جيل يحترق

Page 1

TM1557_OBC_Ad.indd 64

18/10/10 16:39:01


TM1559_09_Ad.indd 9

15/12/10 15:45:26


‫● الكلمة األخيرة‬

‫بن علي ‪ ..‬الباي األخير؟!‬ ‫عادل الطريفي‬ ‫في آواخر الستينات‪ ،‬قال بورقيبة جملموعة من وزرائه ورجاله املقربني‪:‬‬ ‫“في يوم ما سأنحرف عن الطريق‪ ،‬وسأهذي بأي شيء ‪ ..‬ولكن ال‬ ‫أحد منكم سيمنعني عن ذلك‪ ،‬أو يوقفني عن اإلنحراف"‪ .‬لقد كان‬ ‫بورقيبة محقا‪ ،‬فلقد استطاع خالل أربعة عقود أن يكون "الزعيم‬ ‫األبدي"‪ ،‬و"اجملاهد األكبر"‪ ،‬وأن يتالعب برجاله الذين يصنعهم‪ ،‬بحيث‬ ‫ما أن يرشح أحدهم خلالفته ويلمح له بقرب الرحيل‪ ،‬حتى يطلق‬ ‫اخلصوم عليه لينتهي مقتوال ً‪ ،‬أو مسجوناً‪ ،‬أو منفيا ً‪ .‬ولكن الزعيم‬ ‫الهرم خسر اللعبة في ‪ 7‬نوفمبر ‪ ،1987‬حينما طوق جنود احلرس‬ ‫الوطني القصر في اإلنقالب الذي ظل مؤجال ً لعقدين من الزمن‪.‬‬ ‫رحل سيد قصر قرطاج في أقل من ‪ 12‬دقيقة إلى منفاه القسري‬ ‫مبسقط رأسه في املنستير‪.‬‬ ‫يحار الكاتب واحمللل في قراءة ما حدث في تونس خالل هذا األسبوع‪،‬‬ ‫فدولة بن على احلصينة أمنيا ً تهاوت في أقل من ‪ 29‬يوما ً هي عمر‬ ‫املظاهرات الشعبية التي أشعلها انتحار الشاب محمد البوعزيزي‬ ‫احتجاجا ً على مصادرة عربته التي يبيع منها الفواكه‪ ،‬وهو اجلامعي‬ ‫العاطل عن العمل‪ .‬ال أحد كان يتصور أن النظام األمني الذي جعل‬ ‫تونس بلدا ً عصيا ً على املراقب اخلارجي‪ ،‬قد ينهار في وقت قياسي‪ ،‬وأن‬ ‫جتد البلد نفسها في فراغ سياسي لم تعهده من قبل‪ .‬ما نشهده‬ ‫اليوم هو حال من اخلوف والاليقني باملستقبل‪ .‬لكنه من الواضح أن‬ ‫االنتفاضة األخيرة قد بلغت مداها في حني فشلت انتفاضات سابقة‬ ‫لم يحالفها احلظ‪.‬‬ ‫في ديسمبر ‪ ،1983‬قررت احلكومة التونسية رفع أسعار اخلبز في‬ ‫ظل ظروف اقتصادية صعبة‪ ،‬لقد قال رجال الرئيس حينها أن اخلزانة‬ ‫خاوية‪ ،‬وأن ليس ثمة من مخرج إال بتصحيح الوضع االقتصادي‪ ،‬ولكن‬ ‫الذين يشعرون باحلرمان وقد أعياهم االنتظار في طوابير الوظائف‬ ‫سوف يخرجون لالحتجاج على األوضاع‪ ،‬لقد انطلقت املظاهرات‬ ‫حينها من اجلنوب املهمش لتطال انتفاضة "اخلبز" املدن التونسية‬ ‫حتى وصلت العاصمة‪ .‬عاد بورقيبة إلى قصر قرطاج‪ ،‬وأعلن حالة‬ ‫الطوارئ‪ ،‬وحني عجز البوليس والقوات املضادة للشغب عن السيطرة‬ ‫على الوضع أمر الرئيس اجليش بالنزول‪ ،‬وقد انتهت املواجهة بسقوط‬ ‫الكثير من القتلى واجلرحى‪ ،‬وحينها تراجع بورقيبة عن الزيادة‪.‬‬ ‫أال تذكرك هذه احلادثة‪ ،‬مبا وقع في تونس خالل األيام القالئل‪ .‬لقد عجز‬ ‫النظام املنتهي للتو عن معاجلة األزمة‪ ،‬بل وتأخر في االستجابة لها‪،‬‬ ‫وحني خرج الرئيس ليعترف بفساد الذين حوله وخذالنهم له‪ ،‬لم تنفع‬ ‫الوعود‪ ،‬وتخلى اجليش ‪-‬كما فعل ببورقيبة ‪ 1987-‬عن نصرته‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬تعيش تونس حالة اختبار كبيرة‪ ،‬فهو يراد منها أن تقوم بعملية‬ ‫انتقالية سلمية تنتهي بإقامة انتخابات حرة ونزيهة‪ ،‬وتقود إلى‬ ‫خروج البلد من حالة التضييق‪ ،‬وقمع احلريات‪ ،‬وانعدام األمل‪ .‬ولكن‬ ‫أهم حتدي ستواجهه هو في قدرتها على احملافظة على مكتسبات‬ ‫احلداثة واملدنية التي لطاملا ميزت هذا البلد املتحضر‪ ،‬وإقامة حكم‬ ‫دميقراطي منوذجي ال يعود بها إلى الوراء‪.‬‬ ‫الذين يرون في ما حدث ثورة محقّ ون بعض الشيء‪ ،‬ولكنها ثورة لم‬ ‫تكتمل بعد‪ ،‬ومازال أمامها اختبار حقيقي‪ .‬لقد استطاع التوانسة‬ ‫استعادة القرار من يد رئيس مستبد قرر أن ال يشاركهم فيه‪ ،‬ولكن‬ ‫يجب أن ال ننسى أيضا ً أن بعض رموز النظام مازالوا في السلطة‪،‬‬ ‫وقد أصبح من مسؤوليتهم إدارة املرحلة اإلنتقالية‪ ،‬ولهذا فإن من‬

‫‪62‬‬

‫الصعب تقرير ما إذا كان ما نشهده اآلن ثورة باملعنى التقليدي‪.‬‬ ‫املؤرخون والدارسون وحدهم قد يتمكنون من تقرير ذلك بعد أن مير‬ ‫على البلد الوقت الكافي ليستقر‪ ،‬وليتحدد مستقبله‪.‬‬ ‫يفرق تشارلز تيلي (‪ )1978‬بني أربعة أنواع من التغيير السياسي‪:‬‬ ‫اإلنقالب‪ ،‬احلرب األهلية‪ ،‬االنتفاضة الشعبية‪ ،‬وأخيرا ً الثورات‬ ‫العظيمة‪ ،‬وهذه األخيرة تستلزم مسح النظام الدستوري والسياسي‬ ‫واالجتماعي السابق‪ ،‬وإحالل نظام قيمي جديد‪ .‬ما يحدث في تونس‬ ‫حتى اآلن هو مزيج من بعض هذه األنواع كلها‪ ،‬فهناك مالمح‬ ‫اتفاق غير واضح تواطأ عليه اجليش مع الوزير األول ورئيس البرملان‪،‬‬ ‫وهناك أيضا ً دالئل كبيرة على انتفاضة شعبية قوية دفعت باجتاه‬ ‫التغيير‪ ،‬وهناك أيضا مالمح ثورة قادمة تعد بتغيير الوجه السياسي‬ ‫والدستوري لتونس كما نعرفها‪.‬‬ ‫حالياً‪ ،‬فإن الدستور الذي صنعه بورقيبة‪ ،‬وساهم بن علي في تعديله‬ ‫من بعده‪ ،‬مازال هو املرجع على الرغم من نقائصه‪ ،‬وهذا يدفعنا‬ ‫إلى االعتقاد بأن النخبة احلاكمة في تونس ما تزال حاضرة‪ ،‬حتى‬ ‫وإن أشركت أطراف من املعارضة في احلكومة االنتقالية‪ .‬ألجل هذا‬ ‫يصعب التكهن في املرحلة الراهنة في ما إذا كان ما نشهده ثورة‬ ‫باملعنى التقليدي‪ ،‬بل رمبا انتهى األمر بتعديل دستوري محدود وليس‬ ‫تبديال ً للنظام الدستوري‪ ،‬والقانوني‪ ،‬واالجتماعي للبلد‪.‬‬ ‫ال شك أن أي نظام ال يتمتع بالشرعية الكافية في املنطقة يفكر جيدا ً‬ ‫في ما حدث بتونس‪ .‬بيد أن تكرار التجربة ليست أمرا حتمياً‪ ،‬فثورات‬ ‫كثيرة ظلت محصورة في بلدانها وإن انتقلت أفكارها بشكل نسبي‬ ‫إلى اخلارج‪ ،‬تأمل فقط في الثورة اإليرانية ‪ .1979‬لقد كان النظام‬ ‫السابق مستبداً‪ ،‬وفاسداً‪ ،‬ولكن ما أسقطه في املقام األول كانت‬ ‫األحوال اإلقتصادية املتردية خالل العامني املاضيني‪ ،‬وعدم استجابته‬ ‫لنصائح املؤسسات الدولية بضرورة اإللتفات إلى الطبقات املعدمة‬ ‫والفقيرة‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬يواجه التونسيون مرحلة جديدة عليهم فيها أن يستعيدوا‬ ‫النشاط اإلقتصادي للبلد‪ ،‬مبا في ذلك القطاع السياحي احليوي‬ ‫القتصاد البالد‪ .‬الكرامة واحلرية أمران مهمان‪ ،‬ولكن الناس تريد أن‬ ‫تؤمن مصدر قوتها وكفايتها‪ ،‬ودميقراطية نزيهة بأفواه جائعة ال‬ ‫تضمن عدم تكرار ما حدث‪ ،‬فالذين خرجوا ضد النظام السابق على‬ ‫رغم قبضته احلديدية سيخرجون على أية حكومة من بعده‪ .‬لقد‬ ‫حقق بن علي تقدما اقتصاديا ملحوظا ً في تونس خالل العقد املاضي‪،‬‬ ‫ولكن فاته أن الشرعية هي الضمانة الوحيدة في وقت األزمات‪.‬‬ ‫يروي الصافي سعيد أيام املنفى التي عاشها بورقيبة‪ ،‬حيث أن الرئيس‬ ‫اخمللوع كان أكثر ما يعانيه هو امللل وانتظار النهاية التي ال جتيء‪،‬‬ ‫وحتى يخدع هذا القلق املمزوج بامللل يلجأ إلى الهاتف فيطلب أرقاما‬ ‫كيفما اتفق‪ ،‬وما أن يرد الطرف اآلخر حتى يقول له‪“ :‬هل أنتم عائلة‬ ‫منستيرية؟ أنا احلبيب بورقيبة" ثم يقفل السماعة‪ ،‬وقد اتصل مرة‬ ‫باإلذاعة احمللية غاضبا ً‪“ :‬أنا سبب وجودكم وال تذكرون اسمي مرة‬ ‫واحدة" (بورقيبة ‪ ..‬سيرة شبه محرمة‪.)2000 :‬‬ ‫لقد انحرف بن علي طويال ً‪ ،‬ولم يجرؤ أحد على أن ينصحه‪ ،‬أو مينعه‬ ‫من االستبداد‪ .‬لقد أراد أن يكون "الباي" احلاكم بال منازع‪ ،‬ولكن حتى‬ ‫"الباي" بحاجة إلى الشرعية‪ ،‬وها هو اليوم يرحل إلى املنفى ليطويه‬ ‫النسيان‪.‬‬


‫احلل األمني جزء من احلل‪ ..‬جزء من املشكلة‬

‫ّ‬ ‫تدخل فاشل‬ ‫في دول فاشلة!‬

‫املسلحة والتحالفات بني نظام الرئيس صالح مع الرياض وواشنطن‪.‬‬ ‫وتشير سالي هيلي وغيني هيل إلى الصالت التي تربط بني اليمن والصومال‪،‬‬ ‫والتي تظهر أهميتها على مستويات عدة‪ ،‬مثل العالقات بني القراصنة‬ ‫وتهريب األسلحة والبشر‪ .‬في عام ‪ ،2008‬توصلت مجموعة مراقبة تابعة‬ ‫لألمم املتحدة معنية باحلظر املفروض على األسلحة في الصومال إلى أن عجز‬ ‫اليمن عن وقف تهريب األسلحة عبر خليج عدن ما زال أحد أهم املعوقات‬ ‫أمام استعادة استقرار الصومال‪ .‬وفي حني تدعي اليمن رغبتها في حتسني‬ ‫رقابتها على احلدود‪ ،‬فإنها جتد ذاتها حلقة وصل في سلسلة من األرباح التي‬ ‫يجنيها املهربون في خمس دول على األقل وهي‪ :‬الصومال وإثيوبيا وجيبوتي‬ ‫واليمن والسعودية‪ .‬وتشير هيلي وهيل إلى أن مزيدا من الرقابة على‬ ‫التحويالت النقدية يعتبر حال جزئيا‪ ،‬ولكن من الواضح أنها حلقة مفرغة من‬ ‫عدم وجود سيطرة وحافز لألطراف الرئيسة من أجل حتسني الوضع األمني‪.‬‬

‫يقترح تقرير جديد صادر عن تشاتام هاوس طريقا بديال للدولة‬ ‫الهشة ‪ -‬إن لم تكن فاشلة ‪ -‬في اليمن والصومال من أجل‬ ‫حتسني أمنهما اإلقليمي والدولي‪ .‬ويشمل ذلك تهدئة التوتر‬ ‫بني التدخالت األمنية ودعم العمليات السياسية التي تدعم ومنذ هجمات ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬تزايدت رؤية صناع السياسات لوجود صلة قوية‬ ‫بني التنمية واألمن‪ ،‬مما يعني أن تقوية الدول الهشة مهم من أجل تعزيز األمن‬ ‫الشرعية وميكن أن تستهدف التطرف من منبعه‪.‬‬ ‫الدولي‪ .‬ولكن‪ ،‬الصلة بني األمن والتنمية خطرة‪ ،‬مبعنى أن اجلهود اخلارجية‬

‫اليمن والصومال‪ :‬إرهاب وشبكات ظل وقيود على بناء الدولة‬ ‫سالي هيلي وغيني هيل‬ ‫تشاتام هاوس‪ ،‬أكتوبر (تشرين األول) ‪2010‬‬

‫في مساعدة قطاع األمن من املمكن أن تعرقل التوقعات احمللية للشرعية‪.‬‬ ‫وكما أشارت هيلي وهيل‪ ،‬استبعدت إدارة أوباما إرسال قوات نظامية إلى‬ ‫اليمن والصومال‪ ،‬ولكنها حاليا تزود وكالء محليني في اليمن باألسلحة‬ ‫والتدريب والتمويل لتنفيذ أهدافها في مكافحة اإلرهاب‪.‬‬

‫وتنفذ إدارة أوباما أيضا عمليات قتل مستهدفة في كل من اليمن والصومال‪،‬‬ ‫إحداها كانت في مايو (أيار) عام ‪ ،2008‬ونتج عنها موجة من عمليات القتل‬ ‫في الصومال‪ ،‬وكان لها آثار سلبية كبيرة على اجملتمع اإلنساني‪ .‬وفي الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬يعتبر الشعب اليمني أن أجهزة األمن اليمنية تهدد مصادر معيشته‬ ‫تواجه كل من اليمن والصومال حتديات متشابهة‪ ،‬حركات متمردة وإرهاب‬ ‫ورخائه‪ .‬وكما قالت كل من هيلي وهيل‪« :‬ال تساهم املساعدة األمنية في‬ ‫وأزمة اقتصادية وحكومتان غير فعالتني‪ .‬وتنشر كل من القاعدة في شبه‬ ‫الدول الضعيفة على حتقيق االستقرار إذا كان الشعب يخشى اجليش وال‬ ‫اجلزيرة العربية (في اليمن) وحركة شباب اجملاهدين (في الصومال) قصصا‬ ‫يرغب في تقويته»‪.‬‬ ‫ناجحة تدور حول الظلم الذي لم حتله التدخالت الغربية القائمة‪.‬‬

‫في الواقع‪ ،‬وجدت هذه املشاعر بسبب السياسات الغربية التي تركز بشدة‬ ‫على القطاع األمني‪ ،‬كما أنها ساهمت في غرس إحساس بني العامة‬ ‫بأنهم معرضون لهجوم‪ ،‬مما أدى إلى ظهور التطرف‪ .‬ومع مزيد من العرقلة‬ ‫لالستراتيجيات التقليدية ملكافحة اإلرهاب والقراصنة على يد «شبكات‬ ‫أعمال في الظل»‪ ،‬يجب النظر في طرق جديدة طويلة املدى تهدف إلى‬ ‫القضاء على التهديدات األمنية القائمة من منبعها‪.‬‬ ‫تعد الصومال دولة فاشلة منذ عقود‪ ،‬وهو ما أسفر عن مجتمع منقسم‬ ‫تقوده فصائل مسلحة يتم تنظيمها في األساس مبا يتفق مع االجتاهات‬ ‫القبلية‪ .‬وأصبحت احلركات اإلسالمية املسلحة أكثر تلك اجلماعات سيادة‬ ‫نسبيا‪ ،‬ومن بينها االحتاد اإلسالمي‪ ،‬وهي حركة إصالح سلفية يزعم‬ ‫اشتراكها في استيالء احتاد احملاكم اإلسالمية على مقديشو في يونيو‬ ‫(حزيران) عام ‪ .2006‬وقد اتهمت حكومة الواليات املتحدة احتاد احملاكم‬ ‫اإلسالمية بحماية إرهابيني دوليني‪ .‬وفي نهاية ذلك العام‪ ،‬شنت الواليات‬ ‫املتحدة أول هجوم صاروخي (غير ناجح) في الصومال ضد إرهابيني مشتبه‬ ‫بهم‪ .‬وفي عام ‪ 2006‬أيضا‪ ،‬بعد تدخل من جانب إثيوبيا‪ ،‬ظهرت حركة‬ ‫الشباب كقوة مقاتلة مكونة من مجموعة من الشباب الراديكاليني‪.‬‬ ‫وسريعا ما تطورت احلركة إلى جماعة متمردة ناجحة‪ ،‬وفي فبراير (شباط)‬ ‫عام ‪ ،2010‬أصدرت قيادة الشباب بيانا مباشرا وصريحا بتأييد اجلهاد الدولي‬ ‫الذي يقوم به تنظيم القاعدة‪ .‬ويزداد في الغرب اآلن إدراك عدم جناح احلكومة‬ ‫الفيدرالية االنتقالية الضعيفة في محاولتها لتقويض حركة الشباب‪.‬‬

‫وأضافتا أن التدخل الغربي في اليمن والصومال في حد ذاته أصبح «جزءا‬ ‫من املشكلة»‪ ،‬إلى حد ما بسبب امليل إلى رؤية كل من اليمن والصومال‬ ‫كمكانني «غير خاضعني حلكومة»‪ .‬ولكن فشلت هذه الفكرة في استيعاب‬ ‫طبيعة السلطة ذات الوساطة احمللية‪ ،‬وهي بارزة في كلتا الدولتني‪ .‬وعلى‬ ‫النقيض من احلكومة السائدة‪ ،‬تقول هيلي وهيل إن الصومال املقسمة‬ ‫حتت حكومات متعددة رمبا تكون بيئة غير مرحبة متاما للجهاد الدولي‪.‬‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬تتوزع السلطة بني أطراف محلية‪ ،‬ورجال أعمال‪ ،‬وإسالميني‬ ‫من مختلف األطياف‪ ،‬وآخرين مشتتني في اخلارج‪ .‬ولكن ال يتم التطرق إلى‬ ‫هذا الهيكل للسلطة في ظل إدارة احلكومة الفيدرالية االنتقالية للبالد‪ ،‬مما‬ ‫يعني أنه ال يوجد لها تأثير على القوات القائمة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يجب‬ ‫دعم مكافحة التطرف على املستوى احمللي‪ ،‬ولكن سيكون من الصعب فعل‬ ‫ذلك من دون تشويه العملية‪ ،‬ويجب مواجهة هذا التحدي‪ .‬وأخيرا‪ ،‬يلزم‬ ‫وجود نهج استراتيجي إقليمي‪ ،‬يتغلب على ميل احلكومات البيروقراطي‬ ‫عبر الوزارات اخملتلفة في التعامل مع اليمن والصومال‪ ،‬من أجل حل مشكلة‬ ‫اإلرهاب والتهريب والقرصنة وشبكات اجلرائم الدولية‪.‬‬ ‫لقد فشلت محاوالت حتقيق األمن على مستوى الدولة في الصومال‪ ،‬ومن‬ ‫غير املرجح أن يفلح ذلك في اليمن‪ ،‬ألن تلك احملاوالت أحيانا ما يعتبرها العامة‬ ‫صورة من العدوان‪ .‬ولكن تشير هيلي وهيل إلى أن جهود األمن اخلارجية يجب‬ ‫أن تزيد تركيزها على الشرعية السياسية ونظم احملاسبة‪ .‬وبهذا يبتعد‬ ‫حتليلهما في العموم عن اإلصالحات األمنية قصيرة املدى‪ ،‬ويدعو إلى مزيد‬ ‫من التركيز على التكوين السياسي الذي يدعم شبكات املقاومة‪ .‬ورمبا‬ ‫يعني ذلك االبتعاد عن التدريب العسكري والهجمات الصاروخية واللجوء‬ ‫إلى املشاركة السياسية واملصاحلة‪ .‬وفي حني يظهر تشخيص هيلي وهيل‬ ‫مقنعا للغاية‪ ،‬فإن احلل الذي طرحتاه يثير أسئلة أكبر بكثير تتعلق بالصراع‬ ‫بني املصالح قصيرة املدى في مقابل االلتزامات طولية املدى‪ ،‬وقبل كل ذلك‪،‬‬ ‫لعل األمر يتعلق بالعجز الدائم لألنظمة الغربية عن مواجهة الطبيعة‬ ‫االنهزامية لسياساتها في املنطقة‪.‬‬

‫وفي اجلهة املقابلة من خليج عدن‪ ،‬تواجه اليمن ارتفاعا في نسبة البطالة‬ ‫والركود االقتصادي نتيجة انخفاض إنتاج البترول‪ ،‬والنمو السكاني السريع‪.‬‬ ‫وفي هذه الدولة التي تعد أفقر دول الشرق األوسط‪ ،‬جتد احلكومة صعوبة‬ ‫متزايدة في احلفاظ على األمن واالستقرار في مواجهة االنفصاليني في‬ ‫اجلنوب واملتمردين في الشمال‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬يحتفظ تنظيم القاعدة‪،‬‬ ‫الذي ينحدر مؤسسه بن الدن من أصول مينية سورية‪ ،‬بعالقات وثيقة مع‬ ‫البالد‪ .‬وفي عام ‪ ،2009‬اندمجت جماعات في اليمن والسعودية في تنظيم‬ ‫القاعدة في شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬التي تقدم ذاتها على أنها حركة عدالة‬ ‫اجتماعية‪ ،‬مستفيدة من إدراك العامة لفساد النخبة وسيطرة القوات نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 24‬ديسمبر ‪2010‬‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪61‬‬


‫● نقاد‬

‫نقاط القرار‬ ‫يروي الكثير ويهمل التفاصيل‬

‫من املعروف اليوم أن اإلسرائيليني‪ ،‬الذي قدموا املعلومة االستخباراتية في‬ ‫البداية‪ ،‬هم من أرسلوا مروحيات مقاتلة لقصف املفاعل السوري‪.‬‬ ‫ورمبا جتعل قصة املفاعل السوري بعض القراء يتساءلون عما إذا كان بوش‬ ‫أسقط التفاصيل‪ ،‬فما هو قدر التفاصيل التي أغفلها؟ وهل تغير هذه‬ ‫التفاصيل من اإلدراك العام لبعض األحداث‪ ،‬إذا كانت رويت على نحو مختلف؟‬

‫بوش يتصالح‬ ‫مع التاريخ!‬

‫في احلقيقة‪ ،‬يغفل هذا الكتاب مثل تلك التفاصيل التي قد تخبر القارئ بأنه‬ ‫في حني اعتزم بوش جعل اجلميع يرون األحداث من وجهة نظره‪ ،‬فقد حاول‬ ‫أيضا تنقية املعلومات‪ ،‬وهي احلقيقة التي جتعل من الكتاب مجرد وسيلة‬ ‫إلعادة كتابة التاريخ لصاحله‪ ،‬بدال من نقل األحداث كما وقعت‪.‬‬

‫في مذكراته «نقاط قرار»‪ ،‬يحاول الرئيس األميركي السابق‬ ‫جورج دبليو بوش إعادة تشكيل تراثه السياسي‪ .‬وفي حني‬ ‫رمبا يختلف القارئ مع فكره‪ ،‬فإن الكتاب يوضح ببساطة‬ ‫كيف كان يفكر الرئيس السابق‪ ،‬وكيف اتخذ قراراته‪ .‬ولكن‬ ‫يجب أن يدرك القارئ أنه في بعض األحيان‪ ،‬ال يكشف بوش‬ ‫عن كل ما يعرفه‪ ،‬على الرغم من أن معظم املعلومات التي‬ ‫يحاول إخفاءها معروفة للجميع‪.‬‬

‫ولكن على الرغم من هذا اجلانب السلبي‪ ،‬فإن الكتاب ميتلئ برواية أحداث ما‬ ‫خلف الكواليس مما يثير اهتمام القارئ في الشرق األوسط‪ .‬فيروي الرئيس‬ ‫األميركي السابق كيف استقبل ولي العهد السعودي‪ ،‬امللك احلالي عبداهلل‬ ‫بن عبد العزيز‪ ،‬في مزرعته في كراوفورد في تكساس في أبريل (نيسان) عام‬ ‫‪ .2002‬قال ولي العهد لبوش‪" :‬متى يغادر اخلنزير رام اهلل؟" في إشارة‬ ‫إلى رئيس الوزراء اإلسرائيلي السابق آرييل شارون الذي أمر بشن هجمة‬ ‫عسكرية على الضفة الغربية‪ ،‬مما تفاقم إلى حصار الرئيس الفلسطيني‬ ‫الراحل ياسر عرفات في منزله‪ .‬وأضاف بوش‪" :‬من الواضح أن احلاكم‬ ‫السعودي لم يكن راضيا عن آرييل شارون"‪.‬‬

‫"نقاط القرار"‬ ‫جورج دبليو بوش‬ ‫كراون ‪2010‬‬ ‫عندما سئل كيف سيحكم التاريخ على حرب‬ ‫العراق‪ ،‬صرح جورج بوش االبن لبوب وودورد من‬ ‫"واشنطن بوست" قائال‪" :‬التاريخ؟‪ ..‬ال نعرف‪ ،‬رمبا‬ ‫سنكون جميعا موتى"‪.‬‬

‫ويروي الرئيس السابق عن جتربته في استقبال امللك عبداهلل مع وزير اخلارجية‬ ‫السعودي سعود الفيصل وسفير اململكة لدى الواليات‬ ‫املتحدة بندر بن سلطان‪ .‬ويوضح أنه في ذلك الوقت‬ ‫الذي وصل فيه ضيوفه السعوديون إلى املزرعة‪ ،‬مت تعليق‬ ‫مبادرة السالم العربية ‪ -‬التي اقترحها العاهل السعودي‬ ‫وأقرتها اجلامعة العربية في بيروت قبل شهر – بسبب‬ ‫الهجوم الذي شنه شارون‪ .‬ووفقا ملا كتبه بوش‪" :‬توقع‬ ‫السعوديون أن أقنع شارون باالنسحاب من رام اهلل قبل‬ ‫أن يصل ولي العهد‪ .‬واآلن هم يصرون على أن أتصل‬ ‫مبساع‬ ‫برئيس الوزراء في التو‪ .‬ولم أكن أستطيع القيام‬ ‫ٍ‬ ‫دبلوماسية بهذه الصورة"‪.‬‬

‫ومن أجل إقناع القائد السعودي بالبقاء‪ ،‬طلب بوش‬ ‫االنفراد بامللك عبداهلل لدقيقة‪ .‬وحتدث الرئيس األميركي‬ ‫وفي تناقض مع رده غير املبالي‪ ،‬يبدو أن بوش لم‬ ‫مع نظيره السعودي عن معتقداته املسيحية‪ .‬ولكن لم‬ ‫يرغب في االنتظار حتى ميوت اجلميع لكي ينسب إليه‬ ‫يثر ذلك إعجاب العاهل السعودي‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬صاحب‬ ‫التاريخ‪ ،‬أو يحرمه من فضل يستحقه‪ .‬في مذكراته‬ ‫بوش ضيفه السعودي في جولة باملزرعة واستمر التوتر‬ ‫التي صدرت أخيرا‪ ،‬بعنوان "نقاط القرار"‪ ،‬يتولى‬ ‫حتى وجد الرئيس بوش‪ ،‬عندما كان يقود شاحنة فورد‬ ‫الرئيس األميركي رقم ‪ 43‬زمام األمور‪ ،‬حيث يحاول‬ ‫‪ ،150‬ديكا روميا يقف في طريقه وال يتحرك‪ .‬كتب‬ ‫إعادة تشكيل تراثه السياسي‪ ،‬حتى قبل أن يبدأ‬ ‫بوش‪" :‬فجأة شعرت بيد ولي العهد متسك بذراعي‬ ‫التاريخ في إصدار حكمه‪.‬‬ ‫وهو يقول‪ ..‬أخي إنها إشارة من اهلل‪ .‬إنها بشارة خير"‪.‬‬ ‫ويضيف بوش‪" :‬طوال ما بقي من فترة رئاستي‪ ،‬كانت عالقتي بولي العهد‪،‬‬ ‫وفي حني رمبا يختلف القارئ مع فكره‪ ،‬فإن الكتاب يوضح ببساطة كيف‬ ‫الذي سريعا ما أصبح ملكا‪ ،‬وثيقة للغاية"‪.‬‬ ‫يفكر الرئيس السابق‪ ،‬وكيف اتخذ قراراته‪ .‬ولكن يجب أن يدرك القارئ أنه‬ ‫في بعض األحيان‪ ،‬ال يكشف بوش عن كل ما يعرفه‪ ،‬على الرغم من أن‬ ‫تقدم قصص بوش عن عالقاته برؤساء دول آخرين أبرز التفاصيل عن القرارات‬ ‫معظم املعلومات التي يحاول إخفاءها معروفة للجميع‪.‬‬ ‫التي أثرت في العالم‪ .‬في صيف عام ‪ ،2004‬أثناء زيارته إلى فرنسا‪ ،‬أخبره‬ ‫الرئيس جاك شيراك أنه يجب على بلديهما القيام مبا هو ضروري حلماية‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬أورد ديفيد سانغر من "نيويورك تاميز" – ما نشر بعد ذلك‬ ‫الدميقراطية اللبنانية من السيطرة السورية‪ ،‬وأنهما يجب أن يعمال معا‬ ‫في كتاب ‪ -‬أن مسؤولني إسرائيليني حضروا إلى واشنطن بصور التقطها‬ ‫من أجل إنهاء االحتالل السوري للبنان‪ .‬انتشار وصف الرئيس اللبناني إميل‬ ‫القمر الصناعي ملفاعل نووي سوري‪ .‬ولكن رواية بوش لهذه القصة جاءت‬ ‫حلود بـ"الدمية السورية" ساعدهما في ذلك‪ .‬وفي سبتمبر (أيلول)‪ ،‬اقترحا‬ ‫كما يلي‪" :‬في ربيع عام ‪ ،2007‬تلقيت تقريرا سريا للغاية من شريك‬ ‫في مجلس األمن القرار ‪ ،1559‬وضمنا املوافقة عليه‪ ،‬وهو القرار الذي ساعد‬ ‫استخباراتي أجنبي‪ .‬وتأملنا صورا ملبنى مريب مخبأ جيدا في الصحراء‬ ‫على االنسحاب السوري من لبنان في ‪.2005‬‬ ‫الشرقية في سورية"‪.‬‬ ‫ويقول بوش إن اجتماعه مع رئيس الوزراء العراقي نوري املالكي كان مفيدا‬ ‫ويقول بوش حيث إن االستخبارات األميركية لم تستطع التحقق من أن‬ ‫أيضا في اتخاذ قرار يتعلق بتعزيز القوات في بغداد‪ .‬ووفقا للرئيس األميركي‬ ‫املفاعل كان جزءا من برنامج نووي سوري‪ ،‬أخبر رئيس الوزراء اإلسرائيلي‬ ‫السابق‪ ،‬نفذت واشنطن التعزيز فقط بعد أن وجد بوش في املالكي شريكا‬ ‫السابق إيهود أوملرت بأن القوات اجلوية األميركية لن تهاجم املنشأة‪ .‬وذكر‬ ‫جديرا بالثقة‪.‬‬ ‫بوش أن أوملرت الذي شعر باإلحباط قال إن بالده تعتبر املفاعل السوري‬ ‫"تهديدا وجوديا"‪ .‬وكتب بوش أنه في ‪ 6‬سبتمبر (أيلول) عام ‪ ،2007‬مت‬ ‫تدمير املنشأة‪ ،‬من دون حتديد هوية من دمرها‪ .‬ومن دون احلاجة إلى ذكر ذلك‪ ،‬نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 15‬ديسمبر ‪2010‬‬ ‫‪60‬‬


‫الدومينيكان‪ ،‬الذي يغرق األسواق حاليا‪ ،‬باللون البني املنقط‪ ،‬بسبب‬ ‫بقايا قدمية جتمعت داخل اللون األصفر النقي‪ .‬وقد أشار إليه ألول مرة‬ ‫كريستوفر كولومبوس في القرن اخلامس عشر‪ ،‬وهو ما زال موجودا‬ ‫حتت أراض وعرة غادرة‪ ،‬في مناطق مجاورة للجبال مغطاة بغابات‬ ‫استوائية‪ .‬وتختلف أنواع الكهرمان من حيث درجة الشفافية أيضا‪،‬‬ ‫حيث تتسم بعض القطع بنقاء كالكريستال‪ ،‬بينما تبدو أخرى‬ ‫معتمة أو غائمة‪ ،‬وأخرى شمعية وغير ملساء‪ .‬ويتم أخيرا تقطيع‬ ‫بعض من أكثر اجملوهرات أناقة إلزالة األسطح اخلام‪ ،‬لتتناقض في‬ ‫القطعة ذاتها مع جوانب مصقولة جيدا‪ .‬وغالبا ما يحتوي الكهرمان‬ ‫على حشرات حبست فيه منذ ماليني السنوات‪.‬‬ ‫هل كانت مكافأة الضرب على الرأس والسحب إلى كهف في العصر‬ ‫احلجري القدمي سلسلة من حبات الكهرمان؟ بالتأكيد‪ .‬لقد اكتشف‬ ‫الكهرمان في كهوف في بريطانيا وجنوب أوروبا منذ العصر احلجري‬ ‫(‪ 450.000‬إلى ‪ 12.000‬قبل امليالد)‪ .‬ومع حتسن درجات احلرارة وقلة‬ ‫برودتها‪ ،‬انتقل الصيادون الرحالة شماال إلى بحر البلطيق‪ ،‬ويوجد‬ ‫دليل على أن رجل العصر احلجري احلديث «امليزوليتي» استخدم‬ ‫الكهرمان في اجلواهر (ما بني ‪ 12.000‬و‪ 4.000‬قبل امليالد)‪ .‬وبقيت‬ ‫دالية من الكهرمان‪ ،‬بلونها األصفر األصلي حيث حفظت في مستنقع‬ ‫دمناركي‪ ،‬حتمل صورا بشرية باإلضافة إلى أشكال حيوانات رسمها‬ ‫هؤالء الصيادون القدامى‪.‬‬

‫لكيوبيد أو فينوس‪ ،‬من الضروريات‪ ،‬بل وكذلك أدوات الزينة الفاخرة‪.‬‬ ‫وامتلكت السيدات سعيدات احلظ قوارير للعطور‪ ،‬وآنية ذات أغطية‬ ‫دقيقة ألدوات التجميل‪ ،‬ومقابض مرايا‪ ،‬كلها مصنوعة من الكهرمان‬ ‫املستورد أساسا ثم صنع في مدينة أكويليا‪.‬‬ ‫هناك آالف من األمثلة عبر التاريخ على استخدام الكهرمان في‬ ‫حماية وعالج اإلنسان واحليوان‪ .‬أحد تلك األمثلة يتعلق بلوكريسيا‬ ‫بورغيا‪ ،‬التي كانت متلك خامتا ذهبيا له ستة مخالب من الذهب حتمل‬ ‫ثعبانا منحوتا في الكهرمان‪ .‬ومن الكهرمان األحمر البراق‪ ،‬نحت رأس‬ ‫الثعبان ولسانه الذي يوشك أن ينقض على الفريسة‪ .‬في األسفل‬ ‫كان هناك نتوء صغير‪ ،‬يبث السم من مكان خفي داخل اخلامت‪.‬‬ ‫كان أباطرة إيران عادة ما يرتدون خرزة من الكهرمان حلمايتهم من‬ ‫االغتيال‪ ،‬ولكن لم يعثر على أي منها عندما سلمت جواهر التاج إلى‬ ‫الدولة بعد اإلطاحة بالشاه األخير‪ .‬اليوم‪ ،‬تتمتع جواهر الكهرمان‬ ‫بنهضة غير عادية‪ .‬لقد حققت القطع املصنعة حديثا مثل تلك‬ ‫التي صممها كوبرا أند بالمي من لندن درجة عالية من اإلبداع‪ .‬وتلقى‬ ‫القطع األقدم رواجا ال ينتهي على ما يبدو‪ ،‬بخاصة إذا برزت القطعة‬ ‫بصورة غير تقليدية واجتذبت محبي االقتناء‪ .‬ويبدو أن جاذبية‬ ‫الكهرمان تستمر إلى األبد‪ ،‬مع كل الغموض الذي يكتنف خصائصه‪.‬‬

‫* جولييت هايت ‪ -‬كاتبة ومصورة وأمينة متحف متخصصة في‬ ‫في جميع أنحاء شمال أوروبا أثناء العصر احلجري احلديث‪ ،‬كان الكهرمان تراث الشرق األوسط والثقافة املعاصرة‪ .‬وتعمل حاليا على تأليف‬ ‫املادة املفضلة لصناعة اجملوهرات‪ ،‬وأضفى دفن هذه اجلواهر الذهبية كتابها الثاني «تصميم عمان»‪ ،‬بعد أن نشرت كتابها األول «اللبان‪:‬‬ ‫الرائعة مع بعض السيدات فكرة القيمة املتعلقة بها‪ .‬وعثر في هدية عمان إلى العالم» عام ‪.2006‬‬ ‫إحدى املقابر على عقد يبلغ طوله حوالي ثالثة أمتار وهو مصنوع من‬ ‫‪ 650‬حبة من الكهرمان‪ .‬حمل جتار الكهرمان اجلسورون احلجر الكرمي نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 17‬يناير ‪2010‬‬ ‫عبر جبال األلب إلى شمال إيطاليا‪ ،‬حيث جتاوزوا اللصوص والعديد من‬ ‫اخملاطر األخرى ليصلوا إلى بالد اإلغريق امليسينية‪ .‬ويظهر الكهرمان‬ ‫فجأة‪ ،‬وبكمية كبيرة نحو عام ‪ 1.600‬قبل امليالد حتى عام ‪1.200‬‬ ‫قبل امليالد في قبور ملوك وأمراء الدولة امليسينية في إقليم بيلوبونيز‬ ‫(باإلضافة إلى كمية كبيرة من الذهب والعقيق األحمر واألحجار‬ ‫الكرمية «اجلمشت»)‪ .‬بعد ذلك كانت هناك فجوة مدتها نحو ‪400‬‬ ‫عام‪ ،‬لم يكن الكهرمان فيها متوفرا أو عصريا‪،‬‬ ‫فقط ليظهر من جديد في شكل رائع‬ ‫في الدولة اإلغريقية القدمية نحو‬ ‫القرن الثامن قبل امليالد‪ .‬وانتشر‬ ‫استخدام الكهرمان لترصيع‬ ‫الذهب والعاج للقادرين‪،‬‬ ‫ولغير القادرين لترصيع‬ ‫الدبابيس املصنوعة من‬ ‫البرونز‪ ،‬والتي كانت‬ ‫تلقى رواجا لدى الرجال‬ ‫والنساء‪.‬‬

‫كانت احلياة في روما‬ ‫محفوفة‬ ‫القدمية‬ ‫وقتل‬ ‫باخملاطر‪،‬‬ ‫اإلمبراطور نيرون (‪56‬‬ ‫ ‪ 68‬ميالديا) زوجته‬‫األولى من أجل الزواج‬ ‫من بوبيه سابينا‪ .‬وكانت‬ ‫هذه املرأة شقراء‪ ،‬وهي سمة‬ ‫غير منتشرة في منطقة البحر‬ ‫املتوسط‪ ،‬وكتب اإلمبراطور ذاته‬ ‫قصيدة عن شعرها يصفه فيها‬ ‫بأن له «لون الكهرمان»‪ .‬وأصبح ذلك‬ ‫موضة سائدة على الفور‪ ،‬حيث مت حلق‬ ‫رؤوس العبيد أصحاب الشعر األشقر بال رحمة‬ ‫لصناعة شعر مستعار لألثرياء‪ ،‬وأصبح الكهرمان‬ ‫في حد ذاته رمزا للرفاهية األنيقة‪ .‬أصبحت اجملوهرات‬ ‫األنيقة‪ ،‬مثل األقراط الثقيلة التي حتمل أشكاال مصغرة‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪59‬‬


‫● الفن‬

‫كافتيريا وأتأمل الناس‪ .‬وحتى في إيران‪ ،‬فإن احلياة اليومية ميكنها‬ ‫أن متنحك اإللهام‪ ،‬وكل شيء يستطيع ذلك‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬بالنسبة المرأة في إيران‪ ،‬يبدو أن هناك صراعا خلف‬ ‫فكرة احلجاب والتعبير الذاتي‪ .‬فهل شعرت‪ ،‬كامرأة فنانة‪،‬‬ ‫بذلك الصراع؟‬ ‫ على الرغم من أننا ليست لدينا نفس احلقوق التي يحصل‬‫عليها الرجال‪ ،‬فإنني ال أقارنه مبا يحدث في بلدان أخرى‪ ،‬ألننا مثال‬ ‫دخلنا البرملان‪ .‬واملدهش هو أنه على الرغم من أن حكومتي ليست‬ ‫جيدة متاما مع النساء‪ ،‬فقد أصبحت النساء بعد الثورة أكثر‬ ‫وعيا بحقوقهن فهن ناشطات للغاية‪ .‬فهن يأخذن حقوقهن‪ ،‬وال‬ ‫ينتظرن أن مينحهن أحد ذلك‪ .‬ولست املرأة الوحيدة التي تعمل‬ ‫كفنانة تشكيلية‪ ،‬فهناك العديد من الفنانات‪ .‬فالنساء أكثر‬ ‫نشاطا من الرجال‪ .‬وفي الوقت الراهن يوجد نحو ‪ 64‬في املائة‬ ‫من الطالب باجلامعة من الفتيات‪ .‬فالنساء فعلن ذلك بأنفسهن‪،‬‬ ‫وليست الدولة‪ ،‬وليست احلكومة‪ .‬فيجب علينا أن نحيي النساء‪.‬‬ ‫وأراها في كل مجال‪ ،‬فمعظم احملامني الناجحني من النساء‪ ،‬فشيرين‬ ‫عبادي حصلت على جائزة نوبل قبل سنوات عدة وهي شجاعة‬ ‫للغاية‪ .‬وفي بعض األحيان أشعر باالندهاش ألنني أرى العديد‬ ‫من النساء الالئي يحققن النجاحات وأفكر في مدى شجاعتهن‪.‬‬ ‫وذلك إيجابي في بعض األحيان‪ .‬يقال إنه خالل األوقات العصيبة‬ ‫ينشط الفن أو األشياء الطيبة‪ ،‬وبالتالي فرمبا تصبح النساء أقوى‬ ‫نظرا لألوقات الصعبة‪ .‬فهن يفعلن ما يرغنب فيه وهن يؤمن بأنهن‬ ‫يستطعن عمله‪ .‬فإذا ما ذهبت للمحكمة‪ ،‬فلن تكون لديها نفس‬ ‫احلقوق التي يحصل عليها الرجال‪ .‬وما زال احلال كذلك‪ ،‬ولكن‬ ‫بالنسبة للحياة اليومية فإن النساء ما زلن قويات للغاية‪.‬‬

‫الكهرمان قيمة خالدة‪ ..‬وإلى األبد‬

‫ذهب الشمال‬ ‫على الرغم من اختالف أشكاله وألوانه‪ ،‬يبدو أن قيمة‬ ‫الكهرمان ثابتة على مدار العصور‪ .‬من أميركا اجلنوبية إلى‬ ‫إيران‪ ،‬تثير القيمة املرتبطة بالكهرمان االهتمام بسبب‬ ‫انتشاره الدائم عبر الزمان واملكان‪.‬‬ ‫جولييت هايت‬

‫في ليالي الشتاء الشمالية الطويلة الباردة منذ آالف السنني‪ ،‬كان‬ ‫الكهرمان شمسا ساطعة في حد ذاته‪ .‬استحق الكهرمان بألوانه‬ ‫احليوية املتألقة ودفئه الباهر لقب «ذهب الشمال»‪ .‬ولكن هناك ما‬ ‫هو أكبر من روعة رؤية الكهرمان‪ ..‬إنها قوته «السحرية» والعالجية‬ ‫باإلضافة إلى ندرته النسبية التي جعلت ثمنه باهظا مثل الذهب‪.‬‬

‫معظم الكهرمان املتوفر حاليا مصدره بحر البلطيق‪ .‬إن ذهب‬ ‫الشمال قدمي قدم التالل واألشجار والبحار‪ ،‬ألنه عبارة عن راتنج‬ ‫«صمغ» متحجر من أشجار صنوبرية قدمية‪ ،‬انقرضت اآلن‪ ،‬قبل أن‬ ‫يضع اإلنسان قدمه على األرض مبدة طويلة‪ .‬وتدريجيا حتجر الراتنج‬ ‫اللزج وعندما ماتت األشجار وأخيرا سقطت على أرض الغابة‪ ،‬وقع‬ ‫«اجمللة»‪ :‬إن األلوان في أعمالك مدهشة للغاية‪ ،‬فهل ميثل الراتنج على األرض حيث ظل ملدة ‪ 20‬أو ‪ 30‬مليون سنة تالية‪ .‬وعلى‬ ‫األحمر الصراع بالنسبة لك؟‬ ‫مدار األلفيات‪ ،‬حتجر الراتنج ليصبح احلجر الكرمي ذا اللون األصفر‬ ‫رمز‬ ‫فهو‬ ‫لي‪،‬‬ ‫بالنسبة‬ ‫للحياة‬ ‫رمز‬ ‫فهو‬ ‫ ال‪ ،‬فذلك منطي للغاية‪.‬‬‫الالمع املعروف باسم الكهرمان‪.‬‬ ‫الستمرار احلياة‪ ،‬هو لم يكن ميثل بالنسبة لي أبدا الدم‪ ،‬فهو‬ ‫بالنسبة لي ميثل الطاقة‪ .‬فإذا ما نظرت للون األحمر‪ ،‬فإن الدم هو في حالته الطبيعية‪ ،‬يوجد الكهرمان في عقديات غير منتظمة‪،‬‬ ‫آخر ما يخطر على بالي ولكن على أي حال ما هو الدم؟ فإذا لم يكن بعضها صغير أو كبير للغاية‪ ،‬في قطع قد يصل وزنها إلى كيلوغرامات‬ ‫لديك دم فأنت ميت‪.‬‬ ‫عدة‪ .‬إذا لم يشكل تعرض هذه القطع إلى العوامل اخلارجية طبقة‬ ‫داكنة حول القطعة‪ ،‬سيكون لونها الذهبي الرائع واضحا على الفور‪.‬‬ ‫يعرفني الناس من خالل رسوم اللونني األبيض واألسود‪ ،‬وملسات من ولكن كما تتميز كل قطعة كهرمان بفرديتها‪ ،‬ال يوجد قطعتان لهما‬ ‫األحمر‪ ،‬فذلك هو ما يعرفونه عن غولناز فتحي‪ ،‬ويوافق مزاجي دائما نفس احلجم أو الشكل أو البريق‪ ،‬لذلك يتدرج لون الكهرمان بصورة‬ ‫رسوم األسود واألبيض واألحمر وذلك نظرا ألنني لست من عشاق ملحوظة‪ .‬وتتنوع األلوان من األبيض بدرجة احلليب إلى األصفر الفاحت‬ ‫األلوان املتعددة ‪ -‬حتى مالبسي ‪ -‬فذلك من سمات شخصيتي‪ .‬إلى لون شراب السكر إلى لون اخلمر الثري‪ ،‬وهناك أيضا جميع درجات‬ ‫وبالنسبة لي‪ ،‬فإن اللون األسود ال ميثل الظالم بل ميثل الكمال فهو اللون األحمر من القرمزي الفاحت إلى اللون العنابي‪.‬‬ ‫لون قوي‪ .‬ففي بعض األوقات‪ ،‬ال أضع حتى بقعة حمراء‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يظل العمل بلونني فقط‪ .‬وأحيانا أقوم وأقول‪« :‬إذن أحتاج للون تتغير تفضيالت األلوان مع تغير اجتاهات املوضة‪ ،‬حيث فضلت النساء‬ ‫األصفر»‪ .‬فيحدث ذلك أحيانا‪ ،‬ولكنني ال أستطيع أن أحدد قبل في روما القدمية الكهرمان ذا اللون الذهبي املائل إلى األحمر‪ ،‬في‬ ‫ذلك‪ ،‬فاألمر يعتمد على ما أريده في ذلك اليوم‪ .‬فرمبا يكون اللون حني أنه في القرن التاسع عشر كان اللون األبيض بلون احلليب يزين‬ ‫األزرق أو األحمر أو األصفر‪ ،‬فأنا دائما أستخدم األلوان الساخنة‪.‬‬ ‫أعناق اجلميع‪ .‬أكبر مصدر للكهرمان في جنوب شرقي آسيا هو‬ ‫البروميت من بورما‪ ،‬ومن أشهر ألوانه وأكثرها رواجا األحمر الفاحت‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما هي خططك للمستقبل القريب؟‬ ‫ووفقا لنصوص قدمية‪ ،‬كان يطلق عليه اسم روح النمر‪ .‬وكان يحظى‬ ‫الفن‬ ‫ملعرض‬ ‫بالهند‬ ‫ سوف أذهب ملؤسسة «ديفي للفنون»‬‫بتقدير بالغ في الصني‪ ،‬حيث نقش عليه ببراعة فنية مدهشة ليتدلى‬ ‫املتر‬ ‫ونصف‬ ‫أمتار‬ ‫ستة‬ ‫املعاصر‪ .‬سوف أقوم برسم لوحة بارتفاع‬ ‫من القالدات وزجاجات السعوط والتماثيل الصغيرة‪ .‬ميكن جمع‬ ‫حتقيق‬ ‫وشك‬ ‫على‬ ‫فإنني‬ ‫للمتحف‪ ،‬للمجموعة الكاملة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫الكهرمان الصقلي‪ ،‬املعروف باسم سيميتيت‪ ،‬في الوقت احلالي‪ ،‬وهو‬ ‫حلم من أحالمي‪ .‬وسوف يكون هناك أيضا معرض ضخم لفن اخلط نادر للغاية‪ ،‬ويتوفر في مجموعة غير عادية من األلوان ويلمع ببريق‬ ‫في أوروبا في أبريل (نيسان) من العام املقبل سوف يبدأ في أملانيا‪ .‬باهر‪ .‬كان الكهرمان الروماني أو الرومانيت‪ ،‬الذي غالبا ما يتسم‬ ‫وهم يختارون فنانني من كل دولة‪ ،‬وسوف أمثل إيران‪.‬‬ ‫باللون األصفر الفاحت النقي‪ ،‬أغلى األنواع سعرا في بالد فارس وتركيا‬ ‫بسبب جتزعاته الداخلية امللحوظة بسبب الضغط اجليولوجي‪ ،‬مما‬ ‫وأهم شيء هو أنني سوف أعمل ألنني أعيش من أجل ذلك‪ .‬فإذا يضفي تأثير اللؤلؤ‪ .‬وقد اعتلى هذا الكهرمان صدارة املوضة األوروبية‬ ‫كنت سوف أفسر ما الذي يجب علي عمله في ما يتعلق بالفن‪ ،‬في بداية القرن بفضل رعاية العائلة امللكية البريطانية‪.‬‬ ‫فإنني ال أعرف‪ ..‬األمر يشبه اللون‪.‬‬ ‫وفي أميركا اجلنوبية‪ ،‬كان الكهرمان سلعة جتارية مهمة‪ ،‬ووجدت‬ ‫*حوار أجرته أميي أسعد‪.‬‬ ‫شظايا منه على مذابح معابد االزتيك واملايا القدمية‪ ،‬حيث كان‬ ‫يُحرق كبخور ويُرصع به الذهب‪ .‬ومييل الكهرمان املكسيكي إلى‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 8‬ديسمبر ‪2010‬‬ ‫اللون الذهبي الثري‪ ،‬في حني يتميز الكهرمان القادم من جمهورية‬ ‫‪58‬‬


‫أو مهندسني‪ .‬واآلن بعد أن أصبحت بالفعل فنانة‪ ،‬أصبحت لدي‬ ‫الشجاعة لكي أقول إنني كنت أشعر بذلك حتى في تلك السن‬ ‫الصغيرة‪.‬‬

‫تعجبني معاناة الناس الذين يأتون ويقفون أمام أعمالي‪ .‬فهم ال‬ ‫يعرفون‪ ،‬بخاصة اإليرانيني‪ ،‬إذا ما كانت خطوطي ما زالت حتمل‬ ‫هويتها كخط فارسي‪ ،‬فمن الواضح أن هناك شيئا مكتوبا‪،‬‬ ‫وبالتالي فهم يقفون على مسافة ثم يقتربون‪ ،‬وأستطيع أن أحلظ‬ ‫أنهم يحاولون القراءة‪ .‬وأحيانا يسألونني «معذرة‪ ،‬هل كتبت شيئا‬ ‫في؟ فأنا ال أستطيع القراءة»‪ .‬فأقول‪« :‬أنا‬ ‫محددا‪ ،‬أم أن املشكلة ّ‬ ‫ال أعرف أيضا فأنا ال أستطيع القراءة»‪ .‬وينطبق نفس الشيء على‬ ‫األجانب‪ ،‬فهم يشعرون بالسعادة ألنهم عندما يسألون وأخبرهم‬ ‫أنني ال أستطيع قراءته‪ ،‬يقولون «حسنا‪ ،‬إذن فكالنا ال يستطيع‬ ‫قراءته»‪ .‬فأنا أؤمن بأن الفن يجب أن يحتفظ بقدر من الغموض‬ ‫لنفسه حتى يفرض على املشاهد طرح األسئلة‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬درست فن اخلط ملدة ست سنوات‪ .‬ومبا أن فنك هو‬ ‫تزاوج بني تلك التقاليد القدمية والوسائط اجلديدة فهل ذلك‬ ‫شكل من أشكال التمرد ضد القواعد التقليدية؟‬ ‫ إنني ممتنة لتلك السنوات‪ .‬ففن اخلط التقليدي يحتاج إلى‬‫سنوات من العمل‪ .‬فحتى إذا كنت متمكنا منه فيجب أن متارسه‬ ‫كل يوم حتى نهاية عمرك‪ ،‬فذلك هو ما تتعلمه من أول يوم‪ .‬فكل‬ ‫يوم تكتب فيه األبجدية ساعات وساعات ألن أصابعك مثل أصابع‬ ‫عازف البيانو يجب أن متارس ذلك حتى تعتاد عليه‪ .‬وقد فعلت‬ ‫ذلك‪ ،‬فكنت أعمل ملدة ثماني ساعات يوميا ملدة ست سنوات‪ ،‬وقد‬ ‫أحببت ذلك وما زلت أحب فن اخلط العربي‪ .‬ولكنني كنت أتساءل‬ ‫عما «ميكن أن أحققه من كل ذلك اجلهد»؟ أعني أنك تفعل ذلك‬ ‫كل يوم والهدف هو أن تصبح مبثل براعة القدماء‪ .‬وفي رأيي‪ ،‬فإنه‬ ‫ليس ابتكارا بل إنه احملاكاة‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬ما الدور الذي تعتقدين أن اخلط ميارسه في أعمالك؟‬ ‫ هل ميكن ملا هو غير مكتوب أن يتم اعتباره خطا؟ أعتقد إذن أنه‬‫ليس خطا عربيا‪ .‬فيجب أن يحتوي الفن على الغموض‪ ،‬وهناك‬ ‫غموض على نحو ما في اخلط العربي‪ .‬فال يقتصر األمر على أن‬ ‫تقدم أشكاال جميلة‪ .‬ففي بعض األحيان أقول لنفسي‪ ،‬إذا كنت‬ ‫قد وهبت مهارة احلديث لكنت أخترت أن أصبح كاتبة‪ ،‬ولكنني‬ ‫بدال من ذلك قلت كل ما أريد أن أقوله من خالل فرشاتي‪ .‬وأعتقد‬ ‫أنني حتدثت كثيرا‪ .‬وأنا أحب املشاركة وبالتالي فإنني دائما أدعو‬ ‫املشاهدين للمشاركة في أعمالي وترجمة ما يرونه‪ .‬والسبب في‬ ‫أن جميع أعمالي من دون عنوان هو أنني رغبت في منح احلرية لعقل‬ ‫املشاهد حتى يستطيع أن يحلم‪ .‬فتخيل أنني أطلقت على لوحة‬ ‫ما اسم «زهرة» فإنك ستحاول على الفور أن تتخيل زهرة‪ ،‬وأنا‬ ‫ال أحب ذلك‪ .‬فالعديد من الناس يأتون ملعارضي ويعطون تصورات‬ ‫مختلفة متاما وأنا أحب ذلك‪ .‬فإذا ما جاء عشرة أشخاص فإنهم‬ ‫بال شك سوف مينحون عشر وجهات نظر مختلفة ويثبت ذلك أن‬ ‫كلمة واحدة ال ميكنها تعريف لوحة واحدة‪ ،‬إذن فال داعي له‪.‬‬

‫وقد درست تصميم الغرافيك ألنني لم أكن أؤمن بالدراسات‬ ‫األكادميية للفن‪ .‬فاجلامعة ال تصنع فنانا‪ ،‬وال ميكن للدرجة العلمية‬ ‫أن تخلق موسيقيا‪ ،‬فيجب أن يكون األمر في دمك‪ .‬وال ميكن أن أطلق‬ ‫على نفسي فنانة‪ ،‬ففي رأيي صفة الفنان ثناء كبير‪ .‬فإذا ما سألني‬ ‫أحد عن عملي فال أطلق على نفسي فنانة‪ .‬فكيف أمنح نفسي‬ ‫ذلك اللقب؟ واحلقيقة أنني أمارس فني ثم أترك األمر لآلخرين لكي‬ ‫يحكموا إذا ما كنت فنانة أم ال‪.‬‬

‫فأنا أعتقد أن األمر كان يقتضي حقا شجاعة‪ ،‬ألن فن اخلط التقليدي‬ ‫أقرب إلى كونه حقيقة‪ ،‬فإذا ما دخلت ذلك العالم فإنك تظل به‪.‬‬ ‫فالعقل منغلق متاما هناك‪ ،‬وهم يرون العالم من ذلك املربع فقط‪.‬‬ ‫وعندما تكسر تلك القواعد فإنك تكتشف أنه ال توجد نهاية ألي‬ ‫شيء‪ .‬وال أعرف إذا ما كان فن اخلط التقليدي هو فن أم ال‪ .‬فهل‬ ‫للفن نهاية أو مقصد؟ ال‪ ،‬إنه كالفلسفة‪ ،‬هل تنتهي؟ هل لديك‬ ‫إجابة حول تساؤالتها؟ ال‪ .‬وبعد التخرج كنت على يقني بأنني ال‬ ‫أستطيع العمل في مجال تصميم الغرافيك ألن ذلك يقتضي أن‬ ‫أتلقى أوامر وأعمل بناء عليها‪ .‬وذلك يثير جنوني ألنه يغلق عقلي‪.‬‬ ‫وفي ذلك الوقت أصبح لدي الثقة الكافية لكي اتخذ طريق الفن‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬هل يكون لديك رسالة محددة وأنت تبتكرين لوحة‬ ‫ما؟‬ ‫ ال‪ ،‬ال أدري‪ ،‬فأنا أعرف محترفني يجلسون للتأمل وعندما حتني‬‫اللحظة املناسبة يلتقطون الفرشاة ويرسمون خطا واحدا ولكن‬ ‫ذلك اخلط كان نتاج ستة أشهر من التفكير‪ .‬ولذلك يقول بعض‬ ‫الناس‪« :‬إنه خط واحد ولكنه تكلف مليون دوالر»‪ .‬ويدرك احملترفون‬ ‫أن األمر احتاج إلى سنوات طويلة من العمل لكي يتمكن من رسم‬ ‫ذلك اخلط ورسمه بكفاءة‪ .‬وبالتالي فإذا كنت أعمل على رسم‬ ‫لوحة‪ ،‬فيجب علي أن أقوم بذلك على الفور‪ ،‬فإذا ما أجلت العمل‬ ‫ملا بعد الغذاء فإن اإلحساس يكون قد اختفى‪ .‬وتلك العملية غير‬ ‫واعية‪ ،‬على نحو ما‪ ،‬فأنا لست في ذلك العالم‪ ،‬فيمكن ألي شيء‬ ‫أن يحدث خالل العمل‪ .‬وال أعرف أين ستكون النقطة احلمراء ألنني‬ ‫أفعل ذلك ثم أرى أين تتواءم مع التكوين‪ .‬فأنا ال أستطيع القول بأن‬ ‫يدي ستتحرك لألسفل في تلك اللحظة‪ .‬فاألمر يشبه املغامرة‪.‬‬ ‫فأحيانا أصنع رسوما تخطيطية صغيرة للوحة‪ ،‬لكي أحدد على‬ ‫سبيل املثال إذا ما كانت اللوحة يجب أن تكون أفقية أم رأسية‪.‬‬ ‫ولكنني ال أخشى أن تتحرك يداي إلى األعلى وتغير التكوين‪.‬‬ ‫فأقول‪« :‬حسنا إذن‪ ،‬فقد تغيرت اخلطة‪ ،‬فما العمل اآلن؟»‬

‫«اجمللة»‪ :‬إذن هل كان دائما لديك النية لتحويل مهاراتك إلى‬ ‫الفن؟‬ ‫ أجل بالطبع‪ .‬فقد فكرت في أنني أستطيع أن أمزج بني فن‬‫اخلط ورسومي‪ ،‬ألنه جزء مني‪ ،‬وقد قضيت وقتا طويال في دراسته‬ ‫وأنا أحبه فهو يحملني إلى عالم آخر‪ .‬وال يقتصر األمر على فن‬ ‫اخلط اإليراني‪ ،‬حيث يستوقفني أيضا اخلط الياباني أو الصيني‪،‬‬ ‫فال يعنيني أن أفهم ما يقول ألنه بالنسبة لي رسم‪ .‬وذلك هو‬ ‫السبب الرئيس في أنني أخلط اخلط برسومي‪ .‬فخالل السنوات‬ ‫حاولت استنباط املعاني منه‪ ،‬ألن معاني الكلمات مهمة ‪ -‬فكل‬ ‫إنسان تؤثر فيه املعاني وإذا ما استخدمت الشعر فإن ذلك املعنى‬ ‫يتضاعف ‪ -‬فلم أكن أرغب في التأثير على عملي‪ .‬فعندما تقف‬ ‫أمام اللوحة‪ ،‬فإن اللوحة يجب أن تتحدث إليك وليس معاني «اجمللة»‪ :‬لقد مت تصنيف أعمالك باعتبارها سيرة ذاتية‪ .‬وأنت‬ ‫مررت بالثورة اإليرانية في طفولتك‪ ،‬باإلضافة إلى حرب إيران‬ ‫الكلمات‪.‬‬ ‫والعراق‪ .‬وبالطبع سوف يركز الناس على ذلك عندما يحللون‬ ‫فما أريده من أعمالي هو أن تصبح اللوحة ذات صلة بك‪ .‬وقد أعمالك‪ ،‬إلى أي مدى متارس تلك األحداث دورا في حياتك؟‬ ‫استغرق األمر عشر سنوات لكي أطور تلك املهارة ألنه في البداية ‪ -‬ال أعلم‪ .‬ألنه بالطبع باعتباري إنسانا كان يعيش هناك‪ ،‬فقد‬ ‫شهدت احلرب ومررت بأوقات صعبة خالل احلرب‪ .‬وكان لها بالطبع‬ ‫كانت النصوص املستخدمة قابلة للقراءة‪.‬‬ ‫علي‪ ،‬على شخصيتي وكل شيء‪ .‬ولكن األعمال التي أقدمها‬ ‫تأثير‬ ‫ّ‬ ‫ليست سياسية على اإلطالق‪ .‬فأنا أقدم عمال شخصيا‪ ،‬وأخلق‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ثم أصبحت أكثر جتريدية؟‬ ‫ أجل‪ ،‬وكلما حققت إجنازات من خالل فن اخلط التقليدي‪ ،‬شعرت عاملي الداخلي بلغة جتريدية‪ .‬فليست الثورة فقط‪ ،‬فيمكن أن‬‫ي أصبحتا مدربتني‪ .‬فأنا أحفظ يكون احلدث هو انفصالي عن حبيبي‪ ،‬وبالطبع ذلك ميكن أن يكون‬ ‫باالمتنان لتلك السنوات‪ ،‬ألن يد ّ‬ ‫تكوين األبجدية عن ظهر قلب‪ ،‬ولذلك أعتقد أنني أستطيع أن له تأثير على عملي أيضا‪ .‬فأنا لست الشخص الذي ميكنه اإلجابة‬ ‫أفعل شيئا آخر من خاللها‪ .‬فإذا لم تكن يداي مدربتني وحاولت على ذلك‪ ،‬فالقرار يرجع للمشاهد‪ .‬فكل شيء يؤثر علي‪ ،‬ففي‬ ‫لندن على سبيل املثال‪ ،‬أحب املشي‪ ،‬وأحب أن أذهب وأجلس في‬ ‫ممارسة اخلط العربي فإنني‪ ،‬على نحو ما‪ ،‬سوف أفتقر للتواصل‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪57‬‬


‫● الفن‬

‫فنانة إيرانية متزج بني الفن التجريدي واخلط العربي‬

‫غولناز فتحي‪..‬‬ ‫ألوان من الغموض‬

‫تتسم أعمال الفنانة غولناز فتحي باجلمع بني العناصر احلية‬ ‫للرسم باأللوان والكتابات الغامضة‪ .‬وطاملا كانت غولناز‬ ‫تعرض لوحاتها عامليا وحتصل على ثناء قطاع واسع من‬ ‫جمهورها‪ .‬ومبناسبة ثاني معرض فردي لغولناز في اململكة‬ ‫املتحدة‪ ،‬أجرت «اجمللة» حوارا مع الفنانة اإليرانية حول‬ ‫أعمالها في طهران‪ ،‬وتطور عملها كفنانة‪ ،‬والرسالة التي‬ ‫تأمل في توصيلها جلمهورها‪.‬‬ ‫أميي أسعد‬

‫يتكون معرض الفنانة اإليرانية غولناز فتحي املتفرد والذي يحمل‬ ‫عنوان «ليمينال سابليمنال» من لوحات ملونة باألحمر واألسود‬ ‫واألبيض تتدلى من السقف إلى األرض‪.‬‬ ‫وللوهلة األولى‪ ،‬يبدو وكأن هناك كتابات محفورة بداخلها‪ .‬ولكن‬ ‫إذا ما نظرت نظرة متفحصة‪ ،‬جتد أن الكتابات جزء من اللوحة‪.‬‬ ‫بعض األبيات من الشعر العربي للشاعر السوري نزار قباني‪ ،‬وبعض‬ ‫السطور باللغة الفارسية‪ ،‬وغيرها من خواطر غولناز نفسها‬ ‫التجريدية‪ .‬إنها مربكة ولكنها‪ ،‬كما توضح الفنانة‪ ،‬ال تستهدف‬ ‫الفهم‪ ،‬ولكن الهدف أن يؤثر العمل بكامله على املشاهد على‬ ‫املستوى الذاتي‪ ،‬والعفوي‪.‬‬

‫اإليرانية املعاصرة تتعرض دائما خلطر التسييس‪ .‬وكما تركت‬ ‫أعمالها من دون عناوين وبالتالي كانت خالية من التفسيرات‬ ‫املسبقة‪ ،‬لم تكن آثار سيرتها الذاتية واضحة في أعمالها أيضا‪.‬‬ ‫وتدعو غولناز املشاهدين ألن يستمدوا جتاربهم من «لغتها‬ ‫البصرية» وتتركهم ليفسروا كل عمل بأنفسهم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما هو اخملتلف بني هذا املعرض وأول معرض مستقل‬ ‫لك؟‬ ‫ لقد كان أول معرض مستقل لي في ‪ ،1998‬أي منذ زمن‬‫بعيد‪ .‬وذلك أمر مدهش‪ ،‬ألنه في ذلك الوقت لم يكن لدينا سوى‬ ‫صالتني فقط للعرض في طهران‪ .‬هل تستطيع أن تتخيل ذلك؟‬ ‫وكان ذلك بعد سنوات من احلرب‪ ،‬وبالتالي كانت البالد قد بدأت‬ ‫في بناء نفسها‪ .‬وأتذكر‪ ،‬أنه قبل املعرض بعامني‪ ،‬كنت أذهب إلى‬ ‫تلك املعارض وأقول لنفسي‪« :‬هل ميكن أن أعرض أعمالي هنا في‬ ‫يوم من األيام؟»‪ .‬ثم في عام ‪ ،1998‬كان لدي ذلك املعرض‪ ،‬واليوم‬ ‫أصبح لدينا أكثر من ‪ 160‬صالة عرض في طهران‪.‬‬

‫وتتسم أعمال غولناز فتحي باجلمع بني العناصر احلية للرسم‬ ‫باأللوان والكتابات الغامضة‪ .‬وكانت تعرض لوحاتها على املستوى‬ ‫الدولي وحتصل على التأييد‪ .‬وبالفعل‪ ،‬ميكن وصف أعمال فتحي‬ ‫بأنها جتسيد للفن اإليراني املعاصر‪ ،‬وحركة تعبير حي محاطة‬ ‫بالغموض‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬نظرا لنشأتك في طهران‪ ،‬في أي مرحلة أصبحت‬ ‫واعية بالفن والفنانني‪ ،‬وهل كان ألي منهم أي تأثير خاص‬ ‫ولدت غولناز فتحي في طهران عام ‪ ،1972‬وبالتالي‪ ،‬شهدت عليك؟‬ ‫الثورة اإليرانية‪ ،‬وحرب إيران ‪ -‬العراق وازدهار سوق الفن اإليراني‪ - .‬لقد كنت دائما متأثرة بالفنانني التجريديني‪ ،‬وما زلت‪ ،‬ألنني‬ ‫وبعد إمتامها لدراسة تصميم الغرافيك بجامعة آزاد بطهران‪ ،‬أحب أن أقف أمام اللوحة التي تثير بداخلي احلماسة‪ .‬وهناك‬ ‫بدأت دراسة مكثفة مدتها ست سنوات للخط العربي كانت العديد من الفنانني العظماء الذين ينتجون أعماال فنية مختلفة‬ ‫غارقة خاللها في التقاليد اإلسالمية املوقرة‪ ،‬باإلضافة إلى البيئة متاما‪ ،‬ولكن عندما تنظر إلى عمل فني جيد فإنه مينحك الطاقة‬ ‫الذكورية احملافظة‪ .‬والحقا‪ ،‬بدأت تتخذ اجتاها جديدا من خالل لالستمرار والعمل بنفسك‪ .‬إنه يجعل احلياة جميلة‪ .‬يصبح يومي‬ ‫فحص إمكانات استخدام أشكال أكثر جتريدا‪.‬‬ ‫جميال عندما أشاهد أعمال أنيش كابور‪ .‬فعندما أشاهد معرضا‬ ‫جيدا أفضل الذهاب إلى مرسمي والبدء في العمل‪ ،‬وأنا ما زلت‬ ‫وعلى الرغم من التطورات العديدة التي شهدها عالم الفن في أحمل تلك الطاقة بدال من الذهاب لتناول الغذاء مع أصدقائي‪.‬‬ ‫إيران‪ ،‬ما زالت الرقابة موجودة في البالد‪ .‬وفي أواسط التسعينيات وباملثل‪ ،‬فإنني عندما أشاهد معرضا سيئا أفقد طاقتي وال‬ ‫شهدت إيران ميالدا ثقافيا جديدا وإعادة افتتاح العديد من أستطيع العمل في ذلك اليوم‪.‬‬ ‫املعارض‪ ،‬وأدت مظاهرات أواخر يونيو (حزيران) املاضي إلى جتدد‬ ‫القمع احلكومي واالهتمام بـ«املشهد الفني»‪ .‬ولكن حينما يتم عندما كنت في التاسعة من عمري أحلقتني أمي بدروس للرسم‪،‬‬ ‫فرض القيود‪ ،‬يزدهر اإلبداع‪ .‬وغولناز هي عضو فاعل في ذلك اجليل وقد انتظمت في الذهاب ملدة سنتني أو ثالث‪ .‬فإذا ما كنت قد‬ ‫تلقيت تعليما فنيا فإنه كان في تلك السنوات‪ .‬ففي ذلك الوقت‬ ‫النشط في عالم الفن اإليراني‪.‬‬ ‫أدركت أنني أرغب في أن أصبح رسامة‪ .‬إنه أمر مذهل‪ ،‬فقد كان‬ ‫أكدت غولناز في حوار مع «اجمللة»‪ ،‬عزمها التحرر من القراءات لدي إصرار حقيقي وكنت أفكر‪« :‬أحب ذلك‪ ،‬وأريد أن أصبح‬ ‫السياسية الواضحة ألعمالها ‪،‬على الرغم من أن األعمال الفنية فنانة»‪ .‬في تلك السن يرغب األطفال عادة في أن يصبحوا أطباء‬ ‫‪56‬‬


TM1557_57_Ad.indd 57

18/10/10 16:37:31


‫● موجز عن دولة‬

‫الشؤون اخلارجية القطرية‪ .‬وفي سبتمبر (أيلول) ‪،1971‬‬ ‫سحبت اململكة املتحدة وجودها العسكري من املنطقة‬ ‫وأصبحت قطر دولة مستقلة‪ .‬ثم مت توقيع اتفاقية جديدة‬ ‫للتعاون والصداقة مع اململكة املتحدة واإلقرار بعضوية‬ ‫قطر في اجلامعة العربية واألمم املتحدة‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1995‬وفي انقالب غير دموي‪ ،‬استولى الشيخ‬ ‫حمد على السلطة من والده الشيخ خليفة بن حمد آل‬ ‫ثاني الذي حكم البالد منذ ‪ .1972‬فقد كانت طريقة‬ ‫األمير العجوز الغريبة في متويل احلكومة من خالل حسابه‬ ‫البنكي اخلاص تستنزف االقتصاد ومن ثم تدخل ابنه أثناء‬ ‫وجود أبيه باخلارج‪.‬‬ ‫ويعتمد ‪ 85‬في املائة من دخل قطر اخلاص بالصادرات على‬ ‫البترول‪ ،‬ومتول تلك األموال دولة رفاهية تقدم العديد من‬ ‫اخلدمات اجملانية أو على األقل خدمات مدعومة إلى حد‬ ‫بعيد‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك ال يدفع القطريون أي ضريبة‬ ‫دخل كما أنها تواجه واحدة من أقل معدالت الضرائب‬ ‫في العالم‪ .‬وأخيرا بدأت قطر تنويع اقتصادها من خالل‬ ‫االستثمار في الغاز الطبيعي املسال‪ .‬تقع حقول الغاز‬ ‫الطبيعي غير الساحلية في الشمال الغربي من اجلزيرة‬ ‫وهي تنتج حاليا ‪ 15‬في املائة من إجمالي عائدات الغاز‬ ‫الطبيعي املسال‪ ،‬مما يضع قطر على قمة إمكانات اإلنتاج‬ ‫في العالم‪ .‬وعلى الرغم من األزمة املالية العاملية‪ ،‬حافظت‬ ‫قطر على منوها االقتصادي من خالل وضع استثمارات‬ ‫مباشرة في البنوك احمللية ومن خالل احلفاظ على سياسة‬ ‫االعتدال وفرض القيود أثناء ارتفاع األسعار في الفترة من‬ ‫‪.1980 - 1979‬‬ ‫الدولة احلديثة‬ ‫في أعقاب وصول الشيخ حمد للسلطة‪ ،‬خبرت قطر‬ ‫طفرة في التحرر االجتماعي السياسي واحلداثة‪ .‬ومت عمل‬ ‫العديد من اإلصالحات مبا في ذلك حق املرأة في التصويت‬ ‫في ‪ .1999‬كما أسس الشيخ حمد أيضا شبكة األخبار‬ ‫الدولية «اجلزيرة» التي يقع مقرها في الدوحة‪ .‬وأدى‬ ‫النطاق الواسع حلرية الصحافة إلى أن أصبحت «اجلزيرة»‬ ‫واحدة من أكثر الشبكات أهمية في العالم العربي‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬أظهرت الوثائق التي سربها «ويكيليكس»‬ ‫من البرقيات الدبلوماسية األميركية أخيرا أن مصداقية‬ ‫الشبكة واستقالليتها كانت محل شك في نوفمبر‬ ‫(تشرين الثاني) ‪ 2009‬عندما ادعى ممثلو الواليات املتحدة‬ ‫في الدوحة أن القناة قد غيرت من طبيعة التقارير التي‬ ‫تقدمها لكي تعمل على حتسني العالقة مع بلدان مثل‬ ‫اململكة العربية السعودية والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫كما أساءت أيضا القضايا اإلنسانية في قطر إلى سمعة‬ ‫البالد‪ .‬فاملثلية اجلنسية هي تهمة يتم عقاب مرتكبها‬ ‫باإلعدام وعلى غرار العديد من دول اخلليج العربية األخرى‪،‬‬ ‫هناك قانون للكفالة‪ .‬ويرتبط نظام الكفالة بالرق احلديث‬ ‫وهو ما يعني أن العامل األجنبي في قطر ال يستطيع‬ ‫املغادرة من دون تصريح كفيله‪ .‬ووفقا لتقرير االجتار في‬ ‫البشر الذي أصدرته وزارة اخلارجية األميركية فإن الرجال‬ ‫والنساء الذين يسافرون بحريتهم إلى قطر على أمل‬ ‫احلصول على دخل مرتفع يحصلون في بعض األحيان‬ ‫على أجور منخفضة‪ .‬وفي فبراير (شباط) ‪ ،2009‬وضعت‬ ‫قطر قانونا جديدا لكفالة العمال املهاجرين يجرم بعض‬ ‫املمارسات الشائعة لدى اخملالفني للقانون على رغم أن‬ ‫العقوبة على مثل تلك اجلرائم ما زالت أقل من اجلرائم‬ ‫املشابهة‪.‬‬ ‫وفي قطاع الصحة‪ ،‬قطعت قطر أيضا طريقا طويال‬ ‫‪54‬‬

‫منذ مت افتتاح أول مستشفى قبل خمسني عاما‪ .‬فعلى‬ ‫الرغم من أن قطر لديها أعلى معدالت البدانة والسكري‬ ‫واالضطرابات اجلينية في العالم‪ ،‬أفادت مؤسساتها‬ ‫اخلاصة بالرعاية الصحية واخلدمات الطبية واملعدات من‬ ‫اإلصالحات والتطورات األخيرة‪ .‬فلدى قطر اآلن واحدة من‬ ‫أكثر املعدات الطبية في العالم تطورا وتعد واحدة من‬ ‫أربع دول تقدم برنامج األطفال حديثي الوالدة املتقدم‬ ‫الذي يعمل على فحص املواليد بحثا عن االضطرابات‬ ‫املوروثة‪ .‬كما رعت الدولة «مؤسسة حمد الطبية» التي‬ ‫مت تأسيسها في ‪ 1979‬والتي تدير أربعة مستشفيات‬ ‫متخصصة ولديها أعلى ميزانية إنفاق في منطقة اخلليج‪.‬‬ ‫من الواضح أن مظهر قطر يتغير وهو ما جتلى في سمائها‬ ‫املتغيرة‪ ،‬حيث إن الفنادق العاملية وناطحات السحاب‬ ‫القطرية هي مؤشرات على حداثتها على رغم أن طرازها‬ ‫املعماري حافظ على اللمسة التقليدية‪ .‬كما أن لدى األمير‬ ‫خططا لتحويل دولة قطر إلى عاصمة للثقافة والعلم‪،‬‬ ‫وقد أسس بالفعل متحف الفن اإلسالمي‪ .‬واملتحف‬ ‫نفسه‪ ،‬بناء مكعب‪ ،‬مت بناؤه على جزيرة صناعية حتى يظل‬ ‫مميزا عن أي بناء آخر على الساحل‪ .‬ويتجاوز املتحف العربي‬ ‫للفن احلديث ذلك حيث إنه سوف مينح هوية للفن العربي‬ ‫احلديث في أنحاء العالم كافة ولكن األهم من ذلك هو‬ ‫أنه سيمد حدود ما يبدو مقبوال في املنطقة ألن األعمال‬ ‫املعروضة به حتتوي على صور عارية وصور تتناول أعماال‬ ‫ذات حساسية سياسية من دون رقابة‪.‬‬ ‫التوقعات املستقبلية‬ ‫تزايدت ثروة قطر في األربعينيات والستينيات في أعقاب‬ ‫اكتشاف البترول‪ .‬ومت تكوين رابطة الكرة القطرية‬ ‫عندما جلب العاملون األجانب في البترول الكرة إلى‬ ‫البالد وهي اآلن الرياضة األكثر شعبية بها والتي‬ ‫يليها مباشرة الكريكت‪ .‬على أية حال‪ ،‬كان مفاجئا‬ ‫بالنسبة للعديد من الناس أن تشارك قطر في التنافس‬ ‫مع أستراليا واليابان وكوريا اجلنوبية والواليات املتحدة‬ ‫للفوز باستضافة كأس العالم في ‪ .2022‬فقد كان‬ ‫القلق األساسي الذي يشغل مجتمع الكرة الدولي هو‬ ‫املال‪ ،‬بخاصة عقود اإلعالنات املربحة وهو ما ساهم‬ ‫إلى حد كبير في النتيجة‪ .‬فقد وصف أحد أعضاء جلنة‬ ‫األخالقيات بالفيفا القرار بـ«اجلنون» فيما حذر أيضا من‬ ‫الشكوك املتعلقة بعملية الفوز‪ .‬ويعتقد العديد من‬ ‫الناس أن فوز قطر باحلق في استضافة كأس العالم‪،‬‬ ‫في ظل تزايد ثروة قطر البترولية سوف يسمح لصندوق‬ ‫ثرواتها السيادية باالستثمار في العديد من املشروعات‬ ‫األجنبية مثل شرائها أخيرا ملتاجر «هارودز» في اململكة‬ ‫املتحدة في مقابل ‪ 1.5‬مليار جنيه إسترليني (‪2.2‬‬ ‫مليار دوالر)‪ .‬ويعتقد البعض أن قوانني قطر املناهضة‬ ‫للمثلية اجلنسية يجب أن متنعها من استضافة كأس‬ ‫العالم‪ .‬فيما يركز آخرون على درجة احلرارة املرتفعة في‬ ‫قطر‪ ،‬تتراوح درجة احلرارة في يوليو (متوز)‪ ،‬وأغسطس‬ ‫(آب) نحو ‪ 104‬درجات فهرنهايت (‪ 40‬درجة مائوية)‪.‬‬ ‫وتتجاوز آراء أخرى ذلك لكي تشير إلى أن كأس العالم‬ ‫سوف ميثل قوة راديكالية اجتماعيا في اإلمارة‪ .‬والشيء‬ ‫املؤكد هو أن اجلدال سوف يستمر طوال االثني عشر‬ ‫عاما التالية‪.‬‬ ‫وتعمل قطر حاليا على عبور الفجوة بني احملافظة واحلداثة‪،‬‬ ‫على رغم أنها أخفقت في خلق جسر متجانس متاما بني‬ ‫االثنني‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك يجب اإلقرار بجهودها الرائدة‪.‬‬ ‫فقد أظهرت قطر قدراتها الهائلة‪ .‬فبالنسبة ملن كانوا‬ ‫يعرفون قطر في نشأتها فإنهم لن يستطيعوا التعرف‬ ‫عليها اآلن‪ .‬ومن يدري كيف ستصبح قطر في ‪2022‬؟‬


‫طاقة إمارة صغيرة‬

‫ومن بني جزرها املتعددة‪ ،‬تعد أكثرها أهمية هي «احللول»‬ ‫التي تقع على مبعدة ‪ 60‬ميال شرق عاصمة البالد‪،‬‬ ‫الدوحة‪ ،‬والتي تعد مخزنا حلقول البترول الثالثة غير‬ ‫الساحلية‪ ،‬مصدر ثروة قطر ومصدر التحوالت االقتصادية‬ ‫واالجتماعية الدائمة بها‪.‬‬ ‫نظرة خاطفة‬ ‫أدى موقع قطر االستراتيجي في اخلليج العربي إلى هجرة‬ ‫العرب من شبه اجلزيرة وجلب الرخاء التجاري‪ .‬وتؤكد األدلة‬ ‫األثرية مبا في ذلك النحت على الصخور واألعمال اخلزفية‬ ‫أن السكان كانوا يسكنون قطر منذ بداية القرن اخلامس‬ ‫أو السادس قبل امليالد‪ .‬وقد كشفت عمليات االستكشاف‬ ‫عن تخطيط املدن واملنازل الكبيرة ملدينة زبارة املزدهرة‪ ،‬أن‬ ‫املدينة كانت في مرحلة ما مركزا الستخراج اللؤلؤ في‬ ‫اخلليج‪ .‬وفي بداية القرن العشرين‪ ،‬كان الصيد واستخراج‬ ‫اللؤلؤ هما املصدران األساسيان لعائدات قطر على رغم أن‬ ‫اكتشاف البترول في ‪ 1939‬سرعان ما غير مسار البالد‪.‬‬ ‫وعلى رغم ثرائها في القرن العشرين‪ ،‬تتجلى التقاليد‬ ‫احملافظة في مالبس القطريني وأسلوب حياتهم‪ .‬فمعظم‬ ‫القطريني مسلمون سنة متدينون‪ .‬حيث يرتدي الرجال‬ ‫اجللباب األبيض الطويل مع غطاء للرأس وترتدي السيدات‬ ‫زيا أسود فضفاضا لتغطية املالبس (التي تكون غربية‬ ‫في العادة) والتي يرتدينها أسفل تلك العباءة‪ ،‬وترتدي‬ ‫بعض السيدات غطاء أسود رقيقا لتغطية الرأس والوجه‪.‬‬ ‫وتلمح تلك املظاهر إلى املاضي البدوي التقليدي للقبائل‬ ‫القطرية‪ ،‬وحتى في الوقت الراهن هناك حياة شبه بدوية‬ ‫في الصحراء ولكن معظم الناس استقروا في املراكز‬ ‫احلضرية‪ .‬وهناك جهود حلماية أسلوب احلياة التقليدي مبا‬ ‫في ذلك وضع أنظمة لفلترة اإلنترنت لكي متنع املواضيع‬ ‫التي تبدو متناقضة مع عادات وتقاليد القطريني‪.‬‬ ‫لقد جذب ازدهار قطاع البناء في قطر العديد من األجانب‬ ‫مبا في ذلك العمال‪ ،‬الذين يفوق عددهم عدد السكان‬ ‫األصليني‪ .‬وفي أبريل (نيسان) ‪ ،2001‬كان نصف عدد‬ ‫السكان املقدر بنحو ‪ 907229‬من غير املواطنني وكان‬ ‫العديد منهم من جنوب شرقي آسيا والدول العربية‬ ‫التي تعمل بعقود عمالة موقتة‪ .‬ونظرا ألن نسبة كبيرة‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•العاصمة‪ :‬الدوحة‬ ‫•االستقالل‪18 :‬‬ ‫ديسمبر (كانون األول)‬ ‫‪1878‬‬ ‫•االستقالل عن الدولة‬ ‫العثمانية‪1913 :‬‬ ‫•إنهاء املعاهدة اخلاصة مع اململكة املتحدة‪3 :‬‬ ‫سبتمبر (أيلول) ‪1971‬‬ ‫•احلكومة‪ :‬إمارة دستورية بهيئة حاكمة واحدة‪.‬‬ ‫•األمير‪ :‬حمد بن خليفة آل ثاني‬ ‫•رئيس الوزراء‪ :‬حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫خالل االثني عشر عاما التالية‪ ،‬سوف تتعرض جزيرة قطر‬ ‫إلى تدقيق مكثف‪ ،‬بعد فوزها باستضافة كأس العالم‬ ‫‪ ،2022‬فتلك الدولة الصغيرة التي ال يتجاوز عرضها ‪50‬‬ ‫ميال‪ ،‬ال تكاد تظهر على اخلارطة أمام جارتها اجلنوبية‪،‬‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ .‬وهي أرض منخفضة تغطيها‬ ‫الرمال‪ ،‬ترتفع تدريجيا باجتاه الشرق في تالل كلسية وإلى‬ ‫اجلنوب الشرقي يقع «خور العديد» وهو ساحل مطل على‬ ‫اخلليج العربي ومحاط بالكثبان الرملية الكثيفة‪ .‬وعلى‬ ‫غرار العديد من الدول في املنطقة‪ ،‬تتناقض الطبيعة‬ ‫القاحلة لقطر بشدة مع النمو املتسارع واملكانة الرفيعة‬ ‫ملعمارها املبتكر واحلديث‪ ،‬وهو ما يعد شاهدا على‬ ‫طموحات الدولة الواسعة‪ .‬ومن الالفت للنظر أن قطر‬ ‫جتذب اآلن أنواعا مختلفة من الطيور نظرا لتغير البيئة‬ ‫التي تسبب فيها تزايد الري وجهود زراعة الصحراء‪.‬‬

‫حقائق أساسية‬

‫اجلغرافيا‬ ‫ •مساحة شبه اجلزيرة‪ 11437 :‬كيلومترا مربعا‬ ‫ •املناخ‪ :‬تتراوح درجة احلرارة في الفترة من يونيو‬ ‫(حزيران) إلى سبتمبر (أيلول)‬ ‫ •نحو ‪ 122‬درجة فهرنهايت (‪ 50‬مائوية)‬ ‫ •تتراوح درجة احلرارة في الربيع نحو ‪ 63‬درجة‬ ‫فهرنهايت (‪ 17‬مائوية)‬ ‫ •حدود الدولة‪ :‬اململكة العربية السعودية‬ ‫الناس‪:‬‬ ‫ •السكان‪1696563 :‬‬ ‫ •اجلماعات اإلثنية‪ :‬العرب ‪ 40‬في املائة‪ ،‬الهنود ‪18‬‬ ‫في املائة‪ ،‬الباكستانيون ‪ 18‬في املائة‪ ،‬اإليرانيون‬ ‫‪ 10‬في املائة‪ ،‬غيرهم ‪ 14‬في املائة‪.‬‬ ‫ •الديانة‪ :‬الغالبية مسلمون سنة‬ ‫ •اللغة الرسمية‪ :‬اللغة العربية‬ ‫ •‬ ‫ •االقتصاد‬ ‫ •الناجت احمللي اإلجمالي‪ 102.147 :‬مليار دوالر‬ ‫ •الناجت احمللي اإلجمالي للفرد‪ 83840 :‬دوالرا‬ ‫ •العملة‪ :‬الريال القطري‬

‫من األجانب من الذكور‪ ،‬كان معدل اجلنس القطري مييل‬ ‫للذكور للغاية حيث يوجد ‪ 3.46‬رجل مقابل كل امرأة‪.‬‬ ‫األسرة احلاكمة واالقتصاد املستأجر‬ ‫مت تأسيس امللكية الدستورية القطرية عام ‪ 1867‬عندما‬ ‫وصلت عائلة آل ثاني إلى قطر من اململكة العربية‬ ‫السعودية‪ .‬وخالل القرن نفسه‪ ،‬وصلت عائلة آل خليفة ‪-‬‬ ‫التي حتكم حاليا البحرين ‪ -‬من الكويت‪.‬‬ ‫ولكي حتافظ على السالم في اخلليج العربي‪ ،‬وضعت‬ ‫بريطانيا محمد بن ثاني‪ ،‬زعيم احدى العائالت القطرية‬ ‫الكبرى‪ ،‬كحاكم للمنطقة بناء على الهدنة البحرية‬ ‫الدائمة املتفق عليها‪ .‬وفي عام ‪ ،1872‬مت ضم قطر إلى‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية حتى اندالع احلرب العاملية األولى‬ ‫عندما انسحب األتراك في النهاية من شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1916‬وقع الشيخ عبداهلل بن جاسم آل ثاني‬ ‫معاهدة مع اململكة املتحدة وهو ما وضع قطر حتت احلماية‬ ‫البريطانية‪ ،‬في مقابل دور مركزي للمملكة املتحدة في‬ ‫‪53‬‬


‫● موجز عن دولة‬

‫قطر‬ ‫ •‪ 1990‬لعبت قطر دورا مهما عندما سمحت للقوات‬ ‫الدولية باستخدام قطر كقاعدة خالل حرب اخلليج‪.‬‬ ‫ •‪ 1995‬خلع األمير حمد بن خليفة آل ثاني والده في‬ ‫انقالب غير دموي فيما كان األمير خليفة باخلارج‬ ‫في سويسرا‪.‬‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫عرض تاريخي‬

‫ •‪ 1996‬مت إنشاء شبكة األخبار الدولية «اجلزيرة»‪.‬‬ ‫وكانت القناة قد بدأت اعتمادا على قرض قيمته‬ ‫‪ 500‬مليون ريال قطري (‪ 137‬مليون دوالر) من أمير‬ ‫قطر الشيخ حمد بن خليفة‪.‬‬ ‫ •‪ 1999‬إجراء انتخابات محلية‪ ،‬وهي أول انتخابات‬ ‫دميقراطية منذ عام ‪.1971‬‬ ‫ •‬ ‫ •‪ 2001‬توصلت قطر حلل للنزاع احلدودي الدائم مع‬ ‫البحرين واململكة العربية السعودية‪.‬‬

‫ •في القرن الثامن عشر هاجرت قبيلة بني عتبة‬ ‫من الكويت إلى الساحل الشمالي الغربي لقطر‬ ‫وأسست زبارة‪ .‬ثم عملت في جتارة اللؤلؤ والتجارة‬ ‫على طول ساحل قطر‪.‬‬

‫ •‪ 2003‬عملت قاعدة القيادة املركزية األميركية‬ ‫املتمركزة في قطر باعتبارها مركز احلملة‬ ‫العسكرية التي تقودها الواليات املتحدة ضد‬ ‫العراق‪.‬‬

‫ •‪ 1867‬النزاع مع البحرين حول مزاعم بامتالك‬ ‫األرض ومت تدمير الدوحة متاما في ذلك النزاع‪ .‬وكانت‬ ‫بذور االستقالل قد زرعت في ذلك الوقت عندما‬ ‫وقعت بريطانيا معاهدة تعترف فيها بقطر كدولة‬ ‫منفصلة ‪.‬‬

‫ •‪ 2010‬وقعت كل من قطر وإيران معاهدة دفاع‪ .‬فازت‬ ‫قطر باستضافة كأس العالم ‪.2022‬‬

‫ •‪ 1871‬احتلت القوات التركية العثمانية قطر‬ ‫بدعوة من األمير حتى انسحابها عام ‪ 1913‬قبيل‬ ‫بداية احلرب العاملية األولى‪.‬‬ ‫ •‪ 1916‬مت توقيع معاهدة بني اململكة املتحدة وقطر‪.‬‬ ‫وفي مقابل احلماية‪ ،‬وافقت قطر على أن ال متنح أي‬ ‫أراض إال إلى اململكة املتحدة‪ ،‬أو الدخول في عالقة‬ ‫مع أي حكومة أجنبية من دون املوافقة البريطانية‪.‬‬ ‫ •‪ 1939‬مت اكتشاف البترول في «الدخان»‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن بداية احلرب العاملية الثانية أخرت من‬ ‫اإلفادة من التصدير‪ .‬بدأ تصدير البترول عام ‪.1949‬‬ ‫ •في اخلمسينيات والستينيات من القرن املاضي‪:‬‬ ‫أدت الزيادة التدريجية لعائدات البترول إلى الرخاء‬ ‫والهجرة وهو ما ميز بداية التاريخ احلديث لقطر‪.‬‬ ‫ •‪ 1971‬أصبحت قطر دولة مستقلة في الثالث من‬ ‫سبتمبر (أيلول) بعدما سحبت بريطانيا قواتها من‬ ‫املنطقة‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫ •‪ 1981‬شكلت الكويت والبحرين واململكة العربية‬ ‫السعودية وقطر وعمان واإلمارات مجلس التعاون‬ ‫اخلليجي لتأمني الدفاع اإلقليمي والعمل على‬ ‫تنسيق السياسات املتعلقة بالقضايا التجارية‬ ‫واالقتصادية‪.‬‬


‫ أعتقد أن رأي إسرائيل يتم التعامل معه بجدية في الواليات‬‫املتحدة من قبل الكثير من الناس وبخاصة اجلماعات التي يطلق‬ ‫عليها جماعات الضغط اإلسرائيلي والتي كانت األكثر تشددا في‬ ‫دفع الواليات املتحدة التخاذ إجراء ما حيال برنامج إيران النووي‪.‬‬

‫أنه عندما ينسى القادة أهمية توازن القوى في السياسة أو‬ ‫يتبنون استراتيجيات مختلفة فإنهم مييلون للتعرض للمشكالت‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فعندما اتبعت الواليات املتحدة سياسة االحتواء املزدوج‬ ‫في التسعينيات‪ ،‬كان ذلك حماقة‪ .‬فقد كنا نحاول أساسا أن نتوازن‬ ‫ضد الدولتني اللتني تكرهان بعضهما البعض‪.‬‬

‫وأعتقد أنه إذا لم يكن هناك اللوبي اإلسرائيلي‪ ،‬لكانت الواليات‬ ‫املتحدة سوف تظل قلقة حول برنامج إيران النووي بنفس الطريقة‬ ‫التي تقلق بها حيال الدول األخرى مثل باكستان أو الهند‪ .‬ولكن‬ ‫الناس لم يكونوا يتحدثون حول القوة العسكرية حملاولة منعها‪.‬‬ ‫ولم يكن الناس يتحدثون حول احلرب الوقائية بل إننا كنا لنصبح‬ ‫أكثر ميال الستئناف برنامج دبلوماسي أكثر طموحا مصمم حملاولة‬ ‫حل اخلالفات بني الدولتني واملضي قدما‪.‬‬

‫كذلك‪ ،‬عندما تبنى الرئيس بوش استراتيجية التحول اإلقليمي كنا‬ ‫سنقود املنطقة بكاملها إلى نقطة السالح وكان ذلك ليكون أكثر‬ ‫حمقا‪ .‬وبالطبع فقد رأينا جميعا النتائج في العراق وبالتالي أميل‬ ‫للنظر إلى املنطقة من منطلق توازن القوى إلى حد كبير وأعتقد أن‬ ‫السياسة األميركية تستخدم نفس املنهج ومن املرجح أن نحصل‬ ‫على النتائج التي نحبها في مقابل النتائج التي نرفضها‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬كيف يؤثر ذلك املوقف مع إيران على احلرب األميركية في‬ ‫أفغانستان ووجودها في العراق؟‬

‫«اجمللة»‪ :‬في الوقت الراهن‪ ،‬سترغب اإلدارة في تطبيق اإلطار‬ ‫اإلنساني في سياستها اخلارجية‪ .‬كيف تشعر حيال ذلك؟‬

‫ أعتقد أن الوجود العسكري األميركي في العراق للسنوات‬‫الثماني املاضية وفي أفغانستان كان له تأثير مختلف‪ .‬أوال‪ ،‬إنه زاد‬ ‫إلى حد كبير إحساس إيران بأنها مهددة من قبل الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫فأنت لديك أقوى دولة في العالم لديها أكبر قوات مسلحة في‬ ‫دولتني على حدودك باإلضافة إلى وجود بحري في اخلليج العربي‬ ‫واحمليط الهندي وعالقات وثيقة مع كثير من الدول في اخلليج‪.‬‬

‫ لست متأكدا مما يعنيه ذلك‪ .‬ولكنني أعتقد أن الواليات املتحدة‬‫بحاجة للتخلص من مسألة أن تخبر الدول األخرى بالطريقة التي‬ ‫يجب أن تدير بها شؤونها‪ .‬وميكننا أن نقدم بعض النصح وأن نقدم‬ ‫بعض االقتراحات ولكن حقيقة األمر هي أننا ال نعرف كيف نحكم‬ ‫أماكن مثل العراق أو أفغانستان‪.‬‬

‫فإذا كنت مكان إيران يجب أن تقلق بذلك الشأن‪ ،‬بخاصة إذا ما‬ ‫كان السياسيون األميركيون املرموقون يتحدثون حول تغيير النظام‬ ‫ويتحدثون حول مدى حاجتنا لفعل شيء حيال النظام الديني‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن رأيك في إيران‪ ،‬فمن الواضح أنهم ينظرون إلى‬ ‫ذلك باعتباره مهددا بنفس الطريقة التي ميكن أن تفعله بها أي‬ ‫دولة أخرى‪.‬‬ ‫والنقطة الثانية هي أن التدخل األميركي في العراق وأفغانستان‬ ‫نظرا ألنه أصبح سيئا للغاية فإنه يضع حدودا حقيقية على‬ ‫الضغوط التي تستطيع الواليات املتحدة فرضها على إيران‪ .‬وذلك‬ ‫ألن هناك الكثير من األشياء التي تستطيع إيران أن تقوم بها لكي‬ ‫جتعل احلياة أكثر صعوبة بالنسبة للواليات املتحدة سواء في العراق‬ ‫أو في أفغانستان‪.‬‬ ‫وتذكر أن إيران ساعدت بالفعل الواليات املتحدة من كثير من‬ ‫النواحي‪ ،‬عندما ذهبنا إلى أفغانستان في ‪ 2002‬ولم تكن إيران أبدا‬ ‫لديها مشاعر دافئة صوب طالبان‪ .‬وما زال هناك الكثير من األشياء‬ ‫التي ميكن القيام بها ملساعدة طالبان لتجعل حياتنا أكثر صعوبة‬ ‫في أفغانستان‪ .‬فهناك أشياء ميكن أن تفعلها بالفعل ‪ -‬ورمبا تكون‬ ‫قد فعلتها في املاضي ‪ -‬لكي جتعل احلياة أكثر صعوبة في العراق‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬وعلى نحو ما‪ ،‬يعقد وجودنا هناك العالقة على الكثير من‬ ‫املستويات‪ .‬فهي جتعل إيران أكثر قلقا منا ولكنها جتعل أيضا من‬ ‫الصعب بالنسبة للواليات املتحدة أن تفعل الكثير حيال إيران نظرا‬ ‫للطرق التي تستطيع إيران عبرها االنتقام‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما هي أفضل نظرية للعالقات الدولية تستطيع تفسير‬ ‫ما يحدث في املنطقة؟‬ ‫ رمبا لن يدهشك ذلك‪ ،‬ولكنني أميل مبدئيا للجوء إلى تنويعات‬‫نظرية توازن القوى‪ .‬فاألهداف األميركية في املنطقة‪ ،‬ملدة عقود‪،‬‬ ‫كانت احلفاظ أساسا على توازن القوى هناك‪ ،‬وكانت تلك السياسات‬ ‫تفلح عندما كنا نتبع توازن القوى على نحو أكبر أو أقل‪.‬‬

‫وال ميكن أن نعرف كيف ندير إيران إذا ما أصبحنا فجأة مسؤولني‬ ‫عن ذلك‪ .‬وميكنني أن أقول إن ذلك ينطبق على دول أخرى في اخلليج‬ ‫والشرق األوسط وحتى في مناطق أخرى من العالم‪.‬‬ ‫وللواليات املتحدة مصاحلها اخلاصة ويجب عليها السعي وراءها‬ ‫بفعالية ولكننا يجب أن نكون أكثر اعتداال في ما يتعلق مبحاولة‬ ‫إعادة تنظيم السياسات الداخلية للدول األخرى‪ .‬وأعتقد أن العقد‬ ‫املاضي أو ما شابهه علمنا أننا لسنا ماهرين في عمل ذلك وأننا‬ ‫ميكن أن نتسبب في املزيد من املشكالت ألنفسنا وألصدقائنا أكثر‬ ‫من أن نقوم باألشياء على النحو الصحيح‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬من هم الكتاب الذين تتابعهم من األجيال الشابة؟‬ ‫ هناك الكثير من املدونني الذين أقرأ لهم حاليا بشكل منتظم‬‫سواء كان أندرو سوليفان أو فيليب ويز أو ماثيو إيغليسياس أو‬ ‫غيرهم‪ .‬وهناك املؤرخ اللبناني أسامة مقدسي الذي كنت أقرأ‬ ‫أعماله وأستمتع بها‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل تعمل على تأليف كتاب في الوقت الراهن؟‬ ‫ إنني أعمل على مشروعني مختلفني‪ .‬وأرغب في تأليف كتاب‬‫حول استراتيجية أميركا الكبرى للقرن احلادي والعشرين وأقترح‬ ‫سبال تستطيع عبرها الواليات املتحدة إعادة التفكير في كيفية‬ ‫تعاملها مع باقي أنحاء العالم ككل وليس في منطقة بعينها‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬أعمل على كتاب حول سبب صعوبة تخلص الدول من تورطها‬ ‫في العمليات العسكرية حتى عندما ال تسير على نحو طيب‪ .‬وملاذا‬ ‫توجد صعوبة في تخفيض خسائرك عندما تكون في حرب خاسرة؟‬ ‫وملاذا متيل البلدان للبقاء في تلك احلروب ملدة أطول مما يجب؟‬ ‫فأنت عادة ترى الدول وهي تستمر في حالة حرب ملدة طويلة‪ .‬ونادرا‬ ‫ما تراها وهي تخرج من تلك احلالة مبكرا وأحاول توضيح ملاذا احلال‬ ‫كذلك‪ ،‬وأقترح كيف ميكننا عالجها‪ .‬وأخيرا‪ ،‬ما زلت أكتب حول‬ ‫الكثير من شؤون الشرق األوسط وسوف أقوم بعمل املزيد في‬ ‫املستقبل أيضا‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه أن التخوف األساسي هو أنه على الدول في املنطقة‬ ‫التعامل مع مخاوفها عندما يعتقدون أن دولة واحدة تزداد قوة أو‬ ‫طموحا كما كان احلال في العراق في الكثير من املراحل‪.‬‬

‫*احلوار أجرته جاكلني شوين‪.‬‬

‫وفي املاضي‪ ،‬كان ذلك صحيحا بالنسبة إليران وأستطيع أن أضيف‬

‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 16‬ديسمبر ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪51‬‬


‫● حوارات‬

‫سرعان ما تكيف الناس مع تلك احلقيقة وأدركوا أن األمر لم يكن‬ ‫بتلك اخلطورة‪ .‬ليس شيئا طيبا ولكنه ليس شيئا يجب القلق إلى‬ ‫حد كبير بشأنه‪ .‬وأعتقد أن القضية قريبة إلى ذلك على نحو ما‪.‬‬ ‫فهي سوف تثير بعض اخملاوف في املنطقة بال شك‪ .‬ورمبا تثير جدال‬ ‫في بعض البلدان األخرى حول ما إذا كانوا يرغبون في نهج نفس‬ ‫الطريق ولكنني ال أعتقد أنه من املرجح أن البلدان األخرى في‬ ‫الشرق األوسط سوف حتاكي على الفور ما فعلته إيران بخاصة إذا‬ ‫ما حصلت على قدرات كامنة‪.‬‬ ‫فإسرائيل كان لديها أسلحة نووية لثالثني أو أربعني عاما ولم يدفع‬ ‫ذلك الدول األخرى في الشرق األوسط لإلسراع في محاولة احلصول‬ ‫على سالح نووي‪ .‬وكانت هناك بعض البرامج النووية في بلدان‬ ‫مختلفة ولكنها لم تثر نفس القدر من الهلع‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬جتد معظم حكومات املنطقة صعوبة في فهم سبب‬ ‫سعي الواليات املتحدة خالل سبتمبر (أيلول) املاضي ملنع قرار‬ ‫يرعاه العرب في الوكالة الدولية للطاقة النووية يحث إسرائيل‬ ‫على االنضمام ملعاهدة منع االنتشار النووي‪ .‬هل ميكن أن توضح‬ ‫لقرائنا ما الذي يقف خلف موقف الواليات املتحدة؟‬ ‫ أعتقد أن ذلك مجرد دليل آخر على العالقة اخلاصة بني الواليات‬‫املتحدة وإسرائيل‪ .‬حيث متنح الواليات املتحدة إسرائيل الغطاء‬ ‫الدبلوماسي في أماكن مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو‬ ‫مجلس األمن التابع لألمم املتحدة‪ ،‬حتى وإن كان ذلك متعارضا‬ ‫متاما مع السياسات األميركية في املناطق األخرى وال يرجع ذلك‬ ‫متاما ‪ -‬بل تقريبا ‪ -‬للسياسات احمللية في الواليات املتحدة وقوة‬ ‫اللوبي اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬عندما حتصل إيران على القنبلة‪ ،‬هل تعتقد أن فرص‬ ‫إقناع إسرائيل بالتوقيع على معاهدة منع االنتشار النووي سوف‬ ‫تتزايد أخذا في االعتبار أنها لن تصبح القوة النووية الوحيدة في‬ ‫املنطقة؟‬ ‫ أعتقد أنه من املستبعد أن توقع إسرائيل على االتفاقية‪ .‬ورمبا‬‫يفعلون ذلك إذا ما مت منحهم درجة دولة متتلك سالحا نوويا‪ .‬وال‬ ‫أستطيع أن أتخيل عددا من املالبسات في العقود القادمة تتخلى‬ ‫عبرها إسرائيل عن ترسانتها النووية‪ .‬وبالتالي فإن توقيع إسرائيل‬ ‫على االتفاقية ليس من ضمن خيارات إسرائيل‪ ،‬أخذا في االعتبار‬ ‫سياسات إسرائيل األمنية التي تعد ضمانتهم األخيرة للبقاء‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬إلسرائيل والدول العربية عدو مشترك في إيران‪ ،‬فكيف‬ ‫سيؤثر ذلك على مستقبل العالقة بينهم؟‬ ‫ أوال‪ ،‬كانت إلسرائيل عالقة طيبة للغاية بشاه إيران وكانت‬‫عالقتها بإيران أكثر تعقيدا من مجرد االقتصار على العداء‪ .‬ثم‬ ‫ازدادت األمور سوءا منذ بداية التسعينيات ولكن بالعودة إلى‬ ‫الثمانينيات كانت عالقات إسرائيل بإيران طيبة على نحو ما‪ .‬بل‬ ‫وكانت هناك بعض الصفقات بني احلكومات‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن الدول العربية قلقة بشأن إيران‪ ،‬كذلك إسرائيل‬ ‫وأن ذلك يخلق إمكانية حتقيق درجة من التعاون‪ .‬ولكن العقبة‬ ‫تتعلق بالقضية الفلسطينية‪ ،‬التي ما زالت مصدرا رئيسا‬ ‫لالنقسام بني إسرائيل وجيرانها العرب‪ .‬كما أنها قضية برعت‬ ‫إيران في استغاللها متاما‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فما يجب فعليا أن يحدث إذا ما كانت إسرائيل تفكر‬ ‫بجدية في ذلك هو أن تعمل على حل القضية الفلسطينية من‬ ‫خالل منح الفلسطينيني حال سخيا عبر الدولتني‪ .‬وهو ما سوف‬ ‫يحد من املدى الذي ميكن أن تستغله إيران لتقسيم الدول العربية‬ ‫وحتدي الدول العربية اخملتلفة وحتدي إسرائيل‪ .‬وسوف يجعل من‬ ‫األسهل على احلكومات العربية القلقة بشأن إيران أن تتعاون مع‬ ‫‪50‬‬

‫إسرائيل بطرق متعددة لكي حتاول أن تتعامل مع ذلك‪.‬‬ ‫ولسوء احلظ‪ ،‬فإن منح دولة للفلسطينيني ليس شيئا يرحب‬ ‫اإلسرائيليون بالقيام به وهو في رأيي أمر غير عادل كما أنه أحمق‬ ‫متاما من وجهة النظر االستراتيجية‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل تخدم القضية اإلقليمية ايران أم تفيد الفلسطينيني‬ ‫في سعيهم للحصول على دولة؟‬ ‫لست متأكدا من ذلك‪ .‬فمن جهة وكما قلت من قبل فإنه يجب‬ ‫منح األطراف اخملتلفة حافزا ملنح الفلسطينيني دولة‪ .‬فيمكن‬ ‫أن تنظر للمخاوف املتعلقة بإيران باعتبارها تطورا إيجابيا ودفعا‬ ‫للجميع للموافقة على أننا يجب أن نحل القضية الفلسطينية‬ ‫حال نهائيا لكي نتمكن من التعامل مع إيران‪.‬‬ ‫ولكن املشكلة هي أنه مت استخدام ذلك كنوع من أنواع التضليل‪،‬‬ ‫وبالتالي فإنه كلما حاولت الواليات املتحدة وغيرها أن تصبح أكثر‬ ‫جدية بشأن القضية الفلسطينية‪ ،‬تقول حكومة نتنياهو‪« :‬حسنا‬ ‫ولكننا يجب أن نقلق بشأن إيران»‪.‬‬ ‫وبالتالي فإنه من ناحية يجب تقدمي شيء طيب للفلسطينيني‬ ‫ولكنه لم يحدث جزئيا ألن قضية إيران كانت تستخدم كذلك‬ ‫للتعمية ‪.‬‬ ‫ويتحدث الناس دائما حول الصلة بني املشكلتني‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬سوف تقول إسرائيل‪« :‬ال نستطيع عقد صفقة جيدة مع‬ ‫الفلسطينيني حتى نشعر باألمان جتاه إيران‪ .‬اضمنوا لنا أمننا ضد‬ ‫إيران وتخلصوا من برنامجهم النووي ثم رمبا نكون أكثر كرما حيال‬ ‫الفلسطينيني»‪ .‬وعادة ما يكون ذلك غير صحيح‪ .‬ولكنه يستخدم‬ ‫كحجة واألهم من ذلك فإنك ال تستطيع ربط تلك القضايا على‬ ‫ذلك النحو‪.‬‬ ‫واحلقيقة هي أنه على الواليات املتحدة وإسرائيل والدول العربية‬ ‫بقدر تخوفهم من إيران وضع سلسلة من السياسات املصممة‬ ‫للتعامل مع تلك اخملاوف‪ .‬وإذا ما كانت تلك سياسات ذكية فيجب‬ ‫استئنافها‪ .‬وباملثل‪ ،‬يجب على كل من الواليات املتحدة وإسرائيل‬ ‫والدول العربية العمل بجدية للحصول على حل الدولتني قبل أن‬ ‫يفوت الوقت‪ .‬وبغض النظر عما يحدث في العالقة مع إيران فال‬ ‫يجب أن تترك أي من القضيتني لتصبح عائقا أمام حتقيق تقدم في‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫وعندما يرغب الناس في الربط بينهما‪ ،‬فإنك متنح دوال مختلفة قوة‬ ‫الفيتو على ما رمبا ترغب في عمله في ما يتعلق بإحدى القضايا‪.‬‬ ‫فأنت ال ترغب في أن تترك طهران تقرر إذا ما كنت سوف تستأنف‬ ‫عملية السالم مع الفلسطينيني‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما احتمالية أن تهاجم إسرائيل املنشآت النووية اإليرانية‬ ‫وما الذي ميكن أن يحدث إذا ما فعلت؟‬ ‫ ال أستطيع استبعاد ذلك‪ ،‬فأنا أغير رأيي حول ذلك من شهر‬‫لشهر‪ .‬ولكنني إلى حد بعيد أستبعد ذلك ألن هجوما إسرائيليا‬ ‫لن يؤخر إلى حد كبير من البرنامج النووي اإليراني‪ .‬رمبا يجعله أبطأ‬ ‫ولكنه لن ينهيه كما أنه سوف يتسبب على األقل في إثارة قدر كبير‬ ‫من املشكالت للواليات املتحدة وغيرها في املنطقة‪.‬‬ ‫وسوف تتلقى الواليات املتحدة اللوم على ذلك حتى إن لم نكن قد‬ ‫رحبنا به‪ .‬وفي املقابل ال أعتقد أن ذلك سوف يحدث وال أعتقد أنها‬ ‫ستكون خطوة ذكية ولكن اإلسرائيليني قاموا بعمل الكثير من‬ ‫األشياء التي كانت تفتقر للذكاء في السنوات األخيرة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬إلى أي مدى إلسرائيل تأثير في الوقت الراهن في ما‬ ‫يتعلق بالقضية اإليرانية في الواليات املتحدة؟‬


‫مبرور الوقت‪ .‬وال أعتقد أنه وقت اخلوف على أي املستويات وال أعتقد‬ ‫أن الناس في املنطقة تشعر بالرعب‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل سيستمر اإليرانيون في طريق احلصول على قنبلة‬ ‫نووية أم أنك تعتقد أنهم سوف يقررون عدم االستمرار واحلفاظ‬ ‫على إمكانية االستحواذ على واحدة إذا ما اختاروا ذلك؟‬ ‫ ال أدري ألن احلكومة اإليرانية لم تفض إلي بنياتها على املدى‬‫البعيد‪ .‬ولكنني أعتقد أن هناك عددا من األسباب التي جتعلني‬ ‫أعتقد أنهم ال يرغبون في قطع الطريق بكامله للحصول على‬ ‫قدرات نووية متطورة‪.‬‬ ‫ورمبا تكون هناك سبل يستطيع عبرها العالم إقناعهم بأن ذلك‬ ‫خيار سيئ‪ .‬وباملناسبة‪ ،‬أعتقد أنهم سوف يحاولون احلصول على‬ ‫قدرات كامنة وعلى القدرة على تطوير أسلحة نووية سريعة في‬ ‫حال إذا ما بدأ برنامجهم األمني في التراجع وبدأوا يشعرون بالقلق‬ ‫من أن القوى اخلارجية القوية مثل الواليات املتحدة سوف تستعد‬ ‫ملالحقتهم‪ ..‬ولكن هناك عواقب حقيقية ملوقف نووي واضح وأعتقد‬ ‫أنهم إذا استطاعوا جتنب ذلك فإنهم سيفضلون ذلك‪.‬‬ ‫وعادة ما يقارنهم الناس باليابان‪ ،‬أي أنهم يحاولون احلصول على‬ ‫قدرات نووية شبيهة بقدرات اليابان‪ ،‬حيث يعتقد معظم الناس أن‬ ‫اليابان ميكن أن حتصل على القدرة على تصنيع أسلحة نووية في‬ ‫وقت قصير للغاية إذا ما رغبت في ذلك ولكنهم لم يختاروا أن‬ ‫يفعلوا ذلك نظرا لكثير من األسباب احمللية والدولية‪.‬‬ ‫وجدير بالذكر أن كثيرا من الزعماء اإليرانيني قالوا صراحة إنهم ال‬ ‫يرغبون في احلصول على األسلحة النووية‪ .‬ألنهم يعتبرونها غير‬ ‫إسالمية وبالطبع أنا ال أعتقد أنه يجب النظر إلى ذلك باعتباره‬ ‫موقفا حقيقيا ولكنني أعتقد أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي‪ .‬وأعتقد‪،‬‬ ‫على نحو ما‪ ،‬أن ذلك التوجه احملتمل للقدرات التي وصفتها رمبا يكون‬ ‫املوقف املفضل إليران‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ماذا في رأيك ستكون االستجابة الغربية لشيء مثل‬ ‫ذلك؟‬ ‫ أوال‪ ،‬أعتقد أنه على الواليات املتحدة وحلفائها التفكير بجدية‬‫حول ماهية سياستهم إذا ما حدث ذلك‪ .‬وأعتقد‪ ،‬على نحو ما‪،‬‬ ‫أن ذلك هو املرجح إن لم يكن على املدى القريب فإنه سيحدث في‬ ‫النهاية‪ .‬ورمبا ال نكون قادرين على وقف إيران عن احلصول على تلك‬ ‫القدرات الكامنة‪ ،‬ولكن رمبا نكون قادرين على إقناعهم بعدم اتخاذ‬ ‫اخلطوة التالية‪.‬‬ ‫وثانيا‪ ،‬فإنني ال أعتقد أن املشكلة بذلك احلجم أو أنها متثل تغيرا‬ ‫جذريا‪ .‬فأحيانا تسمع الناس وهي تتكلم بحماقة حول أن إيران‬ ‫رمبا حتصل قريبا على قدرات نووية سيكون لها عواقب خطيرة على‬ ‫السياسات العاملية أو حتى على العالقات في منطقة اخلليج‪.‬‬ ‫ويعتقدون أن ذلك رمبا ميكن إيران من قهر جيرانها‪ ،‬وابتزاز الدول‬ ‫األخرى وفرض إرادتها على الغير‪ .‬وأعتقد أن ذلك محض حماقة‪.‬‬ ‫فلم تكن أي دولة قادرة على استخدام الطاقة النووية تستطيع‬ ‫تهديد أو ابتزاز الدول األخرى‪ .‬وبالطبع فإن املشكلة هي أن التهديد‬ ‫النووي ليس مبثل تلك الفعالية إذا ما كان الشخص الذي تهدده‬ ‫لديه القدرة على الردع أو لديه حلفاء أقوياء على استعداد لالنتقام‪.‬‬ ‫كما أن مخاطر تنفيذ تهديد نووي هائلة وال أعتقد أن قيادة إيران‬ ‫انتحارية‪ .‬وبالتالي فحتى إذا ما كان لديها مثل تلك اإلمكانات فإنها‬ ‫ال تستطيع استخدامها لتهديد أو قمع اآلخرين‪ .‬ولكن الشيء‬ ‫الوحيد الذي يستطيعون فعله هو ردع اآلخرين من محاولة خلعهم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما نوع التحديات اإلقليمية التي تتوقعها إذا ما حصلت‬ ‫إيران على القنبلة؟‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫حتقيق التوازن‬ ‫لقد مت تطبيق نظرية توازن القوى في العالقات الدولية‬ ‫بحماس في التاريخ احلديث حتى أصبحت أقرب إلى كونها‬ ‫األداة الدائمة للباحثني في العالقات الدولية وزعماء العالم‬ ‫على حد سواء‪ .‬مغلفة بالنظام األخالقي للواقعية اجلديدة‬ ‫والذي يفترض من بني أمور أخرى أن النظام الدولي يقع في‬ ‫حالة فوضى ‪ -‬حيث ال توجد سلطة أعلى من مستوى الدولة‬ ‫ هناك تقدير لتوازن السلطة لبساطتها أكثر من أي شيء‬‫آخر‪.‬‬ ‫وتروق النظرية ملنظور التفاعل اإلنساني املغروس بعمق‬ ‫في مفهوم الوعي العام‪ ،‬وهو أن الناس مييلون بالفطرة‬ ‫إلى التنافسية وغريزة احلفاظ على الذات‪ .‬وفي تلك البيئة‬ ‫غير اآلمنة‪ ،‬يجب أن تستخدم الدول الوسائل العسكرية‬ ‫واالقتصادية حلماية مصاحلها اخلاصة ‪ -‬األمن القومي ‪-‬‬ ‫وللبقاء‪.‬‬ ‫وتعد أفضل طريقة لعمل ذلك‪ ،‬بالنسبة للمدافعني عن‬ ‫توازن القوى‪ ،‬هو تنظيم أنفسهم في سلسلة من التحالفات‬ ‫وتوزيع القوة أكثر أو أقل بالتساوي بني الكتل املتنافسة‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬حترص الدول على عدم السعي وراء الهيمنة‬ ‫املطلقة‪ ،‬وعلى استمرارية السالم املستقر‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإذا ما‬ ‫قامت دولة محددة بالسعي للحصول على قوة أكبر فرمبا‬ ‫تصبح احلرب أمرا واقعا‪ .‬وبالتالي فإن توازن القوى يصبح‬ ‫نظرية لإلدارة العسكرية والتي يطلب املشاركون عبرها‬ ‫تقييم من سيكون في اجلانب الفائز وملن ستذهب الغنائم‬ ‫بعد النصر أو الهزمية للحفاظ بالطبع على توازن جديد للقوى‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنها كانت مفضلة لدى منظري القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬فإن األمثلة التاريخية لتوازن القوى عديدة بل‬ ‫ويعتبرها البعض قدمية قدم التاريخ‪ .‬فمن إجنلترا القرن‬ ‫السادس عشر عندما اعتمدت السياسة اخلارجية للملك‬ ‫على توزيع تأييده على القوتني األوروبيتني العظمتني فرنسا‬ ‫وإسبانيا لكي يتجنب حربا مكلفة ويحافظ على استقاللها‪،‬‬ ‫إلى أوروبا القرن التاسع عشر‪ ،‬عندما كان هناك توازن رخو بني‬ ‫القوى اخلمس الكبرى‪ ،‬وطوال الطريق حتى نهاية احلرب الباردة‬ ‫بني االحتاد السوفياتي وأميركا‪.‬‬ ‫واملثير لالهتمام‪ ،‬أن نظرية توازن القوى ال ميكنها أن تأخذ في‬ ‫احلسبان االنهيار السريع والسلمي لالحتاد السوفياتي‪ ،‬ألن‬ ‫النظرية كانت تتنبأ باملزيد من العنف‪ .‬ولألسف وبخاصة‬ ‫عندما ننظر إلى التطبيق املعاصر في الشرق األوسط‪ ،‬فإن‬ ‫السوابق التاريخية الشهيرة للسياسة التي تعتمد على‬ ‫توازن القوى انتهت باحلرب‪.‬‬ ‫ ال أعتقد أن ذلك سيكون شيئا طيبا‪ ،‬بل إنني أفضل أن ال تتخذ‬‫إيران ذلك الطريق‪ .‬ولكنني أعتقد أن ذلك نوع من األحداث التي‬ ‫يتحدث حولها الناس على نحو متخوف قبل وقوعها‪ ،‬ولكنها‬ ‫عندما حتدث فإن اجلميع يتكيف معها‪.‬‬ ‫وبالتالي فإذا ما عدنا إلى الستينيات‪ ،‬سوف جند السياسيني‬ ‫األميركيني وهم يتحدثون حول إمكانية حصول الصني على القنبلة‬ ‫بشكل أقرب جلنون االرتياب‪ .‬وكانوا يقولون إن ذلك سيكون مروعا‬ ‫ألن القيادة الصينية ليست عقالنية وإنهم سوف يفعلون كل‬ ‫األشياء اجلنونية‪ .‬وبالطبع‪ ،‬فأول ما اختبرت الصني السالح النووي‪،‬‬

‫‪49‬‬


‫● حوارات‬

‫الطاولة‪ .‬ونفعل ذلك من خالل القول بأننا لن نحاول خلع النظام‬ ‫وأننا لن نهاجم املنشآت العسكرية وأننا سنحاول التوصل إلى‬ ‫نوع من الصفقات الكبرى التي ميكن أن نقنعهم عبرها أنه من‬ ‫األفضل احلصول على أسلحة نووية‪ .‬وأنه سيتم السماح لهم‬ ‫باحلصول على قدرات نووية وقدرات لتخصيب اليورانيوم وفقا‬ ‫ملعاهدة منع االنتشار النووي ثم البدء في احلديث بصراحة أكبر‬ ‫حول القضايا األمنية املتعددة التي كان كال اجلانبني قلقا بشأنها‬ ‫ملدة طويلة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل تعتقد أن إدارة الرئيس أوباما لديها التأييد الكافي‬ ‫في الكونغرس لكي تفعل شيئا مثل ذلك؟‬ ‫ على األرجح ال‪ .‬فقد كانت إدارة أوباما تأمل في البداية أن تتمكن‬‫من إصدار بعض اإلشارات الودودة إليران وأن تتمكن بالتالي من‬ ‫إنتاج حركة إيجابية‪ .‬وأعتقد أن ذلك كان سذاجة ألن ما فعلوه‬ ‫في البداية كان لكي يقولوا إننا نحاول فتح حوار مع إيران وإننا‬ ‫مستعدون إلدارة املفاوضات‪ ،‬وإننا بحاجة لتحسني العالقات‪.‬‬ ‫ولكنهم جلأوا إلى سياسة إدارة بوش التي كانت تقول إنه على إيران‬ ‫أن متنحنا أوال الشيء الرئيس الذي نرغب فيه وأن تنهي برنامجها‬ ‫لتخصيب اليورانيوم‪ ،‬وبعدما يقومون بذلك سنكون على استعداد‬ ‫للحديث معهم حول الكثير من األشياء التي تهمهم‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬في محاولة واضحة للتوازن مع إيران‪ ،‬حتاول دول اخلليج‬ ‫تسليح نفسها‪ ،‬مكونة ما يقال إنه أكبر عملية تسلح سلمية في‬ ‫العالم‪ .‬ما مدى فعالية مثل تلك االستراتيجيات؟‬ ‫ أعتقد أنها فعالة للغاية‪ .‬فيجب ذكر نقطة مهمة‪ ،‬وهي أن إيران‬‫ليست لديها قدرات عسكرية هائلة‪ .‬فإيران لديها إمكانات طاقة‬ ‫طويلة املدى وعدد هائل من السكان وسيكون لديها قدر كبير‬ ‫من اإلمكانات االقتصادية إذا ما مت رفع العقوبات وتبنت احلكومة‬ ‫اإليرانية سياسات اقتصادية أكثر عقالنية‪.‬‬ ‫ولكن في الوقت الراهن‪ ،‬ليس لدى إيران القدرات الكافية لتهديد‬ ‫جيرانها‪ ،‬كما أن إنفاقها العسكري متواضع حيث يبلغ نحو ‪10‬‬ ‫مليارات في السنة وهو ما يعد مقدارا ضئيال للغاية‪ .‬كما أن قواتها‬ ‫العسكرية ليست لديها القدرة على التنقل ملسافات بعيدة وال‬ ‫ميكنها التهديد بغزو أي من جيرانها أو حتى شن غزوات محدودة‪.‬‬ ‫ومن ذلك املنطلق‪ ،‬فإن جيران إيران في اخلليج‪ ،‬ميكنهم ببساطة‬ ‫حماية مصاحلهم وحماية أمنهم من خالل بعض الصفقات‬ ‫العسكرية املتواضعة‪ ،‬واحلفاظ على عالقات طيبة مع بعضهم‬ ‫البعض ومع الواليات املتحدة‪ .‬وبالتالي فإن فكرة أن إيران ميكنها‬ ‫الهيمنة على اخلليج في أي وقت هي فكرة خاطئة‪ .‬باإلضافة إلى أنه‬ ‫إذا ما أصبح ذلك ميثل أزمة حقيقية‪ ،‬فسيحدث املزيد من التعاون بني‬ ‫دول اخلليج األخرى وسيأتي املزيد من الدعم من الدول األخرى التي‬ ‫لديها مصلحة في أمن تلك املنطقة‪ .‬فهي قضية يجب وضعها في‬ ‫االعتبار ولكنها ليست قضية يجب الذعر منها‪.‬‬

‫وكما أشرت من قبل‪ ،‬فإن تلك السياسة لن تفلح‪ .‬فهي لم تفلح‬ ‫خالل إدارة الرئيس بوش ولن تفلح حتت حكم الرئيس أوباما‪ ،‬بغض‬ ‫النظر عن عدد اإلشارات الطيبة التي سيحاول إصدارها وعدد‬ ‫مقاطع الفيديو التي سيقوم بإرسالها في املناسبات اإليرانية‪.‬‬ ‫وفي النهاية‪ ،‬فإن ذلك يتعلق بالقضايا الفعلية املطروحة أمامنا‪،‬‬ ‫فإذا لم نكن مستعدين للحوار حول األشياء التي تهمهم إال إذا‬ ‫أعطونا ما نرغب فيه فإننا لن نحرز قدرا كافيا من التقدم‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬أخذا في االعتبار القدرات العسكرية اإليرانية‪ ،‬أال يبدو أنه‬ ‫من املبالغ فيه تسلح الدول العربية نفسها على ذلك النحو في‬ ‫تلك املرحلة املبكرة؟‬

‫تكون إيران ‪ -‬وتعزّز في بعض‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ونظرا للعقوبات األميركية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫احلاالت ‪ -‬العالقات االقتصادية مع دول أخرى مثل الصني وتركيا‪.‬‬ ‫فما هي الرسالة التي يرسلها ذلك إلى هؤالء الذين يساندون‬ ‫العقوبات على إيران وما هو تأثير ذلك على السياسات اإلقليمية؟‬

‫ كال‪ .‬فقد كان هناك قدر كبير من التوترات في األسابيع والشهور‬‫املاضية حول قضية أمن اخلليج‪ .‬وكانت الواليات املتحدة حتاول أن‬ ‫توضح حللفائها اخملتلفني في املنطقة أنه على الرغم من أننا نحاول‬ ‫اآلن اخلروج من العراق والتفاوض مع إيران فإننا بال شك لن ننسى‬ ‫مصاحلنا األخرى في املنطقة‪.‬‬

‫ أوال‪ ،‬إنه يذكرنا بأن العقوبات االقتصادية ليست سالحا فعاال‬‫متاما‪ .‬وحتى إذا كان فعاال فإنه يحتاج إلى سنوات طويلة لكي‬ ‫يسفر عن شيء‪ .‬وقد رأينا ذلك في كثير من احلاالت األخرى ويكون‬ ‫ذلك أكثر منطقية عندما تكون الدولة التي حتاول الضغط عليها‬ ‫لديها خيارات أخرى‪.‬‬

‫كما أنني أعتقد أن مبيعات األسلحة – على نحو ما – رمز لاللتزام‪.‬‬ ‫فهي رمز الستمرار الشراكة األمنية بني الواليات املتحدة وبعض‬ ‫تلك البلدان‪ .‬فهي ال تعمل على تطوير االستحواذ على إمكانات‬ ‫عسكرية محددة للتعامل مع مخاطر عسكرية محددة بقدر‬ ‫محاولتها إقامة عالقة أمنية وثيقة‪.‬‬

‫وقد رأينا إيران وهي تتوسع في الصفقات االقتصادية مع الدول‬ ‫اجملاورة بخاصة تركيا وكذلك مع دول مثل الصني‪ .‬وذلك دليل آخر‬ ‫على مدى صعوبة أن تضع مجموعة من العقوبات التي ميكنها أن‬ ‫تؤثر إلى الدرجة التي جتعلهم يتخلون عن بعض األولويات الوطنية‪.‬‬ ‫وبالنسبة لي‪ ،‬فإن االستنتاج الذي ميكن استخالصه من ذلك هو‬ ‫أننا بحاجة إلى طرح مقاربة مختلفة‪ .‬وأستطيع أن أضيف إنه على‬ ‫الرغم من أن الصني كانت دائما تؤيد العقوبات في املاضي‪ ،‬فإنها‬ ‫كانت دائما تؤيدها بتردد وتبذل قصارى جهدها لتخفيف آثارها‪.‬‬ ‫وأعتقد أن ذلك يعكس حقيقة أن الصني تريد أوال أن تقيم عالقات‬ ‫طيبة مع إيران‪ .‬وثانيا أن الصني ال ترغب فعليا أن يتم استخدام أي‬ ‫نوع من القوة في املنطقة حتى ال يزعزع من استقرار املنطقة ومن‬ ‫ثم يؤثر على موارد الطاقة وغيرها من مثل تلك األمور‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬في ذلك السياق‪ ،‬ما هي العالقة املستقبلية بني إيران‬ ‫ودول اخلليج؟‬

‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬فإن الصني ال ترغب في أن يتم حل تلك القضية‬ ‫في وقت قريب ألنه من منظور الصني فإن احلفاظ على العالقات‬ ‫املتوترة بني الواليات املتحدة وإيران ألطول فترة ممكنة هو أمر طيب‪.‬‬ ‫فالصني ال ترغب في أن تتحول تلك املواجهة إلى اللجوء إلى القوة‬ ‫ولكنها ال ترغب في انتهائها أيضا ألن من مصلحة الصني أن‬ ‫تستمر العالقة السيئة بني الواليات املتحدة وإيران‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫ ما تسمعه عادة في الواليات املتحدة هو أن دول اخلليج مرعوبة‬‫من إيران وفي أمس احلاجة للحصول على حماية الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وأعتقد أن في ذلك مبالغة في تقييم املوقف‪ .‬أعتقد أن دول اخلليج‬ ‫تعي أن إيران لديها إمكانات الطاقة التي ميكن أن متثل مشكلة في‬ ‫ظروف معينة‪.‬‬ ‫وأستطيع أن أضيف أن ذلك كان صحيحا أيضا خالل فترة حكم‬ ‫الشاه‪ ،‬عندما كانت قوة إيران تتزايد وكانت طموحاتها تتزايد وكان‬ ‫ذلك يثير مخاوف جيرانها‪ .‬ولكن ذلك ليس جزءا من أهداف احلكومة‬ ‫اإليرانية احلالية ألن عليها التعامل مع حجم إيران‪.‬‬ ‫ولكن في الوقت نفسه‪ ،‬كان للكثير من البلدان في املنطقة صفقات‬ ‫مع إيران لقرون عدة‪ .‬فقد سمعت ذات مرة أحد املسؤولني في‬ ‫املنطقة وهو يقول‪« :‬لقد كنا نعيش إلى جوار إيران ملئات السنني‬ ‫ونعرف كيف نفعل ذلك» وبالتالي‪ ،‬ومثل الكثير من البلدان‪ ،‬فإنهم‬ ‫سيكونون حذرين ملا يحدث في إيران وكيف ميكن أن تتغير قوة إيران‬


‫ستيفن والت يدعو الى توازن القوى في السياسة‬

‫إيران والقنبلة!‬

‫يقدم ستيفن والت ‪ ،‬أستاذ الشؤون الدولية املعروف بكلية جون كنيدي للدراسات احلكومية بجامعة هارفارد ‪ ،‬منظورا‬ ‫مهما حول طموحات إيران اإلقليمية‪ .‬واسترشادا بالتاريخ‪ ،‬يعمل منظور والت على تهدئة مخاوف املتشائمني بيننا فيما‬ ‫يفتح عقولنا على وجهات نظر مختلفة‪ .‬في حوار مع «اجمللة»‪ ،‬يقول والت الذي ما زال مؤمنا بنظرية توازن القوى إنه‬ ‫عندما نسي القادة أهمية ذلك التوجه في السياسات‪ ،‬أصبحوا يتعرضون للمشكالت‪ .‬وكأحد األسس لنجاح أميركا في‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬يجب أن يعود القادة األميركيون إلى مبدأ توازن القوى وأن يتجنبوا التدخل في شؤون الغير‪.‬‬ ‫حوار‪ :‬جاكلني شون‬ ‫التقى ستيفن والت‪ ،‬أستاذ الشؤون الدولية املعروف بكلية جون‬ ‫كنيدي للدراسات احلكومية بجامعة هارفارد مع «اجمللة» ملناقشة‬ ‫واحدة من قضايا األمن األساسية اليوم‪ ،‬وإمكانية حصول إيران على‬ ‫قنبلة نووية واالستجابات احملتملة من األطراف ذوي الصلة بتلك‬ ‫القضية‪ .‬وقدم رؤيته حول درجة تأثير تلك االحتمالية على العوامل‬ ‫الديناميكية في املنطقة‪ ،‬كما أفصح عن رأيه حول ما ميكن أن‬ ‫تقوم به الواليات املتحدة على نحو مختلف‪.‬‬ ‫عمل والت عميدا لكلية جون كنيدي للدراسات احلكومية بجامعة‬ ‫هارفارد في الفترة من ‪ 2002‬إلى ‪ .2006‬وكان قبل ذلك يقوم‬ ‫بالتدريس بجامعة برنستون وجامعة شيكاغو حيث كان يعمل‬ ‫أستاذا بالقسم اجلامعي للعلوم االجتماعية ونائبا للعميد للعلوم‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫وتتضمن أعماله املنشورة كتاب «أصل التحالف» (‪« ،)1987‬الثورة‬ ‫واحلرب» (‪ )1996‬وأخيرا صدر له كتاب «تدجني القوة األميركية‪ :‬رد‬ ‫الفعل العاملي للتفوق األميركي» (‪ .)2002‬وقام بالتعاون مع جون‬ ‫ميرشامير بتأليف كتاب «اللوبي اإلسرائيلي والسياسة اخلارجية‬ ‫للواليات املتحدة» (‪ ،)2007‬الذي تصدر قائمة أفضل الكتب مبيعا‬ ‫والذي أثار جدال حادا في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬بالنظر إلى سياسة الواليات املتحدة اخلارجية احلالية‬ ‫حيال إيران‪ ،‬ما الذي كنت لتغيره وما الذي كنت لتبقيه على حاله؟‬ ‫ لقد كانت عالقة الواليات املتحدة وإيران تتسم باالضطراب منذ‬‫قيام الثورة اإليرانية في ‪ .1980 - 1979‬وفي السنوات األخيرة‪،‬‬ ‫كان معظم التركيز على محاولة الواليات املتحدة وحلفائها وقف‬ ‫البرنامج اإليراني لتخصيب اليورانيوم‪ .‬وقد حاولنا ذلك من خالل‬ ‫محاولة فرض ما نستطيع من الضغوط على إيران عبر العقوبات‬ ‫االقتصادية والتلميح من وقت آلخر بأننا رمبا نتخذ إجراءات أقوى مثل‬ ‫اللجوء للقوة العسكرية‪.‬‬ ‫والنقطة الرئيسة التي أرغب في توضيحها هي أن ذلك لم يفلح‬ ‫ببساطة‪ ،‬ولم يجعل إيران توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم‪.‬‬ ‫كما أنه لم ينتج أي نوع من التغير في توجهات إيران السياسية‬ ‫وليس من املرجح أن يحصل اي تقدم‪ .‬فال أعتقد أن الواليات املتحدة‬ ‫ستكون قادرة على أن حتصل على ذلك النوع من العقوبات الدولية‬ ‫التي متكنها فرض القدر الكافي من الضغوط على إيران‪.‬‬ ‫كما أن التهديد باستخدام القوة العسكرية يعطي النظام‬ ‫ببساطة املزيد من األسباب التي جتعله راغبا في احلصول على‬ ‫قدرات رادعة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن الطريقة الوحيدة ملعاجلة تلك القضية‬ ‫ستكون بسحب التهديد باستخدام القوة العسكرية من على‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪47‬‬


‫● حوارات‬

‫سيحدث التحول فقط عندما يكتشف‬ ‫اجليش الباكستاني أن أميركا لن تغادر‬ ‫أفغانستان‪ .‬ومن املؤسف أن ذلك لن‬ ‫يحدث بجدية حتى منتصف عام ‪2011‬‬ ‫تقريبا‬ ‫مدار األعوام املقبلة‪ ،‬سيكون على باكستان أن تعيد تقييم‬ ‫ماهية مصاحلها وأصولها في أفغانستان‪ .‬ما زالت احلسابات‬ ‫اليوم في إسالم آباد تعتمد على أن الواليات املتحدة ستغادر في‬ ‫العام املقبل‪ .‬وفي أغسطس (آب) ‪ 2011‬فقط‪ ،‬سترى باكستان‬ ‫فعليا أننا لم نغادر‪ ،‬وسيبدأ تقييمها للموقف يتغير‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬بدأت االستخبارات الباكستانية أخيرا في حملة‬ ‫عالقات عامة كبرى‪ ،‬بدعوة مسؤولني وصحافيني ودارسني أجانب‬ ‫لزيارة مقرها‪ .‬فما هو الدافع وراء هذه احلملة؟‬ ‫ عليك أن تسأل اجلنرال باشا‪ .‬ولكني أعتقد أن االستخبارات‬‫الباكستانية تدرك أن لديها مشكلة تتعلق بصورتها‪ .‬يأتي رد‬ ‫فعل معظم املؤسسات على مشكلة الصورة في حملة عالقات‬ ‫عامة‪ .‬وال أعتقد أن ذلك يحقق جناحا كبيرا‪.‬‬ ‫إنها ليست فقط االستخبارات الباكستانية‪ ،‬ولكنه اجليش‬ ‫أيضا‪ .‬فاالستخبارات أداة في يد اجليش‪ ،‬وهم يعرفون أن أميركا‬ ‫تعتبرهم مزدوجني ومنافقني‪ .‬وهم يريدون أن يلفتوا االنتباه إلى‬ ‫حقيقة أنهم في حرب مع اجملاهدين ويريدون مزيدا من الثقة في‬ ‫ما يفعلونه بالفعل‪ ،‬وهو ما يستحقونه نظرا حملاوالتهم‪.‬‬ ‫ولكن تكمن املشكلة في أنه من الصعب الهروب من املاضي‪،‬‬ ‫كما تشير عالقاتهم املستمرة مع حركة طالبان األفغانية‬ ‫وعسكر طيبة‪ .‬والصورة احلقيقية لتلك العالقة املعقدة هي‬ ‫أنهم في حال حرب مع جزء من اجملاهدين‪ ،‬شبح فرانكشتاين‬ ‫الذي استحضروه‪ ،‬في حني أنهم ما زالوا على وفاق مع مجاهدين‬ ‫آخرين‪ ،‬وجميع حمالت العالقات العامة في العالم لن تغير من‬ ‫ذلك شيئا‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬يتناول كتابك «العناق القاتل» نظرة أكثر خطورة‬ ‫للعالقات األميركية ‪ -‬الباكستانية‪ .‬فلماذا هذا التوازن املظلم؟‬ ‫ إنه عناق قاتل لكال الطرفني‪ ،‬تواجه فيه الواليات املتحدة‬‫«القاعدة» وتواجه فيه باكستان شبح فرانكشتاين‪ ،‬الذي‬ ‫استحضرته ولم يعد في مقدورها السيطرة عليه‪ .‬والكتاب‬ ‫محاولة لدراسة العالقات الثنائية األميركية ‪ -‬الباكستانية في‬ ‫سياق من زيادة اجلهاد العاملي خالل ربع القرن األخير‪.‬‬ ‫ويسعى الكتاب إلى استيعاب سبب ضعف الواليات املتحدة‬ ‫كشريك من أجل الدميقراطية في باكستان‪ .‬لقد أيدنا بحماس‬ ‫جميع القادة العسكريني الباكستانيني الدكتاتوريني‪ ،‬وكانت‬ ‫النتيجة هي أننا ساهمنا في إضعاف اجملتمع املدني الباكستاني‬ ‫وفي عدم توازن العالقات العسكرية – املدنية‪ .‬وكان ذلك مشروعا‬ ‫يجمع بني احلزبني‪ ،‬حيث أيد الدميقراطيون واجلمهوريون عامة على‬ ‫حد سواء القائد العسكري‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كنت مراقبا عن كثب لتنظيم القاعدة على مدار‬ ‫العقد األخير‪ .‬فهل تغيرت استراتيجيته وقدراته التنفيذية‬ ‫فعليا منذ عام ‪2001‬؟‬ ‫ متلك «القاعدة»‪ ،‬كمنظمة متيل إلى التعلم‪ ،‬قدرة على‬‫التأقلم وخفة احلركة‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬في العراق‪ ،‬أكدت‬ ‫«القاعدة» على استخدام كوادر أجنبية واكتشفت أن ذلك أبعد‬ ‫اجملتمع السني احمللي‪ .‬واليوم في باكستان‪ ،‬يفضلون التأكيد على‬ ‫‪46‬‬

‫واجهتهم الباكستانية‪ ،‬وهي طالبان الباكستانية‪ .‬وقد تعلموا‬ ‫أيضا أن املمارسات اإلرهابية غير املميزة على اإلطالق قد يكون لها‬ ‫أثر عكسي‪ .‬وال يعني ذلك أنهم لم يعودوا ميارسونها‪ ،‬ولكنهم‬ ‫أصبحوا أكثر حذرا‪ .‬وسيجدون منطقا يبرر لهم ما يستهدفونه‬ ‫أفضل مما كانوا يفعلون في العراق منذ خمس أو ست سنوات‪.‬‬ ‫وتركز األولوية االستراتيجية لـ«القاعدة» اآلن على باكستان‬ ‫لسببني‪ .‬أوال سبب دفاعي‪ ،‬ألنهم حتت ضغط حقيقي من طائرات‬ ‫التجسس‪ .‬وألنه توجد أولوية في الهجمات ألنهم يشعرون بأن‬ ‫الدولة الباكستانية ضعيفة وأن حلفاءهم في باكستان (طالبان‬ ‫وعسكر طيبة وجيش محمد وغيرهم) لديهم فرصة حقيقية في‬ ‫االستيالء على البالد في املستقبل القريب‪ .‬ومن املمكن أن يكون‬ ‫ذلك عنصر تغيير في اللعبة بالنسبة لـ«القاعدة»‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كيف سيكون دور «القاعدة» في حدوث انقالب محتمل‬ ‫في باكستان؟ وهل هذا سيناريو مرجح؟‬ ‫ أبسط طريقة حلركة مجاهدين تقوم بعمل انقالب في باكستان‬‫هي أن تكون من داخل اجليش الباكستاني‪ .‬وقد حدث ذلك من قبل‪،‬‬ ‫مع ضياء احلق‪ .‬ولكن‪ ،‬هل يوجد ضياء آخر في اجليش الباكستاني‬ ‫اليوم؟ بالتأكيد‪ .‬هل هو في مكان ميكنه أن يحدث منه انقالبا؟‬ ‫هذا سؤال أكثر تعقيدا‪ .‬في املعتاد‪ ،‬كانت االنقالبات الباكستانية‬ ‫حتدث من أعلى إلى أسفل‪ ،‬أي غالبا من رئيس أركان اجليش‪ .‬غير‬ ‫أن املمكن أن تتغير هذه العادة‪ ،‬وميكن أن نرى حينها انقالبا يقوده‬ ‫عميد مثال‪ .‬حدث ذلك في دول أخرى‪ ،‬ومن املمكن أن يحدث في‬ ‫باكستان أيضا‪ .‬ولكن أصبح االنقالب أمرا حتميا‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬في رأيك‪ ،‬ما هو الوضع الفعلي لصالت «القاعدة»‬ ‫بجماعة عسكر طيبة‪ ،‬التي نظمت هجمات مومباي عام ‪2008‬؟‬ ‫ لم يصدر حكم بعد عن دور «القاعدة» في تفجيرات مومباي‪.‬‬‫ويوضح اعتراف ديفيد هيدلي أن من بني مخططي تفجيرات‬ ‫مومباي أشخاص متأثرون بوضوح بفكر «القاعدة»‪ ،‬إن لم يكونوا‬ ‫أعضاء فيها‪ .‬ومبجرد أن انتهى من هذه العملية وبدأ في العمل في‬ ‫خطة كوبنهاغن‪ ،‬دخل مباشرة في فلك «القاعدة»‪ ،‬لذلك أعتقد‬ ‫أنه من التسرع القول إن «القاعدة» ليس لها دور في تفجيرات‬ ‫مومباي‪ .‬وما زال علينا استيعاب احلقائق كاملة في هذا الشأن‪،‬‬ ‫متاما مثل مسألة مدى تورط االستخبارات الباكستانية في‬ ‫الهجمات‪ ،‬على الرغم من أنه في تلك احلالة تتزايد أدلة االتهام‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬إذن حتاكي اجلماعات الصغيرة‪ ،‬مثل عسكر طيبة‪،‬‬ ‫«القاعدة» وتتعاون معها؟‬ ‫ أعتقد أن هناك ظاهرتني تبرزان هنا‪ .‬أصبحت جميع اجلماعات‬‫اجلهادية التي تتخذ من باكستان مقرا لها أكثر تطرفا وأكثر‬ ‫انتشارا حول العالم‪ .‬وال يعني ذلك أنها تتخلى عن أهدافها‬ ‫التاريخية‪ .‬فما زالت عسكر طيبة تركز على الهند في األساس‪.‬‬ ‫وما زالت طالبان الباكستانية تركز على أفغانستان‪ .‬ولكنها‬ ‫في الوقت ذاته أيضا تتبنى أجزاء كبيرة من األجندة الدولية‬ ‫لـ«القاعدة»‪ .‬لذا ميكن أن ترى دعم عسكر طيبة لهجمات ضد‬ ‫أهداف إسرائيلية‪ ،‬حتى وإن لم تكن تصب في هدفها التقليدي‪،‬‬ ‫إنه اجلهاد العاملي الذي يجذبهم‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬توجد عملية تطرف إجمالية تؤدي إلى زيادة‬ ‫العالقات التنفيذية‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬ترى أن ديفيد هيدلي‬ ‫يعمل لصالح عسكر طيبة في مومباي ثم تتم االستعانة به في‬ ‫«القاعدة» من أجل عملية كوبنهاغن‪ .‬بذلك يعمل الشخص‬ ‫ذاته لصالح منظمتني إرهابيتني مختلفتني في غضون فترة‬ ‫زمنية قصيرة‪.‬‬

‫أجرى احلوار كوستانتينو خافيير‬ ‫أجري هذا احلوار قبل وفاة السفير ريتشارد هولبروك في ‪13‬‬ ‫ديسمبر ‪*2010‬‬


‫في هذه املرحلة مجرد تكهنات أكبر من كونها حقيقية‪ .‬وتوضح‬ ‫قصة احملتال الباكستاني الذي خدع االستخبارات البريطانية‬ ‫بإقناعها أنه مسؤول بارز في طالبان قدر املفاوضات احلقيقية‬ ‫الضئيل‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية االنتحار‬

‫«اجمللة»‪ :‬ولكن هل توافق على أن التفاوض مع طالبان سيصبح‬ ‫ضرورة في النهاية؟ وأنه بعيدا عن اجلانب العسكري‪ ،‬هناك حاجة‬ ‫إلى تفاوض سياسي؟‬ ‫ ال أعتقد أنه يشكل ضرورة‪ .‬تنتهي معظم احلروب األهلية بفوز‬‫أحد الطرفني وخسارة الطرف اآلخر‪ ،‬وليس بجولة نهائية من‬ ‫املفاوضات‪ .‬وهكذا هناك أسباب عديدة الختبار ما إذا كانت حركة‬ ‫طالبان مهتمة بالعملية السياسية‪ .‬ويجب أن نشجع حكومة‬ ‫كرزاي في هذا الصدد‪ .‬وإذا اتضح أن هناك كتلة كبيرة من قادة‬ ‫طالبان املعتدلني الذين يريدون العودة إلى العملية السياسية‪،‬‬ ‫سيكون ذلك أفضل‪ .‬وأنا شخصيا متشكك في وجود مثل تلك‬ ‫الكتلة‪ ،‬ولكنني ال أجد سببا في عدم جتربة ذلك ومعرفة ما إذا‬ ‫كانت موجودة أم ال‪.‬‬

‫«نزع الفتيل‪ :‬انفجار اإلرهاب االنتحاري العاملي‬ ‫وكيفية وقفه»‪ ،‬روبرت بيب وجيمس فيلدمان‪.‬‬ ‫في كتابهما الذي صدر عام ‪« ،2010‬نزع الفتيل»‪،‬‬ ‫خصص روبرت بيب وجيمس فيلدمان فصال عن‬ ‫حتوالت محددة في الهجمات االنتحارية التي وقعت‬ ‫في أفغانستان‪ .‬وبعيدا عن االلتزام بأي خطة‬ ‫موحدة لتكتيكات عاملية متطرفة‪ ،‬يشير بيب‬ ‫وفيلدمان إلى أن استخدام االنتحار كاستراتيجية‬ ‫في أفغانستان له مساره اخلاص ‪ -‬وذلك بعيدا متاما‬ ‫عن التبريرات املعتادة عن اإلسالم األصولي ‪ -‬والتي‬ ‫بدأت كنتيجة مباشرة لالحتالل األجنبي‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬أكدت في السابق على أهمية التحول في املوقف‬ ‫الباكستاني‪ ،‬من أجل احلد من الدعم اخلارجي الذي يصل إلى‬ ‫طالبان األفغانية‪ .‬فكيف ترى حدوث هذا التحول‪ ،‬ال سيما وأن‬ ‫موعد االنسحاب وشيك؟‬ ‫ سيحدث التحول فقط عندما يكتشف اجليش الباكستاني‬‫أن أميركا لن تغادر أفغانستان‪ .‬ومن املؤسف أن ذلك لن يحدث‬ ‫بجدية حتى منتصف عام ‪ 2011‬تقريبا‪ .‬وأعتقد أن اإلدارة‬ ‫األميركية قد غيرت بالفعل من اخلالف حول اجلدول الزمني‪ .‬وقد‬ ‫شاهدنا ذلك في لشبونة‪ .‬وأصبح املوعد اجلديد في ‪ 2014‬وليس‬ ‫يوليو (متوز) ‪ ،2011‬ولكن سيستغرق ذلك بعضا من الوقت حتى‬ ‫ينتشر في املنطقة‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن باكستان ستلعب دورا في ما يحدث في أفغانستان‪،‬‬ ‫ولكن ليس من املرجح أنها ستحقق هدفها‪ ،‬وهو أن تصبح دولة‬ ‫تابعة لها‪ .‬ولن يسمح أي من الناتو أو الهند بأن يحدث ذلك‪ .‬وعلى‬

‫تثير فرضياتهم االهتمام‪ ،‬ومنها املالحظة بأن‬ ‫املتطرفني اإلسالميني كانوا موجودين في أفغانستان‬ ‫وعملوا فيها قبل الغزو األميركي مبدة كبيرة‪ ،‬ولكن‬ ‫منذ عام ‪ 2001‬بدأ شن الهجمات االنتحارية‬ ‫في البالد‪ .‬ويتزامن انتشار التفجيرات االنتحارية‬ ‫منذ عام ‪ ،2006‬مع انتشار فقدان الثقة في‬ ‫املؤسسات السياسية بني الشعب األفغاني‪ .‬وأدى‬ ‫ذلك‪ ،‬باإلضافة إلى املزيد من القوات وحملة مضرة‬ ‫شنتها غارات الناتو اجلوية‪ ،‬بالشعب إلى اعتبار‬ ‫اجليوش األجنبية قوات احتالل‪ .‬كتب املؤلفان‪:‬‬ ‫«أمام فقدان السيطرة‪ ،‬رمبا يعتنق املواطنون‬ ‫أساليب قهرية مثل اإلرهاب االنتحاري للتخلص من‬ ‫احملتل األجنبي»‪.‬‬ ‫يقيم بيب وفيلدمان أيضا مقارنات مهمة بني‬ ‫األساليب في أفغانستان ومناطق أخرى من العنف‬ ‫املتطرف‪ ،‬مثل العراق حتديدا‪ .‬ومن أجل ضمان‬ ‫التعاطف داخل اجملتمع احمللي‪ ،‬حافظت طالبان على‬ ‫سياسة استهداف محدد ملا يسمى أهدافا ثابتة‪:‬‬ ‫الشرطة واجليش‪ .‬وبهذا‪ ،‬يسعون إلى االعتماد على‬ ‫أوراق اعتمادهم كمقاومة‪ ،‬والتي ساعد منها زيادة‬ ‫حجم «األضرار الثانوية» التي تسببت بها آلة‬ ‫احلرب األميركية في ما بني عامي ‪ 2006‬و‪.2009‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫تتسم الصورة املرسومة بقدر كبير من التفاصيل‬ ‫والتعقيد‪ ،‬تخطط فيه بحدة دوافع واستراتيجية‬ ‫حملة التفجيرات االنتحارية في سياق فريد في‬ ‫أفغانستان‪ .‬ولكن‪ ،‬يضعف من االفتراض السائد ‪-‬‬ ‫بأن االحتالل األجنبي هو السبب الرئيس للهجمات‬ ‫اإلنتحارية ‪ -‬اإلنكار غير املقنع حلقيقة أن االحتالل‬ ‫السوفياتي ألفغانستان لم تتم مواجهته مبثل تلك‬ ‫األساليب‪ .‬ويؤكد بيب وفيلدمان على أن الطبيعة‬ ‫غير الدميقراطية لالحتاد السوفياتي جعلت منه أقل‬ ‫عرضة لإلرهاب االنتحاري‪ ،‬وهو ما يغفل عن االلتزام‬ ‫املستمر من الواليات املتحدة وحلفائها بالوقوف‬ ‫أمام مثل تلك األساليب‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫● حوارات‬

‫بروس ريدل يحذّر من حرب أهلية في أفغانستان‬

‫أميركا و باكستان‪« ..‬عناق قاتل»‬

‫كان الضابط السابق في الـ«سي آي إيه» بروس ريدل مراقبا عن قرب للتطورات اجلذرية التي شهدتها منطقة جنوب آسيا‬ ‫منذ عام ‪ .2001‬وفي لقائه مع «اجمللة»‪ ،‬يتحدث ريدل عن السيناريوهات اخملتلفة املتوقعة ألفغانستان في عام ‪،2015‬‬ ‫ويحذر من إمكانية حدوث انقالب في باكستان‪ ،‬ويوضح بروز «القاعدة» كمنظمة استخباراتية‪.‬‬ ‫كوستانتينو خافيير‬ ‫كان بروس ريدل ضابطا سابقا في وكالة االستخبارات املركزية‬ ‫األميركية ويعمل حاليا باحثا في مركز سابان لسياسات الشرق‬ ‫األوسط في معهد بروكينغز‪ .‬وكان ريدل كبير مستشاري ثالثة‬ ‫من رؤساء الواليات املتحدة لشؤون جنوب آسيا والشرق األوسط‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،2009‬رأس جلنة مشتركة بني الهيئات في إدارة أوباما‬ ‫ملراجعة السياسة نحو أفغانستان وباكستان‪ .‬وألف ريدل أيضا‬ ‫كتاب «البحث عن القاعدة‪ :‬قيادتها وآيديولوجيتها ومستقبلها»‬ ‫(‪ .)2008‬وفي كتابه األخير «العناق القاتل» (ديسمبر ‪،)2010‬‬ ‫يتناول ريدل التاريخ املضطرب للعالقات بني الواليات املتحدة‬ ‫وباكستان‪ ،‬وصلتها بصعود جماعات جهادية عاملية‪.‬‬ ‫حتدث ريدل إلى «اجمللة» في مكتبه في واشنطن العاصمة‪ ،‬ولم‬ ‫يتجنب احلديث بعيدا عن األسئلة الصعبة املتعلقة باملنطقة‪،‬‬ ‫من السيناريوهات املمكنة ألفغانستان عام ‪ ،2015‬ومستقبل‬ ‫باكستان‪ ،‬إلى «القاعدة» كجماعة متيل إلى التعلم وتريد إدخال‬ ‫الواليات املتحدة في حرب ثالثة في اليمن‪ .‬ويشير تصوره عن جنوب‬ ‫آسيا إلى مستقبل قامت للمنطقة التي تعاني من معانقات قاتلة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬السيد ريدل‪ ،‬لقد ترأست جلنة أميركية مشتركة بني‬ ‫الهيئات عام ‪ 2009‬ملراجعة السياسة جتاه أفغانستان وباكستان‪،‬‬ ‫وقريبا ستتم املراجعة التالية‪ .‬ما هي املعايير التي سيتم من‬ ‫خاللها تقييم مدى النجاح الذي حققته االستراتيجية منذ ذلك‬ ‫احلني؟‬ ‫ في ما يتعلق مبعايير النجاح‪ ،‬هي واضحة متاما‪ ،‬حجم وكفاءة‬‫اجليش والشرطة األفغانيني‪ ،‬وهما يتحركان في االجتاه الصحيح‪،‬‬ ‫وهناك أيضا إشارات على تراجع طالبان‪ .‬وفي األشهر الثالثة‬ ‫املاضية‪ ،‬وفقا للبنتاغون‪ ،‬قتل أو ألقي القبض على ما يزيد عن‬ ‫‪ 300‬قائد متوسط الرتبة في طالبان‪ .‬ماذا يوضح ذلك بشأن قوة‬ ‫طالبان؟ هل بدأوا يشعرون بالضغط بصورة لم يشهدوها من‬ ‫قبل؟ هذه هي األشياء التي أعتقد أنهم سيتناولونها حتى الربيع‬ ‫املقبل‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬بصورة ملموسة‪ ،‬ما رأيك في أفضل سيناريو ميكن‬ ‫توقعه ألفغانستان عام ‪2015‬؟‬ ‫ أفضل نتيجة هي أن أفغانستان ستكون قوية مبا يكفي‬‫للتعامل مع طالبان إلى حد كبير مبفردها‪ .‬مبعنى أنها ستكون‬ ‫قادرة على أن حتتوي‪ ،‬إن لم تهزم‪ ،‬متمردي طالبان من دون قوات‬ ‫قتال أجنبية على األرض‪ .‬وستظل في حاجة إلى الدعم املالي من‬ ‫اخلارج‪ .‬وحتتاج إلى دعم استخباراتي‪ ،‬ورمبا حتتاج أيضا إلى استشارة‬ ‫خبراء وعسكريني من وقت إلى آخر‪ .‬ولكن سيكون في إمكانها‬ ‫التعامل مع طالبان أو بقايا طالبان ومتمردي البشتون بنفسها‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬على اجلهة املقابلة‪ ،‬إذا ساءت كل األمور على مدار‬ ‫األعوام اخلمسة املقبلة‪ ،‬كيف سيبدو أسوأ سيناريو متوقع؟‬ ‫ عودة احلرب األهلية‪ .‬وأعتقد أن هذا خطر واقعي للغاية‪.‬‬‫في احلقيقة‪ ،‬نشاهد اآلن الطاجيك واألوزبك وغيرهم يضعون‬ ‫خططا طارئة ويسلحون أنفسهم من أجل عودة شاملة للحرب‬ ‫‪44‬‬

‫األهلية التي اندلعت في نهاية التسعينات‪ .‬وهم يرون احلديث عن‬ ‫إجراء مفاوضات مع طالبان كإشارة على أنه ستتم التضحية‬ ‫مبصاحلهم‪ .‬وأعتقد أن ذلك تسرع من جانبهم‪ ،‬ولكنه حقيقي‬ ‫وملموس اليوم‪ ،‬مما يشير إلى مخاوفهم‪ .‬مييل جميع األطراف في‬ ‫املنطقة إلى التفكير في األسوأ وفقا لنظرية املؤامرة‪.‬‬ ‫وعندما يرى الناس كل هذا احلديث عن املفاوضات مع البشتون‬ ‫وطالبان حول تغيير النظام السياسي في كابل‪ ،‬ينظر الطاجيك‬ ‫خصوصا إلى ذلك باعتباره تهديدا ملا يعتبرونه نظاما سياسيا‬ ‫جيدا جدا في كابل‪ ،‬حيث ألول مرة ال ميلك البشتون سيطرة‬ ‫كاملة على البالد بأسرها‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ملاذا تؤكد على أن هناك مجرد «حديث عن املفاوضات»؟‬ ‫ حسنا‪ ،‬بالنظر إلى التعليقات األخيرة التي صرح بها السفير‬‫هولبروك (أجري هذا احلوار قبل وفاة املبعوث األميركي السفير‬ ‫ريتشارد هولبروك في ‪ 13‬ديسمبر‪ /‬كانون األول ‪ ،)2010‬ما يحدث‬ ‫فعليا في هذا الصدد ضئيل للغاية‪ .‬وميكنني القول إن املفاوضات‬


‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪43‬‬


‫● ألف كلمة‬

‫‪Images © Getty Images‬‬

‫نهاية ديكتاتور‬ ‫في تسارع درامي لألحداث‪ ،‬وفي وقت قياسي في تاريخ الشعوب‪،‬‬ ‫استطاع الشعب التونسي بعد احتجاجات شملت كل البالد‪ ،‬ضد‬ ‫الفساد واالستبداد وتفشي البطالة والفقر‪ ،‬االطاحة بالرئيس زين‬ ‫العابدين بن علي بعد ‪ 23‬سنة من حكم ديكتاتوري شمولي ال‬ ‫مثيل له في املنطقة‪ .‬فرار الرئيس اخمللوع وضع تونس على سكة‬ ‫الدميقراطية لبناء مستقبل ال مكان فيه للرأي الواحد واحلزب الواحد‪..‬‬ ‫والرئيس مدى احلياة‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫حقول �ألغام‬ ‫يظل استخدام األلغام األرضية منتشرا‬ ‫في جميع أنحاء العالم في ما يعرف باحلرب‬ ‫التقليدية‪ .‬ولكن‪ ،‬يزداد اجلدل الذي يثيره‬ ‫استخدام هذا السالح‪ ،‬ومهد الصخب العاملي‬ ‫املتزايد الطريق ملعاهدة أوتاوا ‪ -‬التي تعرف‬ ‫مبعاهدة حظر األلغام ‪ -‬في عام ‪ ،1997‬والتي‬ ‫حترم متاما استخدام وتخزين وإنتاج ونقل‬ ‫جميع األلغام التي تستهدف األفراد‪ ،‬وتشترط‬ ‫على املوقعني تدمير جميع األلغام املوجودة‬ ‫في حوزتهم‪ .‬وفي أبريل (نيسان) ‪،2010‬‬ ‫كانت هناك ‪ 156‬دولة موقعة على االتفاقية‪.‬‬ ‫ومن بني الدول التي غابت عن االتفاقية قوى‬ ‫رئيسة منها روسيا والصني والواليات املتحدة‪،‬‬ ‫على الرغم من أنها ال تزال ملتزمة بعدد من‬ ‫بروتوكوالت االتفاقية‪.‬‬ ‫ومن بني جميع الدول في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫وقعت كل من قطر واليمن واألردن والعراق على‬ ‫االتفاقية‪ .‬وتستخدم «إسرائيل» هذه األلغام‬ ‫بكثافة على «حدودها» مع لبنان واألردن‬ ‫وسورية‪ ،‬ولكنها تلتزم باتفاقية األسلحة‬ ‫التقليدية املعينة‪ ،‬والتي تنظم استخدام‬ ‫األلغام األرضية‪ ،‬وذلك إلى حد كبير باإلصرار‬ ‫على أنه ميكن نشرها فقط في حقول األلغام‬ ‫املوضحة بعالمات‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫أصبح امتالك سالح في مثل هذا الوضع رمزا للمكانة‪ ،‬وأصبح‬ ‫العنف املسلح هو الطريقة املقبولة للتعامل مع أي شيء‪ ،‬بدءا‬ ‫من حل النزاعات الشخصية وصوال إلى حتقيق أهداف سياسية‬ ‫أو اقتصادية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن املؤلفني أوضحا أن ثقافة السالح غالبا ما‬ ‫تتطور بصورة أكبر في الدول الضعيفة‪ ،‬فإن ما يحدث هو أن‬ ‫الدول الضعيفة أكثر احتمالية للمشاركة في شبكات تهريب‬ ‫سالح غير مشروعة‪ ،‬مثلما أظهرت دول مثل جمهورية الكونغو‬ ‫الدميقراطية والصومال‪.‬‬ ‫وتسمح األسلحة الصغيرة غير املشروعة بزيادة حدة التوترات‬ ‫حول املصادر القليلة‪ .‬ولنضرب مثال باحلدود التي تفصل بني‬ ‫كينيا وأوغندا‪ ،‬كانت سرقة املاشية محدودة النطاق إحدى‬ ‫سمات احلياة الريفية في الدولتني على مدار قرون‪ .‬ولكن في‬ ‫العقدين املاضيني‪ ،‬بدأ لصوص املاشية في احلصول على أسلحة‬ ‫غير من طبيعة الصراع كلية‪ .‬ومنذ ذلك احلني‬ ‫من املهربني‪ ،‬مما ّ‬ ‫«قتل مئات األشخاص‪ ،‬وتشرد كثير من الناس‪ ،‬ومن املعتقد أن‬ ‫رعاة املاشية املتجولني من كاراموجونغ وبوكوت هم اجملرمون‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫وعلى الرغم من التوقيع على معاهدة أوتاوا‬ ‫في عام ‪ ،2007‬فإن العراق ال يزال بعيدا عن‬ ‫كونه منطقة خالية من األلغام‪ .‬ويعتقد أنه‬ ‫أثناء حرب اخلليج التي وقعت عام ‪ ،1991‬زرع‬ ‫األميركيون ما يزيد على ‪ 200.000‬لغم أرضي‬ ‫في العراق والكويت‪ ،‬ما زال عدد كبير منها غير‬ ‫معلوم املكان‪.‬‬

‫الرئيسيون»‪ ،‬وفقا لشرودر والمب‪.‬‬ ‫ويتجاوز تعقيد اخلسائر البشرية لتهريب األسلحة مجرد‬ ‫إحصاء عدد الوفيات الناجتة عن الصراعات‪ ،‬حيث يحول‬ ‫تهريب األسلحة أيضا دون تنفيذ مبادرات التنمية‪.‬‬ ‫ووفقا لتقرير التنمية البشرية لعام ‪« :2005‬يظل انعدام‬ ‫األمن املرتبط بالصراع املسلح واحدا من العقبات الكبرى‬ ‫أمام التنمية البشرية‪ .‬وهو سبب ونتيجة للفقر اجلماعي»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن هذه احلقائق قد تبدو مزعجة‪ ،‬فإن تسليم‬ ‫بوت يشكل على األقل خطوة صغيرة‪ ،‬أو محاولة رمزية‪ ،‬للحد‬ ‫من تهريب األسلحة عامة‪ .‬ولكن تظل احلقيقة أنه حتى بعد‬ ‫ذهاب بوت‪ ،‬لن تختف شبكات تهريب السالح التي استفاد‬ ‫منها‪.‬‬

‫*بوال ميجيا‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 21‬ديسمبر ‪2010‬‬ ‫‪41‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫تهريب السالح يغذّي اجلرمية ويدعم االرهاب‬

‫تاجر املوت‬

‫في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني)‪ ،‬مت تسليم فيكتور‬ ‫بوت‪ ،‬مهرب السالح الشهير‪ ،‬من تايالند إلى الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من هذا النجاح‪ ،‬فإنه ليس من املرجح أن يقل‬ ‫التأثير الضار لتهريب السالح على األمن البشري بسبب‬ ‫غيابه‪.‬‬ ‫بوال ميجيا‬

‫يعد تهريب السالح غير القانوني من أصعب العقبات التي‬ ‫تواجهها الدول املمزقة جراء احلروب واجملتمع الدولي في عزمه‬ ‫على مكافحة الفقر وانعدام األمن عامة‪ .‬ووفقا لألمم املتحدة‪،‬‬ ‫يساهم تهريب األسلحة في زيادة معدالت اجلرمية‪ .‬وفي حني‬ ‫انتبه اجملتمع الدولي متأخرا إلمكانية حصول منظمات إرهابية‬ ‫على أسلحة نووية‪ ،‬تظل جتارة األسلحة الصغيرة متساوية‬ ‫معها في اخلطورة من جوانب عدة‪.‬‬ ‫تتسبب األسلحة الصغيرة واخلفيفة في نسبة من ‪ 60‬إلى‬ ‫‪ 90‬في املائة مما يزيد على ‪ 100,000‬حادث قتل في احلروب‬ ‫سنويا‪ ،‬وعشرات اآلالف من حاالت القتل اإلضافية بعيدا عن‬ ‫ميادين احلرب‪ ،‬وفقا لبحث عن األسلحة الصغيرة أجرته األمم‬ ‫املتحدة عام ‪ .2005‬ناهيك عن استمرار األسلحة الصغيرة‬ ‫كخيار مفضل لإلرهابيني – بناء على الهجمات التي حددها‬ ‫أحدث تقارير وزارة اخلارجية األميركية‪ ،‬حيث مت ارتكاب نصف‬ ‫هذه الهجمات بأسلحة صغيرة أو خفيفة‪.‬‬ ‫من املؤسف أنه بسبب األوضاع التي تنتشر فيها األسلحة‬ ‫املهربة‪ ،‬غالبا ما يكون الضحايا من املدنيني األبرياء‪ ،‬الذين عادة‬ ‫ما يكونون بعيدين متاما عن الصراع الذي يدور حولهم‪ .‬وأفضل‬ ‫مثال على اخلسائر االجتماعية التي تتسبب فيها األسلحة‬ ‫املهربة هو استخدام األلغام األرضية‪ ،‬التي تثير مشكالت‬ ‫في حد ذاتها نظرا لطبيعتها غير املميزة‪ .‬ويستمر استخدام‬ ‫األلغام في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وحتى بعد انتهاء احلروب‬ ‫تظل األلغام حتصد أرواح املدنيني األبرياء‪ ،‬أو على أفضل حال‬ ‫تصيبهم بتشوهات وشلل‪.‬‬ ‫وعادة ما تستخدم األسلحة املهربة بواسطة أطراف غير دولية‪،‬‬ ‫مما ميثل تهديدا مستمرا بانعدام األمن ويكلف خسائر اجتماعية‬ ‫فادحة‪ .‬وبسبب طبيعة األسواق العاملية‪ ،‬من املستحيل وقف‬ ‫صفقات األسلحة بصورة كاملة‪ ،‬مع اعتراف األمم املتحدة بأن‬ ‫«مشكلة تهريب األسلحة الصغيرة غير ممكنة احلل‪ ،‬ولكن من‬ ‫املمكن السيطرة عليها»‪ .‬لذلك السبب تابعت وسائل اإلعالم‬ ‫عن كثب نبأ تسليم فيكتور بوت أو تاجر املوت‪ ،‬وحظيت أخباره‬ ‫باهتمام كبير‪.‬‬ ‫وفي منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي‪ ،‬أصدرت‬ ‫تايالند قرارا بترحيل مهرب األسلحة الروسي إلى الواليات‬ ‫املتحدة ملواجهة اتهامات باإلرهاب‪ .‬وقد ألقي القبض على‬ ‫الضابط السابق في القوات اجلوية السوفياتية في ربيع عام‬ ‫‪ ،2008‬بعد أن قام عمالء أميركيون بعملية متويهية في فندق‬ ‫‪40‬‬

‫فخم في بانكوك‪ ،‬حيث ادعى العمالء أنهم أفراد عصابة‬ ‫من كولومبيا يعتزمون شراء صواريخ أرض جو وطائرات من‬ ‫دون طيار وأنظمة معقدة مضادة للدبابات من تاجر السالح‬ ‫النشط‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى تلك العملية املزعومة‪ ،‬قدم بوت أسلحة‬ ‫تستخدم في إثارة احلروب األهلية في جميع القارات تقريبا‪.‬‬ ‫ومن بني عمالئه تشارلز تايلور من ليبيريا والفصائل املتناحرة‬ ‫في احلرب األهلية في أنغوال‪ ،‬وآخرون‪ .‬ولديه أيضا صالت‬ ‫بطالبان وعالقات غير مباشرة مع «القاعدة»‪.‬‬ ‫سهل تهريب‬ ‫ولكن إلى أي درجة يتحمل الشخص‪ ،‬الذي ي ُ ّ‬ ‫األسلحة‪ ،‬مسؤولية وقوع العديد من القتلى جراء استخدام‬ ‫تلك األسلحة؟ اإلجابة‪ ،‬كما يقول مات شرودر وجاي المب‪،‬‬ ‫مؤلفا كتاب «جتارة األسلحة غير املشروعة في أفريقيا»‪ ،‬أن‬ ‫هؤالء املهربني يتحملون قدرا كبيرا من املسؤولية‪ .‬وبصورة‬ ‫أكثر حتديدا‪ ،‬قاال إنه في بعض الدول األفريقية‪ ،‬نتج عن وفرة‬ ‫األسلحة الصغيرة (التي جاءت عن طريق التهريب) بالتزامن‬ ‫مع الصراعات املمتدة «ظهور ثقافة السالح»‪ .‬مبعنى آخر‪،‬‬


‫وهو معارض مصري ليبرالي انشق عن احلزب الوطني الدميقراطي (احلاكم)‬ ‫اعتراضا على ما قال إنه «حالة الفساد ومحاوالت توريث احلكم في البالد»‪،‬‬ ‫وأسس احلزب عام ‪ ،2007‬لكنه قاطع االنتخابات البرملانية األخيرة‪.‬‬ ‫كما يشارك في االئتالف شباب «الثوريني االشتراكيني»‪ ،‬وهي حركة‬ ‫مدافعة عن األفكار االشتراكية ويرفعون شعار «اجملد للشهداء والنصر‬ ‫للثورة»‪ .‬باإلضافة إلى شباب «احلركة املصرية من أجل التغيير» (كفاية)‪،‬‬ ‫وهي جتمع فضفاض من مختلف القوى السياسية‪ ،‬ركزت منذ بدايتها‬ ‫على رفض التجديد للرئيس حسني مبارك لفترة رئاسة أخرى‪ ،‬وعدم تولي‬ ‫ابنه جمال مبارك الرئاسة من بعده‪ ،‬فرفعت شعاري ال للتمديد ال للتوريث‪.‬‬ ‫وال يجب إغفال الدور الذي يقوم به «شباب اإلخوان» في االئتالف‪ ،‬وهم‬ ‫مجموعة من الشباب املنتمني إلى جماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬التي كانت‬ ‫تتعامل معها احلكومة املصرية كجماعة محظورة قبل هذه األحداث‪.‬‬ ‫لكنها جنحت أن تكتسب الشرعية ولو بشكل عرفي كأكثر القوى املعارضة‬ ‫تأثيرا في الشارع وأكثرها تنظيما وعددا‪ ..‬وينسق عن شباب اإلخوان في‬ ‫ائتالف شباب الثورة كل من الناشطني محمد عباس‪ ،‬ومحمد القصاص‪.‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫وفي ‪ 6‬فبراير (شباط) احلالي‪ ،‬ومع تفاعل األحداث‪ ،‬شكل هؤالء الشباب ما‬ ‫بات يعرف اآلن بـ«ائتالف شباب الثورة»‪ .‬وقد اختارت هذه املنظمات عددا‬ ‫من األشخاص ليمثلوها ويشكلوا قيادة تتحدث باسمها وتقود التحركات‬ ‫في املرحلة املقبلة‪ ،‬والتنسيق مع باقي األحزاب وجماعات املعارضة املؤيدة‬ ‫الستمرار الثورة ودعم مطالبها‪ .‬وحتى اآلن أعلن االئتالف أنه يرفض احلوار‬ ‫وفك االعتصام القائم مبيدان التحرير كما يرفض إيقاف أشكال االحتجاج‬ ‫إال بعد رحيل مبارك‪ ،‬وقالوا في بيان للشعب «نعاهدكم على أن ال نعود‬ ‫إلى بيوتنا إال بعد أن تتحقق مطالب ثورتكم الباسلة»‪« ،‬نحن نريد أن‬ ‫تنتهي هذه األزمة بأسرع وقت ممكن وأن تعود احلياة الطبيعية لنا وألهلنا‪،‬‬ ‫ولكننا ال نثق في حسني مبارك لقيادة فترة انتقالية‪ ،‬فهو نفس الشخص‬ ‫الذي رفض على مدار ثالثني عاما أي إصالح سياسي سلمي واقتصادي‬ ‫حقيقي»‪.‬‬

‫* محمد عبده حسنني‬ ‫نشر هذا في «الشرق األوسط» في يوم تنحي مبارك بتاريخ ‪ 11‬فبراير‬ ‫‪2011‬‬

‫‪39‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫عباءتها ضمت اليساري واالسالمي‪ ..‬ومناضلي «فيس بوك»‬

‫انتفاضة ائتالف الشباب‬

‫رغم أن خبرتهم بالعمل السياسي محدودة للغاية‪ ،‬حيث إن معظمهم لم ينخرط في ذلك اجملال سوى ألعوام ال تتجاوز أصابع‬ ‫اليد الواحدة‪ ،‬فإنهم متكنوا بفضل عنفوان الشباب وإصرارهم على التحدي‪ ،‬أن يحققوا خالل أيام معدودة ما لم تستطع‬ ‫املعارضة املصرية بكل أطيافها‪ ،‬مبا فيها األحزاب الرسمية والقوى غير الرسمية‪ ،‬أن حتققه خالل أكثر من ثالثني عاما من‬ ‫وقوفها في وجه النظام املصري القائم‪ ،‬وعلى رأسه احلزب الوطني الدميقراطي (احلاكم)‪.‬‬ ‫محمد عبده حسنني‬ ‫إنهم أعضاء ائتالف شباب الثورة املصرية‪ ،‬الذين قادوا االحتجاجات واملظاهرات‬ ‫في مصر منذ ‪ 25‬يناير (كانون الثاني) املاضي‪ ،‬وصمدوا إلى الوقت احلالي‬ ‫من أجل إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك‪ .‬يدفعهم في ذلك األمل في‬ ‫التغيير واستعادة مكانة مصر‪ ،‬عبر التحول إلى الدميقراطية احلقيقية التي‬ ‫رأوها عبر شاشات الفضائيات وعلى صفحات اإلنترنت في الدول املتقدمة‪،‬‬ ‫لكن لم يتذوقوا طعمها بعد‪.‬‬ ‫البداية كانت عبارة عن دعوات إلكترونية عبر موقعي «فيس بوك» و«تويتر»‬ ‫االجتماعيني ومنشورات ورقية‪ ،‬تدعوا إلى يوم احتجاج ضد ممارسات الشرطة‬ ‫املصرية واألوضاع االجتماعية السائدة في مصر‪ ،‬من نشطاء سياسيني‬ ‫وبعض شباب األحزاب واجلماعات السياسية واحلركات االحتجاجية في البالد‪،‬‬ ‫وحددوا لها ‪ 25‬يناير املاضي‪ ،‬يوم احتفال الشرطة املصرية بعيدها السنوي‪.‬‬ ‫لم يتوقع معظم الداعني إلى االحتجاج في البداية أن تقودهم دعواتهم‬ ‫املتفرقة إلى ما يحدث اليوم‪ ،‬لكن األحداث تفاعلت بشكل غير مسبوق وحتول‬ ‫االحتجاج إلى «ثورة شعبية» تعم البالد‪ ،‬بشكل ألهب حماسهم ورفع‬ ‫سقف مطالبهم وفرض عليهم الصمود حتى تتحقق أمانيهم‪.‬‬ ‫وتتشكل خريطة هؤالء الشباب أو كما أطلق عليهم «املعارضون اجلدد»‪،‬‬ ‫من أطياف كثيرة متنوعة من الناشطني السياسيني وشباب املدونني على‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬مبختلف توجهاتهم الفكرية والثقافية والسياسية واالجتماعية‪..‬‬ ‫ويرفضون أن تنقض عليهم األحزاب التقليدية لتحصد ما قاموا هم بزراعته‬ ‫في األيام املاضية‪.‬‬ ‫تقول إسراء عبد الفتاح‪ ،‬إحدى قيادات الشباب في حركة ‪ 25‬يناير‪ ،‬لـ«الشرق‬ ‫األوسط»‪« :‬الشباب هم من بدأوا االحتجاجات وال يجب على األحزاب‬ ‫السياسية العتيقة أن تركب الثورة وتأخذ مكاسبها‪ ،‬القول النهائي لنا‬ ‫فقط‪ ..‬وهناك توافق بيننا كمنظمني لهذه املظاهرات‪ ،‬واحلوار القائم اآلن‬ ‫بني األحزاب والنظام ال يعنينا قبل رحيل الرئيس مبارك»‪ .‬خالد عبد احلميد‪،‬‬ ‫القيادي اليساري في االحتجاجات‪ ،‬قال إنه «علم أنه سيأتي يوم ويجني فيه‬ ‫نضاله الذي بدأه منذ سنوات‪ ،‬وأن العديد من املظاهرات ضد النظام ستعم‬ ‫اجلمهورية في يوم من األيام»‪.‬‬ ‫وتأتي حركة «كلنا خالد سعيد»‪ ،‬كأبرز هذه احلركات الشبابية‪ ،‬حيث تعد‬ ‫التجسيد الواقعي جملموعة «كلنا خالد سعيد» االفتراضية على موقع‬ ‫«فيس بوك»‪ .‬وحتى أيام قليلة مضت لم يكن معروفا أن الناشط الشاب‬ ‫وائل غنيم‪ ،‬املفرج عنه منذ أيام فقط من أمن الدولة هو املسؤول عن إنشاء‬ ‫هذه الصفحة‪ ،‬وهو الداعي لالحتجاجات من خاللها‪ .‬وتأسست هذه احلركة‬ ‫أو الصفحة احتجاجا على مقتل شاب يدعى خالد سعيد مبدينة اإلسكندرية‬ ‫في ‪ 6‬يونيو (حزيران) املاضي‪ ،‬قال مناصروه «إن رجال الشرطة قتلوه بعد‬ ‫عملية تعذيب» واستجواب دون وجه حق‪.‬‬ ‫وإذا كانت حركة «كلنا خالد سعيد» هي األحدث‪ ،‬فإن «حركة شباب ‪ 6‬أبريل»‬

‫‪38‬‬

‫هي األشهر واألكثر تفاعال بني احلركات الشبابية السياسية‪ ،‬نظرا لطول‬ ‫فترة وجودها في الشارع املصري املعارض نسبيا‪ .‬حيث تعمل احلركة منذ‬ ‫ثالث سنوات‪ ،‬مليئة بالنشاط السياسي وتنظيم الوقفات االحتجاجية‬ ‫للمطالبة بعزل الرئيس حسني مبارك والتوقف عن محاوالت توريث‬ ‫جنله جمال‪ ،‬قبل أن تكون العبا أساسيا في التأجيج والدعوة ملظاهرات‬ ‫‪ 25‬يناير‪ .‬وتكونت احلركة من مجموعة شباب سياسيني ناشطني‪ ،‬عبر‬ ‫مواقع اإلنترنت وخاصة موقع «فيس بوك»‪ ،‬عام ‪ .2008‬وقد اتخذت من‬ ‫(‪ 6‬أبريل) اسما لها‪ ،‬نتيجة للدور الذي قامت به في شحذ املواطنني‬ ‫على اإلضراب العام يوم السادس من أبريل عام ‪ ،2008‬احتجاجا على غالء‬ ‫األسعار وصعوبة احلياة املعيشية‪.‬‬ ‫وال يستطيع أحد حصر أتباع احلركة الشبابية أو تقدير أعدادهم‪ ،‬فهم‬ ‫يتكونون من جميع األطياف السياسية واألحزاب املعارضة واملدونني على‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬وميثل حركة شباب ‪ 6‬أبريل في القيادة املوحدة أحمد ماهر‪،‬‬ ‫منسقها العام‪ ،‬ومن أبرز قيادييها «محمود سامي‪ ،‬وإجني أحمد‪ ،‬وهيثم‬ ‫ربيع‪ ،‬وأسماء محفوظ»‪.‬‬ ‫محمد البرادعي‪ ،‬املدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية‪،‬‬ ‫ليس بعيدا عن األحداث كما قد يعتقد البعض‪ ،‬خاصة بعد إقصائه من‬ ‫احلوار مع نائب الرئيس عمر سليمان‪ .‬حيث تعد «احلملة املصرية لدعم‬ ‫البرادعي» عضوا رئيسيا الئتالف شباب الثورة‪ .‬وتشكلت «احلملة»‬ ‫عبر مجموعة من الشباب قاموا بتوجيه دعوة إلى الدكتور البرادعي‪،‬‬ ‫للمشاركة بفعالية في احلياة السياسية في البالد‪ ،‬والترشح ملنصب‬ ‫رئاسة اجلمهورية بعد تعديالت دستورية جرت عام ‪ ،2005‬ومع عودة‬ ‫البرادعي إلى القاهرة مطلع العام املاضي‪ ..‬ثم تبلورت احلملة في سبتمبر‬ ‫(أيلول) من العام املاضي وأطلقت موقعها اإللكتروني‪ ،‬ويقوم بالتنسيق‬ ‫لها الناشط الشاب زياد العليمي‪.‬‬ ‫وفي اليوم األول لالحتجاجات‪ ،‬التقت «الشرق األوسط» بزياد العليمي‬ ‫الذي كان ال يكاد يصدق ما حتقق‪ ،‬وقال بفخر إنه «بدأ هذه املظاهرات‬ ‫بعشرة أفراد فقط في ميدان التحرير‪ ،‬لكن حماس الشباب ساهم في‬ ‫ضم املئات ثم اآلالف من املوظفني‪ ،‬حتى إن ركاب املواصالت العامة كانوا‬ ‫ينزلون ويدعمونهم»‪ .‬وال يختلف األمر كثيرا‪ ،‬بالنسبة إلى «مجموعة‬ ‫العدالة واحلرية»‪ ،‬أحد أهم عناصر االئتالف‪ ،‬وهم شباب مؤسسة اجليل‬ ‫اجلديد (العدالة واحلرية) إحدى مؤسسات اجملتمع املدني التي تعمل وفقا‬ ‫مليثاق األمم املتحدة واإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان‪ ،‬وتضم مجموعة‬ ‫من املؤمنني باحلرية والعدالة ووجوب متتع كل إنسان بحقوقه وحرياته‬ ‫األساسية‪ ،‬بحسب بيانها التأسيسي‪ ،‬وأحد أهم قيادييها الناشط خليل‬ ‫سعيد‪.‬‬ ‫«شباب حزب اجلبهة»‪ ،‬أحد أعضاء االئتالف أيضا‪ ،‬وهم مجموعة شباب‬ ‫حزب اجلبهة الدميقراطية الذي يترأسه الدكتور أسامة الغزالي حرب‪،‬‬


TM1557_39_Ad.indd 39

18/10/10 16:34:33


‫● ثروة األمم‬

‫أسواق‬ ‫قبل أشهر عدة‪ ،‬توقع وزير املالية السعودي أن اململكة سوف‬ ‫تواجه عجزا في املوازنة قيمته ‪ 70‬مليار ريال سعودي (‪18.6‬‬ ‫مليار دوالر)‪ .‬ولكن في أواخر ديسمبر‪ ،‬أعلنت الوزارة عن نتائج‬ ‫مختلفة متاما‪ .‬فبدال من إنهاء العام وهي مدينة‪ ،‬أنهت اململكة‬ ‫العربية السعودية عام ‪ 2010‬وقد حققت أرباحا‪.‬‬

‫كما يوضح الرسم البياني ‪ ،1‬أنهت اململكة العربية السعودية‬ ‫العام مع فائض في امليزانية يبلغ ‪ 108.5‬مليار دوالر بعدما‬ ‫انتهت عام ‪ 2009‬بعجز يتجاوز ‪ 60‬مليار ريال سعودي‪ .‬وكانت‬ ‫السنوات األخيرة قد شهدت تغيرات هائلة في ميزانية اململكة‪.‬‬ ‫ففي عامي ‪ ،2003‬و‪ ،2004‬واجهت الدولة عجزا في املوازنة‬ ‫حتى حققت فائضا في ‪ ،2005‬ثم حققت فوائض في األعوام‬ ‫الثالثة التالية‪ .‬وفي ذروة األزمة املالية في ‪ ،2009‬حتولت تلك‬ ‫الفوائض فجأة إلى عجز جتاوز ‪ 60‬مليار ريال سعودي‪ .‬وعلى‬ ‫رغم ذلك العجز احلاد يعتبر الفائق الذي حققته الدولة أخيرا‬ ‫تطورا هائال‪.‬‬

‫الر�سم البياين ‪1‬‬

‫امل�صدر‪ :‬وزارة املالية باململكة العربية ال�سعودية‬ ‫ر�سم بياين ‪2‬‬

‫أعلنت وزارة املالية السعودية أن الفائض املفاجئ للموازنة‬ ‫ميكن أن يرجع إلى حد كبير إلى الزيادة في أسعار البترول‪.‬‬ ‫ووفقا للبيانات احلديثة ألوبك‪ ،‬فإن األسعار العاملية في حالة‬ ‫ارتفاع‪ .‬فبني ‪ ،2003‬و‪ 2007‬ارتفعت أسعار البترول بثبات‬ ‫حول العالم قبل أن تقفز إلى ما يزيد عن ‪ 90‬دوالرا للبرميل‬ ‫في ‪ .2008‬وفي عام ‪ ،2009‬انخفضت األسعار‪ .‬وليس من‬ ‫املفاجئ أن امليزانية الوطنية للمملكة العربية السعودية‬ ‫تأثرت‪ .‬وفي عام ‪ ،2010‬يبدو أن األسعار عادت لالرتفاع مرة‬ ‫أخرى مبعدل مرتفع‪ ،‬حيث وصل متوسط سعر البرميل ‪77‬‬ ‫دوالرا في السوق العاملية‪.‬‬

‫بالنسبة القتصاد اململكة العربية السعودية‪ ،‬البترول هو‬ ‫كل شيء‪ ،‬فتظهر التقديرات احلالية إلدارة معلومات الطاقة‬ ‫األميركية أن عائدات صادرات البترول تصل إلى ‪ 90‬في املائة‬ ‫من إجمالي أرباح التصدير للمملكة وما يزيد عن ‪ 40‬في املائة‬ ‫من الناجت احمللي اإلجمالي للسعودية‪ .‬فليس مفاجئا إذن أنه‬ ‫كلما ارتفعت أسعار البترول ارتفعت عائدات السعودية‪.‬‬

‫امل�صدر‪ :‬وزارة املالية باململكة العربية ال�سعودية‬ ‫الر�سم البياين ‪3‬‬

‫وبالطريقة نفسها التي يعتمد بها اقتصاد اململكة على‬ ‫البترول لكي يحافظ على قوته‪ ،‬تعتمد بقية أنحاء العالم‬ ‫باملثل على صادرات البترول السعودية ملواجهة احتياجاتها‬ ‫املتزايدة للطاقة‪ .‬وكما يظهر الرسم البياني ‪ ،3‬لدى دول األوبك‬ ‫الغالبية العظمى من احتياطات البترول اخلام العاملية كما أن‬ ‫السعودية لديها املزيد من النفط اخلام أكثر من أي عضو آخر‬ ‫من أعضاء األوبك‪.‬‬ ‫ولدى اململكة ما يزيد عن ‪ 24‬في املائة من كل احتياطي البترول‬ ‫لدول املنظمة‪ ،‬وبالتالي فإن لها حصة في صناعة البترول أكثر‬ ‫من أي دولة أخرى في العالم‪ .‬وطاملا أن أسعار البترول ما زالت‬ ‫مرتفعة‪ ،‬ستظل خزائن الدولة ممتلئة‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫امل�صدر‪� :‬أوبك‬


TM1557_21_Ad.indd 21

18/10/10 16:32:37


‫● ثروة األمم‬

‫ولكن ما زال هناك آخرون غير مقتنعني بأن هذا مؤثر على الشراكة‬ ‫بني البلدين‪ .‬قال عدالن ميدي‪ ،‬رئيس حترير العدد األسبوعي من‬ ‫صحيفة "الوطن" اجلزائرية املستقلة‪" :‬العالقة بني اجلزائريني‬ ‫والصينيني قوية للغاية‪ ،‬وال ميكن أن ميسها الفساد‪ .‬لدينا شراكة‬ ‫استراتيجية مع الصني‪ ،‬لذا ال جنرؤ أن نقول شيئا عنهم"‪.‬‬ ‫ما شأن الطريق السريع؟‬ ‫ما زال كثير من اجلزائريني يأملون في أن تشجع محاكاة تنمية‬ ‫البنية التحتية في الصني‪ ،‬من خالل البراعة الهندسية وأعمال‬ ‫اإلنشاء الزهيدة التي تشتهر بها الصني‪ ،‬االستثمارات األجنبية‬ ‫التي بدأت تبث الروح في االقتصاد الصيني‪.‬‬ ‫وقال عزيز نافع‪ ،‬الباحث االقتصادي في مركز األبحاث االقتصادية‬ ‫للتنمية في اجلزائر‪" :‬في الواقع‪ ،‬نحن نطور البنية التحتية‬ ‫الالزمة جلميع االستثمارات املستقبلية ومن أجل جزائر الغد"‪،‬‬ ‫موضحا أن اجلزائر حتتاج إلى الطرق‪.‬‬ ‫ولكن رمبا ال تكون تنمية البنية التحتية وحدها كافية لتعزيز‬ ‫تنمية مستدامة في اجلزائر‪ .‬يقول االقتصادي آندي تشي‪" :‬حتتاج‬ ‫معظم الدول النامية إلى التعامل مع نقاط ضعف مؤسسية‬ ‫حتى تستقبل التنمية األجنبية"‪ ،‬مشيرا إلى أنواع من الرشاوى‬ ‫وتكاليف التشغيل غير القانونية التي أدت إلى احملاكمات اجلارية‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للصني‪ ،‬فما حتصل عليه من فوائد على املدى البعيد‬ ‫أمر واضح‪.‬‬ ‫يشير االقتصاديون إلى أن الصني‪ ،‬بصفتها مستثمرا رئيسا‬ ‫في اجلزائر‪ ،‬بتسهيلها وسائل النقل في اجلزائر‪ ،‬ستخفض من‬ ‫النفقات التي تتكبدها في صفقاتها اخلاصة‪ .‬وكما يوضح‬ ‫استثمارها عام ‪ 2008‬في النفط اجلزائري‪ ،‬متلك اجلزائر الكثير‬ ‫لتقدمه إلى الصني املتعطشة إلى النفط‪.‬‬ ‫وذكرت مصادر أن شركة سيتيك طلبت في البداية أن حتصل على‬ ‫نفط مقابل مشاركتها في إنشاء طريق شرق غرب السريع‪.‬‬ ‫ويوافق نافع على أن الطريق السريع ضروري من أجل تنمية‬ ‫اجلزائر‪ ،‬ولكنه أيضا متحفظ على قياس دور الصني في تنمية‬ ‫اجلزائر‪ ،‬حيث قال‪" :‬في رأيي هناك خدمات محددة تنتج قيمة‬ ‫مضافة مستمرة‪ .‬ولكن من املبالغة القول إن الشركات الصينية‬ ‫املشاركة في طريق شرق غرب السريع ستساهم في التنمية‬ ‫املستدامة في اجلزائر"‪ .‬بل ويزداد حتفظ نافع في احلديث عن‬ ‫ادعاءات الفساد‪ .‬وقال‪" :‬ال أجيب عادة على مثل تلك األسئلة‪.‬‬ ‫ولكني أقول إنه في زمننا‪ ،‬ال تنشأ سمعة الشركات‪ ،‬وصورتها‬ ‫العاملية فقط من تفوقها في اإلنتاج‪ ،‬بل هناك عنصر أساسي‬ ‫آخر في عصر العوملة هو أخالقيات العمل"‪.‬‬ ‫ولم تعلق أي من الشركة الصينية إلنشاء السكك احلديدية‬ ‫أو وزارة األشغال العامة اجلزائرية حتى وقت النشر‪ .‬وعرضت‬ ‫مجموعة سيتيك التعليق في البداية‪ ،‬ولكن بعد احلديث عن‬ ‫حساسية األسئلة املطروحة‪ ،‬قالت إن السلطات املعنية في‬ ‫رحلة عمل‪ .‬كما رفض مكتب منظمة العمل الدولية التابع لألمم‬ ‫املتحدة في اجلزائر التعليق على األمر‪.‬‬

‫*مايكل مارتن – صحافي يعمل في صحيفة "ساوث تشاينا‬ ‫مورننغ بوست" وهي أكبر صحيفة ناطقة باللغة اإلجنليزية‬ ‫في هونغ كونغ‪ ،‬وهو متخرج حديثا من كلية الدراسات العليا‬ ‫للصحافة في جامعة كولومبيا‪.‬‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 17‬يناير ‪2010‬‬ ‫‪34‬‬

‫فعل خري �أم ا�ستغالل؟‬ ‫تعتبر الصني أسرع األسواق منوا في العالم عام ‪2010‬‬ ‫عموما‪ .‬تستمر البالد‪ ،‬التي كانت حصنا قويا أثناء‬ ‫األزمة االقتصادية العاملية‪ ،‬في مد نفوذها حول العالم‬ ‫ولم تتجاهل الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ .‬وتوضح‬ ‫هذه النماذج التعاون املتنامي والعالقات املزدهرة بني‬ ‫أكبر قوة اقتصادية في العالم واملنطقة النامية‪.‬‬ ‫ولكن يخشى احملللون من أن الصني ال تهتم كثيرا‬ ‫بتعزيز التنمية كما تهتم بزيادة قوتها االقتصادية‬ ‫وتهديد أمن الطاقة الغربي‪.‬‬ ‫سورية‬ ‫في يونيو (حزيران) ‪ ،2010‬اشترت شركة «الصني‬ ‫الوطنية للبترول»‪ ،‬أكبر شركات الطاقة في الصني‪،‬‬ ‫‪ 35‬في املائة من أسهم شركة «شل – سورية»‬ ‫لتنمية النفط في صفقة ميكن أن تزيد قيمتها على‬ ‫‪ 1.5‬مليار دوالر‪ .‬وعلى الرغم من االستحواذ الضئيل‬ ‫نسبيا للشركة العمالقة‪ ،‬فإنه يوضح رغبة الصينيني‬ ‫في تعزيز وجودهم في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫إيران‬ ‫تطورت العالقات الصينية ‪ -‬اإليرانية لتصبح قوية في‬ ‫األعوام اخلمسة األخيرة‪ ،‬حيث وُقعت اتفاقيات مهمة‬ ‫بقيمة مليارات عدة من الدوالرات لتنمية حقول‬ ‫البترول في غرب إيران في شمال أذاديجان‪ ،‬وإنتاج الغاز‬ ‫في حقل جنوب بارس‪ .‬ويدعي مسؤولون إيرانيون أن‬ ‫حجم التبادل التجاري بني إيران والصني سيصل إلى‬ ‫‪ 50‬مليار دوالر بحلول عام ‪.2015‬‬ ‫مصر‬ ‫من املقرر أن يتم االنتهاء من تطوير منطقة السويس‬ ‫االقتصادية اجلديدة مع اهتمام صيني كبير‪ .‬وتأمل‬ ‫منطقة السويس في تشجيع االستثمار الصناعي‪،‬‬ ‫لذلك سيساعد التعاون الصيني املرتقب في صرف‬ ‫االنتقادات بأن الصني تهتم فقط باملوارد الطبيعية‬ ‫في املنطقة‪.‬‬ ‫السودان‬ ‫مت الكشف عن حساسيات صينية في بداية شهر‬ ‫ديسمبر (كانون األول) عام ‪ ،2010‬عندما تعهدت‬ ‫احلكومة بالتبرع بـ‪ 23‬مليون دوالر من أجل مشروعات‬ ‫في شرق السودان‪ .‬وبصفتها أكبر مورد أسلحة إلى‬ ‫اخلرطوم‪ ،‬ومستثمرا رئيسا في النفط السوداني‪،‬‬ ‫حترص الصني على إثبات النيات احلسنة بإرسال‬ ‫مبعوثني بصفة خاصة لتشجيع السالم‪ .‬ويخصص‬ ‫مبلغ ‪ 23‬مليون دوالر من أجل بناء البنية التحتية‬ ‫األساسية في املنطقة االستراتيجية‪ ،‬التي حتتوي على‬ ‫امليناء التجاري الوحيد في البالد وتسمح بالوصول إلى‬ ‫خطوط األنابيب‪.‬‬

‫أصبح املشروع الذي أشادت به احلكومة‬ ‫اجلزائرية كبشارة خير ورخاء سببا في أوقات‬ ‫عصيبة لبعض املواطنني‬


‫أيضا في شبكات من الرشاوى والعموالت غير القانونية املتعلقة‬ ‫بتعاقدهما‪.‬‬ ‫وقد مت اعتقال املمثل السابق عن شركة سيتيك في اجلزائر‪،‬‬ ‫شاني مجذوب‪ ،‬وستة أشخاص آخرين من بينهم مدير ديوان‬ ‫وزارة األشغال‪ ،‬بعد إبالغ طرف ثالث عن قيام مسؤولني جزائريني‬ ‫بأنشطة غير طبيعية في حسابات جزائرية في مصارف إسبانية‪.‬‬ ‫وما زالت احملاكمة مستمرة‪.‬‬ ‫وقد أجاب السفير الصيني لدى اجلزائر‪ ،‬ليو يو خه‪ ،‬على الصحافة‬ ‫في ما يتعلق مبعلومات الطرف األجنبي اجملهول املشترك في‬ ‫االدعاءات‪ ،‬قائال‪ " :‬يقف خلف هذه احلملة أشخاص ضد الصني‬ ‫وشركاتها‪ ،‬أشخاص يريدون تشويه صورتها ويشعرون باحلنني‬ ‫إلى احلروب املريرة والعقلية االستعمارية"‪.‬‬ ‫شراكة املستضعفني‬ ‫وتترسخ العالقات التجارية بني اجلزائر والصني ومشروع الطريق‬ ‫السريع في جتربتهما املشتركة في فترة ما بعد االستعمار‪.‬‬ ‫وأحيانا ما تستشهد وسائل اإلعالم الصينية بأوجه التشابه بني‬ ‫التاريخني املعاصرين الصيني واجلزائري‪ ،‬فيما يقول محللون إنها‬ ‫محاولة لتقوية العالقات مع اجلزائر‪.‬‬ ‫وقد خاضت اجلزائر‪ ،‬التي احتلها الفرنسيون ملدة ‪ 130‬عاما‪ ،‬حربا‬ ‫مريرة من أجل االستقالل بدأت عام ‪ ،1954‬بعد خمسة أعوام‬ ‫فقط من إعالن الرئيس ماو تسي تونغ عن قيام الصني اجلديدة‪،‬‬ ‫املتحررة من السيادة األجنبية لليابان والغرب‪.‬‬ ‫وقال ملحق اقتصادي في السفارة الصينية في اجلزائر‪" :‬متلك كل‬ ‫من اجلزائر والصني تاريخا متشابها‪ .‬وقد قدمت حكومة الصني‬ ‫وشعبها دعما قويا للجزائر أثناء حربها من أجل االستقالل"‪.‬‬ ‫األمر املبشر هو أن التاريخ املتشابه للبلدين ال يقف عند النهاية‬ ‫الدموية لإلمبريالية والفقر وخيبة األمل في أعقاب احلرب‪ .‬يقول‬ ‫احملللون إن مشاريع مثل طريق شرق غرب السريع مصممة وفقا‬ ‫ملشاريع بنية حتتية واسعة النطاق تعزز من النمو االقتصادي‬ ‫بعد سياسة اإلصالح واالنفتاح الصينية في عام ‪.1978‬‬ ‫وقد رفض أحد العمال اجلزائريني الكشف عن تفاصيل أوضاعه‬ ‫اخلاصة‪ ،‬خوفا من عقاب رؤسائه‪ ،‬ولكنه أكد أن الشركتني‬ ‫الصينيتني لم تدفعا أجره منذ نحو ‪ 16‬شهرا‪ ،‬وقال إن املوظفني‬ ‫الصينيني يخضعونهم لظروف عمل قاسية‪ .‬وقد غادر أخيرا‬ ‫موقع املشروع للبحث عن عمل في مكان آخر‪.‬‬ ‫ولم ترد إجابة من السلطات اجلزائرية‪.‬‬ ‫وفي مقال نشر عام ‪ 2009‬لزهير آيت موهوب في صحيفة‬ ‫"الوطن" اجلزائرية اليومية‪ ،‬وردت شكوى عمال الطريق السريع‬ ‫الذين استعانت بهم الشركتان الصينيتان في البويرة من عدم‬ ‫حصولهم على أجورهم‪ ،‬ومن أوضاع العمل غير اآلمنة‪ ،‬واإلساءات‬ ‫التي تعرضوا لها على يد أصحاب العمل الصينيني‪ .‬وبعد لفت‬ ‫انتباه السلطات احمللية‪ ،‬تقدم احتاد العمال بخطاب للرئيس‬ ‫بوتفليقة‪ ،‬ولكنه لم يتلق ردا‪.‬‬ ‫وقال متحدث باسم االحتاد للعمال الغاضبني‪" :‬لقد أنكر‬ ‫الفرنسيون حقوقكم طوال ‪ 130‬عاما‪ .‬فليس على الصينيني أن‬ ‫مينحوكم (حقوقكم) اليوم"‪.‬‬ ‫ادعاءات بالفساد‬ ‫تتورط شركتا سيتيك والصينية إلنشاءات السكك احلديدية‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫وقال امللحق االقتصادي‪" :‬في األعوام الثالثني املاضية من‬ ‫االنفتاح واإلصالح‪ ،‬حققنا إجنازات كبيرة في التنمية االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وقللنا من نسبة الفقر‪ .‬ويعد هذا النوع من اإلجناز‬ ‫منوذجا جيدا للدول األفريقية"‪.‬‬ ‫وتقيم اجلزائر شراكة اقتصادية منذ مدة بعيدة مع حليفتها بعد‬ ‫االستعمار‪ .‬ووفقا لبيانات السفارة الصينية‪ ،‬وصل حجم التبادل‬ ‫التجاري بني الدولتني إلى ‪ 5.13‬مليار دوالر عام ‪ ،2009‬بزيادة‬ ‫قدرها ‪ 11.4‬في املائة عن العام السابق‪ ،‬وبحلول نهاية العام‬ ‫املاضي‪ ،‬بلغت استثمارات الصني في البالد نحو مليار دوالر‪ .‬وفي‬ ‫العام املاضي‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أقامت شركة الصني الوطنية‬ ‫للبترول مصفاة ضخمة لتكرير النفط في منطقة سكيكدة‬ ‫الصناعية في اجلزائر‪ ،‬بتكلفة بلغت ‪ 385‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من العالقات الوثيقة‪ ،‬فإن نظرة بعض اجلزائريني‬ ‫للشركات الصينية أثارتها التغطية اإلعالمية األخيرة ألزمة‬ ‫الطريق السريع‪ .‬قال نور الدين بنعبو‪ ،‬وهو أحد صحافيي‬ ‫"ليبرتي" الذين قاموا بتغطية عدم سداد الشركتني الصينيتني‬ ‫للمرتبات‪ ،‬إن اجلزائريني اآلن يشعرون بأن "الصينيني يحلون محل‬ ‫األوروبيني في أفريقيا"‪ .‬ويعتقد بنعبو أن حقيقة عدم إسناد أي‬ ‫من التعاقدات الرئيسة إلى شركات صينية كبرى هذا العام تشير‬ ‫إلى أن مشكلة الطريق السريع أضعفت العالقات السياسية‬ ‫اجلزائرية مع الصني‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫الشركات الصينية العاملة‬ ‫في اجلزائر في قفص االتهام‬

‫طريق سريع‬ ‫مملوء باملطبات!‬

‫لم تسدد الشركات الصينية التي تعمل على إنشاء طريق‬ ‫شرق غرب السريع في اجلزائر مستحقات الشركات اجلزائرية‬ ‫املتعاقدة معها منذ ‪ 16‬شهرا‪ ،‬مما يشوه من صورة الصني في‬ ‫الصحافة اجلزائرية‪ .‬ويعد هذا واحدا من بني كثير من املواقف‬ ‫التي ترتبط بالطريق السريع‪ ،‬مما يهدد الشراكة االستراتيجية‬ ‫الراسخة بني الدولتني‪.‬‬ ‫مايكل مارتن‬

‫ما زال على شركتي اإلنشاء الصينيتني العمالقتني املسؤولتني‬ ‫عن تنفيذ املشروع اجلزائري بإقامة أطول طريق سريع في أفريقيا‬ ‫أن تسددا مستحقات شركات اإلنشاء اجلزائرية التي تساعد في‬ ‫انشاء املشروع‪.‬‬ ‫أصدرت مجموعة سيتيك والشركة الصينية إلنشاءات السكك‬ ‫احلديدية شيكات من دون رصيد للشركات الفرعية اجلزائرية‬ ‫املساهمة في إنشاء طريق شرق غرب السريع في اجلزائر في بداية‬ ‫العام احلالي‪ .‬ويقترب املشروع من االنتهاء‪ ،‬ولكن يقول بعض‬ ‫عمال اإلنشاء اجلزائريني إن الشركتني لم تدفعا أجورهم منذ نحو‬ ‫‪ 16‬شهرا‪.‬‬ ‫وفي سيدي بلعباس‪ ،‬وهي مركز رئيس لشركات املقاوالت‪ ،‬أحصت‬ ‫‪ 16‬شركة مبلغا وصل إلى ‪ 302,933,667.65‬دينار جزائري من‬ ‫الرواتب التي لم يتم تسديدها‪ .‬ولكن هذا مجرد جزء ضئيل من‬ ‫املبلغ املستحق ملا يزيد على ‪ 30‬شركة‪ ،‬كما ذكرت صحيفة‬ ‫"ليبرتي" اجلزائرية اليومية‪.‬‬ ‫وقال أحد العاملني في فرع مصرف الزراعة والتنمية الريفية‬ ‫اجلزائري في سيدي بلعباس‪ ،‬وهو املصرف الذي أصدر شيكات‬ ‫الشركتني الصينيتني‪" :‬ال توجد وسيلة لالتصال بالشركتني‬ ‫الصينيتني‪ .‬ومت اكتشاف أن شيكاتهما من دون رصيد"‪.‬‬ ‫وقال موظف آخر في املصرف‪" :‬سيتم تسوية املستحقات"‪.‬‬ ‫وعندما سئل متى وكيف سيتم ذلك؟ قال‪" :‬لست متأكدا من‬ ‫هذا اجلزء حتديدا"‪.‬‬

‫مستدامة"‪ ،‬كما وصفه آندي تشي غوزهونغ‪ ،‬احمللل االقتصادي‬ ‫املستقل لشؤون التنمية االقتصادية في الصني‪ .‬أوضح‬ ‫غوزهونغ أن الطريق ضروري من أجل نقل الصادرات‪ ،‬وأنه يجتذب‬ ‫االستثمارات األجنبية املباشرة من خالل تسهيل وسائل النقل‬ ‫للشركات العاملية‪.‬‬ ‫واجلزائر أحد أكبر مصدري النفط في املنطقة‪ .‬وقد تعاقدت‬ ‫وزارة األشغال العامة اجلزائرية مع مجموعة سيتيك الصينية‬ ‫والشركة الصينية إلنشاءات السكك احلديدية من أجل إنشاء‬ ‫‪ 528‬كيلومترا‪ ،‬من إجمالي ‪ 1,216‬كيلومترا‪ ،‬وهي أطول‬ ‫مساحة في الطريق‪ ،‬في عام ‪ .2006‬وكانت قيمة التعاقد ‪6.2‬‬ ‫مليار دوالر من ‪ 11.4‬مليار دوالر‪ ،‬وهي القيمة اإلجمالية املتوقعة‪.‬‬ ‫ومت تخصيص ‪ 399‬كيلومترا جملموعة شركات كوجال اليابانية‪،‬‬ ‫بينما حصلت شركات محلية على بقية التعاقدات‪.‬‬

‫يأتي الطريق السريع كجزء من استراتيجية متعددة احملاور للحد وكان املشروع قد اقترح من البداية لتوفير ‪ 100,000‬فرصة عمل‪،‬‬ ‫من البطالة والفقر في اجلزائر‪ .‬وتشير األرقام الرسمية إلى أن وفقا لوزارة األشغال العامة اجلزائرية‪ .‬وذكرت التقارير الرسمية‬ ‫نسبة البطالة تصل إلى ‪ 10‬في املائة تقريبا‪ ،‬ولكن يقول احملللون أنه متت االستعانة بنحو ‪ 75,400‬عامل ومهندس جزائري حتى‬ ‫اآلن‪ .‬وقدرت صحيفة "اخلبر" اجلزائرية اليومية عدد العاملني‬ ‫إنه من املرجح أن النسبة تبلغ ضعف هذا الرقم‪.‬‬ ‫الصينيني مبا يقرب من ‪ 12,000‬فرد‪.‬‬ ‫وقد صمم املشروع العمالق‪ ،‬الذي تعتبره احلكومة اجلزائرية‬ ‫حسبما وصفه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة "حتدي القرن"‪ ،‬ولكن أصبح املشروع الذي أشادت به احلكومة اجلزائرية كبشارة‬ ‫من أجل توفير فرص عمل للجزائرين‪ ،‬ويعد "برنامجا لتنمية خير ورخاء سببا ألوقات عصيبة لبعض املواطنني‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫مالية مينع جمع البيانات الدقيقة املوثوق بها‪ ،‬وسجالت‬ ‫جرد مهملة‪ ،‬وتقرير خاطئ يقلل من قيمة املمتلكات‬ ‫واملصانع واملعدات‪ ،‬وسجالت مراجعة غير صحيحة‪.‬‬

‫م�ستقبل من الف�شل‬

‫وفي عام ‪ ،2010‬أصدرت اللجنة املالية في مجلس الشيوخ‬ ‫تقريرا ينتقد بشدة «عدم وجود محاسبة مالية متاما»‬ ‫في البنتاغون مما يجعل «مبالغ طائلة من أموال دافعي‬ ‫الضرائب معرضة لالحتيال والسرقة العلنية»‪.‬‬

‫في يوليو (متوز) ‪ ،2010‬نشر مركز الدراسات‬ ‫«عدم‬ ‫االستراتيجية والدولية تقريرا بعنوان‪:‬‬ ‫التخطيط للشك‪ :‬إعادة تشكيل مستقبل خطط‬ ‫الدفاع»‪ .‬يتحول التقرير إلى اتهام لقدرة وزارة الدفاع‬ ‫على التخطيط املالئم للمستقبل‪ .‬ومن خالل حتليل‬ ‫تقرير الدفاع لعام ‪ 2010‬والذي يصدر كل أربع‬ ‫سنوات عن وزارة الدفاع‪ ،‬ومقارنته بتقرير عام ‪،2006‬‬ ‫اكتشف املركز تفاوتا كبيرا بني األهداف املعلنة‬ ‫واألهداف الواقعية‪.‬‬

‫وبدال من أن يطلب إصالحا ذا معنى في أسلوب محاسبة‬ ‫وزارة الدفاع لشؤونها املالية‪ ،‬حول الكونغرس أمواال‬ ‫مخصصة لبرامج متعلقة باألمن كانت خاضعة لتصرف‬ ‫وزارة اخلارجية إلى البنتاغون مباشرة‪ .‬وأصبح مبلغ‬ ‫يقدر بنحو مليار دوالر متاحا للجيش األميركي ليساعد‬ ‫احلكومات على مواجهة احلركات اإلسالمية املتطرفة‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أن بعض املشرعني ومساعديهم أعربوا عن‬ ‫مخاوف تتعلق بشفافية هذه احلسابات‪ .‬وفي أغسطس‬ ‫(آب) عام ‪ ،2009‬أجاب السيناتور راسل فاينغولد على‬ ‫طلب البنتاغون بتمويل إضافي ملكافحة اإلرهاب بتقرير‬ ‫يذكر أن ‪ 6‬ماليني دوالر من البرنامج قد منحت حلكومة‬ ‫دولة تشاد‪ ،‬التي وفقا لتقرير صادر عن وزارة اخلارجية‬ ‫«تشترك في عمليات قتل من دون محاكمات‪ ،‬واحتجاز‬ ‫جبري وتعذيب»‪ .‬وفي بداية العام احلالي‪ ،‬صرح كارل ليفني‪،‬‬ ‫رئيس جلنة القوات املسلحة في مجلس الشيوخ‪ ،‬لفورين‬ ‫بوليسي (‪ )foreignpolicy.com‬بأن «هناك مشكالت‬ ‫إجرائية فعلية حتتاج إلى حل» بخصوص سلطة األموال‬ ‫اململوكة للبنتاغون‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من األسلوب الذي مييل إلى الغضب‪ ،‬ليس من‬ ‫الواضح ما إذا كان الكونغرس راغبا في تقليص ميزانية‬ ‫البنتاغون‪ .‬وفي انتخابات التجديد النصفي التي أجريت‬ ‫في نوفمبر (تشرين الثاني)‪ ،‬استحوذ اجلمهوريون الودودون‬ ‫عادة مع البنتاغون على غالبية مقاعد مجلس النواب‪،‬‬ ‫على الرغم من أن جناح مرشحيهم من حفالت الشاي ‪-‬‬ ‫وهم مجموعة من املدافعني عن احلريات الذين يخشون‬ ‫من التعامل مع إنفاق وزارة الدفاع مثلما يتعاملون مع‬ ‫أي بند في امليزانية الفيدرالية ‪ -‬قد يسفر عن تخفيض‬ ‫كبير في اإلنفاق‪ .‬ورمبا ال‪ .‬فال توجد هيئة حكومية ذات‬ ‫قدرات وتأييد تشريعي ملبادراتها أكبر من وزارة الدفاع‪ .‬ومن‬ ‫أجل حتفيز املشرعني على إقرار برامج أسلحتها الباهظة‪،‬‬ ‫تعلق الوزارة آماال بتوفير الوظائف في واليات ومناطق كبار‬ ‫املشرعني‪ ،‬وهو أسلوب مكلف ولكنها مناورة سياسية‬ ‫ذكية‪ ،‬بخاصة في ظل ركود االقتصاد األميركي وارتفاع‬ ‫نسبة البطالة‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬ازداد اإلسراف وعدم الكفاءة واحملاباة‬ ‫السياسية‪ ،‬وهي أشياء ليست غريبة على الشؤون‬ ‫العسكرية التشريعية‪ ،‬على مدار األعوام‪ .‬وفي أبريل‬ ‫(نيسان) ‪ ،2008‬اكتشف مكتب محاسبة احلكومة أن‬ ‫‪ 95‬مشروعا رئيسا في البنتاغون قد جتاوزت ميزانياتها‬ ‫األصلية بنحو ‪ 300‬مليار دوالر‪ .‬وفي العام التالي‪ ،‬توصل‬ ‫املكتب إلى أن شيئا لم يتغير‪ .‬وفي عام ‪ ،2009‬أضاف‬ ‫املشرعون إلى اقتراح امليزانية السنوية للبنتاغون مبلغ‬ ‫‪ 5.4‬مليار دوالر في برامج وأسلحة لم تطلبها الوزارة‪.‬‬ ‫ومن أجل حتقيق أهدافهم بتخفيض حجم العجز‪ ،‬يطالب‬ ‫الداعون إلى تقليص امليزانية بسحب القوات األميركية‬ ‫من قواعدها العسكرية الكبيرة املكلفة في أوروبا وفي‬ ‫آسيا‪ ،‬التي يعتبرها كثير من اخلبراء االستراتيجيني ميراثا‬ ‫باليا من احلرب الباردة‪ .‬ولكن قد يجعلهم ذلك في تصادم‬ ‫مع البنتاغون‪ ،‬بل وأيضا مع دبلوماسيني أميركيني رفيعي‬ ‫املستوى ال يرغبون في إثارة غضب حلفاء رئيسيني‪ .‬أما‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫وفي ما يلي مالحظات من تقرير «عدم التخطيط‬ ‫للشك» الذي يلخص بفاعلية عدم وجود تخطيط‬ ‫مفصل ودقيق من جانب وزارة الدفاع األميركية‪.‬‬ ‫يستمر تقرير الدفاع لعام ‪ 2010‬الذي يصدر كل أربع‬ ‫سنوات وطلب ميزانية عام ‪ 2011‬في عدم توافق قدمي‬ ‫داخل وزارة الدفاع بني الهدف االستراتيجي واألولويات‬ ‫في وضع امليزانية‪.‬‬ ‫في حني يعمل تقرير الدفاع لعام ‪ 2010‬بصورة أفضل‬ ‫من تقرير عام ‪ 2006‬على تعريف تهديد البيئة‪،‬‬ ‫وأهداف وزارة الدفاع االستراتيجية‪ ،‬ما زال التقرير‬ ‫يفتقد في جوانب عدة إلى توضيح كامل لكيفية عزم‬ ‫الوزارة على حتقيق هذه األهداف‪.‬‬ ‫هذه اإلخفاقات في حتديد مفاهيم عمليات واضحة‬ ‫تربك محاوالت اخملططني من أجل التعرف على القدرات‬ ‫الضرورية والدفع بتغييرات هيكلية‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫كيفية حتديد األولويات من بني املطالب املتصارعة‬ ‫لقدرات مختلفة‪.‬‬ ‫ويفاقم هذا املوقف من تعقيد اجلهود التي يبذلها‬ ‫الكونغرس ووزارة الدفاع من أجل حتسني هيكل‬ ‫القوة العسكرية لتحقيق جميع املهمات الست‬ ‫الرئيسة وسط حملة من «ربط احلزام» املالي‪ ،‬التي‬ ‫قد ال تستطيع وزارة الدفاع بسببها أن تنفق ببساطة‬ ‫للخروج من أزمات هيكل القوة في املستقبل‪.‬‬

‫بالنسبة لصقور امليزانية في واشنطن‪ ،‬رمبا يكون أي طريق‬ ‫إلى حتقيق توازن في امليزانية أكثر خطورة مما يدركون‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬بغض النظر عن ثقل مديونية الواليات املتحدة‪ ،‬رمبا‬ ‫تكون جذور العسكرة األميركية متتد إلى أعماق أبعد‪.‬‬

‫*ستيفن غلني‪ :‬مراسل صحفي سابق لنيوزويك وكان‬ ‫غطى منطقتي آسيا والشرق األوسط لوول ستريت‬ ‫جورنال حلوالي عشر سنوات‪ .‬يقيم حاليا في واشنطن‬ ‫ويعمل كصحفي حر وكاتب ويعكف حاليا على اعداد‬ ‫كتابه القادم حول عسكرة العالقات اخلارجية األميركية‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 27‬يناير ‪2010‬‬ ‫‪31‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫إنفاق خارج عن‬ ‫السيطرة والكونغرس عاجز‬

‫البنتاغون‪..‬‬ ‫ال رقيب وال حسيب‬ ‫في الوقت الذي يكافح فيه احملافظون املاليون عجز امليزانية‬ ‫األميركية‪ ،‬يستمر اجليش األميركي في إنفاق صارخ ملزيد‬ ‫من األموال احلكومية‪ .‬وعلى الرغم من أن بعض السياسيني‬ ‫وصانعي السياسات يدرسون علنا فكرة تخفيض ميزانية‬ ‫اجليش‪ ،‬فإنه ما زال غير واضح ما إذا كان الكونغرس سيخاطر‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫ستيفن غلني‬ ‫تخيل أنك محاسب مسؤول عن تقييم أكبر مجموعة‬ ‫شركات في العالم‪ .‬تعاني الشؤون املالية فيها من سوء‬ ‫إدارة لدرجة أن قوائمها السنوية أصبحت غير مفهومة‬ ‫على مدار العقدين املاضيني‪ .‬وتضاعف الدخل مرتني على‬ ‫مدار األعوام العشرة املاضية‪ ،‬على الرغم من أن األعباء‬ ‫تزيد ثالثة أضعاف عن األصول‪ .‬ومتلك اجملموعة ميزانية‬ ‫مشتريات هائلة تشهد زيادة سنوية سريعة اخلطى‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنها تعاني انخفاض نسبة اإلنتاجية بسبب‬ ‫ارتفاع تكاليف التصنيع وانخفاض عدد املقاولني‪ .‬وترتفع‬ ‫نفقات معاشات العاملني كثيرا لدرجة أنها تزاحم‬ ‫االستثمارات في خطوط األعمال الرئيسة في اجملموعة‪.‬‬ ‫وإذا كنت تتساءل عن سبب عدم مطالبة حاملي أسهم‬ ‫هذه اجملموعة بعقد اجتماع جمعية عمومية طارئة مع‬ ‫رؤساء اجملموعة‪ ،‬فهذه ليست مجموعة عادية‪ ،‬بل هي وزارة‬ ‫الدفاع األميركية‪ ،‬التي تعد حتى اآلن أكبر هيئة حكومية‬ ‫في العالم‪ .‬ووفقا لبعض املقاييس‪ ،‬فإنها أكثر الهيئات‬ ‫خلال أيضا‪ ،‬حيث تبلغ ميزانيتها السنوية ما يتعدى‬ ‫‪ 700‬مليار دوالر‪ .‬وحتى قبل أن تطلق أحداث ‪ 11‬سبتمبر‬ ‫(أيلول) اإلرهابية في الواليات املتحدة العنان لعقد من‬ ‫اإلنفاق العسكري الذي حقق رقما قياسيا‪ ،‬كانت ميزانية‬ ‫البنتاغون‪ ،‬باإلضافة إلى برامج املعاش الوطني والرعاية‬ ‫الطبية للمتقاعدين‪ ،‬التزاما ثابتا‪ .‬ويؤيد أعضاء في‬ ‫الكونغرس تخفيض النفقات‪ ،‬معرضني أنفسهم بذلك‬ ‫لتهديد بأن يوصفوا باللني مع أعداء أميركا‪ .‬وفي الواقع‪،‬‬ ‫عارض بعض املشرعني التخفيضات التي اقترحتها وزارة‬ ‫الدفاع ذاتها في األسلحة البالية التي يتم جمعها في‬ ‫والياتهم‪.‬‬ ‫رمبا يتغير كل ذلك‪ ،‬على األقل إذا خرج علينا حتالف‬ ‫كبير من احملافظني املاليني في الوقت الذي أصبح فيه‬ ‫تخفيض عجز امليزانية هو الفكر اجلديد الذي تؤمن به‬ ‫واشنطن‪ .‬على مدار الشهور القليلة املاضية‪ ،‬دعت جلان‬ ‫عدة مستقلة إلى مزيج من زيادة الضرائب وتخفيض في‬ ‫اإلنفاق ‪ -‬ومنها بنود في وزارة الدفاع ‪ -‬حلل مشكلة العجز‬ ‫الذي من املقدر أن يصل إلى ‪ 8.5‬تريليون دوالر في خالل‬ ‫‪30‬‬

‫عشرة أعوام‪ .‬وفي أكتوبر (تشرين األول)‪ ،‬انتقد بشدة‬ ‫مركز الدراسات الدولية واالستراتيجية وزارة الدفاع وإدارة‬ ‫الرئيس باراك أوباما بسبب التقليل من تقدير التكاليف‬ ‫املستقبلية للحربني في العراق وأفغانستان‪ ،‬وعدم احلد‬ ‫من تفويضات اإلنفاق اخلارجة عن السيطرة‪ .‬وفي الشهر‬ ‫املاضي‪ ،‬اقترحت جلنة الديون الرئاسية األميركية تخفيض‬ ‫ميزانية البنتاغون مببلغ ‪ 104‬مليارات دوالر‪ .‬وفي تقرير‬ ‫نشر في أكتوبر (تشرين األول)‪ ،‬هاجمت اللجنة أساس‬ ‫سياسة األمن القومي األميركية في حد ذاتها‪ ،‬حيث إنه‬ ‫ال ميكن حتملها‪ .‬وجاء في التقرير‪« :‬بدال من حمايتنا من‬ ‫عدو واضح ومحدد‪ ،‬تركز خطط وزارة الدفاع وأهدافها‬ ‫االستراتيجية حاليا على منع ظهور تهديدات جديدة عن‬ ‫طريق اإلبقاء على قدر هائل من التعهدات العاملية في‬ ‫جميع القارات واحمليطات‪ .‬ونعتقد أنه يجب تقليص نطاق‬ ‫مثل تلك التعهدات»‪.‬‬ ‫أصبح حتديد حجم املهمة العسكرية مجرد خطوة أولى‪،‬‬ ‫حيث يعتقد عدد متزايد من اخلبراء االستراتيجيني وخبراء‬ ‫امليزانية أن البنتاغون خرج عن نطاق السيطرة‪ .‬من عام‬ ‫‪ 2001‬إلى ‪ ،2010‬ارتفعت ميزانية الدفاع األساسية‬ ‫بنسبة يضبطها التضخم بلغت ‪ 6‬في املائة سنويا‪،‬‬ ‫لتصل إلى ما يزيد على ضعف حجمها قبل أحداث ‪11‬‬ ‫سبتمبر (أيلول)‪ .‬وتبلغ قيمة األصول ‪ 1.7‬تريليون دوالر‪،‬‬ ‫وقيمة األعباء ‪ 2.1‬تريليون دوالر‪ ،‬و‪ 676‬مليار دوالر لصافي‬ ‫تكاليف التشغيل‪ .‬على الرغم من أن تلك األرقام ال معنى‬ ‫لها نظرا لعدم وضوح ميزانيتها وسطحيتها‪ .‬وتوصف‬ ‫القوائم املالية للبنتاغون بعدم إمكانية مراجعتها منذ‬ ‫عام ‪ ،1991‬عندما بدأت الوزارة في عرض حساباتها على‬ ‫الكونغرس‪ .‬وتقدر قيمة ما فقدته نحو ‪ 4‬تريليونات دوالر‬ ‫منذ ذلك احلني‪ .‬وفي عام ‪ ،2002‬اكتشف املراقب واملدير‬ ‫املالي للبنتاغون أن ثماني قوائم مالية من تسع غير موثوق‬ ‫بها‪ ،‬وامتنع عن إبداء الرأي فيها‪ .‬وفي عام ‪ ،2008‬كانت‬ ‫جميع القوائم املالية‪ ،‬ماعدا اثنتني‪ ،‬غامضة‪ .‬وصدر فيها‬ ‫أيضا امتناع عن إبداء الرأي‪ .‬وفي أكتوبر (تشرين األول)‬ ‫‪ ،2009‬وجد املفتش العام في البنتاغون أوجه قصور‬ ‫خطيرة في معايير ضبط الدفاتر‪ ،‬مبا فيها من نظام إدارة‬


‫ويدفعون ويتصارعون ويأملون في أن يستمع شخص واحد‪ ،‬رجل‬ ‫يحمل ختما‪ ،‬شخص واحد مسؤول يحاول فعليا حلل مشكلتهم‪،‬‬ ‫بدال من طردهم‪.‬‬ ‫وهكذا هو احلال في الشرق األوسط‪ .‬إنه مشهد مألوف في أروقة‬ ‫السلطة في الشرق األوسط‪ :‬يقدم املواطن للمسؤول في تذلل‬ ‫وخضوع مذكرة أو التماسا أو سطورا قليلة مكتوبة على ورق‬ ‫طلبا للمساعدة‪ ،‬للحصول على وظيفة البنه أو إلجراء عملية‬ ‫لوالده أو ملساعدته أمام مالك عقار عدمي الضمير‪ ،‬على أمل أن‬ ‫الرجل صاحب اخلامت أو املسؤول احمللي القوي الذي يدخن السيجار‬ ‫الكوبي وميتلك فيال في دبي‪ ،‬سيستمع إليه مرة واحدة فقط‬ ‫وسيساعده مرة واحدة فقط‪ .‬في بعض األحيان يفعلون ذلك‪،‬‬ ‫سياسة احملاباة بالطبع‪ .‬ولكنهم في الغالب ال يفعلون‪.‬‬

‫تثير األرقام كآبة‪ .‬يجب أن يوفر العالم العربي ‪ 100‬مليون وظيفة‬ ‫على مدار األعوام العشرة املقبلة‪ ،‬كما تقول مؤسسات التنمية‬ ‫العاملية‪ .‬وتسود بطالة الشباب‪ ،‬التي وصلت إلى نسبة مذهلة‬ ‫(‪ 29‬في املائة)‪ ،‬جميع أنحاء العالم‪ .‬ولكن ال يوجد أمر أكثر‬ ‫إضعافا من انتشار البطالة‪ .‬إنه يفسد العقلية مثل السرطان‬ ‫ويخمد إمكانات جيل كامل‪ ،‬ويجذب إلى أسفل أكبر األنظمة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬مما يولد دائرة مفرغة‪.‬‬ ‫إنه مزيج سام‪ ،‬ميكنه‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬أن يطيح بدكتاتور‪ .‬وفي جميع‬ ‫أنحاء العالم النامي‪ ،‬وبخاصة في األراضي العربية‪ ،‬هناك ماليني‬ ‫آخرون من محمد البوعزيزي‪ ،‬لم يشعلوا النار في أنفسهم‬ ‫ولكنهم يحترقون‪.‬‬

‫* أفشني موالفي ‪ -‬باحث في مؤسسة أميركا اجلديدة‪ ،‬ويغطي‬ ‫إذا لم يتحرك صانعو السياسات اإلقليمية سريعا‪ ،‬وبفعالية أخبار الشرق األوسط لكل من «نيوزويك» و«رويترز» و«واشنطن‬ ‫(ملحوظة‪ :‬ال يعني ذلك عقد مؤمتر آخر رفيع املستوى مع «خبراء بوست» وإصدارات أخرى‪.‬‬ ‫أجانب» يسافرون على مقاعد الدرجة األولى إللقاء محاضرات‬ ‫على جمهور) سيستمر الغليان البطيء للجيل احملترق‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 21‬يناير ‪2010‬‬

‫الطاحمون يف مقعد الرئا�سة‬ ‫من املؤكد أن الرئيس القادم في تونس سيلعب دورا كبيرا في‬ ‫تشكيل فترة ما بعد ثورة البالد‪ ،‬ويتكهن املعلقون بالفعل‬ ‫بوجود عدد محتمل من املرشحني للرئاسة‪.‬‬ ‫يتضمن هؤالء املرشحون رئيس الوزراء احلالي محمد الغنوشي‪،‬‬ ‫الذي أعلن أنه سيتقاعد بعد الفترة االنتقالية وسيعتزل‬ ‫احلعمل السياسي‪ .‬وفي حني أكد العديد من مؤيديه‪ ،‬بل‬ ‫وبعض املعارضني‪ ،‬أن الغنوشي لم يكن متورطا مطلقا في‬ ‫أي أعمال فساد أو قمع‪ ،‬فإن أعوام خدمته في حكومة بن‬ ‫علي تعني أنه لن يكون من املرجح أن يعتبر وكيال للتغيير‪.‬‬ ‫وعلى أي حال‪ ،‬يشير إليه كثيرون باسم «السيد نعم نعم»‬ ‫في إشارة إلى شخصيته احملبوبة في ظل حكم بن علي‪ .‬رمبا‬ ‫جناح الغنوشي في قيادة الفترة االنتقالية احلرجة وعودة الثقة‬ ‫بينه وبني التونسيني قد يغيران من موقفه احلالي ليتراجع عن‬ ‫قرار اعتزاله‪.‬‬ ‫أما املرشح الثاني احملتمل فهو منصف املرزوقي‪ ،‬رئيس حزب‬ ‫املؤمتر الوطني‪ ،‬وهو حزب يساري علماني كان محظورا في‬ ‫السابق‪ .‬وقد عاد املرزوقي إلى تونس بعد أعوام قضاها في‬ ‫املنفى في باريس‪ ،‬بعد أيام قليلة من رحيل بن علي‪ ،‬وأعلن‬ ‫على الفور نيته الترشح ملنصب الرئاسة‪ .‬ولكن أدت األعوام‬ ‫التي أمضاها في اخلارج إلى محدودية التأييد الذي يحظى به‬ ‫على األرض‪ .‬ومن املرجح أيضا أن يؤدي موقفه املتشدد من‬ ‫أعضاء النظام السابق إلى تقييد قدرته على أن يؤدي دورا‬ ‫مهما في حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬حيث يستمر في الدعوة‬ ‫إلى االنفصال التام عن املاضي وإقصاء جميع أفراد النظام‬ ‫السابق من السلطة‪.‬‬ ‫أما املرشح الثالث احملتمل فهو أحمد إبراهيم وزير التعليم‬ ‫العالي والبحث العلمي في احلكومة املوقتة احلالية‪ ،‬واألمني‬ ‫العام حلزب التجديد‪ .‬انضم في أواسط الستينات للحزب‬ ‫الشيوعي التونسي احملظور آنذاك وعام ‪ 1981‬انتخب كعضو‬ ‫في جلنته املركزية‪ .‬كان عام ‪ 1993‬من مؤسسي حركة‬ ‫التجديد التسمية اجلديدة للحزب وانتخب عضوا في جلنتها‬ ‫التنفيذية أثناء مؤمترها التأسيسي‪ .‬انتخب عام ‪2001‬‬ ‫أمينا عاما مساعدا للحركة وعام ‪ 2007‬أمينا أوال‪ .‬في ‪22‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫مارس ‪ 2009‬أعلنت «املبادرة الوطنية من أجل الدميقراطية‬ ‫والتقدم» وهي حتالف سياسي يضم حركة التجديد واحلزب‬ ‫االشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني الدميقراطي‪،‬‬ ‫ترشيحها إلبراهيم لالنتخابات الرئاسية‪ .‬أكد إبراهيم نيته‬ ‫منافسة الرئيس زين العابدين بن علي «الند للند» وأعلن‬ ‫على بيان انتخابي جرئ تتطرق فيه للفساد ومشاكل التعليم‬ ‫والصحة‪ ،‬وقد اشتكى أثناء احلملة االنتخابية من التضييقات‬ ‫التي فرضتها السلطات على مشاركته‪ .‬حتصل حسب النتائج‬ ‫املعلنة على ‪ 1.57‬في املائة من األصوات مقابل ‪ 89.62‬في‬ ‫املائة لزين العابدين بن علي‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬رمبا يكون أقوى مرشح محتمل للرئاسة هو أحمد جنيب‬ ‫الشابي‪ ،‬وزير التنمية اجلهوية‪ ‬في احلكومة املوقتة ومؤسس‬ ‫احلزب الدميقراطي التقدمي‪ ،‬وأشهر رموز املعارضة في البالد‪.‬‬ ‫وعلى نقيض منصف املرزوقي‪ ،‬اختار الشابي البقاء في تونس‬ ‫على الرغم من تعرضه ملضايقات وتعنيف مستمرين من‬ ‫النظام السابق‪ .‬وأسهم ذلك في تكوين دائرة تأييد أوسع‪،‬‬ ‫وإن كانت ال تزال صغيرة‪ .‬ولكن األكثر أهمية هو أنه أكثر‬ ‫رموز املعارضة انفتاحا على التعاون مع أعضاء النظام اجلديد‬ ‫في تشكيل حكومة وحدة وطنية يحتل فيها منصبا وزاريا‪.‬‬ ‫وهو أيضا خطيب بارع ظهر في العديد من اللقاءات اإلعالمية‬ ‫حيث حتدث عن حكومة الوحدة الوطنية كوسيلة للمضي‬ ‫قدما ودافع عن أسلوب عدم التخلص الكامل من كل ما‬ ‫في النظام القدمي من جيد ورديء‪ .‬وقد يكون الشابي أفضل‬ ‫املرشحني احملتملني موقفا خلوض اللعبة السياسية التي جتري‬ ‫حاليا في تونس‪ ،‬وللظهور بصفته طرفا موحدا ومرشحا من‬ ‫أجل التغيير يحتشد الشعب وراءه‪.‬‬ ‫وأيا كان ما سيحدث‪ ،‬فإن الشهور القليلة املقبلة ستشكل‬ ‫نتيجة الثورة التونسية وحتدد ما إذا كانت أول انتفاضة‬ ‫شعبية غير عنيفة تنجح في العالم العربي ستتوج بتحقيق‬ ‫االنفتاح والدميقراطية والعدل في البالد‪ .‬األمر الواضح اآلن‬ ‫هو أن السياسيني يجب أن يتحركوا بسرعة من أجل تكوين‬ ‫حكومة وحدة وطنية جديرة بالثقة ميكنها أن تدير البالد‬ ‫وتستعيد النظام‪ ،‬بل وأيضا تلبي مطالب اجلماهير بالتغيير‬ ‫الدميقراطي‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫أحدث االجتاهات‪ ،‬وليسوا مبؤلفي كتب وال أًصحاب آيديولوجيات أو‬ ‫قادة «للشارع» يستعرضون عضالتهم‪ .‬أهدافهم متواضعة‪ :‬عمل‬ ‫ودخل ورمبا فرصة للزواج وتكوين أسرة وحياة طبيعية وكرامة‪.‬‬ ‫وكذلك ما يتوقعونه من احلكومة أمر بسيط‪ :‬عدم السرقة‪،‬‬ ‫ومساعدة الناس‪ ،‬وإدارة البالد بكفاءة‪ ،‬والتخلص من الفساد‪.‬‬

‫يجب أيضا أن يجذب ذلك اهتماما رفيع املستوى‪ ،‬مبعنى أن‬ ‫الشباب العربي في غالبية املدن قد يصبح جيال محترقا‪ .‬حرقته‬ ‫حكومات فاسدة غير مستجيبة‪ ،‬حرقه سوء اإلدارة والرشاوى‪،‬‬ ‫حرقته البطالة املزمنة واملقنّعة (حيث املهندس يعمل سائق‬ ‫تاكسي‪ ،‬واألستاذ يتحول إلى تاجر بسيط)‪.‬‬

‫نقل بليك هونشيل‪ ،‬الكاتب في «فورين بوليسي»‪ ،‬هذا الشعور‬ ‫جيدا عندما كتب قائال‪« :‬هناك أمر مريع‪ ،‬وإلى حد ما مؤثر في‬ ‫تلك احملاوالت لالنتحار‪ .‬إنها طريقة صادمة ويائسة جتذب االنتباه‬ ‫على الفور وتبعث على االشمئزاز بل وأيضا التعاطف»‪.‬‬

‫وفي حني تتميز حالة تونس بخصائص فريدة‪ ،‬رئيس أركان جيش‬ ‫اختار عدم إطالق النار على اجلماهير وطبقة وسطى قوية نسبيا‬ ‫وليدة أعوام من النمو االقتصادي‪ ،‬فإن محمد البوعزيزي ليس‬ ‫تونسيا فقط‪ .‬إنه مصري‪ ،‬وأردني‪ ،‬وفلسطيني (أضف إلى‬ ‫معاناتك االقتصادية قوة أجنبية متارس قمعا عليك)‪ ،‬وإيراني‪،‬‬ ‫وهندي‪ ،‬وصيني‪ ،‬وباكستاني‪ ،‬وبنغالديشي‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫الشباب العربي في غالبية املدن قد‬ ‫يصبح جيال محترقا‪ .‬حرقته حكومات‬ ‫فاسدة غير مستجيبة‪ ،‬حرقه سوء‬ ‫اإلدارة والرشاوى‪ ،‬حرقته البطالة املزمنة‬ ‫واملقنّعة‬

‫يقدم الفيلم التسجيلي اجلديد «التماس»‪ ،‬الذي مت تصويره‬ ‫في الصني‪ ،‬أمثال محمد البوعزيزي في العالم‪ :‬صينيون يعانون‬ ‫من اإلحباط بسبب مسؤولني محليني يقبلون الرشاوى يدمرون‬ ‫أحالمهم وطموحاتهم البسيطة وكرامتهم‪ ،‬فيجتمعون في‬ ‫بكني‪ ،‬ويعيشون في خيام تعرف باسم مدينة االلتماسات‪ ،‬حيث‬ ‫يلقون بأوراق ممزقة على املسؤولني غير املهتمني‪ ،‬ويصرخون‬

‫ملفات «ويكيليك�س»‪ :‬تون�س‬ ‫في أعقاب االحتجاجات التي اشتعلت في تونس وفرار‬ ‫الرئيس السابق بن علي‪ ،‬سارعت العديد من األصوات في‬ ‫وسائل اإلعالم الغربية بإرجاع االنتفاضة الشعبية إلى‬ ‫إفراج موقع «ويكيليكس» عن الرسائل الدبلوماسية‬ ‫األميركية‪ .‬وفي احلقيقة‪ ،‬من املستحيل تقريبا قياس‬ ‫التأثير الفعلي لـ«ويكيليكس» على ثورة الشعب‬ ‫التونسي‪ .‬ولكن‪ ،‬تقدم الوثائق نظرة مقنعة على كيفية‬ ‫ممارسة نظام بن علي لألعمال التجارية‪ ،‬خاصة تلك التي‬ ‫تشبه املافيا والتي تكونت حول عائلة الرئيس الكبيرة‪.‬‬ ‫وفي ما يلي مقتطفات من الرسائل املسربة‪ ،‬التي يرجع‬ ‫تاريخها إلى فترة خدمة السفير األميركي السابق لدى‬ ‫تونس روبرت غوديك‪.‬‬ ‫االثنني ‪ 23‬يونيو (حزيران)‪2008 ،‬‬ ‫املوضوع‪ :‬الفساد في تونس‪ :‬ما متلكه ملكي‬ ‫سري‪ :‬وفقا للسفير روبرت غوديك‬ ‫«غالبا ما يشار إلى عائلة الرئيس بن علي الكبيرة على‬ ‫أنها مركز للفساد في تونس‪ .‬ويكفي ذكر (العائلة) التي‬ ‫أحيانا ما توصف أيضا بأنها تشبه املافيا لإلشارة إلى‬ ‫العائلة املقصودة‪ .‬ويبدو أن نصف مجتمع األعمال في‬ ‫تونس ميكنه أن يدعي قرابته بنب علي عن طريق املصاهرة‪،‬‬ ‫ويتردد أن كثيرا من أصحاب تلك العالقات يستفيدون كثيرا‬ ‫من هذا النسب‪ .‬وتتسبب زوجة بن علي ‪ -‬ليلى بن علي‬ ‫ وعائلتها (الطرابلسي) في استنهاض القدر األكبر من‬‫غضب الشعب التونسي»‪.‬‬ ‫اجلمعة‪ 17 ،‬يوليو (متوز) ‪2009‬‬ ‫املوضوع‪ :‬تونس املضطربة‪ :‬ماذا يجب علينا فعله؟‬ ‫سري‪ :‬وفقا للسفير روبرت غوديك‬ ‫«تونس دولة بوليسية‪ ،‬حتظى بقدر ضئيل من حرية التعبير‬ ‫أو التجمع‪ ،‬وبها مشكالت خطيرة في حقوق اإلنسان»‪.‬‬ ‫«املشكلة واضحة‪ :‬تخضع تونس حلكم الرئيس ذاته منذ‬

‫‪28‬‬

‫‪ 22‬عاما‪ .‬وليس لديه خليفة‪ .‬وفي حني ينسب الفضل‬ ‫إلى الرئيس بن علي في استكمال العديد من السياسات‬ ‫التقدمية التي بدأها الرئيس بورقيبة‪ ،‬فإنه هو ورجال‬ ‫نظامه منعزلون عن الشعب التونسي‪ .‬وال يتحملون‬ ‫نصيحة أو انتقادات‪ ،‬سواء محلية أو دولية‪ .‬ويعتمدون‬ ‫بصورة متزايدة على الشرطة من أجل السيطرة‪ ،‬ويركزون‬ ‫على االحتفاظ بالسلطة‪ .‬ويتزايد الفساد في األوساط‬ ‫الداخلية‪ ,‬ويعرف التونسيون العاديون ذلك جيدا‪ ،‬وبدأت‬ ‫أصوات الشكاوى تتعالى‪ .‬ويشعر التونسيون بكراهية‪،‬‬ ‫بل وببغض شديد‪ ،‬جتاه السيدة األولى ليلى الطرابلسي‬ ‫وعائلتها‪ .‬وفي السر‪ ،‬يسخر منها معارضو النظام‪ ،‬حتى‬ ‫هؤالء املقربون من احلكومة يعربون عن فزعهم لتصرفاتها‬ ‫التي تنتشر أخبارها‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬يتزايد الغضب‬ ‫بسبب ارتفاع نسبة البطالة في تونس وانعدام املساواة بني‬ ‫املناطق‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬تتزايد اخملاطر التي تهدد استقرار‬ ‫النظام على املدى البعيد»‪.‬‬ ‫«حتب احلكومة التونسية وهم املشاركة‪ .‬ويجب أن‬ ‫تضغط الواليات املتحدة من أجل العمل اجلاد في التعاون‬ ‫احلقيقي»‪.‬‬ ‫االثنني‪ 27 ،‬يوليو (متوز) ‪2009‬‬ ‫املوضوع‪ :‬عشاء مع صخر املاطري‬ ‫سري‪ :‬وفقا للسفير روبرت غوديك‬ ‫«كان أكثر شيء مذهل هو احلياة املترفة التي يعيشها‬ ‫صخر املاطري ونسرين «صهر الرئيس وابنته»‪ .‬كان‬ ‫منزلهما في احلمامات مثيرا لإلعجاب‪ ،‬مع انطباع‬ ‫باملبالغة مع وجود منر‪ .‬ولكن األكثر إسرافا هو منزلهما‬ ‫قيد اإلنشاء في سيدي بوسعيد‪ .‬سيكون ذلك املنزل‪ ،‬من‬ ‫مظهره اخلارجي‪ ،‬أقرب إلى القصر‪ .‬يطل القصر على أفق‬ ‫سيدي بوسعيد من أفضل الزوايا‪ ،‬وأصبح محال لكثير من‬ ‫التعليقات اخلاصة واحلرجة‪ .‬ويوضح الترف الذي يعيش‬ ‫فيه املاطري ونسرين وسلوكهما سبب كراهية بعض‬ ‫التونسيني لهما وألفراد آخرين في عائلة بن علي‪ .‬إن‬ ‫جتاوزات عائلة بن علي تتزايد»‪.‬‬


‫محمد البوعزيزي هو الشاب الذي أشعل النار في جسده‬ ‫احتجاجا على البطالة ونقص الفرص االقتصادية املتوفرة‬ ‫في تونس‪ .‬أطلق العمل اليائس الذي قام به الشاب‬ ‫شرارة الثورة في بالده‪ ،‬ولكن ماذا عن ماليني من الشباب‬ ‫العاطل في العالم العربي؟ لقد قام آخرون بتكرار فعلته‬ ‫احتجاجا‪ .‬فما الذي ينبغي فعله ملنع جيل كامل من‬ ‫االحتراق؟‬ ‫أفشني موالفي‬

‫ال يتوفر كثير من التفاصيل عن حياة البوعزيزي‪ .‬إنه خريج إحدى‬ ‫اجلامعات‪ ،‬يبلغ من العمر ‪ 26‬عاما‪ ،‬وهو عائل أسرته‪ .‬كان في‬ ‫حاجة إلى وظيفة‪ ،‬ولكنه لم يستطع العثور عليها‪ .‬لعله لم‬ ‫ميلك «واسطة»‪ ،‬أو عالقات مناسبة‪ ،‬أو ما يدفعه كرشوة‬ ‫للحصول على وظيفة حكومية‪ .‬ولعله سمع عن ثروات الدكتاتور‬ ‫التونسي وعائلته‪ .‬بل ورمبا قرأ املواقع التونسية املستوحاة من‬ ‫«ويكيليكس»‪ ،‬تلك التي تصف بذخ احلفالت التي تقيمها عائلة‬ ‫الرئيس‪ ،‬حيث املثلجات املستوردة من فرنسا والويسكي واألسود‬ ‫املصنوعة من الذهب التي تومض في ضوء القمر في قصر فخم‬ ‫يطل على البحر املتوسط‪.‬‬ ‫أو لعله لم يكن يهتم كثيرا بالسياسة أو «ويكيليكس» أو ما‬ ‫يفعله الرئيس زين العابدين بن علي وعائلته‪ .‬رمبا كان كل ما‬ ‫يحتاجه ببساطة هو وظيفة ودخل محترم وكرامة أسرته‪ .‬ولكن‬ ‫لم تكن هناك وظائف أو دخل أو حتقيق لطموحاته اجلامعية أو‬ ‫كرامة‪ .‬لذلك فعل البوعزيزي ما كان في وسعه‪ ،‬جلأ إلى االقتصاد‬ ‫غير الرسمي‪ ،‬عربة لبيع اخلضراوات والفاكهة‪ .‬رمبا كان يظن أن‬ ‫بيع الفاكهة أمر موقت‪ ،‬نقطة انطالق‪ ،‬وسيلة لكسب الرزق‬ ‫ومساعدة أسرته ورمبا مواصلة الدراسة أو استخدام الدخل‬ ‫للبدء في مشروع جديد‪ .‬وعندما بدأ نشاطه في النمو‪ ،‬رمبا جرؤ‬ ‫على أن يحلم من جديد‪.‬‬ ‫ولكن دمرت السلطات احمللية حلمه‪ .‬فقد صادرت بضاعته‪ .‬وقالت‬ ‫إنه ال يحمل ترخيصا‪ .‬ومرة أخرى‪ ،‬لعله لم يستطع دفع رشوة‬ ‫أو جلب واسطة‪ .‬وذهب إلى البلدية فطرد ومنها الى الوالية‬ ‫«احملافظة» لتقدمي التماس‪ .‬لقد كان خريج جامعة وأراد وظيفة‬ ‫وبعض الدخل وقدرا من الكرامة‪ .‬رمبا توسل إلى موظف صغير‬ ‫ليساعده‪ ،‬وهي إهانة أخرى للشاب الذي يستحق أفضل من‬ ‫ذلك‪ .‬ولكن ردت الوالية ‪ -‬واجهة احلكومة في األقاليم ‪ -‬بهذا‬ ‫الرد الصارخ‪ :‬اخرج من هنا‪ ،‬اذهب‪.‬‬ ‫وهكذا خرج محمد البوعزيزي‪ .‬في ‪ 17‬ديسمبر (كانون األول)‪،‬‬ ‫أمام مقر الوالية ذاتها التي صادرت مصدر رزقه وكرامته‬ ‫ومستقبله‪ ،‬الوالية التي متثل حكومة فاسدة دكتاتورية‪ ،‬أشعل‬ ‫وهرع به إلى املستشفى حيث‬ ‫محمد البوعزيزي النار في جسده‪ُ .‬‬ ‫نالت منه احلروق‪ ،‬وتوفي بعد ذلك بأسابيع عدة‪ .‬ولكن سريعا ما‬ ‫اجتاحت النيران تونس بأسرها‪ ،‬لتطيح بالدكتاتور‪ ،‬مما يثير آماال‬ ‫جديدة ومخاوف جديدة‪ ،‬ويعيد ‪ -‬حتى وإن كان في الوقت احلالي –‬ ‫كرامة التونسيني الذين نزلوا إلى الشوارع في احتجاجات‪ .‬نعم‪،‬‬ ‫ميكنهم أن يطيحوا بحاكم ظالم‪ ،‬نعم ميكنهم أن يطالبوا‬ ‫باألفضل‪ ،‬نعم ميكنهم أن يحافظوا على ذكرى محمد البوعزيزي‪.‬‬ ‫وبدأت النيران تنتشر خارج تونس‪ .‬وظهرت االحتجاجات في‬ ‫مصر واألردن واجلزائر واليمن وموريتانيا والسودان‪ ،‬حيث تتسع‬ ‫كثيرا فجوة الكرامة واألمل لدى املواطن العادي‪ ،‬وتزداد عمقا‬ ‫أيضا‪ .‬ولذلك أشعل آخرون النيران في أجسادهم‪ ،‬حتى كدنا نرى‬ ‫بوعزيزي يحترق في جل البالد العربية‪.‬‬

‫الإٍ�سالمي املنفي‬ ‫تقف تونس اليوم عند مفترق طرق سياسية‪ ،‬رمبا‬ ‫يأتي مثله مرة واحدة في العمر‪ .‬تنتشر التكهنات‬ ‫والتحليالت فيما يتعلق مبستقبل احلكومة التونسية‬ ‫اجلديدة احملتمل‪ .‬ومن املثير لالهتمام‪ ،‬وفي أول اللقاءات‬ ‫اإلذاعية لرئيس الوزراء محمد الغنوشي‪ ،‬بعد الرحيل‬ ‫السريع للرئيس السابق بن علي‪ ،‬تناول قضية‬ ‫الشخصية البارزة راشد الغنوشي‪ ،‬وهو أمر ليس له‬ ‫عالقة مبا جرى‪.‬‬ ‫أشار رئيس الوزراء أنه من املفهوم أنه سيتم السماح‬ ‫للغنوشي بالعودة من منفاه في وقت قريب‪ .‬من‬ ‫املمكن أن تكون ملضامني تلك العودة آثار بعيدة املدى‪،‬‬ ‫حيث إن راشد الغنوشي أحد أهم اإلسالميني البارزين‬ ‫في الشرق األوسط وزعيم حزب حركة النهضة‬ ‫السياسي التونسي احملظور‪ .‬وفي لقاء أجرته معه‬ ‫أخيرا «فايننشيال تاميز»‪ ،‬أكد الغنوشي‪ ،‬الذي عاد‬ ‫فعال الى تونس من منفاه االجباري في لندن‪ ،‬أنه ال‬ ‫يسعى إلى تقلد منصب‪ .‬ولكن بالتأكيد سيؤثر‬ ‫نفوذه على الساحة السياسية في البالد التي تسعى‬ ‫إلى حدود جديدة‪ ،‬ورمبا يقلق احلكومات الغربية التي‬ ‫تخشى نظاما إسالميا جديدا يقوم على أنقاض نظام‬ ‫بن علي‪.‬‬ ‫ولكن ال يتوافق الغنوشي مع النمط السهل لإلسالم‬ ‫السياسي الذي يتم نشره في أوروبا والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬ظهر الغنوشي ذاته في صورة املصلح‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وتعتنق فلسفته نظاما دميقراطيا من‬ ‫التعددية السياسية ويلتزم بالسماح الكامل لتعليم‬ ‫املرأة وحرية الصحافة‪.‬‬ ‫وينقسم الرأي حول احتمالية زيادة شعبية أحزاب‬ ‫إسالمية في تونس‪ .‬وقد أثرت أعوام نظام بن علي‪،‬‬ ‫وقبلها فترة بورقيبة االستبدادية‪ ،‬سلبا على أحزاب‬ ‫املعارضة الدينية‪ .‬ومثال واحد على ذلك ما حدث‬ ‫مع الغنوشي‪ ،‬الذي اعتقل وتعرض للتعذيب مرات‬ ‫عدة أثناء الثمانينيات بسبب دعواته جملتمع أكثر‬ ‫عدال‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ال ينفتح الشباب‪ ،‬الذي يشكل‬ ‫الغالبية املعبرة عن اجملتمع التونسي‪ ،‬كثيرا على‬ ‫اإلسالم السياسي‪ ،‬ولكن يوجد خوف مبرر من أن‬ ‫اجلماعات املتطرفة قد تستفيد من اإلحباط الذي‬ ‫يشعر به هذا اجليل‪.‬‬ ‫من املرجح أن يكون الغنوشي صوتا قويا يدافع عن‬ ‫اإلصالح في فترة أعوام ما بعد بن علي‪ .‬وقد دعا‬ ‫بالفعل إلى إصالح دميقراطي شامل للدستور‪ ،‬مشيرا‬ ‫إلى أنه ال ميكن بناء دميقراطية قوية على دستور أتلفه‬ ‫التسلط‪ .‬ويأمل املتفائلون في أن تخفيف القانون‬ ‫في تونس سيسمح بنظام تعدد األحزاب‪ .‬وفي‬ ‫مثل تلك البيئة‪ ،‬رمبا يستطيع الغنوشي ومؤيدوه‬ ‫تشجيع صورة تقدمية حلكومة إسالمية‪ ،‬ميكنها أن‬ ‫تظهر للمشككني في الغرب وجها جديدا لإلسالم‬ ‫السياسي‪.‬‬

‫ال يسعى من يحرقون أنفسهم إلى ثورات كبرى‪ ،‬وال يتحدثون عن‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪Flame images © iStockphoto‬‬

‫‪27‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫بوعزيزي تونس‬ ‫يحمل أكثر من جنسية‬

‫جيل يحترق‬

‫‪26‬‬


‫قادرة على التوسع‪ .‬فهي ال تتمتع باملوقف االقتصادي الذي يسمح لها بذلك‪.‬‬ ‫فهي غير مستقرة على املستوى الداخلي كما أنها تعاني من نزاع داخلي‪ ،‬وال‬ ‫متثل أي ضغوط هجومية‪ ،‬وقد بنت استراتيجيتها بالكامل على الدفاع‪ ،‬وهي‬ ‫تعتمد على حربها غير املتوازنة من خالل نوابها حماس وحزب اهلل‪ .‬كما أنها‬ ‫تستهدف من برنامجها النووي أن يصبح رادعا‪ .‬وحتى إذا ما كانت لديها اإلرادة‬ ‫والقوة للتوسع خارج العراق فإنها ستواجه بعداء الدول ذات الغالبية السنية‬ ‫بدءا بتركيا‪.‬‬ ‫كما أن مصالح إيران وتركيا تلتقيان في القوقاز‪ ،‬وإن كان بدرجة أقل‪ ،‬وفقط في‬ ‫مواجهة الروس‪ .‬وفي أعقاب احلرب في جورجيا‪ ،‬شهدت تركيا حتطم خططها‬ ‫الشرقية‪ .‬وحتى إن كان بشكل موقت‪ ،‬تشترك كل من أنقرة وإيران في األهداف‬ ‫في القوقاز التي تعد هدف تركيا التالي‪.‬‬ ‫وبالطبع‪ ،‬فإن العكس صحيح أيضا‪ .‬فإيران لديها القدرة على زعزعة االستقرار‬ ‫في أفغانستان‪ ،‬وباكستان‪ ،‬وأذربيجان‪ ،‬واملنطقة األوسع من ذلك‪ .‬وتستطيع‬ ‫أن تتجه أيضا إلى روسيا‪ ،‬وبالتالي فمن مصلحة تركيا أن تبقى إيران قريبة‪.‬‬ ‫وعلى اجلبهة االقتصادية‪ ،‬فإن القوقاز غنية بالنفط والغاز أيضا ولكن تركيا لن‬ ‫تتمكن من العمل كنقطة الوصل بني أوروبا وتلك املوارد من دون مساعدة إيران‪.‬‬ ‫وهنا يكمن حافز آخر‪.‬‬ ‫ورمبا تكون أحدث القضايا إثارة للجدل هي معضلة فلسطني‪ .‬فمن مصلحة‬ ‫تركيا أن تصل إلى تسوية سلمية واسعة بأسرع ما ميكن ومن مصلحة إيران‬ ‫أن تفعل العكس‪.‬‬ ‫ونظرا ألن لها موطئ قدم في العراق‪ ،‬اجتهت تركيا إلقامة روابط مع سورية‪،‬‬ ‫ثم أخفقت الحقا في عقد التوصل للسلم بني إسرائيل ودمشق‪ .‬ولكن حادثة‬ ‫اسطول احلرية عززت عن دون قصد من دور أنقرة كقوة إقليمية بخاصة بني‬ ‫املسلمني الذين ال يثقون في زعامة مصر التي تتسم بالفتور‪ ،‬ولكنها كانت قد‬ ‫سئمت من النيات اإليرانية‪ .‬وكان ضجيج تركيا حول مقتل مواطنيها‪ ،‬يتجاوز‬ ‫الدفاع عن غزة ولكن أردوغان برز كبطل للقضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫وكانت إيران حتتل دائما مرتبة متقدمة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫كما أن تركيا هددت أخيرا موقف إيران وهو ما يفسر سبب سفر الرئيس محمود‬ ‫أحمدي جناد إلى حدود إسرائيل مع لبنان خالل زيارته األخيرة‪ .‬ومع ذلك فإن ذلك‬ ‫يأتي في املرتبة الثانوية بالنسبة ألهداف كال الدولتني‪.‬‬ ‫فاألولوية بالنسبة لتركيا وإيران هي احلل السلمي ملشكلة إيران النووية‪.‬‬ ‫وبالطبع فإن أكبر اخملاطر التي تهدد طموحات أنقرة بالهيمنة هو هجمة‬ ‫عسكرية ميكنها اإلضرار بالشرق األوسط‪ .‬ولذلك صوتت تركيا ضد العقوبات‬ ‫األخيرة في مجلس األمن التابع لألمم املتحدة وهو السبب في أنها حاولت من‬ ‫دون أن تصيب أن تطرح حلها اخلاص باإلضافة إلى البرازيل ضد رغبة حلفائها‬ ‫من حلف شمال األطلسي‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن درع الصواريخ‪ ،‬يبدو أن تركيا سوف تفرض إرادتها على حلفائها‬ ‫في حلف شمال األطلسي‪ .‬فقد قال الرئيس عبداهلل غل قبل أسبوع من القمة‬ ‫التي عقدت أخيرا في لشبونة إن‪" :‬ذكر دولة واحدة‪ ،‬إيران‪ ..‬هو أمر خاطئ ولن‬ ‫يحدث‪ .‬فلن يتم استهداف دولة محددة‪ .‬ومما ال شك فيه أننا لن نقبل بذلك"‪.‬‬ ‫وقد انضمت تركيا لطهران في الرهان على مستقبلها حول حل تلك القضية‪.‬‬ ‫وحتاول أنقرة جتنب احلرب من خالل احلديث املباشر مع طهران واملساومة على‬ ‫الوقت مع حلفائها من حلف شمال األطلسي‪ .‬وترغب طهران في أن تستغل‬ ‫تركيا وضعها لكي تتفاوض نيابة عنها بشأن الضمانات األمنية ولكن بالنسبة‬ ‫للمنطقة ككل‪ ،‬فإنه ميكن أن يتحول إلى استقرار‪.‬‬

‫*أندريس كاال‪ :‬صحافي حر يعيش مبدريد‪ .‬وينشر بانتظام في كثير من‬ ‫املطبوعات مبا في ذلك مجلة "تامي"‪ ،‬و"نيويورك تاميز"‪ ،‬و"ذا كريستيان ساينس‬ ‫مونيتور"‪.‬‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 13‬ديسمبر ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫تعد إيران من الالعبني الرئيسيني في العراق‪،‬‬ ‫حيث إنها تعمل كمص ّد أمني‪ .‬وذلك هو سبب‬ ‫تورط إيران هناك خالل العقد املاضي‪ .‬كما أن‬ ‫طهران لديها القوة الكافية لزعزعة استقرار‬ ‫جارتها وبالتالي تزويد املتمردين األكراد بالقوة‬ ‫ومن ثم عرقلة األهداف التركية‬ ‫مر ال�سنوات‬ ‫�صداقة على ّ‬ ‫‪ :1922 - 1301‬كان هناك عملية سالم دائم بني تركيا وإيران خالل‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية‪.‬‬ ‫‪ :1926‬مت توقيع اتفاقية الصداقة لتعزيز احلياد بني تركيا وإيران أثناء‬ ‫مواجهة الدولتني النتفاضة األكراد‪.‬‬ ‫‪ :1932‬مت ترسيم احلدود املشتركة بني إيران وتركيا‪.‬‬ ‫‪ :1955‬أسست منظمة حلف بغداد معاهدة أمنية بني تركيا وإيران‬ ‫والعراق وباكستان وبريطانيا‪.‬‬ ‫‪ :1964‬عززت املؤسسة اإلقليمية للتنمية املشروعات االقتصادية بني‬ ‫تركيا وإيران وباكستان‪.‬‬ ‫الثمانينيات‪ :‬انتشرت شائعات مناهضة إليران في تركيا وسط اخملاوف‬ ‫املتزايدة حول النظام اإليراني احملافظ اجلديد وهو ما أثر على العالقات‬ ‫بني الدولتني‪.‬‬ ‫‪ :2002‬تولى حزب العدالة والتنمية السلطة وبدأت العالقات بني‬ ‫الدولتني تعود إلى طبيعتها‪.‬‬ ‫‪ :2005‬تضاعفت التجارة بني تركيا وإيران أربع مرات خالل خمس‬ ‫سنوات وزادت إلى ‪ 4‬ماليني دوالر‪.‬‬ ‫‪ :2010‬ساندت تركيا طموحات إيران النووية‪ .‬وحاولت العمل‬ ‫كوسيط بني إيران والدول الغربية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي‪.‬‬ ‫مايو (أيار)‪ :‬وقعت كل من تركيا وإيران والبرازيل اتفاقية لتبادل الوقود‬ ‫النووي‪.‬‬ ‫يونيو (حزيران)‪ :‬صوتت تركيا ضد فرض العقوبات الدولية على إيران‪.‬‬ ‫يبلغ حجم التجارة احلالية بني تركيا وإيران ‪ 13‬مليار دوالر ومن املتوقع‬ ‫أن يزيد إلى ‪ 20‬مليار دوالر بحلول عام ‪ .2015‬ويعمل كبار التنفيذيني‬ ‫من رجال املال واألعمال ورجال السياسة على حل النزاع املتعلق‬ ‫بالتعريفة‪.‬‬ ‫يوليو (متوز)‪ :‬وقعت إيران صفقة قيمتها ‪ 1.3‬مليار دوالر لكي تشحن‬ ‫الغاز إلى تركيا‪.‬‬ ‫ديسمبر (كانون األول)‪ :‬أعلن سفير إيران إلى تركيا باهمان حسني بور‬ ‫نيته إرسال املزيد من التجارة عبر املوانئ التركية لتقليل االعتماد على‬ ‫اخلليج‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫التقارب التركي االيراني‪ ..‬نبأ سار للمنطقة‬

‫شراكة من أجل االستقرار‬

‫لقوتني إقليميتني متجاورتني‬ ‫على مدار سنوات‪ ،‬استطاعت تركيا وإيران تكوين شراكة تخالف كل التوقعات حول كيف ميكن ّ‬ ‫ومتنافستني أن تتفاعال معا‪ .‬وخالل األشهر القليلة املاضية‪ ،‬تعهدتا بتوطيد العالقة بينهما‪ ،‬وهو ما أربك البعض‪ ،‬وكان‬ ‫مبثابة جرس اإلنذار للبعض اآلخر‪ .‬وعلى الرغم من اخملاوف‪ ،‬فإن العالقات املتبادلة بينهما كان لها تأثير إقليمي إيجابي بداية‬ ‫من تعزيز االستقرار‪.‬‬ ‫أندريس كاال‬ ‫في سبتمبر (أيلول) املاضي‪ ،‬حث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان‬ ‫املستثمرين على زيادة التجارة املتبادلة مع إيران ثالثة أضعاف حجمها بحلول‬ ‫عام ‪ 2015‬لتصل إلى ‪ 30‬مليار دوالر سنويا من خالل املشاريع التجارية‬ ‫املشتركة‪ ،‬في الوقت الذي حتاول فيه احلكومات الغربية بزعامة الواليات‬ ‫املتحدة التضييق على إيران من خالل العقوبات‪.‬‬ ‫وسوف ترفع تركيا إيران أيضا من قائمتها "قائمة األعداء" بنهاية العام احلالي‪،‬‬ ‫وهي تقف حاليا ضد نيات واشنطن بوضع إيران كهدف للدرع الصاروخي حللف‬ ‫شمال األطلسي الذي من املرجح أن تستضيفه تركيا على أراضيها‪ .‬ومن‬ ‫جانبها‪ ،‬تعهدت طهران بتسهيل االستثمارات التركية في إيران‬ ‫ومنحت أنقرة دور الوسيط احلالي مع الدول الغربية في‬ ‫الدبلوماسية املكوكية املتعلقة ببرنامجها النووي‪.‬‬ ‫ويعد التقارب بني الدولتني نتاج احلسابات الدقيقة‬ ‫على غرار العالقة بني أملانيا وفرنسا في أعقاب‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ .‬فتركيا حتتاج إليران لتحقيق‬ ‫أهدافها االستراتيجية من استعادة مكانتها‬ ‫القدمية كقوة إقليمية‪ ،‬وحتتاج إيران إلى تركيا لكي‬ ‫تنجو دبلوماسيا واقتصاديا‪ .‬ولكن ما هو محل‬ ‫نظر هو اإلجابة عما إذا كانت تلك العالقة سوف‬ ‫تنجح أم ال‪.‬‬ ‫وعلى مدار القرن املاضي‪ ،‬كانت اإلمبراطوريتان‬ ‫السابقتان تعيدان استكشاف نفسيهما‬ ‫وتصارعان إليجاد موقع لهما في العالم‪ .‬وكانت‬ ‫أنقرة تنظر جلارتها باعتبارها مصدرا للتهديد‬ ‫بعد الثورة اإلسالمية وهو املوقف الذي بدأ يتغير‬ ‫امللحة للغاز الطبيعي‪.‬‬ ‫في ظل حاجة تركيا‬ ‫ّ‬ ‫البينية‬ ‫وفي عام ‪ ،2000‬كان حجم التجارة‬ ‫ّ‬ ‫يبلغ مليار دوالر أميركي‪ ،‬وبعد ذلك بخمس‬ ‫سنوات بلغ ‪ 4‬مليارات دوالر‪ ،‬ووصل خالل‬ ‫العام املاضي ‪ 10‬مليارات دوالر‪ ،‬معظمها في‬ ‫صفقات تتعلق بالطاقة‪.‬‬ ‫التحول من التشكك إلى التعاون نتاج‬ ‫وكان‬ ‫ّ‬ ‫حتوالت جيوسياسية عميقة‪ ،‬أكثر من كونه‬ ‫يتعلق بالتجارة‪ ،‬حيث إنه تزامن مع تغيرات‬ ‫استراتيجية سواء في أنقرة أو في‬ ‫طهران‪ ،‬كان من أبرزها‪ ،‬غزو‬ ‫الواليات املتحدة للعراق‪،‬‬ ‫وصراع إيران مع القوى‬

‫الغربية حول برنامجها لتخصيب اليورانيوم‪ ،‬وجتاهل أوروبا لرغبات تركيا في‬ ‫عضوية االحتاد األوروبي‪.‬‬ ‫وبالنسبة لتركيا‪ ،‬تزامن الرفض األوروبي مع ازدهارها االقتصادي والعسكري‬ ‫وطموحاتها‪ .‬ومع ذلك كانت روسيا تعرقل تطلعاتها اجليوسياسية شرقا نحو‬ ‫القوقاز‪ .‬وبالتالي كان خيار تركيا الوحيد هو االجتاه جنوبا‪ ،‬إلى الشرق األوسط‬ ‫حتى جتمع قواها للتغلب على روسيا‪ ،‬بعدما تصبح مركز الطاقة البديل‬ ‫الذي ينقل البترول والغاز إلى أوروبا‪ .‬كما أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي‬ ‫لها املصداقية والقوة العسكرية واالقتصادية مللء الفراغ الذي‬ ‫ستخلفه القوات األميركية عند رحيلها‪.‬‬ ‫ولكن جبهة الشرق األوسط تتطلب‬ ‫استقرار الدول اجملاورة وإقامة‬ ‫عالقات طيبة بدءا بالعراق‪،‬‬ ‫تلك الدول التي يأتي منها‬ ‫قدر كبير من الغاز والنفط‬ ‫اللذين سيجعالن من‬ ‫تركيا مركزا رئيسا‪ .‬كما‬ ‫أن العراق هي أيضا مركز‬ ‫االضطرابات اإلقليمية‬ ‫في الوقت الراهن الذي‬ ‫يشتمل على تطلعات‬ ‫األكراد لالستقالل‪.‬‬ ‫وتعد إيران من الالعبني‬ ‫الرئيسيني في العراق‪ ،‬حيث‬ ‫إنها تعمل كمص ّد أمني‪.‬‬ ‫وذلك هو سبب تورط إيران‬ ‫هناك خالل العقد املاضي‪ .‬كما‬ ‫أن طهران لديها القوة الكافية‬ ‫لزعزعة استقرار جارتها وبالتالي‬ ‫تزويد املتمردين األكراد بالقوة ومن ثم‬ ‫عرقلة األهداف التركية‪ .‬وإذا ما حققت إيران‬ ‫االستقرار في العراق‪ ،‬سوف تستطيع تركيا مد‬ ‫نفوذها على اجلبهتني الدبلوماسية واالقتصادية‪.‬‬ ‫وبخالف ذلك‪ ،‬فإن إيران حتاول البقاء‪ ،‬على رغم كل‬ ‫اخلوف الذي تبثه في أنحاء املنطقة كافة‪.‬‬ ‫فهي ال تنافس تركيا أو أي دولة أخرى‬ ‫نظرا ألنها ال تستطيع ذلك‪ .‬إنها‬ ‫بالطبع قوة إقليمية ولكنها غير‬ ‫‪Image © Graphic News‬‬

‫‪24‬‬


‫وأن العقيدة الدينية للمسلمني واملسيحيني متماثلة في األساس‬ ‫(‪ 68‬في املائة)‪ .‬ومن غير املفاجئ أن غالبية األميركيني يعترفون إما‬ ‫بأنهم يعرفون قليال للغاية عن اإلسالم (‪ 40‬في املائة) أو ال يعرفون‬ ‫عنه شيئا على اإلطالق (‪ 23‬في املائة)‪.‬‬ ‫وفي محاولة إلضفاء أفضل صورة على نتائج استطالع غالوب‪ ،‬قال‬ ‫جيمس كارول الكاتب في «بوسطن غلوب» إن املسلمني يتعرضون‬ ‫لسوء فهم وحكم خاطئ‪ ،‬ولكن األميركيني «في حال حرب‪،‬‬ ‫وخائفون»‪ ،‬لذلك «هذه اخملاوف املبالغة تغذي ذاتها‪ ،‬ومن املمكن أن‬ ‫يكون الشعور بالكراهية هو التيار السائد»‪ .‬ويشبه كارول القولبة‬ ‫الشاملة للمسلمني بالتيار غير املرئي الذي كان يسير حتت سطح‬ ‫الثقافة الغربية منذ ألف عام‪ .‬ويحذر ستيفان ساليسبري الكاتب‬ ‫في «فيالدلفيا إنكويرر» من أن تيار العداء للمسلمني الذي يسير‬ ‫فيه مرشحون سياسيون رئيسيون قد ميهد الطريق لظهور زعيم‬ ‫دهماء ميكنه أن يجمع بني تشويه صورة املسلمني والتضحية بهم‪،‬‬ ‫واخملاوف التي تثيرها التوترات االقتصادية‪ ،‬ونضج نشاط اليمني‬ ‫املتطرف‪ ،‬واالزدراء املتنامي املنتشر نحو احلكومة في واشنطن‪ .‬لقد‬ ‫أصبح األميركيون املسلمون التهديد اجلديد القادم من الداخل‪ ،‬وبدأ‬ ‫الشعور بكراهية املسلمني «يتنشر اآلن مثل دخان سام ال يقف عند‬ ‫حد وال يخضع للسيطرة»‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫في تيميكوال بكاليفورنيا أوضح من ع ّبر عن مشاعر املعارضني لبناء‬ ‫مسجد في تيميكوال‪ ،‬حيث قال لصحيفة «لوس أجنليس تاميز»‪:‬‬ ‫«اإلسالم ليس راسخا هنا‪ ،‬وال نريد حقا أن ينتشر نفوذه»‪ .‬وأضاف‬ ‫قائال‪« :‬توجد مخاوف بسبب جميع الشائعات التي نسمعها عن‬ ‫اخلاليا النائمة وغيرها‪ .‬فهل من املفترض أن نقبل جملرد أن هؤالء الناس‬ ‫يقولون إنه دين سالم؟ يقول الكثيرون الشيء ذاته»‪.‬‬ ‫عقد من العداء لإلسالم‬ ‫في عام ‪ ،2010‬نشر مشروع حقائق املسلمني والغرب في مركز‬ ‫غالوب نتائج استطالع كبير للرأي عن مشاعر التعصب األميركية‬ ‫ضد اإلسالم‪ .‬وأظهرت النتائج عالقة سببية بني ازدياد الشعور‬ ‫بالعداء لإلسالم وسياسة اإلرهاب‪ .‬وكان أهم اكتشاف وصلت‬ ‫إليه النتائج غير مفاجئ على اإلطالق‪ :‬تقول غالبية بسيطة من‬ ‫األميركيني (‪ 53‬في املائة) إن رأيهم في الدين «ليس إيجابيا‬ ‫للغاية» (‪ 22‬في املائة) أو «ليس إيجابيا على اإلطالق» (‪ 31‬في‬ ‫املائة)‪ .‬ويبلغ عدد األميركيني الذين قد يعبرون عن مشاعر سلبية‬ ‫جتاه املسلمني ضعف األميركيني الذين قد يعبرون عن مشاعر سلبية‬ ‫جتاه البوذيني أو املسيحيني أو اليهود‪ .‬ويختلف غالب األميركيني على‬ ‫عبارة أن معظم املسلمني متقبلون لألديان األخرى (‪ 66‬في املائة)‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫وأصبحت كلمة «مسلم» متثل حتقيرا في أميركا‪ ،‬كما أشارت «يو‬ ‫إس إيه توداي» في موضوع غطى أسباب تزايد أعداد األميركيني الذين‬ ‫يعتقدون أن الرئيس أوباما مسلم‪ .‬وقال ‪ 18‬في املائة من األميركيني‬ ‫إن الرئيس مسلم‪ ،‬بعد أن كان عددهم ‪ 11‬في املائة في مارس (آذار)‬ ‫‪ ،2009‬وفقا لبحث أجراه مركز بيو عن الدين واحلياة العامة الذي‬ ‫صدر في أغسطس (آب) ‪ .2010‬ويعتقد واحد من بني كل خمسة‬ ‫أميركيني أن أوباما مسلم‪ ،‬بعد أن كانت نسبة من قالوا إنه مسلم‬ ‫واحد إلى عشرة في العام املاضي‪ .‬وكشف استطالع للرأي أجرته‬ ‫«نيوزويك» عن أن ‪ 52‬في املائة من اجلمهوريني يعتقدون أنه «حقيقي‬ ‫متاما» أو «قد يكون حقيقيا» أن «باراك أوباما يتعاطف مع أهداف‬ ‫األصوليني املسلمني الذين يريدون فرض الشريعة اإلسالمية في‬ ‫جميع أنحاء العالم»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من اجلهود التي يبذلها مساعدو الرئيس للتقليل من‬ ‫أهمية األرقام املذهلة‪ ،‬فإن «يو إس إيه توداي» ركزت على كلمة‬ ‫«مسلم» باعتبارها سخرية‪ ،‬أو األسوأ من ذلك‪ ،‬أن تطلق على‬ ‫شخص هذه الكلمة عندما تكرهه أو تخشاه أو تختلف معه‪ ،‬أي‬ ‫أنها وسيلة للتحقير من شأن شخص ما وسط أشخاص مهذبني‪:‬‬ ‫«فهل تتحول كلمة مسلم من وصمة عار سياسي لتترسخ داخل‬ ‫النسيج االجتماعي؟»‪.‬‬ ‫يعرقل احلديث عن اإلرهاب وزيادة اإلسالموفوبيا في الغرب‪ ،‬وبخاصة‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬القيم األميركية والغربية في جميع أنحاء العالم‪،‬‬ ‫مما يسمح لنب الدن ونوابه أن يظهروا أنفسهم في صورة املقاتلني‬ ‫الشرعيني أو املدافعني عن احلرية الذين يقاومون القوة العظمى‬ ‫الوحيدة الباقية‪ .‬منذ نهاية التسعينيات‪ ،‬كان الهدف الرئيس‬ ‫للقاعدة هو إشعال الصدام احلضاري بني العالم اإلسالمي والغرب‬ ‫املسيحي‪ .‬وعلى الرغم من أن بن الدن ورجاله خسروا الصراع على‬ ‫عقول وقلوب املسلمني‪ ،‬فإن الشعور بالعداء لإلسالم يثير خطاب‬ ‫تنظيم القاعدة ويقدم له األكسجني الكافي الستمرار بقائه‪.‬‬

‫*فواز جرجس ‪ -‬أستاذ سياسة الشرق األوسط والعالقات الدولية‬ ‫في كلية االقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن‪ .‬ومن كتبه‪:‬‬ ‫«العدو البعيد‪ :‬ملاذا أصبح اجلهاد عامليا»‪ .‬وكتابه القادم‪« :‬صعود‬ ‫وهبوط القاعدة‪ :‬ما ال يخبرك به السياسيون وخبراء اإلرهاب‬ ‫األميركيون واألوروبيون»‪ ،‬ومن املقرر أن تنشره جامعة أكسفورد عام‬ ‫‪.2011‬‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 20‬ديسمبر ‪2010‬‬ ‫‪23‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫وكذلك وضعت التداعيات الثقافية للحرب على اإلرهاب القيم‬ ‫األميركية التي تعبر عن التسامح واحلرية الفردية موضع اختبار‪ .‬من‬ ‫بني شعب يبلغ تعداده ‪ 300‬مليون نسمة‪ ،‬يوجد ما بني ‪ 2.5‬مليون‬ ‫إلى ‪ 7‬ماليني مسلم في الواليات املتحدة‪ ،‬ثلثهم من األميركيني من‬ ‫أصول أفريقية‪ .‬وقد اندلعت املواجهات بسبب اقتراح إقامة مساجد‬ ‫في تينيسي وكاليفورنيا وجورجيا وكنتاكي وويسكونسن وإلينوي‬ ‫باإلضافة إلى بروكلني وجزيرة ستاتني وميدالند بيتش وشيبشيد باي‬ ‫في نيويورك‪ .‬وكان الصراع البارز الذي نشأ حول إقامة مسجد ومركز‬ ‫إسالمي على بعد بنايتني من غراوند زيرو في مانهاتن‪ ،‬أو ما يطلق عليه‬ ‫معارضون ومنتقدوه مسجد غراوند زيرو‪ ،‬هو األبرز واألكثر فضحا‪.‬‬

‫و برر غينغريتش معارضته بتشبيه ذلك بالهولوكوست‪ ،‬حيث‬ ‫قال‪« :‬ال ميلك النازيون احلق في وضع إشارة لهم بالقرب من متحف‬ ‫الهولوكوست في واشنطن»‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬قدم احمللل احملافظ‬ ‫تشارلز كراوثامر حجة مشابهة في الكثير من املقاالت االفتتاحية‬ ‫في «نيويورك تاميز»‪ .‬لقد تقدم سياسيون ميينيون من أجل قيادة‬ ‫الهجوم على اإلسالم واملسلمني للفوز بنقاط سياسية رخيصة‪.‬‬ ‫وقد ادعى ريك الزيو‪ ،‬الذي يخوض االنتخابات على منصب حاكم والية‬ ‫نيويورك‪ ،‬أن خطة بناء املسجد حترم سكان نيويورك من حقهم في‬ ‫«الشعور باألمان»‪.‬‬ ‫وقد أيد عدد من السياسيني واملواطنني مشروع إقامة املسجد بناء‬ ‫على مبدأ حرية األديان‪ ،‬ومن بينهم عمدة نيويورك مايكل بلومبرغ‪،‬‬ ‫وأخيرا الرئيس االميركي باراك أوباما‪ ،‬الذي أعلن تأييده بعد أن صدر‬ ‫قرار جلنة املعالم الرئيسة في مدينة نيويورك باملوافقة على البناء‪.‬‬ ‫ولكن أوضح اخلالف املسموم أن سياسة اإلرهاب واحلديث عنه يهددان‬ ‫القيم األميركية املقدسة‪ .‬بل وأثار أوباما ذاته مسألة «احلكمة» من‬ ‫بناء املركز اإلسالمي في هذا املوقع‪.‬‬

‫لقد انتهز بعض املعادين لإلسالم‪ ،‬مثل باميال غيلر وروبرت سبنسر‪،‬‬ ‫فرصة االقتراح بإقامة املسجد واملركز اإلسالمي إلثارة الشعور‬ ‫بكراهية املسلمني‪ .‬وقاد نيوت غينغريتش‪ ،‬الذي يأمل في الترشح‬ ‫ملنصب الرئيس‪ ،‬املعارضني إلنشاء هذا املسجد طاملا ظلت السعودية‬ ‫حتظر إقامة الكنائس واملعابد‪ .‬وقال غينغريتش إن بناء املسجد «على‬ ‫بعد مبان قليلة من املوقع الذي قتل فيه املتطرفون املسلمون ما‬ ‫يزيد على ‪ 3000‬أميركي (يعد عمال سياسيا) يعبر عن (االنتصار)»‪.‬‬ ‫وأضاف‪« :‬ميكن أن يعلن الكونغرس هذه املنطقة ميدان معركة لقد انتشر الشعور بالعداء للمسلمني في الكثير من األوساط في‬ ‫أميركا‪ .‬ولعل القس بيل رينش راعي كنيسة كالفاري املعمدانية‬ ‫وطنية ويتحكم في ما يُبنى فيها»‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫سياسة اإلرهاب تغذّي اإلسالموفوبيا في الغرب‬

‫اغتيال احللم األميركي‬ ‫غيرت من العالم الذي نعيش فيه‪ .‬ولكن رمبا يكون األكثر أهمية من األحداث املأساوية التي‬ ‫هناك قناعة أن أحداث ‪ّ 9/11‬‬ ‫وقعت صباح ذلك اليوم هو رد الفعل السياسي الذي تبعها‪ .‬يقول فواز جرجس‪ ،‬أستاذ سياسة الشرق األوسط والعالقات‬ ‫الدولية في كلية االقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن‪ ،‬إن النتائج طويلة املدى والتداعيات الثقافية لـ«احلرب على‬ ‫اإلرهاب» وصلت إلى السواحل األميركية‪ .‬وفي أوروبا أيضا‪ ،‬التي تفخر بأنها معقل احلرية والتعددية الثقافية‪ ،‬تنتشر بشدة‬ ‫إشارات مثيرة للقلق على وجود ما أصبح يعرف باإلسالموفوبيا‪.‬‬ ‫فواز جرجس‬ ‫بعد مرور عشر سنوات تقريبا على أحداث ‪ 11‬سبتمبر (أيلول)‬ ‫‪ ،2001‬يتعرض اإلسالم واملسلمون األميركيون للمحاكمة في‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬حيث أصبحوا مذنبني بالتبعية للقاعدة باعتبارهم‬ ‫يدينون بالديانة ذاتها‪ .‬باإلضافة إلى قيادة مغامرة عسكرية (غزو‬ ‫العراق والتصعيد األخير في أفغانستان وباكستان)‪ ،‬وزيادة الدين‬ ‫القومي‪ ،‬وعسكرة الشؤون الداخلية‪ ،‬كشفت أيضا سياسة اإلرهاب‬ ‫واحلديث عنه (الذي ينشر فكرة أن الغرب ما زال حتت تهديد مستمر‬ ‫ووشيك بوقوع هجمات) تصدعات ثقافية وقانونية وفلسفية‬ ‫عميقة داخل اجملتمعات الغربية‪ .‬لقد اجتاحت امليول غير الليبرالية‬ ‫والتشريعات القاسية التي تستهدف املسلمني جميع أنحاء الدول‬ ‫الغربية وباتت تهدد نسيج الغرب ذاته‪.‬‬ ‫الوجه القبيح لإلسالموفوبيا‬ ‫تخفت ظاهرة اإلسالموفوبيا‪ ،‬التي أحيانا ما تسمى بـ«معاداة‬ ‫السامية اجلديدة»‪ ،‬بوجهها القبيح خلف مظهر جديد وذريعة‬ ‫مختلفة‪ ،‬كما أنها وصلت أخيرا إلى البر األميركي‪ .‬لقد سمحت‬ ‫«احلرب العاملية على اإلرهاب» لليمني املتطرف‪ ،‬مبا فيه اليمني‬ ‫الديني‪ ،‬بتشويه سمعة املسلمني وتصويرهم على أنهم غرباء‪،‬‬ ‫وطابور خامس داخل اجملتمعات الغربية‪ .‬وعلى الرغم من أن هذا‬ ‫الشعور دفعته جماعات شعبية ميينية متشددة قوية‪ ،‬فإنه أصبح‬ ‫سائدا‪.‬‬ ‫في أوروبا‪ ،‬أصبح االنزعاج من أسلمة القارة‪ ،‬حتت اسم األزمة‬ ‫الدميوغرافية التي يتكاثر فيها املسلمون أكثر من نظرائهم‬ ‫املسيحيني‪ ،‬مألوفا‪ ،‬حيث ينعكس في الكتب‪ ،‬بدءا من املعاجلات‬ ‫املعقدة مثل كتاب «تأمالت في الثورة في أوروبا» لكريستوفر‬ ‫كالدويل‪ ،‬وصوال إلى مهاترات فظة مثل كتاب «أميركا وحدها»‬ ‫ملارك ستني و«يورابيا» لبات يائور‪.‬‬ ‫وتشير دراسات واستطالعات رأي عام أجريت أخيرا إلى زيادة أعداد‬ ‫املواطنني الغربيني الذي يقبلون الصورة الهامشية للمسلمني‪.‬‬ ‫يقول الكثير من الناس إنهم غير حريصني على السماح للمسلمني‬ ‫باحلريات واحلقوق الدينية والقانونية ذاتها التي يتمتع بها آخرون‪.‬‬ ‫ووفقا الستطالع شمل جميع أنحاء الواليات املتحدة أجرته جامعة‬ ‫كورنيل‪ ،‬قال نحو نصف األميركيني (‪ 44‬في املائة) إنه ينبغي على‬ ‫احلكومة أن تقيد احلريات املدنية للمسلمني األميركيني‪.‬‬ ‫توجد صناعة متنامية للمعلّقني والسياسيني الغربيني الذين‬ ‫يتغذ ّون على مهاجمة اإلسالم‪ .‬وقدمت لهم احلرب على اإلرهاب‬ ‫غطاء مهما مناسبا آلرائهم‪ .‬ففي حني قاد «خبراء» اإلرهاب مثل‬ ‫دانيال بايبس‪ ،‬وستيف إمرشون وروبرت سبنسر هجمة معاداة‬ ‫اإلسالم في البداية‪ ،‬فإنها االن انتشرت بصورة كبيرة‪ .‬وميكن إلقاء‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫نظرة على هذا النوع من اخلطاب املليء بالضغينة بقراءة تدوينة‬ ‫ملارتن بيرتز‪ ،‬رئيس حترير «نيو ريبابليك»‪ ،‬التي كتب فيها‪« :‬بصراحة‪،‬‬ ‫حياة املسلم رخيصة‪ ،‬وبخاصة بالنسبة للمسلمني»‪ .‬وأضاف بيرتز‪،‬‬ ‫املؤيد القوي إلسرائيل‪ ،‬قائال‪« :‬أتعجب ما إذا كانت هناك حاجة إلى‬ ‫تكرمي هؤالء الناس والتظاهر بأنهم يستحقون مميزات التعديل األول‬ ‫أخمن أنهم سيسيئون استخدامه»‪.‬‬ ‫من الدستور‪ ،‬وهو ما‬ ‫ّ‬ ‫وعلى الرغم من اعتذار بريتز مرتني‪ ،‬فإنه دافع عن تأكيده بأن حياة‬ ‫املسلم رخيصة‪ .‬وقال‪« :‬هذا أمر حقيقي وليس تقييما»‪ .‬وكتب‬ ‫ماثيو دوس من مركز أميركان بروغرس أن كراهية العرب واملسلمني لم‬ ‫تستقر فقط في «نيو ريبابليك»‪ ،‬إحدى أقدم وأعرق اجملالت الليبرالية‬ ‫األميركية‪ ،‬بل وأيضا في الكثير من املنتديات املوالية إلسرائيل التي‬ ‫تثير مشاعر اخلوف من اإلسالم من أجل أغراض سياسية‪.‬‬ ‫وتروج قناة «فوكس» اإلخبارية‪ ،‬التي يعمل بها غلني بيك وشون‬ ‫هانيتي‪ ،‬والكثير من مذيعي البرامج احلوارية ذوي الشعبية‪ ،‬مثل‬ ‫راش ليمبو ومايكل سافاج‪ ،‬باستمرار لإلسالموفوبيا على الساحة‬ ‫الوطنية‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يضفي سياسيون بارزون‪ ،‬منهم نيوت‬ ‫غينغريتش وبيتر كينغ والسيناتور ساكسباي تشامبليس‪ ،‬شرعية‬ ‫على تشويه صورة املسلمني بلغة قامتة ومضللة‪ .‬وقد ساهمت‬ ‫قطاعات مهمة في احلركة املسيحية اإلجنيلية و زعماء دينيون‬ ‫بارزون أمثال بات روبرتسون وجون هاغي وفرانكلني غراهام‪ ،‬في‬ ‫تكثيف وتصعيد الظاهرة في جميع أنحاء الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وكذلك‪ ،‬يشتعل اخلالف في أوروبا‪ ،‬معقل الليبرالية والتعددية الثقافية‪.‬‬ ‫وقد صوتت أغلبية السويسريني ضد إنشاء املساجد‪ ،‬على الرغم من‬ ‫أن عدد اجلالية اإلسالمية في سويسرا يبلغ ‪ 400.000‬فرد‪ ،‬معظمهم‬ ‫ليسوا عربا وال أفارقة‪ ،‬بل أوروبيون من البوسنة وألبانيا وكوسوفو‪.‬‬ ‫وجتري مناقشات في كل من فرنسا وبلجيكا حول مترير تشريع يحظر‬ ‫قانونا ارتداء النقاب أو أي غطاء للوجه‪ .‬وفي أكتوبر (تشرين األول)‬ ‫عام ‪ ،2010‬مت مترير احلظر في مجلسي السلطة التشريعية الفرنسية‬ ‫بغالبية كاسحة‪ ،‬ومن املقرر تنفيذه في ربيع عام ‪.2011‬‬ ‫أثار الشعور مبعاداة املسلمني في الدول األوروبية‪ ،‬التي تضم عددا‬ ‫كبيرا من األقليات املسلمة‪ ،‬مقرونا باشتعال كراهية املهاجرين‬ ‫بسبب الظروف االقتصادية العصيبة وارتفاع نسبة البطالة‪ ،‬أسئلة‬ ‫مهمة عن مستقبل اجملتمعات الغربية متعددة الثقافات واألديان‪.‬‬ ‫واستثمارا للخالف املرير‪ ،‬أصدر زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن‬ ‫الدن و ساعده األمين أمين الظواهري الكثير من الشرائط الصوتية‬ ‫يدينان فيها اضطهاد املسلمني‪ ،‬ويتعهدان بشن هجمات على تلك‬ ‫الدول األوروبية التي تهني اإلسالم ورسوله‪ .‬واملفارقة هي أن منتقدي‬ ‫اإلسالم يقدمون لنب الدن وشركائه املزيد من األسباب لدعوتهم‬ ‫املروجة للقتل‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫وعلى نحو ما‪ ،‬يوجد تشابه بني التاريخ الوطني لكل من كوريا الشمالية‬ ‫وإسرائيل‪ ،‬التي تعتمد على الضمانات األميركية لظروفها االقتصادية‬ ‫واالستراتيجية الرئيسة‪ ،‬ولكن إسرائيل لم تعد الدولة التابعة‪ ،‬كما‬ ‫أنها تدرك أن النظام األميركي قرر اإلذعان لتمرد إسرائيل على الشرق‬ ‫األوسط باإلضافة إلى تطور هيكل عنصري يفصل بني الفلسطينيني‬ ‫واإلسرائيليني داخل حدودها‪ .‬وعندما تنظر للموقف من بعد‪ ،‬سوف‬ ‫تفترض أن الواليات املتحدة لديها القوة وأن إسرائيل تتبعها‪ ،‬ولكن في‬ ‫احلقيقة إسرائيل تتولى مسؤولياتها وأميركا عاجزة عن استغالل أدوات‬ ‫السيطرة التي رمبا متتلكها على قيادة إسرائيل السياسية‪.‬‬ ‫وباملثل‪ ،‬تدرك كوريا الشمالية أنه رمبا حتدث أزمة اقتصادية‬ ‫وجيواستراتيجية هائلة إذا ما انهارت دولتها‪ .‬وهي تستغل ذلك السيناريو‬ ‫الكارثي بذكاء البتزاز املوارد ليس فقط من الغرب ولكن من الصني أيضا‪.‬‬ ‫كما أن الصني مستعدة لتجاهل قدر كبير من سلوك كوريا الشمالية‬ ‫السيئ‪ ،‬حتى هجمات كالتي وقعت ضد كوريا اجلنوبية‪ ،‬للحفاظ على‬ ‫األوضاع كما هي في شبه اجلزيرة الكورية‪ .‬كما أن قدرة الصني على‬ ‫السيطرة على كوريا الشمالية محدودة للغاية وتعادل افتقار أميركا‬ ‫للنفوذ على سلوك إسرائيل‪.‬‬ ‫وتدرك كوريا الشمالية‪ ،‬مثلها مثل إيران‪ ،‬أن الواليات املتحدة مرهقة‬ ‫عسكريا على املستوي العاملي ولديها مشكالت اقتصادية بالداخل‪ .‬وقد‬ ‫رأت انتصار الصني في اختبار اإلرادات الرمزي على اليابان في سناكوكس‬ ‫ورأت كوريا الشمالية وهي تذهب باجلائزة الذي توقع أوباما احلصول عليها‬ ‫في صفقة التجارة احلرة خالل زيارته األخيرة‪ .‬وحتاول كوريا الشمالية دفع‬ ‫مصاحلها لألمام فيما تدرك ضعف اجلبهة املشتركة لكوريا اجلنوبية‬ ‫واليابان والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وفيما كانت رحلة باراك أوباما في أعقاب االنتخابات إلى إندونيسيا والهند‬ ‫واليابان وكوريا اجلنوبية تستهدف إرسال إشارة إلى الصني بأن الواليات‬ ‫املتحدة ميكن أن تطوقها وأنها ميكنها أن تقف جنبا إلى جنب مع تلك‬ ‫الدول في الصراعات املستقبلية على السلطة‪ ،‬قررت كوريا الشمالية أن‬ ‫تتصرف مبفردها وتنهي ذلك العرض ‪ -‬مبفردها ونيابة عن الصني‪.‬‬ ‫وعلى األقل حتى اآلن‪ ،‬قلبت كوريا الشمالية توقعات أوباما في آسيا‪،‬‬ ‫وأصبحت الشؤون في املنطقة بعيدة عن االستقرار في منطقة احمليط‬

‫غالوب‪ :‬عمل �أوباما يف امليزان‬

‫النتائج مبنية على ثالثة �أيام من �سرب الآراء‬

‫‪20‬‬

‫الهادئ أكثر مما كانت قبل أن يستثمر الرئيس والعديد من أعضاء‬ ‫مجلسه مبن فيهم وزيرة اخلارجية األميركية هيالري كلينتون في محاولة‬ ‫إقناع املنطقة بأن الرهان على أميركا كان رهانا على االستقرار‪.‬‬ ‫وأصبح موقف أميركا العاملي أضعف إلى حد كبير وسوف يتم اختباره‬ ‫مرارا وتكرارا في حتديات ملصاحلها تنتهي باخلسارة‪ ،‬بخاصة عندما يتعرض‬ ‫حلفاؤها مثل اليابان وكوريا اجلنوبية النتقادات قاسية‪ .‬والستعادة‬ ‫خياراتها وقدرتها على تشكيل النظام الدولي‪ ،‬يجب على الواليات‬ ‫املتحدة أن تقرر ما الذي سوف تصبح عليه خالل القرن القادم؟ وما هي‬ ‫أهدافها االستراتيجية احملورية؟ وما هي األشياء املستعدة للرهان عليها‬ ‫لكي حتقق تلك األهداف؟‬ ‫وبغض النظر عن املسار الذي سوف تتخذه الواليات املتحدة‪ ،‬سيكون‬ ‫عليها استعادة قوتها‪ ،‬وإنعاش اقتصادها‪ ،‬وإظهار أنها تستطيع إحداث‬ ‫تغير دولي‪ ،‬رمبا من خالل األهداف األقرب للنظام الدولي‪ ،‬مثل تطبيع‬ ‫العالقات مع كوبا‪ ،‬أو بدء معاهدة «ستارت» مع الروس‪ ،‬أو دفع سورية‬ ‫وإسرائيل لتطبيع العالقات وعقد صفقة سالم‪.‬‬ ‫ورمبا يكون كل ذلك قابال للتحقيق‪ ،‬ورمبا يساهم في منح أميركا بعض‬ ‫الزخم مرة أخرى في لعبتها الدولية‪ ،‬ولكن حتى تلك األهداف تتعرض‬ ‫للعرقلة في الوقت الراهن نظرا للسياسات األميركية والوعي بضعف‬ ‫الرئيس أوباما‪.‬‬ ‫وأخذا في االعتبار أن حتى األشياء البسيطة تبدو صعبة املنال‪ ،‬فإنه من‬ ‫السهل أن نفهم سبب اخملاوف املتزايدة بني احللفاء الرئيسيني ألميركا حول‬ ‫قدرة أميركا على الوفاء بالتزاماتها االقتصادية واالستراتيجية‪ ،‬والسبب‬ ‫في أن دولة مثل كوريا الشمالية تشعر بأن ليس لديها ما تخسره إذا ما‬ ‫اتخذت أي موقف ووضعت جيرانها والعالم بأسره على احملك‪.‬‬

‫*ستيف كليمونز ‪ -‬مؤسس البرنامج األميركي االستراتيجي في‬ ‫«نيو أميركا فاونديشني» الذي ينشر املدونة السياسية الشهيرة «ذا‬ ‫واشنطن نوت»‪.‬‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 2‬ديسمبر ‪2010‬‬


‫الصني واليابان أخيرا نزاعا خطرا‪ ،‬املوقف املتأزم الذي استمر ألسابيع عدة‬ ‫بعدما اعتقلت اليابان ربان السفينة الصينية الذي مر من سفن احلراسة‬ ‫البحرية في جزر سنكاكو املتنازع عليها‪ ،‬ومت تصعيد احلادثة إلى أعلى‬ ‫مستوى حتى أذعنت اليابان وأطلقت سراح ربان السفينة الصينية‪.‬‬ ‫وقد حققت الصني انتصارا ولم تكن تختبر فقط اليابان ولكنها كانت‬ ‫تختبر راعيها الرئيس‪ ،‬الواليات املتحدة‪.‬‬

‫اجلنوبية واليابان في مقابل القوة املتنامية للصني‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن زيارة أوباما لكل من الهند وإندونيسيا باإلضافة إلى‬ ‫اليابان التي أعقبت التوبيخ السياسي حلزب أوباما الدميقراطي‪ ،‬قد خلقت‬ ‫بعض ردود الفعل اإليجابية حوله‪ ،‬أخذا في االعتبار اهتمام البيت األبيض‬ ‫بتلك الدول املهمة‪ ،‬فإنه لم يحصل إال على القليل من تلك الرحالت مما‬ ‫جعله يبدو وكأنه ليس لديه أي حظ في تغيير النظام الدولي لألفضل‪.‬‬

‫وسرعان ما انتقلت األزمة إلى مكان آخر‪ ،‬حينما هاجمت كوريا الشمالية‬ ‫جزيرة تابعة لكوريا اجلنوبية تضم عسكريني ومدنيني‪ .‬وفي تلك‬ ‫الواقعة‪ ،‬قدمت الدولة التي تعتمد إلى حد بعيد على التأييد االقتصادي‬ ‫واالستراتيجي للصني خيارا استراتيجيا للصني‪ ،‬حيث كانت تختبر قوة‬ ‫كل من الواليات املتحدة والصني‪.‬‬

‫بل إن الرحلة قد أتت بنتائج سلبية لم يلحظها إال عدد قليل من اخلبراء‪.‬‬ ‫فقد كانت رحلة أوباما في أعقاب االنتخابات مخصصة في جانب منها‬ ‫لتعزيز املصالح االقتصادية األميركية‪ ،‬ولكنها كانت مخصصة أيضا‬ ‫لطمأنة اليابان وكوريا اجلنوبية بأن الواليات املتحدة سوف تقف إلى‬ ‫جانبهما في صراعهما املستمر مع األنا العاملية املتنامية للصني‪ .‬وقد‬ ‫أوضحت األحداث التي وقعت في املنطقة عقب عودة أوباما للعاصمة‪ ،‬أن وعدا أنه ال توجد قوة كورية شمالية ‪ -‬صينية لديها تأثير قوي في احلكومة‬ ‫الصني و«الدول املوالية لها» لديها قدرة أكبر على السيطرة على األحداث الصينية بنفس الطريقة التي تستطيع من خاللها إسرائيل التأثير على اآللة‬ ‫في آسيا واحمليط الهادئ أكثر من الواليات املتحدة وحلفائها‪ .‬فقد أنهت السياسية األميركية‪ ،‬أصبحت كوريا الشمالية متاثل «إسرائيل الصني»‪.‬‬

‫الر�ؤية هي الواقع‬ ‫لقد كان حجر األساس للسياسة اخلارجية لإلدارات األميركية‬ ‫املتعاقبة‪ ،‬على األقل في ما يتعلق بالشرق األوسط هو حل الصراع‬ ‫اإلسرائيلي ‪ -‬الفلسطيني املستمر‪ .‬وكان دائما املتحدثون الرسميون‬ ‫باسم األحزاب األميركية اخملتلفة يؤكدون على التزام الواليات املتحدة‬ ‫بدعم عملية السالم في الشرق األوسط حتى أصبح ميكننا التماس‬ ‫العذر للمراقب العادي الذي يرى ذلك مجرد شعارات للتهدئة صممت‬ ‫للحفاظ على صورة أميركا كقاض عادل‪.‬‬ ‫ولكن إذا قبلنا تأكيدات اإلدارة األميركية أخيرا حول جدية أميركا‬ ‫في ما يتعلق بالسالم‪ ،‬تشير النكسة األخيرة في املفاوضات إلى أن‬ ‫الواليات املتحدة قد أصبحت عاجزة عن دفع أجندتها‪ .‬وبالفعل‪ ،‬يبدو‬ ‫أن حكومة إسرائيل حرة متاما في استئناف أي مسار تختاره على رغم‬ ‫الشكوك التي رمبا تساور أميركا‪.‬‬ ‫كما نظر معظم احملللني إلى رفض بنيامني نتنياهو آلخر حوافز أوباما‬ ‫لدفع املباحثات بأنه يصل إلى حد اإلهانة وأنه نقطة سوداء على طريق‬ ‫مساعي أوباما من أجل السالم في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫فقد عرض أوباما تقدمي أكثر من ثالثة مليارات دوالر من املساعدات‬ ‫العسكرية تأتي معظمها على شكل طائرات مقاتلة في مقابل وقف‬ ‫بناء املستوطنات ملدة ‪ 90‬يوما فقط في الضفة الغربية (من دون‬ ‫القدس الشرقية)‪ ،‬باإلضافة إلى وعد من إسرائيل بالبدء في احلوار‬ ‫حول احلدود املستقبلية لدولة فلسطني املتنازع عليها‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫وحتى تقدمي مثل تلك الباقة الكرمية والتي جتاهلت إلى حد بعيد آمال‬ ‫الفلسطينيني في عاصمة في القدس الشرقية ‪ -‬تظهر مدى يأس‬ ‫الواليات املتحدة‪ .‬وال يترك رفض تلك الصفقة ‪ -‬والذي يرجع في جانب‬ ‫منه إلى متغيرات النظام البرملاني اإلسرائيلي ‪ -‬مساحة كافية أمام‬ ‫الواليات املتحدة تتمكن عبرها من املناورة في إقناع إسرائيل بالدخول‬ ‫في مناقشات ذات مغزى‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬سوف يظل االفتقار إلى تغير في‬ ‫السياسة الراديكالية ومصاعب فرض ضغوط حقيقية على حليفهم‬ ‫في الشرق األوسط‪ ،‬والرياء الضعيف هي السمات األساسية ألداة‬ ‫أوباما الدبلوماسية‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫العواقب اجليواستراتيجية لهزمية أوباما السياسية‬

‫الشك عنوان احلقيقة‬

‫على رغم حتقيق عدد من النجاحات االستراتيجية‪ ،‬ما زال العالم يشك في قدرة الواليات املتحدة ورئيسها الشاب على حتقيق‬ ‫أهدافهما والوفاء بوعودهما‪ .‬وفي ظل اكتساح اجلمهوريني لالنتخابات‪ ،‬واستمرار األزمة االقتصادية‪ ،‬يؤثر ذلك الشك على‬ ‫االستقرار العاملي ويحد من الثقة التي يوليها احللفاء للقيادة األميركية‪ .‬فما الذي تستطيع الواليات املتحدة عمله لكي‬ ‫تستعيد خياراتها وقدرتها على تشكيل النظام الدولي؟‬ ‫ستيف كليمونز‬ ‫تلقت مقدرات الرئيس األمريكي باراك أوباما السياسية ضربة قاضية‬ ‫في االنتخابات التي أجريت في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي‪،‬‬ ‫ومنذ ذلك‪ ،‬سواء على مستوى السياسة احمللية أو على الصعيد الدولي‪،‬‬ ‫رفعت الدول باإلضافة إلى السياسيني األميركيني من ثمن التعاون معه‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من حتقيق عدد من النجاحات الرئيسة ‪ -‬على مستوى‬ ‫الرعاية الصحية‪ ،‬اتفاقيات وقمة أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وحتويل قمة‬ ‫العشرين إلى هيئة اقتصادية عاملية فعالة‪ ،‬ما زال العالم يتشكك في‬ ‫قدرة الواليات املتحدة ورئيسها الشاب على حتقيق أهدافهما ووعودهما‪.‬‬ ‫وقد عزز االكتساح اجلمهوري لالنتخابات من تلك الشكوك في البيت‬ ‫األبيض‪.‬‬ ‫ويؤثر ذلك الشك على االستقرار العاملي‪ ،‬ويحد من ثقة احللفاء في‬ ‫القيادة األميركية‪ ،‬فيما يعزز شهية أعداء الواليات املتحدة مثل كوريا‬ ‫الشمالية وإيران على مراوغة القيود املفروضة عليهما وجتاوز احلدود على‬ ‫تصرفاتهما‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن اجتاه إيران النووي هو قضية أشعل فيها املزيج من تخلص‬ ‫الواليات املتحدة من خصومها الرئيسيني في عراق صدام حسني‪ ،‬واإلرهاق‬ ‫العسكري في أفغانستان من طموحات إيران في أن تصبح قوة إقليمية‬ ‫عظمى في الشرق األوسط‪ .‬وال تصدق إيران أن الواليات املتحدة وحلفاءها‬ ‫ مبا في ذلك إسرائيل ‪ -‬لديهم القدرة العسكرية الكافية لالنتصار في‬‫صراع جدي مع إيران‪ ،‬كما أن أيا منهم غير قادر على‪ ،‬أخذا في االعتبار‬ ‫الظروف االقتصادية املضطربة في الواليات املتحدة‪ ،‬امتصاص الصدمات‬ ‫املالية لالنهيار العاملي‪.‬‬ ‫وعلى اجلبهة التجارية‪ ،‬كان رفض كوريا اجلنوبية بعض الشروط الرئيسة‬ ‫التفاقية التجارة احلرة مع الواليات املتحدة التي كانت قد تفاوضت عليها‬ ‫من قبل نظرا الستشعارها أنها ميكنها احلصول على املزيد من الضعف‬ ‫السياسي للبيت األبيض‪ ،‬موحيا مبا مني به أوباما من هزمية محرجة في‬ ‫الرحلة التي كان من املفترض أن تعزز حتالف الواليات املتحدة مع كوريا‬

‫ال توجد قوة كورية شمالية ‪ -‬صينية لديها‬ ‫تأثير قوي في احلكومة الصينية بنفس‬ ‫الطريقة التي تستطيع من خاللها إسرائيل‬ ‫التأثير على اآللة السياسية األميركية‪،‬‬ ‫أصبحت كوريا الشمالية متاثل «إسرائيل‬ ‫الصني»‬ ‫‪18‬‬


‫اإليراني حلركة طالبان‪ ،‬يزعم داودزاي أن الدبلوماسيني اإليرانيني في كابل «لم‬ ‫يعودوا ينكرون تلك املزاعم‪ ،‬فهم يلتزمون الصمت» خشية أن يكون لدى‬ ‫األفغان دليل على تورطهم‪.‬‬ ‫وكان الرئيس كرزاي نفسه قد أخبر السفير األميركي إريك إدملان في ‪ 2007‬أن‬ ‫إيران «منشغلة» بإثارة املشكالت‪ ،‬بخاصة في حديقتها اخللفية استراتيجيا‬ ‫في غرب أفغانستان‪ .‬وقد أجاب إدملان أن طهران تبدو وكأنها توجه قذائف‬ ‫حصرية دقيقة ومنظومة ‪( MANPADs‬صواريخ حتمل على الكتف‬ ‫مشابهة للستنغر التي تبرعت بها االستخبارات للمجاهدين في الثمانينيات‬ ‫إلسقاط املروحيات السوفيتية) والتي ميكن أن يكون لها «تأثير استراتيجي»‬ ‫إذا ما مت نشرها حتى بأعداد قليلة ضد أعضاء حلف شمال األطلسي األقل‬ ‫تسلحا‪.‬‬ ‫واألكثر أهمية‪ ،‬أننا تلقينا حملات خاطفة حول اإليرانيني النافذين والدبلوماسيني‬ ‫األميركيني الذين يناقشون خفية الهجمات املشتركة‪ ،‬سواء على نحو مباشر‬ ‫أو عبر وسيط‪ ،‬على مصالح بعضهما البعض‪ .‬وكشفت إحدى برقيات ‪،2007‬‬ ‫أن أخا رئيس احلرس الثوري إليران في ذلك الوقت (من احملتمل أن يكون سلمان‬ ‫رحيم سافافي الذي يعيش في لندن) كان يجلس مع الدبلوماسيني األميركيني‬ ‫في اجتماع للدبلوماسية املوازية في لندن وأقر بالوجود اإليراني في أفغانستان‬ ‫والعراق واصفا امليليشيات العراقية الشيعية بأنها «حلفاؤنا الذين خلقناهم‬ ‫في مواجهة صدام»‪ ،‬وأصدر بعض املالحظات «أقرب للثناء» حول صراع حزب‬ ‫اهلل في ‪ 2006‬مع إسرائيل‪.‬‬ ‫ويقر سافافي بأن ميليشيا الشيعة التي تهيمن عليها إيران في العراق‬ ‫هاجمت القوات األميركية‪ ،‬ولكنه وصف تلك الهجمات باخلطأ الناجم عن‬ ‫«نظام عام معروف لشن مثل تلك الهجمات والذي لم يتم إلغاؤه بعد‪..‬‬ ‫ويقف مثل ذلك التشوش املؤسسي خلف الهجمات احلالية املستمرة‬ ‫على القوات األميركية في العراق»‪ .‬ومن الواضح أن هجمة ‪ 2007‬كانت‬ ‫طريقة امليليشيات الشيعية العراقية في االنتقام من هجمة بريطانية‬ ‫سابقة على القنصلية اإليرانية في البصرة ولكنهم لم يتم إخبارهم بأن‬ ‫االنتقام قد حدث بالفعل من خالل «مسلسل الرهائن» عندما احتجز احلراس‬ ‫عددا من ضباط البحرية البريطانيني كرهائن‪ .‬فمن الواضح‪ ،‬أن امليليشيات‬ ‫العراقية الشيعية لم تكن تقرأ األخبار في ذلك الوقت‪ .‬وفي الوقت نفسه‬ ‫استحوذ الدبلوماسيون األميركيون على عملية منح الدبلوماسيني العراقيني‬ ‫تأشيرات‪ ،‬مما يعكس أن ‪ 20‬في املائة من املتقدمني كافة كانت لديهم صالت‬ ‫باحلرس الثوري أو االستخبارات‪.‬‬ ‫وحذر سافافي األميركيني من أنه بخالف «سنوات عدة سابقة حتت حكم‬ ‫(اإلصالحي السابق الرئيس اإليراني محمد خامتي)‪ ،‬يلعب احلرس الثوري دورا‬ ‫مركزيا ورئيسا في احلكومة اإليرانية‪ ،‬وأن تصميمه كمنظمة إرهابية سوف‬ ‫يترك الواليات املتحدة من دون شريك إيراني تتواصل معه في القضايا األمنية‬ ‫وغيرها من القضايا ذات االهتمام املشترك»‪.‬‬ ‫ويقول دبلوماسي أميركي كان يعمل على امللف اإليراني‪« :‬لقد كانت احلقيقة‬ ‫أكثر تعقيدا بخاصة في ‪ .2009‬فقد كان هناك اهتمام حقيقي من قبل‬ ‫واشنطن بالسعي وراء فرص للتواصل أو قضايا ذات اهتمام مشترك نستطيع‬ ‫أن نتعاون فيها مع إيران نظريا وتسعى ملناقشة جدية حول كيفية معاجلة‬ ‫نتائج انتخابات يونيو (حزيران) ‪ 2009‬والعنف الذي أعقبها‪ .‬واآلن تضاءل ذلك‬ ‫االهتمام‪ ،‬حيث لم يعد هناك تأييد في أي مكان داخل أروقة البيروقراطية حول‬ ‫أي شيء بخالف املزيد من الضغط»‪.‬‬

‫إن اغتيال العلماء يتضمن بال شك قدرا كبيرا‬ ‫من األساطير ولكنني ال أعتقد أننا سوف نعرف‬ ‫احلقيقة يوما ما‪ ..‬واخلالصة هي أن قتل العلماء لن‬ ‫يقدم الكثير للبرنامج النووي ما لم تكن تشاهد‬ ‫الكثير من أفالم جيمس بوند‪ .‬فكل ما سوف‬ ‫تفعله هو أنها سوف تؤجج الوطنية اإليرانية‬ ‫املرتفعة بالفعل بشأن القضية النووية‬ ‫جانب بدول موالية للواليات املتحدة أو خاضعة لالحتالل العسكري األميركي‪،‬‬ ‫وصف موقف إيران بأنه حتركه «فكرة وجوب وجود قدر ضئيل من النظام في‬ ‫أفغانستان ولكن ليس بالقدر الذي يتسبب في أال يصبح النفوذ اإليراني هناك‬ ‫قوي‪ .‬فيجب أن تكون األشياء هناك هادئة نسبيا»‪.‬‬ ‫لقد كانت كلمات حكيمة ثبتت صحتها خالل العام احلالي عندما شاركت‬ ‫إيران على نحو غير مباشر في العمليات االنتخابية التي ترعاها الواليات‬ ‫املتحدة في أفغانستان والعراق من خالل الترويج ملرشحيها‪ .‬حيث كان يطلق‪،‬‬ ‫على املستوى غير الرسمي‪ ،‬في شوارع كابل على عشرات من البرملانيني األفغان‬ ‫املنتخبني في ظروف غامضة في سبتمبر (أيلول) بأنهم «مرشحو إيران»‪.‬‬ ‫وليست وثائق «ويكيليكس» ضرورية للكشف عن النفوذ اإليراني القوي‬ ‫الواضح للجميع في املنطقة‪ .‬حيث إن مظاهر القوة الناعمة لطهران واضحة‬ ‫للعيان بداية من مشاريع البناء التي ترعاها إيران في كابل والبصرة وبيروت‪،‬‬ ‫إلى الدبلوماسيني اإليرانيني أو منط البدالت الداكنة غير األنيقة للحرس الثوري‬ ‫املنتشرة في االجتماعات اإلقليمية‪ ،‬والشركات الكثيرة في باكو ودبي وكويتا‬ ‫ومحطات التلفزيون واإلذاعة التي تبث بلغات إقليمية متعددة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن البرقية األخيرة حول إيران تعود لشهر فبراير (شباط)‬ ‫املاضي‪ ،‬ما زالت احلرب السرية مستمرة‪ .‬فقد كانت هناك محاولتان‬ ‫الغتيال علماء نوويني في ديسمبر (كانون األول)‪ ،‬أي بعد يوم من تسريبات‬ ‫«ويكيليكس»‪ .‬ويقول اخلبير اإلسرائيلي بشؤون االستخبارات يوسي ميلمان‬ ‫إنه كان واضحا‪« ..‬أن إسرائيل تقف خلفه»‪ .‬استراتيجية فعالة اخرى كانت‬ ‫استهداف منظومة احلاسوب الذي يستخدم في الرنامج النووي وقد اعترفت‬ ‫ايران في نوفمبر ان فيروسا ضرب نظامها في الصيف‪.‬‬ ‫وقال أحد اخلبراء األمنيني األملان أن فيروس ستاكسنت األمني الذي يهاجم‬ ‫البرامج املعلوماتية الدارة الصناعة قد أخر برنامج إيران النووي نحو عامني‪.‬‬ ‫ويقول احمللل اإليراني سيراس سافداري‪« :‬إن اغتيال العلماء يتضمن بال شك‬ ‫قدرا كبيرا من األساطير ولكنني ال أعتقد أننا سوف نعرف احلقيقة يوما ما‪..‬‬ ‫واخلالصة هي أن قتل العلماء لن يقدم الكثير للبرنامج النووي ما لم تكن‬ ‫تشاهد الكثير من أفالم جيمس بوند‪ .‬فكل ما سوف تفعله هو أنها سوف‬ ‫تؤجج الوطنية اإليرانية املرتفعة بالفعل بشأن القضية النووية»‪.‬‬ ‫كل هذا ال تتضمنه وثائق ويكيليكس حتى لو افترضنا ان كثيرا من القالقل‬ ‫تقف وراءها واشنطن‪ ،‬ألن هذه العمليات سرية ومن صنع اجهزة اخملابرات‬ ‫وليست من مهمات الدبلوماسيني الذين هم الوجه املكشوف للعالم‪ .‬لكن‬ ‫ما تضيفه الينا الوثائق هو الوجه االخر من الصراع اخلفي بني اميركا وايران‬ ‫والذي مسرحه كثير من املدن في املنطقة‪ .‬من النجف الى صور الى هرات الى‬ ‫باكو يستمر الصراع يوما بعد يوم‪.‬‬

‫وعندما كانت تلك الرسائل‪ ،‬التي كانت سرية في ذلك الوقت‪ ،‬تلوح في األفق‪،‬‬ ‫كنت أعيش في إيران وأتساءل حول مدى تلك احلرب السرية‪ .‬ولكن اإلشارة إلى‬ ‫أن الواليات املتحدة وإيران متورطتان في حرب خفية في بداية صيف ‪2006‬‬ ‫كان مبررا كافيا لكي يتم نعت املرء بأنه مهووس بنظرية املؤامرة‪ .‬ولذلك زرت‬ ‫الباحة املورقة ملعهد الدراسات السياسية والدولية في شمال طهران لكي‬ ‫ألتقي بالسفير اإليراني السابق لنتحدث حول اللعبة الكبرى اجلديدة‪ .‬وقد‬ ‫قدم لي الرجل األنيق ذو اللحية البيضاء تعويضا عن عدم تقدميه لي الشاي‬ ‫(كنا في رمضان) بتقدمي حملات سرية حول كيف تنظر طهران للمنطقة‪.‬‬

‫*إياسون أثانسياديس ‪ -‬صحافي يعيش في اسطنبول ويغطي الشؤون‬ ‫التركية والشرق األوسط ووسط آسيا منذ عام ‪ 1999‬وكان يعيش في‬ ‫القاهرة ودمشق والدوحة وصنعاء وطهران‪.‬‬

‫وقد وصف لي بعدما أقر أن سلوك إيران كان متأثرا بكونها محاطة من كل‬

‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 23‬ديسمبر ‪2010‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪17‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫ما هو املشترك بني شبكة اتصاالت األلياف البصرية في بيروت‪ ،‬وشركة‬ ‫شمسة للسفر والسياحة في النجف وخط السكة احلديد في غرب‬ ‫أفغانستان؟ وفقا لبرقيات الدبلوماسيني التي جمعها الدبلوماسيون‬ ‫األميركيون وسربها موقع «ويكيليكس»‪ ،‬فإنها متثل جميعا وسائل متارس‬ ‫عبرها إيران جهودها اخلفية للهيمنة اإلقليمية‪.‬‬ ‫وقد قدمت «احلرب األميركية على اإلرهاب» أرضا جديدة خصبة وسببا‬ ‫الضطرابات واسعة في لعبة الشطرجن الصامتة التي تتم في الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬وعادة ما كانت خطوات اخلصوم اخلفية مدمرة بقدر براءة املناورات‬ ‫الدبلوماسية في فيينا واسطنبول ونيويورك‪ .‬ولم يظهر ذلك الصراع اخلفي‬ ‫إال عندما مت حتطيم الصمت احململ من خالل احلظر العنيف لقافلة السالح‬ ‫في السودان‪ ،‬واغتيال علماء النووي اإليرانيني في طهران أو تصريح ملسؤول‬ ‫ينسب حادثة تبدو عشوائية للجانب اآلخر‪.‬‬ ‫وخالل األربعاء املاضي‪ ،‬فجر اثنان من االنتحاريني نفسيهما خالل الصالة‬ ‫بجامع شيعي على احلدود مختلطة الطوائف إليران في سيستان بلوشستان‪.‬‬ ‫وخالل ساعات ألقى املسؤولون اإليرانيون باللوم على االستخبارات الغربية‪.‬‬ ‫ولكن املهم‪ ،‬أن تلك اللعبة اخلطرة تدور رحاها في األنفاق العسكرية اخلفية‬ ‫في جنوب لبنان‪ ،‬وغرف الفنادق الفاخرة في دبي‪ ،‬واجلبال احملاطة بالضباب‬ ‫في شمال اليمن والسفارات األفريقية وأروقة قصر دوملا باهتشه الباروكي‬ ‫باسطنبول‪.‬‬ ‫وقد كنت مدركا لذلك اإليقاع البطيء للصراع منذ انتقالي إلى إيران عام‬ ‫‪ .2004‬وفي نفس الوقت‪ ،‬كان يثار دائما هناك جدل واسع كلما كتب سيمور‬ ‫هرش مقاال حول العمليات السرية داخل إيران‪ ،‬أو إذا ما وصف مسؤول‬ ‫مجهول بالبنتاغون انطالق طائرت الدرون من قواعد في العراق عبر جارتها‬ ‫الشرقية على أمل حث اإليرانيني على الكشف عن أجهزة الرادار للرصد من‬ ‫خالل تشغيلها‪.‬‬ ‫وفي أحد األيام في ‪ ،2004‬اكتشفت كتاب «اعرف عدوك» في مكتبة في‬ ‫طهران ألفه أحد عمالء االستخبارات األميركية السابقني‪ ،‬الذي يصف الطرق‬ ‫التي صممها عندما كان ضابطا بالقنصلية األميركية في التسعينيات‬ ‫لزعزعة استقرار إيران من خالل استغالل تنوعها العرقي الغني‪.‬‬ ‫وبعد ذلك بعام‪ ،‬أنشأ الرئيس األميركي السابق جورج دبليو بوش ميزانية‬ ‫للترويج للدميقراطية في إيران التي كان ينظر إليها باعتبارها «مناورة‬ ‫متويل»‪ .‬وبعد ذلك بأشهر عدة‪ ،‬أنشأت وزيرة اخلارجية السابقة كوندوليزا‬ ‫رايس مكتب الشؤون اإليرانية‪ ،‬وهو املكتب التابع لوزارة اخلارجية خارج املدن‬ ‫التي حتوي عددا كبيرا من املهاجرين اإليرانيني لتسريب معلومات لالستخبارات‬ ‫حول وضع اجلمهورية اإلسالمية وقيادتها‪ .‬وبعدما مت اتهامه على الفور من‬ ‫قبل اإليرانيني بأنه يعمل كواجهة لالستخبارات األميركية‪ ،‬أثبتت تسريبات‬ ‫«ويكيليكس» أنها لم تكن حتتوي على الكثير من تقاريرها (يتم رفع تقارير‬ ‫االستخبارات األميركية عبر قنوات أكثر أمنا)‪ ،‬كان بعضها هو اجلزء األهم‬ ‫حول االستراتيجيات املستخدمة للضغط على طهران‪.‬‬ ‫وميكن قراءة تلك الوثائق أيضا كاستعراض للقوة األميركية‪ :‬قائمة طويلة‬ ‫من قادة العالم تنتقد الواليات املتحدة عالنية‪ ،‬ولكنهم يحتشدون سرا‬ ‫للتحالف ضد أعداء واشنطن االستراتيجيني‪ .‬وقد رصد وزير الدفاع األميركي‪،‬‬ ‫روبرت غيتس‪ ،‬ذلك عندما قال‪« :‬احلقيقة هي أن احلكومات تعقد الصفقات‬ ‫مع الواليات املتحدة ألن ذلك من مصلحتها وليس ألنهم يحبوننا وليس‬ ‫ألنهم يثقون بنا وليس ألنهم يؤمنون أننا نستطيع احلفاظ على األسرار»‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬قال الرئيس العراقي جالل طالباني‪ ،‬احلليف القوي إليران منذ‬ ‫استخدمه النظام اإلسالمي كحلقة وصل سواء مع نظام صدام أو تركيا‬ ‫في الثمانينيات بعد أشهر عدة من اكتشاف منشأة قم النووية السرية‪،‬‬ ‫إن النظام يحرز تقدما سريعا في إطار تطوير القدرات النووية‪ ،‬وأنه يعتقد‬ ‫أن هناك املزيد من املواقع النووية اخلفية في إيران‪ .‬وأضاف طالباني أن قيادة‬ ‫احلرس الثوري «خائفة» في ظل ممارستها للتطهير الداخلي للتخلص من‬ ‫املسؤولني املوالني لإلصالح‪.‬‬ ‫وتصف برقيات أخرى من كابل اللقاءات الودية بني الدبلوماسيني األميركيني‬

‫‪16‬‬

‫املجهوالت املجهولة !‬ ‫في ‪ 12‬فبراير (شباط) ‪ ،2002‬حتدث وزير الدفاع األميركي‬ ‫في ذلك الوقت دونالد رامسفيلد في مؤمتر صحافي‪ ،‬ألقى‬ ‫خالله بتعليقات سيئة حول «اجملهوالت اجملهولة» والتي‬ ‫سترتبط به بال شك رغم تاريخه السياسي الطويل‬ ‫واملتنوع‪.‬‬ ‫صحافي‪ :‬هل ميكنني متابعة ما قلته للتو من فضلك؟‬ ‫في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل لدى العراق‬ ‫واإلرهابيني هل هناك أي دليل يشير إلى أن العراق حاول‬ ‫أو مستعد إلمداد اإلرهابيني بأسلحة الدمار الشامل؟ ألن‬ ‫هناك تقارير تشير إلى أنه ليس هناك دليل على وجود‬ ‫صلة واضحة بني بغداد وبعض تلك املنظمات اإلرهابية‪.‬‬ ‫رامسفيلد‪ :‬إن التقارير التي تقول لم يحدث شيء تثير‬ ‫دائما اهتمامي ألن هناك مجهوالت معروفة وهناك أشياء‬ ‫نعرف أننا نعرفها‪ .‬كما أننا نعرف أيضا أن هناك مجهوالت‬ ‫معروفة وذلك لكي أقول إننا نعرف أن هناك بعض األشياء‬ ‫التي ال نعرفها‪ .‬ولكن هناك أيضا مجهوالت مجهولة‬ ‫وهي تلك التي ال نعرف أننا ال نعرفها‪ .‬وإذا ما بحثنا عبر‬ ‫تاريخ بالدنا وغيرها من الدول احلرة‪ ،‬فإن الفئة األخيرة هي‬ ‫األصعب‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن من يعلمون أنهم يستطيعون القول بكل‬ ‫ثقة أن شيئا لم يحدث أو لم تتم محاولة عمله لديهم‬ ‫إمكانات‪ ..‬ماذا كانت الكلمة التي استخدمتها يا بام‬ ‫من قبل؟‬ ‫الصحافي‪ :‬رابطة حرة؟ (ضحك)‪.‬‬ ‫رامسفيلد‪ :‬أجل‪ ،‬ميكنهم أن يقوموا بأشياء ال أستطيع‬ ‫أن أقوم بها (ضحك)‪.‬‬ ‫الصحافي‪ :‬معذرة ولكن هل هذا هو مجهول غير معلوم‪.‬‬ ‫رامسفيلد‪ :‬أنا ال‪........‬‬ ‫الصحافي‪ :‬ألنك حتدثت عن عدة مجاهيل وأنا أتساءل‬ ‫فقط إذا ما كان ذلك مجهول مجهول‪.‬‬ ‫رامسفيلد‪ :‬لن أقول أيهما‬

‫وكبار املسؤولني احلكوميني‪ ،‬فقد صور تقرير حديث لـ«نيويورك تاميز» عمر‬ ‫داودزاي‪ ،‬سفير أفغانستان السابق في طهران بأنه يدفع بأجندة مضادة للغرب‬ ‫ويسيطر على صندوق رشاوى رئاسي متوله إيران واتضح أنه عقد اجتماعات‬ ‫مع الدبلوماسيني األميركيني ونصحهم بالبدء في «جتهيز األرضية» لفترة‬ ‫ما بعد الثورة في إيران‪ .‬ويروي حكاية حول طبيب زوجته ابن طهران وهو‬ ‫يطلب منها‪« :‬من فضلك اطلبي من األميركيني إحضار جنودهم إلى بالدنا‬ ‫في اخلطوة التالية»‪.‬‬ ‫وباإلشارة إلى التمويل اإليراني للرئيس حميد كرزاي وأعضاء آخرين في‬ ‫احلكومة األفغانية‪ ،‬يروي داودزاي أنها كانت «كميات محدودة» مت دفعها‬ ‫«على مراحل ومن دون انتظام»‪ ،‬مما يعكس التناقض بينها وبني املعونات‬ ‫األميركية املنتظمة واملتوقعة‪ .‬وما يثير اخملاوف هو «باقات الدعم» التي‬ ‫قدمتها احلكومة اإليرانية إلى آالف عدة من املاللي األفغان الذين كانوا‬ ‫يدرسون في املدارس الشيعية‪ .‬ويقال إن رجال اسمه إبراهيم في مكتب‬ ‫القائد األعلى في طهران هو املنسق الرئيس للبرنامج‪ .‬وبالنسبة للتأييد‬


‫ويكيليكس تكشف عن معارك إيران وأميركا السرية‬

‫حروب الشرق األوسط اخلفية‬

‫«هناك معلوم معلوم‪ .‬وهناك معلوم غير معلوم‪ .‬ولكن هناك أيضا غير معلوم غير معلوم‪ .‬فهناك أشياء ال نعرف أننا ال نعرفها»‪.‬‬ ‫ذلك ما قاله وزير الدفاع األميركي دونالد رامسفيلد في مؤمتر صحافي في ‪ 12‬فبراير (شباط) ‪ .2002‬واآلن‪ ،‬وبفضل «ويكيليكس»‪ ،‬هناك عدد أقل‬ ‫من غير املعلوم‪ .‬فمن بني أشياء عدة ‪ ،‬كان تسريب اآلالف من البرقيات الدبلوماسية السرية يعكس ما كنا نشك فيه بالفعل‪ ،‬وهو احلرب السرية‬ ‫على النفوذ اإلقليمي في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫إياسون أثانسياديس‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪15‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫النجاة من العا�صفة‬ ‫منذ سقوط الدولة العثمانية عام ‪ ،1923‬وما تالها من‬ ‫تأسيس اجلمهورية التركية برئاسة مصطفى كمال أتاتورك‪،‬‬ ‫تعرض األكراد في تركيا إلى عاصفة من القمع واجملازر‬ ‫الدموية ‪ -‬وشاركوا في العديد من حركات التمرد‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،1925‬نظمت ميليشيا احلميدية الكردية التي‬ ‫تأسست أيام الدولة العثمانية متردا اشتهر باسم مترد‬ ‫الشيخ سعيد‪ ،‬على اسم الشيخ الكردي سعيد بيران‬ ‫الذي حشد الضباط من أجل االستقالل الكردي‪ .‬ووفقا‬ ‫لالستخبارات البريطانية‪ ،‬كانت أسباب املتمردين هي‬ ‫خشيتهم من ترحيل جماعي لألكراد‪ ،‬والغضب من فرض‬ ‫قيود على استخدام اللغة الكردية والشكوى من االستغالل‬ ‫االقتصادي‪.‬‬ ‫وبعد فشل حركة التمرد‪ ،‬وشنق الشيخ سعيد بيران‪ ،‬زاد‬ ‫أتاتورك من إصالحاته العلمانية في البالد‪ ،‬بالتزامن مع‬ ‫سياسة قمع عنيفة للثقافة والهوية الكردية‪ .‬على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬فرض حظر على غناء أو تسجيل أغان باللغة الكردية‪،‬‬ ‫مما جعل تداول املوسيقى سريا حيث ظهرت السوق السوداء‬ ‫التي استمرت على مدار معظم القرن العشرين‪.‬‬

‫وبعد املذبحة‪ ،‬مت حظر استخدام اللغة الكردية متاما‪ ،‬وكذلك‬ ‫حذف أي شيء يتعلق باألكراد أو كردستان من القواميس‪ ،‬بل‬ ‫وكان يشار إلى األكراد ذاتهم على أنهم «أتراك اجلبل»‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،1978‬تأسس حزب العمال الكردستاني االنفصالي‬ ‫املاركسي على خلفية موجة من التمرد القومي الكردي بنية‬ ‫معلنة لتحرير كردستان‪ ،‬وتأسيس دولة كردية اشتراكية‬ ‫مستقلة ‪.‬‬ ‫دل حزب العمال الكردستاني‪ ،‬بعد جناته‬ ‫وفي عام ‪ ،1990‬ع ّ‬ ‫من جتدد القمع في فترة الثمانينيات والذي استهدف األكراد‬ ‫واجلماعات اليسارية‪ ،‬من أهدافه من االستقالل الكامل إلى‬ ‫تسوية عبر مفاوضات مع احلكومة التركية‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ،1927‬قاد شقيق سعيد بيران‪ ،‬الشيخ عبد‬ ‫الرحمن‪ ،‬متردا حقق جناحات عسكرية ثانوية على القوات‬ ‫التركية واحتل بايزيد لفترة قصيرة‪ .‬وهاجم املتمردون أيضا‬ ‫قواعد اجليش التركي في كردستان‪ ،‬ولكن سريعا ما أبعدتهم‬ ‫التعزيزات التركية‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ،1991‬رُفع احلظر على استخدام اللغة الكردية‬ ‫علنا‪ ،‬حتت رئاسة تورغوت أوزال‪ ،‬الذي ينتمي إلى بعض‬ ‫األصول الكردية‪.‬‬

‫ما بني عامي ‪ 1927‬و‪ ،1930‬شهد مترد آرارات بقيادة اجلنرال‬ ‫إحسان نوري باشا‪ ،‬دولة كردية تعلن استقاللها شرق تركيا‬ ‫احلديثة‪ .‬وفي غضون ثالثة أعوام هزمت جمهورية آرارات‪،‬‬ ‫وكان السبب الرئيس تفوق اجليش التركي في العدد وقصف‬ ‫جوي مستمر‪.‬‬

‫في األعوام العشرين املاضية‪ ،‬دفعت السلطات التركية‬ ‫ببعض اإلصالحات من أجل تهدئة األقلية الكردية‪ .‬ومن هذه‬ ‫اإلصالحات‪ ،‬السماح ببث برامج إذاعية وتلفزيونية باللغة‬ ‫الكردية والسماح بوجود تعليم كردي خاص‪ ،‬وإعادة أسماء‬ ‫قرى كردية‪.‬‬

‫اجلماعة»‪ .‬وبعد أعوام من إنكار وجود األكراد‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫املشكلة الكردية‪ ،‬خففت أنقرة تدريجيا من حدتها جتاه‬ ‫األكراد – من دون منحهم االعتراف الدستوري الذي يطالبون‬ ‫به‪ .‬وبعد ذلك جاء السماح بتدريس برامج لغة خاصة‪،‬‬ ‫في يناير (كانون الثاني) عام ‪ ،2009‬من خالل افتتاح قناة‬ ‫تلفزيونية حكومية باللغة الكردية‪.‬‬ ‫ولكن ال تسير األمور بهذه السرعة‪ .‬فقد تعثرت خطط‬ ‫احلكومة احلذرة إلقناع حزب العمال الكردستاني بنزع السالح‬ ‫سريعا بعد أكتوبر (تشرين األول) عام ‪ ،2009‬عندما أصدر‬ ‫القوميون األتراك رد فعل غاضبا على رؤية حشود كردية‬ ‫مبتهجة ترحب بـ»وفد السالم» من حزب العمال الكردستاني‬ ‫العائد إلى البالد من العراق‪ .‬لقد تقلص تهديد القوميني‬ ‫بدرجة كبيرة حاليا‪ ،‬بعد انهيار حزب املعارضة القومي في‬ ‫االستفتاء الذي أجري في سبتمبر (أيلول) املاضي‪ .‬ولكن يبدو‬ ‫أن احلكومة فقدت حماسها لوضع استراتيجية كبرى‪.‬‬ ‫وبدال من ذلك‪ ،‬في حني يستمر مسؤولون رفيعو املستوى في‬ ‫مفاوضاتهم مع أوجالن‪ ،‬يبدو أن احلكومة قد قررت محاولة‬ ‫جذب األكراد إلى جانبها من خالل إمياءات رمزية‪ .‬وتخطط‬ ‫مديرية الشؤون الدينية الكبرى في البالد‪ ،‬والتي يعمل بها‬ ‫‪ 80,000‬إمام وهي مسؤولة عن متابعة املساجد في الدولة‪،‬‬ ‫السماح بإلقاء خطبة اجلمعة باللغة الكردية‪ .‬كما منحت‬ ‫أمواال لـ‪ 1.364‬مسجدا جديدا في املناطق الكردية وملا تطلق‬ ‫‪14‬‬

‫في عام ‪ ،1937‬تصاعد مترد آخر سريعا ليصبح مأساة غير‬ ‫مسبوقة للشعب الكردي وجماعاته العرقية اخملتلفة‪ .‬بعد‬ ‫قيام انتفاضة في درسيم شرقا‪ ،‬خضع األناضول اجلنوبي‬ ‫الشرقي لألحكام العرفية‪ .‬تال ذلك ترحيل وتعذيب وقتل‬ ‫جماعي في محاولة للتطهير العرقي للسكان احملليني‪ .‬وظل‬ ‫اإلقليم خاضعا لألحكام العرفية حتى عام ‪ ،1950‬ولم يكن‬ ‫يسمح للمواطنني األجانب حتى عام ‪ 1965‬بزيارة املنطقة‬ ‫خوفا من إضرار أخبار هذه األحداث بسمعة تركيا الدولية‪.‬‬

‫عليه احلكومة «فرق اإلرشاد»‪ ،‬وهي مكونة من مسؤولني‬ ‫دينيني مهتهم «حماية وحدة البالد ومكافحة االنفصال»‪.‬‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬في األول من ديسمبر (كانون األول)‪ ،‬أصدرت‬ ‫وزارة الثقافة نسخة باللغتني الكردية والتركية من امللحمة‬ ‫الكردية «القومية» «مم وزين»‪ .‬وقال الوزير‪« :‬ال توجد مقدمة‬ ‫كردية‪ ،‬ولكنها عملية دميقراطية تقدمية»‪ .‬ويشعر محللون‬ ‫بالقلق من أن تكون احلكومة التركية قد قررت التراجع عن أي‬ ‫خطوات كبرى حتى جترى االنتخابات في العام املقبل‪.‬‬ ‫در ياردميجيل‪ ،‬الصحافي في بلدة كارس‬ ‫تقلق هذه الفكرة مق ّ‬ ‫اخملتلطة عرقيا‪ ،‬الواقعة بالقرب من احلدود األرمنية‪ .‬وشكك‬ ‫في أن «الدميقراطية التقدمية» ستكون كافية لتحقيق‬ ‫وحتسر‬ ‫السالم في املنطقة التي دمرتها حرب استمرت طويال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على عدم وجود تصور وشجاعة من كال اجلانبني‪ .‬وتساءل‬ ‫قائال‪« :‬ولكن ماذا تتوقع إذا أمضيت ثالثني عاما محدقا في‬ ‫فوهة بندقية‪ ،‬أظن أنه سينتهي بك احلال مصابا باحلول»‪.‬‬

‫*نيكوالس بيرش – عمل صحافيا حرا في تركيا ملدة ثمانية أعوام‪.‬‬ ‫وتنشر كتاباته في عدد كبير من اإلصدارات منها مجلة «التامي»‬ ‫و«وول ستريت جورنال» و»تاميز» اللندنية‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 14‬ديسمبر ‪2010‬‬


‫على أن ميزان القوى داخل احلركة الكردية لم يعد مييل نحو‬ ‫املسلحني في مقابل اجلناح املدني‪ .‬وبدا أن هذا هو مغزى‬ ‫املشاجرة التي وقعت في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)‬ ‫بني قائد حزب العمال الكردستاني املسجون عبداهلل أوجالن‬ ‫وعثمان بايدميير‪ ،‬رئيس بلدية ديار بكر‪ ،‬أكبر مدينة يسكنها‬ ‫أكراد في تركيا‪ .‬وقال بايدميير إن زمن السالح قد انتهى‪ .‬وكان‬ ‫ذلك ما يقوله أوجالن باستمرار منذ أن اعتقلته تركيا عام‬ ‫‪ ،1999‬ولكنه لم يكن سعيدا هذه املرة‪ .‬ومن سجنه في‬ ‫جزيرة قبالة اسطنبول‪ ،‬قال لرئيس البلدية إن عليه إما التوبة‬ ‫علنا أو االستقالة‪ .‬وعلى نحو غير متوقع‪ ،‬اصطف سياسيون‬ ‫أكراد لتأييد بايدميير‪ ،‬بدال من الرجل الذي يصر حاليا على‬ ‫مخاطبته بلقب «القائد»‪.‬‬ ‫ال يقتنع سيردار يلمظ‪ ،‬رئيس جمعية إسالمية مدنية في ديار‬ ‫بكر‪ ،‬بكل ما يقال عن حتول القوميني األكراد ضد حزب العمال‬

‫الكردستاني‪ .‬ولكنه يعتقد أن تأييد حزب العمال الكردستاني‬ ‫الضمني لتصرفات العصيان املدني جزء من جهوده للتأقلم‬ ‫مع الظروف املتغيرة في املنطقة‪ .‬ويقول‪« :‬يشير كل شيء‬ ‫إلى أن حزب العمال الكردستاني‪ ،‬عاجال أم آجال‪ ،‬سيتخلى عن‬ ‫سالحه‪ .‬تريد أميركا منه أن يفعل ذلك‪ ،‬وكذلك الدول اجملاورة‬ ‫لتركيا‪ ،‬كما أن تركيا تتخذ – أخيرا ‪ -‬خطوات إلقناعه بذلك‪،‬‬ ‫وهو يرغب في ذلك أيضا‪ .‬ولكن نزع السالح يسبب أزمة‪ .‬وعلى‬ ‫مدار أعوام‪ ،‬كان السالح واحلرب والصراع والشهادة من وسائل‬ ‫احلزب في حشد التأييد‪ .‬واآلن‪ ،‬إذا قدر له االستمرار‪ ،‬سيحتاج‬ ‫إلى البحث عن أساليب أكثر (مدنية) حلشد التأييد»‪.‬‬ ‫وال يختلف الوضع كثيرا على اجلانب التركي‪ .‬في بداية عام‬ ‫‪ ،2006‬صرح أعلى جنراالت تركيا علنا أنه «حتى إذا أرسلنا‬ ‫‪ 500,000‬جندي إلى (مقر حزب العمال الكردستاني في‬ ‫شمال العراق) لن نتمكن من القضاء نهائيا على هذه‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪13‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫الصراع التركي – الكردي‪ ..‬بداية النهاية‬

‫الفصول األخيرة؟‬

‫على الرغم من أن األكراد يشتهرون بوصفهم "أكبر شعب بال دولة في العالم"‪ ،‬فإن نحو ‪ 50‬في املائة من األكراد يعيشون في تركيا‪ .‬وطوال تاريخ‬ ‫من القمع والعنف‪ ،‬أسفر الصراع املسلح الذي بدأ عام ‪ - 1984‬بني احلكومة التركية وحزب العمال الكردستاني ‪ -‬عن مقتل نحو ‪ 40,000‬شخص‪.‬‬ ‫ويبدو اليوم أن هذا الصراع‪ ،‬الذي كان يكمن في صميم الهوية التركية‪ ،‬يقترب من النهاية‪.‬‬ ‫نيكوالس بيرش‬ ‫في توركالي‪ ،‬قرية أحد املهربني الواقعة على احلدود التركية‬ ‫اإليرانية‪ ،‬كان جونيت بوز يتحدث وهو على ظهر فرسه‪ .‬قال‪،‬‬ ‫مربتا على عنقها‪« :‬حقول ألغام‪ ..‬باسدران‪ ..‬إنها ال تخشى‬ ‫شيئا‪ .‬إذا أطلقت لها اللجام سيكون من الصعب إيقافها‪.‬‬ ‫فقد تركض إلى تبريز إذا تركتها»‪.‬‬ ‫يقدم وصف هذه الفرس تشبيها جيدا للحرب الكردية التي‬ ‫اشتعلت في هذه املنطقة منذ عام ‪ ،1984‬مما أسفر عن مصرع‬ ‫‪ 40,000‬شخص‪ ،‬وإخالء آالف عدة من القرى ومنح تركيا صفة‬ ‫أكثر الدول انتهاكا حلقوق اإلنسان‪ .‬ويعلم اجلميع أن هذه احلرب‬ ‫يجب أن تنتهي‪ .‬ولكن تكمن املشكلة في أنه ال يبدو أن أيا من‬ ‫أنقرة أو احلركة الكردية لديهما فكرة عن كيفية وقفها‪.‬‬ ‫صرح جميل بايك‪ ،‬وهو قائد بارز في حزب العمال الكردستاني‬ ‫املسلح‪ ،‬جمللة «إكسبريس» التركية في أكتوبر (تشرين األول)‬ ‫املاضي‪ ،‬قائال‪« :‬ال ميكننا أن نحقق شيئا من وراء القتال‪،‬‬ ‫وكذلك الدولة‪ .‬البديل الوحيد هو احلل السياسي»‪ .‬وبعد‬ ‫شهر‪ ،‬في األول من نوفمبر (تشرين الثاني)‪ ،‬أعلن حزب العمال‬ ‫الكردستاني عن وقف إطالق النار حتى انعقاد االنتخابات‬ ‫العامة‪ ،‬املقررة في تركيا في الصيف املقبل‪ .‬ولكنه رفض‬ ‫سحب ميليشياته املسلحة من تركيا إلى شمال العراق‪،‬‬ ‫منتبها من دون شك إلى اخلسائر الفادحة التي تكبدها بسبب‬ ‫اجليش التركي عندما انسحب آخر مرة عام ‪ .1999‬وفي اليوم‬ ‫الذي مت فيه وقف إطالق النار‪ ،‬فجر عضو في حزب العمال‬ ‫الكردستاني نفسه في وسط اسطنبول‪ ،‬مما أسفر عن جرح‬ ‫عشرة من رجال الشرطة‪.‬‬ ‫وفي حني يستمر الرجال في اجلبال في حربهم الزائفة‪ ،‬تشهد‬ ‫البلدات واملدن الكردية صعودا لظاهرة جديدة في الشهور‬ ‫األخيرة‪ :‬وهي العصيان املدني‪ .‬وقد بدأ هذا األمر في سبتمبر‬ ‫(أيلول)‪ ،‬عندما قاطع آالف من الطالب في جميع أنحاء‬ ‫املنطقة الذهاب إلى املدارس ملدة أسبوع احتجاجا على عدم‬ ‫تعليم اللغة الكردية في املدارس احلكومية التركية‪ .‬وقبل‬ ‫أسبوع‪ ،‬في ‪ 12‬سبتمبر (أيلول)‪ ،‬دعا احلزب القومي الكردي‬ ‫في تركيا مؤيديه إلى مقاطعة استفتاء على الدستور دعت‬ ‫إليه احلكومة‪ .‬وحتقق له ما أراد‪ :‬حيث التزم نحو نصف‬ ‫الناخبني في اجلنوب الشرقي منازلهم‪ ،‬وارتفعت نسبة الغياب‬ ‫عن التصويت في بعض املناطق إلى أكثر من ‪ 90‬في املائة‪.‬‬ ‫وفي النهاية‪ ،‬في ‪ 4‬نوفمبر (تشرين الثاني)‪ ،‬في محاكمة‬ ‫مئات من األكراد بتهمة االنضمام إلى جناح حزب العمال‬ ‫الكردستاني في احلضر‪ ،‬حاول املتهمون الدفاع عن أنفسهم‬ ‫باللغة الكردية‪ .‬وقال القاضي إنها «لغة مجهولة» وأمر‬ ‫بطردهم من احملكمة‪.‬‬ ‫ويصف كثير من احملللني حمالت العصيان املدني بأنها إشارة‬ ‫‪12‬‬


‫في داخل أفغانستان‪ ،‬تكمن املشكلة في أن‬ ‫احلكومة وقواتها األمنية ما زالت تواجه صعوبات‬ ‫كبرى في تنفيذ احلكم اجليد وسيادة القانون‪،‬‬ ‫وتعزيز التنمية االقتصادية وتوفير فرص العمل‪،‬‬ ‫ومكافحة الفساد واالجتار في اخملدرات‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى تأمني أعضاء طالبان الذين يحاولون االندماج‬ ‫من جديد في اجملتمع األفغاني‪.‬‬

‫األسباب الرئيسة التي جعلت الناتو يشعر بوجوب إرسال عشرات‬ ‫اآلالف من القوات اإلضافية إلى أفغانستان في العام املاضي فقط‪.‬‬ ‫لقد أكدت قمة لشبونة على االهتمام الروسي املتزايد بالتعاون مع‬ ‫حلف الناتو في أفغانستان‪ .‬ومنحت احلكومة الروسية جلميع أعضاء‬ ‫الناتو احلق في نقل السلع املقررة ألفغانستان عن طريق أراضيها بعد‬ ‫أن كانت متنحها لعدد محدود من األعضاء في الناتو‪ .‬وفي املقابل‪،‬‬ ‫وافق الناتو على مزيد من التعاون مع روسيا‪ ،‬في ما يخص مواجهة‬ ‫جتارة اخملدرات في أفغانستان‪ .‬وتدعي السلطات الروسية أن بها‬ ‫‪ 30.000‬شخص يفقدون حياتهم سنويا بسبب جرعات زائدة من‬ ‫اخملدرات‪ ،‬واإلصابة مبرض نقص املناعة البشرية بسبب احلقن امللوثة‪،‬‬ ‫وحاالت وفاة أخرى متعلقة باألفيون األفغاني‪ .‬وسيسدد الناتو أمواال‬ ‫إلى روسيا من أجل تقدمي مروحيات وتدريب طيارين أفغان على‬ ‫قيادتها‪.‬‬ ‫ولكن ال يزال التحالف يحتاج إلى تأييد شركاء دوليني رئيسيني‪ .‬ولعل‬ ‫أكثر الشركاء إثارة للمشكالت‪ ،‬باكستان‪ ،‬التي تظل حكوماتها‬ ‫عاجزة عن منع املساعدة املستمرة منذ مدة طويلة من العديد من‬ ‫الباكستانيني إلى املتمردين األفغان‪ .‬وفي تقرير عن التقدم الذي مت‬ ‫إحرازه أمام الكونغرس‪ ،‬اعترفت وزارة الدفاع األميركية بأن جهود منع‬ ‫طالبان من إرسال الرجال واملواد عبر احلدود األفغانية الباكستانية‬ ‫«لم حتقق نتائج ملموسة»‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬يرفض اجليش الباكستاني‬ ‫قمع حركة طالبان الباكستانية‪ ،‬والتي تتمتع مبالذ آمن في مناطق‬ ‫تقع على احلدود األفغانية الباكستانية حيث تساند من خالله‬ ‫متمردي طالبان في أفغانستان‪.‬‬ ‫كما ال يدعم كل من إيران والصني حلف الناتو‪ .‬وقد عرقل اخلالف‬ ‫حول برنامج إيران النووي وجود تعاون بني الناتو وإيران في ما يخص‬ ‫أفغانستان وأماكن أخرى‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬على الرغم من أنها‬ ‫أصبحت العبا اقتصاديا رئيسا في أفغانستان‪ ،‬فإن الصني رفضت‬ ‫دعم قوات الناتو التي حتمي استثماراتها هناك‪ .‬وقد كررت بكني‬ ‫رفضها لطلبات الناتو بتمرير اإلمدادات عبر األراضي الصينية إلى‬ ‫أفغانستان التي ال يوجد مدخل لها عبر البحر‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى حتسني شراكته مع احلكومة األفغانية‪ ،‬والعديد من‬ ‫الدول اجملاورة لها‪ ،‬يجب أن يحرز حلف الناتو املزيد من االنسجام بني‬ ‫املؤسسات الدولية اخملتلفة التي ترعى إعادة اإلعمار في أفغانستان‪.‬‬ ‫وال ميكن حتقيق تقدم مستمر في األحوال السياسية واالقتصادية‬ ‫واألمنية في أفغانستان من دون حتقيق املزيد من التعاون بني الناتو‬ ‫واملؤسسات الدولية األخرى‪ ،‬بخاصة األمم املتحدة واالحتاد األوروبي‬ ‫ومنظمة معاهدة األمن اجلماعي ومنظمة األمن والتعاون في أوروبا‪.‬‬ ‫ينبغي على حلف الناتو‪ ،‬تخطي معاهدة لشبونة‪ ،‬الى تطوير وتنفيذ‬ ‫خطة عمل من أجل تقييم حجم التقدم الذي يتم إحرازه في احلرب‬ ‫األفغانية وفقا ملعايير محددة‪ .‬ويجب أن تضم تلك املعايير نشر املزيد‬ ‫من قوات األمن األفغانية األكثر كفاءة‪ ،‬وحتسني قدرة مؤسسات احلكم‬ ‫األفغانية‪ ،‬وتوفير املزيد من فرص العمل ذات الطبيعة السلمية‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫يحتاج التحالف أيضا أن يستمر في تطوير شراكاته الدولية حلشد‬ ‫دعم دولي في احلرب األفغانية‪ .‬كما يقوم الناتو بدور تنسيقي مهم‬ ‫بني العديد من الدول واملؤسسات املهتمة بأفغانستان‪ .‬وهو يتشارك‬ ‫بالفعل مع ما يزيد على عشر دول من غير األعضاء في احللف‪ ،‬منها‬ ‫أستراليا واليابان وكوريا اجلنوبية‪ ،‬في القوة الدولية للمساعدة‬ ‫على إرساء األمن التي يقودها الناتو‪ .‬وتبقى مهمة الناتو حاليا في‬ ‫التوسع في هذه الشراكات من أجل ضم املزيد من األطراف وحتويل‬ ‫ما ظل في بعض احلاالت دعما اسميا إلى إسهامات أكثر جدوى‬ ‫واستمرارا‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫* ريتشارد ويتز – باحث ومدير مركز التحليالت السياسية‬ ‫العسكرية في معهد هدسون في واشنطن العاصمة‪.‬‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 6‬ديسمبر ‪2010‬‬ ‫‪11‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫قمة لشبونة تبحث «النّصر» والشركاء‬

‫الناتو‪ ..‬دخل الى أفغانستان ليبقى!‬ ‫شهدت قمة الناتو‪ ،‬التي أقيمت في لشبونة أخيرا‪ ،‬دعما قويا لبعثة احللف األمنية في أفغانستان‪ .‬وقد تعهد أعضاء حلف الناتو بإرسال مساعدات‬ ‫عسكرية إضافية ملدة أطول‪ ،‬بينما قدمت روسيا وشركاء آخرون مساهماتهم‪ .‬ولكن‪ ،‬ما زالت قوات األمن األفغانية ضعيفة للغاية‪ ،‬لدرجة أنها ال‬ ‫تستطيع قتال طالبان من دون مساعدات‪ ،‬في حني ال تؤيد دول جوار رئيسة اجلهود التي يقودها الناتو ملكافحة املتمردين بشكل كامل‪.‬‬ ‫ريتشارد ويتز‬ ‫خصصت قمة رؤساء الدول التي عقدت في لشبونة في ‪20 - 19‬‬ ‫نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي قدرا كبيرا من االهتمام بالبعثة‬ ‫العسكرية املثيرة للقلق التي أرسلها حلف الناتو الى أفغانستان‪.‬‬ ‫في نظر كثيرين‪ ،‬من املمكن أن يثير فشل الناتو في الفوز في احلرب‬ ‫تساؤالت حول فعالية احللف كمؤسسة أمنية دولية‪.‬‬ ‫وشهدت قمة لشبونة التزاما كبيرا من حكومات الدول األعضاء‬ ‫في حلف الناتو لالحتفاظ بوجود قواتها في أفغانستان‪ ،‬حيث مددت‬ ‫تلك احلكومات اجلدول الزمني للمرحلة االنتقالية إلى عام ‪.2014‬‬ ‫وعلى الرغم من تخفيض ميزانية الدفاع أخيرا‪ ،‬فإن أعضاء القوة‬ ‫الدولية للمساعدة على إرساء األمن (إيساف) بقيادة حلف الناتو‬ ‫ينشرون اآلن نحو ‪ 100.000‬جندي أميركي وما يقرب من ‪50.000‬‬ ‫من القوات األجنبية‪ .‬وحتى النقص املستمر في أعداد مدربي الناتو‬ ‫في أفغانستان سينتهي قريبا بفضل قرار احلكومة الكندية بإرسال‬ ‫‪ 1000‬جندي من أجل تلك املهمة‪.‬‬ ‫ولكن بعد أيام من انعقاد القمة‪ ،‬أرسل البنتاغون تقريرا إلى‬ ‫الكونغرس‪ ،‬يشير فيه إلى أنه‪ ،‬في خالل شهر سبتمبر (أيلول) عام‬ ‫‪ ،2010‬حقق حلف الناتو تقدما «متقطعا» في أفغانستان‪ ،‬على‬ ‫الرغم من زيادة عدد القوات القتالية في البالد‪ .‬وقد أدى تصاعد القتال‬ ‫إلى زيادة أعداد الضحايا من املدنيني‪ .‬وعلى الرغم من أن متمردي‬ ‫طالبان مسؤولون عن معظم تلك احلوادث بسبب استخدامهم‬ ‫الشائع ملتفجرات مصنعة ارجتاليا‪ ،‬فإن الشعب األفغاني أحيانا ما‬ ‫يلقي باللوم على قوات الناتو بسبب وقوع القتلى واجلرحى‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن مدى حتسن كفاءة الناتو في ما يخص استراتيجية‬ ‫القوات وتكتيكاتها‪ ،‬فإنه ال يستطيع الفوز في احلرب مبفرده‪ .‬يحتاج‬ ‫احللف إلى شركاء‪ ،‬في أفغانستان وأماكن أخرى‪ ،‬من أجل حتقيق‬ ‫نظام دميقراطي قادر على احتواء العنف السياسي املنتشر ومنع‬ ‫إعادة بناء قاعدة إرهابية متتد عامليا على أرضه أو متمردين‪ ،‬متولهم‬ ‫جتارة اخملدرات‪ ،‬يهددون الدول اجملاورة‪.‬‬ ‫وفي داخل أفغانستان‪ ،‬تكمن املشكلة في أن احلكومة وقواتها‬ ‫األمنية ما زالت تواجه صعوبات كبرى في تنفيذ احلكم اجليد وسيادة‬ ‫القانون‪ ،‬وتعزيز التنمية االقتصادية وتوفير فرص العمل‪ ،‬ومكافحة‬ ‫الفساد واالجتار في اخملدرات‪ ،‬باإلضافة إلى تأمني أعضاء طالبان الذين‬ ‫يحاولون االندماج من جديد في اجملتمع األفغاني‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫حلف الناتو ليس مسؤوال عن تلك املشكالت‪ ،‬فإن أفضل استراتيجية‬ ‫له في أفغانستان ستظل رهنا لقرارهم‪.‬‬ ‫يجب أن يكون هناك هيكل أمني أفغاني فعال لكي يستطيع حلف‬ ‫الناتو نقل احلرب إلى قيادة كابل‪ .‬وعلى الرغم من برامج التدريب‬ ‫األجنبية الشاملة ووسائل الدعم األخرى‪ ،‬فإن اجليش الوطني‬ ‫األفغاني والشرطة الوطنية األفغانية ال ميلكان سوى قدرة محدودة‬ ‫على هزمية متمردي طالبان من دون دعم مباشر مستمر من الناتو‪.‬‬ ‫وتستمر متطلبات تدريب قوة «إيساف» في االزدياد نظرا لفرار عدد‬ ‫كبير من اجلنود األفغان من اجليش‪ .‬كما أن هذا الضعف املستمر أحد‬ ‫‪10‬‬


‫متوفرة الآن على‬

‫جملة العرب الدولية‬

‫املجلة‬ ‫تطبيقات املجلة‬ ‫تطبيقات‬


‫●● أقوال‬ ‫احملتويات‬

‫أقوال‬ ‫"في اليوم الذي يثور فيه‬ ‫الشعب السوداني ضدنا‬ ‫فإننا لن نهرب أو نخرج من‬ ‫البالد لكننا سنخرج له‬ ‫ليرجمنا باحلجارة وسنبقى‬ ‫هنا وندفن في أرضنا"‬

‫الرئيس السوداني عمر حسن البشير‬ ‫في احتفال جماهيري في مدينة عطبرة‬ ‫بوالية نهر النيل شمال السودان‬

‫"نشكر أمير قطر بسبب اعطائه الضوء‬ ‫األخضر لهذه احلملة ونأمل من سموه ان‬ ‫يوسع النطاق في هذا التوجه نحو‬ ‫الشفافية ألقصى مدى بحيث‬ ‫تشمل دور القاعدة األمريكية‬ ‫في قطر في التجسس على‬ ‫البلدان اجملاورة والشعوب‬ ‫العربية وعالقات قطر مع‬ ‫اسرائيل وايران"‬

‫ياسر عبد ربه‪ ،‬عضو اللجنة التنفيذية ملنظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية ردا على بث قناة اجلزيرة وثائق سرية حول‬ ‫املفاوضات بني اسرائيل والسلطة الفلسطينية‬

‫"أنا سأطلب من الشعب اليمني العفو‬ ‫إن كنت قد أخطأت أو قصرت في واجبي‬ ‫ألنه ال يحوز الكمال إال هلل فما عملناه هو‬ ‫واجبنا"‬ ‫الرئيس اليمني علي عبد اهلل صالح في خطاب‬ ‫له بالعاصمة صنعاء أمام حشد من القيادات‬ ‫العسكرية واالمنية في املؤمتر السنوي لقادة‬ ‫القوات املسلحة واالمن‬

‫"ال يوجد أحسن من الزين أبدا في‬ ‫هذه الفترة بل أمتناه ان يبقى ليس‬ ‫إلى الـ ‪ 2014‬بل ان يبقى إلى مدى‬ ‫احلياة"‬ ‫القائد الليبي معمر القذافي في كلمة الى الشعب‬ ‫التونسي بعد فرار الرئيس بن علي الى السعودية‬

‫‪8‬‬

‫"ثمة قوى تدعو إلى الفراغ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والفراغ يُولّد الرعب والرعب يُولّد‬ ‫الدكتاتورية"‬ ‫اجلنرال رشيد عمار رئيس أركان جيش البر‬ ‫التونسي في أول ظهور له بعد االطاحة‬ ‫بالرئيس بن علي‬

‫"أنا فهمتكم ‪..‬فهمت اجلميع البطال‬ ‫واحملتاج والسياسي‬ ‫واللي طالب مزيد‬ ‫من احلريات‬ ‫فهمتكم‬ ‫فهمتكم‬ ‫الكل"‬ ‫الرئيس اخمللوع زين‬ ‫العابدين بن علي قبل‬ ‫‪ 24‬ساعة من فراره‬ ‫وأسرته الى خارج تونس‬

‫"التغيير عن طريق صناديق االقتراع‬ ‫ولّى أوانه في مصر‪ ،‬وأصبح الشارع هو‬ ‫الوسيلة الوحيدة لتحقيق التطلعات‬ ‫الشعبية"‬ ‫محمد البرادعي املعارض املصري واملدير العام السابق‬ ‫للهيئة الدولية للطاقة الذرية في تصريحات‬ ‫ألسبوعية دير شبيغيل األملانية‬

‫"ان هذا الوطن العزيز هو وطني‬ ‫مثلما هو وطن كل مصري‬ ‫ومصرية فيه عشت‬ ‫وحاربت من اجله‬ ‫ودافعت عن ارضه‬ ‫وسيادته ومصاحله‬ ‫وعلى ارضه اموت"‬

‫الرئيس املصري محمد‬ ‫حسني مبارك في كلمة‬ ‫للشعب املصري عبر التلفزيون‬ ‫في األول من فبراير ‪2011‬‬


‫‪30‬‬

‫‪47‬‬

‫‪24‬‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪7‬‬


‫● احملتوى‬

‫احملتوى‬ ‫أقوال‬

‫‪8‬‬

‫احلرب والسالم‬

‫‪10‬‬

‫ •الناتو‪ ..‬دخل الى أفغانستان ليبقى!‬ ‫ •الفصول األخيرة؟‬ ‫ •حروب الشرق األوسط اخلفية‬

‫شؤون سياسية‬

‫ •الشك عنوان احلقيقة‬ ‫ •اغتيال احللم األميركي‬ ‫ •شراكة من أجل االستقرار‬

‫جيل يحترق‬

‫بوعزيزي تونس يحمل أكثر من جنسية‬

‫ثروة األمم‬

‫‪18‬‬

‫‪18‬‬

‫‪38‬‬

‫‪26‬‬ ‫‪30‬‬

‫ •البنتاغون‪ ..‬ال رقيب وال حسيب‬ ‫ •طريق سريع مملوء باملطبات!‬ ‫ • أسواق‬

‫الوضع البشري‬

‫ •انتفاضة ائتالف الشباب‬ ‫ • تاجر املوت‬

‫‪38‬‬

‫ألف كلمة‬

‫‪42‬‬

‫حوارات‬

‫‪44‬‬

‫ •بروس ريدل يحذ ّر من حرب أهلية في أفغانستان‬ ‫ •ستيفن والت يدعو الى توازن القوى في السياسة‬

‫قطر‬

‫‪52‬‬

‫الفن‬

‫‪56‬‬

‫النقاد‬ ‫الكلمة األخيرة‬

‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪6‬‬

‫‪26‬‬


‫الكتاب المساهمون في هذا العدد‬ ‫أفشني موالفي‬ ‫باحث في مؤسسة نيو أميركا‪ ،‬وهي مركز أبحاث غير تابع‬ ‫ألي حزب‪ .‬تنشر أعماله في عشرات من اإلصدارات‪ ،‬تتنوع‬ ‫من «فورين أفيرز» إلى «نيويورك تاميز» و«فايننشيال‬ ‫تاميز»‪ .‬وفي عام ‪ ،2002‬رُشح كتابه «رحالت فارسية‪:‬‬ ‫أسفار عبر إيران» (نورتن ‪ )2002‬للحصول على جائزة‬ ‫توماس كوك ألفضل كتاب أدبي عن الرحالت في العام‪.‬‬ ‫ويغطي موالفي‪ ،‬الذي كان مراسال لوكالة «رويترز»‬ ‫لألخبار عندما كان يقيم في دبي ومساهما منتظما‬ ‫مبوضوعاته في «واشنطن بوست» من إيران‪ ،‬أخبار‬ ‫الشرق األوسط وواشنطن لصالح عدد كبير من اإلصدارات الدولية‪ .‬ويشارك بانتظام‬ ‫بتحليالته على قنوات «سي إن إن»‪ ،‬و«بي بي سي»‪ ،‬و«ناشيونال بابليك راديو»‪ ،‬وقنوات‬ ‫أخرى‪ .‬حصل موالفي على درجة املاجستير في تاريخ الشرق األوسط واالقتصاد الدولي‬ ‫من كلية بول نيتز للدراسات الدولية املتقدمة بجامعة جونز هوبكنز‪ .‬ويعمل أيضا في‬ ‫مؤسسة التمويل الدولية‪ ،‬وهي ذراع مجموعة البنك الدولي املسؤولة عن التعامل مع‬ ‫القطاع اخلاص‪.‬‬

‫نيكوالس بيرش‬ ‫كان يقيم في اسطنبول‪ ،‬تركيا منذ عام ‪ 2002‬إلى عام‬ ‫‪ ،2009‬حيث عمل صحافيا حرا‪ .‬وظهرت أعماله من تركيا‬ ‫والعراق وإيران والقوقاز في عدد كبير من اإلصدارات‪ ،‬منها‬ ‫«واشنطن بوست» ومجلة «التامي» و«الغارديان» وامللحق‬ ‫األدبي بـ«التامي»‪ .‬وكان بيرش مراسال لـ«وول ستريت جورنال»‬ ‫و«لندن تاميز» حتى نهاية عام ‪ .2009‬ويقيم بيرش في لندن‬ ‫منذ بداية العام احلالي حيث يستمر في عمله كصحافي‬ ‫حر‪ ،‬وهو في املراحل األولى من تأليف كتابه اجلديد‪ ،‬وهو‬ ‫كتاب أسفار يتناول عالقة تركيا املضطربة مع ماضيها‪.‬‬

‫ستيفن كليمونز‬ ‫باحث ومدير برنامج االستراتيجية األميركية في مؤسسة‬ ‫أميركا اجلديدة الذي يهدف إلى تعزيز سياسة التعاون الدولي‬ ‫األميركية التي جتمع بني واقعية صارمة بشأن مصالح أميركا‬ ‫في العالم ومثالية براغماتية تتعلق بالنظام العاملي األنسب‬ ‫ألسلوب احلياة األميركية الدميقراطية‪ .‬يعمل كليمونز الذي‬ ‫ينشر مدونته السياسية الشهيرة بعنوان «ذا واشنطن‬ ‫نوت» مديرا وممارسا للسياسات طويلة املدى في واشنطن‬ ‫العاصمة‪ .‬وشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي في معهد‬ ‫االستراتيجية االقتصادية‪ ،‬وكبير مستشاري السياسات في‬ ‫الشؤون االقتصادية والدولية للسيناتور جيف بينغامان (احلزب‬ ‫الدميقراطي ‪ -‬نيومكسيكو) وكان أول مدير تنفيذي ملركز نيكسون‪ .‬وقبل انتقاله إلى واشنطن‪،‬‬ ‫عمل كليمونز ملدة سبعة أعوام مديرا تنفيذيا جلمعية اليابان أميركا في جنوب كاليفورنيا‪،‬‬ ‫وشارك في تأسيس معهد اليابان لألبحاث السياسية مع تشاملرز جونسون‪.‬‬

‫فواز جرجس‬ ‫أستاذ السياسة الشرق أوسطية والعالقات الدولية في كلية‬ ‫االقتصاد والعلوم السياسية بلندن‪ .‬وقد حصل على درجة‬ ‫الدكتوراه من جامعة أكسفورد وتلقى تعليمه في جامعات‬ ‫أكسفورد وهارفارد وكولومبيا‪ .‬وكان يعمل باحثا في برنستاون‬ ‫وأستاذا في كلية سارة لورنس في نيويورك‪ .‬ومن مؤلفات‬ ‫جرجس‪« :‬رحلة اجملاهدين‪ :‬داخل اجلهاد اإلسالمي» (دار نشر‬ ‫هاركورت‪ ،)2007 ،‬و«العدو البعيد‪ :‬ملاذا أصبح اجلهاد عامليا»‬ ‫(دار نشر جامعة كمبريدج)‪ ،‬ويعكف حاليا على تأليف كتاب‬ ‫حتت عنوان موقت‪« :‬صناعة العالم العربي‪ :‬من ناصر إلى‬ ‫نصراهلل»‪ .‬ويكتب جرجس مقاالت وافتتاحيات في «نيويورك تاميز» و«واشنطن بوست»‬ ‫و«لوس أجنليس تاميز» و«فورين آفيرز» و«فورين بوليسي» وغيرها‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪5‬‬


‫● اإلفتتاحية‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬

‫األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز‬ ‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬ ‫الرئيس التنفيذي‬ ‫الدكتور عزام الدخيل‬ ‫رئيس التحرير‬

‫عادل بن زيد الطريفي‬

‫إدارة التحرير‬ ‫عزالدين سنيقرة‬ ‫جاكلني شون‬ ‫سكرتير التحرير‬ ‫جان سينجفيلد‬ ‫املسؤول الفني‬ ‫ماركس ميليجان‬ ‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع املقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في االلكترونية(كندل) بـ‪kindle@majalla.com :‬‬

‫تنويه‬

‫اآلراء الواردة في اجمللة ال تعبر بالضرورة عن رأي إدارة التحرير‬

‫حقوق النشر محفوظة جمللة اجمللة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث‬ ‫والتسويق (اململكة املتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة‬ ‫اجمللة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة‬ ‫إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون احلصول على تصريح مسبق من‬ ‫الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة)‪ .‬وتصدر اجمللة شهريا ً‪ .‬لتلقي‬ ‫استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪London Office Address‬‬ ‫‪HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited‬‬ ‫‪Arab Press House 182-184 High Holborn,‬‬ ‫‪LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539‬‬ ‫‪2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181,‬‬ ‫‪Fax: +(0)20 7831 2310‬‬ ‫‪E-Mail: editorial@majalla.com‬‬

‫اإلعالن‬ ‫لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ‪:‬‬

‫‪Mr. Wael Al Fayez‬‬ ‫‪w.alfayez@alkhaleejiah.com‬‬ ‫‪Tel.: 0096614411444,‬‬ ‫‪F.: 0096614400996‬‬ ‫‪P.O.BOX 22304, Riyadh 11495, Saudi Arabia‬‬

‫صورة الغالف من‬

‫‪4‬‬

‫‪Getty Image‬‬

‫التحرير‬ ‫عزيزي القارئ‪،‬‬ ‫في هذا العدد من «اجمللة»‪ ،‬يقدم لك أفشني موالفي‪ ،‬الباحث في مؤسسة أميركا اجلديدة‪ ،‬مقاال‬ ‫بعنوان «جيل يحترق»‪ ،‬يتناول مأساة محمد البوعزيزي‪ ،‬ذلك الشاب اليائس الذي أشعل النيران‬ ‫في جسده في تونس واآلثار بعيدة املدى التي طالت الشباب العربي العاطل عن العمل في جميع‬ ‫أنحاء الشرق األوسط‪.‬‬ ‫مع دخولنا في العام اجلديد‪ ،‬رأى كتاب «اجمللة» أنه من املناسب إلقاء نظرة على الواليات املتحدة‬ ‫في عام ‪ .2010‬يقول ستيفن كليمونز في مقاله إن انعدام الثقة املستمر في حتقيق إدارة أوباما‬ ‫ألهدافها وتنفيذ وعودها يرجع إلى حد ما إلى استمرار التراجع االقتصادي‪ ،‬وهو نتيجة أيضا‬ ‫لتزايد نفوذ اجلمهوريني في احلكومة األميركية‪.‬‬ ‫في مقال «اغتيال احللم األميركي»‪ ،‬يشير أستاذ السياسات الشرق أوسطية والعالقات الدولية‬ ‫فواز جرجس إلى تزايد حاالت اإلسالموفوبيا في الدول الغربية كإحدى النتائج طويلة املدى التي‬ ‫تسببت فيها «احلرب على اإلرهاب» التي تشنها أميركا‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا اإللكتروني في‬ ‫‪/HYPERLINK "http://www.majalla.com/ar/" http://www.majalla.com/ar‬‬ ‫ونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫عادل الطريفي‬ ‫رئيس التحرير‬


TM1555_02-03_Ad.indd 2

21/8/10 15:13:41


TM1555_02-03_Ad.indd 3

21/8/10 15:13:48


‫العدد رقم ‪ - 1560‬فبراير ‪2011‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫جيل يحترق‬

‫بوعزيزي تونس‬ ‫يحمل أكثر من جنسية‬

‫‪01‬‬

‫‪087119‬‬ ‫‪Issue 1560‬‬

‫‪9 770261‬‬ ‫ ‪The Majalla‬‬

‫احلرب والسالم‬

‫الفصول األخيرة؟‬ ‫‪01‬‬ ‫الصراع التركي – الكردي‪ ..‬بداية النهاية‬ ‫‪087119‬‬

‫‪9 770261‬‬

‫شؤون سياسية‬

‫اغتيال احللم األميركي‬ ‫سياسة اإلرهاب تغذ ّي اإلسالموفوبيا في الغرب‬

‫ثروة األمم‬

‫طريق سريع مملوء باملطبات!‬ ‫الشركات الصينية العاملة في اجلزائر في قفص االتهام‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.