cartier.com
روتوند دو كارتييه
مكرر الدقائق ،التوربيون المحلقة 9402إم سي موثقة بدمغة جنيف ،الكاليبر 9402إم سي دو كارتييه تجمع مابين اثنتين من أكثر تعقيدات الساعات الكبرى اعتباراً و ً هيبة :مكرر الدقائق و التوربيون المحلقة .بضغطة واحدة على الزر الجانبي يقوم مكرر الدقائق بتفعيل مطرقتين يمكن رؤيتهما من خالل ميناء الساعة فتعطيان الرنات التي تشير بالترتيب إلى الساعات و أرباع الساعات و الدقائق بالتطابق مع ما تؤشر إليه عقارب الساعة .يتم تنظيم الرنات بواسطة دوالب موازنة يعمل بالقصور الذاتي و يمكن رؤيته في موقع الساعة السادسة و يكمل ألف دورة في الدقيقة .مطور من خالل عدم وجود الجسر الذي يربطه إلى ميناء الساعة ،يظهر التوربيون المحلق و كأنه يطفو في قلب الساعة مبدع ًا تأثيراً بصري ًا فريداً. علبة الساعة من التيتانيوم ،تاج مصقول مرصع بحجر السافير بقطع كابوشون ،حركة ميكانيكية بتعبئة يدوية شغل الدار، مكرر الدقائق و توربيون محلق كاليبر 9402إم سي ،تصديق دمغة جنيف ( 45جوهرة 447 ،جزءاً ،تردد 21600ذبذبة في الساعة ،خزان طاقة مزدوج ،احتياطي الطاقة قرابة 50ساعة) ،مكرر الدقائق مع دوالب موازنة ،مطارق و أجراس قرصية مرئية على جانب الميناء ،توربيون محلق بدوار على شكل الحرف . C
بوتيك كارتييه في المملكة العربية السعودية ،الرياض ،ساكس فيفث أفنيو ،مركز المملكة،)01( 211 2450 : مجمع سنتريا ،شارع العليا العام)01( 462 6959 : ّ جدة ،شارع التحلية)02( 660 0720 : ّ مجمع الراشد مول)03( 881 4484 : ،13 الخبر ،بوابة ّ
الكلمة الأخرية التحذيرات من مؤثرات األزمة املتفاقمة في سوريا على دول الجوار لها ما يبررها .وعلى األقل ،أثبتت األشهر األخيرة استحالة إبقاء العراق ولبنان واألردن بمنأى عن النيران السورية. صحيح أن غالبية دول العالم رهائن ملوقعها الجغرافي بطريقة أو بأخرى .وبالتالي ،فهي محكومة باعتبارات الجوار، وطبيعة التفاعل معه سلبا وإيجابا .والكيانات العربية في منطقة الشرق األدنى مضطرة إلى التعايش مع مصالح القوى اإلقليمية الثالث غير العربية ،أي إسرائيل وإيران وتركيا ،التي تفوقها منعة والتي تبدو حتى اآلن أكثر تماسكا واقتناعا بمصالحها ومطامحها وسبل تحقيقها. بما يخص الحالة األردنية ،فهي ذات صلة مباشرة بالنزاع الفلسطيني -اإلسرائيلي ،أي إنها في عني العاصفة قبل بداية املواجهة مع «إيران الخمينية» ،وبطبيعة الحال قبل تولي اإلسالميني الحكم في تركيا وبزوغ فجر «الربيع العربي». ثم إن شكل الحكم امللكي األردني وشرعيته مختلفان عن أشكال الحكم «الجمهورية» (!) في العراق وسوريا ولبنان. ولذا ،فاالعتبارات التي تحكمها مختلفة إلى حد ما عن حاالت الكيانات الثالثة ،املهددة اليوم أكثر من أي وقت مضي إما بالتقسيم والتفتت أو التحول إلى «دول فاشلة». في املقابل ،يجوز الزعم بأن غياب املواطنة هو القاسم املشترك بني الثالثي الذي غدا عمليا «املمر اإليراني» إلى املتوسط، وقطاع النفوذ الجيوسياسي لـ«الشيعية السياسية» – كما تمثلها إيران الخمينية – الذي يفصل جغرافيا أكبر كتلتني بشريتني سنيتني على تخوم أوروبا ،أي العالم العربي والعالم التركي ،إحداهما عن األخرى.
بقلم: �إياد �أبو �شقرا
اإلنجاز الذي تسعى طهران لتحقيقه اليوم عبر «املمر اإليراني» (أو «الهالل الشيعي» كما يوصف أحيانا) كان هاجسا عند تركيا العثمانية في أوج مواجهتها مع إيران الصفوية خالل القرن امليالدي السابع عشر .وهو ما استدعى رعايتها نشوء كيان على الشاطئ الشرقي للمتوسط بهدف «تأمني» طريق الحج للسلطان العثماني ،أي خليفة املسلمني ،بينما خاضت القوتان مواجهات كبرى على أرض العراق .وقام ذلك الكيان الساحلي على شكل مثلث رأسه الداخل السوري – بما فيه دمشق – وقاعدته خط الساحل من الالذقية إلى الجنوب من حيفا ،وقلبه جبل لبنان. اليوم ،بعد الحرب اللبنانية ( )1990 - 1975وغزو العراق ( ،)2003وكذلك سلسلة األخطاء التي ارتكبها نظام آل األسد إبان مرحلة األسد االبن ،التي كانت من محطاتها الكبرى اضطراره إلنهاء سيطرته العسكرية واألمنية املعلنة على لبنان في ربيع - 2005تظهر حقائق مؤملة تحت رماد النزاعات األهلية والتسلط الطائفي والعشائري والعائلي وهيمنة األجهزة األمنية على مقدرات الدولة ،بل اختصار مؤسسات الدول في تنظيمات ما عادت أحزابا .إننا بصدد خيارين ،األرجح أنه ال ثالث لهما ،إزاء أوضاع العراق وسوريا ولبنان .وبصرف النظر عن إمكانية إنهاء األزمة السورية بتسوية سياسية ،على املتابع الجاد االقتناع بأن سوريا ما قبل مارس (آذار) 2011انتهت إلى غير رجعة .وباملثل ،بات مستحيال إنهاض «عراق صدام حسني» أو استنهاضه ،أو استعادة لبنان ما قبل الطائف (أواخر ،)1989بل حتى ما قبل «اتفاق الدوحة» (.)2008
الحل لحزام «الدول الفاشلة»
لقد رسمت األحداث وقائع جديدة على األرض ،يتعذر تغييرها بجرة قلم ،أو مصافحة من وحي «عفا الله عما مضى». تغيرت التوازنات والعالقات بني املكونات البشرية داخل الكيانات الثالثة ،وحصل واقع تقسيمي حقيقي في النفوس واملشاعر ،إن لم يكن على األرض حيث املدن املدمرة واملاليني املشردة والسيارات املفخخة التي تحصد العشرات عشوائيا أحيانا ،وعلى الهوية غالبا. الصيغ الحالية غير قابلة للحياة ،وعلى الجميع االقتناع بضرورة الكف عن الهروب إلى األمام وتجاهل الحقائق .فما عاد باإلمكان التذرع بالخارج ،رغم وطأته الثقيلة وتدخالته املستمرة .وما عاد باإلمكان االحتماء بالتخوين والتكفير واستسهال اإللغاء واالجتثاث وصوال إلى استحالل الحرمات. أما الحل ،فلعله في تعريف نقاط االختالف الذي تحول إلى خالف ،ومن ثم االنطالق منه إلى تنظيم االختالف وفق تسوية مؤسساتية واقعية ،تلغي عند من تتوهم أنها أكثريات هاجس الشعور بالغنب والرغبة في االنتقام ،وتزيل عند األقليات مشاعر الخوف والقلق من التهميش .بعد أنهار الدماء التي سالت في كل من العراق وسوريا ولبنان منذ ،1975 صارت «الفيدرالية» – أو لنسمها «الالمركزية اإلدارية املوسعة» – الخيار الوحيد لدرء الفتنة واالنزالق نحو االنتحار الجماعي. ملاذا ال نتعلم من نجاح نماذج سويسرا حيث يعترف الدستور بأربع لغات رسمية ،أو الواليات املتحدة حيث تتساوى «دول» كبيرة وصغيرة تحت قبلة الكابيتول ،والهند حيث تستحدث الواليات الجديدة حيث وحني تدعو الحاجة.
66
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
ً ً إسالميا مجتمعا دولة حزب الله بلبنان احلركات السلفية يف املغرب 2004 - 1971 املؤلف :عبد احلكيم أبو اللوز الناشر :مركز دراسات الوحدة العربية2009 ، هذا الكتاب في أصله دراسة أكاديمية مسحية للحركات السلفية النشيطة في املغرب منذ بدايات السبعينات ،اعتمد فيها الباحث املقاربة األنثروبولوجية الكتشاف رؤية السلفية املغربية للعالم وكما اعتمد املنهجية السوسيولوجية الستعراض تاريخ الحركات السلفية ونشأتها وامتدادها الجغرافي والتعبئة التي تقوم بها ونوعية السلطة التي تسود فيها إضافة إلى عالقاتها السياسية ،ومواقفها من القضايا الرئيسة التي عاشها املغرب.
املؤلف :وضاح شرارة الناشر :دار النهار2007 ، تناول الكتاب تأثر لبنان بالظاهرة الخمينية ،منذ مطلع الثمانينات، وأثرها في انقطاع الشيعية عن الدولة ،فبعد تصدع حركة موسى الصدر، ودوامات الحروب ،وانقضاء طلبة العلم الديني اإلمامي ،وتراجع حلقات النجف لصالح إيران ،نمت حركات تؤمن بوالية الفقيه ،ساهم في ذلك اهتمام الخميني الذي استغل هاالته في توجيه عناصره لبناء نواة ألمته املبتغاة ،ففي لبنان كان تشكيل نواة أمة حزب الله ،من حزب الدعوة وحركة أمل وخمينيني ،وغيرها ،وتم اإلنشاء بترتيب إمامي صارم ،له أصل إيراني ثابت «فما تلك الهيئات املختلفة إال فروع ألصل واحد هو الثورة اإلسالمية» تتقفى حتى مرحلية الخميني في الدعوة، فبعد ظهور الطبقة الجديدة وجراء الجروح االجتماعية والسكانية التي خلفتها الحرب اللبنانية على الجماعات الشيعية كان بناء املعقل اإلسالمي ،في املسجد والنادي الحسيني ،فتأكد مجتمع الحرب الذي يتقبل اآليديولوجيا ،التي تقوم على الحالة الجهادية ،وصل الكتاب في الفصل الخامس عشر إلى القول بأنه في 1996أصبح من املمكن القول «نجح حزب الله في إنشاء حركة شيعية وأهلية تجمع القتال إلى السياسة والعلنية إلى السرية» وتؤمن بأن نجاحها مرده للولي الفقيه ،ويشير هنا إلى االنتماءات العابرة للقارات .ويشرح عقيدة الولي الفقيه وصوال إلى حرب تموز.
جهاد ..انتشار وانحسار اإلسالم السياسي املؤلف :جيل كيبل الناشر :دار العالم الثالث2002 ، اإلسالم السياسي يف زمن القاعدة املؤلف :فرنسوا بورغا الناشر :دار قدمس 2006
ً مزيجا لتاريخ اإلسالم السياسي الكتاب يتناول اليمني وحاضر «القاعدة» .الكتاب جاء نتيجة بحث ميداني ،قدم تاريخ اإلسالم السياسي اليمني منذ اإلمام يحيى في األربعينات متناوال دور اإلخوان في اغتيال امللك ،ورعاية الحركات املناوئة ،كما تناول مشروع اإلخوان في اليمن باستفاضة وصوال لعهد علي عبد الله صالح والتعاون معه واملشاكسات التي تدور في إطار تحالفات براغماتية ،في حني كان التبلور السلفي يأخذ اتجاها تصاعديا نحو العنف ،ربما بدفع من ظروف كثيرة شارك اإلخوان في صنعها ،وينتقل الكاتب ً متشربا لتحليل مقبل الوادعي العائد لليمن من السعودية للسلفية ،وبدأ يوضح األجواء التي احتضنت التنظيم. وهاجم الكتاب خيار الحرب الشاملة على اإلرهاب.
اعتبر الكتاب لسنوات طويلة أنه أهم كتب اإلسالم السياسي ،كتب الكتاب قبل أحداث سبتمبر (أيلول) ،2001ولكن تم تحديثه بعدها بمقدمة ضافية، يرصد املؤلف االنتشار الواسع لإلسالم السياسي في الثمانينات ،ووصفه بالرأسمالي امللتحي ساكن العشوائيات ،حدد 1989كذروة التيار ،بعد والدة جبهة اإلنقاذ ً معتبرا أنها تحولت لطليعة جديدة تجمل فكر سيد قطب وسالح مقاتلي الجزائرية، الحرية املوروث من أفغانستان ،وبعد الشرخ في حرب الخليج بني السلطات والجماعات، اختار املقاتلون اإلرهاب ،وحاول التنبؤ بمستقبل اإلسالم السياسي ،قائال« :إن الدمار الناجم عن العمل اإلرهابي ،ال يمكن أن يحول هذا العمل إلى نصر سياسي يسمح له باالستيالء على السلطة التي يطمع فيها» .الكتاب مهم لفهم تاريخ رؤية املفكرين في الغرب للظاهرة.
أزمة اإلسالم السياسي ،اجلبهة اإلسالمية القومية ً منوذجا يف السودان املؤلف :حيدر إبراهيم ناقش اإلسالم السياسي وتعريفه وأزمته ،وعوامل صعوده إثر انهيار الشعارات العربية القومية ،وبدأ بتاريخه في السودان ً ورودا من مصر ،ثم آليات التنظيم في الحركة واالنتشار السياسي ،وتحدث عن قدرة التيار على ً مستندا على تحليل كتب ومنشورات التنظيم ،ومر على األوعية الحزبية «تزييف الوعي» ومراحل التطور إلى أن تم االنقضاض على السلطة.
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
65
مراجعات
صحوة الشيعة :كيف تشكل الصراعات داخل اإلسالم صورة املستقبل
حتوالت اإلخوان املسلمني.. تفكك اآليديولوجيا ونهاية التنظيم
املؤلف :ولي نصر الناشر :دار الكتاب العربي 2007
املؤلف :حسام متام الناشر :مكتبة مدبولي 2010
يمكن لكل قراء اإلسالم السياسي أن ّ يفوتوا قراءة الكثير من الكتب ولكن تفويت كتب حسام تمام يعتبر ثغرة كبيرة ،ألن الباحث املصري الراحل تميز بقراءة فاحصة من الداخل والخارج لجماعات اإلسالم السياسي ،تراقب املتحركات وترصد ما يمكن تسميته بالصيرورة، فهو الخيط الوحيد بني الجماعة «كقدر وصدفة وصيرورة» ،والجماعة «كتنظيم وتخطيط وإرادة»، تخصص تمام في تشريح تاريخ اإلخوان ودراسة الظاهرة اإلسالمية بشكل عام ،ويمثل كتابه «تحوالت اإلخوان املسلمني» نقلة مهمة في رصده للجماعة من اإلعجاب املبرر والنقد املسبب ،إلى التنبؤ والرصد الذي يدهش األطراف جميعها سواء املؤيدة لإلخوان أو خصومهم الفكريني ،خاصة أفكاره حول ترييف اإلخوان وسلفنتهم. ّ ّ ّ الكتاب له ميزات عدة ،أهمها أنه من تأليف مراقب ّ جمل سنوات ما قبل ّالربيع لصيق للجماعة ،وأنه ُي ِ ِّ ّ وتلون الخطاب اإلسالمي فيها في أوقات الشدة ّ والرخاء ،فالرجوع إليه يمثل الخطوة األولى لكل الطارئني على دراسة الظاهرة اإلسالموية ،حتى يستطيعوا توثيق تاريخ مهني يستطيع تتبع طبيعة الخطاب اإلخواني ،ألن أصل الكتاب ،هو مقاالت سبق نشرها في الفترة من عام 2000إلى عام ،2008أعاد الكاتب تدبيجه بمقدمة ّ مطولة ربطها بعام ،2010 َ ً مضمنا إياها خالصة ّ مطورة استخدمت كل محتوى ّ أجمل فيها الت ّ الكتاب التفصيلي حينهاَ ، حوالت في ّ نظيمية نحو االنفالت ،والبنية الفكرية نحو البنية الت ِ التفكك ،والتبدل ،وهي ّ تحوالت أملتها الضرورة السياسية ،أو قادتها الصيرورة االجتماعية ،وألنّ ِّ ِ هذه العموميات ال تفي ،فالتحوالت املرصودة يبني أنها طارئة ،وأن ً تواترا متواصال من الجهود يسعى لبناء دولة موازية للدولة ،وشعب من املؤيدين للتنظيم مواز للشعب ،ناقش الكتاب التنظيم الدولي وأكد أنه ّ انتهى ،يضيف الكتاب مصطلح عملية الترييف، ّ ُ ُوي َ ريفية تخا ِلف ما نشأت قصد بها سيادة ثقافة عليه الجماعة من املظهر املدني الذي سلكه «البنا»، نقلتها من جماعة مدنية في طبيعة عضويتها؛ ونمط
64
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
ُ َ ِّ تجنيدها؛ والقواعد؛ واللوائح املنظمة لها؛ إلى جماعة ريفية ،صاحبة ثقافة تتوسل بالقيم األبوية ،كالطاعة َ ّ نظيمي ،وانتشار املطلقة؛ واإلذعان للمسؤول الت ِ ثقافة الثواب والعقاب والتخويف حتى في العالقات ّ يمية ،وتقبيل األيادي والرؤوس ،وضعف احترام الت ِ نظ ّ فكرة اللوائح والقوانني ،وتفشي مجتمعات «النميمة». رصد – تمام -العالقة اإليجابية بني اإلسالميني ّ والعوملة؛ واتجاه الجماعة إلى اقتصاد السوق ومنطقه وإقامة املصالحة التي جرت بني الدين والثروة ،ويرى أن مشروعهم تلخصه أسلمة الكوال لتصبح «زمزم كوال» أو «مكة كوال» ومقاطعة سلسلة «ماكدونالدز» لصالح سلسلة مطاعم «مؤمن» ومحالت الحالل رغم أن الجميع كوال في فاست فوود .وتتبع الكتاب إلى سيرة رأسمال اإلخوان في مصر منذ البنا ّ ّ تأسيس عدد من الشركات واملؤسسات االقتصادية، ّ نظيم املالي ّالدولي منذ عبد العظيم لقمة ،ويوسف والت ِ ندا ،وحلمي عبد املجيد ،ومصطفى مؤمن ،وعاكف املغربي. واصل تمام فقدم تجربة «اإلسالميني التقدميني» ً معتبرا إياها تجربة نادرة في تاريخ الحركات اإلسالمية ،حسبما يقول حسام تمام ،من حيث اإلضافة الفكرية ،ولكنها كانت فاشلة ومتعثرة ّ ً تنظيميا ،بيد أنها تمثل النموذج الوحيد في الحركات اإلسالموية الذي حاول التجديد خارج األصول والقواعد الثابتة للفكر والفقه اإلسالمي .ونسب ّ إليها تيار اليسار اإلسالمي وقال إنه ظهر في بعض البلدان العربية كامتداد لتجربة اإلسالميني التقدميني بتونس. في ذلك يقول تمام إن ّ التحوالت تمت «في تصريحات صحافية ال تستغرق من صاحبها جهد التفكير، ينتقل اإلخوان من رؤية إلى أخرى النقيض منها؛ من خطاب كان يتحدث عن أهل الذمة ويستند على فتاوى تتحدث عن حرمة بناء الكنائس في البالد التي فتحت حربا أو ترميم ما تهدم منها في البالد التي فتحت صلحا إلى خطاب املواطنة!
حاول الكتاب دراسة تأثير حرب العراق على تشكل اإلسالم ،ومن بعده انتصار حزب نصر الله في 2006 على إسرائيل .وقال إن ثمة صعودا شيعيا يلوح في األفق ،مسجال بزوغ الهالل الشيعي، وموقف زعماء الدول السنية منه مثل السعودية والبحرين ،كما تناول موقف علماء سنة منه مثل القرضاوي .يقول الكتاب إن أسباب الصحوة الشيعية هي املساعدات السياسية األميركية التي أثارت قلق السنة العرب ،وتأثير ما حدث للشيعة في العراق انسحب على بقية شيعة املنطقة ،حتى أنه يرد إقبال الشيعة على االنتخابات البلدية في 2005لذلك التأثر .وقال في خالصة بعد جداول تعداد الشيعة إن مرحلة ما بعد حرب العراق لم تلد شرق أوسط أكثر ديمقراطية ،وإنما أكثر ً تشيعا ،يؤثر على خارطة العالقات العاملية، بما فيها العالقات السنية األميركية ،ومن املهم اإلشارة إلى عالقة اإلسالم السياسي الشيعي العراقي بإيران ،وينسحب ذلك على اإلسالم السياسي الشيعي ،رصد ولي نصر في كتابه، الروابط واالتصاالت ،وتطور الالجئني العراقيني لدى إيران إلى رجال دين ،وربما تم استيعابهم في الحرس الجمهوري وغير ذلك ،ويعدد أسماء مهمة مثل آية الله سخيري وكاظم الحائري ومحمد باقر الحكيم ،ويسوق بقية الكتاب ،ليؤكد ً صعودا شيعيا ربما أن األحداث تتطور ليقول إن ً الفتا يأتي بدعم أميركي ،غير الشرق األوسط، وقد يعيد جسور الثقة بني إيران وأميركا ولكن بعد فترات طويلة.
احلركات الدينية يف اخلليج العربي التيار اإلسالمي يف اخلليج العربي -دراسة تاريخية
املؤلف :باقر سلمان النجار الناشر :دار الساقي للطباعة والنشر2007 ،
املؤلف :هاشم عبد الرزاق صالح الطائي الناشر :مؤسسة االنتشار العربي2010 ، يتناول الكتاب التيار اإلسالمي في الخليج العربي بني عامي 1945 و ،1991ومنابعه ،ويناقش مواقفه إزاء القضايا املوجودة بني التاريخني ،املحطة األولى كانت اإلصالح في الفكر اإلسالمي على ً ومرورا يد رشيد رضا واألفغاني ومحمد عبده ،وما قبليهما منذ ابن تيمية بالدعوة السلفية ،ودعوة اإلخوان املسلمني وبعد املقدمات ،تناول جذور التيار اإلسالمي في الخليج ،مشيرا إلى دور الوعي في دخول التيارات كلها بما فيها الدينية ،وكانت الصحافة الخليجية متأثرة بمجالت وصحف الصحوة (املنار) وغيرها ،ويشير إلى أن التيار اإلسالمي اكتسب شعبية في الخليج بعد نكسة ،1967التي قلبت التوجهات الفكرية. قبلها كانت زيارات البنا للسعودية ،والرحالت العلمية إلى دول الخليج األخرى فتشكلت واجهات للتنظيم تمثلت في جمعية اإلصالح البحرينية ومؤسسها عبد الرحمن الجودر ،وجمعية اإلرشاد اإلسالمي في الكويت ووجود عبد العزيز املطوع. كما تأثر إسالميو الخليج بالتنظيمات السنية فقد تأثروا أيضا بالتنظيمات الشيعية القريبة ،التي بدأها بحزب الدعوة ،وقد وجد الحزب بكثافة في البحرين 1968وأصدر مجلة «مواقف» ،ولكن بعد أزمة حزب الدعوة (األم) ُ في العراق ضيق على (الفرع) في البحرين فانتقل إلى الكويت ،ثم إيران ثم لندن. يركز الكتاب على تأثير الثورة اإلسالمية اإليرانية على االتجاه السياسي للفكر الشيعي ،وربطه بالدعوة للعنف في خطابات الجبهة اإلسالمية لتحرير البحرين التي قادت مظاهرات فبراير (شباط) ،1979وما عرف بانتفاضة املنطقة الشرقية ،ومنظمات مثل منظمة الثورة اإلسالمية لتحرير الجزيرة العربية. أهم فصول الكتاب هي رصده ملواقف التيار اإلسالمي من القضايا الداخلية مثل الرفاهية والديمقراطية وقضايا املرأة ،أما الخارجية فقضية فلسطني، والغزو الروسي ألفغانستان ،فقد دعمت التيارات اإلسالمية األفغان وذهب نحو 12000شاب سعودي ملقاتلة الروس ،والحرب العراقية اإليرانية إذ دعمت األنظمة السياسية الخليجية دولة العراق ،أما التيارات اإلسالمية فتباينت آراؤها ،وأبرز القضايا هي حرب الخليج الثانية :1991 - 1990فبعد اجتياح صدام للكويت ومجيء القوات األجنبية لتحريرها ،أدان بعض اإلخوان العراق وامتنع البعض ،وتوحدت السلفية ضد وجود القوات األجنبية في الجزيرة العربية على الرغم من فتاوى رسمية .ساهم اإلخوان في الكويت في التحرير وانفصلوا عن املوقف العاملي للتنظيم وغيروا اسمهم بعد التحرير.
باقر النجار أكاديمي بحريني ،حاصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن كتابه «الديمقراطية العصية في الخليج العربي» ،وله غيره من املؤلفات ،مهموم بدراسة اإلسالم السياسي ،وكتابه «الحركات الدينية في الخليج» مستل من مشروع أوسع ،إال أنه أحاط باملوضوع وسدد وقارب ،صور الكتاب خارطة التيارات اإلسالمية السنية والشيعية في الخليج العربي ،ورؤيتها ألسلمة الدولة وموقفها من تداول السلطة، وتعاملها مع السلطات الخليجية القائمة وتعامل السلطات معها، ومراحل وعيها السياسي الداخلي ،فكيف انتقلت من تحريم السياسة إلى الغرق في بحورها؟ فأطوار مفاعلتها في الحراك السياسي الداخلي رفضا فمهادنة ومعايشة كانت غريبة ،وأشار ًالكاتب إلى أن تطويعها آليديولوجيات دينية وشعائر لتكون واجهة سياسية جعلها مادة مهمة لكل باحثي علم االجتماع الديني .الكتاب اشتمل على ستة فصول عن االستقطاب والقبول الجماهيري للحركات وأسبابه، اختص قسم بتيارات اإلسالم السني وتحولها من حالة التحالف مع الحكومات إلى االنقالب عليها (قبل الربيع العربي) ،وتحدث عن اإلسالم السياسي الشيعي ،ثم عن القواسم املشتركة بني جماعات اإلسالم السياسي بشقيها السني والشيعي ومحاولتها فرض سيطرتها على املجتمع باستخدام سطوة الدين ،ثم تحدث أخيرا عن أن دول الخليج بدأت تفقد الكثير من املواقع في أدوارها الداخلية مقابل تنامي أدوار الجماعات اإلسالمية في املجتمع العربي .وقال إن جماعات اإلسالم السياسي في الخليج العربي، بشقيها السني والشيعي ،كما هو حال القوى والجماعات السياسية واالجتماعية الحداثية أو العلمانوية ،ستأخذ دورتها في الصعود ومن ثم الهبوط .ويتصور أنها وصلت إلى قمة الهرم أو «ذروة القوة» ( ،)2007وأن أفولها قد يأخذ بعض الوقت. املالحظة األبرز التي يجب االنتباه لها ،أن الكتاب يصور ما قبل الربيع العربي.
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
63
مراجعات
ّ ّ وتسيد ّ اإلسالم السياسي صار حديث ّ رواده بهو العربية، الساعة ُمذ ارتقى قادته سنام ربيع الثورات القصور الفارهة ،فانكب الناس عليه ،خبراء في تياراته في كل البلدان ،فهل ُيالمون :الجواب ال ونعم! فاالهتمام بالتيار طبيعي ،ولكن الوقوع بغير علم ،خطأ ،والخطأ األكبر يتمثل في قراءة الكتب الجديدة املليئة بشعارات الثورة واملختلطة بالخوف ،دون الرجوع إلى كتب اإلسالم السياسي في عهد الركود .يختصر هذا امللف توليفة مهمة من الكتب التي تمنح صورة تؤهل من يريد أن يقرأ بعدها ما يشاء.
عشرة كتب ..دليلك إلى فهم اإلسالم السياسي
حديث الساعة بقلم: املحرر الثقافي
,,
املكون الفكري والحركي لإلسالم السياسي متشابه في شقيه السني والشيعي حيث أن هناك تواصال وتأثرا مباشرا في األهداف واملشاريع
,,
62
الكتاب منقسم إلى جزأين يسدالن ظاللهما على مائة عام من الحراك املستفيض ،ابتدر الجزء األول باإلسالم السياسي الشيعي ،متناوال دور املرجعية من بدايات القرن العشرين انتهاء بالسيد السيستاني ،ومواقفها من قضايا «الحركة الدستورية أو ما ُعرف باملشروطة واملستبدة ،1906وثورة العشرين ( 30يونيو/ حزيران ،)1920وحوادث .1935 - 1934
الجماعات ،كجماعة الخالصي ،التي تنسب إلى محمد مهدي الخالصي (توفي في ،)1922وهم َّ ممن عملوا على التقارب مع املذاهب َ ُالسنية. الفصل األخير ،جعله ُّ الخيون في شأن املهديني َّ بعد التاسع ِمن أبريل ،2003كانت جماعة جند َّالسماء وغيرها من الجماعات التي كانت تستعد لظهور املهدي املنتظر ،مثل جماعة َّ الص ْرخي وجند السماء وأنصار اإلمام املهدي ،والسلوكيني ً تسريعا أو السلوكية الذين يكثرون املعاصي لظهور املهدي.
ووصل إلى مرجعية آية الله محسن الحكيم، الجزء الثاني من الكتاب تناول اإلسالم السياسي التي بدأت منذ وفاة محمد حسني النائيني ً مركزا على التيار اإلخواني ،وعمدته السني ( ،)1936وموقفه املؤيد لثورة تموز ،يشير وعميده بالعراق محمد محمود الصوافّ ، مر الخيون إلى ّأن غالب التكوينات اإلسالمية على تأسيس الحزب اإلسالمي املعبر عن مائة عام من اإلسالم الشيعية هي رد فعل للنفوذ الشيوعي الذي التيار في عام ،1960وكان هدفه وقف خطر تعاظم في أواخر األربعينات والخمسينات في السياسي العراقّ ، الشيوعية واإللحاد ،وقد ُحل التنظيم اإلسالمي مر الخيون على الحزب الجعفري الذي بأمر السلطات ،فانتقل اإلخوان إلى مرحلة تأسس عام ( 1952وقيل )1951بالنجف وهو املؤلف :رشيد اخليون ً العمل السري ،وعن فترة الرئيسني عبد السالم مشيرا نواة لتأسيس حزب الدعوة اإلسالمية، عارف وعبد الرحمن عارف ،أشار ُّ الخيون إلى أنه معارضته لدور باقر الصدر الذي تعاظمت الناشر :مركز املسبار للدراسات وعلى الرغم من التقارب بني عبد السالم عارف لنظام صدام بعد الثورة اإليرانية ،تناول والبحوث 2011 واإلخوان ،وعالقته املتآخية بهم ،والتي وصلت الكتاب أيضا ،العمل والوفاق اإلسالميني، إلى حد توسطه عند جمال عبد الناصر إلطالق اإلسالمي تأسست عام 1967 فمنظمة العمل ُ سراح سيد قطب .إال أنهم لم يستفيدوا من ذلك وهي مرتبطة باألسرة الشيرازية بكربالء، ووثق للمجلس األعلى اإلسالمي ،وهو متشكل من حزب الدعوة اإلسالمية ،سواء إلشهار نشاط الحزب اإلسالمي أو ألسلمة املجتمع .وبعد تقلد حزب ومنظمة العمل اإلسالمي ،وحركة املجاهدين العراقيني ،وأحزاب أخرى ،البعث في 1968دخل الحزب اإلسالمي في مرحلة عمل الخاليا السرية ً ً رسميا ،برعاية إياد السامرائي ،وفي 1980تسلم الرعاية عبد املجيد معرجا على فيلق بدر ( ،)1983الذي دخل العراق بعد سقوط النظام ()2003 وتحول إلى منظمة مدنية باسم منظمة بدرّ ، فصل الكتاب األجيال الثالثة السامرائي ،ونقل الحزب نشاطه للخارج في ،1987اختار اإلخوان بعد للتيار الصدري ،فالصدر األول أعدم في ( ،)1980أما الصدر الثاني محمد سقوط بغداد العمل تحت ظل االحتالل وفي حكوماته ،وانتخب محسن محمد الصدر ،فقد استفاد من أجواء الحملة اإليمانية التي أطلقها صدام ،عبد الحميد لقيادته وتمثيله في مجلس الحكم ،عقبه جاء طارق الهاشمي وكان منافسا للسيستاني على املرجعية ،وكان ينعته بالسلبية إلى أن اغتيل في ،2005كما تناول الكتاب حزب التحرير ،ووسع املناقشة لتضم هيئة علماء املسلمني التي تأسست بعد سقوط بغداد في ( ،)2003عن تالق بني في .1999 هيئة علماء الشريعة بالكرخ ،وجمعية علماء املسلمني بالرصافة ،وتناول بعد وفاته كان أول ظهور للتيار الصدري في اإلعالم ،عقب مقتل السيد عبد الكتاب الجماعات املسلحة وفي مقدمتها تنظيم القاعدة في بالد الرافدين، سلفية ،رصد ُّ املجيد الخوئي ( 10أبريل /نيسان ،)2003وقال الخيون إن ظاهرة مقتدى الذي كون إمارات إسالميةّ ، الخيون الفتاوى التي أيدت العنف جاءت كتحصيل حاصل ،لسنوات من االنقطاع عن العالم ،كما تناول الكتاب والتي أدانته في العراق.
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
بـ 12في املائة من السعر املتداول وقتها ،وبعد ذلك يمكن الحديث عن عودة النشاط السياحي وإسهامه ،من حيث العوائد املعتبرة من جهة واالنخراط في االستثمار السياحي من جهة أخرى ،لتعزز في نهاية األمر الوضع االقتصادي ككل. ومن اآلثار اإليجابية للمساعدات الخليجية ملصر ،تقوية املوقف املصري في مفاوضاته مع بعض الجهات الدولية واإلقليمية ،خاصة صندوق النقد الدولي للحصول على قرض كبير والذي ّقدر فيما مضى من وقت بـ4.8 مليار دوالر ،فضال عن توظيف ما تتلقاه من مساعدات سنوية تقدمها لها الواليات املتحدة األميركية على شكل مساعدات نقدية تذهب معظمها للجيش املصري مباشرة بما يقدر بـ 1.5مليار دوالر. وبالعودة للمساعدات الخليجية ،فإنها تعتبر سهما كبيرا في تخفيف األزمة االقتصادية واملالية الكبيرة والتي يعلم الجميع أنها تفاقمت ،خالل األعوام الثالثة األخيرة ،والتي بدت منذ اإلطاحة بالرئيس األسبق حسني مبارك وتضاعفت في عهد الرئيس املخلوع مرسي ،ستنفخ الروح في عصب الجنيه املصري وتأخذ عن كاهل مصر ،اإلمالءات اإلجرائية املؤملة من قبل الجهات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي. وبالتأكيد فإن املساعدات املالية الخليجية ،تساهم في جذب املزيد من االستثمارات الجديدة ،فضال عن توسيع دائرة املوجود منها أصال، وتساعد في تصميم نظام نقدي ومالي يعالج موضوعات اقتصادية مهمة تتعلق مثال بدعم السلع الغذائية والوقود وسداد فاتورة الواردات التي تسببت بشكل مباشر في تأزم الوضع االقتصادي وطرد املستثمرين بمختلف مجاالتهم ،والتي ترتب عليها فقدان الخزينة املصرية لحجم كبير من النقد األجنبي ،استنزفت بموجبه مصر ما يقدر بـ 20مليار دوالر من االحتياطي منه.
تستعجل وضع خطة استراتيجية تكون بعيدة املدى ،تأخذ في الحسبان ،كيفية توظيف املساعدات الخليجية في تصحيح أوضاعها املالية لتغطية فاتورة واردات البالد وفق املعايير الدولية التي تمكنها من االستفادة من إمكانات الصناديق والبنوك الدولية من جهة ،ومن جهة ثانية العمل على استغالل هذه األموال في مجاالتها االستثمارية واالقتصادية املجدية للفت النظر لجاذبية االستثمار في مصر وحافزيته من أجل بناء أرضية صلبة للنمو في حالة تخفيض األجور واإلنفاق ودعم اإليرادات. كما ينبغي على النظام النقدي واملالي املصري الجديد ،مراعاة خطورة التهور في االقتراض دون خطة تكفل توظيفها على وجهها األكمل، تجنبا للوقوع في هوة العجز املؤملة والتي يمكن أن توقف عجلة اإلنتاج وتجميد النشاط االستثماري بالشكل املطلوب ،خاصة أنه ال تزال في أذهاننا ما ارتكبته الحكومة السابقة من أخطاء إجرائية تسببت في عجز بلغ 113.4مليار جنيه مصري ( 16.2مليار دوالر) بما يعادل نحو 15في املائة من الناتج املحلي اإلجمالي ،حسب املعلومات التي وردت من وزارة املالية وقتها. ولم تقف األخطاء عند ذلك ،بل توقعت الحكومة وقتها ،عجزا بقيمة 135مليار جنيه للسنة املالية املاضية كاملة ،في حني وصل العجز بالفعل إلى 202.9مليار جنيه عام ،2013وال ننسى كيف تصرفت الحكومات املتعاقبة حيال ذلك ،حيث لجأت الحكومات إلى سد العجز من خالل بيع سندات وأذون خزانة للبنوك املحلية ،غير أنه في الوقت نفسه لم تكن هذه البنوك قادرة على القيام بعمليات شراء تعالج وقتها باتزان مقبول.
وليس بعيدا عن األذهان والذاكرة االقتصادية وضع مصر قبيل املساعدات الخليجية األخيرة ،حيث دفعت بها األزمة االقتصادية والتحديات االستثمارية وضعف االحتياطي النقدي األجنبي ،لتوجه النظام البائد نحو اقتراض املليارات من الدوالرات من الخارج ،في حني عطلت عملية التسديد للمدفوعات املستحقة من قبل الشركات النفطية.
إذن املحصلة النهائية ،ضرورة العمل على رسم خطة محكمة يشارك فيها كبار االستشاريني والخبراء املاليني املشهود لهم بالكفاءة العالية، وذلك من أجل الخروج بخطة تتفادى كل هذه التحذيرات وتتبع كل الخطوات الناجعة التي تفضي إلى زيادة اإلنتاج بشكل تصاعدي ومن ثم تحسني األداء االقتصادي في كافة مفاصله ليتحقق بالفعل االستقرار االقتصادي املطلوب ،والذي يساعد الدولة والشعب على الخروج بمصر من عنق الزجاجة.
ولكن تبقى املسؤولية ماثلة أمام الحكومة املصرية الجديدة ،بأن
* رئيس مركز الشروق للدراسات واالستشارات االقتصادية واإلدارية بالسعودية
استقبل السفير السعودي في القاهرة أحمد القطان ،وقيادات القوات املسلحة املصرية ،الطائرة السعودية والتي تحمل املستشفيات امليدانية ،حيث أمر خادم الحرمني الشريفني بإرسال 3مستشفيات ميدانية إلى مصر
,,
ّ حولت دول الخليج املساندة ملصر من ألفاظ إلى أرقام محددة ومعروفة كفيلة بأن تغير الوضع االقتصادي املتدهور
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
61
اقتصاد
لست الوحيد من يؤمن بأن (رب ضارة نافعة) ،ولست كذلك الوحيد من يعتقد أن ما أصاب مصر من ابتالءات وامتحانات مؤخرا ،ما هو إال مقدمة لخير عميم سوف ينتظم هذه البالد وإن كان يراه غيري بعيدا ولكنني أراه قريبا ،على الرغم من الصعوبات التي تواجه مصر على كافة الصعد خاصة السياسية منها واألمنية فضال عن الناحية االقتصادية التي تحتاج لوقت كاف لتصحيح وضعها.
املساعدات الخليجية ملصر ..الخروج من عنق الزجاجة
طوق نجاة بقلم: د .عبد الرحمن باعشن *
,,
املراقب واملتابع يلحظ أن السعودية كانت تمارس دورها كدولة رائدة وراشدة وقائدة ملجموعة الدول العربية في الوقت الراهن
,,
60
ال جدال في أن مصر ّ تمر هذه األيام بمرحلة مخاض قد تكون عسيرة ولكنها مفيدة ولها ما بعدها على كافة الصعد السياسية منها واالقتصادية ،وبناء الدولة ومؤسسات الحكم واستقرار أمنها واقتصادها ،غير أنها تحتاج لخطة استراتيجية إنقاذية تنتشلها من واقع املعاناة التي تعكسها حاالت التضخم في املستحقات األساسية للحركة االقتصادية من حيث دعم املشتقات النفطية والطاقة ومن ثم مقابلة حاجة الدولة املصرية إلنفاق ما ّ يقدر بـ 20في املائة من ناتجها القومي. إن تاريخ مصر بعد الثالث من يوليو (تموز) املنصرم كان فيصال بني حقبتني ،األولى تزعزع فيها األمن واالقتصاد ،بشكل مريع ومخيف ،غير أن هذا الواقع الجديد في ظل الحقبة الثانية ،لم يكن إال فاتحة خير حاولت فيها عدد من الدول الشقيقة أن تشارك في تحريكه نحو االتجاه الصحيح ال سيما بعض دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية. فالشاهد واملراقب واملتابع ،يلحظ أن دولة مثل السعودية كانت تمارس دورها كدولة رائدة وراشدة وقائدة ملجموعة الدول العربية في الوقت الراهن ،حيث إنها لم تكتف بالدعم السياسي فحسب ولم تلجأ ألسلوب الشجب والتنديد بعبارات منمقة ومموسقة فقط ،وإنما انتهجت أسلوب املساندة العملية ،وألحقت بخطوات اعتبرها املراقبون لألحداث في مصر بمثابة اإلسعاف الحقيقي للوضع املتأزم وقتها سياسيا واقتصاديا، حيث أرادت بذلك أن تثبت بها قلوب قوم مؤمنني بمصر وبترابها وأهميتها مجسدة موقف الشقيق عند الشدائد.
اإلصالح السياسي املنشود
تتجاوز حد الـ 15مليار دوالر وستضع مصر في موقف قوي تجاه مفاوضاتها االقتصادية مع الجهات الدولية التي تتطلب التزاما بشروط صعبة في الوقت الراهن وإحداث إصالحات كبرى تحتاج لوقت ليس بالقصير. وبذلك ّ حولت دول الخليج املساندة ملصر من ألفاظ إلى أرقام محددة ومعروفة ،كفيلة بأن تغير الوضع االقتصادي املتدهور ،وتقوي الذراع السياسية الفاعلة ألن تتحرك الستغالل الوضع االقتصادي نحو اإلصالح السياسي املنشود ،ورصف الطريق نحو الديمقراطية الرشيدة، باعتبار أن الشعب يحتاج للطمأنينة في مأكله ومشربه وملبسه وصحته، وهذا ال يتأتى إال حال خلق مناح اقتصادي واستثماري صحي. وهنا تبقى حقيقة مهمة ،وهي أن دول مجلس التعاون الخليجي ،أرسلت من خالل املساعدات التي تقدمها ملصر في وضعها الحالي وهي تعاني ّ األمرين ،فقدان صداقات غربية وأفريقية قد تعود في وقت قادم ،مؤشرات واضحة وهي أن مصر ليست وحدها ولن تنتظر الغرب أو الشرق ألن تستجدي عطفها السياسي واالقتصادي واالستثماري. وبغض النظر عن طبيعة هذه املليارات من الدوالرات ،التي تتقدم بها الدول الخليجية ملصر ،على شكلني األول وديعة لدى البنك املركزي املصري، والثاني على شكل قرض ،فضال عن املساعدات العينية والنفطية وغيرها من املعينات ،فإن هذه األموال بمثابة بذرة استثمارية واقتصادية من شأنها أن تنعش مصر اقتصاديا حتى تستعيد أنفاسها وتتحسس طريقها نحو االستقرار االقتصادي وبطبيعة الحال السياسي واألمني. وهذه املساعدات الخليجية بطبيعة الحال تعزز االستثمارات الخليجية املوجودة أصال في مصر ،ناهيك عن سد نسبة مقدرة من االحتياطي النقدي املصري بشكل كبير ،فضال عن أنها توفر ملصر أرضية صلبة تنطلق منها نحو مواصلة مسيرتها االقتصادية واالستثمارية واستعادة نشاطها في األسواق املحلية والخليجية والدولية.
وفور تسليم السيسي مصر لشعبها ،قالت السعودية قولتها املشهور باألرقام ،حيث أمر خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز بمساعدة مصر وشعبها ماديا وعينيا واقتصاديا وسياسيا لتؤكد مقولته الشهيرة أن السعودية لن تكون بعيدة عن مصر بل ستقف معها في السراء والضراء ،حتى تتمكن من تجاوز كل التحديات التي تواجهها في الوقت الراهن وتنهض بدورها املنوط بها سلفا.
آثار املساعدات الخليجية
وكانت قد قدمت السعودية ،مساعدات مقدرة بلغت 5مليارات دوالر، تلتها اإلمارات العربية املتحدة التي قدمت مبلغا قدره 3مليارات دوالر فالكويت والتي أعلنت عن مساعدات قدرت بـ 4مليارات دوالر وبذلك ضمنت الخزينة املصرية 12مليار دوالر من 3دول خليجية فقط والبقية تأتي ،وحسب قراءاتي االقتصادية فإن املساعدات الخليجية سوف
ويمكن مالحظة آثار املساعدات الخليجية من خالل استئناف إمدادات الوقود والغذاء للشعب املصري الذي يناهز الـ 100مليون نسمة ،وعودة الطمأنينة للمستثمرين من الدول األخرى والتي تنشط في مختلف القطاعات ،كما يمكن أن يساهم ذلك في استقرار سعر الصرف عقب تدهور قيمة الجنيه املصري أمام الدوالر ،حيث تراجع في الفترة األخيرة
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
ملحق يومي وصفحات متخصصة في عقارات
صحتك
السبت
الجمعة
سفر وسياحة
ثقافة األحد
الثالثاء
إعالم
االثنني
حصاد
ملسـات
الخميس
األربعاء
املتخصصة صفحات أجندة األعمال السبت واألربعاء > علوم السبت سيارات األحد > فنون االثنني > التعليم االثنني > تقنية املعلومات الثالثاء كتب األربعاء > أنغام الخميس > سينما الجمعة سجاالت األحد (داخل صفحات الرأي)
..تجدد دائم
صحافة عالمية
محمد الظواهري شقيق أيمن الظواهري ،زعيم تنظيم القاعدة الذي القت الشرطة املصرية القبض عليه منتصف الشهر املاضي بسبب وجود أحكام قضائية بحقه
كأفضل الطرق لخدمة القضية الوحدوية «كانت لدينا بعض املمارسات الرهيبة والتي كانت دائما ما تأتي بنتائج عكسية ولكن القيادة كانت تغض الطرف عنها إذ إنها كانت حريصة على الحفاظ على استمرار وجود األعضاء بها» .كما قال ايرفني في حديثه إن كبار قادة جماعة ألستر ( )UVFكانوا ربما سيتوقفون عن العنف قبل قرار وقف إطالق النار 1994بكثير ولكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك خوفا من انقالب قواعدهم عليهم، ومن ثم فلم يكن أمام قيادات الجماعات اإلرهابية سبيل للحد من تلك املمارسات غير البناءة سوى إحكام سيطرتهم على املنظمة. وبذلك فتجنيد الكوادر الحماسية ليست كافية ،فكما ذكر الرئيس املزعوم ملنظمة أيلول األسود الفلسطينية في مذكراته «فإن اإلرهابيني األكثر تشددا إما بلهاء أو خونة».
�أي �شخ�ص يف موقف الظواهري من�شغل بالإعداد لهجوم كبري �سيحتاج للتن�سيق مع العديد من الإرهابيني ومتابعة ما تقوم به العنا�صر املختلفة بغ�ض النظر عن نواياهم
وبالتالى ،فإن أي شخص في موقف الظواهري منشغل باإلعداد لهجوم كبير ،سيحتاج للتنسيق مع العديد من اإلرهابيني ومتابعة ما تقوم به العناصر املختلفة بغض النظر عن نواياهم ،كما يحتاج لتحفيزهم ليتبعوا األوامر والحد من النزعة التمردية لديهم .ولحسن حظنا ،فإن ما يعتمد عليه اإلرهابيون لتنفيذ مهامهم يضع البذرة للقضاء عليهم ،فإجراء املكاملات واملراسلة عبر البريد اإللكتروني وحفظ جداول البيانات ومطالبة األعضاء بتقديم بيانات باملصروفات ،كل هذا يوفر الفرصة ألجهزة االستخبارات ملعرفة خطط هؤالء اإلرهابيني املستقبلية وما يعتزمون فعله ومن ثم تعطيلهم. وبهذه الطريقة ،فإن فشل الظواهري ليس انعكاسا لنقاط ضعفه فقط ولكنه انعكاس أيضا ملا تواجهه املنظمات اإلرهابية من قيود وعقبات. وبطبيعة الحال فهذا خبر سار ،فبالنسبة لألهداف املحتملة لإلرهابيني؛ فما دامت أجهزة االستخبارات واملؤسسات القائمة على تنفيذ القانون متيقظة ،لن تستطيع تلك املنظمات اإلرهابية تجاوز املستوى الذي وصلت إليه حتى اآلن .أما بالنسبة للطموحني من القادة اإلرهابيني ،فإن ذلك نذير دائم بأنه ال مفر من الروتني الذى ينذر بمصير قضيتهم املحتوم
فورن أفيرز /سبتمبر -أيلول 58 - 2013 /
لم يتوقف سوى عدد محدود من النقاد لكى يفحصوا ما الذى يمكن أن تعنيه حقا إدارة منظمة إرهابية .فعلى الرغم من أن األسلوب اإلداري للظواهري جعل منظمته مستهدفة من أجهزة االستخبارات األجنبية ،وأثار سخط أعضاء التنظيم ،ناهيك عن قصفهم بطائرات دون طيار األسبوع املاضي ،فإن الظواهرى لم تكن لديه العديد من الخيارات األخرى.
القاعدة :حيث يحتاج املديرون ملراقبة ما يقوم به العاملون كما يحتاجون لتخصيص املوارد التى تمكنهم من تحفيز مرؤوسيهم لتحقيق أهداف املنظمة ،بل إن القيادات اإلرهابية تواجه تحديا أكبر؛ ففي حني تهدف كل الشركات إلى زيادة أرباحها ،تتميز أهداف اإلرهابيني بالدقة البالغة: فيمكن لهجوم شديد العنف أن يضر بقضية ما كالضرر الذي يسببه هجوم أقل عنفا.
فنظرا ألن اإلرهابيني ينخرطون فى أنشطة إرهابية ،فربما وهذا هو الدرس الذي تعلمه تنظيم القاعدة في محافظة تعتقد أنهم يولون اهتماما خاصا بسرية تلك النشاطات .األنبار العراقية عام 2006عندما انقلب السكان ضده كرد ولكن وفقا للتاريخ ،أولت العديد من الجماعات اإلرهابية فعل على عنف التنظيم ضد املدنيني املختلفني معه. اهتماما بالغا إلى التسجيل والتوثيق ،فعلى سبيل املثال اشتهر أعضاء منظمة األلوية الحمراء ،تلك املنظمة اإليطالية هذا كما يواجه اإلرهابيون مشاكل مستعصية فيما يتعلق اإلرهابية التي نشطت في السبعينات من القرن املاضي باملوارد البشرية :فاملواهب املطلوبة عادة ما تكون غير وحتى أوائل الثمانينات ،بأنهم دائمو االهتمام بتوثيق متوفرة لهم ،فيضطرون دائما للبحث عن كوادر خارجية أنشطتهم اإلرهابية أكثر من اهتمامهم بالتدريب عليها أو لديها استعداد للعنف لتجنيدها ،أو نستطيع القول عن االستعداد لها .وفي الفترة من 2005وحتى 2010كان شباب صغير السن لديه كبار القيادات بتنظيم القاعدة يبقون على جداول بيانات مخزون من الغضب. تفصيلية ملرتبات ما يزيد على مائة مقاتل مع العديد من فمما ال شك فيه ،فإن هؤالء السجالت األخرى. املجندين ليسوا مجبولني فعندما تنازع محمد عاطف ،القائد العسكري السابق بالضرورة على تنفيذ لـ «القاعدة» مع مدحت مرسي السيد عمر ،خبير املتفجرات األوامر أو اإلقرار بسلطة لجماعة الجهاد اإلسالمي املصرية ،في التسعينات كانت قياداتهم. إحدى شكاواه أن عمر فشل في تقديم إيصاالت لرحلة فيمكن أن يضع القادة قام بها مع عائلته ،ومثل هذه البيروقراطية هى التي تجعل استراتيجيات دقيقة طويلة اإلرهابيني أكثر عرضة لالختراق من قبل أعدائهم ،ولكنهم األمد ولكنها يمكن أن ما زالوا يقومون بذلك على أية حال. تفشل إذا ما كان األشخاص
القيادات يف املنظمات الإرهابية م�ضطرة لالعتماد على طرق الإدارة البريوقراطية نظرا لأنهم لي�ست لديهم �أية طرق �أخرى ل�ضمان ان�ضباط بقية �أفراد املنظمة الأقل يف الرتاتبية
ويرجع ذلك ،ولو جزئيا ،للعمليات اإلرهابية واسعة النطاق املكلفون بتنفيذ تلك الخطط والحمالت اإلرهابية املمتدة التي تتطلب الكثير من التنسيق أكثر اهتماما بالحصول الذي ال يمكن أن يتم دون االتصال املفصل بني الجهات على دور أكبر على الفور. املعنية وعبر السجالت املكتوبة ملساعدة القادة على متابعة كما أن القيادات بتلك ما يحدث .فعلى سبيل املثال؛ ذكر غيري برادلي ،وهو املنظمات اإلرهابية مضطرون لالعتماد على طرق اإلدارة إرهابي سابق في الجيش الجمهوري األيرلندي، البيروقراطية ،نظرا ألنهم ليست لديهم أية طرق أخرى في مذكراته كيف كان يطلب من مرؤوسيه في البلفاست لضمان انضباط بقية أفراد املنظمة األقل فى التراتبية. عام 1973تقديم تقارير يومية عن العمليات املقترحة فمثال عندما تواجه وول مارت مشكلة فى التعامل مع ليضمن عدم تعارض أنشطة الوحدات الصغرى .كما ذكر موظف غير منضبط أو مورد متخلف عن السداد ،فإنها العديد من قادة تمرد ماو ماو الكينى أنه كلما نمت حركتهم تلجأ لإلجراءات القانونية ،ولكن املنظمات اإلرهابية ليس التمردية في الخمسينات من القرن املاضي زادت حاجتهم لديها هذا الخيار. لسجالت محاسبية مكتوبة وسجالت لبيانات املقاتلني لرصدهم ورصد أموالهم. ففي عام ،2006وصف لي ديفيد ايرفني ،السياسي أما الجانب األعمق من اإلجابة ،فهو أن مديرى تلك املنظمات األيرلندي الراحل ،الذى كان يصنع القنابل لقوة متطوعي اإلرهابية يواجهون نفس التحديات التي يواجهها مديرو أي ألستر ( ،)UVFدقة تلك املعضلة حيث قال واصفا تلك الفترة في أواخر الثمانينات من القرن املاضي التي كان يقوم منظمة كبرى. فيها هو وبعض الزعماء ببعض الحسابات االستراتيجية فما ينطبق على متاجر «وول مارت» ينطبق على تنظيم التي آلت للتركيز على املنافسة السياسية غير العنيفة فورن أفيرز /سبتمبر -أيلول 57 - 2013 /
صحافة عالمية
ملاذا تعتمد القيادات اإلرهابية على اإلدارة بالغة الدقة
املعضلة الكربى
أيمن الظواهري
بقلم :جاكوب شابريو *
باإلضافة لكونه جهاديا ال يعرف الرحمة ،اشتهر أيمن الظواهري كقائد داهية .فمنذ أن تولى قيادة تنظيم القاعدة ،أشار كبار املسؤولني باالستخبارات األميركية إلى ولعه باإلدارة بالغة الدقة( .ففي التسعينات من القرن املاضي ،تواصل الظواهرى مع عمالء «القاعدة» في اليمن ليؤنبهم على شراء فاكس جديد على الرغم من أن الجهاز القديم ما زال يعمل) .وكانت التقارير التي رفعت حالة التأهب األمني في الواليات املتحدة خالل األسبوع املاضى ترتبط باتصال بني الظواهري وناصر الوحشي ،الرجل الثاني وزعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ،هذا االتصال الذي تمكنت واشنطن من تعقبه ،وهو ما تم النظر إليه باعتباره دليال على أن الظواهري ال يمتلك الدهاء الكافي إلدارة منظمة إرهابية عاملية. * أستاذ مساعد السياسة والعالقات الخارجية بجامعة برينستون ،ومؤلف كتاب «معضلة اإلرهابي :إدارة املنظمات السرية العنيفة»
فورن أفيرز /سبتمبر -أيلول 56 - 2013 /
تعددت التقارير املتنبئة بسقوط حزب الله طوال السنوات الشيعة .فعلى مدار الـ 31عاما التى وجد خاللها حزب الله على توطيد عالقات طيبة بالشيعة الثماني املاضية ،ففي ،2008بعد سنتني فقط من الحرب األرض كان الحزب يجعل من ً املدمرة مع إسرائيل ،قتل عماد مغنية ،القائد العسكري األبرز اللبنانيني على قمة أولوياته ،مدركا أن مثل هذه العالقات هى خط دفاعه األول وربما األخير ،فهي املصدر الوحيد للدعم الذي في حزب الله ،فى انفجار سيارة في دمشق. ال يستطيع حزب الله أن يستمر من دونه أو يستبدله. فزعم املحللون أن حزب الله فقد تفوقه العسكري واالستراتيجي، كما اعتقدوا أن إسرائيل اخترقت تنظيم حزب الله ،وما هي إال وألول مرة ،تتعرض هذه العالقة الخاصة للخطر ،فبدخول مسألة وقت حتى يستطيع الجواسيس هناك نشر الفوضى .حزب الله خضم املعارك في سوريا ومساندته لألسد ،دخل ولكن في الواقع كان حزب الله على خير ما يرام ،فعلى الرغم من في صراع مفتوح مع السنة سواء املعتدلني أو املتشددين في مهارات وإنجازات مغنية فإنه كان مجرد جزء (وإن كان هاما) املنطقة .فدائما ما كانت العوامل الديموغرافية اإلقليمية تعمل ضد الشيعة ،وهم يدركون ذلك. من منظومة أكبر. حيث يتمتع حزب الله بهيكل تنظيمي تحسده عليه حتى أكثر املؤسسات تطورا ،فكان الحزب قادرا على استبدال مغنية تماما ،وهذا بالفعل ما حدث بعد أقل من أسبوع من جنازته. وفي يوليو (تموز) ،هرع املعلقون مرة أخرى إلى الزعم بأن الجماعة الشيعية ستؤول إلى زوال خاصة أنها فقدت شرعيتها فى عيون اللبنانني من غير الشيعة وذلك بعدما اتهمت املحكمة الدولية أربعة أفراد ينتمون لحزب الله في قضية مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ،ولكن حزب الله استطاع النجاة من العاصفة بمزيج من االستراتيجية السياسية والعنف، حيث لم يثر تراجع شعبية حزب الله بني غير الشيعة مخاوف الحزب على اإلطالق ،فطاملا يمتلك حزب الله السالح ويحظى بدعم قاعدته الشعبية ،فلم يتغير شيء بالنسبة لحزب الله.
فحتى أشد املؤيدين لحزب الله من الشيعة اللبنانيني يفضلون السالم مع إخوانهم السنة في لبنان واملنطقة على الصراع معهم. وهذا هو ما جعل الهجوم في الرويس الفتا للنظر ،حيث سوف تنظر قيادات حزب الله للحادث باعتباره محاولة من أعدائهم للضغط على املجتمع الشيعي اللبناني ملطالبتهم باالنسحاب من سوريا ،مثلما فعلوا بعد التفجير الذي حدث الشهر املاضي في نفس املكان ،وأيضا عندما تم اكتشاف قنبلتني أخريني في الضواحي الجنوبية في وقت سابق هذا العام. وإذا ما بدأ شيعة لبنان يشكون في استراتيجية حزب الله ،فإن الحزب يكون قد حكم عليه بالزوال والفشل.
حتى لو متت الإطاحة بنظام ب�شار فاملرجح �أن حزب اهلل و�إيران لديهما خطط بديلة فعلى �سبيل املثال بد�أت �إيران بالفعل التوا�صل مع ال�سودان تلك التي ال تعترب بديال �أمثل ل�سوريا
ومن جهة أخرى ،بدأ املشهد يبدو كئيبا بالنسبة لحزب الله منذ عام مضى ،وبعد شهور من اندالع الصراع بني الرئيس السوري بشار األسد ،والحليف الوفي لحزب الله ،والثوار السنة الذين يحاولون اإلطاحة بالرئيس ،وذلك حينما بدا نظام األسد على وشك السقوط .وعندما شعر بأنه على وشك أن يخسر حليفه( ،وكذلك األسلحة واملعلومات االستخباراتية التى كان ومباشرة بعد االنفجار األول يقدمها له) ،اعتقد البعض أن حزب الله سيخشى أن يتعرض الذى وقع الشهر املاضى، تعهدت قيادات حزب الله لعزلة سياسية فى الداخل. بأن تستأنف الحرب في وعلى الرغم من أن هذا االعتقاد يحتوي على قدر من الحقيقة ،سوريا ،قائلني إن هذه الهجمات لن تزيدهم إال إيمانا .وفى ذلك لم تكن هناك أية إرهاصات من قبل بأن هذه العزلة ستؤثر على الوقت كانت الفصائل الشيعية ما زالت موالية لحزب الله على وجود حزب الله فى حال نجا األسد. الرغم من وجود البعض الذين كانوا يتساءلون عن السبب الذى وحتى لو تمت اإلطاحة بنظام بشار ،فاملرجح أن حزب الله يجعل الحزب يخاطر بكل شيء .وعلى الرغم من عدم وقوع وإيران لديهما خطط بديلة .فعلى سبيل املثال ،بدأت إيران ضحايا فى االنفجار األخير ،بدأ القلق يتسلل إلى النفوس. بالفعل التواصل مع السودان ،تلك التي ال تعتبر بديال أمثل ولكن معارضة وعدم رضا الشيعة ستحتاج إلى وقت طويل لسوريا ،ولكنها لديها حكومة صديقة وعالقات جيدة مع حتى تتمكن من خلخلة قبضة حزب الله على املجتمع ،فقد كان الشيعة بالعراق. الحزب يعمل على رعاية هذه العالقات منذ 1982مقدما للشيعة فمنذ أن نجا حزب الله من الحرب ،ومن تداعيات حكم املحكمة السلع املجتمعية ،والتمثيل السياسي ،واألمان ،واإلحساس الدولية ،ومقتل مغنية ،وتراجع شرعيته الشعبية ،ومن احتمال بالتمكني .ولكن مع كل انفجار في معقلهم ،وكل خسارة في فقدان تحالفه االستراتيجي مع سوريا ،ربما يبدو أنه أصبح األرواح الشيعية ،ليس وراءها إسرائيل ،سيتراجع نفوذ الحزب على قاعدته الشعبية .فإذا لم يغير حزب الله من سياسته تجاه محصنا ضد األزمات. سوريا ،فسيجد نفسه منعزال فعال في الداخل وفي املنطقة ولكن هناك عامال أساسيا :وهو تراجع عالقته بمؤيديه من بأكملها فورن أفيرز /سبتمبر -أيلول 55 - 2013 /
صحافة عالمية
هل يكون القصف في بيروت هو بداية نهاية حزب الله؟
الشرعية املفقودة
رجل شرطة لبناني يتحدث على الهاتف أثناء تفتيش بناية قرب االنفجارات التي هزت الضاحية الجنوبية في بيروت ( 26مايو )2013
بقلم بالل صعب *
في ظل حمام الدم الذي يسيل حاليا في مصر ،ربما ال تبدو املذابح املستمرة في سوريا أو االنفجارات املروعة فى العراق أو اندالع انفجار آخر في الشرق األوسط خبرا مهما .ولكننا ال نستطيع التقليل من أهمية االنفجار الذي هز الضاحية الجنوبية ببيروت ذات األغلبية الشيعية في 15أغسطس (آب) ،والذي أودى بحياة 20شخصا وإصابة املئات .فيمكن أن يكون هذا االنفجار هو بداية النهاية لحزب الله ،الطرف السياسي - العسكري املهيمن في لبنان ،وواحد من أعداء الواليات املتحدة األكثر نفوذا في املنطقة. * املدير التنفيذي ورئيس قسم األبحاث والشؤون العامة في «معهد الدراسات العسكرية للشرق األدنى والخليج» (إنيغما) في أميركا الشمالية
فورن أفيرز /سبتمبر -أيلول 54 - 2013 /
هل يكون القصف يف بريوت هو بداية نهاية حزب الله؟
الشرعية املفقودة بقلم بالل صعب
ملاذا تعتمد القيادات اإلرهابية على اإلدارة بالغة الدقة
املعضلة الكربى بقلم :جاكوب شابريو
فورن أفيرز /سبتمبر -أيلول 53 - 2013 /
البـحـوث العلـميـة عاليـة التأثيـر ٌ متـاحـة ا ن للمـجتـمع بأكمله.
ﺷـﻬـﺮﻳﺎ ﺑﺎﻃﻼﻋﻚ ﻋﻠﻰ Natureﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ،ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼـﺪﺭ ًّ ﺍﻧﻀـﻢ ﺇﻟﻰ ُﺭ ّﻭﺍﺩ ﺍﻟﻌﻠــﻮﻡ ﱢ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـــﺔ ،ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻹﻟﻜﺘــﺮﻭﻧﻲ ﺍﻟﺨـﺎﺹ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺒـﻜﺔ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺜﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ. ﺇﻥ Natureﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻷﺧﺒــﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴــﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ ،ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ ﻣﺘﺎﺣﺎ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ﻛﻞ ﺃﺳﺒــﻮﻉ ،ﻣﻊ ﻭﺟـﻮﺩ ﻧُ َﺴﺦ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ”.“Natureﺇﻥ ﻣﺤﺘـﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺳﻴـﻜﻮﻥ ً ﺷﻬﺮﻳﺎ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ًّ
ﺍﻃﻠِ ْﻊ ﻋﻠﻰ Natureﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ،ﻭﺍﻣﻸ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ: ﱠ
arabicedition.nature.com
ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ:
مقر السفارة > أين كان مقر سفارتكم في جدة؟
لم تكن في جدة آنذاك أسماء للشوارع ،ولذلك يصعب علي اآلنتحديد موقعها .وكانت جدة آنذاك مدينة صغيرة يستطيع أن يطوفها املرء في نصف ساعة على قدميه .وأذكر ان املسافة بني مبنى السفارة وساحل البحر كانت تستغرق سبع دقائق .ومبنى السفارة هو بيت استأجره حكيموف من تاجر عربي ويتألف من طابقني .وكل طابق يحتوي على خمس غرف .وسكنا في غرف البيت العلوية مع أسرنا، وأما الطابق األرضي فقد شغل السفير غرفة فيه فيما الغرف الباقية كانت مكاتب. > من كان طاقم السفارة في حينها؟
السفير تورياكولوف ،والطبيب ماشكوفسكي الذي أرسل خصيصامن موسكو لعالج األمراض االستوائية ،ومعه زوجته .وأنا وزوجتي تاتيانا غيورغيفنا التي عملت طبيبة أيضا .وكانت مع البروفسور ماشكوفسكي تستقبل املرضى .وفيما هو يستقبل الرجال كانت هي تعالج النساء .كما كان في السفارة عمال محليون أذكر منهم أحمد آغا الذي كان يقوم بأعمال مدير املنزل والبواب ،والسائق حسن والطباخ سليمان وكان هناك خادمان هما أبو بكر وحسني. > وضيوف السفارة؟
التجار بالدرجة األولى ،وممثلو البعثات الديبلوماسية االجنبية،وبشكل خاص كل من السفير االيطالي وااليراني والتركي ،ونادرا ما كان يزورنا السفير االنجليزي السير رويان ولكننا كنا نلتقيه في املناسبات .كما كان يزورنا بعض الوزراء السعوديني وبشكل خاص وزير املالية الذي نسيت اسمه لألسف .وضيفنا الدائم كان شخصا اسمه الدكتور صالح وهو تركي قطن الحجاز منذ فترة طويلة .وكان ينقل الينا املعلومات عن حركة السوق ،وعما يسمعه من أخبار. وهو شخصية ذكية لبقية وشديدة االخالص لصداقته معنا .وقد الحظت أثناء لقاءاتنا بجاللة امللك عبد العزيز وبوزارائه اهتماما كبيرا بموضوع النفط والصناعات النفطية وكذلك الصناعات الخفيفة. > ما هي في تقديرك األسباب التي دفعت ستالني الى تجميد العالقات مع اململكة العربية السعودية؟
يبقى هذا السؤال محيرا ،شأنه شأن مصرع املرحوم حكيموف.وعلى الباحثني والديبلوماسيني الشباب االجابة عنه .وبالطبع كنت بعيدا عن الخارجية حني جرى اغالق السفارة ،في العام 1939على ما أذكر .غير أني أعلم ان ستالني استدعى البعثة الديبلوماسية ومنعها من العودة .وال أدري ماذا حل بأثاث السفارة ،وبالعاملني املحليني فيها ،وكيف جرت كل األمور املتعلقة بتجميد العالقات وما هي صيغة القرار وحيثياته وأية عوامل خارجية وداخلية اقتضته؟ ويستطرد قائال":لألسف ،ال يزال هذا السؤال بقعة بيضاء في تاريخ الديبلوماسية السوفييتية .وكل ما ما أستطيع أن أقوله كديبلوماسي قديم أحب الشرق العربي ليس السباب سياسية قدر كونها نوازع انسانية ،ان تلك الخطوة مؤسفة وان من اتخذها مصاف بقصر النظر السياسي ألنه لم يقدر الدور املقبل واملؤثر للمملكة العربية السعودية على الساحتني العربية والدولية ،على الرغم من أن التقارير التي بعث بها السفراء وبشكل خاص املرحوم حكيموف كانت تؤكد أهمية هذا الدور املستقبلي ،وقد حددت بوضوح ودقة حجم ومستوى تأثير اململكة املقبل على الصعيدين السياسي واالقتصادي .ويكفي ان أشير الى أن مجال عملي في السفارة كان يتمركز على دراسة الجوانب االقتصادية للدولة الفتية .وكنت أبعث بتقارير شهرية عن
النشاط االقتصادي في اململكة وبشكل خاص عن دور الحج في اقتصاديات السعودية ،اذ اعتقدنا عن حق بأن واردات الحج التي بلغت في حينها أكثر من مليوني جنيه استرليني تتيح للعاهل السعودي ومؤسس الدولة الفتية امكانية استثمارها لتثبيت أسس الدولة التي جاهد امللك عبد العزيز بن سعود القامتها وكرس حياته لها". ويضيف ماتوشكني الذي عاد من السعودية العام 1932وواصل عمله في الخارجية السوفييتية بضع سنوات ثم اعتزل العمل الديبلوماسي، والسياسي ،بعد تفاقم القمع الستاليني":لقد أسف كل أصدقاء العرب وسط الديبلوماسيني السوفييت لتجميد العالقات .وفي حينها ما كان يمكن أحدا أن يرفع صوته وأن يجهر بآرائه .وفي اعتقادي ان الوقت قد حان لتسليط الضوء على هذا الجانب وفتح ملف اغتيال السفير حكيموف الذي ال يجوز على االطالق تجاهل دوره في مد الجسور بني موسكو والعرب .وأعتقد أنه ذهب ضحية اخالصه لوطنه ولعمله وحبه واخالصه للعرب وللملك عبد العزيز بن سعود ،الذي كان ال يفوت فرصة في كل لقاء شهدته اال ويسأل عنه وعن أخباره". وتعيش خديجة خانم في شقة متواضعة في العاصمة السوفييتية، وتغالب آالم الشيخوخة وهاجس الذكريات املريرة ،فيما يعني ماتوشكني أكثر بالحاضر ،وبزهور حديقته وبابن حفيدته سيرجي، الى جانب كلبني صغيرين يستقبالن ضيوف الديبلوماسي املتقاعد في ضاحية هادئة وبعيدة عن موسكو يغلفها الصمت وتحيطها خضرة شاسعة في الربيع والصيف فيما تكسوها ثلوج تعلو هامة االنسان في فصل الشتاء. واتسعت حدقتا ماتوشكني دهشة حني عرف ان السيدة حكيموف على قيد الحياة .وقال مودعا عند عتبة املنزل: أرجو ان تنقل اليها تحياتي .وعسى أن نلتقي.قالها بعربية صعبة ،وقفل عائدا الى داخل املنزل ،فيما بدأ الغروب يخيم كالحزن العميق <
أعضاء البعثة السوفييتية على ظهر سفينة متوجهة من ميناء أوديسا جنوب االتحاد السوفييتي الى جدة عام 1931
,,
معظم الدراسات التي أعدها حكيموف حول السعودية محفوظة في الخارجية
,,
موسكو – خاص بـ"املجلة"
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
51
أرشيف
وكنا نسمع مرارا عبارات الثناء التي يصرح بها أمامنا كل من عرفه، سواء من العرب أو من األجانب ،خاصة امللك عبد العزيز بن سعود رحمه الله الذي كان يذكره بحب وتقدير كلما التقيناه". > كيف جرت لقاءاتكم بامللك عبد العزيز؟ وما هي االنطباعات التي تركتها هذه اللقاءات؟
التقيت امللك عبد العزيز (رحمه الله) ألول مرة خالل وجود جاللتهفي جدة في طريقه الى الحج في مكة .وأذكر ان هذا اللقاء كان في ابريل (نيسان) .1931وقد زرناه والسفير تورياكولوف الذي كان يتقن العربية في منزل يقع على بعد كيلومتر تقريبا من املدينة. وكان الهدف من الزيارة هو التعارف .وتحدث السفير فيما جلست أنا منصتا .وكان يحيط بجاللته وزراؤه وموظفوه وعدد من التجار الذين نعرفهم .وقد سأل رحمه الله عن أحوالنا ،وعن عملنا .كما سألنا عن أحوال حكيموف ،وعن األوضاع املستجدة في بالدنا .وكرر السؤال أكثر من مرة عما اذا كنا بحاجة الى اي مساعدة لتسهيل العمل في سفارتنا .ثم تركز الحديث على االمور التجارية.
طاقم السفارة مع مسؤولني سعوديني وعدد من التجار .ويظهر في الوسط وراء زوجة الطبيب ماشكوفسكي
,,
زوجة حكيموف: اعتقلوني 10سنوات عانيت خاللها الكثير
,,
50
على قيد الحياة". وتتابع االبنة فلورا الحديث":لقد أوكلنا محاميا ،ونحن نتابع القضية ونحتاج الى دعم األصدقاء الستصدار قرار يرد االعتبار الى أبي. وانني أعرف ان هذا األمر ال يتم اال بفتح ملف القضية ونشر جميع الحقائق .وبكل تأكيد لن يهدأ لوالدتي بال حتى يتحقق هذا األمل. وأتمنى أن تغادرنا بعد عمر طويل وهي مرتاحة الضمير والقلب".
شاهد آخر والى جانب خديجة خانم وابنتها فلورا هناك شاهد آخر هو السكرتير األول في السفارة السوفييتية في جدة من العام 1930الى 1932 ستيبان ماتوشكني روى ما عرفه عن حكيموف وكان قد تعرف عليه صيف 1929في اليمن عندما كان حكيموف ممثال تجاريا في ميناء الحديد ،وعندما كان ماتوشكني في مهمة تدريبية من قبل معهد االستشراق في موسكو. وقال ماتوشكني الذي قصدته "املجلة" في منزله الكائن في احدى ضواحي موسكو القريبة":تعرفت على حكيموف وتدربت على يده في الحديدة .ووجدت فيه شخصية المعة وموهوبة .لم أصادف مثلها في حياتي. وبعد ان تركت العمل الديبلوماسي ،علمت بمصرع حكيموف .وكانت أخبار التصفيات الجسدية خبزنا اليومي لسنوات طويلة ،خاصة االعدامات من 1937حتى نهاية األربعينات .وفي ديسمبر (كانون األول) 1930التحقت بعملي كسكرتير أول ومترجم في سفارتنا في جدة ،وكان السفير في حينها املرحوم ناظر بك تورياكولوف وهو كازاخي مسلم خلف حكيموف في هذا املنصب ،فيما شغل حكيموف منصب السفير في اليمن .وأدركت خالل عملي في جدة األثر الذي تركه حكيموف خالل وجوده في السعودية ،وكذلك التقاليد الدبلوماسية والسياسية التي ثبتها واستمرت قائمة حتى بعد ا نتقاله .وفي الواقع كنا نعمل وفق األسس التي وضعها حكيموف.
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
وكان وزير املالية حاضرا ذلك اللقاء .وكانت اسئلة جاللته تتركز على القضايا التي تتعلق بتجارة النفط .ولقد شعرت في الوهلة االولى كم ان هذا الرجل الكبير كان طيبا للغاية ودمثا الى أبعد الحدود .وتحدث بلهجة قريبة جدا من العربية الفصحى .بحيث انني لم أجد صعوبة في الفهم ،سيما وانني حديث التخرج من املعهد وليست لدى تجربة في التحدث بالعربية .وقد الحظت ان امللك عبد العزيز يضيق باملراسم ويتعامل مع الجميع ببساطة ،وان ديوانه مفتوح باستمرار ويدخله من يشاء دون اذن مسبق .بل ان الزائر يكتفي بالسالم ثم يجلس في ركن معني ،وعندها سرعان ما يلتفت اليه جاللته سائال عن أحواله. وفي حينها بدا لي جاللته موفور الصحة ،طويل القامة ،مهيبا وأقرب الى السمرة .وشعرت انه يدير كل األمور وعلى اطالع بكل شاردة وواردة ،ينصت الى أحاديث وزرائه باهتمام ثم يعلق عليها بايجاز ولكن بحسم .وكانت حركاته تلقائية حرة ،وهو يتربع فوق البساط املتواضع املفروش على أطراف الصالة ،ويحتذي نعال مفتوحا.
االهتمام بالصناعة والنفط وواصل ماتوشكني قائال :في املرة التالية التقيت جاللته بصحبة القائم باألعمال السوفييتي زالكنت الذي ناب عن السفير تورياكولوف أثناء غيابه في موسكو .وزالكنت ال يعرف العربية ،لذلك قمت بدور املترجم. وقدم نفسه باعتباره قائما باألعمال فرحب به امللك وسأله عن أحوال حكيموف وعن عمله في اليمن .ثم طرح علينا أسئلة تتعلق بالوضع في االتحاد السوفييتي ،خاصة في مجال املشاريع الصناعية .وحدثه زالكنت عن سيرها .وأذكر انه أخبره عن مجلة تصدر في بالدنا تهتم بهذا املوضوع ،فابدى امللك اهتماما .ثم طرح زالكنت فكرة توسيع التعاون التجاري مع اململكة. فرد امللك بأنه يرحب بذلك وأنه مرتاح الى العمل الذي قام به حكيموف في هذا املجال ،وأنه يشعر بأن العالقات بني دولتينا حسنة وهو مع تطويرها .وفي نهاية اللقاء وجه الينا امللك دعوة لحضور العرض العسكري الذي أقيم بعد ايام في جدة ،وهو عرض سنوي تجريه قطعات املشاة والهجانة والفرسان وقد لبينا الدعوة شاكرين وحضرنا العرض والتقينا جاللته مرة أخرى وبعد ذلك كنا نلتقيه كلما قدم الى جدة فيما كان مقره الرياض .وكان يمكث فترات مختلفة في األولى كل عام على اعتبارها كانت مقر كل السفارات األجنبية .وأعتقد ان اختيار جدة مقرا للبعثات الديبلوماسية األجنبية جاء بسبب طبيعتها املناخية املعتدلة ونسبيا ولقربها من ساحل البحر".
حيث التقى العديد من كبار املسؤولني في الدولة ومنهم رئيسها لينني. وبعد أن غادر األمير فيصل البالد انهمك حكيموف في اعداد مسودة ملشروع مشترك حول التعاون .وكان يداوم ساعات عدة في مكتبه في الشقة التي كنا نسكنها العداد هذا املشروع .وكان متحمسا وعلى اتصال دائم بوزارة الخارجية .سائال ومستوضحا ومستفسرا".
زائر الفجر وتستطرد خديجة خانم قائلة وهي تركز نظراتها نحو النافذة التي تتراءى منها احياء موسكو القديمة":ومع حلول 1937واشتداد القبضة الحديدية الستالينية على البالد والعباد ،بدأنا نحس بأننا مهددون .وراودتنا مشاعر غريبة فقضينا الليالي ونحن نتهامس بخوف ونتساءل :هل تضربنا أمواج العنف السوداء وتلحقنا بمن ابتلعتهم؟ وما هي التهمة التي يعدها لنا ذلك االرهابي بيريا ،الذي أزهق أرواح اآلالف بتهم مختلفة وباطلة؟ ومتى يأتون؟ وهل سيكتفون بحكيموف وحده أم أنهم سيأخذوننا جميعا لنقضي كما غيرنا في زنزانات سيبيريا املوحشة وجليدها القاتل؟ وجاءت الليلة الرهيبة وكان الشتاء البارد ينهش البالد السوفييتية بأنيابه الحادة ،كان شتاء 1937نادرا مما زاد األجواء حزنا وقتامة، تلك الليلة كانت طويلة الى درجة بدت كل لحظة منها دهرا .وكنا منذ ساعات املساء األولى قد شعرنا بأن مصيبة ما ستحل بنا ،وان شيئا ما سيحدث .وقد أوينا الى فراشنا وحاولنا أن ننام دون جدوى .وبقي حكيموف يتقلب في سريره :مرة يستدير نحو هذا االتجاه ومرة أخرى نحو االتجاه اآلخر .مرة يضع الغطاء فوق رأسه ومرة أخرى يركله بعيدا. "وفي ساعة متأخرة من الليل ،فيما كان البرد يعتصر موسكو والرياح تتراكض في شوارعها كخيول جامحة ،أحسسنا بجلبة في الخارج .وتيقنا أن اللحظة التي انتظرناها طويال قد حانت .وبدأت جلبة األحذية الثقيلة الصاعدة باتجاه شقتنا تتناهى الينا وكأنها طبول جنائزية .انها لحظات مرهقة ومتعبة .وبدأت الجلبة تقترب .وازدادت الرهبة لدينا ،كما ازدادت ضربات قلوبنا .ورفعت وجهي واستدرت نحو حكيموف وهويت برأسي على صدره وتمسكت به بقوة .وفيما كانوا يطرقون الباب بعنف كنت أزداد تشبثا بزوجي .فقد راودني احساس بأنهم قادمون النتزاعه مني الى األبد .وتشبثت به وكان الطرق على الباب يزداد عنفا ،فاستيقظت طفلتنا فلورا مذعورة وبدأت الصراخ .وخرج صوت أجش مرعب":افتح يا حكيموف .اننا نعرف أنك في الداخل .افتح..واال اضطررنا الى "..وقفز حكيموف من سريره كالقط املذعور واتجه نحو الباب وهو حافي القدمني في ما بدا وكأنه في وضع يتجه معه الى املقصلة ،وقد كان في ثياب النوم ،وكانت يده ترتعش بقوة .وما ان فتح الباب حتى تدفقوا بعنف وأوقفوه في زاوية ووجهه الى الحائط ،ثم فتشوا الشقة تفتيشا دقيقا ،وبعثروا األوراق وحملوا منها ما حملوا ،وفتحوا أدراج خزانة املالبس وأنزلوا الفراش عن السرير.
الرحلة األخرية "لقد كانت لحظات رهيبة بالفعل وقد تحامل حكيموف على نفسه وغلبت شجاعته خوفه فارتدى مالبسه بهدوء وضمني مودعا وهو يقول":سأعود بعد قليل..ال تقلقي ،اذ يبدو ان في األمر خطأ ما". ثم احتضن فلورا وقبلها قبل أن يسحبوه فيختفي وراء الباب الى األبد .وبعد أيام جاء رجال بيريا فاعتقلوني أنا أيضا .وأمضيت في معسكرات االعتقال عشر سنوات ال يعلم سوى الله جل شأنه كم عانيت خاللها وكم قاسيت ،وكم عانت طفلتنا التي تركتها ولم أرها
أو أعرف عنها شيئا فترة طويلة. "بعد سنتني ،التقيت في معسكرات االعتقال سيدة قالت ان زوجها رأى حكيموف آخر مرة في أحد السجون في العام ،1938وأنه بعد ذلك التاريخ لم يره مطلقا ولم يسمع عنه شيئا .ومع مرور الزمن أدركت حملة التصفيات الواسعة التي نظمها ستالني وبيريا قد شملته هو أيضا .ولم تكن هناك أي تهمة ضده سوى أنه كان محبا ومخلصا لبالده وأنه أراد أن يرسي دعائم عالقات ثابتة بينها وبني الدول االسالمية وفي مقدمتها اململكة العربية السعودية .وقد سمعت بعد سنوات أن األجهزة األمنية وجهت الى زوجي تهمة التخابر مع جهات أجنبية ،وأنه جاسوس لدولة معادية! وبالطبع فان سجل زوجي الناصع يشهد على مدى اخالصه لوطنه ،وانني على ثقة من أن حكيموف املثقف الواعي واالنساني هو نقيض الطابع القمعي ملرحلة ستالني االستبدادية .وقد اغتالوا فيه ،وبشهادة املؤرخني والباحثني، شخصية فذة وانسانا موهوبا".
رد االعتبار وتنتقل خديجة خانم الى مرحلة أخرى فتقول":في أواخر الخمسينات بعد أن فتح خروتشوف ملف الستالينية انعقد املؤتمر العشرون للحزب فأعاد االعتبار الى زوجي .وتضمنت املقررات فقرة جاء فيها "ان حكيموف ذهب ضحية العسف والتصفيات الجسدية التي جرت في بالدنا في نهاية الثالثينات" .غير ان هذا النص غير كاف ألننا نسعى الى رد اعتبار كامل ،ونريد معرفة كل الوقائع التي أحاطت باعتقاله وتصفيته .ونطالب باعادة جميع الوثائق واألوراق الشخصية التي صادرها رجال املخابرات من شقتنا..كما نريد معرفة الواشي وكل التفاصل.ونطالب بقرار يلقي الضوء على كل مالبسات القضية، فقد غاب عنا حكيموف لكنني ال ازال أعيش ذكراه .ولن يهدأ لي بال حتى تتكشف جميع الحقائق وأرجو من الله عز وجل ان يتم ذلك وأنا
ماتوشكني :السكرتير األول السابق في السفارة السوفييتية في جدة بالزي العربي عام 1932
,,
السكرتير األول في السفارة السوفييتية: امللك عبد العزيز كان يسأل دائما عن حكيموف
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
49
أرشيف
وكنت عندما آوي الى فراشي في ليالي الجزيرة العربية الجميلة املقمرة يبقى هو والى أن تلوح أضواء الفجر عاكفا على اعداد التقارير والدراسات حول اقتصاد اململكة الفتية وما تحتاجه .لقد كان يعمل بقلبه وبعقله من أجل أن يقدم شيئا لهذه اململكة ،وكانت له خبرة واسعة في مجال االقتصاد ،وكان حريصا على أن تستفيد اململكة العربية السعودية من هذه الخبرة. وتصمت خديجة خانم وتنظر عبر النافذة املقابلة لسريرها ثم تقول":لعلني ال أذيع سرا اذا قلت أن معظم هذه األبحاث والدراسات التي وضعها حكيموف حول الدولة السعودية الفتية ال تزال محفوظة في الخارجية السوفييتية وأعتقد أنها ال تزال تحتفظ بقوتها وعمقها حتى اآلن ،وال عجب في ذلك فالسر يكمن ببساطة في اخالص زوجي للعرب .لقد أحبوه وأحبهم ،سواء خالل تمثيل بالده في بالط املغفور له امللك عبد العزيز آل سعود ،أم خالل وجوده في اليمن.".. وتواصل خديجة خانم ذكرياتها حول هذه الفترة فتقول":عندما ذهبنا الى جدة كانت تختلج في نفوسنا مشاعر عدة ،كنا فرحني باختيارنا ملجاورة الديار املقدسة ،وما ان وطأت أقدامنا رمل هذه البالد ،حتى شعرنا أننا بني أهلنا وذوينا واننا لسنا غرباء وسط اخوتنا في الدين، لقد استقبلونا كاخوة وتعاملوا معنا على هذا االساس ،لقد كنا نشعر ونحن نعيش في حمى ذلك الرجل الكبير أننا بني أهلنا وفي بالدنا".
ّ زوار السفارة السوفييتية يف جدة
ماتوشكني مع ابن حفيدته سيرجي في منزله
,,
بعد عام من وصولنا الى جدة استدعانا ستالني وأقفل السفارة دون سبب
,,
48
بحزن يمزق أحشائي على فقد ابني اال أنني شعرت أيضا بارتياح شديد ،وشعرت كم أن هذا الرجل الذي اهتزت من مهابته كثبان الجزيرة العربية وصحاريها متواضع غاية التواضع ،انه تواضع املؤمن والقوي ،لقد أمر رحمه الله باقامة عزاء رسمي ،وأمر بأن يدفن ابننا شامل في مكة املكرمة".
اخالص وحب وتواصل خديجة خانم الحديث عن زوجها عبد الكريم الرؤوف حكيموف فتقول":لقد كان رحمه الله يمتلك قدرة نادرة على التحكم في مشاعره وضبطها ،وكان يستطيع القيام بواجبه في أصعب الظروف .انه من النوع الذي ال يظهر تأثير مزاجه الشخصي على تصرفاته ،الى حد الذي لم يالحظ فيه جاللة امللك عبد العزيز أي شيء عليه رغم أنه بسبب مرض شامل ووفاته لم يغمض له جفن ثالثة أيام بلياليها":لقد حاول حكيموف كظم غيظه ودفن حزنه في قلبه فبدأ أمام جاللته بشوشا مرحا وكأن شيئا لم يحدث .بل وكأن ابنه لم يكن ممدا على فراش املوت في الغرفة املجاورة" ،وتستدرك خديجة خانم فتقول":يبدو ان امللك عبد العزيز ،وهو ملاح بطبعه شعر بهذه الخصلة ،عند حكيموف فأحبه للغاية وقدره أيما تقدير ومنحه الثقة الكاملة .وكانت هذه املعاملة مكان فخر زوجي واعتزازه ،وكان يظهر هذا الفخر واالعتزاز أمام املسؤولني السوفييت ،وبعض هؤالء ينقلونه بالطبع الى ستالني والهيئات العليا. لم يكن حكيموف يخبئ شيئا عن رجاالت الدولة السوفييتية التي يعمل سفيرا لها ،وكان ينقل تفاصيل لقاءاته مع امللك عبد العزيز الى رؤسائه ،وكان يحدثني بفرح منقطع النظير عن املشاريع الطموحة التي كان يخطط لها لتعزيز العالقة مع الدولة التي أحبها ومع حكومة بن سعود الذي كان يكن له احتراما شديدا وكان يدرك ان ما قام به سيكون نقطة تحول في العاملني العربي واالسالمي.
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
كيف اعتقل حكيموف وخديجة خانم؟ خروتشوف يرد الى حكيموف اعتباره .ملاذا جمد ستالني العالقات الديبلوماسية مع جدة؟ السكرتير األول في السفارة السوفييتية يتحدث عن السعودية في الثالثينات. مع صور نادرة تنشر ألول مرة ،،، تقول خديجة خانم":كان يلفت انتباهنا الى ابناء امللك عبد العزيز رحمه الله كانوا يتحملون املسؤوليات الجسام رغم صغر سن بعضهم .وكنا نتابع عبر األحاديث التي تناقلها أفراد البعثات الديبلوماسية ومن خالل قربنا من األسرة الحاكمة نظرا للثقة التي أوالنا اياها املغفور له على اعتبارنا نمثل مسلمني االتحاد السوفييتي، ما كان يقوم به هؤالء األبناء الى جانب والهم الكبير .ومن بني ما كنا نسمعه أن األمير (امللك حاليا) فهد كان صغيرا يتصف بالفطنة ورجاحة العقل وان والده كان يعتمد عليه في تصريف بعض الشؤون واملسؤوليات الكبيرة. ومن بني الذين كانوا يترددوا على سفارتنا ويلتقون حكيموف ويتحادثون معه ساعات عدة املستشار االنجليزي جون فيليبي الذي اعتنق االسالم وغدا اسمه الحاج عبد الله فيليبي ،والى جانب هذه الزيارات الرسمية كانت هناك زيارات بني زوجات السفراء والتجار. وكان مواطنون عاديون كثيرون يزورون السفارة يوميا ،وبني هؤالء نساء كثيرات كن يحضرن بهدف العالج ألن طبيبة السفارة كانت السيدة أمينة عليم بيكوف ،وهي مسلمة مثلنا كانت تعالج املرضى مجانا". وتتوقف خديجة خانم عن الكالم برهة لتلتقط أنفاسها ثم تضيف قائلة":في العام 1932قام سمو األمير (امللك في وقت الحق) فيصل، وكان وزير خارجية اململكة العربية السعودية في ذلك الحني ،بزيارة الى موسكو بدعوة رسمية من الحكومة السوفييتية استمرت 15يوما (في الفترة ما بني 28مايو (آيار) و 13يونيو (حزيران)) .ورافقه خالل هذه املدة حكيموف الذي كان يغادر املنزل في ساعات الصباح األولى وال يعود اال متأخرا من الليل .وكان يحدثني بحماس وسرور عن برنامج الزيارة وعن االنطباعات التي كونها األمير الزائر عن بالدنا
مبكرا في الخارجية السوفييتية وتوارى عن عالم الحياة السياسية منزويا في ركن بعيد. ورغم ان الحديث معها يفتح نافذة واسعة على األحزان فان خديجة خانم التي تقول أوراقها الرسمية انها في التاسعة والثمانني من عمرها ،تنفجر ضاحكة وهي تردد كلمات عربية ما تزال ذاكرتها الساطعة كشمس الجزيرة العربية تحتفظ بها ،وكانت قد تعلمتها قبل نحو 60عاما عندما كانت مع حكيموف في مهمته التي انتهت باستدعائه على عجل وتصفيته في اقبية املخابرات املعتمة. وتزداد بسمتها اتساعا ويعلو وجهها الصبوح الفرح وهي تردد بلغة عربية ال تشوبها اللكنة..":تفضل اشرب القهوة يا طويل العمر"،وفي اللقاء اآلخر يردد ماتو شكني بصوت خافت "..يا بو وجه حسن اشرب املية" ،ثم يصمت باحثا في ذاكرته عن بقية املقطع من أغنية نجدية يقول انه أحبها كثيرا ،ولكن عندما لم يتذكرها ينفجر ضاحكا ثم يردف قائال..":اللغة مثل املرأة اذا هجرتها ضاعت منك؟.
أسد اجلزيرة وتسألني خديجة خانم وهي ترفع يدها املرتعشة واملثقلة بالتجاعيد":من أين نبدأ ،"..فأرد":من حيث تشائني" ،ولربما من االفضل ان نبدأ بمهمة املرحوم حكيموف في بالط أسد الجزرة العربية املرحوم عبد العزيز آل سعود. ويتهدج صوتها وتخنقها العبرة فتتمتم بلغة عربية "..رحمه الله" ثم تردف بالروسية قائلة ،انني ال أزال اذكره وكأنه يقف أمامي اآلن بقامته الفارعة ،وحضوره العارم .لقد كان مهيبا وكان الرجال يتندرون بقوة شخصيته حتى ان الرجل لم يكن يستطيع النظر في عينيه. وتواصل وذكرياتها تتدفق تباعا ..":في العام 1924عينت موسكو حكيموف سفيرا لدى دولة امللك عبد العزيز الذي كان لقبه الرسمي في ذلك الحني" ،ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها" ،وخالل الشهور االولى من وجودنا في جدة ،عكف زوجي على دراسة اقتصاد الدولة الفتية وأقام شبكة واسعة ومتينة مع املغفور لهما امللك عبد العزيز آل سعود ونجله ووزير خارجيته في ذلك األمير فيصل. "لقد كان حكيموف موضع ثقة جاللته وحكومته ،وكان يتنقل في عرض البالد وطولها دون رقيب او حسيب .لقد كان مسلما شديد التمسك باسالمه ،وكان مؤمنا يؤدي فرائض الله دون انقطاع ،وقد دفعه ايمانه وتعلقه بمكة املكرمة والديار املقدسة الى أداء فريضة الحج سبع مرات ،هذا عالوة عن أنه زار كعبة املسلمني خالل وجودنا هناك مرات عدة.
الزيارة املفاجئة وتتوقف خديجة خانم عن الحديث لتلتقط أنفاسها وربما لتستجمع ذكرياتها ثم تقول":كان امللك عبد العزيز طيب الله ثراه ذلك الزعيم الذي ترتعد فرائص الرجال خوفا منه ،عطوفا طيب القلب ،وكنا نشعر أنه يخصنا بمعاملة خاصة وذلك ربما ألنه كان يشعر بمدى ما يعانيه املسلمون السوفييت على أيدي جالوذة ستالني .لقد كان يزورنا باستمرار وكان يسأل عن أحوالنا وما نحن بحاجة اليه. ...وأذكر اآلن ان زيارات امللك عبد العزيز رحمه الله لنا كانت مبعث سرور لنا ،وانني أتذكر آخر زيارة من هذه الزيارات وما دار خاللها. لقد جاء رحمه الله مشيا على األقدام تحيط به ثلة من املرافقني وذلك في 17أكتوبر ،وعندما شاهد حكيموف جاللته وهو مقبل هرع على
الفور مرحبا كعادته ،فدخل جاللته ومرافقوه الى ديوان الضيوف في الطابق األرضي .وبعد أن أخذ امللك عبد العزيز موضعه على األرض ،وكان ال يحب الجلوس على الكراسي واآلرائك املرتفعة ،جلس زوجي مقابله فانهمكا في حديث ودي تخللته أسئلة سمعت جاللته يطرحها وأغلبها يتعلق بأوضاع املسلمني في االتحاد السوفييتي وأحوال البالد واملشاريع االقتصادية الجديدة التي تنفذ هناك .لقد كان حكيموف يجيب على هذه األسئلة باستفاضة وتوسع وكان جاللته يستمع بانتباه شديد ،ويصدر عنه بني فترة وأخرى تعليق مستوضحات أو مستفهما عن أمر من األمور مجال الحديث". وتصمت خديجة خانم لفترة كأنها الدهر وتطلق زفرة حارة من صدرها الذي كان يعلو ويهبط تحت غطاء خفيف برتابة وانتظام وتحاول بيدها املرتعشة تفادي دمعة انزلقت على تجاعيد خدها ثم تواصل حديثها وتقول..":في هذه األثناء كنت في الغرفة املجاورة أحاول متابعة الحديث بني جاللته وحكيموف .لقد كنت أحاول التغلب على حزني ودموعي ،وأحاول كبت ما في نفسي لكنني وفي لحظة تغلبت فيها العاطفة على العقل لم أتمكن من السيطرة على ما كنت أقاومه فانفجرت باكية وبصوت مرتفع ،ويبدو أن جاللته سمع بكائي، اذ سمعته يسأل حكيموف بصوت مرتفع وبتأثير واضح":يا حاج عبد الكريم انني أسمع نحيبا فما سبب هذا النحيب لعله خير ان شاء الله". "ويرد زوجي وهو يحاول اخفاء انفعاله وارتباكه":انها زوجتي يا طويل العمر ،لقد وافت املنية ولدي الصغير شامل ليلة أمس ،بعد اصابته بمرض الزحار الذي أودى بحياته" .وتغرورق عيون خديجة هانم بالدموع مرة أخرى وهي تروي هذه الحادثة ثم تردف قائلة":ما ان سمع جاللته ذلك حتى انتفض واقفا ،فوقف جميع من كان في الصالة ،وسمعته يستأذن من زوجي الدخول الى حيث كنت في الغرفة املجاورة..وفي لحظة ال أستطيع وصفها دخل بقامته الفارعة والتأثير باد على هيئته ،ثم اقترب من جثمان شامل الذي كان مسجى في منتصف الغرفة ،وردد مرات عدة ،يرحمه الله ،يرحمه الله ،وألهمكم جل شأنه الصبر والسلوان".
طاقم السفارة السوفييتية أمام مبنى السفارة في جدة عام 1931
,,
خديجة خانم: اتهموا زوجي بالتخابر مع جهات أجنبية
,,
وتستطرد قائلة":كانت لحظة ال يمكن وصفها ،فمع أنني كنت أشعر
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
47
أرشيف
كما يليق بانسان كفوء وقدير". وفي العام 1934استدعى حكيموف الى موسكو فالتحق بالجامعة التمام دراساته العليا ولكن بعد عام واحد من ذلك التاريخ طلب منه التوجه مجددا الى اململكة العربية السعودية لتمثيل بالده لدى حكومة صاحب الجاللة املغفور له امللك عبد العزيز .فاستقبل تكليفه بهذه املهمة ،بشغف عارم وحماس شديد وكان حكيموف يعرف املكانة التي ستحتلها هذه الدولة الفتية بقيادة ذلك القائد النادر في العالم. وما ان عاد الى جدة مجددا وبدأ يوطد عالقاته باململكة العربية السعودية والشعب السعودي ،ناقال صورة حية عن ظروف االسالم واملسلمني في االتحاد السوفييتي حتى استدعاه جوزيف ستالني بعد عام بصورة مفاجئة وعلى عجل الى موسكو ،واستدعيت معه بطلب مباشر من ديكتاتور "الكرملني" البعثة الدبلوماسية كلها وتم اغالق هذه البعثة دون أية مبررات.
ماتوشكني يتحدث الى "املجلة"
,,
سحبوا زوجي في منتصف الليل.. وذهب الى األبد
,,
46
شارع لينني في موسكو وأمام ابنتها فلورا التي تقول عنها أنها تشبه والدها كثيرا بالتعريف بزوجها وسرد قصة حياته فتقول: "ولد رحمه الله في العام 1882في عائلة فالحية كبيرة ،وعندما بلغ سن دخول املدارس ألحقه والده بمدرسة كانت متخصصة بتعليم اللغة العربية والدين االسالمي ،وتقع بالقرب من بلدة "أوفا" في بشكيريا مسقط رأسه .وفي العام 1906سافر عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف سيرا على األقدام الى مدينة أودينبورغ شمالي بشكيريا حيث عمل هناك في خدمة احد التجار .وفي هذه املدينة بدأ حكيموف تعلم اللغة الروسية قراءة وكتابة .ثم ما لبث ان التحق بالجيش الروسي وعمل كجندي في صفوفه حتى خريف العام ،1913وقد استغل هذه الفترة لتعميق معرفته فطاف مع وحدات الجيش املتنقلة مدنا وقرى كثيرة. وبعد ان حالفه الحظ في التخلص من الخدمة العسكرية حيث كانت تفرض في ذلك الحني على الرجال حتى سن الخامسة واالربعني عاد حكيموف الى مسقط رأسه "أوفا" واشتغل في محطة للسكك الحديدية ،ومن خالل موقعه الجديد تعرف على الحركة العمالية الناشطة في تلك املرحلة وشارك في العديد من االضرابات ضد الدولة القيصرية التي كانت تحتل بشكيريا وغيرها من الديار االسالمية. وبعد ثورة "أكتوبر" درس الدبلوماسية على يد فروتزة وكويبش القائدين البارزين في ذلك الحني في الجيش االحمر ،ونظرا ملعرفته الواسعة باللغات واتقانه للهجات املناطق املختلفة ،أوفدته موسكو كقنصل عام لها في مدينة مشهد في ايران العام .1921 ونظرا التقانه للغة العربية ومعرفته الواسعة باالسالم على اعتبار أنه ينحدر من عائلة مسلمة عريقة ،استدعته موسكو من مشهد وعينته في العام 1924سفيرا في جدة في بالد جاللة املغفور له امللك عبد العزيز ،وبقي هناك فترة من الزمن ثم في العام 1929تم نقله الى صنعاء كسفير لدى االمام يحيى حميد الدين ،وقد كتب امام اليمن في ذلك الحني رسالة الى رئيس الدولة السوفييتيه حول تعيني حكيموف يقول فيها..":نعلمكم بوصول السيد عبد الكريم حكيموف الى طرفنا بهدف توسيع العالقات التجارية بني بلدينا ،وقد استقبلناه
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
وتتنهد خديجة خانم وترفع يدها املرتعشة وهي ممدة في سريرها في شقتها في وسط موسكو لتكفكف دمعة متعبة انزلقت على تجاعيد وجهها التي حفرت فيه السنون اقالما واضحة وتركت عليه املآسي واألهوال التي واجهتها آثارا لم تمح وتقول وهي تلتقط أنفاسا متقطعة..":وفي شتاء العام 1937القارس والقاسي حلت بنا املأساة" لقد داهموه في منتصف الليل ،وانتزعوه من بيننا ،وحملوه في سيارة سوداء كنت أراقبها عن بعد ومعي فلورا الصغيرة الى ان غابت بعيدا في شوارع موسكو التي كانت تكسوها الثلوج البيضاء..أخذوه وذهب الى األبد..لقد انقطعت أخباره منذ تلك اللحظة وحتى اآلن ،ووصلتنا روايات متعددة حول مصيره ،ولكن املؤكد أنه القى املصير نفسه الذي القاه اآلالف غيره على يد سفاح الـ"كي.جي.بي" بيريا.
ذاكرة صافية وتقول خديجة خانم في جلستها وتسند رأسها وهي تنظر عبر ستائر النافذة املقابلة التي تطل على جانب هام من مدينة موسكو بمداخنه وابراجه املرتفعة ،وتصمت ..تصمت طويال وكأنها تلملم أشالء ذكريات مرت بها حقب وأعوام وعصفت بها احداث جسام وظروف صعبة. ..ذاكرة مدهشة بالفعل ،لم تفلح سنوات العسف والقهر في اتالفها، وبما يشبه الحوار مع النفس تفيض العبارات متدفقة من صدر أطبقت عليه األحزان سنوات طويلة .تبدأ الكالم عن تلك األيام البعيدة التي أصبحت كالحلم الهارب تلك األيام التي قضتها مع زوجها حكيموف في الجزيرة العربية وفي حمى فارسها الشهم عبد العزيز آل سعود. والحديث الذي أدلت به خديجة خانم يكاد يكون وثيقة حية عن أحداث خطيرة وكبيرة وقعت على امتداد بقعة جغرافية ممسكة من جهة بتالبيب الكرملني في عاصمة الدولة السوفييتية البعيدة ومن جهة أخرى بتالبيب جدة عروس البحر األحمر الجميلة .وخديجة خانم وهي تروي هذه الذكريات لم يكن يخطر ببالها أن ماضيها بحلوه ومره سيعني أحدا غيرها وغير حاضرها املثقل بهموم الشيخوخة والزاحف بسرعة نحو أعتاب العقب التاسع. و"املجلة" وهي تفتح هذا امللف القديم ذهبت الى أبعد من شهادة أرملة حكيموف .فقد قصدت منزل السكرتير األول السابق في السفارة السوفيتية في جدة بني العام 1930و 1932ستيباف ماتو شكني لتسمع منه الجانب اآلخر من الرواية واذا كانت هذه املرأة التي بلغ بها الكبر عتيا ،فقدت زوجها والى األبد منذ نصف قرن ويزيد عندما جرت تصفيته على أيدي جالوذة ستالني ،فان الرجل فقد منصبه
عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف
خديجة خانم عقيلة السفير حكيموف تتحدث لـ"املجلة" من منزلها في موسكو
السعودية في العام ،1926مسلم من مسلمي بالد التتار .وقد حاول اقامة عالقة بني بالده واململكة العربية السعودية لكنها عالقة لم تدم طويال انتهت بعد فترة وجيزة كما انتهى حكيموف نفسه بعد استدعائه الى موسكو حيث اعدم في أقبية أجهزة الـ"كي.جي.بي" في عهد الحقبة الستالينية املظلمة. وكما هو معروف فان االتحاد السوفييتي في النصف الثاني من العشرينات وحتى الخمسينات من هذا القرن كان يمر بمرحلة مضطربة للغاية خصوصا في الفترة األولى بعد وفاة مؤسسي الدولة البلشفية فالديميير البتش لينني ووصل الرجل الحديدي جوزيف ستالني الى الحكم ،حيث استغرق األمر 4سنوات حكم خاللها بالنار حتى وطد أركان حكمه والحق حتى زمالءه الذين فروا هربا الى خارج البالد .وأكبر مثال على هؤالء ليون تروتسكي الذي كان يلقب قبل فراره الى الخارج بخطيب الثورة البلشفية ومؤسس الجيش األحمر. وفي حني ان العشرينات والثالثينات كانت ،كما هو معروف ،سنوات االعدامات الجماعية واالقبية واالبعاد والنفي والتشريد ،فان موجة العنف لم تتوقف على مدى العشرين سنة الالحقة ،فبقيت معسكرات االعتقال الجماعي مفتوحة واستمرت االعدامات الفردية والجماعية حتى ان الحصيلة كما تقول التقديرات السوفييتية بعد مجيئ
جورباتشوف بلغت املاليني. وتشير امللفات التي بدأ فتحها في عهد "بيريسترويكا" ان ذلك السفير السوفييتي املسلم عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف الذي حاول كما تقول زوجته خديجة تمثيل مسلمي بالده في عاصمة االسالم أكثر من تمثيل ستالني وأفكاره الهدامة ،أحد ضحايا هذه املوجة الدموية التي ضربت البالد على مدى أعوام طويلة فحصدت أرواحا بريئة وخلفت دمارا ال تزال هذه الدولة تعاني منه حتى اآلن. وفي هذه القصة التي نفضت "املجلة" عنها الغبار للمرة األولى ملناسبة مرور مئة عام بعد األلف على دخول االسالم الى االتحاد السوفييتي تروي زوجة حكيموف املسلمة القادمة من بالد التتار خديجة خانم األساليب البشعة التي صفت بها أجهزة الـ"كي.جي.بي" زوجها ،كما تروي ذكريات جميلة عن األيام التي قضتها بصحبة زوجها في الديار املقدسة وفي رحاب حكومة صاحب الجاللة املغفور له امللك عبد العزيز آل سعود.
من هو حكيموف؟ تبدأ خديجة خانم ،ذكرياتها التي روتها لـ"املجلة" في شقتها في
,, زوجة حكيموف: رجال ستالني انتزعوه من فراشه
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
45
أرشيف
تحدثت خديجة خانم أرملة أول سفير سوفييتي في اململكة العربية السعودية لـ "املجلة" قبل نحو 24عاما عن ذكرياتها مع زوجها عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف في األراضي املقدسة ،وركزت في حديثها عن ذكرياتها مع زوجها عن جاللة املغفور له امللك عبد العزيز بن سعود طيب الله ثراه ،وكيف انه كان يخص زوجها بمعاملة مميزة على اعتباره مسلما قادما من بالد االلحاد وممثل املسلمني في تلك البالد .واشارت الى حادثة ذات داللة وقعت لدى سماعه رحمه الله بوفاة ابنها فرق قلبه الكبير وتصرف تصرفا ال يمكن أن يصدر اال عن انسان يجمع بني نبل الخلق وعمق االيمان بالله جل شأنه.
1100عام على دخول اإلسالم إلى روسيا
خديجة خامن تكشف لـ"اجمللة" قصة حكيموف: أول سفري سوفيييت يف السعودية (العدد )507 31أكتوبر (تشرين األول) 2/1989ربيع اآلخر 1410هـ
في هذا العام حلت الذكرى املائة بعد األلف لدخول الدين االسالمي الحنيف الى ما يسمى حاليا االتحاد السوفييتي، وخالل هذه األعوام املديدة ،واجه املسلمون في تلك الديار ظروفا صعبة وقاسية ،وحققوا انتصارات كبيرة ،كما حلت بهم كوارث ال مثيل لها على يد قوات االمبراطورية الروسية التي شنت ضدهم حروبا صليبية استمرت عشرات االعوام. وفي التاريخ الحديث واجه مسلمو االتحاد السوفييتي وضعا صعبا في وجه املد االلحادي الذي أطلقته الثورة البلشيفية املعاصرة وانتصروا على كل محاوالت التذويب واالستالب ،وكان لحكومة جاللة امللك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه الدور املبادر منذ نحو أكثر من سبعني عاما لنجدة راية االسالم واملسلمني في الدولة السوفييتية، فبذل الغالي والرخيص من أجل أن تبقى العالقة االسالمية قائمة في تلك البالد. وفي هذه املناسبة وبعد التطورات البالغة الداللة التي حدثت في االتحاد السوفييتي ،بعد مجيئ ميخائيل جورباتشوف الى الحكم واآلثار الكبيرة التي نجمت عن "البريسترويكا" في جمهوريات االتحاد السوفييتي االسالمية فقد أجرت "املجلة" تحقيقات ميدانية، تنقلت خاللها بني موسكو وبشكيريا وعدد من املدن والجمهوريات االسالمية ،وخرجت بنتائج هامة للغاية ومعلومات تنشر للمرة األولى تؤكد على أن االسالم في تلك الديار بخير رغم كل ما تعرض له وان األيام املقبلة حبلى بتطورات هامة ستكون بالتأكيد ملصلحة االسالم واملسلمني. وألن قصة أول سفير لدى اململكة العربية السعودية عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف تلخص قصة االسالم واملسلمني وما تعرضوا له في العهد الستاليني الدموي ،فقد اختارت "املجلة" ان تبدأ تحقيقاتها بهذه القصة املثيرة التي روت تفاصيلها أرملة حكيموف السيدة خديجة .التي عثرت "املجلة" على موقعها حيث تقيم حاليا في شقة في احدى
44
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
عمارات شارع "لينني" مع ابنتها فلورا وحفيدتها مارينا ،والتي رغم مرضها وتقدمها في العمر ال تزال تذكر تفاصيل وأحداث تلك األيام التي قضتها مع زوجها في الديار املقدسة. وتبدأ قصة حكيموف بأنه بني عشرات الوفود التي قدمت من كل أنحاء العالم لحضور املؤتمر االسالمي األول الذي دعا النعقاده في مكة املكرمة املغفور له امللك عبد العزيز آل سعود ،طيب الله ثراه ،في العام ،1926كان هناك وفد يمثل مسلمي االتحاد السوفييتي ،الذين أعجبوا بشخصية هذا الفارس والقائد االسالمي الكبير الذي دعا الى هذا التجمع الهام. واملؤكد ان االعجاب بهذا الفارس الذي برز في ظروف عصيبة وانطلق من جوار بيت الله الحرام ليوحد كلمة االسالم واملسلمني هو امتداد لالعجاب بشخصيته القيادية الفذة التي تمكنت في فترة زمنية مثالية من توحيد معظم الجزيرة العربية ،التي كانت تعصف بها االنقاسامات .وكانت مجموعة من أشباه الدول والفرق والقبائل املتناحرة .لقد استطاع الراحل الكبير ان يلملم أشالء هذه املنطقة ويضعها على أعتاب مرحلة حضارية جديدة بجهد فاق كل جهد ومن خالل بطوالت على نمط فتوحات الدول االسالمية األولى. امللك عبد العزيز رحمه الله كان يعرف بثاقب بصيرته واقع االسالم واملسلمني تحت نير الثورة البلشفية املستجدة التي عصفت بالبالد، وكان على اطالع كامل بالظروف التي يواجهونها ،ولهذا فانه وبهدف اطالع بقية املسلمني القادمني من جميع انحاء األرض على واقع املسلمني في البالد الروسية أراد أن يكون لهؤالء من يمثلهم في هذا املؤتمر الهام وأراد أن يكون وجود هذا الوفد بمثابة الدعم لهم والتأكيد على هويتهم االسالمية. وقبل هذا املؤتمر شاءت األقدار أن يكون عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف ،الذي جاء الى جدة قادما من ميناء أوديسا على البحر األسود مع زوجته خديجة كأول مبعوث سوفييتي الى اململكة العربية
ً العام هي من تشكل الخطاب القرآني" ،فالحور العني تحمالن عيونا سوداء َ وهن مقصورات في خيام ،والحيوانات التي ذكرت في القرآن كالجمل والحمير هو ما تدركه مخيلة اإلنسان العربي ،والنظريات التي تحدثت عن الطب والنجوم هي آتية من الوعي العربي وإن كانت صحيحة .فالقرآن ليس بكتاب فلك ،والنبي ال يمتهن الطب". ً وأيضا األسئلة والقصص التي حدثت في زمان النبي هي من عرضيات الدين مرحلية ليست من ذاتيات الدين ،وكما هو الحال مع العقوبات الشرعية التي لو عاش النبي في زمننا ألصبحت ترتهن لوعي اإلنسان الحديث. ولذلك "ال جدال في أن اإلسالم لو نزل في اليونان أو الهند أو بالد ً الروم بدال من الحجاز لكانت عرضيات اإلسالم اليوناني والهندي ً ً املتغلغلة إلى أعماق طبقات النواة املركزية تختلف اختالفا كبيرا عن واإلندونيسي اإلسالم العربي ،كما هو اإلسالم اإليراني والهندي ً اليوم ،وبعد قرون من التحوالت والتفاعالت ،تمثل أنماطا من اإلسالم تختلف عن بعضها في اتساقها و بيئاتها ونتائجها ،إلى جانب املشتركات فيما بينها ،وال تقف التباينات عند تخوم اللغة والظواهر ،بل تمتد إلى أعماق الوعي والثقافة الدينية). وفي حديثه عن الدين العلماني يقول سروش :إن أعظم وظيفة ،وأكبر تكليف لعلماء الدين وأرباب املذاهب في كل مجتمع من املجتمعات البشرية هي أن يمنعوا من وقوع الدين في أيدي املغرضني ليكون أداة وذريعة بأيدي املتعصبني فيحملوا على إلغاء التعدد ،فالدين كما يشبهه الرومي -بمثل الحبل الذي قد يحملك إلى أعلى البئر،أو ينزلك إلى أسفله ،ال يقودك ً دائما إلى بر األمان إن كنت تنوي استخدامه لغايات دنيئة أو الحتكار قراءته وتفسيره..
الصراطات املستقيمة والتعددية الدينية يتحدث سروش في كتابه (الصراطات املستقيمة) الذي يدعو فيه إلى شرعية التعددية الدينية" ،فليس هناك نظرية حقيقة في مقولة الهداية ،ال التشيع هو اإلسالم الخالص ،وال التسنن وال األشعرية هي الحق املطلق ،وال االعتزال ،وال املالكية ،وال الزيدية ،وال كافة املسلمني في معرفة الله وعبادته عارون وخالون من الشرك ،وال قاطبة املسيحيني في إدراكهم الديني خال منه ،كال ،بل لقد مألت الدنيا الهويات غير الخالصة ،فلم يتربع الحق في جهة من الجهات ً ً دون جهة أخرى ،لتكون باطال محضا ،وعندما نذعن لهذا األمر فسوف يتسنى لنا هضم الكثرة بشكل أفضل .فأكبر واضع للتعددية هو الله الذي أرسل أنبياء متعددين ،فتجلى لكل واحد منهم ،وبعثه إلى مجتمع معني ،ينقبض فيه معنى الدين ،وينبسط ً بناء على الظروف املعرفية الزمانية لذلك املجمتع".
جرأة ..وردود فعل
خالل ورقة قرأها في حفل تقديم جائزة له عن فلمه السينمائي «غناء البالبل» ،وأبدى دهشته من السکوت املطبق تجاهه ،وجاءت املواقف ما بني مؤيدة ومخالفة للمخرج السينمائي من بينها موقف املرجع الشيعي اإليراني الشيخ جعفر السبحاني الذي أعلن تأييده له ّ من خالل اتصال هاتفي به ،وشفع موقفه هذا بمقال مفصل أکد فيه على خروج سروش من حظيرة املسلمني ،وکرر نصيحته القديمة لسروش بالعودة إلى أحضان اإلسالم. ً وعند العرب كتب الباحث اللبناني علي حرب معلقا ":قد يكون من الظلم لسروش أن نتعامل مع أطروحته كجهد فكري ال يضيف ً جديدا إلى معارفنا حول النص واملعرفة ،أو حول الدين والوحي. ذلك أن هذه األطروحة تكتسب أهميتها من غير وجه :األول من جهة سياسة الحقيقة ،إذ هي تشكل في السياق الثقافي الراهن ،وفي إيران بالتحديد ،محاولة لكسر التحجر العقائدي ،ومواجهة اإلرهاب الفكري الذي يمارسه حراس العقائد وشرطة القداسة .الثاني من جهة تحليالت الحقيقة ،ذلك أنه وإن كان القول بنسبية املعرفة الدينية ليس بجديد ،فإن سروش يحاول إغناء هذه األطروحة وتوسيعها من حيث معالجته لها ،بالتجديد في حقل التناول ومجاله ،أو في اآلليات والوسائل ،أو في البراهني والشواهد ،أو في اآلراء واالجتهادات.
مواقف سروش الجريئة واملتجاوزة لألعراف والتقاليد املعتبرة في علوم الالهوت الديني لم تمر بسالم وهدوء ،في لقاء صحفي ً يتحدث سروش قائال " :عندما تقرأ القرآن عليك أن تشعر أن ًّ ً بشريا يتحدث إليك ،تلك الكلمات والتصاوير واألخالق شخصا والشرائع هي قادمة من عقل بشري" .كان هذا ضمن حوار أجرته ً أستاذا ً زائرا معه في مجلة "زمزم" الهولندية عام 2004م عندما كان في معهد "أي أس أي أم" في اليدن ،تسبب تصريحه هذا بأن كفره أحد املاللي في طهران ،واعتبره ً ً خارجا عن الدين. مرتدا
وهنا ال ننسى أهم األسماء التي اهتمت بأطروحات سروش في العالم العربي ،وساهمت في نقلها وترجمتها ،هو السيد العراقي أحمد القبانجي ،حيث كان له دور فاعل في تشكيل تيار عربي يحمل أفكار سروش ومنطلقاته املعرفية ،ورؤيته التعددية العرفانية تجاه الدين .حيث يشرف ًّ حاليا على منتدى بيت الوجدان الثقافي، وله مؤلفات عن اإلسالم املدني واملرأة واإلعجاز القرآني ،ويدعو إلى تدين وجداني ينضوي تحته املسلم واملسيحي واليهودي والبوذي دون تلك االنتماءات العقدية التي تتبناها الجماعات املذهبية مما يؤدي إلى حروب عقائدية ،ويعطي أداة للحركيني والطائفيني لينشروا خطابهم املهيمن للسيطرة على املجتمع <
وأعلن املخرج السينمائي اإليراني مجيد مجيدي ،کفر سروش من
* باحث سعودي
السيد أحمد القبانجي
,,
اهتم السيد العراقي أحمد القبانجي في نقل مؤلفات عبد الكريم سروش إلى العربية ً صدى والقت ً وانتشارا ً واسعا
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
43
ثقافة
أن األديان ال تعلم الناس الحسن والقبح ،بل وظيفتها الكشف عن أن هذه األعمال محبوبة لله تعالى ،وتلك األمور القبيحة مكروهة ومبغوضة من الله تعالى ،وهذا هو ما اكتشفه األنبياء ،فاألخالق تتطابق من جهة تاريخية مع الدين ،بمعنى أن القيم األخالقية ترتبط ًّ ًّ منطقيا إلى الدين. تاريخيا بالدين ،ولكنها ال تستند فكثير من القضايا التي ارتبطت وأقحمت في دائرة الدين -وهي ً أساسا قضايا غير دينية ،مثل حكاية كروية األرض ،أو كراهة أكل لحوم اإلبل ،أو حتى في دائرة األخالق كتحقيق العدالة -هي قضايا غير دينية ،فالسعي للعدالة هي قضية في أذهان العقالء حتى لو لم يقم الدين بتعزيزها ..فالعدل ليس ًّ دينيا ،بل إن الدين عليه أن ً يكون عادال. والفقهاء بدافع خدمة الدين حاولوا إثباته بأدوات عقالنية ،وهو ما يستلزم أن يدخل معنى خارجي على الدين ذاته ،فيصبح الدين ً مستقال عن الدين األصلي ،ليتشظى الدين في قضايا انتمت للحقوق ،وبعضها دخل في دائرة الفلسفة ،وهذا هو عني تقطيع وتمزيق بدن الدين..
الذاتي والعرضي في الدين عبدالكريم سروش متحدثًا في جامعة جورج تاون األمريكية ضمن برنامج «حرية األديان» يناير 2008
,,
شريعتي أراد أن يجعل ًّ شموليا الدين ً مستحوذا على الحياة هو يشبه سيد قطب في خطابه الثوري وجاهلية العالم ووضعهم للدين في دور أيديولوجي
,,
42
كـ"العقل والحرية" ،حيث يجادل فيه سروش من أجل إعادة العقل الذي طمر تحت أفكار الدعوة لالتباع وتعطيل العقل باعتباره باب هوى النفس والشيطان ،فاتباع النص وما أراده لنا الشارع الحكيم ً نجاة وعمرانا للحياة .. يدعو سروش في جدله بأن العقل والحرية من جنس واحد ،فأن تكون ًّ حرا يستلزم أن تفكر بحرية إذ إنه ال جدوى من النضال ضد الحاكم املستبد ،واالحتفاظ بسلطة تحاكم الوعي ،وتحدد الصواب من الخطأ ،ليصبح العقل عبارة عن أوعية فارغة تسكب فيها املعرفة وتتعطل حاسته النقدية وقدرته على اإلبداع ،فالنصوص ال تتكلم وهذا ما يتردد ً كثيرا في كتب سروش بأن النص صامت ال يتكلم، وهو رهني باملعرفة القبلية لقارئه ،فاالحتكام إليه احتكام سلبي يسلب اإلنسان قدراته الذاتية الكامنة. إن فهمنا للدين يرتبط بالعالم القديم ،ولكن فهمنا ورؤيتنا لإلنسان يرتبطان بالعصر الحديث واإلنسان الجديد ،وعندما نضع إحدى هاتني املقولتني إلى جانب األخرى تبرز حالة التناقض. وخطأ العقل ال يصحح إال بعقل آخر ،فتنوع البشر كفيل بإيجاد الحلول ،وابتكار أفكار جديدة تصلح وتكمل الفراغات في عقل ما، فحتى لو وصلت إلى الشمس ستظل بحاجة إلى نور النجوم ،وهو ما يؤكده سروش بأن السياسة والعلم والفن هي ذوات مستقلة عن الدين ،والدين ال يدخل في صميم تعريفاتها.
في نظرية الذاتي والعرضي في الدين يقول سروش" :إن عوارض الدين هي تلك التي يمكن أن تستبدل ،على العكس من الذاتيات، أهداف النبي هي ذاتيات دينية ،لكن من أجل أن يعبر عن تلك ً النوايا ويجعلها قابلة للفهم ،يستعني النبي بـ ( 14عارضا) من ضمنها لغة معينة ،مفاهيم معينة ،مناهج معينة .كل ذلك يحصل في زمن محدد ،ومكان محدد ،ولشعب محدد ،وبمواصفات ذهنية وفيزيائية محددة .نشر الدين َ يواجه بردود أفعال وأسئلة معينة، واالستجابة لها يتم بإعطاء أجوبة معينة ...بذلك فإن هذه العوارض الكثيفة تخفي بني طياتها الجوهر الثمني للتدين ،ومن أجل كشف هذا الجوهر الثمني ،ليس لدينا خيار غير تجريده من تلك القشور السطحية. يفسر معنى العرضي وهو الصورة لذلك املضمون الذاتي التي يمكن أن تكون على شكل آخر ،وفي دراسته للقرآن يقول :إن اللغة العربية وثقافة املجتمع العربي وتصوراته الوجودية وتعليقه على األحداث التاريخية ،وإجابته على أسئلة املؤمنني اآلنية كلها تندرج تحت العرضي في الدين ،وهي صورة وشكل زماني مؤقت ليس من البنية األساسية للدين. ً فالعرضيات أصالتها محلية ومرحلية ،وال ترتقي لتكون ذاتا أصالية أزلية ،وفشلنا في إدراك ذلك ،وترجمة املضامني الذاتية بعرضيات جديدة تحمل في مضمونها التحوالت املعرفية والظروف الزمانية في املجتمع واإلنسان والدين يؤدي بنا إلى إنهاك املضمون وخسارته في بعض األحيان. هذه العرضيات هي حلول تاريخية يخاطب فيها القرآن املجتمع العربي في ذلك الزمان ،تعامله مع املرأة في قضايا الحدود والرق ً واملواريث ،وال تنفصل وال يمكن ترحيلها لتكون حلوال شاملة لكل األزمنة؛ ألنها مرتبطة بظروف سببت وجودها.
فال ينبغي التفكير في قضايا املاضي؛ ألن املاضي أصبح في طيات العدم ،فاإلنسان الذي يفكر في قضايا املاضي كأنه ميت ،ولذلك ينبغي لإلنسان إزاحة قضايا املاضي ودفنها ،وكذلك بالنسبة إلى ً املستقبل فهو عدم أيضا ،فال ينبغي التفكير فيه ،بل يجب أداء حق الحال الحاضر والعمل بمقتضيات الوقت الحالي .وهذا يشبه بالضبط أنك تعيش في فصل الشتاء ،فال بد من العمل بمقتضى هذا الفصل.
فاللغة العربية هي عرض من عرضيات الدين ،فالخطاب القرآني تابع لخصائص اللغة العربية ،وانعدام وجود بعض األلفاظ في اللغة ّ صعب من تمرير معاني الوجود والكينونة.
فالقيم والفضائل والرذائل مستقلة بذاتها عن التعاليم الدينية ،أي
يصل سروش لنتيجة مفادها أن الثقافة العربية والوعي االجتماعي
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
مجموع معلوماته ومعارفه البشرية ،وأينما وقع تغير في جزء سيصيب التغير للكل" .ويكمل حديثه في نفس السياق" :إن املعرفة الدينية -كأي معرفة أخرى -هي حصيلة جهد البشر وتأملهم ،وهي ً دائما مزيج من اآلراء الظنية واليقينية ،ومن الحق والباطل ،وال مجال إلنكار تطور هذه املجموعة وتكاملها. نحن ال نقول إن الوحي الذي أتى به األنبياء يكمله البشر ،إنما نقول إن فهم البشر ملفاد الوحي يتطور .وال نقول إن هذا التحول كان ً مقترنا -في كل مكان وزمان -بظهور آراء قيمة ومحكمة ،ولكننا نقول إن السير في الطريق الصعبة غير املعبدة ،والسقوط والنهوض، والصلح والحرب ،والخطأ والصواب ،والتخطئة والتصويب ،هو الذي يصحح املسار وييسر االرتقاء". تكمن القيمة املعرفية للقبض والبسط كونها تفرق بني الدين وبني املعرفة الدينية ،بني الشريعة وبني فهمنا للشريعة ،بني الدين لذاته في أصله ،وبني الدين كما يظهر لنا ،وتدرس ًّ جديا عالقة املعرفة الدينية مع العلوم األخرى ،فاملعرفة الدينية تندرج تحت دائرة العلوم املستهلكة معارف الدرجة الثانية التي تبني نفسها على املباني النظرية للعلوم املنتجة (الفلسلفة -علم اإلنسان -االجتماع الخ.)..
,,
َ بأجوبة تطرد باطراد الزمان يحكي لنا عن هويته البشرية التاريخية".
عبد الكريم سروش
وفي حديثه عن تطوير الخطاب الديني وتجديد بنيته الداخلية يقول إنه ال يكون بالحفاظ على نفس اآلليات القديمة التي صنعت الخطاب ،فالنظر إلى الدين يجب أن يتزود بعلوم من خارج الدين، كالهرمنوطيقيا التي تهتم بالتأويل ،وفلسفة العلم كابستمولوجيا معرفية.
خطأ العقل ال يصحح إال بعقل آخر فتنوع البشر كفيل بإيجاد الحلول وابتكار أفكار جديدة تصلح وتكمل الفراغات في عقل ما
"إن املعرفة الدينية في جميع مراحلها التاريخية ،وعلى طيلة املسار التاريخي للفكر الديني كانت محفوفة ومحصورة باألفكار البشرية من خارج الدين ،وهذه القصة لم تكن بدعة في هذا الزمان ،بل هي قصة التاريخ البشري ،وليست قصة دين اإلسالم ،بل قصة كل دين من األديان ،ولذلك إذا تقرر إيجاد تحول في الخطاب الديني الداخلي، فيجب العثور على مرتكز يقع خارج هذا الخطاب ،ومن هناك يتم تمرير هذا التحول والتحرك في آليات الفكر الديني". وينتقد الطريقة املاكسيماليسية في التفكير الديني وهي توقع الحد األعلى من الدين واقتباس كل شيء من الدين ،وتلوينه بلون الدين ،والسعي الستخرج كل شيء من حاويته ،وهذا ما أجاب عنه سروش عندما سأله أحد املحاورين :لو أمكن وضع مقارنة بني أعمالك وأعمال علي شريعتي ،أجاب بأن "شريعتي أراد أن يجعل ً ًّ شموليا مستحوذا على الحياة ،أما خطابي فهو يريد أن يجعل الدين ً محصورا بنطاقه الفردي ،فشريعتي يشبه سيد قطب في الدين خطابه الثوري وجاهلية العالم ،ووضعهم للدين في دور أيديولوجي يحرض على الثورة والتعبئة وال يسعى للحقيقة". ِ
يؤكد سروش" :النصوص الدينية هي نصوص صامتة ،وكل من ادعى الحياد في قراءتها كما هي فقد فشل ،فقراءتنا لها ً دائما مرتبطة بمفاهيم مسبقة خارجة عنها الختالف الزمان وتبدل األحوال وغرض القارئ من قراءته ،فالحقائق تختلط وتتعدد ملقروء واحد ،فالنص ال يحمل معه وعلى أكتافه املعنى ،فهو رهني باملعارف من حوله ،واألسئلة الجديدة التي يعجز عن إجابتها تدعونا إلى تبني خطاب جديد يدرك املعارف الجديدة في دوائر علم االجتماع واإلنسان واألديان .
جدلية العقل والحرية
فعجز الخطاب القديم عن اإلجابة على األسئلة الجديدة واستباقها
ً ولسروش أيضا كتب عديدة اهتم بها السيد العراقي أحمد القبانجي
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
41
ثقافة
ملاذا هناك تفسيرات مختلفة للتاريخ؟ هل هناك إمكانية لكتابة وصف تاريخي نهائي لحدث ما؟ هل يمكن إزالة القداسة التاريخية للنص؟ إلى ِّأي مدى يمكن االحتفاظ بنص متعال على الواقع دون البحث في جذوره وهويته املعرفية؟
ّ وجدلية العقل والحرية عبد الكريم سروش ..والصراطات املستقيمة..
القبض والبسط
بقلم: سامي العنزي *
,,
يقرر سروش أن املعرفة الدينية تكون بال مبادئ مسبقة تحكم توجه قراءتنا للنص وتصوراتنا حياله وال يمكن ً أيضا الوصول للمعنى األصلي
,,
كانت هذه وغيرها تساؤالت حاضرة في ذهن املفكر والفيلسوف العرفاني اإليراني "عبد الكريم سروش" ،كما يبدو ذلك في نظرياته املبثوثة في كتبه كـ"القبض والبسط"، و"الصراطات املستقيمة" ،و"العقل والحرية" ،وغيرها. عبدالكريم سروش حسن حاج فرج الدباغ هو من مواليد 1945م في طهران ،تلقى تعليمه الديني في (قم) ،واختلط بمالليها وأسيادها، جمع بني الخلفية الشرعية والقراءات الفلسفية مع ذوق صوفي عال بإبحاره في أشعار جالل الدين الرومي والشيرازي ،تأثر سروش بالسيد محمد حسني الطبطبائي ،حيث قال عنه بعد قراءته لكتابه (مبادئ الفلسفة النظرية) "نشعر أن العالم كله تحت أجنحتنا". ً وممن تأثر بهم أيضا في مرحلته األولى آية الله مرتضى مطهري تلميذ السيد الطبطبائي صاحب الشبكة الواسعة في املؤلفات األصولية والعقدية والفلسفة اإلسالمية. درس الصيدلة التحليلية في لندن ،وفلسفة العلوم في جامعة شيلسي في السبعينات قبل اندالع الثورة اإليرانية ،في سنة 1977 وهو ال يزال في لندن ،نشر أول كتاب له بعنوان( :ما هو العلم؟ ما هي الفلسفة؟) ثم تبعه بأعمال ومحاضرات عن تاريخ فلسفة العلم، وقد قوبلت بترحاب واسع في إيران. بعد بضعة شهور من الثورة اإليرانية سنة 1979م رجع عبدالكريم سروش إلى إيران ليعينه آية الله الخميني على رأس اللجنة الثقافية التي عنيت بتنقيح املناهج وأسلمتها من شوائب الغزو الفكري بعد إغالق النظام الثوري للجامعات ،استمر في هذا العمل ملدة أربع سنوات ليستقيل بعد ذلك ،وتتحول اللجنة إلى املقر الرئيس للثورة الثقافية ،ليتعني في معهد الدراسات اإلنسانية واالجتماعية في جامعة طهران ،وفيها ألقى أول محاضرة له ،ونالت شهرة واسعة، كانت بعنوان ( :في أي عالم نعيش اليوم؟). ومما نظم أفكاره -كما يقول هو -تدريسه ملادة علم الكالم الجديد التي تبحث في العالقة بني اإلنسانيات والعلوم وبني الدين ،كانت هذه املادة ً جزءا مما يدرسه في جامعة طهران. ً ولذلك القت أفكاره التجديدية حول الالهوت الديني قبوال بني فئة الشباب والطبقات املتعلمة ،فهناك كثيرون حانقون على الحكومة الدينية ،ويتطلعون لفضاء علماني يمارسون فيه استقالليتهم الشخصية من دون وصاية أو استبداد فكري. في سنة 1986افتتح معهد يهتم في نشر كتب ومطبوعات على أشرطة كاسيت تنتقد املعرفة الدينية ،وتدعو إلى التعددية ونشر
40
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
ً اهتماما ً كبيرا في التنوير ،حري عن القول أن أفكار سروش ألقت ً إيران ليس فقط بالكتب املطبوعة ،بل أيضا في أشرطة الكاسيت ً أيضا. ً أستاذا ً زائرا منذ عام 2000م انتقل سروش خارج إيران ،وأصبح في هارفارد وجامعة يال ،وعدد من الجامعات العاملية في أملانيا وهولندا يدرس في الفلسفة اإلسالمية ،ويقدم آراءه التي انتشرت وأثارت االنتباه في الدوائر البحثية. حصل سروش على جائزة ايراسموس عام 2004كواحد من أهم الشخصيات املؤثرة في العالم اإلسالمي إلى جانب فاطمة املرنيسي وصادق جالل العظم ،كما اختارته مجلة "التايمز" عام 2009م ليكون من أهم مائة شخصية مؤثرة في العالم.
املعالم األولى (القبض والبسط) كانت البداية بعد وصول الخميني للسلطة ،فاالستحواذ الذي فرضته الحكومة الجديدة على كل دوائر الحياة ،وسعيها لتكريس رؤاها الدينية باستخدام أجهزة الدولة ،وتغيير معالم املجتمع، وإنشاء سلطة أيدلوجية تتحكم بالوعي في مؤسسات التعليم، وتسعى لتطبيق أجندة تتحكم باملعرفة. في مراحل تطور نظرية سروش (القبض والبسط) كان الدافع األساسي الذي ذكره سروش في أكثر من محل هو تساؤله :ملاذا هناك تفسيرات مختلفة للتاريخ؟ هل هناك إمكانية ًلكتابة وصف تاريخي نهائي لحدث ما؟ هذا ما قاده في بحثه الحقا في نظريته بأن األحداث التاريخية هي منفتحة حيال التفسيرات والقراءات املتعددة ،ومن خالل قراءاته في فلسفة العلم التي سمحت له بإدراك األبعاد الخلفية لتطور العلوم ،وتأثير املباني النظرية على املعرفة الدينية ،فال يمكن للمعرفة الدينية أن تكون بال مبادئ مسبقة تحكم ً توجه قراءتنا للنص وتصوراتنا حياله ،وال يمكن أيضا الوصول للمعنى األصلي للنص ،فاملعنى األصلي للنص كذكر النحل يموت فور إخصابه. نشرت هذه األفكار في مقاالت في ًمجلة "كيهان" اإليرانية على مدى سنتني 1989-1988وجمعت الحقا في كتاب ،وكانت أول ترجمة للعربية سنة 2003م من دار الكتاب الجديد ،ترجمتها دالل عباس. يقول سروش" :القبض والبسط هي ذلك النوع من املعرفة البشرية الخاضع للتطور والتغيير والتبدل بتفاعله مع العلوم األخرى ،أي أن املعرفة الدينية ألي إنسان وفي أي عصر تنقبض وتنبسط بحسب
www.majalla.com
العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
جوزيف براودي وطوين بدران :هل تراجع امل�سروع الأمريكي يف ال�سرق الأو�سط؟ عبد الرحمن باع�سن :امل�ساعدات اخلليجية مل�سر ..اخلروج من عنق الزجاجة �سهري �سهيد ثالث� :سيا�سة الرئي�س الإيراين ح�سن روحاين ..العتدال املنحاز
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 09
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
issue 1587 september 2013
www.majalla.com
تقرير
ثقة الشعب وتقدم بديال حقيقيا ،ولن يتم تحجيم دور املؤسسة العسكرية إال بعملية تحول ديمقراطي حقيقي ووجود قواعد ومعايير ديمقراطية جديدة ملؤسسات الدولة تسمح بمراقبة ميزانية الجيش ،وهو ما يعد شرطا أساسيا إلخضاع العسكري للمدني ،ويصف روبرت سبرينجبورج األستاذ في األكاديمية البحرية األمريكية العليا املؤسسة العسكرية املصرية بـ«الشركة العسكرية» ،فدائما ما يتحرك الجيش كمؤسسة تحاول املحافظة على مصالحها الخاصة فى ضوء االمتيازات االقتصادية التي حصل عليها الجيش ،والتى بدأت مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتحول اقتصاد البالد نحو االشتراكية وسيطرة الدولة على قوى اإلنتاج ،وفقا لدستور ،1964الذى نص على أن «الشعب يسيطر على كل أدوات اإلنتاج» ،وعينت النخبة العسكرية نفسها نائبا عن الشعب في تلك السيطرة ،وفي فترة حكم الرئيس السادات صدر القرار الرئاسى رقم 32لسنة 1979الذى سمح بإنشاء جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع ،ومنح مشروعات القوات املسلحة امتيازات ضخمة ،حيث أصبحت معفاة من الضرائب وال تخضع للوائح والقوانني التى يخضع لها الجميع في القطاعني الخاص والعام ،كما بدأت فكرة إنشاء مشروعات غذائية إنتاجية لتحقيق االكتفاء الذاتي للقوات املسلحة ،وفي عهد مبارك بدأ برنامج الخصخصة للقطاع العام دون املساس بشركات ومصانع اإلنتاج الحربي. متظاهر يمسح دموع ضابط من القوات املسلحة
,,
شهدت الفترة منذ اندالع ثورة يناير حتى أحداث الـ 30من يونيو مساهمة الجيش بمبالغ طائلة للدولة املصرية
,,
38
السيسي فى خطابه إلى األمة ،الذى ذكر فيه أن القوات املسلحة غير راغبة في أن تكون طرفا في املعادلة السياسية .ويبقى القاسم املشترك بني ثورة يناير وأحداث يونيو هو تحرك الجيش استجابة ملطالب الشعب ،التي خرجت للشوارع انحيازا للثورة وأهدافها ،ولكن ال يمكن إنكار وجود مصلحة للجيش؛ سواء بعزل الرئيس مبارك أو الرئيس مرسي. ففي حالة مبارك لم يكن الجيش مؤيدا لفكرة التوريث ،وفى حالة مرسي كان هناك تخوف من امتداد مشروع التمكني إلى قلب املؤسسة العسكرية ،كذلك لم يستطع الجيش أن ينسى الطريقة التى أقيل بها املشير طنطاوي ،فضال عن تحمل الجيش قدرا من اإلهانات من القيادات املحسوبة على حزب الحرية والعدالة ،التي اتهمت الجيش بالتقاعس ،وأنه سبب هزيمة ،1967يضاف إلى ذلك املشهد الذي خرج به مرسي في الصالة املغطاة باستاد القاهرة ،بحضور قيادات التيار اإلسالمي ،في مؤتمر «نصرة سوريا» في الـ 15من يونيو ،2013الذي جاء نوعا من الرد على حملة تمرد إلظهار قدرة التيار الديني على الحشد ،وهو ما أنذر بخطورة الوضع الداخلي ،وأعاد إلى األذهان ما ُعرف بـ«جمعة قندهار» ،التي شهدت حشودا ضخمة لقوى اإلسالم السياسي إبان حكم املجلس العسكري.
دعوة السيسي في 24يوليو 2013طالب الفريق السيسي الشعب املصري بالنزول لتفويض الجيش في محاربة العنف واإلرهاب املحتمل، وهو ما أثار ريبة الكثيرين ،الذين رأوا في محاربة اإلرهاب واجبا وطنيا للجيش ال يحتاج تفويضا من الشعب ،وتساءل البعض عن الهدف من النزول ،وأسباب عدم صدوره من رئيس الجمهورية، وأعاد الجدل مرة أخرى حول دور الجيش في الفترة املقبلة وطبيعة العالقات املدنية العسكرية ،ونشير هنا إلى مالحظة مهمة ،بأنه ال يمكن الحديث عن دور الجيش من دون وجود مشروع تقدمه ّ القوى املدنية مللء الفراغ السياسي ،ولن يكف الناس عن حمل صور الفريق السيسي ما لم تظهر وجوه أخرى تستطيع كسب
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
وتتضارب التقديرات حول حجم اقتصاد املؤسسة العسكرية، وسط اتفاق على عدم إمكانية تقدير الحجم الحقيقي له ،بسبب انعدام الشفافية ،واعتبار ذلك األمر من األسرار العسكرية ،وأيضا بسبب تشعب املشروعات وتوسعها بشكل ال يمكن تغطيته بدقة. وقد شهدت الفترة منذ اندالع ثورة يناير حتى أحداث الـ 30من يونيو مساهمة الجيش بمبالغ طائلة للدولة املصرية؛ سواء في شكل املساعدة في إعادة ترميم بعض الكنائس التي تعرضت العتداءات جماعات متطرفة أو لدعم االحتياطي النقدي ،فقد خصصت القوات املسلحة 3.12مليار جنيه خالل الفترة املاضية لدعم مختلف جهات الدولة ،وعلى رأسها مليار دوالر قرضا للبنك املركزي ،وفقا لتصريحات محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون املالية ،كما أكد الفنان محمد صبحي تبرع القوات املسلحة بمبلغ 50مليون جنيه كمساهمة في مشروع تطوير العشوائيات ،وأصدر الفريق السيسي مؤخرا قرارا بتحمل القوات املسلحة املبالغ املستحقة على ربات األسر السجينات الالتي صدرت ضدهن أحكام بالسجن في قضايا العجز عن سداد األقساط. يبقي القول إن الجيش لعب دورا مركزيا في اإلطاحة بالرئيس محمد مرسي املنتمى إلى جماعة اإلخوان املسلمني ،حيث حافظ الجيش على نوع من العالقة املتميزة واملصداقية مع الشعب املصري التي أتاحت له أن يكون الضامن الذى يحتكم إليه الشعب، واستطاع الفريق عبد الفتاح السيسي أن يعيد هتاف «الشعب والجيش إيد واحدة» ،وذلك على عكس الوضع في تونس ،الذى يمتلك فيه االتحاد العام التونسي للشغل النفوذ والقدرة على الحسم وإمكانية التأثير على الشارع واإلطاحة بالحكومة، ّ بسبب قوته العددية ووزنه السياسي واالقتصادي الذي يمكنه من القيام بالدور الذي ال يستطيع الجيش القيام به ،حيث إن الجيش التونسي أعلن أكثر من ّ مرة عن حياديته إزاء التجاذبات السياسية ،ورغبته في أن يكون على مسافة واحدة من السلطة واملعارضة على حد سواء ،فقد صرح مصدر مقرب من املؤسسة العسكرية بأن «الجيش التونسي محايد ولن يتدخل ،وليس من عادته لعب دور سياسي» <
الطاقة ،وشهدت القاهرة الكبرى شلال مروريا بسبب نقص البنزين والسوالر وإضراب سائقي امليكروباص ،وكان االستقطاب السياسي هو األعنف ،وذلك بسبب إصدار الرئيس السابق محمد مرسي إعالنا دستوريا في 21نوفمبر (تشرين الثاني) 2012يعطل به مؤسسات الدولة ،ثم بدأت معركة الدستور ،التي شهدت رفضا واسعا لتشكيل الجمعية التأسيسية ،وانسحابا ملمثلي الكنيسة واألزهر والقوى املدنية منها.
املؤسسة العسكرية و«اإلخوان» سيطر الجيش فى يناير 2012بشكل كامل على األوضاع فى مدن القناة عقب قرار الرئيس السابق محمد مرسى بإعالن حظر التجول على خلفية ما شهدته مدينة بورسعيد فى أعقاب أحكام اإلدانة التى صدرت بشأن أحداث مجزرة استاد بورسعيد ،وهو ما أعقبته اشتباكات دامية بني املواطنني والشرطة. انطلقت حملة توكيالت تطالب الجيش بإدارة شؤون البالد نتيجة للتردي السياسي واالقتصادي الذى شهدته مصر في الفترة السابقة ،وقد أكد املستشار أحمد سالم املتحدث الرسمي باسم وزارة العدل أن عدد التوكيالت الرسمية املسجلة لدى مصلحة الشهر العقاري ،املطالبة بعودة الجيش إلدارة البالد ال تتجاوز الـ ٨٠٠توكيل، مضيفا أن «الوزارة ليس لها عالقة باألوراق التى يتم تداولها فى الشوارع». حاول الفريق السيسي توجيه دعوة للحوار بني مؤسسة الرئاسة واملعارضة قبل موعد االقتراع على مسودة الدستور إلحداث نوع من التوافق ،ولكن قوبلت هذه الدعوة بالرفض من جانب الرئاسة ،األمر الذي أكده الفريق السيسي في خطابه الذى ألقاه في 24يوليو (تموز) ،2013خالل الحفل الذي حضره لتخريج دفعتني بكليتي البحرية والدفاع الجوي بمدينة اإلسكندرية. ُيذكر أن شخصيات محسوبة على التيار اإلسالمي قد وجهت إهانات للجيش ،وقد رد الجيش محذرا من التطاول عليه ،وأن ما حدث مع املشير طنطاوي ال يمكن تكراره مع الفريق السيسي ،وقد ّ ذكرنا هذا بنوع من االنقالب اإللكتروني الذى وقع في تركيا عام ،2007عندما قامت قيادة األركان التركية في 2007بوضع رسالة على موقعها الرسمي على اإلنترنت محذرة فيها من محاولة الدفع بعبد الله غل لرئاسة الجمهورية. على الرغم من امتعاض الجيش من تصريحات بعض الشخصيات املحسوبة على التيار الديني ،فإنه ال يمكن إغفال التوافق بني املؤسسة العسكرية و«اإلخوان» فيما يتعلق بالدستور ،حيث حصلت املؤسسة العسكرية على وضع خاص في الدستور املصري الجديد ،مثل املادة 196التي نصت على أن وزير الدفاع هو القائد العام للقوات املسلحة، ُوي َعني من بني ضباطها ،وقد جاء هذا النص مخالفا لدستور 1971 الذي لم ينص صراحة على أن يكون وزير الدفاع من ضباط الجيش، كذلك املادة ،198التي نصت على أن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة ،يختص دون غيره بالفصل في جميع الجرائم املتعلقة بالقوات املسلحة وضباطها وأفرادها ،ولم ينص الدستور على مراقبة مجلس الشعب مليزانية الجيش ،وهو ما دفع البعض للتفكير في التشابه بني الحالة املصرية والنموذج الباكستاني. جاءت نداءات حملة «تمرد» ،التي جمعت وفقا ملا أعلنته قرابة 22 مليون صوت مطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ،وداعية الشعب للنزول إلي امليادين في 30يونيو ،2013لتعيد تدخل الجيش في الحياة السياسية بشكل واضح ال لبس فيه ،فقبل أحداث 30يونيو
صرح الفريق عبد الفتاح السيسي بأن الجيش لن يظل صامتا أمام انزالق البالد في صراع يصعب السيطرة عليه ،وأمهل الرئاسة واملعارضة أسبوعا للوصول إلى حل سياسي قبل 30يونيو، واتفقت رسالة الفريق السيسي مع رؤية الجيش التاريخية للتدخل للحفاظ على التماسك الداخلي واالجتماعى وتجنب اندالع الفوضى. بعد خروج املظاهرات في الـ 30من يونيو التي ضمت ماليني في جميع املحافظات ،أمهل الفريق السيسي الرئيس السابق محمد مرسي 48 ساعة لالستجابة ملطالب الشعب ،في بيان أصدره في األول من يوليو ،2013وبعد رفض الرئيس مرسي االستجابة ملطالب املظاهرات، خرج الفريق عبد الفتاح السيسي فى الثالث من يوليو ليعلن عن خارطة الطريق من دون الرئيس مرسي .ثمة مالحظات مهمة على أحداث الـ 30من يونيو وثورة الـ 25من يناير 2011؛ املالحظة األولى حول الشكل الذى عاد به الجيش للحياة السياسية ،فقد خرج الفريق عبد الفتاح السيسي ليعلن عن خارطة الطريق بحضور أعضاء من حملة «تمرد» ،وبحضور شيخ األزهر وبابا األقباط األرثوذوكس، وبحضور الدكتور محمد البرادعي ،على خالف ثورة الـ 25من يناير، التي ظهر خاللها املجلس األعلى بكامل تشكيله دون حضور الرئيس مبارك. املالحظة الثانية هي سرعة تشكيل حكومة مدنية وتعيني رئيس املحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا للجمهورية ،بما عكس عدم رغبة املجلس العسكري في العودة للحكم ،وهو ما أكده الفريق
,,
حاول الفريق السيسي توجيه دعوة للحوار بني مؤسسة الرئاسة واملعارضة إلحداث نوع من التوافق ولكن قوبلت الدعوة بالرفض
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
37
تقرير
أثارت أحداث الـ 30من يونيو جدال واسعا داخليا وخارجيا حول توصيفها من حيث كونها ثورة شعبية وتصحيحا ملسار ثورة الـ 25من يناير أم أنها انقالب عسكري ،ومدى تشابه ذلك مع ثورة 1952التي رسخت نفوذ الجيش في الحياة السياسية املصرية ،أم أنها أشبه بما حدث في ثورة يناير ،2011التي انحاز خاللها الجيش للمطالب الشعبية، هذا الجدل صاحبه نقاش آخر حول الدور املتوقع للجيش املصري خالل الفترة املقبلة واملساحة التي سيشغلها في الحياة السياسية املصرية.
َ مصر أنموذجًا دور الجيوش العربية في الحياة السياسية واالجماعية..
ربيع عسكري بقلم: رانيا زادة
,,
استدعت ثورة الـ 25من يناير عودة الجيش للحياة السياسية وكانت أول معالم هذا املشهد اجتماع املجلس األعلى للقوات املسلحة دون حضور قائده األعلى الرئيس األسبق حسني مبارك
,,
36
لم تكن أحداث الـ 30من يونيو املرة األولى التي يتدخل فيها الجيش في الحياة السياسية في مصر ،حيث أن هناك ارتباطا تاريخيا بني تأسيس الدولة املصرية الحديثة وبناء الجيش في عهد محمد علي ،وقد لعب الجيش املصري دورا سياسيا كان أبرزه ثورة ،1952و استمر الجيش في الفترة بني 1952حتى عام 1967في لعب أدوار سياسية مهمة نتيجة لوجود شخصية ذات تأثير ونفوذ قوي على رأس القوات املسلحة ،وهى املشير عبد الحكيم عامر.
شواهده االلتفاف على نتيجة استفتاء مارس (آذار) ،2011الذى حظي بموافقة 77في املائة من الناخبني إلجراء تعديالت على دستور ،1971وبدال من ذلك قام املجلس العسكري بإصدار إعالن دستوري، وأدى فشل املجلس العسكري في إدارة املرحلة االنتقالية إلى تعرضه لجملة من االنتقادات و اإلهانات لم تفرق بينه وبني الجيش كمؤسسة، واستخدمت القوى الثورية هتافات يسقط حكم العسكر احتجاجا على سوء إدارته ،كما تورط املجلس العسكري أثناء حكمه في أحداث دامية ،مثل أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء وغيرها.
مثلت هزيمة 1967نقطة فاصلة في دور الجيش السياسي ،حيث ُ استبعد الجيش بعدها من الحياة السياسية ،واستطاع الرئيس الراحل عبد الناصر إعادة بناء الجيش على أسس مهنية مكنت الحقا من االنتصار في حرب .1973وعلى الرغم من انتماء كل من الرئيس السادات والرئيس مبارك للمؤسسة العسكرية ،فإن الجيش كان جيشا مهنيا ولم يتدخل فى الشأن الداخلي إال مرتني؛ املرة األولى كانت في عهد الرئيس الراحل السادات عام 1977فيما سمي بانتفاضة الخبز ،وأجبر خاللها الجيش الرئيس الراحل السادات على التراجع عن القرارت االقتصادية ،وكان تدخل الجيش للحفاظ على التماسك الداخلي وحماية البالد من االنهيار ،واملرة الثانية عام 1986في عهد مبارك بعد واقعة تمرد األمن املركزي ،التي تمرد خاللها جنود األمن املركزي بسبب شائعة مد فترة تجنيدهم.
على الرغم من األخطاء السابق ذكرها ،استطاع الجيش تأمني االنتخابات البرملانية والرئاسية ،وأوفى بعهده ،وسلم السلطة من خالل انتخابات رئاسية فاز بها مرشح اإلخوان املسلمني ،وذلك على الرغم من الشائعات التي أثيرت وقتها بأن الفريق أحمد شفيق كان مرشح الجيش املفضل.
املجلس العسكري استدعت ثورة الـ 25من يناير 2011عودة الجيش للحياة السياسية ،وكانت أول معالم هذا املشهد اجتماع املجلس األعلى للقوات املسلحة دون حضور قائده األعلى الرئيس األسبق حسني مبارك يوم الخميس 10فبراير ،2011كما أصدر املجلس األعلى بيانه األول مؤكدا على التزامه بإتخاذ جميع التدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم ،وبعد هذا االجتماع بيوم واحد تنحى الرئيس مبارك عن رئاسة الجمهورية وكلف املجلس األعلى للقوات املسلحة بإدارة شؤون البالد ،وكان موقف الجيش من ثورة الـ 25من يناير بمثابة انحياز واضح من املؤسسة العسكرية للمطالب الشعبية. تولى املجلس العسكري إدارة شؤون البالد ،وشهدت مصر فترة من أصعب الفترات ،واتسمت بالتخبط الشديد ،الذي كان من أبرز
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
اتخذ الرئيس السابق مرسي بعد توليه رئاسة الجمهورية قرارا يوم الـ 12من أغسطس (آب) 2012بإحالة الفريق سامي عنان واملشير حسني طنطاوي للتقاعد وتعيني الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائدا عاما للقوات املسلحة ،وقد لقي هذا القرار قبوال لدى القوى الثورية، وذلك لرغبتها في إبعاد املجلس العسكري عن املشهد السياسي، خاصة بعد أن أصدر املشير طنطاوي في الـ 17من يونيو (حزيران) 2012إعالنا دستوريا مكمال لإلعالن الصادر في مارس ،2011 وهو ما اعتبرته القوى الثورية تكريسا لوجود املجلس العسكري في املشهد السياسي ،إذ نص اإلعالن في املادة 60مكرر على حق املجلس في التدخل في تشكيل الجمعية التأسيسية في حالة حدوث ما يمنع من استكمالها عملها ،فضال عن اختصاصه بتقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات املسلحة ،ويكون لرئيسه جميع السلطات لحني إقرار الدستور. شهدت فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي تخبطا واستقطابا على جميع املستويات ،حيث لم يكن لدى الحكومة أي تصور إلدارة امللف االقتصادي ،فقد أعلن الجهاز املركزي للتعبئة العامة واإلحصاء عن ارتفاع معدل التضخم الشهري خالل فبراير املاضي بنسبة 2.8في املائة ،مقارنة بشهر يناير السابق عليه ،ليرتفع التضخم إلى أعلى معدل شهري له منذ سبتمبر ،2010كما ارتفع معدل التضخم السنوي مقارنة بشهر فبراير 2012ليسجل 8.7في املائة ،ليصل إلى 132.8نقطة ،وشهدت مصر أزمة غير مسبوقة في
عقلية مقنعة في داخلها ،وال تأخذ من السند املعرفي مشروعيتها وال معناها. باعتبار أن املقياس والحكم الذي هو منطق املعرفة غير حاضر، واملساحة خالية للمشروعيات األخرى لالشتغال ،مشروعيات التقليد والتراث وغيرها من املرجعيات .إنها مرجعيات الغلبة والقوة ال مرجعيات اإلقناع والبرهان والدليل. غياب منطق العقل ،أي غياب الفلسفة ،جعل من خطابات املعرفة خطابات تتمظهر بمعرفيتها ،ولكنها في عمقها ضد املعرفة وضد املنطق .ومع الوقت واستمرار التخلف الحضاري أصبحت املشروعية املعرفية ليست ضرورية ،بل ضارة ملن أراد الحصول على جزء من السلطة ،فالرأي والقول واملوقف ال تأخذ قيمتها وال ً استنادا على أساسها تتحدد فعاليتها وال فرصتها في النجاح املعرفي بقدر ما هو حصولها على مشروعية سلطوية أو غير معرفية ،تاريخية أو رمزية. ومن هنا يمكن لنا القول أنه في ظل غياب الخطاب الفلسفي تغيب خطابات املعرفة األخرى .لدينا أقسام جامعية لعلوم االجتماع والنفس واالقتصاد والسياسة والعلوم الطبيعية ،ولكنها بدون فاعلية على أرض الواقع ،فالفاعلية لها شروط ال تمتلكها هذه التخصصات .فمنطق املعرفة والعقل ليس هو الحاكم .نحن في نظام معرفي آخر ال تشتغل فيه هذه األدوات. ّ ومن هنا نفهم تكلس وجمود كل املجاالت املعرفية وعجزها عن التطور .فاملعرفة ال تتطور إال حني تشتغل وتخضع لالختبار والفعل ما يجعلها ترتد باستمرار لنفسها مراجعة ومتطورة ّ وحية. وحني يتساءل الطالب عن جدوى ما يتعلمه في املدارس والجامعات من علوم طبيعية واجتماعية نفسية وغيرها فهو ّ يعبر بدقة عن الواقع الذي يعيشه ،فهو ال يرى أي أثر لهذه العلوم على أرض الواقع ،استيراد التقنية يحل كل هذا اإلشكال .وما إجابات املعلمني واملعلمات عن أهمية العلوم إلى إجابات افتراضية صحيحة ولكنها ال تستند على الواقع الذي نعيشه ،وهكذا تفقد معناها وقيمتها فسندها األساسي ،الذي هو منطق العقل ،في غياب طويل.
املثقفـ/ـة في هذه املعادلة ّ ماذا يعني تواجد املثقفـ/ـة في سوق ال مجال آمن ومحفز فيه إلقالق ً املعرفة السائدة وتحريك مياهها الراكدة؟ أيضا ماذا يعني تواجد املثقفـ/ـة في بيئة لم يتأسس الحجاج فيها على منطق املعرفة بل على منطقة السلطة ّ والقوة بكافة تمظهراتها؟ برأيي أن هذا يعني الكثير من السمات والسلوكيات واملواقف التي تبدو واضحة في شخصية املثقف السعودي والثقافة السعودية والتي سأختم بها مداخلتي هنا. ّ أولها :الشعور بالتهميش ،فالقرارات التي تتخذ على األرض ويفترض بها أن تمس حياة الناس ،أي الرابط األساسي بني الفكر والفعل ،يبدو فيها دوره األضعف واألقل فاعلية .غياب التأسيس العقالني للمعارف كثقافة عامة تتشكل في مؤسسات لها كلمتها في صناعة القرار ًّ ً وهامشيا. رخيصا جعل رأس مال املثقف ً ً ً ثانيا :أن املثقف الناشئ في هذه البيئة أصبح أيضا مشتغال داخل خطاب املعرفة بمنطق الالمعرفة. أي أنه بشعار وغطاء الثقافة استمر في العمل ضمن منطق الصراع الالفكري داخل وخارج مجتمع املعرفة .األستاذ الجامعي -على سبيل املثال -يستسلم ملنطق املؤسسة ليبتعد قدر اإلمكان عن إقالق املعرفة
السائدة ،وفتح املجال ملعرفة املستقبل ليتحول ملجرد موظف روتيني ًّ يؤدي ً روتينيا يعمل بشكل بطيء ومستمر على إخراج منطق دورا املعرفة من آفاق تفكير األفراد والجماعات. ً ثالثا :ظهور وانتشار ظاهرة املثقف املصارع .هذا النمط من املثقفني يتحرك داخل منطق الصراع ال منطق الحوار .بمعنى ،تحت تأثير قلقه على وجوده وهويته الثقافية املهددة باستمرار ،يدخل في عالقات متوترة مع الشخصيات التي كان من املمكن أن تتشارك معه في تأسيس مجتمع معرفة قادر على توفير عالقات يمكن أن يدخل داخلها حوار معرفي يمثل رحم املعرفة وشرط استمرارها ونموها. املثقف املصارع مشغول بإطالق األحكام على خصومه أكثر من اشتغاله بالنظر فيما يكتبون ،وهو بهذا يقوم بإفراغ الساحة املحتملة للحوار من احتماالتها القادمة .املثقف املصارع هو نتيجة الستبداد الخطابات الالمعرفية على ساحة املعرفة .في تلك الخطابات القول ليس للحجة بقدر ما هو للمكانة املتوارثة ولالنخراط في وراثة ّ معينة للسلطة وأدواتها. ً من الحوار كثقافة عامة غير رابعا :غياب التأسيس الفلسفي جعل ّ محتمل الحدوث .الحوار قائم على مسلمة جوهرية وهي ضرورة سيادة منطق اإلقناع واإلفهام ال منطق اإلخضاع والجبر ،وهذا برأيي متعذر بدون انتشار املعرفة العقالنية الفلسفية وامتداداتها من علوم االجتماع والنفس والسياسة والجمال< * كاتب وباحث سعودي
,,
كافتيريا جامعة امللك سعود في الرياض
غياب منطق العقل أي غياب الفلسفة جعل من خطابات املعرفة خطابات تتمظهر بمعرفيتها ولكنها في عمقها ضد املعرفة وضد املنطق
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
35
قصة الغالف
ما هو األثر الذي أحدثه غياب الخطاب الفلسفي على الخطابات االجتماعية والدينية واالقتصادية واإلعالمية ّ والسياسية وغيرها من الخطابات؟ ماذا يعني تواجد املثقفـ/ـة في سوق ال مجال آمن ومحفز فيه إلقالق املعرفة ً السائدة ،وتحريك مياهها الراكدة؟ أيضا ماذا يعني تواجد املثقفـ/ـة في بيئة لم يتأسس الحجاج فيها على منطق املعرفة ،بل على منطقة السلطة ّ والقوة بكافة تمظهراتها؟ ...هذا ما سأحاول اإلجابة عليه في هذا املقال.
منطق املعرفة مفقود في خطابنا الثقافي السعودي
غياب التأسيس الفلسفي بقلم: عبد الله املطيري *
,,
غياب التأسيس الفلسفي أدى إلى تشكل ظاهرة (املثقف املصارع) وهو الذي يتحرك داخل منطق الصراع ال منطق الحوار قلق على وجوده وهويته الثقافية املهددة باستمرار
,,
34
يتفاجأ الكثيرون ،من خارج السعودية ،حني يعلمون أن ً ّ تقديما للفلسفة يتضمن التعليم العام والعالي السعودي ال ً تعليما لها .إال أن املفاجأة تبدأ بالخفوت حني يعلمون وال أن هذه ليست كل الصورة .ال تكتمل الصورة إال حني يعلمون أن ً ً ًّ ضديا للفلسفة .بمعنى أيضا يتضمن موقفا التعليم العام والعالي ّ أن الطالب والطالبات يتعلمون أن الفلسفة باختصار منهج خاطئ للمعرفة .تبدأ املفاجأة بالتالشي هنا باعتبار أن غياب الفلسفة هو عمل مقصود ألسباب دينية ًوسياسية ،وهذا موقف ليس بالجديد ً يعرف شيئا ولو بسيطا عن تاريخ الفلسفة .يبقى شيء من على من ّ متعلق بالفلسفة اإلسالمية .يواجهني هذا االستفسار ً كثيرا الدهشة مع املشتغلني بالفلسفة هنا في أمريكا .يقولون نفهم أن يكون هناك موقف من الفلسفة اليونانية أو الغربية أو حتى الشرقية ،ولكن ملاذا يمتد هذا املوقف للفلسفة اإلسالمية؟ هنا تحتاج إلى شرح أن املوقف الحالي هو امتداد تاريخي طويل ملوقف مشهور في الثقافة السلفية ً وخصوصا اإلسالمية منها .الفلسفة اإلسالمية هنا مضاد للفلسفة ً خطرا؛ ألنها تأتي بغطاء ديني يخفي تحته املنهج الذي يمكن أشد االعتراض عليه ،والذي سيكون سمة هذه املقالة .الفلسفة اإلسالمية يقول خصومها -ترتكب ذات الخطيئة وهي "منازعة الوحي والنصبالعقل والتأويل" .نحن هنا أمام صراع ُسلطات معرفية سأحاول فهم الحالة الثقافية السعودية من خالله. ً املشهد السابق قد يحيل إلى صورة مغلوطة أيضا ،وهي أن املشهد السعودي قديمه وحديثه كان ً خلوا من التعاطي مع الفلسفة .هذا ً غير دقيق فعال ،وموقف ال أتبناه ً وال أحتاجه إلنجاز محاججتي هناً . قديما ،وأنا أتحدث هنا انطالقا من منتصف القرن العشرين، توافر مثقفون ومفكرون كبار على اطالع عميق باملنتج الفلسفي، أتحدث هنا عن شخصيات مثل :محمد حسن ّ عواد ،وحمزة شحاتة، وعبدالله القصيمي وآخرين. ً هذا الرافد لم يتوقف اليوم ،وال يزال يتسع ً يوما بعد يوم .أيضا اليوم ً االنفتاح املعلوماتي جعل املنتج الفلسفي متوفرا في السوق السعودية، ً ً إقباال ً كبيرا عليه .اليوم أيضا هناك حلقات وتشهد معارض الكتاب فلسفية وتجمعات فكرية في املنتديات الثقافية السعودية على عال من الحيوية .حجة أخرى ربما تساق على الصورة في مستوى ٍ املدخل أعاله تذهب إلى أن لب الفلسفة "املعرفة العقالنية" قد توافر من خالل العلوم اإلنسانية األخرى املتوافرة في الجامعات السعودية، كعلم النفس واالجتماع والنقد األدبي واللسانيات والتربية والسياسة واألنثروبولوجيا .هذه الحجة وجيهة لكنها تعاني من مشكلتني.
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
ً أوال :العلوم اإلنسانية تقدم لدينا مفرغة من أصولها الفلسفية. ً ً ثانيا :أن هذه العلوم ذات حضور ضيق أصال في الجامعات املحلية. ً لاّ ثالثا :وهو برأيي األهم أن هذه العلوم كانت مح للصراع بني نمط ّ التشككية واالتباع ّ وبني املناهج املعرفة الراسخ القائم على اإليمان ّ ً ً تأثيرا. وغالبا كانت املناهج الحديثة أقل حظا وأضعف الجديدة،
غياب من وحضور من؟ تكمن قيمة الخطاب الفلسفي في تصوري في سمتني أساسيتني تشكل طبيعته الجدلية :األولى أنه خطاب تأسيسي لكل معرفة عقلية، والثانية أنه خطاب نقدي لكل أنماط املعرفة العقالنية وغير العقالنية. بمعنى أنه خطاب هدم وبناء ،أو لنقل خطاب يقوم على استمرارية "معمار املعرفة" .تأسيسية هذا الخطاب تكمن في كون الفلسفة ذاتها بحث في إمكانية املعرفة وشروطها وقدرة العقل على إنتاجها. ً تحديدا جاءت تسميتها بأم العلوم .باعتبار أن كل علم عقلي ومن هنا ً ً تحديدا على مقوالت أولية تنشغل الفلسفة تحديدا في البحث يتأسس ً أوال وفي مضمونها ً تاليا .ومن هنا فيها من جهة إمكانها العقلي ً تحديدا تكمن أهمية فلسفة كل مجال ،ففلسفة العلم هي األساس النظري للعلم ،ومهمتها وضع هذا األساس ونقد األسس املتوفرة، وفلسفة السياسة هي التي تضع املبادئ األولى للفكر السياسي، وهكذا في بقية املعارف العلمية العقلية ،وهنا أستبعد املعارف غير العقالنية على األقل من جهة استنادها على مصادر غير بشرية كالدينية ،وتلك القائمة على االنطباع والذوق كالفنية والتي ال تأسس لها الفلسفة بقدر ما تمارس النقد تجاهها .الفلسفة بهذا املعنى تعني ّ ّ ومتغيرة عملية تشييد وهدم مستمر للمعرفة .أي معرفة متحركة ً ّ تحديدا مع نشره للقلق ومتحولة .شهادة ميالد الفيلسوف تتحقق والتوتر في املعرفة املحيطة به ،هذا ما تفعله الفلسفة ولكن ماذا عن ما يفعله غياب الفلسفة؟ وهو سؤالنا املركزي هنا.
فعل الغياب ما هو األثر الذي أحدثه غياب الخطاب الفلسفي على الخطابات االجتماعية والدينية واالقتصادية واإلعالمية والسياسية وغيرها من الخطابات؟ برأيي أن أكبر أثر لهذا الغياب هو فقداننا لضرورة التأسيس املعرفي .فالخطابات السائدة ال تستند على ّقوة معرفية
مسارات نظم املعرفة لوجدنا عباراتهم تقطر تواضعًا ،جيل معلومات دلوز ال يعتبر نفسه مثقفًا ذلك أنه يفتقر إلى ّ أساسية بحسب وصفه ،وفوكو قبل موته قال« :لم أكتب قط شيئًا إال أوهامًا» ونيتشه قال« :أنا مجرد كاتب». ثمة انتفاخ ضخم وكبير ترعاه مؤسسات الثقافة لتربية االدعاء وتغذية االنتفاخ وحراسة ّ التورم ،لكن ما فائدة املثقف؟! ما قيمته؟! ال شيء ،وأذكر هنا مقولة روالن بارت« :املثقفون ال يصلحون لشيء» .لكن ماذا عن التفكير والتثاقف بشكل فني؟! أليس هو األولى واألجدى من صرعات النضال وحمى الصراع واالصطفاف؟! كتب فوكو« :إننا في زمن يجب أن تعاد فيه صياغة وظيفة املثقف املختص ال أن تهجر ،رغم حنني البعض إلى كبار املثقفني الكليني». فوكو بالذات يحاول عبر بحوثه نقل املهمة التي يقوم بها املتفلسف من كونها مهمة تلقينية إلى مهمة تتعلق بالتكوين الذاتي ،فكم رأينا من يدعي الفلسفة والتفلسف لم يمارس بعد تكوينه الذاتي على املستوى األخالقي والجمالي والفني، خاصة حينما تمارس الفلسفة في بيئات متواضعة تستخدم التفلسف على سبيل الثرثرة اللغوية ،إن الفلسفة في نظر فوكو مهمة مترابطة تصنع في كل لحظة سلسلة أحداثها، هذا مع اعتقاده بالدور املحوري للفلسفة فهو كتب منذ عام 1971عن وهم الحياد املعرفي ،وكتب عن الدور الذي تلعبه املعرفة في «التكسير والحسم» ،والتكسير ال يبدأ من تغيير اآلخرين بقدر ما يبدأ من تغيير الذات وباألخص ذات املثقف أو
املتفلسف أو الكاتب نفسه وتحويلها عما هي عليه. ّ التحول؛ إلى رحلة شاقة من أجل نحتاج كذلك إلى الكثير من صناعة مساحة من «الفن» داخل الثقافة لنحمي أفكارنا من ّ التيبس ونحمي ذواتنا من التآكل ،فالواقع املظلم قد يدفع اإلنسان نحو اليأس؛ إن الفعل الفلسفي ال يمنح الكاتب أو املثقف حصانة من «الوهم» .تلك الرؤية – تحويل الثقافة إلى أسلوب فني -هي التي تحمي الكاتب من «اليأس» أن يتعامل ً مع الثقافة بوسائل فنية تستهدف ذاته أوال ويمارس عبرها معرفة الجديد في العالم سواء في مجال الفلسفة أو السينما أو األزياء والطب وذلك التغيير والتحويل الذاتي هو الذي يصنع من الثقافة جنة بعيدًا عن الصراعات والنزاعات والحروب الطاحنة التي يمارسها السفهاء من الكبار واملسنني حول قضايا تافهة. إن النجاح في تحويل اإلنسان لذاته من أسلوب إلى أسلوب هو الصورة الجمالية اللذيذة للتفكير .فالتغيير هو شكل التفكير. من هنا يدخل الجانب الفني في املسألة الفكرية والتي ربما يكون في إدخالها بعض الغرابة للوهلة األولى ولكن سرعان صيغة من صيغه ما نجد الفكر -وفق فوكو -يتجلى في ٍ كأثر فني ،وتلك املرحلة يطلق عليها مرحلة «املفكر ،الفنان» فالفن كما يقول مارتن هيدغر« :له قوة إثراء للحياة أكثر مما للحقيقة بما هي تثبيت ملظهر ما» < * كاتب وباحث سعودي
,,
مشكلة املثقف السعودي جزء من مشكلة املثقف العربي عمومًا فهو من دون دور ولكنه يبحث عن أي دور مهما كان ساذجًا
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
33
قصة الغالف
ّ التحول؛ إلى رحلة شاقة من أجل صناعة مساحة من «الفن» داخل الثقافة لنحمي أفكارنا نحتاج كذلك إلى الكثير من من ّ التيبس ونحمي ذواتنا من التآكل ،فالواقع املظلم قد يدفع اإلنسان نحو اليأس؛ إن الفعل الفلسفي ال يمنح الكاتب أو املثقف حصانة من «الوهم».
املثقف السعودي منفعل بلحظته ..ال يزال يبحث عن دور
التيه الكبري بقلم: فهد الشقيران *
في كتابه «محاضرات في اآليديولوجيا واليوتوبيا» ّ يشخص الفيلسوف الفرنسي «بول ريكور» -بشكل خاطف -معاناة املثقف في دول العالم النامي حيث لحظة واحدة» يراه «يعاني العيش في أكثر من عصر في ٍ فهو في فكره وبحثه يغرق في تتبع أحدث ما أنتجه العقل البشري في هذا القرن ،وفي جسده وظرفه املكاني يعيش في حالة من الالنسجام القرن الثامن -حسب ريكور -فهو في ٍ ّ املتطور الذي يتابعه بني املكان بمحتوياته الثقافية ،والفكر ويخضعه لبحوثه ويستفيد منه في كشوفاته العلمية والبحثية. وهي معاناة تصبغ املثقف العربي دون غيره من املختصني كاألطباء والكيميائيني ألن الثقافة بطبيعتها تتسم بأنها «املوقف النقدي» على عكس التخصصات األخرى التي تنشغل بالعلوم واألبحاث باعتبار نتائجها ،ذلك أن املثقف ينخرط في تقييم املوقف الوجودي ورصد العالقات املوروثة املؤثرة على سير حياة الفرد ونقدها ولفت األنظار إليها. املثقف العربي حينما يشرح محمد املاغوط مسيرة ّ يقول« :إنني مثل السجني الذي ظل يحفر عشرين عامًا ثم اكتشف أن النفق الذي حفره يقوده إلى زنزانة أخرى». هذا جانب جزئي من املشكلة التي تعصف باملناخ الذي يحيط بالكاتب واملثقف حينما يفحص واقعه، فهو في مسيرته يبدأ نضاليًا يعارك ويناكف، ومن ّ ثم يبدأ في رسم صورة «تراجعات» ّ يكسب بعدها مواقع مخملية تمكنه من العيش بثراء بقية حياته ،هذا لدى البعض املناضل ،أما املثقف املرتبط بالكشوفات ّ واملحتك بالفلسفة بوصفها العلمية، «فهمًا للواقع في مواجهة للذات داخل سياق التجربة» ّ يمر (هيدغر) فهو بمراحل من األسئلة
32
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
والتطورات وكل حقبة تركل األخرى حتى يصل إلى مستويات عالية من فهم العالم وإدراكه ،وتحميض صورة متجددة عن النفق الذي ّ يمر به العالم النامي. مع األحداث العربية الحالية وغليان االضطرابات في كل مكان تعرض املثقف العربي الختبار يشبه الذي ّ مر عليه ّإبان الثورة ٍ 1979حني ّأيد العديد من املثقفني العرب تلك الثورة اإليرانية في ً بوصفها فاتحة لنوافذ كبرى في التغيير بالعالم العربي. كذلك الحال أثناء حرب العراق على الكويت 1990سرعان ما انضم إلى الحشد املؤيد لصدام حسني بعض كبار املفكرين حدث يبرز .مع األحداث العربية العرب ،وقل مثل ذلك عند أي ٍ األخيرة أخذت صيغ التأييد ألي حراك من دون التأمل بآماده ومآالته فضائح كبرى لدى املثقفني الذين آمنوا بالشارع لكنهم لم يتأملوا إلى أين سيذهب بهم هذا الشارع؟! جاءت القوى األصولية وحني انتخب مرسي عاد املثقف السعودي في مجمله ّ وأيد انتخابه ،وحني أسقط وعزل أيد إسقاطه وعزله. املثقف السعودي يعاني من االنفعال باللحظة من دون ّ ستؤدي إليها ،العاطفة التفكير بها وبمآالتها وبالطرق التي حركت الكثير من مواقفهم تجاه األحداث وبعض الليبراليني الذين صموا آذاننا بالقنوات أنهم ال يستحون من التعبير عن ليبراليتهم قالوا إنهم عادوا إلى تياراتهم الشيوعية إذ أحيت بهم الثورات نوازعهم القديمة ،ثمة تيه كبير لدى املثقف ً أحداث لكنه السعودي الذي يعاني أصال من دون أن تمر أي ٍ بمرور األحداث الكبرى .هذا املثقف الذي كتب في عانى أكثر ّ زاويته مهاجمًا نقاد الربيع العربي في 2011هو الذي ينصح اآلن وينادي بالتعقل والتروي .هناك حالة استغباء للقراء وللناس من قبل البعض ويظنون أن الناس قد نسيت. مشكلة املثقف السعودي جزء من مشكلة املثقف العربي عمومًا ،فهو من دون دور ،ولكنه يبحث عن أي دور مهما كان ساذجًا وهذا ما يذكرني بنقد أساسي طرحه علي حرب في التسعينات بكتابه« :أزمة املثقف» ولحسن الحظ أننا وجدنا ً للتوصيفات التي كتبت عن أزمة املثقف الفرنسي مدخال لتحديد مشكالت املثقف العربي. مشكلة املثقف السعودي أيضًا في نقص التواضع والحضور الكثيف واالدعاء ،ولو قرأنا سير كبار املفكرين الذين غيروا
فكرية من املجالس واللقاءات التي يحضرها .ال يوجد شغف حقيقي بالقرءات املركزة واملتابعة ..ووعي باألفكار التي يتناولها وتدقيق فيها ،ولهذا تأتي بعض املفاهيم انطباعية. هذا ما حدث مثال مع قضية اإلرهاب والعوملة وتطور تقنية االتصال ،والتضخم واألسهم ،والربيع العربي واإلصالح. ويظن البعض أنه بمجرد هجاء األدلجة باستمرار أنه أصبح عميقا وواعيا بمعناها ،وكأنها خاصة بتوجه معني .وكأنها عيب باملطلق ،فقد توجد أعمال فكرية قوية وهي تخدم آيديولوجيات محددة ،ومتعصبة لرؤى خاصة ،فاملوضوعية والتظاهر بالعقالنية ليست شهادة مفتوحة لجودة الخطاب وقيمته. وحتى األعمال الروائية تحتاج هي األخرى إلى قراءات عميقة وثقافة علمية في موضوع العمل لتشعر بقيمته ولهذا جاءت الفقاعة في هذا املجال .هذه املشكالت وغيرها أدت إلى ضعف في تراكم املشروعات الثقافية ،لغياب املنهجية ،وضعف الشعور بوجود هم حقيقي للتنوير الفكري. هناك الكثير من املشكالت التاريخية التي شكلت بعض مالمح األزمة عند املثقف السعودي ،منها إشكالية الرؤية للرواد ومنتجهم الفكري واإلبداعي ومدى حضوره التراكمي لألجيال التالية. تقييم منتج الرواد واملثقفني املخضرمني من األفضل أن يكون بعيدا عن الرومانسية التي تصاحب الحديث عن املاضي عادة فليس هذا من التقدير واالحترام لهم. في الواقع يوجد شيء من القطيعة بني أجيال املثقفني في بعض املراحل ..بسبب حدوث قفزات مفاجئة ومتغيرات
اقتصادية واجتماعية وسياسية كبرى في املجتمع أثرت على الرؤية لتقييم خطاب كل مرحلة. وعلى الرغم من وجود بعض مظاهر الضعف في منتج الرواد في جوانب كثيرة يمكن تحديدها ..فإن وعي مثقف اليوم بأسباب هذا الضعف تاريخيا ،وطبيعة الحياة واإلمكانيات املتوفرة لهم ما زال محدودا ،ولهذا قد يكرر مثقف اليوم نفس الضعف واألخطاء بصورة مشابهة ..حتى وإن كان في منتجه قدر من االستعراض املعرفي الجديد. وقد نشأ عن هذه املشكلة ..خلل آخر يبدو في عدم احترام املثقف الجديد للتراتبية في مجاله ..فهناك قدر من السخرية والتسفيه العشوائي من أجيال جديدة للمخضرمني .ومع حضور هذه األخالقيات الرديئة جعلتنا أمام ظاهرة سرقات فكرية ،وعدم اإلشارة ألصحابها حتى ال يحسب عليهم ،فاملثقف الجديد يريد أن يبدو كأنه ولد مكتمال بوعيه وعقالنيته ولم يتأثر بأحد ..إال من يكون له مصلحة حالية في تمجيده حتى لو لم يطلع على أعماله! يمارس بعض املثقفني الشكوى من الواقع والتباكي على الحريات من خالل هجاء مجتمعه ،وكأن املجتمع يترصد به ويمنعه من تقديم أعمال ثقافية جادة! وهذا ال يعني إنكار وجود عوائق ألسباب متنوعة في بعض القضايا ،لكن من املؤكد أن هذه العوائق أصبح كثير منها يمكن تجاوزه لتقديم مشروعات كثيرة تعبر عن هموم ومشكالت املجتمع. الرؤية ليست كلها متشائمة ،فقد بدأنا نشهد تحسنا في أكثر من مسار في خطوات املثقف السعودي ،وتزامن معها أيضا حضور لدور نشر سعودية جديدة يملك أصحابها وعيا ورؤية ثقافية أسهمت في إزاحة عوائق قديمة وفتحت مسارات جديدة ملثقف اليوم <
إحدى ندوات البرنامج الثقافي ضمن مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة بالرياض
,,
تقييم منتج الرواد واملثقفني املخضرمني يجب أن يكون بعيدا عن الرومانسية التي تصاحب الحديث عن املاضي
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
31
قصة الغالف
على الرغم من الصعوبات املشتركة التي يواجهها املثقف العربي في دول كثيرة فإن املثقف السعودي لديه تحدياته ومشكالته الخاصة التي أعاقت دوره ،وأثرت على خطابه الفكري وأولياته ..أبرز هذه اإلشكاليات يكمن في اختالف نوع التحدي في دول الخليج.
املثقف السعودي أصبح جزءا من التضليل بسبب االنخراط في الصراع
املوضات واملوجات بقلم: عبد العزيز الخضر
,,
يعاني مثقف اليوم من تأثره باملوضات واملوجات السائدة.. حيث تسيطر عليه األحداث الطارئة وتجذبه الصراعات الشكلية
,,
30
تبدو مشكالت املثقف العربي جزءا من أزمة الفكر في عاملنا العربي والتي تناولتها أقالم عربية كثيرة، لكن يبدأ الخلل في جزء كبير من هذا الطرح عندما تعمم املشكالت العربية مع وجود فوارق بني دولة وأخرى وبني مجتمع وآخر ،وهي فوارق اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة ..تؤثر على األوليات والرؤية والخطاب لدى كل مثقف. وفي داخل كل مجتمع عربي نواجه مشكلة تغير األجيال والتطورات التنموية أو تعثرها في دول أخرى ..ودرجة الوعي بها لتحديد مالمح وسمات كل مرحلة والدور املفترض للمثقف فيها. وعلى الرغم من الصعوبات املشتركة التي يواجهها املثقف العربي في دول كثيرة ..فإن املثقف السعودي لديه تحدياته ومشكالته الخاصة التي أعاقت دوره ،وأثرت على خطابه الفكري وأولياته. أبرز هذه اإلشكاليات يكمن في اختالف نوع التحدي في دول الخليج ..عن نماذج تطورية وحاالت إرشادية كثيرة في العالم يصعب االستفادة من تجربتها والقياس عليها مباشرة، لتحليل األزمات االجتماعية والفكرية والسياسية في الحاضر واملستقبل ،مما يجعل املثقف السعودي أمام ضرورة إبداع خطابه ورؤيته الخاصة لوصف مظاهر الخلل في املجتمع.
األفكار واآلراء وتحليل القضايا الفكرية والدينية واالجتماعية. وأخيرا بدأت تضغط على املثقف مسألة الجماهيرية والبحث عن األضواء والعالقات العامة ،فتطورت لديه مهارات «الترزز» على حساب قيمته كمثقف ..لديه أولويات وأدوار أخرى ،فنجده يبحث عنها متكلفا في اإلنترنت ومواقع التواصل والفضائيات.. واملشاركة في قضايا مثيرة غير مناسبة ملجاله .وتوجد حاالت ظهور وانتقال مطلوبة عندما يشارك األكاديمي في الصحافة واإلعالم ،والصحافي في العمل التلفزيوني ،أو عندما يظهر املثقف والروائي والناقد في كتابة الرأي والعمود الصحافي اليومي ..وغيرها ،لكن مع نجاح بعض الحاالت لوجود املوهبة واإلمكانيات الشخصية لبعض األسماء ..فالواقع أننا أصبحنا أمام ظاهرة تقليد مسرفة ألسماء غير مؤهلة لذلك ،تسرعت من أجل البروز لألضواء ..وفقدت تركيزها بما تجيده من مهارات وإبداع خاص بها. وجزء كبير من هذه اإلشكالية فرضته الحاجة املادية ملثقف اليوم والشعور بأهمية وجود دخل إضافي يواجه فيه تكاليف الحياة وهنا قد ال يالم ،لكنه يجب أن يكون واعيا للخلل بالقدر الذي ال يضر بقيمته كمثقف. وتزامن مع هذه الظاهرة قضية التحول باالهتمامات بني مرحلة وأخرى ،والتدخل بموضوعات ليس مؤهال لها بقدر كاف من االطالع واملتابعة ،حيث يكون تائها بني مجاالت كثيرة ،فمرة يبدو مشغوال بالتحليل السياسي ،ومرة خبيرا في الحركات اإلسالمية واإلرهاب ،ومرة حقوقيا ،ومع الربيع العربي أيضا تضاعف حجم التوهان غير الواعي بني خطاب حماسي في اتجاه أو جمود في اتجاه آخر.
وال يمكن الحديث عن مشكالت املثقف السعودي من دون الوقوف عند مسألة الثروة النفطية ..وتأثيرها على كل أفراد املجتمع ،ومنهم املثقف ،حيث تأثرت أخالقياته وجديته العلمية بذلك ،وقد أشرت في كتابة أخرى حول هذا الجانب .يواجه مثقف اليوم إشكالية مزدوجة بني خطاب عربي هجائي لنا.. يقزم قيمة مثقفنا السعودي بحجة البترول ،وهناك تحد آخر حقيقي يفرض علينا تقديم أعمال فكرية وعلمية يحترمها اآلخرون .ويعاني مثقف اليوم من تأثره باملوضات واملوجات السائدة وزادت حدتها مع مرحلة اإلنترنت بكل أطوارها ،حيث تسيطر عليه األحداث الطارئة ،وتجذبه الصراعات الشكلية، فأصبح أحيانا جزءا من التسطيح الفكري ..وبدال من أن يصنع رؤيته للواقع من خالل إمكانياته العلمية والفكرية التي يتميز بها عن هذه األحداث ..فإنه تحول دون أن يشعر إلى جزء من التضليل بسبب االنخراط املبالغ في هذه الصراعات.
جميع هذه العوامل وغيرها أفقدت الكثير من املثقفني شخصيتهم التي تميز خطابهم الفكري واألدبي واالجتماعي، لهذا قد نجد أن الرؤى الفكرية لديهم ليست معقلنة بما فيه الكفاية ،وفق مدارس فكرية وعلمية محددة املالمح ..وإنما خليط غير متجانس من اآلراء والتلفيقات واملواقف التي تجعلهم يقولون الفكرة هنا ونقيضها في مكان آخر ،ويتورطون بأفكار ليسو مؤهلني لها ،والدخول في حوارات ذات حساسية دينية واجتماعية ال يملكون عمقا كافيا بها.
وهذا ال يعني رفض املشاركة في الحوارات والجدل اليومي في اإلعالم واملجتمع ،وإنما استحضار دوره الطليعي في صناعة
ومن أبرز مشكالت مثقف اليوم محدودية االطالع ،ووعي يعتمد على عناوين وكتب مشهورة فقط ،وتأثر بموضات
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
املستوى الثقافي السائد .راجعت املطبوعات الثقافية الصادرة في العقدين املاضيني فوجدت نصيب املؤلف السعودي متواضعا جدا مقارنة بزميله العربي .لعل سبب ذلك عدم وجود مؤلفني ترتقي أعمالهم لشروط النشر. في ساحتنا الثقافية السعودية مواجع ،وفيها منغصات ،وفي الطريق ُعقبات كثيرة .وأمل أن ال تزيد تلك األشياء بسبب بيروقراطية ثقافية .فما أنيطت الثقافة إلى وزارة حكومية إال ضعفت وتالشت. مواجع الثقافة لدينا كثيرة ،منها أن بعض املسؤولني ينظر إليها على أنها وظيفة حكومية ،ينطبق عليها ما ينطبق على وظائف الدولة .ومنها أن الثقافة لدينا غير محددة املعالم .فالبعض يقصرها على فن أو فنني .ومنها أن الثقافة مرتبطة األثر والتأثير بالسياسة ،وهنا لب القصيد .فتشابك خطوط األمرين يجعل املثقف يمشي على خط ساخن ،تزيده عادة وزارة الثقافة اإلعالم سخونة ،ذلك أنها ترى من واجباتها مراقبة الثقافة .وعندما تراقب الثقافة تمرض أو تموت ،واإلبداع وقود الثقافة ال يطيق املراقبة. ومن منغصات الثقافة لدينا أنها لم تشمل كل الفنون والعلوم ذات الصلة بها ،فهي إذن مقطعة األوصال .ال يكتمل شأنها ،وال يستوي عودها .ومن املنغصات توزع شؤون الثقافة على إدارات بيروقراطية مختلفة ومتعددة. وأنا هنا ال أدعو للمركزية .ولكن التشتيت الوظيفي لقضايا الثقافة يضعفها ،وال يقويها .ومن املنغصات ضبابية الرؤية اإلعالمية لدور الثقافة ومكانتها ،فحتى يوم الناس هذا ال نجد كفاية وتغطية إعالمية ملناشطنا الثقافية ،ناهيك عن الثقافة العربية الواسعة. وتواجه الثقافة لدينا عقبات في الطريق ،منها الضعف الواضح في مدخالتها ومخرجاتها ،ومنها غياب أنظمة بيروقراطية سهلة تعالج مشكالت املثقف الفنية والعلمية واملعرفية .ومنها بقاء أعمال املراقبة والفسح وما شابه ذلك، وهي أعمال أضرت بالثقافة وما زالت تضر ،والزمن قد تعدى هذه األعمال، ولكنها ما زالت عقبة كأداء في طريق الثقافة والعلم. وكون الثقافة اآلن مع اإلعالم ،عندئذ يسهل أن ينقل اإلعالم ثقافة البلد، وينشرها في األصقاع .على أن األمر ليس بهذه السهولة ،ذلك أن االنتشار العاملي ال يجيء بقرار من الوزير ،بل بقرار إبداعي من األديب واملفكر والفنان .فاالنتشار والقبول املحلي هو الطريق الوحيد للعاملية .كيف السبيل إلى الجمع بني الضدين؛ ثقافة حرة متقدة وديناميكية وفعالة ،وواقع إداري حكومي مثقل بالتبعات واملهام؟ هذا والله من الصعاب .ولكن يمكن إيجاد سبل ال سبيل واحدة ،طاملا العزم موجود ،واإلرادة متوفرة ،والدعم متاح.
تفعيل املؤسسات الثقافية ،ورعاية الثقافة ،وجعلها تقوم بدورها الريادي في صياغة فكر األمة ،واملشاركة في معالجة القضايا التي تمر بها األمة في الوقت الراهن .كل هذا يتطلب مقدمات منطقية تتمثل في إعطاء مزيد من حرية التعبير .فال يوجد عالج ّفعال لكثير من أمراضنا الثقافية ،مثل إتاحة الفرصة أمام األدباء واملثقفني وأهل الرأي والفكر من مختلف أطياف املجتمع للتعبير بصدق وروية عن رؤاهم في مختلف قضايا املجتمع. ومن املقدمات املنطقية إقحام الثقافة في الشأن السياسي .ذلك أن الثقافة ُ تعد اليوم من القوة الناعمة للدول .ال بد من قرار سريع وحاسم في دمج إدارات الثقافة والفكر دمجا إداريا ال دمجا فكريا فقط .وال بد من التفكير في ضرورة إنشاء مؤسسات جديدة وعصرية تساعد الوزارة في مللمة الشأن الثقافي والفكري ،وصهره في بوتقة ووعاء فكري يمكن معه التحاور .ويمكن للمنتسبني لهذا الوعاء من الشعور باملسؤولية الوطنية، والشعور باألمن والدعة ،والتفرغ للمهنة. وعودة إلى السؤالني اللذين صدرنا بهما هذا الحديث .أقول إن مشاريع الثقافة السعودية ما زالت متواضعة ،خصوصا في جانبها الفكري .واملطلع على إنتاجنا الثقافي في العقود الخمسة املاضية يجد أن أغلبه يتصف بالتكرار والتدوير واملحافظة .أما املواضيع فال تتعدى الجوانب األدبية واالجتماعية املوغلة في ثقافة كالسيكية أو قبلية .ومدار ذلك أننا لم ننتج ثقافة سعودية تخترق الحدود العربية ،ناهيك عن الحدود العاملية. أما بخصوص األعمال السعودية األكاديمية وصلتها بالثقافة فاألمر موجع ،وهنا فقط أشير إلى أن لدينا إنجازات علمية أكاديمية تستحق أن تنتشر عامليا ،لكن املشكلة أنا لم نقم بتحويلها إلى شأن ثقافي ،يعرفه املجتمع املحلي ثم يجد طريقه للعاملية .الواقع املؤسف أننا لم نفعل مثلما فعل أشقاؤنا في مصر عندما طوعوا إنتاجهم العلمي األكاديمي البحت إلى خبز يومي يلتقطه املجتمع. وانظر إذا شئت كيف استطاعت املجالت الثقافية ،مثل مجلة «الرسالة» ،نقل قاعات العلم في الجامعات املصرية إلى الشارع املصري والعربي ،وجعلت من العلم شأنا ثقافيا يتصارع حوله القوم. لدينا فجوة بني األكاديميني واملثقفني من غير األكاديميني .ومن غير تعاون الفريقني سيظل األكاديميون الجادون في بروجهم العلمية وصوامعهم األكاديمية ،وسيظل إنتاجهم العلمي مقصورا على دائرة ضيقة داخل الحرم الجامعي <
جانب من إحدى عروض الحرف اليدوية في مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة بالرياض
,,
نحن أحوج ما نكون لتقليل قائمة املسلمات الثقافية باملعنى الواسع للثقافة ومساءلتها لتنقيتها من زوائد لم تعد تناسب العصر وثقافته
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
29
قصة الغالف
في هذه املقالة لن أجيب عن سؤالني مهمني يتعلقان بإنتاج املثقف السعودي ،وهما :هل تنتج الثقافة السعودية مشاريع ثقافية وعلمية تجعل من مثقفيها روادا يطبعون بصماتهم على الثقافات األخرى؟ وهل قدم املثقفون السعوديون أعماال ثقافية ذات بعد أكاديمي وبحثي تساهم في إثراء الحالة املعرفية ،أم أن جهود املثقفني تركزت في السجاالت الشفوية واملقاالت الصحافية؟ لن أجيب عن هذين السؤالني بطريقة مباشرة واعتيادية ،وعوضا ،سأمنح قلمي حرية التنقل بني أفكار شتى تالمس السؤالني من قريب أو من بعيد.
في ساحتنا السعودية ال توجد لدينا ثقافة وإنما «مثاقفة»
البحر والصحراء بقلم: د .عبد الله العسكر
,,
إنتاجنا الثقافي في العقود الخمسة املاضية أغلبه يتصف بالتكرار والتدوير واملحافظة.. أما املواضيع فال تتعدى الجوانب األدبية واالجتماعية
,,
28
أتذكر أن إخواننا املثقفني املصريني عندما واجهوا املصطلح األجنبي « ،»Pen Societyترجموا املصطلح بجماعة «حملة القلم». هذا حدث ربما في خمسينات القرن امليالدي الفارط .والواقع أن الترجمة الصحيحة هي :جمعية أو عصبة املثقفني .وهم لم يرغبوا في استعمال مصطلح مثقف ،ألنه ال يعني لهم آنذاك شيئا ملموسا ،فعندهم عصبة األدباء .خصوصا أن األدب هو الثقافة كلها .هذا ربما يصح في املاضي ،أما اآلن فالثقافة أوسع من األدب ،وهي تشمل علوما وفنونا تتعدى األدب بمرات كثيرة .بل هي مجموعة فنون خطيرة إن لم يحسن تناولها. كتبت عن الثقافة عدة مقاالت ،نشرتها في جريدة «الرياض» ،وال تحضرني عناوينها ،ولكنني أتذكر منها« :ثقافة الصورة» ،وهي مقالة عن األنساق الثقافية .والثقافة املحلية والوطنية ،وهي عن غياب الوطنية في خطابنا الثقافي .ومقالة عنوانها« :التربية والبيئة» وهي عن العالقة الجدلية بينهما، وأثر ذلك على الثقافة .وأخيرا مقالة سببت لي مشكالت مع بعض الزمالء عنوانها« :ثقافة ال مثاقفة» ،وهي تشخص الواقع الثقافي عندنا ،كونه مثاقفة فقط. واليوم ،أجد الفرصة سانحة من خالل مجلة «املجلة» ألن أؤكد الصلة العضوية بني الثقافة واألكاديمية ،وهي صلة ما انفكت غير مفهومة عند شريحة واسعة من املثقفني وغير املثقفني .والسبب أن بعض الناس يربط بني اإلبداع واألكاديمية ،وهذا ربط ال أساس له من الصحة .بل العكس هو الصحيح .لكن االبتعاد عن األكاديمية مضر بالثقافة .وكنت كتبت مقاال عنوانه «االبتعاد عن األكاديمية أم األدب» ،باعتبار أن األدب أحد عناوين ّ الثقافة ،بينت فيه أن األكاديمية تتضرر كثيرا عندما تفرغ من نفسها، وبعدها الثقافي باسم العلمية والدقة واملنهجية. يجب أن نعترف أن عموم املثقفني من غير األكاديميني ال ينظرون بعني الرضا لألكاديميني الذين ينتشرون في ساحات الثقافة .وهم لديهم العذر، لكن ما كان يجب أن تدوم هذه املسألة ،ألن بعضهما مكمل لآلخر ،وال يستغني أحدهما عن اآلخر ،على أن في املسألة أمرا يجب بسطه ،وهو ضرورة أن يتنازل األكاديمي عن منهجه التدريسي عندما يلتقي بزميله غير األكاديمي .فالكل سواء .والثقافة مشاعة ،بل يجب أن تكون مشاعة لكل القاصدين. وكثيرا يخطر ببالي قضية الثقافة وصناعتها في السعودية ،وكثيرا يقفز إلى ذهني سؤال ملح ،وهو :هل لدينا في اململكة خطة ثقافية تتسق أو تتقاطع مع الثقافة العربية واألجنبية .ثم تنساب األسئلة الفرعية كتفرع الجداول الصغيرة من مجرى النهر؛ هل إنتاجنا الثقافي مختلف عن الثقافة
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
العربية السائدة في العالم العربي ..هل هي متسقة معها .ثم أنتهي بسؤال صادم :هل ما نشهده في اململكة من صناعة وحراك ثقافيني ثقافة أم مثاقفة؟! في السنوات املاضية القريبة شهدت ندوة عن الثقافة في الخليج العربي، واذكر أنني قلت في مداخلة إن الثقافة السائدة في دول الخليج هي ثقافة األنهار العربية أو ثقافة مترجمة إلى العربية .الثقافة املحلية في دول الخليج متواضعة ،ويغلب عليها األمية .وأمر آخر لفت انتباهي في تلك الندوة ،وهو أن ثقافة اململكة العربية السعودية اختصرت لألسف في ثقافة البحر .وأي بحر؟ بحر الخليج العربي .وكأن اململكة بسعتها وثراها وتنوع ثقافتها وبحارها الواسعة غير موجودة ألجل خاطر السياسة .من هذا التصور الضيق طفق إخواننا في الخليج يتحدثون عن تماس بني ثقافة الصحراء وثقافة البحر .على أنني اعترف بأن ما قالوه صحيح ،لو كانت اململكة بحجم إحدى شقيقاتها الخليجيات. وأذكر أن أحد املحاضرين في الندوة قال إن لديه تهويمات (هكذا) تلخص فلسفة ثقافة الخليج .وتتلخص تهويماته في ثالثة أضلع ،هي :الصحراء والبحر والنفط .وشكرت الله أنها تهويمات .ألن ما سمعته يشبه إلى حد كبير ما نسمعه من مثقفي الغرب عندما يتحدثون عن ثقافتنا .ال شك عندي أن بلدان الخليج الصغيرة تنازعتها ثقافة البحر والغوص ،ومن ّثم النفط ،لكن ال ننسى أن أهل الخليج يتصفون بثقافة البحر ،ألنهم يولون وجوههم شطره ،ويجعلون الصحراء خلفهم .وهم يتصفون بثقافة املوانئ وعقلية التجار ،لذا تجدهم أكثر انفتاحا وقبوال لآلخر من إخوانهم سكان الصحراء .لكن بعد تحسن األحوال املعيشية للجميع وسيادة نمط االستهالك انتقلت الصحراء إلى البحر ،وليس العكس .فالعصبية القبلية برزت كثيرا في أدبيات أهل الخليج ،وتالشت العصبية االقتصادية. وبالتالي ،لم تعد ثقافة البحر تميز أهل الخليج كما كانت في املاضي. وخالصة الكالم أن هناك صفتني بارزتني في ثقافة أهل الخليج؛ األولى ثقافة النفط السلبية ،واألخرى القبيلة املتصالحة مع القوى املحافظة التي تطلق على نفسها مسميات دينية. وأميل إلى أن ثقافتنا في اململكة تتصف بضعف واضح فيما أسميه «ثقافة السؤال» .نحن أحوج ما نكون لتقليل قائمة املسلمات الثقافية باملعنى الواسع للثقافة ،ومساءلتها لتنقيتها من زوائد لم تعد تناسب العصر وثقافته .نحن في حاجة ملغامرة فكرية وثقافية ،ذلك أن السكون ال يصنع ثقافة متميزة نحلم أن نراها في بالدنا ،نحن في حاجة إلبراز القيم الثقافية املتعددة املعروفة في الثقافات العاملية .الثراء املادي الذي عليه اململكة ال يتناسب مع
وعندما نتحدث عن صورتنا االقتصادية ،فإن من السهولة كذلك اكتشاف هذه الصورة ،والتعرف عليها ،وعلى مالمحها ومعاملها ومكوناتها ،لكونها صورة ظاهرة ومتجلية لنا وإلى العالم الذي نتفاعل معه ويتفاعل معنا. ويكشف عن هذه الصورة مجموع النشاطات والخطط والعالقات واالستراتيجيات ذات الطابع االقتصادي ،فالجميع يعلم أننا نمثل دولة نفطية مؤثرة في اقتصادات العالم ،ولدينا مخزون نفطي كبير ،الوضع الذي فرض على الجميع في أن يتعرفوا على صورتنا االقتصادية. وهكذا عندما نتحدث عن صورتنا الدينية ،فإن هذه الصورة تكشف عن نفسها من خالل مجموع النشاطات واملؤسسات والعالقات ذات الطابع الديني ،وبحكم التفاعل والتواصل النشط والواسع مع العالم اإلسالمي ،ومع جميع املسلمني في مختلف أنحاء العالم الذين يأتون سنويا إلى الحج من كل فج عميق. لكن عندما نتحدث عن صورتنا الثقافية ،ونحاول أن نتعرف على هذه الصورة في أبعادها ومالمحها ،حدها ورسمها ،فإن الوضع في هذه الحالة سوف يختلف ،وقد يتعثر. ال أعلم حقيقة طبيعة رؤية املثقفني اآلخرين لهذه الصورة الثقافية وكيف يفهمونها؟ وأين يتفقون فيها؟ وأين يختلفون؟ وما درجة الوضوح عندهم في تشخيص هذه الصورة وتحديدها؟ وما درجة الغموض عندهم أيضا؟ لكن الذي أراه من دون أن أكون قاطعا ،ولست راغبا في القطع أو الجزم ،أن هذه الصورة ليست واضحة عندي بالقدر الكافي، وأظن أنها ليست واضحة عند كثير من املثقفني كذلك .أو ال أقل أحتمل أن هناك من املثقفني من يشاطرني ويوافقني على مثل هذا الرأي .أقول هذا الكالم والثقافة هي أقرب املجاالت إلى نفسي ،وهي الحقل الذي أوليه كل اهتمامي ،مع ذلك عندما أحاول البحث عن صورتنا الثقافية أجد صعوبة في تحديد وتشخيص هذه الصورة. فهل نحن من دون صورة ثقافية فعال؟ أم أنها صورة موجودة كاف ،أو أنها غير مكتملة ،أو أنها في لكنها غير واضحة بقدر ٍ طريقها إلى الوضوح واالكتمال؟ يجب أن نعلم ابتداء ،أن الثقافة هي املجال الذي ال ينبغي التستر فيه ،أو كتمان الحق فيه ،وذلك باعتبار أن الثقافة من طبيعتها الشفافية ،وهكذا ينبغي أن ننظر إليها. فما الذي جعل هذه الصورة الثقافية ليست بذلك القدر من الوضوح ،أو االكتمال؟ هل ألن الثقافة كانت إلى عهد قريب في مجالنا الوطني ال يجمعها جامع ،وال يربطها رابط ،باعتبار أنها كانت موزعة ومتفرقة بني األجهزة واملؤسسات والوزارات، قبل أن تجتمع عند جهة محددة هي وزارة الثقافة؟ أم ألن مجموع النشاطات ذات الطابع الثقافي لم يكن بالقدر الكافي الذي يكون بإمكانه بلورة صورة ثقافية ناضجة
ومحددة املالمح؟ أو أن هذه النشاطات أقل بكثير مقارنة بمجموع النشاطات املرتبطة باملجاالت األخرى السياسية واالقتصادية والدينية؟ أم ألنه لم تكن لنا سياسة واستراتيجية واضحة ومحددة في مجال الثقافة ،على صورة االستراتيجية التي أقرها حديثا مؤتمر املثقفني السعوديني األول؟ أم ألن الصورة الدينية غطت على الصورة الثقافية ،أو إننا اكتفينا بالصورة الدينية ،أو إننا لم نرد مزاحمة الثقافة للصورة الدينية؟ سواء اتفقنا أو اختلفنا كمثقفني على هذه التصورات والتحليالت ،مع ذلك يبقى أننا بحاجة ألن نسهم في بلورة وصياغة صورتنا الثقافية ،الصورة التي يرى الجميع نفسه فيها ،وبكل ألوان الطيف ،لتكتسب جمالية هذه األلوان ،وتكون معبرة عن جميع مكونات النسيج املجتمعي السعودي ،وعندئذ ستكون هذه صورتنا الثقافية ،وهذا هو مصدر الثراء والتخلق في كل صورة ثقافية! ويبقى السؤال مفتوحا أمام املثقفني السعوديني ،في البحث عن صورتنا الثقافية ،فما هذه الصورة؟ وفي البحث عن سؤالنا الثقافي ،ما هذا السؤال؟<
,,
نحن بحاجة إلى بلورة وصياغة صورتنا الثقافية التي يرى الجميع نفسه فيها وتكون معبرة عن جميع مكونات تعدد النسيج املجتمعي السعودي
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
27
قصة الغالف
إننا بحاجة ألن نسهم في بلورة وصياغة صورتنا الثقافية ،الصورة التي يرى الجميع نفسه فيها ،وبكل ألوان الطيف ،لتكتسب جمالية هذه األلوان ،وتكون معبرة عن جميع مكونات النسيج املجتمعي السعودي ،وعندئذ ستكون هذه هي صورتنا الثقافية ،وهذا هو مصدر الثراء والتخلق في كل صورة ثقافية!
في مجالنا الثقافي السعودي ..ما سؤالنا الراهن؟
البحث عن الصورة بقلم: زكي امليالد والعام؟
,,
الثقافة كانت إلى عهد قريب في مجالنا الوطني ال يجمعها جامع وال يربطها رابط.. باعتبار أنها كانت موزعة ومتفرقة بني الجهات واملؤسسات
,,
لعل أهم سؤال يمكن أن نطرحه على أنفسنا كمثقفني، في مجالنا الثقافي السعودي ،هو :ما هو سؤالنا الثقافي الراهن؟ أعني به السؤال الكلي والجمعي
ال شك أن اإلجابة عن هذا السؤال بحاجة إلى عصف العقول، ومزيد من إعمال الفكر ،وتكثيف التأمل والنظر .فهو السؤال الذي يفترض أن يبلور وجهة الثقافة ،ويؤثر على روحها العامة، ويحدد لنا ماذا نريد منها ،وكيف ترتبط الثقافة بحاجاتنا امللحة الراهنة واملستقبلية ،وهي الحاجات التي تنتهي في حركتها إلى ما يخدم ويعزز التقدم العام ،والتطور الشامل. كما أن هذا السؤال بمثابة اكتشاف بوصلة الثقافة ،وهل يمكن للثقافة أن تكون بال بوصلة ترسم لها الطريق ،وتبلور لها املسارات واالتجاهات .والثقافة بال سؤال ثقافي ،هي ثقافة بال وعي وبال بصيرة بذاتها ووجودها ،بحركتها وفاعليتها، بحاضرها ومستقبلها .وتصبح الثقافة في مثل هذه الحالة مشتتة ،ومعرضة للتفتت واالنقسام ،وتتنازعها الرغبات واألهواء من كل جانب .وهذا يعني أن البحث عن سؤالنا الثقافي ،هو بحث عن جوهر الثقافة وعمقها ،وهو ،من جهة أخرى ،بحث عن الجانب الوظيفي في الثقافة ،بمعنى أنه السؤال الذي يحدد للثقافة وظيفتها ،ولكن ليس أي وظيفة ،وإنما الوظيفة الواعية ،التي تتصل باملتطلبات الفعلية في نطاق عالقة الثقافة باملجتمع. والسؤال الالفت واملحير ،هو :كيف يغيب عنا مثل هذا السؤال؟ أو ال يتجدد طرحه باستمرار؟ وهو السؤال الذي يفترض أن ال يغيب عنا ،ألن اإلجابة عنه أو االقتراب من هذه اإلجابة، ليس فقط ال تتوقف على مجرد إبداع هذا السؤال واكتشافه، وإنما على طرحه املتكرر ،وكثرة النظر فيه ،ألنه ليس من نمط األسئلة البسيطة أو السهلة أو العادية ،بل هو سؤال األسئلة في الثقافة ،وسؤالها الحيوي ،ويمثل محور النقاشات فيها. ومتى ما غاب هذا السؤال ،غابت معه تجليات الثقافة ،وتجليات الفعل والحضور الراهن .وكيف للثقافة أن تتطور من دون سؤال ثقافي يحدد لها عنصر الفعل والحركة ،ويحدد لها أيضا عنصر الدور والوظيفة ،ويربطها بقضية تتصل بها وتتفاعل معها. يضاف إلى ذلك أن السؤال الثقافي هو الذي يشكل طبيعة العالقة بني الثقافة واملجتمع ،فكل مجتمع يفرض سؤاله
26
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
الثقافي بحسب طبيعة مكوناته ،وكيف ينظر إلى ذاته ،وكيف يفكر في مستقبله ،وحاجته للتطور والتقدم. من هنا يختلف السؤال الثقافي من مجتمع إلى آخر ،فالسؤال الثقافي في مصر مثال ،يختلف بطبيعة الحال عن السؤال الثقافي في لبنان ،وكذا عن السؤال الثقافي في العراق ،وهكذا الحال عن السؤال الثقافي في السعودية. كما أن هذا السؤال الثقافي يتغير ويتجدد في داخل املجتمع الواحد ،بحسب املراحل واألطوار التاريخية والفكرية التي يمر بها كل مجتمع .لكن هذا التغير والتجدد في السؤال الثقافي ال يكون سريعا أو فوريا ،وال يكون أيضا عفويا أو طارئا ،وإنما يحصل بقصد ووعي ،ويحدث نتيجة محصلة تراكم الوعي، وتطور التجربة والخبرة الفكرية والتاريخية.
فما سؤالنا الثقافي في حاضرنا الراهن؟ لعلنا اليوم نحن أقدر من أي وقت مضى في اكتشاف هذا السؤال والتعرف عليه ،وذلك بعد خوض تجربة الحوار الوطني، التي أتاحت أكبر فرصة ألن يتحاور املجتمع مع كل مكوناته، ويتعارف ويتواصل مع هذه املكونات .وذلك ألن سؤالنا الثقافي بالتأكيد هو سؤال املجتمع بكل فئاته ومكوناته ،وهو سؤال املرأة والرجل ،وسؤال الشباب والشيوخ ،وسؤال باقي مكونات التعدد األخرى. وفي تقديري ،يتحدد سؤالنا الثقافي الراهن ،في بناء هويتنا املشتركة ،التي تتجلى وتتخلق فيها الوحدة الوطنية ،وتماسك النسيج املجتمعي مع االنطالق نحو التحديث والتطور الشامل.
في البحث عن صورتنا الثقافية؟ عندما نريد أن نبحث عن صورتنا السياسية نحن كدولة ومجتمع ،الصورة التي تميزنا بقدر ما عن باقي الدول واملجتمعات األخرى ،أو تعرفنا عند هذه الدول واملجتمعات، أو التي تعطينا قدرا من الفرادة أو االختالف عن غيرنا ،فإن من السهولة التعرف على هذه الصورة في املجال السياسي، إذ تكشف عنها مجموع السياسات القائمة واملتراكمة منذ ما يزيد على نصف قرن ،كما تكشف عنها أيضا املواقف السياسية املتحركة واملتفاعلة مع األحداث الجارية ،وطبيعة العالقات السياسية مع الدول واملؤسسات الدولية.
وحدهم .والتمادي في تكريس هذه املمارسة في ظل االنفتاح اإلعالمي والتقدم التكنولوجي دليل جهل وتخلف.
ذات ملكية سعودية استطاعت استقطاب املثقفني السعوديني وغير السعوديني وكسب ثقتهم.
فاملثقف السعودي ومعاناته مع النشر تبدأ بمجرد أن يكون كتابه فكرة في رأسه وهو يضع نصب عينيه ما يمكن أن يسمح به الرقيب وما ال يسمح ليبدأ كتابته خاضعًا لسطوة املراقبة فاقدًا لحرية اإلبداع يكتب ويشطب حتى إذا راجعه مرة ومرتني اتجه به إلى الجهات الرقابية لفسحه قبل الطباعة لتتكسر مجاديفه على صخرة مالحظات الرقيب وربما صرف النظر عن طباعة كتابه تمامًا!! فأما من ينفذ بجلده من مصيدة الرقيب فإنه بعد ذلك يدخل في معترك آخر هو طباعة الكتاب ونشره فهو إن طبعه على حسابه وتحمل تكاليف الطباعة الباهظة تورط في مسألة تسويق كتابه وتوزيعه ليكون مصيره مظلة في سطح بيته أو غرفة في نشر محلية الفناء!! والخيار الثاني أمامه أن يدفعه إلى دار ّ ودور النشر املحلية ال يهمها إال الجوانب املادية وجلها ال يقبل إال إنتاج املشاهير أو نوعية خاصة من الكتب وربما استغلت املؤلف وطلبت منه مبلغًا من املال مقابل قبولها بطباعة كتابه دون أن يكون له مردود من املبيعات أضف إلى ذلك محدودية االنتشار!! والخيار الثالث أن يلجأ املثقف السعودي إلى دور النشر العربية خارج اململكة ليكتسب كتابه قيمة بانتشاره وتوزيعه في الخارج في ظل حرص تلك الدور وخاصة الدور اللبنانية على املشاركة في معارض الكتاب حول العالم واشتراكها في مواقع مبيعات الكتب عبر اإلنترنت ولكنه سيكون فريسة لالستغالل وربما دفع مبالغ كبيرة للناشر دون أن يكون له مردود من مبيعات كتابه!! ولألسف هذا حال أغلب املثقفني السعوديني بما فيهم املشاهير!! وقد يتفاجأ املؤلف بعد ذلك بأن كتابه لم يفسح للتوزيع في داخل بالده!! ويالحظ في الفترة األخيرة بروز دور نشر خارجية رصينة
االتجاه اآلخر للمثقف السعودي لنشر كتابه هو املؤسسات الحكومية والتي تعتمد املوافقة على نشر الكتاب فيها على املحسوبيات والعالقات والواسطات والشللية هذا على افتراض السالمة من اإلقصاء حسب ألوان الطيف وقد يتم االعتذار من املثقف السعودي بسبب ازدحام جدول النشر لدى هذه املؤسسة أو تلك في حني تجدها تنشر لغير السعودي بكل أريحية!! ثم إن أنظمة الدولة تنص على دعم املؤلفني السعوديني بالشراء الحكومي ولكن هذا الشراء يدخل في إجراءات طويلة معقدة وقد يقدم املؤلف عدة كتب لعدد من الجهات فال يتم شراء ً نسخة واحدة ما لم يكن من املشاهير املدعومني أصال أو أن يكون لديه نصير داخل الدائرة أو عالقة وثيقة مع رأس الجهاز أو توجيه من شخصية مرموقة فال توجد معايير دقيقة أو ضوابط حقيقية للشراء سواء في نوعية الكتب أو الكميات املطلوبة بل تعتمد على قدرات املؤلف على فتح القنوات املغلقة بالوسائل االجتماعية والعالقات الشخصية وهذا األمر ذاته هو الذي ذبح مصداقية جوائز حكومية للكتاب قدمت على أطباق ذهبية من املجامالت وأشياء أخرى! فاملثقف السعودي الجاد الحافظ لكرامته يعتبر أن تأليفه لكتاب بذل في سبيل إتمامه الكثير من الجهد والوقت وربما املال صفقة خاسرة من الناحية املادية يتمنى أن يعوضه عنها االنتشار لكتابه ولكن هيهات هيهات ففقدان املال واالنتشار هو الواقع املرير للنتاج الثقافي السعودي في ظل التكلس الفكري للدوائر الثقافية ووعيها املفقود بأهمية الكتاب ودوره الحضاري < * كاتب وباحث سعودي
وزير الثقافة واإلعالم السعودي عبد العزيز خوجة، ووزير االتصال والناطق بالحكومة املغربية الدكتور مصطفى الخلفي يفتتحان معرض الرياض الدولي للكتاب 2013حيث كانت املغرب ضيف شرف ،كما يبدو في الصورة وزير التعليم العالي السعودي عبد الله العنقري
,,
أصبحت الصحافة واإلعالم هما اللذان يصنعان املثقف فتصدر املشهد أغيلمة الفكر وسبح في بحر الثقافة من اليجيد السباحة فيها!
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
25
قصة الغالف
أليست بالدنا هي األولى بحمل لواء الريادة الثقافية على مستوى العالم العربي واإلسالمي؟! ملاذا ننزوي عن هذا الدور؟ ونقصر في تفعيل رسالة تحملها جبال الجزيرة على أكتافها منذ األزل؟ على الرغم من أن الله حبانا من االستقرار ورغد العيش الشيء الوفير ومن العقول واملواهب والقدرات ما نفاخر به اآلخرين!!
تصدر املشهد أغيلمة الفكر وشداة األدب ..فتسطح العمق
األحوال املستورة بقلم: قاسم الرويس *
,,
ما زالت فكرة الحوار الوطني فكرة فلسفية نظرية لم تتشربها النخب الثقافية التي ّ يعول عليها كثيرًا في قيادة املجتمع نحو املستقبل
,,
24
املثقف السعودي يعيش أزمة نفسية باعثها إحباط الواقع لطموحاته املتمادية في فضاءات الحياة فبينما يرى في قرارة نفسه أن بالده التي هي مهبط الوحي ومهد اإلسالم ومنبع العروبة وملتقى حضارات ومراكز إشعاع ً شواهدها مسلة تيماء وأدوماتو شماال وفاو كندة وأخدود نجران جنوبًا وبينهما مدائن صالح وأرض مدين وحضارة ديدان ولحيان وفي غربها الحجاز وحضارته املتجذرة في مكة املكرمة واملتشكلة في املدينة املنورة وفي شرقها هجر املتمدنة منذ فجر التاريخ وبينهما اليمامة املنتصبة كأسياف تشمخ إلى السماء هذه األرض ميدان أيام العرب وساحة أسواقهم منذ البسوس ونذكر داحس والغبراء كما نذكر حباشة كانوا ..نذكر َ دومة الجندل واملشقر وعكاظ ومجنة وذو املجاز التي احتضنت العلم واألدب والشعر والنثر وتعلقت من خاللها املعلقات ،في صحاريها سار أمرؤ القيس وقس بن ساعدة ،وفي مرابعها تخطى عمرو بن كلثوم والنابغة وزهير وعنترة ،أليست بالدنا هي األولى بحمل لواء الريادة الثقافية على مستوى العالم العربي واإلسالمي؟! ملاذا تصدمنا بانزوائها عن ذلك الدور؟ وقصورها في تفعيل رسالة تحملها جبال الجزيرة على أكتافها منذ األزل؟ على الرغم من أن الله حباها من االستقرار ورغد العيش الشيء الوفير ومن العقول واملواهب والقدرات ما تفاخر به اآلخرين!! هذا القصور ال نستطيع تحميله للمؤسسات الحكومية وحدها والتي تقتاتها البيروقراطية البائسة في ظل انعدام استراتيجية وطنية ثقافية حقيقية توازن بني جهد املؤسسات الحكومية واملؤسسات األهلية واألفراد الفاعلني املبدعني وتصهره في بوتقة عمل واحدة منظمة تتحفز لإلبداع وتتبنى املبادرات وتخلق املشاريع الثقافية الخالدة التي تستهدف العمق وال تطفو على السطح تحت أضواء الفالشات التعيسة وبهرجة الكرنفاالت الزائفة. فلو فتشت عن سلسلة معرفية يمكن اعتبارها منارة ثقافية لبالدنا على مستوى العالم فلن تجد!! ولو بحثت عن مشروع وطني للترجمة فلن تجد!! ولو سألت عن مبادرة وطنية تتبنى املواهب واإلبداعات بصورة واضحة مجردة عن الشخوص والعالقات فلن تجد!! ولو تقصيت عن برنامج مدعوم للرقي بالثقافة بكافة أنواعها فلن تجد!! كما ال توجد جائزة تقديرية للدولة وال رابطة للمثقفني أو األدباء أو الشعراء!! نعم هناك مراكز ثقافية وهناك مهرجانات دولية وهناك جوائز عاملية وهناك
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
مكتبات كبرى وهناك جامعات عظيمة وهناك أندية أدبية وهناك جمعيات للثقافة والفنون وهناك معارض ومناسبات ولكن هذه التوليفة من املؤسسات التي يفترض بها الدفع بالثقافة إلى األمام ال تعمل في منظومة واحدة ،وبالتالي كل منها يغني على لياله وفق توجهات القائمني عليها واجتهاداتهم التي ال تخضع للتقييم أو التحكيم بل تأتي وليدة القدرات واألهواء بعيدًا عن مسألة االستراتيجية الوطنية املوحدة وبالتالي فاملطالبة بمجلس أعلى للثقافة كسائر البلدان البارزة ثقافيًا أمر في غاية األهمية لتحديد األهداف وتقنني وتنظيم مثابرات مؤسسات الوطن الواحد والتنسيق فيما بينها. إن املثقف يتبركن في دوامة ال تنتهي من مسائل التطييف والتصنيف التي تهيمن على وسائل اإلعالم ومنابر الثقافة. والصراع ّ الحدي هو الغالب ولذا فاإلقصاء هو العملية األبرز عند سيطرة طيف من األطياف على دفة العمل في جهة من الجهات فال زالت فكرة الحوار الوطني فكرة فلسفية نظرية لم تتشربها النخب الثقافية التي ّ يعول عليها كثيرًا في قيادة املجتمع نحو املستقبل لدرجة أن تجربة انتخابات األندية األدبية التي كنا نتوقع أن تكون إرهاصًا ملرحلة جديدة من النمو الحضاري والثقافي دخلت في نفق من اإلشكاليات التي أدت إلى املحاكم واملرافعات بسبب التعاطي املتجانف عن بؤرة الحقيقة لفرض أجندات األوهام. ومن اإلشكاليات أن املثقف في عصر مضى كان هو الذي يصنع الصحافة واإلعالم فكان يسخرها لخدمة الفكر والثقافة ونشر الوعي وخدمة املجتمع بطريقة حضارية راقية ولكن انقلبت اآلية فأصبحت الصحافة واإلعالم هما اللذان يصنعان املثقف ويهيمنان على الثقافة فتصدر املشهد أغيلمة الفكر وشداة األدب فتسطح العمق وغاب الغواصون ليسبح في بحر الثقافة كل من ال يجيد السباحة!! بقي لدينا معضلة كبيرة هي ثنائية املثقف والكتاب فال شك أن الكتاب هو وعاء املعرفة ووسيط الحضارة وثمرة الثقافة وبريد العلم واألدب وهو حلقة الوصل بني البلدان واملثقفني في شتى الجهات فإذا لم يستطع بلد من البلدان نشر إنتاجه الثقافي وتوزيعه حول العالم فكيف يمكن لآلخرين أن يعرفوا قيمة البلد الثقافية أو وزنها الحضاري؟! وكيف يمكن ألبناء البلد أن يوصلوا رسالتهم املعرفية ليعكسوا صورة ثقافتهم في الخارج؟ كما أن حجب اإلنتاج الثقافي لآلخر أمر يجعل التقوقع الفكري في مراتبه الدنيا وكأن الناس يعيشون في الدنيا
هي الغرق في القضايا ذاتها كل مرة ،فتشكلت صورة نمطية مستهلكة عن الهاجس الذي يرهق كاهل املثقف السعودي وال ً مفهوما في بعض األحيان نتيجة يتجاوزها ،ربما يكون ذلك للعجز عن الوصول إلى حل واستمرار قطاع عريض من حاملي لواء املمانعة. وإذا عدنا مرة أخرى إلى ملتقى املثقفني السعوديني الذي يشكل صورة مصغرة عن أزمة الحالة الثقافية السعودية؛ نجد أن الجدل الذي ثار بعد نسخته الثانية ،وفاض النقاش حوله في مواقع التواصل االجتماعي ،وسطرت ألجله العديد من املقاالت لم يكن ً أبدا ذا ارتباط مباشر بالفعل والهم الثقافي ،بل يعكس بوضوح سيطرة العراك االجتماعي ،الحضور املتكرر لقضايا يعينها تشغل املثقفني والنخب السعودية عن مناقشة األسئلة الحقيقة التي تحتف بثقافتهم وخطابهم وإنتاجهم العلمي ،ويبدأ فصل جديد من معركة متكررة مستهلكة، لكنها بوجه أو بآخر تعكس عمق العقبات الطويلة التي تواجه الحالة الثقافية السعودية ،تلك الحالة التي لن تحلق نحو اإلبداع والفن ما دامت أسيرة لشروط اجتماعية بدائية ،يكون فيها (االختالط بني الجنسني) قضية طاغية أهم من كل أسئلة ً احتداما الثقافة وهموم املثقف ،ويكون فيها الصراع األكثر ليس هو حول منهج فلسفي أو نظرية علمية ،بل بني تيارين تعزز االنقسام بينهما ،فشطر الثقافة وأفقرها ،وجعلها رهينة التصنيف الحزبي املذهبي ،وليس البحث والتحكيم العلمي، وتحول االشتغال بالشأن الثقافي في حقيقته إلى اشتغال بترميم الصفوف املتحزبة على قارعة الثقافة تتقاتل باسمها، وتستنزف من رصيدها ،والنتيجة التي ترثها األجيال القادمة سلسلة من الصراعات والخصومات التي لم تخلف موسوعة معرفية أو سلسلة أدبية أو قاعدة علمية ،بل ردود إنشائية هجائية متشنجة تدور وتحور بال كلل وال ملل في اسطوانة مكرورة ال تتغير عناوينها. وبني هذا وذاك ..يقع املثقف السعودي في حالة حرجة بني أن يعيش في برج عاجي يغوص في أعماق النظريات العلمية والفلسفية ويحللها ويسعى إلى تقديم منتج علمي رصني، ً ً منطويا تضيع لكنه يخشى أن يجد نفسه في األخير معزوال أبحاثه بني األدراج ،ال يجد من يدعمه أو يسانده ،وبني أن ينزل للشأن العام ،ويقتحم املعترك الساخن ،ثم يجد نفسه قد استهلك في صراعات بدائية طويلة ال تسهم في تفعيل الثقافة وتحفيز اإلبداع ،وإنما في تطويقها من قبل القوى والنخب املتشددة التي تتقن بامتياز جر الجدل الثقافي إلى قضايا ومسائل عفى عليها الزمن. السؤال األهم ..رغم كل هذا الحراك في الساحة الثقافية ً السعودية ملاذا يبقى دور العامل الثقافي في التغيير ضعيفا في مقابل عوامل اجتماعية أو اقتصادية أو دينية أخرى، هل الثقافة هي مجرد ترف تتجمل به النخبة ،وتضيف على شخصيتها املشدودة النتماءاتها التقليدية ً بعدا ً يتمسح برداء التحضر ،كما يقول الدكتور محمد بن صنيتان - صاحب أول دراسة أكاديمية تحلل النخب السعودية ،وتدرس تحوالتها وإخفاقاتها :-أن "النخب الثقافية هي بنت بيئتها وأسيرة األنساق الفاعلة واملؤثرة في مجتمعها والتي تشده ً خصوصا إذا كانت هذه االنتماءات إلى االنتماءات التقليدية، تحقق له الوجاهة واملادة واملوقع أكثر مما تحققه له الثقافة التي ال يتعامل معها في كافة شؤون حياته إال في الترف من القول، وفي الصالونات املخملية كنوع من املكياج مع شريحة املثقفني،
ً انقالبا في املفاهيم أكثر فالثقافة لم تغير السلوك ،ولم تحدث من مفاهيم ِّ جده الذي ال يعرف إال قريته ،فهو يتعامل مع معطى الثقافة في الحديث في التلفاز ،أو في كتابة مقالة، وسرعان ما يرتد في كافة بقية سلوكه إلى انتمائه الجهوي". األسئلة املطروحة أمام طاولة املثقف السعودي ال تزال قائمة ً تحديا بشدة رغم كثرة الحديث حولها ،مازالت بذاتها تشكل مهما تقادم الزمن ،وكما تساءل األستاذ محمد رضا نصر الله – وهو الخبير بشؤون وهموم املثقفني السعوديني – "ماذا بإمكان املثقف واألديب والفنان السعودي أن يقوم به في صعيد صياغة الوجدان العام ،وتشكيل ذهنية املجتمع؟".. املشوار مازال في بدايته ..ولكن البداية قد تطول ،وتفقد بوصلتها إذا لم تعاهد كل مرة باألسئلة واملراجعة والتمحيص والتقويم. في هذا امللف الذي تفتحه مجلة "املجلة" ،وسط زخم التحوالت السياسية وضخامتها ،وانفتاح آفاق التواصل االجتماعي، نعيد مساءلة املثقف السعودي عن أدواره ،وهويته وصورته، وإنتاجه العلمي ،وعالقته بالجماهير ،عن تحوالته ويأسه وتراجعه وتقدمه <
,,
األسئلة املطروحة أمام طاولة املثقف السعودي قائمة بشدة رغم كثرة الحديث حولها مازالت بذاتها ً تحديا تشكل مهما تقادم الزمن
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
23
قصة الغالف
في هذا امللف الذي تفتحه مجلة "املجلة" ،وسط زخم التحوالت السياسية وضخامتها ،وانفتاح آفاق التواصل االجتماعي ،نعيد مساءلة املثقف السعودي عن أدواره ،وهويته وصورته ،وإنتاجه العلمي ،وعالقته بالجماهير... عن تحوالته ويأسه ،وتراجعه وتقدمه.
أسئلة مفتوحة ال تكف عن املشاغبة واملشاحنة والتكرار
البحث عن املثقف السعودي بقلم: عبدالله الرشيد
,,
مرحلة البحث عن املثقف السعودي ال تزال طويلة ً هي تتيه أحيانا وتضيع بني مسارب الصراعات واصطفاف النخب والتعارك مع املتشددين
,,
لم تكن لحظة الحادي عشر من سبتمبر حادية َّ ومحرضة للكتاب الغربيني لكي يكتشفوا الحالة السعودية فحسب ،بل كانت لحظة صادمة َّ وجهت السعوديني إلى أنفسهم لكي يكتشفوها ويحللوها ،ويتتبعوا خريطة تياراتها وتشكالتها. ال يمكن بحال من األحوال إهمال أثر املؤلفات الغربية التي جاءت أعقاب الحادي عشر من سبتمبر في دفع وتحريك الراكد في الداخل السعودي ،يتم تداول تلك املؤلفات وترجمتها ً ً جديدا ،ورؤية متنفسا وتناقلها بني أوساط املهتمني ،وتشكل ً ً وصورة مختلفة لواقعهم الذي بدأوا يكتشفونه رويدا رويدا، وهم الذين أصبحوا في صورة املشهد العاملي. ً كان مذاق ذلك مختلفا ،فالرأي السياسي ،و"فقه الواقع"، وتحليل األحداث التي كانت تحتكره محاضرات املساجد، وخطب املنابر ،انتهت أو تراجعت بشكل كبير لصالح جيل جديد ،بدأ يتساءل ويفكر ويراجع نفسه بلغة ومفاهيم حديثة، يبحث عن عمق األزمة في ثقافته وخطابه السائد الذي أفرز نماذج ألحقت به وبسمعة بالده الضرر. اليوم وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على لحظة الحادي عشر من سبتمبر أصبح الحديث عن الحالة الثقافية السعودية ً مفتوحا على مصراعيه إلى حد االبتذال ،فالشح الذي كان ّ يطال تلك املساحة اتخم بمقاالت ومؤلفات وكتب كلها تحاول أن تمأل هذا الفراغ ولو بالصدى ،وتقتحم تلك البقعة التي يراها املراقب الخارجي ً دوما حالة مثيرة مغلفة بالغموض ،محرضة على الخوض والنقاش والتفاعل ومحاولة الفهم. كثيرة هي الدراسات واملؤلفات التي أرادت أن تقتطف لها ً نصيبا من هذه األرض الخصبة البكر ،وتسجل لنفسها سبق الحضور فيه ولو بكالم مكرور إنشائي يتوسل اإلثارة في العناوين التي تحوي في طيات فصولها مضامني فارغة.
املرحوم الدكتور غازي القصيبي
22
لكن صعوبة وتعقيد الحالة السعودية وتداخالتها، وشح مواردها املعلوماتية ،واعتمادها على املتناقل الشفوي سوف تكشف العجز والضعف في كثير من املتصدرين لتحليل هذا الشأن ،أما الدراسات األكاديمية الرصينة ملن خبروا الواقع وعايشوه بأنفسهم فستفرض نفسها بقوة حتى لو تقادم الزمن ،وتغيرت الكثير من الظروف واألحداث.
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
ً ًّ ًّ طريا للتناول شهيا غضا ورغم كل ذلك مازال املوضوع والنقاش ،ال تكف األقالم وبرامج الحوارات عن مناقشته وتحليله؛ ربما ذلك يعود في جزء كبير منه إلى النشاط الحي املحموم في الساحة الثقافية السعودية ،ودخول أجيال جديدة من الشباب في هذا املعترك املتخاصم على فضاء الشأن العام ،مما يعني حركة دؤوبة ،وجيل متعطش للبحث والتطلع للمعرفة ،متسلح بأحدث الوسائل التقنية التي وإن ساهمت في وصوله للمعلومة بأسرع طريقة ,إال أنها عززت الثقافة السريعة املعلبة التي يغيب عنها النفس الطويل ،والبحث والتتبع والتحليل قبل الوصول إلى أي حكم ،وهذا بات يشكل حالة نادرة عزيزة في ظل الظواهر التقنية التي تتسيد املشهد، وتجرف املثقفني واملتابعني إلى شروطها وأنماطها.
األسئلة الكبرى مازالت قائمة ،والقضية الكؤود هي في املحتوى واملعنى واملضمون ،وعن أي شيء نختصم ،وحول ماذا نختلف ،من نحن وما هو خطابنا ،وما هي هويتنا؟ لو عدنا إلى الوراء إلى التجمع األول الذي جمع املثقفني السعوديني ،وطرح مشاكلهم ،في ملتقى املثقفني السعوديني األول في أواخر ،2004نجد أن أكبر سؤال كان يتردد صداه ويبحث عن إجابة هو" :ما هو املثقف السعودي ..ما هي صورته ..ما هي شروطه ..ما هي أدواره"؟ يطرح هذه األسئلة الكاتب عبدالله القفاري -قبيل انطالق ً امللتقى في "جريدة الرياض" -قائال ":السؤال الكبير هنا :من هو املثقف؟ هل هو األديب أم الفنان أم الكاتب أم املسرحي أم املؤلف أم الناشر ..من يستطيع أن يقول عن كل هؤالء مثقفني حقيقيني؟ ومن يملك أن يخرج كل هؤالء من أردية ومعاطف املثقف"؟. معالي الوزير الراحل غازي القصيبي في ختام امللتقى ً ً ً واحدا ملثقف نموذجا أجاب عن هذه األسئلة قائال" :ال أعرف بمواصفات إنسانية راقية ،وأهداف مجتمعية عالية ،ونزاهة شخصية ضافية ،بحيث يمكنني أن أقول :وجدته ،هذا هو املثقف! وهذا هو دوره!". فأثار الجدل واالحتدام واإلعجاب أيضًا .رحلة البحث عن ً املثقف السعودي ال تزال طويلة ،هي تتيه أحيانا وتضيع بني مسارب الصراعات ،واصطفاف النخب ،والتعارك مع املتشددين. ربما تكون أكبر املعضالت التي تواجه املثقفني السعوديني
خالد الدخيل
عبدالله الغذامي
مشاري الذايدي
بأنه انقالب عسكري كالسيكي أوقف مسار التحول الديمقراطي في مصر، ألنه «رغم كل ما يمكن أن يقال عن مرسي ،وعن اإلخوان أثناء تجربتهم في الحكم ،فإنهم جاءوا إلى هذا الحكم بإجراءات قانونية ،وبأصوات شعبية. وبالتالي كان يجب أن يحتكم في محاولة عزلهم عن الحكم إلى نفس اإلجراءات واملرجعيات القانونية التي جاءوا بها .كل محاولة لتحقيق ذلك خارج هذا اإلطار ،وتعتمد على قوة الجيش هي انقالب .القول بأن الجيش كان ينفذ إرادة شعبية هو نوع من الفذلكة عرفت بها االنقالبات العسكرية العربية ،ومن ثم طبعت الثقافة السياسية ملا بعد ذلك» ،وفقا لقول الدخيل (انقالب السيسي وتاريخ مصر ،صحيفة «الحياة» 11 ،أغسطس .)2013 ويضيف الدخيل في مقال آخر« :الثورات ظاهرة سياسية معروفة ،وكذلك الثورات املضادة .هدف األولى هو التغيير .وهدف الثانية وقف هذا التغيير ،أو على األقل ضبط وجهته والسيطرة عليه ..واليوم حصلت ثورة مضادة بقيادة الجيش ،املمثل األول واألقوى للنظام القديم الذي قامت ضده الثورة األولى. عادت صور النظام القديم ورموزه إلى املشهد :عبد الفتاح السيسي يخطب ببزته العسكرية ونظارته الشمسية ،وصور عبد الناصر والسادات بدأت في االنتشار ،ومعها عادت األغاني الوطنية ملرحلتهما .وأكثر ما يعبر عن طبيعة حركة الجيش هو االحتفال بها من خالل العودة إلى الخطاب اإلعالمي ملا قبل الثورة»( .ماركس و«اإلخوان» والليبراليون .صحيفة «الحياة» 18 ،أغسطس .)2013 احتفى كثير من اإلسالميني واملتعاطفني مع اإلخوان بمقاالت الدخيل وتداولوها ،وهو موقف «انتهازي» بحسب الكاتب يوسف الديني الذي ناقش أفكار الدخيل في مقال بعنوان (األكاديمي الذي تغير بالشارع) ،حيث يقول: «لقد تم تقديم الدكتور الدخيل في املشهد اإلسالموي على هذا النحو االنتهازي اليوم كأحد رموز االعتدال الليبرالي املنصف ألسباب عديدة تتصل بطبيعة االستخدام البراغماتي لشخصيات خارج نجوم اإلسالم السياسي الذين عادة ما يفقدون املتانة السياسية في التحليل ،كما أن حضور شخصيات من خارج الوسط لتعزيز رؤية مشتركة ولو آنية هو جزء من إدارة املعركة في ثنائية اإلسالميني والسلطة»«( .الشرق األوسط» 22 ،أغسطس .)2013
انتهت ثورة 25يناير «لقد تمت عسكرة الذات العربية فال نتخاطب إال بمنطق التهديد والعنف، يجب أن نعيد برمجة ذواتنا بثقافة السلم والعلم» .هكذا علق األستاذ إبراهيم
إبراهيم البليهي
عبدالله بن بجاد
بدرية البشر
البليهي على األحداث الجارية في مصر ،حيث كتب في حسابه الشخصي في «تويتر»« :إن تنازع العرب واملسلمني على السلطة جعلنا أضحوكة للعالم.. ْ قتل جماعي واستهانة بالحياة واألحياء وبشاعات لم يعرفها التاريخ من قبل» .وفقا لحسابه الشخصي في «تويتر» .في حني كتب الدكتور عبد الله الغذامي تغريدة بحسابه الشخصي« :نحن أمام تكرار لظاهرة ثقافية خطرة: تضامن املثقف مع العسكر ،وتقبل فض الخالفات بالرصاص ،وإحالل االحتراب محل التحاور ،والدم يسيل يسيل!». أما األستاذ جمال خاشقجي فيقول بكل حسم« :لقد انتهت ثورة 25يناير، وسقطت أهم قيمها الحرية والكرامة وحق اإلنسان في الحياة .لم تعد الغالبية تضيق بانتهاك الحريات طاملا أنها ليست حرياتها .لم يعد منظر الشهداء يضيرها ،طاملا أن الشهيد من املعسكر اآلخر» ،ويضيف في مقال له بعنوان «خواطر شاب (إخواني) غاضب نجا من فض اعتصام رابعة»« :إنه شرطي مصري أو قناص يطلق رصاصة بندقيته من أعلى مبنى مجاور وهو يضحك نحو (الشعب املصري اآلخر) الذي يكرهه ويراه العدو .لن أسترسل في لوم الجيش وأمن الدولة والشرطة ،فهم من هم ،يؤدون مثل بقية نظرائهم العرب ما يحسنون فعله وما تدربوا عليه لعقود ،حماية النظام والدولة .يجب أن تبقى الدولة مهما كلف األمر .هكذا يضخ اإلعالم املصري رسالته بعدما عاد إلى «حالة» 6يونيو (حزيران) ،1967النظام ،الدولة ،الزعيم ..وال حرية أو حتى كرامة ألعداء الحرية ،وإن كان مواطنا وابن عم أو زميل دراسة». (صحيفة «الحياة» 17 ،أغسطس .)2013 وفي مقال بعنوان «الليبرالية اإلمبريالية» يكتب األستاذ زياد الدريس قائال: «إن أكثر ما يثير األسى والتعجب في آن ،ذلك الخطاب (الفاشي) الذي ينتشر اآلن داخل األوساط العلمانية والليبرالية ،والذي يدعو إلى إقصاء (اإلخوان) واستئصالهم من الحياة السياسية ،وكأن مصر قد استبدلت بخطاب بعض الفاشيني اإلسالميني خطابا أكثر فاشية وإقصاء من بعض األصوات املحسوبة على التيار الليبرالي والعلماني» .وبذا ينتقل الخطاب النقدي لليبرالية املأزومة اآلن من وصمة اإلمبريالية إلى الفاشية ،ويتمم هذه السلسلة النقدية للسقوط الليبرالي» .ويختتم الدريس مقاله مستغربا« :قد نستوعب أن تفرح راقصة بل وأن تحتفل بسقوط حكم (اإلخوان) ،لكن أن يتحول إعالمي (محترم) في برنامجه إلى راقصة تمأل األستوديو بالزعيق والشتائم فهذه إشكالية في معيارية اإلعالم العربي (الليبرالي) ،أو هكذا قيل لنا ،وال لوم إذن وال عجب من زعيق (اآلخرين)!» (صحيفة «الحياة»، 31يوليو < )2013
,,
احتفى كثير من اإلسالميني واملتعاطفني مع اإلخوان بمقاالت د .خالد الدخيل ضد الجيش املصري وهو موقف «انتهازي» بحسب الكاتب يوسف الديني
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
21
شؤون سياسية
جاء إعالن الفريق أول عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس املصري محمد مرسي ،وتشكيل خارطة طريق جديدة تزيح جماعة اإلخوان املسلمني ليحيي السجال من جديد حول املشهد املصري بني املثقفني والناشطني السعوديني، الذين وجدوا أنفسهم في عمق الحدث وتداعياته.
مصر تشعل سجاالت املثقفني السعوديني مجددا
أصداء رابعة بقلم: املحرر السياسي
,,
جاء املوقف الليبرالي - في مجمله واضحاهذه املرة ضد ممارسات اإلسالم السياسي منحازا لخيار الشعب واقفا ضد اإلرهاب والفاشية حتى لو جاءت عبر الصناديق
,,
20
بعد مرور سنة كاملة من حكم جماعة اإلخوان املسلمني ملصر شهدت السجاالت الثقافية السعودية تقلبا وتبدال وانقساما تجاه املوقف من حالة الربيع العربي بشكل عام ،بني من كان منحازا لحركة الثورة والتغيير وإشراك اإلسالميني في العملية السياسية ثم تبدلت مواقفه أو تراجع وبدأ يتململ ويتشاءم من نتائج «الربيع العربي» ،ويكيل االنتقادات الحادة ملمارسات اإلسالميني في السلطة ،ويعتبر أنهم خطفوا الثورة وسرقوها من صناعها الحقيقيني ،وبني من كان ثابتا على موقفه تجاه الربيع العربي وتجاه وصول التيارات األصولية إلى السلطة ،فجاء املوقف متمما منساقا مع مواقفه. لكن لحظة الثالث من يوليو (تموز) ،واعتقال قيادات من جماعة اإلخوان املسلمني وعلى رأسهم مرشدها العام محمد بديع ،ونائبه خيرت الشاطر، وفض اعتصام «رابعة العدوية» ،وتورط تنظيم اإلخوان املسلمني في مواجهات مسلحة مع الجيش والشرطة ،وإحراق عدد من الكنائس واملقار الحكومية، أعادت املثقفني والناشطني إلى مواقعهم الطبيعية ،فاإلسالميون الذين كانوا قبل 30يونيو (حزيران) ال يكفون عن انتقاد حكم الرئيس مرسي نسوا ذلك كله ووقفوا بكل تعاطف واستماتة مع جماعة اإلخوان املسلمني محملني الطرف اآلخر كل املسؤولية عن العنف والدم ووقوع الضحايا ،في حني كان املوقف الليبرالي -في مجمله -واضحا هذه املرة ضد ممارسات اإلسالم السياسي منحازا لخيار الشعب واقفا ضد اإلرهاب والفاشية حتى لو جاءت عبر الصناديق فإن ذلك لن يكون مبررا لها ،وعاصما وحافظا لبقائها.
مرسي أخطر من مبارك األستاذ مشاري الذايدي منذ بداية أحداث الربيع العربي كان يؤكد كثيرا أنه ضد وصول اإلسالميني إلى السلطة حتى ولو عبر صناديق االقتراع «فمن يضمن أن األصوليني السياسيني إذا ثبت فشلهم سيخرجون من الحكم بعد أن يمتلكوا أسباب القوة والهيمنة؟» ،وهذا ما حدث فعال ،ألن الصورة الحقيقية لجماعات اإلسالم السياسي واحدة من «القاعدة» وحتى جماعة اإلخوان فـ«الخالف بينهم ليس في (جوهر) األهداف ،ومحتوى الفكر ،بل في (أساليب) التطبيق .كلهم إخوان وأبناء عمومة» ،كما يقول الذايدي في مقال له بعنوان «جماعات التطرف أبناء عم» 4 .أغسطس (آب) 2013صحيفة «الشرق األوسط» .أما األستاذ عبد الرحمن الراشد ففي مقال صريح بذات الصحيفة نشر في 22أغسطس 2013بعنوان «الدكتور مرسي مثل الدكتور األسد» يقول حاسما(« :اإلخوان) ،تحت قيادتهم املتطرفة الحالية ،جماعة فاشية دينية ال تنوي ،ولن تقبل ،العمل وفق نظام مدني ديمقراطي ،بخالف ما تزعم للغرب ،وما قطعته من وعود في وقت االنتخابات».
كما فعلت حماس في غزة والخميني في إيران ،وثنائي البشير والترابي في السودان .إسقاط مرسي ضرورة حتى يدرك من بعده أن األغلبية والرئاسة ال تعطيهم شيكا على بياض المتهان املؤسسات والحريات»( .هل كانت غلطة.. إدخال اإلخوان؟ «الشرق األوسط» 13 ،أغسطس .)2013 وكما توقع األستاذ عبد الله بن بجاد العتيبي ،فاإلخوان بعد إسقاط سلطتهم عادوا «ملعهودهم القديم وخبرتهم العتيقة في العنف واإلرهاب الذي لم يتبرأوا منه يوما على مستوى الخطاب ،ولم يعتذروا عنه يوما على مستوى الجرائم، منذ االغتياالت والتفجيرات التي تمت بأمر حسن البنا ،وصوال إلى التفجير يجر التعامل والقتل الذي تم في األسبوع املاضي ،وهو مرشح للتصاعد ما لم ِ بجدية وحزم مع خطاب التحريض الضخم الذي اختارته الجماعة طريقا أوحد للتعامل مع الواقع الجديد»( .مستقبل مصر وخديعة النماذج« .الشرق األوسط» 28 ،يوليو /تموز .)2013ويقرر الكاتب محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ في مقال له بصحيفة «الجزيرة» ( 16أغسطس )2013أن محاصرة اإلرهاب تبدأ بمحاصرة اإلخوان ،مؤكدا أن «اختالف اإلخوان مع (القاعدة) وفكر (القاعدة) -إن كان ثمة اختالف -ليس في األهداف وإنما في الوسائل؛ أي في التكتيك وليس في الهدف االستراتيجي ،فكالهما يسعى إلقامة دولة الخالفة». أما الدكتور تركي الحمد الذي كان منذ بداية الربيع العربي يؤكد على حق جميع التيارات بما فيهم اإلخوان في الوصول إلى الحكم واملشاركة في العملية السياسية ما دامت تلتزم بمبادئ العملية الديمقراطية ،فإنه عقب أحداث «رابعة العدوية» جاء بموقف صريح مغاير ،حيث تساءل« :وصل النازيون إلى السلطة ديمقراطيا ولكنهم احتاجوا إلى أنهار من الدماء ليزاحوا عنها، فهل هذا ما كان سيحدث لو استمر اإلخوان في السلطة؟» .وأضاف في تغريدات عبر حسابه الشخصي في «تويتر»« ،ال تشكل األوطان والوطنية شيئا مذكورا في فكر اإلخوان املسلمني ،بقدر ما أنها مجرد وسيلة للوصول إلى غايات ال عالقة لها بوطن وال تكترث بوطنية .فما تمارسه جماعة اإلخوان في مصر اليوم هو خيار شمشون :علي وعلى أعدائي ،فال وطن يهم وال إنسان يهم ،فإما أن تسود الجماعة أو الدمار لكل شيء» .فاإلخوان املسلمون كانوا قد بيتوا النية للتفرد بالسلطة واالستئثار بها وحدهم ،فهم كما تقول الكاتبة بدرية البشر« :لم يقبلوا باالنتخابات واللعبة الديمقراطية إال عمال بفقه الضرورة ،ففي الضرورات تباح املحرمات ،فقد كان هذا هو الطريق الوحيد ّ الذي سيمكنهم من السلطة بعد أن خاضوا حربا ثمانني عاما ولم يصلوا، وحني وصلوا عادوا لفقههم الحقيقي وهو االنفراد بالسلطة ورجم املخالفني بالكفر والسالح»( .حفرة اإلخوان التي وقعوا فيها ،صحيفة «الحياة» 8يوليو .)2013
وفي مقال آخر يضيف الراشد« :ليس صحيحا أن الليبراليني انقلبوا على الجيش انقلب على الديمقراطية خطابهم بتصفيقهم لالنقالب العسكري .ما فعله مرسي واإلخوان في الحكم هو أخطر مما فعله مبارك ،ألنه جاء على ظهر نظام له شروط ،ومنحه شرعية هائلة ،لكنه خذل النظام واعتبر ركوب الصندوق االنتخابي وسيلة للسيطرة،
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
أما موقف الدكتور خالد الدخيل ،وهو محسوب على الطرف الليبرالي ،فقد جاء مختلفا معترضا بشدة على عزل الرئيس مرسي واصفا كل ما حدث
نشر منظومات الباتريوت في تركيا أقصى ما يريد أوباما الذهاب إليه. في الواقع ،قامت سياسة أوباما على استخدام الفيتو الروسي بالنيابة لرفض أي تدخل عسكري .وما كان إصرار أوباما على التوصل إلى حل بمشاركة ورعاية روسية إال وسيلة لتجنب حشره في الزاوية من قبل حلفائه ما قد يؤدي إلى انزالق نحو التدخل. ّ محرك السياسة األمريكية اليوم ،وهو ما وبكل بساطة هذا هو ينبغي أن يكون واضحا بعد أكثر من سنتني من املراوغة ،وما لن يتغير في املستقبل املنظور على أغلب الحال. الكثير من العرب ال يصدق هذا التفسير ويستبدله بنظريات معهودة تحيل املسؤولية إلى تأثير مزعوم إلسرائيل ،التي يفترض أنها تعارض إسقاط األسد .إنما هذه قراءة خاطئة .الواقع هو أن إسرائيل تراقب السياسة األمريكية في سوريا خصوصا بقلق بالغ ،وترى فيها فقدانا للمصداقية األمريكية حيال إيران .وعليهّ ، شدد وزير الدفاع اإلسرائيلي موشي يعالون أثناء لقائه رئيس أركان الجيش األمريكي الجنرال مارتن ديمبسي على أنه من الضروري عدم السماح للمحور اإليراني أن ينتصر في املواجهة اإلقليمية الجارية. ّ وتصور عالوة على ذلك ،اإلسرائيليون واعون إلى أن التراجع الضعف األمريكيني يفسحان املجال أمام روسيا لتحاول أن تتغلغل مجددا في ملفات املنطقة .وعليه ّ اإلسرائيليني صرح أحد املسؤولني ّ بداية األسبوع ،من دون اإلفصاح عن هويته ،إن «الروس يستغلون الضعف األمريكي وينخرطون في حرب قوى عظمى تكون فيها بقية الدول ،ضمنها إسرائيل وسورياّ ، مجرد بيادق .قرر الروس أن َّ يبرهنوا للعالم عموما ولدول املنطقة خصوصا أنهم يعول عليهم. ففحني يبرز األمريكيون ضعفا وترددا وتخليا عن حلفائهم، يستمر الروس بدعم األسد» .لهذا السبب ،لم ولن ينفع أي جهد ديبلوماسي إلقناع الروس بتغيير موقفهم ،فهو متعلق بلعبة إعادة موسكو نفسها إلى مصاف القوة العظمى.
الدعم العسكري في سوريا ومثلما كانت سياسة أوباما توظيف روسيا لتحييد ضغوط الحلفاء الساعية إلى الدعم العسكري في سوريا ،هكذا أيضا جهد أوباما لتحييد الضغوط اإلسرائيلية لكي يتجنب املواجهة مع إيران .والبعض يرى تالقيا لهاتني النقطتني في سوريا. استنادا إلى ما قاله مرجع أمريكي مطلع على ما يبدو على تفكير اإلدارة في حديث مع الزميلة هدى الحسيني في صحيفة «الشرق األوسط» (عدد الخميس األول من أغسطس ،)2.13قد ال يحبذ أوباما سقوطا سريعا لألسد خوفا من أن يرفض اإليرانيون عندها املجيء إلى طاولة املفاوضات ،وهذا ما تريد أن تتجنبه ّ املحدث األمريكي ،هي واشنطن .أولوية أوباما ،بحسب ما قاله التوصل إلى اتفاق سلمي حول البرنامج النووي اإليراني ،وإذا لم ينجح في التوصل إلى أي اتفاق معها ،فإنه سيورث خليفته هذه املسألة ولن ينجر إلى حرب .ففي نهاية املطاف ،كما قال املرجع ذاته في سياق الحديث عن سوريا ،إن «أوباما انتخب لينهي الحروب ال ليبدأ حربا جديدة في الشرق األوسط» .بعبارة أخرى، ليس في املسألة أي دور لتأثير إسرائيلي ما يمنع واشنطن من التدخل بقوة .على العكس ،سلبية أوباما تعارض املوقف اإلسرائيلي املعلن .كما قال محدث الزميلة الحسيني ،مرددا مبدأ دونيلون املذكور آنفا« ،بالنسبة إلى الشرق األوسط ،فإن قرار البيت األبيض هو تجنب املشاركة» .حاول كثيرون ،من ضمنهم دعاية البيت األبيض ،أن يضعوا وجها استراتيجيا أو فكريا
على هذا املبدأ ،في محاولة إلضفاء نوع من الحنكة والتعقيد على موقف الرئيس األمريكي .إنما املسألة ،ببساطة ،هي أن أوباما ليس مهتما .بل ربما ،كما اقترح مايكل دوران ،الذي عمل مسؤوال عن الشرق األوسط في مجلس األمن القومي في عهد إدارة الرئيس جورج بوش« ،عقيدة أوباما الحقيقية» هي« :لسنا بحاجة إلى سياسة خارجية». في هذه األثناء ،اضطر الالعبون اإلقليميون أن يملؤا الفراغ الذي خلفته واشنطن قدر استطاعتهم .فاململكة العربية السعودية تبدو وكأنها اتخذت املبادرة في امللف السوري ،وتدخلت أيضا مع حلفائها في الخليج لدعم االقتصاد املصري ومنعه من االنهيار .بينما يحاول األردن وتركيا احتواء تداعيات الحرب في سوريا ،كما تحاول أنقرة تعميق اإلتفاق مع إقليم كردستان في العراق ،خصوصا مع الرئيس مسعود بارزاني ،وفي الوقت نفسه تتفاوض مع حزب العمال الكردستاني لتحييد استغالل املسألة الكردية ضد تركيا .أما إسرائيل فال تتردد في فرض خطوطها الحمر في سوريا من ناحية منع إيران وحزب الله من الحصول على أسلحة استراتيجية ونشرها على الحدود معها. إنما الواضح أن هناك غيابا تاما الستراتيجية متكاملة للمنطقة من جانب القوة العظمى الوحيدة في العالم .واملفارقة أن ّ تراجع الواليات املتحدة ،في آن واحد ،قد فاقم مشاكل املنطقة وسلط الضوء على انعدام أي بديل عن دور واشنطن القيادي < * كاتب وباحث في شؤون الشرق األوسط مقيم في نيويورك
صورة ارشيفية للرئيس األمريكي باراك أوباما وهو يأكل «ايس كريم» في جزيرة الثلج ،هاواي (ديسمبر)2010 /
,,
أتى الرئيس أوباما إلى السلطة على أساس رؤية تقوم على سحب الواليات املتحدة من املنطقة تفاديا لتورط عسكري جديد
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
19
شؤون سياسية
فيما تمر املنطقة بإحدى أدق مراحلها ،ينظر الكثير من العرب إلى الواليات املتحدة وسياستها في الشرق األوسط بتعجب وتساؤل كبيرين .ففي مثل هذه اللحظة البالغة الحساسية تتجه األنظار إلى القوة العظمى في العالم متوقعة منها موقفا قياديا واستراتيجية واضحة .ولكن ما تبني في السنوات الثالث الغابرة هو ليس فقط انعدام الوضوح، بل إن ما يريده الرئيس باراك أوباما بالفعل هو التراجع من املنطقة وخفض منسوب الوجود األمريكي فيها.
عقيدة أوباما الحقيقية « :الواليات املتحدة األمريكية ليست بحاجة إلى سياسة خارجية»
تراجع و تأرجح بقلم: طوني بدران *
,,
ال يحبذ أوباما سقوطا سريعا لألسد خوفا من أن يرفض اإليرانيون عندها املجيء إلى طاولة املفاوضات وهذا ما تريد أن تتجنبه واشنطن
,,
18
لم يخف البيت األبيض هذا القرار الذي أوضحه مستشار األمن القومي السابق توم دونيلون في مارس (آذار) ومجددا في يونيو (حزيران) من العام الحالي« :كان واضحا أن هناك عدم توازن في إبراز وتركيز قوة الواليات املتحدة. وقرر الرئيس أننا مفرطون في استثمارنا في بعض املناطق ،من ضمنها عملياتنا العسكرية في الشرق األوسط» .أولوية الرئيس تفسر السلبية التي ّ األمريكي هذه ّ ميزت السياسة األمريكية في املنطقة في عهد إدارة أوباما. بدا هذا الهمود واضحا في تعامل اإلدارة األمريكية مع األزمة املصرية ،لدرجة أن القائد العام للقوات املسلحة املصرية ،الفريق عبد الفتاح السيسي ،انتقد الحكومة األمريكية على صفحات «الواشنطن بوست» متهما إياها بإدارة ظهرها للمصريني .يصح القول إن أداء واشنطن في مصر قد أربك املراقبني العرب .فمن ناحية ،يصرح وزير الخارجية جون كيري أن ّ الجيش املصري تدخل الستعادة وحماية الديمقراطية وليس لتسلم الحكم .ومن ناحية أخرى ،يأتي السيناتور النافذ جون ماكني إلى مصر مبعوثا من الرئيس أوباما حامال معه تحذيرا بقطع املساعدات إن لم تكتمل عملية االنتقال إلى الديمقراطية ويتم إطالق سراح الرئيس السابق محمد مرسي. وفي تصريح مناقض ملوقف اإلدارة الرسمي ،وصف ماكني إزاحة مرسي باإلنقالب -وهو توصيف له تبعات قانونية تمنع مواصلة الدعم واملساعدات .ولهذا السبب كانت وزارة الخارجية األمريكية قد قررت عدم إصدار أي توصيف رسمي إلزالة مرسي.
التعاطف مع «اإلخوان» ال شك أن الواليات املتحدة خالل السنوات الثالث املاضية بدت تفاعلية ّ ومتلكئة ،دائما بعد الحدث ،هذا إن نجحت في تحديد سياسة ما على اإلطالق .وقد بدا هذا جليا في طريقة التعامل مع املظاهرات ضد الرئيس األسبق حسني مبارك عام ،2011حيث ظهرت اإلدارة األمريكية غير متأكدة من كيفية السير قدما وعندما انتهت إلى دعم تنحي مبارك ،كانت طريقة تخليها عن حليفها الوثيق السابق مخزية .وجاءت االنتخابات املصرية التي أتت بـ«اإلخوان املسلمني» إلى الحكم لتؤكد لبعض املراقبني أن أمريكا أصبحت متحالفة مع الحركة اإلسالمية الصاعدة في املنطقة .وحتى هذه اللحظة ما زال ُ البعض مقتنعا بذلك ،حيث ّ اتهم السيناتور ماكني بالتعاطف مع «اإلخوان» .بعبارة أخرى ،خلف األداء األمريكي التباسا حول ماهية استراتيجية واشنطن.طبعا ،ليست أمريكا مغرمة بـ«اإلخوان»
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
وليس بوارد الخالف مع املوقف العربي ،الخليجي تحديدا ،تجاه مصر .ما تسعى إليه واشنطن بخجولة بالغة هو تثبيت الوضع ودعم االستقرار عبر إبقاء «اإلخوان» داخل العملية السياسية ووقف التدهور األمني ،وتجنب عودة مصر إلى حكم العسكر وحالة الطوارئ التي عادت لتطل برأسها .مشكلة واشنطن هي أن همودها وافتقادها إلى استراتيجية شاملة جعال منها العبا هامشيا. بالتالي ،ومع أن التعامل مع مصر كشف ارتباكا أمريكيا وغيابا للدور القيادي املبني على الوضوح في الرؤية واملوقف املنبثقني من استراتيجية متكاملة للمنطقة ،فاألزمة املصرية ربما ليست أخطر مثال على التراجع األمريكي في الشرق األوسط .املشكلة تكمن في أن الهمود األمريكي ينسحب على ملفات أكثر خطورة ،خصوصا املواجهة مع املحور اإليراني في املنطقة. نعود هنا إلى مغزى تصريح دونيلون .أتى الرئيس أوباما إلى السلطة على أساس رؤية تقوم على سحب الواليات املتحدة من املنطقة ،وإنهاء الوجود العسكري في العراق والتوصل إلى اتفاق حول امللف النووي اإليراني تفاديا لتورط عسكري جديد في املنطقة هما في صلب هذه الرؤية .إنما هذا اإلنكماش تسبب بتوسيع الهوة بني أولويات واشنطن وحلفائها في املنطقة ،عربا وأتراكا وإسرائيليني. التنازل املجاني عن النفوذ األمريكي في العراق أثار قلقا عميقا عند الحلفاء اإلقليميني الذين راقبوا توسع النفوذ اإليراني في بغداد .وعندما أتت الفرصة لضرب التوسع اإليراني عبر إسقاط نظام األسد في سوريا ،لم يبد الرئيس أوباما أي رغبة ّ باملس بهذا امللف .وهنا اتضحت أكثر كلفة التخلي عن العراق إذ تبني مدى استخدام إيران للعراق في دعمها لألسد ،في حني اقتصرت ردة الفعل األمريكية على تسجيل احتجاجات ومواصلة التوكيد على التعاون مع حكومة الرئيس نوري املالكي.
حلفاء واشنطن هكذا وعلى مدى أكثر من سنتني ،حاول حلفاء واشنطن اإلقليميني إقناع إدارة أوباما بالقيام بدورها القيادي في سوريا من دون جدوى. فقد حاولت تركيا ،على سبيل املثال ،أن تدفع أوباما ليتدخل بعد أن اعتدى نظام األسد على القرى الحدودية التركية ،وأسقط طائرة الحدودية بسيارات مفخخة، استطالع تركية ،واستهدف املعابر ّ وإلى ما هنالك ،وحتى عندما ّ قدم األتراك أدلة على استخدام النظام للسالح الكيماوي ،لم يالقوا سوى الرفض التام في واشنطن .وكان
الصوت األبرز في الحزب الديمقراطي ،التي قد تكون مرشحة الحزب لخوض انتخابات الرئاسة لعام .2016في السابق ،دافعت كلينتون ً تشددا ،وباعتبارها وزيرة الخارجية ،فقد عن سياسة إيران األكثر أبدت ميال أقوى نحو التدخل في الشأن السوري ،ولكن يبدو أن الرئيس وبعض كبار مستشاريه حجموا هذا االتجاه .وفي الوقت ذاته ،فمن بني الجمهوريني ،نجد أن القائد الصاعد للمدرسة التي تتبنى مبدأ التدخل هو حاكم نيو جيرسي كريس كريستي ،وهو املنافس املحتمل لراند بول .وخالل األسبوع املاضي ،في خطاب ً شهير ،انتقد كريس «التحررية» بشدة في كال الحزبني قائال: «باعتباري مدعي عام سابق قام بتعييني الرئيس جورج دبليو من سبتمبر (أيلول) لعام ،2001 بوش في اليوم املوافق العاشر ً فإنني أرغب في أن أكون ً حذرا حقا ،ألن النزعة التحررية املنتشرة في الوقت الحالي في كال الحزبني وتتصدر عناوين األخبار تعكس، في اعتقادي ،فكرا خطيرا للغاية». أما فيما يتعلق بالوضع في مصر ،فال يوجد من يؤيد التدخل فيه مثل جون ماكني -املدافع بقوة عن تقديم الدعم للثوار في سوريا الذي أحبط العديد من العرب الذين يدعمون الحملة املستمرةالتي يشنها الجيش املصري ضد اإلخوان .في األسبوع املاضي، انضم ماكني لراند بول وآخرين في وصف عملية اإلطاحة بمرسي ً «انقالبا عسكريا» ،ودعا الواليات املتحدة األميركية لقطع باعتبارها املعونات العسكرية الكبيرة التي تقدمها إلى مصر.
األميركية لسوريا باإلضافة إلى إيران .أما عن الوضع في سوريا، فإن البيت األبيض والرأي العام يخشون من أن دعم الثوار قد يعد تكرارا لذلك الدعم الذي قدمته الواليات املتحدة األميركية للجهاديني في أفغانستان في الثمانينات من القرن العشرين ،مع حدوث التأثيرات الالحقة املفجعة ذاتها. ً ووفقا ملا ذكره طوني بدران ،الكاتب البارز والباحث في شؤون الشرق األوسط ،فإن «إدارة أوباما ال ترغب في ظهور موجة جديدة من املحاربني األجانب الذي يستفيدون من التدريب في سوريا ،ومن ملهاجمة أهداف في الغرب ،مثلما حدث في أفغانستان. ثم يتجهون ً وتتمثل املأساة حقا في أنه من خالل عدم دعم الثوار الذين يتبنون مناهج سياسية وسطية في سوريا ،فإن املخاوف األميركية حينئذ سوف تصبح ً نوعا ما من النبوءة التي سوف تتحقق .سوف يزداد وجود الجهاديني في سوريا ،خاصة في شرق سوريا وشمالها». وفي الوقت ذاته ،فإن ذكرى النجاح في التأكد من قدرة االتحاد السوفياتي النووية خالل الحرب الباردة قد تعزز ثقة هؤالء الذين ً يعتقدون أنه من املمكن احتواء دولة إيران النووية أيضا.
هيالري كلينتون الصوت األبرز في الحزب الديمقراطي ً أما عن السياسيني الذين يرجحون تبني موقف أكثر تدخال في ُ السياسة الخارجية ،تبرز من بينهم هيالري كلينتون التي تعد
وعلى الرغم من أن العديد من العرب يرون أن مواقف ماكني تجاه مصر وسوريا تحمل تناقضا ،فإن التمعن في تصريحاته حول البلدين يوضح أن هذه التصريحات تأتي من مصدر واحد في عقله .يوضح ماكني تصوره للمشهد في سوريا بأنه خليط من التدخل اإلنساني وبذل الجهد بهدف منع الجهاديني من السيطرة ً صحيحا أم خاطئا ،فإن لديه على املشهد .وسواء كان ذلك مخاوف بشأن مصر :ففي األسبوع املاضي ،أشار ماكني إلى أن «اإلخوان املسلمني ..يختبئون» نتيجة للحملة القاسية التي يشنها الجيش ضدهم .ويوضح ماكني مخاوفه من أن حرمان اإلخوان املسلمني من حقوقهم سوف يؤدي إلى نشوب حرب أهلية جديدة في مصر ،وربما تحشد جمعا غفيرا جديدا من الجهاديني ً الدوليني أيضا. وهنا نجد مزيدا من التوضيح للفجوة املعرفية في واشنطن بشأن العالم العربي؛ فمن الواضح أن منطق ماكني يقوم على املقارنة اإلشكالية بني املجتمع املصري من جانب والسياسة الداخلية لسوريا والجزائر من الجانب اآلخر .ومن جانبهم ،فإن مؤيدي اإلخوان في واشنطن يستغلون هذه الفجوة املعرفية بالفعل .واستشرافا للمستقبل ،فإن التساؤل الذي يواجه العرب ذوي الرؤى املختلفة بشأن املنطقة ،هو كيف سيكون في استطاعتهم توصيل أصواتهم لواشنطن. ربما توجد بدايات اإلجابة على التساؤل بني هؤالء املحللني السياسيني الذين يدركون تماما لخطر الخفايا التي تجهلها الواليات املتحدة األميركية عن الشرق األوسط .أعربت ميشيل دن ،مدير مركز «رفيق الحريري» للشرق األوسط في املجلس األطلسي ،عن آمالها في توسعة العالقات األميركية مع املجموعات املعتدلة باملنطقة وتقديم الدعم لها. وقالت« :أعترف أن الوضع السياسي ُمحير .فهو يشمل تغيرا في الالعبني السياسيني في دول مثل تونس ومصر وليبيا .وهناك بعض البرامج (األميركية) التي تهدف إلى تقديم النصح واملساعدة وما إلى ذلك ،ولكن كي أكون أمينة ،ال أعتقد أنها تتناسب مع حجم التحدي القائم» <
,,
يعد مركز واشنطن لإلسالم والديمقراطية أحد نماذج منتديات السياسات األميركية املرموقة التي تناصر بفاعلية التعاون األميركي اإلسالمي
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
17
شؤون سياسية
,,
تعكس الصورة الظاهرة انقساما بني معسكرات أميركية متنافسة باإلضافة إلى جهل عام باألحداث في الشرق األوسط يغذيه إعالم يتأثر كثيرا بأصوات أجنبية
,,
أنحاء العالم العربي ،تجد غالبية العرب وحكوماتهم من الصعب عليهم إقامة تحالفات في واشنطن .وعندما ينظم مجلس «كير» مظاهرات في شوارع واشنطن اليوم ،يستطيع أن يناصر الجماعة بأسلوب يمس وترا عميقا لدى األميركيني :استعادة الديمقراطية وحماية حقوق اإلنسان .في العالم العربي ،ربما يميل كثيرون إلى الرد على ذلك بأن الحكومات التي يقودها إخوان تمثل تهديدا أكبر لحقوق اإلنسان .وسيرغبون في اإلشارة إلى أن املسار نحو الديمقراطية طويل وتدريجي ،ويتضمن تغذية مستمرة ملنظمات املجتمع املدني والتعليم من أجل التغيير الثقاف ،وليس فقط االنتخابات .ولكن من يتبنون هذه اآلراء يغيبون بصورة كبيرة عن شوارع واشنطن .ولم يقيموا شبكة إعالمية أو منظمات سياسية الزمة لتقديم وجهات نظرهم في األوساط السياسية .وفي حني توجد بعض األصوات في أميركا التي تتعاطف معهم ،فإن عوائق السياسة واللغة والتعاون املؤسسي بينها وبني املجتمعات العربية ما زالت قائمة.
الطريق قدما تطرح االستعدادات التي تجري في الوقت الحالي من قبل الحزبني الجمهوري والديمقراطي النتخابات الكونغرس األميركي لعام 2014 رؤية حول االتجاه املستقبلي للسياسة األميركية تجاه الشرق األوسط. تشير دراسة حديثة أجرتها مجموعة «غالوب» لإلحصاءات إلى أن ثقة األميركيني في اقتصادهم تواصل تراجعها .وفي املجمل ،فإنه على مدار السنوات الخمس املاضية ،عانت البالد من حالة ركود طويلة وارتفاع في معدالت البطالة ،األمر الذي أدى إلى شعور الكثير األميركي بالقلق حيال أية مشاركة خارجية وغير داعمة من الشعب ُ من املساعدات املقدمة للدول األجنبية .ويوضح أحد استطالعات ً الرأي أيضا أن هناك فجوة هائلة في اإلدراك في الواليات املتحدة األميركية حول مدى اإلنفاق على املساعدات الخارجية :وأظهر أحد استطالعات الرأي الذي تم إجراؤه في عام 2010أنه على الرغم من أن نسبة املساعدات الخارجية تمثل ما يقرب من %1.5من امليزانية الفيدرالية ،فإن تقديرات األميركيني لتلك املساعدات تبلغ نسبتها %25من امليزانية. العضو األبرز في الحزب وفي السياق ذاته ،ليس مفاجئا أن نجد ُ الجمهوري السيناتور الليبرالي راند بول هو املرشح املحتمل لرئاسة البالد لعام .2016كان والد بول عضوا بالكونغرس عن والية كنتاكي لفترة طويلة ،حيث اتسم بصراحته الواضحة واتباعه لسياسة «عدم التدخل» -فيما وصفه البعض بأنه «منعزل» -حيث دعا إلى انسحاب كبير للقوات حول العالم ووقف شبه كامل للمساعدات األجنبية املقدمة للشرق األوسط .وبينما نأى بول االبن بنفسه عن هذه املواقف األكثر تطرفا ،يبدو أن شعبيته تستمر في االرتفاع في بعض األوساط العتقادهم أنه يتسم بصفات والده .ومن غير عضوا ً ً بارزا ضمن الجماعة املكونة من الحزبني املفاجئ أن بول كان التي دعت إلى ُ قطع الواليات املتحدة األميركية للمعونات العسكرية واالقتصادية املقدمة ملصر. ومن غير املتوقع أن يغير بول أو الحركة التي ُيمثلها – ناهيك عن القيادة الديمقراطية -السياسة األميركية بعدم التدخل في سوريا. ويميل ذلك االتجاه الواسع للسياسة األميركية ،الذي يضم النسبة األكبر من الديمقراطيني ونسبة كبيرة من الجمهوريني ،إلى دعم التوصل إلى تسوية سياسية بوساطة دولية للصراع القائم في سوريا ،على الرغم من أن تلك العملية قد تستمر ألجل غير مسمى. ومن املحتمل أن تذعن هذه الكتلة لسياسة «احتواء» إيران النووية،
16
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
دعت «جمعية الشباب العربي املسلم» و«الجمعية اإلسالمية لفلسطني» التابعة لحماس ،يوسف القرضاوي وخالد مشعل وغيرهما من الشخصيات البارزة في الجماعة لزيارة مؤيديها في الواليات املتحدة
ً بدال من مواجهتها عسكريا .وتتطابق تلك السياسة مع غرائز سياسية حالية ويدعمها خبراء أميركيون محترمون توصلوا إلى ً سوءا .ومن بينهم كينيث بوالك ،الذي أن االحتواء هو الخيار األقل عمل في السابق بوكالة االستخبارات املركزية كمحلل عسكري، عالوة على كونه عضوا بمجلس األمن القومي ،وهو في الوقت الحالي كبير زمالء في مركز سابان لسياسات الشرق األوسط بمؤسسة بروكنغز ،ومؤلف كتاب سوف يصدر ً قريبا يتناول فيه خيارات السياسة األميركية تجاه إيران. وعن آرائه يقول بوالك« :أعتقد أن الحل الصحيح ألزمة برنامج إيران النووي يتمثل في التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، (ولكن) إذا لم نكن قادرين على التوصل إلى مثل هذا النوع من االتفاق مع اإليرانيني ،فإنني أفضل خيار احتواء إيران ،واألفضل ً احتواؤها ونحن قادرون على فعل ذلك ،بدال من احتوائها في ظل امتالكها لترسانة نووية فعلية مجهزة ..إنني أقول ذلك من منطلق أنني أحد األشخاص الذين قاموا بدراسة الخيارات العسكرية ً جيدا، وال أؤمن أن الخيارات العسكرية هي خيارات غبية أو مجنونة أو أن األشخاص الذين يدافعون عنها هم أشخاص أغبياء أو يتسمون بالجنون ..ولكني أشعر أن مخاطر احتواء إيران وتكاليف ذلك – حتى إن كانت إيران النووية -ال تزال ُمفضلة عن التكاليف واملخاطر التي سنتكبدها إثر شن حرب مستمرة مع إيران». وفي مفارقة ،يبدو وكأن أشباح الحرب الباردة تطارد التصورات
من التكهنات :لم تكن جماعة اإلخوان فعليا خضعت الختبار السلطة وهكذا كان من غير املعلوم كيف ستتصرف إذا منحت فرصة الحكم .وأكد قادة الجماعة مرارا أنهم ملتزمون بدعائم الديمقراطية. بعيدا عن دوائر السياسة ،انخرط خصوم الجماعة أيضا في اإلعالم والنشاط السياسي .ولعل أبرز نموذج هو ستيفن إيمرسون، الصحافي الذي أخرج في عام 1994فيلما تلفزيونيا وثائقيا تحت عنوان «الجهاد في أميركا» .يلقي الفيلم الضوء على املؤتمرات التي أقيمت في الواليات املتحدة بتنظيم من حماس وجماعة اإلخوان املصرية ،ويتعقب الصالت بينها وبني العمليات املسلحة التي جرت في الشرق األوسط والغرب أيضا .من املعتقد أن مشروع قانون مكافحة اإلرهاب لعام 1995اعتمد إلى حد ما على الصدمة التي تسبب بها هذا الفيلم .كما أيدت األعمال البحثية املستمرة التي يقوم بها من خالل جمعية ال تستهدف الربح تحمل اسم «املشروع االستقصائي» اعتقال وإدانة العديد من النشطاء اإلخوان في أميركا. ولكن استخدمت تصريحات متتالية أدلى بها إيمرسون ،اعتبر أحد تصريحاته الذي ابدى فيها إشارة إلى أن اإلسالميني وراء تفجير مدينة أوكالهوما في عام ،1995من قبل مؤيدي اإلخوان مثل «كير» سببا التهامه بـ«اإلسالموفوبيا» .على مدار األعوام العشرين املاضية ،طاردت مثل هذه االتهامات إيمرسون ،بيد أنه احتفظ بشبكة أنصار واتصاالت في املؤسسة األمنية األميركية ،وتشجيع من عناصر محافظة داخل الوسط السياسي السيما داخل الحزب الجمهوري. تكمن نقطة الضعف الرئيسة التي اتسم بها خصوم اإلخوان في الواليات املتحدة ،على النقيض من منافسيهم ،في عدم إقامتهم لتحالف دولي مالئم من األصوات املعارضة لإلخوان في بعض الدول العربية .ويبدو على سبيل املثال أن األصوات املدافعة عن إسرائيل في واشنطن ونظرائها في العواصم العربية عاجزة عن خرق حاجز الشك – وسط مرارات الصراع الفلسطيني اإلسرائيلي – مما كان يستلزم إقامة تحالف مستمر.
تغير التحالفات من 11سبتمبر وحتى اليوم عززت مأساة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام ،2001وما تالها في ظل إدارة بوش من صالبة التحالفات السياسية املعارضة لجماعة اإلخوان وتلك املؤيدة لها .في ظل حكم رئيس جمهوري ،أدت الحملة التي شنت ضد نشاط حماس واإلخوان في الواليات املتحدة إلى عشرات املحاكمات ومنع قادة من اإلخوان واملتعاطفني معهم من دخول البالد للقاء زمالئهم األميركيني .أثارت هذه األفعال غضب جماعات الحريات املدنية وضاعفت تأييد الجماعة اإلسالمية للحزب الديمقراطي. في الوقت ذاته ،أسفرت إخفاقات حرب العراق عن تبعات غير مقصودة للبيت األبيض واألوساط السياسية في واشنطن .على الرغم من أن الرئيس بوش معارض قوي للجماعات املتطرفة التي أشار إليها في بعض األحيان بالفاشية اإلسالمية ،فإنه قدم خدمة جليلة للماللي في طهران بأن سمح بالعملية االنتخابية في بغداد التي مكنت وكالء إيران في بغداد من الوصول إلى السلطة .ووجد مؤيدوه الجمهوريون ،الذي رفضوا في املاضي التدخل في جهود «إعمار الدول» في الخارج ،أنهم يدافعون عن «أجندة ديمقراطية في العالم العربي ،بينما وصل العديد من الديمقراطيني كرد فعل إلى كراهية شعار (نشر الحرية)» .ودعوا إلى االنسحاب العسكري من أفغانستان والعراق و«بناء البالد في الداخل» .صوت الناخبون األميركيون القلقون من الحرب لصالح الرئيس أوباما في عام 2008
على أساس برنامجه االنتخابي بوقف التدخل في الخارج .وانسحب أوباما من العراق وأفغانستان ،وسعى إلى تجنب املواجهة مع أطراف خارجية مثل إيران وتحاشى تدخالت عسكرية خشي أن يكون من الصعب الخروج منها مثل سوريا. ولكن أخيرا ،في وسط االضطرابات التي وقعت في الجمهوريات العربية ،عاد الحزبان إلى موقفيهما الفكريني التقليديني فيما يتعلق بـ«تصدير الديمقراطية» .في رد فعل يعكس ارتيابا في الحراك الثوري في مصر ،أصدر العديد من الجمهوريني تحذيرا ملعارضي اإلخوان في واشنطن بأن االستيالء اإلسالمي على السلطة أصبح وشيكا ،بينما احتفل الديمقراطيون ،مدعومني بالبهجة التي سادت وسائل اإلعالم في البداية ،بانتقال السلطة .وبعد االنتخابات في مصر وتونس ،شعر الجميع بخيبة األمل في النتائج ولكنهم أيدوا العملية الديمقراطية من حيث املبدأ وتبنوا سياسة االنفتاح مع الحكومتني الجديدتني بقيادة اإلخوان .والقى هذا النهج ترحيبا طبيعيا من مجتمع املفكرين املدافعني عن اإلسالميني في واشنطن. على مدار األسابيع القليلة املاضية ،لم يكن مفاجئا أن نجد إدارة أوباما تمارس ضغوطا غير مسبوقة على الجيش املصري لوقف حملته ضد اإلخوان .تتفق مخاوف واشنطن بشأن تدهور أوضاع الحريات اإلنسانية في مصر ونوايا الجيش على املدى البعيد مع القيم الديمقراطية األميركية ،باإلضافة إلى أن التكيف مع اإلخوان أصبح أحد أعمدة سياسة أوباما. ربما لم يصل البيت األبيض إلى قبول حقيقة أن اإلرادة الشعبية في مصر ومعظم أنحاء العالم العربي تحولت بحدة كاسحة ضد الجماعة. أما بالنسبة للنشطاء األميركيني الذين يؤيدون الجماعة ،فقد شهدت األعوام األخيرة نجاحات جديدة .في حني اعتمد «كير» في املاضي على تمويل من دول خليجية ،إال أنه أصبح اآلن يتمتع بدعم من قاعدة مانحني محلية ثرية في الواليات املتحدة ،ويحصل على منح أيضا من بعض املنظمات األميركية التي ال تستهدف الربح .ومكنت مكاسب اإلخوان االنتخابية في العام املاضي «كير» من االحتفاء بجماعته باسم «الديمقراطية» ،وبعد إطاحة الجيش بمرسي ،نظم املجلس احتجاجات في واشنطن دفاعا عن العملية الديمقراطية في مصر.
,,
ليس مفاجئا أن نجد السيناتور الليبرالي راند ُ بول املرشح املحتمل لرئاسة البالد لعام 2016يدعو إلى قطع امريكا للمعونات العسكرية واالقتصادية ُ املقدمة ملصر
,,
في الوقت ذاته ،يتعرض خصوم اإلخوان القدامى لعزلة سياسية نسبيا .وهذا إلى حد ما بسبب حقيقة أن األصوات الجديدة التي تظهر ،مثل الناشطة باميال غيلر ،تقدم مساهمات قليلة في النقاش العام وتوصف بأنها متعصبة ضد اإلسالمُ .يذكر أن غيلر قالت: «اإلسالم ليس عرقا ،بل آيديولوجيا ..أكثر آيديولوجيا راديكالية ومتطرفة على وجه األرض». ألحقت شخصيات مثل غيلر ضررا بصناع السياسات الذين يحترمون ويقدرون اإلسالم كدين ولكنهم ينتقدون األحزاب اإلسالمية مثل اإلخوان .وفقا ملا قاله آالن لوكسنبرغ ،رئيس معهد أبحاث السياسات الخارجية ومقره في فيالدلفيا« :يجد منتقدو اإلخوان من حيث املبدأ صعوبة في أن ُينصت إليهم في واشنطن أو وسائل اإلعالم العادية ألنهم يصنفون مع من يبدون كراهيتهم لإلسالم كدين .يشبه ذلك ما فعله السيناتور جو مكارثي عندما أساء إلى سمعة معارضي الشيوعية :حيث أضر بالقضية التي اعترف بأنه مؤمن بها». واآلن بعد أن تحولت اإلرادة الشعبية ضد اإلخوان املسلمني في معظم
ُ راند بول املرشح املحتمل لرئاسة الواليات املتحدة لعام 2016
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
15
شؤون سياسية
ولكن في الجهة املقابلة ،على الرغم من وجود دليل يؤكد نظرية سعي األميركيني باستمرار إلى الشراكة مع حركات إسالمية ،ربما يمكن االستفادة من الكشف عن نقاط ضعفها بدال من التركيز على نقاط القوة.
,, قال خوان زاراتي إن تخلي أوباما عام 2009 عن مساندة « الحركة الخضراء» اإليرانية كانت خطأ مأساويا
,,
صحيح أن واشنطن سعت أثناء الحرب الباردة إلى التعاون مع خصوم االتحاد السوفياتي ذوي االتجاهات الدينية ،من البابا جون بولس الثاني إلى عبد الله عزام .ولكن وفقا لباتريك كالوسون ،مدير األبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى ،أصبح هذا النهج باليا مع سقوط الستار الحديدي .وإذا كان هناك أي استمرار منذ ذلك الحني حتى اآلن ،فهو ،بحسب قول كالوسون« ،ألن الواليات املتحدة تحاول باستمرار عقد صفقات مع من يكون في السلطة». يعكس خطاب دجيرجيان بالفعل آراء مدرسة فكرية بارزة تجاه اإلخوان املسلمني في واشنطن ،بيد أن هناك مدرسة أخرى تنظر إلى الجماعة بعداء عميق ،وتتمتع بنفوذ خاص بها في بعض األحيان. لذا تجدر دراسة كلتا املدرستني ،أصولهما ومواقفهما من التطورات اإلقليمية الراهنة – واتجاهاتهما.
مناصرو الجماعة من األميركيني ُيعتقد أن الخطاب املدافع عن التعاون مع اإلسالميني الذي ألقاه دجيرجيان في عام 1992تأثر بمدرسة أكاديمية من بني قادتها جون إسبوزيتو ،أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون .تدفع دراسات إسبوزيتو بالضرورة إلى أن بعض الجماعات اإلسالمية – ومن بينها قادة اإلخوان املسلمني وتابعيها في العديد من الدول اإلسالمية -تتميز في جوهرها بأنها إصالحية حداثية تحمل طابعا ّ إسالمية وتستحق التعاون البناء .من خالل أسفاره املمتدة في األراضي العربية واإلسالمية ،أقام إسبوزيتو ودارسون مشابهون له في الفكر شبكة من املثقفني البارزين املنتمني للجماعات اإلسالمية، وسهلوا التعاون بينهم وبني نظرائهم األكاديميني والسياسيني في الغرب. ومع مرور الوقت ،أصبح لهذا املشروع األميركي من التبادل املعرفي مع اإلسالميني إطارا مؤسسيا :ويعد مركز واشنطن لإلسالم والديمقراطية أحد نماذج منتديات السياسات األميركية املرموقة التي تناصر بفاعلية التعاون األميركي اإلسالمي. ولكن لم يتوقف دعم اإلخوان املسلمني على النقاشات بني مثقفني رفيعي املستوى .ففي مطلع الستينات ،أقامت جماعة اإلخوان ذاتها بنية تحتية لغرس تعاليمها ونشاطها في الواليات املتحدة ليخرج منها أجيال من املؤيدين القادرين على الخروج بحملتهم إلى الشارع واإلعالم بل وأيضا دوائر السلطة .عملت «رابطة شباب املسلم العربي» التي توقف نشاطها حاليا وهي أحد فروع جماعة اإلخوان املصرية ،و«االتحاد اإلسالمي لفلسطني» التابعة لحماس ،على إحضار يوسف القرضاوي وخالد مشعل وغيرهما من الشخصيات البارزة في الجماعة لزيارة مؤيديها في الواليات املتحدة .وتصدر املجلس اإلسالمي األميركي ،املتوقف عن العمل حاليا ،محاوالت إدخال مثل هذا النشاط إلى واشنطن ،وحشد الضغوط على الكونغرس والبيت األبيض باسم قضايا اإلخوان.
خوان زاراتي نائب مساعد الرئيس ونائب مستشار األمن القومي ملكافحة اإلرهاب في إدارة جورج دبليو بوش
14
في أثناء األعوام األخيرة من الحرب األهلية الجزائرية ،على سبيل املثال جاء املجلس اإلسالمي األميركي بقائد الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ في الجزائر إلى واشنطن في محاولة ملساعدته في عرض قضيته على الكونغرس ضد اعتداءات الجيش الجزائري على حركته.
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
وفي البداية وفي فترات مختلفة ،حصلت جميع هذه الجماعات على تمويل هائل من متبرعني من بعض دول الخليج ،ولكنها سعت أيضا إلى موارد بديلة للدعم املالي من الخارج والداخل ،حتى ال تعتمد على ممولني تخشى نفاد صبرهم في املستقبل .وفقا ملسؤول أمني متقاعد اشترط عدم ذكر اسمه« :كون هؤالء شبكة واسعة للغاية. وكانوا سعداء بقبول األموال تقريبا من أي مصدر أجنبي أو محلي». في النهاية تم القبض على العديد من أعضاء الجمعيات اإلخوانية ومحاكمتهم بسبب التورط في عدة أنشطة غير قانونية :حيث قدموا دعما ماليا لحماس في منتصف التسعينات من أجل حملة من الهجمات االنتحارية التي استهدفت نسف معاهدة أوسلو، التي وقعت عليها في ذلك الحني السلطة الفلسطينية والحكومة اإلسرائيلية. ولكن خرج من هذه املنظمات جيل ثان من النشطاء بقيادة عضو «االتحاد اإلسالمي لفلسطني» سابقا نهاد عوض ،ليقيموا كيانا ناجحا يحمل اسم مجلس العالقات اإلسالمية األميركية .يرجع الفضل إلى هذا املجلس في محاربة «اإلسالموفوبيا» بال كلل من خالل مزيج من النشاط اإلعالمي والتظاهرات في الشوارع ،مما أكسبه دعما كبيرا من املسلمني األميركيني باإلضافة إلى وسائل اإلعالم والسياسيني في الواليات املتحدة .كما استفاد أيضا من هذا التعاطف في العمل الحقوقي باسم اإلخوان املسلمني .إضافة إلى ذلك حقق املجلس نجاحا كبيرا في تهميش األميركيني ،مسلمني أو غير مسلمني ،الذين ينتقدون فكر اإلخوان ،متهما إياهم أيضا باإلسالموفوبيا .واليوم أصبح مجلس العالقات اإلسالمية األميركية (كير) أكبر منظمة مسلمة أميركية في الواليات املتحدة تتمتع بتعاطف سياسي في املقام األول من الحزب الديمقراطي وأعضائه واإلعالم املشابه له في الفكر.
معارضو جماعة اإلخوان من األميركيني في مقابل مؤيدي اإلخوان في الواليات املتحدة ،عمل خصوم الجماعة على مدار عقود من أجل تقويضها سياسيا ،على كل من املستوى الفكري والسياسي ،ومن جانب اإلعالم والشارع بني حني وآخر .ورغم تحقيق قدر من النجاح في بعض األحيان ،فإنهم أيضا واجهوا صعوبات. على املستوى الفكري ،استمرت بعض مراكز األبحاث في واشنطن – على سبيل املثال ،معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى – في توجيه االنتقادات للجماعة .يرفض املدير التنفيذي للمعهد روبرت ساتلوف بحدة رؤية دجيرجيان بأن الجماعة ليست منظمة عاملية ويعارض فكرة أنها قد تكون قوة تدفع نحو التنمية الديمقراطية. أوضح ساتلوف أفكاره املتعلقة بالثورات العربية في شهادة أدلى بها أمام الكونغرس في أبريل (نيسان) ،2011حيث قال« :إن جماعة اإلخوان ليست كما يقول البعض مجرد منظمة رخاء اجتماعي أهدافها إنسانية في األساس .أعتقد أن املنظمة سوف تستغل أي فرص تقدم لها (مما يؤدي إلى) ..إمكانية تنام مخيف للنزعة الطائفية بني املسلمني واألقباط بل وتعميق الصراع بني املسلمني من السلفيني والصوفيني». ساتلوف أيضا أحد أبرز األصوات في واشنطن التي تدافع عن التحالف القوي بني الواليات املتحدة وإسرائيل .استعان مؤيدو اإلخوان أيضا بهذا الجانب من خلفيته في محاولة للتشكيك في أفكاره بشأن جماعتهم بني معارضي إسرائيل في واشنطن .في املاضي ،أعاب البعض أيضا على ستالوف أن آراءه تحمل قدرا كبيرا
عن مبارك وقبلوا باإلطاحة به .يبدو أن املعسكر األول كان يفضل الحفاظ على االستقرار في مصر ،بينما يرى املعسكر الثاني أن ّ االتجاه الثوري في املنطقة قد يكون بناء أو حتميا أو كليهما. على أي حال ،القت موجة التظاهرات التي اجتاحت الجمهوريات العربية قدرا من االهتمام في وسائل اإلعالم األميركية أكثر من «الحركة الخضراء» اإليرانية .وفيما يشبه اإلجماع ،صورت شبكات التلفزيون األميركية األحداث التي وقعت على أنها ثورات ديمقراطية. وكما قالت املذيعة األميركية البارزة راشيل مادو« :نحن نشاهد شيئا يؤثر فينا كأميركيني ألنني أعتقد أن األميركيني من اليسار أو اليمني أو الوسط يؤمنون بحكومة الشعب ،من ِق َبل الشعب ،ومن أجل الشعب – وعندما نرى شعبا في أي دولة في العالم يحاول تحقيق ذلك بوسيلة سلمية نقف بجانبه تلقائيا». القت هذه الرؤية أيضا تشجيعا من بعض الشخصيات العربية التي برزت في وسائل اإلعالم األميركية بصفتهم متحدثني غير رسميني عن الثوار – وأبرزهم الصحافية املصرية منى الطحاوي ،التي أعلنت أمام الجمهور« :من الرائع أن تكون ثائرا عربيا .إنها رسالة من منطقة في العالم تقل أعمار غالبية سكانها عن 30عاما» .وفي مئات املرات التي ظهرت فيها في حوارات ولقاءات رفيعة املستوى، صرحت الطحاوي لألميركيني أن ثقافة الفردية حلت بدرجة كبيرة محل الهويات والتقاليد الجماعية في العالم العربي .كما انتقدت أيضا األميركيني الذين أعلنوا انزعاجهم من صعود الجماعات املتطرفة ،مثل ليلى أحمد األستاذة في جامعة هارفارد ،واتهمتهم بعدم إدراك الواقع الجديد في الشرق األوسط.
هل يوجد منطق موحد؟ هكذا تعكس الصورة الظاهرة انقساما بني معسكرات أميركية
متنافسة ،باإلضافة إلى جهل عام باألحداث في الشرق األوسط يغذيه إعالم يتأثر كثيرا بأصوات أجنبية ذات تأثير .ولكن في زيارات إلى املنطقة ،وجدت أن العديد من العرب يشعرون بعدم إمكانية تبرير سياسات واشنطن تجاه الشرق األوسط بوجود خالفات داخلية أو مجرد عدم فهم .ولكنهم يرون بدال من ذلك محاولة مترابطة ثابتة من األميركيني – سواء في إيران أو مصر أو غيرها من الدول – لعقد صفقات مع الحركات اإلسالمية من املاللي في طهران إلى اإلخوان املسلمني في مصر. ومن بني األدلة التي يسوقونها عادة الدعم األميركي للمجاهدين ضد االحتالل السوفياتي ألفغانستان في الثمانينات من القرن املاضي، ومحاوالت الرئيس باراك أوباما التعامل مع اإلخوان املسلمني بصفتهم شركاء بعد انتصاراتهم االنتخابية في مصر وتونس. ووفقا لهذا املنطق ،يصبح ضغط اإلدارة في الوقت الحالي على الجيش املصري بمشاركة اإلخوان في السلطة مجرد مثال جديد على اتجاه مستمر منذ عشر سنوات. على الرغم من أن هذه النظرية ال تفسر بمفردها رفض أميركا تبني الثوار التابعني لإلخوان املسلمني في سوريا ،إال أنها ال تخلو من الصحة .في الحقيقة يبدو خطاب السياسات الذي يرجع إلى عام 1992وألقاه مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق األدنى وجنوب آسيا في ذلك الوقت إدوارد دجيرجيان ،وكأنه يبلور منطق التعاون مع اإلسالميني ويضع ذلك هدفا أميركيا طويل األجل .صرح دجيرجيان بأنه «ال يوجد جهد دولي موحد أو منسق خلف هذه الحركات» ،في إشارة إلى أفرع اإلخوان املسلمني في الشرق األوسط، واقترح أنه على األقل بعض عناصر اإلخوان يسعون إلى دعم «حرية االنتخابات ..واستقالل القضاء ..وسلطة القانون ..وحقوق األقليات والحقوق الفردية »..ويبدو أنه اعتقد أيضا أن اإلسالميني املعتنقني لهذه اآلراء سوف يكونون درعا حامية من املقاتلني الجهاديني.
التقى الرئيس املصري املعزول محمد مرسي وزير الخارجية االمريكية جون كيري في القاهرة 3مارس 2013في لقاء سعى من خالله مرسي إلى بناء توافق في اآلراء حول الوضع السياسي انذاك و تمهيد الطريق لتحقيق االنتعاش االقتصادي
,,
تطرح استعدادات الحزبني الجمهوري والديمقراطي النتخابات الكونغرس 2014 رؤية مستقبلية للسياسة األميركية تجاه الشرق األوسط
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
13
شؤون سياسية
ال يخفى على أحد في واشنطن أن ثقة العرب في السياسة الخارجية األميركية وصلت على مدار العامني املاضيني إلى أدنى مستوياتها .في مصر اليوم يلقي اإلخوان ومؤيدوهم باللوم على الواليات املتحدة بسبب اعتقادهم ضلوع واشنطن في التخطيط لإلطاحة بالرئيس محمد مرسي ودعم الجيش املصري في حملته الحالية .وفي الوقت ذاته يعتقد القطاع األكبر من الشعب املؤيد للجيش أن الرئيس األميركي حليف وثيق ملرسي .أما بالنسبة لسوريا ،يشك العديد من الثوار في أن الواليات املتحدة وحليفتها إسرائيل تفضالن بقاء نظام األسد – ولكن تؤكد حملة الدعاية التي تشنها الحكومة السورية على أن الثوار صنيعة وكالة «سي آي إيه» واملوساد.
اتجاهات السياسة األمريكية نحو اإلخوان املسلمني وإيران
تدليل األعداء وإهمال احللفاء بقلم: جوزيف براودي
,,
في مطلع الستينات أقامت جماعة اإلخوان بنية تحتية لغرس تعاليمها ونشاطها في امريكا ليخرج منها أجيال من املؤيدين القادرين على الخروج إلى الشارع واإلعالم ودوائر السلطة
,,
12
إذا نحينا هذه التصورات املذكورة جانبا ،ما هو املوقف الفعلي الذي تتخذه القيادة األميركية بشأن هذه الصراعات العربية الداخلية وغيرها ،وكيف ستتطور هذه السياسات في األعوام املقبلة؟ ما هو املنطق الكامن -إن وجد -في تناول الشؤون العربية والذي يحرك املعسكرين السياسيني املتنافسني، من باراك أوباما إلى جون ماكني؟ يعكس التفكير في هذه األسئلة ،بناء على تقارير من واشنطن ولقاءات مع واضعي السياسات ومستشارين رئاسيني حاليني وسابقني، من جانب ،مستوى غير مسبوق من تشوش السياسة األميركية تجاه العالم العربي اليوم :فهي ناشئة عن مزيد من الصراع الداخلي املرير في األوساط السياسية في واشنطن ،وانقسام سياسي أوسع بني الحزبني الرئيسني ،وتحول األولويات لدى الناخبني األميركيني في وقت تعاني فيه البالد من أزمة اقتصادية وعدم وجود فهم تام للعالم العربي .إضافة إلى ذلك ،إذا تطلعنا إلى انتخابات الكونغرس واالنتخابات الرئاسية املقبلة ،سيبدو أن الفجوة بني وجهتي نظر السياسة الخارجية تزداد اتساعا في الواليات املتحدة. ولكن على مستوى أعمق ،من املمكن تعقب معسكرين سياسيني مختلفني يدافعان باستمرار عن رأيني متعارضني في قضية مستقبل ما يسمى بـ«اإلسالم السياسي» .يمكن للعرب من أنصار اإلصالح املنظم غير الثوري دراسة ممثلي املعسكرين وأفكارهما والتحديات التي تواجههما ،من أجل وضع استراتيجيات تدعم أجنداتهم في واشنطن.
ينظر مستشاران بارزان في البيت األبيض تحدثت إليهما إلى موقف الرئيس من إيران من وجهتي نظر متقابلتني تماما ،مما يوضح عمق الخالف بني مختلف الجماعات السياسية: قال لي خوان زاراتي ،نائب مساعد الرئيس ونائب مستشار األمن القومي ملكافحة اإلرهاب في إدارة جورج دبليو بوش ،إن تصريحات أوباما عام 2009بشأن إيران كانت خطأ مأساويا« :كان ظهور الحركة الخضراء يمثل حدثا مهما في تاريخ إيران ،ضاعت فرصة استراتيجية للواليات املتحدة بأن تساعد على تقوية الحركة – وتشكيلها كوسيلة للتأثير في الحراك الداخلي وصناعة قرار النظام». ولكن قال دينيس روس ،الدبلوماسي األميركي الذي خدم في إدارة كل من بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما ،إن رد اإلدارة كان مدروسا بصورة جيدة« :كنا نتلقى رسائل مختلطة من الحركة الخضراء .وكنا قلقني من أن األشخاص الذين نرغب في الدفاع عن حقوقهم والوقوف إلى جانبهم أيضا ال يريدوننا أن نقول ما قد يمس مصداقيتهم .وكان هناك البعض في الخارج الذين يريدون منا أن نكون أكثر صراحة ،أدى هذا كله إلى تبني موقف أكثر حذرا» .من املؤكد أن روس يصدق املخاوف التي ال يشترك معه فيها زاراتي – مما يسمى بـ«قبلة املوت» األميركية .واملقصود بها أنه نظرا النعدام شعبية أميركا بشدة في العالم العربي ،ربما يكون التعبير األميركي عن دعم أي شخص أو فصيل سببا في اإلضرار به بصورة أكبر من نفعه.
السياسة األميركية تجاه إيران
املوقف من مبارك ونظامه
في البداية ،أحد التناقضات املحيرة في السياسة األميركية على مدار األعوام الستة املاضية هي مواقف باراك أوباما املتضاربة تجاه إيران في 2009ومصر في .2011جدير بالذكر أن اإلدارة األميركية حملت غصن الزيتون نحو عدوها القديم ،النظام اإليراني، بينما صدت «الحركة الخضراء» التي خرج فيها شباب املتظاهرين ضد تزوير االنتخابات في بالدهم .ولكن بعد عامني لم يستغرق أوباما كثيرا من الوقت قبل التخلي عن حليف أميركا القديم ،الرئيس حسني مبارك ،وأثنى على املتظاهرين الذين أجبروه في النهاية على التنحي.
أما بالنسبة لثورة 2011في مصر ،تبدو الرسائل املتغيرة التي نقلها مسؤولو البيت األبيض أثناء أسابيع املظاهرات نتيجة لنوع مختلف من الصراع الداخلي :الصراع بني مناصري اإلصالح النظامي القدامى في العالم العربي ومؤيدي التغيير الثوري .من جانب ،أدلى نائب الرئيس جوزيف بايدن بتصريحات تؤيد مبارك كحليف قديم في املنطقة ،وبدا مبعوث أوباما فرانك وايزنر مدافعا عن السماح ملبارك على األقل باستكمال األشهر املتبقية في فترته الرئاسية .وعلى جانب آخر ،مع توالي األحداث ،صرح متحدث باسم البيت األبيض ومن بعده الرئيس األميركي ذاته بتصريحات حادة
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
«القرار األميركي ذو أهمية بالغة ،وخاصة خالل األشهر القليلة املقبلة. ومن خالل التسبب في اقتراب النظام من حافة االنهيار االقتصادي، سوف تتمكن الواليات املتحدة األميركية من التوجه نحو التوصل إلى حل دبلوماسي ،في ظل إجبار إيران على االمتثال لكافة االلتزامات الدولية بما في ذلك وقف جميع األنشطة املتعلقة بتخصيب اليورانيوم وإعادة املعالجة. كما بإمكاننا االستمرار في النهج الذي نتبعه لتحقيق هدفنا من خالل سحب بقية صادرات النفط اإليراني من السوق ،وقطع كافة السبل للوصول إلى االحتياطيات في الخارج ،وإدراج القطاعات االستراتيجية لالقتصاد اإليراني ضمن القائمة السوداء .وخالل الشهر املاضي ،بلغت نسبة التصويت على مثل تلك التدابير 400إلى .20وها قد حان الوقت كي يتحرك مجلس الشيوخ األميركي». ويرى مراقبون أن مشروع القانون 850 .H.Rاملذكور في السابق ُيعد قانون العقوبات األكثر صرامة على إيران ،فهو ينص على تطبيق حظر فعلي على النفط اإليراني. فالتأكيدات املذكورة في السابق والتي يؤيدها الكثيرون في واشنطن هي تأكيدات خطيرة وليس لها أساس من الصحة. فخرا ً كبيراً . وطنيا ً كما أن البرنامج النووي اإليراني قد اكتسب ً ودائما ما كانت تربط القيادة اإليرانية بني برنامج إيران النووي وفخر األمة وكرامتها (عزت إيميلي) .إن االستسالم للضغوط وتعليق هذا البرنامج ُيعد بمثابة خيانة لألمة وبيع لكرامتها .سوف تفقد القيادة اإليرانية سلطتها ومكانتها بني مؤيديها من القاعدة الشعبية واملحافظني من عامة الشعب .ببساطة ،لن يستطيع النظام (النظام السياسي اإليراني) تحمل نتائج مثل هذا القرار. وفي حالة استسالمهم للسياسات القسرية التي تنتهجها الواليات املتحدة األميركية ،فإن ذلك سوف ُيخالف اتجاه الثورة التي تدعو إلى مقاومة الضغوط التي تفرضها القوى الغربية .وبعبارة أخرى ،فإن الواليات املتحدة األميركية ال تطلب ببساطة من الحكومة اإليرانية أن تغير مسارها .بل ،إنها تطلب منها أن تغير اتجاهها من حيث املبدأ ،وقبول الهيمنة األجنبية والتخلي عن استقاللها تحت اإلكراه .ومما ُيزيد األمر ً سوءا ،هو تدخل إسرائيل التي ترغب في فرض تسوية ُمهينة على النظام اإليراني. ويكشف لنا الباحث اإليراني واملفاوض النووي السابق حسني موسويان، في كتابه ،أنه عندما وجد أن التفاوض مع مجموعة الدول األوروبية الثالث ً تراجعا ً كبيرا خالل عام ،2005فحينئذ صرح ملمثلي القوى يشهد األوروبية أن «إيران سوف تستأنف تخصيب اليورانيوم مهما كلفها األمر». يواجهه روحاني في إقناع الواليات املتحدة ويتمثل التحدي الكبير الذي ً األميركية بأنه إذا كانت تسعى حقا للتوصل إلى حل دبلوماسي سلمي، ً فإن هناك طرقا أخرى عوضا عن تعليق البرنامج النووي ،وذلك من أجل تناول مخاوفهم بشأن األبعاد العسكرية املحتملة لبرنامج إيران النووي. ً ما ُيمكن أن يفعله روحاني لكسب ثقة الغرب ،كما قال ً وتكرارا، مرارا هو تنفيذ تدابير موضوعية لتفعيل أقصى قدر من الشفافية ،من أجل ضمان أن إيران لن تتخذ أية خطوات نحو التسليح .أما عن القضايا األخرى مثل وضع حد لتخصيب اليورانيوم يصل الى 5في املائة أو شحن املخزون املوجود من اليورانيوم املخصب خارج البالد هي قضايا تقنية ُيمكن التفاوض بشأنها والتوصل إلى حل لها. باإلضافة إلى ذلك ،ينبغي أن يحصل روحاني في املقابل على تخفيف
معقول للعقوبات ،وذلك كي يكون ً قادرا على إقناع القيادة اإليرانية إلنهاء نووي ،من أجل إخراج االقتصاد اإليراني من الوضع الحالي .ولن اتفاق ً يكون من ُاملفيد اتباع الواليات املتحدة األميركية ً تدريجيا .وكما نهجا ذكر سياسي إيراني سابق للكاتب ،فإن «الواليات املتحدة األميركية يجب ُ أن تكون مستعدة لتقدم الكثير ،إذا كانت تتوقع أن تحصل على الكثير». ً ووفقا لالفتراضات التي قدمها السيناتور مارك كيرك وعضو الكونغرس األميركي إليوت إنغل التي تم نشرها في افتتاحية صحيفة «وول ستريت جورنال» ،فإنه «من الواضح أن املحادثات لن تنجح في حالة ما إذا شعر النظام بالضغط لتغيير املسار» .وعلى الرغم من ذلك ،فإن الحقائق تشير إلى االتجاه املعاكس .ففي عام ،2003كان لدى إيران 164جهازا للطرد املركزي .وفي ظل تصاعد العقوبات ،ازداد عدد أجهزة الطرد املركزية التي يتم بناؤها. ً وفي الوقت الحالي ،أصبح لدى إيران 18ألف جهاز للطرد املركزي .في عام ،2003كان لدى إيران مصنع واحد لتخصيب الوقود؛ أما اآلن فلديها مصنعان .كما تم تشييد املصنع الثاني أسفل الجبال ،في ظل زيادة شدة العقوبات .وقبيل فرض العقوبات على إيران ،أنتجت إيران يورانيوم منخفض التخصيب بنسبة نقاء تبلغ .%3.5ومع تزايد العقوبات ،زادت إيران من نسبة النقاء لتنتج بذلك يورانيوم مخصب بنسبة %19.75 (جدير بالذكر أن نسبة نقاء اليورانيوم املخصب ينبغي أن تفوق %90 لتصنيع سالح نووي). ً وختاما ،فإن الرئيس روحاني عازم على إنهاء األزمة النووية اإليرانية ،كما أنه يحتل املنصب الذي يمكنه من القيام بذلك .وعلى الرغم من ذلك ،فإنه بحاجة لتعاون الواليات املتحدة األميركية كي يتمكن من تحقيق هدفه .إن التصور الذي يشير إلى أن تعليق العقوبات سوف يجبر إيران على وقف برنامجها النووي هو تصور ال يعكس واقع السياسة اإليرانية .وفي حالة إتمام مشروع القانون ،850 .H.Rالذي يقوم على هذا التصور الخاطئ، فإننا سوف ندخل إلى مستوى جديد من الصراع .وفي ظل تزايد الضغوط على إيران وفرض الحظر على نفطها ،فإنه لن يكون هناك ما تخسره، ً ً مسارا غير عقالني وقد يكون وحينها سوف تتخذ خطيرا <
محمد جواد ظريف وزير خارجية حكومة روحاني
,,
أحمدي نجاد اتسم بالسذاجة من الناحية السياسية واالفتقار إلى الخبرة وتنعدم عنده أية معرفة في ما يتعلق بالعالقات الدولية
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
11
شؤون سياسية
اتفاق بشأن القضية النووية ُيعد ً أمرا أكثر سهولة من التوصل إلى اتفاق بشأن قضية حول حقوق اإلنسان على سبيل املثال ،وذلك ألن قضايا حقوق اإلنسان تتضمن العديد من العناصر الذاتية .وعلى الرغم من أن ً التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي ليس ً يسيرا ،فإنه أمرا سوف يتم حول عوامل ملموسة ويمكن تحقيقها. عالوة على ذلك ،فإنه نتيجة ألن التوصل إلى أحد الحلول بشأن القضية النووية سوف يتطلب إجراء الكثير من املحادثات والتسويات ،فينبغي وضع شروط مسبقة إلثبات تخلي البلدين عن مواقفهما املتصلبة التي دامت ملدة عقود .كما أنه من املمكن االستفادة من أي اتفاق بشأن القضية النووية باعتباره نقطة انطالق لتناول قضايا أخرى للنزاع بني البلدين، ً وتحديدا اإلرهاب وحقوق اإلنسان. ً وهناك قضية أخرى مطروحة باعتبارها فرصة أيضا ،وهي الوضع ً ً الفوضوي الذي تعاني منه املنطقة .فالتطرف ُيمثل تهديدا حقيقيا على ُ أمن البلدين .من املمكن أن تشكل إيران والواليات املتحدة األميركية وحلفاؤها في املنطقة شراكة فعالة ملواجهة املوجة الجديدة العارمة من التطرف الذي يهدد االستقرار في الشرق األوسط .وفي الوقت الحالي، نجد أن املستفيدين الرئيسني من الصراع القائم بني الواليات املتحدة األميركية وإيران هم الجماعات الجهادية.
عرض عسكري لصاروخ «قاصد» اإليراني اقيم في طهران
,,
أرسل الحرس الثوري اإليراني رسالة تهديد لخاتمي خالل ذروة عملية اإلصالح تقول «على الرغم من كل االحترام الذي نكنه لسيادتك فإن صبرنا قد نفد»
,,
10
،2003التي لم يتم الرد عليها قط من قبل حكومة جورج بوش واملحافظني الجدد .وتوضح حقيقة تعيني جواد ظريف كوزير للشؤون الخارجية للعالم بأسره أن روحاني يرغب في تغيير مسار السياسة الخارجية.
الفرص الكامنة أمام الرئيس روحاني يتعرض االقتصاد اإليراني إلى أزمة .فقد ارتفعت نسبة التضخم لتصل إلى درجة قياسية ،وتفشت البطالة خاصة بني الشباب ،فيما فقدت العملة اإليرانية (الريال) ثلثي قيمتها منذ نهاية عام .2011وبجانب سوء إدارة فريق أحمدي نجاد ،الذي كان مسؤوال على نحو جزئي عن تعرض البالد ملثل ذلك املوقف الحالي ،فإن االقتصاديني داخل إيران يؤكدون باإلجماع على أن العقوبات املفروضة على إيران قد أثرت على اقتصادها .ويقدم هذا الوضع فرصة كبيرة للرئيس روحاني لكسب تأييد آية الله خامنئي والنخبة الحاكمة ،مثل شخصيات بارزة في جهاز األمن العسكري، للتفاوض مباشرة مع األميركيني والتوصل إلى حل بشأن القضية النووية .وإذا لم تتعرض إيران لتدهور األوضاع االقتصادية ،فإنه من املؤكد أن قوات مثل قوات الحرس الثوري اإليراني كانت ستعوق محاوالت روحاني. وعلى سبيل املثال ،أرسل قادة الحرس الثوري اإليراني رسالة تهديد للرئيس محمد خاتمي خالل ذروة عملية اإلصالح .وتنص الرسالة على أنه «على الرغم من كل االحترام الذي نكنه لسيادتك ،فإن صبرنا قد نفد. إذا لم تتخذ أية إجراءات (للتحكم في حركة اإلصالح) ،فإننا لن نتسامح في هذا الوضع بعد اآلن». ويشير تصويت الثقة القوي الذي حصل عليه جواد ظريف من البرملان خالل يوم 14أغسطس (آب) إلى أن هناك إجماعا على ضرورة تحويل مسار السياسة الخارجية لتتسم بالواقعية والعملية. ُ أما عن القضية النووية ،فعلى الرغم من أنها تمثل ً تحديا ً كبيرا ،فإنها تمثل فرصة أمام روحاني للتوصل إلى حل وسط بني إيران والواليات املتحدة األميركية بشأن تلك القضية األكثر جدال .وجدير بالذكر أن التوصل إلى
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
فالعراق وسوريا هي الدول األكثر ضعفا التي يمكن أن تتحول بسهولة من دول ضعيفة إلى دول فاشلة .كما يمكن للدول الفاشلة أن تصبح ً موطنا للجريمة املنظمة وتهريب املخدرات واإلرهاب. وفي ذات الوقت ،من املمكن أن تنتقل تلك الفوضى التي يعاني منها البلدان إلى البلدان املجاورة ،حيث من املحتمل أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار املنطقة بأسرها .تتمتع إيران بوضع جيد داخل البلدين ،ومن املمكن أن تتعاون مع الواليات املتحدة األميركية وحلفائها الغربيني واإلقليميني، بهدف إحداث حالة من االستقرار داخل العراق وسوريا قبل أن يتحول األمر إلى فوضى عارمة. ومن املثير لالهتمام أنه ،في حالة تهدئة حالة التوتر بني إيران والواليات املتحدة األميركية ،وفي حالة االتفاق على تدابير موضوعية ملنع املضي ً قدما في التسليح النووي ،فإن حالة التوتر السائدة بني إيران وإسرائيل من جانب ،وإيران والدول العربية باملنطقة من الجانب اآلخر ،سوف تتسم ً بالهدوء ،كما سيقل خطر نشوب حرب إقليمية مدمرة .ومن املمكن أيضا أن يدفع هذا العامل الواليات املتحدة األميركية للتوصل إلى اتفاق مع متداع للغاية وغير مستقر. حكومة روحاني ،وذلك ألن الوضع الراهن ِ
التحديات التي يواجهها الرئيس روحاني يواجه الرئيس اإليراني روحاني العديد من التحديات والعقبات من مختلف األنماط على حد سواء في الداخل والخارج ،وذلك خالل محاوالته إلنهاء األزمة القائمة بشأن برنامج إيران النووي .وليس لدينا مجال كبير ملناقشة كل تلك التحديات ،ولكن أبرزها وأحدثها تتمثل في التالي. يؤيد املتشددون اإلسرائيليون واللوبي اإلسرائيلي والكونغرس األميركي النظرية القائلة بأن الضغط على إيران هو السبيل الوحيد إلقناعها بتغيير مسارها (وعلى وجه التحديد ،تعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم) مما يعني زيادة في العقوبات إلى مستوى ال ُيمكن تحمله. وعلى سبيل املثال ،ففي اليوم املوافق 12أغسطس ،ذكر كل من السيناتور مارك كيرك وعضو الكونغرس األميركي إليوت إنغل في حديث لهما مع صحيفة «وول ستريت جورنال» أن:
الثاني :اعتقادهم أنه في حالة عبور إيران الحواجز التكنولوجية وسيطرتها الكاملة على إنتاج دورة الوقود النووي ،فإن الواليات املتحدة ً األميركية سوف تواجه ً محسوما بالفعل وتتراجع حينها .وكما أمرا اتضح األمر فيما بعد ،فقد أخطأوا على الجانبني. ً ً مختلفا ً ً تماما. استراتيجيا تفكيرا واآلن ،تولى روحاني السلطة ،ليتبنى وتحت شعار «االعتدال» ،عقد روحاني العزم على إنهاء القضية النووية اإليرانية ولكن فيما وراء ذلك ،فإنه يسعى للمضي ً قدما نحو تطبيع العالقات مع الواليات املتحدة األميركية .وأشار روحاني في خطاب له قبيل انتخابه ،إلى أنه «ليس من املفترض أن ترفض إيران املحادثات مع الواليات املتحدة األميركية ،كما أنه ليس من املفترض أن تظل العالقات بني الواليات املتحدة األميركية وإيران منقطعة».
السمات املميزة للرئيس روحاني يتمتع حسن روحاني بخبرة سياسية ومصداقية منقطعة النظير بإيران. شغل روحاني منصب سكرتير املجلس األعلى لألمن القومي ملدة 16 عاما ،حيث احتل منصب رئيس لجنة السياسة الخارجية في البرملان (املجلس) ملدة ثمانية أعوام ،وشغل منصب كبير املفاوضني اإليرانيني لاً مع مجموعة الدول األوروبية الثالث ( ،)EU3التي تضم ك من فرنسا وبريطانيا وأملانيا في الفترة بني عامي .2005 - 2003لذا ،من الصحيح االفتراض بأن روحاني على دراية وفهم للسياسة الخارجية وموقف برنامج إيران النووي.
عالقة وثيقة بني روحاني وخامنئي وفي الوقت ذاته ،يتمتع روحاني بعالقات وثيقة وطويلة األمد مع أروقة السلطة ،حيث احتل منصب ممثل آية الله خامنئي باملجلس األعلى لألمن عاما إلى أن تم انتخابه ً القومي ملدة ً 23 رئيسا لدولة إيران .وعليه ،فإن ذلك يضع روحاني في موقع فريد للتفاوض مع املرشد األعلى إليران، عالوة على أعضاء األمن السياسي باملجلس األعلى لألمن القومي ،في ظل إجرائه للمفاوضات مع قوى أجنبية للتوصل إلى اتفاق .وجدير
بالذكر أن التعليق التطوعي لتخصيب اليورانيوم في الفترة بني عامي 2003و ،2005باعتباره أحد التدابير التي تهدف إلى بناء الثقة ،قد تم بفضل مهارات التفاوض التي يتسم بها روحاني ،باإلضافة إلى عوامل أخرى داخل إيران وخارجها.ومن املمكن التوصل إلى نتيجة بارزة من هذه الخبرة. يتجاهل العديد من السياسيني واملحللني بالواليات املتحدة األميركية وإسرائيل ،الذين يرون أن انتخاب روحاني لن يغير سياسات إيران ألن صانع القرار النهائي هو املرشد األعلى ،حقيقة أن املرشد األعلى اإليراني قد يحتل مكانة رفيعة للغاية في املجتمع اإليراني ولكنه لن يتخلى عن الصفة البشرية املتمثلة في تأثره بمن حوله ،وخاصة عندما يكون هناك رئيس ُمنتدب ولديه ماليني األصوات .وتوضح هذه الحقيقة األسباب التي أدت إلى تبني إيران سياسة خارجية متسامحة خالل فترة رئاسة خاتمي ،بينما اختار الرئيس أحمدي نجاد أن يتبع سياسة خارجية عدائية شرسة أدت بدورها إلى إثارة غضب الكثير من دول العالم.
ظريف دبلوماسي حصيف ً ومن املثير لالهتمام أيضا أن وزير خارجية حكومة روحاني هو الدكتور محمد جواد ظريف ،الحاصل على الدكتوراه في القانون الدولي والسياسة من جامعة دنفر ،وهو أحد أكفأ الدبلوماسيني اإليرانيني وأكثرهم مهارة. هذا وقد كان ظريف العامل الرئيس في صياغة وإجراء الحوار والتعاون مع املبعوث األميركي خالل التطورات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة املؤقتة بقيادة حامد كرزاي في أعقاب سقوط نظام طالبان في عام .2001 وعندما تحول التركيز من إسقاط طالبان إلى إقامة حكومة انتقالية جديدة في أفغانستان خالل مؤتمر بون املنعقد خالل شهر ديسمبر ً ً إنجازا هائال من (كانون األول) لعام 2011بأفغانستان «حقق ً ظريف دونه لم تكن لتنشأ حكومة حامد كرزاي» ،وفقا ملا ذكره جيمز دوبينز املوفد األميركي باملؤتمر. دورا ً وأشار حسني موسويان لهذا الكاتب بأن ظريف قد لعب ً رئيسا في صياغة اقتراح «الصفقة الكبرى» اإليرانية للواليات املتحدة األميركية لعام
مراسم تسليم السيد علي خامنئي الحكم لرئيس الجمهورية املنتخب حسن روحاني (حسينية االمام الخميني 3 -اغسطس )2013
,,
املرشد األعلى اإليراني قد يحتل مكانة رفيعة للغاية في املجتمع اإليراني ولكنه لن يتخلى عن الصفة البشرية املتمثلة في تأثره بمن حوله
,,
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
9
شؤون سياسية
ُيعرف الرئيس اإليراني الجديد حسن روحاني بأنه شخصية واقعية ومعتدلة ،تولى السلطة بعد مرور ثماني سنوات على تولي أحمدي نجاد للحكم ،التي تم خاللها جر إيران إلى سلسلة من املشكالت ،وعلى رأسها األزمة املتفاقمة الخاصة بالبرنامج النووي للبالد .يسعى هذا املقال للتوصل إلى إجابة على التساؤل التالي« :هل سيكون بإمكان روحاني أن ينهي أزمة استمرت ملدة عقد كامل بشأن برنامج إيران النووي؟».
هل بإمكان روحاني التوصل إلى حل بشأن برنامج إيران النووي؟
االعتدال املنحاز بقلم: شهير شهيد ثالث
,,
البرنامج النووي اإليراني اكتسب فخرا ً ً كبيرا وطنيا ً ودائما ما كانت تربط القيادة اإليرانية بني برنامج إيران النووي وفخر األمة وكرامتها
,,
8
التحليالت أنه في حالة ما إذا أجرت الواليات املتحدة تفترض ً األميركية اتفاقا مع إيران ،فإن الدول األعضاء األخرى (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس األمن التابع لألمم املتحدة باإلضافة إلى أملانيا) لن تعترض وسوف تقتفي أثرها.
املتشددون داخل إسرائيل واللوبي اإلسرائيلي تلك التصريحات باعتبارها سالحا فعاال لحشد اإلعالم الغربي وخلق مناخ قوي معاد إليران .وفي الوقت ذاته ،زادت تلك التصريحات من تكلفة التفاوض مع إيران ،لترتفع إلى حد كبير بالنسبة ألية إدارة في الواليات املتحدة األميركية.
جدير بالذكر أن أحمدي نجاد وفريقه قد اتسم بالسذاجة من الناحية
السياسية واالفتقار إلى الخبرة ،يكاد تنعدم عنده أية معرفة فيما يتعلق سياسة خارجية عدوانية
بالعالقات الدولية؛ على الرغم من املبالغة في الثقة بالنفس والنرجسية، فيما دعا لتعزيز خطاب نادر يتسم بكونه مزيجا من فهم خاص لإلسالم والقومية اإليرانية املتطرفة تحت شعار «املدرسة اإليرانية لإلسالم».
الحوار النقدي تولى أحمدي نجاد املنصب الرئاسي عام ،2005حيث عزم على تغيير النهج اإليراني االسترضائي حيال الغرب الذي تم انتهاجه في عهد الرئيس اإلصالحي محمد خاتمي ،الذي كان يعمل ً جنبا إلى جنب مع حسن روحاني ،سكرتير املجلس األعلى لألمن القومي. ً وخالل عام ،2007أصدرت وزارة الشؤون الخارجية اإليرانية بيانا هاجمت فيه الخطاب االسترضائي «للحوار النقدي» حيال الغرب ،خالل فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني ( ،)1997ُ - 1989وأعلنت إحداث تغير ّ استراتيجي في موقع إيران بعد أن كانت «املتهم (الذي ينبغي عليه إقناع ّ ّ املت ِهم ببراءته) ،لتصبح هي املت ِهم».وبعبارة أخرى ،فإن مبدأ «أفضل دفاع هو الهجوم الجيد» كان هو املذهب املختار فيما يتعلق بسياسة إيران الخارجية. واتباعا لذلك النهج السياسي ،قام أحمدي نجاد وفريقه بإثارة قضية محرقة اليهود (الهولوكوست) والتشكيك في صحة ذلك الحدث .وذكر ُ فريق أحمدي نجاد أن محرقة اليهود تعد نقطة ضعف قاتلة لكل من إسرائيل والواليات املتحدة األميركية .وفي عام ،2007صرح مستشارو أحمدي نجاد في أحد اللقاءات بأنه «من خالل إثارة قضية محرقة اليهود، ُ فإننا بذلك نغلق امللف النووي (اإليراني)» .وقبل تولي أحمدي نجاد للسلطة ،لم يقم أي مسؤول إيراني أو قائد ديني ،ومن بينهم املرشدان األعلى ،بطرح قضية مذبحة اليهود الهولوكوست أو التشكيك في صحتها كحدث تاريخي. وعليه ،فقد كانت تلك الحالة من الجدل املصحوبة ببيانات أخرى متضمنة عبارة «محو إسرائيل من على الخريطة» التي تمت ترجمتها على نحو خاطئ ،بمثابة أمر مسيء للنهج الغربي حيال إيران .وعليه ،فقد استغل
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
كما تزامن ظهور أحمدي نجاد مع اثنني من التطورات التي يسرت التحقق ً من السياسة الخارجية العدوانية التي تنتهجها إيران .أوال :انهيار اثنني من األعداء اللدودين إليران ،وهما طالبان من شرق إيران وصدام حسني من غربها .وسريعا استطاعت إيران أن تعزز موقعها باعتبارها عامال محددا في السياسة العراقية ،وخاصة عقب سقوط صدام حسني ،حيث يرجع ذلك إلى عالقتها التاريخية بجماعات املعارضة الشيعية العراقية تحت حكم صدام ،مما أدى إلى تمكن إيران من وضع ضغوط على الواليات املتحدة األميركية وتقليص مساحة مناوراتها في األعوام ما بعد صدام حسني. ً ثانيا :الزيادة املفاجئة في سعر النفط ،الذي سجل أعلى معدالت تاريخية له بعد عام ،2005مما تسبب في إحداث طفرة في عائدات ًالنفط اإليراني ليسمح بذلك إليران بتبني سياسات أكثر ً عداء متحدية بها هيمنة الواليات املتحدة األميركية في املنطقة. وعلى الصعيد النووي ،تخلت إيران عن سياسات بناء الثقة لتعتمد على ّ االستراتيجية الجديدة املتمثلة في تغيير موقعها من دولة ُمتهمة إلى ُ دولة تلقي االتهامات .وعليه ،فقد سعت إيران لتوسعة برنامجها النووي ً على نحو كبير ردا على الضغوط الغربية .يعتمد األساس املنطقي لفريق أحمدي نجاد وراء تبنيه لسياسات نووية عدوانية على اثنني من الحسابات الخاطئة.
غياب الرؤية الجيوسياسية األول :االفتقار إلى رؤية جيوسياسية ،حيث إنهم يعتقدون أن فرض عقوبات صارمة على إيران ال يمكن تحقيقه .وقد أكد حسني موسويان، املفاوض النووي اإليراني السابق والذي يعمل في الوقت الحالي كباحث مشارك في جامعة برينستون ،في كتابه بعنوان «األزمة النووية اإليرانية: مذكرة» على أنه كانت هناك مدرسة فكرية في إيران ترى أن إحالة امللف النووي اإليراني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى األمم املتحدة والتصديق على قرار فرض العقوبات ضد إيران لم يكن سوى «خداع من قبل الغرب ،ولن يحدث ذلك».
الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد د.عبدالله العسكر :باحث وكاتب سعودي ،عضو مجلس الشورى ،ورئيس قسم التاريخ في جامعة امللك سعود ،حاصل على دكتوراه في الفلسفة من جامعة كاليفورنيا بأميركا - .1985له العديد من األعمال العلمية املختلفة باللغتني العربية واإلنجليزية.
جوزيف براودي :كاتب ومحلل سياسي اميركي متخصص في شؤون املجتمعات العربية .آخر كتبه، (" )"The Honored Deadمن اصدار "املوتى املحترمون" ُ "راندوم هاوس" للنشر .نشرت مقاالته في النيو يورك تايمز والوول ستريت جورنال وغيرها من الجرائد واملجالت األمركية.
عبدالعزيز الخضر :كاتب وباحث سعودي ،مؤلف كتاب «السعودية سيرة دولة ومجتمع» ،كاتب أسبوعي في صحيفة «الشرق» السعودية ،وسبق له أن عمل رئيسًا لتحرير مجلة «املجلة» ،وصحيفة املحايد.
شهير شهيد ثالث :محلل سياسي وصحفي ،خبير الشؤون الداخلية والخارجية اليران .مقيم في في ُ كندا ،نشرت مقاالته في "ذي غارديان" البريطانية ومجلة "املونيتور" االمريكية و"اسيا تايمز " وغيرها من صحف ومجالت أوروبية وأسيوية.
رانيا زادة :باحثة بمنتدى البدائل العربي ،عملت في مجال التدريس بكلية االقتصاد والعلوم السياسية ، قسم فرنسي .شاركت في العديد من اصدارات منتدى البدائل العربي من بينها "املجلس االقتصادي واالجتماعي في الدستور املصري" و"رعاة األحزاب في االنتخابات البرملانية املصرية"و"املحليات في الدستور املصري".
زكي امليالد :كاتب وباحث سعودي متخصص في الدراسات اإلسالمية ,رئيس تحرير مجلة «الكلمة» فصلية فكرية تصدر من بيروت .صدر له قرابة ()30 كتابًا ،يكتب عمودًا أسبوعيًا في صحيفة عكاظ السعودية. المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
7
المحتوى
البرنامج النووي اإليراني وسياسات روحاني؟
االعتدال املنحاز
اتجاهات السياسة األمريكية تجاه اإلخوان وإيران
تدليل األعداء وإهمال احللفاء
دور الجيوش العربية في الحياة السياسية واالجتماعية ..مصر أنموذجًا
ربيع عسكري
عبد الكريم سروش ..والصراطات ّ وجدلية العقل والحرية املستقيمة..
القبض والبسط
أسئلة مفتوحة ال تكف عن املشاغبة واملشاحنة والتكرار
البحث عن املثقف السعودي
هل يكون القصف في بيروت هو بداية نهاية حزب الله؟
الشرعية املفقودة 6
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
www.majalla.com
مجلة العــرب الدولية
االفتتاحية
رساله المحرر الجدال والسجال في الحالة الثقافية السعودية أصبحا مفتوحني على مصراعيهما إلى حد االبتذال ،فالشح الذي كان يطال تلك املساحة أتخم بمقاالت ومؤلفات وكتب ،كلها تحاول أن تمأل هذا الفراغ ولو بالصدى، وتقتحم تلك البقعة التي يراها املراقب الخارجي دوما حالة مثيرة مغلفة بالغموض ،محرضة على الخوض والنقاش والتفاعل ومحاولة الفهم. وسط زخم التحوالت السياسية وضخامتها ،وانفتاح آفاق التواصل االجتماعي ،تبدو الحاجة ملحة إلى مساءلة املثقف السعودي من جديد ،كيف يقدم نفسه؟ وما الصورة التي يريد أن يظهر بها؟ وما األدوار الرئيسة التي يجب أن يضطلع بها؟ ماذا عن إنتاجه العلمي واملعرفي ،وحضوره في الثقافة العربية واإلنسانية؟ في هذا امللف الذي تفتحه مجلة «املجلة» نناقش مشكالت املثقف السعودي ،حيث يؤكد الدكتور عبد الله العسكر ،أستاذ التاريخ ،وعضو مجلس الشورى السعودي ،في مقالته أننا «أحوج ما نكون إلى تعزيز (ثقافة السؤال) من أجل تقليل املسلمات الثقافية املتوارثة ،فنحن بحاجة إلى مغامرة فكرية وثقافية؛ ذلك أن السكون ال يصنع ثقافة مميزة». أما الباحث في الدراسات اإلسالمية األستاذ زكي امليالد ،فتساءل في مقالته« :في مجالنا الثقافي السعودي، ما صورتنا الثقافية؟ وهل هناك صورة فعال؟ وملاذا ما زالت مشوشة غير واضحة». أما الكاتب السعودي فهد الشقيران ،فيطرح حال ألزمة الثقافة يتمثل في «تحويلها ملساحة من الفن لنحمي أفكارنا من التيبس وذواتنا من التآكل». وفي موضوع آخر ،يناقش الكاتب األميركي جوزيف براودي السياسة األميركية في الشرق األوسط ،منطلقا من التطورات األخيرة في مصر وإزاحة الجيش للرئيس محمد مرسي ،وموقف الرئيس أوباما الحائر املتذبذب. في نفس السياق ،يتناول الصحافي األميركي طوني بدران في مقال له عقيدة أوباما التي تنص على أن «الواليات املتحدة األميركية ليست بحاجة إلى سياسة خارجية». وفي موضوع يتناول دور الجيوش العربية في الحياة السياسية واالجتماعية ،تنطلق الكاتبة املصرية رانيا زادة ملناقشة هذه القضية من خالل النموذج املصري وتطوراته في املشهد العربي ،مما قد يؤدي إلى «ربيع عسكري». كما تقدم «املجلة» في األخير ،عرضا ألهم عشرة كتب ،هي دليلك لفهم اإلسالم السياسي بشقيه السني والشيعي ،في الخليج العربي ،والعراق ،ومصر ،والسودان ،ولبنان. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا majalla.comونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا.
المحرر
4
المجلة /العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.
Omar A. Alshaikh ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
^¤ 7yG* Ò* ^d<
اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of ﺳﻜﺮﺗﲑ NASHR Co. Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
¥E¢ 6^G* £ }H
ǀżȤƾƪƵƴŽ Actingسكرتري CEO of-NASHR م�صطفى الد�سوقي. د:التحرير الر�شيدCo. عبد اهلل:مسؤول مكتب اخلليج
ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ ΪϳήΒϟ ϰϠϋ ΔϠγήϤϟ ϰΟήϳ ˯έ ϭ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh
للمشاركة ȝƾżȚǍƄŵȚ
كلمة 800 جميع المقاالت يجب أال تزيد على: ملحوظةeditorial@majalla.com إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ ϲϓ ϙήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ ΔόΒτϟ ϲϓ ϙήΘηϼϟ
اشتراكات ϡΎψϧ ϱ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ ϭ ΔϠΠϤϟ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝϮΣϷ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ ΔϜϠϤϤϟ ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ ΔϠΠϤϟ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla : لالشتراك في االلكترونيةsubscriptions@majalla.com : يرجى االتصال بـ،لالشتراك في الطبعة الرقمية ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϣ ϖΒδϣ ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ ΎϫήϳϮμΗ ϭ Δϴϟ ϭ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ ϭ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ ϲϋΎΟήΘγ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ ϙήΘηϻ ΕέΎδϔΘγ
وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام. التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة2009 حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة لتلقي.ً وتصدر المجلة شهريا.)استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة www.majalla.com يرجى زيارة،استفسارات االشتراك الرقمي
LVVXH
$XJXVW
Ώ βτδϏ ΩΪόϟ
++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1587 - September 2013 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn,
London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310
ϰμμΨΘϟ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ νΎϳήϟ ΎϬϟ κΧήϣ 2013 أيلول- سبتمبر1587 العدد
$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ
ZZZ PDMDOOD FRP HQJ
تقاطع التخصصى- طريق مكة- حي المؤتمرات- الرياض
مرخص لها
A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 : لندن- 4419933 هاتف:الرياض
www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ ϞΧΩ Ϧϣ
hq@alkhaleejiah.com : بريد إلكتروني،www.alkhaleejiah.com :موقع إلكتروني +966 1 441 1444 : ومن مختلف الدول، +44 207 404 6950: لندن، +331 537 764 00: باريس،+9714 3 914440 : دبي،920 000 417 : من داخل المملكة
ϲϧϼϋϹ ϞϴϛϮϟ الوكيل اإلعالني
ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ
ΕΎϛήΘηϹ Ϟϴϛϭ
800-2440076 : هاتف مجاني،www.arabmediaco.com : موقع إلكتروني، info@arabmediaco.com :بريد إلكتروني
وكيل اإلشتراكات
ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ ΔϴΑήόϟ ΔϜϠϤϤϟ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 1 2121774 : فاكس+966 1 4419933 : هاتف،11585 الرياض- 62116 ب. ص- المؤتمرات وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي
www.saudidistribution.com :موقع إلكتروني
ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι
�شركات ن�شر شركات نشر
ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ
وكيل التوزيع
ΔϋΎΒτϟ ΰϛήϣ
ΔϋϮϤΠϤϟ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com
Saudi Specialized Publishing املتخصص السعودية للنشر الشركةCompany www.sspc.com.sa
áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG
www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\
حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة
»لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم
ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ ϕϮϘΣ
©ϡϼϋϹ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني،المعلومات للحصول على المزيد من
»حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة
AN AMERICAN EDUCATION A BRITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.
+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla today to download our catalog and viewbook.
العدد 1587سبتمبر -أيلول 2013
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
جوزيف براودي وطوين بدران :هل تراجع امل�شروع الأمريكي يف ال�شرق الأو�سط؟ عبد الرحمن باع�شن :امل�ساعدات اخلليجية مل�صر ..اخلروج من عنق الزجاجة �شهري �شهيد ثالث� :سيا�سة الرئي�س الإيراين ح�سن روحاين ..االعتدال املنحاز
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 09
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
issue 1587 september 2013
www.majalla.com