48
المقال السياسي
55
المقال السياسي
صناعة التوتر
حزب هللا جديد في شمال اليمن
للحكومة اإليرانية مصلحة في تصوير الصراع في إقليم صعدة على أنه حرب طائفية ،كما تؤكد ذلك ردود فعلها علي االشتباكات التي وقعت مؤخرا بين قوات األمن في المملكة العربية السعودية والمتمردين الحوثيين في إقليم جازان السعودي .ومن الصعب أن نتبين ما إذا كانت إيران تدعم الحوثيين بأي وسائل أخرى غير الدعم الفكري .ولكن في كل األحوال ،هناك شيء واحد مؤكد هو أن أحدا ال يريد حزب هللا آخر في شمال اليمن.
تعد االشتباكات التي وقعت أخيرا بين القوات األمنية التابعة للمملكة العربية السعودية والمتمردين الحوثيين في إقليم جازان السعودي فصل صغير ولكن مهم ضمن قصة طويلة. وتتمثل المؤامرة الرئيسية لهذه القصة في الصراع بين الحكومة اليمنية بزعامة عبد هللا صالح والمتمردين الشيعة الذين يحتلون إقليم صعدة الشمالي الذين عبروا الحدود اليمنية- السعودية ،وتصدت لهم قوات األمن السعودية والجيش السعودية وتثار الشكوك حول مساندة إيران للتمرد .وهناك مثاالن يغذيان هذه الشكوك ,هما دعم إيران لجماعات حزب هللا ،أو التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية اإليراني ضد التدخل األجنبي في أزمة صعدة. وتؤكد الحكومة اليمنية وجود هذا الدعم، بل وأعلنت أنها اعترضت سفينة إيرانية تحمل أسلحة ودعما ً تقنيا ً للحوثيين. .ويبرر المتمردون ثورتهم ضد الحكومة اليمنية جزئيا بعالقاتها الوثيقة مع الواليات المتحدة .ورغم كل هذا، ينكر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي الذي قضى فترة طويلة في إيران أن جماعته تتلقى دعما من إيران. وإذا حكمنا من خالل ما نشرته بعض الصحف اإليرانية ،يبدو أن الحكومة اإليرانية لديها مصلحة في تصوير هذا الصراع على أنه حرب طائفية. ونظرا ألن الرئيس علي عبدهللا صالح ومؤسسته الحاكمة من الزيديين، وكذلك الحوثيين ،فإن تبرير مثل هذه االدعاءات ليس سهال .باإلضافة إلى ذلك ،ينبئنا التاريخ أن الزيديين 27نوفمبر 2009
واضحة بالفعل ،ويقف وراء هذا التحول أسباب سياسية وليست دينية.
مانويل ألميدا
يتمتعون بعالقات جيدة مع السلفيين في السعودية على نحو تقليدي. وكما أكد األستاذ راشد الخيون، مؤرخ العصور الوسطى اإليرانية، فإنه عندما يتعلق األمر بالشريعة اإلسالمية ،فإن الزيديين ينتمون إلى السنة من الناحية العملية .وينتمي الحوثيون إلى الزيديين الذين يعدون األكثر اعتداال بين الجماعات الشيعية وأقربهم إلى اإلسالم السني .وفي حقيقة األمر ،ال يؤمن الزيديون بكثير من العقائد الدينية التي تتبعها الشيعة اإلثنا عشرية ،مثل فكرة اإلمام الغائب. إال أن كل هذا ال ينبغي أن يخفى حقيقة مفادها أنه في أوقات الصراع والحرمان ،يسهل التأثير على عقول الناس باستخدام الدعاية .وتصبح أزمة صعدة اآلن مسرحا الستغالل الخطاب الديني إلضفاء الشرعية على الحرب. وأصبح الحوثيون «جماعة صحوة»، ويؤيدون االعتقاد بأن الهوية الزيدية تهددها الهوية السنية أو السلفية. وأصبحت بوادر تحول الزيديين في اليمن إلى طائفة الشيعة اإلثنة عشرية
وحيث إن اليمن أفقر بلد في العالم العربي ،فإن مهمتها في تحقيق االستقرار وضمان االنسجام بين طوائفها المختلفة مهمة صعبة بالتأكيد. إال أن الحكومة اليمنية لم تفعل شيئا يذكر للتصدي للمطالب االقتصادية واالجتماعية لسكان شمال أو جنوب اليمن .ويخلق هذا السيناريو ،جنبا إلى جنب مع العنف اليومي الذي يميز اليمن ،األجواء المطلوبة لألحداث التي نشهدها اآلن .وهناك احتمال لتفاقم الوضع إذا لم يتحسن المناخ االقتصادي ،ويصبح هناك توزيع عادل للثروة ،وتمثيل سياسي .ومع وجود تهديدات من اليمن الجنوبي باالنفصال، والوجود القوى لتنظيم القاعدة في البالد ،باإلضافة إلى تمرد الحوثيين في الشمال ،يمكن للمرء أن يتصور العديد من السيناريوهات المروعة المحتملة. وتستطيع الجماعات المسلحة وأطراف أخرى غير الدولة البقاء فقط فى ظل ظروف معينة ،منها ضعف الدولة، ويعتبر الوضع في اليمن مثاال جيدا على ذلك .وهناك شرط آخر يتمثل في الدعم اللوجيستي والمالي المقدم من حكومات أجنبية .وفي حالة تمرد الحوثيين ،فمن الصعب أن نتبين ما إذا كانت إيران تدعم الحوثيين بأي وسائل أخرى غير الدعم الفكري .ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد ، .هو أنه ال أحد يريد حزب هللا آخر في شمال اليمن ،من شأنه أن يخلق توترات في اليمن وخارجها. 56
تقارير
بالتركيز على االتجاهات الحمائية نفسها. ربما يكون من األنسب البدء بتقييم تقرير معهد بروكنجز ألنه أكثر وضوحًا في تحديده األسباب الكامنة وراء االتجاه المتزايد نحو السياسات الحمائية.و يوضح التقرير أنه بالرغم من اتفاق مجموعة دول العشرين على االلتزام بعدم تطبيق سياسة الحمائية فإنها جميعًا تطبق سياسات حمائية .ويالحظ أن الدول العشرين قد تحولت نحو استخدام أدوات عالج السياسة التجارية مثل مكافحة اإلغراق، الضمانات ،والسياسات المناهضة للدعم، و يرى تقرير كارنيجي ،أن معظم هذه السياسات الجديدة قد وضعت موضع التنفيذ استجابة لمطالب حماية الصناعة المحلية من منافسة الواردات ،و اتضح ذلك من خالل الزيادة الحادة في هذا االتجاه والتي تزامنت مع انتشار األزمة المالية العالمية، باإلضافة إلى ذلك فإن الدراسة أوضحت أن التحقيقات الحمائية كانت تستهدف أساسًا الصادرات الصينية ،حيث ورد اسم الصادرات الصينية في أكثر من % 80 من التحقيقات الجديدة على مستوى الدولة. ومع ذلك ،فان معهد بروكنجز الحظ وجود اتجاه جديد في مجال السياسات الحمائية ، وخاصة استخدام سياسة الحمائية العالمية للحد من المنافسة الدولية« .على الرغم من أن استخدام سياسة مكافحة اإلغراق في عام ، 2009قد استقر بعد التصعيد األولي ،فإن اتباع سياسة الحمائية قد زاد في اآلونة األخيرة فقط ...بالمقارنة بعام ،2007والنصف األول من عام ،2009 الذي شهد زيادة بنسبة ٪ 40.5في فرض تدابير جديدة لتقييد االستيراد .ولسوء الحظ يتوقع التقرير أن تستمر هذه االتجاهات. ومن المثير لالهتمام ،أن التقرير الذي أعدته مؤسسة كارنيجي يعتبر مكملاً لتقييم معهد بروكنجز ،ويعد تركيزه على إمكانية إصالح منظمة التجارة العالمية وسيلة للحد من االتجاه لسياسة الحمائية.و يوضح العدد 1534
يوري دادوش أن منظمة التجارة العالمية تشكل بندًا أساسيًا للعولمة ،حيث توفر درجة من القدرة على التنبؤ واالستقرار في العالقات التجارية .ففي عالم بطيء النمو تتزايد فيه الضغوط الحمائية ،يصبح وجود القوانين و القواعد المعززة أكثر إلحاحًا ».و هدف منظمة التجارة العالمية هو الترويج لتحرير التجارة من خالل إلزام الدول بعدم اتباع التدابير الحمائية على نطاق عالمي ،و ذلك يعارض االتفاقيات االقتصادية اإلقليمية التي تزود الدول الداخلة في االتفاقية بمركز تجاري تفضيلي . ومع ذلك ،فان مؤسسة كارنيجي تسلط الضوء على منظمة التجارة العالمية ،التي تعيش اآلن على المكاسب التي تحققت من النظام السابق لها و هو نظام «الجات « .و قد أصبحت منظمة التجارة العالمية غير فعالة بشكل كبير فيما يتعلق بالجانب الحاسم من رسالتها التقليدية القائمة على خفض التعريفات الجمركية .وتم تجاوز نظام المفاوضات غير الكفء لمنظمة التجارة العالمية من خالل االتفاقيات اإلقليمية واالتفاقيات المتعددة األطراف مما أدى إلى تحرير التجارة بشكل انتقائي --وهي العملية التي يقول خبراء االقتصاد إنها ال تكفي لجعل التجارة أداة تشجع على النمو على نطاق عالمي. أما المفاوضات المتباطئة لمنظمة التجارة العالمية فقد دهمتها عمليات تحرير التجارة (المنفردة) أحادية الجانب .باإلضافة إلى ذلك ،فإنه يالحظ غياب منظمة التجارة العالمية إلى حد كبير على صعيد المجاالت األكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي ،مثل األمن الغذائي والنظام المالي. و يقول التقرير إن األزمة المالية ،قد كشفت عن عدم كفاية ضوابط منظمة التجارة العالمية التي تتراوح بين ممارسات مكافحة اإلغراق إلى مكافحة التعريفات الصناعية في البلدان النامية« .والسهولة التي تم بها تحصيل التعريفات الجمركية في االتحاد األوروبي
على منتجات الصلب الصينية ،وكذلك في الهند على مختلف المنتجات توضح ضعف ضوابط مكافحة اإلغراق والفجوة الكبيرة التي توجد بين عتبة التعريفات المربوطة والفعلية في معظم البلدان النامية».أما بالنسبة لمنظمة التجارة العالمية فإنه من الضروري عمل إصالحات جادة بها من أجل تشجيع التحرير للدرجة التي كانت موجودة في الماضي . ووفقًا لدادوش فان اإلصالحات ينبغي أن تشمل إعادة تقييم لوظيفة المنظمة ،فضلاً عن مساعدة األعضاء في سن اإلصالحات التجارية ،وتقليل االعتماد على قاعدة توافق اآلراء باإلضافة إلى التغييرات األخرى. و بالرغم من أن هذه التدابير مهمة و ينبغي النظر فيها من أجل تحسين المنظمة ،فإن تقرير كارنيجي و بروكنج لم يذكرا عقبة رئيسية واحدة أمام تحرير التجارة. كيف يتم تقويض الطلب المحلي على الحمائية؟ وبالرغم من االستبصارات المفيدة التي يقدمها التقريران حول الحمائية ،وعالقة هذه االتجاهات باألزمة المالية الحالية ،فإنهما ال يقدمان اقتراحات ملموسة بالنسبة للحكومات التي تفضل التحرير ولكنها مضطرة لتطبيق الحمائية من أجل إرضاء الدوائر الداعمة لها .وهذا يعني أن التقريرين يقلالن من أهمية السياسة المحلية في جهود تحرير التجارة الدولية ،بالرغم من االعتراف بأنها هي التي وراء االتجاهات الحديثة في مجال الحماية .وهذا الضعف قد يكون بسبب أن الساسة بطبيعتهم يميلون إلى النزول علي إرادة الناخبين .ومع ذلك ،فإن القيم المعيارية التي تستفاد من هذه المناقشة توحي بأن مثل هذه األعذار التمثل أسبابًا كافية للسماح لالتجاهات الحمائية باإلرتفاع. لمزيد من المعلومات يمكنك الدخول علي المواقع اآلتية :
www.brookings.edu www.carnegieendowment.org
55
تقارير
الرعب من الصين الحمائية تواصل الصعود
تشاد بي.براون معهد بروكنجز 23يوليو/تموز 2009 إصالح منظمة التجارة العالمية :فلنبدأ اآلن يورا درويش معهد كارنيجي للسالم الدولي سبتمبر /أيلول 2009
ترى المؤسسات المالية أن االتجاه نحو سياسة الحمائية يعتبر اتجاهًا سلبيًا ،في حين أن التحرير هو خير وسيلة لتحقيق النمو االقتصادي العالمي .ومع ذلك ،فإن هناك اتجاهًا متزايدًا نحو اتباع السياسات الحمائية في مواجهة األزمة المالية العالمية مما دفع وأيضا اقتراح األساليب مؤسسة كارنيجي للسالم الدولي ومعهد بروكنجز إلى محاولة معرفة األسباب الكامنة وراء الميل لهذا االتجاه ، ً التي من شأنها أن تحد من اتباع تلك السياسات ..
أسست المؤسسات المالية الدولية في واشنطن الكثير من سياساتها على قناعة مفادها أن تحرير التجارة أمر حتمي لتحقيق النمو .وهذا المبدأ يصبح ذا أهمية خاصة عندما يواجه العالم انكما ًشا اقتصاديًا كبيرا. و لكن الجهود الرامية إلى تحرير التجارة أصبحت مهددة بشكل كبير أثناء األزمات 27نوفمبر 2009
االقتصادية ،حيث تسعى األسواق المحلية إلى الحد من المنافسة إلى أقصى حد ممكن. و قد صدر أخيرًا تقريران «عن مؤسسة كارنيجي للسالم الدولي ومعهد بروكنجز «تناوال موضوع تحرير التجارة واآلليات الالزمة لتسهيل ذلك .وقام اثنان من المفكرين بتسليط الضوء على المشكلة األساسية التي
تواجه جهود التحرير –وحالة االقتصاد . لكن التقريرين اختلفا في النقاط التي ركزا عليها .حيث اهتمت مؤسسة كارنيجي بتناول اإلصالحات الضرورية التي يجب أن تتبعها منظمة التجارة العالمية لتحقيق التوازن بين التوجهات المختلفة أثناء االلتجاء إلى تحرير التجارة .أما معهد بروكنج فقام 54
قراءات
فيليب روبينز :نقلت إلى القارئ أجواء المنطقة الثرية أجرت اجمللة هذا احلوار القصير مع فيليب روبينز مؤلف كتاب " الشرق األوسط" دليل املبتدئني " علق فيه علي ما كتبة و ما كان يتمني أن يكتبه. اجمللة:ماأهدافكممنوراءتأليفهذاالكتاب؟ معظم الكتب التمهيدية التي تسعى إلى تعريف القراء مبنطقة الشرق األوسط تركز على سرد تاريخ املنطقة بأسلوب جاف أو تكون كتب للدراسة تتعلق مبوضوعات معينة .وقد أردت من تأليف هذا الكتاب أن أكتب شيئا ً ميكن أن ينقل للقارئ أجواء وديناميكيات
هذه املنطقة دون إغفال اخللفية التاريخية لها أو أبرز قيمها السياسية. اجمللة :بصفتك خبيرا ً باملنطقة ،لو ُطلب منك إعادة تأليف كتابك ،فما هي املوضوعات التي تود إضافتها؟ إن املنطقة متنوعة وثرية مبوضوعاتها وتضم دوال ً عديدة ،مبا يتيح تأليف كتاب طويل جدا ً عنها وكان هذا أسهل بالنسبة لي .ولكن ُطلب مني أن أقوم بتأليف كتاب ال يتجاوز 200صفحة وكان األمر مبثابة شرف مهني وحت ٍد احترافي ينبغي أن أقبله .كنت أمتنى أن يتضمن كتابي
شيئا ً عن املوسيقى وأيضا ً عن الشعر اجمللة :هل هناك موضوع معني تعرضت له في كتابك وترى أن له أهمية كبيرة بالنسبة ملستقبل الشرق األوسط وعالقاته الدبلوماسية مع الغرب؟ لسبب ما ،لم يكتب أحد عن القيادة في الشرق األوسط .صحيح أن هناك مؤلفون كُثر تناولوا سيرا ً ذاتية لزعماء أمثال السادات واألسد ،لكنه لم يكتب الكثير عن القيادة ذاتها .ولذلك فإنني سعيد بأن كتابي يتضمن فصال ً عن هذا املوضوع خصوصا ً وأنني كتبته من منظور مبني على أساس املقارنة.
جديد األسبوع تقارير
الملكية الفكرية وتقنيات الطاقه .كيف نصل إلى تكنولوجيا صديقة للبيئة ؟
تقرير تشاثم هاوس بيرنسي لي ،إيليان ايليف و فليكس بريستون سبتمبر 2009
تعتبر قضية الوصول إلى تكنولوجيا صديقة للبيئة بأسعار منخفضة قضية حرجة بالنسبة للسياسة العامة الدولية .و هي مسألة تؤثر فى الكثير من األمور االقتصادية والقانونية واألمنية ,والسياسية .وهذا التقرير يناقش قضيتين :حقوق ملكية تكنولوجيات صديقة للمناخ ،ومعدل انتشار التكنولوجيا .ويستمر النقاش بين دعاة تعزيز حقوق الملكية الفكرية( نظم لتشجيع ابتكارات تكنولوجيا المناخ) من ناحية ،وتلك التي تدعو إلى مزيد من المرونة المرتبطة بالملكية الفكرية لضمان حصول البلدان النامية على التقنيات األساسية من ناحية أخرى.
مقابلة
بيتر ساندز ،المدير التنفيذي لمجلس العالقات الخارجية بمجموعة ستاندرد تشارترد نوفمبر تشرين ثان 2009
أثبتت اقتصادات الدول الناشئة أنها أكثر مرونة من اقتصادات الدول الغربية في أعقاب األزمة المالية ،وأدى ذلك إلي تعافي االقتصاد العالمي .ولكن األسئلة توالت حول السياسات و اللوائح الواجب اتباعها من أجل تحقيق النمو العالمي و منع االنهيارات االقتصادية .قامت مجموعة المدير التنفيذي بيتر ساندس في النظام المصرفي العمالق شارترد ستاندرد (مقره لندن) بمناقشة المخاطر و الحقائق قصيرة األجل من أجل الوصول إلى إصالحات سياسية علي نطاق واسع .وقال بيتر إن صناع السياسة ينبغي أن يركزوا بدرجة أقل على رأس المال --مثل برنامج اإلنقاذ الخاص بإعادة سداد األصول المتعثرة. العدد 1534
53
كتب
الطريق إلى فهم الشرق األوسط
الشرق األوسط :دليل للمبتدئين فيليب روبينز وان وورلد أكسفورد 2009
ها هو فيليب روبينز الباحث في شئون الشرق األوسط بجامعة أكسفورد يخوض التحدي ويعرض لنا جانبًا من خصائص منطقة الشرق األوسط في أحدث كتاب له يحمل اسم «الشرق األوسط ..دليل للمبتدئين» ..في هذا الكتاب ،يلقي روبينز الضوء على مختلف القضايا التي ينبغي أن تؤخذ في االعتبار لفهم شئون الشرق األوسط.
منطقة الشرق األوسط مثيرة بتناقضاتها ..غنية بمواردها ،وفي ذات الوقت مشحونة بتوتراتها التاريخية .إنها بمثابة لغز حيَّر ألباب الكثيرين لكنها تثير اهتمام الجميع .فيليب روبينزن ،وهو باحث في شئون الشرق األوسط بجامعة أكسفورد يقبل التحدي ويعرض لنا في كتابه الشرق األوسط :دليل للمبتدئين ،ويسلط الضوء على مختلف القضايا التي ينبغي أن تؤخذ في االعتبار كي تُفهم الشئون الحالية للمنطقة. وقد حقق فيليب نجاحًا حقيقيًا في هذا التحدي؛ فينما حصر أهدافه في تسليط الضوء على منطقة معقدة كهذه ،استطاع أن يبرز لنا الكثير من الجوانب األخرى بخالف الوصف التاريخي للمنطقة .وفي عرضه للمنطقة ،يجمع المؤلف بين التحليالت السياسية واالجتماعية واألنثروبولوجية واالقتصادية؛ راس ًما صورة كاملة للعقبات التي تعوق عملية التنمية في هذه المنطقة .وتتجلى خبرة روبينز في الحياة األكاديمية في كل صفحة من كتابه ،من خالل قدرته على لفت انتباه القراء إلى عوامل خفية دائما ً ما تؤثر على سياسة المنطقة .وفي ذات الوقت ،تمكن من خالل طريقته في التناول من إبراز مدى تشابك القضايا المختلفة في المنطقة؛ ومن ثم تسليط الضوء على أهمية اتباع منهج متعدد األوجه في التعامل مع السياسة الخارجية في المنطقة. ومن المثير لالهتمام ،أن الكتاب استطاع أن يؤكد القضايا الرئيسية التي تقف وراء الموضوعات المثيرة للجدل التي تطفو خالل أي نقاش يدور حول المنطقة خصوصًا دور الصراعات في المنطقة إضافة إلى أدوار الرجل والمرأة والدين فيها. وربما يكون الفصل المخصص للصراع هو أكثر الفصول كشفية خصوصًا بالنسبة لمن يرون المنطقة في سياقها العالمي ،بمعنى أنه بينما ينصب تركيز هذا الفصل على مناقشة أبرز الصراعات 27نوفمبر 2009
في المنطقة مثل الصراع اإلسرائيلي الفلسطيني والصراع العربي اإلسرائيلي ،وحروب الخليج، والحرب بين إيران والعراق ،فإنه ال يغفل البعد الدولي لهذه النزاعات .والكتاب يتناول تلك الصراعات برؤية موضوعية ،وهذا ما يزيده أهمية. وال يخشى المؤلف من أن يفصح في تحليالته عن الخطأ الواضح في السياسات التي انتهجتها بعض الدول في أوقات معينة .واستطاع أن يبرز بعض األسباب التي تقف وراء فشل عملية السالم اإلسرائيلية -الفلسطينية .وبالمثل ،فإنه ينتقد عجرفة الحكومة األمريكية في حرب الخليج الثانية ،ويشير إلى ما يمكن أن تكون قد فعلته أمريكا على األرض لتجنب مشكالت بناء الدولة والتي ال يزال يواجهها العراق إلى اليوم .وبعد مناقشة كل صراع من هذه الصراعات ،يتولد لدى القارئ إلمام بأطراف الصراع وكيف أثرت نتيجته على هيكل القوى في المنطقة. وفيما يعد مناقشة ألكثر قضايا الشرق األوسط إثارة للجدل ،يتناول روبينز كذلك البعد الديني في المنطقة بطريقة موضوعية وكاشفة .كما يهيئ الشرح الوافي للصراع الطائفي المجال لمناقشة اتجاه تسييس اإلسالم الذي يتغلغل في المنطقة بأكملها .وهذه الرؤية لها أهميتها الخاصة في تحقيق فهم شامل للمشكالت التي تعوق بناء الدول ،حيث إن التسييس الديني أصبح بمثابة حجر عثرة في طريق استقرار المؤسسات الحكومية. وفيما يتعلق بالموضوعات األقل إثارة للجدل التي يتناولها الكتاب ،يشير روبينز إلى العقبات التي تقف في طريق عملية التنمية في المنطقة .وثمة تناقض مهم يبرزه المؤلف وهو حالة الفقر المدقع والثراء الفاحش التي تسود كثيرًا من دول المنطقة. ويوضح روبينز على وجه التحديد الدور الذي لعبه النفط في تعويق هذه التنمية ،مسلطًا الضوء على ما يعرف بـ «لعنة الموارد» و»المرض الهولندي». ومما يجعل هذا الفصل ممي ًزا مقارنة بالتحليالت
االقتصادية األخرى للمنطقة أن روبينز يتمتع بقدرة كبيرة على الربط بين التحديات االقتصادية والعالقات بين الحكومة والمجتمع .فبالرغم من االستثناءات التي أشار إليها ،فإن هناك ميلاً لدى دول المنطقة في تطوير ما يسمى باقتصاد «التخصيص» ،بمعنى تحقيق الدخل من خالل التدفقات التي تتجه مباشرة إلى خزانة الدولة في صورة إيجارات نفطية ،ونتيجة لذلك ،يتم تجاهل حقيقة أن المجتمع يعد القاطرة األساسية للنمو االقتصادي ومصدرًا للدخل الحكومي» .والخطورة هنا تكمن في أن الحكومات تشعر بأنها منفصلة عن المجتمع ،كما لو أن األخير مدين لها ،على العكس من العالقات التي تسود الدول الديمقراطية في أوروبا الغربية .وفي حين عجزت رؤية المؤلف عن توضيح جميع المشكالت التي تعانيها دول الشرق األوسط ،إال أنها كشفت لنا الكثير والكثير عن بعض مشكالت الحكم التي تواجهها المنطقة. ويبدو أن روبينز لديه وعي بأمورعديدة تتعلق بمنطقة الشرق األوسط ،من بينها تنوع هذه المنطقة .فقد أدت هذه الحقيقة إلى شيء من التعقيد في عرض الكتاب نتيجة لموضوعاته المتعددة ،ومع ذلك ،استطاع روبينز أن يضع في كل قسم من موضوعاته «استثناءات للقاعدة» .والمالحظ أنه استطاع توضيح الطريقة التي تمكنت من خاللها تركيا وإسرائيل من صنع مكان لهما في المنطقة .والدليل على ذلك أنه سلط الضوء على القدرة الفريدة لدى هاتين الدولتين على تنويع اقتصادهما ،وعالقاتهما الخاصة مع القوى الخارجية. وأخيرًا يعد الكتاب بمثابة رؤية شاملة يمكن أن يستفيد منها المطلعون ،كما أنه كتاب ال غنى عنه بالنسبة لهؤالء الذين يخطون خطواتهم األولى في سبر أغوار شئون المنطقة شديدة التعقيد .والكتاب ممتع في عرضه ،واضح في تناوله ،وموجز في أسلوبه ،وهو بمثابة إضافة قيمة إلى مجموعة الكتب التي تسعى إلى تعريف القراء بالمنطقة. 52
إصدارات كتب
العدد 1534
قراءات
تقارير
51
األسواق
«رؤوس األموال السريعة» وتحقيق االستقرار في األسواق الناشئة عبر دومينيك شتراوس خان ،المدير العام لصندوق النقد الدولي ،عن مخاوفه في مؤتمر بسنغافورة خالل األسبوع الماضي من أن عمليات تدفق رؤوس األموال إلى األسواق الناشئة يمكن أن تقوض استقرار أسعار العمالت واألصول .وشجع المسئول االقتصادات الناشئة على استخدام مجموعة من األدوات مثل تشديد السياسات المالية وخفض أسعار الفائدة للتصدي للعوامل الخارجية المرتبطة بهذه األموال.
و“أﻳﺒريﻳﺎ“ ”اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ“ BA-Iberia إﻧﺪﻣﺎج merger deal
British Airways and Spanish airline Iberia have reached a preliminary agreement اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔfor a merger to create وﴍﻛﺔ اﻟﻄريان اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﺠﻮﻳﺔ اﻟﺨﻄﻮط the ّ largestوﱄthird by world’sﺛﺎﻟﺚ ﻟﻺﻧﺪﻣﺎج ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ airlineإﱃ اﺗﻔﺎق أ أﻳﺒريﻳﺎ ﺗﻮﺻﻠﺘﺎ revenue. Under terms,ﰲits ﺣﻴﺚ اﻹﻳﺮادات. اﻟﻌﺎمل ﻣﻦ Iberiaﴍﻛﺔ ﻃريان أﻛﱪ would a 45% BAوﻓﻘﺎً % 45 take ﺳﺘﻤﻠﻚ ﺣﺼﺔ stakeأﻳﺒريﻳﺎ andﻟﴩوﻃﻪ، اﻟﺠﺪﻳﺪةa stakeان 55% theﰲ in carrier ﴍﻛﺔ اﻟﻄري % 55new و”اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ“
اﻹﻗﺘﺼﺎدي forecastاﻟﻨﻤﻮ ﺗﻮﻗﻌﺎت OECD growth
China is leading the global economy واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻹﻗﺘﺼﺎدي ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻌﺎون out of recession but اﻹﻗﺘﺼﺎدات اﻟﺼني ﻫﻲ أول the recovery will be ﺗﻌﺎﻓﻴﺎً اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻬﺪ marred اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ by high ﻫﺬه وﻟﻜﻦ اﻟﺮﻛﻮد، ﻣﻦ unemployment ﻳﺼﺤﺒﻬﺎ اﻹﻧﺘﻌﺎﺷﺎت and huge اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ارﺗﻔﺎع ﰲ ﻣﻌﺪل government ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ theودﻳﻮن ﺿﺨﻤﺔ debt across اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ nationsﺗﻮاﺟﻬﻬﺎ اﻟﺪول industrialised
)ﻧﺴﺒﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ (% منﻮ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﳌﺤﲇ اﻹﺟامﱄ GDP GROWTH )(Percentage
2011 201020092009 2010 2011 اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة2.8 2.5 -2.52.5 - 2.5 2.8 U.S. اﻟﻴﺎﺑﺎن 2.0 1.8 -5.35.3 - 1.8 2.0 Japan أﳌﺎﻧﻴﺎ 1.9 1.4 -4.94.9 - 1.4 1.9 Germany ﻓﺮﻧﺴﺎ 1.7 1.4 -2.32.3 - 1.4 1.7 France اﻳﻄﺎﻟﻴﺎ 1.5 1.1 -4.84.8 - 1.1 1.5 Italy ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ 2.2 1.2 -4.74.7 - 1.2 2.2 UK ﻫﻮﻟﻨﺪا 2.0 0.7 -4.34.3 - 0.7 2.0 Netherlands إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ 0.9 -0.3 -3.63.6 - -0.3 0.9 Spain ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻴﻮرو1.7 area0.9 -4.04.0 - 0.9 1.7 Euro روﺳﻴﺎ 4.2 4.9 -8.78.7 - 4.9 4.2 Russia اﻟﺼني 9.3 10.2 8.38.3 10.2 9.3 China اﻟﻬﻨﺪ 7.6 7.3 6.16.1 7.3 7.6 India
اﳌﺼﺪرOECD : العدد 1534
اﻟﺼﻮر: © GRAPHIC NEWS Source: OECD ﺟﺘﻲPicture: Getty
Total 419 اﻟﻄﺎﺋﺮة 257 اﻟﻮﺟﻬﺔ
Iberiaاﻳﺮواﻳﺰ BAأﻳﺒريﻳﺎ ﺑﺮﺗﻴﺶ
اﳌﺠﻤﻮع
Aircraft 174 419 174 245 245 Destinations 109 257 109 148 148 Passengers 61.5 28.5 راﻛﺐ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ 33ﻣﻠﻴﻮن per year 33m 28.5m 61.5m ﻣﻮﻇﻔﻮن Iberia has biggest share 67.654 22.514 45.140of EuropeStaff 45,140 22,514is leading 67,654 Latin America market. اﻹﻳﺮادات 23.1 5.4 BAﻣﻠﻴﺎر دوﻻر 8.9 airline on North Atlantic routes and Revenue £8.9bn €5.4bn $23.1bn اﻷﻣريﻛﻴﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﺴﻮق ﰲ ﺣﺼﺔ أﻛﱪ أﻳﺒريﻳﺎ متﺘﻠﻚ has strong Europe-Asia connections
اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ” .اﻟﺨﻄﻮط اﻟﺠﻮﻳﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ“ ﻫﻲ ﴍﻛﺔ اﻟﻄريان
Sources: BA, Iberia 2008-09 figures Basedﺷامل اﻷﻃﻠﴘ وﻟﻬﺎ ﺻﻼت اﻟﻄonري©ان ﰲ اﻟﺮاﺋﺪة ﰲ أﺳﻮاق Pictures: Getty Images GRAPHIC NEWS
أوروﺑﺔ -آﺳﻴﻮﻳﺔ ﻗﻮﻳﺔ © GRAPHIC NEWS اﳌﺼﺪر :اﻟﺨﻄﻮط اﻟﺠﻮﻳﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،أﻳﺒريﻳﺎ -اﻟﺼﻮر :ﺟﺘﻲ
أستراليا والتمويل اإلسالمي تزايد اهتمام أستراليا بتطوير التمويل اإلسالمي كأداة لجذب الثروة وخلق الوظائف .وتتمتع أستراليا بموارد وثروات طبيعية مثل النحاس والذهب والنيكل ،ويشكل موقع البالد المهم في ركن شرق آسيا ميزة أساسية إلصدار الصكوك .وإذا كانت أستراليا مستعدة لتكييف قوانينها الضريبية للسماح للسوق المالية اإلسالمية بأن تزدهر ،فسوف تصبح البالد في وضع جيد لتفوز بنصيب من هذه الصناعة التي تبلغ 1تريليون دوالر.
49
المستثمر العالمي
البنوك اللبنانية ..انتعاش مؤقت
الودائع التي هربت إلى بنوك بيروت ستغادرها بعد انتهاء األزمة المالية كانت البنوك اللبنانية تمثل استثمارات ذكية على مدار العامين السابقين حيث إن السياسات التي وضعها البنك المركزي أتاحت للبنوك التجارية أن تحقق انتعاشًا في وقت الركود االقتصادي .ومع ذلك ،لم يتبين بعد ما إذا كان هذا النمو سيستمر أم أنه مجرد نموعابر ارتبط بفترة األزمة العالمية وسوف يزول بانتهائها ..
رغم أن أزمة السيولة التي يمر بها االقتصاد العالمي أصبحت موضوعًا تم قتله بحثًا لمدة تزيد على عام ،فال يزال المستثمرون يتطلعون إليجاد استثمارات ذات مستوى مخاطر منخفض كي يتمكنوا من مواجهة عاصفة تبدو وكأنها بال نهاية .وعالوة على ذلك ،يظل المستثمر الذكي مهت ًما بالفرص التي تحقق عوائد أعلى ،و في مواجهة اضطرابات خارجية هائلة ،جعلت لبنان من نفسها محط توقعات واهتمام ،خصوصًا في قطاع الخدمات المالية .فقد روجت وسائل اإلعالم لرؤية رياض سالمة محافظ البنك المركزي في لبنان وأصبحت البنوك اللبنانية بمثابة مقصد يزداد التوجه إليه من أجل استثمارات األسهم والودائع النقدية خصوصًا تلك الخاصة بالمغتربين .و يمكن أن تنجح الرؤية الثاقبة للسيد رياض سالمة في أوقات األزمات فقط .ولكن لم يتبين بعد مدى قدرة البنوك اللبنانية على النمو بشكل أكبر بينما يتعافى االقتصاد العالمي. لقد اعتُبر رياض سالمة أحد العاملين القالئل في البنوك المركزية الذين قاموا بإعداد اقتصادهم بالشكل المالئم ألزمة السيولة التي كانت على وشك الحدوث .تحدث سالمة ألخبار الـ» بي بي سي» قائلاً « :لقد توقعت األزمة وأخبرت البنوك التجارية في عام ،2007أن يُنهوا جميع االستثمارات الدولية المرتبطة باألسواق الدولية» .وباإلضافة إلى ذلك ،منع هذه البنوك من المشاركة في التزامات الديون المرهونة من أي نوع وفرض اندماج القطاع المصرفي اللبناني وأمر بأن تقوم جميع البنوك المحلية بجعل 30%من أصولها في صورة احتياطيات نقدية .وبعد عام ،في الوقت الذي أُجبرت فيه أكبر بنوك العالم على قبول ضخ النقد من قبل الحكومة كي تحتفظ بقدرتها على الوفاء بالديون الالزمة للعمليات اليومية، كانت البنوك اللبنانية تتمتع بقدر مرتفع من السيولة مثل بنك عودة وبنك بلوم وبنك بيبلوس .وحفز األداء النسبي لهذه البنوك تدفقات كبيرة للودائع ،أتى كثير منها من مواطنين لبنانيين يعيشون في الخارج حيث 27نوفمبر 2009
جوشوا ملين اعتبروا هذه البنوك بمثابة مالذ آمن نسبيًا. ووفقًا لوحدة اإليكونوميست للمعلومات، بعد النصف األول من عام ،2009ارتفعت ودائع القطاع الخاص لتصل إلى ،16.9% مقارنة بنفس هذا الوقت في عام ،2008 وكانت هناك زيادة في نسبة الودائع بالجنيه اللبناني مقابل ودائع الدوالر األمريكي حيث سعى المستثمرون لالستفادة من نسبة الفائدة على الودائع التي بلغت 7% من العملة الوطنية .كل هذه العوامل أدت إلى جعل البنوك اللبنانية الثالثة الكبرى تسجل زيادة ال بأس بها في األرباح تقدر بـ 1.9%و 5.8%و 2.0%على الترتيب. وباإلضافة إلى ذلك ،ارتفعت أسعار أسهم بنك عودة وبنك بلوم في 10نوفمبر /تشرين الثاني بنسبة 72%و 31%على الترتيب. وعلى المدى القصير ،قد تبدو لبنان بديلاً آمنًا لودائع االدخار وحلاً رائعًا لقطاع األسهم. ومع ذلك ،فإن التوقعات بشأن هذه البنوك ال تشير على األرجح إلى نموها بشكل دائم. فالموقف السياسي يجبر لبنان على أن يكون لديها بنك متحفظ ومشارك كي يضمن سالمة النظام المصرفي .وعندما تستقر األسواق المالية ويزداد اإلقبال على المخاطرة، سوف يعوق البنوك اللبنانية السياسات التي وضعها السيد /سالمة .ونقلت عنه الـ» بي بي سي» قوله« :إن النظام الذي صممناه تم اختباره ليصمد في الحروب وأوقات عدم االستقرار واالغتياالت السياسية .وقطاعنا كان من الممكن أن يكون أكثر تطورًا إذا لم يكن هناك مخاطر سياسية وأمنية ،لكن هذا األمر حفزنا كذلك ألن يكون لدينا استجابة متحفظة ألننا كنا دائ ًما نتهيأ ألسوأ سيناريو» .وهذا األساس يعد مثاليًا لمواجهة األزمة االقتصادية التي طالت العديد من الدول ،لكنه في حد ذاته ال يسهم في نمو المجال .ويمكن اعتبار سياسات السيد/ سالمة بمثابة مسار إجرائي ضروري نتيجة للضغط الدائم من قوات غير اقتصادية؛ ومع ذلك ،فإن الحظ السعيد الذي
حالف بنوك لبنان قد ال يستمر لعام آخر. ويشيرمكرم صادراألمين العام لجمعية المصارف اللبنانية إلى أهم مقومات االستثمار في البنوك اللبنانية .فبالرغم من احتماالت التوحيد واالندماج المصرفي، فهناك حد فعلي لنمو بنك عودة وبنك بلوم وبنك بيبلوس وبدون تغيير ملحوظ في المشكالت السياسية واالجتماعية في لبنان، سوف يُنظر دائ ًما للمخاطر بأنها مرتفعة جدًا بدرجة تجعل المستثمرين األجانب يحجمون عن االستثمار في لبنان .وعالوة على ذلك، فإن عجز هذه البنوك عن استثمار احتياطيها النقدي في تقدم االقتصاد اللبناني يصنع دائرة خبيثة من الركود الذي يمكن أن يتفاقم بمجرد أن تزول آثار أزمة السيولة وتستعيد المؤسسات المالية األخرى سيولتها. وبينما أتاحت السياسات التي وضعها رياض سالمة الفرصة للقطاع المصرفي اللبناني أن يتجنب عواقب أزمة السيولة الحالية في الخدمات المالية ،يبدو أن هذا الحظ السعيد لن يستمر .ففي ظل التعافي االقتصادي الذي يشهده العالم ،سوف تضطر لبنان إلى التمسك بسياسة مصرفية تقوم على أساس التحفظ الشديد لكي تتغلب على مشكالتها األمنية .وبينما تتعافى البنوك العالمية ،فإن الودائع التي أنعشت بنك عودة وبنك بلوم وبنك بيبلوس في عامي 2008و،2009 سوف تعود إلى حيث أتت نتيجة لتضاؤل معدالت االدخار المحلي .واالستقرار السياسي وحده من شأنه أن يتيح للنظام المصرفي اللبناني االستفادة من سيولته الحالية واستثمار احتياطيه النقدي الضخم لصالح االقتصاد اللبناني مستقبلاً .وحتى ذلك الحين ،سوف تكون البنوك اللبنانية بمثابة استثمارات ذكية ،لكن في أوقات األزمات االقتصادية العالمية فقط.
اقتصادي مقيم في لندن عمل سابقًا في جولدمان ساكس ،متخصص في األسهم العالمية واألسواق الناشئة 46
اقتصاد عالمي
والتنمية وسعى بهدوء من أجل تمكين الحزب من الوصول إلى سدة الحكم .ولم تلفت نتيجة االنتخابات األنظار؛ حتى وإن كانت غير متوقعة بالنسبة للكثير من المراقبين ،فقد فاز الحزب في االنتخابات العامة 2002بأغلبية كبيرة. واليوم ،هناك اعتقاد شائع بأن مجال األعمال في تركيا قد تحسن بشكل ملحوظ منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في .2002 ومع ذلك ،فإن هذا التحسن لم يكن متجانسا ً وهناك دالئل واضحة اآلن على أن النشاط االقتصادي بشكل عام كاد يتوقف .وفي وقت مبكر من تنصيبه ،نجح حزب العدالة والتنمية في تحقيق االستقرار لالقتصاد الكلي من خالل دعم إصالحات االقتصاد الكلي بقوة ،األمر الذي ضبط بنجاح السياسات النقدية والمالية وأسعار الصرف ،واإلصالحات الهيكلية في النظام المصرفي والتمويل الحكومي .ونتيجة لذلك، ازداد متوسط معدل نمو إجمالي الناتج المحلي سريعاً ،وهبط معدل التضخم إلى أدنى مستوياته خالل 35عاماً ،وتراجع الدين العام بشكل هائل وحقق االستثمار األجنبي المباشر قفزة في النمو. يبدو أن االنتعاش الذي شهده االقتصاد التركي قد انتهى .فهناك دالئل تشير إلى زيادة معدالت التضخم وارتفاع عجز الحساب الجاري .ويبدو أن المؤشرات االقتصادية األخرى تنسجم أيضا ً مع هذا االتجاه الهبوطي :فتدفقات االستثمار األجنبي هبطت بشدة وزادت معدالت البطالة وانكمش إجمالي الناتج المحلي وارتفع عجز الموازنة. وبالرغم من أن األزمة االقتصادية العالمية أسهمت إسهاما ً ال يمكن إنكاره في التدهور العدد 1534
الذي شهده االقتصاد التركي ،كانت التوترات السياسية الداخلية من أبرز العوامل التي أثرت سلبا ً على االقتصاد .فقد كانت الفترة التي سبقت االنتخابات وأعقبتها مؤلمة بالنسبة لتركيا؛ «فالمخاوف القديمة» من الحركة اإلسالمية تجددت مع احتماالت خضوع البالد لحكومة حزب العدالة والتنمية .وخالل السنوات السبع الماضية ،كانت هناك مواقف كثيرة أصبح فيها االستقرار االقتصادي التركي في مهب الريح نتيجة للخالف السياسي المتزايد بين اإلسالميين والعلمانيين من الجيش والسكان. ثمة مثال جيد على هذا التوتر وتأثيره على االقتصاد التركي وهو النزاع الذي نشب في عام 2008بين رئيس محكمة االستئناف العليا عبد الرحمن يالسينكايا وحزب العدالة والتنمية. ففي مارس آذار ،2008طلب السيد /يالسينكايا بعد اقتراح دوغو سيالهسيوغلو (أحد جنراالت الجيش المتقاعدين) من المحكمة إلغاء حزب العدالة والتنمية مبرراً موقفه هذا بأن الحزب قد أصبح مرتعا ً خصبا ً لألنشطة المعادية للعلمانية وأن وجود الحزب وأنشطته تتعارض مع األفكار العلمانية في الدستور التركي .وأدى ذلك إلى تراجع تلقائي في ثقة المستثمرين الذي تُرجم إلى زيادة في معدالت االقتراض بالنسبة للخزانة إضافة إلى حدوث انخفاض مفاجئ في مؤشر بورصة اسطنبول .وتم التغلب على هذا العائق االقتصادي والمالي فقط في تموز يوليو عندما لم تقبل المحكمة دعوى يالسينكايا.
اقتصاد تركيا على باباجان خالل محاضرة عامة ألقاها اخيراً في كلية لندن لالقتصاد ،حين قال إن القطاع المصرفي التركي اجتاز األزمة المالية بشكل جيد نسبيا ً بفضل قوانينها العقالنية القوية .ونتيجة لذلك ،لم يكن القطاع المصرفي في تركيا بحاجة إلى إنقاذ الدولة له ماليا ً خالل األزمة األخيرة .ومع ذلك ،لم تحظ المؤشرات االقتصادية الرئيسية بنفس النجاح وانعكس انخفاضها على االنتخابات المحلية التي عُقدت مؤخراً .وأدت عوامل مثل ارتفاع معدالت البطالة ،وتقلص الناتج اإلجمالي المحلي ،وعدم استقرار العملة ،واحتماالت انكماش االقتصاد إلى خسارة حزب العدالة والتنمية لنسبة كبيرة من األصوات التي اعتاد الحصول عليها. ولكي نختتم المقال بنظرة تفاؤلية ،قامت وكالة فيتش -وهي واحدة من وكاالت التصنيف العالمية -بمراجعة التصنيف االئتماني لتركيا فيما يتصل بالعملة المحلية واألجنبية لتضعه في درجة أعلى .وأعرب بيان أصدره صندوق النقد الدولي أخيراً عن تحمس المنظمة بشأن «إطار العمل متوسط األجل» الذي أعلنته تركيا ويهدف إلى مواجهة تدهور مواردها المالية ،وتحفيز القطاع الخاص والنمو االقتصادي .وبالنظر إلى هذه التطورات المحلية والدولية ،سوف ينبئنا الزمن وحده بمدى كفاءة تركيا في تعزيز النمو االقتصادي وحماية اقتصادها من االضطرابات االقتصادية العالمية في المستقبل.
ومنذ عام ،2007تفاقمت العواقب االقتصادية التي ترتبت على هذه المناوشات السياسية بسبب اندالع األزمة االقتصادية العالمية في أواخر عام .2007هذا صحيح ولكن كما شدد وزير
ناتالي بوالماسيوجلو -باحثة مقيمة بلندن 45
اقتصاد عالمي
الليرة المريضة
التوتر الداخلي تسبب في تدهور اقتصادى وانخفاض االستثمارات األجنبيه بالرغم من نجاح الحكومة التركية في إصالح العديد من جوانب الخلل في اقتصاد البالد خالل المراحل األولى من تكليفها ،فإن التوترات السياسية التي يتسبب فيها حزب العدالة والتنمية بصورة غير مباشرة من وقت آلخر أثارت حالة من التذبذب وعدم االستقرار في االقتصاد التركي .وبالرغم من أن هناك بوادر تدل على إمكانية تعافي هذا االقتصاد ،فإن أنقرة ال يزال أمامها شوط طويل ..
أتراك يحتشدون في سوق ماهموتباسا في 24مارس 2009في اسطنبول. © Getty Images
في عصرنا الحالي ،لألسواق أهميتها ،بقدر ما للسياسة من أهمية .ففي ظل تأثير العولمة، يزداد التفاعل بين األسواق والسياسة على المستويين المحلي والدولي .ويمكن أن نلحظ هذا التفاعل بشكل خاص خالل االنتخابات الوطنية وبعدها .وهناك مؤشر يشيع استخدامه في تقييم مستوى نجاح أي انتخابات عامة وهو ردة فعل األسواق المالية العالمية والمستثمرين الدوليين لنتائج تلك االنتخابات .وقد تم تعزيز هذا االتجاه اخيراً من خالل تزايد استخدام األسواق الدولية كمصدر بديل لرأس المال لتغطية الحاجات المحلية للحكومات الوطنية .وفي هذا اإلطار، أصبحت االنتخابات العامة مليئة بالوعود وااللتزامات بهدف توجيه «نوايا» المرشح إلى تحبيذ السياسات المؤيدة لألسواق حال انتخابه. ومن هذا المنطلق يمكننا القول إن الهدف الضمني لبعض المرشحين في االنتخابات التركية سنة 27نوفمبر 2009
2002تمثل في بناء سمعة إيجابية لدى المستثمرين الدوليين .وينطبق نفس الشيء على حزب العدالة والتنمية؛ فأثناء حملته االنتخابية ،سعى الحزب جاهداً لتهيئة الرأي العام لتطبيق ما اعتبره زعماء الحزب بمثابة إصالحات معززة للسوق البد منها .ومن أبرز وعود الحزب االلتزامات التي قطعها على نفسه بإصالح االقتصاد التركي إلبرام صفقة تركيا مع صندوق النقد الدولي واإلسراع في انضمامها إلى االتحاد األوروبي. وكان عام 2002بمثابة نقطة تحول بالنسبة لالقتصاد التركي .فأوالً ،تم التخلي عن البرامج االقتصادية غير الناجحة التي تبنتها الحكومات السابقة .وحتى نفهم مدى أهمية هذا التغيير في السياسة االقتصادية في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية ،ينبغي أن نعود إلى عام ،2001وهو أحد أكثر األعوام سوءاً في تاريخ االقتصاد التركي الحديث.
كان عام 2001عاما سيئا .فقد واجهت تركيا ركوداً شديداً أدى إلى انخفاض قيمة الليرة التركية ،مما زاد من معدالت البطالة والفقر وتدهور االقتصاد الحقيقي بشدة .ومن الناحية السياسية ،كان هذا العام ناتجا ً في األساس عن عجز الحكومات السابقة عن إدارة وتعزيز اإلصالحات االقتصادية التي أدخلها تورجوت أوزال (الرئيس الثامن لتركيا) الذي سعى بين عامي 1989و 1993لتحويل تركيا إلى «أمريكا صغيرة» .ومن الناحية االقتصادية ،كان عام ،2001هو األسوأ بالنسبة لألزمات المصرفية والتضخم المزمن والنمو االقتصادي السيئ ومعدالت الفائدة الحقيقية واالسمية المرتفعة وتفاقم أعباء الدين العام. وفي هذا الصدد ،رحب مجتمع األعمال على المستويين المحلي والدولي ترحيبا حاراً باالستقرار الذي وعد به حزب العدالة 44
حالة االقتصاد اقتصاد عربى
المستثمر العالمي
األسواق
الليرة المريضة
العدد 1534
43
حوار
حوار انتقد بعض الناس الحكومة الحالية لتهنئتها محمود أحمدي نجاد بفوزه في االنتخابات التي جرت في وقت سابق من هذا العام .ولكن هذا هو ما فعلته الواليات المتحدة أيضا .فبالرغم من أن باراك أوباما قد يكون متعاطفا بشكل شخصي مع المتظاهرين في شوارع طهران ،فإنه يدرك تماما أنه ينبغي عليه الدخول في محادثات مع القوى السياسية الرئيسية هناك إذا كان يرغب في حل أزمة الملف النووي اإليراني .و تركيا تدرك هذا و تعيه تماما. المجلة :وما وجهة نظر تركيا بشأن برنامج إيران النووي؟ موقفنا واضح جدا .فنحن ضد امتالك أي بلد ألسلحة نووية ،ألننا نريد أن نعيش في منطقة خالية من األسلحة النووية .وهذا ينطبق على إيران كما ينطبق على إسرائيل ،أو أي دولة أخرى قد يراودها التفكير يوما ما في الحصول على أسلحة نووية .ولكن من ناحية أخرى ،فإن من حق أي دولة في العالم أن يكون لديها برنامج سلمي للطاقة النووية .ونحن اآلن بالفعل نقوم بأولى محاوالتنا لبناء محطة للطاقة النووية. وحلفاؤنا الغربيون ال يشعرون بالقلق إزاء هذه المحاولة ألنهم يثقون بنا .ولكنهم ال يثقون في إيران، مثلما ال يثق بها جيرانها من الدول العربية .وما تقوله تركيا هو أن المسؤولية تقع على عاتق طهران إلثبات أن برنامجها النووي يتم تنفيذه ألغراض سلمية .ولكن من ناحية أخرى ال يمكن بناء هذه الثقة من خالل عزل إيران ،وتهديدها بين الحين و اآلخر كما كانت إدارة جورج بوش تفعل. المجلة :هل الحظتم مخاوف الدول العربية في الشرق األوسط من تحسن العالقات التركية اإليرانية؟ أنا لم أالحظ ذلك ،بالرغم من أنني أعلم أن بعض صناع السياسة والمثقفين العرب قلقون من زيادة حجم الدور الذي تلعبه تركيا في المنطقة ،وخاصة بشأن قضية فلسطين.فالبعض يروج أن تركيا تسعى لسرقة دور مصر كوسيط في المنطقة .و هذا غير صحيح بالمرة فنحن موجودون هناك لمساعدة مصرو ليس لسرقة دورها .فالقضية الفلسطينية تشكل عبئا على وضغطا سياسيا هائال علي المجتمع المصري ،مما يزيد من صعوبة األمور عليها .كما أننا ال يمكننا أبدا أن ندعي قدرتنا على لعب نفس الدور الذي تلعبه مصر في السياسة العربية .فنحن لسنا عربا و ال تقع دولتنا في قلب العالم العربي من الناحية الجغرافية. المجلة :إذا فأنت ال توافق على وصف السياسة الخارجية التركية الجديدة بأنها نوع من العثمانية الجديدة؟ ببساطة شديدة لم تعد العناصر األساسية لذلك النظام العالمي موجودة .ولكن بالرغم من تحفظاتي الشخصية على نموذج الدولة القومية ،فإنه في الواقع نموذج مقبول من قبل غالبية شعوب المنطقة .وباإلضافة إلى ذلك فدعونا ال ننسى أن كل القوى العظمى قد شكلت جزءا من تاريخ المنطقة في القرن ونصف القرن الماضيين .والعناصر الموضوعية البسيطة لما يمكن أن نسميه بالعثمانية الجديدة ليست موجودة .وتركيا فى حقيقة األمر ليست مهتمة بهذا النوع من الرؤية االمبريالية. المجلة :إذا ما هي رؤيتكم بالنسبة للمنطقة؟ لو سألت المواطن التركي العادي عن رؤيته الجغرافية العدد 1534
لتركيا ستجد أنها تمتد إلى أبعد من الحدود الوطنية. فهي تمتد حتى تصل إلى أراضى أجداده في آسيا الوسطى والصين .كما أنها تشمل األراضي السابقة في البلقان والشرق األوسط وشمال أفريقيا .وأعتقد أن هذا هو ما ينبغي أن يكون علية األمر .فمشروع االتحاد األوروبي ،على سبيل المثال ،ما هو إال وسيلة إللغاء كل الحدود .و لكننا معتادون في هذا الجزء من العالم على فكرة الحدود الصارمة العازلة التي تشبه جدار برلين .ولكن الجدران العازلة يجري هدمها اآلن في جميع أنحاء العالم .فلماذا إذا ال نحاول أن نفعل نفس الشيء هنا؟ وبطبيعة الحال ،فإن إنشاء اتحاد مثل االتحاد األوربي لن يكون بنفس البنية المحكمة والرسوخ القانوني مثل االتحاد األوروبي .ولكن هذا سيعنى على األقل أن ننظر إلى سوريا بطريقة مختلفة عن الطريقة التي ننظر بها إليها اآلن ،وأن نفعل نفس الشيء مع العراق .فالمسألة ليست محاولة تحسين العالقات بين دولة ودولة ،بقدر ما هي محاولة تحسين العالقات بين شعب وشعب. المجلة :هل حان الوقت للقضاء على اآلثار التي خلفتها الحرب الباردة في المنطقة؟ بالتأكيد .فقد عبر وفد من وزراء تركيا الحدود إلى سوريا في شهر أكتوبر كنوع من اإلزالة الرمزية للحدود ،وذلك بعد حوالي 20عاما تقريبا من سقوط حائط برلين .وقد أعلن هذا الوفد أن المواطن السوري والتركي لم يعودا بحاجة لتأشيرة لزيارة أي من الدولتين .و ما نفعله حاليا ليس أكثر من مواصلة هذه الجهود إلزالة آثار الحرب الباردة .وهذا هو السبب في أنني أكدت في وقت سابق على أهمية ما يمر به المجتمع التركي في الوقت الحالي و أهمية رجال األعمال األتراك .فبعد عقود من العيش في عالم يسوده االستقطاب ،بدأ األتراك يدركون أن الحياة ليست مجرد لونين ،أبيض و اسود ،أو حلف وارسو والحلف الغربي. المجلة:هل هناك شعور متزايد بالحنين إلي العثمانية في تركيا ؟ أعتقد أن ما نراه هو استعادة بطيئة لذكرى اإلمبراطورية العثمانية بعد 80عاما من الدعاية التي تقوم بها الجمهورية و التي صورت هذه اإلمبراطورية علي أنها متخلفة واستبدادية .بالنسبة لي ،فان تجدد االهتمام بهذه اإلمبراطورية يشبه الطريقة التي كان يفكر بها مؤسسو الفكر الفلسفي الحديث في أوروبا .وقد وجد اشخاص مثل نيتشه وهايدغر أن إلهامهما يستمد من وثنية اإلغريق الذين كان لهم أقدام راسخة في عالم الفكر والكتابة قبل أن تتشكل معالم الحداثة .وعلى مستوى واحد ،فاألتراك مثل شعوب اإلمبراطوريات األخرى ،يشعرون بالفخر بماضيهم. األهم من ذلك ،أن اإلمبراطورية العثمانية تذكرنا بأننا كنا في يوم من األيام أمة مؤلفة من هويات متعددة. وأعتقد أن معرفتنا بأننا كنا قادرين على العيش في وئام لمدة 600عام ،سوف تثري الخيال التركي في القرن الحادي والعشرين المجلة :يعتقد البعض مؤخرا سواء داخل تركيا أو خارجها أن تركيا « تتجه بعيدا عن الغرب « هذا اليخلو من ازدواجية في المعايير .فعندما كانت الواليات المتحدة تتخذ خطوات لتحسين العالقات مع روسيا ،كان ينظر إليها على أنها تساعد علي تحقيق السالم العالمي .و عندما قامت تركيا بفعل نفس الشيء ،اتهمت بأنها تستعرض مبادئ حلف شمال األطلسي.
إن إجراءات انضمام البلدان األخرى لعضوية االتحاد األوروبي تمضي قدما خطوة بخطوة .ولكن قيل لتركيا أنها لن تكون أبدا عضوا كامال باالتحاد األوروبي .و عندما احتجت تركيا،قال البعض إن الحكومة قد تخلت عن جهودها لالنضمام إلى االتحاد األوروبي ،و تحاول التقرب من الشرق. المجلة:إذا أنت ال تتفق مع هذا الرأي ؟ يتضح من ذلك أن فلسفة الحرب الباردة و النفوذ األوروبي ما زاال قائمين .فالحكومة و الشعب التركي ليس لديهما نية لالبتعاد عن الغرب .فبينما تزداد صادراتنا إلي الشرق ،تظل أكثر من نصف صادرات تركيا متجهه إلى أوروبا .فتركيا ال تستعد لمغادرة حلف شمال األطلسي,كما أنها غير مستعدة لمغادرة عشرات المنظمات السياسية والثقافية األوروبية --مثل منظمة األمن والتعاون في أوروبا والبرلمان األوروبي --التي هي عضو فيها .على العكس من ذلك ،فإن الجهود والتضحيات التي تبذلها لالنضمام إلى االتحاد األوروبي ال مثيل لها مقارنة بأي دولة أخرى المجلة :وبالرغم من ذلك يبدو أن حماس الحكومة لمشروع االتحاد األوروبي قد انخفض بشكل كبير منذ عام 2005 أن خرق فرنسا وألمانيا لالتفاقات الموقعة عندما بدأت تركيا إجراءات االنضمام في عام 2005قد أثر سلبا على الجمهور ،و ليس الحكومة فقط .و يقع جزء من اللوم علي التقارير اإلعالمية :فقد سمعنا الكثير عن معارضة الرئيس الفرنسي نيكوال ساركوزي النضمام تركيا ,أكثر مما سمعنا عن تأييد المملكة المتحدة لهذا االنضمام .ولكن هذه العملية ال تزال تحت السيطرة. ففي حين تظهر استطالعات الرأي أن نحو 40في المائة من األتراك ال يعتقدون أن أوروبا سوف تتقبلهم، تظهر هذه االستطالعات أيضا أن أغلبية األتراك يدعمون االنضمام .خوفي الشخصي أنه إذا طالت هذه العملية في االتحاد األوروبي ،فإن تركيا قد تفقد حماسها لالنضمام تماما. المجلة:إذا ما العمل ؟ تركيا لم تعد بلدا خامال تعيش في ظل القوىالعظمى في عالم الحرب الباردة .و التاريخ لم يعد يتدفق من الغرب إلي الشرق .و لم يعد هناك محور غربي مقنع .والسؤال هو هل أوروبا لديها الرؤية اإلستراتيجية للخروج إلى العالم الجديد .هل ستحول نفسها من قوة قارية إلى قوة ناعمة فعالة مؤثرة على نطاق أوسع؟ وهل ستبقي سجينه المناقشات الفنية حول تشريعات االتحاد األوروبي ،بحيث ال تتجاوزرؤيتها الجيوسياسية الحدود البلغارية التركية؟ أولئك الذين يفسرون التغيير علي أنه تهديدا سوف يتجاهلهم التاريخ.ولهذا السبب يتعين على تركيا أن تستميت في مواصلة جهودها اإلصالحية مستقلة عن العقلية األوروبية . ،فإذا تسنى لنا أن نعرف طريقنا في الوقت الذي تشعر فيه أوروبا وأمريكا بالتخبط، فمن يكون المخطئ إذا ؟
أجرى الحوار نيكوالس بيرش صحفى تركي بجريدة وولستريت جورنال والنيوبوك تايمز 41
حوار
عثمانية جديدة إبراهيم كالين ،كبير مستشاري الشئون الخارجية التركى عمل إبراهيم كالين مستشارا للشئون الخارجية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان منذ مايو 2009وحتى تم تعيين أحمد داود اوغلو وزيرا للخارجية .وكان وقته مقسما قبل ذلك بين وظيفته كمدرس في جامعة جورج تاون ومؤسسة «سيتا» للبحوث السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي أسسها في أنقرة .وقد حصل السيد كالين على الدكتوراه من جامعة جورج واشنطن ،وألف عدة كتب عن اإلسالم والغرب ومفهوم المعرفة في الفلسفة اإلسالمية المتأخرة.
المجلة :هل توافق على أن السياسة الخارجية التركية قد تغيرت تغيرا جذريا في السنوات الخمس الماضية أو نحوها؟ أعتقد أنه كان هناك تواصل مع الماضي بقدر ما كان هناك تغيير .ولنأخذ إسرائيل على سبيل المثال .فالناس تعتقد أن تركيا قد أدارت ظهرها إلسرائيل ألن حزب العدالة والتنمية هو «حزب إسالمي» له أهداف خفية يسعى لتحقيقها .وهذا ليس صحيحا .فتركيا كانت أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل عام .1948ولكنها كانت أيضا أول دولة تسحب سفيرها من إسرائيل عندما أضرم المتطرفون اليهود النار في المسجد األقصى في عام .1968وعندما وقعت حادثة جنين في عام ،2002وصف رئيس الوزراء الراحل بولنت أجاويد، وهو سياسي علماني ،و ليس حزب العدالة والتنمية، الحادثة بأنها إبادة جماعية .و قد ظلت هذه الحكومة 27نوفمبر 2009
حتى عام 2008تعمل على تسهيل المفاوضات السورية اإلسرائيلية .فاإلسرائيليون والسوريون كانوا يثقون بنا و نحن أيضا كنا نثق بهم .ولكن حملة غزة هزت هذه الثقة .وهذا هو حال العالقات بين الدول. فهي تارة في صعود و تارة أخرى في هبوط. المجلة :لكن باستثناء إسرائيل ،يبدو أن هناك العديد من التقلبات صعودا و هبوطا في العالقات الثنائية في اآلونة األخيرة بين تركيا وعدد من الدول األخرى مثل روسيا وأرمينيا وإيران والعراق وسوريا واليونان وأفريقيا؟ لقد جددت تركيا من ثقتها بنفسها .أصبحنا نشعر أننا كدولة لدينا ما نقدمه لهذه المنطقة في هذا الوقت بالذات الذي يشعر فيه الغرب بالحيرة إزاء األوضاع في العراق وأفغانستان والشرق األوسط والقوقاز.
فنحن نشعر بأننا لدينا القدرة أكثر من الغرب على فهم األوضاع في كل هذه الدول و استيعابها جيدا نظرا الرتباطنا بهذه الدول من الناحية الجغرافية والثقافية والتاريخية .والدور الذي تلعبه تركيا لم يعد مقصوراً على السياسة فقط .فقد عرفت تركيا كيف تستفيد من العولمة بشكل غير مسبوق .فنحن أكبر اقتصاد في المنطقة بعد روسيا ،بل إن اقتصادنا أكثر توازنا من االقتصاد الروسي .ورجال األعمال األتراك منتشرون في كل مكان. المجلة :هل هناك خطر من فشل تحرك تركيا نحو إقامة عالقات متعددة األطراف مع إيران تقوم على أساس التوازن ؟ ال يختلف ما نقوله عن إيران في جوهره كثيرا عما يقوله عنها أصدقاؤنا األمريكيون واألوروبيون .فقد 40
بروفايل تطبيق «الديمقراطية المحافظة» ال يعدو كونه مجرد «تمثيلية» .فعندما دعا المدعي العام في أنقرة إلى ضرورة إغالق حزب العدالة والتنمية في مارس /آذار 2008باعتباره «مركز تنسيق ألنشطة مناهضة للعلمانية»، تصدر أرينج قائمة الساسة الذين وردت اسماؤهم في الصفحة 162من الئحة االتهام. وعندما تصاعدت حدة الخالفات بين الحكومة والجيش والقضاء في تركيا ،بعد عام ،2004لم يشجب أحد مثلما فعل أرينج ما اعتبره مخططات غير شرعية من قبل النخبة البيروقراطية ،حيث قال في إحدى المناسبات« :ال توجد مشكلة في النظام الحاكم لهذا البلد ،ولكن يوجد جدل حول من يسيطر على مقاليد الحكم في البالد». كان رئيس البالد في ذلك الحين علمانيًا متشددًا. وكانت زوجته ،الم ّدرسة المتقاعدة ،و التي لم تكن ترتدي غطاء رأس ،رم ًزا للمثل العليا الحديثة السائدة في الجمهورية .ومع االستقطاب األيديولوجي الذي كانت تشهده البالد في ذلك الوقت ،وتآمر كبار الضباط لإلطاحة بالحكومة (كما أصبحنا نعرف اآلن) ،قرر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ترشيح شخص يرتضيه جميع األطراف .وقد رفض بولنت أرينج ،الذي كانت زوجته تغطي رأسها مثل زوجة السيد أردوغان ،ترشيح مرشح مثل هذا قائلاً « :إن شعبنا يريد رئيسًا مدنيًا يتسم بالورع ويحكم بالديمقراطية ..رئيسًا ترتدي زوجته الحجاب» .و خالل اجتماع دام ساعتين مع السيد أردوغان ،أعرب فيه أرينج عن استعداده للتضحية بمنصبه كرئيس للبرلمان، وكان له ما أراد .فقد أعلن السيد أردوغان في اليوم التالي أن وزير الخارجية عبد هللا جول هو مرشح الحزب ،مما أدى إلى قيام القضاء بمحاولة تخريب االنتخابات مع تهديدات بالتدخل العسكري في أبريل/نيسان.2007 ويعتقد الصحفي ،سدات بوزكورت ،الذي كانت عالقته قوية ببولنت أرينج لما يقرب من عقدين كاملين ،أن سلوك أرينج أثناء األزمة الرئاسية كان سمة مميزة للرجل .حيث يقول بوزكورت« :إنه عنيد ،ويفكر بشكل مستقل .وبالرغم من طموحه الكبير ،فإنه لم يسع لتولي المناصب العليا في الدولة» .وهذه الصفات جعلت أرينج يتمتع بشعبية عريضة، ولكنها خلقت له في نفس الوقت عددًا غير قليل من األعداء ،منذ أن بدأ في تسلق سلم السياسية مرة أخرى في أواخر الثمانينيات. وقد انجذب أرينج ،الذي كان نجلاً ألحد العسكريين و محاميًا جنائيًا ناجحًا في مسقط رأسه ببلدة مانيسا بغرب تركيا ،مثل غيره من شباب المحافظات في السبعينيات بأول سياسي إسالمي في ذلك الوقت في تركيا ذات التعددية الحزبية ،نجم الدين أربكان ،والذي كان إعجاب الشباب به يزداد يو ًما بعد يوم. وبحلول عام ،1991كان حزب أربكان، العدد 1534
حزب الرفاة ،قد أصبح قويًا بما يكفى للفوز في االنتخابات بنسبة .٪ 18.5وقد كان هناك الكثير من الجوانب المشتركة بين أيديولوجية أربكان – المعروفة بـ›الرؤية الوطنية» -وبين األفكار اإلسالمية اليسارية التي كانت سائدة في بقية العالم اإلسالمي في ذلك الوقت و التي تشمل العداء للغرب والمعاداة للعلمانية ورفض الليبرالية االقتصادية .لقد كانت أيديولوجية أردوغان تدعو إلى دعم مجتمع أكثر عدلاً وأخالقا تتمتع فيه الصناعة بدعم من الدولة.
بالرغم من أن أرينج ال يزال من أكثر المحافظين دينيًا داخل حزب العدالة والتنمية من بين القادة الثالثة للحزب (على الرغم من أن أردوغان يقترب منه كثي ًرا في هذا الشأن)، فإنه قد تغير كثي ًرا منذ أن كانت أيديولوجية أربكان تكاد تسيطر على األوساط اإلسالمية في تركيا ونظرًا ألنه يعد اليوم واحدًا من أكثر الخطباء شهرة و بالغة في السياسة التركية اليوم، سرعان ما صعد بولنت أرينج في سلم المناصب .فبحلول عام ،1991كان أرينج رئيس حزب الرفاة في مانيسا .وبعد ذلك بأربع سنوات ،كان عض ًوا في البرلمان في ظل حكومة ائتالفية يقودها حزب الرفاة .ولكنه كان قد اشتهر بين الجيل األكبر سنًا في الحزب بأنه مشاغب .فقد كان أرينج يتسم باإلصرار وعدم الرضوخ ويسعى دائ ًما لتحقيق أهدافه .وقد دعا إلى تطبيق المزيد من الديمقراطية داخل أروقة الحزب .وانتقد موقف حزب الرفاة المناهض ألوروبا .كما انتقد قرار أربكان بتشكيل حكومة ائتالفية في عام 1995مع أحزاب اشتهرت بالفساد .وفي عام ،1995انتخبه أعضاء الحزب عض ًوا في المجلس التنفيذي، نظرًا للمعارضة التي كان يشنها األعضاء الكبار في السن من الدائرة المقربة ألربكان. وحدثت أول بادرة لالنشقاق ،كان من شأنها أن تؤدي إلى حدوث انقسام في السياسة اإلسالمية، بعد خروج حزب الرفاة من السلطة على يد حملة عسكرية منظمة في عام 1997وتم إغالقه .و في عام ،2001استقل أعوان أربكان السابقون، رجب طيب أردوغان وعبد اللـه جول و أرينج، وقاموا بتشكيل حزب العدالة والتنمية .وكان أردوغان وعبد اللـه جول في نظر كثير من اإلسالميين التقليديين اثنين من الخونة .ولكنهم
نظروا النفصال أرينج عن الحزب على أنه نتيجة حتمية لسنوات من المعارضة المنظمة. وهذا االرتباط مع التيار المحافظ في السياسة التركية هو ما يفسر النفوذ الكبير الذي يحظى به أرينج داخل حزب العدالة والتنمية ،وهو الحزب الذي يجمع بين القوميين واإلسالميين كما قد يفسر والليبراليين التقليديين. لماذا عينه أردوغان نائبًا لرئيس الوزراء بعدما ضاعف أحد األحزاب اإلسالمية التقليدية من دعمه في االنتخابات المحلية التي عقدت في مارس/آذار من هذا العام. ولكن كل هذا ال يعني ،كما يقول بعض المنتقدين ألرينج ،أنه ممثل «الرؤية الوطنية» داخل حزب العدالة والتنمية .فبالرغم من أن أرينج ال يزال من أكثر المحافظين دينيًا داخل حزب العدالة والتنمية من بين القادة الثالثة للحزب (على الرغم من أن أردوغان يقترب منه كثيرًا في هذا الشأن) ،فإنه قد تغير كثيرًا منذ أن كانت أيديولوجية أربكان تكاد تسيطر على األوساط اإلسالمية في تركيا. وفي حين كان حزب الرفاة معاديًا للغرب ،كان أرينج ،على األقل حتى عام ،2005واحدا من أكثر المؤيدين داخل حزب العدالة والتنمية لمحاولة تركيا االنضمام لالتحاد األوروبي. وفيما يتعلق بالتدخل العسكري في السياسة، يعتبر أرينج من أكثر من يتمتعون بفكر مدني في هذا الشأن .فمن الصعب تخيل أن أردوغان يمكن أن ينتقد دارًا للرعاية الصحية تحث نزالئها من المرضى على الوقوف لتحية النشيد الوطني ،مثلما فعل أرينج ،حيث قال: «هل هذه دار للرعاية أم وحدة عسكرية!». ولكن من ناحية أخرى فقد غير أرينج معظم مواقفه تجاه المشكلة الكردية مثلما فعل أردوغان وغول .فعندما قتل صدام حسين اآلالف من األكراد بالغاز في حلبجة في عام ،1988لم يعترض بكلمة واحدة ،كغيره من األتراك .كما لم يكن لدى حزبه أية مقترحات بشان إيجاد حل للنزاع الكردي الذي كان قد بدأ في جنوب شرق تركيا في عام .1984 واليوم ،يجوب أرينج وأردوغان البالد في إطار جهودهما الرامية إلقناع الشعب التركي بالحاجة الملحة إليجاد حل سلمي للحرب .ويعتمد نجاح هذا التحول الجذري في السياسة بشكل كبير على الشخصية الكاريزمية التي يتمتع بها أردوغان .ولكن هذا ال يعنى أن أرينج ،الذي صفق له الطالب األكراد بحرارة في ديار بكر ثان ،ليس لديه دور في 11نوفمبر/تشرين ٍ رئيسي يمكن أن يلعبه هو أيضا .فالمحافظون يثقون به أكثر من ثقتهم في أي عضو آخر من أعضاء حزب العدالة والتنمية .وإذا ما نجح أرينج في حملهم على الوقوف معه ،فإنه قد ينجح في تحقيق المستحيل ،وهو فصل اإلسالم التركي عن القومية التركية. 39
بروفايل
رجل تركيا المشاغب بولنت أرينج نائب رئيس الوزراء
يعد بولنت أرينج ،نائب رئيس وزراء تركيا ،المشهور بجرأته ،و الذي يعتبره بعض خصومه من كبار المتشددين في السياسة التركية ،شخصية مهمة في حزب العدالة والتنمية .حيث لعب دو ًرا محوريًا في مبادرات المحافظين المثيرة للجدل في تركيا خالل األعوام السبعة األخيرة.
«أقلق كثيرًا عندما يستخدم الناس أسماء المذاهب في حديثهم .فاإلسالم دين جيد ،بينما اإلسالموية ليست كذلك .وأتاتورك شخص جيد أيضًا ،ولكن أولئك الذين يستغلون ذكراه و يطلقون على أنفسهم لقب الكماليين ليسوا كذلك. فقد كان أتاتورك بشرًا فانيًا ،وليس نصف إله.. والعلمانية تعنى الحرية .وبالرغم من انتشار العلمانية في الغرب ،فإن الغرب ليس علمانيًا». هذه كانت صراحة نائب رئيس الوزراء التركي 27نوفمبر 2009
والعضو البارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم، بولنت أرينج في كلمته التي ألقاها أمام الطالب الجامعيين في مدينة ديار بكر ذات األغلبية الكردية في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين ثان. و رغم أن كثيرين اعتبروا هذه الصراحة مقصودة من أرينج الثارة األتراك المتشبثين بتراث العلمانية -والسلطوية – التي خلفها من وراءه بطل تركيا في حرب االستقالل .إال أن الخطاب أظهر في نفس الوقت مدى التغير الكبير
الذي حدث في المواقف السياسية اإلسالمية التركية على مدى العقود الثالثة الماضية. وقد ال يتفق الماليين من األتراك في أن خطاب أرينج يدل على أن هناك تغييرًا قد حدث في المواقف السياسية اإلسالمية التركية .فبولنت أرينج ،كما يراه أعداؤه ،هو زعيم مجموعة من المتشددين داخل الحزب الحاكم ،مما يدل على أن ما يدعيه حزب العدالة والتنمية من تخليه عن اتباع السياسات اإلسالمية من أجل 38
شخصيات بروفايل
حوار
رجل تركيا
المشاغب
بولنت أرينج نائب رئيس الوزراء العدد 1534
37
27نوفمبر 2009
36
أفكار
القصور و الخلل الموجودة في تركيا. غير أن هناك بعض المجاالت التي يمكننا التركيز عليها في هذه المناقشة. وبالطبع فإن هناك مجاالت أخرى غيرها ،ولكن هذا ليس مجال ذكرها. وثمة قضيتان مرتبطتان ببعضهما البعض يجب على تركيا أن تواجههما لكي تتمكن من معالجة االستقطاب الحالي في النظام السياسي .و هاتان القضيتان هما تاريخ تركيا ونوعية الديمقراطية الموجودة بها .وتشكل القضية األولى اإلطار والخلفية للديمقراطية المطبقة في تركيا .ومن ثم فهي بمثابة المسرح الذي تنفض أحداث الديمقراطية عليه .وتركز القضية الثانية على مجاالت محددة في النظام السياسي التركي ،خاصة المجتمع المدني والحريات والحقوق الديمقراطية المتعلقة بها .وبعبارة أخرى ،تختص هذه القضية باألبطال الذين سيقومون بأداء األدوار الرئيسية على مسرح األحداث.
المسرح إن التعامل مع التاريخ ليس مهمة سهلة. وعلي وجه الخصوص ،ال توجد دولة تحب أن تواجه أخطاء الماضي ومع ذلك فان تجاهل هذه األخطاء ليس خيارًا مطروحًا .فالماضي دائ ًما موجود و شاخص أمام الدولة باستمرار. ولكن تركيا تمر في الوقت الحالي بعملية صحية تتمثل في التطلع إلى ماضيها الذي اليخلو من جراح في بعض فتراته .فمبادرة الحكومة الحالية ‹لالنفتاح الديمقراطي› في التعامل مع القضية الكردية ؛ والبروتوكوالت التي تم توقيعها في سويسرا ،بين تركيا وأرمينيا في 10أكتوبر /تشرين األول ،2009تشير إلى أن تركيا تسير في الطريق الصحيح وذلك بالرغم من الدراما المحيطة باألحداث ،وإن كان ذلك اليتم بشكل كاف . ِ وقد ثار جدل هذا العام ،حول ما إذا كان من الممكن محاكمة القادة العسكريين المتورطين في انقالب 12سبتمبر/ أيلول ،1980حيث تم االحتجاج بأنه ال تزال هناك حاجة ألن يتصدى المجتمع التركي للماضي السياسي الخاص بالدولة .وإن كان ذلك من التطلعات المشروعة ،فإن محاكمة أبطال هذا العدد 1534
الماضي قد ال تكون الطريقة المثلى للمضي قدما ،وأشك أن يكون ذلك مفيدًا في ظل المناخ السياسي الحالي. وبعبارة أخرى ،بدال من تصدي تركيا لهذه المسألة المحورية ،وهي التصالح مع الماضي ،فإن تركيا قد تكون غارقة في فترة أخرى من الحدة واالستقطاب.
ويستطيع مجتمع مدني أقوى في تركيا ،حال ظهوره ،أن يسهم في تحقيق مستوى أعلى من الثقافة المدنية والديمقراطية وحكم أفضل ففي المجتمعات التي تمزقها الصراعات وغيرها من العلل السياسية األخرى ـ والتي تفوق الوضع في تركيا في بعض المجتمعات – تقوم الحكومات بإنشاء لجان للحقائق والمصالحة .وعلي العكس ،عندما يكون هناك نقص في اإلرادة السياسية الالزمة لمتابعة هذا المسار يتم تشكيل لجان مستقلة تحت رعاية جماعات من المجتمع المدني. وكال النموذجين تحدوهما الرغبة في توثيق أخطاء الماضي و التعامل معها، تمهيدًا لفتح الباب أمام المصالحة.
األبطال كانت الدولة دائما العبًا مه ًما ومهيمنًا في تركيا .وكانت فعلاً قطبًا مه ًما في إحدى الثنائيات التقليدية في البالد :الدولة في مواجهة المجتمع .ومرة أخرى ،ليس هذا الصدام حتميا .ويستطيع مجتمع مدني أقوى في تركيا ،حال ظهوره ،ان يسهم في تحقيق مستوى أعلى من الثقافة المدنية والديمقراطية وحكم أفضل. ويشمل تعزيز المجتمع المدني عدة مجاالت ،إال أنني سوف أستثني مجالين أساسيين في حالة تركيا هما الحريات األساسية وحقوق المرأة .وتحتاج تركيا أن تقطع شوطًا طويلاً لمواصلة طريق تعزيز هذه الحريات .والواقع أن الدولة التركية قطعت شوطًا ال بأس به في هذا
الصدد منذ أن تم ترشيحها لعضوية االتحاد األوروبي في عام .1999ومع ذلك ،ال تزال هناك قيود تمنع الشعب التركي من التمتع بحريته بشكل كامل، السيما على صعيد حقوق التعبير والصحافة .ولكي يحظى األتراك بنقاش بناء حول ماضيهم ومستقبلهم، البد أن يتمكنوا من التعبير والكتابة عن وجهات نظرهم وآرائهم دون الخوف من مالحقتهم .وهذا هو السبيل الوحيد لألمام ،ولم يتحقق حتى اآلن. ال تزال المرأة في تركيا بعيدة عن شغل مكانها في السياسة والمجتمع ومكان العمل .وال تستطيع الديمقراطية التركية أن تعمل بشكل صحيح إذا كان عدد كبير من مواطنيها مستبعدين .وتتحدث بعض األرقام عن نفسها :فوفقًا لبرنامج األمم المتحدة للتنمية في تركيا ،يبلغ معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة 24.8%بالمقارنة مع الرجال ونسبتهم ،% 71.3وتصل نسبة محو األمية بين البالغين 80.4%بين النساء و 96.0% بين الرجال ،ونسبة المقاعد التي تشغلها المرأة في المجلس الوطني بتركيا ضئيلة وتبلغ ،% 9.1و 0.56%فقط من رئاسة البلديات التي تديرها نساء. وهناك عوامل مثل زيادة مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار ،والتعليم، والقوى العاملة ،ويمكن لهذه العناصر أن تبرز قضايا المرأة ،وتعطيها ما يلزم من االستقاللية االقتصادية ،وتعزيز الديمقراطية .وباإلضافة إلى ذلك ،يمكن لهذا أن يسهم في معالجة مشكلة العنف المستمرة ضد المرأة .واتخذت الحكومة التركية والبرلمان في اآلونة األخيرة تدابير للتعامل مع قضايا المساواة بين الجنسين ،ولكنها تحتاج إلى أن تنفذ بشكل كامل وأن يتبناها مجتمع ال يزال محافظًا للغاية عندما يتعلق األمر بدور المرأة. وتمر تركيا بعملية مثيرة ومعقدة من التغيير .ولكي تنجح ،فإنها تحتاج إلى التواصل -ولكن بطريقة بناءة- مع تاريخها وأن تحسن من ثقافة الديمقراطية لديها .وربما يكون هذا السبيل الوحيد لكسر دائرة االستقطاب في نهاية المطاف. باحث في الشئون التركية ،ومحاضر بجامعة أكسفورد. 35
أفكار
لغز تركيا
الديمقراطية طريق أنقرة الوحيد إلى حلم االتحاد األوروبي
لن تحل مشاكل تركيا الحالية إال من خالل وجود نظام ديمقراطي قوي ..وبالرغم من أن البعض قد يعتبر ذلك مجرد «كليشيه»، فأن ال ينفى كون هذا الحل هو أفضل الحلول الممكنة.
أطفال أتراك يلوحون باألعالم خالل جتمع مناهض للحكومة شهده آالف األتراك في مايو 7002في مدينة مانيسا التركية .وقد تظاهر عشرات من حاملي األعالم األتراك يوم السبت في ثالث أكبر احتجاج ضد احلكومة خالل شهر واحد وسط صراع مرير حول دور الدين في سياسة الدولة ذات األغلبية املسلمة. © Getty Images
عندما يثور الجدل حول السياسة التركية ،تقفز دائ ًما إلى األذهان أفكار سيرف ماردين المتعلقة بـثنائية «المركز والهامش» ،وما تتناوله من صراع بين واقعين مختلفين .وقد امتدت هذه الثنائية اليوم لتشمل جميع أنواع العالقات التي يحتمل أن يكون هناك تضارب بين أطرافها ،مثل العالقة بين الدولة والمجتمع أو بين األتراك المتدينين واألتراك العلمانيين أو بين األتراك واألكراد أو بين السنة والعلويين. 27نوفمبر 2009
وبالرغم من أنه ال يمكننا إنكار وجود مثل هذه الثنائيات في المجتمع والسياسة التركية ،فإننا يجب أال نأخذها على أنها أمر مسلم به .فمازالت هناك إمكانية لتحسين العالقات البينية وحل الخالفات الواضحة الموجودة على معظم األصعدة ،سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع. ولن تحل مشاكل تركيا الحالية إال من خالل وجود نظام ديمقراطي قوي.
وبالرغم من أن البعض قد يعتبر ذلك مجرد «كليشيه» ،فإن ذلك ال ينفى كون هذا الحل هو أفضل الحلول الممكنة خاصة إذا رغبت انقرة فى تحقيق حلمها باالنضمام إلى االتحاد األوربي .وعالوة على ذلك ،فإن من ضمن المميزات التي تتمتع بها الديمقراطية أنها تتقدم باستمرار ،بحيث يمكن تحسينها من خالل الممارسة المطردة .ولكن كما في معظم الديمقراطيات في العالم ،ليس بوسع الديمقراطية معالجة جميع أوجه 34
لغز تركيا
بقلم ريكاردو بورخيس دي كاسترو العدد 1534
33
أفكار
27نوفمبر 2009
32
أكثر من رأي
تجربة ال تقبل التكرار
تركيا المعاصرة محصلة لثالث عمليات تاريخية كبرى
قامت الدولة التركية المعاصرة كنتيجة لثالث عمليات تاريخية كبرى هي سقوط الخالفة وصعود القومية والتطور السياسي الديمقراطي مما أكسبها عوامل للتفرد يصعب تكرارها في أي دولة أخرى بالشرق األوسط. ال يوجد بين دول العالم اإلسالمي الراهن بلد له عمق الميراث اإلسالمي والعلماني لتركيا في آن معًا ،فالخبرة السياسية لتركيا هي خبرة فريدة بين دول الشرق األوسط .تركيا الحديثة هي وريثة اإلمبراطورية العثمانية والخالفة اإلسالمية التي تحولت إلى الدولة العلمانية الوحيدة ،أو على األقل؛ أكثر دول العالم اإلسالمي علمانية .تركيا المعاصرة هي محصلة لثالث عمليات تاريخية كبرى تفاعلت معًا لتكوين تركيا الحديثة ،وهي سقوط الخالفة وصعود القومية العلمانية وأخيرًا التطور السياسي الديمقراطي. سقوط الخالفة وصعود العلمانية القومية كانا عملين مترابطين ومتداخلين بدرجة شبه كاملة. فالنزع الكامل للشرعية السياسية عن دولة الخالفة اإلسالمية .لم يحدث -كما قد يظن البعض -عندما قام مصطفى كمال بإلغاء الخالفة في عام ،1924وإنما حدث قبل ذلك بعدة سنوات عندما انهزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية األولى واجتاح الحلفاء أرضها ،وخاصة عندما قبل الخليفة/السلطان نتائج الحرب ،ووضع ممثلوه الرسميون توقيعهم على معاهدة سيفر في أغسطس/آب .1920 فبينما كانت حركة المقاومة القومية بقيادة مصطفى كمال مشغولة بمقاومة االحتالالت األجنبية المتعددة التي وقعت تحتها أراضي الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية األولى ،كانت حكومة السلطان) الخليفة( تتفاوض على التقسيم الجائر ألراضي الدولة الي مجموعة من مناطق االحتالل(النفوذ البريطاني والفرنسي واإليطالي واليوناني) ،بما في ذلك عاصمة الدولة في استانبول التي تم ْ نزع سالحها ووضْ عها تحت والية دولية مشتركة ،وإقليم أزمير الذي تم وضعه تحت إدارة اليونان -العدو التاريخي -تمهيدًا لضمه اليها .وبينما أصدر السلطان فتوى تصف المقاومة القومية بالخروج علي اإلسالم خوفًا من انتصارها على حكم آل عثمان ،كانت المقاومة تحقق االنتصارات على القوى التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية األولى ،وتجبرهم على توقيع معاهدة لوزان في يوليو/تموز ،1923 وهي المعاهدة التي تضمنت أول اعتراف دولي بتركيا كدولة مستقلة ذات سيادة في حدودها الحالية، والتي يمكن اعتبارها المعاهدة المؤسسة لدولة تركيا الحديثة. لم يحدث في أي من بالد العالم اإلسالمي أن جرت المواجهة بين القومية والعلمانية من ناحية وبين الدين والسلطة الدينية من ناحية أخرى بهذا القدر من الوضوح ،كما لم تتح للناس في أي بلد الفرصة للمقارنة بهذا الوضوح بين قدرة وكفاءة وإخالص القومية العلمانية من ناحية والسلطة الدينية من ناحية أخرى .فبينما كانت السلطة الدينية تخسر موقعًا وراء اآلخر ،كان القوميون العلمانيون يؤسسون ليس فقط سلطتهم وإنما أيضا شرعيتهم التي سمحت لهم في النهاية بتأسيس الجمهورية التركية على أسس قومية وعلمانية ال لبس فيها. فالقومية العلمانية في تركيا ليست كما قد يظن البعض 27نوفمبر 2009
د.جمال عبد الجواد شيئًا مفروضًا بشكل قسري على األمة التركية ،وإنما هي نبت طبيعي يعكس الخبرة التاريخية الفريدة لألمة والدولة ،األمر الذي أتاح لها جذورًا يصعب تحدِّيها أو اقتالعها باعتبارها الحركة واإليديولوجيا المؤسسة للدولة التركية الحديثة ،والذي منح لنفوذها أساسًا أخالقيًّا وسياسيًّا قويًّا ال يمكن تجاهله حتى بعد أن تغيرت موازين القوة السياسية.
القومية العلمانية في تركيا ليست مفروضا كما قد يظن البعض شيئًا ً بشكل قسري على األمة التركية، وإنما هي نبت طبيعي يعكس الخبرة التاريخية الفريدة لألمة والدولة، جذورا يصعب األمر الذي أتاح لها ً تحدِّيها أو اقتالعها العملية التاريخية الثالثة التي تشكلت بمقتضاها دولة تركيا الحديثة هي؛ عملية توسيع نطاق النظام السياسي التمثيلي ليشمل قوى اجتماعية وسياسية جديدة لم تتمتع بنفس القدر من التمثيل في المرحلة الالحقة مباشرة لتأسيس الجمهورية. لم يكن تحول تركيا من نظام الحزب الواحد السلطوي إلى نظام التعددية الحزبية الديمقراطي باألمر السهل .فمنذ تم إجراء أول انتخابات تعددية في البالد عام ،1950وحتى اآلن كانت عملية توطين الديمقراطية في البالد عبارة تدور في اطار من الصراع والتوتر بين القوى التي تبنت نموذج الجمهورية القومية العلمانية ،وقوى متعددة أخرى، بما فيها قوى إسالمية ،حاولت تحدي هذا النموذج. وعبر أكثر من نصف قرن من التوتر والصراع بين الفريقين تعلَّم الفريقان آليات التفاوض وتبادل التنازالت ،في عملية معقدة للترويض المتبادل، حتى وصلت تركيا للدرجة الراهنة من النضج الديمقراطي والمؤسسي. لم تكن عملية التفاوض وتقديم التنازالت والترويض المتبادل هذه تدور فقط حول المسائل اإلجرائية المتعلقة بتوزيع السلطة بين مؤسسات الدولة، ولكنها دارت أيضا حول المفاهيم الرئيسية المتعلقة بالهوية القومية وطبيعة الدولة .لقد مرت هذه العملية من بناء التوافقات الوطنية بمراحل عديدة. من بين هذه المراحل ،مرحلتان على األقل لهما أهمية خاصة ،ففي المرحلة األولى تم تثبيت آليات الحكم التعددي بشكل ال يمكن الرجوع عنه ولم يتحقق هذا بمجرد إقرار نظام التعددية الحزبية، ولكن عندما تم اختبار آليات االنتقال السلمي للسلطة بين أحزاب سياسية مختلفة دون إخالل باالستقرار السياسي وباألمن القومي لتركيا. تداول السلطة بين أحزاب سياسية مختلفة كان ممكنًا بين أحزاب مختلفة في توجهاتها وتعبر عن قوى اجتماعية متباينة ،دون أن تكون رؤاها على طرفي
نقيض ،األمر الذي سمح بتبادل السلطة بين أحزاب سياسية متباينة لكنها تنتمي لنفس النظام السياسي بمنطلقاته الرئيسية. لقد استكمل النظام السياسي التركي هذه المرحلة في منتصف التسعينيات ،عندما تناوبت حكم البالد مجموعة من األحزاب السياسية العلمانية متباينة التوجهات ،حتى بات النظام السياسي التركي مستعدًا للذهاب إلى مدى أبعد في استيعاب قوى جديدة لم تكن من ضمن القوى المؤسِّسة للدولة الحديثة ،وال من ضمن القوى المشمولة بالتفاهمات التي تطورت في المرحلة السابقة. تثبيت قواعد التبادل السلمي للسلطة بين أحزاب تشترك في فهمها لألسس الجوهرية للدولة والمجتمع ،سمح باالنتقال لمرحلة ثانية أصبح فيها استيعاب ودمج الحركة اإلسالمية في النظام السياسي التركي أمرًا ممكنًا .لقد ظهرت التعبيرات السياسية عن اإلسالم في تركيا منذ فترة مبكرة ،وكانت األحزاب والقوى اإلسالمية طرفًا في جدل التفاوض وتبادل التنازالت وبناء التوافقات والترويض المتبادل ،حتى أبدعت الحركة اإلسالمية في تركيا أحدث طبعاتها التي أتخذت شكل حزب العدالة والتنمية ،وهو حزب يتميز بأن له من المس ِّوغات اإلسالمية ما يسمح له بالتعبير عن المشاعر اإلسالمية القوية لدى كثير من األتراك ،كما أن له من المسوغات القومية والعلمانية والديمقراطية ما يسمح له باالندماج الكامل والسلمي في النظام السياسي التركي. لقد جرى الجدل والصراع السياسي الذي امتد ألكثر من نصف قرن ،والذي سمح بمثل هذا التطور على خلفية نظام علماني قومي قوي يتمتع بحماية جيش شديد التسييس وشديد اإلخالص إليديولوجيا القومية العلمانية حتى أصبح الحامي الرئيسي لميراث الجمهورية، في نفس الوقت الذي كان فيه هذا الجيش أيضًا شديد االحتراف لدرجة منعته من السعي لالستحواذ على السلطة السياسية لنفسه .فبقدر ما كان النظام القومي العلماني الذي بناه مصطفى كمال في تركيا فريدًا ،بقدر ما كان الجيش الذي بناه فيها أيضًا فريدًا وليس له مثيل في بالد الشرق األوسط األخرى. الخبرة السياسية لتركيا ،إذن ،فيها من عوامل التفرد ما يحُول دون إعادة نسخها في بالد أخرى .في نفس الوقت ،فإن النجاح الكبير الذي حققته تركيا في وقت ما زالت فيه مجتمعات وبالد الشرق األوسط ذات األغلبيات المسلمة تكافح من أجل الخروج من مأزق االستبداد وأزمات الهوية واالستبعاد السياسي ،يجعل من تركيا نقطة جذب يتطلع إليها النشطاء والمثقفون من أجل استلهام دروسها.والمؤكد هو؛ أن إعادة إنتاج الخبرة التركية في بالد المنطقة األخرى ليست باألمر الممكن ،لكن هناك عددًا من الدروس التي يمكن استلهامها من هذه التجربة ،وهي الدروس التي قد تلهم القوى الفاعلة في هذه البالد بعض األفكار والبرامج التي تناسب مجتمعاتها.
مدير مركز الدراسات السياسية و اإلستراتيجية بمؤسسة األهرام المصرية.
30
أكثر من رأي
الخروج من الظل
تركيا تتعاطى مع السياسة الخارجية بمبدأ «ال للمشاكل مع دول الجوار»
ما الطريق الذي يجب أن تسلكه تركيا إلى األمام من أجل الخروج من مأزق انقساماتها الداخلية؟ تحتاج تركيا لمناقشات واسعة النطاق تتسم بالوضوح والشفافية حول ما تعنيه الهوية التركية اليوم ، وما نموذج الدولة الذي ترغب في االقتداء به؟ تعيش السياسة التركية منذ فترة طويلة بأحد شعارات مصطفى كمال أتاتورك « مؤسس العلمانية والمدنية الحديثة بتركيا وهو شعار «السالم في الداخل ،والسالم في الخارج» و يتسم هذا الشعار بأنه منطقي للغاية و يعمل حزب العدالة والتنمية بجدية شديدة من أجل تحقيقه – و ينجح في معظم الوقت – في تحقيق السالم في الخارج. و السبب أن الحكومة التركية تتعاطي مع السياسة الخارجية بمنطق خاص تسميه «ال للمشاكل مع دول الجوار « ،و قامت أنقرة في السنوات األخيرة بإعادة هيكلة سياستها الخارجية من أجل خلق تفاعل أكبر بينها و بين اإلقليم المحيط بها .كما تسعى تركيا إلى أن تجعل من نفسها وسيطًا يتمتع بالقوة واللين بما يمكنه من حل األزمات بين الدول .على سبيل المثال ،وقعت تركيا في األشهر األخيرة على اتفاق تاريخي يمهد الطريق لتجديد عالقاتها الدبلوماسية مع أرمينيا ،كما وقعت على اتفاقية تعاون رفيعة المستوى مع سوريا ،وهو البلد الذي كاد يدخل في حرب معه منذ أقل من عقد من الزمان تقريبا .كما شهدت أنقرة أيضا تحسنًا كبيرًا في عالقاتها التجارية بجيرانها وكذلك في نفوذها السياسي والدبلوماسي بالمنطقة المحيطة بها. و لكن تحقيق تركيا «للسالم في الداخل» كان أمرًا مختلفًا .فتركيا تواجه تركيا اليوم انقسامات سياسية داخلية عميقة من الممكن أن تزعزع استقرارها ،باإلضافة إلى وجود نظام سياسي بها يتسم في بعض األوقات بعدم الفاعلية .ومع وجود ثقافة سياسية تقوم على المواجهة بدلاً من التعاون ومعارضة سياسية غير قادرة على وضع رؤية مستقبلية للبالد ،قد تجد تركيا أن جهودها الرامية إلى إرساء الديمقراطية وصقل سياستها الخارجية قد قوضت من جراء هذه االنقسامات. و تعتبر جهود الدولة الجارية لتعريف العدد 1534
يغال شاليفر هويتها بعد الحكم العثماني هي بيت القصيد في المشكالت التركية الداخلية .فرغم أن الرؤية الكمالية التي دشنها أتاتورك – وهي رؤية علمانية تهدف إلى توجيه تركيا وجهة غربية وجعلها ذات هوية موحدة -- نجحت في مساعدة البالد على الخروج من تحت األنقاض بعد انهيار اإلمبراطورية العثمانية ،لكن صعود حزب العدالة والتنمية الذي يمثل النخبة اإلسالمية الناشئة -التي هي أقل اتصاال بالنهج الكمالي – قد وضع هذه الرؤية على المحك من جديد. ويحاول حزب العدالة والتنمية خلق هوية لتركيا ما بعد الحكم العثماني في نواح ٍ كثيرة بحيث تستوعب هذه الهوية الهويات الدينية التركية وأيضًا العرقيات المتنوعة..
تواجه تركيا اليوم انقسامات سياسية داخلية عميقة من الممكن أن تزعزع استقرارها ،باإلضافة إلى وجود نظام سياسي بها يتسم في بعض األوقات بعدم الفاعلية .ومع وجود ثقافة سياسية تقوم على المواجهة بدلاً من التعاون ومعارضة سياسية غير قادرة على وضع رؤية مستقبلية للبالد و لكن هذه الجهود قوبلت بشكوك عميقة من جانب مؤيدي الكمالية بتركيا والمعارضة السياسية لحزب العدالة والتنمية ،حيث تتسم معارضتهم للسياسة الداخلية لتركيا بقدر من العداء. و خير مثال على ذلك ،المناقشة التي دارت أخيرًا في البرلمان حول «مبادرة الديمقراطية» التي أطلقتها الحكومة الحالية. فالمبادرة كانت عبارة عن أفكار إصالح ترمي إلى حل المشكلة الكردية التي نشأت منذ عقود عن طريق منح األكراد المزيد من الحقوق الثقافية والسياسية .وعندما
حاولت الحكومة ألول مرة تقديم برنامجها إلى البرلمان في 10نوفمبر/تشرين الثاني ( كان ذلك التصرف يتسم بغياب الحكمة ،ألن الحكومة إختارت التوقيت الخاطئ، فقدمت المبادرة في يوم تزامن مع ذكرى وفاة أتاتورك) ،حيث قام أعضاء من حزبي المعارضة الرئيسيين ،حزب الشعب الجمهوري العلماني و حزب الحركة القومية المتشدد ،بالصدام مع أعضاء حزب العدالة والتنمية وتركوا مساحة محدودة للنقاش الفعلي .واعترضت المعارضة سبيل الكثير من الجهود اإلصالحية األخرى التي تبذلها الحكومة ،ال سيما الجهود الجارية من أجل حصول تركيا على عضوية االتحاد األوروبي .ويتم ذلك في كثير من األحيان عن طريق مخاطبة المشاعر القومية. وفي بعض األحيان قام حزب العدالة والتنمية بزيادة التوترات الداخلية من خالل شغل الوزارات والوكاالت الحكومية بالمماثلين له في الفكر(المحافظين دينيًا)، حتى لو كانوا غير مؤهلين و كذلك من خالل القيام بخطوات مثيرة للقلق تهدف لخلق موال للحكومة .وفي بعض األحيان إعالم ٍ تثور الشكوك حول الطريقة المتعسفة التي أجريت بها التحقيقات في محاولة االنقالب المزعومة والمعروفة باسم ايرجينيكون مما يعطي العلمانيين اإلحساس بأن الحكومة تستهدفهم وتستهدف مؤسساتهم. وأخيرًا ما الطريق الذي يجب أن تسلكه تركيا إلى األمام من أجل الخروج من تحت ظالل انقساماتها الداخلية؟ تحتاج تركيا لمناقشات واسعة النطاق تتسم بالصدق والوضوح حول ما تعنيه الهوية التركية اليوم ،وما نموذج الدولة الذي ترغب تركيا في االقتداء به .ولكن سيكون من الصعب إقامة مثل هذا الحوار في وقت ال يرغب فيه أحد االستماع لآلخر. كاتب مستقل يعمل مراسال لشبكة كريستيان ساينس مونيتور 29
أكثر من رأي
االنقالب علي أفكار أربكان
حكومة أردوغان تميزت بالشجاعة في بالد لم تعرف الشجاعة منذ قرن بعد مائة عام صنعت تركيا أو تصنع ثورة أخرى ،والفرق أن هذه الثورة هادئة بال صخب وال زعيم إله كما لينين وستالين وأتاتورك ،بل فكرة وتجربة مقنعة بهدوئها ،فيها روح الدين وإنجاز الدنيا ،وفيها الروح الذاتية وثمرة تجربة الغرب وفيها وعي بمصائب الدرب الطويل المرير الذي عاشوه. جاء طلب المقالة عندما أنهيت كتابًا عن أتاتورك وبدأت آخر ألحمد داود أوغلو، كان بين الرجلين فارق قريب من القرن بين الشخصيتين والنظريتين ،وبين تفسيرين وزمنين وحكومتين ،كان األول يرى أن بالده شبعت من اإلسالم ،ومن التصوف والتخلف، ومن الفساد ،ومن القرب من عالم المسلمين، وكان عليها أن تتجه إلى الغرب وتُولِي قلوبها وعقولها ولغتها ولباسها وسائر ثقافتها نحوه، إذ كان يرى في الشرق «واإلسالم» ثقال يجب الخالص منه بكل ما فيه ،فحقق بالقوة والحسم واإلرهاب ما خطر بباله ،حتى إنه شنق المئات ألنهم تباطأوا في لبْس القبعة ،وكان صار ًما مستعجال حتى إن من لم يجد قبعة رجالية ألجأه إلى سرقة دكان للقبعات النسائية ولبسها الرجال . لم تذهب تركيا بعيدًا بعد سلوك الثورة التغييرية المستوحية للعنف من ثورة فرنسا التي تشرَّب بعض أفكارها الحاكم نفسه ،وقد أصبح بحكم تسلّمه للحكم فيلسوفًا للثورة ،كعساكر العالم الثالث يتحولون بعد القبض على الحكم األدنى إلي متحدثين بمبادئ الفلسفة العليا، وكذا كان معاصرًا للثورة البلشفية ،فصنع صورة للتجربتين في تركيا ،والصورة غالبا ما تكون شكال مستنبتًا ومؤذيًا وغير عميق في المجتمع ،كما يشير أوغلو في كتاباته عن الفكرة والسلوك المستنبت الذي يموت عاجال، وهذه الفكرة ليست بعيدة عن رأي مالك بن نُبي في الفكرة المحلية الميتة والفكرة األجنبية القاتلة. بعد مائة عام صنعت تركيا أو تصنع ثورة أخرى ،والفرق أن هذه الثورة هادئة بال صخب وال زعيم إله كما لينين وستالين وأتاتورك ،بل فكرة وتجربة مقنعة بهدؤها فيها روح الدين وإنجاز الدنيا ،وفيها الروح الذاتية وثمرة تجربة الغرب وفيها وعي بمصائب الدرب الطويل المرير الذي عاشوه ،من نتاج ثورة دامت زمنًا طويال تكبت األنفاس ويحميها العساكر– أو يتظاهرون بحمايتها بسبب القانون ال بسبب القبول -بعد أن ماتت في القلوب ،بال تجديد وال روح وال معاصرة ،دامت برحمة الخضوع للناتو وللغرب ،دامت بحماسة قومية طاغية ،وألسباب أوهمت بأنها إنقاذ وتعويض عن مهانة سقوط إمبراطورية ،ودامت بمن ينقلبون على كل من شكك في عقيدة المؤسس، خير ال تعرفه. ودامت ألن ش ًّرا تعرفه خي ٌر من ٍ 27نوفمبر 2009
محمد األحمري العقيدة الجديدة فيها مستوى فكري أعلى مما كان للثورة األولى ،وقراءة أفكار هؤالء تؤكد أنها من نبْت األرض التركية التي تخصَّبت بالعلمانية األتاتوركية الفرنسية ،وبالحركة اإلسالمية المعاصرة ،وبنتاج خبرة معاناة ومسايرة الفكرتين المتضادتين فأنتجوا وسطًا، وتبين الرغبة في الحفر في القديم لمعرفة الجذر السياسي والخلقي والعقدي والعملي، في بحث عن جذور في تركيا وفي ال ُمخيِّلة والروح عن صخور صلبة تنصب عليها أعمدة القصر الجديد ،ولن يكون القصر جديدًا إال برؤية النماذج الحديثة واألساليب والمخترعات والزينات ،فيتابع الجديد في العصر وفي الجوار وفي العالم الحي المتحرك وفي المصلحة القائمة يظهر هدف المعاصرة، والوعي الذي ال يشغله الماضي عن اللحظة .
بعد مائة عام صنعت تركيا أو تصنع ثورة أخرى ،والفرق أن هذه الثورة هادئة بال صخب وال زعيم إله كما لينين وستالين وأتاتورك ،بل فكرة وتجربة مقنعة بهدؤها فيها روح الدين وإنجاز الدنيا ،وفيها الروح الذاتية وثمرة تجربة الغرب وفيها وعي بمصائب الدرب الطويل المرير الذي عاشوه إن ما حدث لم يكن ليبدأ إال بشجاعة في أن تتبع الخطوة العملية الفكرة البارقة ،وأن يتحلى هؤالء بشجاعة التمرد على الثقافة الذاتية أي ثورة على النفس وأفكارها ،وثورة على الشيخ المؤسس (أربكان) وعلى آرائه، وقد رأى في فعلهم عمالة أو ربما خيانة – وهو موقف يمكن فهمه -ومتسق مع جهاده وتاريخه وإخالصه ،وهنا يحسن أن نقبل بحق الرأيين أن يوجدا ،فالتخوين خطاب ال ُمحافظ والتقدم شعار ال ُمجدِّد ،ويبقى المهم هو العمل التنفيذي المفسر فكريًّا قبل وبعد، وليست مجرد األفكار المؤثرة ،فالنجاح لحكومة حاسمة صادقة يحتاج األمن والمساكن
والمعيشة والعدالة والحرية والديمقراطية. المجدد يمسك بالزمان باللحظة الحاضرة يسايرها ويسيّرها كما يتوقع أنه يفعل، والمحافظ وف ٌّي للقيم الجميلة التي يصعب بقاؤها ،أفكار شاخت بالرغم من أنها قد كانت طيبة جميلة لها و ْقع ،وللنفس حنين إليها، ولكنها كأحبابنا الكبار الذين ال بد أن يفارقوا لسبب أو آلخر ،وهم يحرصون على أن يبقوا أحياء بل أن يشبّوا في الجسوم الجديدة وهيهات . الخطاب الجديد في بدن جديد ،خطاب شباب وإنه ليصعب أن يكبروا عليه وأن يسايروه، وقد قاربوا الستين ،وهو خطاب مخيف ولكنهم جعلوا من الخوف منه سال ًما وأمانًا يقدمونه على طبق من التنفيذ في العالم ،مع أوروبا وأمريكا وأرمينيا وإيران وسوريا ،وطبق خدمات رائعة في الداخل ،منها أنهم م ّدوا من الطرق في خمس سنوات بعدد ما م َّدته الجمهورية التركية في نحو قرن ،وبنوا بيوتًا للناس ال خطابات وال دعاية بل مساكن حقيقية ،ونشروا سياسة تصفير األزمات ،أي الوصول إلى عدم وجود أزمات داخلية وال خارجية ،خطاب مثالي ،إن لم يكن مغرقًا في مثاليته ،ولكنه سيحمل ويْالته في بطنه ،ألنه جاء من خارج الغابة ،ويقول إن هذه ليست غابة بل جنة عاجلة يسكنها الجميع بأمان . إن هذه الحكومة وفلسفتها شجاعة في بالد لم تتعود هذه الشجاعة منذ قرن ،مرنة في منطقة لم تتعود إال الصالبة ،قاطعة مع الماضي في زمن يذهب للوراء الشرقي أو الوراء الغربي، فيتكئ على الماضي في حروبه ومواجهاته في الغرب وفي بالد المسلمين ،إنها حكومة عملية في منطقة تحب الخيال وبقايا البالغة. هذا الذكاء والنشاط يصنعان الخبثاء ويثيران األحقاد ،فلسفة خاسرة في الداخل تبحث عن انتقام ،وجوار فاشل وموْ تور من النجاح أو االختالف ،فيستعد لينتقم من النجاح ،أو يوقفه أو يحفر في طريقه حفرًا كردية وإسرائيلية وعلمانية وإسالمية ووطنية وإيرانية وأوروبية وعربية وإسرائيلية ،إن حيلة التصفير وصناعة جنة فكرة ذكية ،ولكنها قد تربي الوحوش في الغابة ،ولهذا فقد تضطر غير بعيد إلى أتاتورك جديد يتكئ على الماضي أو على المستقبل ،والمواجهة ستعطيه أساس الشرعية. باحث في الشئون االإسالمية 28
أكثر من رأي شجاعة التغيير
هل يمكن أن تحتذي الجماعات اإلسالمية بالنموذج التركي؟ سبع سنوات مضت على صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا شهدت البالد خاللها تحوالت جذرية إتسمت بالشجاعة و الذكاء و الهدوء في نفس الوقت شجاعة التغيير و ذكاء التعامل مع المعارضة و الهدوء في طرح السياسات و األفكار ،كل هذا إنتهي الي دولة تركية معاصرة لها صبغتها الدينية ،لكنها لم تتخلى عن طبيعتها العلمانية .و هنا نطرح السؤال ..هل يصلح النموذج التركي لتحتذي به الجماعات اإلسالمية األخري في المنطقة العربية و الشرق األوسط؟ السؤال يجيب عليه ثالثة من المفكرين، الدكتور جمال عبد الجواد ،مدير مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية بمؤسسة األهرام المصرية ،يؤكد أن الدولة التركية نموذج من الصعب تكراره ألنها محصلة لثالث عمليات تاريخية كبرى .أما الكاتب المتخصص في الشئون اإلسالمية محمد األحمري فيحلل ما حدث في تركيا و ينسبه تاريخيًا إلى شجاعة التمرد ويسعى يغال شاليفر ،مراسل لشبكة كريستيان ساينس مونيتور ،الكشف عن الطريق الذي يجب أن تسلكه تركيا لكي تخرج من مأزق انقساماتها الداخلية؟
العدد 1534
27
27نوفمبر 2009
قصة الغالف
العدد 1534
25
قصة الغالف واإلسرائيليين ،في المنتدى االقتصادي العالمي لبراعتهم في قتل األبرياء ،استضافت تركيا نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه في أنقرة. وهذا موقف خطير ألنه يوحي --خاصة للجيل الناشئ في ظل حزب العدالة والتنمية --بأن األنظمة اإلسالمية وحدها لديها الحق في الهجوم على شعوبها أو حتى غيرها من الدول .في شهر سبتمبر/أيلول ،دافع أردوغان عن البرنامج النووي اإليراني ،وقال إن المشكلة في الشرق األوسط هي الترسانة النووية إلسرائيل. ووصف بعض المحللين هذا الخطاب بأنه عملية تسييس داخلية أو ببساطة لحظة فقد فيها أردوغان أعصابه .ولكن أردوغان سياسي داهية ،ويتفاعل اآلن مع التغيرات في المجتمع التركي .وبعد سبع سنوات من الخطاب الديني لحزب العدالة والتنمية، تحول الرأي العام إلى اعتناق فكرة «العالم اإلسالمى» المتحد سياسيًّا. وتتمتع السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية اآلن بتأييد شعبي في الداخل .،وبعد أن خرج أردوغان غاضبًا من جلسة المنتدى االقتصادي العالمي ،تج َّمع اآلالف لتحية طائرته حين عادت إلى الوطن فيما بدا أنه استقبال مدبر( .ظهرت األعالم التركية مشدودة إلى رايات حماس في األفق في غضون ساعات). وباإلضافة إلى إرساء عالقات ودية ومالية مع روسيا ،أصبحت موسكو في ظل قيادة حزب العدالة والتنمية أكبر شريك تجاري لتركيا .وسوف يكون لتحول الهوية التركية تشعبات ضخمة محتملة .وحيث إنها تسترشد بنظرة إسالمية للعالم، سوف يصبح من المستحيل لتركيا أن تدعم السياسة الخارجية للغرب ،حتى وإن كان ذلك يصب في مصلحتها الوطنية .وسوف تستمر العالقات التركية اإلسرائيلية في االنهيار – والتي كانت لفترة طويلة نموذجا لبلد مسلم استطاع إقامة عالقة متعقلة ومتعاونة مع إسرائيل .وسوف يالقي مثل هذا التطور ترحابًا من قِبل الرأي العام التركي ،مما يزيد من شعبية حزب العدالة والتنمية .وبالتالي، سوف يتمكن الحزب من ضرب عصفورين بحجر واحد :إبعاد البالد عن حليفها السابق ودعم قاعدة سلطته. وسوف يطبق نفس النمط أيضًا على عالقات تركيا مع االتحاد األوروبي والواليات المتحدة .وحيث إن الواليات المتحدة تكرِّس الكثير من طاقتها في الخارج للدول اإلسالمية ،من معارضة التشدد إلى مواجهة البرنامج النووي اإليراني ،فإن حزب
27نوفمبر 2009
العدالة والتنمية سوف يعارض هذه السياسات من خالل الخطاب الالذع وينسحب من أي تعاون وثيق.
الدروس المستفادة من تجربة حزب العدالة والتنمية ومثل إقليم «كافاك» فى األناضول ،تعرضت تركيا لرياح التغيير في ظل حزب العدالة والتنمية .في هذا الصدد ،يمكن استخالص الدروس التالية من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا :
.1تحول العقلية التركية في عالم ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر /أيلول منذ ظهور اإلسالم اعتبر المسلمون أنفسهم جماعة دينية ثقافية ،تما ًما مثل أصحاب الديانات األخرى. إال أن هجمات 11سبتمبر غيرت هذا الهوية، وعجلت بتحول المجتمع اإلسالمي العالمي من مجتمع ديني -ثقافي إلى مجتمع ديني -سياسي. وساد االفتراض لفترة طويلة أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول استهدفت بشكل أساسي إلحاق الضرر بالواليات المتحدة .إال أنه يبدو اآلن أنه في حين استهدفت الهجمات إلحاق الضرر بالواليات المتحدة ،فإن هدفها األساسي كان تعبئة المسلمين حول مفهوم «العالم اإلسالمي» المتحد، وهو عالم مشحون سياسيًّا واتحاد جديد يصوره تنظيم القاعدة كمجتمع سياسي -ديني في صراع دائم وعنيف مع الغرب .ويجب أال تفوتنا مالحظة تغيير حزب العدالة والتنمية لهوية تركيا إلى هوية تصادف هوى اإلسالميين في إطار هذه المرجعية. ولو كان هذا التحول قد حدث قبل وقوع هجمات 11سبتمبر/أيلول ،لكان من الممكن تجاهله .إال أن التحول الذي شهدته الهوية التركية بعد 11 سبتمبر/أيلول ،يعني أن األتراك بصدد فقد القدرة على رؤية الواليات المتحدة والغرب كحلفاء.
.2اإلسالميون يش ّوهون اإلسالم وتوضح تجربة حزب العدالة والتنمية أيضًا أن اإلسالميين يشوهون اإلسالم ،فهم يعيدون تصوره على أنه غير متحرر في الداخل بطبيعته .واألكثر من ذلك أن اإلسالميين يشوهون اإلسالم أيضًا بجعله أساسًا لفكرهم السياسي وسياستهم الخارجية المعادية للغرب .
.3االنقالب على الديمقراطية بعد الوصول للسلطة بعد سبع سنوات من وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة ،عاد اإلسالميون في تركيا إلى
جذورهم .وتوضح تجربة حزب العدالة والتنمية أن اإلسالميين حين يتولون السلطة ،وحتى عندما يُنتخَبون ديمقراطيا ،تحركهم غرائزهم غير المتحررة والشعوبية ،ويقوضون الديمقراطية ويغيرون المجتمعات .وفي تركيا ،حول حزب العدالة والتنمية مجرى السياسة الخارجية التركية بعيدا عن الغرب ،وساعد على تحفيز تحول الهوية التركية تجاه القضايا اإلسالمية ،وينشغل أعضاء الحزب اآلن بفرض وجهة نظر معادية لليبرالية على الصعيد االجتماعي ،تتسم بالتشدد فضال عن عدم احترام الضوابط والموازنات ،مثل الحريات اإلعالمية.
.4الميل للعودة إلى الجذور تظهر تجربة حزب العدالة والتنمية أنه حين تكون األحزاب اإلسالمية معتدلة ،فهذا ال يعكس تحوال مهما ولكن استجابة تكتيكية لمعارضة قوية داخلية وخارجية .وحالما تضعف هذه الموانع ،تتراجع األحزاب اإلسالمية في عملية تقودها المشاعر الشعبية .وتظهر دراسة حديثة أن شعبية حزب العدالة والتنمية ارتفعت بنسبة 10%بعد واقعة منتدى دافوس ،وتشير إلى أن الحزب يمكن أن ينجح في الحصول على النسبة الحرجة التي تبلغ 50%في االنتخابات المحلية المقبلة في 29مارس/ آذار .وربما يلعب التوجه اإلسالمي الجديد لحزب العدالة والتنمية دورًا إيجابيًّا في استطالعات الرأي .ولكن عملية التحول الديمقراطي والليبرالي في البالد ،بما في ذلك مسيرة االنضمام إلى االتحاد األوروبي ،فضال عن كسب ود الحلفاء الغربيين، كل ذلك سوف يتم إهماله إلى حد بعيد.
.5التوجه اإلسالمي ليس متوافقًا مع الغرب في عام ،2002رأى الكثيرون أن صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وفّر لتركيا فرصة «العودة إلى الشرق األوسط» ،واتباع هوية ذات طابع إسالمي .وكان ثمة أمل أن مثل هذا التحول سوف يساعد على «تطبيع» تركيا ،وإعادة ضبط اإلصالحات العلمانية والقومية التي نادى بها مصطفى كمال أتاتورك ،والذي حول تركيا نحو الغرب في مطلع القرن العشرين .إال أن النتيجة لم تكن إيجابية تما ًما .وتثبت تجربة تركيا مع حزب العدالة والتنمية أن التوجه اإلسالمي ربما ال يكون متوافقًا مع الغرب.
مدير مركز األبحاث التركية بمعهد واشنطن 24
قصة الغالف االتجاه االجتماعي المحافظ الذي تعززه الحكومة هو الذي يزداد قوة .فدالئل االتجاه االجتماعي المحافظ مثل الزوجات الالئي يرتدين الحجاب تستخدم كوسائل من أجل الفوز بوظائف وترقيات وعقود حكومية .ومع ذلك فإن االتجاه االجتماعي المحافظ ليس مشكلة في حد ذاته ،وبالتأكيد يمكن أن تصبح تركيا جز ًءا من أوروبا .والمشكلة تتمثل في أن أي مشروع من هذا النوع تقوده الحكومة ال يتفق مع فكرة الديمقراطية الليبرالية .وإذا ما أخذنا في الحسبان طبيعة تركيا كمشروع لحكم النخبة ،فإن االتجاه االجتماعي المحافظ الذي يقوده حزب العدالة والتنمية يعيد تشكيل المجتمع التركي. في العام الماضي قابلت مصادفة في إسطنبول سيدة تركية يونانية أرثوذكسية كانت قد تقدمت لوظيفة في إحدى المصالح الحكومية في إسطنبول التي تخضع لسيطرة حزب العدالة والتنمية .وخالل المقابلة الشخصية التي أُجريت لها ،أخبرتها الحكومة أنه سوف يتم تعيينها إذا وافقت على ارتداء الحجاب. وعندما أجابتهم بأنها يونانية أرثوذكسية ،قيل لها« :لست في حاجة ألن تغيري ديانتك، كل ما يتعين عليك القيام به أن ترتدي غطا ًء للرأس». التضامن مع النظم المعادية للغرب واإلسالم إذا كان الدين يشكل جز ًءا من حسابات السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، فإن التطلعات المحلية شيء آخر .وتعلم حزب العدالة والتنمية درسًا من أحداث عقد التسعينيات ،عندما اضطر سابقه ،وهو حزب الرفاه إلى االستقالة من الحكومة نتيجة إظهار السخط الشعبي تجاهه .ويدرك حزب العدالة والتنمية اآلن أنه قادر على البقاء في الحكومة فقط طالما يتمتع بتأييد شعبي قوي .لذلك يعتمد الحزب على خطة سهلة تتمثل في سياسة خارجية رائجة تنتقد الغرب لتعزيز مكانته المحلية ،وهي إستراتيجية بدت ناجحة لحزب العدالة والتنمية.
جية الهولندي بير ستيج مولر (جهة اليسار) ،ووزير اخلارجية © Getty Images
العدد 1534
المواقف التركية ال تتدهورتجاه الواليات المتحدة والغرب فحسب ،ولكن حزب العدالة والتنمية يستمد اآلن تأييدًا واسعًا لسياسته الخارجية أيضًا من خالل التحول في الهوية التركية .وإذا كان األتراك يعتبرون أنفسهم مسلمين أوال في مجال السياسة الخارجية، فسوف ينظرون ألنفسهم كمسلمين في يوم ما على الصعيد المحلى أيضًا ،مما سيؤدى لتعزيز موقف الحزب.
في الماضي ،كان نموذج تركيا في السياسة الخارجية يتركز على تعزيز المصالح الوطنية المعتمدة على الغرب .وابتداء من عام ،1946 اختارت تركيا أن تتحالف مع الغرب خالل الحرب الباردة ،ومنذ ذلك الحين اختارت الحكومات التركية المتعاقبة التعاون الوثيق مع الواليات المتحدة وأوروبا .ورأت تركيا منطقة الشرق األوسط والسياسة العالمية من منظور مصالحها المتعلقة باألمن القومي ،مما جعل التعاون ممكنًا ،حتى مع إسرائيل ،وهى دولة اعتبرتها تركيا حليفًا للديمقراطية في منطقة مضطربة .وتقاسمت الدولتان مخاوف أمنية متشابهة ،مثل دعم سوريا لجماعات إرهابية في الخارج --والمنظمات الفلسطينية المتشددة في حالة إسرائيل ،وحزب العمال الكردستاني في تركيا .في عام ،1998عندما واجهت أنقرة دمشق بسبب دعمها لحزب العمال الكردستاني ،كتبت الصحف التركية عناوين تحتفي بانتصار التحالف التركي اإلسرائيلي ،وقالت إحداها« :سنقول شالوم (سالم) إلى اإلسرائيليين في هضبة الجوالن». إال أن حزب العدالة والتنمية نظر إلى مصالح تركيا برؤية مختلفة – تصبغها نظرة مسيَّسة عن الدين .ووصف كبار مسئولي حزب العدالة والتنمية هجوم القوات األمريكية على الفلوجة في العراق عام ،2004بعملية «إبادة جماعية « ،وفي فبراير/شباط ،2009شبَّه أردوغان غزة «بمعسكر اعتقال». ولم تعزز السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية التعاطف تجاه جميع الدول اإلسالمية .وبدال من ذلك ،دعم الحزب التضامن مع األنظمة اإلسالمية والمعادية للغرب (مثل قطر والسودان) ،بينما نبذ الحكومات اإلسالمية العلمانية الموالية للغرب مثل (مصر ،األردن ،و تونس). وتبدو هذه اإلستراتيجية ذات الشقين واضحة بشكل خاص في األراضي الفلسطينية ،فبينما دعت حكومة حزب العدالة والتنمية الدول الغربية إلى «االعتراف بحركة حماس كحكومة شرعية للشعب الفلسطيني» .وصف مسئولو حزب العدالة والتنمية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «كرئيس حكومة غير شرعية» .ووفقا لتصريحات الدبلوماسيين ،سارت آخر زيارة لعباس إلى أنقرة في يوليو/تموز 2009على نحو سيئ للغاية. وكما يتضح من إلغاء المناورات العسكرية مع إسرائيل ،ال تخلو السياسة الخارجية االنتقائية والخطابية لحزب العدالة والتنمية من نفاق متأصل .ونجد مثاال على ذلك في يناير/كانون ثان الماضي ،فبعد يوم من توجيه أردوغان اللوم للرئيس اإلسرائيلي شيمون بيريز ،وكذلك اليهود
23
قصة الغالف حيث فاز الحزب بـ 47%من األصوات في االنتخابات البرلمانية التي أُجريت في تموز /يوليو ،2007ملحقًا الهزيمة بالمعارضة في انتصار كبير وكاشفًا النقاب عن حقيقة أن تجاهل الجيش التركي ال يحدث فارقًا كبيرًا.
الديمقراطية التسلطية واألصولية التخلص بفاعلية من ضغوط الجيش والمحاكم على حزب العدالة والتنمية أعاد الحزب سريعًا إلى قيمه الجوهرية .فقد بدأ الحزب في التخلي عن إظهاره التعددية وقام بنبذ االنشقاق وبإدانة وسائل اإلعالم على جرأتها في توجيه النقد الالذع إليه. وبمرور الوقت ،تحول اإلعالم التركي إلى األسوأ. فقد استغلت الحكومة ثغرات قانونية لمصادرة حقوق الملكية لوسائل اإلعالم المستقلة ومن ثم قامت ببيعها إلى مؤيدي حزب العدالة والتنمية. ففي عام ،2002كانت المؤسسات المؤيدة للحزب تمتلك أقل من 20%من وسائل اإلعالم التركي؛ واليوم تملك المؤسسات المؤيدة للحكومة حوالي 50%منها. وفي غضون ذلك ،تغيرت أيضا ً العالقة بين الحزب وجماعة الضغط العلمانية في تركيا فيما يتعلق بمجال األعمال ،والتي تم تنظيمها من خالل اتحاد رجال الصناعة ورجال األعمال األتراك .وقد كان هذا االتحاد بمثابة مصدر أساسي لدعم الحزب. وأمدت الجماعة المؤيدة لالتحاد األوروبي ،والتي تعمل لصالح مجال األعمال حزب العدالة والتنمية بشرعية محلية ودولية وسلّحته بوسائل يتمكن من خاللها مواجهة االتهامات التي تشير إلى أنه حزب إسالموي .إال أنه في عام ،2007تعثرت العالقة بين اتحاد رجال الصناعة ورجال األعمال وحزب العدالة والتنمية التي كانت متوترة دائ ًما ،عندما استهدف أردوغان االتحاد الذي يمثل مصدرًا أساسيًّا من مصادر قوة العلمانية في تركيا .وهاجم الحزب أيدين دوغان الذي ترأس عائلته االتحاد وتمتلك ما يقرب من نصف وسائل اإلعالم التركية في مجموعة شركات تعرف بدوغان يايين – واصفًا دوغان برجل األعمال الثري الفاسد .وفي عام ،2009وجه الحزب صفعتين قويتين لدوغان يايين؛ وهي مؤسسة نشرت منافذها اإلعالمية اتهامات بالفساد ضد الحزب تتعلق بضرائب تقدر بنحو 3.2مليار ،وأجبر الحزب هذا المارد اإلعالمي على الكف عن انتقاد الحزب في وسائل إعالم دوغان. وإضافة إلى استخدام الضرائب والتدقيق الحسابي كوسيلة عقابية ،فإن تجسس الحزب على وسائل االتصال ،بذريعة أنه يمثل جز ًءا من إستراتيجية مواجهة شبكة إرجينيكون المتهمة بالتخطيط النقالب ضد الحكومة ،كان بمثابة وسيلة أخرى 27نوفمبر 2009
لقمع المعارضة .فعندما فُتح ملف القضية في عام ،2007اعتبرها حزب العدالة والتنمية بمثابة فرصة أمام تركيا للتغلب على الفساد مثل تورط مسئولين أمنيين في جرائم .لكن القضية أكبر من هذا بكثير .فهي وسيلة يحاول من خاللها الحزب تقييد الحريات. فقد تم إلقاء القبض على المئات في العديد من حمالت االعتقال .ومن الناحية القانونية، فإن القضية ال تالئم بلدًا يحاول االنضمام إلى االتحاد األوروبي :فبعض األشخاص الذين تم القبض عليهم بسبب هذه القضية انتظروا ثمانية عشر شهرًا في زنزانتهم قبل أن يتم عرضهم على المحكمة أو قبل أن يعرفوا حتى بالتهمة الموجهة إليهم. وهذه االعتقاالت إضافة إلى مخاوف التجسس غير المشروع على وسائل االتصال لجمع أدلة تتعلق بقضية إرجينيكون ،أصابت الليبراليين األتراك بالشلل ،وحظرت الدولة المحادثات السياسية العلنية على نحو خطير. وكما قال أحد الحكماء« :تتحول الدول إلى حكومات بوليسية ال عندما تصغي الشرطة إلى جميع المواطنين ،ولكن عندما يخشى جميع المواطنين تصنت الشرطة عليهم». يفوق حزب العدالة والتنمية وسائل الرقابة الداخلية حيلة ودها ًء؛ تلك الرقابة التي كانت قد فرضت االعتدال على سياساته من قبل. وهذا األمر بالتأكيد له عواقبه ،حيث أصبح الحزب يمثل النخبة الجديدة في تركيا المسئولة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا .ويدعم الحزب مجتمع أعمال يزداد نم ًوا والذي يقوم الحزب برعايته من خالل العقود الحكومية التي يتم منحها بنا ًء على معيار األصولية. وقد مارس الحزب نفوذه على وسائل اإلعالم وسلطته على الجيش التركي من خالل قضية إرجينيكون ،وأثبت قدرته على إجبار المعارضة السياسية على الخضوع من خالل سيطرته على المخابرات الوطنية .وأخيرًا وليس آخرًا ،يسيطر الحزب على السلطتين التنفيذية والتشريعية في البالد .فعبد اللـه جول الذي كان عض ًوا سابقًا في حزب العدالة والتنمية يشغل منصب الرئيس التركي حاليًا ولديه سلطة تعيين القضاة في المحاكم العليا. حزب العدالة والتنمية الذي يمثل النخبة الجديدة يعيد تشكيل المجتمع التركي بحيث يكون انعكاسًا له ،ويروج الحزب لألصولية من خالل إجراءات إدارية .وبنا ًء على ذلك، فإنه ال يمكننا القول إن التدين يزداد في تركيا – أي عدد األشخاص الذين يلتزمون بالصالة ويواظبون على العبادات – ولكن
وزير اخلارجية التركي أحمد داود أوغلو يأخذ مكانه مبساعدة وزير اخلارج الفرنسي بيرنارد كوشنير (جهة اليمني)
22
قصة الغالف حزب العدالة والتنمية وتترسخ األصولية والتوجه اإلسالمي في سياسة أنقرة الخارجية .ووفقًا ألحد االستطالعات التي أجرتها أخيرًا مؤسسة الدراسات االقتصادية واالجتماعية التركية وهي منظمة غير حكومية ،تزايد عدد من يحملون الهوية اإلسالمية بنسبة عشرة بالمائة بين عامي 2002 و2007؛ وباإلضافة إلى ذلك ،فإن نصف الذين تم إجراء االستطالع معهم يصفون أنفسهم بأنهم إسالميون .وعالوة على ذلك ،يبدو أن األصولية قد تم ترويجها في البالد ..ويشعر الموظفون في أنقرة بأنهم مجبرون على حضور الصلوات خشية أال يحصلوا على الترقيات .فمراعاة التدين ظاهريًّا على المستوى العام حتى وإن لم يكن بدافع اإليمان ،أصبحت ضرورة بالنسبة لهؤالء الذين يسعون للحصول على تعيينات حكومية أو عقود حكومية مربحة .فإلى أين تتجه تركيا تحت زعامة حزب العدالة والتنمية؟ وما الدروس التي يمكن أن تُستفاد من تجربة هذا الحزب؟
ظهور اإلسالم المعتدل وزواله تمتد جذور حزب العدالة والتنمية إلى الحركة اإلسالمية التي ظهرت في تركيا ،والتي شملت حزب الرفاه الذي يعد أساسًا للتوجه اإلسالمي في البالد .وقد اكتسب مؤسسو حزب العدالة والتنمية بمن فيهم زعيم الحزب ورئيس الوزراء ،رجب طيب أردوغان ،خبرة من حزب الرفاه الذي كان حزبًا إسالميًّا صريحًا في توجهه ،حيث يعادي الغرب بقوة ويعادي السامية ويناهض الديمقراطية والعلمانية .وانضم حزب الرفاه إلى حكومة ائتالفية في عام ،1997قبل إقصاء الجيش التركي العلماني والمحاكم والغرب مما أدى إلى حظره في عام .1998ومع ذلك ،لم يختف الحزب نهائيًّا. فقد استفاد أردوغان درسًا من هذه التجربة .وتعيَّن على اإلسالميين األتراك أن يعيدوا صياغة أنفسهم كي يحققوا نجاحًا .وبالفعل أعاد أردوغان صياغة الحزب في الوقت المناسب بصورة إصالحية رأسمالية مؤيدة ألمريكا واالتحاد األوروبي. وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في عام ،2002بعد االنهيار الداخلي ألحزاب الوسط في البالد خالل األزمة االقتصادية في عام ،2001حاول الحزب أن يطمئن المعتدلين على أنه لن ينال من القيم العلمانية والديمقراطية والموالية للغرب .وقد تخلى حزب العدالة والتنمية عن موروثه اإلسالمي ،وسعى لضمان عضوية االتحاد األوروبي وتحويل تركيا إلى مكان أكثر ليبرالية وتأييدًا للغرب .وفي هذه األثناء ،ظنت قلة قليلة أن الحزب يمكن أن يحول تركيا إلى األسوأ. لكن تركيا كانت دولة ديمقراطية متعددة األحزاب ؛ لديها إعالم حر ومحاكم علمانية وجيش قوي، وكل هذه الجهات تعتبر بمثابة الحارس األمين العدد 1534
على القيم الغربية .وإضافة إلى ذلك ،اعتُبر دعم الواليات المتحدة لتركيا العلمانية الغربية ودعمها ألنقرة في سعيها لالنضمام إلى االتحاد األوروبي، بمثابة صمام األمان لعملية التحرر التركي التي يمكن أن تدفع حزب العدالة والتنمية لالحتفاظ بموقفه المؤيد للغرب ومساعيه من أجل اإلصالح. وقد عزز حزب العدالة والتنمية بالفعل عمليات اإلصالح والسياسات المؤيدة لالتحاد األوروبي
مارس الحزب نفوذه على وسائل اإلعالم وسلطته على الجيش التركي من خالل قضية إرجينيكون ،وأثبت قدرته على إجبار المعارضة السياسية على الخضوع من خالل سيطرته على المخابرات الوطنية. وأخي ًرا وليس آخ ًرا ،يسيطر الحزب على السلطتين التنفيذية والتشريعية في البالد .فعبداللـه جول الذي كان عض ًوا سابقًا في حزب العدالة والتنمية يشغل منصب الرئيس التركي حاليًا ولديه سلطة تعيين القضاة في المحاكم العليا والنشاط التجاري بعد وصوله إلى السلطة .ومع ذلك ،سرعان ما أصبح تحول الحزب مدعاة للسخرية ،فقد بدأ الحزب في التقليل من شأن القيم الليبرالية التي من المفترض أنه يمثلها. فمثالً ،أخذ الحزب في تعيين كبار البيروقراطيين مقتصرًا على التيار الديني المحافظ .وتزامنًا مع هذا ،هبطت نسبة النساء الالئي يشغلن المناصب التنفيذية في الحكومة .وفي السنوات الماضية ،كانت النساء التركيات يشغلن منصب رئيس القضاة ورئيس الوزراء ووزراء الداخلية والخارجية .وتمثل النساء نحو 30%من األطباء و 33%من المحامين في تركيا .ومع ذلك ،فإنه في ظل قيادة حزب العدالة والتنمية ،تم استبعاد النساء بشكل كبير من مواقع صنع القرار في الحكومة: فليس هناك امرأة واحدة بين وكالء الوزارة التسعة عشر الذين تم تعيينهم من قبل الحزب .وعالوة على ذلك ،بينما كانت نسبة النساء في المناصب التنفيذية بالحكومة عام ،1994قد وصلت إلى ،15.1%فإنه وفقًا لـ ( ،)IRISوهي جماعة تساند حقوق المرأة ومقرها أنقرة ،تراجع هذا
الرقم ليسجل 11.8%حاليًا. وعدم التزام حزب العدالة والتنمية بالقيم الليبرالية دليل على الرؤية التكتيكية للحزب فيما يتصل بعضوية االتحاد األوروبي ..فالحزب يسعى جاهدًا من أجل عضوية االتحاد األوروبي ألن هذه العضوية تلقي استحسانًا من الشعب ويكتسب الحزب شعبية بسعية الي تحقيقها ،ولكن ليس من أجل جعل تركيا أوروبية بالفعل .وظهرت القشة التي قصمت ظهر البعير وأنهت هذا الدافع التكتيكي لدى حزب العدالة والتنمية في تعامله مع االتحاد األوروبي في عام ،2005عندما أيدت محكمة حقوق اإلنسان األوروبية حظر تركيا القديم للحجاب اإلسالمي في الجامعات .فقد كان حزب العدالة والتنمية يأمل في إسهام أوروبا في إعادة صياغة العلمانية التركية في صورة أكثر تسامحًا .لكن هذا لم يحدث .ومن ثم فإنه بمجرد أن بدأت المحادثات الفعلية لعضوية االتحاد األوروبي في عام ،2005أعرض حزب العدالة والتنمية عن القيام بإصالحات صارمة ربما ال تحظى بشعبية في تركيا ،والتي طالب بها االتحاد األوروبي ،مما قلل كثيرًا من فُرص انضمام تركيا لالتحاد .والتصريحات التي انطلقت من الجانب التركي مثل نعْت أردوغان للغرب «بالالأخالقية» في عام ،2008قللت كثيرًا من الدعم الشعبي لعضوية تركيا في االتحاد األوروبي .فبحلول العام الماضي ،كان ثلث سكان تركيا يرغبون في أن تنضم بالدهم إلى االتحاد األوروبي ،وهذا يسجل تراجعًا حا ًّدا إذا علمنا أن نسبة الدعم الشعبي النضمام تركيا إلى االتحاد األوروبي سجلت أكثر من 80%في عام ،2002عند وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم. وقد انعكست الجهود التي بذلتها المؤسسات التركية العلمانية لكبح جماح حزب العدالة والتنمية سلبًا عليها .ففي عام ،2007حاولت المعارضة العلمانية والجيش الذي أصدر بيانًا ضد حزب العدالة والتنمية على موقعه اإللكتروني في ربيع ذلك العام ،أن يمنعا الحزب من انتخاب مرشحه الرئاسي عبد اللـه جول .وتحدى الحزب هذه المحاوالت إلقصاء مرشحه بنجاح ،مشيرًا إلى أن المعارضة العلمانية والجيش لم يريدا من جول المشاركة في االنتخابات بسبب آرائه الدينية الشخصية .ومن ثم فإن الحزب أحدث انقسا ًما بين العلمانيين والمسلمين بدالً من االنقسام السياسي التقليدي في تركيا بين اإلسالميين والعلمانيين الذي تسبب في خسارة الحزب دائ ًما في الماضي. واستطاع الحزب أن يرسخ أقدامه بنجاح على الجانب اإلسالمي الفائز .وإضافة إلى ذلك ،عندما حاولت المحكمة الدستورية التركية منع الحزب من تنصيب جول رئيسًا للبالد ،قدم الحزب نفسه باعتباره الحزب المضطهد الذي يمثل جماهير مسلمي تركيا الفقراء .ونجحت اإلستراتيجيتان، 21
قصة الغالف
شبح أتاتورك
7أعوام من حكم حزب العدالة والتنمية صعود حزب العدالة والتنمية الذي تعود جذوره إلى المعارضة اإلسالمية في تركيا إلى سدة الحكم في عام ،2002 أتى برياح اجتماعية وسياسية جديدة على المجتمع التركي .فبعد سبع سنوات من الحكم اإلسالمي ،ينحني األتراك األناضوليون أمام قوة حزب العدالة والتنمية ،وتترسخ األصولية والتوجه اإلسالمي في سياسة أنقرة الخارجية .فإلى أين يتجه الحزب بتركيا؟ وما الدروس المستفادة من تجربة هذا الحزب؟
الرئيس األمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان في جولة بالجامع األزرق بإسطانبول في 7أبريل ، 2009حيث يزور أوباما تركيا للتأكيد على عمق الروابط بين البلدين. © Getty Images
تتميز التضاريس األناضولية بوجود أشجار رفيعة وطويلة من عائلة آسبن .ويطلق األتراك على هذا النوع من األشجار اسم كافاك .إنها شجرة هشة في مظهرها لكنها قوية بحيث إنها عندما تهب الرياح األناضولية القوية عبر السهل الواسع ،يمكن أن تنثني شجرة كافاك بزوايا مذهلة ،لتتكيف مع قوة الريح ،دون أن تنكسر. إن تركيا تشبه تما ًما شجرة الكافاك .فالدولة تنحني أمام الرياح السياسية واالجتماعية القوية وكذلك خيارات السياسة الخارجية المؤثرة التي أقدمت عليها النخبة الحاكمة في البالد عبر العصور، 27نوفمبر 2009
فمنذ أن بدأ السالطين في تغريب اإلمبراطورية العثمانية في فترة السبعينيات من القرن الثامن عشر ،استمر مصطفى كمال أتاتورك في هذه اإلصالحات جاعالً من تركيا جمهورية علمانية في عشرينيات القرن الماضي ،وحدث توافق بين األحزاب السياسية المختلفة وتبنى األتراك موقفًا مؤيدًا للغرب في السياسة الخارجية واحتضنوا الديمقراطية العلمانية في البالد ومضوا قد ًما نحو االتحاد األوروبي. لكن هذا الوضع لم يسلم من عواصف التغيير،
فارتقاء حزب العدالة والتنمية ،الذي تعود جذوره إلى المعارضة اإلسالمية في تركيا ،إلى سدة الحكم في عام ،2002أتى برياح اجتماعية وسياسية جديدة علي المجتمع التركي .وهذه القوى تشمل التضامن مع الدول اإلسالمية والدول المعادية للغرب فيما يتصل بسياسة أنقرة الخارجية وسياستها األصولية في المجتمع ،وتعزيز المظهر الديني في البالد وشيوع االتجاه االجتماعي المحافظ ،بالرغم من أن هذا ليس بالضرورة بدافع اإليمان .وبعد سبع سنوات من الحكم اإلسالمي ،ينحني األتراك األناضوليون أمام قوة 20
شبــح
اتاتورك بقلم سونر كاجابتاي
العدد 1534
19
قصة الغالف
© Getty images
27نوفمبر 2009
18
الموجز رسائل
رسائل العدد السابق
انتهت المباراة الرياضية وبدأت األزمة السياسية
أنا أقول لكل المصريين المدافعين عن النظام المصرى ،فيقوا من سباتكم إنها مسرحية محبوكة من طرف النظام المصري المتصاص غضب المعارضة حول األوضاع المزرية التي تعيشها مصر في مختلف الميادين ،غداً عندما يستفيق المصريين من النوم اإلعالمي ،عندما يلتفتون إلى مشاكلهم اليومية المتجلية في غالء األسعار ،بطالة ،و مشاكل في اإلدارة و التعليم ..إلخ إذ ذاك سيفهمون اللعبة التي حبكت ضدهم ،و ما الصخب الكروي إال لغاية في نفس يعقوب ،أما كرامة المصريين التي يتخذها النظام كشماعة مع الجزائر ،ما هي إال ذر الرماد في العيون، كرامة المصريين المفقودة هي كرامة المصريين في معبر رفح
خطيئة جهيمان كما اعتقد فحتى االن يمكن التأثير على العامة من الناس بسهولة فمن لدية ملكة الحفظ ولديه ملكة الخطا بة ولدية الوقت والمال فإنه يستطيع التأثير على الناس خاصة من لديهم استعداد فطري للتبعية وهم ممن لديهم فراغ دينى وعاطفي واالن هناك اشخاص لهم اتباع ومريدين وال يقبلون فيهم لومة الئم وهذا موجود في كل زمان ومكان وينبغي الحذر واالخذ على ايدي مثل هؤالء االشخاص علي الثبيت حياة هذا الرجل الذي قاد جماعة التمرد التي اقتحمت المسجد الحرام بمكة في عام .1979ومع ذلك ،ينبغي أن نؤكد على أن الحركة التي قادها هذا الرجل تختلف فكريا ً واجتماعيا ً عن االتجاهين اآلخرين في األسلمة السعودية وهما حركتا اإلصالح والجهاد .وكان لجهيمان تأثيره على التوجه الثقافي في المملكة بعد أحداث الحرم المكي. كاظم السبكي 27نوفمبر 2009
عبد الصادق ما رأيناه في السودان ليس إال بلطجة و إرهاب و اهانة لكل مصري ،و ما اتخذه الرئيس و نجاله من موقف حاسم أفضل رد رد لكرامة كل مصرى ،حسنا ً فعلوا ذلك حفاظا ً على كرامة المصريين ،وهذا عهدنا بقياداتنا ونتمنى من الجزائريين أن يكفوا عن كراهيتنا ويتذكروا أن مصر دولة عربية تعشق عروبتها .
محمد حافظ
د.على الخشيبان :لو كان جهيمان حيا حادثة جهيمان لم تكن اإلشارة نبهت المجتمع السعودي نحو افكار الجهاد و التشدد. السبب الوحيد و الذي غلف حادثة جهيمان بنوع من االهمية التاريخية ما هو اال قدسية المكان الذي تمت فيه هذه االحداث .
سالم عبد المجيد 16
2نيوستيتسمن الحرب الخامسة
يتناول هذا المقال الحروب الخمس التي خاضتها الواليات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. ويستعرض المؤلف أوال؛ فيتنام والعراق وكوريا وحرب الخليج ،ويصف في إيجاز األسباب وراء تدخل الواليات المتحدة وتبعات مشاركتها في كل حرب منها .ويصل هذا النقاش بالكاتب إلى ما يسميه الحرب الخامسة ،أو الحرب في أفغانستان ،ويطرح سؤالاً محيرًا :هل توجد طرق غير عسكرية كي تحقق الواليات المتحدة أهدافها في أفغانستان؟
2 3تايم الفرنسي الذي ال يقهر يصف هذا المقال الطبيعة الحمائية للثقافة الفرنسية في مواجهة العولمة .ويستخدم ليو سيندورويتش البطل الكوميدي الفرنسي "أستريكس" كتعبير مجازي عن السياسات المناهضة للعولمة في دولة أصبحت أكثر الدول تطبيقًا للسياسة الحمائية في أوروبا .ومع ذلك ،يجادل سيندورويتش بأن فرنسا ،رغم جهودها ،تطبعت بالعولمة مثل أي دولة أخرى في القارة .وحيث إنها تمثل خامس أكبر اقتصاد في العالم ،ال تزال شركاتها تحت قبضة الشركات األمريكية ،و ال أحد يستطيع تجاهل انتشار اللغة اإلنجليزية في فرنسا .ويرى سيندورويتش أن الوقت حان إلعادة التفكير في رمز "أستريكس".
4نيوزويك
3
118يو ًما في الجحيم
قضى مراسل مجلة "نيوزويك" مازيار بهاري 118يو ًما و 12ساعة و 54دقيقة داخل ما يصفه بالجحيم .في 21يونيو ،اعتقل بهاري من قبل شعبة االستخبارات في الحرس الثوري اإلسالمي في إيران .واقتيد إلى سجن "إيفين" سيئ السمعة في طهران وتم اتهامه بالتجسس لصالح وكالة االستخبارات المركزية األمريكية ،وهيئة االستخبارات البريطانية ،ومجلة نيوزويك .ويروى بهارى في مقال رائع قصة احتجازه ويقدم رؤية مهمة وتحليال لألعمال الغامضة والداخلية في إيران.
4
بروسبكت
غالفاإلسبوع
كيف يشاهدنا الطغاة على شبكة اإلنترنت (قصة الغالف لهذا األسبوع) يهدف اإلنترنت إلى مساعدة الناشطين ،ويتيح االحتجاج الديمقراطي ويضعف قبضة األنظمة االستبدادية .ولكن هل تفعل ذلك حقًا؟ وتشير هذه المقالة إلى أن شبكة اإلنترنت يمكن أن تكون أداة في يد الطغاة مثلما يستطيع النشطاء استخدامها .ويمكن استخدام شبكة اإلنترنت ضد اإلصالحيين ،خاصة في الديمقراطيات الجديدة أو الدول الخاضعة لحكم األنظمة المستبدة. وبدلاً من أن تساعد اإلنترنت المواطنين على تعزيز أهداف الديمقراطية ،فإنها ترتد على أعقابها وتساعد الحكومات االستبدادية على تتبع مثل هذه الحركات وشن هجوم مضاد عليها. العدد 1534
15
الموجز بانوراما الصحافة
الموجز قالوا
أقوال إن الحكومة اإلسرائيلية راغبة ومستعدة للتوصل إلى حل» دولتين لشعبين» الرئيس اإلسرائيلي شيمون بيريز خالل لقائه مع الرئيس المصري حسني مبارك
بانوراما الصحافة
لن نقيم دولتنا في ظل االحتالل سالم فياض رئيس الوزراء الفلسطيني رداً على التصريحات اإلسرائلية
لدى بلدان مثل إيران والبرازيل وفنزويال والسنغال وجامبيا القدرة على خلق نظام عالمي جديد
1نيويوركر
الرئيس اإليراني محمود أحمدي نجاد أثناء زيارته للبرازيل
الحرب الخامسة
يجب أن يتم تطبيق القانون على الجميع
يتناول هذا المقال الحروب الخمس التي خاضتها الواليات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية .ويستعرض المؤلف أوال؛ فيتنام والعراق وكوريا وحرب الخليج، ويصف في إيجاز األسباب وراء تدخل الواليات المتحدة وتبعات مشاركتها في كل حرب منها .ويصل هذا النقاش بالكاتب إلى ما يسميه الحرب الخامسة ،أو الحرب في أفغانستان ،ويطرح سؤالاً محيرًا :هل توجد طرق غير عسكرية كي تحقق الواليات المتحدة أهدافها في أفغانستان؟
عمرو موسى األمين العام لجامعة الدول العربية في تعليقه على مباراة كرة القدم بين الجزائر ومصر التي أقيمت في السودان
27نوفمبر 2009
1
14
8إيران برر الميجور جنرال محمد علي جعفري ،قائد الحرس الثوري اإليراني ،تأجيل روسيا تسليم نظام الصواريخ "إس "300-المقرر بيعها إليران بالضغوط التي تمارس عليها من جانب خصوم إيران ،خاصة الواليات المتحدة وإسرائيل. وأضاف جعفري أنه لوال هذه الضغوط فليس لدى الروس مشكلة في إتمام صفقة الصواريخ مع إيران.
9
7
3
قال محمد البرادعي الرئيس الحالي للوكالة الدولية للطاقة الذرية إن استمرار إيران في رفض السماح بتفتيش أنشطتها النووية بصورة أكثر إحكاما ً يحتمل أن يضطر المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات جديدة على طهران. وكشف البرادعي ان إقتراح طهران بتخصيب اليورانيوم علي اراضيها مرفوض،البرادعي رغم ذلك وصف تلك العقوبات بأنها انتهاك خطير لحقوق اإلنسان إلنها تؤثر على الضعفاء وال تحل المشكلة.
4
6باكستان
لقي 18شخصا ً مصرعهم على أيدي القوات الباكستانية أثناء قيامها بحملة جديدة علي المتمردين المتهمين بتنفيذ تفجيرات مدينة بيشاور الواقعة في شمال غرب باكستان .وتعتبر العملية التي تمت في منطقة بارا هي آخر العمليات المنفذة ضمن الحملة الموسعة التي استهدفت أخيراً تنظيمي طالبان والقاعدة في األراضي التي ال تقع تحت طائلة القانون والقريبة من الحدود األفغانية منذ أواخر العام الماضي . العدد 1534
9ألمانيا
7المملكة المتحدة
10البرازيل
قال ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني إن حكومة أفغانستان يمكن أن تنهار خالل أسابيع إذا غادرت قوات حلف شمال األطلسي البالد .وأضاف ديفيد قائالً« :إذا غادرت القوات الدولية أفغانستان ،فلن تمضي مدة طويلة حتى يطيح المتمردون بتلك القوات التي يتم إعدادها لقمع المقاومة وسوف نعود أدراجنا إلى هناك»
دعا الرئيس البرازيلي لويز إناسيو لوال دا سيلفا إلى زيادة المساعي الدبلوماسية الهادفة إلى تحريك محادثات السالم المتعثرة في منطقة الشرق األوسط ،كما دعا إلى تخفيف حدة التوتر بين إيران والواليات المتحدة والدول األخرى. ودافع أيضا ً عن حق إيران في امتالك برنامج نووي سلمي .جاء ذلك ضمن زيارة الرئيس اإليراني محمود أحمدي نجاد التي يقوم بها حاليا ً في البرازيل. 13
الموجز
حول العالم
حول العالم 1السعودية ناقش خادم الحرمين الشريفين الملك عبد هللا بن عبد العزيز ورئيس الوزراء اإليطالي سيلفيو برلسكوني المتعلقة ببرنامج إيران المخاوف النووي واالشتباكات التي وقعت مؤخرا على الحدود السعودية اليمنية .وناقش الزعيمان أيضا الوضع في أفغانستان والعراق والصومال.
5
6
8
10
1
3العراق
2مصر أعلن الرئيس المصري محمد حسني مبارك أن مصر» لن تقبل المساس بكرامة أبنائها «كلمات الرئيس المصري جاءت ردا علي اعتداءات الجمهور الجزائري ضد نظيره المصري عقب مباراة تصفيات كأس العالم والتي فازت بها الجزائر علي مصر،و استدعت سفيرها بالجزائر للتشاور واكدت الخارجيه أن عودته مرتبطة بالقرار السياسي 27نوفمبر 2009
أعلن لبيد عالوىي نائب وزير الخارجية العراقي أن بالده قامت بتوجيه رسائل وبذلت العديد من الجهود من أجل إطالق سراح األمريكيين الثالثة الذي تم اعتقالهم في إيران ،لكنها لم تتلق أي استجابة .وقال لبيد إنه يعتقد أن إيران ليس لديها خطط لتسليم األمريكيين المحتجزين إلي العراق في الوقت الراهن .
4
أمريكا
أعربت وزيرة الخارجية هيالري كلينتون عن مخاوفها من صفقات األسلحة التي اشترتها تشيلي والبرازيل من الواليات المتحدة مؤخراً ،وكذلك من الطلبات التي تلقتها واشنطن مؤخرا من كال من اإلكوادور و فنزويال لشراء أسلحة مماثلة .وقالت هيالري أن ذلك يلوح ببداية سباق للتسلح في المنطقة .و لكن قادة دول أمريكا الجنوبية المشار إليها أنكروا ذلك تماما
5أفغانستان أكد وزير الداخلية األفغاني حنيف أتمار أن الفساد في أفغانستان سوف تتم محاربته وسوف تنتهي الحرب ضد اإلرهاب بفوز أفغانستان .وأضاف أتمار أن األوضاع األمنية قد تحسنت في بعض المحافظات األفغانية وتدهورت في البعض اآلخر .و أعرب أتمار عن ثقته بأن طالبان سوف تهزم وقال إننا ينبغي أن نظهر العزم والقدرة على اتخاذ القرارات بشكل سريع . 12
2
الموجز حول العالم
قالوا
بانوراما الصحافة
رسائل
حج هادئ فيما كان الجميع يتوقعون أجواء مشحونة وأحداثا ً متوترة فى موسم الحج على خلفية التصريحات االيرانية حول تنظيم ما يعرف بمراسم البراءة ومحاولتها تسيس الحج خالفت المملكة العربية السعودية كل التوقعات ونجحت فى الخروج بموسم الحج الى بر االمان وكبحت جماح الفتنة التى توقعها الكثيرون وتراجع الجانب االيرانى عن مراده. ورغم مشاركة 60الف شيعى العدد 1534
ضمن ثالثة ماليين حاج توافدوا الداء مناسك الحج اال ان الحسم السعودى الذى تمثل فى رفض المملكة على لسان االمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية والنائب الثانى لرئيس الوزراء كان واضحا ً في انها لن تسمح باالساءة لمناسبة الحج وان كافة االجراءات الالزمة قد اتُخذت من اجل الحفاظ على امن وسالمة الحجاج اضافة الى التنظيم الجيد من مختلف الجهات والوزارة المسئولة عن الخدمة والتأمين
الذى شهد مشاركة 100الف رجل امن كان عامال حاسما فى الخروج اآلمن لموسم الحج من اى مشاكل ،ووجه رسالة اقليمية بشكل غير مباشر مفادها استحالة فرض اجندة السياسة االيرانية على السعودية او منطقة الخليج وباستثناء الحوادث الناجمة عن االمطار الغزيرة التى هطلت على المملكة والتى سيطرت عليها اجهزة وقللت الميدانية المتابعة منها نستطيع وصف الموسم بانه كان “ حج هادئ” 11
جيوبوليتيكا
رحلة دبلوماسية صعبة
نجاح المحادثات النووية مع إيران يعتمد على االعتراف بحقها في التخصيب السلمي لليورانيوم
يدرك فريق التفاوض التابع ألوباما أنه لكي تنجح المحادثات مع إيران ،ينبغي أن يوضع في الحسبان؛ أن إجبار إيران على وقف تخصيب اليورانيوم بشكل تام لن يحظى بالقبول .فاالتفاق مع إيران سوف يتضمن االعتراف بحقوقها النووية في مقابل إبدائها رغبتها في توفير الشفافية الكاملة واإلشراف على تجاربها النووية من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية .إال أن هذه الرحلة الدبلوماسية معقدة كثي ًرا نتيجة السياسات الداخلية في كال البلدين. خالل المحادثات بين إيران والواليات المتحدة حول البرنامج النووي اإليراني ،لم يب ِد الرئيس أوباما أية بوادر تشير الى أنه سيعطى إيران ما تريد ،وهو االعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم لالستخدامات السلمية على أرضها .وإن كان المفاوضون في إدارة أوباما سيواصلون مطالبة إيران بتعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم وإغالق مفاعالتها.. إال أن بعض المطلعين ،ومن بينهم األمريكيون الذين شاركوا في المحادثات غير الرسمية مع المسئولين اإليرانيين يؤكدون أنه على المفاوضين في إدارة أوباما أن يفهموا أنه لكي تنجح المحادثات مع إيران ،ينبغي عدم إجبارها على التخلي بشكل تام عن تخصيب اليورانيوم .فهم يعرفون في النهاية أن التوصل إلى اتفاق مع إيران سوف ينطوي على اعتراف بحقوقها النووية في مقابل إبداء إيران رغبتها في توفير الشفافية الكاملة واإلشراف على تجاربها النووية من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذه هي النتيجة التي ستسمح لكلٍّ من المفاوضين اإليرانيين واألمريكيين بادعاء النجاح و تحقيق الفوز في المحادثات .فبهذه النتيجة تستطيع إيران أن تعلن لشعبها أنها أجبرت الغرب على تقبُّل حقوقها بموجب معاهدة حظر االنتشار النووي التي وقعتها طهران .ويستطيع الرئيس أوباما أن يقول للرأي العام األمريكي إنه أجبر إيران على قبول ضمانات لعدم توجيه أبحاثها النووية إلى الجانب العسكري. لكن تبقي المشكلة أن تحقيق ذلك ينطوي على رحلة دبلوماسية صعبة ومعقدة كثيرًا نتيجة للسياسات الداخلية في كال البلدين. ففي األول من أكتوبر ،وبعد أشهر من األنشطة الدبلوماسية السرية وغير المباشرة بين إيران والواليات المتحدة ،حققت القوى الكبرى في العالم وإيران تقدما مه ًما .ولم تكتف إيران بالموافقة فقط على تفتيش الوكالة الدولية لمنشآتها النووية التي لم تكشف عنها من قبل وبُنيت عند سفح جبلي قرب مدينة قُم ،بل وافقت أيضًا على شحن الجزء األكبر من اليورانيوم ـ منخفض التخصيب ـ إلى روسيا وفرنسا حيث سيخضع إلعادة المعالجة الستخدامه في مفاعل طبي. ولكن ..حتى هذا االنتصار الصغير أثار ضجة في إيران .فقد أدان الصفقة خصوم الرئيس أحمدي نجاد، من المتشددين مثل علي الريجاني ،رئيس البرلمان، ومير حسين موسوي ،زعيم حزب المعارضة اإلصالحي .واعتبر كال الزعيمين ،ألسباب مختلفة، الصفقة فرصة لتحقيق مكاسب سياسية ضد أحمدي نجاد ،واتهماه ببيع مصالح إيران إلى الواليات المتحدة .وعادت إيران سريعًا للتراجع ،وسعت 27نوفمبر 2009
روبرت درايفوس إلى إجراء تغييرات فيما أسمته الواليات المتحدة أنه اتفاق نهائي ،وبدت الصفقة على وشك االنهيار. وفي الواليات المتحدة ،ا ّدعى منتقدو إيران – ومن بينهم المحافظون الجدد ،و ُكتَّاب المقاالت في وسائل اإلعالم اليمينية مثل صحيفة «وول ستريت جورنال» – أن مراوغة إيران دليل على أن طهران ال تتفاوض بجدية .وقالوا إن إيران تستخدم المحادثات كخطة للمماطلة بينما تمضي قُدُما نحو تصنيع قنبلة نووية.. ولكن تخبط إيران في الواقع هو نتيجة ألساس نظامها الهش .فقد تسببت انتخابات الثاني عشر من يونيو/حزيران المتنازع عليها ،والقمع الوحشي والمحاكمات الصورية التي تلتها ،في إنهاك أحمدي نجاد وعلي خامنئي ،مرشد الجمهورية اإليرانية على حد سواء .ويشكك رموز المؤسسة الحاكمة فى شرعيتهما وسلطتهما علنًا ،ومن بينهم الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني ،مما جعل من الصعب على طهران التحرك بسرعة نحو وفاق ولو محدود مع الواليات المتحدة. ومنذ اجتماعه مع بنيامين نتنياهو ،رئيس الوزراء اإلسرائيلي ،في الربيع الماضي ،أشار أوباما إلى أن المحادثات مع إيران ينبغي أن تُحرز تقد ًما قبل نهاية العام .وأعلن مساعد وزيرة الخارجية األمريكية للشئون السياسية ،والمسئول عن ملف إيران في مؤتمر عقد بواشنطن يوم 10نوفمبر/ تشرين ثان ،أن الواليات المتحدة «ليست مهتمة بالمحادثات لمجرد المحادثات» ،مضيفًا أن الواليات المتحدة ستسعى إلى حشد حلفائها ،بجانب روسيا والصين لممارسة ضغوط جديدة على إيران من خالل فرْ ض عقوبات جديدة من األمم المتحدة إذا رفضت إيران التحرك سريعا لألمام. إال أنه رغم ذلك كله ،يدرك أوباما وبيرنز أن العقوبات ضد إيران لن يكون لها أي تأثير فعلي، خاصة وأن روسيا والصين لن تؤيدا إال أخف العقوبات على األرجح .ويعرف الرجالن أيضا أن التخلي عن المفاوضات ربما يلغى حسن النية
الذي تم َّخض عن انفتاح أوباما على إيران .بد ًءا من خطاب تنصيبه في شهر يناير/كانون ثان، إلى خطابه الذي ألقاه في القاهرة في شهر يونيو/ حزيران ،حيث استخدم اوباما خاللهما عبارة «جمهورية إيران اإلسالمية» ليشير إلى أن الواليات المتحدة لم تعد تسعى إلى تغيير النظام في إيران .. والحقيقة ..أنه رغم ضغوط المتشددين األمريكيين، بما فيهم لجنة الشئون العامة األمريكية-اإلسرائيلية القوية ،فإن الخالف حول األبحاث النووية اإليرانية ال يمثل أزمة .فبالرغم من أن إيران تمتلك كمية صغيرة من اليورانيوم منخفض التخصيب ،فإنها ال تملك أي يورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة ذرية ،وتحويل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى اليورانيوم عالي التخصيب ،هو عملية طويلة وشاقة يجب أن تحدث على مرأى ومسمع من مفتشي الوكالة الدولية. باإلضافة إلى ذلك ،ليس من الواضح ما إذا كانت إيران لديها الدراية الفنية لتصنيع قنبلة مماثلة لقنبلة نجازاكي حتى لو امتلكت ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب .وعالوة على ذلك ،يعد تصنيع قنبلة يمكن أن تُحمل في صاروخ ،وتطوير رأس حربي، وتصنيع صاروخ يمكن أن يحمل قنبلة؛ كلها مهام صعبة للغاية ربما ال تتمكن إيران من إنجازها .. في نهاية المطاف ،إذا أرادت الواليات المتحدة النجاح في المحادثات ،فإنها ستضطر إلى التوصل إلى اتفاق ينطوي على استمرار إيران في عملية تحويل اليورانيوم إلى وقود الستخدامه في األغراض السلمية .ففي يونيو/حزيران الماضي ،وقبل أسبوع من االنتخابات اإليرانية ،قال السيناتور جون كيرى، رئيس لجنة العالقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والمستشار المقرب من الرئيس أوباما ،إن إيران لديها بالفعل الحق في تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة عدم االنتشار .في ذلك اليوم في طهران ،كنت في اجتماع مع علي أكبر رضائي ،المدير العام لقسم أمريكا الشمالية في وزارة الخارجية اإليرانية .وقال لي إنه ليس واضحًا ما إذا كانت اإلدارة األمريكية الجديدة على استعداد إلبداء موقف مختلف كثيرًا عن موقف جورج دبليو بوش .وقال رضائي بعد تحليل خطاب أوباما في القاهرة« :لم يقل الرئيس أوباما إن لدينا الحق في تخصيب اليورانيوم ،لكنه لم يقل أيضا إننا ال نملك هذا الحق ،وليس من الواضح لنا ما إذا كان حذف هذه النقطة عمدًا أم ال» .وقال رضائى: «إننا ال نعرف ما يدور بعقل الرئيس األمريكي». صحفي متخصص في السياسة واألمن القومي
08
32أفكار
لغز تركيا
37شخصيات بروفايل -رجل تركيا المشاغب حوار -عثمانية جديدة
43االقتصاد اقتصاد عالمي -الليرة المريضة
مجلة العرب الدولية العدد 70 ،1534نوفمبر 2009
للمشاركة إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني
editorial@majalla.com
ملحوظة :جميع المقاالت يجب أال تزيد على 800كلمة
اإلعالن لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ:
المستثمر العالمي -البنوك اللبنانية ..إنتعاش مؤقت
51إصدارات كــــتب قراءات تقارير
اشتراكات
56المقال السياسي صناعة التوتر مكتب المملكة العربية السعودية الرياض-الشركة السعودية لألبحاث والتسويق شارع التخصصى-تقاطع طريق مكة-حى المؤتمرات ص-ب 478 :رمز بريدى 11411: هاتف 966-1-4419933 :فاكس 966-1-4429555 E-Mail: editorial@majalla.com مكتب القاهرة 14شارع الحجاز -المهندسين -القاهرة هاتف -00202 3388654 -فاكس 00202 7492884 - مكتب لندن
Arab Press House 182-184 High Holborn, LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539 2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181, Fax: +(0)20 7831 2310 E-Mail: editorial@majalla.com
العدد 1534
Mr. Wael Al Fayez w.alfayez@alkhaleejiah.com Tel.: 0096614411444 F.: 0096614400996 P.O.BOX 22304 Riyadh 11495, Saudi Arabia
لالشتراك في الطبعة الرقمية ،يرجى االتصال بـ: subscriptions@majalla.com
تنويه اآلراء الواردة في هذه المجلة تعبر عن رأى مؤلفيها فقط و ال تعبر بالضرورة عن أراء مجلة المجلة و هيئه تحريرها.
حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة 2009التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة .وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة) .وتصدر المجلة أسبوعيا ً باستثناء إصدارين مدمجين في واحد بصورة دورية وإصدارات إضافية أو مزيدة أو موسعة .لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي، يرجى زيارة www.majalla.com 07
المحتـوى
18
08جيوبوليتيكا رحلة دبلوماسية صعبة
11الموجز حول العالم قالوا بانوراما الصحافة رسائل
18قصة الغالف شبح أتاتورك
27أكثر من رأي
شجاعة التغيير إدارة التحرير
مدير مكتب لندن مانويل أمليدا مدير مكتب القاهرة احمد أيوب احملـــررون ستيفن جلني بوال ميجا دينا وهبه وسام شريف سكرتيرة التحرير جان سينجفيلد مدير املوقع اإللكتروني محمد صالح الترجمة شريف عكاشة
27نوفمبر 2009
32 06
كاريكاتير
العدد 1534
05
اإلفتتاحية
الغالف
أسسهــا سنة 1987
األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز
مجلة العرب الدولية أسسهــا هشام ومحمد علي حافظ
أعزائي القراء رئيس التحرير
عادل بن زيد الطريفي المدير العام
طارق القين
مرحبا ً بكم ضيوفا ً على عدد هذا األسبوع من المجلة الرقمية .نعرض لكم في هذا العدد رؤية تحليلية حول السنوات السبع األخيرة من حكم حزب العداله والتنميه التركي .وقد قمنا بتوجيه الدعوة إلى سونر كاجابتاي مدير برنامج األبحاث التركية في معهد واشنطن وذلك لتقييم حكومة حزب العدالة والتنمية ،ويشير كاجابتاي إلى أنه بعد مضي سبع سنوات على حكم حزب العدالة والتنمية ،ترسخت األصولية والتوجه اإلسالمي في سياسة البالد الخارجية .ويتساءل كاجابتاي« :إلى أين تتجه تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية ،وما هى الدروس التي يمكن استخالصها من تجربة الحزب؟» باإلضافة إلى ذلك ،نعرض لكم نقاشا ً حول التجربة التركية تركيا، حيث يجيب المشاركون في هذا النقاش عن السؤال التالي« :هل نموذج حزب العداله والتنمية قابل للتكرار؟» كما تنشر المجلة في هذا اإلصدار حواراً مع إبراهيم كالين ،كبير مستشاري الشئون الخارجية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
www.srpc.com The Majalla Magazine HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited Arab Press House 182-184 High Holborn, LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539 2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181, Fax: +(0)20 7831 2310
لذا ندعوكم إلى قراءة هذه المقاالت وغير ذلك كثير على موقعنا اإللكتروني .Majalla.com/arوكالعادة ،فإننا نرحب بتقييمكم وندعوكم إلى كتابة تعليقاتكم على موقع المجلة أو االتصال بنا إذا كانت لديكم الرغبة في النشر لدينا. مع أطيب التمنيات
عادل الطريفي رئيس التحرير
رحلة دبلوماسية صعبة روبرت درايفوس
عثمانية جديدة نيكوالس بيرش
البنوك اللبنانية.. إنتعاش مؤقت جوشوا ملين
مجلة العرب الدولية
شبح اتاتورك
7سنوات من حكم العدالة والتنمية بقلم
سونر كاجابتاي
العدد 27 ،1534نوفمبر 2009