ما بعد النفط والأمن

Page 1

TM1554_OBC_Ad.indd 64

5/7/10 15:42:56



‫● الكلمة األخيرة‬

‫نار حتت الرماد‬ ‫كما توقع بعض املراقبني‪ ،‬مرت ذكرى االنتخابات اإليرانية دون قيام مظاهرات كبيرة أو أي أحداث بارزة‪ ،‬وباستثناء بضعة‬ ‫اعتقاالت في صفوف الطلبة واعتداء منفرد بحق مهدي كروبي ‪ -‬مرشح الرئاسة السابق ‪ ،-‬فإن النظام اإليراني قد أثبت بأنه‬ ‫فسر على أنه‬ ‫سيد املوقف‪ ،‬حتى إن تراجع زعماء احلركة اخلضراء املعارضة عن تنظيم املظاهرات قبل أيام من حلول الذكرى ّ‬ ‫عجز حقيقي في قدرة املعارضة على تسيير مظاهرات معارضة بحجم تلك التي خرجت قبل عام‪ ،‬وأن عملية االعتذار خوفا‬ ‫من التدابير األمنية التي يهدد بها النظام واقعية بسبب انحسار أعداد املعارضني عما كانوا عليه‪.‬‬ ‫عادل الطريفي‬ ‫كما توقع بعض املراقبني‪ ،‬مرت ذكرى االنتخابات اإليرانية دون قيام‬ ‫مظاهرات كبيرة أو أي أحداث بارزة‪ ،‬وباستثناء بضعة اعتقاالت في‬ ‫صفوف الطلبة واعتداء منفرد بحق مهدي كروبي ‪ -‬مرشح الرئاسة‬ ‫السابق ‪ ،-‬فإن النظام اإليراني قد أثبت بأنه سيد املوقف‪ ،‬حتى إن‬ ‫تراجع زعماء احلركة اخلضراء املعارضة عن تنظيم املظاهرات قبل‬ ‫فسر على أنه عجز حقيقي في قدرة املعارضة‬ ‫أيام من حلول الذكرى ّ‬ ‫على تسيير مظاهرات معارضة بحجم تلك التي خرجت قبل عام‪،‬‬ ‫وأن عملية االعتذار خوفا من التدابير األمنية التي يهدد بها النظام‬ ‫واقعية بسبب انحسار أعداد املعارضني عما كانوا عليه‪.‬‬ ‫البعض يرجع أسباب تراجع احلركة اخلضراء إلى جناح السلطات‬ ‫اإليرانية ال سيما عبر دعم احلرس الثوري وميليشيات الباسيج إلعادة‬ ‫انتخاب الرئيس محمود أحمدي جناد بالقوة‪ ،‬وأن سلسلة احملاكمات‬ ‫وأحكام السجن واإلعدام التي مورست بحق مؤيدي املعارضة في‬ ‫ظل عجز قياداتها من أمثال رفسنجاني‪ ،‬وموسوي‪ ،‬وخامتي‪ ،‬وكروبي‬ ‫تثبت أن املعارضة للنظام القائم ال تزال ضعيفة وعاجزة عن تغيير‬ ‫األوضاع في الساحة السياسية اإليرانية‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬يقول‬ ‫احمللل السياسي رضا أسفيندياري‪« :‬إنه وعلى الرغم من االتهامات‬ ‫بتزوير االنتخابات فإن الدالئل تشير إلى كون نتائج االنتخابات أصلية‪،‬‬ ‫وأن األغلبية في إيران تدعم احلكومة‪ ،‬وأن فشل احلركة اخلضراء في‬ ‫االنتشار مرده إلى عجزها عن اخلروج عن دائرة النخبة السياسية‬ ‫وقاعدتها من الطبقة الوسطى»‪.‬‬ ‫بيد أن هناك من يرى أن جو التهدئة الذي نراه يخفي حتته قدرا‬ ‫كبيرا من الغضب واالحتقان الداخلي‪ ،‬أو كما عبر عنه تقرير نشرته‬ ‫«نيويورك تاميز» (بتاريخ ‪ 12‬يونيو) بـ«نار حتت الرماد»‪ ،‬حيث ذكر‬ ‫التقرير أن املرشد األعلى آية اهلل خامنئي والرئيس أحمدي جناد‬ ‫رمبا يظهران كمنتصرين في هذه املرحلة‪ ،‬ولكن الكثيرين في إيران‬ ‫يشعرون اليوم بأن احلركة اخلضراء رغم تراجعها الظاهري فإن‬ ‫املعارضة اخلفية خارج إطار مظلة احلركة باتت أكبر وأشد اختالفا‬ ‫مع النظام السياسي القائم‪ .‬وإذا صح هذا التقدير فإن املؤسسة‬ ‫السياسية بشقّ يها احملافظ واإلصالحي قد خسرت حتدي التغيير‬ ‫نتيجة خلالفها حول السلطة‪ ،‬والثورة التي كانت من أجل الشعب‬ ‫قد باتت نظاما يحكم بالقوة شعبا شابا ولد أبناؤه بعد الثورة‪.‬‬ ‫في الوقت الذي يشعر فيه احملافظون اجلدد في طهران باالنتصار على‬ ‫املعارضة في الداخل‪ ،‬فإن إيران باتت تعاني عزلة دولية تشبه إلى‬ ‫حد كبير سنوات ما بعد الثورة‪ ،‬فقد مررت الدول الكبرى حزمة‬ ‫عقوبات رابعة مبشاركة أصدقاء إيران كروسيا والصني‪ .‬وفي حني‬ ‫تبدو احلكومة اإليرانية غير مكترثة لتلك اخلسارة االستراتيجية‪،‬‬ ‫فإن البلد قد يواجه ‪ -‬حسب رأي بعض املراقبني ‪ -‬حتديات اقتصادية‬ ‫كبيرة على الصعيد الداخلي‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫خالل عامي ‪ 2007‬و‪ 2008‬حققت إيران دخال كبيرا من وراء عائداتها‬ ‫البترولية‪ ،‬وقد ساعدت أسعار البترول التي بلغت ‪ 150‬دوالرا‬ ‫احلكومة املركزية على تغطية إنفاقاتها الباهظة ملشروعات الدعم‬ ‫اخلاصة بالفقراء‪ ،‬الذين هم في احلقيقة القاعدة الشعبية للرئيس‬ ‫أحمدي جناد‪ .‬بيد أن األهم هو أن إيران تواجه حصارا اقتصاديا قد‬ ‫يضر بتجارتها اخلارجية‪ .‬ففي عام ‪ 2008‬بلغت التجارة بني طهران‬ ‫وأكبر خمسة بلدان آسيوية متعاملة معها قرابة املليار دوالر‪،‬‬ ‫وكان لصادرات إيران لدول مثل اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬والعراق‪،‬‬ ‫وأفغانستان النصيب األكبر‪ ،‬ولكن تلك التجارة مهددة بالتراجع إلى‬ ‫مستويات عام ‪ ،2001‬والتي لم تتعد ‪ 500‬مليون دوالر‪ ،‬في حال‬ ‫طبقت العقوبات بشكل أكثر صرامة مما كانت عليه في السابق‪.‬‬ ‫في كتابه الهام «صعود الطبقة الوسطى اجلديدة في العالم‬ ‫اإلسالمي» يجادل والي نصر (‪ )2009‬بأن «املعركة الكبرى لروح‬ ‫إليران ‪ -‬ومستقبل املنطقة بأسرها ‪ -‬لن يكون حول الدين أو‬ ‫الطائفة‪ ،‬بل حول حرية التجارة والرأسمال»‪ ،‬ولهذا فإن العقوبات‬ ‫االقتصادية بحق طهران سيكون لها نتائج كبيرة‪ .‬حاليا‪ ،‬يبلغ الناجت‬ ‫احمللي اإلجمالي إليران مستوى مماثل لوالية أميركية مثل ماسوشتس‪،‬‬ ‫وهي تنفق ما مقداره ‪ 6‬مليارات دوالر على تسلحها العسكري‪ ،‬وهو‬ ‫رقم ال يبلغ نصف ما تنفقه دول مثل إسرائيل أو تركيا‪ ،‬وغيرها من‬ ‫الدول اخلليجية في املنطقة‪ .‬كما يجادل اخلبراء بأن وضعا اقتصاديا‬ ‫كهذا ال يخول إيران أن تكون دولة عظمى باملعايير اإلقليمية‪ ،‬فكيف‬ ‫مبواجهة دول كالواليات املتحدة أو االحتاد األوروبي‪.‬‬ ‫احملافظون اجلدد في طهران يجادلون بأن احلصول على تكنولوجيا‬ ‫السالح النووي ‪ -‬وليس بالضرورة امتالك ترسانة من السالح النووي‬ ‫ هو بالضرورة اإلجابة على التهديدات اخلارجية التي يواجهونها‪ ،‬وأن‬‫الدول الغربية وبالذات دول املنطقة ستضطر إلى تصحيح مواقفها‬ ‫واالعتراف مبوقع إيران كدولة عظمى‪ .‬صحيح أن بلوغ املقدرة النووية‬ ‫احلربية قد يغير من موازين القوى إقليميا‪ ،‬ولكن ذلك لن يغير شيئا‬ ‫في موازين الصراع الداخلي‪ .‬يشير راي تاكيه (حراس الثورة ‪)2009‬‬ ‫إلى أن سياسة املاللي اليمينية املتشددة بالتحالف مع العسكر‬ ‫رمبا ضمنت لهم التفوق في صراعهم اإلقليمي مع اجملتمع الدولي‪،‬‬ ‫ولكن حتديات الداخل رمبا تكون التحدي األكبر إزاء استمرارهم في‬ ‫السلطة‪ ،‬وفي النهاية كان الفشل في حل مشكالت الداخل هو‬ ‫السبب الرئيسي في فشل دول قوية كاالحتاد السوفياتي‪ ،‬أو النظام‬ ‫العنصري في جنوب أفريقيا‪.‬‬ ‫قد يكون احملافظون اجلدد جنحوا في هذه اجلولة‪ ،‬ولكن وكما يقول‬ ‫املثل الفارسي‪« :‬في العفو لذة ليست في االنتقام»‪ ،‬وهو درس من‬ ‫الواضح أنهم ال يدركونه‪ ،‬فإيران لن تعود كما كانت في السابق‪،‬‬ ‫فحمى الغضب واالنتقام ما تزال مستعرة حتت الرماد‪.‬‬


Rachid Kora誰chi Ecstatic Flow

11th June - 10th July 2010

Rachid Kora誰chi Ibn El Arabi, 2009 (detail). Lithograph, 61 x 40 cm, ed. 70 + 5AP

AN EXHIBITION OF NEW WORKS CELEBRATING THE LIVES AND TEACHINGS OF SUFI MASTERS Saturday 12th June at 3pm. GALLERY TALK: Rachid Kora誰chi will talk about his art at October Gallery. Admission Free. October Gallery, 24 Old Gloucester Street, London WC1N 3AL art@octobergallery.co.uk Tel: + 44 (0)20 7242 7367 Tues - Sat 12.30-5.30 or by appointment October Gallery Trust Registered Charity No. 327032

TM1554_61_Ad.indd 61 PDF_add.indd 1

www.octobergallery.co.uk 5/7/10 15:42:16 25/05/2010 15:47


‫نقاداألمم‬ ‫●●ثروة‬

‫مقاربة أميركية لـ«اجلنائية الدولية» من روما إلى كمباال‪:‬‬

‫خاصة‪ ،‬وأن احملكمة اجلنائية الدولية تتمنى املوافقة على تعريف «العدوان»‬ ‫وتفعيل سلطتها على جرائم العدوان‪.‬‬ ‫ويوضح التقرير أن اإلدارة األميركية تعتبر ذلك البند قضية سياسية وليس‬ ‫قضية قانونية فقط‪ .‬ووفقا للتقرير‪ ،‬فإن تضمني جرائم العدوان باعتباره عمال‬ ‫عدوانيا سوف يعزز شرعية احملكمة اجلنائية الدولية‪ .‬ويذكر املؤلف‪« :‬إنه‬ ‫يعرض الواليات املتحدة وزعمائها إلى خطر احملاكمة ملا يعتبرونه أفعال أمنية‬ ‫ضرورية ومشروعة»‪.‬‬

‫مجلس العالقات اخلارجية‪ ،‬أبريل (نيسان) ‪2010‬‬

‫كما ميكن أن يضع ذلك التغير الواليات املتحدة في موقف ضعف في ظل‬ ‫عملياتها العسكرية في اخلارج‪ .‬فإذا ما مت إضافة العدوان إلى صالحيات‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬فمن املؤكد أن الواليات املتحدة لن تنضم‪ .‬ولكن‬ ‫أليست تلك هي الطريقة التي تعمل بها العدالة‪ ،‬أال يجب أن حتاسب كافة‬ ‫الدول على أفعالها؟‬

‫عدالة املنتصر تقبض‬ ‫روح القانون الدولي‬

‫يكفل تقرير حديث جمللس العالقات اخلارجية‪ ،‬يناقش مستقبل‬ ‫عالقة أميركا مع احملكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬حصانة املواطنني‬ ‫األميركيني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن إشارته إلى رفض الواليات املتحدة‬ ‫االلتزام بقواعد احملكمة اجلنائية الدولية هو محل للشك‬ ‫خاصة في ظل أهمية األحكام العاملية للمحكمة اجلنائية‬ ‫الدولية بالنسبة لقدرتها على تطبيق العدالة حول العالم‪.‬‬ ‫عندما جلس تشرشل وترومان وستالني على‬ ‫طاولة املفاوضات في ‪ 1945‬ملناقشة مصير‬ ‫مجرمي احلرب النازية‪ ،‬فإنهم أسسوا أول‬ ‫محكمة عاملية جلرائم احلرب‪ .‬وبالرغم من أن‬ ‫محاكمات نورمبرغ قد أسفرت عن تقدمي دولة‬ ‫وزعماءها للعدالة بتهم ارتكاب جرائم ضد‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬فقد تعرضت تلك احملاكمات‪ ،‬لألسف‪،‬‬ ‫النتقادات واسعة نظرا النحيازها والقيود اخلاصة‬ ‫التي أثرت على عدالة تلك احملاكمات‪.‬‬ ‫كما مت استثناء جرائم احللفاء‪ ،‬والتي كانت على‬ ‫نفس القدر من البشاعة من احملاكمات‪ ،‬مما دفع‬ ‫بعض املعلقني لنعت محاكمات نورمبرغ بأنها‬ ‫محاكمات استعراضية تعتمد «عدالة املنتصر»‪.‬‬ ‫وفي تقرير حديث نشره مجلس العالقات اخلارجية مت تفسيره باعتباره حالة‬ ‫تقليدية من حاالت تسييد عدالة املنتصر‪ .‬ويناقش التقرير مستقبل عالقة‬ ‫أميركا باحملكمة اجلنائية الدولية في ظل حصانة املواطن األميركي من‬ ‫احملاكمة‪ .‬وخالل الربيع القادم سوف تناقش الدول من كافة أنحاء العالم‬ ‫الشرعية الدولية للمحكمة اجلنائية الدولية باملؤمتر االستعراضي للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية الذي سوف يعقد بكمباال بأوغندا‪ .‬ويستعرض التقرير العالقة‬ ‫املتوترة بني احملكمة اجلنائية الدولية والواليات املتحدة ويضع توصيات ملقاربتها‬ ‫للمؤمتر حلماية املصالح األميركية‪.‬‬ ‫بعد أكثر من خمسني عاما من نورمبرغ‪ ،‬وفي عام ‪ 2002‬مت تأسيس احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية مبوجب اتفاقية «نظام روما»‪ .‬ويقع املقر الرئيسي للمحكمة‬ ‫بهولندا وهي مسؤولة عن محاكمة الذين ينتهكون حقوق اإلنسان‪ ،‬واملشاركني‬ ‫في جرائم احلرب الدولية‪ .‬ومنذ تأسيسها كانت اإلدارات األميركية املتتالية‬ ‫مترددة في املصادقة على االتفاقية واحلصول على العضوية الرسمية؛ نظرا‬ ‫العتراض الواليات املتحدة على عدة نقاط تتعلق بسلطة احملكمة وصالحيتها؛‬ ‫حيث تتمتع احملكمة الدولية باستقاللية عن األمم املتحدة ولديها احلرية في‬ ‫التهم املشتبه بهم دون احلصول على إذن مجلس األمن التابع لألمم املتحدة‪.‬‬ ‫وهو ما يترك الواليات املتحدة عرضة للمحاكمة بدون قدرتها على استغالل حق‬ ‫الفيتو الذي متتلكه داخل األمم املتحدة‪ .‬باإلضافة إلى أن واشنطن لديها مخاوف‬ ‫بشأن سلطة احملكمة في محاكمة اجلنسيات غير املوقعة على االتفاقية إذا ما‬ ‫وقعت اجلرائم في دولة من الدول املوقعة على االتفاقية‪.‬‬ ‫ويعرض ذلك البند اجليش األميركي وقوات حفظ السالم املشاركني في‬ ‫العمليات العسكرية اخلارجية إلى احملاكمة‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإنه من غير املرجح أن تنضم الواليات املتحدة إلى احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية حتى وإن مت إجراء تعديالت محددة على االتفاقية في كمباال‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫مما الشك فيه أن املتظاهرين الذين يحملون الالفتات التي تدين حرب العراق‬ ‫باعتبارها غير شريعة سيرحبون بتضمني جرمية العدوان ضمن صالحيات‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية‪.‬‬ ‫وجدير بالذكر أن املؤلف ذكر احملاكمات التي ميكن أن تتعرض لها الواليات‬ ‫املتحدة إذا ما شنت حربا على إيران في حال تصاعد الصراع حول األسلحة‬ ‫النووية‪ .‬وذلك بالتحديد هو ما يجعل احملكمة اجلنائية الدولية بتلك األهمية‬ ‫في تنظيم العدالة الدولية‪ .‬فبإمكان احملكمة اجلنائية الدولية أن تصبح رادع‬ ‫للعمليات العسكرية األميركية املستقبلية‪.‬‬ ‫وقبل أن تدق أجراس اخلطر في مجلس الشيوخ‪ ،‬يجب أن يتذكر السياسيون‬ ‫األميركيني أن احملكمة اجلنائية الدولية ليست سوى امللجأ األخير؛ حيث سيتم‬ ‫إحالة القضايا إلى احملكمة اجلنائية الدولية فقط إذا ما فشلت احملاكمة‬ ‫الوطنية أو كانت غير مستعدة إلجراء تلك احملاكمات‪.‬‬ ‫وذلك كله يعكس عدم استعداد الدولة لاللتزام بقوانني أحد غيرها‪ .‬فقد كانت‬ ‫الواليات املتحدة تقلل باستمرار من شأن احملكمة اجلنائية الدولية خاصة خالل‬ ‫إدارة بوش‪ .‬وقد مت مترير عدة قرارات داخل الكونغرس ملنع مشاركة املعلومات مع‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية والتأكد من استثناء املواطنني األميركيني من سلطات‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية‪ .‬وبعد ذلك شهدت العالقات قدرا أكبر من الدفء في‬ ‫ظل تأييد الواليات املتحدة القوي للقضايا التي عملت عليها احملكمة اجلنائية‬ ‫الدولية في سيراليون أو في السودان‪ .‬يقدم التقرير املؤمتر القادم باعتباره‬ ‫فرصة بالنسبة للواليات املتحدة للتأثير على احملكمة اجلنائية الدولية دون‬ ‫االلتزام أو اخلضوع للمسائلة أمامها‪.‬‬ ‫ويطرح املؤلف إستراتيجية دفاعية ملفاوضاتها مع احملكمة اجلنائية الدولية في‬ ‫املؤمتر االستعراضي‪ ،‬فسوف حتضر الواليات املتحدة باعتبارها مراقب ولكنها‬ ‫تتمنى أن يتم اإلصغاء لصوتها من خالل إرسال ممثل رفيع املستوى‪ .‬ويوصي‬ ‫املؤلف بأن تدفع الواليات املتحدة من أجل تفعيل جرائم العدوان فيما تقدم‬ ‫تقييم بناء حول أداء احملكمة‪ .‬وسوف جتد إدارة أوباما صعوبة في تعزيز املصالح‬ ‫األميركية بني األعضاء الضجرين بدون اإلعالن عن قدر من التأييد‪ .‬ويقترح‬ ‫املؤلف أن تقدم الواليات املتحدة دعما ماليا وعمليا إذا ما مت تلبية طلباتها‪.‬‬ ‫ويوصي مبساندة نوابها للمبادرات مثل الوصول للضحايا وللتأكد من تضمني‬ ‫أكبر لشهادات الضحايا في إجراءات احملاكم‪ .‬وأخيرا‪ ،‬يقول إنه يجب أن تظهر‬ ‫الواليات املتحدة التزاما بتأييد احملكمة من خالل القبض على املتهمني وحتسني‬ ‫قدرة احملاكم الوطنية في معاجلة تلك القضايا خاصة في أفريقيا حتى ال‬ ‫تضطر احملكمة اجلنائية أن تفعل ذلك‪.‬‬ ‫ويجب على الواليات املتحدة أال تأمل في احلصول على استثناء مطلق من‬ ‫عقوبة‪ ،‬فيجب أن يتم تطبيق العدالة دون استثناء على اجلميع‪ .‬وكما يذكر‬ ‫املؤلف فإن احملكمة اجلنائية الدولية تعتمد على مبدأ العاملية‪ .‬فكيف إذن‬ ‫يشير إلى أنها تقوم بلي عنق مبادئها ملوائمة املصالح األمنية األميركية؟‬ ‫عندما يجتمع ممثلي دول العالم في كمباال يجب عليهم أال يرتكبوا نفس‬ ‫األخطاء التي ارتكبها سلفهم في ‪ 1945‬ولكنه يجب أن يسمح للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية بأداء دورها كمحكمة محايدة وبالتالي جتنب االتهامات بأنها‬ ‫عدالة املنتصر‪.‬‬ ‫مت نشر املقال في اجمللة في ‪ 2‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬


‫بعد حتررها من أوهام احلرس الثوري و الباسيج‬

‫الثورة اخلضراء ترفع شعار‬ ‫«املوت للدكتاتور» في إيران‬ ‫املوت للديكتاتور! هو شهادة شجاعة ومؤثرة حول الثورة‬ ‫اخلضراء التي وقعت في إيران خالل العام املاضي‪ .‬يصطحب‬ ‫املؤلف القارئ داخل شوارع إيران املكتظة وخلف قضبان‬ ‫زنازنها الشهيرة في خطوة تكتيكية صادمة لتعزيز الوعي‬ ‫باالنتهاكات الفظيعة التي ميارسها النظام فيما يتعلق‬ ‫بحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫املوت للديكتاتور! هو شهادة شجاعة‬ ‫ومؤثرة حول الثورة اخلضراء التي وقعت‬ ‫في إيران خالل العام املاضي‪ .‬يصطحب‬ ‫املؤلف القارئ داخل شوارع إيران املكتظة‬ ‫وخلف قضبان زنازنها الشهيرة في‬ ‫خطوة تكتيكية صادمة لتعزيز الوعي‬ ‫باالنتهاكات الفظيعة التي ميارسها‬ ‫النظام فيما يتعلق بحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫لقد كان العالم خالل يونيو (حزيران)‬ ‫يشاهد بذهول خروج اآلالف من املتظاهرين‬ ‫إلى الشوارع اإليرانية احتجاجا على نتائج‬ ‫االنتخابات الرئاسية‪ .‬ويسمح كتاب‬ ‫أفساني مقدم «املوت للدكتاتور!» للقارئ‬ ‫بالنظر إلى ما وراء األخبار فيما يتعلق‬ ‫باحتجاجات املتظاهرين في طهران واملقاومة امللهمة واملتحررة من‬ ‫األوهام حلركة اإلصالح اإليرانية‪.‬‬ ‫تتسم الثورة اخلضراء‪ ،‬االسم الذي أطلق على تلك احلركة‪ ،‬بردود أفعالها‬ ‫غير العنيفة وغير املتكافئة في الوقت نفسه مع رجال أحمدي جناد‪:‬‬ ‫احلرس الثوري وقوات الباسيج املكروهة‪.‬‬ ‫تعتمد القصة على األحداث احلقيقية التي شهدها املؤلف‪ ،‬والذي كان‬ ‫ضمن املتظاهرين‪ ،‬وقد مت تقدميها بعيون البطل محسن أباسبور‪ .‬ويشير‬ ‫استخدام املؤلف وشخصياته ألسماء مستعارة إلى مدى اخلوف املنغرس‬ ‫في املواطنني الذين يعيشون حتت وطأة الدكتاتورية العسكرية‪.‬‬ ‫يفتح املشهد على اجلسد النحيل احملطم حملسن‪ ،‬واملسجى على جانب‬ ‫الطريق واملشوه ببشاعة حتى أنه ال يستطيع أن ينطق أو يتحرك‪ .‬ثم‬ ‫يتضح تدريجيا أن محسن‪ ،‬املؤيد املتعاطف للمرشح اإلصالحي مير‬ ‫حسني موسوي واملشارك النشط في التظاهرات ما بعد االنتخابات كان‬ ‫مسجونا وأنه قد تعرض لتعذيب ال يوصف على يد املليشيات احلكومية؛‬ ‫فقد كان محسن يتعرض باستمرار لالغتصاب والضرب بوحشية‪ ،‬ولم‬ ‫تقتصر جراحه على اجلراح اجلسدية بل طالت اجلراح النفسية أيضا‪ .‬فقد‬ ‫كان يشعر إلى حد كبير باإلهانة بعدما اضطر حتت وطأة التعذيب إلى‬ ‫االعتراف بأسماء زمالئه من املتظاهرين‪.‬‬ ‫يتسم اجلو العام للكتاب باالنهزامية؛ حيث أصبح محسن في النهاية‬ ‫مستعد ملغادرة بالده بعدما كان في بداية القصة «يتعهد بأال يغادر‬ ‫وطنه أبدا»‪ .‬فقد دفعه سوء املعاملة في السجن إلى التخلي عن أمله‬ ‫وأحالمه‪ .‬واملفارقة القاسية هي أنه‪ ،‬على غرار زعماء اإلصالحيني في‬ ‫االنتخابات‪ ،‬فإن محسن «تعرض للهزمية على يد أحمدي جناد»‪.‬‬ ‫وبالرغم من اجلانب الكئيب للقصة‪ ،‬فإنها تتصف باحلميمية‪ ،‬باإلضافة‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫إلى اجلاذبية من خالل أسلوبها السردي والتفاصيل الثقافية التي تتسم‬ ‫بحس الدعابة‪ .‬وبروح إيرانية خالصة‪ ،‬يلقى املؤلف بالضوء على بعض‬ ‫الصعوبات التي يواجها اإليرانيون في حياتهم اليومية؛ حيث وصف أزمة‬ ‫احلصول على جواز سفر إيراني بأنها تستدعي «نفس رد الفعل الذي‬ ‫يستدعيه اجلسد الدافيء لطائر ميت» عندما يهبط على مكتب إدارة‬ ‫الهجرة‪ .‬وقد مت رسم شخصية محسن كشخص عادي للغاية؛ فهو ممثل‬ ‫للعديد من اإليرانيني الذين ما زالوا يعيشون داخل وطنهم؛ حيث إنه ما‬ ‫زال يعيش مع والديه ويبحث عن وظيفة وعن عروس املستقبل‪ .‬وقد رسم‬ ‫املؤلف شخصيته كنموذج للشخص اإليراني مبطالبه املشروعة حول‬ ‫الدميقراطية واحلياة اخلالية من اخلوف واإلساءة‪.‬‬ ‫لقد ضمت الثورة اخلضراء إيرانيني من كافة أنحاء اجملتمع «شباب وعجائز‬ ‫وطالب وأغنياء وربات منازل ومدنون ورجال دين‪ »...‬والقائمة طويلة‪ .‬فقد‬ ‫كانت الثورة اخلضراء من حيث نطاقها وعددها تشبه إلى حد مذهل‬ ‫الثورة اإليرانية في ‪ .1979‬ويربط مقدم بني ثورة ‪ 1979‬واملظاهرات التي‬ ‫وقعت قبل ثالثني عاما‪ .‬وهناك اختالفات واضحة‪ :‬فعلى النقيض من‬ ‫اجليل السابق فإن من خرجوا إلى الشوارع في يونيو (حزيران) املاضي لم‬ ‫يكونوا يقومون بثورة بل كانوا يرغبون في إجراء إصالح دستوري‪ .‬كما‬ ‫حصل ذلك اجليل من املتظاهرين على تعليم أفضل من سلفه‪ ،‬فقد‬ ‫استخدموا العقل بدال من القوة البدنية في معركة التغيير‪ .‬ويناقش‬ ‫املؤلف املفارقة وأهمية شعار «اهلل أكبر!» الذي بدأ استخدامه في‬ ‫البداية من على قمة األسطح خالل الثورة اإلسالمية في ‪ ،1979‬والذي‬ ‫استخدم مرة أخرى خالل االحتجاجات على نتائج االنتخابات في ‪:2009‬‬ ‫« حيث لم يعد ذلك الشعار دينيا فقد أصبح شعارا للحقيقة»‪.‬‬ ‫وينتقد مقدم خامنئي‪ ،‬الزعيم الديني إليرانن والذي يتمتع بسلطة‬ ‫مطلقة مبوجب الدستور اإليراني‪ .‬وبالرغم من أن تبجيل خامنئي‬ ‫يعد مسألة فطرية بالنسبة لإليرانيني‪ ،‬فقد وصف املؤلف اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية وخامنئي بعد رد فعله جتاه االنتخابات بأنهم قد اتخذوا «هيئة‬ ‫فاشية جديدة ومعسكرة»‪ .‬جدير بالذكر أن حتى اإلصالحيني كانوا‬ ‫يرغبون في اإلميان بخامنئي وبحياده فيما يتعلق بنتائج االنتخابات املتنازع‬ ‫عليها‪ .‬ففي األيام التي تلت االنتخابات كان الناس يتطلعون خلامنئي‬ ‫بحثا عن إجابات‪ ،‬وكان اإلصالحيون يأملون أن يأمر بإعادة الفرز‪ .‬ولكن‬ ‫آمالهم ذهبت سدى‪ ،‬حيث أكد مقدم أن خامنئي ليس أكثر من دمية‬ ‫في يد أحمدي جناد‪ .‬وفقد محسن الذي كان مؤمنا في البداية بخامنئي‬ ‫احترامه للرجل‪ .‬حيث وصف خامنئي بأنه « محاط بهالة زائفة مزينة‬ ‫بالصلوات»‪.‬‬ ‫لقد عرفت الثورة اخلضراء أيضا بثورة تويتر؛ حيث مت استخدام تويتر‬ ‫وغيره من مواقع الشبكات اإللكترونية من قبل املتظاهرين للتواصل سرا‬ ‫ولتنظيم جتمعاتهم واحتجاجاتهم بعيدا عن رقابة الدولة‪ .‬وكان محسن‬ ‫يحاول باستمرار أن يتغلب على برامج التنقية (الفالتر) التي تضعها‬ ‫الدولة على مواقع «الفيسبوك» و»البي بي سي» الفارسية و»صوت‬ ‫أميركا»‪ .‬وكانت شبكة اإلنترنت هي املكان الذي وجد فيه احلرية بعيدا‬ ‫عن القمع الذي ميارس في كل مكان‪ .‬متقوقعا في شقته‪ ،‬كان يجلس‬ ‫أمام الشاشة لكي يكتشف ما الذي يحدث أمام عتبة بيته‪ .‬فقد‬ ‫أثبتت شبكة اإلنترنت أنها أداة منقطعة النظير في الربط بني اإليرانيني‬ ‫بعضهم البعض وربطهم بالعالم اخلارجي‪ .‬وبدون شبكة اإلنترنت‪ ،‬كان‬ ‫احلشد املذهل لإليرانيني سوف يظل خلف األبواب املغلقة للجمهورية‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫واحلقيقة املؤسفة هي أنه بعد أن خبا الهوس اإلعالمي‪ ،‬نسى العالم‬ ‫قصة االحتجاجات اإليرانية الشجاعة فيما استمر أشخاص مثل محسن‬ ‫في التعرض لإلساءة على يد الدكتاتورية العسكرية كل يوم‪ .‬إن كتاب‬ ‫«املوت للدكتاتور!» هو شهادة مؤثرة حول هؤالء الذين شاركوا في الثورة‬ ‫اخلضراء وهي القصة التي رغم جهود النظام القوية في إخفائها قد‬ ‫متكنت من الوصول إلى اجلمهور الغربي عبر قلم أحد ضحاياها‪ .‬ويعد‬ ‫كتاب مقدم ضروري في تقدمي صوت هؤالء الباحثني عن حقوق اإلنسان‬ ‫والدميقراطية في ظل الدكتاتورية املطلقة إليران‪ .‬وليس بإمكان القارئ إال‬ ‫التساؤل حول مصير الشخصيات‪ ،‬واألشخاص احلقيقيني الذين ما زالوا‬ ‫يعانون بعد كتابة الفصل األخير من القصة‪.‬‬

‫مت نشر املقال في اجمللة في ‪ 25‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬

‫‪57‬‬


‫● نقاد‬

‫رغم تواريها وامتالئها بالنزاعات‬

‫«الذاكرة اجلمعية» ترسم مالمح املستقبل‬ ‫سوزان كارستيد‬

‫في كتاب كارستيد األخير‪« ،‬املؤسسات القانونية والذاكرة‬ ‫اجلمعية»‪ ،‬تستكشف املؤلفة أهمية املاضي بالنسبة‬ ‫للمصاحلة واالستقرار خاصة بعد فترات التوتر في التاريخ‪.‬‬ ‫وأخذا في االعتبار الطبيعة املعقدة والعدائية ملعظم فترات‬ ‫التاريخ العاملي‪ .‬يعد كتاب كارستيد حتليال فلسفيا مالئما‬ ‫حول كيفية معاجلة املاضي على نحو يسمح للمجتمعات تسمح املؤسسات القانونية «للشهود بأن يقدموا في قاعات‬ ‫احملكمة التجارب والذكريات املتعلقة بالرعب والعنف الذي كان‬ ‫بالتعايش سلميا‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أنه ينظر في العادة إلى املؤسسات القانونية‬ ‫باعتبارها مصدرا للعدل فإنه نادرا ما يتم التعامل معها باعتبارها‬ ‫اإلطار الذي يتم تأسيس التاريخ عليه‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن كتاب كارستيد مقنع في تقدمي ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫املؤسسات القانونية ترتبط على نحو أساسي بالذاكرة اجلمعية‬ ‫للمجتمعات‪.‬‬

‫لقد تعلمنا أنه يتوجب علينا دراسة‬ ‫التاريخ؛ ألن األمم‪ ،‬مثلها مثل األشخاص‪،‬‬ ‫تستطيع اإلفادة من ماضيها‪ .‬وما يتم‬ ‫إغفاله عادة من تلك النصيحة هو أن‬ ‫التاريخ ال يتكون بالضرورة من حقائق‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أن هناك‪ ،‬قطعا‪،‬‬ ‫سلسلة من األحداث تشكل التاريخ‪،‬‬ ‫فإنه نادرا ما يتم استدعاء التاريخ‬ ‫باعتباره تتابعا موضوعيا لألحداث‪ .‬بل‬ ‫إن تاريخ اجملتمعات بدءا من األمم وصوال‬ ‫إلى اجلماعات الدينية يتم تذكره في‬ ‫العادة بطريقة محددة‪ ،‬كما أنه يؤدي‬ ‫دورا حيويا للمجموعة التي يعبر عنها‪.‬‬ ‫كما يشكل ذلك التاريخ السائد أو‬ ‫الذاكرة اجلمعية ليس فقط تاريخ ذلك اجملتمع ولكن قيمه وأهدافه‬ ‫كذلك‪ .‬ويعد تأسيس الذاكرة اجلمعية والتاريخ املشترك والقيم‬ ‫اخلاصة بجماعة ما هو موضوع النسخة األخيرة من كتاب سوزان‬ ‫كارستيد بعنوان «املؤسسات القانونية والذاكرة اجلمعية»‪.‬‬ ‫وتعتمد تلك اجملموعة من املقاالت على التاريخ الدولي لكي تبرز‬ ‫كيف ميكن أن تشكل قراءة محددة للماضي هوية اجملموعات‪ .‬ومن‬ ‫خالل األمثلة التي تراوحت من الهولوكوست إلى مذبحة رواندا‬ ‫باإلضافة إلى إرث الشيوعية في أوروبا الشرقية‪ ،‬يطر ح الكتاب‬ ‫كيف عاجلت اجملتمعات التي تعرضت لتلك األزمات تلك الفترات‬ ‫املأساوية من التاريخ‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬يقيم الكتاب العالقة بني‬ ‫الطريقة التي يتم بها تذكر تلك األحداث وقدرة تلك اجملتمعات على‬ ‫التصالح مع ماضيها‪.‬‬ ‫ويستكشف الكتاب العالقة بني التعايش والعدالة والتذكر‬ ‫والنسيان‪ ،‬على نحو مقنع‪ .‬فهل التسامح يعني النسيان؟ هل‬ ‫ميكن أن يصبح التذكر خطرا ودافعا لالنتقام؟ وهل من املمكن على‬ ‫املستوى العملي حتقيق العدالة عندما متارس اجملتمعات بأسرها‬ ‫التمييز ضد بعضها البعض؟ وهل ميكن أن تنتقل الدولة من مرحلة‬ ‫قمع السلطة إلى الدميقراطية دون معاجلة ماضيها؟‬ ‫لألسف فإن معظم تلك األسئلة ليست لها إجابات قطعية‪ .‬ولكن‬ ‫الكتاب يقدم ما هو أكثر من مجرد طرح تساؤالت فلسفية حول‬ ‫العالقة بني املاضي واحلاضر؛ حيث كان كتاب «املؤسسات القانونية‬ ‫والذاكرة اجلمعية» قادرا على غرس املناحي املهمة لعملية‬ ‫التعايش‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإنه يقدم دروسا مهمة للمهتمني أو املشاركني‬ ‫في العملية االنتقالية للتاريخ‪ .‬وأحد املواضيع األساسية التي‬ ‫يعتمد عليها الكتاب هو الدور الذي تلعبه املؤسسات القانونية ‪-‬‬ ‫من احملاكم إلى جلان احلقيقة واملصاحلة ‪ -‬في تسييد رواية محددة‬ ‫للماضي‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫يحدث في املدن والشوارع واملنازل ولكنه مت إقصاؤه من األماكن‬ ‫الطبيعية التي يتم حفظ الذاكرة بها وغرسها في اجملتمع‪ .‬فقد‬ ‫أعادت تلك املؤسسات توفير مساحة ملثل تلك الذاكرة ألول مرة حتى‬ ‫داخل احلدود املقيدة للقانون»‪.‬‬ ‫تتمتع املؤسسات القانونية بنفوذ قوي نظرا ألنها ليست فقط صوت‬ ‫الضحايا واملعتدين بل ألنها حتدد أيضا كيف يتم تذكر روايتهما‪ .‬ومن‬ ‫خاللها إعالن البراءة والذنب‪ ،‬فإنها تصبغ املاضي بالقيم املعيارية‬ ‫ومن ثم تؤسس للقيم التي ميثلها اجملتمع‪« .‬وفي الوقت نفسه‬ ‫فإنها جتهز الساحة لكافة أنواع النسيان‪ ،‬إلنكار األفراد للذنب وقمع‬ ‫الذاكرة الذي يصل إلى حد فقدان الذاكرة للماضي املروع وللنسيان‬ ‫مثل النسيان القانوني‪ .‬وباملثل‪ ،‬بالنسبة للنسخ األخف وطأة من‬ ‫النسيان مثل املصاحلة والتسامح»‪.‬‬

‫وفيما يتعلق ببناء الدولة‪ ،‬فرمبا ال تكون هناك دولة ترتبط فيها الذاكرة‬ ‫اجلمعية باملؤسسات القانونية مثل جنوب أفريقيا‪ .‬ففي أعقاب‬ ‫الفصل العنصري‪ ،‬متت االستعانة بـ «جلنة احلقيقة واملصاحلة»‬ ‫ليس فقط للتعامل مع ماضي الدولة الذي يعج باملآسي ولكن‬ ‫لوضع األسس للدولة املستقبلية التي سوف يتم تأسيسها على‬ ‫املساواة العرقية‪ .‬كيف كانت «جلنة احلقيقة واملصاحلة» قادرة على‬ ‫خلق األفكار أو الذاكرة اجلمعية للبالد التي تقوم على املساواة إذا ما‬ ‫كان تاريخها قد تأسس على التمييز العرقي؟ بتذكر أحداث املاضي‬ ‫باعتبارها خاطئة واإلقرار بأن قيم جنوب أفريقيا «اجلديدة» كانت‬ ‫تعتمد على املساواة‪ ،‬خلقت جلنة احلقيقة هوية قومية‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن مثل تلك اآلليات بعيدة عن الكمال وأن الروايات األخرى‬ ‫لتاريخ البالد لم يتم إقصاؤها متاما‪ ،‬فإن منوذج جنوب أفريقيا يظهر‬ ‫كيف أن الروايات املؤسسية هي بالضرورة الرواية املهيمنة للماضي‪.‬‬ ‫وكما توضح كارستيد فإن ذلك ألن القانون «عندما يحدد حقوق‬ ‫امللكية أو العالقة بني الهيمنة والتبعية داخل مجتمع ما وبني‬ ‫اجملموعات اخملتلفة يترك أثره الواضح على الفضاء االجتماعي‬ ‫وبالتالي يشكل الذاكرة اجلمعية لتلك اجلماعات واجملتمع ككل»‪.‬‬ ‫إن املساحة والعمق اللذين استكشف من خاللهما الكتاب قضية‬ ‫الذاكرة اجلمعية مبهر للغاية‪ .‬فبإلقاء الضوء على مميزات ومساوئ‬ ‫جعل الذاكرة اجلمعية مؤسسية‪ ،‬من املتوقع أن يؤثر كتاب كارستيد‬ ‫على كثير من الصراعات احلالية‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن مسألة‬ ‫العالقة املستقبلية بني أفغانستان وطالبان تتعلق بالكثير من‬ ‫القضايا التي أثارها ذلك الكتاب‪.‬‬ ‫فهؤالء املهتمون بتحقيق االستقرار والسالم في املنطقة يجب‬ ‫عليهم التعامل مع الذاكرة اجلمعية لعنف املاضي‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫أن كل ماض ممتلئ بالنزاعات يختلف عن غيره‪ ،‬فإن كارستيد ال تدعي‬ ‫تقدمي حلول لتاريخ تلك املناطق التي تعج بالنزاعات‪ .‬بل يكشف ذلك‬ ‫الكتاب كيف تؤثر تلك الذاكرة للماضي على العالقات املستقبلية‪.‬‬

‫مت نشر املقال في اجمللة في ‪ 1‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬


‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪55‬‬


‫● موجز عن دولة‬

‫وقد اتخذت الدولة موقفا متشددا من املتظاهرين من خالل القمع‬ ‫الوحشي لشخصيات املعارضة والصحافيني واملتظاهرين العاديني‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تلك اجلهود استطاعت الثورة اخلضراء احلفاظ‬ ‫على زخمها األول‪ .‬وقد اصطدم عشرات اآلالف من املعارضني مع‬ ‫قوات األمن وأعضاء امليليشيات املؤيدة للحكومة في يوم القدس‬ ‫في سبتمبر (أيلول) ‪ 2009‬وفي الذكرى الثالثني الحتالل السفارة‬ ‫األميركية في طهران‪ ،‬في نوفمبر (تشرين الثاني)‪ ،‬وفي يوم الطالب‬ ‫الوطني في بداية شهر ديسمبر (كانون الثاني)‪.‬‬ ‫وقد قام «املواطنون الصحافيون» املسلحون بكاميرات الهواتف‬ ‫اجلوالة بتسجيل ممارسات القمع والوحشية التي مارستها احلكومة‬ ‫خاصة ميليشيا الباسيج الشهيرة‪ .‬وقد مت حتميل مشهد مقتل‬ ‫الشابة اإليرانية «ندى» على موقع «يوتيوب» وأصبحت هي الصورة‬ ‫التي ترمز لالنتفاضة والقمع الوحشي الذي تعرضت له‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإنه خالل العام الذي مر على االنتخابات‪،‬‬ ‫استطاعت القوة الوحشية للدولة التغلب على املعارضة وعاد‬ ‫الهدوء إلى شوارع طهران‪ .‬وفي الوقت الراهن‪ ،‬أعادت الدولة إحكام‬ ‫سيطرتها على السلطة‪ .‬وفي ‪ 12‬يونيو (حزيران) ‪ 2010‬وفي ذكرى‬ ‫االنتخابات منع الوجود األمني الهائل التجمعات الكبرى‪ ،‬كما دعا‬ ‫قادة املعارضة للتوقف عن االحتجاجات خوفا من إراقة املزيد من‬ ‫الدماء‪ .‬وبعد صراع استمر ملدة عام‪ ،‬كان من الواضح أن الثورة‬ ‫اخلضراء قد باءت بالفشل‪.‬‬ ‫برنامج إيران النووي‬ ‫في ظل تسليط الضوء على السياسة الداخلية‪ ،‬حتول االنتباه عن‬ ‫برنامج إيران النووي املثير للجدل‪ .‬حيث كان الغرب ينتقد املساعي‬ ‫اإليرانية احلثيثة لبناء مفاعالت لتخصيب اليورانيوم‪ .‬وكانت الواليات‬ ‫املتحدة وغيرها من الدول يؤمنون بأن هذه التكنولوجيا ميكن‬

‫استخدامها لبناء أسلحة نووية‪ ،‬فيما أنكرت طهران على املستوى‬ ‫الرسمي دائما تلك االتهامات‪.‬‬ ‫ولكن السياسة اخلارجية الصقرية ألحمدي جناد وإصراره على حق‬ ‫إيران في تطوير برنامج نووي‪ ،‬لم يسفرا إال عن زيادة توتر اجملتمع‬ ‫الدولي‪.‬‬ ‫وكانت أحدث مساعي عرقلة طموحات إيران النووية في يونيو‬ ‫(حزيران) املاضي‪ ،‬عندما وافق مجلس األمن التابع لألمم املتحدة على‬ ‫فرض املزيد من العقوبات على طهران‪ .‬وقد فرضت تلك العقوبات‬ ‫على أعضاء األمم املتحدة تفتيش احلاويات التي يعتقد بأنها تنقل‬ ‫عناصر محرمة من ‪ -‬أو إلى ‪ -‬إيران‪ .‬وليست العقوبات باألمر اجلديد‬ ‫على طهران؛ حيث إنها قد تعرضت لكثير من العقوبات السياسية‬ ‫واالقتصادية منذ أزمة الرهائن عام ‪ .1979‬ففي يناير (كانون الثاني)‬ ‫مت فرض عقوبات ‪ 1984‬وذلك بعد مشاركة إيران في تفجيرات‬ ‫القواعد البحرية األميركية في بيروت ولبنان‪ .‬وفي التسعينات‬ ‫دفعت العالقات املتدهورة بني واشنطن وطهران الواليات املتحدة‬ ‫لوقف تصدير نطاق واسع من البضائع إلى إيران بدءا من الطائرات‬ ‫وقطع غيار املروحيات وصوال ألجهزة الغواصات‪.‬‬ ‫ماذا بعد بالنسبة إليران؟‬ ‫لقد كان العام الفائت عاصفا على نحو خاص بالنسبة لطهران‪.‬‬ ‫حيث دفعت إعادة انتخاب أحمدي جناد املثيرة للجدل إلى احتجاجات‬ ‫شعبية‪ .‬وعلى الرغم من أن طهران متكنت من السيطرة على الثورة‬ ‫اخلضراء‪ ،‬فقد أصبح النظام معرضا للخطر‪ .‬حيث إن استخدامه‬ ‫املفرط للعنف قد أجبر املعارضة على الكمون‪ ،‬ومع ذلك يقول‬ ‫القاضي اإليراني والفائز بجائزة نوبل الدكتور عبادي‪« :‬إن النيران حتت‬ ‫تخب وإن األمر ال يحتاج إال إلى قليل من التهوية حتى تعود‬ ‫الرماد لم‬ ‫ُ‬ ‫لالشتعال مرة أخرى»‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫‪54‬‬


‫متثل ثورة ‪ 1979‬في إيران الثورة الشعبية الوحيدة في املنطقة‪.‬‬ ‫ففي السنوات التي أدت إلى الثورة‪ ،‬كان نظام الشاه الذي يفتقر إلى‬ ‫الشعبية والذي كان يتسم بالقسوة في معظم الوقت قد أصبح‬ ‫على شقاق مع قطاع واسع من اجملتمع‪ ،‬وكان سأم الطالب واملتدينني‬ ‫احملافظني‪ ،‬بل وحتى الطبقة الوسطى من سياسات الشاه‪ ،‬في تزايد‬ ‫مستمر ‪.‬‬ ‫ومت جتاوز نظام التقية الشيعي الذي كان يلتزم فيه رجال الدين باحلياد‬ ‫جتاه املسائل املتعلقة بالسياسة‪ .‬وكان علي شريعتي وروح اهلل‬ ‫اخلميني من بني من انتقدوا نظام الشاه عالنية وبدأوا يدعون للنظام‬ ‫اإلسالمي كبديل آيديولوجي‪ .‬وقد تسببت االنتقادات القاسية‬ ‫واملستمرة التي كان يطلقها اخلميني‪ ،‬في نفيه من إيران ملدة ‪14‬‬ ‫عاما‪ .‬وفي نهاية السبعينات كان الغضب قد انتقل إلى الشوارع‪،‬‬ ‫وهو ما أدى إلى هروب الشاه إلى مصر وعودة اخلميني من منفاه في‬ ‫العراق لقيادة اجلماهير الغاضبة‪ .‬وقد أسرع اخلميني ومؤيدوه في‬ ‫السيطرة على السلطة وملء الفراغ السياسي الذي تسبب فيه‬ ‫خروج الشاه‪ .‬وأعلنوا أن احلكومة احلالية هي حكومة غير شرعية‬ ‫وقدموا نظام حكم بديال يعتمد على الشريعة اإلسالمية‪ .‬وهو‬ ‫ما أسفر عن تبني نظام سياسي معقد للغاية يجمع بني الدولة‬ ‫الدينية والدميقراطية‪ .‬حيث يتكون ذلك النظام من كتلتني؛ األولى‬ ‫هي حكومة دينية غير منتخبة‪ ،‬والثانية هي احلكومة املنتخبة‪.‬‬ ‫وحتى نهاية التسعينات كانت كلتا الكتلتني تهيمن عليهما‬ ‫القوى احملافظة؛ وهو ما ساعد اخلميني ومؤيدوه في حتقيق أهدافهم‬ ‫املوجودة من قبل الثورة واملتعلقة بأن يلعب اإلسالم دورا مهيمنا في‬ ‫اجملتمع اإليراني‪.‬‬ ‫وفي أواخر التسعينات وبداية العقد األول في األلفية الثالثة‪،‬‬ ‫أصبحت السياسات اإليرانية أكثر تنافسية من حيث طبيعتها‪.‬‬ ‫ومتكن اإلصالحيون من احلد من هيمنة احملافظني على البرملان‪ ،‬بل‬ ‫وجنحوا في بعض احلاالت في الفوز بالرئاسة أيضا‪.‬‬ ‫وكان ذلك هو نفس الوضع في ‪ 1997‬عندما مت انتخاب اإلصالحي‬ ‫محمد خامتي كرئيس للبالد بعد حصوله على نسبة ‪ % 70‬من‬ ‫األصوات‪ .‬وقد رفع االنتصار املدوي لإلصالحيني في االنتخابات‬ ‫البرملانية من التوقعات الشعبية بانتقال إيران إلى فترة من التحوالت‬ ‫السياسية واالجتماعية‪.‬‬ ‫ومع ذلك فقد استخدم احملافظون املؤسسات السياسية والدينية‬ ‫غير املنتخبة لعرقلة أكثر من ‪ % 90‬من التشريعات التي تبناها‬ ‫البرملان الذي يسيطر عليه اإلصالحيون‪ .‬وقد تركت تلك العراقيل‬ ‫السياسية كثيرا من اإليرانيني وهم يشعرون باإلحباط جتاه العملية‬ ‫السياسية برمتها‪.‬‬ ‫وقد انتهى وهم البيئة السياسية النشطة عام ‪ 2004‬عندما‬ ‫استعاد احملافظون هيمنتهم على البرملان‪ .‬وفي عام ‪ 2005‬أصبح‬ ‫مستقبل اإلصالحيني غائما بعد فوز أحمدي جناد باالنتخابات‬ ‫الرئاسية‪ .‬وخالل السنوات اخلمس املاضية‪ ،‬كانت القوى احملافظة‬ ‫تهيمن على كل من األعضاء املنتخبني وغير املنتخبني للحكومة‪.‬‬ ‫سنة عاصفة في طهران‬ ‫مت انتخاب الرئيس اإليراني املثير للجدل محمود أحمدي جناد في يونيو‬ ‫(حزيران) ‪ 2009‬لقضاء مدة ثانية تتكون من أربع سنوات وسط‬ ‫اتهامات واسعة بالتزوير االنتخابي‪ .‬وقد أعلن املرشد األعلى علي‬ ‫خامنئي عن نتيجة االنتخابات التي صوت فيها نحو ‪ 40‬مليون صوت‬ ‫بعد ساعتني فقط من إغالق اللجان االنتخابية‪ .‬وقد مت إعالن انتصار‬ ‫أحمدي جناد بنسبة ‪ % 63‬من األصوات في االنتخابات التي أثارت‬ ‫اعتراضات واسعة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫بعد ثالثة عقود من قيام آية اهلل اخلميني بالثورة اإلسالمية‪ ،‬ما زالت‬ ‫الشوارع اإليرانية ساحة للصراعات السياسية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وعلى‬ ‫نقيض ثورة ‪ ،1979‬يختلف الرأي العام اآلن مع األجندة اإلسالمية‬ ‫للثورة‪ .‬فقد وصفت الثورة اخلضراء التي ظهرت خالل العام املاضي من‬ ‫قبل كثير من احملللني بأنها نهاية اجلمهورية اإلسالمية‪ .‬وعلى األقل‪،‬‬ ‫فإن اندالع الغضب الشعبي في أعقاب االنتخابات الرئاسية العاشرة‬ ‫كانت لها آثار مدمرة على شرعية مؤسسة آية اهلل خامنئي‪.‬‬

‫حقائق أساسية‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•العاصمة‪ :‬طهران‬ ‫•املرشد األعلى‪ :‬آية اهلل علي‬ ‫خامنئي‪.‬‬ ‫•الرئيس احلالي‪ :‬محمود أحمدي‬ ‫جناد‪.‬‬

‫اجلغرافيا‪:‬‬ ‫ •املساحة‪ 1.65 :‬مليون كيلومتر مربع‪.‬‬ ‫ •احلدود‪ :‬أفغانستان ‪ 936‬كيلومترا‪ ،‬وأرمينيا ‪35‬‬ ‫كيلومترا‪ ،‬وأذربيجان ‪ 432‬كيلومترا‪ ،‬وأذربيجان‬ ‫ناخشيفان ‪ 179‬كيلومترا‪ ،‬والعراق ‪ 1458‬كيلومترا‪،‬‬ ‫وباكستان ‪ 909‬كيلومترات‪ ،‬وتركيا ‪ 499‬كيلومترا‪،‬‬ ‫وتركمنستان ‪ 992‬كيلومترا‪.‬‬ ‫السكان‬ ‫ •عدد السكان‪ 67037517 :‬نسمة‪.‬‬ ‫ •اجلماعات العرقية‪ :‬الفرس ‪ % 51‬واألذربيجان ‪% 24‬‬ ‫والكيلكية واملزاندران ‪ % 8‬واألكراد ‪ % 7.5‬والعرب‬ ‫‪ % 3‬واللور ‪ % 2‬والبلوشية ‪ % 2‬والتركمان ‪% 2‬‬ ‫وغيرها ‪. % 1‬‬ ‫الديانات‪:‬‬ ‫ •املسلمون ‪( % 98‬الشيعة ‪ % 89‬والسنة ‪) % 9‬‬ ‫وغيرها (مبا في ذلك اجملوسية واليهودية واملسيحية‬ ‫والبهائية) ‪. % 25‬‬ ‫اللغات‪:‬‬ ‫ •الفارسية واللهجات الفارسية ‪ % 58‬والتركية‬ ‫واللهجات التركية ‪ % 26‬الكردية ‪ % 9‬واللورية ‪% 2‬‬ ‫واللغة البلوشية ‪ % 1‬والعربية ‪ % 1‬والتركية ‪% 1‬‬ ‫وغيرها ‪. % 2‬‬ ‫ •الالجئون ‪1070488‬‬ ‫االقتصاد‪:‬‬ ‫ •الناجت احمللي اإلجمالي‪ 876 :‬مليار دوالر أميركي‪.‬‬ ‫ •الناجت احمللي اإلجمالي موزعا على القطاعات‪:‬‬ ‫ •الزراعة ‪% 10.9‬‬ ‫ •الصناعة ‪% 45.2‬‬ ‫ •اخلدمات ‪% 43.9‬‬ ‫ •معدل التضخم (أسعار املستهلك)‪% 16.8 :‬‬ ‫ •معدل البطالة‪% 11.8 :‬‬ ‫ •عدد السكان حتت خط الفقر‪% 18 :‬‬

‫حيث سرعان ما نعتت املعارضة التي كان يتزعمها رئيس الوزراء‬ ‫السابق مير حسني موسوي والرئيس السابق للبرملان ورجل الدين‬ ‫البارز مهدي كروبي االنتخابات بأنها غير عادلة‪ .‬وأشاروا إلى أن آية‬ ‫اهلل خامنئي قد تدخل في العملية االنتخابية لتأمني انتصار أحمدي‬ ‫جناد‪.‬‬ ‫وردا على ذلك قال خامنئي إن اجلمهورية اإلسالمية «ال ميكن أن‬ ‫تغش»‪ ،‬ثم قام بإقصاء السياسيني الغربيني ووسائل اإلعالم ‪ -‬خاصة‬ ‫من بريطانيا والواليات املتحدة ‪ -‬متهما إياهم بإشعال نيران الغضب‬ ‫املناهض للحكومة‪.‬‬ ‫الثورة اخلضراء‬ ‫في أعقاب الثورة‪ ،‬كان تركيز العالم مسلطا على واحدة من أكبر‬ ‫االحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران على اإلطالق‪ .‬حيث وقفت‬ ‫شوارع طهران ضد االنتصار احلاسم املزعوم ألحمدي جناد‪ .‬وكان مير‬ ‫حسني موسوي ومهدي كروبي يتزعمان حركة املعارضة التي سادت‬ ‫البالد وعرفت باسم الثورة اخلضراء‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫● موجز عن دولة‬

‫إيران‬ ‫هل ينهي خامنئي ما بدأه اخلميني؟‬

‫ ‬

‫•‪ 1980‬مت انتخاب أبو احلسن بني صدر كأول رئيس‬ ‫للجمهورية اإلسالمية‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 1980‬قام العراق بغزو إيران وهو الصراع الذي كانت له‬ ‫آثار مدمرة بالنسبة لكال البلدين وتسبب في زعزعة‬ ‫جسيمة لالستقرار اإلقليمي‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 1989‬توفي آية اهلل اخلميني ومت تعيني الرئيس خامنئي‬ ‫املرشد األعلى‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 1997‬مت انتخاب السياسي اإلصالحي محمد خامتي‬ ‫كرئيس للبالد بعد تغلبه على ثالثة مرشحني‪ .‬وكان‬ ‫كثير من الناس يتمنون أن يكون انتخابه إرهاصا‬ ‫ملرحلة أكثر ليبرالية في السياسة اإليرانية‪ ،‬ولكنهم‬ ‫سرعان ما تخلوا عن تلك التوقعات‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2002‬اتهم الرئيس جورج بوش إيران بالتخطيط لبناء‬ ‫صواريخ بعيدة املدى‪ ،‬ووضع طهران وبغداد وبيونغ يانغ‬ ‫فيما أطلق عليه «محور الشر»‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2003‬أعلنت إيران أنها أوقفت برنامج تخصيب‬ ‫اليورانيوم‪ ،‬وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه‬ ‫ال يوجد دليل على وجود برنامج للتسلح النووي في‬ ‫إيران‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2005‬فاز محمود أحمدي جناد في االنتخابات الرئاسية‬ ‫التاسعة؛ متغلبا على رجل الدين والرئيس السابق‬ ‫أكبر هاشمي رافسنجاني‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2007‬أعلنت الواليات املتحدة عن فرض مجموعة‬ ‫جديدة من العقوبات على إيران‪ ،‬التي تعد األقوى منذ‬ ‫أول عقوبات فرضت عليها قبل ‪ 30‬عاما‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2009‬مت اإلعالن عن فوز محمود أحمدي جناد في‬ ‫انتخابات يونيو (حزيران) الرئاسية‪ .‬وقد طعن منافسوه‬ ‫في النتائج واتهموا مؤسسة احلكم بتزوير االنتخابات‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2009‬أسفرت نتائج االنتخابات عن أكبر انتفاضة‬ ‫شعبية منذ ثورة ‪ 1979‬وهي ما أصبحت تعرف اآلن‬ ‫بالثورة اخلضراء‪ .‬وقد نزل مؤيدو املرشحني املنافسني‬ ‫ألحمدي جناد إلى الشوارع‪ .‬وقد خلف رد فعل نظام جناد‬ ‫من اعتقاالت موسعة وقمع‪ ،‬أسوأ مشاهد عنف الدولة‬ ‫منذ ‪ 30‬عاما‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2009‬اعترفت طهران بالسعي إلنشاء برنامج نووي‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫ ‬

‫•‪ 1981 - 1979‬أخذ املسلحون اإلسالميون ‪ 52‬رهينة‬ ‫أميركية وطالبوا بترحيل الشاه من الواليات املتحدة‬ ‫لكي يخضع للمحاكمة في إيران‪.‬‬

‫وبناء مفاعالت لتخصيب اليورانيوم‪ .‬وأصرت احلكومة‬ ‫على أن للبرنامج أغراض سلمية‪.‬‬ ‫ ‬

‫•‪ 2010‬قال قائد املعارضة مير حسني موسوي إن احلركة‬ ‫اخلضراء سوف تستمر في صراعها مع نظام أحمدي‬ ‫جناد‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2010‬صوت مجلس األمن التابع لألمم املتحدة لصالح‬ ‫اجلولة الرابعة من العقوبات على إيران‪ .‬وتسمح تلك‬ ‫العقوبات ألعضاء األمم املتحدة بتفتيش احلاويات في‬ ‫املياه اإليرانية واملشكوك في أنها تنقل عناصر محظورة‬ ‫للبالد‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫‪52‬‬

‫ ‬

‫•في عام ‪ 1979‬متت اإلطاحة بالنظام امللكي في إيران‪،‬‬ ‫واضطر الشاه محمد رضا بهلوي إلى مغادرة البالد‬ ‫والسفر إلى مصر‪ .‬وقد عاد آية اهلل اخلميني من منفاه في‬ ‫العراق وأسس نظاما سياسيا جديدا ينتهج النموذج‬ ‫اإلسالمي وأسس جمهورية إيران اإلسالمية‪.‬‬



‫● حوارات‬

‫اللعبة السياسية كما أفضل أن أطلق عليه‪ ،‬وهو الدليل الذي‬ ‫يسترشد به من ميارسون السياسة في الواليات املتحدة‪ ،‬معروف‬ ‫بشكل جيدا جدا‪ .‬وهناك طريقة مفهومة يفترض أن تتحدث بها‬ ‫عن إسرائيل وطريقة مفهومة للحديث بها مع اجملتمع اليهودي‪،‬‬ ‫وهذا ما نقف ضده‪ ،‬فنحن نحاول تغيير كتاب القواعد وهذا حتد‬ ‫صعب‪ ،‬ولكنه كان متوقعا‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬أنت تعمل على الترويج الختالف دقيق ال يكاد يذكر‪،‬‬ ‫وفي لعبة السياسة في واشنطن من السهل دائما اللعب على‬ ‫االختالفات املتباعدة‪ .‬ما تقوله هو أن العامة يستجيبون بصورة‬ ‫أكبر بالفعل لألمور الدقيقة أكثر من تلك املتباعدة‪.‬‬ ‫ أعتقد أن أغلبية الناس في واشنطن وفي قيادات املؤسسات‬‫اليهودية اخملتلفة يعرفون بالفعل هذا األمر بعمق أكثر مما ينسب‬ ‫إليهم‪ ،‬ومبجرد أن تعرف هذه املسألة تعرف أنه ال يوجد أسود وأبيض‪.‬‬ ‫هذا هو أول شيء تتعلمه بالفعل‪ .‬ويوجد قبول لهؤالء الذين يتميزون‬ ‫بعمق التفكير‪ ،‬ملؤسسة تقدر الفروق الدقيقة وتقدر اللون الرمادي‪.‬‬ ‫وتشبه رؤية اإلدارة (األميركية) السابقة ورؤية الكثير من احملافظني‬ ‫اجلدد الذين يديرون مراكز أبحاث أو يوجهون املؤسسات التقليدية‬ ‫وجهة النظر التي ال ترى إال اخلير مقابل الشر وهي نظرة للعالم‬ ‫باللونني األبيض واألسود فقط‪ .‬ولذلك جاءت كثير من استطالعات‬ ‫الرأي التي أجرتها جماعات محافظة مثل مشروع إسرائيل (ذي‬ ‫إسرائيل بروجيكت) على شاكلة «هل حتب الفلسطينيني أم‬ ‫اإلسرائيليني؟»‪ .‬أي مبدأ أن تكون معنا أو ضدنا الذي يفرط في‬ ‫تبسيط األمور‪ .‬وعندما تقضي وقتا في معرفة األمر على حقيقته‪،‬‬ ‫ستعرف أن هذه ليست الطريقة املناسبة التي يتم بها تناول األمر‪.‬‬ ‫لذلك يعد سماع مجموعة تؤيد إسرائيل وتهتم ببقائها وطبيعتها‬ ‫وروحها وأمنها‪ ،‬مجموعة تتناول املسألة بأسلوب أكثر دقة وعمقا‬ ‫حتديثا للسياسة وللقيادة السياسية في هذا البلد‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لقد دار حديث طويل حول خلفيتك ونشأتك وخبرة والدك‬ ‫في حركة ارغون‪ .‬في اعتقادك ما هو رأيه بشأن عملك؟‬ ‫ أمتنى أن يكون سعيدا ألنني مهتم‪ ،‬ألن التحدي احلقيقي الذي‬‫يواجه من هم في سني أو أصغر بكثير هو أنهم ال يهتمون وأنه‬ ‫ال توجد صلة بني اليهود األميركيني ودولة إسرائيل كما كان احلال‬ ‫من قبل‪ ،‬وأعتقد أنه سيقدر هذا االهتمام والشغف الذي أشعر‬ ‫به‪ ،‬وسيكون سعيدا ألنني أحاول أن أكمل العمل الذي بدأه‪ ،‬وهو‬ ‫وجود دولة إسرائيل اليهودية الدميقراطية اآلمنة‪ .‬ومن جانب آخر‪،‬‬ ‫(يضحك) أنا متأكد من أنه يعارض بشدة املوقف الذي اتخذته‬ ‫والطريق الذي أسلكه من أجل حتقيق هذا الهدف‪ ،‬لذا أمتنى أن‬ ‫يكون رد فعله مزيجا من االثنني‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما أهمية هذا اجلانب الدميوغرافي‪ ،‬املتعلق باجليل األصغر‬ ‫الذي ال يهتم بهذه القضايا؟‬ ‫ بوجه عام‪ ،‬ومن اخلطر دائما التعميم‪ ،‬يظهر معسكران في اجملتمع‬‫اليهودي األميركي‪ :‬أحدهما أكثر تدينا وتقليدية ومحافظة في‬ ‫آرائه وأوثق صلة بإسرائيل‪ ،‬والثاني مجتمع يهودي ثقافي إصالحي‬ ‫أو غير متدين وهو أقل ارتباطا بإسرائيل وأكثر ليبرالية في مجمل‬ ‫آرائه السياسية‪ ،‬ويكمن التحدي احلقيقي في كيفية مد جسر‬ ‫التواصل بني املعسكرين‪ ،‬ليس فقط فيما يخص إسرائيل‪ ،‬بل في‬ ‫عدد كبير من القضايا‪ ،‬وكيفية احلفاظ على التماسك في مجتمع‬ ‫به اختالفات كبيرة في الثقافة والدين والسياسة والهوية‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬تثير نتائج استطالع الرأي الذي أجريته كثيرا من‬ ‫االهتمام‪ .‬فهل فوجئت بتلك النتائج على أية حال؟‬ ‫ أحد األشياء التي لم أكن أتوقعها ولكنني وجدتها منطقية‬‫عندما شهدتها هي أنه كلما زاد عدد اليهود املتشددين في األجيال‬ ‫األصغر سنا‪ ،‬جتد عددا أكبر من شباب اليهود الذين يتبنون آراء‬ ‫محافظة بشأن إسرائيل‪ .‬ووجدت أن هذا مدهش‪ ،‬قد يقول كثيرون‪:‬‬ ‫‪50‬‬

‫«أليست (جيه ستريت) ظاهرة جيل وجزءا من ظاهرة أوباما‪ ،‬أليست‬ ‫تعبر عن الشباب ويقودها شباب؟»‪ .‬ولكن يجب احلذر عندما تدرك‬ ‫أن اليهود األميركيني الشباب أكثر تشددا ومحافظة من نظرائهم‬ ‫األكبر سنا‪ .‬لدينا هذان املعسكران داخل اجملتمع اليهودي األميركي‪،‬‬ ‫ونحن في «جيه ستريت» نتحدث بالتأكيد عن مجموعة أصغر سنا‬ ‫وأقل تشددا‪.‬‬

‫التحدي األكبر أمام املعتدلني‬ ‫هو القدرة على استيعاب اآلخر‬ ‫واكتشاف ظالل اللون الرمادي‬

‫«اجمللة»‪ :‬ينعكس هذا بدرجة كبيرة على التركيبة السكانية‬ ‫املتغيرة في إسرائيل ذاتها‪ ،‬حيث تبدو متجهة نحو اليمني‪،‬‬ ‫وأصبحت األحزاب الدينية ذات نفوذ كبير‪ .‬وميكن أيضا القول إن‬ ‫هذا يحدث في جميع أنحاء الشرق األوسط؛ متكني املتشددين دينيا‪..‬‬ ‫ نعم‪ ،‬وأفضل اعتبار «جيه ستريت» من املعتدلني العاطفيني‪،‬‬‫وهذا هو التحدي األكبر أمام املعتدلني في كل مكان‪ :‬القدرة‬ ‫الكبيرة على استيعاب اآلخر‪ ،‬والقدرة على اكتشاف ظالل اللون‬ ‫الرمادي ما بني األسود واألبيض‪ ،‬والقول إن األمر ليس مجرد نحن ضد‬ ‫اآلخرين في كل قضية‪ .‬إذا لم ينتهز املعتدلون الذين ما زالوا يقودون‬ ‫بالدهم‪ ،‬على سبيل املثال في األردن‪ ،‬وفي قيادة حركة فتح‪ ،‬وعالم‬ ‫تسيبي ليفني وإيهود أوملرت في ٍإسرائيل‪ ،‬إذا لم ينتهز هذا اجليل‬ ‫من املعتدلني هذه الفرصة‪ ،‬من أجل حل هذا الصراع‪ ،‬ستمر هذه‬ ‫اللحظة التاريخية وسيظل السؤال املطروح بال إجابة‪ :‬ما إذا كان‬ ‫املعتدلون سيحصلون مجددا على زمام املبادرة قبل أن تخرج األمور‬ ‫عن السيطرة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لقد حققت اختالفا بالفعل‪ ،‬ولكن إذا نظرت إلى األمر من‬ ‫وجهة النظر الفلسطينية جتد أن احلديث عن جتميد بناء املستوطنات‬ ‫واستثمار قدر كبير من رأس املال السياسي في الدعوة إلى ذلك‬ ‫أمر ليس ُمرضيا‪ ،‬حيث يعتمد االستقالل الفلسطيني على إخالء‬ ‫املستوطنات‪ ،‬ونحن بالفعل بعيدون متاما عن هذه املرحلة‪ .‬فكيف‬ ‫سنحل هذه املشكلة وما هو الدور الذي تقوم به «جيه ستريت»‬ ‫في هذا اإلطار؟‬ ‫ لسنا متوهمني بأن «تثبيط» بناء املستوطنات ‪ -‬كما أحب أن‬‫أطلق عليه ‪ -‬سيبدأ في عالج املرض الكامن هنا على أية حال‪.‬‬ ‫وعلى أفضل تقدير‪ ،‬يعد وقف منو املستوطنات عالجا ألعراض املرض‬ ‫الكامن وهو االحتالل‪ .‬والعالج الوحيد الذي سيقي املريض من‬ ‫التبعات القاتلة هو عالج املرض ذاته‪ .‬عليك التعامل مع القضايا‬ ‫األساسية‪ ،‬والوصول إلى مسألة الوضع النهائي التي تتأجل منذ‬ ‫مدة طويلة للغاية‪ ،‬والبدء في طرح حلول واضحة حتى يستوعب‬ ‫اجلميع نهاية اللعبة‪ ،‬وليس مجرد «أننا سنقوم بخطوة واحدة في‬ ‫طريق من مائة خطوة» أين تقع نهاية الطريق؟ ال ميكنك أن تبحر‬ ‫ما لم تكن تعرف إلى أين ستذهب‪ ،‬ال توجد خارطة طريق من دون‬ ‫وجهة‪ .‬إن هذه اإلجراءات التي تبني الثقة خطوة بخطوة واالتفاقيات‬ ‫املؤقتة هي وصفة من أجل الفشل في هذه املرحلة‪ ،‬ألن الناس فقدوا‬ ‫الثقة في أن هذه السفينة لها وجهة تتجه نحوها‪.‬‬

‫* أجرى احلوار ستيفن غلني ‪ -‬مراسل سابق في «نيوزويك» قام‬ ‫بتغطية آسيا والشرق األوسط في «وول ستريت جورنال» ملدة‬ ‫عشر سنوات‪ .‬وهو يقيم حاليا في واشنطن‪ ،‬ويعمل صحافيا حرًا‬ ‫حاليا كتابه املقبل عن عسكرة السياسة اخلارجية‬ ‫ومؤلفً ا‪ ،‬ويؤلف‬ ‫ً‬ ‫األميركية‬ ‫املقالة نشرت ألول مرة في «اجمللة» بتاريخ ‪ 24‬يونيو ‪2010‬‬


‫مؤسس «جيه ستريت» يحقق حلم والده‬ ‫في إسرائيل آمنة عن طريق «االعتدال العاطفي»‬

‫بن عامي ليبرالي يهودي يعارض االحتالل‬ ‫اإلسرائيلي لفلسطني‬ ‫في حوار مع «اجمللة»‪ ،‬يتحدث جيرميي بن عامي‪ ،‬مؤسس جماعة «جيه ستريت» عن صعود اليمني املتدين في كل من إسرائيل‬ ‫واجملتمع اليهودي في أميركا‪ ،‬وتبعات عدم التحرك بقوة لعقد اتفاق سالم‪ ،‬بينما ال يزال لدى املعتدلني في املعسكرين مصلحة‬ ‫في بقاء إسرائيل‪.‬‬ ‫كاريل ميرفي‬ ‫جيرميي بن عامي هو مؤسس جماعة «جيه‬ ‫ستريت»‪ ،‬وهي جماعة ضغط موالية‬ ‫إلسرائيل وتدافع عن السالم‪ ،‬نصبت‬ ‫ذاتها على زعامة اليهود األميركيني‬ ‫الليبراليني الذين حرموا من أن‬ ‫يكون لهم صوت قوي في النقاش‬ ‫الذي تسوده الوكاالت املتعصبة‬ ‫مثل جلنة الشؤون السياسية‬ ‫اإلسرائيلية‪ .‬وفي‬ ‫األميركية ‪ٍ -‬‬ ‫غضون عامني من تأسيسها‪،‬‬ ‫استطاعت «جيه ستريت» أن‬ ‫«تخلق مساحة»‪ ،‬كما يقول‬ ‫أعضاؤها‪ ،‬لهؤالء الذين يعارضون‬ ‫االحتالل اإلسرائيلي للضفة‬ ‫الغربية وحصار قطاع غزة‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من تفوق منافسيها األكبر‪،‬‬ ‫وفقا ملا يقوله جيرميي بن عامي‪،‬‬ ‫فإن دعوة «جيه ستريت» «لالعتدال‬ ‫العاطفي» بدأت جتد صدى في الكونغرس‬ ‫األميركي‪.‬‬ ‫ويعد بن عامي الليبرالي في حد ذاته نتاجا لرؤية صهيونية توسعية‪:‬‬ ‫حيث كان والده إسحاق عضوا في إرغون تسافي لئومي (املنظمة‬ ‫القومية العسكرية)‪ ،‬وهي حركة سرية يهودية ميينية استخدمت‬ ‫تكتيكات إرهابية إلنهاء االنتداب البريطاني على فلسطني‪ ،‬وسعت‬ ‫إلى إقامة دولة يهودية متتد من حدود دولة إسرائيل احلديثة حتى‬ ‫موقع دولة األردن احلالية‪ .‬يكافح بن عامي االبن اليوم من أجل‬ ‫تخليص إسرائيل من احتالل يهدد بتقويض هويتها كدولة يهودية‪.‬‬ ‫وقد حتدث إلى «اجمللة» عن صعود اليمني املتدين في كل من إسرائيل‬ ‫واجملتمع اليهودي في أميركا‪ ،‬وتبعات عدم التحرك بقوة لعقد اتفاق‬ ‫سالم في حني ال تزال لدى املعتدلني في كال املعسكرين مصلحة في‬ ‫بقاء إسرائيل‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬إلى ماذا تُرجع جناح «جيه ستريت»‪ :‬احلظ‪ ،‬أم التوقيت‪ ،‬أم‬ ‫االجتهاد‪ ،‬أم الثالثة معا؟‬ ‫ أوال وقبل كل شيء‪ ،‬يرجع األمر إلى كوننا في املكان املناسب‬‫في الوقت املناسب‪ .‬كان هناك فراغ في اجملتمع اليهودي األميركي‪،‬‬ ‫وتعمل «جيه ستريت» على ملئه بسرعة‪ ،‬ألنه فراغ عميق وقوي‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬لم تكن هناك أوقات أكثر حرجا من الوقت احلالي‪،‬‬ ‫وكان لذلك تأثير مضاعف على السرعة التي نشأنا بها‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫لقد تنامى الوعي أكثر من أي وقت مضى لدى كثير من‬ ‫األطراف اخملتلفة في العالم‪ ،‬سواء كانت السياسة‬ ‫اخلارجية األميركية واملؤسسة العسكرية أو‬ ‫قيادة اجملتمع اليهودي األميركي أو أية جهة‬ ‫متثيل عاملية أخرى بأن الوضع الراهن غير قابل‬ ‫لالستمرار‪.‬‬ ‫لقد أصبح األمر مسلما به لدى قيادات‬ ‫كلتا الدولتني‪ ،‬بل وزعماء العالم أيضا‪،‬‬ ‫ورؤساء املؤسسات غير احلكومية بأنه‬ ‫سيحدث شيء ما لم نتخذ اجتاها في‬ ‫طريق البحث عن حل‪ ،‬فمن املمكن أن‬ ‫يتطور األمر بصورة مزعجة وغير منتجة‪،‬‬ ‫وستلحق الضرر بكثير من املصالح املتصلة‬ ‫بالعملية‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬وإلى أي درجة يرتبط ذلك بوصول إدارة‬ ‫أوباما وحكومة متشددة في إسرائيل؟‬ ‫ أعتقد أن البيت األبيض يتفاعل مع عدم إمكانية‬‫استمرار الوضع على ما هو عليه‪ ،‬وهو ما يعززه وجود هذه احلكومة‬ ‫في إسرائيل‪ .‬وتتسبب األعمال املستفزة التي جتري في القدس‬ ‫الشرقية‪ ،‬وأسلوب التعامل مع حصار غزة‪ ،‬والطريقة التي تنتهج‬ ‫بها إسرائيل السياسة اخلارجية في تفاقم التوترات وسرعة غليان‬ ‫املوقف‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل أنت مندهش من التراجع الذي جتده من األعضاء‬ ‫األكثر رسوخا في اجملتمع اليهودي؟‬ ‫ لست مندهشا على اإلطالق‪ .‬وأحد أسباب تأسيسنا لـ»جيه‬‫ستريت» هو أن هناك فجوة بني آراء اجملموعة األكبر في اجملتمع‬ ‫اليهودي األميركي وأصوات هؤالء الذين يزعمون أنهم يتحدثون باسم‬ ‫اجملتمع‪ .‬ونحن نتقدم إلى األمام ونقدم صوتا مختلفا للمجتمع‪ ،‬لذا‬ ‫ال يدهشني على اإلطالق أن حتدث تراجعات (انتكاسات) قاسية‪..‬‬ ‫توجد أمور أساسية محل تساؤل اآلن‪.‬‬ ‫ولعل إحدى املفاجآت هي مدى السرعة التي استطعنا بها خلق‬ ‫إحساس بسماع صوت جديد وبديل‪ ،‬فقد مر عامان فقط على‬ ‫بدايتنا من الصفر وفي غضون هذين العامني أصبحت اجلماعة العبا‬ ‫مؤسسيا راسخا‪ ،‬وهذا هو املفاجئ جدا‪ .‬أما التحديات‪ ،‬فليست‬ ‫مفاجئة ألنه لذلك السبب حتديدا أنشأنا «جيه ستريت»‪ .‬إن كتاب‬ ‫‪49‬‬


‫● حوارات‬

‫في اخلارج؟‬ ‫ لقد بذلت اململكة جهدا هائال في هذا الشأن‪ ..‬وقد اشتركنا‬‫معها‪ ،‬وميكنني أن أستشهد بحقيقة أن مسؤوليها كانوا جادين‬ ‫للغاية في وقف متويل األنشطة املتطرفة‪ ،‬باإلضافة إلى اتخاذ‬ ‫إجراءات صارمة هنا‪ .‬وقد وصف فيلتمان (مساعد وزيرة اخلارجية‬ ‫لشؤون الشرق األدنى) السعوديني عندما كان هنا بأنهم أقوى‬ ‫شركائنا في مكافحة اإلرهاب‪ .‬وأود أن أقول إن السعوديني أظهروا‬ ‫التزاما كبيرا بغلق دائرة متويل اإلرهاب‪ .‬كما أن ذلك في صاحلهم‪،‬‬ ‫فقد كانوا مهددين مثلنا‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬وكيف تصف التعاون األميركي ‪ -‬السعودي في مجال‬ ‫مكافحة اإلرهاب؟ هل املعركة ضد التطرف اإلسالمي جانب مهم‬ ‫من العالقات األميركية ‪ -‬السعودية؟‬ ‫ لدينا عالقات وثيقة على جبهة مكافحة اإلرهاب‪ ،‬من خالل‬‫مواجهة التطرف هنا في السعودية والعمل املشترك ضد‬ ‫«القاعدة» في مناطق أخرى‪ ،‬ولكن لدي حتفظ على مصطلح‬ ‫التطرف اإلسالمي‪ ،‬ألنني ال أعتقد أن عنصر العنف املتطرف له أي‬ ‫صلة باإلسالم‪ .‬إنه سلوك ضال وعنيف‪ ،‬وذلك ليس من اإلسالم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬في ظل حكم امللك عبد اهلل‪ ،‬أصبحت اململكة تنوع‬ ‫من صور عالقاتها الثنائية‪ ،‬بإقامة عالقات استراتيجية وجتارية‬ ‫وثيقة مع الهند وتركيا وعلى وجه اخلصوص مع الصني‪ .‬فكيف‬ ‫ترى الواليات املتحدة هذا التنوع‪ ،‬وكيف سيؤثر على العالقات‬ ‫األميركية ‪ -‬السعودية؟‬ ‫ ال ننظر إلى األمر من جانب سلبي‪ ،‬أعني أن السعودية قد‬‫نضجت على الساحة الدولية‪ ،‬ومن الطبيعي لها أن تقيم عالقات‬ ‫جتارية ودبلوماسية (مع دول أخرى)‪ .‬وال أعتقد أن ذلك يشير من‬ ‫جانبها إلى ضعف عالقاتنا معها‪.‬‬ ‫وبالتأكيد عندما ننظر إلى الطريقة التي تنمو بها الصني والهند‬ ‫جند أنهما أصبحتا شريكتني اقتصاديتني أكثر سيطرة في مجال‬ ‫النفط‪ .‬وميكن القول إن الواليات املتحدة تقلل من االستيراد‪ ،‬وحاليا‬ ‫أصبحت كندا أكبر مصدر للنفط بالنسبة لنا‪ .‬لذا تغيرت تلك‬ ‫العالقة‪ ،‬ولكنها لم تغير في األٍساس عالقاتنا الثنائية‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬تسعى اململكة إلى حتديث اقتصادها‪ ،‬ونظام تعليمها‪،‬‬ ‫ونظام القضاء‪ ،‬بل وبعض التقاليد االجتماعية التي تقيد‬ ‫مشاركة املرأة في احلياة العامة‪ .‬هل يجب أن تساعد الواليات‬ ‫املتحدة السعودية على التقدم في هذا اجملال؟ وإن كان األمر‬ ‫كذلك‪ ،‬فكيف ميكنها فعله دون اتهامها بالتدخل في الشؤون‬ ‫الداخلية للمملكة؟‬ ‫ أنت تسألني‪ :‬كيف ميكنني أن أساعد؟ األمر بسيط للغاية‪ ،‬فأنا‬‫ال أسعى فعليا للتدخل‪ ،‬ولدي قرار واع باتخاذ أسلوب إيجابي‬ ‫والبحث عما أسميه قوة موجهة إيجابية‪ ،‬وأن أدعم جهود‬ ‫التحديث التي يتبناها جاللة امللك‪ .‬لذا احتفينا بالطبع عند إصدار‬ ‫تشريع مكافحة تهريب البشر‪ ،‬وعرضنا املساعدة على التدريب في‬ ‫النظام القضائي‪ ،‬ومع إعادة تنظيم السلطة القضائية‪ ،‬قدمنا‬ ‫بعض التدريب القانوني على العقود‪.‬‬ ‫ونحن بالطبع مهتمون بصورة إيجابية بظهور جيل رائع من‬ ‫الشابات‪ ،‬حيث تبلغ نسبة ‪ 60‬في املائة من طالب اجلامعات في‬ ‫العام احلالي من الفتيات‪ .‬وأول شيء ميكنك فعله هو تشجيعهن‪.‬‬ ‫واألمر التالي هو مساعدة سيدات األعمال على النجاح‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل إدخال التجارة اإللكترونية‪ ،‬حتى تصبح واجهة أعمالهن‬ ‫مواقع إلكترونية‪ ،‬ثم ربطهن باالقتصاد العاملي‪ .‬وبعد ذلك تركهن‬ ‫يحققن أجندتهن االجتماعية بالسرعة التي يخترنها‪ .‬وبهذا نؤدي‬ ‫بالفعل دورا داعما في جناح استراتيجيتهم (بالتقدم نحو االقتصاد‬ ‫املعتمد على املعرفة) وذلك على النقيض من فرض منوذج غربي‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬تتعارض بعض األمور في اجملتمع السعودي مع ما تعتبره‬ ‫الواليات املتحدة قيما دولية فيما يتعلق باملرأة واألقليات الدينية‪.‬‬ ‫فهل تعد تلك املمارسات مشكلة أمام العالقات األميركية ‪-‬‬ ‫السعودية؟‬ ‫ سيظل هناك دائما مصدر للتحدي‪ .‬وإذا رجعنا إلى خطاب الرئيس‬‫أوباما الذي ألقاه في القاهرة عندما أعلن بداية جديدة مع العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬سنجد أنه في نهاية اخلطاب قال إنه ما زالت هناك ثالثة‬ ‫أمور مهمة بالنسبة لنا‪ :‬حرية العقيدة‪ ،‬وحقوق املرأة‪ ،‬والدميقراطية‪.‬‬ ‫وقام بتعريف الدميقراطية بأسلوب مختلف‪ :‬بأنها تلك الدول التي‬ ‫يصبح فيها صوت الشعب مسموعا وتصبح أكثر استقرارا‪.‬‬ ‫ونحن بالطبع نريد أن نشجع تلك املبادرات هنا في السعودية التي‬ ‫متنح الشعب فرصة للتعبير‪ ،‬وندعم مجلس الشوري‪ ،‬ونتطلع إلى‬ ‫مشاركة موسعة في مجلس الشورى‪ .‬لقد شاهدنا تغطية إعالمية‬ ‫شاملة النتخابات الغرفة التجارية في كل من جدة واملنطقة‬ ‫الشرقية‪ ،‬ونرى بعض النشاط في قضايا حقوق اإلنسان مثل االجتار‬ ‫في البشر‪ .‬وفيما يتعلق باحلرية الدينية‪ ،‬يوجد قبول تدريجي للحرية‬ ‫الدينية‪ .‬ولكننا سنستمر في دعم احلرية الدينية‪ .‬فهل هناك إذن‬ ‫أمور مثيرة للمشكالت؟ إنها تلك األمور التي تستمر حكومتنا في‬ ‫دعم تغييرها اإليجابي‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬بعيدا عن املعامالت بني احلكومتني‪ ،‬تعد العالقة بني‬ ‫شعبني جانبا مهما في أية عالقات ثنائية‪ .‬ولكن منذ أحداث ‪9/11‬‬ ‫تزايدت موجة اخلوف من اإلسالم‪ ،‬ال سيما اخلوف من كل ما هو‬ ‫سعودي في الواليات املتحدة‪ .‬هل تقيد مشاعر العداء للسعوديني‬ ‫لدى األميركيني مدى تقارب الدولتني؟‬ ‫ إنه حتد لسببني‪ .‬أوال‪ ،‬يعرف السعوديون الكثير للغاية عن بالدنا‬‫أكثر مما نعرف نحن عن بالدهم‪ .‬ولدي آمال كبيرة في الهيئة‬ ‫السعودية للسياحة واآلثار وقدرتها على التوسع في مجال‬ ‫السياحة‪ ،‬ألننا نحتاج إلى مجيء األميركيني إلى هنا لرؤية ما هو‬ ‫إيجابي في هذا البلد‪.‬‬ ‫أما التحدي الذي نواجهه في الواليات املتحدة فهو أننا ننظر إلى‬ ‫نسبة ‪ 15‬سعوديا من بني ‪ 19‬متطرفا (في أحداث ‪ ،)9/11‬وأعتقد‬ ‫أنه حان الوقت لتعيد التفكير؛ إذا كنت أميركيا قد بنيت وجهة‬ ‫نظرك عن السعودية وفقا لذلك‪ .‬وإذا كنت سعوديا بنى وجهة‬ ‫نظره عن الواليات املتحدة بناء على رد فعلها على أحداث ‪،9/11‬‬ ‫فها هو وقت إعادة التفكير أيضا‪ .‬كان هناك هدف استراتيجي‬ ‫وضعه أسامة بن الدن للوقيعة بني الواليات املتحدة والسعودية‪،‬‬ ‫وكانت الطريقة التي اتبعها في ذلك هي أن يُظهر السعودية كدولة‬ ‫متطرفة‪ .‬وقد جنح في ذلك‪.‬‬ ‫إنني أقضي الكثير من الوقت لتشجيع رجال وسيدات األعمال في‬ ‫الواليات املتحدة على اجمليء وإقامة أعمال هنا‪ ،‬ولتشجيع املسؤولني‬ ‫املنتخبني على الزيارة‪ .‬ولكنه ما زال حتديا طويل األمد‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬في النهاية‪ ،‬كيف ترى تطور العالقات الثنائية على مدار‬ ‫األعوام العشرة املقبلة؟‬ ‫ ال أراها تضعف على اإلطالق‪ ،‬بل تزداد قوة‪ .‬وتعد العالقات‬‫العسكرية مهمة‪ ،‬ولكنها ليست األكثر أهمية‪ .‬وأتطلع إلى‬ ‫األعمال والتجارة والتبادل التجاري‪ ،‬والتبادالت االجتماعية والتعليم‬ ‫ودخول األميركيني في النظام التكنوقراطي السعودي‪ .‬وكل ذلك‬ ‫بالنسبة لي أهم من العالقات العسكرية‪.‬‬

‫* أجرت احلوار كاريل ميرفي ‪ -‬صحفية مستقلة مقيمة في الرياض‬ ‫وفازت بجائزة بوليتزر في الصحافة عام ‪ .1991‬وهي مؤلفة كتاب‬ ‫«الشغف باإلسالم»‪.‬‬ ‫نشر هذا املقال ألول مرة في «اجمللة» في ‪ 10‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬


‫«اجمللة»‪ :‬كيف أثرت أحداث ‪ 9/11‬على العالقات األميركية ‪-‬‬ ‫السعودية وهل تعتقد أنها تعافت منذ ذلك احلني وما هي دالئل‬ ‫هذا التعافي؟‬ ‫ كانت لدينا عالقات طويلة املدى ومستقرة مع السعودية تأثرت‬‫سلبا بأحداث ‪ ، 9/11‬ولكني أعتقد بدرجة كبيرة أننا تعافينا من‬ ‫هذه اآلثار السلبية وأرى أن تلك العالقات تزداد قوة‪.‬‬ ‫انخفض عدد الطالب السعوديني في الواليات املتحدة عقب أحداث‬ ‫‪ 9/11‬إلى ‪ 3000‬طالب‪ ،‬إال أن أعدادهم عادت إلى االرتفاع لتتجاوز‬ ‫‪ 25000‬طالب‪ ،‬وأتوقع بحلول نهاية العام احلالي أن يصل العدد إلى‬ ‫‪ ،30000‬كما تطورت عملية إصدار التأشيرات‪ .‬وأظن أننا سنحقق‬ ‫العام احلالي رقما قياسيا في أعداد التأشيرات الصادرة في العام‬ ‫الواحد‪ ،‬بفارق كبير عن األعداد السابقة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تشهد‬ ‫العالقات االقتصادية حالة من النضج‪ ،‬وهناك عالقات دراسية‬ ‫مستمرة منذ مدة طويلة‪ ،‬تعد مصدر إلهام ودعم جليل جديد من‬ ‫الدارسني الذين سيمألون تلك اجلامعات السعودية اجلديدة‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لقطاع األعمال‪ ،‬فنحن نؤيد متاما رؤية جاللة امللك‪،‬‬ ‫التي متثلها االستراتيجية الصناعية لوزير التجارة والصناعة عبد‬ ‫اهلل زينل علي رضا وهي خطوة نحو اقتصاد يعتمد على املعرفة‪،‬‬ ‫لذلك جند أن بيننا عالقة يدخل فيها كثير من الصور اخملتلفة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كانت العالقات الثنائية األميركية السعودية‪ ،‬لفترة‬ ‫طويلة‪ ،‬تتسم باعتمادها على النفط مقابل األمن‪ .‬ولكن الواليات‬ ‫املتحدة تستورد في الوقت احلالي كميات أقل من النفط السعودي‪،‬‬ ‫فكيف ترى تأثير ذلك على طبيعة العالقات الثنائية في املستقبل‪،‬‬ ‫أقصد بعد ‪ 10‬أعوام أو أكثر؟‬

‫ ال أرى أي خالف بني السعودية والواليات املتحدة في هذه القضية‪،‬‬‫فكالنا يشعر بالقلق من إخفاق إيران في االلتزام مبسؤولياتها‬ ‫الدولية‪ ،‬ورفضها الصارخ ملهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية‬ ‫ومجلس األمن‪ .‬وأرى بالفعل أننا متفقون للغاية حول التحدي الذي‬ ‫متثله إيران للمنطقة‪ ،‬ويشعر السعوديون أيضا بنفس القلق من‬ ‫إمكانية االنتشار النووي‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لو أعلنت طهران غدا أنها متتلك القدرة على تصنيع سالح‬ ‫نووي‪ ،‬كيف سيؤثر ذلك على العالقات األميركية ‪ -‬الٍسعودية؟‬ ‫ ال شيء‪ .‬أعتقد أننا متقاربون للغاية في هذا الشأن‪ ،‬كما يجدر‬‫بدولتني شريكتني‪ .‬وبالطبع يكمن التحدي في كيفية دفع حكومة‬ ‫إيران لاللتزام مبسؤولياتها الدولية‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬يعتقد كثيرون أنه لو أعلنت إيران أن لديها سالح نوويا‪،‬‬ ‫ستتعرض السعودية لضغوط داخلية كبيرة للحصول على السالح‬ ‫ذاته‪ ،‬ولكن ال تريد الواليات املتحدة أن تشهد سباق تسلح في‬ ‫اخلليج‪..‬‬ ‫ نحن ال نختص إيران فقط بالقضية النووية‪ .‬الرئيس أوباما‬‫خال من السالح النووي‪ ،‬ولذلك ترون‬ ‫عالم‬ ‫تعهد بالسعي من أجل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محادثات احلد من األسلحة االستراتيجية اجلديدة مع الروس‪ ،‬وقمة‬ ‫زعماء العالم بشأن املواد النووية‪ ،‬فإذا كان هدفك هو نزع السالح‬ ‫النووي‪ ،‬فسيكون انتشار التسلح في أي عدد من الدول مضادا لذلك‬ ‫الهدف‪ .‬إننا ال نرى فقط أن قدرة تصنيع السالح النووي في إيران‬ ‫تزعزع استقرار املنطقة‪ ،‬بل نرى أيضا أن احتمال حصول دول أخرى‬ ‫خال من السالح‬ ‫عالم‬ ‫على أسلحة نووية أمر معارض لهدفنا بوجود‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النووي‪.‬‬

‫ أتفق على أن العالقات كانت تتسم باعتمادها على النفط مقابل‬‫األمن‪ ،‬ولكني أود التوضيح أنها اختلفت منذ فترة بعيدة للغاية‪،‬‬ ‫وهي حاليا أكثر دقة وتعقيدا عما كانت عليه‪ ،‬وتدخل العالقات في‬ ‫املزيد من األشياء األخرى بخالف النفط واألمن‪ .‬وسوف نستمر في‬ ‫توثيق العالقات على اجلانب العسكري‪ ،‬وفي مجال الطاقة‪ ،‬وليس‬ ‫فقط النفط‪ ،‬وسوف نعزز الصالت في مجاالت األعمال‪ ،‬والتعليم‪،‬‬ ‫والصحة‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬لطاملا كان عجز الواليات املتحدة عن االضطالع بدورها‬ ‫كوسيط صادق بجدية وفاعلية في الصراع اإلسرائيلي ‪ -‬الفلسطيني‬ ‫شوكة كبيرة في ظهر العالقات السعودية ‪ -‬األميركية‪ .‬ولكن على‬ ‫النقيض من اإلدارات األميركية السابقة‪ ،‬أوضحت إدارة أوباما أنها‬ ‫تعتبر هذا الصراع تهديدا لألمن القومي األميركي‪ .‬هل تعتقد أن‬ ‫هذا حتول دائم في واشنطن؟ وإن كان كذلك‪ ،‬فكيف سيؤثر على‬ ‫العالقات األميركية ‪ -‬السعودية؟‬

‫«اجمللة»‪ :‬ال يوجد مخطط لعقد صفقات كبيرة ملبيعات أسلحة‬ ‫أميركية إلى اململكة العربية السعودية‪ ،‬وستكون أحدث واردات‬ ‫الرياض من الطائرات العسكرية تايفون (األوروبية الصنع)‪ .‬وتعمل‬ ‫الواليات املتحدة على تدريب ‪ 35000‬فرد في قوات األمن من أجل‬ ‫حراسة املنشآت السعودية املهمة‪ ،‬ولكن تبدو العالقات العسكرية‬ ‫األميركية مع اململكة أقل شموال من ذي قبل‪ .‬فكيف تغير هذا‬ ‫اجلانب من العالقات الثنائية في العقد املاضي؟‬

‫ اإلجابة املوجزة هي أن األمر واضح للغاية في تعليقات (قائد‬‫القوات املركزية األميركية السابق وقائد القوات الدولية في‬ ‫أفغانستان احلالي) اجلنرال ديفيد بترايوس‪ ،‬والتعليقات التي أصدرها‬ ‫كل من الرئيس ووزيرة اخلارجية هيالري كلينتون بأن اإلدارة تراها‬ ‫مشكلة استراتيجية‪ ،‬وليس فقط قضية القيام بدور وسيط‪ .‬ووفقا‬ ‫لكلمات اجلنرال بترايوس‪ ،‬فإن غياب احلل ي ُ َع ِرض اجلنود األميركيني‬ ‫للخطر‪ .‬وعندما تعيش هنا‪ ،‬تتعرف على املعتقد املنتشر بأن غياب‬ ‫حل لتلك القضية مينح شرعية لكل اجلماعات املتطرفة‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أنهم قد يفعلون أو ال يفعلون أي شيء لدعم الفلسطينيني‪..‬‬ ‫لذا من الواضح أنه من مصلحة أميركا االستراتيجية أن تركز على‬ ‫حل القضية‪ ،‬وأعتقد أن حقيقة تعهد الرئيس في بداية فترته‬ ‫الرئاسية‪ ،‬بأن هذه القضية ستكون محور أجندته الدولية‪ ،‬على‬ ‫مدار أربعة أو ثمانية أعوام هي بالتأكيد نقطة حتول في فكرنا‪ .‬ويبدو‬ ‫أن هناك إجماعا في إسرائيل والواليات املتحدة ومناطق أخرى بأنه‬ ‫حان الوقت (كي يقوم اإلسرائيليون والفلسطينيون مبباحثات سالم‬ ‫جادة)‪ ،‬وتشير حقيقة أن جاللة امللك يبذل جهدا هائال ويضع وزنا‬ ‫سياسيا كبيرا على مبادرة السالم العربية إلى أن الوقت قد حان‪.‬‬ ‫إذن أنا متحمس ومتفائل‪ ،‬وأعتقد أن هناك فرصة في غضون األعوام‬ ‫القليلة املقبلة حيث ميكننا أن نحقق فارقا‪ .‬ويتعلق القلق الذي‬ ‫يساورنا جميعا بأننا إذا خسرنا هذه الفرصة‪ ،‬سيكون علينا أن منر‬ ‫بجيل آخر من الصراعات والفرص املهدرة‪.‬‬

‫ لقد تغيرت منذ ‪ 25‬عاما‪ .‬ويجب أن نفهم أن «التايفون» هي‬‫بديل «تورنادو» (األوروبية الصنع أيضا)‪ .‬وقد كانت القوات اجلوية‬ ‫السعودية دائما ما متلك مزيجا من الطائرات األميركية والبريطانية‬ ‫نوعا ما من حقيبة أوراق متوازنة‪ .‬وال يبدو أن ذلك يشهد حتوال كبيرا‬ ‫في الصفقات الكبرى‪ .‬وما زلنا نحتفظ بشراكة عسكرية قوية‪،‬‬ ‫وليس فقط في شراء معدات‪ ،‬ولكن أيضا في التدريبات في وزارة‬ ‫الدفاع والطيران‪ ،‬واحلرس الوطني السعودي‪ ،‬وحاليا وزارة الداخلية‪.‬‬ ‫وفي حني يعمل السعوديون على حتديث أنظمتهم (العسكرية)‬ ‫حيث نطالب بوجود عمل توافقي‪ ،‬أثق في أننا سنترك بصمة‬ ‫أميركية هناك‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬تعد مطامع إيران في أن تصبح قوة متلك سالحا نوويا‬ ‫قضية تشترك فيها الواليات املتحدة واململكة في اآلراء ذاتها‪،‬‬ ‫فكلتا الدولتني ال تريدان أن متتلك إيران سالحا نوويا أو قدرة على‬ ‫صناعته‪ .‬وعلي الرغم من ذلك‪ ،‬يبدو أن هناك بعض اخلالف في‬ ‫كيفية التعامل مع طموحات إيران النووية‪ ،‬فهل هذا صحيح؟‬ ‫وحال دقة ذلك كيف تختلف الدولتان في هذا الشأن؟‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬من وجهة النظر األميركية‪ ،‬هل أدت اململكة العربية‬ ‫السعودية ما عليها لوقف الدعم املالي الذي كان يتدفق من بعض‬ ‫األفراد واجلماعات إلى املتطرفني اإلسالميني الذين يتسمون بالعنف‬ ‫‪47‬‬


‫● حوارات‬

‫أكد على متانة العالقات والتوجه املشترك صوب اقتصاد املعرفة‬

‫السفير األميركي في الرياض‪ :‬السعودية نضجت‬ ‫وعالقاتنا اآلن أكثر دقة وتعقيدا‬ ‫يتحدث السفير األميركي في الرياض جيمس بي سميث في حواره مع «اجمللة»عن واحدة من أهم العالقات الثنائية بالنسبة‬ ‫للواليات املتحدة األميركية‪ .‬ويناقش السفير سميث األبعاد اخملتلفة للعالقة بني الواليات املتحدة واململكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫وحتديدا كيف أثرت أحداث ‪ 9/11‬على هذه العالقة؛ والتحديات التي تواجه اجلانبني بخصوص البرنامج النووي اإليراني؛ وكيف‬ ‫ميكن أن متتد العالقات الثنائية إلى ما وراء النفط واألمن؛ وكيف ميكن أن تبدو في املستقبل‪.‬‬ ‫كاريل ميرفي‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫وجيمس سميث هو عميد متقاعد في القوات اجلوية األميركية‬ ‫يعمل سفيرا ألميركا لدى اململكة منذ سبتمبر (أيلول) ‪.2009‬‬ ‫وقبل تعيينه‪ ،‬كان يشغل عددا من املناصب التنفيذية في شركة‬ ‫«رايثيون» األميركية ملقاوالت الدفاع‪ ،‬حيث كان مشتركا في‬ ‫التخطيط االستراتيجي وتنمية العمل الدولي‪ .‬وكان سميث مؤيدا‬ ‫حلملة باراك أوباما االنتخابية منذ بدايتها‪.‬‬ ‫قضي سميث فترة خدمة متميزة في اجليش على مدار ‪ 28‬عاما‪ ،‬قبل‬ ‫تقاعده عام ‪ ،2002‬وكان من بني ما قام به مهمات قتالية جوية من‬ ‫ظهران خالل عملية عاصفة الصحراء‪ .‬وقد حقق سميث‪ ،‬الذي تلقى‬ ‫تدريبه كطيار مقاتل‪ ،‬ما يزيد عن ‪ 4000‬ساعة طيران بطائرات «إف‬ ‫‪46‬‬

‫‪ »15‬و»تي ‪ .»38‬وفي آخر تكليف له‪ ،‬كان يحتل موقع نائب القائد‬ ‫في مركز قيادة احلرب املشتركة لقيادة القوات األميركية املشتركة‬ ‫في فيرجينيا‪ ،‬وقبل ذلك‪ ،‬كان قائدا لسرب املقاتلني ‪ ،94‬ومجموعة‬ ‫عمليات ‪ ،325‬وجناح املقاتلني ‪.18‬‬ ‫وقد تخرج سميث من أكادميية القوات اجلوية األميركية عام‬ ‫‪ 1974‬وهو حاصل على درجة املاجستير في التاريخ من جامعة‬ ‫إنديانا‪ ،‬كما تخرج من كلية احلرب البحرية‪ ،‬وكلية القيادة اجلوية‪،‬‬ ‫وكلية احلرب الوطنية‪ ،‬حيث عمل أيضا أستاذا في االستراتيجية‬ ‫العسكرية‪ .‬وقد أجرت معه «اجمللة»هذا احلوار مؤخرا في مكتبه‬ ‫بالرياض‪.‬‬


Image © Getty Images

45

2010 ‫ أغسطس‬،1554 ‫العدد‬


‫● ألف كلمة‬

‫لندن‪7 ،‬يوليو‪:2005 ،‬‬

‫مؤخرة احلافلة التي دُمرت نتيجة النفجار في ميدان تافيستوك أثناء سلسلة‬ ‫من التفجيرات التي استهدفت مترو األنفاق وشبكة احلافالت في لندن‪.‬‬

‫‪44‬‬



‫● الوضع البشري‬

‫أرقاما واضحة‪ ،‬واألمر مبهم للغاية‪ ،‬ويحتاج إلى مزيد من الشفافية»‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يبدو أن الصندوق الكويتي يعلن عن بيانات املعونات‬ ‫التي يقدمها حتديدا بقدر أكبر من قطر واإلمارات والسعودية‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنه ال يخلو من نقاط ضعف أيضا ألن قليال من أمواله هي‬ ‫التي تصنف فعليا كمساعدات تنموية‪ .‬ويحتوي املوقع اإللكتروني‬ ‫للصندوق الكويتي على معلومات تفصيلية متاحة للجمهور ومن‬ ‫بينها ميزانيات املشاريع‪.‬‬ ‫ومثل جميع هيئات التنمية املعتمدة على احلكومة‪ ،‬يتوسع الصندوق‬ ‫الكويتي في إتاحة الفرص االقتصادية والسياسية للكويت من خالل‬ ‫جهوده التنموية‪ ،‬وفي الوقت ذاته يسعى بتحسني مستوى الرخاء وزيادة‬ ‫القدرة اإلنشائية في الدول النامية‪ .‬إن أهداف الصندوق خيرية وتعزز‬ ‫من مصلحة دولته‪ .‬ويوضح الدكتور محمد صباح السالم الصباح‪،‬‬ ‫نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير اخلارجية‪ ،‬في تقدميه للتقرير السنوي‬ ‫للصندوق الكويتي عن عامي ‪ 2008‬و‪ ،2009‬حيث يستعرض عاما‬ ‫ماضيا من برامج الصندوق الكويتي‪« :‬استمر الصندوق كذلك في‬ ‫تعزيز تعاونه الوثيق مع شركائه في التنمية وتقدمي النصح واملشورة‬ ‫لهم لدعم جهودهم لتحقيق أهدافهم اإلمنائية في إطار من االحترام‬ ‫املتبادل وعالقات الصداقة التي تربطه معهم‪ ،‬مما يخدم مصاحلنا‬ ‫الوطنية ويعزز من مكانة دولة الكويت في العالم»‪.‬‬ ‫إن األمر الذي يجعل الصندوق الكويتي غير عادي في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫هو أنه على خالف الدول العربية األخرى التي تقدم تبرعات ومعونات‬ ‫إنسانية عرضية كرد فعل على الكوارث الطبيعية‪ ،‬مثل زلزال هاييتي‬ ‫الذي وقع مؤخرا أو تبعات احلرب على املدنيني ودعم السكان الالجئني‪،‬‬ ‫يعمل الصندوق الكويتي بطريقة نظامية لتقدمي التنمية بدال من‬ ‫العمل بصورة مؤقتة كرد فعل على كوارث مفاجئة‪ .‬ويجعل ذلك منه‬ ‫مثاال يحتذى‪ ،‬ومنوذجا ممكنا لدول عربية ذات موارد اقتصادية مشابهة‬ ‫ميكنها أن تنشئ هيئات حكومية مخصصة من أجل مساعدات‬ ‫التنمية‪ ،‬بل وأيضا توزيع األموال من أجل اإلغاثة اإلنسانية بصورة دورية‪.‬‬ ‫ويتسع نطاق تنوع الشعوب والقضايا التي تتلقى مساعدات تنمية من‬ ‫الصندوق الكويتي‪ :‬من توصيل الكهرباء إلى منطقة عفار في إثيوبيا‬ ‫إلى تنمية القطاع الزراعي في لبنان‪ ،‬وقطاع الدواجن في مصر‪ ،‬إلى‬ ‫مشاريع الري في فيتنام وهندوراس ومالي ونيبال واحملافظة على البيئة‬ ‫في غانا‪.‬‬

‫يتسع نطاق تنوع الشعوب‬ ‫والقضايا التي تتلقى مساعدات‬ ‫تنمية من الصندوق الكويتي‪ :‬من‬ ‫توصيل الكهرباء إلى منطقة عفار‬ ‫في إثيوبيا إلى تنمية القطاع‬ ‫الزراعي في لبنان‬ ‫مول الصندوق مشاريع من أجل التوسع في تنقية مياه الشرب في‬ ‫وقد ّ‬ ‫إسطنبول وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرت إثر زلزال عام ‪1990‬‬ ‫وتوابعه في تركيا‪ ،‬وحتسني نظام الصرف الصحي وبالتالي الصحة‬ ‫العامة في القاهرة‪ .‬وفي مجال الصحة العامة أيضا‪ ،‬ساهم الصندوق‬ ‫في برامج تعمل على مكافحة مرض العمى النهري ودودة غينيا‪ ،‬اللذين‬ ‫لهما آثار مهلكة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى‪.‬‬ ‫وميثل الصندوق الكويتي منوذجا ميكن أن حتتذي به دول اخلليج األخرى‬ ‫لدى توسعها في برامجها التنموية ودمجها مع سياسات وأولويات‬ ‫‪42‬‬

‫مساعدات التنمية‬ ‫يعود تاريخ مساعدات التنمية إلى العصر االستعماري‪ ،‬حيث‬ ‫كانت دول مثل بريطانيا تقدم مساعدات ملستعمراتها التي‬ ‫تعاني من الفقر‪ .‬ولكن بدأ مفهوم املساعدات املالية ألول‬ ‫مرة في التاريخ املعاصر بعد احلرب العاملية الثانية‪ .‬في أثناء‬ ‫احلرب الباردة‪ ،‬قدمت الواليات املتحدة مشروع مارشال كبرنامج‬ ‫مساعدات دولية يهدف إلى تقوية الروابط مع الدول األوروبية‬ ‫ملواجهة النفوذ السوفياتي‪.‬‬ ‫وفي ذلك الوقت‪ ،‬مهد مشروع مارشال الطريق إلنشاء‬ ‫منظمات للمساعدات مثل البنك الدولي‪ ،‬الذي وسع من‬ ‫نطاق املساعدات ليتجاوز دول االحتاد األوروبي‪ .‬وفي حني انتهى‬ ‫التهديد السوفياتي‪ ،‬بدأت دول نامية مثل العراق ومصر في‬ ‫احلصول على املساعدات‪ .‬وفي الفترة ما بني عامي ‪1960‬‬ ‫و‪ ،1985‬مت توزيع كميات مختلفة من املساعدات في جميع‬ ‫أنحاء العالم عن طريق بنوك تنمية مؤسسة حديثا بهدف‬ ‫تقوية البنى التحتية للدول احلاصلة على املساعدات‪ .‬وبدأت‬ ‫بذلك مرحلة جديدة تهدف فيها املساعدات إلى تعزيز تنمية‬ ‫الدول بدال من استخدام التمويل للتصديق (علنا) على‬ ‫أجندات سياسية‪.‬‬

‫خارجية وطنية أشمل‪ .‬ويجب االعتراف بسجل الصندوق الرائد في‬ ‫العالم العربي واالحتفاء به‪ .‬ويوجد نظير أصغر للصندوق الكويتي‪ ،‬إنه‬ ‫صندوق أبوظبي للتنمية‪ ،‬الذي أنشئ عام ‪ ،1971‬وأنفق ما يزيد على‬ ‫‪ 5‬ماليني دوالر في صورة منح وقروض‪ ،‬ومثل الصندوق الكويتي‪ ،‬ذهبت‬ ‫معظمها في تنمية البنية التحتية‪.‬‬ ‫وفي حني يواجه الصندوق الكويتي حتدياته اخلاصة‪ ،‬ال سيما إفراطه في‬ ‫التأكيد على القروض بدال من املنح‪ ،‬وعدم تأييده لتنمية اجملتمع‪ ،‬وعدم‬ ‫وصوله إلى أكثر القطاعات املعرضة للخطر مثل النساء واألطفال‪،‬‬ ‫وتفضيله ملشاريع البنية التحتية األوسع نطاقا بدال من املشاريع ذات‬ ‫األهمية الفورية واألكبر مثل توفير الرعاية الصحية وبرامج التعليم‬ ‫األساسي‪ ،‬إال أنه في كثير من املناطق وضع أولوية لرخاء اإلنسان وحقق‬ ‫جناحات مهمة‪.‬‬ ‫وعلى وجه خاص‪ ،‬يظهر اجتاه الصندوق الكويتي إلى توفير مياه شرب‬ ‫نظيفة وحتسني الصرف الصحي من خالل إنشاء اآلبار واخلزانات والبنية‬ ‫التحتية املتعلقة بها في دول مثل مالي‪ ،‬ومشاريعه في الري في دول‬ ‫مثل نيبال من أجل حتسني اإلنتاج الزراعي واألمن الغذائي‪ ،‬تركيزا‬ ‫محمودا على مساعدات إمنائية حتويلية؛ وهي املساعدات التي لها آثار‬ ‫إيجابية بعيدة املدى على الشعوب الفقيرة‪ .‬كما يؤكد ذلك أيضا على‬ ‫الدول التي حتصل على الدعم وهي من أفقر الدول في العالم حيث‬ ‫ينخفض مستوى التنمية البشرية‪ .‬وقد استفاد ما يزيد على مائة‬ ‫دولة من قروض ومنح الصندوق الكويتي‪ ،‬وهو إجناز ليس هينا‪.‬‬ ‫وفي املستقبل‪ ،‬إذا استمر الصندوق الكويتي وتوسع في تلك اجلهود‬ ‫وعالج بعضا من اخملاوف املذكورة آنفا‪ ،‬سيحقق إجنازا قويا واستثنائيا‬ ‫يدعو إلى االحتذاء به‪ .‬وميكن أن تتعلم دول مثل السعودية وقطر‬ ‫والبحرين وعمان واإلمارات األخرى إلى جانب إمارة أبوظبي‪ ،‬من‬ ‫الصندوق الكويتي وتقيم استثماراتها اخلاصة واسعة النطاق في‬ ‫املساعدات اإلمنائية‪ .‬وإذا فعلت ذلك‪ ،‬فمن املمكن أن ترتفع احتمالية‬ ‫تعزيز الدول العربية للتنمية البشرية في الشرق األوسط وحول العالم‬ ‫بصورة كبيرة‪ ،‬مما يجلب نفعا ملموسا ويحقق آماال ويوفر فرصا ملئات‬ ‫املاليني من احملرومني‪.‬‬

‫* ناعوم شيميل ‪ -‬باحث مقيم في لندن ويعمل في مجال حقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ولديه خبرة كبيرة في هذا اجملال‪.‬‬


‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫رغم بعده عن املشاريع العاجلة‬ ‫و تقدميه القروض بدال من املنح‬

‫الصندوق الكويتي‬ ‫للتنمية يساهم‬ ‫في رخاء العالم النامي‬ ‫يظل قدر املساعدات التي تقدمها الدول العربية إلى الدول النامية في‬ ‫حده األدنى‪ ،‬على الرغم من أنه على مدار عدة عقود‪ ،‬كان هناك استثناء‬ ‫كبير لهذه القاعدة يتمثل في الكويت‪ .‬وعلي غرار جميع مؤسسات‬ ‫التنمية التي تعتمد على احلكومة‪ ،‬يقدم الصندوق الكويتي فرصا‬ ‫اقتصادية وسياسية للكويت وميدها بنفوذ من خالل جهوده التنموية‪،‬‬ ‫وفي الوقت ذاته يحقق الرخاء وبناء القدرات في الدول النامية‪ .‬وميثل‬ ‫الصندوق الكويتي النموذج الذي ميكن أن حتتذي به دول اخلليج األخرى‪ .‬ويجب أيضا االعتراف بسجله الرائد في العالم العربي‪.‬‬ ‫ناعوم شيميل‬ ‫في عالم معونات التنمية الدولية‪ ،‬الالعبون األساسيون هم الواليات‬ ‫املتحدة واالحتاد األوروبي واليابان‪ .‬تأتي من تلك الدول األموال التي يتم‬ ‫توزيعها والبرامج التدريبية التي تنفذ في الدول النامية في أفريقيا‬ ‫وآسيا وأميركا الالتينية‪ ،‬باإلضافة إلى إسهامات ضئيلة ولكنها مهمة‬ ‫من دول مثل كندا وأستراليا‪.‬‬ ‫لكن يقل قدر املساعدات التي تقدمها الدول العربية إلى الدول النامية‪،‬‬ ‫على الرغم من أنه على مدار عدة عقود‪ ،‬كان هناك استثناء كبير لهذه‬ ‫القاعدة يتمثل في الكويت‪ .‬لقد أنشئ الصندوق الكويتي للتنمية‬ ‫االقتصادية العربية عام ‪ .1961‬ووصف روبرت ماكنمارا‪ ،‬رئيس البنك‬ ‫الدولي من عام ‪ 1968‬إلى عام ‪ ،1981‬اختصاص الصندوق وأصوله‪:‬‬ ‫عندما أنشئ الصندوق الكويتي في البداية عام ‪ ،1961‬لم يكن له‬ ‫مثيل سابق‪ .‬وها هي الكويت‪ ،‬دولة صغيرة كانت حتى وقت قريب من‬ ‫بني أفقر األماكن على األرض‪ ،‬تنشئ صندوقا للتنمية في عام حتقيق‬ ‫استقاللها السياسي‪ .‬وفي حني كانت تستقبل رخاءها الذي حققته‬ ‫حديثا‪ ،‬كانت تعلن عن رغبتها في أن تتشارك في ثروتها املستقبلية‬ ‫مع جيرانها من العرب‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1974‬وسع الصندوق الكويتي من نطاق دوره ليشمل العالم‬ ‫النامي بأسره‪ ،‬وليس فقط العالم العربي‪ .‬وكانت الغالبية العظمى‬ ‫من رأس مال الصندوق مخصصة للقروض‪ ،‬التي كانت الدول النامية‬ ‫تستخدم بعضها للتعاقد مع شركات كويتية من أجل تخطيط‬ ‫وإنشاء مبادرات البنية التحتية الكبرى‪ ،‬مثل عملية إنشاء مطار أديس‬ ‫أبابا الدولي اجلديد في إثيوبيا التي متت مؤخرا‪ .‬وتخصص نسبة أقل‬ ‫بكثير من موارد الصندوق من أجل املنح واملساعدات الفنية‪.‬‬ ‫ويجعل ذلك مهام الصندوق الكويتي وبرامجه مختلفة عن هيئات‬ ‫املعونة مثل هيئة املعونة األميركية (الوكالة األميركية للتنمية‬

‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫الدولية) وإدارة التنمية الدولية البريطانية‪ ،‬التي تخصص نسبا‬ ‫كبيرة من معوناتها للمنح بدال من القروض‪ .‬ونادرا ما يؤيد الصندوق‬ ‫الكويتي التنمية اجملتمعية الشعبية في مكافحة الفقر‪ ،‬وتعزيز‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬وتنمية القيم الدميقراطية‪ ،‬وتوفير التعليم‪،‬‬ ‫وهي اجملاالت الرئيسية التي تؤكد عليها هيئتا املعونة األميركية‬ ‫والبريطانية‪ .‬ويشرح التقرير السنوي تأكيد الصندوق على البنية‬ ‫التحتية واسعة النطاق‪« ،‬مثل مجاالت النقل واالتصاالت والزراعة‬ ‫والطاقة والصناعة واملياه والصرف الصحي»‪ .‬ويعكس وضع الصندوق‬ ‫ملشاريع البنية التحتية واسعة النطاق كأولويات تلك التي يضعها‬ ‫البنك الدولي‪.‬‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬ليس من الواضح ما إذا كان الصندوق الكويتي يطبق‬ ‫معيار تقدمي «املساعدة اإلمنائية الرسمية» الذي تُعرفه جلنة‬ ‫املساعدة اإلمنائية في منظمة التعاون والتنمية االقتصادية على‬ ‫أنه «عنصر املنح بنسبة ‪ 25‬في املائة على األقل»‪ .‬ويحث سليل‬ ‫شيتي‪ ،‬مدير حملة األلفية التابعة لألمم املتحدة من أجل القضاء على‬ ‫الفقر ورفع متوسط عمر الفرد بحلول عام ‪ ،2015‬الدول العربية‬ ‫على منح املزيد من املساعدات التنموية‪ .‬وفي حوار أجري معه في‬ ‫قطر في نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ ،2008‬قال‪« :‬إذا كانت دول اخلليج‬ ‫جادة‪ ،‬فلنحصل على بعض األموال‪ .‬إنهم يفعلون الكثير فيما يتعلق‬ ‫مبساعدة الدول اإلسالمية‪ ،‬وهي نقطة انطالق جيدة‪ ...‬أعتقد أنهم‬ ‫يحتاجون إلى تقدمي املزيد وأن يكونوا جزءا من العملية العاملية‪ ،‬ألنهم‬ ‫في الوقت احلالي معزولون نوعا ما‪ .‬فهم ليسوا جزءا من اخلطاب‬ ‫السائد ويحتاجون إلى أن يصبحوا كذلك»‪.‬‬ ‫وأشار شيتي إلى صعوبة معرفة القدر الذي تسهم به دول اخلليج في‬ ‫التنمية‪ ،‬ألنها ال تعلن عن هذه املعلومات كما أنها ليست مشتركة‬ ‫في منظمة التعاون والتنمية االقتصادية‪ ،‬التي تتعقب اإلحصائيات‬ ‫املتعلقة بتدفق املعونات‪ .‬وانتقد شيتي دول اخلليج‪ ،‬حيث قال‪« :‬ال جند‬ ‫‪41‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫‪Initial decisions, 1999 to 2008‬‬

‫‪Unaccompanied Asylum Seeking Children,‬‬ ‫‪applications received for asylum in the United‬‬ ‫‪Kingdom, by age at time of application, 2008‬‬

‫اللجوء لكي يحاولوا العودة الطوعية لبالدهم‪ ،‬فإن كثيرا منهم يكون‬ ‫غير قادر أو غير مستعد للعودة إلى بالده وبالتالي فإنهم في معظم‬ ‫األحوال يصبحون بال مأوى ويتسولون للحصول على حد الكفاف‪ .‬وعلى‬ ‫غرار االحتجاز‪ ،‬فإن آثار التعرض للفقر املدقع على صحة طالبي اللجوء‬ ‫مدمرة‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬فإن وجودهم في الشوارع ال يساهم في تعزيز‬ ‫األمن واالستقرار بالنسبة للمواطن البريطاني‪ .‬فيجب على احلكومة‬ ‫البريطانية أن تقر بعدم كفاءة تلك السياسة وتقر بأنها تضر أكثر مما‬ ‫تفيد‪ ،‬ليس فقط بالنسبة لطالبي اللجوء‪ ،‬ولكن بالنسبة للمجتمع‬ ‫البريطاني بشكل عام‪.‬‬ ‫املتحدة وكذلك الذين حاولوا االنتحار أو إيذاء أنفسهم بطريقة أو‬ ‫بأخرى‪ .‬يقول أحد احملتجزين حول جتربته‪« :‬لقد كانت جتربة مروعة‪ ،‬لقد‬ ‫مررت بكثير من األشياء في بالدي ولكن لم يكن هناك شيء يضاهي ما‬ ‫تعرضت له هنا‪ .‬وقد أطلق سراحي ولكنني ما زلت حبيسا‪ .‬أصبحت‬ ‫أسير في الشوارع ولكن بال روح»‪.‬‬ ‫وقد تعرضت اململكة املتحدة النتقادات واسعة مؤخرا‪ ،‬نظرا للظروف‬ ‫التي يتعرض لها هؤالء احملتجزون‪ ،‬مبا في ذلك ممارسة احتجاز األطفال‪.‬‬ ‫خاصة بعدما قام طالبوا اللجوء احملتجزون مبركز «يارل وود» باإلضراب‬ ‫عن الطعام ملدة ثالثة أسابيع احتجاجا على ما أطلقوا عليه «املعاملة‬ ‫القاسية وغير اإلنسانية واملهينة»‪ .‬وأعقب ذلك اإلضراب مواجهة‬ ‫قانونية ادعى فيها أن سياسة االحتجاز البريطانية تنتهك ثالثة مواد‬ ‫هي ‪ 8 ،5 ،3‬من املعاهدة األوروبية حلقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫وبعيدا عن االحتجاز‪ ،‬يجد كثير من طالبي اللجوء أنفسهم وهم‬ ‫يعانون من فقر مدقع‪ .‬فعلى الرغم من حصولهم على إعانة خالل‬ ‫فترة النظر في قضيتهم وخالل اجللسات‪ ،‬فإنهم ‪ -‬إذا ما مت رفض‬ ‫القضية ‪ -‬يفقدون هذه املساعدات املالية وال يصبح لهم حق قانوني‬ ‫في العمل‪ .‬وعلى الرغم من أنه ينظر إلى ذلك باعتباره حافزا لطالبي‬ ‫‪40‬‬

‫إدراكا للمناحي السلبية التي حتيط بعملية اللجوء احلالية‪ ،‬فإننا‬ ‫نتساءل عما جعل احلكومة البريطانية تتوقف عن مساعي اإلصالح‬ ‫قبل ذلك‪ .‬وفقا لولتر‪ ،‬كانت هناك ثالث عقبات أساسية وقفت على‬ ‫طريق اإلصالح‪ .‬أولها هو أنه نظرا ألن وزارة الداخلية ليست مؤهلة‬ ‫للتعامل مع القضية‪ ،‬فإنه من الصعب إصالحها‪ ،‬كما تفتقر احلكومة‬ ‫إلى اإلرادة السياسية للقيام بذلك التغيير‪ .‬وثانيا‪ ،‬هناك مخاوف بشأن‬ ‫نظرة الصحافة اليمينية للحكومة التي تبدو «لينة» فيما يتعلق‬ ‫باللجوء‪ .‬وأخيرا هناك «مخاوف عظيمة وإن كانت في غير محلها‬ ‫تتعلق بأنه إذا ما جعلت تلك العملية أكثر سهولة بالنسبة لطالبي‬ ‫اللجوء من خالل منحهم احلق في العمل وغيره‪ ،‬سيسعى املزيد من‬ ‫الناس إلى اللجوء»‪.‬‬ ‫وفي ظل تلك العقبات‪ ،‬فليس مفاجئا أال يتم تطبيق اإلصالحات التي‬ ‫كان ينادى بها‪ .‬ولكن ذلك ال يبرر الظروف التي يضطر طالبو اللجوء‬ ‫أن يعيشوا فيها‪ .‬فهناك تداعيات جدية وخطيرة لعدم التعامل مع‬ ‫طالبي اللجوء بطريقة عادلة‪ .‬فالدمج هو احلصن الذي حتتمي به‬ ‫اجملتمعات الصحية وعملية اللجوء احلالية تقوم بخلق املشكالت التي‬ ‫سيتوجب على اململكة املتحدة التعامل معها في نهاية األمر‪.‬‬

‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 4‬يونيو ‪.2010‬‬


‫‪Image © Getty Images‬‬

‫سياسة اللجوء باألرقام‬ ‫(املصدر‪ :‬إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية)‬ ‫في ‪ 2008‬بلغ عدد طلبات اللجوء الذي تلقته الوزارة ‪25930‬‬ ‫طلبا أي أنه أعلى بنسبة ‪ % 11‬عن عام ‪ 2007‬وكان يبلغ ‪23430‬‬ ‫طلبا‪.‬‬ ‫وبلغت نسبة الطلبات التي مت تقدميها داخل البالد ‪ 90%‬مقابل‬ ‫‪ % 84‬عام ‪.2007‬‬ ‫وكانت ‪ % 40‬من الطلبات املقدمة عام ‪ 2008‬من الدول األفريقية‪،‬‬ ‫فيما كان هناك نحو ‪ % 37‬من دول من آسيا وأقيونوسيا و‪% 19‬‬ ‫من دول الشرق األوسط و‪ % 3‬من الدول األوروبية و‪ % 2‬من دول‬ ‫األميركتني‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،2008‬ارتفع عدد املنح للجوء مقارنة بعام ‪2007‬‬ ‫باإلضافة إلى املنح اخملصصة للحماية اإلنسانية أو اإلقامة املؤقتة‬ ‫بشروط‪ ،‬التي بلغت نسبتها ‪ % 30‬من القرارات األولية مقارنة‬ ‫بنسبة ‪ 26%‬عام ‪ 2007‬و‪ % 21‬عام ‪.2006‬‬ ‫مت رفض ‪ 13505‬من طلبات اللجوء عام ‪ 2008‬فيما مت رفض‬ ‫‪ 16030‬طلبا عام ‪.2007‬‬

‫أحد اإلشكاالت األساسية التي‬ ‫يواجهها طالبو اللجوء في نظام‬ ‫اململكة املتحدة هو التمثيل‬ ‫القانوني غير املالئم‪.‬‬ ‫التي ميرون بها أقرب إلى كونها معركة قاسية تخفق عادة في حتسني‬ ‫األوضاع التي دفعتهم إلى اللجوء في األساس‪.‬‬ ‫ونظرا ألن اخملاطر املتضمنة في عودة طالبي اللجوء واملؤهلني للحصول‬ ‫عليه إلى أوطانهم فإن حصولهم على اللجوء ميكن أن يعني حقا‬ ‫الفارق بني احلياة واملوت‪ ،‬وبالتالي فإنه ال يجب االستهانة بالتعامل مع‬ ‫تلك القضية‪.‬‬ ‫كما أن أحد اإلشكاالت األساسية التي يواجهها طالبو اللجوء في‬ ‫نظام اململكة املتحدة هو التمثيل القانوني غير املالئم‪ .‬فتشير تقارير‬ ‫املنظمات غير احلكومية مبا في ذلك منظمة العفو الدولية و«هيومان‬ ‫رايتس ووتش» باإلضافة إلى منظمات محلية مثل «مجلس الالجئني»‬ ‫إلى أن الوقت واملوارد القانونية املتاحة لطالبي اللجوء غير مالئمة‪.‬‬ ‫وفي لقاء مع «اجمللة» ذكرت ناتاشا وولتر من منظمة «النساء للنساء‬ ‫الالجئات» أن أكبر التحديات التي يواجهها طالبو اللجوء هي «احلصول‬ ‫على جلسات استماع عادلة لقضيتهم‪ .‬حيث تتراوح العقبات بني‬ ‫عدم وجود متثيل قانوني مالئم أو أي متثيل على اإلطالق نظرا للتغيرات‬ ‫التي تطرأ على املساعدات القانونية وصوال إلى املشكالت املتعلقة‬ ‫باإلفصاح عما تعرضوا له نظرا للخزي املرتبط بتجربتهم أو نظرا لعدم‬ ‫إدراكهم للمعلومات التي يتوجب عليهم اإلفصاح عنها»‪.‬‬ ‫وال تشجع مقابلة إفصاح هؤالء األفراد عن الوقائع التي دفعتهم للجوء‬ ‫بالعداء أو التشكك في مساعدتهم‪ ،‬على اإلفصاح عن حقيقة ما‬ ‫تعرضوا له‪ ،‬وهو ما ميكن أن تكون له آثار مدمرة على مساعيهم‪.‬‬ ‫كما اشتكى كثير من الناس من عدم دقة الترجمة‪ ،‬وقد اشتكت‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫النساء على نحو خاص من صعوبة شرح أسباب سعيهن للجوء‬ ‫إذا ما كانت تلك األسباب تتعلق باالستغالل اجلنسي أو باالضطهاد‬ ‫املتعلق بكونهن نساء‪ .‬على أية حال‪ ،‬فإن سوء التمثيل ليس هو‬ ‫العقبة الوحيدة التي يجب على وزارة الداخلية معاجلتها لتحسني‬ ‫العدالة التي يجب أن حتيط بعملية طلب اللجوء‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬يتم احتجاز عدد من طالبي اللجوء حتى يتم فحص‬ ‫طلب اللجوء‪ .‬ففي تقرير نشرته منظمة العفو الدولية بعنوان‬ ‫«طلب اللجوء ليس جرمية» شرحت املنظمة أن هناك تزايدا في‬ ‫اللجوء للحجز في بداية ونهاية عملية طلب اللجوء‪ .‬وتزعم املنظمة‬ ‫بأن ذلك التوجه يحد من التزام اململكة املتحدة بحق الناس في أن‬ ‫يتم معاملتهم باحترام وإنسانية مبوجب املعايير القانونية ملعاملة‬ ‫الالجئني وحقوق اإلنسان»‪.‬‬ ‫ومن الشكاوى الكبرى املتعلقة باحتجاز الالجئني‪ ،‬التأثير النفسي‬ ‫الذي ميكن أن يخلفه االحتجاز على هؤالء األفراد الذين تعرضوا في‬ ‫األساس ألزمات دفعتهم إلى طلب اللجوء في اململكة املتحدة‪.‬‬ ‫وينطبق ذلك على نحو خاص على الناجني من التعذيب؛ حيث ميكن‬ ‫أن تعيد إليهم جتربة االحتجاز ذكريات أليمة‪ .‬ووفقا ملنظمة العفو‬ ‫الدولية‪« :‬ميكن أن يكون للحجز تأثير سلبي على صحتهم النفسية‬ ‫والعقلية‪ .‬فاحملتجزون الذين كانوا قد تعرضوا للتعذيب أو ألزمات‬ ‫خطيرة في بالدهم رمبا يصبحون أكثر عرضة إليذاء النفس الذي رمبا‬ ‫يصل إلى املوت داخل احلجز»‪ .‬وتؤيد تلك املزاعم شهادات األفراد الذين‬ ‫كانوا قد تعرضوا للتعذيب في بالدهم ثم مت احتجازهم داخل اململكة‬ ‫‪39‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫بعد أن أصبح متاسك‬ ‫اجملتمع في خطر‬

‫بريطانيا تعيد النظر‬ ‫في سياسة اللجوء‬ ‫على الرغم من أن تفنيد مزاعم طالبي اللجوء ليست‬ ‫باملهمة السهلة‪ ،‬وعلى الرغم من أن على اململكة املتحدة‬ ‫أن تبذل قصارى جهدها لتقدمي تقييم مستمر لتلك‬ ‫املزاعم‪ ،‬تواجه طريقة تنفيذ تلك العملية في الوقت‬ ‫الراهن انتقادات حادة‪ .‬فبدال من حماية احلدود‪ ،‬تضر الثغرات‬ ‫املوجودة في تلك العملية على نحو أكثر بتماسك اجملتمع‬ ‫البريطاني‪ .‬فبعد انتخاب احلكومة اجلديدة‪ ،‬وجدت اململكة‬ ‫املتحدة نفسها في اللحظة املالئمة إلعادة تقييم الطريقة‬ ‫التي تتعامل بها مع التزامها صوب معاهدة الالجئني‬ ‫التابعة لألمم املتحدة‪ ،‬من خالل وضع إصالح نظام الالجئني‬ ‫على أجندتها‪.‬‬ ‫بوال ميجيا‬ ‫«اكوسيو إل» امرأة صينية يبلغ عمرها ‪ 27‬عاما‪ .‬اعتقلت عندما‬ ‫كانت ابنة سبعة عشر عاما‪ ،‬نظرا التهام والدها باالجتار في اخملدرات‪.‬‬ ‫ومت احتجازها في قسم للشرطة ملدة أسبوع ثم اصطحبها رجل‬ ‫ال تعرفه إلى أحد البارات واحتجزها وأجبرها على ممارسة البغاء‬ ‫ملدة خمس سنوات‪ .‬وعندما كانت ترفض التجاوب معه كان يضربها‬ ‫بعنف‪ .‬وفي أحد األيام‪ ،‬ساعدها أحد الزبائن‪ ،‬التي كانت قد أقامت‬ ‫عالقة صداقة معه‪ ،‬على الهرب وأحضرها إلى اململكة املتحدة‪.‬‬ ‫استمرت رحلتها ملدة ‪ 16‬شهرا وعندما وصلت طلبت اللجوء‪ .‬ولسوء‬ ‫احلظ‪ ،‬فإن قصة اكوسيو التي رصدتها «هيومان رايتس ووتش» في‬ ‫«فاست تراك أنفيرنيس» ليست هي القصة الوحيدة؛ حيث يأتي‬ ‫اآلالف من الرجال والنساء واألطفال إلى اململكة املتحدة كل عام‬ ‫بحثا عن األمن‪ .‬وسواء كانوا ضحايا للقمع السياسي أو الديني أو‬ ‫العرقي أو العائلي‪ ،‬يخاطر هؤالء األفراد عادة بحياتهم لكي يحصلوا‬ ‫على اللجوء فيما يعتبرونه دولة دميقراطية ملتزمة بحماية حقوق‬ ‫اإلنسان‪ .‬ومع ذلك وعلى الرغم من األزمة التي دفعتهم لقطع مثل‬ ‫تلك الرحلة اخلطرة‪ ،‬فإن متاعبهم نادرا ما تنتهي بالوصول إلى‬ ‫اململكة املتحدة‪ .‬بل يتعرضون بدال من ذلك في ظل نظام اللجوء‬ ‫احلالي لعملية قاسية تنتهي في أغلب األحوال باالعتقال أو معاناتهم‬ ‫من الفقر املدقع وغير ذلك من الظروف القاسية التي ال تفيد هؤالء‬ ‫األفراد الذين تعرضوا لألذى قبل ذلك‪.‬‬ ‫وتلخص قصة أكوسيو هذه األزمة‪ .‬فبعدما وصلت إلى لندن وهي ال‬ ‫تتحدث إال قدرا ضئيال للغاية من اإلجنليزية مت احتجازها؛ نظرا ألنها لم‬ ‫تستطع أن تثبت بالوثائق أنها كانت محتجزة في بالدها وأنها كانت‬ ‫مجبرة على ممارسة البغاء‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫ونظرا لظروف وصولها للبالد وللظروف التي ميكن أن حتيط باملمارسة‬ ‫القسرية للبغاء التي تعرضت لها‪ ،‬فليس غريبا أن ال متتلك أكوسيو‬ ‫وثائق تثبت تعرضها لالستغالل اجلنسي‪ .‬ومع ذلك فإنه بالنسبة‬ ‫لطالبي اللجوء في اململكة املتحدة‪ ،‬تعد مثل تلك العقبات هي‬ ‫القاعدة وليس االستثناء‪ .‬وعلى الرغم من أن عملية تفنيد مزاعم‬ ‫طالبي اللجوء هي عملية معقدة بال شك وأن على اململكة املتحدة أن‬ ‫تبذل قصارى جهدها لتقدمي تقييم مستمر لتلك املزاعم فإن األسلوب‬ ‫الذي يتم تنفيذ تلك العملية عبره يواجه حاليا انتقادات حادة‪ .‬وبدال‬ ‫من حماية احلدود‪ ،‬حتد الثغرات في تلك العملية من متاسك اجملتمع‬ ‫البريطاني‪ .‬ونظرا النتخاب حكومة جديدة مؤخرا‪ ،‬جتد اململكة املتحدة‬ ‫نفسها أمام اللحظة املالئمة إلعادة تقييم الطريقة التي تتعامل من‬ ‫خاللها مع التزامها مبعاهدة الالجئني التابعة لألمم املتحدة من خالل‬ ‫وضع إصالح عملية اللجوء على أجندتها‪.‬‬ ‫فنظرا لكونها ضمن املوقعني على اتفاقية األمم املتحدة لالجئني‪،‬‬ ‫يتوجب على اململكة املتحدة حماية األشخاص «الذين يدفعهم اخلوف‬ ‫من القمع العرقي أو الديني أو القومي أو املتعلق باالنتماء جملموعة‬ ‫اجتماعية معينة أو ذوي اآلراء السياسية اخلاصة‪ ،‬للخروج خارج‬ ‫أوطانهم وغير القادرين أو غير املستعدين بدافع اخلوف من احلصول‬ ‫على حماية بالدهم‪ ،‬أو من ليست لديه جنسية وأصبح خارج بالده‬ ‫كنتيجة ملثل تلك األحداث أو من ليس قادرا أو غير مستعد بدافع اخلوف‬ ‫للعودة إلى بالده»‪ .‬ومع ذلك فإن تعريف األمم املتحدة للجوء يتطلب أن‬ ‫مير األفراد الذين يصلون إلى اململكة املتحدة ويطلبون اللجوء بعملية‬ ‫قانونية يثبتون عبرها أنهم تنطبق عليهم فعليا شروط اللجوء‪.‬‬ ‫ولسوء احلظ فإنه بالنسبة لكثير من الناس فإن العملية القانونية‬


‫وال تؤدي مثل تلك العوامل املتداخلة إال إلى املزيد من رفع التكلفة‪.‬‬ ‫ويحذر كبار املفاوضني من أنه من غير احملتمل أن يتم جتاوز اخلالف في‬ ‫املفاوضات متعددة األطراف حول التغير املناخي في مؤمتر كوبنهاغن‬ ‫القادم الذي من املقرر عقده في كانكون في ديسمبر (كانون األول)‬ ‫املقبل وأن األمل في وضع اتفاق قانوني ملزم لتجديد بروتوكول كويوتو‬ ‫يتوقف اآلن على اجتماع ‪ 2011‬في كيب تاون‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن األزمة االقتصادية األخيرة قد حدت من تكلفة‬ ‫حتقيق األهداف املتعلقة باحلد من االنبعاثات احلرارية‪ ،‬فإن تلك النتائج‬ ‫قصيرة املدى كما أنها تثير مخاوف دول «منظمة التعاون االقتصادي‬ ‫والتنمية» أكثر من الدول القوية مثل الصني والهند‪ .‬ومن اآلثار‬ ‫األخرى لألزمة االقتصادية التي سيستمر تأثيرها ملدة أطول هو عدم‬ ‫توافر التمويل‪ .‬فنظرا لعجز املوازنة وخروج الدين العام عن السيطرة‪،‬‬ ‫أصبح من غير املمكن االعتماد على الواليات املتحدة وأوروبا واليابان‬ ‫في مضاعفة النفقات من أجل جعل اقتصاداتها متوافقة مع البيئة‪.‬‬ ‫وهو ما سوف يؤدي إلى صعوبات جسيمة‪ :‬فكيف ميكن متويل بحوث‬ ‫وتطوير تكنولوجيا توفير الطاقة والطاقة املتجددة؟ وكيف ميكن‬ ‫دفع تكلفة تعزيز البنية التحتية مثل املواصالت العامة‪ ،‬ومحطات‬ ‫شحن السيارات الكهربائية والشبكات املوفرة لنقل الطاقة‬ ‫واملباني املعزولة؟ بل وهناك شكوك أكبر حول إذا ما كانت البلدان‬ ‫الغنية سوف تنفق مئات املليارات من الدوالرات األميركية للحد من‬ ‫االنبعاثات في الدول النامية‪.‬‬ ‫وفي إطار البحث عن حل سحري‪ ،‬قال البعض إن إضعاف حماية حقوق‬ ‫امللكية الفكرية سوف يقلل من تكلفة نشر التكنولوجيا املتطورة‬ ‫وبالتالي سوف يقلل من كلفة مجابهة التغير املناخي‪ .‬ولكن مثل‬ ‫تلك الرؤى قصيرة املدى تتجاهل حقيقة أن ذلك سوف يساهم أيضا‬ ‫في حتجيم تشجيع اإلبداعات املستقبلية‪ ،‬باإلضافة إلى فرصة وضع‬ ‫معايير مالئمة حلياة التسعة مليارات نسمة الذين سوف يقطنون‬ ‫العالم في ‪.2050‬‬ ‫ولكن على الرغم من ندرة احللول السحرية فإنها موجودة‪ .‬وهي‬ ‫عادة ما تكون أكثر سهولة مما يعتقد البعض‪ .‬فباختصار‪ ،‬يجب على‬ ‫احلكومات أن تتوقف عن وضع العراقيل أمام التدفق احلر للبضائع‬ ‫واخلدمات التي تساعد على مكافحة التغير املناخي‪ .‬فسوف‬ ‫يساعد حترير التجارة في جعل تلك البضائع واخلدمات متاحة في‬ ‫كل البلدان وسوف يقلل من األسعار‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن وجود‬ ‫سوق عاملية أكثر تكامال للمنتجات واخلدمات املتوائمة مع البيئة‬ ‫سوف يشجع االبتكارات حيث ستتمكن الشركات الناجحة من‬ ‫حتقيق املزيد من األرباح‪.‬‬ ‫لقد كانت الدول األعضاء في منظمة التجارة العاملية‪ ،‬التي‬ ‫يبلغ عددها ‪ 153‬دولة‪ ،‬تتفاوض على إزالة القيود التجارية‬ ‫على ما يطلق عليه املنتجات واخلدمات املتوافقة مع البيئة‬ ‫ملدة عقد تقريبا‪ .‬ويبدو أنهم عالقون في إشكالية‬ ‫نظرية متعلقة بالتعريف ال ميكن جتاوزها‪ .‬وهي هل‬ ‫يصبح املنتج متوافقا مع البيئة إذا ما مت إنتاجه‬ ‫بالقليل من املوارد والقليل من التلوث؟ أو إذا ما‬

‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫كانت له وظيفة بيئية واضحة مثل تنقية املياه والهواء؟ أو هل حتى‬ ‫الغساالت املوفرة للطاقة تعد من املنتجات املتوافقة مع البيئة؟‬ ‫وتصبح القضية أكثر غموضا إذا ما نظرت للحدود العملية‪ .‬فليس‬ ‫للبضائع غرض واحد‪ .‬وذلك حيث إن محطات توليد الطاقة واحلرارة‬ ‫ومنشآت معاجلة املياه أو أفران اخمللفات يجب أن يتم جتميعها في‬ ‫وجهتها النهائية‪ .‬فكيف إذن يستطيع موظفو اجلمارك التأكد من‬ ‫أن تلك األنابيب سوف يتم استخدامها بالفعل في أغراض متوافقة‬ ‫مع البيئة؟‬ ‫إذن‪ ،‬هناك حاجة إلى مقاربة جديدة إلحياء املفاوضات مرة أخرى‪ .‬ومن‬ ‫أهم اخلطوات لتحقيق ذلك هو تقسيم مفهوم «البضائع واخلدمات‬ ‫املتوافقة مع البيئة» إلى وحدات أكثر متاسكا تستهدف التوصل‬ ‫التفاقيات منفصلة‪ .‬إحدى تلك الوحدات ميكن أن تصبح الطاقة‬ ‫املتجددة أو إنتاج الطاقة املتوافقة مع البيئة بشكل عام‪ .‬وميكن أن‬ ‫تكون هناك وحدة أخرى ترتكز على التلوث مبا في ذلك معاجلة املياه‬ ‫وإدارة اخمللفات واحلد من تلوث الهواء‪ .‬وبهذه الطريقة‪ ،‬ميكن أن نولي‬ ‫قدرا أكبر من التركيز على حل املشكالت التقنية املتعلقة بتلك‬ ‫القضايا ووضع احللول للمشكالت اخلاصة بكل مجموعة منتجات‬ ‫على حدة‪ .‬كما يجب أن ميتد حترير التجارة إلى ما بعد رفع التعريفة‬ ‫لكي يتعامل مع القيود التنظيمية مثل اإلجراءات املعقدة املتعلقة‬ ‫بالفحص والترخيص أو عدم االعتراف باملعايير األجنبية التي تضمن‬ ‫مستوى مساويا من األمان‪.‬‬ ‫وهناك خطوة أخرى وهي قصر االتفاق على «حتالف الراغبني»؛ حيث‬ ‫إنه لن يتم تطبيق تلك االتفاقات إال بعد انضمام الدول التي متثل ‪80‬‬ ‫‪ %‬أو ‪ % 90‬من الواردات والصادرات املتعلقة بالقضية وسوف يفتح‬ ‫أعضاء االتفاقية في ذلك الوقت أسواقهم أمام كافة الدول األعضاء‬ ‫في منظمة التجارة العاملية‪.‬‬ ‫لقد كانت منظمة التجارة تشجع بالفعل اخلبرات من خالل ما أطلق‬ ‫عليه «االتفاقات اجلمعية» على سبيل املثال في الطيران املدني‬ ‫وتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬والتكنولوجيا املتعلقة بالصيدلة‪ .‬وباختصار‬ ‫فإن وضع أهداف أصغر ‪ -‬منتجات أقل وأعضاء أقل ‪ -‬ميكن أن يؤدي‬ ‫إلى قدر أكبر وأسرع من حترير التجارة في مناطق لها أهمية خاصة‬ ‫في احلد من تكلفة حماية البيئة‪ .‬فيجب أن تكون تكنولوجيا احلد من‬ ‫التغير املناخي على قمة األولويات‪.‬‬

‫* فالنتني زاهرنت هو الباحث الزميل باملركز األوروبي لالقتصاد‬ ‫الدولي والسياسي واحملرر مبوقع ‪.www.reforthecap.eu‬‬ ‫نشر هذا املقال أول مرة في «اجمللة» في‪ 14‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬

‫اخلالصة هي أنه ينبغي على احلكومات التوقف عن‬ ‫وضع العراقيل أمام التدفق احلر للبضائع واخلدمات‬ ‫التي تساعد على مكافحة التغير املناخي‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫ليس باملال وحده نعيش علي األرض‬ ‫استراتيجيات رخيصة للحد من التغير املناخي‬ ‫سوف يدرك السياسيون الذين يستعدون حاليا التفاقية األمم املتحدة اإلطارية بشأن تغير املناخ‪ ،‬أن االستثمارات التي يتوجب‬ ‫عليهم تنفيذها جلعل اقتصاداتهم متوافقة مع البيئة وللحد من التغيرات املناخية قد أصبحت بال دعم في ظل األزمة‬ ‫االقتصادية األخيرة‪ .‬ولكن ذلك ليس له بالضرورة انعكاسات سلبية على مستقبل الكوكب‪ .‬فهناك استراتيجيات رخيصة‬ ‫وفعالة جاهزة للتنفيذ إذا توقفت احلكومات عن الصراع على التفاصيل وإذا أبدت استعدادا التخاذ إجراءات جدية للتعامل‬ ‫مع االحترار العاملي‪.‬‬ ‫فالنتني زاهرنت‬ ‫كان الباحث نيكوالس سترن قد أشار عام ‪ 2006‬إلى أننا بحاجة‬ ‫إلى ما يعادل ‪ % 1‬من الناجت احمللي اإلجمالي جملابهة التغير املناخي‪.‬‬ ‫وبحلول عام ‪ ،2008‬كان ذلك الرقم قد تضاعف‪ .‬وبغض النظر‬ ‫عن احلجم احلقيقي للتكلفة‪ ،‬فمن املتوقع أن تكون عملية احلد‬ ‫من التغير املناخي مكلفة‪ .‬ولكن ذلك ليس سوى جانب واحد من‬ ‫القصة‪ ،‬فهناك حاجة إلى مزيد من األموال للتعامل مع عواقب‬ ‫التغير املناخي‪.‬‬ ‫فليس من الضروري أن تشاهد أفالم الكوارث الطبيعية لكي‬ ‫تدرك مدى قوة الطبيعة؛ فكل ما أنت بحاجة إليه هو أن‬ ‫تتأمل عواقب إعصار كاترينا على نيو أورليانز‪ .‬كما أن‬ ‫احلفاظ على التنوع احليوي واحلد من تلوث املياه والهواء‬ ‫سوف يحتاجان إلى مزيد من االستثمارات‪ .‬فالقائمة‬ ‫طويلة والتكلفة عالية‪.‬‬ ‫وكما يتضح من خالل فشل قمة كوبنهاغن‬ ‫‪ 2009‬التفاقية األمم املتحدة اإلطارية بشأن‬ ‫تغير املناخ‪ ،‬فإن صعوبة مفاوضات التغير‬ ‫املناخي العاملي تتجاوز إشكالية من الذي‬ ‫سيتحمل التكلفة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن‬ ‫إبقاء تلك التكلفة منخفضة هو أمر ذو‬ ‫أهمية كبرى بالنسبة لبلدان مثل الصني‬ ‫والهند اللتني تعدان من أكثر الدول‬ ‫التي تصدر انبعاثات للغاز‬ ‫في العالم‪ ،‬خاصة في‬

‫‪36‬‬

‫ظل صراع تلك البلدان بني مجابهة التغير املناخي ومجابهة الفقر‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه فإن تكلفة احلد من التغيرات املناخية لها بعد‬ ‫سياسي‪ :‬فكلما ارتفعت التكلفة كلما اضطررنا لالنتظار قبل اتخاذ‬ ‫قرارات حاسمة‪.‬‬


‫جذب رؤوس األموال إلى اململكة العربية السعودية‬ ‫حتتل اململكة العربية السعودية مكانة جيدة في االقتصاد العاملي‪.‬‬ ‫لقد فتحت سوق أسهمها أمام املستثمرين األجانب عام ‪،2008‬‬ ‫وبفضل أساسيات االقتصاد الكلي القوية والتقسيم الدميوغرافي‬ ‫اإليجابي‪ ،‬يتزايد وضع السعودية كمحل جذب لالستثمارات‪.‬‬ ‫لقد أدت خطة التحفيز احلكومية البالغة ‪ 400‬مليار دوالر‪ ،‬وهي‬ ‫أكبر خطة حتفيز نسبة إلى إجمالي الناجت احمللي بني مجموعة الدول‬ ‫تعاف اقتصادي‬ ‫العشرين‪ ،‬وكما أدت اإلجراءات املالية االستثنائية إلى‬ ‫ٍ‬ ‫قوي‪ .‬ويتوقع البنك السعودي ‪ -‬الفرنسي‪ ،‬وهو أحد أكبر مقدمي‬ ‫اخلدمات املالية في البالد‪ ،‬أن يرتفع معدل النمو إلى ‪ 3.9‬في املائة‬ ‫بعد أن كان ‪ 0.15‬في املائة في العام املاضي‪ .‬ويتوقع البنك أيضا أن‬ ‫يصل معدل التضخم إلى نسبة ‪ 4.7‬في املائة‪ ،‬وأن يصل الفائض في‬ ‫احلساب اجلاري إلى نسبة ‪ 77‬في املائة في العام احلالي‪ .‬عالوة على‬ ‫ذلك‪ ،‬تسمح أسعار النفط التي تتجاوز ‪ 70‬دوالرا للبرميل للحكومة‬ ‫باالستمرار في اإلنفاق بقوة وأن يظل لديها فائض مالي كبير‪ .‬وبفضل‬ ‫اإلنتاج األكبر حجما وأسعار النفط‪ ،‬استطاعت مؤسسة النقد‬ ‫العربي السعودي ‪ -‬وهي املصرف املركزي السعودي ‪ -‬أيضا أن تعيد‬ ‫سندات األصول األجنبية إلى مستوى ما قبل األزمة‪ .‬ويقوي ذلك من‬ ‫التزام احلكومة بسعر صرف ثابت كما يبقي خطر العملة بعيدا‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من أن تلك األرقام ترسم صورة مشرقة للحالة‬ ‫العامة لالقتصاد السعودي‪ ،‬فإنه ال يزال هناك سؤال يتعلق مبا ميكن‬ ‫االستثمار فيه؟‬ ‫ما زال مصير اململكة يعتمد بشدة على النفط‪ .‬ويشكل قطاع‬ ‫النفط ‪ 45‬في املائة من إجمالي الناجت احمللي‪ ،‬و‪ 90‬في املائة من‬ ‫الصادرات‪.‬‬ ‫وتظهر املشاريع االستثمارية الكبرى مثل مشروع بتروكيماويات‬ ‫«أرامكو ‪ -‬داو» في اجلبيل أو مصفاة تكرير ينبع‪ ،‬أن السعودية لديها‬ ‫إمكانية كبيرة ليس فقط لتصدير النفط اخلام‪ ،‬بل أيضا ملعاجلته‪،‬‬ ‫مما يضيف قيمة جوهرية لالقتصاد‪ .‬وفي حني من املرجح أن يستمر‬ ‫النفط كأساس لكثير من املنتجات الصناعية في األعوام املقبلة‪،‬‬ ‫يقدم ذلك احتماالت مبشرة فيما يتعلق بالنمو االقتصادي على‬ ‫األمد البعيد‪ .‬ولكن‪ ،‬بينما تكمن اإلمكانية األساسية للدولة في‬ ‫تنمية صناعة البتروكيماويات‪ ،‬حتاول احلكومة بنشاط تنويع مجاالت‬ ‫االقتصاد‪ .‬ويعد هذا إجرا ًء مهما إذا أرادت السعودية أن تصبح أقل‬ ‫عرضة للصدمات في الطلب العاملي على النفط‪ .‬وتوفر هذه اإلجراءات‬ ‫أيضا فرص عمل لسكانها الذين يشهد تعدادهم منوا سريعا‪.‬‬

‫نظرا إلى أن تكاليف توظيف املوظف وتدريبه استثمار مهم‪ ،‬فمن‬ ‫مصلحة الشركة أيضا أن حتتفظ بأصحاب املهارات املعينني حديثا‪.‬‬ ‫ولتحقيق ذلك‪ ،‬يوجد اجتاهان مختلفان أحيانا ما يستخدمان الواحد‬ ‫تلو اآلخر‪ :‬تنظيم مكافآت األداء التي يحصل عليها رؤساء الشركات‪،‬‬ ‫واتباع نظام التعويض املؤجل‪ .‬ويظهر التحرك نحو خطط التعويض‬ ‫املعتمدة على األداء من خالل احلصة املتزايدة للعالوات في إجمالي‬ ‫مبالغ التعويض‪ .‬وفي صناعات اخلدمات املالية األميركية واألوروبية‪،‬‬ ‫يتم تأجيل العالوات اخملصصة كجزء من العقد األولي‪ .‬وميكن استثمار‬ ‫العالوات للموظف في أسهم الشركة‪ ،‬أو ميكن أن مينح املوظف‬ ‫حق التحكم في االستثمار‪ .‬وبصورة عامة‪ ،‬تظل العالوات مجمدة‬ ‫ملدة ثالث سنوات‪ ،‬ويخسرها املوظف إذا ترك العمل في غضون تلك‬ ‫الفترة‪ .‬وبعد عدة أعوام‪ ،‬تزداد قيمة العالوات سنويا‪ ،‬ولكن سيظل‬ ‫هناك دوما حافز للموظف من أجل البقاء حتى ينال االستحقاق‬ ‫التالي‪ ،‬عاما بعد عام‪ .‬ومن املمكن أن يزيد مثل هذا النظام كثيرا من‬ ‫قدرة املنطقة على االحتفاظ بالعمالة املاهرة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫وإلى جانب الثروة النفطية‪ ،‬يوجد عنصران ميكنهما أن يجعال من‬ ‫اململكة العربية السعودية موقعا مثيرا الهتمام املستثمرين‬ ‫العامليني‪.‬‬ ‫العنصر األول هو اعتزام احلكومة حتسني البنية التحتية في أكبر‬ ‫دولة في شبه اجلزيرة العربية‪ .‬وتقدم مشاريع البنية التحتية الكبرى‬ ‫ مثل قطار احلرمني السريع‪ ،‬وهو خط سكة حديد بني املدن يبلغ‬‫طوله ‪ 444‬كيلومترا يصل بني مكة واملدينة‪ ،‬ومشاريع في مطار‬ ‫املدينة ومطار امللك عبد العزيز الدولي ‪ -‬فرصا عظيمة لقطاع البنية‬ ‫التحتية ويزيد من فرص العمل‪.‬‬ ‫السبب الثاني الذي يدعو إلى االستثمار في السعودية ‪ -‬وهو‬ ‫في الوقت ذاته أكبر حت ٍد اقتصادي يواجه احلكومة ‪ -‬هو التوزيع‬ ‫الدميوغرافي في البالد‪ .‬حيث تبلغ نسبة السكان حتت ‪ 15‬عاما ‪38‬‬ ‫في املائة من إجمالي السكان‪ ،‬مقارنة بـ‪ 30‬في املائة في الهند‪ ،‬و‪18‬‬ ‫في املائة في الصني‪ .‬وتعد أخبار الزيادة السكانية الكبيرة جيدة‬ ‫للشركات التي تخاطب املستهلك حيث من املقرر أن يزداد حجم‬ ‫االستهالك احمللي بصورة كبيرة‪ .‬وعندما يكبر املراهقون السعوديون‬ ‫سيرغبون في احلصول على سيارات وهواتف ومستحضرات جتميل‪،‬‬ ‫مما يجعل السعودية مكانا جيدا الستثمار شركات تقدم سلعا‬ ‫استهالكية ضرورية وعينية‪ .‬ويخفض الطلب احمللي كثيرا من اعتماد‬ ‫البالد على الطلب العاملي على النفط‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر‪ ،‬سيكون على احلكومة السعودية أن تتأكد من أن هذا‬ ‫اجليل اجلديد الذي سينضم إلى القوى العاملة سيكون قادرا على‬ ‫العثور على وظائف‪ .‬وقد تسببت حالة الرخاء التي حققها النفط‬ ‫في رفض كثير من السعوديني للعمل في القطاع اخلاص‪ .‬ولكن مع‬ ‫ارتفاع معدل البطالة وكفاح كثير من السعوديني من أجل احلفاظ‬ ‫على مستويات معيشتهم‪ ،‬يجب على احلكومة أن تسعى جاهدة‬ ‫إلى تشجيع العمل في القطاع اخلاص‪ .‬ويكمن التحدي الدميوغرافي‬ ‫اآلخر في إدخال املرأة في صفوف القوى العاملة‪.‬‬ ‫ومع سوء األحوال االقتصادية في أوروبا والواليات املتحدة‪ ،‬يتحول‬ ‫املستثمرون جنوبا بحثا عن فرص استثمارية جديدة‪ .‬وفي حني تفتح‬ ‫السعودية أسواقها‪ ،‬من املرجح أن جتذب الثروة النفطية والتوزيع‬ ‫الدميوغرافي اإليجابي فيها املزيد واملزيد من رأس املال العاملي‪.‬‬ ‫ولكي توضع الدولة على خريطة األسواق الناشئة‪ ،‬حتتاج احلكومة‬ ‫إلى االستمرار في مسيرتها في اإلصالح االقتصادي‪ .‬ومن الضروري‬ ‫تشجيع أنشطة القطاع اخلاص‪ ،‬وحتديث النظام املالي‪ ،‬وتوفير فرص‬ ‫عمل‪ ،‬إذا أراد األسد السعودي أن يلحق بالنمور‪.‬‬ ‫* جويل شوبيغ‬

‫وفي النهاية‪ ،‬على الرغم من جميع النقاط التي ناقشناها هنا من‬ ‫قاعدة تخطيط «رأس املال البشري» إلى تعيني أصحاب املهارات‬ ‫واالحتفاظ بهم‪ ،‬هناك عنصر آخر مهم من أجل زيادة القدرة‬ ‫التنافسية ملنطقة اخلليج في أسواق العمالة العاملية وهو ممارسات‬ ‫إدارة الشركات ذاتها‪ .‬فمن أجل التنافس على الساحة العاملية‪،‬‬ ‫يجب أن تستمر دول مجلس التعاون اخلليجي في تبني سياسات‬ ‫رسمية ونزيهة ملنح املكافآت‪ ،‬حيث تصبح مثاال للمصداقية في‬ ‫السوق التنافسية‪ .‬ولكن تلك قصة أخرى‪.‬‬

‫جوليان غاردنر ‪ -‬مدير قسم أوروبا والشرق األوسط وأفريقيا في بنك‬ ‫«كندا امللكي» خلدمات موظفي ورؤساء الشركات (آر بي سي سيز)‪،‬‬ ‫وهو مقيم في جنيف‪.‬‬ ‫نشر هذا املقال أول مرة في «اجمللة» في‪ 17‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬ ‫‪35‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫هل يفلح تعديل األجور في توفيرها؟‬

‫البحث عن املواهب في دول مجلس التعاون اخلليجي‬

‫أحد أهم التحديات التي تواجه منطقة اخلليج في املستقبل القريب هو كيفية االستمرار في جذب العمال أصحاب املهارات‪.‬‬ ‫لم يكتف ظهور اقتصاد دول مجموعة «بريك» (البرازيل وروسيا والهند والصني) باحلد من التزويد بالعمالة املاهرة (حيث قرر‬ ‫كثير من املهاجرين احملتملني البقاء في بالدهم)‪ ،‬بل زاد أيضا من حجم املنافسة الدولية على العمالة املاهرة‪ .‬ويكمن احلل‬ ‫الواضح لهذه املعضلة في إعادة هيكلة باقات األجور املقدمة للعمال املهاجرين في املنطقة‪.‬‬ ‫جوليان غاردنر‬ ‫لقد خرج الشرق األوسط من األزمة االقتصادية العاملية األخيرة‬ ‫في صورة أفضل من معظم املناطق األخرى‪ .‬فقد حافظ على نتائج‬ ‫اقتصادية إيجابية طوال األزمة (بفضل صادرات البترول في األساس)‪،‬‬ ‫ومن املتوقع أن يحقق منوا أكبر عام ‪ .2010‬لكن على الرغم من هذا‬ ‫األداء اإليجابي نسبيا‪ ،‬أبرزت حالة الركود والتعافي الذي تاله‪ ،‬صراع‬ ‫املنطقة املستمر من أجل جذب املواهب العاملية واحلفاظ عليها‪.‬‬ ‫خالل فترة تاريخية طويلة‪ ،‬كانت املنطقة تركز على جذب نوعني من‬ ‫العمالة األجنبية‪ :‬مغتربني غربيني وشرقيني‪ .‬وكقاعدة عامة‪ ،‬يهاجر‬ ‫املغتربون الغربيون من الواليات املتحدة وأوروبا بدافع األجور املرتفعة‪،‬‬ ‫والضرائب املنخفضة (إن وجدت)‪ ،‬وتسديد النفقات مثل التعليم‬ ‫والرحالت اجلوية‪ .‬وعادة ما يصل هؤالء ويغادرون في دورة تستمر من‬ ‫ثالث إلى خمس سنوات‪ .‬أما عن املغتربني الشرقيني من دول مثل‬ ‫الهند‪ ،‬فهم عادة ما ينجذبون لباقة أجور أبسط بكثير‪ ،‬ولكنها ال‬ ‫تزال أفضل فعليا من أية أجور قد يحصلون عليها في بالدهم‪.‬‬ ‫فعال حتى اآلن‪ ،‬لضغط متزايد‬ ‫يتعرض هذا النموذج البسيط‪ ،‬ولكنه ّ‬ ‫في األعوام األخيرة بسبب التنامي السريع القتصاد دول «بريك»‬ ‫وزيادة قوة املنافسة على املواهب العاملية‪ .‬لقد شهدت الدول األصلية‬ ‫للعمال التقليديني‪ ،‬مثل الهند‪ ،‬ازدهارا اقتصاديا‪ ،‬مما أدى إلى توسع‬ ‫في الطلب على العمالة املاهرة واألجور املرتفعة‪ .‬وفي هذا السياق‪،‬‬ ‫خفت جاذبية منوذج دول مجلس التعاون اخلليجي نسبيا في كثير من‬ ‫احلاالت أمام خيار البقاء في البالد األصلية‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أسهم‬ ‫اكتشاف املزيد من النفط في البرازيل إلى زيادة الطلب العاملي على‬ ‫عمال ماهرين في صناعة النفط‪ ،‬وهو أحد قطاعات سوق العمل‬ ‫العاملية التي تعتمد عليها دول اخلليج بكثافة‪.‬‬

‫‪ % 7‬من العاملني في اإلمارات أجانب‬ ‫و‪ % 69‬في الكويت و‪ % 51‬في البحرين‬

‫ولكن ملاذا تعد خسارة هؤالء العمال املغتربني مشكلة؟ تثير األرقام‬ ‫وحدها الدهشة‪ :‬يوجد نحو ‪ 87‬في املائة من العمال في اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة من األجانب‪ ،‬بينما ميثلون ‪ 69‬في املائة من العمالة‬ ‫في الكويت‪ ،‬و‪ 51‬في املائة في البحرين‪ .‬وفي عمان والسعودية فقط‬ ‫يتجاوز عدد العمالة احمللية عدد املغتربني في القوى العاملة‪ .‬وفي‬ ‫هذا اإلطار‪ ،‬في اقتصاد يتطلع إلى النمو على أساس طويل املدى‪،‬‬ ‫من املمكن أن يتسبب انخفاض عدد القوى العاملة في وقوع كارثة‪.‬‬ ‫ومن املمكن أن يتلخص حل هذه املسألة في عنصرين مهمني‪ :‬كيف‬ ‫ميكن أن تستمر منطقة اخلليج في جذب أصحاب املهارات؟ وبعد‬ ‫حتقيق ذلك‪ ،‬كيف ميكن أن حتتفظ بهم؟‬ ‫‪34‬‬

‫حتى لو كانت العوامل التقليدية‪ ،‬مثل األجور والبدالت‪ ،‬ما زالت تلعب‬ ‫دورا مهما في جذب أصحاب املهارات‪ ،‬في سوق العمل العاملية‪ ،‬فإن‬ ‫دول مجلس التعاون اخلليجي لم تعد تتوقع أن تتميز عن منافسيها‬ ‫عن طريق هذه الوسائل وحدها‪ .‬إحدى االستراتيجيات الرئيسية التي‬ ‫حتظى سريعا بالقبول في املنطقة هي التحول من خطط التوظيف‬ ‫قصير املدى إلى خطط أطول أمدا (أو حتى دائمة)‪ ،‬حيث يصبح‬ ‫السبب احملوري الذي يجذب العامل هو إمكانية االستمرار في طريق‬ ‫مهني ناجح‪ .‬وعمليا‪ ،‬يتطلب هذا النهج عددا من التغييرات في‬ ‫هيكل باقات التوظيف التي يقدمها أصحاب العمل‪.‬‬ ‫أوال‪ ،‬يجب أن تنتقل الشركات من العالوات التي حتددها األنشطة‬ ‫(مثل مصاريف املدارس) إلى منوذج بدالت «غربي» أكثر مرونة‪ ،‬حيث‬ ‫يختار املوظفون كيفية تخصيص البدالت اجملمعة‪ .‬ثانيا‪ ،‬توصل بنك‬ ‫«كندا امللكي» خلدمات موظفي ورؤساء الشركات (آر بي سي سيز)‬ ‫ومؤسسات أخرى في الصناعة‪ ،‬إلى زيادة كبيرة في الطلب على‬ ‫معاش أطول مدى مثل خطط التقاعد‪.‬‬ ‫وفقا لبحث أجرته مؤسسة «ميرسير» عام ‪ 2008‬عن معاشات‬ ‫دول مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬تقدم ‪ 8‬في املائة من الشركات‬ ‫اإلماراتية خطط تقاعد ملوظفيها‪ ،‬وتظهر دراسة مماثلة أجريت‬ ‫عام ‪ 2009‬أن تلك النسبة ارتفعت إلى ‪ 30‬في املائة‪ ،‬بل وأيضا‬ ‫تدرس ‪ 65‬في املائة من الشركات اإلماراتية بجدية إدخال مثل تلك‬ ‫اخلطط‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬تظهر الطبيعة النموذجية لتلك اخلطط ما‬ ‫يسمى بخطط «االشتراك احملدد»‪ ،‬حيث يقدم للموظفني عدد‬ ‫من اخليارات االستثمارية‪ ،‬وأحيانا القدرة على تقدمي اشتراكات‬ ‫شخصية ‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الفوائد االستراتيجية التي قد يجلبها التركيز‬ ‫على العمالة طويلة املدى إلى املنطقة‪ ،‬فإن هذا االجتاه ال مير دون‬ ‫مشكالت‪ .‬كما تبني من خالل األزمة االقتصادية األخيرة‪ ،‬من املمكن‬ ‫أن يزيد التركيز على العمالة طويلة املدى مكافآت نهاية اخلدمة‬ ‫بصورة كبيرة في حالة تسريح عمالة جماعي‪ .‬وقد أعطت عمليات‬ ‫تسريح العمالة املتعلقة باألزمة األخيرة مثاال على مشكالت‬ ‫التدفق النقدي التي تطرأ عندما تظل التزامات املكافآت دون متويل‪.‬‬ ‫وفي حني من املتوقع زيادة نسبة العمالة طويلة املدى‪ ،‬وانخفاض‬ ‫معدالت الدوران‪ ،‬وارتفاع األجور‪ ،‬يرتبط هذا النوع من االلتزام بحركة‬ ‫االقتصاد‪ .‬ووفقا لدراسة أجرتها شركة «تاورز واتسون» عن بنود‬ ‫مكافآت نهاية اخلدمة في دول مجلس التعاون اخلليجي عام ‪،2009‬‬ ‫في السعودية وحدها من املمكن أن ترتفع قيمة هذه البنود من ‪7‬‬ ‫مليارات دوالر في الوقت احلالي إلى ‪ 40‬مليارا عام ‪ .2020‬لذلك يعد‬ ‫التمويل ضروريا إذا كانت تلك االستراتيجية ستؤتي ثمارها على‬ ‫املدى البعيد‪.‬‬


‫عندما التقى قادة مجموعة العشرين في لندن في أبريل من العام املاضي‬ ‫في خضم األزمة االقتصادية العاملية‪ .‬أفصحوا حينها عن غاية مشتركة‬ ‫مثيرة لإلعجاب وتعهدوا باتخاذ إجراءات حتفيزية منسقة وسريعة ملواجهة‬ ‫التدهور االقتصادي‪ .‬وقد أثمرت سياساتهم إلنعاش النمو لفترة وجيزة‪.‬‬ ‫ولكن بعد مرور سنة بالكاد ومع تزايد تهديد االضطراب في منطقة اليورو‬ ‫باالنتشار إلى مناطق أوسع تبني أن التضامن العاملي يتعثر‪.‬‬ ‫في يونيو (حزيران) ‪ 2010‬سارع وزراء مالية مجموعة العشرين إلى قلب‬ ‫سياساتهم على الفور ودعوا إلى اتخاذ إجراء حاسم للحد من عجز‬ ‫موازناتهم‪ .‬لكن إعالنهم املشترك لم يستطيع إخفاء اخلالفات العميقة‬ ‫بينهم من خالل إصرار الواليات املتحدة على أن احلفاظ على تزايد معدل‬ ‫النمو أكثر أهمية من تخفيض عجز املوازنة بينما بقيت عملية اإلنعاش‬ ‫االقتصادي هشة وضعيفة‪ .‬األسوأ من ذلك أنه لم يكن اتفاق حول ماهية‬ ‫البلدان التي يتعني عليها تخفيض العجز وكم هو حجم التخفيض‬ ‫ومتى يجب أن يتم‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك احلني فإن اخملاوف من أن أسواق االئتمان ستتعطل عند مستويات‬ ‫مرتفعة من الديون الرئيسية قد دفعت بكثير من دول أوروبا واليابان إلى‬ ‫املباشرة باحلد من اإلنفاق ورفع الضرائب من غير مهادنة وبشكل جاد‪.‬‬ ‫وحتى اآلن فإن سلوكيات األسواق توحي بأن التهديدات بالنسبة ملعظم‬ ‫البلدان تبقى وهمية أكثر منها حقيقية‪ .‬لكن اندفاعهم غير املدروس‬ ‫للخروج من األزمة ينطوي على خطورة حتويل الهبوط االقتصادي إلى ركود‬ ‫اقتصادي مضاعف وهو اخلطر الذي حذر منة البنك الدولي الشهر املاضي‪.‬‬ ‫ومن غير الواضح على اإلطالق إلى أي مدى ستكون عملية االنتعاش‬ ‫مرتكزة على الطلب احلقيقي للقطاع اخلاص كنقيض للضخ احلكومي‬ ‫الرئيسي‪ .‬وإن خفض اإلنفاق املالي املتسرع وغير املنسق سيكون مبثابة‬ ‫هزمية للذات إذا ما انتهى بتقويض عملية النمو‪ .‬إذ إن مثل هذا األمر‬ ‫سيضعف العوائد الضريبية ويزيد من حجم الضغوط على اإلنفاق األمر‬ ‫الذي يستوجب الطلب على تخفيضات أعمق وقد تنذر مبزيد من االنكماش‬ ‫والركود املالي‪.‬‬ ‫وبدال من أن يكون هذا االحتمال بعي ًدا عن تهدئة األسواق‪ ،‬فرمبا يعمل على‬ ‫تأزميها بشكل أكبر‪ ،‬وبالفعل عندما عملت مؤسسة «فيتش»‪ ،‬وهي إحدى‬ ‫وكاالت تصنيف معدالت االئتمان‪ ،‬على تخفيض مرتبة التصنيف الرسمي‬ ‫إلسبانيا‪ ،‬فإمنا أعطت سب ًبا آخر للقلق بأن تدهور معدالت النمو سيجعل‬ ‫من العسير القيام باملهمة امللحة لتخفيض حجم الدين اخلارجي واخلاص‪.‬‬ ‫وبالنسبة حلكومات مجموعة العشرين فهي ليست منقسمة بخصوص‬ ‫السياسات املالية وإمنا أيضا تعمل كل واحدة منها منفردة وبطريقتها‬ ‫اخلاصة فيما يتعلق بضبط وتنظيم السوق املالية‪ .‬فالواليات املتحدة‬ ‫قدما في التشريعات اخلاصة بها بينما االحتاد األوروبي يخطط‬ ‫مثال مضت ً‬ ‫لتضييق اخلناق وفرض ضرائب على البنود والتخاذ إجراءات أكثر تشدي ًدا‬ ‫وسيطرة على رؤوس األموال احملمية‪ ،‬وأملانيا من جانبها تواصل‬ ‫فرض حظر أحادي اجلانب على صفقات ما يسمى «بيع‬ ‫النسيئة» أي بيع أوراق مالية ال ميلكها البائع‬ ‫عند عقد الصفقة لكنه يكون قد اقترضها‬ ‫من طرف ثالث يكون في العادة سمسارًا ويتم‬ ‫تسليم هذه املوجودات فيما بعد أمال من البائع‬ ‫ربحا‬ ‫بأن السعر سينخفض وبالتالي سيحقق‬ ‫ً‬ ‫أعلى‪ .‬إن ذلك ال يجدي إذ إن كثيرا من هذه اإلجراءات‬ ‫يبدو أنها صممت للتركيز أكثر على كسب إعجاب الرأي العام‬ ‫محليا منها على احملاولة اجلادة للتقليل من حدة اخملاطر املنتظمة‪.‬‬ ‫عامليا فإن سياسات االقتصاديات الضخمة غير املتناغمة تبقى‬ ‫ولكن‬ ‫ً‬ ‫مصدر القلق األكبر إذ إن اقتصاديات مثل الصني وأملانيا واليابان تسعى‬ ‫لزيادة صادراتها للتعويض عن أثر سياسات األحكام‬ ‫محليا‪ .‬الذهاب بعي ًدا في مثل‬ ‫على الطلب‬ ‫ً‬ ‫هذه اإلجراءات قد يتسبب في إحداث حركة‬ ‫ارتدادية تتمثل بسياسة احلماية واللجوء‬ ‫محليا على‬ ‫إلى سياسة حتقيق املكاسب‬ ‫ً‬ ‫حساب اقتصاديات بلدان أخرى‪ .‬ومن شأن‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫ذلك أيضا أن يزيد من محنة وجود اقتصاد أضعف مثقل بالديون‪ .‬ويجعل‬ ‫من الصادرات األمل الوحيد في حتقيق النمو خاصة بالنسبة القتصاديات‬ ‫دول تناضل بشدة في منطقة اليورو مثل اليونان وإسبانيا وأيرلندا التي ال‬ ‫يساعدها االنخفاض في قيمة اليورو على املنافسة أمام املصدرين األقوياء‬ ‫والقديرين في أملانيا‪.‬‬ ‫وهذا ما ال يتماشى مع السحب املتسرع للحوافز في االقتصاديات‬ ‫األضخم واألقوى‪ .‬لكن االنتعاش الذي يتصف بالدميومة يعتمد على أكثر‬ ‫من مجرد القيام بتنسيق أفضل لسياسات الضبط والتنظيم وتخفيض‬ ‫اآلثار االجتماعية لألزمة االقتصادية‪ .‬ودون اللجوء إلى إجراء فاعل ملعاجلة‬ ‫التشوهات الهيكلية املتأصلة فإن من املرجح أن يتكرر عدم االستقرار‬ ‫املالي واالقتصادي ورمبا يكون أكثر حدة‪.‬‬ ‫مثل هذه التشوهات تعتبر متعمقة في الفروقات في معدالت االدخار‬ ‫الوطنية التي تنعكس من خالل االستمرار الثابت في حاالت العجز‬ ‫والفائض في احلسابات اجلارية ففي غالبية السنوات العشرين املاضية‬ ‫كانت املدخرات املفرطة في دول الفائض وعلى رأسها الصني وأملانيا‬ ‫واليابان متول االستهالك املفرط في االقتصاديات التي تعاني العجز‪ .‬مثل‬ ‫الواليات املتحدة وبريطانيا‪ .‬ومن خالل إغراق العالم برأسمال غزير وأكثر‬ ‫من رخيص فقد ساهمت هذه املدخرات في عمليات اإلقراض الطائشة‬ ‫في الغرب وكذلك في تنشيط ممارسات السوق املالية التي بدورها فجرت‬ ‫األزمة احلالية‪.‬‬ ‫صحيح أنه ومنذ نشوب األزمة‪ ،‬ارتفعت معدالت االدخار في دول العجز‬ ‫بينما تقلص الفائض التجاري في عدد من البلدان ذات الفائض الكبير‪ ،‬إال‬ ‫أن هذه التغيرات قد تثبت أنها مؤقتة فقط‪ .‬فالفائض التجاري الصيني‬ ‫قفز من خالل شهر مايو (أيار) املاضي في الوقت الذي اتسعت فيه دائرة‬ ‫العجز التجاري في الواليات املتحدة مؤخرًا‪.‬‬ ‫معاجلة هذه التقلبات العاملية تستدعي القيام بعمل من قبل كال‬ ‫الطرفني‪ ،‬مدخرات مرتفعة واستثمارات منتجة في بلدان العجز وزيادة‬ ‫االعتماد على الطلب احمللي وخاصة من حيث االستهالك في بلدان‬ ‫الفائض‪ .‬مثل هذا األمر لن يتحقق من خالل رصاصة سحرية وإمنا من‬ ‫سياسيا وتتباين ما بني دولة وأخرى‪.‬‬ ‫خالل إجراءات غال ًبا ما ستكون صعبة‬ ‫ً‬ ‫وفي اقتصاديات العجز‪ ،‬فإن ذلك يعني قبول الناس مستويات معيشة‬ ‫أقل لبرهة من الزمن يرافق ذلك تغير في احلوافز مثل التنظيم وسياسات‬ ‫الضرائب‪ .‬أما في دول الفائض‪ ،‬فإن احللول تشمل إصالحات هيكلية تفتح‬ ‫الباب أمام مصادر جديدة من الطلب احمللي وفي الصني يتطلب األمر مرونة‬ ‫أكثر في العملة وحالة من االسترخاء الثابت في التحكم برأس املال‬ ‫وحتديث في النظام املالي وحتسني األمن االجتماعي إضافة إلى إجراءات‬ ‫للحد من ادخار احلكومة واملؤسسات‪.‬‬ ‫هذه مبثابة أجندة ضخمة تصل مستوى القيام بإعادة هندسة أساسية‬ ‫لألمناط االقتصادية القائمة منذ أمد بعيد وهي أيضا األجندة التي تفتقر‬ ‫بشكل واضح إلى إجماع دولي‪ .‬إذ ال يوجد سياسي أميركي واحد مهيأ‬ ‫للدعوة إلنهاء احلكم األميركي مبستويات معيشة وأمناط استهالك ترتفع‬ ‫بشكل متواصل‪ .‬وتتساوى في ذلك أملانيا التي تستمر بالدفاع بقوة عن‬ ‫وضعها املريح كدولة مصدرة وعن امتيازات نظامها املالي الرزين والقوي‬ ‫بينما الصني ترفض بشكل قاطع االعتراف بأن سياساتها رمبا كانت قد‬ ‫ساعدت في نشر بذور األزمة املالية‪.‬‬ ‫سياسيا والتمتع بالتأييد الشعبي على‬ ‫مثل هذه املواقف ميكن فهمها‬ ‫ً‬ ‫الصعيد احمللي‪ .‬ولكن ما لم تنهض احلكومات وترتفع إلى مستوى أعلى‬ ‫من ذلك لتواجه حتمل مسؤولياتها في اجلهود املبذولة إليجاد سياسة‬ ‫تنسيق عاملية جادة ستبقى تعاني من اإلعاقة الشديدة‪ .‬ويكون العالم‬ ‫بأسره هو األفقر في ذلك‪.‬‬

‫* جاي دي جونكيرز ‪ -‬كبير أعضاء املركز األوروبي لالقتصاد السياسي‬ ‫الدولي وعمل سابقا لدى صحيفة «الفايننشيال تاميز»‪.‬‬ ‫نشر هذا املقال أول مرة في «اجمللة» في‪ 27‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬ ‫‪33‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫يحتاجه االقتصاد فيما ترفضه السياسة‬

‫«التضامن العاملي» يفشل حتت وطأة احللول الفردية‬

‫إذا كانت هناك إشارة واضحة أطلقها قادة العالم في اللقاء األول جملموعة العشرين في أبريل (نيسان) ‪ ،2009‬فمفادها أن حل‬ ‫األزمة االقتصادية العاملية ميكن أن يتحقق فقط من خالل استجابة منسقة من جانب رؤوس األموال الرئيسية في العالم‪.‬‬ ‫لكن هذا «العمل اجلماعي» سرعان ما تفككت خيوطه واستبدل «بالعمل الفردي» املعتاد ممثال بتحركات غير منسقة على‬ ‫نحو متزايد في صناعة السياسات املالية‪ .‬وهذا الفشل في إيجاد جبهة مشتركة يكون أكثر إشكالية عندما يدرك املرء أن‬ ‫التقلبات العاملية التي تسببت بنشوب األزمة قد تركت دون معاجلة وعلى نطاق واسع‪ .‬وفي الوقت الذي تكون فيه هذه املواقف‬ ‫مفهومة من الناحية السياسية فإنها من ناحية ثانية مزعجة بالنسبة ملستقبل االقتصاد العاملي‪.‬‬ ‫جاي دي جونكيرز‬

‫‪32‬‬


‫بيع الذهب‬ ‫توماس غيسلير هو رجل األعمال األملاني الذي توصل إلى فكرة‬ ‫ماكينات بيع الذهب‪ .‬وتقدم ماكينات بيع الذهب‪ ،‬التي وضعت‬ ‫من أجل مهمة تشبه ماكينات البيع العادية‪ ،‬قطعا ذهبية وهدايا‬ ‫ذهبية صغيرة في مقابل النقود‪ .‬ويتم حتديث سعر الذهب في‬ ‫برنامج الكمبيوتر في املاكينة كل عشر دقائق من أجل التماشي‬ ‫مع تقلبات السعر العاملي‪ .‬وبعد أن متت جتربتها في البداية في‬ ‫أملانيا باإلضافة إلى دول أوروبية أخرى‪ ،‬بدأ تشغيل أول ماكينة‬ ‫لبيع الذهب في الشرق األوسط في فندق قصر اإلمارات في أبو‬ ‫ظبي في مايو (أيار) املاضي‪.‬‬ ‫واعترف غيسلر‪ ،‬الذي أصبح يشتهر باستفادته من أزمة االئتمان‬ ‫من خالل هذه الفكرة اجلديدة‪ ،‬بأن تلك املاكينات صنعت كمالذ‬ ‫لألشخاص غير الراضني عن النظام املالي‪ .‬وقال غيسلر لدى‬ ‫تقدميه ماكينات بيع الذهب في عام ‪“ :2009‬ال يثق الناس في‬ ‫املصارف‪ ،‬وال يعتقدون أن جتربة احلكومة في حل األزمة املالية‬ ‫ستكون ناجحة‪”.‬‬

‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪31‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫عودة امللك‬

‫الكارثة االقتصادية تدعم ازدهار أسواق الذهب‬

‫على الرغم من أنه كان ينظر إلى الذهب كصمام أمان خالل فترة ما بعد بريتون وودز‪ ،‬فإن أداء أسواق الذهب تضاءل مقارنة‬ ‫باألسواق املالية املتنامية والطفرة في أسعار سوق العقارات وغيرها من املشتقات اجلديدة ذات القيمة العالية‪ .‬ولكن خالل‬ ‫السنوات الثالث املاضية عاد الذهب للظهور من جديد كمالذ آمن للمستثمرين‪ ،‬فذكريات الكارثة االقتصادية التي ال تزال‬ ‫ملتهبة في أذهان املستثمرين‪ ،‬ومن املرجح ج ًدا أن تزيد من أهمية املوجودات املدعومة بالذهب في املستقبل القريب‪.‬‬ ‫مارك دكنفيلد‬ ‫عاما على استبدال ريتشارد نيكسون للذهب‬ ‫لقد مضى قرابة األربعني ً‬ ‫بالدوالر كعملة تعامل رسمية‪ .‬وفي ظل استمرار األزمة االقتصادية‬ ‫احلالية واخلوف من املزيد من الفوضى في النظام املالي العاملي‪ ،‬نرى أن‬ ‫تاريخيا‪ ،‬كان ينظر‬ ‫الذهب قد عاد كملك للنظام النقدي مرة أخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إلى الذهب على أنه ملكية آمنة مقارنة باملوجودات الورقية كاألوراق‬ ‫املالية والسندات والعملة الرسمية‪ .‬فانتشار األوراق املالية الدخيلة‬ ‫على السوق وغيرها من األدوات املالية «اإللكترونية» في العقود‬ ‫األخيرة يتناقض مع اإلصرار الثابت واملستمر على وجود كميات‬ ‫مستقرة من الذهب في العالم‪.‬‬ ‫ولفترة طويلة من الزمن خالل فترة ما بعد بريتون وود‪ ،‬عانت سوق‬ ‫الذهب من أداء باهت مقارنة مع األسواق املالية النامية وطفرة‬ ‫أسعار السوق العقارية واملشتقات اجلديدة ذات القيمة العالية‪ .‬بدأ‬ ‫مستثمرو القطاع اخلاص الذين عزفوا عن الذهب وحتى اجلماعات‬ ‫الرزينة من مسؤولي البنوك املركزية الذين عادة ميثلون التفكير‬ ‫احملافظ والبعيد املدى بإطالق احتياطات الذهب في متابعة منهم‬ ‫لألداء العالي للموجودات ذات فائدة عالية‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬فعلى‬ ‫مدار السنوات الثالث املاضية عاد الذهب من جديد كمالذ آمن‬ ‫للمستثمر ين ‪.‬‬ ‫وأدت عودته األخيرة إلى إنهاء ثالثة عقود من الهبوط الذي شهدته‬ ‫أسعار الذهب كما عكست االنخفاض في أسعار فائض البنوك‬ ‫املركزية وأنعشت من جديد االستثمار في سوق الذهب‪ .‬فسعر‬ ‫الذهب الذي اتخذ منحى تصاعديًا منذ عام ‪ 2005‬قد ارتفع بشكل‬ ‫حاليا إلى ‪ 1.200‬دوالر‪ .‬بعض التحوالت‬ ‫حاد ويصل سعر األونصة‬ ‫ً‬ ‫الكبيرة في مصادر العرض والطلب على الذهب تؤكد هذه االحتماالت‬ ‫املتغيرة‪ .‬فقد الثورة احلقيقية على صعيد الطلب حيث إن الدور‬ ‫التقليدي املسيطر للمجوهرات كان قد انهار في مواجهة األزمة‬ ‫االقتصادية وعاد الذهب كاستثمار للظهور من جديد‪.‬‬

‫العرض في سوق الذهب حيث يأتي عرض الذهب أصال وبشكل‬ ‫أساسي من التعدين وإعادة تصنيع الذهب ومن مبيعات القطاع‬ ‫الرسمي‪ .‬ويعتبر إنتاج الذهب من املناجم عملية رأسمالية مكثفة‬ ‫للغاية فاحلصول على أونصة واحدة من الذهب يحتاج إلى إزالة طن‬ ‫من األتربة من الناجم‪ .‬ومع ارتفاع أسعار الذهب فإن عمل املناجم‬ ‫أصبح أكثر ربحية بينما كان ارتفاع اإلنتاج ضعيفً ا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ونظرًا‬ ‫ألن تشغيل خطوط اإلنتاج في مناجم جديدة يستغرق وق ًتا طويال‬ ‫فإن إجمالي عرض الذهب املنتج من املناجم تراوح فقط ما بني ‪2000‬‬ ‫ ‪ 2200‬طن سنويًا خالل السنوات املاضية‪ .‬ومع ارتفاع سعر الذهب‪،‬‬‫تدريجيا باإلضافة إلى‬ ‫تناقصت مبيعات الذهب من القطاع العام‬ ‫ً‬ ‫صافي مشتريات الذهب خالل الثالثة أرباع املاضية من العام مقابل‬ ‫حجم مبيعات سنوي طبيعي يزيد عن ‪ 400‬طن في السنوات‬ ‫السابقة‪ .‬ومع تراجع مبيعات القطاع الرسمي‪ ،‬فإن التحرك الكبير‬ ‫مبيعا في الشارع هو منو إنتاج الذهب املعاد تصنيعه فقد‬ ‫واألكثر‬ ‫ً‬ ‫ارتفع اإلنتاج مما يسمى بالذهب اخلردة الذي يتم صهره من اجملوهرات‬ ‫املوجودة أصال ومن مصادر أخرى من ‪ 23‬في املائة من عرض الذهب من‬ ‫عام ‪ 2002‬إلى ‪ 40‬في املائة العام املاضي‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه هو‪ ،‬مبا تنبئ التوجهات بالنسبة‬ ‫للمستقبل؟ على صعيد الطلب‪ ،‬فإن منو الطبقات الوسطى في‬ ‫اجملتمعات الصينية والهندية واجنذابها التقليدي للذهب سيستمر‬ ‫في دعم كل من سوق اجملوهرات والطلب على االستثمار بالذهب وهو‬ ‫ما عوض عن تراخي االهتمام بالذهب املزخرف في بلدان االقتصاديات‬ ‫املتقدمة‪ .‬ومع كل ذلك فإن الذهب كاستثمار يبدو وكأنه جعل من‬ ‫نفسه سوقًا رئيسية ورمبا على نحو دائم‪ .‬ومن املؤكد أن العودة إلى‬ ‫بيئة اقتصادية عاملية أكثر استقرارًا وثباتًا ستؤدي إلى إعادة توازن‬ ‫للمحافظ االستثمارية واالنخفاض في املقبوضات من الذهب‪ .‬وعلى‬ ‫كل حال‪ ،‬فإن كثيرا من املستثمرين الذين لم يسبق لهم أن يعتبروا‬ ‫الذهب خيارًا آمنًا وقابال للبقاء سيتعاملون مع الذهب اآلن على‬ ‫أنه استثمار يتصف بالدوران املعاكس وحقيقة أن سوق االستثمار‬ ‫في الذهب عام ‪ 2009‬قد استدعت توفير ‪ 40‬مليار دوالر كقيمة‬ ‫استثمارات مرتبطة بالذهب هي شهادة على كل من الرغبة في‬ ‫االستثمار في هذه السوق وجناحها كذلك‪ .‬ومن حيث العرض فإن‬ ‫الوضع أكثر محدودية‪ ،‬وذلك ألن مناجم الذهب احلالية مستقرة‬ ‫نسبيا كما أن املناخ االقتصادي احلالي قد ذكر القائمني على البنوك‬ ‫ً‬ ‫املركزية باملزايا النقدية لالحتفاظ بالذهب‪.‬‬

‫انخفض الطلب على اجملوهرات التي شكل الذهب منها باألصل ‪80‬‬ ‫في املائة أوائل عام ‪ 2000‬بنسبة تصل إلى أكثر من ‪ 50‬في املائة‬ ‫بحلول عام ‪ .2009‬وفي الوقت الذي أبقى فيه السعر املرتفع للذهب‬ ‫على قيمة قطاع اجملوهرات العالية ‪ -‬نحو ‪ 54‬مليار دوالر وهو ثاني‬ ‫أعلى إجمالي سنوي على اإلطالق إذ ارتفع من ‪ 29‬مليار دوالر عام‬ ‫‪ – 2000‬فإن الـ‪ 1747‬طنًا من الذهب التي استخدمت كحلي عام‬ ‫انخفاضا بنسبة ‪ 50‬في املائة تقري ًبا من الـ‪3204‬‬ ‫‪ 2009‬تعتبر‬ ‫ً‬ ‫أطنان التي استخدمت للغرض ذاته عام ‪ .2000‬وعلى النقيض‪ ،‬فإن‬ ‫الطلب على الذهب ألغراض االستثمار في ظل ظهور رؤوس أموال‬ ‫سوق تداول العمالت ‪ exchange –traded – funds‬التي تبدأ عام‬ ‫حاليا ‪ 38‬في املائة من حجم الطلب‬ ‫‪ .2002‬ويشكل استثمار الذهب‬ ‫ً‬ ‫على الذهب أي بارتفاع من ‪ 4‬في املائة فقط عام ‪.2000‬‬

‫* مارك دكنفيلد ‪ -‬أستاذ االقتصاد السياسي الدولي بكلية احلرب‬ ‫اجلوية األميركية ‪ -‬قاعدة ماكسويل اجلوية‪.‬‬ ‫اآلراء الواردة في هذا املقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب وال تعكس‬ ‫بالضرورة وجهة نظر كلية احلرب اجلوية األميركية أو وزارة الدفاع‬ ‫األميركية‪.‬‬

‫هذه التغيرات في حجم الطلب كانت لها تبعاتها على صعيد‬

‫نشر هذا املقال أول مرة في «اجمللة» في‪ 7‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬

‫‪30‬‬


‫الواردات الأمريكية من النفط اخلام (اكرب ‪ 15‬دولة)‬ ‫(�ألف برميل يف اليوم)‬ ‫الدولة‬ ‫كندا‬

‫ال�سعودية‬

‫املك�سيك‬ ‫نيجرييا‬

‫فنزويال‬ ‫�أنغوال‬

‫العراق‬

‫كولومبيا‬

‫اجلزائر‬

‫الربازيل‬ ‫رو�سيا‬

‫الكويت‬

‫الإكوادور‬

‫اململكة املتحدة‬

‫الكونغو (برازافيل)‬

‫منذ بداية العام‬ ‫‪2009‬‬

‫�أبريل‬ ‫‪2009‬‬

‫منذ بداية العام‬ ‫‪2010‬‬

‫مايو‬ ‫‪2010‬‬

‫�أبريل‬ ‫‪2010‬‬

‫‪1,889‬‬

‫‪1,854‬‬

‫‪1,921‬‬

‫‪2,020‬‬

‫‪1,883‬‬

‫‪1,101‬‬

‫‪1,021‬‬

‫‪1,061‬‬

‫‪1,149‬‬

‫‪1,245‬‬

‫‪1,196‬‬

‫‪1,177‬‬

‫‪1,063‬‬

‫‪1,086‬‬

‫‪1,134‬‬

‫‪623‬‬

‫‪673‬‬

‫‪982‬‬

‫‪939‬‬

‫‪1,092‬‬

‫‪973‬‬

‫‪803‬‬

‫‪894‬‬

‫‪984‬‬

‫‪851‬‬

‫‪572‬‬

‫‪450‬‬

‫‪396‬‬

‫‪490‬‬

‫‪508‬‬

‫‪548‬‬

‫‪479‬‬

‫‪502‬‬

‫‪475‬‬

‫‪490‬‬

‫‪257‬‬

‫‪320‬‬

‫‪309‬‬

‫‪216‬‬

‫‪364‬‬

‫‪281‬‬

‫‪398‬‬

‫‪295‬‬

‫‪276‬‬

‫‪292‬‬

‫‪341‬‬

‫‪269‬‬

‫‪264‬‬

‫‪299‬‬

‫‪289‬‬

‫‪227‬‬

‫‪390‬‬

‫‪221‬‬

‫‪248‬‬

‫‪288‬‬

‫‪190‬‬

‫‪105‬‬

‫‪196‬‬

‫‪218‬‬

‫‪278‬‬

‫‪240‬‬

‫‪236‬‬

‫‪181‬‬

‫‪183‬‬

‫‪179‬‬

‫‪116‬‬

‫‪294‬‬

‫‪167‬‬

‫‪142‬‬

‫‪137‬‬

‫‪42‬‬

‫‪35‬‬

‫‪90‬‬

‫‪124‬‬

‫‪116‬‬

‫امل�صدر‪� :‬إدارة معلومات الطاقة الأمريكية‬

‫أميركا الصعبة مع اململكة العربية السعودية» ونائبة رئيس‬ ‫مجلس شيكاغو للشؤون الدولية‪ ،‬إن امللك عبد اهلل «كان على‬ ‫الدوام مهتما بوضع البيض كله في السلة األميركية‪ .‬وقد‬ ‫وجد أن ذلك غير صحي‪ ،‬وأعتقد أنه رمبا يكون محقا في ذلك»‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬تدعم السعودية العالقات الثنائية مع دول مثل‬ ‫تركيا والهند وروسيا والصني‪ .‬ويؤدي ذلك إلى تكوين بيئة أكثر‬ ‫تنافسية داخل اململكة خسرت فيها الواليات املتحدة حصتها‬ ‫في السوق‪ .‬في عام ‪ ،2000‬وصل حجم الصادرات األميركية إلى‬ ‫اململكة إلى ‪ 19.7‬في املائة من إجمالي الواردات السعودية‪.‬‬ ‫وبحلول عام ‪ ،2007‬انخفضت النسبة إلى ‪ 13.5‬في املائة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك الهبوط‪ ،‬فإن مجتمعات األعمال السعودية‬ ‫األميركية ما زالت تعتمد على بعضها البعض‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫منتدى فرص األعمال السعودية ‪ -‬األميركية األول من نوعه الذي‬ ‫عقد مؤخرا في شيكاغو‪ ،‬الذي جذب حضورا أكبر من املتوقع‪.‬‬ ‫ويعد التبادل التجاري مجرد جزء من املعادلة االقتصادية بني‬ ‫البلدين‪ .‬وقد وضعت اململكة‪ ،‬التي طاملا كانت صاحبة صوت‬ ‫معتدل داخل منظمة «األوبك»‪ ،‬جزءا كبيرا من فائض إيراداتها‬ ‫في سندات اخلزانة األميركية‪ .‬كما أنها دعمت الدوالر األميركي‬ ‫في هذه الفترات االقتصادية الصعبة بربط الريال السعودي‬ ‫بالعملة األميركية‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬أصبح لدى الدولتني مصلحة‬ ‫مشتركة أكثر من ذي قبل في استعادة االقتصاد األميركي‬ ‫ملكا نته ‪.‬‬ ‫هل يعتمد مستقبل أفضل على املصالح املشتركة؟‬ ‫بالتطلع إلى املستقبل‪ ،‬يرى األستاذ املانع أن العالقات الثنائية‬ ‫السعودية ‪ -‬األميركية أنه بعد عقد من اآلن ستعتمد على‬ ‫قاعدة أوسع بكثير‪ .‬ويقول‪« :‬كانت العالقات في املاضي تعتمد‬ ‫بصورة أساسية على النفط‪ .‬وأعتقد أن العالقة في املستقبل‬ ‫ستعتمد على املعرفة واالستثمارات والتجارة والتفاعل‬ ‫اإلنساني»‪ .‬وتثير رؤيته سؤاال مبا إذا كان الشعبان يريدان أن‬ ‫يكونا على عالقة وثيقة بعضهما ببعض كما تريد احلكومتان‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫إنه سؤال يحتاج صانعو السياسات إلى البحث عن إجابة له‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬ستكون مهمتهما األساسية هي العثور على‬ ‫أساس مشترك للتعاون من أجل حل بعض املشكالت الكبرى‬ ‫في املنطقة‪ ،‬ومنها الصراع اإلسرائيلي ‪ -‬الفلسطيني‪ ،‬وإقامة‬ ‫نظام مستقر في أفغانستان وباكستان والعراق‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫التعامل مع سعي إيران المتالك قدرة تصنيع سالح نووي‪ .‬وفي‬ ‫جميع تلك القضايا‪ ،‬تتبنى واشنطن والرياض آراء مشابهة‪،‬‬ ‫ولكنها ليست متماثلة حتديدا‪ .‬وستتطلب اخلالفات املترتبة‬ ‫على ذلك تعامال مالئما من كال اجلانبني‪ :‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫قد يسعد السعوديون لفرض عقوبات صارمة على إيران‪،‬‬ ‫ولكنهم ال يعتقدون أنها ستردع إيران عن امتالك سالح نووي‪.‬‬ ‫وتلك القضية لها أهمية رئيسية لدى السعودية‪ ،‬حيث إنها‬ ‫ستساعد مطامع طهران في الهيمنة على اخلليج‪ ،‬بل وستجبر‬ ‫الرياض على اتخاذ خيارات صعبة‪ :‬هل نحصل على قنبلة‬ ‫مشابهة أيضا؟‬ ‫وباملثل‪ ،‬قد تعني ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية على‬ ‫إيران نهاية مبادرة السالم السعودية ألنها بالتأكيد ستؤدي‬ ‫إلى رد فعل انتقامي من إيران جتاه دول مجلس التعاون اخلليجي‬ ‫وإلى حرب ممكنة في اخلليج‪ .‬وسيحبط ذلك أيضا محاوالت‬ ‫دول مجلس التعاون اخلليجي لتقليل اعتمادها على مظلة‬ ‫األمن األميركية‪ .‬وبسبب تلك االحتماالت امللحة‪ ،‬يجب أن تضع‬ ‫واشنطن والرياض أولوية «لوضع سياسة مشتركة بشأن إيران»‪،‬‬ ‫على حد قول ليبمان‪« .‬وفي اليوم الذي يعلن فيه اإليرانيون أنهم‬ ‫اختبروا (سالحا) من سيفعل ماذا؟ ومن املسؤول عما سيحدث‬ ‫بعد ذلك؟ إن اإلجابة على هذا السؤال هي التحدي األكبر»‪.‬‬

‫*كاريل ميرفي ‪ -‬صحفية مستقلة تقيم في الرياض وفائزة‬ ‫بجائزة بوليتزر في الصحافة عام ‪ .1990‬وهي مؤلفة كتاب‬ ‫«الشغف باإلسالم»‪.‬‬ ‫نشر هذا املقال ألول مرة في «اجمللة» في ‪ 11‬يونيو (حزيران) عام ‪.2010‬‬ ‫‪29‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫اهلل ذات مرة بـ«غير القانوني»‪ ،‬نتائج كارثية‪ .‬وحتديدا‪،‬‬ ‫فشلت الواليات املتحدة املشتتة في إمتام مهمتها‬ ‫في أفغانستان‪ ،‬وسمحت بزيادة حدة الصراع‬ ‫اإلسرائيلي ‪ -‬الفلسطيني‪ ،‬ومنحت إيران‬ ‫مساحة لوضع قدمها في العراق‪ ،‬وتسببت‬ ‫في حدوث حتول تاريخي في املنافسة‬ ‫السياسية بني السنة والشيعة‪ ،‬مما‬ ‫أشعل الصراع الطائفي‪ .‬وزادت دعوات‬ ‫إدارة بوش بعد الغزو من أجل التغيير‬ ‫الدميقراطي في الشرق األوسط من‬ ‫عدم االرتياح السعودي‪.‬‬ ‫ويذكر عوض البادي‪ ،‬الباحث‬ ‫في مركز امللك فيصل‬ ‫أن‬ ‫والدراسات‪،‬‬ ‫لألبحاث‬ ‫االحتالل األميركي للعراق أنهى‬ ‫املفاهيم السعودية عن الواليات‬ ‫املتحدة كـ»دولة مثالية ذات مبادئ»‪ .‬وبالنسبة للكثيرين‪« ،‬لم‬ ‫يعد صحيحا بالضرورة أن كل ما يأتي من الواليات املتحدة جيد‪.‬‬ ‫وأن كل شيء تريده منك الواليات املتحدة ينبع من قلب دافئ‬ ‫وصاف»‪.‬‬ ‫وفي النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬انزعج ولي العهد األمير‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬الذي كان يتولى امللفات اخلارجية في البالد بسبب‬ ‫مرض امللك فهد الذي استمر طويال‪ ،‬من تراخي الواليات املتحدة‬ ‫في أهم قضية إقليمية لدى السعوديني وهي الصراع اإلسرائيلي‬ ‫ الفلسطيني‪ .‬وأدي فشل كلينتون في معاجلة تلك القضية‬‫حتى أواخر فترته الرئاسية‪ ،‬وبعده موقف الرئيس جورج بوش‬ ‫االبن املوالي إلسرائيل‪ ،‬إلى وصول العالقات إلى درجة متدنية‪.‬‬ ‫ولكنها لم تكن قد وصلت إلى الدرجة األدنى بعد‪.‬‬ ‫تسبب الكشف عن كون ‪ 15‬من بني اخملتطفني اإلرهابيني البالغ‬ ‫عددهم ‪ 19‬إرهابيا في أحداث ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) عام ‪2001‬‬ ‫يحملون اجلنسية السعودية ‪ -‬والرفض السعودي لالعتراف‬ ‫بذلك رسميا ملدة عام تقريبا – في انهيار العالقات الثنائية‪.‬‬ ‫و تفشت كراهية كل ما هو سعودي بني األميركيني ووسائل‬ ‫اإلعالم األميركية‪ .‬وأصبحت التأشيرات األميركية التي كان من‬ ‫السهل احلصول عليها تتطلب اآلن إجراءات مرهقة تستغرق‬ ‫شهورا‪ .‬وكان السعوديون أحيانا يتعرضون ملعاملة سيئة من‬ ‫مسؤولي الهجرة في املطارات األميركية‪ .‬وحتول رجال األعمال‬ ‫والطالب والسائحون السعوديون إلى أوروبا وآسيا‪.‬‬ ‫يقول صالح املانع‪ ،‬وهو أستاذ كرسي امللك فيصل للدراسات‬ ‫الدولية في جامعة امللك سعود‪« :‬اعتقد الكثيرون أن‬ ‫السعوديني قد أصبحوا اإلرهابيني اجلدد»‪ .‬ويقول أوتاواي إن‬ ‫الهجمات « أ ًصبحت نقطة حتول حقيقية في العالقة‪ ..‬لم يكن‬ ‫األميركيون يفكرون في السعودية بالفعل قبل ذلك إال كخزان‬ ‫وقود لهم»‪.‬‬ ‫وجانبهم كان السعوديون مصدومني أيضا من حتول األميركيني‬ ‫ضدهم‪ ،‬إال أن ذلك استمر فقط حتى وقعت هجمات تشبه‬ ‫أحداث‪ 9/11‬لديهم‪ ،‬عندما أسفرت تفجيرات إرهابية في‬ ‫الرياض والدمام عن مصرع عشرات املدنيني في عامي ‪2003‬‬ ‫و‪ ،2004‬لدرجة أن اجملتمع السعودي بدأ يدخل في نقاش جاد‬ ‫حول األسباب الداخلية للتطرف‪ .‬وكان ذلك مصاحبا لتعاون‬ ‫سعودي متسارع الوتيرة مع جهود مكافحة اإلرهاب األميركية‪،‬‬ ‫وحينها بدأت العالقات الثنائية في استعادة توازنها‪ .‬ويقول‬ ‫املانع‪« :‬لقد أصبحنا أيضا ضحايا لإلرهاب‪ ،‬وأوضح هذا اإلدراك‬ ‫إلى حد ما أن هناك عدوا مشتركا للدولتني»‪ .‬ولكن كانت‬ ‫هناك أزمة أخرى تتشكل في األفق‪.‬‬ ‫من وجهة نظر اململكة‪ ،‬كان الحتالل واشنطن املشوش وغير‬ ‫احلكيم للعراق‪ ،‬الذي عارضته الرياض بشدة ووصفه امللك عبد‬ ‫‪28‬‬

‫التعافي من أحداث ‪ 9/11‬وما بعدها‬ ‫بدأت العالقات األميركية السعودية‪ ،‬اليوم‪ ،‬في التعافي من‬ ‫كبوتها بعد أحداث ‪ .9/11‬وأحد األدلة على ذلك هو قصر صفوف‬ ‫االنتظار خارج السفارة األميركية في الرياض‪ ،‬ألن واشنطن‬ ‫حسنت من نظام تسليم تأشيرات دخول الواليات املتحدة‪ .‬لقد‬ ‫انتهت فترات االنتظار الطويلة التي اعتاد السعوديون عليها‪،‬‬ ‫ويتوقع السفير األميركي جيمس بي سميث أنه وفقا للمعدالت‬ ‫احلالية‪ ،‬فإن رقما قياسيا من السعوديني سيحصلون على‬ ‫تأشيرات أميركية في العام احلالي‪ .‬ويحقق الطالب رقما قياسيا‬ ‫آخر‪ .‬وبفضل برنامج منح امللك عبد اهلل الدراسية‪ ،‬يسعى‬ ‫‪ 25,000‬سعودي للحصول على درجات علمية من الواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬إن هذا الرقم‪ ،‬و هو رقم كبير‪ ،‬يفوق كثيرا عدد ‪3,000‬‬ ‫دارس أثناء األعوام التالية ألحداث ‪ 9/11‬مباشرة‪.‬‬ ‫كما حتقق أيضا تقدم في التعاون من أجل مكافحة اإلرهاب‪ .‬وما‬ ‫زالت بعض األفراد القالئل السعودي تعبر عن تأييدها لألفكار‬ ‫املتطرفة‪ ،‬وقد ظلت أعلى الهيئات الدينية في اململكة حتى‬ ‫شهر مايو (أيار) من العام احلالي‪ ،‬تعلن أن متويل اإلرهاب مخالف‬ ‫للشريعة اإلسالمية‪ .‬غير أن مسؤولي االستخبارات من اجلانبني‬ ‫يتبادلون املعلومات بصورة روتينية‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فرضت‬ ‫احلكومة السعودية رقابة من أجل وقف تدفق الدعم املالي‬ ‫للجماعات املتطرفة من قبل أفراد سعوديني وجمعيات خيرية‬ ‫سعودية‪.‬‬ ‫وفي زيارة قام بها مساعد وزيرة اخلارجية لشؤون الشرق األدنى‬ ‫جيفري فيلتمان مؤخرا صرح للصحافيني بأن السعودية «تعمل‬ ‫دون كلل من أجل مكافحة اإلرهاب والتطرف على املستوى‬ ‫الدولي»‪ ،‬وأن لديها «برامج فعالة للغاية في هذا الصدد»‪.‬‬ ‫ويعلق ليبمان‪« :‬ال يوجد أدنى شك في أن األوضاع في ظل رئاسة‬ ‫أوباما أفضل مما كانت عليه في رئاسة بوش»‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من التحسن‪ ،‬فإن العالقات الثنائية مختلفة‬ ‫متاما عما كانت عليه في املاضي‪ .‬من جانب‪ ،‬تشتري الواليات‬ ‫املتحدة اآلن املزيد من النفط من كندا واملكسيك وفنزويال أكثر‬ ‫من السعودية‪ ،‬وفي عام ‪ ،2009‬وصل الوارد من اململكة إلى نحو‬ ‫‪ 989,000‬برميل في اليوم مقارنة بـ‪ 1.5‬مليون برميل في اليوم‬ ‫عام ‪ .2008‬وجاء ذلك إلى حد كبير بسبب التراجع االقتصادي‪،‬‬ ‫ولكن أيضا بسبب حتول مهم في املبيعات السعودية‪ ،‬حيث‬ ‫أصبحت ترى أن الصني والهند هما أسواق النمو بالنسبة لها‪.‬‬ ‫تقول راشيل برونسون‪ ،‬مؤلفة كتاب «أقوى من النفط‪ :‬شراكة‬


‫أفعالها غير احلكيمة على أحداث عام ‪ 2001‬اإلرهابية في‬ ‫نيويورك وواشنطن‪ ،‬من احتالل العراق‪ ،‬وفضيحة سجن أبو‬ ‫غريب‪ ،‬ومعسكر االعتقال في غوانتانامو‪ ،‬واستخدام وسائل‬ ‫تعذيب‪ ،‬وإساءة التصرف في أفغانستان‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬تعززت مكانة السعودية بانضمامها إلى‬ ‫منظمة التجارة العاملية ومجموعة الدول العشرين ذات األهمية‬ ‫االقتصادية‪ .‬وتستقر أكبر دولة منتجة للنفط في العالم‪ ،‬أيضا‪،‬‬ ‫على قاعدة اقتصادية صلبة‪ ،‬بفضل عدة أعوام من ارتفاع أسعار‬ ‫النفط واحملافظة علي السياسات املالية احملافظة‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من التحديات االجتماعية التي تواجهها‪ ،‬فإن الرياض وضعت‬ ‫برنامج إعادة تأهيل للمتطرفني املعتقلني مما جلب لها ثناء دوليا‪.‬‬ ‫وكانت النتيجة هي ظهور اململكة العربية السعودية أكثر‬ ‫نضجا واستقالال‪ ،‬ولم تعد الشريك الثانوي املطيع الهادئ‬ ‫لواشنطن الذي يوضح آراءه سرا ويسير بالتوافق مع واشنطن‬ ‫في القضايا املثيرة للجدل‪ .‬وقد اكتشف الرئيس باراك أوباما‬ ‫هذا األمر بنفسه عندما قام بأول مقابلة له مع امللك عبد اهلل‬ ‫بن عبد العزيز منذ عام‪ ،‬عندما رفض العاهل السعودي طلب‬ ‫أوباما بإبداء «لفتة» تدل على حسن النية جتاه إسرائيل‪ ،‬حتى‬ ‫قبل أن تقدم إسرائيل تنازالت للفلسطينيني‪ .‬لم تعد صيغة‬ ‫النفط مقابل األمن التي عرفت منذ عقود تصف العالقات‬ ‫الثنائية األميركية ‪ -‬السعودية‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬يظل هذان اجلانبان‬ ‫مهمني‪ ،‬ولكن مع انخفاض نسبة استيراد الواليات املتحدة‬ ‫للنفط السعودي‪ ،‬ومحاولة الرياض بذل جهود كبيرة لتنويع‬ ‫صور عالقاتها الثنائية وتعزيز استقالل قواتها الدفاعية‪ ،‬ضعف‬ ‫هذان اجلانبان ا أل ٍساسيان‪.‬‬ ‫وبعد أن كان النفط واألمن دعامتني في طرفي اجلسر‪ ،‬أصبحا اآلن‬ ‫حجري األساس في صرح متعدد الطبقات ما زال حتت اإلنشاء‪.‬‬ ‫وترتبط الدولتان مبجموعة من االهتمامات واألهداف املشتركة‪.‬‬ ‫ولكن شراكتهما تتعرض في بعض األحيان خلالفات حول كيفية‬ ‫حتقيق تلك األهداف‪ .‬هل نضع متراسا هنا؟ أم من األفضل وضع‬ ‫نافذة؟‬ ‫ال يحتل األمير تركي الفيصل أي منصب رسمي في احلكومة‬ ‫السعودية‪ ،‬ولكن بصفته رئيسا سابقا للمخابرات‪ ،‬وسفيرا‬ ‫سابقا لدى واشنطن ولندن‪ ،‬فإنه شخصية مؤثرة؛ عندما‬ ‫يتحدث‪ ،‬يستمع إليه اآلخرون‪ .‬ومؤخرا‪ ،‬وجه األمير تركي هجوما‬ ‫حادا على السياسات األميركية في املنطقة أمام جمهور من‬ ‫دبلوماسيني ومسؤولني سعوديني رفيعي املستوى‪ .‬قال إن إدارة‬ ‫أميركية «تفتقر إلي الكفاءة» تسبب الفوضى في أفغانستان‪.‬‬ ‫ووصف «اإلشارات املربكة» التي تبديها وزيرة اخلارجية هيالري‬ ‫كلينتون بشأن منع انتشار السالح النووي في الشرق األوسط‬ ‫بأنها «غير مقبولة» ‪،‬‬ ‫وطالب واشنطن باالعتراف بدولة فلسطينية معلنة من جانب‬ ‫واحد إذا لم تسفر املباحثات احلالية عن أي تقدم بحلول اخلريف‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أن األمير قال موبخا‪ :‬إن الواليات املتحدة فقدت‬ ‫سلطتها األخالقية بسبب «اإلهمال واجلهل والغطرسة»‪.‬‬ ‫في احلقيقة خطاب األمير تركي العلني الشامل املليء‬ ‫باالتهامات غير معتاد من جانبه‪ ،‬حيث ال يجد غضاضة مطلقا‬ ‫في انتقاد السياسات اخلارجية األميركية‪ ،‬و لكن البعض رمبا‬ ‫يتساءل‪ :‬هل كان تركي يتحدث عن حليفة مقربة تعتبر الرياض‬ ‫أنها تقيم «عالقات خاصة» معها منذ أعوام؟ أم كان يتحدث‬ ‫عن دولة يراها مشكلة يجب التعامل معها؟ تبدو اإلجابة أنها‬ ‫«كالهما»‪ .‬وتظهر تعليقات تركي على مدى تغير العالقات‬ ‫الثنائية السعودية ‪ -‬األميركية في العقدين املاضيني بسبب‬ ‫حتوالت في مكانة كلتا الدولتني وسط بيئة عاملية متغيرة‪.‬‬ ‫تسببت األزمات املالية والديون املرتفعة في واشنطن في‬ ‫انحسار نفوذها االقتصادي حول العالم‪ .‬وقد تكبدت الواليات‬ ‫املتحدة ثمنا فادحا في مكانتها الدبلوماسية‪ ،‬جراء ردود‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫يالحظ ديفيد أوتاواي‪ ،‬مؤلف كتاب «رسول امللك‪ :‬األمير بندر‬ ‫بن سلطان والعالقات األميركية املتشابكة مع السعودية»‪،‬‬ ‫أن الدولتني «تتحدثان عن (حوار استراتيجي)‪ ،‬وهو مصطلح‬ ‫دبلوماسي يضفي غموضا على ما إذا كانت احلكومتان تعتقدان‬ ‫أنهما صديقتان أم عدوتان»‪ .‬ورمبا أصبحت «العالقة اخلاصة»‬ ‫أكثر «طبيعية» من كونها «خاصة»‪ .‬وجدير بالذكر كيفية‬ ‫الوصول إلى هذه املرحلة‪..‬‬ ‫من حرب اخلليج إلى ‪ :9/11‬عالقة ليست خاصة للغاية‬ ‫في بداية التسعينات‪ ،‬كان السعوديون يتعافون من أزمتني‬ ‫كبيرتني‪ :‬األولى كانت خيانة الرئيس العراقي صدام حسني؛‬ ‫حيث اعتبرت الرياض أن غزو العراق للكويت والتهديد التالي‬ ‫للسعودية رد فعل غير مالئم لسنوات من الدعم املالي‬ ‫السعودي للعراق أثناء حربه التي استمرت ‪ 8‬أعوام مع إيران في‬ ‫الثمانينات‪ .‬و الثانية هي أن عليهم االعتماد على قوات دولية‬ ‫من أجل املساعدة العسكرية‪ .‬وفي ظل ظروف مالية صعبة بعد‬ ‫احلرب‪ ،‬كافح السعوديون من أجل تسديد ‪ 16‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫وتزامن ذلك مع انتهاء القضية املشتركة التي جمعت بني الرياض‬ ‫وواشنطن على مدار عقود‪ ،‬والتي كانت جتذبهما إلى اجلهاد‬ ‫في أفغانستان‪ ،‬حيث جعل انهيار االحتاد السوفيتي التهديد‬ ‫الشيوعي مجرد ذكرى‪ .‬وجاء بعد دفء العالقات في أعوام عاصفة‬ ‫الصحراء حتت رئاسة جورج بوش األب ركود أثناء فترتي رئاسة‬ ‫كلينتون‪ .‬ويقول توم ليبمان‪ ،‬مؤلف كتاب «داخل السراب‪ :‬عالقة‬ ‫أميركا الهشة مع السعودية»‪« :‬في نهاية فترة التسعينات‪،‬‬ ‫كانت العالقة تسير وكأنها بقيادة طيار آلي‪ .‬لم يكن يحدث‬ ‫الكثير»‪ .‬ولكن كانت هناك دالئل على وجود مشكالت‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫العالقات السعودية األميركية‬

‫ما وراء النفط‬ ‫واألمن‬

‫شهدت العالقات السعودية ‪ -‬األميركية بعض التوترات في‬ ‫فترة التسعينات قبل أن تتعرض لضربة شبه قاتلة بسبب‬ ‫هجمات‪ 9/11‬و ما تبعها من أحداث‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‬ ‫استمرت العالقات وتغيرت وتنوعت‪ ،‬واليوم لم تعد صيغة‬ ‫«النفط واألمن» التي كانت متيز العالقات السعودية ‪-‬‬ ‫األميركية مالئمة لوصف تلك العالقة‪ ،‬حيث تلعب الكثير‬ ‫من املتغيرات اإلقليمية دورا في تعريف مستقبل العالقات‬ ‫السعودية ‪ -‬األميركية‪ ،‬ومن بينها املأزق اإلسرائيلي ‪-‬‬ ‫الفلسطيني واملطامع اإليرانية النووية‪.‬‬ ‫كاريل ميرفي‬ ‫‪26‬‬


‫أما بالنسبة لنتنياهو‪ ،‬فتحديه احملدد هو حماية مصالح إسرائيل‬ ‫األمنية والتوسع في بناء األراضي احملتلة‪ ،‬وفي الوقت ذاته حشد‬ ‫التأييد لإلطاحة بطموح إيران النووي‪.‬‬

‫املشاكس بنيامني نتنياهو على نحو صارخ دعوة أوباما لوقف بناء‬ ‫املستوطنات‪ .‬وقد تخلى أوباما‪ ،‬من خالل بعض التغيير والتعديل في‬ ‫موقفه‪ ،‬عن املباراة لصالح نتنياهو‪.‬‬

‫أما حتدي هو جني تاو‪ ،‬فهو التعزيز التدريجي ملكانة الصني االقتصادية‬ ‫واجليوستراتيجية‪ ،‬وفي الوقت ذاته احلفاظ على النمو االقتصادي‬ ‫املرتفع وعدم زعزعة استقرار البالد أو التسبب في حتمل الصني‬ ‫مسؤوليات دولية جديدة ومرهقة‪.‬‬

‫في الفترة األولى من إدارة جون كنيدي‪ ،‬تغلب الزعيم السوفياتي‬ ‫نيكيتا خروشوف على كنيدي في حتديات مشابهة‪ ،‬وبدأ في‬ ‫التشكيك في عزمية كنيدي وفكره االستراتيجي‪ ،‬مما أدى إلى أزمة‬ ‫الصواريخ الكوبية‪ .‬واليوم‪ ،‬أصبح نتنياهو «خروشوف» إدارة أوباما‪،‬‬ ‫ويتساءل املرء إذا ما كانت هناك أزمة قادمة سيكون على أوباما‬ ‫فيها أن يعيد تأكيد سيادته حتى ال يظن العالم أن إسرائيل حتكم‬ ‫الواليات املتحدة ورئاسة أوباما‪.‬‬ ‫أما استراتيجية قافلة غزة‪ ،‬فهي منحنى آخر في االجتاه نحو مواجهة‬ ‫عالية اخملاطر‪.‬‬

‫وتظهر التعامالت بني هؤالء القادة كيف تنتشر القوة وتقاس‪ ،‬وكيف‬ ‫تنشأ وتتدمر‪ .‬وقد استفاد منها نتنياهو وهو جني تاو على أفضل‬ ‫نحو‪ .‬وقد خسر أوباما‪ ،‬وتقيد‪ ،‬ولكن ما زال له نفوذ دولي‪ ،‬وكان يوكيو‬ ‫هاتوياما ‪ -‬على الرغم من التوقعات اجليدة ‪ -‬في اجلانب اخلاسر من‬ ‫لعبة جان كني با‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي كانت فيه الواليات املتحدة والصني تختبران إحداهما‬ ‫األخرى منذ األيام األولى لرئاسة أوباما‪ ،‬حيث انتقلت العالقة من‬ ‫االنسجام الذي تركز على األزمة االقتصادية العاملية إلى التوترات‬ ‫بشأن الداالي الما‪ ،‬وبيع األسلحة إلى تايوان‪ ،‬وكيفية التعامل مع‬ ‫إيران‪ ،‬انتقلت الواليات املتحدة والصني في األساس إلى تسوية واقعية‬ ‫تقضي بوجود دولتني كبيرتني ال تعني بالضرورة أن الواليات املتحدة‬ ‫والصني حتكمان العالم‪ ،‬ولكنها تعني تقريبا أن كل حت ٍد عاملي كبير‬ ‫يتطلب مشاورات وتنسيق سياسات بني هذين العمالقني العامليني‪.‬‬ ‫وميكن أن ترفض الصني جهود أميركا العاملية باستخدام حق الفيتو‪،‬‬ ‫وميكن للواليات املتحدة أن ترفض جهود الصني أيضا‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬يوجد‬ ‫مأزق عام‪ ،‬جان كني با‪ ،‬حيث ميكنهما رؤية حقائق قوة الصني الصاعدة‬ ‫في نظام عاملي ال ترغب الواليات املتحدة في التنازل عن سيطرتها‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫وفي الوقت احلالي‪ ،‬يقف كل من أوباما وهو جني تاو مقيدين‪ ،‬وهو ما‬ ‫ميثل‪ ،‬تاريخيا‪ ،‬صعودا كبيرا بالنسبة للصني وقوة آخذة في التضاؤل‬ ‫بالنسبة للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالعالقات األميركية ‪ -‬اإلسرائيلية‪ ،‬بدأ أوباما قويا‪ ،‬وعني‬ ‫السيناتور األميركي البارز وصانع السالم في أيرلندا الشمالية جورج‬ ‫ميتشل للعمل على حتقيق السالم بني اإلسرائيليني والفلسطينيني‪،‬‬ ‫وأشار إلى أن الدول العربية ستبدأ في إظهار بادرات متيل إلى التطبيع‬ ‫مع إسرائيل إذا توقفت إسرائيل عن التوسع في بناء املستوطنات‪.‬‬ ‫وكانت معادلة أوباما للسير قدما في عملية السالم في الشرق‬ ‫األوسط غريبة وبسيطة للغاية‪ .‬وعلى الرغم من أن إسرائيل تعتمد‬ ‫بصورة كاملة على الضمانات األمنية واملساعدات األميركية ‪ -‬وهي‬ ‫بحق دولة عميلة للواليات املتحدة ‪ -‬رفض رئيس الوزراء اإلسرائيلي‬

‫ولكن في الوقت الذي يتغلب فيه رئيس الوزراء اإلسرائيلي على أوباما‪،‬‬ ‫حطم أوباما القوة السياسية لرئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما‪.‬‬ ‫الذي يحاول تنشيط الدميقراطية‪.‬‬ ‫لقد تنازل هاتوياما عن وعد انتخابي رئيسي بنقل قاعدة املارينز‬ ‫اجلوية فوتينما من جزيرة أوكيناوا التي تغطيها القاعدة األميركية‪.‬‬ ‫وفي الوقت احلالي‪ ،‬تنقل بعض املرافق الثانوية من فوتينما‪ ،‬ولكن‬ ‫سيتم نقل اجلزء األكبر من القاعدة إلى اجلهة الشمالية من أوكيناوا‪.‬‬ ‫وقد مارس باراك أوباما ضغطا هائال على هاتوياما‪ ،‬وسأله شخصيا‬ ‫في جدية‪« :‬هل ميكنني أن أثق بك؟»‪ .‬وظل الرئيس األميركي على‬ ‫موقف فاتر من هاتوياما‪ ،‬وكان بالكاد يتصل به أو يوافق على عقد‬ ‫اجتماعات‪ .‬وضعفت قوة هاتوياما وسط العاصفة الثلجية‪ .‬وعند‬ ‫مقارنة ذلك بدعوته احلارة لرئيس الوزراء السابق تارو آسو ليكون‬ ‫أول رئيس حكومة يزور البيت األبيض‪ ،‬وقرار وزيرة اخلارجية هيالري‬ ‫كلينتون جلعل طوكيو أول وجهاتها اخلارجية‪ ،‬ميكن رؤية أنه في‬ ‫الوقت الذي يبدو فيه البيت األبيض غير قادر على ممارسة الضغوط‬ ‫من أجل حتقيق «فوز» مع إسرائيل‪ ،‬إال أنه أكثر قدرة على التغلب‬ ‫على قائد دولة ثرية بها ‪ 127‬مليون نسمة‪.‬‬ ‫ولم ينج هاتوياما من هذا الرفض من قبل الواليات املتحدة وعكس‬ ‫سياساتها وهو ما جعله يبدو ضعيفا ومرجتفا أمام الناخبني‬ ‫اليابانيني‪ .‬ولكن لم ينته هذا األمر‪ .‬وسيكون لتعامل أوباما مع فشل‬ ‫فوتينما تبعات مستمرة تذكر املواطنني اليابانيني بأنهم بالفعل ال‬ ‫يسيطرون على أحوالهم‪ ،‬وأنهم إلى حد ما محتلون من قبل اجليش‬ ‫األميركي‪ ،‬وال يستطيعون أن يقولوا «ال» ألميركا في األمور التي ال‬ ‫ترغب الواليات املتحدة في قبولها‪.‬‬ ‫ومثل هاتوياما‪ ،‬قدم أوباما وعودا عليه أن يتراجع عنها وال ميكنه‬ ‫الوفاء بها‪ ،‬ولكنه لم يفقد منصبه بسببها‪ .‬وقد وعد أوباما بغلق‬ ‫معتقل غوانتانامو في غضون عام من رئاسته‪ .‬وكان ذلك التزاما‬ ‫كبيرا‪ ،‬وأخفقت اإلدارة في حتقيقه‪ .‬ولكن الواليات املتحدة ال متلك‬ ‫نظاما دميقراطيا برملانيا ميكن أن تعلو فيه القيادة التنفيذية أو‬ ‫تسقط بسبب قضية واحدة في أية حلظة‪ .‬ويحصل الرؤساء على‬ ‫فترة زمنية لقياس انتصاراتهم وهزائمهم‪ ،‬وعندما يحل موعد إعادة‬ ‫االنتخاب‪ ،‬يتم احلكم عليهم من خالل مزيج من القضايا‪.‬‬ ‫وال تزال اليابان‪ ،‬على الرغم من نقاط قوتها‪ ،‬وما كانت لتصبح عليه‬ ‫القيادة اجلديدة احلماسية واملثالية لهاتوياما وزمالئه في احلزب‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬تابعة للواليات املتحدة‪ ،‬في حني تبدو الواليات املتحدة‬ ‫بصورة متزايدة تابعة ملصالح إسرائيل‪ ،‬وفيما يخص الصني‪ ،‬علينا‬ ‫فقط أن ننتظر ونرى كيف يسير التاريخ‪.‬‬

‫يدير ستيف كليمونز برنامج اإلستراتيجية األميركية في مؤسسة‬ ‫«أميركا اجلديدة»‪ ،‬وينشر املدونة السياسية الشهيرة‪« :‬ذا واشنطن‬ ‫نوت»‪.‬‬ ‫نشر هذا املقال ألول مرة في «اجمللة» في ‪ 14‬يونيو (حزيران) ‪.2010‬‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪25‬‬


‫● عن السياسية‬

‫يحاول جاهدا اإلمساك بخيوط السياسة الدولية‬

‫أوباما بني قيود نتنياهو وانطالقات جان كني با‬ ‫كيف يتم التعبير عن القوة اجلغرافية السياسية على املستوى العاملي؟ تظهر العالقات بني الواليات املتحدة والصني‬ ‫وإسرائيل واليابان‪ ،‬النفوذ الذي يتمتع به قادة تلك الدول‪ ،‬والضغط الذي ميكنهم أن ميارسوه على بعضهم البعض‪ .‬وقد حقق‬ ‫نتنياهو وهو جني تاو أفضل تأثير‪ .‬وخسر أوباما‪ ،‬وأصبح مقيدا‪ ،‬ولكن ال يزال لديه نفوذ عاملي‪ ،‬أما يوكيو هاتوياما فهو في‬ ‫اجلانب اخلاسر باستمرار‪.‬‬ ‫ستيف كليمونز‬ ‫تسبب الرئيس باراك أوباما‪ ،‬مبعارضته تسليم امللكية الدولية‬ ‫اخلاضعة لسيطرة البنتاغون‪ ،‬في إنهاء احلياة السياسية لرئيس‬ ‫وزراء اليابان يوكيو هاتوياما‪ ،‬الذي استقال من أعلى منصب حكومي‬ ‫في اليابان األسبوع احلالي‪ .‬ويعد األمر األكثر أهمية هو أن هاتوياما‬ ‫والنجاح الكبير الذي حققه حزبه الدميقراطي الياباني على احلزب‬ ‫الليبرالي الدميقراطي الياباني‪ ،‬الذي كان حاكما ملدة طويلة‪ ،‬كان لديه‬ ‫شعار يشبه شعار أوباما «نعم نستطيع» وهو ما منح اليابان فرصة‬ ‫من أجل الدميقراطية‪.‬‬ ‫وعلى صعيد آخر‪ ،‬كان رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتنياهو‬ ‫يستفز أوباما ويعارضه ويقيده‪ .‬وكان الصدام األميركي ‪ -‬اإلسرائيلي‬ ‫بشأن توسيع بناء املستوطنات اإلسرائيلية في القدس الشرقية‬ ‫وهجوم قوات الدفاع اإلسرائيلية االستفزازي على قافلة السفن‬ ‫التركية ذات الدوافع السياسية التي حتمل إمدادات إنسانية إلى‬ ‫قطاع غزة احملاصر‪ ،‬مما أسفر عن مصرع ‪ 9‬أشخاص وإصابة العشرات‪،‬‬ ‫وأيضا اختبارا للقوة األميركية وعزم أوباما‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬من الواضح‬ ‫أن نتنياهو هو الفائز‪.‬‬ ‫وعلى اجلبهة األميركية الصينية‪ ،‬يبدو أن أوباما ورئيس الصني هو‬ ‫جني تاو قد وصال إلى طريق مسدود‪ ،‬يعيدان فيه ممارسة لعبة جان كني‬ ‫با (احلجر والورق واملقص) مرارا وتكرارا‪.‬‬ ‫إن «التحديات احملددة» التي تواجه القادة والدول هي تلك التي متثل‬ ‫أهم االنتصارات وأفدح اخلسائر‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬تكبدت الواليات‬ ‫املتحدة خسائر بشرية ومادية هائلة من أجل إحداث تغيير في العراق‬ ‫واملنطقة‪ ،‬وبذلك أصبح الشرق األوسط اليوم حتديا محددا اختارته‬

‫‪24‬‬

‫الدولة بنفسها‪ .‬وبالنسبة لباراك أوباما‪ ،‬توجد حتديات أخرى محددة‬ ‫وعد بدعمها‪ ،‬ومنها إغالق معتقل خليج غوانتانامو‪ ،‬و»وقف»‬ ‫التغير املناخي‪ ،‬وإنهاء احلرب في العراق‪ ،‬وحتقيق السالم بني إسرئيل‬ ‫وفلسطني‪ ،‬وتوفير فرصة التأمني الصحي الشامل للمواطنني‬ ‫األميركيني‪.‬‬

‫املأزق في لعبة جان كني با‪ ،‬هو‬ ‫إمكانية رؤية حقائق قوة الصني‬ ‫الصاعدة في نظام عاملي ال ترغب‬ ‫الواليات املتحدة في التنازل عن‬ ‫سيطرتها عليه‪.‬‬ ‫وقد أوضح يوكيو هاتوياما أيضا حتدياته احملددة‪ ،‬ومنها إنهاء السيطرة‬ ‫البيروقراطية للحكومة واستعادة القيادة السياسية احلقيقية‪،‬‬ ‫وفتح سجالت الصفقات السرية التي عقدت مع الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫وحتسني أوضاع املعيشة للمواطنني اليابانيني العاديني‪ ،‬وغلق قاعدة‬ ‫فوتينما اجلوية في أوكيناوا‪ ،‬وحتسني مركز اليابان وسيادتها فيما‬ ‫يتعلق بالعالقات األمنية األميركية ‪ -‬اليابانية‪ ،‬وإقامة عالقات قوية‬ ‫مع الصني باإلضافة إلى حتديات أخرى‪.‬‬


‫مجموعات صغيرة من املتمردين حتارب من أجل االستقالل‪ ،‬ولكن‬ ‫وفقً ا ملا يقوله جسيش ياغيلسكي‪ ،‬الصحفي البولندي اخلبير‬ ‫في شؤون املنطقة ومؤلف كتاب «برجان من احلجر‪ ..‬صراع‬ ‫اإلرادات في الشيشان»‪ ،‬يكمن التهديد األساسي للرئيس في‬ ‫املوالني ملوسكو الذين يحاولون مناورة السلطات في الكرملني‬ ‫إلضعاف قبضته على غروزني‪ .‬ويضيف ياغيلسكي‪ ،‬الذي سافر‬ ‫سرًا إلى املنطقة عدة مرات على مدار األعوام ومنذ ذلك احلني أدرج‬ ‫اسمه على القوائم السوداء في جميع بالد احتاد الدول املستقلة‪:‬‬ ‫«بل ومن املمكن أن يحاول البعض اإلطاحة برمضان قديروف من‬ ‫أجل إضعاف قوة بوتني»‪.‬‬ ‫لذلك فإن مصير هذين الرجلني متداخل بشدة‪ .‬وطاملا استطاع‬ ‫قديروف احلفاظ على السالم في الشيشان‪ ،‬ميكن أن يفخر بوتني‬ ‫بإنهائه احلرب الدموية املنهكة‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬ال ميانع بوتني في‬ ‫ضخ األموال للحفاظ على التدخل الفيدرالي إلى أدنى درجة؛‬ ‫فبغض النظر عن كيفية صرف تلك األموال‪ ،‬فعملية إعادة إعمار‬ ‫البالد تتم بصورة مستمرة‪ ،‬وهو ما كان له بالغ األثر في جعل‬ ‫قديروف محبوبًا لدى شعبه أكثر من أي سحر أو كاريزما‪ .‬ويوضح‬ ‫ياغيلسكي األمر قائال‪« :‬ال أعتقد أنهم معجبون به‪ .‬ولكني‬ ‫متأكد بنسبة ‪ 100‬في املائة من أنهم خائفون منه‪ .‬ولكنهم‬ ‫أيضا يقدرون أنه أعاد بناء البالد بأموال روسية‪ .‬وكان الشيشانيون‬ ‫ً‬ ‫دائما يحبون ويحترمون إلى حد ما الزعماء الذين جنحوا في إغراء‬ ‫ً‬ ‫وخداع روسيا‪ .‬وال ميكن أن ينكر أحد أن غروزني والشيشان قد‬ ‫أعيد بناؤهما‪ ،‬وعادت احلياة إلى ما كانت عليه حتت حكم‬ ‫رمضان‪ .‬ولكن كان املقابل هو قبول حكم طاغ في‬ ‫عهد رمضان ورجاله»‪.‬‬ ‫ومع إعادة اإلعمار تأتي الدعاية‪ .‬وتغطي‬ ‫ملصقات عمالقة لقديروف كثيرا من املباني‬ ‫الكبرى في غروزني‪ ،‬وتفخر املدينة اآلن بأن‬ ‫بها أحد أكبر املساجد في العالم‪.‬‬ ‫أما عالقة قديروف باإلسالم فهي صفة مميزة‬ ‫لشخصيته عامة‪ .‬يؤدي رمضان‪ ،‬وهو ابن‬ ‫رئيسا للشيشان حتى مت اغتياله‬ ‫ملفتي كان‬ ‫ً‬ ‫عام ‪ ،2004‬دور املسلم املتدين‪ .‬وكان أحد قراراته‬ ‫األولى في الرئاسة هو أمر السيدات الشيشانيات‬ ‫بارتداء احلجاب‪ ،‬ومت حظر كثير من املمارسات غير‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬مثل لعب القمار‪ .‬ولكن مت تصوير رمضان‬ ‫شخصيا وهو يصاحب العاهرات وميتلك خيول سباق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويبدو أن رمضان ينوي أن يعزز من االجتاه الصوفي األصلي في‬ ‫اإلسالم السني‪ ،‬لسبب أكبر من مجرد التدين الشخصي‪ ،‬من أجل‬ ‫إضعاف النفوذ السلفي الذي دخل إلى البالد على يد اجملاهدين‬ ‫األجانب‪ .‬ويوضح بول إل هيك‪ ،‬األستاذ في جامعة جورج تاون‬ ‫ومحرر كتاب «الصوفية والسياسة»‪« :‬بالطبع‪ ،‬لم يكن هؤالء‬ ‫املسلحون مهتمني بتحقيق الوحدة الوطنية في الشيشان‪ ،‬بل‬ ‫باستخدام الشيشان كميدان معركة لصراع عاملي ضد الكفار‪.‬‬ ‫ولهذا السبب‪ ،‬في حرب الشيشان الثانية‪ ،‬حتول الزعماء الدينيون‬ ‫التقليديون (الصوفيون) ضد املسلحني (ومن بينهم عناصر‬ ‫شيشانية اآلن)‪ ،‬إدراكًا منهم بأنه من األفضل في الواقع أن يقفوا‬ ‫إلى جانب روسيا بدال من اجملاهدين»‪.‬‬ ‫ويشارك جميع املسلمني حول العالم‪ ،‬صوفيني وسلفيني‪ ،‬فيما‬ ‫يسميه هذا األستاذ اجلامعي صراعا منخفض الشدة ومعركة‬ ‫على السلطة‪ .‬ومتيل الصوفية بأشكالها اخملتلفة‪ ،‬األكثر عرضة‬ ‫لفكرة الدولة القومية واحلكومة القوية‪ ،‬إلى احلصول على دعم‬ ‫من دول أخرى ضد السلفية‪.‬‬ ‫ويقول األستاذ هيك‪« :‬سيكون على الزعماء الصوفيني أن يتوخوا‬ ‫احلذر حتى ال يظهروا قريبني منه للغاية‪ ،‬وإال سيضعفوا من‬ ‫سلطتهم الروحية‪ .‬وإذا كانوا أذكياء‪ ،‬سيكونون على صلة به‬ ‫في حذر»‪ .‬ورمبا تساعد صورة رمضان التي صنعها لذاته كزعيم‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫متدين في أن يحصل على أموال من البلدان املسلمة‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫الصورة بها القليل من الصدق‪.‬‬ ‫ومن املألوف بني الطغاة امليل إلى إضافة تفاصيل مميزة إلى‬ ‫سيرهم الذاتية‪ ،‬ولكن في حالة قديروف رمبا ال يقف األمر على‬ ‫الدين‪ .‬ويقول ياغيلسكي‪ ،‬الذي غطى أخبار حربي الشيشان‪ ،‬أن‬ ‫ماضي القائد الشيشاني كمحارب رمبا ال يكون كما يبدو عليه‬ ‫أيضا‪« .‬لم يكن رمضان مقاتال مطلقً ا؛ لم يحارب الروس إطالقًا‪،‬‬ ‫على الرغم من أنه اآلن يروي للصحفيني الغربيني السذج كم‬ ‫دا شجاعا ً»‪.‬‬ ‫كان مجاه ً‬

‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 14‬يونيو ‪.2010‬‬

‫‪ - 2001‬بعد أحداث ‪ ،9/11‬يحث بوتني املتمردين على‬ ‫«وقف جميع االتصاالت باإلرهابيني الدوليني‪».‬‬ ‫‪ - 2002‬يستولى متمردون شيشانيون على مسرح في‬ ‫موسكو ويحتجزون فيه حوالي ‪ 800‬رهينة‪ .‬ويتعرض‬ ‫معظم املتمردين والرهائن للقتل عندما تقتحم القوات‬ ‫الروسية املبنى‪.‬‬ ‫‪ - 2003‬يصل استفتاء شيشاني إلى نتيجة‬ ‫لصالح إصدار دستور جديد ينص على أن‬ ‫اجلمهورية جزءا من االحتاد الروسي‪.‬‬ ‫‪ - 2003‬يتم انتخاب أحمد قديروف‬ ‫رئيسا‪ ،‬ثم يتعرض للقتل بعد ذلك‬ ‫بعام إثر انفجار قنبلة في غروزني‪.‬‬ ‫‪ - 2004‬يستولى املتمردون على‬ ‫مدرسة في بيسالن في شمال أوسيتيا‪،‬‬ ‫مما يسفر عن مصرع مئات املدنيني‪،‬‬ ‫أغلبهم من األطفال‪.‬‬ ‫‪ – 2005‬يدعو الزعيم االنفصالي أصالن‬ ‫مسخادوف إلى وقف إطالق النار ويحث السلطات‬ ‫الروسية على املوافقة على مباحثات السالم‪ .‬وترفض‬ ‫القيادة الشيشانية الرسمية محاوالته‪ ،‬وتعلن أنه يجب أن‬ ‫يسلم نفسه‪ .‬ويقتل مسخادوف في وقت الحق في العام‬ ‫ذاته‪ ،‬وينهي خليفته عبد احلليم سيدوالييف مباحثات‬ ‫السالم مع موسكو‪.‬‬ ‫‪ – 2006‬رمضان قديروف يصبح رئيسا للوزراء بعد‬ ‫استقالة سيرغي أبراموف‪.‬‬ ‫‪ – 2006‬مقتل الزعيم االنفصالي عبد احلليم سيدوالييف‬ ‫على يد القوات احلكومية‪ .‬ويخلفه دوكا عمروف‪.‬‬ ‫‪ - 2006‬مقتل زعيم املقاتلني شامل باسييف في‬ ‫إنغوشيا‪.‬‬ ‫‪ – 2006‬مقتل الصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا‪،‬‬ ‫التي كانت تهاجم بشدة تصرفات الكرملني في الشيشان‪،‬‬ ‫في موسكو‪.‬‬ ‫‪ – 2007‬ينقل الرئيس فالدميير بوتني الرئيس ألو اخلانوف‬ ‫إلى منصب في احلكومة الروسية‪ ،‬ويعني رمضان قديروف‬ ‫خلفا له‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫● عن السياسية‬

‫رجل بوتني القوي في الشيشان‬

‫رمضان قديروف‪ ..‬طاغية أم رجل دين؟‬ ‫على مدار األعوام الثالثة املاضية عزز رجل بوتني األول في غروزني‪ ،‬رمضان قديروف‪ ،‬من سلطته وأصبح يحكم الشيشان‬ ‫بقبضة حديدية وأموال روسية‪ .‬وفيما بني إعادة إعمار البالد وإرهاب ناشطي حقوق اإلنسان‪ ،‬يتقرب رمضان قديروف إلى‬ ‫الزعماء الصوفيني في البالد ويظهر أوراق اعتماده كمسلم متدين ومجاهد سابق‪.‬‬ ‫فيليب أفليز‬

‫مائة عام من احلرب‬

‫في عام ‪ ،2005‬أعلن رمضان قديروف‪ ،‬رئيس وزراء الشيشان في‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬أن اجلمهورية «أكثر مكان آمن في روسيا»‪ ،‬وأنها‬ ‫ستكون في وقت قريب «أغنى وأهدأ مكان في العالم»‪.‬‬

‫‪ - 1858‬روسيا جتتاح الشيشان بعد هزمية مقاومة اإلمام‬ ‫شامل‪ ،‬الذي كان يهدف إلى إقامة دولة إسالمية‪.‬‬

‫قد يختلف معظم الشيشانيني مع ذلك‪ ،‬على الرغم من أنهم رمبا‬ ‫يقولون هذا سرًا كي ال يواجهوا نفس املصير الذي واجهه زارميا‬ ‫سادواليفا وزوجها على يد رجال قديروف‪ .‬وقد عثر على جثتيهما‬ ‫املمزقتني بطلقات الرصاص في حقيبة إحدى السيارات‪ .‬وعلى‬ ‫ما يبدو‪ ،‬كانت جرمية سادواليفا أنها تدير جمعية أهلية تسمى‬ ‫«أنقذ اجليل» وهي تهدف إلى مساعدة األطفال الذين أصيبوا‬ ‫بتشوهات وصدمات أثناء احلربني الوحشيتني اللتني رفعتا اآلمال‬ ‫الشيشانية من أجل االستقالل‪ ،‬ثم دمرتها بوحشية‪.‬‬

‫‪ - 1957‬يعيد خوروشوف جمهورية الشيشان وأنغوشيا‬ ‫املستقلة السوفياتية االشتراكية‪.‬‬

‫وينكر قديروف بشدة أية صلة له بهذا احلادث أو غيره من حوادث‬ ‫القتل‪ ،‬ولكن أصدرت مؤسسات دولية مثل «هيومان رايتس‬ ‫ووتش» و»ذا ميموريال سوسايتي» قائمة طويلة من تقارير اإلدانة‪.‬‬ ‫وقد قتلت إحدى الشخصيات البارزة في منظمة «ذا ميموريال»‬ ‫في الشيشان‪ ،‬ناتاليا إيستيماروفا‪ ،‬قبل مقتل سادواليفا بعدة‬ ‫أسابيع‪.‬‬

‫‪ - 1922‬إقامة منطقة حكم ذاتي شيشانية‪.‬‬ ‫‪ - 1944‬ستالني يطرد الشعبني الشيشاني واالنغوشي‬ ‫إلى سيبيريا وآسيا الوسطى‪ ،‬بزعم تعاونهم مع أملانيا‬ ‫النازية‪ .‬ويلقى اآلالف مصرعهم في هذه العملية‪.‬‬

‫‪ – 1991‬بعد انهيار االحتاد السوفياتي‪ ،‬يفوز دوداييف‬ ‫في االنتخابات الرئاسية ويعلن استقالل الشيشان عن‬ ‫روسيا‪.‬‬ ‫‪ – 1994‬القوات الروسية تقتحم الشيشان لتهزم حركة‬ ‫االستقالل‪.‬‬ ‫‪ – 1995‬متمردين من الشيشان يسيطرون على‬ ‫مستشفى في بودينوفسك‪ ،‬في جنوب روسيا‪.‬‬ ‫‪ – 1996‬مقتل دوداييف في هجوم صاروخي روسي‪.‬‬ ‫‪ 1996‬مايو (أيار) ‪ -‬الرئيس الروسي يوريس يلتسني يوقع‬ ‫اتفاقية سالم قصيرة األمد مع الشيشان‪.‬‬ ‫‪ – 1996‬املتمردون الشيشان يشنون هجوما على غروزني‪.‬‬ ‫‪ – 1997‬يلتسني ومسخادوف الشيشاني يوقعان معاهدة‬ ‫سالم رسمية‪ ،‬ولكن لم يتم حل مشكلة استقالل‬ ‫الشيشان‪ .‬وتستمر عمليات العنف وخطف الرهائن‪.‬‬ ‫‪ - 1999‬مسخادوف يطبق أحكام الشريعة في الشيشان‪.‬‬ ‫ثم يشن املقاتلون الشيشان غارات مسلحة في داغستان‬ ‫في محاولة إلقامة دولة إسالمية‪.‬‬ ‫‪ – 2000‬القوات الروسية تستولى على غروزني‪ ،‬ويعلن‬ ‫الرئيس بوتني خضوعها حلكم مباشر من موسكو‪ .‬ثم‬ ‫يعني بوتني رجل الدين الشيشاني السابق أحمد قديروف‬ ‫رئيسا حلكومته في الشيشان‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫أيضا‪ ،‬حيث‬ ‫ولم يسلم قديروف من انتقادات احللفاء السابقني‬ ‫ً‬ ‫وصف موالدي بايساروف‪ ،‬املقاتل الذي كان مقربًا من والد قديروف‪،‬‬ ‫متشائما‪« :‬إذا قال‬ ‫رمضان بأنه «طاغية من طراز قدمي» وقال‬ ‫ً‬ ‫شخص ما احلقيقة عما يجري‪ ،‬فكأنه يوقع على شهادة وفاته‪.‬‬ ‫رمضان له قانون قائم بذاته»‪ .‬وقتل بايساروف في موسكو على‬ ‫أيدي قوات الشرطة الشيشانية املوالية لقديروف‪ ،‬بعد فترة‬ ‫قصيرة من اإلشارة إلى أن لديه معلومات حول صلة قديروف‬ ‫مبقتل آنا بوليتكوفسكايا‪ ،‬الصحفية التي كشفت كثيرا من‬ ‫األعمال الوحشية التي متت مبوافقة من احلكومة في الشيشان‪.‬‬ ‫ويبدو أن الرئيس احلالي للشيشان متردد بشأن رؤية اآلخرين له‬ ‫ورؤيتهم ملاضيه‪ .‬وتشير قرارت اإلقالة املتسرعة التي يتخذها ضد‬ ‫أي إساءة تصرف إلى غطرسته وسخريته؛ كما أنه ينتقد علنًا‬ ‫املؤسسات الدميقراطية وال يظهر أي شعور بالتأنيب عندما يهدد‬ ‫أعداءه‪ ،‬أو حتى أعداء روسيا‪ ،‬مثل أوكرانيا وجورجيا‪.‬‬ ‫دا‪ ،‬وكيف وصل إلى ما هو عليه؟ أسهل‬ ‫إذن؛ من هو قديروف حتدي ً‬ ‫شخصيا في‬ ‫إجابة هو أنه أحد رجال بوتني‪ .‬لقد وضعه بوتني‬ ‫ً‬ ‫رئاسة الشيشان وسيعمل على إبقائه في موقعه‪ ،‬وهو ما يعترف‬ ‫به قديروف‪ .‬فيصف قديروف نفسه‪ ،‬وهو ذات الرجل الذي سافر‬ ‫إلى روسيا في حدث شهير ليحصل على ميدالية «بطل روسيا»‬ ‫تابعا‬ ‫رئيسا‬ ‫مرتديًا مالبس رياضية ذات لون أزرق فاحت‪ ،‬قائال‪« :‬لست‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ألي أحد‪ ،‬لست رجل أجهزة األمن الروسية‪ ،‬ولست رجل بوتني‪..‬‬ ‫بوتني هدية من اهلل‪ ،‬لقد منحنا احلرية»‪.‬‬ ‫وطاملا ظل بوتني في السلطة‪ ،‬يبدو أن قديروف في أمان‪ ،‬حيث‬ ‫تُرك القليل من عناصر املعارضة في داخل الشيشان‪ .‬وتستمر‬



‫● عن السياسية‬

‫ولكن منح ضعف حركة الصحوة االجتاه الليبرالي دفعة أولى؛‬ ‫فسريعا ما استعاد بعض املثقفني الليبراليني دورهم‪ ،‬وأعادوا‬ ‫ترسيخ نفوذهم على مستوى النخبة‪ .‬ومنح ظهور إرهاب‬ ‫السلفية اجلهادية ووقوع أحداث ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) دفعة ثانية‬ ‫لليبراليني‪ :‬حيث أدت حقيقة أن ‪ 15‬من مختطفي الطائرتني‬ ‫البالغ عددهم ‪ 19‬شخصا من السعوديني واحلملة التي شنتها‬ ‫وسائل اإلعالم ضد اململكة في الغرب إلى فتح الباب أمام مرحلة‬ ‫لتأمل الذات في السعودية‪ .‬ودون شك فإن الليبراليني جنحوا‬ ‫نسبيا ً‪ -‬في تقدمي أنفسهم كبديل لإلسالميني ‪ -‬وفي الوقت‬‫ذاته استيعابهم الصريح حلركة الصحوة واجملاهدين‪ -‬استفادوا‬ ‫من الوضع‪ .‬وكان هناك عامل آخر في مصلحة الليبراليني‪:‬‬ ‫ظهور مجموعة املتحولني‪ ،‬وهم اإلسالميون السابقون الذين‬ ‫أصبحوا ينتقدون الصحوة وصور النشاط اإلسالمي األخرى بقوة‪.‬‬ ‫بالنسبة لليبراليني‪ ،‬كان لهؤالء املتحولني فائدة مهمة‪ ،‬أوال‬ ‫ألنهم يتحدثون من واقع جتارب شخصية‪ ،‬وثانيا ألنهم يتقنون‬ ‫احلديث بلغة اإلسالم التي افتقدها الليبراليون بشدة‪.‬‬ ‫وهذه نقطة مهمة‪ :‬في التسعينات‪ ،‬لم يكن لدى الليبراليني‬ ‫خطاب عن اإلسالم‪ .‬وكانوا يدعون أنهم ميثلون القيم العاملية‪،‬‬ ‫ويتصرفون وكأنه من الواضح أن تلك القيم تتفق مع اإلسالم‪.‬‬ ‫وفي أعقاب ‪ ،9/11‬مبساعدة بعض من املتحولني أمثال منصور‬ ‫النقيدان ومحمد احملمود‪ ،‬تزايدت محاوالت الليبراليني إلضفاء‬ ‫الشرعية على مواقفهم عبر اإلسالم‪ .‬وزاد ذلك االقتحام جملال‬ ‫كان يعتبر غريبا على الليبراليني من أعداء أنصار الصحوة لهم‪.‬‬ ‫وسار األمر على هذا النحو خاصة عندما ذهب منصور النقيدان‬ ‫إلى حد الدعوة إلى إحياء «اإلرجاء»‪ ،‬وهي مجموعة قدمية تعرف‬ ‫بتسامحها مع جميع اآلراء الدينية ولكنها تعتبر منحرفة من‬ ‫وجهة نظر أتباع الصحوة‪ ،‬الذين بذلوا جهودا كبيرا في تفنيد‬ ‫آرائها‪.‬‬ ‫ومنح ذلك لليبراليني فرصة متزايدة للظهور‪ ،‬وخاصة على‬ ‫اإلنترنت؛ حيث أثبتوا وجودا كبيرا‪ .‬ومت إنشاء منتديات ليبرالية‪:‬‬ ‫أوال‪ ،‬منتدى طوي‪ ،‬حتى عام ‪ ،2004‬ثم دار الندوة‪ ،‬حتى عام‬ ‫‪ ،2006‬وأخيرا وحتى اآلن‪ ،‬منبر اإلبداع واحلوار ومنتديات الشبكة‬ ‫الليبرالية‪ .‬وهذا تطور ملحوظ؛ فللمرة األولى يستخدم مصطلح‬ ‫الليبرالية هنا بصورة رسمية‪ ،‬مما يشير إلى اإلصرار املتزايد الذي‬ ‫يتمتع به أنصارها‪ .‬وتزامن ذلك التطور مع االستخدام املتزايد‬ ‫للمصطلح ذاته على لسان أعداء الليبراليني‪ ،‬كما ورد في كتاب‬ ‫صدر عام ‪ 2009‬عن مجلة «البيان» التابعة حلركة الصحوة حتت‬ ‫عنوان «نقد الليبرالية»‪.‬‬ ‫ولكن كشف الظهور املتنامي لليبراليني عن تناقضاتهم أيضا‪.‬‬ ‫فقد خرج االجتاه الليبرالي نتيجة ملعارضة الصحوة‪ ،‬ولكنه‬ ‫افتقد إلى متاسكه الذاتي‪ .‬وأراد الليبراليون اإلصالح‪ ،‬ولكنهم‬ ‫اختلفوا على ما الذي يجب إصالحه وكيف‪ .‬ونتج عن ذلك‬ ‫انقسام مهم في مطلع األلفية‪ ،‬مما أدى إلى ظهور مجموعتني‬ ‫متثل خيارين راديكاليني مختلفني‪ :‬هؤالء الذين ميكن تعريفهم‬ ‫بـ»الليبراليني االجتماعيني» وهؤالء الذين أود أن أشير إليهم‬ ‫بـ»الليبراليني السياسيني»‪ .‬وبالنسبة للمجموعة األولى‪ ،‬تعد‬ ‫املشكلة الرئيسية في السعودية اجتماعية وثقافية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫املطلوب في املقام األول هو اإلصالح االجتماعي والثقافي‪ .‬وعلى‬ ‫النقيض‪ ،‬يعتقد الليبراليون السياسيون أنه ال ميكن حتقيق أي‬ ‫تغيير دون بذل جهد شامل في مجال اإلصالح السياسي‪ .‬ومن‬ ‫أجل حتقيق ذلك‪ ،‬أثبت بعض من هؤالء «الليبراليني السياسيني»‬ ‫أنهم مستعدون للتعاون مع أية مجموعة اجتماعية أخرى‪ ،‬من‬ ‫بينها اإلسالميني املتشددين‪ ،‬طاملا يتفقون معها على أهداف‬ ‫مشتر كة ‪.‬‬ ‫وتسبب التحالف اإلسالمي الليبرالي في خالف مشتعل‬ ‫‪20‬‬

‫بني اجملموعتني الليبراليتني اخملتلفتني‪ :‬بينما أصر الليبراليون‬ ‫السياسيون على جدوى أسلوبهم‪ ،‬المهم آخرون‪ ،‬خاصة‬ ‫الليبراليني االجتماعيني‪ ،‬على كونهم أصبحوا أداة في أيدي‬ ‫اإلسالميني‪ .‬وكما قال تركي احلمد‪ ،‬الذي ميكن اعتباره من‬ ‫اجملموعة الليبرالية االجتماعية‪ ،‬في حوار أجريته معه‪« :‬لقد‬ ‫خدع هؤالء (الليبراليون) بواسطة اإلسالميني بالطريقة ذاتها‬ ‫ُ‬ ‫التي خدع بها اخلميني الليبراليني اإليرانيني‪ .‬ويدعي اإلسالميون‬ ‫أنهم دميقراطيون‪ ،‬ولكن إذا وصلوا إلى السلطة‪ ،‬فسيضعوا‬ ‫نظاما على شاكلة النظام املوجود في إيران»‪.‬‬ ‫ويستمر اخلالف بني اجملموعتني الليبراليتني اخملتلفتني حول ما‬ ‫تعنيه الليبرالية حقيقة حتى اليوم‪ ،‬كما هو احلال في اخلالف‬ ‫بني اإلسالميني والليبراليني حول املشروع االجتماعي والسياسي‬ ‫الذي يجب تنفيذه‪ .‬ولكن يظل اخلالف األخير غير متساوي‬ ‫األطراف‪ :‬فعلى الرغم من الظهور الذي منحه االنتشار اإلعالمي‬ ‫واملوقف بعد أحداث ‪ 9/11‬لليبراليني‪ ،‬يستمر هؤالء النشطاء‬ ‫في متثيل مجموعة من النخبة التي ليست على صالت قوية‬ ‫د عون أنهم ميثلون «األغلبية الصامتة»؛ ولكن‬ ‫باجملتمع‪ .‬إنهم ي ّ‬ ‫حتى إذا كان ذلك صحيحا‪ ،‬فإن أهم صفة في األغلبية الصامتة‬ ‫هي أنها تظل صامتة‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬يسيطر اإلسالميون على‬ ‫آالف املؤسسات والهيئات‪ ،‬وهم موجودون في كل دوائر اجملتمع‬ ‫السعودي‪ .‬وفي هذا اخلالف‪ ،‬كانوا‪ ،‬وسيظلون دون شك في األعوام‬ ‫املقبلة‪ ،‬الطرف األقوى‪.‬‬

‫* ستيفان الكروا ‪ -‬أٍ ستاذ مساعد في العلوم السياسية في‬ ‫معهد باريس للعلوم السياسية‪ .‬وتركز أعماله على اإلسالم‬ ‫والسياسة في الشرق األوسط املعاصر‪ ،‬مع اهتمام خاص‬ ‫مبنطقة اخلليج‪.‬‬ ‫** نشر هذا املقال ألول مرة في «اجمللة» بتاريخ ‪ 2‬يونيو‬ ‫(حزيران) ‪.2010‬‬

‫متكني املرأة السعودية‬ ‫في أثناء األعوام القليلة املاضية‪ ،‬حققت جهود اإلصالح في‬ ‫اململكة العربية السعودية خطوات مهمة في مجال حقوق‬ ‫املرأة‪ .‬وتظهر دراسات حديثة أن ‪ 40‬في املائة من املقاالت في‬ ‫وسائل اإلعالم املطبوعة أو اإللكترونية تناولت متكني املرأة‬ ‫من زوايا مختلفة‪ .‬ويتبنى امللك عبد اهلل نهجا إصالحيا في‬ ‫دعم دور املرأة من خالل تنفيذ عدد من املبادرات‪ .‬وكدليل على‬ ‫هذا اإلجناز‪ ،‬جاء تعيني األستاذة نورة الفايز نائبة لوزير التربية‬ ‫والتعليم‪.‬‬ ‫كما حققت سيدات األعمال السعوديات أيضا تقدما مهما في‬ ‫تخطي احلواجز االجتماعية والدينية التي تقيد بيئة األعمال‪.‬‬ ‫وكرد فعل على هذه اجلهود‪ ،‬ع ّد ل األمير خالد الفيصل‪ ،‬أمير‬ ‫مكة املكرمة‪ ،‬مادة قانون العمل التي متنع اختالط الرجال‬ ‫والنساء في بيئة العمل‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تزايد حجم‬ ‫النشاط النسائي بصورة كبيرة بقيادة حملة «أين حقوقي»‬ ‫التي تهدف إلى تعريف النساء بحقوقهن وتعزز من املساواة‬ ‫بني اجلنسني‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تأثير املشايخ احملافظني في اململكة‪ ،‬فإن‬ ‫النشاط املتنامي املتأثر بإصالحات امللك يشهد اهتماما ً‬ ‫متزايدا داخل اجملتمع السعودي‪.‬‬


‫احتوائهم في مؤسسات الدولة‪ .‬وسريعا ما أصبحوا شخصيات‬ ‫مؤثرة في نشاط ململكة التنموي‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬منذ منتصف‬ ‫السبعينات‪ ،‬ظل معظم النشطاء احلداثيني بعيدا عن االنشغال‬ ‫بالسياسة‪ .‬ولكن أصبح بعضهم نشيطا في مجال جديد‪ ،‬الذي‬ ‫كان يشهد تطورا سريعا في ذلك الوقت‪ ،‬وهو‪ :‬الساحة األدبية‪.‬‬ ‫وفي هذا اجملال‪ ،‬بدأوا في الدعوة إلى حتديث األدب السعودي؛‬ ‫حداثة ال تتطرق إلى الشكل فقط‪ ،‬بل أيضا إلى احملتوى‪ .‬وتلقائيا‪،‬‬ ‫وجهت االنتقادات‪ ،‬بصورة ضمنية‪ ،‬إلى العادات االجتماعية‬ ‫السعودية التي كانوا يهدفون إلى حتريرها‪ .‬وسرعان ما انضم‬ ‫إليهم عدد من الروائيني والشعراء والنقاد األدبيني‪ ،‬من أبرزهم‬ ‫عبد اهلل الغذامي وسعيد السريحي‪ .‬وظهر اجتاه ثقافي يعرف‬ ‫بـ«احلداثة»‪.‬‬ ‫ومن جديد‪ ،‬كان ذلك تطورا متعلقا في األساس بنخبة ثقافية‬ ‫محددة وظل على سطح اجملتمع‪ .‬ولكن في الوقت ذاته‪ ،‬كان‬ ‫هناك تطور أكثر عمقا في تأثيره داخل اململكة‪ .‬منذ الستينات‪،‬‬ ‫كانت الصحوة اإلسالمية‪ ،‬وهي حركة إسالمية شعبية‪ ،‬تنمو‬ ‫ألسباب من بينها تأثير نشطاء اإلخوان املسلمني الذين جلأوا إلى‬ ‫السعودية‪ .‬وكانت قاعدة حركة الصحوة هي النظام التعليمي‪،‬‬ ‫الذي كان له من خالل ذلك فرصة الوصول إلى جميع طبقات‬ ‫اجملتمع‪ .‬واألمر األكثر أهمية هو أنه في اجملتمع احملافظ كان‬ ‫خطاب الصحوة مفهوما جيدا‪ ،‬والقى استقباال جيدا كذلك‪.‬‬ ‫وفي منتصف الثمانينات‪ ،‬وصلت الصحوة إلى كتلة حرجة‪،‬‬ ‫وبدأت في رؤية سيطرة دعاة احلداثة على منافذ إعالمية محددة‪،‬‬ ‫وخاصة املالحق األدبية في الصحف السعودية الكبرى‪ ،‬أمرا‬ ‫مثيرا للغضب‪ .‬ومت تنظيم حملة واسعة النطاق ضد دعاة‬ ‫احلداثة‪ ،‬وسريعا ما مت إقصاء بعض منهم عن وظائفهم‪ .‬ومن‬ ‫الواضح أن الصحوة حققت فوزا في ذلك‪.‬‬ ‫وفي أغسطس (آب) ‪ ،1990‬أقنع التهديد بحدوث غزو محتمل‬ ‫للسعودية من جانب اجليش العراقي‪ ،‬مباشرة بعد غزو اجليش‬ ‫العراقي للكويت‪ ،‬احلكومة السعودية بطلب املساعدة من‬ ‫القوات الدولية‪ .‬وقد أدى ذلك إلى موجة من اخلالف غير املسبوق‬ ‫في اململكة؛ حيث خرجت مطالب من بعض قطاعات اجملتمع‪.‬‬ ‫وكان أول من اتخذ موقفا مجموعة من املدافعني عن حقوق املرأة‪،‬‬ ‫الذين نظموا حدثا مذهال‪ :‬ففي نوفمبر (تشرين الثاني) ‪،1990‬‬ ‫قادت ‪ 49‬سيدة السيارات في شوارع الرياض‪ ،‬في مطالبة صريحة‬ ‫بحق قيادة املرأة للسيارات‪ .‬ولكن في أوائل عام ‪ ،1991‬أصبح‬ ‫ألعضاء حركة الصحوة‪ ،‬الذين أغضبتهم املظاهرة النسائية‪،‬‬ ‫الصوت األبرز في اجملتمع السعودي‪ .‬وعبر مجموعة من العرائض‬ ‫واخلطب‪ ،‬دعوا إلى تنفيذ مشروعهم االجتماعي والسياسي‪،‬‬ ‫الذي يهدف‪ ،‬من بني عدد من النقاط‪ ،‬إلى سيطرة املؤسسة‬ ‫الدينية على اجملتمع السعودي‪ ،‬وإلى إعطاء الشخصيات الدينية‬ ‫دورا أكثر بروزا في النظام السياسي‪.‬‬ ‫وقد رأى الليبراليون في قوة الدفع التي حصلت عليها حركة‬ ‫الصحوة تهديدا‪ .‬وكان رد فعل السلطات هو إسكات أبرز‬ ‫الشخصيات املتشددة في حركة الصحوة‪ ،‬بينما بدأ النشطاء‬ ‫الليبراليون من جميع اخللفيات ‪ -‬يساريون وشيوعيون ودعاة‬ ‫حداثة ومدافعون عن حقوق املرأة‪ ،‬إلخ ‪ -‬في التكتل لتشكيل‬ ‫مجموعة أصبح اسمها غير الرسمي فيما بعد «الليبراليني»‪.‬‬ ‫وكان لدى هؤالء الليبراليني برنامج بسيط للغاية‪ :‬معارضة‬ ‫مشروع وأفكار حركة الصحوة‪ .‬ويظل ذلك هو نقطة الضعف‬ ‫األساسية لدى االجتاه الليبرالي السعودي على مدار األعوام‬ ‫التالية‪ :‬حيث ظهر من أجل معارضة الصحوة‪ ،‬ولم يكن لديه‬ ‫مشروعه اخلاص الواقعي املتماسك على األقل‪ .‬في التسعينات‪،‬‬ ‫حاول بعض املفكرين الالمعني مثل تركي احلمد إضافة جانب‬ ‫ثقافي إلى املشروع الليبرالي‪ .‬ولكن مت جتاهل محاولة احلمد‬ ‫نسبيا‪ ،‬بل ولم يستوعبها الكثيرون ممن يطلقون على أنفسهم‬ ‫وصف «الليبرالية»‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪19‬‬


‫● عن السياسية‬

‫رغم ادعائهم التعبير‬ ‫عن األغلبية الصامتة‬

‫الليبراليون السعوديون‬ ‫نخبة بال جذور اجتماعية‬ ‫ما زال الليبراليون السعوديون‪ ،‬وهم ميثلون إحدى الفئتني‬ ‫املتنافستني في اجملتمع السعودي‪ ،‬مجموعة لم تنل حقها‬ ‫من الدراسة‪ .‬إن مصطلح "ليبرالي" حديث نسبيا على‬ ‫اللغة السعودية‪ ،‬على الرغم من أنه كان هناك ظهور مبكر‬ ‫للنشاط احلداثي في اململكة العربية السعودية‪ .‬لقد ولدت‬ ‫احلركة الليبرالية في معارضة حلركة الصحوة‪ ،‬وعلى مدار‬ ‫أعوام‪ ،‬لم يكن لديها مشروع واضح‪ .‬وفي بداية األلفية‪،‬‬ ‫حدث انقسام بني من ميكن أن نطلق عليهم "الليبراليني‬ ‫االجتماعيني" و"الليبراليني السياسيني"‪ .‬واليوم‪ ،‬على‬ ‫الرغم من ادعائهم بأنهم يتحدثون نيابة عن "األغلبية‬ ‫الصامتة"‪ ،‬يستمر هؤالء النشطاء في متثيل مجموعة من‬ ‫النخبة ليست لها جذور قوية داخل اجملتمع‪.‬‬ ‫ستيفان الكروا‬ ‫غالبا ما يوصف اجملتمع السعودي املعاصر بأنه حتت تأثير فئتني‬ ‫متنافستني؛ اإلسالميني والليبراليني‪ .‬ولكن‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫خضعت فيه اجملموعة األولى لكثير من الدراسات‪ ،‬تظل اجملموعة‬ ‫الثانية ‪ -‬في تناقض‪ -‬أكثر غموضا فيما يتعلق مبن هم أصحاب‬ ‫تلك األصوات «الليبرالية» السعودية‪ ،‬وما هي خلفياتهم‪ ،‬وماذا‬ ‫يريدون؟‬ ‫إن مصطلح «ليبرالي» حديث نسبيا على اللغة االجتماعية‬ ‫السعودية‪ .‬وبكل املقاييس‪ ،‬لم يستخدم ذلك املصطلح على‬ ‫نطاق واسع قبل التسعينات‪ .‬ولكن ال يعني ذلك أنه لم يكن‬ ‫هناك نشاط حداثي في السعودية قبل تلك الفترة‪ .‬ففي‬ ‫أعقاب احلرب العاملية الثانية‪ ،‬عاد بعض الطالب السعوديني‬ ‫الذين سافروا إلى مصر أو لبنان أو العراق من أجل الدراسة إلى‬ ‫اململكة متأثرين باآليديولوجيات اليسارية والقومية العربية التي‬ ‫كانت منتشرة في املنطقة بدرجة كبيرة‪ .‬وبشكل غير مباشر‬ ‫استضافت مؤسسات تعليمية وصناعية ‪-‬مثل «أرامكو»‪ -‬عدد ا ً‬ ‫كبير ا ً من العاملني العرب من جميع الدول اجملاورة‪ ،‬وكان كثير‬ ‫منهم متأثرا باألفكار ذاتها‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ظهرت جماعات‬ ‫صغيرة متأثرة بطروحات ماركسية ويسارية وناصرية وقومية‬ ‫عربية‪ .‬وفي احلقيقة كانت تلك اجملموعات مقتصرة على النخبة‪،‬‬ ‫ولم تشكل مطلقا حركة شعبية‪ ،‬ولكنها كانت تشكل قلقا ً‬ ‫داخليا ً‪ ،‬خاصة بعد أن حاول بعض أعضائها القيام بنشاط‬ ‫سياسي خارج إطار الدولة‪.‬‬ ‫وكان رد فعل السلطات حازما ً ضد النشاط املوجه من اخلارج‪،‬‬ ‫في الوقت الذي قصرت فيه قاعدتهم االجتماعية احملتملة عبر‬ ‫‪18‬‬


‫بالتأكيد‪ ،‬فإن االستهداف غير املميز للمدنيني ليس سمة حصرية‬ ‫على «القاعدة» واجلماعات التابعة لها‪ .‬فقد قام منور التاميل‬ ‫بعدد من مثل تلك الهجمات في سريالنكا وجميعها تستهدف‬ ‫املدنيني فقط‪ ،‬وأسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا‪.‬‬

‫تقع في سياق احلرب‪ ،‬ولكن «القاعدة» ليست ممثلة عن دولة‪ ،‬لذا‬ ‫من الصعب وضع أنشطتها اإلرهابية في إطار حرب‪ .‬ولكن‪ ،‬تغير‬ ‫وجه احلروب‪ ،‬وبينما انخفض عدد احلروب بني الدول بدرجة كبيرة‪،‬‬ ‫أصبحت زيادة عدد احلروب غير التقليدية داخل الدول إحدى أهم‬ ‫سمات العالم فيما بعد احلرب الباردة‪ .‬وتعتقد قيادة «القاعدة»‬ ‫بالتأكيد أنها في حرب مع الواليات املتحدة‪ ،‬باإلضافة إلى بعض‬ ‫احلكومات األخرى في الغرب وفي الشرق األوسط‪ .‬واألكثر من‬ ‫ذلك‪ ،‬وُضع رد فعل الواليات املتحدة على هجمات ‪ ،9/11‬على نحو‬ ‫خاطئ‪ ،‬في إطار يدور حول عبارة «احلرب على اإلرهاب»‪ ،‬واملقاتلني‬ ‫األعداء‪ ،‬أي أعضاء «القاعدة» املشتبه بهم‪ ،‬الذين ألقي القبض‬ ‫عليهم ويعاملون مبوجب قوانني احلرب‪.‬‬

‫في عام ‪ ،2005‬أعلن أمين الظواهري‪(« :‬إننا) في معركة‪ ،‬أكثر من‬ ‫نصف تلك املعركة يدور في ميدان وسائل اإلعالم‪( ..‬ونحن) في‬ ‫املعركة اإلعالمية من أجل قلوب وعقول أمتنا»‪ .‬ووفقا ملا ذكره‬ ‫فيصل ديفجي‪ ،‬مؤلف كتاب «صور اجلهاد»‪« ،‬حتقق (الشهادة‬ ‫املعاصرة) معناها فقط إذا شهدت عليها وسائل اإلعالم»‪ .‬ويبدو‬ ‫أن معظم اخلبراء في هذا األمر يتفقون على أن الطبيعة الفريدة‬ ‫لـ«القاعدة» تكمن في معركة األفكار املعلنة التي يشارك فيها‬ ‫التنظيم وتفجيراته االنتحارية‪.‬‬

‫ميكن أن يكون األمر اآلخر الذي مييز التفجيرات االنتحارية التي‬ ‫تنفذها «القاعدة» هو أنها ال حتارب من أجل أرض معينة‪ ،‬في‬ ‫حني أن جميع األمثلة املذكورة‪ ،‬ومنها حالة طالبان األفغانية‪،‬‬ ‫يدخل فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة الصراع من أجل أرض‬ ‫قائما‪ .‬يوضح بيان اجلبهة‬ ‫محددة‪ .‬ومن جديد‪ ،‬ال يظل هذا االدعاء‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمية العاملية (‪ ،)1998‬الذي قد يكون أكثر بيان رمزي تصدره‬ ‫«القاعدة» واجلماعات التابعة لها حتى اآلن‪ ،‬أن الدافع من ضرب‬ ‫الغرب هو الظلم الذي تسبب فيه الوجود العدواني لألجانب في‬ ‫شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬وفي العراق‪ ،‬وفي القدس‪ .‬ويعد هذا االدعاء‬ ‫أحد أهم أسلحة «القاعدة» اخلطابية‪.‬‬

‫وكما كتب بيتر بيرغن من مؤسسة «أميركا اجلديدة» في‬ ‫«نيويورك تاميز»‪ ،‬فإن «القاعدة» في الوقت احلالي «تعيش‬ ‫كتنظيم افتراضي ولكنه واقعي‪ ،‬حيث تصدر شرائط فيديو‬ ‫وشرائط سمعية بينما يتواصل أعضاؤها مع بعضهم البعض‬ ‫عبر مقاهي اإلنترنت التي ال ميكن تتبعها‪ .‬إنها حقً ا أحدث نسخة‬ ‫من «القاعدة»‪ .‬قد تكون التفجيرات االنتحارية التي نفذتها‬ ‫«القاعدة» تدميرية أو بربرية‪ ،‬ولكنها نتاج عصرنا‪.‬‬ ‫* مانويل أمليدا‬

‫وعلى الرغم من أن حجم الدمار وأعداد الضحايا من املدنيني‬ ‫في التفجيرات االنتحارية التي نفذتها «القاعدة» غير مسبوق‬

‫نشر هذا املوضوع في «اجمللة» بتاريخ ‪ 18‬يونيو ‪.2010‬‬

‫النصر موتا‬ ‫في كتاب روبرت بيب‪« ،‬املوت من أجل النصر‪ :‬املنطق اإلستراتيجي‬ ‫لإلرهاب االنتحاري»‪ ،‬يقوم الكاتب بتحليل اإلرهاب االنتحاري من وجهة نظر‬ ‫استراتيجية واجتماعية ونفسية‪ .‬ووفقا لقاعدة بيانات قام بجمعها في‬ ‫جامعة شيكاغو‪ ،‬يعتمد الكتاب في استنتاجاته على التفجيرات االنتحارية‬ ‫التي حدثت في جميع أنحاء العالم ما بني عامي ‪ 1980‬و‪ ،2003‬لتضم ما‬ ‫يزيد على ‪ 400‬هجوم‪.‬‬ ‫وفي هذا الكتاب الذي حاز اإلعجاب‪ ،‬يقول بيب إن تشويه صورة اإلرهابيني‬ ‫االنتحاريني يضر بقدرتنا على وضع برامج فعالة ملكافحة اإلرهاب‪ .‬ويذكر أن‬ ‫ما يكمن في أصل اإلرهاب االنتحاري هو القومية وليس الدين‪ ،‬ويوضح أنه‬ ‫نوع متطرف من التحرر القومي‪« .‬تشير البيانات إلى وجود صلة بسيطة بني‬ ‫اإلرهاب االنتحاري واألصولية اإلسالمية‪ ،‬أو أي من األديان في العالم‪ ...‬ولكن‪،‬‬ ‫الشيء املشترك الذي يجمع بني جميع الهجمات االنتحارية تقريبا هو هدف‬ ‫علماني واستراتيجي محدد‪ :‬إجبار األنظمة الدميقراطية احلديثة على سحب‬ ‫قواتها العسكرية من أرض يعتبرها اإلرهابيون وطنهم‪)4( ».‬‬ ‫ويحلل بيب العديد من احلمالت لتوضيح أنه ال توجد صلة سببية بني‬ ‫اإلرهاب االنتحاري والدين‪ .‬ويتناول أمثلة من لبنان وسريالنكا‪ ،‬والسيخ في‬ ‫بنجاب‪ ،‬باإلضافة إلى حزب العمال الكردستاني في تركيا‪ ،‬لدراسة دور الدين‪.‬‬ ‫ويشير إلى أن الدين يلعب دورا في اإلرهاب االنتحاري‪ ،‬ولكن في سياق املقاومة‬ ‫القومية»‪ ،‬وليس اإلسالم في حد ذاته‪ ،‬ولكن «ديناميكيات االختالف الديني»‬ ‫هي املهمة (‪.)167 - 166‬‬ ‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫وعلى النقيض من منتقديه‪ ،‬يعتقد بيب أن اإلرهابيني اإلسالميني ليسوا‬ ‫في األصل ضد احلداثة والغرب‪ .‬ومن جانب آخر‪ ،‬يؤكد أن أفعال الغرب هي‬ ‫التي حتدد تنظيم الهجمات االنتحارية‪ .‬وميكن أن تبثت مضامني ما توصل‬ ‫إليه فاعليتها بدرجة كبيرة في تقويض قدرة املنظمات اإلرهابية ورغبتها في‬ ‫اللجوء إلى مثل هذه اإلجراءات‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫● فن احلرب‬

‫لدفع «الظلم» وليس دفاعا عن وطن‬

‫عقيدة االنتحاري‪ ...‬من طياري «الكاميكازي» إلي‬ ‫مجاهدي «القاعدة»‬ ‫يعود تاريخ التفجيرات االنتحارية كتكتيك متبع إلى بداية الثمانينات‪ .‬وإذا وضعنا في االعتبار األعمال االنتحارية التي تقع‬ ‫في القتال والتي تشبه كثيرًا في طبيعتها التفجيرات االنتحارية‪ ،‬فيمكننا أن نرجع تاريخها إلى احلرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫بل وإلى القرن الثامن عشر‪ .‬ولكن يبدو أن هناك سمة حصرية تتميز بها التفجيرات االنتحارية التي تنفذها «القاعدة»‬ ‫واجلماعات التابعة لها‪.‬‬ ‫مانويل أمليدا‬

‫في األسبوع قبل املاضي في كابل‪ ،‬قاد انتحاري شاحنة صغيرة‬ ‫مليئة باملتفجرات إلى قافلة تابعة حللف الناتو‪ ،‬مما أسفر عن‬ ‫مصرع ‪ 5‬جنود أميركيني وجندي كندي‪ ،‬باإلضافة إلى ‪ 12‬مدني‪.‬‬ ‫ولتبديد الشكوك حول ما إذا كانت «القاعدة» أو طالبان هما‬ ‫اللتان نفذتا العملية‪ ،‬أعلنت األخيرة مسؤوليتها‪ ،‬بل وذكرت في‬ ‫البيان كمية املتفجرات املوجودة داخل الشاحنة‪ 750 :‬كيلوغرام‪.‬‬ ‫إن اللجوء إلى العمليات االنتحارية في طالبان األفغانية أمر‬ ‫نسبيا‪ .‬وهو ناجت عن تقارب اآلراء اآليديولوجية والصالت‬ ‫حديث‬ ‫ً‬ ‫الشخصية‪ ،‬خاصة على مستوى القيادة‪ ،‬بني طالبان األفغانية‬ ‫و»القاعدة»‪ ،‬الذي انعكس على أسلوب العمل الذي تشابه على‬ ‫نحو متزايد بعد أحداث ‪ .9/11‬وعلى الرغم من أن التفجيرات‬ ‫االنتحارية في أفغانستان في التسعينات كانت نادرة أو غير‬ ‫موجودة على اإلطالق‪ ،‬فإن «القاعدة» استخدمتها في أماكن‬ ‫أخرى في أثناء ذلك العقد؛ الهجمات ضد السفارتني األميركيتني‬ ‫في كينيا وتنزانيا‪.‬‬ ‫وإن كانت التفجيرات االنتحارية األسوأ سمعة هي تلك التي‬ ‫تنفذها «القاعدة»‪ ،‬التي تسعى إلى تلك السمعة السيئة‪،‬‬ ‫فإنها ليست صفة حصرية على «القاعدة» واجلماعات التابعة‬ ‫لها‪ ،‬وليست أيضا من ابتكار «القاعدة»‪ .‬يتذكر مهدي حسن من‬ ‫مجلة «نيو ستيتسمان» كيف ميكن أن يرجع تاريخ هذا التكتيك‬ ‫إلى منور التاميل في سريالنكا في الثمانينات‪ ،‬وقبل ذلك إلى طياري‬ ‫الكاميكازي اليابانيني أثناء احلرب العاملية الثانية‪ .‬وأشهر األمثلة‬ ‫األخرى هي التفجيرات االنتحارية التي نفذت أثناء احلرب األهلية‬ ‫اللبنانية ضد القوات األميركية والفرنسية واإلسرائيلية؛ وهي‬ ‫قضية خالف حول ما إذا كان حزب اهلل له دخل في تلك الهجمات‪.‬‬ ‫وتوجد حالة أخرى في حرب إيران والعراق‪ ،‬التي اعتبرها الفيلم‬ ‫التلفزيوني التسجيلي «عقيدة االنتحاري» أصل التفجيرات‬ ‫االنتحارية‪.‬‬ ‫وتعود األعمال االنتحارية في القتال إلى ما قبل ذلك‪ .‬في نهاية‬ ‫القرن الثامن عشر‪ ،‬استعانت كاثرين الثانية ملكة روسيا بجون‬ ‫بول جونز‪ ،‬ضابط البحرية األميركي الذي يعرف باسم «أب البحرية‬ ‫األميركية»‪ ،‬للمشاركة في حملة بحرية في البحر األسود ضد‬ ‫األتراك‪ .‬وفي مذكراته‪ ،‬كتب جونز عن كيفية إشعال القادة‬ ‫العثمانيني لسفنهم واإلبحار بها جتاه السفن الروسية‪ .‬ومع‬ ‫حمولة السفن اخلشبية من البارود‪ ،‬كان ذلك يعني موتا محققا‬ ‫للطواقم العثمانية‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ما الذي مييز التفجيرات االنتحارية التي نفذتها «القاعدة»‬ ‫عن جميع احلاالت األخرى؟ ألول وهلة‪ ،‬جميع األمثلة املذكورة أعاله‪،‬‬ ‫مبا فيها تلك الهجمات التي تقوم بها طالبان في أفغانستان‪،‬‬ ‫‪16‬‬

‫معظم اخلبراء في هذا األمر يتفقون على‬ ‫أن الطبيعة الفريدة لـ«القاعدة» تكمن‬ ‫في معركة األفكار املعلنة التي يأتي في‬ ‫إطارها التنظيم وتفجيراته االنتحارية‪.‬‬


TM1554_15_Ad.indd 15

5/7/10 16:30:50


‫● فن احلرب‬

‫بكني فترى في تلك املهمة في القرن األفريقي تعبيرًا عن قوتها‬ ‫املتزايدة‪ ،‬حيث أعلن نائب رئيس هيئة األركان البحرية في جيش‬ ‫التحرير الشعبي شياو شينيان أن املهمة «تظهر الدور اإليجابي‬ ‫جليش التحرير الشعبي في احملافظة على االستقرار والسالم في‬ ‫العالم وثقة البحرية في اجليش الشعبي وقدرتها على التعامل مع‬ ‫مخاطر أمنية متعددة وإجناز مهمات عسكرية متنوعة»‪.‬‬

‫‪ 2008‬للتعاون على منع القرصنة بالقوة إذا اقتدى األمر‪ .‬حيث‬ ‫توظف الواليات املتحدة األميركية والصني واالحتاد األوروبي وروسيا‬ ‫واليابان وكوريا اجلنوبية وأستراليا أساطيلها لصد خطر القراصنة‬ ‫الصوماليني‪ .‬وفي ظل غياب حكومة مركزية حقيقية في مقديشو‪،‬‬ ‫تأهبت دول حول العالم حلماية مصاحلها التجارية‪.‬‬ ‫لقد فتحت القرصنة الصومالية اجملال أمام التعاون بني القوات‬ ‫البحرية لقوى دولية لم تتعاون مع بعضها البعض من قبل‪ .‬لقد‬ ‫كان تعاون هذه الدول للدفاع عن أحد أهم طرق النقل في العالم‬ ‫سب ًبا وراء استجابتهم السريعة لنداء األمم املتحدة‪ .‬وحولت املصالح‬ ‫املشتركة خليج عدن إلى ساحة تتنافس فيها القوى العظمى التي‬ ‫تسعى الختبار نفوذها في املنطقة‪ .‬بالنسبة للواليات املتحدة‪ ،‬تعزز‬ ‫القرصنة الصومالية من التزامها باحملافظة على وجودها احليوي في‬ ‫املنطقة وتؤكد هيمنتها البحرية‪ .‬أما الصني واالحتاد األوروبي فتمثل‬ ‫البعثات املتكررة حملاربة القرصنة تطورًا جدي ًدا في استراتيجيتهم‬ ‫العسكرية‪ .‬ومتثل لروسيا عودة لأليام اخلوالي لالحتاد السوفياتي حني‬ ‫كانت الواليات املتحدة متلك قوة بحرية أقوى‪ .‬لقد أضحى خليج عدن‬ ‫أحد أهم ساحات املعارك على النفوذ بني القوى العظمى احلالية‬ ‫والصاعدة والساعية لذلك‪ .‬وبعي ًدا عن املصالح االقتصادية تنظر‬ ‫الواليات املتحدة وروسيا واالحتاد األوروبي والصني إلى الوجود في ممر‬ ‫القراصنة من زاوية القوة والهيمنة‪.‬‬ ‫يبحر األسطول األميركي اخلامس من اخلليج العربي إلى ساحل‬ ‫شرق أفريقيا منذ عام ‪ ،1995‬وال توجد قوة بحرية أخرى قادرة‬ ‫تقدما واألقوى ماديا في املنطقة‪.‬‬ ‫على هزمية هذا األسطول األكثر‬ ‫ً‬ ‫لذلك‪ ،‬يقود األسطول اخلامس املتمركز في البحرين قوة مكافحة‬ ‫القرصنة التابعة لقوة املهام املشتركة ‪ 151‬متعددة اجلنسيات منذ‬ ‫عام ‪ .2009‬تعمل الدول التسع والعشرون املشتركة في القوة‬ ‫معا مستعينة مبقر‬ ‫من ضمنها دول عربية وجنوب شرق آسيوية ً‬ ‫األسطول اخلامس في املنامة‪ .‬وميكن تصور قوة املهام املشتركة‬ ‫‪ 151‬كتمرين للقوة األميركية الناعمة والصلبة‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪،‬‬ ‫تسمح أميركا ألطراف أخرى باستخدام مواردها في املنطقة‪ .‬وهو‬ ‫في الوقت نفسه استعراض للهيمنة البحرية األميركية‪ ،‬فال أحد‬ ‫يستطيع منافسة سفنها املتطورة وقدراتها االستطالعية أو‬ ‫خبرتها في التنسيق‪.‬‬ ‫يعد وجود األسطول الصيني في خليج عدن حدثا تاريخيا‪ ،‬فألول مرة‬ ‫منذ تأسيس جمهورية الصني الشعبية عام ‪ 1949‬ترسل الصني‬ ‫أسطولها البحري في مهمة كهذه في مناطق بعيدة‪ .‬باإلضافة إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬في يناير (كانون الثاني) ‪ 2010‬حصلت الصني على املوافقة‬ ‫لالشتراك في رئاسة منظمة الوعي املشترك وفض النزاعات (شيد)‪،‬‬ ‫وهي اآللية التي يتم من خاللها تنسيق جهود مكافحة القرصنة‪.‬‬ ‫السفن احلربية الصينية مسؤولة أيضا عن حراسة أحد أخطر‬ ‫املناطق في خليج عدن‪ .‬لذلك‪ ،‬في أقل من سنتني استطاعت البحرية‬ ‫الصينية أن حتصل على خبرة واسعة في نشر قواتها البحرية في‬ ‫مناطق بعيدة‪ ،‬وأن تشارك في حتمل مسؤولية التنسيق في مهمة‬ ‫حربية‪ .‬وكما هو متوقع‪ ،‬عبر بعض صناع القرار واحملللني الغربيني‬ ‫عن عدم ارتياحهم بالدور اجلديد الذي يلعبه اجليش الصيني‪ .‬أما‬ ‫‪14‬‬

‫االستعداد الذي أظهره االحتاد األوروبي لالنخراط في مهمة حربية‬ ‫يعكس أهمية هذه املهمة في خدمة مصالح االحتاد‪ .‬فليس مفاجئا‬ ‫أن تسعى الواليات املتحدة إلبراز قوتها العسكرية وأن تبذل الصني‬ ‫جهدها لتحويل قوتها االقتصادية إلى دور كبير تلعبه في الشؤون‬ ‫نائيا بنفسه‬ ‫الدولية‪ .‬فطاملا شدد االحتاد األوروبي على قوته املدنية ً‬ ‫عن الوحشية املزعومة للعرض األميركي لقوته العسكرية‪ ،‬ولكن‬ ‫ليس هذه املرة‪ ،‬فقد شكل االحتاد قوته البحرية حتت اسم «إي يو‬ ‫ناف فور» ‪ EUNAVFOR‬في ديسمبر (كانون األول) ‪ 2008‬حملاربة‬ ‫القرصنة على ساحل الصومال‪ ،‬وهي أول قوة عسكرية تابعة‬ ‫لالحتاد لغير غايات حفظ السالم وأول مهمة بحرية له‪ .‬تعمل‬ ‫هذه القوة بشكل مستقل عن قوة املهام املشتركة ‪CTF-151‬‬ ‫وتعكس اهتمام القيادات األوروبية بالقيام بعمليات عسكرية دون‬ ‫االعتماد على الواليات املتحدة‪ .‬في احلقيقة‪ ،‬االحتاد األوروبي هو أحد‬ ‫القادة املشتركني بـ(شيد)‪ .‬ودعا وزير اخلارجية البريطاني السابق‬ ‫االحتاد األوروبي للحديث بصوت موحد ليكون مؤثرا مثل الواليات‬ ‫املتحدة وروسيا‪ ،‬وقوة «إي يو ناف فور» هي خطوة حيوية في هذا‬ ‫االجتاه‪.‬‬

‫استمر وجود أسطول احمليط الهادئ‬ ‫الروسي قبالة سواحل القرن األفريقي‬ ‫طوال السنوات املاضية‬ ‫روسيا هي القوة األخرى التي تستغل وجودها في خليج عدن لتثبت‬ ‫قوتها العسكرية من جديد‪ .‬حتى وإن كان أسطولها احلالي أصغر‬ ‫من الذي كانت متلكه إبان احلقبة السوفياتية‪ ،‬فقد استمر وجود‬ ‫أسطول احمليط الهادئ قبالة القرن األفريقي في السنوات السابقة‪.‬‬ ‫يعمل هذا األسطول بشكل مستقل عن القوات البحرية األخرى‪،‬‬ ‫لكنه أحد أكثر القوات فاعلية في دحر هجمات القراصنة وحترير‬ ‫السفن احملتجزة‪ .‬بعد املوافقة على ترشح الصني للمشاركة في‬ ‫قيادة «شيد» تسعى موسكو اآلن إلى اللحاق ببكني واملشاركة‬ ‫في قيادة عملية عسكرية دولية ألول مرة منذ سقوط االحتاد‬ ‫السوفياتي‪.‬‬ ‫فتحت القرصنة الصومالية الباب على مصراعيه أمام منافسة‬ ‫القوى العظمى على القرن األفريقي‪ .‬فاحتمالية حدوث اشتباكات‬ ‫عسكرية بني اجليوش املوجودة في املياه في خليج عدن واملنطقة‬ ‫احملاذية له غير واردة‪ ،‬حيث يسير التنسيق بينها بسالسة كبيرة‪.‬‬ ‫من احملتمل أن تكون القرصنة الصومالية قد ساهمت في زيادة‬ ‫الثقة بني املسؤولني العسكريني األميركيني والصينيني واالحتاد‬ ‫األوروبي وروسيا‪ ،‬وتستفيد القوى الثالث األخيرة إلى حد ال ميكن‬ ‫تصوره من وجودها قبالة السواحل الصومالية‪ .‬تعمل هذه اجليوش‬ ‫باستقاللية في املنطقة وتتسنى لها الفرصة للحصول على خبرة‬ ‫حربية قيمة بعي ًدا عن مياهها‪ .‬فالقوة البحرية هي أحد أهم‬ ‫العناصر األساسية ألي دولة متلك طموحات إقليمية أو دولية‪.‬‬ ‫ويعد خليج عدن هو أول مشاهد مسرحية جيوبوليتيكية جديدة‪.‬‬

‫رامون باتشيكو باردو ‪ -‬باحث في مجال مكافحة انتشار األسلحة‬ ‫النووية وسياسة شرق آسيا‪.‬‬ ‫نشر هذا املوضوع في «اجمللة» بتاريخ ‪ 22‬يونيو ‪.2010‬‬


‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪13‬‬


‫● فن احلرب‬

‫لغز مكافحة‬ ‫القرصنة‬

‫خليج عدن‪...‬مسرح لزيادة التنسيق‬ ‫العسكري بني القوي العظمي أم‬ ‫الكتساب اخلبرة احلربية ؟‬ ‫فتحت عمليات القرصنة الصومالية الباب على مصراعيه‬ ‫أمام تنافس القوى العظمى على منطقة القرن األفريقي‪،‬‬ ‫ولكن تبقى احتمالية حدوث اشتباكات عسكرية بني‬ ‫اجليوش املوجودة في خليج عدن واملنطقة احملاذية له غير‬ ‫واردة؛ حيث يسير التنسيق بينها بسالسة كبيرة‪ .‬تعمل‬ ‫اجليوش باستقاللية في تلك املنطقة وتتسنى لها فرصة‬ ‫احلصول على خبرة حربية قيمة بعي ًدا عن مياهها‪ .‬فالقوة‬ ‫البحرية أحد أهم العناصر األساسية ألي دولة متلك‬ ‫طموحات إقليمية أو دولية‪ .‬ويعد خليج عدن أول مشاهد‬ ‫مسرحية جيوبوليتيكية جديدة‪.‬‬ ‫رامون باتشيكو باردو‬ ‫لقد أصبحت القرصنة قبالة الساحل الصومالي قضية عاملية كبرى‪،‬‬ ‫هجوما على سفن شحن وحامالت نفط وقوارب‬ ‫حيث وقع ‪250‬‬ ‫ً‬ ‫صيد وغيرها من السفن منذ تصاعد أعمال القرصنة عام ‪.2007‬‬ ‫هجوما على األقل في السيطرة على سفن‬ ‫جنح القراصنة في ‪60‬‬ ‫ً‬ ‫اضطر مالكها لدفع عشرات املاليني من الدوالرات لتحريرها‪ .‬لقد‬ ‫زاد خطر عبور السفن خليج عدن الذي يدعى «ممر القراصنة» من‬ ‫الكلفة على مالكي السفن‪ .‬يعد هذا اخلليج أحد أهم طرق التجارة‬ ‫في العالم‪ ،‬األمر الذي يعني أن نفقات التعامل مع هذه املشكلة‬ ‫ستكلف االقتصاد العاملي الكثير‪.‬‬ ‫تكشف خارطة القرصنة التي يوفرها مركز اإلبالغ عن عمليات‬ ‫القرصنة في املكتب البحري الدولي عن حجم املشكلة‪ ،‬فنحو‬ ‫ثلثي الهجمات الناجحة ومحاوالت الهجوم على السفن وقعت‬ ‫على ساحل الصومال‪ .‬لذلك‪ ،‬لم يكن مفاجئا استجابة القوى‬ ‫الرئيسية في العالم لدعوة األمم املتحدة في أكتوبر (تشرين األول)‬

‫‪12‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫تكشف خارطة القرصنة التي يوفرها‬ ‫مركز اإلبالغ عن عمليات القرصنة‬ ‫في املكتب البحري الدولي عن حجم‬ ‫املشكلة‪ ،‬فنحو ثلثي الهجمات‬ ‫الناجحة ومحاوالت الهجوم على‬ ‫السفن وقعت قبالة سواحل الصومال‪.‬‬


‫عددها ‪ 200‬والتي صدرت عن املؤمتر‪ ،‬وضع جدول زمني النسحاب القوات‬ ‫األجنبية من أفغانستان‪ ،‬وهو ما بدا أن كرزاي سيصادق عليه‪ .‬ولكن‬ ‫زمنيا‪ .‬وقد أثارت محاولة‬ ‫حقيقة األمر أن كرزاي ال يريد بالفعل جدوال‬ ‫ً‬ ‫نهائيا للتدخل األميركي ذعر حكومة كرزاي‪،‬‬ ‫إدارة أوباما ألن تضع موع ًدا‬ ‫ً‬ ‫حيث صرح أوباما أنه سيبدأ في سحب القوات القتالية في يوليو (متوز)‬ ‫‪ ،2011‬ولكنه تراجع عنه الحقً ا‪.‬‬ ‫وفي الشهر املاضي‪ ،‬ذهب كرزاي إلى واشنطن للتأكد من أن أوباما لم‬ ‫يكن جادًا بالفعل بشأن املغادرة في ‪ ،2011‬بل وتأكد كرزاي علنًا من‬ ‫أن القوات ستظل هناك إلى ما بعد ‪ .2011‬وعلى الرغم من أن كرزاي‬ ‫سيود رؤية أعدائه يتخلون عن أسلحتهم‪ ،‬فإن مسؤولني أميركيني‬ ‫صرحوا سرًا بأنه لن مينحهم أية سلطة سياسية حقيقية ميكن أن‬ ‫تهدد سلطته‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬فقد ضمنت‬ ‫وبالنسبة ألميركا‪ ،‬ال يبدو أن للسالم أولوية‬ ‫ً‬ ‫استراتيجية أوباما عن طريق مضاعفة القوات الغربية في أفغانستان‬ ‫إلى نحو ‪ 150000‬جندي‪ ،‬عامني أو ثالثة آخرى على األقل من‬ ‫القتال الدموي في املستقبل‪ .‬وعلى الرغم من أنها مقولة مفضلة‬ ‫لدى املسئولني األميركيني واألفغان فإنه ال يوجد «حل عسكري»‬ ‫ألفغانستان‪ ،‬فقط «حل سياسي»‪ ،‬إال أن شريحة كبيرة من املوارد‬ ‫األميركية تنفق على صناعة احلرب في أفغانستان‪ .‬وقد ضاعفت وزارة‬ ‫اخلارجية األميركية أعداد املدنيني العاملني لديها في أفغانستان إلى‬ ‫ثالثة أضعاف‪ ،‬ويقدر عددهم بـ‪ 1000‬شخص‪ ،‬وهو رقم ضئيل للغاية‬ ‫مقارنة بأعداد قوات اجليش األميركي واملقاولني املستقلني‪ .‬وستنفق‬ ‫الواليات املتحدة نحو ‪ 120‬مليار دوالر في أفغانستان في العام‬ ‫املقبل‪ ،‬وجزء صغير من هذا املبلغ فقط هو الذي سيوجه للمساعي‬ ‫الدبلوماسية واملساعدات‪.‬‬ ‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬في الوقت الذي يوجد فيه قائد عسكري واحد‬ ‫معطيا‬ ‫للقوات األميركية وقوات الناتو؛ مما يسهل عملية القيادة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لصوته مصداقية‪ ،‬يوجد على األقل خمس قيادات دبلوماسية‬ ‫أميركية وبريطانية‪ ،‬وأحيان ًا تظهر عالمات اخلالف بينهم أثناء‬ ‫محاولة تبني من املسؤول عن القيادة‪ .‬وقلل من مصداقية ذلك كل‬ ‫صوت دبلوماسي منهم‪ .‬وكتب خبير مكافحة اإلرهاب أندرو أكسوم‬ ‫أن اجلهود الدبلوماسية تسير على أساس «مخصص»‪ ،‬وكتب في‬ ‫صحيفة صدرت الشهر املاضي‪« :‬السياسة هي البقعة املظلمة في‬ ‫استراتيجية مكافحة اإلرهاب األميركية في أفغانستان»‪ .‬وإن كنا ال‬ ‫نرى في السياسة‪ ،‬فنحن أيضا ال نرى السالم‪.‬‬ ‫وها هم الذين يقاتلهم األميركيون واحلكومة األفغانية‪ :‬حركة طالبان‪،‬‬ ‫وهي في الواقع مجموعة من املقاتلني والعناصر املسلحة التي نشأت‬ ‫في الداخل‪ ،‬على اتصال عرضي بشبكات إرهابية دولية عبر احلدود في‬ ‫باكستان‪ .‬وتبدو رغبة طالبان في السالم ضعيفة على أفضل تقدير‪،‬‬ ‫خاصة منذ أن أعلنت جميع الفصائل تقري ًبا أنه لن يكون هناك سالم‬ ‫حتى تغادر أميركا‪ .‬وجعل كثيرون من القتال جتارة لهم؛ ويفخر مقاتلون‬ ‫شباب آخرون بدورهم كمجاهدين‪ ،‬وال يرون أية حوافز حقيقية للتخلي‬ ‫عن أسلحتهم‪ .‬حتى لو أرادت طالبان التوقف عن القتال‪ ،‬كان االستقبال‬ ‫عدائيا للغاية‪ .‬وفي عام ‪ ،2007‬طردت‬ ‫الذي وجدوه قبل ذلك من كابل‬ ‫ً‬ ‫حكومة كرزاي دبلوماسيني غربيني جملرد حديثهم مع طالبان‪.‬‬ ‫وكانت إحدى التوصيات الصادرة عن مؤمتر السالم رفع اسم زعيم‬ ‫طالبان املال عمر من على القائمة السوداء لدى الواليات املتحدة واألمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬وهو الشيء الذي لن يفعله األميركيون مطلقً ا‪ .‬وعلى صعيد‬ ‫آخر ليس من املرجح أن يوافق املال عمر تبني الدستور األفغاني‪ ،‬واتباع‬ ‫وجهة نظر غربية في حقوق اإلنسان‪ ،‬ونبذ العنف‪.‬‬ ‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫وبهذه الوتيرة‪ ،‬تتجه أفغانستان نحو حرب أخرى‪ ،‬وليس السالم‪.‬‬

‫*مايكل هاستينغز ‪ -‬مساهم منتظم مبجلة «جي كيو»‪ ،‬وعاد مؤخرًا‬ ‫من رحلة في أفغانستان‪.‬‬ ‫نشر هذا املوضوع في «اجمللة» بتاريخ ‪ 22‬يونيو ‪.2010‬‬ ‫‪11‬‬


‫● فن احلرب‬

‫نظرة إلي السالم ‪...‬‬ ‫وخطوات نحو احلرب‬

‫تخبط الالعبني الرئيسيني‬ ‫في بقاع أفغانستان املظلمة‬ ‫ليست مصادفة أن يشوب أول مؤمتر كبير للسالم في‬ ‫أفغانستان الكثير من التخبط‪ ،‬حيث يستعد الالعبون‬ ‫األساسيون للمزيد من احلرب في املنطقة‪ .‬حتى انسحاب‬ ‫القوات األجنبية‪ ،‬الذي أشار كرزاي علنًا أنه شرط متهيدي‬ ‫وضروري من أجل السالم‪ ،‬لن يحدث في عام ‪ ،2011‬حيث‬ ‫يحتاج الرئيس األفغاني بشدة لبقاء قوات الناتو والواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫مايكل هاستينغز‬

‫في األسبوع املاضي‪ ،‬عقدت أفغانستان أول مؤمتر كبير للسالم بها‪.‬‬ ‫ولكنه لم يبدأ بصورة جيدة‪ .‬فقد أطلق مسلحو طالبان صاروخني‬ ‫على مقر املؤمتر في كابل حيث كان الرئيس حميد كرزاي يلقي خطابه‪،‬‬ ‫وفجر انتحاري من طالبان نفسه بالقرب من املكان‪ .‬وقتلت قوات األمن‬ ‫األفغانية انتحاريني آخرين‪ ،‬وأصيب أحد حراس كرزاي بجروح خطيرة‬ ‫في الهجوم‪ .‬وأجبر هذا االنتهاك األمني اثنني من مسؤولي احلكومة‬ ‫األفغانية على التخلي عن منصبيهما؛ ففي أعقاب الهجوم‪ ،‬قبل كرزاي‬ ‫استقالة وزير الداخلية (وليس من قبيل املصادفة أنه أحد خصومه‬ ‫السياسيني) ومدير األمن القومي‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬انتهى املؤمتر الذي‬ ‫استمر ملدة ‪ 3‬أيام بإصدار نحو ‪ 200‬توصية من أجل وضع أفغانستان‬ ‫على الطريق نحو السالم‪.‬‬ ‫ولكن ال ينبغي وضع آمال عالية‪ ،‬فالدولة في حالة شبه مستمرة‬ ‫من احلرب منذ ثالثة عقود‪ ،‬وتدفقت األموال على مدار قدر مماثل من‬ ‫األعوام‪ .‬ومن احملزن أنه بعد انتهاء مؤمتر السالم‪ ،‬تأكدت مشاعر القلق‬ ‫حيال مستقبل أفغانستان‪ .‬وعلى الرغم من أهداف املؤمتر النبيلة‪،‬‬ ‫فإن املنتقدين يرونه وسيلة لكي حتصل حكومة كرزاي على مزيد من‬ ‫أموال املساعدات من اجملتمع الدولي‪ .‬ووصف عبد اهلل عبد اهلل‪ ،‬املرشح‬ ‫الرئاسي السابق واإلصالحي‪ ،‬األمر كله بـ»ممارسة العالقات العامة»‪.‬‬ ‫وانتهى املؤمتر بكشف أن حتقيق السالم الدائم أمر ً مستحيل‪ ،‬على‬ ‫األقل في الوقت الراهن‪ .‬وعلى كل حال فالالعبون الرئيسيون ال يريدونه‬ ‫حقً ا‪ ،‬وتتجه جميع املؤشرات إلى مزيد من احلرب‪.‬‬ ‫وتبدو مطالب كرزاي بالسالم على وجه التحديد مشكوكًا فيها‪ ،‬فقد‬ ‫اتفق غالبية املشاركني في املؤمتر على أنه طاملا استمر وجود القوات‬ ‫األجنبية في أفغانستان‪ ،‬سيظل السالم صعب التحقيق‪ .‬ولكن يعتمد‬ ‫كرزاي على قوات حلف الناتو من أجل بقائه وأمواله‪ ،‬فهو يريدهم‬ ‫هناك‪ ،‬على الرغم من انتقاداته الدائمة لهم بسبب قتل املدنيني‪ ،‬وهو‬ ‫ما يحقق له نقاطا سياسية في الداخل‪ .‬وكانت إحدى التوصيات البالغ‬ ‫‪10‬‬


TM1554_09_Ad.indd 9

5/7/10 14:47:08


‫●● أقوال‬ ‫احملتويات‬

‫أقوال‬ ‫"ال تسمح‬ ‫الدول النووية‬ ‫لآلخرين حتى‬ ‫باالستخدام‬ ‫ا لسلمي‬ ‫للطا قة‬ ‫النووية‪ ..‬إنهم يريدون احتكار العلم‬ ‫والتكنولوجيا ألنفسهم حلماية‬ ‫مصاحلهم املادية"‪.‬‬

‫الرئيس محمود أحمدي جناد متحدثا في حدث ثقافي إيراني في‬ ‫معرض شنغهاي إكسبو‪ ،‬حيث وصف العقوبات املفروضة على‬ ‫إيران بأنها "بال قيمة"‪.‬‬

‫"إن االقتصاد األوروبي وسط أعمق‬ ‫حالة ركود وأكثرها انتشارا في‬ ‫عصر ما بعد احلرب"‪.‬‬ ‫خواكني ألومينا‪ ،‬مفوض االحتاد األوروبي‪.‬‬

‫"بالنسبة لبعض الدول‪ ،‬تعد‬ ‫املساعدات شبكة‬ ‫أمان حتفظ‬ ‫حياة البشر‬ ‫كل يوم‪.‬‬ ‫يجب إنفاق‬ ‫أموال اململكة‬ ‫املتحدة ملساعدة‬ ‫أفقر الشعوب في أفقر الدول‪،‬‬ ‫ليحقق كل قرش اختالفا حقيقيا‬ ‫مبنح األسر فرصة وجود مستقبل‬ ‫أفضل"‪.‬‬

‫وزير التنمية البريطاني أندرو ميتشل‪ ،‬موضحا قرار اململكة‬ ‫املتحدة بتخفيض مساعدات التنمية املمنوحة لروسيا‬ ‫والصني‪.‬‬

‫‪Images © Getty Images‬‬

‫‪8‬‬

‫"هدفنا ليس معاقبة إيران؛ هدفنا‬ ‫ليس فرض عقوبات على إيران؛ هدفنا‬ ‫هو إنهاء أية شكوك حول الغرض من‬ ‫برنامج إيران النووي‪ ،‬ومنع إيران من‬ ‫احلصول على أسلحة نووية"‪.‬‬

‫هيالري كلينتون وزيرة اخلارجية األمريكية خالل مناقشتها سياسة‬ ‫بالدها‬

‫"إن مهمتي هي إعادة بناء تلك‬ ‫البالد‪ .‬ما أريد أن‬ ‫أقوله للناخبني‬ ‫في انتخابات‬ ‫مجلس الشيوخ‬ ‫هو أن إصالحاتنا‬ ‫أصبحت أكثر‬ ‫متاسكا‪ .‬لن تنتهي‬ ‫اآلمال التي وضعها‬ ‫الناخبون في احلزب الدميقراطي كمجرد‬ ‫أحالم‪ .‬فسوف تتحقق‪ .‬هذا ما أود أن‬ ‫يعرفه الناس"‪.‬‬

‫رئيس الوزراء الياباني املعني حديثا ناوتو كان‪.‬‬

‫"سيوضح قرار‬ ‫احلكومة أمام‬ ‫العالم أن‬ ‫إسرائيل تتصرف‬ ‫وفق مسؤولية‬ ‫قانونية‪،‬‬ ‫وبشفافية كاملة"‪.‬‬

‫رئيس الوزراء اإلسرائيلي نتنياهو عن قرار‬ ‫التحقيق في الهجوم على القافلة املتجهة إلى غزة‪.‬‬


‫‪52‬‬

‫‪30‬‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪7‬‬


‫● احملتوى‬

‫احملتوى‬ ‫أقوال‬

‫فن احلرب‬

‫• نظرة إلي السالم ‪...‬وخطوات نحو احلرب‬ ‫• لغز مكافحة القرصنة‬ ‫• عقيدة االنتحاري‪ ...‬من طياري «الكاميكازي» إلي مجاهدي «القاعدة»‬

‫عن السياسة‬

‫• الليبراليون السعوديون نخبة بال جذور اجتماعية‬ ‫• رمضان قديروف‪ ..‬طاغية أم رجل دين؟‬ ‫• أوباما بني قيود نتنياهو وانطالقات جان كني با‬

‫ما وراء النفط واألمن‬

‫رغم استمرار العالقات السعودية ‪ -‬األميركية وتنوعها فإن‬ ‫معادلة «النفط – األمن» لم تعد مالئمة للوصف الدقيق لهذه‬ ‫العالقة الثنائية التي باتت أكثر تركيبا من ذي قبل‪.‬‬

‫ثروة األمم‬

‫•عودة امللك‬ ‫• «التضامن العاملي» يفشل حتت وطأة احللول الفردية‬ ‫• البحث عن املواهب في دول مجلس التعاون اخلليجي‬ ‫• ليس باملال وحده نعيش علي األرض‬

‫الوضع البشري‬

‫• بريطانيا تعيد النظر في سياسة اللجوء‬ ‫• الصندوق الكويتي للتنمية يساهم في رخاء العالم النامي‬

‫‪8‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪18‬‬

‫‪26‬‬

‫‪30‬‬

‫‪40‬‬

‫ألف كلمة‬

‫‪46‬‬

‫حوارات‬

‫‪48‬‬

‫• السفير األميركي في الرياض‪ :‬السعودية نضجت‬ ‫وعالقاتنا اآلن أكثر دقة وتعقيدا‬ ‫• بن عامي ليبرالي يهودي يعارض االحتالل اإلسرائيلي‬ ‫لفلسطني‬

‫موجز عن دولة‬

‫‪54‬‬

‫النقاد‬

‫‪58‬‬

‫الكلمة األخيرة‬

‫‪62‬‬

‫‪6‬‬

‫‪26‬‬ ‫‪24‬‬


‫الكتاب المساهمون‬ ‫في هذا العدد‬ ‫كاريل ميرفي‬ ‫صحافية مستقلة‪ ،‬عاشت في مصر خمس سنوات‬ ‫وتقيم حاليا في اململكة العربية السعودية‪ ،‬عملت‬ ‫لفترة طويلة مراسلة لصحيفة «واشنطن بوست»‪.‬‬ ‫من أهم كتبها‪« :‬الشغف باإلسالم» وحتاول فيه‬ ‫استكشاف تيارات اإلسالم السياسي املعاصر وجذور‬ ‫التطرف الديني في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫حازت ميرفي مجموعة كبيرة من اجلوائز‪ ،‬كان أهمها‪:‬‬ ‫جائزة بوليتزر للتقارير الدولية (‪ ،)1991‬وجائزة جورج‬ ‫بولك للتقارير اخلارجية (‪ )1990‬على تغطيتها‬ ‫املتميزة من الكويت إبان فترة االحتالل العراقي‪ ،‬وأثناء‬ ‫حرب اخلليج الثانية (‪.)1991 – 1990‬‬

‫ستيف كليمونز‬ ‫ناشر املدونة السياسية واسعة اإلنتشار «دفتر‬ ‫مالحظات واشنطن»‪ ،‬وهي املدونة األكثر تأثيرا‬ ‫على املستوى السياسي داخل الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أنه زميل ومدير برنامج االستراتيجية‬ ‫األميركية في مؤسسة «أميريكا اجلديدة»‪ ،‬التي‬ ‫تهدف إلى تعزيز سياسات التعاون الدولي بني‬ ‫أميركا ودول العالم اخملتلفة‪ .‬يجمع في نشاطاته‬ ‫اخملتلفة بني إدراك واع وواقعي ملصالح أميركا الدولية‬ ‫ومثالية عملية حول نوع النظام العاملي األنسب‬ ‫لنهج أميركا الدميقراطي‪ ،‬ويعود تأثيره داخل أميركا‬ ‫لنشاطه السياسي املنتظم لفترة زمنية طويلة في‬ ‫العاصمة األميركية واشنطن‪.‬‬

‫ستيفان الكروا‬ ‫أستاذ العلوم السياسية املساعد في باريس‪.‬‬ ‫ومستشار سابق حول اململكة العربية السعودية‬ ‫في مجموعة األزمات الدولية‪ .‬تركز دراساته على‬ ‫اإلسالم السياسي املعاصر في الشرق الوسط‪،‬‬ ‫خاصة منطقة اخلليج العربي‪ .‬من أهم مؤلفاته‪:‬‬ ‫كتاب «صحوة اإلسالم‪ ..‬تاريخ احلركة اإلسالمية في‬ ‫اململكة العربية السعودية»‪ ،‬الصادر عام ‪.2008‬‬ ‫له كذلك مشاركات مختلفة عن اململكة العربية‬ ‫السعودية ومنطقة الشرق األوسط في عدد من‬ ‫الدوريات السياسية املهمة‪ ،‬مثل‪« :‬ميدل ايست‬ ‫جورنال»‪ ،‬الذي يصدر عن معهد الشرق األوسط‪.‬‬ ‫و«اجمللة الدولية لدراسات الشرق األوسط»‪ .‬وغيرها‬ ‫من الدوريات واسعة االنتشار‪.‬‬

‫جوليان غاردنر‬ ‫مدير «رويال بنك أوف كندا» (آر بي كيه) املتخصص في‬ ‫برامج موظفي الشركات واخلدمات التنفيذية ومقره‬ ‫جنيف‪ .‬انضم جوليان إلى «آر بي كيه» عام ‪1995‬‬ ‫وتولى إدارة العمالء و تنمية األعمال عام ‪ .2000‬وانتقل‬ ‫إلى جنيف عام ‪ 2006‬إلقامة قاعدة أوروبية لـ«آر بي‬ ‫كيه»؛ حيث شارك في تطويرها على الصعيد العاملي‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى كونه عضوا في مجلس معايير «إي إم‬ ‫إكس»‪ )EMXCO( .‬الرائدة في مجال توفير األموال‬ ‫عن طريق التعامالت اإللكترونية‪ .‬ويتألف اجمللس من‬ ‫مديري صناديق االستثمار الرائدة واملستثمرين الذين‬ ‫يقومون بتوحيد تطوير التجارة اإللكترونية لألموال‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫‪5‬‬


‫● اإلفتتاحية‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬

‫األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز‬ ‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬ ‫رئيس التحرير‬

‫عادل بن زيد الطريفي‬

‫املدير العام‬

‫طارق القني‬

‫مدير التحرير‬ ‫مانويل امليدا‬ ‫إدارة التحرير‬ ‫بوال ميجيا‬ ‫وسام الشريف‬ ‫جاكلني شون‬ ‫سكرتير التحرير‬ ‫جان سينجفيلد‬ ‫مسؤول التنمية لوسائل اإلعالم اجلديد‬ ‫ماركس ميليجان‬ ‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع املقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في االلكترونية(كندل) بـ‪kindle@majalla.com :‬‬

‫تنويه‬

‫املقاالت الواردة في اجمللة ال متثل أي إجماع في الرأي‪ ،‬ومن غير املتوقع أن يتجاوب قراؤنا مع‬ ‫جميع األفكار املطروحة هنا‪ ،‬حيث يختلف بعض مؤلفينا في الرأي مع غيرهم‪.‬‬ ‫حقوق النشر محفوظة جمللة اجمللة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث‬ ‫والتسويق (اململكة املتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة‬ ‫اجمللة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة‬ ‫إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون احلصول على تصريح مسبق من‬ ‫الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة)‪ .‬وتصدر اجمللة أسبوعيا ً باستثناء‬ ‫إصدارين مدمجني في واحد بصورة دورية وإصدارات إضافية أو مزيدة أو موسعة‪ .‬لتلقي‬ ‫استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪London Office Address‬‬ ‫‪HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited‬‬ ‫‪Arab Press House 182-184 High Holborn,‬‬ ‫‪LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539‬‬ ‫‪2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181,‬‬ ‫‪Fax: +(0)20 7831 2310‬‬ ‫‪E-Mail: editorial@majalla.com‬‬

‫اإلعالن‬ ‫لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ‪:‬‬

‫‪Mr. Wael Al Fayez‬‬ ‫‪w.alfayez@alkhaleejiah.com‬‬ ‫‪Tel.: 0096614411444,‬‬ ‫‪M.: 00966505475131, F.: 0096614400996‬‬ ‫‪P.O.BOX 22304, Riyadh 11495, Saudi Arabia‬‬

‫صورة الغالف من © ‪Getty Images‬‬

‫‪4‬‬

‫التحرير‬

‫عزيزي القارئ‪،‬‬

‫أما زالت معادلة «النفط واألمن« هي املعادلة التي ميكن من خاللها فهم طبيعة‬ ‫العالقة األكثر تركيبا في الشرق األوسط‪ ،‬بني اململكة العربية السعودية والواليات‬ ‫املتحدة األميركية‪ ،‬خاصة في ظل عالقات دولية شديدة التغير؟‬ ‫حول هذا التساؤل املعقد تشير كاريل ميرفي في مقالها املعنون «العالقات السعودية‬ ‫األميركية‪ ..‬ما وراء النفط و األمن» إلى فترة التوتر التي مرت بها العالقات السعودية –‬ ‫األميركية خالل عقد التسعينات‪ ،‬ثم الضربة شبه القاصمة مع بداية األلفية امليالدية‬ ‫الثالثة بعد هجمات احلادي عشر من سبتمبر (أيلول) ‪ 2001‬وما تالها من أحداث‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من استمرار العالقات بني البلدين بل وتنوعها‪ ،‬فإن معادلة «النفط –‬ ‫األمن« لم تعد – حسب ميرفي – مالئمة للوصف الدقيق لهذه العالقة الثنائية التي‬ ‫باتت أكثر تركيبا من ذي قبل؛ حيث إن «كثيرا من املتغيرات اإلقليمية ستلعب –حتما‬ ‫ دورا حيويا في حتديد مستقبل العالقة بني البلدين‪ ،‬ومن بني هذه املتغيرات‪ :‬األزمة‬‫اإلسرائيلية ‪ -‬الفلسطينية ومطامع إيران النووية»‪.‬‬ ‫وفي حتليل آخر مثير للمتابعة في مقال حتت عنوان‪« :‬يحاول جاهدا اإلمساك بخيوط‬ ‫السياسة الدولية‪ ..‬أوباما بني قيود نتنياهو وانطالقات جان كني با»‪ ،‬يطرح ستيف‬ ‫كليمونز حتليال شائقا حول «كيفية التعبير عن القوة السياسية عامليا» من زاوية‬ ‫اجلغرافيا السياسية؛ من خالل حتليله الهادئ للنفوذ الذي يتمتع به قادة كل من‬ ‫الواليات املتحدة وإسرائيل والصني واليابان‪ ،‬والضغط الذي ميكنهم ممارسته على‬ ‫بعضهم البعض‪ ،‬ومدى تأثير ذلك على طبيعة اجلغرافيا السياسية عامليا‪.‬‬ ‫ندعوك‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬لتأمل هذه األفكار وغيرها الكثير على موقعنا اإللكتروني‬ ‫‪ ..: www.majalla.com.ar‬نرحب دائما بآرائك وندعوك إلى التعليق على املوضوعات أو‬ ‫االتصال بنا‪ ،‬إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬ ‫خالص التمنيات‬

‫عادل الطريفي‬ ‫رئيس التحرير‬


TM1553_02-03_Ad.indd 2

7/6/10 07:19:36


TM1553_02-03_Ad.indd 3

7/6/10 07:19:42


‫العدد ‪ ،1554‬أغسطس ‪2010‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫ما وراء‬ ‫النفط واألمن‬

‫رغم استمرار العالقات السعودية‬ ‫ األميركية وتنوعها فإن معادلة‬‫«النفط – األمن» لم تعد مالئمة‬ ‫للوصف الدقيق لهذه العالقة‬ ‫الثنائية التي باتت أكثر تركيبا من‬ ‫ذي قبل‪ .‬كاريل ميرفي‬

‫‪Issue 1554‬‬

‫فن احلرب‬

‫ ‪The Majalla‬‬

‫فتحت القرصنة الصومالية األبواب أمام‬ ‫منافسة قوي عظمي‪ ...‬و خليج عدن هو املكان‬ ‫االول الذي يشهد لعبة جيوسياسية جديدة‪.‬‬

‫حوارات صريحة‬

‫يتحدث السفير األميركي في الرياض جيمس بي‬ ‫سميث عن واحدة من أهم العالقات الثنائية بالنسبة‬ ‫للواليات املتحدة األميركية‪.‬‬

‫السياسة‬

‫يدعي ليبراليون سعوديون حتدثهم باسم "األغلبية‬ ‫الصامتة"‪ ،‬إال أن هؤالء الناشطني يواصلون متثيل‬ ‫مجموعة نخبوية بال صالت قوية باجملتمع‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.