫الع َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫النُّبوءات الشعر ّية‪َّ ،‬إنا ربطا باملستويات االجتامع ّية‬ ‫والسياس ّية الوقائع ّية التي خاضوا ِغام َرها‪ ،‬وال سيام‬ ‫الصاع الدَّمويّ يف أواخر السبعينات وبداية‬ ‫يف فرتة ِّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قْ‬ ‫يوم من‬ ‫يف‬ ‫ا‬ ‫بتات‬ ‫ل‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫مل‬ ‫الذي‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫وه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الثامنينات‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫األيام‪ ،‬فض ًال عن َّأن أ ّية قراءة ُمتأن ّية ملآالت األمور كانت‬ ‫جتمعي قا ِدم إن مل ُيكن‬ ‫ستُفيض إىل تو ُّق ِع انفجا ٍر ُم‬ ‫ّ‬ ‫بهيئة ثورة‪ ،‬فبأيِّ هيئة ُأخرى‪ .‬قالت دعد حداد عام‬ ‫جاهزة”‪:‬‬ ‫‪ 1981‬يف قصيدة “استعدُّ وا‪ ،‬أدوات التَّحنيط ِ‬ ‫ّ‬ ‫الصغري ُة الحافية‪ُ /،‬تسا ِبقُ الفرئ َان يف األزقة‪/‬‬ ‫“األقدا ُم َّ‬ ‫حجراً يف وج ِهها‪/‬أ ّما الفرئان‪ ،‬فرت َف ُع‪ ...‬بندق ّية”‪.‬‬ ‫وتر َف ُع َ‬ ‫دمشق يف أيلول ‪.2016‬‬


‫‪16‬‬

‫كفاالت الالجئين السوريين في لبنان‬ ‫وائل موسى‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫تقارير‬

‫سياسة لفرض كفاالت عىل الالجئني السوريني يف لبنان‪ ،‬أقل‬ ‫ما يقال عنها أنها تسهل اإلساءة ضد الالجئني‪.‬‬ ‫رسوم يعجز الكثري من الالجئني عن تأمينها وكفيل متحكم‪،‬‬ ‫كثري من املصاعب نتيجة التعديالت القانونية‪ ،‬وعىل الرغم‬ ‫من وضوح القوانني‪ ،‬إال أن اإلجراءات مختلفة متاماً‪.‬‬ ‫قالت األمم املتحدة إن أعداد الالجئني السوريني املسجلني‬ ‫يف لبنان يزيد عن ‪ 1.2‬مليون سوري‪ ،‬ومل تنرش السلطات‬ ‫اللبنانية عن أعداد السوريني الالجئني دون وضع قانوين‪،‬‬ ‫وتشري األرقام املسجلة لدى األمم املتحدة أن من بني كل ‪5‬‬ ‫أشخاص لبنانيني هو الجئ سوري يف لبنان‪.‬‬ ‫بعد أن كان يكفي للسوري أن يحمل هويته السورية‬ ‫ويتجه إىل الحدود لعبورها بشكل نظامي‪ ،‬أصبح هنالك‬ ‫سامت دخول محددة وصارمة لدخول األرايض اللبنانية‪،‬‬ ‫وتختلف الرشوط املطلوبة بحسب أسباب الدخول‪ ،‬وقد‬ ‫نرشت املديرية العامة لألمن العام اللبناين عىل موقعها تلك‬ ‫الرشوط بالتفاصيل‪.‬‬ ‫ملشاهدة رشوط دخول السوريني عىل موقع األمن العام‬ ‫اللبناين من خالل الرابط التايل‪:‬‬ ‫‪http://www.general-security.gov.lb/ar/posts/33‬‬ ‫وقد شملت التغيريات القانونية يف مطلع عام ‪ 2015‬قرارات‬ ‫تحدد إجراءات جديدة للحصول عىل أوراق اإلقامة بشكل‬ ‫رسمي‪ ،‬ويقسم الالجئون املتقدمون لطلب الحصول عىل‬ ‫اإلقامة إىل فئتني‪ :‬املسجلون لدى مفوضية األمم املتحدة‬ ‫لالجئني‪ ،‬والفئة الثانية هم غري املسجلني لدى املفوضية‬ ‫وعليهم الحصول عىل كفيل لبناين للحصول عىل إقامة رشعية‪.‬‬ ‫رغم وضوح القوانني إال أن اإلجراءات تخالف القانون بشكل‬ ‫رصيح‪ ،‬وقد وجدت منظمة هيومن رايتس ووتش (‪)HRW‬‬ ‫أن متطلبات الوثائق ورسومها الباهظة‪ ،‬باإلضافة إىل التطبيق‬ ‫التعسفي للتعليامت‪ ،‬مينع السوريني من الفئتني من التجديد‪.‬‬ ‫قال جميع الالجئني تقريباً الذين قابلتهم ‪ HRW‬إنهم مل‬ ‫يتمكنوا من دفع رسوم التجديد السنوي البالغة ‪ 200‬دوالر‬ ‫أمرييك لجميع الفئات العمرية فوق ‪ 15‬عاماً؛ املبلغ كبري‬ ‫بالنسبة إىل معظمهم‪ ،‬نظراً إىل ترصيح املفوضية بأن ‪70‬‬ ‫باملئة من الالجئني السوريني يف لبنان يعيشون تحت خط‬ ‫الفقر ويعتمدون عىل املساعدات للبقاء‪ .‬قال معظم الالجئني‬ ‫لـ ‪ HRW‬إن عملية التجديد نفسها مسيئة وتعسفية‪ .‬وأفاد‬ ‫كثري من الالجئني املسجلني لدى املفوضية أن املسؤولني ال‬ ‫يزالون يطلبون منهم الحصول عىل كفيل‪ ،‬رغم أن التعليامت‬ ‫ال تتطلب ذلك‪ .‬وقال الجئون وعامل إغاثة أيضاً إن بعض‬ ‫موظفي الحكومة استغلوا عملية التجديد الستجواب‬ ‫السوريني حول قضايا أمنية‪.‬‬ ‫وقد أصدرت ‪ HRW‬تقريراً مفص ًال من ‪ 26‬صفحة بعنوان‪:‬‬

‫“أريد فقط أن ُأعا َمل كإنسانة‪ :‬كيف تسهل رشوط‬ ‫اإلقامة يف لبنان اإلساءة ضد الالجئني السوريني”‪.‬‬ ‫أكد العديد من الالجئني أن مهمة الحصول عىل‬ ‫كفيل لوحدها باتت عملية صعبة ومكلفة للغاية‪،‬‬ ‫حيث قد يوافق بعض اللبنانيني عىل كفالة السوري‬ ‫مقابل مبلغ قد يصل إىل ‪ 1000‬دوالر سنوياً‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل تحكم الكفالء مبوظفيهم وعاملهم‪،‬‬ ‫مام فتح الباب لتعريضهم لالستغالل‪ ،‬كام ترتفع‬ ‫املخاوف حول أوضاع النساء بشكل خاص‪ ،‬حيث أن‬ ‫غالبية الالجئني هم من النساء واألطفال دون وجود‬ ‫مرافق ومعيل لهم‪ ،‬ويسبب فقدان الوضع القانوين‬ ‫لالجئني الكثري من املعاناة‪.‬‬ ‫وجدت أبحاث ‪ HRW‬أن ذلك يجعلهم عرضة‬ ‫لالستغالل الوظيفي والجنيس من قبل أصحاب‬ ‫العمل‪ ،‬دون القدرة عىل اللجوء إىل السلطات‬ ‫للحامية‪ .‬حتى الذين يجدون كفالء ال يستفيدون من‬ ‫الحامية مبوجب قوانني العمل يف لبنان‪ ،‬وموقفهم‬ ‫ضعيف أمام كفالئهم‪ .‬قالت ‪ 5‬نساء سوريات لـ‬ ‫‪ HRW‬إن الكفالء أو أرباب العمل تحرشوا بهن‬ ‫أو حاولوا استغاللهن جنسياً ولكنهن مل يستطعن‬ ‫مواجهتهم خوفاً من فقدان اإلقامة‪ .‬وقال ‪ 4‬عامل‬ ‫إغاثة دوليني إنهم تلقوا عرشات التقارير عن سوء‬ ‫معاملة من قبل الكفيل‪ .‬وصف أحد الالجئني نظام‬ ‫الكفالة أنه “شكل من أشكال العبودية”‪.‬‬ ‫تقوم السلطات اللبنانية بإقامة حواجز مخصصة‬ ‫للتفتيش عىل اإلقامات واألوراق القانونية‪ ،‬باإلضافة‬ ‫لحمالت مداهمة عىل مساكن الالجئني‪ ،‬وكل من‬ ‫فقد قانونية إقامته هو عرضة لالعتقال‪ ،‬ويتعرض‬ ‫املعتقلون أثناء هذه املرحلة إىل الرضب والتحقيق‬ ‫حول مسائل أمنية‪.‬‬ ‫العديد من الالجئني ورغم تأمينهم لكافة الوثائق‬ ‫املطلوبة مبا فيها التعهد بعدم العمل‪ ،‬إال أن‬ ‫السلطات رفضت منحهم اإلقامة مبوجب التسجيل‬ ‫لدى مفوضية األمم املتحدة‪ ،‬وطلب منهم الحصول‬

‫عىل كفيل حرصاً‪.‬‬ ‫دكتور جامعة حصل عىل كفالة عىل أنه ناطور‪،‬‬ ‫ومهندس معامري حصل عىل كفالة عىل أنه عامل‬ ‫بناء‪ ،‬وكاتبة حصلت عىل كفالة من صديقتها اللبنانية‬ ‫عىل أنها خادمة يف منزلها‪ .‬هي مجرد مناذج لنظام‬ ‫الكفالة التي تسعى السلطات اللبنانية لتعميمها‬ ‫وترسيخها بحسب رأي البعض‪ ،‬وقد أعلنت املديرية‬ ‫العامة لألمن العام اللبناين عن بيان لتصحيح أوضاع‬ ‫عامل الرشكات واملؤسسات‪ ،‬فيام يدل عىل مخالفة‬ ‫تسجيل اإلقامة بكفالة املالك‪ ،‬حيث يجب أن تكون‬ ‫بكفالة الرشكة أو املؤسسة‪.‬‬ ‫من املتوقع أن تصل إيرادات الحكومة اللبنانية‬ ‫من رسوم اإلقامة إىل ‪ 120‬مليون دوالر سنوياً فيام‬ ‫لو افرتضنا أن نصف الالجئني السوريني هم فوق‬ ‫الـ ‪ 15‬من العمر يف الوقت الذي تتزايد املتطلبات‬ ‫املالية لعمليات املفوضية يف لبنان‪ ،‬وحصولها عىل‬ ‫مساعدات مالية ساهمت يف تحسني األوضاع‬ ‫الصحية واملعيشية لالجئني السوريني وللمواطنني‬ ‫اللبنانيني عىل حد سواء‪.‬‬ ‫قالت املفوضية‪“ :‬ما زالت املتطلبات املالية‬ ‫لعمليات املفوضية يف لبنان يف ارتفاع مستمر وذلك‬ ‫وفقاً التجاهات السكان وزيادة مستوى ضعفهم‬ ‫الناجم بشكل أسايس عن تدفق الالجئني السوريني‬ ‫من ‪ 13.7‬مليون دوالر أمرييك يف عام ‪ 2011‬إىل‬ ‫ميزانية محدثة بقيمة ‪ 471.9‬مليون دوالر أمرييك‬ ‫يف العام ‪.”2014‬‬ ‫أظهر تقرير أممي جديد صادر عن مكتب املنسق‬ ‫املقيم لألمم املتحدة ومنسق الشؤون اإلنسانية يف‬ ‫لبنان فيليب الزاريني‪ ،‬أن التمويل الدويل للبنان‬ ‫ارتفع بنسبة ‪ 48%‬منذ حزيران‪ -‬يونيو املايض‪.‬‬ ‫وأوضح التقرير أنه يف أواخر آب‪ -‬أغسطس من‬ ‫هذا العام‪ ،‬وصلت املوارد املتاحة إىل ‪ 1.57‬مليار‬ ‫تم توزيعها أو االلتزام‬ ‫دوالر‪ ،‬منها ‪ 1.22‬مليار دوالر ّ‬ ‫بتوزيعها هذا العام‪.‬‬


‫نشرة اقتصادية‬ ‫وائل موسى‬

‫‪17‬‬

‫أوضاع سوق دمشق لألوراق املالية‪ ،‬فمن حيث‬ ‫املهنية يتم النرش حول حجم التداوالت باللريات‬ ‫السورية ومستجدات السوق بالنقاط واستعراض‬ ‫ألسامء الرشكات وتداوالتها اليومية‪.‬‬ ‫‪ 24‬رشكة مدرجة يف سوق األوراق املالية‪ ،‬و يتغيب‬ ‫ظهور غالبية األسامء يف التداوالت اليومية‪ ،‬وقد‬ ‫نرشت وكالة سانا التابعة للنظام السوري يف‬ ‫‪ 20/09/2016‬بعد إغالق السوق عن تفاصيل‬ ‫التداول لذلك اليوم‪ ،‬حيث بلغ حجم التداول‬ ‫‪ 11320‬سه ًام موزعة عىل ‪ 14‬صفقة فقط‪ ،‬والقيمة‬

‫من البديهي عند ذكر اسم سوق دمشق لألوراق‬ ‫املالية أن يتبادر لذهن القارئ تلك الصورة التي‬ ‫تظهر كثرياً يف األخبار واألفالم عن أسواق البورصة‬ ‫العاملية التي تضج باملستثمرين واملضاربني‪،‬‬ ‫وشاشات كبرية فيها أرقام كثرية تشري ألسعار‬ ‫أسهم الرشكات والسندات يف ارتفاع وانخفاض‬ ‫وربح وخسارة و ‪ ...‬توقف عزيزي القارئ عن هذا‬ ‫الخيال الخصب‪ ،‬فنحن نتحدث عن سوق دمشق‬ ‫وليس وول سرتيت‪.‬‬ ‫تحافظ العديد من الصحف واملواقع املهتمة‬ ‫بالشؤون االقتصادية السورية عىل نرش مستجدات اإلجاملية للتداول باللرية السورية قد بلغت ‪ 1.841‬مليون‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫تداوالت سوق‬ ‫دمشق لألوراق‬ ‫المالية ال‬ ‫تكفي الفتتاح‬ ‫بقالية‬

‫يف بعض األيام قد تصل قيمة اجاميل التداول ملا‬ ‫يزيد عن ‪ 10‬مليون لرية سورية وقد ال تتجاوز‬ ‫نصف املليون لرية‪ ،‬إال أن ارتفاع حجم التداول‬ ‫وانخفاضه ال عالقة له نهائياً باملؤرشات الطبيعية‬ ‫التي تخضع لها األسواق العاملية‪ ،‬حيث يعاين سوق‬ ‫األوراق املالية يف دمشق منذ والدته من فشل يف‬ ‫جذب املستثمرين إىل بلد يحكمه ديكتاتور وتقترص‬ ‫عملية االستثامر فيه عىل أتباع العائلة الحاكمة من‬ ‫رامي مخلوف وبقية املخلفات التابعة لهم‪.‬‬ ‫إال أن املرحلة الحالية التي يعيشها السوق بالتأكيد‬ ‫ال تشبه أبداً أوضاعه السابقة قبل تحول سوريا‬ ‫إىل ساحة حرب‪ ،‬فحتى املخلوف ومخلفات األسد‬ ‫تخىش عىل استثامراتها‪ ،‬واستمرار وجود هذا السوق‬ ‫هو صورة ال قيمة لها‪ ،‬إال أن املثري للغرابة استمرار‬ ‫العديد من الصحف املعنية بالشؤون االقتصادية‬ ‫مبتابعة هذا السوق يومياً‪.‬‬ ‫هل تثري قيمة تداوالت هذا السوق اهتاممكم؟!‬ ‫‪ 1.841‬مليون لرية سورية يف وقت تصل فيه قيمة‬ ‫الدوالر إىل ‪ 537‬لرية‪ ،‬مام يعني أن بنوك ورشكات‬ ‫دمشق تداولت ما قيمته ‪ 3428‬دوالر أمرييك‪ ،‬وهو‬ ‫مبلغ مل يعد يكفي الفتتاح بقالية‪.‬‬

‫استهداف قوافل اإلغاثة والعبث بالمساعدات الغذائية‬ ‫المخصصة للمناطق المحاصرة‬

‫املساعدات اإلنسانية كانت دامئاً عىل قامئة أولويات‬ ‫أي مفاوضات سابقة‪ ،‬حيث يستمر النظام السوري يف‬ ‫استخدام سياسة الحصار والتجويع ضد املدنيني القاطنني‬ ‫يف املناطق املحررة من سيطرة قواته وميلشيات حلفائه‬ ‫اإلرهابيني‪ ،‬وعاش عموم السوريني يف املناطق املحارصة‬ ‫عىل أمل اإلستفادة من االتفاق الرويس األمرييك حول‬ ‫هدنة مل يكشف عن تفاصيلها‪ ،‬ليتبني الحقاً أن أهم‬ ‫األولويات ال قيمة لها لدى النظام السوري حتى وإن كانت‬ ‫برعاية وإدارة أممية‪.‬‬

‫اقتصاد‬

‫بعد طول انتظار قوافل اإلغاثة التابعة لألمم املتحدة‬ ‫عىل الحدود الرتكية ألكرث من أربعة أيام لتحصيل‬ ‫املوافقة من النظام السوري وفق االتفاق الرويس‬ ‫األمرييك حول الهدنة املزعومة‪.‬‬ ‫دخلت قوافل االغاثة ليتم استهدافها عرب قوات‬ ‫جوية سورية و‪/‬أو روسية‪ ،‬حيث وصلت قوافل األمم‬ ‫املتحدة لإلغاثة إىل أورم الكربى بجانب مقر الهالل‬ ‫األحمر العريب السوري يف ريف حلب الغريب‪ ،‬لتتلقى‬ ‫رضبات مدمرة من سالح الجو الحريب لعدة ساعات‬ ‫تالها سقوط لعدد من الرباميل املتفجرة التي ألقتها‬ ‫مروحيات النظام السوري‪.‬‬ ‫أكد محليون وناشطون وأعضاء يف الهالل األحمر‬ ‫العريب السوري معلومات حول استهداف قوافل‬ ‫املساعدات األممية‪ ،‬وقد فقد ‪ 14‬شخص حياتهم أثناء‬ ‫االستهداف‪ ،‬من بينهم عمر بركات مدير مركز الهالل‬ ‫األحمر العريب السوري يف أورم الكربى إىل جانب عدد‬ ‫من العاملني يف اإلغاثة والسائقني‪.‬‬

‫وقد سبق استهداف قوافل املساعدات يف شامل‬ ‫سوريا أن تم العبث باملساعدات األممية املتجهة إىل‬ ‫معضمية الشام‪ ،‬حيث تعرضت القافلة إىل تفتيش عىل‬ ‫حواجز عسكرية تابعة للفرقة الرابعة قبل دخولها إىل‬ ‫املنطقة املحارصة‪ ،‬حيث تعمدت قوات النظام تفريغ‬ ‫محتويات السلة الغذائية وخلطها ببعض لتصبح‬ ‫خليطاً من السكر وامللح مع الربغل والعدس واألرز‬ ‫والذرة‪ ،‬ومل تسلم أي شاحنة من القافلة من العبث‬ ‫حتى باتت املساعدات غري قابلة لالستخدام البرشي‬ ‫وال ميكن إعادة فصل املواد عن بعضها البعض‪.‬‬ ‫مرت حادثة العبث مبواد القافلة االغاثية إىل املعضمية‬ ‫بصمت‪ ،‬دون أي توضيح أو تدقيق من األمم املتحدة‪،‬‬ ‫إال أن االستهداف الحريب لقافلة املساعدات يف‬ ‫الشامل حصل عىل بعض األصوات اإلعالمية وبعض‬ ‫الترصيحات الغاضبة من قبل مسؤولني مل تتجاوز يف‬ ‫حدود األفعال ألكرث من قرار تعليق أعامل اإلغاثة‬ ‫حتى إعادة تقييم األوضاع األمنية‪.‬‬


‫‪18‬‬

‫منحوتات رندا مداح في رام اهلل ‪..‬‬ ‫الفن في مواجهة بشاعة الحروب‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫ثقافة‬

‫“كنت أعترب نفيس فلسطينية إذ كان تواصيل لسنوات‬ ‫مع أصدقايئ الفلسطينيني الذين أشرتك وإياهم يف وجع‬ ‫االحتالل‪ ،‬لكني شعرت بسوريتي حني درست الفنون‬ ‫وبالتحديد النحت يف دمشق‪ ،‬هذا املكان هو مكاين‬ ‫وانفصلت عنه قرساً بفعل احتالل الجوالن”‪.‬‬ ‫بهذه الكلامت قدمت الفنانة التشكيلية رندا مداح ملعرضها‬ ‫(ربطة شعر) الذي يستضيفه “جالريي َون” يف مدينة رام‬ ‫الله بفلسطني املحتلة من الثالث من شهر أيلول‪ /‬سبتمرب‬ ‫الجاري ويستمر حتى التاسع والعرشين منه‪.‬‬ ‫تهدي رندا معرضها هذا لصديقها الشهيد عامد أبو صالح‬ ‫ولكل أبناء الوطن الشهداء واملعتقلني‪ ،‬كام تقول‪ .‬مخترصة‬ ‫معرضها بجملتني يف كتيب حول املعرض‪“ :‬عىل مساحة‬ ‫موازية يحدث كل هذا‪ .‬أرض مشطورة وسامء ال تكرثت‬ ‫والكثري من الحكايا بينهام”‪ .‬وتضيف “حكايتي هي مترير‬ ‫الذاكرة عن إرث موحش مل يدركه النسيان بعد”‪.‬‬ ‫من مجدل شمس إىل رام الله ‪..‬‬ ‫تؤكد مداح أن أعاملها املعروضة “تنطلق من مفهوم‬ ‫املكان الذي نشأت فيه”‪ .‬مبينة أن “املكان الذي أتيت‬ ‫منه هو الجوالن السوري املحتل من مجدل شمس القرية‬ ‫الحدودية وبالتايل نحن مفصولون بشكل قرسي منذ العام‬ ‫‪ 1967‬عن سوريا”‪ .‬ولعل ما سبق هو ما دعا الكاتب‬ ‫والناقد السوري صبحي حديدي إىل التأكيد عىل مقولة‬ ‫الكاتب الربيطاين املعروف “جون برجر”‪ ،‬الذي يعيش يف‬ ‫جنوب فرنسا‪ ،‬عن رندا مداح‪“ :‬كأنك تحملني حىص هضبة‬ ‫الجوالن يف يرساك‪ ،‬ويف ميناك ترسمني أحشاءها”‪.‬‬ ‫يصف “برجر” أعامل مداح الفنية بأنها “ساحرة”‪ .‬ويقول‬ ‫يف كلمة يف كتيب حول املعرض “أعود إىل فلسطني وأتأمل‬ ‫األرض التي أميش عليها‪ ..‬وأفكر يف قرارة نفيس أنها كلها‬ ‫تشكل شظايا ليست من األرض بل من الوطن وهذا ما‬ ‫تعكسه األشكال التي تخلقني”‪.‬‬ ‫وترى مداح أن دراستها للفن يف سوريا خلق لديها “حالة‬ ‫الشعور بالتعلق بني مكانني فأنت تنتمي إىل مكان‬ ‫ال تستطيع أن تكون فاع ًال فيه أو جزءاً من مشاكله‬ ‫وتفاصيله”‪.‬‬ ‫الوزير بسيسو‪ :‬كأننا أمام مفردات الكربياء الصاخب‬ ‫تقدم مداح لجمهور رام الله يف (ربطة شعر) نتاج سنة‬ ‫من العمل يف نحت ما يزيد عن خمسني عم ًال من الربونز‬

‫والطني والجبس‪.‬‬ ‫وتبدو األعامل الربونزية تجسيداً بشكل أو بآخر‬ ‫لعرائس مرسح الدمى ذات األشكال الرشيرة‬ ‫بوضعيات مختلفة يظهر الشعر يف كثري منها مستخدماً‬ ‫لتعليقها أو ربطها وهي تجسد امرأة أو طف ًال أو رج ًال‪.‬‬ ‫كام تظهر يف أعاملها املنحوتة يف الجبس العديد من‬ ‫أشكال الطيور املعلقة إضافة إىل دمى العرائس‪.‬‬ ‫بعد زيارته للمعرض قال وزير الثقافة الفلسطيني‬ ‫إيهاب بسيسو‪“ :‬كأنك أمام خرائط األمل‪ ،‬املتجددة‬

‫كنص‪ ،‬كرواية ما زالت تبحث عن فكاك من سطوة‬ ‫املوت اليومي‪ ..‬كأنك أمام مرايا الوجود العبثي يف‬ ‫مهب الرصاخ وجرائم القتل التي استحوذت عىل‬ ‫جميع األلوان وجميع الكنايات التي من شأنها أن‬ ‫تدلك عىل مالمحك‪ ..‬كأنك أمام مفردات الكربياء‬ ‫الصاخب‪ ،‬البارزة من جدران الصمت يف تنافر موجع‪،‬‬ ‫ال تستجدي شفقة أو حزناً بقدر ما تعيد بناء الوقت‬ ‫من صلصال خفي لحياة بني تكوينات التشكيل‬ ‫الفني”‪ .‬يضيف بسيسو‪“ :‬تلك هي بعض الرسائل‬ ‫التي ميكن قراءتها يف معرض (ربطة شعر) للفنانة‬ ‫التشكيلية رندا مداح‪ ،‬ابنة الجوالن السوري املحتل‪،‬‬ ‫القادمة من مجدل شمس اىل رام الله‪ ،‬يك تطل‬ ‫بصلصال الحياة املعمد باألمل واألمل وبالغة البقاء”‪.‬‬

‫مخلوقات مداح قطعة من الجحيم ‪..‬‬ ‫تشري الفنانة السورية إىل أن طبيعة عملها تغريت من‬ ‫الرسم بقلم الرصاص عىل الورق أو رسم االسكتشات إىل‬ ‫النحت متأثرة بالواقع الذي تعيشه وما يشهده بلدها‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫وتقول إنها ابتعدت عن الرسم بالرصاص واتجهت للنحت‬ ‫ألنها رأت أنه أكرث تعبرياً عن شعورها باإلحباط إذ ترى‬ ‫“الواقع يتغري من يسء إىل أسوأ”‪ .‬متابعة‪“ :‬قبل أن أبدأ‬ ‫العمل أنطلق من فكرة عامة وعندما أبدأ العمل ال أفكر‪.‬‬ ‫العمل يكون نتيجة اإلحساس”‪.‬‬ ‫وتبني مداح أنها أنجزت جميع األعامل الفنية املعروضة‬ ‫بالطني ثم اختارت تنفيذ عدد منها بالربونز وأخرى‬ ‫بالجبس‪ .‬معللة ذلك بأن “التعامل مع الطني أسهل إذ‬ ‫ميكن تشكيلها باليدين كيفام شاء الفنان بينام تحتاج‬ ‫أعامل الربونز والجبس لقوالب خاصة”‪.‬‬ ‫وحول مشغوالتها املعروضة اليوم يف “جالريي َون” تقول‪:‬‬ ‫“كل حدا فينا عنده أشياء بتشده ومتنعه يحقق أهدافه‬ ‫منها الواقع املفروض عليه والتقاليد والوضع اليل نعيشه‪.‬‬ ‫بتشده بتمنعه يتقدم أو يغري حياته وتفاصيلها‪ .‬الشد‬ ‫والتعلق بني مكانني يشكل حالة ضياع”‪.‬‬ ‫ويقدم الشاعر السوري الكردي املقيم يف فرنسا جوالن‬ ‫حاجي أعامل رندا مداح بقوله “ليست هذه املخلوقات‬ ‫هاربة من الجحيم‪ ،‬إنها قطعة منها‪ٌ ،‬‬ ‫بعض من وجودها”‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬رندا تظهر لنا ما ال نراه‪ ..‬من نار ال ترى إىل‬ ‫نريان تجوب العامل حولنا‪ ،‬يلفح اللهب الجميع ويساوي‬ ‫بينهم أمام الرعب‪ ،‬فيسفع مالمحهم ويصهر أشالءهم‬ ‫ليوحدهم الذوبان‪ ،‬أو يف ّرقهم ويشتّت بالتهديد شملهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هذه خصوبة املوت وتوالد النهايات من بعضها البعض”‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫تقرير سوري يرصد الخراب الذي طال‬ ‫تراثنا الثقافي في ‪ 5‬سنوات‬ ‫صدر عن مركز دراسات اآلثاري السوري (مدماك)‬ ‫قبل أيام‪ ،‬تقرير توثيقي باللغة العربية‪ ،‬بعنوان‪:‬‬

‫الرتاث الثقايف املادي السوري بني عامي ‪.2011-2015‬‬

‫أو غري مبارش‪ -‬يف عمليات التخريب‬ ‫والتدمري؛ وال يستثنى من ذلك‬ ‫الدور الكبري الذي لعبته التنظيامت‬ ‫األيديولوجية املتطرفة يف هذه العمليات‪،‬‬ ‫والتي “ر ّوجت” لتعدياتها عرب وسائط‬ ‫إعالمها املوجه‪ ،‬كالسياسة التي انتهجها‬ ‫تنظيم داعش اإلرهايب تجاه املباين‬ ‫الرتاثية الدينية‪ ،‬واملواقع األثرية املسجلة‬ ‫عىل قوائم الرتاث العاملي كام يف موقع تدمر‪.‬‬

‫ّ‬ ‫تنظم مؤسسة “اتجاهات‬ ‫ ثقافة مستقلة” السور ّية‪،‬‬‫بالرشاكة مع املجلس‬ ‫الثقايف الربيطاين ومنظمة‬ ‫ملتقى فن ًيا‬ ‫اليقظة الدولية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يجمع العديد من الفاعلني‬ ‫واملؤسسات‬ ‫الثقافيني‬ ‫العاملة يف املجالني الثقايف‬ ‫والتنموي‪ ،‬عىل مدار يومي‬ ‫‪ 16‬و‪ 17‬أيلول‪ /‬سبتمرب‬ ‫الحايل‪ ،‬يف دار النمر للفن‬ ‫والثقافة‪ ،‬ومركز د ّوار‬ ‫الشمس يف العاصمة‬ ‫اللبنانية بريوت‪.‬‬ ‫ويهدف امللتقى –بحسب‬ ‫منظميه‪ -‬إىل تسليط الضوء‬ ‫عىل املامرسات الفنية‬ ‫والثقافية السورية‪ ،‬بأشكال‬ ‫التعبري املتنوعة التي‬ ‫تستخدمها‪ ،‬وفتح مساحة‬

‫للنقاش حول فاعلية الفنون‪ ،‬يف سياقها املدين‬ ‫واالجتامعي‪ ،‬ودور الفن يف تعزيز التك ّيف‪،‬‬ ‫من خالل إبراز نتائج ‪ 11‬مرشوعًا مستفيدًا‬ ‫من الدورة التجريبية من “مرشوع متكني الفن‬ ‫السوري يف املهجر”‪.‬‬ ‫وعن هذا امللتقى‪ ،‬يقول عبد الله الكفري‬ ‫(املدير التنفيذي ملؤسسة “اتجاهات”)‪ :‬يناقش‬ ‫امللتقى أهم التحديات واملخاطر التي تواجه‬ ‫الفن السوري يف املهجر‪ ،‬والحاجة املاسة‬ ‫لتطوير أطر؛ لالستجابة إىل هذه الحاجات‪،‬‬ ‫ووضع التعبري الفني والثقايف السوري عىل‬ ‫رأس كافة األنشطة التي تدعم التك ّيف وحرية‬ ‫التعبري يف فرتات األزمات والنزوح”‪.‬‬

‫ي يقع يف ‪ 112‬صفحة‬ ‫ديد الديوان الذ‬ ‫لرهوان” ج‬ ‫املتوسط ‪ 15‬قصيدة‬ ‫“ا‬ ‫من القطع‬ ‫صارة تجربة الحامدي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫الشاعر‬ ‫شكلت ع‬ ‫حميمة مع محيطه‬ ‫اهلل الحامدي وعالقته ال‬ ‫عبد‬ ‫املتغريات العاصفة‪،‬‬ ‫تحت وقع‬ ‫طفولة إىل الصبا إىل‬ ‫بد ًءا من ال‬ ‫راح يتف ّجر بالوجع‬ ‫النضج الذي‬ ‫حرتق والحنني إىل ما‬ ‫عىل وطن ي‬ ‫بات يشبه املجهول‪.‬‬ ‫هو الديوان الثالث‬ ‫و”الرهوان”‬ ‫عد “وردة الرمل” –‬ ‫للحامدي ب‬ ‫‪ 19‬و”نرشة غياب” –‬ ‫دمشق ‪95‬‬ ‫‪ ،2‬وللعنوان الجديد‬ ‫الدوحة ‪005‬‬ ‫حدى قصائد الديوان‬ ‫ق من إ‬ ‫املشت ل إىل مدى ارتباط‬ ‫داللة تحي‬ ‫ئة والرتاث والتاريخ يف‬ ‫عبدالله الشاعر بالبي‬ ‫خرا للشاعر السوري‬ ‫زيرة السورية املعروفة‬ ‫صدر مؤ ً‬ ‫بعنوان منطقة الج‬ ‫ي ديوان جديد‬ ‫رقي والديني فضال عن‬ ‫الحامد‬ ‫العربية بتنوعها الع‬ ‫ن” عن املؤسسة‬ ‫ها الجغرايف والسيايس‪.‬‬ ‫وا‬ ‫“الره‬ ‫ريوت‪ ،‬ويحتوي غنا‬ ‫لدراسات والنرش – ب‬ ‫ل‬

‫ثقافة‬

‫يقدّم التقرير موجزًا توثيق ًيا ملا تعرضت له‬ ‫املواقع األثرية واملباين الرتاثية السورية من أرضار‬ ‫وانتهاكات وتعديات وتخريب‪ ،‬خالل السنوات‬ ‫الخمس األوىل من عمر الثورة السورية‪ .‬ووف ًقا ملا‬ ‫ورد يف منت التقرير‪ ،‬فقد اعتمد فريق اإلعداد‪ ،‬يف‬ ‫عرض للمعلومات‪ ،‬عىل تقسيم سورية إىل خمس‬ ‫مناطق جغرافية (شاملية‪ ،‬ورشقية‪ ،‬ووسطى‪،‬‬ ‫وغربية‪ ،‬وجنوبية)‪ .‬وعُ رضت االنتهاكات الواقعة‬ ‫عىل املباين الرتاثية أو املواقع األثرية بنا ًء عىل‬ ‫توزع املحافظات يف كل منطقة‪ ،‬سواء أكانت‬ ‫يف املدينة القدمية أو يف ريف املدينة بحسب‬ ‫كل محافظة‪ .‬يف حني عرضت الرسقات املوثقة‪،‬‬ ‫واملتاحف املترضرة بشكل منفصل يف الفصلني‬ ‫األخريين من التقرير‪.‬‬ ‫ويخلص التقرير إىل تحديد أسباب االنتهاكات‪،‬‬ ‫ويشري إىل ّأن معظم األطراف العسكرية عىل‬ ‫األرض السورية‪ ،‬قد ساهمت ‪-‬بشكل مبارش‬

‫“ابتكر سوريا” ‪ ..‬مشروع تمكين‬ ‫الفن السوري في المهجر‬

‫العدد ‪2016 / 9 / 25 - 77 -‬‬

‫مثقفون سوريون ويهمل ذكر إيران وميليشياتها‪ ،‬ويفسح‬ ‫الفرصة الستئناف حرب ال تنتهي ضد‬ ‫يدينون سياسات‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬ويُشارك النظام‪ّ ،‬‬ ‫يدل عىل انعدام‬ ‫العدالة واألخالق لدى الفريقني‪ :‬األمرييك‬ ‫أمريكا وروسيا‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫رويس‪،‬‬ ‫وي‬ ‫فضح‬ ‫تدين‬ ‫مستوى سياسيي‬ ‫في بلدهم‬ ‫هاتني الدولتني‪.‬‬ ‫وختم البيان بالقول‪“ :‬يجب أن يتغري هذا‬ ‫أصدر نحو ‪ 150‬مثق ًفا سوريًا‪ ،‬من املعار‬ ‫ضني العامل الذي سمح بتحطم أحد أعرق مهود‬ ‫لنظام بشار األسد‪ ،‬الخميس (‪ 15‬أيل‬ ‫ول‪ /‬الحضارة طوال خمس سنوات ونصف‪ّ .‬إن‬ ‫سبتمرب الجاري)‪ ،‬بيا ًنا شديد اللهجة‪ ،‬أ‬ ‫دانوا العامل اليوم قضية سورية كام ّأن سورية‬ ‫فيه ‪-‬بأقىس العبارات‪ -‬مقاربة الوال‬ ‫يات قضية عاملية‪ ،‬ومن أجل العامل‪ ،‬من أجلنا‬ ‫املتحدة وروسيا للشأن السوري‪ ،‬وإلحاق‬ ‫هام جمي ًعا‪ ،‬ندعو إىل إدانة إىل هؤالء السياسيني‪،‬‬ ‫الثورة السورية بحرب ضد اإلره‬ ‫اب‪ ،‬والتشهري بهم كقتلة عدميني وإرهابيني مثل‬ ‫وانتقدوا كل ما قامت به هاتان ال‬ ‫دولتان خصومهم من العدميني اإلسالميني”‪.‬‬ ‫يف سورية‪ ،‬منذ صفقة األسلحة الكيام‬ ‫وية ومن بني املوقعني كتّاب وشعراء ومرتجمون‬ ‫مع النظام السوري وحتى اليوم‪ ،‬وشدد‬ ‫وا ونارشون وأكادميون وفنانون تشكيليون‬ ‫عىل أن التوافقات واالتفاقيات اإلمريكية‬ ‫ ومخرجونسينامئيونوممثلونوصحافيون‬‫الروسية أطلقت يد النظام السوري؛ لت‬ ‫دمري ومصورون فوتوغرافيون‪ .‬ومن بني األسامء‬ ‫سورية وقتل السوريني وتهجريهم‪ ،‬وتسب‬ ‫بت الكثرية نذكر صادق جالل العظم‪ ،‬فاروق‬ ‫بكوارث ال نهاية لها‪.‬‬ ‫مردم بيك‪ ،‬برهان غليون‪ ،‬سميح شقري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأكد البيان عىل أن تجميد الو‬ ‫ضع‬ ‫ال‬ ‫حايل‪،‬‬ ‫فارس‬ ‫ا‬ ‫لحلو‪،‬‬ ‫م‬ ‫يشال‬ ‫ش‬ ‫امس‪ ،‬ياسني الحاج‬ ‫الذي يُغفل مصري املعتق‬ ‫لني‪ ،‬واملحارصين‪ ،‬صالح‪ ،‬وغريهم كثري‪.‬‬

‫‪19‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.