حلم البنا

Page 1

TM1555_OBC_Ad.indd 64

21/8/10 15:46:52


TM1555_IBC_Ad.indd 63

21/8/10 15:46:39


‫● الكلمة األخيرة‬

‫اخلليج النووي‬ ‫أعلنت ثالث شركات مرتبطة بصناعة الطاقة النووية (اثنتان من أميركا واألخرى من اليابان) عزمها على املنافسة في بناء‬ ‫وتشغيل محطات للطاقة النووية في السعودية وبعض دول اخلليج‪ .‬كان ذلك في شهر يوليو (متوز) املاضى‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫أن اخلليج ال ميلك بعد بنى حتتية ‪ -‬أو كفاءات مادية وبشرية ‪ -‬للدخول في النادي النووي‪ ،‬فإن من الواضح وجود حترك رسمي‬ ‫لدى بعض الدول اخلليجية باجتاه احلصول على التكنولوجيا النووية‪ .‬األسباب املعلنة تتعلق بتنويع مصادر الطاقة‪ ،‬وهذا‬ ‫صحيح من الزاوية االقتصادية بعد أن بلغت نسب االستهالك احمللي من النفط اخلام والغاز أرقاما قياسية خالل السنوات‬ ‫العشر املاضية‪ .‬بيد أن املسألة النووية في اخلليج‪ ،‬كما يشير مراقبون كثيرون من بينهم أنتوني كوردسمان‪ ،‬ال ميكن نقاشها‬ ‫من دون أخذ التهديدات احملتملة للمشروع النووي اإليراني بعني االعتبار‪ .‬هنا تبرز أسئلة مهمة‪ ،‬لعل أبرزها هو مدى جدية تلك‬ ‫اخلطط؟ وهل هي مدفوعة بضرورات سياسية أم اقتصادية؟‬ ‫عادل الطريفي‬ ‫احلديث عن التكنولوجيا النووية بالنسبة للسياسيني في منطقتنا‪ ،‬بل وحتى‬ ‫سياسيي الدول األوروبية وأميركا‪ ،‬يبدو جذابا ألنه يعكس االهتمام بشؤون بالغة‬ ‫التعقيد واألهمية‪ .‬ولكن احلقيقة هي أن األقوال أسهل من األفعال‪ ،‬وأن االستثمار‬ ‫في الطاقة النووية ليس أمرا يسيرا بالنسبة لدول رائدة في هذا اجملال‪ ،‬فكيف بدول‬ ‫ال تتعدى استخداماتها للمواد املشعة حدود الرعاية الطبية‪ .‬هذا ال يعني التقليل‬ ‫من تطلعات دول املنطقة نحو تطوير صناعة الطاقة لديها‪ ،‬ولكن ثمة حاجة إلى‬ ‫االعتراف بالصعوبات والتعقيدات السياسية والتقنية التي تكتنف صناعة الطاقة‬ ‫النووية اليوم كما يشير مارك هبز‪ ،‬احمللل مبؤسسة كارنيغي للسالم الدولي‪.‬‬ ‫اخلبراء في بدائل الطاقة يؤكدون أن العالم وصل إلى مرحلة لم يعد النفط اخلام‬ ‫والغاز فيها قادرين على مواكبة االزدياد العاملي على الطاقة‪ ،‬وأن االرتفاع املضطرد‬ ‫في أسعار النفط واكبه ارتفاع بنسبة أكبر في تكلفة إنتاجه وتصديره‪ ،‬مما جعل‬ ‫الصناعة بطيئة النمو ألن األرباح السريعة التي جتنيها بعض الدول املصدرة بالكاد‬ ‫تكفي لسداد العجز في موازناتها ‪ -‬إيران على سبيل املثال ‪ ،-‬وبالتالي أصبحت‬ ‫الرغبة أكبر في تنويع مصادر الطاقة لتجنب مخاطر االعتماد على مصادر‬ ‫محدودة‪ .‬هنا قد يظن املرء أن باإلمكان اللجوء إلى مصادر بديلة للطاقة‪ ،‬كالطاقة‬ ‫النووية‪ ،‬أو الشمسية‪ ،‬أو الوقود العضوي‪ ،‬أو الرياح‪ .‬بيد أن هذه املصادر بحسب ما‬ ‫يشرح روبرت برايس (جوع الطاقة‪ :‬أوهام الطاقة اخلضراء وقود املستقبل‪)2010 ،‬‬ ‫غير مجدية اقتصاديا‪ ،‬وال تقدم وحدها أي بديل عملي لتعويض الوقود األحفوري‪.‬‬ ‫دعاة احملافظة على البيئة يشددون على أهمية البدائل الطبيعية‪ ،‬ولكن من الثابت‬ ‫علميا أن الوقود النووي ينتج طاقة تفوق مليونا مما تنتجه مصادر كالرياح‪ ،‬ولكن‬ ‫املشكلة مع الطاقة النووية هي أنها أكثر تكلفة من الوقود األحفوري ‪ -‬إذا أخذنا‬ ‫بعني االعتبار الدورة االقتصادية الكاملة للصناعة ‪ ،-‬وتتطلب وقتا أطول‪ ،‬ال أقل من‬ ‫عقدين من الزمن لتأسيس بنيتها التحتية‪ ،‬ونفاياتها أكثر خطورة من انبعاثات‬ ‫الغاز‪ ،‬وأخيرا ‪ -‬ولعله األهم ‪ -‬أكثر خطورة سياسيا وأمنيا ألنها تفتح اجملال أمام‬ ‫تطوير األسلحة النووية الفتاكة‪.‬‬ ‫ماذا عن خيارات اخلليج النووية؟‬ ‫حاليا بادرت دولتان هما اإلمارات والسعودية إلى إنشاء مؤسسات معنية بتبيئة‬ ‫الطاقة النووية محليا‪ .‬اإلمارات وقعت عقدا مع شركات كورية جنوبية لبناء‬ ‫‪ 4‬مفاعالت بعقد قيمته ‪ 20‬مليار دوالر‪ ،‬ولكن هذه املفاعالت لن يتم تسليمها‬ ‫إال في ‪ ،2020‬أي بعد عقدين من الزمن‪ ،‬حيث يقدر أن يكون االستهالك احمللي‬ ‫للكهرباء في الدولة قد تضاعف ثالث مرات عما هو عليه اليوم‪ .‬في السعودية‬ ‫بلغت نسبة االستهالك احمللي للنفط اخلام ربع اإلنتاج اليومي‪ % 11 ،‬على سبيل‬ ‫املثال للكهرباء‪.‬‬ ‫احلكومة السعودية تدعم أسعار الوقود والكهرباء واملاء مما دفع باالستهالك احمللي‬ ‫للطاقة إلى مستويات قياسية‪ ،‬وبحيث بات يقتطع من رصيد الثروة النفطية‪.‬‬ ‫السعودية اليوم متلك قرابة ‪ 4.4‬مليون برميل من اإلنتاج االحتياطي‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫الرقم الكبير معرض للتراجع في حال ازداد االستهالك احمللي بنفس النسب بحسب‬ ‫حتذيرات رئيس شركة «أرامكو» خالد الفالح‪ ،‬بحيث حتتاج السعودية إلى حتويل ما‬ ‫ال يقل عن ‪ 3‬ماليني برميل من االحتياطي اليومي إلى الداخل في ‪.2028‬‬ ‫ولهذا أعلن امللك عبد اهلل خالل لقائه الطلبة السعوديني بواشنطن أنه أمر‬ ‫‪62‬‬

‫بترشيد التنقيب عن النفط‪ ،‬حفاظا على رصيد الطاقة لألجيال القادمة‪ ،‬وخالل‬ ‫أبريل (نيسان) املاضي أعلنت السعودية عن إنشاء مدينة امللك عبد اهلل للطاقة‬ ‫النووية واملتجددة‪ ،‬التي من املنتظر أن تكون مسؤولة عن سياسة تنويع مصادر‬ ‫الطاقة وإيجاد حلول ملشكلة الكهرباء وحتلية املياه في البالد‪ .‬رمبا تكون لدى‬ ‫السعودية واإلمارات القدرة املادية على ترسية عقود مشاريع محطات الطاقة‬ ‫النووية اليوم‪ ،‬ولكن ماذا عن تخصيب الوقود النووي؟‬ ‫اخلبراء في الطاقة النووية يؤكدون أن إنشاء احملطات النووية إلنتاج الكهرباء شيء‪،‬‬ ‫وامتالك دورة الوقود النووي شيء آخر‪ .‬أي أن امتالك كميات كبيرة من اليورانيوم‪،‬‬ ‫والتمكن من تكنولوجيا التخصيب ضروريان جلعل االستثمار في الطاقة النووية‬ ‫مجديا اقتصاديا‪ ،‬وإال حتولت تلك الدول إلى مستوردة للطاقة في هيئة الوقود‬ ‫النووي اخملصب بنسب صناعية‪.‬‬

‫عمدت اإلمارات إلى توقيع اتفاقية ‪ 123‬مع‬ ‫الواليات املتحدة من أجل االستفادة من الدعم‬ ‫األميركي‪ .‬ولكنها اشترطت أن من حقها‬ ‫مراجعة االتفاقية في حال وقعت الواليات‬ ‫املتحدة اتفاقا نوويا أفضل مع أي دولة مجاورة‪.‬‬ ‫في الوقت الراهن ثمة عقبات كبيرة أمام ذلك‪ .‬ففي عام ‪ 2005‬قامت الوكالة‬ ‫الدولية للطاقة الذرية بتعديل «بروتوكول الكميات الصغيرة» (‪ ،)1974‬الذي‬ ‫لم يكن يشترط تفتيش الدول التي لديها كميات صغيرة لالستخدام الطبي‬ ‫والبحثي‪ .‬التعديل اجلديد يشترط التفتيش‪ ،‬ولهذا لم توقع عليه عدد من الدول‪.‬‬ ‫يضاف إلى ذلك أن قانون الطاقة النووية األميركي يحظر التعامل مع الدول‬ ‫التي لم توقع مع الواليات املتحدة اتفاقا (يسمى ‪ )123‬يحظر توريد تكنولوجيا‬ ‫التخصيب‪ .‬اإلمارات عمدت إلى توقيع اتفاقية ‪ 123‬مع الواليات املتحدة من أجل‬ ‫االستفادة من الدعم األميركي‪ ،‬ولكنها اشترطت أن من حقها مراجعة االتفاقية‬ ‫في حال وقعت الواليات املتحدة اتفاقا أفضل مع أي دولة مجاورة‪ .‬يضاف إلى كل‬ ‫هذا أن مجموعة الثماني كانت قد اتفقت في ديسمبر (كانون األول) من العام‬ ‫املاضي على عدم تصدير تكنولوجيا التخصيب إلى أي من دول املنطقة العتبارات‬ ‫أمنية‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬دول اخلليج ستجد صعوبات تقنية وسياسية حتى تستطيع أن حتقق‬ ‫اجلدوى االقتصادية من وراء االستثمار في قطاع الطاقة النووية‪ ،‬وعليها أن تكون‬ ‫حذرة في التفاوض حول ما يحق لها القيام به عبر تلك التكنولوجيا النووية‪ .‬لقد‬ ‫أهدرت طهران سبعة أعوام من وقت املؤسسات الدولية في تفاوض ال ينتهي‪،‬‬ ‫بحيث عملت على زيادة معدالت التخصيب خالل تلك املدة‪ .‬هذا ال يعني أن إيران‬ ‫ينبغي أن تكون منوذجا‪ ،‬ولكن احلق في الطاقة النووية السلمية هو حق ينبغي‬ ‫التفاوض حوله وجتييره ملكاسب سياسية ومادية‪ ،‬وليس اإلقرار به مجانا وطواعية‪.‬‬ ‫إذ ال شيء مجانيا في عالم السياسة‪.‬‬



‫● نقاد‬

‫األصدقاء حول عمله‪ ،‬في أول‬ ‫أيام التقائهما‪ ،‬أخبر الكاتب‬ ‫الشاب ناظم بأنه لم يكتب‬ ‫أي شيء سوى «شذرات» من‬ ‫الشعر‪ ،‬فيما كان في احلقيقة‬ ‫يكتب ببراعة ‪ -‬وإن لم يكن‬ ‫بالضرورة مشهورا ‪ -‬قبل‬ ‫إدانته وخالل قضائه للعقوبة‪،‬‬ ‫أي خالل العامني األولني اللذين‬ ‫كان قد قضاهما بالفعل‪.‬‬ ‫ولم يكن ذلك قبل أن يأخذ‬ ‫ناظم على عاتقه إرشاده من‬ ‫خالل تعليمه ومساعدته على‬ ‫حتسني كتاباته وإقناعه في‬ ‫النهاية بالتخلي عن الشعر‬ ‫لصالح النثر‪ ،‬بوقت طويل‪.‬‬ ‫ومع كونه واحدا من أكثر‬ ‫الشعراء املرموقني في البالد‬ ‫على غرار معلمه‪ ،‬تقدم أورهان‬ ‫بسرعة شديدة وأصبح كما‬ ‫تنبأ ناظم‪« :‬واحدا من أكثر‬ ‫الكتاب املشاهير في بالده»‪.‬‬ ‫وفي عام وفاته ‪ ،1970‬كان قد‬ ‫نشر ‪ 28‬رواية و‪ 18‬مجموعة‬ ‫قصصية‪ ،‬ومسرحيتني وجزأين‬ ‫من مذكراته باإلضافة إلى‬ ‫كتاب يشتمل على مجموعة‬ ‫من املقاالت حول تقنيات‬ ‫كتابة سيناريوهات األفالم‪.‬‬ ‫وتزودنا مذكرات أورهان كمال‬ ‫«في السجن مع كاظم‬ ‫حكمت» برؤية مهمة حول‬ ‫تطور أورهان باإلضافة إلى‬ ‫السياق السياسي واالجتماعي الذي عاش فيه الرجالن‪ .‬ويعد‬ ‫ذلك الكتاب‪ ،‬الذي ترجمه وقدمه بيغيسو رونا املتخصص في‬ ‫اللغة التركية بكلية الدراسات الشرقية واألفريقية‪ ،‬كتابا‬ ‫مختصرا وممتعا‪ .‬ولست بحاجة إلى أن تكون قد ألفت األدب‬ ‫التركي لكي تقدر قصة أورهان‪ .‬باإلضافة إلى النص نفسه ‪-‬‬ ‫املكتوب تاريخيا ‪ -‬يقدم لنا رونا مقدمة مطولة حلياة وأعمال‬ ‫كل من أورهان كمال وناظم حكمت اللذين التقيا كسجناء‬ ‫سياسيني في دولة أتاتورك القاسية‪ .‬وفي نهاية الكتاب يقدم‬ ‫لنا أورهان «مالحظات السجن» التي يبني عبرها أورهان ذكرياته‬ ‫و«خطابات من ناظم حكمت إلى أورهان كمال» التي ميكن أن‬ ‫ندرك عبرها الرابطة التي جمعت بني الرجلني‪.‬‬

‫وعلى الرغم من مناقشتها‬ ‫عن الالجئني العراقيني آخاذة‬ ‫ومكتوبة ببراعة‪ ،‬إال أنه يبدو‬ ‫في بعض األحيان أن أموس‬ ‫تنظر إلى عصر صدام حسني‬ ‫من خالل نظارة وردية اللون‬ ‫‪60‬‬

‫الصداقة‬ ‫عالقة‬ ‫فعبر‬ ‫امللهمة تلك التي تطورت‬ ‫خالل سنوات السجن التي‬ ‫قضاها الرجالن معا في‬ ‫سجن البورصة مت تقدمي تلك‬ ‫احلياوات والشخصيات‪ ،‬التي‬ ‫ساهمت في بناء جمهورية‬ ‫أتاتورك التركية‪ ،‬بأسلوب‬ ‫واقعي للغاية ومتدرج‪ .‬ففي‬ ‫الفترة التي التقيا فيها‪ ،‬كان‬ ‫ناظم شيوعيا شهيرا يقضي‬ ‫‪ 27‬عاما كعقوبة عن تهمة‬ ‫إثارة الشغب في البحرية‪.‬‬ ‫وقد جمع في السجن معظم‬ ‫املادة التي كان ينظم أشعاره‬ ‫اعتمادا عليها‪ .‬وعلى غرار‬ ‫ناظم‪ ،‬كان أورهان متهما‬ ‫باحلث على التمرد باإلضافة إلى‬ ‫مزاعم الترويج ملصالح دولة‬ ‫أجنبية (روسيا) وهي التهمة‬ ‫التي حكم عليه فيها بخمس‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫وميكن إرجاع قسوة العقوبات‬ ‫التي تعرض لها الرجالن‬ ‫وغيرهما في ذلك الوقت إلى‬ ‫خوف الدولة من التهديد‬ ‫الشيوعي اآلتي من روسيا‬ ‫الذي بدأ يظهر أثناء فترة احلرب‬ ‫وما بعدها‪ .‬فنظرا الفتقارها‬ ‫للتأييد السياسي والعسكري‬ ‫بعد سقوط اإلمبراطورية‬ ‫الزعيم‬ ‫كان‬ ‫العثمانية‪،‬‬ ‫الوطني في أنقرة يتطلع إلى‬ ‫روسيا ويحاول التحالف مع‬ ‫البالشفة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وكما يتضح عبر تلك العالقة املتميزة‪،‬‬ ‫فعندما أصبحت احلاجة غير ماسة للمساعدة الروسية أصبحت‬ ‫األصوات التي تؤيد الهيمنة الشيوعية في اجملتمع متثل مشكلة‪.‬‬ ‫وأصبحت االغتياالت السياسية واملذابح في بعض األحوال هي‬ ‫القاعدة‪ ،‬وتلك السياسة هي التي تسببت في سجن ناظم‬ ‫حكمت وأورهان كمال‪.‬‬ ‫ومن بني اإلجنازات العديدة لذلك الكتاب هو قدرته على ترويج‬ ‫نفسه‪ .‬فعندما تبدأ في القراءة ترغب في قراءة املزيد‪ .‬لم يكن‬ ‫ناظم وأورهان كاتبني مرموقني فحسب‪ ،‬بل كانا شخصني مميزين‪،‬‬ ‫لعبا دورا مهما في بناء دولتهما‪ .‬ومما ال شك فيه أن إلقاء نظرة‬ ‫على حياة هذين الكاتبني من خالل كلمات أورهان نفسه ال تقدر‬ ‫بثمن‪ .‬احلب والصداقة والشجاعة والقوة‪ ،‬تلك هي املبادئ التي‬ ‫عاش من خاللها هذان الرجالن حياة ثرية سواء على املستوى‬ ‫الشخصي أو التاريخي‪.‬‬ ‫وكما قدم الكاتب األول نشأة الصناعة إلى األدب التركي‪ ،‬فإن‬ ‫شخصيات أورهان كانت تتحمل اجملاعة واملوت والبؤس‪ .‬ومع ذلك‬ ‫فقد ظل وفيا لقول ناظم‪ ..« :‬إن الكاتب الذي ال يقدم األمل‬ ‫لقرائه ليس لديه احلق في أن يصبح كاتبا»‪ .‬ونظرا لذلك‪ ،‬كان‬ ‫أورهان يقدم دائما لنا األمل‪.‬‬

‫*نشر هذا املقال في اجمللة نتاريخ ‪ 17‬يوليو ‪.2010‬‬


‫املمثل الكوميدي احملبوب راسم اجلميلي‪ ،‬حدثا مفجعا‪ .‬وفي الوقت الذي نعت‬ ‫فيه اجلالية الفنية رحيله‪ ،‬دهشوا لسماع أن إدارة بغداد وعدت بإرسال طائرة‬ ‫إلعادة جثمانه إلى البالد‪« :‬إنه أحد أفضل ممثلي العراق» ومت حفظ جثمانه في‬ ‫ثالجة ملدة خمسة أيام حتى تصل الطائرة ولكنها لم تصل حتى اضطر أصدقاؤه‬ ‫في النهاية إلى حمل جثمانه املتهرئ عبر حرارة دمشق لكي يدفنوه إلى جانب‬ ‫أقرانه العراقيني الذين نزحوا إلى األبد‪.‬‬ ‫وفي موضع آخر من الكتاب‪ ،‬تناقش أموس أزمة النساء العراقيات فيما يعد‬ ‫أكثر فصول الكتاب إظالما‪ .‬ففي بداية الفصل نلتقي بأم نور‪ ،‬وهي امرأة قوية‬ ‫تولي اهتماما بالغا بتربية أوالدها‪ .‬ويبدو أن حالها في دمشق حال طيبة‪ ،‬فهي‬ ‫تستطيع حتمل مصاريف املدارس ولديها املال الكافي لشراء أثاث جديد‪ .‬ومع‬ ‫ذلك وكما تصف أموس في كتابها‪ ،‬فإن غاللة التفاؤل التي تظهر في البداية‬ ‫سرعان ما تتراجع أمام احلقيقة القاسية‪ .‬وبعد ذلك تصطحب أم نور أموس‬ ‫إلى أحد املالهي الليلية‪ .‬وتصف أموس «طقسا أنثويا مألوفا للغاية» حيث‬ ‫تستريح النسوة العراقيات من الرقص إلعادة إصالح زينتهن أمام مرآة احلمام‪.‬‬ ‫ولكن امللهى نفسه ليس سوى مكان غريب ترقص فيه النسوة الالتي ترتدين‬ ‫مالبس غريبة على املسرح فيما يتحرك الرجال فوقهن «لكي يتمكنوا من‬ ‫النظر على نحو أكثر دقة للبضاعة»‪.‬‬ ‫وتؤدي املغنية خليطا من األغاني العراقية الكالسيكية‪ ،‬وفي كل مرة تكون هناك‬ ‫أغنية حول األمهات وهناك امرأة أكبر سنا ترتدي ثوبا أحمر «تضرب على صدرها‬ ‫بقوة حقيقية» والدموع تتساقط بغزارة على وجنتيها‪ .‬فالنسوة في امللهى‬ ‫يبعن أجسادهن لكي يضمن ألوالدهن احلصول على قدر من التعليم وموطئ‬ ‫قدم في املستقبل‪ .‬وفي امللهى ذي الصبغة العراقية‪ ،‬حتلم النساء بالعودة إلى‬ ‫منازلهن‪ ،‬وهو ما يعد أقرب إلى كونه مستحيال‪ .‬فكما تقول أم نور ألموس‪:‬‬ ‫«سأقتل إذا ما عدت‪ .‬فسوف يقتلني أقاربي على الفور»‪ .‬وينتهي الفصل‬ ‫باعتراف أم نور األكثر قسوة وهو أنها تعمل في االجتار بالفتيات الصغيرات‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن مناقشتها لالجئني العراقيني أخاذة ومكتوبة ببراعة‪ ،‬يبدو‬ ‫في بعض األحيان أن أموس تنظر إلى عصر صدام حسني من خالل نظارة وردية‬ ‫اللون‪ .‬وتصف أموس كيف تراجعت الوعود األولية باحلرية واالزدهار أمام العنف‬ ‫الطائفي‪ .‬لقد حتول العراق في ليلة واحدة إلى شيء غير واضح وتعطينا أموس‬ ‫إحساسا من خالل اللقاءات التي أجرتها بأن عراق األمس قد فقد‪ .‬وبالتالي فإنه‬ ‫ليس أمام العراقي سوى أن يجد لنفسه حياة في مكان آخر‪« ..‬عندما غادرت‬ ‫العراق‪ ،‬أدركت أنني لم يعد لدي إحساس باملكان» تلك كانت كلمات الراقصة‬ ‫التي يبلغ عمرها ‪ 24‬عاما وهاجرت مؤخرا إلى هولندا‪ .‬وذلك هو االستنتاج العام‬ ‫ألموس‪ ،‬فنظرا ألن العنف الطائفي ما زال مهددا للشارع العراقي‪ ،‬فإن األطباء‬ ‫واملهندسني واملدرسني الذين أجبروا على الرحيل لن يعودوا مرة أخرى‪ .‬وطاملا‬ ‫كان ذلك هو احلال‪ ،‬فليس من املتوقع أن يتمكن العراق من بناء مجتمع متسامح‬ ‫ومتعدد الثقافات‪ .‬وبالنسبة لغير املطلعني على السياسة في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫رمبا يبدو كتاب أموس صعبا بعض الشيء‪ .‬ففي الكتاب الذي تبلغ صفحاته ‪213‬‬ ‫صفحة‪ ،‬تتناول أموس مبهارة عدة قضايا إقليمية معاصرة‪ ،‬ولكنها ال تتحدث‬ ‫كثيرا حول تاريخ الصراع في املنطقة أو تقدم أي حتليل مطول لعراق صدام‪.‬‬ ‫ولكنها رغم ذلك تناولت كثيرا من التحديات التي تواجه املنطقة بعمق‪ .‬ومع‬ ‫ذلك يجب أن حتذر‪« ..‬أفول السنة» يقدم صورة محزنة لدولة العراق احلالية‪.‬‬ ‫*نشر هذا املقال في اجمللة نتاريخ ‪ 12‬أغسطس ‪.2010‬‬

‫تقدم لنا مذكرات أورهان كمال بعنوان‬ ‫«في السجن مع ناظم حكمت»‪ ،‬حملة عن‬ ‫تطور أورهان ككاتب‪ ،‬باإلضافة إلى السياق‬ ‫السياسي واالجتماعي الذي عاش فيه‬ ‫الرجالن‪.‬‬ ‫يتميز هذا الكتاب الذي ترجمه وقدم له‬ ‫بيغيسو رونا‪ ،‬املتخصص في اللغة التركية‬ ‫في كلية الدراسات الشرقية واألفريقية‪،‬‬ ‫باالختصار واملتعة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫في سجن رطب وممتلئ باحلشرات على بعد ‪ 05‬ميال من‬ ‫اسطنبول‪ ،‬التقى الكاتب الواعد أورهان كمال بأحد أشهر‬ ‫شعراء تركيا وهو ناظم حكمت‪ .‬بالنسبة ألورهان‪ ،‬فإن‬ ‫لقا ًء كهذا هو لقاء العمر‪ .‬وبالنسبة لناظم‪ ،‬يعتبر مثل‬ ‫ذلك اللقاء فرصة لتشكيل من سيصبح واحدا من «أهم‬ ‫الكتاب» في تركيا‪ .‬وتعطينا املذكرات «في السجن مع‬ ‫ناظم حكمت» نظرة على حياة املواطن التركي العادي خالل‬ ‫الفترة الطويلة والقاسية «لتأسيس الدولة التي فرضها‬ ‫مصطفى كمال أتاتورك‪ ،‬زعيم اجلمهورية التركية اجلديدة»‬ ‫بالقوة‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬يجعلنا نقترب من حياة السجن‬ ‫وعالقة الصداقة الوثيقة التي جعلت تلك احلياة محتملة‪.‬‬

‫يروي قصة استمرت ثالث‬ ‫سنوات عاشها خلف األسوار‬

‫أورهان كمال يلتقي‬ ‫أستاذه ناظم‬ ‫حكمت‪ ..‬في السجن‬ ‫أورهان كمال‬ ‫كتب «الساقي» ‪2010‬‬ ‫‪ 10.99‬جنيه إسترليني‬ ‫«معلمك قادم»‪.‬‬ ‫ي معلم أو ما شابه»‪.‬‬ ‫قال أورهان‪« :‬ال‪ ..‬ليس لد ّ‬

‫«إذن‪ ،‬انظر إلى ذلك‪ .‬إنه ناظم حكمت‪ .‬أليس هو معلمك؟»‪.‬‬ ‫بالفعل سيصبح ناظم حكمت الذي كان يعد من أكثر الشعراء‬ ‫األتراك شهرة في ذلك الوقت‪ ،‬معلم أورهان وصديقه إلى حد أن‬ ‫ناظم كتب في خطاب مرسل ألورهان بتاريخ ‪« :1947‬في بعض‬ ‫األحيان أشعر باحلزن الشديد لفراقك‪ ،‬وفي بعض األحيان أشعر‬ ‫بالغبطة عندما أفكر في أنك سعيد اآلن‪ .‬ودائما أضع جميع‬ ‫صورك إلى جانب سريري»‪.‬‬ ‫نظر أورهان إلى االسم املدون الذي يؤكد وصول ناظم إلى سجن‬ ‫«البورصة» بعد ذلك بعدة أسابيع‪ .‬انفجر مبتهجا كاألطفال‪،‬‬ ‫ولم يستطع إال أن ينشر خبر وصول ناظم بني زمالئه من‬ ‫السجناء‪ .‬وكان من الواضح أن اجلميع لديه قصة ليرويها‪ ،‬فقد‬ ‫كان ناظم هو ذلك النوع من األشخاص الذي حترك شخصيته‬ ‫األحداث‪.‬‬ ‫بالنسبة ملعظمنا‪ ،‬يصعب تخيل فكرة أن نحظى بفرصة لقاء‬ ‫الشخص الذي نعتبره قدوة‪ ،‬ونكن له االحترام واإلعجاب‪ .‬ونظرا‬ ‫لشعورك بالضآلة في حضور مثل ذلك النوع من األشخاص‪،‬‬ ‫فرمبا يصبح من الصعب أن تعرف ماذا ميكن أن تفعل بالتحديد‪.‬‬ ‫ولم يكن أورهان مختلفا عن ذلك‪ .‬وعندما ضغط عليه أحد‬ ‫‪59‬‬


‫● نقاد‬

‫يصطحب كتاب «أفول السنة» للكاتبة ديبورا أموس القارئ‬ ‫في جولة مكوكية داخل العراق ما بعد الغزو األميركي‪.‬‬ ‫حيث توثق أموس العواقب السياسية والثقافية لتهميش‬ ‫اجملتمع السني سواء بالنسبة للعراق أو بالنسبة للمنطقة‬ ‫بأسرها‪ .‬حيث تعج شوارع املوصل وبغداد بضحايا العنف‬ ‫الطائفي الرهيب‪ .‬كما ترصد أموس صراع ومآسي اجملتمع‬ ‫السني النازح إلى كل من دمشق وعمان وبيروت‪ .‬ففي‬ ‫الكتاب الذي يبدو وكأنه نذير املوت بالنسبة ألي متفائل‬ ‫بشأن مستقبل العراق‪ ،‬جند أن أغلبية السنة الذين التقت‬ ‫بهم الكاتبة ليست لديهم أية نية بالعودة إلى وطنهم؛ فلم‬ ‫يكن هناك سوى مخرج سينمائي سني واحد كان لديه إميان‬ ‫حقيقي بأنه ميكن إعادة بناء العراق مرة أخرى‪.‬‬

‫أكدت بزوغ الهالل الشيعي‬ ‫وصوم السنة عن املشاركة‬

‫ديبورا أموس‪ :‬توثق‬ ‫تهميش السنة في‬ ‫الشرق األوسط‬

‫كما تقدم حتليال دقيقا إلى حد كبير لطبيعة الديناميكيات اإلقليمية‪ .‬ونظرا ألن‬ ‫أفول السنة‬ ‫فرضية أموس تهدف إلى حد كبير إلى توثيق بزوغ الهالل الشيعي‪ ،‬فإن النطاق‬ ‫ديبورا أموس‬ ‫الذي يغطيه الكتاب باهر حقا‪ ،‬وليس مقصورا على العراق‪ .‬فهناك فصول تدور‬ ‫بابليك أفيرز‪27 - 07 - 2010 ،‬‬ ‫حول املناورات السياسية للرئيس السوري احلصيف بشار األسد وأخرى حول تأثير‬ ‫غالف مقوى بسعر ‪ 10.50‬جنيه إسترليني‬ ‫مشكالت العراق على لبنان‪ .‬كما توجه أموس انتقادات جلهود مكافحة اإلرهاب‬ ‫ما زالت الطائفية هي القضية احملورية في السياسات العراقية‪ ،‬فقد تعثرت األميركية‪ ،‬وترصد دور إيران في إشعال فتيل الفتنة الطائفية‪.‬‬ ‫جهود ما بعد الغزو خللق هوية قومية عند مستويات متعددة‪ ،‬كانت في أغلب‬ ‫األحوال خلف اخلطوط الطائفية‪ .‬وليس ذلك مفاجئا‪ ،‬أخذا في االعتبار مستوى يتسم حتليل أموس للسياسة اإلقليمية بالوعي‪ ،‬وعلى الرغم من أن رصدها لرد‬ ‫فعل بشار األسد جتاه ريتشارد الثالث كان مسليا‪ ،‬فإنها بذلت قصارى جهدها‬ ‫العنف الطائفي الذي ميز معظم العقد املاضي‪.‬‬ ‫في رصد تأثير الغزو على األمة العراقية‪ .‬وهنا‪ ،‬تأخذ سياسة الدبلوماسية‬ ‫كما شهدت معظم فصول االنتخابات البرملانية التي أجريت في مارس (آذار) مقعدا خلفيا ويحتل الفنانون واخملرجون والراقصون والطالب‪ ،‬خشبة املسرح‬ ‫املاضي استمرار تلك الظاهرة؛ فكان يرجى أن تأتي االنتخابات ببرملان يشتمل في قصة إنسانية للغاية‪.‬‬ ‫على املزيد من النواب السنة‪ .‬وعلى الرغم من أن إياد عالوي‪ ،‬املرشح الشيعي‬ ‫غير الطائفي‪ ،‬متكن عام ‪ 2010‬من حشد األصوات السنية‪ ،‬جاء انتصاره بهامش ففي أحد الفصول األولى‪ ،‬تصف أموس جهود اجلالية العراقية الفنية في دمشق‬ ‫ضئيل‪ ،‬حيث فازت قائمته مبقعدين فقط على قائمة منافسه نوري كمال إلنتاج مسلسل تلفزيوني كوميدي في مزيج من الدعابة والتراجيديا‪ ..‬حيث كان‬ ‫املالكي‪ .‬وقد شهدت األشهر التالية مطالب بإعادة فرز األصوات واستبعاد املسلسل «انباع الوطن» الذي مت عرضه عام ‪ 2007‬خالل شهر رمضان‪ ،‬أول‬ ‫البعثيني‪ ،‬باإلضافة إلى املفاوضات اخلفية بني كتلتي الشيعة الرئيسيتني‪ .‬محاولة موجهة من قبل اجلالية العراقية املنفية النتقاد حكومة املالكي‪ .‬فطوال‬ ‫ونظرا للمأزق السياسي في العراق؛ حيث ال يوجد حتالف قادر على تشكيل احللقات الثالثني كان بعض املمثلني العراقيني ذوي الشعبية يؤدون أدوار مسؤولني‬ ‫أغلبية حاكمة‪ ،‬زادت التوترات الطائفية وعاد شبح العنف الطائفي يخيم على حكوميني فاسدين في مشاهد ساخرة للغاية‪ ،‬رمبا يراها املشاهد األجنبي أقرب‬ ‫إلى «الفارس»‪ .‬وتصف اموس كيف جنحت الفرقة في عرض املسلسل رغم‬ ‫سماء العراق مرة أخرى‪.‬‬ ‫القانون العراقي الذي مينع السخرية من املسؤولني احلكوميني‪ .‬فبني اليأس الذي‬ ‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬يعد كتاب ديبورا أموس «أفول السنة» من الكتب األساسية يشعر به العراقيون املنفيون‪ ،‬هناك شعور جديد باحلرية‪ .‬على أية حال‪ ،‬فكما هو‬ ‫بالنسبة ألي شخص يرغب في فهم معضلة العراق احلالية‪ .‬ففي كتابها‪ ،‬ترصد احلال في معظم القصص التي ترويها أموس‪ ،‬فإن التراجيديا‪ ،‬واإلهانة ليستا‬ ‫الصحافية في «إن بي سي» الصعوبات التي يواجهها العراق فيما بعد الغزو‪ .‬بعيدتني عن بعضهما البعض‪ .‬فكانت وفاة بطل مسلسل «انباع الوطن»‪ ،‬وهو‬ ‫‪58‬‬


‫املاضي‪ ،‬قال‪« :‬في مثل عمري‪..‬‬ ‫ال‪ ،‬لن أغير رأيي» مصرا على أن‬ ‫أفضل أعماله تلك التي يتم‬ ‫إجنازها حيث تقع جذوره‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يظهر فيلم «نسخة‬ ‫طبق األصل» أن ارتباط كيارستمي‬ ‫ببلده ليس له عالقة بقدرته على‬ ‫أن يخرج أفالما باخلارج وبجذب‬ ‫قطاع من املشاهدين األجانب وإن‬ ‫لم يكن على نطاق واسع‪ .‬حيث‬ ‫يضاهي الفيلم الذي مت تصويره‬ ‫في توسكاني في حوار باللغة‬ ‫اإلجنليزية والفرنسية واإليطالية‬ ‫األفالم فرنسية األصل‪.‬‬ ‫وبالنسبة ملن يسخرون من‬ ‫السينما الفرنسية باعتبارها‬ ‫ال تصور أكثر من مجموعة من‬ ‫األشخاص يجلسون على طاولة‬ ‫ويتجادلون‪ ،‬فإنهم سوف يشعرون‬ ‫باإلحباط عند مشاهدة فيلم‬ ‫«نسخة طبق األصل»‪ ،‬فليست‬ ‫هناك حبكة معقدة‪ ،‬كما أن احلوار‬ ‫ميكن أن يكون ممال باإلضافة إلى‬ ‫أن معظم األحداث تقع في قرية‬ ‫صغيرة‪ .‬ولكن في ظل ما يشتمل‬ ‫عليه من تضمينات فلسفية‪،‬‬ ‫وعالقات غامضة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى تبادل الشخصيات املركب‬ ‫ألدوارها‪ ،‬يقدم الفيلم حالة إمتاع فكرية وفنية‪.‬‬ ‫يبدأ الفيلم في جلسة قراءة بفلورنسا؛ حيث تواجه إيل «بينوش» صعوبة‬ ‫في إبقاء ابنها صامتا حتى تتمكن من اإلصغاء إلى املؤلف جيمس ميلر‬ ‫(شميل) وهو يقرأ أجزاء من أحدث كتاب له‪ ،‬الذي يتناول قيمة إعادة إنتاج‬ ‫األعمال الفنية أو عمل النسخ املقلدة «إن النسخة تقودنا إلى األصل»‬ ‫ذلك ما يعلنه املؤلف قالبا فكرة وولتر بنجامني بأن إعادة اإلنتاج تقلب‬ ‫األصل رأسا على عقب‪.‬‬ ‫بعد ذلك مترر «إيل» بدالل رسالة إلى املؤلف عبر صديق مشترك تتظاهر‬ ‫فيها باالهتمام بل ورمبا الولع به‪ ،‬يلتقيان في اليوم التالي في توسكاني‪.‬‬ ‫وسرعان ما تسود العالقة بينهما حالة من االرتباك املزعج على عكس‬ ‫النمط املعتاد الذي يقضي بأن يشعر احملبان بأنهما يعرفان بعضهما‬ ‫البعض منذ األزل‪ ،‬حيث تتصرف كل من غيل وميلر كغرباء تصادف وأن‬ ‫مارسا احلب معا‪ ،‬بل وتشاركا في طفل أيضا‪.‬‬ ‫وال يفتقر الفيلم للدراما أو الدعابة‪ ،‬فاحلوارات التي تدور بينهما تنتهي‬ ‫في الغالب إلى حاالت مفعمة باملشاعر؛ وذلك نظرا إلى سحر بينوش الذي‬ ‫ال ميكن مقاومته‪ .‬يؤدي بطال الفيلم األدوار احملددة لهما مسبقا ‪ -‬غريبان‪،‬‬ ‫محبان‪ ،‬زوج وزوجة أو حتى عدوان ‪ -‬باللغة الفرنسية واإلجنليزية‪ ،‬ويتبادالن‬ ‫األدوار واللغة بطالقة مذهلة‪ ،‬ويتشاركان في التفاصيل حول ماضيهما‬ ‫وهو ما يساهم في زيادة التعقيد أكثر مما يساهم في الوضوح‪ .‬ويعاودان‬ ‫اختبار تاريخ عالقتهما بأسلوب معكوس وغير منضبط‪ ،‬فنحن نشاهد‬ ‫إعادة إنتاج شخصيتيهما السابقتني‪.‬‬ ‫وبنهاية الفيلم‪ ،‬يكون كيارستمي قد أقنعنا بأننا كلما تعلمنا أكثر‪،‬‬ ‫كلما قل ما نعرفه‪ .‬وهو ما يضع الفيلم ببراعة ضمن أفالم كيارستمي؛‬ ‫حيث كان اخلط الغائم بني احلقيقة واخلداع‪ ،‬وبني الواقعية واخليال‪ ،‬واألنا‬ ‫وانعكاساتها قاسما مشتركا في أعمال اخملرج الذي يشتهر بأنه قال‪:‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫«نحن ال ميكن أن نقترب من‬ ‫احلقيقة إال عبر الكذب»‪ .‬وفي‬ ‫(‪،)2008‬‬ ‫فيلم «شيرين»‬ ‫كان يصور وجوه الشابات وهن‬ ‫يشاهدن التجربة السينمائية‬ ‫األسطورة‬ ‫من‬ ‫املستوحاة‬ ‫الفارسية «خسرو وشيرين»؛‬ ‫حيث يشتمل الفيلم على‬ ‫تعليقات املشاهدين وتعبيراتهم‬ ‫التي تتراوح بني االنبهار والتشكك‬ ‫واملتعة واإلحباط‪ .‬وهو ما يجبرنا‬ ‫على تصديق تلك املشاعر بغض‬ ‫النظر عما إذا كانت حقيقية أو‬ ‫مزيفة‪.‬‬ ‫وفي فيلم «لقطة مقربة»‬ ‫(‪ - )1990‬قصة حقيقية حيث‬ ‫يلعب كافة املمثلني أدوارهم‬ ‫احلقيقية ‪ -‬يقنع شاب من عشاق‬ ‫السينما الناس بأنه مخرج أفالم‬ ‫شهير‪ .‬وتتم محاكمته بتهمة‬ ‫الكذب‪ ،‬ثم ينتقل الفيلم إلى‬ ‫أسلوب األفالم التسجيلية؛ حيث‬ ‫يغطي احملاكمة الفعلية في قاعة‬ ‫احملكمة‪ ،‬حني يشرح البطل أنه لم‬ ‫يشعر أنه ينتمي إلى ذلك العالم‬ ‫إال عندما تظاهر بأنه مخرج‪.‬‬ ‫واملفارقة هي أنه استطاع من‬ ‫خالل الكذب بشأن حقيقته‬ ‫حتقيق أمنيته باحلياة خلف الكاميرا وأمام اجلمهور‪ .‬ويقدم فيلم «نسخة‬ ‫طبق األصل» مرة أخرى تقمص األدوار من خالل التفاعل بني رجل وامرأة‬ ‫تتجاوز عالقتهما أي بنية منطقية كانت السينما قد وضعتها من قبل‬ ‫للعالقات الرومانسية‪.‬‬ ‫* أتوسا أراكسيا أبراهامني ‪ -‬كاتبة ومترجمة تتنقل بني جنيف وباريس‬ ‫ونيويورك‪ .‬ومت نشر أعمالها في «هاربرز» و«إن بالس وان» و«أبوظبي‬ ‫ريفيو» و«تاميز هاير إديوكيشن»‪ .‬وهي تدرس حاليا بكلية الصحافة‬ ‫بجامعة كولومبيا مع اهتمام خاص بصحافة التحقيقات‪.‬‬ ‫*نشر هذا املقال في اجمللة نتاريخ ‪ 7‬يوليو ‪.2010‬‬

‫ال توجد حبكة معقدة في الفيلم‪ ،‬كما‬ ‫أن احلوار ميكن أن يكون ممال باإلضافة إلى‬ ‫أن معظم األحداث تقع في قرية صغيرة‪.‬‬ ‫ولكن في ظل ما يشتمل عليه من‬ ‫مضامني فلسفية وعالقات غامضة إلى‬ ‫جانب التبادالت املركبة بني الشخصيات‬ ‫الرئيسية‪ ،‬يقدم فيلم “نسخة طبق‬ ‫األصل” حالة من اإلمتاع الفكري والفني‬ ‫‪57‬‬


‫● الفن‬

‫القاسي واألزمات الشخصية ‪ -‬هو الذي يجعل أعمال‬ ‫ساترابي على ذلك القدر من اإلقناع الفني‪ .‬رمبا جتعلنا‬ ‫ساترابي ننظر إلى العالم عبر عدسة من األبيض واألسود‬ ‫ورمبا تكون كل شخصية أو كلمة أو ظرف سياسي مير عبر‬ ‫تلك العدسة مستمدا من وجودها ضمن إطار الواقعية‬ ‫اجلديدة‪ .‬ولكن هناك دائما عامل موازن للتعبيرية وهو‬ ‫السؤال الذي ليست له إجابة حول السببية غير املنطقية‬ ‫التي جتعل من صور ساترابي على نحو مفارق مصدرا‬ ‫للبهجة ثالثية األبعاد وفي الوقت نفسه حتول ألوانها‬ ‫الثنائية إلى ظالل ال نهائية من الرمادي‪.‬‬ ‫مما ال شك فيه أن ساترابي ال تستخدم فنها إلعادة إنتاج‬ ‫العجلة السينمائية ولكنها جتعله يتمحور حول أساليب‬ ‫جديدة وقوية‪ .‬وفي الوقت الذي يبدو فيه أن التيار األساسي‬ ‫للسينما أصبح عالقا في معضلة فنية تتعلق باملصالح‬ ‫التجارية‪ ،‬من املرجح أن يتمكن أشخاص مثل مارجني‬ ‫ساترابي من جذب الوسط الفني بعيدا عن حياده ودفعه‬ ‫آلفاق بصرية جديدة‪.‬‬ ‫وعلى غرار كافة الفنانني العظماء الذين سبقوها‪ ،‬يبدو‬ ‫أن ساترابي متتلك وعيا استثنائيا بشأن معنى أن تكون‬ ‫«جديدا» في مجال يكتسب فيه مفهوم األصالة داللة‬ ‫مختلفة متاما عن أي مجال آخر‪ .‬وال تستطيع مارجني‬ ‫ساترابي إعادة إنتاج تاريخها اخلاص وال تستطيع روايته‬ ‫من خالل أدوات فنية جديدة‪ .‬ولكنها تستطيع التقاط‬ ‫األجزاء والتفاصيل التي قدمها سلفها ومزجها مع‬ ‫رؤيتها الذاتية وشق طريقا جديدا في املشهد دائم التغير‬ ‫للسينما املعاصرة‪ .‬وعلى غرار القول الشهير جلان لوك‬ ‫غودار‪« :‬ليست املسألة من أين حصلت على األشياء ولكن‬ ‫املسألة هي إلى أين تذهب بها»‪.‬‬ ‫*نشر هذا املقال في اجمللة نتاريخ ‪ 19‬أغسطس ‪.2010‬‬

‫«الدجاج باخلوخ»‬ ‫لقد استطاعت مارجني ساترابي خلق شيء جديد‬ ‫من خالل الرسوم التعبيرية البسيطة التي تصور‬ ‫بحيوية جتربتها اخلاصة كامرأة نشأت في إيران‪ .‬وفي‬ ‫فيلم «الدجاج باخلوخ» الذي تدور أحداثه في طهران‬ ‫عام ‪ 1958‬ترسم ساترابي صورة مركبة لعمها ناصر‬ ‫علي خان الذي يكتشف أن آلة «التار» املوسيقية التي‬ ‫يحبها قد حتطمت نهائيا‪.‬‬ ‫وتتبع القصة خان خالل األيام الثمانية األخيرة من‬ ‫حياته وهو ينام ويداه ملتفتان حول آلته احملطمة بيأس‬ ‫في انتظار املوت‪ .‬ومن خالل مرور قصة حياته من خالل‬ ‫الفالش باك واالنتقال للمستقبل يستوعب القارئ‬ ‫تدريجيا أسباب قراره باملوت ويجد نفسه يتساءل حول‬ ‫ما الذي يجعل احلياة تستحق العيش‪.‬‬ ‫ويتم حتويل رواية ساترابي احليوية حاليا إلى فيلم‬ ‫سينمائي باستوديوهات بابلسبرغ في برلني‪ .‬وسوف‬ ‫يقوم ببطولته املمثلة اإليرانية املرموقة غوشيفيه‬ ‫فارهاني التي غادرت وطنها في ‪ 2008‬بعد ظهورها‬ ‫في فيلم ريدلي سكوت «كيان من األكاذيب»‪ .‬وجاء‬ ‫اإلعالن عن مشاركة فارهاني في املشروع بعدما حذرت‬ ‫وزارة الثقافة واإلرشاد اإلسالمي مؤخرا السينمائيني‬ ‫اإليرانيني من التعاون غير املصرح به مع املنتجني‬ ‫األجانب وما زلنا في انتظار إذا ما كان سيحصل فيلم‬ ‫«الدجاج باخلوخ» على التصريح بالعرض في إيران أم ال‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫شؤون خارجية وتأمالت مألوفة‬

‫«نسخة طبق األصل»‪...‬‬ ‫فيلم لعباس كيارستمي‬ ‫بعد سنوات من اقتصاره على العمل داخل إيران‪ ،‬عرض‬ ‫اخملرج املبدع عباس كيارستمي أول فيلم «أجنبي» له‬ ‫في مهرجان «كان» السينمائي الدولي الشهر املاضي‪.‬‬ ‫مت تصوير أحداث فيلم «نسخة طبق األصل» في‬ ‫إيطاليا‪ ،‬وهو يصور جولييت بينوش وويليام شميل‬ ‫وهما يتبادالن األفكار حول قيمة التقليد سواء في‬ ‫الفن أو في احلياة‪ .‬وعلى الرغم من االختالف الواضح‬ ‫في أسلوب الفيلم واألجواء املهيمنة عليه‪ ،‬يعد الفيلم‬ ‫استمرارا لألسلوب الذي متيزت به أعمال كيارستمي‬ ‫السابقة‪ ،‬من إثارة مواضيع جديدة وتضمينات فلسفية‬ ‫وأفكار تأملية توصل إليها عبر تاريخه الناجح واملمتد‪.‬‬ ‫أتوسا أراكسيا أبراهامني‬ ‫ملدة ‪ 40‬عاما‪ ،‬كان عباس كيارستمي معروفا مبشاركته املميزة في‬ ‫السينما اإليرانية‪ .‬فوفقا للمؤرخ حميد دباشي‪ ،‬لعب كيارستمي وزمالؤه‬ ‫من مخرجي املوجة اإليرانية اجلديدة دورا حيويا في تطوير اجملتمع اإليراني‬ ‫في السبعينات ملا قدموه من أفالم سياسية ذات مستوى رفيع أنتجت‬ ‫سينما قومية مثلت بالنسبة للشعب اإليراني «بوابة على املعاصرة»‪.‬‬ ‫وتتميز شخصيات كيارستمي باإلنسانية الشديدة‪ ،‬كما أنها في الوقت‬ ‫نفسه وثيقة الصلة باجملتمع اإليراني‪ ،‬حيث تستعرض تلك الشخصيات‬ ‫اخللفية اإليرانية؛ من زالزل ريفية وازدحام مروري في املدن‪ ،‬باإلضافة‬ ‫للمشاهد الطبيعية اإليرانية اخلالبة التي يشعر اجلمهور بأنها جزء منهم‪.‬‬ ‫ونظرا لتاريخه املهني الذي متيز‪ ،‬بناء على إرادته‪ ،‬باحمللية‪ ،‬أثار املعلقون‬ ‫ضجة حول فيلم «نسخة طبق األصل» الذي عرض ألول مرة في مهرجان‬ ‫«كان» خالل الشهر املاضي‪ ،‬ألنه أول عمل للمخرج يتم تصويره خارج بلده‬ ‫األصلي‪ .‬وذلك حيث مت النظر إلى قراره إخراج فيلم تقوم ببطولته املمثلة‬ ‫الفرنسية جولييت بينوش‪ ،‬واملغني األوبرالي ويليام شميل ويتم تصويره‬ ‫في إيطاليا‪ ،‬باعتباره نقطة حتول واقتران ذلك مبوقفه غير املعلن ضد‬ ‫احتجاز زميله اخملرج جعفر بناهي‪ ،‬مما دفع كثيرا من الناس للتساؤل حول‬ ‫إذا ما كانت التوترات داخل إيران قد متكنت في النهاية من إبعاده عنها‪.‬‬ ‫مما ال شك فيه أنه ليس من السهل على اخملرجني ‪ -‬خاصة الذين لديهم‬ ‫كثير من املتطلبات ‪ -‬أن ينتجوا أعماال إبداعية تتواءم مع تعريف اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية لألفالم املقبولة‪ .‬كما أن الشهرة والنجاح واالنتشار الدولي‪،‬‬ ‫تضيف مزيدا من التحديات‪ ،‬فعندما فاز فيلم «طعم الكرز» بالسعفة‬ ‫الذهبية في «كان» عام ‪ ،1997‬طبع كيارستمي قبلة على خد املمثلة‬ ‫كاثرين دينيف بعدما قدمته للحصول على جائزته‪ ،‬وهو ما أثار حفيظة‬ ‫احلكومة اإليرانية املتدينة؛ حيث إنه ليس مخوال بلمس امرأة بخالف‬ ‫زوجته! وإثر هذه الواقعة‪ ،‬مت منع الفيلم الذي يعد أفضل أفالمه حتى اآلن‬ ‫من العرض داخل إيران‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه لم حتدث فضائح مشابهة هذا العام‪ ،‬فقد القى‬ ‫فيلم «نسخة طبق األصل» نفس املصير (كان السبب الرسمي هو أن‬ ‫مالبس بينوش لم تترك سوى القليل للخيال)‪ .‬وعلى الرغم من ذلك يصر‬ ‫كيارستمي على أنه ال يفكر في مغادرة إيران‪ .‬ففي حوار له مع الصحافة‬ ‫في أعقاب االنتخابات الرئاسية املتنازع عليها التي أجريت في الصيف‬


‫‪Image © Getty Images‬‬

‫وبعد جتاوزها ملأساتها الشخصية‪،‬‬ ‫فليس مفاجئا أن تنجذب ساترابي‬ ‫فنيا لألفالم التعبيرية‪ .‬وال يحتاج‬ ‫املرء إال إلى مشاهدة عدة لقطات‬ ‫من بيرسيبوليس لكي يلحظ‬ ‫تأثرها امللحوظ بالتصميمات‬ ‫الفنية املبالغ فيها للفيلم‬ ‫الكالسيكي «عيادة الدكتور‬ ‫كاليغاري» الذي أنتج عام‬ ‫‪ 1920‬ورمبا يكون نص‬ ‫مرونة‬ ‫أكثر‬ ‫ساترابي‬ ‫وشخصياتها أقل تعرضا‬ ‫للتعذيب ولكنها متكنت‬ ‫مع ذلك من ضخ إحساس‬ ‫قوى بالشك داخل رؤيتها‬ ‫البصرية ذات البعدين‪.‬‬ ‫فعلى غرار الرؤية البصرية للواقعية‬ ‫اإليطالية اجلديدة‪ ،‬هناك شيء‬ ‫أصيل وغامض في أداء ساترابي‬ ‫اجلماهيري‪ .‬فهي كثيرة التردد في‬ ‫عمل حوارات ولكنها عندما تفعل‬ ‫ذلك فهي ال تضيع مجرد حركة واحدة‪.‬‬ ‫فعيونها املضيئة تتحرك مينة ويسرة لكي‬ ‫توضح فكرة فيما تبدو حركاتها التعبيرية‬ ‫مثل موجات تدفع أفكارها إلى الشاطئ‪.‬‬ ‫وفي نفس الوقت‪ ،‬فإن معظم ما تقوله يحمل‬ ‫قدرا من الصراحة الصادمة‪ .‬وكناقدة جريئة‬ ‫جلورج دبليو بوش‪ ،‬ومدافعة صريحة عن‬ ‫مرشح املعارضة اإليراني مير حسني موسوي‬ ‫في ‪ 2009‬ومدخنة شرهة‪ ،‬فإنه من الواضح‬ ‫أن ساترابي ليست من األشخاص الذين‬ ‫يستطيعون إخفاء مبادئهم خلف حجب‬ ‫الدبلوماسية‪.‬‬ ‫وباإلصغاء إلى آرائها‪ ،‬ومواقفها من السياسة أو‬ ‫املساواة بني اجلنسني يأتي للمرء انطباع بأن عالم‬ ‫مارجني ساترابي على غرار مشهد بيرسبوليس‬ ‫يقتصر على اللونني األسود واألبيض‪.‬‬

‫فريتز النغ رائعته ميتروبوليس)‪.‬‬ ‫وقد استمد اخملرجون التعبيريون على غرار الشباب منهم ‪-‬‬ ‫الواقعية اجلديدة ‪ -‬الكثير من منظومة قيمهم اجلمالية من‬ ‫محيطهم السياسي واالجتماعي الذي يعج باالضطرابات‪.‬‬ ‫وعند منعطف القرن‪ ،‬وجد مخرجون مثل النغ ومارونو‬ ‫أنفسهم وسط ثورة ثقافية يعززها صراع عاملي غير محدود‬ ‫بات وشيكا‪.‬‬ ‫وكما كتب عالم االجتماع والناقد ولفغانغ روثك‪« :‬لقد كان‬ ‫الشباب غاضبني وناقمني على التناقضات القاسية لإلقطاع‬ ‫األرستقراطي والتوسع االقتصادي واإلميان املطلق بالتقدم‬ ‫العلمي»‪.‬‬ ‫وعلى غرار النغ ومارنو‪ ،‬كانت حياة ساترابي تعج بالصراعات‬ ‫االجتماعية والسياسية؛ فقد هربت من إيران مرتني‪ ،‬كما تصور‬ ‫على نحو مؤثر في بيرسيبوليس‪ ،‬ثم عادت مرة أخرى وهي شابة‬ ‫وبعدما تخلصت من أوهام ثورة ‪.1979‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫فتقول في حوار لـ»اإلندبندنت» في ‪« 2006‬في إيران‬ ‫إذا ملسك رجل عليك ضربه‪ .‬وبالتالي فإذا مسني أحد‬ ‫بسوء‪ ،‬فإنني سأضربه على فمه‪ ..‬األمر بهذه البساطة»‪.‬‬ ‫وعلى غرار فلسفتها املباشرة والبسيطة‪ ،‬فإن أكثر املناحي‬ ‫إبهارا في رؤية ساترابي للعالم هو رفضها القوي للحكم‬ ‫املطلق‪ .‬وعلى الرغم من قوتها في اإلعالن عن آرائها سواء‬ ‫في أفالمها أو شخصيا فإنها تغلفها دائما بحس الدعابة‪،‬‬ ‫في رفض هادئ مينع أي أحد من التعامل معها بجدية أكثر‬ ‫من الالزم‪ .‬وعلى غرار أقطاب التعبيرية‪ ،‬فإن الدعابة املغروسة‬ ‫بعناية في أعمال ساترابي جتعل اجلمهور مندهشا دائما مما‬ ‫ال يسمح له أبدا بالتعامل مع رؤيتها الفنية باعتبارها إجنيال‬ ‫سياسيا‪.‬‬ ‫فتقول في حوار مع «تامي أوت دبي» في مارس (آذار)‪« :‬أنا لست‬ ‫صوت جيل ولست نائبة سياسية‪ .‬فأنا إنسان ولد في مكان‬ ‫وزمان محددين وقد كتبت رؤية شخصية للغاية متثل ذاكرتي‬ ‫عن تلك املرحلة»‪.‬‬ ‫إنه ذلك الصراع األساسي ‪ -‬ذلك الشد واجلذب بني الواقع‬ ‫‪55‬‬


‫● الفن‬

‫هاجسها الدائم هو استكشاف آفاق جديدة‬

‫ساترابي‬ ‫تبحث عن أساليب‬ ‫جديدة في السينما‬

‫دائما ما كانت مارجني ساترابي تستمد فنها املذهل من‬ ‫جتربتها اخلاصة لنشأتها في إيران املضطربة سياسيا‪.‬‬ ‫على غرار سردها األدبي الذي يتسم بالذاتية الشديدة‪،‬‬ ‫يقترب عرضها البصري لذلك السرد من القيم اجلمالية‬ ‫لكل من حركتي التعبيرية األملانية والواقعية اجلديدة‪.‬‬ ‫وبقدر االختالف الذي يبدو بني هاتني احلركتني‪ ،‬استطاعت‬ ‫مارجني بعدما قامت مبزجهما معا خلق شكل حيوي ومقنع‬ ‫للمشاهد‪.‬‬ ‫عمار الطور‬ ‫كانت مارجني ساترابي تنشر روايات مصورة منذ بداية‬ ‫األلفية اجلديدة ولكنها لم تظهر على الساحة العاملية‬ ‫من خالل العرض األول‬ ‫إال في مهرجان«كان»‪2007‬‬ ‫لفيلمها«بيرسيبوليس»‪ ،‬الذي كان يعتمد على سلسلة‬ ‫روايتها املصورة الشهيرة التي تروي السيرة الذاتية لها‪،‬‬ ‫ونشأتها كفتاة متمردة خالل الثورة اإلسالمية في إيران‪ .‬ويعود‬ ‫بنا سنوات إلى الوراء؛ إلى وطن مختلف متاما‪ .‬وسرعان ما حاز‬ ‫الفيلم احتفاء النقاد‪ ،‬ووجدت ساترابي بعد ترشيحها للفوز‬ ‫بجائزة األوسكار نفسها في طليعة السينما املستقلة‪.‬‬ ‫في ‪ 19‬يوليو (متوز) املقبل سوف تعود ساترابي واخملرج‬ ‫فينسنت بارونود مرة أخرى إلى االستوديو لبدء ثاني عمل‬ ‫ضخم لهما واملقتبس من روايتها املصورة «الدجاج باخلوخ»‪.‬‬ ‫وكما فعلت ببراعة في نسختها السينمائية من‬ ‫«بيرسبوليس» يبدو أن ساترابي عازمة على استكشاف‬ ‫آفاق جديدة للمشهد السينمائي املعاصر الذي ترى أنه يعج‬ ‫باألفكار املزيفة والتجارية حول ماهية «اجلديد»‪.‬‬ ‫«أين مساحة اإلبداع؟» ذلك هو السؤال الذي طرحته‬ ‫الفنانة في مايو (أيار) املاضي عندما كانت تعلن رسميا‬ ‫عن فيلمها القادم‪».‬هناك باستمرار مساحة أقل للمشاريع‬ ‫اخملتلفة‪ .‬فعلى سبيل املثال؛ هناك نظرية مفادها أن سينما‬ ‫الغد سوف تقتصر على األفالم ثالثية األبعاد‪ .‬وأنا أعمل في‬ ‫مجال األفالم ثالثية األبعاد ولكن ذلك ليس مثيرا بالنسبة‬ ‫لي‪.‬‬ ‫فدائما يتحدث الناس حول األفالم ثالثية األبعاد‪ ،‬عندما متر‬ ‫السينما مبرحلة تغير؛ فقد حدث ذلك في اخلمسينات وفي‬ ‫الثمانينات‪ ،‬رغم أن األفالم ثالثية األبعاد موجودة منذ األخوين‬ ‫لوميير»‪.‬‬ ‫ومع ذلك فإنه في السينما‪ ،‬وعلى غرار كافة الفنون األخرى‪،‬‬ ‫فإن احلقيقة أو أصالة أي فكرة ترتبط دائما باألعمال واألفكار‬ ‫والعمليات اإلبداعية التي تسبقها‪ .‬ومما ال شك فيه أن‬ ‫ساترابي‪ ،‬باعترافها‪ ،‬ليست استثناء من ذلك‪ .‬فقد قالت في‬ ‫حوار أجري معها في ‪ - 2008‬كما ذكر الناقد السينمائي‬ ‫‪54‬‬

‫الشهير اندرو ساريس في لقائه في «نيويورك أوبزرفر» ‪ -‬فإن‬ ‫بيرسيبوليس يعكس تأثرها الذي ال ميكن إنكاره بحركات‬ ‫السينما من الواقعية اإليطالية اجلديدة والتعبيرية األملانية‪.‬‬ ‫وبالطبع يبدو اجلمع بني هاتني املدرستني غريبا إلى حد ما‪.‬‬ ‫فمخرجو ما بعد احلرب العاملية الثانية من الواقعية اجلديدة‬ ‫مثل فيثوريو دي سيكا وبوربتو روسليني كانوا يخرجون‬ ‫للشوارع لتصوير األفالم ‪ -‬عادة مبصاحبة ممثلني هواة ‪ -‬في‬ ‫مساع لتقدمي أعمالهم كأفالم تسجيلية شبه درامية‪ .‬ومن‬ ‫خالل تصوير مواقع معروفة وأشخاص عاديني‪ ،‬كان مخرجو‬ ‫الواقعية اجلديدة يسلطون الضوء على احلقائق القاسية‬ ‫املتعلقة باألمراض االجتماعية والسياسية واالقتصادية‬ ‫التي كانوا يسعون لكشفها أمام قطاع أوسع من اجلمهور‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬كان التعبيريون األملان يحصرون أنفسهم في‬ ‫االستوديو؛ لكي يتمكنوا من خلق مشاهد خيالية وموترة‪.‬‬ ‫(جدير بالذكر أن ساترابي وبارنود سوف يصوران فيلم الدجاج‬ ‫باخلوخ في استوديو بابلسبرغ الشهير ببرلني الذي أنتج فيه‬



‫● موجز عن دولة‬

‫كانت عمليا حكومة حزب واحد‪ ،‬فقد هيمن حزب الشعب اجلمهوري‬ ‫التابع ألتاتورك على املشهد السياسي التركي ملدة ربع قرن وعندما‬ ‫أصبحت أحزاب املعارض متثل تهديدا قام بإغالقها‪ .‬وفي تنفيذ أفكاره‬ ‫املثالية‪ ،‬اعتمد أتاتورك إلى حد بعيد على اجليش‪ .‬وخالل الفترة‬ ‫العثمانية‪ ،‬كان اجليش ومدارسه العلمانية أكثر املؤسسات العثمانية‬ ‫ميال للغرب‪ .‬وفي ذلك السياق‪ ،‬كان ينظر للضباط باعتبارهم‬ ‫إصالحيني بامتياز‪ .‬ولم يكن اجليش يساعد فقط على بدء اإلصالحات‬ ‫املتعلقة باحلداثة ولكنه كان مطلوبا منه أيضا أن يحميها وأن يقوم‬ ‫بدور احلارس األوحد للجمهورية‪ .‬ومازال ذلك التأييد العسكري ألفكار‬ ‫كمال املثالية من العوامل السياسية األساسية حتى يومنا الراهن‪.‬‬ ‫من عبادة الفرد إلى التعددية السياسية‬ ‫لم يفقد حزب الشعب اجلمهوري احتكاره للسلطة حتى عام ‪1950‬‬ ‫وذلك عندما وصل احلزب الدميقراطي إلى السلطة في أولى محاوالت‬ ‫السياسة متعددة األحزاب‪ .‬ومثل ذلك فجر عصر جديد في السياسة‬ ‫التركية والتي سوف تشهد انتشار األحزاب السياسية واالنتخابات‬ ‫املفتوحة‪ .‬ومع ذلك فإن التحول من حكم الفرد إلى الدولة متعددة‬ ‫األحزاب لم يكن سهال وفي الفترة بني ‪ 1950‬و ‪ 1980‬أدى اجلمود‬ ‫السياسي إلى ثالثة انقالبات عسكرية‪ .‬ولكن في كل من تلك االنقالبات‪،‬‬ ‫سرعان ما كان اجليش الترك يعيد احلكومة املدنية‪ .‬وذلك للحفاظ على‬ ‫أفكار كمال أتاتورك التي كانت تؤكد على فصل اجليش عن السياسة‬ ‫للحفاظ على مهنيته ووضعه كحارس أوحد للجمهورية‪ .‬وخالل تلك‬ ‫السنوات العاصفة‪ ،‬عكس االنقسام السياسي األساسي ديناميكات‬ ‫احلرب الباردة في كل مكان في العالم‪ .‬وبالرغم من ان اإلسالميني‬ ‫واألكراد كانوا ما زالوا غير راضني عن الهوية العلمانية والقومية‬ ‫لتركيا‪ ،‬تراجعت تلك االجتاهات أمام سياسة احلرب الباردة‪ .‬فكانت‬ ‫احلركة اإلسالمية تؤيد اليمني املناهض للشيوعية‪ .‬فيما أصبح األكراد‬ ‫جزءا من اليسار االجتماعي‪.‬‬ ‫تزايد التحديات التي تواجه الكمالية‬ ‫بالرغم من جهود أتاتورك خللق أمة موحدة‪ ،‬فإنه أخفق في إنشاء‬ ‫مجتمع‪ .‬وما زالت تركيا تصارع للتعامل مع التنوع املوروث من ماضيها‬ ‫العثماني‪ .‬ومنذ انهيار االحتاد السوفييتي أصبح ذلك أكثر وضوحا‪.‬‬ ‫ففي حالة األكراد األتراك‪ ،‬شهد ذلك متردا ممتدا في اجلنوب الشرقي‬ ‫للبالد استمر من ‪ 1984‬إلى ‪ .1999‬وحتمل التمرد الكلفة البشرية‬ ‫واالقتصادية‪ .‬كما أدى ذلك إلى عرقلة األجندة األوروبية لتركيا‪.‬‬ ‫وشهدت أواسط التسعينيات تهديدا للجمهورية الكمالية من قبل‬

‫رمبا القوة األكثر إقناعا‪ :‬اإلسالم السياسي‪ .‬وفي ‪ 1996‬أدى االنتصار‬ ‫الساحق حلزب الرفاة اإلسالمي في االنتخابات البرملانية إلى موجات‬ ‫من الصدمات بني النخب املدنية العلمانية والعسكرية‪ .‬وخوفا على‬ ‫وحدة األفكار الكمالية‪ ،‬قدم اجليش سلسلة من املطالب حلزب الرفاة‪.‬‬ ‫فبحلول عام ‪ 1997‬تسببوا في انهيار حزب الرفاة فيما أطلق عليه‬ ‫العديد من الناس انقالب ما بعد احلداثة‪.‬‬ ‫وبالتبعية‪ ،‬حظرت احملكمة الدستورية لتركيا احلزب وقائده جنم الدين‬ ‫أربكان من العمل السياسي‪ .‬ومنذ عام ‪ 1997‬وحتى ‪ 2002‬حكمت‬ ‫تركيا سلسلة من التحالفات العلمانية التي يساندها اجليش‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬صعدت األحزاب اإلسالمية إلى السلطة مرة أخرى في ‪2002‬‬ ‫عندما مت اتهام التحالف احلاكم بالفساد‪.‬‬ ‫حزب العدالة والتنمية التركي‬ ‫لم يثر وصول حزب العدالة والتنمية التركي نفس اعتراضات النخب‬ ‫العلمانية‪ .‬وذلك ألن حزب العدالة والتنمية‪ -‬األكثر اعتداال من األحزاب‬ ‫اإلسالمية السابقة‪ -‬أظهر ميال قويا نحو االحتاد األوروبي‪ .‬وهو ما‬ ‫القى تأييد املؤسسة الكمالية باإلضافة إلى مجتمع املال واألعمال‬ ‫والطبقة الوسطى والنخب الليبرالية‪ .‬ومنذ انتصاره في ‪،2002‬‬ ‫قام حزب العدالة والتنمية بعمل إصالحات راديكالية على النظام‬ ‫القضائي وألغى عقوبة اإلعدام‪ ،‬مراجعا قانون العقوبات‪ ،‬كما سعى‬ ‫أيضا لتحسني العالقات املدنية العسكرية‪ .‬وقد مت تصميم تلك‬ ‫اإلصالحات لتعزيز موقف تركيا من الترشح لعضوية االحتاد األوروبي‬ ‫وقد ساعد بالفعل حتى اآلن في تعزيز موقف تركيا‪ .‬وكان من ضمن‬ ‫املساعي األخيرة لالنضمام لالحتاد األوروبي اإلصالح املقدم للدستور‬ ‫التركي‪ .‬ولكن اإلصالحات‪ ،‬والتي سوف متنح الدولة املزيد من القوة‬ ‫حيال تعيني القيادات العسكرية والقضائية‪ ،‬أثارت انتقادات النخبة‬ ‫العلمانية‪ .‬كما كان هناك أيضا صدامات متكررة بني حزب العدالة‬ ‫والتنمية واحملكمة الدستورية حول تلك القضية وفي ‪ 2008‬متكن‬ ‫حزب العدالة والتنمية بالكاد من املرور من حظر األنشطة املناهضة‬ ‫للعلمانية‪ .‬وهناك مخاوف بني العلمانيني من أن اإلصالحات سوف‬ ‫تعزز من قوة حزب العدالة والتنمية على النظام القضائي وتسمح له‬ ‫مبجال أوسع لألسلمة‪ .‬ومع ذلك أصر حزب العدالة والتنمية على أن‬ ‫اإلصالحات ضرورية لتعزيز الدميقراطية في تركيا‪ .‬وفي ظل تقدم تركيا‬ ‫صوب االستفتاء على تلك اإلصالحات‪ ،‬عكس اجلدال احمليط باإلصالحات‬ ‫الدستورية الصراع الدائم على الهوية بني مواطن كمال التركي‬ ‫العلماني والتقاليد الثقافية والدينية الثرية‪.‬‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫ ‬

‫‪52‬‬


‫العثمانيون‬ ‫حكم السالطنة العثمانيون الذين كانوا في وقت من األوقات احلكام‬ ‫الدينيون والدنيويون لإلسالم‪ ،‬إمبراطورية شاسعة وعاملية ملا يزيد عن‬ ‫ستة قرون‪ .‬وفي ذروتها‪ ،‬كان لدى اإلمبراطورية ‪ 29‬مقاطعة وكانت متتد‬ ‫على ثالث قارات‪ ،‬حيث كانت تركيا احلالية هي قلب تلك اإلمبراطورية‪.‬‬ ‫وكان الدور املنوط لإلسالم أن يقوم به خالل ذروة اإلمبراطورية هو احلفاظ‬ ‫على النظام األخالقي‪ .‬ومن ذلك املنطلق‪ ،‬كان العلماء مسؤولون عن‬ ‫معظم أشكال التعليم والعدالة‪ .‬كما لعب رجال الدين املرموقني دورا‬ ‫أيضا في احلكم حتى القرن التاسع عشر‪ ،‬وكان عدد العاملني باحلكومة‬ ‫العثمانية محدود للغاية ولم يكن لديها القوى البشرية الكافية‬ ‫للتعامل مباشرة مع املواطنني‪ .‬وبدال من ذلك كان السلطان يعتمد على‬ ‫الزعماء الدينيني في اجملتمعات احمللية للعمل كوسطاء‪ .‬ولكن اإلسالم‬ ‫كان أيضا من املناحي املهمة للهوية العثمانية‪ .‬فكان العثمانيون‬ ‫يعرفون أنفسهم باعتبارهم حماة اإلسالم األصولي في العالم‪ ،‬وملدة‬ ‫‪ 600‬عام كان السالطنة العثمانيون يحملون لقب اخلليفة‪.‬‬ ‫وبالرغم من ذلك فإنه خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬بدأت القوات األوروبية‬ ‫في التسلل إلى الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ .‬وهو ما مثل بداية‬ ‫انهيار الدولة العثمانية‪ .‬كما دفع حلدوث تغيرات ثقافية للنخبة‬ ‫العثمانية من خالل تقليل أهمية الدين‪ .‬وسرعان ما أدى التفوق‬ ‫العسكري والقوة االقتصادية ألوروبا إلى تقليل اإلمبراطورية العثمانية‬ ‫إلى وضع شبه مستعمرة‪ .‬ولكي حتافظ حتى على املظهر اخلارجي‬ ‫لالستقالل‪ ،‬اضطرت النخب العثمانية لتحديث اجليش وإلصالح‬ ‫األنظمة االقتصادية والقانونية وفقا للحدود الغربية‪ .‬وفي الفترة بني‬ ‫‪ 1826‬و ‪ 1906‬مت توجيه اإلصالحات بشكل أساسي لتقوية اجليش‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬كان هناك في ذلك الوقت حركة لعلمنة املؤسسات وتقليل‬ ‫نفوذ العلماء‪ .‬كما دفع النفوذ األوروبي في املنطقة أيضا إلى نشأة‬ ‫حركة لتحسني وضع املسيحيني العثمانيني‪ .‬وتزامن تراجع املؤسسة‬ ‫اإلسالمية مع تزايد الثروات ونفوذ اجملتمع املسيحي مما خلق سلسلة‬ ‫من انتقادات السكان املسلمني مبا في ذلك محاولة انقالب في ‪1859‬‬ ‫والعنف اجملتمعي في سورية في ‪ .1860‬وكان التقليديون يقولون إن‬ ‫أفضل طريقة للتغلب على التهديد األوروبي هي بالعودة إلى اإلسالم‬ ‫األصلي للنبي محمد وليس بتبني احلداثة األوروبية‪ ،‬ووجدت الطبقة‬ ‫املتدينة نفسها دون دعم‪.‬‬ ‫وبالرغم من أنها شهدت تراجعا طوال القرن التاسع عشر‪ ،‬قررت‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية مصيرها عند اندالع احلرب العاملية األولى‬ ‫عندما اتخذوا قرارا قويا بدعم أملانيا النازية‪ .‬فكنتيجة لذلك‪ ،‬فقدت‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية قدرا كبير من أراضيها بعد اجتياح احللفاء‪.‬‬ ‫وفي املساومات التي تلت ذلك‪ ،‬بدأ احللفاء تقسيم األراضي العثمانية‬ ‫مما أثار انتقادات القوميني األتراك بزعامة مصطفى كمال‪ .‬وجنح‬ ‫القوميون في التفاوض على معاهدة جديدة مع احللفاء عرفت باسم‬ ‫معاهدة لوزان والتي أسفرت عن االعتراف الدولي باستقالل جمهورية‬ ‫تركيا خلفا لإلمبراطورية العثمانية‪ .‬في ‪ ،1922‬وبعد توقيع املعاهدة‬ ‫مباشرة‪ ،‬قام البرملان التركي بأنقرة بإلغاء السلطنة‪ .‬ومع ذلك شهدت‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫يعد تاريخ تركيا تاريخا معقدا ومميزا في الوقت ذاته‪ .‬حيث نشأت‬ ‫تركيا على أنقاض إمبراطورية إسالمية عاملية خالل فترة ما بني احلربني‬ ‫كدولة علمانية حديثة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يحدث ذلك التحول الهائل في‬ ‫غمضة عني‪ ،‬كما أنه لم يحدث دون نزاعات‪ .‬فقد حاولت حركتني‪ ،‬على‬ ‫نحو خاص‪ ،‬تغيير األجندة العلمانية والوطنية لتركيا‪ .‬فقد عارض‬ ‫اإلسالميون األتراك على نحو متكرر نزوع تركيا نحو الغرب والعلمانية‪.‬‬ ‫وفي نفس الوقت‪ ،‬احتشد القوميني األتراك منادين باحلصول على وضع‬ ‫األقلية من خالل حتسني حقوقهم ونادوا في بعض األوقات باالستقالل‬ ‫التام‪ .‬ومنذ بداية التسعينات‪ ،‬برز الصراع بني النخبة املناصرة‬ ‫للعلمانية واألكراد واحلركات اإلسالمية على نحو خاص‪.‬‬

‫حقائق أساسية‬

‫•العاصمة‪ :‬أنقرة‬ ‫•رئيس الدولة‪ :‬الرئيس‬ ‫عبد اهلل غول (منذ ‪28‬‬ ‫أغسطس (آب) ‪.)2007‬‬ ‫•رئيس احلكومة‪ :‬رئيس‬ ‫الوزراء رجب طيب إردوغان منذ ‪ 14‬مارس (أذار) ‪.2003‬‬ ‫•اجلغرافيا‬ ‫•املساحة‪ 799452 :‬كيلومتر مربع‪.‬‬ ‫•الدول احلدودية‪ :‬أرمينيا ‪ 268‬كيلومتر‪ ،‬أذربيجان‬ ‫‪ 9‬كيلومتر‪ ،‬بلغاريا ‪ 240‬كيلومتر‪ ،‬جورجيا ‪252‬‬ ‫كيلومتر‪ ،‬اليونان ‪ 206‬كيلومتر‪ ،‬إيران ‪ 499‬كيلومتر‪،‬‬ ‫العراق ‪ 352‬كيلومتر‪ ،‬سورية ‪ 822‬كيلومتر‪.‬‬ ‫•السكان‬ ‫•عدد السكان‪ 74.8 :‬مليون (األمم املتحدة‪)2009 ،‬‬ ‫•اجلماعات العرقية‪ :‬األتراك ‪ ،% 75-70‬األكراد ‪% 18‬‬ ‫أقليات أخرى ‪( % 12-7‬وفقا لتقديرات ‪.)2008‬‬ ‫•الديانات‪ :‬اإلسالم ‪( % 99.8‬معظمهم من السنة)‪،‬‬ ‫غيرها ‪( 0.2%‬معظمهم من املسيحيني واليهود)‪.‬‬ ‫•اللغات‪ :‬التركية (الرسمية)‪ ،‬الكردية‪ ،‬وغيرها من‬ ‫لغات األقليات‪.‬‬ ‫•االقتصاد‬ ‫•الناجت احمللي اإلجمالي‪ 74.5 :‬مليار دوالر (تقديرات‬ ‫‪.)2009‬‬ ‫•الناجت احمللي اإلجمالي وفقا للقطاعات‪ :‬الزراعة‪:‬‬ ‫•‪ ،% 9.3‬الصناعة‪ 25.6% :‬اخلدمات‪% 65.1 :‬‬ ‫•معدل التضخم (أسعار املستهلك)‪% 6.3 :‬‬ ‫(تقديرات ‪.)2009‬‬ ‫•معدل البطالة‪( % 14.1 :‬تقديرات ‪.)2009‬‬ ‫•عدد السكان حتت خط الفقر‪.)2008( % 17.11 :‬‬

‫تركيا اضطرابات؛ فقد أثار كونها أوشكت على أن تصبح دولة أوروبية‬ ‫القوميني الذين كانوا يسعون إلقامة دولة قوية باملعنى القومي‪.‬‬ ‫أتاتورك ‪ -‬أبو تركيا احلديثة‬ ‫منذ إعالن اجلمهورية التركية في ‪ ،1923‬كانت يتم تعريفها من خالل‬ ‫أيديولوجية رجل واحد‪ ،‬مصطفى كمال‪ ،‬املعروف باسم أتاتورك‪ -‬أبو‬ ‫األتراك‪ .‬وكانت رؤية أتاتورك تعتمد على حتويل أطالل اإلمبراطورية‬ ‫العثمانية متعددة الثقافات إلى دولة قومية علمانية قوية‪ .‬وقد مت‬ ‫تأسيس اجلمهورية التركية على املبدأين الذين أرساهما وهما القومية‬ ‫والعلمانية‪ .‬وكرئيس لتركيا‪ ،‬أمر أتاتورك بسلسلة من اإلصالحات‬ ‫االقتصادية والسياسية واالجتماعية لتحويل تركيا إلى جمهورية‬ ‫على الطراز األوروبي‪ .‬ونظرا لرغبته في النأي عن املؤسسات املرتبطة‬ ‫بالنظام القدمي‪ ،‬ألغى أتاتورك اخلالفة في ‪ 1924‬وشجع شكال من‬ ‫أشكال العلمانية بناء على املفهوم الفرنسي « ‪ .» laicite‬وهو‬ ‫ما كان يعني إلغاء املؤسسة الدينية السنية باإلضافة إلى حظر‬ ‫اجلماعات واألخويات الدينية‪ .‬كما دعم أتاتورك القومية املستوحاة من‬ ‫فرنسا والتي ال مينح فيها لألقليات أي اعتراف في محاولة للحفاظ على‬ ‫جتانس األمة‪ .‬وفيما يتعلق بالسياسة اخلارجية‪ ،‬سعى أتاتورك إلبعاد‬ ‫تركيا عن ماضيها احلديث‪ .‬فقد ابتعد عن الشرق األوسط وبدأ إقامة‬ ‫حتالفات مع الغرب‪ .‬وفي محاولته خلق املواطنة التركية‪ ،‬أراد أتاتورك‬ ‫تكوين هوية جديدة وهو ما يعني جتاهل الثراء الثقافي للمنطقة‪.‬‬ ‫وبالرغم من أن أتاتورك أسس تركيا باعتبارها جمهورية برملانية‪ ،‬فإنها‬ ‫‪51‬‬


‫● موجز عن دولة‬

‫تركيا‬ ‫عرض زمني‬

‫ ‬

‫•‪ :1928-1924‬سعى أتاتورك ملنح رؤيته بشأن احلضارة‬ ‫التركية املعاصرة بعدا شرعيا‪ .‬فألغى اخلالفة‪ ،‬وحلت‬ ‫األبجدية الالتينية محل األبجدية العربية‪ ،‬ومت منع‬ ‫ارتداء الطربوش‪ ،‬وتعديل الدستور التركي بإزالة الفقرة‬ ‫التي تفيد بأن اإلسالم هو دين الدولة‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1938‬وفاة الرئيس أتاتورك‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1950‬أجرت تركيا أول انتخابات مفتوحة متعددة‬ ‫األحزاب‪ .‬وترك حزب أتاتورك «حزب الشعب اجلمهوري»‬ ‫السلطة أمام نظيره احلزب الدميقراطي بعد ‪ 27‬من‬ ‫االستئثار بالسلطة‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1952‬انضمت تركيا حللف شمال األطلسي وتخلت‬ ‫عن موقف أتاتورك املتعلق باحلياد‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1963‬وقعت تركيا اتفاقية مع السوق األوروبية‬ ‫املشتركة والتي متثل بداية عالقات أقوى مع أوروبا‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1987‬تقدمت تركيا بطلب احلصول على عضوية‬ ‫كاملة بالسوق األوروبية املشتركة‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1996‬شكل حزب جنم الدين أربكان «حزب الرفاة»‬ ‫أول حكومة مؤيدة لإلسالم منذ ‪ 1923‬ولكنه تعرض‬ ‫لضغوط من اجليش العلماني وانهار بعد عام واحد‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1999‬تعرض حزب العمال الكردستاني إلى ضربة‬ ‫قاسية من خالل سجن زعيمه عبد اهلل أوغالن‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :2002‬فاز حزب العدالة والتنمية باالنتخابات‬ ‫فوزا ساحقا‪ ،‬وتعهد بأال متس سياسته هوية تركيا‬ ‫العلمانية‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :2008‬وافق البرملان على تعديل دستوري يسمح‬ ‫للنساء بارتداء احلجاب في احلرم اجلامعي‪ .‬وكانت‬ ‫هناك مطالب بحظر حزب العدالة والتنمية ولكن‬ ‫الطلب املقدم للمحكمة الدستورية أخفق‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :2010‬وجهت محكمة اسطنبول تهما لـ ‪196‬‬ ‫شخصا بالتآمر خللع حكومة حزب العدالة والتنمية‪.‬‬ ‫وكان هناك بالفعل املئات الذين يحاكمون بتهمة‬ ‫محاولة االنقالب‪ ،‬ولكن بعد ثالث سنوات من‬ ‫التحقيقات الرسمية األولية مت إصدار قرارات باإلدانة‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1923‬أعلن البرملان التركي قيام اجلمهورية التركية‪.‬‬ ‫وأصبح كمال مصطفى أتاتورك هو أول رئيس‬ ‫للجمهورية‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1922‬وضعت معاهدة لوزان حدود تركيا احلديثة‪ ،‬كما‬ ‫أسفرت عن االعتراف الدولي باستقالل جمهورية تركيا‬ ‫خلفا لإلمبراطورية العثمانية‪ .‬وبعد ذلك بفترة ليست‬ ‫بعيدة‪ ،‬مت إلغاء السلطنة‪.‬‬


‫الرئيس العراقي جالل طالباني لـ«اجمللة»‪:‬‬

‫لم أعد أملك صالحية دستورية‬ ‫لتكليف أحد بتشكيل احلكومة‬ ‫أكد الرئيس العراقي جالل طالباني أن مفهوم الكتلة األكبر أمر حسمته احملكمة االحتادية‪ ،‬وأن من لديه اعتراض فينبغي‬ ‫عليه التوجه إليها حلسم املوضوع‪ .‬وقال في حديث لـ«اجمللة» إنه من جانبه لم يعد ميلك صالحية دستورية لتكليف أحد‬ ‫لم الشمل والوقوف على مسافة واحدة من اجلميع‪..‬‬ ‫بتشكيل احلكومة العراقية القادمة وإن دوره يتمثل في محاولة ّ‬ ‫وفيما يلي نص احلوار‪:‬‬ ‫حوار‪ :‬حمزة مصطفى‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ال يزال اجلدل يدور بشأن مفهوم الكتلة األكبر‪ ،‬وهو‬ ‫ما كان وال يزال سببا في تأخير تشكيل احلكومة‪ ،‬رغم مرور‬ ‫ستة أشهر على االنتخابات‪ ..‬ما هو موقفكم من هذا األمر؟‬ ‫ مفهوم الكتلة األكبر أمر يقرره البرملان بعد قرار احملكمة‬‫االحتادية الذي فسر املادة ‪ 76‬من الدستور بأنها إما القائمة‬ ‫الفائزة بأعلى األصوات وإما الكتلة النيابية األكثر عددا عند‬ ‫انعقاد جلسة البرملان‪ .‬وكنا ‪ -‬أنا والرئيس مسعود بارزاني ‪ -‬قد‬ ‫دعونا في وقت سابق إلى تكليف «العراقية» بزعامة الدكتور‬ ‫إياد عالوي بتشكيل احلكومة‪ ،‬عندما كانت هي الكتلة األكبر‪.‬‬ ‫لكن بعد ما صدر عن احملكمة االحتادية وبدء اجللسة املفتوحة‬ ‫للبرملان لم تعد «العراقية» هي الكتلة األكبر‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لكن اخلالف بني «العراقية» و«التحالف الوطني» أو‬ ‫االئتالفني الشيعيني هو سبب األزمة املستمرة؟‬ ‫ كان ينبغي االتفاق على البرنامج احلكومي أوال‪ .‬األصعب‬‫هو االتفاق على البرنامج احلكومي‪ ..‬ثم تأتي باقي األمور مبا‬ ‫في ذلك موضوع الرئاسات الثالث؛ وهو ما قدمه التحالف‬ ‫الكردستاني من خالل ورقة التفاوض للكتل السياسية‪ .‬مع‬ ‫ذلك فنحن ما زلنا أمام أزمة اختيار رئيس الوزراء؛ حيث إن‬ ‫«العراقية» تعتبر نفسها هي القائمة األكبر‪ ،‬و«التحالف‬ ‫الوطني» كذلك يعتقد أنه هو الكتلة األكبر‪ ..‬فإذا لم يتفقوا‬ ‫فيجب مراجعة احملكمة االحتادية حلسم املوضوع‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما هو دوركم في حلحلة األزمة ال سيما وأنكم‬ ‫باإلضافة إلى موقعكم كرئيس للجمهورية متلكون ثقال‬ ‫اعتباريا كبيرا لدى كل الكتل السياسية؟‬ ‫ من الناحية العملية‪ ،‬ال أملك اآلن صالحية دستورية لتكليف‬‫أحد بتشكيل احلكومة‪ .‬الرئيس اجلديد الذي ينتخبه البرملان‬ ‫هو من يكلف مبوجب الدستور مرشح الكتلة األكبر داخل‬ ‫البرملان‪ .‬أنا طبعا أفتخر بعالقتي اجليدة مع اجلميع‪ .‬لقد وقفت‬ ‫معهم جميعا ومع «العراقية» عندما قلت ال يوجد خط أحمر‬ ‫على تولي األخ الدكتور إياد عالوي رئاسة احلكومة‪ .‬أنا أرى أنه‬

‫ليست هناك حبكة معقدة‪ ،‬كما أن احلوار ميكن أن يكون‬ ‫ممال باإلضافة إلى أن معظم األحداث تقع في قرية صغيرة‪.‬‬ ‫ولكن في ظل ما يشتمل عليه من تضمينات فلسفية‪،‬‬ ‫وعالقات غامضة‪ ،‬باإلضافة إلى تبادل الشخصيات‬ ‫املركب ألدوارها‪ ،‬يقدم الفيلم حالة إمتاع فكرية وفنية‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ليس من الصواب وضع خطوط حمراء على عالوي أو املالكي أو‬ ‫اجلعفري أو عادل عبد املهدي‪ .‬وأود أن أشير هنا إلى أنني ال أتدخل‪،‬‬ ‫ولكنني سأستمر في بذل جهودي من أجل حل األزمة بسرعة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬يالحظ فخامة الرئيس أن هناك شبه إجماع على‬ ‫توليكم منصبكم كرئيس للجمهورية لدورة جديدة‪ ،‬عدا‬ ‫اعتراض واحد من قبل كتلة التغيير الكردية‪ ..‬كيف تفسرون‬ ‫ذلك؟‬ ‫ لم يعد لديهم مثل هذا املوقف‪ .‬ثم إني أعتبر ذلك أمرا‬‫طبيعيا‪ ،‬فكتلة التغيير انشقت من االحتاد الوطني الكردستاني‬ ‫الذي أتولى رئاسته‪ ،‬وبالتالي فأمر طبيعي أن يتخذوا موقفا‬ ‫مناوئا‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل لديكم قلق من االنسحاب األميركي من العراق‬ ‫مع عدم جاهزية القوات العراقية من حيث التسليح؟‬ ‫ ال لست قلقا من االنسحاب األميركي من العراق‪ .‬واالنسحاب‬‫متفق عليه في اتفاقية «صوفا» بني العراق والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫كما أنه ال يعني تخلي الواليات املتحدة عن التزاماتها حيال‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كانت لكم خالفات كمجلس رئاسة مع رئيس الوزراء‬ ‫نوري املالكي‪ ..‬كيف هو الوضع اآلن؟‬ ‫ أنا ال أحتدث عن احلكومة املنتهية واليتها‪ .‬ولكن من الضروري‬‫تفسير الدستور‪ .‬هناك مشكلة في حتديد الصالحيات‪ ..‬حتى‬ ‫اآلن األمر غير واضح دستوريا‪ ..‬ما هي صالحيات رئيس الوزراء أو‬ ‫مجلس الوزراء‪ ..‬العالقة بني رئيس اجلمهورية ومجلس الوزراء ال‬ ‫تزال غير واضحة‪ ،‬وهذه أمور سنواجهها بعد تشكيل احلكومة‬ ‫وكلها حتتاج إلى تعديل دستوري أو تنظيمها بقوانني على األقل‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لديك عالقات جيدة مع إيران وهناك حديث كثير عن‬ ‫الدور اإليراني في الشأن العراقي‪ ..‬كيف تنظرون لألمر؟‬ ‫ سأقول لكم شيئا‪ ..‬اإليرانيون طلبوا مني التدخل حلسم‬‫اخلالفات الشيعية ـ الشيعية‪ .‬فهم آثروا عدم التدخل في‬ ‫اخلالفات بني االئتالفني وطلبوا مني التدخل في األمر‪ .‬نعم‬ ‫أنا لدي عالقات جيدة مع إيران ولدي عالقات جيدة مع اململكة‬ ‫العربية السعودية ومع سورية وكلها دول مجاورة للعراق ولديها‬ ‫إشكاالت مع احلكومة‪.‬‬ ‫* حمزة مصطفى‪ ،‬كاتب و صحفي عراقي‬

‫‪49‬‬


Image © Getty Images

‫● لقاءات‬

48


‫عالقة حماس بإيران‬ ‫ليست إال فصال ً ليس‬ ‫األول ولن يكون األخير‬ ‫في كتاب كبير ومستمر‬ ‫ّ‬ ‫لكل هذه األسباب معا‪،‬‬ ‫ لقد كانت هجرة اإلخوان املسلمني‬‫وتنكيل حاق بهم في مصر إلى‬ ‫ب‬ ‫فقد هربوا من‬ ‫ٍ‬ ‫ظلم وتعذي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫السعودية وغيرها‪ ،‬ومارسوا في أغلب الدول التي انتقلوا‬ ‫ة‬ ‫إليها إعادة بناء تنظيمهم األم‪ ،‬وبناء تنظيما ٍ‬ ‫ت محلي ٍ‬ ‫جديد ٍة‪ ،‬وتعزيز نفوذهم العاملي‪ ،‬ولكل واح ٍد من هذه الثالثة‬ ‫شواهد كثيرة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬الهجرة إلى بلد اسالمي يكون أقرب لإلسالم من‬ ‫مصر سيطرت على تفكير حسن البنا مؤسس اجلماعة‪..‬‬ ‫ملاذا فضل السعودية على اليمن؟‬ ‫ نعم‪ ،‬لقد سيطرت فكرة نقل اجلماعة إلى بل ٍد آخر على‬‫البنّا‪ ،‬ولكن حسن البنّا تراجع عنها بعد زيارته للسعودية‪،‬‬ ‫وتبنّى بقاءها في مصر‪ ،‬مع إصراره على نقل مكاتب جلماعته‬ ‫وأوضح تلك التجارب‬ ‫في كل بل ٍد يستطيع فعل ذلك فيه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫جتربة نقل اجلماعة لليمن‪ ،‬حيث شارك في هذا الفضيل‬ ‫الورتالني اجلزائري األصل‪ ،‬والكبير األثر في جماعة اإلخوان‪،‬‬ ‫خاصةً في اليمن مع مساند ٍة لعبد احلكيم عابدين‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬من جانبها‪ ،‬ملاذا استقطبت السعودية «اإلخوان»‬ ‫وإلي أي مدى احتضنتهم؟‬ ‫أسباب‬ ‫ لقد احتضنت السعودية اإلخوان املسلمني لعدة‬‫ٍ‬ ‫أوضحتها الدراسة‪ ،‬منها جمود اخلطاب احمللي عن مواكبة‬ ‫حاجات احلكومة العصرية‪ ،‬ومنها اضطهاد عبد الناصر‬ ‫ملوقف يواجه عبد‬ ‫لـ«اإلخوان»‪ ،‬ومنها حشد السعودية‬ ‫ٍ‬ ‫الناصر إسالميا ً بعدما طغى قوميا ً وعربياً‪ ،‬وغيرها من‬ ‫األسباب املوضحة في الدراسة‪.‬‬

‫اإليرانية أشهر من أن تذكر‪ ،‬قدميا ً وحديثاً‪ ،‬وليست عالقة‬ ‫حماس بإيران إال فصال ً في هذا الكتاب املستمر ّ واملتواصل‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل ميكنك توصيف املرحلة احلالية واستشراف‬ ‫مستقبل اجلماعة؟‬ ‫دا ً وجذبا ً علنيا ً‬ ‫ نعم إلى ح ٍد ما‪ ،‬فاملرحلة احلالية تشهد ش ّ‬‫دم خطابا ً‬ ‫بني اجلماعة ودول اخلليج والعالم أجمع‪ ،‬فاجلماعة تق ّ‬ ‫ينتمي ملفاهيم العصر وأدواته‪ ،‬وذلك لتحصيل مكاسب ال‬ ‫تستطيع حتصيلها من دون ذلك‪ ،‬أما مستقبل اجلماعة فهو‬ ‫بني خيارين‪ ،‬إما أن تنتمي للمستقبل وإما أن تنحاز للماضي‪،‬‬ ‫مبعنى إما أن تتنازل عن خياراتها اآليديولوجية التي متلي عليها‬ ‫التحالف مع إيران‪ ،‬وإما أن تنحاز للخيارات السياسية التي‬ ‫متلي عليها أن تنتمي لدولها وشعوبها التي تنطلق منها‪ ،‬وفي‬ ‫األخير على اإلخوان أن يختاروا إما الوالء لبالدهم ومنطقتهم‬ ‫وإما الرهان على حصان إيران األسود‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬في مصر يعتبرون أن سبب احلركة اإلسالمية احلالية‬ ‫هو عودة املصريني العاملني في اخلليج أواخر القرن املاضي‬ ‫متأثرين بالفكر السلفي‪ ..‬وفي اململكة يتحدثون عن تأثير‬ ‫اإلخوان املسلمني‪ ..‬اتهامات متبادلة فأين احلقيقة؟‬ ‫ األمران معاً‪ ،‬لقد أث ّر «اإلخوان» في السعودية‪ ،‬وأثر اخلطاب‬‫السلفي فيهم‪ ،‬ولكن ليس صحيحا ً أن التطرف في مصر هو‬ ‫بسبب اخلطاب السلفي اآلتي من السعودية‪ ،‬وليس صحيحا ً‬ ‫ت من اإلخوان املسلمني فحسب‪.‬‬ ‫أن التطرف في السعودية آ ٍ‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ملاذا احتل الشيعة مكانة متواضعة في الكتابني؟‬ ‫كتاب مجاله وتخصصه‪ ،‬وقد تناولنا الطائفية‬ ‫ ألن لدينا لكل‬‫ٍ‬ ‫سابق‪ ،‬كما تناولنا شيعة العراق في كتاب آخر‪،‬‬ ‫كتاب‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مستقل‪ ،‬وتناولنا سنة إيران في‬ ‫كتاب‬ ‫في‬ ‫اهلل‬ ‫حلزب‬ ‫وعرضنا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الحق‪ ،‬ولكننا ال نريد‬ ‫حالي‪ ،‬وسنتناول شيعة إيران في عددٍ‬ ‫عددٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اخللط حتى ال يتش ّتت القارئ‪.‬‬ ‫* عبير سعدي ‪ -‬كاتبة وصحفية مصرية‬

‫«اجمللة»‪ :‬واجه «اإلخوان» معارضة عندما جاءوا إلى‬ ‫السعودية بخطاب مختلف عن الفكر السلفي السائد‪،‬‬ ‫فكيف حلوا املشكلة؟‬ ‫ في البداية فشل «اإلخوان» في هذه املهمة‪ ،‬وقام بحملها‬‫غيرهم‪ ،‬وكان األكبر تأثيرا ً في هذا السياق هو محمد سرور‬ ‫زين العابدين وغيره ممن أدركوا اللحظة التاريخية كعبد‬ ‫الرحمن عبد اخلالق في الكويت ومحمد قطب املتنفع واملؤثر‬ ‫منظر «إخوان»‬ ‫باسم أخيه‪ ،‬وأخيرا ً وليس آخرا ً محمد الراشد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اخلليج دون منازع‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬طرحت في دراستك تساؤال عما إذا كان اإلخوان‬ ‫يدركون أنهم استخدموا كمضادات سياسية للحركات‬ ‫القومية واليسارية ‪ ،‬فهل توصلت إلجابة؟‬ ‫ث‪ ،‬ولكنني‬ ‫كباح‬ ‫ لم أتوصل بعد لإلجابة املرضية لي‬‫ٍ‬ ‫– بحسب قراءتي لهم ‪ -‬أتوقع أنهم كانوا يدركون هذا‬ ‫ويستغلونه ملصلحتهم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬فاجأ «اإلخوان» األنظمة السنية التي عاشوا في‬ ‫ظلها بتأييدهم للثورة اإليرانية عام ‪ 1979‬واليوم نرى نفس‬ ‫التقارب التاريخي بني حركة حماس الفلسطينية مع إيران؟‬ ‫ عالقة «إخوان» اخلليج بالثورة اإليرانية معروف ٌة ومنشورة ٌ‪،‬‬‫وعالقة جماعة اإلخوان املسلمني األم في مصر بالثورة‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪47‬‬


‫● لقاءات‬

‫ فقط أخبريني‪:‬‬‫من من حركات‬ ‫اإلسالم السياسي‬ ‫ال تسعى للوصول‬ ‫إلى احلكم؟!‬ ‫غالبيتهم جتار‬ ‫ة‪ ،‬يبيعون‬ ‫شنط ٍ‬ ‫الدين ليشتروا‬ ‫السياسة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما موقف‬ ‫إسالميي اخلليج‬ ‫من الدميقراطية؟‬ ‫وكيف تعاملوا مع‬ ‫التعددية املذهبية‬ ‫في اخلليج؟‬ ‫ ال يزال موقف‬‫إسالميي اخلليج‬ ‫كغيرهم من‬ ‫اإلسالميني – وإن‬ ‫كنت ال أحبذ هذا‬ ‫منقسم‬ ‫التعبير‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫توجه‪،‬‬ ‫ألكثر من‬ ‫ّ‬ ‫هناك املؤيد وهناك‬ ‫املعارض وهناك ما‬ ‫بني ذلك‪ ،‬فالبعض‬ ‫يرى الدميقراطية‬ ‫ة»‬ ‫مجرد «مطي ٍ‬ ‫للوصول إلى‬ ‫احلكم ولهذا فهو‬ ‫يخوضها‪ ،‬والبعض‬ ‫يرى فيها «كفرا ً»‬ ‫و«خروجا ً من‬ ‫امللّة»‪ ،‬وقد اتخذوا‬ ‫دين‬ ‫بني هذين احل ّ‬ ‫طرائق قددا ً‪.‬‬ ‫أحسب أن املقصود‬ ‫بالسؤال هو التعددية الطائفية (سنة وشيعة)‪ ،‬وليس‬ ‫املذاهب الفقهية‪ ،‬ومن هنا فإن إسالميي اخلليج منقسمون‬ ‫بني من يغلّب اآليديولوجيا فيقف موقفا ً عدائيا ً من اآلخر‬ ‫الطائفي وهم السلفيون‪ ،‬ومن يغلّب السياسة فيتخذ مواقف‬ ‫ّ‬ ‫أقل عدائيةً ورمبا متحالف ٌة ومتضامن ٌة مع اآلخر الطائفي وهم‬ ‫اإلخوان املسلمون ومن شابههم‪ ،‬وال ًء لهذه الدولة أو تلك أو‬ ‫اتباعا ً لسياسة هذه اجلماعة اإلسالمية أو تلك‪.‬‬

‫اإلسالمويون ليسوا‬ ‫أكثر من «جتار شنط ٍة»‪..‬‬ ‫يبيعون الدين‬ ‫ليشتروا السياسة‬ ‫‪46‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬هل عالج‬ ‫اإلخوان املسلمون في‬ ‫اخلليج التضارب بني‬ ‫«الوطنية» و«الوالء‬ ‫للمرشد» عند‬ ‫اجلماعة؟‬ ‫ٌ‬ ‫ ثمة‬‫خالف قدمي ٌ‬ ‫بني «إخوان» اخلليج‬ ‫حول البيعة للمرشد‬ ‫العام في مصر‪ ،‬حدث‬ ‫هذا في السعودية‬ ‫كما أوضح‬ ‫النفيسي‪ ،‬وحدث‬ ‫في الكويت كذلك‪.‬‬ ‫وكما أشار النفيسي‬ ‫وغيره من الباحثني‪،‬‬ ‫فقد ثار جدلٌ حول‬ ‫هذه البيعة بني‬ ‫«إخوان» الكويت‬ ‫إبان الغزو العراقي‬ ‫للكويت‪ .‬وهو موضو ٌع‬ ‫لم يحسمه منظرو‬ ‫اجلماعة في اخلليج‪،‬‬ ‫خاصةً مرشدهم‬ ‫األكبر محمد أحمد‬ ‫الراشد الذي تطرّق‬ ‫لهذا املوضوع في‬ ‫كتاب من‬ ‫أكثر من‬ ‫ٍ‬ ‫كتبه املعروفة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬اجتهت‬ ‫احلركات اإلسالمية‬ ‫في اخلليج إلى‬ ‫صياغة خطابها‬ ‫اعتمادا على ما‬ ‫صاغه سيد قطب‬ ‫وغيره‪ ..‬ما مساحة‬ ‫االجتهاد الفكري عند‬

‫«إخوان» اخلليج؟‬ ‫ة‪ ،‬فلم يعتمد إسالميو اخلليج على‬ ‫ هذه شائع ٌة غير علمي ٍ‬‫سيد قطب وحده مع االعتراف ببالغ تأثيره‪ ،‬غير أ ّن لديهم‬ ‫مصادر أخرى أبلغ أثرا ً وأشد تأثيراً‪ ،‬وذلك ما يتمثل باملصادر‬ ‫السلفية احلديثة نسبياً‪ ،‬تلك التي تعتمد كثيرا من املفاهيم‬ ‫والرؤى واألراء التي حتمل التطرف داخلها‪ ،‬وبالتالي تؤثر في‬ ‫ثم تتحكم بخيارات األجيال‪ ،‬فتدفعها‬ ‫رؤية كثير منّا‪ ،‬ومن ّ‬ ‫إما للتطرف اتساقا ً معها وإما لإلذعان للواقع املعيش‪ ،‬وهذان‬ ‫خياران خاطئان‪ ،‬وفي املفاهيم‬ ‫مخرج‪ ،‬وفي التأويل مالذٌ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫«اجمللة»‪ :‬الكتابان رصدا اختالف جتارب التيارات اإلسالمية‬ ‫في اخلليج وتعددها‪ ..‬ما هي مالمح ذلك االختالف وما نقاط‬ ‫التشابه؟‬ ‫أما التشابه فهو محاولة‬ ‫ االختالف كثير ٌ والتشابه مثله‪ّ ،‬‬‫وأما االختالف ففي‬ ‫االستحواذ على اجملتمع بشتى السبل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التفاصيل؛ حيث الوسائل واآلليات‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬أين كانت التجربة األصعب لـ«اإلخوان» في اخلليج؟‬ ‫ن عمان ستبقى صندوقا ً‬ ‫ أحسب أن ّها في سلطنة عمان‪ ،‬ولك ّ‬‫أسود حتى حني‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هجرة اإلخوان املسلمني إلي السعودية‪ ..‬هل هي‬ ‫هروب من ظلم أم إعادة لبناء تنظيمهم األم أم تعزيز نفوذهم‬ ‫العاملي؟‬


‫كان حسن البنا على علم قطعا مبدى األثر الذي ستتركه مثل‬ ‫هذه التحركات على الواقع السياسي والطائفي في منطقة‬ ‫كانت وقتها – وما زالت في أجزاء كبيرة منها حتى اآلن –‬ ‫متوج بالتحركات وال تستقر على حال‪ .‬ما لم يكن يعلمه البنا‬ ‫تفصيال أن مجموعة من الباحثني سيتعاملون مع موضوعه‬ ‫كما يتعامل علماء اجليولوجيا مع طبقات األرض البعيدة‪ ،‬وهو‬ ‫ما حاوله مركز «املسبار» بباحثيه الذين حاولوا كشف النقاب‬ ‫عن شبكة العالقات اجلدلية بني حركة اإلخوان املسلمني‬ ‫والتيارات السلفية األخرى في املنطقة العربية ومنطقة‬ ‫اخلليج خاصة‪.‬‬ ‫في حواره مع «اجمللة»‪ ،‬يقدم عبد اهلل بن بجاد العتيبي‪ ،‬مدير‬ ‫عام مركز «املسبار» خالصة ما توصل إليه مع زمالئه من‬ ‫الباحثني‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬اإلخوان املسلمون والسلفيون في اخلليج‪ ..‬ما الذي‬ ‫دفع مركز «املسبار» الختيار هذا املوضوع‪ ..‬وهل للتوقيت‬ ‫احلالي داللة خاصة؟‬ ‫ أبدا‪ ،‬ال عالقة لهذا العنوان بالتوقيت احلالي‪ ،‬فهذان الكتابان‬‫مت ّ رسمهما واالهتمام بهما منذ ما يقارب السنة ونصف‬

‫حركات اإلسالم‬ ‫السياسي تسعى‬ ‫للحكم؟!‬ ‫سواء في مصر‬ ‫أو في اخلليج‬ ‫والدميقراطية عندهم‬ ‫مجرد «مطي ٍة»‬

‫السنة قبل صدورهما‪ ،‬وقد كانا عددا واحدا‪ ،‬كما اتفقت‬ ‫مع الزميل فهد الشقيران عند التخطيط لهذا العدد‪ ،‬الذي‬ ‫تولّى األخ فهد بناءه وتنسيقه‪ ،‬والتواصل مع الباحثني فيه‪،‬‬ ‫ثم جاء الزميل منصور النقيدان الذي تولّى رئاسة حترير‬ ‫ومن ّ‬ ‫ليطور العدد إلى عددين ويبذل جهدا ً مشكورا ً في‬ ‫«املسبار»‬ ‫ّ‬ ‫مميزين‪.‬‬ ‫حتويل الكتاب من عددٍ واحد إلى عددين ّ‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما األسس التي مت على أساسها حتديد محاور‬ ‫الدراسات واختيار الباحثني الذين قاموا بها؟‬ ‫ مركز «املسبار» منذ تأسيسه وهو يضع أسسا ً يسعى‬‫مميزةً ألعداده الشهرية التي يصدرها للمشتركني‪،‬‬ ‫ألن تكون ّ‬ ‫متخصص في احلركات اإلسالمية وكل ما يتعلق‬ ‫فهو مركز ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يتم حتديد العناوين‬ ‫‬‫الكتابني‬ ‫كهذين‬ ‫‬‫كتاب‬ ‫كل‬ ‫بها‪ ،‬وفي‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫واحملاور بناء على عدة عوامل‪ ،‬من أهمها أن يكون املوضوع جديدا ً‬ ‫لم يطرق من قبل‪ ،‬أو مطروقا ً ولكن ليس بنفس الطريقة‬ ‫تطور‬ ‫التي يغطي بها املركز مواضيعه‪ ،‬وفي هذا العدد الذي‬ ‫ّ‬ ‫مغطا ٍة بالكامل من قبل‬ ‫ة غير‬ ‫ّ‬ ‫لعددين‪ ،‬أردنا تغطية منطق ٍ‬ ‫الباحثني عربا وأجانب ‪ -‬فيما يتعلق باحلركات اإلسالمية ‪ -‬مع‬ ‫استحضار أنها منطقة حيويّة وشديدة التأثير في العالم‪.‬‬ ‫يتم حتديد كل عنوان والباحثني‬ ‫هذان العددان – كغيرهما ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫فيه من خالل جهد مشترك تقوم به هيئة التحرير في‬ ‫يتم حتديد عناوين األعداد لسنة أو‬ ‫اجتماعها السنوي‪ ،‬حيث‬ ‫ّ‬ ‫يتم السعي لتحديد عناوين البحوث‬ ‫سنتني مقبلتني‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ّ‬ ‫ثم انتقاء الباحثني‬ ‫ومن‬ ‫حدة‪،‬‬ ‫على‬ ‫عدد‬ ‫تغطي موضوع كل‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منسق العدد الذي‬ ‫ث‪ ،‬وما تبقّ ى يقوم به‬ ‫األفضل لكل بح ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يختاره املركز‪ ،‬وذلك بالتواصل مع املركز في كافة التفاصيل‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كيف تعاملتم مع الصعوبات التي واجهتكم في‬ ‫الدراسات حول «اإلخوان» في اخلليج‪ ،‬ال سيما مع ندرة املصادر‬ ‫والسرية التي يتسم بها تنظيم اإلخوان املسلمني؟‬ ‫ إسالميو اخلليج موضوع لم يطرح بهذا التوسع من قبل‪،‬‬‫دراسات في بعض دوله منشورة ٌ ومعروفة‪ ،‬كالكويت‬ ‫نعم ثمة‬ ‫ٌ‬ ‫والبحرين‪ ،‬ولكننا في هذا العدد تطرقنا للمسكوت عنه‪،‬‬ ‫موضوع غائم‪ ،‬تكتنفه كثير من التساؤالت‪،‬‬ ‫وحاولنا مالمسة‬ ‫ٍ‬ ‫ويسيطر عليه الغموض‪ ،‬فخضنا غماره‪ ،‬وحاولنا االنتهاء‬ ‫لقراره‪ ،‬فتناولنا السعودية واإلمارات وقطر وعمان‪ ،‬بشكل‬ ‫نحسب أننا لم نسبق إليه‪ ،‬وندرة املصادر ال متنع الباحثني‬ ‫تقصيها‪ .‬أما سرية‬ ‫اجلادين‪ ،‬الذين اعتمدناهم واخترناهم‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫تنظيم اإلخوان املسلمني فهذا موضوع آخر‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل هناك إحصائية حتدد عدد اإلخوان في اخلليج أو‬ ‫نسبتهم بني اإلسالميني؟‬ ‫ لألسف اإلجابة بالنفي‪ ،‬فليس لدينا في املنطقة عموما ً من‬‫ة عن الظواهر التي نعيش‬ ‫التطور ما مينحنا إحصائيا ٍ‬ ‫ت دقيق ٍ‬ ‫ّ‬ ‫فيها‪ ،‬وموضوع اإلحصاء وأهميته جدير بالتطوير والعناية‪،‬‬ ‫حساس كهذا‪،‬‬ ‫موضوع‬ ‫متوف ٍر اآلن‪ ،‬خاصة في‬ ‫ولكنّه غير‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫يكتنفه الغموض من قبل اجلماعة والسلطات على ح ٍد سواء‪.‬‬ ‫غير أ ّن هذا ال مينع الباحث اجلادّ من تكوين إحصائيته بنفسه‬ ‫توصل إليه من خالل البحث‪ ،‬سوا ًء من خالل املصادر أو‬ ‫حسبما‬ ‫ّ‬ ‫من خالل اللقاءات واحلوارات التي يجريها لبحثه‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬تاريخ «اإلخوان» في مصر مليء بالتناقضات‬ ‫والتقلبات‪ ..‬فهل حملوا معهم ذلك إلى اخلليج؟‬ ‫ نعم‪ ،‬فعلوا‪ ،‬ونقلوا هذه املهارة للتنقل بني املتناقضات‬‫لـ«إخوان» اخلليج‪ ،‬ويتضح هذا من خالل متابعة كثير من‬ ‫رموز اإلخوان في اخلليج وكتاباتهم وتصريحاتهم‪ ،‬وكتبهم‬ ‫ومواقعهم على اإلنترنت‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هدف «اإلخوان» في مصر هو الوصول إلى احلكم‪،‬‬ ‫هل كان ذلك الهدف في وجدان «اإلخوان» في اخلليج؟‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪45‬‬


‫● لقاءات‬

‫مركز املسبار يبحث في كتابني جديدين‬ ‫عن املسكوت عنه في تاريخ احلركات اإلسالمية في اخلليج‬

‫عبد اهلل بن بجاد العتيبي‪ :‬على «اإلخوان» أن يختاروا‪..‬‬ ‫إما الوالء ألوطانهم وإما الرهان على احلصان اخلاسر‬

‫منذ ما يزيد على ثالثة أرباع القرن‪ ،‬وحتديدا عام ‪ ،1928‬كان مدرس اللغة العربية واخلط‪ ،‬املصري حسن البنا‪ ،‬يعلن في إحدى‬ ‫مدن القناة (اإلسماعيلية) عن تأسيس جماعة دينية «ال تعمل بالسياسة»‪ ،‬سماها وقتها اإلخوان املسلمني‪ .‬بعدها بفترة‬ ‫ليست طويلة بدأ حسن البنا يخرج من هذه املدينة الصغيرة إلى أطراف مصر بقراها وجنوعها ومدنها‪ ،‬ومن ثم بدأ يفكر –‬ ‫بعد أن ضمن استقرار أفكاره – في اخلروج بها للمنطقة العربية واإلسالمية‪ ..‬فكّر الرجل أوال في السعودية‪ ،‬لكنه – بعد‬ ‫رحلة حج – قرر أن السعودية ال تصلح «في الوقت الراهن»‪ ،‬ومن ثم وقع اختياره على اليمن‪.‬‬ ‫عبير سعدي‬

‫‪44‬‬


‫دولة حتت املاء‬

‫في الوقت الذي تنحسر فيه مياه الفيضان في‬ ‫باكستان‪ ،‬تعود العائالت إلى منازلها في قرية باسيرا‬ ‫في إقليم بنجاب‪ .‬تضرر ما يزيد على ‪ 21‬مليون نسمة‬ ‫من أسوأ فيضان على اإلطالق بدأ في شهر يوليو‬ ‫(متوز) بعد سقوط أمطار موسمية غزيرة‪.‬‬

‫‪Images © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪43‬‬


‫● ألف كلمة‬

‫‪42‬‬


‫عالم التنمية الدولية داخل وزارة اخلارجية وأن تستحدث منصب‬ ‫«نائب وزير اخلارجية لشؤون التنمية»‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يجب‬ ‫أن جتعل منسق إعادة اإلعمار واالستقرار في وزارتها باإلضافة‬ ‫إلى فريق االستجابة املدنية على رأس هذا املنصب اجلديد‪.‬‬ ‫وقد أشار مسؤول احلكومة السابق ومدون السياسة اخلارجية‬ ‫ديفيد روثكوف أن استحداث منصب على مستوى نائب وزير‬ ‫سيركز فكر وزارة اخلارجية ونشر فرق العمل ووضع امليزانيات‪،‬‬ ‫الفعالة‬ ‫مما يغير من الوضع الراهن في مكاتب التنمية غير‬ ‫ّ‬ ‫والعاجزة إلى حد كبير في الوزارة‪ .‬ويتفق معي روثكوف في أن‬ ‫خطوة مثل تلك من جانب هيالري كلينتون ستغير من مسار‬ ‫اللعبة وتعيد الثقة في أن وزارة اخلارجية العب قوي بدال من‬ ‫اإلذعان إلى سيادة البنتاغون‪.‬‬ ‫وفي أثناء تلك املناوشات السياسية‪ ،‬ما زال على كلينتون أن‬ ‫حتتضن قدرات وزارتها القائمة بقوة بدال من التعامل مع مكتب‬ ‫منسق إعادة اإلعمار واالستقرار وفريق االستجابة املدنية على‬ ‫أنهما ابن غير مرغوب فيه‪ .‬وعلى الرغم من أنهما يحظيان‬ ‫بقليل من انتباه كبار مسؤولي وزارة اخلارجية‪ ،‬إال أنهما يشكالن‬ ‫أكبر بند متزايد في ميزانية الوزارة ويكونان أكبر فريق من‬ ‫اخلبراء املدنيني احلكوميني (في مقابل املتعاقدين) املتماسكني‬ ‫واملُدربني‪ ،‬والذين ميكن نشرهم سريعا في مقدمة القوة‬ ‫األميركية الذكية أينما كان هناك اضطراب سياسي أو كارثة‬ ‫طبيعية‪ .‬ولكن‪ ،‬نظرا ألن كلينتون شخصيا ال تعطي كثيرا‬ ‫من االهتمام ملكتب منسق إعادة اإلعمار واالستقرار وفريق‬ ‫االستجابة املدنية‪ ،‬وألنه مت جتاهل هذين الفريقني في جمع‬ ‫الفرق املتعاقدة الرئيسية التي مت إرسالها إلى أفغانستان‪،‬‬ ‫يخطط الكونغرس تخفيض ميزانيتهما بنسبة‪ 50‬في املائة‬ ‫في عام ‪.2011‬‬ ‫لقد فازت الوزيرة كلينتون في «حروب التنمية» داخل إدارة‬ ‫أوباما ضد محاوالت مكتب منسق إعادة اإلعمار واالستقرار‪،‬‬ ‫والذي لديه حاليا ما يزيد على ألف خبير مدني منتشر بدعم‬ ‫من مبادرة عاملية مع ‪ 20‬شريك رئيسي لتقدمي استجابة عاجلة‬ ‫من إغاثة وإعادة إعمار وحتقيق استقرار في إطار وكالة التنمية‬ ‫الدولية‪ .‬ولكن كل ما فعلته هو االحتفاظ مبا متلكه الوزارة؛ وما‬ ‫زال عليها أن تحُ دِّث من العمليات أو اكتشاف وسيلة لوزارتها‬ ‫لتصبح األم احلاضنة للقوة األميركية الذكية في املواقف‬ ‫الدولية املضطربة‪.‬‬ ‫من املمكن أن يكون استحداث منصب نائب وزير اخلارجية‬ ‫لشؤون التنمية وبناء فريق خاص بوزارة اخلارجية مكون من‬ ‫مدنيني ُمدربني هو «الفكرة الرئيسية» التي سيقدمها تقرير‬ ‫الدبلوماسية والتنمية‪.‬‬ ‫ولكن استقرت كلينتون ومعها مدير الوكالة األميركية‬ ‫للتنمية الدولية راجيف شاه‪ ،‬ومسؤولو مجلس األمن القومي‬ ‫مايكل فرومان وغايل سميث وآخرون‪ ،‬إلى حد كبير على خطة‬ ‫متنح وكالة التنمية الدولية سلطات أكبر على تنسيق امليزانية‬ ‫في وظائف التنمية الدولية املتنوعة في اإلدارة‪ .‬وفي محاولة‬ ‫حسنة النية ولكنها غير فعالة‪ ،‬حاول املدافعون عن وكالة‬ ‫التمية الدولية استعادة مكانة وطاقات الوكالة التي أخذت‬ ‫منها أثناء حصار قاده في التسعينات رئيس جلنة الشؤون‬ ‫اخلارجية األسبق في مجلس الشيوخ جيسي هيلمز‪ .‬ولكن‬ ‫في احلقيقة هناك عدد قليل من العاملني في وكالة التنمية‬ ‫الدولية‪ .‬كما تنفذ معظم املبادرات األميركية التي تقودها‬ ‫الوكالة من خالل تعاقدات خاصة‪ ،‬وأصبحت الوكالة األميركية‬ ‫للتنمية الدولية أشبه بشركة سيكسو للنظم أو ديل‬ ‫للكمبيوتر في مجال التنمية الدولية‪ ،‬حيث حتولت بالضرورة‬ ‫إلى مجموعة تعطي تعاقدات فرعية بدال من كونها مؤسسة‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫حكومية ميكنها بسهولة أن تستعني بأشخاص أو تفصلهم‬ ‫من العمل‪ ،‬أن تنشر قواتها سريعا في مهام عاجلة طارئة أو‬ ‫تسحبها ‪.‬‬ ‫وفي العام املاضي‪ ،‬أعلن اجلنرال املتقاعد أنطوني زيني‪ ،‬الذي اعترف‬ ‫بأنه ساعد كعضو أو رئيس مشارك تقريبا في جميع اللجان أو‬ ‫مجموعات دراسة «القوة الذكية» املهمة‪ ،‬أنه فقد الثقة في‬ ‫«مجتمع التنمية‪ :‬وقدرة أية إدارة على النجاح في استجابة‬ ‫القوة الذكية للدول الفاشلة‪ ،‬نظرا لهيكل البيروقراطية‬ ‫اإلمنائية‪ ».‬وقال إن مجتمع التنمية الدولية عاجز وغير كفؤ‬ ‫كلية‪ ،‬مشيرا إلى أن البنتاغون فقط هو الذي ميلك القدرة على‬ ‫نشر فرق موثوق بها من خالل خطط مدروسة ومختبرة جيدا‬ ‫لتعزيز أو بناء احلكومات املنهارة أو غير املوجودة تقريبا في اخلارج‪.‬‬ ‫واستطرد زيني قائال إن األمل الوحيد في تغيير هذا املسار يقع‬ ‫في يد العاملني في وزارة اخلارجية والوكالة األميركية للتنمية‬ ‫الدولية وأجهزة أخرى في احلكومة مخولة ببناء الدول أو حتقيق‬ ‫االستقرار ما بعد احلرب أو الكارثة الطبيعية‪ ،‬حيث ميكنهم‬ ‫التعايش في مكاتب مع عاملي البنتاغون املسؤولني عن حتقيق‬ ‫نتائج‪ .‬وعلى وجه التحديد اقترح زيني أن يتم إخراج جميع مهام‬ ‫الشؤون املدنية في قيادات البنتاغون الرئيسية وتنظيمها معا‬ ‫حتت قيادة جديدة في وزارة الدفاع‪ .‬بعد ذلك عندما تقرر أميركا‬ ‫إنقاذ الدول الفاشلة أو حتقيق االستقرار بعد وقوع صراع أو‬ ‫التعامل مع أعمال إغاثة بعد زلزال أو فيضان أو تسونامي‪ ،‬من‬ ‫املمكن أن يشاهد العاملون في وزارة اخلارجية ووكالة التنمية‬ ‫الدولية كيف يقوم البنتاغون بذلك وتعلمه‪.‬‬ ‫وتؤكد فكرة زيني إلى حد كبير ما كتبته كاتبة «واشنطن‬ ‫بوست» احلائزة جائزة بوليتزر دانا بريست في كتابها املهم‪:‬‬ ‫«املهمة‪ :‬شن احلرب واحلفاظ على السالم في اجليش األميركي»‪.‬‬ ‫وقد قالت بريست إن البنتاغون يبالغ في زيادة حجم سلطاته‬ ‫في التعاون األميركي الدولي في مجاالت من الدبلوماسية إلى‬ ‫التنمية‪ ،‬وهو االجتاه الذين سيكون من الصعب إيقافه‪.‬‬ ‫كانت هيالري كيلنتون وآخرون في فريق الرئيس أوباما ميلكون فرصة‬ ‫إلثبات خطأ اجلنرال زيني بأن هناك بالفعل رغبة وقدرة على حدوث‬ ‫طفرة في أسلوب نشر الهيئات األميركية بخالف وزارة الدفاع‬ ‫للقوة الذكية‪ .‬ويعد مكتب منسق إعادة اإلعمار واالستقرار هو‬ ‫الكيان األميركي غير العسكري الوحيد الذي ميكنه وضع خطط‬ ‫شبه عسكرية وتنفيذها‪ ،‬ولكنه ميلك خبرة ال ميلكها اجليش‪ ،‬وال‬ ‫يرغب في متلكها صراحة كما صرح غيتس ونوابه‪.‬‬ ‫وفي حني من املفهوم إمكانية السخرية من استحداث منصب‬ ‫نائب وزير اخلارجية لشؤون التنمية وكأنه تعيني طاه جديد‬ ‫في مطبخ فوضوي مزدحم بالفعل‪ ،‬سيكون هذا أمرا يجانبه‬ ‫الصواب‪ .‬إن اقتصار كلينتون على إجراء تعديالت طفيفية على‬ ‫منهج احلكومة في التنمية بخالف جهود تنسيق امليزانية يؤكد‬ ‫على أن البنتاغون وليس وكالة التنمية الدولية أو وزارة اخلارجية‬ ‫هو الذي سيستمر في ممارسة دور الالعب السياسي ذي الثقل في‬ ‫التنمية وحتقيق االستقرار واإلغاثة في اخلارج‪ .‬ونأمل في الوقت‬ ‫الذي يتم فيه اتخاذ قرارت تقرير الدبلوماسية والتنمية أن تفعل‬ ‫وزيرة اخلارجية املزيد لتغيير مسار اللعبة وأن حتافظ على موقع‬ ‫وزارتها في معادلة التنمية الدولية‪.‬‬ ‫*ستيف كليمونز – مدير برنامج االستراتيجية األميركية‬ ‫في مؤسسة أميركا اجلديدة وينشر مدونته السياسية «ذا‬ ‫واشنطن نوت‪».‬‬ ‫*نشر هذا املقال في اجمللة نتاريخ ‪ 23‬سبتمبر (أيلول) ‪.2010‬‬ ‫‪41‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫ومن مظاهره القتل دفاعا عن الشرف؟‬ ‫في األسبوع املاضي‪ ،‬نشرت مجلة «التامي» على غالفها صورة‬ ‫مثيرة للجدل ولكنها ثاقبة‪ ،‬لفتاة أفغانية جميلة فقدت أنفها‬ ‫وأذنيها لدى محاولتها الهرب من زوجها الذي يسيء معاملتها‪،‬‬ ‫وهي العقوبة التي فرضتها عليها طالبان‪ .‬وكتب على الغالف‪:‬‬ ‫«ماذا يحدث عندما نغادر أفغانستان»‪.‬‬ ‫بينما لعبت الصورة دورا في إثارة الشعور بأهمية مصير النساء‬ ‫في أفغانستان‪ ،‬توجد مشكلة مهمة في الرسالة التي يقدمها‬ ‫الغالف‪ .‬من الواضح أن اجلرمية التي تعاني منها عائشة حدثت‬ ‫أثناء وجود القوات في أفغانستان‪ ،‬وتتضمن الصورة رسالة بأن‬ ‫املشكلة التي تواجهها املرأة تقتصر على أفغانستان ولن حتدث‬ ‫إذا ظلت القوات األميركية وحلفاؤها هناك حتى يضمنوا الفوز‬ ‫على طالبان‪.‬‬ ‫ولكن هذا أبعد ما يكون عن احلقيقة‪ .‬إن العنف ضد املرأة‬ ‫مشكلة عاملية‪ ،‬ولألسف كما توضح حالة عائشة‪ ،‬ال يعد وجود‬ ‫القوات األميركية وحلف الناتو حال إلنهاء العنف ضد املرأة‪.‬‬ ‫وبدال من ذلك‪ ،‬كما تظهر أبحاث منظمات حقوق اإلنسان‬ ‫الكبرى‪ ،‬حتتاج مشكلة العنف ضد املرأة في أفغانستان‬ ‫واملناطق األخرى أن يتم تناولها على املستوى احمللي‪ .‬وحتى إن‬ ‫كانت طالبان مصدرا رئيسيا لقمع املرأة في أفغانستان‪ ،‬فهي‬ ‫ليست كذلك في معظم الدول التي تعاني باستمرار من جرائم‬ ‫القتل دفاعا عن الشرف‪.‬‬ ‫يحدث العنف ضد املرأة‪ ،‬وبخاصة جرائم القتل دفاعا عن‬ ‫الشرف‪ ،‬بسبب عدم اعتبار املرأة مساوية للرجل‪ ،‬وألن عفتها‬ ‫تعتبر عالمة على شرف العائلة‪ .‬ورمبا ال يستطيع اجملتمع الدولي‬ ‫تغيير تعريف العفة في يوم وليلة‪ ،‬ولكن ميكنه أن يقدم مبادرات‬ ‫سياسية ميكنها أن تفعل الكثير لوقف هذا النوع من العنف‬ ‫ضد املرأة‪.‬‬ ‫في البداية‪ ،‬في الدول التي تعد فيها جرائم القتل دفاعا عن‬ ‫الشرف قانونية‪ ،‬يجب جترميها‪ .‬ويجب تدريب القضاة وقوات‬ ‫الشرطة على التعامل مع العنف بسبب النوع مبوضوعية‪،‬‬ ‫وإجراء حتقيقات شاملة في تلك اجلرائم‪.‬‬ ‫وفي حني تؤدي تلك املبادرات دورها في تثبيط هؤالء الذين يفكرون‬ ‫في قتل النساء باسم الشرف‪ ،‬حتقق توعية اجملتمع باملساواة‬ ‫بني الرجل واملرأة أيضا خطوات مهمة نحو احلد من العنف ضد‬ ‫املرأة‪ .‬وميكن للسياسات التي تساعد على متكني املرأة‪ ،‬سواء‬ ‫كانت في التعليم أو مبادرات متويل املشاريع الصغيرة التي‬ ‫متنح النساء نفوذا أكبر على املوارد املالية ملنازلهن‪ ،‬أن حتول من‬ ‫ديناميكيات النوع داخل األسر التي تسمح بوقوع جرائم قتل‬ ‫للنساء‪.‬‬ ‫ومن جديد‪ ،‬يعد البحث الذي أجراه نيكوال كريستوف إيجابيا‬ ‫لبدء النقاش حول العنف ضد املرأة‪ .‬وفي مقاله في «نيويورك‬ ‫تاميز»‪ ،‬يسجل كريستوف قصة صعود سيدة باكستانية‪ ،‬بعد‬ ‫أن تعرضت للضرب على يد زوجها ووالدته بانتظام بسبب‬ ‫عدم إجنابها صبي‪ ،‬فقد جنحت في حتويل قرض قيمته ‪ 65‬دوالرا‬ ‫إلى مشروع جتاري رابح‪ ،‬لتصبح العائل الرئيسي ألسرتها‪ ،‬بل‬ ‫وأيضا إلى سيدة أعمال في احلي‪ .‬وفي الوقت احلالي‪ ،‬حتظى هذه‬ ‫السيدة باحترام الرجال في مجتمعها‪.‬‬

‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 19‬أغسطس ‪.2010‬‬

‫‪40‬‬

‫من الدبلوماسية إلى التنمية إلى اإلغاثة‬ ‫وال عزاء لوزارة اخلارجية األميركية‬

‫هيالري كلينتون‬ ‫تواجه متدد البنتاغون‬

‫تصدر إدارة أوباما قريبا تقريرها الذي طال انتظاره عن الدبلوماسية‬ ‫والتنمية‪ ،‬وهو تقرير يصدر كل أربع سنوات استحدثته وزيرة اخلارجية‬ ‫هيالري كلينتون لتضع إطارا ملنهج جديد في إدارة ميزانيات وأهداف‬ ‫التنمية الدولية‪.‬‬ ‫وفي حني تستعد إدارة أوباما إلصدار تقريرها اإلمنائي‪ ،‬يقول ستيف‬ ‫كليمونز إنه يجب على وزيرة اخلارجية هيالري كلينتون أن تركز على‬ ‫تناول أجزاء مختلفة في عالم التنمية الدولية داخل وزارة اخلارجية‬ ‫واستحداث منصب "نائب وزير اخلارجية لشؤون التنمية"‪ .‬باإلضافة‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬يجب أن جتعل مكتب منسق إعادة اإلعمار واالستقرار في‬ ‫وزارتها إلى جانب فريق االستجابة املدنية على رأس هذا املنصب‬ ‫اجلديد‪.‬‬ ‫ستيف كليمونز‬ ‫تستعد إدارة أوباما إلصدار تقريرها املنتظر عن الدبلوماسية‬ ‫والتنمية وهو تقرير جديد يصدر كل أربع سنوات استحدثته وزيرة‬ ‫اخلارجية هيالري كلينتون لوضع إطار إلدارة ميزانيات التنمية‬ ‫الدولية وأهدافها‪ .‬ولكن تشتعل خلف الكواليس معركة خطيرة‬ ‫بني قياصرة التنمية في اإلدارة‪ .‬ومن املثير لالهتمام أنه في حني‬ ‫ينتهي األمر بفوز هيالري كيلنتون في معظم القضايا اخلالفية‬ ‫الرئيسية‪ ،‬إال أنه ما زال عليها أن تضع بصمتها على أكثر نهج‬ ‫فعال في جهود التنمية الدولية في القرن الواحد والعشرين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كما أنها لم تحُ ِدث حتى اآلن من فريق القوة الذكية الذي يحقق‬ ‫االستقرار للبالد وعلى الرغم من منوه فإنه يجد جتاهال كبيرا‪.‬‬ ‫على الرغم من أن تفاصيل تقرير الدبلوماسية والتنمية لم تعلن‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬فإننا نعلم أن هيالري كلينتون أحبطت جهودا جلعل‬ ‫منصب مدير الوكالة األميركية للتنمية الدولية وزاريا‪ ،‬واستبقت‬ ‫محاولة الوكالة لالنفصال الكامل عن إشراف وزارة اخلارجية‪،‬‬ ‫ومنعت إنشاء مجلس إمنائي رفيع املستوى داخل مجلس األمن‬ ‫القومي كان سيملك سلطة إدارة املكاتب اخملتلفة في احلكومة‬ ‫في مهام رئيسية في مجال التنمية وحتقيق االستقرار واإلغاثة‪.‬‬ ‫ولكن ما لم تفعله هيالري كلينتون هو االرتقاء بالفريق واألفراد‬ ‫املسؤولني عن حتقيق االستقرار والتنمية داخل وزارتها‪.‬‬ ‫كان وزير الدفاع روبرت غيتس وآخرون يطالبون بزيادة موارد وزارة‬ ‫اخلارجية والعاملني فيها لتزايد دخول مهام اجملتمع املدني الدولي‬ ‫واملهام اإلنسانية وحتقيق االستقرار في احلكومة األميركية في‬ ‫ميزانيات ومسؤوليات البنتاغون‪.‬‬ ‫يجب على كلينتون وهي تصدر قرارتها األخيرة بشأن تقرير‬ ‫الدبلوماسية والتنمية أن تركز على تناول أجزاء مختلفة من‬


‫وبنغالديش وبريطانيا العظمى‪ ،‬والبرازيل‪ ،‬واإلكوادور‪ ،‬ومصر‪،‬‬ ‫والهند‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬وإيطاليا‪ ،‬واألردن‪ ،‬وباكستان‪ ،‬واملغرب‪،‬‬ ‫والسويد‪ ،‬وتركيا‪ ،‬وأوغندا‪.‬‬

‫املتحدة ارتكاب ‪ 5,000‬حادث قتل دفاعا عن الشرف سنويا‪ ،‬مع‬ ‫الوضع في االعتبار عدد احلاالت غير املبلغ عنها‪ ،‬فإن العدد يصل‬ ‫على األقل إلى ‪ 6,000‬حالة سنويا‪ ،‬وفقا لنيكوال كريستوف‬ ‫وشيريل وو دن‪ ،‬مؤلفي كتاب «نصف السماء»‪ .‬لكن يقول‬ ‫كريستوف وو دن أن هذا الرقم أيضا مؤشر غير كاف على‬ ‫املشكلة التي متثلها جرائم القتل دفاعا عن الشرف‪ ،‬حيث‬ ‫إنه ال يدخل فيها «االغتصاب دفاعا عن الشرف‪ ،‬وهي حاالت‬ ‫اغتصاب املقصود منها إحلاق اخلزي بالضحية أو قبيلتها»‪.‬‬

‫وأوضح تقريرهما أن جرائم القتل بسبب املهور في الهند‪،‬‬ ‫وهي ظاهرة املقصود منها معاقبة املرأة التي يعتبر مهرها‬ ‫غير كاف‪ ،‬سبب لوفاة ‪ 5,000‬عروس سنويا‪ .‬وكذلك‪ ،‬جرائم‬ ‫العاطفة‪ ،‬التي يتم التعامل معها «بتساهل كبير» في‬ ‫أميركا الالتينية‪ ،‬مشكلة مشابهة جلرائم الدفاع عن الشرف‪،‬‬ ‫ولكنها حتمل اسما مختلفا‪ .‬ولدى النظر إلى تلك اجلرائم‬ ‫جميعا‪ ،‬القتل دفاعا عن الشرف‪ ،‬والقتل بسبب املهور‪ ،‬وجرائم‬ ‫العاطفة‪ ،‬جندها متثل وجودا عامليا من العنف ضد املرأة واإلفالت‬ ‫من العقوبة الذي تتسم به تلك اجلرائم‪ .‬ولكن ملاذا من املهم‬ ‫وجود نقاش جاد حول ما ميكن فعله لوقف العنف ضد املرأة‪،‬‬

‫في حني حتدث كثير من جرائم القتل دفاعا عن الشرف في العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬إال أن تلك اجلرائم قضية عاملية ليست خاصة بأي‬ ‫دين أو ثقافة‪ .‬وفي احلقيقة‪ ،‬كما أظهر تقرير صدر عام ‪2002‬‬ ‫عن ناشيونال جيوغرافيك في تلك القضية‪ ،‬توجد جرائم القتل‬ ‫دفاعا عن الشرف في جميع أرجاء العالم‪ ،‬ومنها أفغانستان‬

‫القتل دفاعا عن ال�شرف‪:‬‬ ‫في كثير من اجملتمعات‪ ،‬يتعرض النساء الالتي يشتبه في‬ ‫إقامتهن عالقات ما قبل الزواج والسيدات املتهمات بارتكاب‬ ‫الزنا للقتل على يد أقاربهن‪ ،‬ألن انتهاك عفة املرأة يعتبر‬ ‫إهانة لشرف العائلة‪ .‬ويقدر صندوق السكان التابع لألمم‬ ‫املتحدة العدد السنوي لضحايا القتل دفاعا عن الشرف في‬ ‫جميع أنحاء العالم بـ‪ 5,000‬سيدة‪.‬‬ ‫ووفقا لتقرير صدر عام ‪ 2002‬عن املقرر اخلاص لألمم املتحدة‬ ‫املسؤول عن قضايا العنف ضد املرأة‪ ،‬حتدث جرائم قتل دفاعا‬ ‫عن الشرف في باكستان واألردن وسورية ومصر ولبنان وإيران‬ ‫واليمن واملغرب ودول أخرى متوسطية وخليجية‪ .‬وحتدث تلك‬ ‫اجلرائم أيضا في دول مثل أملانيا وفرنسا واململكة املتحدة‬ ‫بني اجملتمعات املهاجرة‪ .‬وال يسود ذلك النوع من العنف في‬ ‫اجملتمعات أو الدول اإلسالمية فقط‪ .‬فقد ذكرت أيضا البرازيل‪،‬‬ ‫حيث يتم تبرير القتل دفاعا عن شرف الزوج في حالة ارتكاب‬ ‫الزوجة للزنا‪.‬‬ ‫ووفقا لتقرير حكومي‪ ،‬قتل ‪ 4,000‬رجل وامرأة في باكستان‬ ‫حتت اسم الدفاع عن الشرف ما بني عامي ‪ 1998‬و‪،2003‬‬ ‫ويزيد عدد النساء الالئي قتلن على ضعف عدد الرجال‪ .‬وفي‬ ‫دراسة حلوادث قتل اإلناث في اإلسكندرية في مصر‪ ،‬قتل ‪47‬‬ ‫في املائة من النساء على يد أحد أقاربهن بعد اغتصابهن‪.‬‬ ‫وفي األردن ولبنان‪ ،‬وجد أن نسبة من ‪ 70‬إلى ‪ 75‬في املائة من‬ ‫مرتكبي ما يسمى بجرائم «القتل دفاعا عن الشرف» هم‬ ‫أشقاء الضحايا‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫وفي السودان‪ ،‬أيد صندوق األمم املتحدة للقضاء على العنف‬ ‫ضد املرأة مشروعا ملكافحة القتل دفاعا عن الشرف في‬ ‫منطقة جبال النوبة‪ .‬وقدم املشروع تدريبا للزعماء احملليني‬ ‫والدينيني‪ ،‬وزعيمات جمعيات املرأة واملعلمني ليصبحوا‬ ‫مدافعني في مجتمعاتهم ضد القتل دفاعا عن الشرف‬ ‫وصور أخرى من العنف ضد املرأة‪ .‬وقد نظموا دورات تدريبية‬ ‫وحلقات نقاش جماعية‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬متت مناقشة قضية‬ ‫جرائم الشرف ألول مرة في العلن‪ .‬وأدى املشروع إلى تغييرات‬ ‫إيجابية في املعرفة واملواقف واملمارسات بني أفراد اجملتمع‬ ‫الذين بدأوا في اعتبار القتل دفاعا عن الشرف جرمية‪ ،‬بدال من‬ ‫كونه مشروعا للدفاع عن شرف القبيلة‪.‬‬ ‫* املصدر‪ :‬حقائق صندوق األمم املتحدة اإلمنائي‬ ‫للمرأة حول العنف ضد املرأة‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫العنف ضد املرأة‪ ..‬تعددت األسباب والقتل واحد‬ ‫تعد احلادثة األخيرة التي أدينت فيها سكينة محمدي أشتياني‪ ،‬السيدة اإليرانية التي حكم عليها بالقتل رجما بزعم‬ ‫خيانتها لزوجها‪ ،‬مجرد منوذج ملشكلة عاملية منتشرة‪ :‬العنف ضد املرأة في صورة جرائم القتل دفاعا عن الشرف‪ .‬ال تقتصر‬ ‫تلك االعتداءات على املرأة على ثقافات أو أديان محددة‪ ،‬بل ميكن أن نشهدها في جميع أنحاء املعمورة‪ .‬وقد أصبح من الضروري‬ ‫تنفيذ بعض اإلصالحات لتعقب هؤالء املسؤولني عن انعدام األمن الذي تواجهه املرأة بانتظام‪.‬‬ ‫باوال ميجيا‬

‫في شهر يوليو (متوز)‪ ،‬جذبت إيران اهتمام العالم بسبب‬ ‫سياساتها احلكومية املسيئة‪ ،‬التي لم تكن متعلقة كما هو‬ ‫األمر في كثير من األحيان بالتطوير احملتمل لبرنامج األسلحة‬ ‫النووية‪ ،‬ولكن بسبب ما أصبح ميثل مشكلة عاملية‪ :‬طبيعة‬ ‫العنف السائد ضد املرأة‪.‬‬ ‫لقد أثارت قضية سكينة محمدي أشتياني مشاعر الغضب في‬ ‫اجملتمع الدولي‪ .‬لقد أدينت تلك املرأة البالغة من العمر ‪ 43‬عاما‬ ‫وهي أم لولدين في عام ‪ 2006‬بارتكاب الزنا وحكم عليها باجللد‬ ‫‪ 99‬جلدة‪ .‬ولكن بسبب ثغرة في النظام القضائي اإليراني أعيد‬ ‫النظر في قضيتها مؤخرا‪ ،‬وأصبحت تواجه احتمالية املوت‬ ‫رجما بسبب خيانتها املزعومة‪ .‬وبينما تغطي وسائل اإلعالم‬ ‫قضيتها بصورة شاملة‪ ،‬ومت التقدم بالتماسات لوقف القرار‬ ‫اإليراني بإعدامها‪ ،‬يجب االعتراف بأن العقوبة التي رمبا تواجهها‬ ‫أشتياني ليست ظاهرة مقتصرة على إيران فحسب‪.‬‬ ‫وقعت حادثة قتل أخرى دفاعا عن الشرف ونالت قدرا كبيرا من‬ ‫االهتمام في إقليم كردستان العراق عام ‪ ،2007‬عندما رجمت‬ ‫دعاء خليل البالغة من العمر ‪ 17‬عاما وتنتمي إلى الطائفة‬ ‫اليزيدية حتى املوت لقضائها ليلة مع صديقها السني‪ .‬وقد‬ ‫اقتحم أفراد من قريتها بيت أحد زعماء القبائل حيث كانت‬ ‫الجئة لديه‪ ،‬وسحبوها إلى الشارع‪ .‬وعلى الرغم من وجود قوات‬ ‫األمن وعلى الرغم من أن القتل دفاعا عن الشرف غير قانوني‬ ‫في إقليم كردستان‪ ،‬فإن شيئا لم مينع الرجال املقدر عددهم‬ ‫بألف رجل من أن يرجموها‪ .‬وكان االعتداء عليها علنيا لدرجة‬ ‫أن الكثير من مقاطع الفيديو قد التقطت بالهواتف احملمولة‬ ‫وما زال من املمكن مشاهدتها على اإلنترنت‪ .‬ويعد القتل دفاعا‬ ‫عن الشرف أحد األمثلة الواضحة على العنف الذي تواجهه‬ ‫السيدات والفتيات بصورة منتظمة‪ .‬وميكن أن تتخذ تلك‬ ‫االعتداءات‪ ،‬املقصود منها احلفاظ على شرف العائلة‪ ،‬صورة‬ ‫اعتداءات بسائل حمضي‪ ،‬أو حرق الضحايا وهن أحياء‪ ،‬أو حتى‬ ‫اللجوء إلى محاكمة قضائية تدين املرأة بسبب ارتكاب أفعال‬ ‫«مشينة» كما هو احلال في قضية أشتياني‪.‬‬ ‫ميكن أن يختلف السلوك الذي يبرر هذه العقوبة من التأخر‬ ‫في تقدمي الطعام‪ ،‬أو مخاطبة شخصيات مسؤولة‪ ،‬أو إقامة‬ ‫عالقات خارج إطار الزواج‪ .‬وما يجعل األمر يزداد سوءا‪ ،‬نظرا‬ ‫العتماد مفهوم الشرف على اإلدراك اخلارجي ملا هو ُمشرف وما‬ ‫هو غير ذلك‪ ،‬ميكن أن تكون أية بدعة سببا كافيا إلعدام امرأة‬ ‫«جرما»‪ ،‬املهم‬ ‫من العائلة‪ .‬وليس مهما ما إذا كانت ارتكبت‬ ‫ُ‬ ‫هو ما يعتقده اآلخرون وما يفعله الرجال الستعادة شرفهم‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه ال يوجد رقم رسمي‪ ،‬ألن حاالت القتل‬ ‫دفاعا عن الشرف غالبا ما ال يتم اإلبالغ عنها أو يتم متريرها‬ ‫در صندوق السكان في األمم‬ ‫كحوادث انتحار أو وفاة طبيعية‪ ،‬ق ّ‬ ‫‪38‬‬


‫أسواق‬

‫التحويالت النقدية والتنمية االقتصادية العاملية‬ ‫في العام املاضي‪ ،‬عندما وصلت األزمة املالية العاملية إلى‬ ‫ذروتها‪ ،‬شهدت التحويالت النقدية (وهي النقود التي حتول من‬ ‫العمال األجانب إلى أسرهم في بالدهم األصلية) انخفاضا‬ ‫حادا في منطقة اخلليج‪ .‬ولكن في ‪ 19‬أغسطس (آب)‪،‬‬ ‫أعلنت واحدة من أكبر شركات حتويل األموال في العالم‪،‬‬ ‫وسترن يونيون‪ ،‬توقعاتها بأن تعود التحويالت النقدية في‬ ‫الشرق األوسط إلى االرتفاع في عام ‪ ،2011‬بعد فترة من‬ ‫االنخفاض املستمر أثناء الربع الثاني من عام ‪.2010‬‬ ‫تلعب التحويالت النقدية‪ ،‬وهي جانب أحيانا ما يتم إغفاله‬ ‫في أي بيان مليزان املدفوعات القومي‪ ،‬دورا مهما في التنمية‬ ‫االقتصادية العاملية‪ ،‬وتعتبر بصورة عامة مؤشرا كبيرا على‬ ‫حجم القوى العاملة املهاجرة في البالد‪ .‬يقول أزار خان‪ ،‬كبير‬ ‫الباحثني في شؤون الهجرة إلى الدول العربية في منظمة‬ ‫العمل الدولية‪« :‬تشكل التحويالت النقدية أكبر مصدر‬ ‫فردي للدخل بالنسبة لهؤالء املهملني‪ .‬إن عددهم كبير‪،‬‬ ‫ويلعبون دورا كبيرا بالنسبة ألسرهم‪».‬‬

‫ولكن على عكس ما يتضح في الشكل األول‪ ،‬تبدو التحويالت‬ ‫إلى داخل الشرق األوسط متشابهة كثيرا مع البيانات‬ ‫الدولية‪ .‬وفي حني تراجع معدل منو التحويالت إلى الداخل عن‬ ‫بقية العالم ما بني ‪ 2002‬و‪ ،2006‬إال أنه منذ ذلك احلني‬ ‫يتماشى مع االجتاهات العاملية بأسلوب متماثل تقريبا‪.‬‬ ‫ومن خالل مقارنة الشكلني‪ ،‬ميكن أن نالحظ بوضوح اجتاها‬ ‫متباينا في تطور تدفق التحويالت‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫التحويل إلى اخلارج ظل ثابتا نسبيا إلى حد كبير على مدار‬ ‫األعوام القليلة املاضية‪ ،‬شهدت التحويالت إلى الداخل تزايدا‬ ‫واضحا‪ .‬وهكذا يشير ذلك إلى أن املزيد من املهاجرين ينجذبون‬ ‫إلى أسواق العمل املزدهرة مثل تلك في قطر واإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬وأغلبية كبيرة من التحويالت تتدفق إلى املنطقة‬ ‫وليس بعيدا عنها‪.‬‬ ‫الشكل رقم (‪)1‬‬

‫إجمالي التحويالت النقدية‬

‫وأمام حالة انعدام الثقة النسبي في االقتصاد العاملي اليوم‪،‬‬ ‫قد يكون من الصعب إصدار توقعات دقيقة باملستويات التي‬ ‫رمبا تصل إليها التحويالت النقدية حتى في غضون أشهر‬ ‫قليلة‪ .‬ولكن من املمكن أن تقدم نظرة سريعة على التاريخ‬ ‫احلديث لتدفق التحويالت النقدية من الشرق األوسط‬ ‫بعض األفكار ذات القيمة عن سوق العمل املتغير في هذه‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫التحويالت النقدية إلى اخلارج‪:‬‬ ‫يوضح الشكل رقم (‪ )1‬إجمالي التحويالت النقدية من دول‬ ‫الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬ما بني عامي ‪ 2002‬و‪.2008‬‬ ‫وكما يتضح‪ ،‬ظلت التحويالت التي كانت ترسل من املنطقة‬ ‫إلى عائالت في بالد أجنبية مستقرة نسبيا طوال عام ‪2008‬‬ ‫(قبل انتشار تأثير األزمة املالية مباشرة)‪ ،‬بعد أن شهدت‬ ‫ارتفاعا طفيفا في عام ‪ .2003‬وعلى الرغم من عدم وجود‬ ‫بيانات عن وجهة تلك التحويالت‪ ،‬إال أن إحصائيات حديثة‬ ‫تشير إلى أن الغالبية العظمى من تلك التحويالت تُرسل‬ ‫من منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا متجهة إلى‬ ‫الهند أو دول آخرى في جنوب آسيا‪.‬‬

‫املصدر‪ :‬البنك الدولي‬ ‫الشكل رقم (‪)2‬‬

‫التحويالت النقدية إلى الداخل‬

‫وعلى الرغم من أن احلواالت النقدية إلى خارج منطقة الشرق‬ ‫األوسط وشمال أفريقيا بصورة عامة يشير إلى اجتاه مستقر‬ ‫بثبات‪ ،‬إال أنه ال يتبع النموذج ذاته الذي تتبعه التحويالت‬ ‫النقدية العاملية في األعوام األخيرة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬في‬ ‫حني انخفض حجم احلواالت بصورة ملحوظة في عام ‪،2007‬‬ ‫استمرت احلواالت املرسلة من دول أخرى في االرتفاع‪.‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬يوضح الشكل (‪ ،)2‬اجتاها أكثر بروزا في تدفق‬ ‫التحويالت إلى داخل دول الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪،‬‬ ‫حيث تستقبل العالئات املزيد من األموال من أقاربهم الذين‬ ‫يعملون في اخلارج في كل عام ما بني عامي ‪ 2002‬و‪.2008‬‬ ‫وفي عام ‪ ،2009‬كما هو متوقع‪ ،‬انخفض اإلجمالي انخفاضا‬ ‫طفيفا‪ ،‬في رد فعل ظاهري على أزمة السيولة التي تسببت‬ ‫بها األزمة املالية العاملية‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫املصدر‪ :‬البنك الدولي‬ ‫‪37‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫‪ 10‬سنوات‪ .‬ولكن ألسباب عديدة‪ ،‬أساء العديد من املراقبني الغربيني‬ ‫فهم هذا التحول‪ .‬في البداية‪ ،‬مت توجيه اهتمام مفرط ألردوغان‬ ‫واحلماس الذي أثاره خطابه الشعبي في الشارع التركي والعربي‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬رمبا نتيجة للتشدد الذي حاول جورج دابليو بوش فرضه على‬ ‫تصورنا‪ ،‬يتم النظر إلى دور تركيا في سياق مزدوج‪ .‬يقال لنا إنها‬ ‫رؤية العثمانيني اجلدد والهدف هو إعادة مكانة تركيا كقوة منافسة‬ ‫للغرب‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬نظرا لفشل حلفائها في وضع برنامج ميكن أن‬ ‫تلعب فيه تركيا دورا جديدا (بدال من «املرشحة األبدية لالنضمام‬ ‫إلى االحتاد األوروبي»)‪ ،‬أصبحت تصرفات الدولة بعيدة عن حلفائها‪.‬‬ ‫وفي هذه املرحلة احلرجة‪ ،‬من الضروري وجود قراءة صحيحة لنوايا‬ ‫تركيا‪ .‬ويجب أن يتم استيعاب املوقف التركي اجلديد في السياسة‬ ‫اخلارجية من خالل مبدأ أبسط بكثير من إعادة التوجه بعيدا عن‬ ‫الغرب‪ :‬وهو هدف أن تصبح زعيمة إقليمية وذات دور دولي بارز‪ .‬وفي‬ ‫حني يأتي هذا الطموح مع وجود طلب على دور متجدد لتركيا على‬ ‫الساحة الدولية‪ ،‬ال يتطلب ذلك إعادة توجه‪ ،‬على األقل على حساب‬ ‫الغرب‪.‬‬ ‫بذلك يكون احملرك احلقيقي خلف إظهار تركيا لالستقالل ليس‬ ‫مافي مرمرة‪ ،‬السفينة التي غارت عليها إسرائيل في طريقها إلى‬ ‫غزة‪ ،‬بل سياسات اقتصادية وأجنبية متناسقة تهدف إلى حتقيق‬ ‫أهمية عاملية من خالل الزعامة اإلقليمية‪ :‬حذر مالي ونقدي مستمر‪،‬‬ ‫وتنويع الشركاء التجاريني ومصادر الطاقة‪ ،‬وحملة محمومة جلذب‬ ‫االستثمارات األجنبية املباشرة وجهود لتوفير منطقة بديلة للتعاون‬ ‫االقتصادي تكون تركيا في محورها‪.‬‬ ‫وتشكل تلك السياسات مؤشرات أكثر براعة على التحول التركي‪.‬‬ ‫وعلى مدار األعوام الثمانية السابقة‪ ،‬انتهجت تركيا سي ٍاسات‬ ‫اقتصادية حققت منوا كبيرا‪ ،‬حيث وصل إجمالي الناجت احمللي إلى ثالثة‬ ‫أضعاف تقريبا‪ .‬وفي الفترة ذاتها‪ ،‬زاد حجم التجارة في البالد إلى‬ ‫أربعة أضعاف‪ .‬وبينما انخفضت حصة االحتاد األوروبي في الصادرات‬ ‫التركية من ‪ 60‬في املائة إلى ‪ 45‬في املائة‪ ،‬تضاعفت حصة الشرق‬ ‫األوسط من ‪ 10‬في املائة إلى ‪ 20‬في املائة‪ .‬واألكثر أهمية من ذلك‪،‬‬ ‫بينما‪ ،‬في عام ‪ ،2000‬كانت ثماني دول فقط تستقبل ‪ 80‬في املائة‬ ‫من صادرات تركيا‪ ،‬وصل هذا الرقم إلى ‪ 18‬دولة‪ .‬وتقيم حكومة حزب‬ ‫العدالة والتنمية استثمارات هائلة في البنية التحتية‪ ،‬وزادت من‬ ‫نسبة التعليم في امليزانية املالية ووضعت التضخم حتت السيطرة‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬تنتهج تركيا سياسة طموحة بعدم وجود مشاكل‬ ‫بينها وبني دول اجلوار (مع أرمينيا واليونان‪ ،‬وأيضا سوريا والعراق)‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من النجاح اخملتلط لتلك اجلهود‪ ،‬يؤكد عزمها على‬ ‫التخلص من الصراع على حدودها على طموح تركيا في إقامة‬ ‫األوضاع املالئمة للنمو كقوة إقليمية‪ .‬وقد عمقت تركيا أيضا‬ ‫عالقاتها مع روسيا‪ ،‬حيث وقعتا مؤخرا اتفاقيات تعاون تاريخية في‬ ‫مجاالت متنوعة من الطاقة إلى السياحة‪ .‬وقبل حدوث أزمة في‬ ‫عالقتها مع إسرائيل‪ ،‬كانت تركيا تسعى جاهدة للعب دور وسيط‬ ‫في صراع إسرائيل مع فلسطني وسوريا‪ .‬وفي العراق أيضا‪ ،‬وصلت‬ ‫تركيا إلى تفاهم مع احلكومة املركزية‪ ،‬باإلضافة إلى سلطة إقليم‬ ‫كردستان‪.‬‬ ‫من الطبيعي أن تكون تركيا التي بدأت أخيرا في ترتيب شؤونها‬ ‫الداخلية أكثر ثقة وأن تطلب دورا أكبر في احلياة السياسية الدولية‪.‬‬ ‫وفي مفارقة‪ ،‬هذا هو نوع التحول الذي كان ينتظره االحتاد األوروبي‬ ‫لقبول ترشيح تركيا النضمام إليه‪ .‬واآلن وقد حانت تلك اللحظة‪ ،‬ال‬ ‫يجب أن يصرف الغرب نظره عنها وأن يحتفل بوصول حليف أقوى‪.‬‬ ‫* ألبير بهادير ‪ -‬مستشار إداري سابق في ماكينزي آند كومباني‪،‬‬ ‫وهو حاليا يدرس للحصول على درجة املاجستير في اإلدارة العامة‬ ‫في التنمية الدولية من كلية كينيدي للحكم في جامعة هارفارد‬ ‫وهو حاصل على درجة املاجستير في إدارة األعمال من كلية إدارة‬ ‫األعمال في هارفارد‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 19‬أغسطس ‪.2010‬‬ ‫‪36‬‬

‫تركيا‪ :‬مؤشرات اقتصادية أساسية (‪)2009‬‬


‫‪Image © Getty Images‬‬

‫“ال يجب أن يستهتر أي‬ ‫شخص كان بهذه األمة‬ ‫وأن يختبر صبرها‪ .‬فكما أن‬ ‫صداقتها ثمينة‪ ،‬فإن عداءها‬ ‫سيكون عنيفا‪”.‬‬ ‫املؤشرات االقتصادية الرئيسية‬ ‫املساحة‪ 783.6 :‬ألف كيلومتر مربع**‬ ‫السكان‪ 70.5 :‬مليون نسمة ‪( -‬تعداد ‪*)2009‬‬ ‫إجمالي الناجت احمللي احلالي‪ 441.2 :‬مليار يورو – (‪*)2009‬‬ ‫إجمالي الناجت احمللي للفرد‪ 6.254,2 :‬يورو— (‪*)2009‬‬ ‫نسبة الصادرات في إجمالي الناجت احمللي‪*** )2009( % 16.5 :‬‬ ‫نسبة الواردات في إجمالي الناجت احمللي‪***)2009( % 22.7 :‬‬ ‫نسبة التجارة في إجمالي الناجت احمللي‪****)2009( % 39.1 :‬‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫* صندوق النقد الدولي (‪)World Economic Outlook‬‬ ‫** البنك الدولي (مؤشرات التنمية الدولية)‬ ‫*** صندوق النقد الدولي‪)DoTs & WeD( :‬‬ ‫**** نسبة التجارة في إجمالي الناجت احمللي – (الصادرات ‪ +‬الواردات) ‪ /‬إجمالي الناجت احمللي‬

‫النمو الفعلي إلجمالي الناجت احمللي ‪*%‬‬ ‫معدل التضخم ‪*%‬‬ ‫ميزان احلساب اجلاري ‪*%‬‬

‫‪2006‬‬

‫‪2007‬‬

‫‪2008‬‬

‫‪2009‬‬

‫‪6.9‬‬ ‫‪9.6‬‬ ‫‪-6.0‬‬

‫‪4.7‬‬ ‫‪8.8‬‬ ‫‪-5.8‬‬

‫‪0.7‬‬ ‫‪10.4‬‬ ‫‪-5.7‬‬

‫‪-4.7‬‬ ‫‪6.3‬‬ ‫‪-2.3‬‬ ‫‪35‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫هل ميكن أن تخسر الغرب واالحتاد األوروبي بسببه؟‬

‫كفاح تركيا من أجل الزعامة اإلقليمية‬ ‫يكمن خلف طبيعة السياسة اخلارجية التركية التي تبدو رجعية‪ ،‬صحوة شاملة مدروسة جيدا – صحوة جتعل قادة تركيا‬ ‫يحلمون بتحويل بالدهم إلى زعيمة إقليمية وذات دور دولي بارز‪ .‬إن احملرك احلقيقي وراء إظهار تركيا الستقاللها ليس سفينة‬ ‫مرمرة‪ ،‬التي أغارت عليها إسرائيل في طريقها إليصال مساعدات إنسانية إلى غزة‪ ،‬بل سياسات اقتصادية واعية تهدف إلى‬ ‫حتقيق أهمية دولية من خالل الزعامة اإلقليمية وهي‪ :‬حذر نقدي ومالي مستمر‪ ،‬تنويع للشركاء التجاريني ومصادر الطاقة‪،‬‬ ‫وحملة محمومة جلذب االستثمار األجنبي املباشر‪ ،‬وجهود صامتة لتوفير منطقة بديلة للتعاون االقتصادي تكون تركيا في‬ ‫محورها‪.‬‬ ‫ألبير بهادير‬ ‫«ال يجب أن يستهتر أي شخص كان بهذه األمة وأن يختبر صبر‬ ‫تركيا‪ .‬فكما أن صداقتها ثمينة‪ ،‬فإن عداءها سيكون عنيفا»‪.‬‬ ‫كانت تلك العبارة احلماسية الصادرة عن طيب أردوغان في األول‬ ‫من يونيو (حزيران) املاضي‪ ،‬في رد فعله على الهجوم اإلسرائيلي‬ ‫على القافلة التي قادتها تركيا محملة باملساعدات اإلنسانية إلى‬ ‫غزة‪ .‬كان خطاب أردوغان أمام البرملان التركي قويا وجريئا وفي بعض‬ ‫األحيان مهددا‪ .‬وسرى شعور وكأنه يقدم إجابة قوية لسؤال قائم‬ ‫عن بالده‪ :‬يبدو أن الغرب قد خسر تركيا في النهاية‪.‬‬

‫وظهرت أول إشارة على وجود أزمة في عام ‪ 2003‬عندما أدهش‬ ‫البرملان التركي الواليات املتحدة برفضه السماح للقواعد األميركية‬ ‫في تركيا بغزو العراق‪ .‬وعلى الرغم من الوصول إلى خطوة مهمة‬ ‫كبرى في الطريق إلى عضوية االحتاد األوروبي ‪ -‬حيث حازت تركيا‬ ‫لقب الترشيح الرسمي ‪ -‬في عام ‪ ،2004‬إال أن قادة تركيا أصبحوا‬ ‫أقل ترددا في التعبير عن خيبة أملهم في مماطلة االحتاد‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ ،2008‬بدأت بذور األزمة احلالية مع إسرائيل‪ ،‬وهي احلليف القدمي‪،‬‬ ‫مع هجوم إسرائيل املفاجئ على غزة‪ ،‬والذي تضمن إهانة لتركيا‬ ‫بعرقلة جهودها في التوسط من أجل الوصول إلى اتفاق سالم‬ ‫خلف الكواليس بني إسرائيل وسوريا‪ .‬وقد غادر أردوغان منصة‬ ‫منتدى دافوس بعد أن قال لشيمون بيريز أن اإلسرائيليني «يعرفون‬ ‫جيدا كيف يقتلون‪ ».‬وقبل أسبوعني فقط من الهجوم على غزة‪،‬‬ ‫صوتت تركيا والبرازيل ضد قرار مجلس األمن التابع لألمم املتحدة‬ ‫بفرض عقوبات على إيران وبدال من ذلك دفعا من أجل اتفاقية تبادل‬ ‫نووي مع الدولة املنعزلة‪.‬‬

‫عندما تولي حزب أردوغان العدالة والتنمية املؤسس حديثا السلطة‬ ‫في انتخابات حاسمة غير معتادة في عام ‪ ،2002‬لم يكن واضحا‬ ‫أن اخلالف حول «إعادة توجيه» البالد سينشأ قريبا‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫اإلسالمية ملؤسسيه األساسيني‪ ،‬إال أن حزب العدالة‬ ‫من اجلذور ٍ‬ ‫والتنمية قد خطط جلذب قاعدة عريضة‪ .‬فقد خاض االنتخابات‪،‬‬ ‫وفاز‪ ،‬ببرنامج يضع التقدم نحو عضوية االحتاد األوروبي على قمة‬ ‫من الصعب إنكار أن تركيا اليوم مختلفة متاما عما كانت عليه منذ‬ ‫أولوياته‪.‬‬

‫استثمارات أجنبية مباشرة‪ ,‬صافي االستثمارات‬

‫‪34‬‬


‫الدين احلكومي العام في االحتاد األوروبي (‪ 27‬دولة)‬

‫الدين احلكومي العام في منطقة اليورو (‪ 16‬دولة)‬

‫العام‬

‫إجمالي الدين احلكومي العام املوحد كنسبة من إجمالي الناجت احمللي‬

‫العام‬

‫إجمالي الدين احلكومي العام املوحد كنسبة من إجمالي الناجت احمللي‬

‫‪1997‬‬ ‫‪1998‬‬ ‫‪1999‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪2001‬‬ ‫‪2002‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫‪2004‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪2009‬‬

‫‪68.3‬‬ ‫‪66.4‬‬ ‫‪65.8‬‬ ‫‪61.9‬‬ ‫‪61.0‬‬ ‫‪60.4‬‬ ‫‪61.9‬‬ ‫‪62.2‬‬ ‫‪62.8‬‬ ‫‪61.4‬‬ ‫‪58.8‬‬ ‫‪61.6‬‬ ‫‪73.6‬‬

‫‪1997‬‬ ‫‪1998‬‬ ‫‪1999‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪2001‬‬ ‫‪2002‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫‪2004‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪2009‬‬

‫‪ 73.3‬‬ ‫‪ 72.9‬‬ ‫‪ 71.7‬‬ ‫‪ 69.2‬‬ ‫‪ 68.2‬‬ ‫‪68.0‬‬ ‫‪69.1‬‬ ‫‪69.5‬‬ ‫‪70.1‬‬ ‫‪68.3‬‬ ‫‪66.0‬‬ ‫‪69.4‬‬ ‫‪78.7‬‬

‫القليلة املقبلة من اخملطط أن يأتي تخفيض العجز إلى حد كبير من خالل‬ ‫النمو االقتصادي‪.‬‬

‫في احلقيقة‪ ،‬من املمكن نظريا‪ ،‬كما يقول البعض‪ ،‬أن تتمكن احلكومات من وضع‬ ‫استراتيجيات اآلن للتعامل مع مشكالت الديون طويلة املدى من دون البدء في‬ ‫بتعاف تقوده احملفزات في‬ ‫عملية التشدد املالي في وقت قريب‪ .‬سيسمح ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫األعوام القليلة املقبلة‪ ،‬وبعد ذلك ميكن أن يبدأ العمل في إجراءات لتسديد‬ ‫مستويات الديون التي ال ميكن حتملها‪ .‬ولكن هذه االستراتيجية صاحلة نظريا‬ ‫فقط‪ .‬وال ميكن ألية حكومة أن تقدم اقتراحات موثوقا بها حلل مشكلة مستويات‬ ‫الدين في املستقبل ‪ -‬مثال ملدة ثالثة أو أربعة أعوام من اآلن ‪ -‬حيث ال يعرف أحد‬ ‫من سيكون في مركز القوة في ذلك الوقت‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬إذا مت اآلن البدء‬ ‫في برنامج من أجل توحيد الديون (وتخفيضها)‪ ،‬الذي يتضمن تخفيض اإلنفاق‬ ‫التكيف من اآلن على التقشف املستقبلي‬ ‫وزيادة الضرائب‪ ،‬سيبدأ الناس في‬ ‫ُ‬ ‫مبزيد من التوفير وقليل من اإلنفاق‪ .‬وقد يحول ذلك جذريا دون تأثير برامج التحفيز‬ ‫احلالية‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬في حني متلك الواليات املتحدة عملة االحتياطي العاملي وميكنها أن تتحمل‬ ‫عبء ديون جديدة دون التسبب في زيادة التضخم وأسعار الفائدة في املستقبل‪،‬‬ ‫ال متلك احلكومات األوروبية تلك الرفاهية‪ .‬لقد ارتفعت أسعار السندات بالفعل‪،‬‬ ‫وخاصة بالنسبة للحكومات التي تعاني من عجز كبير في ميزانياتها‪ .‬باإلضافة‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬توجد تهديدات بالتضخم من سياسات االقتصاد الكلي احلالية‪ .‬وبينما‬ ‫تضخ مبالغ طائلة من املال في االقتصاد‪ ،‬يتم ادخارها بدال من نشرها‪ .‬وفي‬ ‫مرحلة ما‪ ،‬ستجد تلك األموال طريقها إلى االقتصاد األكبر‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ :‬تعد املثبتات التلقائية سياسة جيدة ملكافحة العجز الدوري‪ ،‬ولكن تأثير‬ ‫احملفزات املالية التقديرية أقل من املتوقع‪ .‬ويتضح ذلك أيضا مع الواليات املتحدة؛‬ ‫ففي اقتصاد عاملي مفتوح‪ ،‬تتسرب أموال التحفيز إلى دول أخرى في العالم‪.‬‬ ‫* فريدريك إريكسون ‪ -‬مدير املركز األوروبي لالقتصاد السياسي الدولي وأحد‬ ‫مؤسسيه‪.‬‬

‫املصدر‪ :‬البي بي سي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :،‬يحتاج كثير من دول االحتاد األوروبي إلى وضع خطط موثوق بها لتخفيض‬ ‫العجز‪ ،‬ألن املستويات املرتفعة من ديونها تسبب مشكالت‪ .‬وال يتعلق انعدام‬ ‫الثقة احلالي في األنظمة االقتصادية األوروبية بالعجز الدوري‪ .‬وبصورة عامة‪،‬‬ ‫كانت الديون املرتفعة واخملاوف من كيفية تسديد االستحقاقات املستقبلية‪،‬‬ ‫عندما يصبح السكان أكبر سنا‪ ،‬تثير القلق بالفعل قبل بداية األزمة‪ ،‬وتتزايد‬ ‫خطورتها منذ ذلك احلني‪( .‬لتذكر أن املستقبل يأتي بعد أعوام قليلة)‪ .‬ومن‬ ‫املتوقع أن يتجاوز متوسط مستوى الدين العام في االحتاد األوروبي في أقل من‬ ‫عشر سنوات ‪ % 120‬من إجمالي الناجت احمللي‪ .‬وتعد تلك أزمة دين كبيرة‪.‬‬

‫اتفاق على عدم االتفاق‬ ‫في قمة مجموعة الدول الثماني الكبرى التي عقدت في كندا في شهر‬ ‫يونيو (حزيران)‪ ،‬ساد الوضع االقتصادي العاملي واإلصالح املصرفي على جدول‬ ‫األعمال‪ .‬ووجدت أكبر األنظمة االقتصادية في العالم أنفسها منقسمة حول‬ ‫ما إذا كانت ستتخذ إجراءات تقشفية لتخفيض عجز املوازنات أو االستمرار‬ ‫في اإلنفاق احلكومي لتحفيز النمو االقتصادي‪ .‬وصرح وزير اخلزانة األميركي‬ ‫تيموثي غيتنر للبي بي سي قائال‪« :‬إن مهمتنا هي التأكد من أننا جنلس جميعا‬ ‫معا للتركيز على هذا التحدي للنمو والثقة‪ ،‬ألن النمو والثقة هائلني‪ »،‬مشيرا‬ ‫إلى معارضته لتخفيضات سريعة وكبيرة في امليزانيات األوروبية‪ ،‬وهو ما‬ ‫تقلق الواليات املتحدة من أنه قد يؤخر من عملية التعافي العاملي‪.‬‬ ‫وقد أكدت املستشارة األملانية أجنيال ميركيل قائلة‪« :‬نحتاج إلى منو مستدام‪،‬‬ ‫وال يجب أن يكون النمو وإجراءات التقشف الذكية متعارضني‪ ».‬ولكن على‬ ‫الرغم من اآلراء املتضاربة ظاهريا‪ ،‬أخبرت املستشارة الصحافيني في القمة بأن‬ ‫هناك «تفاهم متبادل» بني اجلانبني حول خطط تخفيض عجز املوازنات‪ .‬ونفى‬ ‫كاميرون أيضا وجود خالف كبير‪ ،‬في حني أنه قال إن ‪:‬اخلطر الكبير الذي تتعرض‬ ‫له أنظمتنا االقتصادية هو عدم التعامل مع عجز املوازنات‪».‬‬ ‫املصدر‪ :‬البي بي سي‪.‬‬

‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 5‬أغسطس ‪.2010‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪33‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫هل تصبح ميركل أكثر إزعاجا ألوباما من احلزب اجلمهوري؟‬

‫أملانيا وأميركا وتعارض السياسات االقتصادية‬ ‫كشف اجتماع قمة الدول الثماني الكبرى األخير عن خالف كامن بني السياسات االقتصادية التي ترجوها واشنطن وتلك‬ ‫التي تأمل فيها برلني‪ .‬وجتدر مالحظة هذين اجلانبني من املنافسة‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬يبدو أن هناك سوء فهم واضحا للسياسة التي تتبناها املستشارة األملانية أجنيال ميركل‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬يبدو أن معارضي السياسات التوسعية يستوعبون االقتصاد بصورة أوضح من اخلبراء االقتصاديني في البيت األبيض‪.‬‬ ‫وصف وينستون تشرشل روسيا ذات مرة قائال‪ :‬إنها «لغز محاط بالغموض‬ ‫داخل أحجية»‪ .‬رمبا يشعر البيت األبيض باألمر ذاته جتاه أملانيا في الوقت‬ ‫احلالي‪ .‬ال يوجد وفاق بني الرئيس أوباما واملستشارة األملانية أجنيال ميركل‪ .‬وقد‬ ‫ازداد اخلالف بني آرائهما في االستراتيجية االقتصادية احلالية في قمة الدول‬ ‫العشرين األخيرة التي عقدت في تورونتو‪ .‬ومنذ عامني‪ ،‬في إطار حملته‬ ‫االنتخابية الرئاسية‪ ،‬هتف ألوباما عدة مئات من اآلالف من األشخاص‬ ‫في بوابة براندنبيرغ في برلني‪ .‬أما اليوم‪ ،‬تقف برلني في املعارضة‬ ‫األساسية لرؤية البيت األبيض في التخطيط الكبير من أجل‬ ‫التعافي االقتصادي العاملي‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬متثل املستشارة ميركل‬ ‫تهديدا سياسيا ألوباما أكثر من احلزب اجلمهوري املتفرق أو‬ ‫حركة حفالت الشاي املزعجة‪.‬‬ ‫من املمكن إلقاء اللوم في الفوضى االقتصادية األخيرة في‬ ‫منطقة اليورو بالتأكيد‪ ،‬على أعتاب مكتب املستشارة‬ ‫األملانية‪ .‬لقد غيرت املستشارة األملانية مواقفها بشأن‬ ‫خطة إنقاذ اليونان وكيفية تنظيمها‪ ،‬مما سبب قلقا‬ ‫داع في األسواق املالية حول قدرة أوروبا على حل‬ ‫دون ٍ‬ ‫مشكالتها اخلاصة‪ .‬وكان قرار احلكومة األملانية األخير‬ ‫بحظر البيع املباشر لبعض األوراق املالية سخيفا‪.‬‬ ‫تترك مثل تلك اإلجراءات تأثيرا ضئيال عندما ميكن‬ ‫تداول األوراق بكثير من أسعار الصرف خارج أملانيا‪،‬‬ ‫وقد أثار هذا القرار املتسرع مخاوف من عدم االستقرار‬ ‫االقتصادي للشركات‪ ،‬واملصارف حتديدا‪ ،‬والذي يغطيه‬ ‫احلظر‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أوقع هذا القرار كثيرا من‬ ‫الدول والشركات األخرى في مشكالت اقتصادية‬ ‫حادة‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالعمالت اخلاصة بالسلع‬ ‫الثقيلة واألوراق املالية‪ .‬وبذلك‪ ،‬أًصبح هذا القرار‬ ‫يشبه سياسة إفقار اجلار التقليدية‪.‬‬ ‫ولكن من الصعب عدم تأييد احلكمة الكامنة في االجتاه‬ ‫الذي تقوده أملانيا من أجل االستقرار املالي الذي بدأ مؤخرا‬ ‫في أوروبا‪ .‬إن «هوس البنك االحتادي األملاني» القدمي بالتوازن‬ ‫املالي وإبعاد السياسيني عن طباعة النقود‪ ،‬هو ما يزعج‬ ‫اخلبراء االقتصاديني في البيت األبيض الذين يريدون أن‬ ‫يروا أنظمة اقتصادية أخرى كبيرة حتقق التعافي بزيادة‬ ‫العجز املالي‪ .‬بل ويذهب بعض االقتصاديني‪ ،‬مثل كاتب‬ ‫«نيويورك تاميز» بول كروغمان‪ ،‬إلى القول إن االجتاه‬ ‫اجلديد نحو التقشف سيوقف التعافي ويلقي بالعالم‬ ‫في حالة من الركود االقتصادي‪ .‬إنهم مخطئون‪،‬‬ ‫ويبرزون أيضا السياسة احلالية في صورة مزيفة‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬ال تخطط أملانيا أو أية دولة ذات اقتصاد قوي في‬ ‫االحتاد األوروبي تعاني من عجز كبير في املوازنة‪ ،‬إلى حتقيق‬ ‫توازن في سجالتها في أي وقت قريب‪ .‬وفي ظل خطط‬ ‫«التقشف» احلالية‪ ،‬ستعاني دول مثل أملانيا واململكة‬ ‫املتحدة من عجز مالي على مدار أعوام قادمة‪ .‬ويبدأ‬ ‫التشدد املالي في األساس عام ‪ ،2012‬وفي األعوام‬ ‫‪Image © Graphic News‬‬

‫‪32‬‬

‫فريدريك إريكسون‬


‫ضبط احلقوق السياسية واملدنية بتقييد الصحافة وتعريض‬ ‫الصحافيني للحبس والسماح للجهات احلكومية مبراقبة‬ ‫نشاط األحزاب السياسية‪.‬‬ ‫معضالت املشاركة‬ ‫في حني يعمل اإلخوان املسلمون جاهدين من أجل تنفيذ‬ ‫أجندتهم الشاملة في التعديالت الدستورية‪ ،‬يحاولون أيضا‬ ‫أن يفعلوا ذلك من دون التخلي عن تأكيدهم القدمي على الدين‬ ‫واألخالق واألسرة‪ .‬ويحاول اإلخوان أيضا تصوير أجندتهم‬ ‫الدينية على أنها متوافقة مع برنامج اإلصالح الشامل‪ ،‬بل‬ ‫وتعبر عنه كلية‪ .‬وترتبط بعض من القضايا الدينية التي‬ ‫يثيرونها ‪ -‬على سبيل املثال‪ ،‬حق احملجبات في التعيني في‬ ‫القنوات التليفزيونية احلكومية ‪ -‬بحق التعبير عن الرأي‬ ‫وحرية العقيدة‪ .‬وفي قضايا أخرى‪ ،‬مثل التعذيب وحرية‬ ‫الصحافة‪ ،‬يستخدم اإلخوان أولوياتهم الدينية واألخالقية‬ ‫في الدفاع عن احلريات السياسية وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من أن الكتلة البرملانية لإلخوان املسلمني‬ ‫ذات النشاط امللحوظ تتعامل مع تلك القضايا الدينية‬ ‫واألخالقية منذ عام ‪ ،2000‬فإن التشريع السياسي‬ ‫واالقتصادي واالجتماعي كان محور برنامجها وأنشطتها‪،‬‬ ‫فيما يتعلق باإلشراف واحملاوالت التشريعية‪ .‬وأحيانا ما يأتي‬ ‫وضع األولوية لتلك القضايا على حساب البرنامج الديني‬ ‫واألخالقي لإلخوان‪ ،‬الذي كان يلعب دورا مهما في املشاركة‬ ‫البرملانية للجماعة قبل عام ‪ .2000‬وفي احلقيقة‪ ،‬حتول‬ ‫برنامج اإلخوان األخالقي والديني إلى مواقف متشددة في‬ ‫قضايا املرأة ودعوات متفرقة لتطبيق نصوص الشريعة‪.‬‬ ‫ويشكل التهميش النسبي لبرنامج اإلخوان األخالقي والديني‬ ‫في البرملان حتديا خطيرا لـ»اجلماعة»؛ فكيف ميكنها حتقيق‬ ‫إصالح اجتماعي واقتصادي وسياسي في البرملان وفي الوقت‬ ‫ذاته حتافظ على أوراق اعتمادها «اإلسالمية» أمام ناخبيها‬ ‫املتدينني؟‬ ‫وعلى الرغم من أن اإلخوان قد ُمنعوا من تكوين حزبهم‬ ‫السياسي‪ ،‬فإن إحدى االستراتيجيات التي ميكن أن يتعاملوا‬ ‫بها مع اخلالف بني أجندتهم السياسية العامة والدينية‬ ‫احملددة‪ ،‬إضفاء طابع رسمي على عملهم السياسي في ظل‬ ‫هيكل مؤسسي منفصل‪ .‬وبالفعل في األعوام األخيرة‪ ،‬من‬ ‫املمكن رصد فصل وظيفي بني الكتلة البرملانية التي تتناول‬ ‫قضايا اإلصالح‪ ،‬وقيادة اجلماعة ‪ -‬املرشد األعلى ومكتب‬ ‫اإلرشاد ‪ -‬التي تعطي أولوية للقضايا األخالقية والدينية في‬ ‫التصريحات الرسمية والبيانات اإلعالمية واألنشطة األخرى‪.‬‬ ‫متساو في اخلطورة نتيجة للتأثير احملدود‬ ‫ثان‬ ‫وخرج حت ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملشاركة اإلخوان في البرملان‪ .‬من وجهة نظر كثير من ناخبي‬ ‫اإلخوان‪ ،‬لم يؤت سعي اجلماعة وراء قضايا اإلصالح في‬ ‫البرملان ثماره؛ وأثبت عدم التأكيد على القضايا األخالقية‬ ‫والدينية عدم جدواه وفشله‪ .‬ويقولون إن مشاركة اإلخوان‬ ‫في البرملان لم تفتح اجملال السياسي في مصر‪ .‬وتزايد‬ ‫شعور قيادة اإلخوان باحلاجة إلى احملاسبة على هذا التوازن‬ ‫السلبي وتبرير تلك األولوليات للجميع‪ .‬وأثار النقاش واخلالف‬ ‫الدائر حول تلك القضية في األعوام األخيرة الشكوك في‬ ‫قيمة املشاركة السياسية كهدف استراتيجي‪ ،‬خاصة لدى‬ ‫مقارنتها باألنشطة االجتماعية والدينية األشمل‪.‬‬ ‫وكانت إحدى نتائج هذا التوتر املتنامي تغير ميزان القوة‬ ‫داخل قيادة اجلماعة بني مؤيدي املشاركة السياسية وهؤال‬ ‫املهتمني بالدور االجتماعي والديني لإلخوان‪.‬‬ ‫*عمرو حمزاوي ‪ -‬مدير األبحاث وكبير الزمالء في مركز‬ ‫الشرق األوسط في مؤسسة كارنيغي للسالم الدولي‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫با�سم الأب واالبن‬ ‫ترتفع أصوات املعارضة في مصر وتتزايد جرأتها‬ ‫في األعوام األخيرة‪ .‬ومنذ عدة أسابيع مضت‪،‬‬ ‫أطلقت حركة جديدة حملة ملصقات في جميع‬ ‫أنحاء البالد تدعو إلى اختيار مرشح لبيرالي شاب‬ ‫في االنتخابات الرئاسية التي جترى في العام‬ ‫املقبل – إنه مرشح سيحقق التغيير في مصر‪.‬‬ ‫هذا املرشح هو جمال مبارك‪ ،‬ابن الرئيس‪.‬‬ ‫وينفي االئتالف الشعبي لتأييد جمال مبارك‪،‬‬ ‫الذي ينسقه مجدي الكردي العضو السابق‬ ‫في حزب التجمع‪ ،‬أية صلة بينه وبني احلزب‬ ‫الوطني الدميقراطي احلاكم‪ .‬ويؤكد الكردي على‬ ‫أن ‪ 7.000‬شخص قد انضموا إلى احلملة حتى‬ ‫اآلن وجميعهم من املتطوعني ولم يتصل أي‬ ‫منهم بجمال مبارك شخصيا أو أي شخص في‬ ‫معسكره‪ .‬وأوضح الكردي أن ما أوحى له بإطالق‬ ‫هذه احلملة هو إعجابه بسياسات جمال مبارك‬ ‫الليبرالية واقتناعه بأنه سيكون املرشح الوحيد‬ ‫الذي يحقق ملصر التغيير الذي حتتاج إليه‪ .‬وتعهد‬ ‫بأن تستمر احلملة حتى «يقتنع» جمال مبارك‬ ‫بأنه يجب أن يرشح نفسه في االنتخابات‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬سعى احلزب الوطني الدميقراطي‬ ‫إلى إعالن عدم صلته بهذه احلملة مؤكدا على أن‬ ‫املرشح الوحيد املمكن للحزب سيكون الرئيس‬ ‫مبارك ذاته‪ .‬وأوضح بعض األعضاء في احلزب‬ ‫الوطني أن ائتالف تأييد جمال مبارك هو حركة‬ ‫شعبية مستقلة ومنوذج للخطاب الدميقراطي‬ ‫الصحي في البالد‪.‬‬ ‫وقد القى ائتالف تأييد جمال مبارك ردود أفعال‬ ‫أكثر حدة من رموز املعارضة‪ ،‬الذين كانوا يخشون‬ ‫ويعارضون منذ أعوام وحتى اآلن توريث السلطة‪.‬‬ ‫أطلق حزب الغد املعارض‪ ،‬بقيادة أمين نور املرشح‬ ‫الرئاسي في عام ‪ ،2005‬حملة مضادة بنوزيع آالف‬ ‫امللصقات حول القاهرة ومدن مصرية أخرى تظهر‬ ‫فيها صورة جمال مبارك وعليها عالمة ‪ ،X‬وعبارة‬ ‫«مصر كبيرة عليك»‪.‬‬ ‫وفي تعارض صارخ مع األسلوب املتحرر جتاه‬ ‫ائتالف تأييد جمال مبارك‪ ،‬مزقت قوات األمن‬ ‫تلك املصلقات وتعقبت نشطاء حزب الغد الذين‬ ‫شوهدوا وهم يلصقونها واعتقلتهم‪ .‬وتعهدت‬ ‫رموز املعارضة باالستمرار في معركتها ضد‬ ‫ترشيح جمال مبارك‪ .‬وعلى الرغم من اجلهود التي‬ ‫يبذلونها‪ ،‬من الواضح بدء عملية تأمني انتقال‬ ‫السلطة من األب إلى االبن‪ ،‬وأن هناك عناصر‬ ‫كافية في النظام لضمان حتقيق هذا االنتقال‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫احلكومة‪ ،‬وضمانات للحريات الشخصية‪.‬‬ ‫اإلخوان في البرملان‬ ‫يجب النظر إلى النشاط البرملاني األخير جلماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني على خلفية من وجودها البرملاني املتنامي‪ .‬فبعد‬ ‫أن كانوا ‪ 17‬عضوا في دورة ‪ ،2005 - 2000‬ميثل اإلخوان‬ ‫املسلمني ‪ 88‬عضوا في الدورة البرملانية احلالية ‪- 2005‬‬ ‫‪ ،2010‬ليحتلوا املرتبة الثانية بعد احلزب الوطني الدميقراطي‬ ‫(احلاكم) مباشرة‪ .‬ويعد هذا الوجود البرملاني املتزايد سببا‬ ‫مهما في تزايد نشاط اجلماعة البرملاني‪.‬‬ ‫وقد حتولت طبيعة البرنامج البرملاني للجماعة خالل العقود‬ ‫الثالثة املاضية‪ :‬حيث حلت محل الدعوات بتطبيق الشريعة‬ ‫وتشجيع القيم الدينية واألخالقية التي وضعتها كتلة‬ ‫اإلخوان كأولوية حتى التسعينات‪ ،‬قضايا اإلصالح القانوني‬ ‫والسياسي‪ ،‬وسياسات اجتماعية واقتصادية وانتهاكات‬ ‫حقوق اإلنسان في مجلس الشعب لدورتي ‪2005 - 2000‬‬ ‫و‪ .2010 - 2005‬وعلى الرغم من أن األولويات الدينية‬ ‫املعتمدة على الشريعة ما زالت عناصر أساسية في األنشطة‬ ‫البرملانية لإلخوان‪ ،‬فإن أهميتها في تشكيل برنامج اجلماعة‬ ‫يتضاءل تدريجيا‪ .‬وتظل عناصر أخرى دون تغيير‪،‬‬ ‫مثل االنشغال مبحاسبة احلكومة وإجراءات‬ ‫مكافحة الفساد‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من تزايد حجمهم‬ ‫وتركيزهم العملي‪ ،‬من املهم عدم‬ ‫املبالغة فيما ميكن أن يحققه النواب‬ ‫البرملانيون لإلخوان املسلمني‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن وجود اجلماعة‬ ‫املستمر تقريبا في البرملان منذ‬ ‫أواخر السبعينات سمح لنوابها‬ ‫بامتالك أدوات رقابية شاملة‬ ‫باإلضافة إلى قدرة جماعية على‬ ‫حتدي احلكومة‪ ،‬فإن تأثيرها على‬ ‫العملية التشريعية ضئيل للغاية‪.‬‬ ‫ويرتبط عجز اإلخوان عن مترير تشريع‬ ‫من برنامجها االنتخابي بقبضة احلزب‬ ‫الوطني الدميقراطي امل حُكمة على العملية‬ ‫التشريعية‪ ،‬حيث حتتفظ بإصرار على أغلبية‬ ‫مريحة تقدر بثلثي املقاعد في جميع الدورات‬ ‫البرملانية منذ عام ‪ .1976‬وحتى في الدورة البرملانية احلالية‪،‬‬ ‫على الرغم من الزيادة الكبيرة حلجم متثيل اإلخوان املسلمني‬ ‫خمس عدد املقاعد‪ ،‬يستحوذ احلزب الوطني‬ ‫ليصل إلى ُ‬ ‫على ثالثة أرباع املقاعد‪ ،‬ويظل تقريبا من دون منافسة في‬ ‫تشكيله جمللس الوزراء ومترير مسودة التشريعات‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق من األداء اإلشرافي القوي والتأثير التشريعي‬ ‫الضعيف‪ ،‬تتركز األنشطة البرملانية التي ميارسها اإلخوان‬ ‫املسلمون في األعوام األخيرة على خمسة دعائم‪ :‬التعديالت‬ ‫الدستورية والقانونية‪ ،‬واإلصالح السياسي‪ ،‬والتشريع‬ ‫االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬والتشريع الديني واألخالقي‪ ،‬وحقوق‬ ‫املرأة‪.‬‬ ‫وبصفة عامة‪ ،‬لقد طورت الكتلة البرملانية لإلخوان املسلمني‬ ‫مجموعتها اخلاصة من املقترحات من أجل إصالح النظام‬ ‫الدستوري في مصر‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬قدمت نقدا للتعديالت‬ ‫الدستورية التي اقترحها النظام‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬احتلت قضية‬ ‫التعديالت الدستورية مكانة بارزة في النقاشات والبرامج‬ ‫التي تبنتها أطراف سياسية كثيرة في مصر منذ عام ‪.2002‬‬ ‫وفي اإلعداد لسباق االنتخابات الرئاسية والبرملانية التي‬ ‫‪30‬‬

‫أجريت عام ‪ ،2005‬اقترح الرئيس مبارك تعديال على املادة ‪76‬‬ ‫من الدستور يسمح بإجراء انتخابات رئاسية بني مرشحني‬ ‫متعددين‪ .‬وبذلك‪ ،‬بدا وكأنه يستسلم ملطالب املعارضة‬ ‫بالتخلي عن النظام القدمي املستمر منذ عقود حيث يتم‬ ‫إجراء استفتاء شعبي جملرد التصديق على مرشح النظام‬ ‫للرئاسة‪ .‬ولكن عارض اإلخوان املسلمون التعديل ووصفوه‬ ‫بأنه غير كاف‪ .‬وبعد ذلك دعوا إلى مقاطعة االستفتاء‬ ‫للتصديق على التعديل في مايو (أيار) ‪ ،2005‬ألنه يعوق‬ ‫قدرة املستقلني واألحزاب املعارضة على التقدم مبرشحني‪.‬‬ ‫وعلى وجه التحديد‪ ،‬يجب على األحزاب السياسية ‪ -‬التي‬ ‫تأسست قبل تنفيذ التعديل بخمس سنوات ‪ -‬الراغبة في‬ ‫التقدم مبرشح رئاسي أن يكون لها على األقل خمسة في‬ ‫املائة من مقاعد البرملان‪ .‬ويشترط على املستقلني على وجه‬ ‫التحديد أن يحصلوا على تأييد ‪ 250‬عضوا منتخبا من‬ ‫أعضاء مجلس الشعب ومجلس الشورى واجملالس احمللية‪.‬‬ ‫واستمر اإلخوان املسلمون في معارضتهم للتعديالت‬ ‫الدستورية التي اقترحها الرئيس واحلزب الوطني الدميقراطي‬ ‫أثناء الدورة البرملانية ‪ .2010 - 2005‬ووقعت أكبر معركة‬ ‫حول مجموعة كبيرة من التعديالت املقترحة من الرئيس في‬ ‫عامي ‪ 2006‬و‪.2007‬‬ ‫وفي ‪ 26‬ديسمبر (كانون األول) عام‬ ‫‪ ،2006‬دعا الرئيس حسني مبارك‬ ‫إلى إجراء تعديالت على ‪ 34‬مادة‬ ‫دستورية حلظر تأسيس األحزاب‬ ‫من‬ ‫مزيد‬ ‫وإدخال‬ ‫الدينية‬ ‫التغييرات على قوانني االنتخابات‬ ‫التشريعية والرئاسية‪ ،‬دون وضع‬ ‫حد لفترة الرئاسة‪ .‬ومن بني‬ ‫التعديالت البالغ عددها ‪ 34‬التي‬ ‫مت إقرارها‪ ،‬ركزت كتلة اإلخوان‬ ‫البرملانية هجومها على عدد من‬ ‫العناصر‪ ،‬فسرتها على أنها تقيد‬ ‫احلريات السياسية وتعوق نشاطها‬ ‫السياسي‪.‬‬ ‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬رفض اإلخوان املسلمون‬ ‫التعديالت التي حتظر تكوين أحزاب وأنشطة‬ ‫سياسية ذات أساس ديني‪ ،‬وهي ما تقيد بوضوح‬ ‫مشاركة اإلخوان في احلياة السياسية وتعرقل حتولها إلى‬ ‫حزب قانوني‪ .‬واعتبر اإلخوان احلظر غير متفق على اإلطالق‬ ‫مع الدستور القائم الذي ينص على أن اإلسالم هو دين الدولة‬ ‫وأن الشريعة اإلسالمية هي املصدر الرئيسي للتشريع‪.‬‬ ‫وانتقدت اجلماعة أيضا التعديل الذي يضع أساسا لنظام‬ ‫نسبي في االنتخابات التشريعية‪ ،‬ويشير إلى أن املصريني‬ ‫لن يتمكنوا من التصويت لصالح أفراد‪ ،‬بل لقوائم حزبية‬ ‫بدال من ذلك‪ .‬وقالوا إن هذا التعديل يزيد من إبعاد اإلخوان‬ ‫عن احلياة السياسية االنتخابية املنتظمة‪ .‬وإضافة إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬مت أيضا رفض تعديل املادة ‪ 88‬الذي يحد من اإلشراف‬ ‫القضائي على االنتخابات بتشكيل جلان إشراف خاصة‬ ‫مكونة من قضاة ومسؤولني سابقني في احلكومة‪ .‬واتهم‬ ‫اإلخوان النظام اجلديد بأنه سيزيد من فرص تزوير االنتخابات‬ ‫واالستغالل‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬رفضوا أيضا التعديالت التي‬ ‫تسمح بتطبيق قانون اإلرهاب‪ .‬وانضم اإلخوان املسلمون‬ ‫إلى مهاجمي املعارضة اآلخرين‪ ،‬حيث قالوا إن تطبيق هذا‬ ‫التعديل سيسمح للنظام بأن يستبدل بحالة الطوارئ‬ ‫املستمرة منذ فترة طويلة مجموعة جديدة من األدوات‬ ‫القانونية الدائمة التي تهدف إلى تقييد احلياة السياسية‪.‬‬ ‫وتؤكد التعديالت الدستورية على حق وزارة الداخلية في‬


‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪29‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫رغم زيادة متثيل اجلماعة في البرملان‬

‫تأثير محدود لإلخوان على‬

‫احلياة السياسية املصرية‬ ‫على الرغم من رفض اإلخوان املسلمني األولي لتبني املشاركة السياسية‪ ،‬فإن حجم متثيل اجلماعة في البرملان بدأ في النمو‬ ‫في الدورات األخيرة‪ ،‬وتتزايد مشاركتهم في الشؤون السياسية‪ .‬ولكن ال يزال تأثير اجلماعة على البيئة السياسية املصرية‬ ‫محدودا‪ ،‬وبخاصة مع تأكيدها املستمر على الدين واألخالق واألسرة‪.‬‬ ‫عمرو حمزاوي‬

‫على مدار عقود من تأسيسها‪ ،‬تتخذ جماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫موقفا متناقضا من املشاركة السياسية‪ .‬وفي حني كانت‬ ‫تتجاهل الشؤون السياسية الرسمية بصورة كبيرة منذ‬ ‫العشرينات وحتى السبعينات من القرن املاضي‪ ،‬فإنها بدأت‬ ‫تشترك في السياسة املصرية بدرجة كبيرة وأصبح لها عدد‬ ‫متزايد من النواب في البرملان املصري‪ .‬ولكن تتركز اخلالفات‬ ‫داخل اجلماعة حول كيفية تقدمي اجلهود السياسية ألجندة‬ ‫اإلخوان الشاملة في البيئة السياسية املصرية املتحولة‪.‬‬ ‫وتطلق دعوات االنسحاب الكامل من السياسة فقط على‬ ‫هامش اجلماعة‪ ،‬باإلضافة إلى بعض من مهاجميها‪ .‬ولكن‬ ‫إذا كان هناك إجماع داخلي على وجوب استمرار مشاركة‬ ‫اإلخوان املسلمني جزئيا في احلياة السياسية‪ ،‬فقد اختلف‬ ‫القادة على حجم هذه املشاركة السياسية‪ ،‬وما هي‬ ‫الصور التي يجب أن تكون عليها‪ ،‬وكيف ميكن ربط النشاط‬ ‫السياسي بأهداف اإلخوان املسلمني لإلصالح على املدى‬ ‫البعيد‪.‬‬ ‫ويتعقد اخلالف حول املشاركة السياسية بسبب صعوبة‬ ‫العالقات مع األطراف السياسية األخرى‪ ،‬من النظام احلاكم‬ ‫إلى أحزاب املعارضة واحلركات االحتجاجية‪ .‬وخوفا من‬ ‫القمع الذي ميارسه النظام‪ ،‬جتنب اإلخوان املسلمون بوعي‬ ‫اإلشارة إلى عزمهم على حتدي متسك النظام باحلكم‪ .‬وظلت‬ ‫اجلماعة بالتالي رافضة إلقامة حتالفات رسمية أو انتخابية‬ ‫مع أطراف املعارضة األخرى‪ .‬ويثبت هذا الوعي في مشاركة‬ ‫اإلخوان احملدودة ذاتيا في االنتخابات البرملانية التي أجريت عام‬ ‫‪ ،2005‬عندما تقدموا مبرشحني في أقل من ثلثي الدوائر‬ ‫االنتخابية‪ ،‬وكأنهم يبعثون برسالة تفيد بأنهم ال يسعون‬ ‫إلى حتدي األغلبية التي يستحوذ عليها احلزب الوطني وتبلغ‬ ‫ثلثي املقاعد في مجلس الشعب‪.‬‬ ‫وتتميز العالقات بني اإلخوان وأحزاب املعارضة األخرى بأنها‬ ‫أقل عداء‪ ،‬ولكنها تتسم أيضا بتراث قدمي من انعدام ثقة‬ ‫متبادل‪ ،‬مما يقيد من محاوالتهم في حتقيق االنسجام بني‬ ‫املواقف السياسية وتنسيق النشاط‪ .‬ويستمر شعور كل من‬ ‫األحزاب الليبرالية واليسارية وكذلك احلركات االحتجاجية‬

‫‪28‬‬

‫بالقلق البالغ حيال املواقف الغامضة التي يتبناها اإلخوان‬ ‫بشأن املساواة في حقوق املواطنة بني املسلمني واألقباط‪،‬‬ ‫وأيضا موقفهم بشأن حقوق املرأة‪ .‬ويتخوف الشركاء‬ ‫احملتملون من التأثيرات السلبية الناجتة عن مواد الشريعة‬ ‫املتعلقة بحرية التعبير والتعددية‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬أزعجتهم‬ ‫أيضا التناقضات بني املرجعية اإلسالمية لإلخوان والدعائم‬ ‫الدستورية للحياة السياسية املصرية‪.‬‬ ‫ومن جانبهم‪ ،‬يجد اإلخوان املسلمون أسبابا مشروعة لعدم‬ ‫الثقة في مواقف أطراف املعارضة األخرى‪ .‬وقد عارضت بعض‬ ‫األحزاب القانونية‪ ،‬مثل حزب التجمع اليساري‪ ،‬مشاركة‬ ‫اإلسالميني في احلياة السياسية‪ ،‬وبذلك حتالف مع النظام‬ ‫للحد من املساحة السياسية التي يشغلها اإلخوان‪ .‬وفي‬ ‫كثير من املواقف‪ ،‬صادقت قيادة التجمع على إجراءات‬ ‫حكومية قمعية ضد اإلخوان املسلمني‪ ،‬مبررة ذلك بأنها‬ ‫تستهدف منظمة غير دميقراطية‪ .‬وأصبحت أحزاب أخرى‬ ‫أقل إظهارا للعداء‪ ،‬ولكنها تنأى بذاتها عن اإلخوان في فترات‬ ‫املمارسات القمعية للنظام‪.‬‬

‫على الرغم من تزايد عددهم وتركيزهم العملي‪،‬‬ ‫إال أنه من املهم عدم املبالغة في تقدير ما‬ ‫يستيطيع أن يحققه نواب اإلخوان في البرملان‬ ‫لكن إذا كانت إجنازات التحالف محدودة‪ ،‬فإنها خلفت بعض‬ ‫اآلثار احلقيقية على مواقف اإلخوان‪ .‬ومنذ عام ‪،2002‬‬ ‫قوي برنامج اجلماعة في اإلصالح االجتماعي واالقتصادي‬ ‫والسياسي نتيجة بحث اإلخوان املسلمني اجلزئي عن أساس‬ ‫مشترك مع أحزاب املعارضة‪ .‬وفي بيانات رسمية علنية‬ ‫ على سبيل املثال‪ ،‬مبادرة اإلصالح عام ‪ 2004‬والبرنامج‬‫االنتخابي عام ‪ - 2005‬يحاكي البرنامج االنتخابي لإلخوان‬ ‫املسلمني برامج األحزاب الليبرالية واليسارية‪ ،‬حيث يدعو‬ ‫إلى إجراء تعديالت دستورية وإصالحات دميقراطية‪ ،‬ومحاسبة‬


‫املتحدة في عام ‪ 1985‬والذي شعر باخلوف فعاد بعدها إلى موسكو‪ .‬وفي‬ ‫الغرب‪ ،‬اقتصرت القصة على عدة نقاط محورية‪ :‬أميركا ترحب بالفارين‪،‬‬ ‫وتعاملهم على نحو طيب ولكنها ال تأخذهم كرهائن‪ .‬ميثل االختفاء داخل‬ ‫الواليات املتحدة خيارا جذابا ومربحا ولكنك تستطيع دائما التراجع‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬قدمت طهران نسخة مختلفة متاما لوقائع القصة‪.‬‬ ‫فسرعان ما نفت الرواية األميركية بأن أميري قد فر إلى الواليات‬ ‫املتحدة مؤكدة أن العالم سافر عدة مرات من قبل وأنه إذا كانت‬ ‫يعتزم الهروب لكان قد فعل ذلك من قبل‪ .‬واتهمت طهران العمالء‬ ‫األميركيني باختطاف أميري‪ ،‬وهي املزاعم التي أكدها أميري‪ .‬وقد‬ ‫أخبر الباحث الذي يصف نفسه بأنه «رجل عادي» ليست لديه‬ ‫أي معلومات حول برنامج إيران النووي الصحافة بأنه مت اختطافه‬ ‫واحتجازه وتعذيبه لعدة مرات‪.‬‬ ‫وفي نفس الوقت‪ ،‬تنظر وكالة أنباء «فارس» اإليرانية إلى‬ ‫القضية برمتها باعتبارها نصرا لالستخبارات اإليرانية‪ .‬حيث‬ ‫ذكرت أن اميري كان عميال مزدوجا يبيع معلومات زائفة فيما يجمع‬ ‫مجموعات استخباراية حيوية حول االستخبارات األميركية لصالح‬ ‫احلرس الثوري اإليراني‪ .‬وقد قوبلت تلك التصريحات بالشكوك فكما‬ ‫يقول أراش أراميش‪« :‬ال أعتقد أنه كان جاسوسا إيرانيا رغم أن ذلك‬ ‫ليس مستحيال‪ .‬فإيران حتاول أن تقول إن أميري قدم معلومات مهمة حول‬ ‫االستخبارات األميركية‪ .‬وهذه هي طريقتهم لكي يقولوا إنهم تغلبوا‬ ‫على قوة االستخبارات األميركية»‪.‬‬ ‫ومن املستحيل أن جنزم مبا إذا كان أميري هو عميل مزدوج أو هارب أو مجرد‬ ‫«رجل عادي» ولكن املؤكد أن اختفائه قد تزامن مع تزايد ضغوط واشنطن‬ ‫على طهران لكي تتخلى عن طموحاتها النووية‪ ،‬وتزايد تلميحات‬ ‫االستخبارات األميركية بأن إيران قد اقتربت من احلصول على قنبلة نووية‪.‬‬ ‫فقد تزايدت اخملاوف بشأن مساعي إيران للحصول على قنبلة نووية إلى‬ ‫حد بعيد خالل العام املاضي‪ .‬فقد كانت هناك التصريحات التي كشفت‬ ‫عن منشأة تخصيب اليورانيوم السرية في «قم»‪ ،‬باإلضافة إلى تقارير‬ ‫الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي تؤكد أن إيران لديها اخلبرة الكافية‬ ‫لبناء قنبلة نووية‪ ،‬واملؤشرات بأن إيران تعمل على تخصيب اليورانيوم‬ ‫بكميات أكبر من حاجتها‪ .‬وقد وصفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية‬ ‫األجندة النووية اإليرانية بأنها «مدعاة للقلق»‪ .‬وحتى موسكو‪ ،‬احلليف‬ ‫القريب من طهران‪ ،‬ساندت اجلولة الرابعة من العقوبات ضد إيران في مايو‬ ‫(أيار) من العام اجلاري‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فقد أنكرت طهران تلك املزاعم‪ .‬وأكد أحمدي جناد الطبيعة‬ ‫السلمية لبرنامج إيران النووي‪ ،‬باإلضافة إلى حق إيران في تخصيب‬ ‫اليورانيوم‪ .‬وبخالف اخلطاب الصريح‪ ،‬هناك مؤشرات أخرى على نوايا إيران‬

‫السلمية؛ منها تقرير االستخبارات الوطنية األميركية الذي صدر عام‬ ‫‪ 2007‬الذي يذكر أن إيران أوقفت مساعي احلصول على رؤوس نووية عام‬ ‫‪.2003‬‬ ‫ورغم استمرار ضغوط اجملتمع الدولي على إيران‪ ،‬فسوف يتجه االنتباه خالل‬ ‫الشهر املقبل إلى نتائج النسخة املعدلة من تقرير االستخبارات الوطنية‬ ‫األميركية‪ .‬حيث مت استخالص بعض اإلشارات من التحليالت االستخبارية‬ ‫تفيد بأن التقرير يحتوي على معلومات جديدة تؤيد املزاعم باقتراب إيران‬ ‫من احلصول على قنبلة نووية‪ .‬وهنا ميكن أن نرى التداعيات األكثر مباشرة‬ ‫لقصة أميري‪ .‬فتعتقد منال لطفي الصحافية بـ«الشرق األوسط» وفقا‬ ‫ملا قالته لـ«اجمللة»‪« :‬إذا أكدت الواليات املتحدة أن لديها أدلة على أن إيران‬ ‫تسعى للحصول على برنامج نووي عسكري‪ ،‬فبإمكان طهران أن تقول إن‬ ‫ذلك الدليل مت تسريبه إلى االستخبارات األميركية عبر العمالء اإليرانيني‬ ‫املزدوجني»‪ .‬ومن املرجح أن تثير مثل تلك التأكيدات سخرية اجملتمع الدولي‬ ‫ولكن إذا ما أعلن أوباما عن نتائج تقرير االستخبارات الوطنية الذي قال إنه‬ ‫من احملتمل أن يتم اإلعالن عنه فإن حلفاءه رمبا يفكرون مرتني قبل اتخاذ أي‬ ‫خطوة عسكرية ضد إيران ‪ -‬وهناك بالفعل أوجه تشابه يتم اإلشارة إليها‬ ‫بني أميري وعملية رافد أحمد علوان املعروف في دوائر االستخبارات باسم‬ ‫كرفبول التي سبقت غزو العراق‪.‬‬ ‫على أية حال‪ ،‬فإنه من غير املرجح أن تستخدم الواليات املتحدة التقرير‬ ‫احلديث لكي تتمكن من شن هجمة عسكرية ضد إيران نظرا ألن نفس‬ ‫احملللني الذين قدموا تقرير االستخبارات الوطنية عام ‪( 2007‬الذين‬ ‫استبعدوا اخليار العسكري) هم نفس احملللني الذين يتحدثون حول وجود‬ ‫أدلة جديدة تخالف مزاعم تقرير ‪ .2007‬وعلى الرغم من أن هؤالء احملللني‬ ‫لديهم ثقة في أن أوباما سوف يتجنب اخليار العسكري‪ ،‬فإنهم يدركون‬ ‫أن معرفته بأنه ميتلك كافة اخليارات على الطاولة سوف يعزز من موقفه‪.‬‬ ‫وإذا لم يفعلوا ذلك‪ ،‬فرمبا تساعد زيادة العقوبات املفروضة على إيران‬ ‫في حثها على إنهاء تلك املهمة‪ .‬على أية حال‪ ،‬فرمبا تشير الضجة التي‬ ‫تثيرها طهران إلى عكس ذلك‪ .‬فوزارة اخلارجية تتوق إلى العودة إلى طاولة‬ ‫املفاوضات في أغسطس (آب)‪ .‬ولكن موقف كل من واشنطن وطهران‬ ‫في املفاوضات يعتمد على نتائج ومصداقية تقرير االستخبارات الوطنية‪.‬‬ ‫ماذا عن شهرام أميري؟ حسنا‪ ،‬رمبا يكون قد اس ُتقبل كاألبطال في طهران‪،‬‬ ‫ولكنه من املرجح أن يتعرض ألشهر من االستجواب بعد تفرق اجلماهير‪.‬‬ ‫وكما قال منوشهر متقي‪« :‬سوف تتوقف إيران عن االحتفاء ببطولة‬ ‫أميري حتى يعترف بأنه مت اختطافه»‪ .‬ورمبا يكون ذلك هو أكبر إشارة إلى‬ ‫أن أميري قد هرب بالفعل‪ .‬وفي مثل تلك القضايا‪ ،‬فإن مستقبله رمبا‬ ‫يعتمد اآلن حول مدى إفادته للهيئات االستخبارية اإليرانية‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 17‬يوليو ‪.2010‬‬

‫تفكيك برنامج �إيران النووي‬ ‫في أعقاب حادثة حسن بور‪ ،‬أنشأت االستخبارات األميركية برنامجا سريا في ‪ 2005‬مت تصمميه لتفكيك برنامج التسلح النووي‬ ‫اإليراني من خالل إقناع املسؤولني األساسيني باخلروج من إيران‪ ،‬وهي اجلهود التي أسفرت عن رحيل بعضهم‪ ،‬وفقا ملا قاله مسؤولون‬ ‫حاليون وسابقون باالستخبارات‪.‬‬ ‫ووفقا لـ «غالف نيوز» فإن البرنامج الذي كان سريا قبل ذلك والذي أطلق عليه املسؤولون باالستخبارات اسم «برين درين» هو جزء‬ ‫من مساعي االستخبارات احلثيثة ضد إيران بأوامر من البيت األبيض‪ .‬وبالرغم من أن مساعي االستخبارات في استقطاب املسؤولني‬ ‫كانت تستهدف في جانب منها احلصول على املعلومات حول قدرات طهران النووية فإن هدفها كان هو احلد من قدرات إيران الناشئة‬ ‫من خالل استقطاب العلماء األساسيني واملسؤولني باجليش وغيرهم من األشخاص ذوي اإلطالع على البرنامج النووي‪.‬‬ ‫وفي البداية‪ ،‬حقق البرنامج جناحا محدودا‪ .‬حيث لم يكن املتعاونون األوائل في موقع يسمح لهم بتقدمي معلومات شاملة حول‬ ‫برنامج طهران النووي‪ .‬ومع ذلك فإن مقال نشرته نيويورك بوست في يوليو (متوز) قال إن حوالي عشرة من قوات احلرس الثوري قد‬ ‫أبدوا تعاونا بالفعل ويعيشون حاليا في الواليات املتحدة‪.‬‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪27‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫وفاة غام�ضة‬ ‫في ‪ 21‬من يناير (كانون الثاني) ‪ ،2007‬أعلنت «إذاعة‬ ‫فردا» نقال عن وكالة أنباء إيرانية رسمية أن العالم‬ ‫اإليراني أردشير حسن بور الذي يبلغ ‪ 44‬عاما توفي جراء‬ ‫تسمم بالغاز‪« .‬إذاعة فردا» هي محطة إذاعية ترعاها‬ ‫الواليات املتحدة وتبث باللغة الفارسية في إيران‪ .‬وأفاد‬ ‫البيان إنه وفقا لبعض الوكاالت اإلخبارية فإن حسن بور‬ ‫كان يعمل في منشأة أصفهان لتحويل اليورانيوم وهي‬ ‫املنشأة اإليرانية الوحيدة التي كان يتم حتويل اليورانيوم‬ ‫فيها إلى سداسي فلوريد اليورانيوم الغازي واملستخدم‬ ‫في عملية تخصيب اليورانيوم‪.‬‬

‫وإذا كان حسن بور – رغم املزاعم اإليرانية بعكس ذلك‪ -‬العبا‬ ‫أساسيا في ذلك البرنامج فإن وفاته رمبا متثل نكسة كبرى‬ ‫للقطاع النووي اإليراني‪ .‬باإلضافة إلى أنه إذا كانت وفاته‬ ‫مثيرة للشكوك فإن املسؤولني اإليرانيني ميكن أن يروا موته‬ ‫باعتباره حلقة في سلسلة من اجلهود اخلارجية املكثفة‬ ‫للتأثير على املسار النووي للبالد‪.‬‬ ‫ووفقا لقصة نشرتها التليغراف في فبراير (شباط) ‪،2009‬‬ ‫أشارت اإلشاعات إلى أن املوساد اإلسرائيلي كان وراء وفاة‬ ‫أرشدير حسن بور‪ ،‬من كبار العلماء النووي في مفاعل‬ ‫أصفهان لليورانيوم‪ ،‬والذي توفي «متسمما بالغاز» في‬ ‫مالبسات غامضة في ‪.2007‬‬ ‫وفي حادثة وقعت مؤخرا‪ ،‬قتل عالم الفيزياء مسعود علي‬ ‫محمدي في طهران في يناير (كانون الثاني) ‪ 2010‬فيما‬ ‫وصفته وسائل اإلعالم اإليرانية الرسمية بأنه قنبلة يتم‬ ‫تفجيرها عن بعد كان حتملها دراجة بخارية‪ .‬كان محمدي‬ ‫يعمل في جامعة طهران حيث كان متخصصا في الفيزياء‬ ‫الكمية وهو اجملال املرتبط ببرنامج إيران النووي‪ .‬وبالرغم من‬ ‫أن إيران كانت غارقة في التوترات السياسية الداخلية‪ ،‬فإن‬ ‫مثل تلك التفجيرات ال يتم اإلعالن عنها‪.‬‬ ‫وفي البداية ألقت وسائل اإلعالم الرسمية اإليرانية باللوم‬ ‫على الواليات املتحدة وإسرائيل وهما الهدفني الدائمني‬ ‫للذم‪ ،‬ولكن الواليات املتحدة نفت تلك التهم ووصفتها‬ ‫بأنها «سخف»‪ .‬والحقا قالت وسائل اإلعالم اإليرانية‬ ‫إن اجلماعات امللكية التي ساندت خلع الشاه في ‪1979‬‬ ‫أعلنت مسؤوليتها عن احلادث‪ .‬فيما قال معارضو احلكومة‪،‬‬ ‫«الثورة اخلضراء»‪ ،‬إن امللكيني أنكروا تلك التهم‪ .‬وما‬ ‫زالت احلقائق قليلة ويحاول احملللون ملء الثغرات من خالل‬ ‫االستعانة باخليال والتكهنات‪ .‬وما زالت التساؤالت حتيط‬ ‫تلك بتلك الهجمات الغامضة‪ ،‬ولكن أكثرهم إحلاحا هما‪:‬‬ ‫من الذي فعل ذلك وملاذا؟‬

‫‪26‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫وبناء على التقارير املنشورة‪ ،‬لم يكن من املمكن حتديد‬ ‫املالبسات احلقيقية احمليطة بوفاة حسن بور‪ ،‬أو الدور الذي‬ ‫كان يلعبه في الشؤون النووية اإليرانية‪ .‬كما أنه لم يكن‬ ‫من املمكن التأكد من السبب الذي دفع وسائل اإلعالم‬ ‫الغربية – بدءا من إذاعة فردا في ‪ 21‬يناير (كانون الثاني)‪-‬‬ ‫إلى االستمرار في الربط بني وفاة العالم الشاب وبرنامج‬ ‫إيران النووي‪.‬‬

‫واشنطن العاصمة وقد ازداد وزنه‪ .‬وبخالف تلك احلقائق هناك العديد من‬ ‫األسئلة التي ما زالت دون إجابة‪ .‬مما الشك فيه‪ ،‬وكما يقول أراش أراميش‬ ‫الباحث مبؤسسة القرن بواشنطن للمجلة‪« :‬ال أحد يعرف حقيقة ما حدث‬ ‫بخالف رجال االستخبارات األميركية واإليرانية»‪ .‬وحتى الوقت الراهن‪ ،‬فإن‬ ‫كل ما نستطيع عمله هو أن نضع بعض االفتراضات بناء على عدد من‬ ‫احلقائق وقدر من التكهنات‪.‬‬ ‫من جانبها‪ ،‬التزمت الواليات املتحدة األميركية الصمت بشأن تلك‬ ‫القصة‪ .‬وفي تصريح رسمي في ‪ 13‬من يوليو (متوز)‪ ،‬قالت وزيرة اخلارجية‬ ‫األميركية هيالري كلينتون إن أميري كان في الواليات املتحدة بإرادته احلرة‬ ‫وأنه كان يتمتع مبطلق احلرية في مغادرتها‪ .‬حيث يزعم أن أميري قد فر في‬ ‫‪ 2009‬ثم غير رأيه‪ .‬وليس مفاجئ إن تلك النقطة هي أكثر النقاط التي‬ ‫جذبت انتباه وسائل اإلعالم الغربية‪ .‬حيث مت عقد مقارنات بينه وبينه‬ ‫ضابط االستخبارات الروسي فتالي يورشينكو الذي سافر إلى الواليات‬

‫كشفت تصريحات عن منشأة تخصيب‬ ‫اليورانيوم السرية في «قم»‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية‬ ‫والتي تؤكد أن إيران لديها اخلبرة الكافية‬ ‫لبناء قنبلة نووية‪ ،‬واملؤشرات بأن إيران‬ ‫تعمل على تخصيب اليورانيوم بكميات‬ ‫أكبر من حاجتها‪.‬‬


‫استقبل كاألبطال‬ ‫في إيران ووصفته‬ ‫واشنطن بـ«الهارب»‬

‫الربنامج النووي قبل الثورة‬

‫شهرام أميري‬ ‫رجل طهران الغامض‬ ‫شهرام أميري‪ ،‬بحسب وصفه لنفسه هو مجرد «رجل‬ ‫عادي»‪ .‬ولكن قصة حياته تشير إلى غير ذلك؛ فقد عاد‬ ‫العالم اإليراني مؤخرا إلى إيران بعد قضاء ثالثة عشر شهرا‬ ‫في الواليات املتحدة‪ .‬وما زالت حقيقة ما حدث خالل تلك‬ ‫األشهر مثار جدل بني واشنطن وطهران‪ ،‬وهو اجلدل الذي ميكن‬ ‫أن تصبح له تداعيات خطيرة عندما يعود اجلانبان لطاولة‬ ‫املفاوضات‪.‬‬ ‫كيت نايت‬ ‫كانت وسائل اإلعالم تعج بالقصص الغريبة حول العمالء السريني‬ ‫واجلواسيس الروس مؤخرا وهو ما أعاد إلى األذهان مؤامرات احلرب الباردة‪.‬‬ ‫ولكن بالنسبة للجنون اإلعالمي الذي أحاط بـ أنا شامبان واملوقوفني الروس‬ ‫التسعة اآلخرين‪ ،‬تبدو قصة شاهرام أميري القصة األكثر غموضا‪ .‬فقد‬ ‫وجد الباحث اإليراني الذي اختفي في اململكة العربية السعودية في يونيو‬ ‫(حزيران) ‪ 2009‬ثم ظهر في الواليات املتحدة بعد ذلك بثالثة عشر شهرا‬ ‫نفسه مركز حلرب دعائية بني واشنطن وطهران‪ .‬ولكن الغريب‪ ،‬أنه وسط‬ ‫هذه التصريحات الساخنة على «الويكيليكس» و»رولينغ ستون»‪ ،‬ال‬ ‫يبدو أن هناك من اقترب من جوهر قصة شهرام أميري‪.‬‬ ‫وهناك عدة نقاط يبدو أن اجلميع متفق عليها‪ .‬أولها أن شهرام أميري هو‬ ‫العالم اإليراني الذي كان يعمل بجامعة «مالك عشتار» بطهران وأنه‬ ‫اختفى في يونيو (حزيران) ‪ 2009‬خالل أدائه لفريضة احلج في اململكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬وأنه عاد للظهور مرة أخرى في يوليو (متوز) ‪ 2010‬في‬

‫من جانبها‪ ،‬التزمت الواليات املتحدة‬ ‫األميركية الصمت بشأن تلك القصة‪.‬‬ ‫وفي تصريح رسمي في ‪ 13‬من يوليو‬ ‫(متوز)‪ ،‬قالت وزيرة اخلارجية األميركية‬ ‫هيالري كلينتون إن أميري كان في‬ ‫الواليات املتحدة بإرادته احلرة وأنه كان‬ ‫يتمتع مبطلق احلرية في مغادرتها‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪ :1957‬وقعت الواليات املتحدة وإيران اتفاقية للتعاون‬ ‫النووي املدني كجزء من برنامج الواليات املتحدة النووي‬ ‫السلمي‪ .‬وبعدها انتقل معهد العلوم النووية حتت رعاية‬ ‫حلف بغداد من بغداد إلى طهران‪ ،‬وأبدى الشاه محمد‬ ‫رضا بهلوي اهتماما خاصا بالطاقة النووية‪.‬‬ ‫‪ :1959‬أمر الشاه بإنشاء مركز لألبحاث النووية بجامعة‬ ‫طهران‪.‬‬ ‫‪ :1967‬مت تأسيس مركز أبحاث طهران للطاقة النووية‬ ‫بجامعة طهران‪ ،‬واملزود مبفاعل نووي بحثي بقوة ‪5‬‬ ‫ميغاوات‪ ،‬والذي كانت تقدم له اإلمدادات الشركة‬ ‫األميركية «غي إيه للتكنولوجيا»‪ .‬كما تقدم الواليات‬ ‫املتحدة ‪ 112‬غرام من البلوتونيوم تشتمل على ‪ 104‬غرام‬ ‫من النظائر القابلة لالنشطار‪ .‬ثم أصبح املفاعل معتمدا‬ ‫على نفسه في نوفمبر (تشرين الثاني)‪.‬‬ ‫يوليو (متوز) ‪ :1968‬وقعت إيران معاهدة منع االنتشار‬ ‫النووي‪ .‬وصادقت على املعاهدة في ‪ 2‬فبراير (شباط)‬ ‫‪.1970‬‬ ‫مارس (أذار) ‪ :1974‬وضع الشاه خططا إلنشاء ‪ 20‬محطة‬ ‫نووية في جميع أنحاء البالد مبساندة الواليات املتحدة‬ ‫ودعمها‪ .‬ومت توقيع العقود مع العديد من الشركات‬ ‫الغربية وبدأت الشركة األملانية «كرافتويرك يونيون»‬ ‫العمل في محطة بوشهر في عام ‪ 1974‬ومت االنتهاء منها‬ ‫في ‪.1987‬‬ ‫يونيو (حزيران) ‪ :1974‬قال الشاه إن إيران سوف حتصل‬ ‫على أسلحة نووية «بدون شك وأسرع مما يعتقد أي أحد»‪.‬‬ ‫(الشاه في لقاء مع صحيفة كايهان الدولية)‪.‬‬ ‫أكتوبر (تشرين األول) ‪ :1974‬أشار تقرير لوزارة اخلارجية‬ ‫إن الواليات املتحدة وإيران يستعدان للتفاوض حول اتفاقية‬ ‫تسمح ببيع املفاعالت النووية باإلضافة إلى الوقود اخملصب‬ ‫«باملستويات التي يرغب الشاه في احلصول عليها»‪.‬‬ ‫فبراير (شباط) ‪ :1979‬الثورة اإلسالمية‪ .‬وضع رئيس‬ ‫الوزراء مهدي بازرغان نهاية لبرنامج إيران للطاقة‬ ‫النووية‪ .‬وأوقفت الواليات املتحدة إمداداتها من اليورانيوم‬ ‫عالي التخصيب إليران‪ .‬واستمر التقاضي بني كل من‬ ‫إيران وفرنسا وإيران وأملانيا حول العقود النووية طوال‬ ‫الثمانينيات‪.‬‬ ‫املصدر‪ :‬أكسفورد لألبحاث‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫على أن تنتقل الرئاسة إلى الشمال‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬كان جميع‬ ‫املرشحني الثالثة األساسيني‪ ،‬عمر يارادوا ومحمد بخاري وأتيكو أبو‬ ‫بكر‪ ،‬من مسلمي الشمال‪ .‬وضمن إجماع النخبة‪ ،‬متسلحة بقوة‬ ‫أوباساجنو الذي ما زال يحتفظ بنفوذه‪ ،‬إعالن فوز يارادوا بفارق خيالي‪.‬‬ ‫وفي جميع تلك االنتخابات الثالثة‪ ،‬كان معظم أعضاء النخبة‪ ،‬من‬ ‫مسيحيني ومسلمني‪ ،‬متحدين في تأييدهم ملرشح واحد عن حزب‬ ‫الشعب الدميقراطي الذي تعلنه اللجنة االنتخابية بالتالي فائزا في‬ ‫االنتخابات‪ .‬لقد جنحت النخبة املتعاونة في تنفيذ مبدأ املشاركة‬ ‫في السلطة‪ .‬ولكن رمبا ينتهي متاسك النخبة ومبدأ املشاركة في‬ ‫السلطة‪ ،‬حيث تظهر احتمالية تزايد املنافسة اإلقليمية والعرقية‬ ‫والدينية‪.‬‬ ‫لقد اعترض مرض الرئيس يارادوا ودخوله املستشفى في جدة عام‬ ‫‪ ،2009‬ثم وفاته بعد عودته إلى نيجيريا عام ‪ ،2010‬تواتر املشاركة‬ ‫في السلطة حيث أصبح نائب الرئيس‪ ،‬املسيحي اجلنوبي غودالك‬ ‫جوناثان‪ ،‬رئيسا لبقية الفترة الرئاسية التي تستمر ‪ 4‬أعوام‪ .‬وبدت‬ ‫رئاسة جوناثان مقبولة لدى أصحاب النفوذ السياسي الشماليني‪،‬‬ ‫حيث كان من املفهوم أن الرئاسة ستنتقل إلى الشمال عام ‪،2011‬‬ ‫عندما تنتهي فترة الرئاسة احلالية‪ .‬وكان ذلك االتفاق سيحافظ على‬ ‫املشاركة في السلطة‪ .‬وفي األيام األخيرة من رئاسة يارادوا‪ ،‬كان‬ ‫االفتراض السائد هو أن أفراد النخبة في البالد سيصلون إلى اتفاق‬ ‫باإلجماع على مسلم من الشمال ليكون نائب الرئيس جوناثان‪ ،‬الذي‬ ‫سيصبح بعد ذلك رئيسا من خالل انتخابات عام ‪ 2011‬عندما يرفض‬ ‫الرئيس احلالي الترشح‪.‬‬ ‫ولكن لم يتم التوصل إلى مثل ذلك اإلجماع الشمالي على مرشح‬ ‫ملنصب نائب الرئيس‪ .‬وجنح جوناثان‪ ،‬مستفيدا من تلك الفرصة‪،‬‬ ‫في ترشيح شخص غير معروف نسبيا‪ ،‬وهو حاكم كادونا نامادي‬ ‫سامبو‪ ،‬نائبا له‪ ،‬على ما يبدو من دون قبول أو تأييد بعض من‬ ‫أكثر الشخصيات السياسية نفوذا في الشمال على األقل‪ .‬ويبدو‬ ‫أن أعضاء النخبة الشمالية ما زالوا منقسمني‪ ،‬تاركني مجال‬ ‫الترشح الرئاسي مفتوحا على مصراعيه‪ ،‬حتى اآلن‪ .‬وبالفعل أعلن‬ ‫الدكتاتور العسكري السابق إبراهيم بابنغيدا‪ ،‬املسلم الشمالي‪ ،‬أنه‬ ‫سيرشح نفسه في انتخابات الرئاسة‪ .‬ونشرت الصحف النيجيرية‬ ‫أن أليو محمد غوساو‪ ،‬وهو حاليا مستشار األمن القومي جلوناثان‬ ‫ورئيس اجلهاز األمني‪ ،‬سيستقيل من منصبه قريبا حتى يتمكن من‬ ‫ترشيح نفسه‪ .‬ورمبا يكون هناك أيضا مرشحون شماليون محتملون‬ ‫ينتظرون فرصة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه ما زال متحفظا‪ ،‬من املمكن أن يترشح جوناثان‬ ‫في انتخابات الرئاسة عام ‪ 2011‬في انتهاك ملبدأ حزب الشعب‬ ‫الدميقراطي «بالتقسيم»‪ .‬وإذا حدث ورشح نفسه‪ ،‬سيكون مرشحا‬ ‫قويا‪ ،‬وسيستفيد من النفوذ الهائل الذي يتمتع به نظرا لكونه ما‬ ‫زال في منصبه‪ ،‬ويشمل ذلك الوصول إلى موارد الدولة دون قيد‪.‬‬ ‫وتظل اللجنة االنتخابية الوطنية املستقلة خاضعة لنفوذ الرئيس‪،‬‬ ‫وهي تلعب دورا حاسما في االنتخابات املزورة‪ .‬ويُعرض حاليا تشريع‬ ‫على اجمللس الوطني ميكنه أن يرسخ الستقالل اللجنة االنتخابية‬ ‫الوطنية املستقلة بعيدا عن الرئاسة‪ ،‬ولكنه يتحرك ببطء‪ .‬وقد‬ ‫استبدل جوناثان برئيس اللجنة االنتخابية أكادمييا يشتهر بعدم‬ ‫انحيازه احلزبي‪ ،‬ولكن تبقى رؤية ما إذا كان جوناثان يريد أن يجعل‬ ‫اللجنة االنتخابية مستقلة بالفعل عن الرئاسة‪ ،‬التي ما زالت‬ ‫متولها‪ .‬وإذا رشح نفسه‪ ،‬سيكون من غير املرجح أنه يريد أن تكون‬ ‫اللجنة مستقلة‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك‪ ،‬رمبا ال يكون لدى جوناثان خيار شخصي فيما إذا كان‬ ‫سيترشح في االنتخابات أم ال‪ ،‬بسبب الضغوط التي ميارسها عليه‬ ‫الناخبون في اجلنوب من أجل االحتفاظ بالرئاسة في ‪ 2011‬بأي ثمن‪.‬‬ ‫وهو أول شخص من جماعة إيجو العرقية التي تسود الدلتا الثرية‬ ‫بالنفط‪ ،‬وأول شخص في منطقته يصبح رئيسا لدولة نيجيريا‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫وعلى الرغم من أن اإليجو ي ّد عون أنهم رابع أكبر جماعة عرقية‪،‬‬ ‫فإنهم كثيرا ما اعتقدوا أنهم مهمشون في نيجيريا‪ .‬ومن وجهة‬ ‫نظرهم التي ترى أن دورهم قد حان‪ ،‬تُزايد مظالم اإليجو املتراكمة‬ ‫على حق الشمال في الرئاسة وفقا ملبدأ تداول السلطة‪ .‬وقد‬ ‫صرح بالفعل أحد املقربني من جوناثان إلى الصحافة بأنه سيرشح‬ ‫نفسه‪ .‬وبدأ عدد من احملللني في إطالق بالونات جتارب ملعرفة تأثير‬ ‫عدم اتباع نيجيريا مبدأ تداول الرئاسة بني قسمي البالد‪ .‬ويبدو أن‬ ‫الرئيس األسبق أوليسيغون أوباساجنو‪ ،‬الذي ما زال يتمتع بنفوذ‪ ،‬يؤيد‬ ‫جوناثان‪ .‬ولكن‪ ،‬يستمر كثير من أفراد النخبة في الشمال‪ ،‬متذكرين‬ ‫السنوات الثماني التي أمضاها أوباساجنو في املنصب‪ ،‬في االعتقاد‬ ‫بأن منطقتهم أحق بالرئاسة لفترتني تستمر كل منهما ألربعة‬ ‫أعوام مع اعتبار العام الذي أمضاه جوناثان مجرد فترة انقطاع‪ .‬وهم‬ ‫يريدون رئيسا من الشمال حتى عام ‪.2016‬‬ ‫ومن حيث املبدأ‪ ،‬يجب أن يختار حزب الشعب الدميقراطي مرشحيه‬ ‫ملنصب الرئيس ونائبه النتخابات عام ‪ 2011‬في املؤمتر احلزبي‪ ،‬الذي‬ ‫من املرجح أن يعقد في شهر أكتوبر (تشرين األول)‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫التاريخ خاضع للتغيير‪ .‬وفي الوقت احلالي‪ ،‬النتيجة األكثر احتماال‬ ‫هي أن النخبة في نيجيريا لن تتفق على مرشح واحد حلزب الشعب‬ ‫الدميقراطي عام ‪ .2011‬وبدال من ذلك‪ ،‬من املمكن أن تكون املنافسة‬ ‫بني مرشح مسلم من الشمال وجوناثان الذي سيتمتع بتأييد من‬ ‫النخبة املسيحية في جميع أنحاء البالد‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬قد ينقسم‬ ‫احلزب‪ ،‬ليعكس اخلالفات املوجودة داخل النخبة النيجيرية احلاكمة‬ ‫التي لم تعد تطبق مبدأ املشاركة في السلطة‪ .‬وتكمن اخلطورة‬ ‫في أن تصبح االنتخابات في حد ذاتها ساحة للمنافسات اإلقليمية‬ ‫والدينية‪ ،‬وبذلك تصل إلى العامة على نطاق أوسع مما حدث في‬ ‫‪ 2007‬و‪ 2003‬و‪.1999‬‬ ‫ويقول جوناثان إن مصداقية االنتخابات تقع في مسؤولية حكومته‪.‬‬ ‫ولكن في الوقت احلالي‪ ،‬ال توجد قائمة ناخبني موثوق بها وال يوجد‬ ‫اجتاه نحو وضع قائمة جديدة‪ .‬ويتطلب القانون إعادة ترسيم حدود‬ ‫الدوائر االنتخابية لتعكس التعداد السكاني الذي أجري عام ‪.2006‬‬ ‫وتعد تلك املهام صعبة للغاية‪ ،‬ال سيما في دولة نامية كبيرة ذات‬ ‫بنية حتتية فقيرة‪ ،‬ومؤسسات حكومية ضعيفة بشكل عام ال متلك‬ ‫مصداقية شعبية‪ .‬ونظرا لكل تلك التحديات‪ ،‬تقل إمكانية إجراء‬ ‫انتخابات حرة وعادلة وذات مصداقية‪.‬‬ ‫لقد صادقت االنتخابات السابقة في نيجيريا على القرارات التي‬ ‫اتخذتها النخبة بالفعل‪ .‬وكانت تفتقد إلى املصداقية التي تعكس‬ ‫اإلرادة الشعبية‪ ،‬وضعف اهتمام العامة بها‪ .‬وعلى النقيض‪ ،‬إذا لم‬ ‫يسيطر أفراد النخبة املنقسمون على انتخابات ‪ ،2011‬فمن املرجح‬ ‫أن تظهر املشكالت اإلقليمية والعرقية والدينية‪ .‬وإذا افتقدت‬ ‫االنتخابات للمصداقية‪ ،‬فمن املمكن أن يلجأ اخلاسرون‪ ،‬كأفراد‬ ‫أو جماعات عرقية‪ ،‬إلى التظاهر الشعبي والعنف‪ ،‬كما حدث في‬ ‫كينيا عام ‪ .2007‬وإذا تزايد االضطراب املصاحب لالنتخابات في‬ ‫احلزام األوسط والدلتا‪ ،‬فمن املمكن أن تصبح نيجيريا غير مستقرة‪.‬‬ ‫وسيكون ‪ 2011‬و‪ 2012‬عامني صعبني في أفريقيا‪ .‬ومن املرجح أن‬ ‫تجُ رى االنتخابات في زميبابوي عام ‪ ،2011‬وفي كينيا عام ‪ .2012‬كما‬ ‫سيجرى استفتاء حول االستقالل في جنوب السودان عام ‪.2011‬‬ ‫ُ‬ ‫وتلك األحداث الثالثة تدخل فيها قضايا سياسية خطيرة غير‬ ‫محسومة تتعلق باالختالفات اإلقليمية أو العرقية أو الدينية مع‬ ‫احتمال وجود عنف‪ .‬ويجب أن يأمل أصدقاء أفريقيا في أال تنضم‬ ‫نيجيريا إلى تلك الدول‪.‬‬ ‫*السفير جون كامبل ‪ -‬كبير زمالء دراسات السياسة األفريقية‬ ‫في مجلس العالقات اخلارجية‪ .‬وسفير الواليات املتحدة السابق لدى‬ ‫نيجيريا (‪ 1990 - 1988‬و‪.)2007 - 2004‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 16‬أغسطس ‪.2010‬‬


‫املائة من أرباح النفط إلى الدولة‪ ،‬ويتحكم من يحكم الدولة ‪ -‬أيا‬ ‫كان ‪ -‬في عائد النفط‪ .‬وفي حني تشجع هذه الفرصة النخبة على‬ ‫االحتاد معا‪ ،‬فإنها خلقت بينهم املنافسة التي تتحول في بعض‬ ‫األحيان إلى العنف وتسبب انقسامات إقليمية ودينية وعرقية‬ ‫تستمر طويال‪ .‬ويسهم ذلك في عدم قدرة أي فرد نيجيري من النخبة‬ ‫أو أي ائتالف بني أفراد النخبة حتى اآلن على فرض اجتاه في احلكم‪.‬‬ ‫وينتج عن هذا بدوره عجز مزمن في النظام السياسي عن حل‬ ‫مشاكل نيجيريا أو تشجيع التنمية املستدامة‪ ،‬باإلضافة إلى اإلبعاد‬ ‫التدريجي للنيجيريني من غير النخبة عن النظام السياسي احلالي‪.‬‬

‫بالفعل‪ .‬وفيما يتعلق بالدخل‪ ،‬يقع غالبية سكان نيجيريا في الفقر‬ ‫الشديد‪ ،‬وتتركز الثروات الناجتة عن النفط لدى عدد ضئيل من‬ ‫النخبة‪ .‬وباستثناء الطيران املدني واالتصاالت اخللوية‪ ،‬تتدهور حالة‬ ‫البنية التحتية املادية في البالد‪.‬‬ ‫وتنقسم الدولة أيضا بالتساوي بني املسيحية واإلسالم‪ .‬وكما‬ ‫في دول أفريقية أخرى متاخمة للساحل‪ ،‬يسكن املسيحيون في‬ ‫اجلنوب واملسلمون في الشمال‪ .‬ويتمتع اجلنوب بتقدم أكبر من‬ ‫الشمال‪ ،‬الذي يعد من أكثر املناطق التي يسودها املسلمون فقرا‬ ‫في العالم‪ .‬ولكن‪ ،‬توجد امتدادات مسيحية في الشمال‪ ،‬ورمبا يكون‬ ‫ذلك نتيجة النتقال السكان من مناطق أخرى في البالد ولتحول‬ ‫جماعات عرقية ذات أقلية كانت قبل ذلك تدين بالوثنية وتعادي‬ ‫جماعة الهوسا ‪ -‬الفوالني التي يسودها املسلمون عبر التاريخ‪ .‬وفي‬ ‫احلزام األوسط‪ ،‬وهي املنطقة الشمالية التي يتقابل فيها املسلمون‬ ‫واملسيحيون‪ ،‬يوجد تصاعد للعنف اجلماعي بني املزارعني املسيحيني‬ ‫والرعاة املسلمني‪ ،‬وبني الهوسا ‪ -‬الفوالني املسلمة واجلماعات‬ ‫العرقية املسيحية الصغيرة الوافدة حديثا‪ .‬وقد أصبحت الصراعات‬ ‫احمللية‪ ،‬التي طاملا كانت تعتبر ذات طابع عرقي أو اقتصادي‪ ،‬تكتسب‬ ‫صبغة دينية أكثر وضوحا‪ .‬ونظرا لتلك احلقائق القاسية‪ ،‬بدأ احلكم‬ ‫النيجيري في احلد من املواجهة االنتخابية بني املناطق واألديان‬ ‫واجلماعات العرقية‪.‬‬

‫في الوقت احلالي‪ ،‬توجد نقطتان تهددان استقرار نيجيريا‪ .‬في دلتا‬ ‫النيجر الثرية بالنفط‪ ،‬يوجد شعور عميق بالظلم من النخبة‬ ‫النيجيرية واحلكومة التي يسيطرون عليها‪ .‬ويحصل السكان‬ ‫احملليون على القليل من الفائدة من مليارات الدوالرات الناجتة عن‬ ‫النفط املوجود في املنطقة‪ .‬وتعاني البيئة من التدهور‪ ،‬وتدعي‬ ‫بعض املنظمات غير احلكومية أن هناك تسربات نفطية في تلك‬ ‫املنطقة متاثل مقدار تسرب إكسون فالديز سنويا‪ .‬ويستاء سكان‬ ‫الدلتا من عدم اهتمام احلكومة الفيدرالية بتقاليد احلكم احمللي‬ ‫لديهم وعجزها عن استيعاب االختالفات بني هذا العدد الضخم‬ ‫من اجلماعات العرقية‪ .‬وكانت النتيجة متردا منخفض املستوى‬ ‫ميكنه أن يصيب إنتاج النفط بالشلل على مدى فترات قصيرة‪ .‬وال‬ ‫يترفع السياسيون عن استغالل الشعور بالظلم في الدلتا خلدمة‬ ‫مصاحلهم اخلاصة الضيقة‪.‬‬

‫ولكن أ ًصبحت السيطرة على احلكومة الفيدرالية جائزة الفوز‬ ‫االنتخابي‪ ،‬ألنها تعني الوصول إلى احتياطي النفط النيجيري‬ ‫الهائل‪ ،‬الذي إذا تطور كلية سيصبح بديال جزئيا لنفط الشرق‬ ‫األوسط بالنسبة للسوق األميركية‪ .‬وتذهب نسبة تزيد على ‪ 90‬في‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ونظرا لالنقسامات التي تعاني منها نيجيريا والتحديات التي‬ ‫تواجهها حاليا‪ ،‬يوجد مبدأ غير مكتوب يسري على جميع أفراد‬ ‫النخبة ويعتنقه حزب الشعب الدميقراطي احلاكم‪ ،‬وهو املشاركة في‬ ‫السلطة‪ ،‬ويجب أن يترجم هذا املبدأ إلى التبادل كل ثماني سنوات‬ ‫في املرشح الرئاسي للحزب‪ ،‬ما بني اجلنوب املسيحي والشمال‬ ‫املسلم‪ .‬ويترتب على ذلك أنه إذا كان املرشح الرئاسي مسيحيا‪،‬‬ ‫يكون املرشح ملنصب نائب الرئيس مسلما‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬ ‫وتقضي احلكمة النيجيرية السائدة‪ ،‬منذ عودة احلكم املدني عام‬ ‫‪ ،1999‬بأن هذا التداول الذي أحيانا ما يطلق عليه «تقسيم»‪،‬‬ ‫يساعد على احلفاظ على وحدة البالد‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬مبوجب‬ ‫القانون‪ ،‬ال يجوز ألي حزب سياسي أن يكون له بعد ديني‪ ،‬ويجب على‬ ‫املرشح الرئاسي الفائز أن يحقق حدا أدنى من نسبة األصوات في‬ ‫جميع مناطق البالد‪.‬‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫يتم انتخاب رئيس نيجيريا من خالل انتخابات شعبية‬ ‫لفترة أربع سنوات (ويحق له الترشح لفترة ثانية)‪ :‬عقدت‬ ‫االنتخابات األخيرة في ‪ 21‬أبريل (نيسان) ‪ ،2007‬ومن املقرر‬ ‫أن تعقد االنتخابات املقبلة في ‪ .2011‬ومتيزت االنتخابات‬ ‫العامة التي أجريت في أبريل ‪ 2007‬بأول انتقال مدني‬ ‫للسلطة في تاريخ البالد‪ .‬ولكن‪ ،‬تظل نيجيريا منقسمة‬ ‫على جانبي اخلطوط العرقية والدينية‪.‬‬ ‫ومتر املنطقة الشمالية التي تسودها أغلبية مسلمة‬ ‫باضطراب طائفي منذ أعوام‪ ،‬وقد فاقم فرض تطبيق‬ ‫الشريعة اإلسالمية في كثير من الواليات من االنقسامات‪،‬‬ ‫مما تسبب في هرب آالف املسيحيني‪ .‬ويقال إن استخدام‬ ‫العنف بني أصحاب الديانات اخملتلفة يرجع إلى الفقر‬ ‫والبطالة والتنافس على األرض‪.‬‬ ‫وفي بداية شهر مارس (آذار) ‪ ،2010‬قتل نحو ‪ 500‬نيجيري‬ ‫(معظمهم من املسيحيني) بالقرب من مدينة جوس‪ ،‬التي‬ ‫كثيرا ما كانت مركزا للتوترات بني املسلمني واملسيحيني‪.‬‬ ‫وجاء ذلك الهجوم بعد مقتل ما يزيد على ‪ 150‬مسلما في‬ ‫جوس وما حولها في يناير (كانون الثاني) ‪.2010‬‬ ‫وفي اجلنوب املنتج للنفط والذي تسوده غالبية مسيحية‪،‬‬ ‫توقفت فترة الهدوء النسبي عندما دخل الرئيس الراحل‬ ‫يارادوا املستشفى في نوفمبر (تشرين الثاني)‪ .‬ولدى تنصيب‬ ‫خليفته غودالك جوناثان في بداية شهر مايو (أيار) ‪،2010‬‬ ‫ذكر الرئيس اجلديد عملية السالم في دلتا النيجر كإحدى‬ ‫أهم أولوياته‪ .‬وكانت اآلمال كبيرة في البداية في ضوء‬ ‫خلفيته كأول رئيس لنيجيريا قادم من منطقة الدلتا‪ .‬ولكن‬ ‫يُعتقد أن جوناثان في الوقت احلالي يفتقد قاعدة سياسية‬ ‫خاصة به‪ ،‬وتدور شكوك حول قدرته على الوفاء بتلك الوعود‪.‬‬

‫وفي نقطة وميض أخرى‪ ،‬في الشمال‪ ،‬يوجد تزايد في الفقر‪ ،‬نتيجة‬ ‫لضغوط السكان‪ ،‬وتوقف التصنيع‪ ،‬ونقص االستثمار الزراعي‪.‬‬ ‫ويظهر الشمال مبتعدا على نحو متزايد عن احلكومة في أبوجا‪ ،‬وبدأ‬ ‫االحترام الشعبي للمؤسسات اإلسالمية التقليدية في االنحسار‪.‬‬ ‫وبدأ بعض السكان املسلمني في اخلضوع لبعض التأثيرات املتطرفة‪،‬‬ ‫وغالبيتها من السكان األصليني‪ ،‬كما يتضح من التمرد الدموي الذي‬ ‫نظمته جماعة «بوكو حرام» في كانو في يوليو (متوز) ‪ ،2009‬الذي‬ ‫قمعه اجليش النيجيري بصعوبة‪ .‬ولكن ال يوجد دليل على نشاط‬ ‫ناجح ملنظمات من خارج نيجيريا مثل «القاعدة»‪.‬‬

‫وقد حافظ هذا النوع من السلطة النخبوية على االستقرار السياسي‬ ‫على املستوى الوطني إلى حد كبير‪ .‬وبعد وفاة آخر دكتاتور (ساني‬ ‫أباتشا) عام ‪ ،1998‬كان هناك إجماع بني النخبة على أنه بعد أعوام‬ ‫من احلكم العسكري الذي تعاقب عليه رؤساء مسلمون من الشمال‪،‬‬ ‫حان دور اجلنوب املسيحي‪ .‬واالنتخابات التي أجريت عام ‪ ،1999‬وهي‬ ‫األولى في ظل احلكم املدني‪ ،‬كان املرشحان األساسيان أوليسيغون‬ ‫أوباساجنو وأولو فاالي من مسيحيي يوروبا‪ .‬وفي عام ‪ ،2003‬كان‬ ‫املرشحان األساسيان هما أوباساجنو صاحب املنصب وقتها‪ ،‬واملسلم‬ ‫الشمالي محمد بخاري‪ .‬ولكن بعد مساومات طويلة‪ ،‬التف أفراد‬ ‫النخبة املتحدون إلى حد كبير حول أوباساجنو‪ ،‬الذي أعلنت اللجنة‬ ‫االنتخابية الوطنية املستقلة إعادة انتخابه‪ .‬وفي عام ‪،2007‬‬ ‫بعد أن قضى أوباساجنو ثمانية أعوام في املنصب‪ ،‬اتفقت النخبة‬ ‫‪23‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫تضم نحو ‪ 250‬جماعة عرقية مختلفة كل واحدة منها لها لغة خاصة بها‬

‫نيجيريا تواجه مخاطر العنف واملظاهرات الشعبية في انتخابات ‪2011‬‬

‫من املمكن أن تقوض االنتخابات الوطنية في نيجيريا املقرر إجراؤها العام املقبل‪ ،‬حالة االستقرار احلالية املؤقتة في البالد‪،‬‬ ‫حيث من املمكن أن تفاقم من التوترات العرقية واإلقليمية والدينية‪ .‬ورمبا أيضا تشهد تلك االنتخابات التخلي عن اتفاقية‬ ‫املشاركة في السلطة املطبقة منذ عشر سنوات‪ .‬وتنشأ تلك األزمة احملتملة في إطار العنف العرقي والديني املستمر في‬ ‫منطقتي احلزام األوسط والدلتا‪.‬‬ ‫السفير جون كامبل‬ ‫تتعرض نيجيريا ألزمة‪ .‬من املمكن أن تقوض االنتخابات الوطنية املقرر‬ ‫إجراؤها عام ‪ 2011‬من حالة االستقرار احلالية املؤقتة‪ ،‬حيث تؤدي إلى‬ ‫تفاقم انقساماتها العرقية واإلقليمية والدينية الداخلية اخلطيرة‪.‬‬ ‫منذ عام ‪ ،1999‬تلتزم االنتخابات الرئاسية الوطنية باتفاقية غير‬ ‫رسمية تقضي باملشاركة في السلطة بني الشمال املسلم واجلنوب‬ ‫املسيحي‪ ،‬وبذلك جتنب البالد الصراع اإلقليمي والديني‪ .‬ولكن في‬ ‫عام ‪ ،2011‬توجد خطورة من أن يتم التخلي عن املشاركة في‬ ‫السلطة‪ ،‬حيث ينافس الرئيس احلالي غودالك جوناثان‪ ،‬املسيحي‬ ‫من اجلنوب‪ ،‬مرشحا مسلما من الشمال‪ .‬ورمبا تؤدي حقيقة عدم‬ ‫إمكانية الثقة في االنتخابات إلى ميل ميزان القوة لصالح الرئيس‬ ‫احلالي وفتح الباب أمام املظاهرات‪ ،‬التي قد تكون عنيفة‪ ،‬من جانب‬

‫نيجرييا‪:‬‬ ‫و�صفة من �أجل التوتر؟‬ ‫السكان‬ ‫‪( 152.217.341‬وهو ما يجعلها أكبر دولة أفريقية‬ ‫من حيث عدد السكان)‬ ‫اجلماعات العرقية‬ ‫تتكون نيجيريا مما يزيد على ‪ 250‬جماعة عرقية‪،‬‬ ‫تبلغ نسبة جماعة الهوسا والفوالني ‪ 29‬في املائة‪،‬‬ ‫واليوروبا ‪ 21‬في املائة‪ ،‬واإليغبو ‪ 18‬في املائة‪ ،‬وتلك‬ ‫اجلماعات الثالث هي األكثر عددا واألكثر نفوذا في‬ ‫احلياة السياسية‪.‬‬ ‫اجلماعات الدينية‬ ‫‪ 50%‬مسلمون‬ ‫‪ 40%‬مسيحيون‬ ‫‪ 10%‬ديانات السكان األصليني‬ ‫املصدر‪ :‬كتاب حقائق العالم من وكالة االستخبارات‬ ‫املركزية األميركية‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫املرشحني اخلاسرين واجلماعات العرقية‪ .‬وتنشأ تلك األزمة احملتملة‬ ‫في سياق من العنف العرقي والديني في منطقة احلزام األوسط‪،‬‬ ‫ومترد متصاعد في الدلتا‪.‬‬ ‫وحتى في أفضل الفترات‪ ،‬يواجه احلكم حتديات في نيجيريا‪ .‬وتضم‬ ‫البالد نحو ‪ 250‬جماعة عرقية مختلفة‪ ،‬كل واحدة منها لها لغة‬ ‫خاصة بها‪ .‬أكبر تلك اجلماعات العرقية هي الهوسا ‪ -‬الفوالني‪،‬‬ ‫واليوروبا‪ ،‬واإليغبو‪ ،‬التي تشكل مجتمعة أقل من ثلثي سكان‬ ‫نيجيريا‪ .‬ويشهد عدد السكان البالغ ‪ 150‬مليون نسمة‪ ،‬وهو مماثل‬ ‫لعدد سكان االحتاد السوفياتي‪ ،‬منوا ومتدنا متسارعا‪ .‬وتعد الغوس‪،‬‬ ‫البالغ تعدادها ‪ 17‬مليون نسمة تقريبا‪ ،‬أحد أكبر املدن في العالم‬


TM1555_21_Ad.indd 21

21/8/10 15:25:47


‫● شؤون سياسية‬

‫وإذا نظرنا إلى األعوام الثالثني األخيرة في التاريخ السياسي األميركي‪ ،‬وسيادة‬ ‫فلسفة رونالد ريغان من «احلكومة احملدودة» في أثناء تلك األعوام‪ ،‬لن جند فكر‬ ‫حفالت الشاي استثنائيا‪ ،‬على الرغم من أنه متطرف‪ .‬لقد خصص ببساطة‬ ‫اخلطاب والفكر اجلمهوريني السائدين وضاعف من صالبتهما وشدتهما‪.‬‬ ‫ونظرا ألن اإلعالم والشعب األميركيني تقبال أفكار ريغان بصورة كبيرة‪ ،‬وأن‬ ‫كال من بيل كلينتون في املاضي وباراك أوباما اليوم اتخذا اجتاهات مختلفة‬ ‫كثيرا في السياسة وأسلوب اخلطاب عن الفكر اجلمهوري بخصوص التدخل‬ ‫احلكومي احملدود‪ ،‬فليس من املفاجئ ما جنده من مواقف وأسلوب خطاب حركة‬ ‫حفالت الشاي‪ .‬فقد نشأت في تربة خصبة من الفكر اجلمهوري السائد‪.‬‬ ‫وإذا كانت حركة حفالت الشاي هي القريب األصغر النشط للحزب اجلمهوري؛‬ ‫حيث إنها أكثر مشاكسة وفي بعض األحيان هستيرية‪ ،‬فإنها قد تنفجر‬ ‫في وجوه احلزب اجلمهوري‪ ،‬كما حدث بالفعل في والية كنتاكي بانتخاب راند‬ ‫بول‪ .‬وتعمل حركة حفالت الشاي بصورة مستقلة عن احلزب اجلمهوري وفي‬ ‫بعض األحيان تهدده‪ .‬ويتمسك جون ماكني يائسا بالسلطة في أريزونا‪ ،‬حيث‬ ‫يتجه إلى اليمني سعيا إلى االحتفاظ مبقعده في مجلس الشيوخ‪ ،‬في حني‬ ‫يهاجمه نشطاء حفالت الشاي لعدم التزامه مبا يكفي باالجتاه احملافظ‪ ،‬ويؤيدون‬ ‫معارضه‪ .‬وقد اختار احلاكم اجلمهوري تشارلي كريست في فلوريدا أن يترشح‬ ‫جمللس الشيوخ كمستقل ألن نشطاء حفالت الشاي داخل احلزب اجلمهوري‬ ‫يشنون حملة معارضة بشدة العتداله السياسي‪ .‬وفي يوتا‪ ،‬أكثر الواليات‬ ‫احملافظة‪ ،‬تستعرض احلركة قوتها‪ ،‬للمساعدة في إبعاد العضو اجلمهوري‬ ‫القدمي بوب بينيت من منصبه ألن اجتاهه احملافظ ال يعكس احملافظة العدوانية‬ ‫التي تنتهجها احلركة‪ ،‬وألنه أيد خطة اإلنقاذ املصرفية التي قدمها أوباما‬ ‫باإلضافة إلى تسوية بشأن إصالح الرعاية الصحية‪.‬‬ ‫هل تنهار حركة حفالت الشاي حتت وطأة تناقضاتها الداخلية؟ من غير املرجح‬ ‫حدوث ذلك في املستقبل القريب حيث إن الرضا العاطفي والنفسي النابع من‬ ‫العثور على عدو بسيط وواضح في احلكومة الفيدرالية‪ ،‬على الرغم من زيفه‬ ‫وتخيله‪ ،‬يتفوق على قوة الواقع واحلقيقة‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تؤكد الصالت‬ ‫االجتماعية التي كونتها احلركة في فترة اخلسائر وعدم االستقرار االقتصادي‬ ‫على أن اجملتمع األميركي ميكنه أن يجد دعما متبادال بني أفراده‪ .‬ونظرا لقوة‬ ‫فلسفة التدخل احلكومي احملدود في الثقافة األميركية العامة‪ ،‬يجد نشطاء‬ ‫احلركة مزيدا من التعاطف بني أعداد كبيرة من األميركيني‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬لن يشعروا‬ ‫أنهم مهمشون‪.‬‬ ‫ولكن من املمكن أيضا أن تكون حركة حفالت الشاي ظاهرة سريعة الزوال‪،‬‬ ‫كشيء بدأ بثورة غضب هائلة وانتهى بالتعبير عن التذمر‪ .‬إنها غير منظمة‬ ‫وال تقدم أي حلول عملية للمشاكل االقتصادية بخالف مبادئها والتزاماتها‬ ‫املتطرفة التي تتسم بأنها إما عامة بال أي دقة‪ ،‬مثل «تقليل التدخل احلكومي»‪،‬‬ ‫أو متطرفة للغاية‪ ،‬مثل وقف الضرائب التصاعدية لصالح الضرائب الثابتة‪،‬‬ ‫وإلغاء مؤسسات حكومية رئيسية مثل وزارة التعليم‪ .‬وكما قال غاري يونغ‬ ‫في صحيفة «الغارديان»‪« :‬إن حركة حفالت الشاي قوة مبتدئة جامحة وغير‬ ‫متماسكة‪ ،‬ليس لها قائد أو برنامج واضح»‪ .‬إنها مكونة من أقسام متضاربة‬ ‫لديها أولويات مختلفة في جميع أنحاء البالد وتفتقد إلى حتديد هدف مشترك‬ ‫واضح وسياسة محددة ممكنة التنفيذ والنجاح وقابلة لالستمرار اجتماعيا‪.‬‬ ‫ولكن الشاي ليس املشروب الوحيد في الواليات املتحدة وال حركته هي الوحيدة‬ ‫من نوعها حاليا‪ ،‬فقد ظهرت حركة حفالت القهوة‪ ،‬ولكنها أقل تنظيما‬ ‫وجذبا لالهتمام اإلعالمي‪ ،‬وهي تناقش اخملاوف بشأن فاعلية احلكومة ورفاهية‬ ‫املواطنني األميركيني من وجهة نظر ليبرالية‪.‬‬ ‫وقد كتب على صفحة حركة حفالت القهوة على موقع «فيس بوك»‪« :‬مرحبا‬ ‫بانضمام أي شخص يريد أن تعمل حكومتنا ملصلحة املواطن األميركي العادي‪،‬‬ ‫وليس للشركات‪ ..‬نعتقد أن غالبية األميركيني من عامة الشعب مثلنا‪ ،‬وأن‬ ‫بعضا منا مت تضليله إلى االعتقاد بأن احلكومة الفيدرالية هي سبب صراعاتنا‬ ‫وقلقنا ومخاوفنا‪ .‬بإيجاز‪ ،‬لقد مت تصوير حكومتنا على أنها عدو لنا»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن حركة حفالت القهوة ال حتظى باالهتمام اإلعالمي ذاته أو‬ ‫االعتراف باسمها مثل حفالت الشاي‪ ،‬فإنها تظهر وجود طاقة شعبية بني‬ ‫الليبراليني لتحدي قيم وادعاءات حفالت الشاي ونشاطها السياسي‪ ،‬حتى وإن‬ ‫‪20‬‬

‫كانت تشاركها بعضا من مخاوفها املتعلقة بعدم فاعلية احلكومة‪.‬‬ ‫وحتى اآلن‪ ،‬حققت حركة حفالت الشاي أقل قدر من املكاسب السياسية‬ ‫العملية خارج عدد من الواليات الرئيسية‪ .‬ويعد أكبر ما جنحت في حتقيقه هو‬ ‫جذب اهتمام إعالمي كبير‪ ،‬وتنشيط شبكة شعبية متعاطفة وإن كانت غير‬ ‫منظمة وغير متجانسة‪ ،‬والضغط على قلة من اجلمهوريني من أجل دفع االجتاه‬ ‫احملافظ نحو اليمني‪ .‬وال يبدو أن نفوذ احلركة سيستمر ملدة طويلة‪ ،‬ولكنه في‬ ‫فترة مهمة‪ ،‬على األقل حاليا وحتى إجراء انتخابات التجديد النصفي‪ ،‬سيظل‬ ‫أعضاء حركة حفالت الشاي حتت األضواء‪.‬‬ ‫* ناعوم شيميل ‪ -‬باحث مقيم في لندن ويعمل في مجال حقوق اإلنسان‬ ‫ولديه خبرة كبيرة في هذا اجملال‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 7‬يوليو ‪.2010‬‬

‫أكبر عشر واليات في نسبة احملافظني‬ ‫‪Total "Conservative" %‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪Alabama‬‬

‫‪48‬‬

‫‪Mississippi‬‬

‫‪47‬‬

‫‪Utah‬‬

‫‪47‬‬

‫‪Louisiana‬‬

‫‪47‬‬

‫‪Oklahoma‬‬

‫‪46‬‬

‫‪South Carolina‬‬

‫‪45‬‬

‫‪North Dakota‬‬

‫‪44‬‬

‫‪South Dakota‬‬

‫‪44‬‬

‫‪Idaho‬‬

‫‪44‬‬

‫‪Wyoming‬‬

‫أكبر عشر واليات في نسبة الليبراليني‬ ‫‪Total "Liberal" %‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪District of Columbia‬‬

‫‪29‬‬

‫‪Massachusetts‬‬

‫‪28‬‬

‫‪Vermont‬‬

‫‪27‬‬

‫‪Oregon‬‬

‫‪26‬‬

‫‪Washington‬‬

‫‪26‬‬

‫‪New York‬‬

‫‪26‬‬

‫‪New Jersey‬‬

‫‪26‬‬

‫‪California‬‬

‫‪24‬‬

‫‪Hawaii‬‬

‫‪24‬‬

‫‪Connecticut‬‬

‫يشير مركز غالوب إلى أن معظم الواليات املتحدة متيل إلى االجتاه‬ ‫احملافظ آيديولوجيا‪ ،‬ولكنها متيل إلى االجتاه الدميقراطي سياسيا‪.‬‬


‫وأعرب ريتشارد غيلبرت‪ ،‬ضابط القوات اجلوية املتقاعد (‪ 72‬عاما)‪ ،‬في إشارة‬ ‫إلى الكراهية بني الطبقات داخل حركة حفالت الشاي التي تتداخل في بعض‬ ‫األحيان مع الكراهية العنصرية‪ ،‬عن هذا الشعور بالعداء في حوار مع «نيويورك‬ ‫تاميز» قائال‪« :‬أعتقد أننا مسؤولون عن األرملة واليتيم‪ ،‬ولكني أعتقد أن هناك‬ ‫طبقة مرفهة تعيش من أجل إجناب األطفال واحلصول على أموال من احلكومة‬ ‫ألن لديها هؤالء األطفال»‪.‬‬ ‫وتتحالف حركة حفالت الشاي مع الشركات ولكنها ال تستطيع أن ترى‬ ‫التضارب املنطقي والنفاق في غضبها األخالقي االنتقائي من االنتهاكات‬ ‫املزعومة للرعاية االجتماعية‪ .‬ونادرا ما ينتقد نشطاء حفالت الشاي الرعاية‬ ‫الكبيرة التي توليها احلكومة الفيدرالية للشركات في صورة تخفيضات‬ ‫ضريبية وامتيازات في الوصول إلى املوارد الطبيعية في قطاع البترول‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬واستنزاف األموال من احلكومة بصورة تزيد على األموال التي‬ ‫يطلبها احلاصلون على الرعاية االجتماعية من غير املستحقني لها‪ .‬ولكنهم‬ ‫ينتقدون خطط إنقاذ املصارف‪ ،‬على الرغم من أنها ضرورية‪ ،‬على النقيض من‬ ‫خطط اإلعانات التي تقدم إلى الشركات املذكورة آنفا‪ ،‬من أجل منع حدوث‬ ‫انهيار اقتصادي ميكن أن يكون له تأثير مدمر على االقتصاد األميركي وعلى‬ ‫جميع األميركيني‪.‬‬

‫«ال �ضريبة دون متثيل!»‬ ‫هذا هو الشعار الذي رفعه املستعمرون األميركيون أثناء‬ ‫مظاهرات حفلة شاي بوسطن عام ‪ 1973‬ضد الضرائب‬ ‫التي فرضتها عليهم احلكومة البريطانية‪ ،‬وهي احلكومة‬ ‫التي رفضت أن متنح رعاياها متثيال مباشرا‪.‬‬ ‫وكانت الرسوم اجلمركية املفروضة على الشاي (وهي‬ ‫األخيرة في سلسلة من الضرائب)‪ ،‬هدفها مساعدة‬ ‫بريطانيا على تعويض خسائرها في احلرب الفرنسية‬ ‫والهندية‪ ،‬آخر األحداث املثيرة للغضب‪ .‬وقد مت منع‬ ‫حاويات من الشاي كان من املقرر أن تصل إلى نيويورك‬ ‫وفيالدلفيا من الرسو‪ ،‬بينما دفع الشاي الذي وصل إلى‬ ‫بوسطن بنحو ‪ 200‬رجل إلى إغراق ثالث حاويات من‬ ‫الشاي في امليناء‪ .‬ومبجرد أن مرر البرملان البريطاني قانونا‬ ‫نتج عنه غلق ميناء بوسطن‪ ،‬ازداد احلديث عن الثورة‪.‬‬ ‫وتتخذ حركة حفالت الشاي احلديثة اسمها من هذه‬ ‫الفترة حتديدا من تاريخ البالد‪ ،‬وكما حاولت حركات كثيرة‬ ‫قبلها‪ ،‬حاولت هي أيضا أن تربط بني أحداث عام ‪1973‬‬ ‫واملوقف السياسي واالجتماعي اليوم‪ ،‬وقد حتقق ذلك‬ ‫بنجاح إلى حد ما‪.‬‬

‫وعلى افتراض أن احلكومة هي العدو والشركات هي الصديق الطيب املوثوق‬ ‫فيه‪ ،‬وصف راند بول‪ ،‬مرشح حركة حفالت الشاي الذي فاز بترشيح احلزب‬ ‫اجلمهوري ملقعد مجلس الشيوخ في والية كنتاكي‪ ،‬انتقاد الرئيس أوباما‬ ‫لشركة «بريتش بتروليم» بسبب واقعة التسرب النفطي في خليج املكسيك‬ ‫بأنه «غير أميركي»‪ ،‬قائال إن «احلوادث تقع في بعض األحيان»‪ .‬وبالنسبة‬ ‫للعضو رفيع املستوى في احلركة‪ ،‬التي تدعي أنها تعزز الرخاء االجتماعي‬ ‫واملنفعة العامة‪ ،‬فإنه ال يعرف شيئا عن عشرات اآلالف من األميركيني الذين‬ ‫يعانون بصورة مباشرة من آثار التسرب النفطي‪ ،‬وعن جميع األميركيني‪ ،‬الذين‬ ‫سيعانون التدهور البيئي الناجت عن التسرب‪.‬‬ ‫لقد سمح عدم وجود تنظيم حكومي بتقدمي قروض متهورة ألشخاص ليس‬ ‫من املنطقي أن يسددوها‪ .‬وكان هناك افتقار حاد للشفافية في جتارة الديون‬ ‫وفي سياق األحداث االجتماعية الراهنة‪ ،‬ال سيما األزمة املصرفية الكبرى وحالة وتضخم وعدم دقة التصنيفات االئتمانية‪ .‬وفي ظل تلك الظروف‪ ،‬تبدو‬ ‫الركود الناجتة عنها‪ ،‬تبدو مهمة حركة حفالت الشاي متنافرة بصورة مزعجة‪ .‬الدعوة إلى تقليل التنظيم واإلشراف احلكوميني واالحتفاء باألسواق احلرة‬ ‫ووصف الشركات بطريقة مثالية وتشويه صورة احلكومة‪ ،‬مضللة ومتهورة‪،‬‬ ‫ومنفصلة متاما عن حقائق الواقع املعاصرة‪.‬‬ ‫وأوضحت واحدة من نشطاء حركة حفالت الشاي في حوار أجرته معها‬ ‫صحيفة «نيويورك تاميز» مؤخرا التناقض املوجود في صميم حركة حفالت‬ ‫الشاي ذاتها من أنها تقدم مشاعر السخط دون ربطها بالواقع‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬تهاجم احلكومة وميلها إلى اإلسراف‪ ،‬مع االعتراف بأنها حتميها‪ ،‬وبعدم‬ ‫متاسك الطريق الذي تتبعه‪ .‬وأوردت «نيويورك تاميز» أن ‪ 75‬في املائة تقريبا‬ ‫من أعضاء حفالت الشاي الذين يفضلون تنظيما حكوميا أقل‪ ،‬في استطالع‬ ‫رأي أجرته «نيويورك تاميز» باالشتراك مع «سي بي إس»‪ ،‬قالوا إنهم يفضلون‬ ‫ذلك حتى لو كان يعني تخفيض حجم البرامج احمللية‪ .‬ولكنهم أوضحوا في‬ ‫حوارات تالية أنه من املهم احلفاظ على برنامج الرعاية الصحية (ميديكير)‬ ‫واألمن االجتماعي‪ ،‬مركزين بدال من ذلك على كلمة «إسراف»‪ .‬قالت جوداين‬ ‫وايت من روكلني في كاليفورنيا‪« :‬أليس ذلك أمرا محيرا؟ ال أعرف ماذا أقول‪.‬‬ ‫رمبا ال أريد تدخال حكوميا أقل‪ .‬أعتقد أنني أريد تدخال حكوميا أقل وأريد برنامج‬ ‫األمان االجتماعي اخلاص بي‪ ..‬ال أنظر إلى األمر من منظور فقداني األشياء التي‬ ‫غيرت رأيي»‪.‬‬ ‫أحتاج إليها‪ ،‬أعتقد أنني ّ‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫ويسيء كثير من أعضاء حفالت الشاي فهم السياسات العامة الدميقراطية‪.‬‬ ‫وقال ‪ 92‬في املائة من أعضاء حفالت الشاي في دراسة أجريت مؤخرا إنهم‬ ‫يعتقدون أن أوباما يتجه بالبالد نحو االشتراكية‪ .‬ولكن سياسات أوباما ال‬ ‫تفعل شيئا من ذلك‪ ،‬بل تبقي خطته للرعاية الصحية على دور شركات التأمني‬ ‫اخلاصة وتوسع فعليا من أسواقها املمكنة‪ .‬كما أنه لم يؤيد مطلقا مبدأ أن‬ ‫احلكومة يجب أن متلك وسائل اإلنتاج وأن تؤمم الصناعات الكبرى‪ .‬ويعتقد ما‬ ‫يزيد على ‪ 50‬في املائة من األميركيني أن أوباما يتجه بأميركا نحو االشتراكية‪.‬‬ ‫لذلك من الواضح أن أعضاء حفالت الشاي يعبرون عن امليل نحو إساءة فهم‬ ‫تعريف االشتراكية وسياسات أوباما‪ ،‬وهو االجتاه السائد بني األميركيني عامة‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫يعرفون أنفسهم بـ‬ ‫«منظمة رعاية اجتماعية»‬ ‫تدافع عن األسواق احلرة‬

‫«حفالت الشاي»‬ ‫رقم صعب‬ ‫في االنتخابات املقبلة‬ ‫يتزايد وجود حركة حفالت الشاي في وسائل اإلعالم وعلى‬ ‫الساحة السياسية األميركية منذ انطالقها عام ‪،2009‬‬ ‫بعد اقتراح أوباما لبرنامج إصالح الرعاية الصحية‪ .‬ويعرّف‬ ‫أعضاء حركة حفالت الشاي أنفسهم بأنهم أعضاء‬ ‫«منظمة رعاية اجتماعية»‪ ،‬مدعني أنهم ضد احلكومة‬ ‫املركزية ومدافعون عن األسواق احلرة‪ .‬ولكن يوجد تعارض‬ ‫واضح بني أهدافهم والسياسات التي يدافعون عنها‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من تناقضاتهم الداخلية‪ ،‬فإنهم سيصبحون قوة‬ ‫توضع في احلسبان في االنتخابات التمهيدية املقبلة‪ .‬ولهذا‬ ‫السبب‪ ،‬يجب فهم سياساتهم واملرشحني الذين يصادقون‬ ‫على ترشيحهم‪ ،‬باإلضافة إلى البيئة السياسية التي وصلت‬ ‫بهم إلى املقدمة‪.‬‬ ‫ناعوم شيميل‬ ‫يتزايد وجود حركة حفالت الشاي في وسائل اإلعالم وعلى الساحة السياسية‬ ‫األميركية منذ انطالقها عام ‪ ،2009‬بعد اقتراح أوباما لبرنامج إصالح الرعاية‬ ‫الصحية‪ .‬ويعرف أعضاء حركة حفالت الشاي أنفسهم بأنهم أعضاء‬ ‫«منظمة رعاية اجتماعية»‪ ،‬مدعني أنهم ضد احلكومة املركزية ومدافعون‬ ‫عن األسواق احلرة‪ .‬ولكن يوجد تعارض واضح بني أهدافهم والسياسات التي‬ ‫يدافعون عنها‪ .‬وعلى الرغم من تناقضاتهم الداخلية‪ ،‬إال أنهم سيصبحون‬ ‫قوة توضع في احلسبان في االنتخابات التمهيدية املقبلة‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬يجب‬ ‫فهم سياساتهم واملرشحني الذين يصادقون علي ترشيحهم‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫البيئة السياسية التي وصلت بهم إلى املقدمة‪.‬‬ ‫بدأت حركة حفالت الشاي في النمو واالنتشار في جميع أنحاء الواليات املتحدة‬ ‫مع خروج املظاهرات في عدد من الواليات وفي واشنطن العاصمة عام ‪.2009‬‬ ‫جاء ذلك كرد فعل على خطة باراك أوباما الشاملة إلصالح التأمني الصحي‪،‬‬ ‫وضد مبدأ أن جميع األميركيني يجب أن يتوفر لهم تأمني صحي بضمان من‬ ‫احلكومة بغض النظر عن مواردهم املالية‪ .‬كما أنها نشأت نتيجة للغضب‬ ‫من خطة التحفيز املالي وارتفاع الديون الناجتة عنها‪ ،‬باإلضافة إلى خيبة األمل‬ ‫في الدعم اجلمهوري خلطة إنقاذ املصارف‪ .‬ويعتبر أعضاء حركة حفالت الشاي‬ ‫أن خطة اإلنقاذ تتسم بالتبذير وأنها تتجاوز سلطة احلكومة بالتدخل في‬ ‫األسواق على مثل ذلك النطاق الواسع‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫ووفقا لرسالتهم املعلنة‪ ،‬فإن هدف حركة حفالت الشاي هو «جذب وتعليم‬ ‫وتنظيم املواطنني وحشدهم من أجل ضمان انتهاج سياسة عامة تتفق مع‬ ‫قيمنا الثالث األساسية من مسؤولية مالية وحكومة ذات حدود دستورية‬ ‫وأسواق حرة»‪ .‬وتُعرّف احلركة ذاتها بـ«منظمة رعاية اجتماعية‪ ..‬مخصصة‬ ‫من أجل املنفعة العامة والرعاية االجتماعية ملواطني الواليات املتحدة»‪.‬‬ ‫وتعتبر ذاتها وصية على الدميقراطية األميركية‪ ،‬وليست مجرد قوة حميدة‪،‬‬ ‫ولكن قوة أخالقية وحمائية ملنفعة جميع األميركيني‪.‬‬ ‫ولكن من الغريب استخدامها ملصطلحات مثل «الرعاية االجتماعية»‬ ‫و«املنفعة العامة»‪ ،‬حيث إن السياسات التي تدافع عنها احلركة منهجيا تعوق‬ ‫الرعاية االجتماعية لألميركيني‪ ،‬ال سيما األقليات احملرومة اقتصاديا واألقليات‬ ‫العرقية‪ ،‬التي تشكل نسبة كبيرة من أكثر املواطنني فقرا في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وتعارض احلركة التنظيم احلكومي النبعاثات البيوت الزجاجية واجلهود احلكومية‬ ‫للحد من ظاهرة االحترار العاملي‪ .‬ومن الغريب أن هذا يجعل سياستها تشجع‬ ‫على االعتماد األميركي على البترول األجنبي‪ ،‬وهو ما يتناقض مع دفاع احلركة‬ ‫الوطني القوي عن االستقالل األميركي واالكتفاء الذاتي‪ .‬وفي احلقيقة‪ ،‬توجد‬ ‫فجوة كبيرة بني التصور الذاتي في احلركة والسياسات التي تدافع عنها‪.‬‬ ‫الغضب هو أفضل تعبئة‪ ،‬واخلوف من العدو باإلضافة إلى الغضب مزيج قوي‬ ‫ميكن أن يثمر نتائج اجتماعية وسياسية‪ .‬وتضم حركة حفالت الشاي عناصر‬ ‫من كل تلك األشياء‪ .‬وفي الوقت احلالي‪ ،‬تتكتم احلركة كراهيتها نسبيا‪،‬‬ ‫فتظهر معارضتها للحكومة بدال من الكراهية الصريحة‪ .‬ولكن يوجد حتيز من‬ ‫قيادة وأعضاء احلركة ضد األقليات‪ ،‬ومن بينهم احملرومون اقتصاديا واألميركيون‬ ‫من أصول أفريقية‪ ،‬وقد ظهرت تلك املشاعر في دراسات مسحية عن مواقفهم‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫أجرى معهد دراسات اإلثنية والعرق واجلنس في جامعة واشنطن دراسة شملت‬ ‫أعضاء حركة حفالت الشاي‪ .‬يقول األستاذ كريستوفر باركر الذي قاد فريق‬ ‫العمل إن الدراسة أكدت أن «األشخاص املؤيدين حلركة حفالت الشاي لديهم‬ ‫احتمالية أكبر (بنسبة ‪ 25‬في املائة) للكراهية العنصرية من هؤالء الذين ال‬ ‫يؤيدون احلركة»‪.‬‬


‫مما ال شك فيه أن كل التنظيمات تسعى دائما الستقطاب أعضاء جدد‬ ‫وتعزيز نفوذها‪ ،‬فما الذي يجعل مجلة «إنسباير» ومتنزه «مليتا» سببا‬ ‫للقلق؟ في النهاية‪ ،‬ال يوجد ما مينع التنظيمات املتطرفة من استخدام‬ ‫الطرق املتعارف عليها للترويج ألفكارها‪ .‬ولكن الصادم في األمر هو أن‬ ‫كال من اجمللة واحلديقة توحيان بأنهما‪ ،‬دون قصد اإلساءة‪ ،‬كانتا نتاجا‬ ‫حلقيقة أنه بقدر تطرف تلك التنظيمات فإن آيديولوجياتها ال تلقى رواجا‬ ‫شعبيا‪ .‬فماذا إذا تغيرت تلك احلقيقة كنتيجة لتلك املبادرات؟ وذلك حيث‬ ‫إن أفق جناحها في خلق هيمنة ثقافية ميكن أن يكون غير محدود‪.‬‬ ‫فلنأخذ مجلة «إنسباير» على سبيل املثال‪ .‬فاجمللة التي تقدم مقاالت‬ ‫مثل «كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمك؟‪ ..‬ما الذي ميكن أن تتوقعه‬ ‫في اجلهاد؟»‪ ،‬تقدم توجها مختلفا الستقطاب األعضاء عما كان تنظيم‬ ‫القاعدة يعتمد عليه قبل ذلك‪.‬‬ ‫يرأس حترير مجلة «إنسباير» التي يديرها فرع تنظيم القاعدة في‬ ‫اليمن‪ ،‬أنور العولقي‪ ،‬رجل الدين الذي استقطب مفجر «الكريسماس»‬ ‫عمر الفاروق عبد املطلب‪ ،‬ونضال مالك حسن املتهم في إطالق النيران‬ ‫في قاعدة فورت هود‪ .‬وكان العولقي الذي يطلب من القراء املشاركة‬ ‫مبقاالتهم واقتراحاتهم‪ ،‬سببا رئيسيا في معضلة استقطاب اإلرهابيني‬ ‫داخل الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وينسب احملللون حملتوى «إنسباير» للعولقي مشاركات سابقة في هجمات‬ ‫إرهابية‪ ،‬مؤكدين أن هدف اجمللة الرئيسي هو االستمرار في استقطاب‬ ‫املزيد من املسلمني الناطقني باإلجنليزية من داخل الواليات املتحدة وأوروبا‬ ‫في رد فعل على الهزائم العسكرية التي منوا بها والتعقيدات التي‬ ‫ترتبت عليها في استقطاب املزيد من األعضاء في الشرق األوسط وآسيا‪.‬‬ ‫وقد تسبب إصدار اجمللة في إثارة حالة من الغضب والصدمة في وسائل‬ ‫اإلعالم الغربية؛ حيث تساءلت مجلة «فورين بوليسي» «هل لهذه اجمللة‬ ‫أي نفع؟»‪ .‬وتقول إن اجمللة تبدو كأحد املشاريع الفنية الضعيفة التي‬ ‫يتم إعدادها على الكومبيوتر‪ .‬وبخالف ضعف جودتها‪ ،‬يقول بروس ريدل‬ ‫الضابط السابق باالستخبارات األميركية وزميل معهد بروكينغز «من‬ ‫وجهة نظر (القاعدة) فإن تلك اجمللة ال تهدف إلى حتقيق أعلى املبيعات‪،‬‬ ‫فهي تسعى خلف رجل واحد ميكنه بواسطتها استلهام تفجير ميدان‬ ‫التاميز‪ ،‬ورمبا ينجح هذه املرة في جتميع أجزاء القنبلة على نحو صحيح»‪.‬‬ ‫وقد أسفر متنزه «مليتا» عن نفس االستجابة األولية‪ ،‬رغم أن جهوده‬ ‫للترويج ألفكاره يبدو أنها تستهدف جمهورا مختلفا متاما‪ .‬فاملتنزه الذي‬ ‫يقع في مدينة اجلبل اللبنانية‪ ،‬التي حتمل االسم نفسه‪ ،‬يعد متحفا‬ ‫مفتوحا يؤرخ حلروب احلزب الكثيرة مع إسرائيل‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن إقامة متحف عسكري ليس باألمر اجلديد؛ فلندن هي املكان‬ ‫الذي أنشئ فيه متحف احلرب اإلمبريالية‪ ،‬كما أن الواليات املتحدة لديها‬ ‫كثير من املتاحف التي تخلد ذكرى حروب سابقة أيضا‪ .‬ورمبا يكون الصادم‬ ‫في «مليتا» هو أنه ليس مجرد متحف يستهدف تخليد ذكرى حرب‬ ‫أو حتى تقدمي رؤية خاصة حول صراع حزب اهلل مع إسرائيل‪ .‬فبخالف‬ ‫الدبابة اإلسرائيلية التي تتصدره‪ ،‬يشير دليل متحف «مليتا» إلى خطة‬ ‫لـ«بناء الفنادق‪ ،‬واملالعب‪ ،‬ومناطق املعسكرات‪ ،‬بل وحتى املنتجعات أو‬ ‫حمامات السباحة حتى يستطيع جميع الزائرين ‪ -‬خاصة من شعبنا ‪ -‬أن‬ ‫يأتوا إلى هنا لقضاء عطالتهم»‪.‬‬ ‫ومبعنى آخر‪ ،‬بخالف خلق خطاب حول احلرب أو الدعاية ضد إسرائيل‪،‬‬ ‫يستهدف «مليتا» عسكرة طريقة معيشة مجتمعه‪ .‬فدمج وسائل‬ ‫احلياة الترفيهية من املالعب إلى املنتجعات في خطاب الصراع بني حزب‬ ‫اهلل وإسرائيل هو محاولة صريحة إلزالة أي اختالف رمبا كان يحمله‬ ‫اللبنانيون في طريقة معيشتهم عن عالقتهم بإسرائيل‪.‬‬ ‫إن ذلك املزيج اخلطر‪ ،‬لكل من مجلة «إنسباير»‪ ،‬ومتنزه «مليتا» يشير‬ ‫إلى أن العنف واآليديولوجيا التي تبرره ميكن أن يتم تقدميهما من خالل‬ ‫أكثر الطرق إبهاجا‪.‬‬

‫�أنور العولقي‬ ‫في العديد من القضايا املتعلقة باإلرهاب في الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وبريطانيا‪ ،‬وكندا‪ ،‬ادعى املتهمون والئهم‬ ‫ألنور العولقي – رجل الدين النافذ الذي يعيش في‬ ‫اليمن والذي يترأس حاليا حترير مجلة تنظيم القاعدة‬ ‫«إنسباير»‪ .‬وقد جذب العولقي االنتباه من خالل تورطه‬ ‫مع إرهابيني مثل عمر فاروق عبد املطلب‪ ،‬النيجيري‬ ‫املسؤول عن محاولة تفجير الطائرة املتجهة إلى‬ ‫ديترويت وثالثة من اخملتطفني في أحداث احلادي عشر من‬ ‫سبتمبر (أيلول)‪ .‬كما أثار العولقي االنتباه كذلك نظرا‬ ‫للطريقة التي استقطب من خاللها هؤالء األفراد والتي‬ ‫تعتمد إلى حد بعيد على شبكة اإلنترنت كوسيلة‬ ‫لالستقطاب‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى كون العولقي مواطن أميركي؛ حيث ميثل‬ ‫العولقي اجتاها ناميا في األحداث اإلرهابية التي تتعرض‬ ‫لها الواليات املتحدة؛ حيث تنشأ معظم التهديدات‬ ‫التي تواجهها الواليات املتحدة من الداخل‪.‬‬ ‫وقد تزايدت صالت أنور العولقي باملنظمات اإلرهابية‬ ‫بقدر تزايد شعبيته بني املسلمني الناطقني باإلجنليزية‪.‬‬ ‫كما أن تزايد نفوذه على إرهابيني مثل امليجور نضال‬ ‫مالك حسن وعمر فاروق عبد املطلب‪ ،‬أوضح أنه يعي أن‬ ‫مسؤوليته جتاه اجلهاد هي التجنيد واملناصرة‪.‬‬ ‫وفي ظل تلك القناعة‪ ،‬تبادل العولقي رسائل‬ ‫إلكترونية مع «الشباب»‪ ،‬املنظمة اإلسالمية اإلرهابية‬ ‫الصومالية والتي متكنت من استقطاب العديد من‬ ‫الشباب الصومالي األميركي‪ .‬وقال جلمهوره‪« :‬إن‬ ‫جناحهم يعتمد على تأييدكم‪ .‬إن مسؤولية األمة هي‬ ‫مساعدتهم باملال والرجال»‪.‬‬ ‫ومع ذلك فإن «الشباب» ليست صلة العولقي الوحيدة‬ ‫باملنظمات اإلرهابية؛ حيث إن تزايد نفوذ تنظيم القاعدة‬ ‫في اليمن قد ربط أيضا بينهما‪ .‬فتشير التقارير إلى أن‬ ‫العولقي قد زود تنظيم القاعدة بأعضاء في اليمن‬ ‫محتميا بقبيلته‪ ،‬ضد نفوذ احلكومة‪.‬‬ ‫وبالرغم من حجم تورطه مع املنظمات اإلرهابية‪،‬‬ ‫فإن أكبر التهديدات التي ميثلها العولقي هي‬ ‫قدرته على اإلقناع‪ .‬فوفقا للنيويورك تاميز‪ ،‬يعتقد‬ ‫اخلبراء أن قدرته على الترويج للعنف باعتباره واجب‬ ‫ديني «بصيغة بسيطة وبلغة إجنليزية باللهجة‬ ‫األميركية ساعدت على دفع العديد من املسلمني‬ ‫الغربيني إلى اإلرهاب»‪.‬‬ ‫فيقول إيفان كوهلمان الباحث في مواجهة اإلرهاب إن»‬ ‫العولقي يلخص فلسفة القاعدة في رسائل سهلة‬ ‫ومكتوبة بعناية‪ .‬كما منحه متكنه من اللغة اإلجنليزية‬ ‫ودفاعه الذي ال يلني عن اجلهاد ومنظمات اجملاهدين‬ ‫وقدرته على االستعانة باإلنترنت مزيجا قويا»‪.‬‬

‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 11‬أغسطس ‪.2010‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪17‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫ثقافة جماهيرية متطرفة‬

‫مجلة تنظيم القاعدة‬ ‫ومتنزه حزب اهلل‬ ‫ال شك في أن أي تنظيم يبذل أقصى ما يستطيع الستقطاب أعضاء جدد وزيادة تأثيره‪ ،‬إذن فما الذي يجعل «إنسباير»‪ ،‬وهي‬ ‫مجلة تنظيم القاعدة اجلديدة‪ ،‬ومتنزه «مليتا» التابع حلزب اهلل سببا للقلق؟ الصادم في األمر أن إصدار اجمللة وإنشاء املتنزه‬ ‫يشيران إلى أنه ليس آليديولوجيا تلك التنظيمات املتطرفة «جاذبية جماهيرية»‪ .‬فماذا إذا تغير ذلك كنتيجة لتلك املبادرات؟‬ ‫بوال ميجيا‬ ‫ال شك في أن أي تنظيم يبذل أقصى ما يستطيع الستقطاب أعضاء‬ ‫جدد وزيادة تأثيره‪ ،‬إذن فما الذي يجعل «إنسباير»‪ ،‬وهي مجلة تنظيم‬ ‫القاعدة اجلديدة‪ ،‬ومتنزه «مليتا» التابع حلزب اهلل سببا للقلق؟ الصادم‬ ‫في األمر أن إصدار اجمللة وإنشاء املتنزه يشيران إلى أنه ليس آليديولوجيا‬ ‫تلك التنظيمات املتطرفة «جاذبية جماهيرية»‪ .‬فماذا إذا تغير ذلك‬ ‫كنتيجة لتلك املبادرات؟‬ ‫كيف تستقطب التنظيمات املتطرفة أعضاءها؟‬ ‫إن االعتماد على الشباب الواعي ليس سهال في ظل ارتفاع معدالت‬ ‫البطالة والزيادة السكانية وارتفاع حدة التوتر بني الثقافات‪ .‬ولكن بعيدا‬ ‫عن الظروف املواتية‪ ،‬يبدو أن تنظيمات مثل «القاعدة» وحزب اهلل‪ ،‬قد‬

‫توصلت إلى نفس النتيجة‪ .‬فليس كافيا أن تنتظر حتى يأتي األعضاء‬ ‫إليك؛ فهم يحاولون‪ ،‬على غرار املبشرين‪ ،‬الوصول لألفراد الذين رمبا‬ ‫يتعاطفون مع قضيتهم التي تصطبغ بالعنف‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن كال التنظيمني كانا يعتمدان من قبل على آليات‬ ‫تقليدية في الترويج ألفكارهما‪ ،‬يبدو أن كليهما قد احتفيا بإمكانية‬ ‫استخدام الثقافة اجلماهيرية كوسيلة جديدة للترويج‪ .‬ففي ظل إصدار‬ ‫تنظيم القاعدة مؤخرا أولى مجالته باللغة اإلجنليزية «إنسباير» وإنشاء‬ ‫حزب اهلل ملا وصف بأنه «متنزه إرهابي»‪ ،‬يبدو أن كال التنظيمني يعبران‬ ‫عن إدراكها إلمكانية الترويج ألفكارهما على نحو أسهل عبر ذلك النوع‬ ‫من املقاربات الثقافية اجلماهيرية‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫‪16‬‬


TM1555_15_Ad.indd 15

21/8/10 15:24:58


‫● احلرب والسالم‬

‫لتبرير الوضع‪ ،‬ولكنها معقولة‪ .‬ووفقا لتقرير مكتب األمم املتحدة املعني باخملدرات‬ ‫واجلرمية املنظمة‪ ،‬يعد جنوب أفغانستان (غالبية سكانه من البشتون)‪ ،‬من‬ ‫املنطقتني األكثر تأثرا بالفساد‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬من املهم اإلشارة إلى أن الكلمة‬ ‫التي يستخدمها البشتون لوصف «الفساد» ليست كلمة من أصل بشتوني‪،‬‬ ‫ولكنها مأخوذة من اللغة الدرية (الفارسية)‪.‬‬ ‫وفي أفغانستان‪ ،‬أكثر ما يظهر فيه الفساد هو جتارة اخملدرات‪ ،‬التي حتقق ‪60‬‬ ‫في املائة تقريبا من متويل طالبان‪ .‬وتبدأ القصة الثالثة في الفيلم التسجيلي‬ ‫«حربنا على اخملدرات» الذي أخرجه أنغوس ماكوين‪ ،‬بحكاية احلرب التي شنها‬ ‫اجلنرال أمني اهلل على اخملدرات‪ .‬كان اجلنرال أمني اهلل‪ ،‬الذي تلقى تدريبه على‬ ‫يد البريطانيني ويعمل في مطار كابُل الدولي‪ ،‬يقوم بعمليات ضبط خطيرة‪.‬‬ ‫التقطت الكاميرا سيدة على وشك الصعود على منت الطائرة وهي حتمل عدة‬ ‫كيلوغرامات من الهيروين‪ .‬من املدهش أنها هادئة للغاية‪ ،‬حيث كان لديها‬ ‫شعور بأنه ال ميكن القبض عليها‪ ،‬في حني ظلت تكرر أنه سيتم اإلفراج عنها‬ ‫وفصله من عمله‪ .‬وعندما وصل اجلنرال أمني اهلل إلى مكتبه في اليوم التالي‪،‬‬ ‫علم في فزع أنه مت اإلفراج عن السيدة ذلك الصباح‪ .‬وعندما اتهم اجلنرال أمني‬ ‫اهلل عددا من مسؤولي احلكومة بالتورط في جتارة اخملدرات‪ ،‬فصل من عمله بعد‬ ‫أن أجري معه حتقيق دعا إليه الرئيس األفغاني حميد كرزاي‪.‬‬ ‫إن حكاية اجلنرال أمني اهلل ليست القصة الوحيدة في الفيلم التسجيلي التي‬ ‫يدخل فيها كرزاي شخصيا‪ .‬فقد ألقي القبض على مجموعة من رجال الشرطة‬ ‫وهم ينقلون في سياراتهم مئات الكيلوات من الهيروين بغرض االجتار‪ .‬وبعد أن‬ ‫حكم عليهم أحد القضاة األفغان بأقصى عقوبة لالجتار في البالد‪ ،‬مت اإلفراج‬ ‫عنهم جميعا مبوجب صفقة عقدت مع كرزاي قبل االنتخابات‪.‬‬ ‫ويكشف مقال نشرته «اجمللة» مؤخرا للصحافي أياسون أثاناسياديس جيدا‬ ‫املهمة املستحيلة التي تواجهها القوات الدولية في التعامل مع االجتار في‬ ‫اخملدرات‪ .‬وكما قال جندي يشعر باإلحباط ألثاناسياديس‪« :‬هذه ليست أميركا؛‬ ‫حيث ترغب إدارة مكافحة اخملدرات في القيام مبهمة لضبط اخملدرات‪ ،‬إنهم‬ ‫يتصلون باإلدارة احمللية ويحضرون ضابطني في خالل ‪ 15‬دقيقة»‪ .‬وأضاف‪:‬‬ ‫«عندما نطلب الشرطة األفغانية‪ ،‬غالبا ما يظلون يتناقشون‪ ،‬لذلك علينا أن‬ ‫نذهب ونصحبهم إلى مكان اجلرمية‪ .‬يبدو األمر مثل تدليل األطفال»‪.‬‬ ‫وبالتأكيد يلعب الفقر دورا كبيرا‪ .‬ويصبح من الصعب إلقاء اللوم على عامة‬ ‫املواطنني األفغان‪ ،‬الذين يحصلون في املتوسط على أقل من دوالرين يوميا‪ ،‬في‬ ‫التورط في أنشطة غير مشروعة في مواجهة أسرة تعاني من اجلوع‪ .‬وكما قال‬ ‫أحد األفغان بنبرة يأس في الفيلم التسجيلي «حربنا على اخملدرات»‪« :‬إذا كان‬ ‫فسيطلق علينا مهربي مخدرات»‪ .‬واملشكلة‪،‬‬ ‫الفقر يدفعنا نحو جتارة اخملدرات‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كما ورد في تقرير مكتب األمم املتحدة املعني باخملدرات واجلرمية املنظمة‪ ،‬هي أن‬ ‫الفساد أصبح سرطانا منتشرا‪ ،‬حيث وصل إلى أعلى املناصب احلكومية‪ ،‬كما‬ ‫يصل إلى حراس احلدود الذين يحصلون على رواتب متدنية‪ .‬لقد أصبح الفساد‬ ‫أسلوب حياة في أفغانستان‪.‬‬ ‫ويبدو أن لب املشكلة أيضا يكمن في عدم وجود والء أو دعم لدولة أفغانية‬ ‫منوذجية‪ .‬ويحل الوالء لكثير من االنتماءات األخرى‪ ،‬منها القبيلة والعائلة‬ ‫باإلضافة إلى املكاسب الشخصية‪ ،‬محل الدولة‪ .‬وليس بغريب حقيقة أن‬ ‫أفغانستان لم تكن لها مطلقا حكومة مركزية استطاعت السيطرة على‬ ‫أراضيها بفاعلية‪.‬‬ ‫ووفق هذا السيناريو‪ ،‬فإن مصير عائد املوارد الطبيعية األفغانية أقرب إلى مصير‬ ‫عائد برامج اخلصخصة التي أسيء تخطيطها في روسيا‪ ،‬أثناء عهد بوريس‬ ‫يلتسني؛ حيث عادت الفائدة على قلة من رجال األعمال الذين أصبحوا أثرياء‬ ‫للغاية‪ ،‬بينما اجتهت البالد نحو انهيار اقتصادي‪.‬‬ ‫وكما يشير «حربنا على اخملدرات»‪ ،‬يحول دون «احلرب على اخملدرات» (وعلى‬ ‫الفساد) وضع األولوية لـ«احلرب على اإلرهاب»‪ ،‬التي متنع حلفاء الناتو من‬ ‫تأييد األشخاص املناسبني ومن معاقبة السلوك اخلاطئ الذي يصدر عن كبار‬ ‫املسؤولني األفغان‪ .‬ويفتقد هذا املوقف ألهمية مكافحة الفساد وإقامة اقتصاد‬ ‫في أفغانستان يصبح محوريا من أجل استقرار البالد ويغير من تأييد العامة‬ ‫للمتمردين إلى تأييد حكومة كابُل‪.‬‬ ‫مانويل أمليدا ‪ -‬أحد الكتاب املساهمني مبقاالتهم في «اجمللة»‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 26‬أغسطس ‪.2010‬‬ ‫‪14‬‬

‫ف�ساد حي‬ ‫أثناء إجراء مسح ميداني من أجل تقرير مكتب األمم املتحدة‬ ‫للمخدرات واجلرمية املنظمة عن الفساد في أفغانستان‪،‬‬ ‫أشار عدد من املشاركني إلى حاالت حقيقية من الرشاوى‬ ‫التي مروا بها بصورة مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬وفيما يلي‬ ‫بعض ما قاله املواطنون املشاركون للتعبير عن صور حية‬ ‫لكثير من أشكال الفساد املنتشرة في أفغانستان‪.‬‬ ‫«نبيع سلعا مختلفة في هذا الشارع‪ .‬وقد عني رئيس‬ ‫الشرطة في هذه املنطقة شخصا مسؤوال عن جمع‬ ‫األموال منا وإعطائها له»‪.‬‬ ‫«مكتب التراخيص في هذه اإلدارة احمللية أحد املكاتب‬ ‫الفاسدة األخرى‪ ،‬حيث يطلب املسؤولون نحو ‪18.000‬‬ ‫دوالر من التجار إذا أرادوا البدء في مشروع جتاري جديد»‪.‬‬ ‫«يحصل رؤساء الشرطة على نسبة من رواتب جميع‬ ‫مرؤوسيهم»‪.‬‬ ‫«يوزع العمدة قطع أراض على أفراد عائلته‪ ،‬وقد حصل‬ ‫على عدد من احملالت في األسواق التجارية من أجل املوافقة‬ ‫على إقامة‬ ‫مبان»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫«يوجد أشخاص يعملون مقابل عمولة أمام كل مبنى‬ ‫حكومي‪ ..‬يقتربون من الناس قائلني إنه في إمكانهم‬ ‫أن يحلوا أية مشكلة في وقت قصير‪ ،‬ثم يحددوا مبلغا‬ ‫من املال‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬إذا كنت حتتاج إلى استخراج‬ ‫جواز سفر أو رخصة قيادة أو تسديد الضرائب والرسوم‬ ‫اجلمركية‪ ،‬ميكنهم أن يجلبوا إيصاال نهائيا‪ ،‬يتم متريره بني‬ ‫املسؤولني في غضون أيام‪ ،‬وهو عادة ما يستغرق أسابيع‪.‬‬ ‫ثم يحصل على مال بالطبع‪ ،‬وبالتأكيد‪ ،‬سيوزعه على‬ ‫هؤالء الذين يجلسون في املكاتب»‪.‬‬ ‫«ينهب مسؤولون في وزارة التعليم أموال الكتب واألدوات‬ ‫الدراسية التي من املفترض أن تمُ نح للمدارس على مستوى‬ ‫الواليات واإلدارات احمللية»‪.‬‬ ‫«يدير ابن عم لي صيدلية‪ ،‬وقد عُ ثر لديه على بعض‬ ‫األدوية منتهية الصالحية ومنخفضة اجلودة‪ ،‬وبدأت وزارة‬ ‫الصحة في اتخاذ إجراءاتها‪ .‬بعد ذلك قدم رشوة ألحد‬ ‫األطباء املديرين وأصبح ملفه نظيفا في خالل يوم واحد‪.‬‬ ‫ما زال ابن عمي يبيع األدوية منتهية الصالحية ومنخفضة‬ ‫اجلودة املصنعة في باكستان‪ ،‬ولكن عليها ملصقات صنع‬ ‫في أملانيا والواليات املتحدة»‪.‬‬ ‫«يشعر الناس ببعض اخلوف من إعالن كرزاي األخير بأن‬ ‫حكومته اجلديدة ستكافح جميع أنواع الفساد‪ .‬يجب أن‬ ‫تتحول تلك األخبار إلى واقع في وقت قريب‪ ،‬وإال سيبدأ‬ ‫الناس من جديد في الفساد على نطاق واسع»‪.‬‬ ‫املصدر‪« :‬الفساد في أفغانستان‪:‬‬ ‫الرشوة كما يروي عنها الضحايا»‪.‬‬ ‫تقرير مكتب األمم املتحدة املعني باخملدرات واجلرمية املنظمة‪،‬‬ ‫الصادر في يناير (كانون الثاني) ‪.2010‬‬


‫تعاقدات ال تقدر بثمن‪ .‬وبالتأكيد يعد األمن مصدر قلق كبير‪ ،‬ولكن لم يوقف عدم‬ ‫االستقرار والقتال املستمر‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬شركة «ميتالورجيكال» الصينية‬ ‫احلكومية من إقامة مشاريع لها في أفغانستان على مدار األعوام الثالثة املاضية‪.‬‬ ‫وأكبر عقبة في طريق حتويل هذا العائد الكبير احملتمل‪ ،‬الناجت عن اكتشاف هذه‬ ‫املوارد‪ ،‬إلى مدارس ووظائف ومستشفيات لألفغان هي الفساد‪ ،‬الذي يبدو التعامل‬ ‫معه في أفغانستان مهمة مستحيلة‪.‬‬ ‫ووفقا لتقرير «الفساد في أفغانستان‪ :‬الرشوة كما يروي عنها الضحايا» الصادر‬ ‫عن مكتب األمم املتحدة املعني باخملدرات واجلرمية املنظمة‪ ،‬يضع ‪ 59‬في املائة من‬ ‫املواطنني األفغان الفساد في مقدمة املشكالت التي تواجه البالد‪ ،‬قبل انعدام‬ ‫األمن والبطالة‪ .‬أحد األرقام الصارخة التي وردت في التقرير هو مبلغ ‪ 2.5‬مليار‬ ‫دوالر من الرشاوى التي يدفعها األفغان على مدار ‪ 12‬شهرا‪ .‬وبذلك تبلغ نسبة‬ ‫دفع الرشاوى نحو ‪ 25‬في املائة من إجمالي الناجت احمللي‪ .‬ويحقق ذلك اقتصادا‬ ‫من الرشاوى‪ ،‬بل ويُجبر هؤالء الذين ال يتورطون في أعمال غير مشروعة على دفع‬ ‫الرشوة من أجل احلصول على اخلدمات العامة األساسية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الفساد ال يؤثر على جميع البالد‪ ،‬فإن املمارسات الثقافية‬ ‫واالجتماعية احمللية تلعب دورا محوريا في حتديد مدى خطورة املشكلة في كل‬ ‫دولة‪ .‬وكما يقول محمد ألوكو النائب العام األفغاني لألجانب‪ ،‬كما نقلت عنه‬ ‫«دير شبيغل»‪« :‬كانت الدولة بال قانون ملدة عقود‪ ،‬لذلك ال ميكن أن يتوقع املرء‬ ‫قيام مجتمع يعتمد على القانون من ال شيء»‪.‬‬

‫وتظهر دراسة مثيرة لالهتمام أجراها باحثان يقيمان في الواليات املتحدة حتت‬ ‫عنوان «ثقافات الفساد» أن األعراف الثقافية واالجتماعية تصبح راسخة وتلعب‬ ‫دورا مهما في سلوك البشر‪ .‬ومن أجل تقييم مستويات الفساد التي تسيطر‬ ‫عليها األعراف االجتماعية‪ ،‬ركزت الدراسة على مخالفات االنتظار التي جمعها‬ ‫دبلوماسيون دوليون أقاموا في مدينة نيويورك من عام ‪ 1997‬إلى عام ‪.2005‬‬ ‫وكان جميع الدبلوماسيني من ‪ 146‬دولة يعتقدون أنه باالستفادة من حصانتهم‬ ‫الدبلوماسية‪ ،‬ميكنهم جتنب سداد غرامات االنتظار‪ .‬وكشفت الدراسة أنه على‬ ‫الرغم من االفتراض بأن جميع الدبلوماسيني ارتكبوا مخالفات انتظار كثيرة‪ ،‬فإن‬ ‫القادمني من دول أقل فسادا مثل النرويج كان تصرفهم جيدا‪ .‬ومن جانب آخر‪،‬‬ ‫احتل دبلوماسيو دول مثل تشاد والسودان وأنغوال‪ ،‬وجميع الدول التي تتصدر‬ ‫قائمة الدول األكثر فسادا في العالم‪ ،‬أول عشرة مراكز في قائمة مخالفات‬ ‫االنتظار‪ ،‬حيث ارتكب كل دبلوماسي ما يزيد على ‪ 100‬مخالفة في تسعة أعوام‪.‬‬ ‫وفي حلقة نقاش عقدت العام احلالي حول مستقبل أفغانستان‪ ،‬رأسها األخضر‬ ‫اإلبراهيمي (مبعوث األمم املتحدة اخلاص السابق في أفغانستان)‪ ،‬أشار عدد من‬ ‫اخلبراء احلاضرين إلى الفساد كعنصر محوري في دفع الناس بعيدا عما يرونه‬ ‫دميقراطية غريبة في كابُل‪ .‬كما تناولوا أيضا قضية العامل الثقافي الذي يؤثر‬ ‫على املستويات العالية من الفساد‪ .‬وكما قال أحد املشاركني‪« :‬إذا لم يكن‬ ‫الفساد مفهوما في القوانني البشتونية‪ ،‬فكيف جنعل الناس يفهمون ذلك؟»‪.‬‬ ‫وميكن أن تبدو فكرة أن القوانني البشتونية ال تستوعب مفهوم الفساد‪ ،‬وسيلة‬

‫أحد األرقام الصارخة التي وردت‬ ‫في التقرير هو مبلغ ‪ 2.5‬مليار‬ ‫دوالر من الرشاوى التي يدفعها‬ ‫األفغان على مدار ‪ 12‬شهرا وبذلك‬ ‫تبلغ نسبة دفع الرشاوى نحو ‪25‬‬ ‫في املائة من إجمالي الناجت احمللي‬ ‫مكافحة الف�ساد‬ ‫في خطاب تنصيبه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام‬ ‫‪ ،2009‬تناول الرئيس كرزاي قضية الفساد فيما يلي‪:‬‬ ‫«تتعهد حكومة أفغانستان بوضع حد لثقافة اإلفالت‬ ‫من العقاب وانتهاك القانون‪ ،‬وبتنفيذ العدالة في هؤالء‬ ‫املتورطني في نشر الفساد واستغالل امللكية العامة‪.‬‬ ‫سيتطلب ذلك اتخاذ إجراءات فعالة وقوية‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى إصالح قضائي مكثف‪ ،‬يجب تقوية جميع‬ ‫جهود الهيئات احلكومية املكافحة للفساد ودعمها‪.‬‬ ‫وس ُتمنح أهمية خاصة لبناء وحتديث املكتب األعلى‬ ‫لإلشراف على تنفيذ استراتيجية مكافحة الفساد‪.‬‬ ‫ومن بني اإلجراءات التي تدعم هيئات مكافحة الفساد‪:‬‬ ‫زيادة نطاق سلطتها‪ ،‬وحتسني قدراتها ومواردها من أجل‬ ‫التحري والتحقيق‪ ،‬وتوسيع هيكلها التنظيمي‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى إصالح قوانني ولوائح مكافحة الفساد‪.‬‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪13‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫رغم الطفرة التي ينتظرها دخل الفرد نتيجة االكتشافات املعدنية‬

‫الفساد في أفغانستان‪ ..‬يتحول من داء إلى دولة‬ ‫تشير حقيقة امتالك أفغانستان كمية كبيرة من احتياطي املوارد‬ ‫املعدنية إلى االحتماالت املستقبلية املمكنة في اقتصاد الدولة‪.‬‬ ‫في حني تبقى األمور على ما هي عليه‪ ،‬من املرجح أن يعوق الفساد‬ ‫املصلحة املمكنة لعموم الشعب األفغاني التي ميكن أن تنشأ‬ ‫عن اكتشاف تلك املوارد‪ .‬لقد أًصبح الفساد أسلوب حياة في‬ ‫أفغانستان‪.‬‬ ‫مانويل أمليدا‬

‫‪12‬‬

‫أعلنت وزارة التعدين األفغانية اكتشاف حقل بترول يقدر بـ‪ 1.8‬مليار برميل في‬ ‫شمال أفغانستان‪ .‬ويأتي ذلك اإلعالن بعد اكتشافات أخرى للموارد املعدنية غير‬ ‫املكتشفة‪ ،‬ليس فقط في مجال النفط‪ ،‬بل أيضا في احلديد اخلام والنحاس‬ ‫والليثيوم والغاز‪ .‬وتزيد تلك التطورات من آمال املسؤولني األفغان في استقالل‬ ‫أكبر حلكومتهم عن الغرب‪ ،‬فيما يتعلق باألمن واالقتصاد‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬من املمكن‬ ‫أن يحقق العائد احملتمل احلصول عليه من اكتشاف تلك املوارد حتوال حاسما في‬ ‫الثقة في أفغانستان‪ .‬ولكن‪ ،‬ليس بالضرورة أن تكون تلك األخبار جيدة لغالبية‬ ‫الشعب األفغاني‪.‬‬ ‫حتى تتحقق االستفادة اجليدة من تلك املوارد الطبيعية‪ ،‬من الالزم فعل الكثير‪.‬‬ ‫في املقام األول‪ ،‬وجود بنية حتتية مثل الطرق‪ ،‬باإلضافة إلى املهارات‪ ،‬التي إن كان‬ ‫األفغان ال ميلكونها‪ ،‬فلن يفقدوها؛ حيث «تتصارع» الشركات األجنبية على‬


‫بسرعة ويتم نشرها في أي مكان حول العالم – فيما ميثل نوعا‬ ‫جديدا من العمليات بالنسبة للتحالف‪.‬‬ ‫وقد مد حلف شمال األطلسي احلوار املتوسطي الذي مت إطالقه‬ ‫عام ‪ 1994‬لتسهيل احلوار السياسي مع دول الشرق األوسط‪ ،‬مبا‬ ‫في ذلك اجلزائر ومصر وإسرائيل واألردن وموريتانيا واملغرب وتونس‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬ومنذ عام ‪ 2008‬كان حلف شمال األطلسي يتزعم عملية‬ ‫دولية ملواجهة القرصنة في القرن األفريقي حلماية احلركة التجارية‬ ‫في خليج عدن حتت اسم «التحالف الدفاعي» وكجزء من عملية‬ ‫«حصن احمليط» (حتى ديسمبر‪ /‬كانون األول ‪ ،2012‬ملساعدة دول‬ ‫املنطقة لتطوير قدرتها على مجابهة القرصنة)‪.‬‬ ‫وميكننا أن نتساءل إذا ما كانت تلك املقاربة سوف متنح التحالف‬ ‫مسؤولية إضافية تخول له التعامل مع كافة القضايا األمنية‬ ‫في املنطقة‪ .‬واإلجابة هي ال‪ .‬فحلف شمال األطلسي لن يصبح‬ ‫احلليف األمني للشرق األوسط كما كان ألوروبا الغربية ‪ -‬في‬ ‫ظل انتشار القواعد األميركية واألوروبية في كافة‬ ‫أنحاء املنطقة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ورغم كل االختالفات‬ ‫بني أعضاء حلف شمال األطلسي‬ ‫واملعضالت التي تقف أمام دور حلف‬ ‫شمال األطلسي في منطقة الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬فما زالت احلقيقة هي أن‬ ‫لكل من الواليات املتحدة وأوروبا‬ ‫مصالح أمنية مشتركة هناك‬ ‫وما زال حلف شمال األطلسي‬ ‫هو اآللية املثلى لتنسيق‬ ‫سياساتهما وعملياتهما‬ ‫هناك‪.‬‬

‫تقرير أولبرايت‬ ‫حلف‬ ‫يتبنى‬ ‫سوف‬ ‫شمال األطلسي مفهوما‬ ‫استراتيجيا جديدا – الثالث‬ ‫بعد احلرب الباردة – خالل قمة‬ ‫لشبونة التي من املقرر عقدها‬ ‫في نوفمبر (تشرين الثاني)‬ ‫املقبل‪ .‬وقد مت إعداد الوثيقة‪ ،‬التي‬ ‫مت طرحها للمناقشة على كافة‬ ‫الدول األعضاء‪ ،‬على يد مجموعة من‬ ‫اخلبراء تتزعمهم وزيرة اخلارجية السابقة‬ ‫مادلني أولبرايت‪ .‬ووفقا للتقرير‪ ،‬هناك ثالث‬ ‫قضايا رئيسية في الشرق األوسط تؤثر على أمن‬ ‫احللف‪ :‬العنف املتطرف‪ ،‬والصراع العربي اإلسرائيلي وعدم‬ ‫استعداد إيران لاللتزام جتاه اجملتمع الدولي‪ .‬ومن املتوقع أن متثل‬ ‫القضية األخيرة‪ ،‬في املستقبل القريب‪ ،‬تهديدا يندرج حتت مظلة‬ ‫املادة اخلامسة التي تعني أن حلف شمال األطلسي رمبا يضطر‬ ‫إلى استخدام القوة ضد إيران إذا ما استمر النظام في تطوير‬ ‫برنامج نووي ألغراض عسكرية‪ .‬ورمبا يصبح ما قاله عنه روبرت‬ ‫غيتس مؤخرا من أن إيران «تستطيع أن تطلق مئات الصواريخ‬ ‫على أوروبا»‪ ،‬هو السبب في تأييد األوروبيني لهجمة عسكرية على‬ ‫إيران‪( .‬وفقا الستطالع بو ‪ 17‬يونيو (حزيران) ‪.)2010‬‬ ‫وفي نفس الوقت‪ ،‬يؤكد تقرير أولبرايت على حدوث تطور في‬ ‫شراكة حلف شمال األطلسي في املنطقة ويولي اهتماما خاصا‬ ‫التفاقية السالم الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي حتت إشراف احللف‬ ‫والتي طلبتها الدول األطراف وخولها مجلس األمن التابع لألمم‬ ‫املتحدة‪ .‬ومبعنى آخر‪ ،‬يشير التقرير إلى وجوب ممارسة حلف شمال‬ ‫األطلسي لدور مكثف ومركزي في عملية السالم لكي يتمكن‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫من املساعدة على حتقيقها‪ .‬ولكن املشكلة هي أنه ال يقول كيف‬ ‫سيفعل ذلك‪ .‬وعلى الرغم من تطوع احللف في تلك القضية‪ ،‬فما‬ ‫زال السؤال هو هل سيعتبره أطراف الصراع – إذا ما شارك في‬ ‫تعزيز السالم بني اإلسرائيليني والفلسطينيني ‪ -‬وسيطا أمينا‬ ‫خاصة بعد حملة أفغانستان؟ وهل سيصبح ذلك النوع من‬ ‫األدوار هو الدور الرئيسي للتحالف في العقد القادم؟ ذلك هو ما‬ ‫يحاول التقرير توضيحه‪ .‬فأوال‪ ،‬يظهر إرادة املشاركة في العملية‬ ‫السياسية وثانيا‪ ،‬فإنه يدافع عن مقاربة حللف شمال األطلسي‬ ‫يعرف من خاللها إطاره اإلقليمي – منطقة أوروبا األطلسية –‬ ‫ولكنه يؤكد‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬على املصالح االستراتيجية؛‬ ‫املنطقة الدولية‪ ،‬حيث أصبح أمن الدول األعضاء على احملك‪ .‬وما‬ ‫زلنا في انتظار أن نرى إذا ما كانت الدول األعضاء في حلف شمال‬ ‫األطلسي ستكون واضحة حول تلك القضايا خالل قمة لشبونة‪.‬‬

‫توسع حلف الناتو أيضا في احلوار‬ ‫املتوسطي‪ ،‬الذي تأسس عام ‪،1994‬‬ ‫لتسهيل احلوار السياسي مع دول الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬التي تضم اجلزائر ومصر وإسرائيل‬ ‫واألردن وموريتانيا واملغرب وتونس‬ ‫ويكمن عيب التقرير في قضية أمن الطاقة‪ ،‬فإذا ما كان هناك‬ ‫موضوع ميثل أهمية قصوى بالنسبة ألعضاء حلف شمال األطلسي‬

‫فهو اعتماد دوله على الشرق األوسط في مجال الطاقة؛ حيث‬ ‫متر نحو ‪ % 65‬من واردات أوروبا من البترول والغاز الطبيعي عبر‬ ‫الشرق األوسط‪ .‬ومن وجهة نظر الدول األعضاء في حلف شمال‬ ‫األطلسي فاملسألة ليست فقط مسالة استقالل عن منطقة‬ ‫غير مستقرة ولكنها أيضا مسألة تتعلق بأمن النقل في البحر‬ ‫واحلاجة لتحسني التنسيق بني القوات البحرية‪ .‬وفي ذلك السياق‬ ‫أيضا‪ ،‬من الضروري أن نسلم مبركزية تركيا (عضو باحللف) كدولة‬ ‫محورية لنقل الطاقة ومركز رئيسي للطاقة بالنسبة للموردين‬ ‫األوروبيني‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أن تأمني الشحن في مضيق هرمز وخليج عدن يعد‬ ‫ضروريا للمنطقة األوروبية األطلسية‪ ،‬حيث إن نحو ‪ % 95‬من‬ ‫جتارة دول االحتاد األوروبي و‪ % 20‬من التجارة العاملية متر عبر خليج‬ ‫عدن‪ ،‬كما متر نحو ‪ 15‬حاوية يوميا عبر مضيق هرمز حتمل نحو‬ ‫‪ 17‬مليون برميل من البترول اخلام‪ .‬وهو ما ميثل نحو ‪ 40%‬من‬ ‫إجمالي البترول الذي يتم شحنه عامليا عبر البحر‪ ،‬كما ميثل‬ ‫بالنسبة لدول اخلليج ‪ 90%‬من صادرات البترول من املنطقة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه من املتوقع أن يتم وضع هذه األرقام والقضايا‬ ‫على طاولة املفاوضات في قمة لشبونة‪ ،‬فإن هناك شيئا واحدا‬ ‫مؤكدا وهو أن مشكالت الشرق األوسط الكبير ترتبط على نحو‬ ‫مباشر باملصالح األمنية لألطلسي األوروبي‪.‬‬ ‫برناردو بايرس ليما – الباحث باملعهد البرتغالي للعالقات الدولية‪.‬‬ ‫وهو يؤلف حاليا كتابا حول أسباب جناة حلف شمال األطلسي من‬ ‫نهاية احلرب الباردة‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 17‬يوليو ‪.2010‬‬ ‫‪11‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫تأكيدا على أن مصاحله مرتبطة‬ ‫بالشرق األوسط «الكبير»‬

‫هناك وجهتا نظر متعلقتان برؤية حلف شمال األطلسي للشرق‬ ‫األوسط‪ .‬أولهما ترى املنطقة من وجهة نظر رامسفيلد باعتبارها‬ ‫منطقة واسعة متتد من املغرب حتى باكستان يطلق عليها عادة‬ ‫اسم «الشرق األوسط الكبير» وهي بالنسبة للغرب منطقة‬ ‫مثيرة للقلق نظرا لقضايا مثل منع االنتشار النووي والتطرف‪،‬‬ ‫والصراعات بني دوله والدول املنهارة واحلروب األهلية‪ .‬فيما تركز‬ ‫وجهة النظر األخرى على مناطق الصراع األساسية مختزلة كافة‬ ‫املشكالت في قضية الصراع اإلسرائيلي ‪ -‬الفلسطيني وحدها‪،‬‬ ‫وهي متكن حلف شمال األطلسي من وضع رؤية استراتيجية‬ ‫أوسع للمنطقة تربط قضايا مثل الفقر والتنمية وحقوق اإلنسان‬ ‫واالنتشار النووي‪.‬‬

‫الناتو يفتح كل‬ ‫سيناريوهات املنطقة‬ ‫من باكستان للمغرب‬

‫االهتمام املتنامي بشأن الشرق األوسط الكبير‬ ‫لقد كانت هجمات احلادي عشر من سبتمبر (أيلول) هي أول عالقة‬ ‫مباشرة للحلف باملنطقة‪ .‬ولم يدفع ملجأ «القاعدة» اآلمن في‬ ‫أفغانستان فقط حلف شمال األطلسي الستخدام املادة اخلامسة‬ ‫ألول مرة في التاريخ ولكنه مثل أيضا معطى مهما ألول عملية‬ ‫«خارج البالد» في تاريخ حلف األطلسي‪.‬‬ ‫فقد نشر حلف شمال األطلسي قوة حلفظ‬ ‫السالم تتكون من اآلالف من القوات شمال‬ ‫أفغانستان وتعهد مبد تلك املهمة إلى‬ ‫اجلنوب مضيفا املزيد من القوات‪ .‬وما‬ ‫زالت مشاركة التحالف في تلك‬ ‫العملية مستمرة منذ ذلك الوقت‬ ‫وما زالت أفغانستان هي األولية‬ ‫األولى للتحالف‪ .‬وقد انضمت‬ ‫كافة دول احللف البالغ عددها‬ ‫‪ 28‬دولة إلى (االيساف) قوة‬ ‫املساعدة األمنية الدولية‪،‬‬

‫ميثل الشرق األوسط حتديا كبيرا حللف األطلسي؛ حيث متثل‬ ‫قضايا مثل أفغانستان‪ ،‬والعراق‪ ،‬وطموحات إيران النووية والصراع‬ ‫اإلسرائيلي – الفلسطيني‪ ،‬أهمية خاصة لكافة دول احللف‪.‬‬ ‫والسؤال هو‪ :‬هل ميتلك حلف شمال األطلسي املقاربة الصحيحة‬ ‫للتعامل مع مثل تلك السيناريوهات اخملتلفة؟‬ ‫برناردو بايرس دي ليما‬

‫باإلضافة إلى ‪ 16‬دولة من‬ ‫غير حلف شمال األطلسي‬ ‫من كافة أنحاء العالم تتضمن‬ ‫األردن‪.‬‬ ‫وفي يونيو (حزيران) ‪ ،2004‬وافق‬ ‫احللف على املساعدة في تدريب‬ ‫القوات العسكرية العراقية؛ ووضعوا‬ ‫«بعثة حلف شمال األطلسي للتدريب»‬ ‫و»كلية األركان» في الرستمية على مقربة‬ ‫من بغداد التي كانت مهمتها تدريب الضباط‬ ‫العراقيني من القيادات والقيادات الوسطى‪ ،‬وغرس‬ ‫القيم املالئمة للقوات املسلحة التي تدار بالدميقراطية‪.‬‬ ‫وفي أعقاب األزمة األطلسية الكبرى (‪ ،)2003 - 2002‬وافق‬ ‫احللف على االلتزام معنويا وماليا واملشاركة باملوارد البشرية في‬ ‫مهمة إعادة بناء الدولة املدمرة في قلب الشرق األوسط‪.‬‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫‪10‬‬

‫وفي عام ‪ ،2004‬بدأ حلف شمال األطلسي «مبادرة اسطنبول‬ ‫للتعاون» لتطوير عالقاته السياسية والعسكرية مع أعضاء‬ ‫مجلس التعاون اخلليجي (البحرين‪ ،‬والكويت‪ ،‬وعمان‪ ،‬وقطر‪،‬‬ ‫واململكة العربية السعودية‪ ،‬واإلمارات)‪ .‬وهناك أكثر من ‪600‬‬ ‫نشاط متعدد األطراف مت تنفيذه منذ ذلك الوقت‪ ،‬يتراوح من‬ ‫مواجهة اإلرهاب عبر التعليم العسكري والتدريب وصوال إلى‬ ‫األمن املتعلق بالطاقة والتعاون البحري‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،2005‬وفي أعقاب الزلزال الذي وقع في باكستان والذي‬ ‫يقدر بأنه تسبب في مقتل أكثر من ‪ 80‬ألف شخص وترك ثالثة‬ ‫ماليني دون طعام أو مأوى‪ ،‬طلبت السلطات في إسالم آباد املساعدة‬ ‫الدولية‪ .‬فقام احللف بنشر «قوات الردع» التابعة حللف شمال‬ ‫األطلسي – مجموعة من القوات العسكرية ميكن استدعاؤها‬


TM1555_09_Ad.indd 9

21/8/10 15:17:53


‫●● أقوال‬ ‫احملتويات‬

‫أقوال‬ ‫"أعتقد أن العملية تسير قدما‪،‬‬ ‫وفي حني أستعد للمغادرة‬ ‫أرى حقا وبصراحة إمكانية‬ ‫تشكيل حكومة جديدة في‬ ‫غضون أسابيع قليلة من اآلن"‪.‬‬

‫كريستوفر آر هيل‪ ،‬السفير األميركي لدى‬ ‫العراق‪.‬‬

‫"تؤدي قوات األمن العراقية وظيفتها‬ ‫مثلما توقع أي منا‪ ،‬إن لم يكن أفضل"‪.‬‬

‫الرئيس األمريكي باراك أوبامبا‪.‬‬

‫"من اخملجل لهم أن‬ ‫ينسحبوا وما زلنا دون‬ ‫حكومة‪ ،‬ألن جميع‬ ‫اإلجنازات وجميع‬ ‫التضحيات التي‬ ‫حتققت ستكون‬ ‫معرضة للخطر"‪.‬‬

‫هوشيار زيباري‪ ،‬وزير خارجية‬ ‫العراق‪.‬‬

‫"مرحبا بك بني أهلك"‪.‬‬

‫الفتات لبنانية ترحب بالرئيس السوري بشار األسد في‬ ‫بيروت‪ ،‬على النقيض من املناخ العام الذي كان سائدا‬ ‫أثناء االنسحاب السوري عام ‪.2005‬‬

‫"ال يوجد متخصص في العالم لديه‬ ‫أي شك في إمكانية استخدام‬ ‫مفاعل بوشهر للطاقة النووية‬ ‫في أغراض غير سلمية"‪.‬‬ ‫سيرغي كيرينكو‪ ،‬رئيس شركة الطاقة‬ ‫النووية احلكومية روساتوم الروسية‪ ،‬عقب‬ ‫افتتاح أول مصنع للطاقة النووية في إيران‬ ‫بعد ‪ 36‬عاما من إنشائه في عهد الشاه‪.‬‬

‫‪Images © Getty Images‬‬

‫‪8‬‬

‫"إذا فشل مشروع املسجد‪،‬‬ ‫سيكون ذلك انتصارا كبيرا‬ ‫للمتطرفني الذين يقولون إن‬ ‫أميركا ليبرالية فقط إذا كان‬ ‫األمر مالئما"‪.‬‬

‫منصور اجلمري‪ ،‬رئيس حترير جريدة‬ ‫«الوسط»‪ ،‬تعليقا على اخلالف الدائر حول‬ ‫إقامة مسجد بالقرب من موقع برجي مركز‬ ‫التجارة العاملي في نيويورك‪.‬‬

‫"يجب أن تتم متابعة ذلك من خالل حوار‬ ‫حقيقي مع النقابات حتى تفتح أبوابها‬ ‫للفلسطينيني‪ .‬وأعتقد أنه يجب وضع‬ ‫سياسة عمل حقيقية للتشجيع على تعيني‬ ‫الفلسطينيني"‪.‬‬ ‫ندمي حوري‪ ،‬مدير «هيومان رايتس ووتش» في بيروت‪ ،‬متحدثا‬ ‫عن قانون الوظائف اجلديد للفلسطينيني في لبنان‪.‬‬

‫"لقد ُطرحت مسألة ما يجب‬ ‫فعله في حالة العنف‬ ‫اخلطير وإطالق قذائف آر‬ ‫بي جيه وطلقات من بنادق‬ ‫آلية ونيران على قواتنا في‬ ‫البحر‪ .‬ولم نتطرق إلى‬ ‫ذلك النقاش من قبل"‪.‬‬ ‫إيهود باراك‪ ،‬وزير الدفاع‬ ‫اإلسرائيلي في تعليقه على الغارة‬ ‫التي استهدفت أسطول احلرية‪.‬‬

‫"لست ساذجا‪ .‬أرى جميع‬ ‫الصعوبات والعقبات‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من ذلك‪ ،‬أعتقد أن الوصول إلى‬ ‫اتفاق سالم نهائي هدف ممكن"‪.‬‬

‫بنيامني نتنياهو ‪ ،‬رئيس الوزراء اإلسرائيلي‬ ‫أثناء رحلته إلى واشنطن من أجل‬ ‫مباحثات السالم‪.‬‬


‫‪16‬‬

‫‪44 18‬‬ ‫‪32‬‬

‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪7‬‬


‫● احملتوى‬

‫احملتوى‬ ‫أقوال‬

‫‪8‬‬

‫احلرب والسالم‬

‫‪10‬‬

‫ •الناتو يفتح كل سيناريوهات املنطقة من باكستان للمغرب‬ ‫ •الفساد في أفغانستان‪ ..‬يتحول من داء إلى دولة‬ ‫ •مجلة تنظيم القاعدة ومتنزه حزب اهلل‬

‫شؤون سياسية‬

‫‪18‬‬

‫ •«حفالت الشاي» رقم صعب في االنتخابات املقبلة‬ ‫ •نيجيريا تواجه مخاطر العنف واملظاهرات الشعبية في‬ ‫انتخابات ‪2011‬‬ ‫ •شهرام أميري رجل طهران الغامض‬

‫تأثير محدود لإلخوان‬ ‫على احلياة السياسية املصرية‬

‫‪28‬‬

‫على الرغم من رفض اإلخوان املسلمني األولي لتبني املشاركة‬ ‫السياسية‪ ،‬فإن حجم متثيل اجلماعة في البرملان بدأ في النمو في‬ ‫الدورات األخيرة‬

‫ثروة األمم‬

‫ •أملانيا وأميركا وتعارض السياسات االقتصادية‬ ‫ •كفاح تركيا من أجل الزعامة اإلقليمية‬

‫الوضع البشري‬

‫ •العنف ضد املرأة‪ ..‬تعددت األسباب والقتل واحد‬ ‫ •هيالري كلينتون تواجه متدد البنتاغون‬

‫ألف كلمة‬ ‫لقاءات‬

‫‪28‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪42‬‬

‫ •عبد اهلل بن بجاد العتيبي‪ :‬على «اإلخوان» أن يختاروا‪..‬‬ ‫إما الوالء ألوطانهم وإما الرهان على احلصان اخلاسر‬ ‫ •الرئيس العراقي جالل طالباني لـ«اجمللة»‪ :‬لم أعد أملك‬ ‫صالحية دستورية لتكليف أحد بتشكيل احلكومة‬

‫‪44‬‬

‫تركيا‬

‫‪50‬‬

‫النقاد‬

‫‪58‬‬

‫الكلمة األخيرة‬

‫‪62‬‬

‫‪6‬‬

‫‪38‬‬


‫الكتاب المساهمون في هذا العدد‬ ‫السفير جون كامبل‬ ‫كبير زمالء «رالف بانش لدراسات السياسات األفريقية» في‬ ‫مجلس العالقات اخلارجية‪ .‬عمل أستاذا زائرا للعالقات الدولية‬ ‫في جامعة ويسكونسن‪ -‬ماديسون‪ ،‬بني عامي ‪ 2007‬و‪.2008‬‬ ‫وكان أيضا زميل وزارة اخلارجية في كلية وودرو ويلسون بجامعة‬ ‫برنستاون‪ .‬كما عمل مدرسا للتاريخ البريطاني والفرنسي‬ ‫في كلية ماري بالدوين في ستونتون بفيرجينيا‪ .‬وقد حصل‬ ‫السفير كامبل على درجتي املاجستير والدكتوراه من جامعة‬ ‫ويسكونسن ماديسون‪.‬‬ ‫عمل السفير كامبل في نيجيريا مرتني؛ األولى‪ :‬بصفته‬ ‫مستشارا سياسيا منذ عام ‪ 1988‬إلى عام ‪ ،1990‬ثم سفيرا‬ ‫منذ عام ‪ 2004‬وحتى عام ‪ .2007‬وقد عني في مهام خارجية‬ ‫منذ عام ‪ 1993‬وحتى عام ‪ ،1996‬في كل من ليون وباريس‬ ‫وجنيف وبريتوريا‪ ،‬أثناء حتول جنوب أفريقيا إلى النظام الدميقراطي غير العنصري‪ .‬تشمل املهام‬ ‫احمللية التي توالها سابقا في وزارة اخلارجية األميركية مجموعة من الوظائف‪ ،‬منها‪ :‬نائب مساعد‬ ‫وزير اخلارجية في مكتب املوارد البشرية‪ ،‬وعميد كلية دراسات اللغة في معهد اخلدمة اخلارجية‪،‬‬ ‫ومدير مكتب األمم املتحدة للشؤون السياسية‪.‬‬

‫ألبير بهادير‬ ‫درس بهادير‪ ،‬الذي ولد في تركيا‪ ،‬االقتصاد والعلوم السياسية‬ ‫في جامعة كولومبيا‪ ،‬وعمل كبير محررين في «كولومبيا‬ ‫بوليتيكال ريفيو»‪ .‬وبعد تخرجه عمل في «ماكينزي آند‬ ‫كومباني» مستشارا إداريا‪ ،‬مع االهتمام إلى حد ما بالقطاع‬ ‫العام‪.‬‬ ‫يدرس حاليا من أجل احلصول على درجة املاجستير في اإلدارة‬ ‫العامة في التنمية الدولية في كلية كينيدي للحكومة في‬ ‫جامعة هارفارد‪ .‬وعلى درجة املاجستير في إدارة األعمال في‬ ‫كلية إدارة األعمال في جامعة هارفارد‪.‬‬

‫عمرو حمزاوي‬ ‫عالم سياسي مصري شهير كان مدرسا في جامعة القاهرة‬ ‫واجلامعة املفتوحة في برلني‪ .‬يتمتع حمزاوي مبعرفة كبيرة‬ ‫بالسياسة في الشرق األوسط وله خبرة متخصصة في‬ ‫عملية اإلصالح في املنطقة‪ .‬وتتضمن اهتماماته البحثية‬ ‫ديناميكيات التغيير في املشاركة السياسية في العالم‬ ‫العربي ودور احلركات اإلسالمية في السياسة العربية‪.‬‬ ‫ويساهم حمزاوي بانتظام مبقاالت باللغة العربية في كثير‬ ‫من الدوريات األكادميية‪ .‬ويكتب أيضا مقالني شهريا جلريدة‬ ‫«احلياة» اليومية العربية الكبرى وعدد من الصحف اإلقليمية‬ ‫والدولية األخرى‪.‬‬ ‫من آخر أعماله كتاب مشترك مع مارينا أوتاواي هو «الوصول إلى التعددية‪ :‬الالعبون السياسيون‬ ‫في العالم العربي»‪ ،‬الذي نشر عام ‪.2009‬‬

‫برناردو بيريس دي ليما‬ ‫مساعد باحث في املعهد البرتغالي للعالقات السياسية‪،‬‬ ‫ومحلل لقناة «‪ »TV124‬في التلفزيون البرتغالي‪ ،‬وصحيفتي‬ ‫‪.Diário de Notícias, and radio Renascença‬‬ ‫ويحاضر أيضا في جامعات برتغالية‪.‬‬ ‫وقد عمل أيضا مساعد باحث في معهد الدفاع الوطني من‬ ‫عام ‪ 2005‬إلى ‪ ،2009‬وكاتب عمود في صحيفة "‪ "I‬ومراسل‬ ‫لـ«بي بي سي» وإذاعة فرنسا الدولية (النسخة البرتغالية)‪.‬‬ ‫وكان ممثال عن البرتغال في برنامج القادة في دراسات األمن‬ ‫املتقدم في مركز جورج مارشال األوروبي للدراسات األمنية‬ ‫بأملانيا عام ‪.2006‬‬ ‫تركز أبحاثه على األمن األوروبي والعالقات عبر األطلسي منذ‬ ‫نهاية احلرب الباردة‪ .‬وتركز رسالته للدكتوراه على أسباب بقاء حلف الناتو بعد نهاية احلرب الباردة‪.‬‬ ‫له من الكتب‪ ،Blair, a Moral e o Poder"" :‬ويتناول الشؤون اخلارجية في عهد بلير‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫‪5‬‬


‫● اإلفتتاحية‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬

‫األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز‬ ‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬ ‫الرئيس التنفيذي‬ ‫الدكتور عزام الدخيل‬ ‫رئيس التحرير‬

‫عادل بن زيد الطريفي‬

‫إدارة التحرير‬ ‫بوال ميجيا‬ ‫جاكلني شون‬ ‫سكرتير التحرير‬ ‫جان سينجفيلد‬ ‫املسؤول الفني‬ ‫ماركس ميليجان‬ ‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع املقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في االلكترونية(كندل) بـ‪kindle@majalla.com :‬‬

‫تنويه‬

‫اآلراء الواردة في اجمللة ال تعبر بالضرورة عن رأي إدارة التحرير‬

‫حقوق النشر محفوظة جمللة اجمللة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث‬ ‫والتسويق (اململكة املتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة‬ ‫اجمللة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة‬ ‫إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون احلصول على تصريح مسبق من‬ ‫الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة)‪ .‬وتصدر اجمللة شهريا ً‪ .‬لتلقي‬ ‫استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪London Office Address‬‬ ‫‪HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited‬‬ ‫‪Arab Press House 182-184 High Holborn,‬‬ ‫‪LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539‬‬ ‫‪2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181,‬‬ ‫‪Fax: +(0)20 7831 2310‬‬ ‫‪E-Mail: editorial@majalla.com‬‬

‫اإلعالن‬ ‫لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ‪:‬‬

‫‪Mr. Wael Al Fayez‬‬ ‫‪w.alfayez@alkhaleejiah.com‬‬ ‫‪Tel.: 0096614411444,‬‬ ‫‪F.: 0096614400996‬‬ ‫‪P.O.BOX 22304, Riyadh 11495, Saudi Arabia‬‬

‫“ الغالف بريشة لورا كالمب”‬ ‫‪4‬‬

‫التحرير‬ ‫عزيزي القارئ‪،‬‬ ‫منذ ما يقارب ثالثة أرباع القرن‪ ،‬حلم مدرس اللغة العربية واخلط الشيخ حسن البنا‪ ،‬بتأسيس‬ ‫جماعة دينية تتطور شيئا فشيئا حتى تصبح رقما صعبا والعبا أساسيا في اللعبة السياسية‬ ‫في منطقة الشرق األوسط بل وفي السياسة الدولية كلها‪ .‬في هذا العدد من "اجمللة" يطرح‬ ‫عمرو حمزاوي محاولته لتفسير حلم األستاذ حسن البنا عن طريق تقييم مشاركة "اجلماعة"‬ ‫في احلياة السياسية املصرية احلديثة‪ ،‬منتهيا إلى محدودية هذه املشاركة من ناحية التأثير‬ ‫السياسي نظرا الستمرار تركيز اجلماعة على الشؤون األخالقية واألسرية‪.‬‬ ‫وعن "الشرق األوسط الكبير" وما ميثله من حتديات كبرى أمام حلف الناتو‪ ،‬يقدم برنار دو بايرس‬ ‫دو ليما رؤيته للسيناريوهات اخملتلفة في املنطقة من باكستان إلى املغرب وسبل تعاطي الناتو‬ ‫مع هذه السيناريوهات‪ ،‬مؤكدا من خالل طرحه على ارتباط مصالح الناتو بهذا الشرق األوسط‬ ‫"الكبير"‪.‬‬ ‫أما ناعوم شيميل فيصر على التقاط واحدة من الظواهر التي لم يكن أحد يلتفت إليها منذ‬ ‫وقت قريب‪ ،‬ونعني حركة "حفالت الشاي" في أميركا؛ شارحا رؤيته حول اليمني في احلياة‬ ‫السياسية األميركية‪ .‬يركز شيميل على تناقضات هذه احلركة‪ ،‬موضحا أن أعضاء حفالت‬ ‫الشاي يعانون من عدم انسجام واضح بني األهداف التي يريدون حتقيقها والسياسات التي‬ ‫يضغطون من أجل تنفيذها‪ ،‬ورغم ذلك يؤكد شيميل أنهم سيكونون رقما ال ميكن إغفاله في‬ ‫االنتخابات التمهيدية املقبلة‪.‬‬ ‫وحول الرهان الذي يعقده بعض أطراف التيار الديني في املنطقة العربية على حصان إيران‪ ،‬يؤكد‬ ‫عبد اهلل بن بجاد العتيبي على أن اإلخوان املسلمني عليهم أن يختاروا بني هذا الرهان الذي يراه‬ ‫خاسرا‪ ،‬والوالء ألوطانهم‪ ،‬مشيرا إلى أن حركات اإلسالم السياسي في املنطقة العربية تسعى‬ ‫للحكم‪ ،‬وأن الدميقراطية عندهم مجرد مطية‪.‬‬ ‫عزيزي القارئ؛ ندعوك لقراءة هذه املوضوعات وغيرها على موقعنا اإللكتروني ‪majalla.com/ar‬‬ ‫ونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫عادل الطريفي‬ ‫رئيس التحرير‬


TM1555_02-03_Ad.indd 2

21/8/10 15:13:41


TM1555_02-03_Ad.indd 3

21/8/10 15:13:48


‫غالف العدد رقم ‪ - 1556‬أكتوبر ‪2010‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫‪Issue 1556‬‬

‫ ‪The Majalla‬‬

‫حلم البنا‬

‫يقيم‬ ‫عمرو حمزاوي ّ‬ ‫دور اإلخوان املسلمني في احلياة‬ ‫السياسيةاملصريةاحلديثة‬ ‫احلرب والسالم‬

‫ميثل الشرق األوسط الكبير حتديا كبيرا لتحالف‬ ‫األطلسي‪ ،‬فهل يتبنى حلف الناتو الطريق الصحيح‬ ‫للتعامل مع كل تلك السيناريوهات اخملتلفة؟‬

‫شؤون سياسية‬

‫يزداد ظهور حركة حفالت الشاي‪،‬‬ ‫ولكن هناك عدم ترابط مؤكد بني أهدافها‬ ‫والسياسات التي تدفع من أجل تنفيذها‬

‫لقاء‬

‫عبد اهلل بن بجاد العتيبي‪ :‬على «اإلخوان»‬ ‫أن يختاروا‪ ..‬إما الوالء ألوطانهم وإما الرهان‬ ‫على احلصان اخلاسر‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.