مجلة طلعنا الحرية / العدد 92

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫‪ 10‬سنوات‬ ‫على الثورة‬


‫منقسمون‪ ..‬كعادتنا!‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫يف الذكرى العارشة للثورة السورية انقسم السوريون كعادتهم بني‬ ‫متفائلني ومتشامئني‪ ،‬محلقني يف سامء الحلم‪ ،‬أو قارئني لكوابيس‬ ‫الواقع‪ ،‬وقد ترتجم هذا االنقسام هذه املرة إىل فئة املتبنني للشعار‬ ‫الذي رفعته املخرجة السورية وعد الخطيب “تجرأنا عىل الحلم‬ ‫ولن نندم عىل الكرامة”‪ ،‬وفئة الرافضني من الجهة األخرى‪.‬‬ ‫الذين تبنوا الشعار واتخذوه إطاراً لصور بروفايالتهم عىل الفيسبوك‬ ‫ووسائل التواصل انطلقوا من واقعة كرس جدار الخوف وتخطي‬ ‫زمن األبدية األسدي حتى لو كان الثمن باهظاً‪ ،‬فيام اعترب الرافضون‬ ‫أن األسدية مستمرة وال زالت جامثة فوق الصدور‪ ،‬وأن كرامة‬ ‫املواطن السوري التي يتغنى بها املهاجرون قد مترغت بالرتاب‪،‬‬ ‫سوا ًء خالل سني الحرب يف الداخل والتي أكلت األخرض واليابس‪،‬‬ ‫أو يف املعتقالت وأقبية السجون التي أعدمت عرشات األلوف تحت‬ ‫التعذيب‪ ،‬بعد رحلة قاسية مع القهر والخضوع القرسي للنزعات‬ ‫للسجان‪ ،‬أو يف املخيامت الغارقة يف الوحل والصقيع‪ ،‬أو يف‬ ‫الساد ّية ّ‬ ‫الشتات وعىل معابر التهريب وزوارق املوت‪ /‬النجاة‪ ،‬أو حتى مبن‬ ‫تبقى يف الداخل السوري رازحاً تحت رشوط قمع مضاعف وظروف‬ ‫اقتصادية أدىن من كل خطوط الفقر املعروفة حتى اآلن‪.‬‬ ‫كان املنقسمون ذاتهم قد انقسموا مرات عديدة سابقة‪ ،‬رمبا كان‬ ‫آخرها عقب وفاة املخرج السوري حاتم عيل والذي تم متديده‬ ‫كشخص ومتديد أعامله أليام وأسابيع عىل رسير الثورة األخالقي‪،‬‬ ‫ونال ما نال من مدح أو هجاء أو تقطيع لألوصال حتى يبدو عىل‬ ‫املقاسات املعيارية التي أرادها له كل طرف من األطراف‪.‬‬ ‫االختالف يف حدوده العقالنية جميل ومقبول‪ ،‬لكن لو يخفف‬

‫املغالون من غلوائهم‪ ،‬وما أكرث املغاالة يف أوساط السوريني‪ ،‬فهناك‬ ‫دامئاً من يبالغ ح ّد التقديس‪ ،‬وهناك دامئاً من يبالغ يف االتجاه‬ ‫املعاكس ح ّد التسفيه‪ ،‬ورمبا كان هذا مظهراً أساسياً من مظاهر‬ ‫العجز وصفرية التأثري يف الواقع‪ ،‬حيث ال يبقى من متسع إال‬ ‫لأللسنة املربية والعدائية التي تبحث عن ل ّذة إشباعها يف النهش‬ ‫بلحم خصم وهمي ومستضعف‪.‬‬ ‫هل آن اآلوان ألن نتحاور بهدوء وقد نختلف أو نتفق إن كانت‬ ‫الثورة قد هُ زمت‪ ..‬رمبا تكون قد انكرست أو تحطمت عندما‬ ‫سلمت عنانها للسالح والتطرف‪ ..‬لكن من جهة أخرى يبدو وجيهاً‬ ‫القول إن النظام مل ينترص أيضاً‪ .‬أما الذي حصل فع ًال فهو أن بلدنا‬ ‫قد تدمرت وتقسمت واحتُلت واستبيحت‪ ،‬وأن ذلك كله قد حصل‬ ‫بأيادي النظام واملعارضة معاً‪ .‬وأن كرامة السوريني ال زالت جريحة‬ ‫ومستباحة من كافة األطراف املتصارعة عىل أرضنا وعىل كافة‬ ‫الجبهات‪ ،‬وأنه يقع عىل عاتقنا أوالً وقبل أي طرف آخر أن نضمد‬ ‫جراحنا وأوجاعنا‪ ،‬وجروح كرامتنا‪ ،‬وأن نحاول استعادة اإلنسانية‬ ‫التي حاولوا اجتثاثها من قلوبنا‪.‬‬ ‫ورمبا علينا أن نستوعب أيضاً أن السوريني العاديني مل يعودوا‬ ‫يرغبون باجرتار ثنائيات األبيض واألسود البائدة‪ ..‬معارض وموايل‪،‬‬ ‫ثوري ورمادي‪ ،‬مؤمن وكافر‪ ،‬متدين وعلامين‪ ،‬سني وشيعي‪ ،‬ويائس‬ ‫ومتفائل‪ ،‬بل يريدون أن يلملموا جراحهم وأن يعيدوا لكلمة‬ ‫“سوري” معناها‪ ،‬وأن يلفظوا كل املزايدين عىل حياتهم ودمائهم‬ ‫من كافة األطراف‪ ..‬رمبا يزهرون بعد حني “كام ينبت العشب بني‬ ‫مفاصل صخرة”‪.‬‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫مجلة شهرية تعنى بالشأن السوري‬ ‫ثقافية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية‬ ‫محرر ثقايف‬ ‫غسان نارص‬ ‫ّ‬

‫محررون‬ ‫كامل شيخو ‪ -‬حسن عارفة‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬

‫نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املدير اإلداري معتصم أبو الشامات‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫مسؤول أمن رقمي ومحاسب زمالء مختطفون يف سوريا‬ ‫وائل موىس‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫‪3‬‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫كاريكاتري‬


‫‪4‬‬

‫الثورة السورية يف ذكراها العاشرة‪:‬‬ ‫املسرية واملآالت‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ األتايس‪ :‬الثورة كانت فع ًال عفوياً صادقاً وناج ًام عن فرط تغول النظام أمنياً واجتامعياً واقتصادياً‪..‬‬‫ خوامتي‪ :‬صارت مصائرنا كسوريني تحت ترصف رصاعات دولية وإقليمية‪..‬‬‫ مصطفى‪ :‬سوريا الدولة مل تكن يف يوم من األيام تعبرياً عن اإلرادة الح ّرة والحقيقة ألبنائها‪..‬‬‫‪ -‬أبو هاشم‪ :‬نستشعر اليوم خطورة وفداحة غياب مرشوع التغيري الوطني‪..‬‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬

‫غسان ناصر‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫عرش سنوات هو عمر الثورة السورية اليتيمة‬ ‫املختطفة؛ الثورة التي أعلن أبناؤها يف آذار‪ /‬مارس‬ ‫‪ّ 2011‬أن سوريا لنا نحن أصحاب هذه األرض وليست‬ ‫مزرعة آلل األسد‪ ،‬الذين حكموا البالد عىل مدار عقود‬ ‫طويلة بالحديد والنار لحامية عرشهم ومصالحهم‬ ‫ونهب خريات سوريا‪ .‬ومن هتاف “الشعب السوري‬ ‫ما بينذل” وصوالً إىل هتاف “الشعب يريد إسقاط‬ ‫النظام”‪ ،‬دفع أحرار وحرائر سوريا أمثاناً باهظة‬ ‫عىل درب الح ّرية والخالص؛ الخالص من الحكم‬ ‫االستبدادي الشمويل الطائفي الفاسد‪ ،‬ومن أصحاب‬ ‫املطامع ولصوص الحروب‪ ..‬ومن أمراء الجامعات‬ ‫الدينية والطائفية املتعصبة‪ ،‬ورغم ّأن الدرب ال زالت‬ ‫طويلة للوصول إىل سوريا ح ّرة دميقراطية‪ّ ،‬إل أن‬ ‫إمياننا راسخ أن كل هذه الحروب املعلنة عىل الشعب‬ ‫السوري ستم ُّر لتبقى الحكاية األساسية‪ ،‬حكاية سوريا‬ ‫األم وشعبها الذي ثار ض ّد الطاغية املستب ّد من أجل‬ ‫ح ّريته وكرامته‪..‬‬ ‫توجهت لعدد من الكتّاب‬ ‫ية”‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫“طلعنا عالح ّ‬ ‫والناشطني الفاعلني يف مجتمعنا السوري الثوري‪ ،‬سائلة‬ ‫إياهم‪ :‬بعد هذا املخاض العسري؛ أين ترانا تعرثنا؟ وأي‬ ‫رضورة إلعادة التفكري يف مسرية السنوات العرش ؛ ويف‬ ‫مآالتها‪ ،‬وكيف ميكننا االستفادة من أخطاء هذه الرحلة‬ ‫الطويلة من العطاء والتضحية َذ ْوداً عن كرامتنا‪ ،‬ومن‬ ‫أجل سوريا الغد؟‬

‫ويف مآالتها‪ .‬الخالصة األهم التي ميكن استنتاجها‬ ‫يف هذه العجالة هي ّأن الثورة كانت فع ًال عفوياً‬ ‫صادقاً‪ ،‬وناج ًام عن فرط تغ ّول النظام أمنياً واجتامعياً‬ ‫واقتصادياً‪ ..‬ما جعل من سوريا مجتمعاً ذا طبقتني‪:‬‬ ‫طبقة فاحشة الرثاء وطبقة فقرية معدمة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫أدى إىل انزالق نحو ‪ 34%‬من السوريني إىل ما تحت‬ ‫عتبة خط الفقر األدىن‪ ،‬خاصة يف أرياف املدن الكربى‬ ‫وضواحيها التي كانت األش ّد ترضراً من مفاعيل التح ّول‬ ‫إىل نظام السوق االجتامعي‪ ،‬فش ّكلت بذلك الحقاً‬ ‫الخزان البرشي للثورة وحاضنتها الشعبية؛ يف حني كان‬ ‫الوضع عىل النقيض لدى السلطة الحاكمة التي كانت‬ ‫عىل أهبة االستعداد للتصدي ألي حراك شعبي من‬ ‫خالل مجمل أجهزتها األمنية والعسكرية‪ ،‬واإلعالمية‬ ‫املوجهة كلها أص ًال باتجاه عدوها األول‬ ‫والنفسية‪ّ ،‬‬ ‫والوحيد‪ :‬الشعب!”‪.‬‬

‫عفوية الشعب مقابل تنظيم آلة النظام القمعية‬

‫حتقيقات‬

‫األتايس أضاف‪“ :‬متظهرت هذه املفارقة جلياً منذ أيام‬ ‫املواجهات األوىل؛ ونقصد بذلك العفوية واالرتجالية‬ ‫وانعدام التخطيط الذين ا ّتسم بهم الحراك الشعبي؛‬ ‫واملواجهة املنظمة له من قبل النظام عىل كافة‬ ‫األصعدة‪ ،‬بحيث بدا الشعب طرفاً تم إقحامه يف أتون‬ ‫معركة مل يكن مؤه ًال ‪-‬موضوعياً ولوجستياً وتنظيمياً‪-‬‬ ‫لخوضها‪ ،‬فيام كان النظام عىل استعداد تام لشنّ حرب‬ ‫التطهري واإلبادة التي كان يخطط لخوضها بأسلوب‬ ‫ومدرك ملآالتها ونهاياتها‪ .‬تجذرت تلك املفارقة‬ ‫منهجي‬ ‫ٍ‬ ‫البداية كانت مع املعارض البارز املؤرخ واملهندس الحقاً يف قيام “أصدقاء الشعب السوري!” بصناعة‬ ‫نشوان األتايس‪ ،‬صاحب كتاب “تط ّور املجتمع “معارضات” سياسية ساهمت هي األخرى‪ ،‬بوعي أو‬ ‫السوري‪ ،”2011 – 1831 :‬الذي قال‪“ :‬كان عقداً بدونه‪ ،‬يف الوصول إىل ذلك الهدف‪.‬‬ ‫مفصلياً‪ ،‬مغرقاً بدمويته وكارثيته‪ ،‬وسوف يبقى محوراً تجيري الثورة !‬ ‫اسات عىل امتداد عقود؛ بيد ّأن ذاك لن نغايل بالقول إذاً ّإن الشعب قد دُفع دفعاً إىل‬ ‫ألبحاث ودر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الزمن الذي فصل بني تاريخ اندالع ثورة السوريني يف ثور ٍة‪ ،‬متلك من املرشوعية ما مل يتحقق لثورات أخرى‪،‬‬ ‫آذار ‪ 2011‬ويومنا الراهن قد منحنا فسحة من الوقت إمنا بغرض تجيريها نحو هدف إسرتاتيجي مخطط‬ ‫للتبص والتف ّكر يف مسار األحداث له مسبقاً‪ ،‬توضحت مالمحه وأبعاده يف سياق ما تال‬ ‫رمبا تؤهلنا‪ ،‬نسبياً‪ّ ،‬‬

‫من أحداث ومجازر وهندسة دميوغرافية هي‪ ،‬منذ‬ ‫البداية‪ ،‬الهدف الرئيس لكل ما شهدته األرض السورية‬ ‫(املجتمعاملتجانس)”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يتابع محدثنا قائ ًال‪“ :‬بارش النظام بداية مهمة تنفيذ‬ ‫ثم تشاركت معه الحقاً كافة قوى‬ ‫هذا الهدف الرئيس‪ّ ،‬‬ ‫األمر الواقع التي تتحكم اليوم يف الجغرافيا السورية‪،‬‬ ‫عرب توافقات دولية وإقليمية راعية له وعاملة عىل‬ ‫تحقيقه‪ .‬وقد ال نجايف الحقيقة إن ربطنا مجريات‬ ‫أحداث السنوات العرش األخرية يف سوريا ومآالتها‬ ‫مبثيالتها يف كل من العراق ولبنان واألرايض الفلسطينية‬ ‫املحتلة‪ ..‬وبتحول إرسائيل إىل دولة يهودية”!‬

‫عالقون يف عنق الزجاجة‪..‬‬

‫بدورها قالت القاصة والروائية سوزان خوامتي‪“ :‬كيف‬ ‫نقيس الثورة السورية بعد مرور عرش سنوات من‬ ‫اندالعها؟ هل يجوز قياسها مبا تر ّتب عليها من انقسام‬ ‫البالد وشتات العباد‪ ،‬أم بحجم األمل والوجع والخيبات‪،‬‬ ‫أم بعدد الالجئني وأسامء املخيامت‪ ،‬أم بقوائم ضحايا‬ ‫التعذيب واملغيبني قرساً‪ ،‬أم بخسارة إحساسنا بقيمة‬ ‫العدالة يف مواجهة عامل ظامل؟ أم علينا نفض أيدينا من‬ ‫ثورة حق طالبت بالكرامة والح ّرية ورسقها املرتزقة‬ ‫واالنتهازيون‪ ،‬وأفسدها املال السيايس!”‪.‬‬ ‫تضيف صاحبة رواية “ربع وقت”‪“ :‬السنوات العرش‬ ‫من عمر الثورة كشفت وحشية نظام ال حدود إلجرامه‪،‬‬ ‫وغذت الفرقة بني أطراف املعارضة‪ ،‬وتداخلت فيها‬ ‫الفصائل اإلسالمية وتنظيم “داعش”‪ ،‬وصارت مصائرنا‬ ‫كسوريني تحت ترصف رصاعات دولية وإقليمية‬ ‫تسعى أطرافها ملصالحها وانتفاعاتها الخاصة‪ّ .‬إن الثمن‬ ‫الذي دفعه ويدفعه السوريون يسجله التاريخ كأحد‬ ‫أكرب مآيس العرص‪..‬‬

‫ولكن ماذا لو مل تقم الثورة؟‬

‫لو مل تقم الثورة لكنّا حتى اللحظة نصفق لبطل‬ ‫االنتصارات الوهمية‪ ،‬ونخرج رغ ًام عنا يف مسريات‬ ‫التأييد‪ ،‬ونتابع أعضاء مجلس الشعب يهللون الستالم‬


‫تلك البالد املنكوبة‪ ،‬بعد أن باتت غالبية تلك‬ ‫القوى مرتهنة لالحتالالت واالختالالت املتعدّدة‬ ‫واملتناقضة يف املصالح والتوجهات‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫صدمة الحراك الشعبي والصدمة املعرفية‬

‫حتقيقات‬

‫حفيد حافظ األسد للسلطة‪ ،‬ونتكتم عىل االعتقاالت‪،‬‬ ‫ويختفي شبابنا دون أن يكون لنا الحق يف ذكر أسامئهم أو من جهته ّبي الكاتب والروايئ عامد مفرح مصطفى‪،‬‬ ‫السؤال عنهم‪ ،‬و ُنهان ونسكت‪ ،‬ونرتجف إذا ما ُذ ِكر أمامنا ّأن سوريا تشهد منذ عرش سنوات تح ّوالت عميقة‬ ‫اسم أحد الفروع األمنية‪ .‬ليست صورة سعيدة بأي حال!”‪“ .‬كنتيجة حتمية عن جملة أزمات مركبة يف بنية الدولة‬ ‫والسلطة واملجتمع‪ ،‬وبسبب هذه التح ّوالت وتناقضاتها‬ ‫ال يدوم الظلم مهام طال‬ ‫خوامتي تابعت قائلة‪“ :‬نحن اليوم عالقون يف عنق أفىض الرصاع إىل جملة من الحروب البينية واملنازعات‬ ‫الزجاجة‪ ،‬بانتظار حل يريض املجتمع الدويل إلنهاء مأساة األهلية‪ ،‬فسوريا الدولة مل تكن يف يوم من األيام تعبرياً‬ ‫بلد‪ ،‬وحتى يحدث ذلك سنشهد املزيد من املفارقات عن اإلرادة الح ّرة والحقيقة ألبنائها‪ ،‬مثلام مل تكن السلطة‬ ‫والرصاعات واالدّعاءات والوصايات الفكرية التي تزيد فيها ّإل مرشوعاً للتأبيد والتوريث‪ .‬هكذا‪ ،‬وبني نزوع‬ ‫من تأزم وفوىض املشهد السوري‪ .‬رمبا لن أمتتع برؤية الدولة االستبدادية وسلطانية السلطة دفعت املجتمعات‬ ‫سوريا دميقراطية ح ّرة كام أحلم بها‪ ،‬ولكن جي ًال آخر السورية أمثاناً باهظة ومكلفة للغاية‪ .‬الواضح ّأن ما حدث‬ ‫قادم سيفعل‪ ،‬فال ميكن لظلم مهام طال أن يدوم‪ ،‬وال أحد ويحدث يف سوريا‪ ،‬بحجمه وتح ّوالته وتدخالته‪ ،‬هو‬ ‫أكرب من أن تستوعبه القوى السياسية واأليديولوجية يف‬ ‫يعيش إىل األبد”‪.‬‬

‫العدد‬

‫يف نقد الثورة وتح ّوالتها‪..‬‬

‫‪92‬‬

‫أمين فهمي أبو هشام‬

‫عماد مفرح مصطفى‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫نشوان األتاسي‬

‫سوزان خوامتي‬

‫ولعل أكرث ما كشفت عنه السنوات املنرصمة‬ ‫من عمر األزمة‪ ،‬مدى عدم تجذر الحداثة‬ ‫وأسئلتها اإلشكالية يف واقعنا ووعينا؛ فالصدمة‬ ‫التي أحدثها الحراك الشعبي عىل املستوى‬ ‫السيايس‪ ،‬مل تقابل بذات الفاعلية عىل املستوى‬ ‫الثقايف واإلبداعي‪ ،‬حيث مل تتح ّول قيم‬ ‫“الح ّرية” وما تبعها من تح ّوالت إىل صدمة‬ ‫تؤسس إلعادة إنتاج قيم اجتامعية‬ ‫معرفية‪ّ ،‬‬ ‫جديدة‪ .‬عىل العكس‪ ،‬ازداد دور املقدس يف‬ ‫حيواتنا‪ ،‬خاصة مع أرس “عقدة املظلومية”‬ ‫ذهنية السوريني‪ .‬يف حني كان من املفرتض‪،‬‬ ‫أن يتم تجاوز “املقدس” قياساً عىل سمت‬ ‫“الحداثة”‪ ،‬مع إمكانية التحرك نحو عامل‪ ،‬ال‬ ‫سيطرة فيه للرموز الدينية‪ ،‬مبعنى االنتصار‬ ‫للدنيوي ومحدده اإلبداعي أوالً”‪.‬‬ ‫صاحب كتاب “سوريا تحوالت الهو ّية واالنتامء”‬ ‫يضيف يف حديثه ملجلة “طلعنا عالح ّرية”‪،‬‬ ‫قائ ًال‪“ :‬بصورة ما‪ ،‬مل تستطع صدمة الحالة‬ ‫السورية رغم أحقية مطالبها ورشعية أهدافها‬ ‫النبيلة‪ ،‬خلق معايري جديدة‪ ،‬يف الواقع الثقايف‬ ‫املعاش‪ ،‬بل تم استعادة املايض سياسياً وفكرياً‪،‬‬ ‫مع تكريس اليقني‪ ،‬وإشاعة االنغالق‪ ،‬والدفع‬ ‫باتجاه مذهبية فكرية جديدة ال تخضع للنقد‬ ‫أو التقييم‪ .‬فقد فرضت الحرب دامئاً صيغة‬ ‫القبول والخنوع والخضوع‪ ،‬وبذلك فقدت‬ ‫تلك الصدمة احتامالت التعدّد‪ ،‬وانكمشت إىل‬ ‫أحادية الحقيقة املطلقة والثابتة‪ ،‬ولذا مل يكن‬ ‫من املستغرب رؤية تح ّول طالب الح ّرية إىل‬ ‫ثم تح ّول ذات املجاهد إىل‬ ‫“مجاهد”‪ ،‬ومن ّ‬ ‫إرهايب‪ ،‬واإلرهايب إىل مرتزق يأمتر بأوامر دول‬ ‫إقليمية يحدوها الفاشية والطمع”‪.‬‬ ‫يبقى سؤال الوعي مع ّلقاً‬ ‫يختم مصطفى مؤ ّكداً‪ ،‬أنه “بعد عرش سنوات‬ ‫مل تتح ّول قيم الح ّرية إىل قيمة ثقافية مضافة‬ ‫منسقة ومرتادفة مع ما‬ ‫ّإل يف صيغ خطابية ّ‬ ‫هو سيايس‪ .‬صحيح ّأن اإلحساس واملزاج العام‪،‬‬ ‫تبدل عىل وقعها‪ّ ،‬إل ّأن سؤال الوعي بقي‬ ‫معلقاً‪ ،‬يف ظل التهافت الكبري عىل دور الضحية‬ ‫والتشبث بعقدتها‪ ،‬بغية الحصول عىل دعم‬ ‫أكرب وتعاطف أكرث”‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫الثورة السورية يف ذكراها العاشرة‬ ‫حرف وتشويه املرشوع التح ّرري للثورة‪..‬‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫الناشط الحقوقي املحامي أمين فهمي أبو هاشم‬ ‫(املنسق العام للتجمع الفلسطيني السوري الحر‬ ‫“مصري”)‪ ،‬قال‪“ :‬تجربة الثورة السورية‪ ،‬تك ّثف يف‬ ‫سنواتها العرش حالة االستعصاء العنيدة بني أهداف‬ ‫الثورة وما آلت إليه؛ فالوقائع التي تراكمت خالل‬ ‫محطاتها‪ ،‬كشفت عن سطوة املشاريع التي استغلت‬ ‫حق السوريني بالح ّرية والخالص‪ ،‬لحرف وتشويه‬ ‫املرشوع التح ّرري للثورة‪ ،‬ولو كان الثمن كام رأينا‬ ‫إغراق سورية وشعبها‪ ،‬يف بحور من الدم واملآيس‬ ‫والخراب‪ .‬كلام كانت تلك الحقيقة تكرب ككرة الثلج‪،‬‬ ‫وتستدعي إعادة املطابقة بني الطابع التح ّرري لفكرة‬ ‫الثورة‪ ،‬وحواملها السياسية واملجتمعية القادرة عىل‬ ‫إدارة الرصاع مع نظام االستبداد وحلفائه‪ ،‬من خالل‬ ‫عملية تصويب ألداء قوى الثورة واملعارضة‪ ،‬كانت‬ ‫اإلجابات الوطنية ُمخيبة لآلمال‪ .‬هذا ما يفرس‬ ‫إىل ح ٍد بعيد‪ ،‬تولد انطباع سوري عام‪ ،‬بأن القوى‬ ‫الدولية واإلقليمية هي صاحبة اليد الطوىل يف تقرير‬ ‫مصري البلد‪ .‬لذلك نستشعر اليوم خطورة وفداحة‬ ‫غياب مرشوع التغيري الوطني‪ ،‬ودرجات االنقسام‬ ‫والخالف يف صفوف القوى والنخب السورية‪،‬‬ ‫التي اندرج جزء ال يستهان منها يف لعبة الوالءات‬ ‫واملصالحالخارجية”‪.‬‬

‫تعقيدات وجود البدائل الوطنية‬

‫حتقيقات‬

‫أبو هاشم أضاف‪“ :‬باملقابل ّمثة صعوبات وتعقيدات‬ ‫كبرية يف استيالد بدائل وطنية مستقلة‪ ،‬منها ما يعود‬ ‫ألسباب ذاتية‪ ،‬كضعف ثقافة العمل الجامعي‪،‬‬ ‫واالفتقار إىل قيادات تستطيع توحيد جهود وطاقات‬ ‫السوريني‪ ،‬وحالة اإلفساد البنيوي التي اخرتقت‬ ‫املؤسساتالسياسيةوالعسكريةواملدنية‪،‬واستغراق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النخب املثقفة يف التنظري حول تشخيص الواقع‪،‬‬ ‫دون بناء مبادرات عملية تشتغل عىل املعالجات‬ ‫والحلول‪ .‬ومنها ما يعود إىل أسباب موضوعية‪،‬‬ ‫من أهمها تعدّد الجغرافية السياسية‪ ،‬التي يعيش‬ ‫السوريون بحكم اللجوء‪ ،‬تحت تأثريات سياسات‬ ‫وتوجهاتها املختلفة يف التعامل مع قضيتهم‪،‬‬ ‫الدول ّ‬ ‫ودعم الدول املتدخلة لوكالئها املحليني يف مناطق‬ ‫نفوذها‪ ،‬وانكشاف نفاق املجتمع الدويل‪ ،‬الذي ال‬ ‫توجد لديه إرادة جدّية لتغيري النظام السوري”‪.‬‬

‫بناء حامل وطني‬

‫ينهي الناشط الحقوقي‪ ،‬حديثه معنا بالقول‪“ :‬كل مؤرشات االستعصاء يف املشهد‪ ،‬وقد بلغ ذروته يف الذكرى العارشة‬ ‫للثورة‪ ،‬تؤ ّكد ّأن إنقاذ مرشوع الثورة‪ ،‬يعني بكل وضوح إنقاذ الوطن السوري‪ ،‬الذي بات يواجه تحدّيات وجودية‬ ‫غري مسبوقة‪ ،‬وإذا كان من درس ميكن االستفادة منه‪ ،‬يف ضوء املحصالت العرشية وخساراتها األليمة‪ ،‬فأعتقد أنه‬ ‫يتم ّثل يف بناء حامل وطني دميقراطي‪ ،‬يعزز الثقة الجمعية بني السوريني‪ ،‬ويخاطبهم يف مختلف املناطق التي‬ ‫يتواجدون فيها‪ ،‬سواء يف الداخل أو الخارج‪ ،‬كأصحاب مصلحة مشرتكة يف الخالص‪ ،‬من االستبداد السلطوي الجائر‪،‬‬ ‫ومن قوى الهيمنة والنفوذ الخارجي‪ ،‬ومن التط ّرف مبختلف أشكاله‪ .‬ويكون لديه مرشوع عميل يتوحد السوريون‬ ‫عليه‪ ،‬ويحققون من خالله ما يصبون إليه من بناء دولة الح ّريات واملواطنة والقانون‪ ،‬وتثمري التضحيات العظيمة‬ ‫للشعب السوري‪ ،‬والدفاع عن القيم الوطنية واإلنسانية النبيلة لثورته املجيدة‪.‬‬


‫إدلب بالذكرى العاشرة للثورة السورية‪...‬‬ ‫“جترأنا على احللم ولن نندم على الكرامة”‬

‫‪7‬‬

‫سونيا العلي‪-‬إدلب‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫االستخباراتية والعسكرية‪ ،‬وبناء أجهزة أمنية وعسكرية‬ ‫عىل أسس وطنية نزيهة‪ ،‬وخروج امليليشيات األجنبية‬ ‫والطائفية واإلرهابية كا ّف ًة من سـوريا‪ ،‬والحفاظ عىل‬ ‫وحدة سوريا أرضاً وشعباً‪ ،‬واستقاللها‪ ،‬وهُ ِوي ّـة شعبها‪،‬‬ ‫إىل جانب رفض املحاصصة السياسية والطائفية‪.‬‬ ‫قساوة النزوح وأرقام الحرب‪...‬‬ ‫تشري اإلحصائيات إىل أن إجاميل عدد سكان شامل‬ ‫غريب سوريا مبا فيها مدينة إدلب حتى نهاية عام‬ ‫‪ 2020‬بلغ حوايل ‪ 4‬ماليني و‪ 227‬ألف‪ ،‬و‪ 488‬شخصاً‪،‬‬ ‫منهم ‪ 2‬مليون و‪ 211‬ألف من املقيمني‪ ،‬و‪ 2‬مليون‬ ‫و‪ 8985‬من النازحني‪ ،‬فيام يبلغ عدد الالجئني حوايل‬ ‫‪ 7322‬من فلسطينيني وعراقيني‪.‬‬ ‫حيث يعترب ملف النزوح من أبرز آثار الحرب التي‬ ‫شنها النظام السوري وحلفائه عىل السوريني‪ ،‬ففي‬ ‫ذكراها العارشة للثورة السورية تتجدد معاناة نازحي‬ ‫إدلب الذين هجروا من مدنهم ومنازلهم نتيجة‬ ‫العمليات العسكرية‪ ،‬وسط عجز املجتمع الدويل عن‬ ‫ّ‬ ‫حل يضمن حقوقهم‪ ،‬وينهي مأساتهم املتواصلة‪.‬‬ ‫يعيش أكرث من مليون و‪ 48‬ألف نازح يف مخيامت‬ ‫متهالكة‪ ،‬يفتقدون ملقومات العيش الكريم‪ ،‬ويحلمون‬ ‫بالعودة إىل منازلهم والخالص من جحيم املخيامت‪،‬‬ ‫وبحسب إحصائيات (فريق منسقو االستجابة) نهاية‬ ‫عام ‪ 2020‬فقد بلغ عدد املخيامت الكيل يف مناطق‬ ‫شامل غريب سوريا ‪ 1304‬مخي ًام‪ ،‬منهم ‪ 393‬مخي ًام‬ ‫عشوائياً‪ ،‬وقد بلغ عدد ذوي االحتياجات الخاصة‬ ‫ضمن املخيامت ‪ ،19297‬فيام وصل عدد األرامل‬ ‫الفاقدات للمعيل ‪ 10809‬امرأة ‪.‬‬ ‫ويعاين النازحون من العيش يف بيئة غري صحية‪،‬‬ ‫والحرمان من مصادر الدخل األساسية واالعتامد عىل‬ ‫املساعدات اإلنسانية يف معيشتهم‪ ،‬ونقص الرعاية‬ ‫الصحية واألسس الوقائية الالزمة من فريوس كورونا‪،‬‬

‫إىل جانب النقص املستمر يف الغذاء واملاء‪ ،‬وانعدام‬ ‫أبسط الخدمات اليومية ‪.‬‬ ‫جميل املصطفى (‪ 40‬عاماً) نازح من مدينة رساقب‬ ‫يعيش يف مخيم عشوايئ‪ ،‬يقبع فوق أرض زراعية يف‬ ‫بلدة كليل بريف إدلب الشاميل‪ ،‬برفقة زوجته وأوالده‬ ‫الخمسة يف خيمة قامشية مهرتئة ال متنع عنهم األمطار‬ ‫وبرد الشتاء‪ ،‬وال ترد الرياح والعواصف‪ ،‬يتحدث ملجلة‬ ‫“طلعنا عالحرية” ليقول‪“ :‬طالبنا بالحرية والكرامة‬ ‫وخرجنا باملظاهرات السلمية لنتخلص من حكم نظام‬ ‫األسد وظلمه‪ ،‬فقابلنا النظام بالعنف والقتل بكافة‬ ‫أنواع األسلحة‪ ،‬واضطررنا لرتك منازلنا وأرزاقنا‪ ،‬للعيش‬ ‫يف خيام مهرتئة أصبحت مالذنا األخري”‪.‬‬ ‫ويشكو املصطفى من الحياة اليومية داخل املخيم‬ ‫صعبة وقاسية‪ ،‬فاملياه قليلة يضطرون لنقلها من‬ ‫الخزان الرئييس املوجود يف منتصف املخيم إىل‬ ‫الخيمة التي يسكنون بها‪ ،‬وأرض املخيم تكون غارقة‬ ‫باملياه واألوحال يف األيام املاطرة‪ ،‬أما يف الصيف فال‬ ‫تختلف املعاناة‪ ،‬جراء ارتفاع درجات الحرارة‪ ،‬وعجز‬ ‫الخيمة القامشية عن حاميتهم وحامية أطفالهم‪ ،‬مام‬ ‫يجعلهم فريسة سهلة لألمراض‪ ،‬كام يشكو من بعد‬ ‫املراكز الصحية‪ ،‬وانعدام فرص العمل‪ ،‬وضعف القدرة‬ ‫الرشائية‪ ،‬والعيش تحت خط الفقر‪ ،‬ويؤكد أن مطلبه‬ ‫كمطلب كافة النازحني يتمحور بالعودة إىل منازلهم‬ ‫وعن ذلك يقول‪“ :‬ال ميكن أن نعود لحكم األسد مهام‬ ‫كانت الظروف‪ ،‬نفضل العيش يف العراء عىل ذلك”‪.‬‬ ‫أما زوجته عفيفة والتي كانت تجلس بجانبه تحت‬ ‫سقف خيمتها‪ ،‬قالت بصوت منخفض يكاد يسمع‪:‬‬ ‫“بدي قول كلمة ملن وقع عىل اتفاقيات سوتيش‬ ‫وأستانة‪ ،‬أنتو وقعتوا عىل االتفاق لكن ليش ما خربتوا‬ ‫هالناس واملليون نازح‪ ،‬يا ترى إدلب بخري أم مانها‬ ‫بخري‪ ،‬رح يوصل النظام وأنتو عىل شو وقعتوا”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫أطلق نشطاء من مدينة إدلب الواقعة غريب سوريا شعار‬ ‫عىل حساباتهم ومنصات التواصل االجتامعي والسوشيال‬ ‫ميديا وسم وهاشتاك‪“ :‬تجرأنا عىل الحلم ولن نندم عىل‬ ‫الكرامة”‪ ،‬مبناسبة مرور الذكرى العارشة من انطالقة الثورة‬ ‫السورية‪ ،‬يف وقت يعيش أكرث من مليون و‪ 48‬ألف نازح‬ ‫يف مخيامت متهالكة‪ ،‬يفتقدون ملقومات العيش الكريم‪،‬‬ ‫ويحلمون بالعودة إىل منازلهم والخالص من جحيم‬ ‫املخيامت‪.‬‬ ‫ولدى حديثه اىل مجلة “طلعنا عالحرية”‪ ،‬يقول الناشط‬ ‫واإلعالمي أنس املعراوي‪“ :‬منذ اندالع الثورة قبل عرشة‬ ‫أعوام سقط النظام السوري يف نظرنا‪ ،‬واستطعنا من كرس‬ ‫حاجز الخوف‪ ،‬وال نزال نسعى لنيل الحرية”‪.‬‬ ‫ويروي املعراوي املنحدر من مدينة إدلب تجربته بتوثيق‬ ‫املظاهرات ونرشها عىل وسائل التواصل االجتامعي منذ‬ ‫البداية‪ ،‬كام عمل عىل تنظيم الوقفات السلمية وال يزال‬ ‫مستمراً بتوثيق انتهاكات النظام السوري حتى يومنا الحايل‪،‬‬ ‫وأوضح أنهم كنشطاء وإعالميني تعرضوا خالل سنوات‬ ‫الثورة للكثري من الصعوبات واملخاطر ويعددها قائ ًال‪:‬‬ ‫“منها القصف املستمر من قبل النظام السوري وحلفائه‬ ‫واملالحقات األمنية‪ ،‬والنزوح من مناطقنا وتدمري ممتلكاتنا‬ ‫واحتالل املنازل”‪ ،‬ورغم هذه الظروف يقول عبارة استلمها‬ ‫من املخرجة السورية وعد الخطيب‪ ،‬ليضيف‪“ :‬تجرأنا عىل‬ ‫حلم الحرية وإسقاط النظام‪ ،‬وبالرغم من كل ما حدث من‬ ‫إجرام بحقنا كشعب سوري لن نندم عىل ثورتنا املباركة‪،‬‬ ‫وماضون يف الوصول إىل أهدافنا يف الحرية والكرامة”‪.‬‬ ‫وكحال املعراوي دفع النشطاء امثان كبرية جراء الحرب‬ ‫واالعتقال أو اإلصابة‪ ،‬ومن بينهم اإلعالمي عبد الله ملحم‬ ‫ويعمل يف مركز االتارب اإلعالمي‪ ،‬حيث تعرض خالل عمله‬ ‫إلصابة حربية بليغة سنة ‪ ،2016‬بسبب عمله يف تصوير‬ ‫وتوثيق قصف الطريان الرويس عىل مناطق ريف حلب‬ ‫الغريب وعن ذلك يقول‪“ :‬تعرضت إلصابة بليغة يف يدي‬ ‫اليمنى‪ ،‬أدت إىل برتها‪ ،‬إضافة إىل إصابة جسدي بالعديد‬ ‫من الشظايا‪ ،‬وترضرت قدمي اليمنى‪ ،‬لدرجة عدم قدريت‬ ‫عىل امليش لفرتة من الزمن”‪.‬‬ ‫ويبني ملحم أنه خضع لرحلة عالج طويلة وشاقة‪ ،‬وأجريت‬ ‫له عدة عمليات جراحية منذ إصابته‪ ،‬حتى هذا اليوم‪.‬‬ ‫ويؤكد نشطاء إدلب عىل الحفاظ عىل ثوابت الثورة‬ ‫وأهدافها منها إسقاط بشار األسد وأركان نظامه كا ّفة‪،‬‬ ‫وتقدميهم للمحاكمة العادلة‪ ،‬وتفكيك أجهزة القمع‬


‫‪8‬‬

‫دمشق بعد عشرة من اجلمر‪...‬‬ ‫سلمى األسمر‪ :‬دمشق‬

‫العدد‬ ‫‪92‬‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬ ‫مقاالت‬

‫بعد عرش سنوات من اندالع الحراك املعارض لنظام الحكم‬ ‫ويف ذكراها السنوية‪ ،‬تبدو دمشق معزولة من دائرة االنهيار؛‬ ‫لكن هناك تغيريات حدثت وتحدث‪ ،‬إذ توافقت اإلرادات‬ ‫السياسية واالجتامعية واالقتصادية عىل عزل دمشق وكان‬ ‫مطلوباً أن تبقى العاصمة “املفيدة” والواجهة القوية‪.‬‬ ‫دمشق‪ ،‬مدينة موسومة بالفصام؛ حيث خمسون باملئة‬ ‫من مساحتها الجغرافية هي أماكن سكن عشوائية‪ ،‬يختلط‬ ‫الحابل بالنابل‪ ،‬تتلون الوجوه وتتعدد اللهجات‪ ،‬وتنصهر‬ ‫االختالفات ليوحد القهر والفقر وغياب الخدمات الفضاء‬ ‫العام‪ .‬مدينة بات التنوع الحاد فيها عبئاً حتى عىل هوائها‬ ‫وليس امتيازاً أو تنوعاً وطنياً إيجابياً‪ ،‬وباتت صورة مكثفة‬ ‫لتبدالت غري مفهومة وعصية عىل التقبل أو املناورة‪.‬‬ ‫خمسون باملئة من الجغرافيا الشامية يشغلها أكرث من مثانني‬ ‫باملئة من السكان‪ ،‬والخمسون الباقية يشغلها العرشون‬ ‫الباقون من أهل دمشق‪ ،‬ولكن بنسب متفاوتة جداً ما بني‬ ‫حي وآخر‪ .‬بيوت فارغة وواسعة مغلقة منذ عرشات السنني‬ ‫بعضها يعود إىل تسعينيات القرن املايض‪ ،‬وبيوت تتسع عىل‬ ‫أهلها حيث يسكنها شخص واحد متقدم يف العمر بقي إما‬ ‫لعدم قدرته عىل تقبل املجتمعات الغريبة‪ ،‬حيث سافر‬ ‫واستقر األبناء‪ ،‬أو ظناً منهم أنهم حراس املكان ومفاتيح‬ ‫عودة األبناء‪.‬‬ ‫يتذكر الدمشقيون وخاصة سكان ضاحية دمشق الجديدة‬ ‫أو مرشوع دمر الشاحنات التي وقفت عىل مشارف‬ ‫املرشوع وألسابيع متتالية لتنقل سكان وادي املشاريع‬ ‫األكراد إىل القامشيل‪ ،‬سميناها عملية “إعادة توطني”‪ .‬فجأة‬ ‫خال وادي املشاريع وجبل الرز من نسيجه الكردي‪ ،‬هل كان‬ ‫الخوف؟ أم التحكم السيايس القومي الحزيب بجمهور الكرد؟‬ ‫أم محاولة استباقية لدولة كردية قادمة؟‬ ‫عىل الطرف املقابل‪ ،‬عادت غالبية سكان ريف دمشق ذوي‬ ‫األصول الدمشقية والذين اضطروا للسكن يف ريف دمشق‬ ‫لضيق ذات اليد وصعوبة تأمني مسكن ضمن مدينتهم‬ ‫األصلية بسبب ارتفاع أسعار البيوت وضعف الدخل‪ ،‬عادوا‬ ‫إىل بيوت أهاليهم‪ ،‬وكان الجميع يعتقد أنها فرتة مؤقتة ثم‬ ‫يعودون إىل منازلهم‪ ،‬ومل يكن خيار العودة لبيت األم أو‬ ‫بيت العائلة األصيل أو بيت أحد أفراد العائلة الذي سافر إىل‬ ‫الخليج وتركه فارغاً لزيارته سنويا يف الصيف أو يف مواسم‬ ‫األعياد‪ ،‬خياراً مطروحاً‪ ،‬غري أن الحرب فرضت ما ال تشتهيه‬ ‫السفن‪.‬‬ ‫هنا حدث اختناق غري مشهود ومل يكن مقبوالً أبداً‪ ،‬أن‬ ‫تسكن خمس عائالت عىل سبيل املثال ال الحرص يف بيت‬

‫واحد‪ ،‬فالجميع له حصة يف هذا البيت‪ ،‬والجميع‬ ‫عاجز عن تأمني بدالت اإليجار التي فاقت قدرة‬ ‫الجميع يف مواجهة ارتفاع أسعار جنوين وغياب‬ ‫للموارد املالية‪.‬‬ ‫تضيق شوارع دمشق بالغرباء‪ ،‬من يصنف الغربة؟‬ ‫ومن يبدد الشعور باالغرتاب العميق ألهل‬ ‫دمشق؟‬ ‫دمشق التي ما زالت مركزاً وحيداً ومستهدفاً‬ ‫للعالج من أمراض الرسطان يف املشفى املختص‬ ‫الوحيد‪ ،‬ويف بعض املراكز الطبية واملشايف الخاصة‬ ‫التي تقدم جرعات العالج الكيميايئ بشكل خاص‬ ‫لكنه مكلف جداً‪ .‬فخصوصية دمشق كمركز‬ ‫للعالج األكرث تنوعاً ومرجعية عالجية‪ ،‬لكنها‬ ‫ضاعفت من أعداد طالبي االستشفاء وجعلت من‬ ‫دمشق مدينة أكرث ازدحاماً وتنافراً‪.‬‬ ‫وشكلت ظاهرة زيارة عيادات األطباء االختصاصيني‬ ‫الذين باتوا نادرين بسوريا كلها‪ ،‬لدرجة أن بعض‬ ‫املدن خلت حتى من طبيب متخصص واحد يلجأ‬ ‫إليه املرىض اليوميني‪ ،‬ولو ملتابعة عرض صحي‬ ‫بسيط كاإلنفلونزا أو أمل األسنان‪.‬‬ ‫ومل يتبق منهم إال القليلني القالئل أصحاب‬ ‫السمعة الطبية املشهورة‪ ،‬والذين تلتصق بهم‬ ‫اآلمال العريضة بالشفاء والخالص‪.‬‬ ‫حافظت دمشق عىل كونها الوجهة األهم للحصول‬ ‫عىل جواب عن ابن أو زوج أو أخ غائب أو مفقود‪،‬‬ ‫حافظت عىل مركزها إلنهاء معامالت التقاعد‬ ‫والترسيح املريض‪ ،‬وتعويضات نهاية الخدمة أو‬ ‫تعويض عن ملكية مشرتكة مل يسدّد بعد‪ ،‬أو لحل‬ ‫مشاكل عقارية متداخلة أو دعاوى قضائية إلثبات‬ ‫زواج أو نسب أو رشاكة اقتصادية توقفت وبات‬ ‫مطلوباً ّ‬ ‫ضخ الدم يف أوردتها لتفعيلها من جديد‪،‬‬

‫وساطة مالية‪ ،‬صفقة‪ ،‬جهات نافذة‪ ،‬وعود بالرشاكة‬ ‫وباألرباح‪ ،‬كلها تعزز حضور دمشق كورقة اللعب‬ ‫أو املقامرة أو املقايضة األقوى‪.‬‬ ‫يف ظل هذا التناقض الوظيفي للعاصمة؛ مل تعد‬ ‫متتلك حتى قواماً هندسياً متسقاً ومسايراً لوظيفتها‬ ‫املركزية‪ ،‬واألكرث تهافتاً هو شبكة املواصالت‬ ‫املهرتئة ووسائط النقل الال إنسانية‪ .‬تحولت قضية‬ ‫النقل اليومي يف دمشق إىل ّ‬ ‫ذل موصوف وال خيار‬ ‫أو بدي ًال عنه إال باستعامل الهوندايات (الشاحنات‬ ‫الصغرية) لنقل الناس وقوفاً‪ ،‬أو االنكفاء يف املنازل‪.‬‬ ‫اضطرت العائالت التي تعيش يف بيت واحد‬ ‫إىل التأقلم مع رشوط تغيب عنها الخصوصية‬ ‫املطلقة‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن الكثري من العائالت‬ ‫ورغم عودة مراكز سكناها يف ضواحي دمشق‬ ‫إىل قبضة الحكومة لكنها مل تعد إليها‪ ،‬لتداعي‬ ‫البيوت وخطرها الفعيل عىل سكانها يف ظل غياب‬ ‫أي خطط إلعادة اإلعامر‪ ،‬أو لغياب الخدمات‬ ‫العامة األساسية‪ ،‬خاصة الصفوف املدرسية‬ ‫واملعلمني والخدمات الصحية والطرق وخدمات‬ ‫املاء والكهرباء يف ّ‬ ‫ظل تراجع هائل وطغيان قايس‬ ‫لغياب الخدمات يف سوريا قاطبة‪ ،‬مع متييز فاضح‬ ‫وفاقع لحجم الخدمات ما بني مدينة وأخرى وحي‬ ‫وآخر يف نفس املدينة‪.‬‬ ‫فالشام التي يتنافر مشهدها العام ما بني وهم‬ ‫بأنها دمشق القوية واملفيدة وما بني تصدعات‬ ‫أفقية وشاقولية تهدد البنيان املدين والسكاين‬ ‫والوظيفي‪ ،‬تنتظر كام أهلها وكام السوريون‬ ‫والسوريات جميعاً فسحة من التعايف ومساحة‬ ‫من التعرف إىل الذات التي هشمتها الحرب بعد‬ ‫أن بلغت قبل الحرب من الهشاشة ما يكفي ألن‬ ‫تتهافت بقوة الوهم واإلهامل‪.‬‬


‫‪9‬‬ ‫لوحة للفنانة ديمة نشاوي‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫قضايا املرأة‬


‫املرأة السورية يف الثورة‪ ..‬سجل حافل بالتحدي والنجاح‬ ‫‪10‬‬

‫ما زلن صامدات يف سوريا‪ ..‬رغم حتديات وخماطر السلطات‬ ‫النساء السوريات مستمرات باملواجهة يف مشال غرب سوريا‬ ‫هاديا منصور‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬ ‫تقارير‬

‫مير يوم املرأة العاملي كل عام وسط انتهاكات تعاين منها‬ ‫النساء يف سوريا‪ ،‬ورغم تعرضهن لكل أنواع التحديات‬ ‫مازلن مستمرات‪ ،‬بعد ميض عرش سنوات عىل الثورة‬ ‫السورية التي كان للمرأة فيها حضوراً كبرياً‪.‬‬ ‫قالت الشبكة السورية لحقوق اإلنسان يف تقرير لها‬ ‫صدر مبناسبة اليوم الدويل للمرأة يف ‪ 8‬مارس ‪2021‬‬ ‫إن “قرابة ‪ 19264‬امرأة ما تزلن قيد االعتقال أو‬ ‫االختفاء القرسي”‪ ،‬مشرية إىل “ما ال يقل عن ‪ 67‬حادثة‬ ‫استهدفت النساء عىل خلفية عملهن يف الشامل الغريب‬ ‫والشامل الرشقي من سوريا منذ آذار ‪ 2020‬وحتى آذار‬ ‫‪.”2021‬‬ ‫حسناء راشد دحنون (‪ 48‬عاماً) مسؤولة ملف املرأة‬ ‫بـ “فريق املجد التطوعي”‪ ،‬ومسؤولة بدار أيتام “بيت‬ ‫العيلة” بشامل غرب سوريا‪ ،‬تقول‪“ :‬التحديات التي‬ ‫واجهت املرأة منذ بداية الثورة كانت كبرية جداً وصعبة‬ ‫وقاسية‪ ،‬بعد تعرضها لشتى أنواع القتل واالعتقال‬ ‫والتهجري وفقدان الزوج أو أحد أفراد العائلة‪ ،‬ق ّلة فرص‬ ‫العمل‪ ،‬انعدام التعليم وزواج القارصات إضافة للنزوح‬ ‫املتكرر الذي تعرضت له العوائل‪ ،‬وكانت املسؤولية‬ ‫كبرية عىل املرأة التي كان يفرتض بها الحفاظ عىل نفسها‬ ‫وعائلتها وقوتها وقدرتها عىل التأقلم واملحافظة عىل‬ ‫نظافة أبنائها وتأمني احتياجاتهم األساسية بعد فقدان‬ ‫خاصة اآلن؛ يف ظل تفيش فايروس كورونا”‪.‬‬ ‫املعيل‪ّ ،‬‬ ‫وتضيف‪“ :‬عدا عن املسؤولية املضاعفة يف حال وجود‬ ‫أشخاص كبار بالسن ضمن العائلة أو أفراد من ذوي‬ ‫اإلعاقة”‪ ،‬مشرية إىل تجربتها الشخصية؛ فبعد نزوحها‬ ‫من حلب إىل إدلب يف عام ‪ 2016‬مرت بفرتة نفسية‬ ‫سيئة واجهت خاللها صعوبة بالتأقلم مع األوضاع‪،‬‬ ‫لكنها متكنت وبعد فرتة قصرية من تخطي هذه املرحلة‬ ‫مبساعدة األصدقاء واألهل وانتقلت من مرحلة الركود‬ ‫والصدمة واالستكانة‪ ،‬إىل مرحلة العمل واالستمرار‬ ‫واملتابعة‪:‬‬ ‫“تطوعت مع أكرث من فريق تطوعي واستطعت إثبات‬ ‫وجودي‪ ،‬وعملت بأكرث من مجال إنساين ضمن منظامت‬ ‫املجتمع املدين‪ ،‬وأنا كنساء كثريات استطعن تشكيل‬ ‫فرق ومؤسسات وجمعيات فاعلة داخل املجتمع‬ ‫السوري شامل غرب سوريا‪ ،‬ما أعطى مشاركة فعالة‬ ‫للنساء يف جميع مجاالت الحياة رغم الظروف املأساوية‬ ‫وعدم االستقرار والنزوح والفقر والحالة االقتصادية غري‬ ‫املستقرة حتى اآلن”‪.‬‬

‫مواجهة سلطات األمر الواقع!‬

‫عن كيفية التعامل مع السلطات القامئة توضح الدحنون‪:‬‬ ‫“املرأة بشكل خاص تعرضت ملضايقات وضغوطات‬ ‫متثلت بالتدخل بلباسها وعدم ظهورها يف األماكن‬ ‫العامة أو السفر مبفردها‪ ،‬وتجنب االختالط باملؤسسات‬ ‫أو املنظامت التي تضم رجاالً‪ ..‬غري أن املرأة يف إدلب‬ ‫أظهرت إرادة كبرية بتحدي واقعها وحاولت االستمرار‬ ‫بعد ظهور نوع من التنسيق والتفاهم بني املدنيني‬ ‫والجهات الحاكمة من خالل الحصول عىل تراخيص‬ ‫عمل”‪.‬‬ ‫وتشري الدحنون إىل أهمية التدريبات والندوات التي‬ ‫أطلقتها منظامت املجتمع املدين بتأقلم املرأة واندفاعها‬ ‫للعمل‪ ،‬ومتكينها من خالل التدريبات املهنية‪ ،‬والندوات‬ ‫الثقافية والتوعوية‪ ،‬وهو ما عزز قوتها وثقتها بنفسها‪،‬‬ ‫موضحة‪“ :‬غدت تلك التدريبات واالجتامعات متتفساً‬ ‫للنساء للتعلم واالندماج مع مكونات املجتمع املتنوعة‪،‬‬ ‫بعد أن جمعت إدلب مختلف أطياف املجتمعات‬ ‫السورية”‪.‬‬ ‫وتنهي حديثها بالقول “إن املرأة السورية كانت ضحية‬ ‫يف هذه الثورة لكنها واجهت مصريها بشجاعة وحافظت‬ ‫عىل أرستها يف ظروف إنسانية تكاد تكون معدومة‬ ‫ومستحيلة”‪.‬‬

‫أو تسجيل قانوين (زواج عريف) أو قبولها العمل بأجر‬ ‫ضعيف وساعات عمل طويلة دون تأمني‪ ،‬وأعامل ال‬ ‫تناسب التخصص وخاصة بالنسبة للمتعلامت”‪.‬‬ ‫وترى ناديا أن النساء ورغم كل ما يواجهنه صامدات‪،‬‬ ‫و”تركن بصمة نجاح يف كل مضامر‪ ،‬وتابعن نشاطاتهن‬ ‫وأعاملهن دون خوف أو تردد متجاوزات كل الصعوبات‬ ‫والتحديات والسلطات الحاكمة القامعة لهن”‪.‬‬

‫بحاجة للتعزيز أكرث!‬

‫“العادات والتقاليد واملجتمع الذكوري وإقصاء املرأة‬ ‫وتهميش عملها ومشاركتها رغم أهميتها‪ ،‬من أكرث‬ ‫الصعوبات التي واجهت نجاح املرأة” تقول إميان‬ ‫حرصوين (‪ 52‬عاماً) ‪ ،‬الحاصلة عىل دبلوم يف التاريخ‬ ‫ومديرة املكتب التعليمي مبنظمة األمني‪.‬‬ ‫تؤكد إميان أن املرأة بحاجة لدعم مجتمعي وتشجيع‬ ‫مستمر لها لتتمكن من املتابعة بعطائها واستمرار‬ ‫دورها الفاعل يف املجتمع‪ ،‬موضحة أن “هذا يبدأ من‬ ‫األرسة التي تزرع أفكار سلبية من قبيل “أنت فتاة ال‬ ‫يناسبك هذا املجال‪ ،‬أنت أرملة وزوجة شهيد فعليك‬ ‫اإللتزام ببيتك”‪ ،‬أو معتقلة يشعرونها أنها وصمة عار‬ ‫عىل املجتمع‪ .‬يف الوقت الذي يجب فيه أن تعطى وسام‬ ‫مآس يف سجون النظام‬ ‫رشف لتضحياتها وما القته من ٍ‬ ‫النزوح وواقعه الجديد!‬ ‫املجرم” وفق تعبري إميان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من جهتها ناديا زيدان (‪ 31‬عاما) ناشطة مجتمعية وتدعو لتعزيز اإلجراءات القانونية التي تحمي املرأة‬ ‫وعاملة يف املجال اإلنساين بشامل غرب سوريا‪ ،‬تقول إن من العنف واالنتهاكات املختلفة‪ ،‬وفسح املجال أمامها‬ ‫“النساء السوريات قويات‪ ،‬ملهامت‪ ،‬صابرات‪ ،‬وهو من للمشاركة الفاعلة يف املجتمع دون خوف‪ ،‬أو “مالحقة‬ ‫أهم أسباب صمودهن يف الحرب والنزاعات والرصاعات أمنية أو قمع سيايس أو جسدي أو مجتمعي الذي كان‬ ‫واالنتهاكات املتتالية حتى اللحظة” ‪.‬‬ ‫ومازال ميارس عليها حتى اللحظة”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مجتمع‬ ‫السورية‬ ‫وتتابع‪“ :‬النزوح فرض عىل املرأة‬ ‫عاشت النساء السوريات خالل سني الثورة كل‬ ‫جديداً بقوانني وعادات وواقع جديد مختلف عام التفاصيل‪ ،‬ورغم أن املصاعب والتحديات عليهن أكرب‪،‬‬ ‫كانت تعيشه يف منطقتها‪ ،‬وتعرضت لهزة قوية كان لها بحكم أن سلطات األمر الواقع وكذا النظام السوري ال‬ ‫تبعات اجتامعية واقتصادية ونفسية‪ ،‬ما عرضها لصنوف تعطي املرأة كامل حقوقها‪ ،‬إال أنهن ما زلن يواجهن كل‬ ‫االستغالل واالبتزاز من خالل قبولها بزواج دون حقوق هذه التحديات‪.‬‬


‫يف مدينة الرقة‪ ...‬أدوات جديدة للتغيري‬ ‫عرب بوابات اجملتمع املدني‬

‫‪11‬‬

‫عبد اهلل الخلف‪ :‬الرقة‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫ولكن نستطيع القول إن هناك هامش حرية‬ ‫تعمل من خالله هذه املنظامت”‪.‬‬ ‫أما الناشط عبد الكريم الهويدي فريى أن‬ ‫“الوضع االقتصادي املنهك للسوريني يف‬ ‫الداخل هو من أبرز العوائق التي تح ّد من‬ ‫قدرة املجتمع املدين عىل تحقيق أهدافه‬ ‫بالتغيري حالياً؛ الوضع املعييش الصعب‬ ‫للمجتمع الذي تعمل به املنظامت يجعل‬ ‫الناس منغلقني عىل أنفسهم ويسعون فقط‬ ‫لتأمني قوت يومهم”‪ ،‬يضاف إليها التقلبات‬ ‫امليدانية وتواتر املشهد السيايس والتغيريات‬ ‫العسكرية‪ ،‬ويشري الهويدي اىل أن “املنطقة‬ ‫غري مستقرة والتهديدات مستمرة من جميع‬ ‫األطراف‪ ،‬لذلك هناك صعوبات وتحديات‬ ‫لتنشيط العمل املدين”‪.‬‬ ‫كام تساهم البريوقراطية املفروضة من قبل‬ ‫السلطة املحلية وترشيعاتها من الحد من‬ ‫أنشطة املنظامت العاملة يف الشأن العام‬ ‫والعمل املدين الحقيقي‪ .‬يف هذا السياق‬ ‫يضيف الهويدي‪“ :‬إضافة اىل قلة الخربة‬ ‫يف بعض املنظامت وعدم امتالكها أدوات‬ ‫حقيقية للتغيري‪ ،‬وغياب فكر التغيري يف‬ ‫خططها وبرامجها واالكتفاء فقط مبا يريض‬ ‫املانحني وتغطية بعض االحتياجات اآلنية”‪.‬‬ ‫وتتالت جهات عسكرية عدة عىل حكم الرقة‪،‬‬ ‫حيث سيطر تنظيم “داعش” اإلرهايب عليها‬ ‫بداية ‪ 2014‬لتتحول إىل مركز للتنظيم‪ ،‬الذي‬ ‫وهجر‬ ‫قتل وخطف العرشات من نشطائها ّ‬ ‫املئات‪ ،‬ثم سيطرت عليها “قوات سوريا‬

‫الدميقراطية” بدعم من الواليات املتحدة‬ ‫بشهر ترشين األول‪ :‬أكتوبر ‪ 2017‬بعد حرب‬ ‫طاحنة ضد عنارص التنظيم أسفرت عن‬ ‫تدمري نحو ‪ 90%‬من املدينة بحسب األمم‬ ‫املتحدة و “مجلس الرقة املدين” الذي يديرها‬ ‫حتى اليوم‪.‬‬ ‫لكن أبناء الرقة ونشطائها وشخصياتها‬ ‫مل يقفوا متفرجني عىل هذه التطورات‬ ‫العسكرية‪ ،‬ليؤسسوا منظامت مجتمع مدين‬ ‫بهدف تقديم الخدمات وتسهيل عودة‬ ‫السكان إىل مدينتهم املدمرة‪ ،‬اىل جانب‬ ‫تقديم مشاريع التامسك املجتمعي والتوعية‬ ‫بالحريات العامة وحقوق اإلنسان واملواطنة‬ ‫وغريها‪.‬‬ ‫تعترب الناشطة عليا أحمد أن قضية تضمني‬ ‫حقوق النساء بالدستور وضامن مشاركة‬ ‫سياسية فاعلة من بني أهم املطالب‪ ،‬مضيفة‪:‬‬ ‫“ونريد محاسبة مجرمي الحرب‪ ،‬وضامن‬ ‫مشاركة عادلة لجميع فئات وأطياف املجتمع‬ ‫بالحكم دون متييز”‪.‬‬ ‫ويف نهاية حديثها تقول إن “أبرز الصعوبات‬ ‫بتطبيق هذه املفاهيم تتمحور حول النظرة‬ ‫النمطية للمرأة‪ ،‬وحالة التشويش الفكري‬ ‫التي خلقها التطرف لدى رشيحة واسعة‬ ‫من البسطاء‪ ،‬يضاف لها موقف النساء من‬ ‫النساء أنفسهن‪ ،‬وقلة الدعم الذي تتلقاه من‬ ‫محيطها والتشجيع من مثيالتهن‪ ،‬متأثرات‬ ‫باملناخ العام الذي تشيع فيه قلة الثقة‬ ‫بقدراتها وإمكاناتها”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫يف إحدى القاعات املجهزة مبقر منظمة “بيت املواطنة” يف‬ ‫الرقة‪ ،‬ييرس الشاب يعرب الوايل جلسة حوارية عن حقّ‬ ‫التظاهر والحريات العامة‪ ،‬ليدور نقاش بني شبان وفتيات من‬ ‫ضحى يف‬ ‫مختلف رشائح املجتمع‪ ،‬حول هذه الحقوق التي ّ‬ ‫سبيلها اآلالف بأرواحهم خالل سنوات الثورة السورية‪.‬‬ ‫يؤكد يعرب أنه من خالل عمله هذا “ ُيسهم ولو بكلمة يف‬ ‫تحقيق التغيري املنشود‪ ،‬لتشكيل وعي جمعي‪ ،‬وإقامة حوار‬ ‫بنّا ٌء مع رشائح متنوعة‪ ،‬وهذه أوىل خطوات نحو التغيري يف‬ ‫املجتمع” حسب تعبريه‪.‬‬ ‫ويف حديثه ملجلة “طلعنا عالحرية” يقول الوايل‪“ :‬أذكر يف بداية‬ ‫الثورة وبالتحديد يف الشهر الرابع ‪ ،2011‬خرجنا مبظاهرة يف‬ ‫مدينة الرقة وهتفنا (حرية‪ ..‬حرية)‪ ،‬لكننا مل نكن منظمني‪ ،‬مل‬ ‫تكن لدينا رؤية واضحة للمستقبل”‪ ،‬ويعزو ذلك إىل “تهميش‬ ‫النظام الحاكم للشعب طوال خمسة عقود”‪ ،‬مضيفاً‪“ :‬هذه‬ ‫املفاهيم والكلامت كانت من املحرمات عىل السوريني”‪.‬‬ ‫يحرص يعرب عىل تسمية الثورة‪ ،‬ويرشح كيف زادت خربته‬ ‫مع الوقت‪“ :‬من خالل االطالع والتعرف عىل الحراك املدين‬ ‫يف باقي املناطق‪ ،‬وتجارب باقي شعوب الربيع العريب‪ ،‬اليوم‬ ‫لدينا خارطة لنميش عىل أساسها للوصول إىل دولة سوريا‬ ‫حرة دميقراطية موحدة”‪ ،‬ويرى يعرب أن بوابة العمل املدين‬ ‫أتاحت الفرصة للحديث بصوت عالٍ مسموع عن هذه القيم‬ ‫التي ينشدها ويطلقها مثل مفاهيم الحرية والدميقراطية‬ ‫والعدالة واملواطنة‪“ :‬لنع ّرف الناس بهذه املفاهيم‪ ،‬ونشكل‬ ‫وعياً جمعياً حول ذلك‪ ،‬ومن هنا بدأنا حالياً يك نصل لـتحقيق‬ ‫أهداف ثورتنا”‪.‬‬ ‫وبحسب مكتب املنظامت يف املجلس املدين يف الرقة فقد‬ ‫تأسست ‪ 118‬منظمة وجمعية‪ ،‬تتنوع ما بني منظامت محلية‬ ‫وإقليمية ودولية‪ ،‬معظمها تهتم بالشأن اإلنساين واإلغايث‪،‬‬ ‫وقسم منها يعمل عىل رفع الوعي املدين لدى املجتمع‪.‬‬ ‫ترى وصال اإلبراهيم وهي ناشطة مدنية من الرقة بأن طرد‬ ‫“داعش” من املنطقة أتاح الفرصة للنساء للدخول إىل املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬وتعرفت من خالل أنشطتها عىل فتيات وشخصيات‬ ‫مجتمعية فاعلة مؤمنة بقيم الثورة‪.‬‬ ‫وحول ذلك تقول‪“ :‬منظامت املجتمع املدين تعمل بشكل‬ ‫حقيقي عىل رفع الوعي لدى املجتمع بالحرية والدميقراطية‪،‬‬ ‫وخاص ًة تفعيل املرأة وإعادة دورها الذي كان غائباً‪ ،‬كل هذه‬ ‫تصب مبصلحة الثورة وتهيئ املجتمع السوري ليكون‬ ‫األمور ّ‬ ‫جاهزاً للتغيري”‪.‬‬ ‫تخف وصال أن هذا املجال محفوف بالتحديات واملخاطر‪،‬‬ ‫ومل ِ‬ ‫مضيفة‪“ :‬ال يستطيع النشطاء والناشطات الحديث عن كل يشء‬ ‫بصوت مرتفع‪ ،‬هناك خوف من االصطدام بالسلطة الحالية‪،‬‬


‫‪12‬‬

‫ً‬ ‫يوما من االعتقال‬ ‫أربعون‬ ‫يف سجون النظام واملعارضة‬ ‫شمس الدين مطعون‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫ريف دمشق ‪2011‬‬ ‫يحفظ “عبادة” جيداً تاريخ اعتقاله وتفاصيل ذلك الصباح الذي‬ ‫وجد نفسه فيه محاطاً بعرشات العنارص يصوبون نحوه فوهات‬ ‫بنادقهم‪ ،‬ويلقون عليه سي ًال من الشتائم “قف مكانك يا حيوان‪..‬‬ ‫منبطحاً‪ ..‬يا ع***” كانت تلك ألطف الكلامت التي سمعها منذ‬ ‫لحظات اعتقاله وحتى خروجه بعد أربعني يوماً‪.‬‬ ‫كانت التهمة املوجهة لـ “عبادة” طالب األول الثانوي هي‬ ‫“اإلرهاب وزعزعة أمن الدولة”‪ ،‬وكان عليه أن يختار بني اإلقرار‬ ‫بهذه التهمة أو تحمله جولة جديدة من الرضب والتعذيب‪.‬‬ ‫“عبادة” يقول مستحرضاً لحظات اعتقاله األوىل‪“ :‬استيقظت عىل‬ ‫أصوات رصاص كثيف‪ ،‬كانت أمي والعائلة جميعهم مستيقظني‪،‬‬ ‫الخوف خيم عىل البيت والبلدة‪ ،‬فلقد انترش الخرب أن البلدة‬ ‫تتعرض القتحام‪ ،‬وحملة اعتقاالت”‪.‬‬ ‫يف الدقائق التي سبقت دخول القوة العسكرية للمنزل كان‬ ‫“عبادة” يلهو بألعاب هاتفه املحمول “مل يكن يعنيني ما يجري‬ ‫حويل‪ ،‬أنا يف دوامي يف املدرسة صباحاً‪ ،‬وبني املغرب والعشاء‬ ‫أحرض درس املسجد‪ ،‬وكنت أقيض أيام العطلة يف منزل جدي؛‬ ‫ويف بعض األحيان نلهو أنا وأصدقايئ ونلعب كرة القدم يف حارتنا”‬ ‫قال “عبادة”‪.‬‬ ‫ترك “عبادة” محموله عندما سمع أصوات عنارص األمن تقرتب‪،‬‬ ‫وخالل لحظات طوقت قوة أمنية املنزل‪ ،‬بركلة من قدمه فتح‬ ‫أحد العنارص الباب لتتبعه عرشات العنارص‪ ،‬وأطلق أحدهم عدة‬ ‫طلقات يف الهواء‪.‬‬ ‫“عبادة” الذي كان يجلس مع والدته يف الغرفة املجاورة للباب‪،‬‬ ‫أزعجته طريقة دخول العنارص‪ ،‬وقال ممتعضاً “كان عليكم‬ ‫االستئذان‪ ..‬شو وين فايتني” كانت هذه العبارات كافية ليجد‬ ‫“عبادة” نفسه مكبل اليدين بسلك بالستييك خلف ظهره‪،‬‬ ‫ومغلق العينني ب “الطامشة”‪.‬‬ ‫“رأسك باألرض يا ‪ “ ...‬قال العنرص‪ ،‬وهم يسوقون “عبادة”‬ ‫ضم عرشات الشبان املقيدين بسالسل حديدة‬ ‫للباص الذي ّ‬ ‫ورؤوسهم منحنية عىل املقاعد؛ كانت صفعات األيدي تتهاوى‬ ‫عىل قفاه‪ ،‬وبأخمص البندقية الخشبي تلقى عىل ظهره عدة‬ ‫رضبات ال تزال آثارها واضحة عىل جسده‪.‬‬

‫تقارير‬

‫إدلب ‪2018‬‬ ‫ً‬ ‫يف السادسة صباحا كانت قوة أمنية مجهزة مبدافع متوسطة‬ ‫وثقيلة وعرشات العنارص امللثمني تبحث عن متهمني “إرهابني”‬ ‫أو “دواعش”‪ ،‬نحن يف إدلب املحررة ونتحدث عن تجربة اعتقال‬ ‫نفذتها إحدى القوى الثورية املعارضة‪ ..‬لقد انتقل “عبادة”‬ ‫للعيش يف إحدى قرى محافظة إدلب بعد حملة التهجري التي‬ ‫طالت مناطق الريف الدمشقي‪.‬‬ ‫نهض “عبادة” عىل أصوات الرصاص و”تفحيط” السيارات‬

‫التي تحيط بالحي الذي يسكنه‪ ،‬كان‬ ‫سيارات “الفان والسانتافيه” تثري خلفها‬ ‫سحابة من الغبار‪ ..‬خالل لحظات طوقت‬ ‫قوة أمنية املنزل‪ ،‬واقتحم عدة عنارص‬ ‫البيت‪ ،‬كانوا يرتدون زياً أسود‪ ،‬وكانوا‬ ‫ملثمني‪ ،‬ويحملون بنادق “الكالشنكوف”‪،‬‬ ‫ويطلقون الرصاص بشكل متقطع‪.‬‬ ‫اقتيد “عبادة” بعد عدة رضبات عىل‬ ‫قفاه لسيارة من نوع “سنتافيه”‪ ،‬ليجد‬ ‫نفسه بعد عدة ساعات يف زنزانة تضم‬ ‫عرشات من الشبان والشيوخ‪ ،‬وهناك‬ ‫قىض أربعني يوماً‪.‬‬ ‫كانت الزنزانة صغرية وبالكاد تتسع‬ ‫للموجودين‪ ،‬ومظلمة إىل حد ما‪ ،‬وكان‬ ‫الجو فيها حاراً وخانقاً‪.‬‬ ‫“تعرفت عىل قصص الحارضين‪ ،‬وكان‬ ‫منهم من اعتقل بجرم ابنه‪ ،‬أو والده”‬ ‫قال “عبادة”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مل يبد نظام الزنزانة جديدا عىل “عبادة”‪،‬‬ ‫وكان كل ما جرى يتطابق مع تجربته‬ ‫األوىل؛ مواعيد النوم والطعام محددة‪،‬‬ ‫أما الوجبات فكانت مختلفة‪ ،‬إال أنها غري‬ ‫مكتملة النضج أيضاً‪ ،‬كام أنها غري كافية‪.‬‬ ‫رصاخ السجان املستمر‪“ :‬اقطع النفس‪..‬‬ ‫وال صوت يا أوباش”! بنفس الكلامت التي‬ ‫حفظها “عبادة” من اعتقاله األول‪ .‬كانت‬

‫الحاممات صغرية وبالكاد تتسع للشخص‬ ‫نصف واقف‪ ،‬وهي مزدحمة دامئاً بسبب‬ ‫قلة عددها‪ .‬رائحة الرطوبة كانت السبب‬ ‫مبرض جلدي أصاب “عبادة” ال يزال‬ ‫يتعالج منه‪.‬‬ ‫يقول “عبادة”‪“ :‬مل أدخل إىل املحقق‬ ‫سوى مرتني‪ ،‬األوىل عند قدومي للسجن‬ ‫حني أقررت بالتهمة التي وجهت يل (أيضاً‬ ‫إرهايب)! ويف الثانية عندما أخيل سبييل‬ ‫وأجربت عىل توقيع تعهد مل يسمح يل‬ ‫بقراءته بشكل جيد”‪.‬‬ ‫رغم مرور عدة أعوام عىل حادثتي‬ ‫اعتقاله‪ ،‬إال أن عالمات االرتباك عىل‬ ‫وجهه كانت واضحة متاماً‪ ،‬كان يروي‬ ‫القصة وشفتاه تهتزان وجبهته تتعرق‪..‬‬ ‫“رصت جباناً‪ ،‬ما رأيته ال أستطيع وصفه‬ ‫ولكني أشعر به جيداً” قال “عبادة” وهو‬ ‫يدير وجهه ويشري بيده أن “يكفي”‪.‬‬ ‫تتشابه زنزانة “عبادة” وطريقة اعتقاله‬ ‫بالحادثتني‪ ،‬معاملة السجان واحدة؛ مل‬ ‫تختلف‪ .‬باألوىل كان ميكنه التعرف عىل‬ ‫سحنة السجان باختالس نظرات من تحت‬ ‫غطاء العينني أو من ثقوب باب الزنزانة؛‬ ‫أما يف الثانية فقد أرخى السجان اللثام‬ ‫عىل وجهه فلم تعرف منه إال عينيه‬ ‫القاسيتني وصوته الغاضب‪.‬‬


‫وقت مستقطع‪..‬‬ ‫‪13‬‬

‫عهد زرزور‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬

‫هذا السؤال املرغوب واملحدّد برقم (عرشة)‬ ‫العجيب يف حني ال يحمل الرقم أي داللة‬ ‫روحانية كالرقم سبعة أو أربعني‪ .‬رقم بارد‬ ‫ال مييزه سوى صفر يذكرين بعرشة املدرسة‬ ‫التي يحرزها الشاطرين‪ .‬والتي عىل األغلب‬ ‫مل نتمكن من إحرازها يف ثورتنا رغم انغامسنا‬

‫قصه‬ ‫لذا أفكر يف الوقت املستقطع الذي ّ‬ ‫حدث كبري وقطعه من سيناريو حيايت البسيطة‬ ‫وذاكريت‪ ،‬رغبة تدفعني أن أعيد عرشينيايت‬ ‫بتوازن أكرب وبخطط ُمحكمة كفتاة تستحق‬ ‫أن ال تفقد أحداً أو شيئاً وأن تعيش حياة‬ ‫عادية دون العودة متاماً بالزمن من مبدأ “كنا‬

‫كعاديني‪ ،‬مل نخرت ‪-‬قبل عرش سنوات‪ -‬الخلود‬ ‫واملعاناة كخطة ألحالمنا‪ ،‬ومل نرغب أن نحمل‬ ‫ه ًام إنسانياً ضخ ًام‪ ،‬ومل يعنينا سوى االنشغال‬ ‫بتفاصيلنا الصغرية؛ بكرامتنا وحقنا األصيل‬ ‫بامتالك حياتنا وبلدنا‪ ،‬أن نعيش مث ًال يف بيت‬ ‫ريفي بعيداً عن العامل بال اتصال‪ ،‬أو أن نخترب‬ ‫حرية االتصال أو أن نعود مد ّرسني وحرفيني‬ ‫وأمهات وآباء عاديني‪ ،‬بدل تحولنا جميعاً‬ ‫إىل مناضلني وإعالميني وباحثني عن الحقيقة‬ ‫والعدالة أو االنتقام‪ ،‬مغمورين برسدياتنا‬ ‫األليمة األبدية متمسكني بحبال نجاتنا املمكنة‪.‬‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫يف غرفة صف كبرية يف مدرسة فرنسية أسأل‬ ‫فتيات وفتياناً بعمر ‪ 17‬عاماً ّ‬ ‫عم يرغبون‬ ‫بتحقيقه يف عرش سنوات قادمة‪ ،‬ينكبون عىل‬ ‫الورقة ويفرتضون أحالماً مبعرثة‪ ،‬أرسح معهم‬ ‫بخيايل لكن عرش سنوات إىل الخلف حني‬ ‫تلقيت ذات السؤال يف مقابلة عمل بدمشق؛‬ ‫عن توقعايت املهنية لعرشة أعوام قادمة‪،‬‬ ‫بكل يقني رسدت أحالمي العملية واألكادميية‬ ‫األكيدة‪.‬‬ ‫مجبورون أن نعود بالعرشة سنوات كاحتفالية‬ ‫ذكرى‪ ،‬لكن ال نستطيع تكرار املشهد كام ًال‪،‬‬ ‫بطبيعة الحال مل يتحقق من توقعايت يشء‪ ،‬بل فنستذكر أحداثاً معينة تضيئها الذاكرة‪ ،‬ومي ّر‬ ‫انحنت كلياً يف طريق وعر مل أكن أتخيله أو الباقي كمشاهد ال تعني أحداً‪ .‬ذلك الوقت‬ ‫أخطط له‪ ،‬دخلت املجهول وخضت مع ماليني املحتال الذي م ّر كغمضة عني رغم مروره‬ ‫غريي الحلم والقسوة والتخيل واإلميان العامر‪ ..‬القايس‪ ،‬م ّرعىل حيوات العاديني أيضاً‪ ،‬ال‬ ‫ثم خيارات الندم‪ ،‬أو عكس الندم! وال أدري هم أبطاالً وال هم أرشاراً‪ .‬م ّر الوقت عليهم‬ ‫ملاذا أثناء بحثي عن أضداد “الندم” وجدت كغربة وإجبار‪ ،‬نزعهم من عاديتهم‪ ،‬فال كان‬ ‫مفردات مثل التعايل‬ ‫والتكب والتغطرس والتي حل ًام جمي ًال وال كابوساً مخيفاً كثنائية جامدة‬ ‫ّ‬ ‫ال أحب أن تكون خياراً‪.‬‬ ‫تستدعي الندم أو عدمه‪ .‬بل مل مير كام يجب‪.‬‬

‫بالعمل والتعب والكفاح‪.‬‬ ‫يف التفاتة العرشة‪ ،‬نستحرض خسارات تستدعي‬ ‫وتعاف مديد‪ ،‬ونستحرض معها بطوالت‬ ‫ترمي ًام‬ ‫ٍ‬ ‫وجرأة تستدعي الخلود‪ ،‬كشاهدين عىل‬ ‫املذبحة والرعب واالنتصارات املؤقتة‪ ،‬وعىل‬ ‫وقت مر كإعصار رسق أرواح أحباب وأحيا‬ ‫ٍ‬ ‫آخرين‪ ،‬طحن الكثريين ورفع باملقابل الكثريين‪.‬‬

‫عايشني”‪ ،‬لكن كفرصة إلرجاع وقت تج ّمد يف‬ ‫رسيانك بالعامل رغم انفجاره فيك‪.‬‬ ‫أرسم أيضاً سيناريوهات بديلة آلخرين؛ لحياة‬ ‫من فقدتهم ومن أحبهم‪ ،‬أغري الزمان واملكان‬ ‫وأغري لهم املجتمع‪ ،‬أضع الشهيد كطالب‬ ‫تخرج من تخصص يحبه‪ ،‬واملختفية كأم حنون‪،‬‬ ‫واملنفي كاملك مرشوع يف بلده الكريم‪.‬‬

‫أغلبنا سيكون ممتناً للثورة التي غريت أحالمه‬ ‫لتصبح أكرب وأكرم‪ ،‬وأنا أشعر يف عرش سنوات أين‬ ‫متعبة بها؛ ليس ندم الخيار لكنه الرغبة يف حمل‬ ‫هذا العبء بخفة أكرب‪ ،‬كعادية‪ ،‬مل يقطعها وقت‬ ‫ال تعرف ما تصنع به‪.‬‬

‫ثقافة‬


‫‪14‬‬

‫عقد على الثورة‪..‬‬ ‫والسوريون يكافحون بآمال متجددة‬ ‫حسين الخطيب‪ -‬ريف حلب‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬ ‫تقارير‬

‫اعتقال وخوف‪ ..‬قصف ودمار‪ ..‬نزوح وتهجري‪..‬‬ ‫موت ودم‪ ..‬كل ذلك مثن الحرية التي طالب بها‬ ‫السوريون‪ ،‬قبل عرش سنوات‪ ،‬ودفعوا حياتهم مثنها‬ ‫بفعل آلة إجرامية تحكمها عائلة األسد مبساندة‬ ‫إيرانية وروسية أيضاً‪ ..‬مل تشفع للسوريني حتى‬ ‫صيحات الضحايا ودموع الشيوخ واألطفال والنساء؛‬ ‫هنا مجزرة وهنا محرقة‪ ،‬سنوات مؤملة مبجملها ال‬ ‫ميكن نسيانها مهام حاول أحدنا االبتعاد عنها فهي‬ ‫واقع أثر فينا بشكل أو بآخر‪.‬‬ ‫وعىل ما يبدو أن السوريني تجرأوا عىل نفوسهم‬ ‫ذاتها قبل عرش سنوات حيث خرجوا مطالبني‬ ‫بحريتهم املسلوبة‪ ،‬من قبل األسد‪ ،‬وأجهزته األمنية‪،‬‬ ‫يبحثون عن نور جديد بعد ظالم حالك‪ ،‬فتك‬ ‫بالقلوب واألشياء التي حولهم‪ ،‬وانعكس أثره عىل‬ ‫حياتهم آنذاك‪ ،‬لكن األقدار مل تشأ أن يكون مثن‬ ‫حريتهم رخيصاً‪ ،‬بل قدموا وأفنوا سنوات طويلة من‬ ‫حياتهم يف سبيل نيلها‪.‬‬ ‫البعض تراجع بعد محطات مؤملة وقاسية‪( ،‬وال‬ ‫نقصد بـ “تراجع” أنه يريد العودة إىل حضن النظام‬ ‫وإمنا وقف ينتظر النهاية)‪ ،‬بعد محطات مؤملة‬ ‫مرت بها الثورة السورية حيث الحرب التي افتعلتها‬ ‫أجهزة األسد القمعية‪ ،‬والتدخالت الخارجية أيضاً‬ ‫عىل امتداد تلك السنوات التي أحدثت فارقاً كبرياً‬ ‫يف املجتمع السوري‪.‬‬ ‫كام ال ميكننا إنكار أن هؤالء أنفسهم ضحوا بأغىل‬ ‫ما ميلكون لقاء الحرية املنتظرة‪ ،‬لكنهم وجدوا‬ ‫أنفسهم ضحية تدخالت خارجية وحرب ممنهجة‪،‬‬ ‫بعيد ًة كل البعد عن األهداف التي ثاروا من أجلها‪.‬‬ ‫يقول الصحفي يف وكالة ثقة‪ ،‬محمود طلحة ملجلة‬ ‫“طلعنا عالحرية”‪“ :‬ال ميكن أن يرتاجع السوريون‬ ‫عن ثورتهم‪ ،‬بل إنهم يزدادون إرصاراً يوماً بعد يوم‪،‬‬ ‫وهذا ما نشهده خالل الفرتة األخرية‪ ،‬وخاصة مع‬ ‫تصاعد أصوات املوالني للنظام الذين بدؤوا ينفرون‬ ‫من قبضة األسد األمنية نتيجة األوضاع االقتصادية‬ ‫املرتدية‪ ،‬حيث قابلهم النظام باعتقال البعض‬ ‫منهم”‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬السوريون الزالوا يضعون آمالهم يف‬ ‫الثورة السورية عىل أنها سبيلهم الوحيد للتخلص‬

‫من النظام القمعي‪ ،‬وهي البوابة األوىل والفرصة‬ ‫الحقيقية لتحقيق حلمهم‪ ،‬يف الحرية وبناء دولة‬ ‫دميقراطية تضمن حقوق الشعب السوري مبختلف‬ ‫تياراته‪ ،‬دون أي ضغوط خارجية”‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من التحديات التي فرضت واقعاً جديداً‬ ‫عىل الثورة السورية خالل السنوات املنرصمة‪،‬‬ ‫التي غريت من طبيعة املجتمعات‪ ،‬وجعلتها أكرث‬ ‫هشاشة من ذي قبل‪ ،‬إال أنهم ال زالوا يؤمنون بآمال‬ ‫متجددة نحو نرص قادم ال محالة‪ ،‬ألن الثورة كام‬ ‫يرونها ستواصل املسري حتى تحقيق أهدافها‪.‬‬ ‫من جهته عمر البيسيك‪ ،‬عضو الهيئة الثورية العامة‬ ‫يف مدينة حلب‪ ،‬يقول ملجلة “طلعنا عالحرية”‪:‬‬ ‫“ينظر السوريون إىل الثورة من جانبني؛ األول‬ ‫اإليجايب صمودها وإرصار ثوارها عىل تحقيق‬ ‫مطالبها الرئيسية‪ ،‬بالرغم من الخذالن العريب‬ ‫والدويل للشعب السوري‪ ،‬والثاين السلبي أنها مل‬ ‫تحقق املستوى املطلوب من أهدافها منذ عرش‬ ‫سنوات إىل اآلن‪ ،‬ال سيام أن السوريني قدموا‬ ‫تضحيات كبرية يف سبيلها‪ ،‬لكن صمودها إىل اآلن‬ ‫هو نرص ال ميكن إنكاره‪ ،‬يف ظل آلة املوت املجرمة”‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬ال أعتقد أن السوريني الذين ثاروا عىل‬ ‫األسد يف البداية‪ ،‬أي قبل عرشة أعوام يرضخون‬ ‫مجدداً له‪ ،‬حتى ولو فرض عليهم بعد ما تعرضوا‬ ‫له خالل السنوات املاضية‪ ،‬ومل يعد هناك يشء‬ ‫يخرسونه”‪.‬‬ ‫ويخىش السوريون‪ ،‬أن يفرض نظام األسد كأمر‬ ‫واقع عليهم يف آخر معاقلهم يف الشامل السوري‪،‬‬ ‫ال سيام مع استمرار آلته اإلجرامية يف استهداف‬

‫شعبه ووقوف معظم دول العامل العريب والعاملي‬ ‫إما بصمت أو إىل جانبه‪.‬‬ ‫من جهته إسامعيل املحمود‪ ،‬عضو الحراك الثوري‬ ‫يف بلدة دابق بريف حلب الشاميل قال ملجلة‬ ‫“طلعنا عالحرية”‪ :‬ال يزال السوريون ثابتني عىل‬ ‫مبادئهم ضد الفساد واإلجرام‪ ،‬وهم أص ًال مل يعولوا‬ ‫عىل الزمن‪ ،‬والفاتورة الكبرية قد دفعت‪ ،‬كام أن‬ ‫أصحاب املبادئ ميرضون لكن ال يستسلمون ولن‬ ‫تضعف هممهم‪ ،‬يف سبيل تحقيق مطالبهم”‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬إن تراجع بعض السوريون يعزى لواقع‬ ‫الحال الذي فرض عليهم إضافة للظلم والقتل‬ ‫والتهجري الذي مارسه النظام وتخيل معظم الدول‬ ‫وتأثرها بسياسات دولية‪ ،‬مام انعكس سلباً عىل‬ ‫واقع الثورة السورية”‪.‬‬ ‫ويرى املحمود خالل حديثه أن األحالم ال تزال‬ ‫باقية؛ فالطغاة هذا دأبهم ألنهم ال يعرفون سوى‬ ‫القتل والتخريب والتنكيل مبحاولة منهم إلرهاب‬ ‫الشعوب وإسكات أصوات الحق والحرية ال سيام‬ ‫استخدام سياسة األرض املحروقة يف ظل الصمت‬ ‫الدويل عن جرائم النظام الكياموي والقتل العشوايئ‬ ‫الذي ساهم إىل حد ما برتاخي الكثريين وقبولهم‬ ‫بأنصاف الحلول‪.‬‬ ‫ويبدو أن كرثة املآيس‪ ،‬واألهوال التي مرت عىل‬ ‫السوريني خالل العقد املايض مل تكن قليلة‪ ،‬مام‬ ‫ساهم يف خلق نفور من الواقع‪ ،‬واالبتعاد قلي ًال عن‬ ‫رؤية الثورة السورية وأهدافها التي خرجوا من‬ ‫أجلها‪ ،‬لكن هو موضوع نسبي يتفاوت بني أبناء‬ ‫املجتمع‪.‬‬ ‫وال يزال معظم السوريني يراهنون عىل الحرية‬ ‫املنشودة‪ ،‬ممن مل ترهبهم ومل تفت من عضدهم‬ ‫وتضعف هممهم الحرب التي خاضها النظام‬ ‫السوري ضدهم ألنهم ببساطة يعتربونها آخر ما‬ ‫ميتلكه املجرمون‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وال بد للسوريني من رؤية النور مجددا مهام‬ ‫طال الظالم‪ ،‬فهم اليوم أمام منعطفات وتحديات‬ ‫حقيقية وال بد أيضاً من موقف موحد مع االبتعاد‬ ‫عن كل املنفرات التي خلقتها الحرب لخفض‬ ‫أصواتهم املطالبة بالحرية والعدالة‪.‬‬


‫خارطة الطاقة والنفط يف سوريا ‪...‬‬ ‫(قوات سوريا الدميقراطية) تسيطر على ‪ 90‬باملئة‬

‫‪15‬‬

‫كمال شيخو‪ :‬القامشلي‬

‫العدد‬

‫عىل مدى السنوات العرش املاضية تغريت خارطة السيطرة عىل‬ ‫حقول النفط والغاز والطاقة بني الخصوم والحلفاء يف سوريا‪،‬‬ ‫حيث تتالت جهات محلية وتنظيامت متطرفة وقوات مدعومة‬ ‫من تحالف دويل لبسط سلطتها‪ ،‬وباتت اليوم “قوات سوريا‬ ‫الدميقراطية” تسيطر عىل نحو ‪ 90‬باملئة من الرثوة النفطية‬ ‫السورية‪ ،‬إضافة إىل ‪ 45‬باملئة من إنتاج الغاز الطبيعي‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يفتح فص ًال جديداً من الحروب بني أطراف النزاع يف‬ ‫سوريا؛ املحلية منها واإلقليمية والدولية املتحاربة عىل األرض‬ ‫السورية‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫منذ خروج حقل العمر بريف دير الزور الرشقي ( ُيع ّد‬ ‫أكرب حقول النفط بسوريا) عن سيطرة النظام يف ترشين‬ ‫الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ ،2013‬وسقوطه بقبضة تنظيم “داعش”‬ ‫اإلرهايب منتصف ‪ ،2014‬حتى انتزاعه عىل يد “قوات سوريا‬ ‫الدميقراطية” العربية‪ -‬الكردية واملدعومة من واشنطن نهاية‬ ‫‪ ،2017‬بقيت املنشأة عىل حالها‪ ،‬والتي كانت تنتج أكرث من‬ ‫‪ 90‬ألف برميل يومياً قبل عام ‪ ،2011‬أما اليوم ال توجد أرقام‬ ‫دقيقة حول إنتاجها‪.‬‬

‫ويف نيسان العام املايض اتفقت “اإلدارة الذاتية لشامل ورشق”‬ ‫سوريا و “قسد” مع رشكات أمريكية الستثامر النفط يف رشق‬ ‫الفرات‪ ،‬وحصلت رشكة “دلتا كريسنت إيرنجي” الخاصة عىل‬ ‫ترخيص من مكتب مراقبة األصول األجنبية التابع لوزارة‬ ‫الخزانة األمريكية‪ ،‬للعمل يف شامل رشقي البالد‪ ،‬وحتى تاريخ‬ ‫اليوم مل تبدأ هذه الرشكة باالستثامر أو استخراج النفط وسط‬

‫تغري خارطة السيطرة‬

‫تو ّقف ضخ النفط عرب محطة تل عدس‬ ‫من حقول محافظة الحسكة نهاية ‪2012‬‬ ‫بسبب املعارك الدائرة رشقي الفرات إىل‬ ‫مصفايت حمص وبانياس‪ ،‬وبعد ‪ 10‬سنوات‬ ‫تصدر قطاع النفط األكرث ترضراً وقدرت‬ ‫وزارة النفط التابعة للنظام السوري وخرباء‬ ‫خسائرها بأكرث من ‪ 62‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫كام انخفض إنتاج النفط يف عموم سوريا‬ ‫بنسبة ‪ 96%‬يف عام ‪ 2014‬ووصل إىل ‪9329‬‬ ‫برمي ًال يومياً‪ ،‬بعد سيطرة تنظيم “داعش”‬ ‫عىل مدينتي دير الزور رشقاً‪ ،‬والرقة شامالً‪،‬‬ ‫حيث كان يجني منها نحو ‪ 40‬مليون دوالر‬ ‫شهرياً يف ذروة قوته سنة ‪ 2015‬بحسب‬ ‫وزارة الخزانة األمريكية‪.‬‬ ‫ويف آذار‪ /‬مارس ‪ ،2013‬متكنت “وحدات‬ ‫حامية الشعب” الكردية إحدى أكرب‬

‫تفارير‬

‫حقل التنك الذي يبعد ‪ 32‬كيلومرتاً رشقي منشأة العمر النفطية‬ ‫والذي كان يعد ثاين أكرب الحقول من حيث اإلنتاج‪ ،‬تعرض‬ ‫إىل أرضار جسيمة جراء املعارك الدائرة يف محيطه‪ ،‬ومل تصدر‬ ‫الجهات املحلية املسيطرة الكميات التي تنتجها اليوم‪.‬‬ ‫وإىل جانب حقيل العمر والتنك‪ ،‬توجد حقول الورد والتيم‬ ‫ومحطة (‪ )T2‬والجفرة‪ ،‬وعفرا وكوري وجرنوف وأزرق وقهار‬ ‫وشعيطاط وغلبان‪ ،‬وتقع جميعها رشقي نهر الفرات يف بادية‬ ‫الجزيرة‪ ،‬كانت تنتج قبل ‪ 2011‬نحو ‪ 200‬ألف برميل نفط‬ ‫يومياً‪ ،‬أما اليوم فال يتجاوز إنتاجها ‪ 25‬ألف برميل يومياً يف‬ ‫أحسن األحوال‪ ،‬بينام يعد حقل غاز كونوكو أكرب حقول الغاز‬ ‫الطبيعي يف سوريا‪ ،‬وكان ينتج نحو ‪ 10‬ماليني مرت مكعب يومياً‬ ‫من الغاز قبل ‪ 2011‬فيام اليوم يصعب معرفة إنتاجه لغياب‬ ‫األرقام والبيانات‪.‬‬

‫تجاذب دويل وإقليمي وسوري حول حقوق‬ ‫االستثامر واإلنتاج‪.‬‬ ‫والنظام السوري الذي كان ينتج قبل ‪2011‬‬ ‫نحو ‪ 360‬ألف برميل نفط يومياً‪ ،‬انخفض‬ ‫منتوجه اليوم إىل حدود ‪ 100‬ألف برميل‪،‬‬ ‫وعىل الرغم من سيطرة قوات النظام عىل‬ ‫نحو ثلثي مساحة البالد‪ ،‬لكن ‪ 90%‬من‬ ‫النفط والغاز تقع تحت سيطرة خصومها‬ ‫“قسد” املدعومة من واشنطن‪.‬‬

‫تشكيالت “قسد” من طرد “جبهة النرصة”‬ ‫والتي بات اسمها الحقاً “هيئة تحرير الشام”‬ ‫وفصائل سورية مقاتلة‪ ،‬من حقول النفط يف‬ ‫بلدة رميالن الواقعة عىل بعد ‪ 165‬كيلومرتاً‬ ‫شامل رشقي الحسكة‪ ،‬وبعد إعالن “اإلدارة‬ ‫الذاتية” الكردية بنهاية العام نفسه‪ ،‬وضعت‬ ‫يدها عىل الحقول وبدأت كوادرها استثامر‬ ‫النفط‪ ،‬أما موظفو مديرية حقول الرميالن‬ ‫التابعة لوزارة النفط بحكومة النظام وكان‬ ‫يقدر عددهم آنذاك بنحو ‪ 5500‬عامل‬ ‫وموظف‪ ،‬عاد قسم منهم إىل مسقط رأسه‬ ‫وهاجر آخرون خارج البالد‪ ،‬فيام بقي القسم‬ ‫األكرب عىل رأس عمله‪.‬‬ ‫وقبل ‪ 2011‬كانت حقول الرميالن تنتج ‪90‬‬ ‫ألف برميل يومياً‪ ،‬ويقدر خرباء يف اقتصاديات‬ ‫الطاقة والنفط عدد اآلبار النفطية التابعة لها‬ ‫بنحو ‪ 1322‬برئاً‪ ،‬أما حقول السويدية املجاورة‬ ‫فتنتج نحو ‪ 116‬ألف برميل يومياً‪ ،‬كام يوجد‬ ‫‪ 25‬برئاً من الغاز الطبيعي يف هذه الحقول‪،‬‬ ‫يف حني كانت تصل إنتاجية حقول الشدادي‬ ‫والجبسة والهول إىل ‪ 30‬ألف برميل يف اليوم‪،‬‬ ‫ونحو مليون وربع مرت مكعب من الغاز‪.‬‬ ‫و ُيقدر خرباء اقتصاديون أن إجاميل االحتياطي‬ ‫النفطي االسرتاتيجي يف سوريا عموماً يبلغ‬ ‫نحو ‪ 300‬مليار برميل‪ ،‬يتوزع ‪ 75‬يف املائة‬ ‫من هذه االحتياطيات يف الحقول املحيطة‬ ‫مبحافظة دير الزور رشقي سوريا‪.‬‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫حقول العمر والتنك ورميالن‪...‬‬


‫ً‬ ‫فصول من سرية عائلة‬ ‫كاتب أمريكي يروي‬ ‫أحرقت شهوتها للحكم سوريا ودمرتها‬

‫‪16‬‬ ‫طلعنا عاحلرية‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬ ‫ثقافة‬

‫يناقش الكاتب األمرييك سام داغر‪ ،‬يف كتابه «األسد‬ ‫أو نحرق البلد‪ :‬كيف دمرت شهوة عائلة واحدة‬ ‫للسلطة سوريا » �‪Assad or we burn the coun‬‬ ‫‪ ،try‬كيف دمرت عائلة األسد التي تحكم سوريا‬ ‫منذ قرابة الخمسني سنة‪ ،‬بسبب متسكها بالبقاء يف‬ ‫السلطة‪ ،‬منطل ًقا من أبرز الشعارات التي أطلقتها‬ ‫أجهزة النظام األمنية الطائفية وأكرثها داللة عىل‬ ‫ما جرى ويجري يف سوريا منذ بداية املظاهرات‬ ‫الشعبية املنادية بإنهاء حكم الرئيس بشار األسد‪،‬‬ ‫أال وهو شعار “األسد أو نحرق البلد”‪.‬‬ ‫الكتاب الذي ُنرش باللغة اإلنجليزية‪ ،‬جاء ضمن‬ ‫قامئة أفضل الكتب الصادرة يف عام ‪ ،2019‬التي‬ ‫وضعتها صحيفة “الغارديان” (‪)The Guardian‬‬ ‫العام املنرصم‪ ،‬والتي قالت عن الكتاب‪ :‬إ ّنه “يقدّم‬ ‫رواية مقنعة من الداخل عن الطموح املميت‬ ‫لألسد”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بحسب الصحيفة الربيطانية‪ ،‬يرشح املؤلف كيف‬ ‫أعاد الرصاع يف سوريا تشكيل الرشق األوسط وأدى‬ ‫إىل زعزعة النظام العاملي ككل‪ ،‬معت ًربا ّأن األسد‬ ‫كان عىل استعداد لقتل مئات اآلالف من الشعب‬ ‫السوري للبقاء عىل كريس السلطة‪ ،‬وذلك قبل‬ ‫ظهور تنظيم “داعش” اإلرهايب‪.‬‬ ‫ويربط “داغر” بني القمع الكبري الذي مارسته‬ ‫قوات النظام األمنية والعسكرية ضد السوريني‪،‬‬ ‫وإطالقه رساح مئات اإلسالميني من السجون‪.‬‬ ‫كام نقل املؤ ّلف عن مصادر من داخل النظام‪،‬‬ ‫ّأن األسد أمر ضباطه بالتخيل عن نقاط حدودية‬ ‫مع صعود تنظيم “داعش” اإلرهايب‪ً ،‬‬ ‫متهم إياه‬ ‫بقتل صهره العامد آصف شوكت‪ ،‬نائب وزير‬ ‫الدفاع السوري السابق (زوج شقيقته الكربى‬ ‫برشى األسد)‪ ،‬إضافة إىل شخصيات أمنية أخرى‪،‬‬ ‫فيام وصف آنذاك (عام ‪ )2012‬رسم ًيا بأنه هجوم‬ ‫إرهايب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كام يؤكد الصحايف األمرييك من أصول لبنانية‪،‬‬ ‫ّأن مقتل زميلته األمريكية ماري كولفني‪ ،‬ورفيقها‬ ‫الفرنيس املصور الصحفي رميي أوتشليك‪ ،‬يف مدينة‬ ‫حمص (وسط سوريا)‪ ،‬يف ‪ 22‬شباط‪ /‬فرباير ‪،2012‬‬ ‫كان “له ما يربره” بالنسبة للنظام كام أخربه ضابط‬

‫سوري يف جيش األسد‪.‬‬ ‫ويبي “داغر” ّ‬ ‫بأن معادلة إ ّما نحن أو الجحيم‬ ‫ّ‬ ‫ميزت حكم األسد األب وابنه الوريث سواء يف‬ ‫حكمهم لسوريا أو تعاملهام مع العامل الخارجي‬ ‫ال سيام الغريب‪ ،‬فحافظ األسد‪ ،‬الذي حكم ما بني‬ ‫عامي ‪ 1970‬و ‪ ،2000‬وضع السوريني بني خيارين‬ ‫إ ّما الرضوخ الكامل له‪ ،‬وإ ّما إلقاؤهم يف سجن‬ ‫تدمر الصحراوي وتدمري مدنهم وبيوتهم كام‬ ‫فعل يف مدينة حامة‪ .‬وكذلك قال للعامل الغريب‪:‬‬ ‫إ ّما أن ترتكوا يل حريتي يف حكم لبنان ورسقته أو‬ ‫ّأن املجموعات اإلرهابية ستهاجمكم يف لبنان ويف‬ ‫أوروبا ذاتها‪ ،‬وهذا ما فعله يف سبعينات ومثانينات‬ ‫القرن املايض عن طريق عدّة مجموعات مثل‬ ‫مجموعة أبو نضال (الفلسطينية املنشقة عن‬ ‫منظمة التحرير الفلسطينية) وميليشيا حزب الله‬ ‫(اللبناين الشيعي الطائفي)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كذلك فعل االبن الوريث ‪-‬بحسب املؤلف‪،-‬‬ ‫الذي تسلم الحكم منذ العام ‪ 2000‬وإىل يومنا‬ ‫هذا‪ ،‬حيث قال‪ :‬إ ّما أن تتوقف الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية عن تهديد نظامه أو أنه سيتابع ضخ‬ ‫املقاتلني اإلسالميني إىل العراق وتدريبهم ودعمهم‪،‬‬ ‫وإ ّما أن تتوقف أوروبا عن نبذه وتجاهله‬ ‫وتعفيه من العقوبات وتهمة قتل رفيق الحريري‬ ‫(رئيس الوزراء اللبناين األسبق)‪ ،‬أو إنه سيحرق‬ ‫لبنان وسيتابع عرب ميليشيا (حزب الله) سلسلة‬ ‫االغتياالت‪ ،‬وسيعمل عىل تزويد هذه امليليشيا‬ ‫املتطرفة باألسلحة‪ ،‬وبعد انطالق الثورة السورية‬ ‫وجه تهديده للغرب ً‬ ‫قائل‪ :‬إ ّما عدم دعم املعارضة‬ ‫والثورة الشعبية ضد نظامه وإ ّما ّ‬ ‫فإن سلسلة من‬ ‫التفجريات والهجامت االنتحارية ستطال أوروبا‪،‬‬ ‫ليط ّور تهديده أو معادلة البقاء الح ًقا إىل “إ ّما أن‬ ‫أحكم أو ّأن داعش سيسيطر عىل سوريا”‪ ،‬وهذه‬ ‫ً‬ ‫وفعل‬ ‫املعادلة التي التقطتها اإلدارة األمريكية‬ ‫بدأت يف عام ‪ 2014‬حملتها ضد التنظيم اإلرهايب‬ ‫مع توفري كل الضامنات للنظام بأنه غري مقصود‬ ‫بحملتها هذه!‬

‫التدمري جوهر عائلة األسد‪..‬‬

‫تأيت أهمية ما جاء يف الكتاب من خربة مؤ ّلفه يف‬

‫الشأن السوري‪ ،‬وشؤون الرشق األوسط بشكل‬ ‫عام‪ ،‬وكونه كان مر ً‬ ‫اسل لشؤون الرشق األوسط منذ‬ ‫العام ‪ ،2003‬ومقر ًبا من الحلقات الضيقة لنظام‬ ‫األسد االبن‪.‬‬ ‫وعن اختياره عنوان كتابه يقول “داغر” يف حوار‬ ‫أجرته معه “اإلذاعة الوطنية العامة” (‪)NPR‬‬ ‫األمريكية‪ ،‬إنه كان يرى هذا الشعار “األسد أو‬ ‫نحرق البلد” عىل جدران البلدات واألحياء يف‬ ‫دمشق وغريها من مدن سوريا الثائرة “كانت‬ ‫قوات النظام تدخل وتقوم مبا يس ّميه النظام تطهري‬ ‫هذه املنطقة‪ ،‬ويقومون يف بعض األحيان بإعدام‬ ‫كل من يعرثون عليه يف هذه األماكن‪ ،‬ينهبون‬ ‫ً‬ ‫وصول إىل البالط واألسالك النحاسية‬ ‫جميع املنازل‬ ‫املوجودة يف الحائط‪ ،‬ويحرقون هذه املنازل‪ .‬وبعد‬ ‫االنتهاء من ذلك‪ ،‬يكتبون عىل الجدران هذه‬ ‫العبارة‪ ،‬األسد أو نحرق البلد”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومام نقرأ يف الكتاب‪ ،‬ما نقله املؤلف عن لسان‬ ‫أحد قادة امليليشيات التي أنشأها نظام األسد بعد‬ ‫انطالق الثورة‪ ،‬قوله‪“ :‬سنقتلهم بالغاز والجوع‬ ‫وسندمر منازلهم‪ ،‬كيف يجرؤون عىل الوقوف‬ ‫ضدنا”‪ ،‬وهنا يلفت “داغر” إىل أننا نشهد حال ًيا‬ ‫تطبيق معادلة األسد يف إدلب‪ ،‬فإ ّما أن تستسلم‬ ‫إدلب وتخضع له وإ ّما فإنه سيدمرها فوق رؤوس‬ ‫أهلها‪ ،‬وما تدمريه للمستشفيات ومراكز اإلغاثة ّإل‬ ‫جزء من تهديده‪“ ،‬هذا هو منطق نظام األسد‪..‬‬


‫‪ASSAD OR WE BURN THE COUNTRY‬‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬

‫الكاتب والصحايف الربيطاين إيان بالك‪ ،‬يقول‬ ‫يف عرضه للكتاب‪ّ :‬‬ ‫“إن رواية سام داغر الكئيبة‬ ‫واملفصلة بشكل مثري لإلعجاب عن تدمري سوريا‪،‬‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫قواعد “دليل اإلرهاب” األسدي‪..‬‬

‫ترتكز عىل عاملني وثيقي الصلة فيام بينهام‪ ،‬وهام‬ ‫خاصة ما‬ ‫وجوده مع بداية األزمة ثم دقة مصادره‪ّ ،‬‬ ‫قدّمه له الجرنال السوري املنشق مناف طالس وآخرون‬ ‫من رؤى عن الرئيس األسد ودائرته الداخلية‪ ،‬وكذلك‬ ‫موضحا ّأن “مناف‬ ‫عن نشطاء املعارضة البارزين”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طالس الذي انشق عن النظام يف صيف ‪ ،2012‬كان‬ ‫أحد جرناالت الحرس الجمهوري النخبة يف سوريا وأحد‬ ‫املقربني من بشار‪ ،‬وأنه مل يكن مجرد العب يشارك‬ ‫األسد لعبة التنس‪ ،‬بل كان صديقه الحميم واملقرب‬ ‫بالفعل”‪.‬‬ ‫وانشق مناف طالس ‪-‬كام جاء يف الكتاب‪“ -‬عندما‬ ‫شعر بالقلق من القمع الوحيش الذي قام به األسد‬ ‫منذ اندالع االحتجاجات يف مدينة درعا يف آذار‪ /‬مارس‬ ‫‪ ،2011‬بعدما قام شباب ‪-‬تحت تأثري التغ ّيريات التي‬ ‫حدثت يف تونس ومرص وليبيا‪ -‬مطالبني بالكرامة‬ ‫والحرية واإلطاحة بنظامهم القمعي‪ ،‬وبدا حينها ّأن‬ ‫سوريا كانت متّجهة منذ البداية إىل وجهة مختلفة‬ ‫وقصة أكرث دموية”‪.‬‬ ‫يؤ ّكد سام داغر يف منت كتابه‪ّ ،‬أن األسد استطاع‬ ‫عرب تطبيق ما أسامه قواعد “دليل اإلرهاب”‪ ،‬الذي‬ ‫حكمت عائلته سوريا به ملدة خمسني عا ًما‪ ،‬أن يتم ّكن‬ ‫من البقاء حتى اآلن مع كل ما عانته وتعانيه البالد من‬ ‫قتل ودمار وخراب طال السواد األعظم من عمران‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫ومن خالل لقاءاته مع املسؤولني يف النظام يفرق‬ ‫املؤ ّلف بني روايتني‪ ،‬ففي حني يتمسك الجانب‬ ‫الرسمي من النظام ويعيد مسؤولوه رسدية املؤامرة‬ ‫الدولية والدور اإلرسائييل ومحاربة اإلرهاب‪ّ ،‬‬ ‫فإن‬ ‫الجانب العسكري من النظام يتحدّث برصاحة‬ ‫ووضوح وبشكل مبارش‪ ،‬متفاخرين باملجازر التي‬ ‫ارتكبتها قوات الجيش وامليليشيات التابعة لها‪ ،‬والتي‬ ‫أطلق عليها هنا تسمية “قوات الدفاع الوطني”‪،‬‬ ‫وهي مجموعات من الشبيحة واملرتزقة من السوريني‬ ‫املوالني لألسد‪.‬‬ ‫يتوقف املؤ ّلف األمرييك‪ ،‬عند الدور اإليراين والرويس‬

‫ثقافة‬

‫هذا جوهر هذه العائلة”‪.‬‬ ‫ويوضح “داغر” ّأن رد فعل األسد عىل أطفال‬ ‫درعا‪ ،‬كان بناء عىل نصيحة شقيقه األصغر‬ ‫ماهر (لواء يف الجيش‪ ،‬قائد الفرقة الرابعة)‬ ‫وابن عمه حافظ مخلوف (عميد يف األمن تم‬ ‫إبعاده الح ًقا)‪ ،‬مبضاعفة القمع وبإطالق رساح‬ ‫املئات من اإلسالميني الذين تم تشجيعهم يف‬ ‫السابق عىل محاربة االحتالل األمرييك يف العراق‬ ‫بعد سقوط الرئيس صدام حسني‪ ،‬لكنهم سجنوا‬ ‫عندما عادوا إىل ديارهم‪.‬‬ ‫وكانت النتيجة ‪-‬كام يص ّورها “داغر”‪ّ -‬أن شعار‬ ‫“سلمية” الذي حملته الثورة السورية منذ‬ ‫البداية قد تالىش تحت ضجيج الهجامت بالقنابل‬ ‫والتفجريات االنتحارية الجهادية التي يذكر ّأن‬ ‫بعضها مزيف من ِق َبل النظام‪.‬‬ ‫وبحسب املؤ ّلف‪ ،‬فإنه يف األيام األوىل من ثورة‬ ‫الحرية والكرامة كان هناك جدل يف العواصم‬ ‫خاصة‬ ‫الغربية حول كيفية ر ّد فعل بشار األسد‪ّ ،‬‬ ‫ّأن صعوده إىل السلطة عام ‪ 2000‬رافقه اإلعالن‬ ‫عن “ربيع دمشق” قصري العمر‪ ،‬كام رافقه‬ ‫خصوصا بالتحرير‬ ‫الحديث عن إصالح فيام يتعلق‬ ‫ً‬ ‫االقتصادي‪ ،‬ولكن كل ذلك مل يشمل “حاجز‬ ‫الخوف” الذي تحافظ عليه فروع مختلفة من‬ ‫رشطة املخابرات الرسية يف كل مكان‪.‬‬ ‫ورأى “داغر” يف كتابه ّأن الردود الدولية‬ ‫واإلقليمية تعدُّ جز ًءا ً‬ ‫مهم من هذه القصة‬ ‫القامتة واملستم ّرة‪ ،‬إذ دعا الرئيس األمرييك وقتها‬ ‫باراك أوباما يف آب‪ /‬أغسطس ‪ 2011‬األسد إىل‬ ‫التنحي‪ ،‬وتلته يف ذلك بريطانيا ودول اال ّتحاد‬ ‫األورويب األخرى‪.‬‬ ‫وبحلول نهاية ذلك العام‪ ،‬كان عدد القتىل يف‬ ‫سوريا قد تجاوز خمسة آالف‪ ،‬وقد بلغت‬ ‫احتامالت التدخل الغريب‪ ،‬ذروتها عندما وصل‬ ‫الضابط املنشق عن جيش بشار األسد‪ ،‬العميد‬ ‫مناف طالس إىل باريس مبساعدة عمالء‬ ‫املخابرات الفرنسية‪.‬‬

‫يف تعزيز حكم بشار األسد‪ ،‬الفتًا إىل ّأن‬ ‫املواقف األمريكية والغربية املرتدّدة قابلها عزم‬ ‫إسرتاتيجي من قبل إيران‪ ،‬لدعم كلٍ من األسد‬ ‫وحزب الله‪ ،‬وتدخل من روسيا التي أغضبها دور‬ ‫حلف “الناتو” يف اإلطاحة بالزعيم الليبي معمر‬ ‫القذايف‪ ،‬يف حني ّأن الدعم اإلقليمي غري املنسق‬ ‫للجامعات السورية املعارضة من قبل السعودية‬ ‫وقطر وتركيا املتنافسة عىل النفوذ‪ ،‬ساعد يف‬ ‫تغ ّيري املشهد العسكري والرواية الرسمية‪ .‬وهكذا‬ ‫تح ّول ما رآه الصحايف األمرييك رصاعًا متحر ًكا من‬ ‫أجل الحرية‪ ،‬إىل “حرب عىل اإلرهاب”‪ ،‬ويف هذا‬ ‫السياق كتب “داغر”‪“ :‬ما يتامىش مع تقليد‬ ‫النظام الراسخ املتم ّثل يف رعاية الوحش ومن ثم‬ ‫تقديم نفسه للغرب باعتباره الوحيد القادر عىل‬ ‫ذبحه‪ ،‬ومن ثم يطرح رشوطه املسبقة”‪.‬‬ ‫ويؤ ّكد املؤ ّلف ّأن اللحظة الحاسمة يف مسار‬ ‫األحداث يف سوريا مت ّثلت يف التدخل العسكري‬ ‫الرويس يف أيلول‪ /‬سبتمرب ‪“ ،2015‬منذ ذلك‬ ‫الحني‪ ،‬استعاد األسد السيطرة عىل معظم أنحاء‬ ‫البالد باستثناء محافظة إدلب‪ ،‬حيث يجري اآلن‬ ‫النظر إىل ما يبدو أنه الفعل األخري يف مأساة‬ ‫سوريا”‪.‬‬ ‫جدير بالذكر‪ّ ،‬أن سام داغر يعترب الكاتب‬ ‫والصحايف األمرييك الوحيد الذي تواجد يف‬ ‫سوريا بني عامي ‪ 2012‬و‪ ،2014‬واعتقل يف‬ ‫‪ 2014‬من قبل ميليشيات تابعة لألسد وتم‬ ‫حجزه تحت األرض‪ ،‬ومن ثم تم إبعاده عن‬ ‫سوريا بسبب تقاريره الصحفية‪ ،‬وكان أن كتب‬ ‫من سوريا العديد من التقارير واملقاالت يف‬ ‫الصحف األمريكية‪ ،‬مثل “وول سرتيت جورنال”‬ ‫و”نيويورك تاميز”‪ ،‬وتم ترشيحه لجائزة “بوليتزر”‬ ‫(‪ ،)Pulitzer Prize‬‏التي تقدّمها سنو ًيا جامعة‬ ‫“كولومبيا” يف نيويورك‪ ،‬يف مجال الصحافة‪،‬‬ ‫وخالل هذه الفرتة ‪-‬كام أوضح “داغر”‪ -‬يف عدّة‬ ‫تغريدات وندوات عن كتابه‪ ،‬التقى بالكثري‬ ‫من مسؤويل النظام وضباط مخابراته وقادة‬ ‫امليليشيات التي تم إنشاؤها بعد انطالق الثورة‪،‬‬ ‫مش ًريا إىل أنه اعتمد يف كتابه عىل حوارات مطولة‬ ‫مع العميد املنشق مناف طالس‪ ،‬الذي كان مقر ًبا‬ ‫لبشار قبل انشقاقه ومغادرته سوريا إىل فرنسا‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫‪18‬‬

‫رحيل ا‬

‫لباحث واألكادميي السوري د‪ .‬حسان عباس‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫غ ّيب املوت‪ ،‬األحد املوافق ‪ 7‬آذار‪/‬مارس الحايل‪ ،‬الباحث‬ ‫واألكادميي السوري‪ ،‬حسان عباس‪ ،‬عن عمر ناهر الـ ‪66‬‬ ‫عاماً بعد مكابدة صامتة مع مرض رسطان الرئة‪ ،‬بعيداً‬ ‫عن دمشق التي كثرياً ما متنّى الرجوع إليها محتفالً بنيلها‬ ‫الحرية وبانتصار ثورة السوريني عىل الطاغية‪.‬‬ ‫ولد عباس يف الـ ‪ 15‬من نيسان ‪ ،1955‬يف مدينة مصياف‬ ‫بريف حامة الغريب‪ ،‬وحصل عىل شهادة الدكتوراه يف النقد‬ ‫األديب من جامعة السوربون الجديدة يف فرنسا‪ ،‬عام ‪.1992‬‬ ‫حاز الفقيد‪ ،‬الرئيس املؤسس لـ (الرابطة السورية‬ ‫للمواطنة)‪ ،‬ومؤسس دار نرش “بيت املواطن” ومديرها‪.‬‬ ‫عىل وسام “السعفة األكادميية برتبة فارس” من فرنسا عام‬ ‫‪.2001‬‬ ‫(رابطة الكتّاب السوريني) نعت الراحل قائلة‪ :‬بـ “عميق‬ ‫الحزن واألىس‪ ،‬تنعي الرابطة كاتباً ومثقفاً من أبرز وجوه‬ ‫الثقافة السورية‪ ،‬الدكتور حسان عباس‪ ،‬عضو الرابطة‪،‬‬ ‫الذي وافته املنية يف مدينة ديب يف اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬بعد رصاع صامت مع مرض عضال”‪ .‬وبرحيل‬

‫صاحب “املوسيقى التقليدية يف سوريا”‪ ،‬تخرس سوريا‬ ‫ً‬ ‫اليوم مثقفا رصيناً‪ ،‬عمل يف الحقل األكادميي‪ ،‬ويف النشاط‬ ‫املدين السوري‪ ،‬حيث حفل تاريخه الشخيص باملساهامت‬ ‫الفذة يف نشاط املجتمع املدين السوري قبل الثورة‬ ‫السورية‪ ،‬إذ أنه شارك يف تأسيس (جمعية حقوق اإلنسان)‪،‬‬ ‫كام شارك بتأسيس (الرابطة السورية للمواطنة)‪ ،‬وقد توج‬ ‫الراحل فعاليته الدؤوبة عرب االنتامء إىل صفوف السوريني‬ ‫الثائرين منذ األيام األوىل لثورة الحرية والكرامة‪ ،‬فكان‬ ‫ً‬ ‫ناطقا باسم الشباب السوري الثائر‪ ،‬ومعرباً عن طموحاتهم‬ ‫يف السياق اإلعالمي الغريب‪ ،‬ويف صقل ّ‬ ‫توجهات املث ّقفني‬ ‫منهم عرب مرشوعه (بيت املواطن) الذي نقل إىل السوريني‬ ‫والسوريات عرشات من التجارب اإلبداعية التي أرشف‬ ‫عىل إصدارها يف سلسلة “شهادات سورية”‪ ،‬وقد‬ ‫عمل وكانت نخبة من الكتاب أصدقاء الراحل قد أصدروا‬ ‫الراحل عىل مشاريع خاصة بحفظ الرتاث الشفوي وا‬ ‫ملادي مع نهاية العام ‪ 2020‬كتاباً بعنوان “حسان ع ّباس يف‬ ‫السوريني‪ ،‬إضافة إىل فعاليته النقدية‪ ،‬والتي كان‬ ‫أخرها عيون معارصيه” كنوع من التكريم واالحتفاء بجهد‬ ‫كتابه البحثي “الجسد يف رواية الحرب السورية” ال‬ ‫صادر املثقف البارز وأعامله ومساهامته املميزة‪ .‬أع ّد‬ ‫عن “املعهد الفرنيس للرشق األدىن”‪.‬‬ ‫الكتاب وقدم له الكاتب فايز سارة‪.‬‬

‫ً‬ ‫حديثا رواية‬ ‫صدرت‬

‫«البحث عن عازار» للسوري الكردي نزار آغري‬

‫ثقافة‬

‫صدرت حدي ًثا‪ ،‬عن دار “الكتب خان للنرش”‬ ‫القاهرية‪ ،‬رواية للروايئ والناقد واملرتجم‪،‬‬ ‫السوري الكردي‪ ،‬نزار آغري‪ ،‬املقيم يف أوسلو‪،‬‬ ‫بعنوان “البحث عن عازار”‪ ،‬التي تدور أحداثها‬ ‫حول قصة صداقة جمعت بني صبيني يف مدينة‬ ‫القامشيل قرب الحدود السورية الرتكية‪ ،‬حيث‬ ‫تختلط األديان والعرقيات واألفكار‪ ،‬وتتجاور‬ ‫الثقافات‪ ،‬ومتتزج الطقوس واألعياد باألساطري‪.‬‬ ‫تنقسم الرواية إىل قسمني طويلني‪ ،‬وثالث قصري‪.‬‬ ‫يف القسم األول‪ ،‬نتعرف عىل قصة الصداقة بني‬ ‫الصبيني “عيد كوري”‪ ،‬و”عازار ناحوم عزرا”‪،‬‬ ‫ونتجول معهام يف القامشيل‪ ،‬التي تزدحم‬ ‫باألعراق والديانات والجنسيات‪ .‬ومع منو‬ ‫صداقتهام‪ ،‬يقدم لنا الكاتب املدينة بأسواقها ومع “عيد” يف حلب وبريوت والرنويج‪ ،‬نعايش‬ ‫وشوارعها ودور السينام فيها‪ ،‬إضافة إىل مالعبها‪ .‬حكايات جديدة مع األصدقاء والشعراء‬ ‫وعرب لغة بسيطة وناعمة‪ ،‬نتعرف عىل زمالء واملناضلني الفلسطينيني‪ ،‬حيث يجاور الكاتب‬ ‫الدراسة‪ ،‬والجريان يف بيت “صومي”‪ ،‬ومكتبات بني مشاهد من رحلة حياته ودراساته وسفره‬ ‫وعالقاته بالبرش والتنظيامت السياسية‪ ،‬وبني‬ ‫املدينة‪ ،‬واملعلمني يف املدرسة‪.‬‬ ‫يف القسم الثاين من الرواية‪ ،‬ترتفع نغمة الشجن األغاين واألشعار والرتانيم يف حب فتى صباه األول‬ ‫بعد رحيل “عازار”؛ وتصبح حياة الراوي وذكرياته “عازار”‪ ،‬إىل أن يلتقيا يف نهاية القسم الثالث‬ ‫وآماله كلها أغنية شجية‪ ،‬ورقصة متكررة‪ ،‬بح ًثا واألخري من الرواية بعد مرور أكرث من أربعني‬ ‫سنة من الحلم والبحث واألىس‪.‬‬ ‫عن شمسه ومدينته وصباه‪ ،‬وعن عازار‪.‬‬

‫«تأمالت فلسفية وشعرية»‬ ‫جديد الفيلسوف والشاعر‬ ‫أمحد الربقاوي‬ ‫عرب كتابه الجديد “الحب والحرية والحياة‪ ..‬تأمالت‬ ‫فلسفية وشعرية”‪ ،‬الصادر عن دار “العائدون للنرش”‬ ‫يطل الفيلسوف والشاعر الفلسطيني السوري‬ ‫يف َعامن؛ ّ‬ ‫الدكتور أحمد الربقاوي‪ ،‬املقيم يف دولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬بباقة مختارة من كتاباته الجديدة‪ ،‬ومفاهيمه‬ ‫ونتاجاته الفلسفية ونصوصه الشعرية والنقدية‪ .‬مبتدئاً‬ ‫بالناس وعالقتهم بالكاتب والكتابة‪ ،‬وتصوراتهم عن‬ ‫ومفص ًال يف أجناس‬ ‫الكاتب “املوقف” والكاتب ُ‬ ‫“الغبار”‪ّ ،‬‬ ‫الكتابة وأنواعها تبعاً لعالقتها باإلنشاء‪.‬‬ ‫يف الجزء الثاين‪ ،‬يأخذنا صاحب “أطياف فلسفية”‪،‬‬ ‫إىل بيته الفلسفي‪ ،‬مقس ًام غرفه إىل عناوين تشكل‬ ‫يف مجموعها تلخيصاً مكثفاً‪ ،‬فلسفياً وأكادميياً وفكرياً‬ ‫وسوسيولوجياً ونفسياً‪ ،‬لبعض من تجاربه ونتاجاته‬ ‫النرثية‪ ،‬وإعادة طرحه ألسئلة ومفاهيم ومصطلحات‬ ‫شائكة ومثرية عن الفلسفة‪.‬‬ ‫الربقاوي‪ ،‬يختم كتابه بباقة من شعره الفلسفي الوجودي‬ ‫“ح َكمه”‬ ‫واإلنساين والجاميل‪ ،‬و”شذراته” املكثفة لـ ِ‬ ‫وانتقاداته وإيحاءاته وتلميحاته الواخزة‪.‬‬


‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫“الساقي” تفوز جبائزة كويتية لـ”قصص‬ ‫األطفال” عن قصة للرسامة السورية جلنار حاجو‬

‫العدد‬

‫«تنوير عشية الثورة‪ :‬النقاشات املصرية والسورية»‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫دراسة نقدية للباحثة إليزابيث سوزان‬ ‫كساب‬ ‫صدر مؤخ ًرا‪ ،‬عن سلسلة “ترجامن”‪،‬‬ ‫يف (املركز العريب لألبحاث ودراسة‬ ‫السياسات)‪ ،‬كتاب بعنوان “تنوير‬ ‫عشية الثورة‪ :‬النقاشات املرصية‬ ‫والسورية”‪ ،‬وهو الرتجمة العربية‬ ‫لكتاب الباحثة اللبنانية إليزابيث‬ ‫سوزان ّ‬ ‫كساب‪Enlightenment :‬‬ ‫‪in the Eve of Revolution :The‬‬ ‫‪،Egyptian and Syrian Debates‬‬ ‫الذي تناقش فيه السياقات الفكرية‬ ‫التي تخ ّلقت فيها أجواء الثورة يف‬

‫كل من مرص وسوريا‪ ،‬مستعرض ًة الفروق بني خطابات‬ ‫التنوير يف السنوات التي سبقت الثورتني‪ ،‬ومقارن ًة بني‬ ‫ما يُسمى “التنوير الحكومي”‪ ،‬و”التنوير املستقل”‪ ،‬يف‬ ‫الحالة املرصية‪ ،‬وعالقتهام باإلسالميني‪.‬‬ ‫يف الكتاب الذي ترجمه الفلسطيني محمود محمد‬ ‫الحرثاين‪( ،‬أربعة فصول يف قسمني‪ 280 ،‬صفحة بالقطع‬ ‫الوسط‪ ،‬موث ًقا‬ ‫ً‬ ‫ومفهرسا)‪ ،‬تناقش كساب‪ ،‬يف الحالة‬ ‫املرصية‪ ،‬أعامل مفكرين من مشارب مختلفة‪ ،‬مثل مراد‬ ‫وهبة‪ ،‬ومحمد عامرة‪ ،‬ومنى أباظة‪ ،‬ونرص حامد أبو زيد‪،‬‬

‫وجابر عصفور‪ ،‬ورشيف يونس‪ .‬أما يف‬ ‫الحالة السورية‪ ،‬فتحتل أعامل أنطون‬ ‫مقديس‪ ،‬وسعدالله و ّنوس‪ ،‬وفيصل‬ ‫دراج‪ ،‬وممدوح عدوان‪ ،‬وبرهان‬ ‫غليون‪ ،‬وطيب تيزيني‪ ،‬مكانة‬ ‫بارزة‪ .‬ومت ّيز املؤلفة بني لحظتني يف‬ ‫التنوير السوري‪ :‬اللحظة السيزيفية‪،‬‬ ‫واللحظة الربوموثيوية‪ ،‬يف تحليل‬ ‫عميق لقضايا ال ّ‬ ‫تكف عن الربوز كلام‬ ‫خبا ُأوَارها أو ُأري َد له أن يخبو‪.‬‬ ‫ويشتمل القسم الثاين من الكتاب‪،‬‬

‫“دمشق”‪ ،‬عىل فصلني‪ .‬وتقول املؤلفة يف الفصل الثالث‪،‬‬ ‫“نقاشات التنوير يف سورية يف تسعينيات القرن العرشين‪:‬‬ ‫اللحظة السيزيفية”‪ :‬إن اإلسالم السيايس يف خطابات‬ ‫التنوير السوري مل يكن الخصم الرئيس‪ ،‬كام هو الحال‬ ‫يف التجربة املرصية‪“ ،‬إمنا كان استبداد الدولة السورية‬ ‫وفسادها ووحشيتها‪ .‬فقد تعرض اإلسالمويون يف سورية‬ ‫لالضطهاد واالعتقال واالغتيال قبل بدء النقاشات بعقد‬ ‫من الزمان؛ وأعلن اإلسالم السيايس جرمية‪ ،‬وإىل ح ٍّد بعيد‬ ‫اختفى من املشهد السوري”‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫“جاسوسة املالئكة” مجموعة قصصية جديدة‬ ‫للقاص والكاتب السوري عامر األمري‪ ،‬املقيم‬ ‫يف أملانيا‪ ،‬وهي اإلصدار الثاين له بعد “شتيمة‬ ‫موصوفة”‪ .‬يعالج الكاتب يف قصصه هذه هموم‬ ‫املواطن السوري املسحوق‪ ،‬من خالل تفاصيل‬ ‫هذا املجتمع ومشاكله قبل الثورة وبعدها‪ .‬ونقرأ‬ ‫من أجواء الكتاب‪“ :‬فجأة سقط صاروخ رابع‬ ‫رسق ابتسامته امللعونة وهدم البناء املجاور‪،‬‬ ‫ليرتك الفراغ مكانه‪ ،‬يومئذ انهالت قطعة حجر‬ ‫كبرية ومزقت صدر الباب‪ .‬ثالث مرة كرسه لص‪،‬‬ ‫آه من هؤالء اللصوص الذين يرسقون‪ ،‬واملوت‬ ‫ميد يديه يقطف األرواح”‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫«جاسوسة املالئكة»‪..‬‬ ‫اجملموعة القصصية‬ ‫الثانية لعمار األمري‬

‫هولندا‪ ،‬عىل جدار صفحتها يف “فيسبوك” عن‬ ‫سعادتها بهذا الفوز‪ ،‬وذكرت ّأن القصة الفائزة‬ ‫“نزهتي العجيبة مع العم سامل”‪ ،‬وصلت ً‬ ‫أيضا إىل‬ ‫القامئة القصرية لجائزة “الشيخ زايد للكتاب” (فئة‬ ‫الطفل) لعام ‪.2020‬‬

‫‪2021 / 3 / 16‬‬

‫أعلن (ا ّتحاد النارشين العرب)‪ ،‬الشهر الفائت‪ ،‬فوز‬ ‫“دار الساقي” اللبنانية‪ ،‬بـ”جائزة النارش الكويتي‬ ‫الدكتور عبد العزيز املنصور لدعم النارشين”‪ ،‬يف‬ ‫دورتها الثانية لعام ‪ ،2020‬لـ”قصص األطفال”‪،‬‬ ‫وقيمتها ‪ 10‬آالف دوالر أمرييك متنح بالكامل لدار‬ ‫النرش الفائزة‪ .‬وقال رئيس لجنة تحكيم الجائزة‪،‬‬ ‫الدكتور طارق البكري‪ ،‬يف بيان صحايف‪“ :‬إن فوز‬ ‫(دار الساقي) جاء عن قصة “نزهتي العجيبة مع‬ ‫العم سامل”‪ ،‬وهي من تأليف الروائية اإلمارتية نادية‬ ‫النجار‪ ،‬ورسوم الفنانة السورية جلنار حاجو”‪.‬‬ ‫وأوضح البكري أن لجنة التحكيم لهذه الدورة‬ ‫ضمت الدكتورة وفاء الشاميس (من سلطنة عامن)‪،‬‬ ‫والدكتور أرشف قادوس (من مرص)‪ ،‬والشاعر محمد‬ ‫جامل عمرو (من األردن)‪ ،‬واألديب صالح الغازي‬

‫(من مرص)‪.‬‬ ‫وحسب لجنة التحكيم‪ ،‬مت ّيزت قصة “نزهتي‬ ‫العجيبة مع العم سامل” بأنها “رشيقة األسلوب‪،‬‬ ‫ومتكاملة العنارص‪ ،‬ومشوقة الرسد‪ ،‬وسهلة األلفاظ‪،‬‬ ‫وتعرف الطفل عىل بعض تفصيالت الحياة‪ ،‬وتثري يف‬ ‫نفسه روح املثابرة واإلرادة والشعور باآلخر‪ ،‬فض ًال‬ ‫عن شكلها الجميل‪ ،‬ورسومها املبتكرة‪ ،‬وطباعتها‬ ‫الفاخرة”‪.‬‬ ‫من جهته قال رئيس (ا ّتحاد النارشين)‪ ،‬محمد‬ ‫رشاد‪ّ ،‬إن “هذه الجائزة رغم حداثتها النسبية ورغم‬ ‫تداعيات جائحة (كورونا) عىل النارش العريب‪ ،‬فإنها‬ ‫استطاعت أن تقدّم منوذجاً حياً للتضامن والتآخي ما‬ ‫بني النارشين العرب”‪.‬‬ ‫وأعربت الرسامة السورية جلنار حاجو‪ ،‬املقيمة يف‬

‫‪19‬‬


‫عمل للفنان سمير خليلي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.