المعتذرون للقاعدة

Page 1



‫الكلمة الأخرية‬

‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫مر تاريخ طويل ِمن ِّالنزاع َّ‬ ‫َّ‬ ‫العراق‪ ،‬والتاريخ ُيذكر ما‬ ‫والعراق‪،‬‬ ‫فقديما كانت التسمية هكذا‪ :‬أهل الشام وأهل ِ‬ ‫الرسمي بني الشام ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العراق يمثل الفرس الساسانيني‪ ،‬بدمشق كان‬ ‫بينما‬ ‫البيزنطنيني‪،‬‬ ‫الروم‬ ‫يمثل‬ ‫القديم‬ ‫الزمن‬ ‫في‬ ‫ام‬ ‫الش‬ ‫فكان‬ ‫قعني‪،‬‬ ‫الص‬ ‫بني‬ ‫حدث‬ ‫ِ‬ ‫عربا‪ ،‬لكن الوالءات ِّ‬ ‫الغساسنة‪ ،‬وبالحيرة كان املناذرة‪ ،‬صحيح كالهما كانا ً‬ ‫السياسية ال شأن لها بعناوين خارج املصالح‪ ،‬وهذا‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ما ُنذكر به ونحن نعيش نزاعات طائفية‪ ،‬بينما حقيقة األمر ال شأن للطوائف‪ ،‬وأعني الناس‪َّ ،‬‬ ‫بالرايات التي ترفع بأسمائها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫العراق العلويني‪ ،‬وانتهى األمر بالتحكيم بصفني (‪ 37‬هـ)‪ ،‬ويغلب على‬ ‫أما في اإلسالم فظهر النزاع بني أهل الشام األمويني وأهل ِ‬ ‫َّ‬ ‫العراقية‪ ،‬وحيث كان ً‬ ‫معبرا للقاعدة وأخواتها ِمن‬ ‫الظن أن مكانها اليوم لم يبعد عن مدينة القائم‪ ،‬حيث يسيل الفرات إلى األراضي ِ‬ ‫األرضي ُّ‬ ‫السورية‪ ،‬واكتشف في ما بعد أن األمر كان يجري بعلم السوريني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً َّ‬ ‫عزم الخليفة العباسي جعفر املتوكل‪َّ ،‬‬ ‫وودا للشام‪ ،‬على هجر عاصمتي أجداده وآبائه بغداد‬ ‫بالعراق‬ ‫السنة ‪ 243‬ه ُـ‪ ،‬ضيقا ِ‬ ‫وسامراء إلى دمشق‪ .‬جاء في الرواية‪" :‬نقل دواوين امللك إليها‪ ،‬فأمر بالبناء بها (لوال) استوبأ البلد‪ ،‬وذلك أن الهواء فيها بارد‬ ‫ندي‪ ،‬واملاء ثقيل ‪ ...‬ثم غلت األسعار‪ ،‬وحالت ُّالثلوج بني َّ‬ ‫السابلة وامليرة‪ ،‬فأقام شهرين ً‬ ‫وأياما‪ ،‬ورجع إلى سامراء"‪( .‬ابن الجوزي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫املنتظم)‪ .‬غير ما تقدم ِمن أسباب العدول عن القرار‪ ،‬قيل‪ :‬إن بيتي الشاعر البصري يزيد املهلبي (ت ‪ 259‬هـ) أرجعا الخليفة ِمن‬ ‫دمشق‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ ّ َّ‬ ‫الشام َت ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلمام على انطالق‬ ‫شمت بالعراق** إذا عزم‬ ‫"أظن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فإن َ‬ ‫يدع العراق وساكنيه** فقد تبلى املليحة بالطـالق"(املسعودي‪ ،‬مروج الذهب)‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬ر�شيد اخل ُّيون‬

‫نقفز بسرعة إلى العقود األواخر‪ ،‬فبعد نزاع بني شطري البعث العربي االشتراكي‪ ،‬منذ أواسط ّ‬ ‫الستينيات ِمن القرن املاضي‪،‬‬ ‫وصل الحد بالحكومة ُّ‬ ‫العراقيني؛ بسبب الخالف الحزبي (‪ 1974‬وما بعدها)‪ ،‬عاد والتأم شمل‬ ‫السورية أن تحبس ماء الفرات عن ِ‬ ‫والعراق وسورية‪.‬‬ ‫البعث وتقرر في العام (‪ )1978‬قيام الوحدة بني البلدين‪ ،‬بعد فشل الوحدة الثالثية (‪ )1963‬بني‪ :‬مصر ِ‬ ‫بعثيا ِع ًّ‬ ‫قياديا ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫راقيا‪ ،‬والقضية مثلما‬ ‫لكنها شهور وتعلن بغداد عن مؤامرة سورية داخل بغداد‪ ،‬أعدم إثرها أكثر ِمن عشرين‬ ‫اتضحت ليست مؤامرة "وال يحزنون"‪ ،‬إنما قضية طويلة عريضة لها عالقة باملوقف ِمن استبدال صدام حسني (أعدم ‪)2006‬‬ ‫بأحمد حسن البكر (ت ‪ِّ ،)1982‬إضافة إلى أن رئيس دولة الوحدة هو‬ ‫البكر والنائب حافظ األسد‪ ،‬وفي كل األحوال‪ ،‬حسب ما أفاد به القيادي‬ ‫ً‬ ‫صداما وجد نفسه‬ ‫البعثي تايه عبد الكريم (من قناة البغدادية) بأن‬ ‫ً‬ ‫خاسرا في مثل هذه الوحدة‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫أليس بسورية بعث أيضًا‪ ..‬فواعجبا؟!‬

‫َّ‬ ‫انعكس ُّهذا الخالف البعثي – البعثي على َّالدولتني والشعبني‪ ،‬وحيث‬ ‫العراق ضده وبالعكس‪ ،‬وأخذ كل منهما يجذب معارضة اآلخر‪ ،‬فاإلخوان املسلمون ُّ‬ ‫السوريون‬ ‫يضع قدمه بعث سورية تجد بعث ِ‬ ‫ِّ‬ ‫العراقية ‪-‬وجلها ِمن القوى اإلسالمية الشيعية‪ِ -‬من‬ ‫اتخذوا ِمن بغداد محطة لهم للتحرك ضد َّدمشق‪،‬‬ ‫بينما اتخذت املعارضة ِ‬ ‫ً‬ ‫دمشق محطة للتحرك ضد بغداد‪ ،‬ودرب الطرفان‪ ،‬كال في اتجاهه‪ ،‬عناصر املعارضتني‪.‬‬

‫العراقية اإليرانية‪ ،‬والوضع اللبناني وتفاصيله‪ ،‬قد دخال في سياسة البلدين‪ ،‬فمالت سورية إلى إيران‪ ،‬لكن ليس كما‬ ‫كانت الحرب ِ‬ ‫عليه اآلن إلى حد االتفاق باملصير‪ .‬كانت البداية تأسيس "حزب الله"‪ ،‬بيد إيرانية وأرض سورية‪ .‬وعلى ّ‬ ‫الرغم ِمن وقوف إيران‬ ‫ُ‬ ‫وسورية مع املعارضة ِّالدينية العراقية‪ ،‬وهي كتحصيل حاصل كانت شيعية‪ ،‬إال أنها قبيل اتخاذ أميركا لقرارها في إسقاط‬ ‫ِّ‬ ‫العراقية تتالشى‬ ‫النظام‪ ،‬وبعد التقارب الذي حصل بني البلدين ِمن جهة‪ُ ،‬وبني دمشق بغداد ِمن جهة ثانية‪ ،‬كادت املعارضة ِ‬ ‫ِّ‬ ‫لوال املنقذ األميركي‪ .‬فما عادت معسكرات سرايا الدفاع تدرب مجاهدي األحزاب الشيعية‪ ،‬مثلما كان الحال عليه في مطلع‬ ‫َّ‬ ‫الثمانينيات‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ًّ‬ ‫إن ما بني دمشق وطهران وبغداد ليس ً‬ ‫طائفيا‪ ،‬ذلك إذا علمنا أن الخالف بني املذهب العلوي‪ -‬النصيري واملذهب الشيعي‬ ‫جذبا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫قبل الحوادث التي أسفرت عن اغتيال رفيق الحريري (‪ ،)2005‬مع بقية الدول‬ ‫اإلمامي عميق ُّجدا‪ ،‬وأن سورية لم تكن في عداوة‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ذات األغلبية السنية‪ ،‬لكن اتخذت قضية التعاطف الطائفي غطاء‪ ،‬بدليل أن دمشق وسلطتها علوية ‪-‬بال شك‪ -‬أدخلت إلى العراق‬ ‫ما ّ‬ ‫العراق ُيقدم شكوى إلى األمم املتحدة‪.‬‬ ‫مهد إلرهاب فظيع (‪ ،)2007-2006‬وكاد ِ‬ ‫حبا بها إنما ً‬ ‫نعلم أن النظام السوري له فضل على السلطة العراقية الحالية‪ ،‬يوم كانت معارضة‪ ،‬ال ًّ‬ ‫كرها بسلطة بغداد‪ .‬لكن إذا‬ ‫ً‬ ‫سابقا رأت في نظام بغداد َّ‬ ‫السابق أنه نظام بعثي دكتاتوري‪ ،‬فهي اآلن سلطة‪ ،‬لم يكن األمر يخصها‬ ‫العراقية‬ ‫كانت املعارضة ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫العراقية تراه‬ ‫املعارضة‬ ‫كانت‬ ‫ما‬ ‫فيه‬ ‫وري‬ ‫الس‬ ‫عب‬ ‫الش‬ ‫يرى‬ ‫راقي‪،‬‬ ‫الع‬ ‫كشقيقه‬ ‫ا‬ ‫نظام‬ ‫تدعم‬ ‫فكيف‬ ‫كافة‪،‬‬ ‫راق‬ ‫الع‬ ‫أهل‬ ‫بقدر ما يخص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫في بعث بغداد‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫العراق بما سيأتي بعد البعث ُّ‬ ‫السوري؟ والنظر بعني‬ ‫ما عدا مما بدا والبعث واحد! ِمن جانب آخر أال يفكر القائمون على أمر ِ‬ ‫العراق‪ .‬نختم‬ ‫بصيرة بما يتراكم ِمن أحقاد‪ ،‬تلك التي يعاملون اآلن بها جماعة "مجاهدي خلق"؛ ألنها كانت مدعومة ِمن بعث ِ‬ ‫بالقول‪ :‬واعجبا!‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬


‫والتكنولوجية واإللكترونية الضخمة التي طورت خالل مسارها قوة إنتاج‬ ‫اإلنسان بشكل مذهل‪ ،‬لذا فإن مسبب املجاعة التي تودي بحياة الكثيرين في‬ ‫العالم اليوم هو سوء التوزيع وليس اإلنتاج‪.‬‬

‫صمت الغرب‬ ‫وفي كتابه ينتقد زيغلر تجاهل الغرب الشكالية الجوع وصمته الرهيب على‬ ‫الفساد والتجاوزات املشار اليها في الكتاب‪ ،‬وعدم تحركه إال عندما تصبح‬ ‫الكارثة ضخمة وتصيبه شظاياها خاصة على شكل موجات هائلة من‬ ‫الالجئني‪ .‬والدليل على ذلك تحركه البطيء حيال آالف الالجئني من أفريقيا‬ ‫بشكل خاص والذين يخاطرون في حياتهم راكبني غمار البحار واضعني‬ ‫حياتهم بني أيدي عصابات تهريب البشر التي بال رحمة‪.‬‬ ‫يستخدم الكاتب عبارات بسيطة يفهمها العامة‪ .‬يقول إن الظلم الذي يلحق‬ ‫بالجياع هو وصمة عار للبشرية في األلفية الثالثة حيث حصل اإلنسان‬ ‫على كل ما يريد التمتع به في حياته‪ ،‬فكيف يمكن حرمان مئات املاليني‬ ‫من الغذاء األساسي من أجل توفيره لشعوب أخرى فقط ألنها تعيش في‬ ‫بلدان تأخذ غذاء الفقراء لتأكل حتى التخمة‪ ،‬إنها حقيقة إبادة‪ .‬وفي أحد‬ ‫فصول الكتاب يذكر املؤلف أن أسباب هذه املجاعة ليست فقط مشكلة توزيع‬ ‫الثروات والغذاء أو ارتفاع األسعار الجنوني‪ ،‬بل أيضا في عصابات منظمة‬ ‫تتعامل مع حكومات فاسدة وشركات ليس لها انتماء وطني وسلطة الشركات‬ ‫الزراعية العابرة للقارات وصناديق التحوط التي تضارب على أسعار املواد‬ ‫الغذائية‪ .‬واملسؤول هو النظام االقتصادي العاملي الذي يضع األولوية لألرباح‬ ‫قبل رفاهية الشعوب والتجارة الحرة والتهافت على إنتاج الوقود العضوي‬ ‫بحجة حماية البيئة‪ ،‬لكن في الحقيقة فإن هذا الوقود ليس سوى االحتياطات‬ ‫املستقبلية ملواجهة تراجع كميات النفط والغاز في العالم‪ .‬ويذكر في أحد‬ ‫فصول كتابه أنه وبينما تخضع دول في العالم الثالث مثل زامبيا وهاييتي‬ ‫إلمالءات صندوق النقد العاملي‪ ،‬وألغي في هذه البلدان الدعم املالي للمزارعني‬ ‫منذ سنوات‪ ،‬على مزارعي األرز في هاييتي مثال الذين دمرت محاصيلهم‬ ‫شراء األرز من الواليات املتحدة األميركية وبسعر األسواق العاملية‪ ،‬ومنذ ذلك‬ ‫الحني وأعداد الوفيات بني األطفال هناك ترتفع بشكل مخيف‪.‬‬ ‫كما يتحدث املؤلف عن معايشته للقمم واملؤتمرات حول األمن الغذائي‪ ،‬واصفا‬ ‫كيف أن الزعماء الغربيني لم يكلفوا أنفسهم العناء حتى بإظهار اهتمام ولو‬

‫شكلي بالجوع في العالم‪ ،‬وهو يعرف كل الدراسات التي قدمتها مؤسسات‬ ‫إنسانية مثل «اكسفام» أو البيانات والرسومات التي نشرتها منظمة األغذية‬ ‫والزراعة‪ ،‬فهي كلها أرقام وبيانات ليس لها أي تأثير‪ ،‬فلماذا يجب على املرء أن‬ ‫يكون دبلوماسيا أو متزنا عند التحدث عن املجاعات ومسبباتها‪.‬‬ ‫ومن املشاهدات التي يرويها الكاتب يوم كان في نيجيريا ووقف مع األم تريزا‬ ‫(كانت راهبة وممرضة تعني الفقراء في الكثير من البلدان الفقيرة) تحت‬ ‫الحر الشديد أمام باب أحد املستوصفات حيث تتضور األمهات جوعا وعلى‬ ‫أيديهن أطفالهن يموتون لعدم وجود ما يكفي من الطعام للجميع إلنقاذهم‪،‬‬ ‫وعدن إلى منازلهن مفجوعات مع أطفالهن املصابني بمرض نوما الذي يسببه‬ ‫الجوع ويفترس الوجوه بينما ال يعير زعماء الغرب وال منظمة الصحة العاملية‬ ‫أي اهتمام‪ ،‬هنا الجوع سياسة وليس مصيرا‪ .‬ومن األمثال التي أوردها الكاتب‬ ‫وتدل على انعكاسات تحرير األسواق ومدى تحكم الشركات القارية باملنتج‬ ‫الزراعي حتى للمزارعني املتوسطني‪ ،‬وضع مزارعي قصب السكر في البرازيل‬ ‫التي تعتبر أكثر البلدان زراعة للمواد التي ينتج منها الوقود العضوي‪ .‬فبعد أن‬ ‫كانوا مزارعني من الطبقة املتوسطة ويعتمدون في حياتهم املريحة على بيع‬ ‫املحاصيل فإنهم يعملون اليوم في مزارع يملكها بارونات الوقود العضوي‬ ‫كفالحني وبأجر ال يسد رمق الجوع‪ .‬فالبارونات في البرازيل وزعوا على‬ ‫أنفسهم آالف الهكتارات الزراعية لزراعة قصب السكر وتصديره إلى البلدان‬ ‫الراغبة به‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫‪ 40‬في املائة من‬ ‫األطفال ما دون‬ ‫العاشرة في‬ ‫البلدان الفقيرة‬ ‫يعانون من‬ ‫مشكالت صحية‬ ‫بسبب سوء‬ ‫التغذية‬

‫‪,,‬‬

‫فشل التعاون اإلنمائي‬ ‫وال يرى املؤلف فائدة من التعاون اإلنمائي‪ ،‬فبرأيه أن التعاون اإلنمائي‬ ‫والعمل املشترك بني العالم الغربي الغني والبلدان النامية الفقيرة في‬ ‫قطاع الزراعة قد فشل رسميا لكن ال يعترف أحد بذلك على الرغم من أنه‬ ‫أصبح واضحا أنه فقد السيطرة عليه تماما مما سمح للشركات املتعددة‬ ‫الجنسيات أن تصول وتجول دون رقيب أو حسيب‪ ،‬حتى إن هذه‬ ‫البلدان التي تقوم باملشاريع اإلنمائية الزراعية ال تستطيع توجيه‬ ‫نقد إليها‪ .‬هذه السياسة الديكتاتورية من قبل الشركات‬ ‫املتعددة الجنسيات وتسلط املضاربني في بورصة املواد‬ ‫الغذائية هما املسببان الرئيسان في كارثة الجوع‪،‬‬ ‫فغذاء الجياع يتحول إلى وقود لسيارات ومصانع‬ ‫األغنياء أمر ال يمكن لإلنسانية القبول به <‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫جان‬ ‫زيغلر‬

‫‪65‬‬


‫كتب‬

‫كل خمس ثوان يفقد العالم طفال دون العاشرة بسبب الجوع املدقع وكذلك بسبب األمراض الناتجة عن ذلك‪ ،‬وذلك‬ ‫فوق كوكب تفيض فيه املواد الغذائية حتى التخمة‪ ،‬ويكون مصير مئات األطنان منها يوميا حاويات القمامة‪.‬‬ ‫هذا النوع من اإلبادة للبشرية ال يبالي به أحد ما دامت هذه الكارثة التي تقع يوميا غير منظورة وال يسلط عليها‬ ‫اإلعالم الضوء بالشكل املطلوب‪ ،‬اللهم إال ما نتابعه بني الفينة واألخرى‪ ،‬في بعض الوسائل اإلعالمية‪ ،‬خجال أو‬ ‫من أجل ملء أعمدة في الصحف أو برامج إذاعية أو تلفزيونية‪ ،‬وال تكون حتى بالزخم املطلوب‪.‬‬

‫السويسري جان زيغلر يوثق قصة "الجوع" في كتاب‬

‫لنرتكهم يجوعون!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫اعتدال سالمة‬ ‫كتاب‬ ‫«لنتركهم يجوعون‪..‬‬ ‫الدمار الشامل‬ ‫في العالم الثالث»‬ ‫الكاتب‪:‬‬ ‫جان زيغلر‬ ‫‪ 320‬صفحة‬ ‫(متوسطة الحجم)‬ ‫الناشر‪:‬‬ ‫برتلسمان ‪2013‬‬

‫الكاتب السويسري جان زيغلر الذي له مساهمات أدبية سابقة‬ ‫وثق في كتابه بعنوان «لنتركهم يجوعون‪ ..‬الدمار الشامل في‬ ‫العالم الثالث» الوضع اإلنساني نتيجة الجوع في العالم‪ ،‬وهو خير‬ ‫من يمكن أن يتحدث عن هذا املوضوع‪ ،‬ليس فقط كمتخصص بالعلوم‬ ‫االجتماعية أو ناقد لنظام العوملة‪ ،‬بل أيضا ألنه عمل ما بني عامي ‪2000‬‬ ‫و‪ 2008‬كموثق خاص للجنة "حق الحصول على الغذاء" بتفويض من األمم‬ ‫املتحدة‪ .‬ففي كتابه الذي صدر باللغة األملانية عن مؤسسة «برتلسمان»‬ ‫األملانية يستعرض الكاتب خبرته الواسعة في مجال توفير الغذاء ‪ ،‬ويركز‬ ‫في كل فصل من فصول الكتاب على التوزيع غير املتكافئ للثروات الهائلة‬ ‫التي تملكها أعداد قليلة من الناس والعنف الهيكلي في النظام العاملي وتفشي‬ ‫الفساد في بورصات املواد الغذائية واالرتفاع املخيف ألسعار املواد الغذائية‪.‬‬ ‫وفي كتابه يؤكد املؤلف أن العالم كما هو حاليا يمكنه من دون مصاعب‬ ‫إطعام ‪ 12‬مليار إنسان‪ ،‬أي ما يعني ضعفي عدد سكان األرض الحالي‪ ،‬مع‬ ‫ذلك يتضور طفل عمره أقل من عشر سنوات جوعا كل ثالث ثوان في العالم‪.‬‬ ‫من أهم النقاط التي يركز عليها الكاتب جان زيغلر في كتابه ويعتبرها‬ ‫إحدى أهم مسببات الجوع في البلدان الفقيرة هي سلب مساحات واسعة من‬ ‫األراضي الزراعية من قبل شركات متعددة الجنسيات بهدف التخفيف من‬ ‫مشكلة الوقود واالعتماد على املصادر التقليدية وهي النفط‪ .‬ففي أفريقيا‬ ‫وحدها خصصت هذه الشركات أكثر من ‪ 40‬مليون هكتار من أجل زراعة‬ ‫الحبوب إلنتاج الوقود الحيوي وسهل ذلك أيضا الفساد السائد في هذه الدول‬ ‫والعقود غير الواضحة املعالم التي تبرم مع الحكام هناك من أجل شراء أو‬ ‫استئجار األراضي للمدى الطويل‪ .‬فعلى سبيل املثال ما جرى في مالي أن‬ ‫أكثر ‪ 1.8‬مليون هكتار من األراضي الخصبة وباالخص في تالل النيجر‬ ‫أصبح بيد مستثمرين أجانب‪ .‬ليس هذا فقط بل طردوا املزارعني الوطنيني‬ ‫واستعانوا بالعمالة املهاجرين كي ال يكون لها عالقة مباشرة باألرض‪ ،‬من‬ ‫بينهم من سريالنكا وبلدان أخرى من أجل زراعة السلع االستهالكية الزراعية‬ ‫لدول غنية مثل غرب أوروبا والخليج العربي وشمال أميركا‪ ،‬هذا النهب الذي‬ ‫تقوم به بعض الشركات الكبيرة املتعددة الجنسيات يهدد كيان الفالحني‬ ‫املحليني وليس لهم من يحميهم أو يتعاطف معهم‪.‬‬

‫الديمقراطية حل للمشكلة‬

‫غالف الكتاب‬

‫‪64‬‬

‫ويرى زيغلر إن هذا التسلط وهذا التوسع الذي تسلكه الشركات املتعددة‬ ‫الجنسيات يمكن إيقافه‪ ،‬فالجوع صناعة اإلنسان وليس قدرا وهناك تجارب‬ ‫في هذا املجال قامت بها املنظمة وأعطت ثمارا جيدة‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫ومن هذه التجارب حسب قوله «رغم أننا كمؤسسة دولية ال نملك أراضي‬ ‫زراعية ولسنا تجار مواد غذائية من أجل املساهمة على الصعيد العاملي في‬ ‫حل املشكلة‪ ،‬حاولنا لدى شركات سويسرية منتجة ملواد غذائية تنظيم القطاع‬ ‫الزراعي وإنتاجه في البلدان الفقيرة وذلك عبر تعاوننا مع ‪ 680‬ألف مزارع‬ ‫وفالح في عدد منها وألف مهندس وخبير زراعي ومع ‪ 200‬شركة ومصنع‬ ‫إلنتاج كميات كبيرة من املواد الغذائية من أجل االستهالك املحلي‪ .‬بالطبع‬ ‫هناك عراقيل أيضا وضعتها اإلدارات املحلية التي تنظر إلى هذه الخطوات‬ ‫بعني الريبة وترى أنها تهدد الصفقات التي تبرمها مع الشركات الكبيرة‬ ‫وتحديات مع املنتجني والتجار‪ ،‬لكن توجد أيضا جوانب إيجابية تنعكس على‬ ‫كامل القطاع الزراعي‪ ،‬وهذا بحد ذاته تجربة يمكن االستفادة منها بشكل‬ ‫جيد‪.‬‬ ‫وبإمكان الديمقراطية أن تزيل مثال املضاربات في أسواق البورصة‬ ‫على أسعار املواد الغذائية األساسية واستعمال املاليني من األطنان من‬ ‫املواد الغذائية من أجل إنتاج الوقود العضوي ونهب وسرقة األراضي‪ ،‬أي‬ ‫مصادرة األراضي بالعنف من الفالحني في أفريقيا وجنوب آسيا وأميركا‬ ‫الالتينية عبر االحتيال الذي تقوم به الحكومات هناك بتحالفها مع األقلية‬ ‫التي تملك املال‪ .‬أيضا حل مشكلة الديون الخارجية للبلدان الفقيرة والتي‬ ‫تعوق أي استثمار يمكن تحقيقه‪ .‬ويمكن إزاحة كل آلية تسبب الجوع للناس‬ ‫بمساهمة بلدان تسودها الديمقراطية مثل أملانيا والتي تعتبر ثالث أكبر سلطة‬ ‫اقتصادية في العالم‪.‬‬

‫الصراع الطبقي!‬ ‫ومن الوسائل األخرى التي تحدث عنها املؤلف‪ ،‬إقرار قوانني لحظر املضاربات‬ ‫في أسواق البورصة على املواد الغذائية ومنع استيراد الوقود العضوي عبر‬ ‫تغير اللوائح الجمركية‪ ،‬وعدم تصويت دول لها مواقف جيدة في مؤتمرات‬ ‫صندوق النقد الدولي لصالح املصارف الدائنة‪ ،‬بل لصالح الجياع في إثيوبيا‬ ‫والصومال وبنغالديش وبلدان فقيرة أخرى يعاني شعبها من الجوع‪ .‬والعمل‬ ‫والسعي إلى تخفيف عبء الديون على البلدان الفقيرة وحظر مصادرة‬ ‫األراضي‪ ،‬إنها أمور وخطوات يمكن تحقيقها وكل ما يلزم هو إيقاظ الضمير‪.‬‬ ‫ويضيف مؤلف الكتاب أن الفيلسوف كارل ماركس ظل يؤمن حتى آخر رمق‬ ‫في حياته (توفي عام ‪ )1883‬بحقيقة االرتباط اللعني بني العبد (من يعمل‬ ‫في األرض) والسيد (مالك األرض) وأن هذا االرتباط سوف يرافق اإلنسانية‬ ‫ملئات السنني‪ ،‬وبنى نظريته «الصراع الطبقي» على هذه الفرضية‪ ،‬إال أن‬ ‫االفتقار للموضوعية قد اختفى في أيامنا هذه وذلك نتيجة الثورة الصناعية‬


‫يأتي االستبداد من «حكومة منتخبة» ألن «االشتراك في الرأي ال يدفع‬ ‫االستبداد‪ ..‬وقد يكون عند االتفاق أضر من استبداد الفرد»‪ .‬ويرى الحل‬ ‫األمثل في «املراقبة الشديدة» للحكومات كي ال يتم وصفها باالستبداد‪.‬‬ ‫يستخدم الكواكبي مفردة االستبداد‪ ،‬كمفتاح مزدوج الهوية‪ ،‬فهو يشير إلى‬ ‫أداء السلطات السياسية‪ ،‬وكذلك يشير إلى طبيعة املجتمعات التي تنتشر‬ ‫فيها تلك النوعية املفرطة من السيطرة على الناس‪ .‬ولو أن السيد الفراتي‬ ‫يميل إلى تحميل االستبداد الدور األكبر‪ ،‬وأحيانا الوحيد‪ ،‬إال أنه وفي‬ ‫معرض تقريظه آلليات االستبداد في نظام الحكم يقول قاطعا «املستبدون‬ ‫يتوالهم مستبد‪ ،‬واألحرار يتوالهم األحرار‪ ،‬وهذا صريح معنى‪( :‬كما‬ ‫تكونوا يولى عليكم)‪ .»..‬وربما لهذا يعيد وصف االستبداد بأنه «أعظم بالء‬ ‫يتعجل الله به االنتقام من عباده الخاملني»‪.‬‬ ‫ويربط الكواكبي ما بني الفكر والحرية‪ ،‬في تنظيم مثالي لحياة األفراد في‬ ‫بيئة تضمن كرامتهم كما تضمن لهم حياتهم‪ ،‬ويعطي لـ«علوم الحياة»‬ ‫دورا مفصليا في إحساس األفراد بقيمتهم االعتبارية‪ .‬ويرى أن االستبداد‬ ‫يتناقض والتعليم‪ ،‬ال بل إن املستبد يكره الفلسفة والحكمة و«ترتعد‬ ‫فرائصه» من «الحكمة النظرية والفلسفة العقلية وحقوق األمم‪ ..‬ونحو‬ ‫تكبر النفوس ّ‬ ‫ذلك من العلوم التي ّ‬ ‫وتوسع العقول ّ‬ ‫وتعرف اإلنسان ما هي‬ ‫حقوقه»‪ .‬وبسبب تناقض املصالح ما بني االستبداد والعلم فإن هناك حربا‬ ‫دائمة بينهما فـ«يسعى العلماء في تنوير العقول ويجتهد املستبد في‬ ‫إطفاء نورها»‪ .‬ونظرا لكون الصراع هو في إقناع جموع الناس والتجاذب‬ ‫على اكتسابهم‪ ،‬ويسميهم الكواكبي بـ«العوام»‪ ،‬فإنهم «إذا جهلوا خافوا‪،‬‬ ‫وإذا خافوا استسلموا»‪ .‬وهذا االستسالم الناتج من الخوف هو الذي يمنح‬ ‫املستبد قوة ال منظورة تتكثف في نفوسهم‪ ،‬ولهذا اعتبر الكواكبي أن‬ ‫«العوام هم قوة املستبد»‪.‬‬ ‫يعطي الكواكبي لالستبداد دورا محوريا في رسم مالمح املجتمعات‬ ‫والتأثير في شخصية األفراد‪ ،‬رغم إشارته التي ملحنا إليها سابقا من‬ ‫ارتباط االستبداد باملجتمع كالعلق الذي ال يموت إال بموت صاحبه الذي‬ ‫تعلق عليه‪ ،‬مما يعطي صورة قاتمة للغاية إلمكانيات التغيير‪ ،‬إال أنه ال ينفك‬ ‫مشيرا إلى االستبداد كفاعل أصلي لهذه الصورة املشوهة التي تصل إليها‬ ‫املجتمعات املصابة به‪ ،‬فال يضرب التشوه رأس السلطة‪ ،‬بطبيعة الحال‪،‬‬ ‫بل كل فروع املجتمع «الحكومة املستبدة تكون مستبدة في كل فروعها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫من املستبد األعظم إلى الشرطي إلى ّ‬ ‫الفراش إلى كناس الشوارع»‪ .‬وربما‬ ‫هي مسألة يراها الكثير في العالم العربي ال تزال راهنة في مؤسسات‬ ‫هنا وهناك‪ ،‬حتى لدى سائقي التاكسي واملوظفني الصغار وبائعي األلبسة‬ ‫وعمال املطاعم‪ ،‬حيث تظهر أسلوبية تعاط عدائي مع الناس مجهولة السبب‪.‬‬ ‫ويظهر خضوع الناس لالستبداد ضمن آلية مضمرة عصية على التفكيك‬ ‫تجعل من أصغر موظف أو صاحب صنعة صورة من نشاط استبدادي‬ ‫يبدأ من األعلى لألدنى وصوال إلى املرأة‪ ،‬كما يشير الكواكبي نفسه‪ ،‬ألن‬ ‫الخاضع لالستبداد يسكت على القوي ويستشرس على املرأة الضعيفة‬ ‫مكسورة الجناح‪ .‬وبسبب هذه اآللية الغامضة من التعامالت بني الناس‬ ‫وصعوبة جعل التنافس مبدأ ما بني الكل فإن الخراب يصل إلى الناس‬ ‫فجأة دون إنذار‪ ،‬ذلك أنه «من طبائع االستبداد أنه ال يظهر فيه أثر فقر األمة‬ ‫ظهورا ّبينا إال فجأة»‪.‬‬

‫املدارس تحارب الجريمة ال السجون!‬ ‫ّ‬ ‫في باب بليغ وعلى درجة من الروعة ال توصف‪ ،‬يفند الكواكبي بعض‬ ‫األخالقيات التي تسود في مجتمعات تخضع لسلطات استبدادية‪ ،‬واملؤلف‬ ‫بذلك سطر املحاولة األولى واألشهر لنقد الجماعة‪ ،‬وليس فقط النظام أو‬ ‫الحاكم‪ .‬وهي مسألة جوهرية لطاملا نفتقدها اليوم حتى بعد مرور أكثر‬ ‫من قرن على الكتاب‪ .‬فيشير اإلصالحي العميق إلى جملة من القناعات‬ ‫التي يكررها العامة من الناس ظنا منهم أنهم يمارسون حكمة رفيعة في‬

‫حيواتهم‪ ،‬ليتبني األمر بأن هذه القناعات ليست أكثر من ممارسة سرية‬ ‫لنظام استبدادي تغلل في األلسنة ووعي املتكلمني‪ .‬فتنقلب الحقائق‬ ‫ويعتقد الناس أن «طالب الحق فاجر‪ ،‬وتارك حقه مطيع‪ ،‬واملشتكي املتظلم‬ ‫مفسد‪ ،‬والنبيه املدقق ملحد‪ ،‬والخامل املسكني صالح أمني»‪.‬‬ ‫ومن أشهر املقوالت التي يكشفها الكواكبي‪ ،‬تلك التي ال تزال مشتهرة إلى‬ ‫اآلن وفاعلة في ثقافة الشارع العربي من مثل «إذا كان الكالم من فضة‬ ‫فإن السكوت من ذهب»‪ ،‬ويعتبر أن مثل هذه الحكمة ليست أكثر من قلب‬ ‫للحقائق تزور حقيقة الفعل وترفع شأن الخضوع والرضوخ‪.‬‬ ‫رغم أهمية كل التفاصيل التي ذكرها الكواكبي عن مظاهر االستبداد‬ ‫وآلية عمله‪ ،‬فإن وعي الكواكبي بالتغيير يتسم بأكبر قدر من الحكمة‬ ‫والنظر الثاقب‪ ،‬كما لو أنه يحذرنا منذ أكثر من قرن مما يمر به العالم‬ ‫العربي اآلن‪ .‬فالسيد الفراتي‪ ،‬رغم حربه املفتوحة على االستبداد فإنه ال‬ ‫يجد من األفضل استئصاله بالعنف‪ ،‬بل باللني والتدرج‪« :‬االستبداد ال‬ ‫يقاوم بالشدة إنما يقاوم باللني والتدرج»‪ ،‬كيال تكون «فتنة تحصد الناس‬ ‫حصدا»‪ .‬فهنالك مخاوف من أن يؤدي هذا العنف‪ ،‬أو التغيير غير املخطط‬ ‫له الستحضار «مستبد آخر تتوسم فيه أنه أقوى شوكة من األول‪ ،‬فال‬ ‫تستفيد شيئا إنما تستبدل مرضا مزمنا بمرض مزمن»‪ .‬ولهذا يؤكد‬ ‫الكواكبي في سبق تكرر كثيرا في طبائعه على أمر مهم وهو «تهيئة ماذا‬ ‫يستبدل به االستبداد» قبل «مقاومة االستبداد»‪.‬‬ ‫متعة قراءة طبائع االستبداد ال تتأتى وحسب من قيمة النظر الفلسفي‬ ‫واالجتماعي املبكر الذي قام به السيد الفراتي الذي أنهى حياته فنجان قهوة‬ ‫مسموم كان آخر ممارسة استبدادية عرفها املؤلف بنفسه مرة أخرى!‪..‬‬ ‫بل بكمية التطابقات التي يمكن أن يجريها القارئ ما بني الكتاب وزمنه‬ ‫الحالي‪ ،‬خصوصا ما يتعلق فيه بآليات االستبداد وطرق مكافحته‪ .‬ولعل‬ ‫الكواكبي الذي هرب من حلب السورية إلى القاهرة‪ ،‬للمفارقة‪ ،‬كان سيهرب‬ ‫اآلن‪ ،‬باآلليات ذاتها واألسباب ذاتها‪ .‬هذا إن استطاع الهرب‪ ،‬بطبيعة الحال!‬ ‫هكذا سنصدق كل جملة قالها الكواكبي حتى التي تواضع فيها معبرا‬ ‫عن سماحة نفسه واحترامه للغير‪« :‬ما أنا إال فاتح باب صغير من‬ ‫أسوار االستبداد»<‬

‫تمثال املفكر عبد الرحمن الكواكبي‬ ‫سوريا ‪ -‬حلب‬

‫‪,,‬‬

‫يحذر الكواكبي‬ ‫من خطورة‬ ‫أن يأتي‬ ‫االستبداد‬ ‫من «حكومة‬ ‫منتخبة» ألن‬ ‫االشتراك في‬ ‫الرأي ال يدفع‬ ‫االستبداد‪..‬‬ ‫وقد يكون عند‬ ‫االتفاق أضر‬ ‫من استبداد‬ ‫الفرد‬

‫‪,,‬‬

‫* كاتب وناقد سوري‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪63‬‬


‫ثقافة‬

‫عندما ينظر البعض إلى عبد الرحمن الكواكبي‪ ،‬مؤلف كتاب «طبائع االستبداد ومصارع االستعباد»‪ ،‬على أنه‬ ‫مجرد إصالحي حائر قذفته أمواج القرن التاسع عشر إلى شواطئ الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬فإنه بذلك‬ ‫ينسى عن قصد أو غير قصد أن هذا الكواكبي كان فوتوغرافيا محترفا لكن من النوع الذي ّ‬ ‫يصور املستقبل‬ ‫ال اللحظة الراهنة! وحقا‪ ،‬إن في «طبائع االستبداد» ما ُيشبه األلبوم الذي يجمع تاريخ املنطقة العربية‪ ،‬في‬ ‫العصر الحديث‪.‬‬

‫عبد الرحمن الكواكبي‪ ..‬إصالحي املاضي الذي ال يمضي‬

‫جدلية االستبداد والتغيري‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عهد فاضل *‬

‫‪,,‬‬

‫يربط الكواكبي‬ ‫ما بني الفكر‬ ‫والحرية في‬ ‫تنظيم مثالي‬ ‫لحياة األفراد‬ ‫في بيئة تضمن‬ ‫كرامتهم‬ ‫وحياتهم‬ ‫ويعطي لـ«علوم‬ ‫الحياة» دورا‬ ‫مفصليا في‬ ‫إحساس األفراد‬ ‫بقيمتهم‬ ‫االعتبارية‬

‫‪,,‬‬

‫‪62‬‬

‫مفردة «استبداد» تهيمن على قلم الكواكبي‪ ،‬تتوزع كتابه‬ ‫فصوال وأبوابا وأقساما ومقاطع‪ .‬ذلك أنها كانت مستمدة من‬ ‫واقع مرير بعيد يفصلنا عنه أكثر من قرن من الزمان‪ ،‬سقطت‬ ‫فيه إمبراطوريات وولدت فيه إمبراطوريات‪ ،‬إال أن ما لم يطرأ عليه تعديل‬ ‫جوهري هو االستبداد الذي ّ‬ ‫عرفه الكواكبي بأنه «غرور املرء برأيه واألنفة‬ ‫عن قبول النصيحة أو االستقالل في الرأي وفي الحقوق املشتركة»‪ ،‬أو‬ ‫في تعريفه الثاني لالستبداد بأنه «صفة الحكومات املطلقة العنان فعال‬ ‫أو حكما التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بال خشية حساب‬ ‫وال عقاب محققني»‪ ،‬حيث ال يزال تعريفه صالحا في عاملنا العربي اليوم‪،‬‬ ‫وهو الذي يغلي في ربيعه القاسي محاوال الفكاك من هذا األسر الوجودي‬ ‫الراسخ‪ .‬وال شيء يفسر الحال الذي وصل إليه بعض العالم العربي اليوم‪،‬‬ ‫من عنف مقترن بالثورة‪ ،‬أو من دمار مقترن بالتغيير‪ ،‬إال ما ّ‬ ‫عبر عنه‬ ‫الكواكبي في فقرات كتابه‪ ،‬وما خطه قلمه من ربط ما بني االستبداد‬ ‫والتخلف‪ ،‬أو االستبداد والهزيمة‪ ،‬إلى الدرجة التي يقول فيها «‪..‬وقد يبلغ‬ ‫فعل االستبداد باألمة أن يحول ميلها الطبيعي من طلب الترقي إلى طلب‬ ‫ّ‬ ‫التسفل‪ ،‬بحيث لو دفعت إلى الرفعة ألبت وتأملت كما يتألم األجهر من‬ ‫تشقى وربما تفنى كالبهائم إذا أطلق سراحها‪،‬‬ ‫النور‪ ،‬وإذا ألزمت بالحرية َ َ‬ ‫كالعلق يطيب له املقام على امتصاص دم األمة‪،‬‬ ‫وعندئذ يصير االستبداد‬ ‫فال ينفك عنها حتى تموت ويموت هو بموتها»‪ .‬ولربما كان الكواكبي هو‬ ‫أول من أشار إلى تلك العالقة الوشيجة واملرعبة داخل الطبقات التي تشكل‬ ‫الحياة السياسية واالجتماعية التي تأسست في جدلية االستبداد والتغيير‪.‬‬

‫عبد الرحمن الكواكبي (‪)1902 - 1855‬‬ ‫ولد الكواكبي عام ‪ 1855‬في مدينة حلب السورية‪ ،‬وتوفيت والدته وهو‬ ‫في الخامسة من عمره‪ .‬وعرف عنه اإلملام باللغة التركية واللغة الفارسية‪.‬‬ ‫وتنقل في مناصب الدولة العثمانية‪ ،‬وربما هذا ما منحه دراية كافية بآليات‬ ‫االستبداد التي يعرضها في كتابه نظرا وتجربة‪ .‬أصدر الكواكبي جريدة‬ ‫«الشهباء» عام ‪ 1296‬هجريا‪ ،‬والتي كانت الجريدة األولى لهذه املدينة‪.‬‬ ‫وبعد أن تم إيقاف «الشهباء» بأمر من الوالي العثماني‪ ،‬اصدر جريدة‬ ‫«االعتدال» التي نالها النصيب ذاته من املنع كسابقتها‪ .‬وبعد التضييق الذي‬ ‫تعرض له الكواكبي عبر مجموعة املحاكمات والتهم الجزافية التي كانت‬ ‫تنهال عليه من الجهات الرسمية كالعمل على قلب نظام الحكم واالتصال‬ ‫بجهات خارجية‪ ،‬أشار جمال الدين األفغاني عليه باملجيء إلى مصر‪ ،‬ونزل‬ ‫عند نصيحة األفغاني فغادر إلى مصر عام ‪ ،1899‬وتعرف إلى أدبائها‬ ‫ومفكريها‪ ،‬ونشر بعضا من نظره عن االستبداد في صحفها‪ ،‬فاشتهر‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫هناك وأصبح قريبا من نخبتها وقتذاك‪ ،‬ولعل أشهرهم الشيخ محمد رشيد‬ ‫رضا‪ ،‬األخير الذي جعلته األقدار القاسية طرفا في جلسة على مقهى‬ ‫«يلدز» أو اسطنبول‪ ،‬مع الكواكبي‪ ،‬حيث تم دس السم في فنجان قهوة‬ ‫ً‬ ‫الكواكبي التي يفضلها ُمرة‪ ،‬فكانت األكثر مرارة بل بطعم العلقم‪ ،‬فلفظ‬ ‫أنفاسه األخيرة قبيل صالة الفجر بقليل‪ .‬فرثاه رضا بكثير من التمجيد‬ ‫والتعظيم قائال «أصيب الشرق بفقد رجل عظيم من رجال اإلصالح‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وعالم عامل من علماء العمران‪ ،‬وحكيم من حكماء االجتماع‬ ‫البشري أال وهو السائح الشهير والرحالة الخبير السيد الشيخ عبد الرحمن‬ ‫الكواكبي الحلبي‪ ،‬مؤلف كتاب (طبائع االستبداد) وصاحب سجل جمعية‬ ‫أم القرى امللقب فيه بالسيد الفراتي»‪.‬‬ ‫توفي الكواكبي في زمن الخديو عباس حلمي الذي كان يقربه منه ويكرم‬ ‫وفادته‪ ،‬وقد خصه بجنازة كبيرة‪ .‬ودفن السيد الفراتي عند جبل املقطم‬ ‫وعلى قبره بيتان شعريان رثاه بهما الشاعر الكبير حافظ إبراهيم‪:‬‬ ‫«هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى‬ ‫كاتب‬ ‫هنا خير مظلوم هنا خير‬ ‫ِ‬ ‫قفوا واقرأوا أم الكتاب وسلموا‬ ‫عليه فهذا القبر قبر الكواكبي»‪.‬‬ ‫ولم يعرف من الذي أمر بدس السم له والتخلص منه‪ ،‬فقد تعدد الراغبون في‬ ‫إزاحته عن املشهد‪ ،‬على ما تقول حفيدته «ضحى»‪ ،‬حيث كان له منافسون‬ ‫في حلب السورية أرادوا أن يسلبوه لقب نقيب األشراف الذي كان الكواكبي‬ ‫آخر حامل له‪ .‬وتضيف أن له أعداء في الدولة العثمانية أيضا‪.‬‬

‫املراقبة الشديدة‬ ‫إن االحتفال غير الفاحص للمفاهيم‪ ،‬ومنها مفهوم الديمقراطية‪ ،‬وسواه‪،‬‬ ‫بطبيعة الحال‪ ،‬لم يكن ليمنع الكواكبي من تمحيص جدواه في النتيجة‪،‬‬ ‫فيؤكد أن االستبداد الذي يتميز به الحاكم «الفرد املطلق» يمكن أن يتأتى‬ ‫حتى من طريق «الحاكم املنتخب متى كان غير مسؤول»‪ .‬ذلك أن وعي‬ ‫الكواكبي اإلصالحي يربط األخالق الفردية بالنظام السياسي‪ ،‬وبذلك‬ ‫ال يكون النظام السياسي املجرد هو الحل السحري للمعضالت ما دام‬ ‫املسؤول لم يكن مسؤوال من داخل نفسه‪ .‬بل إنه يحذر من خطورة أن‬


‫بني عامي ‪ ،1942 - 1913‬ثم املطابقة واإلشارات الخاصة بالتراث‬ ‫اإلسالمي‪ .‬وقد ظهر في ثمانية أجزاء بني عامي ‪ .1989 - 1933‬وكال‬ ‫املشروعني طبع في مدينة اليدن من قبل مكتبة بريل االستشراقية‬ ‫الشهيرة‪ .‬وهي أصل كل املشاريع االستشراقية الكبرى‪.‬‬

‫أجيال املستشرقني‬ ‫بعد الحرب العاملية الثانية ظهرت ثالثة أجيال من املستشرقني‪:‬‬ ‫هي جيل ‪ ،1960 - 1945‬وجيل ‪ ،1990 - 1960‬والجيل الحالي‬ ‫‪ .2013 - 1990‬وهذه األجيال الثالثة التي ذكرناها بشكل تقريبي‬ ‫ألقت إضاءات كبيرة على تراثنا العربي اإلسالمي وباألخص على‬ ‫الدراسات القرآنية والسيرة النبوية والتاريخ اإلسالمي بشكل عام‬ ‫بدءا من الفتوحات وحتى يومنا هذا‪ .‬نذكر من بني أقطاب االستشراق‬ ‫في هذه املرحلة مونتغمري واط‪ ،‬وريجيس بالشير‪ ،‬وهنري كوربان‪،‬‬ ‫وهنري الوست‪ ،‬وجاك بيرك‪ ،‬وكلود كاهني‪ ،‬وروجيه أرنالديز‪،‬‬ ‫وجورج مقدسي‪ ،‬ومكسيم رودنسون‪ ،‬وبرنارد لويس‪ ،‬ومن تالهم‬ ‫كجون وانزبروف‪ ،‬وجوزيف فان ايس‪ ،‬وميكائيل كوك‪ ،‬وباتريسيا‬ ‫كراون‪ ،‬وأنجيليكا نويفرت‪ ،‬وجاكلني شابي‪ ،‬وكلود جيليو‪ ،‬وجيرد‬ ‫رودي ‪ -‬بوين‪ ،‬وتيلمان ناجيل‪ ،‬وعشرات غيرهم‪ .‬هذا وقد حققت‬ ‫الدراسات االستشراقية إنجازات ضخمة طيلة الثالثني أو األربعني‬ ‫سنة املاضية‪ .‬ويعود الفضل في ذلك إلى تجدد مناهجها قياسا إلى‬ ‫أجيال املستشرقني السابقني في القرن التاسع عشر وحتى منتصف‬ ‫العشرين‪ .‬فالعلم تغير بطبيعة الحال وكذلك املنهج واملصطلح‪ .‬ومن‬ ‫أهم املشاريع الجماعية الكبرى في هذه الفترة نذكر أوال «املوسوعة‬ ‫اإلسالمية» في طبعتها الثانية‪ .‬وهي أفضل من األولى وأكثر اتساعا‬ ‫وشموال‪ .‬إنها تمثل العلم االستشراقي باملعنى الرصني والدقيق‬ ‫للكلمة‪ .‬وقد ساهم فيها باحثون عرب ومسلمون وليس فقط غربيون‪.‬‬ ‫ولكن كلهم «مستشرقون» باملعنى الجديد للكلمة‪ :‬أي يحسنون تطبيق‬ ‫املنهج التاريخي على تراثنا العربي اإلسالمي‪ .‬واملوسوعة اإلسالمية‬ ‫كنز ال ينضب من املعلومات والتحليالت عن هذا التراث الضخم‬ ‫والعريق‪ .‬وال يمكن أن يستغني عنها أي طالب منخرط في الدراسات‬ ‫العليا عن اإلسالم‪ .‬ثم ظهرت بعدها في السنوات األخيرة موسوعة‬ ‫جديدة مهمة جدا هي‪« :‬املوسوعة القرآنية»‪ .‬وقد أشرفت عليها‬ ‫الباحثة األميركية جني دامني ماك أوليف‪ .‬وشارك فيها أيضا باحثون‬ ‫مسلمون وغير مسلمني من أمثال نصر حامد أبو زيد‪ ،‬وأوليغ غرابار‪،‬‬ ‫ووداد القاضي‪ ،‬ومحمد أركون‪ ،‬وعشرات غيرهم‪ .‬وصدرت في خمسة‬ ‫أجزاء ثم أضيف إليها جزء سادس كفهرس شامل للمشروع‪ .‬وهي‬ ‫تعكس النظرة التاريخية للقرآن‪ .‬وبالتالي فيمكن للقارئ أن يقارنها‬ ‫بالنظرة اإليمانية التبجيلية للمتدينني املسلمني‪ .‬هذا ال يمنع ذاك‪.‬‬ ‫نحن ال نريد القضاء على العبادات وال على التقى واإليمان وإنما‬ ‫نريد فقط أن نقدم للمسلم النظرة األخرى عن الدين‪ .‬ونحن نعتقد‬ ‫أن النظرة العلمية التاريخية توسع اإليمان وتجعله مستنيرا ناضجا‬ ‫وال تنقضه بالضرورة‪ .‬إنها تنقض فقط اإليمان املتعصب االنغالقي‬ ‫الكاره لآلخرين بشكل مسبق‪ .‬فهناك اإليمان الذي يحيي وينعش‪،‬‬ ‫وهناك اإليمان الذي يعمي ويقتل‪ .‬وشتان ما بينهما!‬ ‫وينبغي أن نضيف إلى كل ذلك «قاموس القرآن» الذي صدر في باريس‬ ‫بإشراف الباحث اإليراني األصل محمد علي أمير معزي‪ .‬وقد شارك‬ ‫في إنجازه ما ال يقل عن ثمانية وعشرين باحثا أكاديميا مسلما‬ ‫وغير مسلم‪ .‬نذكر من بينهم محمد حسني بنخيرة‪ ،‬وأسماء هاللي‪،‬‬ ‫ومحمد أركون‪ ،‬وفرانسواز ميشو‪ ،‬وماري تيريز أورفوا‪ ،‬وفرانسوا‬ ‫ديروش‪ ،‬الخ‪ ..‬هكذا نالحظ أن االستشراق باملعنى العلمي األكاديمي‬ ‫للكلمة لم يعد مقتصرا على الباحثني األجانب وإنما أصبح يشمل‬ ‫الباحثني العرب واملسلمني الذين يتقنون مناهج البحث العلمي ويقبلون‬ ‫بتطبيقها دون تردد على تراثهم الديني‪ .‬وهذا قد يخفف من حدة‬

‫العداء لالستشراق واملستشرقني في األوساط العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫فالتعاون الفكري بني الباحثني العرب واألجانب يساهم مساهمة فعالة‬ ‫في حوار الثقافات والحضارات‪.‬‬ ‫أخيرا سوف أختتم هذه املقالة التدشينية بقول ما يلي‪ :‬إنها ملصيبة‬ ‫كبرى أننا ابتلينا بهذه اآليديولوجيا الديماغوجية الغوغائية التي‬ ‫تحارب املناهج العلمية الحديثة بحجة حماية التراث! وهكذا أصبح‬ ‫الجهل حليفنا والعلم عدونا‪ .‬فكيف يمكن أن نخرج من مستنقع‬ ‫التخلف الذي سقطنا فيه؟ إذ أقول ذلك ال يعني أني أعتبر األبحاث‬ ‫االستشراقية بمثابة املعصومة‪ .‬أبدا ال‪ .‬ال عصمة في العلم‪ .‬هناك‬ ‫انتقادات كثيرة يمكن توجيهها لالستشراق واملستشرقني‪.‬‬ ‫فبعضهم ليس متحررا من الخلفيات املسبقة بما فيه الكفاية‪ .‬ولكن‬ ‫على األقل لنطلع على أبحاثهم قبل نقدها‪ .‬كيف يمكن أن نهاجمهم‬ ‫وندينهم قبل أن نطلع على ما فعلوه‪ .‬وإذا كان بعضهم متحيزا ضدنا‬ ‫فإن البعض اآلخر يحاول أن يكون موضوعيا منصفا بقدر اإلمكان‪.‬‬ ‫وبالتالي فال يمكن أن نضع الجميع في سلة واحدة حتى فيما يخص‬ ‫االستشراق األكاديمي‪ .‬ينبغي العلم أن الصورة التي نمتلكها عن‬ ‫تراثنا هي تبجيلية أو عبادية تقوية ليس إال‪ .‬وبالتالي فاالستشراق‬ ‫هو وحده الذي قدم لنا الصورة التاريخية الحقيقية‪ .‬فهل نرفضه؟‬ ‫إننا نضر أنفسنا عندئذ وال نضره‪ .‬ملاذا؟ ألننا نؤخر تحررنا‬ ‫الفكري بكل بساطة ونظل مقطوعني عن ركب العلم والحضارة إلى‬ ‫ما ال نهاية‪ .‬وعلى أي حال فإن املثقفني العرب ال يستطيعون القيام‬ ‫بما فعله االستشراق من عمل تحريري لسببني‪ :‬أما ألنهم عاجزون‬ ‫عن تطبيق املناهج الحديثة على التراث‪ ،‬وإما أنهم ال يتجرأون على‬ ‫ذلك إال إذا غادروا بلدانهم العربية وأقاموا في بلدان الغرب لحماية‬ ‫أنفسهم من غضب الشارع ورجال الدين‪ .‬في كلتا الحالتني لم يبق‬ ‫لنا إال االستشراق الذي قدم لنا أكبر خدمة مجانا‪ .‬ولم يكن دافعه إلى‬ ‫ذلك السيطرة وال الهيمنة بالدرجة األولى وإنما حب الفضول املعرفي‬ ‫ومتعة الكشف العلمي‪ .‬ولو كنت صاحب قرار في العالم العربي‬ ‫ألمرت فورا بفتح مركز كبير للترجمة متخصص فقط بنقل أمهات‬ ‫الكتب االستشراقية إلى لغتنا العربية‪ .‬هذه هي الطريقة الوحيدة لكي‬ ‫نتحرر من تراكمات املاضي واالنغالقات التراثية <‬

‫محمد أركون‬

‫‪,,‬‬

‫معركة املثقفني‬ ‫التنويريني‬ ‫ضد املثقفني‬ ‫األصوليني‬ ‫محتومة وال‬ ‫بد أن تحدث‬ ‫في ساحتنا‬ ‫العربية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪61‬‬


‫ثقافة‬

‫أكانت إسالمية أم مسيحية أم يهودية ال على التعيني‪ .‬ونذكر أيضا‬ ‫املستشرق جورج غراف الذي تخصص بتحقيق املخطوطات العربية‬ ‫املسيحية‪ .‬هذا وقد تابع الباحث التركي فؤاد سيزكني أعمال أستاذه‬ ‫بروكلمان في تحقيق املخطوطات التراثية القديمة منذ عام ‪ ..1967‬كم‬ ‫من املخطوطات أنقذها االستشراق من النسيان والتلف؟ من يذكر‬ ‫باالمتنان هذا العمل الجليل للمستشرقني الفيلولوجيني الغاطسني في‬ ‫أعماق التراث ومخطوطاته والبعيدين كل البعد عن الشؤون السياسية‬ ‫اآلنية؟ ما عالقة هؤالء باالستعمار؟ إنه لشيء مضحك أن ندينهم‬ ‫بحجة أنهم ينتمون إلى أمم غربية من إنجليزية وأملانية وفرنسية‪ ..‬ال‬ ‫ريب في أنه كان هناك مستشرقون آخرون مرتبطون قليال أو كثيرا‬ ‫باإلدارة االستعمارية ولكن ليس هؤالء‪.‬‬

‫التراث العربي في ضوء املنهج العلمي الحديث‬ ‫باإلضافة إلى تحقيق املخطوطات وبالتالزم معه ساهم املستشرقون‬ ‫الرواد األوائل في دراسة التاريخ اإلسالمي بطريقة علمية‪ .‬نذكر من‬ ‫بينهم املستشرق ألفريد فون كريمر الذي تخصص في دراسة التاريخ‬ ‫الثقافي اإلسالمي‪ ،‬ويوليوس فلهاوزين الذي تخصص في دراسة‬ ‫التاريخ السياسي لإلسالم‪ .‬وأما املستشرق رينهارت دوزي فقد‬ ‫اشتهر بكتابه املوسوعي عن تاريخ إسبانيا اإلسالمية عام ‪.1861‬‬ ‫كارل بروكلمان‬ ‫(‪17‬سبتمبر ‪ ٦ -١٨٦٨‬مايو ‪)١٩٥٦‬‬

‫‪,,‬‬

‫املستشرق‬ ‫هو كل من‬ ‫يطبق املنهج‬ ‫التاريخي‬ ‫النقدي‬ ‫على التراث‬ ‫اإلسالمي سواء‬ ‫كان غربيا أو‬ ‫عربيا‬

‫‪,,‬‬

‫‪60‬‬

‫االستشراق‪ ..‬إنقاذ التراث العربي‬ ‫لكن لنعد إلى االستشراق باملعنى الحرفي للكلمة‪ .‬نالحظ أن انطالقته‬ ‫الكبرى ابتدأت في منتصف القرن التاسع عشر أو قبله بقليل‪ .‬ومنذ‬ ‫ذلك الوقت وحتى اآلن‪ ،‬أي طيلة قرن ونصف‪ ،‬شهدنا ظهور عدة‬ ‫موجات من املستشرقني الكبار‪ .‬املوجة األولى تمثلت بسيلفستر دو‬ ‫ساسي‪ ،‬وإدوارد ويليام لني‪ ،‬ورينهارت دوزي‪ ،‬وميكائيل جان دو‬ ‫غوجيه‪ ،‬وهنريش فليشير‪ ،‬وكراشكوفسكي في سانت بترسبورغ‬ ‫وسواهم‪ .‬وفي هذا السياق ظهرت ترجمة القرآن إلى األملانية على يد‬ ‫غوستاف فلوجيل عام ‪ .1834‬إن هؤالء املستشرقني األوائل هم الذين‬ ‫مهدوا الطريق للدفعة الثانية عن طريق تأليف القواميس العربية وكتب‬ ‫النحو والصرف‪ .‬فمعرفة اللغة العربية‪ ،‬أي لغة اإلسالم األساسية‪،‬‬ ‫تشكل البداية األولى اإلجبارية لالنخراط في استكشاف مجاهيل‬ ‫التراث اإلسالمي‪ .‬وبالتالي فقد أصبح ممكنا ملن جاء بعدهم أن يدرس‬ ‫القرآن دراسة تاريخية فيلولوجية أو لغوية ألول مرة‪ .‬وعندئذ ظهر‬ ‫كتاب املستشرق األملاني الشهير تيودور نولدكه «تاريخ القرآن»‪ .‬وقد‬ ‫اعتبر بمثابة الثورة الكوبرنيكية للدراسات القرآنية‪ .‬فقبله كنا نفهم‬ ‫القرآن بشكل‪ ،‬وبعده بشكل آخر‪ .‬أو قل قبله ما كنا نفهم القرآن على‬ ‫حقيقته‪ .‬فألول مرة يطبق املنهج التاريخي على نص الكتاب املقدس‬ ‫لإلسالم‪ .‬الكتاب صدر ألول مرة عام ‪ ،1860‬ولكن أضيفت إليه أجزاء‬ ‫جديدة على يد تالمذة نولدكه بني عامي ‪ 1909‬و‪ .1938‬وهكذا اكتمل‬ ‫الكتاب فصوال‪ .‬ولكن هناك خدمة كبيرة أخرى قدمها االستشراق‬ ‫للدراسات العربية اإلسالمية غير تأليف القواميس والكتب النحوية‬ ‫هي‪ :‬تحقيق املخطوطات العربية القديمة بطريقة تاريخية فيلولوجية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ألول مرة تسحب هذه املخطوطات العتيقة التي عالها الغبار من بطون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫املكتبات والكهوف املظلمة لكي تصحح وتنقح وتطبع على أحدث‬ ‫الطرق العلمية‪ .‬هذه خدمة ال تقدر بثمن لتراثنا العربي اإلسالمي‪.‬‬ ‫وكثيرا ما ينساها مهاجمو االستشراق‪ .‬من بني أهم املستشرقني‬ ‫الذين دشنوا هذا التحقيق العلمي ملخطوطات التراث نذكر‪ :‬موريتز‬ ‫ستينشنيدر الذي تخصص بتحقيق املخطوطات العربية املسلمة‬ ‫واليهودية على حد سواء‪ .‬ونذكر أيضا املستشرق الشهير كارل‬ ‫بروكلمان الذي اختص بتحقيق املخطوطات العربية بشكل عام سواء‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫بعد أن تجمعت كل هذه املعلومات في اللغات االستشراقية األساسية‬ ‫كاإلنجليزية واألملانية والفرنسية أصبح ممكنا دراسة اإلسالم‬ ‫كدين وكذلك دراسة املجتمعات والثقافات اإلسالمية‪ .‬وعندئذ ظهر‬ ‫مستشرقون كبار من أمثال اينياس غولدزيهر‪ ،‬وهيلموت ريتر‪،‬‬ ‫ولويس ماسينيون‪ .‬هؤالء الثالثة مهدوا الطريق ملن جاء بعدهم‪.‬‬ ‫ونضيف إليهم أسماء أخرى ال تقل أهمية إن لم تزد كاملستشرق‬ ‫جوزيف شاخت الذي هرب من النازية ولجأ إلى إنجلترا ونال الجنسية‬ ‫البريطانية وكتب مؤلفاته الكبرى‪ .‬فهو الذي طبق املنهج التاريخي‬ ‫ألول مرة على الفقه اإلسالمي أو الشريعة وخرج بنتائج باهرة‪ .‬واآلن‬ ‫يتابع أعماله ويطورها ويغنيها البروفيسور وائل حالق في جامعة‬ ‫كولومبيا بنيويورك‪ .‬وهو باحث عربي من أصل مسيحي فلسطيني‪.‬‬ ‫وهو مستشرق أيضا باملعنى العالي والنبيل للكلمة‪.‬‬

‫تعريف واسع لالستشراق‬ ‫سوف أقدم هنا تعريفا واسعا للمستشرق على النحو التالي‪ :‬كل من‬ ‫يطبق املنهج التاريخي ‪ -‬الفيلولوجي ‪ -‬النقدي على التراث اإلسالمي‬ ‫فهو مستشرق سواء أكان من أصل غربي أم عربي! أو لنقل إنه عالم‬ ‫مختص باإلسالميات والدراسات العربية إذا ما أردنا تحاشي كلمة‬ ‫مستشرق‪ .‬ولكن ملاذا نتحاشاها؟ بهذا املعنى فإن املسلم الباكستاني‬ ‫فضل الرحمن مستشرق‪ ،‬وقل األمر ذاته عن الكثير من الباحثني‬ ‫العرب واملسلمني الذين يشتغلون في مراكز البحوث والجامعات‬ ‫الغربية من أوروبية أو أميركية شمالية‪ .‬ونذكر أيضا هاميلتون جيب‬ ‫الذي درس تاريخ املؤسسات اإلسالمية بشكل خاص‪ .‬هذا باإلضافة‬ ‫إلى املستشرق النمساوي غوستاف فون غرونباوم الذي تخصص‬ ‫في دراسة تاريخ الثقافة والحضارة اإلسالمية‪ .‬وال ينبغي أن ننسى‬ ‫املستشرق أرندت جان وينسينك الذي درس اإلسالم ضمن منظور‬ ‫علوم األديان املقارنة‪ .‬وهذا منظور جديد مقارن غير معهود بالنسبة‬ ‫لإلسالم واملسلمني املنغلقني داخل السياج الدوغمائي املغلق‪ :‬أي الذين‬ ‫يعتقدون أنه ال يوجد في العالم إال دين واحد هو اإلسالم وكل ما‬ ‫عداه ضالل في ضالل‪ .‬ينبغي العلم أن هذا املستشرق الكبير كان‬ ‫وراء أكبر مشروعني في تاريخ االستشراق والدراسات اإلسالمية قبل‬ ‫الحرب العاملية الثانية وهما‪ :‬املوسوعة اإلسالمية في طبعتها األولى‬


‫والجهاديني اإلرهابيني‪ .‬وال يمكن مواجهة هذه الحركات إال بعد تفكيك‬ ‫تصوراتها الالهوتية التي تعمر عقولها والتي تضرب بجذورها في‬ ‫أعماق التاريخ‪ .‬ومعلوم أن الالهوت الديني القديم ‪ -‬أو الفقه التكفيري‬ ‫ هو الذي يخلع املشروعية اإللهية على هذه الحركات املتطرفة وهو‬‫الذي يعطيها ثقة هائلة بالنفس وقوة دفع ال مثيل لها‪ .‬ولوال ذلك ملا‬ ‫تجرأت أصال على القيام بكل هذه التفجيرات العشوائية التي تحصد‬ ‫املدنيني بالعشرات أو باملئات أو حتى باآلالف كما حصل صبيحة ‪11‬‬ ‫سبتمبر‪ .‬وبالتالي فمكافحتها ينبغي أن تتم على أرضيتها الخاصة‬ ‫بالذات‪ :‬أي أرضية الفكر الديني وإال فال يمكن التخلص منها ومن‬ ‫وبائها املستفحل الذي أصبح بحجم العالم‪ .‬إن اإلسالم كدين عاملي‬ ‫كبير يستحق مصيرا آخر‪ :‬إنه يستحق نظرة أخرى وفهما تجديديا‬ ‫مستنيرا‪.‬‬ ‫لكن باملقابل ينبغي على نظرائنا الغربيني أن يعترفوا بأن هذه‬ ‫األصولية الظالمية كانت موجودة عندهم أيضا‪ .‬وقد عانت منها‬ ‫أوروبا ما عانته إبان محاكم التفتيش والحروب املذهبية الكاثوليكية‬ ‫ البروتستانتية‪ .‬ولم تتخلص أوروبا من إرهاب الكنيسة الكاثوليكية‬‫البابوية الرومانية إال بعد أن ظهر فالسفة األنوار وتصدوا لها ولفهمها‬ ‫الخاطئ املتعصب للمسيحية ورسالة اإلنجيل بكل جرأة وقوة‪ .‬كل‬ ‫الالهوت القروسطي الطائفي تم تفكيكه على يد جون لوك وليسنغ‬ ‫وفولتير وروسو وديدرو واملوسوعيني وكانط وهيغل ونيتشه الخ‪..‬‬ ‫لهذا السبب سقطت املشروعية الالهوتية القروسطية في الغرب ولم‬ ‫تسقط حتى اآلن في العالم العربي أو اإلسالمي عموما‪ .‬لم تظهر‬ ‫عندنا حتى اآلن حركة تنويرية ضخمة كتلك التي حصلت في أوروبا‬ ‫إبان القرن الثامن عشر والتاسع عشر‪ .‬ال ريب في أنه ظهرت محاوالت‬ ‫نهضوية تنويرية هنا وهناك ولكنها ليست كافية حتى اآلن وليست‬ ‫راديكالية بالشكل املرجو‪ .‬ولكن املستقبل واعد باألمل ألن بعض‬ ‫املثقفني في العالم العربي أدركوا خطورة الوضع وأصبحوا يبحثون‬ ‫عن تشخيصات جديدة وحلول‪ .‬وعليهم تعقد اآلمال‪ .‬قصدت املثقفني‬ ‫النقديني األحرار ال املثقفني الديماغوجيني الذين يتواطأون صراحة أو‬ ‫ضمنا مع الفكر األصولي الطائفي القديم‪ .‬وعلى الرغم من أن هؤالء‬

‫األخيرين ال يزالون يشكلون أغلبية عددية حتى اآلن فإن مواقعهم‬ ‫تنكشف وتنحسر أكثر فأكثر‪ .‬فاملثقفون النقديون املتنورون تتزايد‬ ‫أعدادهم أكثر فأكثر لحسن الحظ في مشرق العالم العربي ومغربه‪.‬‬ ‫على أي حال فإن املعركة الفكرية بني الطرفني محتومة وال مفر منها‪.‬‬ ‫وهي ذات املعركة التي حصلت بني فولتير وخصومه في القرن الثامن‬ ‫عشر‪ ،‬أو فيكتور هيغو وخصومه وكذلك إرنست رينان وخصومه‬ ‫في القرن التاسع عشر‪ .‬إنها معركة املثقفني التنويريني ضد املثقفني‬ ‫األصوليني‪ .‬وكنت قد كرست لها كتابا كامال فيما سبق‪.‬‬

‫عنف الكنيسة الكاثوليكية‪ ..‬املوقف يتكرر‬ ‫هل نعلم أن الكنيسة الكاثوليكية هاجمت املنهجية النقدية التاريخية‬ ‫بنفس العنف الذي هاجم به املحافظون العرب االستشراق؟ هنا‬ ‫نالحظ أن علم األصوليات املقارنة يقدم لنا إضاءات رائعة‪ .‬فهجوم‬ ‫شيوخ اإلسالم التقليديني على االستشراق ال يختلف في شيء عن‬ ‫هجوم باباوات الكاثوليك ومنظريهم على إرنست رينان وبقية العلماء‬ ‫الذين طبقوا املنهج التاريخي على املسيحية األولى وشخصية يسوع‪.‬‬ ‫فقد اعتبروا ذلك بمثابة تجديف وكفر وانتهاك للمقدسات املسيحية‪.‬‬ ‫وبالتالي فال ينبغي أن نستنتج خالصات طائفية أو عنصرية ضد‬ ‫اإلسالم واملسلمني بسبب الظرف التاريخي الصعب الذي يعيشونه‬ ‫اليوم‪ .‬ال ينبغي على املتطرفني في الغرب أن يستغلوا ذلك لتشويه‬ ‫صورتنا‪ .‬فاإلسالم سوف يغير موقفه عندما تنتصر الحداثة فيه‬ ‫مثلما غيرت الكنيسة الكاثوليكية موقفها بعد الفاتيكان الثاني‪ .‬املسألة‬ ‫مسألة وقت ليس إال‪ .‬واملسلمون على الرغم من كل العراقيل سائرون‬ ‫على طريق االستنارة والتقدم‪ .‬لنقارن هنا بني ما فعلته السلطات‬ ‫البابوية بالعالم الفرنسي ألفريد لوازي الذي طبق املنهج التاريخي على‬ ‫اإلنجيل‪ ،‬وبني ما فعله األزهر وبقية املحافظني بطه حسني بعد صدور‬ ‫كتابه عن الشعر الجاهلي‪ .‬رد فعل األصولية اإلسالمية على املنهج‬ ‫التاريخي ال يختلف في شيء عن رد فعل األصولية املسيحية كما‬ ‫ذكرنا في مطلع هذه الدراسة‪.‬‬

‫الباحثة األميركية‬ ‫جني دامني ماك أوليف‬

‫‪,,‬‬

‫الكنيسة‬ ‫الكاثوليكية‬ ‫هاجمت‬ ‫املنهجية النقدية‬ ‫التاريخية‬ ‫بنفس العنف‬ ‫الذي هاجم‬ ‫به املحافظون‬ ‫العرب‬ ‫االستشراق‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪59‬‬


‫ثقافة‬

‫أقصد بالثناء هنا االستشراق األكاديمي بالطبع ال االستشراق املسيس السطحي الذي كان مرتبطا باإلدارة‬ ‫االستعمارية إبان القرن التاسع عشر وحتى منتصف العشرين‪ .‬وأعتقد شخصيا أن أكبر خطيئة ارتكبها‬ ‫املثقفون العرب الحداثيون الذين هاجموا االستشراق هي أنهم لم يميزوا بما فيه الكفاية بني هذين النوعني من‬ ‫االستشراق‪ .‬فهناك استشراق واستشراق! وال ينبغي وضع الكل في سلة واحدة‪ .‬هنا يكمن الخلل في النظرة‬ ‫العربية املؤدلجة أكثر من اللزوم‪.‬‬

‫أنقذ التراث العربي وحاكمه وفق املنهج العلمي الحديث‬

‫ثناء على االستشراق!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫هاشم صالح‬

‫‪,,‬‬

‫املستشرقون‬ ‫طبقوا املنهج‬ ‫العلمي‬ ‫الحديث‬ ‫على التراث‬ ‫اليهودي‬ ‫واملسيحي‬ ‫أوال وبعد ذلك‬ ‫انتقلوا للتراث‬ ‫اإلسالمي‬

‫‪,,‬‬

‫‪58‬‬

‫صورة االستشراق األكاديمي العالي املستوى شوهت في‬ ‫العالم العربي وليس فقط االستشراق اآلخر االنتهازي‬ ‫العنصري الذي ال قيمة له من الناحية العلمية‪ .‬ولم يبق منه‬ ‫شيء أصال‪ .‬أكاد أقول إننا ارتكبنا «جريمة فكرية» بحق العلم واملنهج‬ ‫الرصني والبحث املضني عن الحقيقة إذ خلطنا بني كال النوعني من‬ ‫االستشراق‪ ..‬ذلك أن االستشراق األكاديمي كان باحثا عن املعرفة‬ ‫بكل صدق ومدفوعا بحب الفضول املعرفي بالدرجة األولى ومتعة‬ ‫اكتشاف الحقائق التراثية‪ .‬ولم تكن نزعة السيطرة والهيمنة تخطر‬ ‫له على بال‪ .‬وهذه هي سمة العلماء الكبار‪ .‬فقد استطاعوا أن يسلطوا‬ ‫أضواء ساطعة على تراثنا العربي اإلسالمي الكبير والعريق‪ .‬ونحن‬ ‫بأمس الحاجة إلى ذلك في عصر األصوليات املزمجرة والظالميات‬ ‫املطبقة‪ .‬تراثنا بحاجة إلى تجديد منهجي ومصطلحي كامل‪ .‬إنه‬ ‫بحاجة إلى نفض الغبار املتراكم عليه لكي نستطيع أن نزيح عبء‬ ‫املاضي عن كاهلنا فننهض ونحقق انطالقتنا‪ .‬ينبغي أن يتحول‬ ‫التراث من عامل كبح وعرقلة إلى عامل تحرير ومساعدة على‬ ‫االنطالق الكبير‪ .‬وهذا ال يمكن أن يحصل قبل أن نغربله غربلة شاملة‬ ‫عن طريق وضعه على محك أحدث املناهج العلمية واملصطلحات‬ ‫الفلسفية‪ .‬وعندئذ يمكن فرز الصالح عن الطالح منه‪ :‬أي الجوهر عن‬ ‫القشور‪ .‬عندئذ نتخفف من أحمال وأثقال كثيرة لم يعد لها أي مبرر‬ ‫سوى عرقلة انطالقة العرب واملسلمني‪ .‬عندئذ يتحول التراث‪ ،‬وألول‬ ‫مرة‪ ،‬من عامل تأخير إلى عامل تحرير‪ ،‬من عامل شد إلى الوراء‪ ،‬إلى‬ ‫عامل شد إلى األمام‪ .‬ولكن هذا املكسب العظيم ال يمكن أن يتحقق إال‬ ‫بعد تطبيق منهجية التفكيك الفلسفي والتاريخي على التراث‪ .‬هذا ما‬ ‫فعله محمد أركون وكبار املستشرقني من أمثال جوزيف فان ايس‬ ‫وجاك بيرك وآخرون كثيرون‪.‬‬

‫هل كان إدوارد سعيد أصوليا؟‬ ‫ينبغي التفريق بني نقد املسلمني املحافظني لالستشراق‪ /‬ونقد‬ ‫املفكرين العرب الحداثيني من أمثال أنور عبد امللك وإدوارد سعيد‪.‬‬ ‫وينبغي العلم أيضا بأن إدوارد سعيد تخلى‪ ،‬في أواخر أيامه‪ ،‬عن‬ ‫هذا الهجوم الحاد على االستشراق ودعا إلى تشكيل نزعة إنسانية‬ ‫وعلمانية كونية تجمع بني الغرب والشرق على بساط واحد‪ .‬والواقع أن‬ ‫أكثر ما كان يزعجه هو موقف املحافظني الجدد واملتطرفني الغربيني‬ ‫وليس الغرب ككل وال االستشراق ككل‪ .‬فإدوارد سعيد ليس أصوليا!‬ ‫وال ينبغي أن نستنتج خالصات خاطئة من كتابه عن االستشراق‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫نقول ذلك على الرغم من بعض األخطاء التي ارتكبها واألحكام‬ ‫املتسرعة التي صدرت عنه بسبب عدم تخصصه في الدراسات‬ ‫اإلسالمية‪ .‬فهو ليس متبحرا في الشؤون التراثية اإلسالمية مثل‬ ‫أركون أو بيرك أو رودنسون على سبيل املثال ال الحصر‪ .‬إنه أستاذ‬ ‫في األدب املقارن والنقد األدبي بالدرجة األولى‪ .‬ولكنه في نهاية املطاف‬ ‫كان ذا نزعة إنسانية عميقة ويشكل جسرا حضاريا رائعا بني العالم‬ ‫العربي والعالم الغربي‪ .‬ولألسف فقد رحل عن عاملنا مبكرا عندما كنا‬ ‫بأمس الحاجة إليه وإلى تنويره وذكائه الوقاد‪.‬‬

‫منهجية نقد التراث اليهودي‬ ‫واملسيحي واإلسالمي‬ ‫لكي نفهم سبب حصول الصدام املروع بني املسلمني التقليديني‬ ‫واملستشرقني ينبغي علينا أن نموضع اإلشكالية ضمن منظورها‬ ‫الواسع العريض‪ .‬ينبغي العلم بأن املنهجية الفيلولوجية ‪ -‬التاريخية‬ ‫كانت قد طبقت أوال على التراث اليهودي املسيحي قبل أن تطبق‬ ‫الحقا على التراث اإلسالمي من قبل املستشرقني الكبار من أمثال‬ ‫غولدزيهر ونولدكه وشاخت وسواهم كثيرين‪ .‬وبالتالي فعلماء أوروبا‬ ‫من مستشرقني أو غير مستشرقني طبقوا نفس املنهجية العلمية‬ ‫على تراثهم أوال قبل أن يطبقوه على تراثنا‪ .‬وما كان هدفهم تدمير‬ ‫تراثنا اللهم إال إذا كانوا أيضا يرغبون في تدمير تراثهم هم أيضا!‬ ‫العلم ال يدمر إال الجهل واملعارف الخاطئة‪ .‬العلم يعمر ويبني ويفتح‬ ‫اآلفاق الواسعة‪ .‬ولكنه مضطر أحيانا ألن يدمر األفكار الخاطئة قبل أن‬ ‫يعمر أو يبني األفكار الصحيحة‪ .‬فالتصورات التي يحملها املؤمنون‬ ‫التقليديون في أعماقهم عن تراثهم الديني تبجيلية وال تاريخية‬ ‫في معظم األحيان‪ .‬والعلم االستشراقي لكي يتوصل إلى الصورة‬ ‫الحقيقية للتراث اإلسالمي مضطر إلى تفكيك هذه التصورات الخيالية‬ ‫التبجيلية املوروثة عن املاضي منذ مئات السنني‪ .‬ولذلك نشبت املعارك‬ ‫بينهم وبني أقطاب األصوليني والشيوخ املسلمني‪ .‬وبالتالي كفانا‬ ‫محاربة للعلم في العالم العربي واإلسالمي كله! كفانا معارضة لحركة‬ ‫التاريخ! التراث اإلسالمي سيخضع للمنهجية النقدية التاريخية مثلما‬ ‫حصل للتراث اليهودي ‪ -‬املسيحي‪ .‬هذا تطور مؤكد ال مفر منه إذا ما‬ ‫أردنا أن نلحق بركب العصر ونخرج من تخلفنا وانحطاطنا التاريخي‬ ‫املزمن‪ .‬يضاف إلى ذلك أن هذه التصورات الخاطئة عن التراث والدين‬ ‫واإليمان مكرسة من قبل برامج التعليم واملدارس التقليدية في شتى‬ ‫أنحاء العالم اإلسالمي‪ .‬وهي السبب في تفريخ ماليني املتطرفني‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ت َج َارة والن َسا خ َس َاره» (‪« :)312/10‬إن التعرف على الرجال فيه‬ ‫خير وبركة وشرف؛ ألنهم يكونون عونا للرجل في الشدائد‪،‬‬ ‫وعضدا له في امللمات؛ أما النساء فمعرفتهن ال تفيد؛ بل قد‬ ‫تكون ضارة بعض األحيان حيث يتهم املرء في عرضه‪ ،‬ويتهم‬ ‫في سلوكه لو عرف إحداهن»‪.‬‬ ‫ثم يعقب على شرح املثل قائال‪« :‬إن املرأة مخلوق ضعيف‪ ،‬ومن‬ ‫طبيعة هذا املخلوق الضعيف أنه يأخذ وال يعطي‪ ،‬ويستفيد؛‬ ‫ولكنه ال يفيد في كل ظرف من ظروف الحياة‪ .‬فاملرأة ال تفيدك‬ ‫في ميادين الحرب‪ ،‬وال تفيدك عندما تكون في ضائقة مالية‪،‬‬ ‫وال تفيدك عند الخصام ومصاولة الفحول»‪ .‬وبعد كل هذه‬ ‫النقائص التي يصم بها املرأة والتي فرضتها تقاليد املجتمع‬ ‫على أكثر النساء؛ يقول‪« :‬وهذه األمور ال تقدح في املرأة‪ ،‬ألنها‬ ‫خلقت لتكون أما لهذا العالم‪ ،‬وهناك بعض األمور التي تحمد‬ ‫في الرجل وال تحمد في املرأة؛ فالرجل يحمد بالكرم بينما املرأة‬ ‫تحمد بالبخل بأموال زوجها والبخل بنفسها وفيما تتعرض له‬ ‫من مغريات تخل بالشرف‪ ،‬والرجل يحمد بالفصاحة والبيان‬ ‫والبروز في املجتمعات بينما املرأة تحمد بالحياء‪ ،‬واالكتنان في‬ ‫كسر بيتها»‪ .‬وهكذا نرى صورة متقابلة بني الرجل واملرأة عند‬ ‫الجهيمان باعتبار الرجل كائنا إيجابيا‪ ،‬واملرأة كائنا سلبيا‪.‬‬ ‫ونحن هنا لسنا بصدد تتبع كل آراء الجهيمان في حق املرأة‬ ‫أو محاكمتها؛ ولكن الغرض من ذكرها هنا لتوضيح فكرة‬ ‫التقارب الفكري الشديد بني املجتمع السعودي آنذاك واملستوى‬ ‫الثقافي الذي كان ينتمي إليه األستاذ عبد الكريم الجهيمان‬ ‫فيما يخص املرأة تحديدا على الرغم من موقفه املغاير للسائد‬ ‫تجاه تعليم البنات‪ ،‬ولكن إذا دققنا نجد أنه يدافع عنه باعتباره‬ ‫لصالح املجتمع واملجموع‪ ،‬وليس باعتباره حقا فرديا للفتاة‪.‬‬

‫لغة الجهيمان‬ ‫يتسم أسلوب الجهيمان اللغوي بالبساطة واألصالة؛ البساطة‬ ‫من حيث تركيب الجمل‪ ،‬واألصالة من حيث الغذاء اللغوي‬ ‫الذي استمده الجهيمان من حفظ املتون وكتب التراث العربي‬ ‫في األدب والشعر والعلوم الدينية‪ .‬ونرى في االقتباس التالي‬ ‫املوضوعات التي يتناولها غالبا‪ ،‬واملوضوعات التي يتجنبها‬ ‫قاصدا كاملباحث الدينية‪ ،‬أو الفلسفية‪ ،‬أو املجادالت الفكرية‪ ،‬أو‬ ‫املوضوعات املبتدعة‪ .‬يقول في مقدمة مذكراته‪« :‬ومع ذلك الجهد‬ ‫الذي بذلته في هذه املذكرات فإنني لن أحاول خديعة القارئ‬ ‫الكريم‪ ..‬فالذي يتطلع إلى أن يجد في هذه املذكرات مباحث‬ ‫دينية فإنني أنصحه بأن ال يقرأها‪ ..‬ومن أراد مباحث فلسفية‬ ‫فإنني أصارحه أيضا بأنه لن يجدها‪ ..‬ومن أراد مخاصمات‬ ‫ومصادمات وآراء مبتكرة فإنه لن يجد لها ظال وال أثرا‪ ..‬أما من‬ ‫أراد أن يجد صورا من الحياة لعدة أجيال فليقرأ هذه املذكرات‪..‬‬ ‫ومن أراد أن يطلع على بعض تجاربي التي فيها الناجح وفيها‬ ‫الفاشل‪ ..‬فإنه سوف يجد بعضا منها‪ ..‬ومن أراد نقدا اجتماعيا‬ ‫يهدف إلى االرتفاع بمستوانا الحضاري فإنه سوف يلمح بعض‬ ‫اإلشارات والعبارات التي تهدف إلى ذلك‪.»..‬‬ ‫ونالحظ في النص السابق سمات لغوية ظاهرة في شكل اللغة‬ ‫التي يستخدمها األستاذ عبد الكريم الجهيمان‪ ،‬وهذه السمات‬ ‫ظاهرة في كل كتاباته في الكتب واملقاالت؛ على اختالف دور‬ ‫النشر التي أصدرت مؤلفاته؛ مما يعني أنها سمه خاصة وطابع‬ ‫عام ملا يكتبه هو في النص املخطوط‪ .‬وهذه السمات تتمثل في‬ ‫غياب أكثر عالمات الترقيم؛ ما عدا عالمتي الجملة االعتراضية‪.‬‬

‫وحضور نقطتني متجاورتني بني كل جملة وأخرى‪ .‬وأحيانا‬ ‫ثالث نقاط خاصة في املؤلفات املتأخرة؛ وتحديدا كتاب‬ ‫«مذكرات وذكريات» املطبوع عام ‪1415‬هـ من دار «الشبل»‬ ‫للنشر والتوزيع بالرياض‪.‬‬ ‫ومن السمات الظاهرة أيضا اختتام الجمل التعجبية وغير‬ ‫التعجبية بعالمتي تعجب متالحقتني؛ وقد تكون في عناوين‬ ‫بعض املقاالت؛ نحو‪« :‬الجن‪ ..‬وأحاديث الجن!!»‪« ،.‬الشعارات‬ ‫البراقة‪« ،»!!..‬إلى أبي الشعب سعود!!»‪« ،‬نصفنا اآلخر!!»‪.‬‬ ‫وهذه السمات الظاهرة في شكل الكتابة ليست غريبة على أديب‬ ‫استمد ثقافته من املتون ومخطوطات كتب التراث‪ ،‬أو مطبوعاتها‬ ‫القديمة التي كانت تخلو تقريبا من عالمات الترقيم‪ ،‬والنقاط‬ ‫أحيانا‪.‬‬ ‫أما في كتابه‪« :‬األمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب»؛ فقد‬ ‫جعل كل األمثال الشعبية مضبوطة بالشكل كما ينطقها عامة‬ ‫الناس الذين أطلقوا تلك األمثال‪ .‬وفي شرحه لتلك األمثال كان‬ ‫أسلوب الجهيمان حاضرا في الفكر وفي الشكل الكتابي أيضا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وختاما؛ فإن قراءة شخصية األستاذ عبد الكريم الجهيمان‬ ‫في كتبه ومقاالته وشعره تكشف لنا أكثر عن جوانب فكره‬ ‫وثقافته‪ ،‬وتأثيره على املجتمع الذي نشأ فيه‪ ،‬وتأثره به‪ .‬وتتبع‬ ‫املقاالت الصحافية التي كتبها الجهيمان‪ ،‬وتتبع تسلسلها‬ ‫التاريخي ُيظهر لنا مسيرة الصحافة السعودية ّ‬ ‫وتبدل أحوالها‬ ‫خالل مائة عام من الزمان تقريبا‪.‬‬ ‫إن املنتج األهم الذي تركه لنا األديب عبد الكريم الجهيمان هو‬ ‫تراثنا الشفوي املكتوب في األمثال واألساطير الشعبية‪ .‬وتلك‬ ‫الثقافة الشفوية التي اعتنى الجهيمان جيدا بتدوينها كما تلقاها‬ ‫من أفواه الناس في شبه جزيرة العرب جديرة بالدراسة والتحليل‬ ‫لغويا وثقافيا واجتماعيا‪ .‬ألن هذه الثقافة الشفوية هي املرآة‬ ‫الصادقة التي تعكس لنا طبيعة املجتمع السعودي ورؤيته للحياة‬ ‫ّ‬ ‫في تلك الفترة الزمنية املمتدة حتى عصرنا‬ ‫الحالي <‬

‫املؤرخ حمد الجاسر‬ ‫و عبد الكريم الجهيمان‬

‫‪,,‬‬

‫للجهيمان‬ ‫مواقف رجعية‬ ‫ضد املرأة‬ ‫حيث يرى‬ ‫أنها أقل فهما‬ ‫من الرجل‬ ‫وأن أدوارها‬ ‫األساسية هي‬ ‫في املنزل‬

‫‪,,‬‬

‫* باحثة سعودية‪ ،‬استاذة اللغة العربية بجامعة سلمان بن عبد العزيز‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪57‬‬


‫بروفايل‬

‫عبد الكريم الجهيمان‬

‫‪,,‬‬

‫الجهيمان‬ ‫كان حريصا‬ ‫أشد الحرص‬ ‫على قيم‬ ‫املجتمع حتى‬ ‫لو كانت هذه‬ ‫القيم قيودا‬ ‫تثقل حرية‬ ‫الفرد‬

‫‪,,‬‬

‫‪56‬‬

‫ّ‬ ‫يصرح بسياسته في التعامل مع املختلف معه‬ ‫والجهيمان‬ ‫في الرأي في مقدمة كتابه «األمثال الشعبية في قلب جزيرة‬ ‫العرب» يقول‪« :‬فأنا أحاول أن ألتقي مع من يختلف معي في‬ ‫منتصف الطريق؛ ليكون في ذلك إرضاء من يتفق معي بعض‬ ‫الشيء‪ ،‬وتخفيف فجوة الخالف بيني وبني من يختلف معي»‪.‬‬ ‫وهو دائما يطرح فكرته في انسجام تام بني الواقع الذي يعيشه‬ ‫واآلمال التي يتطلع إليها في مجتمعه دون تعقيد أو تعارض‬ ‫مع إمكانات البيئة أو املجتمع‪ .‬كل فكرة يطرحها تنطلق من‬ ‫علوم‬ ‫الواقع الذي يعيش فيه؛ ليس لديه أي أفكار مستوردة أو َ‬ ‫مقترضة‪ .‬يأخذ من العربية أصالة وتراثا ويرتد إليها‪ّ .‬تناول‬ ‫اللغة العربية من أفواه الناس في شبه الجزيرة العربية وسطرها‬ ‫في الحكايات الشعبية في كتاب «من أساطيرنا الشعبية في‬ ‫قلب جزيرة العرب»‪ .‬ودون األمثال‪ ،‬وشرح ّ‬ ‫قصتها في سلسلة‬ ‫األمثال الشعبية‪.‬‬

‫داعية إلى تعليم البنات‬ ‫كان عبد الكريم الجهيمان من أوائل الداعني إلى تعليم البنات‬ ‫في السعودية في مقال يدعو إلى تعليم الفتيات كما يتعلم‬ ‫الصبيان؛ ليكون لديها القدرة الكافية لتربية أوالدها تربية‬ ‫صحيحة تتناسب مع العصر الذي يعيشون فيه‪ .‬وقد لقي‬ ‫صنوفا من األذى بسبب هذه الدعوة التي كانت سابقة ألوانها‬ ‫على حد قوله في مذكراته‪ ،‬وكان ذلك عام ‪1375‬هـ‪ .‬وبناء على‬ ‫تلك الدعوة التي كانت في ذلك العصر تعد مخالفة للسائد من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العادات والتقاليد؛ صنفه بعض الكتاب املعاصرين بـ «الليبرالي»‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أو «املتحرر» أو «التقدمي»‪ .‬وأرى أنه وإن صدق عليه وصف‬ ‫«التقدمي» فإنه ال يصدق عليه بأي حال من األحوال وصف‬ ‫«الليبرالي» أو «املتحرر» حتى في سياقه التاريخي أو سياقه‬ ‫االجتماعي والثقافي؛ حيث إنه كان في كثير من مواقفه‬ ‫محافظا منحازا لقيم املجتمع على الرغم من تقدميته في‬ ‫بعض األطروحات واألفكار التي ال تشكل بمجموعها منهجا‬ ‫يمكن أن يوصف بأنه «ليبرالي‪ /‬متحرر»‪ .‬كانت دعوة الجهيمان‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫لتعليم البنات في املقال املنشور بعنوان «نصفنا اآلخر!!»‬ ‫(جريدة «أخبار الظهران» ‪ )1956-2-7‬والذي أنكر نسبته إليه‬ ‫حني ُأوقف عن العمل ُ‬ ‫وسجن بسببه‪ ،‬ولكنه ّ‬ ‫ضمنه بني مقاالته‬ ‫ّ‬ ‫بعد حني؛ بني دفتي كتابه «دخان ولهب» دون أن ينسبها لقائل‬ ‫آخر‪ ،‬وهو قد ناقش نفس املبررات املذكورة في املقال في مقال‬ ‫آخر قبله بثالثة أشهر في نفس الصحيفة وكان بعنوان «حلو‬ ‫هذه املشكلة االجتماعية» (جريدة «أخبار الظهران» ‪)1956-3-4‬‬ ‫وفي دعوته تلك‪ ،‬أو الدعوة التي يؤيدها؛ يرى الجهيمان أن تعليم‬ ‫البنت ضرورة فيما يخدم متطلبات تربية األوالد‪ ،‬وفيما يخدم‬ ‫حاجات الذكور‪ .‬فهو يدعو لتعليم البنات ليس ألنهن مواطنات‪،‬‬ ‫ومن حقهن أن يتعلمن كما يتعلم الذكر؛ ولكن يجب أن يتعلمن‬ ‫حتى ّ‬ ‫يكن أكثر قدرة على إسعاد الذكور من أزواجهن وأبنائهن‪.‬‬ ‫وهو في ذلك يخشى من الخطر الذي يهدد كيان املجتمع‬ ‫والحياة األسرية‪ .‬ويرى أنه يعظم خطره بقدر ما ينتشر العلم‬ ‫والثقافة بني الذكور في املجتمع؛ ألنهم بذلك سيبحثون عن‬ ‫زوجات متعلمات قادرات على تربية األبناء وإدخال السعادة‬ ‫على قلوبهم‪ .‬يقول مؤكدا الخطر الذي يخشاه من عدم تعليم‬ ‫البنات؛ «وأنا شخصيا أعرف الكثير من أبناء بلدنا املتعلمني‬ ‫الذين تورطوا في الزواج من زوجات غريبات؛ بدعوى أنه ليس‬ ‫تتقارب عقليتها مع عقلياتهم»‪ .‬وهذا االقتباس‬ ‫في بالدهم من‬ ‫ّ‬ ‫تكرر في املقالني «حلو هذه املشكلة االجتماعية» و«نصفنا‬ ‫اآلخر!!»‪ .‬ولو دققنا قليال في املفردات املستخدمة في عنواني‬ ‫املقالني لوجدنا الحضور املكثف ألهمية املجتمع في عرض‬ ‫قضية تعليم البنات‪ ،‬وهو املبدأ الذي يتبناه الجهيمان دائما؛‬ ‫نرى أنه ناقش تعليم البنات في املقال األول باعتباره مشكلة‬ ‫اجتماعية‪ ،‬وفي املقال الثاني أيضا كمشكلة اجتماعية يتضرر‬ ‫فيها نصف املجتمع من جهل نصفه الثاني‪.‬‬

‫موقف غير تقدمي من املرأة‬ ‫وعلى الرغم من موقفه التقدمي من تعليم الفتيات فإن الجهيمان‬ ‫كانت له مواقف رجعية مضادة للمساواة بني املرأة والرجل‪،‬‬ ‫ففي مقال له بعنوان «خدعوها‪ ..‬فنادوا باملساواة !!»‪( ،‬جريدة‬ ‫«املسائية»‪1403/11/28 :‬هـ) يؤكد أن املرأة أقل فهما من الرجل‬ ‫بالضرورة‪ ،‬وإن وجدت امرأة متميزة فإن ذلك أمرا ال ّيقاس‬ ‫عليه ألن العبرة باألغلبية‪ ،‬يقول‪« :‬صحيح أن في النساء نوادر‬ ‫يشاركن الرجل في كثير من الصفات ولكن العبرة باألكثرية‪،‬‬ ‫ومثل هذه النوادر ال تقوم حجة على أن املرأة مساوية للرجل»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويحذر من االنسياق ملا يفعله الغرب والشرق في مساواة املرأة‬ ‫مع الرجل؛ فيقول‪« :‬ونحن إذا رأينا ماذا كانت النتائج في أمم‬ ‫الشرق والغرب من خروج املرأة إلى مجاالت األعمال؛ عرفنا أن‬ ‫الرجال جنوا على املرأة أكثر مما نفعوها وسلبوها كثيرا من‬ ‫مزاياها األنثوية»‪ .‬ثم يستدرك قائال‪« :‬وأرجو أن ال يفهم القارئ‬ ‫والقارئات من كالمي هذا أنني أريد من املرأة أن تكون حبيسة‬ ‫املنزل»‪ .‬ولكنه يعود ّ‬ ‫ليقيد حقها باألدوار األساسية التي يرى‬ ‫أنها ال بد أن تكون هي األهم في حياة أي امرأة؛ وهي األمومة‬ ‫والتربية والقيام بشؤون األسرة‪ .‬ثم يشير إلى أن املتزنات من‬ ‫النساء سوف يقرأن هذا الكالم وهن راضيات به موافقات عليه‪.‬‬ ‫أما إذا كان في النساء أو الرجال من يرى غير ما رأى فإنه قد‬ ‫جانب الحق حسب تصوره‪.‬‬ ‫الجهيمان لألمثال الشعبية التي قيلت في املرأة‬ ‫وعند تتبع شرح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نجدها تبدو لديه مخلوقا ضعيفا يأخذ من الرجل وال يعطي‪,‬‬ ‫يستفيد وال ُيفيد‪ُ .‬‬ ‫والجنب‬ ‫ويحمد منها الخضوع‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫واالختباء ْ َ ْ‬ ‫والخنوع والبخل‪ .‬يقول في شرح املثل الشعبي «مع ِرفة الرجال‬


‫‪,,‬‬

‫املجتمع لتؤثر في األفراد‪ ،‬والفرد هنا إما أن ينساق مع التغيير‬ ‫أو أنه سيتغير مكرها ال محالة‪ .‬ويؤكد الجهيمان ذلك في مقدمة‬ ‫كتابه «أحاديث وأحداث» أن اإلنسان في تغير مستمر في‬ ‫جسده‪ ،‬وفي فكره‪ ،‬وتغير في جميع تطلعاته املادية واملعنوية‪،‬‬ ‫شاء ذلك أم أبى‪ .‬وقد عبر آباؤنا وأجدادنا عن هذا املعنى بمثل‬ ‫شعبي عريق عميق هو قولهم «إما سنى‪ ،‬وإال سنت به املحالة»‬ ‫أي إنه إذا لم يسر مع التيار؛ فإن التيار سيسير به على رغم‬ ‫أنفه‪.‬‬ ‫ّأما حينما يواجه الجهيمان فكرة تتعارض مع أفكاره فإنه يقرأ‬ ‫املشهد من جهته‪ ،‬ثم يقرأه مرة ثانية كآخر برأي مختلف‪،‬‬ ‫نظر أخرى تختلف تماما مع وجهة نظره وقد‬ ‫وبمبررات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجهة ٍ‬ ‫تعارضها تماما‪ .‬يذكر في كتابه «دورة مع الشمس» في مقالة‬ ‫عن زيارته لهوليوود؛ يقول‪« :‬إنني ال أعرف من أمور السينما‬ ‫واألفالم شيئا‪ ،‬وكثير من تلك األفالم التي تعجب بعض الناس‬ ‫ال تعجبني وال أشاهدها ال بثمن‪ ،‬وال مجانا» ثم يستدرك قائال‪:‬‬ ‫«إنه لو كان كل الناس مثله لكسدت بضاعة األفالم؛ ولكن الناس‬ ‫مختلفني فيما يحبون ويكرهون‪ ،‬وأمزجتهم وأذواقهم ليست‬ ‫متطابقة»‪.‬‬ ‫وعند وصفه لسلوك الشعب األميركي وطرائق التسلية لديه قال‪:‬‬ ‫«إنهم قد بلغوا حدا من البساطة‪ ،‬بل السذاجة‪ ،‬لفت نظري»؛ ثم‬ ‫يقرأ املشهد ّ‬ ‫مرة ثانية من وجهة نظر أخرى مختلفة‪ ،‬وهي وجهة‬ ‫نظر الشعب األميركي نفسه‪ .‬والتي يطرحها كأحد االحتماالت‬

‫لفهم املوقف فيقول‪« :‬وقد أكون بتفكيري هذا في نظرهم أنا‬ ‫البسيط الساذج»‪ ،‬ثم يطرح األسباب التي تجعل وجهة نظره‬ ‫مختلفة عن وجهة نظر اآلخر؛ يقول‪« :‬إن تربيتهم غير تربيتي‪،‬‬ ‫واملجتمعات التي عاشوا فيها غير املجتمعات التي عشت فيها‪.‬‬ ‫ومن هنا صار التفاوت في وجهات النظر وفي طريقة الحياة»‪.‬‬ ‫الهوية العربية عند األستاذ الجهيمان؛ ّ‬ ‫ّ‬ ‫هوية متزنة‬ ‫هنا تظهر لنا‬ ‫أصيلة ال ترفض اآلخر وال تنكر نفسها‪ .‬ألن الهوية ال يمكن أن‬ ‫ُ‬ ‫توجد إال عبر االختالف؛ والجهيمان يعترف أن «األميركان» قد‬ ‫بلغوا مستوى من الرقي والتقدم لم يبلغه‪ .‬وأن هذا شيء ال شك‬ ‫فيه‪ .‬وذلك ال يمنعه من إبداء رأيه في سلوكهم دون أن يصدر‬ ‫ّأية أحكام‪.‬‬

‫املنتج األهم‬ ‫الذي تركه‬ ‫لنا األديب‬ ‫عبد الكريم‬ ‫الجهيمان هو‬ ‫تراث املجتمع‬ ‫السعودي‬ ‫الشفوي‬ ‫واملكتوب‬ ‫في األمثال‬ ‫واألساطير‬ ‫الشعبية‬

‫‪,,‬‬

‫ويعترف الجهيمان في أحد لقاءاته الصحافية (مجلة «أهال‬ ‫وسهال»‪ 1995/06/30 ،‬العدد ‪ )1639‬أنه في أوائل شبابه لم يكن‬ ‫بذلك الهدوء والتوازن؛ بل كان شديد الحماس ملناصرة أي فكرة‬ ‫يؤمن بها سواء كانت دينية أم وطنية‪ ،‬وكان هذا الحماس يقوده‬ ‫في بعض األحيان إلى مواقف محرجة مع بعض الجهات أو‬ ‫الشخصيات التي ّ‬ ‫يكن لها الكثير من الحب والتقدير‪ .‬ويقول إن‬ ‫الذي جره إلى ذلك أنه كان يؤمن بالفكرة التي تقول‪« :‬إذا أطعمت‬ ‫فأشبع وإذا ضربت فأوجع» ويقول‪« :‬كما أنني أؤمن بفكرة‬ ‫أخرى مفادها أن على املرء إذا أراد أن يكون لكالمه تأثيرا؛ فإن‬ ‫عليه أن يكون قوله حارا جدا‪ ،‬أو باردا جدا‪ .‬وليحذر أن يكون‬ ‫كالمه فاترا؛ فإنه إذا كان كذلك يمر على اآلذان دون أن يشعر‬ ‫بفحواه أي إنسان»‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪55‬‬


‫بروفايل‬

‫املنتج األهم الذي تركه لنا األديب عبد الكريم الجهيمان هو تراثنا الشفوي املكتوب في األمثال واألساطير‬ ‫الشعبية‪ .‬وتلك الثقافة الشفوية التي اعتنى الجهيمان جيدا بتدوينها كما تلقاها من أفواه الناس في شبه‬ ‫جزيرة العرب جديرة بالدراسة والتحليل لغويا وثقافيا واجتماعيا‪ .‬ألن هذه الثقافة الشفوية هي املرآة‬ ‫الصادقة التي تعكس لنا طبيعة املجتمع السعودي ورؤيته للحياة في تلك الفترة الزمنية املمتدة حتى‬ ‫ّ‬ ‫الحالي‪.‬‬ ‫عصرنا‬

‫مائة عام من ذاكرة السعوديني‪ ..‬أساطيرهم وأمثالهم وحكاياتهم‬

‫عبد الكريم اجلهيمان‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫جنان التميمي *‬

‫‪,,‬‬

‫كان عبد الكريم‬ ‫الجهيمان من‬ ‫أوائل الداعني‬ ‫إلى تعليم‬ ‫البنات في‬ ‫السعودية‬ ‫منتصف‬ ‫الخمسينات‬ ‫في مقال‬ ‫أنكر نسبته‬ ‫لنفسه بعنوان‬ ‫«نصفنا اآلخر»‬

‫‪,,‬‬

‫‪54‬‬

‫عبد الكريم الجهيمان ٌ‬ ‫أديب وصحافي وكاتب سعودي‬ ‫ّ‬ ‫حينما تقرأ له ال تملك إال أن تحبه‪ .‬إنه ال يتعالى على‬ ‫مجتمعه على الرغم من ّ‬ ‫علوه معرفيا على كثير منهم‪،‬‬ ‫وال يقلل من شأنهم مع رفضه لبعض عاداتهم وأفكارهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يكتب منطلقا من الواقع الذي يحيط به ويراه‪ .‬وهو يؤكد دائما‬ ‫أن األفكار املبثوثة في مقاالته ال تمثل أفكار كاتبها فحسب؛‬ ‫بل تمثل أفكار الوسط الذي كان يعيش فيه‪ .‬إن أردت أن تقرأ‬ ‫ثقافة املجتمع السعودي بني عامي ‪ 2011 – 1912‬فعليك بقراءة‬ ‫عبد الكريم الجهيمان فإنه يكتب من وحي ذلك املجتمع وله‪،‬‬ ‫وينقل عنهم ليسرد للتاريخ أجزاء من روايتهم‪ .‬من هنا تأتي‬ ‫ّ‬ ‫أهمية الجهيمان الثقافية واألدبية واللغوية؛ حيث يمثل منتجه‬ ‫الصحافي واألدبي قصة تطور الثقافة في اململكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬من شقيها‪« :‬الشفاهي» في تدوينه لألساطير‬ ‫واألمثال الشعبية التي كانت تدور على ألسنة الناس في تلك‬ ‫و«الكتابي»‪ :‬في املقاالت الصحافية التي جمعها في‬ ‫الفترة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عدد من كتبه‪ ،‬وعلق عليها في مذكراته بعد أن تجاوزها الزمن‬ ‫ّ‬ ‫وتقدم به العمر‪.‬‬

‫الكتابة على الرمل!‬

‫ّ‬ ‫أقالم تعلم الطفل عبد الكريم الجهيمان‬ ‫كتب وال‬ ‫بال مدارس وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الكتابة األولى على يد إمام املسجد في الكتاتيب في قرية‬ ‫«غسلة»‪ ،‬وأحيانا كانوا يصنعون ألواحا عريضة تنوب عن‬ ‫األوراق مطلية بمادة جيرية يكتبون عليها‪ ،‬فإذا حفظوا ما كتب‬ ‫عليها‪ ،‬محوه وعادوا يطلونه بتلك املادة الجيرية من جديد‪.‬‬ ‫وعندما بلغ عبد الكريم الجهيمان الثالثة عشر من العمر ذهب‬ ‫إلى الرياض‪ ،‬والتحق بطالب ّالعلم هناك؛ حيث كان التعليم في‬ ‫حلقات تقام في املساجد؛ فتعلم النحو والفرائض والفقه‪ .‬وكان‬ ‫التعليم آنذاك يعتمد على حفظ املتون؛ ومن أراد إتقان فنون أي‬ ‫علم في ذلك الحني عليه بحفظ املتون‪.‬‬ ‫ثم درس بعد ذلك في املعهد العلمي السعودي الذي كان يعد‬ ‫أول مدرسة حكومية نظامية أنشأها امللك عبد العزيز آل سعود‬ ‫في مكة املكرمة عام ‪1345‬هـ‪ .‬ودرس فيها ملدة ثالث سنوات‪.‬‬ ‫وبعد ثالث سنوات تخرج من املعهد‪ ،‬وانتدب إلنشاء املدرسة‬ ‫النموذجية األولى في مدينة السيح بمنطقة الخرج وذلك عام‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫ّ‬ ‫‪1348‬هـ‪ ..‬ثم انتقل بعدها إلى الظهران حيث تولى رئاسة تحرير‬ ‫جريدة «أخبار الظهران» والتي تعد أول صحيفة تصدر من‬ ‫املنطقة الشرقية‪ ،‬صدر بعض أعدادها من بيروت ألن شركة‬ ‫الطبع لم يكن لديها االستعداد آنذاك إلصدارها‪ .‬فكانت ترسل‬ ‫املواد كاملة إلى بيروت وتطبع هناك‪ .‬ثم بعد ذلك صارت تصدر‬ ‫من الدمام كل نصف شهر وكانت في بدايتها ضعيفة هزيلة؛‬ ‫ولكن النشأة العلمية التي نشأ عليها الجهيمان أكسبته ثقة‬ ‫بالنفس‪ ،‬وإقرارا بالقدرة على العمل والتقدم والنجاح؛ على‬ ‫الرغم من ّ‬ ‫شح املوارد الثقافية وأمية املجتمع وبساطة الحياة‪.‬‬ ‫وصار يعنى باملوضوعات التي لها تأثير مباشر على الناس؛‬ ‫فزاد اهتمام القراء بها‪ ،‬وبدأت تنمو وتكبر ويتسع توزيعها‬ ‫ويكثر قراؤها شيئا فشيئا‪.‬‬

‫الجهيمان واملجتمع‪ ..‬واآلخر‬ ‫على الرغم من تقدميته وريادته املبكرة على من حوله‪ ،‬فإن‬ ‫الجهيمان كان حريصا أشد الحرص على قيم املجتمع؛ حتى لو‬ ‫كانت هذه القيم قيودا تثقل حرية الفرد‪ .‬فهو يرى أن اإلنسان في‬ ‫هذه الحياة ال بد أن يكون ّ‬ ‫مقيدا بقيود دينية وقيود اجتماعية‬ ‫وقيود سياسية؛ قد تفرض عليه سلوكا ربما ال يكون راضيا‬ ‫عنه كل الرضا وهو بني هذه القيود ال يعيش حرا طليقا‪ .‬وقد‬ ‫كتب الجهيمان في مذكراته رفضه التام ألي فكرة مختلفة ال‬ ‫تتناسب مع املجتمع املحافظ الذي تسوده قيم وأخالق توارثها‬ ‫الخلف عن السلف‪ .‬لكنه مع ذلك يوازن بني قيم املجتمع وتقاليده‬ ‫وما يطرحه من مقاالت ترده للصحيفة وما يكون سابقا ألوانه‬ ‫فيستبعده مباشرة‪ ،‬وأما ما كان مقبوال ويعالج بعض الشؤون‬ ‫التي تحقق للوطن واملواطنني نقلة في طريق الحضارة والتقدم‬ ‫واالزدهار فإنه ينشره دون تأخر‪ .‬وهو بذلك يرى أن السير‬ ‫املتواصل وإن كان بطيئا فإنه يصل بك إلى أهدافك؛ بينما‬ ‫السرعة غير املتزنة وطرح األفكار السابقة ألوانها‪ ،‬أو إلقاء‬ ‫الكالم على عواهنه دون تهيئة املجتمع الستقباله قد تؤدي إلى‬ ‫عواقب سيئة‪ ،‬أو مخالفة تماما للمطلوب‪.‬‬ ‫يقدم الجهيمان دائما حق املجتمع على حق الفرد‪ .‬ويرفض‬ ‫بصريح العبارة أي شعار يدعو للمساواة؛ فاألديب عبد الكريم‬ ‫الجهيمان مثقف عربي محافظ يعترف دائما أنه ابن بيئته التي‬ ‫نشأ فيها‪ .‬وإن كان يرى التغيير ضرورة ّ‬ ‫ملحة ولكنها تبدأ من‬


‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬

‫العدد ‪ 1592‬فبراير ‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫اشرتك اآلن‬ ‫واحصل على‬ ‫نسختك الورقية‬

‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫�آلن م�كوف�سكي‪ :‬تركي� و �إردوغ�ن‪ ..‬مل ي�أت �لأ�سو�أ بعد‬ ‫طوين بدر�ن‪� :‬خليط �لرفيع بني لبن�ن و�جلم�عة �ل�سيعية‬ ‫جن�ن �لتميمي‪ :‬م�ئة ع�م من ذ�كرة �ل�سعوديني‪ ..‬عبد �لكرمي �جلهيم�ن‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪02‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1592 - February 2014‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪51 - 2014‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫يريد املغرب أن يحول نموذج املمارسة الدينية املعتدلة القياسي الذي تقوده الدولة إلى مالي‬ ‫ويصبح ُم ّ‬ ‫صدرا لإلسالم املعتدل عبر شمال أفريقيا‪ .‬وجد املغرب أنه جرى إقصاؤه بشكل‬ ‫كبير من املبادرات اإلقليمية بسبب صراعه الذي استمر لفترة طويلة مع الجزائر‪ ،‬فعلى‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬إنه ليس عضوا في لجنة رؤساء األركان املشتركة املوجودة في الجزائر‪ ،‬والتي‬ ‫تقوم بتنسيق عمليات مكافحة اإلرهاب بني الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر‪.‬‬ ‫قوض إقصاء املغرب من احتمالية حدوث استجابات متعددة األطراف أكثر تماسكا في‬ ‫مواجهة التطرف‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬يمتلك املغرب أسبابا جيوستراتيجية واقتصادية وربما‬ ‫حتى توسعية لتعزيز صورته في شمال أفريقيا‪ .‬لكن إذا كانت دوافعه أيضا على أسس‬ ‫أمنية‪ ،‬لوقف انتشار الحركات اإلسالمية املتشددة في املناطق الحدودية التي ال تخضع‬ ‫للقانون في منطقة الساحل‪ ،‬فإن املغرب لديه ميزة فريدة في التعامل مع الراديكاليني‪:‬‬ ‫السلطة الدينية‪.‬‬ ‫تستمد امللكية املغربية‪ ،‬التي تحكم منذ القرن التاسع عشر‪ ،‬شرعيتها من نسب يزعم أنه‬ ‫يتصل مباشرة بالنبي محمد‪ ،‬ويعتقد املغربيون أن هذا صحيح‪ .‬امللك هو «أمير املؤمنني»‬ ‫كما يصف ذاته‪ ،‬وهو أعلى سلطة دينية في البالد‪ .‬يمكن القول إنه يتمتع بشرعية أكبر من‬ ‫أي عاهل عربي آخر بسبب تأثير مجموعة من العوامل‪ ،‬من التحذير مما حدث في أعقاب‬ ‫االنتفاضات التي ثارت ضد املستبدين العلمانيني في مصر وتونس وحتى عباءة امللك‬ ‫الدينية والتجانس الديني في املغرب‪.‬‬ ‫نصب العاهل الحالي امللك محمد السادس نفسه رمزا لالعتدال الديني واإلصالح في‬ ‫املنطقة من خالل مبادرات مثل إرسال مئات األئمة (بما في ذلك النساء) إلى املدن األوروبية‬ ‫التي يقيم بها عدد كبير من املغاربة للنصح ضد التطرف‪ .‬امتدت بعض مبادرات محمد‬ ‫السادس إلى مالي‪ ،‬من خالل تخصيص‬ ‫منح دراسية دينية في جامعات مغربية‬ ‫لطالب من مالي‪ .‬يسعى مثل هذا التدريب‬ ‫إلى مكافحة اآليديولوجيات املتطرفة وتعزيز‬ ‫التسامح مع غير املسلمني‪ ،‬لكنه أيضا يقدم‬ ‫تعليما جامعيا واسعا في مجاالت تتنوع‬ ‫من الجغرافيا والتاريخ إلى الحكومة وحقوق‬ ‫اإلنسان‪.‬‬

‫يريد املغرب �أن يحول منوذج‬ ‫املمار�سة الدينية املعتدلة‬ ‫املوحد الذي تقوده الدولة �إىل‬ ‫�صدرا للإ�سالم‬ ‫مايل و�أن ي�صبح ُم ِ ّ‬ ‫املعتدل عرب �شمال �أفريقيا‬

‫يجب أن تقوي هذه الجهود مذهب املالكية‬ ‫املعتدل نسبيا‪ ،‬على أمل االستباق وليس‬ ‫فقط الرد على الحركات اإلسالمية املتطرفة‪.‬‬ ‫يتكون اإلسالم السني من أربعة مذاهب‬ ‫فقهية – الحنفية‪ ،‬الحنابلة‪ ،‬الشافعية‪ ،‬املالكية – واملالكية هو املذهب األكثر انتشارا في‬ ‫الساحل وشمال أفريقيا‪ ،‬فهو دائما ما ينصح باإلذعان حتى للسلطات العلمانية ويعتبر‬ ‫بشكل عام اتجاها إسالميا أكثر اعتداال‪.‬‬

‫نفذ محمد السادس سياساته الدينية في املغرب بسهولة‪ ،‬ألن الدولة فرضت سيطرة‬ ‫محكمة على التيارات الدينية‪ ،‬و تخصيص ساعات للمسجد‪ ،‬واشتراط وجود شهادات من‬ ‫الوزارة لكل إمام‪ ،‬وتنقيح الفتاوى الصادرة من مصادر أجنبية للحد من وصول اإلسالم‬ ‫املتشدد إلى الدولة‪ .‬قللت سيطرة الدولة من تكوين جماعات سلفية مغربية‪ ،‬خاصة إذا ما‬ ‫قورنت بجيرانها‪ ،‬وسمحت للحكومة بالعمل على اختيار أي عناصر للقيادة السلفية داخل‬ ‫الدولة‪ .‬أطلق الناشرون التابعون للدولة برنامجا لطباعة نسخ من القرآن الكريم وتوزيعها‬ ‫على املساجد على املستوى املحلى وأيضا على املساجد التي توجد في أوروبا وفى أجزاء‬ ‫من غرب أفريقيا‪.‬‬

‫نفوذ الرباط‬ ‫يريد املغرب أن يحول نموذج املمارسة الدينية املعتدلة املوحد الذي تقوده الدولة إلى مالي‬ ‫وأن يصبح ُم ِّ‬ ‫صدرا لإلسالم املعتدل عبر شمال أفريقيا‪ .‬في سبتمبر (أيلول) املاضي‪،‬‬ ‫وقع كل من مالي واملغرب على اتفاق يجري بموجبه استقدام ‪ 500‬إمام من مالي إلى‬ ‫املغرب للحصول على التدريب الديني؛ حيث تأمل كلتا الحكومتني في أن يكون هذا‬

‫التدريب حصنا ضد الوعاظ الباكستانيني والسعوديني املتشددين الذين قاموا ببناء‬ ‫مدارس دينية ومساجد في مالي‪.‬‬ ‫أزاحت العقليات الوهابية والسلفية األصولية بالتدريج تأثير الصوفية األكثر هدوءا في‬ ‫مالي وشمال أفريقيا ككل‪ .‬في نوفمبر املاضي‪ ،‬فقط قبل توقيع الدولتني على االتفاقية‬ ‫األمنية اإلقليمية‪ ،‬توصلت مالي واملغرب إلى اتفاق على التعاون في مجال الشؤون‬ ‫اإلسالمية‪ .‬من خالل شراكة بني وزارتي الشؤون اإلسالمية في الدولتني‪ ،‬اتفقتا على‬ ‫التعاون في مجال الفقه املالكي والتفسير لتعزيز االعتدال ومكافحة اآليديولوجيات‬ ‫املتشددة‪.‬‬ ‫نظرا لقيام املغرب بدور املعلم‪ ،‬ستشمل االتفاقية حتما فرض املمارسات الدينية‬ ‫املغربية في مالي‪ .‬لكن يوجد بالفعل كثير من القواسم املشتركة بني املمارسات الدينية‬ ‫في مالي وتلك فى املغرب؛ حيث يغلب عليها إتباع املذهب املالكي‪ ،‬وترى النخبة في مالي‬ ‫أن الهيمنة املغربية املحتملة أخف الضررين على أي حال‪ .‬إذا نجحت املبادرة‪ ،‬سيزداد‬ ‫نفوذ املغرب في مالي وفي قطاع عريض في الساحل‪ .‬ولكن قد يعزز املغرب آماله‬ ‫القديمة املؤيدة لدولة املغرب الكبرى التي تضم األطراف الصحراوية الغربية في الجزائر‪،‬‬ ‫وجميع أراضي موريتانيا وشمال غربي مالي والصحراء الغربية‪ .‬جاءت الفكرة بعد‬ ‫استقالل املغرب في الخمسينات عندما راود القوميني املغربيني أمل استعادة حدود‬ ‫السلطنة املغربية ما قبل االستعمار‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى االتفاقيات الدينية واألمنية مع مالي‪ ،‬سعى املغرب‪ ،‬الذي يفتقر إلى النفط‬ ‫واملوارد‪ ،‬إلى تعزيز عالقاته االقتصادية مع دول الجوار في الجنوب‪ ،‬حيث قام بإنشاء‬ ‫فرع لبنوكها في مالي والسنغال‪ .‬استحوذ أحدهم (التجاري وفا بنك)‪ ،‬على أكثر من‬ ‫نصف األسهم في بنك مالي الدولي‪ .‬واشترت شركة «ماروك تليكوم» التابعة للدولة‬ ‫شركات اتصاالت في مالي وموريتانيا والنيجر‪ ،‬وأقامت فروعا في بوركينافاسو‪ .‬كثف‬ ‫املجمع الشريف للفوسفات‪ ،‬شركة الفوسفات التابعة للدولة‪ ،‬من عمليات التنقيب عن‬ ‫الفوسفات شرق مالي (إلى جانب تعزيز األمن الغذائي في مالي)‪ .‬تمتلك مالي موارد‬ ‫طبيعية أخرى قد تجذب الصناعات املغربية مثل الذهب واليورانيوم والحديد الخام‬ ‫وربما املاس‪.‬‬

‫من فاس إلى تمبكتو‬ ‫سيحدد الزمن وحده ما إذا كانت عالقة املغرب بمالي قائمة على شراكة متساوية أو‬ ‫تابعة‪ .‬في ظل النفوذ الذي يبدو أن املغرب يفوز به على مالي‪ ،‬يجب على املرء أن يتساءل‬ ‫عما إذا كانت حكومة الرئيس املالي إبراهيم بوبكر كيتا يمكن أن تتفاوض على اتفاق‬ ‫تعويض عادل إذا ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬اكتشف عمال املناجم املغربية احتياطيات هائلة‬ ‫من املوارد الطبيعية في مالي‪ .‬ما زال ظل الجزائر‪ ،‬الدولة املجاورة األكبر كثيرا‪ ،‬يخيم على‬ ‫الوضع‪ .‬إذا أصبح الجزائر أقل ابتعادا وانشغاال بشؤونه الداخلية‪ ،‬أو إذا كان أجبر عدم‬ ‫االستقرار املتزايد على حدوده حكومته على النظر إلى الخارج أخيرا والقيام بدور إقليمي‬ ‫أكبر‪ ،‬قد تحل محل السياسة الخارجية الناشئة ذات القوة الناعمة التي يمارسها املغرب‪.‬‬ ‫على أي حال‪ ،‬تظل الجزائر القوة األمنية واالقتصادية الرئيسة في املنطقة وتفصل بينها‬ ‫وبني مالي حدود طويلة قابلة للتسلل‪ .‬ربما تفاجئ زيادة املصالح املغربية عبر الحدود‬ ‫الجزائر بما يخرجه عن شعوره بالرضا عن النفس‪.‬‬ ‫لكن وجد املغرب أن دوره كوسيط ديني إقليمي ال تستطيع الجزائر أن تحل محله‪ .‬بفضل‬ ‫الروابط الدينية التاريخية بني مالي واملغرب؛ إذ كانت فاس وتمبكتو ذات يوم مركزين‬ ‫رئيسني للفقه املالكي وتعليمه في العالم اإلسالمي الغربي‪ .‬لن يكون األمر صعبا أمام املغرب‬ ‫بالترويج ملذهبه الديني إلى املاليني املعتدلني‪ ،‬الذين من غير املحتمل أن يعتبروا ذلك غزوا‬ ‫أجنبيا غريبا‪ ،‬على عكس أي تدخل غربي ممتد األجل‪ .‬بطبيعة الحال‪ ،‬يستغرق النجاح في‬ ‫اقتالع التطرف سنوات‪ .‬دخلت وخرجت العديد من القوى املزعزعة لالستقرار من وإلى مالى‬ ‫وخلفت كثيرا من مشاهد الدمار في طريقها‪ .‬لكن يتطلب تحقيق االستقرار والنجاح على‬ ‫املدى الطويل في البالد وجود شريك يفهم ثقافتها وهويتها الدينية‪ ،‬ويمكنه إعادة تنشيط‬ ‫املجتمع الذي‪ ،‬على الرغم من االضطرابات‪ ،‬ال يزال يقاوم التطرف واآليديولوجيا العنيفة‪.‬‬ ‫على الرغم من أن مالي يمكن أن تصبح تابعة لقوة أفريقية شمالية أخرى‪ ،‬إال أن تدخل‬ ‫املغرب في مالي يعتبر أفضل فرصة القتالع التطرف هناك من الداخل‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪52 - 2014‬‬


‫ماذا جنت الرباط في املعركة ضد التطرف اإلسالمي‬

‫حترك املغرب يف مالي‬

‫جندي فرنسي يقوم بدورية في عربة مدرعة فى وادى تيغارغار شمال مالي‪ 23 ،‬مارس ‪2013‬‬

‫بقلم ‪ :‬ڤيش سكثيفيل *‬

‫في اجتماع عقد في املغرب في نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي‪ ،‬وافق وزراء خارجية ‪ 19‬دولة‪ ،‬تضم فرنسا وليبيا ومالي‪ ،‬على‬ ‫إقامة منشأة للتدريب على تأمني الحدود املشتركة‪ ،‬على األرجح في العاصمة املغربية‪ .‬عرف هذا االتفاق بـ«إعالن الرباط»‪ ،‬وكان‬ ‫تتويجا لجهود مغربية واسعة تفرض ذاتها على العمليات األمنية ومكافحة اإلرهاب في شمال أفريقيا‪ .‬كشفت سياسة املغرب‬ ‫الخارجية عن اضطراب على مدى العامني املاضني في مالي‪ ،‬التي كانت حتى وقت قريب خاضعة لسيطرة مغربية بصورة أكبر‬ ‫من الجزائر املجاورة‪.‬‬ ‫* زميلة الجيل القادم في معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى‬

‫في خضم األزمة في مالي (تمرد القبائل الذي تبعه انقالب عسكري وانتفاضة مسلحة‬ ‫أدت إلى تدخل فرنسي) ركز صناع القرار والخبراء على إيجاد فرصة للجزائر للعب دور‬ ‫في تسوية النزاع عن طريق استخدام جيشه الضخم وقوة استخباراته‪ .‬لكنهم أصيبوا‬ ‫بخيبة أمل‪ .‬ورغم أن اإلرهاب على طول الحدود ُبني مالي والجزائر إرث عن الحرب األهلية‬ ‫التي اندلعت في الجزائر في التسعينات‪ ،‬عندما طرد إسالميون مسلحون من مناطق تابعة‬ ‫للدولة األكثر سكانا نحو الجنوب والحدود الصحراوية وإلى شمال مالي‪ ،‬بقيت الجزائر‬ ‫بمنأى عن املتاعب في مالي‪ ،‬نظرا النشغاله بسياسته الداخلية ومصالحه الخاصة‪ .‬ركزت‬ ‫الجزائر على تأمني حدودها ضد انتشار اآليديولوجيا اإلسالمية املتشددة وعلى صراع‬

‫داخلي على السلطة بني جهاز االستخبارات القوى واألمن‪ ،‬صانع امللوك منذ فترة طويلة‪،‬‬ ‫والنخبة الحاكمة لحزب جبهة التحرير الوطني الذي يتزعمه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة‪،‬‬ ‫الذي تجاوز عمره ‪ 70‬سنة‪.‬‬ ‫في الجهة املقابلة‪ ،‬انضم املغرب سريعا لتحالف التدخل في مالي الذي تقوده فرنسا‪ .‬من‬ ‫خالل هذه الخطوة‪ ،‬استطاع املغرب كسب ميزة في معركته مع الجزائر على النفوذ اإلقليمي‪.‬‬ ‫وأصبحت األشياء التي كانت صعبة املنال سابقا – مثل ممارسة نفوذ وإقامة عالقات‬ ‫ثنائية مع دول في الساحل دون إشراك الجزائر – اآلن متاحة أمام املغرب‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪51 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫املواجهة العسكرية‬ ‫حيث إنه من املؤكد أن إيران سوف تناهض املطالب املتشددة للواليات‬ ‫املتحدة األميركية‪ ،‬فإنه ال ينبغي على الواليات املتحدة األميركية عرض‬ ‫تلك املطالب إال إذا كانت ترغب في الذهاب إلى حافة الهاوية مع إيران‪،‬‬ ‫وتصعيد التهديدات االقتصادية والعسكرية لتصل إلى النقطة التي‬ ‫يتعرض عندها بقاء النظام إلى خطر حاد ووشيك‪ .‬ولكن من غير املحتمل‬ ‫نجاح االستمرار في اتباع مثل هذه االستراتيجية عالية املخاطر‪ ،‬حيث إن‬ ‫تداعيات الفشل سوف تكون بالغة‪.‬‬ ‫أوال‪ ،‬ليس من الواضح ما إذا كان أي تصعيد للعقوبات سيؤدي إلى‬ ‫خضوع النظام في وقت محدد يكون من املمكن فيه منع إيران من تطوير‬ ‫إمكانياتها النووية‪ .‬إن رغبة إيران الواضحة في التفاوض تحت الضغط‬ ‫ُ‬ ‫ال تعد في حد ذاتها دليال على أن فرض املزيد من الضغوط سوف يؤدي‬ ‫إلى استسالم كامل‪ .‬فاالقتصاد اإليراني في حالة ُيرثى لها‪ ،‬ولكن ال يبدو‬ ‫أن البالد على وشك مواجهة انهيار اقتصادي‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬يبدو أن خامنئي والحرس الثوري يعتقدان أن الجمهورية‬ ‫اإلسالمية نجت مما هو أسوأ خالل حرب إيران والعراق‪ ،‬حيث استمر‬ ‫ذلك الصراع ملدة ثماني سنوات وأدى إلى مقتل مئات اآلالف من اإليرانيني‬ ‫خسائر‬ ‫وتكبدت ُ البالد‬ ‫اقتصادية تقدر بما يزيد على‬ ‫نصف تريليون دوالر أميركي‬ ‫قبل موافقة إيران على وقف‬ ‫إطالق النار‪.‬‬

‫يف حالة ف�شل املباحثات‬ ‫الدبلوما�سية النهائية‬ ‫ف�إنه يتعني على الواليات‬ ‫املتحدة احلفاظ على خيار‬ ‫ا�ستخدام القوة باعتبارها‬ ‫املالذ الأخري‬

‫وحتى في حالة مضي واشنطن‬ ‫ً‬ ‫قدما نحو فرض املزيد من‬ ‫العقوبات‪ ،‬فإنه من غير املحتمل‬ ‫أن تؤدي األوضاع االقتصادية إلى‬ ‫حدوث حالة من الفزع الوجودي‬ ‫بني القادة اإليرانيني أو أن تؤدي‬ ‫إلى اضطراب شامل أو انهيار‬ ‫النظام قبل أن تتمكن إيران من‬ ‫تعزيز قدرتها النووية‪ .‬وحتى في‬ ‫حالة ما إذا أدت األوضاع االقتصادية إلى تغيير النظام‪ ،‬فإنه من املحتمل‬ ‫أال تزال غير كافية لفرض االستسالم النووي‪.‬‬ ‫ومع كل ذلك‪ ،‬فإن املعتقلني من زعماء الحركة الخضراء والعلمانيني‬ ‫باإلضافة إلى أغلبية كبيرة‬ ‫اإليرانيني املناهضني للجمهورية اإلسالمية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫من الشعب اإليراني أيضا يدعمون حق البالد املعلن في تخصيب‬ ‫اليورانيوم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ ،‬وعلى نحو متناقض إلى حد ما‪ ،‬فإن تكثيف العقوبات لفرض‬ ‫استسالم النظام اإليراني في الوقت الحالي قد يؤدي في النهاية إلى‬ ‫إضعاف الضغط الدولي على إيران‪.‬‬ ‫وسواء سارت األمور على نحو جيد أو خالفه فإن روحاني قد نجح‬ ‫عن إيران‪ .‬وفي حالة اتخاذ الواليات‬ ‫بالفعل في تغيير املفاهيم الدولية ً‬ ‫ً‬ ‫متصلبا‪ ،‬فسوف تزداد صعوبة‬ ‫املتحدة األميركية‪ ،‬وليس إيران‪ ،‬موقفا‬ ‫الحفاظ على التحالف الدولي وعزلة إيران في الوقت الحالي‪ ،‬وخاصة فيما‬ ‫يتعلق بالصني وروسيا والعديد من الدول األوروبية واآلسيوية األخرى‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬سوف تبدأ بعض الدول امللتزمة بالحياد في أوروبا وآسيا في‬ ‫التقرب من إيران مرة أخرى‪ ،‬لتترك الواليات املتحدة األميركية في ذلك‬ ‫املوقف الضعيف لالختيار بني فرض عقوبات خارجة عن الحدود‬

‫اإلقليمية على بنوك وشركات في الصني والهند واليابان وكوريا الجنوبية‬ ‫وتركيا وغيرها‪ ،‬أو االستسالم لرفع العقوبات الدولية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ ،‬من غير املحتمل أيضا أن يؤدي إصدار املزيد من التهديدات‬ ‫العسكرية الواضحة (من خالل التحذير العام من قبل الرئيس األميركي‬ ‫باراك أوباما أو تمرير الكونغرس لقرار ُيجيز استخدام القوة العسكرية‪،‬‬ ‫على سبيل املثال) إلى تحقيق أية نتيجة دبلوماسية متشددة‪.‬‬ ‫ومن املحتمل أن يؤثر اإلبقاء على خيار عسكري معقول على حسابات‬ ‫النظام اإليراني‪ ،‬مما يؤدي إلى زيادة التكاليف املحتملة ذات الصلة بامتالك‬ ‫سالح نووي‪ .‬وفي حالة فشل املباحثات الدبلوماسية‪ ،‬فإنه يتعني على‬ ‫الواليات املتحدة األميركية الحفاظ على خيار استخدام القوة باعتبارها‬ ‫املالذ األخير‪.‬‬ ‫ولكن التهديدات بشن هجمات عسكرية على املواقع النووية ُ اإليرانية على‬ ‫ً‬ ‫تهديدا‬ ‫وجه التحديد‪ ،‬بغض النظر عن مدى مصداقية ذلك‪ ،‬لن تشكل‬ ‫ً‬ ‫كافيا لبقاء النظام مما يجبره على التخلي عن برنامجه النووي بالكامل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا‪ ،‬فإن محاولة خلق أزمة وجودية للجمهورية اإلسالمية قد تأتي‬ ‫بنتائج عكسية من خالل زيادة دوافع النظام اإليراني للحصول على‬ ‫أسلحة نووية‪ .‬وفي حالة تصعيد الواليات املتحدة األميركية للضغط‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‬ ‫االقتصادي أو العسكري في الوقت الحالي عندما بدأت إيران‬ ‫في التفاوض على نحو جدي‪ ،‬فمن املحتمل أن ُيدرك خامنئي أن الهدف‬ ‫الحقيقي والنهائي لسياسة الواليات املتحدة األميركية هو تغيير النظام‪.‬‬ ‫كما أن تعزيز ذلك التصور‪ ،‬بدال من تقليصه‪ ،‬قد يؤدي إلى زيادة دافع‬ ‫طهران لتطوير سالح نووي رادع‪ .‬وباختصار‪ ،‬فإن شن هجوم عسكري‬ ‫على إيران لن ُيجدي ً‬ ‫نفعا‪ ،‬ومن املحتمل أن يؤدي إلى وضع خطير‪.‬‬ ‫قد تؤدي املخاطرة بكل شيء من خالل اإلصرار على التوصل إلى اتفاق‬ ‫ُمثالي إلى عدم التوصل إلى أي اتفاق على اإلطالق‪ ،‬كما قد يؤدي إلى أن‬ ‫ً‬ ‫حماسا لبناء أسلحة ذرية‪ ،‬لتزداد بذلك‬ ‫تصبح إيران أكثر حرية وأكثر‬ ‫احتمالية حدوث مواجهة عسكرية‪.‬‬

‫ال يزال هناك وقت للحل الدبلوماسي‬ ‫في أثناء منتدى أقيم خالل شهر ديسمبر (كانون األول) لعام ‪2003‬‬ ‫استضافته مؤسسة بروكينغز‪ ،‬صرح الرئيس األميركي باراك أوباما‬ ‫قائال إنه «من مصلحة األمن القومي األميركي‪ ..‬منع إيران من الحصول‬ ‫على سالح نووي‪ ..‬ولكن ما أقوله باستمرار‪ ،‬حتى إذا لم أستبعد أيا‬ ‫من الخيارات املتاحة‪ ،‬ينبغي علينا اختبار إمكانية حل هذه األزمة‬ ‫دبلوماسيا»‪.‬‬ ‫وعندما سأله جنرال إسرائيلي سابق من بني الجمهور عما سيفعله حال‬ ‫فشل املساعي الدبلوماسية مع إيران‪ ،‬رد أوباما قائال إن «الخيارات التي‬ ‫أوضحت أن بإمكاني استخدامها‪ ،‬بما في ذلك الخيار العسكري‪ ،‬هي التي‬ ‫ً‬ ‫ونظرا للمخاطر املرتبطة بحصول‬ ‫يمكننا دراستها واالستعداد لها»‪.‬‬ ‫إيران على سالح نووي‪ ،‬فإن أوباما على حق في اإلبقاء على الخيار‬ ‫العسكري‪ .‬ولكنه على حق أيضا في تفضيله بقوة للنتائج الدبلوماسية‪.‬‬ ‫يعني تغيير القيادة في طهران والدافع الدبلوماسي الناتج عن االتفاق‬ ‫املؤقت الذي جرى في جنيف أن هناك فرصة حقيقية للتوصل إلى حل‬ ‫نهائي سلمي لألزمة النووية اإليرانية التي تالحق املجتمع الدولي منذ‬ ‫عقود‪.‬‬ ‫ال يستطيع أحد التأكيد على مدى احتمالية النجاح‪ .‬ولكن في ظل وجود املخاطر‬ ‫الهائلة املرتبطة بامتالك إيران لقنبلة نووية أو بقصف إيران بالقنابل‪ ،‬فال بد‬ ‫من تيسير كافة الفرص لكي ينجح الحل الدبلوماسي‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪50 - 2014‬‬


‫ال يزال الوقت غير مناسب للهجوم على إيران‬ ‫بعد مرور عقود على انعزال إيران‪ ،‬قد يكون النظام اإليراني أخيرا على‬ ‫استعداد لوضع حدود هادفة بشأن برنامجه النووي مقابل رفع العقوبات‬ ‫االقتصادية املفروضة عليه‪ .‬خالل االنتخابات الرئاسية اإليرانية التي‬ ‫جرت خالل شهر يونيو (حزيران) لعام ‪ ،2013‬تفوق روحاني بسهولة‬ ‫ويسر على قائمة من املعارضني املحافظني‪ ،‬بما في ذلك املفاوض النووي‬ ‫املتشدد سعيد جليلي‪ ،‬الذي شن حملة لالستمرار في تبني استراتيجية‬ ‫إيران «للمقاومة النووية»‪.‬‬ ‫وعلى النقيض‪ ،‬فإن روحاني دعا للتوصل إلى تسوية نووية مع الغرب‬ ‫وتحرير إيران من العبء االقتصادي املفروض عليها نتيجة للعقوبات‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬فإن روحاني‪ ،‬باعتباره مفاوضا نوويا سابقا‪ ،‬يعتقد أنه‬ ‫قد حظي بدعم الشعب اإليراني والضوء األخضر من املرشد األعلى آية الله‬ ‫خامنئي للتوصل إلى اتفاق نووي شامل مع الواليات املتحدة األميركية‬ ‫واألطراف األخرى في مجموعة ‪( 1+5‬بريطانيا‪ ،‬الصني‪ ،‬فرنسا‪ ،‬أملانيا‪،‬‬ ‫روسيا)‪.‬‬ ‫وجاءت الخطوة األولى على الطريق نحو التوصل إلى اتفاق شامل خالل‬ ‫شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لعام ‪ ،2013‬حيث جرى التوصل إلى اتفاق‬ ‫مؤقت بجنيف لتوافق طهران على تجميد برنامجها النووي وإعادته إلى‬ ‫املستوى الطبيعي في مقابل وقف العقوبات الدولية الجديدة وتعليق بعض‬ ‫ً‬ ‫وضوحا نحو‬ ‫العقوبات القائمة‪ُ .‬يعد هذا االتفاق بمثابة الخطوة األكثر‬ ‫جعل إيران دولة خالية من األسلحة النووية في أكثر من عقد من الزمن‪.‬‬ ‫سوف يبطل االتفاق مفعول املخزون اإليراني من اليورانيوم بنسبة ‪20‬‬ ‫في املائة‪ ،‬مما يؤدي بدوره إلى إطالة اإلطار الزمني لقدرة إيران النووية ‪-‬‬ ‫وهو الوقت املطلوب لتخصيب اليورانيوم ُ‬ ‫لصنع األسلحة النووية ‪ -‬بواقع‬ ‫شهر أو اثنني‪.‬‬ ‫ويعني نظام التفتيش الجديد أنه سوف يجري الكشف عن أية محاولة‬ ‫لتطوير قدرة إيران النووية على الفور أمام املجتمع الدولي كي يتم الرد‬ ‫عليها‪ ،‬كما أنه عزز من قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الوصول‬ ‫إلى البنية التحتية النووية إليران‪ ،‬األمر الذي سوف يزيد من صعوبة نقل‬ ‫إيران للتكنولوجيا واملواد الحيوية إلى مواقع سرية جديدة‪ ُ .‬عالوة على‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن شروط االتفاق تعوق تشغيل مفاعل البلوتونيوم املقام بمدينة‬ ‫آراك‪ ،‬األمر الذي يؤدي بدوره إلى وقف املخاطر من أن تقوم إيران على‬ ‫الفور باستخدام البلوتونيوم في تصنيع قنبلة نووية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كافة النقاط الجيدة التي ينص عليها االتفاق املؤقت‪ ،‬فإنه‬ ‫في حد ذاته لم يؤد إلى حل األزمة النووية اإليرانية‪ .‬وعلى الجانب اآلخر‪،‬‬ ‫فقد وضع االتفاق من أجل إيجاد نافذة دبلوماسية خالل ستة أشهر على‬ ‫األقل (وهي الفترة األولية لالتفاق)‪ ،‬أو لفترة أطول في حالة تمديد االتفاق‬ ‫إلجراء املفاوضات والتوصل إلى حل نهائي شامل‪ .‬وعلى األقل‪ ،‬اقترح‬ ‫مسؤولون أميركيون أنه ينبغي على االتفاق النهائي أن يؤدي إلى إيقاف‬ ‫ً‬ ‫نهائيا؛ والتقليص‬ ‫إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة خمسة في املائة‬ ‫الفعلي من مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب؛ ووضع حدود بارزة‬ ‫على عدد من أجهزة الطرد املركزي اإليرانية ومنشآت التخصيب؛ وإيقاف‬ ‫مفاعل آراك النووي أو تحويله إلى مفاعل ماء خفيف مقاوم لالنتشار؛‬ ‫والسماح للمزيد من التفتيش التدخلي لكل من املنشآت املعلنة وغير‬ ‫املعلنة؛ وتوضيح «األبعاد العسكرية السابقة» للبحث النووي اإليراني‪.‬‬ ‫وفي مقابل ذلك‪ ،‬سوف تحصل إيران على إعفاء شامل من العقوبات‬ ‫متعددة األطراف والوطنية ذات الصلة بانتشار األسلحة النووية‪.‬‬

‫بذل قصارى الجهد‬ ‫يرى بعض املحللني أنه يتعني على املفاوضني األميركيني استخدام القوة‬

‫الناتجة عن فرض العقوبات االقتصادية الصارمة ورغبة إيران الواضحة‬ ‫في التفاوض لإلصرار على وقف كافة األنشطة اإليرانية املتعلقة بالدورة‬ ‫النووية اإليرانية‪.‬‬ ‫اإلسرائيلي بنيامني‬ ‫ينعكس هذا النهج املتشدد في مطالبات رئيس الوزراء‬ ‫ُ‬ ‫نتنياهو التي صرح بها للتوصل إلى اتفاق نهائي‪ :‬بحيث ال تجري إيران‬ ‫أية عمليات تخصيب لليورانيوم على أي مستوى‪ ،‬وال تمتلك أي مخزون‬ ‫من اليورانيوم املخصب‪ ،‬مع وقف كافة أجهزة الطرد املركزية أو منشآت‬ ‫الطرد املركزي وإيقاف مفاعل آراك النووي للماء الثقيل أو املنشآت التي‬ ‫تقوم على إعادة معالجة البلوتونيوم‪.‬‬ ‫إن محاولة إبعاد إيران عن األسلحة النووية قدر املستطاع تبدو محاولة‬ ‫حكيمة ومعقولة‪ .‬من الضروري أن يؤدي أي اتفاق نهائي إلى منع إيران‬ ‫من امتالك أية منشآت تسمح لها بإنتاج البلوتونيوم الحربي على سبيل‬ ‫املثال‪.‬‬ ‫ولكن في الواقع‪ ،‬من املحتمل أن يؤدي السعي وراء التوصل إلى اتفاق مثالي‬ ‫ يتطلب وقفا نهائيا لتخصيب اليورانيوم اإليراني على أي مستوى ‪ -‬إلى‬‫نهاية املحادثات الدبلوماسية‪ ،‬مما يؤدي إلى زيادة احتمالية حدوث نتائج‬ ‫أسوأ بكثير من حصول إيران على أسلحة نووية ال يمكن التحكم فيها أو‬ ‫شن هجوم عسكري على برنامج‬ ‫طهران النووي‪ .‬وبغض النظر عن‬ ‫الضغوط التي تضعها الواليات‬ ‫املتحدة األميركية‪ ،‬وحلفاؤها‬ ‫واملجتمع الدولي الواسع‪ ،‬فإنه‬ ‫من غير املحتمل أن يوافق النظام‬ ‫اإليراني على إنهاء كافة عمليات‬ ‫التخصيب بشكل دائم‪.‬‬

‫ا�ستثمر خامنئي �صاحب القرار‬ ‫الأخري ب�ش�أن امللف النووي ما‬ ‫يزيد على ‪ 100‬مليار دوالر‬ ‫�أمريكي على مدار �سنوات من‬ ‫�أجل ال�سيطرة على تكنولوجيا‬ ‫التخ�صيب النووي‬

‫استثمر خامنئي‪ ،‬صاحب القرار‬ ‫األخير بشأن امللف النووي‪ ،‬الكثير‬ ‫والكثير من رأس املال السياسي‬ ‫واألموال النقدية (ما يزيد على‬ ‫‪ 100‬مليار دوالر أميركي على‬ ‫مدار سنوات) من أجل السيطرة على تكنولوجيا التخصيب النووي‬ ‫والدفاع عن حقوق إيران النووية (املعروفة باسم التخصيب املحلي)‪،‬‬ ‫فالبرنامج النووي اإليراني و«مقاومة القوى الغاشمة» أسباب تأتي في‬ ‫صميم الوجود اآليديولوجي للنظام اإليراني‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬حتى في مواجهة العقوبات االقتصادية الهالكة‪ ،‬لم يكن من املحتمل‬ ‫أن يقوم خامنئي واملتشددون من بني الحرس الثوري بالحفاظ على الدعم‬ ‫إلجراء املزيد من املفاوضات ‪ -‬باإلضافة إلى اإلذعان التفاق نووي نهائي‬ ‫في حالة ما إذا أدت النتيجة النهائية إلى حدوث استسالم كامل للنظام‪.‬‬ ‫ ً‬‫ووفقا ملا يذكره علي ُرضا نادر‪ ،‬محلل إيراني لدى مؤسسة راند‪ ،‬فإنه‬ ‫ً‬ ‫خطرا لحكمهم‪ ،‬ولكن الضعف أمام الضغط‬ ‫يالحظ أن «العقوبات تمثل‬ ‫ً‬ ‫تهديدا»‪.‬‬ ‫قد ال يقل عن كونه‬ ‫ومن غير املحتمل أيضا أن يوافق روحاني وفريق التفاوض الخاص به‬ ‫على وقف عمليات التخصيب أو تأييد مثل تلك السياسة‪ ،‬ألن ذلك سوف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سياسيا‪ .‬ففي عام ‪ ،2003‬خالل الفترة التي تولى فيها‬ ‫انتحارا‬ ‫ُيمثل‬ ‫روحاني منصب رئاسة املفاوضني النوويني‪ ،‬قام روحاني بإقناع خامنئي‬ ‫باملوافقة على وقف مؤقت لعمليات التخصيب‪ .‬ولكن توقف عن إجراء‬ ‫املزيد من املفاوضات مع املجتمع الدولي مع بداية عام ‪ 2005‬نتيجة لعدم‬ ‫املوافقة على حق إيران املؤكد في تخصيب اليورانيوم‪ ،‬لتنهي طهران‬ ‫تعليقه بعد ذلك بفترة قصيرة‪ .‬ومن غير املحتمل أن يدع روحاني ذلك‬ ‫يحدث مرة أخرى‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪49 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫ملاذا ال ينبغي على الواليات املتحدة شن هجوم عسكري على إيران؟‬

‫نقطة ضوء يف نهاية النفق املظلم‬

‫وزير الخارجية جون كيري يتحدث أمام املشرعني في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بشأن االتفاق حول البرنامج النووي اليران ( ‪ 10‬ديسمبر ‪)2013‬‬

‫بقلم ‪ :‬كولني كال *‬

‫شرحت في مقالي «ال يزال الوقت غير مناسب للهجوم على إيران» الذي نشر في عدد (مارس‪ /‬آذار ‪ -‬أبريل‪/‬‬ ‫نيسان) لعام ‪ 2012‬األسباب وراء السعي إلى حل دبلوماسي لألزمة النووية اإليرانية‪ ،‬وذكرت أنه‪ ،‬نتيجة للمخاطر‬ ‫والتكاليف املرتبطة بأي إجراء عسكري‪« ،‬فإن استخدام القوة هو املالذ األخير وليس الخيار األول‪ ،‬وينبغي أن يظل‬ ‫كذلك»‪ .‬جدير بالذكر أن التطورات الرئيسة التي شهدها عام ‪ – 2013‬وعلى وجه التحديد – انتخاب حسن روحاني‪،‬‬ ‫ذلك الرئيس اإليراني املعتدل ليكون الرئيس الجديد للبالد وتوقيع اتفاقية نووية مؤقتة بني إيران والواليات املتحدة‬ ‫األميركية وشركائهما في التفاوض‪ ،‬تعزز ذلك االستنتاج‪ .‬بغض النظر عما يدفع به الصقور مثل رويلماركغيريشت‬ ‫أو ماثيو كرونج‪ ،‬فإنه ال يزال الوقت غير مناسب لشن هجوم عسكري على إيران‪ .‬وبالفعل‪ ،‬لم تكن احتماالت‬ ‫التوصل إلى اتفاق شامل لحل األزمة النووية بطريقة سلمية أفضل من اآلن على اإلطالق‪ ،‬على الرغم من أن ذلك‬ ‫ُيعد ً‬ ‫أمرا يصعب ضمانه‪.‬‬ ‫* أستاذ مساعد في برنامج الدراسات األمنية بكلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪48 - 2014‬‬


‫ُ‬ ‫ً‬ ‫تضع السياسة املفضلة ألعضاء مجلس الشيوخ هدفا ال ُيمكن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العالم مكانا أكثر أمنا في حالة عدم تخصيب‬ ‫تحقيقه‪ .‬نعم‪ ،‬قد يكون‬ ‫ً‬ ‫إيران لليورانيوم‪ .‬ولكن خالفا للحجج‪ ،‬فإن الصقور يرون أن الواليات‬ ‫ُاملتحدة األميركية ليست في وضع يسمح بمنع إيران من القيام بذلك‪.‬‬ ‫تعد إيران واحدة من بني ‪ 14‬دولة تخصب اليورانيوم بالفعل‪ .‬وحتى لو‬ ‫تستحق إيران العزلة لخرقها الشروط التي تتبعها دول أخرى ُمخصبة‬ ‫لليورانيوم وتقديمها مبررات مدنية ضعيفة لتخصيب اليورانيوم‪ ،‬فإن‬ ‫الحقيقة املؤسفة هي أن فرض املزيد من العقوبات أو شن أية هجمات‬ ‫عسكرية على إيران لن يؤدي إلى إبعادها عن نادي تخصيب اليورانيوم‪.‬‬ ‫لقد دفعت إيران بالفعل عشرات املليارات من الدوالرات األميركية في‬ ‫تكاليف مباشرة؛ وخسرت ما يزيد على ‪ 100‬مليار دوالر أميركي نتيجة‬ ‫للعقوبات املفروضة عليها؛ وتعرضت لهجوم إلكتروني واغتيال العلماء‬ ‫واملهندسني املهمني لديها‪ ،‬عالوة على التهديد الدائم بخوض الحرب لحماية‬ ‫ُ‬ ‫حقها املعلن في تخصيب اليورانيوم‪ .‬فال توجد أية أسباب للتفكير في‬ ‫أن فرض املزيد من العقوبات أو شن هجمات عسكرية سوف يؤدي إلى‬ ‫تغيير موقف طهران في الوقت الحالي‪.‬‬ ‫ُيذكر أن صقور الكونغرس األميركي ال يوضحون كيفية عزمهم على‬ ‫القضاء على برنامج تخصيب اليورانيوم اإليراني على املدى البعيد‪ .‬فهم‬ ‫ُمغرمون بتصريحاتهم بأن شن الهجمات العسكرية سوف يكون البطاقة‬ ‫الرابحة في النهاية‪ ،‬ولكن من املؤكد أن مثل تلك الهجمات العسكرية لن‬ ‫تؤدي إلى إنهاء البرنامج اإليراني لتخصيب اليورانيوم بذاتها‪ .‬فمن أجل‬ ‫القيام بذلك‪ ،‬ال ينبغي على تلك الهجمات تدمير البنية التحتية لتخصيب‬ ‫اليورانيوم بإيران فحسب‪ ،‬بل يتعني عليها وقف قدرة إيران على إعادة‬ ‫إنشاء تلك البنية التحتية والتغلب على عزم القيادة اإليرانية على القيام‬ ‫بذلك‪ .‬وهناك سبب جيد لالعتقاد بأن الهجمات العسكرية لن تحقق أيا‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا أفنير جولوف وعاموس‬ ‫من تلك األهداف‪ .‬وبالفعل‪ ،‬كما كتب‬ ‫يادلني‪ ،‬رئيس االستخبارات اإلسرائيلية السابق (وأحد الطيارين الذين‬ ‫شنوا الهجوم العسكري اإلسرائيلي خالل عام ‪ 1981‬على املفاعل النووي‬ ‫العراقي أوزيراك)‪ ،‬فإن «أي هجوم‪ ،‬مهما كانت درجة نجاحه‪ ،‬لن ُيوقف‬ ‫برنامج إيران النووي العسكري إلى األبد»‪.‬‬ ‫هناك احتمال حقيقي بنجاة بعض املنشآت القائمة لتصنيع وتشغيل‬ ‫أجهزة الطرد املركزية النووية من الهجوم العسكري (وإذا كانت إيران تملك‬ ‫منشآت سرية غير معروفة لتخصيب اليورانيوم‪ ،‬كما تدعي إسرائيل‪،‬‬ ‫فسيكون من املستحيل بالفعل على الواليات املتحدة األميركية معرفة‬ ‫ما إذا كانت قد دمرتها جميعها أم ال)‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬نظرا إلى أن‬ ‫إيران قد استغرقت على األقل عشر سنوات لالستعداد ملثل ذلك الهجوم‬ ‫العسكري‪ ،‬فمن املحتمل أن تكون لديها خطط طوارئ إلحياء برنامجها‬ ‫ً‬ ‫سريعا باستخدام أية منشآت وعلماء نوويني ناجني من الهجوم‪.‬‬ ‫النووي‬ ‫ً‬ ‫مصحوبا بنظام‬ ‫يناهض الصقور فكرة أن أي هجوم سوف يكون‬ ‫عقوبات ُمشددة من شأنه الحد من قدرة إيران على إعادة بناء البنية‬ ‫التحتية املدمرة الخاصة بها‪ .‬ولكن قد تكون الواليات املتحدة األميركية‬ ‫أو إسرائيل بحاجة إلى فرض قوة دبلوماسية واسعة لكسب الدعم الدولي‬ ‫لفرض مثل تلك العقوبات‪ ،‬وهو ما قد يكون مستحيال في حالة شن أي‬ ‫هجوم على منشآت التخصيب النووي اإليرانية‪.‬‬ ‫يفترض الصقور بالمباالة أن العقوبات الدولية املفروضة على إيران‬ ‫سوف تستمر عقب شن هجمات عسكرية‪ ،‬ولكن أكد عدد من الحكومات‬ ‫األساسية التي تطبق العقوبات على إيران في الوقت الحالي ‪ -‬ومن بينها‬ ‫الصني والهند واليابان وروسيا وتركيا ‪ -‬على أنها ال تدعم أي عمل‬ ‫ً‬ ‫احتجاجا‬ ‫عسكري ضد إيران‪ .‬وقد تتخلى عن أي نظام لفرض عقوبات‬ ‫على شن أي هجوم عسكري غير شرعي يهدف إلى وقف تخصيب‬ ‫اليورانيوم بإيران‪.‬‬

‫يتجاهل الصقور أيضا إمكانية رد إيران على الهجمات العسكرية من‬ ‫خالل شن هجوم دبلوماسي من جانبها‪ .‬من السهل تخيل لجوء طهران‬ ‫إلى مجلس األمن التابع لألمم املتحدة عقب شن هجوم إسرائيلي وطلب‬ ‫ً‬ ‫نوويا كانت متواطئة في‬ ‫اتخاذ إجراء ضد إسرائيل‪ ،‬وهي دولة ُمسلحة‬ ‫عدوان غير شرعي ضد إيران ملجرد ممارستها ما تعتقد أنه حقها في‬ ‫تخصيب اليورانيوم‪ .‬وقد تذكر إيران أنه‪ ،‬في حالة رفض مجلس األمن‬ ‫فرض عقوبات على إسرائيل‪ ،‬فلن تكون لدى إيران أية وسائل للدفاع عن‬ ‫معاهدة حظر انتشار األسلحة واتخاذ إجراء‬ ‫نفسها سوى االنسحاب من ً‬ ‫ً‬ ‫مالئما‪ .‬ومن املؤكد أن الواليات‬ ‫من جانبها ضد إسرائيل وفقا ملا تراه‬ ‫املتحدة األميركية سوف تمنع مجلس األمن من اتخاذ أية إجراءات ضد‬ ‫إسرائيل‪ .‬ولكن سوف تبدي العديد من الدول تعاطفها مع إيران وترحب‬ ‫بأية فرصة لعزل إسرائيل والدولة الحامية لها‪ .‬وفي ظل هذا املشهد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تراجعا بالفعل سوف تنهار‪،‬‬ ‫فإن الشرعية الدولية إلسرائيل التي تشهد‬ ‫ً‬ ‫فيما سوف يزداد الطلب على نزع السالح النووي اإلسرائيلي وسريعا ما‬ ‫يتالشى الدعم الدولي لفرض العقوبات على إيران‪.‬‬ ‫تؤكد الحكومة اإلسرائيلية والصقور بالكونغرس األميركي‪ ،‬ومعهم‬ ‫الحق‪ ،‬على أهمية وجود نظام للمراقبة طويل األجل في إيران‪ .‬ولكنهم ال‬ ‫يناقشون كيف سيكون بإمكان املجتمع الدولي وضع أو تفعيل مثل ذلك‬ ‫النظام داخل إيران بعد شن أي هجوم عسكري‪ .‬في الوقت الحالي‪ ،‬تتعاون‬ ‫إيران مع نظام التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامجها‬ ‫النووي‪ .‬ال يحمل املراقبون‬ ‫السالح‪ .‬ويسمح اإليرانيون لهم‬ ‫بالوصول إلى مواقع تخصيب‬ ‫اليورانيوم‪ .‬أما بعد شن إسرائيل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عسكريا على إيران‪ ،‬فمن‬ ‫هجوما‬ ‫غير املحتمل أن تتخلى إيران عن‬ ‫تخصيب اليورانيوم ولن تسمح‬ ‫بوجود املفتشني في املواقع أو‬ ‫مراقبة ُمستمرة عن بعد ألنشطتها‬ ‫النووية املعلنة واملشتبه بها‪.‬‬

‫�صقور الكونغر�س الأمريكي‬ ‫ال يو�ضحون كيفية عزمهم‬ ‫على الق�ضاء على برنامج‬ ‫تخ�صيب اليورانيوم الإيراين‬ ‫على املدى البعيد‬

‫وبعد مرور ثماني سنوات من‬ ‫تبني املفاوضات الدبلوماسية‪،‬‬ ‫خلصت مجموعة ‪ 1+5‬بعد تردد إلى أن السبيل الوحيدة الواقعية لحل‬ ‫األزمة هي التفاوض على اتفاق ُطويل األجل ينص على أن تقيد إيران‬ ‫أنشطتها لتخصيب اليورانيوم وتمنع من إتمام أي مفاعل يعمل باملاء‬ ‫الثقيل وتتخلى عن إجراء أية أبحاث أو تطويرات ذات صلة بالتسليح‬ ‫النووي‪ ،‬وتقبل بإجراءات تفتيش صارمة لبناء الثقة الدولية في أنها ستفي‬ ‫بكافة هذه االلتزامات‪ .‬إن التهديد باستخدام القوة ملنع إيران من الحصول‬ ‫على أسلحة نووية سوف يظل ً‬ ‫قائما في خلفية أية مفاوضات أخرى‪،‬‬ ‫بالطبع كما أكد الرئيس األميركي باراك أوباما‪.‬‬ ‫ولكن من املهم أيضا التأكيد على ما ينبغي أن يكون في مقدمة هذه‬ ‫املفاوضات‪ ،‬ليس وقف إيران للتخصيب النووي‪ ،‬ولكن قدرتها على‬ ‫ً‬ ‫سريعا‪ .‬بهذه الطريقة سوف تسير املساعي‬ ‫الحصول على سالح نووي‬ ‫ً‬ ‫الدبلوماسية الدولية والتهديد باستخدام القوة جنبا إلى جنب‪ ،‬وفي حالة‬ ‫رفض طهران ألي حل دبلوماسي يسمح بتخصيب اليورانيوم داخل إيران‬ ‫على نحو محدود‪ ،‬أو في حالة موافقتها على مثل ذلك االتفاق ثم خرقه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مشروعا ُ‬ ‫ويمكن الدفاع عنه من‬ ‫فإن شن هجوم عسكري سوف يكون‬ ‫الناحية السياسية‪ .‬لذلك ال ينبغي عرقلة االستراتيجية التي تتبناها إدارة‬ ‫الرئيس أوباما من قبل إسرائيل واملناورات العسكرية غير املدروسة التي‬ ‫يتبناها أعضاء بالكونغرس األميركي‪ .‬من الناحية السياسية‪ ،‬قد يكون‬ ‫ً‬ ‫مالئما‪ ،‬ولكنه أيضا‬ ‫مشروع القانون الذي قدمه منديز وكيرك وشومر‬ ‫غير ضروري وخطير جدا‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪47 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫خسرت إيران ما يزيد على ‪ 100‬مليار دوالر نتيجة العقوبات املفروضة عليها‬

‫صقور الكونغرس األمريكي‬

‫فنيون يعملون بموقع معالجة اليورانيوم بأصفهان‪2005 ،‬‬

‫بقلم ‪ :‬جورج بركوفيتش *‬

‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مناسبا للهجوم على إيران» حجة قد انتشرت في واشنطن‪ ،‬بأنه ينبغي أن تسفر املفاوضات عن القضاء التام‬ ‫«ال زال الوقت‬ ‫ُ‬ ‫على برنامج دورة الوقود النووي اإليراني كي تعتبر مفاوضات ناجحة‪ .‬يعد ذلك بمثابة املنطق النموذجي الذي تبنته مجموعة‬ ‫من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبني بالواليات املتحدة األميركية – بما في ذلك روبرت منديز (نيوجيرسي)‪ ،‬ومارك كيرك‬ ‫ً‬ ‫تشريعا من شأنه منع أي اتفاق نهائي يسمح إليران‬ ‫(إلينوي)‪ ،‬وتشارلز شومر (نيويورك) ‪ -‬خالل الشهر املاضي‪ ،‬عندما قدموا‬ ‫بالحفاظ على أية قدرة لتخصيب اليورانيوم وأية منشآت ُمخصصة لذلك‪.‬‬ ‫* نائب رئيس مركز دراسات األمن العاملي والتنمية االقتصادية في مؤسسة كارنيغي للسالم الدولي‬

‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪46 - 2014‬‬


‫خسرت إيران ما يزيد على ‪ 100‬مليار دوالر نتيجة العقوبات املفروضة عليها‬

‫صقور الكونغرس األمريكي‬ ‫بقلم‪ :‬جورج بركوفيتش‬

‫ملاذا ال ينبغي على الواليات املتحدة شن هجوم عسكري على إيران؟‬

‫نقطة ضوء يف نهاية النفق املظلم‬ ‫بقلم‪ :‬كولني كال‬

‫ماذا جنت الرباط في املعركة ضد التطرف اإلسالمي‬

‫حترك املغرب يف مالي‬ ‫بقلم‪ :‬ڤيش سكثيفيل‬ ‫فورن أفيرز‪ /‬فبراير ‪ /‬شباط ‪45 - 2014‬‬


twitter

facebook google+

The Arab world has a rich history of scientific breakthroughs. Ensure you’re part of the scientific and medical community gaining access to the latest research in the region. From the latest news, in-depth features, expert commentaries and research highlights to regional jobs, event listings and alerts direct to your inbox – Nature Middle East is your free comprehensive portal keeping you at the centre of science in the Arabic speaking Middle East.

nature.com/nmiddleeast Sponsored by

Get the free mobile app at

Download the free app for your / gettag.mobi phone athttp:/ http://gettag.mobi


‫إعالن إسرائيل مدينة القدس عاصمة‪ .‬وهذا كان قبل ‪12‬‬ ‫سبتمبر (أيلول) ‪ ،1980‬تاريخ التدخل العسكري بأسبوع‪،‬‬ ‫وقدمنا اقتراحا للبرملان التركي لقطع العالقات مع إسرائيل‪.‬‬ ‫وأسقطنا وزير الخارجية وهذا يحدث ألول مرة في املجلس‬ ‫التركي منذ ‪ 60‬سنة وكان الوزير (خير الدين أركمان)‪ .‬وفي‬ ‫نظرنا ال يكفي قطع العالقات مع إسرائيل‪ ،‬بل يجب إخراج‬ ‫إسرائيل من األراضي العربية؛ ففلسطني أرض املسلمني منذ‬ ‫‪ 1400‬عام‪ ،‬ماذا يفعل اليهود هنا إذا كانت أميركا تريد أن‬ ‫تعطي أرضا لليهود والصهيونية فلتعطهم أرضا في أميركا‬ ‫الجنوبية وليس في أراضي املسلمني‪.‬‬ ‫وعن عضوية تركيا في حلف شمال األطلسي قال أربكان‪:‬‬

‫إنهم يذهبون إلى الدول األوروبية‪ ،‬ملقابلة الوزراء األوروبيني‬ ‫ولكن يقابلهم هناك في الوزارات السكرتير الثالث بدل الوزراء‬ ‫ويتوسلون إليهم بأن يكتبوا لنا قوانيننا وهذه كارثة لم يحصل‬ ‫مثلها عبر التاريخ‪ .‬وجهة نظر حزب الرفاه هي وجهة نظر‬ ‫الشعب‪ ،‬والشعب معنا‪.‬‬

‫ في حالة التدقيق في الوثائق الرسمية لحلف شمال األطلسي‬‫نجد أنه حلف ضد الشيوعية‪ ،‬ودفاع موحد‪ .‬ولهذا السبب نحن ال‬ ‫نعترض كحزب الرفاه على عضوية تركيا في هذا الحلف‪ ،‬ونعتبر‬ ‫اشتراك الدول مع بعضها في الدفاع ضد الشيوعية أمرا طبيعيا‪،‬‬ ‫ولكن في اآلونة األخيرة جاءت بعض التغييرات فبعد أربعني سنة‬ ‫يعلن الروس أنهم بعد اليوم لن يتدخلوا في أي دولة أخرى ولكن‬ ‫أعضاء حلف شمال األطلسي يقولون إنهم سوف يستفيدون من‬ ‫هذه األسس ملحاربة العالم اإلسالمي‪ ،‬وفي أية لحظة إذا تدخل‬ ‫الحلف األطلسي في أمور املسلمني فنحن نكون ضدهم‪ .‬وسياستنا‬ ‫في األساس تقوم على اتحاد الدول اإلسالمية‪ ،‬أو الحلف اإلسالمي‪.‬‬

‫ولنشر أفكارنا توجد بعض الجرائد ومنها جريدة «الشعب»‬ ‫(ميللي غازته) تكتب عنا وعن أفكارنا والشعب يأخذ قسما‬ ‫من املعلومات منها‪ .‬وفروع حزبنا ومقراتنا في كافة أنحاء‬ ‫تركيا ونحن نصل إلى الناس بواسطة االجتماعات والخطب‬ ‫ولكن األساس في النشر واإلعالم هو التلفزيون‪ .‬وهناك حظر‬ ‫على ظهور حزبنا على التلفزيون‪ ،‬بحجة أنه ليس لدينا نواب‬ ‫في البرملان‪ .‬وهكذا فنحن نحارب بقية األحزاب بوسائلنا‬ ‫املتواضعة‪ .‬هم يحملون القنابل النووية‪ ،‬ونحن نقاتلهم‬ ‫بمسدسات األطفال‪.‬‬

‫ إنه على علم بهذا العرض املسيء ملواقف حزب الرفاه وملواقفه‬‫الشخصية من هذا املوضوع‪ .‬ورده عليه أن تنظيمه السياسي‬ ‫في تركيا قائم قبل وقت طويل على وصول الخميني إلى السلطة‬ ‫في طهران سنة ‪ .1979‬وكان هناك حزب السالمة وحزب‬ ‫الخالص الوطني قبل حلهما بقرار عسكري سنة ‪.1980‬‬

‫تركيا وإسرائيل‬

‫> وأضاف‪:‬‬

‫وسألت أربكان رأيه في العالقات القائمة بني تركيا وإسرائيل‪،‬‬ ‫فأجاب‪:‬‬ ‫ مع األسف الشديد ما عدا حزب الرفاه‪ ،‬فإن جميع األحزاب‬‫تقلد الدول األوروبية وأفكارها وكانت أول من اعترف بإسرائيل‪.‬‬ ‫ومن ذلك اليوم إلى يومنا هذا هم بجانب إسرائيل‪ ،‬وقبل بضعة‬ ‫أيام جرت انتخابات إلخراج إسرائيل من األمم املتحدة وطلبت‬ ‫كافة الدول اإلسالمية ذلك من األمم املتحدة ولكن تركيا أيدت‬ ‫بقاء إسرائيل‪ .‬ولكن حزب الرفاه يمثل الشعب‪ ،‬ووجهة نظرنا‬ ‫موجودة في برامجنا وفي إجراءاتنا‪ .‬نحن اشتركنا ما بني عام‬ ‫‪ 1974‬و‪ 1978‬في ثالث حكومات وكنا قد كتبنا جملة في برامج‬ ‫الحكومات الثالث وهذه الجملة هي‪ :‬لتحقيق األمن والسالم‬ ‫في الشرق األوسط فإن أول خطوة يجب أن تكون انسحاب‬ ‫إسرائيل من األراضي املحتلة‪ ،‬قلنا أول خطوة بمعنى أننا ال‬ ‫نعترف بوجود إسرائيل وبقية األحزاب عكسنا تعترف بوجود‬ ‫إسرائيل‪ ،‬وهذا برنامجنا املدون في ثالث حكومات‪.‬‬ ‫ونحن نطالب كل األحزاب التركية بضرورة قطع العالقات مع‬ ‫إسرائيل‪ .‬وعملنا اجتماعات كبيرة في الساحات العامة في‬ ‫محافظة قونيا حيث اجتمع مائة ألف مواطن لالحتجاج على‬

‫> وقلت ألربكان أخيرا‪ :‬إن الصحف الغربية غالبا ما تسيء فهم‬ ‫مواقف حزبه اإلسالمية وتخلط عمدا أو عن سوء فهم بني هذه‬ ‫املواقف وبني اتجاهات النظام اإليراني‪ .‬فقال‪:‬‬

‫ ما حدث في إيران أنه قبل عشر سنوات كان هناك حكم الشاه‬‫الذي كان يساعد الغرب‪ .‬ونحن فرحنا بانقالب الشعب اإليراني‬ ‫حينذاك‪ .‬ورحبنا بذلك‪ .‬فإيران بلد مسلم ونحن نرحب بإنقاذ‬ ‫الشعب اإليراني من السيطرة الغربية التي كانت قائمة على أموره‪.‬‬ ‫ولكننا نعارض تدخل إيران في الشؤون الداخلية لبقية الدول‬ ‫اإلسالمية وال نقبل به‪ .‬ونحن نعتبر كافة الدول اإلسالمية‬ ‫إخوانا يعملون في سبيل اإلسالم‪ .‬ويتفقون في كافة املواضيع‬ ‫واملجاالت‪ .‬وكل دولة مسلمة تعمل على ارتفاع مستواها من‬ ‫كافة النواحي وتكون مشغولة بأمورها الداخلية وال تتدخل في‬ ‫شؤون بقية الدول اإلسالمية‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫ندعو‬ ‫إلى قطع‬ ‫العالقات‬ ‫مع إسرائيل‬ ‫واالنسحاب‬ ‫من األراضي‬ ‫املحتلة‬

‫‪,,‬‬

‫> وسألت أربكان عن رد فعله على االعتداء ات التي وقعت خالل‬ ‫موسم الحج املاضي وقبله في مكة املكرمة‪ ،‬وذهب ضحيتها قتلى‬ ‫وجرحى‪ .‬فأجاب‪:‬‬

‫ بالنسبة إلى هذه االعتداءات التي وقعت في مكة املكرمة‪ ،‬نحن‬‫ننظر إليها على أنها اعتداءات على املسلمني جميعا‪ .‬فأرض‬ ‫مكة هي أرض مقدسة‪ .‬ومن يعتدي على أبسط األمور في مكة‬ ‫املكرمة نحن ضده‪ .‬فكيف إذا كان هذا االعتداء من نوع وضع‬ ‫املتفجرات والقنابل وقتل الحجاج األبرياء؟ <‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪43‬‬


‫أرشيف‬

‫العالقات اإلسالمية‬ ‫وتحدث أربكان عن تصور حزبه للعالقات بني تركيا والدول‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ عشنا مع العالم اإلسالمي في نفس الدولة مدة ألف عام‪،‬‬‫ودول العالم هذه األيام تجتمع في مجموعات قليلة‪ :‬حلف‬ ‫شمال األطلسي‪ ،‬السوق األوروبية املشتركة‪ ،‬السوق االشتراكية‬ ‫املشتركة (كوميكون)‪ ،‬اتحاد جنوب شرق آسيا‪ ،‬إلخ‪ ،‬واملفروض‬ ‫بأن تجتمع الدول اإلسالمية معا‪ ،‬واملفروض أن يكون اتحاد‬ ‫املسلمني قبل هذه املجموعات كلها‪ .‬لذلك وضع حزب الرفاه‬ ‫في برنامجه عددا من النقاط املهمة حول العالقات مع الدول‬ ‫اإلسالمية وهي‪ :‬تكوين االتحاد العام للدول اإلسالمية‪ ،‬اآلن‬ ‫توجد منظمة املؤتمر اإلسالمي وهي ال تكفي‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫االعتداءات في‬ ‫مكة املكرمة‬ ‫اعتداءات‬ ‫على املسلمني‬ ‫جميعا‬ ‫ونرفض تدخل‬ ‫إيران في‬ ‫شؤون البلدان‬ ‫األخرى‬

‫‪,,‬‬

‫االتحاد العام للدول اإلسالمية سيشكل قوة كبيرة‪ .‬فاألمم‬ ‫املتحدة تنظيم صهيوني‪ ،‬والسبب أنه في هذا االتحاد توجد‬ ‫خمس دول لها حق «الفيتو» وال توجد بينها دولة واحدة‬ ‫مسلمة‪ .‬وأول قرارات األمم املتحدة كان االعتراف بإسرائيل‪ ،‬لقد‬ ‫طرد من بلغاريا في مدة ثالثة أشهر ثالثمائة وعشرون ألفا من‬ ‫املسلمني األتراك ولم تجتمع األمم املتحدة ولو مرة واحدة‪ .‬وكأن‬ ‫مهمة األمم املتحدة هي حماية من هم ضد املسلمني‪ .‬ولهذه‬ ‫األسباب فإن السلطان عبد الحميد الثاني لم يسمح بتكوين هذا‬ ‫االتحاد ألنها لعبة يهودية‪ ،‬وألنه سوف يمثل بريطانيا شخص‬ ‫يهودي األصل‪ ،‬كذلك فرنسا وغيرها‪.‬‬ ‫وبالتالي يجتمع خمسة يهود ويدعون بأن العالم يطلب قيام‬ ‫دولة إسرائيل‪ .‬واملفروض أن تشكل الدول اإلسالمية االتحاد‬ ‫العسكري فيما بينها ولو كان هناك اتحاد عام عسكري‬ ‫بني الدول اإلسالمية فهل كانت روسيا تستطيع الدخول في‬ ‫أفغانستان‪ ،‬وهل كانت إسرائيل تسيطر على الشرق األوسط‬ ‫وهل كان العالم يحاول استرجاع قبرص من األتراك‪ ،‬وهل كانت‬ ‫بلغاريا تستطيع تشريد ‪ 320‬ألف مسلم تركي‪ .‬يجب على‬ ‫الدول اإلسالمية تكوين السوق اإلسالمية املشتركة‪ ،‬والخطوة‬ ‫األخرى هي وحدة العملة اإلسالمية بمعنى إنشاء عملة موحدة‬ ‫مثل الدينار اإلسالمي للحصول على املواد التي تريد شراءها‬ ‫من الدول اإلسالمية‪.‬‬ ‫ثم هناك ضرورة تكوين الدول اإلسالمية وحدة الثقافة والعمل‬ ‫املشترك وهذا مهم بالنسبة إليهم‪ ،‬ألنه اليوم توجد في الدول‬ ‫اإلسالمية ‪ 500‬جامعة جميعها تشتغل ولكنها ال تستطيع أن‬ ‫تضع برامجها‪ ،‬مثال املختبرات التي تعمل هنا ليست لصالحنا‬ ‫بل تستفيد منها الشركة املوجودة في أميركا وصاحبها‬ ‫يهودي أي أننا نخدم الصهيونية‪.‬‬

‫اخلالف الرتكي ـ العربي‬

‫‪42‬‬

‫نجم الدين‬ ‫أربكان يتحدث‬ ‫إلى الزميل‬ ‫إلياس حرفوش‬

‫التفرقة فيما بينها فأسقطت الدولة العثمانية بهذا الشكل‪ .‬لم‬ ‫يكن قبل ألف سنة يوجد أي شكل من هذه األشكال واملسبب‬ ‫الوحيد لهذه التفرقة هو الصهيونية العاملية‪ .‬واملفروض أن يكون‬ ‫رؤساء الدول اإلسالمية متيقظني في هذه املواضيع‪ .‬والتفرقة‬ ‫التي أنتجوها هي منظمة ومبرمجة واليوم تفعل الصهيونية‬ ‫العاملية الشيء نفسه‪.‬‬ ‫وتحدث أربكان عن الدور الذي يريد لتركيا أن تلعبه في إطار‬ ‫العالم اإلسالمي‪ .‬وعن أسباب معارضة طلب الحكومة دخول‬ ‫تركيا إلى عضوية السوق األوروبية املشتركة‪ .‬وقال‪:‬‬ ‫ تركيا لها دور فعال في العالم اإلسالمي بسبب موقعها‬‫الجغرافي وعدد سكانها (‪ 60‬مليونا) وموقعها من أهم النقاط‬ ‫في العالم‪ ،‬وأكثر سكانها شباب ولديها رجال العلم في كافة‬ ‫املواضيع واملجاالت وهي متقدمة من الناحية الصناعية والتقنية‬ ‫وهي اآلن تصنع طائراتها ودباباتها‪ ،‬وفي الوقت نفسه لها‬ ‫جيش عدده في الحاالت العادية ‪ 500‬ألف وفي حاالت الطوارئ‬ ‫لها اإلمكانية بتكوين جيش من خمسة ماليني في بضعة أيام‬ ‫وهذه قوة كبيرة ومهمة طبعا‪ ،‬وتعني أن الدول اإلسالمية إذا‬ ‫كانت تريد أن تكون لها قوة في وجه الدول األخرى فيجب أن‬ ‫تكون مع تركيا‪ .‬وإذا انفصلت الدول اإلسالمية عن تركيا فإنها‬ ‫ال تستطيع الدفاع عن نفسها‪.‬‬ ‫إن تركيا عنصر من أهم الدول التي ال يمكن تركها‪ ،‬وهذا الوضع‬ ‫تعرفه الصهيونية العاملية‪ ،‬لذلك فإن من أهداف الصهيونية‬ ‫العاملية فصل تركيا عن العالم اإلسالمي‪ ،‬ولتحقيق هذا الهدف‬ ‫يحاولون إدخالها إلى السوق األوروبية املشتركة وتحويل‬ ‫أوروبا إلى دولة واحدة لها قوانينها املوحدة‪.‬‬

‫وسألت نجم الدين أربكان رأيه في الخالف الذي ظهر في آخر‬ ‫عهد الدولة العثمانية بني الحركة القومية العربية وما عرف آنذاك‬ ‫باسم حملة التتريك فقال‪:‬‬

‫والصهيونية العاملية تريد أن تشترك تركيا في السوق األوروبية‪،‬‬ ‫وبعد دخول تركيا ستدخل إسرائيل‪ ،‬معنى هذا أن تركيا مع‬ ‫إسرائيل سوف تشكالن دولة واحدة هدفها محاربة اإلسالم‬ ‫والعالم اإلسالمي‪.‬‬

‫ إن الصهيونية العاملية وجدت أنه من أجل قيام إسرائيل‬‫يجب إسقاط الدولة العثمانية‪ ،‬وإلسقاط الدولة العثمانية‪ ،‬يجب‬ ‫االبتعاد عن الدين اإلسالمي‪ ،‬فأدخلت التفرقة والشعوبية‬ ‫وبدأت التحركات الفاشية‪ ،‬فقسمت الدولة إلى قوميات ودخلت‬

‫هذه هي خطة الصهيونية العاملية‪ ،‬لسحب تركيا إلى جانبهم‪،‬‬ ‫ومع األسف الشديد فإن حزب الرفاه هو الوحيد الذي يحارب‬ ‫ضدهم‪ ،‬وبقية األحزاب الثالثة تبيع الشعب‪ .‬وإلى اآلن لم نشاهد‬ ‫في العالم دولة فعلت مثلما فعل أوزال وحزبه بتركيا‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬


‫ثانيا‪ :‬االنسجام بني الشعب والدولة‪ ،‬وأن الدولة ليست للتحكم‬ ‫بل لخدمة الشعب‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬ارتفاع مستوى الشعب معنويا‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬التقدم بالقوة الذاتية ودون أخذ املساعدات من الغير‪،‬‬ ‫وهذا يكون بتأسيس الصناعات الثقيلة‪ ،‬وتأسيس النظام‬ ‫االقتصادي من جديد بصورة عادلة‪ ،‬وقيام أسس مميزة‬ ‫للسياسة الخارجية‪ ،‬دون أن نكون أسرى الدول األوروبية‪ ،‬ولذا‬ ‫يجب تأسيس سوق الدول اإلسالمية وتطوير العالقات مع‬ ‫الدول اإلسالمية إلى أقصى حد‪.‬‬ ‫> وأضاف‪:‬‬

‫ إن الشعب التركي خدم العالم اإلسالمي خدمة مهمة وذلك‬‫منذ ألف سنة‪ ،‬تركيا عملت ألف سنة حارسا للمسلمني‪ ،‬واليوم‬ ‫يعيش فيها ستون مليون مسلم‪ .‬ومهمة حزب الرفاه هي تمثيل‬ ‫وجهة نظر الشعب التركي منذ ألف عام‪ ،‬التي تقوم على أسس‬ ‫الحق والعدالة‪ .‬ولكن الصهيونية رأت شعبنا منافسا لها‪ ،‬ألن‬ ‫الصهيونية تريد أن تحول العالم إلى أسير لها‪ .‬ولكن شعبنا‬ ‫مرتبط بالحق والعدالة‪ ،‬وال يسمح بأن يكون أسيرا ألي جهة‪،‬‬ ‫ويطالب بإعطاء الحق ألصحابه‪ .‬رأت الصهيونية أن شعبنا‬ ‫املسلم يقف في طريقها‪ ،‬وإلزالة هذا املانع عملت واستخدمت‬ ‫وهي اآلن مستمرة باستعمال كافة الوسائل والطرق لكي تجعل‬ ‫شعبنا أسير الثقافة األوروبية‪ ،‬وتحاول إبعادنا عن عاداتنا‬ ‫وثقافاتنا‪ ،‬وباألخص أصبحت تعمل في العصرين األخيرين‬ ‫على زرع األفكار األوروبية في رؤوسنا‪.‬‬ ‫واليوم نسي الشعب التركي ثقافته وتقاليده‪ ،‬وأصبح يقلد‬ ‫الدول األوروبية والسبب الوحيد هو الصهيونية واألمراض التي‬ ‫جلبتها لنا‪ ،‬ولهذا توجد اآلن في البرملان التركي ثالثة أحزاب‬ ‫لها أصوات وجميعها مقلد للدول األوروبية‪ ،‬وحزب الرفاه يمثل‬ ‫وجهة نظر الشعب وبرنامج حزب الرفاه يختلف عن وجهة نظر‬ ‫وبرنامج بقية األحزاب من الناحية االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والسياسية‪ ،‬وله وجهة نظر خاصة لحل هذه املشاكل وهي‬ ‫وجهة نظر الشعب التركي‪.‬‬ ‫> وعرض أربكان موقفه من انتخابات رئاسة الجمهورية وأسباب‬ ‫معارضته انتخاب الرئيس تورغوت أوزال لهذا املنصب فقال‪:‬‬

‫ الدستور يؤكد على املساواة بني املواطنني‪ .‬ورئيس الجمهورية‬‫يجب أن يمثل وحدة الشعب ولذلك يجب أن ينتخب بتصويت‬ ‫األغلبية‪ .‬والذي حصل في مجلس النواب هو عملية لعب وغش‪.‬‬ ‫فقد وصل حزب أوزال إلى املجلس بعد الحكم العسكري وبعدما‬ ‫منعوا حزب الرفاه وبقية األحزاب من املشاركة في االنتخابات‪.‬‬ ‫وبعد دخوله البرملان غير قوانني االنتخابات ‪ 12‬مرة خالل ست‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫لقد حصل حزب الرفاه في االنتخابات األخيرة على مليونني‬ ‫ومائتي ألف صوت أي ما يعادل ‪ 10‬في املائة من أصوات الناخبني‪.‬‬ ‫ومع ذلك لم نحصل على مقعد واحد في البرملان‪ .‬بينما حصل‬ ‫حزب أوزال على ‪ 20‬في املائة من األصوات واستولى في املقابل‬ ‫على ‪ 66‬في املائة من مقاعد البرملان‪ .‬وهكذا جعل أوزال القوانني‬ ‫االنتخابية في خدمة ترشيحه لرئاسة الجمهورية‪.‬‬ ‫إن الحكم في تركيا اآلن هو في يد أوزال وعائلته‪ .‬وعندما‬ ‫يدخل أوزال قصر «تشانكايا» (القصر الجمهوري) ويجلس‬ ‫على كرسي الرئاسة‪ ،‬فإنه سيجلس فوق قنبلة‪ .‬ألنه بعد فترة‬

‫نجم الدين أربكان‬

‫قصيرة ستكون هناك انتخابات عامة وسوف تدخل إلى‬ ‫البرملان أكثرية معارضة ألوزال‪.‬‬ ‫وسيسقط من الرئاسة‪ ،‬إن تركيا في حالة مضطربة من الناحية‬ ‫االقتصادية والتضخم املالي‪ .‬وهناك املشاكل مع بلغاريا وفي‬ ‫جنوب شرق األناضول وقضية قبرص‪ .‬وكل هذه املشاكل‬ ‫تجعل الشعب في حالة يأس‪.‬‬ ‫وفي االنتخابات املقبلة سيدخل حزب الرفاه إلى البرملان‪.‬‬ ‫وسيكون لذلك أهمية كبيرة ألن األحزاب الكبيرة لن تستطيع‬ ‫تشكيل حكومة بمفردها وستحتاج إلى دعمنا الذي سيكون‬ ‫مشروطا بتطبيق برنامجنا‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪41‬‬


‫أرشيف‬

‫ليس نجم الدين أربكان اسما عاديا في تركيا وال هو مجرد زعيم لحزب سياسي هو حزب «الرفاه»‪ .‬فأربكان يمثل‬ ‫ويقود تيارا سياسيا وشعبيا يدعو إلى عودة تركيا إلى انتمائها الحقيقي إلى العالم اإلسالمي وابتعادها عن‬ ‫السعي إلى دخول نادي الدول الغربية‪ .‬وهو بهذا املعنى يعتبر نقيضا للتوجه السياسي الذي تقوم عليه الجمهورية‬ ‫التركية الحديثة كما وضع أسسها أتاتورك قبل أكثر من ستني سنة‪.‬‬

‫الزعيم التركي نجم الدين أربكان يتحدث إلى «املجلة»‪:‬‬

‫هدف الصهيونية فصل تركيا عن العالم اإلسالمي‬ ‫بإدخاهلا السوق األوروبية املشرتكة‬ ‫«املجلة»‬ ‫العدد ‪511‬‬ ‫‪1989 -11- 28‬‬ ‫أنقرة‬ ‫إلياس حرفوش‬

‫لهذا السبب يجري اسم نجم الدين أربكان همسا على‬ ‫األلسن في النوادي السياسية‪ .‬ويحسب الجميع ملوقفه‬ ‫ألف حساب‪ .‬وتتخوف مختلف القيادات السياسية من‬ ‫تأثير قيادته وشعبيته في الشارع التركي‪ .‬وهذا ما حصل في‬ ‫االنتخابات املحلية األخيرة‪ ،‬في الربيع املاضي‪ ،‬التي بلغت نسبة‬ ‫مؤيدي أربكان فيها ‪ 20‬في املائة في بعض املناطق الجنوبية‬ ‫الشرقية‪ ،‬حيث يتمتع بنفوذ سياسي وشعبي كبيرين‪.‬‬ ‫واستطاع أن يسيطر على رئاسة عدد من البلديات في مختلف‬ ‫املناطق التركية‪ ،‬تجاوز تلك التي سيطر عليها حزب الوطن األم‬ ‫الذي يقوده أوزال‪ .‬وبلغت نسبة األصوات التي حصل عليها‬ ‫حزب أربكان في بعض املدن‪ ،‬مثل إسطنبول (أكبر مدن تركيا)‬ ‫‪ 15‬في املائة‪.‬‬ ‫وقد أحدث تقدم هذا الحزب بصورة مفاجئة انقالبا سياسيا‬ ‫في تركيا‪ ،‬عكسته تغطية الصحف التركية واألجنبية لهذا‬ ‫الحدث‪ ،‬الذي وصفه بأنه «ظاهرة سياسية»‪ .‬وذكرت الصحف‬ ‫في تعليقاتها أن املعركة الداخلية تطورت إلى الحد الذي أصبح‬ ‫فيه الصراع بني االنتماء اإلسالمي واالنتماء األوروبي صراعا‬ ‫مكشوفا تظهر آثاره بوضوح من خالل صناديق االقتراع‪.‬‬ ‫وقد سبق أن وصل نجم الدين أربكان في سلم املناصب‬ ‫الحكومية إلى منصب نائب رئيس الحكومة‪ .‬وهو يتمتع بنفوذ‬ ‫سياسي كبير في املناطق الجنوبية الشرقية واملناطق الوسطى‬ ‫من تركيا‪ ،‬حيث يسيطر حزبه اآلن على خمس بلديات كبرى‬ ‫(بعد االنتخابات املحلية األخيرة)‪ ،‬من بينها مدينتا قونيا‬ ‫واورفه‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫الزراعة ممثال لحزب أربكان في إحدى الحكومات االئتالفية‬ ‫التي كانت برئاسة بولند اجيفيت‪.‬‬ ‫والنظر إلى أهمية موقف نجم الدين أربكان في الصراع السياسي‬ ‫الدائر اآلن في تركيا‪ ،‬فقد ذهبت إليه «املجلة» في مكتبه بمقر‬ ‫حزب الرفاه في أنقرة‪ ،‬تحاوره في مبادئه السياسية وفي موقفه‬ ‫من األوضاع في تركيا وعالقاته بالعالم اإلسالمي‪ .‬وهذا نص‬ ‫الحوار‪.‬‬ ‫> بدأت الحديث بسؤال البروفسور أربكان عن سبب اختياره اسم‬ ‫الرفاه (تعني بالعربية االزدهار) لحزبه‪ .‬فقال‪:‬‬

‫ السبب أن «الرفاه» تعني التقدم معنويا وماديا‪ ،‬ولكي تتقدم‬‫الدولة ويكون شعبها سعيدا فيجب أن تتقدم من الناحية املادية‬ ‫واملعنوية وبسبب أخذ حزبنا بارتفاع مستوى الحياة معنويا‬ ‫وماديا أطلقنا اسم «الرفاه» وهذا املوضوع يوجد في برنامج‬ ‫الحزب‪.‬‬ ‫إن الصهيونية رأت شعبنا عائقا في طريقها‪ ،‬لذا أرادت أن‬ ‫تجعله مقلدا للدول األوروبية‪ .‬حزب الرفاه يمثل وجهة نظر‬ ‫الشعب التركي وليس مقلدا للدول األوروبية مثل بقية األحزاب‬ ‫الثالثة‪ .‬لهذا فإن برنامجنا ضد اإلمبريالية وضد مقلدي الدول‬ ‫األوروبية‪ .‬أوزال وديميريل مقلدان للنظام املوجود في الدول‬ ‫األوروبية‪.‬‬ ‫واينونو مقلد لليساريني في الدول األوروبية وأخذ يقلد أحزاب‬ ‫الديمقراطية االجتماعية أو االشتراكية‪ .‬وهكذا فإن كل األحزاب‬ ‫التركية تقلد األحزاب األوروبية‪ .‬أما بالنسبة إلى حزب الرفاه‬ ‫فهو ال رأسمالي وال شيوعي بل نظام خاص‪.‬‬

‫وأربكان من مواليد سينوب على البحر األسود‪ .‬وكان والده‬ ‫محافظا ملدينة قونيا التي تعتبر موقعا مهما لنفوذ التيارات‬ ‫اإلسالمية‪ .‬ويمكن القول إشارة إلى أهمية موقع‬ ‫أربكان على الخريطة السياسية إن الرئيس التركي‬ ‫تورجوت أوزال سبق أن كان أحد مرشحي حزب‬ ‫أربكان في إحدى االنتخابات العامة (سنة ‪.)1977‬‬

‫والنظام االقتصادي في برنامجنا نظام جديد‪ ..‬ال يوجد في‬ ‫نظامنا الربا‪ ،‬وال يوجد في نظامنا ضرائب تفرض على الفقراء‬ ‫لتعطى إلى األغنياء‪ ،‬والثقافة التي ندافع عنها يعود تاريخها‬ ‫إلى ألف سنة‪ .‬أما الخصائص التي توجد في برنامجنا فمنها‪:‬‬

‫كما أن شقيق أوزال‪ ،‬كوركوت‪ ،‬شغل مرة منصب وزير‬

‫أوال‪ :‬إن مجموع سكان الجمهورية التركية الستني مليونا إخوان‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬


‫إلى الفقراء‪ ،‬باالستهداف القطاعي واالستهداف الجغرافي للريف‬ ‫واملناطق النائية والفقيرة‪ ،‬واالستهداف السلعي كاألغذية والتعليم‬ ‫والدواء‪.‬‬ ‫وهكذا يمكن بوضوح مالحظة الفارق الهائل بني وجهات اإلنفاق‬ ‫املزعومة تجاه الفقر في بالد كثيرة‪ ،‬ومنها بالدنا‪ ،‬وبني وجهة العالم‬ ‫وتفكيره‪ ،‬ويمكن ببساطة تقدير أنها نفقات على ضخامتها‪ ،‬وهي‬ ‫باملناسبة أرقام كبيرة جدا‪ ،‬ال تنقص من الفقر شيئا إن لم تزده‪،‬‬ ‫وأنها تندرج ضمن أعمال تسلية األغنياء واملتنفذين وإمتاعهم‪.‬‬

‫استراتيجية األمن والتمكني‬ ‫وفي أوائل القرن الجديد اقترح البنك الدولي استراتيجية تعتمد على‬ ‫ثالثة مبادئ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعزيز إتاحة الفرص بتوفير الوظائف واالئتمان والطرق والكهرباء‬ ‫واألسواق واملدارس واملياه والصرف الصحي والخدمات الصحية‪.‬‬ ‫وتتضمن مشروعات تعزيز الفرص أيضا املساواة وتشجيع‬ ‫االستثمار ومكافحة الفساد والعدل وسيادة القانون الشفافية‬ ‫وتكوين بيئة أعمال واضحة والتصدي للبيئة القائمة على الرشوة‬ ‫واالحتكار وتقديم الدعم املالي لكبار املستثمرين وعقد الصفقات‬ ‫الخاصة وتشجيع املؤسسات الصغيرة وحمايتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬التمكني‪ :‬بالتفاعل بني العمليات السياسية واالجتماعية والعمليات‬ ‫املؤسسية األخرى لتقوية مشاركة الفقراء في العمليات السياسية‬ ‫واتخاذ القرارات على املستوى املحلي وإزالة الحواجز االجتماعية‬ ‫القائمة على الجنس أو العرق‪.‬‬ ‫‪ -3‬األمن االقتصادي واألمن من الكوارث واملرض والعنف وإدارة‬ ‫مخاطر الصدمات التي يتعرض لها االقتصاد والفقراء‪ ،‬وتتلخص‬ ‫إجراءات تحقيق األمن في مساعدة الفقراء على مواجهة املخاطر‬ ‫الطبيعية كالفيضانات واالنهيارات والزالزل واألعاصير والجفاف‬ ‫والبراكني‪ .‬واملخاطر الصحية‪ :‬مرض‪ ،‬وباء‪ ،‬عجز‪ ،‬وشيخوخة‪.‬‬ ‫واملخاطر االجتماعية‪ :‬جريمة‪ ،‬عنف‪ ،‬إرهاب‪ ،‬عصابات‪ ،‬حروب‬ ‫ونزاعات‪ .‬واملخاطر االقتصادية‪ :‬بطالة‪ ،‬قصور املحاصيل‪ ،‬ارتفاع‬ ‫األسعار وتغيرها‪ ،‬انهيار النمو‪ ،‬التضخم‪ ،‬التحوالت التكنولوجية‪،‬‬ ‫والتداعيات املرافقة للتحوالت االقتصادية‪.‬واملخاطر السياسية‪:‬‬ ‫أعمال شغب‪ ،‬تقصير سياسي‪ ،‬وانقالبات عسكرية‪ .‬واملخاطر‬ ‫البيئية‪ :‬تلوث‪ ،‬تصحر‪ ،‬إزالة الغابات‪ ،‬وكوارث نووية‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬فإن وجهة األمم املتحدة والبنك الدولي في مكافحة الفقر‬ ‫تمضي نحو تمكني املجتمعات وإسناد الخدمات العامة إليها‬ ‫ومشاركتها في اإلدارة والحكم‪ ،‬وهي وجهات ومفاهيم تمضي‬ ‫بنا إلى مرحلة اجتماعية وحضارية لطاملا كانت موضع تجاهل‬ ‫ونسيان‪ ،‬أو هي ببساطة عصر املجتمعات‪.‬‬ ‫ثمة فجوة واسعة في مستوى املعيشة واإلنفاق وفي عدالة التوزيع‬ ‫ووجهات وأغراض اإلنفاق العام واالستثمار‪ ،‬وقد أصبحت الفجوة‬ ‫مقياسا محددا ومقروءا في التقارير الدولية والوطنية‪ ،‬الفجوة بني‬ ‫أغنى خمس وأفقر خمس في الدخل ومستوى املعيشة والحصة‬ ‫من املوارد العامة‪ ،‬والفجوة بني الذكور واإلناث في الفرص‬ ‫والوظائف والتمكني‪ ،‬والفجوة بني األجيال والفئات االجتماعية‬ ‫واملهنية والحرفية‪ ،‬والفجوة بني املحافظات واملناطق‪ ،‬والفجوة بني‬ ‫الريف واملدن‪ ،‬والفجوة في استخدام التقنية‪ ،‬والفجوة في التعليم‬ ‫والحريات والوصول إلى املعلومات واملشاركة في املوارد والقرارات‬

‫والحياة السياسية والعامة والقدرة على التأثير‪ ،‬والفجوة بني الدول‬ ‫الفقيرة والغنية‪ .‬وبالطبع فإن الفجوة في فكرتها األساسية تمثل‬ ‫دليل عمل للتنمية واإلصالح وتوجيه اإلنفاق واملشروعات‪ ،‬ولكن ذلك‬ ‫ليس دائما فكرة صائبة يجب اتباعها‪ ،‬أو لنقل بدقة ما هي الفروق‬ ‫والفجوات التي يجب تتبعها؟ وأيضا أين ومتى وكيف يجب إدارة‬ ‫الفجوة؟ فقد أدت املتابعة الدائمة ملنجزات ومستوى الحياة والتقنية‬ ‫لدى اآلخرين إلى ضياع األولويات‪ ،‬وهدر منجزات وأساليب إنتاج‬ ‫وحياة معقولة وقليلة التكلفة لتحل مكانها أنماط من العمل واملوارد‬ ‫أكثر تكلفة‪ ،‬وتؤدي إلى زيادة الواردات‪ ،‬وتداعيات اجتماعية وثقافية‬ ‫مرهقة ومكلفة‪.‬‬ ‫التوسع الكمي والعشوائي في التعليم‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أدى إلى‬ ‫تدمير الزراعة والحرف واملشروعات الريفية واألعمال الصغيرة‪،‬‬ ‫والهجرة الواسعة من الريف إلى املدن‪ ..‬كيف نحافظ على الزراعة‬ ‫والسكان في الريف‪ ،‬وفي الوقت نفسه نجعل من الزراعة والريف‬ ‫جاذبة للناس واألجيال؟ وبالطبع ليس املطلوب التمسك الطوباوي‬ ‫والرومانسي أو اآليديولوجي بأنماط سابقة لإلنتاج والعمل‬ ‫والحياة‪ ،‬ولكن كيف نحافظ على مواردنا وأساليبنا التقليدية‬ ‫واملتاحة واملمكنة في العمل والحياة ونجعلها مالئمة للتطلعات‬ ‫الجديدة واملتجددة للحياة واللحاق باآلخرين واقتباس ما لديهم‬ ‫من فرص وتقنيات‪ ،‬من غير أن ندمر ما لدينا‪ .‬فنعلم أن الناس‬ ‫كانت تتدبر معيشتها في الغذاء والطعام واملسكن واللباس‬ ‫والدواء‪ ،‬وتنشئ في ذلك تقنيات وأساليب ومهارات وخبرات‬ ‫وتجارب كثيرة‪ ،‬وكون هذه املنتجات الحضارية أقل مستوى‬ ‫وجاذبية مما أنتجته الحضارة املتقدمة ال يعني االستغناء عنها‪،‬‬ ‫أو أنها ال تصلح‪ ،‬فهذه املنتجات تكون على قدر من التقدم يتفق‬ ‫مع املستوى الحضاري والفكري ألصحابها‪ ،‬وليس ألنها بذاتها‬ ‫عاجزة أو متخلفة‪ ،‬وهنا يفترض أن تكون برامج وأفكار سد‬ ‫الفجوة أو تقليلها تقوم على اقتباس وتهجني هذه املنتجات‬ ‫واألعمال وإعادة إنتاجها وفق الخبرات والتقنيات التي أمكن‬ ‫حضارات ومجتمعات ودوال أخرى إنجازها <‬

‫القطن‪ ..‬نبات االماكن الحارة‬

‫‪,,‬‬

‫هناك أزمة‬ ‫مائية ضاغطة‪..‬‬ ‫ولكننا نحتاج‬ ‫إلى مالحظة‬ ‫العالقة بني‬ ‫األزمة املائية‬ ‫وأسلوب الحياة‬ ‫فاملجتمعات‬ ‫تشكل بنفسها‬ ‫أنظمتها‬ ‫االقتصادية‬

‫‪,,‬‬

‫* باحث وكاتب أردني‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪39‬‬


‫اقتصاد‬

‫السكان واملناطق في أنحاء واسعة من العالم‪ ،‬ولذلك فإن البنك الدولي‬ ‫أعاد تعريف الفقر ومفهومه ليشمل املشاركة العامة والسياسية‬ ‫والحريات والقدرة على إسماع الصوت والعدالة في اإلنفاق الحكومي‬ ‫وتوزيع املوارد العامة للدولة على االحتياجات واألولويات واملناطق‬ ‫توزيعا عادال‪ ،‬والتعرض للمخاطر كاملرض وقلة الدخل والعنف‬ ‫والجريمة والكوارث واالنتزاع من املدارس‪.‬‬ ‫من الواضح أنه تعريف يختلف إلى درجة التناقض مع فكرة‬ ‫ومشروعات تقديم املساعدات للفقراء‪ ،‬ويقتضي حتما أن مكافحة‬ ‫الفقر هي عملية صراع ونضال لتحقيق العدالة االجتماعية واملشاركة‬ ‫في القرارات العامة والسياسية وتوزيع املوارد العامة توزيعا عادال‬ ‫على الفئات السكانية واالجتماعية والجغرافية‪.‬‬

‫حفنات من حبوب القمح‬

‫‪,,‬‬

‫الدور املطلوب‬ ‫من الدولة هو‬ ‫إنشاء بيئة من‬ ‫التشريعات‬ ‫واملؤسسات‬ ‫التي تشجع‬ ‫اإلنتاج‬ ‫والعمل‪..‬‬ ‫واملجتمعات‬ ‫تتحمل‬ ‫مسؤولية‬ ‫املشاركة‬

‫‪,,‬‬

‫‪38‬‬

‫الغذاء البشري‪ ،‬علما بأنه يمكن أيضا إنتاج أغذية بشرية مستمدة‬ ‫من نباتات تروى بمياه البحر‪.‬‬ ‫بالطبع هناك أزمة مائية ضاغطة‪ ،‬ولكن نحتاج إلى مالحظة‬ ‫العالقة بني األزمة املائية وأسلوب الحياة‪ ،‬فاملجتمعات تشكل‬ ‫بنفسها أنظمتها االقتصادية ومواردها حول أو قريبا من املاء أو‬ ‫في أماكن فرص تجميعها والحصول عليه‪ ،‬ويمكنها بعد ذلك أن‬ ‫تنشئ منظومة اقتصادية واسعة في املكان‪ ،‬فإذا كانت تقيم في‬ ‫البادية على سبيل املثال‪ ،‬فإنها تنشئ املراعي والزراعات العلفية‬ ‫والصناعات الغذائية القائمة على املواشي‪ ،‬وتطور في أنظمة الري‬ ‫والطاقة الشمسية‪ ،‬وتحلية املياه‪ ،‬والري بمياه البحار على النحو‬ ‫الذي يعظم الزراعة ويفعلها‪ ،‬وتختار من أنواع الزراعة والصناعات‬ ‫ما يتفق مع فرص الحصول على املاء ونوعيته‪ ،‬وتستخدم املواد‬ ‫املتاحة في أنظمة بناء أقل تكلفة وأكثر مالءمة للمناخ‪ ،‬وبمرور الزمن‬ ‫وتراكم املنجزات تتشكل مدن وجامعات ومراكز دراسات وحياة‬ ‫اقتصادية واجتماعية وثقافية متطورة تجعل من الصحراء موردا‬ ‫معرفيا وزراعيا وغذائيا‪ ،‬ثم سياحيا‪.‬‬ ‫وفي املناطق الجبلية يمكن إنشاء بلدات تقوم على زراعة األشجار‬ ‫املثمرة والغابات‪ ،‬وتنشأ بطبيعة الحال حولها صناعات غذائية‬ ‫وخشبية ودوائية‪ ،‬وتكيف أيضا أساليب الحياة والبناء على النحو‬ ‫الذي يجعل البيئة املحيطة موردا كبيرا‪ ،‬فالصناعات الخشبية يمكن‬ ‫أن تكون أساسا القتصاديات واسعة وهائلة في البناء واألثاث‪،‬‬ ‫وتخفيض االعتماد على اإلسمنت والحديد غير املتجددين وغير‬ ‫املتوافرين أيضا‪ ،‬فتقام مبان بتكلفة أقل وبموارد متجددة‪ ،‬وتبقى‬ ‫البيئة في حالة من النمو املتواصل وليس النزف والتلوث والتدمير‪.‬‬

‫الفقر هو ضعف املشاركة في املوارد والقرارات‬ ‫لم يعد النظر إلى الفقر باعتباره النقص في املوارد واالحتياجات‬ ‫األساسية تعريفا يصلح لفهم أو حل إشكالية الفقر والتفاوت‬ ‫والظلم االجتماعي واالقتصادي املتفاقمة‪ ،‬والتي تشمل غالبية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫وهو مفهوم تؤيده أيضا تقارير وإحصاءات البنك الدولي واألمم‬ ‫املتحدة عن التفاوت في الحصص من االقتصاد واإلنفاق العام‬ ‫ومشاركة املرأة وتمكني املجتمعات‪ ،‬فالفقر املرتبط بانخفاض الدخل‬ ‫هو أحد أوضاع الفقر وليس كلها‪ ،‬ولكن من املؤكد أن الحالة املزرية‬ ‫للناس تعود إلى عجزهم عن إيصال صوتهم‪ ،‬وإدارة مواردهم‬ ‫وضرائبهم على النحو الذي يعود عليهم بالتنمية والتقدم‪ ،‬ذلك أن‬ ‫التقارير الدولية تؤشر إلى أن الضرائب واملوارد العامة يستفيد‬ ‫منها األغنياء واملتنفذون‪ ،‬وتحرم منها فئات اجتماعية وسكانية‬ ‫واسعة‪ ،‬وقد يشمل هذا الحرمان في بلد مثل األردن أكثر من‬ ‫‪ 70‬في املائة من السكان‪ ،‬فيكون بعد ذلك الحديث عن املساعدات‬ ‫واملعونات املقدمة للفقراء زيادة في إهانتهم وإفقارهم وحرمانهم‪،‬‬ ‫ألنها عمليات وإن كانت مستترة بالشفقة والتنمية والحرص تنطوي‬ ‫على إضعاف املشاركة العامة وغض الطرف عن التفاوت في اإلنفاق‬ ‫العام والفساد اإلداري واملالي‪ ،‬وضعف بل انهيار الخدمات العامة‬ ‫وإسكات الناس وجذب تأييدهم ضد مصالحهم‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫يمكنهم الحكم الرشيد واإلدارة الصحيحة للخدمات العامة من‬ ‫الخروج من الفقر من غير مساعدة‪ ،‬وهو ما يدعو إلى الريبة في‬ ‫النشاط الزائد واملحموم تجاه مساعدة الفقراء مع التقاعس عن رفع‬ ‫سوية املؤسسات الخدمية واملرافق العامة‪ ،‬كيف تصدق هذه الجهود‬ ‫الرسمية والدولية ملساعدة الفقراء في الوقت الذي يدير فيه القائمون‬ ‫على هذه املساعدات عمليات احتكار واسعة للفرص واملوارد العامة‪،‬‬ ‫ويمنعون التنافس العادل على الوظائف واألعمال‪ ،‬ويدفعون على‬ ‫نحو واع ومبرمج املؤسسات التعليمية والصحية واالجتماعية إلى‬ ‫االنهيار؟‬ ‫يعرض تقرير البنك الدولي نسبة حصة أغنى ‪ 20‬في املائة إلى أفقر‬ ‫‪ 20‬في املائة من السكان في دول العالم من اإلنفاق العام‪ ،‬ثم يالحظ‬ ‫التفاوت في اإلنفاق العام بني األغنياء والفقراء في الصحة والتعليم‬ ‫في كل بلد‪ ،‬وبذلك يمكن االستنتاج ببساطة وبداهة أن مكافحة‬ ‫الفقر تكون بإعادة توجيه اإلنفاق على النحو الذي يحقق التوازن‬ ‫والعدالة‪ ،‬ومن ثم فإن العروض اإلعالمية التي تغرقنا بها مؤسسات‬ ‫وشخصيات أنيقة ومعزولة عن املساعدات تبدو بوضوح عديمة‬ ‫الفائدة إال ألغراض تحقيق املتعة والتسلية للجهات والشخصيات‬ ‫املانحة‪.‬‬ ‫وينفق املواطنون نسبة كبيرة من دخولهم على االحتياجات‬ ‫األساسية املفترض أن توفرها الدولة‪ ،‬ففي األردن على سبيل‬ ‫املثال يستهلك اإلنفاق على الصحة والتعليم معظم دخول الطبقات‬ ‫الوسطى بسبب ضعف وفساد املؤسسات التعليمية والصحية‪ ،‬وفي‬ ‫موريتانيا ينفق الفقراء ‪ 20‬في املائة من دخلهم للحصول على املياه‬ ‫بسبب ضآلة البنية األساسية للمياه‪ .‬ومن املمكن حتى عندما يتعذر‬ ‫تحديد الفقراء فرادى بواسطة الوسائل اإلدارية تصميم الدعم ليصل‬


‫الخشبية أكثر مما ينتج العرب جميعهم‪ ،‬وليس ما يمنع أن تتحول‬ ‫الغابات في الوطن العربي إلى بيئة من األعمال والصناعات‪ ،‬وتطور‬ ‫املراعي لتشكيل بيئة من الثروة الحيوانية تكفي االحتياجات الغذائية‬ ‫والتصديرية أيضا‪ ..‬واملؤسسات والقطاعات واالحتياجات‪.‬‬ ‫هناك بالطبع إنجازات وقفزات تنموية كبرى في بعض الدول العربية‪،‬‬ ‫ولكنها لألسف الشديد نجاحات محدودة تكون كبيرة عند النظر‬ ‫إلى مستوى دولة ما‪ ،‬ولكن بالنظر إليها على مستوى إقليمي فإنها‬ ‫تضيع‪ ،‬وأعتقد أنه ال مفر من النظر إلى املنطقة العربية باعتبارها‬ ‫إقليما جغرافيا متواصال ومتشابكا مع بعضه‪ ،‬بل إن أوروبا ترى‬ ‫نفسها شريكة مع دول املتوسط ألجل األسواق واملصالح واألمن‬ ‫واالعتدال‪.‬‬

‫موارد ال تنشئ التقدم‬ ‫ال شك في أن االستثمارات األجنبية هي موارد إضافية للبالد‬ ‫واملجتمعات‪ ،‬ولكننا في أحيان كثيرة نحولها إلى أداة للنزف وهدر‬ ‫املوارد بدال من زيادتها‪ ،‬وبخاصة إن لم ترتبط باالحتياجات‬ ‫واألولويات الحقيقية‪ ،‬وهي في حالتنا الراهنة تحويل الصحارى‬ ‫والجبال والسهول إلى بيئة اقتصادية وإنتاجية‪ ،‬يتجمع فيها الناس‬ ‫وليس السياح حول مصالحهم‪ ،‬وإقامة غابات ومراع ال لتكون‬ ‫مجمعات من الفيلالت واملنتجعات السياحية‪ ،‬ولكن لتقوم حولها‬ ‫صناعات غذائية ودوائية وخشبية‪ ،‬تقلل من الواردات الغذائية‪ ،‬وتعيد‬ ‫صوغ أساليب البناء لتكون أقل تكلفة وبموارد متاحة ومتجددة‪،‬‬ ‫فالصحراء قدرنا‪ ،‬ويجب أن نفكر كيف نعمرها‪ ،‬ونحولها إلى بيئة‬ ‫تجتذب معظم املواطنني مثلما هي تشكل معظم مساحة البالد‪.‬‬ ‫نتحدث في األردن ‪ -‬وهو مثال قابل للتعميم ‪ -‬عن الطاقة النووية‬ ‫بما تحتاج إليه من موارد وتقنيات مستوردة ومياه غير متوافرة‪،‬‬

‫ونحن نملك موارد هائلة من الشمس يمكن أن تعوضنا معظم ‪-‬‬ ‫جميع ما ننفقه على الطاقة‪ ،‬ويشكل معظم واردات البلد ويستنزف‬ ‫معظم ناتجه القومي‪ ،‬ونتحدث عن االستثمارات األجنبية ونحن‬ ‫نملك فرصا متاحة لنهضة قائمة على الغابات والبوادي والزراعة‪،‬‬ ‫وبخاصة أن األردن يستورد أكثر من ‪ 90‬في املائة من احتياجاته‬ ‫الغذائية‪ ،‬بل تحول األراضي الزراعية الخصبة وأحواض املياه‬ ‫الجوفية إلى أحياء سكنية وطرق ومبان‪ ،‬وتترك أراض أخرى تصلح‬ ‫للبناء والسكن‪.‬‬ ‫يمكن بقدر قليل من البداهة والنظر في مشكلتنا االقتصادية‬ ‫واملائية مالحظة أن األزمة ليست متعلقة بندرة املياه ولكن بإدارتها‪،‬‬ ‫وبأسلوبنا في تشكيل حياتنا وعالقاتنا بمواردنا‪ ،‬فيمكن مثال‬ ‫باالعتماد على مياه األمطار فقط إقامة زراعات حقلية وشجرية‬ ‫مثمرة وحرجية وعلفية واسعة في مناطق كثيرة جبلية وسهلية‬ ‫وصحراوية أيضا‪ ،‬ويمكن بإدارة وتجميع هذه املياه توفير فرص‬ ‫كافية للري والشرب للتجمعات السكانية واالقتصادية‪.‬‬ ‫وهناك رغم األزمة املائية هدر مائي كبير‪ ،‬ويمكن باملحافظة على‬ ‫هذه املوارد وإدارتها توفير مجاالت واسعة للري والشرب أيضا‪،‬‬ ‫ويمكن أيضا بحماية املصادر واألحواض املائية واألودية والسيول‬ ‫وتجنيبها الطرق والبيوت واملباني‪ ،‬حماية هذه املصادر واملحافظة‬ ‫عليها‪ ،‬ويمكن بمعالجة مياه الصرف الصحي معالجة أفضل‬ ‫ومتقدمة إعادة تدوير استخدامها‪.‬‬ ‫ويمكن بالطاقة الشمسية إقامة مشروعات واسعة للطاقة ولتحلية‬ ‫مياه البحر‪ ،‬ويمكن بتطوير وسائل الري تقليل الكميات الالزمة‬ ‫للري‪ ،‬ويمكن مراقبة تنظيم وتخطيط التجمعات السكنية وفق‬ ‫املياه ووفرتها كما هو في التاريخ والجغرافيا‪ ،‬وهناك أيضا فرص‬ ‫لزراعات صحراوية تروى بمياه البحر‪ ،‬وبخاصة إلنتاج األعالف أو‬ ‫الزراعة ألجل إنتاج الطاقة‪ ،‬وبذلك يمكن توفير املياه العذبة إلنتاج‬

‫مزارع مصري يجمع علف املاشية في‬ ‫احد الحقول بمحافظة البحيرة‬

‫‪,,‬‬

‫عادت الزراعة‬ ‫من جديد‬ ‫لتكون القضية‬ ‫الرئيسة الكبرى‬ ‫للعالم‪ ..‬ورأينا‬ ‫بوضوح كيف‬ ‫أن الغذاء‬ ‫يمثل التحدي‬ ‫الرئيس للعالم‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪37‬‬


‫اقتصاد‬

‫كيف نحافظ على الزراعة والريف‪ ،‬ونجعل منها جاذبة للناس واألجيال؟ كيف نحافظ على مواردنا وأساليبنا‬ ‫التقليدية واملتاحة واملمكنة في العمل والحياة ونجعلها مالئمة للتطلعات الجديدة واملتجددة للحياة واللحاق‬ ‫باآلخرين واقتباس ما لديهم من فرص وتقنيات‪ ،‬من غير أن ندمر ما لدينا؟‬

‫كيف تواجه الدول العربية أزماتها االقتصادية؟‬

‫نهضة اجلنوب‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫إبراهيم غرايبة *‬

‫‪,,‬‬

‫االستثمارات‬ ‫األجنبية‬ ‫هي موارد‬ ‫إضافية للبالد‬ ‫واملجتمعات‬ ‫ولكنها في‬ ‫أحيان كثيرة‬ ‫تتحول إلى‬ ‫أداة للنزف‬ ‫وهدر املوارد‬ ‫إذا لم ترتبط‬ ‫باالحتياجات‬ ‫واألولويات‬ ‫الحقيقية‬

‫‪,,‬‬

‫‪36‬‬

‫اتخذ تقرير األمم املتحدة للتنمية البشرية لعام ‪ 2013‬عنوان‬ ‫«نهضة الجنوب‪ ..‬تقدم بشري في عالم متنوع» وهو تقرير‬ ‫عاملي مهم ويحظى بالقبول واالهتمام في جميع أنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬بل إن بعض مجالس الوزراء تخصص اجتماعات ملناقشته‪،‬‬ ‫ويمكن املوافقة على وصف التقرير لنفسه بأنه مساهمة قيمة في‬ ‫الفكر اإلنمائي‪ ،‬إذ يصف عوامل محددة كانت بمثابة محرك للتحول‬ ‫في التنمية‪ ،‬ويقترح أولويات على صعيد السياسة العامة‪ ،‬يمكن أن‬ ‫تساعد على االستمرار بزخم املاضي في املستقبل‪ ،‬ومن الرسائل‬ ‫الرئيسية التي يطلقها هذا التقرير وقبله التقارير السابقة للتنمية‬ ‫البشرية‪ ،‬أن النمو االقتصادي وحده ال يحقق تقدما تلقائيا في‬ ‫التنمية البشرية‪.‬‬ ‫السؤال ببساطة وبعيدا عن تقرير التنمية وتوجيهاته هو‪ :‬كيف‬ ‫نحقق النمو االقتصادي؟ وكيف نحول الدخل والنمو املطلوب إلى‬ ‫رفاه؟ وقد أصبحت أزمتنا في الدول العربية والنامية وحلولها‬ ‫واضحة وبسيطة ومتداولة في الجدل والحوار القائم‪ ،‬ثمة ركود‬ ‫اقتصادي وتضخم وبطالة مرتفعة‪ ،‬وبخاصة بني الشباب املتعلمني‪،‬‬ ‫ويصحب ذلك تغول الواردات على الصادرات الذي يطيح باملكتسبات‬ ‫والفرص االقتصادية ويحول دون تحويل الدخل إلى رفاه‪ ،‬واملسألة‬ ‫ببساطة كيف ننشئ بيئة اقتصادية ضمن املوارد والفرص املتاحة‬ ‫للنمو االقتصادي وتخفيف الواردات وزيادة الصادرات وتوليد فرص‬ ‫عمل واسعة وكافية؟‬ ‫يمكن ربط األزمة االقتصادية وأزمة الفقر والبطالة بمجموعة من‬ ‫السياسات وأساليب الحياة القائمة‪ ،‬ويمكن أيضا اقتراح مجموعة من‬ ‫األفكار والبرامج التي تحسن الحياة وتحقق التنمية من غير موارد‬ ‫إضافية‪ ،‬ما يؤكد أن اإلصالح االقتصادي والتنموي ليس هدفا بعيد‬ ‫املنال‪ ،‬وأن املوارد والفرص القائمة بالفعل تكفي بنسبة جيدة للتقدم‪،‬‬ ‫ولم تعد هذه املقولة فكرة رومانسية‪ ،‬ولكن تجارب قائمة بالفعل في‬ ‫دول عدة تؤيدها وتجعلها واقعية وممكنة التطبيق والنجاح‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الدرس رقم ‪ 1‬لتقرير األمم املتحدة للتنمية البشرية‪.‬‬

‫خلق بيئة محفزة‬ ‫الدور املطلوب من الدولة هو إنشاء بيئة من التشريعات واملؤسسات‬ ‫التي تشجع اإلنتاج والعمل‪ ،‬واملجتمعات تتحمل مسؤولية املشاركة‪،‬‬ ‫وإن كانت البرامج اإلنمائية واإلدارية والتحديثية قد أضعفتها‪،‬‬ ‫فيمكن وبسرعة إطالق دور املجتمعات ومنحها الوالية على املجاالت‬ ‫والخدمات املفترض أنها تخصها‪ ،‬وأنه ال يمكن لغير املجتمعات‬ ‫إنجاحها وتفعيلها‪ .‬ال بد من البدء بتخطيط املدن والبلدات واملرافق‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫األساسية التي تجعل البلديات وحدة اجتماعية تملك وتدير‬ ‫احتياجاتها وخدماتها األساسية وتتيح لألفراد االلتقاء والحوار‬ ‫والعيش والعمل معا‪ ..‬وهكذا تبدأ املجتمعات في االنطالق والتفكير‬ ‫واملبادرات‪.‬‬ ‫في ظل هذا التشكل االجتماعي تنشأ بيئة مشجعة على مشاركة‬ ‫الناس بمختلف فئاتهم وطبقاتهم على التعبير والتأثير‪ ،‬وبالطبع‬ ‫ثمة حاجة كبرى وملحة للتعديل في محتوى العملية التعليمية‬ ‫لتعلم األطفال مهارات الحياة واإلبداع الثقافي والفني والرياضي‬ ‫واالجتماعي واملهني والحرفي‪ ،‬فمن شأن ذلك أن يحقق بناء عالقات‬ ‫اجتماعية وروابط حول املكان واملهن واألعمال تشجع على التجمع‬ ‫والعمل واالستثمار‪.‬‬ ‫وقد عادت الزراعة من جديد لتكون القضية الرئيسة الكبرى للعالم‪،‬‬ ‫ورأينا بوضوح كيف أن الغذاء يمثل التحدي الرئيس للعالم‪ ،‬وأن‬ ‫الزراعة والصناعات الغذائية تحولت لتكون مدخل التقدم واإلجماع‬ ‫الوطني والثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬باعتبارها القضية الوطنية الكبرى‬ ‫الجامعة للناس والتقدم والتراث‪ ،‬وكانت مدخل التقدم الهائل لدولة‬ ‫مثل تشيلي‪ ،‬وهي تشبه في مواردها وظروفها معظم الدول العربية‪.‬‬ ‫ويمكن بوضوح مالحظة أن التصحر يلتهم األرض واملوارد‪ ،‬ذلك أنه‬ ‫رغم إمكان تحويل البحار والبوادي والجبال العربية إلى غابات ومراع‬ ‫وحقول توفر الغذاء لجميع العرب ولجزء كبير من العالم‪ ،‬وأن تكون‬ ‫هذه املوارد املعطلة مصدرا للتنمية والتقدم وتوفير الغذاء والدواء‪...‬‬ ‫والصادرات أيضا‪.‬‬

‫عودة الزراعة‬ ‫واملطلوب لتحقيق ذلك واضح وعملي وبسيط أيضا‪ ،‬االهتمام بالزراعة‬ ‫لتشكل نسبة معقولة من االقتصادات الوطنية العربية‪ ،‬ولتستوعب‬ ‫قطاعا كبيرا من العاملني من املزارعني والعمال واملهندسني والتقنيني‬ ‫الزراعيني‪ ،‬وتستطيع الحكومات أن توفر الضمان االجتماعي‬ ‫والتأمني الصحي للمزارعني والعمال‪ ،‬وبذلك تثبتهم في مزارعهم‬ ‫وبلداتهم‪ ،‬وتمنحهم أمانا صحيا واجتماعيا‪ ،‬وتستطيع جموع‬ ‫الشباب واملتطوعني والشركات الكبرى التي تربح الكثير وال تشارك‬ ‫إال بالقليل في املسؤولية االجتماعية تنظيم حمالت كبرى للتشجير‬ ‫في الجبال والبوادي لتتحول إلى غابات ومراع‪.‬‬ ‫نسبة الغابات في الوطن العربي تراوح حول واحد في املائة‪ ،‬وهي في‬ ‫السويد ‪ 70‬في املائة وتنتج شركة إيكيا السويدية من الصناعات‬


‫الحرية االكاديمية‬ ‫وهناك اعتراض آخر واسع االنتشار يتعلق بأن املعهد يعرقل الحرية األكاديمية‬ ‫في الجامعات التي يؤسس فرعا بها؛ حيث يلجأ العديد من الجامعات املتعثرة‬ ‫ماديا‪ ،‬مما يحد من حركة النشاطات الجامعية ضد انتهاكات حقوق اإلنسان‬ ‫في الصني‪ ،‬وهو ما أسفر عن إلغاء زيارة للداالي الما‪ ،‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫خوفا من أن يغلق املعهد أبوابه احتجاجا‪ .‬وقد دعت املعارضة املنظمة بجامعة‬ ‫شيكاغو وجامعة ملبورن باإلضافة إلى عدد من الجامعات في أوروبا وآسيا‬ ‫إلى إلغاء تلك املعاهد برمتها‪ ،‬استنادا إلى عدد من الحجج أبرزها أن املعهد‬ ‫يعد بوقًا فعاال للحزب الشيوعي الصيني‪ ،‬على الرغم من أن املعهد يقدم‬ ‫نفسه في أوروبا واألميركتني باعتباره املعادل الصيني ملعهد غوته األملاني‬ ‫واملعهد البريطاني واللذين يتمتعان من تفويض لإلستقاللية السياسية‬ ‫من الحكومتني الداعمتني لهما‪ .‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬وكما يقول لي شنغ‬ ‫شون‪ ،‬أحد كبار األعضاء باللجنة الدائمة للمكتب السياسي في حوار مع‬ ‫مجلة «إيكونوميست» فإن املنظمة أسستها بكني كجزء مهم من الدعاية‬ ‫الصينية بالخارج‪ .‬وقد وصف العديد من الدارسني بمعهد كونفشيوس‬ ‫بالغرب معلميهم باملعهد بأنهم يستخدمون موقعهم لتعزيز موقف الحكومة‬ ‫الصينية في نزاعها مع تايوان وجماعة فالون غونغ املعارضة ومذبحة ميدان‬ ‫تيانانمن ونشطاء االستقالل في التبت‪.‬‬ ‫وربما تندرج مثل تلك االتهامات على معهد كونفشيوس في البلدان الفقيرة‬ ‫مثل مصر والتي تعاني فيها الجامعات من صعوبات مالية‪ ،‬ومن ثم فإنها‬ ‫بالضرورة ستصبح أكثر امتنانا للمتبرعني األجانب‪ .‬ولكنك إذا ما تفحصت‬ ‫وسائل اإلعالم املصرية بحثا عن أي انتقاد للمؤسسة‪ ،‬حتى وإن كان تفنيدا‬ ‫للمزاعم الغربية‪ ،‬سوف تخرج خاوي اليدين‪ .‬بل إنك بدال من ذلك يمكنك‬ ‫مشاهدة جولة إرشادية مدتها ‪ 30‬دقيقة داخل فرع املعهد بجامعة القناة‬ ‫جرى بثه على قناة «الجزيرة مباشر» في مايو (أيار) املاضي‪ ،‬وحوار مدته‬ ‫‪ 20‬دقيقة مع مصرية محبة للثقافة الصينية تترأس فرع املعهد في دبي جرى‬ ‫بثه على قناة «املصرية»‪ ،‬باإلضافة إلى العديد من التقارير الصحافية التي‬ ‫جرى تناقلها حرفيا في الصحف املصرية حول تزايد أعداد املصريني الذين‬ ‫يجيدون الصينية‪ ،‬فيما أرجعت هذه التقارير الفضل للمعهد‪.‬‬ ‫ويبدو أن هذه التغطية اإليجابية للغاية تعود إلى مزيج من العوامل بعضها‬ ‫تفتقر إليه القوى الغربية املنافسة للصني؛ فمثال ينظر الشرق األوسط إلى‬ ‫الدول الغربية على أنها «أطفال» من منطلق التاريخ وعلى مبعدة عدة قرون‬ ‫من الحصول على التوقير الذي تكتسبه الحضارات العتيقة مثل الصني‪ .‬كما‬ ‫أن الدول الغربية لم تحظ بما حظيت به الصني في التراث العربي‪( :‬اطلبوا‬ ‫العلم ولو في الصني)‪ .‬وال يعود شعور أحد املغاربة املحبني لإلذاعة الصينية‬ ‫باالمتنان لشعب محافظة سيشوان إلى برنامج الحكومة املخصص لتشكيل‬ ‫مثل تلك الصلة‪ ،‬بل إنه نتاج طبيعي للتفاعل بني أعضاء املجتمعات التقليدية‬ ‫التي لديها نفس القيم والبنى العائلية والصالت املدنية ونفس الدعابة القديمة‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فإن تلك العوامل املشتركة هي ما تجعل البطل في مسلسل «حياة‬ ‫سعيدة» مميزا بالنسبة ملاليني املصريني الذين يعيشون في الحضر؛ حيث‬ ‫إنهم هم شخصيا انتقلوا إلى الحضر عبر الهجرة من الريف ويتذكرون‬ ‫صدمة االنتقال املفاجئ من الريف إلى الحضر‪ .‬ومن ثم فمن املرجح أن تتمتع‬ ‫الصني لسنوات طويلة قادمة بأفضلية في البلدان العربية مقارنة بالقوى‬ ‫العظمى األخرى‪.‬‬ ‫كما أن مقاربتها اإلعالمية والتي يقلل من شأنها خبراء القوى الناعمة‬ ‫األميركيون عتيقة الطراز أيضا ويمكن تلخيصها بمصطلح اشتهر في العالم‬ ‫العربي وهو مصطلح الكر والفر‪ .‬ففي إطار مساعي واشنطن للحصول على‬ ‫عال لدى «غالوب» تعاملت مع املنطقة دفعة واحدة ‪ -‬وذلك باالستعانة‬ ‫تصنيف ٍ‬ ‫بجهود على مدار اليوم من الدبلوماسية الشعبية تغطي نحو ‪ 3200‬ميل عبر‬ ‫املوجات العربية ‪ -‬وهي االستراتيجية التي كانت أثارت اعتراضات واسعة مما‬ ‫دفعها في النهاية إلى تعديل استراتيجيتها‪ .‬فيما كانت الصني تتسلل بهدوء‬

‫وتتواصل مع عدد محدود من الجماهير وتراكم انتصارات صغيرة وتحصل‬ ‫على مناصرين جدد‪ .‬فعندما تقوم بتجربة تكون املخاطر محدودة‪ ،‬وعندما‬ ‫تشن حملة طموحة تكون لديها خطة مدروسة جرى اختبارها مسبقا‪ ،‬وهي‬ ‫مقاربة يمكن ألي منافس أن يستعني بها خاصة في شمال أفريقيا والشرق‬ ‫األوسط التي تمتاز بالتنوع الشديد ومن ثم ال يمكن تلخيص رسالة القوى‬ ‫األجنبية في رسالة واحدة لكافة املناطق‪.‬‬ ‫وبالنسبة لقدرة الصني الباهرة على تجنب االنتقادات الصحافية ‪ -‬على األقل‬ ‫حتى اآلن ‪ -‬فإنها تنبع من حقيقة أنه بعد ثالثة أعوام من بداية الثورات العربية‪،‬‬ ‫ما زالت معظم وسائل اإلعالم الكبرى في املنطقة تخضع مباشرة لهيمنة‬ ‫الدولة أو تذعن لها‪.‬‬ ‫وبدورها تعمل الصني باستمرار على طمأنة الحكومات العربية بأنها ليست‬ ‫لديها أية خطط تجاه أنظمتها السياسية كما أنها تسعى للشراكة مع اإلذاعات‬ ‫املحلية وليس التنافس معها‪ .‬وبهذه الطريقة تمكنت من تجنب صدور أوامر‬ ‫بتشويه مؤسساتها أو تطلعاتها‪ .‬فيمكن لدولة عربية أن تتقبل شن حملة‬ ‫صينية على أراضيها سواء لتحقيق دعم في مركز للفوسفات املغربي أو‬ ‫موال لبكني في جامعة القاهرة ألنها تدرك أن أهدافها القصوى‬ ‫لبناء مركز ٍ‬ ‫محدودة‪.‬‬ ‫وبالطبع سوف تثير فكرة تقديم تطمينات مماثلة لدولة عربية‪ ،‬حتى وإن‬ ‫كانت حليفة‪ ،‬انزعاج العديد من األميركيني أخذا في االعتبار التقليد األميركي‬ ‫املعتمد على تصدير الديمقراطية وطرق التفكير حول وسائل اإلعالم عبر‬ ‫«لعبة التصنيف»‪.‬‬ ‫ولكن املالبسات الحالية في املنطقة تقتضي طرقا جديدة لتطبيق القيم‬ ‫األميركية على سياستها‪ .‬فعندما تحقق الحركات املتطرفة العابرة للقوميات‬ ‫خطوات صوب إضعاف الدول والقضاء على حدودها‪ ،‬يجب منعهم من‬ ‫النجاح والتركيز على دعم مؤسسات الحكومة التي تعدها واشنطن حليفة‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أنه عبر املشاركة في مجال وسائل اإلعالم‪ ،‬تستطيع أي قوة‬ ‫سواء كانت الواليات املتحدة أو غيرها أن تفوز بمقعد على الطاولة وفرصة‬ ‫للتفاوض حول كيفية تقديمها في وسائل اإلعالم ومن ثم الحصول على‬ ‫فرصة للتفاوض حول معاملة خصومها <‬

‫أقيم (‪ 19‬ديسمبر ‪ )2013‬بالقاهرة‬ ‫احتفال بالعرض األول للمسلسل‬ ‫التلفزيوني الصيني «حياة سعيدة»‬ ‫املدبلج باللغة العربية‪ .‬وشارك في‬ ‫املراسم االحتفالية السفير الصيني‬ ‫لدى مصر سونغ آي قوه ووزيرة‬ ‫اإلعالم درية شرف الدين‬

‫‪,,‬‬

‫مؤسسات‬ ‫كونفشيوس‬ ‫تروج للتعليم‬ ‫والتدريب في‬ ‫الصني باإلضافة‬ ‫إلى برامج‬ ‫التبادل التعليمي‬ ‫والثقافي مع‬ ‫الدول العربية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪35‬‬


‫تقرير‬

‫وتعد كافة تلك املشروعات تجليات للقوة الناعمة للصني وهي القدرة على‬ ‫جذب اآلخر بدال من استعدائه؛ حيث قوبلت بعض املساعي املماثلة من‬ ‫قبل الواليات املتحدة على مدار السنوات بعداء حاد تضمنت اعتداءات على‬ ‫املكتبات األميركية واملنشآت التعليمية اإلنجليزية بالعديد من الدول العربية‪.‬‬ ‫كما تعرض بعض العاملني في املبادرات األميركية للشكوك أو حتى االتهامات‬ ‫بالتجسس بخالف نظرائهم الصينيني‪ .‬وإلدراك التناقض تخيل االنتقادات‬ ‫التي يمكن أن تتعرض لها مجموعة من الشباب العربي في بغداد أو غزة إذا ما‬ ‫أطلقت على نفسها «نادي أصدقاء اإلذاعة األميركية» والتي تعمل على تقديم‬ ‫تقارير مستمعني لهيئة أميركية للمحكمني في واشنطن والتعامل مع السفارة‬ ‫األميركية لتأسيس «اتفاقيات تعاون» مع السكان‪ .‬وتنبع املعاملة القاسية‬ ‫التي سوف يتعرض لها هؤالء الشباب إلى حد كبير من الوضع األميركي‬ ‫في الشرق األوسط في أعقاب سنوات من السياسات التي لم تلق قبوال لدى‬ ‫الجماهير العربية‪ .‬وعلى النقيض لم تحتل الصني من قبل اي دولة عربية كما‬ ‫أنها ال تواجه اتهامات تتعلق باالنحياز لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيني‪.‬‬

‫السياسة الصينية‬

‫افتتح الرئيس التونسي منصف‬ ‫املرزوقي فعاليات االجتماع الوزارى‬ ‫الخامس ملنتدى التعاون الصيني‬ ‫العربي بالحمامات (يونيو ‪)2012‬‬

‫‪,,‬‬

‫في ديسمبر‬ ‫املاضي حققت‬ ‫وسائل اإلعالم‬ ‫الصينية نجاحا‬ ‫غير مسبوق في‬ ‫التواصل مع‬ ‫الشرق األوسط‬ ‫من خالل تقديم‬ ‫مسلسل صيني‬ ‫جرت دبلجته‬ ‫باللغة العربية‬

‫‪,,‬‬

‫‪34‬‬

‫الصينية على املوجات املحلية في املنطقة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن مشاهدة‬ ‫إعالنات اإلذاعة في األماكن التي من املرجح أن يتجه إليها العرب املهتمون‬ ‫بالصني مثل موقع السفارة الصينية في القاهرة الذي يحتوي على رابط على‬ ‫موقعه الرئيس‪ ،‬كما يشجع امللحق الثقافي بالسفارة الشباب الذين يلتقي بهم‬ ‫على االستماع إليها‪ .‬كما أن بعض معاهد كونفشيوس تروج لتلك الروابط‬ ‫لدى الطالب املحتملني كنوع من اإلعالنات الصوتية‪.‬‬ ‫وتتضمن الطرق األخرى لنشر اإلذاعة االستعانة بمواطنني عرب يعملون‬ ‫كرسل لبكني في إطار ما يطلق عليه «مجتمعات تقدير املستمعني»؛ وهي‬ ‫نواد اجتماعية للشباب يبدو أنها تكونت عفويا في البداية ولكنها استمرت‬ ‫ٍ‬ ‫في النمو بفضل دعم الصني لها‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬هناك «النادي الدولي‬ ‫ألصدقاء اإلذاعة الصينية» في مدينة خريبكة؛ وهي مدينة صغيرة تتكون من‬ ‫الطبقة العاملة بوسط املغرب أصبحت مركزا لصناعة الفوسفات حيث يجري‬ ‫تصدير جانب كبير من الفوسفات إلى الصني‪ .‬ووفقا ملوقعه اإللكتروني‪ ،‬أنشأ‬ ‫النادي شاب مغربي عاشق ال«تاي كويان دو» اكتشف اإلذاعة وبدأ املشاركة‬ ‫في مسابقاتها التي تبث على الهواء مباشرة‪ .‬وقد منحته اإلذاعة فرصة زيارة‬ ‫محافظة سيشوان؛ حيث انضم إلى مجموعة من املستمعني لإلذاعة من تركيا‬ ‫نواد‬ ‫والسنغال وكمبوديا واملجر وغيرها من الشباب الذين أسسوا أيضا ٍ‬ ‫في بلدانهم‪ .‬وقد خرج كل شخص برفقة شخص من الشبكة اإلذاعية عمل‬ ‫معه كمترجم ومرشد بدوام كامل‪ .‬فقد كتب املشارك املغربي تقريرا حول‬ ‫الزيارة أفاد فيه‪« :‬لقد كنا نتناول العشاء والوجبات الخفيفة في أفضل املطاعم‬ ‫بالصني كما لو كنا ملوكا‪ .‬وال أستطيع أن أصف مدى إحراجي من املذيعة‬ ‫تبد أبدا تعبا أو ملال من ترجمة‬ ‫املحترمة التي رافقتني طوال الرحلة والتي لم ِ‬ ‫كل كلمة»‪ .‬فقد كانت تعاملني بحنو أم‪ ,‬مشيرا إلى طاقم العمل باإلذاعة بأنه‬ ‫«كأفراد األسرة األعزاء»‪.‬‬ ‫يعمل النادي الدولي ألصدقاء اإلذاعة الصينية بإذن من وزارة الداخلية املغربية‬ ‫لتزويد اإلذاعة بتقارير عن املستمعني والتعاون مع السفارة الصينية في‬ ‫محاولتها للتقارب مع املغرب ولعقد صفقات تعاون بني املؤسسات املغربية‬ ‫ونظيراتها الصينية‪ .‬وبالنسبة ألعضاء النادي فإن اتفاق القاهرة الذي أفضى‬ ‫إلى بث املسلسل الصيني على التلفزيون املصري هو نموذج يجب التطلع إليه‬ ‫وقد حقق نادي خريبكة خطوة في هذا االتجاه في أكتوبر (تشرين األول)‬ ‫‪ 2013‬بافتتاح مهرجان الفيلم الصيني الذي امتد ألسبوع كامل‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تبنت الصني مؤخرا عددا من السياسات التي أثارت استياء‬ ‫معظم أنحاء املنطقة اليوم ودفعت ثمن ذلك في مستوى شعبيتها؛ فقد ضخت‬ ‫البالد املليارات إلى ليبيا عبر عقود البترول في عهد القذافي‪ ،‬ورفضت‬ ‫مساندة الحملة لإلطاحة به‪ .‬وبالتالي نأت عنها الحكومة االنتقالية فيما بعد‬ ‫القذافي ومعظم الشعب الليبي‪ .‬وقد أصبحت األغلبية السنية املأزومة في‬ ‫سوريا تشعر بالكراهية تجاه الصني؛ نظرا ألنها تقف إلى جانب نظام بشار‬ ‫األسد وسط الحرب األهلية الدموية املستمرة هناك‪ .‬وهناك العديد من املظالم‬ ‫االقتصادية تجاه الصني أيضا؛ فعلى سبيل املثال يلقي قطاع من نخبة القطاع‬ ‫الخاص في مصر باللوم على شركائهم الصينيني في إعادة جانب كبير من‬ ‫األرباح من املشروعات التي تقام على أراضيهم إلى الصني حتى إن القدر‬ ‫املتبقي لالقتصاد املحلي ال يمثل مكاسب عادلة وذلك وفقا ملا قاله جون‬ ‫ألترمان مدير برنامج الشرق األوسط بمركز الدراسات االستراتيجية والدولية‬ ‫بواشنطن‪ .‬وفي سبتمبر تعرضت الصني ألول هجمة إرهابية ضد واحدة من‬ ‫سفاراتها في الشرق األوسط عندما جرى إلقاء قذيفة هاون على سفارتها‬ ‫في دمشق انتقاما من دعم بكني لألسد‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن تقرير بيو لآلراء الدولية يذكر وجود تراجع كبير لشعبية‬ ‫الصني‪ ،‬فإنه يؤكد أنها ما زالت أكثر شعبية من الواليات املتحدة في املنطقة؛‬ ‫مشيرا إلى أن الشباب العربي يحبون الصني أكثر مما كان يفعل آباؤهم‪.‬‬ ‫فقد بدأت جهود القوة اآلسيوية طويلة املدى للدبلوماسية الشعبية للتو تؤتي‬ ‫ثمارها كما يتضح من الصفقة الصينية مع التلفزيون املصري‪.‬‬ ‫ولكن هل تحرز جهود الصني تقدما في الشرق األوسط فيما تتراجع‬ ‫مستويات نظيراتها األميركية؟ كلما تعمقنا في فحص جهود التواصل‬ ‫األميركية‪ ،‬اتضح لنا أنها تعاني من نفس االتهامات التي كانت تتعرض لها‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن للمقاربة التي تتبعها الواليات املتحدة خصائصها‬ ‫الفريدة وربما هو ما يساعد الصني على تجنب نفس املصير‪.‬‬ ‫وعلى غرار جهود الدبلوماسية الشعبية األميركية في العالم العربي‪ ،‬يواجه‬ ‫معهد كونفشيوس (أي‪ ,‬املؤسسات التعليمية الصينية التي كان يروج لها‬ ‫في البث العربي لإلذاعة الصينية) معارضة في بعض البلدان التي له وجود‬ ‫بها‪ .‬وال يأتي االنتقاد أكثر شيء من البلدان النامية وإنما من الدول الثرية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فقد كان أكثر االتهامات التي وجهت للمعهد حدة هو أنه يعمل كآلة تجسس‬ ‫للجيش الصيني‪ .‬وتقر االستخبارات الكندية بأنها فحصت فروع املنظمة‬ ‫على أرضها‪ .‬وقد أشارت العديد من االنتقادات األميركية إلى وجود أشخاص‬ ‫مشتركني بني بعض فروع املعهد في الواليات املتحدة وقيادة شركة «هيواي»؛‬ ‫وهي شركة اتصاالت صينية تدور حولها شكوك بشأن تجسسها على‬ ‫منافسيها األميركيني‪.‬‬


‫الفيلسوف الصيني كونفشيوس قائلة إنه ولد قبل ‪ 2564‬عاما‪ ،‬مشيرة إلى‬ ‫التأثير الكبير الذي تركه على الصني وشعبها منذ ذلك الحني‪ .‬ثم تنتقل املذيعة‬ ‫على نحو مفاجئ إلى حديث آخر قائلة‪« :‬لقد شهدت األعوام املاضية تأسيس‬ ‫العديد من معاهد كونفشيوس التي تنشر أفكار وفلسفة الكونفشيوسية‬ ‫القديمة في جميع أنحاء العالم وأصبحت منارات لنشر الثقافة الصينية»‪.‬‬ ‫ويعالج باقي البرنامج مؤسسات كونفشيوس وليس كونفشيوس الفيلسوف‪,‬‬ ‫وهي عبارة عن شبكة من املؤسسات التعليمية التي تدعمها الحكومة في‬ ‫بكني والتي تروج للتعليم والتدريب في الصني باإلضافة إلى برامج التبادل‬ ‫التعليمي والثقافي‪ .‬وعلى الرغم من أن هناك فروع للمؤسسة في الكثير من‬ ‫الدول العربية‪ ,‬فإن البرنامج يولي اهتماما خاصا بمصر وتونس‪ .‬فنحن‬ ‫نستمع إلى محمد علي الزيات الذي يترأس قسم اللغة الصينية بجامعة قناة‬ ‫السويس بمصر وهو يقول إن بعض الطالب املصريني يلتحقون بالقسم‬ ‫حبا في اللغة الصينية فيما يلجأ القطاع األكبر لدراسة اللغة بحثا عن فرص‬ ‫أفضل للعمل في العديد من املصانع والشركات الصينية في مصر والتي‬ ‫تحتاج إلى عاملني يتحدثون الصينية‪ ،‬مضيفا أن كال من مصر والصني‬ ‫تمثالن حضارتني عظيمتني مؤكدا أن تعاليم كونفشيوس تتواءم تماما مع‬ ‫مصر‪ ،‬حتى إنه يتذكر أن أبيه كان يعتقد أن مصر الحديثة كانت لتصبح قوة‬ ‫عظمى على غرار الصني ما لم تتعرض لضغوط القوى األجنبية‪ .‬وعلى غرار‬ ‫أبيه‪ ،‬يؤمن محمد علي بأن مصر يجب عليها أن تنأى بنفسها عن الغرب‬ ‫وأن تتجه إلى الصني التي يعدها أفضل شريك لها ألن العالقات تعتمد على‬ ‫تبادل املصالح بدال من أن تصب املصالح فقط لصالح أحد األطراف‪ .‬وتتضمن‬ ‫خططه للمستقبل برنامجا رياديا حول الصني يقدم للمدارس املصرية يتمنى‬ ‫أن يصبح خطوة صوب تقديم الدراسة الصينية كلغة ثانية في املدارس‪.‬‬ ‫ثم يتوقف برنامج «بانوراما» ويذاع فاصل «هيب هوب» ثم بعدها تنضم‬ ‫إحدى زميالت محمد علي بمعهد كونفشيوس بصفاقس بتونس إلى الحوار‪.‬‬ ‫وتعبر عن آراء تماثل اآلراء الشخصية والسياسية حول الصني لزميلها كما‬ ‫تتذكر السنوات السعيدة التي قضتها في بكني أثناء الدراسة‪ ،‬كذلك ضيفة‬ ‫البرنامج األخيرة وهي طالبة مصرية عادت مؤخرا من هناك‪ .‬وتلمح تلك‬

‫األصوات إلى أن هناك الكثير الذي ينتظر املستمع العربي الراغب في أن يكون‬ ‫جسرًا بني بلده وبني الصني‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن البرنامج يخرج تماما عن اإلطار اإلخباري‪ ،‬كما أن قيمته‬ ‫الترفيهية محدودة‪ ،‬فإنه يضرب تماما على الوتر فيما يتعلق بالغرض‬ ‫املحدود الذي من املفترض أن يحققه وهو تشجيع الشباب املصري والتونسي‬ ‫على االلتحاق بمعاهد كونفشيوس‪ .‬حيث يستمع الشباب في دول غير‬ ‫مستقرة تعاني من معدالت بطالة عالية إلى رسالة مفادها أنهم يستطيعون‬ ‫دراسة اللغة الصينية مجانا وتعزيز فرص حصولهم على العمل إلى حد‬ ‫كبير‪ .‬ويستطيع الضيوف بالبرنامج أن يتخذوا ردود أفعال استباقية تجاه‬ ‫العقلية القومية التي يمكن أن تستفزها مثل تلك املحاوالت من قوى أجنبية؛‬ ‫حيث يطمئنون املستمعني بأن مصر أيضا دولة ذات حضارة عظيمة وأنها لم‬ ‫تتخلف عن اللحاق بركب الصني إال نظرا لتعرضها لتاريخ طويل من استغالل‬ ‫الغرب لها؛ مشيرين إلى أن اتخاذ خطوة صوب الصني يعد خطوة نحو الحرية‬ ‫والتقدم‪ .‬ويجري تقديم بكني كوجهة مضيافة للدراسة بالخارج باإلضافة إلى‬ ‫كونها مكانا يقدر ضيوفه ويرفض الصور النمطية املعادية للعرب املنتشرة‬ ‫في أوروبا والواليات املتحدة‪ .‬وبالطبع يبدأ بعض املستمعني ذوي اإلمكانات‬ ‫املتواضعة في التساؤل عما إذا كان التبادل التعليمي تموله الدولة املضيفة أم‬ ‫ال‪ ،‬وللحصول على إجابة يجب على السائل أن يزور املعهد بنفسه‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للفيلسوف كونفشيوس‪ ،‬فإن اسمه ذكر عدة مرات على خلفية‬ ‫موسيقية هادئة دون التطرق إلى سيرته الذاتية أو أعماله؛ حتى يبدو وكأن‬ ‫البرنامج يستخدمه كاستعارة أو كوصفة سحرية للصني وإكسير يحتاجه‬ ‫العرب الستعادة مجدهم القديم‪ .‬وعند نقطة محددة يضيف املعلق أن‬ ‫كونفشيوس كان يدعى «نبي الصني»‪.‬‬

‫من الذي يستمع ملثل تلك اإلذاعات؟‬

‫الرئيس الصيني شي جني بينغ‬

‫‪,,‬‬

‫برنامج ريادي‬ ‫حول الصني‬ ‫يقدم للمدارس‬ ‫املصرية يعد‬ ‫خطوة صوب‬ ‫تقديم اللغة‬ ‫الصينية كلغة‬ ‫ثانية في مصر‬

‫‪,,‬‬

‫بخالف إذاعة «سوا» األميركية وإذاعة «بي بي سي» اللندنية‪ ،‬ال تتوافر اإلذاعة‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪33‬‬


‫تقرير‬

‫للتصنيف أهمية كبرى بالنسبة للراديو والتلفزيون الهادفني للربح‪ ،‬نظرا ألن حجم الجمهور يحدد سعر وقت‬ ‫البث الذي يقدمه الرعاة‪ .‬ولكن هل للتصنيف أهمية بالنسبة لإلذاعات األجنبية التي تدعمها الحكومات والتي‬ ‫ال تعتمد على بيع اإلعالنات؟‬

‫الصني تستخدم القوى الناعمة للتواصل مع شعوب البلدان العربية‬

‫دهاء التنني!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫جوزيف براودي‬

‫‪,,‬‬

‫تعمل الصني‬ ‫باستمرار‬ ‫على طمأنة‬ ‫الحكومات‬ ‫العربية بأنها‬ ‫ليست لديها‬ ‫أية خطط‬ ‫تجاه أنظمتها‬ ‫السياسية كما‬ ‫أنها تسعى‬ ‫للشراكة معها‬

‫‪,,‬‬

‫في واشنطن‪ ،‬تتلقى قناة «الحرة» التي تبث باللغة العربية وشقيقتها‬ ‫شبكة «راديو سوا» تمويال من الكونغرس األميركي بهدف تقديم‬ ‫أميركا إلى العالم العربي‪ .‬وتعمل كلتاهما على نشر تقرير سنوي‬ ‫لتقييم األداء يقيس نجاحهما باالعتماد على «مدى الوصول األسبوعي إلى‬ ‫الجماهير» والذي يقدر حاليا بنحو ‪ 35.5‬مليون نسمة‪ .‬وتستمد كلتاهما‬ ‫البيانات من شركة األبحاث منظمة «غالوب» باإلضافات إلى التحليالت من‬ ‫مؤسسة «نيلسون» التي تقوم أيضا بمتابعة برنامج «صنداي نايت فوتبول»‬ ‫وعدد األميركيني الذين يلعبون ألعاب الفيديو‪.‬‬

‫القناة الثانية بالتلفزيون الرسمي لجمهورية مصر العربية‪ .‬ويروي مسلسل‬ ‫«حياة سعيدة» قصة طبيب من بكني ينحدر من أصول ريفية متواضعة ويقع‬ ‫في حب فتاة من الطبقة الراقية‪ ،‬فيما يعارض أهلها ذلك الحب‪ .‬ويأتي القرار‬ ‫بإذاعة ذلك املسلسل في مصر إثر بروتوكول جرى توقيعه بني الحكومة‬ ‫الصينية واتحاد اإلذاعة والتلفزيون املصري التابع لوزارة اإلعالم املصرية‬ ‫وكان الغرض املعلن لهذا البروتوكول هو توفير أرضية شعبية لتحالف أقوى‬ ‫بني البلدين‪ .‬وتمنح الصني اتحاد اإلذاعة والتلفزيون املصري الحق في بث‬ ‫املسلسل مجانا كما أنها دفعت مقابل الترجمة والدوبالج‪.‬‬

‫إذاعة الصني الدولية‬

‫وأفادت وزيرة اإلعالم املصرية‪ ،‬درية شرف الدين‪ ،‬أثناء االحتفال ببداية‬ ‫العرض‪ ،‬في زيارة لسفارة الصني بالقاهرة‪ ،‬في حديث لها مع اإلذاعة الصينية‪،‬‬ ‫بأن حكومتها تأمل أن يعزز العرض التواصل الشعبي مع الصني مما يساهم‬ ‫في تعزيز الروابط السياسية واالقتصادية‪ ،‬مضيفة أنه «اإلعالم أصبح‬ ‫ً‬ ‫صانعًا للسياسات واألحداث بعدما كان ناقال لها»‪.‬‬

‫وعلى األرجح لن تولي تلك الشركات التي تقوم باالستقصاءات اهتماما‬ ‫بالبرنامج الوثائقي الذي يمتد لنحو ‪ 45‬دقيقة حول الفيلسوف الصيني القديم‬ ‫كونفشيوس والذي أذيع العام املاضي على القسم العربي لإلذاعة الصينية‬ ‫«إذاعة الصني الدولية»؛ حيث إن هذا برنامج ربما يكون قد استمع إليه نحو‬ ‫خمسة آالف مستمع عبر املوقع اإللكتروني لإلذاعة باإلضافة إلى العديد‬ ‫من املتحمسني الذين تمكنوا من التقاط املوجات القصيرة من مصدرها في‬ ‫ألبانيا‪ .‬واستخدم البرنامج موسيقى تصويرية باستخدام اآلالت اإللكترونية‬ ‫وسيناريو هزيل باإلضافة إلى لقاءات مع أساتذة لغة صينية في دولتني‬ ‫عربيتني وفواصل موسيقية قدمها عازف راب من بكني‪ ،‬لم يترجم ما يقوله؛‬ ‫حيث كان يلقي املقاطع باللغة الصينية‪ ،‬وإجماال لم يقدم البرنامج تقريبا أية‬ ‫معلومات حول كونفشيوس‪.‬‬ ‫ولكن تقييم برنامج «إذاعة الصني الدولية» من خالل املعايير التي تعتمد‬ ‫عليها مؤسسة مثل نيلسون يفتقر إلى الدقة؛ فقد طورت الحكومة الصينية‬ ‫استراتيجية للتواصل الثقافي مع العالم العربي ال تعنى بتصنيف البرنامج‬ ‫بقدر ما تولي اهتماما ملن يستمع‪ .‬وذلك حيث إن تقديم املحتوى في الراديو‬ ‫أو التلفزيون يأتي ضمن جهود أوسع لجذب عدد أكبر من العرب في البلدان‬ ‫ذات األهمية االستراتيجية لبكني والذين سوف يعملون بأنفسهم كرسل‬ ‫لوسائل اإلعالم وللمجتمع بأسره‪ .‬وبمساعدتهم‪ ،‬تسعى الصني إلى الوصول‬ ‫إلى قطاع أوسع من الجماهير عبر قنوات البث األصلية في املنطقة والتي ال‬ ‫تستطيع القنوات األجنبية املنافسة معها‪ .‬وتدعم تلك التجربة بدورها حملة‬ ‫«قوى ناعمة» لتعديل النسيج الثقافي للمنطقة بما يخدم املصالح الصينية‪.‬‬

‫حياة سعيدة‬ ‫في ‪ 21‬ديسمبر (كانون األول)‪ ،‬حققت وسائل اإلعالم الصينية نجاحا غير‬ ‫مسبوق في التواصل مع الشرق األوسط من خالل تقديم مسلسل درامي‬ ‫كوميدي صيني يتكون من ‪ 40‬حلقة جرت دبلجته باللغة العربية وإذاعته على‬ ‫‪32‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫وكان هذا اإلنجاز املهم الذي حققه املسلسل بالنسبة لبكني يجري اإلعداد له‬ ‫منذ سنوات؛ حيث سبقته سلسلة طويلة من املكاسب املحدودة على مستوى‬ ‫التواصل مع البلدان العربية ال يمكن االعتداد بأي منها إذا ما جرى النظر‬ ‫إليها بمعزل عن األخرى‪ .‬ولكنك إذا ما فحصت عددا من تلك الخطوات معا‬ ‫يمكنك رصد نمط مركب من التفكير والتخطيط يعبر عن قوى عظمى حديثة‬ ‫ذات تقاليد عريقة تحاول التواصل مع مجتمع عريق آخر يعج تحت وطأة‬ ‫النزاعات‪.‬‬ ‫العديد من الخبراء الغربيني في مجال القوى الناعمة بما في ذلك مبتكر‬ ‫املصطلح جوزيف ناي األستاذ بجامعة هارفارد قللوا من شأن الدبلوماسية‬ ‫الصينية على مستوى العالم؛ حيث وصفها ناي بأنها غير فعالة‪ .‬وبالفعل‪,‬‬ ‫ووفقا ملسح أجراه «مشروع بيو لآلراء الدولية» في يوليو (تموز) ‪ ،2013‬كانت‬ ‫الصني تواجه صعوبات فيما يتعلق بشعبيتها بني الجماهير العربية في‬ ‫السنوات املاضية‪ .‬ولكننا إذا ما نظرنا نظرة أعمق للجهود التي تبذلها القوة‬ ‫الناشئة في الشرق األوسط سوف نكتشف أن الحديث عن إخفاقها في جذب‬ ‫العقول والقلوب العربية أمر مبكر للغاية وأن هناك العديد من الدروس التي‬ ‫يمكن ألي من القوى اإلقليمية والدولية االستفادة منها في التجربة الصينية‪.‬‬

‫معهد كونفشيوس‬ ‫أذيع البرنامج الوثائقي حول كونفشيوس والذي يمتد لنحو ‪ 45‬دقيقة في‬ ‫سبتمبر (أيلول) ‪ 2013‬ضمن املجلة اإلخبارية األسبوعية التي تبث باللغة‬ ‫العربية تحت عنوان «بانوراما» على اإلذاعة الصينية‪ .‬وبعد بثه بأربعة شهور‪،‬‬ ‫ما زال البرنامج يتمتع باملتابعة على مواقع التواصل االجتماعي‪ .‬يبدأ البرنامج‬ ‫بمذيعة تتحدث بلهجة عربية سليمة وإن كانت ذات إيقاع صيني حول‬


‫هناك بعض النواب الجمهوريني مثل ستيفن كينج ولوي جوهميرت وميشال‬ ‫باكمان الذين أعربوا بوضوح عن دعمهم للجيش املصري وإدانتهم لجماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني‪ .‬ففي زيارة إلى مصر في سبتمبر املاضي‪ ،‬أدلى الثالثة‬ ‫بالعديد من التصريحات املثيرة للجدل واملؤيدة ملقاربة الجيش العنيفة تجاه‬ ‫اإلخوان معربني عن إيمانهم بوجود عدو مشترك وهو اإلرهابيون الذين‬ ‫ظهروا مؤخرا على هيئة اإلخوان املسلمني‪ .‬وبالنسبة لباكمان فاألمر أبسط‬ ‫من ذلك‪« :‬ليس لدينا خيار‪ .‬فيجب هزيمتهم»‪.‬‬ ‫ومن ثم ال يصبح مفاجئا أن تكتب باكمان قبل عدة أيام من تصنيف مصر‬ ‫للجماعة مقاال في صحيفة مصرية يومية مؤيدة للقرار املتوقع‪ .‬ففي املقال‬ ‫كتبت باكمان‪« :‬إذا ما كان قرار الحكومة االنتقالية املصرية أن تصنف جماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني كجماعة إرهابية فيجب أن تحذو الواليات املتحدة حذوها‪.‬‬ ‫مضيفة أن القرار يعد ذا ضرورة قصوى وينبع من تاريخ الجماعة الطويل من‬ ‫اإلرهاب الذى جرى تجاهله ملدة طويلة»‪.‬‬ ‫استقبل الفريق أول عبد الفتاح‬ ‫السيسى القائد العام للقوات املسلحة‬ ‫وزير الدفاع واالنتاج الحربى تشاك‬ ‫هيغل وزير الدفاع االميركي والوفد‬ ‫املرافق له في اطار جولته باملنطقة‬ ‫حيث جريت له مراسم إستقبال‬ ‫رسمية بمقر االمانة العامة لوزارة‬ ‫الدفاع بكوبرى القبة (ابريل ‪)2013‬‬

‫في أعقاب املزاعم املتعلقة بعالقتها الوثيقة بمرسى وجماعة اإلخوان بعد‬ ‫استيالء الجيش املصري على السلطة‪.‬‬ ‫ويأتي خلو املنصب في الوقت الذي يحتاج فيه كال البلدين الستخدام‬ ‫وسيط ماهر للمساعدة على إعادة العالقات ملسارها الصحيح‪ .‬وتفسر‬ ‫ميشيل دون‪ ،‬الباحثة بمؤسسة كارنيغي للسالم الدولى والعضو املؤسس‬ ‫لفريق عمل بشأن مصر – مبادرة غير حزبية تتضمن أكثر من عشرة من‬ ‫األكاديميني والخبراء فى الشأن املصري والسياسة الخارجية األميركية ‪-‬‬ ‫ذلك بأن منصب السفير يأتي كأحد أعراض االفتقار إلى الجدية فى البيت‬ ‫األبيض بشأن السياسة الخارجية‪ .‬فعلى الرغم من أن معظم االتصاالت بني‬ ‫البلدين كانت تجري مباشرة بني هيغل والسيسى‪ ،‬فمن الحماقة أال يكون‬ ‫هناك سفير أميركي في مصر‪ .‬وفي ضوء العوامل التي ذكرت مسبقا والتي‬ ‫تحد من القدرة األميركية على دفع التغيير في مصر‪ ،‬ليس هناك خيارات‬ ‫جيدة أمام الواليات املتحدة حاليا‪ .‬ويشير دانييل بينجامني وستيفن سيمون‬ ‫إلى أن الواليات املتحدة تواجه حاليا احتمالية أن تخسر املزيد من النفوذ‪.‬‬ ‫حيث يقوالن إن «الواليات املتحدة سوف تصبح في وضع يماثل ما كانت عليه‬ ‫أيام حكم مبارك الذي امتد لثالثة عقود حيث تتعاون من كثب على مكافحة‬ ‫اإلرهاب فيما تحاول الضغط من أجل الحريات»‪.‬‬

‫مواجهة العدو املشترك أم تحويله إلى راديكالي‬ ‫ومع ذلك فهناك أصوات ترغب في أن تقف الواليات املتحدة «إلى جانب مصر»‬ ‫وتعلن جماعة اإلخوان جماعة إرهابية‪ ،‬سواء ألنهم يؤمنون بأنها كذلك أو‬ ‫كوسيلة إلصالح العالقات الثنائية‪ ،‬باإلضافة إلى وجود حمالت شنها أناس‬ ‫عاديون قد قدمت التماسا للرئيس أوباما أن يصنف اإلخوان كمنظمة إرهابية‬ ‫أجنبية‪ .‬وقد حصل أحد تلك االلتماسات على أكثر من ‪ 200‬ألف توقيع رغم‬ ‫أن البيت األبيض لم يرد رسميا على هذا االلتماس حتى اآلن‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه من املستبعد أن يجبر مثل هذا االلتماس اإلدارة األميركية‬ ‫على اتخاذ قرار‪ ،‬فهناك مناصرون أقوياء لتصنيف الجماعة كجماعة إرهابية‬ ‫أجنبية في واشنطن وسوف يبذلون مساعي من أجل ذلك‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬

‫على أية حال‪ ،‬هناك ثالث قضايا رئيسة تمنع الواليات املتحدة من االنضمام‬ ‫ملصر في حملتها ضد جماعة اإلخوان املسلمني‪ .‬أوال أن مصر لم تتخذ أي‬ ‫إجراء رسمي أو قانوني تجاه هذا التصنيف حيث إن هذا اإلعالن لم يتجاوز‬ ‫اإلدانة اللفظية‪ .‬وثانيا‪ ،‬سيكون اتباع الواليات املتحدة ملوقف مصر موقفا‬ ‫متسرعا خاصة وأن مصر كانت تشهد تغيرات سريعة خالل الفترة املاضية‪.‬‬ ‫وثالثا‪ ،‬أظهر نظام الجيش في مصر بوضوح منذ يوليو (تموز) املاضي أن‬ ‫أفعاله ليست أقل عنفا من تلك التي تقترفها جماعة اإلخوان املسلمني‪ .‬فخالل‬ ‫األشهر السبعة املاضية‪ ،‬قتل النظام ما يزيد على ‪ 1100‬شخص وسجن‬ ‫اآلالف ملدة ال يعرف أحد مداها وفقا للمحامني الذين يطالبون املحكمة‬ ‫الجنائية الدولية بالتحقيق‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة‪ ،‬أصبح الوضع في مصر أقل استقرارا اآلن مما كان عليه في‬ ‫يوليو نظرا للتفجيرات اليومية واالقتصاد املتعثر‪ .‬ويقول بعض املحللني إن‬ ‫الواليات املتحدة سوف تخاطر إذا ما ألقت بثقلها على قيادة لم تثبت حتى اآلن‬ ‫أنها باقية في السلطة‪ .‬باإلضافة إلى أن العديدين في واشنطن قلقون بشأن‬ ‫احتمالية أن يخلق سلوك الجيش إرهابيني بدال من أن يحاربهم‪.‬‬ ‫ويحذر كل من دانييل بينجامني وستيفن سيمون من أن هذا املنحى ضد‬ ‫اإلخوان «ربما يتضح الحقا أنه كان خطأ فادحا وهو الدرس املستفاد من‬ ‫التاريخ‪ :‬حيث دائما كان مزيج القمع واإلقصاء السياسي يدفع إلى نشأة‬ ‫الجماعات الراديكالية»‪ .‬ويضيف الباحثان أن «الحرب ضد اإلخوان سوف‬ ‫تجعل العنف هو الخيار العقالني الوحيد أمام من لم ينخرطوا بالفعل فيه»‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫هناك بعض‬ ‫النواب‬ ‫الجمهوريني‬ ‫مثل ستيفن‬ ‫كينج ولوي‬ ‫جوهميرت‬ ‫وميشال باكمان‬ ‫الذين أعربوا‬ ‫بوضوح عن‬ ‫دعمهم للجيش‬ ‫املصري‬ ‫وإدانتهم‬ ‫لجماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني‬

‫‪,,‬‬

‫ويضيف إريك تريغر‪ ،‬زميل إيثر واغنر بمعهد واشنطن لسياسات الشرق‬ ‫األدنى وصوت مؤثر في السياسة األميركية تجاه جماعة اإلخوان أنه في ظل‬ ‫حملة االعتقاالت وحل الجماعة وتصنيفها جماعة إرهابية «وهي الجماعة‬ ‫التي تعد أكثر الجماعات اإلسالمية تماسكا في مصر‪ ..‬حول الجنراالت مئات‬ ‫اآلالف من جماعة اإلخوان املسلمني إلى راديكاليني لن يصغوا بعد ذلك إلى‬ ‫قياداتهم األكثر حذرا»‪.‬‬ ‫وإذا ما أعدت قراءة تصريحات كيرى وهيغل الحذرة في ظل تلك الخلفية‬ ‫سوف تبدو أكثر منطقية‪ .‬وفى املحصلة‪ ،‬بدال من أن تهدر األصوات العاقلة‬ ‫في واشنطن طاقتها في الجدل بشأن ما إذا كانت جماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫جماعة إرهابية أم ال‪ ،‬فإنها يجب أن تضغط للتنمية على املستوى البعيد‬ ‫ووضع سياسة أميركية مستدامة صوب مصر‪ .‬ولتحقيق مثل تلك السياسة‪،‬‬ ‫سوف يحتاج البيت األبيض ألن يولي اهتماما بصديقه السابق على الرغم من‬ ‫ضغط اآلخرين سواء في الداخل أو الخارج؛ حيث تقتضي املصالح األميركية‬ ‫الرئيسة في املنطقة ذلك‪ .‬وكما يقول ميشال دون‪« :‬إذا ما كانت الواليات‬ ‫املتحدة ترغب في أن تصبح مصر شريكا أمنيا مستقرا وشريكا مستقرا‬ ‫في عملية السالم فيجب أن تهتم بما يحدث حاليا في مصر» <‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫لوي‬ ‫جوهميرت‬

‫‪31‬‬


‫قصة الغالف‬

‫للتأثير على الجيش املصري) إلى الكثير من الشرح‪ .‬كيف حدث ذلك‪ ،‬كيف‬ ‫تراجع التحالف بني الواليات املتحدة األميركية وجمهورية مصر العربية إلى‬ ‫الحد الذي يجعل الواليات املتحدة ال تمتلك سوى أدوات محدودة للتأثير على‬ ‫الجيش؟ هناك ثالثة أسباب رئيسة‪ :‬نظرية املؤامرة‪ ،‬وسياسة رد الفعل واملال‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫قبل فترة وجيزة‬ ‫من تصنيفها‬ ‫جماعة إرهابية‬ ‫رفضت النخبة‬ ‫الحاكمة في‬ ‫مصر اختيار‬ ‫وزير الخارجية‬ ‫األميركي‬ ‫للسفير‬ ‫األميركي في‬ ‫مصر ـ ـ روبرت‬ ‫فورد الذي يعمل‬ ‫حاليا سفيرًا‬ ‫أميركيا في‬ ‫سوريا من دون‬ ‫أن يقيم بها‬

‫‪,,‬‬

‫لقد ذكرنا نظريات املؤامرة من قبل؛ حيث إن الثقة بني الزعماء املصريني‬ ‫واألميركيني تراجعت نظرا للشكوك بشأن مشاركة الواليات املتحدة في‬ ‫وضع جماعة اإلخوان على رأس السلطة في مصر واالستمرار في تأييدها‬ ‫حتى اليوم‪ .‬وهذا غير صحيح ببساطة وال يحتاج أن نهدر الوقت في محاولة‬ ‫تفنيده‪.‬‬ ‫أما عن سياسة رد الفعل فعلى الرغم من أنها جرى ذكرها من قبل فإنني‬ ‫سوف أشرحها بالتفصيل هنا‪ .‬ففي إطار محاوالتها للبقاء وفية لحليفها‬ ‫الدائم – في إشارة إلى مصر ولكن إذا أردنا الوصول إلى حقائق األمور فإن‬ ‫املقصود هو الجيش املصري ‪ -‬أعطت الواليات املتحدة انطباعا بأنها متغيرة‬ ‫وال يمكن الوثوق بها‪ .‬فسرعان ما تحول الدعم األميركي طويل املدى ملبارك‬ ‫إلى دعم ملن خلعه بعد عدة أيام من اندالع الثورة‪ .‬وعلى الرغم من أن الدعم‬ ‫األميركي الالحق للمجلس األعلى للقوات املسلحة واالنتقال للحكم املدني كان‬ ‫مفهوما فإنه لم يدم طويال‪ .‬وبعدها جاء التأييد األميركي لالنتخابات املصرية‬ ‫الذي تحول على نحو مثير للسخرية إلى تأييد مزعج ملرشح اإلخوان املنتخب‪،‬‬ ‫محمد مرسي‪ .‬وسرعان ما تراجعت تلك الحقيقة الجديدة أمام التأييد‬ ‫األميركي الضمني لخلعه في أعقاب املطالب الشعبية بخلعه‪ .‬وجاءت نهاية‬ ‫ذلك الدعم الذي بدا ال نهائيا للعبة الكراسي املوسيقية املصرية في صورة‬ ‫التأييد األميركي لسيطرة وزير الدفاع املصري عبد الفتاح السيسي على‬ ‫األمور وإعادة تنظيمها‪ .‬ولكن الواليات املتحدة اضطرت في النهاية أن تتخذ‬ ‫موقفا عندما استخدم الجيش وسائل عنيفة إلعادة فرض األمن‪ .‬ودفعت‬ ‫درجة العنف وإراقة الدماء الطائفية العديدين في الواليات املتحدة للتوقف‬ ‫والتساؤل حول ما إذا كان خلع مرسي يمثل انقالبا وهو ما يوجب على‬ ‫الواليات املتحدة قانونا أن تقطع املساعدات املقدمة ملصر أم ال‪.‬‬ ‫وقد خيب هذا النوع املستمر من الدعم األميركي أمل العديدين في الواليات‬ ‫املتحدة تجاه مصر برمتها‪ ،‬وتصاعدت أصوات الدعوات املطالبة بسحب‬ ‫املساعدات األميركية التي تقدم إلى البالد املتعثرة‪ .‬وعلى الصعيد املصري‪،‬‬ ‫بدأت أزمة الثقة العميقة تظهر داخل كافة املعسكرات املتصارعة باالعتماد‬ ‫على فكرة بسيطة وهي إذا ما كان األميركيون «يدعمونهم» فكيف يمكن‬ ‫أن «يدعمونا»‪ .‬ولم تعمل بعض االنتقادات الخليجية املتعلقة بأن أميركا‬ ‫تخلت عن مبارك بسرعة فائقة ونظريات املؤامرة حول التحالف األميركي مع‬ ‫اإلخوان إال على تعزيز األزمة‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬ما زال األكاديميون وصناع‬ ‫السياسة في واشنطن ينتقدون إدارة أوباما الفتقارها أي نوع من السياسة‬ ‫الرسمية تجاه مصر ويدعون اإلدارة إلى سرعة وضع سياسة متماسكة‬ ‫ومنطقية تجاهها‪.‬‬ ‫ويتعلق السبب األخير لتراجع النفوذ األميركي في مصر باملال أو على‬ ‫نحو أكثر تحديدا بتعليق صفقة املساعدات األميركية وبصفقة املساعدات‬ ‫الخليجية (األكبر حجما واملجانية)‪ .‬فكنتيجة التفاقية السالم املصرية‬ ‫اإلسرائيلية ‪ ،1979‬بدأت الواليات املتحدة تقديم مساعدات عسكرية‬ ‫واقتصادية سنوية تقدر بمليارات الدوالرات إلى مصر‪.‬‬

‫روبرت‬ ‫فورد‬

‫‪30‬‬

‫هذا باإلضافة إلى التدريب والتبادل العسكري‪ ،‬الذي مثل عصب العالقة‬ ‫األميركية ‪ -‬املصرية التي استمرت لثالثة عقود‪ .‬ومع الوقت‪ ،‬أصبح ينظر إلى‬ ‫تلك األموال ليس كمدفوعات للحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد فقط ولكن‬ ‫كذلك للحفاظ على عدد من القضايا املشتركة األخرى‪ .‬ومنذ سقوط مبارك‪،‬‬ ‫دعا بعض املصريني إلى رفض «الرشوة األميركية»‪ .‬وباملثل‪ ،‬دفع خلع محمد‬ ‫مرسي العديد من أعضاء الكونغرس الغاضبني إلى اإلصرار على تعليق‬ ‫املساعدات األميركية تطبيقا للقانون األميركي‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬نجح الكونغرس‬ ‫في تحقيق مراده وقلصت الواليات املتحدة جزءا من صفقة املساعدات املقدمة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫ملصر والتي تصل إلى ‪ 1.55‬مليار دوالر أميركي في أكتوبر (تشرين األول)‬ ‫‪ 2013‬ضمن عدد من اإلجراءات العقابية األخرى‪.‬‬ ‫وقد كان لهذه الخطوة تأثير تنبأ به العديدون بمن فيهم أنا شخصيا؛ فلم‬ ‫يسفر فقط القرار عن زيادة التوتر في العالقات بني اإلدارة األميركية والنظام‬ ‫العسكري املصري ولكنه جاء أيضا متأخرا مما جعله يفتقر إلى األثر املرجو‬ ‫منه وهو تحجيم الحملة القمعية التي يشنها النظام ضد جماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني وغيرها من عناصر املعارضة في البالد‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تعهدت‬ ‫اململكة العربية السعودية واإلمارات والكويت بمساعدة مصر ماليا بعد‬ ‫املوقف األميركي بما يقدر بنحو ‪ 12‬مليار دوالر‪ ،‬وهي الصفقة التي قزمت‬ ‫من الصفقة األميركية كما أنها تأتي دون أية شروط وجعلت زعماء الخليج‬ ‫يحصلون على انتباه الجيش املصري وأصبحت الواليات املتحدة تقف في‬ ‫الصف انتظارا لدورها في لفت االنتباه‪ .‬واألهم من ذلك هو أنه لم يكن العرب‬ ‫فقط هم من رحبوا بملء الفراغ الذي خلفته أميركا بل بدأت روسيا مؤخرا‬ ‫التفاوض على أكبر صفقة سالح مع مصر منذ الحرب الباردة‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من أن قدرة مصر على سداد كلفة مثل تلك الصفقة الضخمة محل تساؤل‬ ‫ومن ثم فربما ال تتم الصفقة من األساس‪ ،‬فإن ذلك التطور يعكس أن الواليات‬ ‫املتحدة ال تحتفظ بنفس القدر من النفوذ الذي كانت تمتلكه في األيام األولى‬ ‫من عام ‪.2011‬‬ ‫وقد بدأت بالفعل تداعيات تراجع الدور األميركي في الظهور‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬فقبل فترة وجيزة من تصنيفها كجماعة إرهابية‪ ،‬رفضت النخبة‬ ‫الحاكمة في مصر اختيار وزير الخارجية األميركي للسفير األميركي في‬ ‫مصر – روبرت فورد الذي يعمل حاليا كسفير أميركي في سوريا دون‬ ‫أن يقيم بها‪ .‬ومن الواضح‪ ،‬أن النظام العسكري املصري رفض ترشح‬ ‫فورد نظرا لدعمه للمظاهرات املناهضة لألسد في األيام األولى لالنتفاضة‬ ‫السورية (قبل أن يهيمن عليها اإلسالميون) واستعداده الحقا للتفاوض مع‬ ‫املسلحني اإلسالميني في سوريا‪ .‬ومن الواضح أن تأييد خلع نظام عسكري‬ ‫ودعم العديد من اإلسالميني في العديد من أنحاء املنطقة كان يعد خطا‬ ‫أحمر في املنطقة في تلك اللحظة‪ .‬وما زال املنصب خاويا حتى هذه اللحظة‬ ‫نظرا للسحب املفاجئ للسفيرة األميركية السابقة إلى مصر آن باترسون‬


‫مضيفا‪« :‬لقد اختارت الواليات املتحدة عدم االنحياز ألي من األطراف»‪،‬‬ ‫مؤكدا أن أميركا سوف تتوقف عن لعب دور الوسيط في السياسات الداخلية‬ ‫املصرية لكي تتمكن من تحقيق أهداف أكثر تحديدا»‪.‬‬ ‫وأكد أوباما أن الواليات املتحدة‪« :‬سوف تستمر في مضيها قدما في الحفاظ‬ ‫على عالقات بناءة مع الحكومة االنتقالية فيما تدعم املصالح الرئيسة مثل‬ ‫اتفاقيات كامب ديفيد ومكافحة اإلرهاب»‪ .‬كما قدم أوباما تفسيرا إضافيا‬ ‫لهذا التصريح قائال‪« :‬سوف تعمل الواليات املتحدة في بعض األحيان مع‬ ‫حكومات ال تلبي‪ ،‬على األقل من وجهة نظرنا‪ ،‬أعلى املعايير الدولية ولكنها‬ ‫تعمل معنا في مضمار مصالحنا الجوهرية ولكننا في الوقت نفسه لن نكف‬ ‫عن التأكيد على املبادئ التي تتفق مع املثل التي نؤمن بها سواء كان ذلك يعني‬ ‫معارضة استخدام العنف كوسيلة لقمع املعارضة أو دعم املبادئ املنصوص‬ ‫عليها في اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان»‪.‬‬ ‫وباختصار‪ ،‬أوضح الرئيس أنه على الرغم من أنه والشعب األميركي يتمنيان‬ ‫الديمقراطية والحرية للشعب املصري فإن املصالح الرئيسة مثل الوصول إلى‬ ‫قناة السويس والتعاون بشأن مكافحة اإلرهاب والحفاظ على اتفاقيات كامب‬ ‫ديفيد هي الخط العام للسياسة األميركية‪.‬‬

‫التصنيف أو عدم التصنيف‬ ‫تساءل كثير في مصر والواليات املتحدة عما إذا كانت الواليات املتحدة‬ ‫سوف تدعم قرار مصر بتصنيف جماعة اإلخوان املسلمني منظمة إرهابية‬ ‫وهل ستتخذ الواليات املتحدة نفسها خطوة مماثلة‪ .‬وربما يرى البعض في‬ ‫العالم العربي التردد األميركي في تصنيف جماعة اإلخوان كجماعة إرهابية‬ ‫كدليل على مشاركتها في املؤامرة أو على األقل كدليل على تأييدها الضمني‬ ‫للجماعة مستدعني إلى األذهان خطاب أوباما في القاهرة في ‪.2009‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك آخرون من ذوي امليول اإلسالمية الذين يقولون‬ ‫إن قيادات الجيش املصري ال يمكنهم توجيه مثل تلك الضربة للجماعة‬

‫إال بمباركة صريحة من واشنطن‪ .‬ويقر أوباما بهذه االتهامات املستمرة‬ ‫واملتناقضة في الخطاب الذي ألقاه باألمم املتحدة قائال‪« :‬لقد تعرضت أميركا‬ ‫للهجوم من قبل كافة أطراف النزاع الداخلي‪ ،‬حيث اتهمت في الوقت نفسه‬ ‫بدعم اإلخوان املسلمني وبتدبير إبعادهم عن السلطة»‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الحقيقة‬ ‫أبسط من هذه الخياالت الجامحة‪.‬‬ ‫ويصف هذه الحقيقة البسيطة كل من دانيال بينجامني الذي عمل كخبير في‬ ‫مكافحة اإلرهاب بوزارة الخارجية األميركية في الفترة من ‪ 2009‬إلى ‪2012‬‬ ‫وستيفن سيمون املسؤول عن الشرق األوسط وشمال أفريقيا بمجلس األمن‬ ‫التابع لألمم املتحدة في الفترة من ‪ 2012-2011‬باختصار في مقالهما الذي‬ ‫نشر بصحيفة «نيويورك تايمز» حيث يقوالن‪« :‬لقد راقب القادة األميركيون‬ ‫واألوروبيون عملية القمع بقدر من االنفصال نظرا ألنهم ليست لديهم أدوات‬ ‫للتأثير على قرار الجيش باإلضافة إلى أن النزاع يبدو نزاعا داخليا»‪.‬‬ ‫ويحتاج هذا املنطق األخير والذي جاء أيضا في تصريح أوباما (لقد اختارت‬ ‫الواليات املتحدة تجنب االنحياز ألحد األطراف)‪ ،‬بعض التفسير‪ ،‬فمما ال‬ ‫شك فيه أن كافة الدول تتمتع باالستقالل‪ ،‬وباستثناء حاالت خاصة محددة‬ ‫عادة ما تتعامل تلك الدول مع العنف املتفشي لديها واالضطرابات كما ترى‬ ‫هي‪ .‬وعلى الرغم من أن أميركا كانت واضحة تماما عندما ارتأت السياسات‬ ‫املصرية كارثية ولكن التوبيخ اللفظي لم يكن من املمكن أن يعمل في النهاية‬ ‫كرادع حقيقي للسلوكيات املصرية‪ .‬وعلى نفس املنوال‪ ،‬فإن الواليات املتحدة‬ ‫ال تفترض أنها إذا صنفت مجموعة محددة كجماعة إرهابية‪ ،‬فإنه يصبح‬ ‫على جميع حلفائها أن يحذوا حذوها أو حتى يوافقوا على القرار‪ .‬فقد لجأت‬ ‫الحكومة االنتقالية املصرية لهذا اإلجراء للحد من تهديد ما وإقصاء منافس‪،‬‬ ‫مما يجعل القضية قضية داخلية تماما‪.‬‬

‫أدوات محدودة للتأثير على الجيش املصري‬

‫في الرابع من يونيو ‪ 2009‬ألقى ً‬ ‫الرئيس األميركي باراك أوباما خطبة‬ ‫ُس ّميت «بداية جديدة»‬ ‫(‪ )A New Beginning‬في قاعة‬ ‫االستقبال الكبرى في جامعة القاهرة‬

‫‪,,‬‬

‫بعدما كانت‬ ‫جماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني تحظى‬ ‫بأغلبية أصوات‬ ‫الناخبني اتهمت‬ ‫في اليوم التالي‬ ‫بأنها تحاول‬ ‫بناء ديكتاتورية‬ ‫إسالمية جديدة‬

‫‪,,‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يحتاج العامل األول من بني العاملني (عدم وجود نفوذ‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪29‬‬


‫قصة الغالف‬

‫منذ أن خلع الجيش املصري الرئيس السابق وعضو جماعة اإلخوان‪ ،‬محمد مرسى‪ ،‬كانت البالد ترزح تحت‬ ‫وطأة العنف والصراع الطائفى واالضطرابات‪ .‬وكان الخطاب السائد والناجم عن ذلك املزيج الخطر – وإن كان‬ ‫هذا الخطاب نسجته بعناية أعلى نخبة بالجيش – هو خطاب الحرب على اإلرهاب‪ .‬وفي إطار هذا الخطاب‪،‬‬ ‫أصبحت جماعة اإلخوان املسلمني العدو األول للشعب‪ ،‬خاصة وأن النظام سلط الضوء على التصريحات التي‬ ‫أطلقها أعضاء بجماعة اإلخوان في أعقاب االنقالب تعهدوا فيها باالستشهاد دفاعا عن قضيتهم‪.‬‬

‫بعدما صنفت مصر اإلخوان تنظيما إرهابيا‪ :‬هل تفعل الواليات املتحدة الشيء نفسه؟‬

‫أمريكا واجلماعة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫تالى هلفونت‬

‫‪,,‬‬

‫أكد أوباما أن‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫«سوف تستمر‬ ‫في مضيها قدما‬ ‫في الحفاظ على‬ ‫عالقات بناءة‬ ‫مع الحكومة‬ ‫االنتقالية في‬ ‫مصر فيما‬ ‫تدعم املصالح‬ ‫الرئيسة مثل‬ ‫اتفاقيات كامب‬ ‫ديفيد ومكافحة‬ ‫اإلرهاب»‬

‫‪,,‬‬

‫‪28‬‬

‫وتجد اآلن الواليات املتحدة نفسها في موقف ملتبس حيث يجب‬ ‫عليها السير بحذر وسط أرض تعج باأللغام األرضية‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من هذا الخطر‪ ،‬تحاول أميركا مرة أخرى أن تستعيد وضعها في‬ ‫مصر؛ وذلك حيث إن العالقات الثنائية التي كانت من قبل تمثل حجر األساس‬ ‫في بنية التحالف األميركي في املنطقة كانت قد بدأت تشهد تراجعا سريعا‬ ‫بعدما أنتج ميدان التحرير ثورة ‪ 25‬يناير (كانون الثانى)‪ .‬فعلى الرغم من أن‬ ‫الدعم األميركي ملصر كان قد صمد أمام العديد من التغيرات في السنوات‬ ‫السابقة‪ ،‬فإنه لم يخرج منها دون أضرار‪ ،‬وذلك حيث ساهمت العديد من‬ ‫العوامل في تراجع العالقات األميركية‪ -‬املصرية؛ يتداعى اثنان منها على وجه‬ ‫الخصوص إلى األذهان حاليا‪ .‬أوال‪ ،‬طبيعة السياسة الخارجية األميركية تجاه‬ ‫مصر واملعتمدة على رد الفعل والتي كان العديد منا يرى أنها تأتي متأخرة‬ ‫باستمرار خطوتني عن تطور األحداث على األرض كما أنها لم تكن تتوافق‬ ‫دائما مع لب املصالح األميركية وهو ما ساعد على احتقان العالقات‪ .‬وثانيا‪،‬‬ ‫تعرض ذلك التحالف لالضطرابات إثر تغير األوضاع السريع في مصر‪،‬‬ ‫فبعدما كان مبارك في القمة هبط منها في غمضة عني‪ ،‬وبعدما كانت جماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني تحظى بأغلبية أصوات الناخبني؛ حيث حصلت على ‪51.7‬‬ ‫في املائة من األصوات فى صندوق االقتراع‪ ،‬اتهمت في اليوم التالي بأنها‬ ‫تحاول بناء ديكتاتورية إسالمية جديدة‪ .‬وقد دفعت هذه التغيرات الرئيسة‬ ‫في القيادة الواليات املتحدة للتساؤل عما إذا كان التحالف مع مصر يمكن‬ ‫إنقاذه أم ال وما هي تكلفة إنقاذه‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يجب علينا فحص السؤال بشأن ما إذا كانت الواليات‬ ‫املتحدة سوف تؤيد قرار الحكومة املصرية بتصنيف جماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني كجماعة إرهابية‪ ،‬واألهم من ذلك‪ :‬هل تحذو حذوها‪.‬‬ ‫بغض النظر عن انعدام الثقة املتبادل بني الحلفاء‪ ،‬يجب أن نأخذ في اعتبارنا‬ ‫املشهد الحالي في املنطقة‪ ،‬وذلك حيث إن انتباه الواليات املتحدة كان مشتتا‬ ‫في العديد من القضايا؛ تحديدا إيران وسوريا واملشروع التاريخي لوزير‬ ‫الخارجية األميركي جون كيري – مفاوضات السالم اإلسرائيلية الفلسطينية‬ ‫ مما جعلها تبدو أكثر انشغاال من أن تولي اهتماما ملصر ناهيك عن أن‬‫تتخذ موقفا واضحا بشأن قرارها بتصنيف جماعة اإلخوان كجماعة‬ ‫إرهابية‪ .‬كما أن هناك دليال على أن تقديم الواليات املتحدة الدعم لهذا القرار‬ ‫في هذه اللحظة لن يكون في مصلحة الواليات املتحدة في هذه املرحلة وهو‬ ‫ما سأشرحه الحقا‪.‬‬ ‫على أية حال‪ ،‬لم يمض قرار الحكومة املصرية بتصنيف الجماعة كجماعة‬ ‫إرهابية تماما دون أن يلفت األنظار في واشنطن‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن التصريح‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫الرسمي الوحيد حول ذلك القرار جاء من املتحدثة باسم الخارجية األميركية‬ ‫التي قرأت بعناية تصريحا معدا مسبقا يتمحور حول تداعيات مثل تلك‬ ‫الخطوة على الحريات التي يكفلها القانون لألميركيني وليس للمصريني‪،‬‬ ‫فيقول التصريح‪:‬‬ ‫«نحن قلقون بشأن تصنيف الحكومة املصرية االنتقالية في ‪ 25‬ديسمبر‬ ‫املاضي لجماعة اإلخوان املسلمني كجماعة إرهابية‪ ،‬باإلضافة إلى استمرار‬ ‫حمالت اعتقال واحتجاز املتظاهرين السلميني ومنظمات املجتمع املدني‬ ‫والنشطاء السياسيني‪ .‬وما زلنا قلقني بعمق بشأن االعتقاالت واالحتجازات‬ ‫واالتهامات بدوافع سياسية في مصر‪ .‬وكما قلنا‪ ،‬تثير هذه األفعال‬ ‫التساؤالت حول تطبيق القانون بعدالة ودون انحياز‪ ،‬كما أنها لن تمضى‬ ‫قدما بالعملية االنتقالية»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الرئيس األميركي باراك أوباما لم يدل بأية تصريحات حول‬ ‫تلك القضية حتى اآلن‪ ،‬أعرب وزير الخارجية جون كيري عن مخاوفه في‬ ‫مكاملة هاتفية مع نظيره املصري‪ ،‬وزير الخارجية نبيل فهمي قبل ذلك بأربعة‬ ‫أيام‪ .‬وكان لهذه املكاملة هدفان‪ :‬التعبير عن عزاء كيرى الصادق للحكومة‬ ‫املصرية وأسر ضحايا الهجوم اإلرهابي الذي استهدف مديرية أمن الدقهلية‬ ‫في املنصورة وللتأكيد على حاجة مصر إلى إقامة عملية سالم شاملة تحترم‬ ‫حقوق اإلنسان األساسية وتضمنها لكافة املواطنني‪ ،‬باإلضافة إلى الحاجة‬ ‫لتحقيق االستقرار السياسي والتغير الديمقراطي‪.‬‬ ‫وباملثل‪ ،‬اتصل وزير الدفاع تشاك هيغل بوزير الدفاع املصري‪ ،‬عبد الفتاح‬ ‫السيسي قبل يوم من تصريح وزارة الخارجية مقدما تعازيه ومناقشا ما‬ ‫وصفه وزير الدفاع‪« :‬بالتوازن بني األمن والحرية»‪ .‬ولهذه املحادثة أهمية‬ ‫خاصة أخذا في االعتبار أن قدرا كبيرا من العالقات الثنائية بني البلدين‬ ‫كان يعتمد على هذين الرجلني وليس على الفرق الدبلوماسية التي أوكلتها‬ ‫الدولتان لهذه املهمة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يقم أي من كيرى أو هيغل بذم أو امتداح ذلك‬ ‫التصنيف‪ .‬ويبدو أن عدم وجود رد فعل رسمي يعكس إلى حد ما رغبة في‬ ‫التقليل من شأن القضية‪.‬‬

‫الواليات املتحدة أختارت عدم االنحياز‬ ‫وفي الحقيقة‪ ،‬حدد أوباما هذا املسار بنفسه قبل عدة شهور أثناء الكلمة‬ ‫التي ألقاها أمام الجمعية العامة لألمم املتحدة عندما قال مباشرة إنه يعتزم‬ ‫عدم االنحياز ألحد األطراف‪ ،‬مؤكدا أن كال من الرئيس املعزول محمد مرسى‬ ‫والحكومة االنتقالية يحكمان بأسلوب قمعي وال يتضمن كافة األطياف‪،‬‬


‫والثقافية‪ .‬وهو ذو وجوه متعددة‪ ،‬فالبعض يستخدمه لغاية تصنيفية فيما‬ ‫آخرون يستخدمونه ‪ -‬دون مواربة ‪ -‬بغرض التشويه والوصم!‬ ‫ومصطلح «اإلسالم السياسي»‪ ،‬فضال عن كل ما سبق‪ ،‬نتاج حقبة من الزمن‬ ‫شهدت القدر األكبر من التحامل على اإلسالم ومعالم وجوده في ساحة‬ ‫الشأن العام (السياسي والثقافي) من أطراف غربية ومحلية‪ ،‬وهو أمر أسهم‬ ‫فيه بشدة صراع بعض الحركات اإلسالمية مع النظم الحاكمة في بالدها‪،‬‬ ‫وأسهم فيه أيضا مناخ ما بعد «الحرب الباردة»‪ ،‬وصوال إلى الحادي عشر من‬ ‫سبتمبر (أيلول) وما تاله‪ .‬واتساقا مع هذه الحقيقة شهدت هذه الحقبة ظهور‬ ‫مصطلح «اإلسالموفوبيا»‪.‬‬ ‫ومن الخطر الشديد على واقعنا ومستقبلنا أن ندرس مآالت املستقبل في‬ ‫قضية كهذه‪ ،‬ونحن محملون بهذا الثقل الكبير لحالة عميقة من حاالت‬ ‫الرفض املبدئي‪ ،‬حتى لو كان هذا الرفض مقصورا على املنتمني لتيارات‬ ‫فكرية وسياسية معينة في الواقع العربي‪ .‬ولعل أحد أهم التحوالت اإليجابية‬ ‫في مناهج العلوم اإلنسانية في السنوات القليلة املاضية‪ ،‬قناعة البعض بأن‬ ‫إعالن الباحث عن «انحيازاته املسبقة» من شروط املوضوعية‪ ،‬وهو منحى‬ ‫بدأ يحل بالتدريج محل االدعاء العريض بأن دراسة العلوم اإلنسانية ال‬ ‫تتأثر بميول باحثيها‪ .‬وإذا كان الحديث ‪ -‬في هذه اللحظة املرتبكة ‪ -‬هو عن‬ ‫جماعات اإلسالم السياسي‪ ،‬فقد يصح ‪ -‬احتماال ‪ -‬أن بعض األقطار العربية‬ ‫هي على أعتاب مرحلة «ما بعد اإلسالم السياسي»‪ ،‬أما تصور البعض أن‬ ‫هذا سيكون حالة عربية عامة‪ ،‬ففيه كثير من الخطأ‪ ،‬أما املبشرون بأن العالم‬ ‫اإلسالمي كله سيشهد اختفاء هذه التنظيمات‪ ،‬فال أرى جدوى من مناقشة‬ ‫دعواه‪ .‬والتنظيمات ذات القواعد الجماهيرية الكبيرة تتحرك في التاريخ وفقا‬ ‫ملنطق أقرب إلى «خطوة الفيل»‪ ،‬فهو أقل سرعة من كائنات أخرى كثرة أصغر‬ ‫حجما‪ ،‬لكن خطوته تهز األرض هزا‪ ،‬وعليه فإن األرجح تغير ميكانيزمات‬ ‫التحرك ‪ -‬ولو ببطء ‪ -‬لكن «حلم االختفاء السريع»‪ ،‬سيظل حلما يراود البعض‪.‬‬

‫هل تموت الفكرة؟‬ ‫أما الحديث عن «موت الفكرة» فتغليب ال تسانده الشواهد وال تؤكده‬ ‫التجارب‪ ،‬فهذه اإلجابة أو تلك عن عالقة الدين بالسياسة‪ ،‬ستظل مطروحة‬ ‫ومؤثرة إلى مدى زمني ليس بالقصير‪ ،‬وبخاصة أن التاريخ العربي‬ ‫اإلسالمي الحديث شهد تجارب حاول أصحابها تقديم إجابات مغايرة‬ ‫عن عالقة الدين بالسياسة كان مصير أغلبها الفشل‪ ،‬وبقي الدين مكونا‬ ‫ذا تأثير في الوجدان العام أكبر بكثير مما ظن من حاولوا إعادة هيكلة‬ ‫دوره وفقا لتصورات مسبقة تبلورت في سياق التاريخ الغربي‪.‬‬ ‫وقد يكون املراد هنا نهاية دورها املحرك الذي قامت به خالل العقود التي‬ ‫بدأت بسبعينات القرن العشرين املشار إليها غالبا بوصفها فجر «إحياء‬ ‫ديني عاملي»‪ ،‬فحركات اإلسالم السياسي بقيت منذ هذا التاريخ أحد أكثر‬ ‫الفاعلني تأثيرا في الواقع العربي بدرجات متفاوتة‪ ،‬لكن هذا فيه تغليب‬ ‫الحتمال أن تموت األفكار بتصدع التنظيمات‪ ،‬أو أن يؤدي حظرها قانونا‬ ‫إلى تشييع جثمانها‪.‬‬ ‫وحقيقة األمر أن هذا أيضا ليس «األرجح» بل ربما كان األرجح أن هذا‬ ‫الفرض مستحيل‪ ،‬في ضوء عدة حقائق‪ .‬أول هذه الحقائق أن البديل‬ ‫لم ينضج بعد‪ ،‬حيث بقيت بنية السلطة في عديد من الدول العربية‬ ‫تعاني أزمة «مشروعية» طاملا كانت ثمرتها صبغة دينية واضحة ‪ -‬ال‬ ‫مفر منها ‪ -‬في الخطاب الرسمي‪ ،‬منحت «الخصم» (جماعات اإلسالم‬ ‫السياسي) مشروعية ضمنية للوجود ومنافسة الخطاب الرسمي‪.‬‬ ‫وحتى اليوم لم يزل بديل خطاب اإلسالم السياسي غائبا‪ ،‬وهذه‬ ‫الطاقة الوجدانية سوف تظل لفترة طويلة تبحث عن مسار لها في‬ ‫ظل ما يعانيه الخطاب الديني الرسمي من عجز مزمن عن استيعاب‬ ‫هذه الطاقة‪ .‬وأما الحديث عن بديل خارج «املظلة اإلسالمية»‪ ،‬فيعد‬

‫ضربا من التمني‪ ،‬فالنخب التي تتبنى تصورات ذات مرجعية مغايرة‬ ‫لم تنجح ‪ -‬حتى اآلن على األقل ‪ -‬في أن تكون بديال على األرض‪،‬‬ ‫وغير صحيح أن السبب الوحيد لذلك أن «اإلسالم السياسي» يخلط‬ ‫الدين بالسياسة‪ ،‬فهذه التيارات فشلت فشال ذريعا في إنتاج خطاب‬ ‫اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي يسحب البساط ‪ -‬ولو جزئيا ‪ -‬من‬ ‫تحت أقدام خصومهم‪.‬‬

‫تحديات وأسئلة‬ ‫هذا الذي سبق ال يعني أبدا أن «اإلسالم السياسي» بوجهيه الفكري والتنظيمي‬ ‫سيستمر في مسار خطي ال تحول فيه‪ ،‬فالصدام الذي شهدته مصر ‪-‬‬ ‫وكادت أن تشهده تونس ‪ -‬منعطف تاريخي سيكون له ما بعده‪ ،‬وبخاصة‬ ‫فيما يتصل باألفكار ذات الصلة بعالقة الدين بكل من‪ :‬الدولة والوطنية‪ ،‬وكذلك‬ ‫العالقة بني‪« :‬الدعوي» و«السياسي»‪ .‬حدود كل من‪ :‬الديمقراطية وقبول اآلخر‬ ‫والتعددية‪ ،‬وسيكون السؤال األكثر إلحاحا‪ :‬هل دور اإلسالمي أن يوجب على‬ ‫الناس أم أن يستجيب لهم؟‬ ‫في الحاالت املحتملة على اختالفها سيختلف منطق ترتيب األولويات‬ ‫بعد تجربة املشاركة السياسية األولى في دول الربيع العربي‪.‬‬ ‫وستشكل قضية «الخطاب»‪ ،‬بوصفه املرآة التي تنعكس عليها األفكار‪،‬‬ ‫أولوية متقدمة خالل الفترة املقبلة‪ .‬وليس من املستبعد أن يظهر مسار‬ ‫فرعي داخل الظاهرة يستنتج مما حدث نتيجة واحدة‪« :‬الرصاص هو‬ ‫الحل»‪ ،‬فالحركة اإلسالمية خالل الثمانينات والتسعينات خاضت‬ ‫تجارب شديدة القسوة في سوريا والجزائر ومصر‪ ،‬بسبب طرح خيار‬ ‫الصراع املسلح على الطاولة‪ ،‬وليس مستبعدا أبدا أن تنضج التجربة‬ ‫األخيرة مسار عنف‪ ،‬أرجح ‪ -‬بدرجة قريبة من اليقني ‪ -‬أنه سيكون‬ ‫مسارا فرعيا‪ .‬وقد يصح عندئذ ‪ -‬مع التجاوز ‪ -‬الحديث عن مرحلة «ما‬ ‫بعد اإلسالم السياسي»‪ ،‬ال وفقا لسيناريو افتراضي يبدو واضحا‬ ‫من كتابات املبشرين باملقولة‪ ،‬ويمكن أن نسميه‪« :‬التصدع العظيم»‪ ،‬بل‬ ‫على قاعدة إعادة الهيكلة التي تجعله مختلفا إلى حد كبير (الصورة‬ ‫النمطية) ال عن الفكرة ِّ‬ ‫املؤسسة‪ .‬وفي هذه الحالة ستكون العالقة بني‬ ‫اللغة أكثر اتساقا! <‬

‫‪,,‬‬

‫السؤال األكثر‬ ‫إلحاحا‪ :‬هل‬ ‫دور اإلسالم‬ ‫السياسي أن‬ ‫يوجب على‬ ‫الناس أم أن‬ ‫يستجيب‬ ‫لهم؟‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪27‬‬


‫قصة الغالف‬

‫منذ سنوات اجتاحت األدبيات الثقافية الغربية موجة من «املابعديات»‪« :‬ما بعد الحداثة»‪« ،‬ما بعد الصناعة»‪..‬‬ ‫إلخ‪ ،‬ورغم أن مجتمعاتنا العربية كانت قبل هذه املوجة ال دخلت عصر الحداثة وال عصر الصناعة‪ ،‬فإن‬ ‫عددا غير قليل من مثقفينا جرفتهم ‪ -‬مبكرا ‪ -‬هذه املوجة فكتبوا عن «املابعديات» في سياقات عدة‪ .‬وكانت‬ ‫املفارقة هنا أن العالقة في معظم الكتابات العربية عن هذه املوجة قلبت العالقة بني اللغة والفكر‪ ،‬فبينما‬ ‫وعاء للفكر‪ ،‬أصبح الفكر ً‬ ‫املنطقي أن تكون اللغة ً‬ ‫وعاء للغة!‬

‫عجلة التنظير لـ«ما بعد اإلسالم السياسي» انطلقت بأسرع مما كان متوقعا‬

‫التصدع العظيم‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫ممدوح الشيخ‬

‫‪,,‬‬

‫الصدام الذي‬ ‫شهدته مصر‬ ‫وكادت تشهده‬ ‫تونس منعطف‬ ‫تاريخي‬ ‫سيكون له‬ ‫ما بعده‬ ‫وبخاصة فيما‬ ‫يتصل بعالقة‬ ‫الدين بالدولة‬

‫‪,,‬‬

‫‪26‬‬

‫وأصبح «صك» مصطلح جديد يضاف إلى هذه القائمة هو ‪ -‬في‬ ‫حاالت كثيرة ‪ -‬هدف بحد ذاته واختنقت املوضوعية تحت ركام‬ ‫ضخم من الصياغات اللغوية الضخمة الفخمة التي خدعت القارئ‬ ‫والكاتب معا‪ ،‬وأخفت وراء بريق اللغة حقيقة أن الجهة «منفكة» بني النتائج‬ ‫واملقدمات وأن اللغة هي الشكل واملضمون‪ .‬وخالل عملي مع املفكر العربي‬ ‫اإلسالمي املصري الراحل الدكتور عبد الوهاب املسيري‪ ،‬الحظت في حوارات‬ ‫كثيرة معه أنه كان يرى أن «موجة املابعديات» ليست سوى مسار يفضي‬ ‫«معرفيا» إلى هدم كل ما هو حقيقة‪ ،‬أو أساس مستقر‪ ،‬أو قانون مطلق‪،‬‬ ‫أو فكر شامل‪ ،‬وقصد بذلك ما بعد الحداثة‪ ،‬وما بعد البنيوية‪ ،‬وما بعد‬ ‫الليبرالية‪ ،‬وما بعد العقالنية‪ ،‬إلى غيرها من املابعديات التي يصفها املسيري‬ ‫بـ«الفوضوية والعبثية والالشيئية»‪ ،‬وهو يرى أنها «شهادة وفاة» لـ«موجود»‬ ‫دون كتابة «شهادة ميالد» ملا يحل محله‪ ،‬وهي بالتالي ‪ -‬حسب رأيه ‪ -‬تعبير‬ ‫عن حالة من التشاؤم‪.‬‬ ‫ومع التطورات في مصر منذ الثالث من يوليو (تموز) يتحدث غير قليل من‬ ‫املحللني السياسيني عن «نهاية اإلسالم السياسي» بوصفه السمة املميزة‬ ‫ملرحلة تلي «حتما» فترة حكم الرئيس اإلخواني املعزول الدكتور محمد‬ ‫مرسي‪ .‬وأول املالحظات على هذا النزوع الواسع االنتشار في الخطابني‬ ‫السياسي واإلعالمي إلى تبني حتميات وإطالق أحكام قاطعة‪ ،‬أنه قد يكون‬ ‫مفهوما ‪ -‬وإن بقي غير مبرر ‪ -‬أما انتقال هذا النزوع املابعدي ‪ -‬مصحوبا‬ ‫بحتمياته وأحكامه القاطعة ‪ -‬إلى الخطاب التحليلي الذي يفترض أنه أكثر‬ ‫رصانة وأميل إلى التحفظ في إطالق األحكام القاطعة وتبني الحتميات‪ ،‬فهو‬ ‫مما ال يجوز قبوله‪ ،‬وال يسوغ تبريره‪.‬‬

‫ً‬ ‫وعاء للغة!‬ ‫الفكر‬ ‫وكما أن اللغة ‪ -‬كما أشرنا سلفا ‪ -‬تربطها في هذه املوجة من الكتابات عالقة‬ ‫معكوسة بالفكر‪ ،‬فمن املالحظ أيضا أن عجلة التنظير لـ«ما بعد اإلسالم‬ ‫السياسي» انطلقت بأسرع مما كان متوقعا‪ ،‬حيث من املفترض دائما أن‬ ‫الوقائع تحتاج إلى أن تبقى على «مسافة» من دارسها حتى ال تطغى مشاعر‬ ‫اللحظة وحسابات الخصومة وغياب «بعض» البيانات املتصلة بالوقائع‬ ‫املدروسة على االستنتاجات ودرجة دقتها‪ ،‬وفي الوقت نفسه فإن التنبؤ الذي‬ ‫هو موضوع علم «املستقبليات» يقوم على الترجيح‪ ،‬ونتائجه ‪ -‬غالبا ‪ -‬بدائل‬ ‫لكل منها نسبة من االحتمال‪ .‬والتبشير بما بعد اإلسالم السياسي يمكن‬ ‫النظر إليه ‪ -‬في سياق الصراع التاريخي املزمن (العلماني‪ /‬اإلسالمي) في‬ ‫الثقافة العربية‪ ،‬فهذا التبشير – إلى أن تستكمل أدبياته الشروط املوضوعية‬ ‫التي تجعلها موضع اعتبار ‪ -‬ليس سوى نوع من «التفكير بالتمني»‪ ،‬الذي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫يصمت ‪ -‬عمدا ‪ -‬عن حقيقة أن العالقة بني الدين والسياسة واحدة من‬ ‫أكثر القضايا تعقيدا في التاريخ الحديث‪ ،‬وخالل السنوات القليلة املاضية‬ ‫شهدت تجارب اجتماع إنساني غربية حالة مراجعة عميقة جدا إزاء تصور‬ ‫«الفصل التام» بني الدين والسياسة‪ .‬وعلى سبيل املثال فإن باريس‪ ،‬مهد‬ ‫الثورة الفرنسية‪ ،‬التي تبنت هذا الفصل التام بني الدين والسياسة وصدرته‬ ‫إلى كل أنحاء العالم تقريبا‪ ،‬شهدت ميالد مصطلح «العلمانية املؤمنة» على‬ ‫يد الرئيس الفرنسي السابق نيكوال ساركوزي‪ ،‬الذي كان يحاول بذلك رأب‬ ‫هذا الصدع التاريخي‪.‬‬ ‫وهذه القضية الشائكة حظيت بكم قد ال يحصيه ٌّ‬ ‫عد من محاوالت التنظير في‬ ‫الثقافات املختلفة‪ ،‬فضال عن عدد من التجارب التي تجعل االدعاءات ‪ -‬التي‬ ‫أعترف أنها ال تخلو من شجاعة ‪ -‬بالقدرة على حسمها في سياقنا العربي‬ ‫على هذا النحو‪ ،‬قفزة كبيرة في الفراغ‪ .‬وال بأس أن أضيف أنها غير مأمونة‬ ‫العواقب‪ ،‬ال نظريا وال عمليا‪ .‬ومما يجدر تذكره هنا أن هذا السياق العربي‬ ‫املشار إليه يشهد تحوالت متسارعة منذ بدء «الربيع العربي»‪ ،‬وهي تحوالت‬ ‫أعادت طرح الكثير من األسئلة األولى عن الدولة والدين والهوية والوطنية‪..‬‬ ‫وستمر ‪ -‬في تقديري سنوات قد تطول ‪ -‬قبل أن تتبلور أجوبة واضحة‬ ‫عن هذه األسئلة‪ .‬وألن النتيجة التي تمثل عمود الخيمة لكل تنظيرات «ما‬ ‫بعد اإلسالم السياسي» هي استنتاج متعجل من وقائع جزئية‪ ،‬وفي غياب‬ ‫القدر الكافي من الحقائق التي تصلح أن تكون «مقدمات» في قياس منطقي‬ ‫صحيح‪ ،‬وفي غياب االستحضار الذي يبدو ضروريا للتجارب املماثلة أو‬ ‫املشابهة‪ ،‬فإن هذه النتيجة هي في الحقيقة «مقولة» ال سبيل إلى وضعها في‬ ‫موضع االختبار‪ ،‬حتى إشعار آخر! ومما يطرحه هذا املسار املابعدي من‬ ‫تحديات على سالكيه أنهم ‪ -‬كما أشار الدكتور عبد الوهاب املسيري رحمه‬ ‫الله ‪ -‬ال يطرحون مالمح «بديل» وكأن نهاية اإلسالم السياسي هي بحد ذاتها‬ ‫«عملية تطهر وطني» ال صلة لها بما بعدها‪ .‬فالثقافة العربية املعاصرة عرفت‬ ‫عشرات اإلجابات املتعارضة عن هذه األسئلة في تصورات لفكرة النهضة‬ ‫رسم صورة وافية لها الدكتور فهمي جدعان في مؤلفه املتميز «أسس التقدم‬ ‫عند مفكري اإلسالم»‪ ،‬لكن األسئلة بقيت بال إجابة يمكن وصفها بأنها‬ ‫«الخيار الوطني» أو «الخيار العربي» أو‪..‬‬

‫اإلسالم السياسي أم جماعاته؟‬ ‫ومصطلح «اإلسالم السياسي» مصطلح رمادي فضفاض‪ ،‬فضال عن أنه‬ ‫حديث النشأة‪ .‬وهو مصطلح يرفضه بعض الباحثني ويتحفظ عليه كثير‬ ‫من الباحثني‪ ،‬حيث العالقة فيه بني «االسم» و«املسمى» رمادية أكثر مما‬ ‫ينبغي‪ ،‬فهو يشير إلى طيف واسع من الظواهر الفكرية والدعوية واالجتماعية‬


‫أما ناصر الحنيني – محسوب على ًالسلفية الحركية– ففي خطبة بعنوان‬ ‫(أشداء على الكفار رحماء بينهم) تعليقا على تفجيرات الرياض‪ ،‬قال‪" :‬البد‬ ‫أن نتجاوز مجرد االستنكار للحدث‪ ،‬مع أهميته ووجوبه‪ ،‬فال يصح أن نكتفي‬ ‫بالعويل والدعاء بالويل والثبور ملن فعل ودبر مثل هذه األعمال‪ ،‬لذلك هذه‬ ‫وصايا ونصائح يكتمل بها الحل والعالج‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫العلماء الربانيني مكانة عالية في املجتمع‪ ،‬وتعزيز دورهم‬ ‫إعطاء‬ ‫ "يجب‬‫ِ‬ ‫واستشارتهم في أمور األمة العظيمة‪.‬‬ ‫ إيقاف أي شكل من أشكال محاربة الدين وشعائره وسننه‪ ،‬أو محاربة‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫وحجاب املرأة‬ ‫املناهج‬ ‫رموزه وعلمائه‪ ،‬وإيقاف الحمالت الظاملة التي طالت‬ ‫َ‬ ‫وثوابت األمة؛ حتى ال يكون ً‬ ‫مبررا للجهلة واملتحمسني والغيورين‬ ‫املسلمة‬ ‫من أبناء املسلمني الذين يجدون ً‬ ‫مبررا من خالل هذا االستفزاز املتواصل"‪.‬‬

‫من أسئلة الديمقراطية‪ ..‬إلى دعوات «الجهاد» في سوريا‬ ‫مقاتلون من تنظيم القاعدة‬

‫"هذه اإلدانة يجب أال تكون محاولة لتبرئة النفس من االتهام‪ ،‬وكأن املتحدث‬ ‫يريد أن يبعد التهمة عن شخصه فحسب!"‪.‬‬ ‫وبعدها ساق العودة –كزمالئه‪ -‬مجموعة من املطالب والشروط التي من‬ ‫شأن تحقيقها حماية املجتمع من تكرار أعمال العنف والتفجير مرة أخرى‪،‬‬ ‫فقال‪" :‬إن املجتمع العادل ‪-‬الذي يتمتع بالحقوق والحريات املضبوطة بضابط‬ ‫الشرع فحسب‪ -‬هو مجتمع محروس بعناية الله‪ ،‬محفوظ من االنسياق‬ ‫وراء االعتبارات الخاصة‪ ،‬والرؤى الضيقة‪ ...‬فاملعروف أن أساليب التعبير‬ ‫العنيفة ‪-‬ومنها القتل‪ ،‬والتفجير‪ ،‬واالغتياالت‪ -‬تأتي عادة في ظل انسداد‬ ‫السبل الطبيعية‪ ،‬وعدم قدرة الناس‪ ,‬أو فئة منهم على التعبير والحوار ِّ‬ ‫الحر؛‬ ‫ويعمقها الشعور بالغنب‪ ،‬والحيف‪ ،‬والظلم‪ ،‬والتهميش!"‪ ،‬ولذلك "يجب صناعة‬ ‫الجو واملناخ الصالح؛ الذي تشيع فيه روح العدالة واإلنصاف‪ ،‬وتحفظ فيه‬ ‫حقوق الناس كافة‪ ...‬ألن أفضل الفرص لنشوء وانتشار الفكر املنحرف؛‬ ‫هي األجواء املغلقة الخانقة"‪ .‬طالب العودة الحكومة بإصالح أحوال الشباب‬ ‫وتلبية احتياجاتهم‪ ،‬فـ "أكثر من ‪ %60‬من الشعب السعودي؛ هم من الشباب‬ ‫دون سن العشرين‪ .‬وهؤالء يكادون أن يكونوا محرومني من الفرص التي‬ ‫يستحقها أمثالهم؛ من الناحية املادية والوظيفية‪ .‬فالشباب قنبلة موقوتة‪،‬‬ ‫مرشحة لالنفجار في أي اتجاه! وعلينا أال ننتظر لكي تقع املشكلة حتى‬ ‫نعالجها؛ بل أن نمتلك رؤية مستقبلية ناضجة؛ تستطيع أن تقرأ أثر‬ ‫املتغيرات‪ ،‬وأن ترسم الحل‪ ،‬وأن تنفذه‪ ...‬ونحن دولة نفطية؛ لديها إمكانيات‬ ‫مادية هائلة‪ ،‬وخبرات بشرية جيدة‪ ،‬ومساحات متسعة من األرض‪ ،‬ومستقبل‬ ‫ً‬ ‫واعد إذا توفرت اإلرادة لإلصالح"‪ .‬يختتم العودة حديثه قائال‪" :‬إن الحدث‬ ‫ُ‬ ‫خطر يعلن عما وراءه! وعلينا أن نفهم الرسالة جيدًا"‪ .‬مثل ذلك محمد‬ ‫ناقوس ٍ‬ ‫الدويش‪ ،‬فبعد أن استنكر أعمال القاعدة وبني حرمتها‪ ،‬في مقاله الذي بعنوان‬ ‫(حول أحداث تفجير الرياض) مايو ‪ ،2003‬قال‪" :‬إن ضخامة الحدث ال ينبغي‬ ‫أن تؤدي إلى فقدان التوازن في التفكير‪ ،‬ينبغي أن نتعامل مع الحدث ً‬ ‫بعيدا‬ ‫عن مجرد األلفاظ الصحفية التي تقتصر على ترديد الشجب واالستنكار‪،‬‬ ‫ونتساءل ملاذا حصلت هذه األحداث؟"‪.‬‬ ‫ساق بعد ذلك الدويش مجموعة من األسباب التي علل بها أحداث العنف‬ ‫واإلرهاب التي حدثت في السعودية‪ ،‬ومنها ‪-‬حسب رأيه‪" :-‬أساليب الضغط‬ ‫والتعذيب التي تمارس في حق بعض الشباب‪ ،‬واعتبار السفر إلى مواطن‬ ‫ً‬ ‫الجهاد تهمة وانحراف"‪ ،‬وقال مضيفا‪" :‬إن استنكار أعمال التفجير في‬ ‫البالد اإلسالمية ال يسوغ ً‬ ‫أبدا انتقاد األعمال الجهادية املشروعة القائمة في‬ ‫فلسطني والشيشان وكشمير وغيرها‪ ،‬وكون بعض هؤالء الشباب املنفذين‬ ‫ممن شاركوا في تلك املواقع ليس ً‬ ‫مبررا للتهجم عليها‪ ،‬فالجهاد حصن لألمة‪،‬‬ ‫وذروة سنام اإلسالم‪ ،‬وال بد من دعم هذه املواقع الجهادية والوقوف معها"‪.‬‬

‫بكل وضوح يمكن مالحظة تحوالت خطاب اإلسالم السياسي على مدى‬ ‫ثالث سنوات من أحداث «الربيع العربي»‪ ،‬والحركيون السعوديون في‬ ‫سجاالتهم كانوا صدى لإلشكاليات واألسئلة التي تحدث في تلك البلدان‬ ‫في استجابة وتفاعل مع الحركات اإلسالمية التي تصدرت املشهد وفازت‬ ‫في االنتخابات‪ ،‬فبعد أن كان التساؤل مشتعال حول مفهوم الديمقراطية‬ ‫وقيمها وآلياتها وحكمها في امليزان اإلسالمي‪ ،‬وفكرة الدولة املدنية الحديثة‬ ‫وأدبياتها‪ ،‬تحول ذلك كله إلى دعوات للمقاومة واملواجهة في مصر‪ ،‬تتخللها‬ ‫تفجيرات وأعمال عنف متفرقة في البالد‪ ،‬كما أصبحت الثورة املسلحة في‬ ‫سوريا ساحة لـ«القتال والجهاد ضد العدو النصيري الكافر»‪ ،‬فما يحدث في‬ ‫سوريا هو «معركة عقائدية طائفية‪ ،‬بني الكفر والرفض من جهة‪ ،‬وبني اإليمان‬ ‫والسنة من جهة أخرى‪ ،‬فسطاطان ال ثالث لهما»‪ ،‬كما يؤكد علوي السقاف‪،‬‬ ‫أستاذ بجامعة البترول واملعادن سابقا‪ ،‬في فتوى نشرت في موقعه «الدرر‬ ‫السنية» بعنوان «هل الجهاد اآلن في سوريا فرض عني على كل مسلم؟»‬ ‫في شهر يونيو (حزيران) ‪ .2013‬وفي الشهر ذاته أصدر أكثر من ‪500‬‬ ‫شخصية إسالمية في القاهرة ضمن مؤتمر «علماء املسلمني لنصرة الشعب‬ ‫السوري» إعالنا عاما بوجوب «الجهاد في سوريا» و«وجوب نصر السوريني‬ ‫بالنفس واملال والسالح وبكل أنواع الجهاد»‪ ،‬وأن «ما يجري حرب شاملة على‬ ‫اإلسالم واملسلمني تقودها روسيا وإيران والصني»‪ ،‬املؤتمر نظمه االتحاد‬ ‫العاملي لعلماء املسلمني الذي يترأسه يوسف القرضاوي‪ ،‬وينوبه فيه أحمد‬ ‫الريسوني‪ ،‬وبعضوية عدد ضخم من الشخصيات اإلسالمية‪ ،‬من بينهما‬ ‫راشد الغنوشي‪ ،‬وفهمي هويدي‪ ،‬وأحمد الريسوني‪ ،‬ومن السعودية سلمان‬ ‫العودة‪ ،‬ومحمد العريفي‪ ،‬وعلي بادحدح‪ ،‬وخالد العجيمي‪ ،‬وآخرون‪.‬‬ ‫فتعالت رايات «الجهاديني» وفصائلهم في سوريا‪ ،‬وكانت النتيجة‬ ‫الطبيعية املتوالية لذلك كما يحدث كل مرة‪ ،‬أن بدأت هذه الفصائل‬ ‫باالقتتال فيما بينها‪ ،‬فتصدرت «داعش» و«جبهة النصرة» املشهد‪،‬‬ ‫واحتدمت املعركة‪ ،‬لكن في مسار مختلف بعيد عن الهدف األول الذي‬ ‫نشأت باسمه‪ ،‬وألجل ذلك وتداركا لألخطار املحيطة بـ«الجهاد الشامي»‬ ‫أصدر عدد من الشخصيات اإلسالمية في السعودية من أبرزهم «عبد الله‬ ‫الغنيمان‪ ،‬عبد الرحمن املحمود‪ ،‬ناصر العمر‪ ،‬عبد العزيز العبد اللطيف‪،‬‬ ‫سليمان العودة»‪ ،‬وآخرون‪ ..‬بيانا نشره موقع «املسلم» في التاسع من‬ ‫يناير (كانون الثاني) ‪ 2014‬أكدوا فيه أن الطريق إلى نهضة األمة لن‬ ‫يكون إال عبر «إقامة الجهاد‪ ،‬وتحكيم شرع الله؛ فهو الواجب األعظم على‬ ‫األمة أفرادا وجماعات»‪ ،‬موجهني الحديث بعد ذلك إلى الفصائل الجهادية‬ ‫املتناحرة بأن تبتعد عن «الفرقة واالقتتال والتكفير والغلو والبغي»‪ ،‬ألن‬ ‫في ذلك «ضياعا لجهد إخواننا املجاهدين على أرض الشام‪ ،‬وخدمة‬ ‫ألعداء الجهاد املتربصني به»‪ ،‬وختم البيان بالقول‪« :‬نسأل الله أن يحفظ‬ ‫إخواننا املجاهدين في كل مكان‪ ،‬وأن يجمع كلمتهم على الحق‪ ،‬وأن يكف‬ ‫بأس الذين كفروا عن املسلمني في كل مكان»<‬

‫‪,,‬‬

‫حادثة‬ ‫مستشفى‬ ‫العرضي في‬ ‫صنعاء تثير‬ ‫التساؤل‬ ‫حول منهج‬ ‫حركات اإلسالم‬ ‫السياسي‬ ‫في التعامل‬ ‫مع الفصائل‬ ‫الجهادية‬ ‫وأعمالها في‬ ‫الداخل والخارج‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪25‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ويقدم "الجليل" الطريقة والوصفة التي يمكن من خاللها الحديث عن أخطاء‬ ‫ًّ‬ ‫مضطرا للتعليق على بعض‬ ‫املجاهدين في العلن‪" ،‬فلو وجد الداعية نفسه‬ ‫األخطاء فعليه أن يتحدث بعبارة ال يستغلها اإلعالم املاكر‪ ،‬كأن يثني على‬ ‫املجاهدين وأثرهم في إحياء الجهاد والعزة‪ ،‬ودورهم في الدفاع عن بلدان‬ ‫املسلمني وإرهاب الكفار‪ ،‬في الوقت الذي يتولى فيه بالنقد والفضح لألنظمة‬ ‫الطاغوتية التي تتولى الكفار‪ ،‬وتضع نفسها في خندقهم في مواجهة الدعاة‬ ‫واملجاهدين‪ ،‬ثم يشير بعد ذلك إلى ما يراه من مالحظات وأخطاء قد تصدر‬ ‫من بعض الطوائف الجهادية‪ ،‬وإن كان ثمة عذر يشير إليه‪ ،‬وإن لم يجد فعليه‬ ‫أن يضع الخطأ في حجمه الطبيعي‪ ،‬ويتوجه بالنصح للمجاهدين بعبارات‬ ‫مضمونها الود والشفقة والنصح والوالء"‪.‬‬

‫التفجير ال يحقق املصلحة‪ ..‬عليكم بالصبر!‬

‫‪,,‬‬

‫في بيانات‬ ‫اإلسالميني‬ ‫الحكومات‬ ‫تتحمل‬ ‫املسؤولية عن‬ ‫أحداث العنف‬ ‫والتفجير حني‬ ‫تسمح بانتشار‬ ‫الفساد ومحاربة‬ ‫الدين ألن‬ ‫"إشاعة املنكر‬ ‫تطرف يدفع‬ ‫لتطرف مضاد"‬

‫‪,,‬‬

‫في سياق محاورته للشباب الجهادي حول أعمال العنف والتفجير‪ ،‬كتب‬ ‫ً‬ ‫ناصر العمر مقاال نشر في مجلة البيان‪ ،‬شهر مايو ‪ ،2007‬تساءل فيه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موجها حديثه للمؤمنني بمنهج القاعدة قائال‪" :‬متى كان التفجير وتكفير‬ ‫ً‬ ‫األمة وعلمائها سبيال لإلصالح؟! هب أن النظام في تلك الدولة ال يطبق الشرع‪،‬‬ ‫فما ذنب املجتمع واألمة؟ هل يظن منصف أن تفجير مبنى أو قتل سائح –وإن‬ ‫لم تكن له شبهة أمان‪ -‬سوف يسقط دولة ويقيم ً‬ ‫نظاما؟ أال يعتبر هؤالء‬ ‫بتجارب مريرة سبقت‪ ،‬عاد أصحابها يعترفون بخطأ مسلكهم بعد خراب‬ ‫البصرة وضياع البصيرة؟"‪.‬‬ ‫يؤكد العمر من خالل هذه التساؤالت بوضوح أن اختالفه ورفضه لهذه‬ ‫األعمال هو في الوسيلة‪ ،‬وليس في الغاية‪ً ،‬‬ ‫فبناء على قاعدة (جلب املصلحة‬ ‫ودفع املفسدة) ‪-‬التي يتغير الحكم املبني عليها بتغير الحال والزمان واملكان‪،-‬‬ ‫ُحرم هذا العمل؛ ألن الوسيلة قد ثبت ضررها وعدم نفعها في تحقيق مصلحة‬ ‫الدعوة‪ ،‬يضيف ً‬ ‫مؤكدا‪" :‬إننا ال ندعو إلى إقرار الباطل‪ ،‬وال إلى ترك االحتساب‬ ‫عليه أو االستسالم له‪ ،‬ولكن يجب أن يكون ذلك بسبيل مشروع‪ ...‬فحتى إذا‬ ‫توافر شرط الخروج على الحاكم‪ ،‬فالبد من اعتبار املصلحة واملفسدة املرتبة‬ ‫عليه‪ ،‬والتي ال تتصور ً‬ ‫أبدا في تفجير مبان أو مرافق عامة‪ ،‬وال في قتل‬ ‫أشخاص مستأمنني‪ ،‬أو لهم شبهة أمان"‪.‬‬ ‫املوقف ذاته وقفه محمد الدويش –أحد املنظرين التربويني للصحوة في‬ ‫السعودية‪ -‬ضمن مقالة بعنوان (حول أحداث تفجير الرياض– مايو ‪،)2003‬‬ ‫ً‬ ‫مؤكدا‪" :‬إن مثل هذا العمل ال يحقق املصالح الدعوية املرجوة منه‪ ،‬بل‬ ‫قال‬ ‫الواقع أن مفاسده أكثر من مصالحه‪ ،‬فمن مفاسده‪ :‬تسلط الغرب على بالد‬ ‫املسلمني‪ ،‬واستغالل مثل هذا العمل من قبل فئات كبيرة من املفسدين لتشويه‬ ‫صورة الصالحني لدى الناس‪ ،‬وإظهارهم بمظهر القتلة ومريقي الدماء‪ ،‬وأن‬ ‫ذلك يكون ً‬ ‫سببا لتعويق كثير من املجاالت الدعوية املفتوحة‪ ،‬والتضييق‬ ‫عليها‪ ،‬ومحاصرة الدعاة وطلبة العلم‪ .‬وغاية ما يتحقق –لو كانت الضربات‬ ‫للقوات‪ -‬هو مجرد استنزاف ال تتالءم مصلحته مع املفاسد الناشئة عنه"‪.‬‬

‫مجرد االستنكار ال يكفي‪ ..‬أين اإلصالح؟‬ ‫في غالب مواقف وبيانات اإلسالميني التي تعلق على أحداث العنف والتفجيرات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مصحوبا بمجموعة‬ ‫مجردا‪ ،‬بل يأتي‬ ‫ال يأتي االستنكار واإلدانة لهذه األعمال‬ ‫من املطالب والشروط واإلمالءات التي من شأنها أن تسهم في "حماية املجتمع‬ ‫من حدوث أعمال العنف والتطرف مرة أخرى"‪ .‬في حلقة من برنامج (بال‬ ‫سفر الحوالي ‪-‬أحد رموز الصحوة‬ ‫حدود) بالخامس من نوفمبر ‪ ،2003‬قدم ً‬ ‫في السعودية‪" -‬مبادرة لوقف العنف"‪ ،‬تعليقا على تفجيرات القاعدة التي‬ ‫حدثت في الرياض ‪ ،2003‬قام فيها بدور الوسيط‪ ،‬فقال‪" :‬لدي كلمتان‬ ‫ونصيحتان أقدمهما لكال الطرفني‪ ،‬أعني اإلخوة املنتسبني للجهاد من جهة‪،‬‬ ‫والحكومة وقيادة البلد من جهة أخرى"‪ .‬طالب الحوالي من أسماهم "اإلخوة‬ ‫املنتسبني للجهاد" بأن يعلنوا مبادرة صريحة لوقف العنف‪ ،‬وحقن الدم‪ ،‬وأن‬ ‫يتعظوا بفشل تجارب الجماعات اإلسالمية التي سلكت ذات املسلك في مصر‬

‫‪24‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫ِّ‬ ‫والجزائر‪ ،‬ومروا بتجارب مريرة من انتهاج مسلك العنف‪ ،‬و"أذكر الجميع‬ ‫ونفسي باملنهج النبوي في التغيير‪ ،‬فالنبي وأصحابه لم ينتقموا ألنفسهم‪،‬‬ ‫لم يتعجلوا إلقامة الدين‪ ،‬األصنام نفسها لم يحطموها‪ ،‬وكانوا يتعبدون وهي‬ ‫حول الكعبة وفيها‪ ،‬لم يغتالوا ً‬ ‫أحدا من املشركني قبل اإلذن بالجهاد وقبل‬ ‫ً‬ ‫ممكنا لهم‪ ،‬وهم أشجع الخلق وأكثرهم ًّ‬ ‫حبا للجهاد"‪.‬‬ ‫الهجرة‪ ،‬وقد كان ذلك‬ ‫ً‬ ‫بعد ذلك َّ‬ ‫وجه الحوالي حديثه ومطالبه للطرف اآلخر (الدولة) ُ ْقائال‪" :‬واآلن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫سأقول للدولة كالما البد أن أقوله‪ ،‬كلمة حق ال خير فينا إن لم نقلها‪ ،‬وال خير‬ ‫فيهم إن لم يسمعوها‪ ..‬حتى نتفاهم ً‬ ‫جميعا ونتعاون على إيقاف هذا العنف‪،‬‬ ‫والخروج من هذه األزمة الخانقة‪ ،‬وسأعرض هذه املطالب بإيجاز‪:‬‬ ‫ عفو عام عن جميع املعتقلني وعن جميع املطلوبني الذين يسلمون أنفسهم‪.‬‬‫ محاكمة املحققني الذين امتهنوا كرامة املعتقلني بالتعذيب والقذف والتجريح‪.‬‬‫ إعادة جميع األئمة والخطباء املفصولني إلى أعمالهم‪ ،‬وسماع كلمة الحق‬‫منهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ يجب أن تلغي الدولة كل القوانني الوضعية‪ ،‬وتتحاكم فعال إلى الشريعة‪،‬‬‫ِّ‬ ‫وتعدل نظام القضاء‪ ،‬وتلغي املعاهدات والوالءات غير الشرعية‪ ،‬وتزيل‬ ‫ُ َّ‬ ‫املنكرات التي تستفز هؤالء‪ ،‬وتمنع الكتاب الذين يتطاولون على الدين‪.‬‬ ‫ على الدولة مقاومة الضغوط التي تهدف تغيير عقيدتنا وديننا وإيجاد‬‫الفرقة بيننا‪ ،‬وتضع يدها في يد العلماء‪.‬‬ ‫ التراجع عن بعض القرارات الخاطئة األخيرة‪ ،‬مثل دمج وزارة املعارف‬‫برئاسة البنات‪ ،‬وتغيير املناهج الدينية"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ملوحا بمطالب أكبر‪" :‬هناك‬ ‫ختم الحوالي حديثه ومبادرته في البرنامج‬ ‫مشروع إصالحي كبير نحن نريد أن نعرضه ونقدمه على الدولة‪ ...‬وعلى‬ ‫الحكومة أن تقدم مبادرة للمفاهمة‪ ،‬وتتعظ وتعتبر بما حدث للحكومات‬ ‫األخرى‪ ،‬التي أخذها نوع من الكبر‪ ،‬أو َّفوتت الفرصة في املبادرة والعفو‪ ،‬هم‬ ‫اآلن إما خارج التاريخ‪ ،‬وإما يبحثون عن مخرج بأثمان أضعاف مضاعفة‬ ‫ً‬ ‫مطلوبا منهم"‪.‬‬ ‫عما كان‬ ‫ً‬ ‫واضحا في مقال للشيخ سلمان العودة – أحد رموز الصحوة‬ ‫املوقف ذاته جاء‬ ‫في السعودية‪ ،‬املشرف على موقع اإلسالم اليوم– بعنوان (التفجير وتداعياته)‬ ‫في ‪ 16‬مايو ‪- ،2003‬منشور في موقعه‪ ،-‬حيث أكد في البدء أن "املوقف‬ ‫ً‬ ‫املبدئي الشرعي الصريح يجب أن يكون ً‬ ‫قدرا مشتركا لدى جميع املؤمنني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والعقالء برفض هذا العمل وتحريمه‪ ،‬وإدانته شرعا"‪ ،‬لكنه أضاف مستدركا‪:‬‬


‫ لوم الحكومات بأن الفساد واملعاصي هو مناخ لنمو أفكار العنف والتطرف‪.‬‬‫ املطالبة بإعطاء اإلسالميني املكانة الالئقة‪.‬‬‫هذه املحددات واملنطلقات تكاد تكون متكررة ومتقاربة‪ ،‬وحاضرة في أغلب‬ ‫املواقف والبيانات التي تصدر من الشخصيات اإلسالمية‪ ،‬سواء املحسوبة‬ ‫على السلفية الحركية (السرورية)‪ ،‬أو اإلخوان املسلمني في تعاطيها مع‬ ‫أعمال القاعدة داخل البالد اإلسالمية وخارجها‪ .‬وسيأتي معنا في ثنايا هذا‬ ‫املوضوع شواهد أخرى تؤكد ذلك من بيانات ومواقف سابقة‪.‬‬

‫حادثة مستشفى صنعاء‪ ..‬االرتباك‪ ،‬واعتذار القاعدة‬ ‫حني وقعت حادثة مستشفى العرضي بصنعاء في الخامس من ديسمبر‬ ‫ً‬ ‫شخصا غالبيتهم من األطباء واملمرضات‪ ،‬إضافة‬ ‫‪ ،2013‬وراح ضحيتها ‪56‬‬ ‫إلصابة ‪ 176‬من نزالء املستشفى والعاملني فيه جراء اقتحام انتحاريني‬ ‫ومسلحني ملرافق تابعة لوزارة الدفاع اليمينة‪ ،‬أعلنت السلطات مسؤولية‬ ‫القاعدة عن هذا الفعل‪ ،‬وبثت مقاطع مصورة كشفت عن قيام مسلحني بإلقاء‬ ‫قنابل داخل غرف املرضى واألطفال والنساء‪ ،‬في مشهد ال يمكن تبريره أو‬ ‫تأويله حتى من قبل املنتسبني أو املتعاطفني مع التيارات الجهادية‪ ،‬ولذلك جاء‬ ‫أول رد فعل على هذا الحدث من قبل بعض اإلسالميني هو في التشكيك في‬ ‫حقيقة الحدث‪ ،‬وتبرئة القاعدة منه‪ ،‬وأن من قام به هو املخابرات اليمنية "من‬ ‫أجل تشويه صورة املجاهدين"‪.‬‬ ‫الناشط السعودي محمد الحضيف يعلق على الحدث عبر حسابه الشخصي‬ ‫في تويتر‪" :‬حني أرفض إلصاق تفجير املستشفى بالقاعدة ال يعني أني مؤيد‬ ‫لهذا السلوك‪ ،‬لكني أرفض أن أؤجر عقلي لدعاية االستخبارات"‪ ،‬في حني قال‬ ‫الناشط الكويتي شافي العجمي ‪ ":‬من قتل أبناءنا في العرضي‪ ،‬هو نفسه‬ ‫الذي يقتلهم في سوريا‪ ،‬وفي مصر‪ ...‬إنهم الطغاة"‪.‬‬ ‫لكن قاسم الريمي‪ ،‬القيادي في "قاعدة اليمن" قطع كل الطرق أمام محاوالت‬ ‫تبرئة جماعته من هذا الفعل‪ ،‬حني أعلن في شريط مصور مسؤولية التنظيم‬ ‫عن اقتحام مستشفى العرضي‪ً ،‬‬ ‫مبديا اعتذاره وأسفه عن سقوط "ضحايا‬ ‫غير مقصودين"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان هذا االعتذار مربكا ومفاجئا‪ ،‬فهو يعني أن القاعدة ال غيرها وراء هذا‬ ‫الفعل‪ ،‬فال مجال للتشكيك في الواقعة‪ ،‬تحول مسار الحديث من قبل بعض‬ ‫الشخصيات املتعاطفة إلى مسار آخر‪ ،‬متسائلني‪" :‬اعتذرت القاعدة اليوم‬ ‫عن فعلها‪ ،‬فهل ستعتذر اإلدارة األمريكية عن قتالنا الذين تقتلهم كل يوم‬ ‫بالخطأ"‪.‬‬ ‫محاولة تبرئة الجهاديني من أعمالهم‪ ،‬والتشكيك في نسبتها إليهم ليس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫مطردا في التعامل األولي مع‬ ‫حركيا‬ ‫منهجا‬ ‫جديدا‪ ،‬هو يقترب من أن يكون‬ ‫أي حدث أو تفجير تعلن فيه السلطات الرسمية مسؤولية الفصائل الجهادية‬ ‫عنه‪ ،‬ففي مقال كتبه ناصر العمر ‪-‬املشرف على موقع املسلم‪ ،‬أحد رموز‬ ‫الصحوة في السعودية‪ -‬ونشره في موقعه‪ ،‬منتصف مايو ‪ 2007‬بعنوان‬ ‫(املوقف من التفجير في بالد املسلمني) يقول‪" :‬إن ً‬ ‫كثيرا من األحداث التي‬ ‫ال يمليها شرع وال عقل ينبغي أن نتساءل عن دوافعها الحقيقية يوم تشير‬ ‫أصابع االتهام فيها إلى اإلسالم‪ ،‬أو إلى شخصيات إسالمية‪ .‬ينبغي أن نراعي‬ ‫في هذا التساؤل ً‬ ‫أمورا منها‪ :‬هل الخبر جاءت به وسائل إعالمية موثوقة؟ (إذا‬ ‫جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)‪ ،‬فإن كانت موثوقة فهل الحقيقة على ما ذكروا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أم أنهم غرر بهم وأوهموا أمرًا ما تريده جهات متحكمة دون أن يدركوا أبعاد‬ ‫ما فعلوه؟"‪.‬‬ ‫ويضيف العمر‪" :‬لست أدعو بهذا إلى إنكار الواقع أو الظاهر‪ ،‬لكن يجب النظر‬ ‫في الحوادث بعقل وعلم مع اعتبار القرائن"‪ .‬هذا "اإلعالم" يشوه "القاعدة"‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأفكارا هي منها براء‪ ،‬كما صرح بذلك الداعية السعودي‬ ‫وينسب إليها أفعاال‬

‫ً‬ ‫محمد العريفي لقناة (الجزيرة) مطلع فبراير ‪- 2013‬تراجع عن موقفه الحقا‪-‬‬ ‫حيث أكد بأن "املنتمني لتنظيم القاعدة ليسوا من املتساهلني بتكفير املسلمني‪،‬‬ ‫وليسوا من املتساهلني في إراقة الدماء‪ ..‬لقد سمعت ً‬ ‫كثيرا من األفكار الشائعة‬ ‫التي تنسب إليهم‪ ،‬وهذا ليس بصحيح؛ فهم ال يتبنونها‪ ،‬أنا لست من القاعدة‪،‬‬ ‫ولكن الله أمرنا بالعدل واإلنصاف"‪.‬‬

‫إذن ‪ ..‬كيف نتعامل مع أخطاء املجاهدين؟‬ ‫هذا السؤال طرحه مذيع برنامج "يستفتونك" على قناة (الرسالة)‪ ،‬الذي ُب َّث‬ ‫في منتصف فبراير ‪ ،2013‬على ضيف الحلقة عبدالعزيز الطريفي ‪-‬أحد‬ ‫الشخصيات العلمية املبرزة بني السلفية الحركية –‪ ،‬حيث تساءل املذيع‪:‬‬ ‫"هناك فئة من داخل األمة وخارجها تستغل أخطاء املجاهدين‪ ،‬هل من بيان‬ ‫لهم‪ ،‬وكيف نتعامل مع هذه األخطاء؟" فأجاب الضيف‪" :‬وجود األخطاء‬ ‫بني املجاهدين هي من األمور الفطرية التي توجد حتى في خير الخلق بعد‬ ‫األنبياء‪ ،‬وهم الصحابة‪ ،‬فقد يوجد من يعتدي على من ال يجوز االعتداء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عليه‪ ،‬حيث ُوجد منهم من قتل شيخا أو امرأة أو طفال‪ ...‬لكن وقوع هذه‬ ‫ُ‬ ‫يلغ األصل‪ ،‬ولذلك في هذا األمر نقول تصحح األخطاء ولكن ال‬ ‫األخطاء لم ِ‬ ‫ً‬ ‫يلغى جانب التشريع‪ ،‬فنكون عونا للمجاهدين من جهة التصحيح‪ ،‬وال نكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عونا للشيطان عليهم‪ ،‬وال عونا للشيطان على إلغاء هذه الشعيرة‪ ،‬ولو عدنا‬ ‫وتساءلنا عن سبب وقوع هذه األخطاء لوجدنا أنها بسبب تعطيل الشريعة‬ ‫ً‬ ‫من جميع جوانبها‪ ،‬فلنلم أنفسنا أوال"‪.‬‬ ‫يتفق معه عبدالعزيز الجليل –من الشخصيات العلمية املبرزة بني السلفية‬ ‫الحركية‪ ،-‬الذي نشر ً‬ ‫كتابا بعنوان (التربية الجهادية في ضوء الكتاب والسنة)‬ ‫صدر عام ‪ ،-2003‬جاء في ختامه فقرة بعنوان (أخطاء بعض املجاهدين ال‬‫تعني خطأ الجهاد‪ ،‬ونصحهم يكون بالوالء لهم حتى ال يستغله املبطلون)‪،‬‬ ‫وفيه يقول‪" :‬إن املجاهدين بشر كغيرهم يخطئون ويصيبون‪ ،‬وال عصمة‬ ‫ألحد بعد األنبياء‪ ،‬لكن ينبغي الحذر كل الحذر من الحديث عن أخطاء‬ ‫املجاهدين في منابر عامة قد يفهم منها التعريض بالجهاد واملجاهدين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مقصودا لذاته من قبل أعداء الدين وأعداء‬ ‫فقد يكون إبرازها في هذه املنابر‬ ‫الجهاد والدعاة؛ وذلك ليوظفوها في مخططهم املاكر في القضاء على الدعاة‬ ‫الصادقني‪ ،‬وتعطيل شعيرة الجهاد واالحتساب‪ ،‬فقد يجد املتحدث عن أخطاء‬ ‫املجاهدين على العلن نفسه في خندق الطواغيت من الكافرين واملنافقني"‪.‬‬

‫أبو بكر البغدادي زعيم دولة العراق‬ ‫اإلسالمية (داعش) في بالد الشام‬

‫‪,,‬‬

‫محاولة تبرئة‬ ‫الجهاديني‬ ‫من أعمالهم‬ ‫والتشكيك في‬ ‫نسبتها إليهم‬ ‫منهج حركي‬ ‫مطرد في‬ ‫التعامل األولي‬ ‫مع أي حدث‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪23‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ً‬ ‫لم تكن واقعة "مستشفى العرضي" التي حدثت في صنعاء في الخامس من ديسمبر(كانون األول) املاضي‪ ،‬خطأ‬ ‫ًّ‬ ‫عرضيا ً‬ ‫عابرا في تاريخ أعمال القاعدة والفصائل الجهادية األخرى‪ ،‬فبشاعة املشاهد والصور التي بثتها السلطات‬ ‫ً‬ ‫اليمنية لم تترك مجاال للتأويل والتفهم أو التبرير‪ ،‬لذلك لجأ بعض اإلسالميني في أول األمر إلى التشكيك في حقيقة‬ ‫القائمني عليها‪ ،‬واتهام "جهات مخابراتية" بتنفيذها‪ ،‬لكن اعتراف القاعدة واعتذارها قطع الشك باليقني‪ ..‬هذه الصور‬ ‫من الفعل ورد الفعل‪ ،‬تدفع إلى التساؤل والتحليل والتأمل في موقف الحركات اإلسالمية (السلمية)‪ ،‬ومنهجها‬ ‫في التعامل مع الفصائل اإلسالمية (الجهادية)‪ ..‬كيف تعامل الحركيون السعوديون مع أعمال القاعدة و"أخطاء‬ ‫املجاهدين"‪ ،‬كيف استنكروها؟ وكيف رفضوها؟ وكيف وقفوا منها؟‬

‫تحوالت اإلسالم السياسي‪ ..‬كيف تعامل الحركيون السعوديون مع أحداث العنف والتفجير؟‬

‫املعتذرون للقاعدة‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫عبدالله الرشيد‬

‫‪,,‬‬

‫استنكار أعمال‬ ‫القاعدة في‬ ‫بيانات ومقاالت‬ ‫الحركيني‬ ‫السعوديني ال‬ ‫يأتي مجردا‬ ‫بل مصحوبًا‬ ‫بحزمة من‬ ‫املطالب‬ ‫والشروط‬ ‫اإلمالءات‬

‫‪,,‬‬

‫‪22‬‬

‫قبيل دخول القوات األمريكية للعراق في ‪ 20‬أبريل ‪ ،2003‬أصدر‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫"استباقيا"‬ ‫مجموعة من اإلسالميني والدعاة في السعودية بيانا‬ ‫بعنوان‪( :‬الجبهة الداخلية أمام التحديات املعاصرة‪ ..‬رؤية شرعية)؛‬ ‫للتعليق على أوضاع املنطقة‪ ،‬وتداعيات األحداث املتوقعة‪ ،‬وباألخص فيما‬ ‫يتعلق باملوقف من أعمال "الجهاديني" في الداخل (أي البالد اإلسالمية اآلمنة)‪،‬‬ ‫أو في مناطق االحتكاك واملواجهة مع القوات األمريكية‪ ،‬سواء في أفغانستان‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والعراق‪ ،‬أو القوات الروسية في الشيشان‪ ،‬وغيرها‪ ،‬التي تسمى في املفهوم‬ ‫اإلسالمي بـ (جبهات القتال املشروعة)‪.‬‬ ‫يشكل هذا البيان وثيقة مهمة لفهم منهج الحركيني السعوديني على وجه‬ ‫العموم من أعمال الفصائل الجهادية‪ ،‬فهو بيان جاء في سياق متجرد من أن‬ ‫يكون ردة فعل لحدث معني‪ ،‬كما أنه ‪-‬وبحسب ما هدف إليه موقعو البيان‪-‬‬ ‫جاء كـ"مالحظات وتوجيهات استشرافية ملا يمكن أن يحدث‪ ،‬من تداعيات‬ ‫الغزو األمريكي على العراق على الداخل والخارج"‪ ،‬إضافة إلى أن املوقعني‬ ‫عليه جاءوا من أطياف إسالمية متعددة‪ ،‬من أبرزهم (سفر الحوالي‪ ،‬سلمان‬ ‫العودة‪ ،‬ناصر العمر‪ ،‬حمزة الفعر‪ ،‬حاتم العوني‪ ،‬عوض القرني‪ ،‬سعود‬ ‫الفنيسان‪ ،)..‬وآخرون‪ ،‬في قائمة شملت أبرز رموز الصحوة في السعودية‬ ‫من السلفية الحركية (السرورية)‪ ،‬وبعضًا من املحسوبني على فكر جماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني‪ً ،‬‬ ‫وعددا من اإلسالميني املستقلني‪ ،‬برعاية وتنسيق من موقع‬ ‫(اإلسالم اليوم) الذي يشرف عليه سلمان العودة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ماض إلى قيام‬ ‫وابتداء أن "الجهاد هو ذروة سنام اإلسالم‪،‬‬ ‫يؤكد البيان أوال‬ ‫ًٍ‬ ‫الساعة‪ ،‬وأن إقامته واجبة على األمة ما استطاعت إلى ذلك سبيال"‪ ،‬داعني‬ ‫حكومات املنطقة إلى "رفض التدخل األمريكي الغاشم تحت أي غطاء كان‪،‬‬ ‫وبكل قوة‪ ،‬فمن أكبر الكبائر على األفراد والحكومات التعاون مع الحكومة‬ ‫األمريكية في عدوانها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة"‪ ،‬بعد ذلك ِّ‬ ‫يوجه البيان‬ ‫ً‬ ‫مؤكدا –بشدة‪ -‬على تحريم التعرض‬ ‫حديثه للحكومات والسلطات األمنية‬ ‫ً‬ ‫مطالبا بعدم مالحقتهم أو سجنهم أو إيذائهم‪" ،‬نذكر بحرمة‬ ‫لـ"املجاهدين"‪،‬‬ ‫أبناء اإلسالم وخاصة من جادوا بدمائهم وأرواحهم في مدافعة العدوان على‬ ‫األمة في يوم من األيام‪ .‬ولذا فال يصح أن يكونوا مستهدفني بالسجن واملطاردة‬ ‫أو التعذيب واإليذاء‪ ،‬وأعظم من ذلك تمكني أعداء الله من أن يطالوهم بأي نوع‬ ‫من أنواع األذى"‪ .‬يقول البيان بأن الواجب هو "حماية حقوق املجاهدين وحفظ‬ ‫سابقتهم‪ ،‬وأال يستهدفوا بأي نوع من أنواع األذى الحسي أو املعنوي"؛ ألنهم‬ ‫هم "أهل االجتهاد واملجاهدة واالحتساب"‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫ينتقل البيان بعد ذلك ِّ‬ ‫موج ًها حديثه لشباب الفصائل الجهادية‪ ،‬قائلني لهم‪:‬‬ ‫ً‬ ‫"الجهاد حتى يكون مشروعا ال بد من استيفاء أسبابه وتحقيق شروطه‪ ،‬وأن‬ ‫يتم النظر فيه من قبل الراسخني في العلم‪ً ،‬‬ ‫بعيدا عن االجتهادات الخاصة التي‬ ‫ِّ‬ ‫قد تمهد للعدو عدوانه‪ ،‬وتعطيه الذريعة لتحقيق مآربه"‪ ،‬يشدد البيان على‬ ‫خطر التكفير‪ ،‬وسفك الدماء املحرمة تحت أي تأويل؛ "ألنها تجر املسلمني إلى‬ ‫مواجهات ليسوا مؤهلني لتحملها"‪.‬‬ ‫بعد ذلك يعود البيان مرة أخرى إلى الحكومات ليلقي عليها باملسؤولية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موجها حديثه نحوها‪ ،‬قائال ‪" :‬في الوقت الذي نحذر الشباب الغيورين‬ ‫واللوم‪،‬‬ ‫من االندفاع في قضايا التكفير‪ ،‬فإننا نؤكد في الوقت ذاته على الحكومات‬ ‫أال تكون ً‬ ‫سببا في تكوين املناخ املناسب لنمو هذه األفكار‪ ،‬وذلك بإعالن‬ ‫املنكرات‪ ،‬وحماية املحرمات‪ ،‬وإشاعة أسباب االنحراف‪ ،‬فإن إشاعة املنكر‬ ‫تطرف يدفع إلى تطرف مضاد"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يؤكد البيان أيضا على ضرورة استقبال "الشباب املجاهد املتحمس الغيور"‬ ‫برفق ولني وخفض الجناح لهم‪ ،‬و"الصبر على ما يبدر منهم مما دافعه الغيرة‬ ‫واالجتهاد"‪ ،‬مطالبًا الحكومات "فتح باب الحوار العلمي الهادئ‪ ،‬املعزول عن‬ ‫املخاوف األمنية‪ ،‬والذي بموجبه يمكن طرح املوضوعات ومعالجتها بالروح‬ ‫الشرعية األخوية"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫نموذجيا في صيغته التي جاءت شاملة‬ ‫يمكن القول بأن هذا البيان ُيعد بيانا‬ ‫في تحديد موقف الحركيني اإلسالميني من أعمال الفصائل الجهادية‪ ،‬ويمكن‬ ‫تلمس أهم املحددات التي انطلق منها وأكد عليها موقعو البيان‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬ ‫ التأكيد على مشروعية الجهاد في "الثغور"‪ ،‬وأنه قائم إلى قيام الساعة‪.‬‬‫ التحذير من خطر التكفير‪ ،‬والقتل بشبهة التأويل‪.‬‬‫ تحريم أعمال العنف والتفجير التي تحدث داخل "البالد اإلسالمية اآلمنة"‪.‬‬‫ التأكيد أن التفجير والعنف ال يحقق املصلحة الدعوية‪.‬‬‫ التشديد على تحريم مالحقة املجاهدين أو سجنهم أو إيذائهم‪.‬‬‫‪ -‬مطالبة الحكومات بالعدل واإلنصاف والرفق واللني مع "الشباب الجهادي"‪.‬‬


‫من املشهد العام فرصة سياسية سانحة لتحقيق نجاح سياسي طاملا حرمت‬ ‫منه في عصر مبارك بسبب التزوير وفي عصر اإلخوان بسبب وجودهم في‬ ‫الشارع املصري‪ .‬هكذا بدأت النخبة املصرية الليبرالية بكل مستوياتها النظر‬ ‫إلى حل جماعة اإلخوان املسلمني باعتباره موتا كبيرا ينتظر وارثا‪ .‬وقد رأى‬ ‫كل فصيل سياسي األمر باعتباره تركة شاغرة لو استخدمنا االصطالح‬ ‫القانوني‪ .‬وبات الجميع ينتظر توزيع هذه «التركة» الشاغرة كما سنفصل‬ ‫بعد قليل‪.‬‬ ‫التركة االقتصادية‪ :‬ال ينازع أحد الحكومة املصرية في هذه التركة‪ ،‬فهي‬ ‫وحدها طبقا لألحكام التي صدرت تباعا في اآلونة األخيرة بحل الجماعة‪ ،‬هي‬ ‫وحدها صاحبة الحق في وضع يدها على كل ما يمكن إثبات ملكيته لجماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني ككيان أو أفراد‪ .‬وقد بدأت الحكومة املصرية فعال منذ‬ ‫‪ 25‬سبتمبر ‪ 2013‬في «تشكيل لجان إلدارة أموال وعقارات جماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني (‪ )...‬ويأتي هذا بعد يوم من صدور حكم واجب التنفيذ من محكمة‬ ‫األمور املستعجلة بالقاهرة بحظر نشاط اإلخوان وما انبثق عنها من كيانات‬ ‫ومصادرة مقارها وأموالها‪ ..‬وأكدت الحكومة التزامها بتنفيذ حكم املحكمة‬ ‫الذي يقضي بحظر أنشطة (تنظيم اإلخوان) و(جماعة اإلخوان) املنبثقة عنه‪،‬‬ ‫و(جمعية اإلخوان) و(تشكيل لجنة مستقلة من مجلس الوزراء إلدارة األموال‬ ‫والعقارات واملنقوالت املتحفظ عليها ماليا وإداريا وقانونيا» (الشرق األوسط‬ ‫‪ 26‬سبتمبر ‪.)2013‬‬

‫وقد أصبحت مؤسسات الدولة على يقني من أنها لن تستطيع التقليل من‬ ‫أثر اإلخوان على املستوى السياسي إال بمقدار ما تجردها من أذرعها‬ ‫االقتصادية وكذلك االجتماعية‪ ،‬ولذا ال يستطيع املراقب النظر إلى قرارات حل‬ ‫جماعة اإلخوان ومصادرة ممتلكاتها إال في سياق تجريد جماعة اإلخوان من‬ ‫تلك اإلمكانات التي ساعدتها في االستحقاقات االنتخابية املتتالية‪.‬‬

‫التركة االجتماعية‪ :‬هي التركة الخفية عند اإلخوان املسلمني‪ ،‬أو كلمة السر في‬ ‫هذه الجماعة‪ ،‬أو قل هي التركة الرمزية التي تحرك وتنشط التركة االقتصادية‬ ‫من ناحية‪ ،‬وتدعم التركة السياسية من ناحية ثانية‪ .‬عن طريق النشاط‬ ‫االجتماعي املكثف لجماعة اإلخوان استطاعت أن تحتل كل هذه املكانة‬ ‫في املشهد السياسي املصري‪ ،‬وعن طريق اشتراكات أعضائها الدورية‬ ‫وتبرعاتهم بدأت وأسست إلمبراطوريتها االقتصادية‪ ،‬ومن ناحية أخرى كان‬ ‫مردود هذا النشاط االقتصادي الذي استخدمت الجماعة أرباحها فيه لتعزيز‬ ‫عالقاتها داخل املجتمع وفق برامج خيرية تضمن للجماعة التأثير امللحوظ‬ ‫في أي عملية انتخابية تتسم بالنزاهة الشكلية‪ ،‬أي تنتفي فيها عمليات‬ ‫التزوير املباشرة‪.‬‬

‫بعد ‪ 30‬يونيو (حزيران)‪ ،‬و‪ 3‬يوليو (تموز) ‪ ،2013‬بدا واضحا أن للدولة‬ ‫املصرية ترتيبا سياسيا يعتمد على إحالل جزء من السلفيني محل اإلخوان‪،‬‬ ‫أو إعطاء حزب النور جزءا من كعكة اإلخوان التصويتية؛ أي تقسيم التركة‬ ‫التصويتية لإلخوان بحيث يكون لحزب النور فيها نصيب يبدو أنه األكبر‬ ‫لكن على املدى البعيد يمكن لقوى أخرى أن تقلص بشكل مستمر من‬ ‫هذا الجزء الذي سيرثه حزب النور‪ .‬أما بقية الكعكة التصويتية فتكون من‬ ‫نصيب مجموعة من الفرقاء‪ ،‬أولهم وأهمهم بالنسبة ملؤسسات الدولة أولئك‬ ‫املحسوبون على نظام مبارك أو الفلول كما يحلو للبعض تسميتهم‪ ،‬وثانيهم‬ ‫– وهم ال يقلون أهمية – مجموعة األحزاب الجديدة والتكتالت السياسية‬ ‫التابعة لرجال األعمال واملدعومة سياسيا من باحثني وإعالميني محسوبني‬ ‫بشكل أو بآخر على أجهزة أمنية‪.‬‬

‫هذه الشبكة املعقدة من العمليات الخيرية في املجتمع املصري يراها البعض‬ ‫أعماال خيرية موجهة سياسيا‪ ،‬لكن األجهزة األمنية املصرية أصبحت عاجزة‬ ‫لسنوات عن التعامل معها نظرا لشدة تعقيدها وكثرة التفاصيل املدرجة فيها؛‬ ‫حيث تمتد هذه األعمال الخيرية (املوجهة) بداية من عمليات جراحية بسيطة‬ ‫(عمليات اليوم الواحد) إلى العمليات الجراحية الكبيرة‪ ،‬وكذلك املساهمات‬ ‫الخيرية في تجهيز البنات اليتيمات‪ ،‬إلى اإلنفاق الشهري الدوري على أسر‬ ‫فقيرة أو نساء معيالت‪ ،‬إلى التوزيع املجاني للسلع األساسية على كثير من‬ ‫األسر املعوزة‪ .‬لكن الدولة املصرية – في الواقع ‪ -‬لم تفكر في ملء هذا الفراغ‪،‬‬ ‫لكنها ساعدت في أن تتقدم جمعيات خيرية بديلة على رأسها جمعية أسست‬ ‫عام ‪ ،2007‬للسبب نفسه تقريبا‪ ،‬وهي جمعية «مصر الخير»‪ ،‬التي يقودها‬ ‫مفتي مصر السابق الذي عرف مؤخرا بعدائه لجماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬وهو‬ ‫الدكتور علي جمعة‪ .‬ومما جاء على صفحة املؤسسة على «فيس بوك» أنها‬ ‫«مؤسسة تنموية غير هادفة للربح تستقبل أموال الزكاة والصدقات حيث‬ ‫تقوم بصرف أموال الزكاة في مصارفها الشرعية»‪.‬‬ ‫وقد تحركت املؤسسة فعال في هذا الطريق الذي يتقاطع مع نشاط اإلخوان‬ ‫املسلمني االجتماعي‪ ،‬لتكون وريثة لها إذا ما اختفت «اإلخوان» وكذلك إذا ما‬ ‫نشطت «مصر الخير»‪ .‬لكن مع مالحظة أن هذه األنشطة التي قدمنا أمثلة‬ ‫عليها تعتمد في املقام األول على دعم الدولة وليس على التبرعات الواردة‬ ‫من نشاط اجتماعي بني الجماهير‪ .‬وبالطبع ليس من اشتراكات أعضائها‪.‬‬ ‫التركة السياسية‪ :‬التركة السياسية هي أكثر ما تهتم به الدولة من اإلخوان‬ ‫املسلمني‪ .‬فال تكاد الدولة تهتم بشيء من تركة اإلخوان االقتصادية أو‬ ‫تركتها االجتماعية إال لألثر الشديد لهذه األنشطة على الجانب السياسي‪،‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬فتات التركة التصويتية ملجموعة األحزاب الكرتونية القديمة‪ ،‬وبعض‬ ‫التكتالت السياسية الجديدة التي تعمل وفق آيديولوجيات قديمة مثل‬ ‫املنتسبني للتوجهات الناصرية واليسارية وما شابه‪ .‬كان هذا هو ترتيب‬ ‫الدولة املصرية وفق ما رأينا وتابعنا من أحداث وأخبار متتالية منذ الثالثني‬ ‫من يونيو وما سبق ذلك من إرهاصات منذ انتخاب محمد مرسي‪ .‬لكن القوى‬ ‫السياسية لم تكن على نفس املوجة السياسية‪:‬‬ ‫> حزب النور كان ينتظر التركة كاملة باعتباره بديال برغماتيا قادرا على‬ ‫تقديم نموذج عصري للدين اإلسالمي‪ ،‬وهو ما لم يستطع إقناع أحد به‪ ،‬بل‬ ‫إن قاعدته التصويتية نفسها بدأت في التآكل‪.‬‬ ‫> القوى الليبرالية‪ ،‬خاصة التوجه الذي يقوده حمدين صباحي (التيار‬ ‫الشعبي)‪ ،‬تقدم منذ ما قبل الثالثني من يونيو باعتباره بديال وطنيا لإلخوان‬ ‫ال ينفيهم ولكنه يستطيع التعبير عنهم‪ ،‬وال ننسى في هذا السياق دعوات‬ ‫البعض بأن يتنازل محمد مرسي لحمدين في انتخابات اإلعادة أمام أحمد‬ ‫شفيق‪ ،‬لكن هذا الخطاب لم يجد سامعا‪ ،‬وبدا أن الكتلة التصويتية لإلخوان‬ ‫أقوى من استمالتها دون رغبة قادتها‪ ،‬لذا فقد اتفق حمدين صباحي تماما‬ ‫مع الدولة املصرية على القضاء على هذه الجماعة‪ ،‬ظنا أنه يمكن أن يكون‬ ‫وريثا لهذه التركة منفردا أو باملشاركة‪ ،‬وربما كان الرجل يطمح ألكثر من‬ ‫هذا بكثير‪ .‬بعد كل ما تقدم يحق لنا أن نتساءل عن تركة اإلخوان التي يظنها‬ ‫كثير من القوى السياسية املصرية شاغرة‪ :‬هل هي شاغرة حقا؟‬

‫مكتب اإلخوان في مقر املقطم‬

‫‪,,‬‬

‫النخبة املصرية‬ ‫الليبرالية رأت‬ ‫في اختفاء‬ ‫الجماعة من‬ ‫املشهد العام‬ ‫فرصة سياسية‬ ‫سانحة‬ ‫لتحقيق نجاح‬ ‫سياسي طاملا‬ ‫حرمت منه في‬ ‫عصر مبارك‬ ‫بسبب التزوير‬

‫‪,,‬‬

‫* كاتب وباحث اكاديمي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪21‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫التركة ‪ -‬طبقا للتحديد املعجمي والشرعي‪ :‬ما يتركه امليت من مال‪ ،‬أو عقار‪ .‬وهذا الذي يتركه يخضع‬ ‫ملجموعة من القواعد التي اختلفت حولها الثقافات والحضارات واألديان‪ ،‬فيما يعرف بقوانني امليراث‪ .‬فوفق‬ ‫نظرة كل ثقافة أو حضارة أو ديانة ملوازين القوى داخل املجتمعات يكون التعامل مع هذه «التركة» وتقسيمها؛‬ ‫ففي حني ترى بعض الحضارات أن املرأة يجب أال يكون لها نصيب فيما يتركه املتوفون‪ ،‬ترى حضارات‬ ‫أخرى أحقيتها بنسبة محددة ومعروفة‪ ..‬وهكذا‪.‬‬

‫ليس من السهل إعالن نهاية جماعة اإلخوان من دون ترتيب على كافة املستويات‬

‫تركة اإلخوان «الشاغرة»‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫هشام عبد العزيز *‬

‫‪,,‬‬

‫التركة‬ ‫االجتماعية‬ ‫هي التركة‬ ‫الخفية عند‬ ‫اإلخوان‬ ‫املسلمني أو‬ ‫كلمة السر‬ ‫في هذه‬ ‫الجماعة‬

‫‪,,‬‬

‫‪20‬‬

‫لكن ما العمل لو أن مواطنا مات وليس له وارث؟ أين يجب على‬ ‫املجتمع أن يذهب بـ«تركته» هذه؟ كيف يقسمها؟ من‪ ..‬يأخذ ماذا؟‬ ‫هنا عرفت الشرائع والقوانني ما سمته بعضها «التركات الشاغرة»‪.‬‬ ‫ومثال ذلك القانون املصري رقم ‪ 71‬لسنة ‪ .1962‬والذي جاءت مادته األولى‬ ‫لتحدد وإن بشكل غير مباشر تعريف ومآالت «التركات الشاغرة»‪ ،‬حيث‬ ‫نصت على أنه‪« :‬تؤول إلى الدولة ملكية التركات الشاغرة الكائنة بالجمهورية‬ ‫العربية املتحدة والتي يخلفها املتوفون من غير وارث أيا كانت جنسيتهم‬ ‫وذلك من تاريخ وفاتهم‪.»..‬‬

‫طبيعة التركة اإلخوانية‬ ‫في الحقيقة هي تركات وليست تركة واحدة‪ ،‬واإلخوان املسلمون جماعة دعوية‬ ‫تلعب السياسة‪ ،‬باتت أشهر من أن نعرفها‪ ،‬لكننا نشير فقط إلى مجموعة‬ ‫من البيانات الدالة في هذا السياق‪ ..‬من هذه البيانات املعروفة تاريخ نشأتها‬ ‫(‪ ،)1928‬وهو ما يعني أن عمر الجماعة يناهز اآلن خمسة وثمانني عاما‪ ،‬أي‬ ‫أن من شهدوا نشأة الجماعة ليس بينهم تقريبا على وجه األرض حي‪ .‬وهو‬ ‫ما يعني أن األفكار اآليديولوجية للجماعة تنتقل بني األجيال املتعاقبة دون‬ ‫صعوبة‪ ،‬ربما الستنادها على أرصدة رمزية دينية واجتماعية تحظى بقبول‬ ‫في املجتمع املصري‪ .‬وربما كان ذلك هو ما يفسر سر استمرارها على الرغم‬ ‫من الضربات األمنية التي تعرضت لها أكثر من مرة منذ نشأتها وحتى اآلن‪.‬‬ ‫ثاني البيانات املهمة في هذا السياق‪ ،‬هو عدد األعضاء املنتسبني إلى جماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني سواء في مصر أو خارجها‪ .‬وهو بيان تدور حوله شكوك‬ ‫ويستخدم استخدامات سياسية كثيرة من مؤيدي الجماعة أو معارضيها‪،‬‬ ‫فبينما يحدثنا عبد الستار املليجي القيادي املنشق عن الجماعة (املصري‬ ‫اليوم ‪ 25‬يوليو ‪ )2008‬عن‪ :‬مائة ألف هم األعضاء واملحبون واملتعاطفون‬ ‫وجيران املحبني واملتعاطفني‪ .‬منهم خمسة آالف فقط من اإلخوان‪ .‬يخبر‬ ‫إخواني سابق آخر هو املحامي مختار نوح (املصريون» بتاريخ ‪ 29‬يونيو‬ ‫‪ )2011‬أن عددهم في حدود ‪ 500‬ألف عضو‪.‬‬ ‫لكن جريدة «األهرام» الحكومية تنشر تقريرا يرصد وزن القوى السياسية‬ ‫(عام ‪ )2005‬وذكر التقرير أن عدد «أنصار» اإلخوان يصل إلى ‪ 750‬ألف‬ ‫عضو (األهرام» بتاريخ ‪ 8‬أكتوبر ‪ .)2005‬هذا عن البيانات التي تصدر عن‬ ‫منشقني عن الجماعة‪ ،‬أو عن مصادر حكومية‪ ،‬لكن جريدة خاصة مثل‬ ‫«الشروق» نشرت تقريرا بتاريخ ‪ 30‬مايو ‪ 2011‬نسبت معلوماته لـ«مصدر‬ ‫إخواني مطلع» جاء في هذه البيانات أن «عدد املنتسبني للجماعة وصل‬ ‫إلى ‪ 861‬ألف عضو بني درجتي عامل ومنتظم‪ ،‬مشيرا إلى أن هذا الرقم ال‬ ‫يشمل عدد اإلخوان من درجات تنظيمية أخرى‪ ،‬وهي املنتسب (الذي يحق له‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫التصويت في االنتخابات الداخلية ولكن ال يمكنه الترشح‪ ،‬وال يستوجب عليه‬ ‫دفع االشتراك الشهري)‪ ،‬كما لم يشمل تحديد ما يعرف باملحبني الذين تصل‬ ‫أعدادهم إلى مئات اآلالف‪ ،‬مشيرا إلى أن عدد أعضاء الجماعة بجميع درجاتها‬ ‫التنظيمية قد يصل إلى مليوني عضو»‪.‬‬ ‫وهو نفسه تقريبا الرقم الذي قدره ضياء رشوان في دراسته التي أشار فيها‬ ‫إلى أن تعدادهم بني مليونني ومليونني ونصف املليون عضو‪ .‬واعتمد في‬ ‫تقديراته تلك على «املقارنة بني اإلحصائيات التي كانت متاحة لعدد أعضاء‬ ‫اإلخوان في األربعينات ونسبتها مع عدد السكان وقتها وعدد السكان حاليا»‬ ‫(العربية نت‪ 21 ،‬أبريل ‪ .)2008‬كل هذه التقديرات هي تقديرات ليست لقيادات‬ ‫إخوانية‪ ،‬فتقديرات اإلخوان تصل بعدد أعضاء الجماعة أحيانا إلى نحو ‪15‬‬ ‫مليون عضو‪ .‬ثالث البيانات التي ليست منتشرة على نطاق واسع‪ ،‬تعتني‬ ‫بحجم اقتصاد جماعة اإلخوان املسلمني ونسبته في االقتصاد املصري‪.‬‬ ‫وهو ما تشير كل التقديرات إلى أنه ليس بسيطا بل يشكل رقما في معادلة‬ ‫االقتصاد املصري‪ ،‬يمكن أن نطمئن بعض الشيء إلى الرقم الذي طرحه‬ ‫الدكتور صالح جودة املستشار االقتصادي للمفوضية األوروبية الذي صرح‬ ‫بأن «جماعة اإلخوان املسلمني تمتلك نحو ‪ %28‬من االقتصاد القومي» (موقع‬ ‫محيط‪ 13 .‬أكتوبر ‪.)2013‬‬ ‫يضاف إلى ذلك أن هذه اإلمبراطورية االقتصادية التي ال تعرف الدولة كثيرا عن‬ ‫تفاصيلها‪ ،‬لها أبعاد اجتماعية شديدة التعقيد‪ .‬فهذه املؤسسات االقتصادية‬ ‫أيد عاملة‪ ،‬ونشاط اجتماعي خيري‪ ،‬ومؤسسات‬ ‫تترجم في النهاية إلى ٍ‬ ‫تعليمية وعلمية‪ ،‬ومراكز استطالع رأي‪ ،‬باإلضافة إلى مؤسسات إعالمية‬ ‫وصحفية معلنة الصلة بالجماعة وأخرى غير معلنة‪ ،‬وكذلك مؤسسات دعوية‬ ‫ونشاط دعوي على مدار العام‪ .‬كل هذه األنشطة االقتصادية ‪ -‬االجتماعية‬ ‫تصب في النشاط السياسي وال شك‪ ،‬وهو البعد الوحيد تقريبا الذي تراه‬ ‫الدولة وتتعامل معه‪ .‬فالدولة ال تهتم بهذه الجماعة عبر بعديها (االجتماعي‬ ‫ االقتصادي) إال بكون هذه الجماعة تستطيع حصد أصوات في االنتخابات‬‫تمكنها من التأثير في نتائج أي عملية انتخابية‪.‬‬ ‫مما سبق يتضح أن حل إعالن جماعة اإلخوان املسلمني بحكم قضائي‬ ‫يخلف تعقيدات اجتماعية واقتصادية وسياسية عدة؛ إذ ليس من السهل‬ ‫إعالن وفاة جماعة بهذا الحجم دون ترتيب على كل املستويات يضمن سهولة‬ ‫التحول من نظام تمتلك فيه الجماعة نحو ثلث اقتصاده ونصف مشهده‬ ‫السياسي‪ ،‬وما يقترب من ذلك على املستوى االجتماعي‪.‬‬ ‫في الحقيقة لم تنظر النخبة املصرية الليبرالية وهي تتخذ قرار االتفاق ضد‬ ‫«اإلخوان املسلمني» إلى هذه املشكالت الكبيرة‪ ،‬بل رأت في اختفاء هذه الجماعة‬


‫الذي أحرزه إردوغان طيلة األعوام املاضية بدرجة أكبر من أي عامل‬ ‫آخر؛ لذلك من املمكن أن يؤدي انهيار االقتصاد إلى نهاية إردوغان‪.‬‬ ‫ صعود مفاجئ لشعبية زعيم حزب الشعب الجمهوري املعارض كمال‬‫قليتش دار أوغلو‪ .‬قبل فضيحة الفساد‪ ،‬بدا حزب الشعب الجمهوري‬ ‫مستعدا للتنازل عن انتخابات الرئاسة لصالح أي من إردوغان أو غل‪ ،‬أيا‬ ‫كان من سيترشح منهما‪ .‬وكانت الدالئل تشير إلى عدم ترشح قليتش‬ ‫دار أوغلو وأن الحزب قد يطرح مرشحا رمزيا‪.‬‬ ‫أما اآلن فيجب على حزب الشعب وقليتش دار أوغلو إعادة تقييم‬ ‫الوضع في ضوء متاعب إردوغان األخيرة‪ .‬إذا أبلى حزب الشعب بالء‬ ‫حسنا في االنتخابات البلدية‪ ،‬وخاصة إذا أطاح بعمدتي إسطنبول‬ ‫وأنقرة‪ ،‬ومن املعتقد أن كليهما في موقف ضعيف‪ ،‬فسوف يظهر حزب‬ ‫الشعب الجمهوري وقائده في مكانة أقوى‪ .‬ربما يجعل ذلك من قليتش‬ ‫دار أوغلو – الذي يشبه غل بعض الشيء في عدم امليل إلى الظهور‬ ‫والشخصية الهادئة‪ ،‬والذي بذل مساعي لتلطيف صورة حزبه املعادية‬ ‫للدين وتعزيز التزامه بالحكم الليبرالي – تهديدا انتخابيا خطيرا أمام‬ ‫إردوغان‪.‬‬

‫تأثير الفضيحة على تركيا‬ ‫يعتبر إردوغان أول رئيس تركي يحظى بشعبية وتأثير كبيرين في‬ ‫العالم العربي منذ نهاية اإلمبراطورية العثمانية‪ .‬ولعل مصيره هو أكثر‬ ‫ما يهم العرب فى فضيحة الفساد في تركيا‪.‬‬ ‫لكن توجد آثار واسعة للفضيحة ورد فعل إردوغان عليها فى سياسة‬ ‫تركيا الخارجية اإلقليمية وخاصة بالنسبة للمجتمع التركي‪.‬‬ ‫بالنسبة لعالقة تركيا باملنطقة‪ ،‬تظهر اآلثار واضحة بما يكفي‪ ،‬وهي‬ ‫في الواقع تحدث بالفعل‪ .‬ستكون تركيا املنشغلة بمشكالتها الداخلية‬ ‫أقل نشاطا فى السياسة الخارجية‪ .‬وكذلك‪ ،‬ال يمكن الترويج لتركيا‬ ‫التى يجري التشكيك في سيادة القانون فيها‪ ،‬كنموذج للتنمية ألي دولة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫بالنسبة للمجتمع التركى‪ ،‬ستكون املخاطر كبيرة بشكل خاص‪.‬‬ ‫ كيف سيؤثر االنقسام بني إردوغان وغولن‪ ،‬وما يبدو من عزم‬‫إردوغان على تحطيم حركة غولن‪ ،‬على مستقبل السياسة املحافظة‬ ‫ذات التوجهات اإلسالمية فى تركيا؟ تبدو االنقسامات التركية املألوفة‬ ‫– اإلسالم مقابل العلمانية والجيش مقابل املدنيني – أقل إلحاحا في‬ ‫الوقت الحالي باملقارنة‪.‬‬ ‫ هل تستطيع الحكومة أن تضع نفسها فوق القانون‪ ،‬كما يبدو أن‬‫إردوغان يحاول فعل ذلك؟‬

‫من املؤكد أن السيد إردوغان يتصرف بطريقة متعالية‪ ،‬وهي طريق‬ ‫معادية للديمقراطية‪ ،‬كما يدعي منتقدوه وحتى من بعض أصدقائه‪.‬‬ ‫لكن جعلت الفضيحة الحالية األمر أكثر تعقيدا من خالل عامل نادرا ما‬ ‫ُيعترف به بصوت عال‪ :‬ال يشعر كثير من أشد منتقدي إردوغان‪ ،‬أولئك‬ ‫الذين ال يتمنون له سوى الشر‪ ،‬بارتياح تجاه نفوذ غولن فى القضاء‬ ‫والشرطة‪.‬‬ ‫ويتمنون أن يقل نفوذ كال العمالقني‪ ،‬إردوغان وغولن‪ ،‬جراء الفضيحة‬ ‫الحالية‪ .‬قد يحدث ذلك ولكن إذا حدث‪ ،‬فستكون هناك أيضا احتمالية‬ ‫كبيرة ألن تتسبب املعركة في هبوط تركيا كلها درجات عديدة‪.‬ما زالت‬ ‫القصة لم تنته‪ .‬على األرجح هناك عدة تطورات مذهلة سوف تقع‪.‬‬

‫قوة تركيا‬ ‫توجد بعض األخبار الجيدة لتركيا‪ ،‬مع اقتراب موسم االنتخابات‬ ‫سريعا‪ ،‬هناك على األقل احتمال بأن تخف كل هذه الصعوبات من‬ ‫خالل صناديق االقتراع‪ .‬ما زال املواطنون األتراك يفتخرون بالنظام‬ ‫االنتخابي فى تركيا‪ .‬بغض النظر عن االنقالبات والقيود األخرى على‬ ‫ُ‬ ‫الحكم املدني في تركيا منذ سنوات‪ ،‬اعتبرت جميع االنتخابات الوطنية‬ ‫التي أجريت منذ أول انتخابات حقيقية فى عام ‪ 1950‬نزيهة وذات‬ ‫مصداقية‪ .‬وكما هو الحال في كل مكان‪ ،‬كانت هناك مخالفات فى‬ ‫صناديق االقتراع‪ ،‬ولكن لم يدع أي حزب أن االنتخابات الوطنية ُسرقت‬ ‫منه‪.‬‬

‫ ماذا يحدث لنسيج املجتمع عندما ال يعتبر القضاء حكما نزيها‬‫موحدا ولكن على أنه مجموعات صغيرة من الحزبيني من أنصار‬ ‫آيديولوجيات متنوعة؟ إلى متى تتحمل املجتمعات حرب نزع الشرعية‬ ‫بني حكومة منتخبة والقضاء؟ (من وجهة النظر األميركية‪ ،‬يتساءل‬ ‫املرء‪ :‬ما الذى كان سيحدث‪ ،‬إذا اختار الرئيس نيكسون‪ ،‬بدال من أن‬ ‫يطيع قرار املحكمة العليا الذي أدى إلى استقالته‪ ،‬أن يهاجم املحكمة؟)‪.‬‬

‫يبعث ذلك على التباهي والتفاخر‪ ،‬ال سيما عندما يجري النظر إلى‬ ‫تركيا من وجهة نظر الشرق األوسط‪ .‬قد ال يجعل ذلك في حد ذاته تركيا‬ ‫ُ‬ ‫نموذجا يحتذى‪ ،‬ولكنه يستحق أن تحسد عليه‪.‬‬

‫تزداد التوترات للغاية فى تركيا‪ .‬إذا استمرت الحروب ‪ -‬بني حزب العدالة‬ ‫والتنمية وأنصار غولن‪ ،‬أو بني الحكومة املنتخبة والقضاء‪ ،‬أو في هذه‬ ‫القضية بني الفصائل املتنافسة في القضاء والشرطة‪ ،‬ستتجه تركيا إلى‬ ‫عدم استقرار خطير‪.‬‬

‫إذا ساعدت نتائج االنتخابات حقا على حل مشاكل تركيا الحالية‬ ‫وتخفيف حدة التوتر الراهنة‪ ،‬حينئذ ستكون تركيا بالتأكيد مرشحا‬ ‫قويا في هذا السباق الخيالي على صاحب «أفضل عام في الشرق‬ ‫األوسط» لعام ‪< 2014‬‬

‫فتح الله غولن‬

‫‪,,‬‬

‫يملك غولن‬ ‫قاعدة غفيرة من‬ ‫التابعني في تركيا‬ ‫ال أحد يعرف‬ ‫عددهم على‬ ‫وجه التحديد‬ ‫وتعرف حركة‬ ‫غولن في تركيا‬ ‫باسم «الجماعة»‬ ‫ويميل أفرادها‬ ‫ألن يطلقوا على‬ ‫أنفسهم «الخدمة»‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪19‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫وفضيحة الفساد‪ .‬في تركيا يملك الرئيس سلطات مهمة محددة‪ ،‬ولكنه‬ ‫أقل نفوذا من رئيس الوزراء‪.‬‬ ‫على الرغم من ذلك‪ ،‬من املرجح أن يسعى إردوغان إلى الرئاسة حتى في‬ ‫ظل السلطات الحالية التي يملكها الرئيس‪ .‬سوف يكتسب الرئيس الذي‬ ‫ينتخبه الشعب ألول مرة نفوذا جديدا ألنه سيكون املسؤول الوحيد‬ ‫الذي يصل إلى منصبه بانتخاب الشعب كله‪ .‬في النظام البرملاني‪،‬‬ ‫يجري انتخاب رئيس الوزراء من دائرته مباشرة فقط ثم يصبح رئيسا‬ ‫للحكومة ألن الحزب ذا األغلبية اختاره رئيسا له‪.‬‬ ‫ولكن هناك عقبة رئيسة أمام أحالم إردوغان الرئاسية‪ :‬يحق للرئيس‬ ‫الحالي عبد الله غل الترشح لفترة أخرى‪ ،‬على الرغم من أنه انتخب‬ ‫بموجب النظام القديم من البرملان‪ .‬ويبدو أن غل يستمتع بأن يكون‬ ‫رئيسا وربما يفضل البقاء لفترة ثانية‪ ،‬إذا استمرت األمور على ما هي‬ ‫عليه‪ .‬ولكن غل أيضا عضو في الفريق وليس من املحتمل أن يترشح إذا‬ ‫أراد إردوغان تولي املنصب‪.‬‬ ‫كل من إردوغان وغل عمالقان وهما املؤسسان الرئيسان لحزب العدالة‬ ‫والتنمية‪ .‬ومن املحتمل أن يقررا فيما بينهما من منهما سيترشح‬ ‫للرئاسة‪.‬‬

‫رجب طيب إردوغان‬

‫‪,,‬‬

‫إذا كانت‬ ‫هناك جائزة‬ ‫لصاحب‬ ‫«أسوأ عام في‬ ‫أوروبا» لعام‬ ‫‪ 2013‬فستكون‬ ‫ال ريب من‬ ‫نصيب‪ :‬رئيس‬ ‫الوزراء التركي‬ ‫رجب طيب‬ ‫إردوغان‬

‫‪,,‬‬

‫‪18‬‬

‫كن في السابق ممنوعات من دخول الجامعات ومن تولي مناصب‬ ‫حكومية أخرى من بينها التدريس ومن االنضمام إلى البرملان‪.‬‬ ‫ولكن كم من الوقت سيبقى؟ هذا سؤال أصعب‪ .‬ويجب لإلجابة عليه‬ ‫وضع العديد من العوامل في الحسبان إلى جانب فضيحة الفساد‪.‬‬ ‫منذ أيامه األولى كرئيس لحزب العدالة والتنمية‪ ،‬تعهد إردوغان بأنه‬ ‫وجماعته سيخدمون في البرملان ملدة ال تتجاوز ثالث فترات‪ .‬عالوة‬ ‫على ذلك‪ ،‬أضاف هذا التعهد كتابة إلى لوائح الحزب وظل يكرره على‬ ‫مدار األعوام‪.‬‬ ‫في الوقت الحالي‪ ،‬يقترب إردوغان من نهاية فترته الثالثة‪ ،‬والتي ستنتهي‬ ‫في منتصف العام املقبل‪ .‬ربما تكون أيامه في رئاسة الوزراء معدودة‪،‬‬ ‫حتى وإن لم تجبره الفضيحة على االستقالة من منصبه‪ .‬سيكون مالذه‬ ‫الوحيد للبقاء رئيسا للوزراء بعد عام ‪ 2015‬هو تغيير لوائح حزبه‪ .‬ومن‬ ‫املؤكد أنه يملك القوة الكافية داخل الحزب لكي يحقق ذلك‪ ،‬ولكن سيأتي‬ ‫ذلك على حساب حرج جماهيري كبير ومزيد من الخسارة للمصداقية‪،‬‬ ‫وهو ما سيكبده أيضا خسارة بعض األصوات‪.‬‬ ‫حلم إردوغان معروف جيدا‪ ،‬ليس بأن يظل رئيسا للوزراء‪ ،‬هذا املنصب‬ ‫الذي تواله لفترة أطول من أي شخص آخر في التاريخ التركي‪ .‬دون‬ ‫أن يقولها صراحة‪ ،‬أوضح إردوغان أنه يود أن يمضي فترتني مدة كل‬ ‫منهما خمس سنوات رئيسا لتركيا مع انتخابات العام الحالي‪ .‬سيجعله‬ ‫ذلك يستمر في السلطة حتى عام ‪ ،2024‬وسيعني أنه سيترأس‬ ‫االحتفال بمرور ‪ 100‬عام على قيام الجمهورية التركية‪ ،‬التي أسسها‬ ‫مصطفى كمال أتاتورك عام ‪ .1923‬في ذلك الحني ربما يصل إردوغان‬ ‫املتدين إلى مكانة في التاريخ التركي تساوي تلك التي يحتلها أتاتورك‬ ‫العلماني‪ .‬وسيكون أمامه مزيدا من الوقت للمساعدة على إعادة تشكيل‬ ‫املجتمع التركي وفقا لوجهة نظره التي تتوق إلى الدولة العثمانية‪.‬‬ ‫أحد عناصر حلم إردوغان الرئاسي األخرى هي رغبته في تعزيز نفوذ‬ ‫منصب الرئيس‪ ،‬قبل أن يصل إليه‪ ،‬من خالل تعديل دستوري‪ .‬ربما‬ ‫كان ذلك غير مرجح الحدوث على اإلطالق‪ ،‬ولكنه أصبح مستحيال‬ ‫تقريبا بعد تعرض مكانة إردوغان للضعف نتيجة ألزمة متنزه جيزي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫عادة ما يذعن غل لرغبات إردوغان‪ ،‬اعترافا بشعبية األخير السياسية‬ ‫الكبيرة‪ ،‬ال سيما لدى قاعدة العدالة والتنمية‪ .‬ولكن اآلن تبدلت األدوار‬ ‫إلى حد ما‪ .‬ربما ما زال إردوغان ذا شعبية بني قواعد حزبه‪ ،‬ولكن من‬ ‫املؤكد أن غل يحظى بشعبية أكبر كثيرا على املستوى الوطني‪ .‬تحقق له‬ ‫القبول بفضل أسلوبه في عدم املواجهة وعدم حب الظهور‪ ،‬وفي بعض‬ ‫الحاالت اكتسب موافقة العديد من العلمانيني في املعارضة‪ .‬إذا كان‬ ‫إردوغان وغل املرشحني وحدهما في االنتخابات‪ ،‬فسوف يحقق غل‬ ‫فوزا ساحقا‪ .‬ولكنه ليس من املرجح أن يحدث‪.‬‬ ‫عند هذه املرحلة يبدو أنه رهان آمن أال يترشح الرجالن ضد بعضهما‬ ‫البعض‪ .‬ويبدو رهانا جيدا‪ ،‬وإن كان أقل أمانا‪ ،‬أن يترشح إردوغان‬ ‫للرئاسة وأن يستغل غل نفوذه لضمان الحصول على منصب رفيع في‬ ‫حزب العدالة والتنمية ورئاسة الحكومة التي سيتركها إردوغان‪.‬‬ ‫ولكن ال يعد غل العقبة الوحيدة املحتملة في طريق إردوغان الذي تتزايد‬ ‫صعوباته نحو الرئاسة‪ .‬هناك على األقل أربعة عوامل أخرى يمكنها‬ ‫هزيمته‪ ،‬أو إقناعه بعدم الترشح أو جعل فكرة الترشح غير واقعية‬ ‫بالنسبة له‪ - .‬إذا ُوجد دليل قوي على تورط إردوغان شخصيا في‬ ‫الفساد‪ .‬وفي هذه الحالة قد تجبره الضغوط الشعبية وحتى الحزبية‬ ‫أيضا على التنحي‪.‬‬ ‫ سوء أداء حزب العدالة والتنمية في االنتخابات البلدية التي ستجرى‬‫في جميع أنحاء البالد في ‪ 30‬مارس (آذار)‪ .‬وهنا سؤال مهم حول‬ ‫كيفية تصويت أنصار غولن‪ :‬هل سيستمرون في التصويت لصالح‬ ‫إردوغان بدافع من والئهم للقيم اإلسالمية املحافظة؟ أم على النقيض‬ ‫سوف يصوتون لصالح حزب الشعب الجمهوري العلماني املعارض‪،‬‬ ‫حتى على الرغم من أن كثيرا من أنصار غولن يعتبرونه حزب الجيش‬ ‫املكروه؟ أم أنهم سيمكثون في املنزل فقط؟‬ ‫ وقوع أزمة اقتصادية‪ ،‬يتوقعها البعض‪ ،‬حيث يرتفع عجز الحساب‬‫الجاري‪ ،‬ووصلت الليرة التركية إلى أقل معدالتها أمام الدوالر‪ ،‬كما حدث‬ ‫ُ‬ ‫مؤخرا‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تبعد فضيحة الفساد‪ ،‬وخاصة ما تثيره من‬ ‫قضايا حول «سلطة القانون» في تركيا‪ ،‬االستثمارات األجنبية‪ ،‬وهي‬ ‫واحدة من الدعامات األساسية لنمو االقتصاد التركي‪ .‬يفسر النجاح‬ ‫االقتصادي في تركيا على مدار العقد املاضي النجاح االنتخابي الهائل‬


‫اللحظة لن يكون هناك سالم‪ .‬يجب أن تتخذ الحكومة الالزم تجاه هذا‬ ‫الكيان (التابع لغولن) والذي يشكك في شرعية (حكومة حزب العدالة‬ ‫والتنمية)‪ ..‬يجب أن يستدعى جميع عناصر طغمة (غولن) للمساءلة‬ ‫فردا تلو اآلخر»‪.‬‬ ‫على األقل ساعدت هجمات إردوغان ضد القضاء والشرطة وأنصار‬ ‫غولن بأن ألقت بظاللها على قضية الفساد التي أثارت الخالف‪ .‬قدم‬ ‫إردوغان على األقل تنازال واحدا أمام اتهامات الفساد‪ .‬كان مفاجئا‬ ‫وأدى إلى نتائج عكسية‪.‬‬ ‫في ‪ 26‬ديسمبر (كانون األول)‪ ،‬استقال الوزراء الثالثة الذين اعتقل‬ ‫أبناؤهم في الفضيحة‪ .‬وكان ذلك مفاجئا حيث إن االستقاالت حدثت‬ ‫قبل ساعات من إعالن إردوغان عن تشكيل حكومة جديدة‪ .‬ترددت‬ ‫شائعات عن إجراء تعديل وزاري وشيك قبل عمليات االعتقال التي‬ ‫جرت في ‪ 17‬ديسمبر‪ ،‬لذلك كان من املمكن أن يخرج إردوغان أسماء‬ ‫الرجال الثالثة من التشكيل الجديد بدال من إجبارهم على االستقالة‪.‬‬ ‫ويبدو أن عدم فعله ذلك كان محاولة للظهور أمام الشعب بأنه يدرك‬ ‫أن قضية الفساد أثارت مسائل مهمة‪ ،‬بغض النظر عن مساعيه لنزع‬ ‫الشرعية عنها‪.‬‬ ‫لم يتوقف رئيس الوزراء عند إقالة رئيس شرطة إسطنبول فقط‪ .‬على‬ ‫مدار الشهر التالي‪ ،‬نقل أكثر من ‪ 1700‬من كبار ضباط الشرطة من‬ ‫مناصبهم في جميع أنحاء البالد‪( .‬تفرض القوانني في تركيا صعوبة‬ ‫شديدة على فصل أي موظف عمومي‪ ،‬لذلك ينقل املوظفون الذين‬ ‫يخالفون القواعد إلى مناصب أدنى)‪.‬‬ ‫بعد ذلك نقل املحققون الرئيسون في قضية الفساد إلى مكان آخر‪.‬‬ ‫يشير ذلك وغيره من األدلة إلى أنه حتى إن كان أتباع غولن يشكلون‬ ‫العنصر السائد في السلطة القضائية‪ ،‬فإن إردوغان له مؤيدوه بها‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ثم أكمل إردوغان باتخاذ سلسلة من الخطوات اإلضافية واملقترحات‬ ‫التي تهدف إلى تعزيز سلطة الحكومة على القضاء‪ .‬القى ذلك انتقادات‬ ‫شديدة ليس فقط من املعارضة التركية ونشطاء حقوق اإلنسان ولكن‬ ‫أيضا من االتحاد األوروبي الذي ما زالت تركيا تسعى رسميا إلى‬ ‫الحصول على عضويته‪.‬‬ ‫بعدها اتخذت القصة منحى خاصا غريبا‪ .‬في ‪ 6‬يناير (كانون الثاني)‪،‬‬ ‫أشار إردوغان إلى أنه سيدعم تشريعا يعيد محاكمة املئات من ضباط‬ ‫الجيش الذين أدينوا بالتخطيط لالنقالب على مدار نصف العقد املاضي‪.‬‬ ‫ونظرا ألن الجيش كان يعتبر دائما عدو إردوغان‪ ،‬وحيث إن انتصاره‬ ‫عليهم كان يعتبر أكبر نجاح سياسي حققه وأن املحاكمات واإلدانات‬ ‫التي جرت كانت مهمة في سبيل ذلك النجاح‪ ،‬كان االقتراح مفاجئا‪ .‬بعد‬ ‫أن تحالف في املاضي مع أتباع غولن من أجل ترويض الجيش‪ ،‬يحاول‬ ‫إردوغان اآلن جعل الجيش واملتعاطفني معه حلفاء له ضد أتباع غولن‪.‬‬ ‫وكان يحاول أيضا أن يجيب على املعارضني الذين قالوا إن هجومه‬ ‫املتأخر على «الدولة املوازية» من أتباع غولن في القضاء نفاق ال يخدم‬ ‫سواه‪.‬‬ ‫إذا وضعنا كل هذه األمور معا‪ ،‬اإلجراءات والخطاب املتصاعد ضد‬ ‫حلفائه السابقني أنصار غولن‪ ،‬سنجد إشارة إلى رجل يائس ربما‬ ‫يكون مذنبا‪ .‬ولكنها تظهر أيضا أن إردوغان في ظل كل املوارد العديدة‬ ‫التي يملكها سوف يقاوم حتى النهاية‪.‬‬ ‫كتب الصحافي املوالي للحكومة جيم كوتشوك في مطلع شهر يناير‬ ‫(كانون الثاني) ما يبدو أنها نصيحة إردوغان أيضا‪« :‬منذ هذه‬

‫(يشير استطالع رأي واحد على األقل إلى أن الغالبية العظمى من‬ ‫الشعب التركي‪ ،‬ومنهم كثير من ناخبي إردوغان‪ ،‬تعتقد أن أبناء الوزراء‬ ‫مذنبون)‪.‬‬ ‫ُيعرف عن حزب العدالة والتنمية تماسكه ووالؤه الخاضع إلردوغان‪.‬‬ ‫ولكن من الصادم أن أحد الوزراء الثالثة‪ ،‬وزير البيئة والتخطيط العمراني‪،‬‬ ‫الذي كان ملدة طويلة أحد املقربني من إردوغان‪ ،‬لم يخرج بهدوء‪ .‬وأوضح‬ ‫أن استقالة الوزراء كانت إجبارا وليست طواعية‪ .‬ثم تحول ضد رئيس‬ ‫الوزراء بطريقة لم يتوقعها أحد‪ ،‬معلنا أن «جزءا كبيرا من خطط تقسيم‬ ‫املناطق املوجودة في ملف التحقيقات جرت بموافقة رئيس الوزراء»‪.‬‬ ‫ثم أضاف‪« :‬من أجل مصلحة هذا الشعب وهذه الدولة‪ ،‬أعتقد أن رئيس‬ ‫الوزراء يجب أن يستقيل»‪ .‬ال شك في أن هذا التصريح سوف يطارد‬ ‫إردوغان في األسابيع والشهور املقبلة‪.‬‬

‫االنتخابات ومصير إردوغان‬ ‫ليس من املمكن أن تقع فضيحة الفساد في توقيت أسوأ من هذا‪ ،‬حيث‬ ‫تتجه تركيا إلى إجراء عدة انتخابات‪ .‬من املقرر إجراء االنتخابات البلدية‬ ‫في جميع أنحاء البالد‪ ،‬التي تقاس بها شعبية األحزاب‪ ،‬في ‪ 30‬مارس‬ ‫(آذار)‪.‬‬ ‫وسوف تجرى االنتخابات الرئاسية – وهي أول انتخابات شعبية‬ ‫مباشرة للرئاسة في تركيا بدال من البرملان – في منتصف الصيف‪.‬‬ ‫ومن املقرر أن تجرى االنتخابات البرملانية في منتصف عام ‪ 2015‬إال إذا‬ ‫جرى تأجيلها وهو ما يبدو غير مرجح في الوقت الحالي‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫سوف تجرى‬ ‫االنتخابات‬ ‫الرئاسية‬ ‫وهي أول‬ ‫انتخابات‬ ‫شعبية مباشرة‬ ‫للرئاسة في‬ ‫تركيا بدال‬ ‫من البرملان‬ ‫في منتصف‬ ‫الصيف‬

‫‪,,‬‬

‫من املؤكد أن إردوغان لن يغادر الحياة السياسية طواعية بسبب‬ ‫فضيحة فساد‪ .‬لقد أظهر نفسه بصفته محاربا‪ ،‬يطلق العنان لرغبته‬ ‫في استخدام واستغالل مؤسسات الدولة لضمان بقائه السياسي‪.‬‬ ‫حتى وإن استطاع املحققون بطريقة ما العمل في قضية ضده‪ ،‬فلن‬ ‫يمكن محاكمته إال إذا رفع البرملان الحصانة عنه‪ ،‬وهو غير وارد نظرا‬ ‫لألغلبية الكاسحة التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية في البرملان‪.‬‬ ‫كما أنه من الواضح أن إردوغان يحتفظ بتأييد كبير بني الجماهير‬ ‫التركية الذين يشعرون بامتنان تجاهه بفضل النجاح االقتصادي‪،‬‬ ‫وتعزيزه مكانة الدين واملتدينني‪ ،‬وتقنني وضع املحجبات الالتي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪17‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫ثالثا‪ ،‬مثلت األزمة معركة مؤسسية بني السلطتني التنفيذية والقضائية‪،‬‬ ‫مما قد يزعزع جذور االستقرار التركية ويلغي كل ما أنجز سياسيا‬ ‫ودبلوماسيا واقتصاديا على يد حكومة إردوغان على مدار األعوام‬ ‫العشرة املاضية‪.‬‬

‫حركة فتح الله غولن‬

‫‪,,‬‬

‫تسبب رد‬ ‫فعل إردوغان‬ ‫الغاضب من‬ ‫اإلطاحة بمحمد‬ ‫مرسي على‬ ‫يد الجيش‬ ‫املصري في قطع‬ ‫العالقات بني‬ ‫أكبر دولتني‬ ‫حليفتني للغرب‬ ‫في الشرق‬ ‫األوسط‬

‫‪,,‬‬

‫عندما تحدث إردوغان عن «منظمة غير شرعية» و«دولة موازية»‪ ،‬كان‬ ‫يقصد جماعة محددة في ذهنه‪ :‬أتباع الداعية الصوفي التركي فتح الله‬ ‫غولن‪ ،‬الذي يرأس مؤسسة دينية متعددة الجنسيات تؤكد على التعليم‬ ‫العلماني وتدير شبكة من املدارس الراقية التي تنتشر حول العالم‪،‬‬ ‫وإن كان أقل وجود لها في العالم العربي‪ .‬يلقي غولن مواعظ عن القيم‬ ‫اإلسالمية ويؤكد على التزامه بالتسامح وعدم العنف‪.‬‬ ‫يملك غولن قاعدة غفيرة من التابعني في تركيا‪ ،‬ال أحد يعرف عددهم‬ ‫على وجه التحديد‪ .‬وتعرف حركة غولن في تركيا باسم «الجماعة»‬ ‫ويميل أفرادها ألن يطلقوا على أنفسهم «الخدمة»‪.‬‬ ‫ينتشر اعتقاد بأن أتباع غولن لديهم وجود قوي في السلطة القضائية‬ ‫والشرطة‪ ،‬وخاصة االستخبارات الشرطية‪ ،‬وهو اعتقاد يجد بعض األدلة‬ ‫التي تدعمه‪ .‬في الواقع‪ ،‬ينسب إلى أتباع غولن بدء وإجراء التحقيقات‬ ‫التي قصمت ظهر الجيش على مدار أعوام عديدة ماضية‪ ،‬بينما كان‬ ‫إردوغان يشجعهم على الهامش‪ ،‬وليس دائما في صمت‪.‬‬ ‫من الصعب إثبات وجود أتباع غولن في القضاء وجهات إنفاذ القانون‪.‬‬ ‫واألمر في األساس عرضي‪ .‬في إحدى الوقائع‪ ،‬تمت إدانة تابع سابق‬ ‫لغولن فيما يبدو ملجرد أنه كان يعد على جهاز الكومبيوتر الخاص به‬ ‫كتابا يزعم أن أتباع غولن كانوا يحاولون بالفعل االستيالء على البالد‪.‬‬ ‫وربما يكون الجانب املخيف في القضية هو حقيقة أن الشرطة علمت‬ ‫بأنه كان يعد هذا الكتاب‪.‬‬ ‫ال يعلن أتباع غولن في األعمال الحكومية‪ ،‬ومنها القضاء والشرطة‪ ،‬عن‬ ‫أنفسهم كأفراد في حركة غولن‪ .‬ومن جانبهم‪ ،‬ال ينكر أعضاء الحركة‬ ‫أن أتباع غولن قد يكونون من بني مسؤولي الدولة‪ .‬ولكنهم يقولون إن‬ ‫هؤالء املسؤولني حصلوا على مناصبهم فقط بفضل قدراتهم‪ ،‬وأنهم‬ ‫يقومون بأعمالهم باسم الدولة بنزاهة‪ ،‬وأنهم ال يتلقون أي أوامر من‬ ‫غولن أو غيره في الحركة‪.‬‬ ‫يدعي غولن ذاته أنه غير مشترك في السياسة أو أي سياسات‪ .‬ولكن من‬ ‫املفهوم أنه أدان إردوغان – ولكن لم يذكره اسما – بسبب الهجوم اللفظي‬ ‫الشديد الذي شنه على الجماعة‪.‬‬ ‫تكمن مفارقة كبيرة في الشقاق بني غولن وإردوغان‪ ،‬ال سيما وأنه‬ ‫يركز اآلن على نفوذ أتباع غولن في املناصب الحكومية‪ ،‬وهي القضية‬ ‫ذاتها تحديدا التي جمعت بني الرجلني في املقام األول‪ .‬في التسعينات‪،‬‬ ‫ابتعد غولن‪ ،‬الذي كان قوميا تركيا بغض النظر عن شبكته الدولية‪ ،‬عن‬ ‫الحركة اإلسالمية السياسية التركية‪ ،‬نظرا ألنه اعتبرها ذات توجهات‬ ‫تميل إلى األمة اإلسالمية أكثر من الالزم وال تتمتع بالقومية الكافية‪.‬‬ ‫في تلك األيام‪ ،‬سعى غولن إلى رضا القادة السياسيني العلمانيني في تركيا‪،‬‬ ‫على الرغم من تحقيقه قدرا ضئيال من النجاح‪ .‬وفي عام ‪ ،1999‬عندما‬ ‫كان الجيش التركي والقضاء وبقية املؤسسات التركية خاضعة لسيطرة‬ ‫العلمانيني الذين ال يقبلون التسويات‪ ،‬أدان املحققون األتراك غولن‪ .‬وكانت‬ ‫تهمته‪ :‬تهديد الطبيعة العلمانية لتركيا ومحاولة تسلل أتباعه الدينيني إلى‬ ‫املناصب الحكومية‪ .‬وأخرجوا مقطع فيديو يظهر فيه غولن وهو يحاول‬ ‫نصح أتباعه حتى بـ«الكذب» من أجل اختراق صفوف املسؤولني الحكوميني‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫أردوغان التقى هنية للحديث حول‬ ‫املصالحة الفلسطينية قبل ايام من سقوط‬ ‫محمد مرسي (‪18‬يونيو ‪)2013‬‬

‫انتهت مغازلة غولن للعلمانيني وابتعاده عن اإلسالميني بعد إدانته‪.‬‬ ‫ودفعت الكراهية املتبادلة للجيش واملؤسسة العلمانية التي أرادت‬ ‫اعتقال غولن هذين الجناحني من الحركة اإلسالمية املتنامية للتقارب‬ ‫مع بعضهما البعض‪ .‬ويظل من غير الواضح ما إذا كان أتباع غولن‬ ‫استطاعوا الوصول بأنفسهم إلى مناصب ذات نفوذ في الشرطة‬ ‫والقضاء‪ ،‬املؤسستني اللتني خضعتا لعلمانيني متصلبي الرأي على‬ ‫مدار عقود‪ .‬من املؤكد أن بعض األمر يتعلق باملوهبة والتعليم‪ ،‬ولكن‬ ‫من املؤكد أيضا وجود دور للتحالف الضمني بني حزب العدالة والتنمية‬ ‫الذي ينتمي إليه رجب طيب إردوغان – والذي حقق انتصارا كاسحا في‬ ‫االنتخابات البرملانية في عام ‪ 2002‬ويحتفظ بالسلطة منذ ذلك الحني‪.‬‬ ‫رد أتباع غولن الجميل إلى إردوغان ومؤيديه أكثر من مرة‪ ،‬حيث تولى‬ ‫محققون يفترض أنهم ينتمون إلى رجال غولن عمليات محاكمة الجيش‬ ‫وعلمانيني آخرين‪ ،‬مما ساعد إردوغان على التخلص من عقبة رئيسة‬ ‫أمام حكمه‪ ،‬واألهم من ذلك تخلصه من تهديد وقوع انقالب‪ ،‬الذي كان‬ ‫ملمحا ثابتا في الحياة السياسية التركية على مدار العقود السابقة‪.‬‬ ‫(في فترة إدانته‪ ،‬كان غولن في الواليات املتحدة يتلقى عالجا نظرا‬ ‫ملعاناته من مشاكل صحية‪ .‬وما زال هناك إلى اليوم‪ .‬وهو اآلن يملك‬ ‫حرية العودة إلى تركيا ولكنه اختار عدم العودة‪ .‬وجرت تبرئته من تهم‬ ‫معاداة العلمانية في عام ‪ ،2008‬مما قد يعطي إشارة لتحديد متى فلتت‬ ‫سلطة القضاء التركي من أيدي العلمانيني)‪.‬‬

‫هجوم إردوغان‬ ‫عندما رد إردوغان بالهجوم بعد عملية مكافحة الفساد في ‪ 17‬ديسمبر‬ ‫(كانون األول)‪ ،‬لم يتوقف عند حدود الكالم‪ .‬بل سريعا ما عني رئيسا‬ ‫جديدا لشرطة إسطنبول‪ ،‬والذي منع رجاله من القيام بموجة ثانية من‬ ‫قرارات الضبط واإلحضار التي أصدر محققون أوامر بتنفيذها‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أن القانون يوجب على الشرطة تنفيذ قرارات املحققني‪ .‬ووفقا‬ ‫للتسريبات‪ ،‬كان أحد أوامر الضبط واإلحضار خاصا ببالل إردوغان‬ ‫ابن رئيس الوزراء شخصيا‪ .‬لو نفذ القرار‪ ،‬كانت الفضيحة ستصل‬ ‫إلى أعتاب رئيس الوزراء مباشرة‪ .‬وفي األسبوع املاضي‪ ،‬ترددت أنباء‬ ‫عن تجاهل الشرطة لطلب آخر من النيابة بإجراء اعتقاالت في قضايا‬ ‫مكافحة فساد‪.‬‬


‫رئيس الوزراء التركي‪ ،‬مثل بقية تركيا‪ ،‬على أنباء اعتقال عشرات من‬ ‫األشخاص في الساعات األولى من الصباح مشتبه في تورطهم في‬ ‫قضايا فساد‪ .‬جاءت االعتقاالت نتيجة لتحقيقات استغرقت عاما‬ ‫كامال‪ .‬كان الجدير باملالحظة أن مجموعة من املقبوض عليهم ضمت‬ ‫أشخاصا مقربني من إردوغان‪ ،‬أغلبهم من رجال األعمال‪ ،‬وأيضا أبناء‬ ‫لثالثة وزراء مختلفني في الحكومة‪ ،‬ورئيس مجلس إدارة بنك كبير‬ ‫مملوك للدولة هو بنك خلف‪ ،‬وهم متورطون في عمليات اتجار في الذهب‬ ‫مع إيران‪ ،‬في التفاف (إن لم يكن انتهاكا) للعقوبات‪ .‬ويوجد افتراض بأن‬ ‫األبناء‪ ،‬الذين ال يملكون قدرة على تقديم تصاريح من الحكومة مقابل‬ ‫رشاوى‪ ،‬كانوا يتصرفون نيابة عن آبائهم‪ .‬أفرج عن معظم املقبوض‬ ‫عليهم بعد استجوابهم‪ ،‬ولكن ظل ‪ 24‬منهم قيد الحبس‪ ،‬من بينهم ابنا‬ ‫وزيرين‪ ،‬ربما في انتظار توجيه التهم إليهم‪.‬‬ ‫يبدو أن هذه العملية تعكس نموذجني مختلفني من التحقيقات‪ ،‬أحدهما‬ ‫يتعلق باالختالس وغسل األموال‪ ،‬والثاني يتعلق بالرشاوى والفساد‬ ‫في مقابل منح تصاريح حكومية تخص عقارات ومشروعات بنية‬ ‫تحتية كبرى‪ .‬وذلك من خالل تفاصيل ضئيلة سربت‪ .‬ولكن أبرز ما‬ ‫جذب خيال العامة هو صورة صناديق األحذية التي تردد أنها كانت‬ ‫تمتلئ بـ ‪ 4,5‬مليون دوالر في منزل رئيس مجلس إدارة بنك خلق‪.‬‬ ‫أثارت هذه الصورة حشودا عديدة ضد الفساد وضد إردوغان لوح‬ ‫فيها املتظاهرون بصناديق أحذية‪ .‬كما انتشرت مزحة بني معارضي‬ ‫إردوغان الذين يشيرون اليوم إلى أن حروف اختصار حزب العدالة‬ ‫والتنمية ‪ AKP‬تشير إلى الحروف األولى من كلمة «صندوق أحذية»‬ ‫باللغة التركية‪.‬‬ ‫في النظام التركي‪ ،‬من املفترض أن السلطة القضائية – قضاة ومدعني‬ ‫– يتمتعون باستقاللية كاملة عن الحكومة‪ ،‬ومن املفترص أن تظل‬ ‫تحقيقات النيابة قيد السرية حتى يقبض على املتهمني‪ .‬ومن املفترض‬ ‫أن تقوم الشرطة بعمليات القبض عندما تصدر لها توجيهات من‬ ‫النيابة‪ ،‬دون الرجوع إلى رؤسائهم‪ .‬وعلى الرغم من أن النظام لم ينفذ‬ ‫بنزاهة على مدار أعوام‪ ،‬فإنه كان محل احترام عام‪ .‬وفيما بني عامي‬

‫‪ 2007‬و‪ ،2012‬ألقي القبض على مئات من ضباط عاملني أو متقاعدين‬ ‫في الجيش الذي كان من غير املمكن اتهامه في السابق وتمت إدانتهم‬ ‫في تهم التخطيط النقالب‪ .‬وعلى الرغم من أن جميعهم تقريبا أصروا‬ ‫وما زالوا يصرون على براءتهم فإنهم لم يقاوموا التحقيقات أو الحبس‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته التزم الجيش ‪ -‬كمؤسسة ‪ -‬الصمت إلى حد كبير‪.‬‬ ‫أخطأ كل من ظن أن إردوغان سوف يسير على نموذج الجيش بالتزام‬ ‫الهدوء‪ .‬كذلك لم يفعل ما يفعله السياسيون في الدول الديمقراطية الذين‬ ‫تعرضوا لظروف مشابهة‪ ،‬أي اإلعراب عن أمله في براءة املتهمني مع‬ ‫التأكيد على ثقة راسخة في نظام الدولة القضائي‪.‬‬ ‫ولكن ما حدث بعد ذلك قد يستحق أن يكون إحدى مسرحيات شكسبير‪.‬‬ ‫كان رد فعل إردوغان عنيفا‪ ،‬حيث استبعد شرعية التحقيقات املكافحة‬ ‫للفساد ووصفها (بدال من أن يصف الفساد ذاته) بأنها «عملية قذرة»‪.‬‬ ‫وادعى أيضا أنه هو وحكومته هدف لـ«انقالب قضائي» تديره «جماعة‬ ‫غير مشروعة» داخل القضاء ‪ -‬بل ووصفها بـ«دولة موازية» وشبهها‬ ‫بالحشاشني – تساندها أعداء خارجيون أشرار‪ .‬في مرحلة ما‪ ،‬أشار‬ ‫إردوغان إلى أن السفير األميركي قد يكون خلف الواقعة‪ ،‬وعلى مدار‬ ‫يوم أو اثنني نشرت الصحف املوالية لحزب العدالة والتنمية عناوين‬ ‫رئيسة تطالب باستدعاء السفير من أقوى وأهم حليف لتركيا‪.‬‬ ‫تدور األزمة على ثالثة مستويات على األقل‪ .‬أوال‪ ،‬تتعلق القضية‬ ‫بفساد ظاهر وصل تقريبا إلى أعلى املستويات في حكومة إردوغان‪.‬‬ ‫على أقل تقدير تسبب قضية الفساد ضد مسؤولي حكومة إردوغان‬ ‫وأفراد من دائرة مقربيه حرجا كبيرا لحزب العدالة والتنمية الحاكم‪،‬‬ ‫والذي وصل إلى الحكم في عام ‪ 2002‬متعهدا بتشكيل حكومة نظيفة‪.‬‬ ‫وفي حني يحمل الحزب اسم العدالة والتنمية فإن رمز االسم باللغة‬ ‫التركية يعني «أبيض» أي «نظيف»‪ .‬ثانيا‪ ،‬تعكس األزمة خالفا كبيرا‬ ‫بني حليفني إسالميني سمحت عالقتهما على مدار عشرة أعوام‬ ‫لكال الطرفني باالزدهار‪ ،‬واألهم من ذلك ساعدت على إنهاء الهيمنة‬ ‫السياسية للجيش في تركيا‪.‬‬

‫عشرات اآلالف من املتظاهرين‬ ‫األتراك خرجوا الى الشوارع في‬ ‫العاصمة أنقرة في ‪ 11‬يناير ‪2014‬‬ ‫احتجاجا على حكومة رئيس‬ ‫الوزراء رجب طيب أردوغان‪ ،‬والتي‬ ‫تعرضت لهزات نتيجة التحقيق في‬ ‫قضية فساد واسعة‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫في عام ‪2013‬‬ ‫تعرض النظام‬ ‫التركي لعثرة‬ ‫كبيرة‬ ‫و لسلسلة غير‬ ‫مسبوقة من‬ ‫االنتكاسات‬ ‫بدأت بالسياسة‬ ‫الخارجية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪15‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫تنشر الجريدة األميركية املرموقة «واشنطن بوست» كل يوم أحد موضوعا أسبوعيا خفيفا تمنح من خالله‬ ‫بعض السياسيني غير املحظوظني لقب صاحب «أسوأ أسبوع فى واشنطن»‪ ،‬إذا كانت هناك جائزة لصاحب «أسوأ‬ ‫شخصية فى الشرق األوسط»‪ ،‬فسيكون الفائز محمد مرسى‪ .‬حتى بشار األسد (الذى لألسف عاد قليال إلى‬ ‫شعبيته) ال يستطيع املنافسة‪.‬ولكن إذا كانت هناك جائزة لصاحب «أسوأ عام فى أوروبا» لعام ‪ ،2013‬فستكون ال‬ ‫ريب من نصيب‪ :‬رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان‪.‬‬

‫انتكاسة السياسة الخارجية وأزمة الفساد واقتراب االنتخابات‬

‫تركيا‪ ..‬لم يأت األسوأ بعد‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫آالن ماكوفسكي‬

‫‪,,‬‬

‫كانت إدارتا‬ ‫بوش وأوباما‬ ‫تنظران إلى‬ ‫حزب العدالة‬ ‫والتنمية‬ ‫تجسيدا لنموذج‬ ‫«اإلسالم‬ ‫املعتدل»‬ ‫ونموذجا‬ ‫يحتذى في‬ ‫الشرق األوسط‬

‫‪,,‬‬

‫‪14‬‬

‫على مدى عقد تقريبا‪ ،‬احتل إردوغان مكانة ال ينازعه فيها‬ ‫أحد فى السياسة التركية‪ .‬حصل حزبه على أغلبية املقاعد في‬ ‫البرملان لثالث مرات‪ ،‬وفى كل مرة يحقق نسبة تصويت شعبى‬ ‫أكبر من االنتخابات السابقة‪ .‬تحت وصاية إردوغان حقق االقتصاد‬ ‫التركي صعودا وارتفع معدل دخل الفرد إلى نحو ثالثة أضعاف من عام‬ ‫‪ ،2002‬وهو العام الذي فاز فيه حزب العدالة والتنمية في أول انتخابات‬ ‫له‪ ،‬إلى عام ‪ .2012‬وكما أظهرت استطالعات تلو أخرى‪ ،‬أصبح إردوغان‬ ‫أكثر زعيم يحظى بشعبية ليس فقط في تركيا ولكن في جميع أنحاء‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬بدا أن إردوغان مقرب من الغرب وخاصة الواليات‬ ‫ُ‬ ‫املتحدة‪ ،‬حيث اعتبر حزبه العدالة والتنمية تجسيدا لنموذج «اإلسالم‬ ‫املعتدل» الذي كانت إدارتا بوش وأوباما تأمالن في أن يكون نموذجا‬ ‫يحتذى به في الشرق األوسط ككل وأن يكسب والء معظم من كانوا‬ ‫سيتجهون إلى التطرف‪ .‬اشتهرت صداقة إردوغان مع الرئيس أوباما‬ ‫على وجه خاص – إذ وصف الرئيس أوباما إردوغان كواحد من خمسة‬ ‫زعماء في العالم يشتركون معه في «رابطة صداقة وثيقة» – وأيا كانت‬ ‫حقيقة هذه الصداقة املعروفة على نطاق واسع‪ ،‬يبدو من خالل تكرار‬ ‫االتصاالت الهاتفية بينهما أنهما عمال شخصيا في العديد من القضايا‬ ‫معا وأن الرئيس أوباما يقدر كثيرا نصيحة إردوغان فيما يتعلق‬ ‫بشؤون الشرق األوسط‪ ،‬على األقل في الفترة األولى من «الربيع العربي»‪.‬‬ ‫ولكن تتضاءل جميع هذه اإلنجازات مجتمعة أمام ما يعتبر بسهولة‬ ‫أكبر إنجاز يحققه إردوغان‪ :‬انتزاع سلطة الدولة التركية من الجيش‬ ‫التركي الذي كان يملك جميع السلطات في املاضي وتحقيق سيادة‬ ‫مدنية ألول مرة منذ إقامة الجمهورية التركية في عام ‪ .1923‬وقد حدث‬ ‫ذلك دون إطالق رصاصة واحدة‪ .‬وصف أحد وزراء حكومة إردوغان‬ ‫بجدارة هذا اإلنجاز بـ«الثورة الصامتة»‪ .‬في املجمل‪ ،‬بدا أن إلردوغان‬ ‫ملسة السياسية يحسده عليها أي سياسي في أي مكان‪.‬‬ ‫ولكن في عام ‪ ،2013‬تعرض إردوغان لعثرة كبيرة بسبب السرعة‪.‬‬ ‫تعرض لسلسلة غير مسبوقة من االنتكاسات بدأت بالسياسة‬ ‫الخارجية‪ .‬أوال‪ ،‬أصبح من الواضح جدا أن إردوغان ال يستطيع فعل‬ ‫شيء لتعزيز املوقف الذي اتخذه منذ فترة طويلة بمطالبة األسد‬ ‫بالتنحي‪ .‬في شهر مايو (أيار)‪ ،‬ورد أنه أجرى اجتماعا عصيبا في‬ ‫واشنطن مع الرئيس أوباما تردد أن أوباما طالب فيه تركيا ببذل املزيد‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫من أجل منع الجهاديني من استغالل األراضي التركية للعبور إلى داخل‬ ‫سوريا‪ .‬يبدو أن العالقة الوثيقة مع أوباما لم تعد إلى سابق عهدها؛ في‬ ‫املرة األخيرة التي وردت أنباء عن إجراء اتصال هاتفي بني الرجلني‪ ،‬في‬ ‫أغسطس (آب)‪ ،‬أوضح بيان البيت األبيض أن «رئيس الوزراء (التركي)‬ ‫بادر» بالحديث‪.‬‬ ‫في يوليو (تموز)‪ ،‬خسر إردوغان أقرب حلفائه في املنطقة‪ ،‬عندما‬ ‫تمت اإلطاحة بمحمد مرسي على يد الجيش املصري‪ .‬تسبب رد فعل‬ ‫إردوغان الغاضب على هذا الحدث في قطع العالقات بني أكبر دولتني‬ ‫حليفتني للغرب في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ولكن حدث أصعب تطورين في انتظار إردوغان في عام ‪ 2013‬على‬ ‫الجبهة الداخلية‪ .‬وقع التطور األول في يونيو (حزيران) بعد أن عاد‬ ‫إردوغان من جولته غير املرضية إلى واشنطن‪ .‬اجتذبت مظاهرة‬ ‫صغيرة مدافعة عن البيئة في إسطنبول – كانت تركز على منتزه‬ ‫جيزي الذي قررت الحكومة هدمه في إسطنبول – فجأة عشرات‬ ‫اآلالف من املتظاهرين حول البالد بعد أن أفرطت الشرطة في التعامل‬ ‫مع االحتجاجات بالضرب والغاز املسيل للدموع‪ .‬وبدال من أن يسعى‬ ‫إردوغان ذاته إلى تهدئة املوقف‪ ،‬زاد من سوئه بإدانته للمتظاهرين‬ ‫بلغة قاسية وثنائه على الشرطة دون حق‪ .‬تسبب ذلك في إصابة كثير‬ ‫من مؤيديه بارتباك‪ .‬وأصبح من الواضح أن شعور إردوغان بأن معه‬ ‫«األغلبية» (فزنا في االنتخابات ويمكننا أن نفعل ما نريد) يمثل مشكلة‬ ‫كبيرة بالنسبة للمتظاهرين‪.‬‬ ‫ولكن كان أسوأ جانب في أزمة منتزه جيزي بالنسبة إلردوغان هو‬ ‫حقيقة أن املظاهرات كشفت بوضوح أمام العالم القيود املفروضة على‬ ‫حرية الصحافة في تركيا وأزاحت إلى الظل «النموذج التركي» الذائع‬ ‫الذي كان من املفترض أن يؤثر على آخرين في الشرق األوسط‪ .‬عرضت‬ ‫قناة «سي إن إن» الدولية مشاهد للشرطة التركية وهي تضرب وتلقي‬ ‫بقنابل الغاز على املتظاهرين األتراك في ميدان تقسيم الشهير في‬ ‫إسطنبول‪ ،‬بالقرب من منتزه جيزي‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬كانت قناة «سي‬ ‫إن إن» التركية‪ ،‬تذيع فيلما تسجيليا عن حيوان الباندا‪ .‬لم يكن مفاجئا‬ ‫أن الصورة انتشرت عبر اإلنترنت واعتبرت بيانا لحالة حرية اإلعالم‬ ‫التركية‪.‬‬ ‫ولكن لم يأت األسوأ بعد‪ .‬في ‪ 17‬ديسمبر (كانون األول) املاضي‪ ،‬استيقظ‬


‫تقرع أجراس الكنائس كل عام وتتوقف القطارات في املحطات والحركة في‬ ‫املدينة ملدة دقيقة واحدة‪.‬‬ ‫أما سور النمسا «الرنغستراش» فقد تحول منذ أن أعلنت اإلمبراطورية‬ ‫النمساوية سنة ‪ 1865‬فتح التحصينات العسكرية املحيطة بفيينا القديمة‬ ‫لغايات مدنية‪ ،‬إلى «البولفار الدائري» الذي يضم أهم معالم املدينة‪ .‬وقد‬ ‫بنيت على أنقاضه كنيسة «النذور» لتجسد تالحم النمساويني ووطنيتهم‪،‬‬ ‫كما بنيت املباني العامة‪ :‬البرملان‪ ،‬القصر البلدي‪ ،‬الجامعة واملسرح واملتحف‬ ‫واألوبرا والفنادق الفخمة للداللة على انعتاق اإلمبراطورية من خوفها‬ ‫التاريخي وانفتاحها على العالم الجديد «كما تحول (الرنغستراش) إلى‬ ‫نقطة التقاء وتخالط اجتماعي ونفسي بني مختلف الطبقات واألجناس»‪،‬‬ ‫بحسب الدكتور سلمان قعفراني «أزمة االنتماء اليهودي ‪ -‬فيينا ‪»1900‬‬ ‫الصادر عن «دار املناهل»‪.‬‬ ‫بدوره «سور الصني» الذي يعد أطول بناء في التاريخ على اإلطالق‪ ،‬ويمتد‬ ‫على مساحة ‪ 50‬ألف كم‪ ،‬أصبح واحدا من أبرز املعالم السياحية في‬ ‫الشرق األقصى‪ ،‬يزوره نحو ‪ 14‬مليون سائح سنويا من الصني وبالد‬ ‫أخرى‪ .‬ويقوم املؤرخون بدراسة الكتابات واألشياء التي يعثر عليها في‬ ‫تحصيناته أو مقابره على طول البناء‪ .‬كما يقوم العلماء بدراسة الزالزل‬ ‫عن طريق اختبار أجزاء من السور تأثرت بتحركات سطح األرض‪ .‬لقد‬ ‫بنى الصينيون السور لحماية حدودهم الشمالية من الغزاة‪ ،‬ولطاملا حمى‬ ‫السور الصينيني من الهجمات الصغيرة‪ ،‬إال أنه لم يقدم سوى دفاع بسيط‬ ‫ضد الغزو األكبر‪ ،‬عندما اجتاحت قوات القائد املغولي جنكيز خان السور‬ ‫في أوائل القرن ‪ 12‬امليالدي‪ ،‬واحتلت الكثير من األراضي الصينية‪ .‬وقد‬ ‫دمرت أجزاء كبيرة من السور عبر القرون‪ ،‬لكن الشيوعيني الصينيني‬ ‫أعادوا بناء بعضها‪ ،‬عندما بدأوا بحكم البالد سنة ‪.1949‬‬ ‫وفي الوقت الذي سقطت فيه أضخم الجدران في العالم‪ ،‬ال تزال جدران‬ ‫أخرى منتصبة في محاولة ملواجهة التاريخ‪ ،‬ومن بينها جدار الفصل‬

‫العنصري في فلسطني املحتلة‪ ،‬الذي يضم أكبر قدر ممكن من األراضي‬ ‫وأقل قدر ممكن من العرب‪ ،‬وهو عبارة عن جدار طويل بنته إسرائيل‬ ‫في الضفة الغربية قرب الخط األخضر في عام ‪ .2006‬يضم الجدار ‪65‬‬ ‫بوابة للتنقل إلى أجزاء الضفة الغربية املعزولة‪ ،‬منها ‪ 38‬بوابة فقط صالحة‬ ‫الستخدام السكان الفلسطينيني‪ .‬وتشير دراسة أعدتها جمعية القدس‬ ‫للبحوث والدراسات في غزة في عام ‪ 2010‬تحت عنوان «الدوافع واآلثار‬ ‫السياسية»‪ ،‬إلى أن الجدار أدى إلى عزل ‪ 97‬قرية وتجمعات سكانية‬ ‫كثيرة في الضفة الغربية وحدها‪ ،‬وأشارت إلى أن ‪ 3.2‬في املائة من األفراد‬ ‫الفلسطينيني في التجمعات التي تأثرت بالجدار تركوا التعليم بسبب‬ ‫الوضع األمني وجدار الضم والتوسع‪.‬‬ ‫وحشد جدار «الرام» شمال القدس‪ ،‬آالف الفنانني والشبان الفلسطينيني‪،‬‬ ‫الذين خطوا باألحرف العريضة على ثالثة آالف متر من الجدار‪ ،‬أطول‬ ‫رسالة باللغة اإلنجليزية وصل عدد كلماتها إلى ‪ 1998‬كلمة‪ ،‬رفضا إلبقاء‬ ‫الجدار كشاهد على التمييز العنصري واإلنساني‪ .‬وعلى الجانبني بني‬ ‫لبنان وفلسطني املحتلة نشطت قبل مدة‪ ،‬أعمال بناء أحدث جدار عازل في‬ ‫العالم املعاصر‪ ،‬شيده الجيش اإلسرائيلي عند مستوطنة املطلة الشمالية‬ ‫املواجهة للقرى اللبنانية‪ ،‬وذلك بطول كيلومتر واحد تقريبا وارتفاع سبعة‬ ‫أمتار‪ .‬وتواجه قرية «بتير» املحاذية للقدس في الضفة الغربية املحتلة‪ ،‬التي‬ ‫يعيش فيها ستة آالف فلسطيني‪ ،‬تهديدا خطيرا آلثارها مع قرار حكومة‬ ‫االحتالل اإلسرائيلي استئناف بناء جدار الفصل العنصري‪ ،‬الذي سيدمر‬ ‫أجزاء من قنوات الري التاريخية التي تعود إلى العصر الروماني‪ ،‬أي قبل‬ ‫‪ 2000‬سنة‪.‬‬ ‫وفي السياق نفسه‪ ،‬بنت إسرائيل جدارا حدوديا مع مصر امتد حتى مدينة‬ ‫إيالت الجنوبية‪ ،‬وذلك إليقاف تسلل الالجئني األفارقة إلى إسرائيل عبر‬ ‫الحدود املصرية‪ .‬وقدرت إجمالي تكلفة املشروع بـ‪ 165‬مليون دوالر<‬ ‫* كاتبة وباحثة لبنانية‬

‫الجدار العازل في الضفة الغربية‬

‫‪,,‬‬

‫جدار برلني أو‬ ‫«جدار العار»‬ ‫هو األشهر‬ ‫على اإلطالق‪..‬‬ ‫فقد قسم‬ ‫املدينة إلى‬ ‫شطرين طوال‬ ‫‪ 28‬عاما وقتل‬ ‫حوله ‪136‬‬ ‫شخصا‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪13‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫جدران الفصل في األزمنة كافة‪ ،‬ارتبطت بدواعي تعزيز األمن والحماية ونفي الخوف والخطر‪ ،‬لكن لم تستطع‬ ‫هذه الجدران أن تعزل الدول‪ ،‬ولم ترد عدوانا أو تؤخر وقوع موت‪ ،‬وهي بقيت مغلقة نظريا‪ ،‬لكنها مخترقة‬ ‫دائما‪ ،‬خصوصا بعد أن تجاوزتها التكنولوجيا العابرة من كل الجهات‪.‬‬

‫انفصام في الجغرافيا‪ ..‬وواجهة جديدة ألشكال الفنون والتعبير‬

‫جدران الفصل العنصري‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ثناء عطوي *‬

‫‪,,‬‬

‫جدار «خط‬ ‫سالم» بلفاست‬ ‫في شمال‬ ‫آيرلندا شيد‬ ‫على ارتفاع‬ ‫ستة أمتار‬ ‫للفصل بني‬ ‫طائفتي‬ ‫الكاثوليك‬ ‫والبروتستانت‬ ‫من أجل حفظ‬ ‫السالم بينهما‬

‫‪,,‬‬

‫‪12‬‬

‫تفكير مزدوج‪ ،‬حياة مزدوجة‪ ،‬انفصام جغرافي‪ ،‬هذا ما تقوله لنا‬ ‫جدران الفصل العنصري حول العالم؛ جدران فرضتها الحروب‬ ‫والنزاعات‪ ،‬شاهدة على مسيرة التاريخ‪ ،‬عزلت الفضاءات‬ ‫املفتوحة على اآلخر‪ ،‬وأغلقت املدن على أصحابها في «غيتوات»‪ ،‬وأنتجت‬ ‫مجتمعات وعصبا قسرية‪ .‬هي جدران سياسية أو أمنية أو عنصرية ال‬ ‫فرق‪ ،‬تكشف عن طبيعة أنظمة الحكم‪ ،‬والظروف التي شيدت بسببها‪،‬‬ ‫والسنوات الحرجة التي عاشها أبناء الوطن الواحد‪ ،‬وقسوة اإلسمنت‬ ‫وسطوته‪.‬‬ ‫كان هدف جدران الفصل أينما أنشأت االستمرار‪ ،‬لكن هذه الجدران‬ ‫سقطت‪ ،‬واستمر بعضها بوظائف جديدة‪ ،‬تدخل في سياق استعادي‬ ‫لرؤية الذات‪ ،‬عبر االرتداد إلى التاريخ‪ ،‬كمن يقف أمام صورته ويراجعها‪.‬‬ ‫أصبح الكثير من هذه الجدران متحفيا‪ ،‬يلهم الفنانني والكتاب واملثقفني‪،‬‬ ‫لكنه في الجانب اآلخر من العالم‪ ،‬ال يزال يؤدي الدور نفسه‪ ،‬ال سيما في‬ ‫فلسطني‪ ،‬التي تجاوز فيها عدد الجدران الداخلية والحدودية سبعة جدران‪.‬‬ ‫جدران الفصل في األزمنة كافة‪ ،‬ارتبطت بدواعي تعزيز األمن والحماية‬ ‫ونفي الخوف والخطر‪ ،‬لكن على الرغم من ذلك‪ ،‬لم تستطع هذه الجدران أن‬ ‫تعزل الدول‪ ،‬ولم ترد عدوانا أو تؤخر وقوع موت‪ ،‬وهي بقيت مغلقة نظريا‪،‬‬ ‫لكنها مخترقة دائما‪ ،‬خصوصا بعد أن تجاوزتها التكنولوجيا العابرة‬ ‫من كل الجهات‪.‬‬

‫جدران‪ ..‬وأسماء‬ ‫كثيرة هي معالم الفصل التي قرأنا عنها‪ ،‬لكن جدار برلني أو «جدار العار»‬ ‫هو األشهر على اإلطالق‪ .‬فقد قسم املدينة إلى شطرين‪ ،‬طوال ‪ 28‬عاما‪،‬‬ ‫وقتل حوله ‪ 136‬شخصا‪ ،‬وكان أحد األماكن األكثر حراسة في العالم‪ .‬بلغ‬ ‫طول الجدار ‪ 106‬كيلومترات وضم ‪ 300‬مركز للمراقبة و‪ 22‬مخبأ‪ ،‬وهو‬ ‫قطع ‪ 97‬شارعا في املدينة وستة أفرع ملترو األنفاق وعشرة أحياء سكنية‪.‬‬ ‫وقد بلغت حينها تكلفة عملية إنشاء الجدار ‪ 150‬مليون دوالر‪ ،‬وكان‬ ‫الجدار عبارة عن سور مصنوع من الخرسانة املسلحة املحيطة باألسالك‬ ‫الشائكة‪ ،‬التي يمر عبرها التيار الكهربائي‪.‬‬ ‫اتخذت جدران الفصل عبر التاريخ أسماء مختلفة‪ ،‬ارتبطت بجغرافيا‬ ‫سياسية وقضايا وآيديولوجيات عدة‪ .‬ففي ظل احتدام الحرب الباردة‪ ،‬ما‬ ‫بني املعسكر الغربي بقيادة أميركا والشرقي بقيادة االتحاد السوفياتي‪،‬‬ ‫أطلقت الدعاية األملانية الشرقية على جدار برلني‪ ،‬اسم جدار «مناهضة‬ ‫الفاشية»‪ .‬وفي الضفة الغربية أطلق الفلسطينيون على الجدار الذي‬ ‫يفصلهم عن مدنهم املحتلة اسم جدار «الفصل العنصري»‪ .‬أما سور‬ ‫الصني الذي شارك في بنائه ‪ 500‬ألف شخص‪ ،‬كان وال يزال «السور‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫العظيم»‪ .‬وبقي سور فيينا «الرنغستراش» أو البولفار الدائري على حاله‬ ‫حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫وهناك جدار «خط سالم» بلفاست في شمال آيرلندا‪ ،‬الذي شيد على‬ ‫ارتفاع ستة أمتار للفصل بني طائفتي الكاثوليك والبروتستانت‪ ،‬من‬ ‫أجل حفظ السالم بينهما‪ .‬وأقيم هذا الجدار بادئ األمر كحل مؤقت بني‬ ‫الطرفني‪ ،‬لكنه مع مرور الوقت‪ ،‬أصبح حال دائما وازداد طوال واتساعا‪.‬‬ ‫وقبل سنوات‪ ،‬اقترح البعض هدمه‪ ،‬لكن االقتراح قوبل بالرفض من قبل‬ ‫سكان املنطقة املحيطة بالسور‪.‬‬ ‫في قبرص‪ ،‬كان «الخط األخضر» هو عبارة عن براميل نفط كبيرة وملونة‪،‬‬ ‫استخدمت كجدار فاصل في عام ‪ 1964‬في وسط مدينة نيقوسيا‪ ،‬وقسم‬ ‫جزيرة قبرص إلى قسمني‪ :‬شمالي وجنوبي‪ .‬أما جدار لينينبراغ في‬ ‫جمهورية التشيك‪ ،‬فقد حوله الشباب في الثمانينات إلى منبر ألصوات‬ ‫املعارضة‪ ،‬يعبرون من خالل الكتابة والرسم عليه‪ ،‬عن رفضهم لنظام‬ ‫رئيس سلوفاكيا آنذاك الشيوعي‪ ،‬غوستاك هوساك‪ ،‬بعدها تحول السور‬ ‫إلى رمز سياسي‪ .‬وفي عام ‪ 1989‬أعيد السور إلى جنود مالطة كجزء من‬ ‫صفقة كبيرة‪ ،‬ثم أعيد طالء السور عام ‪ 1998‬ونفذ أحد الفنانني رسوما‬ ‫عليه تعبر عن التسامح‪.‬‬

‫ذاكرة اإلسمنت !‬ ‫الجدران التي وقفت في مواجهة التاريخ لسنوات طويلة‪ ،‬تجاوز معظمها‬ ‫قيود املاضي‪ .‬فجدار برلني الذي بني سنة ‪ 1961‬عقب الحرب العاملية‬ ‫الثانية وبقي حتى سنة ‪ ،1989‬يلهم الفنانني حول العالم‪ ،‬ويستقطب الزوار‬ ‫من مختلف بقاع األرض بعد نصف قرن‪ .‬وبمحاذاة جدار برلني‪ ،‬شيدت‬ ‫فنانة من مقدونيا جدارا جديدا يرمز إلى الفصل ما بني األغنياء والفقراء‪.‬‬ ‫وأطلقت عليه اسم «جدار السالم»‪.‬‬ ‫ويبلغ طول الجدار ‪ 12‬مترا وارتفاعه خمسة أمتار‪ ،‬وهو يقسم شارع‬ ‫«فردريشتراسيه» الواقع قرب نقطة تفتيش «تشارلي» الشهيرة إبان الحرب‬ ‫الباردة‪ ،‬ويظهر الفجوة بني الجزء الشمالي من هذا الشارع املميز بمتاجره‬ ‫الفاخرة وشققه‪ ،‬والجزء الجنوبي الفقير املؤدي إلى ضاحية «كروزبيرغ»‬ ‫املتعددة العرقيات‪ .‬في عام ‪ 2010‬زار موقع الجدار أكثر من ‪ 500‬ألف‬ ‫سائح‪ ،‬ويحرص الزوار على الكتابة على الجدران من أجل ترك بصماتهم‬ ‫على التاريخ‪ .‬كما تقام أنشطة ومعارض فنية‪ ،‬كان آخرها مشاركة ‪117‬‬ ‫فنانا من ‪ 21‬بلدا تجمعوا في برلني في عام ‪ 2009‬للرسم على مساحة‬ ‫‪ 1.3‬كيلومتر من اإلسمنت‪ ،‬الذي كان في وقت سابق يشكل جدار برلني‬ ‫املمتد خارج حدود أملانيا الشيوعية على الجانب الشرقي من دولة أملانيا‪.‬‬ ‫وحتى يومنا هذا‪ ،‬ال تمر ذكرى هدم جدار برلني من دون احتفاء‪ ،‬حيث‬


‫واسع النطاق لوجود «تردد غربي» في عالم بال قطبية‪.‬‬

‫توازن القوى في الشرق األوسط‬ ‫وفي هذا السياق فإن فرنسا تدرك تماما توازن القوى‬ ‫في الشرق األوسط وترغب في حماية مصالحها‪ ،‬وتدارك‬ ‫مخاطر هذا الوضع الناشئ عن انهيار القوى الفاعلة في‬ ‫اإلقليم‪ ،‬وتدافع القوى اإلقليمية والدولية األخرى‪ ،‬غير الغربية‪،‬‬ ‫ملحاولة ملء هذا الفراغ‪ ،‬وأصبحت فرنسا أكثر الدول الغربية‬ ‫تشددا في األمور املتعلقة بالشرق األوسط واملناطق املجاورة‬ ‫لها‪ .‬إذ سعت فرنسا من أجل التدخل في ليبيا‪ ،‬وغزت مالي‪،‬‬ ‫وكانت األكثر حماسا لشن ضربات عسكرية لنظام بشار‬ ‫األسد‪.‬‬ ‫وكانت فرنسا متشددة في التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج‬ ‫إيران النووي‪ ،‬حيث تمكنت من إقناع الدول الغربية والواليات‬ ‫املتحدة بضرورة الحصول على مزيد من التنازالت من‬ ‫طهران قبل التوقيع على أي اتفاق‪ ،‬وتلتزم فرنسا بسياسة‬ ‫دعم وحماية إسرائيل‪ ،‬فضال عن عالقاتها الوثيقة مع‬

‫اململكة العربية السعودية ودول الخليج‪ ،‬على النحو الذي‬ ‫عكسته زيارة الرئيس هوالند إلى الرياض مؤخرا‪.‬‬ ‫لكن يبقى الطموح الفرنسي للعب دور كبير في الشرق‬ ‫األوسط موضع تساؤل وتشكيك‪ ،‬فاملالحظ أن فرنسا بدأت‬ ‫في اتخاذ مواقف متشددة غير معتادة على الساحة الدولية‬ ‫في الوقت الذي يضعف فيه نفوذها أوروبيا لصالح أملانيا‬ ‫وعامليا لصالح الصني والهند والبرازيل‪ ،‬ويعاني جيشها من‬ ‫خفض في ميزانيته‪.‬‬ ‫على خلفية أزمتها املالية واالقتصادية بسبب تباطؤ النمو‬ ‫وارتفاع معدالت البطالة (تجاوزت ‪ 10‬في املائة)‪ ،‬وتزايد اإلنفاق‬ ‫الحكومي لنحو ‪ 57‬في املائة من الناتج املحلي اإلجمالي‪،‬‬ ‫ومن ناحية ثانية فإن شعبية الرئيس هوالند تراجعت خالل‬ ‫نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي ثالث نقاط مئوية لتستقر‬ ‫عند نسبة ‪ 20‬في املائة‪ ،‬في أدنى مستوى لرئيس فرنسي‬ ‫منذ تأسيس الجمهورية الخامسة في عام ‪ ،1958‬ومن ناحية‬ ‫ثالثة‪ ،‬فإن الواليات املتحدة لن تنسحب من الشرق األوسط‪،‬‬ ‫كما أن النزعات االنعزالية بها مغالى فيها <‬

‫وزير الخارجية الفرنسي لوران‬ ‫فابيوس في قصر االليزيه في باريس‬ ‫قبل اجتماع مع الرئيس الفرنسي‬ ‫فرانسوا أوالند‪ 16( -‬يناير ‪)2014‬‬

‫‪,,‬‬

‫الطموح الفرنسي‬ ‫للعب دور كبير‬ ‫في الشرق األوسط‬ ‫موضع تساؤل‬ ‫وتشكيك‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪11‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫السياسة مثل الفيزياء تكره الفراغ‪ ،‬فكلما غابت أو ضعفت قوة أو طاقة دولة أو إمبراطورية ما‪ ،‬أو أحجمت عن‬ ‫ أو ترددت في ‪ -‬القيام بمسؤولياتها أو فرطت في أدوارها‪ ،‬سعت قوى أو دول أخرى مللء هذا الفراغ والقيام‬‫ُ‬ ‫بهذا الدور وتحمل تلك املسؤولية‪ ،‬وفي كل األحوال فإن األدوار ال تفقد بالسرقة واالستالب‪ ،‬بل بالعجز‬ ‫والتفريط‪ ،‬وكذلك فإن األدوار ال يقوم بها إال من هو راغب فيها وقادر عليها‪ ،‬وكالهما مشروط باإلرادة‬ ‫والقدرة‪ ،‬وإال تحولت اآلمال والطموحات إلى شعارات وادعاءات جوفاء ال تغني وال تسمن من جوع في عالم‬ ‫تسوده حقائق القوة العارية واملصالح املجردة واألنانية املفرطة‪.‬‬

‫بعد التراجع األميركي‪ ..‬سياسة فرنسية جديدة في الشرق األوسط‬

‫فراغ اسرتاتيجي‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫املحرر السياسي‬

‫‪,,‬‬

‫يبدو أن الواليات‬ ‫املتحدة لم‬ ‫تعد ترغب في‬ ‫أن تستغرقها‬ ‫األزمات التي‬ ‫ال تتماشى مع‬ ‫رؤيتها الجديدة‬ ‫ملصالحها‬ ‫الوطنية‬

‫‪,,‬‬

‫‪10‬‬

‫في البداية قد تكون مثيرة لألسى والحزن حقيقة‬ ‫أن املنطقة العربية هي املهد واملنشأ التاريخي ملا‬ ‫ُيعرف بسياسة أو مبدأ «ملء الفراغ»‪ ،‬إذ كانت‬ ‫ساحته الرئيسة منذ مطلع القرن العشرين‪ ،‬حيث عمدت إلى‬ ‫تطبيقه دول إقليمية وغربية بطرق ووسائل مختلفة‪ ،‬وكأن‬ ‫املنطقة العربية أرض مشاع تتوارثها الدول الكبرى طمعا‬ ‫في موقعها ونهبا لثرواتها‪ ،‬إذ بعد انهيار اإلمبراطورية‬ ‫العثمانية‪ ،‬بسبب هزيمتها في الحرب العاملية األولى (‪- 1914‬‬ ‫‪ ،)1918‬جاء البريطانيون والفرنسيون مللء الفراغ الذي تركه‬ ‫العثمانيون الذين سيطروا على املنطقة لنحو ثالثة قرون‪،‬‬ ‫وبعد نهاية الحرب العاملية الثانية عام ‪.1945‬‬

‫اإلمبراطوريات األوروبية‬

‫وبالوكالة‪ ،‬بني مصالح واستراتيجيات مشبوهة يتشابك‬ ‫فيها اإلقليمي مع الدولي‪ .‬فالعراق مفكك‪ ،‬وسوريا محطمة‪،‬‬ ‫ومصر منكفئة‪ ،‬والخليج مطمع مكشوف‪ ،‬وفي الجوار‬ ‫اإلقليمي قوى‪ :‬صعبة وجامحة (إيران) وأخرى متوثبة‬ ‫ومهددة (إسرائيل) وثالثة طامحة وطامعة (تركيا)‪ ،‬وقوى‬ ‫دولية متحفزة (الصني والهند) وأخرى عائدة (روسيا)‪،‬‬ ‫وقبل كل هذا قوة أو إمبراطورية أميركية‪ ،‬عاجزة أو منسحبة‬ ‫أو متراجعة‪.‬‬ ‫فبعد عقد من الحروب التي شنها الرئيس األميركي السابق‬ ‫جورج بوش في أفغانستان والعراق‪ ،‬تبنى خلفه باراك أوباما‬ ‫سياسة مختلفة تقوم على سحب القوات األميركية منهما‪،‬‬ ‫وتحويل االهتمام إلى آسيا والباسيفيك‪.‬‬

‫وبداية غروب شمس اإلمبراطوريات األوروبية القديمة هيئة تخطيط السياسات الفرنسية‬

‫(البريطانية والفرنسية)‪ ،‬خاصة بعد العدوان الثالثي على‬ ‫مصر في خريف عام ‪ ،1956‬بدأت الواليات املتحدة تطل‬ ‫برأسها مللء الفراغ في املنطقة من خالل ما ُعرف بـ «مبدأ‬ ‫أيزنهاور»‪ ،‬لحماية املصالح الغربية فيها‪ ،‬خاصة النفط‪ ،‬في‬ ‫مواجهة ما سماه التهديدات الشيوعية من جانب االتحاد‬ ‫السوفياتي السابق والقوى الراديكالية الحليفة له في‬ ‫املنطقة‪ ،‬ورغم أن مبدأ أيزنهاور انهار نتيجة مقاومة شرسة‬ ‫خاضتها مصر الناصرية‪ ،‬فإن املنطقة ظلت في بؤرة‬ ‫اهتمام الدول الغربية‪ ،‬فأقيمت تحالفات وأبرمت اتفاقات‪،‬‬ ‫وكانت كلها على حساب العرب وموقعهم وحقوقهم‪ ،‬فهم‬ ‫لم يستطيعوا حماية أمنهم بأنفسهم أو ردع خصومهم‪،‬‬ ‫بسبب ضعفهم وانقسامهم وقلة حيلتهم‪ ،‬ومن ثم كان‬ ‫رهانهم على اآلخرين في توفير أمنهم وحمايتهم من‬ ‫خصومهم‪.‬‬ ‫واآلن يتكرر املشهد‪ ،‬وصارت املنطقة ساحة «فراغ‬ ‫استراتيجي» هائل‪ ،‬خاصة بعد اندالع ما يسمى «ثورات‬ ‫الربيع» العربي‪ ،‬وتحولت املنطقة إلى ساحة صراع ضارية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫وفي خطاب ألقاه وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس‬ ‫في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي بمناسبة‬ ‫االحتفال بالذكرى األربعني لتشكيل هيئة تخطيط‬ ‫السياسات الفرنسية‪ ،‬أكد هذا االتجاه املتصور‪ ،‬قائال «يبدو‬ ‫أن الواليات املتحدة لم تعد ترغب في أن تستغرقها األزمات‬ ‫التي ال تتماشى مع رؤيتها الجديدة ملصالحها الوطنية»‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أن هذا يوضح «عدم الرد بضربات عسكرية‬ ‫على استخدام نظام دمشق لألسلحة الكيماوية (في ‪21‬‬ ‫أغسطس‪ /‬آب‪ ،‬املاضي)‪ ،‬حتى لو كان يمثل خطوطا حمراء‬ ‫في العام السابق»‪.‬‬ ‫وواصل القول بأنه من املرجح أن هذا التغير األميركي‬ ‫سيكون «مستمرا»‪ ،‬وهو يعكس «الصدمة الثقيلة من‬ ‫التدخالت في العراق وأفغانستان» و«امليل االنعزالي» الحالي‬ ‫لدى الرأي العام األميركي‪ .‬ونظرا ألنه ال توجد قوة تستطيع‬ ‫أن تحل محل الواليات املتحدة‪ ،‬فإن فابيوس يرى أنه «يمكن‬ ‫أن ينشأ فراغ استراتيجي في الشرق األوسط» مع إدراك‬


‫كارثة حزب الله في سوريا أيضا‪ ،‬حيث تستقبل جميع القرى الشيعية‬ ‫تقريبا بصفة يومية أحد أبنائها عائدا من سوريا في كفن‪ .‬األكثر من‬ ‫ذلك أن الشيعة اآلن يعيشون تحت تهديد الهجمات االنتقامية من بعض‬ ‫الجماعات التي تعمل في سوريا‪ .‬وبالفعل تعرضت ضواحي بيروت‬ ‫الجنوبية لعمليات تفجير سيارات مفخخة مما نشر الخوف والقلق بني‬ ‫السكان املدنيني‪.‬‬ ‫يضيف هذا املناخ املتوتر إلى املشاكل التي ألحقها حزب الله باملجتمع‬ ‫الشيعي‪ ،‬والذي تسبب الحزب عن عمد في تحويله إلى غيتو‪ .‬يتحدث‬ ‫بعض السكان أيضا عن انتشار مشكلة املخدرات داخل املجتمع‪ .‬في‬ ‫مفارقة‪ ،‬كان الحزب ذاته منخرطا بقوة في صناعة املخدرات وخاصة‬ ‫توزيع أقراص كابتاغون‪.‬‬ ‫ألحق تأثير حزب الله السلبي على االقتصاد مزيدا من الضرر باملعاناة‬ ‫األمنية والسياسية واالجتماعية‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬تسبب زرع حزب‬ ‫الله لعمالء بني الشيعة املغتربني‪ ،‬وخاصة من يعملون في الخليج‪ ،‬في‬ ‫تعقيد إقامة العاملني املهاجرين وقدرتهم على إرسال حواالت مالية إلى‬ ‫بلدهم‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أدت تصرفات حزب الله في الخليج باإلضافة‬ ‫إلى تهديداته وخطابه التصعيدي ضد دول الخليج العربية إلى انحسار‬ ‫السياحة الوافدة من عرب الخليج التي يعتمد عليها لبنان‪.‬‬

‫غسل األموال‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬أصاب املشروع اإلجرامي العاملي الواسع‪ ،‬الذي يضطلع‬ ‫به حزب الله‪ ،‬العمود الفقري لالقتصاد اللبناني‪ :‬القطاع املصرفي‪ .‬وأبرز‬ ‫مثال على ذلك قضية املصرف الكندي اللبناني‪ .‬وعلى الرغم من أنه جرى‬ ‫التستر عليها فإن الضرر املحتمل أن يلحق باملصارف اللبنانية نتيجة‬ ‫عمليات غسل األموال التي يقوم بها حزب الله (وإيران)‪ ،‬مدمر‪ .‬نتيجة‬ ‫تورط الحزب في تجارة السالح واملخدرات وغسل العائدات عبر القطاع‬ ‫املصرفي ومكاتب الصرافة اكتسب لبنان لقب «آلة غسل األموال»‪ ،‬على‬ ‫حد تعبير ديفيد آشر خبير التمويل غير الشرعي‪ .‬يشير آشر أيضا‬ ‫إلى أن غسل حزب الله لألموال اخترق قطاع العقارات كما فعل مع القطاع‬ ‫املصرفي‪.‬‬ ‫في إيجاز‪ ،‬يمثل حزب الله كارثة بالنسبة للبنان‪ .‬وعلى األرجح ال يمكن‬ ‫استمرار الوضع الراهن الذي يتعايش فيه لبنان مع جماعة منحرفة‬ ‫منتشرة‪ .‬ولكن من املستحيل عمليا تصور حل سلمي لهذه املشكلة‪.‬‬ ‫كما كان متوقعا‪ ،‬ثبت خطأ فكرة أن السياسة سوف تحول الحزب إلى‬

‫قاسم السليماني‪ .‬في الواقع‪ ،‬قاد وزير الدفاع اإليراني الحالي قوات تدريب‬ ‫الحرس الثوري في لبنان في عام ‪ ،1982‬والتي نظمت ودربت حزب الله‪.‬‬ ‫بمعنى أن هناك استمرارية في النظام‪ ،‬الذي أصبح هو وحزب الله جزأين‬ ‫من شيء واحد‪ .‬حتى يحدث تغيير جوهري في تشكيل ومنظور النظام‬ ‫في طهران‪ ،‬ربما تكون جميع أفكار التوصل إلى حل سلمي في مشكلة‬ ‫حزب الله خياالت‪.‬‬

‫االعتدال‪ .‬وكذلك خطأ أجندة «اللبننة» كما يتضح في مشاركته الراهنة ذراع طائفية إليران في املنطقة‬

‫في الحرب السورية بأوامر من إيران‪ .‬وهنا تكمن قضية أخرى خطيرة‪:‬‬ ‫ال يملك حزب الله ذاته قرار نزع السالح‪ .‬إنه ميليشيا أقامتها ومولتها‬ ‫وأمدتها ودربتها دولة أخرى هي إيران‪ .‬وال توجد سابقة بأن قررت مثل‬ ‫هذه امليليشيا بمفردها نزع سالحها سلميا‪.‬‬ ‫يعتقد البعض أن إيران سوف تصل في النهاية إلى اتفاق مع القوى‬ ‫اإلقليمية األخرى‪ ،‬وتجبر الحزب على التغير‪ .‬ولكن يسيء هذا االعتقاد‬ ‫فهم دور حزب الله ومكانه في هيكل القوة في إيران‪ .‬عندما نرى إيران‬ ‫تنشر عالنية ميليشيات شيعية عراقية‪ ،‬وخاصة في سوريا‪ ،‬نعرف كيف‬ ‫تعد هذه الجماعات‪ ،‬التي تشبه حزب الله‪ ،‬أدوات ضرورية لصعود القوة‬ ‫اإليرانية في املنطقة‪ .‬بصورة أكثر تحديدا يعد حزب الله‪ ،‬جوهرة تاج‬ ‫أصول إيران في املنطقة‪ ،‬امتدادا لقوات الحرس الثوري اإلسالمي الذي‬ ‫أصبح اآلن بفضل حزب الله يملك قاعدة تطل على البحر املتوسط‪.‬‬ ‫على الرغم من الحديث عن حكومة معتدلة جديدة في إيران‪ ،‬تستقر‬ ‫القوة الحقيقية في يد خامنئي وقائد قوات القدس التابعة للحرس الثوري‬

‫ومع ذلك ال شك في أن حزب الله في أزمة‪ .‬بعيدا عن كشف حقيقته كذراع‬ ‫طائفية إليران في املنطقة‪ ،‬ألحقت الحرب في سوريا خسائر فادحة‬ ‫بالحزب‪ .‬في الوقت ذاته‪ ،‬انكمشت قدرته على املناورة في مواجهة إسرائيل‬ ‫بدرجة كبيرة‪ ،‬ومن املرجح أن تستمر قدرته في االنحسار وال سيما إذا‬ ‫أصبحت إيران نووية‪ .‬إذا أرادت إسرائيل تحمل مخالفات معينة قبل أن‬ ‫تمتلك إيران قدرة نووية‪ ،‬فسوف تتخلص من هذا الهامش بمجرد أن‬ ‫تحقق إيران تلك القدرة‪ .‬ليس من املرجح أن تتحمل إسرائيل أن يعمل فيلق‬ ‫أجنبي تابع إليران النووية املعادية بحرية وأن ينشئ جيشا على حدودها‪.‬‬ ‫معنى ذلك ارتفاع احتمالية اندالع حرب عنيفة‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬يمكن أن تكون‬ ‫هناك محاوالت لوضع أسس لعمليات الطوارئ في الفترة املقبلة‪ .‬قد يكون‬ ‫أفضل ما تفسر به املنحة السعودية إلى الجيش اللبناني أنها خطة طوارئ‬ ‫طويلة األجل‪ ،‬ربما إلعداد الجيش تدريجيا على التدخل إذا تعرض حزب‬ ‫الله لضربة كبرى‪ .‬ولكن ليس من املرجح أن تغير أي من هذه التصرفات‬ ‫الوضع الراهن كثيرا في املستقبل القريب‪ .‬في الوقت ذاته‪ ،‬قد يتسبب‬ ‫وجود حزب الله الغريب في إراقة مزيد من الدماء في لبنان <‬

‫وقفة احتجاجية ألنصار تيار املستقبل‬ ‫على ضوء الشموع في مدينة صيدا بجنوب‬ ‫لبنان في ذكرى رفيق الحريري‬ ‫(‪ 16‬يناير ‪)2014‬‬

‫‪,,‬‬

‫تسبب حزب‬ ‫الله في توتر‬ ‫العالقات‬ ‫الطائفية بعد‬ ‫اغتيال رفيق‬ ‫الحريري‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪09‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫في اليوم الذي قتل فيه والده‪ ،‬سئل راني شطح ابن الوزير اللبناني السابق محمد شطح‪ ،‬الذي اغتيل نهاية‬ ‫ديسمبر (كانون الثاني) املاضي؛ عما إذا كان ما زال يؤمن بمستقبل لبنان؟ وعلى الرغم من أن إجابته نابعة‬ ‫من حزن ال حدود له‪ ،‬فإنها كانت تعبر عن واقع مرير حيث قال‪« :‬بالنسبة لي لم يعد هناك مستقبل للبنان‪..‬‬ ‫كنا نكذب على أنفسنا منذ مدة طويلة‪ .‬ال مستقبل لهذا البلد في الوقت الحالي‪ .‬ربما بعد خمسني عاما أو‬ ‫أكثر‪ .‬ولكن ليس اآلن»‪.‬‬

‫لبنان والجماعة الشيعية‪ :‬مسؤولية حزب الله عن اغتيال شخصيات بارزة‬

‫اخليط الرفيع!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫طوني بدران‬

‫‪,,‬‬

‫قاد وزير‬ ‫الدفاع‬ ‫اإليراني‬ ‫الحالي‬ ‫قوات تدريب‬ ‫الحرس‬ ‫الثوري في‬ ‫لبنان في عام‬ ‫‪ 1982‬والتي‬ ‫نظمت ودربت‬ ‫حزب الله‬

‫‪,,‬‬

‫‪08‬‬

‫على الرغم من أن راني شطح لم يقلها بوضوح‪ ،‬ما يجعل‬ ‫املستقبل مظلما بالنسبة للبنان ‪ -‬بعيدا عن استمرار نظام األسد‬ ‫في الجوار ‪ -‬هو استمرار انحراف حزب الله‪ .‬ببساطة لم يعد من‬ ‫املمكن تحمل العالقة التبادلية بني لبنان وحزب الله‪ .‬في النهاية‪ ،‬يستطيع‬ ‫واحد منهما فقط البقاء‪ .‬ونظرا لطبيعة ووظيفة حزب الله‪ ،‬ليس واضحا‬ ‫على اإلطالق أنه يمكن تحقيق ذلك من خالل حل سلمي‪.‬‬

‫حزب الله بعد دخوله البرملان‬ ‫على مدار سنوات عديدة قدم مراقبون وواضعو السياسات نظريات‬ ‫عدة تهدف إلى إيجاد حل سلمي لهذه العالقة املتناقضة بني الدولة‬ ‫والجماعة الشيعية‪ .‬منذ دخول حزب الله إلى الحياة البرملانية السياسية‬ ‫في التسعينات‪ ،‬دفع كثيرون بأن الحزب «يتطور»‪ ،‬ويتحرك تدريجيا‬ ‫نحو التخلي عن التزاماته اإلقليمية‪ ،‬وأنه يتحول تدريجيا إلى «اللبننة»‬ ‫ويستعد ملرحلة «الحياة بعد املقاومة»‪ ،‬كما أشار أحد املحللني في عام‬ ‫‪ .1998‬وبالطبع كما كان متوقعا أثبتت هذه النظريات خطأها‪ ،‬حيث أساء‬ ‫املدافعون عنها فهم طبيعة الحزب ووظيفته اإلقليمية في األساس‪ .‬وفي‬ ‫مفارقة‪ ،‬تجاهل توقعهم بتحرك الحزب تجاه اللبننة بناء على مشاركته‬ ‫في الحياة السياسية املحلية حقيقة أن الحزب اتخذ هذه الخطوة فقط بعد‬ ‫موافقة رسمية من املرشد األعلى اإليراني علي خامنئي‪ .‬بمعنى أن قادة‬ ‫الحزب دائما ما يقولون إنهم ملتزمون بمبدأ والية الفقيه الذي يعني أن‬ ‫خامنئي هو املرجعية النهائية لجميع القرارات االستراتيجية‪.‬‬ ‫لم يكن انخراط الحزب في السياسة الداخلية‪ ،‬وخاصة مشاركته في‬ ‫مجلس الوزراء منذ عام ‪ ،2006‬متعلقا باالندماج في الدولة اللبنانية‪ .‬ولكنه‬ ‫تعلق بإخضاع الدولة لتفضيالت حزب الله وأجندته اإلقليمية‪ ،‬التي يجري‬ ‫تحديدها في طهران‪ .‬أوضح نعيم قاسم‪ ،‬نائب األمني العام للحزب هذه‬ ‫الرؤية في مقال نشر عام ‪ 2007‬تحت عنوان «كيف ينخرط باقي املجتمع‬ ‫في املقاومة؟»‪ .‬كانت وال زالت نية حزب الله هي الحفاظ على مكانته‬ ‫كجماعة مسلحة مستقلة‪ ،‬مع ضمان أن دولة لبنان وخصوم الحزب في‬ ‫الداخل ال يستطيعان اتخاذ خطوات في سبيل التعدي على هذه املكانة‪.‬‬ ‫كانت النتيجة األولى لهذا الترتيب املستحيل اندالع حرب عام ‪ 2006‬مع‬ ‫إسرائيل‪ .‬بلغت أهمية هذه الحرب في تقديم عقيدة جديدة لدى الجيش‬ ‫اإلسرائيلي تتضمن الرد املدمر على استفزازات حزب الله‪ ،‬وتحميل الدولة‬ ‫ككل املسؤولية‪ ،‬حيث أصبح الحزب في ذلك الوقت جزءا من الحكومة‪،‬‬ ‫وأصبح ملمارساته غطاء رسمي‪ .‬بعد انتهاء الحرب انتشر حزب الله‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫بتوسع في جميع أنحاء لبنان‪ ،‬مما يعني بدوره أن الحريق املقبل مع‬ ‫إسرائيل قد يسفر عن دمار واسع يشمل البالد‪.‬‬ ‫وبالفعل تجعل عقيدة حزب الله بتحقيق التداخل بني «الجيش والشعب‬ ‫واملقاومة»‪ ،‬والتي فرضها على الحكومة اللبنانية‪ ،‬من الجيش والشعب‬ ‫اللبنانيني متورطني في حروب حزب الله وإرهابه في الخارج‪ .‬يتضح هذا‬ ‫التوريط للبنان ومؤسساته أيضا في اشتراك حزب الله في الحرب الدائرة‬ ‫في سوريا‪ ،‬وهي الحرب التي جلبها الحزب إلى البالد‪ .‬ولكن تتجاوز‬ ‫تداعيات مغامرة حزب الله في سوريا إثارة حوادث أمنية في بيروت‪ .‬بل‬ ‫تدفع بما تبقى من تماسك اجتماعي لبناني إلى نقطة االنهيار‪.‬‬

‫االقتصاد اللبناني‬ ‫تسبب حزب الله بالفعل في توتر العالقات الطائفية بشدة في مطلع عام‬ ‫‪ 2005‬بعد اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري‪ .‬وتصاعدت‬ ‫التوترات بعد الهجوم املسلح الذي شنه الحزب على الضواحي السنية في‬ ‫بيروت وجبل الدروز في عام ‪ .2008‬ودمر الكشف عن احتمالية تورط‬ ‫حزب الله في اغتيال الحريري‪ ،‬وما تاله من االشتباه في مسؤولية الحزب‬ ‫عن اغتيال شخصيات سياسية وأمنية سنية بارزة‪ ،‬الخيط الرفيع الذي‬ ‫كان يربط بني أطياف املجتمع‪.‬‬ ‫ألحق الدور الذي يقوم به حزب الله في سوريا مزيدا من الضرر بهذه‬ ‫العالقات‪ .‬وكان معنى تدخل حزب الله الكامل لدعم نظام األسد الحاجة‬ ‫إلى إحكام سيطرة حزب الله على الدولة ومؤسساتها‪ ،‬وبخاصة القوات‬ ‫املسلحة اللبنانية‪ .‬وفي ظل تصاعد التوترات الطائفية‪ ،‬بدأ حزب الله في‬ ‫االعتماد على القطاعات املتحالفة من الجيش الستهداف مناطق سنية‬ ‫محددة‪ .‬تضمنت هذه املناطق عرسال‪ ،‬التي تؤوي الجئني سوريني وتعد‬ ‫مالذا للدعم اللوجيستي للثوار السوريني‪ ،‬واملنطقة املحيطة بمعسكر‬ ‫عني الحلوة‪ ،‬الذي يضم فصائل متطرفة صغيرة‪ .‬ومما فاقم من سوء‬ ‫االستعانة االنتقائية بالجيش ‪ -‬الذي لم يستهدف في املقابل حزب الله‬ ‫مطلقا ‪ -‬هو االنتشار املتفرق لوحدات حزب الله إلى جانب الجيش في‬ ‫املناطق السنية‪ .‬أدى ذلك إلى تآكل خطير في الثقة في الجيش كمؤسسة‬ ‫محايدة في الدولة‪.‬‬ ‫ولكن لم يتوقف الشعور باآلثار الضارة لسياسات حزب الله االستقطابية‬ ‫عند املجتمعات السنية‪ .‬ال شك في أن من تحملوا ويالت مغامرة حزب الله‬ ‫غير املحسوبة في عام ‪ 2006‬كانوا من الشيعة‪ .‬وهم اآلن يدفعون ثمن‬


‫الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد‬ ‫آالن ماكوفسكي‪ :‬عضو لجنة الشؤون الخارجية‬ ‫والعالقات الدولية في الكونغرس األميركي‪،‬‬ ‫واملؤسس واملدير السابق ملعهد واشنطن لسياسة‬ ‫الشرق االدنى‪ .‬محاضر دولي‪ ،‬ومسؤول قضايا‬ ‫الشرق االوسط وتركيا بالخارجية االمريكية‬ ‫سابقا‪.‬‬ ‫تالي هلفونت‪ :‬مديرة برنامج الشرق األوسط‬ ‫بمعهد أبحاث السياسة الخارجية‪ .‬وتركز أبحاثها‬ ‫حاليا حول التوازن اإلقليمي للقوة في منطقة‬ ‫الشرق األوسط والسياسة األميركية املتعلقة بها‪.‬‬ ‫هلفونت هي مؤلفة دراسة معهد أبحاث السياسة‬ ‫الخارجية «الجهاد اإلسالمي الفلسطيني «‪-1988‬‬ ‫‪.»95‬‬ ‫جوزيف براودي‪ :‬كاتب ومحلل سياسي اميركي‬ ‫متخصص في شؤون املجتمعات العربية‪ .‬آخر‬ ‫‪)"The Honored‬‬ ‫كتبه‪« ،‬املوتى املحترمون» ("‪ُ Dead‬‬ ‫من اصدار «راندوم هاوس» للنشر‪ .‬نشرت مقاالته‬ ‫في «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»‬ ‫وغيرها من الجرائد واملجالت األمركية‪.‬‬ ‫طوني بدران‪ :‬كاتب وباحث لبناني‪ ،‬متخصص‬ ‫في شؤون الشرق األوسط مقيم في نيويورك‪،‬‬ ‫نشر مقاالت رأي في صحف كبرى منها «نيويورك‬ ‫تايمز» و«وول ستريت جورنال» و«واشنطن‬ ‫بوست» وكاتب عمود اسبوعي في «لبنان اليوم»‪.‬‬ ‫زميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات‬ ‫(‪ ) FDD‬في واشنطن ‪.‬‬ ‫د‪ .‬هاشم صالح‪ :‬كاتب سوري حاصل على‬ ‫شهادة الدكتوراة في اآلداب من جامعة السوربون‬ ‫عام ‪ .1982‬يساهم بكتاباته في عدد من الصحف‬ ‫العربية‪ .‬نقل أعمال املفكر الجزائري الكبير محمد‬ ‫أركون إلى العربية‪ .‬ساهم في التعريف بفكر األنوار‬ ‫الفرنسية واألوروبية من خالل كتب عدة‪ ،‬نذكر‬ ‫من بينها‪ :‬مدخل الى التنوير االوروبي‪ ،‬معارك‬ ‫التنويريني واألصوليني في أوروبا‪ ،‬االنسداد‬ ‫التاريخي‪.‬‬ ‫ممدوح الشيخ‪ :‬مؤلف وباحث مصري‪،‬كاتب مقال‬ ‫رأي في عديد من الصحف العربية‪ .‬صدر له أكثر من‬ ‫‪ 30‬مؤلفًا في القاهرة وبيروت ودبي ومسقط‪ ،‬بينها‬ ‫روايتان وعدة دواوين ومسرحية‪ .‬حاز عدة جوائز‬ ‫في الشعر واملسرح والرواية داخل مصر وخارجها‪.‬‬ ‫شارك في موسوعة "الحركات اإلسالمية في الوطن‬ ‫العربي" (بيروت ‪.)2013 -‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫‪7‬‬


‫المحتوى‬

‫لبنان والجماعة الشيعية‪ :‬مسؤولية‬ ‫حزب الله عن اغتيال شخصيات‬ ‫سياسية وأمنية بارزة‬

‫اخليط الرفيع!‬

‫كيف تواجه‬ ‫الدول العربية‬ ‫أزماتها‬ ‫االقتصادية؟‬

‫نهضة‬ ‫اجلنوب‬ ‫انتكاسة السياسة الخارجية‬ ‫وأزمة الفساد واقتراب االنتخابات‬

‫تركيا‪ ..‬لم يأت األسوأ بعد‬

‫ملاذا ال ينبغي على الواليات املتحدة‬ ‫شن هجوم عسكري على إيران؟‬

‫نقطة ضوء‬ ‫يف نهاية النفق املظلم‬

‫مائة عام من ذاكرة السعوديني‪..‬‬ ‫أساطيرهم وأمثالهم وحكاياتهم‬

‫عبد الكريم اجلهيمان‬ ‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫تحوالت اإلسالم‬ ‫السياسي‪..‬‬ ‫كيف تعامل‬ ‫الحركيون‬ ‫السعوديون مع‬ ‫أحداث العنف‬ ‫والتفجير؟‬

‫املعتذرون‬ ‫للقاعدة‬


‫مجلة العرب الدولية‬ 1980 ‫تأسست في لندن عام‬

‫شهرية سياسية‬

www.majalla.com 

‫للحصول على‬ :‫املعلومات املفصلة‬




‫االفتتاحية‬

‫رساله المحرر‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫عرضيا‬ ‫لم تكن واقعة «مستشفى العرضي» التي حدثت في صنعاء في الخامس من ديسمبر (كانون األول) املاضي‪ ،‬خطأ‬ ‫ً‬ ‫عابرا في تاريخ أعمال «القاعدة» والفصائل الجهادية األخرى‪ ،‬فبشاعة املشاهد والصور التي بثتها السلطات اليمنية لم‬ ‫تترك مجاال للتأويل والتفهم أو التبرير‪ ،‬لذلك لجأ بعض اإلسالميني في أول األمر إلى التشكيك في حقيقة القائمني عليها‪،‬‬ ‫واتهام «جهات مخابراتية» بتنفيذها‪ ،‬لكن اعتراف «القاعدة» واعتذارها قطع الشك باليقني‪ ..‬هذه الصور من الفعل ورد‬ ‫الفعل‪ ،‬تدفع إلى التساؤل والتحليل والتأمل في موقف الحركات اإلسالمية (السلمية)‪ ،‬ومنهجها في التعامل مع الفصائل‬ ‫اإلسالمية (الجهادية)‪ ..‬خصوصا في ظل التطورات التي تشهدها دول الربيع العربي وعلى رأسها سوريا التي تحولت إلى‬ ‫ساحة مواجهة عسكرية شاملة‪ ،‬تنادت وتجمعت فيها الفصائل الجهادية من كل بقاع العالم‪ ،‬إضافة إلى موقف الحكومة‬ ‫املصرية مؤخرا التي صنفت جماعة اإلخوان املسلمني كـ«جماعة إرهابية»‪ ،‬مما يفتح ملف الحركات اإلسالمية مجددا‪،‬‬ ‫للتساؤل حول مستقبل اإلسالم السياسي وتحوالته الراهنة‪ ،‬وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مستقبل املنطقة‪.‬‬ ‫في ملف «املجلة» لهذا الشهر يستعرض الباحث السعودي عبد الله الرشيد موقف الحركيني السعوديني من أعمال العنف‬ ‫والتفجير التي تبنتها «القاعدة» سواء في السعودية أو خارجها‪ ،‬منذ األحداث التي عرفت بـ«تفجيرات الرياض مايو (أيار)‬ ‫‪ ،»2003‬وحتى الدعوات املتتالية لالستنفار و«الجهاد» في سوريا‪ ،‬في مشهد يتتبع منهج حركات اإلسالم السياسي من‬ ‫الفصائل الجهادية‪.‬‬ ‫وفي موضوع آخر يكتب الباحث املصري ممدوح الشيخ عن عجلة التنظير ملرحلة «ما بعد اإلسالم السياسي» مؤكدا أن‬ ‫هذا املصطلح ما زال غامضا يحتاج ملزيد من الفحص‪ ،‬ومن التعجل الحكم بنهاية هذه التنظيمات اإلسالمية‪« ،‬لكن تحولها‬ ‫للعنف هو مسار مرجح جدا»‪.‬‬ ‫أما الكاتبة األميركية تالي هلفونت فتحدثت بإسهاب عن طبيعة موقف اإلدارة األميركية من جماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫بعد أن صنفتها مصر كـ«تنظيم إرهابي»‪ ،‬في ظل تأكيد الرئيس األميركي حرص أميركا على عالقات بناءة مع الحكومة‬ ‫االنتقالية املصرية‪ ،‬وتتساءل الكاتبة‪« :‬هل ستؤيد أميركا قرار الحكومة املصرية بشأن اإلخوان‪ ،‬واألهم هل ستحذو‬ ‫حذوها؟»‪.‬‬ ‫في ملف آخر‪ ،‬تعليقا على االضطرابات السياسية التي تشهدها تركيا‪ ،‬وتعصف برئيس الوزراء رجب طيب إردوغان‪،‬‬ ‫يكتب عضو الكونغرس األميركي آالن ماكوفسكي حول التحديات التي تواجه إردوغان‪ ،‬قائال‪« :‬في تركيا‪ ..‬األسوأ لم يأت‬ ‫بعد» متحدثا عن حركة فتح الله غولن‪ ،‬ومدى قوتها وطبيعة انتشار شبابها‪.‬‬ ‫وعن «دهاء التنني» تنشر «املجلة» تقريرا خاصة حول أساليب الصني اإلعالمية لنشر ثقافتها ورسالتها بني العالم‬ ‫العربي‪ ،‬واألهداف التي تسعى لتحقيقها في املنطقة‪ ،‬من خالل املشاريع والشراكات العربية الصينية التي بدأت تزدهر‬ ‫وتنشط غالبا في الجانب االقتصادي والتعليمي‪.‬‬ ‫وضمن الشخصيات التي تستعرضها «املجلة» لهذا الشهر‪ ،‬تقدم الباحثة السعودية الدكتورة جنان التميمي عرضا إلرث‬ ‫املؤرخ السعودي عبد الكريم الجهيمان الذي اختزل في مؤلفاته ومواقفه ذاكرة السعوديني على مدى مائة عام‪.‬‬ ‫كما تقدم «املجلة» نخبة مترجمة ألهم املواد التي نشرتها مجلة «فورن أفيرز» التي تسلط الضوء على أهم األحداث الدولية‬ ‫الراهنة‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا ‪ majalla.com‬ونرحب دائما بآرائك وندعوك‬ ‫للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫المحرر‬ ‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1592‬فبراير‪ -‬شباط ‪2014‬‬


ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.

Omar A. Alshaikh ‫ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ‬

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

^¤ 7yG* Ò* ^d<

‫اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of ‫ﺳﻜﺮﺗﲑ‬ NASHR Co. Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

¥E¢ 6^G* £ }H

ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting‫سكرتري‬ CEO of-NASHR ‫ م�صطفى الد�سوقي‬.‫ د‬:‫التحرير‬ ‫الر�شيد‬Co. ‫ عبد اهلل‬:‫مسؤول مكتب اخلليج‬

ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ΃ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ΍ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ΍ ΪϳήΒϟ΍ ϰϠϋ ΔϠγ΍ήϤϟ΍ ϰΟήϳ ˯΍έ΁ ϭ΃ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh

‫للمشاركة‬ ȝƾżȚǍƄŵȚ

‫كلمة‬ 800 ‫ جميع المقاالت يجب أال تزيد على‬:‫ ملحوظة‬editorial@majalla.com ‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني‬ ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ΍ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ΍ ΔόΒτϟ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ

‫اشتراكات‬ ϡΎψϧ ϱ΃ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ΃ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ΃ ϭ΃ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝ΍ϮΣϷ΍ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ΍ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla :‫ لالشتراك في االلكترونية‬subscriptions@majalla.com :‫ يرجى االتصال بـ‬،‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‬ ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ΍ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϣ ϖΒδϣ ΢ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ΍ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ΃ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ΃ ΎϫήϳϮμΗ ϭ΃ Δϴϟ΁ ϭ΃ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ΃ ϭ΃ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ΃ ϲϋΎΟήΘγ΍ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ΍ ϙ΍ήΘηϻ΍ Ε΍έΎδϔΘγ΍

‫ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬.‫ التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‬2009 ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة‬ ‫ لتلقي‬.ً‫ وتصدر المجلة شهريا‬.)‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة‬ www.majalla.com ‫ يرجى زيارة‬،‫استفسارات االشتراك الرقمي‬

LVVXH

$XJXVW

Ώ΁ βτδϏ΃ ΩΪόϟ΍

++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1592 - February 2014 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn,

London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310

ϰμμΨΘϟ΍ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ νΎϳήϟ΍ ΎϬϟ κΧήϣ 2014 ‫ شباط‬- ‫ فبراير‬1592 ‫العدد‬

$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ΍

ZZZ PDMDOOD FRP HQJ

‫ تقاطع التخصصى‬- ‫ طريق مكة‬- ‫ حي المؤتمرات‬- ‫الرياض‬

‫مرخص لها‬

A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‫ لندن‬- 4419933 ‫ هاتف‬:‫الرياض‬

www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ΍ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϞΧ΍Ω Ϧϣ

hq@alkhaleejiah.com :‫ بريد إلكتروني‬،www.alkhaleejiah.com :‫موقع إلكتروني‬ +966 11 441 1444 : ‫ ومن مختلف الدول‬، +44 207 404 6950:‫ لندن‬، +331 537 764 00:‫ باريس‬،+9714 3 914440 :‫ دبي‬،920 000 417 : ‫من داخل المملكة‬

ϲϧϼϋϹ΍ ϞϴϛϮϟ΍ ‫الوكيل اإلعالني‬

ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ

ΕΎϛ΍ήΘηϹ΍ Ϟϴϛϭ

800-2440076 :‫ هاتف مجاني‬،www.arabmediaco.com :‫ موقع إلكتروني‬، info@arabmediaco.com :‫بريد إلكتروني‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ΍ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 11 2121774 :‫ فاكس‬+966 11 4419933 :‫ هاتف‬،11585 ‫ الرياض‬- 62116 ‫ب‬.‫ ص‬- ‫المؤتمرات‬ ‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي‬ www.saudidistribution.com :‫موقع إلكتروني‬

ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι

‫�شركات ن�شر‬ ‫شركات نشر‬

ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

‫وكيل التوزيع‬

ΔϋΎΒτϟ΍ ΰϛήϣ

ΔϋϮϤΠϤϟ΍ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com

Saudi Specialized Publishing ‫املتخصص‬ ‫السعودية للنشر‬ ‫ الشركة‬Company www.sspc.com.sa

áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG

www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

»‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم‬

ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ΍ ϕϮϘΣ

©ϡϼϋϹ΍ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 ‫ يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني‬،‫المعلومات‬ ‫للحصول على المزيد من‬

»‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة‬



‫العدد ‪ 1592‬فبراير ‪ -‬شباط ‪2014‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫�آالن ماكوف�سكي‪ :‬تركيا و �إردوغان‪ ..‬مل ي�أت الأ�سو�أ بعد‬ ‫طوين بدران‪ :‬اخليط الرفيع بني لبنان واجلماعة ال�شيعية‬ ‫جنان التميمي‪ :‬مائة عام من ذاكرة ال�سعوديني‪ ..‬عبد الكرمي اجلهيمان‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪02‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1592 - February 2014‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.