TM1554_OBC_Ad.indd 64
5/7/10 15:42:56
● الكلمة األخيرة
نار حتت الرماد كما توقع بعض املراقبني ،مرت ذكرى االنتخابات اإليرانية دون قيام مظاهرات كبيرة أو أي أحداث بارزة ،وباستثناء بضعة اعتقاالت في صفوف الطلبة واعتداء منفرد بحق مهدي كروبي -مرشح الرئاسة السابق ،-فإن النظام اإليراني قد أثبت بأنه فسر على أنه سيد املوقف ،حتى إن تراجع زعماء احلركة اخلضراء املعارضة عن تنظيم املظاهرات قبل أيام من حلول الذكرى ّ عجز حقيقي في قدرة املعارضة على تسيير مظاهرات معارضة بحجم تلك التي خرجت قبل عام ،وأن عملية االعتذار خوفا من التدابير األمنية التي يهدد بها النظام واقعية بسبب انحسار أعداد املعارضني عما كانوا عليه. عادل الطريفي كما توقع بعض املراقبني ،مرت ذكرى االنتخابات اإليرانية دون قيام مظاهرات كبيرة أو أي أحداث بارزة ،وباستثناء بضعة اعتقاالت في صفوف الطلبة واعتداء منفرد بحق مهدي كروبي -مرشح الرئاسة السابق ،-فإن النظام اإليراني قد أثبت بأنه سيد املوقف ،حتى إن تراجع زعماء احلركة اخلضراء املعارضة عن تنظيم املظاهرات قبل فسر على أنه عجز حقيقي في قدرة املعارضة أيام من حلول الذكرى ّ على تسيير مظاهرات معارضة بحجم تلك التي خرجت قبل عام، وأن عملية االعتذار خوفا من التدابير األمنية التي يهدد بها النظام واقعية بسبب انحسار أعداد املعارضني عما كانوا عليه. البعض يرجع أسباب تراجع احلركة اخلضراء إلى جناح السلطات اإليرانية ال سيما عبر دعم احلرس الثوري وميليشيات الباسيج إلعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي جناد بالقوة ،وأن سلسلة احملاكمات وأحكام السجن واإلعدام التي مورست بحق مؤيدي املعارضة في ظل عجز قياداتها من أمثال رفسنجاني ،وموسوي ،وخامتي ،وكروبي تثبت أن املعارضة للنظام القائم ال تزال ضعيفة وعاجزة عن تغيير األوضاع في الساحة السياسية اإليرانية .في هذا السياق ،يقول احمللل السياسي رضا أسفيندياري« :إنه وعلى الرغم من االتهامات بتزوير االنتخابات فإن الدالئل تشير إلى كون نتائج االنتخابات أصلية، وأن األغلبية في إيران تدعم احلكومة ،وأن فشل احلركة اخلضراء في االنتشار مرده إلى عجزها عن اخلروج عن دائرة النخبة السياسية وقاعدتها من الطبقة الوسطى». بيد أن هناك من يرى أن جو التهدئة الذي نراه يخفي حتته قدرا كبيرا من الغضب واالحتقان الداخلي ،أو كما عبر عنه تقرير نشرته «نيويورك تاميز» (بتاريخ 12يونيو) بـ«نار حتت الرماد» ،حيث ذكر التقرير أن املرشد األعلى آية اهلل خامنئي والرئيس أحمدي جناد رمبا يظهران كمنتصرين في هذه املرحلة ،ولكن الكثيرين في إيران يشعرون اليوم بأن احلركة اخلضراء رغم تراجعها الظاهري فإن املعارضة اخلفية خارج إطار مظلة احلركة باتت أكبر وأشد اختالفا مع النظام السياسي القائم .وإذا صح هذا التقدير فإن املؤسسة السياسية بشقّ يها احملافظ واإلصالحي قد خسرت حتدي التغيير نتيجة خلالفها حول السلطة ،والثورة التي كانت من أجل الشعب قد باتت نظاما يحكم بالقوة شعبا شابا ولد أبناؤه بعد الثورة. في الوقت الذي يشعر فيه احملافظون اجلدد في طهران باالنتصار على املعارضة في الداخل ،فإن إيران باتت تعاني عزلة دولية تشبه إلى حد كبير سنوات ما بعد الثورة ،فقد مررت الدول الكبرى حزمة عقوبات رابعة مبشاركة أصدقاء إيران كروسيا والصني .وفي حني تبدو احلكومة اإليرانية غير مكترثة لتلك اخلسارة االستراتيجية، فإن البلد قد يواجه -حسب رأي بعض املراقبني -حتديات اقتصادية كبيرة على الصعيد الداخلي.
60
خالل عامي 2007و 2008حققت إيران دخال كبيرا من وراء عائداتها البترولية ،وقد ساعدت أسعار البترول التي بلغت 150دوالرا احلكومة املركزية على تغطية إنفاقاتها الباهظة ملشروعات الدعم اخلاصة بالفقراء ،الذين هم في احلقيقة القاعدة الشعبية للرئيس أحمدي جناد .بيد أن األهم هو أن إيران تواجه حصارا اقتصاديا قد يضر بتجارتها اخلارجية .ففي عام 2008بلغت التجارة بني طهران وأكبر خمسة بلدان آسيوية متعاملة معها قرابة املليار دوالر، وكان لصادرات إيران لدول مثل اإلمارات العربية املتحدة ،والعراق، وأفغانستان النصيب األكبر ،ولكن تلك التجارة مهددة بالتراجع إلى مستويات عام ،2001والتي لم تتعد 500مليون دوالر ،في حال طبقت العقوبات بشكل أكثر صرامة مما كانت عليه في السابق. في كتابه الهام «صعود الطبقة الوسطى اجلديدة في العالم اإلسالمي» يجادل والي نصر ( )2009بأن «املعركة الكبرى لروح إليران -ومستقبل املنطقة بأسرها -لن يكون حول الدين أو الطائفة ،بل حول حرية التجارة والرأسمال» ،ولهذا فإن العقوبات االقتصادية بحق طهران سيكون لها نتائج كبيرة .حاليا ،يبلغ الناجت احمللي اإلجمالي إليران مستوى مماثل لوالية أميركية مثل ماسوشتس، وهي تنفق ما مقداره 6مليارات دوالر على تسلحها العسكري ،وهو رقم ال يبلغ نصف ما تنفقه دول مثل إسرائيل أو تركيا ،وغيرها من الدول اخلليجية في املنطقة .كما يجادل اخلبراء بأن وضعا اقتصاديا كهذا ال يخول إيران أن تكون دولة عظمى باملعايير اإلقليمية ،فكيف مبواجهة دول كالواليات املتحدة أو االحتاد األوروبي. احملافظون اجلدد في طهران يجادلون بأن احلصول على تكنولوجيا السالح النووي -وليس بالضرورة امتالك ترسانة من السالح النووي هو بالضرورة اإلجابة على التهديدات اخلارجية التي يواجهونها ،وأنالدول الغربية وبالذات دول املنطقة ستضطر إلى تصحيح مواقفها واالعتراف مبوقع إيران كدولة عظمى .صحيح أن بلوغ املقدرة النووية احلربية قد يغير من موازين القوى إقليميا ،ولكن ذلك لن يغير شيئا في موازين الصراع الداخلي .يشير راي تاكيه (حراس الثورة )2009 إلى أن سياسة املاللي اليمينية املتشددة بالتحالف مع العسكر رمبا ضمنت لهم التفوق في صراعهم اإلقليمي مع اجملتمع الدولي، ولكن حتديات الداخل رمبا تكون التحدي األكبر إزاء استمرارهم في السلطة ،وفي النهاية كان الفشل في حل مشكالت الداخل هو السبب الرئيسي في فشل دول قوية كاالحتاد السوفياتي ،أو النظام العنصري في جنوب أفريقيا. قد يكون احملافظون اجلدد جنحوا في هذه اجلولة ،ولكن وكما يقول املثل الفارسي« :في العفو لذة ليست في االنتقام» ،وهو درس من الواضح أنهم ال يدركونه ،فإيران لن تعود كما كانت في السابق، فحمى الغضب واالنتقام ما تزال مستعرة حتت الرماد.
Rachid Kora誰chi Ecstatic Flow
11th June - 10th July 2010
Rachid Kora誰chi Ibn El Arabi, 2009 (detail). Lithograph, 61 x 40 cm, ed. 70 + 5AP
AN EXHIBITION OF NEW WORKS CELEBRATING THE LIVES AND TEACHINGS OF SUFI MASTERS Saturday 12th June at 3pm. GALLERY TALK: Rachid Kora誰chi will talk about his art at October Gallery. Admission Free. October Gallery, 24 Old Gloucester Street, London WC1N 3AL art@octobergallery.co.uk Tel: + 44 (0)20 7242 7367 Tues - Sat 12.30-5.30 or by appointment October Gallery Trust Registered Charity No. 327032
TM1554_61_Ad.indd 61 PDF_add.indd 1
www.octobergallery.co.uk 5/7/10 15:42:16 25/05/2010 15:47
نقاداألمم ●●ثروة
مقاربة أميركية لـ«اجلنائية الدولية» من روما إلى كمباال:
خاصة ،وأن احملكمة اجلنائية الدولية تتمنى املوافقة على تعريف «العدوان» وتفعيل سلطتها على جرائم العدوان. ويوضح التقرير أن اإلدارة األميركية تعتبر ذلك البند قضية سياسية وليس قضية قانونية فقط .ووفقا للتقرير ،فإن تضمني جرائم العدوان باعتباره عمال عدوانيا سوف يعزز شرعية احملكمة اجلنائية الدولية .ويذكر املؤلف« :إنه يعرض الواليات املتحدة وزعمائها إلى خطر احملاكمة ملا يعتبرونه أفعال أمنية ضرورية ومشروعة».
مجلس العالقات اخلارجية ،أبريل (نيسان) 2010
كما ميكن أن يضع ذلك التغير الواليات املتحدة في موقف ضعف في ظل عملياتها العسكرية في اخلارج .فإذا ما مت إضافة العدوان إلى صالحيات احملكمة اجلنائية الدولية ،فمن املؤكد أن الواليات املتحدة لن تنضم .ولكن أليست تلك هي الطريقة التي تعمل بها العدالة ،أال يجب أن حتاسب كافة الدول على أفعالها؟
عدالة املنتصر تقبض روح القانون الدولي
يكفل تقرير حديث جمللس العالقات اخلارجية ،يناقش مستقبل عالقة أميركا مع احملكمة اجلنائية الدولية ،حصانة املواطنني األميركيني .ومع ذلك ،فإن إشارته إلى رفض الواليات املتحدة االلتزام بقواعد احملكمة اجلنائية الدولية هو محل للشك خاصة في ظل أهمية األحكام العاملية للمحكمة اجلنائية الدولية بالنسبة لقدرتها على تطبيق العدالة حول العالم. عندما جلس تشرشل وترومان وستالني على طاولة املفاوضات في 1945ملناقشة مصير مجرمي احلرب النازية ،فإنهم أسسوا أول محكمة عاملية جلرائم احلرب .وبالرغم من أن محاكمات نورمبرغ قد أسفرت عن تقدمي دولة وزعماءها للعدالة بتهم ارتكاب جرائم ضد اإلنسانية ،فقد تعرضت تلك احملاكمات ،لألسف، النتقادات واسعة نظرا النحيازها والقيود اخلاصة التي أثرت على عدالة تلك احملاكمات. كما مت استثناء جرائم احللفاء ،والتي كانت على نفس القدر من البشاعة من احملاكمات ،مما دفع بعض املعلقني لنعت محاكمات نورمبرغ بأنها محاكمات استعراضية تعتمد «عدالة املنتصر». وفي تقرير حديث نشره مجلس العالقات اخلارجية مت تفسيره باعتباره حالة تقليدية من حاالت تسييد عدالة املنتصر .ويناقش التقرير مستقبل عالقة أميركا باحملكمة اجلنائية الدولية في ظل حصانة املواطن األميركي من احملاكمة .وخالل الربيع القادم سوف تناقش الدول من كافة أنحاء العالم الشرعية الدولية للمحكمة اجلنائية الدولية باملؤمتر االستعراضي للمحكمة اجلنائية الدولية الذي سوف يعقد بكمباال بأوغندا .ويستعرض التقرير العالقة املتوترة بني احملكمة اجلنائية الدولية والواليات املتحدة ويضع توصيات ملقاربتها للمؤمتر حلماية املصالح األميركية. بعد أكثر من خمسني عاما من نورمبرغ ،وفي عام 2002مت تأسيس احملكمة اجلنائية الدولية مبوجب اتفاقية «نظام روما» .ويقع املقر الرئيسي للمحكمة بهولندا وهي مسؤولة عن محاكمة الذين ينتهكون حقوق اإلنسان ،واملشاركني في جرائم احلرب الدولية .ومنذ تأسيسها كانت اإلدارات األميركية املتتالية مترددة في املصادقة على االتفاقية واحلصول على العضوية الرسمية؛ نظرا العتراض الواليات املتحدة على عدة نقاط تتعلق بسلطة احملكمة وصالحيتها؛ حيث تتمتع احملكمة الدولية باستقاللية عن األمم املتحدة ولديها احلرية في التهم املشتبه بهم دون احلصول على إذن مجلس األمن التابع لألمم املتحدة. وهو ما يترك الواليات املتحدة عرضة للمحاكمة بدون قدرتها على استغالل حق الفيتو الذي متتلكه داخل األمم املتحدة .باإلضافة إلى أن واشنطن لديها مخاوف بشأن سلطة احملكمة في محاكمة اجلنسيات غير املوقعة على االتفاقية إذا ما وقعت اجلرائم في دولة من الدول املوقعة على االتفاقية. ويعرض ذلك البند اجليش األميركي وقوات حفظ السالم املشاركني في العمليات العسكرية اخلارجية إلى احملاكمة. ومن جهة أخرى ،فإنه من غير املرجح أن تنضم الواليات املتحدة إلى احملكمة اجلنائية الدولية حتى وإن مت إجراء تعديالت محددة على االتفاقية في كمباال. 58
مما الشك فيه أن املتظاهرين الذين يحملون الالفتات التي تدين حرب العراق باعتبارها غير شريعة سيرحبون بتضمني جرمية العدوان ضمن صالحيات احملكمة اجلنائية الدولية. وجدير بالذكر أن املؤلف ذكر احملاكمات التي ميكن أن تتعرض لها الواليات املتحدة إذا ما شنت حربا على إيران في حال تصاعد الصراع حول األسلحة النووية .وذلك بالتحديد هو ما يجعل احملكمة اجلنائية الدولية بتلك األهمية في تنظيم العدالة الدولية .فبإمكان احملكمة اجلنائية الدولية أن تصبح رادع للعمليات العسكرية األميركية املستقبلية. وقبل أن تدق أجراس اخلطر في مجلس الشيوخ ،يجب أن يتذكر السياسيون األميركيني أن احملكمة اجلنائية الدولية ليست سوى امللجأ األخير؛ حيث سيتم إحالة القضايا إلى احملكمة اجلنائية الدولية فقط إذا ما فشلت احملاكمة الوطنية أو كانت غير مستعدة إلجراء تلك احملاكمات. وذلك كله يعكس عدم استعداد الدولة لاللتزام بقوانني أحد غيرها .فقد كانت الواليات املتحدة تقلل باستمرار من شأن احملكمة اجلنائية الدولية خاصة خالل إدارة بوش .وقد مت مترير عدة قرارات داخل الكونغرس ملنع مشاركة املعلومات مع احملكمة اجلنائية الدولية والتأكد من استثناء املواطنني األميركيني من سلطات احملكمة اجلنائية الدولية .وبعد ذلك شهدت العالقات قدرا أكبر من الدفء في ظل تأييد الواليات املتحدة القوي للقضايا التي عملت عليها احملكمة اجلنائية الدولية في سيراليون أو في السودان .يقدم التقرير املؤمتر القادم باعتباره فرصة بالنسبة للواليات املتحدة للتأثير على احملكمة اجلنائية الدولية دون االلتزام أو اخلضوع للمسائلة أمامها. ويطرح املؤلف إستراتيجية دفاعية ملفاوضاتها مع احملكمة اجلنائية الدولية في املؤمتر االستعراضي ،فسوف حتضر الواليات املتحدة باعتبارها مراقب ولكنها تتمنى أن يتم اإلصغاء لصوتها من خالل إرسال ممثل رفيع املستوى .ويوصي املؤلف بأن تدفع الواليات املتحدة من أجل تفعيل جرائم العدوان فيما تقدم تقييم بناء حول أداء احملكمة .وسوف جتد إدارة أوباما صعوبة في تعزيز املصالح األميركية بني األعضاء الضجرين بدون اإلعالن عن قدر من التأييد .ويقترح املؤلف أن تقدم الواليات املتحدة دعما ماليا وعمليا إذا ما مت تلبية طلباتها. ويوصي مبساندة نوابها للمبادرات مثل الوصول للضحايا وللتأكد من تضمني أكبر لشهادات الضحايا في إجراءات احملاكم .وأخيرا ،يقول إنه يجب أن تظهر الواليات املتحدة التزاما بتأييد احملكمة من خالل القبض على املتهمني وحتسني قدرة احملاكم الوطنية في معاجلة تلك القضايا خاصة في أفريقيا حتى ال تضطر احملكمة اجلنائية أن تفعل ذلك. ويجب على الواليات املتحدة أال تأمل في احلصول على استثناء مطلق من عقوبة ،فيجب أن يتم تطبيق العدالة دون استثناء على اجلميع .وكما يذكر املؤلف فإن احملكمة اجلنائية الدولية تعتمد على مبدأ العاملية .فكيف إذن يشير إلى أنها تقوم بلي عنق مبادئها ملوائمة املصالح األمنية األميركية؟ عندما يجتمع ممثلي دول العالم في كمباال يجب عليهم أال يرتكبوا نفس األخطاء التي ارتكبها سلفهم في 1945ولكنه يجب أن يسمح للمحكمة اجلنائية الدولية بأداء دورها كمحكمة محايدة وبالتالي جتنب االتهامات بأنها عدالة املنتصر. مت نشر املقال في اجمللة في 2يونيو (حزيران) .2010
بعد حتررها من أوهام احلرس الثوري و الباسيج
الثورة اخلضراء ترفع شعار «املوت للدكتاتور» في إيران املوت للديكتاتور! هو شهادة شجاعة ومؤثرة حول الثورة اخلضراء التي وقعت في إيران خالل العام املاضي .يصطحب املؤلف القارئ داخل شوارع إيران املكتظة وخلف قضبان زنازنها الشهيرة في خطوة تكتيكية صادمة لتعزيز الوعي باالنتهاكات الفظيعة التي ميارسها النظام فيما يتعلق بحقوق اإلنسان. املوت للديكتاتور! هو شهادة شجاعة ومؤثرة حول الثورة اخلضراء التي وقعت في إيران خالل العام املاضي .يصطحب املؤلف القارئ داخل شوارع إيران املكتظة وخلف قضبان زنازنها الشهيرة في خطوة تكتيكية صادمة لتعزيز الوعي باالنتهاكات الفظيعة التي ميارسها النظام فيما يتعلق بحقوق اإلنسان. لقد كان العالم خالل يونيو (حزيران) يشاهد بذهول خروج اآلالف من املتظاهرين إلى الشوارع اإليرانية احتجاجا على نتائج االنتخابات الرئاسية .ويسمح كتاب أفساني مقدم «املوت للدكتاتور!» للقارئ بالنظر إلى ما وراء األخبار فيما يتعلق باحتجاجات املتظاهرين في طهران واملقاومة امللهمة واملتحررة من األوهام حلركة اإلصالح اإليرانية. تتسم الثورة اخلضراء ،االسم الذي أطلق على تلك احلركة ،بردود أفعالها غير العنيفة وغير املتكافئة في الوقت نفسه مع رجال أحمدي جناد: احلرس الثوري وقوات الباسيج املكروهة. تعتمد القصة على األحداث احلقيقية التي شهدها املؤلف ،والذي كان ضمن املتظاهرين ،وقد مت تقدميها بعيون البطل محسن أباسبور .ويشير استخدام املؤلف وشخصياته ألسماء مستعارة إلى مدى اخلوف املنغرس في املواطنني الذين يعيشون حتت وطأة الدكتاتورية العسكرية. يفتح املشهد على اجلسد النحيل احملطم حملسن ،واملسجى على جانب الطريق واملشوه ببشاعة حتى أنه ال يستطيع أن ينطق أو يتحرك .ثم يتضح تدريجيا أن محسن ،املؤيد املتعاطف للمرشح اإلصالحي مير حسني موسوي واملشارك النشط في التظاهرات ما بعد االنتخابات كان مسجونا وأنه قد تعرض لتعذيب ال يوصف على يد املليشيات احلكومية؛ فقد كان محسن يتعرض باستمرار لالغتصاب والضرب بوحشية ،ولم تقتصر جراحه على اجلراح اجلسدية بل طالت اجلراح النفسية أيضا .فقد كان يشعر إلى حد كبير باإلهانة بعدما اضطر حتت وطأة التعذيب إلى االعتراف بأسماء زمالئه من املتظاهرين. يتسم اجلو العام للكتاب باالنهزامية؛ حيث أصبح محسن في النهاية مستعد ملغادرة بالده بعدما كان في بداية القصة «يتعهد بأال يغادر وطنه أبدا» .فقد دفعه سوء املعاملة في السجن إلى التخلي عن أمله وأحالمه .واملفارقة القاسية هي أنه ،على غرار زعماء اإلصالحيني في االنتخابات ،فإن محسن «تعرض للهزمية على يد أحمدي جناد». وبالرغم من اجلانب الكئيب للقصة ،فإنها تتصف باحلميمية ،باإلضافة العدد ،1554أغسطس 2010
إلى اجلاذبية من خالل أسلوبها السردي والتفاصيل الثقافية التي تتسم بحس الدعابة .وبروح إيرانية خالصة ،يلقى املؤلف بالضوء على بعض الصعوبات التي يواجها اإليرانيون في حياتهم اليومية؛ حيث وصف أزمة احلصول على جواز سفر إيراني بأنها تستدعي «نفس رد الفعل الذي يستدعيه اجلسد الدافيء لطائر ميت» عندما يهبط على مكتب إدارة الهجرة .وقد مت رسم شخصية محسن كشخص عادي للغاية؛ فهو ممثل للعديد من اإليرانيني الذين ما زالوا يعيشون داخل وطنهم؛ حيث إنه ما زال يعيش مع والديه ويبحث عن وظيفة وعن عروس املستقبل .وقد رسم املؤلف شخصيته كنموذج للشخص اإليراني مبطالبه املشروعة حول الدميقراطية واحلياة اخلالية من اخلوف واإلساءة. لقد ضمت الثورة اخلضراء إيرانيني من كافة أنحاء اجملتمع «شباب وعجائز وطالب وأغنياء وربات منازل ومدنون ورجال دين »...والقائمة طويلة .فقد كانت الثورة اخلضراء من حيث نطاقها وعددها تشبه إلى حد مذهل الثورة اإليرانية في .1979ويربط مقدم بني ثورة 1979واملظاهرات التي وقعت قبل ثالثني عاما .وهناك اختالفات واضحة :فعلى النقيض من اجليل السابق فإن من خرجوا إلى الشوارع في يونيو (حزيران) املاضي لم يكونوا يقومون بثورة بل كانوا يرغبون في إجراء إصالح دستوري .كما حصل ذلك اجليل من املتظاهرين على تعليم أفضل من سلفه ،فقد استخدموا العقل بدال من القوة البدنية في معركة التغيير .ويناقش املؤلف املفارقة وأهمية شعار «اهلل أكبر!» الذي بدأ استخدامه في البداية من على قمة األسطح خالل الثورة اإلسالمية في ،1979والذي استخدم مرة أخرى خالل االحتجاجات على نتائج االنتخابات في :2009 « حيث لم يعد ذلك الشعار دينيا فقد أصبح شعارا للحقيقة». وينتقد مقدم خامنئي ،الزعيم الديني إليرانن والذي يتمتع بسلطة مطلقة مبوجب الدستور اإليراني .وبالرغم من أن تبجيل خامنئي يعد مسألة فطرية بالنسبة لإليرانيني ،فقد وصف املؤلف اجلمهورية اإلسالمية وخامنئي بعد رد فعله جتاه االنتخابات بأنهم قد اتخذوا «هيئة فاشية جديدة ومعسكرة» .جدير بالذكر أن حتى اإلصالحيني كانوا يرغبون في اإلميان بخامنئي وبحياده فيما يتعلق بنتائج االنتخابات املتنازع عليها .ففي األيام التي تلت االنتخابات كان الناس يتطلعون خلامنئي بحثا عن إجابات ،وكان اإلصالحيون يأملون أن يأمر بإعادة الفرز .ولكن آمالهم ذهبت سدى ،حيث أكد مقدم أن خامنئي ليس أكثر من دمية في يد أحمدي جناد .وفقد محسن الذي كان مؤمنا في البداية بخامنئي احترامه للرجل .حيث وصف خامنئي بأنه « محاط بهالة زائفة مزينة بالصلوات». لقد عرفت الثورة اخلضراء أيضا بثورة تويتر؛ حيث مت استخدام تويتر وغيره من مواقع الشبكات اإللكترونية من قبل املتظاهرين للتواصل سرا ولتنظيم جتمعاتهم واحتجاجاتهم بعيدا عن رقابة الدولة .وكان محسن يحاول باستمرار أن يتغلب على برامج التنقية (الفالتر) التي تضعها الدولة على مواقع «الفيسبوك» و»البي بي سي» الفارسية و»صوت أميركا» .وكانت شبكة اإلنترنت هي املكان الذي وجد فيه احلرية بعيدا عن القمع الذي ميارس في كل مكان .متقوقعا في شقته ،كان يجلس أمام الشاشة لكي يكتشف ما الذي يحدث أمام عتبة بيته .فقد أثبتت شبكة اإلنترنت أنها أداة منقطعة النظير في الربط بني اإليرانيني بعضهم البعض وربطهم بالعالم اخلارجي .وبدون شبكة اإلنترنت ،كان احلشد املذهل لإليرانيني سوف يظل خلف األبواب املغلقة للجمهورية اإلسالمية. واحلقيقة املؤسفة هي أنه بعد أن خبا الهوس اإلعالمي ،نسى العالم قصة االحتجاجات اإليرانية الشجاعة فيما استمر أشخاص مثل محسن في التعرض لإلساءة على يد الدكتاتورية العسكرية كل يوم .إن كتاب «املوت للدكتاتور!» هو شهادة مؤثرة حول هؤالء الذين شاركوا في الثورة اخلضراء وهي القصة التي رغم جهود النظام القوية في إخفائها قد متكنت من الوصول إلى اجلمهور الغربي عبر قلم أحد ضحاياها .ويعد كتاب مقدم ضروري في تقدمي صوت هؤالء الباحثني عن حقوق اإلنسان والدميقراطية في ظل الدكتاتورية املطلقة إليران .وليس بإمكان القارئ إال التساؤل حول مصير الشخصيات ،واألشخاص احلقيقيني الذين ما زالوا يعانون بعد كتابة الفصل األخير من القصة.
مت نشر املقال في اجمللة في 25يونيو (حزيران) .2010
57
● نقاد
رغم تواريها وامتالئها بالنزاعات
«الذاكرة اجلمعية» ترسم مالمح املستقبل سوزان كارستيد
في كتاب كارستيد األخير« ،املؤسسات القانونية والذاكرة اجلمعية» ،تستكشف املؤلفة أهمية املاضي بالنسبة للمصاحلة واالستقرار خاصة بعد فترات التوتر في التاريخ. وأخذا في االعتبار الطبيعة املعقدة والعدائية ملعظم فترات التاريخ العاملي .يعد كتاب كارستيد حتليال فلسفيا مالئما حول كيفية معاجلة املاضي على نحو يسمح للمجتمعات تسمح املؤسسات القانونية «للشهود بأن يقدموا في قاعات احملكمة التجارب والذكريات املتعلقة بالرعب والعنف الذي كان بالتعايش سلميا. فعلى الرغم من أنه ينظر في العادة إلى املؤسسات القانونية باعتبارها مصدرا للعدل فإنه نادرا ما يتم التعامل معها باعتبارها اإلطار الذي يتم تأسيس التاريخ عليه. وعلى الرغم من أن كتاب كارستيد مقنع في تقدمي ذلك ،فإن املؤسسات القانونية ترتبط على نحو أساسي بالذاكرة اجلمعية للمجتمعات.
لقد تعلمنا أنه يتوجب علينا دراسة التاريخ؛ ألن األمم ،مثلها مثل األشخاص، تستطيع اإلفادة من ماضيها .وما يتم إغفاله عادة من تلك النصيحة هو أن التاريخ ال يتكون بالضرورة من حقائق. فعلى الرغم من أن هناك ،قطعا، سلسلة من األحداث تشكل التاريخ، فإنه نادرا ما يتم استدعاء التاريخ باعتباره تتابعا موضوعيا لألحداث .بل إن تاريخ اجملتمعات بدءا من األمم وصوال إلى اجلماعات الدينية يتم تذكره في العادة بطريقة محددة ،كما أنه يؤدي دورا حيويا للمجموعة التي يعبر عنها. كما يشكل ذلك التاريخ السائد أو الذاكرة اجلمعية ليس فقط تاريخ ذلك اجملتمع ولكن قيمه وأهدافه كذلك .ويعد تأسيس الذاكرة اجلمعية والتاريخ املشترك والقيم اخلاصة بجماعة ما هو موضوع النسخة األخيرة من كتاب سوزان كارستيد بعنوان «املؤسسات القانونية والذاكرة اجلمعية». وتعتمد تلك اجملموعة من املقاالت على التاريخ الدولي لكي تبرز كيف ميكن أن تشكل قراءة محددة للماضي هوية اجملموعات .ومن خالل األمثلة التي تراوحت من الهولوكوست إلى مذبحة رواندا باإلضافة إلى إرث الشيوعية في أوروبا الشرقية ،يطر ح الكتاب كيف عاجلت اجملتمعات التي تعرضت لتلك األزمات تلك الفترات املأساوية من التاريخ .واألهم من ذلك ،يقيم الكتاب العالقة بني الطريقة التي يتم بها تذكر تلك األحداث وقدرة تلك اجملتمعات على التصالح مع ماضيها. ويستكشف الكتاب العالقة بني التعايش والعدالة والتذكر والنسيان ،على نحو مقنع .فهل التسامح يعني النسيان؟ هل ميكن أن يصبح التذكر خطرا ودافعا لالنتقام؟ وهل من املمكن على املستوى العملي حتقيق العدالة عندما متارس اجملتمعات بأسرها التمييز ضد بعضها البعض؟ وهل ميكن أن تنتقل الدولة من مرحلة قمع السلطة إلى الدميقراطية دون معاجلة ماضيها؟ لألسف فإن معظم تلك األسئلة ليست لها إجابات قطعية .ولكن الكتاب يقدم ما هو أكثر من مجرد طرح تساؤالت فلسفية حول العالقة بني املاضي واحلاضر؛ حيث كان كتاب «املؤسسات القانونية والذاكرة اجلمعية» قادرا على غرس املناحي املهمة لعملية التعايش .وبالتالي ،فإنه يقدم دروسا مهمة للمهتمني أو املشاركني في العملية االنتقالية للتاريخ .وأحد املواضيع األساسية التي يعتمد عليها الكتاب هو الدور الذي تلعبه املؤسسات القانونية - من احملاكم إلى جلان احلقيقة واملصاحلة -في تسييد رواية محددة للماضي. 56
يحدث في املدن والشوارع واملنازل ولكنه مت إقصاؤه من األماكن الطبيعية التي يتم حفظ الذاكرة بها وغرسها في اجملتمع .فقد أعادت تلك املؤسسات توفير مساحة ملثل تلك الذاكرة ألول مرة حتى داخل احلدود املقيدة للقانون». تتمتع املؤسسات القانونية بنفوذ قوي نظرا ألنها ليست فقط صوت الضحايا واملعتدين بل ألنها حتدد أيضا كيف يتم تذكر روايتهما .ومن خاللها إعالن البراءة والذنب ،فإنها تصبغ املاضي بالقيم املعيارية ومن ثم تؤسس للقيم التي ميثلها اجملتمع« .وفي الوقت نفسه فإنها جتهز الساحة لكافة أنواع النسيان ،إلنكار األفراد للذنب وقمع الذاكرة الذي يصل إلى حد فقدان الذاكرة للماضي املروع وللنسيان مثل النسيان القانوني .وباملثل ،بالنسبة للنسخ األخف وطأة من النسيان مثل املصاحلة والتسامح».
وفيما يتعلق ببناء الدولة ،فرمبا ال تكون هناك دولة ترتبط فيها الذاكرة اجلمعية باملؤسسات القانونية مثل جنوب أفريقيا .ففي أعقاب الفصل العنصري ،متت االستعانة بـ «جلنة احلقيقة واملصاحلة» ليس فقط للتعامل مع ماضي الدولة الذي يعج باملآسي ولكن لوضع األسس للدولة املستقبلية التي سوف يتم تأسيسها على املساواة العرقية .كيف كانت «جلنة احلقيقة واملصاحلة» قادرة على خلق األفكار أو الذاكرة اجلمعية للبالد التي تقوم على املساواة إذا ما كان تاريخها قد تأسس على التمييز العرقي؟ بتذكر أحداث املاضي باعتبارها خاطئة واإلقرار بأن قيم جنوب أفريقيا «اجلديدة» كانت تعتمد على املساواة ،خلقت جلنة احلقيقة هوية قومية .وعلى الرغم من أن مثل تلك اآلليات بعيدة عن الكمال وأن الروايات األخرى لتاريخ البالد لم يتم إقصاؤها متاما ،فإن منوذج جنوب أفريقيا يظهر كيف أن الروايات املؤسسية هي بالضرورة الرواية املهيمنة للماضي. وكما توضح كارستيد فإن ذلك ألن القانون «عندما يحدد حقوق امللكية أو العالقة بني الهيمنة والتبعية داخل مجتمع ما وبني اجملموعات اخملتلفة يترك أثره الواضح على الفضاء االجتماعي وبالتالي يشكل الذاكرة اجلمعية لتلك اجلماعات واجملتمع ككل». إن املساحة والعمق اللذين استكشف من خاللهما الكتاب قضية الذاكرة اجلمعية مبهر للغاية .فبإلقاء الضوء على مميزات ومساوئ جعل الذاكرة اجلمعية مؤسسية ،من املتوقع أن يؤثر كتاب كارستيد على كثير من الصراعات احلالية .فعلى سبيل املثال ،فإن مسألة العالقة املستقبلية بني أفغانستان وطالبان تتعلق بالكثير من القضايا التي أثارها ذلك الكتاب. فهؤالء املهتمون بتحقيق االستقرار والسالم في املنطقة يجب عليهم التعامل مع الذاكرة اجلمعية لعنف املاضي .وعلى الرغم من أن كل ماض ممتلئ بالنزاعات يختلف عن غيره ،فإن كارستيد ال تدعي تقدمي حلول لتاريخ تلك املناطق التي تعج بالنزاعات .بل يكشف ذلك الكتاب كيف تؤثر تلك الذاكرة للماضي على العالقات املستقبلية.
مت نشر املقال في اجمللة في 1يونيو (حزيران) .2010
العدد ،1554أغسطس 2010
55
● موجز عن دولة
وقد اتخذت الدولة موقفا متشددا من املتظاهرين من خالل القمع الوحشي لشخصيات املعارضة والصحافيني واملتظاهرين العاديني. وعلى الرغم من تلك اجلهود استطاعت الثورة اخلضراء احلفاظ على زخمها األول .وقد اصطدم عشرات اآلالف من املعارضني مع قوات األمن وأعضاء امليليشيات املؤيدة للحكومة في يوم القدس في سبتمبر (أيلول) 2009وفي الذكرى الثالثني الحتالل السفارة األميركية في طهران ،في نوفمبر (تشرين الثاني) ،وفي يوم الطالب الوطني في بداية شهر ديسمبر (كانون الثاني). وقد قام «املواطنون الصحافيون» املسلحون بكاميرات الهواتف اجلوالة بتسجيل ممارسات القمع والوحشية التي مارستها احلكومة خاصة ميليشيا الباسيج الشهيرة .وقد مت حتميل مشهد مقتل الشابة اإليرانية «ندى» على موقع «يوتيوب» وأصبحت هي الصورة التي ترمز لالنتفاضة والقمع الوحشي الذي تعرضت له. وعلى الرغم من ذلك ،فإنه خالل العام الذي مر على االنتخابات، استطاعت القوة الوحشية للدولة التغلب على املعارضة وعاد الهدوء إلى شوارع طهران .وفي الوقت الراهن ،أعادت الدولة إحكام سيطرتها على السلطة .وفي 12يونيو (حزيران) 2010وفي ذكرى االنتخابات منع الوجود األمني الهائل التجمعات الكبرى ،كما دعا قادة املعارضة للتوقف عن االحتجاجات خوفا من إراقة املزيد من الدماء .وبعد صراع استمر ملدة عام ،كان من الواضح أن الثورة اخلضراء قد باءت بالفشل. برنامج إيران النووي في ظل تسليط الضوء على السياسة الداخلية ،حتول االنتباه عن برنامج إيران النووي املثير للجدل .حيث كان الغرب ينتقد املساعي اإليرانية احلثيثة لبناء مفاعالت لتخصيب اليورانيوم .وكانت الواليات املتحدة وغيرها من الدول يؤمنون بأن هذه التكنولوجيا ميكن
استخدامها لبناء أسلحة نووية ،فيما أنكرت طهران على املستوى الرسمي دائما تلك االتهامات. ولكن السياسة اخلارجية الصقرية ألحمدي جناد وإصراره على حق إيران في تطوير برنامج نووي ،لم يسفرا إال عن زيادة توتر اجملتمع الدولي. وكانت أحدث مساعي عرقلة طموحات إيران النووية في يونيو (حزيران) املاضي ،عندما وافق مجلس األمن التابع لألمم املتحدة على فرض املزيد من العقوبات على طهران .وقد فرضت تلك العقوبات على أعضاء األمم املتحدة تفتيش احلاويات التي يعتقد بأنها تنقل عناصر محرمة من -أو إلى -إيران .وليست العقوبات باألمر اجلديد على طهران؛ حيث إنها قد تعرضت لكثير من العقوبات السياسية واالقتصادية منذ أزمة الرهائن عام .1979ففي يناير (كانون الثاني) مت فرض عقوبات 1984وذلك بعد مشاركة إيران في تفجيرات القواعد البحرية األميركية في بيروت ولبنان .وفي التسعينات دفعت العالقات املتدهورة بني واشنطن وطهران الواليات املتحدة لوقف تصدير نطاق واسع من البضائع إلى إيران بدءا من الطائرات وقطع غيار املروحيات وصوال ألجهزة الغواصات. ماذا بعد بالنسبة إليران؟ لقد كان العام الفائت عاصفا على نحو خاص بالنسبة لطهران. حيث دفعت إعادة انتخاب أحمدي جناد املثيرة للجدل إلى احتجاجات شعبية .وعلى الرغم من أن طهران متكنت من السيطرة على الثورة اخلضراء ،فقد أصبح النظام معرضا للخطر .حيث إن استخدامه املفرط للعنف قد أجبر املعارضة على الكمون ،ومع ذلك يقول القاضي اإليراني والفائز بجائزة نوبل الدكتور عبادي« :إن النيران حتت تخب وإن األمر ال يحتاج إال إلى قليل من التهوية حتى تعود الرماد لم ُ لالشتعال مرة أخرى».
Image © Getty Images
54
متثل ثورة 1979في إيران الثورة الشعبية الوحيدة في املنطقة. ففي السنوات التي أدت إلى الثورة ،كان نظام الشاه الذي يفتقر إلى الشعبية والذي كان يتسم بالقسوة في معظم الوقت قد أصبح على شقاق مع قطاع واسع من اجملتمع ،وكان سأم الطالب واملتدينني احملافظني ،بل وحتى الطبقة الوسطى من سياسات الشاه ،في تزايد مستمر . ومت جتاوز نظام التقية الشيعي الذي كان يلتزم فيه رجال الدين باحلياد جتاه املسائل املتعلقة بالسياسة .وكان علي شريعتي وروح اهلل اخلميني من بني من انتقدوا نظام الشاه عالنية وبدأوا يدعون للنظام اإلسالمي كبديل آيديولوجي .وقد تسببت االنتقادات القاسية واملستمرة التي كان يطلقها اخلميني ،في نفيه من إيران ملدة 14 عاما .وفي نهاية السبعينات كان الغضب قد انتقل إلى الشوارع، وهو ما أدى إلى هروب الشاه إلى مصر وعودة اخلميني من منفاه في العراق لقيادة اجلماهير الغاضبة .وقد أسرع اخلميني ومؤيدوه في السيطرة على السلطة وملء الفراغ السياسي الذي تسبب فيه خروج الشاه .وأعلنوا أن احلكومة احلالية هي حكومة غير شرعية وقدموا نظام حكم بديال يعتمد على الشريعة اإلسالمية .وهو ما أسفر عن تبني نظام سياسي معقد للغاية يجمع بني الدولة الدينية والدميقراطية .حيث يتكون ذلك النظام من كتلتني؛ األولى هي حكومة دينية غير منتخبة ،والثانية هي احلكومة املنتخبة. وحتى نهاية التسعينات كانت كلتا الكتلتني تهيمن عليهما القوى احملافظة؛ وهو ما ساعد اخلميني ومؤيدوه في حتقيق أهدافهم املوجودة من قبل الثورة واملتعلقة بأن يلعب اإلسالم دورا مهيمنا في اجملتمع اإليراني. وفي أواخر التسعينات وبداية العقد األول في األلفية الثالثة، أصبحت السياسات اإليرانية أكثر تنافسية من حيث طبيعتها. ومتكن اإلصالحيون من احلد من هيمنة احملافظني على البرملان ،بل وجنحوا في بعض احلاالت في الفوز بالرئاسة أيضا. وكان ذلك هو نفس الوضع في 1997عندما مت انتخاب اإلصالحي محمد خامتي كرئيس للبالد بعد حصوله على نسبة % 70من األصوات .وقد رفع االنتصار املدوي لإلصالحيني في االنتخابات البرملانية من التوقعات الشعبية بانتقال إيران إلى فترة من التحوالت السياسية واالجتماعية. ومع ذلك فقد استخدم احملافظون املؤسسات السياسية والدينية غير املنتخبة لعرقلة أكثر من % 90من التشريعات التي تبناها البرملان الذي يسيطر عليه اإلصالحيون .وقد تركت تلك العراقيل السياسية كثيرا من اإليرانيني وهم يشعرون باإلحباط جتاه العملية السياسية برمتها. وقد انتهى وهم البيئة السياسية النشطة عام 2004عندما استعاد احملافظون هيمنتهم على البرملان .وفي عام 2005أصبح مستقبل اإلصالحيني غائما بعد فوز أحمدي جناد باالنتخابات الرئاسية .وخالل السنوات اخلمس املاضية ،كانت القوى احملافظة تهيمن على كل من األعضاء املنتخبني وغير املنتخبني للحكومة. سنة عاصفة في طهران مت انتخاب الرئيس اإليراني املثير للجدل محمود أحمدي جناد في يونيو (حزيران) 2009لقضاء مدة ثانية تتكون من أربع سنوات وسط اتهامات واسعة بالتزوير االنتخابي .وقد أعلن املرشد األعلى علي خامنئي عن نتيجة االنتخابات التي صوت فيها نحو 40مليون صوت بعد ساعتني فقط من إغالق اللجان االنتخابية .وقد مت إعالن انتصار أحمدي جناد بنسبة % 63من األصوات في االنتخابات التي أثارت اعتراضات واسعة. العدد ،1554أغسطس 2010
Image © iStockphoto
بعد ثالثة عقود من قيام آية اهلل اخلميني بالثورة اإلسالمية ،ما زالت الشوارع اإليرانية ساحة للصراعات السياسية .ومع ذلك ،وعلى نقيض ثورة ،1979يختلف الرأي العام اآلن مع األجندة اإلسالمية للثورة .فقد وصفت الثورة اخلضراء التي ظهرت خالل العام املاضي من قبل كثير من احملللني بأنها نهاية اجلمهورية اإلسالمية .وعلى األقل، فإن اندالع الغضب الشعبي في أعقاب االنتخابات الرئاسية العاشرة كانت لها آثار مدمرة على شرعية مؤسسة آية اهلل خامنئي.
حقائق أساسية
•العاصمة :طهران •املرشد األعلى :آية اهلل علي خامنئي. •الرئيس احلالي :محمود أحمدي جناد.
اجلغرافيا: •املساحة 1.65 :مليون كيلومتر مربع. •احلدود :أفغانستان 936كيلومترا ،وأرمينيا 35 كيلومترا ،وأذربيجان 432كيلومترا ،وأذربيجان ناخشيفان 179كيلومترا ،والعراق 1458كيلومترا، وباكستان 909كيلومترات ،وتركيا 499كيلومترا، وتركمنستان 992كيلومترا. السكان •عدد السكان 67037517 :نسمة. •اجلماعات العرقية :الفرس % 51واألذربيجان % 24 والكيلكية واملزاندران % 8واألكراد % 7.5والعرب % 3واللور % 2والبلوشية % 2والتركمان % 2 وغيرها . % 1 الديانات: •املسلمون ( % 98الشيعة % 89والسنة ) % 9 وغيرها (مبا في ذلك اجملوسية واليهودية واملسيحية والبهائية) . % 25 اللغات: •الفارسية واللهجات الفارسية % 58والتركية واللهجات التركية % 26الكردية % 9واللورية % 2 واللغة البلوشية % 1والعربية % 1والتركية % 1 وغيرها . % 2 •الالجئون 1070488 االقتصاد: •الناجت احمللي اإلجمالي 876 :مليار دوالر أميركي. •الناجت احمللي اإلجمالي موزعا على القطاعات: •الزراعة % 10.9 •الصناعة % 45.2 •اخلدمات % 43.9 •معدل التضخم (أسعار املستهلك)% 16.8 : •معدل البطالة% 11.8 : •عدد السكان حتت خط الفقر% 18 :
حيث سرعان ما نعتت املعارضة التي كان يتزعمها رئيس الوزراء السابق مير حسني موسوي والرئيس السابق للبرملان ورجل الدين البارز مهدي كروبي االنتخابات بأنها غير عادلة .وأشاروا إلى أن آية اهلل خامنئي قد تدخل في العملية االنتخابية لتأمني انتصار أحمدي جناد. وردا على ذلك قال خامنئي إن اجلمهورية اإلسالمية «ال ميكن أن تغش» ،ثم قام بإقصاء السياسيني الغربيني ووسائل اإلعالم -خاصة من بريطانيا والواليات املتحدة -متهما إياهم بإشعال نيران الغضب املناهض للحكومة. الثورة اخلضراء في أعقاب الثورة ،كان تركيز العالم مسلطا على واحدة من أكبر االحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران على اإلطالق .حيث وقفت شوارع طهران ضد االنتصار احلاسم املزعوم ألحمدي جناد .وكان مير حسني موسوي ومهدي كروبي يتزعمان حركة املعارضة التي سادت البالد وعرفت باسم الثورة اخلضراء. 53
● موجز عن دولة
إيران هل ينهي خامنئي ما بدأه اخلميني؟
• 1980مت انتخاب أبو احلسن بني صدر كأول رئيس للجمهورية اإلسالمية.
• 1980قام العراق بغزو إيران وهو الصراع الذي كانت له آثار مدمرة بالنسبة لكال البلدين وتسبب في زعزعة جسيمة لالستقرار اإلقليمي.
• 1989توفي آية اهلل اخلميني ومت تعيني الرئيس خامنئي املرشد األعلى.
• 1997مت انتخاب السياسي اإلصالحي محمد خامتي كرئيس للبالد بعد تغلبه على ثالثة مرشحني .وكان كثير من الناس يتمنون أن يكون انتخابه إرهاصا ملرحلة أكثر ليبرالية في السياسة اإليرانية ،ولكنهم سرعان ما تخلوا عن تلك التوقعات.
• 2002اتهم الرئيس جورج بوش إيران بالتخطيط لبناء صواريخ بعيدة املدى ،ووضع طهران وبغداد وبيونغ يانغ فيما أطلق عليه «محور الشر».
• 2003أعلنت إيران أنها أوقفت برنامج تخصيب اليورانيوم ،وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه ال يوجد دليل على وجود برنامج للتسلح النووي في إيران.
• 2005فاز محمود أحمدي جناد في االنتخابات الرئاسية التاسعة؛ متغلبا على رجل الدين والرئيس السابق أكبر هاشمي رافسنجاني.
• 2007أعلنت الواليات املتحدة عن فرض مجموعة جديدة من العقوبات على إيران ،التي تعد األقوى منذ أول عقوبات فرضت عليها قبل 30عاما.
• 2009مت اإلعالن عن فوز محمود أحمدي جناد في انتخابات يونيو (حزيران) الرئاسية .وقد طعن منافسوه في النتائج واتهموا مؤسسة احلكم بتزوير االنتخابات.
• 2009أسفرت نتائج االنتخابات عن أكبر انتفاضة شعبية منذ ثورة 1979وهي ما أصبحت تعرف اآلن بالثورة اخلضراء .وقد نزل مؤيدو املرشحني املنافسني ألحمدي جناد إلى الشوارع .وقد خلف رد فعل نظام جناد من اعتقاالت موسعة وقمع ،أسوأ مشاهد عنف الدولة منذ 30عاما.
• 2009اعترفت طهران بالسعي إلنشاء برنامج نووي
Image © iStockphoto
• 1981 - 1979أخذ املسلحون اإلسالميون 52رهينة أميركية وطالبوا بترحيل الشاه من الواليات املتحدة لكي يخضع للمحاكمة في إيران.
وبناء مفاعالت لتخصيب اليورانيوم .وأصرت احلكومة على أن للبرنامج أغراض سلمية.
• 2010قال قائد املعارضة مير حسني موسوي إن احلركة اخلضراء سوف تستمر في صراعها مع نظام أحمدي جناد.
• 2010صوت مجلس األمن التابع لألمم املتحدة لصالح اجلولة الرابعة من العقوبات على إيران .وتسمح تلك العقوبات ألعضاء األمم املتحدة بتفتيش احلاويات في املياه اإليرانية واملشكوك في أنها تنقل عناصر محظورة للبالد.
Image © Getty Images
52
•في عام 1979متت اإلطاحة بالنظام امللكي في إيران، واضطر الشاه محمد رضا بهلوي إلى مغادرة البالد والسفر إلى مصر .وقد عاد آية اهلل اخلميني من منفاه في العراق وأسس نظاما سياسيا جديدا ينتهج النموذج اإلسالمي وأسس جمهورية إيران اإلسالمية.
● حوارات
اللعبة السياسية كما أفضل أن أطلق عليه ،وهو الدليل الذي يسترشد به من ميارسون السياسة في الواليات املتحدة ،معروف بشكل جيدا جدا .وهناك طريقة مفهومة يفترض أن تتحدث بها عن إسرائيل وطريقة مفهومة للحديث بها مع اجملتمع اليهودي، وهذا ما نقف ضده ،فنحن نحاول تغيير كتاب القواعد وهذا حتد صعب ،ولكنه كان متوقعا. «اجمللة» :أنت تعمل على الترويج الختالف دقيق ال يكاد يذكر، وفي لعبة السياسة في واشنطن من السهل دائما اللعب على االختالفات املتباعدة .ما تقوله هو أن العامة يستجيبون بصورة أكبر بالفعل لألمور الدقيقة أكثر من تلك املتباعدة. أعتقد أن أغلبية الناس في واشنطن وفي قيادات املؤسساتاليهودية اخملتلفة يعرفون بالفعل هذا األمر بعمق أكثر مما ينسب إليهم ،ومبجرد أن تعرف هذه املسألة تعرف أنه ال يوجد أسود وأبيض. هذا هو أول شيء تتعلمه بالفعل .ويوجد قبول لهؤالء الذين يتميزون بعمق التفكير ،ملؤسسة تقدر الفروق الدقيقة وتقدر اللون الرمادي. وتشبه رؤية اإلدارة (األميركية) السابقة ورؤية الكثير من احملافظني اجلدد الذين يديرون مراكز أبحاث أو يوجهون املؤسسات التقليدية وجهة النظر التي ال ترى إال اخلير مقابل الشر وهي نظرة للعالم باللونني األبيض واألسود فقط .ولذلك جاءت كثير من استطالعات الرأي التي أجرتها جماعات محافظة مثل مشروع إسرائيل (ذي إسرائيل بروجيكت) على شاكلة «هل حتب الفلسطينيني أم اإلسرائيليني؟» .أي مبدأ أن تكون معنا أو ضدنا الذي يفرط في تبسيط األمور .وعندما تقضي وقتا في معرفة األمر على حقيقته، ستعرف أن هذه ليست الطريقة املناسبة التي يتم بها تناول األمر. لذلك يعد سماع مجموعة تؤيد إسرائيل وتهتم ببقائها وطبيعتها وروحها وأمنها ،مجموعة تتناول املسألة بأسلوب أكثر دقة وعمقا حتديثا للسياسة وللقيادة السياسية في هذا البلد. «اجمللة» :لقد دار حديث طويل حول خلفيتك ونشأتك وخبرة والدك في حركة ارغون .في اعتقادك ما هو رأيه بشأن عملك؟ أمتنى أن يكون سعيدا ألنني مهتم ،ألن التحدي احلقيقي الذييواجه من هم في سني أو أصغر بكثير هو أنهم ال يهتمون وأنه ال توجد صلة بني اليهود األميركيني ودولة إسرائيل كما كان احلال من قبل ،وأعتقد أنه سيقدر هذا االهتمام والشغف الذي أشعر به ،وسيكون سعيدا ألنني أحاول أن أكمل العمل الذي بدأه ،وهو وجود دولة إسرائيل اليهودية الدميقراطية اآلمنة .ومن جانب آخر، (يضحك) أنا متأكد من أنه يعارض بشدة املوقف الذي اتخذته والطريق الذي أسلكه من أجل حتقيق هذا الهدف ،لذا أمتنى أن يكون رد فعله مزيجا من االثنني. «اجمللة» :ما أهمية هذا اجلانب الدميوغرافي ،املتعلق باجليل األصغر الذي ال يهتم بهذه القضايا؟ بوجه عام ،ومن اخلطر دائما التعميم ،يظهر معسكران في اجملتمعاليهودي األميركي :أحدهما أكثر تدينا وتقليدية ومحافظة في آرائه وأوثق صلة بإسرائيل ،والثاني مجتمع يهودي ثقافي إصالحي أو غير متدين وهو أقل ارتباطا بإسرائيل وأكثر ليبرالية في مجمل آرائه السياسية ،ويكمن التحدي احلقيقي في كيفية مد جسر التواصل بني املعسكرين ،ليس فقط فيما يخص إسرائيل ،بل في عدد كبير من القضايا ،وكيفية احلفاظ على التماسك في مجتمع به اختالفات كبيرة في الثقافة والدين والسياسة والهوية. «اجمللة» :تثير نتائج استطالع الرأي الذي أجريته كثيرا من االهتمام .فهل فوجئت بتلك النتائج على أية حال؟ أحد األشياء التي لم أكن أتوقعها ولكنني وجدتها منطقيةعندما شهدتها هي أنه كلما زاد عدد اليهود املتشددين في األجيال األصغر سنا ،جتد عددا أكبر من شباب اليهود الذين يتبنون آراء محافظة بشأن إسرائيل .ووجدت أن هذا مدهش ،قد يقول كثيرون: 50
«أليست (جيه ستريت) ظاهرة جيل وجزءا من ظاهرة أوباما ،أليست تعبر عن الشباب ويقودها شباب؟» .ولكن يجب احلذر عندما تدرك أن اليهود األميركيني الشباب أكثر تشددا ومحافظة من نظرائهم األكبر سنا .لدينا هذان املعسكران داخل اجملتمع اليهودي األميركي، ونحن في «جيه ستريت» نتحدث بالتأكيد عن مجموعة أصغر سنا وأقل تشددا.
التحدي األكبر أمام املعتدلني هو القدرة على استيعاب اآلخر واكتشاف ظالل اللون الرمادي
«اجمللة» :ينعكس هذا بدرجة كبيرة على التركيبة السكانية املتغيرة في إسرائيل ذاتها ،حيث تبدو متجهة نحو اليمني، وأصبحت األحزاب الدينية ذات نفوذ كبير .وميكن أيضا القول إن هذا يحدث في جميع أنحاء الشرق األوسط؛ متكني املتشددين دينيا.. نعم ،وأفضل اعتبار «جيه ستريت» من املعتدلني العاطفيني،وهذا هو التحدي األكبر أمام املعتدلني في كل مكان :القدرة الكبيرة على استيعاب اآلخر ،والقدرة على اكتشاف ظالل اللون الرمادي ما بني األسود واألبيض ،والقول إن األمر ليس مجرد نحن ضد اآلخرين في كل قضية .إذا لم ينتهز املعتدلون الذين ما زالوا يقودون بالدهم ،على سبيل املثال في األردن ،وفي قيادة حركة فتح ،وعالم تسيبي ليفني وإيهود أوملرت في ٍإسرائيل ،إذا لم ينتهز هذا اجليل من املعتدلني هذه الفرصة ،من أجل حل هذا الصراع ،ستمر هذه اللحظة التاريخية وسيظل السؤال املطروح بال إجابة :ما إذا كان املعتدلون سيحصلون مجددا على زمام املبادرة قبل أن تخرج األمور عن السيطرة. «اجمللة» :لقد حققت اختالفا بالفعل ،ولكن إذا نظرت إلى األمر من وجهة النظر الفلسطينية جتد أن احلديث عن جتميد بناء املستوطنات واستثمار قدر كبير من رأس املال السياسي في الدعوة إلى ذلك أمر ليس ُمرضيا ،حيث يعتمد االستقالل الفلسطيني على إخالء املستوطنات ،ونحن بالفعل بعيدون متاما عن هذه املرحلة .فكيف سنحل هذه املشكلة وما هو الدور الذي تقوم به «جيه ستريت» في هذا اإلطار؟ لسنا متوهمني بأن «تثبيط» بناء املستوطنات -كما أحب أنأطلق عليه -سيبدأ في عالج املرض الكامن هنا على أية حال. وعلى أفضل تقدير ،يعد وقف منو املستوطنات عالجا ألعراض املرض الكامن وهو االحتالل .والعالج الوحيد الذي سيقي املريض من التبعات القاتلة هو عالج املرض ذاته .عليك التعامل مع القضايا األساسية ،والوصول إلى مسألة الوضع النهائي التي تتأجل منذ مدة طويلة للغاية ،والبدء في طرح حلول واضحة حتى يستوعب اجلميع نهاية اللعبة ،وليس مجرد «أننا سنقوم بخطوة واحدة في طريق من مائة خطوة» أين تقع نهاية الطريق؟ ال ميكنك أن تبحر ما لم تكن تعرف إلى أين ستذهب ،ال توجد خارطة طريق من دون وجهة .إن هذه اإلجراءات التي تبني الثقة خطوة بخطوة واالتفاقيات املؤقتة هي وصفة من أجل الفشل في هذه املرحلة ،ألن الناس فقدوا الثقة في أن هذه السفينة لها وجهة تتجه نحوها.
* أجرى احلوار ستيفن غلني -مراسل سابق في «نيوزويك» قام بتغطية آسيا والشرق األوسط في «وول ستريت جورنال» ملدة عشر سنوات .وهو يقيم حاليا في واشنطن ،ويعمل صحافيا حرًا حاليا كتابه املقبل عن عسكرة السياسة اخلارجية ومؤلفً ا ،ويؤلف ً األميركية املقالة نشرت ألول مرة في «اجمللة» بتاريخ 24يونيو 2010
مؤسس «جيه ستريت» يحقق حلم والده في إسرائيل آمنة عن طريق «االعتدال العاطفي»
بن عامي ليبرالي يهودي يعارض االحتالل اإلسرائيلي لفلسطني في حوار مع «اجمللة» ،يتحدث جيرميي بن عامي ،مؤسس جماعة «جيه ستريت» عن صعود اليمني املتدين في كل من إسرائيل واجملتمع اليهودي في أميركا ،وتبعات عدم التحرك بقوة لعقد اتفاق سالم ،بينما ال يزال لدى املعتدلني في املعسكرين مصلحة في بقاء إسرائيل. كاريل ميرفي جيرميي بن عامي هو مؤسس جماعة «جيه ستريت» ،وهي جماعة ضغط موالية إلسرائيل وتدافع عن السالم ،نصبت ذاتها على زعامة اليهود األميركيني الليبراليني الذين حرموا من أن يكون لهم صوت قوي في النقاش الذي تسوده الوكاالت املتعصبة مثل جلنة الشؤون السياسية اإلسرائيلية .وفي األميركية ٍ - غضون عامني من تأسيسها، استطاعت «جيه ستريت» أن «تخلق مساحة» ،كما يقول أعضاؤها ،لهؤالء الذين يعارضون االحتالل اإلسرائيلي للضفة الغربية وحصار قطاع غزة .وعلى الرغم من تفوق منافسيها األكبر، وفقا ملا يقوله جيرميي بن عامي، فإن دعوة «جيه ستريت» «لالعتدال العاطفي» بدأت جتد صدى في الكونغرس األميركي. ويعد بن عامي الليبرالي في حد ذاته نتاجا لرؤية صهيونية توسعية: حيث كان والده إسحاق عضوا في إرغون تسافي لئومي (املنظمة القومية العسكرية) ،وهي حركة سرية يهودية ميينية استخدمت تكتيكات إرهابية إلنهاء االنتداب البريطاني على فلسطني ،وسعت إلى إقامة دولة يهودية متتد من حدود دولة إسرائيل احلديثة حتى موقع دولة األردن احلالية .يكافح بن عامي االبن اليوم من أجل تخليص إسرائيل من احتالل يهدد بتقويض هويتها كدولة يهودية. وقد حتدث إلى «اجمللة» عن صعود اليمني املتدين في كل من إسرائيل واجملتمع اليهودي في أميركا ،وتبعات عدم التحرك بقوة لعقد اتفاق سالم في حني ال تزال لدى املعتدلني في كال املعسكرين مصلحة في بقاء إسرائيل. «اجمللة» :إلى ماذا تُرجع جناح «جيه ستريت» :احلظ ،أم التوقيت ،أم االجتهاد ،أم الثالثة معا؟ أوال وقبل كل شيء ،يرجع األمر إلى كوننا في املكان املناسبفي الوقت املناسب .كان هناك فراغ في اجملتمع اليهودي األميركي، وتعمل «جيه ستريت» على ملئه بسرعة ،ألنه فراغ عميق وقوي. عالوة على ذلك ،لم تكن هناك أوقات أكثر حرجا من الوقت احلالي، وكان لذلك تأثير مضاعف على السرعة التي نشأنا بها. العدد ،1554أغسطس 2010
لقد تنامى الوعي أكثر من أي وقت مضى لدى كثير من األطراف اخملتلفة في العالم ،سواء كانت السياسة اخلارجية األميركية واملؤسسة العسكرية أو قيادة اجملتمع اليهودي األميركي أو أية جهة متثيل عاملية أخرى بأن الوضع الراهن غير قابل لالستمرار. لقد أصبح األمر مسلما به لدى قيادات كلتا الدولتني ،بل وزعماء العالم أيضا، ورؤساء املؤسسات غير احلكومية بأنه سيحدث شيء ما لم نتخذ اجتاها في طريق البحث عن حل ،فمن املمكن أن يتطور األمر بصورة مزعجة وغير منتجة، وستلحق الضرر بكثير من املصالح املتصلة بالعملية. «اجمللة» :وإلى أي درجة يرتبط ذلك بوصول إدارة أوباما وحكومة متشددة في إسرائيل؟ أعتقد أن البيت األبيض يتفاعل مع عدم إمكانيةاستمرار الوضع على ما هو عليه ،وهو ما يعززه وجود هذه احلكومة في إسرائيل .وتتسبب األعمال املستفزة التي جتري في القدس الشرقية ،وأسلوب التعامل مع حصار غزة ،والطريقة التي تنتهج بها إسرائيل السياسة اخلارجية في تفاقم التوترات وسرعة غليان املوقف. «اجمللة» :هل أنت مندهش من التراجع الذي جتده من األعضاء األكثر رسوخا في اجملتمع اليهودي؟ لست مندهشا على اإلطالق .وأحد أسباب تأسيسنا لـ»جيهستريت» هو أن هناك فجوة بني آراء اجملموعة األكبر في اجملتمع اليهودي األميركي وأصوات هؤالء الذين يزعمون أنهم يتحدثون باسم اجملتمع .ونحن نتقدم إلى األمام ونقدم صوتا مختلفا للمجتمع ،لذا ال يدهشني على اإلطالق أن حتدث تراجعات (انتكاسات) قاسية.. توجد أمور أساسية محل تساؤل اآلن. ولعل إحدى املفاجآت هي مدى السرعة التي استطعنا بها خلق إحساس بسماع صوت جديد وبديل ،فقد مر عامان فقط على بدايتنا من الصفر وفي غضون هذين العامني أصبحت اجلماعة العبا مؤسسيا راسخا ،وهذا هو املفاجئ جدا .أما التحديات ،فليست مفاجئة ألنه لذلك السبب حتديدا أنشأنا «جيه ستريت» .إن كتاب 49
● حوارات
في اخلارج؟ لقد بذلت اململكة جهدا هائال في هذا الشأن ..وقد اشتركنامعها ،وميكنني أن أستشهد بحقيقة أن مسؤوليها كانوا جادين للغاية في وقف متويل األنشطة املتطرفة ،باإلضافة إلى اتخاذ إجراءات صارمة هنا .وقد وصف فيلتمان (مساعد وزيرة اخلارجية لشؤون الشرق األدنى) السعوديني عندما كان هنا بأنهم أقوى شركائنا في مكافحة اإلرهاب .وأود أن أقول إن السعوديني أظهروا التزاما كبيرا بغلق دائرة متويل اإلرهاب .كما أن ذلك في صاحلهم، فقد كانوا مهددين مثلنا. «اجمللة» :وكيف تصف التعاون األميركي -السعودي في مجال مكافحة اإلرهاب؟ هل املعركة ضد التطرف اإلسالمي جانب مهم من العالقات األميركية -السعودية؟ لدينا عالقات وثيقة على جبهة مكافحة اإلرهاب ،من خاللمواجهة التطرف هنا في السعودية والعمل املشترك ضد «القاعدة» في مناطق أخرى ،ولكن لدي حتفظ على مصطلح التطرف اإلسالمي ،ألنني ال أعتقد أن عنصر العنف املتطرف له أي صلة باإلسالم .إنه سلوك ضال وعنيف ،وذلك ليس من اإلسالم. «اجمللة» :في ظل حكم امللك عبد اهلل ،أصبحت اململكة تنوع من صور عالقاتها الثنائية ،بإقامة عالقات استراتيجية وجتارية وثيقة مع الهند وتركيا وعلى وجه اخلصوص مع الصني .فكيف ترى الواليات املتحدة هذا التنوع ،وكيف سيؤثر على العالقات األميركية -السعودية؟ ال ننظر إلى األمر من جانب سلبي ،أعني أن السعودية قدنضجت على الساحة الدولية ،ومن الطبيعي لها أن تقيم عالقات جتارية ودبلوماسية (مع دول أخرى) .وال أعتقد أن ذلك يشير من جانبها إلى ضعف عالقاتنا معها. وبالتأكيد عندما ننظر إلى الطريقة التي تنمو بها الصني والهند جند أنهما أصبحتا شريكتني اقتصاديتني أكثر سيطرة في مجال النفط .وميكن القول إن الواليات املتحدة تقلل من االستيراد ،وحاليا أصبحت كندا أكبر مصدر للنفط بالنسبة لنا .لذا تغيرت تلك العالقة ،ولكنها لم تغير في األٍساس عالقاتنا الثنائية. «اجمللة» :تسعى اململكة إلى حتديث اقتصادها ،ونظام تعليمها، ونظام القضاء ،بل وبعض التقاليد االجتماعية التي تقيد مشاركة املرأة في احلياة العامة .هل يجب أن تساعد الواليات املتحدة السعودية على التقدم في هذا اجملال؟ وإن كان األمر كذلك ،فكيف ميكنها فعله دون اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة؟ أنت تسألني :كيف ميكنني أن أساعد؟ األمر بسيط للغاية ،فأناال أسعى فعليا للتدخل ،ولدي قرار واع باتخاذ أسلوب إيجابي والبحث عما أسميه قوة موجهة إيجابية ،وأن أدعم جهود التحديث التي يتبناها جاللة امللك .لذا احتفينا بالطبع عند إصدار تشريع مكافحة تهريب البشر ،وعرضنا املساعدة على التدريب في النظام القضائي ،ومع إعادة تنظيم السلطة القضائية ،قدمنا بعض التدريب القانوني على العقود. ونحن بالطبع مهتمون بصورة إيجابية بظهور جيل رائع من الشابات ،حيث تبلغ نسبة 60في املائة من طالب اجلامعات في العام احلالي من الفتيات .وأول شيء ميكنك فعله هو تشجيعهن. واألمر التالي هو مساعدة سيدات األعمال على النجاح ،وذلك من خالل إدخال التجارة اإللكترونية ،حتى تصبح واجهة أعمالهن مواقع إلكترونية ،ثم ربطهن باالقتصاد العاملي .وبعد ذلك تركهن يحققن أجندتهن االجتماعية بالسرعة التي يخترنها .وبهذا نؤدي بالفعل دورا داعما في جناح استراتيجيتهم (بالتقدم نحو االقتصاد املعتمد على املعرفة) وذلك على النقيض من فرض منوذج غربي. 48
«اجمللة» :تتعارض بعض األمور في اجملتمع السعودي مع ما تعتبره الواليات املتحدة قيما دولية فيما يتعلق باملرأة واألقليات الدينية. فهل تعد تلك املمارسات مشكلة أمام العالقات األميركية - السعودية؟ سيظل هناك دائما مصدر للتحدي .وإذا رجعنا إلى خطاب الرئيسأوباما الذي ألقاه في القاهرة عندما أعلن بداية جديدة مع العالم اإلسالمي ،سنجد أنه في نهاية اخلطاب قال إنه ما زالت هناك ثالثة أمور مهمة بالنسبة لنا :حرية العقيدة ،وحقوق املرأة ،والدميقراطية. وقام بتعريف الدميقراطية بأسلوب مختلف :بأنها تلك الدول التي يصبح فيها صوت الشعب مسموعا وتصبح أكثر استقرارا. ونحن بالطبع نريد أن نشجع تلك املبادرات هنا في السعودية التي متنح الشعب فرصة للتعبير ،وندعم مجلس الشوري ،ونتطلع إلى مشاركة موسعة في مجلس الشورى .لقد شاهدنا تغطية إعالمية شاملة النتخابات الغرفة التجارية في كل من جدة واملنطقة الشرقية ،ونرى بعض النشاط في قضايا حقوق اإلنسان مثل االجتار في البشر .وفيما يتعلق باحلرية الدينية ،يوجد قبول تدريجي للحرية الدينية .ولكننا سنستمر في دعم احلرية الدينية .فهل هناك إذن أمور مثيرة للمشكالت؟ إنها تلك األمور التي تستمر حكومتنا في دعم تغييرها اإليجابي. «اجمللة» :بعيدا عن املعامالت بني احلكومتني ،تعد العالقة بني شعبني جانبا مهما في أية عالقات ثنائية .ولكن منذ أحداث 9/11 تزايدت موجة اخلوف من اإلسالم ،ال سيما اخلوف من كل ما هو سعودي في الواليات املتحدة .هل تقيد مشاعر العداء للسعوديني لدى األميركيني مدى تقارب الدولتني؟ إنه حتد لسببني .أوال ،يعرف السعوديون الكثير للغاية عن بالدناأكثر مما نعرف نحن عن بالدهم .ولدي آمال كبيرة في الهيئة السعودية للسياحة واآلثار وقدرتها على التوسع في مجال السياحة ،ألننا نحتاج إلى مجيء األميركيني إلى هنا لرؤية ما هو إيجابي في هذا البلد. أما التحدي الذي نواجهه في الواليات املتحدة فهو أننا ننظر إلى نسبة 15سعوديا من بني 19متطرفا (في أحداث ،)9/11وأعتقد أنه حان الوقت لتعيد التفكير؛ إذا كنت أميركيا قد بنيت وجهة نظرك عن السعودية وفقا لذلك .وإذا كنت سعوديا بنى وجهة نظره عن الواليات املتحدة بناء على رد فعلها على أحداث ،9/11 فها هو وقت إعادة التفكير أيضا .كان هناك هدف استراتيجي وضعه أسامة بن الدن للوقيعة بني الواليات املتحدة والسعودية، وكانت الطريقة التي اتبعها في ذلك هي أن يُظهر السعودية كدولة متطرفة .وقد جنح في ذلك. إنني أقضي الكثير من الوقت لتشجيع رجال وسيدات األعمال في الواليات املتحدة على اجمليء وإقامة أعمال هنا ،ولتشجيع املسؤولني املنتخبني على الزيارة .ولكنه ما زال حتديا طويل األمد. «اجمللة» :في النهاية ،كيف ترى تطور العالقات الثنائية على مدار األعوام العشرة املقبلة؟ ال أراها تضعف على اإلطالق ،بل تزداد قوة .وتعد العالقاتالعسكرية مهمة ،ولكنها ليست األكثر أهمية .وأتطلع إلى األعمال والتجارة والتبادل التجاري ،والتبادالت االجتماعية والتعليم ودخول األميركيني في النظام التكنوقراطي السعودي .وكل ذلك بالنسبة لي أهم من العالقات العسكرية.
* أجرت احلوار كاريل ميرفي -صحفية مستقلة مقيمة في الرياض وفازت بجائزة بوليتزر في الصحافة عام .1991وهي مؤلفة كتاب «الشغف باإلسالم». نشر هذا املقال ألول مرة في «اجمللة» في 10يونيو (حزيران) .2010
«اجمللة» :كيف أثرت أحداث 9/11على العالقات األميركية - السعودية وهل تعتقد أنها تعافت منذ ذلك احلني وما هي دالئل هذا التعافي؟ كانت لدينا عالقات طويلة املدى ومستقرة مع السعودية تأثرتسلبا بأحداث ، 9/11ولكني أعتقد بدرجة كبيرة أننا تعافينا من هذه اآلثار السلبية وأرى أن تلك العالقات تزداد قوة. انخفض عدد الطالب السعوديني في الواليات املتحدة عقب أحداث 9/11إلى 3000طالب ،إال أن أعدادهم عادت إلى االرتفاع لتتجاوز 25000طالب ،وأتوقع بحلول نهاية العام احلالي أن يصل العدد إلى ،30000كما تطورت عملية إصدار التأشيرات .وأظن أننا سنحقق العام احلالي رقما قياسيا في أعداد التأشيرات الصادرة في العام الواحد ،بفارق كبير عن األعداد السابقة .باإلضافة إلى ذلك ،تشهد العالقات االقتصادية حالة من النضج ،وهناك عالقات دراسية مستمرة منذ مدة طويلة ،تعد مصدر إلهام ودعم جليل جديد من الدارسني الذين سيمألون تلك اجلامعات السعودية اجلديدة. أما بالنسبة لقطاع األعمال ،فنحن نؤيد متاما رؤية جاللة امللك، التي متثلها االستراتيجية الصناعية لوزير التجارة والصناعة عبد اهلل زينل علي رضا وهي خطوة نحو اقتصاد يعتمد على املعرفة، لذلك جند أن بيننا عالقة يدخل فيها كثير من الصور اخملتلفة. «اجمللة» :كانت العالقات الثنائية األميركية السعودية ،لفترة طويلة ،تتسم باعتمادها على النفط مقابل األمن .ولكن الواليات املتحدة تستورد في الوقت احلالي كميات أقل من النفط السعودي، فكيف ترى تأثير ذلك على طبيعة العالقات الثنائية في املستقبل، أقصد بعد 10أعوام أو أكثر؟
ال أرى أي خالف بني السعودية والواليات املتحدة في هذه القضية،فكالنا يشعر بالقلق من إخفاق إيران في االلتزام مبسؤولياتها الدولية ،ورفضها الصارخ ملهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس األمن .وأرى بالفعل أننا متفقون للغاية حول التحدي الذي متثله إيران للمنطقة ،ويشعر السعوديون أيضا بنفس القلق من إمكانية االنتشار النووي. «اجمللة» :لو أعلنت طهران غدا أنها متتلك القدرة على تصنيع سالح نووي ،كيف سيؤثر ذلك على العالقات األميركية -الٍسعودية؟ ال شيء .أعتقد أننا متقاربون للغاية في هذا الشأن ،كما يجدربدولتني شريكتني .وبالطبع يكمن التحدي في كيفية دفع حكومة إيران لاللتزام مبسؤولياتها الدولية. «اجمللة» :يعتقد كثيرون أنه لو أعلنت إيران أن لديها سالح نوويا، ستتعرض السعودية لضغوط داخلية كبيرة للحصول على السالح ذاته ،ولكن ال تريد الواليات املتحدة أن تشهد سباق تسلح في اخلليج.. نحن ال نختص إيران فقط بالقضية النووية .الرئيس أوباماخال من السالح النووي ،ولذلك ترون عالم تعهد بالسعي من أجل ٍ ٍ محادثات احلد من األسلحة االستراتيجية اجلديدة مع الروس ،وقمة زعماء العالم بشأن املواد النووية ،فإذا كان هدفك هو نزع السالح النووي ،فسيكون انتشار التسلح في أي عدد من الدول مضادا لذلك الهدف .إننا ال نرى فقط أن قدرة تصنيع السالح النووي في إيران تزعزع استقرار املنطقة ،بل نرى أيضا أن احتمال حصول دول أخرى خال من السالح عالم على أسلحة نووية أمر معارض لهدفنا بوجود ٍ ٍ النووي.
أتفق على أن العالقات كانت تتسم باعتمادها على النفط مقابلاألمن ،ولكني أود التوضيح أنها اختلفت منذ فترة بعيدة للغاية، وهي حاليا أكثر دقة وتعقيدا عما كانت عليه ،وتدخل العالقات في املزيد من األشياء األخرى بخالف النفط واألمن .وسوف نستمر في توثيق العالقات على اجلانب العسكري ،وفي مجال الطاقة ،وليس فقط النفط ،وسوف نعزز الصالت في مجاالت األعمال ،والتعليم، والصحة.
«اجمللة» :لطاملا كان عجز الواليات املتحدة عن االضطالع بدورها كوسيط صادق بجدية وفاعلية في الصراع اإلسرائيلي -الفلسطيني شوكة كبيرة في ظهر العالقات السعودية -األميركية .ولكن على النقيض من اإلدارات األميركية السابقة ،أوضحت إدارة أوباما أنها تعتبر هذا الصراع تهديدا لألمن القومي األميركي .هل تعتقد أن هذا حتول دائم في واشنطن؟ وإن كان كذلك ،فكيف سيؤثر على العالقات األميركية -السعودية؟
«اجمللة» :ال يوجد مخطط لعقد صفقات كبيرة ملبيعات أسلحة أميركية إلى اململكة العربية السعودية ،وستكون أحدث واردات الرياض من الطائرات العسكرية تايفون (األوروبية الصنع) .وتعمل الواليات املتحدة على تدريب 35000فرد في قوات األمن من أجل حراسة املنشآت السعودية املهمة ،ولكن تبدو العالقات العسكرية األميركية مع اململكة أقل شموال من ذي قبل .فكيف تغير هذا اجلانب من العالقات الثنائية في العقد املاضي؟
اإلجابة املوجزة هي أن األمر واضح للغاية في تعليقات (قائدالقوات املركزية األميركية السابق وقائد القوات الدولية في أفغانستان احلالي) اجلنرال ديفيد بترايوس ،والتعليقات التي أصدرها كل من الرئيس ووزيرة اخلارجية هيالري كلينتون بأن اإلدارة تراها مشكلة استراتيجية ،وليس فقط قضية القيام بدور وسيط .ووفقا لكلمات اجلنرال بترايوس ،فإن غياب احلل ي ُ َع ِرض اجلنود األميركيني للخطر .وعندما تعيش هنا ،تتعرف على املعتقد املنتشر بأن غياب حل لتلك القضية مينح شرعية لكل اجلماعات املتطرفة ،على الرغم من أنهم قد يفعلون أو ال يفعلون أي شيء لدعم الفلسطينيني.. لذا من الواضح أنه من مصلحة أميركا االستراتيجية أن تركز على حل القضية ،وأعتقد أن حقيقة تعهد الرئيس في بداية فترته الرئاسية ،بأن هذه القضية ستكون محور أجندته الدولية ،على مدار أربعة أو ثمانية أعوام هي بالتأكيد نقطة حتول في فكرنا .ويبدو أن هناك إجماعا في إسرائيل والواليات املتحدة ومناطق أخرى بأنه حان الوقت (كي يقوم اإلسرائيليون والفلسطينيون مبباحثات سالم جادة) ،وتشير حقيقة أن جاللة امللك يبذل جهدا هائال ويضع وزنا سياسيا كبيرا على مبادرة السالم العربية إلى أن الوقت قد حان. إذن أنا متحمس ومتفائل ،وأعتقد أن هناك فرصة في غضون األعوام القليلة املقبلة حيث ميكننا أن نحقق فارقا .ويتعلق القلق الذي يساورنا جميعا بأننا إذا خسرنا هذه الفرصة ،سيكون علينا أن منر بجيل آخر من الصراعات والفرص املهدرة.
لقد تغيرت منذ 25عاما .ويجب أن نفهم أن «التايفون» هيبديل «تورنادو» (األوروبية الصنع أيضا) .وقد كانت القوات اجلوية السعودية دائما ما متلك مزيجا من الطائرات األميركية والبريطانية نوعا ما من حقيبة أوراق متوازنة .وال يبدو أن ذلك يشهد حتوال كبيرا في الصفقات الكبرى .وما زلنا نحتفظ بشراكة عسكرية قوية، وليس فقط في شراء معدات ،ولكن أيضا في التدريبات في وزارة الدفاع والطيران ،واحلرس الوطني السعودي ،وحاليا وزارة الداخلية. وفي حني يعمل السعوديون على حتديث أنظمتهم (العسكرية) حيث نطالب بوجود عمل توافقي ،أثق في أننا سنترك بصمة أميركية هناك. «اجمللة» :تعد مطامع إيران في أن تصبح قوة متلك سالحا نوويا قضية تشترك فيها الواليات املتحدة واململكة في اآلراء ذاتها، فكلتا الدولتني ال تريدان أن متتلك إيران سالحا نوويا أو قدرة على صناعته .وعلي الرغم من ذلك ،يبدو أن هناك بعض اخلالف في كيفية التعامل مع طموحات إيران النووية ،فهل هذا صحيح؟ وحال دقة ذلك كيف تختلف الدولتان في هذا الشأن؟ العدد ،1554أغسطس 2010
«اجمللة» :من وجهة النظر األميركية ،هل أدت اململكة العربية السعودية ما عليها لوقف الدعم املالي الذي كان يتدفق من بعض األفراد واجلماعات إلى املتطرفني اإلسالميني الذين يتسمون بالعنف 47
● حوارات
أكد على متانة العالقات والتوجه املشترك صوب اقتصاد املعرفة
السفير األميركي في الرياض :السعودية نضجت وعالقاتنا اآلن أكثر دقة وتعقيدا يتحدث السفير األميركي في الرياض جيمس بي سميث في حواره مع «اجمللة»عن واحدة من أهم العالقات الثنائية بالنسبة للواليات املتحدة األميركية .ويناقش السفير سميث األبعاد اخملتلفة للعالقة بني الواليات املتحدة واململكة العربية السعودية، وحتديدا كيف أثرت أحداث 9/11على هذه العالقة؛ والتحديات التي تواجه اجلانبني بخصوص البرنامج النووي اإليراني؛ وكيف ميكن أن متتد العالقات الثنائية إلى ما وراء النفط واألمن؛ وكيف ميكن أن تبدو في املستقبل. كاريل ميرفي
Image © Getty Images
وجيمس سميث هو عميد متقاعد في القوات اجلوية األميركية يعمل سفيرا ألميركا لدى اململكة منذ سبتمبر (أيلول) .2009 وقبل تعيينه ،كان يشغل عددا من املناصب التنفيذية في شركة «رايثيون» األميركية ملقاوالت الدفاع ،حيث كان مشتركا في التخطيط االستراتيجي وتنمية العمل الدولي .وكان سميث مؤيدا حلملة باراك أوباما االنتخابية منذ بدايتها. قضي سميث فترة خدمة متميزة في اجليش على مدار 28عاما ،قبل تقاعده عام ،2002وكان من بني ما قام به مهمات قتالية جوية من ظهران خالل عملية عاصفة الصحراء .وقد حقق سميث ،الذي تلقى تدريبه كطيار مقاتل ،ما يزيد عن 4000ساعة طيران بطائرات «إف 46
»15و»تي .»38وفي آخر تكليف له ،كان يحتل موقع نائب القائد في مركز قيادة احلرب املشتركة لقيادة القوات األميركية املشتركة في فيرجينيا ،وقبل ذلك ،كان قائدا لسرب املقاتلني ،94ومجموعة عمليات ،325وجناح املقاتلني .18 وقد تخرج سميث من أكادميية القوات اجلوية األميركية عام 1974وهو حاصل على درجة املاجستير في التاريخ من جامعة إنديانا ،كما تخرج من كلية احلرب البحرية ،وكلية القيادة اجلوية، وكلية احلرب الوطنية ،حيث عمل أيضا أستاذا في االستراتيجية العسكرية .وقد أجرت معه «اجمللة»هذا احلوار مؤخرا في مكتبه بالرياض.
Image © Getty Images
45
2010 أغسطس،1554 العدد
● ألف كلمة
لندن7 ،يوليو:2005 ،
مؤخرة احلافلة التي دُمرت نتيجة النفجار في ميدان تافيستوك أثناء سلسلة من التفجيرات التي استهدفت مترو األنفاق وشبكة احلافالت في لندن.
44
● الوضع البشري
أرقاما واضحة ،واألمر مبهم للغاية ،ويحتاج إلى مزيد من الشفافية». وفي هذا الصدد ،يبدو أن الصندوق الكويتي يعلن عن بيانات املعونات التي يقدمها حتديدا بقدر أكبر من قطر واإلمارات والسعودية ،على الرغم من أنه ال يخلو من نقاط ضعف أيضا ألن قليال من أمواله هي التي تصنف فعليا كمساعدات تنموية .ويحتوي املوقع اإللكتروني للصندوق الكويتي على معلومات تفصيلية متاحة للجمهور ومن بينها ميزانيات املشاريع. ومثل جميع هيئات التنمية املعتمدة على احلكومة ،يتوسع الصندوق الكويتي في إتاحة الفرص االقتصادية والسياسية للكويت من خالل جهوده التنموية ،وفي الوقت ذاته يسعى بتحسني مستوى الرخاء وزيادة القدرة اإلنشائية في الدول النامية .إن أهداف الصندوق خيرية وتعزز من مصلحة دولته .ويوضح الدكتور محمد صباح السالم الصباح، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير اخلارجية ،في تقدميه للتقرير السنوي للصندوق الكويتي عن عامي 2008و ،2009حيث يستعرض عاما ماضيا من برامج الصندوق الكويتي« :استمر الصندوق كذلك في تعزيز تعاونه الوثيق مع شركائه في التنمية وتقدمي النصح واملشورة لهم لدعم جهودهم لتحقيق أهدافهم اإلمنائية في إطار من االحترام املتبادل وعالقات الصداقة التي تربطه معهم ،مما يخدم مصاحلنا الوطنية ويعزز من مكانة دولة الكويت في العالم». إن األمر الذي يجعل الصندوق الكويتي غير عادي في الشرق األوسط، هو أنه على خالف الدول العربية األخرى التي تقدم تبرعات ومعونات إنسانية عرضية كرد فعل على الكوارث الطبيعية ،مثل زلزال هاييتي الذي وقع مؤخرا أو تبعات احلرب على املدنيني ودعم السكان الالجئني، يعمل الصندوق الكويتي بطريقة نظامية لتقدمي التنمية بدال من العمل بصورة مؤقتة كرد فعل على كوارث مفاجئة .ويجعل ذلك منه مثاال يحتذى ،ومنوذجا ممكنا لدول عربية ذات موارد اقتصادية مشابهة ميكنها أن تنشئ هيئات حكومية مخصصة من أجل مساعدات التنمية ،بل وأيضا توزيع األموال من أجل اإلغاثة اإلنسانية بصورة دورية. ويتسع نطاق تنوع الشعوب والقضايا التي تتلقى مساعدات تنمية من الصندوق الكويتي :من توصيل الكهرباء إلى منطقة عفار في إثيوبيا إلى تنمية القطاع الزراعي في لبنان ،وقطاع الدواجن في مصر ،إلى مشاريع الري في فيتنام وهندوراس ومالي ونيبال واحملافظة على البيئة في غانا.
يتسع نطاق تنوع الشعوب والقضايا التي تتلقى مساعدات تنمية من الصندوق الكويتي :من توصيل الكهرباء إلى منطقة عفار في إثيوبيا إلى تنمية القطاع الزراعي في لبنان مول الصندوق مشاريع من أجل التوسع في تنقية مياه الشرب في وقد ّ إسطنبول وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرت إثر زلزال عام 1990 وتوابعه في تركيا ،وحتسني نظام الصرف الصحي وبالتالي الصحة العامة في القاهرة .وفي مجال الصحة العامة أيضا ،ساهم الصندوق في برامج تعمل على مكافحة مرض العمى النهري ودودة غينيا ،اللذين لهما آثار مهلكة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وميثل الصندوق الكويتي منوذجا ميكن أن حتتذي به دول اخلليج األخرى لدى توسعها في برامجها التنموية ودمجها مع سياسات وأولويات 42
مساعدات التنمية يعود تاريخ مساعدات التنمية إلى العصر االستعماري ،حيث كانت دول مثل بريطانيا تقدم مساعدات ملستعمراتها التي تعاني من الفقر .ولكن بدأ مفهوم املساعدات املالية ألول مرة في التاريخ املعاصر بعد احلرب العاملية الثانية .في أثناء احلرب الباردة ،قدمت الواليات املتحدة مشروع مارشال كبرنامج مساعدات دولية يهدف إلى تقوية الروابط مع الدول األوروبية ملواجهة النفوذ السوفياتي. وفي ذلك الوقت ،مهد مشروع مارشال الطريق إلنشاء منظمات للمساعدات مثل البنك الدولي ،الذي وسع من نطاق املساعدات ليتجاوز دول االحتاد األوروبي .وفي حني انتهى التهديد السوفياتي ،بدأت دول نامية مثل العراق ومصر في احلصول على املساعدات .وفي الفترة ما بني عامي 1960 و ،1985مت توزيع كميات مختلفة من املساعدات في جميع أنحاء العالم عن طريق بنوك تنمية مؤسسة حديثا بهدف تقوية البنى التحتية للدول احلاصلة على املساعدات .وبدأت بذلك مرحلة جديدة تهدف فيها املساعدات إلى تعزيز تنمية الدول بدال من استخدام التمويل للتصديق (علنا) على أجندات سياسية.
خارجية وطنية أشمل .ويجب االعتراف بسجل الصندوق الرائد في العالم العربي واالحتفاء به .ويوجد نظير أصغر للصندوق الكويتي ،إنه صندوق أبوظبي للتنمية ،الذي أنشئ عام ،1971وأنفق ما يزيد على 5ماليني دوالر في صورة منح وقروض ،ومثل الصندوق الكويتي ،ذهبت معظمها في تنمية البنية التحتية. وفي حني يواجه الصندوق الكويتي حتدياته اخلاصة ،ال سيما إفراطه في التأكيد على القروض بدال من املنح ،وعدم تأييده لتنمية اجملتمع ،وعدم وصوله إلى أكثر القطاعات املعرضة للخطر مثل النساء واألطفال، وتفضيله ملشاريع البنية التحتية األوسع نطاقا بدال من املشاريع ذات األهمية الفورية واألكبر مثل توفير الرعاية الصحية وبرامج التعليم األساسي ،إال أنه في كثير من املناطق وضع أولوية لرخاء اإلنسان وحقق جناحات مهمة. وعلى وجه خاص ،يظهر اجتاه الصندوق الكويتي إلى توفير مياه شرب نظيفة وحتسني الصرف الصحي من خالل إنشاء اآلبار واخلزانات والبنية التحتية املتعلقة بها في دول مثل مالي ،ومشاريعه في الري في دول مثل نيبال من أجل حتسني اإلنتاج الزراعي واألمن الغذائي ،تركيزا محمودا على مساعدات إمنائية حتويلية؛ وهي املساعدات التي لها آثار إيجابية بعيدة املدى على الشعوب الفقيرة .كما يؤكد ذلك أيضا على الدول التي حتصل على الدعم وهي من أفقر الدول في العالم حيث ينخفض مستوى التنمية البشرية .وقد استفاد ما يزيد على مائة دولة من قروض ومنح الصندوق الكويتي ،وهو إجناز ليس هينا. وفي املستقبل ،إذا استمر الصندوق الكويتي وتوسع في تلك اجلهود وعالج بعضا من اخملاوف املذكورة آنفا ،سيحقق إجنازا قويا واستثنائيا يدعو إلى االحتذاء به .وميكن أن تتعلم دول مثل السعودية وقطر والبحرين وعمان واإلمارات األخرى إلى جانب إمارة أبوظبي ،من الصندوق الكويتي وتقيم استثماراتها اخلاصة واسعة النطاق في املساعدات اإلمنائية .وإذا فعلت ذلك ،فمن املمكن أن ترتفع احتمالية تعزيز الدول العربية للتنمية البشرية في الشرق األوسط وحول العالم بصورة كبيرة ،مما يجلب نفعا ملموسا ويحقق آماال ويوفر فرصا ملئات املاليني من احملرومني.
* ناعوم شيميل -باحث مقيم في لندن ويعمل في مجال حقوق اإلنسان ،ولديه خبرة كبيرة في هذا اجملال.
Image © iStockphoto
رغم بعده عن املشاريع العاجلة و تقدميه القروض بدال من املنح
الصندوق الكويتي للتنمية يساهم في رخاء العالم النامي يظل قدر املساعدات التي تقدمها الدول العربية إلى الدول النامية في حده األدنى ،على الرغم من أنه على مدار عدة عقود ،كان هناك استثناء كبير لهذه القاعدة يتمثل في الكويت .وعلي غرار جميع مؤسسات التنمية التي تعتمد على احلكومة ،يقدم الصندوق الكويتي فرصا اقتصادية وسياسية للكويت وميدها بنفوذ من خالل جهوده التنموية، وفي الوقت ذاته يحقق الرخاء وبناء القدرات في الدول النامية .وميثل الصندوق الكويتي النموذج الذي ميكن أن حتتذي به دول اخلليج األخرى .ويجب أيضا االعتراف بسجله الرائد في العالم العربي. ناعوم شيميل في عالم معونات التنمية الدولية ،الالعبون األساسيون هم الواليات املتحدة واالحتاد األوروبي واليابان .تأتي من تلك الدول األموال التي يتم توزيعها والبرامج التدريبية التي تنفذ في الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا الالتينية ،باإلضافة إلى إسهامات ضئيلة ولكنها مهمة من دول مثل كندا وأستراليا. لكن يقل قدر املساعدات التي تقدمها الدول العربية إلى الدول النامية، على الرغم من أنه على مدار عدة عقود ،كان هناك استثناء كبير لهذه القاعدة يتمثل في الكويت .لقد أنشئ الصندوق الكويتي للتنمية االقتصادية العربية عام .1961ووصف روبرت ماكنمارا ،رئيس البنك الدولي من عام 1968إلى عام ،1981اختصاص الصندوق وأصوله: عندما أنشئ الصندوق الكويتي في البداية عام ،1961لم يكن له مثيل سابق .وها هي الكويت ،دولة صغيرة كانت حتى وقت قريب من بني أفقر األماكن على األرض ،تنشئ صندوقا للتنمية في عام حتقيق استقاللها السياسي .وفي حني كانت تستقبل رخاءها الذي حققته حديثا ،كانت تعلن عن رغبتها في أن تتشارك في ثروتها املستقبلية مع جيرانها من العرب. وفي عام ،1974وسع الصندوق الكويتي من نطاق دوره ليشمل العالم النامي بأسره ،وليس فقط العالم العربي .وكانت الغالبية العظمى من رأس مال الصندوق مخصصة للقروض ،التي كانت الدول النامية تستخدم بعضها للتعاقد مع شركات كويتية من أجل تخطيط وإنشاء مبادرات البنية التحتية الكبرى ،مثل عملية إنشاء مطار أديس أبابا الدولي اجلديد في إثيوبيا التي متت مؤخرا .وتخصص نسبة أقل بكثير من موارد الصندوق من أجل املنح واملساعدات الفنية. ويجعل ذلك مهام الصندوق الكويتي وبرامجه مختلفة عن هيئات املعونة مثل هيئة املعونة األميركية (الوكالة األميركية للتنمية
العدد ،1554أغسطس 2010
الدولية) وإدارة التنمية الدولية البريطانية ،التي تخصص نسبا كبيرة من معوناتها للمنح بدال من القروض .ونادرا ما يؤيد الصندوق الكويتي التنمية اجملتمعية الشعبية في مكافحة الفقر ،وتعزيز حقوق اإلنسان ،وتنمية القيم الدميقراطية ،وتوفير التعليم، وهي اجملاالت الرئيسية التي تؤكد عليها هيئتا املعونة األميركية والبريطانية .ويشرح التقرير السنوي تأكيد الصندوق على البنية التحتية واسعة النطاق« ،مثل مجاالت النقل واالتصاالت والزراعة والطاقة والصناعة واملياه والصرف الصحي» .ويعكس وضع الصندوق ملشاريع البنية التحتية واسعة النطاق كأولويات تلك التي يضعها البنك الدولي. وفي الواقع ،ليس من الواضح ما إذا كان الصندوق الكويتي يطبق معيار تقدمي «املساعدة اإلمنائية الرسمية» الذي تُعرفه جلنة املساعدة اإلمنائية في منظمة التعاون والتنمية االقتصادية على أنه «عنصر املنح بنسبة 25في املائة على األقل» .ويحث سليل شيتي ،مدير حملة األلفية التابعة لألمم املتحدة من أجل القضاء على الفقر ورفع متوسط عمر الفرد بحلول عام ،2015الدول العربية على منح املزيد من املساعدات التنموية .وفي حوار أجري معه في قطر في نوفمبر (تشرين الثاني) ،2008قال« :إذا كانت دول اخلليج جادة ،فلنحصل على بعض األموال .إنهم يفعلون الكثير فيما يتعلق مبساعدة الدول اإلسالمية ،وهي نقطة انطالق جيدة ...أعتقد أنهم يحتاجون إلى تقدمي املزيد وأن يكونوا جزءا من العملية العاملية ،ألنهم في الوقت احلالي معزولون نوعا ما .فهم ليسوا جزءا من اخلطاب السائد ويحتاجون إلى أن يصبحوا كذلك». وأشار شيتي إلى صعوبة معرفة القدر الذي تسهم به دول اخلليج في التنمية ،ألنها ال تعلن عن هذه املعلومات كما أنها ليست مشتركة في منظمة التعاون والتنمية االقتصادية ،التي تتعقب اإلحصائيات املتعلقة بتدفق املعونات .وانتقد شيتي دول اخلليج ،حيث قال« :ال جند 41
● الوضع البشري
Initial decisions, 1999 to 2008
Unaccompanied Asylum Seeking Children, applications received for asylum in the United Kingdom, by age at time of application, 2008
اللجوء لكي يحاولوا العودة الطوعية لبالدهم ،فإن كثيرا منهم يكون غير قادر أو غير مستعد للعودة إلى بالده وبالتالي فإنهم في معظم األحوال يصبحون بال مأوى ويتسولون للحصول على حد الكفاف .وعلى غرار االحتجاز ،فإن آثار التعرض للفقر املدقع على صحة طالبي اللجوء مدمرة .واألهم من ذلك ،فإن وجودهم في الشوارع ال يساهم في تعزيز األمن واالستقرار بالنسبة للمواطن البريطاني .فيجب على احلكومة البريطانية أن تقر بعدم كفاءة تلك السياسة وتقر بأنها تضر أكثر مما تفيد ،ليس فقط بالنسبة لطالبي اللجوء ،ولكن بالنسبة للمجتمع البريطاني بشكل عام. املتحدة وكذلك الذين حاولوا االنتحار أو إيذاء أنفسهم بطريقة أو بأخرى .يقول أحد احملتجزين حول جتربته« :لقد كانت جتربة مروعة ،لقد مررت بكثير من األشياء في بالدي ولكن لم يكن هناك شيء يضاهي ما تعرضت له هنا .وقد أطلق سراحي ولكنني ما زلت حبيسا .أصبحت أسير في الشوارع ولكن بال روح». وقد تعرضت اململكة املتحدة النتقادات واسعة مؤخرا ،نظرا للظروف التي يتعرض لها هؤالء احملتجزون ،مبا في ذلك ممارسة احتجاز األطفال. خاصة بعدما قام طالبوا اللجوء احملتجزون مبركز «يارل وود» باإلضراب عن الطعام ملدة ثالثة أسابيع احتجاجا على ما أطلقوا عليه «املعاملة القاسية وغير اإلنسانية واملهينة» .وأعقب ذلك اإلضراب مواجهة قانونية ادعى فيها أن سياسة االحتجاز البريطانية تنتهك ثالثة مواد هي 8 ،5 ،3من املعاهدة األوروبية حلقوق اإلنسان. وبعيدا عن االحتجاز ،يجد كثير من طالبي اللجوء أنفسهم وهم يعانون من فقر مدقع .فعلى الرغم من حصولهم على إعانة خالل فترة النظر في قضيتهم وخالل اجللسات ،فإنهم -إذا ما مت رفض القضية -يفقدون هذه املساعدات املالية وال يصبح لهم حق قانوني في العمل .وعلى الرغم من أنه ينظر إلى ذلك باعتباره حافزا لطالبي 40
إدراكا للمناحي السلبية التي حتيط بعملية اللجوء احلالية ،فإننا نتساءل عما جعل احلكومة البريطانية تتوقف عن مساعي اإلصالح قبل ذلك .وفقا لولتر ،كانت هناك ثالث عقبات أساسية وقفت على طريق اإلصالح .أولها هو أنه نظرا ألن وزارة الداخلية ليست مؤهلة للتعامل مع القضية ،فإنه من الصعب إصالحها ،كما تفتقر احلكومة إلى اإلرادة السياسية للقيام بذلك التغيير .وثانيا ،هناك مخاوف بشأن نظرة الصحافة اليمينية للحكومة التي تبدو «لينة» فيما يتعلق باللجوء .وأخيرا هناك «مخاوف عظيمة وإن كانت في غير محلها تتعلق بأنه إذا ما جعلت تلك العملية أكثر سهولة بالنسبة لطالبي اللجوء من خالل منحهم احلق في العمل وغيره ،سيسعى املزيد من الناس إلى اللجوء». وفي ظل تلك العقبات ،فليس مفاجئا أال يتم تطبيق اإلصالحات التي كان ينادى بها .ولكن ذلك ال يبرر الظروف التي يضطر طالبو اللجوء أن يعيشوا فيها .فهناك تداعيات جدية وخطيرة لعدم التعامل مع طالبي اللجوء بطريقة عادلة .فالدمج هو احلصن الذي حتتمي به اجملتمعات الصحية وعملية اللجوء احلالية تقوم بخلق املشكالت التي سيتوجب على اململكة املتحدة التعامل معها في نهاية األمر.
نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ 4يونيو .2010
Image © Getty Images
سياسة اللجوء باألرقام (املصدر :إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية) في 2008بلغ عدد طلبات اللجوء الذي تلقته الوزارة 25930 طلبا أي أنه أعلى بنسبة % 11عن عام 2007وكان يبلغ 23430 طلبا. وبلغت نسبة الطلبات التي مت تقدميها داخل البالد 90%مقابل % 84عام .2007 وكانت % 40من الطلبات املقدمة عام 2008من الدول األفريقية، فيما كان هناك نحو % 37من دول من آسيا وأقيونوسيا و% 19 من دول الشرق األوسط و % 3من الدول األوروبية و % 2من دول األميركتني. في عام ،2008ارتفع عدد املنح للجوء مقارنة بعام 2007 باإلضافة إلى املنح اخملصصة للحماية اإلنسانية أو اإلقامة املؤقتة بشروط ،التي بلغت نسبتها % 30من القرارات األولية مقارنة بنسبة 26%عام 2007و % 21عام .2006 مت رفض 13505من طلبات اللجوء عام 2008فيما مت رفض 16030طلبا عام .2007
أحد اإلشكاالت األساسية التي يواجهها طالبو اللجوء في نظام اململكة املتحدة هو التمثيل القانوني غير املالئم. التي ميرون بها أقرب إلى كونها معركة قاسية تخفق عادة في حتسني األوضاع التي دفعتهم إلى اللجوء في األساس. ونظرا ألن اخملاطر املتضمنة في عودة طالبي اللجوء واملؤهلني للحصول عليه إلى أوطانهم فإن حصولهم على اللجوء ميكن أن يعني حقا الفارق بني احلياة واملوت ،وبالتالي فإنه ال يجب االستهانة بالتعامل مع تلك القضية. كما أن أحد اإلشكاالت األساسية التي يواجهها طالبو اللجوء في نظام اململكة املتحدة هو التمثيل القانوني غير املالئم .فتشير تقارير املنظمات غير احلكومية مبا في ذلك منظمة العفو الدولية و«هيومان رايتس ووتش» باإلضافة إلى منظمات محلية مثل «مجلس الالجئني» إلى أن الوقت واملوارد القانونية املتاحة لطالبي اللجوء غير مالئمة. وفي لقاء مع «اجمللة» ذكرت ناتاشا وولتر من منظمة «النساء للنساء الالجئات» أن أكبر التحديات التي يواجهها طالبو اللجوء هي «احلصول على جلسات استماع عادلة لقضيتهم .حيث تتراوح العقبات بني عدم وجود متثيل قانوني مالئم أو أي متثيل على اإلطالق نظرا للتغيرات التي تطرأ على املساعدات القانونية وصوال إلى املشكالت املتعلقة باإلفصاح عما تعرضوا له نظرا للخزي املرتبط بتجربتهم أو نظرا لعدم إدراكهم للمعلومات التي يتوجب عليهم اإلفصاح عنها». وال تشجع مقابلة إفصاح هؤالء األفراد عن الوقائع التي دفعتهم للجوء بالعداء أو التشكك في مساعدتهم ،على اإلفصاح عن حقيقة ما تعرضوا له ،وهو ما ميكن أن تكون له آثار مدمرة على مساعيهم. كما اشتكى كثير من الناس من عدم دقة الترجمة ،وقد اشتكت العدد ،1554أغسطس 2010
النساء على نحو خاص من صعوبة شرح أسباب سعيهن للجوء إذا ما كانت تلك األسباب تتعلق باالستغالل اجلنسي أو باالضطهاد املتعلق بكونهن نساء .على أية حال ،فإن سوء التمثيل ليس هو العقبة الوحيدة التي يجب على وزارة الداخلية معاجلتها لتحسني العدالة التي يجب أن حتيط بعملية طلب اللجوء. من جهة أخرى ،يتم احتجاز عدد من طالبي اللجوء حتى يتم فحص طلب اللجوء .ففي تقرير نشرته منظمة العفو الدولية بعنوان «طلب اللجوء ليس جرمية» شرحت املنظمة أن هناك تزايدا في اللجوء للحجز في بداية ونهاية عملية طلب اللجوء .وتزعم املنظمة بأن ذلك التوجه يحد من التزام اململكة املتحدة بحق الناس في أن يتم معاملتهم باحترام وإنسانية مبوجب املعايير القانونية ملعاملة الالجئني وحقوق اإلنسان». ومن الشكاوى الكبرى املتعلقة باحتجاز الالجئني ،التأثير النفسي الذي ميكن أن يخلفه االحتجاز على هؤالء األفراد الذين تعرضوا في األساس ألزمات دفعتهم إلى طلب اللجوء في اململكة املتحدة. وينطبق ذلك على نحو خاص على الناجني من التعذيب؛ حيث ميكن أن تعيد إليهم جتربة االحتجاز ذكريات أليمة .ووفقا ملنظمة العفو الدولية« :ميكن أن يكون للحجز تأثير سلبي على صحتهم النفسية والعقلية .فاحملتجزون الذين كانوا قد تعرضوا للتعذيب أو ألزمات خطيرة في بالدهم رمبا يصبحون أكثر عرضة إليذاء النفس الذي رمبا يصل إلى املوت داخل احلجز» .وتؤيد تلك املزاعم شهادات األفراد الذين كانوا قد تعرضوا للتعذيب في بالدهم ثم مت احتجازهم داخل اململكة 39
● الوضع البشري
بعد أن أصبح متاسك اجملتمع في خطر
بريطانيا تعيد النظر في سياسة اللجوء على الرغم من أن تفنيد مزاعم طالبي اللجوء ليست باملهمة السهلة ،وعلى الرغم من أن على اململكة املتحدة أن تبذل قصارى جهدها لتقدمي تقييم مستمر لتلك املزاعم ،تواجه طريقة تنفيذ تلك العملية في الوقت الراهن انتقادات حادة .فبدال من حماية احلدود ،تضر الثغرات املوجودة في تلك العملية على نحو أكثر بتماسك اجملتمع البريطاني .فبعد انتخاب احلكومة اجلديدة ،وجدت اململكة املتحدة نفسها في اللحظة املالئمة إلعادة تقييم الطريقة التي تتعامل بها مع التزامها صوب معاهدة الالجئني التابعة لألمم املتحدة ،من خالل وضع إصالح نظام الالجئني على أجندتها. بوال ميجيا «اكوسيو إل» امرأة صينية يبلغ عمرها 27عاما .اعتقلت عندما كانت ابنة سبعة عشر عاما ،نظرا التهام والدها باالجتار في اخملدرات. ومت احتجازها في قسم للشرطة ملدة أسبوع ثم اصطحبها رجل ال تعرفه إلى أحد البارات واحتجزها وأجبرها على ممارسة البغاء ملدة خمس سنوات .وعندما كانت ترفض التجاوب معه كان يضربها بعنف .وفي أحد األيام ،ساعدها أحد الزبائن ،التي كانت قد أقامت عالقة صداقة معه ،على الهرب وأحضرها إلى اململكة املتحدة. استمرت رحلتها ملدة 16شهرا وعندما وصلت طلبت اللجوء .ولسوء احلظ ،فإن قصة اكوسيو التي رصدتها «هيومان رايتس ووتش» في «فاست تراك أنفيرنيس» ليست هي القصة الوحيدة؛ حيث يأتي اآلالف من الرجال والنساء واألطفال إلى اململكة املتحدة كل عام بحثا عن األمن .وسواء كانوا ضحايا للقمع السياسي أو الديني أو العرقي أو العائلي ،يخاطر هؤالء األفراد عادة بحياتهم لكي يحصلوا على اللجوء فيما يعتبرونه دولة دميقراطية ملتزمة بحماية حقوق اإلنسان .ومع ذلك وعلى الرغم من األزمة التي دفعتهم لقطع مثل تلك الرحلة اخلطرة ،فإن متاعبهم نادرا ما تنتهي بالوصول إلى اململكة املتحدة .بل يتعرضون بدال من ذلك في ظل نظام اللجوء احلالي لعملية قاسية تنتهي في أغلب األحوال باالعتقال أو معاناتهم من الفقر املدقع وغير ذلك من الظروف القاسية التي ال تفيد هؤالء األفراد الذين تعرضوا لألذى قبل ذلك. وتلخص قصة أكوسيو هذه األزمة .فبعدما وصلت إلى لندن وهي ال تتحدث إال قدرا ضئيال للغاية من اإلجنليزية مت احتجازها؛ نظرا ألنها لم تستطع أن تثبت بالوثائق أنها كانت محتجزة في بالدها وأنها كانت مجبرة على ممارسة البغاء. 38
ونظرا لظروف وصولها للبالد وللظروف التي ميكن أن حتيط باملمارسة القسرية للبغاء التي تعرضت لها ،فليس غريبا أن ال متتلك أكوسيو وثائق تثبت تعرضها لالستغالل اجلنسي .ومع ذلك فإنه بالنسبة لطالبي اللجوء في اململكة املتحدة ،تعد مثل تلك العقبات هي القاعدة وليس االستثناء .وعلى الرغم من أن عملية تفنيد مزاعم طالبي اللجوء هي عملية معقدة بال شك وأن على اململكة املتحدة أن تبذل قصارى جهدها لتقدمي تقييم مستمر لتلك املزاعم فإن األسلوب الذي يتم تنفيذ تلك العملية عبره يواجه حاليا انتقادات حادة .وبدال من حماية احلدود ،حتد الثغرات في تلك العملية من متاسك اجملتمع البريطاني .ونظرا النتخاب حكومة جديدة مؤخرا ،جتد اململكة املتحدة نفسها أمام اللحظة املالئمة إلعادة تقييم الطريقة التي تتعامل من خاللها مع التزامها مبعاهدة الالجئني التابعة لألمم املتحدة من خالل وضع إصالح عملية اللجوء على أجندتها. فنظرا لكونها ضمن املوقعني على اتفاقية األمم املتحدة لالجئني، يتوجب على اململكة املتحدة حماية األشخاص «الذين يدفعهم اخلوف من القمع العرقي أو الديني أو القومي أو املتعلق باالنتماء جملموعة اجتماعية معينة أو ذوي اآلراء السياسية اخلاصة ،للخروج خارج أوطانهم وغير القادرين أو غير املستعدين بدافع اخلوف من احلصول على حماية بالدهم ،أو من ليست لديه جنسية وأصبح خارج بالده كنتيجة ملثل تلك األحداث أو من ليس قادرا أو غير مستعد بدافع اخلوف للعودة إلى بالده» .ومع ذلك فإن تعريف األمم املتحدة للجوء يتطلب أن مير األفراد الذين يصلون إلى اململكة املتحدة ويطلبون اللجوء بعملية قانونية يثبتون عبرها أنهم تنطبق عليهم فعليا شروط اللجوء. ولسوء احلظ فإنه بالنسبة لكثير من الناس فإن العملية القانونية
وال تؤدي مثل تلك العوامل املتداخلة إال إلى املزيد من رفع التكلفة. ويحذر كبار املفاوضني من أنه من غير احملتمل أن يتم جتاوز اخلالف في املفاوضات متعددة األطراف حول التغير املناخي في مؤمتر كوبنهاغن القادم الذي من املقرر عقده في كانكون في ديسمبر (كانون األول) املقبل وأن األمل في وضع اتفاق قانوني ملزم لتجديد بروتوكول كويوتو يتوقف اآلن على اجتماع 2011في كيب تاون. وعلى الرغم من أن األزمة االقتصادية األخيرة قد حدت من تكلفة حتقيق األهداف املتعلقة باحلد من االنبعاثات احلرارية ،فإن تلك النتائج قصيرة املدى كما أنها تثير مخاوف دول «منظمة التعاون االقتصادي والتنمية» أكثر من الدول القوية مثل الصني والهند .ومن اآلثار األخرى لألزمة االقتصادية التي سيستمر تأثيرها ملدة أطول هو عدم توافر التمويل .فنظرا لعجز املوازنة وخروج الدين العام عن السيطرة، أصبح من غير املمكن االعتماد على الواليات املتحدة وأوروبا واليابان في مضاعفة النفقات من أجل جعل اقتصاداتها متوافقة مع البيئة. وهو ما سوف يؤدي إلى صعوبات جسيمة :فكيف ميكن متويل بحوث وتطوير تكنولوجيا توفير الطاقة والطاقة املتجددة؟ وكيف ميكن دفع تكلفة تعزيز البنية التحتية مثل املواصالت العامة ،ومحطات شحن السيارات الكهربائية والشبكات املوفرة لنقل الطاقة واملباني املعزولة؟ بل وهناك شكوك أكبر حول إذا ما كانت البلدان الغنية سوف تنفق مئات املليارات من الدوالرات األميركية للحد من االنبعاثات في الدول النامية. وفي إطار البحث عن حل سحري ،قال البعض إن إضعاف حماية حقوق امللكية الفكرية سوف يقلل من تكلفة نشر التكنولوجيا املتطورة وبالتالي سوف يقلل من كلفة مجابهة التغير املناخي .ولكن مثل تلك الرؤى قصيرة املدى تتجاهل حقيقة أن ذلك سوف يساهم أيضا في حتجيم تشجيع اإلبداعات املستقبلية ،باإلضافة إلى فرصة وضع معايير مالئمة حلياة التسعة مليارات نسمة الذين سوف يقطنون العالم في .2050 ولكن على الرغم من ندرة احللول السحرية فإنها موجودة .وهي عادة ما تكون أكثر سهولة مما يعتقد البعض .فباختصار ،يجب على احلكومات أن تتوقف عن وضع العراقيل أمام التدفق احلر للبضائع واخلدمات التي تساعد على مكافحة التغير املناخي .فسوف يساعد حترير التجارة في جعل تلك البضائع واخلدمات متاحة في كل البلدان وسوف يقلل من األسعار .ومن جهة أخرى ،فإن وجود سوق عاملية أكثر تكامال للمنتجات واخلدمات املتوائمة مع البيئة سوف يشجع االبتكارات حيث ستتمكن الشركات الناجحة من حتقيق املزيد من األرباح. لقد كانت الدول األعضاء في منظمة التجارة العاملية ،التي يبلغ عددها 153دولة ،تتفاوض على إزالة القيود التجارية على ما يطلق عليه املنتجات واخلدمات املتوافقة مع البيئة ملدة عقد تقريبا .ويبدو أنهم عالقون في إشكالية نظرية متعلقة بالتعريف ال ميكن جتاوزها .وهي هل يصبح املنتج متوافقا مع البيئة إذا ما مت إنتاجه بالقليل من املوارد والقليل من التلوث؟ أو إذا ما
العدد ،1554أغسطس 2010
كانت له وظيفة بيئية واضحة مثل تنقية املياه والهواء؟ أو هل حتى الغساالت املوفرة للطاقة تعد من املنتجات املتوافقة مع البيئة؟ وتصبح القضية أكثر غموضا إذا ما نظرت للحدود العملية .فليس للبضائع غرض واحد .وذلك حيث إن محطات توليد الطاقة واحلرارة ومنشآت معاجلة املياه أو أفران اخمللفات يجب أن يتم جتميعها في وجهتها النهائية .فكيف إذن يستطيع موظفو اجلمارك التأكد من أن تلك األنابيب سوف يتم استخدامها بالفعل في أغراض متوافقة مع البيئة؟ إذن ،هناك حاجة إلى مقاربة جديدة إلحياء املفاوضات مرة أخرى .ومن أهم اخلطوات لتحقيق ذلك هو تقسيم مفهوم «البضائع واخلدمات املتوافقة مع البيئة» إلى وحدات أكثر متاسكا تستهدف التوصل التفاقيات منفصلة .إحدى تلك الوحدات ميكن أن تصبح الطاقة املتجددة أو إنتاج الطاقة املتوافقة مع البيئة بشكل عام .وميكن أن تكون هناك وحدة أخرى ترتكز على التلوث مبا في ذلك معاجلة املياه وإدارة اخمللفات واحلد من تلوث الهواء .وبهذه الطريقة ،ميكن أن نولي قدرا أكبر من التركيز على حل املشكالت التقنية املتعلقة بتلك القضايا ووضع احللول للمشكالت اخلاصة بكل مجموعة منتجات على حدة .كما يجب أن ميتد حترير التجارة إلى ما بعد رفع التعريفة لكي يتعامل مع القيود التنظيمية مثل اإلجراءات املعقدة املتعلقة بالفحص والترخيص أو عدم االعتراف باملعايير األجنبية التي تضمن مستوى مساويا من األمان. وهناك خطوة أخرى وهي قصر االتفاق على «حتالف الراغبني»؛ حيث إنه لن يتم تطبيق تلك االتفاقات إال بعد انضمام الدول التي متثل 80 %أو % 90من الواردات والصادرات املتعلقة بالقضية وسوف يفتح أعضاء االتفاقية في ذلك الوقت أسواقهم أمام كافة الدول األعضاء في منظمة التجارة العاملية. لقد كانت منظمة التجارة تشجع بالفعل اخلبرات من خالل ما أطلق عليه «االتفاقات اجلمعية» على سبيل املثال في الطيران املدني وتكنولوجيا املعلومات ،والتكنولوجيا املتعلقة بالصيدلة .وباختصار فإن وضع أهداف أصغر -منتجات أقل وأعضاء أقل -ميكن أن يؤدي إلى قدر أكبر وأسرع من حترير التجارة في مناطق لها أهمية خاصة في احلد من تكلفة حماية البيئة .فيجب أن تكون تكنولوجيا احلد من التغير املناخي على قمة األولويات.
* فالنتني زاهرنت هو الباحث الزميل باملركز األوروبي لالقتصاد الدولي والسياسي واحملرر مبوقع .www.reforthecap.eu نشر هذا املقال أول مرة في «اجمللة» في 14يونيو (حزيران) .2010
اخلالصة هي أنه ينبغي على احلكومات التوقف عن وضع العراقيل أمام التدفق احلر للبضائع واخلدمات التي تساعد على مكافحة التغير املناخي.
37
● ثروة األمم
ليس باملال وحده نعيش علي األرض استراتيجيات رخيصة للحد من التغير املناخي سوف يدرك السياسيون الذين يستعدون حاليا التفاقية األمم املتحدة اإلطارية بشأن تغير املناخ ،أن االستثمارات التي يتوجب عليهم تنفيذها جلعل اقتصاداتهم متوافقة مع البيئة وللحد من التغيرات املناخية قد أصبحت بال دعم في ظل األزمة االقتصادية األخيرة .ولكن ذلك ليس له بالضرورة انعكاسات سلبية على مستقبل الكوكب .فهناك استراتيجيات رخيصة وفعالة جاهزة للتنفيذ إذا توقفت احلكومات عن الصراع على التفاصيل وإذا أبدت استعدادا التخاذ إجراءات جدية للتعامل مع االحترار العاملي. فالنتني زاهرنت كان الباحث نيكوالس سترن قد أشار عام 2006إلى أننا بحاجة إلى ما يعادل % 1من الناجت احمللي اإلجمالي جملابهة التغير املناخي. وبحلول عام ،2008كان ذلك الرقم قد تضاعف .وبغض النظر عن احلجم احلقيقي للتكلفة ،فمن املتوقع أن تكون عملية احلد من التغير املناخي مكلفة .ولكن ذلك ليس سوى جانب واحد من القصة ،فهناك حاجة إلى مزيد من األموال للتعامل مع عواقب التغير املناخي. فليس من الضروري أن تشاهد أفالم الكوارث الطبيعية لكي تدرك مدى قوة الطبيعة؛ فكل ما أنت بحاجة إليه هو أن تتأمل عواقب إعصار كاترينا على نيو أورليانز .كما أن احلفاظ على التنوع احليوي واحلد من تلوث املياه والهواء سوف يحتاجان إلى مزيد من االستثمارات .فالقائمة طويلة والتكلفة عالية. وكما يتضح من خالل فشل قمة كوبنهاغن 2009التفاقية األمم املتحدة اإلطارية بشأن تغير املناخ ،فإن صعوبة مفاوضات التغير املناخي العاملي تتجاوز إشكالية من الذي سيتحمل التكلفة .ومن جهة أخرى ،فإن إبقاء تلك التكلفة منخفضة هو أمر ذو أهمية كبرى بالنسبة لبلدان مثل الصني والهند اللتني تعدان من أكثر الدول التي تصدر انبعاثات للغاز في العالم ،خاصة في
36
ظل صراع تلك البلدان بني مجابهة التغير املناخي ومجابهة الفقر. وفي الوقت نفسه فإن تكلفة احلد من التغيرات املناخية لها بعد سياسي :فكلما ارتفعت التكلفة كلما اضطررنا لالنتظار قبل اتخاذ قرارات حاسمة.
جذب رؤوس األموال إلى اململكة العربية السعودية حتتل اململكة العربية السعودية مكانة جيدة في االقتصاد العاملي. لقد فتحت سوق أسهمها أمام املستثمرين األجانب عام ،2008 وبفضل أساسيات االقتصاد الكلي القوية والتقسيم الدميوغرافي اإليجابي ،يتزايد وضع السعودية كمحل جذب لالستثمارات. لقد أدت خطة التحفيز احلكومية البالغة 400مليار دوالر ،وهي أكبر خطة حتفيز نسبة إلى إجمالي الناجت احمللي بني مجموعة الدول تعاف اقتصادي العشرين ،وكما أدت اإلجراءات املالية االستثنائية إلى ٍ قوي .ويتوقع البنك السعودي -الفرنسي ،وهو أحد أكبر مقدمي اخلدمات املالية في البالد ،أن يرتفع معدل النمو إلى 3.9في املائة بعد أن كان 0.15في املائة في العام املاضي .ويتوقع البنك أيضا أن يصل معدل التضخم إلى نسبة 4.7في املائة ،وأن يصل الفائض في احلساب اجلاري إلى نسبة 77في املائة في العام احلالي .عالوة على ذلك ،تسمح أسعار النفط التي تتجاوز 70دوالرا للبرميل للحكومة باالستمرار في اإلنفاق بقوة وأن يظل لديها فائض مالي كبير .وبفضل اإلنتاج األكبر حجما وأسعار النفط ،استطاعت مؤسسة النقد العربي السعودي -وهي املصرف املركزي السعودي -أيضا أن تعيد سندات األصول األجنبية إلى مستوى ما قبل األزمة .ويقوي ذلك من التزام احلكومة بسعر صرف ثابت كما يبقي خطر العملة بعيدا. ولكن على الرغم من أن تلك األرقام ترسم صورة مشرقة للحالة العامة لالقتصاد السعودي ،فإنه ال يزال هناك سؤال يتعلق مبا ميكن االستثمار فيه؟ ما زال مصير اململكة يعتمد بشدة على النفط .ويشكل قطاع النفط 45في املائة من إجمالي الناجت احمللي ،و 90في املائة من الصادرات. وتظهر املشاريع االستثمارية الكبرى مثل مشروع بتروكيماويات «أرامكو -داو» في اجلبيل أو مصفاة تكرير ينبع ،أن السعودية لديها إمكانية كبيرة ليس فقط لتصدير النفط اخلام ،بل أيضا ملعاجلته، مما يضيف قيمة جوهرية لالقتصاد .وفي حني من املرجح أن يستمر النفط كأساس لكثير من املنتجات الصناعية في األعوام املقبلة، يقدم ذلك احتماالت مبشرة فيما يتعلق بالنمو االقتصادي على األمد البعيد .ولكن ،بينما تكمن اإلمكانية األساسية للدولة في تنمية صناعة البتروكيماويات ،حتاول احلكومة بنشاط تنويع مجاالت االقتصاد .ويعد هذا إجرا ًء مهما إذا أرادت السعودية أن تصبح أقل عرضة للصدمات في الطلب العاملي على النفط .وتوفر هذه اإلجراءات أيضا فرص عمل لسكانها الذين يشهد تعدادهم منوا سريعا.
نظرا إلى أن تكاليف توظيف املوظف وتدريبه استثمار مهم ،فمن مصلحة الشركة أيضا أن حتتفظ بأصحاب املهارات املعينني حديثا. ولتحقيق ذلك ،يوجد اجتاهان مختلفان أحيانا ما يستخدمان الواحد تلو اآلخر :تنظيم مكافآت األداء التي يحصل عليها رؤساء الشركات، واتباع نظام التعويض املؤجل .ويظهر التحرك نحو خطط التعويض املعتمدة على األداء من خالل احلصة املتزايدة للعالوات في إجمالي مبالغ التعويض .وفي صناعات اخلدمات املالية األميركية واألوروبية، يتم تأجيل العالوات اخملصصة كجزء من العقد األولي .وميكن استثمار العالوات للموظف في أسهم الشركة ،أو ميكن أن مينح املوظف حق التحكم في االستثمار .وبصورة عامة ،تظل العالوات مجمدة ملدة ثالث سنوات ،ويخسرها املوظف إذا ترك العمل في غضون تلك الفترة .وبعد عدة أعوام ،تزداد قيمة العالوات سنويا ،ولكن سيظل هناك دوما حافز للموظف من أجل البقاء حتى ينال االستحقاق التالي ،عاما بعد عام .ومن املمكن أن يزيد مثل هذا النظام كثيرا من قدرة املنطقة على االحتفاظ بالعمالة املاهرة. العدد ،1554أغسطس 2010
وإلى جانب الثروة النفطية ،يوجد عنصران ميكنهما أن يجعال من اململكة العربية السعودية موقعا مثيرا الهتمام املستثمرين العامليني. العنصر األول هو اعتزام احلكومة حتسني البنية التحتية في أكبر دولة في شبه اجلزيرة العربية .وتقدم مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل قطار احلرمني السريع ،وهو خط سكة حديد بني املدن يبلغطوله 444كيلومترا يصل بني مكة واملدينة ،ومشاريع في مطار املدينة ومطار امللك عبد العزيز الدولي -فرصا عظيمة لقطاع البنية التحتية ويزيد من فرص العمل. السبب الثاني الذي يدعو إلى االستثمار في السعودية -وهو في الوقت ذاته أكبر حت ٍد اقتصادي يواجه احلكومة -هو التوزيع الدميوغرافي في البالد .حيث تبلغ نسبة السكان حتت 15عاما 38 في املائة من إجمالي السكان ،مقارنة بـ 30في املائة في الهند ،و18 في املائة في الصني .وتعد أخبار الزيادة السكانية الكبيرة جيدة للشركات التي تخاطب املستهلك حيث من املقرر أن يزداد حجم االستهالك احمللي بصورة كبيرة .وعندما يكبر املراهقون السعوديون سيرغبون في احلصول على سيارات وهواتف ومستحضرات جتميل، مما يجعل السعودية مكانا جيدا الستثمار شركات تقدم سلعا استهالكية ضرورية وعينية .ويخفض الطلب احمللي كثيرا من اعتماد البالد على الطلب العاملي على النفط. ومن جانب آخر ،سيكون على احلكومة السعودية أن تتأكد من أن هذا اجليل اجلديد الذي سينضم إلى القوى العاملة سيكون قادرا على العثور على وظائف .وقد تسببت حالة الرخاء التي حققها النفط في رفض كثير من السعوديني للعمل في القطاع اخلاص .ولكن مع ارتفاع معدل البطالة وكفاح كثير من السعوديني من أجل احلفاظ على مستويات معيشتهم ،يجب على احلكومة أن تسعى جاهدة إلى تشجيع العمل في القطاع اخلاص .ويكمن التحدي الدميوغرافي اآلخر في إدخال املرأة في صفوف القوى العاملة. ومع سوء األحوال االقتصادية في أوروبا والواليات املتحدة ،يتحول املستثمرون جنوبا بحثا عن فرص استثمارية جديدة .وفي حني تفتح السعودية أسواقها ،من املرجح أن جتذب الثروة النفطية والتوزيع الدميوغرافي اإليجابي فيها املزيد واملزيد من رأس املال العاملي. ولكي توضع الدولة على خريطة األسواق الناشئة ،حتتاج احلكومة إلى االستمرار في مسيرتها في اإلصالح االقتصادي .ومن الضروري تشجيع أنشطة القطاع اخلاص ،وحتديث النظام املالي ،وتوفير فرص عمل ،إذا أراد األسد السعودي أن يلحق بالنمور. * جويل شوبيغ
وفي النهاية ،على الرغم من جميع النقاط التي ناقشناها هنا من قاعدة تخطيط «رأس املال البشري» إلى تعيني أصحاب املهارات واالحتفاظ بهم ،هناك عنصر آخر مهم من أجل زيادة القدرة التنافسية ملنطقة اخلليج في أسواق العمالة العاملية وهو ممارسات إدارة الشركات ذاتها .فمن أجل التنافس على الساحة العاملية، يجب أن تستمر دول مجلس التعاون اخلليجي في تبني سياسات رسمية ونزيهة ملنح املكافآت ،حيث تصبح مثاال للمصداقية في السوق التنافسية .ولكن تلك قصة أخرى.
جوليان غاردنر -مدير قسم أوروبا والشرق األوسط وأفريقيا في بنك «كندا امللكي» خلدمات موظفي ورؤساء الشركات (آر بي سي سيز)، وهو مقيم في جنيف. نشر هذا املقال أول مرة في «اجمللة» في 17يونيو (حزيران) .2010 35
● ثروة األمم
هل يفلح تعديل األجور في توفيرها؟
البحث عن املواهب في دول مجلس التعاون اخلليجي
أحد أهم التحديات التي تواجه منطقة اخلليج في املستقبل القريب هو كيفية االستمرار في جذب العمال أصحاب املهارات. لم يكتف ظهور اقتصاد دول مجموعة «بريك» (البرازيل وروسيا والهند والصني) باحلد من التزويد بالعمالة املاهرة (حيث قرر كثير من املهاجرين احملتملني البقاء في بالدهم) ،بل زاد أيضا من حجم املنافسة الدولية على العمالة املاهرة .ويكمن احلل الواضح لهذه املعضلة في إعادة هيكلة باقات األجور املقدمة للعمال املهاجرين في املنطقة. جوليان غاردنر لقد خرج الشرق األوسط من األزمة االقتصادية العاملية األخيرة في صورة أفضل من معظم املناطق األخرى .فقد حافظ على نتائج اقتصادية إيجابية طوال األزمة (بفضل صادرات البترول في األساس)، ومن املتوقع أن يحقق منوا أكبر عام .2010لكن على الرغم من هذا األداء اإليجابي نسبيا ،أبرزت حالة الركود والتعافي الذي تاله ،صراع املنطقة املستمر من أجل جذب املواهب العاملية واحلفاظ عليها. خالل فترة تاريخية طويلة ،كانت املنطقة تركز على جذب نوعني من العمالة األجنبية :مغتربني غربيني وشرقيني .وكقاعدة عامة ،يهاجر املغتربون الغربيون من الواليات املتحدة وأوروبا بدافع األجور املرتفعة، والضرائب املنخفضة (إن وجدت) ،وتسديد النفقات مثل التعليم والرحالت اجلوية .وعادة ما يصل هؤالء ويغادرون في دورة تستمر من ثالث إلى خمس سنوات .أما عن املغتربني الشرقيني من دول مثل الهند ،فهم عادة ما ينجذبون لباقة أجور أبسط بكثير ،ولكنها ال تزال أفضل فعليا من أية أجور قد يحصلون عليها في بالدهم. فعال حتى اآلن ،لضغط متزايد يتعرض هذا النموذج البسيط ،ولكنه ّ في األعوام األخيرة بسبب التنامي السريع القتصاد دول «بريك» وزيادة قوة املنافسة على املواهب العاملية .لقد شهدت الدول األصلية للعمال التقليديني ،مثل الهند ،ازدهارا اقتصاديا ،مما أدى إلى توسع في الطلب على العمالة املاهرة واألجور املرتفعة .وفي هذا السياق، خفت جاذبية منوذج دول مجلس التعاون اخلليجي نسبيا في كثير من احلاالت أمام خيار البقاء في البالد األصلية .باإلضافة إلى ذلك ،أسهم اكتشاف املزيد من النفط في البرازيل إلى زيادة الطلب العاملي على عمال ماهرين في صناعة النفط ،وهو أحد قطاعات سوق العمل العاملية التي تعتمد عليها دول اخلليج بكثافة.
% 7من العاملني في اإلمارات أجانب و % 69في الكويت و % 51في البحرين
ولكن ملاذا تعد خسارة هؤالء العمال املغتربني مشكلة؟ تثير األرقام وحدها الدهشة :يوجد نحو 87في املائة من العمال في اإلمارات العربية املتحدة من األجانب ،بينما ميثلون 69في املائة من العمالة في الكويت ،و 51في املائة في البحرين .وفي عمان والسعودية فقط يتجاوز عدد العمالة احمللية عدد املغتربني في القوى العاملة .وفي هذا اإلطار ،في اقتصاد يتطلع إلى النمو على أساس طويل املدى، من املمكن أن يتسبب انخفاض عدد القوى العاملة في وقوع كارثة. ومن املمكن أن يتلخص حل هذه املسألة في عنصرين مهمني :كيف ميكن أن تستمر منطقة اخلليج في جذب أصحاب املهارات؟ وبعد حتقيق ذلك ،كيف ميكن أن حتتفظ بهم؟ 34
حتى لو كانت العوامل التقليدية ،مثل األجور والبدالت ،ما زالت تلعب دورا مهما في جذب أصحاب املهارات ،في سوق العمل العاملية ،فإن دول مجلس التعاون اخلليجي لم تعد تتوقع أن تتميز عن منافسيها عن طريق هذه الوسائل وحدها .إحدى االستراتيجيات الرئيسية التي حتظى سريعا بالقبول في املنطقة هي التحول من خطط التوظيف قصير املدى إلى خطط أطول أمدا (أو حتى دائمة) ،حيث يصبح السبب احملوري الذي يجذب العامل هو إمكانية االستمرار في طريق مهني ناجح .وعمليا ،يتطلب هذا النهج عددا من التغييرات في هيكل باقات التوظيف التي يقدمها أصحاب العمل. أوال ،يجب أن تنتقل الشركات من العالوات التي حتددها األنشطة (مثل مصاريف املدارس) إلى منوذج بدالت «غربي» أكثر مرونة ،حيث يختار املوظفون كيفية تخصيص البدالت اجملمعة .ثانيا ،توصل بنك «كندا امللكي» خلدمات موظفي ورؤساء الشركات (آر بي سي سيز) ومؤسسات أخرى في الصناعة ،إلى زيادة كبيرة في الطلب على معاش أطول مدى مثل خطط التقاعد. وفقا لبحث أجرته مؤسسة «ميرسير» عام 2008عن معاشات دول مجلس التعاون اخلليجي ،تقدم 8في املائة من الشركات اإلماراتية خطط تقاعد ملوظفيها ،وتظهر دراسة مماثلة أجريت عام 2009أن تلك النسبة ارتفعت إلى 30في املائة ،بل وأيضا تدرس 65في املائة من الشركات اإلماراتية بجدية إدخال مثل تلك اخلطط .وحتى اآلن ،تظهر الطبيعة النموذجية لتلك اخلطط ما يسمى بخطط «االشتراك احملدد» ،حيث يقدم للموظفني عدد من اخليارات االستثمارية ،وأحيانا القدرة على تقدمي اشتراكات شخصية . وعلى الرغم من الفوائد االستراتيجية التي قد يجلبها التركيز على العمالة طويلة املدى إلى املنطقة ،فإن هذا االجتاه ال مير دون مشكالت .كما تبني من خالل األزمة االقتصادية األخيرة ،من املمكن أن يزيد التركيز على العمالة طويلة املدى مكافآت نهاية اخلدمة بصورة كبيرة في حالة تسريح عمالة جماعي .وقد أعطت عمليات تسريح العمالة املتعلقة باألزمة األخيرة مثاال على مشكالت التدفق النقدي التي تطرأ عندما تظل التزامات املكافآت دون متويل. وفي حني من املتوقع زيادة نسبة العمالة طويلة املدى ،وانخفاض معدالت الدوران ،وارتفاع األجور ،يرتبط هذا النوع من االلتزام بحركة االقتصاد .ووفقا لدراسة أجرتها شركة «تاورز واتسون» عن بنود مكافآت نهاية اخلدمة في دول مجلس التعاون اخلليجي عام ،2009 في السعودية وحدها من املمكن أن ترتفع قيمة هذه البنود من 7 مليارات دوالر في الوقت احلالي إلى 40مليارا عام .2020لذلك يعد التمويل ضروريا إذا كانت تلك االستراتيجية ستؤتي ثمارها على املدى البعيد.
عندما التقى قادة مجموعة العشرين في لندن في أبريل من العام املاضي في خضم األزمة االقتصادية العاملية .أفصحوا حينها عن غاية مشتركة مثيرة لإلعجاب وتعهدوا باتخاذ إجراءات حتفيزية منسقة وسريعة ملواجهة التدهور االقتصادي .وقد أثمرت سياساتهم إلنعاش النمو لفترة وجيزة. ولكن بعد مرور سنة بالكاد ومع تزايد تهديد االضطراب في منطقة اليورو باالنتشار إلى مناطق أوسع تبني أن التضامن العاملي يتعثر. في يونيو (حزيران) 2010سارع وزراء مالية مجموعة العشرين إلى قلب سياساتهم على الفور ودعوا إلى اتخاذ إجراء حاسم للحد من عجز موازناتهم .لكن إعالنهم املشترك لم يستطيع إخفاء اخلالفات العميقة بينهم من خالل إصرار الواليات املتحدة على أن احلفاظ على تزايد معدل النمو أكثر أهمية من تخفيض عجز املوازنة بينما بقيت عملية اإلنعاش االقتصادي هشة وضعيفة .األسوأ من ذلك أنه لم يكن اتفاق حول ماهية البلدان التي يتعني عليها تخفيض العجز وكم هو حجم التخفيض ومتى يجب أن يتم. ومنذ ذلك احلني فإن اخملاوف من أن أسواق االئتمان ستتعطل عند مستويات مرتفعة من الديون الرئيسية قد دفعت بكثير من دول أوروبا واليابان إلى املباشرة باحلد من اإلنفاق ورفع الضرائب من غير مهادنة وبشكل جاد. وحتى اآلن فإن سلوكيات األسواق توحي بأن التهديدات بالنسبة ملعظم البلدان تبقى وهمية أكثر منها حقيقية .لكن اندفاعهم غير املدروس للخروج من األزمة ينطوي على خطورة حتويل الهبوط االقتصادي إلى ركود اقتصادي مضاعف وهو اخلطر الذي حذر منة البنك الدولي الشهر املاضي. ومن غير الواضح على اإلطالق إلى أي مدى ستكون عملية االنتعاش مرتكزة على الطلب احلقيقي للقطاع اخلاص كنقيض للضخ احلكومي الرئيسي .وإن خفض اإلنفاق املالي املتسرع وغير املنسق سيكون مبثابة هزمية للذات إذا ما انتهى بتقويض عملية النمو .إذ إن مثل هذا األمر سيضعف العوائد الضريبية ويزيد من حجم الضغوط على اإلنفاق األمر الذي يستوجب الطلب على تخفيضات أعمق وقد تنذر مبزيد من االنكماش والركود املالي. وبدال من أن يكون هذا االحتمال بعي ًدا عن تهدئة األسواق ،فرمبا يعمل على تأزميها بشكل أكبر ،وبالفعل عندما عملت مؤسسة «فيتش» ،وهي إحدى وكاالت تصنيف معدالت االئتمان ،على تخفيض مرتبة التصنيف الرسمي إلسبانيا ،فإمنا أعطت سب ًبا آخر للقلق بأن تدهور معدالت النمو سيجعل من العسير القيام باملهمة امللحة لتخفيض حجم الدين اخلارجي واخلاص. وبالنسبة حلكومات مجموعة العشرين فهي ليست منقسمة بخصوص السياسات املالية وإمنا أيضا تعمل كل واحدة منها منفردة وبطريقتها اخلاصة فيما يتعلق بضبط وتنظيم السوق املالية .فالواليات املتحدة قدما في التشريعات اخلاصة بها بينما االحتاد األوروبي يخطط مثال مضت ً لتضييق اخلناق وفرض ضرائب على البنود والتخاذ إجراءات أكثر تشدي ًدا وسيطرة على رؤوس األموال احملمية ،وأملانيا من جانبها تواصل فرض حظر أحادي اجلانب على صفقات ما يسمى «بيع النسيئة» أي بيع أوراق مالية ال ميلكها البائع عند عقد الصفقة لكنه يكون قد اقترضها من طرف ثالث يكون في العادة سمسارًا ويتم تسليم هذه املوجودات فيما بعد أمال من البائع ربحا بأن السعر سينخفض وبالتالي سيحقق ً أعلى .إن ذلك ال يجدي إذ إن كثيرا من هذه اإلجراءات يبدو أنها صممت للتركيز أكثر على كسب إعجاب الرأي العام محليا منها على احملاولة اجلادة للتقليل من حدة اخملاطر املنتظمة. عامليا فإن سياسات االقتصاديات الضخمة غير املتناغمة تبقى ولكن ً مصدر القلق األكبر إذ إن اقتصاديات مثل الصني وأملانيا واليابان تسعى لزيادة صادراتها للتعويض عن أثر سياسات األحكام محليا .الذهاب بعي ًدا في مثل على الطلب ً هذه اإلجراءات قد يتسبب في إحداث حركة ارتدادية تتمثل بسياسة احلماية واللجوء محليا على إلى سياسة حتقيق املكاسب ً حساب اقتصاديات بلدان أخرى .ومن شأن العدد ،1554أغسطس 2010
ذلك أيضا أن يزيد من محنة وجود اقتصاد أضعف مثقل بالديون .ويجعل من الصادرات األمل الوحيد في حتقيق النمو خاصة بالنسبة القتصاديات دول تناضل بشدة في منطقة اليورو مثل اليونان وإسبانيا وأيرلندا التي ال يساعدها االنخفاض في قيمة اليورو على املنافسة أمام املصدرين األقوياء والقديرين في أملانيا. وهذا ما ال يتماشى مع السحب املتسرع للحوافز في االقتصاديات األضخم واألقوى .لكن االنتعاش الذي يتصف بالدميومة يعتمد على أكثر من مجرد القيام بتنسيق أفضل لسياسات الضبط والتنظيم وتخفيض اآلثار االجتماعية لألزمة االقتصادية .ودون اللجوء إلى إجراء فاعل ملعاجلة التشوهات الهيكلية املتأصلة فإن من املرجح أن يتكرر عدم االستقرار املالي واالقتصادي ورمبا يكون أكثر حدة. مثل هذه التشوهات تعتبر متعمقة في الفروقات في معدالت االدخار الوطنية التي تنعكس من خالل االستمرار الثابت في حاالت العجز والفائض في احلسابات اجلارية ففي غالبية السنوات العشرين املاضية كانت املدخرات املفرطة في دول الفائض وعلى رأسها الصني وأملانيا واليابان متول االستهالك املفرط في االقتصاديات التي تعاني العجز .مثل الواليات املتحدة وبريطانيا .ومن خالل إغراق العالم برأسمال غزير وأكثر من رخيص فقد ساهمت هذه املدخرات في عمليات اإلقراض الطائشة في الغرب وكذلك في تنشيط ممارسات السوق املالية التي بدورها فجرت األزمة احلالية. صحيح أنه ومنذ نشوب األزمة ،ارتفعت معدالت االدخار في دول العجز بينما تقلص الفائض التجاري في عدد من البلدان ذات الفائض الكبير ،إال أن هذه التغيرات قد تثبت أنها مؤقتة فقط .فالفائض التجاري الصيني قفز من خالل شهر مايو (أيار) املاضي في الوقت الذي اتسعت فيه دائرة العجز التجاري في الواليات املتحدة مؤخرًا. معاجلة هذه التقلبات العاملية تستدعي القيام بعمل من قبل كال الطرفني ،مدخرات مرتفعة واستثمارات منتجة في بلدان العجز وزيادة االعتماد على الطلب احمللي وخاصة من حيث االستهالك في بلدان الفائض .مثل هذا األمر لن يتحقق من خالل رصاصة سحرية وإمنا من سياسيا وتتباين ما بني دولة وأخرى. خالل إجراءات غال ًبا ما ستكون صعبة ً وفي اقتصاديات العجز ،فإن ذلك يعني قبول الناس مستويات معيشة أقل لبرهة من الزمن يرافق ذلك تغير في احلوافز مثل التنظيم وسياسات الضرائب .أما في دول الفائض ،فإن احللول تشمل إصالحات هيكلية تفتح الباب أمام مصادر جديدة من الطلب احمللي وفي الصني يتطلب األمر مرونة أكثر في العملة وحالة من االسترخاء الثابت في التحكم برأس املال وحتديث في النظام املالي وحتسني األمن االجتماعي إضافة إلى إجراءات للحد من ادخار احلكومة واملؤسسات. هذه مبثابة أجندة ضخمة تصل مستوى القيام بإعادة هندسة أساسية لألمناط االقتصادية القائمة منذ أمد بعيد وهي أيضا األجندة التي تفتقر بشكل واضح إلى إجماع دولي .إذ ال يوجد سياسي أميركي واحد مهيأ للدعوة إلنهاء احلكم األميركي مبستويات معيشة وأمناط استهالك ترتفع بشكل متواصل .وتتساوى في ذلك أملانيا التي تستمر بالدفاع بقوة عن وضعها املريح كدولة مصدرة وعن امتيازات نظامها املالي الرزين والقوي بينما الصني ترفض بشكل قاطع االعتراف بأن سياساتها رمبا كانت قد ساعدت في نشر بذور األزمة املالية. سياسيا والتمتع بالتأييد الشعبي على مثل هذه املواقف ميكن فهمها ً الصعيد احمللي .ولكن ما لم تنهض احلكومات وترتفع إلى مستوى أعلى من ذلك لتواجه حتمل مسؤولياتها في اجلهود املبذولة إليجاد سياسة تنسيق عاملية جادة ستبقى تعاني من اإلعاقة الشديدة .ويكون العالم بأسره هو األفقر في ذلك.
* جاي دي جونكيرز -كبير أعضاء املركز األوروبي لالقتصاد السياسي الدولي وعمل سابقا لدى صحيفة «الفايننشيال تاميز». نشر هذا املقال أول مرة في «اجمللة» في 27يونيو (حزيران) .2010 33
● ثروة األمم
يحتاجه االقتصاد فيما ترفضه السياسة
«التضامن العاملي» يفشل حتت وطأة احللول الفردية
إذا كانت هناك إشارة واضحة أطلقها قادة العالم في اللقاء األول جملموعة العشرين في أبريل (نيسان) ،2009فمفادها أن حل األزمة االقتصادية العاملية ميكن أن يتحقق فقط من خالل استجابة منسقة من جانب رؤوس األموال الرئيسية في العالم. لكن هذا «العمل اجلماعي» سرعان ما تفككت خيوطه واستبدل «بالعمل الفردي» املعتاد ممثال بتحركات غير منسقة على نحو متزايد في صناعة السياسات املالية .وهذا الفشل في إيجاد جبهة مشتركة يكون أكثر إشكالية عندما يدرك املرء أن التقلبات العاملية التي تسببت بنشوب األزمة قد تركت دون معاجلة وعلى نطاق واسع .وفي الوقت الذي تكون فيه هذه املواقف مفهومة من الناحية السياسية فإنها من ناحية ثانية مزعجة بالنسبة ملستقبل االقتصاد العاملي. جاي دي جونكيرز
32
بيع الذهب توماس غيسلير هو رجل األعمال األملاني الذي توصل إلى فكرة ماكينات بيع الذهب .وتقدم ماكينات بيع الذهب ،التي وضعت من أجل مهمة تشبه ماكينات البيع العادية ،قطعا ذهبية وهدايا ذهبية صغيرة في مقابل النقود .ويتم حتديث سعر الذهب في برنامج الكمبيوتر في املاكينة كل عشر دقائق من أجل التماشي مع تقلبات السعر العاملي .وبعد أن متت جتربتها في البداية في أملانيا باإلضافة إلى دول أوروبية أخرى ،بدأ تشغيل أول ماكينة لبيع الذهب في الشرق األوسط في فندق قصر اإلمارات في أبو ظبي في مايو (أيار) املاضي. واعترف غيسلر ،الذي أصبح يشتهر باستفادته من أزمة االئتمان من خالل هذه الفكرة اجلديدة ،بأن تلك املاكينات صنعت كمالذ لألشخاص غير الراضني عن النظام املالي .وقال غيسلر لدى تقدميه ماكينات بيع الذهب في عام “ :2009ال يثق الناس في املصارف ،وال يعتقدون أن جتربة احلكومة في حل األزمة املالية ستكون ناجحة”.
العدد ،1554أغسطس 2010
31
● ثروة األمم
عودة امللك
الكارثة االقتصادية تدعم ازدهار أسواق الذهب
على الرغم من أنه كان ينظر إلى الذهب كصمام أمان خالل فترة ما بعد بريتون وودز ،فإن أداء أسواق الذهب تضاءل مقارنة باألسواق املالية املتنامية والطفرة في أسعار سوق العقارات وغيرها من املشتقات اجلديدة ذات القيمة العالية .ولكن خالل السنوات الثالث املاضية عاد الذهب للظهور من جديد كمالذ آمن للمستثمرين ،فذكريات الكارثة االقتصادية التي ال تزال ملتهبة في أذهان املستثمرين ،ومن املرجح ج ًدا أن تزيد من أهمية املوجودات املدعومة بالذهب في املستقبل القريب. مارك دكنفيلد عاما على استبدال ريتشارد نيكسون للذهب لقد مضى قرابة األربعني ً بالدوالر كعملة تعامل رسمية .وفي ظل استمرار األزمة االقتصادية احلالية واخلوف من املزيد من الفوضى في النظام املالي العاملي ،نرى أن تاريخيا ،كان ينظر الذهب قد عاد كملك للنظام النقدي مرة أخرى. ً إلى الذهب على أنه ملكية آمنة مقارنة باملوجودات الورقية كاألوراق املالية والسندات والعملة الرسمية .فانتشار األوراق املالية الدخيلة على السوق وغيرها من األدوات املالية «اإللكترونية» في العقود األخيرة يتناقض مع اإلصرار الثابت واملستمر على وجود كميات مستقرة من الذهب في العالم. ولفترة طويلة من الزمن خالل فترة ما بعد بريتون وود ،عانت سوق الذهب من أداء باهت مقارنة مع األسواق املالية النامية وطفرة أسعار السوق العقارية واملشتقات اجلديدة ذات القيمة العالية .بدأ مستثمرو القطاع اخلاص الذين عزفوا عن الذهب وحتى اجلماعات الرزينة من مسؤولي البنوك املركزية الذين عادة ميثلون التفكير احملافظ والبعيد املدى بإطالق احتياطات الذهب في متابعة منهم لألداء العالي للموجودات ذات فائدة عالية .وعلى كل حال ،فعلى مدار السنوات الثالث املاضية عاد الذهب من جديد كمالذ آمن للمستثمر ين . وأدت عودته األخيرة إلى إنهاء ثالثة عقود من الهبوط الذي شهدته أسعار الذهب كما عكست االنخفاض في أسعار فائض البنوك املركزية وأنعشت من جديد االستثمار في سوق الذهب .فسعر الذهب الذي اتخذ منحى تصاعديًا منذ عام 2005قد ارتفع بشكل حاليا إلى 1.200دوالر .بعض التحوالت حاد ويصل سعر األونصة ً الكبيرة في مصادر العرض والطلب على الذهب تؤكد هذه االحتماالت املتغيرة .فقد الثورة احلقيقية على صعيد الطلب حيث إن الدور التقليدي املسيطر للمجوهرات كان قد انهار في مواجهة األزمة االقتصادية وعاد الذهب كاستثمار للظهور من جديد.
العرض في سوق الذهب حيث يأتي عرض الذهب أصال وبشكل أساسي من التعدين وإعادة تصنيع الذهب ومن مبيعات القطاع الرسمي .ويعتبر إنتاج الذهب من املناجم عملية رأسمالية مكثفة للغاية فاحلصول على أونصة واحدة من الذهب يحتاج إلى إزالة طن من األتربة من الناجم .ومع ارتفاع أسعار الذهب فإن عمل املناجم أصبح أكثر ربحية بينما كان ارتفاع اإلنتاج ضعيفً ا .ومع ذلك ،ونظرًا ألن تشغيل خطوط اإلنتاج في مناجم جديدة يستغرق وق ًتا طويال فإن إجمالي عرض الذهب املنتج من املناجم تراوح فقط ما بني 2000 2200طن سنويًا خالل السنوات املاضية .ومع ارتفاع سعر الذهب،تدريجيا باإلضافة إلى تناقصت مبيعات الذهب من القطاع العام ً صافي مشتريات الذهب خالل الثالثة أرباع املاضية من العام مقابل حجم مبيعات سنوي طبيعي يزيد عن 400طن في السنوات السابقة .ومع تراجع مبيعات القطاع الرسمي ،فإن التحرك الكبير مبيعا في الشارع هو منو إنتاج الذهب املعاد تصنيعه فقد واألكثر ً ارتفع اإلنتاج مما يسمى بالذهب اخلردة الذي يتم صهره من اجملوهرات املوجودة أصال ومن مصادر أخرى من 23في املائة من عرض الذهب من عام 2002إلى 40في املائة العام املاضي. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ،مبا تنبئ التوجهات بالنسبة للمستقبل؟ على صعيد الطلب ،فإن منو الطبقات الوسطى في اجملتمعات الصينية والهندية واجنذابها التقليدي للذهب سيستمر في دعم كل من سوق اجملوهرات والطلب على االستثمار بالذهب وهو ما عوض عن تراخي االهتمام بالذهب املزخرف في بلدان االقتصاديات املتقدمة .ومع كل ذلك فإن الذهب كاستثمار يبدو وكأنه جعل من نفسه سوقًا رئيسية ورمبا على نحو دائم .ومن املؤكد أن العودة إلى بيئة اقتصادية عاملية أكثر استقرارًا وثباتًا ستؤدي إلى إعادة توازن للمحافظ االستثمارية واالنخفاض في املقبوضات من الذهب .وعلى كل حال ،فإن كثيرا من املستثمرين الذين لم يسبق لهم أن يعتبروا الذهب خيارًا آمنًا وقابال للبقاء سيتعاملون مع الذهب اآلن على أنه استثمار يتصف بالدوران املعاكس وحقيقة أن سوق االستثمار في الذهب عام 2009قد استدعت توفير 40مليار دوالر كقيمة استثمارات مرتبطة بالذهب هي شهادة على كل من الرغبة في االستثمار في هذه السوق وجناحها كذلك .ومن حيث العرض فإن الوضع أكثر محدودية ،وذلك ألن مناجم الذهب احلالية مستقرة نسبيا كما أن املناخ االقتصادي احلالي قد ذكر القائمني على البنوك ً املركزية باملزايا النقدية لالحتفاظ بالذهب.
انخفض الطلب على اجملوهرات التي شكل الذهب منها باألصل 80 في املائة أوائل عام 2000بنسبة تصل إلى أكثر من 50في املائة بحلول عام .2009وفي الوقت الذي أبقى فيه السعر املرتفع للذهب على قيمة قطاع اجملوهرات العالية -نحو 54مليار دوالر وهو ثاني أعلى إجمالي سنوي على اإلطالق إذ ارتفع من 29مليار دوالر عام – 2000فإن الـ 1747طنًا من الذهب التي استخدمت كحلي عام انخفاضا بنسبة 50في املائة تقري ًبا من الـ3204 2009تعتبر ً أطنان التي استخدمت للغرض ذاته عام .2000وعلى النقيض ،فإن الطلب على الذهب ألغراض االستثمار في ظل ظهور رؤوس أموال سوق تداول العمالت exchange –traded – fundsالتي تبدأ عام حاليا 38في املائة من حجم الطلب .2002ويشكل استثمار الذهب ً على الذهب أي بارتفاع من 4في املائة فقط عام .2000
* مارك دكنفيلد -أستاذ االقتصاد السياسي الدولي بكلية احلرب اجلوية األميركية -قاعدة ماكسويل اجلوية. اآلراء الواردة في هذا املقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب وال تعكس بالضرورة وجهة نظر كلية احلرب اجلوية األميركية أو وزارة الدفاع األميركية.
هذه التغيرات في حجم الطلب كانت لها تبعاتها على صعيد
نشر هذا املقال أول مرة في «اجمللة» في 7يونيو (حزيران) .2010
30
الواردات الأمريكية من النفط اخلام (اكرب 15دولة) (�ألف برميل يف اليوم) الدولة كندا
ال�سعودية
املك�سيك نيجرييا
فنزويال �أنغوال
العراق
كولومبيا
اجلزائر
الربازيل رو�سيا
الكويت
الإكوادور
اململكة املتحدة
الكونغو (برازافيل)
منذ بداية العام 2009
�أبريل 2009
منذ بداية العام 2010
مايو 2010
�أبريل 2010
1,889
1,854
1,921
2,020
1,883
1,101
1,021
1,061
1,149
1,245
1,196
1,177
1,063
1,086
1,134
623
673
982
939
1,092
973
803
894
984
851
572
450
396
490
508
548
479
502
475
490
257
320
309
216
364
281
398
295
276
292
341
269
264
299
289
227
390
221
248
288
190
105
196
218
278
240
236
181
183
179
116
294
167
142
137
42
35
90
124
116
امل�صدر� :إدارة معلومات الطاقة الأمريكية
أميركا الصعبة مع اململكة العربية السعودية» ونائبة رئيس مجلس شيكاغو للشؤون الدولية ،إن امللك عبد اهلل «كان على الدوام مهتما بوضع البيض كله في السلة األميركية .وقد وجد أن ذلك غير صحي ،وأعتقد أنه رمبا يكون محقا في ذلك». ونتيجة لذلك ،تدعم السعودية العالقات الثنائية مع دول مثل تركيا والهند وروسيا والصني .ويؤدي ذلك إلى تكوين بيئة أكثر تنافسية داخل اململكة خسرت فيها الواليات املتحدة حصتها في السوق .في عام ،2000وصل حجم الصادرات األميركية إلى اململكة إلى 19.7في املائة من إجمالي الواردات السعودية. وبحلول عام ،2007انخفضت النسبة إلى 13.5في املائة. وعلى الرغم من ذلك الهبوط ،فإن مجتمعات األعمال السعودية األميركية ما زالت تعتمد على بعضها البعض ،وذلك من خالل منتدى فرص األعمال السعودية -األميركية األول من نوعه الذي عقد مؤخرا في شيكاغو ،الذي جذب حضورا أكبر من املتوقع. ويعد التبادل التجاري مجرد جزء من املعادلة االقتصادية بني البلدين .وقد وضعت اململكة ،التي طاملا كانت صاحبة صوت معتدل داخل منظمة «األوبك» ،جزءا كبيرا من فائض إيراداتها في سندات اخلزانة األميركية .كما أنها دعمت الدوالر األميركي في هذه الفترات االقتصادية الصعبة بربط الريال السعودي بالعملة األميركية .ونتيجة لذلك ،أصبح لدى الدولتني مصلحة مشتركة أكثر من ذي قبل في استعادة االقتصاد األميركي ملكا نته . هل يعتمد مستقبل أفضل على املصالح املشتركة؟ بالتطلع إلى املستقبل ،يرى األستاذ املانع أن العالقات الثنائية السعودية -األميركية أنه بعد عقد من اآلن ستعتمد على قاعدة أوسع بكثير .ويقول« :كانت العالقات في املاضي تعتمد بصورة أساسية على النفط .وأعتقد أن العالقة في املستقبل ستعتمد على املعرفة واالستثمارات والتجارة والتفاعل اإلنساني» .وتثير رؤيته سؤاال مبا إذا كان الشعبان يريدان أن يكونا على عالقة وثيقة بعضهما ببعض كما تريد احلكومتان. العدد ،1554أغسطس 2010
إنه سؤال يحتاج صانعو السياسات إلى البحث عن إجابة له. وفي الوقت ذاته ،ستكون مهمتهما األساسية هي العثور على أساس مشترك للتعاون من أجل حل بعض املشكالت الكبرى في املنطقة ،ومنها الصراع اإلسرائيلي -الفلسطيني ،وإقامة نظام مستقر في أفغانستان وباكستان والعراق ،باإلضافة إلى التعامل مع سعي إيران المتالك قدرة تصنيع سالح نووي .وفي جميع تلك القضايا ،تتبنى واشنطن والرياض آراء مشابهة، ولكنها ليست متماثلة حتديدا .وستتطلب اخلالفات املترتبة على ذلك تعامال مالئما من كال اجلانبني :على سبيل املثال، قد يسعد السعوديون لفرض عقوبات صارمة على إيران، ولكنهم ال يعتقدون أنها ستردع إيران عن امتالك سالح نووي. وتلك القضية لها أهمية رئيسية لدى السعودية ،حيث إنها ستساعد مطامع طهران في الهيمنة على اخلليج ،بل وستجبر الرياض على اتخاذ خيارات صعبة :هل نحصل على قنبلة مشابهة أيضا؟ وباملثل ،قد تعني ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية على إيران نهاية مبادرة السالم السعودية ألنها بالتأكيد ستؤدي إلى رد فعل انتقامي من إيران جتاه دول مجلس التعاون اخلليجي وإلى حرب ممكنة في اخلليج .وسيحبط ذلك أيضا محاوالت دول مجلس التعاون اخلليجي لتقليل اعتمادها على مظلة األمن األميركية .وبسبب تلك االحتماالت امللحة ،يجب أن تضع واشنطن والرياض أولوية «لوضع سياسة مشتركة بشأن إيران»، على حد قول ليبمان« .وفي اليوم الذي يعلن فيه اإليرانيون أنهم اختبروا (سالحا) من سيفعل ماذا؟ ومن املسؤول عما سيحدث بعد ذلك؟ إن اإلجابة على هذا السؤال هي التحدي األكبر».
*كاريل ميرفي -صحفية مستقلة تقيم في الرياض وفائزة بجائزة بوليتزر في الصحافة عام .1990وهي مؤلفة كتاب «الشغف باإلسالم». نشر هذا املقال ألول مرة في «اجمللة» في 11يونيو (حزيران) عام .2010 29
● قصة الغالف
اهلل ذات مرة بـ«غير القانوني» ،نتائج كارثية .وحتديدا، فشلت الواليات املتحدة املشتتة في إمتام مهمتها في أفغانستان ،وسمحت بزيادة حدة الصراع اإلسرائيلي -الفلسطيني ،ومنحت إيران مساحة لوضع قدمها في العراق ،وتسببت في حدوث حتول تاريخي في املنافسة السياسية بني السنة والشيعة ،مما أشعل الصراع الطائفي .وزادت دعوات إدارة بوش بعد الغزو من أجل التغيير الدميقراطي في الشرق األوسط من عدم االرتياح السعودي. ويذكر عوض البادي ،الباحث في مركز امللك فيصل أن والدراسات، لألبحاث االحتالل األميركي للعراق أنهى املفاهيم السعودية عن الواليات املتحدة كـ»دولة مثالية ذات مبادئ» .وبالنسبة للكثيرين« ،لم يعد صحيحا بالضرورة أن كل ما يأتي من الواليات املتحدة جيد. وأن كل شيء تريده منك الواليات املتحدة ينبع من قلب دافئ وصاف». وفي النصف الثاني من القرن العشرين ،انزعج ولي العهد األمير عبد اهلل ،الذي كان يتولى امللفات اخلارجية في البالد بسبب مرض امللك فهد الذي استمر طويال ،من تراخي الواليات املتحدة في أهم قضية إقليمية لدى السعوديني وهي الصراع اإلسرائيلي الفلسطيني .وأدي فشل كلينتون في معاجلة تلك القضيةحتى أواخر فترته الرئاسية ،وبعده موقف الرئيس جورج بوش االبن املوالي إلسرائيل ،إلى وصول العالقات إلى درجة متدنية. ولكنها لم تكن قد وصلت إلى الدرجة األدنى بعد. تسبب الكشف عن كون 15من بني اخملتطفني اإلرهابيني البالغ عددهم 19إرهابيا في أحداث 11سبتمبر (أيلول) عام 2001 يحملون اجلنسية السعودية -والرفض السعودي لالعتراف بذلك رسميا ملدة عام تقريبا – في انهيار العالقات الثنائية. و تفشت كراهية كل ما هو سعودي بني األميركيني ووسائل اإلعالم األميركية .وأصبحت التأشيرات األميركية التي كان من السهل احلصول عليها تتطلب اآلن إجراءات مرهقة تستغرق شهورا .وكان السعوديون أحيانا يتعرضون ملعاملة سيئة من مسؤولي الهجرة في املطارات األميركية .وحتول رجال األعمال والطالب والسائحون السعوديون إلى أوروبا وآسيا. يقول صالح املانع ،وهو أستاذ كرسي امللك فيصل للدراسات الدولية في جامعة امللك سعود« :اعتقد الكثيرون أن السعوديني قد أصبحوا اإلرهابيني اجلدد» .ويقول أوتاواي إن الهجمات « أ ًصبحت نقطة حتول حقيقية في العالقة ..لم يكن األميركيون يفكرون في السعودية بالفعل قبل ذلك إال كخزان وقود لهم». وجانبهم كان السعوديون مصدومني أيضا من حتول األميركيني ضدهم ،إال أن ذلك استمر فقط حتى وقعت هجمات تشبه أحداث 9/11لديهم ،عندما أسفرت تفجيرات إرهابية في الرياض والدمام عن مصرع عشرات املدنيني في عامي 2003 و ،2004لدرجة أن اجملتمع السعودي بدأ يدخل في نقاش جاد حول األسباب الداخلية للتطرف .وكان ذلك مصاحبا لتعاون سعودي متسارع الوتيرة مع جهود مكافحة اإلرهاب األميركية، وحينها بدأت العالقات الثنائية في استعادة توازنها .ويقول املانع« :لقد أصبحنا أيضا ضحايا لإلرهاب ،وأوضح هذا اإلدراك إلى حد ما أن هناك عدوا مشتركا للدولتني» .ولكن كانت هناك أزمة أخرى تتشكل في األفق. من وجهة نظر اململكة ،كان الحتالل واشنطن املشوش وغير احلكيم للعراق ،الذي عارضته الرياض بشدة ووصفه امللك عبد 28
التعافي من أحداث 9/11وما بعدها بدأت العالقات األميركية السعودية ،اليوم ،في التعافي من كبوتها بعد أحداث .9/11وأحد األدلة على ذلك هو قصر صفوف االنتظار خارج السفارة األميركية في الرياض ،ألن واشنطن حسنت من نظام تسليم تأشيرات دخول الواليات املتحدة .لقد انتهت فترات االنتظار الطويلة التي اعتاد السعوديون عليها، ويتوقع السفير األميركي جيمس بي سميث أنه وفقا للمعدالت احلالية ،فإن رقما قياسيا من السعوديني سيحصلون على تأشيرات أميركية في العام احلالي .ويحقق الطالب رقما قياسيا آخر .وبفضل برنامج منح امللك عبد اهلل الدراسية ،يسعى 25,000سعودي للحصول على درجات علمية من الواليات املتحدة .إن هذا الرقم ،و هو رقم كبير ،يفوق كثيرا عدد 3,000 دارس أثناء األعوام التالية ألحداث 9/11مباشرة. كما حتقق أيضا تقدم في التعاون من أجل مكافحة اإلرهاب .وما زالت بعض األفراد القالئل السعودي تعبر عن تأييدها لألفكار املتطرفة ،وقد ظلت أعلى الهيئات الدينية في اململكة حتى شهر مايو (أيار) من العام احلالي ،تعلن أن متويل اإلرهاب مخالف للشريعة اإلسالمية .غير أن مسؤولي االستخبارات من اجلانبني يتبادلون املعلومات بصورة روتينية .وباإلضافة إلى ذلك ،فرضت احلكومة السعودية رقابة من أجل وقف تدفق الدعم املالي للجماعات املتطرفة من قبل أفراد سعوديني وجمعيات خيرية سعودية. وفي زيارة قام بها مساعد وزيرة اخلارجية لشؤون الشرق األدنى جيفري فيلتمان مؤخرا صرح للصحافيني بأن السعودية «تعمل دون كلل من أجل مكافحة اإلرهاب والتطرف على املستوى الدولي» ،وأن لديها «برامج فعالة للغاية في هذا الصدد». ويعلق ليبمان« :ال يوجد أدنى شك في أن األوضاع في ظل رئاسة أوباما أفضل مما كانت عليه في رئاسة بوش». ولكن على الرغم من التحسن ،فإن العالقات الثنائية مختلفة متاما عما كانت عليه في املاضي .من جانب ،تشتري الواليات املتحدة اآلن املزيد من النفط من كندا واملكسيك وفنزويال أكثر من السعودية ،وفي عام ،2009وصل الوارد من اململكة إلى نحو 989,000برميل في اليوم مقارنة بـ 1.5مليون برميل في اليوم عام .2008وجاء ذلك إلى حد كبير بسبب التراجع االقتصادي، ولكن أيضا بسبب حتول مهم في املبيعات السعودية ،حيث أصبحت ترى أن الصني والهند هما أسواق النمو بالنسبة لها. تقول راشيل برونسون ،مؤلفة كتاب «أقوى من النفط :شراكة
أفعالها غير احلكيمة على أحداث عام 2001اإلرهابية في نيويورك وواشنطن ،من احتالل العراق ،وفضيحة سجن أبو غريب ،ومعسكر االعتقال في غوانتانامو ،واستخدام وسائل تعذيب ،وإساءة التصرف في أفغانستان. وفي الوقت ذاته ،تعززت مكانة السعودية بانضمامها إلى منظمة التجارة العاملية ومجموعة الدول العشرين ذات األهمية االقتصادية .وتستقر أكبر دولة منتجة للنفط في العالم ،أيضا، على قاعدة اقتصادية صلبة ،بفضل عدة أعوام من ارتفاع أسعار النفط واحملافظة علي السياسات املالية احملافظة .وعلى الرغم من التحديات االجتماعية التي تواجهها ،فإن الرياض وضعت برنامج إعادة تأهيل للمتطرفني املعتقلني مما جلب لها ثناء دوليا. وكانت النتيجة هي ظهور اململكة العربية السعودية أكثر نضجا واستقالال ،ولم تعد الشريك الثانوي املطيع الهادئ لواشنطن الذي يوضح آراءه سرا ويسير بالتوافق مع واشنطن في القضايا املثيرة للجدل .وقد اكتشف الرئيس باراك أوباما هذا األمر بنفسه عندما قام بأول مقابلة له مع امللك عبد اهلل بن عبد العزيز منذ عام ،عندما رفض العاهل السعودي طلب أوباما بإبداء «لفتة» تدل على حسن النية جتاه إسرائيل ،حتى قبل أن تقدم إسرائيل تنازالت للفلسطينيني .لم تعد صيغة النفط مقابل األمن التي عرفت منذ عقود تصف العالقات الثنائية األميركية -السعودية .وبالتأكيد ،يظل هذان اجلانبان مهمني ،ولكن مع انخفاض نسبة استيراد الواليات املتحدة للنفط السعودي ،ومحاولة الرياض بذل جهود كبيرة لتنويع صور عالقاتها الثنائية وتعزيز استقالل قواتها الدفاعية ،ضعف هذان اجلانبان ا أل ٍساسيان. وبعد أن كان النفط واألمن دعامتني في طرفي اجلسر ،أصبحا اآلن حجري األساس في صرح متعدد الطبقات ما زال حتت اإلنشاء. وترتبط الدولتان مبجموعة من االهتمامات واألهداف املشتركة. ولكن شراكتهما تتعرض في بعض األحيان خلالفات حول كيفية حتقيق تلك األهداف .هل نضع متراسا هنا؟ أم من األفضل وضع نافذة؟ ال يحتل األمير تركي الفيصل أي منصب رسمي في احلكومة السعودية ،ولكن بصفته رئيسا سابقا للمخابرات ،وسفيرا سابقا لدى واشنطن ولندن ،فإنه شخصية مؤثرة؛ عندما يتحدث ،يستمع إليه اآلخرون .ومؤخرا ،وجه األمير تركي هجوما حادا على السياسات األميركية في املنطقة أمام جمهور من دبلوماسيني ومسؤولني سعوديني رفيعي املستوى .قال إن إدارة أميركية «تفتقر إلي الكفاءة» تسبب الفوضى في أفغانستان. ووصف «اإلشارات املربكة» التي تبديها وزيرة اخلارجية هيالري كلينتون بشأن منع انتشار السالح النووي في الشرق األوسط بأنها «غير مقبولة» ، وطالب واشنطن باالعتراف بدولة فلسطينية معلنة من جانب واحد إذا لم تسفر املباحثات احلالية عن أي تقدم بحلول اخلريف. جدير بالذكر أن األمير قال موبخا :إن الواليات املتحدة فقدت سلطتها األخالقية بسبب «اإلهمال واجلهل والغطرسة». في احلقيقة خطاب األمير تركي العلني الشامل املليء باالتهامات غير معتاد من جانبه ،حيث ال يجد غضاضة مطلقا في انتقاد السياسات اخلارجية األميركية ،و لكن البعض رمبا يتساءل :هل كان تركي يتحدث عن حليفة مقربة تعتبر الرياض أنها تقيم «عالقات خاصة» معها منذ أعوام؟ أم كان يتحدث عن دولة يراها مشكلة يجب التعامل معها؟ تبدو اإلجابة أنها «كالهما» .وتظهر تعليقات تركي على مدى تغير العالقات الثنائية السعودية -األميركية في العقدين املاضيني بسبب حتوالت في مكانة كلتا الدولتني وسط بيئة عاملية متغيرة. تسببت األزمات املالية والديون املرتفعة في واشنطن في انحسار نفوذها االقتصادي حول العالم .وقد تكبدت الواليات املتحدة ثمنا فادحا في مكانتها الدبلوماسية ،جراء ردود العدد ،1554أغسطس 2010
يالحظ ديفيد أوتاواي ،مؤلف كتاب «رسول امللك :األمير بندر بن سلطان والعالقات األميركية املتشابكة مع السعودية»، أن الدولتني «تتحدثان عن (حوار استراتيجي) ،وهو مصطلح دبلوماسي يضفي غموضا على ما إذا كانت احلكومتان تعتقدان أنهما صديقتان أم عدوتان» .ورمبا أصبحت «العالقة اخلاصة» أكثر «طبيعية» من كونها «خاصة» .وجدير بالذكر كيفية الوصول إلى هذه املرحلة.. من حرب اخلليج إلى :9/11عالقة ليست خاصة للغاية في بداية التسعينات ،كان السعوديون يتعافون من أزمتني كبيرتني :األولى كانت خيانة الرئيس العراقي صدام حسني؛ حيث اعتبرت الرياض أن غزو العراق للكويت والتهديد التالي للسعودية رد فعل غير مالئم لسنوات من الدعم املالي السعودي للعراق أثناء حربه التي استمرت 8أعوام مع إيران في الثمانينات .و الثانية هي أن عليهم االعتماد على قوات دولية من أجل املساعدة العسكرية .وفي ظل ظروف مالية صعبة بعد احلرب ،كافح السعوديون من أجل تسديد 16مليار دوالر. وتزامن ذلك مع انتهاء القضية املشتركة التي جمعت بني الرياض وواشنطن على مدار عقود ،والتي كانت جتذبهما إلى اجلهاد في أفغانستان ،حيث جعل انهيار االحتاد السوفيتي التهديد الشيوعي مجرد ذكرى .وجاء بعد دفء العالقات في أعوام عاصفة الصحراء حتت رئاسة جورج بوش األب ركود أثناء فترتي رئاسة كلينتون .ويقول توم ليبمان ،مؤلف كتاب «داخل السراب :عالقة أميركا الهشة مع السعودية»« :في نهاية فترة التسعينات، كانت العالقة تسير وكأنها بقيادة طيار آلي .لم يكن يحدث الكثير» .ولكن كانت هناك دالئل على وجود مشكالت. 27
● قصة الغالف
العالقات السعودية األميركية
ما وراء النفط واألمن
شهدت العالقات السعودية -األميركية بعض التوترات في فترة التسعينات قبل أن تتعرض لضربة شبه قاتلة بسبب هجمات 9/11و ما تبعها من أحداث .وعلى الرغم من ذلك استمرت العالقات وتغيرت وتنوعت ،واليوم لم تعد صيغة «النفط واألمن» التي كانت متيز العالقات السعودية - األميركية مالئمة لوصف تلك العالقة ،حيث تلعب الكثير من املتغيرات اإلقليمية دورا في تعريف مستقبل العالقات السعودية -األميركية ،ومن بينها املأزق اإلسرائيلي - الفلسطيني واملطامع اإليرانية النووية. كاريل ميرفي 26
أما بالنسبة لنتنياهو ،فتحديه احملدد هو حماية مصالح إسرائيل األمنية والتوسع في بناء األراضي احملتلة ،وفي الوقت ذاته حشد التأييد لإلطاحة بطموح إيران النووي.
املشاكس بنيامني نتنياهو على نحو صارخ دعوة أوباما لوقف بناء املستوطنات .وقد تخلى أوباما ،من خالل بعض التغيير والتعديل في موقفه ،عن املباراة لصالح نتنياهو.
أما حتدي هو جني تاو ،فهو التعزيز التدريجي ملكانة الصني االقتصادية واجليوستراتيجية ،وفي الوقت ذاته احلفاظ على النمو االقتصادي املرتفع وعدم زعزعة استقرار البالد أو التسبب في حتمل الصني مسؤوليات دولية جديدة ومرهقة.
في الفترة األولى من إدارة جون كنيدي ،تغلب الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف على كنيدي في حتديات مشابهة ،وبدأ في التشكيك في عزمية كنيدي وفكره االستراتيجي ،مما أدى إلى أزمة الصواريخ الكوبية .واليوم ،أصبح نتنياهو «خروشوف» إدارة أوباما، ويتساءل املرء إذا ما كانت هناك أزمة قادمة سيكون على أوباما فيها أن يعيد تأكيد سيادته حتى ال يظن العالم أن إسرائيل حتكم الواليات املتحدة ورئاسة أوباما. أما استراتيجية قافلة غزة ،فهي منحنى آخر في االجتاه نحو مواجهة عالية اخملاطر.
وتظهر التعامالت بني هؤالء القادة كيف تنتشر القوة وتقاس ،وكيف تنشأ وتتدمر .وقد استفاد منها نتنياهو وهو جني تاو على أفضل نحو .وقد خسر أوباما ،وتقيد ،ولكن ما زال له نفوذ دولي ،وكان يوكيو هاتوياما -على الرغم من التوقعات اجليدة -في اجلانب اخلاسر من لعبة جان كني با. وفي الوقت الذي كانت فيه الواليات املتحدة والصني تختبران إحداهما األخرى منذ األيام األولى لرئاسة أوباما ،حيث انتقلت العالقة من االنسجام الذي تركز على األزمة االقتصادية العاملية إلى التوترات بشأن الداالي الما ،وبيع األسلحة إلى تايوان ،وكيفية التعامل مع إيران ،انتقلت الواليات املتحدة والصني في األساس إلى تسوية واقعية تقضي بوجود دولتني كبيرتني ال تعني بالضرورة أن الواليات املتحدة والصني حتكمان العالم ،ولكنها تعني تقريبا أن كل حت ٍد عاملي كبير يتطلب مشاورات وتنسيق سياسات بني هذين العمالقني العامليني. وميكن أن ترفض الصني جهود أميركا العاملية باستخدام حق الفيتو، وميكن للواليات املتحدة أن ترفض جهود الصني أيضا .وحتى اآلن ،يوجد مأزق عام ،جان كني با ،حيث ميكنهما رؤية حقائق قوة الصني الصاعدة في نظام عاملي ال ترغب الواليات املتحدة في التنازل عن سيطرتها عليه. وفي الوقت احلالي ،يقف كل من أوباما وهو جني تاو مقيدين ،وهو ما ميثل ،تاريخيا ،صعودا كبيرا بالنسبة للصني وقوة آخذة في التضاؤل بالنسبة للواليات املتحدة. وفيما يتعلق بالعالقات األميركية -اإلسرائيلية ،بدأ أوباما قويا ،وعني السيناتور األميركي البارز وصانع السالم في أيرلندا الشمالية جورج ميتشل للعمل على حتقيق السالم بني اإلسرائيليني والفلسطينيني، وأشار إلى أن الدول العربية ستبدأ في إظهار بادرات متيل إلى التطبيع مع إسرائيل إذا توقفت إسرائيل عن التوسع في بناء املستوطنات. وكانت معادلة أوباما للسير قدما في عملية السالم في الشرق األوسط غريبة وبسيطة للغاية .وعلى الرغم من أن إسرائيل تعتمد بصورة كاملة على الضمانات األمنية واملساعدات األميركية -وهي بحق دولة عميلة للواليات املتحدة -رفض رئيس الوزراء اإلسرائيلي
ولكن في الوقت الذي يتغلب فيه رئيس الوزراء اإلسرائيلي على أوباما، حطم أوباما القوة السياسية لرئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما. الذي يحاول تنشيط الدميقراطية. لقد تنازل هاتوياما عن وعد انتخابي رئيسي بنقل قاعدة املارينز اجلوية فوتينما من جزيرة أوكيناوا التي تغطيها القاعدة األميركية. وفي الوقت احلالي ،تنقل بعض املرافق الثانوية من فوتينما ،ولكن سيتم نقل اجلزء األكبر من القاعدة إلى اجلهة الشمالية من أوكيناوا. وقد مارس باراك أوباما ضغطا هائال على هاتوياما ،وسأله شخصيا في جدية« :هل ميكنني أن أثق بك؟» .وظل الرئيس األميركي على موقف فاتر من هاتوياما ،وكان بالكاد يتصل به أو يوافق على عقد اجتماعات .وضعفت قوة هاتوياما وسط العاصفة الثلجية .وعند مقارنة ذلك بدعوته احلارة لرئيس الوزراء السابق تارو آسو ليكون أول رئيس حكومة يزور البيت األبيض ،وقرار وزيرة اخلارجية هيالري كلينتون جلعل طوكيو أول وجهاتها اخلارجية ،ميكن رؤية أنه في الوقت الذي يبدو فيه البيت األبيض غير قادر على ممارسة الضغوط من أجل حتقيق «فوز» مع إسرائيل ،إال أنه أكثر قدرة على التغلب على قائد دولة ثرية بها 127مليون نسمة. ولم ينج هاتوياما من هذا الرفض من قبل الواليات املتحدة وعكس سياساتها وهو ما جعله يبدو ضعيفا ومرجتفا أمام الناخبني اليابانيني .ولكن لم ينته هذا األمر .وسيكون لتعامل أوباما مع فشل فوتينما تبعات مستمرة تذكر املواطنني اليابانيني بأنهم بالفعل ال يسيطرون على أحوالهم ،وأنهم إلى حد ما محتلون من قبل اجليش األميركي ،وال يستطيعون أن يقولوا «ال» ألميركا في األمور التي ال ترغب الواليات املتحدة في قبولها. ومثل هاتوياما ،قدم أوباما وعودا عليه أن يتراجع عنها وال ميكنه الوفاء بها ،ولكنه لم يفقد منصبه بسببها .وقد وعد أوباما بغلق معتقل غوانتانامو في غضون عام من رئاسته .وكان ذلك التزاما كبيرا ،وأخفقت اإلدارة في حتقيقه .ولكن الواليات املتحدة ال متلك نظاما دميقراطيا برملانيا ميكن أن تعلو فيه القيادة التنفيذية أو تسقط بسبب قضية واحدة في أية حلظة .ويحصل الرؤساء على فترة زمنية لقياس انتصاراتهم وهزائمهم ،وعندما يحل موعد إعادة االنتخاب ،يتم احلكم عليهم من خالل مزيج من القضايا. وال تزال اليابان ،على الرغم من نقاط قوتها ،وما كانت لتصبح عليه القيادة اجلديدة احلماسية واملثالية لهاتوياما وزمالئه في احلزب الدميقراطي ،تابعة للواليات املتحدة ،في حني تبدو الواليات املتحدة بصورة متزايدة تابعة ملصالح إسرائيل ،وفيما يخص الصني ،علينا فقط أن ننتظر ونرى كيف يسير التاريخ.
يدير ستيف كليمونز برنامج اإلستراتيجية األميركية في مؤسسة «أميركا اجلديدة» ،وينشر املدونة السياسية الشهيرة« :ذا واشنطن نوت». نشر هذا املقال ألول مرة في «اجمللة» في 14يونيو (حزيران) .2010 العدد ،1554أغسطس 2010
25
● عن السياسية
يحاول جاهدا اإلمساك بخيوط السياسة الدولية
أوباما بني قيود نتنياهو وانطالقات جان كني با كيف يتم التعبير عن القوة اجلغرافية السياسية على املستوى العاملي؟ تظهر العالقات بني الواليات املتحدة والصني وإسرائيل واليابان ،النفوذ الذي يتمتع به قادة تلك الدول ،والضغط الذي ميكنهم أن ميارسوه على بعضهم البعض .وقد حقق نتنياهو وهو جني تاو أفضل تأثير .وخسر أوباما ،وأصبح مقيدا ،ولكن ال يزال لديه نفوذ عاملي ،أما يوكيو هاتوياما فهو في اجلانب اخلاسر باستمرار. ستيف كليمونز تسبب الرئيس باراك أوباما ،مبعارضته تسليم امللكية الدولية اخلاضعة لسيطرة البنتاغون ،في إنهاء احلياة السياسية لرئيس وزراء اليابان يوكيو هاتوياما ،الذي استقال من أعلى منصب حكومي في اليابان األسبوع احلالي .ويعد األمر األكثر أهمية هو أن هاتوياما والنجاح الكبير الذي حققه حزبه الدميقراطي الياباني على احلزب الليبرالي الدميقراطي الياباني ،الذي كان حاكما ملدة طويلة ،كان لديه شعار يشبه شعار أوباما «نعم نستطيع» وهو ما منح اليابان فرصة من أجل الدميقراطية. وعلى صعيد آخر ،كان رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني نتنياهو يستفز أوباما ويعارضه ويقيده .وكان الصدام األميركي -اإلسرائيلي بشأن توسيع بناء املستوطنات اإلسرائيلية في القدس الشرقية وهجوم قوات الدفاع اإلسرائيلية االستفزازي على قافلة السفن التركية ذات الدوافع السياسية التي حتمل إمدادات إنسانية إلى قطاع غزة احملاصر ،مما أسفر عن مصرع 9أشخاص وإصابة العشرات، وأيضا اختبارا للقوة األميركية وعزم أوباما .وحتى اآلن ،من الواضح أن نتنياهو هو الفائز. وعلى اجلبهة األميركية الصينية ،يبدو أن أوباما ورئيس الصني هو جني تاو قد وصال إلى طريق مسدود ،يعيدان فيه ممارسة لعبة جان كني با (احلجر والورق واملقص) مرارا وتكرارا. إن «التحديات احملددة» التي تواجه القادة والدول هي تلك التي متثل أهم االنتصارات وأفدح اخلسائر .وعلى سبيل املثال ،تكبدت الواليات املتحدة خسائر بشرية ومادية هائلة من أجل إحداث تغيير في العراق واملنطقة ،وبذلك أصبح الشرق األوسط اليوم حتديا محددا اختارته
24
الدولة بنفسها .وبالنسبة لباراك أوباما ،توجد حتديات أخرى محددة وعد بدعمها ،ومنها إغالق معتقل خليج غوانتانامو ،و»وقف» التغير املناخي ،وإنهاء احلرب في العراق ،وحتقيق السالم بني إسرئيل وفلسطني ،وتوفير فرصة التأمني الصحي الشامل للمواطنني األميركيني.
املأزق في لعبة جان كني با ،هو إمكانية رؤية حقائق قوة الصني الصاعدة في نظام عاملي ال ترغب الواليات املتحدة في التنازل عن سيطرتها عليه. وقد أوضح يوكيو هاتوياما أيضا حتدياته احملددة ،ومنها إنهاء السيطرة البيروقراطية للحكومة واستعادة القيادة السياسية احلقيقية، وفتح سجالت الصفقات السرية التي عقدت مع الواليات املتحدة، وحتسني أوضاع املعيشة للمواطنني اليابانيني العاديني ،وغلق قاعدة فوتينما اجلوية في أوكيناوا ،وحتسني مركز اليابان وسيادتها فيما يتعلق بالعالقات األمنية األميركية -اليابانية ،وإقامة عالقات قوية مع الصني باإلضافة إلى حتديات أخرى.
مجموعات صغيرة من املتمردين حتارب من أجل االستقالل ،ولكن وفقً ا ملا يقوله جسيش ياغيلسكي ،الصحفي البولندي اخلبير في شؤون املنطقة ومؤلف كتاب «برجان من احلجر ..صراع اإلرادات في الشيشان» ،يكمن التهديد األساسي للرئيس في املوالني ملوسكو الذين يحاولون مناورة السلطات في الكرملني إلضعاف قبضته على غروزني .ويضيف ياغيلسكي ،الذي سافر سرًا إلى املنطقة عدة مرات على مدار األعوام ومنذ ذلك احلني أدرج اسمه على القوائم السوداء في جميع بالد احتاد الدول املستقلة: «بل ومن املمكن أن يحاول البعض اإلطاحة برمضان قديروف من أجل إضعاف قوة بوتني». لذلك فإن مصير هذين الرجلني متداخل بشدة .وطاملا استطاع قديروف احلفاظ على السالم في الشيشان ،ميكن أن يفخر بوتني بإنهائه احلرب الدموية املنهكة .وفي املقابل ،ال ميانع بوتني في ضخ األموال للحفاظ على التدخل الفيدرالي إلى أدنى درجة؛ فبغض النظر عن كيفية صرف تلك األموال ،فعملية إعادة إعمار البالد تتم بصورة مستمرة ،وهو ما كان له بالغ األثر في جعل قديروف محبوبًا لدى شعبه أكثر من أي سحر أو كاريزما .ويوضح ياغيلسكي األمر قائال« :ال أعتقد أنهم معجبون به .ولكني متأكد بنسبة 100في املائة من أنهم خائفون منه .ولكنهم أيضا يقدرون أنه أعاد بناء البالد بأموال روسية .وكان الشيشانيون ً دائما يحبون ويحترمون إلى حد ما الزعماء الذين جنحوا في إغراء ً وخداع روسيا .وال ميكن أن ينكر أحد أن غروزني والشيشان قد أعيد بناؤهما ،وعادت احلياة إلى ما كانت عليه حتت حكم رمضان .ولكن كان املقابل هو قبول حكم طاغ في عهد رمضان ورجاله». ومع إعادة اإلعمار تأتي الدعاية .وتغطي ملصقات عمالقة لقديروف كثيرا من املباني الكبرى في غروزني ،وتفخر املدينة اآلن بأن بها أحد أكبر املساجد في العالم. أما عالقة قديروف باإلسالم فهي صفة مميزة لشخصيته عامة .يؤدي رمضان ،وهو ابن رئيسا للشيشان حتى مت اغتياله ملفتي كان ً عام ،2004دور املسلم املتدين .وكان أحد قراراته األولى في الرئاسة هو أمر السيدات الشيشانيات بارتداء احلجاب ،ومت حظر كثير من املمارسات غير اإلسالمية ،مثل لعب القمار .ولكن مت تصوير رمضان شخصيا وهو يصاحب العاهرات وميتلك خيول سباق. ً ويبدو أن رمضان ينوي أن يعزز من االجتاه الصوفي األصلي في اإلسالم السني ،لسبب أكبر من مجرد التدين الشخصي ،من أجل إضعاف النفوذ السلفي الذي دخل إلى البالد على يد اجملاهدين األجانب .ويوضح بول إل هيك ،األستاذ في جامعة جورج تاون ومحرر كتاب «الصوفية والسياسة»« :بالطبع ،لم يكن هؤالء املسلحون مهتمني بتحقيق الوحدة الوطنية في الشيشان ،بل باستخدام الشيشان كميدان معركة لصراع عاملي ضد الكفار. ولهذا السبب ،في حرب الشيشان الثانية ،حتول الزعماء الدينيون التقليديون (الصوفيون) ضد املسلحني (ومن بينهم عناصر شيشانية اآلن) ،إدراكًا منهم بأنه من األفضل في الواقع أن يقفوا إلى جانب روسيا بدال من اجملاهدين». ويشارك جميع املسلمني حول العالم ،صوفيني وسلفيني ،فيما يسميه هذا األستاذ اجلامعي صراعا منخفض الشدة ومعركة على السلطة .ومتيل الصوفية بأشكالها اخملتلفة ،األكثر عرضة لفكرة الدولة القومية واحلكومة القوية ،إلى احلصول على دعم من دول أخرى ضد السلفية. ويقول األستاذ هيك« :سيكون على الزعماء الصوفيني أن يتوخوا احلذر حتى ال يظهروا قريبني منه للغاية ،وإال سيضعفوا من سلطتهم الروحية .وإذا كانوا أذكياء ،سيكونون على صلة به في حذر» .ورمبا تساعد صورة رمضان التي صنعها لذاته كزعيم العدد ،1554أغسطس 2010
متدين في أن يحصل على أموال من البلدان املسلمة ،ولكن هذه الصورة بها القليل من الصدق. ومن املألوف بني الطغاة امليل إلى إضافة تفاصيل مميزة إلى سيرهم الذاتية ،ولكن في حالة قديروف رمبا ال يقف األمر على الدين .ويقول ياغيلسكي ،الذي غطى أخبار حربي الشيشان ،أن ماضي القائد الشيشاني كمحارب رمبا ال يكون كما يبدو عليه أيضا« .لم يكن رمضان مقاتال مطلقً ا؛ لم يحارب الروس إطالقًا، على الرغم من أنه اآلن يروي للصحفيني الغربيني السذج كم دا شجاعا ً». كان مجاه ً
نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ 14يونيو .2010
- 2001بعد أحداث ،9/11يحث بوتني املتمردين على «وقف جميع االتصاالت باإلرهابيني الدوليني». - 2002يستولى متمردون شيشانيون على مسرح في موسكو ويحتجزون فيه حوالي 800رهينة .ويتعرض معظم املتمردين والرهائن للقتل عندما تقتحم القوات الروسية املبنى. - 2003يصل استفتاء شيشاني إلى نتيجة لصالح إصدار دستور جديد ينص على أن اجلمهورية جزءا من االحتاد الروسي. - 2003يتم انتخاب أحمد قديروف رئيسا ،ثم يتعرض للقتل بعد ذلك بعام إثر انفجار قنبلة في غروزني. - 2004يستولى املتمردون على مدرسة في بيسالن في شمال أوسيتيا، مما يسفر عن مصرع مئات املدنيني، أغلبهم من األطفال. – 2005يدعو الزعيم االنفصالي أصالن مسخادوف إلى وقف إطالق النار ويحث السلطات الروسية على املوافقة على مباحثات السالم .وترفض القيادة الشيشانية الرسمية محاوالته ،وتعلن أنه يجب أن يسلم نفسه .ويقتل مسخادوف في وقت الحق في العام ذاته ،وينهي خليفته عبد احلليم سيدوالييف مباحثات السالم مع موسكو. – 2006رمضان قديروف يصبح رئيسا للوزراء بعد استقالة سيرغي أبراموف. – 2006مقتل الزعيم االنفصالي عبد احلليم سيدوالييف على يد القوات احلكومية .ويخلفه دوكا عمروف. - 2006مقتل زعيم املقاتلني شامل باسييف في إنغوشيا. – 2006مقتل الصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا، التي كانت تهاجم بشدة تصرفات الكرملني في الشيشان، في موسكو. – 2007ينقل الرئيس فالدميير بوتني الرئيس ألو اخلانوف إلى منصب في احلكومة الروسية ،ويعني رمضان قديروف خلفا له. 23
● عن السياسية
رجل بوتني القوي في الشيشان
رمضان قديروف ..طاغية أم رجل دين؟ على مدار األعوام الثالثة املاضية عزز رجل بوتني األول في غروزني ،رمضان قديروف ،من سلطته وأصبح يحكم الشيشان بقبضة حديدية وأموال روسية .وفيما بني إعادة إعمار البالد وإرهاب ناشطي حقوق اإلنسان ،يتقرب رمضان قديروف إلى الزعماء الصوفيني في البالد ويظهر أوراق اعتماده كمسلم متدين ومجاهد سابق. فيليب أفليز
مائة عام من احلرب
في عام ،2005أعلن رمضان قديروف ،رئيس وزراء الشيشان في ذلك الوقت ،أن اجلمهورية «أكثر مكان آمن في روسيا» ،وأنها ستكون في وقت قريب «أغنى وأهدأ مكان في العالم».
- 1858روسيا جتتاح الشيشان بعد هزمية مقاومة اإلمام شامل ،الذي كان يهدف إلى إقامة دولة إسالمية.
قد يختلف معظم الشيشانيني مع ذلك ،على الرغم من أنهم رمبا يقولون هذا سرًا كي ال يواجهوا نفس املصير الذي واجهه زارميا سادواليفا وزوجها على يد رجال قديروف .وقد عثر على جثتيهما املمزقتني بطلقات الرصاص في حقيبة إحدى السيارات .وعلى ما يبدو ،كانت جرمية سادواليفا أنها تدير جمعية أهلية تسمى «أنقذ اجليل» وهي تهدف إلى مساعدة األطفال الذين أصيبوا بتشوهات وصدمات أثناء احلربني الوحشيتني اللتني رفعتا اآلمال الشيشانية من أجل االستقالل ،ثم دمرتها بوحشية.
- 1957يعيد خوروشوف جمهورية الشيشان وأنغوشيا املستقلة السوفياتية االشتراكية.
وينكر قديروف بشدة أية صلة له بهذا احلادث أو غيره من حوادث القتل ،ولكن أصدرت مؤسسات دولية مثل «هيومان رايتس ووتش» و»ذا ميموريال سوسايتي» قائمة طويلة من تقارير اإلدانة. وقد قتلت إحدى الشخصيات البارزة في منظمة «ذا ميموريال» في الشيشان ،ناتاليا إيستيماروفا ،قبل مقتل سادواليفا بعدة أسابيع.
- 1922إقامة منطقة حكم ذاتي شيشانية. - 1944ستالني يطرد الشعبني الشيشاني واالنغوشي إلى سيبيريا وآسيا الوسطى ،بزعم تعاونهم مع أملانيا النازية .ويلقى اآلالف مصرعهم في هذه العملية.
– 1991بعد انهيار االحتاد السوفياتي ،يفوز دوداييف في االنتخابات الرئاسية ويعلن استقالل الشيشان عن روسيا. – 1994القوات الروسية تقتحم الشيشان لتهزم حركة االستقالل. – 1995متمردين من الشيشان يسيطرون على مستشفى في بودينوفسك ،في جنوب روسيا. – 1996مقتل دوداييف في هجوم صاروخي روسي. 1996مايو (أيار) -الرئيس الروسي يوريس يلتسني يوقع اتفاقية سالم قصيرة األمد مع الشيشان. – 1996املتمردون الشيشان يشنون هجوما على غروزني. – 1997يلتسني ومسخادوف الشيشاني يوقعان معاهدة سالم رسمية ،ولكن لم يتم حل مشكلة استقالل الشيشان .وتستمر عمليات العنف وخطف الرهائن. - 1999مسخادوف يطبق أحكام الشريعة في الشيشان. ثم يشن املقاتلون الشيشان غارات مسلحة في داغستان في محاولة إلقامة دولة إسالمية. – 2000القوات الروسية تستولى على غروزني ،ويعلن الرئيس بوتني خضوعها حلكم مباشر من موسكو .ثم يعني بوتني رجل الدين الشيشاني السابق أحمد قديروف رئيسا حلكومته في الشيشان.
22
أيضا ،حيث ولم يسلم قديروف من انتقادات احللفاء السابقني ً وصف موالدي بايساروف ،املقاتل الذي كان مقربًا من والد قديروف، متشائما« :إذا قال رمضان بأنه «طاغية من طراز قدمي» وقال ً شخص ما احلقيقة عما يجري ،فكأنه يوقع على شهادة وفاته. رمضان له قانون قائم بذاته» .وقتل بايساروف في موسكو على أيدي قوات الشرطة الشيشانية املوالية لقديروف ،بعد فترة قصيرة من اإلشارة إلى أن لديه معلومات حول صلة قديروف مبقتل آنا بوليتكوفسكايا ،الصحفية التي كشفت كثيرا من األعمال الوحشية التي متت مبوافقة من احلكومة في الشيشان. ويبدو أن الرئيس احلالي للشيشان متردد بشأن رؤية اآلخرين له ورؤيتهم ملاضيه .وتشير قرارت اإلقالة املتسرعة التي يتخذها ضد أي إساءة تصرف إلى غطرسته وسخريته؛ كما أنه ينتقد علنًا املؤسسات الدميقراطية وال يظهر أي شعور بالتأنيب عندما يهدد أعداءه ،أو حتى أعداء روسيا ،مثل أوكرانيا وجورجيا. دا ،وكيف وصل إلى ما هو عليه؟ أسهل إذن؛ من هو قديروف حتدي ً شخصيا في إجابة هو أنه أحد رجال بوتني .لقد وضعه بوتني ً رئاسة الشيشان وسيعمل على إبقائه في موقعه ،وهو ما يعترف به قديروف .فيصف قديروف نفسه ،وهو ذات الرجل الذي سافر إلى روسيا في حدث شهير ليحصل على ميدالية «بطل روسيا» تابعا رئيسا مرتديًا مالبس رياضية ذات لون أزرق فاحت ،قائال« :لست ً ً ألي أحد ،لست رجل أجهزة األمن الروسية ،ولست رجل بوتني.. بوتني هدية من اهلل ،لقد منحنا احلرية». وطاملا ظل بوتني في السلطة ،يبدو أن قديروف في أمان ،حيث تُرك القليل من عناصر املعارضة في داخل الشيشان .وتستمر
● عن السياسية
ولكن منح ضعف حركة الصحوة االجتاه الليبرالي دفعة أولى؛ فسريعا ما استعاد بعض املثقفني الليبراليني دورهم ،وأعادوا ترسيخ نفوذهم على مستوى النخبة .ومنح ظهور إرهاب السلفية اجلهادية ووقوع أحداث 11سبتمبر (أيلول) دفعة ثانية لليبراليني :حيث أدت حقيقة أن 15من مختطفي الطائرتني البالغ عددهم 19شخصا من السعوديني واحلملة التي شنتها وسائل اإلعالم ضد اململكة في الغرب إلى فتح الباب أمام مرحلة لتأمل الذات في السعودية .ودون شك فإن الليبراليني جنحوا نسبيا ً -في تقدمي أنفسهم كبديل لإلسالميني -وفي الوقتذاته استيعابهم الصريح حلركة الصحوة واجملاهدين -استفادوا من الوضع .وكان هناك عامل آخر في مصلحة الليبراليني: ظهور مجموعة املتحولني ،وهم اإلسالميون السابقون الذين أصبحوا ينتقدون الصحوة وصور النشاط اإلسالمي األخرى بقوة. بالنسبة لليبراليني ،كان لهؤالء املتحولني فائدة مهمة ،أوال ألنهم يتحدثون من واقع جتارب شخصية ،وثانيا ألنهم يتقنون احلديث بلغة اإلسالم التي افتقدها الليبراليون بشدة. وهذه نقطة مهمة :في التسعينات ،لم يكن لدى الليبراليني خطاب عن اإلسالم .وكانوا يدعون أنهم ميثلون القيم العاملية، ويتصرفون وكأنه من الواضح أن تلك القيم تتفق مع اإلسالم. وفي أعقاب ،9/11مبساعدة بعض من املتحولني أمثال منصور النقيدان ومحمد احملمود ،تزايدت محاوالت الليبراليني إلضفاء الشرعية على مواقفهم عبر اإلسالم .وزاد ذلك االقتحام جملال كان يعتبر غريبا على الليبراليني من أعداء أنصار الصحوة لهم. وسار األمر على هذا النحو خاصة عندما ذهب منصور النقيدان إلى حد الدعوة إلى إحياء «اإلرجاء» ،وهي مجموعة قدمية تعرف بتسامحها مع جميع اآلراء الدينية ولكنها تعتبر منحرفة من وجهة نظر أتباع الصحوة ،الذين بذلوا جهودا كبيرا في تفنيد آرائها. ومنح ذلك لليبراليني فرصة متزايدة للظهور ،وخاصة على اإلنترنت؛ حيث أثبتوا وجودا كبيرا .ومت إنشاء منتديات ليبرالية: أوال ،منتدى طوي ،حتى عام ،2004ثم دار الندوة ،حتى عام ،2006وأخيرا وحتى اآلن ،منبر اإلبداع واحلوار ومنتديات الشبكة الليبرالية .وهذا تطور ملحوظ؛ فللمرة األولى يستخدم مصطلح الليبرالية هنا بصورة رسمية ،مما يشير إلى اإلصرار املتزايد الذي يتمتع به أنصارها .وتزامن ذلك التطور مع االستخدام املتزايد للمصطلح ذاته على لسان أعداء الليبراليني ،كما ورد في كتاب صدر عام 2009عن مجلة «البيان» التابعة حلركة الصحوة حتت عنوان «نقد الليبرالية». ولكن كشف الظهور املتنامي لليبراليني عن تناقضاتهم أيضا. فقد خرج االجتاه الليبرالي نتيجة ملعارضة الصحوة ،ولكنه افتقد إلى متاسكه الذاتي .وأراد الليبراليون اإلصالح ،ولكنهم اختلفوا على ما الذي يجب إصالحه وكيف .ونتج عن ذلك انقسام مهم في مطلع األلفية ،مما أدى إلى ظهور مجموعتني متثل خيارين راديكاليني مختلفني :هؤالء الذين ميكن تعريفهم بـ»الليبراليني االجتماعيني» وهؤالء الذين أود أن أشير إليهم بـ»الليبراليني السياسيني» .وبالنسبة للمجموعة األولى ،تعد املشكلة الرئيسية في السعودية اجتماعية وثقافية ،وبالتالي املطلوب في املقام األول هو اإلصالح االجتماعي والثقافي .وعلى النقيض ،يعتقد الليبراليون السياسيون أنه ال ميكن حتقيق أي تغيير دون بذل جهد شامل في مجال اإلصالح السياسي .ومن أجل حتقيق ذلك ،أثبت بعض من هؤالء «الليبراليني السياسيني» أنهم مستعدون للتعاون مع أية مجموعة اجتماعية أخرى ،من بينها اإلسالميني املتشددين ،طاملا يتفقون معها على أهداف مشتر كة . وتسبب التحالف اإلسالمي الليبرالي في خالف مشتعل 20
بني اجملموعتني الليبراليتني اخملتلفتني :بينما أصر الليبراليون السياسيون على جدوى أسلوبهم ،المهم آخرون ،خاصة الليبراليني االجتماعيني ،على كونهم أصبحوا أداة في أيدي اإلسالميني .وكما قال تركي احلمد ،الذي ميكن اعتباره من اجملموعة الليبرالية االجتماعية ،في حوار أجريته معه« :لقد خدع هؤالء (الليبراليون) بواسطة اإلسالميني بالطريقة ذاتها ُ التي خدع بها اخلميني الليبراليني اإليرانيني .ويدعي اإلسالميون أنهم دميقراطيون ،ولكن إذا وصلوا إلى السلطة ،فسيضعوا نظاما على شاكلة النظام املوجود في إيران». ويستمر اخلالف بني اجملموعتني الليبراليتني اخملتلفتني حول ما تعنيه الليبرالية حقيقة حتى اليوم ،كما هو احلال في اخلالف بني اإلسالميني والليبراليني حول املشروع االجتماعي والسياسي الذي يجب تنفيذه .ولكن يظل اخلالف األخير غير متساوي األطراف :فعلى الرغم من الظهور الذي منحه االنتشار اإلعالمي واملوقف بعد أحداث 9/11لليبراليني ،يستمر هؤالء النشطاء في متثيل مجموعة من النخبة التي ليست على صالت قوية د عون أنهم ميثلون «األغلبية الصامتة»؛ ولكن باجملتمع .إنهم ي ّ حتى إذا كان ذلك صحيحا ،فإن أهم صفة في األغلبية الصامتة هي أنها تظل صامتة .وفي املقابل ،يسيطر اإلسالميون على آالف املؤسسات والهيئات ،وهم موجودون في كل دوائر اجملتمع السعودي .وفي هذا اخلالف ،كانوا ،وسيظلون دون شك في األعوام املقبلة ،الطرف األقوى.
* ستيفان الكروا -أٍ ستاذ مساعد في العلوم السياسية في معهد باريس للعلوم السياسية .وتركز أعماله على اإلسالم والسياسة في الشرق األوسط املعاصر ،مع اهتمام خاص مبنطقة اخلليج. ** نشر هذا املقال ألول مرة في «اجمللة» بتاريخ 2يونيو (حزيران) .2010
متكني املرأة السعودية في أثناء األعوام القليلة املاضية ،حققت جهود اإلصالح في اململكة العربية السعودية خطوات مهمة في مجال حقوق املرأة .وتظهر دراسات حديثة أن 40في املائة من املقاالت في وسائل اإلعالم املطبوعة أو اإللكترونية تناولت متكني املرأة من زوايا مختلفة .ويتبنى امللك عبد اهلل نهجا إصالحيا في دعم دور املرأة من خالل تنفيذ عدد من املبادرات .وكدليل على هذا اإلجناز ،جاء تعيني األستاذة نورة الفايز نائبة لوزير التربية والتعليم. كما حققت سيدات األعمال السعوديات أيضا تقدما مهما في تخطي احلواجز االجتماعية والدينية التي تقيد بيئة األعمال. وكرد فعل على هذه اجلهود ،ع ّد ل األمير خالد الفيصل ،أمير مكة املكرمة ،مادة قانون العمل التي متنع اختالط الرجال والنساء في بيئة العمل .باإلضافة إلى ذلك ،تزايد حجم النشاط النسائي بصورة كبيرة بقيادة حملة «أين حقوقي» التي تهدف إلى تعريف النساء بحقوقهن وتعزز من املساواة بني اجلنسني. وعلى الرغم من تأثير املشايخ احملافظني في اململكة ،فإن النشاط املتنامي املتأثر بإصالحات امللك يشهد اهتماما ً متزايدا داخل اجملتمع السعودي.
احتوائهم في مؤسسات الدولة .وسريعا ما أصبحوا شخصيات مؤثرة في نشاط ململكة التنموي .ونتيجة لذلك ،منذ منتصف السبعينات ،ظل معظم النشطاء احلداثيني بعيدا عن االنشغال بالسياسة .ولكن أصبح بعضهم نشيطا في مجال جديد ،الذي كان يشهد تطورا سريعا في ذلك الوقت ،وهو :الساحة األدبية. وفي هذا اجملال ،بدأوا في الدعوة إلى حتديث األدب السعودي؛ حداثة ال تتطرق إلى الشكل فقط ،بل أيضا إلى احملتوى .وتلقائيا، وجهت االنتقادات ،بصورة ضمنية ،إلى العادات االجتماعية السعودية التي كانوا يهدفون إلى حتريرها .وسرعان ما انضم إليهم عدد من الروائيني والشعراء والنقاد األدبيني ،من أبرزهم عبد اهلل الغذامي وسعيد السريحي .وظهر اجتاه ثقافي يعرف بـ«احلداثة». ومن جديد ،كان ذلك تطورا متعلقا في األساس بنخبة ثقافية محددة وظل على سطح اجملتمع .ولكن في الوقت ذاته ،كان هناك تطور أكثر عمقا في تأثيره داخل اململكة .منذ الستينات، كانت الصحوة اإلسالمية ،وهي حركة إسالمية شعبية ،تنمو ألسباب من بينها تأثير نشطاء اإلخوان املسلمني الذين جلأوا إلى السعودية .وكانت قاعدة حركة الصحوة هي النظام التعليمي، الذي كان له من خالل ذلك فرصة الوصول إلى جميع طبقات اجملتمع .واألمر األكثر أهمية هو أنه في اجملتمع احملافظ كان خطاب الصحوة مفهوما جيدا ،والقى استقباال جيدا كذلك. وفي منتصف الثمانينات ،وصلت الصحوة إلى كتلة حرجة، وبدأت في رؤية سيطرة دعاة احلداثة على منافذ إعالمية محددة، وخاصة املالحق األدبية في الصحف السعودية الكبرى ،أمرا مثيرا للغضب .ومت تنظيم حملة واسعة النطاق ضد دعاة احلداثة ،وسريعا ما مت إقصاء بعض منهم عن وظائفهم .ومن الواضح أن الصحوة حققت فوزا في ذلك. وفي أغسطس (آب) ،1990أقنع التهديد بحدوث غزو محتمل للسعودية من جانب اجليش العراقي ،مباشرة بعد غزو اجليش العراقي للكويت ،احلكومة السعودية بطلب املساعدة من القوات الدولية .وقد أدى ذلك إلى موجة من اخلالف غير املسبوق في اململكة؛ حيث خرجت مطالب من بعض قطاعات اجملتمع. وكان أول من اتخذ موقفا مجموعة من املدافعني عن حقوق املرأة، الذين نظموا حدثا مذهال :ففي نوفمبر (تشرين الثاني) ،1990 قادت 49سيدة السيارات في شوارع الرياض ،في مطالبة صريحة بحق قيادة املرأة للسيارات .ولكن في أوائل عام ،1991أصبح ألعضاء حركة الصحوة ،الذين أغضبتهم املظاهرة النسائية، الصوت األبرز في اجملتمع السعودي .وعبر مجموعة من العرائض واخلطب ،دعوا إلى تنفيذ مشروعهم االجتماعي والسياسي، الذي يهدف ،من بني عدد من النقاط ،إلى سيطرة املؤسسة الدينية على اجملتمع السعودي ،وإلى إعطاء الشخصيات الدينية دورا أكثر بروزا في النظام السياسي. وقد رأى الليبراليون في قوة الدفع التي حصلت عليها حركة الصحوة تهديدا .وكان رد فعل السلطات هو إسكات أبرز الشخصيات املتشددة في حركة الصحوة ،بينما بدأ النشطاء الليبراليون من جميع اخللفيات -يساريون وشيوعيون ودعاة حداثة ومدافعون عن حقوق املرأة ،إلخ -في التكتل لتشكيل مجموعة أصبح اسمها غير الرسمي فيما بعد «الليبراليني». وكان لدى هؤالء الليبراليني برنامج بسيط للغاية :معارضة مشروع وأفكار حركة الصحوة .ويظل ذلك هو نقطة الضعف األساسية لدى االجتاه الليبرالي السعودي على مدار األعوام التالية :حيث ظهر من أجل معارضة الصحوة ،ولم يكن لديه مشروعه اخلاص الواقعي املتماسك على األقل .في التسعينات، حاول بعض املفكرين الالمعني مثل تركي احلمد إضافة جانب ثقافي إلى املشروع الليبرالي .ولكن مت جتاهل محاولة احلمد نسبيا ،بل ولم يستوعبها الكثيرون ممن يطلقون على أنفسهم وصف «الليبرالية». العدد ،1554أغسطس 2010
19
● عن السياسية
رغم ادعائهم التعبير عن األغلبية الصامتة
الليبراليون السعوديون نخبة بال جذور اجتماعية ما زال الليبراليون السعوديون ،وهم ميثلون إحدى الفئتني املتنافستني في اجملتمع السعودي ،مجموعة لم تنل حقها من الدراسة .إن مصطلح "ليبرالي" حديث نسبيا على اللغة السعودية ،على الرغم من أنه كان هناك ظهور مبكر للنشاط احلداثي في اململكة العربية السعودية .لقد ولدت احلركة الليبرالية في معارضة حلركة الصحوة ،وعلى مدار أعوام ،لم يكن لديها مشروع واضح .وفي بداية األلفية، حدث انقسام بني من ميكن أن نطلق عليهم "الليبراليني االجتماعيني" و"الليبراليني السياسيني" .واليوم ،على الرغم من ادعائهم بأنهم يتحدثون نيابة عن "األغلبية الصامتة" ،يستمر هؤالء النشطاء في متثيل مجموعة من النخبة ليست لها جذور قوية داخل اجملتمع. ستيفان الكروا غالبا ما يوصف اجملتمع السعودي املعاصر بأنه حتت تأثير فئتني متنافستني؛ اإلسالميني والليبراليني .ولكن ،في الوقت الذي خضعت فيه اجملموعة األولى لكثير من الدراسات ،تظل اجملموعة الثانية -في تناقض -أكثر غموضا فيما يتعلق مبن هم أصحاب تلك األصوات «الليبرالية» السعودية ،وما هي خلفياتهم ،وماذا يريدون؟ إن مصطلح «ليبرالي» حديث نسبيا على اللغة االجتماعية السعودية .وبكل املقاييس ،لم يستخدم ذلك املصطلح على نطاق واسع قبل التسعينات .ولكن ال يعني ذلك أنه لم يكن هناك نشاط حداثي في السعودية قبل تلك الفترة .ففي أعقاب احلرب العاملية الثانية ،عاد بعض الطالب السعوديني الذين سافروا إلى مصر أو لبنان أو العراق من أجل الدراسة إلى اململكة متأثرين باآليديولوجيات اليسارية والقومية العربية التي كانت منتشرة في املنطقة بدرجة كبيرة .وبشكل غير مباشر استضافت مؤسسات تعليمية وصناعية -مثل «أرامكو» -عدد ا ً كبير ا ً من العاملني العرب من جميع الدول اجملاورة ،وكان كثير منهم متأثرا باألفكار ذاتها .ونتيجة لذلك ،ظهرت جماعات صغيرة متأثرة بطروحات ماركسية ويسارية وناصرية وقومية عربية .وفي احلقيقة كانت تلك اجملموعات مقتصرة على النخبة، ولم تشكل مطلقا حركة شعبية ،ولكنها كانت تشكل قلقا ً داخليا ً ،خاصة بعد أن حاول بعض أعضائها القيام بنشاط سياسي خارج إطار الدولة. وكان رد فعل السلطات حازما ً ضد النشاط املوجه من اخلارج، في الوقت الذي قصرت فيه قاعدتهم االجتماعية احملتملة عبر 18
بالتأكيد ،فإن االستهداف غير املميز للمدنيني ليس سمة حصرية على «القاعدة» واجلماعات التابعة لها .فقد قام منور التاميل بعدد من مثل تلك الهجمات في سريالنكا وجميعها تستهدف املدنيني فقط ،وأسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.
تقع في سياق احلرب ،ولكن «القاعدة» ليست ممثلة عن دولة ،لذا من الصعب وضع أنشطتها اإلرهابية في إطار حرب .ولكن ،تغير وجه احلروب ،وبينما انخفض عدد احلروب بني الدول بدرجة كبيرة، أصبحت زيادة عدد احلروب غير التقليدية داخل الدول إحدى أهم سمات العالم فيما بعد احلرب الباردة .وتعتقد قيادة «القاعدة» بالتأكيد أنها في حرب مع الواليات املتحدة ،باإلضافة إلى بعض احلكومات األخرى في الغرب وفي الشرق األوسط .واألكثر من ذلك ،وُضع رد فعل الواليات املتحدة على هجمات ،9/11على نحو خاطئ ،في إطار يدور حول عبارة «احلرب على اإلرهاب» ،واملقاتلني األعداء ،أي أعضاء «القاعدة» املشتبه بهم ،الذين ألقي القبض عليهم ويعاملون مبوجب قوانني احلرب.
في عام ،2005أعلن أمين الظواهري(« :إننا) في معركة ،أكثر من نصف تلك املعركة يدور في ميدان وسائل اإلعالم( ..ونحن) في املعركة اإلعالمية من أجل قلوب وعقول أمتنا» .ووفقا ملا ذكره فيصل ديفجي ،مؤلف كتاب «صور اجلهاد»« ،حتقق (الشهادة املعاصرة) معناها فقط إذا شهدت عليها وسائل اإلعالم» .ويبدو أن معظم اخلبراء في هذا األمر يتفقون على أن الطبيعة الفريدة لـ«القاعدة» تكمن في معركة األفكار املعلنة التي يشارك فيها التنظيم وتفجيراته االنتحارية.
ميكن أن يكون األمر اآلخر الذي مييز التفجيرات االنتحارية التي تنفذها «القاعدة» هو أنها ال حتارب من أجل أرض معينة ،في حني أن جميع األمثلة املذكورة ،ومنها حالة طالبان األفغانية، يدخل فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة الصراع من أجل أرض قائما .يوضح بيان اجلبهة محددة .ومن جديد ،ال يظل هذا االدعاء ً اإلسالمية العاملية ( ،)1998الذي قد يكون أكثر بيان رمزي تصدره «القاعدة» واجلماعات التابعة لها حتى اآلن ،أن الدافع من ضرب الغرب هو الظلم الذي تسبب فيه الوجود العدواني لألجانب في شبه اجلزيرة العربية ،وفي العراق ،وفي القدس .ويعد هذا االدعاء أحد أهم أسلحة «القاعدة» اخلطابية.
وكما كتب بيتر بيرغن من مؤسسة «أميركا اجلديدة» في «نيويورك تاميز» ،فإن «القاعدة» في الوقت احلالي «تعيش كتنظيم افتراضي ولكنه واقعي ،حيث تصدر شرائط فيديو وشرائط سمعية بينما يتواصل أعضاؤها مع بعضهم البعض عبر مقاهي اإلنترنت التي ال ميكن تتبعها .إنها حقً ا أحدث نسخة من «القاعدة» .قد تكون التفجيرات االنتحارية التي نفذتها «القاعدة» تدميرية أو بربرية ،ولكنها نتاج عصرنا. * مانويل أمليدا
وعلى الرغم من أن حجم الدمار وأعداد الضحايا من املدنيني في التفجيرات االنتحارية التي نفذتها «القاعدة» غير مسبوق
نشر هذا املوضوع في «اجمللة» بتاريخ 18يونيو .2010
النصر موتا في كتاب روبرت بيب« ،املوت من أجل النصر :املنطق اإلستراتيجي لإلرهاب االنتحاري» ،يقوم الكاتب بتحليل اإلرهاب االنتحاري من وجهة نظر استراتيجية واجتماعية ونفسية .ووفقا لقاعدة بيانات قام بجمعها في جامعة شيكاغو ،يعتمد الكتاب في استنتاجاته على التفجيرات االنتحارية التي حدثت في جميع أنحاء العالم ما بني عامي 1980و ،2003لتضم ما يزيد على 400هجوم. وفي هذا الكتاب الذي حاز اإلعجاب ،يقول بيب إن تشويه صورة اإلرهابيني االنتحاريني يضر بقدرتنا على وضع برامج فعالة ملكافحة اإلرهاب .ويذكر أن ما يكمن في أصل اإلرهاب االنتحاري هو القومية وليس الدين ،ويوضح أنه نوع متطرف من التحرر القومي« .تشير البيانات إلى وجود صلة بسيطة بني اإلرهاب االنتحاري واألصولية اإلسالمية ،أو أي من األديان في العالم ...ولكن، الشيء املشترك الذي يجمع بني جميع الهجمات االنتحارية تقريبا هو هدف علماني واستراتيجي محدد :إجبار األنظمة الدميقراطية احلديثة على سحب قواتها العسكرية من أرض يعتبرها اإلرهابيون وطنهم)4( ». ويحلل بيب العديد من احلمالت لتوضيح أنه ال توجد صلة سببية بني اإلرهاب االنتحاري والدين .ويتناول أمثلة من لبنان وسريالنكا ،والسيخ في بنجاب ،باإلضافة إلى حزب العمال الكردستاني في تركيا ،لدراسة دور الدين. ويشير إلى أن الدين يلعب دورا في اإلرهاب االنتحاري ،ولكن في سياق املقاومة القومية» ،وليس اإلسالم في حد ذاته ،ولكن «ديناميكيات االختالف الديني» هي املهمة (.)167 - 166 Image © Getty Images
العدد ،1554أغسطس 2010
وعلى النقيض من منتقديه ،يعتقد بيب أن اإلرهابيني اإلسالميني ليسوا في األصل ضد احلداثة والغرب .ومن جانب آخر ،يؤكد أن أفعال الغرب هي التي حتدد تنظيم الهجمات االنتحارية .وميكن أن تبثت مضامني ما توصل إليه فاعليتها بدرجة كبيرة في تقويض قدرة املنظمات اإلرهابية ورغبتها في اللجوء إلى مثل هذه اإلجراءات. 17
● فن احلرب
لدفع «الظلم» وليس دفاعا عن وطن
عقيدة االنتحاري ...من طياري «الكاميكازي» إلي مجاهدي «القاعدة» يعود تاريخ التفجيرات االنتحارية كتكتيك متبع إلى بداية الثمانينات .وإذا وضعنا في االعتبار األعمال االنتحارية التي تقع في القتال والتي تشبه كثيرًا في طبيعتها التفجيرات االنتحارية ،فيمكننا أن نرجع تاريخها إلى احلرب العاملية الثانية، بل وإلى القرن الثامن عشر .ولكن يبدو أن هناك سمة حصرية تتميز بها التفجيرات االنتحارية التي تنفذها «القاعدة» واجلماعات التابعة لها. مانويل أمليدا
في األسبوع قبل املاضي في كابل ،قاد انتحاري شاحنة صغيرة مليئة باملتفجرات إلى قافلة تابعة حللف الناتو ،مما أسفر عن مصرع 5جنود أميركيني وجندي كندي ،باإلضافة إلى 12مدني. ولتبديد الشكوك حول ما إذا كانت «القاعدة» أو طالبان هما اللتان نفذتا العملية ،أعلنت األخيرة مسؤوليتها ،بل وذكرت في البيان كمية املتفجرات املوجودة داخل الشاحنة 750 :كيلوغرام. إن اللجوء إلى العمليات االنتحارية في طالبان األفغانية أمر نسبيا .وهو ناجت عن تقارب اآلراء اآليديولوجية والصالت حديث ً الشخصية ،خاصة على مستوى القيادة ،بني طالبان األفغانية و»القاعدة» ،الذي انعكس على أسلوب العمل الذي تشابه على نحو متزايد بعد أحداث .9/11وعلى الرغم من أن التفجيرات االنتحارية في أفغانستان في التسعينات كانت نادرة أو غير موجودة على اإلطالق ،فإن «القاعدة» استخدمتها في أماكن أخرى في أثناء ذلك العقد؛ الهجمات ضد السفارتني األميركيتني في كينيا وتنزانيا. وإن كانت التفجيرات االنتحارية األسوأ سمعة هي تلك التي تنفذها «القاعدة» ،التي تسعى إلى تلك السمعة السيئة، فإنها ليست صفة حصرية على «القاعدة» واجلماعات التابعة لها ،وليست أيضا من ابتكار «القاعدة» .يتذكر مهدي حسن من مجلة «نيو ستيتسمان» كيف ميكن أن يرجع تاريخ هذا التكتيك إلى منور التاميل في سريالنكا في الثمانينات ،وقبل ذلك إلى طياري الكاميكازي اليابانيني أثناء احلرب العاملية الثانية .وأشهر األمثلة األخرى هي التفجيرات االنتحارية التي نفذت أثناء احلرب األهلية اللبنانية ضد القوات األميركية والفرنسية واإلسرائيلية؛ وهي قضية خالف حول ما إذا كان حزب اهلل له دخل في تلك الهجمات. وتوجد حالة أخرى في حرب إيران والعراق ،التي اعتبرها الفيلم التلفزيوني التسجيلي «عقيدة االنتحاري» أصل التفجيرات االنتحارية. وتعود األعمال االنتحارية في القتال إلى ما قبل ذلك .في نهاية القرن الثامن عشر ،استعانت كاثرين الثانية ملكة روسيا بجون بول جونز ،ضابط البحرية األميركي الذي يعرف باسم «أب البحرية األميركية» ،للمشاركة في حملة بحرية في البحر األسود ضد األتراك .وفي مذكراته ،كتب جونز عن كيفية إشعال القادة العثمانيني لسفنهم واإلبحار بها جتاه السفن الروسية .ومع حمولة السفن اخلشبية من البارود ،كان ذلك يعني موتا محققا للطواقم العثمانية. إذن ،ما الذي مييز التفجيرات االنتحارية التي نفذتها «القاعدة» عن جميع احلاالت األخرى؟ ألول وهلة ،جميع األمثلة املذكورة أعاله، مبا فيها تلك الهجمات التي تقوم بها طالبان في أفغانستان، 16
معظم اخلبراء في هذا األمر يتفقون على أن الطبيعة الفريدة لـ«القاعدة» تكمن في معركة األفكار املعلنة التي يأتي في إطارها التنظيم وتفجيراته االنتحارية.
TM1554_15_Ad.indd 15
5/7/10 16:30:50
● فن احلرب
بكني فترى في تلك املهمة في القرن األفريقي تعبيرًا عن قوتها املتزايدة ،حيث أعلن نائب رئيس هيئة األركان البحرية في جيش التحرير الشعبي شياو شينيان أن املهمة «تظهر الدور اإليجابي جليش التحرير الشعبي في احملافظة على االستقرار والسالم في العالم وثقة البحرية في اجليش الشعبي وقدرتها على التعامل مع مخاطر أمنية متعددة وإجناز مهمات عسكرية متنوعة».
2008للتعاون على منع القرصنة بالقوة إذا اقتدى األمر .حيث توظف الواليات املتحدة األميركية والصني واالحتاد األوروبي وروسيا واليابان وكوريا اجلنوبية وأستراليا أساطيلها لصد خطر القراصنة الصوماليني .وفي ظل غياب حكومة مركزية حقيقية في مقديشو، تأهبت دول حول العالم حلماية مصاحلها التجارية. لقد فتحت القرصنة الصومالية اجملال أمام التعاون بني القوات البحرية لقوى دولية لم تتعاون مع بعضها البعض من قبل .لقد كان تعاون هذه الدول للدفاع عن أحد أهم طرق النقل في العالم سب ًبا وراء استجابتهم السريعة لنداء األمم املتحدة .وحولت املصالح املشتركة خليج عدن إلى ساحة تتنافس فيها القوى العظمى التي تسعى الختبار نفوذها في املنطقة .بالنسبة للواليات املتحدة ،تعزز القرصنة الصومالية من التزامها باحملافظة على وجودها احليوي في املنطقة وتؤكد هيمنتها البحرية .أما الصني واالحتاد األوروبي فتمثل البعثات املتكررة حملاربة القرصنة تطورًا جدي ًدا في استراتيجيتهم العسكرية .ومتثل لروسيا عودة لأليام اخلوالي لالحتاد السوفياتي حني كانت الواليات املتحدة متلك قوة بحرية أقوى .لقد أضحى خليج عدن أحد أهم ساحات املعارك على النفوذ بني القوى العظمى احلالية والصاعدة والساعية لذلك .وبعي ًدا عن املصالح االقتصادية تنظر الواليات املتحدة وروسيا واالحتاد األوروبي والصني إلى الوجود في ممر القراصنة من زاوية القوة والهيمنة. يبحر األسطول األميركي اخلامس من اخلليج العربي إلى ساحل شرق أفريقيا منذ عام ،1995وال توجد قوة بحرية أخرى قادرة تقدما واألقوى ماديا في املنطقة. على هزمية هذا األسطول األكثر ً لذلك ،يقود األسطول اخلامس املتمركز في البحرين قوة مكافحة القرصنة التابعة لقوة املهام املشتركة 151متعددة اجلنسيات منذ عام .2009تعمل الدول التسع والعشرون املشتركة في القوة معا مستعينة مبقر من ضمنها دول عربية وجنوب شرق آسيوية ً األسطول اخلامس في املنامة .وميكن تصور قوة املهام املشتركة 151كتمرين للقوة األميركية الناعمة والصلبة ،ومن ناحية أخرى، تسمح أميركا ألطراف أخرى باستخدام مواردها في املنطقة .وهو في الوقت نفسه استعراض للهيمنة البحرية األميركية ،فال أحد يستطيع منافسة سفنها املتطورة وقدراتها االستطالعية أو خبرتها في التنسيق. يعد وجود األسطول الصيني في خليج عدن حدثا تاريخيا ،فألول مرة منذ تأسيس جمهورية الصني الشعبية عام 1949ترسل الصني أسطولها البحري في مهمة كهذه في مناطق بعيدة .باإلضافة إلى ذلك ،في يناير (كانون الثاني) 2010حصلت الصني على املوافقة لالشتراك في رئاسة منظمة الوعي املشترك وفض النزاعات (شيد)، وهي اآللية التي يتم من خاللها تنسيق جهود مكافحة القرصنة. السفن احلربية الصينية مسؤولة أيضا عن حراسة أحد أخطر املناطق في خليج عدن .لذلك ،في أقل من سنتني استطاعت البحرية الصينية أن حتصل على خبرة واسعة في نشر قواتها البحرية في مناطق بعيدة ،وأن تشارك في حتمل مسؤولية التنسيق في مهمة حربية .وكما هو متوقع ،عبر بعض صناع القرار واحملللني الغربيني عن عدم ارتياحهم بالدور اجلديد الذي يلعبه اجليش الصيني .أما 14
االستعداد الذي أظهره االحتاد األوروبي لالنخراط في مهمة حربية يعكس أهمية هذه املهمة في خدمة مصالح االحتاد .فليس مفاجئا أن تسعى الواليات املتحدة إلبراز قوتها العسكرية وأن تبذل الصني جهدها لتحويل قوتها االقتصادية إلى دور كبير تلعبه في الشؤون نائيا بنفسه الدولية .فطاملا شدد االحتاد األوروبي على قوته املدنية ً عن الوحشية املزعومة للعرض األميركي لقوته العسكرية ،ولكن ليس هذه املرة ،فقد شكل االحتاد قوته البحرية حتت اسم «إي يو ناف فور» EUNAVFORفي ديسمبر (كانون األول) 2008حملاربة القرصنة على ساحل الصومال ،وهي أول قوة عسكرية تابعة لالحتاد لغير غايات حفظ السالم وأول مهمة بحرية له .تعمل هذه القوة بشكل مستقل عن قوة املهام املشتركة CTF-151 وتعكس اهتمام القيادات األوروبية بالقيام بعمليات عسكرية دون االعتماد على الواليات املتحدة .في احلقيقة ،االحتاد األوروبي هو أحد القادة املشتركني بـ(شيد) .ودعا وزير اخلارجية البريطاني السابق االحتاد األوروبي للحديث بصوت موحد ليكون مؤثرا مثل الواليات املتحدة وروسيا ،وقوة «إي يو ناف فور» هي خطوة حيوية في هذا االجتاه.
استمر وجود أسطول احمليط الهادئ الروسي قبالة سواحل القرن األفريقي طوال السنوات املاضية روسيا هي القوة األخرى التي تستغل وجودها في خليج عدن لتثبت قوتها العسكرية من جديد .حتى وإن كان أسطولها احلالي أصغر من الذي كانت متلكه إبان احلقبة السوفياتية ،فقد استمر وجود أسطول احمليط الهادئ قبالة القرن األفريقي في السنوات السابقة. يعمل هذا األسطول بشكل مستقل عن القوات البحرية األخرى، لكنه أحد أكثر القوات فاعلية في دحر هجمات القراصنة وحترير السفن احملتجزة .بعد املوافقة على ترشح الصني للمشاركة في قيادة «شيد» تسعى موسكو اآلن إلى اللحاق ببكني واملشاركة في قيادة عملية عسكرية دولية ألول مرة منذ سقوط االحتاد السوفياتي. فتحت القرصنة الصومالية الباب على مصراعيه أمام منافسة القوى العظمى على القرن األفريقي .فاحتمالية حدوث اشتباكات عسكرية بني اجليوش املوجودة في املياه في خليج عدن واملنطقة احملاذية له غير واردة ،حيث يسير التنسيق بينها بسالسة كبيرة. من احملتمل أن تكون القرصنة الصومالية قد ساهمت في زيادة الثقة بني املسؤولني العسكريني األميركيني والصينيني واالحتاد األوروبي وروسيا ،وتستفيد القوى الثالث األخيرة إلى حد ال ميكن تصوره من وجودها قبالة السواحل الصومالية .تعمل هذه اجليوش باستقاللية في املنطقة وتتسنى لها الفرصة للحصول على خبرة حربية قيمة بعي ًدا عن مياهها .فالقوة البحرية هي أحد أهم العناصر األساسية ألي دولة متلك طموحات إقليمية أو دولية. ويعد خليج عدن هو أول مشاهد مسرحية جيوبوليتيكية جديدة.
رامون باتشيكو باردو -باحث في مجال مكافحة انتشار األسلحة النووية وسياسة شرق آسيا. نشر هذا املوضوع في «اجمللة» بتاريخ 22يونيو .2010
العدد ،1554أغسطس 2010
13
● فن احلرب
لغز مكافحة القرصنة
خليج عدن...مسرح لزيادة التنسيق العسكري بني القوي العظمي أم الكتساب اخلبرة احلربية ؟ فتحت عمليات القرصنة الصومالية الباب على مصراعيه أمام تنافس القوى العظمى على منطقة القرن األفريقي، ولكن تبقى احتمالية حدوث اشتباكات عسكرية بني اجليوش املوجودة في خليج عدن واملنطقة احملاذية له غير واردة؛ حيث يسير التنسيق بينها بسالسة كبيرة .تعمل اجليوش باستقاللية في تلك املنطقة وتتسنى لها فرصة احلصول على خبرة حربية قيمة بعي ًدا عن مياهها .فالقوة البحرية أحد أهم العناصر األساسية ألي دولة متلك طموحات إقليمية أو دولية .ويعد خليج عدن أول مشاهد مسرحية جيوبوليتيكية جديدة. رامون باتشيكو باردو لقد أصبحت القرصنة قبالة الساحل الصومالي قضية عاملية كبرى، هجوما على سفن شحن وحامالت نفط وقوارب حيث وقع 250 ً صيد وغيرها من السفن منذ تصاعد أعمال القرصنة عام .2007 هجوما على األقل في السيطرة على سفن جنح القراصنة في 60 ً اضطر مالكها لدفع عشرات املاليني من الدوالرات لتحريرها .لقد زاد خطر عبور السفن خليج عدن الذي يدعى «ممر القراصنة» من الكلفة على مالكي السفن .يعد هذا اخلليج أحد أهم طرق التجارة في العالم ،األمر الذي يعني أن نفقات التعامل مع هذه املشكلة ستكلف االقتصاد العاملي الكثير. تكشف خارطة القرصنة التي يوفرها مركز اإلبالغ عن عمليات القرصنة في املكتب البحري الدولي عن حجم املشكلة ،فنحو ثلثي الهجمات الناجحة ومحاوالت الهجوم على السفن وقعت على ساحل الصومال .لذلك ،لم يكن مفاجئا استجابة القوى الرئيسية في العالم لدعوة األمم املتحدة في أكتوبر (تشرين األول)
12
Image © Getty Images
تكشف خارطة القرصنة التي يوفرها مركز اإلبالغ عن عمليات القرصنة في املكتب البحري الدولي عن حجم املشكلة ،فنحو ثلثي الهجمات الناجحة ومحاوالت الهجوم على السفن وقعت قبالة سواحل الصومال.
عددها 200والتي صدرت عن املؤمتر ،وضع جدول زمني النسحاب القوات األجنبية من أفغانستان ،وهو ما بدا أن كرزاي سيصادق عليه .ولكن زمنيا .وقد أثارت محاولة حقيقة األمر أن كرزاي ال يريد بالفعل جدوال ً نهائيا للتدخل األميركي ذعر حكومة كرزاي، إدارة أوباما ألن تضع موع ًدا ً حيث صرح أوباما أنه سيبدأ في سحب القوات القتالية في يوليو (متوز) ،2011ولكنه تراجع عنه الحقً ا. وفي الشهر املاضي ،ذهب كرزاي إلى واشنطن للتأكد من أن أوباما لم يكن جادًا بالفعل بشأن املغادرة في ،2011بل وتأكد كرزاي علنًا من أن القوات ستظل هناك إلى ما بعد .2011وعلى الرغم من أن كرزاي سيود رؤية أعدائه يتخلون عن أسلحتهم ،فإن مسؤولني أميركيني صرحوا سرًا بأنه لن مينحهم أية سلطة سياسية حقيقية ميكن أن تهدد سلطته. أيضا ،فقد ضمنت وبالنسبة ألميركا ،ال يبدو أن للسالم أولوية ً استراتيجية أوباما عن طريق مضاعفة القوات الغربية في أفغانستان إلى نحو 150000جندي ،عامني أو ثالثة آخرى على األقل من القتال الدموي في املستقبل .وعلى الرغم من أنها مقولة مفضلة لدى املسئولني األميركيني واألفغان فإنه ال يوجد «حل عسكري» ألفغانستان ،فقط «حل سياسي» ،إال أن شريحة كبيرة من املوارد األميركية تنفق على صناعة احلرب في أفغانستان .وقد ضاعفت وزارة اخلارجية األميركية أعداد املدنيني العاملني لديها في أفغانستان إلى ثالثة أضعاف ،ويقدر عددهم بـ 1000شخص ،وهو رقم ضئيل للغاية مقارنة بأعداد قوات اجليش األميركي واملقاولني املستقلني .وستنفق الواليات املتحدة نحو 120مليار دوالر في أفغانستان في العام املقبل ،وجزء صغير من هذا املبلغ فقط هو الذي سيوجه للمساعي الدبلوماسية واملساعدات. وباإلضافة إلى ذلك ،في الوقت الذي يوجد فيه قائد عسكري واحد معطيا للقوات األميركية وقوات الناتو؛ مما يسهل عملية القيادة، ً لصوته مصداقية ،يوجد على األقل خمس قيادات دبلوماسية أميركية وبريطانية ،وأحيان ًا تظهر عالمات اخلالف بينهم أثناء محاولة تبني من املسؤول عن القيادة .وقلل من مصداقية ذلك كل صوت دبلوماسي منهم .وكتب خبير مكافحة اإلرهاب أندرو أكسوم أن اجلهود الدبلوماسية تسير على أساس «مخصص» ،وكتب في صحيفة صدرت الشهر املاضي« :السياسة هي البقعة املظلمة في استراتيجية مكافحة اإلرهاب األميركية في أفغانستان» .وإن كنا ال نرى في السياسة ،فنحن أيضا ال نرى السالم. وها هم الذين يقاتلهم األميركيون واحلكومة األفغانية :حركة طالبان، وهي في الواقع مجموعة من املقاتلني والعناصر املسلحة التي نشأت في الداخل ،على اتصال عرضي بشبكات إرهابية دولية عبر احلدود في باكستان .وتبدو رغبة طالبان في السالم ضعيفة على أفضل تقدير، خاصة منذ أن أعلنت جميع الفصائل تقري ًبا أنه لن يكون هناك سالم حتى تغادر أميركا .وجعل كثيرون من القتال جتارة لهم؛ ويفخر مقاتلون شباب آخرون بدورهم كمجاهدين ،وال يرون أية حوافز حقيقية للتخلي عن أسلحتهم .حتى لو أرادت طالبان التوقف عن القتال ،كان االستقبال عدائيا للغاية .وفي عام ،2007طردت الذي وجدوه قبل ذلك من كابل ً حكومة كرزاي دبلوماسيني غربيني جملرد حديثهم مع طالبان. وكانت إحدى التوصيات الصادرة عن مؤمتر السالم رفع اسم زعيم طالبان املال عمر من على القائمة السوداء لدى الواليات املتحدة واألمم املتحدة ،وهو الشيء الذي لن يفعله األميركيون مطلقً ا .وعلى صعيد آخر ليس من املرجح أن يوافق املال عمر تبني الدستور األفغاني ،واتباع وجهة نظر غربية في حقوق اإلنسان ،ونبذ العنف. Image © Getty Images
العدد ،1554أغسطس 2010
وبهذه الوتيرة ،تتجه أفغانستان نحو حرب أخرى ،وليس السالم.
*مايكل هاستينغز -مساهم منتظم مبجلة «جي كيو» ،وعاد مؤخرًا من رحلة في أفغانستان. نشر هذا املوضوع في «اجمللة» بتاريخ 22يونيو .2010 11
● فن احلرب
نظرة إلي السالم ... وخطوات نحو احلرب
تخبط الالعبني الرئيسيني في بقاع أفغانستان املظلمة ليست مصادفة أن يشوب أول مؤمتر كبير للسالم في أفغانستان الكثير من التخبط ،حيث يستعد الالعبون األساسيون للمزيد من احلرب في املنطقة .حتى انسحاب القوات األجنبية ،الذي أشار كرزاي علنًا أنه شرط متهيدي وضروري من أجل السالم ،لن يحدث في عام ،2011حيث يحتاج الرئيس األفغاني بشدة لبقاء قوات الناتو والواليات املتحدة. مايكل هاستينغز
في األسبوع املاضي ،عقدت أفغانستان أول مؤمتر كبير للسالم بها. ولكنه لم يبدأ بصورة جيدة .فقد أطلق مسلحو طالبان صاروخني على مقر املؤمتر في كابل حيث كان الرئيس حميد كرزاي يلقي خطابه، وفجر انتحاري من طالبان نفسه بالقرب من املكان .وقتلت قوات األمن األفغانية انتحاريني آخرين ،وأصيب أحد حراس كرزاي بجروح خطيرة في الهجوم .وأجبر هذا االنتهاك األمني اثنني من مسؤولي احلكومة األفغانية على التخلي عن منصبيهما؛ ففي أعقاب الهجوم ،قبل كرزاي استقالة وزير الداخلية (وليس من قبيل املصادفة أنه أحد خصومه السياسيني) ومدير األمن القومي .وفي النهاية ،انتهى املؤمتر الذي استمر ملدة 3أيام بإصدار نحو 200توصية من أجل وضع أفغانستان على الطريق نحو السالم. ولكن ال ينبغي وضع آمال عالية ،فالدولة في حالة شبه مستمرة من احلرب منذ ثالثة عقود ،وتدفقت األموال على مدار قدر مماثل من األعوام .ومن احملزن أنه بعد انتهاء مؤمتر السالم ،تأكدت مشاعر القلق حيال مستقبل أفغانستان .وعلى الرغم من أهداف املؤمتر النبيلة، فإن املنتقدين يرونه وسيلة لكي حتصل حكومة كرزاي على مزيد من أموال املساعدات من اجملتمع الدولي .ووصف عبد اهلل عبد اهلل ،املرشح الرئاسي السابق واإلصالحي ،األمر كله بـ»ممارسة العالقات العامة». وانتهى املؤمتر بكشف أن حتقيق السالم الدائم أمر ً مستحيل ،على األقل في الوقت الراهن .وعلى كل حال فالالعبون الرئيسيون ال يريدونه حقً ا ،وتتجه جميع املؤشرات إلى مزيد من احلرب. وتبدو مطالب كرزاي بالسالم على وجه التحديد مشكوكًا فيها ،فقد اتفق غالبية املشاركني في املؤمتر على أنه طاملا استمر وجود القوات األجنبية في أفغانستان ،سيظل السالم صعب التحقيق .ولكن يعتمد كرزاي على قوات حلف الناتو من أجل بقائه وأمواله ،فهو يريدهم هناك ،على الرغم من انتقاداته الدائمة لهم بسبب قتل املدنيني ،وهو ما يحقق له نقاطا سياسية في الداخل .وكانت إحدى التوصيات البالغ 10
TM1554_09_Ad.indd 9
5/7/10 14:47:08
●● أقوال احملتويات
أقوال "ال تسمح الدول النووية لآلخرين حتى باالستخدام ا لسلمي للطا قة النووية ..إنهم يريدون احتكار العلم والتكنولوجيا ألنفسهم حلماية مصاحلهم املادية".
الرئيس محمود أحمدي جناد متحدثا في حدث ثقافي إيراني في معرض شنغهاي إكسبو ،حيث وصف العقوبات املفروضة على إيران بأنها "بال قيمة".
"إن االقتصاد األوروبي وسط أعمق حالة ركود وأكثرها انتشارا في عصر ما بعد احلرب". خواكني ألومينا ،مفوض االحتاد األوروبي.
"بالنسبة لبعض الدول ،تعد املساعدات شبكة أمان حتفظ حياة البشر كل يوم. يجب إنفاق أموال اململكة املتحدة ملساعدة أفقر الشعوب في أفقر الدول، ليحقق كل قرش اختالفا حقيقيا مبنح األسر فرصة وجود مستقبل أفضل".
وزير التنمية البريطاني أندرو ميتشل ،موضحا قرار اململكة املتحدة بتخفيض مساعدات التنمية املمنوحة لروسيا والصني.
Images © Getty Images
8
"هدفنا ليس معاقبة إيران؛ هدفنا ليس فرض عقوبات على إيران؛ هدفنا هو إنهاء أية شكوك حول الغرض من برنامج إيران النووي ،ومنع إيران من احلصول على أسلحة نووية".
هيالري كلينتون وزيرة اخلارجية األمريكية خالل مناقشتها سياسة بالدها
"إن مهمتي هي إعادة بناء تلك البالد .ما أريد أن أقوله للناخبني في انتخابات مجلس الشيوخ هو أن إصالحاتنا أصبحت أكثر متاسكا .لن تنتهي اآلمال التي وضعها الناخبون في احلزب الدميقراطي كمجرد أحالم .فسوف تتحقق .هذا ما أود أن يعرفه الناس".
رئيس الوزراء الياباني املعني حديثا ناوتو كان.
"سيوضح قرار احلكومة أمام العالم أن إسرائيل تتصرف وفق مسؤولية قانونية، وبشفافية كاملة".
رئيس الوزراء اإلسرائيلي نتنياهو عن قرار التحقيق في الهجوم على القافلة املتجهة إلى غزة.
52
30
40
العدد ،1554أغسطس 2010
7
● احملتوى
احملتوى أقوال
فن احلرب
• نظرة إلي السالم ...وخطوات نحو احلرب • لغز مكافحة القرصنة • عقيدة االنتحاري ...من طياري «الكاميكازي» إلي مجاهدي «القاعدة»
عن السياسة
• الليبراليون السعوديون نخبة بال جذور اجتماعية • رمضان قديروف ..طاغية أم رجل دين؟ • أوباما بني قيود نتنياهو وانطالقات جان كني با
ما وراء النفط واألمن
رغم استمرار العالقات السعودية -األميركية وتنوعها فإن معادلة «النفط – األمن» لم تعد مالئمة للوصف الدقيق لهذه العالقة الثنائية التي باتت أكثر تركيبا من ذي قبل.
ثروة األمم
•عودة امللك • «التضامن العاملي» يفشل حتت وطأة احللول الفردية • البحث عن املواهب في دول مجلس التعاون اخلليجي • ليس باملال وحده نعيش علي األرض
الوضع البشري
• بريطانيا تعيد النظر في سياسة اللجوء • الصندوق الكويتي للتنمية يساهم في رخاء العالم النامي
8 10
18
26
30
40
ألف كلمة
46
حوارات
48
• السفير األميركي في الرياض :السعودية نضجت وعالقاتنا اآلن أكثر دقة وتعقيدا • بن عامي ليبرالي يهودي يعارض االحتالل اإلسرائيلي لفلسطني
موجز عن دولة
54
النقاد
58
الكلمة األخيرة
62
6
26 24
الكتاب المساهمون في هذا العدد كاريل ميرفي صحافية مستقلة ،عاشت في مصر خمس سنوات وتقيم حاليا في اململكة العربية السعودية ،عملت لفترة طويلة مراسلة لصحيفة «واشنطن بوست». من أهم كتبها« :الشغف باإلسالم» وحتاول فيه استكشاف تيارات اإلسالم السياسي املعاصر وجذور التطرف الديني في الشرق األوسط. حازت ميرفي مجموعة كبيرة من اجلوائز ،كان أهمها: جائزة بوليتزر للتقارير الدولية ( ،)1991وجائزة جورج بولك للتقارير اخلارجية ( )1990على تغطيتها املتميزة من الكويت إبان فترة االحتالل العراقي ،وأثناء حرب اخلليج الثانية (.)1991 – 1990
ستيف كليمونز ناشر املدونة السياسية واسعة اإلنتشار «دفتر مالحظات واشنطن» ،وهي املدونة األكثر تأثيرا على املستوى السياسي داخل الواليات املتحدة. باإلضافة إلى أنه زميل ومدير برنامج االستراتيجية األميركية في مؤسسة «أميريكا اجلديدة» ،التي تهدف إلى تعزيز سياسات التعاون الدولي بني أميركا ودول العالم اخملتلفة .يجمع في نشاطاته اخملتلفة بني إدراك واع وواقعي ملصالح أميركا الدولية ومثالية عملية حول نوع النظام العاملي األنسب لنهج أميركا الدميقراطي ،ويعود تأثيره داخل أميركا لنشاطه السياسي املنتظم لفترة زمنية طويلة في العاصمة األميركية واشنطن.
ستيفان الكروا أستاذ العلوم السياسية املساعد في باريس. ومستشار سابق حول اململكة العربية السعودية في مجموعة األزمات الدولية .تركز دراساته على اإلسالم السياسي املعاصر في الشرق الوسط، خاصة منطقة اخلليج العربي .من أهم مؤلفاته: كتاب «صحوة اإلسالم ..تاريخ احلركة اإلسالمية في اململكة العربية السعودية» ،الصادر عام .2008 له كذلك مشاركات مختلفة عن اململكة العربية السعودية ومنطقة الشرق األوسط في عدد من الدوريات السياسية املهمة ،مثل« :ميدل ايست جورنال» ،الذي يصدر عن معهد الشرق األوسط. و«اجمللة الدولية لدراسات الشرق األوسط» .وغيرها من الدوريات واسعة االنتشار.
جوليان غاردنر مدير «رويال بنك أوف كندا» (آر بي كيه) املتخصص في برامج موظفي الشركات واخلدمات التنفيذية ومقره جنيف .انضم جوليان إلى «آر بي كيه» عام 1995 وتولى إدارة العمالء و تنمية األعمال عام .2000وانتقل إلى جنيف عام 2006إلقامة قاعدة أوروبية لـ«آر بي كيه»؛ حيث شارك في تطويرها على الصعيد العاملي. باإلضافة إلى كونه عضوا في مجلس معايير «إي إم إكس» )EMXCO( .الرائدة في مجال توفير األموال عن طريق التعامالت اإللكترونية .ويتألف اجمللس من مديري صناديق االستثمار الرائدة واملستثمرين الذين يقومون بتوحيد تطوير التجارة اإللكترونية لألموال. العدد ،1554أغسطس 2010
5
● اإلفتتاحية
أسسها سنة 1987
األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز أسسها هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير
عادل بن زيد الطريفي
املدير العام
طارق القني
مدير التحرير مانويل امليدا إدارة التحرير بوال ميجيا وسام الشريف جاكلني شون سكرتير التحرير جان سينجفيلد مسؤول التنمية لوسائل اإلعالم اجلديد ماركس ميليجان للمشاركة
إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني editorial@majalla.com ملحوظة :جميع املقاالت يجب أال تزيد على 800كلمة
اشتراكات
لالشتراك في الطبعة الرقمية ،يرجى االتصال بـsubscriptions@majalla.com : لالشتراك في االلكترونية(كندل) بـkindle@majalla.com :
تنويه
املقاالت الواردة في اجمللة ال متثل أي إجماع في الرأي ،ومن غير املتوقع أن يتجاوب قراؤنا مع جميع األفكار املطروحة هنا ،حيث يختلف بعض مؤلفينا في الرأي مع غيرهم. حقوق النشر محفوظة جمللة اجمللة 2009التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (اململكة املتحدة) شركة محدودة .وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة اجمللة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون احلصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة) .وتصدر اجمللة أسبوعيا ً باستثناء إصدارين مدمجني في واحد بصورة دورية وإصدارات إضافية أو مزيدة أو موسعة .لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي ،يرجى زيارة www.majalla.com
London Office Address HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited Arab Press House 182-184 High Holborn, LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539 2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181, Fax: +(0)20 7831 2310 E-Mail: editorial@majalla.com
اإلعالن لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ:
Mr. Wael Al Fayez w.alfayez@alkhaleejiah.com Tel.: 0096614411444, M.: 00966505475131, F.: 0096614400996 P.O.BOX 22304, Riyadh 11495, Saudi Arabia
صورة الغالف من © Getty Images
4
التحرير
عزيزي القارئ،
أما زالت معادلة «النفط واألمن« هي املعادلة التي ميكن من خاللها فهم طبيعة العالقة األكثر تركيبا في الشرق األوسط ،بني اململكة العربية السعودية والواليات املتحدة األميركية ،خاصة في ظل عالقات دولية شديدة التغير؟ حول هذا التساؤل املعقد تشير كاريل ميرفي في مقالها املعنون «العالقات السعودية األميركية ..ما وراء النفط و األمن» إلى فترة التوتر التي مرت بها العالقات السعودية – األميركية خالل عقد التسعينات ،ثم الضربة شبه القاصمة مع بداية األلفية امليالدية الثالثة بعد هجمات احلادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001وما تالها من أحداث. وعلى الرغم من استمرار العالقات بني البلدين بل وتنوعها ،فإن معادلة «النفط – األمن« لم تعد – حسب ميرفي – مالئمة للوصف الدقيق لهذه العالقة الثنائية التي باتت أكثر تركيبا من ذي قبل؛ حيث إن «كثيرا من املتغيرات اإلقليمية ستلعب –حتما دورا حيويا في حتديد مستقبل العالقة بني البلدين ،ومن بني هذه املتغيرات :األزمةاإلسرائيلية -الفلسطينية ومطامع إيران النووية». وفي حتليل آخر مثير للمتابعة في مقال حتت عنوان« :يحاول جاهدا اإلمساك بخيوط السياسة الدولية ..أوباما بني قيود نتنياهو وانطالقات جان كني با» ،يطرح ستيف كليمونز حتليال شائقا حول «كيفية التعبير عن القوة السياسية عامليا» من زاوية اجلغرافيا السياسية؛ من خالل حتليله الهادئ للنفوذ الذي يتمتع به قادة كل من الواليات املتحدة وإسرائيل والصني واليابان ،والضغط الذي ميكنهم ممارسته على بعضهم البعض ،ومدى تأثير ذلك على طبيعة اجلغرافيا السياسية عامليا. ندعوك ،عزيزي القارئ ،لتأمل هذه األفكار وغيرها الكثير على موقعنا اإللكتروني ..: www.majalla.com.arنرحب دائما بآرائك وندعوك إلى التعليق على املوضوعات أو االتصال بنا ،إذا رغبت في التواصل معنا. خالص التمنيات
عادل الطريفي رئيس التحرير
TM1553_02-03_Ad.indd 2
7/6/10 07:19:36
TM1553_02-03_Ad.indd 3
7/6/10 07:19:42
العدد ،1554أغسطس 2010
مجلة العرب الدولية
ما وراء النفط واألمن
رغم استمرار العالقات السعودية األميركية وتنوعها فإن معادلة«النفط – األمن» لم تعد مالئمة للوصف الدقيق لهذه العالقة الثنائية التي باتت أكثر تركيبا من ذي قبل .كاريل ميرفي
Issue 1554
فن احلرب
The Majalla
فتحت القرصنة الصومالية األبواب أمام منافسة قوي عظمي ...و خليج عدن هو املكان االول الذي يشهد لعبة جيوسياسية جديدة.
حوارات صريحة
يتحدث السفير األميركي في الرياض جيمس بي سميث عن واحدة من أهم العالقات الثنائية بالنسبة للواليات املتحدة األميركية.
السياسة
يدعي ليبراليون سعوديون حتدثهم باسم "األغلبية الصامتة" ،إال أن هؤالء الناشطني يواصلون متثيل مجموعة نخبوية بال صالت قوية باجملتمع.