المأزق العربي

Page 1



‫● الكلمة األخيرة‬

‫رجال الرئيس‪ ..‬ورأس الرئيس‬ ‫عادل الطريفي‬ ‫ال تزال ثالثة أنظمة عربية تصارع البقاء خالل األسبوع املاضي‪ ،‬وهي ليبيا‪ ،‬وسورية‪،‬‬ ‫واليمن‪ .‬األولى حتولت إلى حرب «كر وفر» ما بني خصوم العقيد ومحازبيه حيث لم‬ ‫تفلح قوات الناتو اجلوية في حسم املعركة على األرض لصالح «الثوار» بعد‪ ،‬والثانية‬ ‫أخذت بعدا فئويا وطائفيا حيث األغلبية في مواجهة نظام أمني وحزبي ال يزال‬ ‫متماسكا رغم جسارة األحداث‪ .‬أما الثالثة‪ ،‬فيقف فيها الرئيس وحيدا أمام انشقاق‬ ‫كبار قواده وحلفائه وانضمامهم للمعارضة‪ .‬هناك مظهران بارزان يجمعان ما بني هذه‬ ‫احلاالت‪ :‬عجز حركة املعارضة في الشارع ‪ -‬أو الثوار املسلحني ‪ -‬عن إقصاء الرئيس‬ ‫ونظامه بالقوة‪ ،‬ورفضها ألي وساطة أو حل يتضمن خروجا آمنا للرئيس ورموز نظامه‪،‬‬ ‫أو التعهد بعدم املالحقة لكل من انتمى للمرحلة السابقة‪.‬‬ ‫في ليبيا‪ ،‬قدم كل من االحتاد األفريقي‪ ،‬وتركيا مبادرات للحل‪ ،‬ولكن «اجمللس االنتقالي‬ ‫للثورة» رفض املبادرات‪ ،‬ألنها ال تتضمن إقصاء فوريا للرئيس وعائلته‪ .‬أما في اليمن‪ ،‬فإن‬ ‫أحزاب اللقاء املشترك حتفظت على املبادرة اخلليجية ألنها ‪ -‬كما قيل ‪ -‬تتضمن بنودا‬ ‫تتعلق بتقدمي ضمانات حصانة للرئيس في املرحلة االنتقالية‪.‬‬ ‫أزمة «اخملرج» بالنسبة للرؤساء العرب هي واحدة من أكبر املعوقات أمام االنتقال‬ ‫السلمي للسلطة في جو من االضطراب السياسي واالنتفاضات الشبابية التائهة‪،‬‬ ‫فمنافذ اخلروج تبدو مغلقة‪ ،‬وصقور املعارضة مصرون على تقدمي الرئيس وكامل‬ ‫نظامه كقرابني للشباب الثائرين في الشوارع‪ .‬أما األنظمة ذاتها فتشعر أنها حتت‬ ‫حصار شديد‪ ،‬وأن الطريق الوحيد رمبا للنجاة هو القتال حتى آخر رجل‪ ،‬ولعل خطبة‬ ‫القذافي «زنقة‪ ..‬زنقة» هي تعبير واقعي للطريقة التي ترى فيها األنظمة ورجاالتها‬ ‫مصيرهم الشخصي‪ .‬النموذج التونسي واملصري ال يقدمان أي ثقة أو أمان بالنسبة‬ ‫لرؤساء اجلمهوريات العربية املتبقني‪ ،‬فالرئيس ‪ -‬السابق ‪ -‬زين العابدين بن علي صدرت‬ ‫بحقه مذكرة جلب دولية‪ ،‬والرئيس ‪ -‬السابق ‪ -‬حسني مبارك يواجه مذكرة استدعاء‬ ‫من النائب العام‪ ،‬ورغم خطابه الذي بث عبر قناة «العربية» مدافعا عما سماه حمالت‬ ‫التشهير ضده‪ ،‬فإن حالة الهيجان والغضب التي ال تزال معتملة في الشارع تدفع‬ ‫باحلكومة احلالية إلى مقاضاته‪ ،‬ولعل تفشي روح االنتقام‪ ،‬واحملاسبة الشخصية قد‬ ‫دفعت باجمللس العسكري حتت الضغط إلى سجن أغلب وزراء حكومة د‪ .‬أحمد نظيف‬ ‫السابقة بطريقة متعجلة مثيرة عددا من األسئلة حول قانونية إجراءات التحفظ‪،‬‬ ‫ومقدار «التسييس»‪ ،‬و«االنتقائية» ‪ -‬احملتملة ‪ -‬في البالغات املقدمة إلى النائب العام‪.‬‬ ‫ليس هناك رئيس‪ ،‬أو أي من وزرائه وجنراالته‪ ،‬يريد أن يرى نفسه مرتديا البذلة البيضاء‬ ‫في السجن بعد أن تصادر سلطته‪ ،‬وثروته‪ ،‬ويقضى على سمعته‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإن بعض‬ ‫أولئك املوجودين في السلطة ال يتمسكون بها اآلن ‪ -‬حتت هذه الظروف ‪ -‬ألنهم‬ ‫يرغبون في االحتفاظ بها ألنفسهم فقط‪ ،‬بل ألن مصيرهم الشخصي وعائالتهم‬ ‫بات مهددا‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬يواجه دعاة تغيير األنظمة معضلة أخالقية‪ :‬هل يتم التسامح مع الرئيس ورموز‬ ‫النظام السابق تغليبا لالستقرار وضمانا للعملية االنتقالية من أن تتحول إلى معركة‬ ‫مفتوحة لتصفية احلسابات مع من يستحق أو ال يستحق‪ ،‬أم أن محاسبة الرئيس‬ ‫ورجاله اآلن ضرورية من أجل التطهر من العهد السابق‪ ،‬ومتيمة من أجل أن ال يتكرر‬ ‫املاضي في املستقبل؟‬

‫عشرات اللجان واجملالس احلكومية واحمللية‪ ،‬أي أن الرئيس ليس إال طرفا فيما حدث‪.‬‬ ‫هذا ال يعني تنزيه أو تبرئة الرئيس‪ ،‬ولكن من املهم أن ندرك أنه من الصعب إيجاد أدلة‬ ‫محكمة ودامغة إلدانة الرؤساء في الغالب‪ .‬هناك حاالت قليلة يتمكن فيها املدعي‬ ‫العام من إدانة الرئيس شخصيا‪ ،‬ولكنها قليلة بسبب حساسية موقع الرئاسة في‬ ‫النظام اجلمهوري أو البرملاني‪ .‬خذ على سبيل املثال حرب العراق‪ ،‬وجلنة التحقيق في‬ ‫بريطانيا التي استمعت وال تزال لعشرات الشهادات بخصوص مسؤولية رئيس الوزراء‬ ‫البريطاني وحكومته عن قرار الدخول في احلرب‪ .‬في مصر مثال حبسوا رئيس الوزراء‬ ‫أحمد نظيف باالستناد إلى مشروع ترسية لوحات السيارات‪ ،‬وهي قضية تختلف عن‬ ‫الشعارات التي رفعت وتتهم النظام بالديكتاتورية‪ .‬في فرنسا‪ ،‬أو إيطاليا‪ ،‬محاوالت‬ ‫حملاكمة الرئيس‪ ،‬ولكنها تصطدم غالبا بالدستور والنظام الرئاسي نفسه‪.‬‬ ‫ميكن لبلدان العالم العربي التي متر باضطرابات سياسية أن تستفيد من مناذج سابقة‬ ‫غلبت مصلحة االستقرار‪ ،‬واملضي قدما في العملية االنتقالية‪ ،‬على خيار التطهير‬ ‫واالجتثاث كما حدث في العراق مؤخرا‪ .‬حكم سوهارتو إندونيسيا ما بني عامي ‪1968‬‬ ‫ ‪ ،1998‬وفي ذات العام الذي انتهى حكمه كان قد فاز باالنتخابات لوالية جديدة‪.‬‬‫وكما هو احلال في مصر باألمس‪ ،‬كان حزب سوهارتو ميلك البرملان‪ ،‬وعائلته وأسرته‬ ‫وأركان نظامه لهم نصيب األسد في اقتصاد وثروة الدولة مما فجر انتفاضة شبابية‬ ‫عارمة ضده‪ ،‬حيث تظاهر شباب اجلامعات ألشهر‪ ،‬ومت احتالل ميادين رئيسية في‬ ‫العاصمة‪ ،‬وتدخلت الشرطة لتفريق االعتصامات فسقط العشرات‪ ،‬واضطر سوهارتو‬ ‫حتت ضغط الشارع إلى االستقالة‪ .‬كان أمام النخبة واجليش خياران‪ ،‬إما منح الرئيس‬ ‫مجاال خلروج مشرف‪ ،‬بحيث يستقيل من منصبه لصالح نائب الرئيس حبيبي‪ ،‬وأن تتم‬ ‫ترتيبات السلطة وفقا للدستور مهما بلغ حجم االنتقادات عليه‪ ،‬أو أن يلجأ اجليش‬ ‫لطرد الرئيس وأن تغرق البلد في فوضى االنتقام‪ .‬اختار اإلندونيسيون اخليار األول‪ ،‬ومت‬ ‫تسليم السلطة‪ ،‬وإعطاء الرئيس‪ ،‬الذي انتقل إلى مجمع سكني في جاكرتا‪ ،‬احلصانة‬ ‫واحلماية‪ .‬كان هناك بالطبع من طالب مبحاكمة سوهارتو‪ ،‬ولكن النخبة السياسية‬ ‫كانت تدرك أنه يجب االحتفاظ بهيبة رئيسها السابق‪ ،‬ألنه كأي رئيس له أنصار‬ ‫وشعبية‪ ،‬وألن القيام بذلك من شأنه أن يحافظ على هيبة مؤسسة الرئاسة والدولة‪.‬‬ ‫ولهذا حني مات سوهارتو أقيمت له جنازة رئاسية حضرها حتى بعض خصومه الذين‬ ‫أودعهم السجن في السابق‪.‬‬ ‫منوذج آخر حدث في تشيلي‪ ،‬حيث حكم اجلنرال أوغستو بينوشيه بانقالب عسكري‬ ‫حتى قامت انتفاضة شعبية عارمة في عام ‪ ،1988‬حينها قام بينوشيه بتعديل‬ ‫الدستور وأقر انتخابات رئاسية وبرملانية في نهاية العام الذي تاله بحيث فازت املعارضة‪،‬‬ ‫فماذا صنعت تشيلي؟ منحت بينوشيه لقب سيناتور مدى احلياة في أول تعديل‬ ‫دستوري أقر بعد االنتخابات‪ ،‬وخرج بينوشيه إلى املنفى‪ ،‬وحني أرادت جمعيات حقوقية‬ ‫محاكمته من خالل القضاء البريطاني في عام ‪ ،2000‬أجازت السلطات البريطانية‬ ‫له الرحيل بحجة املرض‪ ،‬وعاد في ذات العام إلى بلده‪ ،‬ورغم محاوالت كثيرة ملالحقته‬ ‫قضائيا كان يتم إعفاؤه من احملاكمة عدة مرات حتى توفي دون أن يصدر بحقه إدانة‬ ‫نهائية ألي من التهم املوجهة له‪ ،‬ورغم عدم اعتراف احلكومة به كرئيس سابق فإنها‬ ‫أقامت له جنازة عسكرية بوصفه القائد األعلى للقوات املسلحة – سابقا ‪ -‬بحيث‬ ‫أنزلت األعالم في كافة القواعد العسكرية‪.‬‬ ‫حتى الواليات املتحدة التي تتميز بنظامها اجلمهوري ومحكمتها العليا‪ ،‬ودميقراطيتها‬ ‫الفريدة‪ ،‬لم يتم فيها سجن الرئيس نيكسون في فضيحة «ووتر غيت» بل مت إعطاؤه‬ ‫عفوا رئاسيا‪ ،‬وحضر جنازته الرئيس األميركي‪ .‬أما الرئيس كلينتون الذي حنث في‬ ‫اليمني في قضية مونيكا لوينسكي فقد جتاوز طرح الثقة بفارق أصوات قليلة‪ ،‬وخرج‬ ‫كرجل دولة وسالم يجوب دول العالم تسويقا ملؤسسته اخليرية‪.‬‬

‫ال شك أن محاولة محاكمة أي رئيس ليست باألمر الهني‪ ،‬وكل أولئك الذين يفترضون‬ ‫سلفا أن الرئيس مذنب وأنه يكفي فقط إثبات قضية أو قضيتني إلدانته مخطئون‬ ‫لسببني؛ أولهما‪ :‬أن الرئيس في أغلب بلدان العالم إمنا يحكم وفق القانون والدستور‪،‬‬ ‫أي أنه ليس بحاجة الختراق القانون في الغالب‪ ،‬إذ ميكنه تغيير القانون أو اإليعاز جمللس‬ ‫النواب املوالي له بتعديل الدستور حتى يتسنى له أن يفعل ما يشاء‪ .‬وعليه‪ ،‬فإنه‬ ‫من الناحية القانونية والدستورية الرئيس تصرف وفق صالحياته الرئاسية‪ ،‬حتى ليبيا‬ ‫معمر القذافي لم يكن فيها العقيد يتخذ قرارا إال ويستند الى مشروعية اللجان‬ ‫الثورية‪ .‬ثانيا‪ :‬الرؤساء غالبا ما يتعاطون مع شؤون الدولة العليا واملصالح القومية‬ ‫الكبرى‪ ،‬أي املاكرو بوليتيكس (‪ ،)macro - politics‬وال يتدخلون أو يديرون شؤون‬ ‫احلكومة املركزية أو احمللية‪ ،‬أي امليكرو بوليتيكس (‪.)micro - politics‬‬

‫أمام اجلمهوريات العربية خياران‪ ،‬إما جتاوز املاضي عبر التسامح وتغليب مصلحة‬ ‫االنتقال السلمي للسلطة‪ ،‬أو الغرق في مستنقع الفوضى واالنتقام وروح التشفي‪.‬‬ ‫ألم يكن عصام شرف في مصر‪ ،‬ومصطفى عبد اجلليل‪ ،‬وعبد الفتاح يونس في ليبيا‬ ‫وزراء في حكومات يعتبرونها ديكتاتورية؟ أولم يكونوا إلى وقت قريب مقربني من‬ ‫السلطة ذاتها التي يريدون محاكمتها اليوم؟!‬

‫ماذا يعني ذلك؟ باختصار‪ ،‬الرئيس إمنا يقر القوانني والقرارات التي تأتي في الغالب ممهورة‬ ‫مبوافقة مجلس الوزراء‪ ،‬أو مجلس النواب‪ ،‬أو بعد أن مررت القرارات واملشروعات عبر‬

‫من السهل املطالبة برأس الرئيس مغازلة للثوار‪ ،‬ولكن ألم يكونوا إلى وقت قريب هم‬ ‫«كل رجال الرئيس»؟!‬

‫‪62‬‬


‫تقرير‬ ‫حزب اهلل‪ ..‬من قوة سياسية‬ ‫الى ممثل رئيس لشيعة لبنان‬

‫التخصص‪ ..‬طائفي‬ ‫ّ‬

‫تتسلط األضواء بالفعل على التقلبات السياسية اللبنانية‬ ‫عام ‪ .2011‬فقد شهد نظام التمثيل املعقد ‪ -‬الذي يجعل‬ ‫قيادة البالد مشلولة – انهيار حكومة ائتالفية أخرى من‬ ‫جديد‪ .‬وفي هذه املرة ظهر حزب اهلل بقوة في صعود بعد‬ ‫اختيار مرشحه املفضل جنيب ميقاتي رئيسا جديدا للوزراء‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من نشر تقرير «حزب اهلل واجملتمع الشيعي» في‬ ‫نهاية عام ‪ ،2010‬فإن هذا النوع من التطورات التي حدثت‬ ‫حتى اآلن في العام احلالي هو ما يناقشه التقرير‪ .‬يقدم زياد‬ ‫ماجد ‪ -‬بالتعاون مع معهد أسنب ‪ -‬حتليال شامال لتطور النخبة‬ ‫السياسية الشيعية في لبنان‪ ،‬إلى جانب صعود حزب اهلل‬ ‫كقوة سياسية كبرى وممثل رئيس عن اجملتمع الشيعي‪.‬‬ ‫«حزب اهلل واجملتمع الشيعي‪ :‬من الطائفية السياسية إلى التخصص‬ ‫الطائفي»‬ ‫زياد ماجد‬ ‫معهد أسنب‬ ‫نوفمبر (تشرين الثاني) ‪2010‬‬ ‫رمبا يجد من هم على معرفة وثيقة بتاريخ لبنان احلديث أن اخللفية األولى‬ ‫للموقف السياسي احلالي‪ ،‬املقدم في التقرير‪ ،‬تشبه درسا تاريخيا صعبا‪.‬‬ ‫ولكن من املهم وضع تطور النفوذ الشيعي في سياق املنطقة‪ ،‬وبذلك‬ ‫يقدم زياد ماجد وصفا واسع النطاق لتفاصيل ما سماه بنظام الطائفية‬ ‫والتوافقية اللبنانية‪ .‬يعطي التفاعل بني حركة أمل التي أسسها موسى‬ ‫الصدر وقواعد نفوذ العائالت الشيعية التقليدية من جانب‪ ،‬في مقابل‬ ‫ظهور اجلماعات اليسارية من جانب آخر‪ ،‬فكرة حول التطور السياسي‬ ‫الذي شهدته البالد‪ .‬ويتناول ماجد أيضا السنوات األولى حلزب اهلل‪ ،‬بعرض‬ ‫الظروف التي أحاطت بتأسيسه‪ ،‬النفوذ اخلارجي لسورية وإيران على وجه‬ ‫التحديد‪ .‬ويخص ماجد بالذكر قدرة حزب اهلل البارزة على استغالل قوة‬ ‫الدفع اآليديولوجية والسياسية املقنعة املتاحة ملن «يقدم خدمات»‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬سيعرف جميع محللي الشؤون اللبنانية جيدا املهارة التي‬ ‫يؤدي بها حزب اهلل عددا هائال من األدوار االجتماعية‪ ،‬ولكن أراد ماجد‬ ‫توضيح أهمية هذه القوة ‪ -‬في مجتمع يشتهر بالطائفية ‪ -‬بأسلوب‬ ‫يقدم نظرة جديدة‪ .‬يقول ماجد‪« :‬أصبح االنتماء الشيعي حلزب اهلل أمرا‬ ‫ثانويا بالنسبة ملؤيديه من غير الشيعة‪ ،‬ويضع احلزب ذلك في االعتبار‬ ‫في ما يتعلق بخطابه الرسمي والدعاية اإلعالمية»‪ ،‬وهو إطناب أراد من‬ ‫خالله اإلشارة إلى ذكاء احلزب‪.‬‬ ‫من العدل أن يبدأ التقرير على هذا النحو‪ ،‬قبل أن يصل الكاتب إلى أي‬ ‫استنتاجات واقعية أو حتليالت محددة‪ .‬ويجدر التسامح مع ذلك‪ ،‬حيث‬ ‫شمل التقرير أيضا عرضا موجزا للتوترات السنية الشيعية‪ ،‬مع توضيح‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫كيفية تأثير حادث اغتيال رفيق احلريري على املناخ السياسي‪ .‬وعندما‬ ‫يصل التقرير إلى النقاط احملورية جتدها مقنعة‪ ،‬ويظل هذا حقيقيا بغض‬ ‫النظر عما إذا كان القارئ متعاطفا مع األفكار املطروحة أم ال‪ ،‬أو ما إذا‬ ‫كانت األفكار تبدو أقل وضوحا‪.‬‬ ‫ال تعد فكرة تهديد السلوك العسكري والسياسي حلزب اهلل «لنظام‬ ‫احلكم التقليدي في لبنان» بالشيء اجلديد‪ ،‬ولكنها مطروحة بصورة‬ ‫صحيحة‪ .‬كذلك احلال مع الوصف الواضح لكيفية تهديد االنقسامات‬ ‫الطائفية للسياسة التوافقية بشدة وسببه‪ ،‬حيث يذكرها التقرير‬ ‫بالتفصيل وبأسلوب مترابط ليصل في النهاية إلى تأكيد قوي على أن‬ ‫اخلوف من االنهيار الكامل هو القوة احملركة احلقيقية التي تطيل عمر‬ ‫النظام‪.‬‬ ‫وبعد أن استغنى التقرير عن وضع جميع إطارات السياق اإلجبارية‪،‬‬ ‫استطاع في النهاية أن يضع األحداث والتشعبات التاريخية داخل إطار‬ ‫أكادميي‪ .‬ووفقا للخلفية الفلسفية للقارئ‪ ،‬فهو إما أن يصبح مستاء‬ ‫أو متحمسا لتطبيق ماجد للنظرية السياسية الغرامشية ‪ -‬وبخاصة‬ ‫تأكيده على األمناط املهيمنة على الساحة السياسية اللبنانية‪.‬‬ ‫وفي النهاية‪ ،‬يقدم التقرير العديد من النتائج الذكية‪ ،‬التي ميكن القول‬ ‫إنها توقعت أحدث التطورات التي وقعت في لبنان‪ ،‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫انهيار أحدث حكومة ائتالفية‪ .‬وكل ذلك من دون ذكر قرار اإلدانة الظني‬ ‫(الذي ما زال حتى اآلن غير مؤكد) ضد أعضاء في حزب اهلل والذي‬ ‫ستصدره احملكمة الدولية اخلاصة بلبنان‪ ،‬حيث فضل الكاتب االلتزام‬ ‫باحلقائق املعروفة وإقامة أي نتائج على أساس من النزاهة األكادميية‪.‬‬ ‫يشير تقرير «حزب اهلل واجملتمع الشيعي» حتديدا إلى الطرق العديدة‬ ‫التي ميكن أن تعوق بها قوة حزب اهلل الدميقراطية التوافقية‪ ،‬من دون‬ ‫رفضها صراحة (وهو الهدف غير العلني للحزب)‪ .‬بعد وضع حتليل مثير‬ ‫لالهتمام لهذا الوضع غير املستقر‪ ،‬يختتم التقرير بذكر مجموعة من‬ ‫اإلصالحات ‪ -‬التي اختار الكاتب في حلظة من الكوميديا السوداء أو‬ ‫الوعي الذاتي أن يصفها بـ«الواقعية» (واضعا الكلمة بني أقواس) –‬ ‫باإلضافة إلى بعض املواقف احلذرة التي قد يتخذها اجملتمع الدولي الغربي‬ ‫جتاه لبنان (وحزب اهلل)‪.‬‬ ‫تقدم اإلصالحات املقترحة قراءة جيدة‪ ،‬وتشكل محورا للعمل‪ .‬وهي‬ ‫في إيجاز‪ :‬صياغة قانون جديد للجنسية‪ ،‬ووضع قانون انتخابي جديد‪،‬‬ ‫والعمل بقانون الالمركزية اإلدارية‪ ،‬ووضع قانون مدني‪ .‬رمبا يثبت التقرير‬ ‫قدرته على التنبؤ‪ ،‬ويتم مترير هذه اإلصالحات في يوم ما‪ .‬وحتى ذلك احلني‪،‬‬ ‫يقدم التقرير دراسة شاملة كاملة للدور الشيعي املعاصر في النظام‬ ‫اللبناني متعدد الفصائل‪.‬‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 14‬فبراير ‪2011‬‬

‫أصبح االنتماء الشيعي حلزب اهلل أمرا ثانويا بالنسبة‬ ‫ملؤيديه من غير الشيعة‪ ،‬ويضع احلزب ذلك في االعتبار‬ ‫في ما يتعلق بخطابه الرسمي والدعاية اإلعالمية‬ ‫‪61‬‬


‫● نقاد‬

‫املعلوم واجملهول في مذكرات وزير سابق‬

‫تأمالت رامسفيلد‬

‫الدور الكبير في مستقبل بالدنا ‪ -‬وفي حياتي ‪ -‬في األعوام التالية»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الكتاب يغطي مشوار رامسفيلد السياسي‪ ،‬بداية‬ ‫من ترشحه للكونغرس عام ‪ ،1962‬ودعوته إلى البيت األبيض عندما‬ ‫اجتمع مع الرئيس جون كينيدي بعد ذلك‪ ،‬وعالقته بوزير اخلارجية‬ ‫األسبق هنري كينسجر‪ ،‬ودوره في إدارة فورد‪ ،‬إلى جانب قضايا أخرى‬ ‫داخلية‪ ،‬فإن اجلزء األكبر من الكتاب يركز على الشرق األوسط‪.‬‬ ‫يوضح رامسفيلد في الفصل األول من الكتاب أسلوب تفكير الواليات‬ ‫املتحدة بعد قتل ‪ 241‬من قوات املارينز في بيروت عام ‪ .1983‬ويركز وزير‬ ‫الدفاع السابق على النظام السوري‪ ،‬الذي يصفه بأنه «يتسم بأكثر‬ ‫صفتني من اخلطر توفرهما في عدو عسكري ‪ -‬القسوة والصبر»‪.‬‬ ‫وأضاف‪« :‬مثل جميع األنظمة الدكتاتورية‪ ،‬متيز النظام السوري بأنه‬ ‫ال يحتاج إلى التودد إلى الرأي العام الداخلي‪ .‬ميكنه أن يفعل أي شيء‬ ‫يراه مناسبا لتحقيق أهدافه»‪.‬‬

‫سواء اتفقت أو اختلفت مع رواية رامسفيلد لألحداث‪ ،‬من‬ ‫املؤكد أن الكتاب مصدر رئيس من أبرز الشخصيات في دوائر‬ ‫صنع القرار في واشنطن‪ .‬ويتميز أسلوب الكاتبني الفعليني‪،‬‬ ‫إيريك مارتني وستيفن إليوت‪ ،‬باإلمتاع والسالسة‪ .‬لذلك فانه‬ ‫بالنسبة حملبي السياسة واالطالع‪ ،‬من املمتع قراءة «املعلوم‬ ‫وعلق رامسفيلد بأن دمشق متارس «لعبة دبلوماسية» أمام الواليات‬ ‫واجملهول»‪.‬‬ ‫املتحدة منذ عقود‪ .‬واتهم سورية وحزب اهلل باغتيال رئيس الوزراء‬ ‫«املعلوم واجملهول‪ :‬مذكرات»‬ ‫دونالد رامسفيلد‬ ‫سنتينل ‪2011‬‬ ‫‪ 36‬دوالرا‬

‫في عام ‪ ،1968‬أجرى عضو في الكونغرس من‬ ‫إيلينوي‪ ،‬عمره ‪ 36‬عاما‪ ،‬مقابلة مع متقدم‬ ‫للعمل كمتدرب يبلغ من العمر ‪ 27‬عاما‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن املتقدم للعمل لم يعجب عضو‬ ‫الكونغرس وفشل في احلصول على العمل‪ ،‬فإن‬ ‫صداقة نشأت بينهما لتصبح في ما بعد ذات‬ ‫تأثير على تاريخ الواليات املتحدة والعالم‪ .‬كان‬ ‫عضو الكونغرس هو دونالد هنري رامسفيلد‪،‬‬ ‫وكان طالب الوظيفة هو ريتشارد بروس تشيني‪،‬‬ ‫ديك تشيني‪ ،‬نائب الرئيس األميركي رقم ‪46‬‬ ‫جورج بوش االبن‪ .‬كانت هذه إحدى احلكايات‬ ‫التي تضمنتها مذكرات رامسفيلد «املعلوم‬ ‫واجملهول» في كتاب من ‪ 800‬صفحة‪.‬‬ ‫يبدأ الكتاب برواية رامسفيلد عن أشهر مقطع‬ ‫أذيع على التلفزيون قبل وأثناء وبعد عملية حترير‬ ‫العراق األميركية‪ :‬رامسفيلد الشاب وهو يصافح‬ ‫الدكتاتور العراقي صدام حسني في بغداد‪.‬‬ ‫كان رامسفيلد‪ ،‬الذي عمل رئيسا لألركان مع الرئيس جيرالد فورد‬ ‫ووزيرا للدفاع مع بوش االبن‪ ،‬مبعوثا خاصا للشرق األوسط حتت قيادة‬ ‫الرئيس رونالد ريغان‪ .‬ويروي املبعوث السابق أسباب الزيارة التي قام‬ ‫بها عام ‪ 1983‬إلى بغداد‪ ،‬واجتماعه بصدام‪ .‬كتب رامسفيلد‪« :‬كان‬ ‫النظام البعثي في العراق في ذلك الوقت ألد عدو لدولتني كانتا تهددان‬ ‫املصالح األميركية‪ ،‬وهما سورية وإيران‪ .‬كانت سورية حتت رئاسة‬ ‫حافظ األسد "املؤيد الرئيس" لإلرهاب الدولي وكانت حتتل مناطق‬ ‫في لبنان‪ ،‬الذي فضل الغرب عندما تركت له حرية االختيار»‪ .‬وكانت‬ ‫إيران‪ ،‬كما يقول رامسفيلد «حليفا مقربا من الواليات املتحدة حتى‬ ‫حدث انقالب قام به إسالميون مسلحون بقيادة رجل دين متطرف‪ ،‬آية‬ ‫اهلل اخلميني‪ ،‬في عام ‪ .»1979‬من وجهة نظر أميركا برئاسة ريغان‬ ‫عام ‪ ،1983‬كما كشف رامسفيلد‪« :‬يقع العراق بني هذين التهديدين‬ ‫ سورية وإيران ‪ -‬وال بد أن األمر تطلب قدرا كبيرا من اجلهد‪ ،‬أو األكثر‬‫احتماال بعض األخطاء‪ ،‬لتصبح الواليات املتحدة خصما للدول الثالث‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬في عام ‪ ،1983‬كان هناك منطق واضح في محاولة إقامة‬ ‫عالقات ودية مع صدام حسني في العراق»‪.‬‬

‫اللبناني الراحل رفيق احلريري عام ‪ ،2005‬وقال إن العزلة الدولية‬ ‫التي فرضتها الواليات املتحدة على سورية ‪ -‬بعد االغتيال ‪ -‬كانت‬ ‫مفيدة‪ ،‬حيث أصبح السوريون مستعدين لتقدمي تنازالت حقيقية كما‬ ‫سحبوا قواتهم من لبنان‪« .‬ولكن في الفترة الثانية من حكم بوش‪،‬‬ ‫كان هناك تغيير وأعادت اإلدارة التفاوض مع سورية‪.‬‬ ‫واقترحت وزارة اخلارجية األميركية تخفيف العزلة‬ ‫الدبلوماسية عن سورية واللجوء إلى أسلوب إرسال‬ ‫مسؤولني أميركيني رفيعي املستوى إلى دمشق‬ ‫لعقد اجتماعات»‪.‬‬ ‫وفي رأي رامسفيلد‪ ،‬أرسلت سياسة التفاوض‬ ‫األميركية‪ ،‬مقترنة «بالصعوبات املتزايدة التي‬ ‫نواجهها في العراق والتي كانت إلى حد ما نتيجة‬ ‫لتصرفات سورية‪ ،‬بإشارة إلى الضعف وإلى األسد‬ ‫الذي سارع النتهازها»‪.‬‬ ‫وأضاف رامسفيلد قائال‪« :‬عاد (األسد) إلى‬ ‫سياساته األولى التي حتمل عداء أكبر ألميركا‬ ‫ومصاحلها‪ .‬ولكن حتى عام ‪ ،2007‬دعت الواليات‬ ‫املتحدة سورية إلى العودة إلى طاولة املفاوضات من‬ ‫أجل حتقيق السالم في الشرق األوسط بني إسرائيل‬ ‫والفلسطينيني»‪.‬‬

‫وأوضح رامسفيلد‪« :‬أمام رؤية الواليات املتحدة‬ ‫صاحبة الدعوة من جديد‪ ،‬ومع نسيانهم الشعور السلبي بعد‬ ‫اغتيالهم للزعيم اللبناني الدميقراطي‪ ،‬وإن لم يتم الصفح عنهم‪ ،‬عاد‬ ‫السوريون إلى أساليبهم املعروفة‪ :‬التشويش والتأجيل أمام طاولة‬ ‫املفاوضات والتأييد النشط لإلرهاب والسعي اخلفي للحصول على‬ ‫برامج أسلحة غير قانونية»‪.‬‬ ‫ووفقا لرامسفيلد‪ ،‬بعد فضيحة سجن أبو غريب في العراق‪ ،‬قدم‬ ‫استقالته مرتني للرئيس بوش‪ ،‬الذي رفضها‪ .‬وسرد املسؤول السابق‬ ‫التفاصيل التي توضح كيف مت اتخاذ قرار احلرب في العراق‪ .‬ونظرا ألن‬ ‫هذه مذكراته‪ ،‬مييل رامسفيلد إلى إلقاء اللوم على مسؤولني آخرين‬ ‫في إدارة بوش‪ ،‬وهو أمر مفهوم‪.‬‬ ‫وسواء اتفقت أو اختلفت مع رواية رامسفيلد لألحداث‪ ،‬فإن كتابه‬ ‫بالتأكيد مصدر رئيس من أبرز الشخصيات في دوائر صنع القرار في‬ ‫واشنطن‪ .‬ويتميز أسلوب الكاتبني الفعليني‪ ،‬إيريك مارتني وستيفن‬ ‫إليوت‪ ،‬باإلمتاع والسالسة‪ .‬وبالنسبة حملبي السياسة واالطالع‪ ،‬من‬ ‫املمتع قراءة «املعلوم واجملهول»‪.‬‬

‫وهكذا سافر رامسفيلد إلى بغداد حيث اجتمع مع صدام‪ ،‬ووجده‬ ‫«عقالنيا»‪ .‬واختتم قائال‪« :‬لم أتوقع أن نظام صدام سيلعب مثل هذا نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 7‬فبراير ‪2011‬‬ ‫‪60‬‬



‫● الفن‬

‫جديدة للمعارض طوال الوقت‪ .‬متحررة من دوران دوالب اخلزف‪ ،‬ومن منطية الفخار‬ ‫املقوس‪ ،‬تركز تولستوي على التصميم أكثر من التركيز على اخلزف الذي اشتهرت به‬ ‫على املستوى الدولي‪ ،‬بخاصة على احلرير‪ .‬وعلى نحو غريب‪ ،‬فإن كل أعمالها اجلديدة‬ ‫من اخلزف ‪ -‬عالم مشوه‪ ،‬فورمسكوي‪ ،‬وسحب وكنوز ‪ -‬تدفق معقد للخامات حيث حترر‬ ‫اخلزف لكي يتحرك كاحلرير‪ .‬براق وثري‪ .‬في البداية‪ ،‬جاء «عالم مشوه» وهي منحوتات‬ ‫جتريدية حسية من اخلزف تبدو وكأنها تزحف على األرض «األشكال غير متوقعة‪،‬‬ ‫تتحرك وتتشكل بنعومة وحسية‪ .‬فهي عاطفية وليست بصرية‪ .‬إنها تعبير عن‬ ‫ماهيتي‪ ،‬واحلركة املتعرجة املستمرة والتي ميكنك أن تراها في كل أعمالي»‪.‬‬ ‫وفي يوم حار مبرسم تولستوي‪ ،‬تُعلق ستائر حريرية وردية اللون حول شجرة زيتون‬ ‫معدنية تعلق عليها الفورمسكوي البراق‪ .‬وقد جلأت تولستوي إلى أسالفها اليونان‬ ‫لكي تكشف عن أساطير حول جيوب جلدية ذهبية تتدلى في أشجار الزيتون حلمل‬ ‫الزيتون والتي حتولت إلى عمالت ذهبية حيث يرمز الزيتون إلى الثروة في دول البحر‬ ‫املتوسط‪ .‬وحتول تولستوي تلك اجليوب اجللدية إلى صلصال براق‪.‬‬ ‫وتنتقل السيميائية إلى عملها «السحب»‪ ،‬معلقات من اخلزف تبدو وكأنها تتحرك‬ ‫في موجات كطيات املعدن‪ .‬وهي تلخص براعتها في اخلزف‪ ،‬خزف مطلي بالقصدير‬ ‫الذهبي البراق‪« .‬للسحب وجهان كالبشر متاما‪ .‬أحدهما للتغطية أو املراوغة التي‬ ‫نقدمها للعالم‪ ،‬واجلانب املقابل هو األرض‪ ،‬احلقيقة الطبيعية لوجودنا»‪.‬‬ ‫وجتعل أحدث مجموعاتها أيضا «كنوز» الصلصال يذوب في احلرير‪ ،‬منحوتات صغيرة‬ ‫تتحرك بحرية وتتألق بتوقيعها اخلاص الالمع والذهبي‪ .‬وجاءت «كنوز» مرصعة‬ ‫باألحجار شبه الكرمية مثل الكوارتس الوردي والفيروز‪ ،‬واجلمشت والياقوت‪.‬‬ ‫ثم هناك «امرأة من احلرملك» نفسها‪ .‬جمال خالب ليس فقط ملا تبدو عليه وملا ترتديه‬ ‫ولكن للسكينة التي تشعها‪ .‬وعندما تزيح نظارتها الوردية‪ ،‬تظهر عيون داكنة مزينة‬ ‫بالكحل‪ ،‬ومحددة بالذهبي ومظلله بالوردي في احلفالت‪ .‬وباستثناء أوقات العمل‪،‬‬ ‫فإنها تلتف مبالبس من احلرير الوردي أو األرجواني الوردي رسمته بنفسها وزينته بأحجار‬ ‫حقيقية وجمشت مثبت في الذهب بالطبع‪ .‬والغريب في األمر أن تلك املرأة ضئيلة‬ ‫احلجم والتي تتمتع بأنوثة ملكة شرقية لديها ذلك القدر من الطاقة والقوة‪ .‬حيث‬ ‫يجب على العامل باخلزف أن تكون له أظافر قصيرة‪.‬‬ ‫ولدت كاروليندا التي تنحدر من أسرة شرق أوسطية ويونانية في إجنلترا‪ ،‬ودرست الفنون‬ ‫التطبيقية في باريس ولندن‪ .‬ثم مارست املهنة ملدة سبع سنوات في «شيلسي‬ ‫بوتري» وهي الفترة التي اختلف فيها ذوقها وأعمالها إلى حد كبير عن الفنانني من‬ ‫حولها‪ .‬وكانت املنمنمات قد بدأت عصرها الذهبي‪ ،‬فقد عشق الفنانون املرموقون‬ ‫مثل برنارد ليش بساطة األعمال اخلزفية الدقيقة جلنوب آسيا‪ .‬ولكن تولستوي كانت‬ ‫‪58‬‬

‫منجذبة إلى اجملموعات اإلسالمية مبتحف فيكتوريا وألبرت‪ .‬وفي الوقت الذي كان فيه‬ ‫الطالب يتوجهون إلى اخلزف املعاصر فقد كانت متشبعة بالتصميمات اإلسالمية‬ ‫الهندسية التجريدية والتي كانت مركبة ومزخرفة‪ .‬وقد حملت ببراعة تقاليد اخلزف‬ ‫الشرق أوسطي وحولته إلى طريقتها اخلاصة‪.‬‬ ‫وانطالقا من األشكال الهندسية‪ ،‬بدأت العمل على تصميمات من الورود والنباتات‪،‬‬ ‫والتي تخلق في النهاية جتريداتها من التزيني باللفائف واألرابيسك‪ .‬وقد بدأت ثوابت‬ ‫عدة في الظهور‪ ،‬أشكال مستديرة وحسية وأنثوية وفخامة استثنائية‪ .‬وإلى اليوم‪ ،‬ال‬ ‫يتفق ذلك مع ذوق اجلميع‪ ،‬ذلك اجلسر املزخرف بكثافة بني الشرق والغرب وقتها واآلن‪.‬‬ ‫ولك ّن هناك عددا كافيا من الناس الذين يضعون قطعة براقة في شرفاتهم البسيطة‬ ‫حتى أن املشترين من كبرى املتاجر بلندن بدأوا يطرقون بابها كما أن مئات من املعارض‬ ‫الفنية اخلاصة أو اجلماعية عرضت أعمالها‪.‬‬ ‫وفي تقرير مهم بعنوان «خزفيات كاروليندا تولستوي» أبرز كاتبه إرنست غروب‬ ‫انغماس تولستوي في النوع «الشرقي»‪ .‬األستاذ غروب هو رئيس مؤسسة «إيست‬ ‫ويست» التي يقع مقرها في نيويورك‪ ،‬وأول أمني متحف للقسم اإلسالمي مبتحف‬ ‫متروبوليتان الفني‪ .‬وهو يكتب‪« :‬إن الكونتيسة تولستوي بال شك هي املمثل احلديث‬ ‫للتقاليد الشرقية اإلجنليزية املوقرة»‪.‬‬ ‫وفي زيارة حديثة لذلك املنزل حيث «حتققت األحالم ولم تظل أحالما»‪ ،‬كانت تولستوي‬ ‫التي تفيض حيوية تصوغ مجوهرات خزفية براقة على الطراز البيزنطي‪ .‬وقد عرضت‬ ‫علي مجموعة جديدة من «الفن املسطح» – لوحات مرسومة بالزيت واألكريلك‪،‬‬ ‫مضيئة بدفقات من نثر املرمر والذهب والفضة‪ .‬وإذا كنت محظوظا مبا يكفي لكي‬ ‫حتضر واحدة من حفالت تولستوي‪ ،‬ستتمكن من دخول عالم سحري تتحرك عبره «املرأة‬ ‫من احلرمي» التي خلقتها بنعومة‪ .‬فورمسكوي واملصابيح الصغيرة املتدلية من األشجار‬ ‫التي حتتوي على الشموع الفواحة وتلقي بظالل من األرابيسك على املصطبة املطلية‪.‬‬ ‫وقد خلقت تولستوي كل شيء ‪ -‬املصابيح‪ ،‬األطباق‪ ،‬القوارير والطعام الشرقي‪.‬‬ ‫إنه كالدخول إلى عالم ألف ليلة وليلة بنفس االنفعال من الشغف الكامن واحليوية‬ ‫التي ميكن أن يخسر عبرها أي أحد رأسه أو موقعه االجتماعي على األقل‪ .‬إنه ذلك‬ ‫االلتزام العاطفي الذي يجعل عمل تولستوي متفردا ومشبعا ومرغوبا فيه‪.‬‬

‫*جولييت هايت ‪ -‬كاتبة ومصورة وأمينة متحف‪ ،‬ومتخصصة في تراث الشرق‬ ‫األوسط والثقافة املعاصرة‪ .‬وهي تعمل حاليا على كتابها الثاني «تصميم عمان»‬ ‫بعدما نشرت كتابها األول «البخور‪ :‬هدية عمان إلى العالم» في ‪.2006‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 4‬مارس ‪2011‬‬


‫كاروليندا تولستوي انعكاس لفن خاص جدا‬

‫كونتيسة‬ ‫في احلرملك‬

‫«إذا كان ممتدا مبا يكفي فسأزينه» ذلك ما قالته تولستوي عندما وصلت إلى منزلها‬ ‫بجنوب لندن للمرة األولى‪ ،‬كان انطباعها عن الشارع طيبا بالفعل‪ ،‬فالنوافذ كانت‬ ‫مغطاة بشبابيك أرجوانية اللون وكذلك أطرها‪ .‬وعبر باب بنفسجي‪ ،‬تنتقل إلى أحد‬ ‫أكثر املنازل أصالة في لندن‪ ،‬والذي مت تصويره في مجلة «هاوس آند غاردن» وغيرها من‬ ‫مجالت الديكور والكتب‪.‬‬

‫أصبحت الفنانة كاروليندا تولستوي‪ ،‬التي تتمتع مبوهبة طبيعية‬ ‫وبشغف دائم‪ ،‬رائدة في صناعة يصعب في العادة اختراقها‪ .‬وقد‬ ‫كونت تولستوي املبدعة دائما مجموعتها اخلاصة‪ ،‬ومشروعاتها‬ ‫ومعارضها أيضا‪.‬‬ ‫جولييت هايت‬ ‫ال أحد يدرك أحالمه مثلما تفعل كاروليندا تولستوي‪ ،‬وال أحد يعيشها كما تفعل‪.‬‬ ‫تقول تولستوي‪« :‬لقد أصبحت انعكاسا ألعمالي الفنية»‪ .‬فمن خالل الشغف‬ ‫الدائم لالبتكار واملوهبة االستثنائية كفنانة‪ ،‬أصبحت تولستوي من الرواد البارزين في‬ ‫مجالها‪ .‬غالبا ما يبدأ يومها في السابعة صباحا وتقضيه في تشكيل الصلصال أو‬ ‫تصميم شال من احلرير‪ ،‬وهو ما يتقاطع عادة مع ندوة أو محاضرة تلقيها‪ ،‬يليها تناول‬ ‫وجبة العشاء مع مؤرخي الفنون والناشرين وأمناء املتاحف‪.‬‬ ‫وفي املساء‪ ،‬تتفاعل تولستوي مع السفراء ورواد جمع القطع الفنية ومصممي الديكور في‬ ‫أول حفل استقبال من األربعة التي سوف حتضرهم خالل املساء‪ .‬ومن وقت آلخر‪ ،‬تخرج من‬ ‫طيات ثوب شهرزاد احلريري الذي ترتديه نوتة صغيرة براقة تخط بها إحدى الرسومات التي‬ ‫استلهمتها للتو‪ .‬وبعد العودة إلى منزلها في لندن‪ ،‬بعد منتصف الليل‪ ،‬تلقي مبالبسها‬ ‫وتشعل الفرن أو تفتح حاسوبها وتفحص استراتيجيات تسويق عاملية ألعمالها‪.‬‬ ‫ما هو احللم إذن؟ ترغب الكونتيسة كاروليندا تولستوي التي تبدو كإمبراطورة من‬ ‫العصر احلديث في غزو العالم بتشكيالتها األثيرية واحلسية في الوقت ذاته ‪ -‬رمبا يبدو‬

‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫ذلك أقرب جلنون العظمة بعض الشيء‪ .‬ولكن ليس هناك ما هو أبعد عن احلقيقة من‬ ‫ذلك‪ .‬فهي أم حنون لثالثة أطفال استطاعت دمج احللم والعمل واحلياة ورفع إصبعها‬ ‫عن زر التحكم‪ .‬فهي تفضل استخدام يديها ملشاركة اإللهام «بالفرشاة والطالء‬ ‫لتغيير العالم» كي يتحول عاملها إلى عالم من السمو والدقة املتناهية‪.‬‬

‫يبدو أن كل تلك األسطح املغطاة بالبنفسجي والوردي واألرجواني واألسود هي جزء‬ ‫من عالم شرقي مغطى باللفائف الذهبية‪ ،‬واألرابيسك وسيقان األوراق‪ .‬حيث متتزج‬ ‫القطع األثرية بقطع الفن املعاصر‪ ،‬مما يخلق جوا من الثراء واحلسية واألنوثة واإلبداع‪.‬‬ ‫حيث احللم هو التيمة‪ ،‬املنزل‪ ،‬العمل‪ ،‬املرأة‪ ،‬واحلياة‪ .‬فهو على نحو ما‪ ،‬وكأنه حلم صنع‬ ‫خصيصا‪ ،‬فقد أعادت تولستوي ترتيب منزلها أخيرا ليتوافق مع متطلباتها‪ ،‬كقاعة‬ ‫عرض لقطعها اخلزفية‪ ،‬وأعمالها اإلبداعية وكمكان للقاء العمالء ومكان للترفيه‬ ‫(والذي يوجد قدر كبير منه) وبالطبع كبيئة عمل مساعدة على اإلبداع‪ .‬والبنيها‪،‬‬ ‫كالهما مصور‪ ،‬شقة بسيطة في الدور العلوي‪.‬‬ ‫وهناك كوات مقببة محفورة تغطي جدارا بأكمله في غرفة املعيشة لعرض مصادر‬ ‫إلهام أعمالها‪ .‬وهو ما يشتمل على أطباق إزنيق عثمانية وإيرانية‪ ،‬وآجر دمشقي وآنية‬ ‫فخار المعة من مانيسيس واألندلس‪ .‬وفي الدور العلوي‪ ،‬في املعرض الذي تستشعر‬ ‫فيه ظالال من احلرمي‪ ،‬وسائد من احلرير التي زينتها تولستوي بنفسها واملستوحاة من‬ ‫املنمنمات الفارسية‪ .‬ويعرض جدار كامل من الكوات املضاءة أعمالها اخلزفية‪ .‬زهريات‬ ‫منتقاة‪ ،‬وأوان وأحصنة تتألأل في ألوانها الباستيلية البراقة فيما تضيف األحذية التي‬ ‫زينتها بنفسها واألثواب احلريرية والوسائد إلى املأدبة البصرية الثرية‪.‬‬ ‫وقد طورت تولستوي طريقة فريدة تطلق عليها «تطريز الفرشاة» وهي تقنية تزيني‬ ‫باليد تغطي بها السطح بأكمله‪« ..‬ال يهم إذا ما كان النقش سيطول أم يقصر‪ .‬فهو‬ ‫يستمر في تغطية السطح بنفس الكثافة»‪.‬‬ ‫وتعمل تولستوي اجملددة دائما على تطوير مجموعات جديدة ومشروعات ومفاهيم‬

‫‪57‬‬


‫● الفن‬

‫املسلسالت التركية تخدش الذ ّوق العام‬

‫تركية في العام املاضي وشاهده ما يقدر بـ‪ 85‬مليون مشاهد في الشرق األوسط‪.‬‬

‫كسر احملرّمات‬

‫ال ميكن إلقاء اللوم على كُتاب السيناريو واخملرج بسبب املشهد األخير في املسلسل‪،‬‬ ‫حيث تقدم اخلائنة على االنتحار‪ :‬فهكذا كانت نهاية الرواية التي أخذ عنها املسلسل‪،‬‬ ‫وهي رواية عثمانية كتبها مؤلف كان معجبا برواية «مدام بوفاري»‪.‬‬

‫هل تكسر املسلسالت التركية التابوهات كما تقول عنها وسائل‬ ‫اإلعالم الغربية واحملافظون األتراك؟ يزداد حترر احملتوى املعروض على‬ ‫شاشة التلفزيون التركي‪ ،‬وتتزايد االدعاءات بأن هذه الصور تغير‬ ‫من مكانة املرأة في العالم العربي‪ .‬ولكن يشك الليبراليون في‬ ‫تركيا في أن التلفزيون ميكن أن يكون له مثل هذا التأثير‪.‬‬

‫ولكن يتحمل أصحاب العمل مسؤولية مشاهد أخرى حتمل عناصر محافظة‪ .‬ومثال‬ ‫على ذلك ما ميكن أن يوصف برمزية التقبيل‪ ،‬حيث متتلئ مشاهد املسلسل بلقطات‬ ‫تظهر فيها الفاتنة نيهال وهي تقبل البطل بحرارة‪ .‬وال حتظى الفتاة التي تتزوجه في‬ ‫النهاية سوى بقبلة على وجنتها‪ .‬ولكن مع اقتراب النهاية‪ ،‬عندما يطلب البطل يدها‬ ‫للزواج وتوافق‪ ،‬يكافئها بطبع قبلة على جبينها‪.‬‬

‫نيكوالس بيرش‬

‫يقول أحد أكبر النقاد األتراك‪ ،‬أورهان تيكلي أوغلو إن تقبيل اجلبني «انتشر مثل املرض‬ ‫املعدي» على جميع شاشات التلفزيون التركي‪.‬‬

‫تذاع أعمال عن الشذوذ والعنف اجلنسيني في أوقات ذروة املشاهدة‪ .‬وتتناول أكثر ويضيف‪« :‬لقد حقّ ر هذا املسلسل من شأن املرأة‪ ،‬مبنحه املرأة (الشريرة) فقط حق‬ ‫املسلسالت مشاهدة قصصا معقدة حول احلب احملرم‪ .‬ويوجد كثير من احملتوى الصادم القبلة‪ .‬ال ميكنك أن جتعل املرأة عصرية مبعاملتها كطفل ‪ -‬وال أحتدث هنا عن الفتيات‬ ‫الصغيرات‪ .‬ماذا تفترض أن يفعل هؤالء املمثلون عندما يكونون غاضبني في حني أنهم‬ ‫على شاشات التلفزيون التركي في الوقت احلالي‪.‬‬ ‫يقبلون جبني فتياتهم عندما يرضون عنهن؟»‪.‬‬ ‫منذ شهر تقريبا‪ ،‬شاهد ثلث مشاهدي التلفزيون التركي أشهر ممثلة شابة في البالد‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬انزعج كاتب املقاالت في صحيفة «ميليت» التركية‪ ،‬كان دونار‪ ،‬من‬ ‫تتعرض حلادث اغتصاب جماعي في أولى حلقات مسلسل جديد‪.‬‬ ‫األسلوب التافه الذي تتم به احلملة اإلعالنية املمتدة للمسلسل الذي تظهر فيه‬ ‫وبعد يومني‪ ،‬أذاعت قناة تلفزيونية ‪ -‬اشتراها أخيرا رجل أعمال مقرب من احلكومة حادثة االغتصاب‪.‬‬ ‫اإلسالمية السابقة ‪ -‬أول مسلسل تركي يظهر فيه رجالن معا في السرير‪.‬‬ ‫قال دونار‪« :‬على مدار أسابيع‪ ،‬كانوا يهيئوننا ليوم احلدث بإعالنات تتساءل عن أشياء‬ ‫أصاب ذلك احملافظني األتراك بالذعر‪.‬‬ ‫مثل أين سيتم اغتصاب (املمثلة) بيرين (سات)‪ ،‬ومن سيغتصبها‪ ،‬وهل سيكون‬ ‫قالت هاليد إجنيكارا‪ ،‬نائبة حزب العدالة والتنمية احلاكم‪ ،‬في البرملان في ‪ 12‬نوفمبر املشهد أفضل أو أسوأ من مشهد اغتصاب هوليا (أوشار)؟»‪ ،‬وهي ممثلة شهيرة قامت‬ ‫(تشرين الثاني) متوعدة‪« :‬هؤالء املؤلفون مرضى عقليا‪ ،‬ويحتاجون إلى الكشف على بالتمثيل في نسخة املسلسل التي عرضت في الثمانينات من القرن املاضي‪.‬‬ ‫عقلهم الالواعي»‪.‬‬ ‫وأضاف إن ما يفقد العمل معناه هو أن املسلسل مأخوذ عن رواية بطلتها ضحية‬ ‫كانت أرزو إردوغال‪ ،‬كاتبة العمود في صحيفة «فاكيت» اإلسالمية املتشددة‪ ،‬أكثر اغتصاب تتحمل مسؤولية ما يحدث لها‪« :‬وبالتركيز على مشهد االغتصاب للترويج‬ ‫جرأة‪ ،‬حيث كتبت‪« :‬مشكلة فاطمة غل أنها بال أخالق»‪ ،‬في إشارة إلى ضحية للمسلسل‪ ،‬يقوي القائمون عليه الثقافة الذكورية التي تنتقدها الرواية»‪.‬‬ ‫االغتصاب اجلماعي‪.‬‬ ‫قد تتفق معه املمثلة بيرين سات‪ ،‬التي يعرف عنها جتنبها لوسائل اإلعالم‪ .‬فقد‬ ‫اتخذت الصحافة الغربية من جانبها موقفا مختلفا متاما‪ .‬بعد يومني فقط من إذاعة أصبحت احملالت في تركيا اآلن تبيع مالبس فاطمة غل للسيدات الراغبات في إثارة‬ ‫مشهد االغتصاب على التلفزيون التركي‪ ،‬نشرت صحيفة «كورييري ديال سيرا» أزواجهن‪ .‬كما ستنزل إلى األسواق أيضا عرائس على صورة فاطمة غل قريبا‪ .‬ونقلت‬ ‫اإليطالية مقاال للرأي يثني على األسلوب الذي أحدثت به املسلسالت التركية‪ ،‬التي صحيفة «باغن» عن سات قولها في ‪ 15‬نوفمبر (تشرين الثاني)‪« :‬أتعرض لتعليقات‬ ‫حتظى بشعبية كبيرة في العالم العربي‪« ،‬ثورة في ثقافة املنطقة» حيث قدمت مشينة أينما ذهبت‪ .‬أمتنى لو لم أكن قبلت بهذا العمل»‪.‬‬ ‫صورتها «المرأة جديدة أكثر حرية»‪.‬‬ ‫أصبحت املواجهة بني األتراك القرويني األنقياء وفساد أخالق الغرب واألتراك املتمدنني‬ ‫في شهر يونيو (حزيران)‪ ،‬وصفت صحيفة «نيويورك تاميز» الظاهرة ذاتها «بانتصار املتغربني موضوعا رئيسا يتناوله األدب التركي منذ أن تسارعت وتيرة حتديث الدولة‬ ‫القيم الغربية»‪ .‬ولكن أثار كل هذا احلديث عن الثورات االجتماعية شكوكا لدى بعض العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫احملللني األتراك‪ ،‬الذين يقتربون جميعا في آرائهم السياسية من قراء «نيويورك تاميز»‬ ‫يوضح أورهان تيكلي أوغلو صورة أكثر وضوحا الزدواجية اخلالف املستمر حول‬ ‫أكثر من أجنيكارا وزمالئها البرملانيني املهووسني بالقيم األسرية‪.‬‬ ‫املسلسالت التلفزيونية‪ .‬ويقول إن الناس تشعر بسعادة بالغة ملشاهدة الشخصيات‬ ‫يقول هؤالء احملللون إن اإلعجاب باملشاهد اجلنسية والتابوهات والعري يشبه اخلطأ في األفالم الغربية وهم «يسيئون» التصرف‪ ،‬بسبب «االعتقاد الفولكلوري بأن‬ ‫الذي يقع فيه األتراك العلمانيون الذين يصرون على أن جميع النساء الالتي تغطني األجانب لديهم ميل إلى ارتكاب مثل هذه األشياء»‪ .‬ولكنهم يثيرون ضجة عندما‬ ‫يُظهر األتراك أنهم ليسوا أقل ميال من األجانب‪.‬‬ ‫رؤوسهن إسالميات متعصبات‪.‬‬ ‫ويضيفون أنه بالنظر إلى املظهر اجلذاب لتلك املسلسالت‪ ،‬غالبا ما تكون الرسالة وظهر مثال على هذا النفاق في ما قاله عثمان سيناف‪ ،‬منتج مسلسل «يوم السيف» الذي‬ ‫يحتوي على مشهد الشذوذ‪ ،‬عندما طُ لب منه تبرير الفضيحة التي تسبب بها املسلسل‪.‬‬ ‫الكامنة محافظة للغاية‪.‬‬ ‫ويشيرون مثال إلى مسلسل «العشق املمنوع» الشهير الذي حقق أعلى نسبة مشاهدة قال املنتج لقناة «هابرترك» التلفزيونية اخلاصة‪« :‬في قصة املسلسل‪ ،‬نتحدث عن‬ ‫قصر الفرعون ومثل تلك األشياء حتدث في قصره‪ .‬نحن ال نروج للمجون‪ ،‬ولكننا نوضح‬ ‫ببساطة صورة ألنواع من البشر‪ .‬علينا أن نفعل شيئا لتصوير هؤالء الناس وانعدام‬ ‫أخالقهم من دون أن نتجاوز حدود األخالق»‪.‬‬

‫اإلعجاب باملشاهد اجلنسية والتابوهات والعري‬ ‫يشبه اخلطأ الذي يقع فيه األتراك العلمانيون الذين‬ ‫يصرون على أن جميع النساء الالتي تغطني رؤوسهن‬ ‫إسالميات متعصبات‬ ‫‪56‬‬

‫*نيكوالس بيرش ‪ -‬عمل مراسال حرا في تركيا ملدة ثماني سنوات‪ .‬وتنشر كتاباته في عدد‬ ‫كبير من اإلصدارات‪ ،‬منها مجلة «التامي» و«وول ستريت جورنال» و«التاميز» اللندنية‪.‬‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 31‬يناير ‪2011‬‬



‫● موجز عن دولة‬

‫من األسر البربرية احلاكمة مثل أسرة املرابطية واملوحدية ‪-‬‬ ‫التي ساد املغرب في ظلها منطقة املغرب العربي وإسبانيا‬ ‫اإلسالمية ‪ -‬ثم املرينيون والوطاسيون والسعديون‪ ،‬حتى جاءت‬ ‫األسرة العلوية التي بدأ حكمها عام ‪ 1669‬على يد موالي‬ ‫الرشيد‪.‬‬ ‫كان املغرب وما زال حتى يومنا هذا من أقرب حلفاء الواليات‬ ‫املتحدة بعد أن كان أول دولة تعترف رسميا باستقالل أميركا‬ ‫عام ‪ .1787‬كان موالي احلسن آخر سلطان قوي في املغرب‬ ‫قبل االستعمار‪ ،‬وجاء بعده عام ‪ 1894‬السلطان عبد العزيز‬ ‫الذي كبد البالد ديونا أجنبية طائلة جعلتها متاحة للتدخالت‬ ‫األوروبية‪ .‬وفي معاهدة فاس عام ‪ ،1912‬مت تقسيم املغرب‬ ‫ما بني فرنسا وإسبانيا‪ ،‬حيث فرضت إسبانيا حمايتها على‬ ‫املناطق الشمالية واجلنوبية من الصحراء‪ .‬ولكن أسفر ظهور‬ ‫دوائر ثقافية شبابية مغربية عن حركات قومية تكللت بإصدار‬ ‫بيان رسمي عن حزب االستقالل مطالبا باستقالل البالد‪ .‬وبعد‬ ‫زيادة الشعور القومي‪ ،‬قررت فرنسا‪ ،‬خشية اندالع حرب أهلية‪،‬‬ ‫اإلطاحة بالسلطان سيدي محمد بن يوسف (الذي كان يؤيد‬ ‫حركة االستقالل) وتنصيب سيدي محمد بن عرفة مكانه‪ ،‬وهو‬ ‫قريب له يبلغ من العمر ‪ 70‬عاما‪ .‬ولكن أدى نشاط املعارضة‬ ‫إلى عودة محمد بن يوسف إلى احلكم عام ‪ .1955‬وعندما نال‬ ‫املغرب استقالله‪ ،‬عام ‪ ،1956‬غير السلطان لقبه إلى امللك‬ ‫محمد اخلامس‪.‬‬ ‫اعتبر امللك معتدال وحاكما رحب الصدر‪ .‬في أثناء حكمه‪،‬‬ ‫انضم املغرب إلى جامعة الدول العربية وأصبح عضوا‬ ‫مؤسسا في منظمة الوحدة األفريقية‪ .‬كما أقام عالقات ودية‬ ‫مع فرنسا وإسبانيا حيث ساعدتا على إنشاء القوات املسلحة‬ ‫امللكية وقدمتا مساعدات من أجل التنمية االقتصادية‪ .‬ولكن‬ ‫مع الزيادة السكانية‪ ،‬أصبح توفير فرص العمل واإلسكان‬ ‫واخلدمات االجتماعية في املغرب مهمة عسيرة في البالد‪.‬‬ ‫قضايا معاصرة‬ ‫بعد وفاة والده عام ‪ ،1961‬تولى امللك احلسن الثاني احلكم‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1986‬اتخذ خطوة جريئة بدعوة رئيس الوزراء‬ ‫اإلسرائيلي شمعون بيريس إلى إجراء مباحثات‪ ،‬ليصبح ثاني‬ ‫زعيم عربي يستضيف زعيما إسرائيليا‪ .‬وساعد على اتخاذ‬ ‫هذه اخلطوة وجود سكان من اليهود املغاربة في إسرائيل‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن حكمه عزز من قوة األسرة العلوية‪ ،‬إال أنه‬ ‫أيضا اتسم بسجل سيئ في مجال حقوق اإلنسان‪ .‬واشتهرت‬ ‫الفترة ما بني الستينيات والثمانينيات بـ«سنوات الرصاص»‬ ‫حيث تعرض آالف من املعارضني املغاربة للسجن أو القتل‬ ‫أو النفي أو االختفاء‪ .‬وجنا امللك احلسن الثاني من محاولتي‬ ‫اغتيال‪ ،‬كانت أخطرهما تلك التي خطط لها اجليش املغربي‪.‬‬ ‫وفي فترة حكمه أيضا عام ‪ ،1975‬طالب ‪ 350.000‬مغربي‬ ‫غير مسلح بضم الصحراء الغربية إلى املغرب‪ ،‬مطالبني‬ ‫باستعادتها من إسبانيا بعد االستقالل‪ .‬وضم املغرب املنطقة‪،‬‬ ‫لتندلع بعد ذلك حرب العصابات ضد قوات موالية لالستقالل‬ ‫مدعومة من اجلزائر‪ ،‬وينتهي القتال عام ‪ .1991‬وما زالت‬ ‫اخلالفات حول الوضع غير احملسوم مستمرة‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ ،1999‬توفي امللك احلسن الثاني‪ ،‬وجاء من بعده ابنه‬ ‫محمد السادس الذي بدأ في تنفيذ إصالحات في املغرب كان‬ ‫والده قد أعد خطتها بالفعل‪ .‬قبل نهاية حكمه في منتصف‬ ‫التسعينيات‪ ،‬أطلق امللك احلسن سراح بعض من املعتقلني‬ ‫السياسيني في املغرب‪ ،‬بل وطلب من معارض حكم عليه‬ ‫باإلعدام أن يرأس احلكومة‪ .‬كما أعاد تأهيل اقتصاد البالد‪،‬‬ ‫وحتدث عن حرية الصحافة وحقوق املرأة‪ ،‬وأشار إلى إمكانية‬ ‫إجراء استفتاء من أجل منح الصحراء الغربية استقاللها‪.‬‬ ‫مير املغرب مبرحلة من التغيير االجتماعي في عهد امللك محمد‬ ‫السادس‪ .‬بعد توليه العرش بفترة قصيرة‪ ،‬تعهد امللك محمد‬ ‫‪54‬‬

‫السادس بحل مشكلتي الفقر والفساد في املغرب وتوفير‬ ‫فرص العمل وحتسني سجل البالد في مجال حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫فأفرج عن ‪ 8000‬معتقل سياسي وخفف من العقوبات‬ ‫املفروضة على ‪ 30.000‬آخرين‪ .‬وفي عام ‪ ،2003‬أدخل تعليم‬ ‫اللغة البربرية في املدارس االبتدائية‪ .‬وفي العام ذاته‪ ،‬بعد‬ ‫سلسلة من التفجيرات االنتحارية التي ضربت الدار البيضاء‪،‬‬ ‫اتخذ املغرب إجراءات قمعية ضد مسلحني إسالميني مشتبه‬ ‫بهم‪ .‬بالتالي أعلنت واشنطن املغرب حليفا ليس عضوا في‬ ‫«الناتو»‪ ،‬بعد أن أثنت على تأييده للحرب األميركية على‬ ‫اإلرهاب‪ .‬كما أن املغرب حليف موثوق به في أوروبا في مكافحة‬ ‫اإلرهاب واالجتار في اخملدرات والهجرة غير الشرعية‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ ،2008‬منح املغرب مكانة متقدمة من االحتاد األوروبي‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،2004‬نفذت احلكومة إصالحات تتعلق بقانون األسرة‬ ‫الذي يحسن من وضع املرأة‪ ،‬والذي اق ُترح ألول مرة عام ‪2000‬‬ ‫والقى معارضة من احملافظني‪ .‬وفي عام ‪ ،2006‬مت تعيني ‪50‬‬ ‫امرأة كداعيات حكوميات ألول مرة‪ ،‬في جزء من حملة‬ ‫احلكومة من أجل الترويج لصورة أكثر سماحة عن اإلسالم‪.‬‬ ‫مشكالت لم حتل‬ ‫على الرغم من إجراء تلك اإلصالحات من أجل أسلوب حياة‬ ‫أكثر حرية‪ ،‬ما زالت وسائل اإلعالم املغربية بعيدة عن احلرية‬ ‫وما زالت تتجنب تناول موضوعات ذات حساسية مثل امللك‬ ‫والدين والصحراء الغربية خوفا من املقاضاة القانونية‪ .‬ويشار‬ ‫إلى أن البرملان املغربي مجرد متثيل رمزي‪ ،‬ويعتقد أن هناك‬ ‫قدرا من الفساد في النظام القضائي‪ .‬وكذلك‪ ،‬ينتقد كثيرون‬ ‫اإلصالحات بسبب أخطاء في تنفيذها‪.‬‬ ‫من الواضح أن االقتصاد املغربي جتاوز تأثير األزمة االقتصادية‬ ‫بصورة جيدة‪ .‬ومتلك البالد احتياطيا كبيرا من العمالت‬ ‫األجنبية‪ ،‬وديونا أجنبية منخفضة‪ .‬ويتميز االقتصاد املغربي‬ ‫بانفتاح كبير على العالم اخلارجي‪ .‬في عام ‪ ،2009‬وضعت‬ ‫الدولة في تصنيف ألكبر ‪ 30‬دولة في قطاع األعمال اخلارجية‪.‬‬ ‫وتعد فرنسا أكبر شريك جتاري وأكبر مستثمر أجنبي في‬ ‫املغرب‪ .‬في عام ‪ ،2005‬حقق املغرب ثاني أكبر إجمالي ناجت‬ ‫محلي في الدول غير النفطية في العالم العربي بعد مصر‪.‬‬ ‫ومن أهم املوارد الفوسفات والسياحة ومبيعات الثروة‬ ‫السمكية واملأكوالت البحرية‪ ،‬على الرغم من أن ‪ 36‬في املائة‬ ‫من السكان يعتمدون مباشرة على اإلنتاج الزراعي‪ ،‬الذي‬ ‫يخضع لسقوط األمطار‪ .‬وفي عام ‪ ،1999‬أصيبت الزراعة‬ ‫بالركود بسبب اجلفاف‪.‬‬ ‫توجد حاجة واضحة إلى حتسني مستويات التعليم في املغرب‪.‬‬ ‫تكشف إحصائيات صادرة عن املندوبية السامية للتخطيط‬ ‫عن وصول نسبة األمية إلى ‪ 58.7‬في املائة في عام ‪.2007‬‬ ‫وفي العام ذاته‪ ،‬ذكر تقرير للبنك الدولي عن التعليم في‬ ‫العالم العربي أن بعض مشكالت نظام التعليم في املغرب‬ ‫سببها قلة ميزانيات التعليم وعدم كفاءة التدريس وزيادة‬ ‫معدالت التسرب‪ .‬وعلى الرغم من املناخ املتحرر وتخفيف‬ ‫القيود‪ ،‬فإن عبء الزيادة السكانية الذي تتحمله مؤسسات‬ ‫تعليمية غير مالئمة‪ ،‬ومشكلة الفساد‪ ،‬تسببا في تصدعات‬ ‫خطيرة في اجملتمع املغربي‪ .‬اتسعت هذه التصدعات لتكون‬ ‫فجوة كبيرة تفصل بني األغنياء والفقراء في البالد‪.‬‬ ‫منذ إقدام محمد البوعزيزي على إشعال النار في جسده في‬ ‫تونس‪ ،‬تشهد األنظمة في جميع أنحاء املنطقة اضطرابات‪.‬‬ ‫ومر املغرب مبوجة من املظاهرات أخيرا‪ .‬ولكن لم يتضح حتى‬ ‫اآلن ما إذا كانت احلكومة املغربية ستضطر إلى الشعور بالقلق‬ ‫من احتمالية تكرار األحداث التي وقعت في كل من تونس‬ ‫ومصر‪ .‬ولكن يبدو أن ما يطالب به املغاربة ليس بالضرورة‬ ‫اإلطاحة باحلكومة‪ ،‬ولكن بوجود حكومة تلبي احتياجات‬ ‫الشعب بصورة أفضل‬


‫وبعيدا عن الغموض‪ ،‬وعلى الرغم من احملاوالت احلديثة ملعاجلة‬ ‫القضية‪ ،‬فإن املغرب ما زال يواجه مشكالت اجتماعية ملحة‪.‬‬ ‫لقد أدت البطالة املتفشية وعدم وجود نظام تأمني اجتماعي‬ ‫إلى ظهور مناطق تعاني من الفقر املدقع‪ .‬وفي الوقت الذي‬ ‫تغلق فيه املتاجر في بلدات املغرب في نحو الساعة التاسعة‬ ‫مساء‪ ،‬ليس من احلكمة السير في الشوارع املظلمة وحيدا‪.‬‬ ‫في املناطق املظلمة في فاس ‪ -‬عاصمة املغرب الثقافية‬ ‫ جتد أشخاصا يرتدون ثيابا رثة يشمون الغراء في أكياس‬‫بالستيكية‪ ،‬في تذكرة محزنة لتداعيات ارتفاع أعداد الشباب‬ ‫الذين يتعرضون للنسيان‪.‬‬ ‫أما املدينة امللكية املزدهرة‪ ،‬مراكش‪ ،‬فهي تتميز باحليوية‪ .‬وفي‬ ‫تناقض مع آثارها العريقة ووتيرة السوق املتسارعة (متتلئ‬ ‫املدينة مبتاجر طعام ورجال يحملون القرود وسيدات معهن‬ ‫إبر احلناء والرواة الغرباء‪ ،‬حيث أحد أنواع الفنون التي بدأت‬ ‫تنحسر ولكنها ما زالت موجودة نظرا ألن ‪ 40‬في املائة من‬ ‫الشعب املغربي يعاني من األمية)‪ ،‬جتتذب املطاعم احلديثة‬ ‫املغاربة األثرياء واملغتربني‪ .‬غالبا ما يتدفق السياح على قرية‬ ‫شفشاون الواقعة على اجلبال وبلدة الصويرة الساحلية التي‬ ‫يوجد بها شاطئ من «الكثبان الرملية»‪ .‬وتشتهر مدينة فاس‬ ‫أيضا بأنها مركز ثقافي وديني رئيسي حيث يزيد تاريخها على‬ ‫ألف عام‪ .‬وتوجد بها مدابغ رائعة لم يتغير إنتاجها وهيكلها‬ ‫منذ قرون‪ .‬وما زالت درجات اللون األحمر الداكن التي تظهر مع‬ ‫غروب الشمس‪ ،‬الذي يشاهده األطفال من فوق أسطح املنازل‬ ‫القدمية وقت استراحتهم من مباراة كرة القدم بعد انتهاء‬ ‫اليوم الدراسي‪ ،‬تلقي بظاللها على فنون احلضارات القدمية‪.‬‬ ‫تاريخ ثري‬ ‫تشكل مملكة املغرب جزءا من منطقة املغرب العربي وتشترك‬ ‫في عالقات ثقافية وتاريخية مع الدول األخرى في املنطقة‪:‬‬ ‫تونس وليبيا واجلزائر وموريتانيا‪ .‬غالبية السكان احلاليني من‬ ‫العرب والبربر الذين يتحدثون بلكنة عربية مغربية‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أن اجلينات احلالية تنتمي إلى مزيج من األيبيريني‬ ‫والفينيقيني واليهود السفاردمي واألفارقة السود‪ .‬يُعتقد أن‬ ‫اللغة البربرية وصلت في الوقت ذاته مع بداية الزراعة‪ ،‬وكانت‬ ‫أول دولة مغربية مستقلة معروفة هي مملكة البربر عام ‪110‬‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫الساحات املغربية العديدة‬ ‫تتعدد عرقيات الشعب املغربي‪ ،‬وتنعكس هذه التعددية‬ ‫في مشاهد املنطقة‪ .‬بعيدا عن قصورها الذهبية ومروجها‬ ‫املشذبة‪ ،‬يكمن اجلمال احلقيقي للبالد في حدائق املاضي الثري‬ ‫غير املنمقة‪ .‬وعلى مدار الزمن‪ ،‬اعتبر العالم الغربي املغرب‬ ‫مالذا بوهيميا غامضا وجنة للرحالة‪ .‬في الواقع‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫صور امللك محمد السادس التي تزين اجلدران في جميع أنحاء‬ ‫املنطقة‪ ،‬هناك العديد من امللصقات التي حتيي ذكرى املوسيقي‬ ‫الراحل بوب مارلي‪ .‬يرجع السبب في ما يسمى بالغموض‬ ‫في املغرب إلى حد ما إلى ارتباطه بالسحر‪ ،‬حيث توجد بني‬ ‫املتاجر التي تبيع البقالة والسلع الكهربائية صيدليات تبيع‬ ‫«الزواحف اخملللة» وأشياء أخرى غريبة مخصصة للتخلص‬ ‫من اجلن‪ .‬تلبي البالد أيضا رغبة محبي السفر والرحالت حيث‬ ‫تتنوع مساحاتها ما بني رمال الصحراء الغربية والريف األخضر‬ ‫واألراضي الوعرة إلى املدن القدمية والشوارع العصرية املتأثرة‬ ‫بالفرنسيني‪ .‬توجد أيضا رياضة التزحلق على الثلج في الشتاء‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من محدودية املرافق إلى حد ما‪ ،‬فإن هناك شيئا‬ ‫جديدا ومحيرا في قرية للجليد على الطراز النمساوي في‬ ‫شمال أفريقيا‪.‬‬

‫حقائق أساسية‬ ‫ •العاصمة‪ :‬الرباط‬ ‫ •تاريخ االستقالل‪ :‬عن‬ ‫فرنسا عام ‪1956‬‬ ‫ •نظام احلكم‪ :‬ملكي‬ ‫ برملاني مكون من‬‫مجلسني‬ ‫ •امللك‪ :‬محمد السادس‬ ‫ •رئيس الوزراء‪ :‬عباس الفاسي‬ ‫جغرافيا‬ ‫ •املساحة‪ 710.850 :‬كيلومترا مربعا‪274.461( ،‬‬ ‫ميال مربعا) (متضمنة الصحراء الغربية)‬ ‫ •الدول اجملاورة‪ :‬اجلزائر وموريتانيا ومدينتا مليلية‬ ‫وسبتة‪.‬‬ ‫ •املناخ‪ :‬الصغرى ‪ 9‬درجات مائوية والعظمى ‪27‬‬ ‫درجة مائوية‪.‬‬ ‫السكان‬ ‫ •عدد السكان‪ 32.3 :‬مليون نسمة‬ ‫ •اجلماعات العرقية الرئيسية‪ :‬العرب والبربر‬ ‫ •الديانة الرئيسية‪ :‬اإلسالم‬ ‫ •اللغات الرئيسية‪ :‬العربية والبربرية مع الفرنسية‪.‬‬ ‫االقتصاد‬ ‫ •إجمالي الناجت احمللي‪ 153.257 :‬مليار دوالر‬ ‫ •إجمالي الناجت احمللي للفرد‪ 4.740 :‬دوالرا‬ ‫ •العملة‪ :‬درهم‬

‫قبل امليالد‪ .‬ووصل العرب ألول مرة إلى املغرب عام ‪ 680‬ميالدية‪،‬‬ ‫وأدخلوا اإلسالم معهم‪ .‬وعلى الرغم من اعتناق كثير من البربر‬ ‫لإلسالم‪ ،‬فإنهم صبغوا اإلسالم بطبيعتهم اخلاصة‪ ،‬حيث‬ ‫احتفظوا بقوانينهم العرفية وانقسموا إلى طوائف إسالمية‬ ‫مختلفة‪ .‬وفي العديد من احلاالت كان األمر مجرد دين شعبي‬ ‫حتت ستار اإلسالم كوسيلة للخروج عن سيطرة العرب‪.‬‬ ‫سكنت املغرب منذ خمسة آالف عام ثقافات من العصر‬ ‫احلجري احلديث‪ ،‬تركت وراءها رسومات حليوانات في الكهوف‪.‬‬ ‫وفي القرن الثاني عشر‪ ،‬أقام الفينيقيون مواقع جتارية تاركني‬ ‫وراءهم آثارا بونيقية في مليلية وتطوان وطنجة والرباط‪ ،‬التي‬ ‫أصبحت عاصمة البالد عام ‪ .1912‬كما أنشأت اإلمبراطورية‬ ‫الرومانية‪ ،‬التي جاءت بعد ذلك وسيطرت على املنطقة طوال‬ ‫أربعة قرون حتى عام ‪ 429‬ميالدية‪ ،‬مستوطنات رومانية منها‬ ‫اآلثار الشهيرة املوجودة في وليلي‪ ،‬بالقرب من مدينة مكناس‬ ‫احلالية‪ .‬ولكن محا الغزو الفندالي عام ‪ 429‬ما تبقى من‬ ‫احلضارة املسيحية الرومانية‪ .‬ويُعتقد أن هذا أيضا قد يكون‬ ‫سببا في إضفاء طابع احلياة البدوية البربرية‪ .‬وبعد ذلك بفترة‬ ‫قصيرة جاءت الدولة البيزنطية‪ ،‬وحاول البربر في الشمال‬ ‫االحتفاظ مبناطقهم أعلى اجلبال‪ .‬وفي عام ‪ ،780‬وحدت‬ ‫أسرة األدارسة املغرب لتصبح أول دولة إسالمية في أفريقيا‬ ‫تخضع للحكم الذاتي مستقلة عن إمبراطورية العرب‪،‬‬ ‫وأسست مدينة فاس‪ .‬وأصبحت الدولة مركزا للتعليم وقوة‬ ‫كبرى جديدة‪ .‬في ما بعد أصبحت خاضعة لسيطرة مجموعة‬

‫‪53‬‬


‫● موجز عن دولة‬

‫اململكة املغربية‬ ‫التاريخ الزمني‪:‬‬

‫ ‬

‫•‪ 24‬ميالديا ‪ -‬خضع املغرب حلكم اإلمبراطورية الرومانية‬ ‫حتى عام ‪ 253‬ميالديا‪ ،‬عندما انسحب الرومان وغزا‬ ‫الوندال الساحل الشرقي‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ - 714‬وصل العرب إلى املغرب وإسبانيا‪ .‬واعتنق البربر‬ ‫اإلسالم وغزوا إسبانيا حتت قيادة العرب‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ - 1060 - 788‬رحبت قبائل البربر في وليلي بإدريس‬ ‫األول‪ ،‬الذي جاء منفيا من بغداد‪ ،‬وأسس أول أسرة‬ ‫عربية وإسالمية حاكمة في املغرب‪ .‬في عام ‪ ،802‬أقام‬ ‫إدريس الثاني مدينة فاس‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ - 1669‬تأسست األسرة العلوية احلالية على يد موالي‬ ‫الرشيد‪.‬‬

‫ ‬

‫‪Image © iStockphoto‬‬

‫ ‬

‫•‪ 8000‬قبل امليالد ‪ -‬سكنت املغرب ثقافات تنتمي إلى‬ ‫العصر احلجري احلديث حتى القرن الثاني عشر قبل‬ ‫امليالد‪ ،‬عندما أقام البحارة الفينيقيون مواقع جتارية‬ ‫بطول ساحل املغرب‪.‬‬

‫•‪ - 1894 - 1873‬تراكمت على السلطان عبد العزيز‬ ‫ديون أجنبية‪ ،‬مما جعل املغرب عرضة للتدخالت‬ ‫األوروبية‪ .‬وفي عام ‪ ،1906‬اعترف مؤمتر اجلزيرة اخلضراء‬ ‫مبنح «امتيازات» لفرنسا في املغرب‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ - 1997‬تأسيس سلطة تشريعية مكونة من مجلسني‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫•‪ - 1912‬معاهدة فاس‪ .‬احتلت فرنسا الدولة بالكامل‪،‬‬ ‫وفرضت إسبانيا حمايتها على املناطق الشمالية‬ ‫واجلنوبية‪.‬‬

‫•‪ - 1999‬وفاة امللك احلسن الثاني ليأتي من بعده ابنه‬ ‫محمد السادس‪ ،‬وهو مؤيد قوي للتغيير االجتماعي‬ ‫واإلصالح االقتصادي‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫•‪ - 1934‬قدمت مجموعة من الشباب املغاربة خطة من‬ ‫أجل اإلصالح‪ ،‬تشكل بداية احلركة القومية‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ ،1944‬أصدر حزب االستقالل بيانه الرسمي‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫•‪ - 1950‬هاجر عدد كبير من اليهود املغاربة إلى "دولة‬ ‫إسرائيل" املقامة حديثا‪ .‬وفي عام ‪ ،1953‬أطاح‬ ‫الفرنسيون بالسلطان سيدي محمد ونفوه ونصبوا‬ ‫بدال منه محمد بن عرفة الذي لم يكن محبوبا‪ .‬وأعيد‬ ‫سيدي محمد إلى احلكم عام ‪.1955‬‬

‫•‪ - 2003‬مقتل ما يزيد على ‪ 40‬شخصا في هجمات‬ ‫انتحارية في كثير من املناطق في الدار البيضاء منها‬ ‫مطعم إسباني ومركز للجالية اليهودية‪ .‬وجاء رد فعل‬ ‫املغاربة باخلروج في مسيرات شعبية تندد باالرهاب‪.‬‬ ‫•‪ - 2007‬إدانة رئيس حترير وصحافي في صحيفة‬ ‫مغربية أسبوعية نشرت نكات مسيئة لإلسالم‪،‬‬ ‫وأصدرت احملكمة ضدهما حكما بالسجن ثالث سنوات‬ ‫مفجرين‬ ‫مع إيقاف التنفيذ‪ .‬وفي العام ذاته‪ ،‬قام ثالثة‬ ‫ّ‬ ‫انتحاريني بتفجير أنفسهم في الدار البيضاء‪ .‬وذلك‬ ‫بعد تفجير انتحاري في مقهى لإلنترنت قبل أسابيع‬ ‫عدة‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ - 1956‬نال املغرب استقالله وسيادته على مناطق‬ ‫كانت خاضعة للحكم اإلسباني‪.‬‬

‫ ‬

‫•يوليو (متوز) ‪ - 2010‬أصدر امللك محمد السادس عفوا‬ ‫وتخفيفا للعقوبات لنحو ‪ 1000‬شخص احتفاال مبرور‬ ‫‪ 11‬عاما على توليه احلكم‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ - 1961‬تولى امللك احلسن الثاني احلكم وقام مبسيرة‬ ‫خضراء لتحرير الصحراء الغربية‪ .‬بدأت احلركة‬ ‫الشعبية لتحرير الساقية احلمراء ووادي الذهب (جبهة‬ ‫البوليساريو) في حرب االستقالل ضد املغرب‪ .‬تسببت‬ ‫اخلالفات حول احلدود مع اجلزائر في فقدان كلتا الدولتني‬ ‫كثيرا من الضحايا‪ .‬ومت التوصل إلى اتفاق نهائي حول‬ ‫احلدود عام ‪.1970‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫•‪ - 1990‬اتخذ امللك احلسن الثاني خطوات عدة من‬ ‫أجل التحرر االقتصادي والسياسي‪ .‬في عام ‪،1991‬‬ ‫وافق كل من جبهة البوليساريو واملغرب على وقف‬ ‫إطالق نار تفاوضت فيه األمم املتحدة‪ ،‬مع إمكانية إجراء‬ ‫استفتاء حول االستقالل‪.‬‬

‫•نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ - 2010‬مقتل رجل شرطة‬ ‫شبه عسكري ورجل إطفاء وإصابة نحو ‪ 70‬شخصا‬ ‫بجروح بالغة في الصحراء الغربية أثناء اقتحام القوات‬ ‫املغربية ملعسكر خارج العيون‪ .‬وأسفر االقتحام املغربي‬ ‫إلخالء معسكر الالجئني في الصحراء الغربية عن مقتل‬ ‫‪ 12‬الجئا على األقل وجرح ما يزيد على ‪ 700‬آخرين‪ ،‬في‬ ‫حني يوجد ‪ 159‬مفقودا‪ .‬وأعلنت السلطات املغربية‬ ‫مقتل ‪ 11‬شخصا من جانبها بعد االشتباك‪.‬‬

‫ ‬

‫•فبراير (شباط) ‪ - 2011‬آالف املغاربة يشاركون في‬ ‫مظاهرات في الرباط ومدن أخرى للمطالبة باإلصالح‬ ‫السياسي وإصدار دستور جديد يحد من صالحيات‬ ‫امللك‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫أحتاج إلى أصواتكم‪ .‬وبالنسبة جلالية مثل جاليتنا‪ ،‬لم يكن يأتي‬ ‫إلينا أحد قبل ‪ 30‬عاما‪ .‬فعندما أجرينا إحدى فعالياتنا في ‪،2003‬‬ ‫فإن كل دميقراطي‪ ،‬كل الدميقراطيني الثمانية املرشحني‪ ،‬أتوا إلى‬ ‫تلك الفعالية وأعطوا اجلالية بالفعل إحساسا بأن لها ثقال‪ .‬وما‬ ‫زلنا نرى ذلك يحدث‪ .‬حيث إن رجال أوباما الذين يحاولون التواصل‬ ‫مع العرب األميركيني الذين شكلوا جالية عربية أميركية‪ ،‬أرسلوا‬ ‫رسال إلى تلك اجلالية‪ .‬ولألسف لم يفعل جون ماكني ذلك‪ ،‬ولكن‬ ‫جورج دبليو بوش فعل وجون كيري لم يفعل‪ .‬بعض املرشحني فعل‬ ‫والبعض لم يفعل ولكن من يفعل ذلك عادة قادر على أن يحصل‬ ‫على بعض األصوات لصالح ذلك‪ .‬لصالح طريقته‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل زاد ذلك االهتمام في أعقاب هجمات احلادي عشر من‬ ‫سبتمبر (أيلول) أم أنها كانت عملية تدريجية؟‬ ‫ أعتقد أنه كان تغيرا تدريجيا وهو شيء سرنا حدوثه‪ .‬فمنذ بداية‬‫الثمانينيات وبعد أن رد املرشحون األموال في حملة جاكسون عام‬ ‫‪ ،84‬و‪ 88‬وحملة كلينتون في ‪ 90‬أصبحت بعدها كل األبواب فجأة‬ ‫مفتوحة ورحب احلزبان بنا‪ .‬وحتى التسعينيات كان األمر عظيما‪.‬‬ ‫في ‪ ،2000‬اشتركنا في كلتا احلملتني على مستوى القيادات‪ ،‬ثم‬ ‫عندما جاء عام ‪ ،2001‬ولم يكن هناك تراجع حقيقي في ذلك‬ ‫اإلطار‪ ،‬استمر حتقيق تقدم‪ .‬وإذا لم يحدث ذلك التقدم أعتقد أن‬ ‫هجمات احلادي عشر من سبتمبر (أيلول) كانت لتصبح ضربة‬ ‫مدمرة للجالية ألننا في تلك احلالة لم يكن لدينا حلفاء‪ ،‬ولم نكن‬ ‫لنجد مساندة ولكن أعتقد أن حقيقة أنه كان لدينا حلفاء وأن‬ ‫الناس كانوا يعرفون أننا قد سجلنا بالفعل مقترعينا ونظمنا‬ ‫أصواتنا ما كانوا ليأتوا للحصول على تأييدنا كما فعلوا في‬ ‫‪ .2003‬ولكن أعتقد أن ذلك كان مهما للغاية في تقدمنا بعد‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬قال كثير من الناس إن اخلطاب السياسي في الواليات‬ ‫املتحدة بشأن الفلسطينيني يتحسن‪ .‬هل ميكن أن نتوقع أن نرى‬ ‫تغيرا سياسيا كنتاج لذلك؟‬ ‫ لقد تغير اخلطاب‪ .‬أعني أن اجلميع يقبل اآلن بحل الدولتني‪،‬‬‫ولكن السياسة واملمارسة لم تتغير‪ .‬وبالتالي فقد كنت أقول‬ ‫إنني كنت أمتنى ولكنني لم أكن متفائال‪ .‬ولكنني لم يعد لدي‬ ‫نفس القدر من األمنيات‪ .‬فأعتقد حقا أنه على الرغم من أن‬ ‫الناس رمبا يرغبون في حل تلك املشكلة فإنها أصبحت متوغلة‬ ‫في العديد من املستويات اخملتلفة‪ .‬وأن الطبيعة احلزبية للصراع في‬ ‫أميركا جتعل من الصعب على الرئيس األميركي أن يقوم مبمارسات‬ ‫يجب عليه القيام بها لتحقيق ما يجب عمله‪ .‬أعني أن لدينا أسوأ‬ ‫حكومة في إسرائيل في الوقت اخلاطئ‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬من الواضح أنها معركة مستمرة على األرض األميركية‬ ‫بني األميركيني‪ .‬كيف ميكن أن نغير ذلك؟‬ ‫ لقد كان األمر دائما كذلك‪ .‬أعني أن أميركا قد اختارت طريقا‬‫للحل وأغمضت عينها عن بناء إسرائيل للمستوطنات وسياسات‬ ‫القمع‪ ،‬وعندما تتوقف أميركا عن منح ذلك التأييد املطلق‪،‬‬ ‫لن يتغير سلوك إسرائيل ألن املسألة ليست اإلسرائيليني في‬ ‫مقابل الفلسطينيني‪ ،‬بل‪ ‬اإلسرائيليون بدعم أميركي في مقابل‬ ‫ا لفلسطينيني ‪.‬‬ ‫فالسؤال هو كيف نغير أميركا‪ .‬لم يفعل العرب شيئا في هذا‬ ‫اإلطار‪ .‬فقد بذلوا جهودا ضئيلة بخالف اللقاءات الدبلوماسية‬ ‫هنا أو هناك أو التعبير عن اإلحباط هنا أو هناك‪ ،‬ولكنهم لم‬ ‫يفعلوا شيئا حيال احلملة املكثفة في أميركا التي ميكنها أن‬ ‫جتعل األمر يتم التعامل معه بجدية‪ .‬وبالتالي فقد كنا نفعل‬ ‫ذلك مبفردنا‪ .‬أعني أن جماعات الضغط املوالية إلسرائيل متكنت‬ ‫من دفع إسرائيل للعمل طوال الوقت ملساندتها‪ .‬فليست هناك‬ ‫جهود حقيقية من قبل العرب في الواليات املتحدة طوال الوقت‪.‬‬ ‫وبالتالي فقد كنا نفعل ذلك مبساعدة حلفاء في اجلالية اليهودية‬ ‫وحلفاء في جاليات السالم ولكن ذلك لم يكن كافيا أبدا‪ .‬وما لم‬ ‫نكن قادرين على إحداث تغيير وخلق موقف يتمكن عبره الرئيس‬ ‫األميركي من أن يقول إلسرائيل «يكفي»‪ ،‬ميكن أن يتوقف ذلك أو‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫ليس هناك شك في أن ما حدث في تونس‬ ‫خلق موجة من التمكني الذاتي الذي حتول‬ ‫إلى ثورات في العديد من تلك املناطق‬ ‫املضطربة وتسبب في غليانها‬ ‫غيره أو اتبعوا ذلك املسار أو غيره مبساندة الكونغرس بدال من التمرد‬ ‫في الكونغرس‪ ،‬فإن السالم لن يحدث‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ملاذا في هذا الوقت يتمرد العرب على حكوماتهم في‬ ‫الشرق األوسط؟‬ ‫ أوال‪ ،‬ليس كل العرب ضد حكوماتهم‪ .‬فبعض احلكومات العربية‬‫لديها درجات أكبر من الشرعية واملساندة من غيرها‪ .‬فقد كانت‬ ‫الدول التي سقطت أو املعرضة للسقوط لديها مشكالت طويلة‬ ‫املدى ظهرت في بعض األوقات وكان يتم قمعها وبالتالي فقد‬ ‫استمرت في الغليان‪ .‬وقد تفاقمت مشكلة الشرعية تلك نظرا‬ ‫للسياسات املدمرة لعصر بوش والتأييد الذي أعطته تلك احلكومات‬ ‫للسياسات األميركية التي تفتقد الشعبية في املنطقة‪ ،‬وهو ما‬ ‫أسفر عن اتساع الفجوة بني احلكومات والشعوب‪ .‬وليس هناك شك‬ ‫في أن ما حدث في تونس خلق موجة من التمكني الذاتي الذي حتول‬ ‫إلى ثورات في العديد من تلك املناطق املضطربة وتسبب في غليانها‪.‬‬ ‫وما يؤكد ذلك هو أن هناك «عاملا عربيا»‪ .‬حيث إن مظاهرات احملامني‬ ‫واالنتفاضات الشعبية في باكستان التي أسقطت احلكومات هناك‬ ‫لم تؤثر على املنطقة العربية فيما خلقت االنتفاضة في تونس‬ ‫ومصر عدوى انتقلت إلى اليمن وليبيا وغيرهما‪.‬‬ ‫وبالنسبة لوسائل اإلعالم اجلديدة أو القنوات الفضائية‪ ،‬كانت تلك‬ ‫أدوات وليست أسبابا‪ .‬فقد انتشرت الثورات عبر أجزاء من العالم‬ ‫العربي قبل ظهور وسائل اإلعالم احلديث‪ ،‬على سبيل املثال في حرب‬ ‫‪.1948‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل تعتقد أن القيادة األميركية مستعدة لتقبل دميقراطية‬ ‫حقيقية في العالم العربي‪ .‬أم أننا سنشهد املزيد من تشجيع قيم‬ ‫الدميقراطية من دون االستعداد لتأييدها على املدى البعيد؟‬ ‫ ما زلنا ال نعرف إذا ما كانت تلك االنتفاضات سوف تسفر عن‬‫«دميقراطية حقيقية»‪ .‬حيث لم ينته األمر بعد وما زالت هناك‬ ‫العديد من التساؤالت من دون إجابة‪ .‬فهل يستحوذ اجليشان في‬ ‫تونس ومصر على السلطة ويخلقان مساحة كافية لدميقراطية‬ ‫حقيقية؟ هل تضع اجليوش في تلك البلدان أنفسها حتت سيطرة‬ ‫مدنية منتخبة؟ هل تظهر أحزاب سياسية منتخبة قادرة على‬ ‫التنافس في االنتخابات واحلكم؟‬ ‫وسواء ستقبل الواليات املتحدة حكومات جديدة أم ال‪ ،‬على أحد‬ ‫املستويات‪ ،‬ليس هو القضية‪ .‬فإذا أصبحت حقيقة ودميقراطية‬ ‫ومستقرة سيكون عليهم أن يتقبلوها‪ .‬أما إذا ما كانوا سوف‬ ‫ينجحون في أن يصبحوا «دميقراطية حقيقية»‪ ،‬فإن الرأي العام‬ ‫أصبح عامال جديدا يجب على الواليات املتحدة وأي حكومات سوف‬ ‫تتشكل في املنطقة أن تضعه في اعتبارها عند وضع سياستها‪.‬‬ ‫وهو ما سوف يضع بعض القيود على السياسة األميركية ‪ -‬وهو ما‬ ‫لن يرحب به البعض بالطبع في الواليات املتحدة ‪ -‬ومن املرجح أن‬ ‫يجعل القيادة العربية أقل تكيفا مع املصالح األميركية وسلوكها‬ ‫إذا ما افتقرت للشعبية في الداخل وهو ما لن حتبه الواليات املتحدة‬ ‫أيضا ولكنها سيكون عليها أن تضعه في حساباتها السياسية‪.‬‬

‫حوار أجرته جاكلني شوين‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 28‬فبراير ‪2011‬‬ ‫‪51‬‬


‫● حوارات‬

‫انهيار االت�صاالت‬ ‫لقد كانت العالقة بني العرب واألميركيني على األقل‬ ‫متوترة‪ .‬ففيما يزعم األميركيون من غير العرب أن‬ ‫الصراع ينجم عن اختالف القيم‪ ،‬فإن العرب الشرق‬ ‫أوسطيني والعرب األميركيني يقولون إن اخلالف الرئيس‬ ‫يكمن في السياسة اخلارجية ألميركا في الشرق‬ ‫األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬نظرا الفتقارها للعنصر‬ ‫املدني وألنها محملة باملعايير املزدوجة‪ .‬وقد خلق سوء‬ ‫التفاهم اخلطير‪ ،‬من اجلانب األميركي‪ ،‬أساسا مضلال‬ ‫للتواصل بني اجلماعتني‪ ،‬وهو ما تسبب في فترات طويلة‬ ‫من اإلحباط والعداء‪ .‬باإلضافة إلى أن تزايد تعقيد‬ ‫العالقة كان نتاجا للعواقب السيئة للتمييز‪ ،‬حيث تتم‬ ‫معاملة العرب دائما باعتبارهم أشباه بشر‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن املسلمني واملسيحيني واليهود أصبحوا‬ ‫أكثر ابتعادا عن بعضهم البعض‪ ،‬مما قلل األمل في‬ ‫مصاحلة حقيقية‪ .‬وإذا لم يتم حل مشكلة التواصل‬ ‫تلك فإن العالقة املتوترة بالتزامن مع عنف الدولة‬ ‫وعنف غير الدولة سوف تتحول إلى مبرر ألفعال القلة‬ ‫املتطرفة ومن ثم سيزداد املوقف سوءا‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من مثل تلك التوقعات اخلطرة‪ ،‬فإن‬ ‫العرب األميركيني «من أكثر املتمتعني بالدخل املرتفع‬ ‫والتعليم العالي على مستوى الدولة‪ ،‬وقد أفرزوا في‬ ‫العقود األخيرة ثالثة جنراالت وأربعة من احملافظني‬ ‫وخمسة من أعضاء مجلس الشيوخ وأكثر من عشرة‬ ‫من أعضاء الكونغرس»‪ ،‬وفقا ملا قاله الدكتور جيمس‬ ‫زغبي مؤسس ورئيس املعهد العربي األميركي في‬ ‫كتابه «أصوات عربية‪ :‬ما الذي يقولونه إلينا وملاذا‬

‫وبالتالي فإنهم مرتبطون إلى حد كبير باألولويات األميركية‪،‬‬ ‫ونظرا ألن قطاعا كبيرا من العرب األميركيني من اللبنانيني‪ ،‬فإن‬ ‫أهم ثالثة موضوعات بالنسبة للسياسة اخلارجية من دون ترتيب‬ ‫ستكون لبنان‪ ،‬فلسطني‪ ،‬واخلروج من العراق‪ .‬ال أستطيع ترتيب‬ ‫تلك القضايا ألن الترتيب يختلف وفقا لألحداث اجلارية‪ .‬وأستطيع‬ ‫القول إنهم في الوقت الراهن يتابعون ما يحدث في مصر كبقية‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما الذي يفعله العرب األميركيون للتأثير على السياسة‬ ‫اخلارجية األميركية في الشرق األوسط؟ وكيف يحاولون التأثير‬ ‫على الرأي العام األميركي في ذلك الصدد؟‬ ‫ تزايد في اآلونة األخيرة تعريفهم ألنفسهم باعتبارهم عربا‬‫أميركيني‪ ،‬بخاصة األجيال التي ولدت هنا‪ .‬فقد توقفوا عن وصف‬ ‫أنفسهم باعتبارهم منفيني أو مهاجرين‪ ،‬وبدأوا ينظرون ألنفسهم‬ ‫باعتبارهم جزءا من أميركا وهم ال مييزون بني اجلماعات العربية‬ ‫اخملتلفة‪ .‬فهم ينظرون ألنفسهم كجالية‪ .‬ليس جميعهم ولكن ما‬ ‫يكفي لكي نرى شيئا قد بدأ يحدث‪ .‬فهناك إحساس عام يتكون‪.‬‬ ‫فإذا نظرت ملا كنا نفعله‪ ،‬فقد كنا نعمل حول لبنان‪ .‬وفي الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬كنا نساند احملكمة‪ .‬فقد التقينا باإلدارة بذلك الشأن‪.‬‬ ‫وقابلنا أيضا أعضاء البرملان‪ .‬فلم نكن نرغب أن نراهم وهم يلعبون‬ ‫لعبة «إما ‪ -‬أو» مع لبنان‪ ،‬ألننا نرى أن ذلك سيئ‪ .‬ولكننا قلنا إنه‬ ‫يجب علينا مساندة العدالة واالستقرار‪ .‬وإنه كان خيارا خاطئا أن‬ ‫‪50‬‬

‫يهم»‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬فإن اجلالية العربية في الواليات‬ ‫املتحدة تعد شريكا مهما في مساعي االحترام املتبادل‬ ‫والتفاهم مع العرب غير األميركيني‪.‬‬ ‫وفي سياق حتليله الشامل للرأي العام العربي‪ ،‬يرجع‬ ‫الدكتور زغبي العالقة املضطربة للغاية بني األميركيني‬ ‫والعالم العربي ليس فقط إلى سوء الفهم املتبادل‪،‬‬ ‫ولكن في األساس إلى رفض أميركا اإلصغاء إلى ما يقوله‬ ‫العرب بخاصة في ما يتعلق بغزوات القوة العظمى‬ ‫في الشرق األوسط‪ .‬وكانت هجمات احلادي عشر من‬ ‫سبتمبر (أيلول) هي النتاج املأساوي لعدم إصغاء‬ ‫أميركا‪ ،‬وبدال من مراجعة الذات بحثا عن إجابة‪ ،‬يعتقد‬ ‫نحو ‪ 80‬في املائة من األميركيني أن الهجمات كانت‬ ‫نتاج كراهية العرب للقيم األميركية‪ .‬وتلك مغالطة‬ ‫كبرى كما يؤكد االستطالع الذي أجراه زغبي‪ ،‬والذي‬ ‫وجد أن العرب في الواقع معجبون بالثقافة األميركية‬ ‫وقيمها املتعلقة باحلرية والدميقراطية‪.‬‬ ‫ومن فرصة ضائعة إلى أخرى ضائعة‪ ،‬كان األميركيون‬ ‫يدفعون لتعزيز الصدام‪ .‬وإذا استمروا في جتاهل‬ ‫األصوات العربية التي تصرخ‪ ،‬فإن العواقب رمبا تكون‬ ‫أكثر كارثية على املدى البعيد من هجمات احلادي عشر‬ ‫من سبتمبر‪ .‬ومما ال شك فيه أن العواقب كانت خطيرة‬ ‫على املاليني من املدنيني العرب الذين يعيشون في‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫لقراءة املقال بكامله‪ ،‬زوروا موقع «اجمللة» في اجلزء‬ ‫اخملصص لعرض الكتب على ‪.www.majalla.com/ar‬‬

‫نقترح أنه كان أحدهما أو اآلخر‪.‬‬ ‫وفي ما يتعلق بفلسطني‪ ،‬كنا نشطاء للغاية في التحالف مع‬ ‫جماعات مثل «جي ستريت»‪ ،‬و«السالم اآلن» و«كنائس من أجل‬ ‫سالم الشرق األوسط»‪ .‬ونحن نعمل اآلن على تأييد املساندة‬ ‫األميركية املستمرة لألنروا ألن هناك مساعي في الكونغرس لقطع‬ ‫تلك املساعدات‪ .‬ومن املبكر أن نتحدث حول ما نقوم به بشأن‬ ‫مصر‪ ،‬بخالف أننا جنمع املصريني األميركيني في مؤمترات هاتفية‬ ‫وجنمع قوائم ألن ما نرغب في عمله هو نوع من املؤمترات للقيادات‬ ‫املصرية للحديث حول مستقبل مصر وإلى أين تتجه‪ .‬كما كنا ندفع‬ ‫باملصريني األميركيني إلى الصحافة‪ ،‬كما أجرينا حوارات مع البيت‬ ‫األبيض حول السياسة املصرية حيث أجرينا بالفعل مؤمترين هاتفيني‬ ‫مع البيت األبيض‪ .‬وذلك هو أساسا ما نفعله‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬أخذا في االعتبار أنك عملت مع آل غور وجيسي جاكسون‬ ‫وغيرهما من السياسيني األميركيني‪ ،‬كيف كانوا يسعون لالستحواذ‬ ‫على األصوات العربية األميركية؟ هل الحظت االهتمام املتزايد من‬ ‫جانبهم للحصول على تأييد العرب األميركيني؟‬ ‫ أعتقد أنهم يعملون بنفس الطريقة التي يحاولون بها احلصول‬‫على أصوات أي من اجلاليات العرقية‪ .‬فهم يعملون مع اجلاليات‪.‬‬ ‫يحاولون الوصول إليهم‪ ،‬وأحيانا يكون كل ما أنت بحاجة إليه هو‬ ‫مجرد الظهور‪ .‬فقط مجرد حضور إحدى الفعاليات وأن تقول لهم‬


‫«اجمللة»‪ :‬هل تعتقد أن تلك قضية إصغاء أم أنها ال مباالة من قبل‬ ‫صناع السياسة األميركيني؟‬ ‫ من خالل رصد ذلك لسنوات طويلة‪ ،‬مع الصعوبة الواضحة‬‫في ذلك‪ ،‬أعتقد أننا ال نضع «اآلخر» في املعادلة‪ .‬رمبا نكون قد‬ ‫بدأنا نفعل ذلك أخيرا ولكنني أقول إننا لعقود كنا نتعامل مع‬ ‫القضية اإلسرائيلية ‪ -‬الفلسطينية‪ ..‬وهي املعادلة التي تدركها‬ ‫العقول األميركية باعتبارها اإلنسانية اإلسرائيلية في مقابل‬ ‫املعضلة العربية‪ ،‬وهو تبسيط ال تراه اآلراء ذات األهمية باعتباره‬ ‫إنسانيا متاما‪ ،‬فأتذكر أنه في الفترة التالية الغتيال رئيس الوزراء‬ ‫احلريري مباشرة‪ ،‬رأينا مظاهرة في لبنان ومت النظر إليها وكأن‬ ‫الشعب اللبناني خرج بأسره بها‪ .‬وكنت على شاشة التلفزيون‬ ‫أناقش ذلك مع أحد األشخاص من البنتاغون وصحافي أميركي‬ ‫مشهور ومرموق للغاية‪ ،‬وقلت‪ :‬ال‪ ،‬لألسف‪ ،‬أستطيع أن أخبرك أننا‬ ‫أجرينا استطالعا للرأي في لبنان وأن البلد منقسم بهذا الصدد‪.‬‬ ‫ولكن ذلك لم يقبل ولم يصدق‪ .‬فقد حددنا ما نرغب في عمله‬ ‫وكنا نتحرك باجتاهه رغم احلقيقة على األرض‪ .‬وفي العراق أجرينا‬ ‫استطالعا‪ .‬ولم يتجاهلوا االستطالع فقط بل األسوأ‪ ،‬إنهم لفقوا‬ ‫نتائج االستطالع‪ .‬فقد ظهر ديك تشيني على التلفزيون قائال‪:‬‬ ‫«لقد أجرى زغبي استطالعا عظيما‪ .‬فنحن محبوبون في العراق‬ ‫وهم يريدوننا أن نبقى ويعتقدون أننا نقوم مبهمة جيدة»‪ .‬وكانت‬ ‫نتائج االستطالع الذي أجريته تقول العكس متاما‪.‬‬ ‫لقد كنا جنري استطالعات رأي منذ خمسة وعشرين عاما‪ ،‬وكنا‬ ‫نؤكد طوال الوقت أن سياستنا متثل إشكالية إلى حد كبير‪ .‬وأن‬ ‫أصدقاءنا‪ ،‬حلفاء أميركا‪ ،‬الزعماء الذين كانوا يساندوننا‪ ،‬يعرضون‬ ‫أنفسهم للخطر في بلدانهم نظرا لتأييدهم سياستنا‪ .‬وهم يتم‬

‫جتاهلهم متاما‪ .‬وال أرغب في أن أمتادى قائال إن تلك عنصرية ولكنني‬ ‫أقول إنهم ال ينظرون إلى حقيقة أن العرب أناس حقيقيون لهم‬ ‫ثقل حقيقي في املعادلة عند صناعة القرارات السياسية‪ .‬رغم‬ ‫أنهم يفعلون ذلك مع البلدان األخرى‪ ،‬كيف سيكون سلوكها‪ ،‬كيف‬ ‫سيفهم ذلك القرار‪ ،‬هل يستطيع اإلسرائيليون أن يفعلوا هذا أو‬ ‫ذاك‪ ،‬هل يتقبل قادتهم ذلك‪ ،‬فإذا قبل نتنياهو مثل ذلك القرار هل‬ ‫تسقط حكومته‪ .‬أعني أننا قد ضغطنا على العرب‪ ،‬وضغطنا على‬ ‫أبو مازن‪ .‬فما فعلناه أدى إلى انقسام حقيقي في اجملتمع من دون‬ ‫أن تطرف لنا عني‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ملاذا لم يستطلع األميركيون آراء العرب إال بعد ثمانية‬ ‫عقود؟‬ ‫ ملاذا جنري استطالعا لآلراء إذا لم يكن ذا معنى‪ .‬فقد كنا نعرف‬‫اإلجابة مسبقا‪ :‬إنهم يكرهوننا ملنظومة قيمنا‪ .‬فعندما أجرينا‬ ‫استطالعا وقلنا شيئا مختلفا‪ ،‬شعر الناس بالصدمة‪ .‬حيث وجدنا‬ ‫أنهم يحبون منظومة قيمنا‪ .‬ولم يكونوا يعرفون ما الذي عليهم‬ ‫فعله حيال ذلك‪ .‬فحوالي ‪ 80‬في املائة من األميركيني ما زالوا‬ ‫يعتقدون أن العرب يكرهون منظومة قيمنا‪ ،‬رغم أننا عندما أجرينا‬ ‫استطالعا للرأي في العالم العربي وجدنا أن ‪ 65‬في املائة من العرب‬ ‫يحبون منظومتنا للقيم‪ .‬ولكن السخط كان هائال‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ملاذا جند أن رؤية األميركيني للعرب واملسلمني اليوم‬ ‫أصبحت أكثر سلبية مما كانت عليه في أعقاب هجمات احلادي عشر‬ ‫من سبتمبر (أيلول) مباشرة؟‬ ‫ ألن هناك شيئني قد حدثا‪ .‬أولهما أن الناس كانت تتساءل‪:‬‬‫األميركيون كانوا يتساءلون‪ .‬فإذا كان الناس يقدمون اإلجابات‪..‬‬ ‫فنحن نعرف كم كان محبطا أن تفتح التلفزيون أو يتم دعوتك‬ ‫لبرنامج حواري حول كيفية معاملة العرب األميركيني‪ .‬فما رأيته‬ ‫كان أن من يجري حتليال للعالم العربي يكون عادة من مؤسسة‬ ‫الدفاع عن الدميقراطية أو غيرها من مؤسسات احملافظني اجلدد أو‬ ‫مراكز األبحاث اآليديولوجية املناهضة للعرب‪ .‬فكنت أذهب وأحتدث‬ ‫حول ما يحدث في إحدى الدول العربية‪ ،‬وغالبا ما يكون الشخص‬ ‫الذي يحاورني حول تلك القضية مناهضا للعرب ألنه إن كان عربيا‬ ‫وكان يتحدث حول إسرائيل فسيعتبرونه مناهضا للسامية‪ .‬ولكن‬ ‫هؤالء األشخاص أدركوا أنهم حولوا أن تكون خبيرا سعوديا أو خبيرا‬ ‫إسالميا أو خبيرا عربيا إلى حرفة لألشخاص املناهضني للعرب والذين‬ ‫أصبحوا هم من يقدمون اإلجابات‪.‬‬ ‫مت تأليف ثالثة كتب حول اململكة العربية السعودية في أعقاب‬ ‫احلادي عشر من سبتمبر (أيلول) مباشرة‪ ،‬وقد حققت الكتب الثالثة‬ ‫مبيعات مرتفعة‪ ،‬كما متت مناقشة الكتب الثالثة في الكونغرس‬ ‫ولم يدخل أي منهم إلى اململكة العربية السعودية‪ .‬وكان للكتب‬ ‫الثالثة عناوين تتعلق بالشيطان أو هل تعلم‪ ..‬كان األمر‪ ‬مروعا‬ ‫حقا‪ ،‬كان ذلك أحد األسباب‪.‬‬ ‫وكان السبب الثاني‪ ،‬جزئيا‪ ،‬نتاج لذلك‪ ،‬وجزئيا‪ ،‬نتائج عمل محدد‬ ‫لبعض اجلمهوريني في األعوام القليلة املاضية‪ ،‬فقد اتضح أن فوبيا‬ ‫اإلسالم لها جذور عميقة في احلزب اجلمهوري‪ .‬فقد استخدموها‬ ‫كممارسة أساسية وكنمط ثابت كاستخدامهم لزواج املثليني‬ ‫لتوحيد قواعدهم واحلصول على أعلى نسب في التصويت‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫ففي االنتخابات األخيرة كان لدينا العديد من مرشحي الكونغرس‬ ‫الذين ينشرون إعالنات حول مساجد النصر أو اإلسالم الذي يحاول‬ ‫غزو أميركا وما هو موقف خصمي الدميقراطي بذلك الصدد‪ .‬لقد‬ ‫كان عرضا مخزيا ولكنه مت استخدامه وبالتالي خلق موقفا خاصا لم‬ ‫يعد يتعلق باملوقف جتاه العرب واملسلمني ولكنه كان نتاج انقسام‬ ‫حزبي‪ .‬فاملشكلة ليست في ذلك املوقف ولكن في حدوث ذلك داخل‬ ‫جماعة واحدة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما أهم ثالث قضايا تتعلق بالسياسة اخلارجية بالنسبة‬ ‫للعرب األميركيني؟‬ ‫‪ -‬بناء على حقيقة أن ثالثة أرباع العرب األميركيني ولدوا في أميركا‬

‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪49‬‬


‫● حوارات‬

‫جيمس زغبي يتحدث لـ«اجمللة» عن العرب وأميركا‪ ..‬واخملاوف‬

‫من هم العرب وماذا يريدون؟‬

‫في حوار مع «اجمللة»‪ ،‬يشاركنا الدكتور جيمس زغبي‪ ،‬رئيس املعهد العربي ‪ -‬األميركي رؤيته حول اجملتمع السياسي األميركي‬ ‫وموقع العرب به‪ ،‬باإلضافة إلى العديد من أخطاء وإخفاقات السياسة اخلارجية األميركية في الشرق األوسط‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬فمن احملتمل أن تضع االنتفاضات الشعبية في املنطقة الواليات املتحدة على مسار مختلف في عالقتها بالعالم‬ ‫العربي‪ ،‬مسار رمبا يأخذ في اعتباره احتياجات العرب باإلضافة إلى احتياجات الواليات املتحدة نفسها‪.‬‬ ‫جاكلني شوين‬ ‫ما زال العديد من األميركيني يصارعون سؤال «من هم العرب وماذا‬ ‫يريدون؟»‪ ،‬وعلى الرغم من احلضور املتزايد للجاليات العربية في‬ ‫الواليات املتحدة والتفاعل الذي يتسم عادة بالعداء بني احلكومة‬ ‫األميركية والعرب باخلارج‪ ،‬لم يبذل معظم السياسيني األميركيني‬ ‫وصناع السياسة جهدا كافيا لفهم الهويات املتنوعة واحتياجات‬ ‫املقترعني العرب بالداخل‪ ،‬بل وكذلك العرب حول العالم الذين ما‬ ‫زالت العديد من املصالح األميركية ترتبط بهم‪.‬‬ ‫نشر الدكتور جيمس زغبي‪ ،‬مؤسس ورئيس املعهد العربي ‪-‬‬ ‫األميركي الذي يقع مقره بواشنطن العاصمة‪ ،‬أخيرا كتابا بعنوان‪:‬‬ ‫«أصوات عربية‪ :‬ماذا يقولون عنا وملاذا ذلك مهم؟» يستكشف فيه‬ ‫اإلجابات حول تلك األسئلة مستعينا باستطالعات الرأي التي مت‬ ‫إجراؤها في الشرق األوسط والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وباعتباره من اجليل اللبناني ‪ -‬األميركي األول‪ ،‬ومحاضرا وأكادمييا‬ ‫مختصا بقضايا الشرق األوسط‪ ،‬وباعتباره من كبار احملللني‬ ‫الستطالعات الرأي‪ ،‬للدكتور زغبي أهمية خاصة في كواليس‬ ‫السياسة األميركية باإلضافة إلى كونه من القيادات اخمللصة‬ ‫للجالية العربية ‪ -‬األميركية في مسعاها لتحقيق التمكني‬ ‫السياسي‪.‬‬ ‫في ‪ ،1975‬حصل زغبي على الدكتوراه في الدراسات اإلسالمية‬ ‫من قسم األديان بجامعة متبل‪ ،‬كما أنه باحث ما بعد الدكتوراه‬ ‫باملؤسسة الوطنية للعلوم اإلنسانية بجامعة برنستون في‬ ‫‪ .1976‬وهو يكتب عمودا أسبوعيا بعنوان «واشنطن ووتش» حول‬ ‫السياسة األميركية ينشر في كبرى صحف جنوب آسيا والعالم‬ ‫العربي وقد ألف عددا من الكتب مبا في ذلك «ما الذي تفكر فيه‬ ‫حقا األعراق األميركية؟» (‪ )2001‬و«ماذا يعتقد العرب‪« :‬القيم‪،‬‬ ‫املعتقدات‪ ،‬واخملاوف السياسية» (‪. )2002‬‬ ‫وفي حواره مع «اجمللة»‪ ،‬يشاركنا دكتور زغبي رؤيته حول اجملتمع‬ ‫السياسي األميركي وموقع العرب به باإلضافة إلى العديد من‬ ‫أخطاء وإخفاقات السياسة األميركية في الشرق األوسط‪ .‬كما‬ ‫يناقش الصراع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي‪ ،‬واالنقسام احلزبي املتزايد‬ ‫في أميركا والذي يزيد من صعوبة جعل أصوات العرب واملسلمني‬ ‫مسموعة‪ .‬ولكن االنتفاضات الشعبية في املنطقة رمبا تكون من‬ ‫العوامل الدافعة للتغير‪ ،‬حيث إنها أرسلت رسالة واضحة للواليات‬ ‫املتحدة وحلفائها وهي أنه على صناع السياسة أن ال يقتصروا‬ ‫على النظر إلى احتياجات حكوماتهم‪ ،‬بل يجب عليهم النظر‬ ‫أيضا إلى احتياجات املواطنني أنفسهم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬إلى أي حد يتخذ صناع السياسة األميركيون قراراتهم‬ ‫‪48‬‬

‫بناء على استطالعات الرأي العام؟‬ ‫ إنهم ال ينظرون إلى استطالعات الرأي في باقي أنحاء العالم عندما‬‫يفكرون في اتخاذ قرار‪ .‬وهذا ما يجعلني أعتقد أنهم يحتاجون إلى‬ ‫أن يلقوا أذنا صاغية‪ ،‬فهم ال يصغون ملا يقوله الناس أو ينظرون‬ ‫إلى ماهية احتياجاتهم أو كيف ينظر هؤالء الناس إلى السياسة‬ ‫األميركية أو كيف يتم فهم كالمهم أو النظر إلى سياستهم في‬ ‫باقي أنحاء العالم‪ .‬وهو ما يخلق سخطا رهيبا‪.‬‬


‫للمرأة بقيادة السيارة أو متكني املرأة أو إصالح املناهج التعليمية ألن ذلك‬ ‫سيكون له تأثير إيجابي على احلياة في السعودية‪ .‬ولكن ما نعتقده في‬ ‫ما يتعلق باألضرحة ليس له انعكاس إيجابي‪ .‬بل إنني شخصيا ضد توقير‬ ‫األضرحة‪ .‬فما يعجبني في الوهابية هي أنها متكنني من الوصول إلى اهلل‬ ‫مباشرة من دون احلاجة لشخص آخر‪ .‬وأنا يعجبني ذلك وأعتبر أن ذلك هو‬ ‫الوهابية اإليجابية‪.‬‬

‫يحكمها رجال الدين واملتدينون‪ .‬وأعتقد أن معظم احلركات اإلسالمية تنظر‬ ‫للحركة اإلسالمية التركية باعتبارها منوذجا ألنها ناجحة‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬النموذج التركي هو النموذج الذي ميكن أن يسمح للحركة اإلسالمية‬ ‫املصرية بتحقيق النصر‪ .‬لنفترض أن اإلخوان وصلوا إلى احلكم في يوم من‬ ‫األيام في مصر‪ .‬فسيواجهون مشكالت اقتصادية خطيرة‪ ،‬فماذا سيفعلون‬ ‫في ما يتعلق بصناعة السياحة‪ .‬النموذج التركي يقدم احلل‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬كيف كان شعورك حيال مطالبتك باالستقالة؟‬ ‫ شعرت باخلذالن‪ .‬كان شعوري سيئا للغاية‪ .‬وعلى الرغم من أنني حصلت‬‫على وظيفة أفضل وما إلى ذلك‪ ،‬فأنا أحب بالدي ولم أكن أعمل لنفسي‪.‬‬ ‫فأنا أعتقد أن جريدة «الوطن» تخدم البالد‪ ،‬وتخدم أهدافها‪ .‬وهي ما زالت‬ ‫صحيفة جيدة‪.‬‬

‫نحن ال ميكننا تغيير التاريخ‪ .‬فالنساء في سورية قبل ستني عاما كن يعشن‬ ‫في احلجب متاما‪ .‬ولكن من املستحيل أن نعود لذلك اآلن‪ .‬فذلك التقليد‬ ‫اخلاص باملاضي والذي يحن إليه اإلسالميون‪ ،‬عندما كانت املرأة مفصولة متاما‬ ‫عن الرجال وكان الرجل مهيمنا‪ ،‬لن يحدث مرة أخرى‪ .‬فذلك زمن مختلف‪.‬‬ ‫فإذا حاول أي أحد من احلركة اإلسالمية في أي مكان أن يفعل ذلك فإنه سوف‬ ‫يثير معارضة الناس على الفور وسوف يكون عليه أن يخضع الناس عبر القوة‬ ‫والسجن مثلما فعل اإليرانيون‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬إذن اختطفك األمير الوليد بعدها مباشرة؟‬ ‫ أجل فقد اتصل بي في اليوم نفسه‪.‬‬‫«اجمللة»‪ :‬ماذا كنت ستفعل إذا لم تتلق ذلك العرض؟‬ ‫ كنت سأؤلف كتابا حول أسامة بن الدن وتنظيم القاعدة‪ .‬فقد عايشت‬‫األمر‪ .‬وكل من كتب حول أسامة بن الدن حتدث معي حوله‪ .‬وكنت سأكتب‬ ‫كتابا حول صعود وأفول احلركة اإلسالمية من خالل جتربتي ألنني عايشت‬ ‫األمر وكنت نشطا به‪ .‬وكنت سأكتب كتابا حول التحوالت في اململكة ألننا‬ ‫منر بفترة حتوالت ضخمة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كيف التقيت بابن الدن؟‬ ‫ أنا وأسامة من نفس اجليل‪ .‬ونفس اخللفية تقريبا‪ .‬فقد كنا نشطاء‬‫إسالميني‪ ،‬كنا شبابا يؤمنون مبسؤوليتهم نحو تعزيز اإلسالم وإقامة دولة‬ ‫إسالمية‪ .‬وكنت أعمل كصحافي‪ .‬وفي أحد األيام جاءني شخص ما وسألني‬ ‫إذا ما كنت أرغب في السفر ألفغانستان والكتابة حول اجملاهدين العرب‪ .‬كان‬ ‫ذلك في ‪ .1988‬وبالطبع‪ ،‬اغتنمت الفرصة‪ .‬فقد كان سبقا صحافيا‪ .‬وقد‬ ‫التقيت بأسامة في جدة مباشرة بعد العودة‪ .‬وكان ذلك موضوع الغالف‬ ‫للمجلة‪ .‬وبعدها تطورت عالقتي به‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬متى كانت آخر مرة التقيت به أو حتدثت معه؟‬ ‫ كان ذلك في اخلرطوم عام ‪ ،1995‬ففي ذلك الوقت كان معارضا‪ .‬فكان قد‬‫انقلب على بالده‪ .‬وقد ذهبت بالتنسيق مع عائلته لكي أقنعه بإدانة العنف‬ ‫في اململكة‪ .‬وذلك حتى نحطم اجلليد ونبدأ مصاحلة ميكن أن تدفعه للعودة‬ ‫للسعودية‪ .‬وبالفعل أدان العمليات اإلرهابية في تلك املناقشة التي أجريتها‬ ‫معه‪ ،‬ولكنه رفض أن أنشر ذلك‪ .‬وقد عدت بعدها إلى جدة وكانت تلك هي‬ ‫آخر مرة ألتقي به أو أحتدث إليه‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ماذا كانت معتقداتك عندما كنت ناشطا في احلركة اإلسالمية؟‬ ‫ كنت أقرب إلى اإلخوان املسلمني وكنت أؤمن أن تأسيس نظام إسالمي‬‫سوف يقود إلى العودة للخالفة‪ .‬ولكنني اآلن أؤمن أن ذلك في يد اهلل وحده‪،‬‬ ‫فإذا كان اهلل يريد عودة اخلالفة فسوف يجعلها تعود‪ ،‬وبالتالي فإن األمر ليس‬ ‫حقا من اختصاصي‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ملاذا توصلت إلى تلك القناعة؟‬ ‫ لقد رأيت كيف يتصارع النشطاء والزعماء اإلسالميون‪ ،‬فهم يغتالون‪،‬‬‫ويكذبون مثل غيرهم من رجال السياسة‪ .‬واالستنتاج التالي الذي توصلت‬ ‫إليه هو أن إقامة دولة إسالمية سوف يرغم الناس على قبول اهلل وقبول‬ ‫قانون محدد وممارسات محددة‪ .‬وذلك يخالف احلرية التي يريد اهلل أن نتمتع‬ ‫بها‪ .‬فأنا لن أستمتع أبدا بصلواتي إذا ما كنت مجبرا على الذهاب للجامع‬ ‫للصالة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل كان ذلك تغيرا تدريجيا في أفكارك؟‬ ‫ لقد كانت عملية تدريجية في الثالثينيات من عمري‪ .‬فيمكن أن أقول إنها‬‫بدأت بعد عام ‪ 1992‬عندما بدأ األفغان يقتلون بعضهم البعض بطريقة‬ ‫وحشية للغاية‪ .‬ثم جاءت أحداث اجلزائر واإلخفاق في السودان‪.‬‬ ‫وما زلت أحترم الدين وأعتقد أنه يجب أن يكون هناك دائما دور للدين في‬ ‫حياتنا‪ .‬ودور لإلسالم في حياتنا‪ .‬ولكنني لن أعمل أبدا من أجل إنشاء دولة‬

‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬هل تعتقد أن اإلسالم يواجه صعوبات؟‬ ‫ لم يواجه اإلسالم حتديا مثل الذي يواجه في الوقت الراهن‪ .‬فعلى سبيل‬‫املثال‪ ،‬انظر لعدد الكتب التي تصدر والتي تنتقد أو جتادل أو تنقد احلديث‬ ‫النبوي الشريف‪ .‬فقد أصبحت هذه الكتب متوافرة في كل مكان‪ .‬باإلضافة‬ ‫إلى تطور العلم‪ ،‬فقد نشأنا ونحن نقول إن املسلمني كانوا مشعل احلضارة‬ ‫في التاريخ ولكنني سافرت إلى روما ورأيت كيف كانت روما‪ ،‬فقد كانت أكثر‬ ‫تقدما من بغداد على سبيل املثال‪ .‬ومثل تلك األشياء تؤثر على املسلمني‪.‬‬ ‫ومن أكبر التحديات التي تواجه اإلسالم هي أن الدول اإلسالمية تقع في نهاية‬ ‫أي قائمة للتطور‪ .‬فمستقبل الهند أكثر إشراقا من مستقبل باكستان‪ .‬على‬ ‫من نلقي باللوم؟‬ ‫ومن التحديات األخرى التي تواجه اإلسالم هو تنظيم القاعدة ورد فعلنا‬ ‫جتاهه‪ .‬فلماذا فشلنا في منع العمليات االنتحارية التي تقتلنا في الوقت‬ ‫الراهن؟ لقد أخفقنا‪ .‬ماذا كانت آخر مرة سمعت فيها عن مظاهرة شعبية‬ ‫في باكستان ضد تنظيم القاعدة؟‬ ‫إن األمر مخيف للغاية‪ .‬فلماذا نحن متسامحون كما لو كان ذلك هو اإلسالم‬ ‫الصحيح أو كما لو أننا معجبون بتنظيم القاعدة‪ ،‬يجب أن نزدريهم‪ .‬انظر‬ ‫إلى رد فعل املسلمني جتاه الرسوم الدمناركية‪ ،‬وقارنه برد فعلهم جتاه تنظيم‬ ‫القاعدة‪ .‬لقد كان رد فعلنا جتاه الرسوم أكثر وضوحا من رد فعلنا جتاه‬ ‫تنظيم القاعدة‪ .‬وذلك حت ٍد حقيقي‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬رمبا يكون الغضب جتاه الغربيني أسهل من الغضب جتاه املسلمني؟‬ ‫ ولكن مسلما آخر هو من يشوه اإلسالم؟ ملاذا ال ننظر للتشويه الذي‬‫يتعرض له اإلسالم؟ إذن هناك حتديات حقيقية تواجهنا اآلن‪.‬‬ ‫فاآلن‪ ،‬تكمن قوة السعودية في الطبقة الوسطى‪ ،‬التي تتطلع للحاكم بحثا‬ ‫عن اإللهام‪ ،‬وعن الزعامة‪ .‬وذلك هو ما جعل امللك عبداهلل ذا شعبية واسعة‪،‬‬ ‫ألن الناس ترغب في النضج‪ .‬فهم يرغبون في التخلي عن األفكار العتيقة من‬ ‫دون التخلي عن تراثنا وتقاليدنا‪ .‬فيجب أن نستمر في توقير اآلباء املؤسسني‬ ‫للسعودية‪ ،‬ولكننا يجب أال نعلق في املاضي‪ .‬فما يهم اآلن هو الطبقة‬ ‫الوسطى وقوى اإلنتاج والتعليم وتوفير وظائف للشباب والنساء والرجال‪.‬‬ ‫ولكن مرة أخرى‪ ،‬فعندما نكون في رمضان فإننا نتجادل حول ما إذا كان من‬ ‫املمكن إقامة احتفالية غنائية في العيد‪ .‬فنحن ما زلنا نتجادل حول تلك‬ ‫القضايا غير املهمة التي ميكن حسمها من خالل أنها مسألة اختيار‪ .‬فإذا‬ ‫كنت تريد أن حتضر تلك االحتفالية فلتحضرها‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬على األقل لن يتم فصلك من تلك الوظيفة ألنك عبرت عن آرائك؟‬ ‫‪-‬ذلك ما قاله لي األمير الوليد‪ .‬فقد قال‪« :‬معي ال ميكن فصلك»‪.‬‬

‫حوار أجرته كاريل مورفي‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 10‬يناير ‪2011‬‬

‫‪47‬‬


‫● حوارات‬

‫«العربية» يف مقابل «اجلزيرة»‬ ‫عندما حتدث جمال خاشقجي عن شبكة أخبار تلفزيونية‬ ‫مستقبلية «شيء بني اجلزيرة والعربية»‪ ،‬لم يكن‬ ‫باستطاعته تفادي احلديث الصريح عن املنافسة الشرسة‬ ‫بني أكبر قناتني لألخبار في الشرق األوسط‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫قناة «العربية» التي يقع مقرها في دبي‪ ،‬وقناة «اجلزيرة»‬ ‫القطرية‪ ،‬هما أكثر من مجرد متنافستني في معركة‬ ‫بسيطة من أجل االستحواذ على أكبر عدد من اجلماهير‪.‬‬ ‫حيث تشترك القناتان في التاريخ املعقد‪ ،‬مثلما هو حال‬ ‫املنطقة‪ ،‬احململ باألهمية السياسية‪.‬‬ ‫فقد كانت قناة «اجلزيرة» هي أولى القنوات اإلخبارية التي‬ ‫تبث على الهواء في أواخر ‪ 1996‬وذلك بتمويل من أمير‬ ‫قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني‪ .‬وسرعان ما حصلت‬ ‫القناة على سمعة طيبة في املنطقة وحققت مستوى‬ ‫غير مسبوق من احلرية التحريرية واملقاربات اجلريئة من‬ ‫موضوعات كان ينظر لها من قبل باعتبارها من التابوهات‪.‬‬ ‫وسرعان ما حصلت على قاعدة جماهيرية واسعة وسخط‬ ‫عدد من دول الشرق األوسط التي اعترضت حكوماتها‬ ‫على النبرة احلادة للقناة باإلضافة إلى وجود مصدر بديل‬ ‫لألخبار بدال من التلفزيونات احلكومية‪ .‬وقبل الهجمات‬ ‫على مركز التجارة العاملي ومباني البنتاغون في سبتمبر‬ ‫(أيلول)‪ ،‬كانت الواليات املتحدة حتتفي عالنية بـ«اجلزيرة»‬ ‫نظرا لصوتها املستقل في املنطقة‪ .‬ولكن القناة‪ ،‬بخاصة‬ ‫بعد بدء احلرب في أفغانستان والعراق‪ ،‬أثارت معارضة أكبر‬ ‫للوسائل التي تستخدمها‪ ،‬وتلك املعارضة كانت هذه‬ ‫املرة في الغرب‪ .‬ومن خالل بثها صورا غرافيكية للجنود‬ ‫البريطانيني واألميركيني املقتولني‪ ،‬أصبح ينظر للقناة‬ ‫باعتبارها جزءا من الدعاية‪ ،‬وهو االتهام الذي عادة ما يردده‬

‫التلفزيون في العاشرة أو احلادية عشرة مساء سوف جتد «اجلزيرة» تذيع‬ ‫برنامج «حصاد اليوم» و«العربية» تذيع «آخر ساعة»‪ .‬والبرنامجان‬ ‫متشابهان للغاية‪ .‬فيجب أن نكون مختلفني‪ .‬ال أعرف كيف ولكن يجب أن‬ ‫نكون مختلفني‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل لديك مخاوف تتعلق بالرقابة‪ ..‬وكيف ترى مستقبل‬ ‫الصحافة في السعودية؟‬ ‫ بالطبع سوف يغضبون من ذلك التقرير أو غيره ولكن ذلك ليس مثارا‬‫للقلق بالنسبة لنا‪ ،‬فنحن لدينا خبرة كافية‪ .‬هناك شيئان في ما يتعلق‬ ‫بحرية الصحافة في السعودية‪ .‬أوال قوة التاريخ والتغيرات التكنولوجية‪.‬‬ ‫فالرقابة شيء من املاضي‪ .‬فإذا حاولت إسكات وسائل اإلعالم اخلاصة بك‬ ‫سوف يتجه الناس إلى مكان آخر وسوف تخسر أنت ألن املعلومات متوافرة‬ ‫في تلك األماكن األخرى‪ .‬ويؤمن امللك عبداهلل حقا بضرورة توفير املزيد من‬ ‫احلرية‪ .‬فقد حظيت بشرف االستماع إليه مرات عدة من قبل‪ .‬وكان يكرر‬ ‫دائما «انشر ما تريده‪ ،‬طاملا كان صادقا وطاملا أنك حتققت من املعلومات»‪.‬‬ ‫وقد سمعت أيضا امللك وهو يدعو الوزراء للحديث لوسائل اإلعالم‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫«حتدثوا إلى وسائل اإلعالم‪ ،‬وال تغضبوا من انتقاداتهم»‪ .‬ولكن الوزراء‬ ‫نادرا ما يتحدثون لوسائل اإلعالم‪ .‬فهم يتعاملون مع وسائل اإلعالم بقدر‬ ‫من التعالي‪ ،‬فمن الصعب حقا أن حتصل على حوار مع أحد الوزراء ناهيك‬ ‫عن االتصال به في الثانية مساء الستيضاح أمر ما‪ .‬لقد شاهدت الوزراء‬ ‫البريطانيني وهم يذهبون لـ«بي بي سي» في الثامنة صباحا‪ ،‬عندما كنت‬ ‫أعمل في السفارة وقد أثار ذلك إعجابي حقا‪ .‬فهم يشعرون بأن احلديث‬ ‫‪46‬‬

‫النقاد الذين يعتقدون أن بث العديد من الرسائل التي‬ ‫يلقيها زعماء التمرد العراقي كان يرقى إلى املشاركة في‬ ‫العنف‪ .‬ولكن «اجلزيرة» أصرت على أنها كانت دائما تبث‬ ‫ما يطلق عليه املواد املثيرة للجدل بطريقة موضوعية‬ ‫ومن دون تعليق حتريري‪ .‬وبالتالي ولدت «العربية» في ذلك‬ ‫املناخ اإلعالمي املعادي واحملفوف باخملاطر‪.‬‬ ‫وكان ينظر ملنشئي تلك القناة باعتبارها عالجا للجدال‬ ‫الراديكالي وهستيريا العنف‪ ،‬فإن احملطة ‪ -‬التي ميتلك‬ ‫نسبة منها مركز تلفزيون الشرق األوسط (إم بي سي)‬ ‫ بدأت البث املباشر في مارس (آذار) ‪ .2003‬ومنذ نشأة‬‫القناة كان ينظر إليها باعتبارها ذات نبرة أكثر اعتداال‬ ‫داخل الوسط اإلعالمي العربي‪ .‬وقد أثرت اللغة األكثر‬ ‫حيادية وموضوعية واحلذرة لقناة العربية في الشبكات‬ ‫األخرى بخاصة «اجلزيرة»‪ ،‬على رغم أن الشبكة القطرية‬ ‫ما زالت حتى اآلن الالعب الرئيس في املنطقة من خالل‬ ‫استحواذها على ما يزيد عن ‪ 50‬في املائة من جمهور‬ ‫األخبار الدولية‪.‬‬ ‫وليس مفاجئا أن الشبكتني ما زالتا تثيران اجلدل‪ .‬حيث‬ ‫هناك اتهامات دائمة بأن ممولي كلتا القناتني يستغلون‬ ‫تلك احملطات لتعزيز أجنداتهم السياسية‪ .‬وليست هناك‬ ‫حاجة إال إلى متابعة االضطرابات االجتماعية املستمرة‬ ‫في الشرق األوسط لكي جند أن هناك مجموعة أو أخرى‬ ‫تتهم إحدى القناتني بأنها مشاركة في مؤامرة‪ ،‬بخاصة‬ ‫في ما يتعلق بالدور احملوري الذي لعبته «اجلزيرة» في‬ ‫تغطية السقوط املتتالي لألنظمة في تونس ومصر وما‬ ‫يحدث في ليبيا واليمن وغيرهما‪.‬‬

‫للجمهور البريطاني جزء من مسؤوليتهم‪ .‬ولكن وزراءنا ال يشعرون بالشيء‬ ‫نفسه‪ .‬ويجب أن يتغير ذلك‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل سيستمر سقف حرية الصحافة احلالي في السعودية؟‬ ‫(فترة صمت طويلة)‬ ‫ أجل‪.‬‬‫«اجمللة»‪ :‬ملاذا احتجت إلى ذلك الوقت الطويل لكي جتيب؟‬ ‫ ألن كل شيء ممكن‪ .‬ولكنني أؤمن أن العالم تغير‪ .‬فلم يعد هناك من‬‫لديه احتكار كامل لوسائل اإلعالم‪ .‬ففي الوقت الراهن هناك مصادر بديلة‬ ‫للصحف الست أو الثماني في السعودية‪ .‬وهي مصادر متوافرة على اإلنترنت‬ ‫وتعمل بكفاءة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما السبب الذي دفعك لترك جريدة «الوطن» للمرة الثانية؟‬ ‫ ألن اجلريدة نشرت مقاال يعالج مفهوم الصوفية والسلفية ويبدي احتراما‬‫لألضرحة‪ .‬وبالتالي فقد كان يعالج قضية حساسة نظرا خللفيتنا السلفية‪.‬‬ ‫لم أكن في الصحيفة في ذلك اليوم‪ ،‬وإذا قرأت املقال‪ ،‬لكنت قد منعت نشره‬ ‫على رغم أنني أعتقد أن املقال كان يعكس فقط إحساس الكاتب جتاه تلك‬ ‫القضية فهو لم يكن يدعو لتوقير األضرحة‪.‬‬ ‫إذن ملاذا كنت سأمنع نشره؟ ألن ذلك ليس جداال حيويا‪ .‬وليس مهما بالنسبة‬ ‫لتقدم السعودية‪ .‬فأنا مستعد للمخاطرة في معاجلة قضية مثل السماح‬


‫في حديث لـ«اجمللة» حول اخلطط اجلديدة إلنشاء شبكة إخبارية‪ ،‬ناقش الصحافي السعودي جمال خاشقجي االستراتيجيات‬ ‫التي رمبا تتبناها الشبكة اجلديدة وكيف ميكن أن حتظى بإعجاب اجلمهور باإلضافة للتغيرات الكثيرة التي حتدث في وسائل‬ ‫اإلعالم احلديثة‪ .‬كما تطرق احلوار الذي أجرته كاريل مورفي أيضا لرؤية خاشقجي لإلسالم السياسي من خالل جتربته والدور‬ ‫الذي يجب على وسائل اإلعالم أن تلعبه في ذلك اجلدل‪.‬‬ ‫كاريل مورفي‬

‫يعد جمال خاشقجي (‪ 52‬عاما) املولود في املدينة املنورة واحدا من‬ ‫الصحافيني املرموقني والصرحاء‪ .‬ورمبا يكون خاشقجي‪ ،‬املثير للجدل في‬ ‫بعض األوقات‪ ،‬قد حقق رقما قياسيا دوليا ببقائه أقصر مدة كرئيس للتحرير‪،‬‬ ‫‪ 52‬يوما‪ .‬كان ذلك عندما طلب منه تقدمي استقالته من جريدة «الوطن»‬ ‫في عام ‪ ،2003‬بعدما كتب مقاال انتقد فيه هيئة األمر باملعروف والنهي عن‬ ‫املنكر وضيق أفق بعض الدعاة واملشايخ‪.‬‬ ‫ثم أصبح خاشقجي‪ ،‬احلاصل على البكالوريوس من جامعة والية إنديانا‪،‬‬ ‫مستشارا لألمير تركي الفيصل‪ ،‬فيما كان األمير يعمل سفيرا للمملكة‬ ‫العربية السعودية في لندن وواشنطن‪ .‬وفي عام ‪ ،2007‬عاد خاشقجي إلى‬ ‫السعودية وإلى حبه األول ‪ -‬العمل الصحافي ‪ -‬عندما أعيد تعيينه رئيس‬ ‫حترير لـ«الوطن»‪ .‬وفي مايو (أيار) املاضي‪ ،‬طلب منه مرة أخرى االستقالة‬ ‫بعدما نشرت الصحيفة مقال رأي يتحدث عن توقير األضرحة‬ ‫ومرة أخرى‪ ،‬يقف خاشقجي على قدميه في ظل الوعود باحلصول على وظيفة‬ ‫أكثر إثارة وهي رئيس قناة‪ ،‬تعمل على مدار الـ‪ 24‬ساعة‪ ،‬وهي القناة اإلخبارية‬ ‫التي سينشئها األمير الوليد بن طالل‪ ،‬رجل األعمال السعودي الذي اشتهر‬ ‫بأنه من أغنى أغنياء العالم‪ .‬وسوف تتنافس القناة التي لم يتم تسميتها‬ ‫بعد والتي من املفترض أن يتم إطالقها بعد ‪ 18‬شهرا مع قناتي «اجلزيرة»‬ ‫و«العربية»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من عالقات العمل التي جتمع بني األمير الوليد والقطب اإلعالمي‬ ‫الدولي روبرت مردوخ‪ ،‬الذي متتلك مؤسسته «نيوز كوربوريشن» قناة‬ ‫«فوكس» اإلخبارية‪ ،‬فإن القناة التي يتم العمل على إنشائها حاليا هي‬ ‫ملك بالكامل لألمير الوليد بن طالل‪ ،‬وفقا ملا قاله خاشقجي‪ .‬مضيفا أن‬ ‫القناة اجلديدة سوف حتاول على غرار «فوكس نيوز» اجتذاب اجلماهير‪ .‬وخالل‬ ‫احلوار في مكتبه ببرج اململكة الذي ميتلكه األمير الوليد‪ ،‬وهو أكثر املباني‬ ‫ارتفاعا في الرياض‪ ،‬حتدث خاشقجي حول القناة املقترحة باإلضافة إلى آرائه‬ ‫الشخصية حول اإلسالم السياسي‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما هي اخلطط املعدة للقناة التلفزيونية اجلديدة؟‬ ‫ إنه مشروع األمير الوليد‪ .‬فهو يريد إنشاء قناة تقف بني «اجلزيرة»‬‫و«العربية»‪ ،‬فقد قال‪« :‬أريد أن تصبح القناة ميني (اجلزيرة) ويسار‬ ‫(العربية)»‪ .‬ولكنني سوف أعبر عن ذلك على نحو مختلف‪ .‬سأقول أحب‬ ‫موضوعية العربية ولكنني سوف أضيف قلبا لها‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما الذي يعنيه ذلك على وجه التحديد؟‬ ‫ إنه تكتيك قناة «فوكس» اإلخبارية‪ .‬حيث إن «فوكس» اإلخبارية جتتذب‬‫اجلماهير‪ .‬وعلى الرغم من أن املبالغة أمر خاطئ فإن «فوكس» تبالغ‪ ..‬فهي‬ ‫تتالعب باحلقيقة في بعض األحيان وأحيانا ال تقول سوى نصف احلقيقة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل ستتبع تلك االستراتيجية؟‬ ‫ ال‪ ،‬ولكننا يجب أن يكون لدينا قدر من الوصول للجماهير‪ ،‬ومحاولة فهم ما‬‫يرغبون فيه‪ ،‬وما يرغبون في سماعه‪ ،‬والقضايا التي يرغبون في مناقشتها‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬يرغب العرب دائما في االستماع إلى ‪ -‬ويجب أن يسمعوا‬ ‫حول ‪ -‬فلسطني‪ .‬وبالتالي فسوف نتحدث إليهم حول فلسطني‪ ،‬ولكن ليس‬ ‫بطريقة سلبية‪ .‬ولكنني رمبا أكون مخطئا أيضا‪ .‬حيث سيكون لدينا قسم‬ ‫بالقناة اإلخبارية مختص بدراسة السوق‪ ،‬واجلماهير وبفحص ما يحبه الناس‬ ‫وما يكرهونه ومن يحبونه ومن ال يحبونه‪ .‬واآلن فلتسألني السؤال الصعب‪:‬‬ ‫«كيف ستتعامل أو تغطي اجلدال الدائر اآلن في اململكة العربية السعودية‬ ‫حول السماح للفتيات والنساء بالعمل كـ»كاشيرا»؟‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬حسنا‪ .‬كيف ستغطي اجلدال الدائر حول عمل السيدات‬ ‫«كاشيرا»؟‬ ‫ أريد أن أدعمه‪ ،‬ألنني أعتقد أنه من الصواب أن أفعل ذلك‪ ،‬حتى وإن كنت‬‫أعلم أن ذلك يخالف استراتيجية «فوكس» اإلخبارية من حيث أنني أعلم‬ ‫أن اجلماهير احملافظة للمملكة تعارض ذلك‪ .‬وبالتالي فإن ما سوف نفعله هو‬ ‫شرح حقيقة املوقف وبذل قصارى جهدنا لكي ال جنعلها قضية آيديولوجية‪.‬‬ ‫فهي ليست قضية آيديولوجية‪ .‬بل هي قضية تنموية‪ .‬أمر يتعلق باألعمال‪،‬‬ ‫والتطلع حلياة أفضل‪ ،‬هي قضية اقتصادية‪ .‬فهي ليست مسألة تتعلق‬ ‫باحلالل واحلرام‪ ،‬ولكن احملافظني يرغبون في حتويلها لقضية حالل وحرام‪.‬‬ ‫وأنا أحاول عدم إغضاب أو حتدي احملافظني وسوف أبذل قصارى جهدي لكي‬ ‫أجعلهم أكثر عملية‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل هناك شراكة بني روبرت مردوخ واألمير الوليد في ذلك املشروع‬ ‫التلفزيوني؟‬ ‫ ال‪ ،‬فهو مشروع ملك بالكامل للوليد‪ .‬فمردوخ مشارك في شركة مختلفة‬‫من شركات الوليد‪ ،‬وهي «روتانا» حيث اشترت «نيوز كوربوريشني» ‪ 7‬أو ‪8‬‬ ‫في املائة من الشركة خالل العام املاضي‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬إذن ليس هناك صلة بني «روتانا» والقناة اإلخبارية؟‬ ‫ ال‪ ،‬ليس هناك عالقة على اإلطالق‪ .‬فالقناة اإلخبارية ال تخضع لروتانا‪ ،‬وفي‬‫البداية كان هناك نوع من االلتباس‪ ،‬ولكنني كنت حريصا دائما على نفيه‬ ‫متاما‪ ،‬حول أن القناة ستكون «فوكس» أو قناة تابعة لـ«فوكس»‪ .‬فقد كنا‬ ‫ننفي ذلك باستمرار‪ ،‬وهناك العديد من الناس الذين يرحبون بالفكرة‪ .‬فهم‬ ‫يعتقدون أن هناك حاجة لقناة بني «العربية» و«اجلزيرة»‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كيف يتطور املشروع‪ ،‬وماذا تفعل في الوقت الراهن‪ ،‬وأين سيكون‬ ‫مقر الشبكة؟‬ ‫ نحن نشكل حاليا طاقم العمل‪ ،‬وحتديدا قيادات القناة‪ ،‬ونحاول اختيار‬‫موقع املكتب الرئيس‪ .‬فمن احملتمل أن يكون بدبي‪ ،‬أو أبوظبي‪ ،‬أو الدوحة‪.‬‬ ‫فليس هناك قانون يسمح ببث قناة إخبارية خاصة من الرياض‪ .‬ولكننا‬ ‫سيكون لدينا بالطبع مكاتب في الرياض وجدة والدمام‪ ،‬وأمتنى أن يكون لدينا‬ ‫مكتب في أبها‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ماذا عن طاقم العمل؟ وماذا عن تكلفة اإلنشاء التي يقدمها‬ ‫األمير الوليد؟‬ ‫ نحاول أن نكون حريصني في ما يتعلق بامليزانية‪ ،‬وسيكون طاقم العمل‬‫املبدئي يتكون من ‪ 250‬إلى ‪ .300‬فلن يكون األمر مبثل ميزانية «العربية»‬ ‫أو «اجلزيرة» ولكننا سنكون على نفس املستوى من اجلودة‪ .‬ونحن نخطط‬ ‫إلطالق القناة خالل عام أو عام ونصف العام‪ ،‬فسوف نأخذ الوقت الذي نحتاج‬ ‫إليه حتى نستطيع القيام باألمر على النحو املالئم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل ستقتصر القناة على األخبار؟‬ ‫ أجل‪ ،‬األخبار فقط‪ .‬وسوف نغطي أي شيء يجعل الناس يتجهون ملشاهدة‬‫القناة‪ .‬فإذا جاءني أحد بفكرة برنامج إخباري ترفيهي رمبا أنفذه‪ .‬فأنا منفتح‬ ‫إلى هذا احلد‪ .‬كما أنني مهتم أيضا بفكرة التفاعل‪ ،‬حيث إنني أؤمن بأن‬ ‫عادات مشاهدة التلفزيون سوف تشهد تغيرا سريعا‪ .‬فسوف يتجه الناس‬ ‫ملشاهدة التلفزيون على اآلي باد‪ .‬أتخيل أن جتلس األسرة معا ويشاهد كل‬ ‫فرد من أفرادها ما يريد مشاهدته على اآلي باد اخلاص به‪ .‬فالطريقة التي‬ ‫نشاهد بها التلفزيون سوف تتغير وسوف يتغير تلفزيون األخبار‪ .‬كما أن‬ ‫القنوات اإلخبارية كافة خرجت من عباءة الـ«بي بي سي» ويجب علينا أن‬ ‫نكون مختلفني‪ .‬فيجب أن نتجنب تكرار تلك املبادئ القدمية‪ .‬فعندما تفتح‬ ‫‪45‬‬


‫● حوارات‬

‫عمل املرأة قضية اقتصادية‪..‬‬ ‫ال عالقة لها باحلالل واحلرام‬

‫جمال خاشقجي‪:‬‬

‫القناة اجلديدة‬ ‫على ميني «اجلزيرة»‬ ‫ويسار «العربية»‬

‫‪44‬‬



‫● الوضع البشري‬

‫بني زمنني‬ ‫وفقا لتقرير ‪ 2003‬الذي أصدرته اجلمعية الدولية املستقلة «هيومان‬ ‫رايتس ووتش»‪ ،‬كانت النساء العراقيات في وضع أفضل من وضع‬ ‫النساء في كثير من الدول الشرق أوسطية األخرى قبل حرب اخلليج‬ ‫‪ .1991‬ففي عام ‪ ،1968‬حاول حزب البعث حديث النشأة تعزيز‬ ‫سلطته وحتقيق معدالت منو اقتصادي سريعة‪ .‬وكان نقص العمالة‬ ‫يعني ضرورة مشاركة املرأة في ساحة العمل وبالتالي مت وضع قوانني‬ ‫تسمح بتحسني وضع املرأة في املناحي العامة واخلاصة‪.‬‬ ‫وقبل انقالب ‪ ،1968‬كانت منظمات املرأة تلعب دورا قويا في اجملتمع‬ ‫املدني‪ ،‬ولكن حزب البعث قام بحل معظم تلك اجلماعات املدنية‬ ‫بعد االستحواذ على السلطة وأسس االحتاد العام لنساء العراق‪.‬‬ ‫وقد سمح الدستور العراقي املوقت (‪ )1970‬للمرأة بحق التصويت‬ ‫والتعليم والترشح للمناصب السياسية وحيازة املمتلكات اخلاصة‪.‬‬ ‫كما أعلن أن املواطنني كافة سواء أمام القانون بغض النظر عن‬ ‫اجلنس أو اإلرث أو األصل االجتماعي أو الديني‪.‬‬ ‫وكانت املرأة العراقية من الطبقات املتوسطة والعليا تذهب‬ ‫للجامعة منذ العشرينيات من القرن املاضي‪ .‬ونظرا لألمية في‬ ‫املناطق الريفية‪ ،‬فرضت احلكومة قانونا للتعليم يفرض على جميع‬ ‫العراقيني الذهاب إلى املدارس وإمتام التعليم االبتدائي‪ .‬وفي ديسمبر‬ ‫(كانون األول) ‪ ،1979‬مت مترير تشريع جديد وإلزام األشخاص كافة‬ ‫غير املتعلمني والذين تتراوح أعمارهم بني ‪ 15‬و‪ 45‬بحضور دروس‬ ‫التعليم في مراكز محو األمية والتي كان العديد منها يديره االحتاد‬ ‫العام لنساء العراق‪.‬‬ ‫وقد مت فرض قوانني العمل والتوظيف لضمان حصول املرأة على‬ ‫فرص عمل متساوية في القطاع املدني باإلضافة إلى عالوات اإلجناب‬ ‫والتحرر من التحرش في أماكن العمل‪ .‬ووقفت سياسة تشجيع‬ ‫عمل املرأة ضد الرفض التقليدي للسماح للمرأة بالعمل خارج املنزل‪،‬‬ ‫وقد استطاعت أعداد كبيرة من النساء الحقا‪ ،‬خالل احلرب اإليرانية‬ ‫أطلق البنك الدولي برنامج تدريب وبناء القدرات لسيدات األعمال العراقيات‬ ‫ابتداء من ‪ .2003‬ومت اعتماد هذا البرنامج حسب اقتراح للمساعدة الدولية‬ ‫لسيدات األعمال العراقيات قدمته الدكتورة رجاء حبيب اخلزاعي وهي كانت‬ ‫واحدة من ثالث عضوات في مجلس احلكم االنتقالي وعضوا بعد ذلك في مجلس‬ ‫النواب‪ .‬يقينا ان الشركات الدولية التي تفكر في دخول العراق ميكنها أن‬ ‫تستفيد من تعزيز عالقاتها مع شركات عراقية تديرها النساء‪.‬‬ ‫تتجاوز النساء العراقيات احلدود فى أكثر من مجال ويستعدن فرصا ضاعت‬ ‫طوال ثالثة عقود منيت بويالت احلرب والفوضى‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬تخرجت‬ ‫بجانب ألف رجل أول ‪ 50‬امرأة في سنة ‪ 2009‬من كلية الشرطة برتبة ضابط‪ .‬‬ ‫من املعروف أن رتبة الضابط من املهن األعلى أجرا ً في العراق مع أنها أيضا ً‬ ‫من أخطرها‪ .‬اعترفت النساء في حملة عن اخلريجات نشرت في جريدة نيويورك‬ ‫تاميز بأنهن ك ّن فى البداية خجوالت من التدريب البدني والتعامل مع األسلحة‬ ‫النارية‪ ،‬ولكنهن اآلن «مستعدات ألي شيء»‪ .‬فى الواقع‪ ،‬يشدد العديد منهن‬ ‫على امليزة الواضحة في تدريب النساء كضباط‪ ،‬إذ ميكنهن التعامل مع حاالت‬ ‫ومشكالت مهمة قد ال يستطيع أو ال يريد الرجل التعامل معها‪ .‬التحقت مائة‬ ‫امرأة بالكلية في سنة ‪.2010‬‬ ‫فى نهاية املطاف‪ ،‬تكمن القضية خاصة في استمرار مثل هذه الفرص التي‬ ‫كونتها ومتتعت بها النساء العراقيات‪ ،‬أو عدم استمرارها‪ .‬تظل التوترات في‬ ‫التناقض بني املادة الثانية والرابعة عشرة من الدستور‪ .‬ومع أن درجة التوافق‬ ‫بني حقوق املرأة وبني الشريعة متثل موضوع نقاش‪ ،‬فإن البعض فى حقيقة‬ ‫األمر استخدم الشريعة كمبرر لفرض قيود على حقوق املرأة‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬‬ ‫ستكون الشخصية التي تسعى إلى تبنيها الشريعة فى العراق مهمة للغاية‪ .‬‬ ‫‪42‬‬

‫العراقية (‪ ،)88 - 1980‬احلصول على فرص عمل‪.‬‬ ‫كما مت أيضا عمل تغييرات بسيطة على قانون األحوال الشخصية‬ ‫في ‪ .1978‬فقد مت تغيير قوانني الطالق لصالح املرأة باإلضافة إلى‬ ‫القوانني املتعلقة بتعدد الزوجات وامليراث‪ .‬ومت منح املرأة حق التصويت‬ ‫والترشح عام ‪ 1980‬وفي عام ‪ 1986‬أصبح العراق من أول الدول‬ ‫التي تصدق على معاهدة احلد من أشكال التمييز كافة ضد املرأة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من اإلصالحات‪ ،‬فإن التطبيق التقليدي لقانون األسرة‬ ‫يحد من ضمانة املساواة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن معظم التطور ألوضاع املرأة‬ ‫كان على الصعيد العام‪.‬‬ ‫وفي أعقاب حرب اخلليج ‪ ،1991‬تبنى صدام حسني التقاليد‬ ‫اإلسالمية والقبلية باعتبارها وسيلة سياسية لالستحواذ على‬ ‫السلطة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تراجعت التطورات اإليجابية التي كانت قد‬ ‫حققتها املرأة في اجملتمع العراقي‪ .‬باإلضافة إلى أن العقوبات التي‬ ‫فرضتها األمم املتحدة على العراق بعد احلرب وعجز العائالت العراقية‬ ‫ماديا عن إرسال أطفالهم إلى املدارس كانت تعني أن النساء كن‬ ‫يبقني غالبا في البيت‪ .‬ووفقا لليونسكو‪ ،‬كان نحو ‪ 75‬في املائة من‬ ‫النساء العراقيات متعلمات في عام ‪ ،1987‬ومع ذلك فإن نسبة املرأة‬ ‫املتعلمة في ‪ 2001‬انخفضت إلى أقل من ‪ 25‬في املائة‪.‬‬ ‫كما تأثرت املرأة أيضا مبحاباة احلكومة للجماعات الدينية احملافظة‬ ‫وزعماء القبائل‪ ،‬مما أثر سلبيا على الوضع القانوني للمرأة في سوق‬ ‫العمل ونظام العدالة االجتماعية وقوانني األحوال الشخصية‪.‬‬ ‫ولتوفير فرص العمل للرجال في ذلك االقتصاد املتعثر‪ ،‬دفعت احلكومة‬ ‫باملرأة بعيدا عن سوق العمل‪ .‬ففي يونيو (حزيران) ‪ ،2000‬مت فرض‬ ‫قانون يضع قيودا على عمل املرأة كما مت وضع قيود على سفر املرأة‬ ‫للخارج‪ ،‬ومنع االختالط في املدارس التي كانت مختلطة من قبل‪.‬‬ ‫هل ستكون من ميل معتدل‪ ،‬مثل النظام فى املغرب‪ ،‬أم ستحذو حذو‬ ‫التفسيرات األكثر تشدداً؟‪ ‬يتجسد هذا السؤال في املواقف املتفاوتة لدى‬ ‫الشيعي نْي أولهما آية اهلل علي السيستاني الذي اتخذ بعض‬ ‫الزعيم نْي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫املواقف التقدمية بالنسبة للنساء ولكن تتزايد شيخوخته‪ ،‬وثانيهما‬ ‫مقتدى الصدر املتصاعد فى اجملال السياسي‪ ،‬الذى يلتزم بتفسيرات متجمدة‬ ‫أكثر للشريعة والذي قد ال يتورع عن توسيع دور الدين في شؤون الدولة‬ ‫والشؤون الشخصية على حد سواء‪ .‬هذا السؤال لن يتم تسويته سوى من‬ ‫خالل مناقشات وجداالت طويلة في مجاالت تتطرق إلى التعليم والنظام‬ ‫السياسي واملالبس وغيرها‪ .‬مثالً‪ ،‬رفض وزير التعليم العالي أخيرا ً دعوة‬ ‫للفصل بني اجلنسني في اجلامعات قدمها بعض الزعماء الدينيني‪.‬‬ ‫ستكون أفضل أداة من أجل مساندة النساء العراقيات هي إلقاء الضوء على‬ ‫القضايا املؤثرة على املركز القانوني للمرأة‪ .‬ينبغي على اجملتمع الدولي أن‬ ‫يستثمر في بناء القدرات والتعليم العالي والفرص السياسية واالقتصادية‪ .‬‬ ‫لقد آن األوان لنعترف بأن النساء العراقيات ميكنهن حتويل الصراع إلى توافق‬ ‫مما قد يسفر عن مزايا حميدة ال حتصى‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫*إيزوبل كوملن‪ -‬باحثة في مجلس العالقات اخلارجية بنيو يورك حيث تدير‬ ‫مبادرة « اجملتمع املدني واألسواق والدميقراطية» وهي ايضا مؤلفة كتاب‬ ‫تغير املرأة الشرق األوسط»‪.‬‬ ‫«اجلنة حتت أقدامها‪ :‬كيف ّ‬ ‫*جون تي تشان‪ -‬باحث مساعد فى مجلس العالقات اخلارجية‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 15‬فبراير ‪2011‬‬


‫املرأة العراقية بني التمكني والتهميش‬

‫حقوق ضائعة‬

‫عقّ د ما يوجد بني العلمانيني واإلسالميني من احتكاكات وتصدعات عملية إعادة اإلعمار في العراق في الفترة ما بعد انهيار‬ ‫صدام حسني ونظامه‪ .‬تبلورت هذه التناقضات األيديولوجية على األخص فى الدستور اجلديد الذي مت التصديق عليه عام‬ ‫‪ ،2005‬اذ تضمن مادته الرابعة عشرة احلريات الشخصية واملساواة بني اجلنسني بينما تنص مادته الثانية على أن «اإلسالم‬ ‫دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع» كما يبني أنه «ال يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام اإلسالم»‪.‬‬ ‫إيزوبل كوملن جون تي تشان‬ ‫ال يزال األمر مشوبا بالتوترات فلم تتضح حتى اآلن الوسيلة للمصاحلة بني‬ ‫العلمانيني واإلسالميني‪ .‬جتلت هذه احلقيقة في شهر آذار (مارس) ‪2010‬‬ ‫إثر انتخابات مجلس النواب املتنازع عليها فترسخت خالل عملية تشكيل‬ ‫احلكومة التي طالت ألشهر عدة‪ .‬وعلى رغم حصول زعيم القائمة العراقية‬ ‫إياد عالوي على غالبية األصوات‪ ،‬وان بفارق ضئيل‪ ،‬فقد خابت آماله في تشكيل‬ ‫حكومة على رغم طرحه مشروعا بطبيعة علمانية وبوسعه أن يسد الفجوة‬ ‫بني الطوائف‪ .‬برز عوضا ً عن عالوي رجل الدين الشيعى مقتدى الصدر كصانع‬ ‫للملوك فشكل رئيس الوزراء احلالي نوري املالكي حكومة ائتالفية بفضل التيار‬ ‫الصدري الذى دخل بثقله دعما ً له‪ .‬ومع أن الوضع السياسي استعاد قدرا ً من‬ ‫االستقرار فإن التوترات بني التصورات العلمانية واإلسالمية ملستقبل البلد ال‬ ‫تزال حتدث صدى في العديد من القضايا‪.‬‬ ‫يهم النساء بوجه خاص‪ .‬لقد استفادت النساء‬ ‫«اخلالف» العلماني االسالمي‬ ‫ّ‬ ‫العراقيات على مر السبعينات والثمانينات بقوانني تقدمية عززت مشاركتهن‬ ‫السياسية واالقتصادية‪ ،‬إذ شجع النظام البعثى على تعليم النساء وتوفير‬ ‫فرص عمل لهن‪ .‬وكان البعثيون فوق ذلك مسؤولني عن تأسيس التعليم‬ ‫اإللزامى للبنات فى عام ‪ ،1976‬مما أسفر بحلول أواخر الثمانينات عن واحدة‬ ‫من أعلى معدالت متتع بها بلد عربى من حيث القراءة والكتابة للبنات‪ .‬غير‬ ‫أن كل هذه التطورات جرى التراجع عنها إذ اجته صدام إلى مبادئ اجتماعية‬ ‫أكثر محافظة في عقد التسعينات‪ ،‬باإلضافة إلى تداعيات العقوبات‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ما أدى الى تراجع‪ ‬في ما كانت حتظى به املرأة العراقية‪ .‬ارتفعت‬ ‫معدالت البطالة ارتفاعا كبيرا في وقت انخفضت معدالت القراءة والكتابة‬ ‫إلى حد مأساوي‪ .‬وفى ظل صعود سياسات الهوية الدينية الذى ترتب عن‬ ‫انهيار نظام صدام‪ ،‬رفض عناصر قوية داخل فسيفساء السياسة في العراق‬ ‫اإلطار العلمانى الذى كان أفاد النساء سابقا ً‪.‬‬ ‫الغموض القانوني ال يزال يلوح حول حقوق املرأة‪ .‬جاءت طلقة حتذيرية فى كانون‬ ‫األول (ديسمبر) ‪ 2003‬ملا قام مجلس احلكم االنتقالي العراقي‪ ،‬الذي عني‬ ‫األمريكيون أعضاءه عبر «القرار ‪ »137‬باستبدال قانون األحوال الشخصية‬ ‫السابق بقوانني أساسها الشريعة‪ ،‬مما أطلق لرجال الدين اليد الطولى فى‬ ‫تقرير شؤون األسرة‪ .‬لم يتوصل إلى إلغاء القرار سوى بعد ضغط مارسته‬ ‫اجلماعات النسائية العراقية‪ .‬وعلى أي حال‪ ،‬جنحت األحزاب الدينية فى اإلدالء‬ ‫بدلوها واالعالن عن وجودها وتوجهاتها‪ .‬وعلى رغم املشاركة اجلادة من قبل‬ ‫العلمانيني في انتخابات مجلس النواب عام ‪ ،2010‬فإن عودة مقتدى الصدر‬ ‫فى كانون الثانى (يناير) ‪ 2011‬من منفى طوعي في حوزة قم بإيران قد تدفع‬ ‫العراق نحو اعتناق آراء شخصية إسالمية هي األكثر تصلبا ً وتشددا ً‪ .‬يفتقد‬ ‫التيار الصدرى إلى مقاعد قليلة للحصول على غالبية برملانية‪ .‬وأكثر من‬ ‫ذلك‪ ،‬اضطر حتى إياد عالوى املشهور بوصفه قامة علمانية معتدلة إلى تقدمي‬ ‫بعض «التنازالت» عندما اجتمع مع الصدر في دمشق في متوز (يوليو) ‪ .2010‬‬ ‫احلكومة رمبا تشكلت‪ ،‬بفضل ذلك اللقاء‪ ،‬لكن يبقى النسيج السياسي‬ ‫حساسا ً من أي وقت مضى‪.‬‬ ‫كثيرا ً ما تقع حقوق املرأة في مأزق فى مثل هذه الظروف فتصبح الضحية‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫األولى عندما تتفوق عليها مصالح مادية وطائفية قوية‪ .‬من الواضح أن‬ ‫تقلبات الوضع األمني قد عرضت النساء للخطر‪ .‬انحصرت حريتهن للتنقل‬ ‫كما تراجع دخلهن في اجملال العام تراجعا ً حادا ً‪ .‬وعالوة على ذلك قصر رجال‬ ‫الشرطة فى إيقاف املتطرفني املسلحني الذين قاموا بإرهاب النساء وقتلهن‬ ‫بسبب امتناعهن عن ارتداء احلجاب أو بسبب ظهورهن علنا ً بشكل يُعتبر‬ ‫أكثر من املسموح به شرعا‪ .‬استعادت النساء أصواتهن من جديد في غضون‬ ‫حتسن الوضع األمنى‪ ،‬ولكن تظل أمامهن حتديات هائلة‪ .‬لم يتم حتى اآلن‬ ‫تنفيذ الشرط الدستوري الذى يقضي‪ ‬بتخصيص ‪ 25‬في املئة من املقاعد‬ ‫للنساء فى مجلس النواب‪ ،‬كما أخذ سن الزواج ينخفض ألن الوالدان يصران‬ ‫على أن من مصلحة البنت أن تتزوج في سن مبكر خلوفهما من املستقبل‪ .‬‬ ‫بيد أن النساء العراقيات ك ّن وما زلن يغتنمن الفرص املتاحة لهن‪ .‬شكلن‬ ‫ما ال يقل عن ثلث املرشحني فى انتخابات مجلس النواب فى آذار (مارس)‬ ‫‪ ،2010‬ما ميثل مشاركة غير مسبوقة لهن وحتسنا ً واضحا ً مقارنة بانتخابات‬ ‫‪ .2005‬دحض هذا التطور وجهات نظر تزعم أنه لم يوجد اهتمام كاف أو‬ ‫قدرة كافية من قبل النساء مللء احلصص البرملانية‪ .‬تكون النساء اليوم‬ ‫غالبية فى خمسة جلان برملانية وتوجد جلنتان ترأسهما امرأة وأخرى تتبوأ‬ ‫فيها املرأة منصب نائب رئيس‪ .‬من املالحظ أيضا أن النساء فى مجلس‬ ‫النواب أكثر من الرجال حضورا ً وحتضيرا ً‪ .‬إنهن واقعيات يعترضن عبر‬ ‫حضورهن على األفكار واأليديولوجيات املتجمدة ألن النساء هن األكثر‬ ‫تصويتا ً عبر اللجان احلزبية والطائفية‪ .‬وتعمل النساء إضافة إلى ذلك في‬ ‫جلان تركز على املهمات العملية التي تسهم في إعادة إعمار البلد مبا فيها‬ ‫جلنة التعليم‪ ،‬والعمل والشؤون االجتماعية‪ ،‬وحقوق اإلنسان‪ ،‬واالقتصاد‬ ‫واالستثمار‪ ،‬ومؤسسات اجملتمع املدنى واملرأة واألسرة والطفولة‪.‬‬ ‫تدخل النساء يوما ً بعد يوم فى مجاالت أخرى مثل األعمال واجملتمع‬ ‫املدنى‪ .‬يتم هذا كثيرا ً من خالل الدعم من اجملتمع الدولي‪ .‬تعترف منظمات‬ ‫التنمية الدولية مثل البنك الدولي والوكالة األميركية للتنمية الدولية‬ ‫بالتأثير املتزايد للنساء على القطاع اخلاص واجملتمع ككل‪ .‬تؤكد الوكالة‬ ‫األميركية للتنمية الدولية أنها قدمت ‪ 60‬في املائة من منحها للشركات‬ ‫الصغيرة فى العراق بني ‪ 2003‬و‪ 2006‬إلى شركات تديرها النساء‪ ،‬كما‬

‫قدمت الوكالة األميركية للتنمية الدولية ‪60‬‬ ‫في املائة من منحها للشركات الصغيرة فى‬ ‫العراق بني ‪ 2003‬و‪ 2006‬إلى شركات تديرها‬ ‫النساء‪ ،‬كما أطلق البنك الدولي برنامج تدريب‬ ‫وبناء القدرات لسيدات األعمال العراقيات ابتداء‬ ‫من ‪2003‬‬ ‫‪41‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫لتحويل ذلك إلى حقوق‪.‬‬ ‫ويقود األستاذ حسني فؤاد سندي مدير املشروع في مركز األبحاث‬ ‫السعودي املستقل «األغر» فريقا متخصصا لوضع استراتيجية عملية‬ ‫للمياه في اململكة‪ .‬وقد ظهر على التلفزيون احمللي العام املاضي النتقاد‬ ‫البيروقراطية وسوء إدارة املياه وإهدار العامة لها‪ .‬ولكنه أكد‪« :‬إن‬ ‫امللك عازم على التعامل مع قضية املياه بغض النظر عما يقتضيه‬ ‫ذلك‪ ،‬وأنا شخصيا متأكد من ذلك‪ .‬وعندما أنتهي من العمل سوف‬ ‫أسلم تقريرا تنفيذيا من تلك الدراسة جلاللته»‪.‬‬ ‫ويعد الكويتيون الذين لديهم تقليد عريق من اجلدال السياسي املفتوح‬ ‫والذين عانوا من أسوأ آثار تلوث بترولي خالل حرب اخلليج ‪1991 - 1990‬‬ ‫أكثر صراحة‪ .‬ففي مايو (أيار) املاضي‪ ،‬ذكر أن نحو ‪ 15‬ألف طالب قد‬ ‫نظموا مسيرة ملناهضة االنبعاثات الصناعية في منطقة أم الهيمان‬ ‫بالكويت التي يعتقد أنها تتسبب في السرطان واألمراض التنفسية‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى مظاهرة عامة شارك فيها ‪ 200‬شخص ونظمتها «جلنة‬ ‫حماية البيئة التطوعية احمللية»‪ ،‬وأيدتها جماعة «اخلط األخضر‬ ‫البيئية الكويتية»‪ ،‬وهي منظمة من منظمات العمل املدني غير‬ ‫احلكومية أسسها الصحافي خالد الهاجري في ‪ 2001‬والذي كان دائما‬ ‫يلوم احلكومة ويثير القضايا البيئية في الصحافة الوطنية واإلقليمية‪.‬‬ ‫كما أن االهتمام بالبيئة ليس مدفوعا في معظم األحيان باحلوار العاملي‬ ‫أو بالتغير املناخي أو التنوع احليوي‪ ،‬ولكنه مدفوع باخملاطر الصحية‬ ‫واملالية في الداخل‪ .‬وكما يقول أحد العلماء السعوديني‪« :‬حسنا‪،‬‬ ‫نحتاج إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ولكننا يجب أن نضع‬ ‫املصلحة الوطنية في املقدمة‪ .‬فيجب أن نركز على تقليل أكسيد‬ ‫الكبريت وأكسيد النيتروجني‪ .‬فهل رأيت الصورة امللتقطة باألقمار‬ ‫االصطناعية التي تصور سحابة برتقالية ضخمة على الرياض؟ إن ذلك‬ ‫يتسبب في مشكالت صحية خطيرة»‪.‬‬ ‫كما تزايدت مناقشة تأثيرات التلوث في وسائل اإلعالم باخلليج‪ .‬فوفقا‬ ‫لدراسة أميركية صدرت في أكتوبر (تشرين الثاني) هناك نحو ‪600‬‬ ‫حالة وفاة نظرا للتأثر بتلوث الهواء في اإلمارات عام ‪ ،2007‬باإلضافة‬ ‫إلى تصريح إيران الرسمي في ديسمبر (كانون األول) بأن نحو ‪3600‬‬ ‫شخص ميوتون شهريا من استنشاق الدخان في طهران‪ .‬كما متثل‬ ‫املعاجلة السيئة للصرف أيضا مخاطر على سمعة دول اخلليج األغنى‪.‬‬ ‫ففي عام ‪ ،2009‬ألقي مبياه الصرف الصحي في مصارف املياه مما أسفر‬ ‫عن إغالق منتجع اجلميرة الفاخر‪ .‬وتعد بحيرة سلوى في قطر من‬ ‫األمثلة األخرى على التطور السريع الذي يفوق البنية التحتية‪ .‬فيحذر‬ ‫مارك سوتكليف مدير مشروع اليونسكو في الدوحة‪« :‬إن ذلك يهدد‬ ‫بتلوث البنية التحتية للمياه الوطنية واملنهارة بالفعل»‪.‬‬ ‫وتؤمن بندقجي بقوة باحلركات الشعبية لتعزيز التغير احلقيقي في‬ ‫اجملتمع نحو احلفاظ على البيئة‪ .‬وقد حضرت ورشة عمل عقدها مركز‬ ‫أبحاث قبل منتدى املياه والطاقة السعودي في أكتوبر (تشرين األول)‬ ‫املاضي فتقول‪« :‬لقد قابلت العديد من الوزراء املتحمسني ورؤساء‬ ‫الشركات مثل (فيليبس) و(جي إي) وكانوا يرحبون بتوجيه املزيد من‬ ‫االنتباه والوقت ملثل تلك القضايا‪ .‬وأعتقد أن القادة املتطوعني عليهم‬ ‫دفع الهيئات احلكومية النافذة في ذلك االجتاه»‪.‬‬ ‫كما شهدت على الفور الدور الذي ميكن أن تلعبه اجلمعية البيئية‬ ‫السعودية في التنسيق والتركيز على ما تشعر بأنه حركة ممزقة وضعيفة‬ ‫اإلعداد‪ .‬كما أنها حتب وصف أبو راس للجمعية البيئية الوطنية بأنها‬ ‫«مظلة» للجمعيات غير الرسمية «ما ميكن أن يساعدنا حقا هو‬ ‫أن تقوم اجلمعية البيئية السعودية بوضع قائمة باجلمعيات اخملتلفة‬ ‫واملواقع اإللكترونية وتفاصيل االتصال بها على صفحة واحدة على‬ ‫موقعها اإللكتروني»‪ .‬كما أن وجود «فيس بوك» كجزء كبير من ثقافتنا‬ ‫أمر طيب ألن القضايا واحلمالت تنتشر مبعدالت سريعة عبره»‪ .‬ولكنها‬ ‫حتذر مع ذلك من أن «غالبية املبادرات تعتمد على أفكار غير مكتملة‪.‬‬ ‫وال تقوم أساسا على فهم عميق للسياق احمللي والبيئي‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬احتفل عدد كبير بيوم األرض من خالل زراعة أشجار ليست من‬ ‫‪40‬‬

‫الإلهام الإماراتي‬ ‫يعد توجه اململكة العربية السعودية صوب املسؤولية‬ ‫البيئية والنشاط احمللي املدافع عن البيئة في اململكة‬ ‫العربية السعودية ملهما‪ ،‬ولكن البداية احلقيقة ترجع‬ ‫إلى دولة اإلمارات العربية املتحدة اجملاورة‪ .‬فقد مت إنشاء‬ ‫«مجموعة اإلمارات البيئية» في ‪ 1991‬على يد حبيبة‬ ‫املراشي التي استطاعت من خالل عملها تغيير التوجهات‬ ‫املتأصلة‪.‬‬ ‫وبالفعل استطاعت احلمالت البسيطة جلمع الورق‬ ‫والصفائح املصنوعة من األملنيوم والزجاج والبالستيك‬ ‫في أن تصنع فارقا حقيقيا كما فعلت مراكز التدوير‬ ‫البالغ عددها ‪ 193‬مركزا والتي مت إنشاؤها في جميع‬ ‫أنحاء البالد‪ .‬وبالتركيز على التعليم‪ ،‬ومنذ عام ‪،2001‬‬ ‫استطاعت اجلمعية إقامة ورش عمل بيئية في املدارس‬ ‫التي شجعت على نشر شعبيتها بني طالب اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة‪.‬‬ ‫واليوم ومن خالل إقامة مشروعات على نطاق الدولة مثل‬ ‫حملة املليون شجرة (والتي تعد جزءا من حملة املليار‬ ‫شجرة العاملية‪ ،‬ساعدت اجلمعية على وضع اإلمارات في‬ ‫طليعة احلركات البيئية في دول اخلليج‪.‬‬ ‫وعلى غرار املناطق في العالم كافة‪ ،‬فإن املهمة التي تواجه‬ ‫البيئيني اإلماراتيني شاقة‪ .‬فالهدف الواضح للجمعية‬ ‫«تشجيع اجلماهير على قبول أن كل فرد تقع على عاتقه‬ ‫مسؤولية املساعدة في احلفاظ على البيئة وحمايتها»‪.‬‬ ‫ورمبا يكون القول أسهل من العمل‪ ،‬ولكنه من خالل‬ ‫العمل وااللتزام ‪ -‬املتمثل في مؤسسها‪ ،‬املراشي ‪ -‬ما‬ ‫زالت اجلمعية مصدرا لإللهام اإلقليمي والدولي‪.‬‬ ‫األشجار األصلية للمنطقة‪ .‬ويأتي انهيار تلك املبادرات عندما يدرك‬ ‫الذين قاموا بها أنهم ليس لديهم الوقت الكافي لتثقيف أنفسهم‬ ‫حول احتياجات احلوار احمللي ناهيك عن اجلماهير»‪.‬‬ ‫ويعد التثقيف هو طموح أبو راس في كل مكان‪ .‬فمهمتها هي حتويل‬ ‫اجلمعية البيئية السعودية إلى شركة مستقلة غير ربحية واحلصول‬ ‫على رعاة من القطاع اخلاص باإلضافة إلى احلكومة للتوقيع على‬ ‫استراتيجيتها التي متتد إلى عشر سنوات والتي تهدف إلى تغيير‬ ‫السلوك في البالد‪« ..‬سوف يكون ذلك أول برنامج وطني للوعي‬ ‫بالتنمية املستدامة في العالم العربي وسوف يستخدم العديد من‬ ‫األدوات ولكنه سوف يركز على املدارس ليس فقط لرفع الوعي البيئي‬ ‫ولكن لتغيير عادات ذلك البلد أيضا»‪.‬‬ ‫وكوسيلة لتقدم اجلماعات البيئية الناشئة‪ ،‬حيث احلصول على وضع‬ ‫سياسي قانوني ليس خيارا‪ ،‬تصبح فكرة القطاع االجتماعي اخلاص‬ ‫ذات مغزى‪ .‬فالعديد يسعون وراء إنشاء شركة بدال من املؤسسات‬ ‫اخليرية‪ ،‬وهو يتوافق مع التأييد الديني لألعمال اخليرية التطوعية‬ ‫ودعم احلكومة للتنمية التي يقودها القطاع اخلاص كما أنه يتجنب‬ ‫العداء السياسي الذي تثيره جماعات الضغط أو اجلمعيات املدنية‪.‬‬

‫*غالدا الن ‪ -‬باحثة في الطاقة والتنمية بـ«تشاثام هاوس» (املعهد‬ ‫امللكي للشؤون الدولية) بلندن‪..‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 1‬يناير ‪2011‬‬


‫االستهالك»‪ .‬ولكنه حذر من التشاؤم‪ .‬فيقول‪« :‬في احلقيقة ما تراه‬ ‫في اإلمارات هو نسخة مكثفة للنظام املادي املوجود لدينا في الواليات‬ ‫املتحدة‪ ..‬وامليزة التي لديهم هي اجتاههم نحو الفعل ورأس املال الذي‬ ‫ميكنه دعمهم»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن سحر األنشطة اخلضراء في اإلمارات رمبا يكون‬ ‫قد ألهم جدة‪ ،‬فقد كانت الفيضانات املأساوية في نوفمبر (تشرين‬ ‫الثاني) ‪ 2009‬هي التي حفزت فعليا األنشطة احمللية‪ .‬فقد بدأت‬ ‫إحدى اجملموعات (مواطنة) كجهود تطوعية إلغاثة الضحايا ثم‬ ‫أصبحت نشطة في التنمية البيئية احمللية الحقا مثل العمل على‬ ‫تنظيف الشواطئ ‪ -‬وتشير نظرة سريعة إلى صفحتها على «فيس‬ ‫بوك» إلى أن هناك ‪ 1751‬عضوا بها وأنها عملت كشبكة مبدئية‬ ‫ومنوذج للمجموعات األخرى‪.‬‬

‫وتقول الدكتورة ماجدة أبو راس‪ ،‬عضو مجلس إدارة اجلمعية البيئية‬ ‫السعودية‪ ،‬وهي املؤسسة التي مت إنشاؤها في عام ‪ 2006‬حتت رعاية‬ ‫األمير تركي بن ناصر الرئيس العام لألرصاد وحماية البيئة ورئيس‬ ‫جمعية البيئة السعودية‪« :‬قبل الفيضان‪ ،‬كان هناك اهتمام بالبيئة‬ ‫ولكن لم ينظر إليه أحد باعتباره أولوية‪ .‬وبعد الفيضانات‪ ،‬أصبح‬ ‫الناس أكثر فعالية‪ ،‬فقد شنت اجلمعية البيئية السعودية حملة من‬ ‫‪ 900‬متطوع من العديد من اجلمعيات غير الرسمية للمساعدة في‬ ‫عمليات التنظيف وكان هناك اهتمام أكبر بالعمل على حتسني البيئة‬ ‫احمللية»‪.‬‬ ‫وتقود اجلمعية البيئية السعودية حاليا حملة وطنية للتنظيف‬ ‫بالتعاون مع محافظ جدة و«مؤسسة التراث اخليرية» التابعة لألمير‬ ‫سلطان بن سلمان التي توضح العقوبات املترتبة على إلقاء اخمللفات‬ ‫ولكنها تعمل أيضا على تطوير األحياء الفقيرة‪ .‬فتقول أبو راس‬ ‫املتخصصة في العالج احليوي لتلويث النفط اخلام للتربة الصحراوية‪:‬‬ ‫«كل يوم خميس نذهب إلى إحدى املناطق التاريخية جلدة‪ .‬ومن‬ ‫املشاريع التي بدأناها تشجيع املتطوعني على إعادة تصميم حدائق‬ ‫صغيرة في املناطق املهملة والفقيرة تتفق مع اجلماليات التقليدية‬ ‫وتقدم متنفسا للعائالت الفقيرة»‪.‬‬ ‫معظم املتطوعني من الشباب‪ ،‬من سن الرابعة إلى الثالثني‪ .‬وبالطبع‬ ‫تلتزم اجلمعية البيئية السعودية بالقوانني والتقاليد السعودية في‬ ‫فصل املتطوعني من النساء عن نظرائهم من الرجال خالل األنشطة‪.‬‬ ‫وتضيف‪« :‬ذلك سر جناحنا‪ .‬ألننا نأخذ في اعتبارنا التقاليد والتنمية‬ ‫اجملتمعية باإلضافة إلى البيئية»‪ .‬وباملثل تشعر املراشي باالنبهار من‬ ‫الروح التطوعية في اإلمارات‪ .‬فتقول‪« :‬على سبيل املثال‪ ،‬شهدت آخر‬ ‫حملة للتنظيف في اإلمارات مشاركة ‪ 20‬ألف متطوع في جميع‬ ‫أنحاء البالد الذين جمعوا نحو ‪ 91‬طنا من اخمللفات»‪.‬‬ ‫وتلك احلركات ليست على غرار الفضاء األخضر‪ .‬كما أن الوضع‬ ‫السياسي غامض‪ .‬فأبو راس تصف جمعيات مثل «مواطنة» بأنها‬ ‫ليست منظمات وفقا للقانون السعودي‪ .‬هل ميكننا حتى أن نستخدم‬ ‫مصطلحات مثل جمعية مدنية؟ تعتقد الدكتورة كريس دافيدسون‬ ‫مؤلفة كتاب «أبوظبي‪ :‬البترول وما بعده» أنه بخالف جمعيات‬ ‫اإلمارات «ستجد أنهم يحظون في العادة بتأييد احلكام وأنه من‬ ‫الصعب عليهم أن ينشروا جرائم احلكومة ضد البيئة‪ ..‬وليس مفيدا‬ ‫أن تكون الصحافة من أكثر املؤسسات خضوعا للدولة في املنطقة»‪.‬‬ ‫ويقول بنديك كيمير‪« :‬ال نستطيع احلديث حول حركة مجتمع مدني‬ ‫متماسكة في اإلمارات نظرا للسياسة‪ ،‬وبالتالي فإن األمر صعب‪.‬‬ ‫ولكننا نستطيع أن نرى ثالث مناطق للعمل البيئي في اإلمارات‪ ،‬العمل‬ ‫التطوعي‪ ،‬مبادرات العمل األخضر‪ ،‬ومشاريع الهندسة املستقبلية»‪.‬‬ ‫وحتت الفئة األولى تندرج جماعة «إي إي جي» و«اإلمارات للغوص»‪،‬‬ ‫التي تنظم عمليات تطوعية لتنظيف الشواطئ والشعاب املرجانية‬ ‫واجلهود االجتماعية مثل «تبنى معسكرا» وهي اجلمعية التطوعية‬ ‫التي تساعد على حتسني الظروف الصحية في معسكرات العاملني‬ ‫من جنوب آسيا‪ .‬والثانية متجلية في تشبع وسائل اإلعالم باملزاعم‬ ‫البيئية من قبل قطاع املال واألعمال والتي تتنوع من «الغسيل‬ ‫األخضر» إلى املبادرات اجلدية واالبتكارية للحفاظ على البيئة‪ .‬وثالثا‬ ‫فإن مشروعا مثل «مدينة مصدر» (مدينة مخطط االنتهاء من‬ ‫إنشائها في ‪ )2025‬واملزرعة الشمسية امللحقة بها‪ ،‬لها تأثير على‬ ‫عقول الناس وفقا لبنديك كيمير‪« :‬فهي ترسل رسالة قوية حول نوع‬ ‫احلضارة الذي تتطلع إليها اإلمارات»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من حداثتها ومن عدم وضوح رسائلها اإلعالمية‪ ،‬أفادت‬ ‫املبادرات السعودية من صحافة التحقيقات ومن عدد السكان‬ ‫الكبير احلاصلني على تعليم جامعي‪ .‬وعلى الرغم من أنهم قد‬ ‫نأوا بأنفسهم عن أي صراع مع الدولة‪ ،‬فإن احلوارات غير الرسمية‬ ‫تعكس ازدراء ألسلوب اإلدارة احمللية للبيئة‪ ،‬ومخاوف بشأن االفتقار‬ ‫آلليات احملاسبة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يعبر اجلميع عن أملهم في احلصول على‬ ‫املزيد من تأييد احلكومة الوطنية والشخصيات الرئيسة في اجملتمع‬

‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪39‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫موجة جديدة من حماية البيئة‪ ..‬ال شرقية وال غربية‬

‫من أجل خليج أخضر‬

‫شهدت احلركة البيئية تطورا ملموسا في اخلليج خالل السنوات األخيرة‪ ،‬حيث إن تعرض املوارد للضرر والتلوث‪ ،‬حفز املواطنني‬ ‫على املشاركة في حماية البيئة‪ .‬ولكن نسخة اخلليج من حماية البيئة فريدة وليست مشابهة لنسخة الغرب وإن كانت‬ ‫مستلهمة منها‪ ،‬فقد شكلت السياسة والثقافة احمللية تلك احلركة بطريقة فريدة‪.‬‬ ‫غالدا الن‬ ‫على الرغم من أن قضايا تضرر املوارد والتلوث والتغير املناخي جميعها‬ ‫تساهم في مفاقمة عدم االستقرار وعدم املساواة في اخلليج‪ ،‬فإنها‬ ‫أخفقت حتى اآلن في االستحواذ على انتباه اجلماهير‪ .‬واآلن هناك موجة‬ ‫من املبادرات احمللية حتاول تغيير ذلك‪ .‬وتعد تلك احلركة التي نشأت‬ ‫كرد فعل على املشكالت احمللية وفي العادة كانت تستعني باخلطاب‬ ‫اإلسالمي وتنتشر عبر موقع «فيس بوك»‪ ،‬أحد مميزات اجليل اجلديد في‬ ‫اخلليج ومقاربته التي تتطور بسرعة صوب علم البيئة‪.‬‬ ‫تقول خيرة بندقجي من حركة احلفاظ على البيئة مبدينة جدة الساحلية‬ ‫باململكة العربية السعودية‪« :‬إن األمر ينتشر بجنون»‪ .‬وهو أمر مثير‬ ‫للدهشة في بلد يعرف بعدم وجود اهتمام بيئي لديه‪ .‬واألهم من ذلك أن‬ ‫النساء هن من تقدن تلك احلركة‪ .‬فمن بني ‪ 17‬مجموعة ترى بونداكجي‬ ‫أنها فاعلة في ما يتعلق بالقضايا البيئية‪ ،‬هناك ‪ 15‬مجموعة تتزعمها‬ ‫سيدات‪.‬‬ ‫فقد أسست بندقجي‪ ،‬املتخصصة في علوم الكمبيوتر واملدونة «فسائل‬ ‫النخيل» وهي أول منظمة بيئية إسالمية بجامعة عفت في ‪.2010‬‬ ‫كما أنها تعمل أيضا مع «نقاء»‪ ،‬وهي مؤسسة أنشأها اثنان من طالب‬ ‫التمريض وتطلق على نفسها «قطاع البيئة» الذي يقوده الشباب‪.‬‬ ‫وتركز حمالت «نقاء» التعليمية على الشعار الغربي «احلد من‪ ،‬وإعادة‬ ‫االستخدام‪ ،‬وإعادة التدوير»‪ ،‬باإلضافة إلى االلتزام اإلسالمي باحلفاظ‬ ‫على البيئة‪ ،‬ومفاهيم النقاء وكبح جماح اإلفراط في االستهالك‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تلك األمثلة‪ ،‬ال تزال احلركة البيئية عاملا محدودا يتألف‬ ‫أساسا من الطبقة الوسطى املتعلمة‪ .‬ووفقا لبندقجي‪ ،‬التي عاشت‬ ‫بني الواليات املتحدة ودبي نحو ‪ 11‬عاما‪ ،‬فإن االحتكاك باجملتمعات ذات‬ ‫الوعي البيئي في الغرب وجهود احلفاظ على البيئة في بعض مدن اخلليج‬ ‫األخرى هي العوامل املؤثرة على حركة احلفاظ على البيئة في اخلليج‪.‬‬ ‫فاحلمالت البيئية في اإلمارات موجودة منذ عقد على األقل وجاءت متأثرة‬ ‫مبجتمعات األجانب الكبيرة (ما يزيد عن ‪ 80‬في املائة من السكان)‪.‬‬ ‫فقد أسست املوظفة السابقة باحلكومة حبيبة املراشي «مجموعة‬ ‫اإلمارات البيئية» في ‪ 1991‬وأصبحت بارعة في مناهضة اإلفراط‬ ‫في االستهالك ومشاركة القطاع اخلاص في التنمية املستدامة‪ .‬وقد‬ ‫فتح الصندوق الدولي للحياة البرية أول مكتب له بدولة خليجية في‬ ‫أبوظبي في ‪ ،2001‬حيث أنشأ مشاريع للحفاظ على البيئة وتعقب‬ ‫اآلثار البيئية القوية للمواطنني اإلماراتيني‪.‬‬ ‫كما رفعت أيضا الفعاليات املهمة مثل بينالي الشارقة الدولي للفنون‪،‬‬ ‫الذي بدأه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة‬ ‫والذي كان النمط املميز له في ‪ 2007‬هو الفنون البيئية‪ ،‬الوعي في‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫يقول األستاذ جيرميه بنديك كيمير‪ ،‬احملاضر سابقا في األخالقيات‬ ‫البيئية باجلامعة األميركية بالشارقة‪« :‬عادة ما ينظر الناس في الغرب‬ ‫إلى تلك املبادرات إما باعتبارها قطرة في احمليط في دول تعتمد على‬ ‫صادرات البترول أو باعتبارها محض رياء نظرا للمستويات املرتفعة من‬ ‫‪38‬‬



‫● ثروة األمم‬

‫وتعرف بكني املقارنات احملتملة مع أفريقيا البعيدة‪ .‬بعد بداية‬ ‫املظاهرات في ميدان التحرير وقطع احلكومة جميع خدمات‬ ‫االتصال عن طريق شبكة اإلنترنت‪ ،‬حيث أدركت دور موقعي‬ ‫«تويتر» و«فيس بوك» في حشد الشباب املصري ‪ -‬منعت‬ ‫الصني أيضا جميع عمليات البحث عن كلمات مثل تونس و‬ ‫مصر و "ثورة الياسمني" على شبكات التواصل االجتماعي‬ ‫الشائع استخدامها بني شبابها (سينا ويبو) وهو النسخة‬ ‫الصينية من موقع «تويتر»‪.‬‬ ‫ورمبا ميثل رد فعل الصني على جفاف حدث أخيرا إشارة أخرى‬ ‫إلى أن بكني تتابع األحداث في الشرق األوسط وتشعر بالقلق‬ ‫من االضطراب االجتماعي الذي يسببه الفشل في توفير الغذاء‬ ‫للمواطنني‪.‬‬ ‫أشار إنذار خاص من منظمة األغذية والزراعة التابعة لألمم‬ ‫املتحدة (الفاو) في ‪ 8‬فبراير (شباط)‪ ،‬إلى أن شتاء جافا يكتسح‬ ‫األقاليم الصينية الشمالية سوف يؤثر على اإلنتاج الزراعي‪ ،‬ال‬ ‫سيما في األقاليم املسؤولة عن إنتاج اجلزء األكبر من كميات‬ ‫القمح الذي تستهلكه الصني‪ ،‬باإلضافة إلى أنواع غذاء أخرى‬ ‫أساسية‪.‬‬

‫قال هوانغ‪« :‬هناك توترات بني الدولة واجملتمع في كلتا الدولتني‪.‬‬ ‫ولكن ال يعني وجود هذه التشابهات الهيكلية بالضرورة‬ ‫قيام ثورة ملونة في الصني‪ .‬باإلضافة إلى العناصر الهيكلية‬ ‫السابقة‪ ،‬علينا أن نضع في احلسبان اخليارات التي يتخذها الذين‬ ‫يعانون من القمع‪ ،‬وردود فعل احلكومة‪ ،‬والتفاعل االستراتيجي‬ ‫بني االثنني»‪.‬‬ ‫وتوضح إجراءات بكني األخيرة لتجنب حدوث أزمة غذاء أن الدولة‬ ‫حتسن من وضعها مع الشعب جتنبا لعدم االستقرار‪ ،‬حتى وإن‬ ‫كان ذلك معناه العبث بالطقس‪.‬‬ ‫ويقارن كيمف‪ ،‬مستشهدا بكثير من إجراءات مكافحة الفساد‬ ‫التي اتخذتها الصني في األعوام العديدة املاضية على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬بني احلكومة الصينية ونظام بن علي‪ ،‬الذي كان يسيطر‬ ‫فيه أصدقاء وأقارب العائلة احلاكمة على قدر كبير من األصول‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫وقال‪« :‬يبدو أن النظام الصيني أكثر وضوحا من كليبتوقراطية‬ ‫( نظام حكم اللصوص) بن علي»‪.‬‬

‫* مايكل مارتن‪ :‬صحافي يعمل في «ساوث تشاينا مورننغ‬ ‫وبعد أن مضت ‪ 108‬أيام من دون هطول أي أمطار في بكني ‪ -‬بوست»‪ ،‬أبرز جريدة ناطقة باإلجنليزية في هونغ كونغ‪ .‬ومتخرج‬ ‫وهي أطول مدة منذ ‪ 60‬عاما تقريبا‪ ،‬أوردت وكالة «شينخوا» أن حديثا من كلية الدراسات العليا في الصحافة في جامعة‬ ‫مكتب تعديل الطقس في بكني ضخ يوديد الفضة في السحب كولومبيا‪.‬‬ ‫فوق تسع مقاطعات حتيط بالعاصمة في ‪ 9‬فبراير (شباط)‪.‬‬ ‫وشهدت املنطقة التجارية املركزية في بكني فترة وجيزة من نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 22‬فبراير ‪2011‬‬ ‫سقوط اجلليد حتى ‪ 10‬فبراير‪ .‬وسقط اجلليد لفترة أخرى‬ ‫قصيرة على املدينة في صباح يوم ‪ 12‬فبراير‪.‬‬ ‫وأكد مكتب األرصاد اجلوية في بكني على أنه في احلالة األولى‬ ‫كان هطول اجلليد إلى حد ما بسبب تدخل السلطات‪ ،‬موضحا‬ ‫أن األحوال اجلوية يجب أن تكون قريبة نسبيا من تلك األزمة‬ ‫لسقوط اجلليد الطبيعي قبل إجراء العمليات‪.‬‬ ‫وذكر املكتب في ‪ 10‬فبراير أن العديد من األقاليم املذكورة في‬ ‫إنذار األمم املتحدة مرت بهطول أمطار موقت بعد فترة طويلة من‬ ‫اجلفاف‪ .‬وأكد تقرير وكالة األنباء الفرنسية عن مقاطعة هينان‪،‬‬ ‫أحد أكبر منتجي القمح‪ ،‬تأثرها باجلفاف حيث أفاد مسؤولون‬ ‫محليون أنه مت تنفيذ إجراءات تعديل الطقس‪.‬‬ ‫وميثل إنتاج القمح مأزقا كبيرا للحكومة الصينية‪ .‬وتظهر‬ ‫مخاوف إمداد الغذاء في الصني مع نهاية الثورة املصرية‪ ،‬التي‬ ‫أثارتها أزمة القمح كما فعل حادث االنتحار الذي أقدم عليه‬ ‫الشاب التونسي العاطل‪.‬‬ ‫وعلى عكس الصني‪ ،‬التي تنتج نحو ‪ 95‬في املائة من إجمالي‬ ‫استهالكها الزراعي على مدار األعوام املاضية‪ ،‬كان رد فعل‬ ‫روسيا‪ ،‬املورد األساسي للقمح إلى مصر‪ ،‬على سلسلة من‬ ‫احلرائق واجلفاف هو وقف صادرات القمح إلى مصر حتى‬ ‫ديسمبر (كانون األول) عام ‪ .2010‬وأعلنت الفاو أنه في ما‬ ‫بني شهري يونيو (حزيران) وأغسطس (آب)‪ ،‬تضاعفت أسعار‬ ‫القمح العاملية‪ .‬وتزايدت الضغوط بشدة على سكان يصنفهم‬ ‫البنك الدولي بأن دخلهم «أقل من املتوسط»‪.‬‬

‫امل�ؤ�شر ال�شهري لوحدة �سعر ال�سلع‬

‫‪Source: http://www.indexmundi.com/commodities/?commodity=food-price-index‬‬

‫ن�سب البطالة يف ال�صني‬

‫وبعد قضاء ‪ 30‬عاما في احلكم‪ ،‬ونظام اتسم بفترة ممتدة من‬ ‫الركود ووحشية الشرطة والفساد‪ ،‬يقول احملللون إن الكارثة‬ ‫الطبيعية التي وقعت في روسيا وقلة القمح املتوفر للمصريني‬ ‫هو ما أطاح مببارك في النهاية‪.‬‬ ‫رمبا يثير نقص الغذاء غضب املواطنني الصينيني الذين لم‬ ‫يستفيدوا كثيرا من النمو الصيني السريع‪ ،‬ورمبا تربك الثورتان‬ ‫في شمال أفريقيا احلكومة الصينية‪ .‬ولكن ال توجد حتى اآلن‬ ‫إشارة على أن انتفاضة تونس الهائلة ستمتد إلى الشرق البعيد‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪Source: http://www.tradingeconomics.com/Economics/‬‬



‫● ثروة األمم‬

‫بكني تبحث أزماتها االقتصادية وعينها على تونس ومصر‬

‫الصني متنع الياسمني‬

‫مع ارتفاع نسبة البطالة بني الشباب وظهور شبح أزمة الغذاء في األفق‪ ،‬تبدو الصني ألول وهلة مستعدة للتغيير مثلما‬ ‫كانت تونس عشية ثورة الياسمني‪ .‬الصني تدرك جيدا أوجه التشابه وما ميكن أن يكون‪.‬‬ ‫مايكل مارتن‬ ‫تقول مليكة زيغال‪ ،‬أستاذة الفكر واحلياة اإلسالمية املعاصرة‬ ‫في مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة هارفارد‪« :‬كان‬ ‫محفز الثورة التونسية هو الشعور العميق بإحباط الشباب‪،‬‬ ‫وغياب الفرص االقتصادية»‪ .‬حتمل زيغال اجلنسية الفرنسية‬ ‫وهي من أصل تونسي‪.‬‬ ‫وفي مقارنة مع الصني‪ ،‬تصف زيغال اجلمهورية الشعبية بأنها‬ ‫مكان «يظل فيه االقتصاد متوسعا مبعدل سريع‪ ،‬وذلك على‬ ‫الرغم من كل الصعوبات التي مير بها الشباب»‪.‬‬ ‫وتعليقا على االضطرابات التي حدثت في تونس ووصلت إلى‬ ‫درجة الغليان في بداية شهر يناير (كانون الثاني)‪ ،‬كتب أوليفييه‬ ‫كيمف‪ ،‬األستاذ املتخصص في شؤون الناتو في جامعة العلوم‬ ‫السياسية بباريس‪ ،‬مقاال يقارن فيه بني تونس والصني حتت‬ ‫عنوان‪« :‬تونس‪ ..‬هل تكون نذيرا للصني؟»‪.‬‬ ‫وكانت املالحظة الرئيسة لكيمف‪ ،‬لدى مقارنته بني الدولتني‪،‬‬ ‫هي أن كال من الشعبني التونسي والصيني «متعلم نسبيا‬ ‫ومحبط‪ ،‬بعيدا عن معظم االعتبارات السياسية‪ ،‬بسبب‬ ‫صعوبات في العثور على عمل وقبلها صعوبة االستفادة من‬ ‫النمو اإلجمالي للدولتني على مدار أعوام طويلة»‪.‬‬ ‫كانت الشرارة التي أشعلت االنتفاضات التي قامت في شمال‬ ‫أفريقيا وبعض الدول العربية أخيرا هي إشعال الشاب التونسي‬ ‫محمد البوعزيزي البالغ من العمر ‪ 26‬عاما النار في جسده‬ ‫بسبب البطالة‪ .‬وقعت حوادث سابقة أقل شهرة في أهم شريك‬ ‫جتاري ألفريقيا والشرق األوسط ‪ -‬جمهورية الصني الشعبية‪.‬‬

‫تتزايد البطالة بني خريجي اجلامعات الصينيني‪ ،‬على الرغم من‬ ‫اتخاذ مجموعة من اإلجراءات في األعوام األخيرة لزيادة الوظائف‬ ‫وتشجيع التدريب املهني‪ ،‬وفقا ليانتسونغ هوانغ‪ ،‬احلاصل على‬ ‫الدكتوراه والباحث في مجلس العالقات الدولية‪ ،‬الذي أشار إلى‬ ‫جتاوز معدالت البطالة في الصني عام ‪ 2008‬لنسبة ‪ 12‬في‬ ‫املائة‪ ،‬وأنه في عام ‪ ،2009‬لم يستطع ما يزيد على ‪ 25‬في‬ ‫املائة من خريجي اجلامعات احلصول على وظائف‪.‬‬

‫في نهاية العام املاضي‪ ،‬دفعت البطالة خريجة جامعة تبلغ‬ ‫من العمر ‪ 22‬عاما مقيمة في شمال شرقي الصني إلى القفز وأوضح هوانغ أن هذا النوع من اجملموعات الكبيرة من الشباب‬ ‫من فوق سبعة طوابق لتلقى حتفها‪ ،‬وفقا لصحيفة «بيبولز املتعلم العاطل عن العمل أصبح أداة لالنتفاضات في املاضي‬ ‫القريب في الصني‪.‬‬ ‫ديلي» الصينية‪.‬‬ ‫جذب حادث البوعزيزي االنتباه إلى جزء من العالم يعتبر احملللون‬ ‫الدوليون أن حكامه والصحافة األجنبية غفلوا عنه في السابق‪.‬‬ ‫وما زالت ضحية االنتحار الصينية‪ ،‬التي لم تصل إلى الوعي‬ ‫الدولي على اإلطالق‪ ،‬مجهولة االسم‪.‬‬ ‫ولكن بعد قيام االنتفاضات التي وقعت أخيرا في شمال أفريقيا‪،‬‬ ‫يشير احملللون إلى أوجه تشابه واضحة بني البوعزيزي ونظيرته‬ ‫الصينية‪ .‬يقول احملللون إن بكني تعرف أنه على الرغم من النجاح‬ ‫االقتصادي اإلجمالي املزدهر في الصني‪ ،‬فإن البطالة ‪ -‬بخاصة‬ ‫بني الشباب ‪ -‬ومخاوف تتعلق بالغذاء في اجلمهورية الشعبية‬ ‫تهدد بزعزعة استقرار البالد كما فعلت في تونس ومصر‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫«في الصني كانت بدايات وقيادات حركة الرابع من مايو (أيار)‬ ‫عام ‪ ،1919‬وحركة الرابع من يونيو (حزيران) عام ‪ 1989‬من‬ ‫طالب اجلامعات‪ .‬وفي حني أصبح اجليل اجلديد من الطالب‬ ‫الصينيني أكثر براغماتية وأقل مثالية‪ ،‬من املمكن أن يغذي‬ ‫حتطم آمالهم املادية شعورا قويا بالتهميش واحلرمان‪ ،‬وهو ما‬ ‫قد يؤدي إلى دعوات بإحداث تغيير اجتماعي جذري»‪.‬‬ ‫تقدم الثورتان اللتان اندلعتا اخيرا إمكانية ذات جدوى جملموعة‬ ‫قوية من الشباب احملبط العاطل‪ .‬وقبل الثورتني‪ ،‬وصلت البطالة‬ ‫بني الشباب في تونس إلى نحو ‪ 30‬في املائة‪ ،‬وفي مصر إلى ‪25‬‬ ‫في املائة‪ ،‬وفقا إلحصائيات جهات متعددة‪.‬‬


‫بسالمة الشركة على املدى البعيد‪ ،‬فهم يرغبون في احلصول على الربح‬ ‫الفوري‪ .‬وعندما تبدأ الشركة في االنهيار‪ ،‬ينتقل املساهمون إلى شركة‬ ‫أخرى حتقق عائدات مرتفعة‪ .‬وكلما ارتفعت العائدات التي حتققها الشركة‬ ‫على أسهمها‪ ،‬ارتفعت العالوات التي يحصل عليها التنفيذيون‪ .‬وطاملا كان‬ ‫املساهمون والتنفيذيون يحققون ربحا سهال‪ ،‬ينظر إلى الشركات باعتبارها‬ ‫شركات ناجحة‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬قلصت شركات الطيران األميركية خالل العقد املاضي‬ ‫املساحة اخملصصة للمقاعد والوجبات اجملانية التي تقدمها‪ ،‬وبدأت تتقاضى‬ ‫أجرا على البضائع‪ .‬ومنذ احتكرت اخلطوط اجلوية األميركية الرحالت احمللية‪،‬‬ ‫أصبحت في تنافس حول من يستطيع تقدمي خدمة أكثر رداءة بأسعار‬ ‫منخفضة ويستمر في حتقيق الربح‪.‬‬ ‫ومقارنة باملنافسني العامليني‪ ،‬ال يرغب أحد في السفر على خطوط الطيران‬ ‫األميركية باخلارج‪ .‬ولكن جماعات الضغط أقنعت الكونغرس باملوافقة على‬ ‫«قانون الطيران األميركي»‪ .‬وبالتالي أصبح على املتعهدين الفيدراليني‬ ‫تقدمي رحالت على اخلطوط األميركية ألي شركة متولها احلكومة األميركية‪.‬‬ ‫ومبعنى ما‪ ،‬جنحت جماعات الضغط من أجل اخلطوط اجلوية األميركية في‬ ‫فرض تعريفة من نوع ما على الرحالت التي متولها احلكومة‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فال تعني احلماية احلكومية اجلزئية أن خطوط الطيران األميركية‬ ‫تنافسية في جميع أنحاء العالم أو مزدهرة كنموذج مالي‪.‬‬ ‫وفي أملانيا‪ ،‬تأثرت مصانع السيارات الشهيرة بالعوملة والتنافسية العاملية‪.‬‬ ‫وبدال من التراجع أو تسييل األصول الرأسمالية لتحقيق أقصى ربح في‬ ‫ربع السنة‪ ،‬دعت مصانع السيارات األملانية الجتماع مع املساهمني واحتادات‬ ‫العمال‪ ،‬واملسؤولني احلكوميني وأساتذة اجلامعات وعمد املدن التي تقع بها‬ ‫املصانع وغيرهم‪ .‬فكل هؤالء يرغبون في أن يروا صناعة السيارات األملانية‬ ‫تنافسية ومزدهرة‪ .‬وهو ما يجعلهم «أصحاب حق»‪.‬‬ ‫وقد أخبرت مصانع السيارات اجلميع بأن املصانع كانت البقرة التي يحتاجها‬ ‫االقتصاد األملاني لكي توفر له النقد‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتحمل اجلميع مسؤولية‬ ‫تقدمي تنازالت هنا أو هناك لضمان استمرار تنافسية الصناعة على املستوى‬ ‫العاملي‪ .‬وعندما وافق اجلميع على تقدمي تنازالت‪ ،‬متكنت صناعة السيارات‬ ‫األملانية من احلفاظ على جودتها العالية بأسعار تنافسية‪ .‬وما زالت مصانع‬ ‫السيارات مفتوحة في أملانيا وإلى جانبها استمرت األبحاث والتنمية‬ ‫واملؤسسات التعليمية في تلك املدن األملانية‪.‬‬ ‫إن منوذج املساهمة األميركي واملعروف باسم «أميركا الشركات» كان قد‬ ‫استشرى كالسرطان الذي قضى على كل األبقار التي تدر النقد‪ .‬ولكن‬ ‫االقتصاد األميركي حافظ على بعض العناصر احليوية التي بقيت حتى اآلن‬ ‫مثل السوق االستهالكية الضخمة‪ .‬وال تستطيع تلك السوق البقاء من‬ ‫دون التصنيع الذي يوفر املال للمستهلك‪ .‬ومع ذلك فإن سرطان «أميركا‬ ‫الشركات» ابتكر وسيلة أخرى للبقاء‪ :‬الدين الوطني وبطاقات االئتمان‬ ‫العائلية‪.‬‬ ‫ولكن الدين ال يستطيع االستمرار وحده‪ .‬ففي سبتمبر (أيلول) ‪،2008‬‬ ‫انهارت خدعة الدين‪ .‬وتدخلت احلكومة لتقدمي يد املساعدة ولكن حتى‬ ‫احلكومة ال تستطيع العيش على الدين لألبد‪.‬‬

‫املساهمون أشخاص يشترون أسهما في‬ ‫شركة محددة‪ ،‬وغير مهتمني بسالمة‬ ‫الشركة على املدى البعيد‪ ،‬فهم يرغبون‬ ‫في احلصول على الربح الفوري‪ ،‬وعندما تبدأ‬ ‫الشركة في االنهيار‪ ،‬ينتقل املساهمون إلى‬ ‫شركة أخرى حتقق عائدات مرتفعة‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫الت�ساوي يف احلقوق‬ ‫ألميركا الشركات تاريخ مثير يرتبط على نحو وثيق بنشأة الواليات‬ ‫املتحدة احلديثة‪ .‬واليوم‪ ،‬من الصعب التفكير في الواليات املتحدة‬ ‫األميركية من دون التفكير في هيمنة الشركات الكبرى فيها على‬ ‫السلطة‪ ،‬ولكن تلك الشركات الكبرى لم تهيمن على أميركا إال في‬ ‫القرن العشرين‪.‬‬ ‫ولم تكن الشركات تستطيع حتقيق ذلك التحول من دون احلماية الهائلة‬ ‫التي وفرها لهم تعديل القوانني الذي جاء مع تعديل الدستور األميركي‪.‬‬ ‫ففي ‪ 9‬يوليو (متوز) ‪ ،1868‬وفي حدث رئيس للحقوق املدنية‪ ،‬أعلن‬ ‫التعديل الرابع عشر أن‪:‬‬ ‫« األشخاص املولودون أو الناشئون في الواليات املتحدة واخلاضعون‬ ‫للسلطات القضائية كافة هم مواطنون أميركيون ومواطنون بالواليات‬ ‫التي يعيشون فيها‪ .‬وال يجب أن تصدر أي والية أو تفرض أي قانون من‬ ‫شأنه انتهاك صالحيات أو حصانات املواطنني األميركيني‪ ،‬كما ال يجب‬ ‫أن حترم أي والية أي شخص من احلياة أو احلرية أو حرية امللكية اخلاصة‬ ‫من دون سند قانوني أو حترم أي شخص خاضع لسلطتها القضائية من‬ ‫حماية القانون»‪.‬‬ ‫كان ذلك في األساس رد فعل للتشريعات املوجودة في بعض الواليات‬ ‫اجلنوبية التي كانت تسعى إليجاد ثغرات في القانون بعد إلغاء العبودية‪.‬‬ ‫وقد مت تقدمي التعديل في األساس لضمان املساواة في احلقوق للعبيد‬ ‫احملررين حديثا‪.‬‬ ‫وبنهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬قضت احملكمة العليا بأن الشركات‬ ‫األميركية لها نفس احلقوق واحلماية التي يحصل عليها األفراد وفقا ملا‬ ‫هو مذكور في التعديل الرابع عشر‪ .‬وبالتالي‪ ،‬أصبحت الشركات‪ ،‬من‬ ‫النواحي كافة‪ ،‬شخصا قانونيا‪.‬‬ ‫وما زال ميكن استشعار ذلك التفضيل القانوني حتى اآلن ليس فقط‬ ‫في أميركا ولكن في العالم بأسره‪ .‬فيلخص ناعوم تشومسكي‪ ،‬أستاذ‬ ‫اللغويات مبعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اخملاوف األساسية للوضع‬ ‫القانوني للشركات بأنه‪« :‬مت منح الشركات حقوق األفراد اخمللدين‪.‬‬ ‫لتصبح نوعا خاصا من األفراد‪ .‬أفراد ليس لديهم ضمير أخالقي‪ .‬فهناك‬ ‫نوع خاص من األشخاص الذين يضعهم القانون لكي يصبحوا ذوي‬ ‫أهمية بالنسبة حلملة األسهم فقط‪ .‬وليس ملا يطلق عليهم أصحاب‬ ‫املصالح مثل اجملتمعات أو القوى العاملة»‪.‬‬ ‫إن عالج االقتصاد األميركي يقتضي التخلص من سرطان «أميركا‬ ‫الشركات» من خالل تقليصها إلى حجم أصحاب احلق اآلخرين‪ .‬وقد كان‬ ‫احلد من املغامرات البنكية واالئتمانية ونفوذ قوة جماعات الضغط اخلاصة‬ ‫بالشركات أحد اخلطوات التي اتخذها أوباما في االجتاه الصحيح مع غرس‬ ‫مفهوم أصحاب احلق حتى يجعل من الصعب على «أميركا الشركات»‬ ‫التصنيع باخلارج وإغراق السوق األميركية بتلك املنتجات‪.‬‬ ‫عندما يعود التصنيع األميركي للداخل‪ ،‬سوف تصلح السوق التعليم الذي‬ ‫يولي عناية لالبتكار مثلما كان الوضع في السابق عندما كان املساهمون‬ ‫مسؤولني مثل أي شخص آخر‪.‬‬

‫* حسني عبد احلسني‪ -‬محرّر‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 7‬فبراير ‪2011‬‬ ‫‪33‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫التصدير سبيل الواليات املتحدة للتعافي االقتصادي‬

‫أميركا الشركات‬

‫إذا ما أرادت الواليات املتحدة أن تتجاوز عثرة اقتصادها‪ ،‬يجب على صناع السياسة األميركيني أن يحولوا انتباههم‪ ،‬ليس إلى‬ ‫االبتكار أو إصالح التعليم‪ ،‬ولكن إلى تعزيز منو الصادرات‪ .‬ويتطلب حتويل الواليات املتحدة إلى اقتصاد يعتمد على التصدير‪،‬‬ ‫االبتعاد عن ثقافة «أميركا الشركات» السرطانية وهو ما سوف يحل أيضا العديد من املشكالت التي تواجهها أميركا‪.‬‬ ‫حسني عبد احلسني‬

‫يعد اجلدال حول تعافي أميركا االقتصادي على املدى البعيد جداال مضنيا‪ ،‬إلى الصني التي تعتزم نسخها‪ .‬وعندما تتمكن الصني من تصنيع أولى‬ ‫فاجلمهوريون يرغبون في حكومة أصغر طاملا أنهم ال يديرونها‪ ،‬فيما طائراتها‪ ،‬سوف يسافر األميركيون في طائرات صنعت في الصني‪.‬‬ ‫يرغب الدميقراطيون في احلد من اإلنفاق طاملا أنهم ال يهيمنون على البيت‬ ‫األبيض‪ .‬ويبدو أن كال احلزبني يفتقر لالبتكار‪ .‬فهم يتحدثون في بعض وفي ما يتعلق بالتعليم‪ ،‬يقول كثيرون إن املدارس األميركية تعاني من عيوب‬ ‫األحيان حول االبتكار ويتحدثون في أوقات أخرى حول إصالح التعليم‪ .‬ولكن أساسية‪ .‬فحتى في األماكن التي وفرت فيها احلكومة التمويل الالزم‪ ،‬ما‬ ‫رمبا ما يفتقده الزعماء من كال اجلانبني هو فكرة بسيطة‪ :‬يجب على أميركا زال تصنيف الطالب ضعيفا باملعايير الدولية‪.‬‬ ‫أن تعيد اكتشاف نفسها كاقتصاد يعتمد على التصدير‪ .‬فالتصدير يوفر‬ ‫فرص عمل ويجلب الثروات ألميركا ولألميركيني‪ .‬وفي خطابه لالحتاد‪ ،‬حتدث أليس ذلك محيرا؟ ليس في الواقع‪ .‬فأميركا متأخرة في ما يتعلق بالتصدير‬ ‫الرئيس باراك أوباما حول توفير ‪ 300‬ألف فرصة عمل نظرا للصفقات واالبتكار‪ .‬ويعد التعليم انعكاسا لذلك‪ .‬والسبب بسيط‪ ،‬فقط انظر‬ ‫ألملانيا لكي تدرك سبب استمرار أملانيا ‪ -‬دولة متقدمة ليس لديها عمالة‬ ‫التجارية مع الدول اآلسيوية‪ .‬كما أعرب عن اهتمامه بإصالح التعليم‪.‬‬ ‫رخيصة ‪ -‬كمنافس في التصنيع والتصدير‪ .‬فاألملان أدركوا أنه لكي‬ ‫ويرى اخلبراء ثغرات في حجج كال اجلانبني‪ .‬ففي اتفاقية تصدير ‪ 45‬مليار تستطيع دولة متقدمة أن تستمر في التنافس‪ ،‬يجب عليها استبدال‬ ‫دوالر إلى الصني‪ ،‬يقول العديد من احملللني إن ذلك االرتفاع احملتمل في منوذج املساهمني ‪ shareholder‬بنموذج أصحاب احلق ‪،stakeholder‬‬ ‫الصادرات األميركية يأتي على خلفية نقل أميركا لتكنولوجيا الطائرات فاملساهمون أشخاص يشترون أسهما في شركة محددة‪ ،‬وغير مهتمني‬ ‫‪32‬‬


‫مثيرة للجدل للمادتني ‪ 76‬و‪ ،77‬والتي اعتبرت محاولة إلضفاء‬ ‫شرعية على التوريث‪.‬‬ ‫ولكن من الواضح أن احلكومة لم تستوعب أن إمكانية إكمال‬ ‫جمال مبارك للطريق الذي تنتهي إليه رئاسة أبيه بالنسبة‬ ‫لكثير من الناس هي القشة األخيرة‪ .‬أغلق هذا االحتمال الباب‬ ‫على فرصة لتغيير طبيعة النظام‪ .‬ومن دون أمل في التغيير‪،‬‬ ‫لم يجد الناس وسيلة للتعبير عن إحباطاتهم الناجتة عن‬ ‫أزمات اقتصادية وقمع سياسي‪ .‬كان ذلك واضحا في الزيادة‬ ‫التدريجية لالحتجاجات‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬تلك التي حدثت في‬ ‫احمللة عام ‪ ،2008‬وظهور حركات معارضة مثل ‪ 6‬أبريل ‪ -‬لتصل‬ ‫إلى ذروتها في األحداث االستثنائية التي وقعت هذا العام‪.‬‬ ‫التطلع إلى املستقبل‬ ‫ال شك في أن مصر تشهد حلظة تاريخية‪ .‬لقد دفعت‬ ‫املظاهرات التي بدأت في ‪ 25‬يناير (كانون الثاني) الناس‬ ‫إلى إعادة النظر في صورة مصر في احلاضر واملستقبل‪.‬‬ ‫وتقف أكبر دول الشرق األوسط من حيث عدد السكان اآلن‬ ‫في مفترق طرق‪ .‬وعلى الرغم من وجود مؤشرات على تغيير‬ ‫احلالة املزاجية للشارع املصري في األعوام األخيرة‪ ،‬فإن توقيت‬ ‫هذه املظاهرات وحجمها ورد فعل األطراف اخملتلفة املعنية لم‬ ‫يكن متوقعا‪ .‬ورغم رحيل مبارك‪ ،‬فإن املوقف ما زال متقلبا‪،‬‬ ‫حيث من الصعب التنبؤ بإمكانيات التغيير السياسي‬ ‫وآثار السياسات على املدى القريب‪ .‬ولكن بغض النظر عن‬ ‫التطورات في األسابيع والشهور املقبلة‪ ،‬يجب أن توضع‬ ‫الدروس املستفادة من األعوام الستني املاضية في احلسبان‬ ‫لدى إقامة نظام سياسي يلبي متطلبات الشعب املصري‬ ‫ويجنبه مزيدا من العنف واالضطرابات‪.‬‬ ‫لتحقيق ذلك يجب على احلكومة املصرية أن تتعلم كيفية‬ ‫االتصال بشعبها وليس فرض التغيير عليه سواء كان اقتصاديا‬ ‫أو فكريا أو سياسيا من أعلى إلى أسفل‪ .‬ويعد هذا حتديدا أمرا‬ ‫مهما إذا كان التوجه ال يتعلق باحتياجات البالد بقدر ما يكون‬ ‫اندفاعا نحو تغيير املوروث وإبراز بطولة الرئيس‪ .‬منذ تنحي‬ ‫مبارك حتت ضغط ماليني من املتظاهرين املصريني‪ ،‬تولى اجمللس‬ ‫األعلى للقوات املسلحة السلطة في مصر‪ ،‬وبدأت كتابة تاريخ‬ ‫جديد‪ .‬أصبح من املطلوب اتخاذ ثالث خطوات من أجل حتقيق‬ ‫التقدم في املرحلة املقبلة من أجل وقف الدائرة الالنهائية‬ ‫من األخطاء‪ .‬أوال‪ ،‬احلد من سلطات الرئيس بتعديل الدستور‬ ‫لتقييد عدد الفترات التي ميكن أن يتوالها الرئيس‪ ،‬وإفساح‬ ‫اجملال أمام إمكانية تقدم مرشحني للرئاسة‪ .‬ثانيا‪ ،‬إنهاء حالة‬ ‫الطوارئ‪ ،‬التي تعوق التطلع إلى إقامة دولة مدنية حتكمها‬ ‫سلطة القانون‪ .‬ثالثا‪ ،‬الفصل الواضح للهيئات العسكرية‬ ‫والسياسية التنفيذية‪ ،‬حتى يصبح هناك فصل للسلطات‬ ‫بدال من أن تكون حتت القيادة ذاتها ‪ -‬ورمبا تكون النقطة الثالثة‬ ‫أكبر حت ٍد على املدى البعيد‪.‬‬ ‫من الواضح أنه ستكون هناك حاجة إلى استمرار احلوار‬ ‫الوطني للتقدم مبصر إلى األمام‪ .‬ويجب أن يرجع الرئيس التالي‬ ‫ملصر مصدر شرعيته إلى الشعب بدال من أن يقدم ذاته على‬ ‫أساس بطولته العسكرية أو ريادته في إقامة نظام سياسي‬ ‫جديد‪ .‬هناك نتيجتان مهمتان ملا حدث في مصر قد تؤثران على‬ ‫مستقبل السياسة العربية ككل‪ .‬النتيجة األولى هي رفض‬ ‫منوذج االستقرار مقابل الفوضى‪ ،‬الذي يحكم جميع العالقات‬ ‫الدولية في الشرق األوسط‪ ،‬باإلضافة إلى السياسة الداخلية‬ ‫لعدد من الدول العربية‪ .‬النتيجة الثانية هي تقييد السلطات‬ ‫الرئاسية‪ ،‬وبذلك يصبح مصير كل دولة عربية أقل اعتمادا على‬ ‫شخص الرئيس‪ .‬وعلى الرغم من أن ذلك سيولد الشك على‬ ‫املدى القريب‪ ،‬فإنه على املدى البعيد ستكون هناك إمكانية‬ ‫لتحقيق االستقرار الوطني على قاعدة عريضة‪ ،‬بدال من فرضه‬ ‫من أعلى عن طريق نظام حكم فردي مطلق‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫بعد مرور ثالثني عاما‪ ،‬يستمر عجمي‪ ،‬الذي أصبح باحثا بارزا‬ ‫في أوساط أميركا الشمالية ومستشارا سياسيا للعديد‬ ‫من اإلدارات األميركية‪ ،‬في متابعة الشؤون املصرية عن كثب‬ ‫وبحماس كبير‪ .‬وعلى الرغم من إمكانية معارضتها لفرضياته‬ ‫األولى‪ ،‬تعكس كتابات عجمي احلالية األحداث في مصر‪ ،‬إن‬ ‫لم يكن في الشرق األوسط بأسره‪ .‬ومن بني الـ«جملوكيات»‬ ‫اخلمس املوجودة في الوقت احلالي‪ ،‬خرجت مصر والعراق‪ .‬وفقد‬ ‫الزعيم الليبي معمر القذافي اجلانب الشرقي من بالده بالكامل‬ ‫لصالح الثوار من شعبه‪ .‬ويتعرض الرئيس اليمني علي عبد‬ ‫اهلل صالح لضغوط شديدة من اجلنوب من أجل التنحي‪ .‬ورمبا‬ ‫يأتي الدور على بشار األسد في سورية‪ ،‬حيث كان مصدرا‬ ‫ملفهوم توريث الرئاسة‪ ،‬وهو ما أوحى لسعد الدين إبراهيم‬ ‫بالكتابة عن «اجلملوكية»‪.‬‬ ‫في فبراير (شباط) ‪ ،2011‬كتب عجمي في مقال نشر في‬ ‫«نيوزويك»‪« :‬يقول الواقعيون للعرب إنهم يلعبون بالنار‪ ،‬وإنه‬ ‫خلف أسوار السجن يوجد خطر وفوضى‪ .‬ومن حسن حظهم‬ ‫أن العرب ال يلتفتون لهؤالء الواقعيني‪ ،‬وميكنهم أن يدركوا‬ ‫التعصب نحو التوقعات األدنى الذي يحركهم‪ .‬ينبغي على‬ ‫العرب أن يتوقفوا عن لوم القوى اخلارجية والكفار واملؤامرات‬ ‫األجنبية‪ .‬فهم اآلن يصنعون تاريخهم ويطالبون به»‪.‬‬

‫* إليزابيث إسكندر ‪ -‬باحثة في العالقات الدولية في كلية‬ ‫االقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن‪ .‬وحتمل إسكندر‬ ‫الدكتوراه في السياسة والدراسات الدولية من جامعة‬ ‫كمبريدج‪ .‬وتكتب بانتظام عن السياسة في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫* ميناس منير – صحافي ومترجم وكاتب مقيم بلندن‪ ،‬وهو‬ ‫متخصص في الشؤون املصرية وعلم الالهوت السياسي‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 28‬فبراير ‪2011‬‬

‫الطبيعة املتغرية‬ ‫للد�ستور امل�صري‬ ‫خضع الدستور املصري لسلسلة من التعديالت منذ‬ ‫تأسيسه عام ‪ ،1971‬بعد أن تولى الرئيس أنور السادات‬ ‫الرئاسة‪ .‬وبعد أعوام من القمع السياسي في ظل حكم‬ ‫ناصر‪ ،‬وجد املصريون فترة ارتياح موقت في ظل حكم‬ ‫رئيسهم اجلديد‪ ،‬الذي أسس رسميا نظاما سياسيا‬ ‫من التعددية احلزبية‪ ،‬ليحل محل الصفة األصلية ملصر‬ ‫كدولة اشتراكية اسم دولة دميقراطية‪ ،‬وخضع لنتائج‬ ‫استفتاء شعبي أجري في مايو (أيار) ‪ ،1980‬والذي‬ ‫طلب أن تكون الشريعة اإلسالمية «املصدر الرئيس‬ ‫للتشريع»‪.‬‬ ‫ولكن جاءت التعديالت املثيرة للجدل عام ‪ 2005‬عندما‬ ‫دل مبارك املادتني ‪ 76‬و‪ 77‬لتقيد شروط الترشح‬ ‫ع ّ‬ ‫للرئاسة‪ .‬وفقا للتعديالت‪ ،‬يجب أن يوافق على الترشيح‬ ‫للرئاسة ‪ 250‬عضوا على األقل في البرملان‪ ،‬الذي كان‬ ‫يسيطر عليه باستمرار احلزب الوطني الدميقراطي‬ ‫احلاكم‪ ،‬ويجب أن ينتمي املرشح إلى أحد األحزاب‬ ‫السياسية املعترف بها‪ .‬وأمام هذه املهمة املستحيلة‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى إمكانية مترير مبارك املنصب إلى ابنه‪،‬‬ ‫وجد معظم السياسيني وأحزابهم أنفسهم مقيدين‬ ‫ومكرهني ومجردين من أي سلطة‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫كانت احلكومة األخيرة تعرف باسم حكومة رجال األعمال‪ ،‬ألن‬ ‫معظم أعضائها كانوا من كبار رجال األعمال الذين يخضع‬ ‫بعضهم اآلن لتحقيقات النائب العام في اتهامات باستغالل‬ ‫وظائفهم في احلكومة في بيع أراضي الدولة بأسعار زهيدة‬ ‫إلى شركاتهم اخلاصة‪ .‬وأدى هذا التضارب في املصالح بني‬ ‫الشركات واحلكومة إلى عدم حماية حقوق العمال وإهدار‬ ‫مليارات من اجلنيهات املصرية في مشروعات فاشلة‪ .‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬صرح وزير الري السابق محمد نصر الدين أن‬ ‫الدولة ضخت ‪ 14‬مليار جنيه مصري في مشروع توشكى‬ ‫(في خطة لتوجيه املياه من بحيرة ناصر إلى واحدة من أكثر‬ ‫األراضي املصرية جفافا ألغراض زراعية) من دون أي نتيجة‬ ‫ملحوظة‪.‬‬ ‫األمن واالستقرار‬ ‫لم تكن اجلبهة االقتصادية وحدها هي التي تتطلب استيعاب‬ ‫التغيير املفاجئ واجلذري‪ .‬أجبر املصريون على مواجهة أسئلة‬ ‫تتعلق بالهوية أيضا‪ .‬في حني كانت مصر «القلب النابض»‬ ‫للعالم العربي في عهد ناصر‪ ،‬أصبحت منعزلة بعد التوقيع‬ ‫على معاهدة كامب ديفيد‪ ،‬عندما شاهد املصريون «الزعيم‬ ‫البطل» في ‪ 1973‬يصافح العدو األبدي في عهد ناصر‪:‬‬ ‫إسرائيل‪ .‬وسعيا إلى رسم صورة مالئمة لرئاسته‪ ،‬استخدم‬ ‫مبارك أيضا أوراق اعتماده العسكرية بصفته قائد الطلعة‬ ‫اجلوية األولى في حرب ‪ .1973‬ولدعم هذه الصورة‪ ،‬بدأ في تبني‬ ‫خطاب حول االستقرار واالعتدال‪ ،‬رمبا ألنه تولى الرئاسة في‬ ‫فترة من الفوضى السياسية‪ .‬وبصفته كان نائبا للسادات‪ ،‬كان‬ ‫عليه أن يتعامل مع قيادة دولة مصدومة الغتيال رئيسها عام‬ ‫‪ ،1981‬مع التعامل مع حرب الشوارع ضد اجلماعات اإلسالمية‬ ‫وسياسة اإلقصاء التي كانت تتبعها الدول العربية اجملاورة‪.‬‬ ‫في الداخل‪ ،‬كان االهتمام الرئيس ملبارك هو تهدئة البالد بعد‬ ‫فترة غير مستقرة تلت اغتيال السادات‪ .‬فأعلن حالة الطوارئ‪،‬‬ ‫التي منحته السلطة الكاملة في اعتقال أعضاء اجلماعات‬ ‫اجلهادية املنتشرة في جميع أنحاء مصر‪ .‬وأعادت وزارة الداخلية‬ ‫«قبضتها احلديدية» التي استخدمتها في عهد ناصر‪ ،‬وفتحت‬ ‫معسكرات التعذيب ‪ -‬التي أغلقها سلفه ‪ -‬من جديد حلبس‬ ‫اإلسالميني الذي أفرج عنهم السادات‪ .‬وبعد مرور ثالثني عاما‪،‬‬ ‫ظل مبارك حبيس تلك الفترة من الزمان‪ .‬لم ترفع حالة‬ ‫الطوارئ مطلقا وترسخت الدولة البوليسية‪ ،‬وكذلك استمر‬ ‫احلديث عن رئاسة مبارك كمصدر لالستقرار‪ .‬وتكمن حالة‬ ‫الركود التي استمرت األعوام الثالثني املاضية خلف كثير من‬ ‫اخملاوف املتعلقة فكيف ستبدو مصر ما بعد مبارك – كيف‬ ‫ستستجيب البالد؟‬ ‫في مفارقة‪ ،‬كان منح األولوية لألمن على حساب احلريات‬ ‫االجتماعية والتنمية الدميقراطية هو ما اكتسب به مبارك‬ ‫شعبيته في الغرب‪ .‬كان يعتبر حارسا لالستقرار اإلقليمي بعد‬ ‫أن تخلص من اجلماعات اإلسالمية في التسعينيات‪ ،‬وحافظ‬ ‫على معاهدة السالم مع إسرائيل‪ .‬وفي الوقت ذاته استخدمت‬ ‫حكومة مبارك إسرائيل واجلماعات اإلسالمية‪ ،‬التي ميثلها‬ ‫بصورة كبيرة اإلخوان املسلمون‪ ،‬لتبرير بطش األجهزة األمنية‬ ‫واستمرار حالة الطوارئ‪ .‬ومن جانب آخر‪ُ ،‬سمح جلماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني بأن تظل جزءا من املعادلة السياسية الداخلية‬ ‫من أجل استخدامها دوليا كفزاعة‪ ،‬حيث جتسد البديل‬ ‫الذي سيكون على الغرب مواجهته إذا عجز عن دعمه ودعم‬ ‫حكومته‪ .‬ولكن كان حتقيق األمن من خالل القمع والفساد‬ ‫بدال من السالم واالستقرار الفعليني أحد العوامل الرئيسة‬ ‫التي أدت إلى اندالع مظاهرات يناير (كانون الثاني)‪ ،‬والتي‬ ‫فاجأت العالم واحلكومة املصرية‪.‬‬ ‫التوريث وإشارات أزمة مقبلة‬ ‫نتج عن هذا الشعور الزائف باألمن عجز عن قراءة املؤشرات بأن‬ ‫‪30‬‬

‫«امل�أزق العربي»‬ ‫يعتبر كتاب «املأزق العربي»‪ ،‬وهو أول‬ ‫كتاب ينشر لفؤاد عجمي ‪ -‬وجاء بعد عام‬ ‫واحد فقط من توليه منصب مدير دراسات‬ ‫الشرق األوسط في جامعة جون هوبكنز‬ ‫ عام ‪ ،1980‬مرجعا أصليا في مجال‬‫العلوم السياسية املتعلقة بالشرق‬ ‫األوسط‪ .‬يرجع التقدير الكبير املمنوح‬ ‫للكتاب إلى الدقة األكادميية التي يتناول بها عجمي‬ ‫االستياء السياسي واالجتماعي الذي أصاب العالم‬ ‫العربي بعد ما يسمى بالنكسة ‪ -‬الهزمية العسكرية‬ ‫أمام إسرائيل عام ‪ - 1967‬باإلضافة إلى النصر احملدود‬ ‫عام ‪.1973‬‬ ‫يتناول عجمي أيضا في الكتاب‪ ،‬الذي صدر بعد فترة‬ ‫قصيرة من اإلطاحة بشاه إيران‪ ،‬ظهور األصولية‬ ‫اإلسالمية في الدول العربية‪ ،‬حيث أرجع قوة هذا الصعود‬ ‫إلى حد كبير إلى عجز الفكر السياسي العلماني‪.‬‬ ‫وأشار احملللون إلى أن مفهوم األزمة الشاملة‪ ،‬التي‬ ‫تغطي كثيرا من الدول اخملتلفة في العالم العربي‪ ،‬تثير‬ ‫املشكالت‪ .‬وكما هو احلال مع وضع عجمي كأميركي‬ ‫من أصول عربية‪ ،‬مما يجعله في مأزق شخصي‪ ،‬هناك‬ ‫محاولة للتقليل من أهمية التأثير الدولي على أزمة‬ ‫الشرق األوسط‪ .‬هو أيضا ضحية ملفارقة طريفة‪ ،‬حيث‬ ‫إن اسمه «عجمي» أي «غير عربي»‪.‬‬ ‫ولكن وضع تشريح عجمي للتاريخ الفكري في عمله‬ ‫األول أساسا ملشوار أكادميي المع‪ .‬يكتب عجمي الذي‬ ‫ألف كثيرا من الكتب وحاز جائزة منحة ماكآرثر الرفيعة‬ ‫باستمرار محلال للسياسة الدولية في صحف ودوريات‬ ‫ذات شهرة عاملية‪ .‬ويبقى في النهاية «املأزق العربي»‬ ‫متحديا للزمن‪ ،‬حيث يعتبر دليال ال غنى عنه إلى سياسة‬ ‫الشرق األوسط ألي دارس جاد للمنطقة‪.‬‬ ‫الشارع املصري لن يظل سلبيا‪ .‬ومع التدهور الواضح لصحة‬ ‫مبارك‪ ،‬تزايد اهتمام احملللني املصريني وقطاع عريض من الشعب‬ ‫املصري بأمر خليفته‪ .‬وكان اإلجماع على أن جمال مبارك قد‬ ‫«يرث» الرئاسة عن والده‪ .‬وفي موضوع نشر في «اجمللة» في‬ ‫يوليو (متوز) عام ‪ - 2000‬أدى إلى حظر «اجمللة» في مصر ‪-‬‬ ‫اصطلح سعد الدين إبراهيم كلمة «جملوكية» في إشارة‬ ‫إلى حتول النظام املصري إلى ملكية جديدة‪ ،‬في حني ما زال‬ ‫الدستور ينص على أنه جمهوري‪ .‬وكانت عملية مشابهة‬ ‫جتري في سورية في ذلك الوقت بعد تنفيذ تعديل دستوري من‬ ‫أجل تسليم السلطة إلى بشار بن حافظ األسد‪.‬‬ ‫وفي مصر‪ ،‬لعبت آلة الدعاية احلكومية بورقة االستقرار‬ ‫وحاولت متهيد الطريق للخالفة بتصوير جمال مبارك على أنه‬ ‫الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يحافظ على استقرار نظام‬ ‫والده‪ .‬وفي تلفزيون «اجلزيرة» في ‪ 2‬فبراير (شباط)‪ ،‬كشف‬ ‫محمد صبرة ‪ -‬املدير السابق ملكتب مبارك ملدة ‪ 18‬عاما ‪-‬‬ ‫عن تفاصيل خطة توريث جمال مبارك‪ .‬عندما كان صبرة في‬ ‫منصبه‪ ،‬طلب منه تقدمي التقارير الرئاسية اليومية إلى جمال‪.‬‬ ‫وفجأة أصبح ابن الرئيس ‪ -‬الذي كان يعمل في بنك أوف أميركا‬ ‫فرع لندن في ذلك الوقت ‪ -‬رئيسا للجنة السياسات في احلزب‬ ‫الوطني الدميقراطي‪ .‬ثم دعا والده إلى تعديالت دستورية‬


‫الفقراء واألغنياء كنتيجة مباشرة لالنفتاح‪ .‬وميكن أن‬ ‫يرجع السبب في اندالع انتفاضة اخلبز عام ‪ – 1977‬حيث‬ ‫حدثت اضطرابات مدنية وصفها السادات بـ«انتفاضة‬ ‫احلرامية» – أيضا إلى هذا التغير السريع واجلذري في‬ ‫السياسة‪ .‬ويوضح استخدام السادات ملصطلحات أكثر‬ ‫مالءمة لفترة اإلقطاع في املاضي عدم وجود صلة بني‬ ‫السادات والشعب املصري‪ .‬وكانت املظاهرات التي قام‬ ‫بها الشباب في العام احلالي أكبر مظاهرات تشهدها‬ ‫مصر منذ عام ‪ ،1977‬ومرة أخرى‪ ،‬ظهر الرئيس‪ ،‬مبارك‬ ‫في هذه املرة‪ ،‬ليبدو مندهشا من مطالبة املتظاهرين له‬ ‫با لر حيل ‪.‬‬

‫مبا سماه االشتراكية العربية‪ ،‬بداية من االقتصاد‪ .‬لقد أمم‬ ‫مؤسسات اقتصادية كبرى مهمة‪ ،‬مثل قناة السويس‪ ،‬لينقل‬ ‫إدارتها إلى يد احلكومة‪ .‬وبصفته رئيسا لدولة احلزب الواحد‪،‬‬ ‫وقطاع إعالمي مؤمم‪ ،‬ومنوذج للتدخل االقتصادي‪ ،‬حافظ ناصر‬ ‫على حكمه الفردي املطلق‪ .‬وباإلضافة إلى هذه السيادة الرمزية‬ ‫واالقتصادية والسياسية كانت له سلطة على اجليش بحكم‬ ‫خلفيته العسكرية ودوره في ثورة الضباط األحرار ومشاركة‬ ‫ضباط في اجليش في حكومته‪.‬‬ ‫وبعد نحو ‪ 20‬عاما من هذه السيطرة وامليل املتزايد نحو‬ ‫احملسوبية‪ ،‬أصبح القطاع العام املصري غير عملي وغير فعال‪.‬‬ ‫وأصيب املشهد االقتصادي والسياسي بالهزال حتى حلت‬ ‫األزمة بوفاة ناصر‪ .‬حل خليفته السادات االحتاد االشتراكي‪،‬‬ ‫ثم بعد حرب ‪ 1973‬مع إسرائيل‪ ،‬حقق مجدا كافيا ليصبح‬ ‫قائدا عسكريا بطال يستطيع أن يستبدل بالنموذج االقتصادي‬ ‫االشتراكي الذي تبناه ناصر منوذجا رأسماليا فجأة‪ .‬وفي‬ ‫اندفاعه نحو حتقيق هذا التغيير ومتييز ميراثه عن ميراث ناصر‪،‬‬ ‫فشل السادات في وضع العوامل االجتماعية والسياسية في‬ ‫االعتبار عند تطبيقه لسياسة االنفتاح من دون أي أساس‬ ‫اجتماعي أو اقتصادي مالئم‪.‬‬

‫شهدت رئاسة مبارك مزيدا من التحول في السياسة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وكانت أبرز سماته اخلصخصة‪ ،‬ليغلق الدائرة بعد‬ ‫املبادرات التي أطلقها ناصر‪ .‬وأصبحت الثروة مركزة في يد‬ ‫قلة من املستثمرين أصحاب العالقات مع الدائرة املقربة من‬ ‫احلكومة‪ .‬ولم يصلح مبارك الضرر الذي تسببت به التغييرات‬ ‫املفاجئة التي قام بها من سبقه‪ ،‬وتفاقمت املشكالت بإدخال‬ ‫رجال األعمال في احلكومة‪ ،‬واحلزب الوطني الدميقراطي‪ .‬ولعل‬ ‫أشهر مثال على ذلك هو أحمد عز‪ ،‬ملك احلديد‪ ،‬الذي كان أمينا‬ ‫لتنظيم احلزب الوطني الدميقراطي حتى بداية شهر فبراير‬ ‫(شباط)‪.‬‬

‫وظهر الفساد حيث ألغيت الرقابة‪ ،‬واتسعت الفجوة بني‬ ‫‪Images © iStockphoto‬‬

‫اجلمهورية امللكية‪:‬‬ ‫رئي�س برتبة ملك‬ ‫في يوليو (متوز) ‪،2000‬‬ ‫دعا عبد الرحمن الراشد‪،‬‬ ‫رئيس حترير «اجمللة»‬ ‫الصادرة باللغة العربية‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬سعد‬ ‫الدين إبراهيم‪ ،‬الناشط‬ ‫واملفكر املصري‪ ،‬إلى‬ ‫عن‬ ‫موضوع‬ ‫كتابة‬ ‫السيناريوهات احملتملة‬ ‫لتوريث الرئاسة في‬ ‫جمهوريات عربية كبرى‪.‬‬ ‫الحظ إبراهيم‪ ،‬لدى‬ ‫تناوله اجتاهات القيادة‬ ‫السياسية في العالم‬ ‫العربي‪ ،‬أن ثمة منطا سائدا بني اجلمهوريات العربية‪،‬‬ ‫وهو مفهوم أطلق عليه «جملوكية»‪ ،‬حيث يرث األبناء‬ ‫سلطة احلكم من آبائهم في الدول اجلمهورية‪.‬‬ ‫ذهب إبراهيم إلى احلديث عن مضامني اجلملوكية في‬ ‫خمس دول عربية‪ ،‬من بينها مصر‪ ،‬حيث مت حظر املوضوع‬ ‫بعد نشره‪ .‬وفي اليوم التالي‪ ،‬ذكر إبراهيم أن ‪ 200‬رجل‬ ‫شرطة أحاطوا مبنزله واعتقلوه واصطحبوه إلى مكان‬ ‫غير معلوم‪ .‬اعتبرت األفكار التي عبر عنها في مقاله‬ ‫تهديدا لنظام مبارك‪ ،‬الذي كان في ذلك الوقت ممتدا‬ ‫لعشرين عاما‪ .‬أما اليوم‪ ،‬يتهدد اجلملوكيات العربية‬ ‫االنتقالية االنهيار في الوقت الذي نشاهد فيه انتفاضات‬ ‫شعبية من تونس إلى اليمن‪.‬‬

‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪29‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫اضطرابات الشرق األوسط ومستقبل اجلمهورية العربية‬

‫املأزق العربي‬

‫تطرح االضطرابات الشعبية التي حدثت في الشرق األوسط أسئلة خطيرة حول مستقبل املنطقة‪ .‬تواجه احلكومات‬ ‫العربية‪ ،‬غير القادرة على منع موجة من االنتفاضات‪ ،‬قرارات صعبة لها آثار بعيدة املدى على االستقرار وتوازن القوى وحياة‬ ‫اجملتمعات العربية من تونس إلى البحرين‪.‬‬ ‫اليزابيت اسكندر وميناس منير‬ ‫في كتابه «املأزق العربي»‪ ،‬قال األستاذ فؤاد عجمي إن سياسة‬ ‫الدول العربية ما بني عامي ‪ 1967‬و‪ 1981‬كانت حبيسة‬ ‫صيغة االستقرار مقابل الفوضى‪ .‬ووصف كيف استخدم‬ ‫التهديد بعدم االستقرار واإلرهاب اإلسالمي واإلمبريالية‬ ‫الغربية كأدوات لدعم احلكومات العربية الفردية املطلقة‪.‬‬ ‫وبدا الكتاب الذي نشر مع صعود حسني مبارك إلى منصب‬ ‫الرئاسة في مصر متعلقا باألحداث بعد مرور ‪ 30‬عاما عندما‬ ‫بدأ الشعب املصري يطالبه بالتنحي‪ .‬وفي لقاء مع شبكة «إيه‬ ‫بي سي» التلفزيونية األميركية‪ ،‬ردا على قيام املظاهرات ضده‬ ‫وضد نظامه‪ ،‬قال مبارك إنه أراد االستقالة ولكنه ال يستطيع‬ ‫«خوفا على سقوط البالد في الفوضى»‪ .‬وفي تبريره‪ ،‬حذر‬ ‫مبارك من استيالء جماعة اإلخوان املسلمني على احلكم في‬ ‫مصر‪ ،‬مستخدما التهديد اإلسالمي كفزاعة لالحتفاظ بتأييد‬ ‫الغرب‪ .‬وبذلك اتخذ موقفا مبقاومة التغيير‪ ،‬وشجع إسرائيل‬ ‫على الضغط على أميركا لتأييد نظامه الضعيف‪ ،‬وتطلع إلى‬ ‫إذعان الشعب املصري‪.‬‬ ‫أتاح اخلوف‪ ،‬وبخاصة األميركي‪ ،‬من عدم استقرار مصر فرصة‬ ‫ملبارك لكي يقيم دولة بوليسية حتمل مظاهر زائفة لإلصالح‬ ‫الدميقراطي‪ .‬وكان عدم وجود دميقراطية حقيقية يعني أنه‬ ‫ال ميكن خضوع احلكومة ورئيسها للمحاسبة أمام الشعب‪.‬‬ ‫وهكذا لم يكن النظام محتاجا مطلقا إلى االستماع إلى‬ ‫مطالب املصريني أو تلبية االحتياجات االجتماعية املتغيرة‪.‬‬ ‫وعندما جاء مبارك بعد أنور السادات‪ ،‬حاول الرئيس اجلديد أن‬ ‫يبدأ صفحة جديدة‪ ،‬ولكن ‪ -‬كما يقول عجمي في كتابه ‪ -‬لم‬ ‫يسرف مبارك «في هجوم شامل على ما تركه السادات‪ .‬وعلى‬ ‫أي حال‪ ،‬السادات هو من اختاره وأتى به من القوات اجلوية إلى‬ ‫اجملال السياسي»‪.‬‬ ‫املصريون اليوم أكثر انفتاحا على األفكار متعددة الثقافات‬ ‫وأكثر اتصاال بالعالم اخلارجي عبر وسائل اإلعالم احلديثة‪.‬‬ ‫إنه جيل جديد لم يعرف سوى نظام سياسي واحد فقط في‬ ‫الداخل‪ ،‬في حني ميكنه رؤية مناذج مختلفة في أنحاء أخرى عبر‬ ‫اإلنترنت‪ .‬قام الشباب بدور محوري في االحتجاجات احلالية‪،‬‬ ‫ولكن لم متلك حكومة مبارك التي تشكلت في عصر آخر‬ ‫القدرة على تلبية تطلعاتهم إلى التغيير والتقدم‪.‬‬ ‫يحتاج هؤالء الذين يريدون دفع مصر إلى األمام من دون رئيس‬ ‫حكمها ملدة ‪ 30‬عاما أن يغيروا النظام الراسخ الذي تركه‬ ‫خلفه‪ .‬ميكن أن يعتبر نظام مبارك التطور الطبيعي لنظام‬ ‫أقيم منذ ثورة الضباط األحرار عام ‪ ،1952‬عندما حل محل‬ ‫امللكية نوع آخر من احلكم الفردي املطلق‪ ،‬حكم عسكري‬ ‫حتيط بزعيمه هالة من البطولة‪ .‬لذلك يجب أن تأتي أي‬ ‫استراتيجية لدفع مصر نحو التقدم في فترة ما بعد مبارك في‬ ‫‪28‬‬

‫ضوء املوروثات االقتصادية والعسكرية والسياسية املتشابكة‬ ‫للغاية في مصر بعد ثورة ‪.1952‬‬ ‫فصام اقتصادي وعقدة البطل‬ ‫على الرغم من أن جمال عبد الناصر لم يكن الرئيس األول ملصر‬ ‫بعد عام ‪ ،1952‬فإنه أصبح الزعيم الرمزي للثورة املصرية‪.‬‬ ‫وبعد أن حقق هذه املكانة‪ ،‬بدأ ناصر في تطبيق مبادئه اخلاصة‬ ‫صورة حلسني مبارك وعلي عبداهلل صالح‬ ‫والراحلني امللك حسني وصدام حسني في‬ ‫االسكندرية العام ‪1989‬‬


‫‪Image © Getty Images‬‬

‫األميركية حتليال لشخصيات أهم احلكام املستبدين في العالم‪ .‬أعلن‬ ‫بوست‪ ،‬الذي يدرّس حاليا في جامعة جورج واشنطن‪ ،‬أخيرا عن رأيه‬ ‫في القذافي لقناة «بي بي سي»‪ .‬قال بوست‪« :‬ال يستطيع القذافي‬ ‫استيعاب فكرة أن شعبه احلبيب من املمكن أن يثور ضده»‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا الرأي بأن الزعيم الليبي متوهم كلية ال يضع في اعتباره جوهر‬ ‫االستبداد املتناقض‪.‬‬ ‫كانت سلطة القذافي على الدوام راسخة في التوهم بوجود تأييد‬ ‫شعبي له‪ ،‬بل ووالء ال يفنى‪ .‬أشار املراقبون للتطور السياسي للقذافي‬ ‫ومشروعه السياسي الفريد الذي نفذه في ليبيا‪ ،‬إلى تطور معقد‬ ‫لفكره الذي جتدر مقارنته بنظريات جان جاك روسو‪ .‬توجد تكهنات‬ ‫حول ما إذا كان القذافي متأثرا بصورة مباشرة بروسو‪ ،‬ولكن تتشابه‬ ‫جتربة «اجلماهيرية»‪ ،‬التي حولت البالد بأسرها إلى أمة مفترض أنها‬ ‫ذات دميقراطية مباشرة والتي عبر عنها على صفحات كتابه األخضر‬ ‫الشهير‪ ،‬في نقاط غير قابلة للبس مع أفكار الفيلسوف الفرنسي‪.‬‬ ‫يؤيد وجود مثل هذا االهتمام السياسي القوي‪ ،‬وإن لم يكن مترابطا‪،‬‬ ‫من جانب القذافي‪ ،‬فكرة أنه على الرغم من غرابة أطواره الواضحة‬ ‫(ارتداؤه الدائم لنظارة شمسية ومجموعة من النساء للحراسة‬ ‫ومن الشقراوات للتمريض) إال أن هناك منهجا ملا يهذي به من أفكار‪.‬‬ ‫تشير إحدى النظريات إلى أن اإلفراط في متثيل الرجال األقوياء‬ ‫سياسيا في الشرق األوسط يخضع لعوامل ثقافية في املنطقة‬ ‫تشجع على النرجسية في السلطة‪ .‬يقال إن خصائص القومية‬ ‫العربية‪ ،‬التي كان القذافي من أشد مؤيديها‪ ،‬تدعم على نحو خاص‬ ‫صورة األب الكاريزمية‪ .‬ولكن يُنظر إلى جتربة القذافي السياسية في‬ ‫ليبيا على أنها ظاهرة الرجل القوي وليست ظاهرة ثقافية‪ .‬وتساهم‬ ‫األوضاع الفريدة في ليبيا والتطبيق الفردي لفكرة اجلماهيرية في‬ ‫ظهور القذافي كشخصية واهمة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫السمة العملية اخلطيرة في اجلماهيرية الليبية هي حقيقة أنها‬ ‫محت بالفعل جميع صور التمثيل السياسي وفي النهاية متركز‬ ‫النفوذ السياسي في يد زعيم اجلماهيرية العربية الليبية الشعبية‬ ‫االشتراكية العظمى «األخ قائد ثورة الفاحت من سبتمبر العظيم»‪،‬‬ ‫وهو اللقب الذي اتخذه القذافي لنفسه عام ‪ .1979‬رمبا يبدو اللقب‬ ‫منافيا للبديهة‪ ،‬ولكن جعل محو البنية التحتية السياسية للبالد‬ ‫من األسهل على القذافي حكمها‪ .‬وعلى الرغم من أن منصبه‬ ‫الرسمي مجرد قائد رمزي – مما يضع في االعتبار تشبيهه لذاته أخيرا‬ ‫بامللكة إليزابيث الثانية ‪ -‬فإنه أيضا ال توجد حكومة أو معارضة‪،‬‬ ‫مجرد شبكة فضفاضة عاجزة من «اللجان الشعبية واللجان‬ ‫الثورية»‪ .‬ومن أجل البقاء على رأس السلطة يستطيع الزعيم‬ ‫املقدس أن يفعل ببساطة ما كان يفعله ‪ -‬حتى وقت قريب ‪ -‬وأن‬ ‫يرسم حوله هالة من اخلوف مع ظهوره املهيب‪ ،‬اعتمادا على قوة‬ ‫جبرية موجودة باستمرار‪.‬‬ ‫احلقيقة املروعة هي أن الشعب الليبي يحب زعيمه بالفعل حتى‬ ‫املوت‪ ،‬ألن القذافي وضعهم في موقف أصبح فيه اخلياران الوحيدان‬ ‫املتاحان هما احلب أو املوت‪ .‬وليس من املرجح على اإلطالق أن ينتهي‬ ‫االضطراب احلالي في البالد ‪ -‬والذي يبدو وقت كتابة هذا املوضوع‬ ‫متجها نحو حرب أهلية ‪ -‬بإقامة منظمة ملا يشبه نظاما عادال أو‬ ‫منضبطا‪ ،‬بفضل جهود األعوام األربعني األخيرة حملو أي معارضة قوية‪.‬‬ ‫ومن غير املرجح أيضا أن يرحل القذافي بهدوء‪ ،‬بعد أن استغرق بصورة‬ ‫كاملة في تقديس شخصيته لدرجة أنه في النهاية أصبح يجسد‬ ‫دوره حقيقة‪.‬‬

‫*مايكل وايتنغ‪ -‬محرّر‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 11‬مارس ‪2011‬‬ ‫‪27‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫معمر القذافي‪..‬األخ قائد الثورة قاهر اجلماهير‬

‫حب حتى املوت‬

‫في الوقت الذي توشك فيه ليبيا على الوقوع في حرب أهلية‪ ،‬تزداد صعوبة جتاهل شخصية معمر القذافي غير املستقرة‪.‬‬ ‫يدور النقاش حول ما إذا كان الزعيم الليبي واهما حقيق ًة أم أنه يؤدي دورا متهورا يفتقد إلى احلس األخالقي إلطالة أمد قيادته‪.‬‬ ‫األمر املؤكد هو أن جتربته السياسية في ليبيا جعلت االنتقال املنظم إلى نظام عادل أمرا مستحيال فعليا‪.‬‬ ‫مايكل وايتنغ‬ ‫في أواخر الستينات‪ ،‬أنشأت وكالة االستخبارات املركزية األميركية‬ ‫(سي آي إيه) مركزا لدراسة الشخصية والسلوك السياسي‪ .‬ومت‬ ‫تكليف قسم جديد بإعداد بيانات لنفسية الزعماء في العالم‪،‬‬ ‫أصدقاء وأعداء الواليات املتحدة‪ ،‬من أجل تقدمي تقييم دقيق لكيفية‬ ‫تصرف الشخصيات املؤثرة في مواقف معينة‪ .‬ومن الواضح أنه كانت‬ ‫هناك ميزة كبيرة في توقع سلوك القادة األجانب‪ ،‬ولكن التخصص‬ ‫املعروف اآلن بعلم النفس السياسي لم يثبت مصداقية دقيقة في‬ ‫الفترة احلالية‪.‬‬ ‫من املرجح أن الزعيم الليبي معمر القذافي الذي يشتهر بغرابة‬ ‫أطواره كان خاضعا لعملية جمع بيانات سرية في «سي آي إيه»‬ ‫أثناء فترة حكمه املمتدة في محاولة لتوقع تصرفاته‪ .‬وعلى مدار‬ ‫األعوام األربعني املاضية‪ ،‬قام القذافي بتصرفات غريبة‪ ،‬مما عزز من‬ ‫شهرته بأنه غريب األطوار‪ .‬وبعد أن وصفه الرئيس رونالد ريغان بأنه‬ ‫«الكلب اجملنون في الشرق األوسط»‪ ،‬اشتهر القذافي‪ ،‬في الغرب‬ ‫على األقل‪ ،‬بإصراره على عقد جميع االجتماعات الدبلوماسية رفيعة‬ ‫املستوى في خيمة بدوية ‪ -‬وفي إحدى املقابالت رفع نعل حذائه في‬ ‫مواجهة توني بلير عندما كان رئيسا لوزراء بريطانيا ‪ -‬واختياره غير‬ ‫املفهوم ألزيائه‪ ،‬الذي جعل من السهل تصويره كشخصية فكاهية‪.‬‬ ‫ولكن هناك أكثر من السلوك الظاهري الغريب الذي تراه العني‪ ،‬فعلى‬ ‫سبيل املثال تعد اخليمة وسيلة القذافي إلعطاء انطباع عن أصوله‬ ‫القبلية‪ ،‬مثلما يقصد من األزياء التي يرتديها إظهار مكانته كزعيم‬ ‫للشعب‪ .‬في األسابيع األخيرة‪ ،‬منذ أن أصبحت ليبيا أحدث دولة تقع‬ ‫فريسة ملوجة من االحتجاجات الشعبية التي جتتاح الشرق األوسط‬ ‫وشمال أفريقيا‪ ،‬ظهر سلوك القذافي أكثر غرابة ‪ -‬ويتضح ذلك‬ ‫مبشاهدة اللقطات التي يظهر فيها على شاشة التلفزيون الليبي‬ ‫ممسكا مبظلة وهو يجلس في ما يشبه عربة مالعب الغولف ‪ -‬ولكنه‬ ‫في احلقيقة يتماشى مع طريقته القدمية منذ وصوله إلى السلطة‪.‬‬ ‫كان الصحافي اخملضرم محمد حسنني هيكل‪ ،‬الذي يشتهر بقربه من‬ ‫جمال عبد الناصر‪ ،‬من بني العديد من احملللني لشؤون السياسة في‬ ‫الشرق األوسط الذين قدموا فكرة السياسي كممثل‪ .‬كان ناصر ‪-‬‬ ‫مثل خليفته الرئيس املصري أنور السادات ‪ -‬خطيبا بارعا وكان دائما‬ ‫يقدم نفسه بصورة شديدة الدقة‪ ،‬علما بأن صورته وقوة شخصيته‬ ‫كانتا أداتني ثمينتني في احلفاظ على السلطة‪.‬‬ ‫ويعرف العقيد القذافي‪ ،‬الذي يعترف بأنه تلميذ لناصر‪ ،‬قيمة األداء‪.‬‬ ‫وكما يفعل كثير ممن يسمون أنفسهم بزعماء األمم‪ ،‬يتسم القذافي‬ ‫بشخصية معقدة وأنسب وصف لهذا النوع من السلطة التي تعتمد‬ ‫على تقديس الشخصية ‪ -‬واملستعار من مناذج مريبة مثل ستالني‬ ‫وأخيرا صدام حسني ‪ -‬هو الكاريزمية‪ .‬في الواقع‪ ،‬يشير طول بقاء‬ ‫القذافي إلى أن خطابه الالحق للثورة يرمز إلى جميع الطموحات‬ ‫املميزة للزعيم املقدس ‪ -‬على سبيل املثال توحيد الشعب خلف‬ ‫التزام مشترك بوالء ال ينتهي ‪ -‬بل وأيضا إلى براعته في األسلوب‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫وبهذا ترسخ االستقرار النسبي في ليبيا على مدار األعوام األربعني‬ ‫املاضية على جناح جتسيد القذافي للسلطة الشرعية في البالد‪ .‬إنه‬ ‫قائد اجملتمع السياسي في ليبيا ومحور اجملتمع السياسي الليبي في‬ ‫الوقت ذاته‪ ،‬وهو ما حققه بفضل قوة شخصيته‪ ،‬ليبث كال من اخلوف‬ ‫والثقة في قلوب الليبيني‪.‬‬ ‫اخلوف هو الكلمة األساسية هنا‪ ،‬يلخص التهديد املتعجرف بالعقوبة‬ ‫العاجلة سلطة القذافي‪ .‬وتوضح القصة احلقيقية لهشام مطر‪،‬‬ ‫الروائي الليبي‪ ،‬اإلرهاب الذي ميارسه نظام القذافي‪ .‬أمضى مطر‪،‬‬ ‫الذي كان النظام يعتبر والده منشقا‪ ،‬فترة دراسته في أوروبا يعاني‬ ‫من مشاعر االضطهاد‪ ،‬لدرجة أنه لم يستطع أن يفصح عن هويته‬ ‫ألقرب أصدقائه‪ ،‬حيث كان صبيا ليبيا من أسرة موالية للقذافي‪.‬‬ ‫يشوب قصته املأسوية املؤثرة‪ ،‬املنطق الهزلي امللتوي‪ ،‬االستبداد‪،‬‬ ‫حيث يصبح من الضروري أن يقول املرء شيئا ما ويفعل اآلخر من أجل‬ ‫البقاء‪ ،‬وهذا األداء إجباري على جميع املمثلني املشاركني‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬أدلى القذافي املمثل بأحدث تصريحاته التي ظهرت‬ ‫بعيدا متاما عن الواقع في ما يتعلق باالضطرابات املنتشرة في بالده‪.‬‬ ‫لقد ذهب إلى درجة اإلصرار على القول‪« :‬إن كل شعبي يحبني‪ .‬وإنه‬ ‫مستعد للموت من أجلي»‪ .‬وذلك على الرغم من التقارير اإلخبارية‬ ‫التي تشير إلى االستعانة مبرتزقة أجانب لتخويف وقتل املتمردين‬ ‫املعارضني للقذافي‪ ،‬مما يشير إلى تناقض عرضي في شخصيته‪.‬‬ ‫انتهزت مندوبة الواليات املتحدة لدى مجلس األمن سوزان رايس‬ ‫الفرصة لوصف الزعيم الليبي بأنه «متوهم وغير كفء للقيادة»‪.‬‬ ‫رمبا حقا يكون غير كفء للقيادة‪ ،‬ولكن لعله أكثر توهما مما كان عليه‬ ‫قبل ‪ 40‬عاما ماضية‪ ،‬وحتديدا في عام ‪ 1969‬عندما قاد ضابط اجليش‬ ‫الذي يبلغ من العمر ‪ 27‬عاما انقالبا لإلطاحة مبلك ليبيا الراحل‬ ‫إدريس‪ .‬وبعد االنقالب بفترة وجيزة‪ ،‬والذي لم يكن له أدنى صلة بأي‬ ‫نوع من االنتفاضة الشعبية‪ ،‬ألقى القذافي رئيس مجلس قيادة‬ ‫الثورة املعني حديثا البيان التالي‪« :‬إن هذه الثورة شعبية‪ ..‬بعيدة كل‬ ‫البعد عن أن تكون انقالبا عسكريا‪ ..‬الشعب هو املعلم‪ ،‬الشعب هو‬ ‫الرائد‪ ،‬الشعب هو الذي ألهم القوات املسلحة‪ ،‬والشعب هو احلاكم‬ ‫والسيد وملك امللوك»‪.‬‬ ‫تؤدي النرجسية األكيدة لزعيم يتمتع بكاريزما‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫التنازل عن األخالق‪ ،‬إلى افتراض متكرر بنوع من عدم االتزان العقلي‪.‬‬ ‫بالطبع يحتل أي دكتاتور موقعا ال يتاح لطبيب النفس الوصول إليه‪،‬‬ ‫ولكن حاول جيرولد بوست‪ ،‬املدير املؤسس ملركز دراسة الشخصية‬ ‫والسلوك السياسي‪ ،‬حل مشكلة الوصول إلى الشخصية‪ .‬جمع‬ ‫بوست تقييمات نفسية سرية جملموعة كاملة من الشخصيات‬ ‫السياسية القوية في النصف الثاني من القرن العشرين بتحليل‬ ‫ظهورهم العلني وحاور شخصيات كانت على اتصال بها‪ .‬ويؤكد‬ ‫بوست أن البعد عن الشخصية يجعل من املمكن رسم صورة‬ ‫غير متحيزة‪ ،‬وبهذه الطريقة‪ ،‬على مدار ‪ 20‬عاما‪ ،‬قدم للحكومة‬


‫وكان على إدارة أوباما أن تقدم حجة مقنعة‪ ،‬بعيدا عن املظاهر اخلارجية‪ ،‬ملا‬ ‫تتوقعه حتديدا من تعيينها للسفير‪ .‬وحتى اآلن تقف اإلدارة في موقف مؤسف‬ ‫غير مقنع‪ ،‬حيث أوضحت أن التعيني مهم من أجل توصيل رسائل وطلبات‬ ‫واشنطن إلى السوريني بصورة فاعلة‪ ،‬للتأكيد على املصالح األميركية في‬ ‫دمشق‪ .‬وكما أشار بعض احملللني املطلعني على الشؤون السورية‪ ،‬من املرجح‬ ‫أن ميضي فورد فترة خدمته في «تسليم رسائل دبلوماسية» بشأن سياسات‬ ‫سورية السلبية‪.‬‬ ‫بعيدا عن ضعف هذا املنطق‪ ،‬حيث إن الواليات املتحدة وضحت موقفها مرارا‬ ‫وتكرارا للقيادة السورية‪ ،‬فإن هذا الضعف يزداد إذا اعتبرنا أن اإلدارة لم حتدد‬ ‫بوضوح ثمن استمرار عدم االلتزام السوري‪ .‬وباختزال السياسة جتاه سورية إلى‬ ‫خطاب أجوف‪ ،‬تخاطر اإلدارة األميركية بأن تظهر في صورة غير منطقية‪ ،‬مما‬ ‫يسمح لألسد بتجاهلها من دون تداعيات جادة‪.‬‬ ‫ويفتقد اجلدية ذاتها ادعاء السفارة األميركية في دمشق بأن تعيني فورد «ميثل‬ ‫خطوة أميركية ملموسة في محاولة إليجاد مصالح مشتركة بني سورية‬ ‫والواليات املتحدة»‪ .‬ومن الواضح لألسف أنها خطوة غير مجدية‪ .‬ويبني االطالع‬ ‫السريع على الرسائل الدبلوماسية األميركية املسربة أخيرا سبب عدم جدواها‪.‬‬ ‫في ثالث قضايا رئيسة متنازع فيها ‪ -‬النقل غير املشروع لألسلحة إلى حزب‬ ‫اهلل‪ ،‬وعدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية‪ ،‬وإيقاف شبكات‬ ‫البعثيني العراقيني واملقاتلني األجانب املستقرين في سورية ‪ -‬توضح الرسائل‬ ‫الدبلوماسية ضعف احتمال حدوث تغيير كبير في تصرفات األسد‪.‬‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬أوصلت بالفعل وزارة اخلارجية األميركية رسالة دبلوماسية‬ ‫من وزيرة اخلارجية هيالري كلينتون إلى السوريني بشأن تهريبهم صواريخ‬ ‫بالستية إلى حزب اهلل‪ .‬وأنكر السوريون قيامهم بهذا الفعل‪ ،‬وجتاهلوا‬ ‫الرسالة‪ ،‬واستمروا في نقل األسلحة‪ .‬ويضعف ذلك من حجة االحتياج إلى‬ ‫تواصل أفضل‪ ،‬بل ويعني عدم الرد األميركي القوي أنه سيتم جتاهل شكاوى‬ ‫فورد املستقبلية‪.‬‬ ‫وتستمر دمشق أيضا في منع وصول وكالة الطاقة الذرية إلى منشآتها‪ .‬وفي‬ ‫حني تهدد الواليات املتحدة بإجراء حتقيق خاص‪ ،‬متتنع الوكالة الدولية عن اللجوء‬ ‫إلى هذا اخليار‪ .‬ومن جديد تتحدى سورية العالم‪ ،‬وال تدفع ثمنا لفعلها‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للعراق‪ ،‬تظهر إحدى الرسائل الدبلوماسية‪ ،‬املكتوبة بعد زيارة‬ ‫قام بها منسق جهود مكافحة اإلرهاب دانيال بنجامني إلى دمشق‪ ،‬عدم جدية‬ ‫سورية باإلضافة إلى ازدرائها للواليات املتحدة‪ ،‬وهو ما اتضح من ضعف أداء‬ ‫بنجامني أثناء االجتماعات التي أجراها‪ .‬ووضعت سورية عددا من املطالب التي‬ ‫أرادت تنفيذها أوال‪ ،‬بينما ظل اجلانب الذي تتحمله في االتفاق مبهما ومؤجال إلى‬ ‫املستقبل وقيد مزيد من الشروط‪.‬‬ ‫ولكن لم تفرض عليها إدارة أوباما دفع ثمن هذا االزدراء املتعالي للمصالح‬ ‫األميركية‪ .‬بل ولم تفكر حتى في تغيير موقفها بعد االستفزازات التي وقعت‬ ‫أخيرا في لبنان‪ .‬وبدال من ذلك‪ ،‬استمرت في تكرار ‪ -‬على ما يبدو لذاتها قبل أي‬ ‫شخص آخر ‪ -‬أنه ال يجب اعتبار التعيني مكافأة لدمشق‪.‬‬ ‫ولكن ال يصبح األمر صحيحا جملرد أن اإلدارة تقول إنه كذلك‪ .‬عندما أطاحت‬ ‫سورية وأصدقاؤها بحلفاء أميركا في لبنان واستعاد األسد العالقات‬ ‫الدبلوماسية في املقابل‪ ،‬أصبح دفاع اإلدارة الضعيف أجوف‪ .‬واألسوأ من ذلك‬ ‫هو أن واشنطن‪ ،‬التي ال تدعم مطالبها بردود فعل واضحة على عدم االلتزام‪،‬‬ ‫تغامر بالظهور في موقف ضعيف خطير‪.‬‬ ‫لذلك بعد كل ما قيل‪ ،‬امليزة الوحيدة في قرار التعيني غير احلكيم هو أنه ملدة‬ ‫عام واحد فقط‪ .‬ولكن بخالف ذلك‪ ،‬ال ميكن أن تنجح سياسة خارجية أميركية‬ ‫تفتقد إلى رؤية قاعدة معاقبة األعداء ومكافأة احللفاء‪.‬‬

‫توني بدران ‪ -‬كبير الباحثني في مؤسسة الدفاع عن الدميقراطيات‪.‬‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 14‬فبراير ‪2011‬‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫القائمة ال�سوداء‬ ‫يندرج اسم سورية على القائمة األميركية للدول التي ترعى اإلرهاب‬ ‫منذ عام ‪ .1979‬تنوعت العالقات بني الدولتني ما بني الهزل مع صر ّ‬ ‫األسنان‪ ،‬إلى العداء املتبادل الصريح‪ .‬من بني املشكالت املستمرة التي‬ ‫تسبب قلقا أميركيا استمرار تدخل سورية في الشؤون اللبنانية‪،‬‬ ‫وحمايتها لقيادات اجلماعات الفلسطينية في دمشق‪ ،‬وسجلها‬ ‫السيئ في مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬وسعيها إلى امتالك أسلحة دمار‬ ‫شامل‪.‬‬ ‫‪: 1941‬بعد استقالل سورية‪ ،‬أقيمت قنصلية أميركية في دمشق‪.‬‬ ‫‪ :1944‬الواليات املتحدة تعترف باستقالل سورية وتعني جورج‬ ‫وادسورث وزيرا مفوضا‪.‬‬ ‫‪ :1945‬سورية تعني أول سفير لها في الواليات املتحدة وانسحاب‬ ‫ممثلي فرنسا وبريطانيا من سورية لقبول مسودة قرار الواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫‪ :1952‬إقامة سفارة أميركية في دمشق وسفارة سورية في‬ ‫واشنطن‪.‬‬ ‫‪ :1957‬انقطاع العالقات األميركية ‪ -‬السورية بعد الكشف عن‬ ‫خطة لالستخبارات األميركية لإلطاحة بالرئيس السوري أديب‬ ‫الشيشكلي‪ .‬مت استدعاء مسؤولي السفارتني كل إلى دولته‪.‬‬ ‫‪ :1967‬توتر العالقات بعد احلرب العربية ‪ -‬اإلسرائيلية وضم إسرائيل‬ ‫ملرتفعات اجلوالن‪.‬‬ ‫‪ :1974‬عودة العالقات بعد االتفاق على فض االشتباك السوري ‪-‬‬ ‫اإلسرائيلي برعاية الواليات املتحدة‪ ،‬باإلضافة إلى زيارة رسمية أجراها‬ ‫الرئيس األميركي ريتشارد نيكسون إلى دمشق‪.‬‬ ‫‪ :1991 - 1990‬سورية تتعاون مع الواليات املتحدة أثناء حرب‬ ‫اخلليج‪ .‬ومشاورات بني البلدين حول اتفاق الطائف‪ ،‬من أجل إنهاء‬ ‫احلرب األهلية في لبنان‪.‬‬ ‫‪ :1991‬الرئيس السوري حافظ األسد يقبل دعوة الرئيس بوش إلى‬ ‫مؤمتر السالم في الشرق األوسط‪ ،‬واخملصص من أجل إجراء مباحثات‬ ‫ثنائية مع إسرائيل‪.‬‬ ‫‪ :1992‬سورية تساعد على اإلفراج عن الرهائن الغربيني في لبنان‬ ‫وترفع حظر السفر عن اليهود السوريني‪.‬‬ ‫‪ :2000‬انعقاد آخر قمة رئاسية بني بيل كلينتون وحافظ األسد‪.‬‬ ‫‪ :2001‬في أعقاب أحداث ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) احلكومة السورية‬ ‫تبدأ في تقييد التعاون مع الواليات املتحدة في احلرب ضد اإلرهاب‪.‬‬ ‫وتتسبب معارضة سورية حلرب العراق في تدهور العالقات‪.‬‬ ‫‪ :2005‬اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق احلريري مما يؤدي إلى‬ ‫استدعاء الواليات املتحدة لسفيرها من سورية‪.‬‬ ‫‪ :2006‬قوات األمن احمللية حتبط محاولة هجوم على السفارة‬ ‫األميركية في دمشق‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫عودة السفير األميركي إلى دمشق‪ ..‬اذعان أم صفقة!‬

‫سفير بال حقيبة‬

‫ما زال على إدارة أوباما أن تقدم حجة مقنعة ملا تتوقعه حتديدا من تعيني روبرت فورد سفيرا لها في سورية‪ ،‬في فترة عطلة‬ ‫الكونغرس‪ .‬حتى الوقت احلالي‪ ،‬تتخذ احلكومة األميركية موقفا غير مقنع بأن هذا التعيني مهم من أجل مزيد من االتصال‬ ‫الفعال مع دمشق‪ ،‬ومزيد من التأكيد على املصالح األميركية‪ .‬ولكن كما أشار بعض احملللني السوريني املطلعني‪ ،‬من املرجح‬ ‫أن تنقضي فترة خدمة فورد في «توصيل رسائل دبلوماسية» بشأن سياسات سورية السلبية‪.‬‬ ‫توني بدران‬ ‫في وسط األزمات التي متر بها كل من لبنان ومصر‪ ،‬لم حتظ عودة السفير‬ ‫األميركي إلى دمشق بكثير من الضجة‪ .‬وعندما وردت أنباء عن تعيني روبرت فورد‬ ‫في عطلة الكونغرس‪ ،‬سارع بعض احملللني العرب بالتكهن بالسبب الذي يكمن‬ ‫خلف اخلطوة األميركية‪ .‬يقول محللون إن مثل تلك اخلطوة ال بد أنها نتيجة إما‬ ‫إلذعان أميركي أو صفقة ما عقدت مع دمشق‪ .‬فليس من املعقول أن تقدم قوة‬ ‫عظمى تنازالت من دون مقابل خلصم عنيد‪ .‬ولكن يبدو أن كسر قاعدة معاقبة‬ ‫األعداء ومكافأة األصدقاء هي السمة األساسية لهذه اإلدارة‪.‬‬ ‫لم يكن قرار الرئيس أوباما بالتحايل على الكونغرس متعلقا بأي من تلك‬ ‫املبررات‪ .‬في الواقع‪ ،‬ال يتعلق األمر بسورية على اإلطالق ‪ -‬أو السياسة اخلارجية‬ ‫عامة‪ .‬ولكن يرجع الدافع وراء هذا القرار إلى السياسة الداخلية فقط‪ ،‬بعد‬ ‫الهزمية الساحقة التي حلقت باحلزب الدميقراطي في انتخابات التجديد النصفي‬ ‫التي أجريت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)‪ ،‬ويبدو أنه لم ترد فكرة كيفية‬ ‫تأثير ذلك على املصالح األميركية‪.‬‬

‫هناك قضايا أخرى مت جتاهلها‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬عندما صدر قرار التعيني‬ ‫مبرسوم‪ ،‬كانت سورية في وسط مفاوضات مع اململكة العربية السعودية‬ ‫تهدف‪ ،‬من وجهة نظر دمشق‪ ،‬إلى إجبار رئيس الوزراء اللبناني في ذلك الوقت‬ ‫سعد احلريري على إدانة احملكمة الدولية اخلاصة بلبنان‪ ،‬وإنهاء تعاون لبنان‬ ‫معها‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬كان نظام الرئيس السوري بشار األسد يتوقع أن‬ ‫تقبل السعودية بعودة النفوذ السياسي السوري في بيروت‪.‬‬ ‫وكان من الواضح أن الرياض ال تريد التعامل مع حيل دمشق‪ .‬وعندما وجدت‬ ‫السعودية أن دمشق ال ترغب في حتمل مسؤوليتها في االتفاق الذي كان من‬ ‫املقرر أن ينعقد في مؤمتر للمصاحلة الوطنية اللبنانية في الرياض‪ ،‬حسبما‬ ‫قال احلريري‪ ،‬صرح وزير اخلارجية السعودي األمير سعود الفيصل بأن اململكة‬ ‫انسحبت من املساعي املشتركة مع دمشق من أجل حل األزمة في بيروت‪.‬‬ ‫وقال وزير اخلارجية إن االتفاق بني السعودية وسورية لم يتم ألن سورية لم تف‬ ‫بتعهداتها‪.‬‬ ‫السفير األميركي اجلديد في دمشق روبرت فورد‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫‪24‬‬


‫من اإلسكان والطاقة إلى صناعة السيارات وتكنولوجيا النانو‪.‬‬ ‫«فرصة فريدة للقيام بعمليات متنوعة في أميركا الالتينية» ملواجهة‬ ‫«الدول املناهضة للواليات املتحدة»‪ .‬وعلى الرغم من أن هذه العبارة حذفت‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬اتهمت سلسلة من األخبار غير املؤكدة شافيز مبساعدته من النسخة النهائية‪ ،‬فإن شافيز سريعا ما انتهز هذا االدعاء كدليل على أن‬ ‫إليران على شراء تكنولوجيا متقدمة مزدوجة االستخدام‪ ،‬والتنقيب عن الواليات املتحدة تستهدفه‪.‬‬ ‫اليورانيوم‪ ،‬وتدريب مقاتلي حزب اهلل على أراضي تشيلي‪ .‬صنفت وزارة اخلزانة‬ ‫األميركية في عام ‪ 2008‬مواطنني فنزويليني ‪ -‬أحدهما دبلوماسي ‪ -‬ووكالتي يعلم شافيز أنه ال يستطيع مواجهة الواليات املتحدة عسكريا‪ ،‬وهو سبب‬ ‫سياحة على أنهم من مؤيدي حزب اهلل‪ .‬سيستمر شافيز‪ ،‬دون شك‪ ،‬في تدخل أحمدي جناد‪ .‬رمبا تكون إيران قد طورت خبرات هائلة في احلرب غير‬ ‫دعم احلركات املناهضة للواليات املتحدة‪ ،‬مذكرا الواليات املتحدة أنه قادر املتماثلة وكانت في حالة مستمرة من االستعداد للحرب في مواجهة التفوق‬ ‫على تسهيل التهديدات األمنية ضد مصاحلها‪ ،‬حتى لو لم يكن يستطيع العسكري األميركي‪.‬‬ ‫أن ينفذها‪ .‬هذه هي وسيلته الرادعة‪ :‬أن يبعث برسالة إلى واشنطن بأنه إذا‬ ‫زادت الضغوط عليه‪ ،‬وإذا شعر بأن الواليات املتحدة تصر على تغيير النظام‪ ،‬ومن جانبه‪ ،‬يسلح شافيز ميليشيات مدنية ويدربها لتكون خط الدفاع األول‬ ‫سيفتح أبوابه على مصراعيها لإلرهابيني الراغبني في الهجوم على الواليات لديه‪ ،‬في انعكاس لألساليب التي واجهتها القوات األميركية في العراق على‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫يد امليليشيات التي تلقت تدريبها وحصلت على السالح من إيران‪ .‬ويحتفظ‬ ‫شافيز أيضا بعالقات جيدة مع العصابات الكولومبية التي ميكنها أن تقوم‬ ‫السيطرة على املعارضة‬ ‫بدور الوكيل في إحباط أي هجوم أميركي أو كولومبي‪ .‬ويُعتقد أن شافيز يأوي‬ ‫يعرف الزعيم الشعوبي أن بقاءه الشخصي‪ ،‬وليس فكره‪ ،‬هو الغرض النهائي‪ .‬عمالء استخبارات من حزب اهلل وإيران‪ .‬وال يوجد شك في أنه سيستعرض‬ ‫ويصبح الهدف هو االحتفاظ بالسلطة‪ ،‬إن لم يكن لذاته فلحركته التي وسائل الردع التي ميلكها لتذكير الواليات املتحدة بأنه قادر على تسهيل‬ ‫تدفعها أنانيته‪ .‬ودائما ما يساعد على هذه احملاوالت جيش قوي يستغل التهديدات األمنية التي تستهدف املصالح األميركية‪.‬‬ ‫الشعور الوطني من أجل التشبث بالسلطة‪.‬‬ ‫وإذا فشل هذا األسلوب‪ ،‬سيكون آخر سالح يستخدمة شافيز‪ ،‬والذي‬ ‫لذلك السبب دائما ما يغذي املستبد الشعوبي فكرة تأليه الشخص‪ .‬لن يلجأ إليه إال إذا توقف عليه بقاؤه‪ ،‬هو أن يلعب بورقة الطاقة‪ ،‬حتى لو‬ ‫يستمر شافيز في التحدي قبل االنتخابات الرئاسية التي ستجرى عام كانت ستضره‪ .‬وكما قد حتاول إيران غلق مضيق هرمز‪ ،‬ميكن أن توقف فنزويال‬ ‫‪ 2012‬بعد االنتخابات البرملانية التي أجريت في شهر أكتوبر (تشرين األول) صادراتها‪ ،‬بل وأيضا أن تستهدف أسواق الطاقة العاملية‪.‬‬ ‫وشهدت حضورا كبيرا للمعارضة‪ .‬وميلك شافيز سببا وجيها ملا يفعله‪ ،‬حيث‬ ‫تظل املعارضة منقسمة ومت استغالل النظام منذ فترة للسماح لشافيز وعلى الرغم من انخفاض واردات أميركا من النفط ومشتقاته القادمة من‬ ‫باالحتفاظ بالسلطة بصورة قانونية‪.‬‬ ‫فنزويال مبا يتماشى مع الطلب‪ ،‬فإنها ما زالت متثل حوالي ‪ 10‬في املائة من‬ ‫الواردات‪ ،‬أو حوالي ‪ 1.1‬مليون برميل يوميا‪ .‬ومتلك فنزويال أيضا «سيتغو»‬ ‫في احلقيقة‪ ،‬بنهاية عام ‪ ،2010‬مرر الكونغرس الذي يسيطر عليه شافيز ثالث أكبر شركة تكرير في الواليات املتحدة‪ .‬وتساهم كولومبيا‪ ،‬التي‬ ‫مجموعة من القرارات التي متنح احلاكم سلطات واسعة ليحكم من خالل سيستهدفها على الفور وكالء فنزويال في حالة اشتعال صراع‪ ،‬بحوالي ‪ 3‬في‬ ‫املراسيم‪ ،‬حتت ستار تدفق املساعدات إلى املناطق املتضررة من الفيضانات املائة أخرى‪ ،‬ولكن من املتوقع أن يرتفع حجم شحناتها إلى الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫التي حدثت في وقت سابق‪ .‬واستغرق شافيز أقل من شهر قبل أن يشير إلى باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أي صراع مع فنزويال قد يُعقد على األقل من عمليات‬ ‫رغبته في التخلي عن تلك السلطات اإلضافية‪ ،‬لتهدئة املعارضني الذين التوصيل من البرازيل واإلكوادور‪ ،‬وهما معا تشكالن حوالي ‪ 5‬في املائة من‬ ‫اتهموه بأنه جلأ إلى إجراءات دكتاتورية‪.‬‬ ‫الواردات األميركية‪.‬‬ ‫تستحق فكرة ما إذا كان شافيز راغبا في اللجوء إلى مثل تلك األساليب الطاقة هي أفضل سالح في يد شافيز‪ ،‬وكذلك إيران‪ .‬إنها ترفع تكلفة تغيير‬ ‫لقمع املعارضني النقاش‪ .‬لقد ضمن بالفعل النفوذ الضروري ليضمن إحكام النظام‪ ،‬وهي حيلة قوية في هذه املرحلة التي يعاني فيها تعافي االقتصاد‬ ‫سلطته بعد عام ‪ ،2012‬سواء كانت بسبل شرعية أو غير ذلك‪.‬‬ ‫العاملي من الضعف‪ ،‬في الوقت الذي تنغمس فيه الواليات املتحدة بالفعل في‬ ‫حربي أفغانستان والعراق‪.‬‬ ‫ولكن األكثر أهمية هو أن القمع العنيف لن يظل خيارا صاحلا لشافيز‪ ،‬وهو‬ ‫الدرس الذي تعلمه من أحمدي جناد بعد انتخابات عام ‪ 2009‬في إيران‪ .‬وأمام ومن غير املرجح أن يذهب شافيز إلى اخملاطرة بفرض عقوبات أميركية عليه‪.‬‬ ‫خضوع احملاكم والنظام االنتخابي والقوات املسلحة للسيطرة الصارمة‪ ،‬من في الواقع‪ ،‬حتى برنامجه للطاقة النووية غير مقنع‪ .‬ستستغرق فنزويال‬ ‫املمكن أن يكون العنف مقبوال لغالبية السكان الراغبني في التضحية باحلرية على األقل ‪ 15‬عاما للتطوير وسيكون التخصيب مستحيال‪ .‬ولكن التهديد‬ ‫في معركة ضد ما يعتبرونه عدوا أجنبيا‪.‬‬ ‫بالطاقة النووية‪ ،‬كما تعلمت كركاس من طهران‪ ،‬ذو تأثير كبير مثل السالح‬ ‫ذاته‪.‬‬ ‫مشاعر االضطهاد‬ ‫تفيد املشاعر املناهضة ألميركا في تقدمي كبش فداء‪ ،‬ولكن في حالة شافيز أفضل خيار اآلن هو تدمير محور إيران وفنزويال لعرقلة خيارات طهران‪ .‬ويبدو أن‬ ‫وأحمدي جناد أصبحت تلك املشاعر راسخة في شعور مبرر باالضطهاد‪ .‬أيا الرئيس باراك أوباما يفعل ذلك حتديدا‪ .‬وقال في أكتوبر (تشرين األول)‪« :‬ليست‬ ‫كانت النيات األميركية‪ ،‬في احلقيقة‪ ،‬إيران هي احملاطة عسكريا بالقوات لدينا حوافز أو مصالح في زيادة الشقاق بني فنزويال والواليات املتحدة»‪ ،‬ولكن‬ ‫األميركية‪ ،‬ومن املمكن أن يكون شافيز كذلك في وقت قريب‪ ،‬وكالهما هدف من املمكن أن يغير مجلس النواب الذي يسوده اجلمهوريون من ذلك‪.‬‬ ‫لسياسات تغيير نظام صارخة‪ .‬ويترجم ذلك إلى دفاع مستميت عن ثورتيهما‪.‬‬ ‫يعلم كل من أحمدي جناد وشافيز هذا جيدا‪ ،‬ولذلك مواجهة شافيز ستأتي‬ ‫تخضع إيران للحصار منذ عقود‪ ،‬ولكن تقلصت مساحتها في التنفس بعد بنتائج عكسية للواليات املتحدة‪ .‬إنها مجرد ذخيرة له‪ .‬ومن أجل إيقاف إيران‪،‬‬ ‫حربي العراق وأفغانستان وبرنامجها النووي الناشئ‪ .‬أما بالنسبة لفنزويال‪ ،‬يجب على الواليات املتحدة استمالة شافيز‪ ،‬وليس مواجهته‪.‬‬ ‫فإن املوقف جديد نسبيا‪ .‬حتى اآلن‪ ،‬حترص السياسة األميركية على اعتبار‬ ‫شافيز مهرجا مبهجا‪ ،‬ولكن يثير تعزيزه العسكري – على الرغم من صغره‬ ‫مقارنة بالترسانة األميركية – القلق‪ ،‬وكذلك عالقاته اخلطرة‪.‬‬ ‫*أندريس كاال ‪ -‬صحافي حر مقيم في مدريد‪ .‬ويساهم مبقاالته بانتظام في‬ ‫العديد من اإلصدارات ومنها مجلة «التامي» و»نيويورك تاميز» و»ذا كريستيان‬ ‫كانت هناك صفقة رفضتها احملاكم الكولومبية في العام املاضي ستمنح ساينس مونيتور»‪.‬‬ ‫اجليش األميركي مجاال أكبر في أميركا الالتينية‪ .‬وذكرت قوات الدفاع‬ ‫األميركية‪ ،‬في اقتراح مسودة امليزانية املقدم للكونغرس أن الصفقة تقدم نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 14‬فبراير ‪2011‬‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪23‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫روح التعاون‬ ‫ازدهر التحالف االستراتيجي بني إيران وفنزويال على مدار العقد املاضي‪.‬‬ ‫تغاضى الطرفان عن خالفات فكرية ظاهرية‪ ،‬ووجدا أساسا مشتركا في‬ ‫كراهية الواليات املتحدة والتركيز على إنتاج الطاقة والتعاون االقتصادي‬ ‫والصناعي‪.‬‬

‫وبعد عامني‪ ،‬في ‪ ،2009‬أكدت وزيرة اخلارجية هيالري كلينتون على اخملاوف‪،‬‬ ‫ولكن في هذه املرة بسبب اقتراح إقامة سفارة إيرانية «ضخمة» في‬ ‫نيكاراغوا‪ .‬وفي هذا املوقف‪ ،‬لم يتحقق أي من املشروعني‪ ،‬فقد ثبت أن أمر‬ ‫السفارة مختلق وأن امليناء سينشأ بتمويل كوري جنوبي‪.‬‬

‫في عام ‪ ،2007‬أسست الدولتان صندوقا مشتركا قيمته نحو ملياري دوالر‬ ‫ وهو مبلغ ضئيل وفقا ملعايير دولية ‪ -‬للمساعدة على متويل االستثمارات‬‫املشتركة في إيران وفنزويال‪ .‬تقل أهمية صغر حجم االستثمارات التي‬ ‫ميكن إقامتها بهذا املبلغ الضئيل نسبيا أمام رأس املال الرمزي املستثمر‬ ‫في املشروع‪.‬‬

‫في النهاية‪ ،‬على الرغم من الضجة العالية التي يثيرها كل من شافيز‬ ‫وجناد‪ ،‬ال يوجد سوى قدر قليل للغاية من االستثمارات املادية الكبيرة التي‬ ‫قد تساعد الدول األخرى على التخلص من «االستعباد اإلمبريالي»‪ .‬ولكن‬ ‫يأتي الدعم املادي الفعلي في درجة ثانوية في هذه احلالة‪ .‬فكل من إيران‬ ‫وفنزويال تعرفان أن الواليات املتحدة شديدة احلساسية جتاه سياسة أميركا‬ ‫الالتينية‪ ،‬وهي املنطقة املتأثرة كثيرا بالتدخل األميركي (العلني واخلفي)‬ ‫أكثر من أي مكان آخر في العالم‪ .‬وتعرفان أيضا أن اإلعالن الصاخب عن‬ ‫الدعم املشترك لدول أخرى معارضة للهيمنة األميركية يزيد من خطورة‬ ‫موقفهما بأن تصبحا دولتني منبوذتني‪.‬‬

‫في ذلك الوقت‪ ،‬أوضح هوغو شافيز ومحمود أحمدي جناد أنهما يعتزمان‬ ‫استخدام األموال في مساعدة البلدين في عدائهما املشترك ضد الواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬قال شافيز‪« :‬سيسمح هذا املشروع لنا بإقامة مشاريع‪..‬‬ ‫باإلضافة إلى جميع املشاريع في دول تبذل حكوماتها جهودا لتحرير ذاتها‬ ‫من االستعباد اإلمبريالي»‪.‬‬ ‫بعد فترة قصيرة‪ ،‬في أغسطس (آب) عام ‪ ،2007‬مت االتفاق على إنفاق‬ ‫‪ 350‬مليون دوالر من أموال الصندوق في ميناء نيكاراغوا الساحلي املطل‬ ‫على الكاريبي‪ ،‬باإلضافة إلى أعمال تنمية ضرورية للبنية التحتية في‬ ‫الدولة‪ .‬وبدأت أجراس اإلنذار تدق في واشنطن أمام احتمالية وجود جهود‬ ‫دبلوماسية مناهضة للواليات املتحدة في وسط أميركا وأميركا اجلنوبية‪.‬‬

‫تقريبا وحتى اآلن‪ ،‬ولكنه بدأ ثورته مجددا من الصفر‪ ،‬في حني كان على أحمدي‬ ‫جناد أن يعمل في إطار هياكل السلطة اإليرانية ليجمع السلطات في يده‬ ‫تدريجيا‪.‬‬ ‫قاد شافيز انقالبا فاشال في عام ‪ 1992‬عندما كان يحمل رتبة كولونيل في‬ ‫اجليش‪ ،‬ليفوز بعد ذلك بالرئاسة عن طريق فوز ساحق في االنتخابات التي‬ ‫أجريت عام ‪ .1998‬ودفع بإصالح دستوري من أجل توسيع نطاق حكمه‬ ‫وإضفاء الشرعية على عمليات التطهير الشاملة للمعارضني‪ ،‬بدءا بالقوات‬ ‫املسلحة ووصوال إلى شركة «بتروليوس دي فنزويال»‪ ،‬التي تشكل عماد‬ ‫االقتصاد في الدولة‪ .‬وأعيد انتخابه عام ‪ 2000‬في فترته الرئاسية األولى التي‬ ‫استمرت ست سنوات وانتخب من جديد عام ‪.2006‬‬ ‫أطاح انقالب وقع في عام ‪ 2002‬بشافيز لفترة قصيرة‪ ،‬ولكنه عاد إلى‬ ‫السلطة وألقى باللوم على الواليات املتحدة وإسبانيا‪ .‬وأدى إضراب العمال‬ ‫ملدة شهرين في شركة «بتروليوس دي فنزويال» من أجل إجباره على التنحي‬ ‫إلى زيادة متكينه من السلطة‪ .‬وأحكم شافيز قبضته على احلكم‪ ،‬وفي عام‬ ‫‪ 2006‬أمم حقول النفط التي تديرها شركات أجنبية‪ ،‬رافعا حصة احلكومة إلى‬ ‫نسبة ‪ 60‬في املائة بعد أن كانت ‪ 40‬في املائة‪.‬‬

‫وكما هو احلال مع املطامع النووية اإليرانية‪ ،‬هذا األسلوب الدبلوماسي‬ ‫يشبه األواني الفارغة التي تسبب أكبر قدر من الضجيج‪ .‬ليس من املهم‬ ‫أن فنزويال وإيران قامتا فعليا بال شيء من أجل تعريض نفوذ الواليات‬ ‫املتحدة في أميركا الالتينية أو أي مكان آخر في العالم خلطر داهم أو‬ ‫حقيقي‪ .‬من خالل قرعهما لطبول احلرب بأعلى صوت‪ ،‬ميكن أن يشكل‬ ‫هذان الرجالن ردعا ضد ما يسمى باجملتمع الدولي وأن يستمرا في الصراخ‬ ‫ليوم آخر‪.‬‬

‫االقتصادية الشعوبية التي تروق للفقراء اإليرانيني والطبقات الريفية مما‬ ‫مكنه من الفوز بالرئاسة في عام ‪ .2005‬وكما فعل شافيز‪ ،‬عزز أحمدي جناد‬ ‫من قبضته على السلطة مبنح القوات األمنية نفوذا كبيرا في البالد‪ .‬وأعيد‬ ‫انتخابه عام ‪ 2009‬بغالبية أصوات اإليرانيني‪ ،‬على الرغم من أن االنتخابات‬ ‫شابتها مزاعم بالتزوير‪ .‬وعلى الرغم من أن صناعة الطاقة اإليرانية ال تعاني‬ ‫ما تعانيه صناعة الطاقة في فنزويال‪ ،‬فإنها مقيدة‪ .‬تتبدد ثروة الغاز الهائلة‬ ‫في البالد‪ ،‬وهي ثاني أكبر ثروة غاز في العالم‪ ،‬على الدعم الذي يحول دون‬ ‫أن تصبح إيران مصدرة للغاز‪ .‬وفشل إنتاجها من النفط في أن يصل إلى‬ ‫املستويات املرتفعة التي كان يحققها في فترة ما قبل الثورة‪ ،‬على الرغم من‬ ‫االكتشافات العديدة التي ضاعفت حجم اخملزون ثالث مرات منذ ذلك احلني‪.‬‬ ‫رابطة أخوية‬ ‫حتتفظ كل من إيران وفنزويال بروابط صداقة منذ العقد املاضي‪ .‬كان شافيز‬ ‫على عالقة وثيقة بالرئيس اإليراني السابق محمد خامتي ‪ -‬الذي زار فنزويال ثالث‬ ‫مرات ‪ -‬بناء على مصلحة مشتركة في رفع أسعار النفط‪ .‬وحتولت األهداف‬ ‫املشتركة إلى تأييد سياسي وقد دافع شافيز بقوة عن حق إيران في تطوير‬ ‫برنامج نووي سلمي‪.‬‬

‫في عام ‪ ،2004‬قابل شافيز أحمدي جناد‪ ،‬الذي كان وقتها عمدة شابا لطهران‬ ‫هرب آالف من خبراء النفط في فنزويال أثناء عمليات التطهير التي قام بها‪ ،‬والنجم القادم في احلياة السياسية اإليرانية‪ .‬صعد أحمدي جناد إلى السلطة‬ ‫وما زالت صناعة النفظ لم تتعاف حتى اآلن‪ .‬وانخفض اإلنتاج من ‪ 3.3‬مليون سريعا وكان عضوا في هيكل السلطة اإليرانية‪ ،‬أوال كحاكم إقليم ثم عمدة‬ ‫برميل في اليوم قبل اإلضراب‪ ،‬إلى حوالي ‪ 2.4‬مليون برميل‪ .‬ويلتهم سوء طهران عام ‪.2003‬‬ ‫اإلدارة ما كانت تعرف بأكبر شركات النفط في العالم‪ .‬ويبدو أن اكتشافات‬ ‫«ويكيليكس» األخيرة تؤكد على أن أميركا لديها النظرة ذاتها أيضا‪ ،‬على عندما أصبح أحمدي جناد رئيسا‪ ،‬فتح شافيز أبواب فنزويال أمام إيران‪ .‬وبصورة‬ ‫الرغم من أن االستثمارات الصينية في فنزويال قد تغير من هذا االجتاه‪.‬‬ ‫نسبية‪ ،‬زاد حجم التبادل التجاري‪ ،‬على الرغم من أنه ما زال ضئيال وفقا‬ ‫للمعايير الدولية ويبلغ أقل من ‪ 100‬مليون دوالر‪ .‬وتستثمر شركات إيرانية ما‬ ‫ومثل الفنزويليني‪ ،‬عانى اإليرانيون طوال عقود من الفساد سهلت التغيير يزيد على ملياري دوالر في فنزويال‪ ،‬وتأمل في زيادة استثماراتها إلى ‪ 20‬مليار‬ ‫السلس للسلطة‪ .‬وجمع أحمدي جناد بني التشدد الديني والسياسات دوالر‪ .‬ومت توقيع حوالي ‪ 160‬صفقة ثنائية في جميع القطاعات االقتصادية‪،‬‬

‫‪22‬‬


‫هوغو شافيز وأحمدي جناد جتمعهما «معاداة» أميركا‬

‫الرابطة األخوية‬

‫يريد كل من الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز والرئيس اإليراني محمود أحمدي جناد قيادة حركة عاملية مناهضة للواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬على الرغم من أن مسافة تصل إلى نصف العالم تفصل بينهما‪ .‬يجب أن ال يكون ذلك مفاجئا ألن االثنني قائدان‬ ‫شعوبيان‪ ،‬يشيران إلى أحدهما اآلخر بـ»األخ»‪ ،‬وميتلكان سلطات هائلة داخل بلديهما ومناطقهما باستخدام األساليب‬ ‫ذاتها‪ .‬ولكن تكمن املشكلة في توجه هذه احلركة‪.‬‬ ‫اندريس كاال‬ ‫في أكتوبر (تشرين األول) املاضي‪ ،‬زار الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز إيران‪،‬‬ ‫وهي زيارته الثامنة في ‪ 12‬عاما‪ ،‬بعد أيام قليلة من اإلعالن عن صفقة مع‬ ‫روسيا لتطوير برنامج طاقة نووية‪ .‬ويطلق شافيز على اجلمهورية اإلسالمية‬ ‫«وطنه الثاني»‪ .‬ويقول نظيره محمود أحمدي جناد إنهما ينتميان إلى جبهة‬ ‫ثورية متتد من أميركا الالتينية إلى شرق آسيا‪ .‬وإذا شعرا في إحدى املراحل‬ ‫أنهما مبفردهما في صراعهما ضد الواليات املتحدة‪ ،‬يقول أحمدي جناد‪« :‬يوجد‬ ‫صف طويل» من املؤيدين اآلن‪.‬‬

‫جدير باملعرفة أن شافيز وأحمدي جناد سياسيان مستبدان وشعوبيان‬ ‫تدفعهما غريزة البقاء‪ ،‬وليس آيديولوجية‪ .‬الشعوبيون نفعيون يحافظون على‬ ‫استقرار األنظمة من خالل نقل امللكية االقتصادية للجماهير على حساب‬ ‫االقتصاد األكبر‪ ،‬ومن خالل إلقاء اللوم على األعداء في كل شيء‪ ،‬ومن خالل‬ ‫تعزيز املصالح االقتصادية لطبقة حاكمة جديدة‪ ،‬والسيطرة تدريجيا على‬ ‫مؤسسات الدولة‪.‬‬

‫توصل شافيز وأحمدي جناد إلى إمكانية تعزيز أجنداتهما الداخلية والدولية‬ ‫في الظاهر‪ ،‬تبدو هذه الصلة منافية للمنطق‪ ،‬حيث يصفان بعضهما اآلخر عن طريق العمل معا‪ .‬وسعيا معا إلى عوملة نظرتهما لوقف ما يعتبرانه‬ ‫بـ»األخ»‪ .‬ولكن ما الذي يشترك فيه مسلم شيعي فارسي محافظ مع تهديدا أميركيا‪ .‬في الواقع يعتمد بقاؤهما على املصالح التبادلية‪.‬‬ ‫مسيحي اشتراكي من الكاريبي؟ لقد عقد االثنان حتالفا وثيقا يعتمد على‬ ‫الشعوبية والنضال ضد الواليات املتحدة‪ ،‬حيث يسعيان إلى التوسع فيه عن ‪ ‬صناعة الزعماء‪:‬‬ ‫استمر الرئيس شافيز في تعزيز السلطات من حوله على مدار عشرة أعوام‬ ‫طريق ثروتيهما النفطية‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪21‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫حول الطموحات السياسية احملتملة لقادته فإن آخر عبارتني أظهرتا‬ ‫استعداده ألن يعلب دورا في املستقبل السياسي للبالد إذا ما‬ ‫اتخذت الثورة مسارا غير مقبول‪.‬‬ ‫ورمبا من األفضل أن يكون لدينا «حارس للثورة»‪ .‬ففي النهاية حاولت‬ ‫عناصر احلرس القدمي أن تعرقل إمكانية حتقيق مستقبل دميقراطي‬ ‫في تونس‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬إذا ما كان اجلنرال رشيد عمار يرغب‬ ‫في االستيالء على السلطة‪ ،‬كان يستطيع عمل ذلك ببساطة‬ ‫بعد رحيل بن علي‪ .‬وعلى الرغم من أنه اختار أن ال يفرق بني اآللة‬ ‫العسكرية واحلكومة املدنية فإن فهم اجلنرال عمار للدور العسكري‬ ‫ليس بعيدا عن السياسة كما أنه ميثل في ذاته خطرا على املستقبل‬ ‫الدميقراطي للبالد‪.‬‬ ‫وكانت هناك مخاوف أكثر وضوحا في ما يتعلق باجليش املصري‪.‬‬ ‫فكما أوضح توني كارون في مجلة «التامي»‪« :‬فإن اجليش املصري‪،‬‬ ‫مثل غيره‪ ،‬ليس دميقراطيا كما أن قادته معتادون على إصدار األوامر‬ ‫أكثر من اعتيادهم على التفاوض بشأن حركتهم املقبلة مع من‬

‫�سدنة الثورة‬ ‫وسط املشاعر املتدفقة في الشرق األوسط‪ ،‬استطاع‬ ‫جيل من احملرومني من التعبير عن أنفسهم أن يسمعوا‬ ‫أصواتهم‪ ،‬ووقف جيش كل دولة من تلك الدول كحارس‪.‬‬ ‫وقد اتضح دون شك في األسابيع األخيرة أن القيادات‬ ‫القوية في املنطقة باتت تضع مصيرها في يد القوات‬ ‫املسلحة‪ .‬أوال في تونس‪ ،‬ثم في مصر (ومن يدري‬ ‫سيكون الدور على من الحقا؟) لعب اجليش دورا محوريا‬ ‫في انهيار األنظمة السابقة‪ .‬وهناك آمال كبرى في أن‬ ‫ينظر رجال اجليش في تلك البلدان إلى دورهم باعتباره دور‬ ‫الراعي الذي يرعى مستقبال مشرقا ومتعدد األقطاب‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫تاريخيا‪ ،‬فإن أقرب مقارنة ميكن عقدها سيكون مع‬ ‫األحداث التي وقعت في ‪ 1960‬في تركيا‪ .‬فقد أسفر‬ ‫االنقالب العسكري هناك عن إعدام رئيس الوزراء عدنان‬ ‫مندريس‪ .‬وعلى الرغم من أننا لم نشهد حتى اآلن مثل‬ ‫تلك األحداث العنيفة في تلك البلدان فإن االتهامات‬ ‫التي مت توجيهها إلى مندريس ووزرائه ‪ -‬بالفساد وانتهاك‬ ‫الدستور ‪ -‬تبدو مألوفة‪.‬‬ ‫كما أن اجمللس العسكري الذي استولى على السلطة‬ ‫في تركيا كان قد وعد بتسليم السلطة للحكم املدني‬ ‫مبجرد عودة االستقرار‪ .‬وفي ذلك الوقت‪ ،‬وكما هو احلال‬ ‫اآلن كانت توجد مخاوف بشأن احتمالية استحواذ اجليش‬ ‫على السلطة‪ .‬ولكن في أكتوبر (تشرين األول)‪ ،‬أنهى‬ ‫اجلنرال جمال جورسيل رئيس الدولة الهيمنة العسكرية‬ ‫على البالد‪.‬‬ ‫ولكن لألسف‪ ،‬أدى إنهاء سيطرة اجمللس العسكري على‬ ‫األمور في البالد إلى سنوات من عدم االستقرار واحلكومات‬ ‫االئتالفية غير الفعالة في تركيا‪ .‬وطوال ما تبقى من‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬كانت البالد تشهد املزيد من االضطرابات‬ ‫واالنقالبات مبعدل انقالب كل عقد‪ .‬وال نستطيع أن نأمل‬ ‫إال أن تكون هناك نتائج أفضل في انتظار شعبي تونس‬ ‫ومصر في أعقاب تلك املرحلة االنتقالية الدقيقة‪.‬‬

‫هم حتت إمرتهم»‪ .‬ففي أعقاب رحيل مبارك‪ ،‬أعلن اجمللس األعلى‬ ‫للقوات املسلحة أنه ملتزم بعملية التحول «ليس فقط عبر خطة‪،‬‬ ‫إمنا (اخلطة) وفقا لكارون أن تظل اخلطوات العسكرية السريعة‬ ‫لتحقيق انتقال مفترض للسلطة صعبة وال ترضي اجلميع»‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬تشعر شخصيات معارضة مثل محمد البرادعي‬ ‫بالقلق بشأن أنهم ليسوا منظمني مبا يكفي للحصول على فرصة‬ ‫في االنتخابات إذا ما مت إجراؤها قبل عام وأن مثل تلك العملية‬ ‫سوف متنح اجلماعات املنظمة مثل حزب حسني مبارك (الوطني‬ ‫الدميقراطي) واإلخوان املسلمني ميزة واضحة‪ .‬وكما يقول كوران فإن‬ ‫«غياب دور محدد في خطط االنتقال التي يطرحها اجليش للحركة‬ ‫السياسية املدنية» قد خلق توترا هائال‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه‪ ،‬سوف يستمر اجليش في لعب دور مهم في مستقبل‬ ‫مصر وتونس ويجب أن يحرص اجلميع على وجود عني منتبهة على‬ ‫مقاربة اجليشني لعملية التحول‪ .‬ومع ذلك وكما أوضح نائب مدير‬ ‫«هيومان رايتس ووتش» للشرق األوسط وشمال أفريقيا فإن هناك‬ ‫الكثير إلنهاء الدولة البوليسية وتأكيد التحول الدميقراطي في‬ ‫تونس ومصر أكثر من احلد من دور اجليش‪.‬‬ ‫ففي مقاله املعنون تفكيك آلة القمع بـ«وول ستريت جورنال»‬ ‫يقول إريك غولدستاين إن الدول البوليسية أصبحت مثل برنامج‬ ‫للتوظيف‪ .‬أو مبعنى آخر فإن اآللة األمنية كانت متوغلة ومراوغة‬ ‫حلد أن مئات اآلالف من الناس يعملون بها وهو ما سوف يكون له‬ ‫أثر مستمر على مستقبل الدميقراطية في تلك البلدان‪ .‬فيقول‬ ‫غولدستاين إن تونس لديها ما يزيد عن ‪ 200‬ألف رجل شرطة‬ ‫لتغطية بلد يبلغ عدد سكانه ‪ 11‬مليون نسمة‪ .‬وفي الغالب فإن‬ ‫وظائفهم ليس لها عالقة بتعزيز السالمة املدنية ولكنها تعزز‬ ‫سلطة الفرد في املقام األول‪« .‬فعلى الرغم من أن كثيرا من ضباط‬ ‫الشرطة التونسيني واألعضاء في احلزب احلاكم سابقا كانوا يؤدون‬ ‫عمال طيبا‪ ،‬فإن آخرين كانوا يعملون على مطاردة املعارضني‪ ،‬وتعذيب‬ ‫اإلسالميني وابتزاز منافسيهم‪( .‬وهم لم يغادروا) مع بن علي أو‬ ‫مبارك كما أنهم لن يختفوا إذا ما مت تفكيكهم على غرار تفكيك‬ ‫حزب البعث في العراق»‪ ،‬وفقا لغولدستاين‪.‬‬ ‫لقد كانت قدرات اآللة العسكرية لنب علي على زعزعة االستقرار‬ ‫جلية في أعقاب رحيله عندما ظهر ما ميكن وصفه بفرق املوت‬ ‫وعملت على فرض حظر جتول وإرهاب املدنيني لكي يتمنوا عودة بن‬ ‫علي‪ .‬وحلسن احلظ‪ ،‬فإن مزيجا من اللجان األهلية وعدم الثقة العامة‬ ‫في بن علي منعا تلك األعمال التخريبية من أن يكون لها تأثير مدمر‪.‬‬ ‫واملقارنة بني رحيل بن علي ومبارك مذهلة‪ .‬ففي مصر‪ ،‬بدال من‬ ‫االحتفاالت الشعبية‪ ،‬كان البلد بأسره يشعر بالرعب من انتقام تلك‬ ‫العناصر‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن تلك العناصر كانت أقل توغال في مصر‪ ،‬فإن‬ ‫محاوالتهم لزعزعة االستقرار لم يتم القضاء عليها متاما‪ .‬وكما‬ ‫يقول غولدستاين‪ ،‬فهؤالء حرضوا على االعتصامات وأشعلوا‬ ‫املواجهات بني املتظاهرين واحلكومة االنتقالية وفي أحد املواقع‬ ‫أسفر ذلك عن مقتل اثنني رميا بالرصاص وإشعال قسم بوليس‬ ‫في إحدى احملافظات‪.‬‬ ‫من الواضح أن اجليش سوف يستمر في لعب دور مهم في مستقبل‬ ‫تلك الدول البوليسية‪ .‬وعندما يتم تقييم آفاق االستقرار الدميقراطي‬ ‫في مصر وتونس وما بعدهما‪ ،‬يجب أن ال نتجاهل أن أسس الدولة‬ ‫البوليسية ال تنتهي باجليش ولكن بالشرطة وأنه يجب مراقبة‬ ‫دورهم بعناية بالغة‪.‬‬

‫*بوال ميجيا‪ :‬محررة‪.‬‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 28‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪20‬‬


Image © Getty Images

19

2011 ‫ ابريل‬،1562 ‫العدد‬


‫● شؤون سياسية‬

‫دور اجليش في الثورتني‬ ‫التونسية واملصرية‬

‫حراس الثورة‬

‫وصف دور اجليش في الثورتني التونسية واملصرية بأنه ذو‬ ‫أهمية بالغة ليس فقط بالنسبة لرحيل الزعيمني اخمللوعني‬ ‫ولكن ملستقبل الدميقراطية في البلدين‪ .‬والتحدي القادم هو‬ ‫أن نضمن أن يظل القادة العسكريون مخلصني للتغيير الذي‬ ‫تنشده الناس‪.‬‬ ‫بوال ميجيا‬

‫منذ سقوط زين العابدين بن علي في تونس وتنحي محمد حسني‬ ‫مبارك أخيرا عن حكم مصر‪ ،‬برز دور اجليش في إنهاء حكم الفرد‬ ‫طويل املدى‪ .‬ففي كلتا احلالتني‪ ،‬كانت اللحظة التي اختار فيها‬ ‫اجليش االنحياز إلى الشعب هي احلاسمة في سقوط هؤالء الطغاة‪.‬‬ ‫وفي ظل استمرار انتشار عدوى الربيع العربي في الشرق األوسط ‪-‬‬ ‫في ظل االحتجاجات من ليبيا إلى اليمن ‪ -‬يعد تأمل جيوش تلك‬ ‫البلدان واحدا من أهم املؤشرات للتنبؤ مبستقبل تلك احلكومات‪.‬‬ ‫وبالقطع ال تستطيع قيادات اجليش حتمل الوقوف موقف املتفرج‬ ‫في الوقت الذي حتدث فيه تطورات مبثل ذلك احلجم‪ .‬بل ويجب أن ال‬ ‫يكون مفاجئا أن يدرس الذراع العسكري للجيش خالل ذلك املناخ‬ ‫السياسي املتغير كيف ميكنه اإلفادة من مساندة التغيير‪.‬‬ ‫ويوضح ديفيد سانغر في مقال حديث له في «نيويورك تاميز»‪« :‬لقد‬ ‫توصلت قيادة اجليش في مصر لنفس االستنتاج الذي توصل إليه‬ ‫جيش كوريا اجلنوبية في الثمانينيات وأندونيسيا في التسعينيات‪:‬‬ ‫لقد حتول فجأة القائد األعلى للبالد من إضافة إلى عبء»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن جيشي مصر وتونس قد ساهما في وضع األساس‬ ‫للتغير الدميقراطي‪ ،‬فإن التحدي القادم هو إذا ما كانوا سوف‬ ‫يستمرون في اإلخالص للتغير الذي تنشده اجلماهير‪.‬‬ ‫بالنسبة لتونس‪ ،‬فإن اجلنرال رشيد عمار ‪ -‬الذي أصبح بطال وطنيا‬ ‫وصار يعرف باسم «الرجل الذي قال ال» ‪ -‬حدد الدور الذي على‬ ‫اجليش أن يلعبه في مستقبل تونس‪ .‬فقد أوضح اجلنرال عمار في‬ ‫البداية أن اجليش سوف «يظل مخلصا للدستور وأن ممارساته سوف‬ ‫تظل في ذلك اإلطار»‪ ،‬مضيفا أن اجليش «ينظر إلى نفسه باعتباره‬ ‫حامي الثورة وسوف يستمر في ذلك حتى النهاية»‪ .‬كما أرسل‬ ‫اجلنرال عمار أيضا رسالة مفادها أن اجليش «لن يقف أمام املظاهرات‬ ‫السلمية‪ ،‬ولكنه سوف يقمع الذين يحاولون خلق فراغ سياسي ألن‬ ‫الفراغ سوف يؤدي بال شك إلى دكتاتورية جديدة»‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬حث‬ ‫التونسيني «على السماح للحكومة االنتقالية بأداء عملها»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الثناء الذي حصل عليه نظرا للتأييد الذي منحه‬ ‫للمتظاهرين خالل الثورة من خالل رفضه إطالق النيران عليهم‬ ‫وبالتالي زاد من سوء وضع بن علي‪ ،‬فإن وصفه لدور اجليش في‬ ‫مستقبل تونس يعد إشكاليا على نحو ما‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫تأكيده على التزامه بالدستور‪ ،‬نفى اخملاوف التي تدور في األذهان‬ ‫‪18‬‬


‫‪Image © Getty Images‬‬

‫قدمية للدبلوماسية األميركية في املنطقة وعادة ما يستخدم انتصار‬ ‫حماس في االنتخابات في غزة كمثال على كيف ميكن للدميقراطية‬ ‫أن يكون لها نتائج عكسية‪ .‬فإذا ‪ -‬في أفضل األحوال ‪ -‬متكنت مصر‬ ‫من إجراء انتخابات حرة ونزيهة خالل العام احلالي‪ ،‬وكان أداء اإلخوان‬ ‫املسلمني جيدا‪ ،‬أو حتى متكنوا من الفوز باالنتخابات‪ ،‬فسيمثل ذلك بال‬ ‫شك اختبارا للواليات املتحدة‪ .‬وبعيدا عن كونه اختبارا‪ ،‬فإنه رمبا ميثل‬ ‫فرصة بالنسبة لسياسة الواليات املتحدة في الشرق األوسط إلظهار‬ ‫استعدادها للتمييز بني اإلسالم السياسي واجلهاد وأنها ميكنها التعاون‬ ‫مع األول‪.‬‬ ‫ووفقا لدبلوماسي عربي ‪ -‬نقال عن «نيويورك تاميز» ‪ -‬فإن حركة‬ ‫الدميقراطية في مصر تشبه عربة قطار يقودها طالب اجلامعات‬ ‫والنشطاء بحقوق اإلنسان‪ .‬ولكن الدبلوماسي يقول إن هؤالء الطالب‬ ‫في النهاية «سوف يغادرون تلك العربة ويذهبون إال جامعاتهم كما‬ ‫سوف يعود نشطاء حقوق اإلنسان إلى عملهم‪ ،‬وهل تعلم من الذي‬ ‫سيظل بالقطار الذي سوف يدخل إلى احملطة؟ إنهم اإلخوان املسلمون»‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫وعلى الرغم من أن ذلك الدبلوماسي اجملهول يبرز أن اإلخوان املسلمني‬ ‫هم في هذه اللحظة أقوى حركة معارضة في مصر وأكثرها تنظيما‪،‬‬ ‫فإن احملطة التي سوف ينتهي إليها القطار حامال اإلخوان املسلمني‬ ‫هي ملك للجيش املصري‪ .‬وعلى األرجح‪ ،‬سوف يتردد اجليش املصري في‬ ‫إعطاء اإلخوان املسلمني دورا في املشهد السياسي املستقبلي بقدر‬ ‫تردد الرئيس السابق مبارك‪ .‬وهنا ميكن للواليات املتحدة أن تلعب دورا‬ ‫مؤثرا‪ ،‬فباستخدام النفوذ الذي تتمتع به قطعا لدى اجليش املصري‪،‬‬ ‫تستطيع الواليات املتحدة أن تقنع اجلنراالت املصريني مبواءمة املطالب‬ ‫الشرعية لإلخوان املسلمني باملشاركة السياسية‪ .‬وإذا لم تفعل ذلك‪،‬‬ ‫فإن االنتخابات احلرة في مصر لن تكون جزءا من نفس املعادلة التي‬ ‫ستصبح الوصفة املثالية لالضطرابات‪ .‬وحتى اليوم فإن اإلشارات التي‬ ‫تأتي من واشنطن ال تبشر بخير‪.‬‬

‫* مانويل أمليدا‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 14‬فبراير ‪2011‬‬

‫‪17‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫امل�شهد ما بعد التحرير‬ ‫حزب احلرية والعدالة‬ ‫حزب احلرية والعدالة هو االسم املتوقع للفرع السياسي‬ ‫حلركة اإلخوان املسلمني في النظام اجلديد مبصر‪ .‬وتعد‬ ‫حركة اإلخوان املسلمني حتى اآلن من أكبر جماعات‬ ‫املعارضة في مصر وأكثرها متاسكا‪ ،‬رغم احلظر الرسمي‬ ‫الذي استمر فترة طويلة على أنشطتها‪.‬‬ ‫حركة ‪ 6‬أبريل‬ ‫ينسب الفضل ألعضاء حركة ‪ 6‬أبريل في توفير القوة‬ ‫الدافعة الحتجاجات يناير (كانون الثاني) غير املسبوقة‬ ‫في مصر التي أدت إلى سقوط نظام حسني مبارك‪.‬‬ ‫وتعمل اجلماعة‪ ،‬التي تتكون أساسا من الشباب ذوي‬ ‫املستوى املرتفع من التعليم‪ ،‬على استغالل مواقع‬ ‫الشبكات االجتماعية مثل «فيس بوك»‪ ،‬و«تويتر»‬ ‫لنشر رسالته بالعمل املباشر‪ .‬وبالفعل فإن احلركة بدأت‬ ‫كجماعة على «فيس بوك» لتأييد اإلضرابات العمالية‬ ‫في ‪ 6‬أبريل (نيسان) ‪.2008‬‬ ‫اجلمعية الوطنية للتغيير‬ ‫أسس محمد البرادعي‪ ،‬الرئيس السابق للوكالة الدولية‬ ‫للطاقة الذرية‪ ،‬اجلمعية الوطنية للتغيير‪ ،‬عندما عاد إلى‬ ‫مصر بعد سجله احلافل باخلارج‪ .‬وتعد اجلمعية مظلة‬ ‫ينضوي حتت لوائها كثير من جماعات املعارضة اخملتلفة‬ ‫حيث تعد حتالفا فضفاضا من األفراد واجلماعات يضم‬ ‫طيفا سياسيا واسعا‪.‬‬ ‫حزب الوفد‬ ‫نظرا لوضعه كحزب معارض رسمي‪ ،‬يفتقر الوفد‬ ‫للشعبية بني معظم اجلماهير املصرية‪ .‬وكانت العديد‬ ‫من اجلماعات توجه له االنتقادات باعتباره حزبا شكليا أو‬ ‫باعتباره حزبا غير فعال يسمح باإليحاء بوجود دميقراطية‬ ‫حقيقية في نظام مبارك‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من املشاركة في املظاهرات املناهضة‬ ‫للحكومة‪ ،‬أجرى السيد البدوي‪ ،‬رئيس احلزب‪ ،‬خطابا‬ ‫تلفزيونيا يطالب فيه بإجراء إصالحات قوية‪.‬‬ ‫حزب الغد‬ ‫أطلق سراح أمين نور‪ ،‬مؤسس حزب الغد بعد قضائه ثالث‬ ‫سنوات في السجن في ‪ .2009‬وذلك بعدما سجن إثر‬ ‫وقوفه ضد مبارك في االنتخابات الرئاسية األخيرة وإحرازه‬ ‫نتيجة كبيرة‪ .‬ومنذ اتهامه بالتزوير (يعتقد البعض أنها‬ ‫تهمة ملفقة)‪ ،‬استحوذ املوالون للحكومة على حزبه‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه لم تعد له الشعبية التي كانت له‬ ‫من قبل فقد لعب نور دورا في االحتجاجات املناهضة‬ ‫للحكو مة ‪.‬‬ ‫اجلماعات اجلديدة‬ ‫باإلضافة إلى حزب احلرية والعدالة الواعد‪ ،‬يشكل عدد من‬ ‫اجلماعات السياسية األخرى مناخا ليبراليا جديدا‪ .‬ويعد‬ ‫ذلك ذا نفع على نحو خاص حلركات اإلسالم السياسي‬ ‫الذي كان محظورا من قبل‪ .‬وقد أعلنت احلركة اجلديدة‬ ‫للجماعة اإلسالمية أنها تعد لتأسيس حزب سياسي‬ ‫باسم احلركة اإلنسانية لإلصالح والتغيير بعد جناح‬ ‫حزب الوسط‪ ،‬الذي أسسه أعضاء سابقون في اإلخوان‬ ‫املسلمني‪ ،‬في احلصول على موافقة احملكمة كأول حزب‬ ‫مصري ذي خلفية إسالمية‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫مطالب شعبها ‪ -‬خرج اليمنيون إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير‪.‬‬ ‫وفي اجلزائر‪ ،‬واألردن‪ ،‬وسورية وغيرها‪ ،‬خرج الناس إلى الشوارع بدرجات‬ ‫مختلفة من القوة ولكن برسالة واحدة إلى حكوماتهم‪ :‬تخلوا عن‬ ‫السلطة أو ارحلوا‪.‬‬ ‫وبعد عشر سنوات من ‪ 11‬سبتمبر (أيلول)‪ ،‬ما زال تنظيم القاعدة‪،‬‬ ‫وتوابعه‪ ،‬نشطا وخطرا ولكنه في وضع املطاردة‪ .‬كما تخلى كثير من‬ ‫اجلماعات اجلهادية األخرى‪ ،‬التي تخشى الربط بينها وبني «القاعدة»‪،‬‬ ‫عن العنف وسعت للحصول على دور سياسي‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬رمبا‬ ‫يقول البعض إن اإلسالم السياسي سوف يستمر من إيران ولبنان إلى‬ ‫تركيا وغيرها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يبدو أن الغرب بصفة عامة والواليات املتحدة‬ ‫بصفة خاصة ما زاال ينظران إلى االقتران بني اإلسالم والسياسة كمرض‬ ‫يجب مقاومته أيا كانت التكلفة حتى إذا ما كان ذلك يعني التأييد‬ ‫السياسي واالقتصادي ملبارك وصالح أو بن علي وغيرهم‪.‬‬ ‫وتعد مسألة تأييد الدميقراطية على نحو غير مشروط معضلة‬


‫الشرق األوسط اجلديد يختبر «دميقراطية» االسالميني و «شعارات» األميركيني‬

‫قطار األخوان‬

‫يبدو أن «ثورة الشعوب»‪ ،‬التي أطلقت شرارتها تضحية التونسي محمد البوعزيزي بذاته‪ ،‬سوف تتخذ مسارا مثيرا‪ ،‬حيث يشهد الشرق األوسط‬ ‫وسياساته حدثا أو أحداثا تغير وجهه كل عشر سنوات تقريبا‪ .‬وقد اشتملت معظم تلك اللحظات التاريخية على اإلسالم السياسي أو اجلهاد أو‬ ‫الواليات املتحدة‪ .‬ولكن األحداث األخيرة‪ ،‬بخاصة في مصر‪ ،‬اشتملت على تلك العناصر كافة معا‪.‬‬ ‫مانويل أمليدا‬ ‫يبدو أن هناك حدثا جلال يحدث كل عشر سنوات‪ ،‬يرتبط بصلة وثيقة‬ ‫بالشرق األوسط‪ ،‬ويعمل على تغيير وجه املنطقة وسياستها‪ .‬ومن‬ ‫العوامل املشتركة في تلك اللحظات التاريخية كافة كان حضور‬ ‫إما اإلسالم السياسي أو اجلهاد أو الوجود غير املباشر ألقوى قوة في‬ ‫العالم وهي الواليات املتحدة‪ .‬وعلى الرغم من أن «انتفاضة الشعوب»‬ ‫لم ترتبط في بدايتها بأي من تلك العوامل‪ ،‬فإنها لديها العناصر التي‬ ‫سوف جتعلها فصال آخر في القصة املعقدة للعالقة بني الواليات املتحدة‬ ‫واإلسالم السياسي‪.‬‬ ‫فإذا ما رجعنا لعام ‪ ،1979‬سوف يتذكر اجلميع ذلك العام باعتباره عام‬ ‫الثورة اإليرانية‪ ،‬أو كما يقول البعض الثورة اإلسالمية‪ ،‬وذلك عندما عاد آية‬ ‫اهلل اخلميني إلى إيران وغادر الشاه الذي تدعمه الواليات املتحدة من الباب‬ ‫اخللفي‪ .‬كما اقتحم الطالب اإليرانيون في نوفمبر (تشرين الثاني) ‪1979‬‬ ‫السفارة األميركية في طهران وأخذوا ‪ 52‬رهينة أميركية ملدة ‪ 444‬يوما‪.‬‬ ‫وفي ‪ 20‬نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه‪ ،‬أغلق العشرات من‬ ‫املسلحني من أعضاء اجلماعة السلفية حتت قيادة املدعو جهيمان‬ ‫العتيبي وأتباعه – الذين يدينون بالوالء حملمد القحطاني الذي يعتبر‬ ‫نفسه املهدي املنتظر ‪ -‬أبواب احلرم املكي‪ .‬واستمر تدنيس احلرم املكي‬ ‫واحتالل بيت اهلل احلرام ألسبوعني‪ ،‬ثم اشتبك املهاجمون مع اجلنود‬ ‫السعوديني‪ ،‬وهي املعركة التي خلفت مئات اجلرحى‪ .‬ويعتبر الكثير من‬ ‫الباحثني حصار احلرم املكي الشريف أولى حلقات التطرف باسم االسالم‬ ‫في العصر احلديث‪.‬‬ ‫كما شهد نوفمبر (تشرين الثاني) من عام ‪ 1979‬أيضا حصار مجموعة‬ ‫يتزعمها جناح من الطالب احملافظني بحزب جماعة اإلسالم الباكستاني‬ ‫ الذين حتركهم نظرية املؤامرة التي تفترض أن الواليات املتحدة‬‫وإسرائيل كانتا وراء مأساة احلرم املكي ‪ -‬لسفارة الواليات املتحدة في‬ ‫إسالم آباد‪ .‬ويجب النظر إلى تلك احلادثة في سياق خطة اجلنرال ضياء‬ ‫احلق لتأسيس نظام إسالمي في باكستان‪.‬‬

‫تنظيم القاعدة مسؤوال عن أقسى اللحظات في التاريخ األميركي منذ‬ ‫بيرل هاربور‪ ،‬وذلك عندما متكن من إطالق طائرتني باجتاه برجي نيويورك‬ ‫في ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) ‪.2001‬‬ ‫وبالنظر لألحداث املاضية‪ ،‬فإن ردة الفعل التي أعقبت ذلك احلدث كانت‬ ‫أكثر أهمية من احلدث ذاته‪ .‬فقد شنت إدارة بوش ‪ -‬التي كانت ترغب في‬ ‫اتخاذ رد فعل وكانت متحمسة لنشر قواتها العسكرية املبجلة في‬ ‫الشرق األوسط ‪« -‬حربها على اإلرهاب» التي بدأت بتغيير النظام في‬ ‫أفغانستان من خالل استئصال «الطالب» من السلطة‪ .‬ثم سرعان ما‬ ‫قامت الواليات املتحدة بغزو العراق خللع صدام حسني‪ .‬وشهد بعدها‬ ‫الشرق األوسط الذي سأم احلرب املزيد من إراقة الدماء احمللية واألجنبية‬ ‫على رماله من دون أي غرض منطقي‪.‬‬ ‫وفي ‪ 17‬ديسمبر (كانون األول) ‪ ،2010‬أشعل الشاب التونسي محمد‬ ‫البوعزيزي (‪ 26‬عاما) النيران في نفسه احتجاجا على األسلوب الذي‬ ‫عاملته به قوات الشرطة البلدية والتي لم تكتف مبصادرة العربة التي‬ ‫يبيع عليها اخلضراوات ولكنها قامت بصفعه والبصق في وجهه وإهانة‬ ‫والده املتوفى‪ .‬وقد انتهى احلال بوفاة البوعزيزي في املستشفى في ‪4‬‬ ‫يناير (كانون الثاني) من العام احلالي‪ .‬وكان ما فعله البوعزيزي أكثر‬ ‫من كونه مجرد رد فعل ملشكلته اخلاصة‪ ،‬فقد كانت حلظة يأس مر بها‬ ‫شاب يعكس حال الشباب التونسي بأسره‪ ،‬الذي يعاني من البطالة‬ ‫واإلحباط على يد احلكومة‪ ،‬والذي يشعر بالضرورة بفقدان األمل في‬ ‫املستقبل‪ .‬إال أنه لم يكن أحد ليتوقع‪ ،‬مبا فيهم البوعزيزي‪ ،‬أن يتسبب‬ ‫تصرفه في ما ميكن أن يكون أكثر التطورات السياسية على الصعيد‬ ‫الدولي منذ أحداث ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) ‪.2001‬‬

‫وفي عام من األحداث الكبرى‪ ،‬وقع الرئيس املصري أنور السادات ورئيس‬ ‫الوزراء اإلسرائيلي مناحم بيجني اتفاقية السالم املصرية ‪ -‬اإلسرائيلية‬ ‫في واشنطن العاصمة في ‪ 26‬مارس (آذار) ‪ 1979‬برعاية الرئيس‬ ‫األميركي جيمي كارتر‪.‬‬

‫وكانت االضطرابات العامة قد اتسع نطاقها حتى اضطر الرئيس‬ ‫التونسي السابق زين العابدين بن علي للهرب من البالد بصحبة أسرته‬ ‫بعد ‪ 23‬عاما من وجوده في السلطة‪ .‬ثم سرعان ما أصبح واضحا أن‬ ‫عواقب ما فعله البوعزيزي لن تقتصر على تونس‪ .‬فقد خرج املصريون‬ ‫للشوارع احتجاجا على القمع واحلكم الفاسد الذي استمر ‪ 25‬عاما‬ ‫للرئيس محمد حسني مبارك‪ ،‬مجبرين أحد أهم حلفاء الواليات املتحدة‬ ‫على االستقالة‪ .‬وعلى نحو غير مفاجئ‪ ،‬في اليمن ‪ -‬أفقر دول العالم‬ ‫العربي والتي أنشأت بتأييد الواليات املتحدة دولة بوليسية منذ وصول‬ ‫الرئيس علي عبداهلل صالح للسلطة في ‪ 1978‬أخفقت في حتقيق‬

‫وبعد ذلك بعقد‪ ،‬انسحبت آخر القوات السوفياتية من أفغانستان‬ ‫في ‪ 15‬فبراير (شباط) ‪ .1989‬وينظر إلى معضلة أفغانستان‪ ،‬التي‬ ‫يتم وصفها عادة بأنها فيتنام االحتاد السوفياتي‪ ،‬باعتبارها ذات دور‬ ‫حيوي في انهيار االحتاد السوفياتي خالل فترة حكم غورباتشوف‪.‬‬ ‫وكان من العوامل التي ساهمت في هزمية االحتاد السوفياتي واحد‬ ‫من أغرب التحالفات في التاريخ الذي تضمن الواليات املتحدة‪ ،‬ومصر‪،‬‬ ‫واململكة العربية السعودية‪ ،‬وباكستان‪ ،‬والصني‪ ،‬ومجاهدي أفغانستان‬ ‫واجلهاديني األجانب من الدول العربية وحتى آسيا الوسطى‪ .‬وقد متت‬ ‫هزمية الشيوعية امللحدة ولكن احلرب التي حلقتها سوف تشهد نظاما‬ ‫آخر قمعيا وقاسيا‪.‬‬ ‫وفي ظل حصوله على ملجأ آمن حتت حكم طالبان في أفغانستان‪ ،‬كان‬

‫يبدو أن الغرب بصفة عامة والواليات املتحدة‬ ‫بصفة خاصة ما زاال ينظران إلى االقتران بني‬ ‫اإلسالم والسياسة كمرض يجب مقاومته‬ ‫أيا كانت التكلفة حتى إذا ما كان ذلك يعني‬ ‫التأييد السياسي واالقتصادي ملبارك وصالح‬ ‫أو بن علي وغيرهم‪.‬‬

‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪15‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫وقف حتالف «‪ 14‬آذار»‪ ،‬بعالقاته الدولية اجليدة والتأييد الداخلي‬ ‫الذي يحظى به‪ ،‬ليقاوم من أجل الدفاع عن العدالة واحملكمة الدولية‪،‬‬ ‫على حساب سورية وحزب اهلل اللذين حاوال عرقلة احملكمة بكل‬ ‫الوسائل‪.‬‬ ‫وفي مايو (أيار) ‪ ،2008‬استهدف مقاتلون من حزب اهلل مناطق‬ ‫معروفة ملؤيدي «‪ 14‬آذار»‪ ،‬مما أسفر عن مقتل العديد منهم وحرق‬ ‫مبنى محطة تلفزيونية وصحيفة‪ .‬وقدم حتالف «‪ 14‬آذار» تنازالت‬ ‫وشكل مجلس وزراء احتل فيه حزب اهلل وحلفاؤه «الثُلث املُعطِل»‪.‬‬ ‫وفي يونيو (حزيران) عام ‪ ،2009‬فاز حتالف «‪ 14‬آذار» من جديد‬ ‫بغالبية برملانية‪ ،‬وأُجبر من جديد على التنازل حلزب اهلل عن «الثُلث‬ ‫املُعطِل»‪ .‬وعلى الرغم من حصوله على أقلية‪ ،‬تصدى حزب اهلل‬ ‫التخاذ القرارات‪ .‬وكان أول قرار هو إجبار مجلس الوزراء برئاسة سعد‬ ‫رفيق احلريري على إلغاء بروتوكول تعاون بني دولة لبنان واحملكمة‬ ‫الدولية اخلاصة‪ .‬وعندما رفض احلريري االنصياع إلمالءات حزب اهلل‪،‬‬ ‫استخدم احلزب حق الرفض‪ ،‬مما أدى إلى انهيار احلكومة‪.‬‬ ‫صرح صديق احلريري عضو البرملان وليد جنبالط بأن كتلته املكونة من‬ ‫‪ 15‬عضوا في البرملان تخطط إلعادة ترشيح احلريري رئيسا للوزراء‪،‬‬ ‫وبالتالي أمر حزب اهلل الرئيس اللبناني ميشال سليمان بتحديد‬

‫بعد االنسحاب السوري وتشكيل محكمة دولية‪،‬‬ ‫مت طرد أو تصفية عدد من السياسيني والصحافيني‬ ‫واملسؤولني األمنيني ‪ -‬وجميعهم معادون لسورية‬ ‫وحزب اهلل ‪ -‬ليجد حتالف «‪ 14‬آذار» الذي نال‬ ‫غالبية برملانية وسيطر على مجلس الوزراء مزيدا‬ ‫من األسباب في سعيه نحو حتقيق العدالة وإنهاء‬ ‫عهد اإلفالت من العقاب‬ ‫‪14‬‬

‫موعد آخر الختيار أعضاء البرملان لرئيس الوزراء‪ ،‬حتى يتمكن من لي‬ ‫ذراع جنبالط وإجباره على تغيير رأيه‪ ،‬ليحصل مرشح حزب اهلل جنيب‬ ‫ميقاتي على الغالبية ويكلف بتشكيل احلكومة‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬عاد احلريري وحلفاؤه في «‪ 14‬آذار» إلى مقاعد املعارضة‪ ،‬في‬ ‫حني من املتوقع أن تنهي حكومة ميقاتي تعاون لبنان مع احملكمة‬ ‫الدولية‪ ،‬وبذلك يغامر برد فعل عنيف كبير من األمم املتحدة ضد دولة‬ ‫لبنان في صورة عقوبات اقتصادية‪.‬‬ ‫وفي حني يقول حزب اهلل وحلفاؤه إن إنهاء احملكمة الدولية ضروري‬ ‫للحفاظ على استقرار لبنان‪ ،‬يقول حتالف «‪ 14‬آذار» إنه ال ميكن‬ ‫حتقيق االستقرار في ظل احتفاظ حزب اهلل بأسلحته ووجود العنف‬ ‫في احلياة السياسية في البالد‪.‬‬ ‫من املتوقع أن تعلن احملكمة الدولية اخلاصة بلبنان عن قرار اإلدانة‬ ‫قريبا‪ .‬ويعتقد العديد من الناس أن مسؤولني رفيعي املستوى من‬ ‫حزب اهلل وسورية قد يكونون متهمني‪ .‬وبعد خروج احلريري وقوى‬ ‫«‪ 14‬آذار» املعتدلة من السلطة‪ ،‬يهدد حزب اهلل بقمع أعضاء «‪14‬‬ ‫آذار» إذا اتخذ العالم إجراءات ضد احلزب أو دمشق‪ .‬ستحدد نتيجة‬ ‫إجراءات احملكمة الدولية من يكسب هذه املباراة في القوة بني العالم‬ ‫والعنف الذي يربك احلياة السياسية في لبنان ويحول دون بناء الدولة‪.‬‬ ‫وكما يبدو‪ ،‬متلك قوى «‪ 14‬آذار» ‪ -‬التي فازت بغالبية املقاعد في‬ ‫البرملان في يونيو (حزيران) عام ‪ - 2009‬أقلية بعدد ‪ 60‬مقعدا من‬ ‫بني ‪ 128‬مقعدا‪ .‬سنرى في الشهور املقبلة ما إذا كان احلريري على‬ ‫مقاعد املعارضة في موقف أفضل يسمح بدعمه للمحكمة الدولية‬ ‫والضغط على حزب اهلل لنزع السالح‪.‬‬

‫*حسني عبد احلسني‬ ‫نشر هذا في "اجمللة" بتاريخ ‪ 2‬مارس ‪2011‬‬


‫‪Image © Getty Images‬‬

‫الفريد من أجل املساعدة على إخراج سورية من لبنان‪ ،‬في ‪14‬‬ ‫فبراير (شباط) عام ‪ ،2005‬ليصبح سياسيا آخر يعادي سورية‬ ‫يتعرض لالغتيال‪ ،‬في ما يبدو على يد عمالء غير معروفني أو عمالء‬ ‫إسرائيليني‪ .‬وأدرك قادة التحالف الذين كانوا وراء احلريري أنهم أيضا‬

‫بعد خروج احلريري وقوى «‪ 14‬آذار» املعتدلة‬ ‫من السلطة‪ ،‬يهدد حزب اهلل بقمع أعضاء‬ ‫«‪ 14‬آذار» إذا اتخذ العالم إجراءات ضد‬ ‫احلزب أو دمشق‪ .‬ستحدد نتيجة إجراءات‬ ‫احملكمة الدولية من يكسب هذه املباراة في‬ ‫القوة بني العالم والعنف الذي يربك احلياة‬ ‫السياسية في لبنان ويحول دون بناء الدولة‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫سيقتلون‪ .‬لذلك ضغطوا من أجل انسحاب سورية‪ ،‬وهو ما حدث في‬ ‫أبريل (نيسان) عام ‪ ،2005‬بفضل ما يزيد على مليون لبناني نزلوا‬ ‫إلى الشوارع‪ ،‬والضغوط الدولية على دمشق‪.‬‬ ‫يريد التحالف املعادي لسورية ‪ -‬الذي يعرف باسم «‪ 14‬آذار» وهو‬ ‫اليوم الذي خرجت فيه املظاهرات احلاشدة ‪ -‬تطبيق العدالة في ما‬ ‫يتعلق مبقتل احلريري‪ ،‬ومنطقهم في ذلك أنه بترك مرتكبي احلادث‬ ‫أحرارا‪ ،‬قد يعرقل العنف أي جهود لبناء دولة قوية ذات سيادة ميكنها‬ ‫أن تضمن احلرية والدميقراطية بعد رحيل سورية‪ .‬لذلك أنشأت األمم‬ ‫املتحدة جلنة حتقيق خاصة في مقتل احلريري ثم محكمة دولية‬ ‫خاصة بلبنان‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من خروج سورية من لبنان في عام ‪ ،2005‬فإن‬ ‫شريكها حزب اهلل ‪ -‬امليليشيا الوحيدة املسلحة حاليا ‪ -‬ما زال قادرا‬ ‫على ممارسة الضغوط‪ .‬وبعد االنسحاب السوري وتشكيل محكمة‬ ‫دولية‪ ،‬مت طرد أو تصفية عدد من السياسيني والصحافيني واملسؤولني‬ ‫األمنيني ‪ -‬وجميعهم معادون لسورية وحزب اهلل ‪ -‬ليجد حتالف «‪14‬‬ ‫آذار» الذي نال غالبية برملانية وسيطر على مجلس الوزراء مزيدا‬ ‫من األسباب في سعيه نحو حتقيق العدالة وإنهاء عهد اإلفالت من‬ ‫العقاب‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫لبنان‪ ..‬ستة أعوام على اغتيال احلريري‬

‫حق‬ ‫امتالك القوة‬ ‫رمبا يعتقد هؤالء الذين ال يتابعون الشؤون السياسية اللبنانية‬ ‫أنها معقدة ومليئة باحللفاء اإلقليميني االنتهازيني والغادرين‬ ‫واملتغيرين على الدوام‪ .‬ولكن في احلقيقة قصة لبنان أبسط‬ ‫بكثير مما تبدو عليه‪ ،‬وميكن تلخيصها في مباراة نتيجتها صفر‬ ‫بني اجملتمعات الدينية اخملتلفة في البالد‪ .‬لقد جعلت هذه املباراة‬ ‫احلكومة املركزية ضعيفة وفي النهاية سمحت للمجتمعات‬ ‫اخملتلفة ‪ -‬في فترات مختلفة منذ استقالل لبنان عام ‪1920‬‬ ‫ باستخدام العنف لتسود على اجلماعات األخرى‪ .‬ويأتي هذا‬‫العنف على حساب الدولة وينزع الشرعية عن دورها بصفتها‬ ‫مانحة احلقوق املدنية األساسية ملواطنيها‪.‬‬ ‫حسني عبد احلسني‬

‫في عام ‪ ،1975‬نتج عن التحوالت اإلقليمية والداخلية انهيار‬ ‫حلكومة بيروت‪ .‬وبدال منها‪ ،‬أنشأت اجملتمعات املتفرقة دويالت صغيرة‬ ‫ذات جيوش خاصة وظلت هذه امليليشيات تتعقب بعضها البعض‬ ‫طوال ‪ 15‬عاما‪ ،‬مما تسبب في دمار هائل‪ .‬ولكن بحلول عام ‪،1990‬‬ ‫كانت الواليات املتحدة ترسم صورة لشرق أوسط جديد‪ ،‬يتضمن‬ ‫إخراج جيش صدام حسني من الكويت‪ ،‬وإطالق مباحثات السالم بني‬ ‫الدول العربية وإسرائيل وإنهاء احلرب في لبنان‪.‬‬ ‫كافأت الواليات املتحدة سورية الشتراكها في هذا الشرق األوسط‬ ‫اجلديد بإطالق يد دمشق في لبنان‪ .‬وعلى الرغم من أن جيش سورية‬ ‫دخل لبنان اجملاورة في عام ‪ ،1976‬فإن النفوذ السوري داخل لبنان‬ ‫كان مقيدا بالترتيبات الدولية التي تعلقت مبصالح أميركية‬ ‫وإسرائيلية‪ .‬وفي عام ‪ ،1990‬منحت الواليات املتحدة سورية‬ ‫موافقتها على استهداف املناطق املعارضة‪ .‬وبذلك أعطت لدمشق‬ ‫تفويضا في لبنان كان من املتوقع من خالله أن يوقف السوريون احلرب‬ ‫األهلية وينزعوا سالح امليليشيات وأخيرا يسحبوا قواتهم‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،2005‬كانت القوات السورية ال تزال في لبنان‪ .‬ونزعت‬ ‫سورية سالح جميع امليليشيات في ما عدا حزب اهلل‪ ،‬الذي حافظت‬ ‫عليه ملعاداة إسرائيل كلما سعت دمشق إلى جذب االنتباه الدولي‪.‬‬ ‫سيطر السوريون بفاعلية على املشاهد السياسية واالقتصادية‬ ‫اللبنانية وشكلوا حكومة دمية في بيروت‪ .‬ولكن منذ عام ‪2003‬‬ ‫وحرب العراق‪ ،‬يعتقد عدد من السياسيني اللبنانيني أن تغير‬ ‫املشهد السياسي هو فرصتهم إلخراج سورية‪ ،‬فضغطوا على‬ ‫األمم املتحدة إلصدار قرار مجلس األمن رقم ‪ ،1559‬والذي ينص على‬ ‫انسحاب القوات السورية من لبنان ونزع سالح حزب اهلل‪ .‬واستعد‬ ‫السياسيون املعادون لسورية في لبنان أيضا إلى دخول البرملان في‬ ‫االنتخابات التي أجريت في صيف عام ‪.2005‬‬ ‫قتل رئيس الوزراء الراحل رفيق احلريري‪ ،‬الذي ألقى بثقله الدولي‬

‫سعد احلريري وحسن نصراهلل‪ ..‬كيف سيكون شكل املواجهة القادمة!‬

‫‪12‬‬


‫ثالثني عاما (حيث كانت اليونان آخر دولة غربية تعترف بدولة‬ ‫إسرائيل)‪ ،‬بينما يبدو البعض اآلخر متفائال بشأن ما ميكن أن حتققه‬ ‫العالقات اجلديدة لليونان‪.‬‬

‫ديسمبر (كانون األول) املاضي‪ ،‬عرض وزير اخلارجية اإليراني السابق‬ ‫منوشهر متكي على اليونان مكانة «شريك مفضل»‪ ،‬ولكن كانت‬ ‫عباراته «بالغية ومتملقة أكثر من كونها ذات خطة منظمة»‪ ،‬وفقا‬ ‫ملا صرح به مسوؤل مطلع في وزارة اخلارجية اليونانية‪ .‬ولم يقدم‬ ‫متكي أي تفاصيل عما ستحصل عليه اليونان في مقابل تأييدها‬ ‫لطهران في بروكسل‪.‬‬

‫يقول أمنون سيال‪ ،‬األستاذ الفخري في اجلامعة العبرية‪« :‬مرحبا بأي‬ ‫اهتمام أجنبي‪ .‬ميكنني أن أتخيل تطور عالقات مهمة في املستقبل»‪.‬‬ ‫قبل احتالل النازيني ملدينة سالونيك الساحلية في شمال اليونان‪،‬‬ ‫كانت املدينة تفخر بأنها تضم أكبر جالية يهودية من املهاجرين‬ ‫الذين استقبلتهم الدولة العثمانية بعد أن عانوا من أهوال محاكم‬ ‫التفتيش اإلسبانية‪ .‬ولكن امتنعت اليونان عن فتح سفارة لها في‬ ‫إسرائيل حتى عام ‪ ،1990‬على خلفية املوقف السياسي املعادي‬ ‫إلسرائيل واملؤيد للعرب الذي كان يتبعه رئيس الوزراء السابق‬ ‫أندرياس باباندريو‪ ،‬والد رئيس الوزراء احلالي‪.‬‬

‫قال املسؤول‪« :‬أجبنا بأدب شديد بأننا سندرس عرضهم‪ ،‬وتوقفنا‬ ‫عند هذا احلد»‪ ،‬مشيرا أيضا إلى وصف أحد مسؤولي السفارة‬ ‫اإليرانية التدابير األمنية في مطار أثينا على أنه «مطار دولي وفقا‬ ‫ملعايير الناتو»‪.‬‬ ‫وفي الشهر ذاته الذي تقدم فيه متكي بعرضه‪ ،‬كان هناك وفد‬ ‫إسرائيلي في أثينا لدراسة «شراكة عسكرية جديدة في البحر‬ ‫املتوسط»‪ ،‬في حني زار مسؤول عسكري يوناني إسرائيل‪ ،‬وكان‬ ‫مكلفا بشراء طائرات من دون طيار وأنظمة أسلحة من أجل مقاتالت‬ ‫إف ‪ 16 -‬اليونانية‪.‬‬

‫أمام توقع كبير بوقوع حرب جديدة في الشرق األوسط عام ‪،2011‬‬ ‫تسعى إسرائيل بقلق إلى حلفاء جدد في منطقة أصبحت أكثر‬ ‫عداء‪ .‬وحذر نتنياهو باباندريو أثناء اجتماعهما اخلاص من أن تركيا‬ ‫متلك القدرة والنية للحصول على ترسانة نووية‪ .‬ولكن قد يجعل‬ ‫التحالف مع اليونان‪ ،‬والذي يُقرب إسرائيل أيضا من قبرص‪ ،‬املقاتالت‬ ‫اإلسرائيلية والتركية تتواجه في اجملال اجلوي في اجلزيرة املتنازع‬ ‫عليها‪ .‬وينظر بعض القبارصة اليونانيني إلى احتمال حدوث مواجهة‬ ‫إقليمية ببعض السعادة‪.‬‬

‫كانت العالقات العسكرية اليونانية ‪ -‬اإلسرائيلية جيدة قبل التقارب‬ ‫السياسي بأعوام عدة‪ .‬في عام ‪ ،2008‬أثارت اليونان غضب إيران‬ ‫عندما فتحت مجالها اجلوي ملقاتالت إسرائيلية من أجل التدريب‬ ‫على هجمات محتملة طويلة املدى على املنشآت اإليرانية النووية‪.‬‬ ‫ويشبه نظام الدفاع اجلوي ‪ S - 300‬الذي اشترته اليونان من روسيا‬ ‫ذلك الذي متلكه إيران‪.‬‬

‫كتب سافاس ياكوفيديس في صحيفة «سيميريني» اليومية‪:‬‬ ‫«يؤيد املناخ احلالي تطور حتالف قوي ثالثي األطراف بني إسرائيل‬ ‫وقبرص واليونان‪ ،‬وسيكون من احلكمة أن تنضم إليه مصر التي‬ ‫جتد العديد من األسباب للقلق بشأن إمبريالية تركيا العثمانية‬ ‫اجلديدة»‪.‬‬

‫علق ايوانيس ميكاليتوس‪ ،‬احمللل املتخصص في شؤون اإلرهاب‪،‬‬ ‫قائال‪« :‬حتتاج إسرائيل إلى مجال جوي ومالحي إلجراء مناوراتها‬ ‫العسكرية‪ .‬ويعتبر بحر إيجة وشرق املتوسط املكانني املثاليني ألي‬ ‫نوع من التدريبات العسكرية بسبب التحدي الذي تشكله اجلزر‬ ‫واملرتفعات ألي طائرة أو معدات رصد حديثة»‪.‬‬

‫وحتذر آراء أكثر هدوءا مثل روسوس من أن «اليونان ال متلك املوارد‬ ‫الكافية للقيام بدور كبير في البحر املتوسط‪ .‬كما أن نخبتها‬ ‫السياسية مستغرقة للغاية في توجيهات صندوق النقد الدولي‬ ‫وتعاني بشدة من مزاعم كبيرة بوجود فساد يحول دون قيامها‬ ‫مببادرات تتعلق بالشرق األوسط»‪.‬‬

‫تنقسم وسائل اإلعالم اليونانية حول االستراتيجية اجلديدة‪ ،‬حيث‬ ‫يأسف البعض إلنهاء سياسة التأييد للفلسطينيني التي استمرت‬

‫ومبوجب االتفاق اجلديد‪ ،‬من املتوقع أن توسع االستخبارات اإلسرائيلية‬ ‫من وجودها الكبير بالفعل في اليونان‪ ،‬التي تستضيف ما يزيد على‬ ‫مليون مهاجر‪ ،‬غالبيتهم من املسلمني‪ ،‬يسعون إلى الوصول إلى دول‬ ‫شمال االحتاد األوروبي‪ ،‬كما أنها أصبحت مركزا محتمال للراديكالية‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫يقول مايكليتوس‪« :‬تدفع املصالح اإليرانية املهمة‪ ،‬مثل وجود‬ ‫مصرف ساديرت وعدد كبير من الشيعة‪ ،‬طهران إلى توجيه خاليا‬ ‫استخباراتية ملراقبة املنشقني في أثينا‪ .‬ويهتم اإلسرائيليون أيضا‬ ‫بخاليا حزب اهلل التي تعمل في أثينا‪ ،‬والعالقات التجارية القوية‬ ‫ببيروت‪ ،‬وشراء (إيه إل بي إيه) شركة النفط اليوناني للنفط‬ ‫اإليراني‪ ،‬والتكهن بتدفق األموال اإليرانية عبر دبي إلى اليونان عن‬ ‫طريق مصالح مصرفية عربية يونانية»‪.‬‬ ‫يقول فيليب غيرالدي‪ ،‬احمللل السابق في «سي آي ايه»‪« :‬ميكنك‬ ‫أن تتأكد من أن إسرائيل لديها أرصدة كبيرة للموساد في اليونان‪.‬‬ ‫ولكن ال يزال األكثر أهمية هو أنهم قد يكونون يحاولون احلصول على‬ ‫نوع من اتفاق حول الطاقة»‪.‬‬

‫‪Image © Getty Images‬‬

‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫*أياسون أثاناسياديس ‪ -‬صحافي مقيم في اسطنبول‪ ،‬يغطي‬ ‫أخبار تركيا والشرق األوسط ووسط آسيا‪ .‬يتنقل منذ عام ‪1999‬‬ ‫بني القاهرة ودمشق والدوحة وصنعاء وطهران‬ ‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 31‬يناير ‪2011‬‬ ‫‪11‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫إسرائيل تعيد اكتشاف اليونان‬

‫معركة املتوسط‬

‫تعاني اليونان من أزمة مالية خانقة‪ ،‬ملاذا اذا إقامة حتالف مثير للجدل مع إسرائيل‪ .‬ففي حني يلوح شبح وقوع حرب محتملة في املنطقة في عام‬ ‫‪ 2011‬وتبحث إسرائيل عن حلفاء‪ ،‬تتميز العالقات اليونانية ‪ -‬اإلسرائيلية املزدهرة بتوريد أنظمة معقدة من األسلحة احملمولة جوا وتعاون استخباراتي‬ ‫واكتشاف ملصدر طاقة هائل محتمل في املياه اإلقليمية املتنازع عليها‪ .‬فهل من املمكن أن تكون منطقة شرق البحر املتوسط ميدان املعركة التالي‬ ‫في احلروب التي تتم بالوكالة بني تركيا وإسرائيل وإيران؟‬ ‫أياسون أثاناسياديس‬ ‫فتحت جبهة جديدة في شرق البحر املتوسط في إطار الصراع‬ ‫االستراتيجي اإلقليمي بني الواليات املتحدة وحلفائها من جانب‪،‬‬ ‫وحتالف غير منظم بني أطراف من بينها تركيا وإيران وسورية من‬ ‫جانب آخر‪.‬‬ ‫مت التمهيد للتحالف اجلديد مع إسرائيل في العام املاضي في روسيا‬ ‫أثناء مقابلة تردد أنها وقعت باملصادفة في أحد املطاعم بني رئيس‬ ‫الوزراء اليوناني جورج باباندريو ورئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامني‬ ‫نتنياهو‪ .‬كان تكتل النفط الروسي «غازبروم» مهتما بالفعل‬ ‫مبخزون الطاقة الهائل الذي اكتشف في شرق البحر املتوسط‪ ،‬ويقدر‬ ‫حجمه بحوالي ‪ 4.3‬مليار متر مكعب من النفط وكمية مذهلة‬ ‫تقدر بـ‪ 16‬تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي‪ .‬وكان من املناسب‬ ‫إطالق اسم ليفياثان على احلقل‪.‬‬ ‫وتعزز التقارب اليوناني ‪ -‬اإلسرائيلي في يونيو (حزيران) املاضي‪ ،‬بعد‬ ‫الغارة اإلسرائيلية الدموية التي استهدفت أسطول املساعدات‬ ‫اإلنسانية املتجه إلى غزة‪ .‬يحمل رئيس وزراء اليونان نصف األميركي‬ ‫إعجابا بأخالقيات العمل اليهودية‪ ،‬ويحتفظ مبستشارين مثل عالم‬ ‫االقتصاد احلائز على جائزة نوبل جوزيف شتيغلتز‪ ,‬وقد تبادل الزيارات‬ ‫مع نظيره اإلسرائيلي طوال الصيف‪ ،‬حتى مع استكمال جوالته‬ ‫إلى دول مثل ليبيا‪ ،‬جلذب االستثمار العربي‪ .‬وفي حني ارتفع عدد‬ ‫السياح العرب إلى تركيا ليتجاوز مليون سائح في العام املاضي‪،‬‬ ‫انخفضت أعداد السياح اإلسرائيليني‪ .‬واتبع العديد من اإلسرائيليني‬ ‫النموذج الذي ميثله لهم رئيس الوزراء‪ ،‬الذي اعتمد العالقات اجلديدة‬ ‫باصطحاب أسرته في عطلة إلى اجلزر اليونانية‪.‬‬ ‫وتسعى إسرائيل في الوقت احلالي إلى مد خط أنابيب عبر البحر‬ ‫املتوسط إلى اليونان‪ ،‬واالستفادة من حقل ليفياثان معا‪ .‬ويعد‬ ‫احلقل الذي ميتد من ساحل إسرائيل إلى قبرص مرورا مبناطق في‬ ‫املياه اإلقليمية املصرية واللبنانية أكبر مخزون للغاز الطبيعي‬ ‫يتم اكتشافه حتت عمق البحر منذ عشرة أعوام‪ .‬وفي الوقت الذي‬ ‫تتصاعد فيه التوترات اإلقليمية‪ ،‬رفضت األمم املتحدة طلبا لبنانيا‬ ‫حلل النزاع‪ ،‬وأعلن السفير اإليراني في بيروت أن ثالثة أرباع احلقل‬ ‫ملك للبنان‪ ،‬ورفض وزير اخلارجية التركي االعتراف باتفاقية ترسيم‬ ‫احلدود املالحية بني قبرص وإسرائيل والتي تفتح الطريق أمام احلفر‪.‬‬ ‫ودخلت شركة «غازبروم» الروسية احملتكرة في الصراع‪ ،‬وميهد كل‬ ‫ذلك الندالع احلريق التالي في املنطقة‪.‬‬ ‫وال تنتهي التوترات املتعلقة بالطاقة عند هذا احلد‪ .‬في شهر‬ ‫نوفمبر (تشرين الثاني)‪ ،‬أرسلت تركيا سفينتني للتنقيب عن النفط‬ ‫إلى مياه شرق البحر املتوسط املتنازع عليها‪ ،‬مما أدى إلى احتجاج‬ ‫اليونان‪ .‬في املنطقة املتوترة عادة‪ ،‬حيث يخوض جنود يونانيون وأتراك‬ ‫يوميا جتارب على املعارك اجلوية‪ ،‬أصبح احتمال وجود تصعيد كبيرا‪.‬‬ ‫وفي قضية تنظر فيها احملكمة في الوقت احلالي في تركيا‪ ،‬وجهت‬ ‫اتهامات ألفراد في اجليش التركي بالتخطيط إلشعال حرب مع‬ ‫اليونان كذريعة للقيام بانقالب عسكري ضد احلكومة احلالية‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ومن وجهة النظر اليونانية‪ ،‬من املمكن أن يجتذب التعامل مع‬ ‫إسرائيل استثمارات إسرائيلية ومهارات تكنولوجية إلى اقتصادها‬ ‫املنهار‪ ،‬ويضمن أيضا مبيعات أسلحة معقدة‪ ،‬ويفوز بحماية مؤثرة‬ ‫ميكنها أن حتبط مساعي تركيا النشطة من جديد والتي تضع عينها‬ ‫على مخزون الطاقة في حقل ليفياثان وبحر إيجة‪.‬‬ ‫قال سوتيريس روسوس‪ ،‬مدير مركز الدراسات املتوسطية والشرق‬ ‫أوسطية واإلسالمية في جامعة بيلوبونيز اليونانية‪« :‬يريد باباندريو‬ ‫أن يجذب اهتمام األعمال التجارية اإلسرائيلية باالقتصاد اليوناني‬ ‫ورمبا يجذب الشركات األميركية أيضا من خالل القدس‪ .‬ويريد إعادة‬ ‫تقدمي اليونان كطرف ذي مصالح طبيعية محددة في شرق البحر‬ ‫املتوسط»‪.‬‬ ‫يزداد حجم التبادل التجاري بني اليونان وإسرائيل‪ ،‬والذي يبلغ حاليا‬ ‫نحو نصف مليار دوالر سنويا‪ ،‬بنسبة ‪ 12‬في املائة كل عام‪.‬‬ ‫ومن جانبها‪ ،‬تبدو إيران مرتبكة أيضا‪ .‬في زيارة إلى اليونان في‬


‫متوفرة الآن على‬

‫جملة العرب الدولية‬

‫املجلة‬ ‫تطبيقات املجلة‬ ‫تطبيقات‬


‫●● أقوال‬ ‫احملتويات‬

‫أقوال‬ ‫"إن قرار مجلس األمن معيوب وخاسر‬ ‫ومدمر ألنه يسمح بكل شيء‬ ‫ويذكرنا بدعوات من القرون‬ ‫الوسطى إلى شن حمالت‬ ‫صليبية‪ ..‬ويجيز القرار بشكل‬ ‫فعلي التدخل في أراضي دولة‬ ‫ذات سيادة"‬ ‫فالدميير بوتني‪ ،‬رئيس وزراء روسيا تعليقا على‬ ‫قرار مجلس األمن الدولي اخلاص بليبيا‬

‫"الدماء التي نزفت هي دماء سوريا وكلنا‬ ‫معنيون بها النها دماؤنا والضحايا هم اخوتنا‬ ‫واهلهم هم اهلنا ومن الضروري ان نبحث عن‬ ‫االسباب واملسببني ونحقق ونحاسب فاذا كان اجلرح‬ ‫قد نزف فليكن ذلك من اجل وحدة ابناء الوطن وليس‬ ‫من اجل تفريقهم‪ ..‬ولنعمل بأقصى سرعة على رأب‬ ‫اجلرح"‬ ‫بشار األسد‪ ،‬الرئيس السوري في كلمة امام البرملان هي األولى بعد‬ ‫اسبوعني من احتجاجات شعبية مطالبة باصالحات سياسية في البالد‬

‫"إننا نتحفظ بشكل طبيعي‬ ‫على استخدام القوة لتسوية‬ ‫املشكالت العاملية‪ ،‬إدراكا‬ ‫منا خملاطر حترك عسكري‬ ‫وكلفته‪ ..‬لكن حني تكون‬ ‫مصاحلنا وقيمنا مهددة‪،‬‬ ‫يكون من مسؤوليتنا أن‬ ‫نتحرك"‬ ‫باراك أوباما‪ ،‬الرئيس األميركي في‬ ‫كلمة ألقاها في جامعة الدفاع الوطني‬ ‫في واشنطن مبررا مشاركة بالده في احلرب‬ ‫على ليبيا‬

‫"عندما يتحدث الرئيس االمريكي باراك‬ ‫اوباما عن تونس ويصفق اعضاء‬ ‫الكوجنرس بقوة فهذا يعني‬ ‫اننا على الطريق الصحيح‬ ‫وانه ال يجب ان نحيد عن‬ ‫هذا الطريق"‬

‫الباجي قائد السبسي‪ ،‬رئيس‬ ‫الوزراء التونسي املوقت في لقاء‬ ‫تلفزيوني مباشر مع صحفيني‬ ‫من القنوات التلفزيونية التونسية‬ ‫الرئيسة‬ ‫‪8‬‬

‫"معاناة املدنيني في ليبيا دفعت اجملتمع الدولي‬ ‫إلى التدخل في ضوء ما تعاني منه جامعة‬ ‫الدول العربية‪ ،‬التي كان يفترض بها أن‬ ‫تقوم بذلك الدور"‬ ‫الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني‪ ،‬أمير دولة قطر‬ ‫في تصريح عقب استقباله الرئيس السوداني عمر‬ ‫البشير في الدوحة‬

‫"إن فترات التغير تفرض النظر إليها‬ ‫وتفرض مسؤولية التعامل معها وتوجيهها‬ ‫لصالح البشرية إن كانت خيرا وجتنب شرها إن‬ ‫كانت شرا إن حلظة القطبية األحادية التي أعقبت‬ ‫سقوط االحتاد السوفيتي لن تدوم فهناك صعود‬ ‫لقوى أخرى كالصني والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا‬ ‫واالحتاد األوربي وروسيا وحتى مجلس التعاون مبا‬ ‫يتمتع به من ثروات"‬ ‫األمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬رئيس مجلس ادارة‬ ‫مركز امللك فيصل للبحوث والدراسات االسالمية في كلمة أمام‬ ‫املؤمتر السنوي السادس عشر ملركز اإلمارات للدراسات والبحوث‬ ‫االستراتيجية بأبوظبي‬

‫"شعبي العزيز‪ ،‬أخاطبك اليوم‪،‬‬ ‫بشأن الشروع في املرحلة املوالية‪،‬‬ ‫من مسار اجلهوية املتقدمة‪ ،‬مبا‬ ‫تنطوي عليه من تطوير لنموذجنا‬ ‫الدميقراطي التنموي املتميز‪ ،‬وما‬ ‫تقتضيه من مراجعة دستورية‬ ‫عميقة‪ ،‬نعتبرها عمادا ً ملا نعتزم‬ ‫إطالقه من إصالحات جديدة شاملة"‬

‫امللك محمد السادس‪ ،‬العاهل املغربي في خطاب‬ ‫إلى الشعب املغربي بعد اندالع احتجاجات شعبية في عدد من‬ ‫املدن املغربية تطالب بإصالحات جذرية في اجملاالت السياسية‬ ‫واالقتصادية‬

‫"لن أرد على احد ولكن الشكر والتقدير ألبنائي‬ ‫الشباب والشابات لكل جماهير شعبنا‬ ‫العظيم‪ ،‬انا اتعهد لكم أيها اجلماهير‬ ‫أني سأفدي هذا الشعب بالروح وبالدم‪،‬‬ ‫سأضحي‪ ،‬إنني سأضحي بالدم والغالي‬ ‫والنفيس من اجل جماهير شعبنا اليمني‬ ‫العظيم"‬ ‫علي عبداهلل صالح‪ ،‬الرئيس اليمني في كلمة بالعاصمة‬ ‫اليمنية صنعاء أمام عشرات اآلالف من أنصاره في "يوم‬ ‫اإلخاء"‬


‫‪44‬‬

‫‪10‬‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪7‬‬


‫● احملتوى‬

‫احملتوى‬

‫‪28‬‬

‫أقوال‬

‫‪8‬‬

‫احلرب والسالم‬

‫‪10‬‬

‫ •معركة املتوسط‬ ‫ •حق امتالك القوة‬ ‫ •قطار األخوان‬

‫شؤون سياسية‬

‫‪18‬‬

‫قصة الغالف‬ ‫ •املأزق العربي ‪ ..‬اضطرابات الشرق األوسط‬ ‫ومستقبل اجلمهورية العربية‬

‫‪28‬‬

‫ثروة األمم‬

‫‪32‬‬

‫•حراس الثورة‬ ‫•الرابطة األخوية‬ ‫•سفير بال حقيبة‬ ‫•حب حتى املوت‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ •أميركا الشركات‬ ‫ •الصني متنع الياسمني‬

‫الوضع البشري‬

‫ •من أجل خليج أخضر‬ ‫ • حقوق ضائعة‬

‫حوارات‬

‫‪38‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪34‬‬

‫ •جمال خاشقجي‪ :‬القناة اجلديدة‬ ‫على ميني «اجلزيرة» ويسار «العربية»‬

‫ •جيمس زغبي يتحدث لـ«اجمللة» عن العرب وأميركا‪..‬‬ ‫واخملاوف‬

‫املغرب‬

‫‪52‬‬

‫الفن‬

‫‪56‬‬

‫النقاد‬ ‫الكلمة األخيرة‬

‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪6‬‬

‫‪24‬‬


‫الكتاب المساهمون في هذا العدد‬

‫إليزابيث إسكندر‬ ‫باحثة في العالقات الدولية في كلية االقتصاد والعلوم‬ ‫السياسية بجامعة لندن‪ .‬حتمل إسكندر الدكتوراه في‬ ‫السياسة والدراسات الدولية من جامعة كمبريدج وتكتب‬ ‫مقاالت بانتظام في شؤون الشرق األوسط‪ .‬تعمل إسكندر‬ ‫في مجال حل الصراعات وتركز أبحاثها على سياسة الهوية‬ ‫والدين في الشرق األوسط مع التركيز على مصر‪ .‬وتعمل أيضا‬ ‫في تنسيق مشاريع أبحاث لعدد من املنظمات الدولية غير‬ ‫احلكومية‪.‬‬

‫توني بدران‬ ‫باحث في مؤسسة الدفاع عن الدميقراطيات‪ ،‬حيث يركز‬ ‫على شؤون سورية ولبنان وحزب اهلل‪ .‬تتضمن أبحاثه‬ ‫السياسة األميركية جتاه لبنان وسورية‪ ،‬والسياسة اخلارجية‬ ‫السورية والعالقات اإلقليمية‪ ،‬والشؤون اللبنانية‪ ،‬واجلغرافيا‬ ‫السياسية في العراق‪ ،‬والسياسة اإليرانية في شرق البحر‬ ‫املتوسط‪ .‬تنشر مقاالت بدران في عدد من اإلصدارات البارزة‬ ‫في الواليات املتحدة‪ .‬ويكتب أيضا مقاال أسبوعيا على موقع‬ ‫‪.nowlebanon.com‬‬

‫أياسون أثاناسيادس‬ ‫كاتب ومصور ومنتج أفالم وثائقية‪ ،‬يقيم بني إسطنبول‬ ‫وكابل‪ .‬درس اللغة العربية والدراسات الشرق أوسطية في‬ ‫جامعة أكسفورد‪ ،‬واللغة الفارسية والدراسات اإليرانية‬ ‫املعاصرة في كلية الدراسات الدولية في طهران‪ ،‬وحصل‬ ‫على زمالة نيمان في جامعة هارفارد‪ .‬ويعمل في «بي بي سي‬ ‫الدولية» و«اجلزيرة» و«آرتي»‪ ،‬ويكتب مقاالت لـ«لوس أجنليس‬ ‫تاميز» و«إنترناشيونال هيرالد تريبيون» و«ذا سبكتاتور»‬ ‫و«الفايننشيال تاميز» و«غلوبال بوست»‪ .‬وتظهر أعماله‬ ‫املصورة في «دير شبيغل» و«ماري كلير» و«الغارديان» و«نيو‬ ‫ستيتسمان»‪ .‬وله أيضا مدونة صور في موقع «اجمللة»‪:‬‬ ‫‪/http://www.majalla.com/en/Blogs/PortsofCall‬‬

‫غالدا الن‬ ‫باحثة في برنامج الطاقة والبيئة والتنمية في تشاثام‬ ‫هاوس‪ .‬تتضمن مجاالت تخصصها التحول إلى الطاقة‬ ‫املستدامة في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪،‬‬ ‫والعالقات بني الصناعة واحلكومة في الدول املصدرة للنفط‪،‬‬ ‫وتأثير التنمية على استثمارات الغاز والنفط‪ ،‬وأمن الطاقة‬ ‫واجلغرافيا السياسية‪ .‬تنشر كتابات الن‪ ،‬التي تخرجت في‬ ‫كلية الدراسات الشرقية واألفريقية‪ ،‬في صحف ومجالت عدة‬ ‫منها مجلة «فيرست» ومجلة «هاوس» و«أوراق عمل تشاثام‬ ‫هاوس»‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫‪5‬‬


‫● اإلفتتاحية‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬

‫األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز‬

‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬ ‫الرئيس التنفيذي‬ ‫الدكتور عزام الدخيل‬ ‫رئيس التحرير‬

‫عادل بن زيد الطريفي‬

‫إدارة التحرير‬ ‫عزالدين سنيقرة‬ ‫جاكلني شون‬ ‫سكرتير التحرير‬ ‫جان سينجفيلد‬

‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع املقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في االلكترونية(كندل) بـ‪kindle@majalla.com :‬‬

‫تنويه‬

‫اآلراء الواردة في اجمللة ال تعبر بالضرورة عن رأي إدارة التحرير‬

‫حقوق النشر محفوظة جمللة اجمللة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث‬ ‫والتسويق (اململكة املتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة‬ ‫اجمللة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة‬ ‫إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون احلصول على تصريح مسبق من‬ ‫الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة)‪ .‬وتصدر اجمللة شهريا ً‪ .‬لتلقي‬ ‫استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪London Office Address‬‬ ‫‪HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited‬‬ ‫‪Arab Press House 182-184 High Holborn,‬‬ ‫‪LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539‬‬ ‫‪2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181,‬‬ ‫‪Fax: +(0)20 7831 2310‬‬ ‫‪E-Mail: editorial@majalla.com‬‬

‫اإلعالن‬ ‫لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ‪:‬‬

‫‪Mr. Wael Al Fayez‬‬ ‫‪w.alfayez@alkhaleejiah.com‬‬ ‫‪Tel.: 0096614411444,‬‬ ‫‪F.: 0096614400996‬‬ ‫‪P.O.BOX 22304, Riyadh 11495, Saudi Arabia‬‬

‫صورة الغالف‬

‫‪4‬‬

‫© ‪Getty Images‬‬

‫التحرير‬ ‫عزيزي القارئ‪،‬‬ ‫في عام ‪ ،1981‬نشر فؤاد عجمي‪ ،‬الذي يعمل حاليا أستاذ كرسي ماجد خضوري في دراسات‬ ‫الشرق األوسط ومدير برنامج دراسات الشرق األوسط في كلية بول نيتز للدراسات الدولية‬ ‫املتقدمة في جامعة جون هوبكنز‪ ،‬كتابه األول «املأزق العربي» الذي يحلل فيه ما وصفه بأزمة‬ ‫فكرية وسياسية اكتسحت العالم العربي بعد هزميته على يد إسرائيل في حرب عام ‪.1967‬‬ ‫في كتابه املثير‪ ،‬طرح األستاذ عجمي عددا من األسئلة‪ :‬كيف تطورت األفكار السياسية العربية‬ ‫منذ حرب ‪1967‬؟ وكيف يتعامل العرب مع التأثيرات اخلارجية التي تتعرض لها ثرواتهم؟ وما هي‬ ‫مضامني ظهور األصولية اإلسالمية؟‬ ‫بعد مرور ثالثني عاما على هذا الكتاب املستنير‪ ،‬تواجه احلكومات العربية موجة من االنتفاضات‬ ‫التي يتطلب التعامل معها اتخاذ قرارات صارمة ستكون لها آثار بعيدة املدى على استقرار‬ ‫اجملتمعات العربية وتوازن قواها وحياتها‪.‬‬ ‫وفي طرح لألسئلة ذاتها التي قدمها األستاذ عجمي عام ‪ ،1981‬طلبنا من أحد الكتاب املصريني‪،‬‬ ‫ميناس منير‪ ،‬االشتراك مع إليزابيث إسكندر‪ ،‬الباحثة في العالقات الدولية في كلية االقتصاد‬ ‫والعلوم السياسية في لندن‪ ،‬كتابة موضوع بعنوان «إعادة النظر في املأزق العربي»‪ .‬هل ما زالت‬ ‫هناك حالة من «االستقرار مقابل الفوضى» في الشرق األوسط أم أن هناك صيغة أخرى تلوح‬ ‫في األفق؟‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذا املوضوع وغيره الكثير على موقعنا اإللكتروني ‪http://www.‬‬ ‫‪ ./majalla.com/ar‬ونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت‬ ‫في التواصل معنا‪.‬‬

‫عادل الطريفي‬ ‫رئيس التحرير‬




‫العدد رقم ‪ - 1562‬ابريل ‪2011‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫املأزق العربي‬ ‫اضطرابات الشرق األوسط‬ ‫ومستقبل اجلمهورية العربية‬

‫‪03‬‬

‫‪9 770261 087119‬‬ ‫‪Issue 1562‬‬

‫ ‪The Majalla‬‬

‫شؤون سياسية‬

‫حب حتى املوت‬ ‫معمر القذافي‪ ..‬األخ قائد الثورة قاهر اجلماهير‬

‫ثروة األمم‬

‫الصني متنع الياسمني‬ ‫بكني تبحث أزماتها االقتصادية وعينها على تونس ومصر‬

‫حوارات‬

‫جمال خاشقجي‪:‬‬ ‫القناة اجلديدة على ميني "اجلزيرة" ويسار "العربية"‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.