طلعنا عالحرية / العدد 105

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬


‫السويداء واملهمة الصعبة‬

‫‪2‬‬ ‫افتتاحية العدد بقلم عاطف عامر‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫هناك قوانني ترسي عىل املجتمعات دون تدخل‬ ‫اإلرادات الذاتية ألفرادها‪ ،‬قوانني تعلو فوق‬ ‫مشيئتهم؛ فال التمرد قرار وال االنتفاضة اتفاق‪،‬‬ ‫هي لحظة ُيوجبها هذا القانون األعىل‪ .‬ودور‬ ‫اإلرادة الفردية هو إما أن تكون مع هذه اللحظة‪،‬‬ ‫لحظة التغيري‪ ،‬أو تحاول عرقلته‪ .‬ينقسم الناس‬ ‫بأدوارهم بني هاتني الخانتني‪..‬‬ ‫غالبية املجتمع املحيل يف السويداء اختارت يف‬ ‫األيام السابقة قرارها بتنظيف املحافظة من‬ ‫عصابات استباحت كل القيم االجتامعية املوروثة‬ ‫يف املحافظة؛ قيم تقديس الضيف‪ ،‬قيم الكرم‬ ‫وإغاثة امللهوف ورفع الظلم‪ ،‬وكونها قيم موروثة‬ ‫هي دامئاً بحاجة إلعادة توطني‪ ،‬إلعادة توكيد‪..‬‬ ‫تلك العصابات كانت عىل الض ّد من ذاك التوكيد‪،‬‬ ‫بل عىل العكس هي بدأت بترشيع قانونها؛‬ ‫وقانونها هو الجرمية‪ ،‬وكل جرم مي ّر بدون عقاب‬ ‫أو حساب يتحول لرشيعة يف املجتمع‪ ،‬وهذا ما‬ ‫حدث؛ صار الخطف والسلب والقتل هي يوميات‬ ‫عشناها لسنوات خلت‪..‬‬ ‫يف األيام السابقة اتخذت غالبية املجتمع املحيل‪،‬‬ ‫بعد تراكم هائل من الضيق والصرب عىل االستهزاء‬ ‫بكرامات الناس وحياتها وأرزاقها‪ ،‬اتخذت قرارها‬ ‫بتوكيد قيمه املوروثة وإعادة إنتاجها بكنس هذه‬ ‫العصابات بالقوة‪ .‬الصدام املسلح الذي ُحسمت‬ ‫نتائجه يف يوم واحد! فقط يوم واحد‪ ،‬كانت الناس‬

‫فيه سي ًال جارفاً يف الذهاب للمواجهة‪ ،‬وهناك‬ ‫منهم من ذهب دون سالح‪ .‬نبع السيل أن القيمة‬ ‫املوروثة العليا هي كرامة الناس‪ ..‬الكرامة التي‬ ‫اشتاقت للتوكيد‪ ،‬إلعادة التوطني‪ ،‬وألن تكون هي‬ ‫البوصلة‪.‬‬ ‫قانون التجمعات البرشية‪ ،‬أنه عند غياب القانون‬ ‫وغياب الدولة ككائن ينظم العالقة بني الناس‪،‬‬ ‫تنوس العالقة بني الناس‪ ،‬يف أن تكون عالقة‬ ‫استغالل وظلم‪ ،‬وأن يكون اإلنسان ذئباً ألخيه‬ ‫اإلنسان‪ .‬أو أن تكون عالقة ناظمها عقد اجتامعي‬ ‫بني الناس‪ ،‬يرى يف العدالة أساساً وقطباً جاذباً‪.‬‬ ‫ينوس التجمع البرشي بني هاتني العالقتني‪ ،‬ويرسم‬ ‫تاريخه‪ ،‬و ُيدرك أن تحقيق العقد االجتامعي هو‬ ‫جهد ونضال وعمل شاق؛ جهد هو يقني وإميان أن‬ ‫التاريخ هو ليس إال إنجاب إرادة العدالة‪ ..‬إرادة‬ ‫العدالة التي تتجسد فيام بعد مبؤسسات قضاء‬ ‫ومحاكم ورشطة مدنية وقوانني وتوابع كثرية‪.‬‬ ‫السويداء التي قضت عىل العصابات وإرادة‬ ‫الجرمية لن تنجو إال إذا أكملت املشوار باتجاه‬ ‫استعادة جسد إرادة العدالة‪ ،‬والذي هو القضاء‬ ‫النزيه العادل الصارم‪ ،‬الناس أمامه سواسية‪،‬‬ ‫وتحرير القضاء والنيابة العامة من تغ ُّول األجهزة‬ ‫األمنية؛ تحريره أي استقالله وسيادته؛ أن يكون‬ ‫للقضاء السيادة عىل كل مسؤول يف الدولة وكل‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫شهرية ثقافية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية‪،‬‬ ‫تعنى بالشأن السوري‬ ‫املدير اإلداري‬ ‫معتصم أبو الشامات‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫خارج عن القانون‪.‬‬ ‫ال مستقبل ألي تجمع برشي الكبري فيه يأكل‬ ‫حقوق الصغري‪ ،‬املستقبل املفتوح والفاتح ذراعيه‬ ‫هو لعالقة سوية بني البرش‪ ،‬هذه العالقة وسيطها‬ ‫(قاض‪،‬‬ ‫هو محكمة ترتكز عىل ثالثة أعمدة‬ ‫ٍ‬ ‫محامي دفاع‪ ،‬نائب ممثل للحق العام) ولكلمة‬ ‫“عام” هنا جذر معريف يصل لقرون‪ .‬كلمة “عام”‬ ‫تعني أن كل اعتداء عىل أي فرد هو اعتداء عىل‬ ‫املجتمع بكامله‪ .‬الثالثة أعمدة يتجادلون عىل‬ ‫أرضية الكتب والدساتري والقوانني التي درسوها‪.‬‬ ‫جداالً بني ثالثة هم خريجني جامعيني أكفاء‪..‬‬ ‫جداالً إلحقاق الحق ونرصة املظلوم‪ ،‬وإلعادة‬ ‫توكيد املوروث‪ ،‬لكن بوسائل صحيحة‪..‬‬ ‫هو الطريق األوحد والشاق ملستقبل ممكن‪ ،‬هو‬ ‫الطريق لجعل الحياة ممكنة‪ ،‬هو الطريق لتحويل‬ ‫هذه الجامعة البرشية يف الجنوب السوري إىل‬ ‫مجتمع‪ .‬فاملجتمع ليس مجموعة من األفراد كام‬ ‫هي مناهج البعث‪ ،‬املجتمع هو كينونة عظيمة‬ ‫يتم إنتاجها بتصحيح العالقة بني األفراد من‬ ‫عالقة “ذئبية” إىل عالقة مح ّبة وتشارك وتكامل‪،‬‬ ‫والتشارك يكون بني أفراد متساوين بالحقوق‪،‬‬ ‫ومختلفني بتنوعهم وآرائهم وتوجهاتهم‪..‬‬ ‫يف املساواة الحقوقية تنتفي الحرب‪ ،‬ويصبح‬ ‫السالح ال معنى له‪..‬‬ ‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/rising4freedom‬‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫أمن رقمي ومحاسبة‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف سوريا‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫‪3‬‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬

‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫كاريكاتري‬


‫السويداء بني متوزين‬

‫‪4‬‬ ‫جمال الشوفي‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫مقاالت‬

‫كان عنوان متوز ‪ 2018‬هو إخضاع السويداء باملساومة‬ ‫عىل نسائها املختطفات من قبل “داعش”‪ ،‬والنتيجة‬ ‫ج ّر أبنائها للخدمة العسكرية‪ ،‬فيام أن عنوان متوز‬ ‫‪ 2022‬هو إخضاع السويداء لحكم امليليشيات‪ ،‬التي‬ ‫تؤمن طرق التهريب واملخدرات‪ ،‬دون أن تجد من‬ ‫يقف أمامها‪ .‬وكال التموزين فشال يف تحقيق هذه‬ ‫األغراض‪.‬‬ ‫بني متوز ‪ 2018‬ومتوز ‪ 2022‬مرت أربعة أعوام‪ ،‬تغريت‬ ‫فيها معامل السويداء كام هو حال املسألة السورية‬ ‫بعمومها‪ .‬فإن كان االستعصاء السيايس الناتج عن تنازع‬ ‫األجندات الدولية جيوبوليتيكياً يف إيجاد منافذ للحل‬ ‫العام يف املسألة السورية‪ ،‬هو عنوان عام للمسألة‬ ‫السورية يف األعوام السابقة؛ فإن السويداء‪ ،‬وكجزء‬ ‫منها‪ ،‬تتشابك أحداثها وتختلط أوراقها وتتغري معامل‬ ‫الحدث فيها‪ ،‬ورمبا يكون العنوان األبرز فيها‪ :‬متاسك‬ ‫ووحدة أبناء السويداء ملواجهة هجوم “داعش” يف‬ ‫متوز قبل أربع أعوام‪ ،‬إىل ما بدى عىل أنه تفتت يف‬ ‫قواها ومتاسكها الذايت ومعامل اقتتال داخيل تستعر‬ ‫ناره تحت الرماد قبيل متوز ‪ 2022‬الحايل‪..‬‬ ‫أبرز معامل متوز ‪ 2018‬أنه أثبت فكرة متاسك السويداء‬ ‫عصبياً‪ ،‬مبختلف مكوناتها املعارضة والشعبية واملوالية‬ ‫ألي هجوم خارجي‪ ،‬ومسؤولية الروس األوىل واملبارشة‪،‬‬ ‫ومن خلفها السلطة السورية‪ ،‬عن هجوم “داعش”‬ ‫لقرى املنطقة الرشقية من محافظة السويداء‪ ،‬خاصة‬ ‫بعد سحب قوات الجيش من أطراف املحافظة‬ ‫الرشقية‪ ،‬وترك املساحة مفتوحة أمام التنظيم لدخول‬ ‫القرى اآلمنة‪.‬‬ ‫منذ متوز ذاك‪ ،‬بقيت السويداء ساحة مفتوحة مللفات‬ ‫عدة‪ ،‬أهمها تخلف أبنائها عن الخدمة العسكرية‪،‬‬ ‫وعدم إمكانية افتعال حدث عسكري مبارش فيها؛‬ ‫لكونها من “األقليات” التي ال تنطبق عليها صفات‬ ‫اإلرهاب املزعومة‪ .‬أضف لتجاذبها جيوسياسياً؛‬

‫لوقوعها يف املنطقة الجنوبية املحاذية لألردن والبادية‬ ‫الرشقية السورية‪ ،‬املوقع الذي أهّ لها لتكون معرباً‬ ‫لتهريب املخدرات والسالح عرب الحدود لألردن‪ ،‬ومنها‬ ‫لدول الخليج‪ .‬فيام معادلة السيطرة عليها وإتباعها‬ ‫ملرشوع ما انفصايل‪ ،‬أو إخضاعها بالقوة فشل سياسياً‬ ‫حتى اآلن‪ .‬لكن الفوىض العامة كانت سمتها األبرز‬ ‫لألمس القريب‪ .‬فالتامسك العصبي ألبناء هذه األقلية‬ ‫بدأ بالتزعزع واالختالل‪ ،‬وبدأت تطفو عىل السطح‬ ‫عصابات الخطف وتهريب املخدرات والسالح‪،‬‬ ‫املوقف الذي استدعى األردن لإلعالن الرسمي‬ ‫واملحذر من تغيري قواعد االشتباك ملواجهته مؤخراً‪.‬‬ ‫تتويجاً لهذا‪ ،‬وبعد غزوة روسيا ألوكرانيا‪ ،‬بدت معامل‬ ‫االنسحاب الرويس من بعض املواقع السورية عسكرياً‪،‬‬ ‫ومنها السويداء‪ ،‬وتركها ساحة مفتوحة للتمدد‬ ‫اإليراين‪ .‬هذا التمدد امللحوظ بشكل غري مبارش من‬ ‫خالل األذرع التي باتت األوضح عىل ساحة املحافظة‬ ‫وتحاول فرض سطوتها عليها‪.‬‬ ‫يف متوز هذا العام ‪ ،2022‬كانت تتبدى بوضوح معامل‬ ‫اقتتال داخيل بني أبناء السويداء أنفسهم‪ ،‬حيث‬ ‫متت تنمية وتعزيز فصيل محيل يتبع للمخابرات‬ ‫العسكرية‪ ،‬كام أثبتت البطاقات األمنية التي يحملها‬ ‫أصحابها‪ ،‬أطلق عليه حركة الفجر‪ ،‬والذي بات ُيهيئ‬ ‫ليصبح قوة أمر واقع من أبناء السويداء أنفسهم‪،‬‬ ‫وبرعاية وتعزيز أمني وميليشوي إيراين ومن حزب‬ ‫الله اللبناين‪ ،‬حسب اعرتافات أفرادها‪ ،‬ليفرض سطوته‬ ‫وهيمنته عىل املنطقة‪.‬‬ ‫الفصيل تحول من مجرد ميليشيا للخطف والسلب‬ ‫إىل مكون بذاته‪ ،‬توكل إليه مهمة تصفية مجموعات‬ ‫وأفراد منها املسامة مكافحة اإلرهاب‪ ،‬أو عدد من‬ ‫عشائر البدو ساكني حي املقوس يف املدينة‪ ،‬إىل ادعاء‬ ‫محاربة مروجي املخدرات‪ ،‬فيام كان مقر الفصيل‬ ‫نفسه معم ًال إلنتاج وتوزيع املخدرات‪ ،‬كام كشفت‬

‫أحداث اقتحامه من قبل أهايل السويداء! وليس‬ ‫فقط الطلب من عائالت السويداء أن تحج له لطلب‬ ‫الصفح وتقديم فروض الطاعة‪ ،‬ومحاولة فرض هيمنته‬ ‫عىل املنطقة الشاملية من السويداء‪ .‬األمر الذي وصل‬ ‫ملدينة شهبا‪ ،‬حيث قام بخطف عدد من أبنائها من آل‬ ‫الطويل ومحاولة فرض رشوط خضوعهم ومن خلفهم‬ ‫كامل شهبا لفصيله‪ ،‬األمر الذي تطور اللتحام أهيل‬ ‫جامعي من أبناء شهبا وإغالق الطرق املؤدية لها مبا‬ ‫فيها طريق دمشق الرئييس وعدم رضوخهم لسطوة‬ ‫فصيل الفجر هذا‪.‬‬ ‫مل يتأخر رد أبناء السويداء بالدعوة لتامسكهم املحيل‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬ورفض سياسة االخضاع والفلتان األمني‪ ،‬ال‬ ‫وبل تحييد موضوعة االقتتال املحيل إىل موقف شعبي‬ ‫موحد متمث ًال بالحاضنة الشعبية وفصائل السويداء‬ ‫ذاتية التسليح ومبقدمتها حركة رجال الكرامة‪ ،‬بالتوجه‬ ‫الجتثاث هذه العصابة وعنوانها املطروح‪ :‬ال نرىض‬ ‫حكم امليليشيات‪ ،‬وال كبري يف السويداء إال الكرامة‬ ‫وعزة النفس‪ .‬نحن مع حرمة الدم السوري‪ ،‬ومع‬ ‫تفعيل دور املؤسسات القانونية والقضائية‪ ،‬مع التغري‬ ‫العام ملصلحة الكل السوري‪ ،‬ولكن ما دامت هذه‬ ‫املؤسسات معطلة عن الفعل بحكم سطوة األجهزة‬ ‫األمنية فمن حق الواقع املحيل أن يطرح معادلته‬ ‫الواقعية التي عرب عنها الشيخ أبو حسن يحيى الحجار‪،‬‬ ‫قائد حركة رجال الكرامة‪ ،‬قبل أيام من اليوم‪“ :‬ما مل‬ ‫تقم مؤسسات الدولة بدورها بالتغيري‪ ،‬فنحن سنصلح‬ ‫ونغري”‪.‬‬ ‫ثوابت السويداء لليوم‪ :‬ال للفتنة الداخلية‪ ،‬نعم‬ ‫للموقف الشعبي املوحد‪ ،‬ال للقتل والدم‪ ،‬نعم‬ ‫للعدالة والقانون‪ ،‬وإن كان معط ًال لليوم‪ ،‬فنعم للعرف‬ ‫االجتامعي األخالقي كعرف عام تقبله كل املجتمعات‬ ‫البرشية حني يعطل فيها القانون والقضاء وترفض‬ ‫سطوة العصابات املارقة واالتجار باملخدرات والرسقة‬


‫‪5‬‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫مقاالت‬

‫والخطف‪ .‬ال لحكم امليليشيات ونعم للتغري السيايس الذي يفيض‬ ‫إىل تحقيق العدل وسيادة القانون‪ .‬ال لتلظي السلطة وامليليشيات‬ ‫اإليرانية بتأليب أبناء الجبل عىل بعضهم بغية تحقيق مآربها بإحكام‬ ‫الهيمنة عىل السويداء كمعرب لتجارة املخدرات والسالح‪ ،‬بل يجب‬ ‫كشف مخططاتها للعلن‪ ،‬محلياً ودولياً‪ .‬فإن كانت املعادلة التي‬ ‫فرضت عىل السوريني‪ :‬النظام أو اإلرهاب‪ ،‬فإن معادلة السويداء‬ ‫كانت هي النظام أو العصابات‪ ،‬ولكنها معادلة مرفوضة بالسويداء‬ ‫كلياً‪.‬‬ ‫لقد تأخر موقف السويداء لعالج هذه الظاهرة تحكي ًام للعقل‬ ‫والسبل السلمية للحل‪ ،‬فقد وقفت أمام مفرتق طرق تبحث فيها‬ ‫عن آلية ناجعة لعالج هذه الظاهرة‪ ،‬فبادرت مبظاهرات شعبية‬ ‫سلمية بداية هذا العام‪ ،‬وحاولت مراراً الضغط باتجاه تحسني‬ ‫األوضاع القانونية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬لكن أجهزة الدولة‬ ‫ومؤسساتها ال ترى وال تسمع‪ ،‬بل تعزز سطوة امليليشيات! ليقف‬ ‫املجتمع األهيل والوجدان العام للناس يف حرية يف اتخاذ إجراء نهايئ‬ ‫يف هذه املرحلة‪ .‬فأي إجراء جذري قد يقود ملقتلة داخلية تؤدي‬ ‫لتفكك النسيج املحيل وتأجيج االقتتال األهيل بني عائالت السويداء‪.‬‬ ‫كل هذا والسلطة واألجهزة األمنية مراقب بل معزز خلفي لهذه‬ ‫الفتنة واملستفيدة منها بكل أوجهها‪ .‬ولكن الحكمة والعقل أيضاً‬ ‫تقول ال للذل‪ ،‬ال للهوان‪ ،‬ال لحكم امليليشيات؛ فتاريخ السويداء‬ ‫الوطني ال يسمح للعابثني فيه بالتمدد أكرث‪ .‬فكان القرار يف متوز‬ ‫هذا‪ ،‬وبالتزامن مع ذكرى متوز داعش ‪ :2018‬التامسك املجتمعي‬

‫والوقوف بوجه العصابات واجتثاثها‪ ،‬كموقف مجتمعي عام‪ ،‬مل‬ ‫يتطور بعد ملوقف سيايس خاص‪ ،‬بقدر أنه ميس املوقف الوطني‬ ‫السيايس العام السوري برضورة إحداث التغيري السيايس واالنتقال‬ ‫من حكم امليليشيات إىل حكم مؤسسات الدولة وإقامة العدل‬ ‫وسيادة القانون‪.‬‬ ‫موقف أبناء السويداء لليوم يظهر التعقل‪ ،‬حقن الدم بكل الطرق‬ ‫السلمية‪ ،‬الوقوف عند كرامة الناس وتاريخها‪ ،‬وهي مواقف وطنية‬ ‫أخالقية ذات عمق مجتمعي راسخ‪ ،‬تتطلب من مثقفيها وسياسيها‬ ‫ورجالها االجتامعيني الوطنيني إنارة هذه املواقف الوطنية متخذة‬ ‫منها أساساً للتغيري السيايس العام الوطني‪ .‬إذ الزال بإمكان السويداء‬ ‫أن تلعب دوراً حيوياً يف املعادلة الوطنية السورية‪ ،‬وئذ يبدو قول‬ ‫العقل والحكمة أن ال حل جذرياً بالسويداء إال بحل جذري يف‬ ‫سوريا كاملة؛ ّ‬ ‫حل يقيم العدل وسيادة القانون‪ ،‬يحفظ كرامة‬ ‫الناس وحرياتهم العامة والشخصية‪ ،‬ويغري املعادلة السياسية فيها‬ ‫من حكم سلطة إىل حكم املؤسسات‪ .‬فإن كان هذا الحل بعيد‬ ‫املنال لليوم‪ ،‬فمن الحكمة والعقل أيضاً أال ترىض السويداء بسطوة‬ ‫امليليشيات‪ ،‬وأن تعود لتامسكها الوطني يف مواجهتها ورفض‬ ‫االنزالق ملشاريع فتنة داخلية أو حركات انفصالية‪ ،‬وهذا هو عنوان‬ ‫متوز هذا الصيف‪ .‬ليبقى السؤال املطروح‪ :‬هل تتوقف السويداء‬ ‫عند حدود مجتمعية باجتثاث هذه العصابات‪ ،‬أم تتحول ملقدمات‬ ‫يف طرح املسألة السورية يف التغيري السيايس املطلوب؟ سؤال برهن‬ ‫السوريني جميعهم‪ ،‬وليس أبناء السويداء وحسب‪.‬‬


‫انتفاضة اجلبل‬ ‫‪6‬‬

‫من النصر الشعيب إىل استحقاقات املستقبل القريب‬ ‫حمزة العربي‬

‫العدد‬

‫شكل النرص الشعبي يف محافظة السويداء إحراجاً‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫مقاالت‬

‫ومفاجأة غري متوقعة للنظام وإليران عىل السواء‪،‬‬ ‫وظهر هذا اإلحراج يف ترصيح لونا الشبل “كل ما‬ ‫يشاع عن أن الدولة هي من تدعم راجي فلحوط‬ ‫غري صحيح‪ ،‬الدولة السورية ستبقى الداعم األسايس‬ ‫ألبناء السويداء‪ ،‬أبناء العزة والكرامة‪ ،‬راجي فلحوط‬ ‫أحد أخطر املطلوبني للقضاء السوري بقضايا الخطف‬ ‫وفق املرسوم رقم ‪ 20‬لعام ‪ 2013‬الصادر عن السيد‬ ‫رئيس الجمهورية العربية السورية”‪.‬‬ ‫هذا الترصيح الذي يدلل عىل سيناريوهني محتملني؛‬ ‫إخفاء فلحوط وهو احتامل ضعيف‪ ،‬أو عمل‬ ‫مرسحية محاكمة رسيعة والتخلص منه‪ ،‬ضمن ادعاء‬ ‫كاذب بأن القيادة غري راضية عن تحركات فلحوط‪.‬‬ ‫بكل الحاالت فإن الفزعة التي حصلت الجتثاث‬ ‫ميليشيا فلحوط وبالتايل برت ذراع إيران األقوى يف‬ ‫السويداء عرب األمن العسكري هي رضبة موجعة‬ ‫للوجود اإليراين يف مجمل الجنوب‪ ،‬وأعتقد أنها فرصة‬ ‫مواتية لالستثامر السيايس لحزب اللواء املثري لالرتياب‬ ‫ليك يتقدم خطوات يف السويداء ويسعى الستثامر‬ ‫النرص الشعبي بطرقه املعهودة‪.‬‬ ‫غني عن التعريف االتفاق اإلمارايت‪ -‬األردين‪ -‬الرويس‪-‬‬ ‫األمرييك حول متكني كل من قوات مكافحة اإلرهاب‬ ‫وقوات الفيلق األول التابع لروسيا يف السويداء ودرعا‬ ‫لعمق يبلغ حوايل ‪ 30‬كم عن الحدود األردنية‪ ،‬مع‬ ‫اإلبقاء عىل معرب نصيب بيد النظام‪ ،‬عىل أن يتم‬ ‫استقطاع مبالغ منه لتمويل هذين الفصيلني‪ .‬وفعلياً‬ ‫هذا ما تم االتفاق عليه يف االجتامع األخري الذي‬ ‫حصل يف دولة اإلمارات‪ ،‬والذي جمع مالك أبو خري‬ ‫رئيس حزب اللواء‪ ،‬وأحمد العودة رئيس الفيلق األول‬ ‫التابع لروسيا يف درعا‪ ،‬وأطراف أخرى‪.‬‬

‫الفراغ الذي نتج من استئصال ميليشيا قوات الفجر‬ ‫سيكون فرصة مغرية ومجانية لتحقيق املرشوع‬ ‫الذي بادرت بطرحه األردن‪ ،‬والتحدي كبري أمام‬ ‫محافظة السويداء لتشكيل لجان أهلية تعمل عىل‬ ‫أكرث من مستوى وإلدارة أكرث من ملف؛ كامللف‬ ‫األمني‪ ،‬وامللف الصحي‪ ،‬واإلداري وامللف األهم هو‬ ‫امللف السيايس‪ ،‬الذي يحتاج لدراسة عميقة بالرتكيبة‬ ‫الداخلية للمحافظة ولألفخاخ املحتملة التي غالباً‬ ‫ما تستخدمها الدول يف سبيل االستثامر السيايس مبا‬ ‫تتضمنه من وعود وعهود ليست صادقة غالباً‪ ،‬والتي‬ ‫طاملا استخدمت الحرب بالوكالة لتحقيق غاياتها‬ ‫بواسطة دم الناس البسيطة املأزومة بالوضع املعييش‬ ‫الصعب‪.‬‬ ‫عىل عاتق الرشفاء يف املحافظة يف هذه املرحلة‬ ‫الحساسة مسؤولية تنظيم صفوفهم والتقدم خطوات‬ ‫يف اتجاه التمكن من األرض والناس‪ ،‬واالمتداد باتجاه‬ ‫أجهزة الدولة وتحريرها مع الوقت من قبضة‬

‫الفاسدين املتحالفني مع القوى األمنية‪ ،‬أيضاً هناك‬ ‫مسؤولية عىل رجال الكرامة والغيارى من املحافظة‬ ‫لحامية هذا التقدم املدين‪.‬‬ ‫إن سيطرة أي فصيل مدعوم من جهة خارجية‪،‬‬ ‫كحزب اللواء الذي يتذرع بانفصاله عن قوات مكافحة‬ ‫اإلرهاب أو غريه من الفصائل ذات التمويل الخارجي‪،‬‬ ‫يعني حرفياً استخدام دماء وأحالم املجتمع املحيل يف‬ ‫حروب بالوكالة املنترص بها هذا الطرف الخارجي أو‬ ‫ذاك‪ ،‬والخسائر الفادحة من مجتمعنا‪ .‬فالالعبون قد‬ ‫يربح أحدهم ويخرس اآلخر لكن من ال إرادة له هو‬ ‫فعلياً خارج اللعبة‪ ،‬ولن ميتلك أي احتامل للفوز‪ .‬بل‬ ‫هو من أحجار الشطرنج التي يضحي بها املتنافسون‬ ‫عىل سوريا دون رحمة‪.‬‬ ‫فهل يستطيع الرشفاء يف املحافظة أن يكونوا مبستوى‬ ‫الحدث؟ سؤال سرنى إجابته يف األسابيع القريبة‬ ‫القادمة‪.‬‬


‫بني املبدع واملعتقل‬

‫‪7‬‬

‫يوسف صادق‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫مقاالت‬

‫حينام كتب درويش “أحنُّ اىل خبز أمي‪ ..‬وقهوة‬ ‫أمي” كان املعتقل غوالً يأكل براءته‪ .‬وسمع أمين‬ ‫العتوم كالمه “وتكرب ّيف الطفولة” لري ّد عليه عرب‬ ‫بطله يف رواية “يسمعون حسيسها” بأنه ل ّوح‬ ‫لسجانيه ال إرادياً عندما غادر املعتقل‪ ،‬فقد ألفهم‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حتى صاروا وصار املعتقل جزءا منه ال ولن يفارقه!‬ ‫لس ُت م ّمن يقولون املعتقل سبب اإلبداع‪ ،‬فهذه‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫العبارة ملتبسة تحمل الخطيئة يف قالب الحقيقة‪.‬‬ ‫املعتقل هو ذاكرتنا الفردية والجامعية‪ ،‬بدءاً‬ ‫بالعادات والتقاليد‪ ،‬انتقاالً ألذرع املنظامت‬ ‫الحزبية‪ ،‬وصوالً لكم األفواه يف الوطن السجن‪ ..‬نعم‬ ‫السجن الكبري الذي نعيشه اغرتاباً عن إنسانيتنا‬ ‫وحقوقنا وطموحاتنا‪.‬‬ ‫كل كلمة نطقنا بها كانت مكم ّمة‪ ،‬وكل فرح كان‬ ‫ٌ‬ ‫مغموساً بالوجع‪ ،‬كل كلمة ٌ‬ ‫طويل يخ ّيم عىل‬ ‫ليل‬ ‫طرقاتنا‪ ،‬يحفر يف عروقنا‪ ،‬ويبذر الحكايا‪..‬‬ ‫وجع‪،‬‬ ‫ألف حكاية وحكاية يرويها املعتقل‪ ،‬عن ٍ‬ ‫شباب وعن‬ ‫عن أ ٍّم تنتظر‪ ،‬عن طفل ٍة يف الفراغ‪ ،‬عن ٍ‬ ‫ضياع‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫السؤال هنا مصيدة الب ّد منها‪ ،‬هل كنّا بحاجة لهذا‬ ‫الكم من األمل يك ُيولد اإلبداع؟ وهل هنا نز ّين‬ ‫ّ‬ ‫مصدر اإلبداع‪ ،‬أم نح ّيده عن املحاكمة؟ أم األجدى‬ ‫أن نقول اإلبداع خربة األمل وتوق الحرية‪.‬‬ ‫حينام تتك ّلم األرقام يختفي لون الكلامت؛ مئات‬ ‫الكتب‪ ،‬روايات‪ ،‬قصص‪ ،‬شهادات‪ ،‬دراسات‪ ،‬ك ّلها عن‬ ‫املعتقل‪ ،‬ليس أ ّولها “رشق املتوسط”‪ ،‬وليس أخرها‬ ‫“مجزرة التضامن”‪ ،‬ومجزرة ما ًيس ّمى بالعفو‪.‬‬ ‫والكلامت التي اختفى لونها‪ ،‬صارت خطايا تالحقنا‪،‬‬ ‫صارت سياطاً لجلد الذات‪ ،‬خطايا مسريتنا يف‬ ‫ظالل الطاغية‪ ،‬يف التامهي مع قوانينه‪ ،‬حتى بات‬ ‫املواطنون جمهوراً ثم قطيعاً يف مزرعة‪ .‬أ ّما السياط‬ ‫فتالحقنا ألننا رسنا مع “الفرقة الضا ّلة” عىل حد‬ ‫تعبري حسن حنفي‪ ،‬نجلد ذواتنا ألننا عاجزون أمام‬ ‫الطاغية‪ ،‬وأمام أنفسنا‪ ،‬وأمام أ ٍّم تنتظر ابنها أمام‬ ‫املعتقل‪ ..‬ثم ماذا؟‬ ‫نعود للمعتقل عرب مصطفى خليفة وأمين العتوم‬

‫وروزا ياسني حسن وهبة الد ّباغ وآخرون‪ ،‬يضيق‬ ‫املقال عن اتساعهم‪ ،‬األرقام صارت برشاً تو ّثق‬ ‫الجرمية الكربى‪ ،‬حينام يبني الطاغية مجده فوق‬ ‫هياكل َمن قالوا له‪“ :‬ال!”‪..‬‬ ‫حينام يصبح الوطن بحجم زنزان ٍة‪ ،‬والجالد هو‬ ‫املواطن نفسه يف الفرقة الناجية؛ يجلد‪ ،‬يقتل‪،‬‬ ‫يغتصب‪ ،‬يك يرت ّقى يف س ّلم أسياده‪ .‬الجرمية الكربى‬ ‫هي ما نحن عليه اآلن بعد عقود من الزمن‪ ،‬وقد‬ ‫اتسعت الزنزانة لتصبح وطناً‪ ،‬بكل ما فيها من‬ ‫إذالل وخوف وبشاعة‪ .‬وانكمش الوطن ليصري حلم‬ ‫ثقب ّ‬ ‫يطل عىل املدى‪.‬‬ ‫معتقلٍ يتلصص من ٍ‬ ‫رصد هذا األدب ما آل إليه الواقع االجتامعي‬ ‫والنفيس من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى بات وثيقة‬ ‫إدانة لسلطة همجية‪ ،‬تنتظر شخوص هذا األدب‬ ‫َمن يقرأها‪ ،‬لتفصح عن بناء مستعمرة الخوف من‬ ‫ضياع الحلم‪ ،‬ومستعمرة املال والسلطة من هياكل‬ ‫أجسام املعتقلني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كل قصة حدثت بني جدران املعتقل تدعونا ملعرفة‬ ‫كيف بنى هذا الهيكل املزعوم‪ ،‬حينها نبتعد عن‬ ‫جلد الذات‪ ،‬ونرى أنفسنا بوضوح يف قصص أدب‬ ‫املعتقل‪ .‬ليس الفضل للمعتقل‪ ،‬بل لخربة األمل‬ ‫لشخوص ُكتب عىل جلودهم تاريخ الطاغية‪.‬‬ ‫الكبرية‬ ‫ٍ‬ ‫انطالقاً من هذه النتيجة يكمل القطار حفر أنفاق‬ ‫جبال الخوف‪ ،‬كام حفر املعتقلون الفلسطينيون‬ ‫أنفاقاً بأعتى سجون االحتالل اإلرسائييل‪ ،‬وكام حفر‬ ‫مظ ّفر الن ّواب ورفاقه مبالعق الطعام نفقاً للحرية‪،‬‬ ‫وكام خرج نيلسون مانديال ليعيد بناء أفريقيا من‬ ‫سطوة األلوان‪ ،‬ودرويش الذي مل يستطع املعتقل‬ ‫احتجاز نداء الحنني‪ ،‬فكان املعتقل صدىً نق ّياً يوقظ‬ ‫غفلة اإلنسان وتغافله ّ‬ ‫عم يجري يف بلد الزيتون‬ ‫والليمون‪ ،‬اغتالوا غسان كنفاين وناجي العيل‪،‬‬ ‫وصوالً لشريين أبو عاقلة‪ ،‬ومل يستطيعوا اغتيال‬ ‫حلم العودة‪ ،‬مل يستطيعوا قتل الحقيقة‪ ،‬فأمعنوا‬ ‫بالعنف‪ ،‬ليكشف الفلسطينيون بعقد اجتامعهم‬ ‫حقائق عهر األنظمة‪ ،‬بدءاً بالعربية ثم العاملية‪،‬‬ ‫ونفاق املؤسسات الدولية‪.‬‬

‫أ ّما يف أعمق منحنيات معتقلنا ييضء فرج بريقدار‬ ‫وسمر يزبك وآخرون مالمح اإلنسان والعمل‪ ،‬مالمح‬ ‫االنكسار واألمل‪ ،‬وال ننىس إبراهيم صموئيل‪ ،‬الذي‬ ‫ّ‬ ‫متأخرة بعد خروجه من املعتقل‪،‬‬ ‫أبدع يف سنٍّ‬ ‫هؤالء يعيدون تنقية ما اختلط يف دمائنا لرنى‬ ‫أنفسنا بوضوح‪ ،‬نحن الذين هُ زمنا‪ ،‬لكننا مازلنا‬ ‫نحلم‪ ،‬نحن الذين ُر ّبينا يف املعتقل الكبري‪ ،‬لكننا‬ ‫ّ‬ ‫حطمنا اإلطار‪ ،‬نحن َمن خرج منّا املبدعون ّ‬ ‫ليبشوا‬ ‫باإلنسان السوري يف أنحاء املعمورة‪.‬‬ ‫املعتقل مل ينل من حلم السوري رغم كل محاوالت‬ ‫الطاغية لكرسه‪ ،‬ومل يكن يوماً ح ّداً عىل إبداعه‪ .‬هذا‬ ‫ما يجب أن نردّده لألجيال القادمة‪ ،‬ال أن نجعل‬ ‫لحظة الوقوف تحت الجرس بانتظار األحرار‪ ،‬هي‬ ‫الحلقة األخرية من باب الشام‪.‬‬ ‫الكثري من السياسيني والنشطاء واملثقفني وقعوا‬ ‫مبصيدة عقدة اضطهاد الضحية‪ ،‬فذهبوا مبامرساتهم‬ ‫خلف الناس املفجوعني‪ ،‬يلطمون‪ ،‬ويتسابقون لجلد‬ ‫الذات‪ ،‬وكأنهم متفاجئون مام حدث‪ ،‬وال ميلكون‬ ‫الحيلة ليقوموا بدورهم حينام ّ‬ ‫تحل املصائب‪.‬‬ ‫ماذا فعل االئتالف؟ وهل يكفي أن يرفع عدد‬ ‫من املنظامت الحقوقية شكوى ملؤسسات األمم‬ ‫املتحدة؟ وأين هي الحملة اإلعالمية‪ ..‬وأين وأين؟!‬ ‫علينا أن ّ‬ ‫نكف عن تصوير أنفسنا بالضحية‪ ،‬ونذهب‬ ‫بثقافتنا ومامرستنا للسياسة والفكر انطالقاً من‬ ‫االضطهاد‪“ .‬علينا أن نع ّلم الشعب عىل الذعر من‬ ‫نفسه يك نعطيه الشجاعة‪ ،‬علينا أن نص ّور كل ّ‬ ‫قطاع‬ ‫من (وطننا) عىل أنه الجزء املخزيّ ‪ ”..‬هكذا خاطب‬ ‫ماركس الشعب األملاين‪ ،‬وهكذا يجب أن نخرج من‬ ‫حدادنا؛ أن يخرج املعتقل من داخلنا‪ ،‬ألن بقاءه‬ ‫يعني بقاء الطاغية‪ ،‬علينا أن نغني للحياة لحنها‬ ‫ذاته‪ ،‬كام أ ّكد ماركس‪ ،‬ونع ّلم األجساد عىل الرقص‬ ‫بإيقاعات الحلم‪.‬‬ ‫علينا استبدال ثنائيات املعتقل واالنكسار‪ ،‬املعتقل‬ ‫والخوف‪ ،‬املعتقل واألمل‪ ،‬املعتقل والقتل‪ ..‬بثنائية‬ ‫واحدة ال تختزل كل ما سبق بل تجعله نصف‬ ‫حقيقة‪ ،‬فنقول‪ :‬املبدع واملعتقل‪.‬‬


‫من أوراق جودت سعيد‬

‫‪8‬‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫جوابا على سؤال ورده عرب الربيد اإللكرتوني‬ ‫املفكر الراحل جودت سعيد‬ ‫رسالة كتبها‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫مقاالت‬

‫األربعاء ‪6/10/2010‬‬ ‫األخ املكرم ز س‬ ‫السالم عليكم جميعاً؛ أنتم املتعاونني عىل الرب‬ ‫والتقوى‪.‬‬ ‫إن موضوع املرأة من أكرث املواضيع امللحة لإلنسانية‪،‬‬ ‫فالنساء ميثلن النصف األكرث رحمة من البرشية‪،‬‬ ‫وكنّ خالل التاريخ اإلنساين ك ّله من املستضعفني يف‬ ‫األرض‪ ،‬بسبب ضعف عضالتهن‪ ،‬حيث كانت قيمة‬ ‫الفرد تقدر مبقدار قوته العضلية‪ ،‬وهذا ما ميتاز به‬ ‫الرجال غالباً مقارنة بالنساء‪.‬‬ ‫والنساء هن الاليت يحملن الرجال يف أرحامهن خالل‬ ‫املرحلة الجنينية‪ ،‬وهن من يحملنهم يف أحضانهن‬ ‫بعد الوالدة‪ ،‬لشهور طويلة‪.‬‬ ‫ومن سحنة وجوههن‪ ،‬ونغمة أصواتهن يترشب‬ ‫األوالد ذكوراً وإناثاً‪ ،‬القيم االجتامعية التي تقدسها‬ ‫الجامعة التي ينتمني إليها‪ ،‬صحيحة أو خاطئة‪ ،‬فتنفذ‬ ‫إىل أعامق أرواحهم‪ ،‬فاألطفال مييزون سحنة الوجوه‪،‬‬ ‫ويعرفون الوجه الحزين والوجه الضاحك والوجه‬ ‫البايك‪ ،‬قبل أن يتعلموا اللغة املنطوقة‪“ ،‬ولتعرفنّهم‬ ‫بسيامهم ولتعرفنهم يف لحن القول”[محمد‪.]30:‬‬ ‫فاملقدسات واملد ّنسات تبدأ باالنتقال تلقائيا‬ ‫قبل تعلم اللغة؛ فصوت الغاضب وصوت الف ِرح‬ ‫املستبرش ال يستويان‪ .‬وحتى كلمة “السالم عليكم”‬ ‫عندما تكون مكتوبة تختلف عنها عندما تكون‬ ‫منطوقة؛ فيمكن أن تحمل العبارة املنطوقة معنى‬ ‫(كم أنا مرسور بلقائك)‪ ،‬كام ميكن أن تحمل معنى‬ ‫(لقد كان من سوء حظي أنني التقيت بك)!‬ ‫واآلن يف عرص صناديق االقرتاع دخلت النساء عاملاً‬ ‫جديداً‪ ،‬ميثل فيه الفرد الواحد بصوت واحد بغض‬ ‫النظر عن جنسه‪ّ .‬‬ ‫وكل األصوات متساوية يف القيمة‪،‬‬ ‫مهام كان لون صاحبها أو مقامه أو عرقه‪ ،‬أو مهام‬ ‫كان جنسه‪.‬‬ ‫وهذا العامل الذي بدأ يتشكل للتو‪ ،‬يحمل البرشى‬

‫لكل نساء العامل‪ ،‬وسيكون للنساء الاليت اعتُربن‬ ‫أدىن مكانة من الرجل خالل التاريخ‪ ،‬حق املساواة‪.‬‬ ‫وأمكنت املساوة ألن النساء يساوين الرجال يف‬ ‫القدرة الدماغية‪ ،‬فهنّ كذلك يساوين الرجال يف‬ ‫القدرة عىل الفهم‪ ،‬ويساوينهم يف القدرة العقلية‪.‬‬ ‫وباعتبار تاريخهن الذي عانني فيه من الظلم‪،‬‬ ‫فلديهنّ القدرة عىل فهم معنى العدل أكرث من‬ ‫الرجال‪ ،‬أصحاب االمتيازات عرب التاريخ كله‪.‬‬ ‫واآلن عدد اإلناث يف سلك الدراسات العليا يف سوريا‬ ‫ويف بريطانيا ويف الكويت أكرث من عدد الذكور‪،‬‬ ‫وهذه أوىل تباشري العامل الجديد‪ .‬فعندما كنت طف ًال‬ ‫يف املدرسة االبتدائية مل يكن عندنا آنسات‪ ،‬وكان كل‬ ‫املدرسني من الذكور‪ ،‬ولكن اآلن صار عدد اآلنسات‬ ‫يفوق عدد املعلمني يف معظم املراحل؛ يف االبتدائية‬ ‫واإلعدادية بل ويف الثانوية‪ ،‬وسيصري عددهنّ أكرب‬ ‫يف الجامعة يف وقت مل يعد بعيداً‪ ،‬ألن خريجات‬ ‫الدراسات العليا سيتخصص قسم منهنّ ويصبحن‬ ‫مدرسات يف الجامعة أيضاً‪.‬‬ ‫أنا مرسور أن أتحدث عن دور املرأة ‪ ،‬والروح‬ ‫الذي صبغت به تاريخ البرش منذ آالف السنني‪،‬‬ ‫وآمل أن هذه الروح ستصبح أكرث حضوراً وظهوراً‬ ‫وتأثرياً يف مستقبل البرش‪ .‬وأمام البرشية مليارات‬

‫السنني القادمة التي ستشهد كيف سيتحقق علم‬ ‫الله يف اإلنسان‪ ،‬وأن هذا اإلنسان سيخرج من‬ ‫الفساد وسفك الدماء‪ ،‬وسيمأل األرض عدالً وسالماً‪،‬‬ ‫وسيتحقق هذا باإلضافة التي ستحدثها النساء إىل‬ ‫تاريخ البرش‪.‬‬ ‫هذا علم الله يف اإلنسان‪ ،‬منذ أن كان مرشوعاً‬ ‫لالستخالف يف ضمري الغيب‪ ،‬واحتجت املالئكة عىل‬ ‫فسد مخ ِّرب‬ ‫مرشوع االستخالف‪ ،‬بأن هذا املخلوق ُم ِ‬ ‫يسفك الدماء‪“ :‬أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك‬ ‫الدماء” [البقرة‪ ،]30:‬وكان جواب الحق سبحانه‬ ‫وتعاىل رهان عىل هذا املخلوق بغض النظر عن‬ ‫جنسه “إين أعلم ما ال تعلمون” [البقرة‪ ،]30:‬وإذا‬ ‫كنا إىل اآلن مل نخرج بعد من عرص الفساد وسفك‬ ‫الدماء‪ ،‬فإن عرص “إين أعلم ما ال تعلمون” قد جاءت‬ ‫أرشاطه والحت تباشريه‪.‬‬ ‫وقي ًال سالماً سالماً‪.‬‬ ‫إن املجد لله يف األعايل وللناس املرسة وعىل األرض‬ ‫السالم‪.‬‬ ‫وشكرا لك وألخيك صاحب الهمة العالية‪ ،‬الذي‬ ‫يشقّ الطريق إىل السالم العاملي‪.‬‬ ‫جودت سعيد‬ ‫مع كل املحبة والتمنيات اإلنسانية‪.‬‬


‫العنصرية مبا أنها قضية‬ ‫وعي إنساني‬

‫‪9‬‬

‫مضر حمكو‬ ‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫مقاالت‬

‫يف مسار تحول الحدث العنرصي املتعلق باالعتداء‬ ‫عىل السيدة السورية املسنّة ليىل محمد يف مدينة‬ ‫غازي عنتاب الرتكية إىل قضية رأي عام ‪-‬سوري عىل‬ ‫األقل‪ -‬ينبغي لنا تصعيد لحظة األمل السوري هذه‬ ‫التفجع االفرتايض عىل ما‬ ‫إىل فكرة أسمى من مجرد ّ‬ ‫يصيب السوريني‪ ،‬انطالقاً من الرتاب الوطني وصوالً‬ ‫إىل مشارق األرض ومغاربها‪.‬‬ ‫معنى التصعيد هنا هو االرتقاء باسم ليىل محمد‬ ‫املعب عن كل ضحايا‬ ‫إىل رتبة الشخص املفهومي ّ‬ ‫العنرصية عرب العامل‪ ،‬هذا الشخص املفهومي هو‬ ‫الح ّد العقيل واألخالقي‪ ،‬الرضوري واملنطقي‪ ،‬الذي‬ ‫ينبغي إقامته عىل كل االنتهاكات بحق ضحايا‬ ‫العنرصية والتمييز‪ ،‬ليس فقط ضدنا كسوريني‪ ،‬وليىل‬ ‫محمد أو لنا‪ ،‬بل جميع الضحايا يف تاريخ البرشية‪،‬‬ ‫ماضياً وحارضاً ومستقب ًال‪ .‬وبهذه املثابة ينبغي‬ ‫لدفاعنا النبيل عن املسنّة السورية أن يتسامى إىل‬ ‫دفاع جذري أكرث نب ًال‪ .‬دفاع عن اإلنسانية‪ ،‬من جهة‬ ‫أن السيدة ليىل هي التعبري الذري عن اإلنسانية‬ ‫جمعاء‪.‬‬ ‫من هذا املدخل ميكن لنا اإلسهام يف ثقافة مناهضة‬ ‫عىل الصعيد الكوين لكل املامرسات الواقعة تحت‬ ‫املستوى األخالقي للسلوك اإلنساين‪ ،‬وبهذا ميكن أن‬ ‫نتشاطر مع البرشية فضاء عمومياً مشرتكاً لالجتامع‬ ‫البرشي‪ ،‬وهذا هو معنى أن نتحول من حالة اإلضافة‬ ‫بوصفنا ضيوفاً عىل األوطان مهمشني ومخذولني‪ ،‬إىل‬ ‫حالة الفاعل األصيل باعتبارنا مواطنني‪ ،‬ال يف سوريا‬ ‫فقط بل يف العامل بأرسه‪.‬‬ ‫املواطن العاملي هذا هو القادر عىل استعامل العقل‬ ‫استعامالً عمومياً يبتغي كشفاً شبه كوين يقوم فيام‬ ‫بيننا نحن معارش البرش‪.‬‬

‫هذا يعني أنه يتوجب علينا االرتقاء بالحم ّية‬ ‫السورية التي تنترص للمواطنة السورية ليىل‪ ،‬وهذا‬ ‫مفهوم وطبيعي ومنتظر كرد فعل من داخل البيئة‬ ‫الثقافية السورية املولدة لشعور االنتامء الذي‬ ‫نتشاركه مع ليىل فردياً وجامعياً‪.‬‬ ‫إذاً هو حالة دفاع الهوية عن نفسها إذا فهمنا أن‬ ‫جسم ليىل دخل يف أفق الهوية السورية بوصفه‬ ‫جسمنا جميعاً وجرحنا جميعاً‪ ،‬لكن ما هو موقفنا‬ ‫لو أن ليىل مل تكن ليىل‪ ،‬بل كانت إحدى األملانيات يف‬ ‫شعاب أفريقيا‪ ،‬أو إحدى النساء من البرشة السوداء‬ ‫يف متاهات فلوريدا؟ هذا هو السؤال الذي كان‬ ‫يجب أن يسكننا منذ أمد بعيد‪.‬‬ ‫وهذا السؤال يجب أن يتحول إىل ركيزة يف طريقة‬ ‫النظر إىل الذات والعامل‪ .‬وهذا يعني ببساطة‬ ‫مخرجاً إنسانياً‪ ،‬وبالتايل عاملياً وكونياً ملا هو محيل‬ ‫يف مستوى الهوية‪ ،‬منذ أن غادر العامل وصفه عوامل‬ ‫وشعوب وقبائل وقارات‪ ،‬بفعل فيوض الطوفان‬ ‫التقني يف مستوى تداول وانتشار املعلومات‪ ،‬والذي‬ ‫أخذنا لنطوف أصقاع األرض‪ ،‬وجعل لألمرييك قدرة‬ ‫أن يعرف ما يحدث يف الحسكة السورية‪ ،‬والبن‬ ‫الحسكة أن يتابع ما يجري يف أوكرانيا أو وادي‬ ‫السيليكونحتى‪.‬‬ ‫هل من قبيل الرتف أن تتم الدعوة إىل تصعيد‬ ‫لحظة الشعور السوري باملهانة‪ ،‬الناجم عن االعتداء‬ ‫عىل السيدة السورية‪ ،‬إىل موقف نقدي عام وشامل‬ ‫ذي بعد عاملي قادر عىل اإلسهام يف ثقافة كونية‬ ‫تكون مبثابة املناعة األخالقية عرب الكوكب لدرء‬ ‫مفاسد البرشية؟ جوايب هو ال النهائية‪.‬‬ ‫رمبا هناك ممن سيقرؤون هذه السطور‪ ،‬وهم ‪-‬يف‬ ‫حال وجدوا‪ -‬قلة عىل ما أظن‪ ،‬من يقول وما عالقتنا‬

‫نحن السوريني بامرأة من بوركينافاسو تتعرض‬ ‫لسلوك عنرصي يف غواتيامال؟ أقول يف هذه الحالة‬ ‫يحق أيضاً للفرنيس أال يبايل مبجزرة التضامن‪.‬‬ ‫ملاذا يجب أن يكون الجواب عن السؤال آنف الذكر‬ ‫هو ال النهائية؟ ألنه ببساطة يجب أن يدخل أفق‬ ‫تفكرينا أن املأساة السورية هي جزء من األزمة بل‬ ‫املأساة العاملية‪ ،‬هي أحد مظاهر هذه املأساة التي‬ ‫تتعني بصورة حرب عىل الشعب األوكراين‪ ،‬أو مذبحة‬ ‫ملسلمي ميامنار‪ ،‬أو مقتلة مستمرة يف حق اليمنيني‪،‬‬ ‫أو مجاعة يف أفريقيا‪ ،‬أو مجزرة يف مدرسة أمريكية‪،‬‬ ‫أو أزمة غذاء تطال الفقراء‪ ،‬أو مجموعة حوادث‬ ‫عنرصية حدثت وتحدث يف أصقاع الكوكب‪..‬‬ ‫أال يكفي هذا لنفهم نحن بني البرش‪ ،‬سوريني وغري‬ ‫سوريني‪ ،‬أن الوجع اإلنساين عدا عن كونه مس ّلعاً‬ ‫ومش ّيئاً بات معوملاً وقاب ًال للتوزيع عىل املناطق‬ ‫األكرث رخاوة من خوارص العامل؟ أال يكفي هذا لنفهم‬ ‫أن الوجع الالشخيص للعامل هو وجعنا الفردي؟ فاألنا‬ ‫هو من يوجع الوجود وليس العكس‪.‬‬ ‫تعالوا إذاً نعيد نحت األسئلة ونسائل البنى الجوانية‬ ‫تحت سطح أنفسنا‪.‬‬ ‫تعالوا ل َرن يف معرض ما نقرتح من حلول ملعضالتنا‬ ‫الوطنية والكوكبية‪ ،‬ومنها الحرب وليس آخرها‬ ‫العنرصية‪ ،‬إن كان ما أنتجنا كسوريني وكبرش من‬ ‫قوانني وشعارات وأنظمة وبرامج‪ ،‬كاف لتحسني‬ ‫الثقافة والسلوك‪( .‬وهل أن القضية أص ًال هي‬ ‫تحسني وتخفيف؟ أم إحداث تحول جذري ونوعي‬ ‫فيام أبعد من القانون والنظام‪ ،‬عىل كل ما لهام من‬ ‫أهمية لوجودنا كبرش الذين الزال الجزء املتحرض‬ ‫من طبيعتهم غري كاف لحفظ وجودهم‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫حقوقهم بدون وجود القانون)!‬


‫باب اهلوى شريان الشمال السوري‬ ‫‪10‬‬

‫كيف تبازر روسيا السوريني على لقمتهم األخرية‬ ‫علي الداالتي ‪ -‬إدلب‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫تبنى مجلس األمن بتاريخ ‪ 12‬متوز ‪ 2022‬متديد آلية‬ ‫إيصال املساعدات اإلنسانية عرب الحدود إىل شامل‬ ‫غرب سوريا عرب متديد القرارات الواردة يف الفقرتني ‪2‬‬ ‫و‪ 3‬من قرار مجلس األمن ‪ ،)2014( 2165‬ملدة ستة‬ ‫أشهر؛ أي حتى ‪ 10‬كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ ،2023‬فقط‬ ‫عرب معرب باب الهوى وقبلها أخفق املجلس يف اعتامد‬ ‫مرشوعي قرارين كان من املمكن أن يجددا اآللية‪:‬‬ ‫أحدهام مقرتح من ايرلندا والرنويج وقد رفضته‬ ‫روسيا‪ ،‬واآلخر مببادرة من روسيا وحصل عىل صوتني‬ ‫مؤيدين فقط (الصني وروسيا)‪.‬‬ ‫وقد تجدد البازار الرويس قبل االجتامع حيث‬ ‫تريد روسيا تعويم نظام األسد عرب الضغط مبلف‬ ‫املساعدات واللعب بقوت الشعب السوري عرب ربط‬ ‫آلية نقل املساعدات اإلنسانية عرب الحدود يف سوريا‬ ‫مع ملف املساعدات عرب خطوط التامس ونقل‬ ‫امللف اإلنساين بالكامل ملكاتب األمم املتحدة يف‬ ‫دمشق‪ ،‬التي سبق وثبت تورط موظفني منها مبلفات‬ ‫فساد لصالح النظام السوري ومليشيات ومؤسسات‬ ‫مرتبطة به‪.‬‬

‫تقارير‬

‫تسلسل تاريخي آللية إيصال املساعدات عرب‬ ‫الحدود‬ ‫اعتمد مجلس األمن الدويل يف عام ‪ 2014‬القرار رقم‬ ‫‪ ،2156‬الذي منح اإلذن ملؤسسات األمم املتحدة‬ ‫ووكاالتها باإلضافة إىل رشكائها وملدة عام باستخدام‬ ‫أربعة معابر حدودية يف سوريا “باب السالمة”‬ ‫و”باب الهوى” و”الرمثا” و معرب “اليعربية” وذلك‬ ‫بهدف إيصال املساعدات اإلنسانية‪ ،‬إىل األشخاص‬ ‫املحتاجني يف سوريا‪.‬‬ ‫واستمر التمديد عرب قرارات عديدة من مجلس‬ ‫األمن‪.‬‬ ‫وبالتوازي مع قرارات التمديد كانت الضغوط‬

‫الروسية مستمرة بهدف إيقاف إدخال املساعدات‬ ‫اإلنسانية عرب الحدود‪ .‬واستخدمت روسيا حق‬ ‫النقض “الفيتو” بوجه عدد من مسودات القرارات‬ ‫التي طرحتها الدول‪ ،‬حتى تم االتفاق يف ‪ 11‬كانون‬ ‫الثاين‪ /‬يناير ‪ 2020‬عىل القرار الذي اعتمده مجلس‬ ‫األمن والذي حمل رقم ‪ 2504‬والذي اعتمد متديد‬ ‫آلية إيصال املساعدات اإلنسانية عرب الحدود إىل‬ ‫سوريا‪ ،‬ولكن هذه املرة تم استبعاد معربين هام‬ ‫“اليعربية” مع العراق و”الرمثا” مع األردن‪ ،‬واستمر‬ ‫العمل عرب معربين فقط هام “باب الهوى” و”باب‬ ‫السالمة” وكالهام مع تركيا‪ ،‬وملدة ستة أشهر فقط‪.‬‬ ‫لكن ذلك مل يوقف روسيا عن مساعيها إلغالق‬ ‫الحدود بوجه املساعدات اإلنسانية؛ حيث نجحت‬ ‫يف ‪ 11‬متوز‪ /‬يوليو ‪ 2020‬بتقويض آلية إيصال‬ ‫املساعدات اإلنسانية عرب الحدود‪ ،‬وقلصت مجدداً‬ ‫عدد املعابر إىل معرب واحد هو معرب باب الهوى وفق‬ ‫القرار األممي رقم ‪.2533‬‬ ‫وبعدها استمرت املحاوالت الروسية إلغالق معرب‬ ‫باب الهوى وهو آخر املعابر الحدودية التي تدخل‬ ‫عن طريقها املساعدات اإلنسانية األممية إىل شامل‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫ولكن استطاع مجلس األمن التوصل إىل قرار أممي‬ ‫يقيض باستمرار إيصال املساعدات اإلنسانية لسكان‬ ‫شامل غرب سوريا عرب معرب باب الهوى لعام إضايف‬ ‫ينتهي يف شهر متوز الجاري‪ ،‬وفق القرار األممي رقم‬ ‫‪ 2585‬لعام ‪،2021‬‬ ‫ولكن سبق القرار مفاوضات عدة دول مع روسيا‬ ‫لتمريره‪ ،‬استطاعت روسيا خاللها فرض عدد من‬ ‫التعديالت عىل مرشوع القرار الذي قدمته الرنويج‬ ‫وإيرلندا‪ ،‬وتنص التعديالت عىل بدء العمل بآلية‬ ‫إيصال املساعدات اإلنسانية عرب الخطوط‪ ،‬وذلك‬ ‫من حكومة النظام‪ ،‬إىل املناطق الخارجة عن سيطرة‬

‫النظام‪ ،‬وذلك متهيداً إليقاف العمل بآلية إيصال‬ ‫املساعدات اإلنسانية عرب الحدود التي بدأت عام‬ ‫‪.2014‬‬ ‫مازن علوش مدير العالقات العامة واإلعالم يف معرب‬ ‫باب الهوى قال ملجلة طلعنا عالحرية إنه “عىل الرغم‬ ‫من ضعف عمليات االستجابة اإلنسانية يف املنطقة‪،‬‬ ‫تظهر البيانات الواردة أدناه كمية املساعدات‬ ‫اإلنسانية املقدمة ألكرث من ‪ 2.6‬مليون شخص خالل‬ ‫الفرتة املذكورة؛ حيث يشكل النساء واألطفال ما‬ ‫نسبته ‪ 65%‬منهم‪ ،‬يف الوقت الذي تسعى روسيا‬ ‫فيه إىل إيقاف املعرب عن العمل وفق آلية التفويض‬ ‫الخاصة بإدخال املساعدات اإلنسانية عرب الحدود‬ ‫وتحويل تلك املساعدات إىل مناطق سيطرة النظام‬ ‫السوري إلدخالها عرب معابر داخلية إىل مناطق شامل‬ ‫غرب سوريا‪ ،‬والتي استطاعت من خالل هذه املعابر‬ ‫إدخال ‪ 71‬شاحنة محملة مبساعدات غذائية فقط‬ ‫تعادل ‪ 1398‬طن‪ ،‬وستنخفض هذه األرقام فيام‬ ‫بعد إىل مستويات ضعيفة جداً لو استطاعت روسيا‬ ‫تحويل املساعدات اإلنسانية إىل خطوط التامس”‪.‬‬ ‫وبحسب الناشط اإلنساين عيل نرصالله فإن “معاناة‬ ‫السوريني تزداد يوماً بعد يوم؛ حيث وصلت مأساتهم‬ ‫إىل أرقام قياسية يف إحصائيات الفقر والجوع‪ ،‬وكل‬ ‫التقارير اإلنسانية األممية وامليدانية تفيد بأن سوريا‬ ‫عموماً ومنطقة شامل غرب سوريا مقبلة عىل مجاعة‬ ‫ال ميكن السيطرة عليها”‪.‬‬ ‫وأكد نرصالله أن “املشكلة ليست فقط إغالق باب‬ ‫الهوى‪ ،‬ولكن هي يف حياة ماليني البرش املهددة؛‬ ‫فأكرث من ‪ 4.3‬مليون مدين بينهم مليون ونصف‬ ‫شخص هجرتهم قوات النظام الرويس وحلفائه من‬ ‫امليليشيات والقوات الروسية يعيشون يف مخيامت‬ ‫شامل غرب سوريا‪ ،‬ينتظرون بصمت مصريهم‬ ‫املرتبط بتلك املساعدات التي تبقيهم عىل قيد‬


‫‪11‬‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫وأضاف املكتب أنه “مل تصل سوى ‪ 43.500‬حصة‬ ‫طعام إىل مناطق املعارضة يف شامل غرب سوريا‬ ‫مقارنة مع ‪ 1.3‬مليون حصة وصلت من تركيا يف‬ ‫ترشين الثاين‪ /‬نوفمرب‪ .‬إن اإلمدادات ظلت يف املخازن‬ ‫ملدة أربعة أشهر ألن الحكومة السورية رفضت‬ ‫السامح للمنظامت غري الحكومية توزيعها‪ .‬وإن‬ ‫التالعب يف املساعدات زاد أثناء عقد الحرب وعرب‬ ‫التقييم والتدقيق املايل”‪.‬‬ ‫وح ّذر املكتب بأن عمل النظام هذا هو جزء من‬ ‫موضوع منظم يجب حله ألن العبني آخرين‬ ‫سيقومون بنسخه والذين يتعلمون مام فعله النظام‬ ‫السوري”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫أرواح السوريني مثن تعويم األسد‬ ‫بحسب الصحفي محمد العيل‪“ :‬تحاول اليوم روسيا‬ ‫التي تعاين من عزلة دولية بسبب حرب أوكرانيا‬ ‫اللعب مبلف املساعدات اإلنسانية لتحقيق مكاسب‬ ‫لها ولحليفها بشار األسد ونظامه‪ ،‬والذي يرغب بكرس‬ ‫العزلة الدولية املفروضة عليه منذ سنوات”‪.‬‬ ‫وأضاف العيل أن‪“ :‬الخطة الروسية يف حرص إدخال‬ ‫املساعدات اإلنسانية الدولية عرب دمشق تهدف‬

‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫الحياة‪ ،‬يتوجب عليهم أن يرتقبوا‪ ،‬كل ستة أشهر‪،‬‬ ‫تعنت روسيا وقذارتها يف استغالل معاناتهم لتحقيق‬ ‫أهداف سياسية‪ .‬واملطلوب من هؤالء أن يتعاطوا مع‬ ‫موتهم الحتمي بعقالنية”!‬ ‫فبحسب إحصائيات فريق منسقي استجابة سوريا‬ ‫فإن سكان املخيامت يعانون أكرث من ‪ 43%‬منهم‬ ‫من انعدام املياه وأكرث من ‪ 79%‬من انعدام األمن‬ ‫الغذايئ‪ ،‬إضافة إىل االرتفاع الكبري واملستمر يف أسعار‬ ‫املواد الغذائية‪ ،‬وانزالق آالف العائالت إىل ما دون‬ ‫خط الفقر‪ ،‬وسط تصاعد األزمة اإلنسانية يف املنطقة‪.‬‬

‫لدعم حكومة النظام اقتصادياً؛ حيث تستفيد‬ ‫حكومة النظام يف دمشق من ماليني الدوالرات من‬ ‫املساعدات اإلنسانية األممية‪ ،‬عرب إجبار وكاالت األمم‬ ‫املتحدة عىل استخدام سعر رصف اللرية السورية‬ ‫الذي يحدده املرصف املركزي‪ ،‬والذي يعترب متدنياً‬ ‫بفارق كبري عن سعر رصف اللرية السورية املعمول‬ ‫به يف كافة أنحاء سوريا”‪.‬‬ ‫ويتابع‪“ :‬كام أنها تسهم يف تحكم النظام باملساعدات‬ ‫الدولية القادمة ملناطق شامل رشق وشامل غرب‬ ‫سوريا‪ ،‬وهذا ما يقلق املنظامت اإلنسانية‪ ،‬خصيصاً‬ ‫مع التاريخ اليسء لنظام األسد يف استخدام املساعدات‬ ‫اإلنسانية كسالح حرب وتجويع للمناطق الخارجة‬ ‫عن سيطرته‪ ،‬وال ننىس ضغوطات النظام واستخدامه‬ ‫ملجاعات مضايا وجنوب دمشق والغوطة الرشقية‬ ‫وأحياء حمص القدمية وحلب الرشقية‪ ،‬كوسائل‬ ‫ضغط وتركيع ض ّد معارضيه‪.‬‬ ‫وسبق أن رصح مكتب تنسيق الجهود اإلنسانية‬ ‫عن عمل األمم املتحدة “أن بعض الدول مثل سوريا‬ ‫ترص عىل التعامل مع قامئة من الرشكاء الذين متت‬

‫املصادقة عليهم‪ ،‬ولكننا نختار الرشكاء بناء عىل‬ ‫تقييمنا لقدرتهم عىل التنفيذ بعد عملية دقيقة”‪.‬‬ ‫وتتعرض املساعدات عندما يتم نقلها إىل خطوط‬ ‫النزاع أو التي تسيطر عليها الحكومة يف شامل رشق‬ ‫وشامل غرب سوريا للرسقة ويتم توزيعها بطريقة‬ ‫غري منظمة”‪.‬‬


‫‪96‬‬

‫الصيف يف إدلب‬ ‫‪12‬‬

‫ضيف حمبب مع فرص العمل اليت يؤمنها للعشرات‬ ‫شمس الدين مطعون‬

‫العدد‬ ‫‪105‬‬

‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫تقارير‬

‫“بوظة بوظة ‪...‬قرب أبو الساميح قرب أبو البالش‪...‬‬ ‫بوظة بوظة” عرب مسجل صوت تصدح دراجة الشاب‬ ‫رضا النارية والتي أعدها لبيع البوظة‪ ،‬وهو يجوب‬ ‫شوارع بلدة رسمني رشقي إدلب‪.‬‬ ‫مع قدوم فصل الصيف يبتاع رضا البوظة من إحدى‬ ‫املصانع القريبة من بلدته‪ ،‬ويضعها عىل صندوق‬ ‫مثبت عىل دراجته بوعاء حافظ للربوة‪ ،‬كام يقوم‬ ‫بلفها بقامش مبلل ليبقيها محافظة عىل قوامها أطول‬ ‫فرتة ممكنة‪.‬‬ ‫يجذب رضا األطفال لبضاعته عرب تشغيله ألغاين طيور‬ ‫الجنة عن البوظة وفصل الصيف “برد برد بوظة يا‬ ‫اآليس كريم بوظة”‪.‬‬ ‫يقول رضا إنه مع ارتفاع درجات الحرارة‪ ،‬أشعر‬ ‫بسعادة أكرب حيث تصبح الحاجة لبضاعتي التي تربد‬ ‫عىل القلب أكرث طلباً‪ ،‬ويضيف الشاب مبتس ًام‪“ :‬‬ ‫الناس بتكره الشوب وبتدعي يخلص‪ ،‬أنا بقول يا ريت‬ ‫يطول لضل عم اشتغل”‪.‬‬ ‫تعد محافظة إدلب منطقة زراعية‪ ،‬ويعتمد معظم‬ ‫سكانها عىل االشتغال باملحاصيل الزراعية والتي غالباً‬ ‫ما تكون موسمية‪ ،‬كام أثرت موجات النزوح من أرياف‬ ‫إدلب إىل شاملها بتقلص مساحة األرايض املزروعة‪،‬‬ ‫وهو ما أسهم برتاجع فرص العمل بشكل كبري‪.‬‬ ‫ومع ضعف القدرة املادية لألهايل‪ ،‬أصبحت‬ ‫املشاريع الصغرية والتي تعتمد عىل رأس مال بسيط‬ ‫أكرث رواجاً‪ ،‬ال سيام البسطات والعربات املتنقلة التي‬ ‫باتت منترشة بشكل كبري يف األسواق العامة وبني‬ ‫الحواري وأرصفة املنتزهات والحدائق‪.‬‬ ‫منذ الصباح الباكر يجهز أبو مراد وهو مهجر من‬ ‫ريف حامة ويقيم بإدلب‪ ،‬إناء كبرياً يضع فيه بضع‬ ‫كيلوغرامات من عرانيس الذرة الصفراء‪ ،‬ويقوم‬ ‫بغمرها باملاء‪ ،‬ويشعل تحتها النار لتكون ناضجة خالل‬ ‫ساعات‪ ،‬يجر أبو مراد عربته املتنقلة يدوياً‪ ،‬ليبيع‬ ‫بضاعته بالقرب من دوار الساعة وسط إدلب حتى‬ ‫غروب الشمس‪ ،‬وبعدها يقصد منطقة الكورنيش‬

‫الغريب للمدينة‪ ،‬حيث تنترش العائالت عىل طريف‬ ‫الطريق هرباً من الحر يف منازلهم الطابقية‪.‬‬ ‫يقول أبو مراد‪“ :‬الصيف كييف‪ ،‬مع غروب الشمس‬ ‫لبعد نص الليل‪ ،‬ببقى ع الكورنيش ودامئاً يف ناس‬ ‫وحركة‪ ،‬وكل البضاعة بتنباع”‪.‬‬ ‫ال يتجاوز رأس مال أبو مراد ‪ 100‬دوالر أمرييك‪،‬‬ ‫كانت مثن لتجهيز عربته التي يجرها يدوياً‪ ،‬وإناء‬ ‫لوضع العرانيس وغاز صغري ليبقيها دامئاً ساخنة‪ ،‬كام‬ ‫يضع مدخرة صغرية لتوليد كهرباء جيدة‪ ،‬كفيلة بأن‬ ‫تزركش العربة بأضواء ملونة تجذب الزبائن‪.‬‬ ‫يقدم أبو مراد عرانيس الذرة بطرق عدة‪ ،‬فيبعها‬ ‫عىل حالها مع قلي ًال من امللح‪ ،‬أو يقوم بفرط حباتها‬ ‫وخلطها بالجبنة السائلة وقليل من السامق وتقدميها‬ ‫بصحن كرتوين‪ ،‬أو خلط الحبات مع بهارات الجبنة‬ ‫والشطة‪ ،‬بحسب طلب الزبون‪.‬‬ ‫يوضح أبو مراد أنه خالل الفرتة األخرية‪ ،‬تقلصت‬ ‫ساعات عمله وأصبحت مقترصة فقط مع غروب‬ ‫الشمس وعىل الكورنيش الغريب‪ ،‬وذلك بعد أن‬

‫أصدرت مجلس مدينة إدلب قراراً مبنع العربات‬ ‫والبسطات من إشغال األرصفة والساحات العامة‪،‬‬ ‫متذرع بأن القرار سيحل أزمة االزدحام ويضفي جامالً‬ ‫عىل املدينة‪.‬‬ ‫استهجن أصحاب البسطات قرارات املجلس‪ ،‬إال‬ ‫أنهم أرغموا عىل تطبيقه خوفاً من مصادرة عرباتهم‬ ‫وبضائعهم‪ ،‬يف حني أنشأ املجلس أسواق بديلة‬ ‫ألصحاب البسطات والعربات‪ ،‬إال أنها ستكلفهم أعباء‬ ‫مادية كام أنها بعيدة نسبياً عىل األسواق الرئيسة‬ ‫املكتظة بالزبائن واملارة‪“ ،‬أنا قررت أن اكتفي بساعات‬ ‫الشغل بالليل‪ ،‬وأنا عم جر العربة‪ ،‬مايل قدرة عىل رشاء‬ ‫براكية من املجلس” يوضح أبو مراد‪.‬‬ ‫رغم العوائق والصعوبات التي واجهت مهنة العربات‪،‬‬ ‫ّإل أنها شكلت فرصة عمل لعدد كبري من العائالت‪،‬‬ ‫وخاصة للمهجرين الذين ال ميتلكون محال أو براكيات‬ ‫للمامرسة مهنهم‪ ،‬كام أن استأجراها يعد أمراً مكلفاً‬

‫البقية يف ضفحة ‪....17‬‬


‫حوادث السري توقع ضحايا يف الشمال السوري‬ ‫أسباب وحلول غري حقيقية‬

‫‪13‬‬

‫حسين الخطيب‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫من إجراءات السالمة املروية وال اعتبار للتحذيرات‬ ‫من مغبة الرسعة الزائدة”‪.‬‬ ‫وعن الحد من حوادث السري يرى الحسان أن‬ ‫“التخفيف من حوادث السري يبدأ من املدنيني‬ ‫بالدرجة األوىل؛ وذلك من خالل تخفيف الرسعة‬ ‫عىل الطرقات وعدم السامح لألطفال بقيادة‬ ‫املركبات أياً كانت‪ ،‬مع االلتزام بقواعد السري”‪.‬‬ ‫وباإلضافة لألسباب املذكورة تعترب رداءة الطرقات‬ ‫املستخدمة‪ ،‬والتي يجب أن تخدم عدداً محدوداً‬ ‫من السكان إال أنها باتت تخدم مئات اآلالف‪ ،‬إىل‬ ‫جانب تعرضها للقصف وترضرها‪ ،‬واالعتامد عىل‬ ‫الطرقات الفرعية والجبلية غري املجهزة للضغط‬ ‫السكاين الكبري‪ ،‬وأيضاً تنوع السيارات وعدم‬ ‫جاهزيتها للسفر؛ خاصة أن معظمها مج ّمع يف‬ ‫ورشات محلية ال تطابق معايري السالمة‪ ،‬كسيارات‬ ‫“ال َق ّصة” املشهورة محلياً‪.‬‬ ‫ويقول أحد العاملني يف مجال جمع وتركيب‬ ‫السيارات الواردة إىل الشامل السوري‪ ،‬ويدعى أبو‬ ‫محمود الحربيل إن “رداءة السيارات املستعملة‪،‬‬ ‫وتركيب سيارات ال َق َّصة له دور أيضاً يف وقوع‬ ‫الحوادث؛ ألن معظم السيارات التي تسري غري‬ ‫مجهزة ومرخصة من إدارات املرور يف املنطقة‪،‬‬ ‫وترخيصها ليس متع ّلق يف النمرة فقط‪ ،‬وإمنا يرتبط‬ ‫بجاهزيتها الكاملة وسالمة قيادتها‪ ،‬وقدرة السائق‬ ‫عىل التعامل معها”‪.‬‬ ‫يأيت ذلك يف ظل غياب الحلول الفعلية من قبل‬ ‫الجهات املعنية واإلدارية يف املنطقة للحد من‬ ‫وقوع الحوادث‪ .‬فلمعالجة هذه الظاهرة يجب‬ ‫العمل عىل تهيئة بنى تحتية سليمة للطرقات‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل منح شهادات سوق‪ ،‬وإلزام السائقني‬ ‫بقواعد املرور وحمل الشهادة‪ ،‬إىل جانب الوعي‪.‬‬

‫تقارير‬

‫تشهد مناطق شامل غريب سوريا‪ ،‬التي تخضع‬ ‫لسيطرة املعارضة ارتفاعاً ملحوظاً يف وقوع حوادث‬ ‫السري‪ ،‬منذ مطلع العام الحايل ‪ ،2022‬ما تسبب‬ ‫يف وقوع عرشات الضحايا من املدنيني فض ًال‪ ،‬عن‬ ‫تسببها بإعاقات دامئة لكثريين‪ ،‬بينهم أطفال ونساء‬ ‫نتيجة غياب البنى التحتية وعدم االلتزام بقواعد‬ ‫السري‪.‬‬ ‫يأيت ذلك يف ظل اشتداد تأثريات األزمة املعيشية‬ ‫عىل سكان شامل غرب سوريا‪ ،‬وارتفاع أعداد‬ ‫السكان يف منطقة صغرية تفتقد ألدىن مقومات‬ ‫الحياة‪ ،‬وانتشار للفقر والبطالة عىل حد سواء‪،‬‬ ‫اللذين يدفعان السكان إىل ارتياد مسافات طويلة‬ ‫لتأمني قوت يومهم‪.‬‬ ‫ماهر أبو محمد‪ ،‬وهو من سكان ريف حلب‬ ‫الشاميل‪ ،‬وأحد األشخاص الذين تعرضوا لحادث سري‬ ‫عىل الطريق الواصل بني منطقة عفرين وإدلب‪،‬‬ ‫قال خالل حديثه ملجلة طلعنا عىل الحرية‪“ :‬أسري‬ ‫برسعة ال تزيد عن ‪ ،60‬خشية تعريض لحادث‬ ‫سري‪ ،‬إال أنني واجهت قدري قبل شهرين‪ ،‬عندما‬ ‫كنت أقود سيارة العمل عىل طريق عفرين إدلب‪،‬‬ ‫وفجأة ظهرت أمامي سيارة مرسعة تفوق رسعتها‬ ‫الـ ‪ ،100‬ما دعاين إىل الخروج عن مسار الطريق‬ ‫خشية االصطدام بها”‪ .‬وأضاف‪“ :‬تعرضت للرضوض‪،‬‬ ‫يف جسدي‪ ،‬لكن هذا الحادث م ّر بسالم؛ كوين‬ ‫فضلت ترضر السيارة عىل سالمتي‪ ،‬لكن معظم‬ ‫الحوادث توقع ضحايا من املدنيني‪ ،‬وأحاول دامئاً‬ ‫إعطاء القيادة حقها عىل الطريق‪ ،‬كوننا معرضون‬ ‫للحوادث يف أي وقت”‪.‬‬ ‫ويرى أبو محمد أن رسعة القيادة عىل طرقات‬ ‫الشامل السوري يجب أال تزيد عن ‪ 80‬بسبب‬ ‫ازدحام الطرقات باملارة وعدم قدرتها عىل استيعاب‬ ‫أعداد السكان بالكامل‪ ،‬من مقيمني ونازحني‬ ‫ومهجرين؛ فعىل حد وصفه “الرسعة الزائدة عىل‬ ‫الطرقات والكثافة السكانية‪ ،‬ووعورة الطرق أسباب‬ ‫رئيسية يف وقوع الحوادث”‪.‬‬ ‫بينام محمود ريحاوي‪ ،‬الذي يعمل يف مدينة‬ ‫أعزاز بريف حلب الشاميل‪ ،‬ويتنقل عىل دراجته‬ ‫النارية بني أعزاز ومارع وعفرين‪ ،‬يسري بدراجته‬ ‫النارية برسعة ال تزيد عن ‪ 40‬خشية تعرضه‬

‫لحادث سري‪ ،‬محاوالً اتخاذ أقىص درجات‬ ‫السالمة‪ .‬قال خالل حديثه ملجلة طلعنا‬ ‫عىل الحرية‪“ :‬تكررت حوادث السري يف‬ ‫املنطقة بكثافة‪ ،‬نتيجة االزدحام الكبري‬ ‫عىل الطرقات الرئيسية‪ ،‬إىل جانب سائقي‬ ‫السيارات الذين ال يدركون مخاطر قيادة‬ ‫السيارة برسعة متهورة وغالباً ما يكون‬ ‫األطفال واليافعني هم الذين يقودون‬ ‫السيارة”‪ .‬وأضاف إن “معظم األشخاص الذين‬ ‫يقودون السيارات والدراجات النارية ال ميلكون‬ ‫شهادة سائق وليسوا مطلعني عىل قواعد السري‪،‬‬ ‫لذلك تكررت الحوادث‪ ،‬وغالباً ما تقع ضحايا نتيجة‬ ‫االصطدام أو الدهس”‪.‬‬ ‫يف ‪ 27‬متوز‪ /‬يوليو الجاري وقعت ثالث حوادث‪،‬‬ ‫يف ريف حلب؛ واحد يف مارع‪ ،‬بني سيارة ودراجة‬ ‫نارية أسفر عن إصابات ورضوض بسائق الدراجة‬ ‫النارية‪ ،‬واثنان منهام يف منطقة عفرين‪ ،‬ما تسبب‬ ‫يف إصابات بالغة؛ حيث تم إسعاف املصابني إىل‬ ‫تركيا بسبب خطورة اإلصابات‪.‬‬ ‫واستجابت فرق الدفاع املدين السوري ألكرث من‬ ‫‪ 900‬حادث سري يف مناطق شامل غريب سوريا‪ ،‬منها‬ ‫ما أدى لوفاة ‪ 31‬شخصاً بينهم نساء وأطفال‪ ،‬فيام‬ ‫تم إسعاف أكرث من ‪ 832‬شخصاً إىل النقاط الطبية‬ ‫واملشايف‪ ،‬و”تع ّد هذه اإلحصائية للحوادث التي‬ ‫استجابت لها فرق الدفاع‪ ،‬منذ مطلع العام الحايل‪،‬‬ ‫والذي شهد ارتفاعاً يف نسبة الحوادث املرورية‬ ‫مقارن ًة بالسنة املاضية”‪ ،‬بحسب ما أوضح حسن‬ ‫الحسان‪ ،‬مدير املديرية الثالثة يف الدفاع املدين‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫وقال الحسان خالل حديثه ملجلة طلعنا عىل الحرية‪:‬‬ ‫“تعترب الرسعة الزائدة عىل الطرقات هي السبب‬ ‫الرئييس واملبارش لحوادث السري‪ ،‬يليها عدم االلتزام‬ ‫بقواعد السري والرسعات املحددة عىل الطرقات‪،‬‬ ‫وأولوية املرور ومحددات مناطق املشاة‪ ،‬عالوة‬ ‫عىل العدد الكبري للسيارات واالزدحام الشديد عىل‬ ‫الطرقات‪ ،‬وضيق وضعف البنية التحتية للطرقات”‪.‬‬ ‫وأضاف أن “ظاهرة القيادة الرعناء من قبل األطفال‬ ‫للدراجات النارية والسيارات تشكل تهديداً كبرياً‬ ‫عىل حياة املدنيني‪ ،‬حيث ال يكون هناك التزام بأي‬


‫حوار مع الشاعرة هنادي زرقة‬ ‫‪14‬‬

‫مغامرة الشعر‪ ..‬من الشخصي إىل العام‬ ‫أجرت الحوار بشرى البشوات‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬

‫“أمي والذئب‬ ‫ُ‬ ‫أستيقظ يف الليل‬ ‫عازم ًة عىل أن أعق َد صفق ًة مع الذئب!‬ ‫الذئب!‬ ‫مل ال؟!‬ ‫َ‬ ‫دجاجاتك إىل األبد‪.‬‬ ‫لن أركض وراء‬ ‫ِ‬

‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫وأنت‬ ‫منذ أربعني عاماً ِ‬ ‫توقظينني‬ ‫َ‬ ‫دجاجاتك الضائعة‪.‬‬ ‫ألبحث عن‬ ‫ِ‬ ‫إقناعك‬ ‫أتعب نفيس يف‬ ‫لن َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫بأنه ال خ َّم لدينا‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫لك‪:‬‬ ‫كل ما سأقو ُله ِ‬ ‫نعم‪،‬‬ ‫الخم مفتوحاً‬ ‫ُ‬ ‫لقد تركت َ‬ ‫باب ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫تركت دجاجا َتك تبيض أن تشاء‬ ‫ترسح مع الديكة يف الليل‬ ‫ُ‬ ‫يف النهار‪ ..‬كام تشاء‪.‬‬ ‫واألسوأ‬ ‫ُ‬ ‫مواض ِعها‪.‬‬ ‫أنني أرشدت الذئب إىل ِ‬ ‫صديقي‪:‬‬ ‫تعال‪،‬‬ ‫دجاجات أمي”!‬ ‫و ُك ْل‬ ‫ِ‬ ‫(هنادي زرقة‪ ،‬من مجموعتها “الزهامير”)‬

‫لقاءات‬

‫تأخذ هنادي القارئ إىل عامل مغاير لكل ما ميكن أن‬ ‫يتوقعه؛ اللغة املتفردة املضيئة والحقيقية يف آن؛‬ ‫اللغة التي تخرج من ذات الشاعرة‪.‬‬ ‫تتميز تجربة هنادي زرقة مبوهبة حقيقية وثابتة‪،‬‬ ‫وعمق معريف عالٍ ‪ ،‬ولدى هنادي لغة تفيض عىل الدوام‬ ‫من ذاتها القلقة وا ُملحبة‪ ،‬لغة سخر ّتها بحرف ّية ومهارة‪،‬‬ ‫ورؤية خاصة شكلت أكرث عنارصها الشعرية بروزاً‪.‬‬ ‫أحاور هنادي حول الشعر‪ ،‬ومجموعاتها الشعر ّية خالل‬ ‫سنوات من تجربتها يف عامل الكتابة‪.‬‬

‫تغي بني ديوانك األول “عىل غفلة من‬ ‫ما الذي ّ‬

‫يديك” الصادر عام ‪ ،2001‬وآخر دواوينك “رأيت‬ ‫غيمة شاحبة‪ ،‬سمعت مطراً أسود” الصادر عام‬ ‫‪2018‬؟‬

‫حني بدأت الكتابة مل يدر يف ذهني أن أكون شاعرة‪،‬‬ ‫كانت مغامرة وشغف بالكتاب‪ ،‬كل ما متنيته يومها‬ ‫أن أرى اسمي مطبوعاً عىل كتاب‪ .‬كنت شابة وقتها‪،‬‬ ‫ومل يكن لدي مرشوع شعري‪ ..‬كتبت عن الحب وعن‬ ‫السلطة الذكورية يف البدايات‪ ،‬كنت أنشد عاملاً جمي ًال‬ ‫تربز فيه املرأة جنباً إىل جنب مع الرجل يف معركة‬ ‫الحياة‪ .‬اآلن وبعد ميض واحد وعرشين عاماً‪ ،‬ومرور‬ ‫البالد بأقىس حرب‪ ،‬أعتقد أن خطايب الشعري تغري؛ فقد‬ ‫اغتصبت الحرب لغتي‪ ،‬ودخلت مفردات ما كان لها أن‬ ‫تكون يف نيص لوال وقوع الحرب‪.‬‬ ‫إن تجربة كهذه مل تكن يف حسابايت‪ ،‬كذلك األمر حني‬ ‫أصيبت أمي مبرض الزهامير؛ فقد كتبت مجموعة شعرية‬ ‫عنونتها ب “الزهامير”‪ .‬تغريت لغتي وتغريت مواضيعي‬ ‫الشعرية‪ ،‬وانتقلت من تلك املغامرة إىل الشاعرة‪ ،‬وهذا‬ ‫يتطلب مني موقفاً مام يحصل يف بلدي ويف العامل‪.‬‬

‫يبدو هذا واضحاً خصوصاً مع عنوان ديوانك‬ ‫األخري”رأيت غيمة شاحبة‪ ،‬سمعت مطراً أسود”‬ ‫عنوان بداللة عامتة ومبارشة أيضاً‪ ،‬ونصوص بال‬ ‫أسامء‪ ،‬مجرد أرقام! ملاذا؟‬

‫تعمدت أن أضع أرقاماً بدالً من عناوين للقصائد‪ ،‬وقد‬ ‫استخدمت هذه التقنية يف املجموعة التي سبقتها وهي‬ ‫“الحياة هادئة يف الفيرتين”‪ ،‬أردت أن تكون النصوص‬ ‫عبارة عن لوحات أو قطع “بزل” تجتمع مع بعضها‬ ‫لتشكل جدارية لألمل السوري‪.‬‬

‫يف نصوصك‪ :‬األ ّم‪ ،‬األخت‪ ،‬األخ‪ ،‬الحبيب‪ ..‬ملاذا هذا‬ ‫الحضور الطاغي للبعد الذايت يف النص؟‬

‫أعتقد أن لألمر عالقة بحيايت الشخصية‪ ،‬حضور أمي‬ ‫كان طاغياً يف حيايت‪ ،‬سبق وأن قلت لك إنني كتبت‬ ‫مجموعة كامل ًة عنها حني أصيبت بالزهامير‪ ،‬وحتى قبل‬ ‫ذلك كنت أكتب عن أمي بوصفي امتداداً لها كأنثى‪،‬‬ ‫نواجه التحديات نفسها‪ ،‬وكذلك أيب بوصفه السلطة‬ ‫الغائبة‪ ،‬رمبا ألنني فقدت أيب صغرية كان ألخويت حضور‬ ‫كبري يف تربيتي واالهتامم يب‪ .‬لكن األمر ال يخلو أيضاً‪،‬‬

‫من خالفات كبرية عىل صعيد األفكار؛ فلم أتفق يوماً مع‬ ‫إخويت‪ ،‬كنت تلك الفتاة املتمردة عىل محيطها بكامله‪،‬‬ ‫تحرض العائلة بوصفها أول نواة يجب التمرد عليها‪ ،‬وإن‬ ‫كانت أول من يهرع ملساعدتك حني تقعني يف النوائب‪.‬‬

‫‪‎‬يُروى أن الدوق النبيل دوشاروست كان يف العربة‬ ‫التي تسوقه إىل املقصلة‪‎‬‏ يطالع أحد الكتب‪ ،‬وقبل‬ ‫أن يبدأ يف صعود ‪‎‬‏الدرجات نحو اإلعدام ثنی‬ ‫زاوية الصفحة! أي كتاب من كتبك ثنني صفحته‬ ‫وتعودين إليه دامئاً؟‬ ‫مثة أمر غريب يف تعاميل مع كتبي‪ ،‬مبجرد ما يخرج‬ ‫الكتاب من املطبعة حتى أنساه‪ ،‬أشعر وأن حم ًال ثقي ًال‬ ‫قد أزيح عن كاهيل‪ ،‬وحني أقرأ اسمي عىل الكتاب‬ ‫أتصور أنه اسم المرأة أخرى‪ ،‬لطاملا كنت شخصيتني‪:‬‬ ‫هنادي التي تكتب شعراً‪ ،‬وهنادي التي تعيش حياة‬ ‫مختلفة‪ .‬للكتاب حياة أخرى ال شأن يل بها‪ ،‬هو كائن‬ ‫مستقل عني‪..‬ال أريد أن تتقاطع دروبنا مجدداً‪ .‬الكتاب‬ ‫الوحيد الذي رافقني مدة طويلة يف النوم والصحو‬ ‫والرتحال هو “رسير الغريبة” ملحمود درويش‪.‬‬

‫يحف مجموعاتك الثالث األخرية دانتيل أسود‬ ‫رقيق‪ ،‬ومع كل جامله قد يرتك انطباعاً سلبياً لدى‬ ‫القارئ‪ .‬أال يقلقك هذا؟‬ ‫حني انتهيت من تحضري املجموعات الثالث للطباعة‪،‬‬ ‫راجعتها واحدة إثر أخرى‪ ،‬وقد شعرت بالحزن عىل‬ ‫القارئ؛ ما ذنبه حتى يحتمل جرعة املوت واألمل هذه؟‬ ‫ولكن ما هو الشعر إن مل ينكأ الجراح؟ ينكأ الجراح‬ ‫ليطهرها‪ ..‬ما يقلقني هو غياب الشعرية‪ ،‬وليس هذا‬ ‫الحمل الثقيل من الحزن واألمل‪ ..‬ويف النهاية كان شعري‬ ‫يصف حالة الشعب السوري يف العرش سنوات املاضية‪..‬‬ ‫هل كان مثة فرح؟‬

‫أريد أن أستعري كالماً للمخرج اإليراين عباس‬ ‫كيارستمي “هذه الحياة التي ليست قصرية متاماً‬ ‫وليست طويلة أكرث من حيايت‪ ،‬كانت تهطل ثلجاً‬ ‫لعرش سنوات”‪ .‬وقد هطلت ناراً ودخاناً عىل‬ ‫سوريا‪ .‬ما الذي كان من املمكن أن يفعله الشعر‬ ‫بعد ذلك؟‬ ‫يف مقالة يل كتبتها منذ حوايل شهر عنوانها “ملاذا يغرد‬


‫‪......‬‬

‫باألدب السوري عىل اعتبار أننا موضة وتنتهي بانتهاء‬ ‫ما حدث يف سوريا‪ ،‬وبالفعل فقد ترجمت أعامل كثري‬ ‫من السوريني‪ ،‬هل كانت هذه الرتجامت مفيدة للقضية‬ ‫السورية‪ ،‬هل شكلت وعياً مغايراً لدى القراء الغربيني‪،‬‬ ‫هذا ما ال نعرفه‪.‬‬

‫ما معنى قراءتك وعيشك الشخيص يف كتابة‬ ‫الشعر‪ ،‬خصوصاً بعد إصدارك الشعري حول مرض‬ ‫الزهامير والذي حمل نفس العنوان‪ ،‬ثم ما معنى‬ ‫ذلك بعد فقدانك صاحبة الكتاب؟‬ ‫أعتقد أن لحيايت الشخصية أثر كبري يف كتابة الشعر‪،‬‬

‫لقاءات‬

‫أعتقد أن قصيدة النرث ال عالقة لها بالزمن‪ ،‬فهي ال‬ ‫تتقادم‪ ..‬تبقى طازجة دوماً ويف كل قراءة تتجدد‪.‬‬ ‫طبعاً‪ ،‬ليس شكل القصيدة هو املهم‪ ،‬ولكن سؤالها؛ ما‬ ‫هو سؤال الشعر؟ ينبغي أن يكون سؤال الشعر هو‬ ‫الكون برمته؛ بتفاصيله وفلسفته حتى يتعاطى مع‬ ‫الزمن‪.‬‬

‫العدد‬

‫يقال بأن السينام وحدها تستطيع أن تتعاطى‬ ‫مع مفهوم الزمن‪ ،‬هل فعل الشعر وقصيدة النرث‬ ‫تحديداً ذلك؟‬

‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫طائر القفص؟” كتبت‪ :‬ما الجدوى من الشعر إن مل‬ ‫يكن بوسعه أن ميسح دمعة أم ثكىل أو يطعم طف ًال‬ ‫أو يرد القفص؟! ال أعرف يف الحقيقة ما الذي ميكن‬ ‫أن يفعله الشعر‪ ،‬يف حالتي كان توثيقاً للحياة اليومية‬ ‫التي نعيشها يف ظل الحرب؛ كتبت عن املوت اليومي‪،‬‬ ‫عن الناس الذين ماتوا بالغاز‪ ،‬عن املقابر التي امتألت‬ ‫بالشباب‪ ،‬عن هجرة الناس‪ ،‬عن ترشيدهم‪ ،‬عن قصف‬ ‫البيوت وتدمريها‪ ،‬كتبت عن أمل يبدو واهياً لكنه‬ ‫موجود‪ ..‬رمبا كانت للشعر وظيفة واحدة اآلن يف‬ ‫سوريا‪ ،‬وهي زرع األمل حتى وإن كانت األرض جدباء‪.‬‬

‫من املبكر الحكم عىل تجربة الشعراء يف دول اللجوء‪،‬‬ ‫بعض الشعراء كانت لهم تجربة جيدة وغنية قبل أن‬ ‫يهاجروا‪ ،‬ورمبا شكلت تجربة اللجوء إضافة إىل شعرهم‪،‬‬ ‫بعضهم اآلخر ظهرت موهبته يف دول اللجوء‪ ،‬ال أحب‬ ‫إطالق األحكام‪ ،‬مثة شعر جيد وشعر يسء وال عالقة‬ ‫للجوء باألمر‪ .‬بعضهم اآلخر استثمر يف هذه الظاهرة‪،‬‬ ‫انطلق من الشخيص إىل العام‪ ،‬هذا الخاص الذي نعيشه ظاناً أنها ستجعل منه شاعراً‪ ..‬لكل تجربته‪.‬‬ ‫جميعاً‪ ،‬الفقد واألمل واالغرتاب‪ ،‬كل منا له تجربته التي يعيش الشاعر حياته بحالة دفاع (عن فكرة رمبا‪،‬‬ ‫قد ال تشبه تجربة آخر‪ ،‬لكنها تشرتك معه يف البحث عن عن موقف‪ ،‬عن قضية) وقد قلت بأنك ال تريدين‬ ‫النجاة‪ .‬الزهامير كان مغامرة بالنسبة يل‪ :‬أن أكتب املرض أن يتقاطع دربك مع درب هنادي الشاعرة مجدداً‪.‬‬ ‫شعراً‪ ،‬ال أعرف هل نجح أم ال‪ ،‬لكنها تجربة مثرية وغنية كيف ستدافعني فيام بعد عنك؟‬ ‫وتستحق التوقف عندها‪ ،‬وال عالقة للموت بغياب قلت إنني أعاين اغرتاباً بني اسمي واسم الشاعرة التي‬ ‫املعنى‪ ..‬املوت أىت كنتيجة متوقعة‪ ،‬وقد كتبت عنه قبل تكتب‪ ،‬الزلت أشعر مبسافة تفصلني عن ذايت الشاعرة‪،‬‬ ‫لكنني يف شعري ويف حيايت الشخصية أتبنى القيم‬ ‫أن متوت أمي‪.‬‬ ‫من أبناء جيلك الشعراء عارف حمزة‪ ،‬جوالن واملواقف ذاتها‪ ،‬مستعدة أن أدافع حتى املوت عن‬ ‫حاجي‪ ،‬وداد سلوم ‪ ،‬متام تالوي وآخرون‪ .‬كيف أفكار مثل الحرية والعدالة االجتامعية وتداول السلطة‬ ‫وغريها‪ ..‬ال ميكن أن ينفصل الشاعر عن قضايا مجتمعه‬ ‫ترين تجربتك أمام أبناء جيلك؟‬ ‫أعتقد أن لكل منا صوته الخاص‪ ،‬وما حدث يف الحرب‪ ،‬وأن يتنكر لها‪ ،‬ال يعيش الشاعر يف بوتقة زجاجية‬ ‫جعل لكل منا تجربته يف البقاء أو يف الرحيل عن البلد‪ ..‬معقمة بعيدة عن الهموم واملشاكل التي يعانيها الناس‪،‬‬ ‫وليس عليه أن يتعاىل أو يرتفع عن الناس‪ ،‬فهو منهم‬ ‫ال أعرف كيف أقيم تجربتي‪ ،‬أترك األمر للقارئ‪.‬‬ ‫ُترجمت نصوصك إىل األملانية والفرنسية ويكتب لهم‪ .‬مقولة الفن للفن ال تعجبني‪ ..‬فالفن‬ ‫واإلنكليزية والدمناركية واإلسبانية أيضاً‪ .‬ما هي للناس‪ ،‬لتحسني حيواتهم‪ ،‬للتعبري عن قضاياهم‪ ،‬للعيش‬ ‫معهم‪.‬‬ ‫محاسن‪ /‬مساوئ هذه الرتجامت؟‬ ‫ال تعني الرتجمة أبداً أن نصويص أهم من غريها‪ ،‬بل هنادي زرقة‪:‬‬ ‫حدثت مصادفة‪ ،‬وبذا فالرتجمة ليست منجزاً أفتخر شاعرة سورية من مواليد الالذقية ‪ ،1974‬حاصلة عىل‬ ‫به‪ ،‬ما يهمني وصول نصويص إىل القارئ العريب أوالً‪ ،‬بكالوريوس هندسة زراعية عام ‪ .1998‬صدر لها ديوان‬ ‫الذي يعنى بالنصوص نفسها وتالمس قضاياه‪ ،‬حدث “عىل غفلة من يديك” ‪ ،2001‬وديوان “إعادة الفوىض‬ ‫وأن ترجمت نصويص إىل لغات أخرى‪ ،‬وهي تجربة إىل مكانها” الذي نالت عنه جائزة محمد املاغوط عام‬ ‫جميلة أن يعرفك قراء يف الغرب‪ ،‬وأن تعنيهم قضاياك‪ ،2004 .‬كام نالت جائزة احتفالية دمشق عاصمة الثقافة‬ ‫ما حصل يف سوريا منذ عام ‪ 2011‬هو اهتامم الغرب العربية عن ديوانها “زائد عن حاجتي” عام ‪.2008‬‬

‫‪105‬‬

‫أتاح الوضع اليسء يف سوريا خالل عرش سنوات‬ ‫للكثري من الشعراء انطالقة جديدة من بالد‬ ‫اللجوء‪ ،‬هل تعتقدين بأنهم ظاهرة صوتية إعالمية‬ ‫فقط‪ ،‬أم أنهم استطاعوا توظيف ما حصلوا عليه‬ ‫واستثامره يف إنتاج قصيدة مختلفة؟‬

‫‪15‬‬


‫رواية “الوشم” ملنهل السراج‬ ‫شهادة عن معتقالت النظام السوري‬

‫‪16‬‬ ‫دالل إسحق‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫تقارير‬

‫من املؤكد أننا بعد زمن من اآلن سنجد بني أيدينا‬ ‫نتاجاً أدبياً يحايك سنوات املأساة السورية ويحيطها‬ ‫من جميع جوانبها‪ ،‬ورمبا سيشكل سمة املرحلة‬ ‫التي عشناها وما زلنا؛ فخالل السنوات األخرية‬ ‫سجلت الساحة األدبية السورية ظهور أصوات‬ ‫ّ‬ ‫جديدة ترصخ بآالم الشعب‪ ،‬كام َوجدت بعض‬ ‫األصوات القدمية مساحة الحرية التي كانت تبحث‬ ‫عنها لتنضم هي أيضاً إىل رسب الصارخني بآالم‬ ‫إخوتهم‪ .‬ومن هذه األصوات؛ الروائية السورية‬ ‫“منهل الرساج” املعروفة مبواقفها التحررية حتى‬ ‫قبل اندالع الثورة السورية‪.‬‬ ‫وقد صدرت لها مؤخراً عن دار موزاييك للدراسات‬ ‫والنرش رواية بعنوان “الوشم” التي تأخذنا‬ ‫“منهل” من خاللها إىل أجواء رواية “القوقعة”‬ ‫للسوري “مصطفى خليفة” من حيث القصة‬ ‫الواقعية والحدث الذي انطوى تحت ما يسمى‬ ‫أدب السجون‪ ،‬لكن بظروف ورؤية مختلفة‪.‬‬ ‫حيث تبدأ “منهل” رسديتها من نقطة الصفر حني‬ ‫ترسد حكاية بنت من طبقة بسيطة يتم تزويجها‬ ‫زيجة تقليدية‪ ،‬ثم تجد نفسها يف بيت عائلة تحيط‬ ‫بها املعاناة والقسوة املفروضة من والدة زوجها‪،‬‬ ‫تلك القسوة التي هربت منها “لوال” يف سنوات‬ ‫طفولتها ودراستها‪.‬‬ ‫“رصت أذهب إىل املدرسة خائفة من مراقبة‬ ‫املعلامت‪ ،‬وأرجع مهمومة من يوم مدريس قادم‪.‬‬ ‫تر ُ‬ ‫اجعت مرة ثانية يف الكتابة والقراءة‪ .‬رصت‬ ‫أنطوي عىل نفيس وأخفض رأيس‪ ،‬حتى أكاد أدخله‬ ‫يف درج املقعد‪ ،‬وأدّعي أيّ حجة حني تسأل شيئاً‬ ‫يك أهبط أرضاً‪ ،‬وأبحث عن يشء أسقطته وأختفي‬ ‫تحت املقاعد‪ .‬رصت أتجنّب أن أكتب اسمي أو‬ ‫أنطق به أو أبادر بأي يشء يف الصف‪ ،‬وضعت‬ ‫بطاقة االسم عىل الدفرت‪ ،‬وكتبت الكنية فقط؛‬ ‫ألن “اآلغا” كنية ُتعرف يف حلب ولن تسألني عن‬ ‫معناها‪ ،‬أما “لوال”! فأنا مذنبة من رأيس إىل قدمي‬ ‫مبا أحمله بهذا االسم الذي مل تجد له املعلمة أي‬

‫معنى”!‬ ‫ومن هنا يظهر الخوف الذي نحت شخصية “لوال”‬ ‫والذي ساهم فيام بعد بانفجارها يف لحظة حملتها‬ ‫للميض يف درب الثورة السورية‪ .‬مل تكن مشاركة‬ ‫“لوال” يف الحراك الشعبي السوري خياراً كام يف‬ ‫معظم الحاالت التي عشناها أو عرفناها‪ ،‬بل حاجة‬ ‫جاءت عقب تراكم ذلك الخوف والقهر‪ ،‬ليس من‬ ‫السلطة الحاكمة وحسب‪ ،‬بل من السلطات التي‬ ‫فرضها عليها املجتمع‪ ،‬العائلة‪ ،‬املدرسة‪ ،‬ثم الزوج‬ ‫وعائلته‪..‬‬ ‫“كانت “هاجر” يف أحشايئ‪ ،‬ورمبا هي التي‬ ‫جعلتني أغيل يف “جمعة الله أكرب” أريد أن أشارك‬ ‫الثوار ثورتهم‪ .‬وقفت يف نافذة بيتي يف منطقة‬ ‫صالح الدين يف حلب‪ ،‬أراقب مرورهم وشجاعتهم‬ ‫وهتافاتهم وحرارة إرادتهم‪ ،‬أحسست بحامس‬ ‫هائل‪ ،‬ومل أدر كيف أناديهم‪ّ ،‬‬ ‫جف حلقي‪ ،‬لكن‬ ‫خرطوم املاء كان يف يدي‪ ،‬ودون تدبري أرسلته‬ ‫إليهم ما ًء برداً وسالماً‪ ،‬وهمست أردد هتافاتهم”‪.‬‬ ‫ما ميز “الوشم” عن األعامل التي اندرجت تحت‬ ‫أدب السجون؛ اكتفاؤها باالنحياز نحو الحدث كام‬ ‫حصل من دون إضافة رتوش قد تساهم يف شحن‬ ‫الرسد عاطفياً؛ فالحدث بصيغته األساسية يحمل‬

‫شحنة متس القارئ مهام كان عىل اطالع أو دراية‬ ‫مسبقة بهكذا أحداث‪ ،‬وقد اختارت “الرساج”‬ ‫أسلوب السرية الروائية بلغة مبسطة محاولة عدم‬ ‫التدخل‪ ،‬وهو أم ٌر ليس باليسري؛ فصعوبة توثيق‬ ‫شهادات وقصص املعتقلني وما يدور من تفاصيل‬ ‫كاف بح ّد‬ ‫يف السجون ووقع كل ذلك عىل النفس ٍ‬ ‫ذاته‪ ،‬فكيف إن كانت امرأة تنقل أهواالً ح ّلت‬ ‫عىل رؤوس نساء أخريات‪.‬‬ ‫حج ّيات‪ ،‬ويف السجون علامء وأطباء‬ ‫“يف السجون ّ‬ ‫ومهندسون ومعلمون‪ ،‬ويف السجون أمهات‬ ‫حنونات‪ ،‬يف السجون حائرات مثيل‪ ،‬ويف السجون‬ ‫نساء مبدعات ومخرتعات”‪.‬‬ ‫سنوات متقطعة من االعتقال بدأتها “لوال اآلغا”‬ ‫بعد معاناة نزوحها وعائلتها من حي صالح الدين‬ ‫يف حلب إىل أحد األحياء القريبة الواقعة تحت‬ ‫سلطة نظام األسد‪ ،‬ليكون فرع املخابرات الجوية‬ ‫شاهداً عىل جوالت التعذيب‪ ،‬التي انتهت بعد‬ ‫فرتة قصرية بخروجها‪ ،‬ثم ما لبثت أن تعود ملامرسة‬ ‫حياتها‪ ،‬حتى تم اعتقالها للمرة الثانية عقب وشاية‬ ‫أقرب األقرباء وهو أخو زوجها‪ُ .‬تنقل بطلة رواية‬ ‫“الوشم” بني سجون وفروع أمنية عديدة‪ ،‬ويف‬ ‫كل انتقال تعود يف التعذيب والتنكيل إىل نقطة‬ ‫الصفر‪.‬‬ ‫مقتل زوجها تحت التعذيب‪ ،‬اختطاف أوالدها‬ ‫األربعة‪ ،‬الوحشية التي مورست عليها‪ ،‬الحالة‬ ‫الصحية املرتدية يف السجن‪ ،‬املقاومة التي أبدتها‬ ‫البطلة للعودة إىل أطفالها‪.‬‬ ‫“أوالدي! يأتوين يف الحلم‪ .‬رؤيا واحدة تتكرر‬ ‫كل ليلة‪ ..‬أنا يف وا ٍد عميق وحويل ضباب كثيف‬ ‫وأضعت أوالدي‪ ..‬أسمع صوت حمودة‪ ،‬ماما أنا‬ ‫هنا! وال أراه‪ ،‬وأسمع صوت سعد‪ :‬ماما تعايل!‬ ‫وأدور‪ ..‬وأبحث‪ ..‬وال أراه‪ .‬ثم صوت نورا‪ :‬ماما أنا‬ ‫خائفة! هاجر الصغرية ترصخ وأرسع مخطوفة‬ ‫هنا وهناك‪ ،‬وال يشء إال الضباب‪ .‬أستيقظ مذعورة‬ ‫وكيل إميان بأن أوالدي ضائعون ومنفصلون عن‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫حمببا‬ ‫ضيفا‬ ‫الصيف يف إدلب‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫جداً‪.‬‬ ‫كام يعترب موسم الصيف هو الفرصة األفضل التي تزدهر فيها مهنة‬ ‫البسطات والبائعني الجوالني عىل العربات‪ ،‬حيث تسهم عوامل‬ ‫عدة يف ذلك منها استقرار األحوال الجوية‪ ،‬وانتعاش مهن متيز‬ ‫فصل الصيف وتناسبها العربات‪ ،‬كبيع املرشوبات املنوعة كالتمر‬ ‫هندي والسوس والجالب‪ ،‬وعرانيس الذرة‪ ،‬والبوظة‪ ،‬وقوالب الثلج‬ ‫املخصصة لتربيد املياه‪ ،‬باإلضافة لسهرات الصيف التي تدفع األهايل‬ ‫للتنزه خارج املنازل واإلقبال عىل رشاء بضائع البسطات التي تتوفر‬ ‫قريباً من بيوتهم‪ ،‬كام أنها تقدم مأكوالت ال توفرها املحاالت كام‬ ‫أنها أرخص مثناً‪.‬‬ ‫يقتنص أبو مهاب مهجر من ريف املعرة ويقيم يف إدلب‪ ،‬فرتة‬ ‫األعياد التي يسمح بها مجلس إدلب للعربات بإشغال األرصفة‪ ،‬يضع‬ ‫عىل عربته الصغرية املثبتة عىل رصيف قرب إحدى الحدائق معدات‬ ‫لتحضري البطاطا الطازجة‪“ ،‬ال ميكنني التنقل بعربتي‪ ،‬فبضاعتي‬ ‫تعتمد عىل النار والزيت ويصعب عيل التنقل” يقول أبو مهاب‪.‬‬ ‫يحرض الرجل عىل عربته املتواضعة “بطاطا شيبس” عرب تقطيع‬ ‫حبات البطاطا ذات النوعية الجيدة‪ ،‬كالحلقات ويبقيها متصلة‬ ‫ببعضها‪ ،‬وثم يغرس مبنتصفها عود خشبي يك ال تبتعد عن بعضها‪،‬‬ ‫ويضعها بالزيت الحامي‪ ،‬وأمامه بهارات لنكهات مختلفة وعبوات‬ ‫من الكتشب‪ ،‬يضعها عىل أعواد البطاطا الناضجة‪.‬‬ ‫ال يتجاوز سعر أعواد البطاطا التي يعدها أبو مهاب ‪ 5‬لريات تركية‪،‬‬ ‫وتجذب الفتيات اللوايت يستمتعن بطعم الشيبس ويلتقطن الصور‬ ‫وهن يحملهن بأيدهن‪.‬‬ ‫ال تقترص العربات والبسطات عىل بيع املأكوالت الجاهزة‪ ،‬ال‬ ‫سيام بفصل الصيف الذي يتميز بفاكهته املتنوعة‪ ،‬والتي هي غالباً‬ ‫محاصيل محلية كالبطيخ والخوخ والدراق‪ ،‬ما يجعلها رخيصة نسبياً‪،‬‬ ‫وميكن العمل يف تجارتها عىل عربة متنقلة أو ببسطة عىل مفرتقات‬ ‫الطرقالرئيسية‪.‬‬ ‫رغم أن الحر يشكل عب ًء إضافية لسكان محافظة إدلب‪ ،‬مع‬ ‫ضعف الخدمات وارتفاع أسعارها‪ ،‬إال أن الصيف أصبح ضيفاً محبباً‬ ‫لعرشات العوائل مع فرص العمل التي تؤمن دخل جيد ألصحابها‪،‬‬ ‫وال تتوفر لهم بفصل الشتاء‪.‬‬

‫العدد‬

‫‪...‬‬

‫تتمة من صفحة ‪12‬‬

‫تقارير‬

‫بعضهم”‪.‬‬ ‫الرواية ليست فقط شهادة كاملة وواضحة عن إجرام‬ ‫وطغيان أركان النظام‪ ،‬بل هي وثيقة ستبقى تؤرخ‬ ‫ينج من دهاليز الظلم‬ ‫سرية كل معتقل نجى أو مل ُ‬ ‫األسدية‪.‬‬ ‫عن الرواية والكاتبة‪:‬‬ ‫صدرت الرواية عن دار موزاييك للدراسات والنرش‬ ‫يف تركيا‪ ،‬حيث جاءت يف ‪ 246‬صفحة من القطع‬ ‫املتوسط‪.‬‬ ‫منهل الرساج‪:‬‬ ‫كاتبة وروائية سورية من مواليد حامة عام ‪،1964‬‬ ‫حاصلة عىل إجازة يف الهندسة‪ .‬تعيش يف السويد منذ‬ ‫عام ‪ .2006‬فازت باملركز الثالث عن جائزة الرواية‬ ‫الصادرة من دائرة الثقافة يف الشارقة عام ‪ .2002‬هي‬ ‫عضوة اتحاد الكتاب السويدي منذ عام ‪ .2006‬كاتبة‬ ‫يف مجلة الرافد اإلماراتية‪ .‬عملت أبحاثاً يف تاريخ‬ ‫العلوم التطبيقية عند اليونان والعرب‪ ،‬خاصة علم‬ ‫الحيل (ميكانيكا)‪.‬‬ ‫لوال اآلغا‪:‬‬ ‫تنحدر “لوال خليل اآلغا” من منطقة “صالح الدين”‬ ‫يف مدينة حلب ومن مواليد سنة ‪ .1984‬بدأت‬ ‫نشاطها الثوري من خالل مظاهرة أقيمت عند‬ ‫جامع “أوس القرين” يف “صالح الدين” عام ‪2012‬‬ ‫وتواصلت مشاركاتها يف املظاهرات السلمية بعد‬ ‫ذلك‪ ،‬وتعرضت العتقال أول بتاريخ ‪20/10/2013‬‬ ‫عندما داهم عنارص من فرع املخابرات الجوية منزلها‬ ‫الذي كانت تسكنه يف محطة بغداد بعد أن نزحت‬ ‫من منطقتها وتم اعتقالها ‪-‬كام تقول‪ -‬من بني زوجها‬ ‫وأطفالها‪.‬‬ ‫واالعتقال الثاين كان بتاريخ ‪ 17/2/2014‬يف فرع‬ ‫األمن العسكري بحلب‪ ،‬ويف اليوم التايل تم اعتقال‬ ‫زوجها من قبل فرع األمن السيايس بحلب‪ ،‬ودام‬ ‫اعتقالها ملدة ‪ 3‬سنوات بتهمة املشاركة يف املظاهرات‬ ‫ودعم اإلرهاب وكتم معلومات وتم اإلفراج عنها‬ ‫بتاريخ ‪.13/12/2016‬‬

‫‪...‬‬

‫‪17‬‬


‫املسرح وآمال ّ‬ ‫التغيري‬ ‫“بروفة لسقوط بغداد أمنوذجا”ً‬

‫‪18‬‬ ‫ياسمين نهار‬

‫العدد‬

‫‪105‬‬ ‫‪2022 / 7 / 31‬‬ ‫ثقافة‬

‫ّ‬ ‫كل فنّ هادف هو محاولة لإلجابة عن سؤال ما‪،‬‬ ‫حية‬ ‫عبكتّاب املرسح عن أسئلتهم ا ُملقلقة ا ُمل ّ‬ ‫وقد ّ‬ ‫عن طريق استحضار حوادث تاريخ ّية مه ّمة‪ ،‬أو‬ ‫عن طريق األسطورة‪ ،‬أو عن طريق عرض الواقع‬ ‫واملهم هو أن يكون‬ ‫ونقده بأسلوب فن ّ​ّي‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املرسحي قادراً عىل عرض إشكال ّيات الواقع‬ ‫الكاتب‬ ‫ّ‬ ‫ال ّراهن بأسلوب عميق قادر عىل التأثري والتّغيري‪.‬‬ ‫ويبدو يل ّأن مرسح ّية “بروفة لسقوط بغداد”‬ ‫تضعنا أمام سؤال مؤمل وصعب‪ :‬ملاذا حركة‬ ‫التّاريخ عندنا تأخذ شكل دائرة بينام األمم األخرى‬ ‫تاريخها صريورة واندفاع إىل األمام؟ يحاول الكاتب‬ ‫اقي ناهض ال ّرمضاين‬ ‫املرسحي‬ ‫ّ‬ ‫والقاص وال ّروا ّيئ العر ّ‬ ‫ّ‬ ‫السؤال وعن‬ ‫فني راقٍ عن هذا ّ‬ ‫أن يجيبنا بأسلوب ّ‬ ‫يتجسد أمامنا جرحاً نازفاً مل يلتئم وهو‪:‬‬ ‫سؤال آخر ّ‬ ‫ملاذا سقطت بغداد قدمياً وحديثاً؟‬ ‫ومن ّ‬ ‫اللفت للنّظر ّأن أسباب سقوط بغداد كانت‬ ‫هاجس الكاتب بدءاً من العنوان الذي يش ّكل‬ ‫نقطة االلتقاء األوىل بني الن ّ​ّص واملتلقي‪ ،‬ويع ّد‬ ‫مفتاحاً للدخول إىل عوامل الن ّ​ّص وتوجيه فاعل ّية‬ ‫القراءة‪ .‬واإلهداء أيضاً مل يأت معزوالً عن ماه ّية‬ ‫وبي مكانة‬ ‫الن ّ​ّص‬ ‫املرسحي؛ بل نهض بالعمل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا ُملهدى إليه (بغداد) بالنسبة للكاتب‪“ :‬إىل بغداد‪..‬‬ ‫إىل بغداد التي ينبغي لها أن تنهض أبداً من أجل‬ ‫الجميع ومن أجيل”‪.‬‬ ‫والحقيقة ّأن املرسح ّية تعرض أداء مجموعة من‬ ‫ّ‬ ‫مرسحي عن سقوط‬ ‫الطالبات لـ”بروفة” عرض‬ ‫ّ‬ ‫بغداد بيد املغول‪ .‬إذ يتخ ّلل التّدريب عىل عرض‬ ‫املرسح ّية نقاش بني ّ‬ ‫الطالبات ومد ّرسهنّ الذي قام‬ ‫بتأليف املرسح ّية واإلرشاف عليها‪.‬‬ ‫ايس املستعصم‬ ‫تص ّور املرسح ّية تف ّرد الخليفة الع ّب ّ‬ ‫بالحكم‪ ،‬وعدم إرشاكه ّ‬ ‫الشعب يف صنع القرار‪،‬‬ ‫و َع َر َضه املؤ ّلف ‪-‬كام كان يف الواقع‪ -‬شخص ّية ثابتة‪،‬‬ ‫يسع لتأمني حدود بالده؛ بل‬ ‫غارقة يف املل ّذات‪ ،‬مل َ‬ ‫رسح عدداً كبرياً من جنوده‪ ،‬وترك الباقني يتس ّولون‬ ‫ّ‬

‫الشوارع‪ .‬أ ّما ّ‬ ‫يف ّ‬ ‫الشعب يف عهده فقد استب ّد به‬ ‫الطائفي‪.‬‬ ‫الفقر والجوع والفساد والعنف‬ ‫ّ‬ ‫وميكننا أن نتو ّقف عند أمر ساعد املغول عىل‬ ‫احتالل عاصمة الخالفة الع ّباس ّية بغداد وهو وجود‬ ‫حاشية فيها عدد من الخونة منهم الوزير العلقمي‬ ‫وكان له من اسمه نصيب؛ أل ّنه تعاون مع هوالكو‬ ‫وس ّهل له دخول بغداد‪.‬‬ ‫غري ّأن الكاتب اجتنب الوقوع يف صورة مثال ّية‬ ‫تضعف مرسح ّيته‪ :‬األخيار أخيار حتّى النّهاية‪،‬‬ ‫واألرشار متامدون يف غ ّيهم حتّى النّهاية؛ لذلك‬ ‫عرض العلقمي يف نهاية املرسح ّية حزيناً نادماً عىل‬ ‫فعلته رغم رغبته باالنتقام وطمعه بالحكم‪ .‬ومن‬ ‫املالحظ أن املد ّرس ابتكر شخص ّية تتسم بال ّنزاهة‪،‬‬ ‫ّإل أ ّنها كانت مندفعة وغري متع ّقلة‪ ،‬قادها ته ّورها‬ ‫إىل الهالك هي شخص ّية عزّالدّين‪.‬‬ ‫وتجدر اإلشارة إىل ّأن الكاتب استعان مبرحلة‬ ‫من مراحل التّاريخ حني استحرض احتالل هوالكو‬ ‫لبغداد‪ ،‬واستباحة جيشه املدين َة قت ًال ونهباً وحرقاً‪.‬‬ ‫ذلك ّأن فكرة ال ّلجوء إىل التّاريخ كثرياً ما يتناولها‬ ‫الكتّاب حني يريدون نقد الحارض‪ ،‬وما سقوط‬ ‫بغداد بيد املغول ّإل قناع للتّعبري عن الدّمار‬ ‫والسيطرة العسكر ّية‬ ‫والويالت والفوىض بعد الغزو ّ‬ ‫ألمريكا وبريطانيا عىل العراق عام ‪2003‬م وقد‬ ‫أدّت هذه الحرب إىل خسائر ماد ّية وبرش ّية هائلة‪،‬‬ ‫طائفي‪.‬‬ ‫وانزالق البالد يف رصاع‬ ‫ّ‬ ‫وحني سألت إحدى ّ‬ ‫الطالبات املد ّرس عن سبب‬ ‫لجوئه إىل التّاريخ أجابها‪“ :‬ال ب ّد من الحذر‪ ..‬ال‬ ‫أريد تجاوز الخطوط الحمراء‪ ،‬عندها ال أحد يعرف‬ ‫ما قد يحدث‪ّ ،‬ربا لن أمت ّكن من عرض عميل حتّى‬ ‫وربا ج ّر ع ّ‬ ‫يل الويالت” ص‪42‬‬ ‫عىل هذه الخشبة ّ‬ ‫لبي‬ ‫وهذا املقتبس دليل واضح عىل الدّور ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫لل ّرقابة وما تفرضه من قيود عىل املبدعني‪ ،‬بدءاً‬ ‫من منع نرش األعامل الهادفة‪ ،‬وتشجيع األعامل‬ ‫التي تخدّر القارئ أو املتف ّرج‪ ،‬وتجعله يعيش‬

‫وهمي‪ ،‬وانتها ًء مبالحقة املبدعني أو‬ ‫يف عامل تافه‬ ‫ّ‬ ‫تصفيتهم‪.‬‬ ‫ومن الرضوري كذلك أن أشري إىل القطع املتك ّرر‬ ‫يف “بروفة” املرسح ّية التّاريخ ّية بسبب الحوارات‬ ‫تتم بني ّ‬ ‫الطالبات ومدرسهنّ الذي‬ ‫التي كانت ّ‬ ‫املرسحي ومع اكتامل القراءة‬ ‫قام بتأليف العرض‬ ‫ّ‬ ‫نص مرسح ّية‬ ‫نكتشف ّأن الحوارات جزء‬ ‫أسايس من ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرمضاين‪ .‬ساهمت هذه الحوارات يف كرس البناء‬ ‫الخطي لتوايل األحداث‪ ،‬ونأت بالن ّ​ّص عن النّمط ّية‬ ‫ّ‬ ‫وال ّرتابة‪ .‬بهذا املعنى يكون ال ّرمضاين قد وضع‬ ‫خارجي تجري‬ ‫ّاريخي داخل إطار‬ ‫ّ‬ ‫الحدث الت ّ‬ ‫أحداثه يف العرص الحا ّيل‪ .‬وصيغة املرسحية داخل‬ ‫املرسح ّية حيلة درامية استقاها كتاب املرسح من‬ ‫الكاتب ّ‬ ‫واملرسحي اإليطايل (برانديللو)‬ ‫والشاعر‬ ‫ّ‬ ‫بعد أن صبغها ّ‬ ‫الخاص‪.‬‬ ‫املرسحي‬ ‫كل منهم بإيقاعه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونظراً إلميان ال ّرمضاين ّ‬ ‫بالشباب وقدرتهم عىل‬ ‫التّغيري‪ ،‬جعل ّ‬ ‫الطالبات يقدن املوضوع إىل‬ ‫وجهة جديدة ذلك أ ّنه مل يحرص األحداث ضمن‬ ‫مرجعيتها التّاريخية بل سعى إىل إبراز أبعاد‬ ‫جديدة للموضوع من خالل ما عرضته ّ‬ ‫الطالبات‬ ‫من انتقاد للمرسح ّية‪.‬‬ ‫إذ نتأ ّمل أحداث املرسح ّية نرى ّأن ّ‬ ‫الطالبات‬ ‫رفضن أن ميثلنَ سقوط بغداد عىل خشبة املرسح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ألن ردّة فعل الجمهور العاطف ّية مل تعد تعنيهنّ‬ ‫فهنّ يدركنَ أن االستبداد ح ّول النّاس إىل أشخاص‬ ‫منفعلني ال فاعلني يكتفون بالبكاء والتّصفيق دون‬ ‫أن يفعلوا أيّ يشء عىل أرض الواقع‪.‬‬ ‫خاص يف املرسح ّية هو‪:‬‬ ‫وما يلفت االنتباه بوجه ّ‬ ‫الصاع بني املوقف ال ّثابت من األشياء املتم ّثل‬ ‫ّ‬ ‫بدور املعلم وبني املوقف املتجاوز املتم ّثل بدور‬ ‫ّ‬ ‫الطالبات لذلك مل يكن من الغريب أن ترفض‬ ‫الفتيات األجوبة الجاهزة التي قدّمتها مرسح ّية‬ ‫مد ّرسهنّ ؛ ّ‬ ‫ألن الرمضاين يرى ّأن مه ّمة ّ‬ ‫الشباب‬ ‫نقد التّاريخ وتجاوز عرثاته من أجل صناعة تاريخ‬


‫‪.....‬‬

‫العدد‬

‫ويف ضوء ما تقدّم نرى ّأن ال ّرمضاين رفض استخدام‬ ‫التّاريخ استخداماً سطح ّياً من أجل التّفريغ وتخدير‬ ‫املتلقي؛ بل أخذ يح ّرض ّ‬ ‫الشباب يف مرسحيته عىل‬ ‫إعادة النّظر يف تاريخنا‪ ،‬ووضعه يف موضع التّساؤل‬ ‫والنّقد وال ّرفض ّ‬ ‫لكل ما أعاق تقدّم أمتنا‪ ،‬وكأ ّنه أراد‬ ‫أن يقول لنا ّإن الفنّ ال يتناول املايض أو الحارض من‬ ‫الحقيقي ال‬ ‫خالل ما قدّم من أجوبة جاهزة‪ .‬فالفنّ‬ ‫ّ‬ ‫يقدم وعياً جاهزاً بل يبني وعياً حني يبتكر أسئلة‬ ‫جديدة من أجل الحصول عىل إجابات قد تكون‬ ‫غري نهائ ّية؛ لكنّها تلبي تط ّلعاتنا إىل مستقبل قادر‬ ‫عىل تجاوز نفسه باستمرار‪.‬‬

‫‪105‬‬

‫والعلقمي‬ ‫ليوصل فكرة مفادها ّأن املستعصم‬ ‫ّ‬ ‫وغريهم كانوا رجاالً بال رجولة؛ وليس ّ‬ ‫أدل عىل‬ ‫ذلك من قول ّ‬ ‫العلقمي‪:‬‬ ‫الطالبة التي م ّثلت دور‬ ‫ّ‬ ‫“العلقمي‪ :‬أرجو ّأل تطلق ع ّ‬ ‫يل هذا االسم ثانية‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫اسمي فاطمة‪ ،‬ابحث عن رجل ال يستحقّ رجولته‬ ‫ليم ّثل هذا الدّور‪ّ ،‬ربا مل يكونوا رجاالً فع ًال لكنّهم‬ ‫مل يكونوا نساء بالتّاكيد” ص‪.61‬‬ ‫فضال عن ّأن الكاتب جعل الفتيات يرفضن إعادة‬ ‫الخاصة بذلك‬ ‫قصتهنّ‬ ‫ّ‬ ‫إنتاج التّاريخ ويصنعن ّ‬ ‫تشاؤمي‬ ‫يكون قد أخرج عمله من أفق مسدود‬ ‫ّ‬ ‫إاىل أفق آخر ينبض فيه األمل‪ .‬فالهو ّية اإلنسان ّية‬ ‫ليست ثابتة أو متك ّررة‪ ،‬بل هي انفتاح عىل ّ‬ ‫كل‬ ‫وكل هو ّية ّ‬ ‫جديد وتط ّللع إىل املستقبل‪ّ .‬‬ ‫تؤطرها‬ ‫األيديولوجيا أو املايض مصريها إىل زوال‪.‬‬ ‫بهذا املعنى يكون ال ّرمضاين قد اضاف موازيات‬ ‫جديدة إىل الوقائع التّاريخ ّية الحقيقية واملتخ ّيلة‬ ‫ّاريخي ‪-‬مهام بلغ من‬ ‫والحقيقة ّأن الن ّ​ّص الت ّ‬ ‫األهم ّية‪ -‬ال ميكن أن يقنع املتلقي ّإل إذا عالج‬

‫تهم اإلنسان‬ ‫املرسحي من خالله قضايا معارصة ّ‬ ‫ّ‬ ‫فني‬ ‫املسحوق املقموع؛ رشيطة أن ُيصاغ بأسلوب ّ‬ ‫مش ّوق يجذب املتلقي ويثري لديه األسئلة‪.‬‬ ‫والكاتب لجأ إىل ال ّلغة املرسح ّية ا ُملبسطة ليوصل‬ ‫أفكاره بيرس وسهولة‪ّ ،‬‬ ‫ألن االتصال املبارش بني‬ ‫املم ّثلني والجمهور يح ّد من شاعر ّية الحوار‪.‬‬

‫‪2022 / 7 / 31‬‬

‫جديد‪ ،‬ينتفي فيه ّ‬ ‫الظلم والعدوان واالستبداد‬ ‫الصورة النّمط ّية‬ ‫هكذا تكون املرسح ّية قد هزّت ّ‬ ‫للمد ّرس (ك ّ‬ ‫يل املعرفة) الذي يعتيل املنرب ومييل‬ ‫طلبه ما يريد‪ ،‬بينام ّ‬ ‫عىل ّ‬ ‫الط ّلب يكتفون باإلصغاء‬ ‫والقبول دون إبداء ال ّرأي أو املشاركة يف ا ّتخاذ‬ ‫القرار‪.‬‬ ‫وليس هذا فحسب فقد ر ّكز ال ّرمضاين عىل وظيفة‬ ‫مه ّمة من وظائف األدب وهي تسليط ّ‬ ‫الضوء‬ ‫عىل الجوانب املرشقة وامللهمة يف تاريخنا والس ّيام‬ ‫حني تساءلت إحدى ّ‬ ‫الطالبات عن سبب غياب‬ ‫شخص ّية تاريخ ّية حقيق ّية يف املرسح ّية هي ّ‬ ‫الشاعر‬ ‫الصرصيّ‬ ‫الصرصي إذ تقول كتب التّاريخ ّإن ّ‬ ‫ّ‬ ‫شاعر رضير قاوم املغول بالحجارة يك ال يدخلوا‬ ‫بيته حتّى نال رشف ّ‬ ‫الشهادة‪.‬‬ ‫املهم اإلشارة أيضاً إىل إميان الكاتب بدور‬ ‫ومن ّ‬ ‫املرأة وقدرتها عىل التّغيري‪ ،‬لذلك جعل الفتيات‬ ‫يرفضن املشاركة يف العرض بعد أن علمن ّأن‬ ‫مدرسهنّ تعمد اختيارهنّ ألداء أدوار ال ّرجال‬

‫‪19‬‬

‫ثقافة‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.