حرية ،كرامة ،مواطنة
العدد
92 2021 / 3 / 16
مجلة شهرية ،سياسية ،ثقافية ،مستقلة
10سنوات على الثورة
منقسمون ..كعادتنا!
2
افتتاحية بقلم ليلى الصفدي
العدد
92 2021 / 3 / 16
يف الذكرى العارشة للثورة السورية انقسم السوريون كعادتهم بني متفائلني ومتشامئني ،محلقني يف سامء الحلم ،أو قارئني لكوابيس الواقع ،وقد ترتجم هذا االنقسام هذه املرة إىل فئة املتبنني للشعار الذي رفعته املخرجة السورية وعد الخطيب “تجرأنا عىل الحلم ولن نندم عىل الكرامة” ،وفئة الرافضني من الجهة األخرى. الذين تبنوا الشعار واتخذوه إطاراً لصور بروفايالتهم عىل الفيسبوك ووسائل التواصل انطلقوا من واقعة كرس جدار الخوف وتخطي زمن األبدية األسدي حتى لو كان الثمن باهظاً ،فيام اعترب الرافضون أن األسدية مستمرة وال زالت جامثة فوق الصدور ،وأن كرامة املواطن السوري التي يتغنى بها املهاجرون قد مترغت بالرتاب، سوا ًء خالل سني الحرب يف الداخل والتي أكلت األخرض واليابس، أو يف املعتقالت وأقبية السجون التي أعدمت عرشات األلوف تحت التعذيب ،بعد رحلة قاسية مع القهر والخضوع القرسي للنزعات للسجان ،أو يف املخيامت الغارقة يف الوحل والصقيع ،أو يف الساد ّية ّ الشتات وعىل معابر التهريب وزوارق املوت /النجاة ،أو حتى مبن تبقى يف الداخل السوري رازحاً تحت رشوط قمع مضاعف وظروف اقتصادية أدىن من كل خطوط الفقر املعروفة حتى اآلن. كان املنقسمون ذاتهم قد انقسموا مرات عديدة سابقة ،رمبا كان آخرها عقب وفاة املخرج السوري حاتم عيل والذي تم متديده كشخص ومتديد أعامله أليام وأسابيع عىل رسير الثورة األخالقي، ونال ما نال من مدح أو هجاء أو تقطيع لألوصال حتى يبدو عىل املقاسات املعيارية التي أرادها له كل طرف من األطراف. االختالف يف حدوده العقالنية جميل ومقبول ،لكن لو يخفف
املغالون من غلوائهم ،وما أكرث املغاالة يف أوساط السوريني ،فهناك دامئاً من يبالغ ح ّد التقديس ،وهناك دامئاً من يبالغ يف االتجاه املعاكس ح ّد التسفيه ،ورمبا كان هذا مظهراً أساسياً من مظاهر العجز وصفرية التأثري يف الواقع ،حيث ال يبقى من متسع إال لأللسنة املربية والعدائية التي تبحث عن ل ّذة إشباعها يف النهش بلحم خصم وهمي ومستضعف. هل آن اآلوان ألن نتحاور بهدوء وقد نختلف أو نتفق إن كانت الثورة قد هُ زمت ..رمبا تكون قد انكرست أو تحطمت عندما سلمت عنانها للسالح والتطرف ..لكن من جهة أخرى يبدو وجيهاً القول إن النظام مل ينترص أيضاً .أما الذي حصل فع ًال فهو أن بلدنا قد تدمرت وتقسمت واحتُلت واستبيحت ،وأن ذلك كله قد حصل بأيادي النظام واملعارضة معاً .وأن كرامة السوريني ال زالت جريحة ومستباحة من كافة األطراف املتصارعة عىل أرضنا وعىل كافة الجبهات ،وأنه يقع عىل عاتقنا أوالً وقبل أي طرف آخر أن نضمد جراحنا وأوجاعنا ،وجروح كرامتنا ،وأن نحاول استعادة اإلنسانية التي حاولوا اجتثاثها من قلوبنا. ورمبا علينا أن نستوعب أيضاً أن السوريني العاديني مل يعودوا يرغبون باجرتار ثنائيات األبيض واألسود البائدة ..معارض وموايل، ثوري ورمادي ،مؤمن وكافر ،متدين وعلامين ،سني وشيعي ،ويائس ومتفائل ،بل يريدون أن يلملموا جراحهم وأن يعيدوا لكلمة “سوري” معناها ،وأن يلفظوا كل املزايدين عىل حياتهم ودمائهم من كافة األطراف ..رمبا يزهرون بعد حني “كام ينبت العشب بني مفاصل صخرة”.
www.freedomraise.net
افتتاحية
املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد
مجلة شهرية تعنى بالشأن السوري ثقافية ،اجتامعية ،سياسية محرر ثقايف غسان نارص ّ
محررون كامل شيخو -حسن عارفة
نصار رئيس التحرير أسامة ّ
نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي املدير اإلداري معتصم أبو الشامات
الغالف سمري خلييل
كاريكاتري سمري خلييل /هاين ع ّباس
تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت facebook.com/freeraise twitter.com/freedomraise freedomraise@gmail.com
مسؤول أمن رقمي ومحاسب زمالء مختطفون يف سوريا وائل موىس رزان زيتونة -ناظم حامدي
3
العدد
92
2021 / 3 / 16
كاريكاتري
4
الثورة السورية يف ذكراها العاشرة: املسرية واملآالت
األتايس :الثورة كانت فع ًال عفوياً صادقاً وناج ًام عن فرط تغول النظام أمنياً واجتامعياً واقتصادياً.. خوامتي :صارت مصائرنا كسوريني تحت ترصف رصاعات دولية وإقليمية.. مصطفى :سوريا الدولة مل تكن يف يوم من األيام تعبرياً عن اإلرادة الح ّرة والحقيقة ألبنائها.. -أبو هاشم :نستشعر اليوم خطورة وفداحة غياب مرشوع التغيري الوطني..
العدد
92
غسان ناصر
2021 / 3 / 16
عرش سنوات هو عمر الثورة السورية اليتيمة املختطفة؛ الثورة التي أعلن أبناؤها يف آذار /مارس ّ 2011أن سوريا لنا نحن أصحاب هذه األرض وليست مزرعة آلل األسد ،الذين حكموا البالد عىل مدار عقود طويلة بالحديد والنار لحامية عرشهم ومصالحهم ونهب خريات سوريا .ومن هتاف “الشعب السوري ما بينذل” وصوالً إىل هتاف “الشعب يريد إسقاط النظام” ،دفع أحرار وحرائر سوريا أمثاناً باهظة عىل درب الح ّرية والخالص؛ الخالص من الحكم االستبدادي الشمويل الطائفي الفاسد ،ومن أصحاب املطامع ولصوص الحروب ..ومن أمراء الجامعات الدينية والطائفية املتعصبة ،ورغم ّأن الدرب ال زالت طويلة للوصول إىل سوريا ح ّرة دميقراطيةّ ،إل أن إمياننا راسخ أن كل هذه الحروب املعلنة عىل الشعب السوري ستم ُّر لتبقى الحكاية األساسية ،حكاية سوريا األم وشعبها الذي ثار ض ّد الطاغية املستب ّد من أجل ح ّريته وكرامته.. توجهت لعدد من الكتّاب ية” ر ّ “طلعنا عالح ّ والناشطني الفاعلني يف مجتمعنا السوري الثوري ،سائلة إياهم :بعد هذا املخاض العسري؛ أين ترانا تعرثنا؟ وأي رضورة إلعادة التفكري يف مسرية السنوات العرش ؛ ويف مآالتها ،وكيف ميكننا االستفادة من أخطاء هذه الرحلة الطويلة من العطاء والتضحية َذ ْوداً عن كرامتنا ،ومن أجل سوريا الغد؟
ويف مآالتها .الخالصة األهم التي ميكن استنتاجها يف هذه العجالة هي ّأن الثورة كانت فع ًال عفوياً صادقاً ،وناج ًام عن فرط تغ ّول النظام أمنياً واجتامعياً واقتصادياً ..ما جعل من سوريا مجتمعاً ذا طبقتني: طبقة فاحشة الرثاء وطبقة فقرية معدمة ،األمر الذي أدى إىل انزالق نحو 34%من السوريني إىل ما تحت عتبة خط الفقر األدىن ،خاصة يف أرياف املدن الكربى وضواحيها التي كانت األش ّد ترضراً من مفاعيل التح ّول إىل نظام السوق االجتامعي ،فش ّكلت بذلك الحقاً الخزان البرشي للثورة وحاضنتها الشعبية؛ يف حني كان الوضع عىل النقيض لدى السلطة الحاكمة التي كانت عىل أهبة االستعداد للتصدي ألي حراك شعبي من خالل مجمل أجهزتها األمنية والعسكرية ،واإلعالمية املوجهة كلها أص ًال باتجاه عدوها األول والنفسيةّ ، والوحيد :الشعب!”.
عفوية الشعب مقابل تنظيم آلة النظام القمعية
حتقيقات
األتايس أضاف“ :متظهرت هذه املفارقة جلياً منذ أيام املواجهات األوىل؛ ونقصد بذلك العفوية واالرتجالية وانعدام التخطيط الذين ا ّتسم بهم الحراك الشعبي؛ واملواجهة املنظمة له من قبل النظام عىل كافة األصعدة ،بحيث بدا الشعب طرفاً تم إقحامه يف أتون معركة مل يكن مؤه ًال -موضوعياً ولوجستياً وتنظيمياً- لخوضها ،فيام كان النظام عىل استعداد تام لشنّ حرب التطهري واإلبادة التي كان يخطط لخوضها بأسلوب ومدرك ملآالتها ونهاياتها .تجذرت تلك املفارقة منهجي ٍ البداية كانت مع املعارض البارز املؤرخ واملهندس الحقاً يف قيام “أصدقاء الشعب السوري!” بصناعة نشوان األتايس ،صاحب كتاب “تط ّور املجتمع “معارضات” سياسية ساهمت هي األخرى ،بوعي أو السوري ،”2011 – 1831 :الذي قال“ :كان عقداً بدونه ،يف الوصول إىل ذلك الهدف. مفصلياً ،مغرقاً بدمويته وكارثيته ،وسوف يبقى محوراً تجيري الثورة ! اسات عىل امتداد عقود؛ بيد ّأن ذاك لن نغايل بالقول إذاً ّإن الشعب قد دُفع دفعاً إىل ألبحاث ودر ٍ ٍ الزمن الذي فصل بني تاريخ اندالع ثورة السوريني يف ثور ٍة ،متلك من املرشوعية ما مل يتحقق لثورات أخرى، آذار 2011ويومنا الراهن قد منحنا فسحة من الوقت إمنا بغرض تجيريها نحو هدف إسرتاتيجي مخطط للتبص والتف ّكر يف مسار األحداث له مسبقاً ،توضحت مالمحه وأبعاده يف سياق ما تال رمبا تؤهلنا ،نسبياًّ ،
من أحداث ومجازر وهندسة دميوغرافية هي ،منذ البداية ،الهدف الرئيس لكل ما شهدته األرض السورية (املجتمعاملتجانس)”. ً يتابع محدثنا قائ ًال“ :بارش النظام بداية مهمة تنفيذ ثم تشاركت معه الحقاً كافة قوى هذا الهدف الرئيسّ ، األمر الواقع التي تتحكم اليوم يف الجغرافيا السورية، عرب توافقات دولية وإقليمية راعية له وعاملة عىل تحقيقه .وقد ال نجايف الحقيقة إن ربطنا مجريات أحداث السنوات العرش األخرية يف سوريا ومآالتها مبثيالتها يف كل من العراق ولبنان واألرايض الفلسطينية املحتلة ..وبتحول إرسائيل إىل دولة يهودية”!
عالقون يف عنق الزجاجة..
بدورها قالت القاصة والروائية سوزان خوامتي“ :كيف نقيس الثورة السورية بعد مرور عرش سنوات من اندالعها؟ هل يجوز قياسها مبا تر ّتب عليها من انقسام البالد وشتات العباد ،أم بحجم األمل والوجع والخيبات، أم بعدد الالجئني وأسامء املخيامت ،أم بقوائم ضحايا التعذيب واملغيبني قرساً ،أم بخسارة إحساسنا بقيمة العدالة يف مواجهة عامل ظامل؟ أم علينا نفض أيدينا من ثورة حق طالبت بالكرامة والح ّرية ورسقها املرتزقة واالنتهازيون ،وأفسدها املال السيايس!”. تضيف صاحبة رواية “ربع وقت”“ :السنوات العرش من عمر الثورة كشفت وحشية نظام ال حدود إلجرامه، وغذت الفرقة بني أطراف املعارضة ،وتداخلت فيها الفصائل اإلسالمية وتنظيم “داعش” ،وصارت مصائرنا كسوريني تحت ترصف رصاعات دولية وإقليمية تسعى أطرافها ملصالحها وانتفاعاتها الخاصةّ .إن الثمن الذي دفعه ويدفعه السوريون يسجله التاريخ كأحد أكرب مآيس العرص..
ولكن ماذا لو مل تقم الثورة؟
لو مل تقم الثورة لكنّا حتى اللحظة نصفق لبطل االنتصارات الوهمية ،ونخرج رغ ًام عنا يف مسريات التأييد ،ونتابع أعضاء مجلس الشعب يهللون الستالم
تلك البالد املنكوبة ،بعد أن باتت غالبية تلك القوى مرتهنة لالحتالالت واالختالالت املتعدّدة واملتناقضة يف املصالح والتوجهات.
5
صدمة الحراك الشعبي والصدمة املعرفية
حتقيقات
حفيد حافظ األسد للسلطة ،ونتكتم عىل االعتقاالت، ويختفي شبابنا دون أن يكون لنا الحق يف ذكر أسامئهم أو من جهته ّبي الكاتب والروايئ عامد مفرح مصطفى، السؤال عنهم ،و ُنهان ونسكت ،ونرتجف إذا ما ُذ ِكر أمامنا ّأن سوريا تشهد منذ عرش سنوات تح ّوالت عميقة اسم أحد الفروع األمنية .ليست صورة سعيدة بأي حال!”“ .كنتيجة حتمية عن جملة أزمات مركبة يف بنية الدولة والسلطة واملجتمع ،وبسبب هذه التح ّوالت وتناقضاتها ال يدوم الظلم مهام طال خوامتي تابعت قائلة“ :نحن اليوم عالقون يف عنق أفىض الرصاع إىل جملة من الحروب البينية واملنازعات الزجاجة ،بانتظار حل يريض املجتمع الدويل إلنهاء مأساة األهلية ،فسوريا الدولة مل تكن يف يوم من األيام تعبرياً بلد ،وحتى يحدث ذلك سنشهد املزيد من املفارقات عن اإلرادة الح ّرة والحقيقة ألبنائها ،مثلام مل تكن السلطة والرصاعات واالدّعاءات والوصايات الفكرية التي تزيد فيها ّإل مرشوعاً للتأبيد والتوريث .هكذا ،وبني نزوع من تأزم وفوىض املشهد السوري .رمبا لن أمتتع برؤية الدولة االستبدادية وسلطانية السلطة دفعت املجتمعات سوريا دميقراطية ح ّرة كام أحلم بها ،ولكن جي ًال آخر السورية أمثاناً باهظة ومكلفة للغاية .الواضح ّأن ما حدث قادم سيفعل ،فال ميكن لظلم مهام طال أن يدوم ،وال أحد ويحدث يف سوريا ،بحجمه وتح ّوالته وتدخالته ،هو أكرب من أن تستوعبه القوى السياسية واأليديولوجية يف يعيش إىل األبد”.
العدد
يف نقد الثورة وتح ّوالتها..
92
أمين فهمي أبو هشام
عماد مفرح مصطفى
2021 / 3 / 16
نشوان األتاسي
سوزان خوامتي
ولعل أكرث ما كشفت عنه السنوات املنرصمة من عمر األزمة ،مدى عدم تجذر الحداثة وأسئلتها اإلشكالية يف واقعنا ووعينا؛ فالصدمة التي أحدثها الحراك الشعبي عىل املستوى السيايس ،مل تقابل بذات الفاعلية عىل املستوى الثقايف واإلبداعي ،حيث مل تتح ّول قيم “الح ّرية” وما تبعها من تح ّوالت إىل صدمة تؤسس إلعادة إنتاج قيم اجتامعية معرفيةّ ، جديدة .عىل العكس ،ازداد دور املقدس يف حيواتنا ،خاصة مع أرس “عقدة املظلومية” ذهنية السوريني .يف حني كان من املفرتض، أن يتم تجاوز “املقدس” قياساً عىل سمت “الحداثة” ،مع إمكانية التحرك نحو عامل ،ال سيطرة فيه للرموز الدينية ،مبعنى االنتصار للدنيوي ومحدده اإلبداعي أوالً”. صاحب كتاب “سوريا تحوالت الهو ّية واالنتامء” يضيف يف حديثه ملجلة “طلعنا عالح ّرية”، قائ ًال“ :بصورة ما ،مل تستطع صدمة الحالة السورية رغم أحقية مطالبها ورشعية أهدافها النبيلة ،خلق معايري جديدة ،يف الواقع الثقايف املعاش ،بل تم استعادة املايض سياسياً وفكرياً، مع تكريس اليقني ،وإشاعة االنغالق ،والدفع باتجاه مذهبية فكرية جديدة ال تخضع للنقد أو التقييم .فقد فرضت الحرب دامئاً صيغة القبول والخنوع والخضوع ،وبذلك فقدت تلك الصدمة احتامالت التعدّد ،وانكمشت إىل أحادية الحقيقة املطلقة والثابتة ،ولذا مل يكن من املستغرب رؤية تح ّول طالب الح ّرية إىل ثم تح ّول ذات املجاهد إىل “مجاهد” ،ومن ّ إرهايب ،واإلرهايب إىل مرتزق يأمتر بأوامر دول إقليمية يحدوها الفاشية والطمع”. يبقى سؤال الوعي مع ّلقاً يختم مصطفى مؤ ّكداً ،أنه “بعد عرش سنوات مل تتح ّول قيم الح ّرية إىل قيمة ثقافية مضافة منسقة ومرتادفة مع ما ّإل يف صيغ خطابية ّ هو سيايس .صحيح ّأن اإلحساس واملزاج العام، تبدل عىل وقعهاّ ،إل ّأن سؤال الوعي بقي معلقاً ،يف ظل التهافت الكبري عىل دور الضحية والتشبث بعقدتها ،بغية الحصول عىل دعم أكرب وتعاطف أكرث”.
6
الثورة السورية يف ذكراها العاشرة حرف وتشويه املرشوع التح ّرري للثورة..
العدد
92 2021 / 3 / 16
الناشط الحقوقي املحامي أمين فهمي أبو هاشم (املنسق العام للتجمع الفلسطيني السوري الحر “مصري”) ،قال“ :تجربة الثورة السورية ،تك ّثف يف سنواتها العرش حالة االستعصاء العنيدة بني أهداف الثورة وما آلت إليه؛ فالوقائع التي تراكمت خالل محطاتها ،كشفت عن سطوة املشاريع التي استغلت حق السوريني بالح ّرية والخالص ،لحرف وتشويه املرشوع التح ّرري للثورة ،ولو كان الثمن كام رأينا إغراق سورية وشعبها ،يف بحور من الدم واملآيس والخراب .كلام كانت تلك الحقيقة تكرب ككرة الثلج، وتستدعي إعادة املطابقة بني الطابع التح ّرري لفكرة الثورة ،وحواملها السياسية واملجتمعية القادرة عىل إدارة الرصاع مع نظام االستبداد وحلفائه ،من خالل عملية تصويب ألداء قوى الثورة واملعارضة ،كانت اإلجابات الوطنية ُمخيبة لآلمال .هذا ما يفرس إىل ح ٍد بعيد ،تولد انطباع سوري عام ،بأن القوى الدولية واإلقليمية هي صاحبة اليد الطوىل يف تقرير مصري البلد .لذلك نستشعر اليوم خطورة وفداحة غياب مرشوع التغيري الوطني ،ودرجات االنقسام والخالف يف صفوف القوى والنخب السورية، التي اندرج جزء ال يستهان منها يف لعبة الوالءات واملصالحالخارجية”.
تعقيدات وجود البدائل الوطنية
حتقيقات
أبو هاشم أضاف“ :باملقابل ّمثة صعوبات وتعقيدات كبرية يف استيالد بدائل وطنية مستقلة ،منها ما يعود ألسباب ذاتية ،كضعف ثقافة العمل الجامعي، واالفتقار إىل قيادات تستطيع توحيد جهود وطاقات السوريني ،وحالة اإلفساد البنيوي التي اخرتقت املؤسساتالسياسيةوالعسكريةواملدنية،واستغراق ّ ّ النخب املثقفة يف التنظري حول تشخيص الواقع، دون بناء مبادرات عملية تشتغل عىل املعالجات والحلول .ومنها ما يعود إىل أسباب موضوعية، من أهمها تعدّد الجغرافية السياسية ،التي يعيش السوريون بحكم اللجوء ،تحت تأثريات سياسات وتوجهاتها املختلفة يف التعامل مع قضيتهم، الدول ّ ودعم الدول املتدخلة لوكالئها املحليني يف مناطق نفوذها ،وانكشاف نفاق املجتمع الدويل ،الذي ال توجد لديه إرادة جدّية لتغيري النظام السوري”.
بناء حامل وطني
ينهي الناشط الحقوقي ،حديثه معنا بالقول“ :كل مؤرشات االستعصاء يف املشهد ،وقد بلغ ذروته يف الذكرى العارشة للثورة ،تؤ ّكد ّأن إنقاذ مرشوع الثورة ،يعني بكل وضوح إنقاذ الوطن السوري ،الذي بات يواجه تحدّيات وجودية غري مسبوقة ،وإذا كان من درس ميكن االستفادة منه ،يف ضوء املحصالت العرشية وخساراتها األليمة ،فأعتقد أنه يتم ّثل يف بناء حامل وطني دميقراطي ،يعزز الثقة الجمعية بني السوريني ،ويخاطبهم يف مختلف املناطق التي يتواجدون فيها ،سواء يف الداخل أو الخارج ،كأصحاب مصلحة مشرتكة يف الخالص ،من االستبداد السلطوي الجائر، ومن قوى الهيمنة والنفوذ الخارجي ،ومن التط ّرف مبختلف أشكاله .ويكون لديه مرشوع عميل يتوحد السوريون عليه ،ويحققون من خالله ما يصبون إليه من بناء دولة الح ّريات واملواطنة والقانون ،وتثمري التضحيات العظيمة للشعب السوري ،والدفاع عن القيم الوطنية واإلنسانية النبيلة لثورته املجيدة.
إدلب بالذكرى العاشرة للثورة السورية... “جترأنا على احللم ولن نندم على الكرامة”
7
سونيا العلي-إدلب
العدد
92 2021 / 3 / 16
االستخباراتية والعسكرية ،وبناء أجهزة أمنية وعسكرية عىل أسس وطنية نزيهة ،وخروج امليليشيات األجنبية والطائفية واإلرهابية كا ّف ًة من سـوريا ،والحفاظ عىل وحدة سوريا أرضاً وشعباً ،واستقاللها ،وهُ ِوي ّـة شعبها، إىل جانب رفض املحاصصة السياسية والطائفية. قساوة النزوح وأرقام الحرب... تشري اإلحصائيات إىل أن إجاميل عدد سكان شامل غريب سوريا مبا فيها مدينة إدلب حتى نهاية عام 2020بلغ حوايل 4ماليني و 227ألف ،و 488شخصاً، منهم 2مليون و 211ألف من املقيمني ،و 2مليون و 8985من النازحني ،فيام يبلغ عدد الالجئني حوايل 7322من فلسطينيني وعراقيني. حيث يعترب ملف النزوح من أبرز آثار الحرب التي شنها النظام السوري وحلفائه عىل السوريني ،ففي ذكراها العارشة للثورة السورية تتجدد معاناة نازحي إدلب الذين هجروا من مدنهم ومنازلهم نتيجة العمليات العسكرية ،وسط عجز املجتمع الدويل عن ّ حل يضمن حقوقهم ،وينهي مأساتهم املتواصلة. يعيش أكرث من مليون و 48ألف نازح يف مخيامت متهالكة ،يفتقدون ملقومات العيش الكريم ،ويحلمون بالعودة إىل منازلهم والخالص من جحيم املخيامت، وبحسب إحصائيات (فريق منسقو االستجابة) نهاية عام 2020فقد بلغ عدد املخيامت الكيل يف مناطق شامل غريب سوريا 1304مخي ًام ،منهم 393مخي ًام عشوائياً ،وقد بلغ عدد ذوي االحتياجات الخاصة ضمن املخيامت ،19297فيام وصل عدد األرامل الفاقدات للمعيل 10809امرأة . ويعاين النازحون من العيش يف بيئة غري صحية، والحرمان من مصادر الدخل األساسية واالعتامد عىل املساعدات اإلنسانية يف معيشتهم ،ونقص الرعاية الصحية واألسس الوقائية الالزمة من فريوس كورونا،
إىل جانب النقص املستمر يف الغذاء واملاء ،وانعدام أبسط الخدمات اليومية . جميل املصطفى ( 40عاماً) نازح من مدينة رساقب يعيش يف مخيم عشوايئ ،يقبع فوق أرض زراعية يف بلدة كليل بريف إدلب الشاميل ،برفقة زوجته وأوالده الخمسة يف خيمة قامشية مهرتئة ال متنع عنهم األمطار وبرد الشتاء ،وال ترد الرياح والعواصف ،يتحدث ملجلة “طلعنا عالحرية” ليقول“ :طالبنا بالحرية والكرامة وخرجنا باملظاهرات السلمية لنتخلص من حكم نظام األسد وظلمه ،فقابلنا النظام بالعنف والقتل بكافة أنواع األسلحة ،واضطررنا لرتك منازلنا وأرزاقنا ،للعيش يف خيام مهرتئة أصبحت مالذنا األخري”. ويشكو املصطفى من الحياة اليومية داخل املخيم صعبة وقاسية ،فاملياه قليلة يضطرون لنقلها من الخزان الرئييس املوجود يف منتصف املخيم إىل الخيمة التي يسكنون بها ،وأرض املخيم تكون غارقة باملياه واألوحال يف األيام املاطرة ،أما يف الصيف فال تختلف املعاناة ،جراء ارتفاع درجات الحرارة ،وعجز الخيمة القامشية عن حاميتهم وحامية أطفالهم ،مام يجعلهم فريسة سهلة لألمراض ،كام يشكو من بعد املراكز الصحية ،وانعدام فرص العمل ،وضعف القدرة الرشائية ،والعيش تحت خط الفقر ،ويؤكد أن مطلبه كمطلب كافة النازحني يتمحور بالعودة إىل منازلهم وعن ذلك يقول“ :ال ميكن أن نعود لحكم األسد مهام كانت الظروف ،نفضل العيش يف العراء عىل ذلك”. أما زوجته عفيفة والتي كانت تجلس بجانبه تحت سقف خيمتها ،قالت بصوت منخفض يكاد يسمع: “بدي قول كلمة ملن وقع عىل اتفاقيات سوتيش وأستانة ،أنتو وقعتوا عىل االتفاق لكن ليش ما خربتوا هالناس واملليون نازح ،يا ترى إدلب بخري أم مانها بخري ،رح يوصل النظام وأنتو عىل شو وقعتوا”.
تقارير
أطلق نشطاء من مدينة إدلب الواقعة غريب سوريا شعار عىل حساباتهم ومنصات التواصل االجتامعي والسوشيال ميديا وسم وهاشتاك“ :تجرأنا عىل الحلم ولن نندم عىل الكرامة” ،مبناسبة مرور الذكرى العارشة من انطالقة الثورة السورية ،يف وقت يعيش أكرث من مليون و 48ألف نازح يف مخيامت متهالكة ،يفتقدون ملقومات العيش الكريم، ويحلمون بالعودة إىل منازلهم والخالص من جحيم املخيامت. ولدى حديثه اىل مجلة “طلعنا عالحرية” ،يقول الناشط واإلعالمي أنس املعراوي“ :منذ اندالع الثورة قبل عرشة أعوام سقط النظام السوري يف نظرنا ،واستطعنا من كرس حاجز الخوف ،وال نزال نسعى لنيل الحرية”. ويروي املعراوي املنحدر من مدينة إدلب تجربته بتوثيق املظاهرات ونرشها عىل وسائل التواصل االجتامعي منذ البداية ،كام عمل عىل تنظيم الوقفات السلمية وال يزال مستمراً بتوثيق انتهاكات النظام السوري حتى يومنا الحايل، وأوضح أنهم كنشطاء وإعالميني تعرضوا خالل سنوات الثورة للكثري من الصعوبات واملخاطر ويعددها قائ ًال: “منها القصف املستمر من قبل النظام السوري وحلفائه واملالحقات األمنية ،والنزوح من مناطقنا وتدمري ممتلكاتنا واحتالل املنازل” ،ورغم هذه الظروف يقول عبارة استلمها من املخرجة السورية وعد الخطيب ،ليضيف“ :تجرأنا عىل حلم الحرية وإسقاط النظام ،وبالرغم من كل ما حدث من إجرام بحقنا كشعب سوري لن نندم عىل ثورتنا املباركة، وماضون يف الوصول إىل أهدافنا يف الحرية والكرامة”. وكحال املعراوي دفع النشطاء امثان كبرية جراء الحرب واالعتقال أو اإلصابة ،ومن بينهم اإلعالمي عبد الله ملحم ويعمل يف مركز االتارب اإلعالمي ،حيث تعرض خالل عمله إلصابة حربية بليغة سنة ،2016بسبب عمله يف تصوير وتوثيق قصف الطريان الرويس عىل مناطق ريف حلب الغريب وعن ذلك يقول“ :تعرضت إلصابة بليغة يف يدي اليمنى ،أدت إىل برتها ،إضافة إىل إصابة جسدي بالعديد من الشظايا ،وترضرت قدمي اليمنى ،لدرجة عدم قدريت عىل امليش لفرتة من الزمن”. ويبني ملحم أنه خضع لرحلة عالج طويلة وشاقة ،وأجريت له عدة عمليات جراحية منذ إصابته ،حتى هذا اليوم. ويؤكد نشطاء إدلب عىل الحفاظ عىل ثوابت الثورة وأهدافها منها إسقاط بشار األسد وأركان نظامه كا ّفة، وتقدميهم للمحاكمة العادلة ،وتفكيك أجهزة القمع
8
دمشق بعد عشرة من اجلمر... سلمى األسمر :دمشق
العدد 92
2021 / 3 / 16 مقاالت
بعد عرش سنوات من اندالع الحراك املعارض لنظام الحكم ويف ذكراها السنوية ،تبدو دمشق معزولة من دائرة االنهيار؛ لكن هناك تغيريات حدثت وتحدث ،إذ توافقت اإلرادات السياسية واالجتامعية واالقتصادية عىل عزل دمشق وكان مطلوباً أن تبقى العاصمة “املفيدة” والواجهة القوية. دمشق ،مدينة موسومة بالفصام؛ حيث خمسون باملئة من مساحتها الجغرافية هي أماكن سكن عشوائية ،يختلط الحابل بالنابل ،تتلون الوجوه وتتعدد اللهجات ،وتنصهر االختالفات ليوحد القهر والفقر وغياب الخدمات الفضاء العام .مدينة بات التنوع الحاد فيها عبئاً حتى عىل هوائها وليس امتيازاً أو تنوعاً وطنياً إيجابياً ،وباتت صورة مكثفة لتبدالت غري مفهومة وعصية عىل التقبل أو املناورة. خمسون باملئة من الجغرافيا الشامية يشغلها أكرث من مثانني باملئة من السكان ،والخمسون الباقية يشغلها العرشون الباقون من أهل دمشق ،ولكن بنسب متفاوتة جداً ما بني حي وآخر .بيوت فارغة وواسعة مغلقة منذ عرشات السنني بعضها يعود إىل تسعينيات القرن املايض ،وبيوت تتسع عىل أهلها حيث يسكنها شخص واحد متقدم يف العمر بقي إما لعدم قدرته عىل تقبل املجتمعات الغريبة ،حيث سافر واستقر األبناء ،أو ظناً منهم أنهم حراس املكان ومفاتيح عودة األبناء. يتذكر الدمشقيون وخاصة سكان ضاحية دمشق الجديدة أو مرشوع دمر الشاحنات التي وقفت عىل مشارف املرشوع وألسابيع متتالية لتنقل سكان وادي املشاريع األكراد إىل القامشيل ،سميناها عملية “إعادة توطني” .فجأة خال وادي املشاريع وجبل الرز من نسيجه الكردي ،هل كان الخوف؟ أم التحكم السيايس القومي الحزيب بجمهور الكرد؟ أم محاولة استباقية لدولة كردية قادمة؟ عىل الطرف املقابل ،عادت غالبية سكان ريف دمشق ذوي األصول الدمشقية والذين اضطروا للسكن يف ريف دمشق لضيق ذات اليد وصعوبة تأمني مسكن ضمن مدينتهم األصلية بسبب ارتفاع أسعار البيوت وضعف الدخل ،عادوا إىل بيوت أهاليهم ،وكان الجميع يعتقد أنها فرتة مؤقتة ثم يعودون إىل منازلهم ،ومل يكن خيار العودة لبيت األم أو بيت العائلة األصيل أو بيت أحد أفراد العائلة الذي سافر إىل الخليج وتركه فارغاً لزيارته سنويا يف الصيف أو يف مواسم األعياد ،خياراً مطروحاً ،غري أن الحرب فرضت ما ال تشتهيه السفن. هنا حدث اختناق غري مشهود ومل يكن مقبوالً أبداً ،أن تسكن خمس عائالت عىل سبيل املثال ال الحرص يف بيت
واحد ،فالجميع له حصة يف هذا البيت ،والجميع عاجز عن تأمني بدالت اإليجار التي فاقت قدرة الجميع يف مواجهة ارتفاع أسعار جنوين وغياب للموارد املالية. تضيق شوارع دمشق بالغرباء ،من يصنف الغربة؟ ومن يبدد الشعور باالغرتاب العميق ألهل دمشق؟ دمشق التي ما زالت مركزاً وحيداً ومستهدفاً للعالج من أمراض الرسطان يف املشفى املختص الوحيد ،ويف بعض املراكز الطبية واملشايف الخاصة التي تقدم جرعات العالج الكيميايئ بشكل خاص لكنه مكلف جداً .فخصوصية دمشق كمركز للعالج األكرث تنوعاً ومرجعية عالجية ،لكنها ضاعفت من أعداد طالبي االستشفاء وجعلت من دمشق مدينة أكرث ازدحاماً وتنافراً. وشكلت ظاهرة زيارة عيادات األطباء االختصاصيني الذين باتوا نادرين بسوريا كلها ،لدرجة أن بعض املدن خلت حتى من طبيب متخصص واحد يلجأ إليه املرىض اليوميني ،ولو ملتابعة عرض صحي بسيط كاإلنفلونزا أو أمل األسنان. ومل يتبق منهم إال القليلني القالئل أصحاب السمعة الطبية املشهورة ،والذين تلتصق بهم اآلمال العريضة بالشفاء والخالص. حافظت دمشق عىل كونها الوجهة األهم للحصول عىل جواب عن ابن أو زوج أو أخ غائب أو مفقود، حافظت عىل مركزها إلنهاء معامالت التقاعد والترسيح املريض ،وتعويضات نهاية الخدمة أو تعويض عن ملكية مشرتكة مل يسدّد بعد ،أو لحل مشاكل عقارية متداخلة أو دعاوى قضائية إلثبات زواج أو نسب أو رشاكة اقتصادية توقفت وبات مطلوباً ّ ضخ الدم يف أوردتها لتفعيلها من جديد،
وساطة مالية ،صفقة ،جهات نافذة ،وعود بالرشاكة وباألرباح ،كلها تعزز حضور دمشق كورقة اللعب أو املقامرة أو املقايضة األقوى. يف ظل هذا التناقض الوظيفي للعاصمة؛ مل تعد متتلك حتى قواماً هندسياً متسقاً ومسايراً لوظيفتها املركزية ،واألكرث تهافتاً هو شبكة املواصالت املهرتئة ووسائط النقل الال إنسانية .تحولت قضية النقل اليومي يف دمشق إىل ّ ذل موصوف وال خيار أو بدي ًال عنه إال باستعامل الهوندايات (الشاحنات الصغرية) لنقل الناس وقوفاً ،أو االنكفاء يف املنازل. اضطرت العائالت التي تعيش يف بيت واحد إىل التأقلم مع رشوط تغيب عنها الخصوصية املطلقة ،مع اإلشارة إىل أن الكثري من العائالت ورغم عودة مراكز سكناها يف ضواحي دمشق إىل قبضة الحكومة لكنها مل تعد إليها ،لتداعي البيوت وخطرها الفعيل عىل سكانها يف ظل غياب أي خطط إلعادة اإلعامر ،أو لغياب الخدمات العامة األساسية ،خاصة الصفوف املدرسية واملعلمني والخدمات الصحية والطرق وخدمات املاء والكهرباء يف ّ ظل تراجع هائل وطغيان قايس لغياب الخدمات يف سوريا قاطبة ،مع متييز فاضح وفاقع لحجم الخدمات ما بني مدينة وأخرى وحي وآخر يف نفس املدينة. فالشام التي يتنافر مشهدها العام ما بني وهم بأنها دمشق القوية واملفيدة وما بني تصدعات أفقية وشاقولية تهدد البنيان املدين والسكاين والوظيفي ،تنتظر كام أهلها وكام السوريون والسوريات جميعاً فسحة من التعايف ومساحة من التعرف إىل الذات التي هشمتها الحرب بعد أن بلغت قبل الحرب من الهشاشة ما يكفي ألن تتهافت بقوة الوهم واإلهامل.
9 لوحة للفنانة ديمة نشاوي
العدد
92
2021 / 3 / 16
قضايا املرأة
املرأة السورية يف الثورة ..سجل حافل بالتحدي والنجاح 10
ما زلن صامدات يف سوريا ..رغم حتديات وخماطر السلطات النساء السوريات مستمرات باملواجهة يف مشال غرب سوريا هاديا منصور
العدد
92 2021 / 3 / 16 تقارير
مير يوم املرأة العاملي كل عام وسط انتهاكات تعاين منها النساء يف سوريا ،ورغم تعرضهن لكل أنواع التحديات مازلن مستمرات ،بعد ميض عرش سنوات عىل الثورة السورية التي كان للمرأة فيها حضوراً كبرياً. قالت الشبكة السورية لحقوق اإلنسان يف تقرير لها صدر مبناسبة اليوم الدويل للمرأة يف 8مارس 2021 إن “قرابة 19264امرأة ما تزلن قيد االعتقال أو االختفاء القرسي” ،مشرية إىل “ما ال يقل عن 67حادثة استهدفت النساء عىل خلفية عملهن يف الشامل الغريب والشامل الرشقي من سوريا منذ آذار 2020وحتى آذار .”2021 حسناء راشد دحنون ( 48عاماً) مسؤولة ملف املرأة بـ “فريق املجد التطوعي” ،ومسؤولة بدار أيتام “بيت العيلة” بشامل غرب سوريا ،تقول“ :التحديات التي واجهت املرأة منذ بداية الثورة كانت كبرية جداً وصعبة وقاسية ،بعد تعرضها لشتى أنواع القتل واالعتقال والتهجري وفقدان الزوج أو أحد أفراد العائلة ،ق ّلة فرص العمل ،انعدام التعليم وزواج القارصات إضافة للنزوح املتكرر الذي تعرضت له العوائل ،وكانت املسؤولية كبرية عىل املرأة التي كان يفرتض بها الحفاظ عىل نفسها وعائلتها وقوتها وقدرتها عىل التأقلم واملحافظة عىل نظافة أبنائها وتأمني احتياجاتهم األساسية بعد فقدان خاصة اآلن؛ يف ظل تفيش فايروس كورونا”. املعيلّ ، وتضيف“ :عدا عن املسؤولية املضاعفة يف حال وجود أشخاص كبار بالسن ضمن العائلة أو أفراد من ذوي اإلعاقة” ،مشرية إىل تجربتها الشخصية؛ فبعد نزوحها من حلب إىل إدلب يف عام 2016مرت بفرتة نفسية سيئة واجهت خاللها صعوبة بالتأقلم مع األوضاع، لكنها متكنت وبعد فرتة قصرية من تخطي هذه املرحلة مبساعدة األصدقاء واألهل وانتقلت من مرحلة الركود والصدمة واالستكانة ،إىل مرحلة العمل واالستمرار واملتابعة: “تطوعت مع أكرث من فريق تطوعي واستطعت إثبات وجودي ،وعملت بأكرث من مجال إنساين ضمن منظامت املجتمع املدين ،وأنا كنساء كثريات استطعن تشكيل فرق ومؤسسات وجمعيات فاعلة داخل املجتمع السوري شامل غرب سوريا ،ما أعطى مشاركة فعالة للنساء يف جميع مجاالت الحياة رغم الظروف املأساوية وعدم االستقرار والنزوح والفقر والحالة االقتصادية غري املستقرة حتى اآلن”.
مواجهة سلطات األمر الواقع!
عن كيفية التعامل مع السلطات القامئة توضح الدحنون: “املرأة بشكل خاص تعرضت ملضايقات وضغوطات متثلت بالتدخل بلباسها وعدم ظهورها يف األماكن العامة أو السفر مبفردها ،وتجنب االختالط باملؤسسات أو املنظامت التي تضم رجاالً ..غري أن املرأة يف إدلب أظهرت إرادة كبرية بتحدي واقعها وحاولت االستمرار بعد ظهور نوع من التنسيق والتفاهم بني املدنيني والجهات الحاكمة من خالل الحصول عىل تراخيص عمل”. وتشري الدحنون إىل أهمية التدريبات والندوات التي أطلقتها منظامت املجتمع املدين بتأقلم املرأة واندفاعها للعمل ،ومتكينها من خالل التدريبات املهنية ،والندوات الثقافية والتوعوية ،وهو ما عزز قوتها وثقتها بنفسها، موضحة“ :غدت تلك التدريبات واالجتامعات متتفساً للنساء للتعلم واالندماج مع مكونات املجتمع املتنوعة، بعد أن جمعت إدلب مختلف أطياف املجتمعات السورية”. وتنهي حديثها بالقول “إن املرأة السورية كانت ضحية يف هذه الثورة لكنها واجهت مصريها بشجاعة وحافظت عىل أرستها يف ظروف إنسانية تكاد تكون معدومة ومستحيلة”.
أو تسجيل قانوين (زواج عريف) أو قبولها العمل بأجر ضعيف وساعات عمل طويلة دون تأمني ،وأعامل ال تناسب التخصص وخاصة بالنسبة للمتعلامت”. وترى ناديا أن النساء ورغم كل ما يواجهنه صامدات، و”تركن بصمة نجاح يف كل مضامر ،وتابعن نشاطاتهن وأعاملهن دون خوف أو تردد متجاوزات كل الصعوبات والتحديات والسلطات الحاكمة القامعة لهن”.
بحاجة للتعزيز أكرث!
“العادات والتقاليد واملجتمع الذكوري وإقصاء املرأة وتهميش عملها ومشاركتها رغم أهميتها ،من أكرث الصعوبات التي واجهت نجاح املرأة” تقول إميان حرصوين ( 52عاماً) ،الحاصلة عىل دبلوم يف التاريخ ومديرة املكتب التعليمي مبنظمة األمني. تؤكد إميان أن املرأة بحاجة لدعم مجتمعي وتشجيع مستمر لها لتتمكن من املتابعة بعطائها واستمرار دورها الفاعل يف املجتمع ،موضحة أن “هذا يبدأ من األرسة التي تزرع أفكار سلبية من قبيل “أنت فتاة ال يناسبك هذا املجال ،أنت أرملة وزوجة شهيد فعليك اإللتزام ببيتك” ،أو معتقلة يشعرونها أنها وصمة عار عىل املجتمع .يف الوقت الذي يجب فيه أن تعطى وسام مآس يف سجون النظام رشف لتضحياتها وما القته من ٍ النزوح وواقعه الجديد! املجرم” وفق تعبري إميان. ً من جهتها ناديا زيدان ( 31عاما) ناشطة مجتمعية وتدعو لتعزيز اإلجراءات القانونية التي تحمي املرأة وعاملة يف املجال اإلنساين بشامل غرب سوريا ،تقول إن من العنف واالنتهاكات املختلفة ،وفسح املجال أمامها “النساء السوريات قويات ،ملهامت ،صابرات ،وهو من للمشاركة الفاعلة يف املجتمع دون خوف ،أو “مالحقة أهم أسباب صمودهن يف الحرب والنزاعات والرصاعات أمنية أو قمع سيايس أو جسدي أو مجتمعي الذي كان واالنتهاكات املتتالية حتى اللحظة” . ومازال ميارس عليها حتى اللحظة”. ً ا مجتمع السورية وتتابع“ :النزوح فرض عىل املرأة عاشت النساء السوريات خالل سني الثورة كل جديداً بقوانني وعادات وواقع جديد مختلف عام التفاصيل ،ورغم أن املصاعب والتحديات عليهن أكرب، كانت تعيشه يف منطقتها ،وتعرضت لهزة قوية كان لها بحكم أن سلطات األمر الواقع وكذا النظام السوري ال تبعات اجتامعية واقتصادية ونفسية ،ما عرضها لصنوف تعطي املرأة كامل حقوقها ،إال أنهن ما زلن يواجهن كل االستغالل واالبتزاز من خالل قبولها بزواج دون حقوق هذه التحديات.
يف مدينة الرقة ...أدوات جديدة للتغيري عرب بوابات اجملتمع املدني
11
عبد اهلل الخلف :الرقة
العدد
92 2021 / 3 / 16
ولكن نستطيع القول إن هناك هامش حرية تعمل من خالله هذه املنظامت”. أما الناشط عبد الكريم الهويدي فريى أن “الوضع االقتصادي املنهك للسوريني يف الداخل هو من أبرز العوائق التي تح ّد من قدرة املجتمع املدين عىل تحقيق أهدافه بالتغيري حالياً؛ الوضع املعييش الصعب للمجتمع الذي تعمل به املنظامت يجعل الناس منغلقني عىل أنفسهم ويسعون فقط لتأمني قوت يومهم” ،يضاف إليها التقلبات امليدانية وتواتر املشهد السيايس والتغيريات العسكرية ،ويشري الهويدي اىل أن “املنطقة غري مستقرة والتهديدات مستمرة من جميع األطراف ،لذلك هناك صعوبات وتحديات لتنشيط العمل املدين”. كام تساهم البريوقراطية املفروضة من قبل السلطة املحلية وترشيعاتها من الحد من أنشطة املنظامت العاملة يف الشأن العام والعمل املدين الحقيقي .يف هذا السياق يضيف الهويدي“ :إضافة اىل قلة الخربة يف بعض املنظامت وعدم امتالكها أدوات حقيقية للتغيري ،وغياب فكر التغيري يف خططها وبرامجها واالكتفاء فقط مبا يريض املانحني وتغطية بعض االحتياجات اآلنية”. وتتالت جهات عسكرية عدة عىل حكم الرقة، حيث سيطر تنظيم “داعش” اإلرهايب عليها بداية 2014لتتحول إىل مركز للتنظيم ،الذي وهجر قتل وخطف العرشات من نشطائها ّ املئات ،ثم سيطرت عليها “قوات سوريا
الدميقراطية” بدعم من الواليات املتحدة بشهر ترشين األول :أكتوبر 2017بعد حرب طاحنة ضد عنارص التنظيم أسفرت عن تدمري نحو 90%من املدينة بحسب األمم املتحدة و “مجلس الرقة املدين” الذي يديرها حتى اليوم. لكن أبناء الرقة ونشطائها وشخصياتها مل يقفوا متفرجني عىل هذه التطورات العسكرية ،ليؤسسوا منظامت مجتمع مدين بهدف تقديم الخدمات وتسهيل عودة السكان إىل مدينتهم املدمرة ،اىل جانب تقديم مشاريع التامسك املجتمعي والتوعية بالحريات العامة وحقوق اإلنسان واملواطنة وغريها. تعترب الناشطة عليا أحمد أن قضية تضمني حقوق النساء بالدستور وضامن مشاركة سياسية فاعلة من بني أهم املطالب ،مضيفة: “ونريد محاسبة مجرمي الحرب ،وضامن مشاركة عادلة لجميع فئات وأطياف املجتمع بالحكم دون متييز”. ويف نهاية حديثها تقول إن “أبرز الصعوبات بتطبيق هذه املفاهيم تتمحور حول النظرة النمطية للمرأة ،وحالة التشويش الفكري التي خلقها التطرف لدى رشيحة واسعة من البسطاء ،يضاف لها موقف النساء من النساء أنفسهن ،وقلة الدعم الذي تتلقاه من محيطها والتشجيع من مثيالتهن ،متأثرات باملناخ العام الذي تشيع فيه قلة الثقة بقدراتها وإمكاناتها”.
تقارير
يف إحدى القاعات املجهزة مبقر منظمة “بيت املواطنة” يف الرقة ،ييرس الشاب يعرب الوايل جلسة حوارية عن حقّ التظاهر والحريات العامة ،ليدور نقاش بني شبان وفتيات من ضحى يف مختلف رشائح املجتمع ،حول هذه الحقوق التي ّ سبيلها اآلالف بأرواحهم خالل سنوات الثورة السورية. يؤكد يعرب أنه من خالل عمله هذا “ ُيسهم ولو بكلمة يف تحقيق التغيري املنشود ،لتشكيل وعي جمعي ،وإقامة حوار بنّا ٌء مع رشائح متنوعة ،وهذه أوىل خطوات نحو التغيري يف املجتمع” حسب تعبريه. ويف حديثه ملجلة “طلعنا عالحرية” يقول الوايل“ :أذكر يف بداية الثورة وبالتحديد يف الشهر الرابع ،2011خرجنا مبظاهرة يف مدينة الرقة وهتفنا (حرية ..حرية) ،لكننا مل نكن منظمني ،مل تكن لدينا رؤية واضحة للمستقبل” ،ويعزو ذلك إىل “تهميش النظام الحاكم للشعب طوال خمسة عقود” ،مضيفاً“ :هذه املفاهيم والكلامت كانت من املحرمات عىل السوريني”. يحرص يعرب عىل تسمية الثورة ،ويرشح كيف زادت خربته مع الوقت“ :من خالل االطالع والتعرف عىل الحراك املدين يف باقي املناطق ،وتجارب باقي شعوب الربيع العريب ،اليوم لدينا خارطة لنميش عىل أساسها للوصول إىل دولة سوريا حرة دميقراطية موحدة” ،ويرى يعرب أن بوابة العمل املدين أتاحت الفرصة للحديث بصوت عالٍ مسموع عن هذه القيم التي ينشدها ويطلقها مثل مفاهيم الحرية والدميقراطية والعدالة واملواطنة“ :لنع ّرف الناس بهذه املفاهيم ،ونشكل وعياً جمعياً حول ذلك ،ومن هنا بدأنا حالياً يك نصل لـتحقيق أهداف ثورتنا”. وبحسب مكتب املنظامت يف املجلس املدين يف الرقة فقد تأسست 118منظمة وجمعية ،تتنوع ما بني منظامت محلية وإقليمية ودولية ،معظمها تهتم بالشأن اإلنساين واإلغايث، وقسم منها يعمل عىل رفع الوعي املدين لدى املجتمع. ترى وصال اإلبراهيم وهي ناشطة مدنية من الرقة بأن طرد “داعش” من املنطقة أتاح الفرصة للنساء للدخول إىل املجتمع املدين ،وتعرفت من خالل أنشطتها عىل فتيات وشخصيات مجتمعية فاعلة مؤمنة بقيم الثورة. وحول ذلك تقول“ :منظامت املجتمع املدين تعمل بشكل حقيقي عىل رفع الوعي لدى املجتمع بالحرية والدميقراطية، وخاص ًة تفعيل املرأة وإعادة دورها الذي كان غائباً ،كل هذه تصب مبصلحة الثورة وتهيئ املجتمع السوري ليكون األمور ّ جاهزاً للتغيري”. تخف وصال أن هذا املجال محفوف بالتحديات واملخاطر، ومل ِ مضيفة“ :ال يستطيع النشطاء والناشطات الحديث عن كل يشء بصوت مرتفع ،هناك خوف من االصطدام بالسلطة الحالية،
12
ً يوما من االعتقال أربعون يف سجون النظام واملعارضة شمس الدين مطعون
العدد
92 2021 / 3 / 16
ريف دمشق 2011 يحفظ “عبادة” جيداً تاريخ اعتقاله وتفاصيل ذلك الصباح الذي وجد نفسه فيه محاطاً بعرشات العنارص يصوبون نحوه فوهات بنادقهم ،ويلقون عليه سي ًال من الشتائم “قف مكانك يا حيوان.. منبطحاً ..يا ع***” كانت تلك ألطف الكلامت التي سمعها منذ لحظات اعتقاله وحتى خروجه بعد أربعني يوماً. كانت التهمة املوجهة لـ “عبادة” طالب األول الثانوي هي “اإلرهاب وزعزعة أمن الدولة” ،وكان عليه أن يختار بني اإلقرار بهذه التهمة أو تحمله جولة جديدة من الرضب والتعذيب. “عبادة” يقول مستحرضاً لحظات اعتقاله األوىل“ :استيقظت عىل أصوات رصاص كثيف ،كانت أمي والعائلة جميعهم مستيقظني، الخوف خيم عىل البيت والبلدة ،فلقد انترش الخرب أن البلدة تتعرض القتحام ،وحملة اعتقاالت”. يف الدقائق التي سبقت دخول القوة العسكرية للمنزل كان “عبادة” يلهو بألعاب هاتفه املحمول “مل يكن يعنيني ما يجري حويل ،أنا يف دوامي يف املدرسة صباحاً ،وبني املغرب والعشاء أحرض درس املسجد ،وكنت أقيض أيام العطلة يف منزل جدي؛ ويف بعض األحيان نلهو أنا وأصدقايئ ونلعب كرة القدم يف حارتنا” قال “عبادة”. ترك “عبادة” محموله عندما سمع أصوات عنارص األمن تقرتب، وخالل لحظات طوقت قوة أمنية املنزل ،بركلة من قدمه فتح أحد العنارص الباب لتتبعه عرشات العنارص ،وأطلق أحدهم عدة طلقات يف الهواء. “عبادة” الذي كان يجلس مع والدته يف الغرفة املجاورة للباب، أزعجته طريقة دخول العنارص ،وقال ممتعضاً “كان عليكم االستئذان ..شو وين فايتني” كانت هذه العبارات كافية ليجد “عبادة” نفسه مكبل اليدين بسلك بالستييك خلف ظهره، ومغلق العينني ب “الطامشة”. “رأسك باألرض يا “ ...قال العنرص ،وهم يسوقون “عبادة” ضم عرشات الشبان املقيدين بسالسل حديدة للباص الذي ّ ورؤوسهم منحنية عىل املقاعد؛ كانت صفعات األيدي تتهاوى عىل قفاه ،وبأخمص البندقية الخشبي تلقى عىل ظهره عدة رضبات ال تزال آثارها واضحة عىل جسده.
تقارير
إدلب 2018 ً يف السادسة صباحا كانت قوة أمنية مجهزة مبدافع متوسطة وثقيلة وعرشات العنارص امللثمني تبحث عن متهمني “إرهابني” أو “دواعش” ،نحن يف إدلب املحررة ونتحدث عن تجربة اعتقال نفذتها إحدى القوى الثورية املعارضة ..لقد انتقل “عبادة” للعيش يف إحدى قرى محافظة إدلب بعد حملة التهجري التي طالت مناطق الريف الدمشقي. نهض “عبادة” عىل أصوات الرصاص و”تفحيط” السيارات
التي تحيط بالحي الذي يسكنه ،كان سيارات “الفان والسانتافيه” تثري خلفها سحابة من الغبار ..خالل لحظات طوقت قوة أمنية املنزل ،واقتحم عدة عنارص البيت ،كانوا يرتدون زياً أسود ،وكانوا ملثمني ،ويحملون بنادق “الكالشنكوف”، ويطلقون الرصاص بشكل متقطع. اقتيد “عبادة” بعد عدة رضبات عىل قفاه لسيارة من نوع “سنتافيه” ،ليجد نفسه بعد عدة ساعات يف زنزانة تضم عرشات من الشبان والشيوخ ،وهناك قىض أربعني يوماً. كانت الزنزانة صغرية وبالكاد تتسع للموجودين ،ومظلمة إىل حد ما ،وكان الجو فيها حاراً وخانقاً. “تعرفت عىل قصص الحارضين ،وكان منهم من اعتقل بجرم ابنه ،أو والده” قال “عبادة”. ً مل يبد نظام الزنزانة جديدا عىل “عبادة”، وكان كل ما جرى يتطابق مع تجربته األوىل؛ مواعيد النوم والطعام محددة، أما الوجبات فكانت مختلفة ،إال أنها غري مكتملة النضج أيضاً ،كام أنها غري كافية. رصاخ السجان املستمر“ :اقطع النفس.. وال صوت يا أوباش”! بنفس الكلامت التي حفظها “عبادة” من اعتقاله األول .كانت
الحاممات صغرية وبالكاد تتسع للشخص نصف واقف ،وهي مزدحمة دامئاً بسبب قلة عددها .رائحة الرطوبة كانت السبب مبرض جلدي أصاب “عبادة” ال يزال يتعالج منه. يقول “عبادة”“ :مل أدخل إىل املحقق سوى مرتني ،األوىل عند قدومي للسجن حني أقررت بالتهمة التي وجهت يل (أيضاً إرهايب)! ويف الثانية عندما أخيل سبييل وأجربت عىل توقيع تعهد مل يسمح يل بقراءته بشكل جيد”. رغم مرور عدة أعوام عىل حادثتي اعتقاله ،إال أن عالمات االرتباك عىل وجهه كانت واضحة متاماً ،كان يروي القصة وشفتاه تهتزان وجبهته تتعرق.. “رصت جباناً ،ما رأيته ال أستطيع وصفه ولكني أشعر به جيداً” قال “عبادة” وهو يدير وجهه ويشري بيده أن “يكفي”. تتشابه زنزانة “عبادة” وطريقة اعتقاله بالحادثتني ،معاملة السجان واحدة؛ مل تختلف .باألوىل كان ميكنه التعرف عىل سحنة السجان باختالس نظرات من تحت غطاء العينني أو من ثقوب باب الزنزانة؛ أما يف الثانية فقد أرخى السجان اللثام عىل وجهه فلم تعرف منه إال عينيه القاسيتني وصوته الغاضب.
وقت مستقطع.. 13
عهد زرزور
العدد
92
هذا السؤال املرغوب واملحدّد برقم (عرشة) العجيب يف حني ال يحمل الرقم أي داللة روحانية كالرقم سبعة أو أربعني .رقم بارد ال مييزه سوى صفر يذكرين بعرشة املدرسة التي يحرزها الشاطرين .والتي عىل األغلب مل نتمكن من إحرازها يف ثورتنا رغم انغامسنا
قصه لذا أفكر يف الوقت املستقطع الذي ّ حدث كبري وقطعه من سيناريو حيايت البسيطة وذاكريت ،رغبة تدفعني أن أعيد عرشينيايت بتوازن أكرب وبخطط ُمحكمة كفتاة تستحق أن ال تفقد أحداً أو شيئاً وأن تعيش حياة عادية دون العودة متاماً بالزمن من مبدأ “كنا
كعاديني ،مل نخرت -قبل عرش سنوات -الخلود واملعاناة كخطة ألحالمنا ،ومل نرغب أن نحمل ه ًام إنسانياً ضخ ًام ،ومل يعنينا سوى االنشغال بتفاصيلنا الصغرية؛ بكرامتنا وحقنا األصيل بامتالك حياتنا وبلدنا ،أن نعيش مث ًال يف بيت ريفي بعيداً عن العامل بال اتصال ،أو أن نخترب حرية االتصال أو أن نعود مد ّرسني وحرفيني وأمهات وآباء عاديني ،بدل تحولنا جميعاً إىل مناضلني وإعالميني وباحثني عن الحقيقة والعدالة أو االنتقام ،مغمورين برسدياتنا األليمة األبدية متمسكني بحبال نجاتنا املمكنة.
2021 / 3 / 16
يف غرفة صف كبرية يف مدرسة فرنسية أسأل فتيات وفتياناً بعمر 17عاماً ّ عم يرغبون بتحقيقه يف عرش سنوات قادمة ،ينكبون عىل الورقة ويفرتضون أحالماً مبعرثة ،أرسح معهم بخيايل لكن عرش سنوات إىل الخلف حني تلقيت ذات السؤال يف مقابلة عمل بدمشق؛ عن توقعايت املهنية لعرشة أعوام قادمة، بكل يقني رسدت أحالمي العملية واألكادميية األكيدة. مجبورون أن نعود بالعرشة سنوات كاحتفالية ذكرى ،لكن ال نستطيع تكرار املشهد كام ًال، بطبيعة الحال مل يتحقق من توقعايت يشء ،بل فنستذكر أحداثاً معينة تضيئها الذاكرة ،ومي ّر انحنت كلياً يف طريق وعر مل أكن أتخيله أو الباقي كمشاهد ال تعني أحداً .ذلك الوقت أخطط له ،دخلت املجهول وخضت مع ماليني املحتال الذي م ّر كغمضة عني رغم مروره غريي الحلم والقسوة والتخيل واإلميان العامر ..القايس ،م ّرعىل حيوات العاديني أيضاً ،ال ثم خيارات الندم ،أو عكس الندم! وال أدري هم أبطاالً وال هم أرشاراً .م ّر الوقت عليهم ملاذا أثناء بحثي عن أضداد “الندم” وجدت كغربة وإجبار ،نزعهم من عاديتهم ،فال كان مفردات مثل التعايل والتكب والتغطرس والتي حل ًام جمي ًال وال كابوساً مخيفاً كثنائية جامدة ّ ال أحب أن تكون خياراً. تستدعي الندم أو عدمه .بل مل مير كام يجب.
بالعمل والتعب والكفاح. يف التفاتة العرشة ،نستحرض خسارات تستدعي وتعاف مديد ،ونستحرض معها بطوالت ترمي ًام ٍ وجرأة تستدعي الخلود ،كشاهدين عىل املذبحة والرعب واالنتصارات املؤقتة ،وعىل وقت مر كإعصار رسق أرواح أحباب وأحيا ٍ آخرين ،طحن الكثريين ورفع باملقابل الكثريين.
عايشني” ،لكن كفرصة إلرجاع وقت تج ّمد يف رسيانك بالعامل رغم انفجاره فيك. أرسم أيضاً سيناريوهات بديلة آلخرين؛ لحياة من فقدتهم ومن أحبهم ،أغري الزمان واملكان وأغري لهم املجتمع ،أضع الشهيد كطالب تخرج من تخصص يحبه ،واملختفية كأم حنون، واملنفي كاملك مرشوع يف بلده الكريم.
أغلبنا سيكون ممتناً للثورة التي غريت أحالمه لتصبح أكرب وأكرم ،وأنا أشعر يف عرش سنوات أين متعبة بها؛ ليس ندم الخيار لكنه الرغبة يف حمل هذا العبء بخفة أكرب ،كعادية ،مل يقطعها وقت ال تعرف ما تصنع به.
ثقافة
14
عقد على الثورة.. والسوريون يكافحون بآمال متجددة حسين الخطيب -ريف حلب
العدد
92 2021 / 3 / 16 تقارير
اعتقال وخوف ..قصف ودمار ..نزوح وتهجري.. موت ودم ..كل ذلك مثن الحرية التي طالب بها السوريون ،قبل عرش سنوات ،ودفعوا حياتهم مثنها بفعل آلة إجرامية تحكمها عائلة األسد مبساندة إيرانية وروسية أيضاً ..مل تشفع للسوريني حتى صيحات الضحايا ودموع الشيوخ واألطفال والنساء؛ هنا مجزرة وهنا محرقة ،سنوات مؤملة مبجملها ال ميكن نسيانها مهام حاول أحدنا االبتعاد عنها فهي واقع أثر فينا بشكل أو بآخر. وعىل ما يبدو أن السوريني تجرأوا عىل نفوسهم ذاتها قبل عرش سنوات حيث خرجوا مطالبني بحريتهم املسلوبة ،من قبل األسد ،وأجهزته األمنية، يبحثون عن نور جديد بعد ظالم حالك ،فتك بالقلوب واألشياء التي حولهم ،وانعكس أثره عىل حياتهم آنذاك ،لكن األقدار مل تشأ أن يكون مثن حريتهم رخيصاً ،بل قدموا وأفنوا سنوات طويلة من حياتهم يف سبيل نيلها. البعض تراجع بعد محطات مؤملة وقاسية( ،وال نقصد بـ “تراجع” أنه يريد العودة إىل حضن النظام وإمنا وقف ينتظر النهاية) ،بعد محطات مؤملة مرت بها الثورة السورية حيث الحرب التي افتعلتها أجهزة األسد القمعية ،والتدخالت الخارجية أيضاً عىل امتداد تلك السنوات التي أحدثت فارقاً كبرياً يف املجتمع السوري. كام ال ميكننا إنكار أن هؤالء أنفسهم ضحوا بأغىل ما ميلكون لقاء الحرية املنتظرة ،لكنهم وجدوا أنفسهم ضحية تدخالت خارجية وحرب ممنهجة، بعيد ًة كل البعد عن األهداف التي ثاروا من أجلها. يقول الصحفي يف وكالة ثقة ،محمود طلحة ملجلة “طلعنا عالحرية”“ :ال ميكن أن يرتاجع السوريون عن ثورتهم ،بل إنهم يزدادون إرصاراً يوماً بعد يوم، وهذا ما نشهده خالل الفرتة األخرية ،وخاصة مع تصاعد أصوات املوالني للنظام الذين بدؤوا ينفرون من قبضة األسد األمنية نتيجة األوضاع االقتصادية املرتدية ،حيث قابلهم النظام باعتقال البعض منهم”. ويضيف“ :السوريون الزالوا يضعون آمالهم يف الثورة السورية عىل أنها سبيلهم الوحيد للتخلص
من النظام القمعي ،وهي البوابة األوىل والفرصة الحقيقية لتحقيق حلمهم ،يف الحرية وبناء دولة دميقراطية تضمن حقوق الشعب السوري مبختلف تياراته ،دون أي ضغوط خارجية”. وعىل الرغم من التحديات التي فرضت واقعاً جديداً عىل الثورة السورية خالل السنوات املنرصمة، التي غريت من طبيعة املجتمعات ،وجعلتها أكرث هشاشة من ذي قبل ،إال أنهم ال زالوا يؤمنون بآمال متجددة نحو نرص قادم ال محالة ،ألن الثورة كام يرونها ستواصل املسري حتى تحقيق أهدافها. من جهته عمر البيسيك ،عضو الهيئة الثورية العامة يف مدينة حلب ،يقول ملجلة “طلعنا عالحرية”: “ينظر السوريون إىل الثورة من جانبني؛ األول اإليجايب صمودها وإرصار ثوارها عىل تحقيق مطالبها الرئيسية ،بالرغم من الخذالن العريب والدويل للشعب السوري ،والثاين السلبي أنها مل تحقق املستوى املطلوب من أهدافها منذ عرش سنوات إىل اآلن ،ال سيام أن السوريني قدموا تضحيات كبرية يف سبيلها ،لكن صمودها إىل اآلن هو نرص ال ميكن إنكاره ،يف ظل آلة املوت املجرمة”. وأضاف“ :ال أعتقد أن السوريني الذين ثاروا عىل األسد يف البداية ،أي قبل عرشة أعوام يرضخون مجدداً له ،حتى ولو فرض عليهم بعد ما تعرضوا له خالل السنوات املاضية ،ومل يعد هناك يشء يخرسونه”. ويخىش السوريون ،أن يفرض نظام األسد كأمر واقع عليهم يف آخر معاقلهم يف الشامل السوري، ال سيام مع استمرار آلته اإلجرامية يف استهداف
شعبه ووقوف معظم دول العامل العريب والعاملي إما بصمت أو إىل جانبه. من جهته إسامعيل املحمود ،عضو الحراك الثوري يف بلدة دابق بريف حلب الشاميل قال ملجلة “طلعنا عالحرية” :ال يزال السوريون ثابتني عىل مبادئهم ضد الفساد واإلجرام ،وهم أص ًال مل يعولوا عىل الزمن ،والفاتورة الكبرية قد دفعت ،كام أن أصحاب املبادئ ميرضون لكن ال يستسلمون ولن تضعف هممهم ،يف سبيل تحقيق مطالبهم”. وأضاف“ :إن تراجع بعض السوريون يعزى لواقع الحال الذي فرض عليهم إضافة للظلم والقتل والتهجري الذي مارسه النظام وتخيل معظم الدول وتأثرها بسياسات دولية ،مام انعكس سلباً عىل واقع الثورة السورية”. ويرى املحمود خالل حديثه أن األحالم ال تزال باقية؛ فالطغاة هذا دأبهم ألنهم ال يعرفون سوى القتل والتخريب والتنكيل مبحاولة منهم إلرهاب الشعوب وإسكات أصوات الحق والحرية ال سيام استخدام سياسة األرض املحروقة يف ظل الصمت الدويل عن جرائم النظام الكياموي والقتل العشوايئ الذي ساهم إىل حد ما برتاخي الكثريين وقبولهم بأنصاف الحلول. ويبدو أن كرثة املآيس ،واألهوال التي مرت عىل السوريني خالل العقد املايض مل تكن قليلة ،مام ساهم يف خلق نفور من الواقع ،واالبتعاد قلي ًال عن رؤية الثورة السورية وأهدافها التي خرجوا من أجلها ،لكن هو موضوع نسبي يتفاوت بني أبناء املجتمع. وال يزال معظم السوريني يراهنون عىل الحرية املنشودة ،ممن مل ترهبهم ومل تفت من عضدهم وتضعف هممهم الحرب التي خاضها النظام السوري ضدهم ألنهم ببساطة يعتربونها آخر ما ميتلكه املجرمون. ً وال بد للسوريني من رؤية النور مجددا مهام طال الظالم ،فهم اليوم أمام منعطفات وتحديات حقيقية وال بد أيضاً من موقف موحد مع االبتعاد عن كل املنفرات التي خلقتها الحرب لخفض أصواتهم املطالبة بالحرية والعدالة.
خارطة الطاقة والنفط يف سوريا ... (قوات سوريا الدميقراطية) تسيطر على 90باملئة
15
كمال شيخو :القامشلي
العدد
عىل مدى السنوات العرش املاضية تغريت خارطة السيطرة عىل حقول النفط والغاز والطاقة بني الخصوم والحلفاء يف سوريا، حيث تتالت جهات محلية وتنظيامت متطرفة وقوات مدعومة من تحالف دويل لبسط سلطتها ،وباتت اليوم “قوات سوريا الدميقراطية” تسيطر عىل نحو 90باملئة من الرثوة النفطية السورية ،إضافة إىل 45باملئة من إنتاج الغاز الطبيعي ،األمر الذي يفتح فص ًال جديداً من الحروب بني أطراف النزاع يف سوريا؛ املحلية منها واإلقليمية والدولية املتحاربة عىل األرض السورية.
92
منذ خروج حقل العمر بريف دير الزور الرشقي ( ُيع ّد أكرب حقول النفط بسوريا) عن سيطرة النظام يف ترشين الثاين /نوفمرب ،2013وسقوطه بقبضة تنظيم “داعش” اإلرهايب منتصف ،2014حتى انتزاعه عىل يد “قوات سوريا الدميقراطية” العربية -الكردية واملدعومة من واشنطن نهاية ،2017بقيت املنشأة عىل حالها ،والتي كانت تنتج أكرث من 90ألف برميل يومياً قبل عام ،2011أما اليوم ال توجد أرقام دقيقة حول إنتاجها.
ويف نيسان العام املايض اتفقت “اإلدارة الذاتية لشامل ورشق” سوريا و “قسد” مع رشكات أمريكية الستثامر النفط يف رشق الفرات ،وحصلت رشكة “دلتا كريسنت إيرنجي” الخاصة عىل ترخيص من مكتب مراقبة األصول األجنبية التابع لوزارة الخزانة األمريكية ،للعمل يف شامل رشقي البالد ،وحتى تاريخ اليوم مل تبدأ هذه الرشكة باالستثامر أو استخراج النفط وسط
تغري خارطة السيطرة
تو ّقف ضخ النفط عرب محطة تل عدس من حقول محافظة الحسكة نهاية 2012 بسبب املعارك الدائرة رشقي الفرات إىل مصفايت حمص وبانياس ،وبعد 10سنوات تصدر قطاع النفط األكرث ترضراً وقدرت وزارة النفط التابعة للنظام السوري وخرباء خسائرها بأكرث من 62مليار دوالر. كام انخفض إنتاج النفط يف عموم سوريا بنسبة 96%يف عام 2014ووصل إىل 9329 برمي ًال يومياً ،بعد سيطرة تنظيم “داعش” عىل مدينتي دير الزور رشقاً ،والرقة شامالً، حيث كان يجني منها نحو 40مليون دوالر شهرياً يف ذروة قوته سنة 2015بحسب وزارة الخزانة األمريكية. ويف آذار /مارس ،2013متكنت “وحدات حامية الشعب” الكردية إحدى أكرب
تفارير
حقل التنك الذي يبعد 32كيلومرتاً رشقي منشأة العمر النفطية والذي كان يعد ثاين أكرب الحقول من حيث اإلنتاج ،تعرض إىل أرضار جسيمة جراء املعارك الدائرة يف محيطه ،ومل تصدر الجهات املحلية املسيطرة الكميات التي تنتجها اليوم. وإىل جانب حقيل العمر والتنك ،توجد حقول الورد والتيم ومحطة ( )T2والجفرة ،وعفرا وكوري وجرنوف وأزرق وقهار وشعيطاط وغلبان ،وتقع جميعها رشقي نهر الفرات يف بادية الجزيرة ،كانت تنتج قبل 2011نحو 200ألف برميل نفط يومياً ،أما اليوم فال يتجاوز إنتاجها 25ألف برميل يومياً يف أحسن األحوال ،بينام يعد حقل غاز كونوكو أكرب حقول الغاز الطبيعي يف سوريا ،وكان ينتج نحو 10ماليني مرت مكعب يومياً من الغاز قبل 2011فيام اليوم يصعب معرفة إنتاجه لغياب األرقام والبيانات.
تجاذب دويل وإقليمي وسوري حول حقوق االستثامر واإلنتاج. والنظام السوري الذي كان ينتج قبل 2011 نحو 360ألف برميل نفط يومياً ،انخفض منتوجه اليوم إىل حدود 100ألف برميل، وعىل الرغم من سيطرة قوات النظام عىل نحو ثلثي مساحة البالد ،لكن 90%من النفط والغاز تقع تحت سيطرة خصومها “قسد” املدعومة من واشنطن.
تشكيالت “قسد” من طرد “جبهة النرصة” والتي بات اسمها الحقاً “هيئة تحرير الشام” وفصائل سورية مقاتلة ،من حقول النفط يف بلدة رميالن الواقعة عىل بعد 165كيلومرتاً شامل رشقي الحسكة ،وبعد إعالن “اإلدارة الذاتية” الكردية بنهاية العام نفسه ،وضعت يدها عىل الحقول وبدأت كوادرها استثامر النفط ،أما موظفو مديرية حقول الرميالن التابعة لوزارة النفط بحكومة النظام وكان يقدر عددهم آنذاك بنحو 5500عامل وموظف ،عاد قسم منهم إىل مسقط رأسه وهاجر آخرون خارج البالد ،فيام بقي القسم األكرب عىل رأس عمله. وقبل 2011كانت حقول الرميالن تنتج 90 ألف برميل يومياً ،ويقدر خرباء يف اقتصاديات الطاقة والنفط عدد اآلبار النفطية التابعة لها بنحو 1322برئاً ،أما حقول السويدية املجاورة فتنتج نحو 116ألف برميل يومياً ،كام يوجد 25برئاً من الغاز الطبيعي يف هذه الحقول، يف حني كانت تصل إنتاجية حقول الشدادي والجبسة والهول إىل 30ألف برميل يف اليوم، ونحو مليون وربع مرت مكعب من الغاز. و ُيقدر خرباء اقتصاديون أن إجاميل االحتياطي النفطي االسرتاتيجي يف سوريا عموماً يبلغ نحو 300مليار برميل ،يتوزع 75يف املائة من هذه االحتياطيات يف الحقول املحيطة مبحافظة دير الزور رشقي سوريا.
2021 / 3 / 16
حقول العمر والتنك ورميالن...
ً فصول من سرية عائلة كاتب أمريكي يروي أحرقت شهوتها للحكم سوريا ودمرتها
16 طلعنا عاحلرية
العدد
92 2021 / 3 / 16 ثقافة
يناقش الكاتب األمرييك سام داغر ،يف كتابه «األسد أو نحرق البلد :كيف دمرت شهوة عائلة واحدة للسلطة سوريا » �Assad or we burn the coun ،tryكيف دمرت عائلة األسد التي تحكم سوريا منذ قرابة الخمسني سنة ،بسبب متسكها بالبقاء يف السلطة ،منطل ًقا من أبرز الشعارات التي أطلقتها أجهزة النظام األمنية الطائفية وأكرثها داللة عىل ما جرى ويجري يف سوريا منذ بداية املظاهرات الشعبية املنادية بإنهاء حكم الرئيس بشار األسد، أال وهو شعار “األسد أو نحرق البلد”. الكتاب الذي ُنرش باللغة اإلنجليزية ،جاء ضمن قامئة أفضل الكتب الصادرة يف عام ،2019التي وضعتها صحيفة “الغارديان” ()The Guardian العام املنرصم ،والتي قالت عن الكتاب :إ ّنه “يقدّم رواية مقنعة من الداخل عن الطموح املميت لألسد”. ّ بحسب الصحيفة الربيطانية ،يرشح املؤلف كيف أعاد الرصاع يف سوريا تشكيل الرشق األوسط وأدى إىل زعزعة النظام العاملي ككل ،معت ًربا ّأن األسد كان عىل استعداد لقتل مئات اآلالف من الشعب السوري للبقاء عىل كريس السلطة ،وذلك قبل ظهور تنظيم “داعش” اإلرهايب. ويربط “داغر” بني القمع الكبري الذي مارسته قوات النظام األمنية والعسكرية ضد السوريني، وإطالقه رساح مئات اإلسالميني من السجون. كام نقل املؤ ّلف عن مصادر من داخل النظام، ّأن األسد أمر ضباطه بالتخيل عن نقاط حدودية مع صعود تنظيم “داعش” اإلرهايبً ، متهم إياه بقتل صهره العامد آصف شوكت ،نائب وزير الدفاع السوري السابق (زوج شقيقته الكربى برشى األسد) ،إضافة إىل شخصيات أمنية أخرى، فيام وصف آنذاك (عام )2012رسم ًيا بأنه هجوم إرهايب. ّ كام يؤكد الصحايف األمرييك من أصول لبنانية، ّأن مقتل زميلته األمريكية ماري كولفني ،ورفيقها الفرنيس املصور الصحفي رميي أوتشليك ،يف مدينة حمص (وسط سوريا) ،يف 22شباط /فرباير ،2012 كان “له ما يربره” بالنسبة للنظام كام أخربه ضابط
سوري يف جيش األسد. ويبي “داغر” ّ بأن معادلة إ ّما نحن أو الجحيم ّ ميزت حكم األسد األب وابنه الوريث سواء يف حكمهم لسوريا أو تعاملهام مع العامل الخارجي ال سيام الغريب ،فحافظ األسد ،الذي حكم ما بني عامي 1970و ،2000وضع السوريني بني خيارين إ ّما الرضوخ الكامل له ،وإ ّما إلقاؤهم يف سجن تدمر الصحراوي وتدمري مدنهم وبيوتهم كام فعل يف مدينة حامة .وكذلك قال للعامل الغريب: إ ّما أن ترتكوا يل حريتي يف حكم لبنان ورسقته أو ّأن املجموعات اإلرهابية ستهاجمكم يف لبنان ويف أوروبا ذاتها ،وهذا ما فعله يف سبعينات ومثانينات القرن املايض عن طريق عدّة مجموعات مثل مجموعة أبو نضال (الفلسطينية املنشقة عن منظمة التحرير الفلسطينية) وميليشيا حزب الله (اللبناين الشيعي الطائفي). ّ كذلك فعل االبن الوريث -بحسب املؤلف،- الذي تسلم الحكم منذ العام 2000وإىل يومنا هذا ،حيث قال :إ ّما أن تتوقف الواليات املتحدة األمريكية عن تهديد نظامه أو أنه سيتابع ضخ املقاتلني اإلسالميني إىل العراق وتدريبهم ودعمهم، وإ ّما أن تتوقف أوروبا عن نبذه وتجاهله وتعفيه من العقوبات وتهمة قتل رفيق الحريري (رئيس الوزراء اللبناين األسبق) ،أو إنه سيحرق لبنان وسيتابع عرب ميليشيا (حزب الله) سلسلة االغتياالت ،وسيعمل عىل تزويد هذه امليليشيا املتطرفة باألسلحة ،وبعد انطالق الثورة السورية وجه تهديده للغرب ً قائل :إ ّما عدم دعم املعارضة والثورة الشعبية ضد نظامه وإ ّما ّ فإن سلسلة من التفجريات والهجامت االنتحارية ستطال أوروبا، ليط ّور تهديده أو معادلة البقاء الح ًقا إىل “إ ّما أن أحكم أو ّأن داعش سيسيطر عىل سوريا” ،وهذه ً وفعل املعادلة التي التقطتها اإلدارة األمريكية بدأت يف عام 2014حملتها ضد التنظيم اإلرهايب مع توفري كل الضامنات للنظام بأنه غري مقصود بحملتها هذه!
التدمري جوهر عائلة األسد..
تأيت أهمية ما جاء يف الكتاب من خربة مؤ ّلفه يف
الشأن السوري ،وشؤون الرشق األوسط بشكل عام ،وكونه كان مر ً اسل لشؤون الرشق األوسط منذ العام ،2003ومقر ًبا من الحلقات الضيقة لنظام األسد االبن. وعن اختياره عنوان كتابه يقول “داغر” يف حوار أجرته معه “اإلذاعة الوطنية العامة” ()NPR األمريكية ،إنه كان يرى هذا الشعار “األسد أو نحرق البلد” عىل جدران البلدات واألحياء يف دمشق وغريها من مدن سوريا الثائرة “كانت قوات النظام تدخل وتقوم مبا يس ّميه النظام تطهري هذه املنطقة ،ويقومون يف بعض األحيان بإعدام كل من يعرثون عليه يف هذه األماكن ،ينهبون ً وصول إىل البالط واألسالك النحاسية جميع املنازل املوجودة يف الحائط ،ويحرقون هذه املنازل .وبعد االنتهاء من ذلك ،يكتبون عىل الجدران هذه العبارة ،األسد أو نحرق البلد”. ّ ومام نقرأ يف الكتاب ،ما نقله املؤلف عن لسان أحد قادة امليليشيات التي أنشأها نظام األسد بعد انطالق الثورة ،قوله“ :سنقتلهم بالغاز والجوع وسندمر منازلهم ،كيف يجرؤون عىل الوقوف ضدنا” ،وهنا يلفت “داغر” إىل أننا نشهد حال ًيا تطبيق معادلة األسد يف إدلب ،فإ ّما أن تستسلم إدلب وتخضع له وإ ّما فإنه سيدمرها فوق رؤوس أهلها ،وما تدمريه للمستشفيات ومراكز اإلغاثة ّإل جزء من تهديده“ ،هذا هو منطق نظام األسد..
ASSAD OR WE BURN THE COUNTRY
العدد
92
الكاتب والصحايف الربيطاين إيان بالك ،يقول يف عرضه للكتابّ : “إن رواية سام داغر الكئيبة واملفصلة بشكل مثري لإلعجاب عن تدمري سوريا،
2021 / 3 / 16
قواعد “دليل اإلرهاب” األسدي..
ترتكز عىل عاملني وثيقي الصلة فيام بينهام ،وهام خاصة ما وجوده مع بداية األزمة ثم دقة مصادرهّ ، قدّمه له الجرنال السوري املنشق مناف طالس وآخرون من رؤى عن الرئيس األسد ودائرته الداخلية ،وكذلك موضحا ّأن “مناف عن نشطاء املعارضة البارزين”. ً طالس الذي انشق عن النظام يف صيف ،2012كان أحد جرناالت الحرس الجمهوري النخبة يف سوريا وأحد املقربني من بشار ،وأنه مل يكن مجرد العب يشارك األسد لعبة التنس ،بل كان صديقه الحميم واملقرب بالفعل”. وانشق مناف طالس -كام جاء يف الكتاب“ -عندما شعر بالقلق من القمع الوحيش الذي قام به األسد منذ اندالع االحتجاجات يف مدينة درعا يف آذار /مارس ،2011بعدما قام شباب -تحت تأثري التغ ّيريات التي حدثت يف تونس ومرص وليبيا -مطالبني بالكرامة والحرية واإلطاحة بنظامهم القمعي ،وبدا حينها ّأن سوريا كانت متّجهة منذ البداية إىل وجهة مختلفة وقصة أكرث دموية”. يؤ ّكد سام داغر يف منت كتابهّ ،أن األسد استطاع عرب تطبيق ما أسامه قواعد “دليل اإلرهاب” ،الذي حكمت عائلته سوريا به ملدة خمسني عا ًما ،أن يتم ّكن من البقاء حتى اآلن مع كل ما عانته وتعانيه البالد من قتل ودمار وخراب طال السواد األعظم من عمران سوريا. ومن خالل لقاءاته مع املسؤولني يف النظام يفرق املؤ ّلف بني روايتني ،ففي حني يتمسك الجانب الرسمي من النظام ويعيد مسؤولوه رسدية املؤامرة الدولية والدور اإلرسائييل ومحاربة اإلرهابّ ، فإن الجانب العسكري من النظام يتحدّث برصاحة ووضوح وبشكل مبارش ،متفاخرين باملجازر التي ارتكبتها قوات الجيش وامليليشيات التابعة لها ،والتي أطلق عليها هنا تسمية “قوات الدفاع الوطني”، وهي مجموعات من الشبيحة واملرتزقة من السوريني املوالني لألسد. يتوقف املؤ ّلف األمرييك ،عند الدور اإليراين والرويس
ثقافة
هذا جوهر هذه العائلة”. ويوضح “داغر” ّأن رد فعل األسد عىل أطفال درعا ،كان بناء عىل نصيحة شقيقه األصغر ماهر (لواء يف الجيش ،قائد الفرقة الرابعة) وابن عمه حافظ مخلوف (عميد يف األمن تم إبعاده الح ًقا) ،مبضاعفة القمع وبإطالق رساح املئات من اإلسالميني الذين تم تشجيعهم يف السابق عىل محاربة االحتالل األمرييك يف العراق بعد سقوط الرئيس صدام حسني ،لكنهم سجنوا عندما عادوا إىل ديارهم. وكانت النتيجة -كام يص ّورها “داغر”ّ -أن شعار “سلمية” الذي حملته الثورة السورية منذ البداية قد تالىش تحت ضجيج الهجامت بالقنابل والتفجريات االنتحارية الجهادية التي يذكر ّأن بعضها مزيف من ِق َبل النظام. وبحسب املؤ ّلف ،فإنه يف األيام األوىل من ثورة الحرية والكرامة كان هناك جدل يف العواصم خاصة الغربية حول كيفية ر ّد فعل بشار األسدّ ، ّأن صعوده إىل السلطة عام 2000رافقه اإلعالن عن “ربيع دمشق” قصري العمر ،كام رافقه خصوصا بالتحرير الحديث عن إصالح فيام يتعلق ً االقتصادي ،ولكن كل ذلك مل يشمل “حاجز الخوف” الذي تحافظ عليه فروع مختلفة من رشطة املخابرات الرسية يف كل مكان. ورأى “داغر” يف كتابه ّأن الردود الدولية واإلقليمية تعدُّ جز ًءا ً مهم من هذه القصة القامتة واملستم ّرة ،إذ دعا الرئيس األمرييك وقتها باراك أوباما يف آب /أغسطس 2011األسد إىل التنحي ،وتلته يف ذلك بريطانيا ودول اال ّتحاد األورويب األخرى. وبحلول نهاية ذلك العام ،كان عدد القتىل يف سوريا قد تجاوز خمسة آالف ،وقد بلغت احتامالت التدخل الغريب ،ذروتها عندما وصل الضابط املنشق عن جيش بشار األسد ،العميد مناف طالس إىل باريس مبساعدة عمالء املخابرات الفرنسية.
يف تعزيز حكم بشار األسد ،الفتًا إىل ّأن املواقف األمريكية والغربية املرتدّدة قابلها عزم إسرتاتيجي من قبل إيران ،لدعم كلٍ من األسد وحزب الله ،وتدخل من روسيا التي أغضبها دور حلف “الناتو” يف اإلطاحة بالزعيم الليبي معمر القذايف ،يف حني ّأن الدعم اإلقليمي غري املنسق للجامعات السورية املعارضة من قبل السعودية وقطر وتركيا املتنافسة عىل النفوذ ،ساعد يف تغ ّيري املشهد العسكري والرواية الرسمية .وهكذا تح ّول ما رآه الصحايف األمرييك رصاعًا متحر ًكا من أجل الحرية ،إىل “حرب عىل اإلرهاب” ،ويف هذا السياق كتب “داغر”“ :ما يتامىش مع تقليد النظام الراسخ املتم ّثل يف رعاية الوحش ومن ثم تقديم نفسه للغرب باعتباره الوحيد القادر عىل ذبحه ،ومن ثم يطرح رشوطه املسبقة”. ويؤ ّكد املؤ ّلف ّأن اللحظة الحاسمة يف مسار األحداث يف سوريا مت ّثلت يف التدخل العسكري الرويس يف أيلول /سبتمرب “ ،2015منذ ذلك الحني ،استعاد األسد السيطرة عىل معظم أنحاء البالد باستثناء محافظة إدلب ،حيث يجري اآلن النظر إىل ما يبدو أنه الفعل األخري يف مأساة سوريا”. جدير بالذكرّ ،أن سام داغر يعترب الكاتب والصحايف األمرييك الوحيد الذي تواجد يف سوريا بني عامي 2012و ،2014واعتقل يف 2014من قبل ميليشيات تابعة لألسد وتم حجزه تحت األرض ،ومن ثم تم إبعاده عن سوريا بسبب تقاريره الصحفية ،وكان أن كتب من سوريا العديد من التقارير واملقاالت يف الصحف األمريكية ،مثل “وول سرتيت جورنال” و”نيويورك تاميز” ،وتم ترشيحه لجائزة “بوليتزر” ( ،)Pulitzer Prizeالتي تقدّمها سنو ًيا جامعة “كولومبيا” يف نيويورك ،يف مجال الصحافة، وخالل هذه الفرتة -كام أوضح “داغر” -يف عدّة تغريدات وندوات عن كتابه ،التقى بالكثري من مسؤويل النظام وضباط مخابراته وقادة امليليشيات التي تم إنشاؤها بعد انطالق الثورة، مش ًريا إىل أنه اعتمد يف كتابه عىل حوارات مطولة مع العميد املنشق مناف طالس ،الذي كان مقر ًبا لبشار قبل انشقاقه ومغادرته سوريا إىل فرنسا.
17
نشرة ثقافية
18
رحيل ا
لباحث واألكادميي السوري د .حسان عباس
العدد
92 2021 / 3 / 16
غ ّيب املوت ،األحد املوافق 7آذار/مارس الحايل ،الباحث واألكادميي السوري ،حسان عباس ،عن عمر ناهر الـ 66 عاماً بعد مكابدة صامتة مع مرض رسطان الرئة ،بعيداً عن دمشق التي كثرياً ما متنّى الرجوع إليها محتفالً بنيلها الحرية وبانتصار ثورة السوريني عىل الطاغية. ولد عباس يف الـ 15من نيسان ،1955يف مدينة مصياف بريف حامة الغريب ،وحصل عىل شهادة الدكتوراه يف النقد األديب من جامعة السوربون الجديدة يف فرنسا ،عام .1992 حاز الفقيد ،الرئيس املؤسس لـ (الرابطة السورية للمواطنة) ،ومؤسس دار نرش “بيت املواطن” ومديرها. عىل وسام “السعفة األكادميية برتبة فارس” من فرنسا عام .2001 (رابطة الكتّاب السوريني) نعت الراحل قائلة :بـ “عميق الحزن واألىس ،تنعي الرابطة كاتباً ومثقفاً من أبرز وجوه الثقافة السورية ،الدكتور حسان عباس ،عضو الرابطة، الذي وافته املنية يف مدينة ديب يف اإلمارات العربية املتحدة ،بعد رصاع صامت مع مرض عضال” .وبرحيل
صاحب “املوسيقى التقليدية يف سوريا” ،تخرس سوريا ً اليوم مثقفا رصيناً ،عمل يف الحقل األكادميي ،ويف النشاط املدين السوري ،حيث حفل تاريخه الشخيص باملساهامت الفذة يف نشاط املجتمع املدين السوري قبل الثورة السورية ،إذ أنه شارك يف تأسيس (جمعية حقوق اإلنسان)، كام شارك بتأسيس (الرابطة السورية للمواطنة) ،وقد توج الراحل فعاليته الدؤوبة عرب االنتامء إىل صفوف السوريني الثائرين منذ األيام األوىل لثورة الحرية والكرامة ،فكان ً ناطقا باسم الشباب السوري الثائر ،ومعرباً عن طموحاتهم يف السياق اإلعالمي الغريب ،ويف صقل ّ توجهات املث ّقفني منهم عرب مرشوعه (بيت املواطن) الذي نقل إىل السوريني والسوريات عرشات من التجارب اإلبداعية التي أرشف عىل إصدارها يف سلسلة “شهادات سورية” ،وقد عمل وكانت نخبة من الكتاب أصدقاء الراحل قد أصدروا الراحل عىل مشاريع خاصة بحفظ الرتاث الشفوي وا ملادي مع نهاية العام 2020كتاباً بعنوان “حسان ع ّباس يف السوريني ،إضافة إىل فعاليته النقدية ،والتي كان أخرها عيون معارصيه” كنوع من التكريم واالحتفاء بجهد كتابه البحثي “الجسد يف رواية الحرب السورية” ال صادر املثقف البارز وأعامله ومساهامته املميزة .أع ّد عن “املعهد الفرنيس للرشق األدىن”. الكتاب وقدم له الكاتب فايز سارة.
ً حديثا رواية صدرت
«البحث عن عازار» للسوري الكردي نزار آغري
ثقافة
صدرت حدي ًثا ،عن دار “الكتب خان للنرش” القاهرية ،رواية للروايئ والناقد واملرتجم، السوري الكردي ،نزار آغري ،املقيم يف أوسلو، بعنوان “البحث عن عازار” ،التي تدور أحداثها حول قصة صداقة جمعت بني صبيني يف مدينة القامشيل قرب الحدود السورية الرتكية ،حيث تختلط األديان والعرقيات واألفكار ،وتتجاور الثقافات ،ومتتزج الطقوس واألعياد باألساطري. تنقسم الرواية إىل قسمني طويلني ،وثالث قصري. يف القسم األول ،نتعرف عىل قصة الصداقة بني الصبيني “عيد كوري” ،و”عازار ناحوم عزرا”، ونتجول معهام يف القامشيل ،التي تزدحم باألعراق والديانات والجنسيات .ومع منو صداقتهام ،يقدم لنا الكاتب املدينة بأسواقها ومع “عيد” يف حلب وبريوت والرنويج ،نعايش وشوارعها ودور السينام فيها ،إضافة إىل مالعبها .حكايات جديدة مع األصدقاء والشعراء وعرب لغة بسيطة وناعمة ،نتعرف عىل زمالء واملناضلني الفلسطينيني ،حيث يجاور الكاتب الدراسة ،والجريان يف بيت “صومي” ،ومكتبات بني مشاهد من رحلة حياته ودراساته وسفره وعالقاته بالبرش والتنظيامت السياسية ،وبني املدينة ،واملعلمني يف املدرسة. يف القسم الثاين من الرواية ،ترتفع نغمة الشجن األغاين واألشعار والرتانيم يف حب فتى صباه األول بعد رحيل “عازار”؛ وتصبح حياة الراوي وذكرياته “عازار” ،إىل أن يلتقيا يف نهاية القسم الثالث وآماله كلها أغنية شجية ،ورقصة متكررة ،بح ًثا واألخري من الرواية بعد مرور أكرث من أربعني سنة من الحلم والبحث واألىس. عن شمسه ومدينته وصباه ،وعن عازار.
«تأمالت فلسفية وشعرية» جديد الفيلسوف والشاعر أمحد الربقاوي عرب كتابه الجديد “الحب والحرية والحياة ..تأمالت فلسفية وشعرية” ،الصادر عن دار “العائدون للنرش” يطل الفيلسوف والشاعر الفلسطيني السوري يف َعامن؛ ّ الدكتور أحمد الربقاوي ،املقيم يف دولة اإلمارات العربية املتحدة ،بباقة مختارة من كتاباته الجديدة ،ومفاهيمه ونتاجاته الفلسفية ونصوصه الشعرية والنقدية .مبتدئاً بالناس وعالقتهم بالكاتب والكتابة ،وتصوراتهم عن ومفص ًال يف أجناس الكاتب “املوقف” والكاتب ُ “الغبار”ّ ، الكتابة وأنواعها تبعاً لعالقتها باإلنشاء. يف الجزء الثاين ،يأخذنا صاحب “أطياف فلسفية”، إىل بيته الفلسفي ،مقس ًام غرفه إىل عناوين تشكل يف مجموعها تلخيصاً مكثفاً ،فلسفياً وأكادميياً وفكرياً وسوسيولوجياً ونفسياً ،لبعض من تجاربه ونتاجاته النرثية ،وإعادة طرحه ألسئلة ومفاهيم ومصطلحات شائكة ومثرية عن الفلسفة. الربقاوي ،يختم كتابه بباقة من شعره الفلسفي الوجودي “ح َكمه” واإلنساين والجاميل ،و”شذراته” املكثفة لـ ِ وانتقاداته وإيحاءاته وتلميحاته الواخزة.
إبداعات ونشاطات سورية طلعنا عالحرية – القسم الثقافي
“الساقي” تفوز جبائزة كويتية لـ”قصص األطفال” عن قصة للرسامة السورية جلنار حاجو
العدد
«تنوير عشية الثورة :النقاشات املصرية والسورية».. ّ دراسة نقدية للباحثة إليزابيث سوزان كساب صدر مؤخ ًرا ،عن سلسلة “ترجامن”، يف (املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات) ،كتاب بعنوان “تنوير عشية الثورة :النقاشات املرصية والسورية” ،وهو الرتجمة العربية لكتاب الباحثة اللبنانية إليزابيث سوزان ّ كسابEnlightenment : in the Eve of Revolution :The ،Egyptian and Syrian Debates الذي تناقش فيه السياقات الفكرية التي تخ ّلقت فيها أجواء الثورة يف
كل من مرص وسوريا ،مستعرض ًة الفروق بني خطابات التنوير يف السنوات التي سبقت الثورتني ،ومقارن ًة بني ما يُسمى “التنوير الحكومي” ،و”التنوير املستقل” ،يف الحالة املرصية ،وعالقتهام باإلسالميني. يف الكتاب الذي ترجمه الفلسطيني محمود محمد الحرثاين( ،أربعة فصول يف قسمني 280 ،صفحة بالقطع الوسط ،موث ًقا ً ومفهرسا) ،تناقش كساب ،يف الحالة املرصية ،أعامل مفكرين من مشارب مختلفة ،مثل مراد وهبة ،ومحمد عامرة ،ومنى أباظة ،ونرص حامد أبو زيد،
وجابر عصفور ،ورشيف يونس .أما يف الحالة السورية ،فتحتل أعامل أنطون مقديس ،وسعدالله و ّنوس ،وفيصل دراج ،وممدوح عدوان ،وبرهان غليون ،وطيب تيزيني ،مكانة بارزة .ومت ّيز املؤلفة بني لحظتني يف التنوير السوري :اللحظة السيزيفية، واللحظة الربوموثيوية ،يف تحليل عميق لقضايا ال ّ تكف عن الربوز كلام خبا ُأوَارها أو ُأري َد له أن يخبو. ويشتمل القسم الثاين من الكتاب،
“دمشق” ،عىل فصلني .وتقول املؤلفة يف الفصل الثالث، “نقاشات التنوير يف سورية يف تسعينيات القرن العرشين: اللحظة السيزيفية” :إن اإلسالم السيايس يف خطابات التنوير السوري مل يكن الخصم الرئيس ،كام هو الحال يف التجربة املرصية“ ،إمنا كان استبداد الدولة السورية وفسادها ووحشيتها .فقد تعرض اإلسالمويون يف سورية لالضطهاد واالعتقال واالغتيال قبل بدء النقاشات بعقد من الزمان؛ وأعلن اإلسالم السيايس جرمية ،وإىل ح ٍّد بعيد اختفى من املشهد السوري”.
ثقافة
“جاسوسة املالئكة” مجموعة قصصية جديدة للقاص والكاتب السوري عامر األمري ،املقيم يف أملانيا ،وهي اإلصدار الثاين له بعد “شتيمة موصوفة” .يعالج الكاتب يف قصصه هذه هموم املواطن السوري املسحوق ،من خالل تفاصيل هذا املجتمع ومشاكله قبل الثورة وبعدها .ونقرأ من أجواء الكتاب“ :فجأة سقط صاروخ رابع رسق ابتسامته امللعونة وهدم البناء املجاور، ليرتك الفراغ مكانه ،يومئذ انهالت قطعة حجر كبرية ومزقت صدر الباب .ثالث مرة كرسه لص، آه من هؤالء اللصوص الذين يرسقون ،واملوت ميد يديه يقطف األرواح”.
92
«جاسوسة املالئكة».. اجملموعة القصصية الثانية لعمار األمري
هولندا ،عىل جدار صفحتها يف “فيسبوك” عن سعادتها بهذا الفوز ،وذكرت ّأن القصة الفائزة “نزهتي العجيبة مع العم سامل” ،وصلت ً أيضا إىل القامئة القصرية لجائزة “الشيخ زايد للكتاب” (فئة الطفل) لعام .2020
2021 / 3 / 16
أعلن (ا ّتحاد النارشين العرب) ،الشهر الفائت ،فوز “دار الساقي” اللبنانية ،بـ”جائزة النارش الكويتي الدكتور عبد العزيز املنصور لدعم النارشين” ،يف دورتها الثانية لعام ،2020لـ”قصص األطفال”، وقيمتها 10آالف دوالر أمرييك متنح بالكامل لدار النرش الفائزة .وقال رئيس لجنة تحكيم الجائزة، الدكتور طارق البكري ،يف بيان صحايف“ :إن فوز (دار الساقي) جاء عن قصة “نزهتي العجيبة مع العم سامل” ،وهي من تأليف الروائية اإلمارتية نادية النجار ،ورسوم الفنانة السورية جلنار حاجو”. وأوضح البكري أن لجنة التحكيم لهذه الدورة ضمت الدكتورة وفاء الشاميس (من سلطنة عامن)، والدكتور أرشف قادوس (من مرص) ،والشاعر محمد جامل عمرو (من األردن) ،واألديب صالح الغازي
(من مرص). وحسب لجنة التحكيم ،مت ّيزت قصة “نزهتي العجيبة مع العم سامل” بأنها “رشيقة األسلوب، ومتكاملة العنارص ،ومشوقة الرسد ،وسهلة األلفاظ، وتعرف الطفل عىل بعض تفصيالت الحياة ،وتثري يف نفسه روح املثابرة واإلرادة والشعور باآلخر ،فض ًال عن شكلها الجميل ،ورسومها املبتكرة ،وطباعتها الفاخرة”. من جهته قال رئيس (ا ّتحاد النارشين) ،محمد رشادّ ،إن “هذه الجائزة رغم حداثتها النسبية ورغم تداعيات جائحة (كورونا) عىل النارش العريب ،فإنها استطاعت أن تقدّم منوذجاً حياً للتضامن والتآخي ما بني النارشين العرب”. وأعربت الرسامة السورية جلنار حاجو ،املقيمة يف
19
عمل للفنان سمير خليلي