المثقف السعودي

Page 1

‫‪cartier.com‬‬

‫روتوند دو كارتييه‬

‫مكرر الدقائق‪ ،‬التوربيون المحلقة ‪ 9402‬إم سي‬ ‫موثقة بدمغة جنيف‪ ،‬الكاليبر ‪ 9402‬إم سي دو كارتييه تجمع مابين اثنتين من أكثر تعقيدات الساعات الكبرى اعتباراً و‬ ‫ً‬ ‫هيبة‪ :‬مكرر الدقائق و التوربيون المحلقة‪ .‬بضغطة واحدة على الزر الجانبي يقوم مكرر الدقائق بتفعيل مطرقتين يمكن‬ ‫رؤيتهما من خالل ميناء الساعة فتعطيان الرنات التي تشير بالترتيب إلى الساعات و أرباع الساعات و الدقائق بالتطابق مع ما‬ ‫تؤشر إليه عقارب الساعة‪ .‬يتم تنظيم الرنات بواسطة دوالب موازنة يعمل بالقصور الذاتي و يمكن رؤيته في موقع الساعة‬ ‫السادسة و يكمل ألف دورة في الدقيقة‪ .‬مطور من خالل عدم وجود الجسر الذي يربطه إلى ميناء الساعة‪ ،‬يظهر التوربيون‬ ‫المحلق و كأنه يطفو في قلب الساعة مبدع ًا تأثيراً بصري ًا فريداً‪.‬‬ ‫علبة الساعة من التيتانيوم‪ ،‬تاج مصقول مرصع بحجر السافير بقطع كابوشون‪ ،‬حركة ميكانيكية بتعبئة يدوية شغل الدار‪،‬‬ ‫مكرر الدقائق و توربيون محلق كاليبر ‪ 9402‬إم سي‪ ،‬تصديق دمغة جنيف (‪ 45‬جوهرة‪ 447 ،‬جزءاً‪ ،‬تردد ‪ 21600‬ذبذبة في‬ ‫الساعة‪ ،‬خزان طاقة مزدوج‪ ،‬احتياطي الطاقة قرابة ‪ 50‬ساعة)‪ ،‬مكرر الدقائق مع دوالب موازنة‪ ،‬مطارق و أجراس قرصية‬ ‫مرئية على جانب الميناء‪ ،‬توربيون محلق بدوار على شكل الحرف ‪. C‬‬

‫بوتيك كارتييه في المملكة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ساكس فيفث أفنيو‪ ،‬مركز المملكة‪،)01( 211 2450 :‬‬ ‫مجمع سنتريا‪ ،‬شارع العليا العام‪)01( 462 6959 :‬‬ ‫ّ‬ ‫جدة‪ ،‬شارع التحلية‪)02( 660 0720 :‬‬ ‫ّ‬ ‫مجمع الراشد مول‪)03( 881 4484 :‬‬ ‫‪،13‬‬ ‫الخبر‪ ،‬بوابة‬ ‫ّ‬



‫الكلمة الأخرية‬ ‫التحذيرات من مؤثرات األزمة املتفاقمة في سوريا على دول الجوار لها ما يبررها‪ .‬وعلى األقل‪ ،‬أثبتت األشهر األخيرة‬ ‫استحالة إبقاء العراق ولبنان واألردن بمنأى عن النيران السورية‪.‬‬ ‫صحيح أن غالبية دول العالم رهائن ملوقعها الجغرافي بطريقة أو بأخرى‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهي محكومة باعتبارات الجوار‪،‬‬ ‫وطبيعة التفاعل معه سلبا وإيجابا‪ .‬والكيانات العربية في منطقة الشرق األدنى مضطرة إلى التعايش مع مصالح‬ ‫القوى اإلقليمية الثالث غير العربية‪ ،‬أي إسرائيل وإيران وتركيا‪ ،‬التي تفوقها منعة والتي تبدو حتى اآلن أكثر تماسكا‬ ‫واقتناعا بمصالحها ومطامحها وسبل تحقيقها‪.‬‬ ‫بما يخص الحالة األردنية‪ ،‬فهي ذات صلة مباشرة بالنزاع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي‪ ،‬أي إنها في عني العاصفة قبل‬ ‫بداية املواجهة مع «إيران الخمينية»‪ ،‬وبطبيعة الحال قبل تولي اإلسالميني الحكم في تركيا وبزوغ فجر «الربيع العربي»‪.‬‬ ‫ثم إن شكل الحكم امللكي األردني وشرعيته مختلفان عن أشكال الحكم «الجمهورية» (!) في العراق وسوريا ولبنان‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬فاالعتبارات التي تحكمها مختلفة إلى حد ما عن حاالت الكيانات الثالثة‪ ،‬املهددة اليوم أكثر من أي وقت مضي‬ ‫إما بالتقسيم والتفتت أو التحول إلى «دول فاشلة»‪.‬‬ ‫في املقابل‪ ،‬يجوز الزعم بأن غياب املواطنة هو القاسم املشترك بني الثالثي الذي غدا عمليا «املمر اإليراني» إلى املتوسط‪،‬‬ ‫وقطاع النفوذ الجيوسياسي لـ«الشيعية السياسية» – كما تمثلها إيران الخمينية – الذي يفصل جغرافيا أكبر كتلتني‬ ‫بشريتني سنيتني على تخوم أوروبا‪ ،‬أي العالم العربي والعالم التركي‪ ،‬إحداهما عن األخرى‪.‬‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫�إياد �أبو �شقرا‬

‫اإلنجاز الذي تسعى طهران لتحقيقه اليوم عبر «املمر اإليراني» (أو «الهالل الشيعي» كما يوصف أحيانا) كان هاجسا‬ ‫عند تركيا العثمانية في أوج مواجهتها مع إيران الصفوية خالل القرن امليالدي السابع عشر‪ .‬وهو ما استدعى رعايتها‬ ‫نشوء كيان على الشاطئ الشرقي للمتوسط بهدف «تأمني» طريق الحج للسلطان العثماني‪ ،‬أي خليفة املسلمني‪ ،‬بينما‬ ‫خاضت القوتان مواجهات كبرى على أرض العراق‪ .‬وقام ذلك الكيان الساحلي على شكل مثلث رأسه الداخل السوري‬ ‫– بما فيه دمشق – وقاعدته خط الساحل من الالذقية إلى الجنوب من حيفا‪ ،‬وقلبه جبل لبنان‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬بعد الحرب اللبنانية (‪ )1990 - 1975‬وغزو العراق (‪ ،)2003‬وكذلك سلسلة األخطاء التي ارتكبها نظام آل األسد‬ ‫إبان مرحلة األسد االبن‪ ،‬التي كانت من محطاتها الكبرى اضطراره إلنهاء سيطرته العسكرية واألمنية املعلنة على لبنان‬ ‫في ربيع ‪ - 2005‬تظهر حقائق مؤملة تحت رماد النزاعات األهلية‬ ‫والتسلط الطائفي والعشائري والعائلي وهيمنة األجهزة األمنية على‬ ‫مقدرات الدولة‪ ،‬بل اختصار مؤسسات الدول في تنظيمات ما عادت‬ ‫أحزابا‪ .‬إننا بصدد خيارين‪ ،‬األرجح أنه ال ثالث لهما‪ ،‬إزاء أوضاع‬ ‫العراق وسوريا ولبنان‪ .‬وبصرف النظر عن إمكانية إنهاء األزمة‬ ‫السورية بتسوية سياسية‪ ،‬على املتابع الجاد االقتناع بأن سوريا ما‬ ‫قبل مارس (آذار) ‪ 2011‬انتهت إلى غير رجعة‪ .‬وباملثل‪ ،‬بات مستحيال إنهاض «عراق صدام حسني» أو استنهاضه‪ ،‬أو‬ ‫استعادة لبنان ما قبل الطائف (أواخر ‪ ،)1989‬بل حتى ما قبل «اتفاق الدوحة» (‪.)2008‬‬

‫الحل لحزام «الدول الفاشلة»‬

‫لقد رسمت األحداث وقائع جديدة على األرض‪ ،‬يتعذر تغييرها بجرة قلم‪ ،‬أو مصافحة من وحي «عفا الله عما مضى»‪.‬‬ ‫تغيرت التوازنات والعالقات بني املكونات البشرية داخل الكيانات الثالثة‪ ،‬وحصل واقع تقسيمي حقيقي في النفوس‬ ‫واملشاعر‪ ،‬إن لم يكن على األرض حيث املدن املدمرة واملاليني املشردة والسيارات املفخخة التي تحصد العشرات‬ ‫عشوائيا أحيانا‪ ،‬وعلى الهوية غالبا‪.‬‬ ‫الصيغ الحالية غير قابلة للحياة‪ ،‬وعلى الجميع االقتناع بضرورة الكف عن الهروب إلى األمام وتجاهل الحقائق‪ .‬فما‬ ‫عاد باإلمكان التذرع بالخارج‪ ،‬رغم وطأته الثقيلة وتدخالته املستمرة‪ .‬وما عاد باإلمكان االحتماء بالتخوين والتكفير‬ ‫واستسهال اإللغاء واالجتثاث وصوال إلى استحالل الحرمات‪.‬‬ ‫أما الحل‪ ،‬فلعله في تعريف نقاط االختالف الذي تحول إلى خالف‪ ،‬ومن ثم االنطالق منه إلى تنظيم االختالف وفق‬ ‫تسوية مؤسساتية واقعية‪ ،‬تلغي عند من تتوهم أنها أكثريات هاجس الشعور بالغنب والرغبة في االنتقام‪ ،‬وتزيل عند‬ ‫األقليات مشاعر الخوف والقلق من التهميش‪ .‬بعد أنهار الدماء التي سالت في كل من العراق وسوريا ولبنان منذ ‪،1975‬‬ ‫صارت «الفيدرالية» – أو لنسمها «الالمركزية اإلدارية املوسعة» – الخيار الوحيد لدرء الفتنة واالنزالق نحو االنتحار‬ ‫الجماعي‪.‬‬ ‫ملاذا ال نتعلم من نجاح نماذج سويسرا حيث يعترف الدستور بأربع لغات رسمية‪ ،‬أو الواليات املتحدة حيث تتساوى‬ ‫«دول» كبيرة وصغيرة تحت قبلة الكابيتول‪ ،‬والهند حيث تستحدث الواليات الجديدة حيث وحني تدعو الحاجة‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫إسالميا‬ ‫مجتمعا‬ ‫دولة حزب الله بلبنان‬ ‫احلركات السلفية يف‬ ‫املغرب ‪2004 - 1971‬‬ ‫املؤلف‪ :‬عبد احلكيم‬ ‫أبو اللوز‬ ‫الناشر‪ :‬مركز دراسات‬ ‫الوحدة العربية‪2009 ،‬‬ ‫هذا الكتاب في أصله دراسة أكاديمية مسحية‬ ‫للحركات السلفية النشيطة في املغرب منذ‬ ‫بدايات السبعينات‪ ،‬اعتمد فيها الباحث املقاربة‬ ‫األنثروبولوجية الكتشاف رؤية السلفية املغربية للعالم‬ ‫وكما اعتمد املنهجية السوسيولوجية الستعراض تاريخ‬ ‫الحركات السلفية ونشأتها وامتدادها الجغرافي والتعبئة‬ ‫التي تقوم بها ونوعية السلطة التي تسود فيها إضافة إلى‬ ‫عالقاتها السياسية‪ ،‬ومواقفها من القضايا الرئيسة التي‬ ‫عاشها املغرب‪.‬‬

‫املؤلف‪ :‬وضاح شرارة‬ ‫الناشر‪ :‬دار النهار‪2007 ،‬‬ ‫تناول الكتاب تأثر لبنان بالظاهرة الخمينية‪ ،‬منذ مطلع الثمانينات‪،‬‬ ‫وأثرها في انقطاع الشيعية عن الدولة‪ ،‬فبعد تصدع حركة موسى الصدر‪،‬‬ ‫ودوامات الحروب‪ ،‬وانقضاء طلبة العلم الديني اإلمامي‪ ،‬وتراجع حلقات‬ ‫النجف لصالح إيران‪ ،‬نمت حركات تؤمن بوالية الفقيه‪ ،‬ساهم في ذلك اهتمام الخميني‬ ‫الذي استغل هاالته في توجيه عناصره لبناء نواة ألمته املبتغاة‪ ،‬ففي لبنان كان‬ ‫تشكيل نواة أمة حزب الله‪ ،‬من حزب الدعوة وحركة أمل وخمينيني‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وتم‬ ‫اإلنشاء بترتيب إمامي صارم‪ ،‬له أصل إيراني ثابت «فما تلك الهيئات املختلفة إال‬ ‫فروع ألصل واحد هو الثورة اإلسالمية» تتقفى حتى مرحلية الخميني في الدعوة‪،‬‬ ‫فبعد ظهور الطبقة الجديدة وجراء الجروح االجتماعية والسكانية التي خلفتها الحرب‬ ‫اللبنانية على الجماعات الشيعية كان بناء املعقل اإلسالمي‪ ،‬في املسجد والنادي‬ ‫الحسيني‪ ،‬فتأكد مجتمع الحرب الذي يتقبل اآليديولوجيا‪ ،‬التي تقوم على الحالة‬ ‫الجهادية‪ ،‬وصل الكتاب في الفصل الخامس عشر إلى القول بأنه في ‪ 1996‬أصبح‬ ‫من املمكن القول «نجح حزب الله في إنشاء حركة شيعية وأهلية تجمع القتال إلى‬ ‫السياسة والعلنية إلى السرية» وتؤمن بأن نجاحها مرده للولي الفقيه‪ ،‬ويشير هنا‬ ‫إلى االنتماءات العابرة للقارات‪ .‬ويشرح عقيدة الولي الفقيه وصوال إلى حرب تموز‪.‬‬

‫جهاد‪ ..‬انتشار وانحسار اإلسالم السياسي‬ ‫املؤلف‪ :‬جيل كيبل‬ ‫الناشر‪ :‬دار العالم الثالث‪2002 ،‬‬ ‫اإلسالم السياسي‬ ‫يف زمن القاعدة‬ ‫املؤلف‪ :‬فرنسوا بورغا‬ ‫الناشر‪ :‬دار قدمس ‪2006‬‬

‫ً‬ ‫مزيجا لتاريخ اإلسالم السياسي‬ ‫الكتاب يتناول‬ ‫اليمني وحاضر «القاعدة»‪ .‬الكتاب جاء نتيجة‬ ‫بحث ميداني‪ ،‬قدم تاريخ اإلسالم السياسي‬ ‫اليمني منذ اإلمام يحيى في األربعينات متناوال دور‬ ‫اإلخوان في اغتيال امللك‪ ،‬ورعاية الحركات املناوئة‪ ،‬كما‬ ‫تناول مشروع اإلخوان في اليمن باستفاضة وصوال لعهد‬ ‫علي عبد الله صالح والتعاون معه واملشاكسات التي تدور‬ ‫في إطار تحالفات براغماتية‪ ،‬في حني كان التبلور السلفي‬ ‫يأخذ اتجاها تصاعديا نحو العنف‪ ،‬ربما بدفع من‬ ‫ظروف كثيرة شارك اإلخوان في صنعها‪ ،‬وينتقل الكاتب‬ ‫ً‬ ‫متشربا‬ ‫لتحليل مقبل الوادعي العائد لليمن من السعودية‬ ‫للسلفية‪ ،‬وبدأ يوضح األجواء التي احتضنت التنظيم‪.‬‬ ‫وهاجم الكتاب خيار الحرب الشاملة على اإلرهاب‪.‬‬

‫اعتبر الكتاب لسنوات طويلة أنه أهم كتب اإلسالم السياسي‪ ،‬كتب الكتاب‬ ‫قبل أحداث سبتمبر (أيلول) ‪ ،2001‬ولكن تم تحديثه بعدها بمقدمة ضافية‪،‬‬ ‫يرصد املؤلف االنتشار الواسع لإلسالم السياسي في الثمانينات‪ ،‬ووصفه‬ ‫بالرأسمالي امللتحي ساكن العشوائيات‪ ،‬حدد ‪ 1989‬كذروة التيار‪ ،‬بعد والدة جبهة اإلنقاذ‬ ‫ً‬ ‫معتبرا أنها تحولت لطليعة جديدة تجمل فكر سيد قطب وسالح مقاتلي‬ ‫الجزائرية‪،‬‬ ‫الحرية املوروث من أفغانستان‪ ،‬وبعد الشرخ في حرب الخليج بني السلطات والجماعات‪،‬‬ ‫اختار املقاتلون اإلرهاب‪ ،‬وحاول التنبؤ بمستقبل اإلسالم السياسي‪ ،‬قائال‪« :‬إن الدمار‬ ‫الناجم عن العمل اإلرهابي‪ ،‬ال يمكن أن يحول هذا العمل إلى نصر سياسي يسمح له‬ ‫باالستيالء على السلطة التي يطمع فيها»‪ .‬الكتاب مهم لفهم تاريخ رؤية املفكرين في‬ ‫الغرب للظاهرة‪.‬‬

‫أزمة اإلسالم السياسي‪ ،‬اجلبهة اإلسالمية القومية‬ ‫ً‬ ‫منوذجا‬ ‫يف السودان‬ ‫املؤلف‪ :‬حيدر إبراهيم‬ ‫ناقش اإلسالم السياسي وتعريفه وأزمته‪ ،‬وعوامل صعوده إثر انهيار‬ ‫الشعارات العربية القومية‪ ،‬وبدأ بتاريخه في السودان ً‬ ‫ورودا من مصر‪ ،‬ثم‬ ‫آليات التنظيم في الحركة واالنتشار السياسي‪ ،‬وتحدث عن قدرة التيار على‬ ‫ً‬ ‫مستندا على تحليل كتب ومنشورات التنظيم‪ ،‬ومر على األوعية الحزبية‬ ‫«تزييف الوعي»‬ ‫ومراحل التطور إلى أن تم االنقضاض على السلطة‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪65‬‬


‫مراجعات‬

‫صحوة الشيعة‪ :‬كيف تشكل‬ ‫الصراعات داخل اإلسالم‬ ‫صورة املستقبل‬

‫حتوالت اإلخوان املسلمني‪..‬‬ ‫تفكك اآليديولوجيا‬ ‫ونهاية التنظيم‬

‫املؤلف‪ :‬ولي نصر‬ ‫الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي ‪2007‬‬

‫املؤلف‪ :‬حسام متام‬ ‫الناشر‪ :‬مكتبة مدبولي ‪2010‬‬

‫يمكن لكل قراء اإلسالم السياسي أن‬ ‫ّ‬ ‫يفوتوا قراءة الكثير من الكتب ولكن تفويت‬ ‫كتب حسام تمام يعتبر ثغرة كبيرة‪ ،‬ألن‬ ‫الباحث املصري الراحل تميز بقراءة فاحصة من‬ ‫الداخل والخارج لجماعات اإلسالم السياسي‪ ،‬تراقب‬ ‫املتحركات وترصد ما يمكن تسميته بالصيرورة‪،‬‬ ‫فهو الخيط الوحيد بني الجماعة «كقدر وصدفة‬ ‫وصيرورة»‪ ،‬والجماعة «كتنظيم وتخطيط وإرادة»‪،‬‬ ‫تخصص تمام في تشريح تاريخ اإلخوان ودراسة‬ ‫الظاهرة اإلسالمية بشكل عام‪ ،‬ويمثل كتابه «تحوالت‬ ‫اإلخوان املسلمني» نقلة مهمة في رصده للجماعة من‬ ‫اإلعجاب املبرر والنقد املسبب‪ ،‬إلى التنبؤ والرصد‬ ‫الذي يدهش األطراف جميعها سواء املؤيدة لإلخوان‬ ‫أو خصومهم الفكريني‪ ،‬خاصة أفكاره حول ترييف‬ ‫اإلخوان وسلفنتهم‪.‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكتاب له ميزات عدة‪ ،‬أهمها أنه من تأليف مراقب‬ ‫ّ‬ ‫جمل سنوات ما قبل ّالربيع‬ ‫لصيق للجماعة‪ ،‬وأنه ُي ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫وتلون الخطاب اإلسالمي فيها في أوقات الشدة‬ ‫ّ‬ ‫والرخاء‪ ،‬فالرجوع إليه يمثل الخطوة األولى لكل‬ ‫الطارئني على دراسة الظاهرة اإلسالموية‪ ،‬حتى‬ ‫يستطيعوا توثيق تاريخ مهني يستطيع تتبع طبيعة‬ ‫الخطاب اإلخواني‪ ،‬ألن أصل الكتاب‪ ،‬هو مقاالت سبق‬ ‫نشرها في الفترة من عام ‪ 2000‬إلى عام ‪ ،2008‬أعاد‬ ‫الكاتب تدبيجه بمقدمة ّ‬ ‫مطولة ربطها بعام ‪،2010‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫مضمنا إياها خالصة ّ‬ ‫مطورة استخدمت كل محتوى‬ ‫ّ‬ ‫أجمل فيها الت ّ‬ ‫الكتاب التفصيلي حينها‪َ ،‬‬ ‫حوالت في‬ ‫ّ‬ ‫نظيمية نحو االنفالت‪ ،‬والبنية الفكرية نحو‬ ‫البنية الت ِ‬ ‫التفكك‪ ،‬والتبدل‪ ،‬وهي ّ‬ ‫تحوالت أملتها الضرورة‬ ‫السياسية‪ ،‬أو قادتها الصيرورة االجتماعية‪ ،‬وألنّ‬ ‫ِّ ِ‬ ‫هذه العموميات ال تفي‪ ،‬فالتحوالت املرصودة يبني‬ ‫أنها طارئة‪ ،‬وأن ً‬ ‫تواترا متواصال من الجهود يسعى‬ ‫لبناء دولة موازية للدولة‪ ،‬وشعب من املؤيدين للتنظيم‬ ‫مواز للشعب‪ ،‬ناقش الكتاب التنظيم الدولي وأكد أنه‬ ‫ّ‬ ‫انتهى‪ ،‬يضيف الكتاب مصطلح عملية الترييف‪،‬‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُوي َ‬ ‫ريفية تخا ِلف ما نشأت‬ ‫قصد بها سيادة ثقافة‬ ‫عليه الجماعة من املظهر املدني الذي سلكه «البنا»‪،‬‬ ‫نقلتها من جماعة مدنية في طبيعة عضويتها؛ ونمط‬

‫‪64‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫ُ َ ِّ‬ ‫تجنيدها؛ والقواعد؛ واللوائح املنظمة لها؛ إلى جماعة‬ ‫ريفية‪ ،‬صاحبة ثقافة تتوسل بالقيم األبوية‪ ،‬كالطاعة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫نظيمي‪ ،‬وانتشار‬ ‫املطلقة؛ واإلذعان للمسؤول الت ِ‬ ‫ثقافة الثواب والعقاب والتخويف حتى في العالقات‬ ‫ّ‬ ‫يمية‪ ،‬وتقبيل األيادي والرؤوس‪ ،‬وضعف احترام‬ ‫الت ِ‬ ‫نظ ّ‬ ‫فكرة اللوائح والقوانني‪ ،‬وتفشي مجتمعات «النميمة»‪.‬‬ ‫رصد – تمام ‪ -‬العالقة اإليجابية بني اإلسالميني‬ ‫ّ‬ ‫والعوملة؛ واتجاه الجماعة إلى اقتصاد السوق ومنطقه‬ ‫وإقامة املصالحة التي جرت بني الدين والثروة‪ ،‬ويرى‬ ‫أن مشروعهم تلخصه أسلمة الكوال لتصبح «زمزم‬ ‫كوال» أو «مكة كوال» ومقاطعة سلسلة «ماكدونالدز»‬ ‫لصالح سلسلة مطاعم «مؤمن» ومحالت الحالل‬ ‫رغم أن الجميع كوال في فاست فوود‪ .‬وتتبع الكتاب‬ ‫إلى‬ ‫سيرة رأسمال‬ ‫اإلخوان في مصر منذ البنا ّ‬ ‫ّ‬ ‫تأسيس عدد من الشركات واملؤسسات االقتصادية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نظيم املالي ّالدولي منذ عبد العظيم لقمة‪ ،‬ويوسف‬ ‫والت ِ‬ ‫ندا‪ ،‬وحلمي عبد املجيد‪ ،‬ومصطفى مؤمن‪ ،‬وعاكف‬ ‫املغربي‪.‬‬ ‫واصل تمام فقدم تجربة «اإلسالميني التقدميني»‬ ‫ً‬ ‫معتبرا إياها تجربة نادرة في تاريخ الحركات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬حسبما يقول حسام تمام‪ ،‬من حيث‬ ‫اإلضافة الفكرية‪ ،‬ولكنها كانت فاشلة ومتعثرة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تنظيميا‪ ،‬بيد أنها تمثل النموذج الوحيد في الحركات‬ ‫اإلسالموية الذي حاول التجديد خارج األصول‬ ‫والقواعد الثابتة للفكر والفقه اإلسالمي‪ .‬ونسب‬ ‫ّ‬ ‫إليها تيار اليسار اإلسالمي وقال إنه ظهر في بعض‬ ‫البلدان العربية كامتداد لتجربة اإلسالميني التقدميني‬ ‫بتونس‪.‬‬ ‫في ذلك يقول تمام إن ّ‬ ‫التحوالت تمت «في تصريحات‬ ‫صحافية ال تستغرق من صاحبها جهد التفكير‪،‬‬ ‫ينتقل اإلخوان من رؤية إلى أخرى النقيض منها؛‬ ‫من خطاب كان يتحدث عن أهل الذمة ويستند على‬ ‫فتاوى تتحدث عن حرمة بناء الكنائس في البالد التي‬ ‫فتحت حربا أو ترميم ما تهدم منها في البالد التي‬ ‫فتحت صلحا إلى خطاب املواطنة!‬

‫حاول الكتاب دراسة تأثير حرب‬ ‫العراق على تشكل اإلسالم‪ ،‬ومن بعده‬ ‫انتصار حزب نصر الله في ‪2006‬‬ ‫على إسرائيل‪ .‬وقال إن ثمة صعودا شيعيا‬ ‫يلوح في األفق‪ ،‬مسجال بزوغ الهالل الشيعي‪،‬‬ ‫وموقف زعماء الدول السنية منه مثل السعودية‬ ‫والبحرين‪ ،‬كما تناول موقف علماء سنة منه مثل‬ ‫القرضاوي‪ .‬يقول الكتاب إن أسباب الصحوة‬ ‫الشيعية هي املساعدات السياسية األميركية التي‬ ‫أثارت قلق السنة العرب‪ ،‬وتأثير ما حدث للشيعة‬ ‫في العراق انسحب على بقية شيعة املنطقة‪ ،‬حتى‬ ‫أنه يرد إقبال الشيعة على االنتخابات البلدية في‬ ‫‪ 2005‬لذلك التأثر‪ .‬وقال في خالصة بعد جداول‬ ‫تعداد الشيعة إن مرحلة ما بعد حرب العراق لم‬ ‫تلد شرق أوسط أكثر ديمقراطية‪ ،‬وإنما أكثر‬ ‫ً‬ ‫تشيعا‪ ،‬يؤثر على خارطة العالقات العاملية‪،‬‬ ‫بما فيها العالقات السنية األميركية‪ ،‬ومن املهم‬ ‫اإلشارة إلى عالقة اإلسالم السياسي الشيعي‬ ‫العراقي بإيران‪ ،‬وينسحب ذلك على اإلسالم‬ ‫السياسي الشيعي‪ ،‬رصد ولي نصر في كتابه‪،‬‬ ‫الروابط واالتصاالت‪ ،‬وتطور الالجئني العراقيني‬ ‫لدى إيران إلى رجال دين‪ ،‬وربما تم استيعابهم‬ ‫في الحرس الجمهوري وغير ذلك‪ ،‬ويعدد أسماء‬ ‫مهمة مثل آية الله سخيري وكاظم الحائري‬ ‫ومحمد باقر الحكيم‪ ،‬ويسوق بقية الكتاب‪ ،‬ليؤكد‬ ‫ً‬ ‫صعودا شيعيا‬ ‫ربما أن األحداث تتطور ليقول إن‬ ‫ً‬ ‫الفتا يأتي بدعم أميركي‪ ،‬غير الشرق األوسط‪،‬‬ ‫وقد يعيد جسور الثقة بني إيران وأميركا ولكن‬ ‫بعد فترات طويلة‪.‬‬


‫احلركات الدينية يف اخلليج العربي‬ ‫التيار اإلسالمي يف‬ ‫اخلليج العربي ‪ -‬دراسة‬ ‫تاريخية‬

‫املؤلف‪ :‬باقر سلمان النجار‬ ‫الناشر‪ :‬دار الساقي للطباعة والنشر‪2007 ،‬‬

‫املؤلف‪ :‬هاشم عبد الرزاق‬ ‫صالح الطائي‬ ‫الناشر‪ :‬مؤسسة االنتشار‬ ‫العربي‪2010 ،‬‬ ‫يتناول الكتاب التيار اإلسالمي في الخليج العربي بني عامي ‪1945‬‬ ‫و‪ ،1991‬ومنابعه‪ ،‬ويناقش مواقفه إزاء القضايا املوجودة بني‬ ‫التاريخني‪ ،‬املحطة األولى كانت اإلصالح في الفكر اإلسالمي على‬ ‫ً‬ ‫ومرورا‬ ‫يد رشيد رضا واألفغاني ومحمد عبده‪ ،‬وما قبليهما منذ ابن تيمية‬ ‫بالدعوة السلفية‪ ،‬ودعوة اإلخوان املسلمني وبعد املقدمات‪ ،‬تناول جذور التيار‬ ‫اإلسالمي في الخليج‪ ،‬مشيرا إلى دور الوعي في دخول التيارات كلها بما‬ ‫فيها الدينية‪ ،‬وكانت الصحافة الخليجية متأثرة بمجالت وصحف الصحوة‬ ‫(املنار) وغيرها‪ ،‬ويشير إلى أن التيار اإلسالمي اكتسب شعبية في الخليج‬ ‫بعد نكسة ‪ ،1967‬التي قلبت التوجهات الفكرية‪.‬‬ ‫قبلها كانت زيارات البنا للسعودية‪ ،‬والرحالت العلمية إلى دول الخليج‬ ‫األخرى فتشكلت واجهات للتنظيم تمثلت في جمعية اإلصالح البحرينية‬ ‫ومؤسسها عبد الرحمن الجودر‪ ،‬وجمعية اإلرشاد اإلسالمي في الكويت‬ ‫ووجود عبد العزيز املطوع‪.‬‬ ‫كما تأثر إسالميو الخليج بالتنظيمات السنية فقد تأثروا أيضا بالتنظيمات‬ ‫الشيعية القريبة‪ ،‬التي بدأها بحزب الدعوة‪ ،‬وقد وجد الحزب بكثافة في‬ ‫البحرين ‪ 1968‬وأصدر مجلة «مواقف»‪ ،‬ولكن بعد أزمة حزب الدعوة (األم)‬ ‫ُ‬ ‫في العراق ضيق على (الفرع) في البحرين فانتقل إلى الكويت‪ ،‬ثم إيران ثم‬ ‫لندن‪.‬‬ ‫يركز الكتاب على تأثير الثورة اإلسالمية اإليرانية على االتجاه السياسي‬ ‫للفكر الشيعي‪ ،‬وربطه بالدعوة للعنف في خطابات الجبهة اإلسالمية لتحرير‬ ‫البحرين التي قادت مظاهرات فبراير (شباط) ‪ ،1979‬وما عرف بانتفاضة‬ ‫املنطقة الشرقية‪ ،‬ومنظمات مثل منظمة الثورة اإلسالمية لتحرير الجزيرة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫أهم فصول الكتاب هي رصده ملواقف التيار اإلسالمي من القضايا الداخلية‬ ‫مثل الرفاهية والديمقراطية وقضايا املرأة‪ ،‬أما الخارجية فقضية فلسطني‪،‬‬ ‫والغزو الروسي ألفغانستان‪ ،‬فقد دعمت التيارات اإلسالمية األفغان وذهب‬ ‫نحو ‪ 12000‬شاب سعودي ملقاتلة الروس‪ ،‬والحرب العراقية اإليرانية إذ دعمت‬ ‫األنظمة السياسية الخليجية دولة العراق‪ ،‬أما التيارات اإلسالمية فتباينت‬ ‫آراؤها‪ ،‬وأبرز القضايا هي حرب الخليج الثانية ‪ :1991 - 1990‬فبعد اجتياح‬ ‫صدام للكويت ومجيء القوات األجنبية لتحريرها‪ ،‬أدان بعض اإلخوان العراق‬ ‫وامتنع البعض‪ ،‬وتوحدت السلفية ضد وجود القوات األجنبية في الجزيرة‬ ‫العربية على الرغم من فتاوى رسمية‪ .‬ساهم اإلخوان في الكويت في التحرير‬ ‫وانفصلوا عن املوقف العاملي للتنظيم وغيروا اسمهم بعد التحرير‪.‬‬

‫باقر النجار أكاديمي بحريني‪ ،‬حاصل على جائزة‬ ‫الشيخ زايد للكتاب عن كتابه «الديمقراطية العصية في‬ ‫الخليج العربي»‪ ،‬وله غيره من املؤلفات‪ ،‬مهموم بدراسة‬ ‫اإلسالم السياسي‪ ،‬وكتابه «الحركات الدينية في الخليج» مستل‬ ‫من مشروع أوسع‪ ،‬إال أنه أحاط باملوضوع وسدد وقارب‪ ،‬صور‬ ‫الكتاب خارطة التيارات اإلسالمية السنية والشيعية في الخليج‬ ‫العربي‪ ،‬ورؤيتها ألسلمة الدولة وموقفها من تداول السلطة‪،‬‬ ‫وتعاملها مع السلطات الخليجية القائمة وتعامل السلطات معها‪،‬‬ ‫ومراحل وعيها السياسي الداخلي‪ ،‬فكيف انتقلت من تحريم‬ ‫السياسة إلى الغرق في بحورها؟‬ ‫فأطوار مفاعلتها في الحراك السياسي الداخلي رفضا‬ ‫فمهادنة ومعايشة كانت غريبة‪ ،‬وأشار ًالكاتب إلى أن تطويعها‬ ‫آليديولوجيات دينية وشعائر لتكون واجهة سياسية جعلها مادة‬ ‫مهمة لكل باحثي علم االجتماع الديني‪ .‬الكتاب اشتمل على ستة‬ ‫فصول عن االستقطاب والقبول الجماهيري للحركات وأسبابه‪،‬‬ ‫اختص قسم بتيارات اإلسالم السني وتحولها من حالة التحالف‬ ‫مع الحكومات إلى االنقالب عليها (قبل الربيع العربي)‪ ،‬وتحدث‬ ‫عن اإلسالم السياسي الشيعي‪ ،‬ثم عن القواسم املشتركة بني‬ ‫جماعات اإلسالم السياسي بشقيها السني والشيعي ومحاولتها‬ ‫فرض سيطرتها على املجتمع باستخدام سطوة الدين‪ ،‬ثم تحدث‬ ‫أخيرا عن أن دول الخليج بدأت تفقد الكثير من املواقع في أدوارها‬ ‫الداخلية مقابل تنامي أدوار الجماعات اإلسالمية في املجتمع‬ ‫العربي‪ .‬وقال إن جماعات اإلسالم السياسي في الخليج العربي‪،‬‬ ‫بشقيها السني والشيعي‪ ،‬كما هو حال القوى والجماعات‬ ‫السياسية واالجتماعية الحداثية أو العلمانوية‪ ،‬ستأخذ دورتها‬ ‫في الصعود ومن ثم الهبوط‪ .‬ويتصور أنها وصلت إلى قمة الهرم‬ ‫أو «ذروة القوة» (‪ ،)2007‬وأن أفولها قد يأخذ بعض الوقت‪.‬‬ ‫املالحظة األبرز التي يجب االنتباه لها‪ ،‬أن الكتاب يصور ما قبل‬ ‫الربيع العربي‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪63‬‬


‫مراجعات‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتسيد ّ‬ ‫اإلسالم السياسي صار حديث ّ‬ ‫رواده بهو‬ ‫العربية‪،‬‬ ‫الساعة ُمذ ارتقى قادته سنام ربيع الثورات‬ ‫القصور الفارهة‪ ،‬فانكب الناس عليه‪ ،‬خبراء في تياراته في كل البلدان‪ ،‬فهل ُيالمون‪ :‬الجواب ال ونعم!‬ ‫فاالهتمام بالتيار طبيعي‪ ،‬ولكن الوقوع بغير علم‪ ،‬خطأ‪ ،‬والخطأ األكبر يتمثل في قراءة الكتب الجديدة املليئة‬ ‫بشعارات الثورة واملختلطة بالخوف‪ ،‬دون الرجوع إلى كتب اإلسالم السياسي في عهد الركود‪ .‬يختصر هذا‬ ‫امللف توليفة مهمة من الكتب التي تمنح صورة تؤهل من يريد أن يقرأ بعدها ما يشاء‪.‬‬

‫عشرة كتب‪ ..‬دليلك إلى فهم اإلسالم السياسي‬

‫حديث الساعة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫املحرر الثقافي‬

‫‪,,‬‬

‫املكون الفكري‬ ‫والحركي‬ ‫لإلسالم‬ ‫السياسي‬ ‫متشابه في‬ ‫شقيه السني‬ ‫والشيعي‬ ‫حيث أن‬ ‫هناك تواصال‬ ‫وتأثرا مباشرا‬ ‫في األهداف‬ ‫واملشاريع‬

‫‪,,‬‬

‫‪62‬‬

‫الكتاب منقسم إلى جزأين يسدالن‬ ‫ظاللهما على مائة عام من الحراك‬ ‫املستفيض‪ ،‬ابتدر الجزء األول‬ ‫باإلسالم السياسي الشيعي‪ ،‬متناوال دور‬ ‫املرجعية من بدايات القرن العشرين انتهاء‬ ‫بالسيد السيستاني‪ ،‬ومواقفها من قضايا‬ ‫«الحركة الدستورية أو ما ُعرف باملشروطة‬ ‫واملستبدة ‪ ،1906‬وثورة العشرين (‪ 30‬يونيو‪/‬‬ ‫حزيران ‪ ،)1920‬وحوادث ‪.1935 - 1934‬‬

‫الجماعات‪ ،‬كجماعة الخالصي‪ ،‬التي تنسب إلى‬ ‫محمد مهدي الخالصي (توفي في ‪ ،)1922‬وهم‬ ‫َّ‬ ‫ممن عملوا على التقارب مع املذاهب َ ُالسنية‪.‬‬ ‫الفصل األخير‪ ،‬جعله ُّ‬ ‫الخيون في شأن املهديني‬ ‫َّ‬ ‫بعد التاسع ِمن أبريل ‪ ،2003‬كانت جماعة جند‬ ‫َّالسماء وغيرها من الجماعات التي كانت تستعد‬ ‫لظهور املهدي املنتظر‪ ،‬مثل جماعة َّ‬ ‫الص ْرخي‬ ‫وجند السماء وأنصار اإلمام املهدي‪ ،‬والسلوكيني‬ ‫ً‬ ‫تسريعا‬ ‫أو السلوكية الذين يكثرون املعاصي‬ ‫لظهور املهدي‪.‬‬

‫ووصل إلى مرجعية آية الله محسن الحكيم‪،‬‬ ‫الجزء الثاني من الكتاب تناول اإلسالم السياسي‬ ‫التي بدأت منذ وفاة محمد حسني النائيني‬ ‫ً‬ ‫مركزا على التيار اإلخواني‪ ،‬وعمدته‬ ‫السني‬ ‫(‪ ،)1936‬وموقفه املؤيد لثورة تموز‪ ،‬يشير‬ ‫وعميده بالعراق محمد محمود الصواف‪ّ ،‬‬ ‫مر‬ ‫الخيون إلى ّأن غالب التكوينات اإلسالمية‬ ‫على تأسيس الحزب اإلسالمي املعبر عن‬ ‫مائة عام من اإلسالم‬ ‫الشيعية هي رد فعل للنفوذ الشيوعي الذي‬ ‫التيار في عام ‪ ،1960‬وكان هدفه وقف خطر‬ ‫تعاظم في أواخر األربعينات والخمسينات في‬ ‫السياسي‬ ‫العراق‪ّ ،‬‬ ‫الشيوعية واإللحاد‪ ،‬وقد ُحل التنظيم اإلسالمي‬ ‫مر الخيون على الحزب الجعفري الذي‬ ‫بأمر السلطات‪ ،‬فانتقل اإلخوان إلى مرحلة‬ ‫تأسس عام (‪ 1952‬وقيل ‪ )1951‬بالنجف وهو‬ ‫املؤلف‪ :‬رشيد اخليون‬ ‫ً‬ ‫العمل السري‪ ،‬وعن فترة الرئيسني عبد السالم‬ ‫مشيرا‬ ‫نواة لتأسيس حزب الدعوة اإلسالمية‪،‬‬ ‫عارف وعبد الرحمن عارف‪ ،‬أشار ُّ‬ ‫الخيون إلى أنه‬ ‫معارضته‬ ‫لدور باقر الصدر الذي تعاظمت‬ ‫الناشر‪ :‬مركز املسبار للدراسات‬ ‫وعلى الرغم من التقارب بني عبد السالم عارف‬ ‫لنظام صدام بعد الثورة اإليرانية‪ ،‬تناول‬ ‫والبحوث ‪2011‬‬ ‫واإلخوان‪ ،‬وعالقته املتآخية بهم‪ ،‬والتي وصلت‬ ‫الكتاب أيضا‪ ،‬العمل والوفاق اإلسالميني‪،‬‬ ‫إلى حد توسطه عند جمال عبد الناصر إلطالق‬ ‫اإلسالمي تأسست عام ‪1967‬‬ ‫فمنظمة العمل ُ‬ ‫سراح سيد قطب‪ .‬إال أنهم لم يستفيدوا من ذلك‬ ‫وهي مرتبطة باألسرة الشيرازية بكربالء‪،‬‬ ‫ووثق للمجلس األعلى اإلسالمي‪ ،‬وهو متشكل من حزب الدعوة اإلسالمية‪ ،‬سواء إلشهار نشاط الحزب اإلسالمي أو ألسلمة املجتمع‪ .‬وبعد تقلد حزب‬ ‫ومنظمة العمل اإلسالمي‪ ،‬وحركة املجاهدين العراقيني‪ ،‬وأحزاب أخرى‪ ،‬البعث في ‪ 1968‬دخل الحزب اإلسالمي في مرحلة عمل الخاليا السرية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رسميا‪ ،‬برعاية إياد السامرائي‪ ،‬وفي ‪ 1980‬تسلم الرعاية عبد املجيد‬ ‫معرجا على فيلق بدر (‪ ،)1983‬الذي دخل العراق بعد سقوط النظام (‪)2003‬‬ ‫وتحول إلى منظمة مدنية باسم منظمة بدر‪ّ ،‬‬ ‫فصل الكتاب األجيال الثالثة السامرائي‪ ،‬ونقل الحزب نشاطه للخارج في ‪ ،1987‬اختار اإلخوان بعد‬ ‫للتيار الصدري‪ ،‬فالصدر األول أعدم في (‪ ،)1980‬أما الصدر الثاني محمد سقوط بغداد العمل تحت ظل االحتالل وفي حكوماته‪ ،‬وانتخب محسن‬ ‫محمد الصدر‪ ،‬فقد استفاد من أجواء الحملة اإليمانية التي أطلقها صدام‪ ،‬عبد الحميد لقيادته وتمثيله في مجلس الحكم‪ ،‬عقبه جاء طارق الهاشمي‬ ‫وكان منافسا للسيستاني على املرجعية‪ ،‬وكان ينعته بالسلبية إلى أن اغتيل في ‪ ،2005‬كما تناول الكتاب حزب التحرير‪ ،‬ووسع املناقشة لتضم هيئة‬ ‫علماء املسلمني التي تأسست بعد سقوط بغداد في (‪ ،)2003‬عن تالق بني‬ ‫في ‪.1999‬‬ ‫هيئة علماء الشريعة بالكرخ‪ ،‬وجمعية علماء املسلمني بالرصافة‪ ،‬وتناول‬ ‫بعد وفاته كان أول ظهور للتيار الصدري في اإلعالم‪ ،‬عقب مقتل السيد عبد الكتاب الجماعات املسلحة وفي مقدمتها تنظيم القاعدة في بالد الرافدين‪،‬‬ ‫سلفية‪ ،‬رصد ُّ‬ ‫املجيد الخوئي (‪ 10‬أبريل‪ /‬نيسان ‪ ،)2003‬وقال الخيون إن ظاهرة مقتدى الذي كون إمارات إسالمية‪ّ ،‬‬ ‫الخيون الفتاوى التي أيدت العنف‬ ‫جاءت كتحصيل حاصل‪ ،‬لسنوات من االنقطاع عن العالم‪ ،‬كما تناول الكتاب والتي أدانته في العراق‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬


‫بـ‪ 12‬في املائة من السعر املتداول وقتها‪ ،‬وبعد ذلك يمكن الحديث عن عودة‬ ‫النشاط السياحي وإسهامه‪ ،‬من حيث العوائد املعتبرة من جهة واالنخراط‬ ‫في االستثمار السياحي من جهة أخرى‪ ،‬لتعزز في نهاية األمر الوضع‬ ‫االقتصادي ككل‪.‬‬ ‫ومن اآلثار اإليجابية للمساعدات الخليجية ملصر‪ ،‬تقوية املوقف املصري‬ ‫في مفاوضاته مع بعض الجهات الدولية واإلقليمية‪ ،‬خاصة صندوق النقد‬ ‫الدولي للحصول على قرض كبير والذي ّقدر فيما مضى من وقت بـ‪4.8‬‬ ‫مليار دوالر‪ ،‬فضال عن توظيف ما تتلقاه من مساعدات سنوية تقدمها‬ ‫لها الواليات املتحدة األميركية على شكل مساعدات نقدية تذهب معظمها‬ ‫للجيش املصري مباشرة بما يقدر بـ‪ 1.5‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫وبالعودة للمساعدات الخليجية‪ ،‬فإنها تعتبر سهما كبيرا في تخفيف‬ ‫األزمة االقتصادية واملالية الكبيرة والتي يعلم الجميع أنها تفاقمت‪ ،‬خالل‬ ‫األعوام الثالثة األخيرة‪ ،‬والتي بدت منذ اإلطاحة بالرئيس األسبق حسني‬ ‫مبارك وتضاعفت في عهد الرئيس املخلوع مرسي‪ ،‬ستنفخ الروح في‬ ‫عصب الجنيه املصري وتأخذ عن كاهل مصر‪ ،‬اإلمالءات اإلجرائية املؤملة‬ ‫من قبل الجهات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي‪.‬‬ ‫وبالتأكيد فإن املساعدات املالية الخليجية‪ ،‬تساهم في جذب املزيد من‬ ‫االستثمارات الجديدة‪ ،‬فضال عن توسيع دائرة املوجود منها أصال‪،‬‬ ‫وتساعد في تصميم نظام نقدي ومالي يعالج موضوعات اقتصادية مهمة‬ ‫تتعلق مثال بدعم السلع الغذائية والوقود وسداد فاتورة الواردات التي‬ ‫تسببت بشكل مباشر في تأزم الوضع االقتصادي وطرد املستثمرين‬ ‫بمختلف مجاالتهم‪ ،‬والتي ترتب عليها فقدان الخزينة املصرية لحجم‬ ‫كبير من النقد األجنبي‪ ،‬استنزفت بموجبه مصر ما يقدر بـ‪ 20‬مليار‬ ‫دوالر من االحتياطي منه‪.‬‬

‫تستعجل وضع خطة استراتيجية تكون بعيدة املدى‪ ،‬تأخذ في‬ ‫الحسبان‪ ،‬كيفية توظيف املساعدات الخليجية في تصحيح أوضاعها‬ ‫املالية لتغطية فاتورة واردات البالد وفق املعايير الدولية التي تمكنها‬ ‫من االستفادة من إمكانات الصناديق والبنوك الدولية من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫جهة ثانية العمل على استغالل هذه األموال في مجاالتها االستثمارية‬ ‫واالقتصادية املجدية للفت النظر لجاذبية االستثمار في مصر‬ ‫وحافزيته من أجل بناء أرضية صلبة للنمو في حالة تخفيض األجور‬ ‫واإلنفاق ودعم اإليرادات‪.‬‬ ‫كما ينبغي على النظام النقدي واملالي املصري الجديد‪ ،‬مراعاة خطورة‬ ‫التهور في االقتراض دون خطة تكفل توظيفها على وجهها األكمل‪،‬‬ ‫تجنبا للوقوع في هوة العجز املؤملة والتي يمكن أن توقف عجلة اإلنتاج‬ ‫وتجميد النشاط االستثماري بالشكل املطلوب‪ ،‬خاصة أنه ال تزال في‬ ‫أذهاننا ما ارتكبته الحكومة السابقة من أخطاء إجرائية تسببت في‬ ‫عجز بلغ ‪ 113.4‬مليار جنيه مصري (‪ 16.2‬مليار دوالر) بما يعادل‬ ‫نحو ‪ 15‬في املائة من الناتج املحلي اإلجمالي‪ ،‬حسب املعلومات التي‬ ‫وردت من وزارة املالية وقتها‪.‬‬ ‫ولم تقف األخطاء عند ذلك‪ ،‬بل توقعت الحكومة وقتها‪ ،‬عجزا بقيمة‬ ‫‪ 135‬مليار جنيه للسنة املالية املاضية كاملة‪ ،‬في حني وصل العجز‬ ‫بالفعل إلى ‪ 202.9‬مليار جنيه عام ‪ ،2013‬وال ننسى كيف تصرفت‬ ‫الحكومات املتعاقبة حيال ذلك‪ ،‬حيث لجأت الحكومات إلى سد العجز‬ ‫من خالل بيع سندات وأذون خزانة للبنوك املحلية‪ ،‬غير أنه في الوقت‬ ‫نفسه لم تكن هذه البنوك قادرة على القيام بعمليات شراء تعالج وقتها‬ ‫باتزان مقبول‪.‬‬

‫وليس بعيدا عن األذهان والذاكرة االقتصادية وضع مصر قبيل‬ ‫املساعدات الخليجية األخيرة‪ ،‬حيث دفعت بها األزمة االقتصادية‬ ‫والتحديات االستثمارية وضعف االحتياطي النقدي األجنبي‪ ،‬لتوجه‬ ‫النظام البائد نحو اقتراض املليارات من الدوالرات من الخارج‪ ،‬في حني‬ ‫عطلت عملية التسديد للمدفوعات املستحقة من قبل الشركات النفطية‪.‬‬

‫إذن املحصلة النهائية‪ ،‬ضرورة العمل على رسم خطة محكمة يشارك‬ ‫فيها كبار االستشاريني والخبراء املاليني املشهود لهم بالكفاءة العالية‪،‬‬ ‫وذلك من أجل الخروج بخطة تتفادى كل هذه التحذيرات وتتبع كل‬ ‫الخطوات الناجعة التي تفضي إلى زيادة اإلنتاج بشكل تصاعدي‬ ‫ومن ثم تحسني األداء االقتصادي في كافة مفاصله ليتحقق بالفعل‬ ‫االستقرار االقتصادي املطلوب‪ ،‬والذي يساعد الدولة والشعب على‬ ‫الخروج بمصر من عنق الزجاجة‪.‬‬

‫ولكن تبقى املسؤولية ماثلة أمام الحكومة املصرية الجديدة‪ ،‬بأن‬

‫* رئيس مركز الشروق للدراسات واالستشارات االقتصادية واإلدارية بالسعودية‬

‫استقبل السفير السعودي في القاهرة‬ ‫أحمد القطان ‪ ،‬وقيادات القوات املسلحة‬ ‫املصرية‪ ،‬الطائرة السعودية والتي تحمل‬ ‫املستشفيات امليدانية‪ ،‬حيث أمر خادم‬ ‫الحرمني الشريفني بإرسال ‪ 3‬مستشفيات‬ ‫ميدانية إلى مصر‬

‫‪,,‬‬

‫ّ‬ ‫حولت دول‬ ‫الخليج‬ ‫املساندة ملصر‬ ‫من ألفاظ إلى‬ ‫أرقام محددة‬ ‫ومعروفة‬ ‫كفيلة بأن‬ ‫تغير الوضع‬ ‫االقتصادي‬ ‫املتدهور‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪61‬‬


‫اقتصاد‬

‫لست الوحيد من يؤمن بأن (رب ضارة نافعة)‪ ،‬ولست كذلك الوحيد من يعتقد أن ما أصاب مصر من ابتالءات‬ ‫وامتحانات مؤخرا‪ ،‬ما هو إال مقدمة لخير عميم سوف ينتظم هذه البالد وإن كان يراه غيري بعيدا ولكنني أراه‬ ‫قريبا‪ ،‬على الرغم من الصعوبات التي تواجه مصر على كافة الصعد خاصة السياسية منها واألمنية فضال عن‬ ‫الناحية االقتصادية التي تحتاج لوقت كاف لتصحيح وضعها‪.‬‬

‫املساعدات الخليجية ملصر‪ ..‬الخروج من عنق الزجاجة‬

‫طوق نجاة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرحمن باعشن *‬

‫‪,,‬‬

‫املراقب‬ ‫واملتابع‬ ‫يلحظ أن‬ ‫السعودية‬ ‫كانت تمارس‬ ‫دورها كدولة‬ ‫رائدة وراشدة‬ ‫وقائدة‬ ‫ملجموعة‬ ‫الدول العربية‬ ‫في الوقت‬ ‫الراهن‬

‫‪,,‬‬

‫‪60‬‬

‫ال جدال في أن مصر ّ‬ ‫تمر هذه األيام بمرحلة مخاض قد‬ ‫تكون عسيرة ولكنها مفيدة ولها ما بعدها على كافة الصعد‬ ‫السياسية منها واالقتصادية‪ ،‬وبناء الدولة ومؤسسات الحكم‬ ‫واستقرار أمنها واقتصادها‪ ،‬غير أنها تحتاج لخطة استراتيجية إنقاذية‬ ‫تنتشلها من واقع املعاناة التي تعكسها حاالت التضخم في املستحقات‬ ‫األساسية للحركة االقتصادية من حيث دعم املشتقات النفطية والطاقة‬ ‫ومن ثم مقابلة حاجة الدولة املصرية إلنفاق ما ّ‬ ‫يقدر بـ‪ 20‬في املائة من‬ ‫ناتجها القومي‪.‬‬ ‫إن تاريخ مصر بعد الثالث من يوليو (تموز) املنصرم كان فيصال بني‬ ‫حقبتني‪ ،‬األولى تزعزع فيها األمن واالقتصاد‪ ،‬بشكل مريع ومخيف‪ ،‬غير‬ ‫أن هذا الواقع الجديد في ظل الحقبة الثانية‪ ،‬لم يكن إال فاتحة خير حاولت‬ ‫فيها عدد من الدول الشقيقة أن تشارك في تحريكه نحو االتجاه الصحيح‬ ‫ال سيما بعض دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية‪.‬‬ ‫فالشاهد واملراقب واملتابع‪ ،‬يلحظ أن دولة مثل السعودية كانت تمارس‬ ‫دورها كدولة رائدة وراشدة وقائدة ملجموعة الدول العربية في الوقت‬ ‫الراهن‪ ،‬حيث إنها لم تكتف بالدعم السياسي فحسب ولم تلجأ ألسلوب‬ ‫الشجب والتنديد بعبارات منمقة ومموسقة فقط‪ ،‬وإنما انتهجت أسلوب‬ ‫املساندة العملية‪ ،‬وألحقت بخطوات اعتبرها املراقبون لألحداث في مصر‬ ‫بمثابة اإلسعاف الحقيقي للوضع املتأزم وقتها سياسيا واقتصاديا‪،‬‬ ‫حيث أرادت بذلك أن تثبت بها قلوب قوم مؤمنني بمصر وبترابها‬ ‫وأهميتها مجسدة موقف الشقيق عند الشدائد‪.‬‬

‫اإلصالح السياسي املنشود‬

‫تتجاوز حد الـ‪ 15‬مليار دوالر وستضع مصر في موقف قوي تجاه‬ ‫مفاوضاتها االقتصادية مع الجهات الدولية التي تتطلب التزاما بشروط‬ ‫صعبة في الوقت الراهن وإحداث إصالحات كبرى تحتاج لوقت ليس‬ ‫بالقصير‪.‬‬ ‫وبذلك ّ‬ ‫حولت دول الخليج املساندة ملصر من ألفاظ إلى أرقام محددة‬ ‫ومعروفة‪ ،‬كفيلة بأن تغير الوضع االقتصادي املتدهور‪ ،‬وتقوي الذراع‬ ‫السياسية الفاعلة ألن تتحرك الستغالل الوضع االقتصادي نحو‬ ‫اإلصالح السياسي املنشود‪ ،‬ورصف الطريق نحو الديمقراطية الرشيدة‪،‬‬ ‫باعتبار أن الشعب يحتاج للطمأنينة في مأكله ومشربه وملبسه وصحته‪،‬‬ ‫وهذا ال يتأتى إال حال خلق مناح اقتصادي واستثماري صحي‪.‬‬ ‫وهنا تبقى حقيقة مهمة‪ ،‬وهي أن دول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬أرسلت‬ ‫من خالل املساعدات التي تقدمها ملصر في وضعها الحالي وهي تعاني‬ ‫ّ‬ ‫األمرين‪ ،‬فقدان صداقات غربية وأفريقية قد تعود في وقت قادم‪ ،‬مؤشرات‬ ‫واضحة وهي أن مصر ليست وحدها ولن تنتظر الغرب أو الشرق ألن‬ ‫تستجدي عطفها السياسي واالقتصادي واالستثماري‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن طبيعة هذه املليارات من الدوالرات‪ ،‬التي تتقدم بها الدول‬ ‫الخليجية ملصر‪ ،‬على شكلني األول وديعة لدى البنك املركزي املصري‪،‬‬ ‫والثاني على شكل قرض‪ ،‬فضال عن املساعدات العينية والنفطية وغيرها‬ ‫من املعينات‪ ،‬فإن هذه األموال بمثابة بذرة استثمارية واقتصادية من‬ ‫شأنها أن تنعش مصر اقتصاديا حتى تستعيد أنفاسها وتتحسس‬ ‫طريقها نحو االستقرار االقتصادي وبطبيعة الحال السياسي واألمني‪.‬‬ ‫وهذه املساعدات الخليجية بطبيعة الحال تعزز االستثمارات الخليجية‬ ‫املوجودة أصال في مصر‪ ،‬ناهيك عن سد نسبة مقدرة من االحتياطي‬ ‫النقدي املصري بشكل كبير‪ ،‬فضال عن أنها توفر ملصر أرضية صلبة‬ ‫تنطلق منها نحو مواصلة مسيرتها االقتصادية واالستثمارية واستعادة‬ ‫نشاطها في األسواق املحلية والخليجية والدولية‪.‬‬

‫وفور تسليم السيسي مصر لشعبها‪ ،‬قالت السعودية قولتها املشهور‬ ‫باألرقام‪ ،‬حيث أمر خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز‬ ‫بمساعدة مصر وشعبها ماديا وعينيا واقتصاديا وسياسيا لتؤكد‬ ‫مقولته الشهيرة أن السعودية لن تكون بعيدة عن مصر بل ستقف معها‬ ‫في السراء والضراء‪ ،‬حتى تتمكن من تجاوز كل التحديات التي تواجهها‬ ‫في الوقت الراهن وتنهض بدورها املنوط بها سلفا‪.‬‬

‫آثار املساعدات الخليجية‬

‫وكانت قد قدمت السعودية‪ ،‬مساعدات مقدرة بلغت ‪ 5‬مليارات دوالر‪،‬‬ ‫تلتها اإلمارات العربية املتحدة التي قدمت مبلغا قدره ‪ 3‬مليارات دوالر‬ ‫فالكويت والتي أعلنت عن مساعدات قدرت بـ‪ 4‬مليارات دوالر وبذلك‬ ‫ضمنت الخزينة املصرية ‪ 12‬مليار دوالر من ‪ 3‬دول خليجية فقط والبقية‬ ‫تأتي‪ ،‬وحسب قراءاتي االقتصادية فإن املساعدات الخليجية سوف‬

‫ويمكن مالحظة آثار املساعدات الخليجية من خالل استئناف إمدادات‬ ‫الوقود والغذاء للشعب املصري الذي يناهز الـ‪ 100‬مليون نسمة‪ ،‬وعودة‬ ‫الطمأنينة للمستثمرين من الدول األخرى والتي تنشط في مختلف‬ ‫القطاعات‪ ،‬كما يمكن أن يساهم ذلك في استقرار سعر الصرف عقب‬ ‫تدهور قيمة الجنيه املصري أمام الدوالر‪ ،‬حيث تراجع في الفترة األخيرة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬


‫ملحق يومي وصفحات متخصصة‬ ‫في‬ ‫عقارات‬

‫صحتك‬

‫السبت‬

‫الجمعة‬

‫سفر وسياحة‬

‫ثقافة‬ ‫األحد‬

‫الثالثاء‬

‫إعالم‬

‫االثنني‬

‫حصاد‬

‫ملسـات‬

‫الخميس‬

‫األربعاء‬

‫املتخصصة‬ ‫صفحات‬ ‫أجندة األعمال السبت واألربعاء > علوم السبت‬ ‫سيارات األحد > فنون االثنني > التعليم االثنني > تقنية املعلومات الثالثاء‬ ‫كتب األربعاء > أنغام الخميس > سينما الجمعة‬ ‫سجاالت األحد (داخل صفحات الرأي)‬

‫‪ ..‬تجدد دائم‬


‫صحافة عالمية‬

‫محمد الظواهري شقيق أيمن الظواهري‪ ،‬زعيم تنظيم القاعدة الذي القت الشرطة املصرية القبض عليه منتصف الشهر املاضي بسبب وجود أحكام قضائية بحقه‬

‫كأفضل الطرق لخدمة القضية الوحدوية «كانت لدينا‬ ‫بعض املمارسات الرهيبة والتي كانت دائما ما تأتي بنتائج‬ ‫عكسية ولكن القيادة كانت تغض الطرف عنها إذ إنها كانت‬ ‫حريصة على الحفاظ على‬ ‫استمرار وجود األعضاء‬ ‫بها»‪ .‬كما قال ايرفني في‬ ‫حديثه إن كبار قادة جماعة‬ ‫ألستر (‪ )UVF‬كانوا ربما‬ ‫سيتوقفون عن العنف‬ ‫قبل قرار وقف إطالق النار‬ ‫‪ 1994‬بكثير ولكنهم لم‬ ‫يستطيعوا فعل ذلك خوفا‬ ‫من انقالب قواعدهم عليهم‪،‬‬ ‫ومن ثم فلم يكن أمام قيادات‬ ‫الجماعات اإلرهابية سبيل‬ ‫للحد من تلك املمارسات‬ ‫غير البناءة سوى إحكام‬ ‫سيطرتهم على املنظمة‪.‬‬ ‫وبذلك فتجنيد الكوادر‬ ‫الحماسية ليست كافية‪ ،‬فكما ذكر الرئيس املزعوم ملنظمة‬ ‫أيلول األسود الفلسطينية في مذكراته «فإن اإلرهابيني‬ ‫األكثر تشددا إما بلهاء أو خونة»‪.‬‬

‫�أي �شخ�ص يف موقف‬ ‫الظواهري من�شغل بالإعداد‬ ‫لهجوم كبري �سيحتاج‬ ‫للتن�سيق مع العديد من‬ ‫الإرهابيني ومتابعة ما‬ ‫تقوم به العنا�صر املختلفة‬ ‫بغ�ض النظر عن نواياهم‬

‫وبالتالى‪ ،‬فإن أي شخص في موقف الظواهري منشغل‬ ‫باإلعداد لهجوم كبير‪ ،‬سيحتاج للتنسيق مع العديد من‬ ‫اإلرهابيني ومتابعة ما تقوم به العناصر املختلفة بغض‬ ‫النظر عن نواياهم‪ ،‬كما يحتاج لتحفيزهم ليتبعوا األوامر‬ ‫والحد من النزعة التمردية لديهم‪ .‬ولحسن حظنا‪ ،‬فإن ما‬ ‫يعتمد عليه اإلرهابيون لتنفيذ مهامهم يضع البذرة للقضاء‬ ‫عليهم‪ ،‬فإجراء املكاملات واملراسلة عبر البريد اإللكتروني‬ ‫وحفظ جداول البيانات ومطالبة األعضاء بتقديم بيانات‬ ‫باملصروفات‪ ،‬كل هذا يوفر الفرصة ألجهزة االستخبارات‬ ‫ملعرفة خطط هؤالء اإلرهابيني املستقبلية وما يعتزمون‬ ‫فعله ومن ثم تعطيلهم‪.‬‬ ‫وبهذه الطريقة‪ ،‬فإن فشل الظواهري ليس انعكاسا لنقاط‬ ‫ضعفه فقط ولكنه انعكاس أيضا ملا تواجهه املنظمات‬ ‫اإلرهابية من قيود وعقبات‪.‬‬ ‫وبطبيعة الحال فهذا خبر سار‪ ،‬فبالنسبة لألهداف املحتملة‬ ‫لإلرهابيني؛ فما دامت أجهزة االستخبارات واملؤسسات‬ ‫القائمة على تنفيذ القانون متيقظة‪ ،‬لن تستطيع تلك‬ ‫املنظمات اإلرهابية تجاوز املستوى الذي وصلت إليه حتى‬ ‫اآلن‪ .‬أما بالنسبة للطموحني من القادة اإلرهابيني‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك نذير دائم بأنه ال مفر من الروتني الذى ينذر بمصير‬ ‫قضيتهم املحتوم‬

‫فورن أفيرز‪ /‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪58 - 2013 /‬‬


‫لم يتوقف سوى عدد محدود من النقاد لكى يفحصوا ما‬ ‫الذى يمكن أن تعنيه حقا إدارة منظمة إرهابية‪ .‬فعلى الرغم‬ ‫من أن األسلوب اإلداري للظواهري جعل منظمته مستهدفة‬ ‫من أجهزة االستخبارات األجنبية‪ ،‬وأثار سخط أعضاء‬ ‫التنظيم‪ ،‬ناهيك عن قصفهم بطائرات دون طيار األسبوع‬ ‫املاضي‪ ،‬فإن الظواهرى لم تكن لديه العديد من الخيارات‬ ‫األخرى‪.‬‬

‫القاعدة‪ :‬حيث يحتاج املديرون ملراقبة ما يقوم به العاملون‬ ‫كما يحتاجون لتخصيص املوارد التى تمكنهم من تحفيز‬ ‫مرؤوسيهم لتحقيق أهداف املنظمة‪ ،‬بل إن القيادات‬ ‫اإلرهابية تواجه تحديا أكبر؛ ففي حني تهدف كل الشركات‬ ‫إلى زيادة أرباحها‪ ،‬تتميز أهداف اإلرهابيني بالدقة البالغة‪:‬‬ ‫فيمكن لهجوم شديد العنف أن يضر بقضية ما كالضرر‬ ‫الذي يسببه هجوم أقل عنفا‪.‬‬

‫فنظرا ألن اإلرهابيني ينخرطون فى أنشطة إرهابية‪ ،‬فربما وهذا هو الدرس الذي تعلمه تنظيم القاعدة في محافظة‬ ‫تعتقد أنهم يولون اهتماما خاصا بسرية تلك النشاطات‪ .‬األنبار العراقية عام ‪ 2006‬عندما انقلب السكان ضده كرد‬ ‫ولكن وفقا للتاريخ‪ ،‬أولت العديد من الجماعات اإلرهابية فعل على عنف التنظيم ضد املدنيني املختلفني معه‪.‬‬ ‫اهتماما بالغا إلى التسجيل والتوثيق‪ ،‬فعلى سبيل املثال‬ ‫اشتهر أعضاء منظمة األلوية الحمراء‪ ،‬تلك املنظمة اإليطالية هذا كما يواجه اإلرهابيون مشاكل مستعصية فيما يتعلق‬ ‫اإلرهابية التي نشطت في السبعينات من القرن املاضي باملوارد البشرية‪ :‬فاملواهب املطلوبة عادة ما تكون غير‬ ‫وحتى أوائل الثمانينات‪ ،‬بأنهم دائمو االهتمام بتوثيق متوفرة لهم‪ ،‬فيضطرون دائما للبحث عن كوادر خارجية‬ ‫أنشطتهم اإلرهابية أكثر من اهتمامهم بالتدريب عليها أو لديها استعداد للعنف لتجنيدها‪ ،‬أو نستطيع القول عن‬ ‫االستعداد لها‪ .‬وفي الفترة من ‪ 2005‬وحتى ‪ 2010‬كان شباب صغير السن لديه‬ ‫كبار القيادات بتنظيم القاعدة يبقون على جداول بيانات مخزون من الغضب‪.‬‬ ‫تفصيلية ملرتبات ما يزيد على مائة مقاتل مع العديد من فمما ال شك فيه‪ ،‬فإن هؤالء‬ ‫السجالت األخرى‪.‬‬ ‫املجندين ليسوا مجبولني‬ ‫فعندما تنازع محمد عاطف‪ ،‬القائد العسكري السابق بالضرورة على تنفيذ‬ ‫لـ «القاعدة» مع مدحت مرسي السيد عمر‪ ،‬خبير املتفجرات األوامر أو اإلقرار بسلطة‬ ‫لجماعة الجهاد اإلسالمي املصرية‪ ،‬في التسعينات كانت قياداتهم‪.‬‬ ‫إحدى شكاواه أن عمر فشل في تقديم إيصاالت لرحلة فيمكن أن يضع القادة‬ ‫قام بها مع عائلته‪ ،‬ومثل هذه البيروقراطية هى التي تجعل استراتيجيات دقيقة طويلة‬ ‫اإلرهابيني أكثر عرضة لالختراق من قبل أعدائهم‪ ،‬ولكنهم األمد ولكنها يمكن أن‬ ‫ما زالوا يقومون بذلك على أية حال‪.‬‬ ‫تفشل إذا ما كان األشخاص‬

‫القيادات يف املنظمات‬ ‫الإرهابية م�ضطرة‬ ‫لالعتماد على طرق الإدارة‬ ‫البريوقراطية نظرا لأنهم‬ ‫لي�ست لديهم �أية طرق‬ ‫�أخرى ل�ضمان ان�ضباط بقية‬ ‫�أفراد املنظمة الأقل‬ ‫يف الرتاتبية‬

‫ويرجع ذلك‪ ،‬ولو جزئيا‪ ،‬للعمليات اإلرهابية واسعة النطاق املكلفون بتنفيذ تلك الخطط‬ ‫والحمالت اإلرهابية املمتدة التي تتطلب الكثير من التنسيق أكثر اهتماما بالحصول‬ ‫الذي ال يمكن أن يتم دون االتصال املفصل بني الجهات على دور أكبر على الفور‪.‬‬ ‫املعنية وعبر السجالت املكتوبة ملساعدة القادة على متابعة‬ ‫كما أن القيادات بتلك‬ ‫ما يحدث‪ .‬فعلى سبيل املثال؛ ذكر غيري برادلي‪ ،‬وهو‬ ‫املنظمات اإلرهابية مضطرون لالعتماد على طرق اإلدارة‬ ‫إرهابي سابق في الجيش الجمهوري األيرلندي‪،‬‬ ‫البيروقراطية‪ ،‬نظرا ألنهم ليست لديهم أية طرق أخرى‬ ‫في مذكراته كيف كان يطلب من مرؤوسيه في البلفاست لضمان انضباط بقية أفراد املنظمة األقل فى التراتبية‪.‬‬ ‫عام ‪ 1973‬تقديم تقارير يومية عن العمليات املقترحة‬ ‫فمثال عندما تواجه وول مارت مشكلة فى التعامل مع‬ ‫ليضمن عدم تعارض أنشطة الوحدات الصغرى‪ .‬كما ذكر‬ ‫موظف غير منضبط أو مورد متخلف عن السداد‪ ،‬فإنها‬ ‫العديد من قادة تمرد ماو ماو الكينى أنه كلما نمت حركتهم‬ ‫تلجأ لإلجراءات القانونية‪ ،‬ولكن املنظمات اإلرهابية ليس‬ ‫التمردية في الخمسينات من القرن املاضي زادت حاجتهم‬ ‫لديها هذا الخيار‪.‬‬ ‫لسجالت محاسبية مكتوبة وسجالت لبيانات املقاتلني‬ ‫لرصدهم ورصد أموالهم‪.‬‬ ‫ففي عام ‪ ،2006‬وصف لي ديفيد ايرفني‪ ،‬السياسي‬ ‫أما الجانب األعمق من اإلجابة‪ ،‬فهو أن مديرى تلك املنظمات األيرلندي الراحل‪ ،‬الذى كان يصنع القنابل لقوة متطوعي‬ ‫اإلرهابية يواجهون نفس التحديات التي يواجهها مديرو أي ألستر (‪ ،)UVF‬دقة تلك املعضلة حيث قال واصفا تلك‬ ‫الفترة في أواخر الثمانينات من القرن املاضي التي كان يقوم‬ ‫منظمة كبرى‪.‬‬ ‫فيها هو وبعض الزعماء ببعض الحسابات االستراتيجية‬ ‫فما ينطبق على متاجر «وول مارت» ينطبق على تنظيم التي آلت للتركيز على املنافسة السياسية غير العنيفة‬ ‫فورن أفيرز‪ /‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪57 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫ملاذا تعتمد القيادات اإلرهابية على اإلدارة بالغة الدقة‬

‫املعضلة الكربى‬

‫أيمن الظواهري‬

‫بقلم ‪ :‬جاكوب شابريو *‬

‫باإلضافة لكونه جهاديا ال يعرف الرحمة‪ ،‬اشتهر أيمن الظواهري كقائد داهية‪ .‬فمنذ أن تولى قيادة تنظيم‬ ‫القاعدة‪ ،‬أشار كبار املسؤولني باالستخبارات األميركية إلى ولعه باإلدارة بالغة الدقة‪( .‬ففي التسعينات من‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬تواصل الظواهرى مع عمالء «القاعدة» في اليمن ليؤنبهم على شراء فاكس جديد على الرغم‬ ‫من أن الجهاز القديم ما زال يعمل)‪ .‬وكانت التقارير التي رفعت حالة التأهب األمني في الواليات املتحدة خالل‬ ‫األسبوع املاضى ترتبط باتصال بني الظواهري وناصر الوحشي‪ ،‬الرجل الثاني وزعيم تنظيم القاعدة في‬ ‫شبه الجزيرة العربية‪ ،‬هذا االتصال الذي تمكنت واشنطن من تعقبه‪ ،‬وهو ما تم النظر إليه باعتباره دليال على‬ ‫أن الظواهري ال يمتلك الدهاء الكافي إلدارة منظمة إرهابية عاملية‪.‬‬ ‫* أستاذ مساعد السياسة والعالقات الخارجية بجامعة برينستون‪ ،‬ومؤلف كتاب «معضلة اإلرهابي‪ :‬إدارة املنظمات السرية العنيفة»‬

‫فورن أفيرز‪ /‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪56 - 2013 /‬‬


‫تعددت التقارير املتنبئة بسقوط حزب الله طوال السنوات الشيعة‪ .‬فعلى مدار الـ ‪ 31‬عاما التى وجد خاللها حزب الله على‬ ‫توطيد عالقات طيبة بالشيعة‬ ‫الثماني املاضية‪ ،‬ففي ‪ ،2008‬بعد سنتني فقط من الحرب األرض كان الحزب يجعل من ً‬ ‫املدمرة مع إسرائيل‪ ،‬قتل عماد مغنية‪ ،‬القائد العسكري األبرز اللبنانيني على قمة أولوياته‪ ،‬مدركا أن مثل هذه العالقات هى‬ ‫خط دفاعه األول وربما األخير‪ ،‬فهي املصدر الوحيد للدعم الذي‬ ‫في حزب الله‪ ،‬فى انفجار سيارة في دمشق‪.‬‬ ‫ال يستطيع حزب الله أن يستمر من دونه أو يستبدله‪.‬‬ ‫فزعم املحللون أن حزب الله فقد تفوقه العسكري واالستراتيجي‪،‬‬ ‫كما اعتقدوا أن إسرائيل اخترقت تنظيم حزب الله‪ ،‬وما هي إال وألول مرة‪ ،‬تتعرض هذه العالقة الخاصة للخطر‪ ،‬فبدخول‬ ‫مسألة وقت حتى يستطيع الجواسيس هناك نشر الفوضى‪ .‬حزب الله خضم املعارك في سوريا ومساندته لألسد‪ ،‬دخل‬ ‫ولكن في الواقع كان حزب الله على خير ما يرام‪ ،‬فعلى الرغم من في صراع مفتوح مع السنة سواء املعتدلني أو املتشددين في‬ ‫مهارات وإنجازات مغنية فإنه كان مجرد جزء (وإن كان هاما) املنطقة‪ .‬فدائما ما كانت العوامل الديموغرافية اإلقليمية تعمل‬ ‫ضد الشيعة‪ ،‬وهم يدركون ذلك‪.‬‬ ‫من منظومة أكبر‪.‬‬ ‫حيث يتمتع حزب الله بهيكل تنظيمي تحسده عليه حتى أكثر‬ ‫املؤسسات تطورا‪ ،‬فكان الحزب قادرا على استبدال مغنية‬ ‫تماما‪ ،‬وهذا بالفعل ما حدث بعد أقل من أسبوع من جنازته‪.‬‬ ‫وفي يوليو (تموز)‪ ،‬هرع املعلقون مرة أخرى إلى الزعم بأن‬ ‫الجماعة الشيعية ستؤول إلى زوال خاصة أنها فقدت شرعيتها‬ ‫فى عيون اللبنانني من غير الشيعة وذلك بعدما اتهمت املحكمة‬ ‫الدولية أربعة أفراد ينتمون لحزب الله في قضية مقتل رئيس‬ ‫الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري‪ ،‬ولكن حزب الله استطاع‬ ‫النجاة من العاصفة بمزيج من االستراتيجية السياسية والعنف‪،‬‬ ‫حيث لم يثر تراجع شعبية حزب الله بني غير الشيعة مخاوف‬ ‫الحزب على اإلطالق‪ ،‬فطاملا يمتلك حزب الله السالح ويحظى‬ ‫بدعم قاعدته الشعبية‪ ،‬فلم يتغير شيء بالنسبة لحزب الله‪.‬‬

‫فحتى أشد املؤيدين لحزب الله من الشيعة اللبنانيني يفضلون‬ ‫السالم مع إخوانهم السنة في لبنان واملنطقة على الصراع معهم‪.‬‬ ‫وهذا هو ما جعل الهجوم في الرويس الفتا للنظر‪ ،‬حيث سوف‬ ‫تنظر قيادات حزب الله للحادث باعتباره محاولة من أعدائهم‬ ‫للضغط على املجتمع الشيعي اللبناني ملطالبتهم باالنسحاب‬ ‫من سوريا‪ ،‬مثلما فعلوا‬ ‫بعد التفجير الذي حدث‬ ‫الشهر املاضي في نفس‬ ‫املكان‪ ،‬وأيضا عندما تم‬ ‫اكتشاف قنبلتني أخريني في‬ ‫الضواحي الجنوبية في وقت‬ ‫سابق هذا العام‪.‬‬ ‫وإذا ما بدأ شيعة لبنان‬ ‫يشكون في استراتيجية‬ ‫حزب الله‪ ،‬فإن الحزب‬ ‫يكون قد حكم عليه بالزوال‬ ‫والفشل‪.‬‬

‫حتى لو متت الإطاحة بنظام‬ ‫ب�شار فاملرجح �أن حزب اهلل‬ ‫و�إيران لديهما خطط بديلة‬ ‫فعلى �سبيل املثال بد�أت‬ ‫�إيران بالفعل التوا�صل مع‬ ‫ال�سودان تلك التي ال تعترب‬ ‫بديال �أمثل ل�سوريا‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬بدأ املشهد يبدو كئيبا بالنسبة لحزب الله‬ ‫منذ عام مضى‪ ،‬وبعد شهور من اندالع الصراع بني الرئيس‬ ‫السوري بشار األسد‪ ،‬والحليف الوفي لحزب الله‪ ،‬والثوار السنة‬ ‫الذين يحاولون اإلطاحة بالرئيس‪ ،‬وذلك حينما بدا نظام األسد‬ ‫على وشك السقوط‪ .‬وعندما شعر بأنه على وشك أن يخسر‬ ‫حليفه‪( ،‬وكذلك األسلحة واملعلومات االستخباراتية التى كان ومباشرة بعد االنفجار األول‬ ‫يقدمها له)‪ ،‬اعتقد البعض أن حزب الله سيخشى أن يتعرض الذى وقع الشهر املاضى‪،‬‬ ‫تعهدت قيادات حزب الله‬ ‫لعزلة سياسية فى الداخل‪.‬‬ ‫بأن تستأنف الحرب في‬ ‫وعلى الرغم من أن هذا االعتقاد يحتوي على قدر من الحقيقة‪ ،‬سوريا‪ ،‬قائلني إن هذه الهجمات لن تزيدهم إال إيمانا‪ .‬وفى ذلك‬ ‫لم تكن هناك أية إرهاصات من قبل بأن هذه العزلة ستؤثر على الوقت كانت الفصائل الشيعية ما زالت موالية لحزب الله على‬ ‫وجود حزب الله فى حال نجا األسد‪.‬‬ ‫الرغم من وجود البعض الذين كانوا يتساءلون عن السبب الذى‬ ‫وحتى لو تمت اإلطاحة بنظام بشار‪ ،‬فاملرجح أن حزب الله يجعل الحزب يخاطر بكل شيء‪ .‬وعلى الرغم من عدم وقوع‬ ‫وإيران لديهما خطط بديلة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬بدأت إيران ضحايا فى االنفجار األخير‪ ،‬بدأ القلق يتسلل إلى النفوس‪.‬‬ ‫بالفعل التواصل مع السودان‪ ،‬تلك التي ال تعتبر بديال أمثل ولكن معارضة وعدم رضا الشيعة ستحتاج إلى وقت طويل‬ ‫لسوريا‪ ،‬ولكنها لديها حكومة صديقة وعالقات جيدة مع حتى تتمكن من خلخلة قبضة حزب الله على املجتمع‪ ،‬فقد كان‬ ‫الشيعة بالعراق‪.‬‬ ‫الحزب يعمل على رعاية هذه العالقات منذ ‪ 1982‬مقدما للشيعة‬ ‫فمنذ أن نجا حزب الله من الحرب‪ ،‬ومن تداعيات حكم املحكمة السلع املجتمعية‪ ،‬والتمثيل السياسي‪ ،‬واألمان‪ ،‬واإلحساس‬ ‫الدولية‪ ،‬ومقتل مغنية‪ ،‬وتراجع شرعيته الشعبية‪ ،‬ومن احتمال بالتمكني‪ .‬ولكن مع كل انفجار في معقلهم‪ ،‬وكل خسارة في‬ ‫فقدان تحالفه االستراتيجي مع سوريا‪ ،‬ربما يبدو أنه أصبح األرواح الشيعية‪ ،‬ليس وراءها إسرائيل‪ ،‬سيتراجع نفوذ الحزب‬ ‫على قاعدته الشعبية‪ .‬فإذا لم يغير حزب الله من سياسته تجاه‬ ‫محصنا ضد األزمات‪.‬‬ ‫سوريا‪ ،‬فسيجد نفسه منعزال فعال في الداخل وفي املنطقة‬ ‫ولكن هناك عامال أساسيا‪ :‬وهو تراجع عالقته بمؤيديه من بأكملها‬ ‫فورن أفيرز‪ /‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪55 - 2013 /‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫هل يكون القصف في بيروت هو بداية نهاية حزب الله؟‬

‫الشرعية املفقودة‬

‫رجل شرطة لبناني يتحدث على الهاتف أثناء تفتيش بناية قرب االنفجارات التي هزت الضاحية الجنوبية في بيروت (‪ 26‬مايو ‪)2013‬‬

‫بقلم بالل صعب *‬

‫في ظل حمام الدم الذي يسيل حاليا في مصر‪ ،‬ربما ال تبدو املذابح املستمرة في سوريا أو االنفجارات‬ ‫املروعة فى العراق أو اندالع انفجار آخر في الشرق األوسط خبرا مهما‪ .‬ولكننا ال نستطيع التقليل من أهمية‬ ‫االنفجار الذي هز الضاحية الجنوبية ببيروت ذات األغلبية الشيعية في ‪ 15‬أغسطس (آب)‪ ،‬والذي أودى بحياة‬ ‫‪ 20‬شخصا وإصابة املئات‪ .‬فيمكن أن يكون هذا االنفجار هو بداية النهاية لحزب الله‪ ،‬الطرف السياسي ‪-‬‬ ‫العسكري املهيمن في لبنان‪ ،‬وواحد من أعداء الواليات املتحدة األكثر نفوذا في املنطقة‪.‬‬ ‫* املدير التنفيذي ورئيس قسم األبحاث والشؤون العامة في «معهد الدراسات العسكرية للشرق األدنى والخليج» (إنيغما) في أميركا الشمالية‬

‫فورن أفيرز‪ /‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪54 - 2013 /‬‬


‫هل يكون القصف يف بريوت هو بداية نهاية حزب الله؟‬

‫الشرعية املفقودة‬ ‫بقلم بالل صعب‬

‫ملاذا تعتمد القيادات اإلرهابية على اإلدارة بالغة الدقة‬

‫املعضلة الكربى‬ ‫بقلم ‪ :‬جاكوب شابريو‬

‫فورن أفيرز‪ /‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪53 - 2013 /‬‬


‫البـحـوث العلـميـة عاليـة التأثيـر‬ ‫ ‬ ‫ٌ‬ ‫متـاحـة ا ن للمـجتـمع بأكمله‪.‬‬

‫ﺷـﻬـﺮﻳﺎ‬ ‫ﺑﺎﻃﻼﻋﻚ ﻋﻠﻰ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼـﺪﺭ‬ ‫ًّ‬ ‫ﺍﻧﻀـﻢ ﺇﻟﻰ ُﺭ ّﻭﺍﺩ ﺍﻟﻌﻠــﻮﻡ ﱢ‬ ‫ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـــﺔ‪ ،‬ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻹﻟﻜﺘــﺮﻭﻧﻲ ﺍﻟﺨـﺎﺹ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺒـﻜﺔ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ‪ ،‬ﺍﻟﺬﻱ‬ ‫ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺜﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ‪.‬‬ ‫ﺇﻥ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻷﺧﺒــﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴــﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ‬ ‫ﻣﺘﺎﺣﺎ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ﻛﻞ ﺃﺳﺒــﻮﻉ‪ ،‬ﻣﻊ ﻭﺟـﻮﺩ ﻧُ َﺴﺦ‬ ‫ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ”‪.“Nature‬ﺇﻥ ﻣﺤﺘـﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺳﻴـﻜﻮﻥ‬ ‫ً‬ ‫ﺷﻬﺮﻳﺎ‬ ‫ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ‬ ‫ًّ‬

‫ﺍﻃﻠِ ْﻊ ﻋﻠﻰ ‪ Nature‬ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ‪ ،‬ﻭﺍﻣﻸ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ‪:‬‬ ‫ﱠ‬

‫‪arabicedition.nature.com‬‬

‫ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ‪:‬‬


‫مقر السفارة‬ ‫> أين كان مقر سفارتكم في جدة؟‬

‫ لم تكن في جدة آنذاك أسماء للشوارع‪ ،‬ولذلك يصعب علي اآلن‬‫تحديد موقعها‪ .‬وكانت جدة آنذاك مدينة صغيرة يستطيع أن يطوفها‬ ‫املرء في نصف ساعة على قدميه‪ .‬وأذكر ان املسافة بني مبنى السفارة‬ ‫وساحل البحر كانت تستغرق سبع دقائق‪ .‬ومبنى السفارة هو بيت‬ ‫استأجره حكيموف من تاجر عربي ويتألف من طابقني‪ .‬وكل طابق‬ ‫يحتوي على خمس غرف‪ .‬وسكنا في غرف البيت العلوية مع أسرنا‪،‬‬ ‫وأما الطابق األرضي فقد شغل السفير غرفة فيه فيما الغرف الباقية‬ ‫كانت مكاتب‪.‬‬ ‫> من كان طاقم السفارة في حينها؟‬

‫ السفير تورياكولوف‪ ،‬والطبيب ماشكوفسكي الذي أرسل خصيصا‬‫من موسكو لعالج األمراض االستوائية‪ ،‬ومعه زوجته‪ .‬وأنا وزوجتي‬ ‫تاتيانا غيورغيفنا التي عملت طبيبة أيضا‪ .‬وكانت مع البروفسور‬ ‫ماشكوفسكي تستقبل املرضى‪ .‬وفيما هو يستقبل الرجال كانت‬ ‫هي تعالج النساء‪ .‬كما كان في السفارة عمال محليون أذكر منهم‬ ‫أحمد آغا الذي كان يقوم بأعمال مدير املنزل والبواب‪ ،‬والسائق حسن‬ ‫والطباخ سليمان وكان هناك خادمان هما أبو بكر وحسني‪.‬‬ ‫> وضيوف السفارة؟‬

‫ التجار بالدرجة األولى‪ ،‬وممثلو البعثات الديبلوماسية االجنبية‪،‬‬‫وبشكل خاص كل من السفير االيطالي وااليراني والتركي‪ ،‬ونادرا‬ ‫ما كان يزورنا السفير االنجليزي السير رويان ولكننا كنا نلتقيه في‬ ‫املناسبات‪ .‬كما كان يزورنا بعض الوزراء السعوديني وبشكل خاص‬ ‫وزير املالية الذي نسيت اسمه لألسف‪ .‬وضيفنا الدائم كان شخصا‬ ‫اسمه الدكتور صالح وهو تركي قطن الحجاز منذ فترة طويلة‪ .‬وكان‬ ‫ينقل الينا املعلومات عن حركة السوق‪ ،‬وعما يسمعه من أخبار‪.‬‬ ‫وهو شخصية ذكية لبقية وشديدة االخالص لصداقته معنا‪ .‬وقد‬ ‫الحظت أثناء لقاءاتنا بجاللة امللك عبد العزيز وبوزارائه اهتماما كبيرا‬ ‫بموضوع النفط والصناعات النفطية وكذلك الصناعات الخفيفة‪.‬‬ ‫> ما هي في تقديرك األسباب التي دفعت ستالني الى تجميد‬ ‫العالقات مع اململكة العربية السعودية؟‬

‫ يبقى هذا السؤال محيرا‪ ،‬شأنه شأن مصرع املرحوم حكيموف‪.‬‬‫وعلى الباحثني والديبلوماسيني الشباب االجابة عنه‪ .‬وبالطبع كنت‬ ‫بعيدا عن الخارجية حني جرى اغالق السفارة‪ ،‬في العام ‪ 1939‬على ما‬ ‫أذكر‪ .‬غير أني أعلم ان ستالني استدعى البعثة الديبلوماسية ومنعها‬ ‫من العودة‪ .‬وال أدري ماذا حل بأثاث السفارة‪ ،‬وبالعاملني املحليني‬ ‫فيها‪ ،‬وكيف جرت كل األمور املتعلقة بتجميد العالقات وما هي‬ ‫صيغة القرار وحيثياته وأية عوامل خارجية وداخلية اقتضته؟‬ ‫ويستطرد قائال‪":‬لألسف‪ ،‬ال يزال هذا السؤال بقعة بيضاء في تاريخ‬ ‫الديبلوماسية السوفييتية‪ .‬وكل ما ما أستطيع أن أقوله كديبلوماسي‬ ‫قديم أحب الشرق العربي ليس السباب سياسية قدر كونها نوازع‬ ‫انسانية‪ ،‬ان تلك الخطوة مؤسفة وان من اتخذها مصاف بقصر النظر‬ ‫السياسي ألنه لم يقدر الدور املقبل واملؤثر للمملكة العربية السعودية‬ ‫على الساحتني العربية والدولية‪ ،‬على الرغم من أن التقارير التي بعث‬ ‫بها السفراء وبشكل خاص املرحوم حكيموف كانت تؤكد أهمية‬ ‫هذا الدور املستقبلي‪ ،‬وقد حددت بوضوح ودقة حجم ومستوى‬ ‫تأثير اململكة املقبل على الصعيدين السياسي واالقتصادي‪ .‬ويكفي‬ ‫ان أشير الى أن مجال عملي في السفارة كان يتمركز على دراسة‬ ‫الجوانب االقتصادية للدولة الفتية‪ .‬وكنت أبعث بتقارير شهرية عن‬

‫النشاط االقتصادي في اململكة وبشكل خاص عن دور الحج في‬ ‫اقتصاديات السعودية‪ ،‬اذ اعتقدنا عن حق بأن واردات الحج التي بلغت‬ ‫في حينها أكثر من مليوني جنيه استرليني تتيح للعاهل السعودي‬ ‫ومؤسس الدولة الفتية امكانية استثمارها لتثبيت أسس الدولة التي‬ ‫جاهد امللك عبد العزيز بن سعود القامتها وكرس حياته لها"‪.‬‬ ‫ويضيف ماتوشكني الذي عاد من السعودية العام ‪ 1932‬وواصل عمله‬ ‫في الخارجية السوفييتية بضع سنوات ثم اعتزل العمل الديبلوماسي‪،‬‬ ‫والسياسي‪ ،‬بعد تفاقم القمع الستاليني‪":‬لقد أسف كل أصدقاء العرب‬ ‫وسط الديبلوماسيني السوفييت لتجميد العالقات‪ .‬وفي حينها ما‬ ‫كان يمكن أحدا أن يرفع صوته وأن يجهر بآرائه‪ .‬وفي اعتقادي ان‬ ‫الوقت قد حان لتسليط الضوء على هذا الجانب وفتح ملف اغتيال‬ ‫السفير حكيموف الذي ال يجوز على االطالق تجاهل دوره في مد‬ ‫الجسور بني موسكو والعرب‪ .‬وأعتقد أنه ذهب ضحية اخالصه لوطنه‬ ‫ولعمله وحبه واخالصه للعرب وللملك عبد العزيز بن سعود‪ ،‬الذي‬ ‫كان ال يفوت فرصة في كل لقاء شهدته اال ويسأل عنه وعن أخباره"‪.‬‬ ‫وتعيش خديجة خانم في شقة متواضعة في العاصمة السوفييتية‪،‬‬ ‫وتغالب آالم الشيخوخة وهاجس الذكريات املريرة‪ ،‬فيما يعني‬ ‫ماتوشكني أكثر بالحاضر‪ ،‬وبزهور حديقته وبابن حفيدته سيرجي‪،‬‬ ‫الى جانب كلبني صغيرين يستقبالن ضيوف الديبلوماسي املتقاعد‬ ‫في ضاحية هادئة وبعيدة عن موسكو يغلفها الصمت وتحيطها‬ ‫خضرة شاسعة في الربيع والصيف فيما تكسوها ثلوج تعلو هامة‬ ‫االنسان في فصل الشتاء‪.‬‬ ‫واتسعت حدقتا ماتوشكني دهشة حني عرف ان السيدة حكيموف‬ ‫على قيد الحياة‪ .‬وقال مودعا عند عتبة املنزل‪:‬‬ ‫ أرجو ان تنقل اليها تحياتي‪ .‬وعسى أن نلتقي‪.‬‬‫قالها بعربية صعبة‪ ،‬وقفل عائدا الى داخل املنزل‪ ،‬فيما بدأ الغروب‬ ‫يخيم كالحزن العميق <‬

‫أعضاء البعثة السوفييتية على ظهر‬ ‫سفينة متوجهة من ميناء أوديسا جنوب‬ ‫االتحاد السوفييتي الى جدة عام ‪1931‬‬

‫‪,,‬‬

‫معظم‬ ‫الدراسات‬ ‫التي أعدها‬ ‫حكيموف‬ ‫حول‬ ‫السعودية‬ ‫محفوظة في‬ ‫الخارجية‬

‫‪,,‬‬

‫موسكو – خاص بـ"املجلة"‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪51‬‬


‫أرشيف‬

‫وكنا نسمع مرارا عبارات الثناء التي يصرح بها أمامنا كل من عرفه‪،‬‬ ‫سواء من العرب أو من األجانب‪ ،‬خاصة امللك عبد العزيز بن سعود‬ ‫رحمه الله الذي كان يذكره بحب وتقدير كلما التقيناه"‪.‬‬ ‫> كيف جرت لقاءاتكم بامللك عبد العزيز؟ وما هي االنطباعات التي‬ ‫تركتها هذه اللقاءات؟‬

‫ التقيت امللك عبد العزيز (رحمه الله) ألول مرة خالل وجود جاللته‬‫في جدة في طريقه الى الحج في مكة‪ .‬وأذكر ان هذا اللقاء كان في‬ ‫ابريل (نيسان) ‪ .1931‬وقد زرناه والسفير تورياكولوف الذي كان‬ ‫يتقن العربية في منزل يقع على بعد كيلومتر تقريبا من املدينة‪.‬‬ ‫وكان الهدف من الزيارة هو التعارف‪ .‬وتحدث السفير فيما جلست أنا‬ ‫منصتا‪ .‬وكان يحيط بجاللته وزراؤه وموظفوه وعدد من التجار الذين‬ ‫نعرفهم‪ .‬وقد سأل رحمه الله عن أحوالنا‪ ،‬وعن عملنا‪ .‬كما سألنا عن‬ ‫أحوال حكيموف‪ ،‬وعن األوضاع املستجدة في بالدنا‪ .‬وكرر السؤال‬ ‫أكثر من مرة عما اذا كنا بحاجة الى اي مساعدة لتسهيل العمل في‬ ‫سفارتنا‪ .‬ثم تركز الحديث على االمور التجارية‪.‬‬

‫طاقم السفارة مع مسؤولني سعوديني‬ ‫وعدد من التجار‪ .‬ويظهر في الوسط‬ ‫وراء زوجة الطبيب ماشكوفسكي‬

‫‪,,‬‬

‫زوجة‬ ‫حكيموف‪:‬‬ ‫اعتقلوني‬ ‫‪ 10‬سنوات‬ ‫عانيت‬ ‫خاللها‬ ‫الكثير‬

‫‪,,‬‬

‫‪50‬‬

‫على قيد الحياة"‪.‬‬ ‫وتتابع االبنة فلورا الحديث‪":‬لقد أوكلنا محاميا‪ ،‬ونحن نتابع القضية‬ ‫ونحتاج الى دعم األصدقاء الستصدار قرار يرد االعتبار الى أبي‪.‬‬ ‫وانني أعرف ان هذا األمر ال يتم اال بفتح ملف القضية ونشر جميع‬ ‫الحقائق‪ .‬وبكل تأكيد لن يهدأ لوالدتي بال حتى يتحقق هذا األمل‪.‬‬ ‫وأتمنى أن تغادرنا بعد عمر طويل وهي مرتاحة الضمير والقلب"‪.‬‬

‫شاهد آخر‬ ‫والى جانب خديجة خانم وابنتها فلورا هناك شاهد آخر هو السكرتير‬ ‫األول في السفارة السوفييتية في جدة من العام ‪ 1930‬الى ‪1932‬‬ ‫ستيبان ماتوشكني روى ما عرفه عن حكيموف وكان قد تعرف عليه‬ ‫صيف ‪ 1929‬في اليمن عندما كان حكيموف ممثال تجاريا في ميناء‬ ‫الحديد‪ ،‬وعندما كان ماتوشكني في مهمة تدريبية من قبل معهد‬ ‫االستشراق في موسكو‪.‬‬ ‫وقال ماتوشكني الذي قصدته "املجلة" في منزله الكائن في احدى‬ ‫ضواحي موسكو القريبة‪":‬تعرفت على حكيموف وتدربت على يده‬ ‫في الحديدة‪ .‬ووجدت فيه شخصية المعة وموهوبة‪ .‬لم أصادف مثلها‬ ‫في حياتي‪.‬‬ ‫وبعد ان تركت العمل الديبلوماسي‪ ،‬علمت بمصرع حكيموف‪ .‬وكانت‬ ‫أخبار التصفيات الجسدية خبزنا اليومي لسنوات طويلة‪ ،‬خاصة‬ ‫االعدامات من ‪ 1937‬حتى نهاية األربعينات‪ .‬وفي ديسمبر (كانون‬ ‫األول) ‪ 1930‬التحقت بعملي كسكرتير أول ومترجم في سفارتنا‬ ‫في جدة‪ ،‬وكان السفير في حينها املرحوم ناظر بك تورياكولوف‬ ‫وهو كازاخي مسلم خلف حكيموف في هذا املنصب‪ ،‬فيما شغل‬ ‫حكيموف منصب السفير في اليمن‪ .‬وأدركت خالل عملي في جدة‬ ‫األثر الذي تركه حكيموف خالل وجوده في السعودية‪ ،‬وكذلك التقاليد‬ ‫الدبلوماسية والسياسية التي ثبتها واستمرت قائمة حتى بعد ا‬ ‫نتقاله‪ .‬وفي الواقع كنا نعمل وفق األسس التي وضعها حكيموف‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫وكان وزير املالية حاضرا ذلك اللقاء‪ .‬وكانت اسئلة جاللته تتركز على‬ ‫القضايا التي تتعلق بتجارة النفط‪ .‬ولقد شعرت في الوهلة االولى كم‬ ‫ان هذا الرجل الكبير كان طيبا للغاية ودمثا الى أبعد الحدود‪ .‬وتحدث‬ ‫بلهجة قريبة جدا من العربية الفصحى‪ .‬بحيث انني لم أجد صعوبة‬ ‫في الفهم‪ ،‬سيما وانني حديث التخرج من املعهد وليست لدى تجربة‬ ‫في التحدث بالعربية‪ .‬وقد الحظت ان امللك عبد العزيز يضيق باملراسم‬ ‫ويتعامل مع الجميع ببساطة‪ ،‬وان ديوانه مفتوح باستمرار ويدخله‬ ‫من يشاء دون اذن مسبق‪ .‬بل ان الزائر يكتفي بالسالم ثم يجلس في‬ ‫ركن معني‪ ،‬وعندها سرعان ما يلتفت اليه جاللته سائال عن أحواله‪.‬‬ ‫وفي حينها بدا لي جاللته موفور الصحة‪ ،‬طويل القامة‪ ،‬مهيبا وأقرب‬ ‫الى السمرة‪ .‬وشعرت انه يدير كل األمور وعلى اطالع بكل شاردة‬ ‫وواردة‪ ،‬ينصت الى أحاديث وزرائه باهتمام ثم يعلق عليها بايجاز‬ ‫ولكن بحسم‪ .‬وكانت حركاته تلقائية حرة‪ ،‬وهو يتربع فوق البساط‬ ‫املتواضع املفروش على أطراف الصالة‪ ،‬ويحتذي نعال مفتوحا‪.‬‬

‫االهتمام بالصناعة والنفط‬ ‫وواصل ماتوشكني قائال‪ :‬في املرة التالية التقيت جاللته بصحبة القائم‬ ‫باألعمال السوفييتي زالكنت الذي ناب عن السفير تورياكولوف أثناء‬ ‫غيابه في موسكو‪ .‬وزالكنت ال يعرف العربية‪ ،‬لذلك قمت بدور املترجم‪.‬‬ ‫وقدم نفسه باعتباره قائما باألعمال فرحب به امللك وسأله عن أحوال‬ ‫حكيموف وعن عمله في اليمن‪ .‬ثم طرح علينا أسئلة تتعلق بالوضع‬ ‫في االتحاد السوفييتي‪ ،‬خاصة في مجال املشاريع الصناعية‪ .‬وحدثه‬ ‫زالكنت عن سيرها‪ .‬وأذكر انه أخبره عن مجلة تصدر في بالدنا تهتم‬ ‫بهذا املوضوع‪ ،‬فابدى امللك اهتماما‪ .‬ثم طرح زالكنت فكرة توسيع‬ ‫التعاون التجاري مع اململكة‪.‬‬ ‫فرد امللك بأنه يرحب بذلك وأنه مرتاح الى العمل الذي قام به‬ ‫حكيموف في هذا املجال‪ ،‬وأنه يشعر بأن العالقات بني دولتينا‬ ‫حسنة وهو مع تطويرها‪ .‬وفي نهاية اللقاء وجه الينا امللك دعوة‬ ‫لحضور العرض العسكري الذي أقيم بعد ايام في جدة‪ ،‬وهو عرض‬ ‫سنوي تجريه قطعات املشاة والهجانة والفرسان وقد لبينا الدعوة‬ ‫شاكرين وحضرنا العرض والتقينا جاللته مرة أخرى وبعد ذلك كنا‬ ‫نلتقيه كلما قدم الى جدة فيما كان مقره الرياض‪ .‬وكان يمكث فترات‬ ‫مختلفة في األولى كل عام على اعتبارها كانت مقر كل السفارات‬ ‫األجنبية‪ .‬وأعتقد ان اختيار جدة مقرا للبعثات الديبلوماسية‬ ‫األجنبية جاء بسبب طبيعتها املناخية املعتدلة ونسبيا ولقربها من‬ ‫ساحل البحر"‪.‬‬


‫حيث التقى العديد من كبار املسؤولني في الدولة ومنهم رئيسها لينني‪.‬‬ ‫وبعد أن غادر األمير فيصل البالد انهمك حكيموف في اعداد مسودة‬ ‫ملشروع مشترك حول التعاون‪ .‬وكان يداوم ساعات عدة في مكتبه في‬ ‫الشقة التي كنا نسكنها العداد هذا املشروع‪ .‬وكان متحمسا وعلى‬ ‫اتصال دائم بوزارة الخارجية‪ .‬سائال ومستوضحا ومستفسرا"‪.‬‬

‫زائر الفجر‬ ‫وتستطرد خديجة خانم قائلة وهي تركز نظراتها نحو النافذة التي‬ ‫تتراءى منها احياء موسكو القديمة‪":‬ومع حلول ‪ 1937‬واشتداد‬ ‫القبضة الحديدية الستالينية على البالد والعباد‪ ،‬بدأنا نحس بأننا‬ ‫مهددون‪ .‬وراودتنا مشاعر غريبة فقضينا الليالي ونحن نتهامس‬ ‫بخوف ونتساءل‪ :‬هل تضربنا أمواج العنف السوداء وتلحقنا بمن‬ ‫ابتلعتهم؟ وما هي التهمة التي يعدها لنا ذلك االرهابي بيريا‪ ،‬الذي‬ ‫أزهق أرواح اآلالف بتهم مختلفة وباطلة؟ ومتى يأتون؟ وهل سيكتفون‬ ‫بحكيموف وحده أم أنهم سيأخذوننا جميعا لنقضي كما غيرنا في‬ ‫زنزانات سيبيريا املوحشة وجليدها القاتل؟‬ ‫وجاءت الليلة الرهيبة وكان الشتاء البارد ينهش البالد السوفييتية‬ ‫بأنيابه الحادة‪ ،‬كان شتاء ‪ 1937‬نادرا مما زاد األجواء حزنا وقتامة‪،‬‬ ‫تلك الليلة كانت طويلة الى درجة بدت كل لحظة منها دهرا‪ .‬وكنا منذ‬ ‫ساعات املساء األولى قد شعرنا بأن مصيبة ما ستحل بنا‪ ،‬وان شيئا‬ ‫ما سيحدث‪ .‬وقد أوينا الى فراشنا وحاولنا أن ننام دون جدوى‪ .‬وبقي‬ ‫حكيموف يتقلب في سريره‪ :‬مرة يستدير نحو هذا االتجاه ومرة‬ ‫أخرى نحو االتجاه اآلخر‪ .‬مرة يضع الغطاء فوق رأسه ومرة أخرى‬ ‫يركله بعيدا‪.‬‬ ‫"وفي ساعة متأخرة من الليل‪ ،‬فيما كان البرد يعتصر موسكو‬ ‫والرياح تتراكض في شوارعها كخيول جامحة‪ ،‬أحسسنا بجلبة في‬ ‫الخارج‪ .‬وتيقنا أن اللحظة التي انتظرناها طويال قد حانت‪ .‬وبدأت جلبة‬ ‫األحذية الثقيلة الصاعدة باتجاه شقتنا تتناهى الينا وكأنها طبول‬ ‫جنائزية‪ .‬انها لحظات مرهقة ومتعبة‪ .‬وبدأت الجلبة تقترب‪ .‬وازدادت‬ ‫الرهبة لدينا‪ ،‬كما ازدادت ضربات قلوبنا‪ .‬ورفعت وجهي واستدرت‬ ‫نحو حكيموف وهويت برأسي على صدره وتمسكت به بقوة‪ .‬وفيما‬ ‫كانوا يطرقون الباب بعنف كنت أزداد تشبثا بزوجي‪ .‬فقد راودني‬ ‫احساس بأنهم قادمون النتزاعه مني الى األبد‪ .‬وتشبثت به وكان‬ ‫الطرق على الباب يزداد عنفا‪ ،‬فاستيقظت طفلتنا فلورا مذعورة وبدأت‬ ‫الصراخ‪ .‬وخرج صوت أجش مرعب‪":‬افتح يا حكيموف‪ .‬اننا نعرف‬ ‫أنك في الداخل‪ .‬افتح‪..‬واال اضطررنا الى‪ "..‬وقفز حكيموف من سريره‬ ‫كالقط املذعور واتجه نحو الباب وهو حافي القدمني في ما بدا وكأنه‬ ‫في وضع يتجه معه الى املقصلة‪ ،‬وقد كان في ثياب النوم‪ ،‬وكانت يده‬ ‫ترتعش بقوة‪ .‬وما ان فتح الباب حتى تدفقوا بعنف وأوقفوه في زاوية‬ ‫ووجهه الى الحائط‪ ،‬ثم فتشوا الشقة تفتيشا دقيقا‪ ،‬وبعثروا األوراق‬ ‫وحملوا منها ما حملوا‪ ،‬وفتحوا أدراج خزانة املالبس وأنزلوا الفراش‬ ‫عن السرير‪.‬‬

‫الرحلة األخرية‬ ‫"لقد كانت لحظات رهيبة بالفعل وقد تحامل حكيموف على نفسه‬ ‫وغلبت شجاعته خوفه فارتدى مالبسه بهدوء وضمني مودعا وهو‬ ‫يقول‪":‬سأعود بعد قليل‪..‬ال تقلقي‪ ،‬اذ يبدو ان في األمر خطأ ما"‪.‬‬ ‫ثم احتضن فلورا وقبلها قبل أن يسحبوه فيختفي وراء الباب الى‬ ‫األبد‪ .‬وبعد أيام جاء رجال بيريا فاعتقلوني أنا أيضا‪ .‬وأمضيت في‬ ‫معسكرات االعتقال عشر سنوات ال يعلم سوى الله جل شأنه كم‬ ‫عانيت خاللها وكم قاسيت‪ ،‬وكم عانت طفلتنا التي تركتها ولم أرها‬

‫أو أعرف عنها شيئا فترة طويلة‪.‬‬ ‫"بعد سنتني‪ ،‬التقيت في معسكرات االعتقال سيدة قالت ان زوجها‬ ‫رأى حكيموف آخر مرة في أحد السجون في العام ‪ ،1938‬وأنه بعد‬ ‫ذلك التاريخ لم يره مطلقا ولم يسمع عنه شيئا‪ .‬ومع مرور الزمن‬ ‫أدركت حملة التصفيات الواسعة التي نظمها ستالني وبيريا قد‬ ‫شملته هو أيضا‪ .‬ولم تكن هناك أي تهمة ضده سوى أنه كان محبا‬ ‫ومخلصا لبالده وأنه أراد أن يرسي دعائم عالقات ثابتة بينها وبني‬ ‫الدول االسالمية وفي مقدمتها اململكة العربية السعودية‪ .‬وقد سمعت‬ ‫بعد سنوات أن األجهزة األمنية وجهت الى زوجي تهمة التخابر مع‬ ‫جهات أجنبية‪ ،‬وأنه جاسوس لدولة معادية! وبالطبع فان سجل زوجي‬ ‫الناصع يشهد على مدى اخالصه لوطنه‪ ،‬وانني على ثقة من أن‬ ‫حكيموف املثقف الواعي واالنساني هو نقيض الطابع القمعي ملرحلة‬ ‫ستالني االستبدادية‪ .‬وقد اغتالوا فيه‪ ،‬وبشهادة املؤرخني والباحثني‪،‬‬ ‫شخصية فذة وانسانا موهوبا"‪.‬‬

‫رد االعتبار‬ ‫وتنتقل خديجة خانم الى مرحلة أخرى فتقول‪":‬في أواخر الخمسينات‬ ‫بعد أن فتح خروتشوف ملف الستالينية انعقد املؤتمر العشرون‬ ‫للحزب فأعاد االعتبار الى زوجي‪ .‬وتضمنت املقررات فقرة جاء فيها‬ ‫"ان حكيموف ذهب ضحية العسف والتصفيات الجسدية التي جرت‬ ‫في بالدنا في نهاية الثالثينات"‪ .‬غير ان هذا النص غير كاف ألننا‬ ‫نسعى الى رد اعتبار كامل‪ ،‬ونريد معرفة كل الوقائع التي أحاطت‬ ‫باعتقاله وتصفيته‪ .‬ونطالب باعادة جميع الوثائق واألوراق الشخصية‬ ‫التي صادرها رجال املخابرات من شقتنا‪..‬كما نريد معرفة الواشي‬ ‫وكل التفاصل‪.‬ونطالب بقرار يلقي الضوء على كل مالبسات القضية‪،‬‬ ‫فقد غاب عنا حكيموف لكنني ال ازال أعيش ذكراه‪ .‬ولن يهدأ لي بال‬ ‫حتى تتكشف جميع الحقائق وأرجو من الله عز وجل ان يتم ذلك وأنا‬

‫ماتوشكني‪ :‬السكرتير األول السابق في‬ ‫السفارة السوفييتية في جدة بالزي‬ ‫العربي عام ‪1932‬‬

‫‪,,‬‬

‫السكرتير‬ ‫األول في‬ ‫السفارة‬ ‫السوفييتية‪:‬‬ ‫امللك عبد‬ ‫العزيز كان‬ ‫يسأل دائما‬ ‫عن حكيموف‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪49‬‬


‫أرشيف‬

‫وكنت عندما آوي الى فراشي في ليالي الجزيرة العربية الجميلة‬ ‫املقمرة يبقى هو والى أن تلوح أضواء الفجر عاكفا على اعداد التقارير‬ ‫والدراسات حول اقتصاد اململكة الفتية وما تحتاجه‪ .‬لقد كان يعمل‬ ‫بقلبه وبعقله من أجل أن يقدم شيئا لهذه اململكة‪ ،‬وكانت له خبرة‬ ‫واسعة في مجال االقتصاد‪ ،‬وكان حريصا على أن تستفيد اململكة‬ ‫العربية السعودية من هذه الخبرة‪.‬‬ ‫وتصمت خديجة خانم وتنظر عبر النافذة املقابلة لسريرها ثم‬ ‫تقول‪":‬لعلني ال أذيع سرا اذا قلت أن معظم هذه األبحاث والدراسات‬ ‫التي وضعها حكيموف حول الدولة السعودية الفتية ال تزال محفوظة‬ ‫في الخارجية السوفييتية وأعتقد أنها ال تزال تحتفظ بقوتها وعمقها‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬وال عجب في ذلك فالسر يكمن ببساطة في اخالص زوجي‬ ‫للعرب‪ .‬لقد أحبوه وأحبهم‪ ،‬سواء خالل تمثيل بالده في بالط املغفور‬ ‫له امللك عبد العزيز آل سعود‪ ،‬أم خالل وجوده في اليمن‪."..‬‬ ‫وتواصل خديجة خانم ذكرياتها حول هذه الفترة فتقول‪":‬عندما ذهبنا‬ ‫الى جدة كانت تختلج في نفوسنا مشاعر عدة‪ ،‬كنا فرحني باختيارنا‬ ‫ملجاورة الديار املقدسة‪ ،‬وما ان وطأت أقدامنا رمل هذه البالد‪ ،‬حتى‬ ‫شعرنا أننا بني أهلنا وذوينا واننا لسنا غرباء وسط اخوتنا في الدين‪،‬‬ ‫لقد استقبلونا كاخوة وتعاملوا معنا على هذا االساس‪ ،‬لقد كنا نشعر‬ ‫ونحن نعيش في حمى ذلك الرجل الكبير أننا بني أهلنا وفي بالدنا"‪.‬‬

‫ّ‬ ‫زوار السفارة السوفييتية يف جدة‬

‫ماتوشكني مع ابن حفيدته‬ ‫سيرجي في منزله‬

‫‪,,‬‬

‫بعد عام‬ ‫من وصولنا‬ ‫الى جدة‬ ‫استدعانا‬ ‫ستالني‬ ‫وأقفل‬ ‫السفارة‬ ‫دون سبب‬

‫‪,,‬‬

‫‪48‬‬

‫بحزن يمزق أحشائي على فقد ابني اال أنني شعرت أيضا بارتياح‬ ‫شديد‪ ،‬وشعرت كم أن هذا الرجل الذي اهتزت من مهابته كثبان‬ ‫الجزيرة العربية وصحاريها متواضع غاية التواضع‪ ،‬انه تواضع‬ ‫املؤمن والقوي‪ ،‬لقد أمر رحمه الله باقامة عزاء رسمي‪ ،‬وأمر بأن يدفن‬ ‫ابننا شامل في مكة املكرمة"‪.‬‬

‫اخالص وحب‬ ‫وتواصل خديجة خانم الحديث عن زوجها عبد الكريم الرؤوف‬ ‫حكيموف فتقول‪":‬لقد كان رحمه الله يمتلك قدرة نادرة على التحكم‬ ‫في مشاعره وضبطها‪ ،‬وكان يستطيع القيام بواجبه في أصعب‬ ‫الظروف‪ .‬انه من النوع الذي ال يظهر تأثير مزاجه الشخصي على‬ ‫تصرفاته‪ ،‬الى حد الذي لم يالحظ فيه جاللة امللك عبد العزيز أي شيء‬ ‫عليه رغم أنه بسبب مرض شامل ووفاته لم يغمض له جفن ثالثة أيام‬ ‫بلياليها‪":‬لقد حاول حكيموف كظم غيظه ودفن حزنه في قلبه فبدأ‬ ‫أمام جاللته بشوشا مرحا وكأن شيئا لم يحدث‪ .‬بل وكأن ابنه لم‬ ‫يكن ممدا على فراش املوت في الغرفة املجاورة"‪ ،‬وتستدرك خديجة‬ ‫خانم فتقول‪":‬يبدو ان امللك عبد العزيز‪ ،‬وهو ملاح بطبعه شعر بهذه‬ ‫الخصلة‪ ،‬عند حكيموف فأحبه للغاية وقدره أيما تقدير ومنحه الثقة‬ ‫الكاملة‪ .‬وكانت هذه املعاملة مكان فخر زوجي واعتزازه‪ ،‬وكان يظهر‬ ‫هذا الفخر واالعتزاز أمام املسؤولني السوفييت‪ ،‬وبعض هؤالء ينقلونه‬ ‫بالطبع الى ستالني والهيئات العليا‪.‬‬ ‫لم يكن حكيموف يخبئ شيئا عن رجاالت الدولة السوفييتية التي‬ ‫يعمل سفيرا لها‪ ،‬وكان ينقل تفاصيل لقاءاته مع امللك عبد العزيز الى‬ ‫رؤسائه‪ ،‬وكان يحدثني بفرح منقطع النظير عن املشاريع الطموحة‬ ‫التي كان يخطط لها لتعزيز العالقة مع الدولة التي أحبها ومع حكومة‬ ‫بن سعود الذي كان يكن له احتراما شديدا وكان يدرك ان ما قام به‬ ‫سيكون نقطة تحول في العاملني العربي واالسالمي‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫كيف اعتقل حكيموف وخديجة خانم؟ خروتشوف يرد الى حكيموف‬ ‫اعتباره‪ .‬ملاذا جمد ستالني العالقات الديبلوماسية مع جدة؟ السكرتير‬ ‫األول في السفارة السوفييتية يتحدث عن السعودية في الثالثينات‪.‬‬ ‫مع صور نادرة تنشر ألول مرة ‪،،،‬‬ ‫تقول خديجة خانم‪":‬كان يلفت انتباهنا الى ابناء امللك عبد العزيز‬ ‫رحمه الله كانوا يتحملون املسؤوليات الجسام رغم صغر سن‬ ‫بعضهم‪ .‬وكنا نتابع عبر األحاديث التي تناقلها أفراد البعثات‬ ‫الديبلوماسية ومن خالل قربنا من األسرة الحاكمة نظرا للثقة التي‬ ‫أوالنا اياها املغفور له على اعتبارنا نمثل مسلمني االتحاد السوفييتي‪،‬‬ ‫ما كان يقوم به هؤالء األبناء الى جانب والهم الكبير‪ .‬ومن بني ما‬ ‫كنا نسمعه أن األمير (امللك حاليا) فهد كان صغيرا يتصف بالفطنة‬ ‫ورجاحة العقل وان والده كان يعتمد عليه في تصريف بعض الشؤون‬ ‫واملسؤوليات الكبيرة‪.‬‬ ‫ومن بني الذين كانوا يترددوا على سفارتنا ويلتقون حكيموف‬ ‫ويتحادثون معه ساعات عدة املستشار االنجليزي جون فيليبي الذي‬ ‫اعتنق االسالم وغدا اسمه الحاج عبد الله فيليبي‪ ،‬والى جانب هذه‬ ‫الزيارات الرسمية كانت هناك زيارات بني زوجات السفراء والتجار‪.‬‬ ‫وكان مواطنون عاديون كثيرون يزورون السفارة يوميا‪ ،‬وبني هؤالء‬ ‫نساء كثيرات كن يحضرن بهدف العالج ألن طبيبة السفارة كانت‬ ‫السيدة أمينة عليم بيكوف‪ ،‬وهي مسلمة مثلنا كانت تعالج املرضى‬ ‫مجانا"‪.‬‬ ‫وتتوقف خديجة خانم عن الكالم برهة لتلتقط أنفاسها ثم تضيف‬ ‫قائلة‪":‬في العام ‪ 1932‬قام سمو األمير (امللك في وقت الحق) فيصل‪،‬‬ ‫وكان وزير خارجية اململكة العربية السعودية في ذلك الحني‪ ،‬بزيارة‬ ‫الى موسكو بدعوة رسمية من الحكومة السوفييتية استمرت ‪ 15‬يوما‬ ‫(في الفترة ما بني ‪ 28‬مايو (آيار) و‪ 13‬يونيو (حزيران))‪ .‬ورافقه خالل‬ ‫هذه املدة حكيموف الذي كان يغادر املنزل في ساعات الصباح األولى‬ ‫وال يعود اال متأخرا من الليل‪ .‬وكان يحدثني بحماس وسرور عن‬ ‫برنامج الزيارة وعن االنطباعات التي كونها األمير الزائر عن بالدنا‬


‫مبكرا في الخارجية السوفييتية وتوارى عن عالم الحياة السياسية‬ ‫منزويا في ركن بعيد‪.‬‬ ‫ورغم ان الحديث معها يفتح نافذة واسعة على األحزان فان خديجة‬ ‫خانم التي تقول أوراقها الرسمية انها في التاسعة والثمانني من‬ ‫عمرها‪ ،‬تنفجر ضاحكة وهي تردد كلمات عربية ما تزال ذاكرتها‬ ‫الساطعة كشمس الجزيرة العربية تحتفظ بها‪ ،‬وكانت قد تعلمتها‬ ‫قبل نحو ‪ 60‬عاما عندما كانت مع حكيموف في مهمته التي انتهت‬ ‫باستدعائه على عجل وتصفيته في اقبية املخابرات املعتمة‪.‬‬ ‫وتزداد بسمتها اتساعا ويعلو وجهها الصبوح الفرح وهي تردد بلغة‬ ‫عربية ال تشوبها اللكنة‪..":‬تفضل اشرب القهوة يا طويل العمر"‪،‬وفي‬ ‫اللقاء اآلخر يردد ماتو شكني بصوت خافت "‪..‬يا بو وجه حسن‬ ‫اشرب املية"‪ ،‬ثم يصمت باحثا في ذاكرته عن بقية املقطع من أغنية‬ ‫نجدية يقول انه أحبها كثيرا‪ ،‬ولكن عندما لم يتذكرها ينفجر ضاحكا‬ ‫ثم يردف قائال‪..":‬اللغة مثل املرأة اذا هجرتها ضاعت منك؟‪.‬‬

‫أسد اجلزيرة‬ ‫وتسألني خديجة خانم وهي ترفع يدها املرتعشة واملثقلة‬ ‫بالتجاعيد‪":‬من أين نبدأ‪ ،"..‬فأرد‪":‬من حيث تشائني"‪ ،‬ولربما من‬ ‫االفضل ان نبدأ بمهمة املرحوم حكيموف في بالط أسد الجزرة‬ ‫العربية املرحوم عبد العزيز آل سعود‪.‬‬ ‫ويتهدج صوتها وتخنقها العبرة فتتمتم بلغة عربية "‪..‬رحمه الله" ثم‬ ‫تردف بالروسية قائلة‪ ،‬انني ال أزال اذكره وكأنه يقف أمامي اآلن بقامته‬ ‫الفارعة‪ ،‬وحضوره العارم‪ .‬لقد كان مهيبا وكان الرجال يتندرون بقوة‬ ‫شخصيته حتى ان الرجل لم يكن يستطيع النظر في عينيه‪.‬‬ ‫وتواصل وذكرياتها تتدفق تباعا ‪..":‬في العام ‪ 1924‬عينت موسكو‬ ‫حكيموف سفيرا لدى دولة امللك عبد العزيز الذي كان لقبه الرسمي في‬ ‫ذلك الحني‪" ،‬ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها"‪ ،‬وخالل الشهور‬ ‫االولى من وجودنا في جدة‪ ،‬عكف زوجي على دراسة اقتصاد الدولة‬ ‫الفتية وأقام شبكة واسعة ومتينة مع املغفور لهما امللك عبد العزيز آل‬ ‫سعود ونجله ووزير خارجيته في ذلك األمير فيصل‪.‬‬ ‫"لقد كان حكيموف موضع ثقة جاللته وحكومته‪ ،‬وكان يتنقل في‬ ‫عرض البالد وطولها دون رقيب او حسيب‪ .‬لقد كان مسلما شديد‬ ‫التمسك باسالمه‪ ،‬وكان مؤمنا يؤدي فرائض الله دون انقطاع‪ ،‬وقد‬ ‫دفعه ايمانه وتعلقه بمكة املكرمة والديار املقدسة الى أداء فريضة الحج‬ ‫سبع مرات‪ ،‬هذا عالوة عن أنه زار كعبة املسلمني خالل وجودنا هناك‬ ‫مرات عدة‪.‬‬

‫الزيارة املفاجئة‬ ‫وتتوقف خديجة خانم عن الحديث لتلتقط أنفاسها وربما لتستجمع‬ ‫ذكرياتها ثم تقول‪":‬كان امللك عبد العزيز طيب الله ثراه ذلك الزعيم الذي‬ ‫ترتعد فرائص الرجال خوفا منه‪ ،‬عطوفا طيب القلب‪ ،‬وكنا نشعر أنه‬ ‫يخصنا بمعاملة خاصة وذلك ربما ألنه كان يشعر بمدى ما يعانيه‬ ‫املسلمون السوفييت على أيدي جالوذة ستالني‪ .‬لقد كان يزورنا‬ ‫باستمرار وكان يسأل عن أحوالنا وما نحن بحاجة اليه‪.‬‬ ‫‪...‬وأذكر اآلن ان زيارات امللك عبد العزيز رحمه الله لنا كانت مبعث‬ ‫سرور لنا‪ ،‬وانني أتذكر آخر زيارة من هذه الزيارات وما دار خاللها‪.‬‬ ‫لقد جاء رحمه الله مشيا على األقدام تحيط به ثلة من املرافقني وذلك‬ ‫في ‪ 17‬أكتوبر‪ ،‬وعندما شاهد حكيموف جاللته وهو مقبل هرع على‬

‫الفور مرحبا كعادته‪ ،‬فدخل جاللته ومرافقوه الى ديوان الضيوف‬ ‫في الطابق األرضي‪ .‬وبعد أن أخذ امللك عبد العزيز موضعه على‬ ‫األرض‪ ،‬وكان ال يحب الجلوس على الكراسي واآلرائك املرتفعة‪ ،‬جلس‬ ‫زوجي مقابله فانهمكا في حديث ودي تخللته أسئلة سمعت جاللته‬ ‫يطرحها وأغلبها يتعلق بأوضاع املسلمني في االتحاد السوفييتي‬ ‫وأحوال البالد واملشاريع االقتصادية الجديدة التي تنفذ هناك‪ .‬لقد‬ ‫كان حكيموف يجيب على هذه األسئلة باستفاضة وتوسع وكان‬ ‫جاللته يستمع بانتباه شديد‪ ،‬ويصدر عنه بني فترة وأخرى تعليق‬ ‫مستوضحات أو مستفهما عن أمر من األمور مجال الحديث"‪.‬‬ ‫وتصمت خديجة خانم لفترة كأنها الدهر وتطلق زفرة حارة من‬ ‫صدرها الذي كان يعلو ويهبط تحت غطاء خفيف برتابة وانتظام‬ ‫وتحاول بيدها املرتعشة تفادي دمعة انزلقت على تجاعيد خدها ثم‬ ‫تواصل حديثها وتقول‪..":‬في هذه األثناء كنت في الغرفة املجاورة‬ ‫أحاول متابعة الحديث بني جاللته وحكيموف‪ .‬لقد كنت أحاول التغلب‬ ‫على حزني ودموعي‪ ،‬وأحاول كبت ما في نفسي لكنني وفي لحظة‬ ‫تغلبت فيها العاطفة على العقل لم أتمكن من السيطرة على ما كنت‬ ‫أقاومه فانفجرت باكية وبصوت مرتفع‪ ،‬ويبدو أن جاللته سمع بكائي‪،‬‬ ‫اذ سمعته يسأل حكيموف بصوت مرتفع وبتأثير واضح‪":‬يا حاج‬ ‫عبد الكريم انني أسمع نحيبا فما سبب هذا النحيب لعله خير ان‬ ‫شاء الله"‪.‬‬ ‫"ويرد زوجي وهو يحاول اخفاء انفعاله وارتباكه‪":‬انها زوجتي يا‬ ‫طويل العمر‪ ،‬لقد وافت املنية ولدي الصغير شامل ليلة أمس‪ ،‬بعد‬ ‫اصابته بمرض الزحار الذي أودى بحياته"‪ .‬وتغرورق عيون خديجة‬ ‫هانم بالدموع مرة أخرى وهي تروي هذه الحادثة ثم تردف قائلة‪":‬ما‬ ‫ان سمع جاللته ذلك حتى انتفض واقفا‪ ،‬فوقف جميع من كان في‬ ‫الصالة‪ ،‬وسمعته يستأذن من زوجي الدخول الى حيث كنت في الغرفة‬ ‫املجاورة‪..‬وفي لحظة ال أستطيع وصفها دخل بقامته الفارعة والتأثير‬ ‫باد على هيئته‪ ،‬ثم اقترب من جثمان شامل الذي كان مسجى في‬ ‫منتصف الغرفة‪ ،‬وردد مرات عدة‪ ،‬يرحمه الله‪ ،‬يرحمه الله‪ ،‬وألهمكم‬ ‫جل شأنه الصبر والسلوان"‪.‬‬

‫طاقم السفارة السوفييتية أمام مبنى‬ ‫السفارة في جدة عام ‪1931‬‬

‫‪,,‬‬

‫خديجة خانم‪:‬‬ ‫اتهموا‬ ‫زوجي‬ ‫بالتخابر‬ ‫مع جهات‬ ‫أجنبية‬

‫‪,,‬‬

‫وتستطرد قائلة‪":‬كانت لحظة ال يمكن وصفها‪ ،‬فمع أنني كنت أشعر‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪47‬‬


‫أرشيف‬

‫كما يليق بانسان كفوء وقدير"‪.‬‬ ‫وفي العام ‪ 1934‬استدعى حكيموف الى موسكو فالتحق بالجامعة‬ ‫التمام دراساته العليا ولكن بعد عام واحد من ذلك التاريخ طلب منه‬ ‫التوجه مجددا الى اململكة العربية السعودية لتمثيل بالده لدى حكومة‬ ‫صاحب الجاللة املغفور له امللك عبد العزيز‪ .‬فاستقبل تكليفه بهذه‬ ‫املهمة‪ ،‬بشغف عارم وحماس شديد وكان حكيموف يعرف املكانة‬ ‫التي ستحتلها هذه الدولة الفتية بقيادة ذلك القائد النادر في العالم‪.‬‬ ‫وما ان عاد الى جدة مجددا وبدأ يوطد عالقاته باململكة العربية‬ ‫السعودية والشعب السعودي‪ ،‬ناقال صورة حية عن ظروف االسالم‬ ‫واملسلمني في االتحاد السوفييتي حتى استدعاه جوزيف ستالني بعد‬ ‫عام بصورة مفاجئة وعلى عجل الى موسكو‪ ،‬واستدعيت معه بطلب‬ ‫مباشر من ديكتاتور "الكرملني" البعثة الدبلوماسية كلها وتم اغالق‬ ‫هذه البعثة دون أية مبررات‪.‬‬

‫ماتوشكني يتحدث الى "املجلة"‬

‫‪,,‬‬

‫سحبوا‬ ‫زوجي في‬ ‫منتصف‬ ‫الليل‪..‬‬ ‫وذهب الى‬ ‫األبد‬

‫‪,,‬‬

‫‪46‬‬

‫شارع لينني في موسكو وأمام ابنتها فلورا التي تقول عنها أنها تشبه‬ ‫والدها كثيرا بالتعريف بزوجها وسرد قصة حياته فتقول‪:‬‬ ‫"ولد رحمه الله في العام ‪ 1882‬في عائلة فالحية كبيرة‪ ،‬وعندما بلغ‬ ‫سن دخول املدارس ألحقه والده بمدرسة كانت متخصصة بتعليم‬ ‫اللغة العربية والدين االسالمي‪ ،‬وتقع بالقرب من بلدة "أوفا" في‬ ‫بشكيريا مسقط رأسه‪ .‬وفي العام ‪ 1906‬سافر عبد الكريم عبد‬ ‫الرؤوف حكيموف سيرا على األقدام الى مدينة أودينبورغ شمالي‬ ‫بشكيريا حيث عمل هناك في خدمة احد التجار‪ .‬وفي هذه املدينة‬ ‫بدأ حكيموف تعلم اللغة الروسية قراءة وكتابة‪ .‬ثم ما لبث ان التحق‬ ‫بالجيش الروسي وعمل كجندي في صفوفه حتى خريف العام‬ ‫‪ ،1913‬وقد استغل هذه الفترة لتعميق معرفته فطاف مع وحدات‬ ‫الجيش املتنقلة مدنا وقرى كثيرة‪.‬‬ ‫وبعد ان حالفه الحظ في التخلص من الخدمة العسكرية حيث كانت‬ ‫تفرض في ذلك الحني على الرجال حتى سن الخامسة واالربعني‬ ‫عاد حكيموف الى مسقط رأسه "أوفا" واشتغل في محطة للسكك‬ ‫الحديدية‪ ،‬ومن خالل موقعه الجديد تعرف على الحركة العمالية‬ ‫الناشطة في تلك املرحلة وشارك في العديد من االضرابات ضد الدولة‬ ‫القيصرية التي كانت تحتل بشكيريا وغيرها من الديار االسالمية‪.‬‬ ‫وبعد ثورة "أكتوبر" درس الدبلوماسية على يد فروتزة وكويبش‬ ‫القائدين البارزين في ذلك الحني في الجيش االحمر‪ ،‬ونظرا ملعرفته‬ ‫الواسعة باللغات واتقانه للهجات املناطق املختلفة‪ ،‬أوفدته موسكو‬ ‫كقنصل عام لها في مدينة مشهد في ايران العام ‪.1921‬‬ ‫ونظرا التقانه للغة العربية ومعرفته الواسعة باالسالم على اعتبار‬ ‫أنه ينحدر من عائلة مسلمة عريقة‪ ،‬استدعته موسكو من مشهد‬ ‫وعينته في العام ‪ 1924‬سفيرا في جدة في بالد جاللة املغفور له‬ ‫امللك عبد العزيز‪ ،‬وبقي هناك فترة من الزمن ثم في العام ‪ 1929‬تم‬ ‫نقله الى صنعاء كسفير لدى االمام يحيى حميد الدين‪ ،‬وقد كتب امام‬ ‫اليمن في ذلك الحني رسالة الى رئيس الدولة السوفييتيه حول تعيني‬ ‫حكيموف يقول فيها‪..":‬نعلمكم بوصول السيد عبد الكريم حكيموف‬ ‫الى طرفنا بهدف توسيع العالقات التجارية بني بلدينا‪ ،‬وقد استقبلناه‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫وتتنهد خديجة خانم وترفع يدها املرتعشة وهي ممدة في سريرها‬ ‫في شقتها في وسط موسكو لتكفكف دمعة متعبة انزلقت على‬ ‫تجاعيد وجهها التي حفرت فيه السنون اقالما واضحة وتركت عليه‬ ‫املآسي واألهوال التي واجهتها آثارا لم تمح وتقول وهي تلتقط أنفاسا‬ ‫متقطعة‪..":‬وفي شتاء العام ‪ 1937‬القارس والقاسي حلت بنا املأساة"‬ ‫لقد داهموه في منتصف الليل‪ ،‬وانتزعوه من بيننا‪ ،‬وحملوه في سيارة‬ ‫سوداء كنت أراقبها عن بعد ومعي فلورا الصغيرة الى ان غابت بعيدا‬ ‫في شوارع موسكو التي كانت تكسوها الثلوج البيضاء‪..‬أخذوه وذهب‬ ‫الى األبد‪..‬لقد انقطعت أخباره منذ تلك اللحظة وحتى اآلن‪ ،‬ووصلتنا‬ ‫روايات متعددة حول مصيره‪ ،‬ولكن املؤكد أنه القى املصير نفسه‬ ‫الذي القاه اآلالف غيره على يد سفاح الـ"كي‪.‬جي‪.‬بي" بيريا‪.‬‬

‫ذاكرة صافية‬ ‫وتقول خديجة خانم في جلستها وتسند رأسها وهي تنظر عبر‬ ‫ستائر النافذة املقابلة التي تطل على جانب هام من مدينة موسكو‬ ‫بمداخنه وابراجه املرتفعة‪ ،‬وتصمت‪ ..‬تصمت طويال وكأنها تلملم‬ ‫أشالء ذكريات مرت بها حقب وأعوام وعصفت بها احداث جسام‬ ‫وظروف صعبة‪.‬‬ ‫‪ ..‬ذاكرة مدهشة بالفعل‪ ،‬لم تفلح سنوات العسف والقهر في اتالفها‪،‬‬ ‫وبما يشبه الحوار مع النفس تفيض العبارات متدفقة من صدر أطبقت‬ ‫عليه األحزان سنوات طويلة‪ .‬تبدأ الكالم عن تلك األيام البعيدة التي‬ ‫أصبحت كالحلم الهارب تلك األيام التي قضتها مع زوجها حكيموف‬ ‫في الجزيرة العربية وفي حمى فارسها الشهم عبد العزيز آل سعود‪.‬‬ ‫والحديث الذي أدلت به خديجة خانم يكاد يكون وثيقة حية عن أحداث‬ ‫خطيرة وكبيرة وقعت على امتداد بقعة جغرافية ممسكة من جهة‬ ‫بتالبيب الكرملني في عاصمة الدولة السوفييتية البعيدة ومن جهة‬ ‫أخرى بتالبيب جدة عروس البحر األحمر الجميلة‪ .‬وخديجة خانم‬ ‫وهي تروي هذه الذكريات لم يكن يخطر ببالها أن ماضيها بحلوه‬ ‫ومره سيعني أحدا غيرها وغير حاضرها املثقل بهموم الشيخوخة‬ ‫والزاحف بسرعة نحو أعتاب العقب التاسع‪.‬‬ ‫و"املجلة" وهي تفتح هذا امللف القديم ذهبت الى أبعد من شهادة أرملة‬ ‫حكيموف‪ .‬فقد قصدت منزل السكرتير األول السابق في السفارة‬ ‫السوفيتية في جدة بني العام ‪1930‬و‪ 1932‬ستيباف ماتو شكني‬ ‫لتسمع منه الجانب اآلخر من الرواية واذا كانت هذه املرأة التي بلغ بها‬ ‫الكبر عتيا‪ ،‬فقدت زوجها والى األبد منذ نصف قرن ويزيد عندما‬ ‫جرت تصفيته على أيدي جالوذة ستالني‪ ،‬فان الرجل فقد منصبه‬


‫عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف‬

‫خديجة خانم عقيلة السفير حكيموف تتحدث لـ"املجلة" من منزلها في موسكو‬

‫السعودية في العام ‪ ،1926‬مسلم من مسلمي بالد التتار‪ .‬وقد حاول‬ ‫اقامة عالقة بني بالده واململكة العربية السعودية لكنها عالقة لم‬ ‫تدم طويال انتهت بعد فترة وجيزة كما انتهى حكيموف نفسه بعد‬ ‫استدعائه الى موسكو حيث اعدم في أقبية أجهزة الـ"كي‪.‬جي‪.‬بي" في‬ ‫عهد الحقبة الستالينية املظلمة‪.‬‬ ‫وكما هو معروف فان االتحاد السوفييتي في النصف الثاني من‬ ‫العشرينات وحتى الخمسينات من هذا القرن كان يمر بمرحلة‬ ‫مضطربة للغاية خصوصا في الفترة األولى بعد وفاة مؤسسي الدولة‬ ‫البلشفية فالديميير البتش لينني ووصل الرجل الحديدي جوزيف‬ ‫ستالني الى الحكم‪ ،‬حيث استغرق األمر ‪ 4‬سنوات حكم خاللها بالنار‬ ‫حتى وطد أركان حكمه والحق حتى زمالءه الذين فروا هربا الى خارج‬ ‫البالد‪ .‬وأكبر مثال على هؤالء ليون تروتسكي الذي كان يلقب قبل‬ ‫فراره الى الخارج بخطيب الثورة البلشفية ومؤسس الجيش األحمر‪.‬‬ ‫وفي حني ان العشرينات والثالثينات كانت‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬سنوات‬ ‫االعدامات الجماعية واالقبية واالبعاد والنفي والتشريد‪ ،‬فان موجة‬ ‫العنف لم تتوقف على مدى العشرين سنة الالحقة‪ ،‬فبقيت معسكرات‬ ‫االعتقال الجماعي مفتوحة واستمرت االعدامات الفردية والجماعية‬ ‫حتى ان الحصيلة كما تقول التقديرات السوفييتية بعد مجيئ‬

‫جورباتشوف بلغت املاليني‪.‬‬ ‫وتشير امللفات التي بدأ فتحها في عهد "بيريسترويكا" ان ذلك‬ ‫السفير السوفييتي املسلم عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف الذي‬ ‫حاول كما تقول زوجته خديجة تمثيل مسلمي بالده في عاصمة‬ ‫االسالم أكثر من تمثيل ستالني وأفكاره الهدامة‪ ،‬أحد ضحايا هذه‬ ‫املوجة الدموية التي ضربت البالد على مدى أعوام طويلة فحصدت‬ ‫أرواحا بريئة وخلفت دمارا ال تزال هذه الدولة تعاني منه حتى اآلن‪.‬‬ ‫وفي هذه القصة التي نفضت "املجلة" عنها الغبار للمرة األولى ملناسبة‬ ‫مرور مئة عام بعد األلف على دخول االسالم الى االتحاد السوفييتي‬ ‫تروي زوجة حكيموف املسلمة القادمة من بالد التتار خديجة خانم‬ ‫األساليب البشعة التي صفت بها أجهزة الـ"كي‪.‬جي‪.‬بي" زوجها‪ ،‬كما‬ ‫تروي ذكريات جميلة عن األيام التي قضتها بصحبة زوجها في‬ ‫الديار املقدسة وفي رحاب حكومة صاحب الجاللة املغفور له امللك‬ ‫عبد العزيز آل سعود‪.‬‬

‫من هو حكيموف؟‬ ‫تبدأ خديجة خانم‪ ،‬ذكرياتها التي روتها لـ"املجلة" في شقتها في‬

‫‪,,‬‬ ‫زوجة‬ ‫حكيموف‪:‬‬ ‫رجال‬ ‫ستالني‬ ‫انتزعوه‬ ‫من فراشه‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪45‬‬


‫أرشيف‬

‫تحدثت خديجة خانم أرملة أول سفير سوفييتي في اململكة العربية السعودية لـ "املجلة" قبل نحو ‪ 24‬عاما عن‬ ‫ذكرياتها مع زوجها عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف في األراضي املقدسة‪ ،‬وركزت في حديثها عن ذكرياتها مع‬ ‫زوجها عن جاللة املغفور له امللك عبد العزيز بن سعود طيب الله ثراه‪ ،‬وكيف انه كان يخص زوجها بمعاملة مميزة‬ ‫على اعتباره مسلما قادما من بالد االلحاد وممثل املسلمني في تلك البالد‪ .‬واشارت الى حادثة ذات داللة وقعت لدى‬ ‫سماعه رحمه الله بوفاة ابنها فرق قلبه الكبير وتصرف تصرفا ال يمكن أن يصدر اال عن انسان يجمع بني نبل‬ ‫الخلق وعمق االيمان بالله جل شأنه‪.‬‬

‫‪ 1100‬عام على دخول اإلسالم إلى روسيا‬

‫خديجة خامن تكشف لـ"اجمللة" قصة حكيموف‪:‬‬ ‫أول سفري سوفيييت يف السعودية‬ ‫(العدد ‪)507‬‬ ‫‪ 31‬أكتوبر‬ ‫(تشرين األول)‬ ‫‪ 2/1989‬ربيع‬ ‫اآلخر ‪ 1410‬هـ‬

‫في هذا العام حلت الذكرى املائة بعد األلف لدخول الدين‬ ‫االسالمي الحنيف الى ما يسمى حاليا االتحاد السوفييتي‪،‬‬ ‫وخالل هذه األعوام املديدة‪ ،‬واجه املسلمون في تلك الديار‬ ‫ظروفا صعبة وقاسية‪ ،‬وحققوا انتصارات كبيرة‪ ،‬كما حلت بهم‬ ‫كوارث ال مثيل لها على يد قوات االمبراطورية الروسية التي شنت‬ ‫ضدهم حروبا صليبية استمرت عشرات االعوام‪.‬‬ ‫وفي التاريخ الحديث واجه مسلمو االتحاد السوفييتي وضعا‬ ‫صعبا في وجه املد االلحادي الذي أطلقته الثورة البلشيفية املعاصرة‬ ‫وانتصروا على كل محاوالت التذويب واالستالب‪ ،‬وكان لحكومة جاللة‬ ‫امللك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه الدور املبادر منذ نحو أكثر‬ ‫من سبعني عاما لنجدة راية االسالم واملسلمني في الدولة السوفييتية‪،‬‬ ‫فبذل الغالي والرخيص من أجل أن تبقى العالقة االسالمية قائمة في‬ ‫تلك البالد‪.‬‬ ‫وفي هذه املناسبة وبعد التطورات البالغة الداللة التي حدثت في‬ ‫االتحاد السوفييتي‪ ،‬بعد مجيئ ميخائيل جورباتشوف الى الحكم‬ ‫واآلثار الكبيرة التي نجمت عن "البريسترويكا" في جمهوريات‬ ‫االتحاد السوفييتي االسالمية فقد أجرت "املجلة" تحقيقات ميدانية‪،‬‬ ‫تنقلت خاللها بني موسكو وبشكيريا وعدد من املدن والجمهوريات‬ ‫االسالمية‪ ،‬وخرجت بنتائج هامة للغاية ومعلومات تنشر للمرة األولى‬ ‫تؤكد على أن االسالم في تلك الديار بخير رغم كل ما تعرض له وان‬ ‫األيام املقبلة حبلى بتطورات هامة ستكون بالتأكيد ملصلحة االسالم‬ ‫واملسلمني‪.‬‬ ‫وألن قصة أول سفير لدى اململكة العربية السعودية عبد الكريم عبد‬ ‫الرؤوف حكيموف تلخص قصة االسالم واملسلمني وما‬ ‫تعرضوا له في العهد الستاليني الدموي‪ ،‬فقد اختارت‬ ‫"املجلة" ان تبدأ تحقيقاتها بهذه القصة املثيرة التي روت‬ ‫تفاصيلها أرملة حكيموف السيدة خديجة‪ .‬التي عثرت‬ ‫"املجلة" على موقعها حيث تقيم حاليا في شقة في احدى‬

‫‪44‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫عمارات شارع "لينني" مع ابنتها فلورا وحفيدتها مارينا‪ ،‬والتي رغم‬ ‫مرضها وتقدمها في العمر ال تزال تذكر تفاصيل وأحداث تلك األيام‬ ‫التي قضتها مع زوجها في الديار املقدسة‪.‬‬ ‫وتبدأ قصة حكيموف بأنه بني عشرات الوفود التي قدمت من كل‬ ‫أنحاء العالم لحضور املؤتمر االسالمي األول الذي دعا النعقاده في‬ ‫مكة املكرمة املغفور له امللك عبد العزيز آل سعود‪ ،‬طيب الله ثراه‪ ،‬في‬ ‫العام ‪ ،1926‬كان هناك وفد يمثل مسلمي االتحاد السوفييتي‪ ،‬الذين‬ ‫أعجبوا بشخصية هذا الفارس والقائد االسالمي الكبير الذي دعا الى‬ ‫هذا التجمع الهام‪.‬‬ ‫واملؤكد ان االعجاب بهذا الفارس الذي برز في ظروف عصيبة‬ ‫وانطلق من جوار بيت الله الحرام ليوحد كلمة االسالم واملسلمني‬ ‫هو امتداد لالعجاب بشخصيته القيادية الفذة التي تمكنت في فترة‬ ‫زمنية مثالية من توحيد معظم الجزيرة العربية‪ ،‬التي كانت تعصف‬ ‫بها االنقاسامات‪ .‬وكانت مجموعة من أشباه الدول والفرق والقبائل‬ ‫املتناحرة‪ .‬لقد استطاع الراحل الكبير ان يلملم أشالء هذه املنطقة‬ ‫ويضعها على أعتاب مرحلة حضارية جديدة بجهد فاق كل جهد‬ ‫ومن خالل بطوالت على نمط فتوحات الدول االسالمية األولى‪.‬‬ ‫امللك عبد العزيز رحمه الله كان يعرف بثاقب بصيرته واقع االسالم‬ ‫واملسلمني تحت نير الثورة البلشفية املستجدة التي عصفت بالبالد‪،‬‬ ‫وكان على اطالع كامل بالظروف التي يواجهونها‪ ،‬ولهذا فانه وبهدف‬ ‫اطالع بقية املسلمني القادمني من جميع انحاء األرض على واقع‬ ‫املسلمني في البالد الروسية أراد أن يكون لهؤالء من يمثلهم في هذا‬ ‫املؤتمر الهام وأراد أن يكون وجود هذا الوفد بمثابة الدعم لهم والتأكيد‬ ‫على هويتهم االسالمية‪.‬‬ ‫وقبل هذا املؤتمر شاءت األقدار أن يكون عبد الكريم عبد الرؤوف‬ ‫حكيموف‪ ،‬الذي جاء الى جدة قادما من ميناء أوديسا على البحر‬ ‫األسود مع زوجته خديجة كأول مبعوث سوفييتي الى اململكة العربية‬


‫ً‬ ‫العام هي من تشكل الخطاب القرآني‪" ،‬فالحور العني تحمالن عيونا‬ ‫سوداء َ‬ ‫وهن مقصورات في خيام‪ ،‬والحيوانات التي ذكرت في القرآن‬ ‫كالجمل والحمير هو ما تدركه مخيلة اإلنسان العربي‪ ،‬والنظريات‬ ‫التي تحدثت عن الطب والنجوم هي آتية من الوعي العربي وإن كانت‬ ‫صحيحة‪ .‬فالقرآن ليس بكتاب فلك‪ ،‬والنبي ال يمتهن الطب"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا األسئلة والقصص التي حدثت في زمان النبي هي من‬ ‫عرضيات الدين مرحلية ليست من ذاتيات الدين‪ ،‬وكما هو الحال مع‬ ‫العقوبات الشرعية التي لو عاش النبي في زمننا ألصبحت ترتهن‬ ‫لوعي اإلنسان الحديث‪.‬‬ ‫ولذلك "ال جدال في أن اإلسالم لو نزل في اليونان أو الهند أو بالد‬ ‫ً‬ ‫الروم بدال من الحجاز لكانت عرضيات اإلسالم اليوناني والهندي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املتغلغلة إلى أعماق طبقات النواة املركزية تختلف اختالفا كبيرا عن‬ ‫واإلندونيسي‬ ‫اإلسالم العربي‪ ،‬كما هو اإلسالم اإليراني والهندي‬ ‫ً‬ ‫اليوم‪ ،‬وبعد قرون من التحوالت والتفاعالت‪ ،‬تمثل أنماطا من‬ ‫اإلسالم تختلف عن بعضها في اتساقها و بيئاتها ونتائجها‪ ،‬إلى‬ ‫جانب املشتركات فيما بينها‪ ،‬وال تقف التباينات عند تخوم اللغة‬ ‫والظواهر‪ ،‬بل تمتد إلى أعماق الوعي والثقافة الدينية)‪.‬‬ ‫وفي حديثه عن الدين العلماني يقول سروش‪ :‬إن أعظم وظيفة‪ ،‬وأكبر‬ ‫تكليف لعلماء الدين وأرباب املذاهب في كل مجتمع من املجتمعات‬ ‫البشرية هي أن يمنعوا من وقوع الدين في أيدي املغرضني ليكون‬ ‫أداة وذريعة بأيدي املتعصبني فيحملوا على إلغاء التعدد‪ ،‬فالدين‬ ‫كما يشبهه الرومي‪ -‬بمثل الحبل الذي قد يحملك إلى أعلى البئر‪،‬‬‫أو ينزلك إلى أسفله‪ ،‬ال يقودك ً‬ ‫دائما إلى بر األمان إن كنت تنوي‬ ‫استخدامه لغايات دنيئة أو الحتكار قراءته وتفسيره‪..‬‬

‫الصراطات املستقيمة والتعددية الدينية‬ ‫يتحدث سروش في كتابه (الصراطات املستقيمة) الذي يدعو فيه‬ ‫إلى شرعية التعددية الدينية‪" ،‬فليس هناك نظرية حقيقة في مقولة‬ ‫الهداية‪ ،‬ال التشيع هو اإلسالم الخالص‪ ،‬وال التسنن وال األشعرية‬ ‫هي الحق املطلق‪ ،‬وال االعتزال‪ ،‬وال املالكية‪ ،‬وال الزيدية‪ ،‬وال كافة‬ ‫املسلمني في معرفة الله وعبادته عارون وخالون من الشرك‪ ،‬وال‬ ‫قاطبة املسيحيني في إدراكهم الديني خال منه‪ ،‬كال‪ ،‬بل لقد مألت‬ ‫الدنيا الهويات غير الخالصة‪ ،‬فلم يتربع الحق في جهة من الجهات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دون جهة أخرى‪ ،‬لتكون باطال محضا‪ ،‬وعندما نذعن لهذا األمر‬ ‫فسوف يتسنى لنا هضم الكثرة بشكل أفضل‪ .‬فأكبر واضع‬ ‫للتعددية هو الله الذي أرسل أنبياء متعددين‪ ،‬فتجلى لكل واحد‬ ‫منهم‪ ،‬وبعثه إلى مجتمع معني‪ ،‬ينقبض فيه معنى الدين‪ ،‬وينبسط‬ ‫ً‬ ‫بناء على الظروف املعرفية الزمانية لذلك املجمتع"‪.‬‬

‫جرأة ‪ ..‬وردود فعل‬

‫خالل ورقة قرأها في حفل تقديم جائزة له عن فلمه السينمائي‬ ‫«غناء البالبل»‪ ،‬وأبدى دهشته من السکوت املطبق تجاهه‪ ،‬وجاءت‬ ‫املواقف ما بني مؤيدة ومخالفة للمخرج السينمائي من بينها موقف‬ ‫املرجع الشيعي اإليراني الشيخ جعفر السبحاني الذي أعلن تأييده له‬ ‫ّ‬ ‫من خالل اتصال هاتفي به‪ ،‬وشفع موقفه هذا بمقال مفصل أکد فيه‬ ‫على خروج سروش من حظيرة املسلمني‪ ،‬وکرر نصيحته القديمة‬ ‫لسروش بالعودة إلى أحضان اإلسالم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعند العرب كتب الباحث اللبناني علي حرب معلقا‪ ":‬قد يكون من‬ ‫الظلم لسروش أن نتعامل مع أطروحته كجهد فكري ال يضيف‬ ‫ً‬ ‫جديدا إلى معارفنا حول النص واملعرفة‪ ،‬أو حول الدين والوحي‪.‬‬ ‫ذلك أن هذه األطروحة تكتسب أهميتها من غير وجه‪ :‬األول من جهة‬ ‫سياسة الحقيقة‪ ،‬إذ هي تشكل في السياق الثقافي الراهن‪ ،‬وفي‬ ‫إيران بالتحديد‪ ،‬محاولة لكسر التحجر العقائدي‪ ،‬ومواجهة اإلرهاب‬ ‫الفكري الذي يمارسه حراس العقائد وشرطة القداسة‪ .‬الثاني من‬ ‫جهة تحليالت الحقيقة‪ ،‬ذلك أنه وإن كان القول بنسبية املعرفة‬ ‫الدينية ليس بجديد‪ ،‬فإن سروش يحاول إغناء هذه األطروحة‬ ‫وتوسيعها من حيث معالجته لها‪ ،‬بالتجديد في حقل التناول‬ ‫ومجاله‪ ،‬أو في اآلليات والوسائل‪ ،‬أو في البراهني والشواهد‪ ،‬أو في‬ ‫اآلراء واالجتهادات‪.‬‬

‫مواقف سروش الجريئة واملتجاوزة لألعراف والتقاليد املعتبرة‬ ‫في علوم الالهوت الديني لم تمر بسالم وهدوء‪ ،‬في لقاء صحفي‬ ‫ً‬ ‫يتحدث سروش قائال ‪" :‬عندما تقرأ القرآن عليك أن تشعر أن‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫بشريا يتحدث إليك‪ ،‬تلك الكلمات والتصاوير واألخالق‬ ‫شخصا‬ ‫والشرائع هي قادمة من عقل بشري"‪ .‬كان هذا ضمن حوار أجرته‬ ‫ً‬ ‫أستاذا ً‬ ‫زائرا‬ ‫معه في مجلة "زمزم" الهولندية عام ‪2004‬م عندما كان‬ ‫في معهد "أي أس أي أم" في اليدن‪ ،‬تسبب تصريحه هذا بأن كفره‬ ‫أحد املاللي في طهران‪ ،‬واعتبره ً‬ ‫ً‬ ‫خارجا عن الدين‪.‬‬ ‫مرتدا‬

‫وهنا ال ننسى أهم األسماء التي اهتمت بأطروحات سروش في‬ ‫العالم العربي‪ ،‬وساهمت في نقلها وترجمتها‪ ،‬هو السيد العراقي‬ ‫أحمد القبانجي‪ ،‬حيث كان له دور فاعل في تشكيل تيار عربي‬ ‫يحمل أفكار سروش ومنطلقاته املعرفية‪ ،‬ورؤيته التعددية العرفانية‬ ‫تجاه الدين‪ .‬حيث يشرف ًّ‬ ‫حاليا على منتدى بيت الوجدان الثقافي‪،‬‬ ‫وله مؤلفات عن اإلسالم املدني واملرأة واإلعجاز القرآني‪ ،‬ويدعو إلى‬ ‫تدين وجداني ينضوي تحته املسلم واملسيحي واليهودي والبوذي‬ ‫دون تلك االنتماءات العقدية التي تتبناها الجماعات املذهبية مما‬ ‫يؤدي إلى حروب عقائدية‪ ،‬ويعطي أداة للحركيني والطائفيني‬ ‫لينشروا خطابهم املهيمن للسيطرة على املجتمع <‬

‫وأعلن املخرج السينمائي اإليراني مجيد مجيدي‪ ،‬کفر سروش من‬

‫* باحث سعودي‬

‫السيد أحمد القبانجي‬

‫‪,,‬‬

‫اهتم السيد‬ ‫العراقي أحمد‬ ‫القبانجي في‬ ‫نقل مؤلفات‬ ‫عبد الكريم‬ ‫سروش‬ ‫إلى العربية‬ ‫ً‬ ‫صدى‬ ‫والقت‬ ‫ً‬ ‫وانتشارا‬ ‫ً‬ ‫واسعا‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪43‬‬


‫ثقافة‬

‫أن األديان ال تعلم الناس الحسن والقبح‪ ،‬بل وظيفتها الكشف عن‬ ‫أن هذه األعمال محبوبة لله تعالى‪ ،‬وتلك األمور القبيحة مكروهة‬ ‫ومبغوضة من الله تعالى‪ ،‬وهذا هو ما اكتشفه األنبياء‪ ،‬فاألخالق‬ ‫تتطابق من جهة تاريخية مع الدين‪ ،‬بمعنى أن القيم األخالقية ترتبط‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫منطقيا إلى الدين‪.‬‬ ‫تاريخيا بالدين‪ ،‬ولكنها ال تستند‬ ‫فكثير من القضايا التي ارتبطت وأقحمت في دائرة الدين ‪-‬وهي‬ ‫ً‬ ‫أساسا قضايا غير دينية‪ ،‬مثل حكاية كروية األرض‪ ،‬أو كراهة أكل‬ ‫لحوم اإلبل‪ ،‬أو حتى في دائرة األخالق كتحقيق العدالة‪ -‬هي قضايا‬ ‫غير دينية‪ ،‬فالسعي للعدالة هي قضية في أذهان العقالء حتى لو‬ ‫لم يقم الدين بتعزيزها‪ ..‬فالعدل ليس ًّ‬ ‫دينيا‪ ،‬بل إن الدين عليه أن‬ ‫ً‬ ‫يكون عادال‪.‬‬ ‫والفقهاء بدافع خدمة الدين حاولوا إثباته بأدوات عقالنية‪ ،‬وهو ما‬ ‫يستلزم أن يدخل معنى خارجي على الدين ذاته‪ ،‬فيصبح الدين‬ ‫ً‬ ‫مستقال عن الدين األصلي‪ ،‬ليتشظى الدين في قضايا انتمت‬ ‫للحقوق‪ ،‬وبعضها دخل في دائرة الفلسفة‪ ،‬وهذا هو عني تقطيع‬ ‫وتمزيق بدن الدين‪..‬‬

‫الذاتي والعرضي في الدين‬ ‫عبدالكريم سروش متحدثًا في جامعة‬ ‫جورج تاون األمريكية ضمن برنامج‬ ‫«حرية األديان» يناير ‪2008‬‬

‫‪,,‬‬

‫شريعتي‬ ‫أراد أن يجعل‬ ‫ًّ‬ ‫شموليا‬ ‫الدين‬ ‫ً‬ ‫مستحوذا‬ ‫على الحياة‬ ‫هو يشبه‬ ‫سيد قطب في‬ ‫خطابه الثوري‬ ‫وجاهلية العالم‬ ‫ووضعهم‬ ‫للدين في دور‬ ‫أيديولوجي‬

‫‪,,‬‬

‫‪42‬‬

‫كـ"العقل والحرية"‪ ،‬حيث يجادل فيه سروش من أجل إعادة العقل‬ ‫الذي طمر تحت أفكار الدعوة لالتباع وتعطيل العقل باعتباره باب‬ ‫هوى النفس والشيطان‪ ،‬فاتباع النص وما أراده لنا الشارع الحكيم‬ ‫ً‬ ‫نجاة وعمرانا للحياة ‪..‬‬ ‫يدعو سروش في جدله بأن العقل والحرية من جنس واحد‪ ،‬فأن‬ ‫تكون ًّ‬ ‫حرا يستلزم أن تفكر بحرية إذ إنه ال جدوى من النضال ضد‬ ‫الحاكم املستبد‪ ،‬واالحتفاظ بسلطة تحاكم الوعي‪ ،‬وتحدد الصواب‬ ‫من الخطأ‪ ،‬ليصبح العقل عبارة عن أوعية فارغة تسكب فيها املعرفة‬ ‫وتتعطل حاسته النقدية وقدرته على اإلبداع ‪ ،‬فالنصوص ال تتكلم‬ ‫وهذا ما يتردد ً‬ ‫كثيرا في كتب سروش بأن النص صامت ال يتكلم‪،‬‬ ‫وهو رهني باملعرفة القبلية لقارئه‪ ،‬فاالحتكام إليه احتكام سلبي‬ ‫يسلب اإلنسان قدراته الذاتية الكامنة‪.‬‬ ‫إن فهمنا للدين يرتبط بالعالم القديم‪ ،‬ولكن فهمنا ورؤيتنا لإلنسان‬ ‫يرتبطان بالعصر الحديث واإلنسان الجديد‪ ،‬وعندما نضع إحدى‬ ‫هاتني املقولتني إلى جانب األخرى تبرز حالة التناقض‪.‬‬ ‫وخطأ العقل ال يصحح إال بعقل آخر‪ ،‬فتنوع البشر كفيل بإيجاد‬ ‫الحلول‪ ،‬وابتكار أفكار جديدة تصلح وتكمل الفراغات في عقل ما‪،‬‬ ‫فحتى لو وصلت إلى الشمس ستظل بحاجة إلى نور النجوم‪ ،‬وهو‬ ‫ما يؤكده سروش بأن السياسة والعلم والفن هي ذوات مستقلة عن‬ ‫الدين‪ ،‬والدين ال يدخل في صميم تعريفاتها‪.‬‬

‫في نظرية الذاتي والعرضي في الدين يقول سروش‪" :‬إن عوارض‬ ‫الدين هي تلك التي يمكن أن تستبدل‪ ،‬على العكس من الذاتيات‪،‬‬ ‫أهداف النبي هي ذاتيات دينية‪ ،‬لكن من أجل أن يعبر عن تلك‬ ‫ً‬ ‫النوايا ويجعلها قابلة للفهم‪ ،‬يستعني النبي بـ (‪ 14‬عارضا) من‬ ‫ضمنها لغة معينة‪ ،‬مفاهيم معينة‪ ،‬مناهج معينة‪ .‬كل ذلك يحصل‬ ‫في زمن محدد‪ ،‬ومكان محدد‪ ،‬ولشعب محدد‪ ،‬وبمواصفات ذهنية‬ ‫وفيزيائية محددة‪ .‬نشر الدين َ‬ ‫يواجه بردود أفعال وأسئلة معينة‪،‬‬ ‫واالستجابة لها يتم بإعطاء أجوبة معينة‪ ...‬بذلك فإن هذه العوارض‬ ‫الكثيفة تخفي بني طياتها الجوهر الثمني للتدين‪ ،‬ومن أجل كشف‬ ‫هذا الجوهر الثمني‪ ،‬ليس لدينا خيار غير تجريده من تلك القشور‬ ‫السطحية‪.‬‬ ‫يفسر معنى العرضي وهو الصورة لذلك املضمون الذاتي التي‬ ‫يمكن أن تكون على شكل آخر‪ ،‬وفي دراسته للقرآن يقول‪ :‬إن اللغة‬ ‫العربية وثقافة املجتمع العربي وتصوراته الوجودية وتعليقه على‬ ‫األحداث التاريخية‪ ،‬وإجابته على أسئلة املؤمنني اآلنية كلها تندرج‬ ‫تحت العرضي في الدين‪ ،‬وهي صورة وشكل زماني مؤقت ليس من‬ ‫البنية األساسية للدين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فالعرضيات أصالتها محلية ومرحلية‪ ،‬وال ترتقي لتكون ذاتا‬ ‫أصالية أزلية‪ ،‬وفشلنا في إدراك ذلك‪ ،‬وترجمة املضامني الذاتية‬ ‫بعرضيات جديدة تحمل في مضمونها التحوالت املعرفية والظروف‬ ‫الزمانية في املجتمع واإلنسان والدين يؤدي بنا إلى إنهاك املضمون‬ ‫وخسارته في بعض األحيان‪.‬‬ ‫هذه العرضيات هي حلول تاريخية يخاطب فيها القرآن املجتمع‬ ‫العربي في ذلك الزمان‪ ،‬تعامله مع املرأة في قضايا الحدود والرق‬ ‫ً‬ ‫واملواريث‪ ،‬وال تنفصل وال يمكن ترحيلها لتكون حلوال شاملة لكل‬ ‫األزمنة؛ ألنها مرتبطة بظروف سببت وجودها‪.‬‬

‫فال ينبغي التفكير في قضايا املاضي؛ ألن املاضي أصبح في طيات‬ ‫العدم‪ ،‬فاإلنسان الذي يفكر في قضايا املاضي كأنه ميت‪ ،‬ولذلك‬ ‫ينبغي لإلنسان إزاحة قضايا املاضي ودفنها‪ ،‬وكذلك بالنسبة إلى‬ ‫ً‬ ‫املستقبل فهو عدم أيضا‪ ،‬فال ينبغي التفكير فيه‪ ،‬بل يجب أداء‬ ‫حق الحال الحاضر والعمل بمقتضيات الوقت الحالي‪ .‬وهذا يشبه‬ ‫بالضبط أنك تعيش في فصل الشتاء‪ ،‬فال بد من العمل بمقتضى‬ ‫هذا الفصل‪.‬‬

‫فاللغة العربية هي عرض من عرضيات الدين‪ ،‬فالخطاب القرآني‬ ‫تابع لخصائص اللغة العربية‪ ،‬وانعدام وجود بعض األلفاظ في اللغة‬ ‫ّ‬ ‫صعب من تمرير معاني الوجود والكينونة‪.‬‬

‫فالقيم والفضائل والرذائل مستقلة بذاتها عن التعاليم الدينية‪ ،‬أي‬

‫يصل سروش لنتيجة مفادها أن الثقافة العربية والوعي االجتماعي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬


‫مجموع معلوماته ومعارفه البشرية‪ ،‬وأينما وقع تغير في جزء‬ ‫سيصيب التغير للكل"‪ .‬ويكمل حديثه في نفس السياق‪" :‬إن املعرفة‬ ‫الدينية ‪-‬كأي معرفة أخرى‪ -‬هي حصيلة جهد البشر وتأملهم‪ ،‬وهي‬ ‫ً‬ ‫دائما مزيج من اآلراء الظنية واليقينية‪ ،‬ومن الحق والباطل‪ ،‬وال مجال‬ ‫إلنكار تطور هذه املجموعة وتكاملها‪.‬‬ ‫نحن ال نقول إن الوحي الذي أتى به األنبياء يكمله البشر‪ ،‬إنما نقول‬ ‫إن فهم البشر ملفاد الوحي يتطور‪ .‬وال نقول إن هذا التحول كان‬ ‫ً‬ ‫مقترنا ‪-‬في كل مكان وزمان‪ -‬بظهور آراء قيمة ومحكمة‪ ،‬ولكننا‬ ‫نقول إن السير في الطريق الصعبة غير املعبدة‪ ،‬والسقوط والنهوض‪،‬‬ ‫والصلح والحرب‪ ،‬والخطأ والصواب‪ ،‬والتخطئة والتصويب‪ ،‬هو الذي‬ ‫يصحح املسار وييسر االرتقاء"‪.‬‬ ‫تكمن القيمة املعرفية للقبض والبسط كونها تفرق بني الدين وبني‬ ‫املعرفة الدينية‪ ،‬بني الشريعة وبني فهمنا للشريعة‪ ،‬بني الدين لذاته‬ ‫في أصله‪ ،‬وبني الدين كما يظهر لنا‪ ،‬وتدرس ًّ‬ ‫جديا عالقة املعرفة‬ ‫الدينية مع العلوم األخرى‪ ،‬فاملعرفة الدينية تندرج تحت دائرة العلوم‬ ‫املستهلكة معارف الدرجة الثانية التي تبني نفسها على املباني‬ ‫النظرية للعلوم املنتجة (الفلسلفة‪ -‬علم اإلنسان‪ -‬االجتماع الخ‪.)..‬‬

‫‪,,‬‬

‫َ‬ ‫بأجوبة تطرد باطراد الزمان يحكي لنا عن هويته البشرية‬ ‫التاريخية"‪.‬‬

‫عبد الكريم سروش‬

‫وفي حديثه عن تطوير الخطاب الديني وتجديد بنيته الداخلية‬ ‫يقول إنه ال يكون بالحفاظ على نفس اآلليات القديمة التي صنعت‬ ‫الخطاب‪ ،‬فالنظر إلى الدين يجب أن يتزود بعلوم من خارج الدين‪،‬‬ ‫كالهرمنوطيقيا التي تهتم بالتأويل‪ ،‬وفلسفة العلم كابستمولوجيا‬ ‫معرفية‪.‬‬

‫خطأ العقل ال‬ ‫يصحح إال بعقل‬ ‫آخر فتنوع‬ ‫البشر كفيل‬ ‫بإيجاد الحلول‬ ‫وابتكار أفكار‬ ‫جديدة تصلح‬ ‫وتكمل الفراغات‬ ‫في عقل ما‬

‫"إن املعرفة الدينية في جميع مراحلها التاريخية‪ ،‬وعلى طيلة املسار‬ ‫التاريخي للفكر الديني كانت محفوفة ومحصورة باألفكار البشرية‬ ‫من خارج الدين‪ ،‬وهذه القصة لم تكن بدعة في هذا الزمان‪ ،‬بل هي‬ ‫قصة التاريخ البشري‪ ،‬وليست قصة دين اإلسالم‪ ،‬بل قصة كل دين‬ ‫من األديان‪ ،‬ولذلك إذا تقرر إيجاد تحول في الخطاب الديني الداخلي‪،‬‬ ‫فيجب العثور على مرتكز يقع خارج هذا الخطاب‪ ،‬ومن هناك يتم‬ ‫تمرير هذا التحول والتحرك في آليات الفكر الديني"‪.‬‬ ‫وينتقد الطريقة املاكسيماليسية في التفكير الديني وهي توقع‬ ‫الحد األعلى من الدين واقتباس كل شيء من الدين‪ ،‬وتلوينه بلون‬ ‫الدين‪ ،‬والسعي الستخرج كل شيء من حاويته‪ ،‬وهذا ما أجاب عنه‬ ‫سروش عندما سأله أحد املحاورين‪ :‬لو أمكن وضع مقارنة بني‬ ‫أعمالك وأعمال علي شريعتي‪ ،‬أجاب بأن "شريعتي أراد أن يجعل‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫شموليا مستحوذا على الحياة‪ ،‬أما خطابي فهو يريد أن يجعل‬ ‫الدين‬ ‫ً‬ ‫محصورا بنطاقه الفردي‪ ،‬فشريعتي يشبه سيد قطب في‬ ‫الدين‬ ‫خطابه الثوري وجاهلية العالم‪ ،‬ووضعهم للدين في دور أيديولوجي‬ ‫يحرض على الثورة والتعبئة وال يسعى للحقيقة"‪.‬‬ ‫ِ‬

‫يؤكد سروش‪" :‬النصوص الدينية هي نصوص صامتة‪ ،‬وكل من‬ ‫ادعى الحياد في قراءتها كما هي فقد فشل‪ ،‬فقراءتنا لها ً‬ ‫دائما‬ ‫مرتبطة بمفاهيم مسبقة خارجة عنها الختالف الزمان وتبدل‬ ‫األحوال وغرض القارئ من قراءته‪ ،‬فالحقائق تختلط وتتعدد ملقروء‬ ‫واحد‪ ،‬فالنص ال يحمل معه وعلى أكتافه املعنى‪ ،‬فهو رهني باملعارف‬ ‫من حوله‪ ،‬واألسئلة الجديدة التي يعجز عن إجابتها تدعونا إلى‬ ‫تبني خطاب جديد يدرك املعارف الجديدة في دوائر علم االجتماع‬ ‫واإلنسان واألديان ‪.‬‬

‫جدلية العقل والحرية‬

‫فعجز الخطاب القديم عن اإلجابة على األسئلة الجديدة واستباقها‬

‫ً‬ ‫ولسروش أيضا كتب عديدة اهتم بها السيد العراقي أحمد القبانجي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪41‬‬


‫ثقافة‬

‫ملاذا هناك تفسيرات مختلفة للتاريخ؟ هل هناك إمكانية لكتابة وصف تاريخي نهائي لحدث ما؟ هل يمكن‬ ‫إزالة القداسة التاريخية للنص؟ إلى ِّأي مدى يمكن االحتفاظ بنص متعال على الواقع دون البحث في جذوره‬ ‫وهويته املعرفية؟‬

‫ّ‬ ‫وجدلية العقل والحرية‬ ‫عبد الكريم سروش‪ ..‬والصراطات املستقيمة‪..‬‬

‫القبض والبسط‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫سامي العنزي *‬

‫‪,,‬‬

‫يقرر سروش‬ ‫أن املعرفة‬ ‫الدينية تكون‬ ‫بال مبادئ‬ ‫مسبقة‬ ‫تحكم توجه‬ ‫قراءتنا للنص‬ ‫وتصوراتنا‬ ‫حياله وال يمكن‬ ‫ً‬ ‫أيضا الوصول‬ ‫للمعنى‬ ‫األصلي‬

‫‪,,‬‬

‫كانت هذه وغيرها تساؤالت حاضرة في ذهن املفكر‬ ‫والفيلسوف العرفاني اإليراني "عبد الكريم سروش"‪ ،‬كما‬ ‫يبدو ذلك في نظرياته املبثوثة في كتبه كـ"القبض والبسط"‪،‬‬ ‫و"الصراطات املستقيمة"‪ ،‬و"العقل والحرية"‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫عبدالكريم سروش حسن حاج فرج الدباغ هو من مواليد ‪1945‬م في‬ ‫طهران‪ ،‬تلقى تعليمه الديني في (قم)‪ ،‬واختلط بمالليها وأسيادها‪،‬‬ ‫جمع بني الخلفية الشرعية والقراءات الفلسفية مع ذوق صوفي عال‬ ‫بإبحاره في أشعار جالل الدين الرومي والشيرازي‪ ،‬تأثر سروش‬ ‫بالسيد محمد حسني الطبطبائي‪ ،‬حيث قال عنه بعد قراءته لكتابه‬ ‫(مبادئ الفلسفة النظرية) "نشعر أن العالم كله تحت أجنحتنا"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وممن تأثر بهم أيضا في مرحلته األولى آية الله مرتضى مطهري‬ ‫تلميذ السيد الطبطبائي صاحب الشبكة الواسعة في املؤلفات‬ ‫األصولية والعقدية والفلسفة اإلسالمية‪.‬‬ ‫درس الصيدلة التحليلية في لندن‪ ،‬وفلسفة العلوم في جامعة‬ ‫شيلسي في السبعينات قبل اندالع الثورة اإليرانية‪ ،‬في سنة ‪1977‬‬ ‫وهو ال يزال في لندن‪ ،‬نشر أول كتاب له بعنوان‪( :‬ما هو العلم؟ ما‬ ‫هي الفلسفة؟) ثم تبعه بأعمال ومحاضرات عن تاريخ فلسفة العلم‪،‬‬ ‫وقد قوبلت بترحاب واسع في إيران‪.‬‬ ‫بعد بضعة شهور من الثورة اإليرانية سنة ‪1979‬م رجع عبدالكريم‬ ‫سروش إلى إيران ليعينه آية الله الخميني على رأس اللجنة الثقافية‬ ‫التي عنيت بتنقيح املناهج وأسلمتها من شوائب الغزو الفكري بعد‬ ‫إغالق النظام الثوري للجامعات‪ ،‬استمر في هذا العمل ملدة أربع‬ ‫سنوات ليستقيل بعد ذلك‪ ،‬وتتحول اللجنة إلى املقر الرئيس للثورة‬ ‫الثقافية‪ ،‬ليتعني في معهد الدراسات اإلنسانية واالجتماعية في‬ ‫جامعة طهران‪ ،‬وفيها ألقى أول محاضرة له‪ ،‬ونالت شهرة واسعة‪،‬‬ ‫كانت بعنوان ‪( :‬في أي عالم نعيش اليوم؟)‪.‬‬ ‫ومما نظم أفكاره ‪-‬كما يقول هو‪ -‬تدريسه ملادة علم الكالم الجديد‬ ‫التي تبحث في العالقة بني اإلنسانيات والعلوم وبني الدين‪ ،‬كانت هذه‬ ‫املادة ً‬ ‫جزءا مما يدرسه في جامعة طهران‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولذلك القت أفكاره التجديدية حول الالهوت الديني قبوال بني فئة‬ ‫الشباب والطبقات املتعلمة‪ ،‬فهناك كثيرون حانقون على الحكومة‬ ‫الدينية‪ ،‬ويتطلعون لفضاء علماني يمارسون فيه استقالليتهم‬ ‫الشخصية من دون وصاية أو استبداد فكري‪.‬‬ ‫في سنة ‪ 1986‬افتتح معهد يهتم في نشر كتب ومطبوعات على‬ ‫أشرطة كاسيت تنتقد املعرفة الدينية‪ ،‬وتدعو إلى التعددية ونشر‬

‫‪40‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫ً‬ ‫اهتماما ً‬ ‫كبيرا في‬ ‫التنوير‪ ،‬حري عن القول أن أفكار سروش ألقت‬ ‫ً‬ ‫إيران ليس فقط بالكتب املطبوعة‪ ،‬بل أيضا في أشرطة الكاسيت‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أستاذا ً‬ ‫زائرا‬ ‫منذ عام ‪2000‬م انتقل سروش خارج إيران‪ ،‬وأصبح‬ ‫في هارفارد وجامعة يال‪ ،‬وعدد من الجامعات العاملية في أملانيا‬ ‫وهولندا يدرس في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬ويقدم آراءه التي انتشرت‬ ‫وأثارت االنتباه في الدوائر البحثية‪.‬‬ ‫حصل سروش على جائزة ايراسموس عام ‪ 2004‬كواحد من أهم‬ ‫الشخصيات املؤثرة في العالم اإلسالمي إلى جانب فاطمة املرنيسي‬ ‫وصادق جالل العظم‪ ،‬كما اختارته مجلة "التايمز" عام ‪2009‬م‬ ‫ليكون من أهم مائة شخصية مؤثرة في العالم‪.‬‬

‫املعالم األولى (القبض والبسط)‬ ‫كانت البداية بعد وصول الخميني للسلطة‪ ،‬فاالستحواذ الذي‬ ‫فرضته الحكومة الجديدة على كل دوائر الحياة‪ ،‬وسعيها لتكريس‬ ‫رؤاها الدينية باستخدام أجهزة الدولة‪ ،‬وتغيير معالم املجتمع‪،‬‬ ‫وإنشاء سلطة أيدلوجية تتحكم بالوعي في مؤسسات التعليم‪،‬‬ ‫وتسعى لتطبيق أجندة تتحكم باملعرفة‪.‬‬ ‫في مراحل تطور نظرية سروش (القبض والبسط) كان الدافع‬ ‫األساسي الذي ذكره سروش في أكثر من محل هو تساؤله‪ :‬ملاذا‬ ‫هناك تفسيرات مختلفة للتاريخ؟ هل هناك إمكانية ًلكتابة وصف‬ ‫تاريخي نهائي لحدث ما؟ هذا ما قاده في بحثه الحقا في نظريته‬ ‫بأن األحداث التاريخية هي منفتحة حيال التفسيرات والقراءات‬ ‫املتعددة‪ ،‬ومن خالل قراءاته في فلسفة العلم التي سمحت له بإدراك‬ ‫األبعاد الخلفية لتطور العلوم‪ ،‬وتأثير املباني النظرية على املعرفة‬ ‫الدينية‪ ،‬فال يمكن للمعرفة الدينية أن تكون بال مبادئ مسبقة تحكم‬ ‫ً‬ ‫توجه قراءتنا للنص وتصوراتنا حياله‪ ،‬وال يمكن أيضا الوصول‬ ‫للمعنى األصلي للنص‪ ،‬فاملعنى األصلي للنص كذكر النحل يموت‬ ‫فور إخصابه‪.‬‬ ‫نشرت هذه األفكار في مقاالت في ًمجلة "كيهان" اإليرانية على مدى‬ ‫سنتني ‪ 1989-1988‬وجمعت الحقا في كتاب‪ ،‬وكانت أول ترجمة‬ ‫للعربية سنة ‪2003‬م من دار الكتاب الجديد‪ ،‬ترجمتها دالل عباس‪.‬‬ ‫يقول سروش‪" :‬القبض والبسط هي ذلك النوع من املعرفة البشرية‬ ‫الخاضع للتطور والتغيير والتبدل بتفاعله مع العلوم األخرى‪ ،‬أي أن‬ ‫املعرفة الدينية ألي إنسان وفي أي عصر تنقبض وتنبسط بحسب‬


‫‪www.majalla.com‬‬

‫العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫جوزيف براودي وطوين بدران‪ :‬هل تراجع امل�سروع الأمريكي يف ال�سرق الأو�سط؟‬ ‫عبد الرحمن باع�سن‪ :‬امل�ساعدات اخلليجية مل�سر‪ ..‬اخلروج من عنق الزجاجة‬ ‫�سهري �سهيد ثالث‪� :‬سيا�سة الرئي�س الإيراين ح�سن روحاين‪ ..‬العتدال املنحاز‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪09‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪issue 1587 september 2013‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫تقرير‬

‫ثقة الشعب وتقدم بديال حقيقيا‪ ،‬ولن يتم تحجيم دور املؤسسة‬ ‫العسكرية إال بعملية تحول ديمقراطي حقيقي ووجود قواعد‬ ‫ومعايير ديمقراطية جديدة ملؤسسات الدولة تسمح بمراقبة‬ ‫ميزانية الجيش‪ ،‬وهو ما يعد شرطا أساسيا إلخضاع العسكري‬ ‫للمدني‪ ،‬ويصف روبرت سبرينجبورج األستاذ في األكاديمية‬ ‫البحرية األمريكية العليا املؤسسة العسكرية املصرية بـ«الشركة‬ ‫العسكرية»‪ ،‬فدائما ما يتحرك الجيش كمؤسسة تحاول املحافظة‬ ‫على مصالحها الخاصة فى ضوء االمتيازات االقتصادية التي‬ ‫حصل عليها الجيش‪ ،‬والتى بدأت مع الرئيس الراحل جمال عبد‬ ‫الناصر وتحول اقتصاد البالد نحو االشتراكية وسيطرة الدولة‬ ‫على قوى اإلنتاج‪ ،‬وفقا لدستور ‪ ،1964‬الذى نص على أن «الشعب‬ ‫يسيطر على كل أدوات اإلنتاج»‪ ،‬وعينت النخبة العسكرية نفسها‬ ‫نائبا عن الشعب في تلك السيطرة‪ ،‬وفي فترة حكم الرئيس‬ ‫السادات صدر القرار الرئاسى رقم ‪ 32‬لسنة ‪ 1979‬الذى سمح‬ ‫بإنشاء جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع‪ ،‬ومنح‬ ‫مشروعات القوات املسلحة امتيازات ضخمة‪ ،‬حيث أصبحت معفاة‬ ‫من الضرائب وال تخضع للوائح والقوانني التى يخضع لها الجميع‬ ‫في القطاعني الخاص والعام‪ ،‬كما بدأت فكرة إنشاء مشروعات‬ ‫غذائية إنتاجية لتحقيق االكتفاء الذاتي للقوات املسلحة‪ ،‬وفي عهد‬ ‫مبارك بدأ برنامج الخصخصة للقطاع العام دون املساس بشركات‬ ‫ومصانع اإلنتاج الحربي‪.‬‬ ‫متظاهر يمسح دموع ضابط‬ ‫من القوات املسلحة‬

‫‪,,‬‬

‫شهدت الفترة‬ ‫منذ اندالع‬ ‫ثورة يناير‬ ‫حتى أحداث‬ ‫الـ‪ 30‬من يونيو‬ ‫مساهمة‬ ‫الجيش‬ ‫بمبالغ‬ ‫طائلة للدولة‬ ‫املصرية‬

‫‪,,‬‬

‫‪38‬‬

‫السيسي فى خطابه إلى األمة‪ ،‬الذى ذكر فيه أن القوات املسلحة‬ ‫غير راغبة في أن تكون طرفا في املعادلة السياسية‪ .‬ويبقى القاسم‬ ‫املشترك بني ثورة يناير وأحداث يونيو هو تحرك الجيش استجابة‬ ‫ملطالب الشعب‪ ،‬التي خرجت للشوارع انحيازا للثورة وأهدافها‪ ،‬ولكن‬ ‫ال يمكن إنكار وجود مصلحة للجيش؛ سواء بعزل الرئيس مبارك‬ ‫أو الرئيس مرسي‪.‬‬ ‫ففي حالة مبارك لم يكن الجيش مؤيدا لفكرة التوريث‪ ،‬وفى حالة‬ ‫مرسي كان هناك تخوف من امتداد مشروع التمكني إلى قلب‬ ‫املؤسسة العسكرية‪ ،‬كذلك لم يستطع الجيش أن ينسى الطريقة التى‬ ‫أقيل بها املشير طنطاوي‪ ،‬فضال عن تحمل الجيش قدرا من اإلهانات‬ ‫من القيادات املحسوبة على حزب الحرية والعدالة‪ ،‬التي اتهمت الجيش‬ ‫بالتقاعس‪ ،‬وأنه سبب هزيمة ‪ ،1967‬يضاف إلى ذلك املشهد الذي‬ ‫خرج به مرسي في الصالة املغطاة باستاد القاهرة‪ ،‬بحضور قيادات‬ ‫التيار اإلسالمي‪ ،‬في مؤتمر «نصرة سوريا» في الـ‪ 15‬من يونيو‬ ‫‪ ،2013‬الذي جاء نوعا من الرد على حملة تمرد إلظهار قدرة التيار‬ ‫الديني على الحشد‪ ،‬وهو ما أنذر بخطورة الوضع الداخلي‪ ،‬وأعاد إلى‬ ‫األذهان ما ُعرف بـ«جمعة قندهار»‪ ،‬التي شهدت حشودا ضخمة‬ ‫لقوى اإلسالم السياسي إبان حكم املجلس العسكري‪.‬‬

‫دعوة السيسي‬ ‫في ‪ 24‬يوليو ‪ 2013‬طالب الفريق السيسي الشعب املصري‬ ‫بالنزول لتفويض الجيش في محاربة العنف واإلرهاب املحتمل‪،‬‬ ‫وهو ما أثار ريبة الكثيرين‪ ،‬الذين رأوا في محاربة اإلرهاب واجبا‬ ‫وطنيا للجيش ال يحتاج تفويضا من الشعب‪ ،‬وتساءل البعض عن‬ ‫الهدف من النزول‪ ،‬وأسباب عدم صدوره من رئيس الجمهورية‪،‬‬ ‫وأعاد الجدل مرة أخرى حول دور الجيش في الفترة املقبلة وطبيعة‬ ‫العالقات املدنية العسكرية‪ ،‬ونشير هنا إلى مالحظة مهمة‪ ،‬بأنه‬ ‫ال يمكن الحديث عن دور الجيش من دون وجود مشروع تقدمه‬ ‫ّ‬ ‫القوى املدنية مللء الفراغ السياسي‪ ،‬ولن يكف الناس عن حمل‬ ‫صور الفريق السيسي ما لم تظهر وجوه أخرى تستطيع كسب‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫وتتضارب التقديرات حول حجم اقتصاد املؤسسة العسكرية‪،‬‬ ‫وسط اتفاق على عدم إمكانية تقدير الحجم الحقيقي له‪ ،‬بسبب‬ ‫انعدام الشفافية‪ ،‬واعتبار ذلك األمر من األسرار العسكرية‪ ،‬وأيضا‬ ‫بسبب تشعب املشروعات وتوسعها بشكل ال يمكن تغطيته بدقة‪.‬‬ ‫وقد شهدت الفترة منذ اندالع ثورة يناير حتى أحداث الـ‪ 30‬من‬ ‫يونيو مساهمة الجيش بمبالغ طائلة للدولة املصرية؛ سواء في شكل‬ ‫املساعدة في إعادة ترميم بعض الكنائس التي تعرضت العتداءات‬ ‫جماعات متطرفة أو لدعم االحتياطي النقدي‪ ،‬فقد خصصت القوات‬ ‫املسلحة ‪ 3.12‬مليار جنيه خالل الفترة املاضية لدعم مختلف‬ ‫جهات الدولة‪ ،‬وعلى رأسها مليار دوالر قرضا للبنك املركزي‪ ،‬وفقا‬ ‫لتصريحات محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون املالية‪ ،‬كما‬ ‫أكد الفنان محمد صبحي تبرع القوات املسلحة بمبلغ ‪ 50‬مليون جنيه‬ ‫كمساهمة في مشروع تطوير العشوائيات‪ ،‬وأصدر الفريق السيسي‬ ‫مؤخرا قرارا بتحمل القوات املسلحة املبالغ املستحقة على ربات‬ ‫األسر السجينات الالتي صدرت ضدهن أحكام بالسجن في قضايا‬ ‫العجز عن سداد األقساط‪.‬‬ ‫يبقي القول إن الجيش لعب دورا مركزيا في اإلطاحة بالرئيس‬ ‫محمد مرسي املنتمى إلى جماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬حيث حافظ‬ ‫الجيش على نوع من العالقة املتميزة واملصداقية مع الشعب‬ ‫املصري التي أتاحت له أن يكون الضامن الذى يحتكم إليه الشعب‪،‬‬ ‫واستطاع الفريق عبد الفتاح السيسي أن يعيد هتاف «الشعب‬ ‫والجيش إيد واحدة»‪ ،‬وذلك على عكس الوضع في تونس‪ ،‬الذى‬ ‫يمتلك فيه االتحاد العام التونسي للشغل النفوذ والقدرة على‬ ‫الحسم وإمكانية التأثير على الشارع واإلطاحة بالحكومة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بسبب قوته العددية ووزنه السياسي واالقتصادي الذي يمكنه‬ ‫من القيام بالدور الذي ال يستطيع الجيش القيام به‪ ،‬حيث إن‬ ‫الجيش التونسي أعلن أكثر من ّ‬ ‫مرة عن حياديته إزاء التجاذبات‬ ‫السياسية‪ ،‬ورغبته في أن يكون على مسافة واحدة من السلطة‬ ‫واملعارضة على حد سواء‪ ،‬فقد صرح مصدر مقرب من املؤسسة‬ ‫العسكرية بأن «الجيش التونسي محايد ولن يتدخل‪ ،‬وليس من‬ ‫عادته لعب دور سياسي» <‬


‫الطاقة‪ ،‬وشهدت القاهرة الكبرى شلال مروريا بسبب نقص البنزين‬ ‫والسوالر وإضراب سائقي امليكروباص‪ ،‬وكان االستقطاب السياسي‬ ‫هو األعنف‪ ،‬وذلك بسبب إصدار الرئيس السابق محمد مرسي إعالنا‬ ‫دستوريا في ‪ 21‬نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ 2012‬يعطل به مؤسسات‬ ‫الدولة‪ ،‬ثم بدأت معركة الدستور‪ ،‬التي شهدت رفضا واسعا لتشكيل‬ ‫الجمعية التأسيسية‪ ،‬وانسحابا ملمثلي الكنيسة واألزهر والقوى‬ ‫املدنية منها‪.‬‬

‫املؤسسة العسكرية و«اإلخوان»‬ ‫سيطر الجيش فى يناير ‪ 2012‬بشكل كامل على األوضاع فى مدن‬ ‫القناة عقب قرار الرئيس السابق محمد مرسى بإعالن حظر التجول‬ ‫على خلفية ما شهدته مدينة بورسعيد فى أعقاب أحكام اإلدانة‬ ‫التى صدرت بشأن أحداث مجزرة استاد بورسعيد‪ ،‬وهو ما أعقبته‬ ‫اشتباكات دامية بني املواطنني والشرطة‪.‬‬ ‫انطلقت حملة توكيالت تطالب الجيش بإدارة شؤون البالد نتيجة‬ ‫للتردي السياسي واالقتصادي الذى شهدته مصر في الفترة‬ ‫السابقة‪ ،‬وقد أكد املستشار أحمد سالم املتحدث الرسمي باسم‬ ‫وزارة العدل أن عدد التوكيالت الرسمية املسجلة لدى مصلحة الشهر‬ ‫العقاري‪ ،‬املطالبة بعودة الجيش إلدارة البالد ال تتجاوز الـ‪ ٨٠٠‬توكيل‪،‬‬ ‫مضيفا أن «الوزارة ليس لها عالقة باألوراق التى يتم تداولها فى‬ ‫الشوارع»‪.‬‬ ‫حاول الفريق السيسي توجيه دعوة للحوار بني مؤسسة الرئاسة‬ ‫واملعارضة قبل موعد االقتراع على مسودة الدستور إلحداث نوع من‬ ‫التوافق‪ ،‬ولكن قوبلت هذه الدعوة بالرفض من جانب الرئاسة‪ ،‬األمر‬ ‫الذي أكده الفريق السيسي في خطابه الذى ألقاه في ‪ 24‬يوليو (تموز)‬ ‫‪ ،2013‬خالل الحفل الذي حضره لتخريج دفعتني بكليتي البحرية‬ ‫والدفاع الجوي بمدينة اإلسكندرية‪.‬‬ ‫ُيذكر أن شخصيات محسوبة على التيار اإلسالمي قد وجهت‬ ‫إهانات للجيش‪ ،‬وقد رد الجيش محذرا من التطاول عليه‪ ،‬وأن ما‬ ‫حدث مع املشير طنطاوي ال يمكن تكراره مع الفريق السيسي‪ ،‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫ذكرنا هذا بنوع من االنقالب اإللكتروني الذى وقع في تركيا عام‬ ‫‪ ،2007‬عندما قامت قيادة األركان التركية في ‪ 2007‬بوضع رسالة‬ ‫على موقعها الرسمي على اإلنترنت محذرة فيها من محاولة الدفع‬ ‫بعبد الله غل لرئاسة الجمهورية‪.‬‬ ‫على الرغم من امتعاض الجيش من تصريحات بعض الشخصيات‬ ‫املحسوبة على التيار الديني‪ ،‬فإنه ال يمكن إغفال التوافق بني املؤسسة‬ ‫العسكرية و«اإلخوان» فيما يتعلق بالدستور‪ ،‬حيث حصلت املؤسسة‬ ‫العسكرية على وضع خاص في الدستور املصري الجديد‪ ،‬مثل املادة‬ ‫‪ 196‬التي نصت على أن وزير الدفاع هو القائد العام للقوات املسلحة‪،‬‬ ‫ُوي َعني من بني ضباطها‪ ،‬وقد جاء هذا النص مخالفا لدستور ‪1971‬‬ ‫الذي لم ينص صراحة على أن يكون وزير الدفاع من ضباط الجيش‪،‬‬ ‫كذلك املادة ‪ ،198‬التي نصت على أن القضاء العسكري جهة قضائية‬ ‫مستقلة‪ ،‬يختص دون غيره بالفصل في جميع الجرائم املتعلقة‬ ‫بالقوات املسلحة وضباطها وأفرادها‪ ،‬ولم ينص الدستور على مراقبة‬ ‫مجلس الشعب مليزانية الجيش‪ ،‬وهو ما دفع البعض للتفكير في‬ ‫التشابه بني الحالة املصرية والنموذج الباكستاني‪.‬‬ ‫جاءت نداءات حملة «تمرد»‪ ،‬التي جمعت وفقا ملا أعلنته قرابة ‪22‬‬ ‫مليون صوت مطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة‪ ،‬وداعية الشعب‬ ‫للنزول إلي امليادين في ‪ 30‬يونيو ‪ ،2013‬لتعيد تدخل الجيش في‬ ‫الحياة السياسية بشكل واضح ال لبس فيه‪ ،‬فقبل أحداث ‪ 30‬يونيو‬

‫صرح الفريق عبد الفتاح السيسي بأن الجيش لن يظل صامتا أمام‬ ‫انزالق البالد في صراع يصعب السيطرة عليه‪ ،‬وأمهل الرئاسة‬ ‫واملعارضة أسبوعا للوصول إلى حل سياسي قبل ‪ 30‬يونيو‪،‬‬ ‫واتفقت رسالة الفريق السيسي مع رؤية الجيش التاريخية للتدخل‬ ‫للحفاظ على التماسك الداخلي واالجتماعى وتجنب اندالع الفوضى‪.‬‬ ‫بعد خروج املظاهرات في الـ‪ 30‬من يونيو التي ضمت ماليني في جميع‬ ‫املحافظات‪ ،‬أمهل الفريق السيسي الرئيس السابق محمد مرسي ‪48‬‬ ‫ساعة لالستجابة ملطالب الشعب‪ ،‬في بيان أصدره في األول من يوليو‬ ‫‪ ،2013‬وبعد رفض الرئيس مرسي االستجابة ملطالب املظاهرات‪،‬‬ ‫خرج الفريق عبد الفتاح السيسي فى الثالث من يوليو ليعلن عن‬ ‫خارطة الطريق من دون الرئيس مرسي‪ .‬ثمة مالحظات مهمة على‬ ‫أحداث الـ‪ 30‬من يونيو وثورة الـ‪ 25‬من يناير ‪2011‬؛ املالحظة األولى‬ ‫حول الشكل الذى عاد به الجيش للحياة السياسية‪ ،‬فقد خرج الفريق‬ ‫عبد الفتاح السيسي ليعلن عن خارطة الطريق بحضور أعضاء من‬ ‫حملة «تمرد»‪ ،‬وبحضور شيخ األزهر وبابا األقباط األرثوذوكس‪،‬‬ ‫وبحضور الدكتور محمد البرادعي‪ ،‬على خالف ثورة الـ‪ 25‬من يناير‪،‬‬ ‫التي ظهر خاللها املجلس األعلى بكامل تشكيله دون حضور الرئيس‬ ‫مبارك‪.‬‬ ‫املالحظة الثانية هي سرعة تشكيل حكومة مدنية وتعيني رئيس‬ ‫املحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا للجمهورية‪ ،‬بما عكس عدم‬ ‫رغبة املجلس العسكري في العودة للحكم‪ ،‬وهو ما أكده الفريق‬

‫‪,,‬‬

‫حاول الفريق‬ ‫السيسي توجيه‬ ‫دعوة للحوار بني‬ ‫مؤسسة الرئاسة‬ ‫واملعارضة‬ ‫إلحداث نوع من‬ ‫التوافق ولكن‬ ‫قوبلت الدعوة‬ ‫بالرفض‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪37‬‬


‫تقرير‬

‫أثارت أحداث الـ‪ 30‬من يونيو جدال واسعا داخليا وخارجيا حول توصيفها من حيث كونها ثورة شعبية وتصحيحا‬ ‫ملسار ثورة الـ‪ 25‬من يناير أم أنها انقالب عسكري‪ ،‬ومدى تشابه ذلك مع ثورة ‪ 1952‬التي رسخت نفوذ الجيش في‬ ‫الحياة السياسية املصرية‪ ،‬أم أنها أشبه بما حدث في ثورة يناير ‪ ،2011‬التي انحاز خاللها الجيش للمطالب الشعبية‪،‬‬ ‫هذا الجدل صاحبه نقاش آخر حول الدور املتوقع للجيش املصري خالل الفترة املقبلة واملساحة التي سيشغلها في‬ ‫الحياة السياسية املصرية‪.‬‬

‫َ‬ ‫مصر أنموذجًا‬ ‫دور الجيوش العربية في الحياة السياسية واالجماعية‪..‬‬

‫ربيع عسكري‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫رانيا زادة‬

‫‪,,‬‬

‫استدعت‬ ‫ثورة الـ‪ 25‬من‬ ‫يناير عودة‬ ‫الجيش للحياة‬ ‫السياسية‬ ‫وكانت أول‬ ‫معالم هذا‬ ‫املشهد اجتماع‬ ‫املجلس األعلى‬ ‫للقوات املسلحة‬ ‫دون حضور‬ ‫قائده األعلى‬ ‫الرئيس األسبق‬ ‫حسني مبارك‬

‫‪,,‬‬

‫‪36‬‬

‫لم تكن أحداث الـ‪ 30‬من يونيو املرة األولى التي يتدخل فيها‬ ‫الجيش في الحياة السياسية في مصر‪ ،‬حيث أن هناك‬ ‫ارتباطا تاريخيا بني تأسيس الدولة املصرية الحديثة‬ ‫وبناء الجيش في عهد محمد علي‪ ،‬وقد لعب الجيش املصري دورا‬ ‫سياسيا كان أبرزه ثورة ‪،1952‬و استمر الجيش في الفترة بني‬ ‫‪ 1952‬حتى عام ‪ 1967‬في لعب أدوار سياسية مهمة نتيجة لوجود‬ ‫شخصية ذات تأثير ونفوذ قوي على رأس القوات املسلحة‪ ،‬وهى‬ ‫املشير عبد الحكيم عامر‪.‬‬

‫شواهده االلتفاف على نتيجة استفتاء مارس (آذار) ‪ ،2011‬الذى‬ ‫حظي بموافقة ‪ 77‬في املائة من الناخبني إلجراء تعديالت على دستور‬ ‫‪ ،1971‬وبدال من ذلك قام املجلس العسكري بإصدار إعالن دستوري‪،‬‬ ‫وأدى فشل املجلس العسكري في إدارة املرحلة االنتقالية إلى تعرضه‬ ‫لجملة من االنتقادات و اإلهانات لم تفرق بينه وبني الجيش كمؤسسة‪،‬‬ ‫واستخدمت القوى الثورية هتافات يسقط حكم العسكر احتجاجا‬ ‫على سوء إدارته‪ ،‬كما تورط املجلس العسكري أثناء حكمه في أحداث‬ ‫دامية‪ ،‬مثل أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء وغيرها‪.‬‬

‫مثلت هزيمة ‪ 1967‬نقطة فاصلة في دور الجيش السياسي‪ ،‬حيث‬ ‫ُ‬ ‫استبعد الجيش بعدها من الحياة السياسية‪ ،‬واستطاع الرئيس الراحل‬ ‫عبد الناصر إعادة بناء الجيش على أسس مهنية مكنت الحقا من‬ ‫االنتصار في حرب ‪ .1973‬وعلى الرغم من انتماء كل من الرئيس‬ ‫السادات والرئيس مبارك للمؤسسة العسكرية‪ ،‬فإن الجيش كان‬ ‫جيشا مهنيا ولم يتدخل فى الشأن الداخلي إال مرتني؛ املرة األولى‬ ‫كانت في عهد الرئيس الراحل السادات عام ‪ 1977‬فيما سمي‬ ‫بانتفاضة الخبز‪ ،‬وأجبر خاللها الجيش الرئيس الراحل السادات‬ ‫على التراجع عن القرارت االقتصادية‪ ،‬وكان تدخل الجيش للحفاظ‬ ‫على التماسك الداخلي وحماية البالد من االنهيار‪ ،‬واملرة الثانية عام‬ ‫‪ 1986‬في عهد مبارك بعد واقعة تمرد األمن املركزي‪ ،‬التي تمرد‬ ‫خاللها جنود األمن املركزي بسبب شائعة مد فترة تجنيدهم‪.‬‬

‫على الرغم من األخطاء السابق ذكرها‪ ،‬استطاع الجيش تأمني‬ ‫االنتخابات البرملانية والرئاسية‪ ،‬وأوفى بعهده‪ ،‬وسلم السلطة من‬ ‫خالل انتخابات رئاسية فاز بها مرشح اإلخوان املسلمني‪ ،‬وذلك على‬ ‫الرغم من الشائعات التي أثيرت وقتها بأن الفريق أحمد شفيق كان‬ ‫مرشح الجيش املفضل‪.‬‬

‫املجلس العسكري‬ ‫استدعت ثورة الـ‪ 25‬من يناير ‪ 2011‬عودة الجيش للحياة‬ ‫السياسية‪ ،‬وكانت أول معالم هذا املشهد اجتماع املجلس األعلى‬ ‫للقوات املسلحة دون حضور قائده األعلى الرئيس األسبق حسني‬ ‫مبارك يوم الخميس ‪ 10‬فبراير ‪ ،2011‬كما أصدر املجلس األعلى‬ ‫بيانه األول مؤكدا على التزامه بإتخاذ جميع التدابير للحفاظ على‬ ‫الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم‪ ،‬وبعد هذا‬ ‫االجتماع بيوم واحد تنحى الرئيس مبارك عن رئاسة الجمهورية‬ ‫وكلف املجلس األعلى للقوات املسلحة بإدارة شؤون البالد‪ ،‬وكان‬ ‫موقف الجيش من ثورة الـ‪ 25‬من يناير بمثابة انحياز واضح من‬ ‫املؤسسة العسكرية للمطالب الشعبية‪.‬‬ ‫تولى املجلس العسكري إدارة شؤون البالد‪ ،‬وشهدت مصر فترة‬ ‫من أصعب الفترات‪ ،‬واتسمت بالتخبط الشديد‪ ،‬الذي كان من أبرز‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫اتخذ الرئيس السابق مرسي بعد توليه رئاسة الجمهورية قرارا يوم‬ ‫الـ‪ 12‬من أغسطس (آب) ‪ 2012‬بإحالة الفريق سامي عنان واملشير‬ ‫حسني طنطاوي للتقاعد وتعيني الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائدا‬ ‫عاما للقوات املسلحة‪ ،‬وقد لقي هذا القرار قبوال لدى القوى الثورية‪،‬‬ ‫وذلك لرغبتها في إبعاد املجلس العسكري عن املشهد السياسي‪،‬‬ ‫خاصة بعد أن أصدر املشير طنطاوي في الـ‪ 17‬من يونيو (حزيران)‬ ‫‪ 2012‬إعالنا دستوريا مكمال لإلعالن الصادر في مارس ‪،2011‬‬ ‫وهو ما اعتبرته القوى الثورية تكريسا لوجود املجلس العسكري‬ ‫في املشهد السياسي‪ ،‬إذ نص اإلعالن في املادة ‪ 60‬مكرر على حق‬ ‫املجلس في التدخل في تشكيل الجمعية التأسيسية في حالة حدوث‬ ‫ما يمنع من استكمالها عملها‪ ،‬فضال عن اختصاصه بتقرير كل ما‬ ‫يتعلق بشؤون القوات املسلحة‪ ،‬ويكون لرئيسه جميع السلطات لحني‬ ‫إقرار الدستور‪.‬‬ ‫شهدت فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي تخبطا واستقطابا‬ ‫على جميع املستويات‪ ،‬حيث لم يكن لدى الحكومة أي تصور‬ ‫إلدارة امللف االقتصادي‪ ،‬فقد أعلن الجهاز املركزي للتعبئة العامة‬ ‫واإلحصاء عن ارتفاع معدل التضخم الشهري خالل فبراير املاضي‬ ‫بنسبة ‪ 2.8‬في املائة‪ ،‬مقارنة بشهر يناير السابق عليه‪ ،‬ليرتفع‬ ‫التضخم إلى أعلى معدل شهري له منذ سبتمبر ‪ ،2010‬كما ارتفع‬ ‫معدل التضخم السنوي مقارنة بشهر فبراير ‪ 2012‬ليسجل ‪ 8.7‬في‬ ‫املائة‪ ،‬ليصل إلى ‪ 132.8‬نقطة‪ ،‬وشهدت مصر أزمة غير مسبوقة في‬


‫عقلية مقنعة في داخلها‪ ،‬وال تأخذ من السند املعرفي مشروعيتها‬ ‫وال معناها‪.‬‬ ‫باعتبار أن املقياس والحكم الذي هو منطق املعرفة غير حاضر‪،‬‬ ‫واملساحة خالية للمشروعيات األخرى لالشتغال‪ ،‬مشروعيات‬ ‫التقليد والتراث وغيرها من املرجعيات‪ .‬إنها مرجعيات الغلبة والقوة‬ ‫ال مرجعيات اإلقناع والبرهان والدليل‪.‬‬ ‫غياب منطق العقل‪ ،‬أي غياب الفلسفة‪ ،‬جعل من خطابات املعرفة‬ ‫خطابات تتمظهر بمعرفيتها‪ ،‬ولكنها في عمقها ضد املعرفة‬ ‫وضد املنطق‪ .‬ومع الوقت واستمرار التخلف الحضاري أصبحت‬ ‫املشروعية املعرفية ليست ضرورية‪ ،‬بل ضارة ملن أراد الحصول‬ ‫على جزء من السلطة‪ ،‬فالرأي والقول واملوقف ال تأخذ قيمتها وال‬ ‫ً‬ ‫استنادا على أساسها‬ ‫تتحدد فعاليتها وال فرصتها في النجاح‬ ‫املعرفي بقدر ما هو حصولها على مشروعية سلطوية أو غير‬ ‫معرفية‪ ،‬تاريخية أو رمزية‪.‬‬ ‫ومن هنا يمكن لنا القول أنه في ظل غياب الخطاب الفلسفي تغيب‬ ‫خطابات املعرفة األخرى‪ .‬لدينا أقسام جامعية لعلوم االجتماع‬ ‫والنفس واالقتصاد والسياسة والعلوم الطبيعية‪ ،‬ولكنها بدون‬ ‫فاعلية على أرض الواقع‪ ،‬فالفاعلية لها شروط ال تمتلكها هذه‬ ‫التخصصات‪ .‬فمنطق املعرفة والعقل ليس هو الحاكم‪ .‬نحن في‬ ‫نظام معرفي آخر ال تشتغل فيه هذه األدوات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومن هنا نفهم تكلس وجمود كل املجاالت املعرفية وعجزها عن‬ ‫التطور‪ .‬فاملعرفة ال تتطور إال حني تشتغل وتخضع لالختبار‬ ‫والفعل ما يجعلها ترتد باستمرار لنفسها مراجعة ومتطورة ّ‬ ‫وحية‪.‬‬ ‫وحني يتساءل الطالب عن جدوى ما يتعلمه في املدارس والجامعات‬ ‫من علوم طبيعية واجتماعية نفسية وغيرها فهو ّ‬ ‫يعبر بدقة عن‬ ‫الواقع الذي يعيشه‪ ،‬فهو ال يرى أي أثر لهذه العلوم على أرض‬ ‫الواقع‪ ،‬استيراد التقنية يحل كل هذا اإلشكال‪ .‬وما إجابات املعلمني‬ ‫واملعلمات عن أهمية العلوم إلى إجابات افتراضية صحيحة ولكنها‬ ‫ال تستند على الواقع الذي نعيشه‪ ،‬وهكذا تفقد معناها وقيمتها‬ ‫فسندها األساسي‪ ،‬الذي هو منطق العقل‪ ،‬في غياب طويل‪.‬‬

‫املثقفـ‪/‬ـة في هذه املعادلة‬ ‫ّ‬ ‫ماذا يعني تواجد املثقفـ‪/‬ـة في سوق ال مجال آمن ومحفز فيه إلقالق‬ ‫ً‬ ‫املعرفة السائدة وتحريك مياهها الراكدة؟ أيضا ماذا يعني تواجد‬ ‫املثقفـ‪/‬ـة في بيئة لم يتأسس الحجاج فيها على منطق املعرفة بل على‬ ‫منطقة السلطة ّ‬ ‫والقوة بكافة تمظهراتها؟ برأيي أن هذا يعني الكثير‬ ‫من السمات والسلوكيات واملواقف التي تبدو واضحة في شخصية‬ ‫املثقف السعودي والثقافة السعودية والتي سأختم بها مداخلتي هنا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أولها‪ :‬الشعور بالتهميش‪ ،‬فالقرارات التي تتخذ على األرض ويفترض‬ ‫بها أن تمس حياة الناس‪ ،‬أي الرابط األساسي بني الفكر والفعل‪ ،‬يبدو‬ ‫فيها دوره األضعف واألقل فاعلية‪ .‬غياب التأسيس العقالني للمعارف‬ ‫كثقافة عامة تتشكل في مؤسسات لها كلمتها في صناعة القرار‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫وهامشيا‪.‬‬ ‫رخيصا‬ ‫جعل رأس مال املثقف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬أن املثقف الناشئ في هذه البيئة أصبح أيضا مشتغال داخل‬ ‫خطاب املعرفة بمنطق الالمعرفة‪.‬‬ ‫أي أنه بشعار وغطاء الثقافة استمر في العمل ضمن منطق الصراع‬ ‫الالفكري داخل وخارج مجتمع املعرفة‪ .‬األستاذ الجامعي ‪-‬على سبيل‬ ‫املثال‪ -‬يستسلم ملنطق املؤسسة ليبتعد قدر اإلمكان عن إقالق املعرفة‬

‫السائدة‪ ،‬وفتح املجال ملعرفة املستقبل ليتحول ملجرد موظف روتيني‬ ‫ًّ‬ ‫يؤدي ً‬ ‫روتينيا يعمل بشكل بطيء ومستمر على إخراج منطق‬ ‫دورا‬ ‫املعرفة من آفاق تفكير األفراد والجماعات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬ظهور وانتشار ظاهرة املثقف املصارع‪ .‬هذا النمط من املثقفني‬ ‫يتحرك داخل منطق الصراع ال منطق الحوار‪ .‬بمعنى‪ ،‬تحت تأثير‬ ‫قلقه على وجوده وهويته الثقافية املهددة باستمرار‪ ،‬يدخل في‬ ‫عالقات متوترة مع الشخصيات التي كان من املمكن أن تتشارك معه‬ ‫في تأسيس مجتمع معرفة قادر على توفير عالقات يمكن أن يدخل‬ ‫داخلها حوار معرفي يمثل رحم املعرفة وشرط استمرارها ونموها‪.‬‬ ‫املثقف املصارع مشغول بإطالق األحكام على خصومه أكثر من اشتغاله‬ ‫بالنظر فيما يكتبون‪ ،‬وهو بهذا يقوم بإفراغ الساحة املحتملة للحوار‬ ‫من احتماالتها القادمة‪ .‬املثقف املصارع هو نتيجة الستبداد الخطابات‬ ‫الالمعرفية على ساحة املعرفة‪ .‬في تلك الخطابات القول ليس للحجة بقدر‬ ‫ما هو للمكانة املتوارثة ولالنخراط في وراثة ّ‬ ‫معينة للسلطة وأدواتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من الحوار كثقافة عامة غير‬ ‫رابعا‪ :‬غياب التأسيس الفلسفي جعل ّ‬ ‫محتمل الحدوث‪ .‬الحوار قائم على مسلمة جوهرية وهي ضرورة‬ ‫سيادة منطق اإلقناع واإلفهام ال منطق اإلخضاع والجبر‪ ،‬وهذا برأيي‬ ‫متعذر بدون انتشار املعرفة العقالنية الفلسفية وامتداداتها من علوم‬ ‫االجتماع والنفس والسياسة والجمال<‬ ‫* كاتب وباحث سعودي‬

‫‪,,‬‬

‫كافتيريا جامعة امللك سعود‬ ‫في الرياض‬

‫غياب منطق‬ ‫العقل أي غياب‬ ‫الفلسفة جعل من‬ ‫خطابات املعرفة‬ ‫خطابات تتمظهر‬ ‫بمعرفيتها‬ ‫ولكنها في عمقها‬ ‫ضد املعرفة‬ ‫وضد املنطق‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪35‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ما هو األثر الذي أحدثه غياب الخطاب الفلسفي على الخطابات االجتماعية والدينية واالقتصادية واإلعالمية‬ ‫ّ‬ ‫والسياسية وغيرها من الخطابات؟ ماذا يعني تواجد املثقفـ‪/‬ـة في سوق ال مجال آمن ومحفز فيه إلقالق املعرفة‬ ‫ً‬ ‫السائدة‪ ،‬وتحريك مياهها الراكدة؟ أيضا ماذا يعني تواجد املثقفـ‪/‬ـة في بيئة لم يتأسس الحجاج فيها على منطق‬ ‫املعرفة‪ ،‬بل على منطقة السلطة ّ‬ ‫والقوة بكافة تمظهراتها؟‪ ...‬هذا ما سأحاول اإلجابة عليه في هذا املقال‪.‬‬

‫منطق املعرفة مفقود في خطابنا الثقافي السعودي‬

‫غياب التأسيس الفلسفي‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عبد الله املطيري *‬

‫‪,,‬‬

‫غياب‬ ‫التأسيس‬ ‫الفلسفي أدى‬ ‫إلى تشكل‬ ‫ظاهرة (املثقف‬ ‫املصارع)‬ ‫وهو الذي‬ ‫يتحرك داخل‬ ‫منطق الصراع‬ ‫ال منطق‬ ‫الحوار قلق‬ ‫على وجوده‬ ‫وهويته‬ ‫الثقافية‬ ‫املهددة‬ ‫باستمرار‬

‫‪,,‬‬

‫‪34‬‬

‫يتفاجأ الكثيرون‪ ،‬من خارج السعودية‪ ،‬حني يعلمون أن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تقديما للفلسفة‬ ‫يتضمن‬ ‫التعليم العام والعالي السعودي ال‬ ‫ً‬ ‫تعليما لها‪ .‬إال أن املفاجأة تبدأ بالخفوت حني يعلمون‬ ‫وال‬ ‫أن هذه ليست كل الصورة‪ .‬ال تكتمل الصورة إال حني يعلمون أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ضديا للفلسفة‪ .‬بمعنى‬ ‫أيضا يتضمن موقفا‬ ‫التعليم العام والعالي ّ‬ ‫أن الطالب والطالبات يتعلمون أن الفلسفة باختصار منهج خاطئ‬ ‫للمعرفة‪ .‬تبدأ املفاجأة بالتالشي هنا باعتبار أن غياب الفلسفة هو‬ ‫عمل مقصود ألسباب دينية ًوسياسية‪ ،‬وهذا موقف ليس بالجديد‬ ‫ً‬ ‫يعرف شيئا ولو بسيطا عن تاريخ الفلسفة‪ .‬يبقى شيء من‬ ‫على من ّ‬ ‫متعلق بالفلسفة اإلسالمية‪ .‬يواجهني هذا االستفسار ً‬ ‫كثيرا‬ ‫الدهشة‬ ‫مع املشتغلني بالفلسفة هنا في أمريكا‪ .‬يقولون نفهم أن يكون هناك‬ ‫موقف من الفلسفة اليونانية أو الغربية أو حتى الشرقية‪ ،‬ولكن ملاذا‬ ‫يمتد هذا املوقف للفلسفة اإلسالمية؟ هنا تحتاج إلى شرح أن املوقف‬ ‫الحالي هو امتداد تاريخي طويل ملوقف مشهور في الثقافة السلفية‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا اإلسالمية منها‪ .‬الفلسفة اإلسالمية هنا‬ ‫مضاد للفلسفة‬ ‫ً‬ ‫خطرا؛ ألنها تأتي بغطاء ديني يخفي تحته املنهج الذي يمكن‬ ‫أشد‬ ‫االعتراض عليه‪ ،‬والذي سيكون سمة هذه املقالة‪ .‬الفلسفة اإلسالمية‬ ‫يقول خصومها‪ -‬ترتكب ذات الخطيئة وهي "منازعة الوحي والنص‬‫بالعقل والتأويل"‪ .‬نحن هنا أمام صراع ُسلطات معرفية سأحاول فهم‬ ‫الحالة الثقافية السعودية من خالله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫املشهد السابق قد يحيل إلى صورة مغلوطة أيضا‪ ،‬وهي أن املشهد‬ ‫السعودي قديمه وحديثه كان ً‬ ‫خلوا من التعاطي مع الفلسفة‪ .‬هذا‬ ‫ً‬ ‫غير دقيق فعال‪ ،‬وموقف ال أتبناه ً وال أحتاجه إلنجاز محاججتي‬ ‫هنا‪ً .‬‬ ‫قديما‪ ،‬وأنا أتحدث هنا انطالقا من منتصف القرن العشرين‪،‬‬ ‫توافر مثقفون ومفكرون كبار على اطالع عميق باملنتج الفلسفي‪،‬‬ ‫أتحدث هنا عن شخصيات مثل‪ :‬محمد حسن ّ‬ ‫عواد‪ ،‬وحمزة شحاتة‪،‬‬ ‫وعبدالله القصيمي وآخرين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا الرافد لم يتوقف اليوم‪ ،‬وال يزال يتسع ً‬ ‫يوما بعد يوم‪ .‬أيضا اليوم‬ ‫ً‬ ‫االنفتاح املعلوماتي جعل املنتج الفلسفي متوفرا في السوق السعودية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إقباال ً‬ ‫كبيرا عليه‪ .‬اليوم أيضا هناك حلقات‬ ‫وتشهد معارض الكتاب‬ ‫فلسفية وتجمعات فكرية في املنتديات الثقافية السعودية على‬ ‫عال من الحيوية‪ .‬حجة أخرى ربما تساق على الصورة في‬ ‫مستوى ٍ‬ ‫املدخل أعاله تذهب إلى أن لب الفلسفة "املعرفة العقالنية" قد توافر‬ ‫من خالل العلوم اإلنسانية األخرى املتوافرة في الجامعات السعودية‪،‬‬ ‫كعلم النفس واالجتماع والنقد األدبي واللسانيات والتربية والسياسة‬ ‫واألنثروبولوجيا‪ .‬هذه الحجة وجيهة لكنها تعاني من مشكلتني‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫ً‬ ‫أوال‪ :‬العلوم اإلنسانية تقدم لدينا مفرغة من أصولها الفلسفية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬أن هذه العلوم ذات حضور ضيق أصال في الجامعات املحلية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لاّ‬ ‫ثالثا‪ :‬وهو برأيي األهم أن هذه العلوم كانت مح للصراع بني نمط‬ ‫ّ‬ ‫التشككية‬ ‫واالتباع ّ وبني املناهج‬ ‫املعرفة‬ ‫الراسخ القائم على اإليمان ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تأثيرا‪.‬‬ ‫وغالبا كانت املناهج الحديثة أقل حظا وأضعف‬ ‫الجديدة‪،‬‬

‫غياب من وحضور من؟‬ ‫تكمن قيمة الخطاب الفلسفي في تصوري في سمتني أساسيتني‬ ‫تشكل طبيعته الجدلية‪ :‬األولى أنه خطاب تأسيسي لكل معرفة عقلية‪،‬‬ ‫والثانية أنه خطاب نقدي لكل أنماط املعرفة العقالنية وغير العقالنية‪.‬‬ ‫بمعنى أنه خطاب هدم وبناء‪ ،‬أو لنقل خطاب يقوم على استمرارية‬ ‫"معمار املعرفة"‪ .‬تأسيسية هذا الخطاب تكمن في كون الفلسفة ذاتها‬ ‫بحث في إمكانية املعرفة وشروطها وقدرة العقل على إنتاجها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تحديدا جاءت تسميتها بأم العلوم‪ .‬باعتبار أن كل علم عقلي‬ ‫ومن هنا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تحديدا على مقوالت أولية تنشغل الفلسفة تحديدا في البحث‬ ‫يتأسس‬ ‫ً‬ ‫أوال وفي مضمونها ً‬ ‫تاليا‪ .‬ومن هنا‬ ‫فيها من جهة إمكانها العقلي‬ ‫ً‬ ‫تحديدا تكمن أهمية فلسفة كل مجال‪ ،‬ففلسفة العلم هي األساس‬ ‫النظري للعلم‪ ،‬ومهمتها وضع هذا األساس ونقد األسس املتوفرة‪،‬‬ ‫وفلسفة السياسة هي التي تضع املبادئ األولى للفكر السياسي‪،‬‬ ‫وهكذا في بقية املعارف العلمية العقلية‪ ،‬وهنا أستبعد املعارف غير‬ ‫العقالنية على األقل من جهة استنادها على مصادر غير بشرية‬ ‫كالدينية‪ ،‬وتلك القائمة على االنطباع والذوق كالفنية والتي ال تأسس‬ ‫لها الفلسفة بقدر ما تمارس النقد تجاهها‪ .‬الفلسفة بهذا املعنى تعني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومتغيرة‬ ‫عملية تشييد وهدم مستمر للمعرفة‪ .‬أي معرفة متحركة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تحديدا مع نشره للقلق‬ ‫ومتحولة‪ .‬شهادة ميالد الفيلسوف تتحقق‬ ‫والتوتر في املعرفة املحيطة به‪ ،‬هذا ما تفعله الفلسفة ولكن ماذا عن ما‬ ‫يفعله غياب الفلسفة؟ وهو سؤالنا املركزي هنا‪.‬‬

‫فعل الغياب‬ ‫ما هو األثر الذي أحدثه غياب الخطاب الفلسفي على الخطابات‬ ‫االجتماعية والدينية واالقتصادية واإلعالمية والسياسية وغيرها‬ ‫من الخطابات؟ برأيي أن أكبر أثر لهذا الغياب هو فقداننا لضرورة‬ ‫التأسيس املعرفي‪ .‬فالخطابات السائدة ال تستند على ّقوة معرفية‬


‫مسارات نظم املعرفة لوجدنا عباراتهم تقطر تواضعًا‪ ،‬جيل‬ ‫معلومات‬ ‫دلوز ال يعتبر نفسه مثقفًا ذلك أنه يفتقر إلى‬ ‫ّ‬ ‫أساسية بحسب وصفه‪ ،‬وفوكو قبل موته قال‪« :‬لم أكتب قط‬ ‫شيئًا إال أوهامًا» ونيتشه قال‪« :‬أنا مجرد كاتب»‪.‬‬ ‫ثمة انتفاخ ضخم وكبير ترعاه مؤسسات الثقافة لتربية‬ ‫االدعاء وتغذية االنتفاخ وحراسة ّ‬ ‫التورم‪ ،‬لكن ما فائدة املثقف؟!‬ ‫ما قيمته؟! ال شيء‪ ،‬وأذكر هنا مقولة روالن بارت‪« :‬املثقفون‬ ‫ال يصلحون لشيء»‪ .‬لكن ماذا عن التفكير والتثاقف بشكل‬ ‫فني؟! أليس هو األولى واألجدى من صرعات النضال وحمى‬ ‫الصراع واالصطفاف؟! كتب فوكو‪« :‬إننا في زمن يجب أن‬ ‫تعاد فيه صياغة وظيفة املثقف املختص ال أن تهجر‪ ،‬رغم‬ ‫حنني البعض إلى كبار املثقفني الكليني»‪.‬‬ ‫فوكو بالذات يحاول عبر بحوثه نقل املهمة التي يقوم بها‬ ‫املتفلسف من كونها مهمة تلقينية إلى مهمة تتعلق بالتكوين‬ ‫الذاتي‪ ،‬فكم رأينا من يدعي الفلسفة والتفلسف لم يمارس‬ ‫بعد تكوينه الذاتي على املستوى األخالقي والجمالي والفني‪،‬‬ ‫خاصة حينما تمارس الفلسفة في بيئات متواضعة تستخدم‬ ‫التفلسف على سبيل الثرثرة اللغوية‪ ،‬إن الفلسفة في نظر‬ ‫فوكو مهمة مترابطة تصنع في كل لحظة سلسلة أحداثها‪،‬‬ ‫هذا مع اعتقاده بالدور املحوري للفلسفة فهو كتب منذ عام‬ ‫‪ 1971‬عن وهم الحياد املعرفي‪ ،‬وكتب عن الدور الذي تلعبه‬ ‫املعرفة في «التكسير والحسم»‪ ،‬والتكسير ال يبدأ من تغيير‬ ‫اآلخرين بقدر ما يبدأ من تغيير الذات وباألخص ذات املثقف أو‬

‫املتفلسف أو الكاتب نفسه وتحويلها عما هي عليه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التحول؛ إلى رحلة شاقة من أجل‬ ‫نحتاج كذلك إلى الكثير من‬ ‫صناعة مساحة من «الفن» داخل الثقافة لنحمي أفكارنا من‬ ‫ّ‬ ‫التيبس ونحمي ذواتنا من التآكل‪ ،‬فالواقع املظلم قد يدفع‬ ‫اإلنسان نحو اليأس؛ إن الفعل الفلسفي ال يمنح الكاتب أو‬ ‫املثقف حصانة من «الوهم»‪ .‬تلك الرؤية – تحويل الثقافة إلى‬ ‫أسلوب فني ‪ -‬هي التي تحمي الكاتب من «اليأس» أن يتعامل‬ ‫ً‬ ‫مع الثقافة بوسائل فنية تستهدف ذاته أوال ويمارس عبرها‬ ‫معرفة الجديد في العالم سواء في مجال الفلسفة أو السينما‬ ‫أو األزياء والطب وذلك التغيير والتحويل الذاتي هو الذي يصنع‬ ‫من الثقافة جنة بعيدًا عن الصراعات والنزاعات والحروب‬ ‫الطاحنة التي يمارسها السفهاء من الكبار واملسنني حول‬ ‫قضايا تافهة‪.‬‬ ‫إن النجاح في تحويل اإلنسان لذاته من أسلوب إلى أسلوب هو‬ ‫الصورة الجمالية اللذيذة للتفكير‪ .‬فالتغيير هو شكل التفكير‪.‬‬ ‫من هنا يدخل الجانب الفني في املسألة الفكرية والتي ربما‬ ‫يكون في إدخالها بعض الغرابة للوهلة األولى ولكن سرعان‬ ‫صيغة من صيغه‬ ‫ما نجد الفكر ‪ -‬وفق فوكو ‪ -‬يتجلى في‬ ‫ٍ‬ ‫كأثر فني‪ ،‬وتلك املرحلة يطلق عليها مرحلة «املفكر‪ ،‬الفنان»‬ ‫فالفن كما يقول مارتن هيدغر‪« :‬له قوة إثراء للحياة أكثر مما‬ ‫للحقيقة بما هي تثبيت ملظهر ما» <‬ ‫* كاتب وباحث سعودي‬

‫‪,,‬‬

‫مشكلة املثقف‬ ‫السعودي‬ ‫جزء من‬ ‫مشكلة املثقف‬ ‫العربي عمومًا‬ ‫فهو من دون‬ ‫دور ولكنه‬ ‫يبحث عن أي‬ ‫دور مهما‬ ‫كان ساذجًا‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪33‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ّ‬ ‫التحول؛ إلى رحلة شاقة من أجل صناعة مساحة من «الفن» داخل الثقافة لنحمي أفكارنا‬ ‫نحتاج كذلك إلى الكثير من‬ ‫من ّ‬ ‫التيبس ونحمي ذواتنا من التآكل‪ ،‬فالواقع املظلم قد يدفع اإلنسان نحو اليأس؛ إن الفعل الفلسفي ال يمنح الكاتب‬ ‫أو املثقف حصانة من «الوهم»‪.‬‬

‫املثقف السعودي منفعل بلحظته‪ ..‬ال يزال يبحث عن دور‬

‫التيه الكبري‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫فهد الشقيران *‬

‫في كتابه «محاضرات في اآليديولوجيا واليوتوبيا»‬ ‫ّ‬ ‫يشخص الفيلسوف الفرنسي «بول ريكور» ‪ -‬بشكل‬ ‫خاطف ‪ -‬معاناة املثقف في دول العالم النامي حيث‬ ‫لحظة واحدة»‬ ‫يراه «يعاني العيش في أكثر من عصر في‬ ‫ٍ‬ ‫فهو في فكره وبحثه يغرق في تتبع أحدث ما أنتجه العقل‬ ‫البشري في هذا القرن‪ ،‬وفي جسده وظرفه املكاني يعيش في‬ ‫حالة من الالنسجام‬ ‫القرن الثامن ‪ -‬حسب ريكور ‪ -‬فهو في‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫املتطور الذي يتابعه‬ ‫بني املكان بمحتوياته الثقافية‪ ،‬والفكر‬ ‫ويخضعه لبحوثه ويستفيد منه في كشوفاته العلمية‬ ‫والبحثية‪.‬‬ ‫وهي معاناة تصبغ املثقف العربي دون غيره من‬ ‫املختصني كاألطباء والكيميائيني ألن الثقافة‬ ‫بطبيعتها تتسم بأنها «املوقف النقدي» على‬ ‫عكس التخصصات األخرى التي تنشغل بالعلوم‬ ‫واألبحاث باعتبار نتائجها‪ ،‬ذلك أن املثقف ينخرط‬ ‫في تقييم املوقف الوجودي ورصد العالقات‬ ‫املوروثة املؤثرة على سير حياة الفرد ونقدها ولفت‬ ‫األنظار إليها‪.‬‬ ‫املثقف العربي حينما‬ ‫يشرح محمد املاغوط مسيرة‬ ‫ّ‬ ‫يقول‪« :‬إنني مثل السجني الذي ظل يحفر عشرين‬ ‫عامًا ثم اكتشف أن النفق الذي حفره يقوده إلى‬ ‫زنزانة أخرى»‪.‬‬ ‫هذا جانب جزئي من املشكلة التي تعصف باملناخ‬ ‫الذي يحيط بالكاتب واملثقف حينما يفحص واقعه‪،‬‬ ‫فهو في مسيرته يبدأ نضاليًا يعارك ويناكف‪،‬‬ ‫ومن ّ‬ ‫ثم يبدأ في رسم صورة «تراجعات»‬ ‫ّ‬ ‫يكسب بعدها مواقع مخملية تمكنه من‬ ‫العيش بثراء بقية حياته‪ ،‬هذا لدى البعض‬ ‫املناضل‪ ،‬أما املثقف املرتبط بالكشوفات‬ ‫ّ‬ ‫واملحتك بالفلسفة بوصفها‬ ‫العلمية‪،‬‬ ‫«فهمًا للواقع‬ ‫في مواجهة‬ ‫للذات داخل‬ ‫سياق التجربة»‬ ‫ّ‬ ‫يمر‬ ‫(هيدغر) فهو‬ ‫بمراحل من األسئلة‬

‫‪32‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫والتطورات وكل حقبة تركل األخرى حتى يصل إلى مستويات‬ ‫عالية من فهم العالم وإدراكه‪ ،‬وتحميض صورة متجددة عن‬ ‫النفق الذي ّ‬ ‫يمر به العالم النامي‪.‬‬ ‫مع األحداث العربية الحالية وغليان االضطرابات في كل مكان‬ ‫تعرض املثقف العربي الختبار يشبه الذي ّ‬ ‫مر عليه ّإبان الثورة‬ ‫ٍ‬ ‫‪ 1979‬حني ّأيد العديد من املثقفني العرب تلك الثورة‬ ‫اإليرانية في ً‬ ‫بوصفها فاتحة لنوافذ كبرى في التغيير بالعالم العربي‪.‬‬ ‫كذلك الحال أثناء حرب العراق على الكويت ‪ 1990‬سرعان ما‬ ‫انضم إلى الحشد املؤيد لصدام حسني بعض كبار املفكرين‬ ‫حدث يبرز‪ .‬مع األحداث العربية‬ ‫العرب‪ ،‬وقل مثل ذلك عند أي‬ ‫ٍ‬ ‫األخيرة أخذت صيغ التأييد ألي حراك من دون التأمل بآماده‬ ‫ومآالته فضائح كبرى لدى املثقفني الذين آمنوا بالشارع لكنهم‬ ‫لم يتأملوا إلى أين سيذهب بهم هذا الشارع؟! جاءت القوى‬ ‫األصولية وحني انتخب مرسي عاد املثقف السعودي في‬ ‫مجمله ّ‬ ‫وأيد انتخابه‪ ،‬وحني أسقط وعزل أيد إسقاطه وعزله‪.‬‬ ‫املثقف السعودي يعاني من االنفعال باللحظة من دون‬ ‫ّ‬ ‫ستؤدي إليها‪ ،‬العاطفة‬ ‫التفكير بها وبمآالتها وبالطرق التي‬ ‫حركت الكثير من مواقفهم تجاه األحداث وبعض الليبراليني‬ ‫الذين صموا آذاننا بالقنوات أنهم ال يستحون من التعبير‬ ‫عن ليبراليتهم قالوا إنهم عادوا إلى تياراتهم الشيوعية إذ‬ ‫أحيت بهم الثورات نوازعهم القديمة‪ ،‬ثمة تيه كبير لدى املثقف‬ ‫ً‬ ‫أحداث لكنه‬ ‫السعودي الذي يعاني أصال من دون أن تمر أي‬ ‫ٍ‬ ‫بمرور األحداث الكبرى‪ .‬هذا املثقف الذي كتب في‬ ‫عانى أكثر‬ ‫ّ‬ ‫زاويته مهاجمًا نقاد الربيع العربي في ‪ 2011‬هو الذي ينصح‬ ‫اآلن وينادي بالتعقل والتروي‪ .‬هناك حالة استغباء للقراء‬ ‫وللناس من قبل البعض ويظنون أن الناس قد نسيت‪.‬‬ ‫مشكلة املثقف السعودي جزء من مشكلة املثقف العربي‬ ‫عمومًا‪ ،‬فهو من دون دور‪ ،‬ولكنه يبحث عن أي دور مهما كان‬ ‫ساذجًا وهذا ما يذكرني بنقد أساسي طرحه علي حرب في‬ ‫التسعينات بكتابه‪« :‬أزمة املثقف» ولحسن الحظ أننا وجدنا‬ ‫ً‬ ‫للتوصيفات التي كتبت عن أزمة املثقف الفرنسي مدخال‬ ‫لتحديد مشكالت املثقف العربي‪.‬‬ ‫مشكلة املثقف السعودي أيضًا في نقص التواضع والحضور‬ ‫الكثيف واالدعاء‪ ،‬ولو قرأنا سير كبار املفكرين الذين غيروا‬


‫فكرية من املجالس واللقاءات التي يحضرها‪ .‬ال يوجد شغف‬ ‫حقيقي بالقرءات املركزة واملتابعة‪ ..‬ووعي باألفكار التي‬ ‫يتناولها وتدقيق فيها‪ ،‬ولهذا تأتي بعض املفاهيم انطباعية‪.‬‬ ‫هذا ما حدث مثال مع قضية اإلرهاب والعوملة وتطور تقنية‬ ‫االتصال‪ ،‬والتضخم واألسهم‪ ،‬والربيع العربي واإلصالح‪.‬‬ ‫ويظن البعض أنه بمجرد هجاء األدلجة باستمرار أنه أصبح‬ ‫عميقا وواعيا بمعناها‪ ،‬وكأنها خاصة بتوجه معني‪ .‬وكأنها‬ ‫عيب باملطلق‪ ،‬فقد توجد أعمال فكرية قوية وهي تخدم‬ ‫آيديولوجيات محددة‪ ،‬ومتعصبة لرؤى خاصة‪ ،‬فاملوضوعية‬ ‫والتظاهر بالعقالنية ليست شهادة مفتوحة لجودة الخطاب‬ ‫وقيمته‪.‬‬ ‫وحتى األعمال الروائية تحتاج هي األخرى إلى قراءات عميقة‬ ‫وثقافة علمية في موضوع العمل لتشعر بقيمته ولهذا جاءت‬ ‫الفقاعة في هذا املجال‪ .‬هذه املشكالت وغيرها أدت إلى ضعف‬ ‫في تراكم املشروعات الثقافية‪ ،‬لغياب املنهجية‪ ،‬وضعف‬ ‫الشعور بوجود هم حقيقي للتنوير الفكري‪.‬‬ ‫هناك الكثير من املشكالت التاريخية التي شكلت بعض‬ ‫مالمح األزمة عند املثقف السعودي‪ ،‬منها إشكالية الرؤية‬ ‫للرواد ومنتجهم الفكري واإلبداعي ومدى حضوره التراكمي‬ ‫لألجيال التالية‪.‬‬ ‫تقييم منتج الرواد واملثقفني املخضرمني من األفضل أن يكون‬ ‫بعيدا عن الرومانسية التي تصاحب الحديث عن املاضي عادة‬ ‫فليس هذا من التقدير واالحترام لهم‪.‬‬ ‫في الواقع يوجد شيء من القطيعة بني أجيال املثقفني في‬ ‫بعض املراحل‪ ..‬بسبب حدوث قفزات مفاجئة ومتغيرات‬

‫اقتصادية واجتماعية وسياسية كبرى في املجتمع أثرت على‬ ‫الرؤية لتقييم خطاب كل مرحلة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من وجود بعض مظاهر الضعف في منتج الرواد‬ ‫في جوانب كثيرة يمكن تحديدها‪ ..‬فإن وعي مثقف اليوم‬ ‫بأسباب هذا الضعف تاريخيا‪ ،‬وطبيعة الحياة واإلمكانيات‬ ‫املتوفرة لهم ما زال محدودا‪ ،‬ولهذا قد يكرر مثقف اليوم نفس‬ ‫الضعف واألخطاء بصورة مشابهة‪ ..‬حتى وإن كان في منتجه‬ ‫قدر من االستعراض املعرفي الجديد‪.‬‬ ‫وقد نشأ عن هذه املشكلة‪ ..‬خلل آخر يبدو في عدم احترام‬ ‫املثقف الجديد للتراتبية في مجاله‪ ..‬فهناك قدر من السخرية‬ ‫والتسفيه العشوائي من أجيال جديدة للمخضرمني‪ .‬ومع‬ ‫حضور هذه األخالقيات الرديئة جعلتنا أمام ظاهرة سرقات‬ ‫فكرية‪ ،‬وعدم اإلشارة ألصحابها حتى ال يحسب عليهم‬ ‫‪ ،‬فاملثقف الجديد يريد أن يبدو كأنه ولد مكتمال بوعيه‬ ‫وعقالنيته ولم يتأثر بأحد‪ ..‬إال من يكون له مصلحة حالية‬ ‫في تمجيده حتى لو لم يطلع على أعماله! يمارس بعض‬ ‫املثقفني الشكوى من الواقع والتباكي على الحريات من خالل‬ ‫هجاء مجتمعه‪ ،‬وكأن املجتمع يترصد به ويمنعه من تقديم‬ ‫أعمال ثقافية جادة! وهذا ال يعني إنكار وجود عوائق ألسباب‬ ‫متنوعة في بعض القضايا‪ ،‬لكن من املؤكد أن هذه العوائق‬ ‫أصبح كثير منها يمكن تجاوزه لتقديم مشروعات كثيرة‬ ‫تعبر عن هموم ومشكالت املجتمع‪.‬‬ ‫الرؤية ليست كلها متشائمة‪ ،‬فقد بدأنا نشهد تحسنا في أكثر‬ ‫من مسار في خطوات املثقف السعودي‪ ،‬وتزامن معها أيضا‬ ‫حضور لدور نشر سعودية جديدة يملك أصحابها وعيا‬ ‫ورؤية ثقافية أسهمت في إزاحة عوائق قديمة وفتحت مسارات‬ ‫جديدة ملثقف اليوم <‬

‫إحدى ندوات البرنامج الثقافي‬ ‫ضمن مهرجان الجنادرية للتراث‬ ‫والثقافة بالرياض‬

‫‪,,‬‬

‫تقييم‬ ‫منتج الرواد‬ ‫واملثقفني‬ ‫املخضرمني‬ ‫يجب أن يكون‬ ‫بعيدا عن‬ ‫الرومانسية‬ ‫التي تصاحب‬ ‫الحديث عن‬ ‫املاضي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪31‬‬


‫قصة الغالف‬

‫على الرغم من الصعوبات املشتركة التي يواجهها املثقف العربي في دول كثيرة فإن املثقف السعودي لديه تحدياته‬ ‫ومشكالته الخاصة التي أعاقت دوره‪ ،‬وأثرت على خطابه الفكري وأولياته‪ ..‬أبرز هذه اإلشكاليات يكمن في اختالف‬ ‫نوع التحدي في دول الخليج‪.‬‬

‫املثقف السعودي أصبح جزءا من التضليل بسبب االنخراط في الصراع‬

‫املوضات واملوجات‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عبد العزيز الخضر‬

‫‪,,‬‬

‫يعاني‬ ‫مثقف اليوم‬ ‫من تأثره‬ ‫باملوضات‬ ‫واملوجات‬ ‫السائدة‪..‬‬ ‫حيث تسيطر‬ ‫عليه األحداث‬ ‫الطارئة‬ ‫وتجذبه‬ ‫الصراعات‬ ‫الشكلية‬

‫‪,,‬‬

‫‪30‬‬

‫تبدو مشكالت املثقف العربي جزءا من أزمة الفكر‬ ‫في عاملنا العربي والتي تناولتها أقالم عربية كثيرة‪،‬‬ ‫لكن يبدأ الخلل في جزء كبير من هذا الطرح عندما‬ ‫تعمم املشكالت العربية مع وجود فوارق بني دولة وأخرى وبني‬ ‫مجتمع وآخر‪ ،‬وهي فوارق اقتصادية واجتماعية وسياسية‬ ‫كبيرة‪ ..‬تؤثر على األوليات والرؤية والخطاب لدى كل مثقف‪.‬‬ ‫وفي داخل كل مجتمع عربي نواجه مشكلة تغير األجيال‬ ‫والتطورات التنموية أو تعثرها في دول أخرى‪ ..‬ودرجة الوعي‬ ‫بها لتحديد مالمح وسمات كل مرحلة والدور املفترض للمثقف‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الصعوبات املشتركة التي يواجهها املثقف‬ ‫العربي في دول كثيرة‪ ..‬فإن املثقف السعودي لديه تحدياته‬ ‫ومشكالته الخاصة التي أعاقت دوره‪ ،‬وأثرت على خطابه‬ ‫الفكري وأولياته‪.‬‬ ‫أبرز هذه اإلشكاليات يكمن في اختالف نوع التحدي في دول‬ ‫الخليج‪ ..‬عن نماذج تطورية وحاالت إرشادية كثيرة في العالم‬ ‫يصعب االستفادة من تجربتها والقياس عليها مباشرة‪،‬‬ ‫لتحليل األزمات االجتماعية والفكرية والسياسية في الحاضر‬ ‫واملستقبل‪ ،‬مما يجعل املثقف السعودي أمام ضرورة إبداع‬ ‫خطابه ورؤيته الخاصة لوصف مظاهر الخلل في املجتمع‪.‬‬

‫األفكار واآلراء وتحليل القضايا الفكرية والدينية واالجتماعية‪.‬‬ ‫وأخيرا بدأت تضغط على املثقف مسألة الجماهيرية والبحث‬ ‫عن األضواء والعالقات العامة‪ ،‬فتطورت لديه مهارات «الترزز»‬ ‫على حساب قيمته كمثقف‪ ..‬لديه أولويات وأدوار أخرى‪ ،‬فنجده‬ ‫يبحث عنها متكلفا في اإلنترنت ومواقع التواصل والفضائيات‪..‬‬ ‫واملشاركة في قضايا مثيرة غير مناسبة ملجاله‪ .‬وتوجد حاالت‬ ‫ظهور وانتقال مطلوبة عندما يشارك األكاديمي في الصحافة‬ ‫واإلعالم‪ ،‬والصحافي في العمل التلفزيوني‪ ،‬أو عندما يظهر‬ ‫املثقف والروائي والناقد في كتابة الرأي والعمود الصحافي‬ ‫اليومي‪ ..‬وغيرها‪ ،‬لكن مع نجاح بعض الحاالت لوجود املوهبة‬ ‫واإلمكانيات الشخصية لبعض األسماء‪ ..‬فالواقع أننا أصبحنا‬ ‫أمام ظاهرة تقليد مسرفة ألسماء غير مؤهلة لذلك‪ ،‬تسرعت من‬ ‫أجل البروز لألضواء‪ ..‬وفقدت تركيزها بما تجيده من مهارات‬ ‫وإبداع خاص بها‪.‬‬ ‫وجزء كبير من هذه اإلشكالية فرضته الحاجة املادية ملثقف‬ ‫اليوم والشعور بأهمية وجود دخل إضافي يواجه فيه تكاليف‬ ‫الحياة وهنا قد ال يالم‪ ،‬لكنه يجب أن يكون واعيا للخلل بالقدر‬ ‫الذي ال يضر بقيمته كمثقف‪.‬‬ ‫وتزامن مع هذه الظاهرة قضية التحول باالهتمامات بني مرحلة‬ ‫وأخرى‪ ،‬والتدخل بموضوعات ليس مؤهال لها بقدر كاف من‬ ‫االطالع واملتابعة‪ ،‬حيث يكون تائها بني مجاالت كثيرة‪ ،‬فمرة‬ ‫يبدو مشغوال بالتحليل السياسي‪ ،‬ومرة خبيرا في الحركات‬ ‫اإلسالمية واإلرهاب‪ ،‬ومرة حقوقيا‪ ،‬ومع الربيع العربي أيضا‬ ‫تضاعف حجم التوهان غير الواعي بني خطاب حماسي في‬ ‫اتجاه أو جمود في اتجاه آخر‪.‬‬

‫وال يمكن الحديث عن مشكالت املثقف السعودي من دون‬ ‫الوقوف عند مسألة الثروة النفطية‪ ..‬وتأثيرها على كل أفراد‬ ‫املجتمع‪ ،‬ومنهم املثقف‪ ،‬حيث تأثرت أخالقياته وجديته العلمية‬ ‫بذلك‪ ،‬وقد أشرت في كتابة أخرى حول هذا الجانب‪ .‬يواجه‬ ‫مثقف اليوم إشكالية مزدوجة بني خطاب عربي هجائي لنا‪..‬‬ ‫يقزم قيمة مثقفنا السعودي بحجة البترول‪ ،‬وهناك تحد آخر‬ ‫حقيقي يفرض علينا تقديم أعمال فكرية وعلمية يحترمها‬ ‫اآلخرون‪ .‬ويعاني مثقف اليوم من تأثره باملوضات واملوجات‬ ‫السائدة وزادت حدتها مع مرحلة اإلنترنت بكل أطوارها‪ ،‬حيث‬ ‫تسيطر عليه األحداث الطارئة‪ ،‬وتجذبه الصراعات الشكلية‪،‬‬ ‫فأصبح أحيانا جزءا من التسطيح الفكري‪ ..‬وبدال من أن يصنع‬ ‫رؤيته للواقع من خالل إمكانياته العلمية والفكرية التي يتميز‬ ‫بها عن هذه األحداث‪ ..‬فإنه تحول دون أن يشعر إلى جزء من‬ ‫التضليل بسبب االنخراط املبالغ في هذه الصراعات‪.‬‬

‫جميع هذه العوامل وغيرها أفقدت الكثير من املثقفني‬ ‫شخصيتهم التي تميز خطابهم الفكري واألدبي واالجتماعي‪،‬‬ ‫لهذا قد نجد أن الرؤى الفكرية لديهم ليست معقلنة بما فيه‬ ‫الكفاية‪ ،‬وفق مدارس فكرية وعلمية محددة املالمح‪ ..‬وإنما‬ ‫خليط غير متجانس من اآلراء والتلفيقات واملواقف التي تجعلهم‬ ‫يقولون الفكرة هنا ونقيضها في مكان آخر‪ ،‬ويتورطون بأفكار‬ ‫ليسو مؤهلني لها‪ ،‬والدخول في حوارات ذات حساسية دينية‬ ‫واجتماعية ال يملكون عمقا كافيا بها‪.‬‬

‫وهذا ال يعني رفض املشاركة في الحوارات والجدل اليومي في‬ ‫اإلعالم واملجتمع‪ ،‬وإنما استحضار دوره الطليعي في صناعة‬

‫ومن أبرز مشكالت مثقف اليوم محدودية االطالع‪ ،‬ووعي‬ ‫يعتمد على عناوين وكتب مشهورة فقط‪ ،‬وتأثر بموضات‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬


‫املستوى الثقافي السائد‪ .‬راجعت املطبوعات الثقافية الصادرة في العقدين‬ ‫املاضيني فوجدت نصيب املؤلف السعودي متواضعا جدا مقارنة بزميله‬ ‫العربي‪ .‬لعل سبب ذلك عدم وجود مؤلفني ترتقي أعمالهم لشروط النشر‪.‬‬ ‫في ساحتنا الثقافية السعودية مواجع‪ ،‬وفيها منغصات‪ ،‬وفي الطريق‬ ‫ُعقبات كثيرة‪ .‬وأمل أن ال تزيد تلك األشياء بسبب بيروقراطية ثقافية‪ .‬فما‬ ‫أنيطت الثقافة إلى وزارة حكومية إال ضعفت وتالشت‪.‬‬ ‫مواجع الثقافة لدينا كثيرة‪ ،‬منها أن بعض املسؤولني ينظر إليها على أنها‬ ‫وظيفة حكومية‪ ،‬ينطبق عليها ما ينطبق على وظائف الدولة‪ .‬ومنها أن‬ ‫الثقافة لدينا غير محددة املعالم‪ .‬فالبعض يقصرها على فن أو فنني‪ .‬ومنها‬ ‫أن الثقافة مرتبطة األثر والتأثير بالسياسة‪ ،‬وهنا لب القصيد‪ .‬فتشابك‬ ‫خطوط األمرين يجعل املثقف يمشي على خط ساخن‪ ،‬تزيده عادة وزارة‬ ‫الثقافة اإلعالم سخونة‪ ،‬ذلك أنها ترى من واجباتها مراقبة الثقافة‪ .‬وعندما‬ ‫تراقب الثقافة تمرض أو تموت‪ ،‬واإلبداع وقود الثقافة ال يطيق املراقبة‪.‬‬ ‫ومن منغصات الثقافة لدينا أنها لم تشمل كل الفنون والعلوم ذات الصلة‬ ‫بها‪ ،‬فهي إذن مقطعة األوصال‪ .‬ال يكتمل شأنها‪ ،‬وال يستوي عودها‪ .‬ومن‬ ‫املنغصات توزع شؤون الثقافة على إدارات بيروقراطية مختلفة ومتعددة‪.‬‬ ‫وأنا هنا ال أدعو للمركزية‪ .‬ولكن التشتيت الوظيفي لقضايا الثقافة‬ ‫يضعفها‪ ،‬وال يقويها‪ .‬ومن املنغصات ضبابية الرؤية اإلعالمية لدور الثقافة‬ ‫ومكانتها‪ ،‬فحتى يوم الناس هذا ال نجد كفاية وتغطية إعالمية ملناشطنا‬ ‫الثقافية‪ ،‬ناهيك عن الثقافة العربية الواسعة‪.‬‬ ‫وتواجه الثقافة لدينا عقبات في الطريق‪ ،‬منها الضعف الواضح في مدخالتها‬ ‫ومخرجاتها‪ ،‬ومنها غياب أنظمة بيروقراطية سهلة تعالج مشكالت املثقف‬ ‫الفنية والعلمية واملعرفية‪ .‬ومنها بقاء أعمال املراقبة والفسح وما شابه ذلك‪،‬‬ ‫وهي أعمال أضرت بالثقافة وما زالت تضر‪ ،‬والزمن قد تعدى هذه األعمال‪،‬‬ ‫ولكنها ما زالت عقبة كأداء في طريق الثقافة والعلم‪.‬‬ ‫وكون الثقافة اآلن مع اإلعالم‪ ،‬عندئذ يسهل أن ينقل اإلعالم ثقافة البلد‪،‬‬ ‫وينشرها في األصقاع‪ .‬على أن األمر ليس بهذه السهولة‪ ،‬ذلك أن االنتشار‬ ‫العاملي ال يجيء بقرار من الوزير‪ ،‬بل بقرار إبداعي من األديب واملفكر‬ ‫والفنان‪ .‬فاالنتشار والقبول املحلي هو الطريق الوحيد للعاملية‪ .‬كيف السبيل‬ ‫إلى الجمع بني الضدين؛ ثقافة حرة متقدة وديناميكية وفعالة‪ ،‬وواقع إداري‬ ‫حكومي مثقل بالتبعات واملهام؟ هذا والله من الصعاب‪ .‬ولكن يمكن إيجاد‬ ‫سبل ال سبيل واحدة‪ ،‬طاملا العزم موجود‪ ،‬واإلرادة متوفرة‪ ،‬والدعم متاح‪.‬‬

‫تفعيل املؤسسات الثقافية‪ ،‬ورعاية الثقافة‪ ،‬وجعلها تقوم بدورها الريادي‬ ‫في صياغة فكر األمة‪ ،‬واملشاركة في معالجة القضايا التي تمر بها األمة في‬ ‫الوقت الراهن‪ .‬كل هذا يتطلب مقدمات منطقية تتمثل في إعطاء مزيد من‬ ‫حرية التعبير‪ .‬فال يوجد عالج ّفعال لكثير من أمراضنا الثقافية‪ ،‬مثل إتاحة‬ ‫الفرصة أمام األدباء واملثقفني وأهل الرأي والفكر من مختلف أطياف املجتمع‬ ‫للتعبير بصدق وروية عن رؤاهم في مختلف قضايا املجتمع‪.‬‬ ‫ومن املقدمات املنطقية إقحام الثقافة في الشأن السياسي‪ .‬ذلك أن الثقافة‬ ‫ُ‬ ‫تعد اليوم من القوة الناعمة للدول‪ .‬ال بد من قرار سريع وحاسم في دمج‬ ‫إدارات الثقافة والفكر دمجا إداريا ال دمجا فكريا فقط‪ .‬وال بد من التفكير‬ ‫في ضرورة إنشاء مؤسسات جديدة وعصرية تساعد الوزارة في مللمة‬ ‫الشأن الثقافي والفكري‪ ،‬وصهره في بوتقة ووعاء فكري يمكن معه‬ ‫التحاور‪ .‬ويمكن للمنتسبني لهذا الوعاء من الشعور باملسؤولية الوطنية‪،‬‬ ‫والشعور باألمن والدعة‪ ،‬والتفرغ للمهنة‪.‬‬ ‫وعودة إلى السؤالني اللذين صدرنا بهما هذا الحديث‪ .‬أقول إن مشاريع‬ ‫الثقافة السعودية ما زالت متواضعة‪ ،‬خصوصا في جانبها الفكري‪ .‬واملطلع‬ ‫على إنتاجنا الثقافي في العقود الخمسة املاضية يجد أن أغلبه يتصف‬ ‫بالتكرار والتدوير واملحافظة‪ .‬أما املواضيع فال تتعدى الجوانب األدبية‬ ‫واالجتماعية املوغلة في ثقافة كالسيكية أو قبلية‪ .‬ومدار ذلك أننا لم ننتج‬ ‫ثقافة سعودية تخترق الحدود العربية‪ ،‬ناهيك عن الحدود العاملية‪.‬‬ ‫أما بخصوص األعمال السعودية األكاديمية وصلتها بالثقافة فاألمر‬ ‫موجع‪ ،‬وهنا فقط أشير إلى أن لدينا إنجازات علمية أكاديمية تستحق أن‬ ‫تنتشر عامليا‪ ،‬لكن املشكلة أنا لم نقم بتحويلها إلى شأن ثقافي‪ ،‬يعرفه‬ ‫املجتمع املحلي ثم يجد طريقه للعاملية‪ .‬الواقع املؤسف أننا لم نفعل مثلما‬ ‫فعل أشقاؤنا في مصر عندما طوعوا إنتاجهم العلمي األكاديمي البحت إلى‬ ‫خبز يومي يلتقطه املجتمع‪.‬‬ ‫وانظر إذا شئت كيف استطاعت املجالت الثقافية‪ ،‬مثل مجلة «الرسالة»‪ ،‬نقل‬ ‫قاعات العلم في الجامعات املصرية إلى الشارع املصري والعربي‪ ،‬وجعلت‬ ‫من العلم شأنا ثقافيا يتصارع حوله القوم‪.‬‬ ‫لدينا فجوة بني األكاديميني واملثقفني من غير األكاديميني‪ .‬ومن غير تعاون‬ ‫الفريقني سيظل األكاديميون الجادون في بروجهم العلمية وصوامعهم‬ ‫األكاديمية‪ ،‬وسيظل إنتاجهم العلمي مقصورا على دائرة ضيقة داخل الحرم‬ ‫الجامعي <‬

‫جانب من إحدى عروض الحرف اليدوية‬ ‫في مهرجان الجنادرية للتراث‬ ‫والثقافة بالرياض‬

‫‪,,‬‬

‫نحن أحوج‬ ‫ما نكون‬ ‫لتقليل قائمة‬ ‫املسلمات‬ ‫الثقافية‬ ‫باملعنى‬ ‫الواسع للثقافة‬ ‫ومساءلتها‬ ‫لتنقيتها من‬ ‫زوائد لم تعد‬ ‫تناسب العصر‬ ‫وثقافته‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪29‬‬


‫قصة الغالف‬

‫في هذه املقالة لن أجيب عن سؤالني مهمني يتعلقان بإنتاج املثقف السعودي‪ ،‬وهما‪ :‬هل تنتج الثقافة السعودية‬ ‫مشاريع ثقافية وعلمية تجعل من مثقفيها روادا يطبعون بصماتهم على الثقافات األخرى؟ وهل قدم املثقفون‬ ‫السعوديون أعماال ثقافية ذات بعد أكاديمي وبحثي تساهم في إثراء الحالة املعرفية‪ ،‬أم أن جهود املثقفني تركزت في‬ ‫السجاالت الشفوية واملقاالت الصحافية؟ لن أجيب عن هذين السؤالني بطريقة مباشرة واعتيادية‪ ،‬وعوضا‪ ،‬سأمنح‬ ‫قلمي حرية التنقل بني أفكار شتى تالمس السؤالني من قريب أو من بعيد‪.‬‬

‫في ساحتنا السعودية ال توجد لدينا ثقافة وإنما «مثاقفة»‬

‫البحر والصحراء‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله العسكر‬

‫‪,,‬‬

‫إنتاجنا‬ ‫الثقافي‬ ‫في العقود‬ ‫الخمسة‬ ‫املاضية‬ ‫أغلبه يتصف‬ ‫بالتكرار‬ ‫والتدوير‬ ‫واملحافظة‪..‬‬ ‫أما املواضيع‬ ‫فال تتعدى‬ ‫الجوانب‬ ‫األدبية‬ ‫واالجتماعية‬

‫‪,,‬‬

‫‪28‬‬

‫أتذكر أن إخواننا املثقفني املصريني عندما واجهوا املصطلح‬ ‫األجنبي «‪ ،»Pen Society‬ترجموا املصطلح بجماعة «حملة القلم»‪.‬‬ ‫هذا حدث ربما في خمسينات القرن امليالدي الفارط‪ .‬والواقع أن‬ ‫الترجمة الصحيحة هي‪ :‬جمعية أو عصبة املثقفني‪ .‬وهم لم يرغبوا في‬ ‫استعمال مصطلح مثقف‪ ،‬ألنه ال يعني لهم آنذاك شيئا ملموسا‪ ،‬فعندهم‬ ‫عصبة األدباء‪ .‬خصوصا أن األدب هو الثقافة كلها‪ .‬هذا ربما يصح في‬ ‫املاضي‪ ،‬أما اآلن فالثقافة أوسع من األدب‪ ،‬وهي تشمل علوما وفنونا تتعدى‬ ‫األدب بمرات كثيرة‪ .‬بل هي مجموعة فنون خطيرة إن لم يحسن تناولها‪.‬‬ ‫كتبت عن الثقافة عدة مقاالت‪ ،‬نشرتها في جريدة «الرياض»‪ ،‬وال تحضرني‬ ‫عناوينها‪ ،‬ولكنني أتذكر منها‪« :‬ثقافة الصورة»‪ ،‬وهي مقالة عن األنساق‬ ‫الثقافية‪ .‬والثقافة املحلية والوطنية‪ ،‬وهي عن غياب الوطنية في خطابنا‬ ‫الثقافي‪ .‬ومقالة عنوانها‪« :‬التربية والبيئة» وهي عن العالقة الجدلية بينهما‪،‬‬ ‫وأثر ذلك على الثقافة‪ .‬وأخيرا مقالة سببت لي مشكالت مع بعض الزمالء‬ ‫عنوانها‪« :‬ثقافة ال مثاقفة»‪ ،‬وهي تشخص الواقع الثقافي عندنا‪ ،‬كونه‬ ‫مثاقفة فقط‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬أجد الفرصة سانحة من خالل مجلة «املجلة» ألن أؤكد الصلة‬ ‫العضوية بني الثقافة واألكاديمية‪ ،‬وهي صلة ما انفكت غير مفهومة عند‬ ‫شريحة واسعة من املثقفني وغير املثقفني‪ .‬والسبب أن بعض الناس يربط‬ ‫بني اإلبداع واألكاديمية‪ ،‬وهذا ربط ال أساس له من الصحة‪ .‬بل العكس هو‬ ‫الصحيح‪ .‬لكن االبتعاد عن األكاديمية مضر بالثقافة‪ .‬وكنت كتبت مقاال‬ ‫عنوانه «االبتعاد عن األكاديمية أم األدب»‪ ،‬باعتبار أن األدب أحد عناوين‬ ‫ّ‬ ‫الثقافة‪ ،‬بينت فيه أن األكاديمية تتضرر كثيرا عندما تفرغ من نفسها‪،‬‬ ‫وبعدها الثقافي باسم العلمية والدقة واملنهجية‪.‬‬ ‫يجب أن نعترف أن عموم املثقفني من غير األكاديميني ال ينظرون بعني‬ ‫الرضا لألكاديميني الذين ينتشرون في ساحات الثقافة‪ .‬وهم لديهم العذر‪،‬‬ ‫لكن ما كان يجب أن تدوم هذه املسألة‪ ،‬ألن بعضهما مكمل لآلخر‪ ،‬وال‬ ‫يستغني أحدهما عن اآلخر‪ ،‬على أن في املسألة أمرا يجب بسطه‪ ،‬وهو‬ ‫ضرورة أن يتنازل األكاديمي عن منهجه التدريسي عندما يلتقي بزميله‬ ‫غير األكاديمي‪ .‬فالكل سواء‪ .‬والثقافة مشاعة‪ ،‬بل يجب أن تكون مشاعة‬ ‫لكل القاصدين‪.‬‬ ‫وكثيرا يخطر ببالي قضية الثقافة وصناعتها في السعودية‪ ،‬وكثيرا يقفز‬ ‫إلى ذهني سؤال ملح‪ ،‬وهو‪ :‬هل لدينا في اململكة خطة ثقافية تتسق أو‬ ‫تتقاطع مع الثقافة العربية واألجنبية‪ .‬ثم تنساب األسئلة الفرعية كتفرع‬ ‫الجداول الصغيرة من مجرى النهر؛ هل إنتاجنا الثقافي مختلف عن الثقافة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫العربية السائدة في العالم العربي‪ ..‬هل هي متسقة معها‪ .‬ثم أنتهي بسؤال‬ ‫صادم‪ :‬هل ما نشهده في اململكة من صناعة وحراك ثقافيني ثقافة أم‬ ‫مثاقفة؟!‬ ‫في السنوات املاضية القريبة شهدت ندوة عن الثقافة في الخليج العربي‪،‬‬ ‫واذكر أنني قلت في مداخلة إن الثقافة السائدة في دول الخليج هي ثقافة‬ ‫األنهار العربية أو ثقافة مترجمة إلى العربية‪ .‬الثقافة املحلية في دول الخليج‬ ‫متواضعة‪ ،‬ويغلب عليها األمية‪ .‬وأمر آخر لفت انتباهي في تلك الندوة‪ ،‬وهو‬ ‫أن ثقافة اململكة العربية السعودية اختصرت لألسف في ثقافة البحر‪ .‬وأي‬ ‫بحر؟ بحر الخليج العربي‪ .‬وكأن اململكة بسعتها وثراها وتنوع ثقافتها‬ ‫وبحارها الواسعة غير موجودة ألجل خاطر السياسة‪ .‬من هذا التصور‬ ‫الضيق طفق إخواننا في الخليج يتحدثون عن تماس بني ثقافة الصحراء‬ ‫وثقافة البحر‪ .‬على أنني اعترف بأن ما قالوه صحيح‪ ،‬لو كانت اململكة بحجم‬ ‫إحدى شقيقاتها الخليجيات‪.‬‬ ‫وأذكر أن أحد املحاضرين في الندوة قال إن لديه تهويمات (هكذا) تلخص‬ ‫فلسفة ثقافة الخليج‪ .‬وتتلخص تهويماته في ثالثة أضلع‪ ،‬هي‪ :‬الصحراء‬ ‫والبحر والنفط‪ .‬وشكرت الله أنها تهويمات‪ .‬ألن ما سمعته يشبه إلى حد‬ ‫كبير ما نسمعه من مثقفي الغرب عندما يتحدثون عن ثقافتنا‪ .‬ال شك‬ ‫عندي أن بلدان الخليج الصغيرة تنازعتها ثقافة البحر والغوص‪ ،‬ومن ّثم‬ ‫النفط‪ ،‬لكن ال ننسى أن أهل الخليج يتصفون بثقافة البحر‪ ،‬ألنهم يولون‬ ‫وجوههم شطره‪ ،‬ويجعلون الصحراء خلفهم‪ .‬وهم يتصفون بثقافة‬ ‫املوانئ وعقلية التجار‪ ،‬لذا تجدهم أكثر انفتاحا وقبوال لآلخر من إخوانهم‬ ‫سكان الصحراء‪ .‬لكن بعد تحسن األحوال املعيشية للجميع وسيادة نمط‬ ‫االستهالك انتقلت الصحراء إلى البحر‪ ،‬وليس العكس‪ .‬فالعصبية القبلية‬ ‫برزت كثيرا في أدبيات أهل الخليج‪ ،‬وتالشت العصبية االقتصادية‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬لم تعد ثقافة البحر تميز أهل الخليج كما كانت في املاضي‪.‬‬ ‫وخالصة الكالم أن هناك صفتني بارزتني في ثقافة أهل الخليج؛ األولى‬ ‫ثقافة النفط السلبية‪ ،‬واألخرى القبيلة املتصالحة مع القوى املحافظة التي‬ ‫تطلق على نفسها مسميات دينية‪.‬‬ ‫وأميل إلى أن ثقافتنا في اململكة تتصف بضعف واضح فيما أسميه «ثقافة‬ ‫السؤال»‪ .‬نحن أحوج ما نكون لتقليل قائمة املسلمات الثقافية باملعنى الواسع‬ ‫للثقافة‪ ،‬ومساءلتها لتنقيتها من زوائد لم تعد تناسب العصر وثقافته‪ .‬نحن‬ ‫في حاجة ملغامرة فكرية وثقافية‪ ،‬ذلك أن السكون ال يصنع ثقافة متميزة‬ ‫نحلم أن نراها في بالدنا‪ ،‬نحن في حاجة إلبراز القيم الثقافية املتعددة‬ ‫املعروفة في الثقافات العاملية‪ .‬الثراء املادي الذي عليه اململكة ال يتناسب مع‬


‫وعندما نتحدث عن صورتنا االقتصادية‪ ،‬فإن من‬ ‫السهولة كذلك اكتشاف هذه الصورة‪ ،‬والتعرف‬ ‫عليها‪ ،‬وعلى مالمحها ومعاملها ومكوناتها‪ ،‬لكونها‬ ‫صورة ظاهرة ومتجلية لنا وإلى العالم الذي نتفاعل‬ ‫معه ويتفاعل معنا‪.‬‬ ‫ويكشف عن هذه الصورة مجموع النشاطات‬ ‫والخطط والعالقات واالستراتيجيات ذات الطابع‬ ‫االقتصادي‪ ،‬فالجميع يعلم أننا نمثل دولة‬ ‫نفطية مؤثرة في اقتصادات العالم‪ ،‬ولدينا‬ ‫مخزون نفطي كبير‪ ،‬الوضع الذي فرض‬ ‫على الجميع في أن يتعرفوا على صورتنا‬ ‫االقتصادية‪.‬‬ ‫وهكذا عندما نتحدث عن صورتنا الدينية‪ ،‬فإن‬ ‫هذه الصورة تكشف عن نفسها من خالل مجموع‬ ‫النشاطات واملؤسسات والعالقات ذات الطابع‬ ‫الديني‪ ،‬وبحكم التفاعل والتواصل النشط‬ ‫والواسع مع العالم اإلسالمي‪ ،‬ومع جميع‬ ‫املسلمني في مختلف أنحاء العالم الذين يأتون سنويا‬ ‫إلى الحج من كل فج عميق‪.‬‬ ‫لكن عندما نتحدث عن صورتنا الثقافية‪ ،‬ونحاول أن نتعرف‬ ‫على هذه الصورة في أبعادها ومالمحها‪ ،‬حدها ورسمها‪ ،‬فإن‬ ‫الوضع في هذه الحالة سوف يختلف‪ ،‬وقد يتعثر‪.‬‬ ‫ال أعلم حقيقة طبيعة رؤية املثقفني اآلخرين لهذه الصورة‬ ‫الثقافية وكيف يفهمونها؟ وأين يتفقون فيها؟ وأين يختلفون؟‬ ‫وما درجة الوضوح عندهم في تشخيص هذه الصورة‬ ‫وتحديدها؟ وما درجة الغموض عندهم أيضا؟‬ ‫لكن الذي أراه من دون أن أكون قاطعا‪ ،‬ولست راغبا في القطع‬ ‫أو الجزم‪ ،‬أن هذه الصورة ليست واضحة عندي بالقدر الكافي‪،‬‬ ‫وأظن أنها ليست واضحة عند كثير من املثقفني كذلك‪ .‬أو ال‬ ‫أقل أحتمل أن هناك من املثقفني من يشاطرني ويوافقني على‬ ‫مثل هذا الرأي‪ .‬أقول هذا الكالم والثقافة هي أقرب املجاالت إلى‬ ‫نفسي‪ ،‬وهي الحقل الذي أوليه كل اهتمامي‪ ،‬مع ذلك عندما‬ ‫أحاول البحث عن صورتنا الثقافية أجد صعوبة في تحديد‬ ‫وتشخيص هذه الصورة‪.‬‬ ‫فهل نحن من دون صورة ثقافية فعال؟ أم أنها صورة موجودة‬ ‫كاف‪ ،‬أو أنها غير مكتملة‪ ،‬أو أنها في‬ ‫لكنها غير واضحة بقدر ٍ‬ ‫طريقها إلى الوضوح واالكتمال؟‬ ‫يجب أن نعلم ابتداء‪ ،‬أن الثقافة هي املجال الذي ال ينبغي التستر‬ ‫فيه‪ ،‬أو كتمان الحق فيه‪ ،‬وذلك باعتبار أن الثقافة من طبيعتها‬ ‫الشفافية‪ ،‬وهكذا ينبغي أن ننظر إليها‪.‬‬ ‫فما الذي جعل هذه الصورة الثقافية ليست بذلك القدر من‬ ‫الوضوح‪ ،‬أو االكتمال؟ هل ألن الثقافة كانت إلى عهد قريب في‬ ‫مجالنا الوطني ال يجمعها جامع‪ ،‬وال يربطها رابط‪ ،‬باعتبار‬ ‫أنها كانت موزعة ومتفرقة بني األجهزة واملؤسسات والوزارات‪،‬‬ ‫قبل أن تجتمع عند جهة محددة هي وزارة الثقافة؟‬ ‫أم ألن مجموع النشاطات ذات الطابع الثقافي لم يكن بالقدر‬ ‫الكافي الذي يكون بإمكانه بلورة صورة ثقافية ناضجة‬

‫ومحددة املالمح؟ أو أن هذه النشاطات أقل بكثير مقارنة‬ ‫بمجموع النشاطات املرتبطة باملجاالت األخرى السياسية‬ ‫واالقتصادية والدينية؟ أم ألنه لم تكن لنا سياسة واستراتيجية‬ ‫واضحة ومحددة في مجال الثقافة‪ ،‬على صورة االستراتيجية‬ ‫التي أقرها حديثا مؤتمر املثقفني السعوديني األول؟ أم ألن‬ ‫الصورة الدينية غطت على الصورة الثقافية‪ ،‬أو إننا اكتفينا‬ ‫بالصورة الدينية‪ ،‬أو إننا لم نرد مزاحمة الثقافة للصورة‬ ‫الدينية؟‬ ‫سواء اتفقنا أو اختلفنا كمثقفني على هذه التصورات‬ ‫والتحليالت‪ ،‬مع ذلك يبقى أننا بحاجة ألن نسهم في بلورة‬ ‫وصياغة صورتنا الثقافية‪ ،‬الصورة التي يرى الجميع نفسه‬ ‫فيها‪ ،‬وبكل ألوان الطيف‪ ،‬لتكتسب جمالية هذه األلوان‪ ،‬وتكون‬ ‫معبرة عن جميع مكونات النسيج املجتمعي السعودي‪ ،‬وعندئذ‬ ‫ستكون هذه صورتنا الثقافية‪ ،‬وهذا هو مصدر الثراء والتخلق‬ ‫في كل صورة ثقافية!‬ ‫ويبقى السؤال مفتوحا أمام املثقفني السعوديني‪ ،‬في البحث عن‬ ‫صورتنا الثقافية‪ ،‬فما هذه الصورة؟ وفي البحث عن سؤالنا‬ ‫الثقافي‪ ،‬ما هذا السؤال؟<‬

‫‪,,‬‬

‫نحن بحاجة إلى‬ ‫بلورة وصياغة‬ ‫صورتنا الثقافية‬ ‫التي يرى الجميع‬ ‫نفسه فيها وتكون‬ ‫معبرة عن جميع‬ ‫مكونات تعدد‬ ‫النسيج املجتمعي‬ ‫السعودي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪27‬‬


‫قصة الغالف‬

‫إننا بحاجة ألن نسهم في بلورة وصياغة صورتنا الثقافية‪ ،‬الصورة التي يرى الجميع نفسه فيها‪ ،‬وبكل ألوان‬ ‫الطيف‪ ،‬لتكتسب جمالية هذه األلوان‪ ،‬وتكون معبرة عن جميع مكونات النسيج املجتمعي السعودي‪ ،‬وعندئذ ستكون‬ ‫هذه هي صورتنا الثقافية‪ ،‬وهذا هو مصدر الثراء والتخلق في كل صورة ثقافية!‬

‫في مجالنا الثقافي السعودي‪ ..‬ما سؤالنا الراهن؟‬

‫البحث عن الصورة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫زكي امليالد‬ ‫والعام؟‬

‫‪,,‬‬

‫الثقافة كانت‬ ‫إلى عهد قريب‬ ‫في مجالنا‬ ‫الوطني ال‬ ‫يجمعها‬ ‫جامع وال‬ ‫يربطها رابط‪..‬‬ ‫باعتبار أنها‬ ‫كانت موزعة‬ ‫ومتفرقة‬ ‫بني الجهات‬ ‫واملؤسسات‬

‫‪,,‬‬

‫لعل أهم سؤال يمكن أن نطرحه على أنفسنا كمثقفني‪،‬‬ ‫في مجالنا الثقافي السعودي‪ ،‬هو‪ :‬ما هو سؤالنا‬ ‫الثقافي الراهن؟ أعني به السؤال الكلي والجمعي‬

‫ال شك أن اإلجابة عن هذا السؤال بحاجة إلى عصف العقول‪،‬‬ ‫ومزيد من إعمال الفكر‪ ،‬وتكثيف التأمل والنظر‪ .‬فهو السؤال‬ ‫الذي يفترض أن يبلور وجهة الثقافة‪ ،‬ويؤثر على روحها العامة‪،‬‬ ‫ويحدد لنا ماذا نريد منها‪ ،‬وكيف ترتبط الثقافة بحاجاتنا‬ ‫امللحة الراهنة واملستقبلية‪ ،‬وهي الحاجات التي تنتهي في‬ ‫حركتها إلى ما يخدم ويعزز التقدم العام‪ ،‬والتطور الشامل‪.‬‬ ‫كما أن هذا السؤال بمثابة اكتشاف بوصلة الثقافة‪ ،‬وهل يمكن‬ ‫للثقافة أن تكون بال بوصلة ترسم لها الطريق‪ ،‬وتبلور لها‬ ‫املسارات واالتجاهات‪ .‬والثقافة بال سؤال ثقافي‪ ،‬هي ثقافة‬ ‫بال وعي وبال بصيرة بذاتها ووجودها‪ ،‬بحركتها وفاعليتها‪،‬‬ ‫بحاضرها ومستقبلها‪ .‬وتصبح الثقافة في مثل هذه الحالة‬ ‫مشتتة‪ ،‬ومعرضة للتفتت واالنقسام‪ ،‬وتتنازعها الرغبات‬ ‫واألهواء من كل جانب‪ .‬وهذا يعني أن البحث عن سؤالنا‬ ‫الثقافي‪ ،‬هو بحث عن جوهر الثقافة وعمقها‪ ،‬وهو‪ ،‬من جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬بحث عن الجانب الوظيفي في الثقافة‪ ،‬بمعنى أنه السؤال‬ ‫الذي يحدد للثقافة وظيفتها‪ ،‬ولكن ليس أي وظيفة‪ ،‬وإنما‬ ‫الوظيفة الواعية‪ ،‬التي تتصل باملتطلبات الفعلية في نطاق عالقة‬ ‫الثقافة باملجتمع‪.‬‬ ‫والسؤال الالفت واملحير‪ ،‬هو‪ :‬كيف يغيب عنا مثل هذا السؤال؟‬ ‫أو ال يتجدد طرحه باستمرار؟ وهو السؤال الذي يفترض أن‬ ‫ال يغيب عنا‪ ،‬ألن اإلجابة عنه أو االقتراب من هذه اإلجابة‪،‬‬ ‫ليس فقط ال تتوقف على مجرد إبداع هذا السؤال واكتشافه‪،‬‬ ‫وإنما على طرحه املتكرر‪ ،‬وكثرة النظر فيه‪ ،‬ألنه ليس من نمط‬ ‫األسئلة البسيطة أو السهلة أو العادية‪ ،‬بل هو سؤال األسئلة في‬ ‫الثقافة‪ ،‬وسؤالها الحيوي‪ ،‬ويمثل محور النقاشات فيها‪.‬‬ ‫ومتى ما غاب هذا السؤال‪ ،‬غابت معه تجليات الثقافة‪ ،‬وتجليات‬ ‫الفعل والحضور الراهن‪ .‬وكيف للثقافة أن تتطور من دون‬ ‫سؤال ثقافي يحدد لها عنصر الفعل والحركة‪ ،‬ويحدد لها‬ ‫أيضا عنصر الدور والوظيفة‪ ،‬ويربطها بقضية تتصل بها‬ ‫وتتفاعل معها‪.‬‬ ‫يضاف إلى ذلك أن السؤال الثقافي هو الذي يشكل طبيعة‬ ‫العالقة بني الثقافة واملجتمع‪ ،‬فكل مجتمع يفرض سؤاله‬

‫‪26‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫الثقافي بحسب طبيعة مكوناته‪ ،‬وكيف ينظر إلى ذاته‪ ،‬وكيف‬ ‫يفكر في مستقبله‪ ،‬وحاجته للتطور والتقدم‪.‬‬ ‫من هنا يختلف السؤال الثقافي من مجتمع إلى آخر‪ ،‬فالسؤال‬ ‫الثقافي في مصر مثال‪ ،‬يختلف بطبيعة الحال عن السؤال‬ ‫الثقافي في لبنان‪ ،‬وكذا عن السؤال الثقافي في العراق‪ ،‬وهكذا‬ ‫الحال عن السؤال الثقافي في السعودية‪.‬‬ ‫كما أن هذا السؤال الثقافي يتغير ويتجدد في داخل املجتمع‬ ‫الواحد‪ ،‬بحسب املراحل واألطوار التاريخية والفكرية التي يمر‬ ‫بها كل مجتمع‪ .‬لكن هذا التغير والتجدد في السؤال الثقافي ال‬ ‫يكون سريعا أو فوريا‪ ،‬وال يكون أيضا عفويا أو طارئا‪ ،‬وإنما‬ ‫يحصل بقصد ووعي‪ ،‬ويحدث نتيجة محصلة تراكم الوعي‪،‬‬ ‫وتطور التجربة والخبرة الفكرية والتاريخية‪.‬‬

‫فما سؤالنا الثقافي في حاضرنا الراهن؟‬ ‫لعلنا اليوم نحن أقدر من أي وقت مضى في اكتشاف هذا‬ ‫السؤال والتعرف عليه‪ ،‬وذلك بعد خوض تجربة الحوار الوطني‪،‬‬ ‫التي أتاحت أكبر فرصة ألن يتحاور املجتمع مع كل مكوناته‪،‬‬ ‫ويتعارف ويتواصل مع هذه املكونات‪ .‬وذلك ألن سؤالنا الثقافي‬ ‫بالتأكيد هو سؤال املجتمع بكل فئاته ومكوناته‪ ،‬وهو سؤال‬ ‫املرأة والرجل‪ ،‬وسؤال الشباب والشيوخ‪ ،‬وسؤال باقي مكونات‬ ‫التعدد األخرى‪.‬‬ ‫وفي تقديري‪ ،‬يتحدد سؤالنا الثقافي الراهن‪ ،‬في بناء هويتنا‬ ‫املشتركة‪ ،‬التي تتجلى وتتخلق فيها الوحدة الوطنية‪ ،‬وتماسك‬ ‫النسيج املجتمعي مع االنطالق نحو التحديث والتطور الشامل‪.‬‬

‫في البحث عن صورتنا الثقافية؟‬ ‫عندما نريد أن نبحث عن صورتنا السياسية نحن كدولة‬ ‫ومجتمع‪ ،‬الصورة التي تميزنا بقدر ما عن باقي الدول‬ ‫واملجتمعات األخرى‪ ،‬أو تعرفنا عند هذه الدول واملجتمعات‪،‬‬ ‫أو التي تعطينا قدرا من الفرادة أو االختالف عن غيرنا‪ ،‬فإن‬ ‫من السهولة التعرف على هذه الصورة في املجال السياسي‪،‬‬ ‫إذ تكشف عنها مجموع السياسات القائمة واملتراكمة منذ‬ ‫ما يزيد على نصف قرن‪ ،‬كما تكشف عنها أيضا املواقف‬ ‫السياسية املتحركة واملتفاعلة مع األحداث الجارية‪ ،‬وطبيعة‬ ‫العالقات السياسية مع الدول واملؤسسات الدولية‪.‬‬


‫وحدهم‪ .‬والتمادي في تكريس هذه املمارسة في ظل االنفتاح‬ ‫اإلعالمي والتقدم التكنولوجي دليل جهل وتخلف‪.‬‬

‫ذات ملكية سعودية استطاعت استقطاب املثقفني السعوديني‬ ‫وغير السعوديني وكسب ثقتهم‪.‬‬

‫فاملثقف السعودي ومعاناته مع النشر تبدأ بمجرد أن يكون‬ ‫كتابه فكرة في رأسه وهو يضع نصب عينيه ما يمكن أن‬ ‫يسمح به الرقيب وما ال يسمح ليبدأ كتابته خاضعًا لسطوة‬ ‫املراقبة فاقدًا لحرية اإلبداع يكتب ويشطب حتى إذا راجعه‬ ‫مرة ومرتني اتجه به إلى الجهات الرقابية لفسحه قبل الطباعة‬ ‫لتتكسر مجاديفه على صخرة مالحظات الرقيب وربما‬ ‫صرف النظر عن طباعة كتابه تمامًا!! فأما من ينفذ بجلده‬ ‫من مصيدة الرقيب فإنه بعد ذلك يدخل في معترك آخر هو‬ ‫طباعة الكتاب ونشره فهو إن طبعه على حسابه وتحمل‬ ‫تكاليف الطباعة الباهظة تورط في مسألة تسويق كتابه‬ ‫وتوزيعه ليكون مصيره مظلة في سطح بيته أو غرفة في‬ ‫نشر محلية‬ ‫الفناء!! والخيار الثاني أمامه أن يدفعه إلى دار ّ‬ ‫ودور النشر املحلية ال يهمها إال الجوانب املادية وجلها ال يقبل‬ ‫إال إنتاج املشاهير أو نوعية خاصة من الكتب وربما استغلت‬ ‫املؤلف وطلبت منه مبلغًا من املال مقابل قبولها بطباعة كتابه‬ ‫دون أن يكون له مردود من املبيعات أضف إلى ذلك محدودية‬ ‫االنتشار!! والخيار الثالث أن يلجأ املثقف السعودي إلى دور‬ ‫النشر العربية خارج اململكة ليكتسب كتابه قيمة بانتشاره‬ ‫وتوزيعه في الخارج في ظل حرص تلك الدور وخاصة الدور‬ ‫اللبنانية على املشاركة في معارض الكتاب حول العالم‬ ‫واشتراكها في مواقع مبيعات الكتب عبر اإلنترنت ولكنه‬ ‫سيكون فريسة لالستغالل وربما دفع مبالغ كبيرة للناشر‬ ‫دون أن يكون له مردود من مبيعات كتابه!! ولألسف هذا حال‬ ‫أغلب املثقفني السعوديني بما فيهم املشاهير!! وقد يتفاجأ‬ ‫املؤلف بعد ذلك بأن كتابه لم يفسح للتوزيع في داخل بالده!!‬ ‫ويالحظ في الفترة األخيرة بروز دور نشر خارجية رصينة‬

‫االتجاه اآلخر للمثقف السعودي لنشر كتابه هو املؤسسات‬ ‫الحكومية والتي تعتمد املوافقة على نشر الكتاب فيها على‬ ‫املحسوبيات والعالقات والواسطات والشللية هذا على افتراض‬ ‫السالمة من اإلقصاء حسب ألوان الطيف وقد يتم االعتذار‬ ‫من املثقف السعودي بسبب ازدحام جدول النشر لدى هذه‬ ‫املؤسسة أو تلك في حني تجدها تنشر لغير السعودي بكل‬ ‫أريحية!!‬ ‫ثم إن أنظمة الدولة تنص على دعم املؤلفني السعوديني بالشراء‬ ‫الحكومي ولكن هذا الشراء يدخل في إجراءات طويلة معقدة‬ ‫وقد يقدم املؤلف عدة كتب لعدد من الجهات فال يتم شراء‬ ‫ً‬ ‫نسخة واحدة ما لم يكن من املشاهير املدعومني أصال أو أن‬ ‫يكون لديه نصير داخل الدائرة أو عالقة وثيقة مع رأس الجهاز‬ ‫أو توجيه من شخصية مرموقة فال توجد معايير دقيقة أو‬ ‫ضوابط حقيقية للشراء سواء في نوعية الكتب أو الكميات‬ ‫املطلوبة بل تعتمد على قدرات املؤلف على فتح القنوات املغلقة‬ ‫بالوسائل االجتماعية والعالقات الشخصية وهذا األمر ذاته هو‬ ‫الذي ذبح مصداقية جوائز حكومية للكتاب قدمت على أطباق‬ ‫ذهبية من املجامالت وأشياء أخرى! فاملثقف السعودي الجاد‬ ‫الحافظ لكرامته يعتبر أن تأليفه لكتاب بذل في سبيل إتمامه‬ ‫الكثير من الجهد والوقت وربما املال صفقة خاسرة من الناحية‬ ‫املادية يتمنى أن يعوضه عنها االنتشار لكتابه ولكن هيهات‬ ‫هيهات ففقدان املال واالنتشار هو الواقع املرير للنتاج الثقافي‬ ‫السعودي في ظل التكلس الفكري للدوائر الثقافية ووعيها املفقود‬ ‫بأهمية الكتاب ودوره الحضاري <‬ ‫* كاتب وباحث سعودي‬

‫وزير الثقافة واإلعالم السعودي عبد العزيز خوجة‪،‬‬ ‫ووزير االتصال والناطق بالحكومة املغربية‬ ‫الدكتور مصطفى الخلفي يفتتحان معرض الرياض‬ ‫الدولي للكتاب ‪ 2013‬حيث كانت املغرب ضيف‬ ‫شرف‪ ،‬كما يبدو في الصورة وزير التعليم العالي‬ ‫السعودي عبد الله العنقري‬

‫‪,,‬‬

‫أصبحت‬ ‫الصحافة‬ ‫واإلعالم هما‬ ‫اللذان يصنعان‬ ‫املثقف فتصدر‬ ‫املشهد أغيلمة‬ ‫الفكر وسبح‬ ‫في بحر الثقافة‬ ‫من اليجيد‬ ‫السباحة فيها!‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪25‬‬


‫قصة الغالف‬

‫أليست بالدنا هي األولى بحمل لواء الريادة الثقافية على مستوى العالم العربي واإلسالمي؟! ملاذا ننزوي عن هذا‬ ‫الدور؟ ونقصر في تفعيل رسالة تحملها جبال الجزيرة على أكتافها منذ األزل؟ على الرغم من أن الله حبانا من‬ ‫االستقرار ورغد العيش الشيء الوفير ومن العقول واملواهب والقدرات ما نفاخر به اآلخرين!!‬

‫تصدر املشهد أغيلمة الفكر وشداة األدب‪ ..‬فتسطح العمق‬

‫األحوال املستورة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫قاسم الرويس *‬

‫‪,,‬‬

‫ما زالت‬ ‫فكرة الحوار‬ ‫الوطني‬ ‫فكرة فلسفية‬ ‫نظرية لم‬ ‫تتشربها‬ ‫النخب‬ ‫الثقافية‬ ‫التي ّ‬ ‫يعول‬ ‫عليها كثيرًا‬ ‫في قيادة‬ ‫املجتمع نحو‬ ‫املستقبل‬

‫‪,,‬‬

‫‪24‬‬

‫املثقف السعودي يعيش أزمة نفسية باعثها إحباط‬ ‫الواقع لطموحاته املتمادية في فضاءات الحياة فبينما‬ ‫يرى في قرارة نفسه أن بالده التي هي مهبط الوحي‬ ‫ومهد اإلسالم ومنبع العروبة وملتقى حضارات ومراكز إشعاع‬ ‫ً‬ ‫شواهدها مسلة تيماء وأدوماتو شماال وفاو كندة وأخدود‬ ‫نجران جنوبًا وبينهما مدائن صالح وأرض مدين وحضارة‬ ‫ديدان ولحيان وفي غربها الحجاز وحضارته املتجذرة في مكة‬ ‫املكرمة واملتشكلة في املدينة املنورة وفي شرقها هجر املتمدنة‬ ‫منذ فجر التاريخ وبينهما اليمامة املنتصبة كأسياف تشمخ‬ ‫إلى السماء هذه األرض ميدان أيام العرب وساحة أسواقهم منذ‬ ‫البسوس ونذكر داحس والغبراء كما نذكر حباشة‬ ‫كانوا‪ ..‬نذكر‬ ‫َ‬ ‫دومة الجندل واملشقر وعكاظ ومجنة وذو املجاز التي احتضنت‬ ‫العلم واألدب والشعر والنثر وتعلقت من خاللها املعلقات‪ ،‬في‬ ‫صحاريها سار أمرؤ القيس وقس بن ساعدة‪ ،‬وفي مرابعها‬ ‫تخطى عمرو بن كلثوم والنابغة وزهير وعنترة‪ ،‬أليست بالدنا‬ ‫هي األولى بحمل لواء الريادة الثقافية على مستوى العالم‬ ‫العربي واإلسالمي؟! ملاذا تصدمنا بانزوائها عن ذلك الدور؟‬ ‫وقصورها في تفعيل رسالة تحملها جبال الجزيرة على‬ ‫أكتافها منذ األزل؟ على الرغم من أن الله حباها من االستقرار‬ ‫ورغد العيش الشيء الوفير ومن العقول واملواهب والقدرات ما‬ ‫تفاخر به اآلخرين!!‬ ‫هذا القصور ال نستطيع تحميله للمؤسسات الحكومية وحدها‬ ‫والتي تقتاتها البيروقراطية البائسة في ظل انعدام استراتيجية‬ ‫وطنية ثقافية حقيقية توازن بني جهد املؤسسات الحكومية‬ ‫واملؤسسات األهلية واألفراد الفاعلني املبدعني وتصهره في‬ ‫بوتقة عمل واحدة منظمة تتحفز لإلبداع وتتبنى املبادرات‬ ‫وتخلق املشاريع الثقافية الخالدة التي تستهدف العمق وال‬ ‫تطفو على السطح تحت أضواء الفالشات التعيسة وبهرجة‬ ‫الكرنفاالت الزائفة‪.‬‬ ‫فلو فتشت عن سلسلة معرفية يمكن اعتبارها منارة ثقافية‬ ‫لبالدنا على مستوى العالم فلن تجد!! ولو بحثت عن مشروع‬ ‫وطني للترجمة فلن تجد!! ولو سألت عن مبادرة وطنية تتبنى‬ ‫املواهب واإلبداعات بصورة واضحة مجردة عن الشخوص‬ ‫والعالقات فلن تجد!! ولو تقصيت عن برنامج مدعوم للرقي‬ ‫بالثقافة بكافة أنواعها فلن تجد!! كما ال توجد جائزة تقديرية‬ ‫للدولة وال رابطة للمثقفني أو األدباء أو الشعراء!! نعم هناك مراكز‬ ‫ثقافية وهناك مهرجانات دولية وهناك جوائز عاملية وهناك‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫مكتبات كبرى وهناك جامعات عظيمة وهناك أندية أدبية وهناك‬ ‫جمعيات للثقافة والفنون وهناك معارض ومناسبات ولكن هذه‬ ‫التوليفة من املؤسسات التي يفترض بها الدفع بالثقافة إلى‬ ‫األمام ال تعمل في منظومة واحدة‪ ،‬وبالتالي كل منها يغني على‬ ‫لياله وفق توجهات القائمني عليها واجتهاداتهم التي ال تخضع‬ ‫للتقييم أو التحكيم بل تأتي وليدة القدرات واألهواء بعيدًا‬ ‫عن مسألة االستراتيجية الوطنية املوحدة وبالتالي فاملطالبة‬ ‫بمجلس أعلى للثقافة كسائر البلدان البارزة ثقافيًا أمر في غاية‬ ‫األهمية لتحديد األهداف وتقنني وتنظيم مثابرات مؤسسات‬ ‫الوطن الواحد والتنسيق فيما بينها‪.‬‬ ‫إن املثقف يتبركن في دوامة ال تنتهي من مسائل التطييف‬ ‫والتصنيف التي تهيمن على وسائل اإلعالم ومنابر الثقافة‪.‬‬ ‫والصراع ّ‬ ‫الحدي هو الغالب ولذا فاإلقصاء هو العملية األبرز عند‬ ‫سيطرة طيف من األطياف على دفة العمل في جهة من الجهات‬ ‫فال زالت فكرة الحوار الوطني فكرة فلسفية نظرية لم تتشربها‬ ‫النخب الثقافية التي ّ‬ ‫يعول عليها كثيرًا في قيادة املجتمع نحو‬ ‫املستقبل لدرجة أن تجربة انتخابات األندية األدبية التي كنا‬ ‫نتوقع أن تكون إرهاصًا ملرحلة جديدة من النمو الحضاري‬ ‫والثقافي دخلت في نفق من اإلشكاليات التي أدت إلى املحاكم‬ ‫واملرافعات بسبب التعاطي املتجانف عن بؤرة الحقيقة لفرض‬ ‫أجندات األوهام‪.‬‬ ‫ومن اإلشكاليات أن املثقف في عصر مضى كان هو الذي‬ ‫يصنع الصحافة واإلعالم فكان يسخرها لخدمة الفكر والثقافة‬ ‫ونشر الوعي وخدمة املجتمع بطريقة حضارية راقية ولكن‬ ‫انقلبت اآلية فأصبحت الصحافة واإلعالم هما اللذان يصنعان‬ ‫املثقف ويهيمنان على الثقافة فتصدر املشهد أغيلمة الفكر‬ ‫وشداة األدب فتسطح العمق وغاب الغواصون ليسبح في بحر‬ ‫الثقافة كل من ال يجيد السباحة!!‬ ‫بقي لدينا معضلة كبيرة هي ثنائية املثقف والكتاب فال شك أن‬ ‫الكتاب هو وعاء املعرفة ووسيط الحضارة وثمرة الثقافة وبريد‬ ‫العلم واألدب وهو حلقة الوصل بني البلدان واملثقفني في شتى‬ ‫الجهات فإذا لم يستطع بلد من البلدان نشر إنتاجه الثقافي‬ ‫وتوزيعه حول العالم فكيف يمكن لآلخرين أن يعرفوا قيمة‬ ‫البلد الثقافية أو وزنها الحضاري؟! وكيف يمكن ألبناء البلد‬ ‫أن يوصلوا رسالتهم املعرفية ليعكسوا صورة ثقافتهم في‬ ‫الخارج؟ كما أن حجب اإلنتاج الثقافي لآلخر أمر يجعل التقوقع‬ ‫الفكري في مراتبه الدنيا وكأن الناس يعيشون في الدنيا‬


‫هي الغرق في القضايا ذاتها كل مرة‪ ،‬فتشكلت صورة نمطية‬ ‫مستهلكة عن الهاجس الذي يرهق كاهل املثقف السعودي وال‬ ‫ً‬ ‫مفهوما في بعض األحيان نتيجة‬ ‫يتجاوزها‪ ،‬ربما يكون ذلك‬ ‫للعجز عن الوصول إلى حل واستمرار قطاع عريض من‬ ‫حاملي لواء املمانعة‪.‬‬ ‫وإذا عدنا مرة أخرى إلى ملتقى املثقفني السعوديني الذي‬ ‫يشكل صورة مصغرة عن أزمة الحالة الثقافية السعودية؛ نجد‬ ‫أن الجدل الذي ثار بعد نسخته الثانية‪ ،‬وفاض النقاش حوله‬ ‫في مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬وسطرت ألجله العديد من‬ ‫املقاالت لم يكن ً‬ ‫أبدا ذا ارتباط مباشر بالفعل والهم الثقافي‪ ،‬بل‬ ‫يعكس بوضوح سيطرة العراك االجتماعي‪ ،‬الحضور املتكرر‬ ‫لقضايا يعينها تشغل املثقفني والنخب السعودية عن مناقشة‬ ‫األسئلة الحقيقة التي تحتف بثقافتهم وخطابهم وإنتاجهم‬ ‫العلمي‪ ،‬ويبدأ فصل جديد من معركة متكررة مستهلكة‪،‬‬ ‫لكنها بوجه أو بآخر تعكس عمق العقبات الطويلة التي تواجه‬ ‫الحالة الثقافية السعودية‪ ،‬تلك الحالة التي لن تحلق نحو اإلبداع‬ ‫والفن ما دامت أسيرة لشروط اجتماعية بدائية‪ ،‬يكون فيها‬ ‫(االختالط بني الجنسني) قضية طاغية أهم من كل أسئلة‬ ‫ً‬ ‫احتداما‬ ‫الثقافة وهموم املثقف‪ ،‬ويكون فيها الصراع األكثر‬ ‫ليس هو حول منهج فلسفي أو نظرية علمية‪ ،‬بل بني تيارين‬ ‫تعزز االنقسام بينهما‪ ،‬فشطر الثقافة وأفقرها‪ ،‬وجعلها رهينة‬ ‫التصنيف الحزبي املذهبي‪ ،‬وليس البحث والتحكيم العلمي‪،‬‬ ‫وتحول االشتغال بالشأن الثقافي في حقيقته إلى اشتغال‬ ‫بترميم الصفوف املتحزبة على قارعة الثقافة تتقاتل باسمها‪،‬‬ ‫وتستنزف من رصيدها‪ ،‬والنتيجة التي ترثها األجيال القادمة‬ ‫سلسلة من الصراعات والخصومات التي لم تخلف موسوعة‬ ‫معرفية أو سلسلة أدبية أو قاعدة علمية‪ ،‬بل ردود إنشائية‬ ‫هجائية متشنجة تدور وتحور بال كلل وال ملل في اسطوانة‬ ‫مكرورة ال تتغير عناوينها‪.‬‬ ‫وبني هذا وذاك‪ ..‬يقع املثقف السعودي في حالة حرجة بني‬ ‫أن يعيش في برج عاجي يغوص في أعماق النظريات العلمية‬ ‫والفلسفية ويحللها ويسعى إلى تقديم منتج علمي رصني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منطويا تضيع‬ ‫لكنه يخشى أن يجد نفسه في األخير معزوال‬ ‫أبحاثه بني األدراج‪ ،‬ال يجد من يدعمه أو يسانده‪ ،‬وبني أن ينزل‬ ‫للشأن العام‪ ،‬ويقتحم املعترك الساخن‪ ،‬ثم يجد نفسه قد‬ ‫استهلك في صراعات بدائية طويلة ال تسهم في تفعيل الثقافة‬ ‫وتحفيز اإلبداع‪ ،‬وإنما في تطويقها من قبل القوى والنخب‬ ‫املتشددة التي تتقن بامتياز جر الجدل الثقافي إلى قضايا‬ ‫ومسائل عفى عليها الزمن‪.‬‬ ‫السؤال األهم‪ ..‬رغم كل هذا الحراك في الساحة الثقافية‬ ‫ً‬ ‫السعودية ملاذا يبقى دور العامل الثقافي في التغيير ضعيفا‬ ‫في مقابل عوامل اجتماعية أو اقتصادية أو دينية أخرى‪،‬‬ ‫هل الثقافة هي مجرد ترف تتجمل به النخبة‪ ،‬وتضيف على‬ ‫شخصيتها املشدودة النتماءاتها التقليدية ً‬ ‫بعدا ً يتمسح‬ ‫برداء التحضر‪ ،‬كما يقول الدكتور محمد بن صنيتان ‪-‬‬ ‫صاحب أول دراسة أكاديمية تحلل النخب السعودية‪ ،‬وتدرس‬ ‫تحوالتها وإخفاقاتها‪ :-‬أن "النخب الثقافية هي بنت بيئتها‬ ‫وأسيرة األنساق الفاعلة واملؤثرة في مجتمعها والتي تشده‬ ‫ً‬ ‫خصوصا إذا كانت هذه االنتماءات‬ ‫إلى االنتماءات التقليدية‪،‬‬ ‫تحقق له الوجاهة واملادة واملوقع أكثر مما تحققه له الثقافة التي‬ ‫ال يتعامل معها في كافة شؤون حياته إال في الترف من القول‪،‬‬ ‫وفي الصالونات املخملية كنوع من املكياج مع شريحة املثقفني‪،‬‬

‫ً‬ ‫انقالبا في املفاهيم أكثر‬ ‫فالثقافة لم تغير السلوك‪ ،‬ولم تحدث‬ ‫من مفاهيم ِّ‬ ‫جده الذي ال يعرف إال قريته‪ ،‬فهو يتعامل مع‬ ‫معطى الثقافة في الحديث في التلفاز‪ ،‬أو في كتابة مقالة‪،‬‬ ‫وسرعان ما يرتد في كافة بقية سلوكه إلى انتمائه الجهوي"‪.‬‬ ‫األسئلة املطروحة أمام طاولة املثقف السعودي ال تزال قائمة‬ ‫ً‬ ‫تحديا‬ ‫بشدة رغم كثرة الحديث حولها‪ ،‬مازالت بذاتها تشكل‬ ‫مهما تقادم الزمن‪ ،‬وكما تساءل األستاذ محمد رضا نصر‬ ‫الله – وهو الخبير بشؤون وهموم املثقفني السعوديني – "ماذا‬ ‫بإمكان املثقف واألديب والفنان السعودي أن يقوم به في‬ ‫صعيد صياغة الوجدان العام‪ ،‬وتشكيل ذهنية املجتمع؟"‪..‬‬ ‫املشوار مازال في بدايته‪ ..‬ولكن البداية قد تطول‪ ،‬وتفقد‬ ‫بوصلتها إذا لم تعاهد كل مرة باألسئلة واملراجعة والتمحيص‬ ‫والتقويم‪.‬‬ ‫في هذا امللف الذي تفتحه مجلة "املجلة"‪ ،‬وسط زخم التحوالت‬ ‫السياسية وضخامتها‪ ،‬وانفتاح آفاق التواصل االجتماعي‪،‬‬ ‫نعيد مساءلة املثقف السعودي عن أدواره‪ ،‬وهويته وصورته‪،‬‬ ‫وإنتاجه العلمي‪ ،‬وعالقته بالجماهير‪ ،‬عن تحوالته ويأسه‬ ‫وتراجعه وتقدمه <‬

‫‪,,‬‬

‫األسئلة املطروحة‬ ‫أمام طاولة املثقف‬ ‫السعودي قائمة‬ ‫بشدة رغم كثرة‬ ‫الحديث حولها‬ ‫مازالت بذاتها‬ ‫ً‬ ‫تحديا‬ ‫تشكل‬ ‫مهما تقادم الزمن‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪23‬‬


‫قصة الغالف‬

‫في هذا امللف الذي تفتحه مجلة "املجلة"‪ ،‬وسط زخم التحوالت السياسية وضخامتها‪ ،‬وانفتاح آفاق التواصل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬نعيد مساءلة املثقف السعودي عن أدواره‪ ،‬وهويته وصورته‪ ،‬وإنتاجه العلمي‪ ،‬وعالقته بالجماهير‪...‬‬ ‫عن تحوالته ويأسه‪ ،‬وتراجعه وتقدمه‪.‬‬

‫أسئلة مفتوحة ال تكف عن املشاغبة واملشاحنة والتكرار‬

‫البحث عن املثقف السعودي‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عبدالله الرشيد‬

‫‪,,‬‬

‫مرحلة البحث عن‬ ‫املثقف السعودي‬ ‫ال تزال طويلة‬ ‫ً‬ ‫هي تتيه أحيانا‬ ‫وتضيع بني‬ ‫مسارب الصراعات‬ ‫واصطفاف النخب‬ ‫والتعارك مع‬ ‫املتشددين‬

‫‪,,‬‬

‫لم تكن لحظة الحادي عشر من سبتمبر حادية‬ ‫َّ‬ ‫ومحرضة للكتاب الغربيني لكي يكتشفوا الحالة‬ ‫السعودية فحسب‪ ،‬بل كانت لحظة صادمة َّ‬ ‫وجهت‬ ‫السعوديني إلى أنفسهم لكي يكتشفوها ويحللوها‪ ،‬ويتتبعوا‬ ‫خريطة تياراتها وتشكالتها‪.‬‬ ‫ال يمكن بحال من األحوال إهمال أثر املؤلفات الغربية التي‬ ‫جاءت أعقاب الحادي عشر من سبتمبر في دفع وتحريك‬ ‫الراكد في الداخل السعودي‪ ،‬يتم تداول تلك املؤلفات وترجمتها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديدا‪ ،‬ورؤية‬ ‫متنفسا‬ ‫وتناقلها بني أوساط املهتمني‪ ،‬وتشكل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وصورة مختلفة لواقعهم الذي بدأوا يكتشفونه رويدا رويدا‪،‬‬ ‫وهم الذين أصبحوا في صورة املشهد العاملي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان مذاق ذلك مختلفا‪ ،‬فالرأي السياسي‪ ،‬و"فقه الواقع"‪،‬‬ ‫وتحليل األحداث التي كانت تحتكره محاضرات املساجد‪،‬‬ ‫وخطب املنابر‪ ،‬انتهت أو تراجعت بشكل كبير لصالح جيل‬ ‫جديد‪ ،‬بدأ يتساءل ويفكر ويراجع نفسه بلغة ومفاهيم حديثة‪،‬‬ ‫يبحث عن عمق األزمة في ثقافته وخطابه السائد الذي أفرز‬ ‫نماذج ألحقت به وبسمعة بالده الضرر‪.‬‬ ‫اليوم وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على لحظة الحادي‬ ‫عشر من سبتمبر أصبح الحديث عن الحالة الثقافية السعودية‬ ‫ً‬ ‫مفتوحا على مصراعيه إلى حد االبتذال‪ ،‬فالشح الذي كان‬ ‫ّ‬ ‫يطال تلك املساحة اتخم بمقاالت ومؤلفات وكتب كلها تحاول‬ ‫أن تمأل هذا الفراغ ولو بالصدى‪ ،‬وتقتحم تلك البقعة التي يراها‬ ‫املراقب الخارجي ً‬ ‫دوما حالة مثيرة مغلفة بالغموض‪ ،‬محرضة‬ ‫على الخوض والنقاش والتفاعل ومحاولة الفهم‪.‬‬ ‫كثيرة هي الدراسات واملؤلفات التي أرادت أن تقتطف لها‬ ‫ً‬ ‫نصيبا من هذه األرض الخصبة البكر‪ ،‬وتسجل لنفسها‬ ‫سبق الحضور فيه ولو بكالم مكرور إنشائي يتوسل‬ ‫اإلثارة في العناوين التي تحوي في طيات فصولها‬ ‫مضامني فارغة‪.‬‬

‫املرحوم الدكتور‬ ‫غازي القصيبي‬

‫‪22‬‬

‫لكن صعوبة وتعقيد الحالة السعودية وتداخالتها‪،‬‬ ‫وشح مواردها املعلوماتية‪ ،‬واعتمادها على املتناقل‬ ‫الشفوي سوف تكشف العجز والضعف في كثير‬ ‫من املتصدرين لتحليل هذا الشأن‪ ،‬أما الدراسات‬ ‫األكاديمية الرصينة ملن خبروا الواقع وعايشوه‬ ‫بأنفسهم فستفرض نفسها بقوة حتى لو تقادم‬ ‫الزمن‪ ،‬وتغيرت الكثير من الظروف واألحداث‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫طريا للتناول‬ ‫شهيا غضا‬ ‫ورغم كل ذلك مازال املوضوع‬ ‫والنقاش‪ ،‬ال تكف األقالم وبرامج الحوارات عن مناقشته‬ ‫وتحليله؛ ربما ذلك يعود في جزء كبير منه إلى النشاط الحي‬ ‫املحموم في الساحة الثقافية السعودية‪ ،‬ودخول أجيال جديدة‬ ‫من الشباب في هذا املعترك املتخاصم على فضاء الشأن‬ ‫العام‪ ،‬مما يعني حركة دؤوبة‪ ،‬وجيل متعطش للبحث والتطلع‬ ‫للمعرفة‪ ،‬متسلح بأحدث الوسائل التقنية التي وإن ساهمت‬ ‫في وصوله للمعلومة بأسرع طريقة‪ ,‬إال أنها عززت الثقافة‬ ‫السريعة املعلبة التي يغيب عنها النفس الطويل‪ ،‬والبحث‬ ‫والتتبع والتحليل قبل الوصول إلى أي حكم‪ ،‬وهذا بات يشكل‬ ‫حالة نادرة عزيزة في ظل الظواهر التقنية التي تتسيد املشهد‪،‬‬ ‫وتجرف املثقفني واملتابعني إلى شروطها وأنماطها‪.‬‬

‫األسئلة الكبرى مازالت قائمة‪ ،‬والقضية الكؤود هي في‬ ‫املحتوى واملعنى واملضمون‪ ،‬وعن أي شيء نختصم‪ ،‬وحول‬ ‫ماذا نختلف‪ ،‬من نحن وما هو خطابنا‪ ،‬وما هي هويتنا؟‬ ‫لو عدنا إلى الوراء إلى التجمع األول الذي جمع املثقفني‬ ‫السعوديني‪ ،‬وطرح مشاكلهم‪ ،‬في ملتقى املثقفني السعوديني‬ ‫األول في أواخر ‪ ،2004‬نجد أن أكبر سؤال كان يتردد صداه‬ ‫ويبحث عن إجابة هو‪" :‬ما هو املثقف السعودي‪ ..‬ما هي‬ ‫صورته ‪ ..‬ما هي شروطه ‪ ..‬ما هي أدواره"؟‬ ‫يطرح هذه األسئلة الكاتب عبدالله القفاري ‪-‬قبيل انطالق‬ ‫ً‬ ‫امللتقى في "جريدة الرياض"‪ -‬قائال ‪ ":‬السؤال الكبير هنا‪ :‬من‬ ‫هو املثقف؟ هل هو األديب أم الفنان أم الكاتب أم املسرحي أم‬ ‫املؤلف أم الناشر‪ ..‬من يستطيع أن يقول عن كل هؤالء مثقفني‬ ‫حقيقيني؟ ومن يملك أن يخرج كل هؤالء من أردية ومعاطف‬ ‫املثقف"؟‪.‬‬ ‫معالي الوزير الراحل غازي القصيبي في ختام امللتقى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا ملثقف‬ ‫نموذجا‬ ‫أجاب عن هذه األسئلة قائال‪" :‬ال أعرف‬ ‫بمواصفات إنسانية راقية‪ ،‬وأهداف مجتمعية عالية‪ ،‬ونزاهة‬ ‫شخصية ضافية‪ ،‬بحيث يمكنني أن أقول‪ :‬وجدته‪ ،‬هذا هو‬ ‫املثقف! وهذا هو دوره!"‪.‬‬ ‫فأثار الجدل واالحتدام واإلعجاب أيضًا‪ .‬رحلة البحث عن‬ ‫ً‬ ‫املثقف السعودي ال تزال طويلة‪ ،‬هي تتيه أحيانا وتضيع‬ ‫بني مسارب الصراعات‪ ،‬واصطفاف النخب‪ ،‬والتعارك مع‬ ‫املتشددين‪.‬‬ ‫ربما تكون أكبر املعضالت التي تواجه املثقفني السعوديني‬


‫خالد الدخيل‬

‫عبدالله الغذامي‬

‫مشاري الذايدي‬

‫بأنه انقالب عسكري كالسيكي أوقف مسار التحول الديمقراطي في مصر‪،‬‬ ‫ألنه «رغم كل ما يمكن أن يقال عن مرسي‪ ،‬وعن اإلخوان أثناء تجربتهم‬ ‫في الحكم‪ ،‬فإنهم جاءوا إلى هذا الحكم بإجراءات قانونية‪ ،‬وبأصوات شعبية‪.‬‬ ‫وبالتالي كان يجب أن يحتكم في محاولة عزلهم عن الحكم إلى نفس اإلجراءات‬ ‫واملرجعيات القانونية التي جاءوا بها‪ .‬كل محاولة لتحقيق ذلك خارج هذا‬ ‫اإلطار‪ ،‬وتعتمد على قوة الجيش هي انقالب‪ .‬القول بأن الجيش كان ينفذ إرادة‬ ‫شعبية هو نوع من الفذلكة عرفت بها االنقالبات العسكرية العربية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫طبعت الثقافة السياسية ملا بعد ذلك»‪ ،‬وفقا لقول الدخيل (انقالب السيسي‬ ‫وتاريخ مصر‪ ،‬صحيفة «الحياة»‪ 11 ،‬أغسطس ‪.)2013‬‬ ‫ويضيف الدخيل في مقال آخر‪« :‬الثورات ظاهرة سياسية معروفة‪ ،‬وكذلك‬ ‫الثورات املضادة‪ .‬هدف األولى هو التغيير‪ .‬وهدف الثانية وقف هذا التغيير‪ ،‬أو‬ ‫على األقل ضبط وجهته والسيطرة عليه‪ ..‬واليوم حصلت ثورة مضادة بقيادة‬ ‫الجيش‪ ،‬املمثل األول واألقوى للنظام القديم الذي قامت ضده الثورة األولى‪.‬‬ ‫عادت صور النظام القديم ورموزه إلى املشهد‪ :‬عبد الفتاح السيسي يخطب‬ ‫ببزته العسكرية ونظارته الشمسية‪ ،‬وصور عبد الناصر والسادات بدأت في‬ ‫االنتشار‪ ،‬ومعها عادت األغاني الوطنية ملرحلتهما‪ .‬وأكثر ما يعبر عن طبيعة‬ ‫حركة الجيش هو االحتفال بها من خالل العودة إلى الخطاب اإلعالمي ملا قبل‬ ‫الثورة»‪( .‬ماركس و«اإلخوان» والليبراليون‪ .‬صحيفة «الحياة»‪ 18 ،‬أغسطس‬ ‫‪.)2013‬‬ ‫احتفى كثير من اإلسالميني واملتعاطفني مع اإلخوان بمقاالت الدخيل‬ ‫وتداولوها‪ ،‬وهو موقف «انتهازي» بحسب الكاتب يوسف الديني الذي ناقش‬ ‫أفكار الدخيل في مقال بعنوان (األكاديمي الذي تغير بالشارع)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬ ‫«لقد تم تقديم الدكتور الدخيل في املشهد اإلسالموي على هذا النحو االنتهازي‬ ‫اليوم كأحد رموز االعتدال الليبرالي املنصف ألسباب عديدة تتصل بطبيعة‬ ‫االستخدام البراغماتي لشخصيات خارج نجوم اإلسالم السياسي الذين‬ ‫عادة ما يفقدون املتانة السياسية في التحليل‪ ،‬كما أن حضور شخصيات‬ ‫من خارج الوسط لتعزيز رؤية مشتركة ولو آنية هو جزء من إدارة املعركة‬ ‫في ثنائية اإلسالميني والسلطة»‪«( .‬الشرق األوسط»‪ 22 ،‬أغسطس ‪.)2013‬‬

‫انتهت ثورة ‪ 25‬يناير‬ ‫«لقد تمت عسكرة الذات العربية فال نتخاطب إال بمنطق التهديد والعنف‪،‬‬ ‫يجب أن نعيد برمجة ذواتنا بثقافة السلم والعلم»‪ .‬هكذا علق األستاذ إبراهيم‬

‫إبراهيم البليهي‬

‫عبدالله بن بجاد‬

‫بدرية البشر‬

‫البليهي على األحداث الجارية في مصر‪ ،‬حيث كتب في حسابه الشخصي‬ ‫في «تويتر»‪« :‬إن تنازع العرب واملسلمني على السلطة جعلنا أضحوكة للعالم‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫قتل جماعي واستهانة بالحياة واألحياء وبشاعات لم يعرفها التاريخ من‬ ‫قبل»‪ .‬وفقا لحسابه الشخصي في «تويتر»‪ .‬في حني كتب الدكتور عبد الله‬ ‫الغذامي تغريدة بحسابه الشخصي‪« :‬نحن أمام تكرار لظاهرة ثقافية خطرة‪:‬‬ ‫تضامن املثقف مع العسكر‪ ،‬وتقبل فض الخالفات بالرصاص‪ ،‬وإحالل‬ ‫االحتراب محل التحاور‪ ،‬والدم يسيل يسيل!»‪.‬‬ ‫أما األستاذ جمال خاشقجي فيقول بكل حسم‪« :‬لقد انتهت ثورة ‪ 25‬يناير‪،‬‬ ‫وسقطت أهم قيمها الحرية والكرامة وحق اإلنسان في الحياة‪ .‬لم تعد الغالبية‬ ‫تضيق بانتهاك الحريات طاملا أنها ليست حرياتها‪ .‬لم يعد منظر الشهداء‬ ‫يضيرها‪ ،‬طاملا أن الشهيد من املعسكر اآلخر»‪ ،‬ويضيف في مقال له بعنوان‬ ‫«خواطر شاب (إخواني) غاضب نجا من فض اعتصام رابعة»‪« :‬إنه شرطي‬ ‫مصري أو قناص يطلق رصاصة بندقيته من أعلى مبنى مجاور وهو‬ ‫يضحك نحو (الشعب املصري اآلخر) الذي يكرهه ويراه العدو‪ .‬لن أسترسل‬ ‫في لوم الجيش وأمن الدولة والشرطة‪ ،‬فهم من هم‪ ،‬يؤدون مثل بقية نظرائهم‬ ‫العرب ما يحسنون فعله وما تدربوا عليه لعقود‪ ،‬حماية النظام والدولة‪ .‬يجب‬ ‫أن تبقى الدولة مهما كلف األمر‪ .‬هكذا يضخ اإلعالم املصري رسالته بعدما‬ ‫عاد إلى «حالة» ‪ 6‬يونيو (حزيران) ‪ ،1967‬النظام‪ ،‬الدولة‪ ،‬الزعيم‪ ..‬وال حرية‬ ‫أو حتى كرامة ألعداء الحرية‪ ،‬وإن كان مواطنا وابن عم أو زميل دراسة»‪.‬‬ ‫(صحيفة «الحياة»‪ 17 ،‬أغسطس ‪.)2013‬‬ ‫وفي مقال بعنوان «الليبرالية اإلمبريالية» يكتب األستاذ زياد الدريس قائال‪:‬‬ ‫«إن أكثر ما يثير األسى والتعجب في آن‪ ،‬ذلك الخطاب (الفاشي) الذي‬ ‫ينتشر اآلن داخل األوساط العلمانية والليبرالية‪ ،‬والذي يدعو إلى إقصاء‬ ‫(اإلخوان) واستئصالهم من الحياة السياسية‪ ،‬وكأن مصر قد استبدلت‬ ‫بخطاب بعض الفاشيني اإلسالميني خطابا أكثر فاشية وإقصاء من بعض‬ ‫األصوات املحسوبة على التيار الليبرالي والعلماني»‪ .‬وبذا ينتقل الخطاب‬ ‫النقدي لليبرالية املأزومة اآلن من وصمة اإلمبريالية إلى الفاشية‪ ،‬ويتمم هذه‬ ‫السلسلة النقدية للسقوط الليبرالي»‪ .‬ويختتم الدريس مقاله مستغربا‪« :‬قد‬ ‫نستوعب أن تفرح راقصة بل وأن تحتفل بسقوط حكم (اإلخوان)‪ ،‬لكن أن‬ ‫يتحول إعالمي (محترم) في برنامجه إلى راقصة تمأل األستوديو بالزعيق‬ ‫والشتائم فهذه إشكالية في معيارية اإلعالم العربي (الليبرالي)‪ ،‬أو هكذا‬ ‫قيل لنا‪ ،‬وال لوم إذن وال عجب من زعيق (اآلخرين)!» (صحيفة «الحياة»‪،‬‬ ‫‪ 31‬يوليو ‪< )2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫احتفى كثير‬ ‫من اإلسالميني‬ ‫واملتعاطفني‬ ‫مع اإلخوان‬ ‫بمقاالت‬ ‫د‪ .‬خالد الدخيل‬ ‫ضد الجيش‬ ‫املصري‬ ‫وهو موقف‬ ‫«انتهازي»‬ ‫بحسب الكاتب‬ ‫يوسف الديني‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪21‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫جاء إعالن الفريق أول عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس املصري محمد مرسي‪ ،‬وتشكيل خارطة طريق جديدة‬ ‫تزيح جماعة اإلخوان املسلمني ليحيي السجال من جديد حول املشهد املصري بني املثقفني والناشطني السعوديني‪،‬‬ ‫الذين وجدوا أنفسهم في عمق الحدث وتداعياته‪.‬‬

‫مصر تشعل سجاالت املثقفني السعوديني مجددا‬

‫أصداء رابعة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫املحرر السياسي‬

‫‪,,‬‬

‫جاء املوقف‬ ‫الليبرالي ‪-‬‬ ‫في مجمله‬ ‫ واضحا‬‫هذه املرة ضد‬ ‫ممارسات‬ ‫اإلسالم‬ ‫السياسي‬ ‫منحازا لخيار‬ ‫الشعب واقفا‬ ‫ضد اإلرهاب‬ ‫والفاشية‬ ‫حتى لو‬ ‫جاءت عبر‬ ‫الصناديق‬

‫‪,,‬‬

‫‪20‬‬

‫بعد مرور سنة كاملة من حكم جماعة اإلخوان املسلمني ملصر‬ ‫شهدت السجاالت الثقافية السعودية تقلبا وتبدال وانقساما تجاه‬ ‫املوقف من حالة الربيع العربي بشكل عام‪ ،‬بني من كان منحازا‬ ‫لحركة الثورة والتغيير وإشراك اإلسالميني في العملية السياسية ثم تبدلت‬ ‫مواقفه أو تراجع وبدأ يتململ ويتشاءم من نتائج «الربيع العربي»‪ ،‬ويكيل‬ ‫االنتقادات الحادة ملمارسات اإلسالميني في السلطة‪ ،‬ويعتبر أنهم خطفوا‬ ‫الثورة وسرقوها من صناعها الحقيقيني‪ ،‬وبني من كان ثابتا على موقفه‬ ‫تجاه الربيع العربي وتجاه وصول التيارات األصولية إلى السلطة‪ ،‬فجاء‬ ‫املوقف متمما منساقا مع مواقفه‪.‬‬ ‫لكن لحظة الثالث من يوليو (تموز)‪ ،‬واعتقال قيادات من جماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني وعلى رأسهم مرشدها العام محمد بديع‪ ،‬ونائبه خيرت الشاطر‪،‬‬ ‫وفض اعتصام «رابعة العدوية»‪ ،‬وتورط تنظيم اإلخوان املسلمني في مواجهات‬ ‫مسلحة مع الجيش والشرطة‪ ،‬وإحراق عدد من الكنائس واملقار الحكومية‪،‬‬ ‫أعادت املثقفني والناشطني إلى مواقعهم الطبيعية‪ ،‬فاإلسالميون الذين كانوا‬ ‫قبل ‪ 30‬يونيو (حزيران) ال يكفون عن انتقاد حكم الرئيس مرسي نسوا‬ ‫ذلك كله ووقفوا بكل تعاطف واستماتة مع جماعة اإلخوان املسلمني محملني‬ ‫الطرف اآلخر كل املسؤولية عن العنف والدم ووقوع الضحايا‪ ،‬في حني كان‬ ‫املوقف الليبرالي ‪ -‬في مجمله ‪ -‬واضحا هذه املرة ضد ممارسات اإلسالم‬ ‫السياسي منحازا لخيار الشعب واقفا ضد اإلرهاب والفاشية حتى لو جاءت‬ ‫عبر الصناديق فإن ذلك لن يكون مبررا لها‪ ،‬وعاصما وحافظا لبقائها‪.‬‬

‫مرسي أخطر من مبارك‬ ‫األستاذ مشاري الذايدي منذ بداية أحداث الربيع العربي كان يؤكد كثيرا أنه‬ ‫ضد وصول اإلسالميني إلى السلطة حتى ولو عبر صناديق االقتراع «فمن‬ ‫يضمن أن األصوليني السياسيني إذا ثبت فشلهم سيخرجون من الحكم‬ ‫بعد أن يمتلكوا أسباب القوة والهيمنة؟»‪ ،‬وهذا ما حدث فعال‪ ،‬ألن الصورة‬ ‫الحقيقية لجماعات اإلسالم السياسي واحدة من «القاعدة» وحتى جماعة‬ ‫اإلخوان فـ«الخالف بينهم ليس في (جوهر) األهداف‪ ،‬ومحتوى الفكر‪ ،‬بل‬ ‫في (أساليب) التطبيق‪ .‬كلهم إخوان وأبناء عمومة»‪ ،‬كما يقول الذايدي في‬ ‫مقال له بعنوان «جماعات التطرف أبناء عم»‪ 4 .‬أغسطس (آب) ‪ 2013‬صحيفة‬ ‫«الشرق األوسط»‪ .‬أما األستاذ عبد الرحمن الراشد ففي مقال صريح بذات‬ ‫الصحيفة نشر في ‪ 22‬أغسطس ‪ 2013‬بعنوان «الدكتور مرسي مثل الدكتور‬ ‫األسد» يقول حاسما‪(« :‬اإلخوان)‪ ،‬تحت قيادتهم املتطرفة الحالية‪ ،‬جماعة‬ ‫فاشية دينية ال تنوي‪ ،‬ولن تقبل‪ ،‬العمل وفق نظام مدني ديمقراطي‪ ،‬بخالف‬ ‫ما تزعم للغرب‪ ،‬وما قطعته من وعود في وقت االنتخابات»‪.‬‬

‫كما فعلت حماس في غزة والخميني في إيران‪ ،‬وثنائي البشير والترابي في‬ ‫السودان‪ .‬إسقاط مرسي ضرورة حتى يدرك من بعده أن األغلبية والرئاسة ال‬ ‫تعطيهم شيكا على بياض المتهان املؤسسات والحريات»‪( .‬هل كانت غلطة‪..‬‬ ‫إدخال اإلخوان؟ «الشرق األوسط»‪ 13 ،‬أغسطس ‪.)2013‬‬ ‫وكما توقع األستاذ عبد الله بن بجاد العتيبي‪ ،‬فاإلخوان بعد إسقاط سلطتهم‬ ‫عادوا «ملعهودهم القديم وخبرتهم العتيقة في العنف واإلرهاب الذي لم يتبرأوا‬ ‫منه يوما على مستوى الخطاب‪ ،‬ولم يعتذروا عنه يوما على مستوى الجرائم‪،‬‬ ‫منذ االغتياالت والتفجيرات التي تمت بأمر حسن البنا‪ ،‬وصوال إلى التفجير‬ ‫يجر التعامل‬ ‫والقتل الذي تم في األسبوع املاضي‪ ،‬وهو مرشح للتصاعد ما لم ِ‬ ‫بجدية وحزم مع خطاب التحريض الضخم الذي اختارته الجماعة طريقا‬ ‫أوحد للتعامل مع الواقع الجديد»‪( .‬مستقبل مصر وخديعة النماذج‪« .‬الشرق‬ ‫األوسط»‪ 28 ،‬يوليو‪ /‬تموز ‪ .)2013‬ويقرر الكاتب محمد بن عبد اللطيف آل‬ ‫الشيخ في مقال له بصحيفة «الجزيرة» (‪ 16‬أغسطس ‪ )2013‬أن محاصرة‬ ‫اإلرهاب تبدأ بمحاصرة اإلخوان‪ ،‬مؤكدا أن «اختالف اإلخوان مع (القاعدة)‬ ‫وفكر (القاعدة) ‪ -‬إن كان ثمة اختالف ‪ -‬ليس في األهداف وإنما في الوسائل؛‬ ‫أي في التكتيك وليس في الهدف االستراتيجي‪ ،‬فكالهما يسعى إلقامة دولة‬ ‫الخالفة»‪.‬‬ ‫أما الدكتور تركي الحمد الذي كان منذ بداية الربيع العربي يؤكد على حق‬ ‫جميع التيارات بما فيهم اإلخوان في الوصول إلى الحكم واملشاركة في العملية‬ ‫السياسية ما دامت تلتزم بمبادئ العملية الديمقراطية‪ ،‬فإنه عقب أحداث‬ ‫«رابعة العدوية» جاء بموقف صريح مغاير‪ ،‬حيث تساءل‪« :‬وصل النازيون‬ ‫إلى السلطة ديمقراطيا ولكنهم احتاجوا إلى أنهار من الدماء ليزاحوا عنها‪،‬‬ ‫فهل هذا ما كان سيحدث لو استمر اإلخوان في السلطة؟»‪ .‬وأضاف في‬ ‫تغريدات عبر حسابه الشخصي في «تويتر»‪« ،‬ال تشكل األوطان والوطنية‬ ‫شيئا مذكورا في فكر اإلخوان املسلمني‪ ،‬بقدر ما أنها مجرد وسيلة للوصول‬ ‫إلى غايات ال عالقة لها بوطن وال تكترث بوطنية‪ .‬فما تمارسه جماعة اإلخوان‬ ‫في مصر اليوم هو خيار شمشون‪ :‬علي وعلى أعدائي‪ ،‬فال وطن يهم وال‬ ‫إنسان يهم‪ ،‬فإما أن تسود الجماعة أو الدمار لكل شيء»‪ .‬فاإلخوان املسلمون‬ ‫كانوا قد بيتوا النية للتفرد بالسلطة واالستئثار بها وحدهم‪ ،‬فهم كما تقول‬ ‫الكاتبة بدرية البشر‪« :‬لم يقبلوا باالنتخابات واللعبة الديمقراطية إال عمال بفقه‬ ‫الضرورة‪ ،‬ففي الضرورات تباح املحرمات‪ ،‬فقد كان هذا هو الطريق الوحيد‬ ‫ّ‬ ‫الذي سيمكنهم من السلطة بعد أن خاضوا حربا ثمانني عاما ولم يصلوا‪،‬‬ ‫وحني وصلوا عادوا لفقههم الحقيقي وهو االنفراد بالسلطة ورجم املخالفني‬ ‫بالكفر والسالح»‪( .‬حفرة اإلخوان التي وقعوا فيها‪ ،‬صحيفة «الحياة» ‪ 8‬يوليو‬ ‫‪.)2013‬‬

‫وفي مقال آخر يضيف الراشد‪« :‬ليس صحيحا أن الليبراليني انقلبوا على الجيش انقلب على الديمقراطية‬ ‫خطابهم بتصفيقهم لالنقالب العسكري‪ .‬ما فعله مرسي واإلخوان في الحكم‬ ‫هو أخطر مما فعله مبارك‪ ،‬ألنه جاء على ظهر نظام له شروط‪ ،‬ومنحه شرعية‬ ‫هائلة‪ ،‬لكنه خذل النظام واعتبر ركوب الصندوق االنتخابي وسيلة للسيطرة‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫أما موقف الدكتور خالد الدخيل‪ ،‬وهو محسوب على الطرف الليبرالي‪ ،‬فقد‬ ‫جاء مختلفا معترضا بشدة على عزل الرئيس مرسي واصفا كل ما حدث‬


‫نشر منظومات الباتريوت في تركيا أقصى ما يريد أوباما الذهاب‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬قامت سياسة أوباما على استخدام الفيتو الروسي‬ ‫بالنيابة لرفض أي تدخل عسكري‪ .‬وما كان إصرار أوباما على‬ ‫التوصل إلى حل بمشاركة ورعاية روسية إال وسيلة لتجنب حشره‬ ‫في الزاوية من قبل حلفائه ما قد يؤدي إلى انزالق نحو التدخل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫محرك السياسة األمريكية اليوم‪ ،‬وهو ما‬ ‫وبكل بساطة هذا هو‬ ‫ينبغي أن يكون واضحا بعد أكثر من سنتني من املراوغة‪ ،‬وما لن‬ ‫يتغير في املستقبل املنظور على أغلب الحال‪.‬‬ ‫الكثير من العرب ال يصدق هذا التفسير ويستبدله بنظريات معهودة‬ ‫تحيل املسؤولية إلى تأثير مزعوم إلسرائيل‪ ،‬التي يفترض أنها‬ ‫تعارض إسقاط األسد‪ .‬إنما هذه قراءة خاطئة‪ .‬الواقع هو أن إسرائيل‬ ‫تراقب السياسة األمريكية في سوريا خصوصا بقلق بالغ‪ ،‬وترى‬ ‫فيها فقدانا للمصداقية األمريكية حيال إيران‪ .‬وعليه‪ّ ،‬‬ ‫شدد وزير‬ ‫الدفاع اإلسرائيلي موشي يعالون أثناء لقائه رئيس أركان الجيش‬ ‫األمريكي الجنرال مارتن ديمبسي على أنه من الضروري عدم‬ ‫السماح للمحور اإليراني أن ينتصر في املواجهة اإلقليمية الجارية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتصور‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬اإلسرائيليون واعون إلى أن التراجع‬ ‫الضعف األمريكيني يفسحان املجال أمام روسيا لتحاول أن تتغلغل‬ ‫مجددا في ملفات املنطقة‪ .‬وعليه ّ‬ ‫اإلسرائيليني‬ ‫صرح أحد املسؤولني‬ ‫ّ‬ ‫بداية األسبوع‪ ،‬من دون اإلفصاح عن هويته‪ ،‬إن «الروس يستغلون‬ ‫الضعف األمريكي وينخرطون في حرب قوى عظمى تكون فيها‬ ‫بقية الدول‪ ،‬ضمنها إسرائيل وسوريا‪ّ ،‬‬ ‫مجرد بيادق‪ .‬قرر الروس أن‬ ‫َّ‬ ‫يبرهنوا للعالم عموما ولدول املنطقة خصوصا أنهم يعول عليهم‪.‬‬ ‫ففحني يبرز األمريكيون ضعفا وترددا وتخليا عن حلفائهم‪،‬‬ ‫يستمر الروس بدعم األسد»‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬لم ولن ينفع أي جهد‬ ‫ديبلوماسي إلقناع الروس بتغيير موقفهم‪ ،‬فهو متعلق بلعبة إعادة‬ ‫موسكو نفسها إلى مصاف القوة العظمى‪.‬‬

‫الدعم العسكري في سوريا‬ ‫ومثلما كانت سياسة أوباما توظيف روسيا لتحييد ضغوط‬ ‫الحلفاء الساعية إلى الدعم العسكري في سوريا‪ ،‬هكذا أيضا‬ ‫جهد أوباما لتحييد الضغوط اإلسرائيلية لكي يتجنب املواجهة‬ ‫مع إيران‪ .‬والبعض يرى تالقيا لهاتني النقطتني في سوريا‪.‬‬ ‫استنادا إلى ما قاله مرجع أمريكي مطلع على ما يبدو على تفكير‬ ‫اإلدارة في حديث مع الزميلة هدى الحسيني في صحيفة «الشرق‬ ‫األوسط» (عدد الخميس األول من أغسطس ‪ ،)2.13‬قد ال يحبذ‬ ‫أوباما سقوطا سريعا لألسد خوفا من أن يرفض اإليرانيون‬ ‫عندها املجيء إلى طاولة املفاوضات‪ ،‬وهذا ما تريد أن تتجنبه‬ ‫ّ‬ ‫املحدث األمريكي‪ ،‬هي‬ ‫واشنطن‪ .‬أولوية أوباما‪ ،‬بحسب ما قاله‬ ‫التوصل إلى اتفاق سلمي حول البرنامج النووي اإليراني‪ ،‬وإذا لم‬ ‫ينجح في التوصل إلى أي اتفاق معها‪ ،‬فإنه سيورث خليفته هذه‬ ‫املسألة ولن ينجر إلى حرب‪ .‬ففي نهاية املطاف‪ ،‬كما قال املرجع‬ ‫ذاته في سياق الحديث عن سوريا‪ ،‬إن «أوباما انتخب لينهي‬ ‫الحروب ال ليبدأ حربا جديدة في الشرق األوسط»‪ .‬بعبارة أخرى‪،‬‬ ‫ليس في املسألة أي دور لتأثير إسرائيلي ما يمنع واشنطن‬ ‫من التدخل بقوة‪ .‬على العكس‪ ،‬سلبية أوباما تعارض املوقف‬ ‫اإلسرائيلي املعلن‪ .‬كما قال محدث الزميلة الحسيني‪ ،‬مرددا مبدأ‬ ‫دونيلون املذكور آنفا‪« ،‬بالنسبة إلى الشرق األوسط‪ ،‬فإن قرار‬ ‫البيت األبيض هو تجنب املشاركة»‪ .‬حاول كثيرون‪ ،‬من ضمنهم‬ ‫دعاية البيت األبيض‪ ،‬أن يضعوا وجها استراتيجيا أو فكريا‬

‫على هذا املبدأ‪ ،‬في محاولة إلضفاء نوع من الحنكة والتعقيد‬ ‫على موقف الرئيس األمريكي‪ .‬إنما املسألة‪ ،‬ببساطة‪ ،‬هي أن‬ ‫أوباما ليس مهتما‪ .‬بل ربما‪ ،‬كما اقترح مايكل دوران‪ ،‬الذي عمل‬ ‫مسؤوال عن الشرق األوسط في مجلس األمن القومي في عهد‬ ‫إدارة الرئيس جورج بوش‪« ،‬عقيدة أوباما الحقيقية» هي‪« :‬لسنا‬ ‫بحاجة إلى سياسة خارجية»‪.‬‬ ‫في هذه األثناء‪ ،‬اضطر الالعبون اإلقليميون أن يملؤا الفراغ الذي‬ ‫خلفته واشنطن قدر استطاعتهم‪ .‬فاململكة العربية السعودية‬ ‫تبدو وكأنها اتخذت املبادرة في امللف السوري‪ ،‬وتدخلت أيضا‬ ‫مع حلفائها في الخليج لدعم االقتصاد املصري ومنعه من‬ ‫االنهيار‪ .‬بينما يحاول األردن وتركيا احتواء تداعيات الحرب في‬ ‫سوريا‪ ،‬كما تحاول أنقرة تعميق اإلتفاق مع إقليم كردستان في‬ ‫العراق‪ ،‬خصوصا مع الرئيس مسعود بارزاني‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬ ‫تتفاوض مع حزب العمال الكردستاني لتحييد استغالل املسألة‬ ‫الكردية ضد تركيا‪ .‬أما إسرائيل فال تتردد في فرض خطوطها‬ ‫الحمر في سوريا من ناحية منع إيران وحزب الله من الحصول‬ ‫على أسلحة استراتيجية ونشرها على الحدود معها‪.‬‬ ‫إنما الواضح أن هناك غيابا تاما الستراتيجية متكاملة للمنطقة من‬ ‫جانب القوة العظمى الوحيدة في العالم‪ .‬واملفارقة أن ّ تراجع الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬في آن واحد‪ ،‬قد فاقم مشاكل املنطقة وسلط الضوء على‬ ‫انعدام أي بديل عن دور واشنطن القيادي <‬ ‫* كاتب وباحث في شؤون الشرق األوسط مقيم في نيويورك‬

‫صورة ارشيفية للرئيس األمريكي باراك‬ ‫أوباما وهو يأكل «ايس كريم» في جزيرة‬ ‫الثلج ‪،‬هاواي (ديسمبر‪)2010 /‬‬

‫‪,,‬‬

‫أتى الرئيس‬ ‫أوباما إلى‬ ‫السلطة على‬ ‫أساس رؤية‬ ‫تقوم على سحب‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫من املنطقة‬ ‫تفاديا لتورط‬ ‫عسكري جديد‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪19‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫فيما تمر املنطقة بإحدى أدق مراحلها‪ ،‬ينظر الكثير من العرب إلى الواليات املتحدة وسياستها في الشرق األوسط‬ ‫بتعجب وتساؤل كبيرين‪ .‬ففي مثل هذه اللحظة البالغة الحساسية تتجه األنظار إلى القوة العظمى في العالم متوقعة‬ ‫منها موقفا قياديا واستراتيجية واضحة‪ .‬ولكن ما تبني في السنوات الثالث الغابرة هو ليس فقط انعدام الوضوح‪،‬‬ ‫بل إن ما يريده الرئيس باراك أوباما بالفعل هو التراجع من املنطقة وخفض منسوب الوجود األمريكي فيها‪.‬‬

‫عقيدة أوباما الحقيقية‪ « :‬الواليات املتحدة األمريكية ليست بحاجة إلى سياسة خارجية»‬

‫تراجع و تأرجح‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫طوني بدران *‬

‫‪,,‬‬

‫ال يحبذ‬ ‫أوباما سقوطا‬ ‫سريعا لألسد‬ ‫خوفا من‬ ‫أن يرفض‬ ‫اإليرانيون‬ ‫عندها املجيء‬ ‫إلى طاولة‬ ‫املفاوضات‬ ‫وهذا ما تريد‬ ‫أن تتجنبه‬ ‫واشنطن‬

‫‪,,‬‬

‫‪18‬‬

‫لم يخف البيت األبيض هذا القرار الذي أوضحه مستشار‬ ‫األمن القومي السابق توم دونيلون في مارس (آذار)‬ ‫ومجددا في يونيو (حزيران) من العام الحالي‪« :‬كان‬ ‫واضحا أن هناك عدم توازن في إبراز وتركيز قوة الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وقرر الرئيس أننا مفرطون في استثمارنا في بعض املناطق‪ ،‬من‬ ‫ضمنها عملياتنا العسكرية في الشرق األوسط»‪ .‬أولوية الرئيس‬ ‫تفسر السلبية التي ّ‬ ‫األمريكي هذه ّ‬ ‫ميزت السياسة األمريكية في‬ ‫املنطقة في عهد إدارة أوباما‪.‬‬ ‫بدا هذا الهمود واضحا في تعامل اإلدارة األمريكية مع األزمة‬ ‫املصرية‪ ،‬لدرجة أن القائد العام للقوات املسلحة املصرية‪ ،‬الفريق عبد‬ ‫الفتاح السيسي‪ ،‬انتقد الحكومة األمريكية على صفحات «الواشنطن‬ ‫بوست» متهما إياها بإدارة ظهرها للمصريني‪ .‬يصح القول إن أداء‬ ‫واشنطن في مصر قد أربك املراقبني العرب‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬يصرح‬ ‫وزير الخارجية جون كيري أن ّ الجيش املصري تدخل الستعادة‬ ‫وحماية الديمقراطية وليس لتسلم الحكم‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يأتي‬ ‫السيناتور النافذ جون ماكني إلى مصر مبعوثا من الرئيس أوباما‬ ‫حامال معه تحذيرا بقطع املساعدات إن لم تكتمل عملية االنتقال‬ ‫إلى الديمقراطية ويتم إطالق سراح الرئيس السابق محمد مرسي‪.‬‬ ‫وفي تصريح مناقض ملوقف اإلدارة الرسمي‪ ،‬وصف ماكني إزاحة‬ ‫مرسي باإلنقالب ‪ -‬وهو توصيف له تبعات قانونية تمنع مواصلة‬ ‫الدعم واملساعدات‪ .‬ولهذا السبب كانت وزارة الخارجية األمريكية قد‬ ‫قررت عدم إصدار أي توصيف رسمي إلزالة مرسي‪.‬‬

‫التعاطف مع «اإلخوان»‬ ‫ال شك أن الواليات املتحدة خالل السنوات الثالث املاضية بدت تفاعلية‬ ‫ّ‬ ‫ومتلكئة‪ ،‬دائما بعد الحدث‪ ،‬هذا إن نجحت في تحديد سياسة ما‬ ‫على اإلطالق‪ .‬وقد بدا هذا جليا في طريقة التعامل مع املظاهرات‬ ‫ضد الرئيس األسبق حسني مبارك عام ‪ ،2011‬حيث ظهرت اإلدارة‬ ‫األمريكية غير متأكدة من كيفية السير قدما وعندما انتهت إلى‬ ‫دعم تنحي مبارك‪ ،‬كانت طريقة تخليها عن حليفها الوثيق السابق‬ ‫مخزية‪ .‬وجاءت االنتخابات املصرية التي أتت بـ«اإلخوان املسلمني»‬ ‫إلى الحكم لتؤكد لبعض املراقبني أن أمريكا أصبحت متحالفة مع‬ ‫الحركة اإلسالمية الصاعدة في املنطقة‪ .‬وحتى هذه اللحظة ما زال‬ ‫ُ‬ ‫البعض مقتنعا بذلك‪ ،‬حيث ّ اتهم السيناتور ماكني بالتعاطف مع‬ ‫«اإلخوان»‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬خلف األداء األمريكي التباسا حول ماهية‬ ‫استراتيجية واشنطن‪.‬طبعا‪ ،‬ليست أمريكا مغرمة بـ«اإلخوان»‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫وليس بوارد الخالف مع املوقف العربي‪ ،‬الخليجي تحديدا‪ ،‬تجاه‬ ‫مصر‪ .‬ما تسعى إليه واشنطن بخجولة بالغة هو تثبيت الوضع‬ ‫ودعم االستقرار عبر إبقاء «اإلخوان» داخل العملية السياسية‬ ‫ووقف التدهور األمني‪ ،‬وتجنب عودة مصر إلى حكم العسكر وحالة‬ ‫الطوارئ التي عادت لتطل برأسها‪ .‬مشكلة واشنطن هي أن همودها‬ ‫وافتقادها إلى استراتيجية شاملة جعال منها العبا هامشيا‪.‬‬ ‫بالتالي‪ ،‬ومع أن التعامل مع مصر كشف ارتباكا أمريكيا وغيابا‬ ‫للدور القيادي املبني على الوضوح في الرؤية واملوقف املنبثقني من‬ ‫استراتيجية متكاملة للمنطقة‪ ،‬فاألزمة املصرية ربما ليست أخطر‬ ‫مثال على التراجع األمريكي في الشرق األوسط‪ .‬املشكلة تكمن في‬ ‫أن الهمود األمريكي ينسحب على ملفات أكثر خطورة‪ ،‬خصوصا‬ ‫املواجهة مع املحور اإليراني في املنطقة‪.‬‬ ‫نعود هنا إلى مغزى تصريح دونيلون‪ .‬أتى الرئيس أوباما إلى‬ ‫السلطة على أساس رؤية تقوم على سحب الواليات املتحدة من‬ ‫املنطقة‪ ،‬وإنهاء الوجود العسكري في العراق والتوصل إلى اتفاق‬ ‫حول امللف النووي اإليراني تفاديا لتورط عسكري جديد في املنطقة‬ ‫هما في صلب هذه الرؤية‪ .‬إنما هذا اإلنكماش تسبب بتوسيع‬ ‫الهوة بني أولويات واشنطن وحلفائها في املنطقة‪ ،‬عربا وأتراكا‬ ‫وإسرائيليني‪.‬‬ ‫التنازل املجاني عن النفوذ األمريكي في العراق أثار قلقا عميقا‬ ‫عند الحلفاء اإلقليميني الذين راقبوا توسع النفوذ اإليراني في‬ ‫بغداد‪ .‬وعندما أتت الفرصة لضرب التوسع اإليراني عبر إسقاط‬ ‫نظام األسد في سوريا‪ ،‬لم يبد الرئيس أوباما أي رغبة ّ‬ ‫باملس بهذا‬ ‫امللف‪ .‬وهنا اتضحت أكثر كلفة التخلي عن العراق إذ تبني مدى‬ ‫استخدام إيران للعراق في دعمها لألسد‪ ،‬في حني اقتصرت ردة‬ ‫الفعل األمريكية على تسجيل احتجاجات ومواصلة التوكيد على‬ ‫التعاون مع حكومة الرئيس نوري املالكي‪.‬‬

‫حلفاء واشنطن‬ ‫هكذا وعلى مدى أكثر من سنتني‪ ،‬حاول حلفاء واشنطن اإلقليميني‬ ‫إقناع إدارة أوباما بالقيام بدورها القيادي في سوريا من دون جدوى‪.‬‬ ‫فقد حاولت تركيا‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أن تدفع أوباما ليتدخل بعد‬ ‫أن اعتدى نظام األسد على القرى الحدودية التركية‪ ،‬وأسقط طائرة‬ ‫الحدودية بسيارات مفخخة‪،‬‬ ‫استطالع تركية‪ ،‬واستهدف املعابر‬ ‫ّ‬ ‫وإلى ما هنالك‪ ،‬وحتى عندما ّ‬ ‫قدم األتراك أدلة على استخدام النظام‬ ‫للسالح الكيماوي‪ ،‬لم يالقوا سوى الرفض التام في واشنطن‪ .‬وكان‬


‫الصوت األبرز في الحزب الديمقراطي‪ ،‬التي قد تكون مرشحة الحزب‬ ‫لخوض انتخابات الرئاسة لعام ‪ .2016‬في السابق‪ ،‬دافعت كلينتون‬ ‫ً‬ ‫تشددا‪ ،‬وباعتبارها وزيرة الخارجية‪ ،‬فقد‬ ‫عن سياسة إيران األكثر‬ ‫أبدت ميال أقوى نحو التدخل في الشأن السوري‪ ،‬ولكن يبدو أن‬ ‫الرئيس وبعض كبار مستشاريه حجموا هذا االتجاه‪ .‬وفي الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬فمن بني الجمهوريني‪ ،‬نجد أن القائد الصاعد للمدرسة التي‬ ‫تتبنى مبدأ التدخل هو حاكم نيو جيرسي كريس كريستي‪ ،‬وهو‬ ‫املنافس املحتمل لراند بول‪ .‬وخالل األسبوع املاضي‪ ،‬في خطاب‬ ‫ً‬ ‫شهير‪ ،‬انتقد كريس «التحررية» بشدة في كال الحزبني قائال‪:‬‬ ‫«باعتباري مدعي عام سابق قام بتعييني الرئيس جورج دبليو‬ ‫من سبتمبر (أيلول) لعام ‪،2001‬‬ ‫بوش في اليوم املوافق‬ ‫العاشر ً‬ ‫فإنني أرغب في أن أكون ً‬ ‫حذرا حقا‪ ،‬ألن النزعة التحررية املنتشرة‬ ‫في الوقت الحالي في كال الحزبني وتتصدر عناوين األخبار تعكس‪،‬‬ ‫في اعتقادي‪ ،‬فكرا خطيرا للغاية»‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بالوضع في مصر‪ ،‬فال يوجد من يؤيد التدخل فيه‬ ‫مثل جون ماكني ‪ -‬املدافع بقوة عن تقديم الدعم للثوار في سوريا‬ ‫ الذي أحبط العديد من العرب الذين يدعمون الحملة املستمرة‬‫التي يشنها الجيش املصري ضد اإلخوان‪ .‬في األسبوع املاضي‪،‬‬ ‫انضم ماكني لراند بول وآخرين في وصف عملية اإلطاحة بمرسي‬ ‫ً‬ ‫«انقالبا عسكريا»‪ ،‬ودعا الواليات املتحدة األميركية لقطع‬ ‫باعتبارها‬ ‫املعونات العسكرية الكبيرة التي تقدمها إلى مصر‪.‬‬

‫األميركية لسوريا باإلضافة إلى إيران‪ .‬أما عن الوضع في سوريا‪،‬‬ ‫فإن البيت األبيض والرأي العام يخشون من أن دعم الثوار قد يعد‬ ‫تكرارا لذلك الدعم الذي قدمته الواليات املتحدة األميركية للجهاديني‬ ‫في أفغانستان في الثمانينات من القرن العشرين‪ ،‬مع حدوث‬ ‫التأثيرات الالحقة املفجعة ذاتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ووفقا ملا ذكره طوني بدران‪ ،‬الكاتب البارز والباحث في شؤون‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬فإن «إدارة أوباما ال ترغب في ظهور موجة جديدة‬ ‫من املحاربني األجانب الذي يستفيدون من التدريب في سوريا‪ ،‬ومن‬ ‫ملهاجمة أهداف في الغرب‪ ،‬مثلما حدث في أفغانستان‪.‬‬ ‫ثم يتجهون‬ ‫ً‬ ‫وتتمثل املأساة حقا في أنه من خالل عدم دعم الثوار الذين يتبنون‬ ‫مناهج سياسية وسطية في سوريا‪ ،‬فإن املخاوف األميركية حينئذ‬ ‫سوف تصبح ً‬ ‫نوعا ما من النبوءة التي سوف تتحقق‪ .‬سوف يزداد‬ ‫وجود الجهاديني في سوريا‪ ،‬خاصة في شرق سوريا وشمالها»‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬فإن ذكرى النجاح في التأكد من قدرة االتحاد‬ ‫السوفياتي النووية خالل الحرب الباردة قد تعزز ثقة هؤالء الذين‬ ‫ً‬ ‫يعتقدون أنه من املمكن احتواء دولة إيران النووية أيضا‪.‬‬

‫هيالري كلينتون الصوت األبرز‬ ‫في الحزب الديمقراطي‬ ‫ً‬ ‫أما عن السياسيني الذين يرجحون تبني موقف أكثر تدخال في‬ ‫ُ‬ ‫السياسة الخارجية‪ ،‬تبرز من بينهم هيالري كلينتون التي تعد‬

‫وعلى الرغم من أن العديد من العرب يرون أن مواقف ماكني تجاه‬ ‫مصر وسوريا تحمل تناقضا‪ ،‬فإن التمعن في تصريحاته حول‬ ‫البلدين يوضح أن هذه التصريحات تأتي من مصدر واحد في‬ ‫عقله‪ .‬يوضح ماكني تصوره للمشهد في سوريا بأنه خليط من‬ ‫التدخل اإلنساني وبذل الجهد بهدف منع الجهاديني من السيطرة‬ ‫ً‬ ‫صحيحا أم خاطئا‪ ،‬فإن لديه‬ ‫على املشهد‪ .‬وسواء كان ذلك‬ ‫مخاوف بشأن مصر‪ :‬ففي األسبوع املاضي‪ ،‬أشار ماكني إلى أن‬ ‫«اإلخوان املسلمني‪ ..‬يختبئون» نتيجة للحملة القاسية التي يشنها‬ ‫الجيش ضدهم‪ .‬ويوضح ماكني مخاوفه من أن حرمان اإلخوان‬ ‫املسلمني من حقوقهم سوف يؤدي إلى نشوب حرب أهلية جديدة‬ ‫في مصر‪ ،‬وربما تحشد جمعا غفيرا جديدا من الجهاديني‬ ‫ً‬ ‫الدوليني أيضا‪.‬‬ ‫وهنا نجد مزيدا من التوضيح للفجوة املعرفية في واشنطن بشأن‬ ‫العالم العربي؛ فمن الواضح أن منطق ماكني يقوم على املقارنة اإلشكالية‬ ‫بني املجتمع املصري من جانب والسياسة الداخلية لسوريا والجزائر‬ ‫من الجانب اآلخر‪ .‬ومن جانبهم‪ ،‬فإن مؤيدي اإلخوان في واشنطن‬ ‫يستغلون هذه الفجوة املعرفية بالفعل‪ .‬واستشرافا للمستقبل‪ ،‬فإن‬ ‫التساؤل الذي يواجه العرب ذوي الرؤى املختلفة بشأن املنطقة‪ ،‬هو‬ ‫كيف سيكون في استطاعتهم توصيل أصواتهم لواشنطن‪.‬‬ ‫ربما توجد بدايات اإلجابة على التساؤل بني هؤالء املحللني‬ ‫السياسيني الذين يدركون تماما لخطر الخفايا التي تجهلها الواليات‬ ‫املتحدة األميركية عن الشرق األوسط‪ .‬أعربت ميشيل دن‪ ،‬مدير‬ ‫مركز «رفيق الحريري» للشرق األوسط في املجلس األطلسي‪ ،‬عن‬ ‫آمالها في توسعة العالقات األميركية مع املجموعات املعتدلة باملنطقة‬ ‫وتقديم الدعم لها‪.‬‬ ‫وقالت‪« :‬أعترف أن الوضع السياسي ُمحير‪ .‬فهو يشمل تغيرا في‬ ‫الالعبني السياسيني في دول مثل تونس ومصر وليبيا‪ .‬وهناك‬ ‫بعض البرامج (األميركية) التي تهدف إلى تقديم النصح واملساعدة‬ ‫وما إلى ذلك‪ ،‬ولكن كي أكون أمينة‪ ،‬ال أعتقد أنها تتناسب مع حجم‬ ‫التحدي القائم» <‬

‫‪,,‬‬

‫يعد مركز‬ ‫واشنطن‬ ‫لإلسالم‬ ‫والديمقراطية‬ ‫أحد نماذج‬ ‫منتديات‬ ‫السياسات‬ ‫األميركية‬ ‫املرموقة التي‬ ‫تناصر بفاعلية‬ ‫التعاون‬ ‫األميركي‬ ‫اإلسالمي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪17‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫‪,,‬‬

‫تعكس الصورة‬ ‫الظاهرة‬ ‫انقساما بني‬ ‫معسكرات‬ ‫أميركية‬ ‫متنافسة‬ ‫باإلضافة‬ ‫إلى جهل عام‬ ‫باألحداث في‬ ‫الشرق األوسط‬ ‫يغذيه إعالم‬ ‫يتأثر كثيرا‬ ‫بأصوات‬ ‫أجنبية‬

‫‪,,‬‬

‫أنحاء العالم العربي‪ ،‬تجد غالبية العرب وحكوماتهم من الصعب عليهم‬ ‫إقامة تحالفات في واشنطن‪ .‬وعندما ينظم مجلس «كير» مظاهرات‬ ‫في شوارع واشنطن اليوم‪ ،‬يستطيع أن يناصر الجماعة بأسلوب‬ ‫يمس وترا عميقا لدى األميركيني‪ :‬استعادة الديمقراطية وحماية‬ ‫حقوق اإلنسان‪ .‬في العالم العربي‪ ،‬ربما يميل كثيرون إلى الرد على‬ ‫ذلك بأن الحكومات التي يقودها إخوان تمثل تهديدا أكبر لحقوق‬ ‫اإلنسان‪ .‬وسيرغبون في اإلشارة إلى أن املسار نحو الديمقراطية‬ ‫طويل وتدريجي‪ ،‬ويتضمن تغذية مستمرة ملنظمات املجتمع املدني‬ ‫والتعليم من أجل التغيير الثقاف‪ ،‬وليس فقط االنتخابات‪ .‬ولكن من‬ ‫يتبنون هذه اآلراء يغيبون بصورة كبيرة عن شوارع واشنطن‪ .‬ولم‬ ‫يقيموا شبكة إعالمية أو منظمات سياسية الزمة لتقديم وجهات‬ ‫نظرهم في األوساط السياسية‪ .‬وفي حني توجد بعض األصوات في‬ ‫أميركا التي تتعاطف معهم‪ ،‬فإن عوائق السياسة واللغة والتعاون‬ ‫املؤسسي بينها وبني املجتمعات العربية ما زالت قائمة‪.‬‬

‫الطريق قدما‬ ‫تطرح االستعدادات التي تجري في الوقت الحالي من قبل الحزبني‬ ‫الجمهوري والديمقراطي النتخابات الكونغرس األميركي لعام ‪2014‬‬ ‫رؤية حول االتجاه املستقبلي للسياسة األميركية تجاه الشرق‬ ‫األوسط‪.‬‬ ‫تشير دراسة حديثة أجرتها مجموعة «غالوب» لإلحصاءات إلى أن‬ ‫ثقة األميركيني في اقتصادهم تواصل تراجعها‪ .‬وفي املجمل‪ ،‬فإنه‬ ‫على مدار السنوات الخمس املاضية‪ ،‬عانت البالد من حالة ركود‬ ‫طويلة وارتفاع في معدالت البطالة‪ ،‬األمر الذي أدى إلى شعور الكثير‬ ‫األميركي بالقلق حيال أية مشاركة خارجية وغير داعمة‬ ‫من الشعب‬ ‫ُ‬ ‫من املساعدات املقدمة للدول األجنبية‪ .‬ويوضح أحد استطالعات‬ ‫ً‬ ‫الرأي أيضا أن هناك فجوة هائلة في اإلدراك في الواليات املتحدة‬ ‫األميركية حول مدى اإلنفاق على املساعدات الخارجية‪ :‬وأظهر أحد‬ ‫استطالعات الرأي الذي تم إجراؤه في عام ‪ 2010‬أنه على الرغم من‬ ‫أن نسبة املساعدات الخارجية تمثل ما يقرب من ‪ %1.5‬من امليزانية‬ ‫الفيدرالية‪ ،‬فإن تقديرات األميركيني لتلك املساعدات تبلغ نسبتها‬ ‫‪ %25‬من امليزانية‪.‬‬ ‫العضو األبرز في الحزب‬ ‫وفي السياق ذاته‪ ،‬ليس مفاجئا أن نجد ُ‬ ‫الجمهوري السيناتور الليبرالي راند بول هو املرشح املحتمل لرئاسة‬ ‫البالد لعام ‪ .2016‬كان والد بول عضوا بالكونغرس عن والية كنتاكي‬ ‫لفترة طويلة‪ ،‬حيث اتسم بصراحته الواضحة واتباعه لسياسة‬ ‫«عدم التدخل» ‪ -‬فيما وصفه البعض بأنه «منعزل» ‪ -‬حيث دعا إلى‬ ‫انسحاب كبير للقوات حول العالم ووقف شبه كامل للمساعدات‬ ‫األجنبية املقدمة للشرق األوسط‪ .‬وبينما نأى بول االبن بنفسه عن‬ ‫هذه املواقف األكثر تطرفا‪ ،‬يبدو أن شعبيته تستمر في االرتفاع‬ ‫في بعض األوساط العتقادهم أنه يتسم بصفات والده‪ .‬ومن غير‬ ‫عضوا ً‬ ‫ً‬ ‫بارزا ضمن الجماعة املكونة من الحزبني‬ ‫املفاجئ أن بول كان‬ ‫التي دعت إلى ُ قطع الواليات املتحدة األميركية للمعونات العسكرية‬ ‫واالقتصادية املقدمة ملصر‪.‬‬ ‫ومن غير املتوقع أن يغير بول أو الحركة التي ُيمثلها – ناهيك عن‬ ‫القيادة الديمقراطية ‪ -‬السياسة األميركية بعدم التدخل في سوريا‪.‬‬ ‫ويميل ذلك االتجاه الواسع للسياسة األميركية‪ ،‬الذي يضم النسبة‬ ‫األكبر من الديمقراطيني ونسبة كبيرة من الجمهوريني‪ ،‬إلى دعم‬ ‫التوصل إلى تسوية سياسية بوساطة دولية للصراع القائم في‬ ‫سوريا‪ ،‬على الرغم من أن تلك العملية قد تستمر ألجل غير مسمى‪.‬‬ ‫ومن املحتمل أن تذعن هذه الكتلة لسياسة «احتواء» إيران النووية‪،‬‬

‫‪16‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫دعت «جمعية الشباب العربي املسلم» و«الجمعية اإلسالمية لفلسطني»‬ ‫التابعة لحماس‪ ،‬يوسف القرضاوي وخالد مشعل وغيرهما من‬ ‫الشخصيات البارزة في الجماعة لزيارة مؤيديها في الواليات املتحدة‬

‫ً‬ ‫بدال من مواجهتها عسكريا‪ .‬وتتطابق تلك السياسة مع غرائز‬ ‫سياسية حالية ويدعمها خبراء أميركيون محترمون توصلوا إلى‬ ‫ً‬ ‫سوءا‪ .‬ومن بينهم كينيث بوالك‪ ،‬الذي‬ ‫أن االحتواء هو الخيار األقل‬ ‫عمل في السابق بوكالة االستخبارات املركزية كمحلل عسكري‪،‬‬ ‫عالوة على كونه عضوا بمجلس األمن القومي‪ ،‬وهو في الوقت‬ ‫الحالي كبير زمالء في مركز سابان لسياسات الشرق األوسط‬ ‫بمؤسسة بروكنغز‪ ،‬ومؤلف كتاب سوف يصدر ً‬ ‫قريبا يتناول فيه‬ ‫خيارات السياسة األميركية تجاه إيران‪.‬‬ ‫وعن آرائه يقول بوالك‪« :‬أعتقد أن الحل الصحيح ألزمة برنامج‬ ‫إيران النووي يتمثل في التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض‪،‬‬ ‫(ولكن) إذا لم نكن قادرين على التوصل إلى مثل هذا النوع من‬ ‫االتفاق مع اإليرانيني‪ ،‬فإنني أفضل خيار احتواء إيران‪ ،‬واألفضل‬ ‫ً‬ ‫احتواؤها ونحن قادرون على فعل ذلك‪ ،‬بدال من احتوائها في ظل‬ ‫امتالكها لترسانة نووية فعلية مجهزة‪ ..‬إنني أقول ذلك من منطلق‬ ‫أنني أحد األشخاص الذين قاموا بدراسة الخيارات العسكرية ً‬ ‫جيدا‪،‬‬ ‫وال أؤمن أن الخيارات العسكرية هي خيارات غبية أو مجنونة أو أن‬ ‫األشخاص الذين يدافعون عنها هم أشخاص أغبياء أو يتسمون‬ ‫بالجنون‪ ..‬ولكني أشعر أن مخاطر احتواء إيران وتكاليف ذلك –‬ ‫حتى إن كانت إيران النووية ‪ -‬ال تزال ُمفضلة عن التكاليف واملخاطر‬ ‫التي سنتكبدها إثر شن حرب مستمرة مع إيران»‪.‬‬ ‫وفي مفارقة‪ ،‬يبدو وكأن أشباح الحرب الباردة تطارد التصورات‬


‫من التكهنات‪ :‬لم تكن جماعة اإلخوان فعليا خضعت الختبار السلطة‬ ‫وهكذا كان من غير املعلوم كيف ستتصرف إذا منحت فرصة‬ ‫الحكم‪ .‬وأكد قادة الجماعة مرارا أنهم ملتزمون بدعائم الديمقراطية‪.‬‬ ‫بعيدا عن دوائر السياسة‪ ،‬انخرط خصوم الجماعة أيضا في اإلعالم‬ ‫والنشاط السياسي‪ .‬ولعل أبرز نموذج هو ستيفن إيمرسون‪،‬‬ ‫الصحافي الذي أخرج في عام ‪ 1994‬فيلما تلفزيونيا وثائقيا تحت‬ ‫عنوان «الجهاد في أميركا»‪ .‬يلقي الفيلم الضوء على املؤتمرات التي‬ ‫أقيمت في الواليات املتحدة بتنظيم من حماس وجماعة اإلخوان‬ ‫املصرية‪ ،‬ويتعقب الصالت بينها وبني العمليات املسلحة التي جرت‬ ‫في الشرق األوسط والغرب أيضا‪ .‬من املعتقد أن مشروع قانون‬ ‫مكافحة اإلرهاب لعام ‪ 1995‬اعتمد إلى حد ما على الصدمة التي‬ ‫تسبب بها هذا الفيلم‪ .‬كما أيدت األعمال البحثية املستمرة التي‬ ‫يقوم بها من خالل جمعية ال تستهدف الربح تحمل اسم «املشروع‬ ‫االستقصائي» اعتقال وإدانة العديد من النشطاء اإلخوان في أميركا‪.‬‬ ‫ولكن استخدمت تصريحات متتالية أدلى بها إيمرسون‪ ،‬اعتبر أحد‬ ‫تصريحاته الذي ابدى فيها إشارة إلى أن اإلسالميني وراء تفجير‬ ‫مدينة أوكالهوما في عام ‪ ،1995‬من قبل مؤيدي اإلخوان مثل‬ ‫«كير» سببا التهامه بـ«اإلسالموفوبيا»‪ .‬على مدار األعوام العشرين‬ ‫املاضية‪ ،‬طاردت مثل هذه االتهامات إيمرسون‪ ،‬بيد أنه احتفظ‬ ‫بشبكة أنصار واتصاالت في املؤسسة األمنية األميركية‪ ،‬وتشجيع‬ ‫من عناصر محافظة داخل الوسط السياسي السيما داخل الحزب‬ ‫الجمهوري‪.‬‬ ‫تكمن نقطة الضعف الرئيسة التي اتسم بها خصوم اإلخوان في‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬على النقيض من منافسيهم‪ ،‬في عدم إقامتهم‬ ‫لتحالف دولي مالئم من األصوات املعارضة لإلخوان في بعض الدول‬ ‫العربية‪ .‬ويبدو على سبيل املثال أن األصوات املدافعة عن إسرائيل‬ ‫في واشنطن ونظرائها في العواصم العربية عاجزة عن خرق حاجز‬ ‫الشك – وسط مرارات الصراع الفلسطيني اإلسرائيلي – مما كان‬ ‫يستلزم إقامة تحالف مستمر‪.‬‬

‫تغير التحالفات من ‪ 11‬سبتمبر وحتى اليوم‬ ‫عززت مأساة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام ‪ ،2001‬وما‬ ‫تالها في ظل إدارة بوش من صالبة التحالفات السياسية املعارضة‬ ‫لجماعة اإلخوان وتلك املؤيدة لها‪ .‬في ظل حكم رئيس جمهوري‪ ،‬أدت‬ ‫الحملة التي شنت ضد نشاط حماس واإلخوان في الواليات املتحدة‬ ‫إلى عشرات املحاكمات ومنع قادة من اإلخوان واملتعاطفني معهم من‬ ‫دخول البالد للقاء زمالئهم األميركيني‪ .‬أثارت هذه األفعال غضب‬ ‫جماعات الحريات املدنية وضاعفت تأييد الجماعة اإلسالمية للحزب‬ ‫الديمقراطي‪.‬‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬أسفرت إخفاقات حرب العراق عن تبعات غير‬ ‫مقصودة للبيت األبيض واألوساط السياسية في واشنطن‪ .‬على‬ ‫الرغم من أن الرئيس بوش معارض قوي للجماعات املتطرفة التي‬ ‫أشار إليها في بعض األحيان بالفاشية اإلسالمية‪ ،‬فإنه قدم خدمة‬ ‫جليلة للماللي في طهران بأن سمح بالعملية االنتخابية في بغداد‬ ‫التي مكنت وكالء إيران في بغداد من الوصول إلى السلطة‪ .‬ووجد‬ ‫مؤيدوه الجمهوريون‪ ،‬الذي رفضوا في املاضي التدخل في جهود‬ ‫«إعمار الدول» في الخارج‪ ،‬أنهم يدافعون عن «أجندة ديمقراطية‬ ‫في العالم العربي‪ ،‬بينما وصل العديد من الديمقراطيني كرد فعل‬ ‫إلى كراهية شعار (نشر الحرية)»‪ .‬ودعوا إلى االنسحاب العسكري‬ ‫من أفغانستان والعراق و«بناء البالد في الداخل»‪ .‬صوت الناخبون‬ ‫األميركيون القلقون من الحرب لصالح الرئيس أوباما في عام ‪2008‬‬

‫على أساس برنامجه االنتخابي بوقف التدخل في الخارج‪ .‬وانسحب‬ ‫أوباما من العراق وأفغانستان‪ ،‬وسعى إلى تجنب املواجهة مع أطراف‬ ‫خارجية مثل إيران وتحاشى تدخالت عسكرية خشي أن يكون من‬ ‫الصعب الخروج منها مثل سوريا‪.‬‬ ‫ولكن أخيرا‪ ،‬في وسط االضطرابات التي وقعت في الجمهوريات‬ ‫العربية‪ ،‬عاد الحزبان إلى موقفيهما الفكريني التقليديني فيما يتعلق‬ ‫بـ«تصدير الديمقراطية»‪ .‬في رد فعل يعكس ارتيابا في الحراك‬ ‫الثوري في مصر‪ ،‬أصدر العديد من الجمهوريني تحذيرا ملعارضي‬ ‫اإلخوان في واشنطن بأن االستيالء اإلسالمي على السلطة أصبح‬ ‫وشيكا‪ ،‬بينما احتفل الديمقراطيون‪ ،‬مدعومني بالبهجة التي سادت‬ ‫وسائل اإلعالم في البداية‪ ،‬بانتقال السلطة‪ .‬وبعد االنتخابات في‬ ‫مصر وتونس‪ ،‬شعر الجميع بخيبة األمل في النتائج ولكنهم أيدوا‬ ‫العملية الديمقراطية من حيث املبدأ وتبنوا سياسة االنفتاح مع‬ ‫الحكومتني الجديدتني بقيادة اإلخوان‪ .‬والقى هذا النهج ترحيبا‬ ‫طبيعيا من مجتمع املفكرين املدافعني عن اإلسالميني في واشنطن‪.‬‬ ‫على مدار األسابيع القليلة املاضية‪ ،‬لم يكن مفاجئا أن نجد إدارة‬ ‫أوباما تمارس ضغوطا غير مسبوقة على الجيش املصري لوقف‬ ‫حملته ضد اإلخوان‪ .‬تتفق مخاوف واشنطن بشأن تدهور أوضاع‬ ‫الحريات اإلنسانية في مصر ونوايا الجيش على املدى البعيد مع‬ ‫القيم الديمقراطية األميركية‪ ،‬باإلضافة إلى أن التكيف مع اإلخوان‬ ‫أصبح أحد أعمدة سياسة أوباما‪.‬‬ ‫ربما لم يصل البيت األبيض إلى قبول حقيقة أن اإلرادة الشعبية‬ ‫في مصر ومعظم أنحاء العالم العربي تحولت بحدة كاسحة ضد‬ ‫الجماعة‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للنشطاء األميركيني الذين يؤيدون الجماعة‪ ،‬فقد شهدت‬ ‫األعوام األخيرة نجاحات جديدة‪ .‬في حني اعتمد «كير» في املاضي‬ ‫على تمويل من دول خليجية‪ ،‬إال أنه أصبح اآلن يتمتع بدعم من‬ ‫قاعدة مانحني محلية ثرية في الواليات املتحدة‪ ،‬ويحصل على منح‬ ‫أيضا من بعض املنظمات األميركية التي ال تستهدف الربح‪ .‬ومكنت‬ ‫مكاسب اإلخوان االنتخابية في العام املاضي «كير» من االحتفاء‬ ‫بجماعته باسم «الديمقراطية»‪ ،‬وبعد إطاحة الجيش بمرسي‪ ،‬نظم‬ ‫املجلس احتجاجات في واشنطن دفاعا عن العملية الديمقراطية في‬ ‫مصر‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫ليس مفاجئا أن‬ ‫نجد السيناتور‬ ‫الليبرالي راند‬ ‫ُ‬ ‫بول املرشح‬ ‫املحتمل لرئاسة‬ ‫البالد لعام‬ ‫‪ 2016‬يدعو إلى‬ ‫قطع امريكا‬ ‫للمعونات‬ ‫العسكرية‬ ‫واالقتصادية‬ ‫ُ‬ ‫املقدمة ملصر‬

‫‪,,‬‬

‫في الوقت ذاته‪ ،‬يتعرض خصوم اإلخوان القدامى لعزلة سياسية‬ ‫نسبيا‪ .‬وهذا إلى حد ما بسبب حقيقة أن األصوات الجديدة التي‬ ‫تظهر‪ ،‬مثل الناشطة باميال غيلر‪ ،‬تقدم مساهمات قليلة في النقاش‬ ‫العام وتوصف بأنها متعصبة ضد اإلسالم‪ُ .‬يذكر أن غيلر قالت‪:‬‬ ‫«اإلسالم ليس عرقا‪ ،‬بل آيديولوجيا‪ ..‬أكثر آيديولوجيا راديكالية‬ ‫ومتطرفة على وجه األرض»‪.‬‬ ‫ألحقت شخصيات مثل غيلر ضررا بصناع السياسات الذين‬ ‫يحترمون ويقدرون اإلسالم كدين ولكنهم ينتقدون األحزاب‬ ‫اإلسالمية مثل اإلخوان‪ .‬وفقا ملا قاله آالن لوكسنبرغ‪ ،‬رئيس معهد‬ ‫أبحاث السياسات الخارجية ومقره في فيالدلفيا‪« :‬يجد منتقدو‬ ‫اإلخوان من حيث املبدأ صعوبة في أن ُينصت إليهم في واشنطن‬ ‫أو وسائل اإلعالم العادية ألنهم يصنفون مع من يبدون كراهيتهم‬ ‫لإلسالم كدين‪ .‬يشبه ذلك ما فعله السيناتور جو مكارثي عندما‬ ‫أساء إلى سمعة معارضي الشيوعية‪ :‬حيث أضر بالقضية التي‬ ‫اعترف بأنه مؤمن بها»‪.‬‬ ‫واآلن بعد أن تحولت اإلرادة الشعبية ضد اإلخوان املسلمني في معظم‬

‫ُ‬ ‫راند بول املرشح املحتمل لرئاسة‬ ‫الواليات املتحدة لعام ‪2016‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪15‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫ولكن في الجهة املقابلة‪ ،‬على الرغم من وجود دليل يؤكد نظرية‬ ‫سعي األميركيني باستمرار إلى الشراكة مع حركات إسالمية‪ ،‬ربما‬ ‫يمكن االستفادة من الكشف عن نقاط ضعفها بدال من التركيز على‬ ‫نقاط القوة‪.‬‬

‫‪,,‬‬ ‫قال خوان‬ ‫زاراتي إن‬ ‫تخلي أوباما‬ ‫عام ‪2009‬‬ ‫عن مساندة‬ ‫« الحركة‬ ‫الخضراء»‬ ‫اإليرانية‬ ‫كانت خطأ‬ ‫مأساويا‬

‫‪,,‬‬

‫صحيح أن واشنطن سعت أثناء الحرب الباردة إلى التعاون مع‬ ‫خصوم االتحاد السوفياتي ذوي االتجاهات الدينية‪ ،‬من البابا جون‬ ‫بولس الثاني إلى عبد الله عزام‪ .‬ولكن وفقا لباتريك كالوسون‪ ،‬مدير‬ ‫األبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى‪ ،‬أصبح هذا‬ ‫النهج باليا مع سقوط الستار الحديدي‪ .‬وإذا كان هناك أي استمرار‬ ‫منذ ذلك الحني حتى اآلن‪ ،‬فهو‪ ،‬بحسب قول كالوسون‪« ،‬ألن الواليات‬ ‫املتحدة تحاول باستمرار عقد صفقات مع من يكون في السلطة»‪.‬‬ ‫يعكس خطاب دجيرجيان بالفعل آراء مدرسة فكرية بارزة تجاه‬ ‫اإلخوان املسلمني في واشنطن‪ ،‬بيد أن هناك مدرسة أخرى تنظر إلى‬ ‫الجماعة بعداء عميق‪ ،‬وتتمتع بنفوذ خاص بها في بعض األحيان‪.‬‬ ‫لذا تجدر دراسة كلتا املدرستني‪ ،‬أصولهما ومواقفهما من التطورات‬ ‫اإلقليمية الراهنة – واتجاهاتهما‪.‬‬

‫مناصرو الجماعة من األميركيني‬ ‫ُيعتقد أن الخطاب املدافع عن التعاون مع اإلسالميني الذي ألقاه‬ ‫دجيرجيان في عام ‪ 1992‬تأثر بمدرسة أكاديمية من بني قادتها‬ ‫جون إسبوزيتو‪ ،‬أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون‪ .‬تدفع‬ ‫دراسات إسبوزيتو بالضرورة إلى أن بعض الجماعات اإلسالمية –‬ ‫ومن بينها قادة اإلخوان املسلمني وتابعيها في العديد من الدول‬ ‫اإلسالمية ‪ -‬تتميز في جوهرها بأنها إصالحية حداثية تحمل طابعا‬ ‫ّ‬ ‫إسالمية وتستحق التعاون البناء‪ .‬من خالل أسفاره املمتدة في‬ ‫األراضي العربية واإلسالمية‪ ،‬أقام إسبوزيتو ودارسون مشابهون له‬ ‫في الفكر شبكة من املثقفني البارزين املنتمني للجماعات اإلسالمية‪،‬‬ ‫وسهلوا التعاون بينهم وبني نظرائهم األكاديميني والسياسيني في‬ ‫الغرب‪.‬‬ ‫ومع مرور الوقت‪ ،‬أصبح لهذا املشروع األميركي من التبادل املعرفي‬ ‫مع اإلسالميني إطارا مؤسسيا‪ :‬ويعد مركز واشنطن لإلسالم‬ ‫والديمقراطية أحد نماذج منتديات السياسات األميركية املرموقة‬ ‫التي تناصر بفاعلية التعاون األميركي اإلسالمي‪.‬‬ ‫ولكن لم يتوقف دعم اإلخوان املسلمني على النقاشات بني مثقفني‬ ‫رفيعي املستوى‪ .‬ففي مطلع الستينات‪ ،‬أقامت جماعة اإلخوان‬ ‫ذاتها بنية تحتية لغرس تعاليمها ونشاطها في الواليات املتحدة‬ ‫ليخرج منها أجيال من املؤيدين القادرين على الخروج بحملتهم‬ ‫إلى الشارع واإلعالم بل وأيضا دوائر السلطة‪ .‬عملت «رابطة‬ ‫شباب املسلم العربي» التي توقف نشاطها حاليا وهي أحد فروع‬ ‫جماعة اإلخوان املصرية‪ ،‬و«االتحاد اإلسالمي لفلسطني» التابعة‬ ‫لحماس‪ ،‬على إحضار يوسف القرضاوي وخالد مشعل وغيرهما‬ ‫من الشخصيات البارزة في الجماعة لزيارة مؤيديها في الواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬وتصدر املجلس اإلسالمي األميركي‪ ،‬املتوقف عن العمل‬ ‫حاليا‪ ،‬محاوالت إدخال مثل هذا النشاط إلى واشنطن‪ ،‬وحشد‬ ‫الضغوط على الكونغرس والبيت األبيض باسم قضايا اإلخوان‪.‬‬

‫خوان زاراتي نائب مساعد الرئيس‬ ‫ونائب مستشار األمن القومي ملكافحة‬ ‫اإلرهاب في إدارة جورج دبليو بوش‬

‫‪14‬‬

‫في أثناء األعوام األخيرة من الحرب األهلية الجزائرية‪ ،‬على سبيل‬ ‫املثال جاء املجلس اإلسالمي األميركي بقائد الجبهة اإلسالمية‬ ‫لإلنقاذ في الجزائر إلى واشنطن في محاولة ملساعدته في عرض‬ ‫قضيته على الكونغرس ضد اعتداءات الجيش الجزائري على حركته‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫وفي البداية وفي فترات مختلفة‪ ،‬حصلت جميع هذه الجماعات على‬ ‫تمويل هائل من متبرعني من بعض دول الخليج‪ ،‬ولكنها سعت أيضا‬ ‫إلى موارد بديلة للدعم املالي من الخارج والداخل‪ ،‬حتى ال تعتمد‬ ‫على ممولني تخشى نفاد صبرهم في املستقبل‪ .‬وفقا ملسؤول أمني‬ ‫متقاعد اشترط عدم ذكر اسمه‪« :‬كون هؤالء شبكة واسعة للغاية‪.‬‬ ‫وكانوا سعداء بقبول األموال تقريبا من أي مصدر أجنبي أو محلي»‪.‬‬ ‫في النهاية تم القبض على العديد من أعضاء الجمعيات اإلخوانية‬ ‫ومحاكمتهم بسبب التورط في عدة أنشطة غير قانونية‪ :‬حيث‬ ‫قدموا دعما ماليا لحماس في منتصف التسعينات من أجل حملة‬ ‫من الهجمات االنتحارية التي استهدفت نسف معاهدة أوسلو‪،‬‬ ‫التي وقعت عليها في ذلك الحني السلطة الفلسطينية والحكومة‬ ‫اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫ولكن خرج من هذه املنظمات جيل ثان من النشطاء بقيادة عضو‬ ‫«االتحاد اإلسالمي لفلسطني» سابقا نهاد عوض‪ ،‬ليقيموا كيانا‬ ‫ناجحا يحمل اسم مجلس العالقات اإلسالمية األميركية‪ .‬يرجع‬ ‫الفضل إلى هذا املجلس في محاربة «اإلسالموفوبيا» بال كلل من‬ ‫خالل مزيج من النشاط اإلعالمي والتظاهرات في الشوارع‪ ،‬مما‬ ‫أكسبه دعما كبيرا من املسلمني األميركيني باإلضافة إلى وسائل‬ ‫اإلعالم والسياسيني في الواليات املتحدة‪ .‬كما استفاد أيضا من هذا‬ ‫التعاطف في العمل الحقوقي باسم اإلخوان املسلمني‪ .‬إضافة إلى‬ ‫ذلك حقق املجلس نجاحا كبيرا في تهميش األميركيني‪ ،‬مسلمني‬ ‫أو غير مسلمني‪ ،‬الذين ينتقدون فكر اإلخوان‪ ،‬متهما إياهم أيضا‬ ‫باإلسالموفوبيا‪ .‬واليوم أصبح مجلس العالقات اإلسالمية األميركية‬ ‫(كير) أكبر منظمة مسلمة أميركية في الواليات املتحدة تتمتع‬ ‫بتعاطف سياسي في املقام األول من الحزب الديمقراطي وأعضائه‬ ‫واإلعالم املشابه له في الفكر‪.‬‬

‫معارضو جماعة اإلخوان من األميركيني‬ ‫في مقابل مؤيدي اإلخوان في الواليات املتحدة‪ ،‬عمل خصوم‬ ‫الجماعة على مدار عقود من أجل تقويضها سياسيا‪ ،‬على كل من‬ ‫املستوى الفكري والسياسي‪ ،‬ومن جانب اإلعالم والشارع بني حني‬ ‫وآخر‪ .‬ورغم تحقيق قدر من النجاح في بعض األحيان‪ ،‬فإنهم أيضا‬ ‫واجهوا صعوبات‪.‬‬ ‫على املستوى الفكري‪ ،‬استمرت بعض مراكز األبحاث في واشنطن‬ ‫– على سبيل املثال‪ ،‬معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى – في‬ ‫توجيه االنتقادات للجماعة‪ .‬يرفض املدير التنفيذي للمعهد روبرت‬ ‫ساتلوف بحدة رؤية دجيرجيان بأن الجماعة ليست منظمة عاملية‬ ‫ويعارض فكرة أنها قد تكون قوة تدفع نحو التنمية الديمقراطية‪.‬‬ ‫أوضح ساتلوف أفكاره املتعلقة بالثورات العربية في شهادة أدلى‬ ‫بها أمام الكونغرس في أبريل (نيسان) ‪ ،2011‬حيث قال‪« :‬إن جماعة‬ ‫اإلخوان ليست كما يقول البعض مجرد منظمة رخاء اجتماعي‬ ‫أهدافها إنسانية في األساس‪ .‬أعتقد أن املنظمة سوف تستغل‬ ‫أي فرص تقدم لها (مما يؤدي إلى)‪ ..‬إمكانية تنام مخيف للنزعة‬ ‫الطائفية بني املسلمني واألقباط بل وتعميق الصراع بني املسلمني من‬ ‫السلفيني والصوفيني»‪.‬‬ ‫ساتلوف أيضا أحد أبرز األصوات في واشنطن التي تدافع عن‬ ‫التحالف القوي بني الواليات املتحدة وإسرائيل‪ .‬استعان مؤيدو‬ ‫اإلخوان أيضا بهذا الجانب من خلفيته في محاولة للتشكيك في‬ ‫أفكاره بشأن جماعتهم بني معارضي إسرائيل في واشنطن‪ .‬في‬ ‫املاضي‪ ،‬أعاب البعض أيضا على ستالوف أن آراءه تحمل قدرا كبيرا‬


‫عن مبارك وقبلوا باإلطاحة به‪ .‬يبدو أن املعسكر األول كان يفضل‬ ‫الحفاظ على االستقرار في مصر‪ ،‬بينما يرى املعسكر الثاني أن‬ ‫ّ‬ ‫االتجاه الثوري في املنطقة قد يكون بناء أو حتميا أو كليهما‪.‬‬ ‫على أي حال‪ ،‬القت موجة التظاهرات التي اجتاحت الجمهوريات‬ ‫العربية قدرا من االهتمام في وسائل اإلعالم األميركية أكثر من‬ ‫«الحركة الخضراء» اإليرانية‪ .‬وفيما يشبه اإلجماع‪ ،‬صورت شبكات‬ ‫التلفزيون األميركية األحداث التي وقعت على أنها ثورات ديمقراطية‪.‬‬ ‫وكما قالت املذيعة األميركية البارزة راشيل مادو‪« :‬نحن نشاهد‬ ‫شيئا يؤثر فينا كأميركيني ألنني أعتقد أن األميركيني من اليسار أو‬ ‫اليمني أو الوسط يؤمنون بحكومة الشعب‪ ،‬من ِق َبل الشعب‪ ،‬ومن أجل‬ ‫الشعب – وعندما نرى شعبا في أي دولة في العالم يحاول تحقيق‬ ‫ذلك بوسيلة سلمية نقف بجانبه تلقائيا»‪.‬‬ ‫القت هذه الرؤية أيضا تشجيعا من بعض الشخصيات العربية التي‬ ‫برزت في وسائل اإلعالم األميركية بصفتهم متحدثني غير رسميني‬ ‫عن الثوار – وأبرزهم الصحافية املصرية منى الطحاوي‪ ،‬التي أعلنت‬ ‫أمام الجمهور‪« :‬من الرائع أن تكون ثائرا عربيا‪ .‬إنها رسالة من‬ ‫منطقة في العالم تقل أعمار غالبية سكانها عن ‪ 30‬عاما»‪ .‬وفي‬ ‫مئات املرات التي ظهرت فيها في حوارات ولقاءات رفيعة املستوى‪،‬‬ ‫صرحت الطحاوي لألميركيني أن ثقافة الفردية حلت بدرجة كبيرة‬ ‫محل الهويات والتقاليد الجماعية في العالم العربي‪ .‬كما انتقدت‬ ‫أيضا األميركيني الذين أعلنوا انزعاجهم من صعود الجماعات‬ ‫املتطرفة‪ ،‬مثل ليلى أحمد األستاذة في جامعة هارفارد‪ ،‬واتهمتهم‬ ‫بعدم إدراك الواقع الجديد في الشرق األوسط‪.‬‬

‫هل يوجد منطق موحد؟‬ ‫هكذا تعكس الصورة الظاهرة انقساما بني معسكرات أميركية‬

‫متنافسة‪ ،‬باإلضافة إلى جهل عام باألحداث في الشرق األوسط يغذيه‬ ‫إعالم يتأثر كثيرا بأصوات أجنبية ذات تأثير‪ .‬ولكن في زيارات إلى‬ ‫املنطقة‪ ،‬وجدت أن العديد من العرب يشعرون بعدم إمكانية تبرير‬ ‫سياسات واشنطن تجاه الشرق األوسط بوجود خالفات داخلية أو‬ ‫مجرد عدم فهم‪ .‬ولكنهم يرون بدال من ذلك محاولة مترابطة ثابتة‬ ‫من األميركيني – سواء في إيران أو مصر أو غيرها من الدول – لعقد‬ ‫صفقات مع الحركات اإلسالمية من املاللي في طهران إلى اإلخوان‬ ‫املسلمني في مصر‪.‬‬ ‫ومن بني األدلة التي يسوقونها عادة الدعم األميركي للمجاهدين ضد‬ ‫االحتالل السوفياتي ألفغانستان في الثمانينات من القرن املاضي‪،‬‬ ‫ومحاوالت الرئيس باراك أوباما التعامل مع اإلخوان املسلمني‬ ‫بصفتهم شركاء بعد انتصاراتهم االنتخابية في مصر وتونس‪.‬‬ ‫ووفقا لهذا املنطق‪ ،‬يصبح ضغط اإلدارة في الوقت الحالي على‬ ‫الجيش املصري بمشاركة اإلخوان في السلطة مجرد مثال جديد‬ ‫على اتجاه مستمر منذ عشر سنوات‪.‬‬ ‫على الرغم من أن هذه النظرية ال تفسر بمفردها رفض أميركا‬ ‫تبني الثوار التابعني لإلخوان املسلمني في سوريا‪ ،‬إال أنها ال تخلو‬ ‫من الصحة‪ .‬في الحقيقة يبدو خطاب السياسات الذي يرجع إلى‬ ‫عام ‪ 1992‬وألقاه مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق األدنى‬ ‫وجنوب آسيا في ذلك الوقت إدوارد دجيرجيان‪ ،‬وكأنه يبلور منطق‬ ‫التعاون مع اإلسالميني ويضع ذلك هدفا أميركيا طويل األجل‪ .‬صرح‬ ‫دجيرجيان بأنه «ال يوجد جهد دولي موحد أو منسق خلف هذه‬ ‫الحركات»‪ ،‬في إشارة إلى أفرع اإلخوان املسلمني في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫واقترح أنه على األقل بعض عناصر اإلخوان يسعون إلى دعم «حرية‬ ‫االنتخابات‪ ..‬واستقالل القضاء‪ ..‬وسلطة القانون‪ ..‬وحقوق األقليات‬ ‫والحقوق الفردية‪ »..‬ويبدو أنه اعتقد أيضا أن اإلسالميني املعتنقني‬ ‫لهذه اآلراء سوف يكونون درعا حامية من املقاتلني الجهاديني‪.‬‬

‫التقى الرئيس املصري املعزول محمد‬ ‫مرسي وزير الخارجية االمريكية جون‬ ‫كيري في القاهرة ‪ 3‬مارس ‪ 2013‬في‬ ‫لقاء سعى من خالله مرسي إلى بناء‬ ‫توافق في اآلراء حول الوضع السياسي‬ ‫انذاك و تمهيد الطريق لتحقيق‬ ‫االنتعاش االقتصادي‬

‫‪,,‬‬

‫تطرح استعدادات‬ ‫الحزبني‬ ‫الجمهوري‬ ‫والديمقراطي‬ ‫النتخابات‬ ‫الكونغرس ‪2014‬‬ ‫رؤية مستقبلية‬ ‫للسياسة‬ ‫األميركية تجاه‬ ‫الشرق األوسط‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪13‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫ال يخفى على أحد في واشنطن أن ثقة العرب في السياسة الخارجية األميركية وصلت على مدار العامني املاضيني‬ ‫إلى أدنى مستوياتها‪ .‬في مصر اليوم يلقي اإلخوان ومؤيدوهم باللوم على الواليات املتحدة بسبب اعتقادهم ضلوع‬ ‫واشنطن في التخطيط لإلطاحة بالرئيس محمد مرسي ودعم الجيش املصري في حملته الحالية‪ .‬وفي الوقت ذاته‬ ‫يعتقد القطاع األكبر من الشعب املؤيد للجيش أن الرئيس األميركي حليف وثيق ملرسي‪ .‬أما بالنسبة لسوريا‪ ،‬يشك‬ ‫العديد من الثوار في أن الواليات املتحدة وحليفتها إسرائيل تفضالن بقاء نظام األسد – ولكن تؤكد حملة الدعاية‬ ‫التي تشنها الحكومة السورية على أن الثوار صنيعة وكالة «سي آي إيه» واملوساد‪.‬‬

‫اتجاهات السياسة األمريكية نحو اإلخوان املسلمني وإيران‬

‫تدليل األعداء وإهمال احللفاء‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫جوزيف براودي‬

‫‪,,‬‬

‫في مطلع‬ ‫الستينات‬ ‫أقامت جماعة‬ ‫اإلخوان بنية‬ ‫تحتية لغرس‬ ‫تعاليمها‬ ‫ونشاطها في‬ ‫امريكا ليخرج‬ ‫منها أجيال‬ ‫من املؤيدين‬ ‫القادرين على‬ ‫الخروج إلى‬ ‫الشارع واإلعالم‬ ‫ودوائر السلطة‬

‫‪,,‬‬

‫‪12‬‬

‫إذا نحينا هذه التصورات املذكورة جانبا‪ ،‬ما هو املوقف‬ ‫الفعلي الذي تتخذه القيادة األميركية بشأن هذه الصراعات‬ ‫العربية الداخلية وغيرها‪ ،‬وكيف ستتطور هذه السياسات‬ ‫في األعوام املقبلة؟ ما هو املنطق الكامن ‪ -‬إن وجد ‪ -‬في تناول‬ ‫الشؤون العربية والذي يحرك املعسكرين السياسيني املتنافسني‪،‬‬ ‫من باراك أوباما إلى جون ماكني؟‬ ‫يعكس التفكير في هذه األسئلة‪ ،‬بناء على تقارير من واشنطن ولقاءات‬ ‫مع واضعي السياسات ومستشارين رئاسيني حاليني وسابقني‪،‬‬ ‫من جانب‪ ،‬مستوى غير مسبوق من تشوش السياسة األميركية‬ ‫تجاه العالم العربي اليوم‪ :‬فهي ناشئة عن مزيد من الصراع الداخلي‬ ‫املرير في األوساط السياسية في واشنطن‪ ،‬وانقسام سياسي أوسع‬ ‫بني الحزبني الرئيسني‪ ،‬وتحول األولويات لدى الناخبني األميركيني‬ ‫في وقت تعاني فيه البالد من أزمة اقتصادية وعدم وجود فهم تام‬ ‫للعالم العربي‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬إذا تطلعنا إلى انتخابات الكونغرس‬ ‫واالنتخابات الرئاسية املقبلة‪ ،‬سيبدو أن الفجوة بني وجهتي نظر‬ ‫السياسة الخارجية تزداد اتساعا في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ولكن على مستوى أعمق‪ ،‬من املمكن تعقب معسكرين سياسيني‬ ‫مختلفني يدافعان باستمرار عن رأيني متعارضني في قضية‬ ‫مستقبل ما يسمى بـ«اإلسالم السياسي»‪ .‬يمكن للعرب من أنصار‬ ‫اإلصالح املنظم غير الثوري دراسة ممثلي املعسكرين وأفكارهما‬ ‫والتحديات التي تواجههما‪ ،‬من أجل وضع استراتيجيات تدعم‬ ‫أجنداتهم في واشنطن‪.‬‬

‫ينظر مستشاران بارزان في البيت األبيض تحدثت إليهما إلى موقف‬ ‫الرئيس من إيران من وجهتي نظر متقابلتني تماما‪ ،‬مما يوضح‬ ‫عمق الخالف بني مختلف الجماعات السياسية‪:‬‬ ‫قال لي خوان زاراتي‪ ،‬نائب مساعد الرئيس ونائب مستشار األمن‬ ‫القومي ملكافحة اإلرهاب في إدارة جورج دبليو بوش‪ ،‬إن تصريحات‬ ‫أوباما عام ‪ 2009‬بشأن إيران كانت خطأ مأساويا‪« :‬كان ظهور‬ ‫الحركة الخضراء يمثل حدثا مهما في تاريخ إيران‪ ،‬ضاعت فرصة‬ ‫استراتيجية للواليات املتحدة بأن تساعد على تقوية الحركة –‬ ‫وتشكيلها كوسيلة للتأثير في الحراك الداخلي وصناعة قرار‬ ‫النظام»‪.‬‬ ‫ولكن قال دينيس روس‪ ،‬الدبلوماسي األميركي الذي خدم في إدارة‬ ‫كل من بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما‪ ،‬إن رد اإلدارة‬ ‫كان مدروسا بصورة جيدة‪« :‬كنا نتلقى رسائل مختلطة من الحركة‬ ‫الخضراء‪ .‬وكنا قلقني من أن األشخاص الذين نرغب في الدفاع عن‬ ‫حقوقهم والوقوف إلى جانبهم أيضا ال يريدوننا أن نقول ما قد‬ ‫يمس مصداقيتهم‪ .‬وكان هناك البعض في الخارج الذين يريدون منا‬ ‫أن نكون أكثر صراحة‪ ،‬أدى هذا كله إلى تبني موقف أكثر حذرا»‪ .‬من‬ ‫املؤكد أن روس يصدق املخاوف التي ال يشترك معه فيها زاراتي –‬ ‫مما يسمى بـ«قبلة املوت» األميركية‪ .‬واملقصود بها أنه نظرا النعدام‬ ‫شعبية أميركا بشدة في العالم العربي‪ ،‬ربما يكون التعبير األميركي‬ ‫عن دعم أي شخص أو فصيل سببا في اإلضرار به بصورة أكبر‬ ‫من نفعه‪.‬‬

‫السياسة األميركية تجاه إيران‬

‫املوقف من مبارك ونظامه‬

‫في البداية‪ ،‬أحد التناقضات املحيرة في السياسة األميركية على‬ ‫مدار األعوام الستة املاضية هي مواقف باراك أوباما املتضاربة‬ ‫تجاه إيران في ‪ 2009‬ومصر في ‪ .2011‬جدير بالذكر أن اإلدارة‬ ‫األميركية حملت غصن الزيتون نحو عدوها القديم‪ ،‬النظام اإليراني‪،‬‬ ‫بينما صدت «الحركة الخضراء» التي خرج فيها شباب املتظاهرين‬ ‫ضد تزوير االنتخابات في بالدهم‪ .‬ولكن بعد عامني لم يستغرق‬ ‫أوباما كثيرا من الوقت قبل التخلي عن حليف أميركا القديم‪ ،‬الرئيس‬ ‫حسني مبارك‪ ،‬وأثنى على املتظاهرين الذين أجبروه في النهاية على‬ ‫التنحي‪.‬‬

‫أما بالنسبة لثورة ‪ 2011‬في مصر‪ ،‬تبدو الرسائل املتغيرة التي‬ ‫نقلها مسؤولو البيت األبيض أثناء أسابيع املظاهرات نتيجة لنوع‬ ‫مختلف من الصراع الداخلي‪ :‬الصراع بني مناصري اإلصالح‬ ‫النظامي القدامى في العالم العربي ومؤيدي التغيير الثوري‪ .‬من‬ ‫جانب‪ ،‬أدلى نائب الرئيس جوزيف بايدن بتصريحات تؤيد مبارك‬ ‫كحليف قديم في املنطقة‪ ،‬وبدا مبعوث أوباما فرانك وايزنر مدافعا‬ ‫عن السماح ملبارك على األقل باستكمال األشهر املتبقية في فترته‬ ‫الرئاسية‪ .‬وعلى جانب آخر‪ ،‬مع توالي األحداث‪ ،‬صرح متحدث باسم‬ ‫البيت األبيض ومن بعده الرئيس األميركي ذاته بتصريحات حادة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬


‫«القرار األميركي ذو أهمية بالغة‪ ،‬وخاصة خالل األشهر القليلة املقبلة‪.‬‬ ‫ومن خالل التسبب في اقتراب النظام من حافة االنهيار االقتصادي‪،‬‬ ‫سوف تتمكن الواليات املتحدة األميركية من التوجه نحو التوصل إلى حل‬ ‫دبلوماسي‪ ،‬في ظل إجبار إيران على االمتثال لكافة االلتزامات الدولية‬ ‫بما في ذلك وقف جميع األنشطة املتعلقة بتخصيب اليورانيوم وإعادة‬ ‫املعالجة‪.‬‬ ‫كما بإمكاننا االستمرار في النهج الذي نتبعه لتحقيق هدفنا من خالل‬ ‫سحب بقية صادرات النفط اإليراني من السوق‪ ،‬وقطع كافة السبل‬ ‫للوصول إلى االحتياطيات في الخارج‪ ،‬وإدراج القطاعات االستراتيجية‬ ‫لالقتصاد اإليراني ضمن القائمة السوداء‪ .‬وخالل الشهر املاضي‪ ،‬بلغت‬ ‫نسبة التصويت على مثل تلك التدابير ‪ 400‬إلى ‪ .20‬وها قد حان الوقت‬ ‫كي يتحرك مجلس الشيوخ األميركي»‪.‬‬ ‫ويرى مراقبون أن مشروع القانون ‪ 850 .H.R‬املذكور في السابق ُيعد‬ ‫قانون العقوبات األكثر صرامة على إيران‪ ،‬فهو ينص على تطبيق حظر‬ ‫فعلي على النفط اإليراني‪.‬‬ ‫فالتأكيدات املذكورة في السابق والتي يؤيدها الكثيرون في واشنطن هي‬ ‫تأكيدات خطيرة وليس لها أساس من الصحة‪.‬‬ ‫فخرا ً‬ ‫كبيرا‪ً .‬‬ ‫وطنيا ً‬ ‫كما أن البرنامج النووي اإليراني قد اكتسب ً‬ ‫ودائما‬ ‫ما كانت تربط القيادة اإليرانية بني برنامج إيران النووي وفخر األمة‬ ‫وكرامتها (عزت إيميلي)‪ .‬إن االستسالم للضغوط وتعليق هذا البرنامج‬ ‫ُيعد بمثابة خيانة لألمة وبيع لكرامتها‪ .‬سوف تفقد القيادة اإليرانية‬ ‫سلطتها ومكانتها بني مؤيديها من القاعدة الشعبية واملحافظني من عامة‬ ‫الشعب‪ .‬ببساطة‪ ،‬لن يستطيع النظام (النظام السياسي اإليراني) تحمل‬ ‫نتائج مثل هذا القرار‪.‬‬ ‫وفي حالة استسالمهم للسياسات القسرية التي تنتهجها الواليات‬ ‫املتحدة األميركية‪ ،‬فإن ذلك سوف ُيخالف اتجاه الثورة التي تدعو إلى‬ ‫مقاومة الضغوط التي تفرضها القوى الغربية‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن‬ ‫الواليات املتحدة األميركية ال تطلب ببساطة من الحكومة اإليرانية أن تغير‬ ‫مسارها‪ .‬بل‪ ،‬إنها تطلب منها أن تغير اتجاهها من حيث املبدأ‪ ،‬وقبول‬ ‫الهيمنة األجنبية والتخلي عن استقاللها تحت اإلكراه‪ .‬ومما ُيزيد األمر‬ ‫ً‬ ‫سوءا‪ ،‬هو تدخل إسرائيل التي ترغب في فرض تسوية ُمهينة على النظام‬ ‫اإليراني‪.‬‬ ‫ويكشف لنا الباحث اإليراني واملفاوض النووي السابق حسني موسويان‪،‬‬ ‫في كتابه‪ ،‬أنه عندما وجد أن التفاوض مع مجموعة الدول األوروبية الثالث‬ ‫ً‬ ‫تراجعا ً‬ ‫كبيرا خالل عام ‪ ،2005‬فحينئذ صرح ملمثلي القوى‬ ‫يشهد‬ ‫األوروبية أن «إيران سوف تستأنف تخصيب اليورانيوم مهما كلفها‬ ‫األمر»‪.‬‬ ‫يواجهه روحاني في إقناع الواليات املتحدة‬ ‫ويتمثل التحدي الكبير الذي‬ ‫ً‬ ‫األميركية بأنه إذا كانت تسعى حقا للتوصل إلى حل دبلوماسي سلمي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فإن هناك طرقا أخرى عوضا عن تعليق البرنامج النووي‪ ،‬وذلك من أجل‬ ‫تناول مخاوفهم بشأن األبعاد العسكرية املحتملة لبرنامج إيران النووي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ما ُيمكن أن يفعله روحاني لكسب ثقة الغرب‪ ،‬كما قال ً‬ ‫وتكرارا‪،‬‬ ‫مرارا‬ ‫هو تنفيذ تدابير موضوعية لتفعيل أقصى قدر من الشفافية‪ ،‬من أجل‬ ‫ضمان أن إيران لن تتخذ أية خطوات نحو التسليح‪ .‬أما عن القضايا‬ ‫األخرى مثل وضع حد لتخصيب اليورانيوم يصل الى ‪ 5‬في املائة أو‬ ‫شحن املخزون املوجود من اليورانيوم املخصب خارج البالد هي قضايا‬ ‫تقنية ُيمكن التفاوض بشأنها والتوصل إلى حل لها‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ينبغي أن يحصل روحاني في املقابل على تخفيف‬

‫معقول للعقوبات‪ ،‬وذلك كي يكون ً‬ ‫قادرا على إقناع القيادة اإليرانية إلنهاء‬ ‫نووي‪ ،‬من أجل إخراج االقتصاد اإليراني من الوضع الحالي‪ .‬ولن‬ ‫اتفاق‬ ‫ً‬ ‫يكون من ُاملفيد اتباع الواليات املتحدة األميركية ً‬ ‫تدريجيا‪ .‬وكما‬ ‫نهجا‬ ‫ذكر سياسي إيراني سابق للكاتب‪ ،‬فإن «الواليات املتحدة األميركية يجب‬ ‫ُ‬ ‫أن تكون مستعدة لتقدم الكثير‪ ،‬إذا كانت تتوقع أن تحصل على الكثير»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لالفتراضات التي قدمها السيناتور مارك كيرك وعضو الكونغرس‬ ‫األميركي إليوت إنغل التي تم نشرها في افتتاحية صحيفة «وول ستريت‬ ‫جورنال»‪ ،‬فإنه «من الواضح أن املحادثات لن تنجح في حالة ما إذا شعر‬ ‫النظام بالضغط لتغيير املسار»‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإن الحقائق تشير‬ ‫إلى االتجاه املعاكس‪ .‬ففي عام ‪ ،2003‬كان لدى إيران ‪ 164‬جهازا للطرد‬ ‫املركزي‪ .‬وفي ظل تصاعد العقوبات‪ ،‬ازداد عدد أجهزة الطرد املركزية‬ ‫التي يتم بناؤها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفي الوقت الحالي‪ ،‬أصبح لدى إيران ‪ 18‬ألف جهاز للطرد املركزي‪ .‬في‬ ‫عام ‪ ،2003‬كان لدى إيران مصنع واحد لتخصيب الوقود؛ أما اآلن فلديها‬ ‫مصنعان‪ .‬كما تم تشييد املصنع الثاني أسفل الجبال‪ ،‬في ظل زيادة‬ ‫شدة العقوبات‪ .‬وقبيل فرض العقوبات على إيران‪ ،‬أنتجت إيران يورانيوم‬ ‫منخفض التخصيب بنسبة نقاء تبلغ ‪.%3.5‬ومع تزايد العقوبات‪ ،‬زادت‬ ‫إيران من نسبة النقاء لتنتج بذلك يورانيوم مخصب بنسبة ‪%19.75‬‬ ‫(جدير بالذكر أن نسبة نقاء اليورانيوم املخصب ينبغي أن تفوق ‪%90‬‬ ‫لتصنيع سالح نووي)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وختاما‪ ،‬فإن الرئيس روحاني عازم على إنهاء األزمة النووية اإليرانية‪ ،‬كما‬ ‫أنه يحتل املنصب الذي يمكنه من القيام بذلك‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإنه‬ ‫بحاجة لتعاون الواليات املتحدة األميركية كي يتمكن من تحقيق هدفه‪ .‬إن‬ ‫التصور الذي يشير إلى أن تعليق العقوبات سوف يجبر إيران على وقف‬ ‫برنامجها النووي هو تصور ال يعكس واقع السياسة اإليرانية‪ .‬وفي حالة‬ ‫إتمام مشروع القانون ‪ ،850 .H.R‬الذي يقوم على هذا التصور الخاطئ‪،‬‬ ‫فإننا سوف ندخل إلى مستوى جديد من الصراع‪ .‬وفي ظل تزايد الضغوط‬ ‫على إيران وفرض الحظر على نفطها‪ ،‬فإنه لن يكون هناك ما تخسره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مسارا غير عقالني وقد يكون‬ ‫وحينها سوف تتخذ‬ ‫خطيرا <‬

‫محمد جواد ظريف وزير خارجية‬ ‫حكومة روحاني‬

‫‪,,‬‬

‫أحمدي نجاد‬ ‫اتسم بالسذاجة‬ ‫من الناحية‬ ‫السياسية‬ ‫واالفتقار‬ ‫إلى الخبرة‬ ‫وتنعدم عنده‬ ‫أية معرفة‬ ‫في ما يتعلق‬ ‫بالعالقات‬ ‫الدولية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪11‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫اتفاق بشأن القضية النووية ُيعد ً‬ ‫أمرا أكثر سهولة من التوصل إلى اتفاق‬ ‫بشأن قضية حول حقوق اإلنسان على سبيل املثال‪ ،‬وذلك ألن قضايا‬ ‫حقوق اإلنسان تتضمن العديد من العناصر الذاتية‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫ً‬ ‫التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي ليس ً‬ ‫يسيرا‪ ،‬فإنه‬ ‫أمرا‬ ‫سوف يتم حول عوامل ملموسة ويمكن تحقيقها‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬فإنه نتيجة ألن التوصل إلى أحد الحلول بشأن القضية‬ ‫النووية سوف يتطلب إجراء الكثير من املحادثات والتسويات‪ ،‬فينبغي‬ ‫وضع شروط مسبقة إلثبات تخلي البلدين عن مواقفهما املتصلبة التي‬ ‫دامت ملدة عقود‪ .‬كما أنه من املمكن االستفادة من أي اتفاق بشأن القضية‬ ‫النووية باعتباره نقطة انطالق لتناول قضايا أخرى للنزاع بني البلدين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتحديدا اإلرهاب وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهناك قضية أخرى مطروحة باعتبارها فرصة أيضا‪ ،‬وهي الوضع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الفوضوي الذي تعاني منه املنطقة‪ .‬فالتطرف ُيمثل تهديدا حقيقيا على‬ ‫ُ‬ ‫أمن البلدين‪ .‬من املمكن أن تشكل إيران والواليات املتحدة األميركية‬ ‫وحلفاؤها في املنطقة شراكة فعالة ملواجهة املوجة الجديدة العارمة من‬ ‫التطرف الذي يهدد االستقرار في الشرق األوسط‪ .‬وفي الوقت الحالي‪،‬‬ ‫نجد أن املستفيدين الرئيسني من الصراع القائم بني الواليات املتحدة‬ ‫األميركية وإيران هم الجماعات الجهادية‪.‬‬

‫عرض عسكري لصاروخ «قاصد»‬ ‫اإليراني اقيم في طهران‬

‫‪,,‬‬

‫أرسل الحرس‬ ‫الثوري‬ ‫اإليراني رسالة‬ ‫تهديد لخاتمي‬ ‫خالل ذروة‬ ‫عملية اإلصالح‬ ‫تقول «على‬ ‫الرغم من كل‬ ‫االحترام الذي‬ ‫نكنه لسيادتك‬ ‫فإن صبرنا‬ ‫قد نفد»‬

‫‪,,‬‬

‫‪10‬‬

‫‪ ،2003‬التي لم يتم الرد عليها قط من قبل حكومة جورج بوش واملحافظني‬ ‫الجدد‪ .‬وتوضح حقيقة تعيني جواد ظريف كوزير للشؤون الخارجية‬ ‫للعالم بأسره أن روحاني يرغب في تغيير مسار السياسة الخارجية‪.‬‬

‫الفرص الكامنة أمام الرئيس روحاني‬ ‫يتعرض االقتصاد اإليراني إلى أزمة‪ .‬فقد ارتفعت نسبة التضخم لتصل‬ ‫إلى درجة قياسية‪ ،‬وتفشت البطالة خاصة بني الشباب‪ ،‬فيما فقدت العملة‬ ‫اإليرانية (الريال) ثلثي قيمتها منذ نهاية عام ‪ .2011‬وبجانب سوء إدارة‬ ‫فريق أحمدي نجاد‪ ،‬الذي كان مسؤوال على نحو جزئي عن تعرض البالد‬ ‫ملثل ذلك املوقف الحالي‪ ،‬فإن االقتصاديني داخل إيران يؤكدون باإلجماع‬ ‫على أن العقوبات املفروضة على إيران قد أثرت على اقتصادها‪ .‬ويقدم‬ ‫هذا الوضع فرصة كبيرة للرئيس روحاني لكسب تأييد آية الله خامنئي‬ ‫والنخبة الحاكمة‪ ،‬مثل شخصيات بارزة في جهاز األمن العسكري‪،‬‬ ‫للتفاوض مباشرة مع األميركيني والتوصل إلى حل بشأن القضية‬ ‫النووية‪ .‬وإذا لم تتعرض إيران لتدهور األوضاع االقتصادية‪ ،‬فإنه من‬ ‫املؤكد أن قوات مثل قوات الحرس الثوري اإليراني كانت ستعوق محاوالت‬ ‫روحاني‪.‬‬ ‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬أرسل قادة الحرس الثوري اإليراني رسالة تهديد‬ ‫للرئيس محمد خاتمي خالل ذروة عملية اإلصالح‪ .‬وتنص الرسالة على‬ ‫أنه «على الرغم من كل االحترام الذي نكنه لسيادتك‪ ،‬فإن صبرنا قد نفد‪.‬‬ ‫إذا لم تتخذ أية إجراءات (للتحكم في حركة اإلصالح)‪ ،‬فإننا لن نتسامح‬ ‫في هذا الوضع بعد اآلن»‪.‬‬ ‫ويشير تصويت الثقة القوي الذي حصل عليه جواد ظريف من البرملان‬ ‫خالل يوم ‪ 14‬أغسطس (آب) إلى أن هناك إجماعا على ضرورة تحويل‬ ‫مسار السياسة الخارجية لتتسم بالواقعية والعملية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أما عن القضية النووية‪ ،‬فعلى الرغم من أنها تمثل ً‬ ‫تحديا ً‬ ‫كبيرا‪ ،‬فإنها تمثل‬ ‫فرصة أمام روحاني للتوصل إلى حل وسط بني إيران والواليات املتحدة‬ ‫األميركية بشأن تلك القضية األكثر جدال‪ .‬وجدير بالذكر أن التوصل إلى‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫فالعراق وسوريا هي الدول األكثر ضعفا التي يمكن أن تتحول بسهولة‬ ‫من دول ضعيفة إلى دول فاشلة‪ .‬كما يمكن للدول الفاشلة أن تصبح‬ ‫ً‬ ‫موطنا للجريمة املنظمة وتهريب املخدرات واإلرهاب‪.‬‬ ‫وفي ذات الوقت‪ ،‬من املمكن أن تنتقل تلك الفوضى التي يعاني منها البلدان‬ ‫إلى البلدان املجاورة‪ ،‬حيث من املحتمل أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار‬ ‫املنطقة بأسرها‪ .‬تتمتع إيران بوضع جيد داخل البلدين‪ ،‬ومن املمكن أن‬ ‫تتعاون مع الواليات املتحدة األميركية وحلفائها الغربيني واإلقليميني‪،‬‬ ‫بهدف إحداث حالة من االستقرار داخل العراق وسوريا قبل أن يتحول‬ ‫األمر إلى فوضى عارمة‪.‬‬ ‫ومن املثير لالهتمام أنه‪ ،‬في حالة تهدئة حالة التوتر بني إيران والواليات‬ ‫املتحدة األميركية‪ ،‬وفي حالة االتفاق على تدابير موضوعية ملنع املضي‬ ‫ً‬ ‫قدما في التسليح النووي‪ ،‬فإن حالة التوتر السائدة بني إيران وإسرائيل‬ ‫من جانب‪ ،‬وإيران والدول العربية باملنطقة من الجانب اآلخر‪ ،‬سوف تتسم‬ ‫ً‬ ‫بالهدوء‪ ،‬كما سيقل خطر نشوب حرب إقليمية مدمرة‪ .‬ومن املمكن أيضا‬ ‫أن يدفع هذا العامل الواليات املتحدة األميركية للتوصل إلى اتفاق مع‬ ‫متداع للغاية وغير مستقر‪.‬‬ ‫حكومة روحاني‪ ،‬وذلك ألن الوضع الراهن‬ ‫ِ‬

‫التحديات التي يواجهها الرئيس روحاني‬ ‫يواجه الرئيس اإليراني روحاني العديد من التحديات والعقبات من‬ ‫مختلف األنماط على حد سواء في الداخل والخارج‪ ،‬وذلك خالل محاوالته‬ ‫إلنهاء األزمة القائمة بشأن برنامج إيران النووي‪ .‬وليس لدينا مجال كبير‬ ‫ملناقشة كل تلك التحديات‪ ،‬ولكن أبرزها وأحدثها تتمثل في التالي‪.‬‬ ‫يؤيد املتشددون اإلسرائيليون واللوبي اإلسرائيلي والكونغرس األميركي‬ ‫النظرية القائلة بأن الضغط على إيران هو السبيل الوحيد إلقناعها بتغيير‬ ‫مسارها (وعلى وجه التحديد‪ ،‬تعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم)‬ ‫مما يعني زيادة في العقوبات إلى مستوى ال ُيمكن تحمله‪.‬‬ ‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬ففي اليوم املوافق ‪ 12‬أغسطس‪ ،‬ذكر كل من السيناتور‬ ‫مارك كيرك وعضو الكونغرس األميركي إليوت إنغل في حديث لهما مع‬ ‫صحيفة «وول ستريت جورنال» أن‪:‬‬


‫الثاني‪ :‬اعتقادهم أنه في حالة عبور إيران الحواجز التكنولوجية‬ ‫وسيطرتها الكاملة على إنتاج دورة الوقود النووي‪ ،‬فإن الواليات املتحدة‬ ‫ً‬ ‫األميركية سوف تواجه ً‬ ‫محسوما بالفعل وتتراجع حينها‪ .‬وكما‬ ‫أمرا‬ ‫اتضح األمر فيما بعد‪ ،‬فقد أخطأوا على الجانبني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مختلفا ً‬ ‫ً‬ ‫تماما‪.‬‬ ‫استراتيجيا‬ ‫تفكيرا‬ ‫واآلن‪ ،‬تولى روحاني السلطة‪ ،‬ليتبنى‬ ‫وتحت شعار «االعتدال»‪ ،‬عقد روحاني العزم على إنهاء القضية النووية‬ ‫اإليرانية ولكن فيما وراء ذلك‪ ،‬فإنه يسعى للمضي ً‬ ‫قدما نحو تطبيع‬ ‫العالقات مع الواليات املتحدة األميركية‪ .‬وأشار روحاني في خطاب له‬ ‫قبيل انتخابه‪ ،‬إلى أنه «ليس من املفترض أن ترفض إيران املحادثات مع‬ ‫الواليات املتحدة األميركية‪ ،‬كما أنه ليس من املفترض أن تظل العالقات بني‬ ‫الواليات املتحدة األميركية وإيران منقطعة»‪.‬‬

‫السمات املميزة للرئيس روحاني‬ ‫يتمتع حسن روحاني بخبرة سياسية ومصداقية منقطعة النظير بإيران‪.‬‬ ‫شغل روحاني منصب سكرتير املجلس األعلى لألمن القومي ملدة ‪16‬‬ ‫عاما‪ ،‬حيث احتل منصب رئيس لجنة السياسة الخارجية في البرملان‬ ‫(املجلس) ملدة ثمانية أعوام‪ ،‬وشغل منصب كبير املفاوضني اإليرانيني‬ ‫لاً‬ ‫مع مجموعة الدول األوروبية الثالث (‪ ،)EU3‬التي تضم ك من فرنسا‬ ‫وبريطانيا وأملانيا في الفترة بني عامي ‪ .2005 - 2003‬لذا‪ ،‬من الصحيح‬ ‫االفتراض بأن روحاني على دراية وفهم للسياسة الخارجية وموقف‬ ‫برنامج إيران النووي‪.‬‬

‫عالقة وثيقة بني روحاني وخامنئي‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬يتمتع روحاني بعالقات وثيقة وطويلة األمد مع أروقة‬ ‫السلطة‪ ،‬حيث احتل منصب ممثل آية الله خامنئي باملجلس األعلى لألمن‬ ‫عاما إلى أن تم انتخابه ً‬ ‫القومي ملدة ‪ً 23‬‬ ‫رئيسا لدولة إيران‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك يضع روحاني في موقع فريد للتفاوض مع املرشد األعلى إليران‪،‬‬ ‫عالوة على أعضاء األمن السياسي باملجلس األعلى لألمن القومي‪ ،‬في‬ ‫ظل إجرائه للمفاوضات مع قوى أجنبية للتوصل إلى اتفاق‪ .‬وجدير‬

‫بالذكر أن التعليق التطوعي لتخصيب اليورانيوم في الفترة بني عامي‬ ‫‪ 2003‬و‪ ،2005‬باعتباره أحد التدابير التي تهدف إلى بناء الثقة‪ ،‬قد تم‬ ‫بفضل مهارات التفاوض التي يتسم بها روحاني‪ ،‬باإلضافة إلى عوامل‬ ‫أخرى داخل إيران وخارجها‪.‬ومن املمكن التوصل إلى نتيجة بارزة من‬ ‫هذه الخبرة‪.‬‬ ‫يتجاهل العديد من السياسيني واملحللني بالواليات املتحدة األميركية‬ ‫وإسرائيل‪ ،‬الذين يرون أن انتخاب روحاني لن يغير سياسات إيران ألن‬ ‫صانع القرار النهائي هو املرشد األعلى‪ ،‬حقيقة أن املرشد األعلى اإليراني‬ ‫قد يحتل مكانة رفيعة للغاية في املجتمع اإليراني ولكنه لن يتخلى عن‬ ‫الصفة البشرية املتمثلة في تأثره بمن حوله‪ ،‬وخاصة عندما يكون هناك‬ ‫رئيس ُمنتدب ولديه ماليني األصوات‪ .‬وتوضح هذه الحقيقة األسباب‬ ‫التي أدت إلى تبني إيران سياسة خارجية متسامحة خالل فترة رئاسة‬ ‫خاتمي‪ ،‬بينما اختار الرئيس أحمدي نجاد أن يتبع سياسة خارجية‬ ‫عدائية شرسة أدت بدورها إلى إثارة غضب الكثير من دول العالم‪.‬‬

‫ظريف دبلوماسي حصيف‬ ‫ً‬ ‫ومن املثير لالهتمام أيضا أن وزير خارجية حكومة روحاني هو الدكتور‬ ‫محمد جواد ظريف‪ ،‬الحاصل على الدكتوراه في القانون الدولي والسياسة‬ ‫من جامعة دنفر‪ ،‬وهو أحد أكفأ الدبلوماسيني اإليرانيني وأكثرهم مهارة‪.‬‬ ‫هذا وقد كان ظريف العامل الرئيس في صياغة وإجراء الحوار والتعاون‬ ‫مع املبعوث األميركي خالل التطورات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة‬ ‫املؤقتة بقيادة حامد كرزاي في أعقاب سقوط نظام طالبان في عام ‪.2001‬‬ ‫وعندما تحول التركيز من إسقاط طالبان إلى إقامة حكومة انتقالية‬ ‫جديدة في أفغانستان خالل مؤتمر بون املنعقد خالل شهر ديسمبر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إنجازا هائال من‬ ‫(كانون األول) لعام ‪ 2011‬بأفغانستان «حقق ً ظريف‬ ‫دونه لم تكن لتنشأ حكومة حامد كرزاي»‪ ،‬وفقا ملا ذكره جيمز دوبينز‬ ‫املوفد األميركي باملؤتمر‪.‬‬ ‫دورا ً‬ ‫وأشار حسني موسويان لهذا الكاتب بأن ظريف قد لعب ً‬ ‫رئيسا في‬ ‫صياغة اقتراح «الصفقة الكبرى» اإليرانية للواليات املتحدة األميركية لعام‬

‫مراسم تسليم السيد علي خامنئي‬ ‫الحكم لرئيس الجمهورية املنتخب‬ ‫حسن روحاني (حسينية االمام‬ ‫الخميني ‪ 3 -‬اغسطس ‪)2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫املرشد األعلى‬ ‫اإليراني قد‬ ‫يحتل مكانة‬ ‫رفيعة للغاية‬ ‫في املجتمع‬ ‫اإليراني ولكنه‬ ‫لن يتخلى عن‬ ‫الصفة البشرية‬ ‫املتمثلة في‬ ‫تأثره بمن‬ ‫حوله‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪9‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫ُيعرف الرئيس اإليراني الجديد حسن روحاني بأنه شخصية واقعية ومعتدلة‪ ،‬تولى السلطة بعد مرور ثماني سنوات‬ ‫على تولي أحمدي نجاد للحكم‪ ،‬التي تم خاللها جر إيران إلى سلسلة من املشكالت‪ ،‬وعلى رأسها األزمة املتفاقمة‬ ‫الخاصة بالبرنامج النووي للبالد‪ .‬يسعى هذا املقال للتوصل إلى إجابة على التساؤل التالي‪« :‬هل سيكون بإمكان‬ ‫روحاني أن ينهي أزمة استمرت ملدة عقد كامل بشأن برنامج إيران النووي؟»‪.‬‬

‫هل بإمكان روحاني التوصل إلى حل بشأن برنامج إيران النووي؟‬

‫االعتدال املنحاز‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫شهير شهيد ثالث‬

‫‪,,‬‬

‫البرنامج‬ ‫النووي‬ ‫اإليراني‬ ‫اكتسب فخرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبيرا‬ ‫وطنيا‬ ‫ً‬ ‫ودائما ما‬ ‫كانت تربط‬ ‫القيادة‬ ‫اإليرانية بني‬ ‫برنامج إيران‬ ‫النووي وفخر‬ ‫األمة وكرامتها‬

‫‪,,‬‬

‫‪8‬‬

‫التحليالت أنه في حالة ما إذا أجرت الواليات املتحدة‬ ‫تفترض‬ ‫ً‬ ‫األميركية اتفاقا مع إيران‪ ،‬فإن الدول األعضاء األخرى (الدول‬ ‫الخمس الدائمة العضوية في مجلس األمن التابع لألمم املتحدة‬ ‫باإلضافة إلى أملانيا) لن تعترض وسوف تقتفي أثرها‪.‬‬

‫املتشددون داخل إسرائيل واللوبي اإلسرائيلي تلك التصريحات باعتبارها‬ ‫سالحا فعاال لحشد اإلعالم الغربي وخلق مناخ قوي معاد إليران‪ .‬وفي‬ ‫الوقت ذاته‪ ،‬زادت تلك التصريحات من تكلفة التفاوض مع إيران‪ ،‬لترتفع‬ ‫إلى حد كبير بالنسبة ألية إدارة في الواليات املتحدة األميركية‪.‬‬

‫جدير بالذكر أن أحمدي نجاد وفريقه قد اتسم بالسذاجة من الناحية‬

‫السياسية واالفتقار إلى الخبرة‪ ،‬يكاد تنعدم عنده أية معرفة فيما يتعلق سياسة خارجية عدوانية‬

‫بالعالقات الدولية؛ على الرغم من املبالغة في الثقة بالنفس والنرجسية‪،‬‬ ‫فيما دعا لتعزيز خطاب نادر يتسم بكونه مزيجا من فهم خاص لإلسالم‬ ‫والقومية اإليرانية املتطرفة تحت شعار «املدرسة اإليرانية لإلسالم»‪.‬‬

‫الحوار النقدي‬ ‫تولى أحمدي نجاد املنصب الرئاسي عام ‪ ،2005‬حيث عزم على تغيير‬ ‫النهج اإليراني االسترضائي حيال الغرب الذي تم انتهاجه في عهد‬ ‫الرئيس اإلصالحي محمد خاتمي‪ ،‬الذي كان يعمل ً‬ ‫جنبا إلى جنب مع‬ ‫حسن روحاني‪ ،‬سكرتير املجلس األعلى لألمن القومي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وخالل عام ‪ ،2007‬أصدرت وزارة الشؤون الخارجية اإليرانية بيانا‬ ‫هاجمت فيه الخطاب االسترضائي «للحوار النقدي» حيال الغرب‪ ،‬خالل‬ ‫فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني (‪ ،)1997ُ - 1989‬وأعلنت إحداث تغير‬ ‫ّ‬ ‫استراتيجي في موقع إيران بعد أن كانت «املتهم (الذي ينبغي عليه إقناع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املت ِهم ببراءته)‪ ،‬لتصبح هي املت ِهم»‪.‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن مبدأ «أفضل دفاع‬ ‫هو الهجوم الجيد» كان هو املذهب املختار فيما يتعلق بسياسة إيران‬ ‫الخارجية‪.‬‬ ‫واتباعا لذلك النهج السياسي‪ ،‬قام أحمدي نجاد وفريقه بإثارة قضية‬ ‫محرقة اليهود (الهولوكوست) والتشكيك في صحة ذلك الحدث‪ .‬وذكر‬ ‫ُ‬ ‫فريق أحمدي نجاد أن محرقة اليهود تعد نقطة ضعف قاتلة لكل من‬ ‫إسرائيل والواليات املتحدة األميركية‪ .‬وفي عام ‪ ،2007‬صرح مستشارو‬ ‫أحمدي نجاد في أحد اللقاءات بأنه «من خالل إثارة قضية محرقة اليهود‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فإننا بذلك نغلق امللف النووي (اإليراني)»‪ .‬وقبل تولي أحمدي نجاد‬ ‫للسلطة‪ ،‬لم يقم أي مسؤول إيراني أو قائد ديني‪ ،‬ومن بينهم املرشدان‬ ‫األعلى‪ ،‬بطرح قضية مذبحة اليهود الهولوكوست أو التشكيك في صحتها‬ ‫كحدث تاريخي‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فقد كانت تلك الحالة من الجدل املصحوبة ببيانات أخرى متضمنة‬ ‫عبارة «محو إسرائيل من على الخريطة» التي تمت ترجمتها على نحو‬ ‫خاطئ‪ ،‬بمثابة أمر مسيء للنهج الغربي حيال إيران‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد استغل‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫كما تزامن ظهور أحمدي نجاد مع اثنني من التطورات التي يسرت التحقق‬ ‫ً‬ ‫من السياسة الخارجية العدوانية التي تنتهجها إيران‪ .‬أوال‪ :‬انهيار اثنني‬ ‫من األعداء اللدودين إليران‪ ،‬وهما طالبان من شرق إيران وصدام حسني‬ ‫من غربها‪ .‬وسريعا استطاعت إيران أن تعزز موقعها باعتبارها عامال‬ ‫محددا في السياسة العراقية‪ ،‬وخاصة عقب سقوط صدام حسني‪ ،‬حيث‬ ‫يرجع ذلك إلى عالقتها التاريخية بجماعات املعارضة الشيعية العراقية‬ ‫تحت حكم صدام‪ ،‬مما أدى إلى تمكن إيران من وضع ضغوط على‬ ‫الواليات املتحدة األميركية وتقليص مساحة مناوراتها في األعوام ما بعد‬ ‫صدام حسني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬الزيادة املفاجئة في سعر النفط‪ ،‬الذي سجل أعلى معدالت تاريخية‬ ‫له بعد عام ‪ ،2005‬مما تسبب في إحداث طفرة في عائدات ًالنفط اإليراني‬ ‫ليسمح بذلك إليران بتبني سياسات أكثر ً‬ ‫عداء متحدية بها هيمنة‬ ‫الواليات املتحدة األميركية في املنطقة‪.‬‬ ‫وعلى الصعيد النووي‪ ،‬تخلت إيران عن سياسات بناء الثقة لتعتمد على‬ ‫ّ‬ ‫االستراتيجية الجديدة املتمثلة في تغيير موقعها من دولة ُمتهمة إلى‬ ‫ُ‬ ‫دولة تلقي االتهامات‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد سعت إيران لتوسعة برنامجها النووي‬ ‫ً‬ ‫على نحو كبير ردا على الضغوط الغربية‪ .‬يعتمد األساس املنطقي‬ ‫لفريق أحمدي نجاد وراء تبنيه لسياسات نووية عدوانية على اثنني من‬ ‫الحسابات الخاطئة‪.‬‬

‫غياب الرؤية الجيوسياسية‬ ‫األول‪ :‬االفتقار إلى رؤية جيوسياسية‪ ،‬حيث إنهم يعتقدون أن فرض‬ ‫عقوبات صارمة على إيران ال يمكن تحقيقه‪ .‬وقد أكد حسني موسويان‪،‬‬ ‫املفاوض النووي اإليراني السابق والذي يعمل في الوقت الحالي كباحث‬ ‫مشارك في جامعة برينستون‪ ،‬في كتابه بعنوان «األزمة النووية اإليرانية‪:‬‬ ‫مذكرة» على أنه كانت هناك مدرسة فكرية في إيران ترى أن إحالة‬ ‫امللف النووي اإليراني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى األمم املتحدة‬ ‫والتصديق على قرار فرض العقوبات ضد إيران لم يكن سوى «خداع من‬ ‫قبل الغرب‪ ،‬ولن يحدث ذلك»‪.‬‬


‫الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد‬ ‫د‪.‬عبدالله العسكر‪ :‬باحث وكاتب سعودي‪ ،‬عضو‬ ‫مجلس الشورى‪ ،‬ورئيس قسم التاريخ في جامعة‬ ‫امللك سعود‪ ،‬حاصل على دكتوراه في الفلسفة‬ ‫من جامعة كاليفورنيا بأميركا ‪ - .1985‬له العديد‬ ‫من األعمال العلمية املختلفة باللغتني العربية‬ ‫واإلنجليزية‪.‬‬

‫جوزيف براودي‪ :‬كاتب ومحلل سياسي اميركي‬ ‫متخصص في شؤون املجتمعات العربية‪ .‬آخر كتبه‪،‬‬ ‫("‪ )"The Honored Dead‬من اصدار‬ ‫"املوتى املحترمون"‬ ‫ُ‬ ‫"راندوم هاوس" للنشر‪ .‬نشرت مقاالته في النيو‬ ‫يورك تايمز والوول ستريت جورنال وغيرها من‬ ‫الجرائد واملجالت األمركية‪.‬‬

‫عبدالعزيز الخضر‪ :‬كاتب وباحث سعودي‪ ،‬مؤلف‬ ‫كتاب «السعودية سيرة دولة ومجتمع»‪ ،‬كاتب‬ ‫أسبوعي في صحيفة «الشرق» السعودية‪ ،‬وسبق‬ ‫له أن عمل رئيسًا لتحرير مجلة «املجلة»‪ ،‬وصحيفة‬ ‫املحايد‪.‬‬

‫شهير شهيد ثالث‪ :‬محلل سياسي وصحفي ‪ ،‬خبير‬ ‫الشؤون الداخلية والخارجية اليران‪ .‬مقيم في‬ ‫في ُ‬ ‫كندا‪ ،‬نشرت مقاالته في "ذي غارديان" البريطانية‬ ‫ومجلة "املونيتور" االمريكية و"اسيا تايمز " وغيرها‬ ‫من صحف ومجالت أوروبية وأسيوية‪.‬‬

‫رانيا زادة‪ :‬باحثة بمنتدى البدائل العربي‪ ،‬عملت في‬ ‫مجال التدريس بكلية االقتصاد والعلوم السياسية ‪،‬‬ ‫قسم فرنسي‪ .‬شاركت في العديد من اصدارات منتدى‬ ‫البدائل العربي من بينها "املجلس االقتصادي‬ ‫واالجتماعي في الدستور املصري" و"رعاة األحزاب‬ ‫في االنتخابات البرملانية املصرية"و"املحليات في‬ ‫الدستور املصري"‪.‬‬

‫زكي امليالد‪ :‬كاتب وباحث سعودي متخصص في‬ ‫الدراسات اإلسالمية ‪ ,‬رئيس تحرير مجلة «الكلمة»‬ ‫فصلية فكرية تصدر من بيروت‪ .‬صدر له قرابة (‪)30‬‬ ‫كتابًا‪ ،‬يكتب عمودًا أسبوعيًا في صحيفة عكاظ‬ ‫السعودية‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫‪7‬‬


‫المحتوى‬

‫البرنامج النووي اإليراني‬ ‫وسياسات روحاني؟‬

‫االعتدال املنحاز‬

‫اتجاهات السياسة‬ ‫األمريكية تجاه‬ ‫اإلخوان وإيران‬

‫تدليل األعداء‬ ‫وإهمال احللفاء‬

‫دور الجيوش العربية في الحياة السياسية‬ ‫واالجتماعية‪ ..‬مصر أنموذجًا‬

‫ربيع عسكري‬

‫عبد الكريم سروش‪ ..‬والصراطات‬ ‫ّ‬ ‫وجدلية العقل والحرية‬ ‫املستقيمة‪..‬‬

‫القبض والبسط‬

‫أسئلة مفتوحة ال‬ ‫تكف عن املشاغبة‬ ‫واملشاحنة والتكرار‬

‫البحث عن‬ ‫املثقف السعودي‬

‫هل يكون القصف في بيروت‬ ‫هو بداية نهاية حزب الله؟‬

‫الشرعية املفقودة‬ ‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬


‫‪www.majalla.com‬‬

‫مجلة العــرب الدولية‬


‫االفتتاحية‬

‫رساله المحرر‬ ‫الجدال والسجال في الحالة الثقافية السعودية أصبحا مفتوحني على مصراعيهما إلى حد االبتذال‪ ،‬فالشح‬ ‫الذي كان يطال تلك املساحة أتخم بمقاالت ومؤلفات وكتب‪ ،‬كلها تحاول أن تمأل هذا الفراغ ولو بالصدى‪،‬‬ ‫وتقتحم تلك البقعة التي يراها املراقب الخارجي دوما حالة مثيرة مغلفة بالغموض‪ ،‬محرضة على الخوض‬ ‫والنقاش والتفاعل ومحاولة الفهم‪.‬‬ ‫وسط زخم التحوالت السياسية وضخامتها‪ ،‬وانفتاح آفاق التواصل االجتماعي‪ ،‬تبدو الحاجة ملحة إلى مساءلة‬ ‫املثقف السعودي من جديد‪ ،‬كيف يقدم نفسه؟ وما الصورة التي يريد أن يظهر بها؟ وما األدوار الرئيسة التي‬ ‫يجب أن يضطلع بها؟ ماذا عن إنتاجه العلمي واملعرفي‪ ،‬وحضوره في الثقافة العربية واإلنسانية؟‬ ‫في هذا امللف الذي تفتحه مجلة «املجلة» نناقش مشكالت املثقف السعودي‪ ،‬حيث يؤكد الدكتور عبد الله‬ ‫العسكر‪ ،‬أستاذ التاريخ‪ ،‬وعضو مجلس الشورى السعودي‪ ،‬في مقالته أننا «أحوج ما نكون إلى تعزيز (ثقافة‬ ‫السؤال) من أجل تقليل املسلمات الثقافية املتوارثة‪ ،‬فنحن بحاجة إلى مغامرة فكرية وثقافية؛ ذلك أن السكون‬ ‫ال يصنع ثقافة مميزة»‪.‬‬ ‫أما الباحث في الدراسات اإلسالمية األستاذ زكي امليالد‪ ،‬فتساءل في مقالته‪« :‬في مجالنا الثقافي السعودي‪،‬‬ ‫ما صورتنا الثقافية؟ وهل هناك صورة فعال؟ وملاذا ما زالت مشوشة غير واضحة»‪.‬‬ ‫أما الكاتب السعودي فهد الشقيران‪ ،‬فيطرح حال ألزمة الثقافة يتمثل في «تحويلها ملساحة من الفن لنحمي‬ ‫أفكارنا من التيبس وذواتنا من التآكل»‪.‬‬ ‫وفي موضوع آخر‪ ،‬يناقش الكاتب األميركي جوزيف براودي السياسة األميركية في الشرق األوسط‪ ،‬منطلقا‬ ‫من التطورات األخيرة في مصر وإزاحة الجيش للرئيس محمد مرسي‪ ،‬وموقف الرئيس أوباما الحائر املتذبذب‪.‬‬ ‫في نفس السياق‪ ،‬يتناول الصحافي األميركي طوني بدران في مقال له عقيدة أوباما التي تنص على أن‬ ‫«الواليات املتحدة األميركية ليست بحاجة إلى سياسة خارجية»‪.‬‬ ‫وفي موضوع يتناول دور الجيوش العربية في الحياة السياسية واالجتماعية‪ ،‬تنطلق الكاتبة املصرية رانيا‬ ‫زادة ملناقشة هذه القضية من خالل النموذج املصري وتطوراته في املشهد العربي‪ ،‬مما قد يؤدي إلى «ربيع‬ ‫عسكري»‪.‬‬ ‫كما تقدم «املجلة» في األخير‪ ،‬عرضا ألهم عشرة كتب‪ ،‬هي دليلك لفهم اإلسالم السياسي بشقيه السني‬ ‫والشيعي‪ ،‬في الخليج العربي‪ ،‬والعراق‪ ،‬ومصر‪ ،‬والسودان‪ ،‬ولبنان‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا ‪ majalla.com‬ونرحب دائما بآرائك‬ ‫وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫المحرر‬

‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬


ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.

Omar A. Alshaikh ‫ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ‬

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

^¤ 7yG* Ò* ^d<

‫اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of ‫ﺳﻜﺮﺗﲑ‬ NASHR Co. Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

¥E¢ 6^G* £ }H

ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting‫سكرتري‬ CEO of-NASHR ‫ م�صطفى الد�سوقي‬.‫ د‬:‫التحرير‬ ‫الر�شيد‬Co. ‫ عبد اهلل‬:‫مسؤول مكتب اخلليج‬

ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ΃ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ΍ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ΍ ΪϳήΒϟ΍ ϰϠϋ ΔϠγ΍ήϤϟ΍ ϰΟήϳ ˯΍έ΁ ϭ΃ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh

‫للمشاركة‬ ȝƾżȚǍƄŵȚ

‫كلمة‬ 800 ‫ جميع المقاالت يجب أال تزيد على‬:‫ ملحوظة‬editorial@majalla.com ‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني‬ ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ΍ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ΍ ΔόΒτϟ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ

‫اشتراكات‬ ϡΎψϧ ϱ΃ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ΃ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ΃ ϭ΃ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝ΍ϮΣϷ΍ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ΍ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla :‫ لالشتراك في االلكترونية‬subscriptions@majalla.com :‫ يرجى االتصال بـ‬،‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‬ ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ΍ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϣ ϖΒδϣ ΢ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ΍ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ΃ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ΃ ΎϫήϳϮμΗ ϭ΃ Δϴϟ΁ ϭ΃ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ΃ ϭ΃ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ΃ ϲϋΎΟήΘγ΍ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ΍ ϙ΍ήΘηϻ΍ Ε΍έΎδϔΘγ΍

‫ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬.‫ التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‬2009 ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة‬ ‫ لتلقي‬.ً‫ وتصدر المجلة شهريا‬.)‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة‬ www.majalla.com ‫ يرجى زيارة‬،‫استفسارات االشتراك الرقمي‬

LVVXH

$XJXVW

Ώ΁ βτδϏ΃ ΩΪόϟ΍

++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1587 - September 2013 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn,

London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310

ϰμμΨΘϟ΍ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ νΎϳήϟ΍ ΎϬϟ κΧήϣ 2013 ‫ أيلول‬-‫ سبتمبر‬1587 ‫العدد‬

$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ΍

ZZZ PDMDOOD FRP HQJ

‫ تقاطع التخصصى‬- ‫ طريق مكة‬- ‫ حي المؤتمرات‬- ‫الرياض‬

‫مرخص لها‬

A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‫ لندن‬- 4419933 ‫ هاتف‬:‫الرياض‬

www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ΍ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϞΧ΍Ω Ϧϣ

hq@alkhaleejiah.com :‫ بريد إلكتروني‬،www.alkhaleejiah.com :‫موقع إلكتروني‬ +966 1 441 1444 : ‫ ومن مختلف الدول‬، +44 207 404 6950:‫ لندن‬، +331 537 764 00:‫ باريس‬،+9714 3 914440 :‫ دبي‬،920 000 417 : ‫من داخل المملكة‬

ϲϧϼϋϹ΍ ϞϴϛϮϟ΍ ‫الوكيل اإلعالني‬

ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ

ΕΎϛ΍ήΘηϹ΍ Ϟϴϛϭ

800-2440076 :‫ هاتف مجاني‬،www.arabmediaco.com :‫ موقع إلكتروني‬، info@arabmediaco.com :‫بريد إلكتروني‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ΍ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 1 2121774 :‫ فاكس‬+966 1 4419933 :‫ هاتف‬،11585 ‫ الرياض‬- 62116 ‫ب‬.‫ ص‬- ‫المؤتمرات‬ ‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي‬

www.saudidistribution.com :‫موقع إلكتروني‬

ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι

‫�شركات ن�شر‬ ‫شركات نشر‬

ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

‫وكيل التوزيع‬

ΔϋΎΒτϟ΍ ΰϛήϣ

ΔϋϮϤΠϤϟ΍ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com

Saudi Specialized Publishing ‫املتخصص‬ ‫السعودية للنشر‬ ‫ الشركة‬Company www.sspc.com.sa

áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG

www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

»‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم‬

ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ΍ ϕϮϘΣ

©ϡϼϋϹ΍ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 ‫ يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني‬،‫المعلومات‬ ‫للحصول على المزيد من‬

»‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة‬


AN AMERICAN EDUCATION A BRITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.

+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla today to download our catalog and viewbook.


‫العدد ‪ 1587‬سبتمبر‪ -‬أيلول ‪2013‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫جوزيف براودي وطوين بدران‪ :‬هل تراجع امل�شروع الأمريكي يف ال�شرق الأو�سط؟‬ ‫عبد الرحمن باع�شن‪ :‬امل�ساعدات اخلليجية مل�صر‪ ..‬اخلروج من عنق الزجاجة‬ ‫�شهري �شهيد ثالث‪� :‬سيا�سة الرئي�س الإيراين ح�سن روحاين‪ ..‬االعتدال املنحاز‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪09‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪issue 1587 september 2013‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.