After Osama

Page 1



‫● الكلمة األخيرة‬

‫الكل صقور في عش اإلخوان‬ ‫عادل الطريفي‬ ‫خالل هذا األسبوع‪ ،‬أعلنت جماعة اإلخوان املسلمني عن تأسيسها حلزب‬ ‫سياسي مستقل من أجل أن ميثل اجلماعة في االنتخابات القادمة‪ .‬احلزب‬ ‫اجلديد أطلق عليه اسم «احلرية والعدالة»‪ ،‬وهو اختيار من الواضح أنه‬ ‫جاء ليواكب ‪ -‬شكليا ‪ -‬مرحلة االنتفاضات الشعبية‪ .‬في أول تصريح‬ ‫له كرئيس للحزب اجلديد‪ ،‬قال اإلخواني محمد مرسي‪( :‬مجلس الشورى‬ ‫ناقش الكثير من القضايا‪ ،‬وصدرت عنه هذه القرارات التي نتمنى أن‬ ‫تكون في صالح مصر في ظل دستور وقوانني نتمنى أن تكون في خدمة‬ ‫املصريني)‪ ،‬مضيفا أن‪( :‬احلزب سيكون مستقال متاما عن اجلماعة في كل‬ ‫شيء)‪.‬‬ ‫كيف يكون احلزب اجلديد مستقال عن اجلماعة؟ هذا سؤال مشروع‪ ،‬إذ ما‬ ‫احلاجة التي تدفع حزبا عمره قرابة الثمانني عاما إلى إنشاء حزب جديد‬ ‫مستقل عنه ‪ -‬كما يزعم ‪ -‬إداريا وسياسيا‪ .‬العارفون مبوضوع اإلخوان‬ ‫يبررون هذا اإلجراء حتت ذريعة أن الدستور (املعدل) ما زال يحظر تأسيس‬ ‫األحزاب على أسس دينية‪ ،‬حيث إن املادة اخلامسة تنص على أنه (ال جتوز‬ ‫مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أية مرجعية دينية‬ ‫أو أساس ديني)‪.‬‬ ‫كل ما يعنيه ذلك‪ ،‬هو أن احلزب الديني األقدم في املنطقة ال يريد تغيير‬ ‫مبدأ التوظيف السياسي للدين‪ ،‬أو إعادة صياغة دستوره ليتوافق مع‬ ‫الشرط املدني للدستور الوطني للدولة‪ .‬أي إن احلزب اجلديد سيكون عبارة‬ ‫عن «واجهة»‪ ،‬أو «محلل» للحزب القدمي‪.‬‬ ‫حقيقة‪ ،‬ال ندري كيف ميكن حلزب يرفع شعارا مدنيا أن يكون مملوكا حلزب‬ ‫آخر يرفع شعارا دينيا‪ ،‬وال كيف ميكن تسويغ ذلك قانونيا ودستوريا‪ .‬إذا كان‬ ‫احلزب اجلديد مرجعية تأسيسه تعود إلى قرار جمللس شورى جماعة اإلخوان‬ ‫التي ترفع شعارا دينيا‪ ،‬فإن احلزب بالضرورة مبني على أساس ديني يفرق‬ ‫بني املواطنني‪.‬‬ ‫في املنطقة يتحدث البعض عن «الربيع العربي» الذي بزغ في تونس‬ ‫ومصر‪ ،‬ولكننا ال نرى ‪ -‬بالضرورة ‪ -‬أن ذلك التغيير قد أصاب كبرى احلركات‬ ‫األصولية في املنطقة‪ ،‬فهي لم تضطر إال إلى تغيير لوحة احلزب على‬ ‫بعض املقار ليحمل عنوانا فرعيا جديدا آليديولوجيتها القدمية‪.‬‬ ‫ألكثر من ستة عقود‪ ،‬والكتاب والباحثون يجادلون بأن حزب اإلخوان املصري‬ ‫يضم حمائم وصقورا‪ ،‬وأن إصالح ‪ -‬أو تطوير ‪ -‬احلزب يقف ضده مجموعة‬ ‫من احلراس القدامى‪ ،‬ولكن عقدا بعد آخر تتغير الوجوه واألسماء ويظل‬ ‫احلزب على حاله‪ ،‬فأدبياته التي صيغت في أجواء من الصراع مع أحزاب‬ ‫اندثرت والصدام مع حكومات تولت‪ ،‬ال تزال هي املعني الذي ال ينضب‬ ‫للمنضمني اجلدد‪.‬‬ ‫يجادل اإلخوان بأنهم «دعاة ال قضاة»‪ ،‬وأنهم يقفون ضد كل أشكال‬ ‫العنف‪ ،‬وهذا صحيح ‪ -‬نسبيا ‪ -‬في أن اجلماعة ليس لها جناح مسلح‬ ‫تعترف به‪ ،‬ولكن مشكلة اإلخوان ليست في عدم حملهم للسالح‪ ،‬بل في‬ ‫إنتاجهم لثقافة أصولية صدامية مع العالم املدني‪ .‬هم يعتبرون أنفسهم‬ ‫دعاة‪ ،‬واملواطنني أهل دعوة‪ ،‬وهناك مرشد للجماعة جتب مبايعته‪.‬‬ ‫اإلخوان‪ ،‬ومنذ اغتيال النقراشي باشا (‪ )1948‬أفرزوا بشكل مباشر ‪-‬‬ ‫وغير مباشر ‪ -‬جل احلركات والتنظيمات اإلسالمية املتطرفة‪ .‬فإنه قلّ أن‬ ‫جتد شخصية ارتبطت بالتطرف الديني إال وقرأت أدبيات اجلماعة‪ ،‬أو تربت‬ ‫في محاضنها‪ ،‬أو تعرضت لشيء من خطابها وأفكارها‪ .‬ال يعني هذا أن‬ ‫اإلخوان مسؤولون عن كل تلك األعمال الدموية التي قامت بها جماعات‬ ‫اجلهاد و«القاعدة» وغيرها‪ ،‬ولكن من الضروري أن يقال إن هناك خيطا‬ ‫رفيعا يفصل هذه اجلماعة عن كل تلك احلركات واجلماعات وهو عدم حمل‬ ‫‪62‬‬

‫السالح‪ ،‬أو بتعبير أدق عدم الضغط على الزناد‪.‬‬ ‫ثقافة اجلماعة ال توصلك إال إلى طريق واحد هو حتمية «احلل اإلسالمي»‪،‬‬ ‫أو بعبارة أخرى‪ ،‬حتمية احلكم الشمولي للجماعة‪ .‬اجلماعة تربيك على‬ ‫التشدد والتطرف الديني‪ ،‬ولكنها تقول لك في النهاية إنها (ال) تؤمن‬ ‫بحمل السالح‪ ،‬أي إن ذلك اجتهاد فقهي للمصيب أجران‪ ،‬وللمجتهد‬ ‫اخملطئ أجر‪.‬‬ ‫إذا كان البعض يعتبر ذلك جتنيا على اجلماعة‪ ،‬فليراجع بيانها اخلاص مبقتل‬ ‫أسامة بن الدن‪ ،‬حيث حتفظت اجلماعة على سفك دم «الشيخ»‪ ،‬واعتبرت‬ ‫أن حادثة ‪ 11‬سبتمبر ألصقت بتنظيم القاعدة بهدف تشويه اإلسالم‪،‬‬ ‫وأن املقاومة مشروعة ضد ما يعتبرونه احتالال في العراق وأفغانستان‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬منطق «القاعدة» واإلخوان واحد‪ ،‬ولكنهم مختلفون في االجتهاد‪،‬‬ ‫حيث يبرر اإلخوان حمل السالح ضد احملتل وأعوانه (من املواطنني)‪،‬‬ ‫بينما يرى اآلخر جواز قتل اجلميع ونقل املعركة إلى أرض العدو‪ ،‬فال فرق‬ ‫بني مدني أو عسكري‪ .‬بيان اجلماعة ال يعترف ضمنا باستقالل دولة‬ ‫كالعراق أو أفغانستان في قرارها السيادي فهي بالنسبة له أرض مسلمة‬ ‫محتلة‪ .‬هل نحتاج بعد ذلك إلى دليل على مدى «جاهلية» منهج هذه‬ ‫اجلماعة؟!!‬ ‫في كل مرة يتم تناول أزمة اجلماعة تتم اإلشارة إلى كلمة هنا‪ ،‬أو حديث‬ ‫هناك أدلى به عضو اجلماعة (احلمامة) عن تطلع احلزب في برنامجه‬ ‫القادم نحو الدميقراطية‪ ،‬أو احترام احلقوق املدنية‪ ،‬أو حقوق املرأة‪ ،‬أو حرية‬ ‫الفكر‪ ،‬أو حقوق األقليات‪ ،‬ولكن ال يلبث إال أن يخرج عضو آخر (من‬ ‫الصقور) بتصريح ينقض كل تلك التصريحات الوردية واحلاملة‪ ،‬واحملصلة أن‬ ‫اجلماعة تغير من مواقفها التكتيكية‪ ،‬أو تناور سياسيا‪ ،‬ولكن لم يحصل‬ ‫أن حدث هناك اجتهاد فكري حقيقي داخل اجلماعة لتغيير آيديولوجيتها‬ ‫(املتطرفة) حتى تتحول إلى حزب مدني‪ ،‬فأي اجتهاد جديد ينتهي بصاحبه‬ ‫إلى خارج احلزب ألن اجلماعة تسمح باالجتهاد في الفروع ال األصول‪.‬‬ ‫في كتابها «اإلخوان املسلمون‪ :‬عبء التقاليد» (الساقي ‪ ،)2011‬تذكرنا‬ ‫إليسون براغيتر أن جماعة اإلخوان ال تزال حركة ماضوية وغير قادرة على‬ ‫القطيعة مع ماضيها املتشدد‪ ،‬وأن برنامج اإلخوان طوال العقود املاضية‬ ‫لم يكن إال مزيجا من البراغماتية واالنتهازية‪ ،‬وموقفا مضطربا جتاه‬ ‫استخدام العنف‪.‬‬ ‫هناك مشكلة دائمة في التعاطي مع األحزاب واحلركات الدينية األصولية‪،‬‬ ‫وهي أنها دائما ما حتتوي على خطاب متناقض‪ ،‬وتتم قراءة ذلك في ثنائية‬ ‫الصقور ‪ /‬احلمائم‪ .‬ولكن احلقيقة الغائبة هي أنه في عالم األصوليات‬ ‫الكل صقور‪ ،‬ال فرق بني عضو وآخر إال في مقدار لطافته الشخصية‪ ،‬ولكن‬ ‫أساس التفكير واحد‪ .‬البعض يريد أن يصبر عليك حتى تهتدي حلكمه‪،‬‬ ‫واآلخر يريد أن يفرض عليك حكمه اآلن‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬يتفاءل البعض بأن اإلخوان سيضطرون للتغيير الدميقراطي ‪/‬‬ ‫املدني بسبب «الثورة» املناهضة لالستبداد التي تعم املنطقة‪ ،‬وأن من‬ ‫شأن إتاحة الفرصة للعمل السياسي للجماعة من دون قيود أن يعزز من‬ ‫فرص حتولها نحو املدنية بعد أن تنعم بالسلطة‪ ،‬وأن الناس سيتاح لهم‬ ‫احلكم على اجلماعة بناء على أدائها ال أقوالها‪ ،‬ولكن هؤالء رمبا ينسون‬ ‫أنهم يتحدثون عن جماعة دعوة ترى الناس ضالني للطريق‪ ،‬جماعة لم تغير‬ ‫حتى اليوم شعارها فكيف لها أن تقبل بشروط اللعبة الدميقراطية التي‬ ‫ال تتوفر إال مبناخ علماني ‪ /‬مدني‪.‬‬ ‫لقد آن لعميد األحزاب الشمولية األخير أن يأخذ دوره في السلطة‪ ،‬ولكن‬ ‫هل على اآلخرين أن ينتظروا منه أن مينحهم «احلرية» و«العدالة»؟!‬



‫تقرير‬ ‫● نقاد‬

‫السلفية اجلهادية تنافس حماس‬ ‫في الداخل و حترجها مع اخلارج‬

‫تطرّف في غزة‬

‫تناول تقرير جملموعة األزمات الدولية التهديد الذي تواجهه‬ ‫حماس من قبل اجلناح األكثر تشددا في منظمتها‪ .‬كان‬ ‫التصعيد الذي حدث على مدار األسابيع املاضية في صالح‬ ‫جماعات مسلحة مثل اجملاهدين السلفيني‪ ،‬مما ينذر بخطورة‬ ‫وقوع مواجهة مسلحة‪ .‬من املمكن أن يساعد استيعاب‬ ‫أفضل لعالقة حماس باجلماعات اإلسالمية املنافسة على‬ ‫جتنب حرب أخرى‪ .‬ولكن إذا استمرت «إسرائيل» في أسلوبها‬ ‫التقليدي‪ ،‬رمبا جتبر حماس على اتخاذ موقف ال ميكن الدفاع‬ ‫عنه حيث يصبح التصعيد العسكري الوسيلة الوحيدة‬ ‫للبقاء‪.‬‬

‫فوزها في االنتخابات‪ ،‬ولذلك لم تكن مستعدة للحكم‪ .‬وبعد االنتخابات‪،‬‬ ‫سريعا ما امتألت صفوفها‪ ،‬مما جعل الوقت ال يكفي لتدريب تابعيها أو‬ ‫إعدادهم ملواجهة حتديات املسؤولية بصورة كاملة‪ .‬فجأة طلبت احلركة‬ ‫أعضاء جددا‪ ،‬من أجل احلفاظ على األمن واإلدارة‪ ،‬وأصبح الطلب أكبر بعد‬ ‫وصولها إلى السلطة عام ‪ .2007‬قال متحدث باسم الشرطة‪« :‬بعد‬ ‫االنتخابات‪ ،‬أراد اجلميع االنضمام إلى حماس‪ ،‬ومتت االستعانة بالكثيرين‬ ‫قبل أن نتمكن من تقدمي التعليم املناسب لهم»‪ .‬ولكن شهد هذا‬ ‫التوسع انتكاسات‪ ،‬أحدها كانت خالفات خطيرة في اآليديولوجيا والتي‬ ‫مت التكتم عليها‪ .‬ولكن مع مرور الوقت‪ ،‬تزايدت االختالفات وكان اجملاهدون‬ ‫السلفيون أحد وجوهها‪.‬‬

‫وفي حني يدعو هؤالء املسلحون حماس إلى األسلمة والعسكرة‪ ،‬فإنهم‬ ‫يعترفون بصعوبة موقفها‪ .‬يجب على احلكومة أن تضع االعتبارات‬ ‫اخلارجية في احلسبان‪ .‬كما يوجد خالف داخل حماس حول الوسائل‬ ‫والسرعة التي يجب بها تطبيق اإلسالم‪ ،‬باإلضافة إلى خالف بني أهل‬ ‫غزة حول الدرجة التي تنفذ بها احلركة هذا التطبيق‪ .‬وبسبب متطلبات‬ ‫احلكم والضغوط التي تتعرض لها احلركة من كل من مؤيديها والغرب‪،‬‬ ‫تتنازع قيادة حماس اجتاهات متعارضة‪ .‬وكانت النتيجة سياسة متعرجة‪،‬‬ ‫حيث يتم اقتراح سياسات متشددة ثم التراجع عنها بعد مواجهة‬ ‫اإلسالم املتطرف في غزة‬ ‫ضغوط‪ .‬ولكن كان أكثر املواقف إثارة للقلق هو مجموعة الهجمات‬ ‫الدولية‬ ‫مجموعة األزمات‬ ‫التي استهدفت ما بدت أنها أهداف غير إسالمية والتي لم جتر محاكمة‬ ‫‪2011‬‬ ‫مارس (آذار)‬ ‫علنية ألي شخص مشتبه في تورطه فيها‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تزعزع‬ ‫أثارت االشتباكات التي وقعت أخيرا بني "إسرائيل" وحركة املقاومة الهجمات الصاروخية العشوائية التي تشن ضد "إسرائيل" من قبل‬ ‫االسالمية حماس تساؤالت خطيرة حول عالقة حماس باملنظمات املسلحني استقرار حكومة حماس وتهدد مشروعيتها‪.‬‬ ‫املسلحة األكثر تشددا منها‪ .‬في العام املاضي‪ ،‬شهدت اجلماعات‬ ‫اجلهادية السلفية ارتفاعا مستمرا في أعداد املنضمني إليها بناء على ومن خالل معاقبة حماس على الصواريخ التي تطلقها جماعات خارجة‬ ‫انتشار الشعور باإلحباط داخل اجلناح العسكري في حماس‪ .‬وعلى الرغم عن سيطرتها‪ ،‬تستفز "إسرائيل" على وجه التحديد املقاتلني الذين‬ ‫من صغر هذه اجملموعات وتدني قدراتها االستراتيجية‪ ،‬فإنها أصبحت متثل تبذل احلركة جهودا من أجل استمرار التزامهم‪ .‬وتأتي استثارة اجلناح‬ ‫حتديا آيديولوجيا حلماس وتهدد بزعزعة اتفاق وقف إطالق النار الهش‪ .‬منذ الراديكالي في حماس ونزع الشرعية عن قادتها كنتيجة عكسية ملا‬ ‫أن تولت حماس السلطة في غزة واستعادت األمن فيها‪ ،‬لم يجد اجملاهدون أرادته "إسرائيل"‪ .‬لقد أدى هذا التحول إلى توصل كثيرين في غزة إلى أن‬ ‫السلفيون قدرا كبيرا من احلرية للمناورة‪ .‬وسارعت حماس بإظهار صغر املواجهة املسلحة التالية مع "إسرائيل" حتمية‪ .‬وما زال من غير املؤكد‬ ‫حجم اجلماعات اإلسالمية املتطرفة في غزة‪ .‬إن عدد اجملاهدين السلفيني ما إذا كان من املمكن احتواء التصعيد الراهن ومن املمكن جتنب العنف‪.‬‬ ‫قليل‪ ،‬كما أنهم لم ينفذوا أي عمليات عسكرية‪ ،‬ولكن نظرا لوجود قد تصبح تداعيات حرب أخرى مدمرة‪ ،‬ال سيما في ظل الوضع احلالي‬ ‫غالبية من أعضائها كانوا في السابق من أعضاء حماس‪ ،‬بدأت تصرفاتهم املضطرب في املنطقة‪ .‬أما املستفيدون من اندالع مواجهة فسيكونون‬ ‫أعضاء حماس األكثر ميال للقتال واجملاهدين السلفيني الذين يسعون إلى‬ ‫تخضع للمراقبة‪.‬‬ ‫جتنيدهم‪ .‬ويخلص التقرير إلى أن "أفضل طريقة للحد من اخلطورة هي‬ ‫يتبنى اجملاهدون السلفيون تفسيرا صارما للشريعة اإلسالمية‪ ،‬وال يعتبرون التعامل مع حماس ليس بصفتها منظمة عسكرية بل حركة سياسية"‪.‬‬ ‫أنفسهم مجرد محررين لفلسطني بل جزءا من حركة عاملية من املقاتلني‬ ‫املسلحني الذين يدافعون عن املسلمني ضد األعداء غير املسلمني‪ .‬يجذب‬ ‫هؤالء اجملاهدون أعضاء اجلناح العسكري في حركة حماس‪ ،‬الذين يعارضون‬ ‫قرار عدم محاربة "إسرائيل" أو تطبيق الشريعة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ضعف قوتهم احلالية‪ ،‬فإن تلك اجلماعات من املمكن أن‬ ‫تثير تصعيدا – من خالل إطالقها الصواريخ كما ظهر أخيرا – وهو ما قد‬ ‫يؤدي إلى تداعيات خطيرة في غزة واملنطقة ككل‪.‬‬ ‫حتى نتعرف على كيفية ظهور اجملاهدين السلفيني‪ ،‬ينبغي أن نعود إلى‬ ‫عام ‪ 2006‬عندما وصلت حماس إلى السلطة ألول مرة‪ .‬لم تتوقع حماس‬

‫‪60‬‬

‫يتبنى اجملاهدون السلفيون تفسيرا صارما للشريعة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وال يعتبرون أنفسهم مجرد محررين‬ ‫لفلسطني بل جزءا من حركة عاملية من املقاتلني‬ ‫املسلحني الذين يدافعون عن املسلمني ضد األعداء‬ ‫غير املسلمني‬


‫أصوات العرب‪ :‬ماذا يقولون لنا‪،‬‬ ‫وملاذا ذلك مهم؟‬

‫تعطل االتصال‬

‫يصطحب املؤلف القارئ في املسيرة املتعرجة لعالقات أميركا مع‬ ‫العالم العربي‪ ،‬ومع األميركيني من أصول عربية‪ ،‬بواسطة مناذج تاريخية‬ ‫وشخصية‪ ،‬وتعقب الرأي العام العربي منذ بداية الثمانينات‪ .‬وما يجعل‬ ‫الكتاب مثيرا لقدر كبير من االهتمام هي جتربة الدكتور زغبي الشخصية‬ ‫بصفته أميركيا من أصل عربي لبناني‪ ،‬باإلضافة إلى كونه شخصية مهمة‬ ‫في مجتمعه‪ ،‬وهو بذلك نقطة اتصال بالنسبة للسياسيني‪ .‬باإلضافة إلى‬ ‫سهولة قراءة الكتاب‪ .‬بني دفتي الكتاب‪ ،‬يجد القارئ أنه مفيد كمرجع‬ ‫أيضا‪ ،‬حيث من املمكن استيعاب األفكار املوجودة في كل فصل بصورة‬ ‫مستقلة‪.‬‬

‫يؤكد الدكتور جيمس زغبي‪ ،‬رئيس املعهد العربي ‪ -‬األميركي‬ ‫أن الواليات املتحدة صماء عن احتياجات ومخاوف العالم‬ ‫العربي‪ .‬الفشل املتتالي في االستماع ملا يقوله العرب‪،‬‬ ‫تسبب في صدع سيستمر وقد يؤدي إلى مواجهات مخيفة‬ ‫بني العرب واألميركيني في الداخل واخلارج‪ .‬لم تفعل أحداث‬ ‫‪ 9/11‬املأساوية الكثير إليقاظ األميركيني من غفلتهم‪ .‬حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬تظل الغالبية على غير علم بهذا اجلزء من العالم‪ ،‬على‬ ‫الرغم من الوجود العسكري األميركي في املنطقة منذ احلرب‬ ‫العاملية الثانية‪ ،‬وتبادل جتاري سنوي تتجاوز قيمته ‪ 200‬مليار ويستطرد الكاتب في شرح أسباب سوء العالقة بني األميركيني والعالم‬ ‫العربي‪ ،‬مرجعا السبب في ذلك إلى سوء التفاهم املتبادل‪ ،‬بل وأيضا إلى‬ ‫دوالر‪ .‬ماذا يقول العرب ألميركا وملاذا ذلك‬ ‫يبدأ زغبي بالدرس الذي قدمه تقرير كينغ ‪ -‬كراين‪ ،‬الذي صدر عام ‪1919‬‬ ‫من أجل معرفة أفضل وسيلة تقسم بها «الدول األربع الكبرى» (إيطاليا‬ ‫وفرنسا وبريطانيا العظمى والواليات املتحدة) اإلمبراطورية العثمانية‬ ‫سابقا‪ .‬كانت تلك هي املرة األولى التي تستطلع فيها احلكومة األميركية‬ ‫الرأي العام العربي‪ ،‬وأُجري االستطالع بتفهم كامل لفكرة أن «فرض‬ ‫سياسة مضادة لرغبة الشعب ستؤدي إلى مقاومة هائلة»‪ ،‬كما ذكر‬ ‫الدكتور زغبي‪ .‬وكانت تلك أيضا هي املرة األخيرة التي وضع فيها الرأي‬ ‫العام العربي في االعتبار بجدية‪ .‬وهنا يقدم الدكتور زغبي الفكرة الرئيسة‬ ‫في الكتاب‪ ،‬إن الرأي العام العربي اليوم أهم بكثير من أي وقت مضى‪.‬‬

‫"أصوات العرب‪ :‬ماذا يقولون لنا‪ ،‬وملاذا ذلك مهم"؟‬ ‫جيمس زغبي‬ ‫بالغراف ماكميالن ‪2010‬‬ ‫‪ 10.16‬جنيه إسترليني‬

‫أقل ما يقال عن العالقات بني العرب واألميركيني‬ ‫إنها متوترة‪ .‬في حني يدعي األميركيون من غير‬ ‫األصول العربية أن سبب العداء يرجع إلى اختالف‬ ‫القيم‪ .‬يقول العرب الشرق أوسطيون واألميركيون‬ ‫إن السبب هو اخلالف القوي مع السياسة اخلارجية‬ ‫األميركية في الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬والتي‬ ‫تفتقد إلى املكون املدني وتكيل مبكيالني‪ .‬تسبب‬ ‫هذا النوع من سوء التفاهم من جانب أميركا في‬ ‫وضع أساس مغالط للتعامل بني اجملموعتني‪ ،‬والذي‬ ‫أسفر عن فترات طويلة من اإلحباط والعداء‪ .‬ومما‬ ‫يزيد العالقات تعقيدا النتيجة البغيضة واملوهنة‬ ‫للظلم‪ ،‬حيث يلقى العرب واملسلمون في الغالب‬ ‫عدم اكتراث‪ ،‬بل وازدراء صريحا في بعض األحيان من‬ ‫جانب نظرائهم األميركيني‪.‬‬ ‫نتيجة لذلك‪ ،‬تزايد ابتعاد املسلمني واملسيحيني واليهود عن بعضهم‬ ‫البعض‪ ،‬مما يضعف اآلمال في التصالح احلقيقي‪ .‬إذا لم يتم حل مشكلة‬ ‫انقطاع االتصال‪ ،‬ستقدم هذه العالقة املتوترة‪ ،‬وما يشوبها من عنف ترعاه‬ ‫الدولة وآخر ال ترعاه الدولة‪ ،‬دعما ملمارسات قلة متطرفة‪ ،‬وبذلك يظل‬ ‫املوقف عسيرا‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تلك التوقعات املفزعة‪ ،‬فإن األميركيني ذوي األصول العربية‬ ‫أصبحوا من بني «قادة البالد في ما يتعلق بالدخل والتعليم‪ .‬وفي العقود‬ ‫األخيرة‪ ،‬أصبح منهم ثالثة جنراالت يحملون أربع جنمات‪ ،‬وأربعة حكام‬ ‫واليات‪ ،‬وخمسة أعضاء في مجلس الشيوخ وما يزيد على عشرة أعضاء‬ ‫في الكونغرس»‪ .‬وذلك كما ذكر جيمس زغبي‪ ،‬مؤسس ورئيس املعهد‬ ‫العربي األميركي في كتابه اجلديد «أصوات العرب‪ :‬ماذا يقولون لنا‪ ،‬وملاذا‬ ‫ذلك مهم؟»‪ .‬لهذا السبب تشكل اجلالية العربية في الواليات املتحدة‬ ‫شريكا مهما في السعي إلى االحترام والتفاهم املتبادلني مع العرب غير‬ ‫األميركيني‪.‬‬ ‫وبناء على أحدث استطالعات الرأي الدولية التي أجرتها مؤسسة زغبي‬ ‫الستطالعات الرأي‪ ،‬التي أسسها جون زغبي شقيق الدكتور زغبي‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫رفض أميركا سماع ما يقوله العرب‪ ،‬ال سيما في ما‬ ‫يتعلق بحروب القوة العظمى في الشرق األوسط‪ .‬ويذكر‬ ‫الدكتور زغبي أسباب عدة لـ«مشكالت السمع» عند‬ ‫أميركا‪ ،‬من بينها التصوير السلبي للعرب في وسائل‬ ‫اإلعالم والوسائط الثقافية األخرى‪ ،‬واستخدام مواد‬ ‫تعليمية قدمية وبالغة التبسيط ومتحيزة في املدارس‪،‬‬ ‫وعقود من التعامل مع العالم العربي من بعيد مما جعل‬ ‫احلكومات األميركية املتتالية غير مستعدة لكثير من‬ ‫األحداث التي كانت لها تبعات خطيرة على السياسة‬ ‫اخلارجية األميركية‪.‬‬ ‫شهدت أحداث ‪ 9/11‬ذروة مشكالت السمع األميركية‪،‬‬ ‫حيث جاءت تكلفة «فرض السياسيات على الشعوب‬ ‫الرافضة»‪ .‬ولكن بدال من البحث داخلهم عن إجابة‪،‬‬ ‫اعتقد ‪ 80‬في املائة من األميركيني أن الهجمات كانت‬ ‫نتيجة لكراهية العرب للقيم األميركية‪ .‬واكتشفنا‬ ‫أن هذه مغالطة تامة‪ ،‬كما ظهر في أحد استطالعات‬ ‫زغبي للرأي‪ ،‬التي كشفت أن العرب بالفعل «معجبون»‬ ‫بالثقافة األميركية وقيمها من حرية ودميقراطية‪.‬‬

‫تشكل «األساطير العظمى» اخلمس التي يقدمها زغبي اجلزء األكبر من‬ ‫الكتاب‪ ،‬وهو يهاجمها جميعا مستعينا مبزيج من نتائج استطالعات‬ ‫الرأي وجتربته الشخصية‪ .‬وفي أربعة فصول من ‪ 16‬فصال‪ ،‬يجذب الكاتب‬ ‫انتباهنا إلى لبنان والعراق وفلسطني والسعودية ألسباب تتعلق باألهمية‬ ‫اجليوسياسية باإلضافة إلى عالقات تلك الدول املعقدة والقدمية مع‬ ‫الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وفي الفصول الثالثة األخيرة من الكتاب‪ ،‬يبدأ الدكتور زغبي في غلق باب‬ ‫النقاش بتناول كيفية تعامل الواليات املتحدة لعدد هائل من التحديات‬ ‫التي تواجهها مع العالم العربي‪ ،‬واإلسهامات‪ ،‬التي غالبا ما تكون غير‬ ‫معروفة‪ ،‬التي يقدمها األميركيون من أصول عربية‪ ،‬وأخيرا يستعرض‬ ‫خطوات عملية للحكومة األميركية واألميركيني‪ .‬وتتسم حجة الدكتور‬ ‫زغبي طوال الكتاب بالوضوح‪ :‬بعد ضياع فرصة تلو األخرى‪ ،‬دفع األميركيون‬ ‫ذاتهم في مواجهة حائط‪ .‬وإذا استمروا في جتاهل تلك األصوات العربية‬ ‫املرتفعة‪ ،‬رمبا تكون النتائج أكثر كارثية على املدى البعيد من أحداث ‪11‬‬ ‫سبتمبر (أيلول)‪ .‬ومن املؤكد أن النتائج كانت فادحة ملاليني من املدنيني‬ ‫العرب املقيمني في الشرق األوسط‪« .‬يكمن مقياس جناح أميركا‬ ‫كدميقراطية متعددة العرقيات في استمرار قدرتها على دمج مهارات‬ ‫ومواهب العديد من الناس وقبول منزلة تراثهم»‪ ،‬سواء كانوا معلمني أو‬ ‫زعماء دينيني أو سياسيني أو صحافيني‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫● نقاد‬

‫نساء فلسطني والعراق‪..‬‬ ‫مثال يعكس حقيقة املعاناة‬

‫املرأة في زمن احلرب‬

‫على الرغم من أنه يعج بالرؤى احليوية التي تلقي بالضوء‬ ‫على محنة املرأة في فلسطني والعراق‪ ،‬تعجز مجموعة‬ ‫املقاالت التي يحتوي عليها كتاب «املرأة واحلرب في الشرق‬ ‫األوسط» عن تقدمي صورة شاملة لقضايا التمييز اجلنسي‬ ‫في مناطق النزاع بالشرق األوسط‪ .‬وعلى الرغم من أن بعض‬ ‫املؤلفني اقترب من جوهر قضايا التمييز اجلنسي التي حتدث‬ ‫أثناء النزاع وإعادة البناء‪ ،‬فإن بنية الكتاب جتعله يقتصر‬ ‫على كونه مرجعا أكادمييا أكثر من كونه مرجعية لصناع‬ ‫السياسة‪.‬‬ ‫النساء واحلرب في الشرق األوسط‬ ‫نادية العلي ونيكوال برات‬ ‫زد بوكس ‪2009‬‬ ‫‪ 17.99‬جنيه إسترليني‬

‫طاملا مت جتاهل تأثير احلرب على املرأة في املاضي‪ ،‬نظرا‬ ‫ألن الباحثني واألكادمييني كانوا يفضلون الكتابة حول‬ ‫اآلثار املباشرة التي يسهل قياسها للنزاع وتقييمها‪.‬‬ ‫ويكمن جناح «املرأة في احلرب في الشرق األوسط»‬ ‫في مقاربته اخملتلفة في تصور النزاع ودراسة أصحاب‬ ‫املصلحة والتركيز على اجلوانب املتعددة التي تكون في‬ ‫العادة بسيطة والتي تتأثر عبرها املرأة باألزمات‪ .‬ولكن‬ ‫عنوان الكتاب يعد القارئ عن طريق اخلطأ بكتاب حول‬ ‫املرأة في احلرب في الشرق األوسط ولكنه يركز في‬ ‫احلقيقة حول معضلة املرأة في العراق وفلسطني‪.‬‬ ‫ويرجع مؤلفا الكتاب قرارهما بتلك املقاربة احملدودة‪،‬‬ ‫للعالقة بني هذين النزاعني‪ ،‬نظرا ألنهما مستمرين‪،‬‬ ‫وحلقيقة أنهما كانا النزاعني األكثر استمرارا في‬ ‫املنطقة‪ .‬ولكن األبحاث السبعة للباحثات من املدارس األكادميية اخملتلفة‬ ‫لم تنجح في استخدام أمثلة من النزاعات األخرى حتى كمرجع أو كمثال‬ ‫للمقارنة مع فلسطني والعراق‪ .‬حيث إن تضمني أمثلة للنساء في الدول‬ ‫األخرى التي ترزح حتت وطأة النزاع مثل حركة السالم النسائية في احلرب‬ ‫األهلية الليبيرية األخيرة أو تأثير نزاع يوغوسالفيا على املرأة املسلمة كان‬ ‫ليساعد احملررين في تبرير تركيزهما على جتربة املرأة في العراق وفلسطني‪.‬‬ ‫ويعد الغالف اخللفي القارئ بـ«بحث جتريبي أصيل» متاما‪ .‬وقد مت تقسيم‬ ‫أقسام الكتاب الثالثة إلى مقاطع تعالج تأثير الليبرالية اجلديدة على قضايا‬ ‫املرأة‪ ،‬ودور احلركات العابرة للقوميات في النزاع وإعادة البناء‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫تقدمي رؤية حول العمليات املتعلقة باجلنس واملواطنة في مرحلة ما بعد‬ ‫النزاع‪.‬‬ ‫فتقدم سبايك بيترسون في «التمييز اجلنسي في االقتصاد غير الرسمي في‬ ‫العراق» افتتاحية رائعة حملتوى الكتاب‪ .‬فإذا كان الباحثون التقليديون مييلون‬ ‫عادة إلى تهميش قضية التمييز اجلنسي في النزاع‪ ،‬فإن أطروحتها تفعل‬ ‫العكس متاما‪ .‬فهي تنظر إلى كيف تظهر اقتصادات معينة في أوقات النزاع‬ ‫مبا في ذلك‪:‬‬ ‫‪ )1‬اقتصادات النزاع‪ ،‬حيث يشارك الرجال في العنف‪ ،‬وبالتالي يعانون عادة‬ ‫‪58‬‬

‫من فقدان للهوية نظرا لفقدانهم لدورهم التقليدي كرعاة وحماة‪.‬‬ ‫‪ )2‬االقتصادات اإلجرامية التي تشكل شبكة خللق األرباح عبر التهريب غير‬ ‫الشرعي للمخدرات والبضائع والناس‪.‬‬ ‫‪ )3‬اقتصادات التدبير والتي يتجمع فيها بعض أعضاء اجملتمع بخاصة‬ ‫النساء ويعملون على تطوير وسائل بديلة للحفاظ على التكامل االجتماعي‬ ‫للمجتمعات التي رزحت حتت وطأة احلرب‪ .‬وقد فصلت بيترسون السبل‬ ‫املتعددة والدقيقة التي ميكن عبرها أن يعد تأثر النساء باحلرب منذرا باخلطر‪.‬‬ ‫ويتضمن بحث صوفي ريختر ديفرو تأريخا دقيقا لالحتالل الفلسطيني‪،‬‬ ‫ويلقي بالضوء على عدم فعالية استخدام منظمات اجملتمع املدني كقناة‬ ‫خللق حركات مدافعة عن املرأة‪ .‬ويوضح حتليلها النقدي لقرار مجلس األمن‬ ‫‪ 1325‬أن مقاربتها الفوقية لدمج املرأة قد عزلت جماعات نسوية محددة‬ ‫مثل حركة املقاومة في فلسطني وأخفقت في إنتاج رد فعل جماعي صحي‬ ‫بني النساء‪ .‬وكان نتاج تلك املهمة هو فرض اإلجراءات السياسية السطحية‪،‬‬ ‫مثل كوتة املرأة وهو ما يخفي اآلثار اجلسيمة لعدم املساواة بني اجلنسني‪.‬‬ ‫وتذهب مارتينا كامب في «املواطنة اجملزأة» بتلك األفكار إلى ما هو أبعد من‬ ‫ذلك‪ .‬حيث إن تقييمها ملشاركة الغرب التاريخية في العراق ومشاركته في‬ ‫وضع الدستور العراقي اجلديد تشير إلى أن العالقات االستعمارية العراقية‬ ‫قد أثرت على تشكيل الهوية في البالد‪ .‬كما تفحص‬ ‫كامب عمليات التعاون واإلشراف واملقاومة التي حدثت‬ ‫وحتدث بني العراقيني أثناء تغييرهم لتعريف مصطلحات‬ ‫مثل العرقية‪ ،‬والدين واآليديولوجيا وفقا للتغيرات الكبرى‬ ‫وعمليات العرقلة التي تعرض لها مجتمعهم‪ .‬ونظرا‬ ‫ألن «اجلنود املتأثرين» قد بدأوا يوجهون عنفهم إلى‬ ‫املرأة في املنزل وألن انهيار القطاع العام قد تسبب في‬ ‫طرد آالف النساء من وظائفهم‪ ،‬تشرح كامب كيف أن‬ ‫التغيرات في عالقات السلطة ما زالت مستمرة‪ ،‬حيث‬ ‫يتناقض الواقع النهائي مع اخلطاب التقليدي الذي كان‬ ‫فيه الغرب يتحدث حول إنقاذ املرأة املسلمة من هيمنة‬ ‫الرجل املسلم‪ .‬بل ومنذ بداية التدخل الغربي (بأشكاله‬ ‫كافة) لم تتحسن أحوال املرأة سواء الفلسطينية أو‬ ‫العراقية بل إن وضعهن قد ازداد سوءا في العديد من‬ ‫اجلوانب‪ .‬كما يفتقر الكتاب إلى جدل عميق حول اإلميان‬ ‫وعالقته بالهوية النسوية وذلك على الرغم من أن الكتاب‬ ‫يناقش تأثير اإلسالم على العملية التشريعية بخاصة‬ ‫في العراق‪.‬‬ ‫ويفتقر الكتاب ايضا إلى عرض كيف كانت املرأة احمللية‬ ‫في فلسطني والعراق ترى املرأة الغربية التي تشارك في القتال أو في عمليات‬ ‫الدعم خالل النزاعات وتتفاعل معها‪.‬‬ ‫ولألسف يعرض كتاب «النساء في احلرب في الشرق األوسط» في بعض‬ ‫األحيان وعيا صريحا بالذات حيث يتحدث حول احلث السيئ للنساء‬ ‫األكادمييات على احلفاظ على أبحاثهن منفصلة و«منعزلة» فيما يتحدث‬ ‫حول احلاجة لدمج البحث حول الذكورية والدفع بالعمل األكادميي النسوي‬ ‫إلى الدراسات غير املتعلقة باجلنس مثل العالقات الدولية‪ .‬ومع ذلك يبدو‬ ‫أن احملررين ال يالحظان أن الكتاب يساهم في نفس املشكلة التي ينتقدها‪.‬‬ ‫حيث إنه يقول في النهاية إن عملية دمج املرأة يجب أن تنتقل من «األبحاث‬ ‫إلى السياسة» ولكن الرطانة األكادميية في الكتاب والتفسيرات الزائدة‬ ‫للتفاصيل الدقيقة تعزل اجلمهور ذاته الذي ميكنه املساعدة في إصالح‬ ‫اجملتمع املدني بطريقة تسمح ملثل تلك املثل النسوية باالزدهار‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬تقضي مؤلفات عدة قدرا كبيرا من الوقت في شرح‬ ‫وتوضيح معاني كلمات مثل «العابرة للقومية» واالستخدامات املتعددة‬ ‫للغة محددة‪ .‬إن فهم الدالالت أمر مهم ولكن التركيز الزائد على‬ ‫التفاصيل يسيء إلى رسالة الكتاب‪ .‬وعلى الرغم من أن الكتاب يقدم‬ ‫نظرة جديدة لوضع املرأة في اثنني من صراعات الشرق األوسط‪ ،‬فإنه يعد‬ ‫بأكثر مما يقدم‪.‬‬


‫اخلطر هو أن احلركة الثورية التي‬ ‫بدأت في تونس ومصر وغيرهما ميكن‬ ‫أن تفعل بالشرق األوسط ما فعلته‬ ‫الثورة الفرنسية بأوروبا بعد ‪..1789‬‬ ‫أي ثورة ثم دخول في حرب‬ ‫وأحترمه وأمتنى أن تدرسوا أسلوب معيشتي وحتترموه‪ .‬وطاملا أنني ال أتدخل على نحو‬ ‫سلبي في أسلوب معيشتكم وأنتم ال تتدخلون في أسلوب معيشتي فيمكننا أن‬ ‫نحيا معا في سالم وتناغم»‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لكل شخص فلسفة ومقاربة مختلفة للدين أو للجانب الروحي‪ .‬فما‬ ‫هي فلسفتك؟‬ ‫ الدين ميتزج بالروحانيات‪ .‬فال ميكن الفصل بني الدين واجلانب الروحاني ألنهما‬‫متكامالن‪ .‬فالعديد من األشخاص يتبنون فقط اجلانب الروحاني منه ولكنني‬ ‫أعتقد أنه من األفضل أن تظل في منطقة ما في الوسط وتعتبر الدين ككرة اجلمر‬ ‫التي يجب أن تظل قريبا منها لكي تنعم بالتدفئة ولكن ال حتاول أن تلقي بنفسك‬ ‫داخلها‪.‬‬ ‫أعتقد أنه عندما مير أي أحد منا بأوقات صعبة أو يشعر باليأس أو ال يجد مكانا‬ ‫آخر يذهب إليه فإنه يعود إلى أصوله ويلجأ إلى حد كبير إلى الدين‪ .‬فالدين مينحك‬ ‫نوعا من اإلرشاد األخالقي‪ ،‬حيث يقوم بدور الدليل في حياتك‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫نوع خلفيتك الدينية‪ ،‬سواء كانت اليهودية أو املسيحية أو اإلسالم أو البوذية أو‬ ‫الكونفوشيوسية‪ ،‬طاملا كان لديك األساس الذي يجعلك تقول لنفسك‪« :‬بناء على‬ ‫تلك القوى أو الفهم لن أفعل هذا أو ذاك»‪ ،‬فإن األمر في غاية األهمية‪.‬‬ ‫كل مساء أو أحيانا كل صباح أعيد تأمل ما فعلته وأقوم بتقييمه‪ .‬ويوم السبت‪ ،‬وهو‬ ‫عطلة عند اليهود‪ ،‬أجلس لدقائق عدة وأقيم محكمة لنفسي‪ .‬فأنا أعتقد بصدق أن‬ ‫احملكمة الوحيدة في العالم التي ال حتتاج إلى قاض هي ضميرك‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬بعدما قمت بتحقيق قدر كبير من التقدم في العالقات بني األديان‪ ،‬ما‬ ‫الذي تعتقد أيضا أنه ميكن عمله؟‬ ‫ ال أعتقد أنني حققت قدرا كبيرا في العالقات بني األديان‪ .‬فكلما ازدادت خبرتك‬‫باحلياة وكلما حققت من إجنازات كلما أدركت أن هناك إمكانية لتحقيق املزيد وأن‬ ‫ذلك اإلحلاح لفعل املزيد وحتقيق املزيد هو الفاصل بني النجاح والفشل‪.‬‬ ‫فكلما سنحت لي فرصة‪ ،‬أنظر حولي وأتبع قاعدة بسيطة قالها النبي موسى‬ ‫وقالها النبي عيسى وأعتقد أن النبي محمد ذكرها أيضا‪ ،‬وبالتالي فأعتقد أن األديان‬ ‫الثالثة قالت الشيء نفسه‪ ،‬وهي «ما ال تتمناه جلارك ال تتمناه لنفسك»‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعني أننا جميعا في نهاية األمر جزء متكامل من اإلنسانية‪.‬‬ ‫فإذا قمت بعمل شيء يجلب الفخر جملتمعك فإنه ال يعود باخلير فقط عليك بل إنه‬ ‫يؤثر أيضا على أعضاء اجملتمع اآلخرين وإذا ارتكبت خطأ ما يؤذي أحدا فإنه لن يؤذيك‬ ‫فقط بل إنه سيؤذي كل رفاقك‪ .‬وإذا تبنى كل شخص تلك القاعدة فإنه سيبدأ في‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫التفكير‪« :‬إذا ارتكبت شيئا خطأ باسم ديني‪ .‬فإنني سوف أسيء إلى سمعته‪.‬‬ ‫فاألمر ال يؤثر فقط علي ولكنه سينعكس على الدين بأسره‪ .‬فإذا كانت تلك هي‬ ‫رؤيتي اخلاصة فيجب أن أحتفظ بها لنفسي»‪ .‬وبالتالي ال يجب أن جتبر اآلخرين‬ ‫عليها‪ .‬ذلك هو جوهر التناغم بني األديان‪ .‬فال توجد ديانتان متقاربتان بقدر التقارب‬ ‫بني اليهودية واإلسالم ألننا في نهاية األمر أوالد عمومة‪ .‬وأعتقد أننا كلما تكلمنا‬ ‫عن أوجه التشابه بني الديانات‪ ،‬عدنا إلى احلقائق املوجودة في العهد القدمي والعهد‬ ‫اجلديد والقرآن‪ ،‬وكلما جمعنا األكادمييني من تلك الديانات معا لغناء نفس األغنية‪،‬‬ ‫قللنا أزمة نقص املعرفة بني أصحاب الديانات اخملتلفة‪ .‬وذلك ألنه طاملا كان زعماء‬ ‫تلك اجملتمعات سواء كانوا البابا أو احلاخام أو اإلمام يتحدثون نفس اللغة ويغنون‬ ‫نفس األغنية‪ ،‬أغنية التناغم والسالم‪ ،‬ميكننا تقليل اجلهل في العالم‪ ،‬واحلياة بقدر‬ ‫أقل من املشكالت مما لدينا اآلن‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما الدور الذي يلعبه الفن في ذلك؟‬ ‫ كلما أقمت معرضا في مكان ما‪ ،‬أتى الناس ملشاهدته بغض النظر عما إذا‬‫كانوا مسلمني أو غير مسلمني أو ينتمون ملنظومة قيم مختلفة‪ ،‬فهم يدركون أن‬ ‫الثقافة هي أقصر طريق ميكن عبوره بني الناس‪ .‬وألن الثقافة في ذاتها لديها رسالة‬ ‫خاصة بها‪ ،‬فهناك حديث طيب ينسب للنبي محمد عليه الصالة والسالم يقول‪:‬‬ ‫«إن اهلل جميل يحب اجلمال»‪ .‬وقد كنا نستخدم ذلك احلديث كشعار للمعرض الذي‬ ‫أقمناه في أبوظبي‪ .‬وقد صنعت خامتا يحمل احلديث وأهديته حلاكم البالد‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬من هو الشخص الذي تكن له إعجابا شديدا؟‬ ‫ العديد‪ ،‬العديد من األشخاص في العالم ولكن عندما تفكر في سيرة شخص‬‫مثل غاندي جتد أنه ميثل جتسيدا للفلسفة وإنكار الذات ألنه طوال حياته كان عازما‬ ‫على حتقيق حلم مئات وماليني الناس من دون التفكير للحظة فيما سيعود عليه‬ ‫من ذلك‪ .‬فقد عاش في غرفة متواضعة ومعه ماعزة واحدة ولم تكن احلياة املادية‬ ‫تعني شيئا بالنسبة له‪ ،‬وبالتالي فقد حرر نفسه من املادية وتواصل مع روحانية‬ ‫احلياة‪ .‬وفي اللحظة التي يصبح لديك فيها تلك القوة‪ ،‬ميكنك أن تطلق على نفسك‬ ‫صفة زعيم وقد كان غاندي بحق هو ذلك الزعيم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪:‬هل تشارك عائلتك في ما تفعله؟‬ ‫ إنهم يؤيدونني‪ ،‬وهو أمر صعب بعض الشيء ألنهم يجدون ذلك مزعجا في‬‫بعض األحيان ولكن املهم أنهم يساندونني للغاية‪ .‬وهم يدركون أن اإلرث الوحيد‬ ‫في احلياة هو اسم الشخص وهم فخورون بذلك االسم ويدركون أن االسم الذي‬ ‫سيتركونه وراءهم رمبا يساهم في املعرفة اإلنسانية ملدة طويلة قادمة‪.‬‬ ‫حوار أجرته إميي أسعد‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫● الفن‬

‫إليكم ذلك احلوار احلصري مع خليلي لـ«اجمللة»‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل كنت دائما طموحا؟‬ ‫ من الطبيعي أن يكون لكل شاب حلم‪ .‬فاألحالم جزء أساسي من الطبيعة‬‫البشرية‪ .‬ويجب أن تسعى وراء حتقيق حلمك وحترص على حتقيقه فال ميكن أن‬ ‫تستسلم‪ .‬فعندما تصبح متأكدا من الفكرة التي تدور في رأسك عليك السعي‬ ‫وراء حتقيقها‪ .‬وكشاب صغير كان لدي حلم وكنت أسعى إلى حتقيقه بشكل آلي‪.‬‬ ‫فأنت تعتقد أن ما تفعله يفعله اجلميع من حولك حتى تبدأ في إدراك تقدير الناس‬ ‫ملا تفعله‪ .‬فأنت تفعل ما تفعله فقط ألنك تستمتع به‪ .‬اليوم يرسم الفنانون‬ ‫لوحاتهم في خمس دقائق باستخدام الوسائل التكنولوجية‪ ،‬فهم يلقون بها‪ .‬ولم‬ ‫يعد هناك من يرغب في أن يبذل جهدا أو يضيع وقته‪ ،‬ولم يعد هناك من يرغب في‬ ‫اتخاذ املسار احلقيقي لتحقيق طموحه‪ .‬وهناك آية باإلجنيل أعتقد أنها من قصة نبي‬ ‫اهلل داود‪« :‬إن من يصعدون إلى قمة اجلبل هم من يستمرون في التسلق من دون أن‬ ‫يشعروا باليأس للحظة واحدة ألنهم يدركون أنهم في اللحظة التي سيشعرون‬ ‫فيها باليأس سيسقطون»‪ .‬فيجب عليك أن تستمر في التسلق‪ ،‬فهذه هي احلياة‪.‬‬ ‫فال تتوقع أبدا أن يحملك شخص آخر إلى القمة‪ .‬فعندما تصل إليها ستنظر من‬ ‫حولك وستدرك أن األمر كان يستحق كل ذلك العناء وكل الصعاب واملعضالت التي‬ ‫واجهتها‪ .‬لقد كان األمر يستحق‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل كان اهتمامك بالفن يعود إلى نفوذ أسرتك؟‬ ‫ لقد ولدت في أسرة من رجال األعمال وجامعي األعمال الفنية‪ .‬فكانت األعمال‬‫الفنية تأتي إلى املنزل وكنت مهتما بطرح األسئلة طوال الوقت‪ .‬ورمبا أكون‬ ‫الشخص الوحيد في األسرة الذي كان يبدي حماسة شديدة عندما كان جدي‪ ،‬رحمه‬ ‫اهلل‪ ،‬يحضر شيئا إلى املنزل‪.‬‬ ‫ولكن املعرفة حتتاج إلى اجلهد‪ .‬فال ميكنك الذهاب إلى الصيدلية لكي تطلب عشرة‬ ‫غرامات من املعرفة حتى تتمكن في الغد من معرفة تاريخ اململكة املتحدة أو تاريخ‬ ‫اإلسالم أو تاريخ اإلنسانية‪ ،‬فاألمر يتطلب الكثير من العمل‪.‬‬ ‫واليوم فإن تكنولوجيا املعلومات متقدمة للغاية حتى أنه أصبح بإمكان العديد من‬ ‫الناس الوصول السريع إلى املعلومات‪ .‬وفي األيام السابقة‪ ،‬كان يجب علينا أن نقرأ‬ ‫وأن نقضي املزيد من الوقت في استيعاب املعلومات‪ .‬فقد كنا معتادين أن جنلس‬ ‫ونكتب لنحقق من خالل الكتابة‪ ،‬فكرة أن لديك شيئا في عقلك ترغب في وضعه‬ ‫على الورق‪ .‬ففي بعض األحيان كنت تعيد حترير اخلطاب مرات عدة قبل أن ترسله‪.‬‬ ‫ولكنك اآلن جتلس أمام الكمبيوتر وتكتب شيئا وترسله في جزء من الثانية من دون‬ ‫حتى أن تقرأه مرتني‪ .‬وفي معظم األحيان يقول الناس ألنفسهم «ملاذا فعلت ذلك؟‬ ‫لم أكن أقصد حقا ما قلته»‪ .‬لقد أصبحت املعلومات مخففة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل ميكن أن حتدثنا عن مقتنياتك؟ أعتقد أن لديك نحو ‪ 25‬ألف قطعة؟‬ ‫ حتتوي الـ‪ 25‬ألف قطعة على خمس مجموعات‪ .‬فلدينا أكبر مجموعات الفن‬‫اإلسالمي في العالم وأكثرها شموال‪ .‬كما أن لدينا مجموعات للفن الياباني‬ ‫من عصر مييجي واملينا من جميع أنحاء العالم‪ ،‬واعمال فنية معدنية اسبانية‬ ‫ومنسوجات سويدية‪ .‬وتشكل اجملموعات اخلمس معا نحو ‪ 25‬ألف قطعة فنية‪ .‬مت‬ ‫نشر نحو ‪ 90‬في املائة منها وما زلنا نعمل على عدد من الكتالوجات للمجموعة‬ ‫اإلسالمية ثم نكون قد انتهينا‪ .‬وسوف تعد مجموعة الكتالوجات من أكثر‬ ‫املنشورات عددا جملموعة واحدة في العالم‪.‬‬ ‫إن كلمة جامع املقتنيات تشير إلى نظام طويل‪ .‬فلكي حتظى بشرف أن يطلق عليك‬ ‫جامع مقتنيات يجب أن جتمع املقتنيات وتعمل على احلفاظ عليها وأن تبحث وأن‬ ‫تنشرها وأن تعرضها‪ .‬فإذا حققت تلك املعايير اخلمسة ميكنك أن تقول إنك قد قدمت‬ ‫مساهمة‪ .‬فإذا اشتريت لوحتني لبيكاسو أو ملونييه أو عشر لوحات من الفن احلديث‬ ‫وأخذتها إلى املنزل ملتعتك اخلاصة فيجب أن تطلق على نفسك اسما منتقى‪ .‬فإذا‬ ‫لم تكن تشارك ما حزته مع أي أحد آخر فال ميكنك أن تطلق على نفسك اسم جامع‬ ‫مقتنيات‪ .‬فتلك مسؤولية كبرى‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬في رأيك‪ ،‬ما هو تأثير الفن على رواية التاريخ؟ وفي رأيك ما الذي ميكنه أن‬ ‫يخبرنا به بشأن التقدم اإلنساني؟‬ ‫ رمبا يكون الفن هو القيمة احلقيقية لتمثيل الهوية الوطنية ألي دولة‪ .‬فاملشكلة‬‫التي لدينا اآلن‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬هي أن زائر املنطقة لن يكون مهتما مبشاهدة‬ ‫أعمال بيكاسو أو الفن احلديث أو األثاث الفرنسي‪ .‬فالناس الذين يسافرون إلى الشرق‬ ‫األوسط يرغبون في رؤية الفن الذي ينبع من تلك املنطقة من العالم‪ ،‬فهم يرغبون‬ ‫في مشاهدة حضارة األمة التي يزورونها‪ .‬وكما يقولون‪ ،‬يجب أن تبدأ الصدقة في‬ ‫‪56‬‬

‫املنزل‪ .‬فيجب أن يحتفوا أوال بثقافتهم اخلاصة قبل أن يحاولوا االحتفاء بثقافة‬ ‫اآلخرين‪ .‬وليس هناك ضرر في أن يكون هناك متحف وطني يقدم فنون جميع أنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬فال ضرر في ذلك ولكنك يجب أن تبدأ بثقافتك وحترص على أن يذهب زائروك‬ ‫أكثر ثراء مما أتوا‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما الذي دفعك في البداية لالهتمام بحوار األديان؟‬ ‫ كان األمر بسيطا للغاية‪ .‬فقد أدركت أن اجملموعة التي مت وضعها معا في أمانات‬‫العائلة كانت قادرة على أن جتمع أصحاب الكتاب معا‪ .‬فالثقافة هي وسيلة هائلة‬ ‫للتفاهم بني األمم‪ .‬وعلى الرغم من أنني ولدت يهوديا‪ ،‬فلدي احترام كبير للمسيحية‬ ‫واإلسالم ولذلك درست الديانات الثالث وأدركت أنهم يدعون جميعا للشيء نفسه‬ ‫ولكن بطريقة مختلفة‪ .‬وأدركت أن كل واحدة من تلك الديانات الثالث تكمل األخرى‪.‬‬ ‫فقد جاءت اليهودية في البداية تلتها املسيحية ثم جاء اإلسالم فتال اليهودية‬ ‫واملسيحية‪ ،‬فجميعها يتحدث عن التناغم والسالم والتفاهم وهناك ما يوحد بني‬ ‫تلك األديان الثالثة أكثر مما يفصل بينها ولذلك فإنني قلت إن تلك فرصة بالنسبة لي‬ ‫لالحتفاء مبنظمة األديان التي أطلقنا عليها اسم «مؤسسة موسى بن ميمون»‪.‬‬ ‫وقد استخدمت اسم موسى بن ميمون ألنه كان ميثل االنسجام والسالم في القرن‬ ‫الثاني عشر‪ ،‬فقد ولد يهوديا ولكنه يحظى باحترام اليهود واملسلمني على حد سواء‪.‬‬ ‫وقد كتبت معظم كتبه باألدب اليهودي العربي أو العربي وكل ما فعله في حياته‬ ‫كان احلديث حول التناغم وقدر العوامل املشتركة بني اإلسالم واليهودية‪ .‬باإلضافة‬ ‫إلى أنني أدركت أنه ال يوجد حقا ذلك القدر من سوء الفهم بني املسيحية واليهودية‪.‬‬ ‫حيث إن سوء الفهم يقع بني املسلمني واليهود ولذلك فقد بدأت أدعو اليهود للذهاب‬ ‫إلى املسجد لينظروا كيف يصلي املسلمون والعكس فقد اصطحبت املسلمني إلى‬ ‫املعبد‪ .‬وألقيت العديد من احملاضرات في اجلامعات ودعوت إماما مسلما وحاخاما‬ ‫يهوديا للحديث حول الطب في اإلسالم واليهودية وقيم اليهودية واإلسالم‪ ،‬فأدركا‬ ‫بعد احلديث‪ ،‬كل منهما مبعزل عن اآلخر‪ ،‬أنهما يتحدثان عن األشياء نفسها‪ .‬وبالتالي‬ ‫فاألمر أقرب إلى تثقيف اجلماهير حول احلقائق التي تخلق الزخم أو التفاهم بني‬ ‫األديان الثالثة‪ .‬وقد قررنا بعد ذلك أن نؤسس «بيت السالم»‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل يشعر الناس باإلحباط عندما يكتشفون أوجه التشابه بني الديانات؟‬ ‫ كال‪ ،‬بل أعتقد أنهم يشعرون بالراحة ألن تلك العوامل املتشابهة هي األرضية‬‫املشتركة التي عبرها ميكن البدء في العمل على حتسني العالقة بني األديان‪ .‬فأنا‬ ‫ال أقول من هو املصيب ومن هو اخملطئ بل إن كل ما أقوله هو أن األديان الثالثة تنادي‬ ‫بالتسامح وإن كنت أعتقد أن التسامح ليس كلمة دقيقة ألن معنى التسامح‬ ‫هو أنني أتسامح بشأن شيء يخصك ولكنني ال أوافق عليه‪ .‬ولذلك دعونا نترك‬ ‫ذلك املصطلح جانبا ونستبدله بالقول‪« :‬اسمعوا‪ ،‬لقد درست أسلوب معيشتكم‬


‫ناصر ديفيد خليلي‪ :‬الثقافة أقصر طريق للتقريب بني "أبناء العمومة"‬

‫محكمة الضمير‬

‫ناصر ديفيد خليلي ليس جامع قطع فنية عاديا‪ .‬فاألستاذ اإليراني يهودي املولد‪ ،‬الذي بدأ عمله أثناء دراسته بكلية كوينز بنيويورك‪ ،‬لديه‬ ‫حاليا أكبر وأهم مجموعة من قطع الفن اإلسالمي في العالم‪ .‬وكشخص مهتم إلى حد كبير بالوعي الثقافي والديني‪ ،‬يتعامل األستاذ‬ ‫خليلي مع مقتنياته ليس فقط باعتبارها أعماال فنية ولكن كوسائل لتعزيز احلوار اإليجابي بني األشخاص من املعتقدات والثقافات‬ ‫اخملتلفة‪ .‬في هذا احلوار‪ ،‬يتحدث خليلي لـ«اجمللة» حول الفن والروح والتاريخ و«أبناء العمومة»‪.‬‬ ‫إميي أسعد‬ ‫تأتي أوصاف األستاذ ناصر ديفيد خليلي محملة باخليال البصري واالستعارات‪.‬‬ ‫وتساعد روايته احململة باأللوان وشخصيته الساحرة على تعزيز مشروع مثل‬ ‫«مؤسسة موسى بن ميمون»‪ ،‬وهي املؤسسة التي تعمل على تشجيع احلوار‬ ‫اإليجابي بني األديان السماوية الثالثة في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫األستاذ خليلي أكادميي ويعمل باملقاوالت وجامع للمقتنيات الفنية ومهتم بالعمل‬ ‫اإلنساني يعيش حاليا في اململكة املتحدة ولكنه ولد في أصفهان بإيران من أسرة‬ ‫يهودية عام ‪ 1945‬ونشأ في طهران‪ .‬وعندما أنهى اخلدمة الوطنية في الفريق‬ ‫الطبي باجليش‪ ،‬سافر إلى أميركا في ‪ 1967‬لدراسة علوم احلاسوب‪ .‬وقد بدأ هنا‪،‬‬ ‫عندما كان يدرس في كلية كوينز‪ ،‬بيع وشراء القطع الفنية‪ .‬واليوم تعد مجموعته‬ ‫من قطع الفن اإلسالمي من أكبر وأهم اجملموعات اخلاصة في العالم‪.‬‬ ‫يأمل خليلي أن يستطيع تعزيز التفاهم بني األديان والثقافات عبر الفن من منطلق‬ ‫أن تقدير فن ثقافة ما يساعدنا على تقدير الثقافة نفسها‪ .‬ويعتبر خليلي نفسه‬ ‫«راعيا موقتا» لتلك األعمال‪ .‬وباإلضافة إلى متويل معارضه اخلاصة‪ ،‬فإنه يقدم‬ ‫قروضا سخية للمتاحف في جميع أنحاء العالم‪ .‬كما أنه حريص على أن يتم عرض‬ ‫اجملموعة على أكبر عدد ممكن من اجلمهور‪ .‬ويعمل فريق عمل خليلي من خبراء‬ ‫الفنون مبؤسسة «نور» دائما على البحث حول األعمال الفنية‪ .‬وقد منحه ذلك‬

‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫االهتمام بتحصيل الفهم األكادميي ملقتنياته قيمة أكادميية فريدة بني غيره من‬ ‫جامعي القطع الفنية‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،1989‬أسس خليلي كرسي ناصر خليلي بكلية الدراسات الشرقية‬ ‫واألفريقية حيث يعمل أستاذا بالكلية وعضوا مبجلس إدارتها‪ .‬وفي عام ‪،1995‬‬ ‫أسس خليلي «مؤسسة موسى بن ميمون» التي تستهدف عبر املدارس ومباريات‬ ‫كرة القدم‪ ،‬والزيارات الدولية واملشاريع األكادميية والزيارات الفنية تعزيز العالقات‬ ‫بني اليهود واملسيحيني واملسلمني‪ .‬كما أنشأ خليلي «بيت السالم» في ‪1998‬‬ ‫الذي سيستضيف معرضا يلقي الضوء على خمس لوحات باإلضافة إلى الصور‬ ‫الفوتوغرافية واألفالم‪ .‬وكان خليلي هو من قرر تقدمي تلك األعمال نظرا ملا تقدمه‬ ‫من تعبير متفرد عن السالم‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬سوف يسافر املعرض جلميع أنحاء العالم‬ ‫ولكنه سيتم عرضه في البداية في لندن خالل األلعاب األوملبية ‪.2012‬‬ ‫جدير بالذكر‪ ،‬أن خليلي قد حصل على عدد من أوسمة الشرف األكادميية مبا في ذلك‬ ‫الزمالة الشرفية بجامعة لندن‪ .‬وتقديرا لعمله على احلوار بني األديان‪ ،‬كرمه البابا‬ ‫يوحنا بولس الثاني ومنحه لقب فارس نظام الفرسان البابوي للقديس سلفستر‬ ‫كما رفعه البابا بنيدكت السادس عشر إلى مرتبة قائد الفرسان مما يجعله الرجل‬ ‫الوحيد من غير الكاثوليك في تاريخ الفاتيكان الذي يحصل على لقبي فارس‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫● الفن‬

‫عمر أميراالي‪..‬‬ ‫عاش حاملا ومات حاملا‬

‫شعرة‬ ‫معاوية‬

‫ونظرا إلميانه بالدميقراطية‪ ،‬وقع أميراالي ‪ -‬مع نشطاء في حقوق اإلنسان وشخصيات‬ ‫سورية أخرى بارزة ‪ -‬على بيان أثنوا فيه على ثورتي تونس ومصر‪ .‬وورد في البيان‪ ،‬نقال عن‬ ‫وكالة األنباء الفرنسبة‪« :‬يتطلع الشعب السوري أيضا إلى العدالة واحلرية‪ .‬لقد وجدت‬ ‫الشعوب العربية طريقا إلى احلرية‪ ،‬وحتديدا عن طريق املقاومة االجتماعية السلمية غير‬ ‫العنيفة التي توحد الشعب ضد من يقمعه ويسرق ثرواته»‪.‬‬ ‫مت التوقيع على البيان في ‪ 30‬يناير (كانون الثاني)‪ .‬ولم يحيا أميراالي حتى يرى الرئيس‬ ‫املصري محمد حسني مبارك وهو يتنحى عن احلكم في ‪ 11‬فبراير (شباط)‪ .‬ولم يحظ‬ ‫أيضا برؤية السوريني يخرجون إلى الشوارع بعد ذلك بشهر‪ ،‬لتستقيل احلكومة السورية‬ ‫بعدها ويعد األسد بإجراء إصالحات‪.‬‬ ‫من امللحوظ أيضا في شأن هذا املثقف السوري الفريد استعداده للنقد الذاتي‪ .‬فقد‬ ‫صرح في حواره مع موقع قنطرة‪« :‬إذا سمحت لنفسي بانتقاد حزب البعث فعلي أوال أن‬ ‫أنتقد ذاتي‪ .‬لقد تعاونت مع هذا الفكر السوري العصري»‪.‬‬ ‫كان أميرالي متفائال‪ ،‬حتى وإن وصف تفاؤله بأنه ضئيل كـ«الشعرة الرفيعة»‪ .‬وكان‬ ‫مثل صديقه املقرب الصحافي اللبناني سمير قصير‪ ،‬الذي اغتيل في يونيو (حزيران) عام‬ ‫‪ 2005‬بسبب مواقفه املعارضة للنظام السوري‪ ،‬مؤمنا بقدرات العرب الكامنة‪.‬‬

‫لم يؤمن اخملرج والناشط واملثقف السوري عمر أميراالي مطلقا‬ ‫بفكرة أنه على العرب االختيار بني الدميقراطية واالستقرار‪ .‬وإذا‬ ‫كان حيا اليوم‪ ،‬فمن املؤكد أنه كان سيحقق حلمه وسينضم إلى‬ ‫الشباب الثائر في الشوارع للدعوة من أجل اإلصالح كما فعل أضاف أميراالي في حواره قائال‪« :‬لقد مللنا من تقدمي املتخصصني األوروبيني ألساليب‬ ‫من جانب واحد إلى العالم العربي‪ .‬ينبغي على الناس أن يبدأوا في قبول حقيقة أن‬ ‫مرات كثيرة في السابق‪ ،‬إميانا بقدرتهم على تغيير عاملهم‪.‬‬ ‫العالم العربي لديه ممثليه من أشخاص يفكرون وفقا للنماذج والطرق الغربية ويجرون‬ ‫لم يحظ سوى عدد قليل من املثقفني العرب بتقدير دولي‪ ،‬وكان من بينهم اخملرج السوري‬ ‫البارع عمر أميراالي‪ .‬ولكن كتب له القدر حتوال في مساره‪ .‬قبل ‪ 40‬يوما فقط من اندالع‬ ‫االضطرابات التي شهدها كثير من املدن السورية في ‪ 15‬مارس (آذار) ‪ -‬ألول مرة منذ‬ ‫نصف قرن تقريبا ‪ -‬توفي أميراالي‪ .‬وفقدت سوريا والعالم أحد أبرز العقول‪ ،‬الذي ‪ -‬على‬ ‫الرغم من نشاطه السياسي ‪ -‬كان يؤكد مرارا على أنه ليس سياسيا ولكنه مجرد عضو‬ ‫في اجملتمع املدني السوري‪.‬‬

‫دراسات عقالنية ومنهجية وفقا لواقعهم‪ .‬إنهم يعكسون موقف الناس املتأثرين‬ ‫بصورة مباشرة‪ ،‬بدال من مواقف احمللل أو املراقب»‪.‬‬

‫واختتم قائال‪« :‬يجب على الغرب أن يقبل بأن العالم العربي لديه القدرات ذاتها وأنه قادر‬ ‫على تقدمي ذاته بذاته»‪.‬‬

‫واآلن بعد أن رحل زين العابدين بن علي في تونس‪ ،‬وحسني مبارك في مصر‪ ،‬ويواجه اآلن‬ ‫أقدم رئيسني عربيني‪ ،‬معمر القذافي في ليبيا وعلي عبداهلل صالح في اليمن‪ ،‬خطورة‬ ‫اإلطاحة بهما‪ ،‬أصبح على التونسيني واملصريني والعرب اآلخرين أن يظهروا «قدراتهم»‪،‬‬ ‫ولد أميراالي في دمشق عام ‪ 1944‬ألب كان ضابطا سابقا في اجليش العثماني وأم التي حتدث عنها أميراالي‪ ،‬الذي سيظل تأثيره الثقافي على الدول العربية والعرب جزءا‬ ‫لبنانية‪ .‬وفي عمر ‪ 21‬عاما‪ ،‬انتقل إلى باريس حيث درس في املعهد العالي للدراسات من تراث رجل‪ ،‬مثل كثير من أبناء جيله‪ ،‬كان لديه حلم ولكن لم ميتد به العمر حتى‬ ‫السينمائية‪ ،‬الفيمي‪ .‬وحاول تسجيل أحداث ثورة الطالب الفرنسية عام ‪ ،1968‬ولكن يشهد حتقيقه‪.‬‬ ‫لم يحالفه النجاح‪ .‬وفي عام ‪ ،1970‬عاد إلى سوريا وأنتج ثالثية هاجم فيها نظام‬ ‫الرئيس الراحل حافظ األسد وحزب البعث احلاكم‪.‬‬ ‫في أول أفالمه «محاولة عن سد الفرات» (‪ ،)1970‬أظهر أميراالي تقديره للسد‪ .‬وفي‬ ‫فيلميه الثاني والثالث‪« ،‬احلياة اليومية في قرية سورية» و«الدجاج» (‪ ،)1977‬انتقد‬ ‫أميراالي بشدة النظام البعثي‪ ،‬حتى أن فيلميه ممنوعان من العرض في سوريا حتى‬ ‫اليوم‪ .‬وفي آخر أفالمه التسجيلية التي تزيد على عشرة أفالم‪« ،‬طوفان في بلد البعث»‬ ‫(‪ ،)2003‬أعاد أميراالي احلديث عن قصة سد األسد وأضاف لها حوارين أحدهما مع عضو‬ ‫في البرملان‪ ،‬كان زعيما لقبيلة قريته‪ ،‬واحلوار الثاني مع ابن أخته مدير مدرسة القرية‪.‬‬ ‫برز نبوغ أميراالي عندما ترك من يحاورهم يتحدثون‪ ،‬من دون سرد منه‪ ،‬ومن خالل‬ ‫تعليقاتهم يستطيع املشاهد أن يرى فشل النظام السوري مبا فيه البرملان واحلكومة‬ ‫واملدارس‪.‬‬ ‫كان أميراالي‪ ،‬بصفته عضوا في «اجملتمع املدني اجلديد»‪ ،‬في عام ‪ ،2000‬بني ‪ 99‬مثقفا‬ ‫سوريا وقعوا على عريضة حتث الرئيس املنتخب حديثا بشار األسد على رفع قانون‬ ‫الطوارئ‪ ،‬الذي وضع عام ‪ .1963‬وفي عام ‪ ،2005‬انضم أميراالي إلى إعالن دمشق الذي‬ ‫طالب أيضا بإصالحات وانتقال سوريا من احلكم االستبدادي إلى الدميقراطية‪.‬‬ ‫لم يؤمن اخملرج السينمائي الراحل مطلقا بفكرة أنه ينبغي على العرب االختيار ما بني‬ ‫الدميقراطية أو االستقرار‪ .‬وفي لقاء أجراه معه يوسف حجازي عام ‪ 2006‬على موقع‬ ‫قنطرة‪ ،‬قال أميراالي إنه يجب أن يتغير النظام في سوريا‪ ،‬ولم يعتقد أن البالد ستقع‬ ‫في فوضى مثل العراق اجملاور‪ .‬وقال‪« :‬أعتقد أن تاريخ سوريا والتراث األموي السياسي‬ ‫يوضح اليوم أنه ليس مسموحا للسياسة بأن تدمر البالد‪ .‬يعني ذلك أنه في مرحلة ما‬ ‫يجب الوصول إلى تسوية‪ .‬وهذا حتديدا هو املقصود من شعرة معاوية»‪.‬‬ ‫وأضاف أميراالي قائال‪« :‬يختلف التراث األموي عن العباسي‪ .‬لقد دُمرت بغداد مرات عدة‬ ‫على مدار التاريخ‪ ،‬في حني استمرت دمشق ثابتة على مدار أكثر من أربعة آالف عام»‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫طوفان يف بالد البعث‬

‫قليل من املثقفني العرب من ميارس النقد الذاتي‪ .‬وكان عمر أميراالي أحد هؤالء‪ .‬عندما كان‬ ‫سد الفرات حتت اإلنشاء‪ ،‬أعرب أميراالي عن إعجابه بحزب البعث ونظام السد الرائع في فيلمه‬ ‫«محاولة» عام ‪ .1970‬بعد ‪ 40‬عاما‪ ،‬مت اكتشاف أخطاء فادحة في إنشاء السد‪ .‬لذلك أعاد‬ ‫أميراالي احلديث عنه وعن بحيرة األسد في مراجعة ضمنية لتأييده حلزب البعث وسياساته‬ ‫املدمرة طوال أربعة عقود من احلكم في سوريا‪ .‬وكانت النتيجة أحد أفضل أفالم أميراالي‬ ‫«طوفان في بالد البعث»‪ .‬وهو فيلم وثائقي بطيء الوتيرة‪ ،‬أخمد فيه صوت التعليق وترك‬ ‫احلوارات لتقوم مبهمة السرد‪.‬‬ ‫أجرى أميراالي حوارات مع أحد املشرعني – وهو أيضا رئيس قرية املاشي التي تقع على ضفاف‬ ‫البحيرة على بعد ‪ 400‬كيلومتر شمال شرقي دمشق‪ ،‬وابن شقيقه‪ ،‬مدير املدرسة الوحيدة‬ ‫املوجودة في القرية‪ ،‬ومع عدد من الطالب‪ .‬ومن دون تفكير تقريبا‪ ،‬كرر املشاركون في الفيلم‬ ‫شعارات تكيل بالثناء على األسد وحزب البعث‪.‬‬ ‫كان املوقع الذي أجريت فيه احلوارات ذا داللة‪ ،‬حيث جلس الرجالن أمام خلفية سوداء تشير إلى‬ ‫وضع سوريا في ظل حكم البعث‪ ،‬مع ظهور أشعة ضوء ترمز إلى األمل‪ .‬تباهى رئيس القرية‬ ‫بأنه أقدم عضو برملان في العالم‪ ،‬في شهادة على أن مجلس الشعب السوري كان مجرد كيان‬ ‫شكلي حتت حكم نظام البعث واألسد‪.‬‬ ‫أظهر احلوار مع مدير املدرسة كيفية تغلب عقيدة البعثيني البالية على املناهج الدراسية‬ ‫املتخلفة‪ .‬كان يتم «تشجيع» الطالب على االنضمام إلى املنظمات على مستويات‬ ‫مختلفة‪ :‬ينضم طالب املرحلة األساسية إلى منظمة طالئع األسد‪ ،‬وينضم طالب املرحلة‬ ‫املتوسطة إلى احتاد األسد للشباب‪ ،‬أما طالب املدارس الثانوية فينضمون إلى االحتاد الوطني‬ ‫للطالب‪ .‬ويستمر فضح سخافة نظام التعليم السوري عندما يقول مدير املدرسة إن «الزي‬ ‫العسكري» املفروض على جميع الطالب الهدف منه هو «التخلص» من االختالفات الطبقية‬ ‫بدال من مجرد «إخفائها‪ ».‬وقال املسؤول إن الرئيس الراحل حافظ األسد اقتبس فكرة ارتداء‬ ‫الزي العسكري في املدارس أثناء زيارته إلى كوريا الشمالية‪ .‬وكان يُشترط على الطالب ارتداء‬ ‫هذا الزي وقت إنتاج الفيلم عام ‪.2003‬‬



‫● موجز عن دولة‬

‫سنة عاصفة في طهران‬ ‫مت انتخاب الرئيس اإليراني املثير للجدل محمود أحمدي جناد‬ ‫في يونيو ‪ -‬حزيران ‪ 2009‬لقضاء مدة ثانية تتكون من أربع‬ ‫سنوات وسط اتهامات واسعة بالتزوير االنتخابي‪ .‬وقد أعلن‬ ‫املرشد األعلى علي خامنئي عن نتيجة االنتخابات التي صوت‬ ‫فيها نحو ‪ 40‬مليون ناخب بعد ساعتني فقط من إغالق‬ ‫اللجان االنتخابية‪ .‬وقد مت إعالن انتصار أحمدي جناد بنسبة‬ ‫‪ 63‬في املائة من األصوات في االنتخابات التي أثارت اعتراضات‬ ‫واسعة‪ ،‬حيث سرعان ما نعتت املعارضة التي كان يتزعمها‬ ‫رئيس الوزراء السابق مير حسني موسوي والرئيس السابق‬ ‫للبرملان ورجل الدين البارز مهدي كروبي االنتخابات بأنها غير‬ ‫عادلة‪ .‬وأشاروا إلى أن آية اهلل خامنئي قد تدخل في العملية‬ ‫االنتخابية لتأمني انتصار أحمدي جناد‪.‬‬ ‫وردا على ذلك قال خامنئي إن اجلمهورية اإلسالمية «ال ميكن‬ ‫أن تغش»‪ .‬ثم قام بإقصاء السياسيني الغربيني ووسائل‬ ‫اإلعالم ‪-‬بخاصة من بريطانيا والواليات املتحدة ‪ -‬متهما إياهم‬ ‫بإشعال نيران الغضب املناهض للحكومة‪.‬‬ ‫الثورة اخلضراء‬ ‫في أعقاب الثورة‪ ،‬كان تركيز العالم مسلطا على واحدة من‬ ‫أكبر االحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران على اإلطالق‪.‬‬ ‫حيث وقفت شوارع طهران ضد االنتصار احلاسم املزعوم‬ ‫ألحمدي جناد‪ .‬وكان مير حسني موسوي ومهدي كروبي يتزعمان‬ ‫حركة املعارضة التي سادت البالد وعرفت باسم الثورة اخلضراء‪.‬‬ ‫وقد اتخذت الدولة موقفا متشددا من املتظاهرين من‬ ‫خالل القمع الوحشي لشخصيات املعارضة والصحافيني‬ ‫واملتظاهرين العاديني‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تلك اجلهود استطاعت الثورة اخلضراء احلفاظ‬ ‫على زخمها األول‪ .‬وقد اصطدم عشرات اآلالف من املعارضني‬ ‫مع قوات األمن وأعضاء امليليشيات املؤيدة للحكومة في‬ ‫يوم القدس في سبتمبر ‪ -‬أيلول ‪ 2009‬وفي الذكرى الثالثني‬ ‫الحتالل السفارة األميركية في طهران‪ ،‬في نوفمبر ‪ -‬تشرين‬ ‫الثاني‪ ،‬وفي يوم الطالب الوطني في بداية شهر ديسمبر ‪-‬‬ ‫كانون الثاني‪.‬‬ ‫وقد قام «املواطنون الصحافيون» املسلحون بكاميرات‬ ‫الهواتف اجلوالة بتسجيل ممارسات القمع والوحشية التي‬

‫مارستها احلكومة بخاصة ميليشيا الباسيج الشهيرة‪ .‬وقد‬ ‫مت حتميل مشهد مقتل الشابة اإليرانية «ندى « على موقع‬ ‫«يوتيوب» وأصبحت هي الصورة التي ترمز لالنتفاضة والقمع‬ ‫الوحشي الذي تعرضت له‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإنه خالل العام الذي مر على االنتخابات‪،‬‬ ‫استطاعت القوة الوحشية للدولة التغلب على املعارضة وعاد‬ ‫الهدوء إلى شوارع طهران‪.‬‬ ‫وقبل اندالع االنتفاضات العربية التي اعطت نفسا جديدا‬ ‫للغضب الشعبي في ايران‪ ،‬كانت الدولة قد أعادت إحكام‬ ‫سيطرتها على السلطة‪ .‬ففي ‪ 12‬يونيو ‪ -‬حزيران ‪2010‬‬ ‫وفي ذكرى االنتخابات منع الوجود األمني الهائل التجمعات‬ ‫الكبرى‪ ،‬كما دعا قادة املعارضة للتوقف عن االحتجاجات‬ ‫خوفا من إراقة املزيد من الدماء‪ .‬وبعد صراع استمر ملدة عام‪،‬‬ ‫كان من الواضح أن الثورة اخلضراء قد باءت بالفشل‪.‬‬ ‫غير أن ما يحدث في املنطقة من انتفاضات مطالبة‬ ‫بالدميقراطية أعاد الشارع االيراني وبخاصة الشباب والطلبة‬ ‫الى نقطة البداية لنشهد اصواتا جديدة مطالبة باالصالح‬ ‫ومقاومة الفساد ومزيد من احلريات في بلد يسيطر عليه‬ ‫املتشددون‪.‬‬ ‫برنامج إيران النووي‬ ‫في ظل تسليط الضوء على السياسة الداخلية‪ ،‬حتول االنتباه‬ ‫عن برنامج إيران النووي املثير للجدل‪ .‬حيث كان الغرب ينتقد‬ ‫املساعي اإليرانية احلثيثة لبناء مفاعالت لتخصيب اليورانيوم‪.‬‬ ‫وكانت الواليات املتحدة وغيرها من الدول يؤمنون بأن هذه‬ ‫التكنولوجيا ميكن استخدامها لبناء أسلحة نووية‪ ،‬فيما‬ ‫أنكرت طهران على املستوى الرسمي دائما تلك االتهامات‪.‬‬ ‫ولكن السياسة اخلارجية املتشددة ألحمدي جناد وإصراره على‬ ‫حق إيران في تطوير برنامج نووي‪ ،‬لم يسفرا إال عن زيادة توتر‬ ‫اجملتمع الدولي‪.‬‬ ‫وكان من بني مساعي عرقلة طموحات إيران النووية في يونيو‬ ‫ حزيران املاضي‪ ،‬عندما وافق مجلس األمن التابع لألمم املتحدة‬‫على فرض املزيد من العقوبات على طهران‪ .‬وقد فرضت تلك‬ ‫العقوبات على أعضاء األمم املتحدة تفتيش احلاويات التي‬ ‫يعتقد بأنها تنقل عناصر محرمة من ‪ -‬أو إلى ‪ -‬إيران‪ .‬وليست‬ ‫العقوبات باألمر اجلديد على طهران‪ ،‬حيث إنها قد تعرضت‬ ‫لكثير من العقوبات السياسية واالقتصادية منذ أزمة الرهائن‬ ‫عام ‪ .1979‬ففي يناير ‪ -‬كانون الثاني مت فرض عقوبات ‪1984‬‬ ‫وذلك بعد مشاركة إيران في تفجيرات القواعد البحرية‬ ‫األميركية في بيروت ولبنان‪ .‬وفي التسعينات دفعت العالقات‬ ‫املتدهورة بني واشنطن وطهران الواليات املتحدة لوقف تصدير‬ ‫نطاق واسع من البضائع إلى إيران بدءا من الطائرات وقطع‬ ‫غيار املروحيات وصوال ألجهزة الغواصات‪.‬‬ ‫ماذا بعد بالنسبة إليران؟‬ ‫لقد كانت األعوام املاضية عاصفة على نحو خاص بالنسبة‬ ‫لطهران‪ .‬حيث دفعت إعادة انتخاب أحمدي جناد املثيرة للجدل‬ ‫إلى احتجاجات شعبية‪ .‬وعلى الرغم من أن طهران متكنت‬ ‫من السيطرة على الثورة اخلضراء‪ ،‬فقد أصبح النظام معرضا‬ ‫للخطر‪ .‬حيث إن استخدامه املفرط للعنف قد أجبر املعارضة‬ ‫على الكمون‪ ،‬ومع ذلك تقول اإليرانية شيرين عبادي‪ ،‬احلائزة‬ ‫على جائزة نوبل للسالم في ‪ 2003‬عن جهودها إن «إيران مثل‬ ‫النار حتت الرماد ‪ ..‬والرماد ميكن ان يفسح اجملال فجأة للنار عند‬ ‫وقوع أبسط حدث»‪ ،‬معتبرة ان االضطرابات التي تنتشر في‬ ‫انحاء الشرق االوسط تعتمل حتت السطح اآلن في إيران‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫هل ينهي خامنئي ما بدأه اخلميني؟‬ ‫بعد ثالثة عقود من قيام آية اهلل اخلميني بالثورة اإلسالمية‪،‬‬ ‫ما زالت الشوارع اإليرانية ساحة للصراعات السياسية‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬وعلى نقيض ثورة ‪ ،1979‬يختلف الرأي العام اآلن مع‬ ‫األجندة اإلسالمية للثورة‪ .‬فقد وصفت الثورة اخلضراء التي‬ ‫ظهرت خالل العام املاضي من قبل كثير من احملللني بأنها نهاية‬ ‫اجلمهورية اإلسالمية‪ .‬وعلى األقل‪ ،‬فإن اندالع الغضب الشعبي‬ ‫في أعقاب االنتخابات الرئاسية العاشرة كانت لها آثار مدمرة‬ ‫على شرعية مؤسسة املرشد آية اهلل خامنئي‪.‬‬ ‫متثل ثورة ‪ 1979‬في إيران الثورة الشعبية الوحيدة في املنطقة‪.‬‬ ‫ففي السنوات التي أدت إلى الثورة‪ ،‬كان نظام الشاه الذي‬ ‫يفتقر إلى الشعبية والذي كان يتسم بالقسوة في معظم‬ ‫الوقت قد أصبح على شقاق مع قطاع واسع من اجملتمع‪ ،‬وكان‬ ‫سأم الطالب واملتدينني احملافظني‪ ،‬بل وحتى الطبقة الوسطى‬ ‫من سياسات الشاه‪ ،‬في تزايد مستمر‪.‬‬ ‫ومت جتاوز نظام التقية الشيعي الذي كان يلتزم فيه رجال الدين‬ ‫باحلياد جتاه املسائل املتعلقة بالسياسة‪ .‬وكان علي شريعتي‬ ‫وروح اهلل اخلميني من بني من انتقدوا نظام الشاه عالنية وبدأوا‬ ‫يدعون للنظام اإلسالمي كبديل آيديولوجي‪ .‬وقد تسببت‬ ‫االنتقادات القاسية واملستمرة التي كان يطلقها اخلميني‪،‬‬ ‫في نفيه من إيران ملدة ‪ 14‬عاما‪ .‬وفي نهاية السبعينات كان‬ ‫الغضب قد انتقل إلى الشوارع‪ ،‬وهو ما أدى إلى هروب الشاه‬ ‫إلى مصر وعودة اخلميني من منفاه في فرنسا (وقبلها كان في‬ ‫العراق) لقيادة اجلماهير الغاضبة‪ .‬وقد أسرع اخلميني ومؤيدوه‬ ‫بالسيطرة على السلطة وملء الفراغ السياسي الذي تسبب‬ ‫فيه خروج الشاه‪ .‬وأعلنوا أن احلكومة احلالية هي حكومة‬ ‫غير شرعية وقدموا نظام حكم بديال يعتمد على الشريعة‬ ‫اإلسالمية‪ .‬وهو ما أسفر عن تبني نظام سياسي معقد‬ ‫للغاية يجمع بني الدولة الدينية والدميقراطية‪ .‬حيث يتكون‬ ‫ذلك النظام من كتلتني‪ ،‬األولى هي حكومة دينية غير منتخبة‪،‬‬ ‫والثانية هي احلكومة املنتخبة‪.‬‬ ‫وحتى نهاية التسعينات كانت كلتا الكتلتني تهيمن عليهما‬ ‫القوى احملافظة‪ ،‬وهو ما ساعد اخلميني ومؤيديه على حتقيق‬ ‫أهدافهم املوجودة من قبل الثورة واملتعلقة بأن يلعب اإلسالم‬ ‫دورا مهيمنا في اجملتمع اإليراني‪.‬‬ ‫وفي أواخر التسعينات وبداية العقد األول في األلفية الثالثة‪،‬‬ ‫أصبحت السياسات اإليرانية أكثر تنافسية من حيث‬ ‫طبيعتها‪ .‬ومتكن اإلصالحيون من احلد من هيمنة احملافظني‬ ‫على البرملان‪ ،‬بل وجنحوا في بعض احلاالت في الفوز بالرئاسة‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وكان ذلك هو نفس الوضع في ‪ 1997‬عندما مت انتخاب‬ ‫اإلصالحي محمد خامتي كرئيس للبالد بعد حصوله على نسبة‬ ‫‪ 70‬في املائة من األصوات‪ .‬وقد رفع االنتصار املدوي لإلصالحيني‬ ‫في االنتخابات البرملانية من التوقعات الشعبية بانتقال إيران‬ ‫إلى فترة من التحوالت السياسية واالجتماعية‪.‬‬ ‫ومع ذلك فقد استخدم احملافظون املؤسسات السياسية‬ ‫والدينية غير املنتخبة لعرقلة أكثر من ‪ 90‬في املائة من‬ ‫التشريعات التي تبناها البرملان الذي يسيطر عليه اإلصالحيون‪.‬‬ ‫وقد تركت تلك العراقيل السياسية كثيرا من اإليرانيني وهم‬ ‫يشعرون باإلحباط جتاه العملية السياسية برمتها‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫حقائق أساسية‬ ‫ •العاصمة‪ :‬طهران‬ ‫ •املرشد األعلى‪ :‬آية اهلل‬ ‫علي خامنئي‪.‬‬ ‫ •الرئيس احلالي‪ :‬محمود‬ ‫أحمدي جناد‪.‬‬ ‫اجلغرافيا‪:‬‬ ‫ •املساحة‪ 1.65 :‬مليون كيلومتر مربع‪.‬‬ ‫ •احلدود‪ :‬أفغانستان ‪ 936‬كيلومترا‪ ،‬وأرمينيا ‪35‬‬ ‫كيلومترا‪ ،‬وأذربيجان ‪ 432‬كيلومترا‪ ،‬وأذربيجان‬ ‫ناخشيفان ‪ 179‬كيلومترا‪ ،‬والعراق ‪ 1458‬كيلومترا‪،‬‬ ‫وباكستان ‪ 909‬كيلومترات‪ ،‬وتركيا ‪ 499‬كيلومترا‪،‬‬ ‫وتركمانستان ‪ 992‬كيلومترا‪.‬‬ ‫ •‬ ‫السكان‪:‬‬ ‫ •عدد السكان‪ 67037517 :‬نسمة‪.‬‬ ‫ •اجلماعات العرقية‪ :‬الفرس ‪ 51‬في املائة واألذربيجان‬ ‫‪ 24‬في املائة والكيلكية واملزاندران ‪ 8‬في املائة واألكراد‬ ‫‪ 7.5‬في املائة والعرب ‪ 3‬في املائة واللور ‪ 2‬في املائة‬ ‫والبلوشية ‪ 2‬في املائة والتركمان ‪ 2‬في املائة وغيرهم ‪1‬‬ ‫في املائة‪.‬‬ ‫ •‬ ‫الديانات‪:‬‬ ‫ •املسلمون ‪ 98‬في املائة ‪ -‬الشيعة ‪ 89‬في املائة والسنة‬ ‫‪ 9‬في املائة وغيرهم ‪ 2‬في املائة (مبا في ذلك اجملوسية‬ ‫واليهودية واملسيحية والبهائية)‬ ‫ •‬ ‫اللغات‪:‬‬ ‫ •الفارسية واللهجات الفارسية ‪ 58‬في املائة والتركية‬ ‫واللهجات التركية ‪ 26‬في املائة والكردية ‪ 9‬في املائة‬ ‫واللورية ‪ 2‬في املائة واللغة البلوشية ‪ 1‬في املائة‬ ‫والعربية ‪ 1‬في املائة وغيرها ‪ 3‬في املائة‬ ‫ •الالجئون ‪1070488‬‬ ‫ •‬ ‫االقتصاد‪:‬‬ ‫ •الناجت احمللي اإلجمالي‪ 876 :‬مليار دوالر أميركي‪.‬‬ ‫ •الناجت احمللي اإلجمالي موزعا على القطاعات‪:‬‬ ‫ •الزراعة ‪ 10.9‬في املائة‬ ‫ •الصناعة ‪ 45.2‬في املائة‬ ‫ •اخلدمات ‪ 43.9‬في املائة‬ ‫ •معدل التضخم ‪ 14‬في املائة‬ ‫ •معدل البطالة ‪ 14.6‬في املائة‬ ‫الصناعات الرئيسة‪:‬‬ ‫البترول‪ ،‬البتروكيماويات‪ ،‬األسمدة‪ ،‬الصودا الكاوية‪ ،‬صناعة‬ ‫السيارات‪ ،‬األدوية‪ ،‬األجهزة املنزلية‪ ،‬االلكترونيات‪ ،‬االتصاالت‪،‬‬ ‫الطاقة‪ ،‬الطاقة‪ ،‬النسيج‪ ،‬البناء‪ ،‬اإلسمنت وغيرها من مواد‬ ‫البناء‪ ،‬الصناعات الغذائية (السكر وبخاصة تكرير وإنتاج‬ ‫الزيوت النباتية)‪ ،‬تصنيع املعادن‪ ،‬مجال التسلح‪.‬‬ ‫وقد انتهى وهم البيئة السياسية النشطة عام ‪2004‬‬ ‫عندما استعاد احملافظون هيمنتهم على البرملان‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ 2005‬أصبح مستقبل اإلصالحيني غائما بعد فوز أحمدي جناد‬ ‫باالنتخابات الرئاسية‪ .‬وخالل السنوات اخلمس املاضية‪ ،‬كانت‬ ‫القوى احملافظة تهيمن على كل من األعضاء املنتخبني وغير‬ ‫املنتخبني للحكومة‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫● موجز عن دولة‬

‫إيران‬ ‫التاريخ الزمني‪:‬‬ ‫ ‬

‫•في عام ‪ 1979‬متت اإلطاحة بالنظام امللكي في إيران‪،‬‬ ‫واضطر الشاه محمد رضا بهلوي إلى مغادرة البالد‬ ‫والسفر إلى مصر‪ .‬وقد عاد آية اهلل اخلميني من منفاه في‬ ‫فرنسا وأسس نظاما سياسيا جديدا ينتهج النموذج‬ ‫اإلسالمي وأسس جمهورية إيران اإلسالمية‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 1981 - 1979‬اقتحام مجموعة من الطالب اإلسالميني‬ ‫في إيران السفارة األمريكية بطهران‪ ،‬دعما للثورة‬ ‫اإليرانية واحتجاجا على اعطاء الشاه تأشيرة دخول‬ ‫ألميركا للعالج مطالبني بترحيله حملاكمته في ايران‪،‬‬ ‫واحتجزوا ‪ 52‬مواطنا أمريكيا ملدة ‪.444‬‬

‫ ‬

‫•‪ 1980‬مت انتخاب أبو احلسن بني صدر كأول رئيس‬ ‫للجمهورية اإلسالمية‪.‬‬

‫ ‬

‫أكبر هاشمي رافسنجاني‪.‬‬

‫•‪ 1980‬قام العراق بغزو إيران وهي احلرب التي كانت لها‬ ‫آثار مدمرة بالنسبة لكال البلدين وتسببت في مئات‬ ‫آالف الضحايا ودمار كبير في البلدين وزعزعة جسيمة‬ ‫لالستقرار اإلقليمي‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2007‬أعلنت الواليات املتحدة عن فرض مجموعة‬ ‫جديدة من العقوبات على إيران‪ ،‬التي تعد األقوى منذ‬ ‫أول عقوبات فرضت عليها قبل ‪ 30‬عاما‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 1989‬توفي آية اهلل اخلميني ومت تعيني علي خامنئي‬ ‫مرشد أعلى‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫•‪ 1997‬مت انتخاب السياسي اإلصالحي محمد خامتي‬ ‫كرئيس للبالد بعد تغلبه على ثالثة مرشحني‪ .‬وكان‬ ‫كثير من الناس يتمنون أن يكون انتخابه إرهاصا ملرحلة‬ ‫أكثر ليبرالية في السياسة اإليرانية‪ ،‬ولكنهم سرعان‬ ‫ما تخلوا عن تلك التوقعات‪.‬‬

‫•‪ 2009‬مت اإلعالن عن فوز محمود أحمدي جناد في‬ ‫انتخابات يونيو ‪ -‬حزيران الرئاسية‪ .‬وقد طعن منافسوه‬ ‫في النتائج واتهموا مؤسسة احلكم بتزوير االنتخابات‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫•‪ 2002‬اتهم الرئيس جورج بوش إيران بالتخطيط لبناء‬ ‫صواريخ بعيدة املدى‪ ،‬ووضع طهران وبغداد وبيونغ يانغ‬ ‫فيما أطلق عليه "محور الشر"‪.‬‬

‫•‪ 2009‬أسفرت نتائج االنتخابات عن أكبر انتفاضة‬ ‫شعبية منذ ثورة ‪ 1979‬وهي ما أصبحت تعرف اآلن‬ ‫بالثورة اخلضراء‪ .‬وقد نزل مؤيدو املرشحني املنافسني‬ ‫ألحمدي جناد إلى الشوارع‪ .‬وقد خلف رد فعل نظام جناد‬ ‫من اعتقاالت موسعة وقمع‪ ،‬أسوأ مشاهد عنف الدولة‬ ‫منذ ‪ 30‬عاما‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫•‪ 2003‬أعلنت إيران أنها أوقفت برنامج تخصيب‬ ‫اليورانيوم‪ ،‬وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه‬ ‫ال يوجد دليل على وجود برنامج للتسلح النووي في‬ ‫إيران‪.‬‬

‫•‪ 2009‬اعترفت طهران بالسعي إلنشاء برنامج نووي‬ ‫وبناء مفاعالت لتخصيب اليورانيوم‪ .‬وأصرت احلكومة‬ ‫على أن للبرنامج أغراض سلمية‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫•‪ 2005‬فاز محمود أحمدي جناد في االنتخابات الرئاسية‬ ‫التاسعة‪ ،‬متغلبا على رجل الدين والرئيس السابق‬

‫•‪ 2010‬قال قائد املعارضة مير حسني موسوي إن احلركة‬ ‫اخلضراء سوف تستمر في صراعها مع نظام أحمدي‬ ‫جناد‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2010‬صوت مجلس األمن التابع لألمم املتحدة لصالح‬ ‫اجلولة الرابعة من العقوبات على إيران‪ .‬وتسمح تلك‬ ‫العقوبات ألعضاء األمم املتحدة بتفتيش احلاويات في‬ ‫املياه اإليرانية واملشكوك في أنها تنقل عناصر محظورة‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2011‬تصاعد الغضب الشعبي بخاصة في صفوف‬ ‫الشباب ضد نظام احمدي جناد وقيام األجهزة األمنية‬ ‫بقمع املظاهرات املطالبة باصالحات دميقراطية في‬ ‫البالد واعتقال العشرات من االصالحيني وبرز بني رموز‬ ‫االصالح كل من مير حسني موسوي ومهدي كروبي‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ 2011‬سقوط قتلى وجرحى في "األهواز" خالل‬ ‫مظاهرات قادها ناشطون رافضون ملا أطلقوا عليه‬ ‫"االضطهاد القومي ضد العرب"‪ ،‬من قبل حكومة‬ ‫الرئيس اإليراني أحمدي جناد‪.‬‬

‫‪50‬‬



‫● حوارات‬

‫أن نفعل ملكافحتها؟‬ ‫ في الواقع‪ ،‬إنها ظواهر مؤلفة من عوامل ع ّدة‪ .‬هي ثقافية‪ ،‬واقتصادية‪،‬‬‫ودميغرافية‪ ،‬وتربوية‪ ،‬وال ميكن عزل أحد هذه العوامل عن البقية‪ .‬ومن شأن ذلك‬ ‫أن يساعدنا على تشخيص طريق اخلالص‪ ،‬أو احلل‪ .‬أعتقد أنه ميكن مكافحة‬ ‫هذه الظاهرة فقط في حال قامت النخب الثقافية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والسياسية‬ ‫في املنطقة بوضع برنامج عمل متع ّدد األبعاد‪ .‬ويجب أن يرتكز هذا البرنامج‬ ‫على احلس الوطني‪ ،‬وأعني باحلس الوطني هنا أن يكون والؤك للدولة الوطنية‪.‬‬ ‫التعصب للوطن‪ ،‬أو العنصرية‪ ،‬أو العدائية‪ .‬بل‬ ‫فالوطنية ليست الغلو في‬ ‫ّ‬ ‫هي السبيل األصلح للعيش في مجتمع عصري‪ ،‬حيث يوجد نسيج واحد‬ ‫يجمع أبناء الوطن الواحد ببعضهم البعض‪ .‬ال نستطيع العيش من دون‬ ‫حكم القانون‪ ،‬وال من دون جواز سفر‪ ،‬ولذلك نحن بحاجة الى دولة‪ ،‬والعالم‬ ‫مؤلف من دول عدة‪ .‬فنحن ممثلون في األمم املتحدة كدولة‪ ،‬ولسنا ممثلني كدولة‬ ‫عربية‪ ،‬أو دولة إسالمية‪ .‬هذا هو واقع العالم املعاصر الذي نعيش فيه‪ .‬علينا‬ ‫كذلك ان نش ّدد على االستقرار‪ ،‬وحينها ستتداعى احلروب‪ ،‬واملعارك‪ ،‬والتوترات‪،‬‬ ‫واألفكاراملتطرفة‪.‬‬ ‫احلروب حتتاج الى رجال وليس الى نساء‪ ،‬هي بحاجة الى مقاتلني وليس الى‬ ‫مثقفني‪ ،‬واألهم من كل ذلك هي أن ّها حتتاج الى صلة وصل قوية باألصالة واإلرث‪،‬‬ ‫ألنك عندمت تصبح مقاتال ً عسكرياً‪ ،‬يكون عليك أن تش ّدد على ما يتعلّق‬ ‫سجل الذكريات هذا‪ ،‬ولذلك ال‬ ‫باألصالة في تاريخك‪ .‬واإلسالم يأتي في صلب ّ‬ ‫ميكنك أن تقول أريد أن أصبح علمانيا ً ومقاتال ً في الوقت عينه‪ ،‬وكل التجارب في‬ ‫العالم العربي املسلم تخبرنا أن ّه خالل احلروب‪ ،‬والتوترات‪ ،‬واالضطرابات‪ ،‬ينتصر‬ ‫املتش ّددون واملتدينون على العلمانيني‪ ،‬واملتحررين‪ ،‬واليساريني‪ ،‬وكل نتاج احلداثة‪.‬‬ ‫باإلضافة الى ذلك‪ ،‬علينا ان نعيد تأهيل شعارات العلمانية‪ .‬ولكي ننجح في‬ ‫ذلك‪ ،‬علينا أن نكون مستعدين للمساعدة على اإلنعاش االقتصادي‪ .‬أي علينا أن‬ ‫نعالج مشاكل الفقر والتفاوت االقتصادي في اجملتمع‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬علمنا‬ ‫أن حسني مبارك سرق ‪ 70‬مليار دوالر‪ ،‬ال يسعنا إال ّ أن نعتبر أ ّن هذه األموال كان‬ ‫وتنميها‪ .‬عندما أفكّر في ذلك‪ ،‬تخطر على بالي هذه‬ ‫من املمكن أن ّ‬ ‫تطور مصر ّ‬ ‫تسوق لفكرة أ ّن الغرب يسرقنا‪،‬‬ ‫البروباغندا الغبية املعادية لإلمبريالية التي‬ ‫ّ‬ ‫في حني أن حكّامنا هم من يقومون بذلك‪ .‬فهذه األموال الضخمة التي سرقها‬ ‫هؤالء الديكتاتوريون العرب كان ميكن أن تخلق ثورة اقتصادية غير مسبوقة في‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ماذا عن الصراع السني‪ -‬الشيعي الذي اوجدته احلركات املتطرفة في‬ ‫املنطقة؟ ما مدى صحة هذا الصراع على املستوى السياسي اليوم؟‬ ‫ املشكلة السنية‪ -‬الشيعية ليست مشكلة دينية‪ ،‬بل طائفية‪ .‬إنها‬‫الطائفية‪ ،‬وثمة فارق بينهما‪ .‬إذ ميكنك ان تكون كافرا ً وطائفيا ً في الوقت‬ ‫متمسك بالطائفة التي تنتمي‬ ‫عينه‪ ،‬أي أن تكون غير مؤمن باهلل‪ ،‬ولكنّك‬ ‫ّ‬ ‫إليها‪.‬‬

‫نان�سي عجرم لي�ست كارل مارك�س!‬ ‫في ‪ 2009‬أصدر حازم صاغية كتابا مثيرا‬ ‫حتدث فيه‪ ،‬عبر تشكيلة واسعة من املواضيع‬ ‫السياسية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬عن الزمن‬ ‫شخصيتنا‬ ‫يكون‬ ‫العربي الرديء وعن كل ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫غيرت من‬ ‫‪2011‬‬ ‫كعرب‪ .‬قد تكون انتفاضات‬ ‫ّ‬ ‫رأي صاغية في الواقع العربي‪ ،‬لكن في حينه لم‬ ‫يكن أي صوت يعلو فوق صوت الرداءة‪.‬‬ ‫أجلس صاغية الفنانة نانسي عجرم‬ ‫بابتسامتها العريضة وداللها إلى جانب‬ ‫الفيلسوف األملاني كارل ماركس تزيّن بأنوثتها‬ ‫وسحرها غالف كتابه «نانسي ليست كارل‬ ‫ماركس» وكأنها تقول لألدباء واملفكرين والسياسيني وكل عربي «أنا نانسي‪..‬‬ ‫فعلت رغم صغر سني ما لم تستطيعوا فعله»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫صاغية كان اعتبر في لقاء مع قناة «العربية» أن عنوان كتابه هو رد ضمني‬ ‫على مقالة «سخيفة» نشرت على االنترنت تقول إن غناء نانسي ليس بأهمية‬ ‫مقدمة ابن خلدون وال مقدمة كارل ماركس‪ ،‬ويردف قائال‪« :‬األمر استفزني‬ ‫ألنني أحب نانسي‪ ،‬وثانيا ألن النظرية خنفشارية‪ ،‬أي أننا نقارن أشياء ال عالقة‬ ‫لبعضها ببعض إطالقا ً»‪.‬‬ ‫وإذا كان املؤلف يرى أن هناك تباينا ً بني نانسي وكارل ماركس إال أن هذا األمر لم‬ ‫مينعه من االعتراف بظاهرة الفنانة نانسي عجرم‪ ،‬فكان أن أوالها عنوان كتابه‬ ‫وهو عبارة عن مجموعة مقاالت تتناول أوجها كثيرة من احلياة اليومية وتأثيرات‬ ‫بعض الظواهر البشرية والتجارية‪ ،‬فهناك مقاالت عن محمود درويش‪ ،‬وأحمد‬ ‫فؤاد جنم‪ ،‬وأخرى عن الفنانة اللبنانية صباح‪ ،‬وأسطورة الغناء الفرنسية‪ ،‬إديث‬ ‫بياف‪ ،‬والفنان املصري عمرو دياب‪ ،‬وماكدونالد والدمية املشهورة باربي‪.‬‬ ‫وحول كتاباته عن الدمية باربي يقول صاغية‪ :‬باربي لعبة موجودة في كل منزل‬ ‫إلى درجة أن قام اإليرانيون والسوريون الذين يعتبرون وفق لغتهم اإليديولوجية‬ ‫أن هذا األمر رمز لإلمبريالية‪ ،‬قاموا بتصنيع باربي وأسموها «فلة»‪ .‬دخلوا في‬ ‫هذه اللعبة رغما ً عنهم ألنهم لم يستطيعوا مقاومة ما يحيطهم من ظواهر‬ ‫غربية»‪.‬‬ ‫صاغية رفض جلوءه لـ«فخ» استغالل اسم نانسي عجرم لزيادة حجم املبيعات‬ ‫وأوضح‪« :‬كال لم أقع في الفخ‪ ،‬لكن البعض قال لي إن كثيرين يشترون بسبب‬ ‫اسم وصورة نانسي‪ ،‬فقلت حينها لم ال‪ ،‬فأنا أكتب كي تباع مؤلفاتي وكي تقرأ‬ ‫وال أكتب لنفسي»‪.‬‬

‫هذه املشكلة تتعلّق بشكل من أشكال التضامن أو التكافل األوتوماتيكي بني‬ ‫بعض اجملموعات‪ ،‬هي نوع من صلة القرابة التي جتمع عددا كبيرا ً من األشخاص‬ ‫فينتمون الى جماعة واحدة ويتطلعون للحصول على حصة أكبر وعلى تقدير‬ ‫أكبر‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬ال أميل الى مقاربة املشكلة السنية‪ -‬الشيعية كموضوع‬ ‫ديني‪ ،‬بل باعتبارها من نتائج غياب الدولة والتوافق الوطني‪.‬‬

‫ويرى حازم صاغية أنه عندما تسيطر األغنية على الفكرة فذلك يعني أننا‬ ‫نعيش «في مجتمع سخيف»‪ ،‬ويزيد‪« :‬أما إذا سيطرت الفكرة على األغنية‬ ‫فنحن في مجتمع شمولي مستبد‪ ..‬فوجود طرف ما ال يلغي وجود اآلخر»‪.‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬وفي خضم كل ذلك‪ ،‬أين يكمن دور املثقف؟‬ ‫ يكمن من خالل تعبيره عن رأيه بقدر ما يستطيع‪ ،‬وبقول احلقيقة واحلق‪،‬‬‫وعدم اتباع األساليب الشعبوية والبدء بالتنظير للشعب ومليوله العسكرية‪،‬‬ ‫فقط ألنها شعبية‪ ،‬أو انصياعا ً لرغبة القوي «وخوفا ً منه»‪ .‬إن طريق املثقفني‬ ‫واملذهب املنادي بالتزام العقل وأحكامه يجب أن يعيدا على األقل أفكار التنوير‪،‬‬ ‫والتق ّدم‪ ،‬وبناء دول قومية‪ ،‬ومساواة بني اجلنسني‪ ،‬ودور القانون‪ ،‬والسالم‪ ،‬ألن‬ ‫املذهب العقالني يزدهر فقط في مناخ سلمي‪ .‬فاحلروب هي العدو األكبر‬ ‫للعقالنية والثقافة حيث ال يعود من املمكن تطوير أفكار جديدة‪ ،‬واالستقرار‬ ‫ينتج عن السالم‪ ،‬ال ميكن أن تعيش االستقرار وأنت تشن حربا ً‪ .‬لذلك‪ ،‬فالسالم‬ ‫ومن ثم االستقرار هي األفكار التي يجب أن يدافع عنها املثقفون ويعملوا على‬ ‫تعزيزها‪ ،‬ولكن لألسف هذا ال يحصل في العالم العربي‪.‬‬

‫«كتب أحدهم ذات مرة ناعيا ً «الزمن العربي الرديء»‪ ،‬فكان َمثَله‬ ‫املُفحم أن «مؤخرة نانسي عجرم أصبحت أهم من مق ّدمة ابن‬ ‫خلدون»‪ .‬واحلال أن املقارنة الساخرة واملرّة هذه ال تخلو من وجاهة‬ ‫حتمل على االستفظاع‪ :‬فيا للهول حني تصير تلك املؤخرة أهم من‬ ‫تلك املق ّدمة‪ ..‬لكن‪ ،‬في املقابل‪ ،‬يا للهول حني تصبح مق ّدمة ابن‬ ‫خلدون‪ ،‬أو مق ّدمة كارل ماركس في نقد االقتصاد السياسي‪ ،‬أهم‬ ‫من مؤ ّخرة نانسي عجرم‪ ،‬ومن مؤخرات مماثلة»‬

‫*حوار حنني غ ّدار‬ ‫‪48‬‬

‫«املق ّدمات على رأسنا‪ ،‬وعلى رأسنا املؤ ّخرات كذلك‪ .‬فمن هذه‪ ،‬ومن‬ ‫تلك‪ ،‬ومن قوس قُزح عريض ج ّدا ً ميت ّد بينهما‪ ،‬تتشكّل احلياة وتحُ رز‬ ‫معناها فيما تصير الدعوة إلى ح ّبها دعوة ذات معنى»‬


‫ثم يأتي أيضا ً عامل الشعور باإلذالل على مستوى الوطن‪ .‬فمثالً‪ ،‬يبدو بلد مثل‬ ‫مصر ال ميتلك سياسة خارجية‪ ،‬والهم الوحيد ملصر هو كيف ستحارب السودان‪،‬‬ ‫أو مشكلة غزة‪ ،‬أو الشبكات املتعلّقة بـ «حزب اهلل»‪ .‬فالنظام «اخمللوع» في‬ ‫مصر قلّل كثيرا ً من من أهمية مصر‪ ،‬وميكن الشعور بهذه احلقيقة املرّة عندما‬ ‫تالحظ أ ّن مصر لم تعد العبا ً أساسيا ً في تشكيل صورة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما هو مستقبل هذه االنتفاضات‪ ،‬هل ستؤدي الى دول حديثة قائمة‬ ‫على الدميقراطية احلقيقية وعلى اإلصالحات؟‬ ‫ من الصعب اإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬أل ّن مقاربة هذه التحرّكات كما لو‬‫أن ّها واحدة ونسخة طبق األصل عن بعضها هو أمر مبالغ فيه أو على األقل‬ ‫ليس دقيقا ً كما يجب‪ .‬فصحيح أنه يوجد شبه جلهة العناصر التي يتألّف منها‬ ‫الشعب‪ ،‬ولكن ثمة فروقات كذلك‪ .‬في مصر مثالً‪ ،‬قد تشكّل األقلية القبطية‬ ‫التي ال ميكن جتاهلها‪ ،‬إذ تشكّل ‪ 10‬في املائة من عدد السكان‪ ،‬مشكلة في‬ ‫بناء مستقبل ملصر‪ ،‬مستقبل قائم على نوع من التوافق‪ .‬وينطبق األمر نفسه‬ ‫على تونس‪ ،‬حيث يوجد تناقض في مستويات املناطق بني املنطقة الساحلية‬ ‫يتخطون هذه اإلشكالية‪ ،‬رمبا بسبب‬ ‫والصحراء‪ ،‬ولكن يبدو أ ّن التونسيني سوف‬ ‫ّ‬ ‫الهوة‪.‬‬ ‫هذه‬ ‫ردم‬ ‫من‬ ‫التونسيني‬ ‫ّن‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫والذي‬ ‫التق ّدم الذي أحرز خالل حكم بورقيبة‬ ‫ّ‬ ‫ولكن الوضع يختلف في مجتمعات مثل اليمن‪ ،‬والبحرين‪ ،‬وليبيا‪ .‬فهو أقرب الى‬ ‫الوضع في السودان من قربه الى مصر أو تونس‪ ،‬جلهة أن ّه في هذه اجملتمعات‪،‬‬ ‫التناقضات الطائفية‪ ،‬والدينية‪ ،‬واملناطقية هي أكبر بكثير منها في مصر أو‬ ‫تونس‪ .‬فمشكلة البحرين هي بني السنة والشيعة‪ .‬وفي اليمن‪ ،‬املشكلة هي‬ ‫بني الشمال واجلنوب‪ ،‬وحتى داخل الشمال‪ ،‬ثمة صراع بني قبيلتي حاشد و‬ ‫بكيل‪ .‬وفي ليبيا‪ ،‬يوجد االنفصال بني بنغازي وطرابلس‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإ ّن األنظمة‬ ‫الفاسدة واالستبدادية عملت جاهدة للحفاظ على هذه التناقضات‪ ،‬وتخليدها‪،‬‬ ‫وكذلك على الزيادة من حدتها‪ ،‬وهي لألسف جنحت في مسعاها هذا‪ ،‬ممّا ساعد‬ ‫وصعب من عملية إجراء أي تغيير‪ .‬ولذلك‪ ،‬أعتقد بأ ّن هذه األنظمة‬ ‫على بقائها‬ ‫ّ‬ ‫أضرّت باملاضي (ألنها صنعت التاريخ) بقدر ما أضرّت باحلاضر (ألن ّها حكمت‬ ‫الناس بطريقة استبدادية وفاسدة)‪ ،‬وكذلك بقدر ما أضرّت باملستقبل (ألن ّها مع‬ ‫هذه املشاكل التي أوجدتها‪ ،‬بات من الصعب جدا ً التطلّع بأمل نحو املستقبل)‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬شاباً‪ ،‬دعمت الثورة اإلسالمية في إيران‪ ،‬والعام املاضي‪ ،‬ألّفت كتابا ً‬ ‫تغيرت خالل‬ ‫تنتقد فيه ثقافة السالح واملقاومة‪ ،‬كيف تعتقد أ ّن ثقافة املقاومة ّ‬ ‫هذه األعوام‪ ،‬وهل باتت هدفا ً بحد ذاتها؟‬ ‫ أعتقد أن ّه بني الثورة اإليرانية عام ‪ 1979‬وأيامنا هذه‪ ،‬حصلت أحداث غاية في‬‫األهمية أظهرت شيئا ً من احلقيقة التي كنّا غافلني عنها‪ .‬أحد هذه األحداث‬ ‫حتولت الى نظام ديني‪ ،‬ال‬ ‫التي أثرّت علينا تتعلّق بالثورة اإليرانية نفسها ألن ّها ّ‬ ‫يربطه بالعالم اخلارجي إال ّ القليل القليل‪ .‬إنه نظام قمعي‪ ،‬شبه ديكتاتوري‪ ،‬وفوق‬ ‫كل ذلك يدافع عن نفسه باستخدام وسيلتني‪ ،‬السالح والعقيدة «اإلديولوجيا»‪.‬‬ ‫وال تنسي احلدث العظيم املتمثّل بانهيار االحتاد السوفياتي والكتلة الشرقية‪،‬‬ ‫قوتها العسكرية‬ ‫التي كانت قوية جدا ً من الناحية العسكرية‪ ،‬ولكن ما أن باتت ّ‬ ‫أهم من أي شيء آخر حتى تداعت وسقطت‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬هذه الظواهر القائمة على عقيدة احلرب والسالح ال تستطيع الصمود في‬ ‫وجه التق ّدم الصناعي والتكنولوجي‪ ،‬القائم على وسائل االتصال الذكية والتي‬ ‫بحوزة كل فرد‪ ،‬وال بوجه الشباب الذي يواجه العنف بالالعنف‪ .‬ال ميكن جتاهل‬ ‫هذا امليل لدى الشباب عندما تشاهد املظاهرات في مصر وتونس‪ ،‬وشعاراتها‬ ‫السلمية‪ .‬فإذا ما أضفت هذه التجارب الى جتربتي اخلاصة‪ ،‬الى ما كتبته‪ ،‬وما‬ ‫آمنت به‪ ،‬ال أعتقد أن ّه من الصعب الوصول الى هذه النتيجة التي توصلّت إليها‬ ‫بشأن «املقاومة» اليوم‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما هو الفارق الرئيس بني املقاومة واحلرب األهلية؟ أين تنتهي األولى‬ ‫وأين تبدأ الثانية؟‬ ‫ املقاومة غالبا ً ما تؤدي الى حرب أهلية‪ .‬وفكرة أ ّن بلدا ما مو ّحدا يجتاحه بلد‬‫آخر‪ ،‬فما يكون منه إال ّ أن يتوحد حتت راية املقاومة حملاربة احملتل ليست سوى‬ ‫ضربا ً من ضروب اخليال‪ .‬وال يوجد في التاريخ مثل ما ميكن أن يؤكّد هذه املقولة‪.‬‬ ‫وأعتقد أن السبب في ذلك هو عدم وجود توافق بني أفراد الشعب أنفسهم‪ .‬ففي‬ ‫احلقبة التي تلت االستقالل‪ ،‬لم يُبذل اجلهد الكافي لبناء دول وأوطان حقيقية‪.‬‬ ‫فقد استمرّت التناقضات املوروثة من حقبة ما قبل االستعمار‪ ،‬وتنامت‪ ،‬حتى‬ ‫بات بالكاد يوجد شيء يجمعنا‪ ،‬فما أن يأتي محتل من اخلارج‪ ،‬حتى جتد بعض‬ ‫الطوائف واجلماعات في ذلك ذريعة لكي حتمل السالح‪ ،‬حتت ستار من احلداثة‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫تُطلق عليه اسم «التحرير»‪ ،‬ومن ثم تستخدم هذا السالح إن لم يكن ضد‬ ‫إخوانهم في الوطن‪ ،‬فكرافعة متنحهم اليد العليا في إمالء الوضع السياسي‬ ‫والسيطرة عليه‪ .‬وقد يشعر آخرون بالتهديد واخلوف جراء ذلك‪ .‬وإن لم يؤد ذلك‬ ‫الى حرب أهلية‪ ،‬فهو سيبقى سببا الندالعها في أية حلظة‪.‬‬ ‫املشكلة مع العقائد التوتاليتارية هي ان ّها جتعل من القتل عمال ً بطوليا ً‪ .‬هذا‬ ‫هو الفارق بني القول إن ّي مضطر لفعل ذلك والقول إن املقاومة‪ ،‬واملوت‪ ،‬والشهادة‬ ‫هي مبتغاي في احلياة‪ .‬في ظل الدميقراطية‪ ،‬يكون هدفك العيش حياة أفضل‪،‬‬ ‫والعمل بشكل أفضل‪ ،‬وحتقيق املزيد‪ ،‬ولكي حتقّ ق إن لم يكن لنفسك فألوالدك‬ ‫تعليما ً أفضل‪ ،‬وبيئة أفضل‪ .‬وفي حال أراد أحد ما منعك من حتقيق ذلك‪ ،‬فعليك‬ ‫أن تتصدى له‪ .‬ولكن هذه ليست اخلطوة األولى‪ ،‬بل تبدأ ممّا تريد حتقيقه‪ .‬من‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬لدى الفريق االستبدادي أو شبه االستبدادي‪ ،‬يكون الدافع الرئيس هو‬ ‫أن ّك تريد محاربة العدو‪ ،‬وأميركا‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬والى ما هنالك‪ ،‬وهذا القتال هو قتال‬ ‫مجيد ومستحب‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لقد تعرّفت على مختلف العقائد واملفاهيم خالل حياتك السياسية‬ ‫في لبنان‪ ،‬هل تعتقد أنه ال يزال ثمة مكان ألي إديولوجية في املنطقة‪ ،‬أم علينا‬ ‫أن ننظر الى السياسة من زاوية أخرى؟ هل ال تزال اإلديولوجيات قادرة على العمل؟‬ ‫ أعتقد أن كل شيء يرتكز الى عقيدة ما‪ ،‬ولكن املشكلة تكمن ان ّه في املعنى‬‫احلديث فإن اإلديولوجيات‪ ،‬ميينية كانت أو يسارية‪ ،‬أو قومية‪ ،‬أو دميقراطية‪ ،‬أو‬ ‫اشتراكية‪ ،‬هي نتاج احلداثة‪ .‬أما في لبنان وبعض البلدان العربية‪ ،‬فنعيش في‬ ‫حقبة ما قبل احلداثة‪ ،‬ولكن بالنسبة لي‪ ،‬فإن األمر يتعلّق أكثر بحسنّا الفردي‬ ‫«االستقاللي» ممّا يتعلّق ببرامج ميكن أن تُنفّ ذ في الواقع‪ .‬وسأعطي مثاال ً على‬ ‫ذلك‪ ،‬خذ االشتراكية مثال ً‪ .‬االشتراكية تعني توزيع الثروة بطريقة ما‪ ،‬ولكن لكي‬ ‫تكون اشتراكياً‪ ،‬يجب أوال ً أن تكون لديك دولة‪ .‬ليس لدينا مثل هذا الشيء‪ .‬واألمر‬ ‫الذي يدعو للضحك في كل ذلك هو أ ّن كل سني تقريبا ً في لبنان يؤيد الليبرالية‬ ‫اجلديدة في االقتصاد‪ ،‬ألن احلريري يدعم هذا االقتصاد‪ ،‬بينما كل شيعي هو‬ ‫اشتراكي التو ّجه‪ .‬في حني أ ّن ال للسنة عالقة بالليبرالية اجلديدة وال للشيعة‬ ‫عالقة باالشتراكية‪.‬‬ ‫حتول إذا سعي الفرد للحصول على هوية؟‬ ‫«اجمللة»‪ :‬الى ماذا ّ‬ ‫ إن الشرط األساسي للمذهب القائم على الفردانية هو وجود دولة‪ ،‬وتوافق‬‫وطني‪ .‬فمن دون دولة ال يستطيع أحد ان يحمي الفرد‪.‬‬ ‫مع تداعي االمبراطوية العثمانية‪ ،‬انتقلنا نظرياً‪ ،‬الى مرحلة الدول القومية‪،‬‬ ‫ولكن كان لدينا شرخ بني احلقيقة حيث يوجد دول قومية لديها مناهج تعليمية‪،‬‬ ‫واعالم‪ ،‬ومجالس تشريعية‪ ،‬واقتصاد وطني‪ ،‬ولكنّهم «املواطنون» لم يدركوا هذه‬ ‫احلقيقة‪ .‬ولذلك ظلوا يقولون البلدان العربية‪ ،‬الوطن العربي‪ ،‬والبلدان املسلمة‪،‬‬ ‫وغير ذلك‪ .‬أشعر أن ّه مظهر من مظاهر الغنى أن تشعر بالفخر النتمائك الى مثال ً‬ ‫ثقافة عربية‪ ،‬وتقاليد إسالمية‪ ،‬والى منطقتك‪ ،‬وعائلتك‪ ،‬ووطنك‪.‬‬ ‫إن كل مستوى من مستويات االنتماء هذه له أهميته‪ ،‬شرط أن يكون كل مستوى‬ ‫مهما في مجاله اخلاص‪ .‬فمثالً‪ ،‬عندما يتعلّق األمر بالسياسة‪ ،‬أنت لبناني أوالً‪،‬‬ ‫وعندما يتعلّق األمر بالثقافة‪ ،‬أنت عربي قبل أي شيء آخر‪ ،‬وعندما يتعلّق األمر‬ ‫باالنتماء الديني‪ ،‬تكون حينها سنياً‪ ،‬أو شيعياً‪ ،‬أو مسيحياً‪ ،‬وعندما تتح ّدث‬ ‫تفضل منطقتك‪ ،‬سواء أكانت في الشمال أو اجلنوب‪،‬‬ ‫عن املناطق‪ ،‬تقول إن ّك‬ ‫ّ‬ ‫ولكن عليك أن تكون حازما ً وصارماً‪ ،‬عندما تتناول املستوى السياسي‪ .‬فاملستوى‬ ‫السياسي يعني الدولة القومية‪ ،‬ويجب ان تكون األولوية النتمائك الوطني‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ماذا عن العلمانية؟ هل باتت شرطا ً لقيام دولة قوية؟‬ ‫التحول الى العلمانية‪ ،‬وامتالك دولة مدنية‪ ،‬علينا أن نتخلّص من‬ ‫ إذا أردنا‬‫ّ‬ ‫تأثير الطوائف الدينية‪ ،‬وعلينا كذلك أن نتخلّص من سالح «حزب اهلل»‪ .‬فال‬ ‫تستطيع التخلّص من سالح «حزب اهلل» من دون معاجلة موضوع الطائفية‪.‬‬ ‫وحتى إن استطعت من الناحية العسكرية‪ ،‬وهي إمكانية شبه مستحيلة‪،‬‬ ‫فإن لم نقم مبحاصرة الطائفية ومنعها من أن تكون صاحبة اليد العليا في‬ ‫اجملتمع‪ ،‬سيكون لدينا دائما ً طائفة ما تريد حماية نفسها‪ ،‬طائفة ميكن أن تكون‬ ‫مسلّحة وتسعى لفرض جدول أعمالها على اجملتمع‪ .‬علينا أن نبني دولة حقيقية‬ ‫مصحوبة بتوافق وطني‪ ،‬علينا أن مننح األولوية للوالء للدولة وليس للقبيلة أو‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪« :‬حزب اهلل»‪ ،‬والقاعدة‪ ،‬واجلماعات السلفية اخملتلفة في العالم‬ ‫العربي‪ ،‬هل هي ظواهر ثقافية واجتماعية ثابتة ومستمرة أم عابرة؟ وماذا ميكن‬ ‫‪47‬‬


‫● حوارات‬

‫حازم صاغية يتحدث عن الدولة الوطنية والطائفية وسالح «حزب اهلل»‬

‫شرخ في احلقيقة‬

‫قال الكاتب والصحفي اللبناني حازم صاغية إن االنتفاضات التي يشهدها العالم العربي جاءت نتيجة عوامل عدة‪ ،‬أحدها‬ ‫هو التناقض املوجود بني أنظمة متق ّدمة في السن‪ ،‬وشعب في ريعان شبابه‪ .‬وقال صاغية في حوار مع «اجمللة» إ ّن هذه‬ ‫األنظمة أضرّت باملاضي بقدر ما أضرّت باحلاضر وباملستقبل‪.‬‬ ‫حنني غ ّدار‬ ‫«اجمللة» التقت حازم صاغية الذي هو من أهم ك ّتاب الرأي واحملررين في صحيفة‬ ‫«احلياة»‪ .‬وهو كذلك واضع العديد من الكتب التي تتراوح في مواضيعها‬ ‫من حزب البعث العراقي الى احلرب األهلية اللبنانية‪ ،‬وصوال ً الى «حزب اهلل»‬ ‫وسالحه‪ .‬يعيش صاغية في بيروت وهو أحد مؤسسي «كلمن» وك ّتابها‪ ،‬وهي‬ ‫تغطي املواضيع السياسية والثقافية واالجتماعية في لبنان‬ ‫مجلّة فصلية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واملنطقة‪.‬‬ ‫وفي ما يلي نص احلوار‪:‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كيف تنظر الى االنتفاضات القائمة في املنطقة‪ ،‬وإلى ما ستؤدي‬ ‫برأيك؟‬ ‫ أعتقد أ ّن هذه الثورات جاءت نتيجة عوامل عدة‪ .‬أحدها هو التناقض املوجود‬‫بني أنظمة متق ّدمة في السن‪ ،‬وشعب في ريعان شبابه‪ .‬تشبه مجتمعاتنا‬ ‫اليوم دور احلضانة‪ ،‬جلهة أ ّن ‪ 60‬و‪ 70‬في املائة من الشعب دون سن الـ ‪.25‬‬ ‫‪46‬‬

‫إما يلفظون أنفاسهم األخيرة أو يعيشون في‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬احلكام ّ‬ ‫تأسس نظام البعث عام ‪ ،1963‬وفي ليبيا‪ ،‬مت ّ فرض‬ ‫املستشفيات‪ .‬ففي سوريا‪ّ ،‬‬ ‫نظام القذافي منذ عام ‪ ،1969‬وفي مصر‪ ،‬استلم حسني مبارك احلكم عام‬ ‫‪ 1981‬ولكنّه جاء الى السلطة منذ االنقالب العسكري في متوز ‪ ،1953‬وغيرهم‬ ‫كثر‪ .‬من الطبيعي إذا ً أن ينفجر هذا التناقض‪.‬‬ ‫العامل األساسي الذي ساعد هذا االنفجار على احلدوث يتألّف بدوره من مظاهر‬ ‫ع ّدة‪ .‬أحدها هو ثورة العوملة‪ .‬هذا البعد الذي منحته العوملة جعل الناس حول‬ ‫العالم أقرب الى بعضهم البعض‪ ،‬وقادرين على رؤية ما يحصل في بقية‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬وعلى إجراء مقارنات بني مختلف البلدان واجملتمعات‪ .‬واملظهر‬ ‫الثاني يتعلّق باتساع شريحة الشباب‪ ،‬وأل ّن الشباب يرتبط بالعزة والفردية‬ ‫واالستقاللية‪ ،‬بات من الصعوبة مبكان القبول بتوريث السلطة في ظل أنظمة‬ ‫يُفترض أن تكون جمهورية‪ .‬وثالثاً‪ ،‬بلغت األزمة االقتصادية حدا ً غير مسبوق‪ .‬ومن‬


‫دفاعا عن الإمربيالية‬ ‫في األعوام األخيرة‪ ،‬نال نيال فيرغسون شهرة أكادميية‪،‬‬ ‫حيث قدم عدد كبير من األفالم الوثائقية اسمه إلى‬ ‫أوساط خارج األبراج العاجية التي اعتادها العلماء‬ ‫واألساتذة‪ .‬ومنحته هذه الدفعة تقديرا يستحقه متاما‬ ‫عن أعماله كمؤرخ‪ ،‬ولكنه حتما تعرض لبعض االنتقادات‪.‬‬ ‫على وجه التحديد جذب نيال االهتمام بسبب أسلوبه‬ ‫الدفاعي الواضح عن نظام القوة اإلمبريالية‪ ،‬لدرجة أن‬ ‫وصفه املؤرخ إيريك هوبسباوم بأنه «يشعر باحلنني إلى‬ ‫اإلمبريالية»‪.‬‬ ‫في كتابه الذي صدر عام ‪« ،2004‬العمالق‪ :‬صعود اإلمبراطورية األميركية‬ ‫وسقوطها»‪ ،‬يوضح فيرغسون مهارته في تقدمي حجج قوية ألفكار غير رائجة‪.‬‬ ‫في فصل حتت عنوان «حجة اإلمبراطورية الليبرالية»‪ ،‬يسأل فيرغسون «عما‬ ‫إذا كان من الصواب اعتبار االستقالل الوطني – الذي أطلق عليه وودرو ويلسون‬ ‫تقرير املصير – منوذجا قابال للتطبيق عامليا»‪ .‬يشير فيرغسون عبر هذا الفصل‬ ‫إلى أن استقالل األمم مفهوم جديد نسبيا‪ ،‬وأنه حتى النصف األخير من القرن‬ ‫العشرين ما زالت آثار اإلمبريالية اليومية حاضرة في جميع أنحاء العالم‪.‬‬ ‫يحاول فيرغسون الدفاع عن اإلمبريالية من منظور اقتصادي في الغالب‪،‬‬ ‫ويعارض االنتقادات التي تضع اإلمبريالية في مقدمة أجندة رأسمالية‬ ‫شريرة‪ ،‬ويبدو أنه أبلى بالء حسنا في هذا الشأن‪ .‬يقدم في كتابه أدلة‬ ‫اقتصادية «ال جدال فيها» توضح أن انتشار االستقالل السياسي فشل في‬ ‫القضاء على الفقر وأنه بشكل عام كان الرخاء أكبر في ظل اإلمبراطورية‪.‬‬ ‫ويركز فيرغسون حجته على منافع املؤسسات املعقدة (الغربية) في‬ ‫التشجيع على احترام حقوق امللكية وسلطة القانون‪ .‬ويقدم رأيا وجيها‬ ‫بأن «وجود اجمللس التشريعي التمثيلي والنظام املالي النزيه وسلطة النقد‬ ‫املستقلة والسوق املنتظمة لألوراق املالية يخلق بيئة مؤسسية ميكن أن‬

‫ولكنني ال أعتقد أننا يجب أن ننظر إلى اإلخوان املسلمني‬ ‫باعتبارها حركة علمانية وهو ما قاله مدير ادارة االستخبارات‬ ‫الوطنية ‪ -‬على نحو غريب ‪ -‬خالل األسبوع املاضي وهو شيء ال أحد‬ ‫يستطيع أن يقوله‪.‬‬ ‫السيناريو الثالث هو السيناريو الذي ترجحه «نيويورك تاميز»‬ ‫والذي أعتقد أنه مستبعد‪ ،‬وهو أن مصر ‪ 2011‬متاثل براغ ‪1989‬‬ ‫أي االنتقال الهادئ لدميقراطية على النمط الغربي‪ .‬وأعتقد أن‬ ‫ذلك مستبعد لعدم وجود أي أسس حلدوث مثل ذلك التحول‪،‬‬ ‫فال توجد معارضة منظمة‪ ،‬وال توجد تقاليد دستورية‪ ،‬وتوجد‬ ‫طبقة متوسطة ضئيلة إلى حد كبير‪ ،‬وعدد كبير من السكان من‬ ‫الشباب الذين يعانون من الفقر ومن سوء التعليم‪ .‬فمن وجهة نظر‬ ‫تاريخية‪ ،‬فإن تلك ليست املعادلة املالئمة لنظام دميقراطي مستقر‪.‬‬ ‫إنها املعادلة التي تسمح بحصول احلركات القومية أو األصولية‬ ‫على أرضية جديدة‪ .‬وهذه السيناريوهات الثالثة ال تنطبق فقط‬ ‫على مصر بل إنها تنطبق على اجلزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬واليمن والعديد‬ ‫من الدول األخرى‪ .‬والشيء اآلخر الذي يجب أن نالحظه هو لبنان‪،‬‬ ‫وهي حالة مثيرة جدا لالنتباه حيث إن حزب اهلل يعد فعليا في‬ ‫السلطة اآلن‪.‬‬ ‫وكمؤرخ‪ ،‬فإنني أبحث عن قياسات‪ .‬أنا ال أدعي أنني متخصص‬ ‫في الشؤون العربية‪ ،‬ولم أدع ذلك من قبل‪ ،‬ولكنني أدرس الثورات‪.‬‬ ‫فقد خصصت جزءا من كتاب «حضارة» وأنا أفكر في الثورات‬ ‫الكبرى‪ ،1989 ،1917 ،1789 ،‬ولكن أيضا ‪ ،1848‬وهي الثورة‬ ‫التي أخفقت‪ .‬وأشعر اآلن أن العرب ميرون بثورة على غرار ‪،1848‬‬ ‫وأن تلك الثورات سوف تفشل ألن القوى بخاصة القوات العسكرية‬ ‫في الوقت الراهن تفتقر إلى شخصية رئيسة ولكنها ما زالت‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫تزدهر في ظلها جميع أنواع الشركات»‪.‬‬ ‫على الرغم من جودة منطقه فإنه لم يضع في اعتباره عوامل تأتي في مقدمة‬ ‫املثل املناهضة لإلمبريالية‪ .‬يأتي افتراض أن الغرض الوحيد من حق تقرير املصير‬ ‫هو النجاح فيما فشلت اإلمبريالية في حتقيقه – فيما يتعلق بضمان الرخاء‬ ‫والسالم العام ‪ -‬على حساب جتاهل األسباب األقل قابلية للقياس التي أدت إلى‬ ‫متني التخلص من عبء اإلمبريالية‪ .‬يقدم فيرغسون النموذج الهندي‪ ،‬مشيرا‬ ‫إلى االستثمار والتنمية املذهلة في البنية التحتية التي حدثت في ظل احلكم‬ ‫البريطاني‪ .‬ال جدال في أن مثل هذا التقدم كان من املمكن أن يتحقق دون‬ ‫البريطانيني‪ ،‬ولكن ما هي تكلفته؟ يتجاهل فيرغسون متاما العنصرية األبوية‬ ‫الضمنية (التي كثيرا ما كانت واضحة) في املشاريع اإلمبريالية‪ .‬وكان اعترافه‬ ‫الوحيد في سطور قليلة بالتناقض البريطاني بشأن انتشار مجاعة في الهند‬ ‫في نهاية التسعينيات‪ ،‬والتي جاءت نتيجة سياسات اقتصادية ضارة‪.‬‬ ‫تغفل هذه احلجة «املؤسسية» لصالح اإلمبريالية عن منوذج واحد صارخ على‬ ‫األقل‪ .‬تثير إشارة فيرغسون الضحك؛ حيث قال إنه حتى أفضل املؤسسات‬ ‫كانت أقل جناحا في الدول اجملدبة احلبيسة التي ال حتظى بفرصة التجارة عبر‬ ‫البحر‪ .‬إذا كان هذا صحيحا‪ ،‬فال بد أن األيرلنديني قد استفادوا بصورة هائلة‬ ‫من التقارب الكبير من ويستمنستر‪ .‬في هذه احلالة‪ ،‬تركت قرون من احلكم‬ ‫البريطاني أيرلندا دولة متقدمة بالكاد وما زال أمامها الكثير‪ ،‬حتى في نهاية‬ ‫القرن العشرين‪.‬‬ ‫من املمكن أن يكون حتليل فيرغسون احملايد مفيدا‪ .‬وكذلك يأتي تأكيده الذكي‪،‬‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬على أن الدول املستقلة غير املترابطة ليست أفضل وسيلة‬ ‫إلدارة الشؤون املالية في العالم‪ .‬ولكن في دفاعه عن «اإلمبراطورية الليبرالية»‬ ‫يفتقد إلى رؤية حقيقة أن التجارة العاملية والشركات الكبرى ليست الوسيلة‬ ‫الوحيدة لقياس النجاح‪.‬‬

‫مهيمنة‪ .‬والدرس الثاني مما حدث في ‪ ،1848‬هو أنه إذا ما لم يكن‬ ‫لدى اجلماهير برنامج متماسك بخالف رحيل مبارك أو «ميترنيخ‬ ‫يجب أن يرحل» فإنهم سوف يخسرون‪ .‬فذلك ليس متماسكا مبا‬ ‫يكفي‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬فإذا لم يكن للجماهير قائد‪ ،‬فيجب أن نتذكر‬ ‫الكلمات العظيمة لليدرو رولني في ‪« 1848‬أنا زعيمهم‪ ،‬يجب أن‬ ‫أتبعهم»‪ .‬عندما أشاهد التغطية اإلعالمية للقاهرة‪ ،‬أرى أنها ثورة‬ ‫حماسية بال زعيم‪ ،‬وبالتالي فليس من املرجح أن تنجح‪.‬‬

‫ا ملستقبل‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل كتبت عملك النهائي؟‬ ‫ أمتنى أنني لم أفعل‪ .‬أشعر أن كتاب كيسنجر ميثل حتديا كبيرا‪،‬‬‫ولكنه ميثل كذلك فرصة كبرى لكي يحول الكتابة حول فترة ما‬ ‫بعد ‪ ،1945‬وكتابة السير الذاتية إلى آفاق جديدة‪ .‬فسوف تكون‬ ‫تلك هي أفضل سيرة ذاتية موثقة متت كتابتها على اإلطالق ألن‬ ‫التكنولوجيا تسمح لي بجمع املواد حاليا‪ ،‬مما يقارب ‪ 60‬أرشيفا‬ ‫حول العالم في عدد مختلف من اللغات وترتيبها بطريقة لم يكن‬ ‫أحد يستطيع القيام بها قبل عشر سنوات‪ .‬وأعتقد أن ذلك في ذاته‬ ‫حتد عظيم‪ :‬كيف ميكن لشخص أن يتعامل مع ماليني الصفحات‬ ‫بطريقة ال تسمح له بأن يتوه أو يتعطل؟! أنا أعمل على كتابي‬ ‫احلالي ككتاب سوف يصبح تتويجا ألعمالي حتى اآلن‪ ،‬حيث إنه‬ ‫سوف يجمع بني التاريخ اجليوسياسي والتاريخ االقتصادي‪ ،‬ألنك ال‬ ‫ميكن أن تفهم أزمة السبعينيات من دون ذلك‪ .‬وأمتنى أن أقول شيئا‬ ‫جديدا حول فترة أصبحت اآلن تاريخا‪ .‬فلم تعد تلك املعلومات هي‬ ‫صحافة السبعينيات بل إنها مادة لألكادمييني التاريخيني‪.‬‬ ‫حوار أجراه أندرو بوين‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫● حوارات‬

‫ليس لديها نفس احلرية الشخصية ولكن لديها ثقافة النظام‬ ‫وثقافة التناغم الكونفشيوسي‪ .‬ولكنني ال أؤمن بذلك‪ .‬ال أؤمن‬ ‫به حقا‪ .‬فاحلقيقة أنهم يحاولون احلصول على فوائد اجملتمع احلر‬ ‫من دون دفع تكلفة املسؤولية السياسية‪ .‬وسيكون من الصعب‬ ‫أن حتقق الصني ذلك‪ .‬فبناء على سنوات من التفكير والقراءة حول‬ ‫ذلك‪ ،‬أعتقد أنك ال تستطيع أن حتصل على مجتمع رائد وابتكاري‬ ‫متاما من دون نطاق كامل من احلريات‪ .‬فاحملاولة الصينية للحصول‬ ‫على ذلك من خالل حزب واحد ال ميكنها أن تنجح‪ .‬ميكنهم حتقيق‬ ‫الكثير من خالل ذلك النموذج ولكن عندما يأتي األمر إلنتاج‬ ‫«غوغل» أو «فيس بوك» فإن ذلك لن يحدث في الصني‪ .‬فهم‬ ‫سيحاكون ما يحدث في الواليات املتحدة ولكنني أجد صعوبة في‬ ‫فهم كيف ميكن جملتمع ليس حرا‪ ،‬ليست لديه حرية صحافة أن‬ ‫يصبح مجتمعا مبتكرا بالطريقة التي تبتكر بها الواليات املتحدة‪.‬‬

‫أميركا والشرق األوسط‬ ‫«اجمللة»‪ :‬في مقالتك بـ«النيوزويك»‪ ،‬كتبت أخيرا أن الرئيس‬ ‫أوباما يفتقر إلى االستراتيجية العظمى‪ .‬فهل حتتاج الواليات‬ ‫املتحدة إلى استراتيجية عظمى جديدة ملواجهة تلك التحديات؟‬ ‫وإذا كان احلال كذلك‪ ،‬فمن أين يستطيع أوباما أن يبدأ؟‬ ‫ الوصول إلى احلكومة األميركية من دون استراتيجية أو من دون‬‫إطار استراتيجي ميكن عبره التفكير في العديد من التحديات‬ ‫أمر شديد اخلطورة‪ .‬وأنا أشعر أن الرئيس أوباما رئيس يفتقر إلى‬ ‫اخلبرة محاط مبستشارين من املرتبة الثانية والنتيجة هي أنهم‬ ‫ليست لديهم سياسة متماسكة‪ .‬فهم لديهم تقريبا سياستان‬ ‫خارجيتان في الوقت الراهن‪ .‬ويبدو أنهما يتبادالنها‪ ،‬وزيرة اخلارجية‬ ‫أيام االثنني والرئيس أيام الثالثاء ثم نعود إلى كلينتون أيام األربعاء‪.‬‬ ‫إنه أمر غريب‪.‬‬ ‫املشكلة هي أنه إذا نظرت إلى إدارة بوش‪ ،‬فإنك تستطيع إلقاء‬ ‫اللوم عليه‪ ،‬حيث من السهل إلقاء اللوم عليها‪ ،‬ملا فعلته إدارته‬ ‫في أعقاب احلادي عشر من سبتمبر (أيلول) ولكنك ال تستطيع‬ ‫إنكار أنه كان هناك إطار استراتيجي‪ .‬اإلطار كان هو أن تشن حربا‬ ‫على اإلرهابيني ثم تخلق بالقوة موجة دميقراطية في العراق ورمبا في‬ ‫أفغانستان وفي الشرق األوسط بأسره‪ .‬تلك كانت رؤية‪ .‬أعتقد أنه‬ ‫أسيء تنفيذها ولكنها كانت متماسكة‪ .‬وهذه اإلدارة ليس لديها أي‬ ‫نوع من التماسك‪ ،‬سوى أن يقولوا إنهم ليسوا جورج بوش‪ .‬ومبدئيا‪،‬‬ ‫فإن سياسة الرئيس منذ جاء إلى السلطة كانت هي سلسلة من‬ ‫اخلطابات املتتالية مبا فيها خطاب القاهرة في ‪ ،2009‬قائال بحيوية‬ ‫«أنا لست جورج بوش‪ ،‬يجب أن حتبوني»‪ .‬وهذه ليست استراتيجية‪.‬‬ ‫وقد شهدنا ذلك بوضوح في أحداث مصر‪ ،‬حيث أظهرت أنه‬ ‫يجد صعوبة في التعامل معها‪ .‬واآلن نحن في مرحلة يصعب‬ ‫التنبؤ بها إلى حد كبير فمن الصعب التنبؤ مبا ميكن أن تنتهي‬ ‫إليه الدميقراطية املصرية‪ .‬فعلى املدى القصير‪ ،‬اجليش ما زال في‬ ‫السلطة‪ .‬كما أن أداء تلك الثورة‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬ليس طيبا مبعايير‬ ‫الثورات األوروبية‪ .‬وثانيا‪ ،‬ليس هناك حزب دميقراطي علماني جيد‬ ‫التنظيم‪ .‬وثالثا هناك حركة واحدة إسالمية منظمة وهي حركة‬ ‫اإلخوان املسلمني املرشحة للصعود إذا ما لم يتمكن اجليش من‬ ‫إعادة النظام اجلديد الذي أعتقد أنه يتمنى أن يفعله‪ .‬أنظر إلى‬ ‫أداء اإلدارة وأجده محزنا‪ .‬فمجلس األمن القومي أخفق متاما في‬ ‫إعداد الرئيس لذلك السيناريو على رغم أن اإلسرائيليني كانوا‬ ‫يناقشونه ملدة طويلة‪ .‬بل إنني أجد أن فكرة أنهم لم يفكروا‬ ‫في سيناريو قيام نوع من االنتفاضة الشعبية ضد مبارك‪ ،‬فكرة‬ ‫غريبة‪ .‬فاملسألة لم تكن مستبعدة‪ .‬وذلك أمر منذر للغاية‪ ،‬من‬ ‫وجهة نظر مؤرخ‪ ،‬ألن املؤرخني يدركون أن معظم الثورات ال تنتهي‬ ‫بنظام دميقراطي ليبرالي سعيد‪ .‬فمعظم الثورات يعقبها فترة‬ ‫من الراديكالية نظرا في غالب األحوال للفوضى االقتصادية‪،‬‬ ‫كما أنهم مييلون ‪ -‬من منطلق تلك الراديكالية ‪ -‬للمشاركة في‬ ‫احلروب ألنه من األسهل بالنسبة لزعيم سياسي في وضع ثوري أن‬ ‫يشير بإصبعه للعدو اخلارجي بدال من التعامل مع املشكالت ذات‬ ‫الطبيعة العملية في الداخل‪ .‬فاخلطر هو أن تلك احلركة الثورية‬ ‫‪44‬‬

‫التي بدأت في تونس ومصر وغيرهما ميكن أن تفعل بالشرق األوسط‬ ‫ما فعلته الثورة الفرنسية بأوروبا بعد ‪ ،1789‬أي ثورة ثم دخول في‬ ‫حرب‪ .‬واخملاطر أكبر بكثير مما يبدو أن أي أحد في واشنطن قادر على‬ ‫تخيله‪ .‬واملشكلة أن الناس منجذبون لفكرة أن الثورة التي حتدث‬ ‫في الشرق األوسط هي ثورة على غرار ثورة براغ البنفسجية‪ .‬فهم‬ ‫مييلون لالعتقاد بأن عام ‪ 1989‬يتكرر‪ .‬والسبب في حدوث ذلك اخلطأ‬ ‫هو أنهم ينظرون إلى اجلماهير في التلفزيون ويقولون ذلك أمر‬ ‫جيد‪ .‬وذلك فقدان مذهل للذاكرة‪ ،‬نظرا ألن ‪ 1989‬كان بعد عشرة‬ ‫أعوام فقط من الثورة اإليرانية وهو احلدث الذي رحب به في البداية‬ ‫األميركيون بنفس الطريقة ولكنه خرج عن السيطرة متاما‪.‬‬ ‫لدي مخاوف شديدة بشأن إخفاق اإلدارة في طرح السؤال التالي‪ :‬هل‬ ‫نريد ‪ )1‬استقرارا في الشرق األوسط وفي تلك احلالة يجب أن نقلق‬ ‫على سالمة أنظمة مثل نظام مبارك املصري‪ .‬أو ‪ )2‬هل نريد‪ ،‬حقا‪،‬‬ ‫أن حتدث موجة دميقراطية ولكن بوسائل سلمية بدال من الوسائل‬ ‫العنيفة؟ ألنها إذا ما كانت بالوسائل العنيفة فإن ذلك ستكون‬ ‫له تداعيات خطيرة‪ .‬فيجب أن حتدد ما الذي عليك عمله عندما‬ ‫ينزل الناس إلى الشارع‪ ،‬يجب أن تفكر في ذلك‪ .‬وثانيا‪ ،‬يجب أن‬ ‫تتأكد من أن تلك اجلماهير لديها زعماء أهدافهم ليبرالية وعلمانية‬ ‫فعليا‪ .‬فقد كانت الواليات املتحدة بارعة في ذلك في احلرب الباردة‪.‬‬ ‫فأنت بحاجة إلى مساعدة الناس الذين سوف يقودون البالد في اجتاه‬ ‫احلرية‪ .‬ولكننا لم نفعل ذلك‪ .‬ويرجع ذلك اإلخفاق في احلقيقة‬ ‫إلى ما قبل ذلك‪ .‬فبعدما ألقى أوباما بخطاب القاهرة في ‪،2009‬‬ ‫جلس سلبيا وصامتا فيما كانت احلركة اخلضراء تتعرض للقمع في‬ ‫طهران على يد قوات أحمدي جناد‪ .‬ذلك وضع فوضوي للغاية وأعتقد‬ ‫أنه ستكون له عواقب سلبية ليس فقط على مصر ولكن على‬ ‫املنطقة بأسرها‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل كانت الواليات املتحدة تستطيع إنقاذ النظام املصري؟‬ ‫هل تعتقد أن اإلخوان املسلمني سوف يتبعون مسار حزب العدالة‬ ‫والتنمية؟ وكيف ترى تطور األحداث بعد سقوط مبارك؟‬ ‫ نظام مبارك كان على وشك النهاية‪ .‬ولكن السؤال هو إذا ما‬‫كان سيتمكن من تسليم السلطة البنه بنجاح أم ال‪ .‬من الواضح‬ ‫أن ذلك اخليار لم تكن له شرعية وكان ال يلقى قبول جماهير‬ ‫الشباب في الشوارع‪ ،‬كما أنه لم تكن لديه شرعية بالنسبة‬ ‫للجيش‪ .‬وإال ما كنا وصلنا إلى تلك النتيجة‪ .‬فقد كانت الواليات‬ ‫املتحدة غير مدركة ملا يحدث‪..‬فال أعتقد أنه كان هناك أي احتمال‬ ‫الستمرار مبارك‪ .‬ولكن السؤال الوحيد كان ما الذي سوف يحدث‬ ‫بعد ذلك؟ لم يكن لدى اإلدارة أدنى فكرة‪ .‬فهناك رياح تغيير تهب‬ ‫على املنطقة وميكن أن تذهب في أحد اجتاهات ثالثة‪ :‬ميكن أن يسفر‬ ‫عنها قمع وخلق جيل جديد من الزعماء العسكريني والعلمانيني‬ ‫في الوقت نفسه‪ .‬وأنا ال أستبعد ذلك حتى في مصر‪ ،‬حيث‪ ،‬دعونا‬ ‫نكون صرحاء‪ ،‬كانت النتيجة الصريحة للثورة هي ستة أشهر من‬ ‫احلكم العسكري‪ .‬ثم هناك السيناريو الثاني والذي يقل قليال في‬ ‫احتماليته عن السيناريو األول ولكنه سهل التحقق وهو حدوث‬ ‫فترة من االضطرابات االقتصادية بل وحتى الفوضى واالفتقار إلى‬ ‫القدرة على إفراز قيادة سياسية علمانية‪ ،‬فتحقق جماعة اإلخوان‬ ‫املسلمني مكاسب وينتهي احلال بفوزهم باالنتخابات ثم تصبح على‬ ‫األقل جزءا مهيمنا في احلكومة‪ .‬ثم يأتي بالطبع التساؤل اخلاص مبا‬ ‫إذا كانت جماعة اإلخوان املسلمني مستعدة لذلك‪ .‬هل ستصبح‬ ‫متشددة في فرض الشريعة أم أنها ستحاول متريرها؟‬ ‫ال أعتبر أن الوضع في تركيا مستقر أو طيب من وجهة نظر الغرب‪.‬‬ ‫فحكومة أردوغان تدير مبرونة مفاوضاتها مع الغرب‪ ،‬ولكنها تدفع‬ ‫تركيا بال شك بعيدا عن الغرب وباجتاه سياسة عثمانية جديدة‪.‬‬ ‫وحقا سوف نشهد املزيد واملزيد من التحدي التركي إليران لكي‬ ‫تصبح القوة املهيمنة في املنطقة‪.‬‬ ‫وهناك سؤال كبير يتعلق بالسيناريو الثاني أي إذا ما متكن اإلخوان‬ ‫املسلمون من احلصول على السلطة‪ .‬ال أعتقد أنها سوف تصبح‬ ‫راديكالية أو عنيفة بنفس قدر ثورة اخلميني اإلسالمية في إيران‪،‬‬


‫املثال‪ ،‬ال ميكنك القول بأن شخصا ما في الوقت الذي كان فيه‬ ‫الليندي في السلطة في تشيلي كان يدرك بوضوح ما الذي ميكن أن‬ ‫يحدث إذا ما مت خلعه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن عملية صناعة القرار ال تتعلق‬ ‫فقط باإلطار االستراتيجي ولكنها تتعلق أيضا بعدم القدرة على‬ ‫التنبؤ باملستقبل وهو ما تفتقر إليه الدراسات حتى اآلن‪.‬‬

‫احلضارة‪ :‬الغرب وغيره‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لديك كتاب جديد سوف يصدر خالل الربيع احلالي‪ ،‬وفي‬ ‫ذلك الكتاب تقول إن الغرب طور ستة «تطبيقات قاتلة» كان‬ ‫اآلخرون يفتقرون إليها‪ :‬التنافسية والعلم والدميقراطية والطب‬ ‫واالستهالكية وأخالقيات العمل البروتستانتية‪ ..‬هل تعتقد‬ ‫أن الغرب فقد احتكاره لتلك التطبيقات الستة؟ وإذا كان ذلك‬ ‫صحيحا فهل نشهد نهاية الهيمنة الغربية؟‬ ‫ لقد فقد الغرب احتكاره لتلك األشياء‪ ،‬وذلك واضح للغاية‪.‬‬‫فهناك قدر كبير من التنافسية في البلدان اآلسيوية في الوقت‬ ‫الراهن‪ .‬كما أن باكستان وإيران لديهما العلم‪ .‬فلديهما من العلم‬ ‫ما يكفي للحصول على أسلحة نووية‪ .‬كما أن سيادة القانون‬ ‫وحقوق امللكية تنتشران في كل مكان بسرعة فائقة‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬تلك القوانني متطورة على نحو مذهل في الهند‪ .‬والطب‬ ‫احلديث موجود في كل مكان‪ .‬فال يوجد مكان بخالف أفريقيا‬ ‫جنوب الصحراء‪ ،‬ومناطق مثل هاييتي التي لم نتمكن فيها من‬ ‫مد األعمار املتوقعة لإلنسان‪ .‬وبالنسبة لالستهالكية‪ ،‬اذهب إلى‬ ‫الصني وميكنك أن ترى كيف تغير الوضع بعدما كان لم يكن لديها‬ ‫شيء في السبعينيات إلى قدر هائل من اإلعالنات والتجزئة ثم‬ ‫العمل األخالقي‪ ،‬وجميعهم يعمل أكثر مما نعمل حاليا‪.‬‬ ‫وال ميكن ألحد أن يجادل حقيقة أن تلك التطبيقات لم تعد حكرا‬ ‫على الغرب‪ .‬فقد حصل عليها اجلميع على رغم أنهم لم يحصلوا‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫عليها جميعا بالضرورة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬يعارض الصينيون‬ ‫بوضوح حقوق امللكية الفكرية اخلاصة وسيادة القانون‪ .‬فهم بال‬ ‫شك ال يريدون حكومة نيابية‪ .‬فهل يعني ذلك أن الهيمنة الغربية‬ ‫قد انتهت؟ أجل‪ ،‬يعني ذلك‪ ،‬وأعتقد أن ذلك هو اجلزء املهم في‬ ‫الكتاب وهو أننا لم نعد نستطيع النظر إلى القرن احلادي والعشرين‬ ‫وإلى األقلية من الناس التي تعيش في الغرب ونتحمل املسؤولية‬ ‫بأسرها‪ .‬وأعتقد أن ذلك كان هو الوضع خالل اخلمسمائة عام‬ ‫املاضية‪ ،‬وبالتأكيد خالل املائتي عام املاضية‪ ،‬ولكنه لن يكون الوضع‬ ‫خالل املائتي عام املقبلة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬كيف تكيفت آسيا مع تلك التطبيقات القاتلة؟‬ ‫ إن احلضارة الناشئة في آسيا بوتقة صهر آسيوية‪ ،‬حيث هناك‬‫قدر كبير مأخوذ من الغرب ولكن هناك أيضا عنصر أصالة الثقافة‬ ‫اآلسيوية‪ .‬وأعتقد أن ذلك صحيح في كل مكان‪ .‬فليس األمر وكأن‬ ‫العالم أصبح كله بيغ ماك ‪ -‬سلسلة ماكدونالدز العاملية ‪ -‬فاألمر‬ ‫وكأن قائمة طعام بوتقة الصهر اآلسيوية حتتوي في اآلن نفسه على‬ ‫أطباق تقليدية وبعض األطباق الغربية‪ .‬فلن تكون هناك واليات‬ ‫متحدة في آسيا أو في الصني أو أي شيء يشبه الواليات املتحدة‬ ‫ألنها فريدة‪ :‬من حيث ما لديها من موارد‪ ،‬ومن حيث تاريخها‬ ‫وسكانها‪ ،‬كل شيء مختلف حقا‪ .‬ولكنك تستطيع تخيل الصني‬ ‫وهي قوة اقتصادية بعظمة الواليات املتحدة من حيث ثرواتها‬ ‫وإمكاناتها ومن حيث قدراتها العسكرية واجليوسياسية‪ .‬أعتقد أن‬ ‫ذلك سوف يحدث‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل متتلك الصني تطبيقات قاتلة جديدة لم ميتلك الغرب‬ ‫مثلها ؟‬ ‫ في الوقت الراهن‪ ،‬حتاول الصني تقليد نظامنا من دون احلرية‬‫الفردية‪ .‬وتستطيع أن تقول إن ذلك هو تطبيقهم القاتل‪ :‬فالصني‬ ‫‪43‬‬


‫● حوارات‬

‫نيال فرغسون ينتقد االدارة األميركية ويحذّر من سيطرة «االخوان» على مصر‬

‫غيوم الربيع‬

‫في حوار حصري مع «اجمللة»‪ ،‬يناقش نيال فرغسون كتابه القادم عن هنري كيسنجر ويقدم عرضا لكتابه اجلديد «حضارة»‪.‬‬ ‫وفي سياق االضطرابات املستمرة في الشرق األوسط‪ ،‬يناقش فرغسون أيضا الثغرات االستراتيجية إلدارة أوباما ويجيب عن‬ ‫ملاذا يشهد العالم العربي ثورة على غرار ثورة ‪ 1848‬التي كان مآلها الفشل بسبب افتقار الثوريني إلى رؤية واضحة‪ .‬فمن‬ ‫دون القادة‪ ،‬كيف ميكن لهذه االنتفاضات أن تتحول إلى ثورات؟‬ ‫أندرو بوين‬ ‫على الرغم من مواقفه اليمنية املتشددة‪ ،‬وعلى رغم اختالفك معه‬ ‫في آرائه التي فيها الكثير من التطرف أحيانا‪ ،‬يعد نيال فرغسون‬ ‫واحدا من بني أهم املؤرخني في جيله‪ .‬فهو أكادميي ومثقف شهير‪،‬‬ ‫في اوروبا وأميركا‪ ،‬ويرى البعض أن كتاباته قد رفعت من معايير‬ ‫األكادميية في ما يتعلق باالستراتيجيات العظمى‪ ،‬والقوى العظمى‪،‬‬ ‫والتاريخ املالي‪ .‬حيث إن أسلوبه الصريح والسهل‪ ،‬واملستفز في‬ ‫كثير من األحيان‪ ،‬جعل من كتبه ومقاالته من أكثر األعمال التي‬ ‫تقرأ وتناقش على مستوى عاملي في الوقت الراهن‪.‬‬ ‫نيال فرغسون يعمل كأستاذ للتاريخ بجامعة هارفارد‪ ،‬وهو حاصل‬ ‫على منحة لورانس تيش ويعمل أيضا كأستاذ إلدارة األعمال بكلية‬ ‫االقتصاد وحاصل على منحة ويليام زيغلر‪ ،‬ويشغل في الوقت نفسه‬ ‫مقعد «فيليب رومان» في التاريخ والشؤون الدولية في كلية لندن‬ ‫لالقتصاد‪ .‬كما أنه باحث مبعهد هوفر بجامعة ستانفورد‪ ،‬وباحث‬ ‫بكلية جيسوس بكامبريدج‪ .‬كما ينشر مقاالت في الوقت الراهن‬ ‫في «الفايننشيال تاميز» ويكتب عمودا ثابتا في «نيوزويك»‪.‬‬ ‫ألف فرغسون أكثر من ‪ 14‬كتابا و«اخلبير املالي‪ :‬حياة وزمن‬ ‫سيغموند ورابرغ» هو أحدث كتبه‪ .‬ومن أعماله «صعود املال‪:‬‬ ‫التاريخ املالي للعالم»‪« ،‬الصنم‪ :‬صعود وأفول اإلمبراطورية‬ ‫األميركية»‪ ،‬و«اإلمبراطورية‪ :‬كيف صنعت بريطانيا العالم‬ ‫احلديث»‪.‬‬

‫هنري كيسنجر‬ ‫«اجمللة»‪ :‬تعد سلسلة أعمالك القادمة حول حياة هنري كيسنجر‬ ‫مختلفة إلى حد ما عن أعمالك األخرى‪ .‬فهناك بالفعل أعمال‬ ‫عدة حول حياة كيسنجر ‪ .‬فما الذي دفعك إلعادة تأمل حياته؟‬ ‫هل متت إساءة فهم إرثه؟‬ ‫ لقد كتبت من قبل عن السياسة اخلارجية ألميركا‪« .‬الصنم»‬‫الذي نشر في ‪ ،2004‬هو مقال قصير حول اإلمبراطورية‬ ‫األميركية وغيرها من األعمال حول الطبيعة اجليوسياسية‬ ‫حلروب العالم‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬ليست كل أعمالي حول التاريخ املالي‪ .‬إن‬ ‫كتابة السيرة الذاتية مبثابة فن يثير اهتمامي وذلك هو ما دفعني‬ ‫لتأليف كتاب حول سيغموند وربرغ‪ .‬وكان من دفعني للكتابة‬ ‫حول هنري كيسنجر هو هنري كيسنجر ذاته‪ ،‬حيث سألني إذا ما‬ ‫كنت مهتما بالكتابة حول سيرته الذاتية وسمح لي باالطالع على‬ ‫أوراقه اخلاصة‪ .‬وقد وافقت على الكتابة شريطة أن تكون لي مطلق‬ ‫احلرية في الكتابة وترجع موافقتي إلى أنني ال أستطيع التفكير‬ ‫في أي أحد في النصف الثاني من القرن العشرين له إسهامات‬ ‫أكثر أهمية في العالقات الدولية من هنري كيسنجر‪ .‬فقد أعاد‬ ‫كيسنجر صياغة السياسة اخلارجية األميركية واالستراتيجية‬ ‫العظمى في بداية السبعينيات بأسلوب قوي وقابل لالستمرار‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫فنحن نعيش حاليا في عصر انهيار بنائه الشرق أوسطي‪ .‬فقد‬ ‫كان حتول مصر إلى حليف أميركي هو أحد اإلجنازات التي متكن من‬ ‫حتقيقها‪ .‬وإذا كنت حتاول فهم النصف الثاني من القرن العشرين‪،‬‬ ‫بخاصة السبعينيات‪ ،‬وهي الفترة التي تثير اهتمامي‪ ،‬فستجد‬ ‫أنه من الشخصيات الرئيسة في تلك املرحلة‪ .‬حقا‪ ،‬هناك العديد‬ ‫من الكتب األخرى التي كتبت حوله‪ ،‬سير ذاتية وبعض الدراسات‬ ‫النقدية‪ ،‬ولكنني أعتقد أن كتابي قد اشتمل على قدر كامل من‬ ‫األدلة الوثائقية‪ .‬وبالطبع‪ ،‬لم يحصل أحد على ميزة االطالع على‬ ‫أوراقه الشخصية من قبل‪ .‬وبالتالي فلدي سبب قوي لتأليف مثل‬ ‫ذلك الكتاب‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬إلى أي حد تعتقد أن كيسنجر كان منوذجا للقيادة كوزير‬ ‫خارجية؟‬ ‫ الشائع أن كيسنجر كان واقعيا وكانت عالقته بالسلطة‬‫ميكافيلية وبسماركية وبالتالي فقد كان منوذج الشخص الذي‬ ‫وضع املصالح األميركية في الصدارة وأي مثل أخرى في املرتبة‬ ‫الثانية‪ .‬وأعتقد أن ذلك خاطئ متاما‪ .‬وجزء من أهداف كتابي هو أن‬ ‫أشرح األسباب‪ .‬وبالطبع‪ ،‬لم يتم كتابة الكتاب بعد‪ ،‬وبالتالي فال‬ ‫أستطيع احلديث تفصيال حول ذلك‪ .‬ولكنني أجريت محاضرة هنا‬ ‫في كلية لندن لالقتصاد‪ ،‬حتدثت خاللها حول أن كيسنجر لم يكن‬ ‫ماديا ولكنه كان مثاليا‪ ،‬وكان برنامجه إلعادة بناء االستراتيجية‬ ‫األميركية يعتمد على العناصر األخالقية القوية‪ .‬ولكن النقطة‬ ‫األساسية هي أنه في كل استراتيجية عظمى‪ ،‬يجب أن يكون هناك‬ ‫خيارات‪ .‬فيجب أن تقوم بترتيب أولوياتك‪ .‬فال ميكنك التعامل مع‬ ‫السياسة اخلارجية بناء على أسس خاصة وهو ما يؤمن به العديد‬ ‫من نقاده الليبراليني‪.‬‬ ‫ومبعنى آخر‪ ،‬فهم يعتقدون أنه إذا كانت هناك أزمة في تيمور‬ ‫الشرقية‪ ،‬وأزمة في كمبوديا‪ ،‬وأزمة في تشيلي‪ ،‬فسوف تنظر إلى‬ ‫تلك املشكالت وتفكر ما هو الشيء الذي يصح عمله وما هو الذي‬ ‫ال يجب عمله‪ .‬فإذا كنت هنري كيسنجر فسوف تختار اخليار السيئ‬ ‫ولكن إذا كنت كريستوفر هتشنز فسوف تختار اخليار الصائب‪ .‬وتلك‬ ‫رؤية قاسية للسياسة اخلارجية ألنه بالطبع لم تكن أي من هذه‬ ‫الدول مبثل تلك األهمية بالنسبة للواليات املتحدة‪ .‬فقد كانوا في‬ ‫الترتيب الثالث أو الرابع من حيث األهمية وبالتالي فإن الطريقة التي‬ ‫تعاملت بها الواليات املتحدة مع تلك البلدان يجب النظر إليها في‬ ‫إطار سياق التصميم االستراتيجي املعقد‪.‬‬ ‫وفي الكتاب القادم‪ ،‬أحاول أن أوضح كيف كان ذلك التصميم‪،‬‬ ‫وأوضح حدوده وإخفاقاته ألن لتلك الدراسة أهمية قصوى‪ .‬كما‬ ‫يجب أن تكون مدركا حلقيقة أن كيسنجر لم يكن يعلم املستقبل‪.‬‬ ‫فال ميكنك كمؤرخ أن حتكم انطالقا مما أصبحت تعلمه‪ .‬فعلى سبيل‬


‫اآلف املهاجرين من تونس ودول عربية وافريقية‬ ‫أخرى وصلوا في األشهر الثالثة األخيرة الى جزيرة ملبيدوزا االيطالية‬

‫والسؤال األساسي اآلن هو‪ :‬ما الذي ميكن أن يحدث الحقا؟‬ ‫ما زالت أسواق البترول في حالة اضطراب‪ ،‬وما زال خطر النزوح‬ ‫اجلماعي لالجئني قائما‪ .‬وقد عقد االحتاد األوروبي أخيرا قمة استمرت‬ ‫فعالياتها يومني حول ليبيا‪ .‬وعلى نحو متوقع‪ ،‬كان «خطر الالجئني»‬ ‫هو املوضوع الرئيس للقمة‪ .‬وقد أوصى بعض السياسيني األملان‬ ‫مبشاركة املسؤولية من خالل توزيع الالجئني على الدول األعضاء‬ ‫كافة‪ ،‬ولكن سرعان ما رفض وزير اخلارجية األملاني تلك املبادرة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وهو ما كشف‪ ،‬مرة أخرى عن ضعف االحتاد األوروبي من‬ ‫حيث عدم امتالكه لسياسة واضحة في ما يتعلق بالالجئني‪ .‬وفي‬ ‫النهاية‪ ،‬مت التوصل للقرارات التي تعمل على تعزيز أمن احلدود من‬ ‫خالل وكالة «فرونتكس» وإنشاء مكتب لقوات الشرطة التابعة‬ ‫لالحتاد األوروبي‪ ،‬وبالتالي كانت الرسالة واضحة‪ :‬الدميقراطية أمر‬ ‫طيب طاملا ظل الالجئون في الداخل‪.‬‬ ‫ولكن في ظل حترك الغرب بقوة صوب اإلطاحة بالقذافي‪ ،‬يجب أن ال‬ ‫يستهان برغبته القوية في البقاء‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أنه كان يوصف دائما بأنه قذيفة على وشك‬ ‫االنفجار‪ ،‬فإنه مقامر بارع لديه ثالث أوراق أساسية في يديه‪ :‬ليبيا‬ ‫دولة إسالمية‪ ،‬لديها بترول‪ ،‬وهي ضرورية من أجل وقف الهجرة‬ ‫إلى أوروبا‪ ،‬وفي أعقاب جتارب الغرب في العراق وأفغانستان‪ ،‬فإنه ال‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫يستطيع حتمل كلفة التحرك السريع والقوي‪ .‬حيث إن احتماالت رد‬ ‫الفعل السلبي قوية‪ ،‬كما أن الفراغ السياسي احملتمل إذا ما سقط‬ ‫القذافي سوف يجعل أسواق البترول تستمر في حالة الفوضى‬ ‫وتؤدي إلى حاالت نزوح جماعية كما توقع فراتيني‪.‬‬ ‫مما ال شك فيه أن من مصلحة االحتاد األوروبي حتقيق دولة مستقرة‬ ‫وآمنة في منطقة شمال أفريقيا‪ .‬إال أن املعايير املزدوجة خلقت في‬ ‫املاضي متاهة من دون مخرج سهل وواضح‪ :‬فإلى أي مدى ميكن أن‬ ‫تذهب أوروبا في مساندة احلرية والدميقراطية في الشرق األوسط إذا‬ ‫لم يكن تغيير النظام بالضرورة في مصلحتها اإلقليمية؟ ولكي‬ ‫جنيب على ذلك السؤال املعقد‪ ،‬هناك مساران محتمالن‪ :‬املسار‬ ‫السياسي واملسار األخالقي‪ .‬ولكن هناك إجابة واحدة صحيحة‪.‬‬ ‫فلتعزيز اإلرث التاريخي ألوروبا باعتبارها مهد الدميقراطية وحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬يجب على زعمائها احترام القيم العاملية أوال من خالل‬ ‫مساعدة شعوب شمال أفريقيا على حتقيق إرادتهم الدميقراطية‬ ‫وثانيا من خالل املساعدة على التعايش مع الجئيها‪.‬‬

‫*جيسون زدياس ‪ -‬صحافي سياسي ومحرر دائم بالصحف واجملالت‬ ‫الدولية املرموقة‪ .‬وهو مرشح حاليا للحصول على الدكتوراه‬ ‫بدراسات الهجرة األوروبية بكلية لندن امللكية‪ ،‬وتركز أبحاث زدياس‬ ‫على سياسة إقصاء املهاجرين في ما بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬بناء‬ ‫على العرق والدين في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫شمال افريقيا‪ ..‬من االنتفاضات‬ ‫الشعبية الى الهجرة اجلماعية‬

‫املعضلة األوروبية‬

‫لعب دور ليبيا احملوري كمنطقة عازلة بني أفريقيا جنوب‬ ‫الصحراء وأوروبا دورا رئيسيا في التأييد الغربي ملعمر القذافي‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬ووسط االضطرابات املستمرة‪ ،‬تواجه أوروبا والشرق‬ ‫األوسط أزمة متنامية في ما يتعلق بالالجئني‪.‬‬ ‫جيسون زدياس‬ ‫في السياسة ووسائل اإلعالم‪ ،‬مييز عدد قليل من املعلقني بني‬ ‫املهاجرين غير الشرعيني والالجئني‪ .‬وتتسم الصورة واخلطاب‬ ‫املتعلقان بتلك القضية في غالب األحوال بالسلبية‪ ،‬ويحتل أمن‬ ‫احلدود األولوية في حماية األمن العام ضد موجات املهاجرين أو حتى‬ ‫غزو اجلموع‪ .‬وعادة ما تقابل االلتماسات اإلنسانية بالتشكك والعداء‬ ‫بدال من التعاطف‪ ،‬وهناك ميل لتصوير الالجئني ليس باعتبارهم‬ ‫ضحايا ولكن باعتبارهم انتهازيني‪.‬‬ ‫وبعبارة أوضح‪ ،‬فإن املهاجر غير الشرعي هو أي شخص يهاجر من‬ ‫دولة ما ويحاول أن يستقر في األخرى من دون تصريحات قانونية‪.‬‬ ‫وعلى النقيض‪ ،‬فإن الالجئ هو أي شخص يهاجر من دولة ما بسبب‬ ‫خوف «ذي أساس» من اإلعدام أو املوت‪.‬‬ ‫ولكن هؤالء النازحني من تونس أو مصر أو ليبيا هم مزيج غير‬ ‫واضح من االثنني‪ .‬وفي معظم احلاالت‪ ،‬فإن التمييز بني االثنني يعد‬ ‫ضربا من احملال‪ .‬فقد أعلنت األمم املتحدة أخيرا أن أزمة «الالجئني»‬ ‫احلالية تضم ما يزيد عن ‪ 200‬ألف نسمة‪ ،‬نسبة كبيرة منهم‪ ،‬في‬ ‫حالة ليبيا‪ ،‬من العمال غير الشرعيني القادمني من أفريقيا جنوب‬ ‫الصحراء الذين حتولوا إلى هدف سهل خالل الفوضى‪ .‬بعضهم ما‬ ‫زال عالقا بالداخل‪ ،‬فيما غادر البعض اآلخر ويحاولون بيأس االستقرار‬ ‫في تونس‪ ،‬أو مصر‪ ،‬أو اجلزائر‪ ،‬وما زال هناك البعض اآلخر الذي يحاول‬ ‫قطع الرحلة الصعبة عبر البحر املتوسط على أمل أن يستقر في‬ ‫النهاية في أوروبا‪.‬‬

‫أفريقيا جنوب الصحراء الذين يحاولون الوصول إلى القارة األوروبية‪.‬‬ ‫وفي احلقيقة‪ ،‬كانت اخملاوف بشأن الالجئني هي السبب الرئيس‬ ‫الذي جعل االحتاد األوروبي يرفع احلظر عن تصدير السالح لليبيا في‬ ‫‪ .2004‬وحديثا‪ ،‬في عامي ‪ ،2007‬و‪ ،2008‬وقعت كل من إيطاليا‬ ‫وليبيا اتفاقية للتعاون األمني والرقابة على البحر املتوسط‪ ،‬وفي‬ ‫مقابل التعاون‪ ،‬مت منح القذافي ‪ 5‬مليارات دوالر كمساعدات‪.‬‬

‫أدت األزمة االقتصادية في أوروبا إلى ارتفاع ملحوظ في ظاهرة ارهاب‬ ‫األجانب‪ .‬وقد تلقت جزيرة ملبيدوزا‪ ،‬وهي جزيرة ايطالية صغيرة تقع‬ ‫على بعد ‪ 70‬ميال من ساحل شمال أفريقيا‪ ،‬بالفعل‪ ،‬آالف الالجئني‪،‬‬ ‫غالبيتهم من تونس‪ .‬وقد اشتكى عمدتها من عودة الشجارات‬ ‫بني املهاجرين وقوات الشرطة‪ .‬وقال أخيرا‪« :‬من الصعب التعرف‬ ‫عليهم‪ ،‬فرمبا يكون بعضهم من اجملرمني أو حتى من اإلرهابيني»‪.‬‬ ‫كما أعرب أيضا فرانكو فراتيني‪ ،‬وزير اخلارجية اإليطالي‪ ،‬عن مخاوفه‬ ‫قائال‪« :‬ندرك ما ميكن أن نتوقعه عندما يسقط النظام الليبي‬ ‫الوطني‪ ،‬موجات مهاجرين تتراوح أعدادهم بني ‪ 200‬ألف و‪ 300‬ألف‬ ‫مهاجر‪ ،‬وما زالت تلك تقديرات مبدئية‪ ،‬حيث ميكن أن تصبح هجرات‬ ‫جماعية‪ .‬فهي مشكلة ال يجب على اإليطاليني االستهانة بها»‪.‬‬

‫وقد اتسمت استجابات السياسيني األوروبيني حتى اآلن ملوجة‬ ‫الثورات في شمال أفريقيا بازدواجية املعايير‪ .‬فعندما أصبح تغيير‬ ‫النظام وشيكا في تونس ومصر‪ ،‬فجأة‪ ،‬أصبحت االستجابة اجلماعية‬ ‫تبدو كما لو أن أوروبا كانت تنادي دائما بخلع بن علي ومبارك‪ ،‬ولكن‬ ‫احلقيقة هي أن القادة األوروبيني كانوا يساندون هذين الزعيمني‬ ‫بفعالية منذ سنوات‪ .‬ونفس الشيء حدث مع القذافي‪ ،‬مما دفع عددا‬ ‫من الدول العربية للتشكك في مدى الثقة التي ميكنهم عقدها‬ ‫على حلفائهم‪.‬‬

‫لقد كانت العالقة التاريخية بني االحتاد األوروبي والقذافي تتسم دائما‬ ‫بالتقلب‪ ،‬إال أنها اتسمت في الفترة األخيرة التي سبقت االنتفاضة‬ ‫الشعبية بالقوة نظرا لسببني أساسيني‪ :‬البترول والالجئني‪ ،‬حيث‬ ‫إن ليبيا هي ثالث أكبر موردي البترول لالحتاد األوروبي بعد النرويج‬ ‫وروسيا‪ .‬كما أنها مخرج استراتيجي للمهاجرين غير الشرعيني من‬

‫وكانت استجابة االحتاد األوروبي حتى اآلن حذرة وتدريجية‪ .‬في البداية‬ ‫جاء القرار مبنع القذافي وأفراد أسرته من السفر وجتميد األصول‬ ‫اململوكة لهم‪ .‬ثم حدث التحول الكبير مبوافقة مجلس األمن التابع‬ ‫لالحتاد األوروبي على القيام بعمل عسكري مشترك وفرض احلظر‬ ‫اجلوي‪ .‬وقد تزامن ذلك مع إعالن نظام القذافي وقف إطالق النار‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫ومع ذلك‪ ،‬فإن الصني لن تتأثر كثيرا باخملاوف األمنية الرئيسة التي‬ ‫أدت إلى التدخل العسكري الغربي في ليبيا والفوضى الدبلوماسية‬ ‫في مصر – إمكانية أن تشكل جماعة االخوان املسلمني احلكومة ‪-‬‬ ‫وخطر وجود معقل آمن لإلرهابيني على مبعدة كيلومترات عدة من‬ ‫احلدود اجلنوبية لالحتاد األوروبي‪ ،‬حيث إن هذين العاملني ليس لهما‬ ‫تأثير مباشر على األمن الصيني‪ .‬باإلضافة إلى أن التجارة بني الصني‬ ‫ومصر وليبيا تعد قطرة في محيط اإلجمالي التجاري للصني‪ ،‬حيث‬ ‫تزيد قليال في كال البلدين عن ‪ 6‬مليارات دوالر أميركي‪ .‬وبالتالي فال‬ ‫يوجد ما يدفع بكني للتورط في تشكيل احلكومة الناجتة عن الثورة‬ ‫في أي من هذين البلدين‪ .‬فلدى القوى الغربية قضايا أكثر أهمية‬ ‫يجب عليها معاجلتها وبالتالي كانت الصني سعيدة بتركهم‬ ‫يتخذون القرارات األكثر صعوبة‪.‬‬ ‫واألهم هو أن بكني قررت االمتناع عن التصويت في مجلس األمن‬ ‫للتصريح بفرض احلظر اجلوي على ليبيا‪ .‬وهو ما أدهش العديد من‬ ‫احملللني ألنه كان اختراقا واضحا ملبادئ عدم التدخل في الشؤون احمللية‬ ‫وهي املبادئ التي تزعم الصني اعتزازها بها‪ .‬ولكنه كان منطقيا‬ ‫بالنسبة لبلد كانت على استعداد لتجاوز ذلك املبدأ منذ تولى هو جني‬ ‫تاو احلكم في ‪ .2002‬ولم يكن منطقيا أن تدافع بكني عن حكومة‬ ‫معمر القذافي على رغم أنها ليست لديها مصالح اقتصادية أو‬ ‫أمنية كبرى هناك‪ .‬وبالتالي كان من األسهل ترك احلكومات الغربية‬ ‫تقرر إلى أي مدى هي مستعدة لتأييد الثوار الليبيني‪.‬‬ ‫وال تعني حقيقة أن الصني كانت تتصرف خالل "الثورة العربية"‬ ‫وفقا ملصاحلها االقتصادية اخلاصة أن حكومة جني تاو لم حتاول‬ ‫إقامة عالقات طيبة مع األنظمة اجلديدة في السلطة‪ .‬فقد التقى‬ ‫السفراء الصينيون في مصر وتونس مع ممثلني عن احلكومات التي‬ ‫حلت محل أنظمة حسني مبارك وزين العابدين بن علي على‬ ‫التوالي‪ .‬وفي حالة مصر‪ ،‬كان سونغ إيغو‪ ،‬الذي وصل إلى مصر‬ ‫في أكتوبر (تشرين األول) ‪ 2010‬فقط‪ ،‬يستكشف إمكانية‬ ‫زيادة الشركات الصينية الستثماراتها في مصر ما بعد مبارك‪.‬‬ ‫وبالنسبة لتونس‪ ،‬فإن األزمة اإلنسانية الناجمة عن فرار الالجئني‬ ‫من ليبيا منحت الصني الفرصة للتعاون مع احلكومة اجلديدة‪،‬‬ ‫فحتى اآلن أرسلت الصني شحنتني من املساعدات اإلنسانية إلى‬ ‫تونس‪ .‬ووفقا لوزارة التجارة الصينية‪ ،‬فإن االضطرابات السياسية‬ ‫يجب أن تخلق املزيد من الفرص للشركات الصينية في املنطقة‪.‬‬ ‫وأخذا في االعتبار أن العالقات بني بكني ودول الشرق األوسط وشمال‬ ‫أفريقيا تقوم على الركائز االقتصادية‪ ،‬فليس مفاجئا أن تسعى‬ ‫احلكومة الصينية لتأسيس عالقات مع احلكومات اجلديدة التي رمبا‬ ‫ال يكون لديها عالقات مريحة بالغرب كاحلكومات السابقة‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن ذلك يختلف عن محاولة تشكيل تلك األنظمة فإنه‬ ‫مينح الصني التي أصبحت أخيرا ثاني أكبر اقتصاد في العالم‪،‬‬ ‫قدرا من النفوذ في املنطقة‪.‬‬ ‫املصالح االقتصادية‪ ،‬وترك القضايا املعقدة إلى الغرب‪ ،‬فيما‬ ‫تعمل على تعزيز العالقات مع األنظمة اجلديدة‪ ،‬تلك هي العناصر‬ ‫األساسية لالستراتيجية الصينية جتاه ما تشهده البالد العربية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الصني رمبا حتتاج إلى إعادة تقييم تلك املقاربة‬ ‫إذا ما استمرت االحتجاجات واملظاهرات لفترة طويلة‪ ،‬فإن تلك‬ ‫االستراتيجية ساعدت الصني حتى اآلن على حماية مصاحلها‬ ‫االقتصادية وجتنب التورط في املنطقة أكثر من الضروري‪ .‬بل ورمبا‬ ‫يصبح وضع الصني في الشرق األوسط وشمال أفريقيا أقوى بعد‬ ‫انتهاء تلك االنتفاضات‪ .‬ومن ثم فإنه من املستبعد أن تغير بكني‬ ‫استراتيجيتها في وقت قريب‪.‬‬

‫*رامون باشيكو باردو – خبير في محاربة انتشار األسلحة‪،‬‬ ‫ومحاضر بكينغز كوليدج بلندن‪ .‬ويحمل كتابه القادم حول‬ ‫السياسة اخلارجية لكوريا الشمالية عنوانا مثيرا هو «من محور‬ ‫الشر إلى السيد تشيرمان‪ :‬كيف تتفاوض كوريا الشمالية مع‬ ‫الواليات املتحدة»‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫اقت�صاد الأزمات‬ ‫خسائر باجلملة في ليبيا‬ ‫كانت شركة هوافونغ العصرية تعمل على تنفيذ مشروع بناء مساكن في‬ ‫مدينة إجدابيا على بعد نحو ‪ 160‬كلم جنوب ثاني أكبر املدن الليبية بنغازي‬ ‫قبل اندالع االحتجاجات ضد نظام العقيد معمر القذافي‪.‬‬ ‫وقد تعرضت هذه الشركة الصينية غير احلكومية خلسائر فادحة بسبب‬ ‫األحداث التي تشهدها ليبيا‪ ،‬إذ أن قيمة مشروع بناء املساكن على مساحة‬ ‫‪ 400‬هكتار من األراضي بلغت أكثر من ‪ 500‬مليون دوالر أمريكي ‪ ،‬ولكن‬ ‫أعمال املشروع الذي كان من املتوقع أن يكتمل خالل ‪ 30‬شهرا توقفت متاما‪.‬‬ ‫شركة هوافونغ شأنها شأن الشركات الصينية األخرى التي كانت تعمل في‬ ‫ليبيا خصوصا الشركات اخلاصة من مقاطعة تشجيانغ الواقعة في شرق‬ ‫الصني‪ ،‬فقدت مليارات الدوالرات من العقود التجارية واملمتلكات أثناء اإلجالء‬ ‫الطارئ لعامليها من الدولة الواقعة بشمال إفريقيا ‪.‬‬ ‫تفيد إحصاءات رسمية إن الصني قد أقامت ‪ 50‬مشروعا كبيرا قيمتها‬ ‫اإلجمالية ‪ 18.8‬مليار دوالر أمريكي في ليبيا ‪ .‬ومما ال شك فيه أن إجالء‬ ‫العاملني الصينيني من ليبيا (‪ 35‬ألف شخص) خلق صعوبات كبيرة أمام‬ ‫تنفيذ هذه املشروعات‪ ،‬في انتظار ما ستؤول اليه األمور‪ .‬وقد شرعت احلكومة‬ ‫الصينية في تقييم حجم اخلسائر التي تكبدتها الشركات الصينية العاملة‬ ‫في ليبيا‪.‬‬ ‫اتفاقية تعاون مع مصر‬ ‫وقعت الصني ومصر على اتفاق تعاون اقتصادي وفني تقدم مبوجبه االولى‬ ‫للقاهرة منحة تقدر بـ‪ 60‬مليون يوان صيني‪ .‬وقع عن اجلانب املصري نبيل‬ ‫عبداحلميد مساعد وزيرة التعاون الدولي للشئون االسيوية‪ ،‬وعن اجلانب‬ ‫الصيني فو زي ينغ نائب وزير التجارة الصيني الذى زار القاهرة على رأس وفد‬ ‫رفيع املستوى هو األهم بعد تنحي الرئيس حسني مبارك‪.‬‬ ‫واشاد املسئول املصري مبساهمات برامج مساعدات التنمية الرسمية‬ ‫الصينية ملصر فى متويل مشروعات حيوية تنموية متعددة تتوافق مع السياسة‬ ‫العامة للدولة املصرية من اهمها مشروع تأهيل وتطوير مركز القاهرة الدولي‬ ‫للمؤمترات وبناء فندق ملحق به واقامة مبنى خدمة املستثمرين ذو النافذة‬ ‫الواحدة وانشاء مدرسة الصداقة املصرية ‪ -‬الصينية مبدينة السادس من‬ ‫اكتوبر واالتفاق على انشاء حديقة ذات طابع صيني فى مدينة االقصر وكذلك‬ ‫مشروع انشاء معمل االستزراع السمكي بجامعة قناة السويس"‪.‬‬ ‫من جهته أكد املسؤول الصيني ان الصني تعتزم استيراد الكثير من املنتجات‬ ‫املصرية‪ ،‬مشيرا الى انه مت دعوة الكثير من الشركات املصرية لترويج منتجاتها‬ ‫فى مركز املنتجات االفريقية مبدينة يووي املشهورة بالبيع باجلملة فى شرق‬ ‫الصني واملركز العربي فى شنغهاي الى جانب املشاركة فى املعارض العاملية‬ ‫املزمع اقامتها فى الصني‪ .‬ويقدر حجم التجارة املتبادل بني الصني ومصر في‬ ‫‪ 2010‬بحوالي سبعة مليارات دوالر امريكي بزيادة قدرها ‪ 18.8‬في املئة ‪.‬‬ ‫وتعد مصر خامس اكبر شريك جتاري للصني فى افريقيا‪ ،‬حيث مت تسجيل‬ ‫حوالي ‪ 1100‬شركة صينية في مصر كما وصل حجم االستثمار الصيني‬ ‫فى مصر قرابة ‪ 335‬مليون دوالر امريكي‪.‬‬ ‫‪ 6‬ماليني دوالر هبة لتونس‬ ‫منحت الصني هبة مالية لتونس بقيمة ‪ 40‬مليون يوان (‪ 6.065‬مليون دوالر)‪،‬‬ ‫وذلك في شكل إستثمارات في مشاريع تنموية سيتم حتديدها الحقا‪.‬‬ ‫وقع إتفاقية هذه الهبة رضوان نويصر كاتب الدولة للشؤون اخلارجية في‬ ‫احلكومة املوقتة التونسية‪ ،‬وفو زيينغ نائب وزير التجارة الصيني الذي ادى زيارة‬ ‫عمل إلى تونس‪ ،‬بعد التغيير‪ ،‬على رأس وفد يتألف من مسؤولني حكوميني‬ ‫ورجال أعمال وممثلني عن قطاع البنوك‪.‬‬ ‫وقد أكد فو زيينغ إحترام احلكومة الصينية إلرادة الشعب التونسي‪ ،‬وجدد‬ ‫مساندة الصني ملسار اإلنتقال الدميقراطي في تونس‪.‬‬ ‫وقال إن احلكومة الصينية تقف دوما إلى جانب تونس التي متثل بالنسبة‬ ‫للصني شريكا ذا أهمية كبرى‪ ،‬معربا عن يقينه بأن العالقات التونسية‪-‬‬ ‫الصينية ستشهد مزيدا من الدفع خاصة في امليادين اإلقتصادية والتجارية‪.‬‬ ‫يذكر أن الصني كانت قد منحت وزارة الدفاع التونسية هبة بقيمة مليوني‬ ‫دوالر‪ ،‬كما أرسلت مساعدة إنسانية بقيمة ‪ 30‬مليون يوان لدعم اجلهود‬ ‫اإلنسانية على مستوى احلدود التونسية‪ -‬الليبية جملابهة تدفق الالجئني‬ ‫من ليبيا‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫الصني واالنتفاضات العربية‪ ..‬إدبار في السياسة إقبال في االقتصاد‬

‫استثمار الثورة‬

‫بعد أربعة أشهر من االحتجاجات التي أطلق شرارتها حرق التونسي محمد بوعزيزي نفسه في شوارع مدينة سيدي بوزيد‪،‬‬ ‫ليست هناك حتى اآلن نهاية واضحة لالنتفاضات التي يعج بها الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ .‬وقد أجبر ذلك الواليات‬ ‫املتحدة وغيرها من البلدان الغربية على االنحياز الواضح ألحد األطراف في كل دولة من الدول التي تشهد مظاهرات‪ ،‬سواء‬ ‫على املستوى الدبلوماسي‪ ،‬أو كما في حالة ليبيا‪ ،‬على مستوى القوة العسكرية‪.‬‬ ‫رامون باشيكو باردو‬

‫على النقيض من الدول الغربية‪ ،‬ظلت الصني صامتة إزاء املوقف‬ ‫السياسي في املنطقة‪ ،‬ولكن ذلك ال يعني افتقار الصني إلى‬ ‫استراتيجية متماسكة للتعامل مع "الثورة العربية"‪ ،‬حيث‬ ‫تبدو سياسة بكني واضحة‪ :‬األولوية للمصالح االقتصادية وترك‬ ‫القضايا الصعبة إلى الغرب والبدء في تعزيز العالقات مع األنظمة‬ ‫اجلديدة‪.‬‬ ‫حاجة الصني إلى موارد الطاقة جتعل من الشرق األوسط منطقة‬ ‫حيوية ملساعي بكني الدبلوماسية لتأمني إمدادات البترول والغاز‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أن الشرق األوسط وشمال أفريقيا شهدا حضورا‬ ‫متزايدا للشركات الصينية ورجال األعمال‪ ،‬الذين يعملون على بناء‬ ‫البنية التحتية التي ما زالت البالد حتتاجها أو يبيعون البضائع‬ ‫التي ال ميكن إنتاجها في املصانع احمللية‪ .‬كما كان حجم التجارة‬ ‫بني الصني والشرق األوسط ‪ 51.3‬مليار دوالر في ‪ ،2005‬ووصل‬ ‫إلى ‪ 107‬مليارات دوالر بعد ذلك بأربع سنوات فقط‪ ،‬أي في ‪.2009‬‬

‫واستيراد البترول اخلام والغاز من إيران‪ .‬ومعا‪ ،‬متثل هاتان الدولتان ما‬ ‫يزيد على نصف إجمالي جتارة الصني في املنطقة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من أن املصالح االقتصادية الصينية في الشرق األوسط‬ ‫وشمال أفريقيا تتزايد مبعدالت متسارعة‪ ،‬فإنها ما زال يهيمن‬ ‫عليها نقل مصادر الطاقة من الرياض وطهران‪ .‬ونظرا ألن كال من‬ ‫السعودية وإيران لم تتأثرا حتى اآلن مبا يحدث في املنطقة‪ ،‬فما‬ ‫زالت املصالح االقتصادية األساسية للصني لم تتأثر بعد‪ .‬وبالتالي‬ ‫فليس مفاجئا أن السياسة اخلارجية للصني لم تشهد تغيرا حتى‬ ‫اآلن على رغم االنتفاضات الشعبية التي تهدد بل وتخلع حكومات‬ ‫أخرى في الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪.‬‬

‫وللصني مصلحة في قطع الصالت بني الشبكات اإلرهابية املوجودة‬ ‫في أفغانستان والقرن األفريقي واجلماعات اإلرهابية املوجودة‬ ‫عندها بخاصة تلك املوجودة في شينغيانغ‪ .‬باإلضافة إلى أن بكني‬ ‫حريصة على أن ال تصل أسلحة الدمار الشامل والتكنولوجيا‬ ‫النووية إلى أيدي تلك اجلماعات‪ ،‬وبالتالي فإن الصني لديها بعض‬ ‫ولكن العالقات االقتصادية بني الصني والشرق األوسط ما زالت اخملاوف األمنية التي متاثل تلك املوجودة لدى احلكومات الغربية جتاه‬ ‫تهيمن عليها صادرات البترول من اململكة العربية السعودية الشرق األوسط واملناطق اجملاورة‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫أوال‪ ،‬في الوقت الذي ألغت فيه احلكومة دعم األسعار‪ ،‬قدمت دعما نقديا شهريا‬ ‫جلميع املواطنني بصورة منظمة‪ .‬وقبل تطبيق ضبط األسعار بأشهر عدة‪ ،‬أنشأت‬ ‫املصارف اململوكة للدولة حسابات دعم خاصة لكل أسرة‪ .‬وفي أثناء املناقشات‬ ‫األولى للدعم النقدي‪ ،‬أعلنت احلكومة أن األسر ذات الدخول املنخفضة ستحصل‬ ‫على دعم نقدي أكبر‪ .‬ولكن بعد النظر في اعتبارات ومخاوف سياسية من صعوبات‬ ‫في تنفيذ الدعم املعتمد على الدخل‪ ،‬قررت احلكومة تقدمي مبالغ متساوية من‬ ‫الدعم النقدي جلميع األسر‪ .‬وفي أكتوبر (تشرين األول) عام ‪ ،2010‬أودعت احلكومة‬ ‫‪ 80‬دوالرا للفرد (مبا يعادل دعم شهرين حيث يحصل الفرد على ‪ 40‬دوالرا كل شهر)‬ ‫في هذه احلسابات‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن هذه املبالغ تعد ضئيلة بصورة مطلقة‪ ،‬فإنها تصل إلى ‪200‬‬ ‫دوالر في الشهر للعائلة املكونة من خمسة أفراد‪ .‬أما بالنسبة لألسر ذات الدخل‬ ‫املنخفض‪ ،‬من املمكن أن يكون هذا الدعم النقدي إضافة كبيرة لدخلها‪ .‬في البداية‬ ‫متكنت األسر من التأكد من إيداع األموال في حساباتها املصرفية‪ ،‬ولكن لم يكن من‬ ‫املسموح لها سحبها قبل يوم ‪ 18‬ديسمبر‪ ،‬عندما أعلنت زيادة األسعار‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫تزامنت األخبار السيئة بارتفاع األسعار مع إمكانية سحب هذه املنح‪ ،‬ورمبا تكون‬ ‫استراتيجية التوقيت قد قللت من حجم الغضب األولي‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تعهدت‬ ‫احلكومة بزيادة الدعم النقدي الشهري للفرد في الشهور املقبلة‪.‬‬ ‫أضيف إلى ارتفاع األسعار في ‪ 18‬ديسمبر أيضا حتذير شديد من احلكومة بعدم‬ ‫السماح للمنتجني والتجار برفع األسعار‪ .‬ومت تكليف آالف عدة من املفتشني‬ ‫مبراقبة أسعار مجموعة كبيرة من السلع واخلدمات‪ .‬وفي حني جاءت هذه الرقابة‬ ‫على األسعار إلى حد ما في صالح املستهلكني فإنها وضعت ضغوطا كبيرة على‬ ‫املنتجني احملليني‪ ،‬الذين أصبح عليهم حتمل ارتفاع تكاليف الطاقة واملنشآت من دون‬ ‫مترير هذه التكاليف إلى املستهلك‪ .‬من الناحية االقتصادية‪ ،‬ستسفر هذه الرقابة‬ ‫على األسعار عن نتائج عكسية‪ ،‬على الرغم من فائدتها السياسية‪.‬‬ ‫تدرك احلكومة حقيقة أن هذه السياسة أدت إلى حاالت اإلفالس وأنها قد تزيد من‬ ‫معدل البطالة‪ ،‬ال سيما بعد أن جاءت بعد سياسة شعوبية بإغراق األسواق بالسلع‬ ‫االستهالكية املستوردة إلرضاء املستهلكني في عامي ‪ 2009‬و‪ .2010‬وقدمت‬ ‫احلكومة من أجل معاجلة تلك املشكالت دعما إضافيا للمنتجني واملصدرين في‬ ‫بعض الصناعات‪ ،‬ومن املرجح أن ترفع الرقابة على األسعار تدريجيا‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬بعيدا عن ارتفاع أسعار الوقود والغاز الطبيعي واخلبز في ليلة وضحاها‪ ،‬تأخر‬ ‫تطبيق ارتفاع أسعار العديد من السلع األخرى مثل الكهرباء واأللبان واملياه لشهرين‬ ‫أو ثالثة‪ .‬وبذلك لم تتعرض األسر لفواتير املياه والكهرباء املرتفعة للغاية في ذات‬ ‫الوقت‪ .‬ولو كانت تلك األسعار رفعت في الوقت ذاته مع الوقود‪ ،‬الزدادت خطورة‬ ‫إمكانية حدوث اضطرابات شعبية‪.‬‬

‫دوالر للتر حتى ‪ 0.60‬ثم ‪ 0.70‬دوالر لكل لتر إضافي (حيث يحق ألصحاب السيارات‬ ‫اخلاصة شراء ‪ 60‬لترا من البنزين في الشهر بأسعار مدعمة)‪ .‬وكذلك مت تطبيق‬ ‫زيادة األسعار على وقود الديزل والغاز الطبيعي‪ ،‬الذي يستخدم كوقود لعديد من‬ ‫املركبات في إيران‪.‬‬ ‫كانت صدمة األسعار الفورية كبيرة‪ ،‬وفي ترقب لرد الفعل الشعبي أعلنت احلكومة‬ ‫حالة التأهب القصوى لقوات الشرطة ومكافحة الشغب‪ .‬وضاعفت أيضا من وجود‬ ‫قوات الشرطة في الشوارع الكبرى واملراكز التجارية في طهران واملدن الكبرى‪ .‬وفي‬ ‫حني كان الشعب مستاء من ارتفاع األسعار وميكن سماع الشكاوى في األحاديث‬ ‫اخلاصة من الصعوبات االقتصادية وارتفاع تكاليف املعيشة‪ ،‬فلم تخرج مظاهرات‬ ‫شعبية تشبه مظاهرات اخلبز التي وقعت في مصر واألردن أو أخيرا بوليفيا‪ ،‬ردا على‬ ‫سياساتمشابهة‪.‬‬ ‫وبعد شهرين تقريبا من تنفيذ هذه اإلصالحات‪ ،‬ظلت اجلماهير هادئة وأصبحت‬ ‫احلكومة أقل قلقا من إمكانية زعزعة اإلصالحات لالستقرار‪ .‬ويرجع رد الفعل‬ ‫السلمي السلبي الذي أبداه الشعب إلى حد ما إلى الوجود املكثف للشرطة والبيئة‬ ‫األكثر قمعية التي ظهرت بعد احتجاجات عام ‪ 2009‬بعد االنتخابات‪ .‬ولكن لعبت‬ ‫عوامل أخرى عديدة دورا مهما في رد الفعل السلبي لإليرانيني جتاه ارتفاع األسعار‪.‬‬

‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫ومن املدهش أن إلغاء الدعم لم يؤد إلى تقييد التدخل احلكومي في األنشطة‬ ‫االقتصادية‪ .‬بل تزايد تدخل احلكومة بدورها التنظيمي بحجة منع التربح واملضاربة‬ ‫أثناء فترة ضبط األسعار‪ .‬كذلك لم تتخل احلكومة عن سلطاتها في حتديد أسعار‬ ‫منتجات رئيسة لصالح قوى السوق‪ .‬وتظل العديد من السلع الضرورية مثل‬ ‫الوقود والغاز الطبيعي واملرافق حتت رقابة حكومية‪ ،‬فعلى الرغم من انخفاض دعم‬ ‫األسعار‪ ،‬فإن األسعار ما زالت حتدد بواسطة احلكومة وتخضع للتدخل السياسي‬ ‫والبيروقراطي‪.‬‬ ‫وحتى اآلن تبدو األسعار اجلديدة محتملة وهناك بعض اإلشارات إلى أنها أدت بالفعل‬ ‫إلى تخفيض استهالك الوقود ومنتجات طاقة أخرى‪ .‬ويظل ما حققته احلكومة‬ ‫حتى اآلن أقل من النموذجي‪ ،‬ولكن يجب االعتراف بتحقيقها جناحا جزئيا‪ .‬ولعل‬ ‫هناك درسا أو اثنني ميكن االستفادة منهما في دول أخرى مصدرة للنفط ترقب‬ ‫كيفية تنفيذ إيران ملثل تلك اإلصالحات املهمة في دعم األسعار‪ .‬ما زال االقتصاد‬ ‫اإليراني يواجه حتديات هائلة‪ ،‬منها البطالة باإلضافة إلى اآلثار السلبية للعقوبات‬ ‫االقتصادية‪ .‬وعلى الرغم من قبول اإليرانيني لضبط األسعار من دون مقاومة كبيرة‪،‬‬ ‫فإنهم غير راضني عن األوضاع االقتصادية‪.‬‬

‫* نادر حبيبي ‪ -‬أستاذ في اقتصاد الشرق األوسط مبركز كراون لدراسات الشرق‬ ‫األوسط في جامعة برانديز‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫االستقرار السياسي يحدد اخليارات والقرارات‬

‫إصالح على الطريقة اإليرانية‬ ‫كشف الرئيس اإليراني محمود أحمدي جناد‪ ،‬في ديسمبر (كانون األول)‪ ،‬عن برنامج إصالح للدعم أدى لرفع أسعار العديد من‬ ‫السلع الضرورية على الفور‪ .‬ولكن جاء رد الفعل الشعبي هادئا للغاية بفضل السياسات احلاسمة التي نفذتها احلكومة‪.‬‬ ‫نادر حبيبي‬ ‫من أكبر حتديات اإلصالح االقتصادي التي تواجه أي دولة نامية إلغاء أو تخفيض دعم‬ ‫األسعار‪ .‬في إيران‪ ،‬يستفيد قطاع عريض من الشعب‪ ،‬ال سيما الفقراء ومحدودي‬ ‫الدخل‪ ،‬من أسعار معقولة لالحتياجات األساسية التي لن تكون في متناولهم من‬ ‫دون الدعم احلكومي‪ .‬ولكن هذا الدعم غير فعال ويستهلك قدرا كبيرا من ميزانية‬ ‫احلكومة‪ .‬لقد وصلت تكلفة دعم السلع مثل السكر واأللبان والكهرباء والوقود إلى‬ ‫‪ 50‬مليار دوالر في بعض األعوام‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أحيانا ما تؤدي األسعار املدعمة‬ ‫إلى اإلسراف في االستهالك وازدياد الطلب مبرور الوقت‪.‬‬ ‫أجبرت احلساسية جتاه الرعاية االجتماعية لألسر منخفضة الدخل واخلوف من‬ ‫حدوث اضطراب اجتماعي احلكومات املتعاقبة في اجلمهورية اإلسالمية على‬ ‫استمرار هذا الدعم على الرغم من العبء املالي الكبير الذي ميثله‪ .‬ولكن في‬ ‫األعوام األخيرة‪ ،‬أصبح من الواضح أنه إذا لم يتم تعديل األسعار‪ ،‬لن يكون الدعم‬

‫‪36‬‬

‫محتمال‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬أدرك صناع السياسات أخيرا أن الطلب احمللي على الوقود‬ ‫املدعم يزداد بسرعة كبيرة وفي غضون فترة قصيرة قد يتبقى لدى إيران كميات‬ ‫قليلة للغاية من النفط اخلام لتصديره بعد تلبية الطلب الداخلي‪ .‬أسفرت هذه‬ ‫احلقائق املفزعة‪ ،‬باإلضافة إلى اعتماد إيران على البنزين املستورد في ما ميثل نحو ثلث‬ ‫استهالكها احمللي من الطاقة والعقوبات االقتصادية الدولية املشددة‪ ،‬عن إجماع‬ ‫داخل النظام اإلسالمي احلاكم على إصالح برنامج دعم األسعار‪.‬‬ ‫ولكن حتى بعد إقرار البرملان حلزمة اإلصالحات بداية عام ‪ ،2010‬ظلت احلكومة‬ ‫مترددة‪ ،‬وتأجل تنفيذ اخلطة ألشهر عدة‪ .‬وأخيرا مساء يوم ‪ 18‬ديسمبر عام ‪،2010‬‬ ‫ظهر الرئيس محمود أحمدي جناد على شاشة التلفزيون احلكومي معلنا تعديل‬ ‫أسعار اخلبز والعديد من السلع األساسية األخرى‪ ،‬والذي سرى تنفيذه صباح اليوم‬ ‫التالي‪ .‬وفي الصباح التالي‪ ،‬ارتفعت أسعار البنزين من ‪ 0.10‬دوالر للتر إلى ‪0.40‬‬



‫● بروفايل‬

‫يتعامل مع موضوع النظام الرئاسي على الطريقة‬ ‫األميركية بليونة وتفهم أكبر ويكون بالتالي أكثر‬ ‫جهوزية ملناقشة املسألة الكردية بتطلعات دستورية‬ ‫وسياسية أكثر عملية ومرونة‪.‬‬ ‫الواقفون وراء هذا العمل يقولون إن قيادات احلركة ضلت‬ ‫الطريق‪ ،‬وعليها أن تدفع الثمن‪ ،‬لكن آخرين يرون أنها‬ ‫محاولة اغتيال منظم حلزب احلركة القومية في تركيا‪،‬‬ ‫العقبة األكبر أمام مسار سياسي جديد في البالد ال بد‬ ‫منه محليا وإقليميا‪ ،‬متاما كما هي احلالة الثورية اليوم‬ ‫في الكثير من الدول العربية‪.‬‬ ‫عشرة من كبار القياديني في احلزب قدموا استقاالتهم‬ ‫من مناصبهم وقرروا سحب طلبات مشاركتهم في‬ ‫االنتخابات العامة املقبلة‪ ،‬وهي بقدر ما تشكل رسالة‬ ‫مباشرة إلى دولت بهشلي الذي يصارع حلماية مقاعد‬ ‫حزبه في البرملان التركي‪ ،‬فإنها حتمل معها الكثير‬ ‫من عالمات االستفهام حول اجلهات الفاعلة وغايتها‬ ‫األساسية‪.‬‬ ‫ال أحد يناقش حتى اآلن احتماالت هوية اجلهة الفاعلة‪،‬‬ ‫لكن الكثيرين يكتبون توقعاتهم حول ما تريده هذه‬ ‫اجلماعات وما الذي تسعى إليه من خالل الدخول على‬ ‫اخلط أكثر من مرة‪ ،‬مفجرة أزمة جنسية ‪ /‬أخالقية‬ ‫أبطالها رموز من الصف األول في العمل السياسي‬ ‫التركي‪ ،‬مستفيدة من التكنولوجيا إلى أبعد احلدود‪،‬‬ ‫لكنها تستفيد أيضا من حتركها داخل تركيا وخارجها‬ ‫من خالل شبكة عالقات ونفوذ معقدة تتجاوز الطاقات‬ ‫والقدرات احمللية‪.‬‬ ‫الرسائل املتبادلة في هذه اآلونة بني القيادات واألحزاب‬ ‫التركية محورها اجلنس والسياسة وأخالقيات العمل‬ ‫السياسي‪ ،‬ورغم أن املدعي العام التركي حترك باجتاه‬ ‫الكشف عن الفاعلني‪ ،‬فالبعض يريد املضي في هذه‬ ‫اللعبة حتى يوم االنتخابات؛ محاوال وضع صناديق‬ ‫االقتراع حتت رحمة صور ومشاهد اإلنترنت اإلباحية‪.‬‬ ‫*سمير صاحلة‬ ‫نشر في الشرق األوسط بتاريخ ‪ 25‬مايو ‪2011‬‬

‫وسط االضطرابات التي صاحبت إلقاء القبض على اثنني من‬ ‫صحافيي التحقيقات املرموقني‪.‬‬ ‫هل ذلك صحيح؟ ذلك ما قالته كاتبة العمود التي حتمل نفس‬ ‫خلفية أردوغان الدينية‪ ،‬نيهال بنغيسو‪ ،‬والتي تعتقد أن مثل تلك‬ ‫األحكام تعتمد على سوء فهم لسيكولوجيا القاعدة الشعبية‬ ‫احملافظة حلزب العدالة والتنمية‪.‬‬ ‫«إن الرغبة في التغيير ليست العامل الوحيد الذي مييز اجلماهير‬ ‫املؤيدة حلزب العدالة والتنمية»‪ .‬واألهم من ذلك «اخلرافية التي‬ ‫متتاز بها شخصية أردوغان» فهو يقدم نفسه كرجل متواضع‬ ‫غير خجل من دينه أو من طبقته االجتماعية املتواضعة أصبح‬ ‫العالم حتت قدميه‪.‬‬

‫بطل الشعب الذي وقف ليحارب»‪.‬‬ ‫ومرة أخرى‪ ،‬فإن املؤسسة التركية التي تفتقر إلى البراعة‬ ‫قد ساعدته على احلفاظ على صورته كمظلوم‪ .‬فقد جاء إلى‬ ‫السلطة عام ‪ 2002‬على أثر احلكم باحلبس ملدة عام واحد نظير‬ ‫قراءة قصيدة‪ .‬وعندما قررت كبرى احملاكم التركية إغالق حزب‬ ‫العدالة والتنمية في ‪ 2007‬في قضية سياسية‪ ،‬حقق حزب‬ ‫العدالة والتنمية أكثر النتائج إجماعا في تاريخ تركيا‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك ‪ -‬نفوذه احمللي ال شك فيه ‪ -‬كان دور أردوغان كبطل‬ ‫قومي يتصاعد وصوال للساحة الدولية‪ .‬فقد جعل انتقاده‬ ‫العلني للرئيس اإلسرائيلي شمعون بيريس في يناير (كانون‬ ‫الثاني) ‪ 2009‬منه بطال قوميا ليس عند األتراك فحسب بل‬ ‫حتى عند العرب واملسلمني‪ .‬وعندما عاد إلى اسطنبول‪ ،‬رحبت‬ ‫به اجلماهير‪ ،‬في حنني واضح للزمن اجلميل‪ ،‬وكأنه محمد الثاني‪،‬‬ ‫السلطان الذي فتح اسطنبول في ‪.1453‬‬ ‫وقد عقد الناقد الثقافي املرموق‪ ،‬أورهان تكليغلو مقارنة بني‬ ‫مسار أردوغان ومسلسل «وادي الذئاب»‪ ،‬املسلسل التلفزيوني‬ ‫الناجح الذي كان يذاع منذ وصول حزب العدالة والتنمية‬ ‫للسلطة ‪.‬‬ ‫وقد بدأ بطل «وادي الذئاب» حامل السالح بوالت أملدار تاريخه‬ ‫املهني بتصفية أعداء الدولة التركية بالداخل‪ .‬وفي كال الفيلمني‬ ‫اللذين صدرا في ‪ 2007‬وجه سالحه إلى األميركيني في العراق‬ ‫وإلى الدولة اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫«أملدار هو شخصية قيادية تقليدية»‪ ،‬ذلك ما قاله تكليغلو‬ ‫مستخدما الكلمة التركية لوصف شاب ذي كاريزما عالية‪.‬‬ ‫«فهو يفرض النظام‪ ،‬ويصوب اخملطئ‪ ،‬وبالتالي فهو يلبي نداء‬ ‫أكثر املناحي في السيكولوجيا التركية‪ :‬التعطش للعدالة»‪.‬‬ ‫ويقول إسماعيل كارا احلجة في الفكر اإلسالمي التركي إن‬ ‫األتراك احملافظني يعتقدون أن الدولة دولتهم ولكنها «في أيدي‬ ‫املغتصبني»‪ .‬وهو يصف ذلك بالرؤية اجلامدة‪ ،‬فالوزراء فقط‬ ‫هم السيئون وليس الدولة‪ .‬ويقول إن ذلك قد مزج بني األتراك‬ ‫احملافظني والثغرات املوجودة في منوذج الدولة التركية السلطوية‪.‬‬ ‫وجتد نيهال بينغيسو دليال على تأثير ذلك في التأييد اجلماهيري‬ ‫الواسع لدفاع أردوغان الواضح حول «التقدم نحو الدميقراطية»‬ ‫املبني على فكرة االقتصاد القوي واحلزب القوي واحلكومة القوية‬ ‫وليس األفكار الليبرالية‪.‬‬ ‫وتقول إنه في املاضي‪ ،‬كانت النخبة العلمانية السابقة تذكر‬ ‫كالشيهات حول «احلاجة للوحدة والتماسك في األوقات‬ ‫الصعبة» لتبرير احلد من الدميقراطية‪.‬‬ ‫«وقد كره الناس ذلك‪ .‬واليوم‪ ،‬يبرر حزب العدالة والتنمية‬ ‫التنازالت بالرجوع إلى تركيا األكثر مجدا ونفوذا‪ .‬ولدي إحساس‬ ‫بأن الناس يرون ذلك مقبوال متاما»‪.‬‬ ‫وعلى غرار أبطال روايات بيامي سافا‪ ،‬فإن أردوغان هو فتى قروي‬ ‫استطاع النجاح‪ .‬ولكن رمبا ال يكون هناك نهاية سعيدة جاهزة‬ ‫لسيدة إسطنبول األنيقة‪ :‬وقد وجد حزب العدالة والتنمية في‬ ‫شخص أردوغان‪ ،‬وسيلة أكثر فعالية لتعزيز توقير قاعدة تأييده‪.‬‬

‫كما تقول إن االنتقادات الليبرالية بأن أردوغان قد توقف عن‬ ‫كونه رجل الشعب وأنه أصبح مدافعا عن الوضع الراهن‪ ،‬تخالف‬ ‫احلقيقة‪.‬‬ ‫وحتى بعد ثماني سنوات من حكومة حزب العدالة والتنمية‪ ،‬ما‬ ‫زال الناس العاديون يرون أن «أردوغان ليس حاكما للدولة ولكنه‬ ‫‪34‬‬

‫نيكوالس بيرش ‪ -‬يعمل كمحرر حر بتركيا منذ ثماني سنوات‪.‬‬ ‫وقد ظهرت كتاباته في كثير من املطبوعات مبا في ذلك مجلة‬ ‫«التامي» و«وول ستريت جورنال» و«التاميز» بلندن‪.‬‬


‫كان على امرأة ذكية ومتعلمة أن تختار بني رجلني‪ :‬أحدهما رجل‬ ‫من اسطنبول موسر ويضاهيها في املستوى االجتماعي‪ ،‬والثاني‬ ‫قروي فقير ولكنه ميتلك رغبة ملحة في حتقيق ما هو في صالح‬ ‫بالده‪.‬‬ ‫إنه ثالوث احلب الذي يستطيع إدراكه أي قارئ للمؤلف التركي‬ ‫في منتصف القرن العشرين بيامي سافا‪ .‬فبني يدي ذلك الكاتب‬ ‫القومي املولع مبا يراه باعتباره إذعان الثقافة التركية إلى الغرب‪،‬‬ ‫يصبح ذلك الثالوث نوعا من املالحم القومية‪ .‬حيث تستهني‬ ‫في البداية املرأة املنجذبة لبريق وجناح احلضارة الغربية بالعريس‬ ‫احمللي‪ .‬ولكنه يتمكن عبر إخالصه من الفوز بقلبها وإنقاذ الشرف‬ ‫الذكوري للشرق‪.‬‬ ‫ولكن رئيس وزراء تركيا‪ ،‬رجب طيب أردوغان‪ ،‬ليس النظير الطبيعي‬ ‫لبطل سافا املثالي‪ .‬فهو معروف بتفضيله للشعر على النثر‪،‬‬ ‫كما أنه أقر ذات مرة بأنه لم مير أبدا بتجربة حب‪.‬‬ ‫ولكن فيما تتهاوي عالقته الوطيدة بالنخبة الليبرالية التركية‬ ‫ونظيرتها في الغرب‪ ،‬وسط االتهامات بأنه أهمل أجندته‬ ‫اإلصالحية لصالح األصولية‪ ،‬فإن رواية سافا حول الرجال الذين‬ ‫يفتقرون للشجاعة والذين يعيدون اكتشاف قوتهم حتتوي على‬ ‫ما هو أكثر من مجرد عالقة عابرة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن أعدادهم قليلة خارج املدينتني اجملاورتني‬ ‫ألسطنبول‪ ،‬لعب الليبراليون بتركيا دورا مهما في منح أردوغان‬ ‫وحزب العدالة والتنمية ذي األصول اإلسالمية املصداقية‬ ‫الدولية‪ .‬فهم من صنعوا اإلطار املفاهيمي الذي حكم التقارير‬ ‫الغربية حول تركيا خالل العقد املاضي‪ :‬صورة دولة‪ ،‬كانت‬ ‫تتعرض لالضطهاد لسنوات طويلة من قبل النخبة العلمانية‬ ‫السلطوية‪ ،‬وهي تصوت للدميقراطية حتى وإن كانت ذات صبغة‬ ‫إسالمية‪.‬‬ ‫وقد القت تلك الرؤية رواجا لدى الزعماء الغربيني الباحثني عن‬ ‫«اإلسالم املعتدل» في أعقاب هجمات احلادي عشر من سبتمبر‬ ‫(أيلول) وفي السنوات األولى حلكم حزب العدالة والتنمية بدا‬ ‫األمر مقنعا‪.‬‬ ‫فقد دفع أردوغان بالقوانني اإلصالحية وعمل على إنهاء انقسام‬ ‫قبرص بعد سنوات من املراوغة‪ ،‬ودفع بجيش شديد التسييس‬ ‫إلى ثكناته‪ ،‬كما أنه بدأ مساعي االلتحاق باالحتاد األوروبي املتردد‪.‬‬ ‫وبعد خمس سنوات‪ ،‬بدت الصورة مختلفة متاما‪ .‬فقد أظهر‬ ‫التحقيق غير املسبوق في مزاعم وجود مؤامرة للقيام بانقالب‪،‬‬ ‫دالالت على وجود حتول إلى القمع التمييزي ضد خصوم حزب‬ ‫العدالة والتنمية‪ .‬وتتزايد سلطوية أردوغان‪ ،‬حفيد آل عثمان‬ ‫الذي دائما يفتخر بأنه أحد أبناء الدولة العثمانية‪ ،‬حيث طلب‬ ‫إزالة التمثال الذي يرمز إلى السالم بني تركيا وأرمينيا‪ ،‬ووبخ‬ ‫عالنية رئيس أكبر ناد لكرة القدم في تركيا ألن اجلماهير صفرت‬ ‫استنكارا له‪ .‬كما حذر االحتاد األوروبي والهيئات الدولية من‬ ‫تراجع حرية الصحافة‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ما زال الليبراليون داخل تركيا وخارجها يرددون‬ ‫نفس اخلطاب‪« :‬تركيا ليست بحاجة إلى شخص مثل أردوغان»‪،‬‬ ‫ذلك ما قاله أحمد ألتان محرر الصحيفة الليبرالية اليومية التي‬ ‫تؤيد بال كلل جهود حزب العدالة والتنمية في كبح جماح اجليش‪،‬‬ ‫في يناير (كانون الثاني) بعدما قاضاه رئيس الوزراء لنشره مقاال‬ ‫نقديا‪« :‬كان الشعب يؤيدك ألن حزب العدالة والتنمية سوف‬ ‫يجعل تركيا أكثر حرية وأكثر تطورا»‪.‬‬ ‫وفي ‪ 11‬مارس (آذار)‪ ،‬أضافت «نيويورك تاميز» إلى ذلك عندما‬ ‫قالت‪« :‬إن حكومة تركيا تخون قيمها ومواطنيها» وكان ذلك‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫اجلن�س وال�سيا�سة‪..‬‬ ‫منوذج اليمني القومي الرتكي‬ ‫األشرطة قد تتغير لكن املوال هو ذاته‪ ..‬العالقة بني‬ ‫اجلنس والسياسة والتركيز مرة أخرى على الأخالقيات‬ ‫بعض رجال السياسة وخروجهم عن الطريق والسقوط‬ ‫في مصيدة الغرائز والنزوات رغم الدور واملوقع واملهام‬ ‫الكبيرة التي يتولونها‪ .‬لكن ما نناقشه في النموذج‬ ‫التركي يختلف عن بقية النماذج التقليدية هذه املرة‪.‬‬ ‫وضخامة العملية ورقعة امتدادها تعكس حجم‬ ‫املؤامرة وتشعبها‪.‬‬ ‫ما نناقشه هنا هو أبعد وأهم من العالقة الكالسيكية‬ ‫املعروفة بني اجلنس والسياسة والوقوع في مصيدة‬ ‫امليول الشخصية املتعارضة مع األخالق واملرفوضة في‬ ‫بيئاتنا ومجتمعاتنا‪.‬‬ ‫احلالة التركية ال عالقة لها بنماذج‪ ،‬بيل كلينتون‬ ‫وبطوالته‪ ،‬وال بالرئيس اإلسرائيلي وغزواته‪ ،‬وال أيضا‬ ‫برئيس البنك الدولي ومغامراته‪ ،‬فكلها حاالت منفردة‬ ‫دفع خاللها أبطالها ثمن فعلتهم بشكل أو بآخر‪.‬‬ ‫في احلالة التركية املاثلة أمامنا التي ما زالت تتفاعل‬ ‫وتتدحرج ككرة الثلج عمل احترافي منظم تقوده‬ ‫عناصر مدربة‪ ،‬ارتباطاتها مشبوهة‪ ،‬رصدت ألسابيع‬ ‫طويلة تنقالت وحتركات عشرات األشخاص دون أن تثير‬ ‫الشبهات‪ ،‬جمعت الكثير من املعلومات والتفاصيل‬ ‫حول حياتهم الشخصية وقررت استخدامها سياسيا‬ ‫كورقة ضغط أطاحت بهم‪ ،‬لكن ارتداداتها وانعكاساتها‬ ‫احلقيقية لم يتم التعرف عليها بعد‪.‬‬ ‫جماعات مجهولة تخترق الغرف السرية التي جتمع‬ ‫كبار قيادات حزب احلركة القومية وعشيقاتهم وتترك‬ ‫أجهزة تنصت وتصوير‪ ،‬تصل إلى ما تريد‪ ،‬حتتفظ به‬ ‫الستخدامه عند الضرورة‪ .‬ورغم مرور أشهر طويلة على‬ ‫ما جمعته فهي تقرر‪ ،‬دون تردد‪ ،‬أن ساعة الصفر دقت‬ ‫لتقوم بتوزيع بعض ما متلكه من وثائق عبر صفحات‬ ‫اإلنترنت العاملية باسم الدفاع عن مبادئ وشعارات‬ ‫احلركة القومية التركية وتاريخها وإليقاف املتآمرين‬ ‫عند حدودهم وإعادة تنظيم احلزب عبر تصفية القيادات‬ ‫«الفاسدة التي ال عالقة لها بالفكر القومي»‪ ..‬مبؤامرة‬ ‫ال تقل تخطيطا وتنظيما وإعدادا عن أكبر عمليات قلب‬ ‫األنظمة واإلطاحة بها في دول العالم الثالث التي كنا‬ ‫نتابعها في األفالم فقط‪.‬‬ ‫إجماع كبير في أوساط رجال اإلعالم والسياسيني‪،‬‬ ‫مبختلف ميولهم‪ ،‬على أنه بقدر احلديث عن الأخالقية‬ ‫هذه القيادات التي أساءت إلى احلزب وسمعته والتي‬ ‫تستحق التصفية والتشهير بها‪ ،‬ال بد من التوقف عند‬ ‫الأخالقية الذين يحركون ويديرون هذه املؤامرة ويحاولون‬ ‫طرحها في هذه اآلونة‪ ،‬حيث تقترب البالد من تاريخ ‪12‬‬ ‫يونيو (حزيران)‪ ،‬موعد االنتخابات العامة‪.‬‬ ‫سيناريوهات كلها تتقاطع عند احتمال يتقدم على‬ ‫بقية التحليالت والتخمينات‪ :‬إضعاف حزب احلركة‬ ‫القومية وإبعاده عن اجمللس النيابي اجلديد الذي ستكون‬ ‫مهمته األساسية إعداد دستور آخر للبالد يبعد تركيا‬ ‫عن األسس والشعارات التي تبنتها منذ إعالن اجلمهورية‬ ‫األتاتوركية العلمانية‪ ،‬ويكون دستورا ليبراليا انفتاحيا‬ ‫‪33‬‬


‫● بروفايل‬

‫رجب طيب أردوغان‪ ..‬رئيس وزراء من الزمن اجلميل‬

‫حفيد آل عثمان‬

‫متكن رجب طيب أردوغان‪ ،‬البعيد متاما عن كونه زعيما ليبراليا‪ ،‬من االستحواذ على عقول األتراك‬ ‫والغربيني على حد سواء‪ .‬فقد طغت صورته "املبالغ فيها أحيانا"‪ ،‬باعتباره بطال قوميا وحفيدا‬ ‫شرعيا للسلطان محمد الفاحت‪ ،‬فاحت القسطنطينية وموحد ممالك األناضول‪ ،‬من البداية على‬ ‫بعض سياساته املثيرة للجدل‪ .‬حيث يحدث حتول مقلق‪ ،‬وهو حتول يشابه على نحو ما سياسات‬ ‫فالدميير بوتني رئيس روسيا السابق التي يحظى فيها الوعد باجملد والسلطة باألولوية على‬ ‫الدميقراطية بتأييد من شعبه‪.‬‬ ‫نيكوالس بيرش‬

‫‪32‬‬


6


‫● قصة الغالف‬

‫السعودية حني أصدر بيانا شخصيا يرد فيه على قرار سحب‬ ‫اجلنسية‪ ،‬وقرر بعد ذلك أن يتحرك علنا بالتعاون مع آخرين‪.‬‬ ‫مرحلة السودان‬ ‫بني عامي ‪ 1992‬و‪ ،1996‬ارتكز أسامة بن الدن والقاعدة‬ ‫في السودان‪ ،‬بنا ًء على دعوة من حسن الترابي‪ .‬وخالل هذه‬ ‫الفترة‪ ،‬ساعد بن الدن احلكومة السودانية‪ ،‬واشترى أو أنشأ‬ ‫مؤسسات عدة لألعمال وأقام معسكرات لتدريب املقاتلني‪.‬‬ ‫كانت نقطة التحول الرئيسة في العالقات بني الطرفني‪،‬‬ ‫وجه أسامة بن الدن في عام ‪ ،1993‬انتقاداته الالذعة‬ ‫بعد أن ّ‬ ‫للسعودية‪ ،‬بعد دعمها التفاقات أوسلو التي وضعت طريق‬ ‫السالم بني إسرائيل والفلسطينيني‪.‬‬ ‫العودة إلى أفغانستان‬ ‫خالل إقامته في السودان وقعت أحداث الصومال واليمن‬ ‫وانفجار الرياض‪ ،‬ويفتخر أسامة بالعمليات التي متت ضد‬ ‫املصالح األميركية في هذه األماكن‪ ،‬لكنه ال ينسبها‬ ‫مباشرة لنفسه وإمنا يعتبرها من دائرته العامة‪ .‬بعد هذه‬ ‫األحداث تعرض السودان لضغط كبير من أميركا ودول‬ ‫عربية إلخراج بن الدن أو تسليمه‪ ،‬وحتت هذا الضغط خرج‬ ‫هو ورفقاؤه إلى أفغانستان‪ .‬ومنذ أن وصل هناك بدأت‬ ‫األحداث تتتابع بشكل درامي من انفجار اخلبر إلى استيالء‬ ‫طالبان على جالل آباد إلى محاولة خطفه هو شخصيا إلى‬ ‫بيان اجلهاد ضد األميركان الذي أصدره في نوفمبر‪ /‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ .1996‬وفي سنة ‪ ،1998‬تالقت جهود أسامة بن‬ ‫الدن مع جهود أمين الظواهري األمني العام لتنظيم اجلهاد‬ ‫اإلسالمي املصري احملظور‪ ،‬وأطلق االثنان فتوى تدعو إلى‬ ‫«قتل األمريكان وحلفائهم أينما كانوا وإلى إجالئهم من‬ ‫املسجد األقصى واملسجد احلرام»‪.‬‬ ‫أحداث سبتمبر واالطاللة األخيرة‬ ‫وجهت‬ ‫‪،2001‬‬ ‫عام‬ ‫سبتمبر‬ ‫بعد أحداث احلادي عشر من‬ ‫ّ‬ ‫الواليات املتحدة أصابع االتهام إلى بن الدن والقاعدة في‬ ‫الهجمات التي وقعت على مركز التجارة العاملية ومبنى‬ ‫البنتاغون‪ ،‬وراح ضحيتها حوالي ثالثة آالف شخص وأدت إلى‬ ‫خسائر اقتصادية تقدر بأكثر من ‪ 150‬مليار دوالر‪ .‬وبعد أن‬ ‫وضعت إدارة الرئيس األميركي جورج بوش أسامة بن الدن‬ ‫وتنظيم القاعدة على رأس املطلوب االنتقام منهم‪ ،‬راحت‬ ‫تدك ما تعتقد أنه قواعد لتنظيم بن الدن في أفغانستان‬

‫‪30‬‬

‫وتغيرت منذ ذلك التاريخ أوضاع سياسية وعسكرية كثيرة‬ ‫ليس في أفغانستان وحدها ولكن في الكثير من دول‬ ‫العالم أيضا‪.‬‬ ‫وفي ‪ 10‬سبتمبر‪ /‬أيلول ‪ 2002‬امتدح بن الدن منفذي‬ ‫هجمات سبتمبر في شريط بثته قناة اجلزيرة القطرية‬ ‫مما اعتبره الكثيرون دليال واضحا على مسؤوليته عن‬ ‫التفجيرات باعتباره العقل املدبر واجلهة املمولة‪.‬‬ ‫منذ أحداث ‪ 11‬سبتمبر اختفى بن الدن من الظهور العلني‬ ‫وأصبح مكان تواجده محل تكهنات واكتفى بالتسجيالت‬ ‫الصوتية واملرئية التي يصدرها بني الفينة واألخرى وتنشرها‬ ‫في الغالب قناة اجلزيرة القطرية واملواقع اإللكترونية التابعة‬ ‫للتنظيم تعليقا على أحد األحداث أو تهديدا ألمريكا‬ ‫والغرب لسياساتهما في أفغانستان والعراق وغيرها من‬ ‫البلدان اإلسالمية‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 2010‬أطل بن الدن بأربع رسائل صوتية مختلفة‪..‬‬ ‫أما اطاللته األخيرة فكانت في ‪ 21‬يناير ‪ 2011‬حيث‬ ‫ذكرت قناة اجلزيرة القطرية أن أسامة بن الدن زعيم تنظيم‬ ‫القاعدة قال في تسجيل صوتي ان االفراج عن رهائن‬ ‫فرنسيني محتجزين في النيجر يتوقف على انسحاب‬ ‫القوات الفرنسية من الدول االسالمية‪.‬‬ ‫مقتل بن الدن‬ ‫أعلن الرئيس األميركي باراك أوباما في ساعة مبكرة من‬ ‫صباح (اإلثنني ‪ )02/05/2011‬أن فرقة أميريكة خاصة‬ ‫هجمت على املكان الذي يقيم به زعيم تنظيم القاعدة‬ ‫في باكستان ما أسفر عن مقتل أسامة بن الدن‪ .‬وقال إنه‬ ‫بعد «معركة باألسلحة» قتل بن الدن بطلقة في رأسه‬ ‫واستحوذت الواليات املتحدة على جثته‪.‬‬ ‫وبثت قناة جيو الباكستانية صورا للمجمع املستهدف‬ ‫ظهرت فيه بعض اجلثث بني الركام والنيران تشتعل بأجزاء‬ ‫منه فيما أشار املراسل إلى أن هنالك معلومات تشير إلى‬ ‫أن اشتباكا حصل بني القوة األميركية الباكستانية التي‬ ‫نفذت الهجوم وأسامة بن الدن ومرافقيه قبل مقتله‪.‬‬ ‫وأفادت مصادر أمريكية‪ ،‬أن جثمان زعيم تنظيم القاعدة‪،‬‬ ‫أسامه بن الدن‪ ،‬دفن في البحر بعد جتهيزه وفقً ا للشريعة‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬


‫حمطات يف حياة �أ�سامة بن الدن‬ ‫تربع أسامة بن الدن الرجل األول في تنظيم القاعدة على‬ ‫قوائم املطلوبني عامليا على الئحة اإلرهاب منذ أحداث‬ ‫احلادي عشر من سبتمبر ‪ 2001‬مما جعله يحظى مبرتبة‬ ‫متقدمة في قوائم املشاهير عامليا األمر الذي أكسبه‬ ‫اهتماما غير مسبوق عبر محطات اإلعالم والتلفزة ‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك التاريخ ظل أسامة بن الدن هدفا ألمريكا‬ ‫وحلفائها لـ‪ 10‬سنوات كاملة دارت فيها العديد من‬ ‫التكهنات والشائعات عن مصيره‪ ،‬لكنه كان بني الفينة‬ ‫واألخرى يؤكد وجوده على الساحة بتسجيالت مرئية أو‬ ‫صوتية يعلق فيها على بعض األحداث ويطمئن أتباعه‪.‬‬ ‫امليالد والنشأة‬ ‫ولد أسامة بن الدن في الرياض بالسعودية عام ‪1957‬‬ ‫ألم سورية دمشقية‪ ،‬وترتيبه بني إخوانه وأخواته هو ‪17‬‬ ‫من أصل ‪ 52‬أخ وأخت ووالده هو املقاول الشهير محمد‬ ‫عوض بن الدن‪ ،‬أكبر مقاول إنشاءات في السعودية‪ ،‬تتولى‬ ‫شركاته شؤون احلرمني الشريفني‪ .‬توفي الوالد وكان عمر‬ ‫أسامة ‪ 9‬سنوات‪ ،‬وتزوج وهو ابن ‪ 17‬عاما زواجه األول من‬ ‫أخواله من الشام‪ .‬أكمل مراحل دراسته كلها في جدة‪،‬‬ ‫وأمت دراسته اجلامعية في علم اإلدارة العامة واالقتصاد‪،‬‬ ‫حيث تخرج من جامعة امللك عبد العزيز‪.‬‬ ‫بن الدن واجلهاد‬ ‫بدأت عالقة أسامة بن الدن بأفغانستان منذ األسابيع‬ ‫األولى للغزو السوفياتي لها في ‪ 26‬ديسمبر‪ /‬كانون األول‬ ‫‪ ،1979‬حيث شارك مع «اجملاهدين األفغان» ضد «الغزو‬ ‫الشيوعي» وكان له حضور كبير في معركة جالل آباد‬ ‫التي أرغمت الروس على االنسحاب من أفغانستان‪.‬‬ ‫القاعدة‬ ‫في عام ‪ 1988‬بلور أسامة بن الدن عمله في أفغانستان‬ ‫بإنشاء سجالت القاعدة لتسجيل بيانات املسلحني‪،‬‬ ‫املتطوعون من «مركز اخلدمات» من ذوي‬ ‫وانضم إليها‬ ‫ّ‬ ‫االختصاصات العسكرية والتأهيل القتالي‪ ،‬ومن هنا‬ ‫جاءت تسمية سجل القاعدة على أساس أن القاعدة‬ ‫تتضمن كل التركيبة املؤلفة من بيت األنصار ‪-‬‬ ‫أول محطة استقبال موقت‪ -‬للقادمني إلى اجلهاد‬ ‫قبل توجههم للتدريب ومن ثم املساهمة في اجلهاد‬ ‫ومعسكرات التدريب واجلبهات‪.‬‬ ‫العودة إلى السعودية‬ ‫في بداية التسعينات وبعد االنسحاب السوفياتي من‬ ‫أفغانستان عاد بن الدن إلى السعودية وعلم بعد فترة‬ ‫من وصوله أنه ممنوع من السفر‪ ،‬وظن أن السبب هو‬ ‫االنسحاب الروسي وتفاهم القوى العظمى‪ ،‬ونشط في‬ ‫إلقاء احملاضرات العامة‪ ،‬لكنه بادر بكتابة رسالة عبارة عن‬ ‫نصائح للدولة قبيل االجتياح العراقي للكويت‪.‬‬ ‫مغادرة اململكة بال رجعة‬ ‫بعدما ساءت األحوال عقب الغزو العراقي ولعدم التزامه‬ ‫بالتقييد املفروض عليه وبسبب جتميد نشاطه‪ ،‬غادر بن‬ ‫الدن السعودية عائدا إلى أفغانستان ثم إلى اخلرطوم‬ ‫عام ‪ ،1992‬حينها صدر أمر في نهاية العام نفسه‬ ‫بتجميد أمواله‪ .‬ثم حتولت قضية بن الدن إلى قضية‬ ‫ساخنة على جدول أعمال اخملابرات األميركية‪ ،‬فسحبت‬ ‫احلكومة السعودية جنسيته عام ‪ .1994‬دفعت هذه‬ ‫التطورات أسامة ألن يأخذ أول مبادرة معلنة ضد احلكومة‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫‪29‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫كان بن الدن ميلك خططا أخرى بخالف طرد قوات االحتاد‬ ‫السوفياتي من أفغانستان‪ .‬كان من بني أهم أهدافه اإلطاحة‬ ‫مبا رآه أنظمة فاسدة في جل أنحاء العالم اإلسالمي‪ .‬وفي‬ ‫سياق غزو صدام حسني للكويت‪ ،‬وبعد أن رفضت دعوته لغزو‬ ‫العراق ملنع أي وجود عسكري للواليات املتحدة في اخلليج‪،‬‬ ‫أصبح بن الدن معارضا ومت نفيه منها في نهاية األمر‪.‬‬ ‫وفقا ملا كتبه فواز جرجس في «العدو البعيد»‪ ،‬أصبح‬ ‫«اجلهاد عامليا» في بداية التسعينيات‪ ،‬بعد انسحاب قوات‬ ‫االحتاد السوفياتي من أفغانستان‪ .‬وظهرت مناهضة أسامة‬ ‫بن الدن ألميركا وخطط العنف في مؤمتر اجلبهة اإلسالمية‬ ‫العاملية حملاربة اليهود والصليبيني في ‪ .1998‬وكانت‬ ‫تفجيرات سفارتي الواليات املتحدة في كينيا وتنزانيا‪،‬‬ ‫والهجوم األول على مركز التجارة العاملي في ‪،1993‬‬ ‫والهجوم على مدمرة البحرية األميركية «يو إس كول» في‬ ‫ميناء عدن اليمني في ‪ ،2000‬وهجمات احلادي عشر من‬ ‫سبتمبر (أيلول) الذي سيتذكرها رفاقه باعتبارها عمله‬ ‫اإلبداعي ويتذكرها اجلميع بأسى وحزن وكراهية من أكثر‬ ‫فصول حياة بن الدن وتنظيم القاعدة دموية‪.‬‬ ‫ولم تكن موجة العمليات االنتحارية التي هزت أرجاء‬ ‫العالم اإلسالمي من املغرب إلى السعودية وإندونيسيا‬ ‫والتي تنسب إلى تنظيم القاعدة واجلماعات املشابهة لها‬ ‫أو اجلماعات األخرى التابعة للتنظيم أقل مأساوية وأهمية‪.‬‬ ‫وقد اتضح أن ذلك االستهداف العشوائي للمسلمني هو‬ ‫أكبر خطأ استراتيجي ارتكبه بن الدن وهو اخلطأ الذي وجه‬ ‫ضربة قاصمة لشعبية «القاعدة» مما دفع عددا من اخلبراء‬ ‫للحديث حول اقتراب انهيار التنظيم‪ .‬كما أنها أدت إلى‬ ‫شق صفوف اجلماعات اجلهادية التي انتقدت غالبيتها‬ ‫عالنية تنظيم القاعدة وأعلنت اختالفها حول املسار الذي‬ ‫يجب على احلركة اجلهادية بشكل عام أن تتخذه‪.‬‬ ‫بعد عشر سنوات‪ ،‬وبعد غزو أفغانستان ‪ -‬األكثر إثارة للجدل‬ ‫ وغزو العراق (الذي منح تنظيم القاعدة فرصته الذهبية)‪،‬‬‫وعشرات اآلالف من الضحايا‪ ،‬ومليارات الدوالرات التي أنفقت‬ ‫ أو التي أهدرت وفقا لنظرتك لألمور ‪ -‬قتل بن الدن‪ .‬وال تبدو‬‫حقيقة أن مقتله ميثل انتصارا رمزيا لـ«احلرب على اإلرهاب»‬ ‫– وهي السياسة التي أصبحت مع الوقت محل انتقادات‬ ‫متزايدة والتي وصفها الرئيس األميركي باراك أوباما بأنها‬ ‫«احلرب على القاعدة» ‪ -‬محال للشك‪ .‬فقد ذهب القائد‬ ‫التاريخي لتنظيم القاعدة‪ ،‬العقل املدبر لهجمات احلادي‬ ‫عشر من سبتمبر (أيلول)‪ ،‬وعدو العالم الغربي ومنظومة‬ ‫القيم التي يعكسها‪ .‬إال أنه وكما قال أوباما في تصريحه‬ ‫الرسمي‪« :‬إن موت بن الدن ميثل اإلجناز األعظم في إطار‬ ‫مساعي أمتنا لهزمية تنظيم القاعدة حتى وقتنا الراهن‬ ‫ولكن موته ال ميثل نهاية تلك اجلهود‪ .‬فمما ال شك فيه أن‬ ‫تنظيم القاعدة سوف يستأنف هجماته ضدنا»‪.‬‬ ‫بني التكيف واالنتشار‬ ‫ويشير اخلبراء إلى أن احلركة السلفية ‪ -‬اجلهادية تعتمد‬ ‫إلى حد بعيد على الشخصيات الكاريزمية‪ .‬وبالتالي فإن‬ ‫شخص بن الدن‪ ،‬أخذا في االعتبار ثقله اآليديولوجي والرمزي‬ ‫واملالي في تنظيم القاعدة‪ ،‬ال ميكن استبداله‪ .‬ولكن املسار‬ ‫الذي اتخذه بن الدن‪ ،‬حتى أصبح بن الدن‪ ،‬يقتضي احلذر في‬ ‫احلديث عن أن وفاته متثل ضربة قاضية لتنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫فرمبا يكون هناك بن الدن واحد‪ ،‬ولكن قصة الشاب الذي‬ ‫اعتنق األفكار الراديكالية واختار في النهاية السلفية ‪-‬‬ ‫اجلهادية التي تتسم بالعنف ميكن بسهولة أن تتكرر‪.‬‬ ‫فرمبا يكون بن الدن قد ذهب ولكن الظواهري والعولقي‬ ‫وغيرهما ما زالوا موجودين‪ .‬وسوف يستمرون في إلقاء‬ ‫اخلطب ونشر بذور الراديكالية سواء على نحو مباشر أو‬ ‫‪28‬‬

‫عبر اإلنترنت من القرى النائية في باكستان واليمن إلى‬ ‫العواصم الغربية محاولني ترويج قضية تنظيم القاعدة‬ ‫واستقطاب الشباب الصغير‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬رمبا يكون تنظيم القاعدة كما كان من‬ ‫قبل (له قاعدة دائمة وبنية مركزية وقيادة واضحة) لم‬ ‫يعد موجودا‪ .‬ولكن‪ ،‬وكما يقول اخلبير في مواجهة اإلرهاب‬ ‫بيتر بيرغن‪ ،‬ووفقا لتحليل مكتب التحقيقات الفيدرالي‪،‬‬ ‫فإن تنظيم القاعدة «يرى نفسه دائما كقيادة حركية‬ ‫آيديولوجية وعسكرية تسعى للتأثير على اجلماعات‬ ‫اجلهادية وتدريبها»‪ .‬وسوف تستمر تلك اخلاصية التي متيز‬ ‫أداء «القاعدة» في املستقبل القريب‪.‬‬ ‫وباإلضافة إلى وجود شخصيات كاريزمية‪ ،‬فإن استمرار‬ ‫تنظيم القاعدة‪ ،‬وإن كان في شكل مختلف وأكثر تفككا‪،‬‬ ‫سوف يعتمد على إيجاد ملجأ آمن يستطيع أن يعيد فيه‬ ‫تنظيم نفسه وميكن ألفكاره أن تزدهر فيه‪ .‬ولدى التنظيم‬ ‫بالفعل مناطق عدة ميكنه الوجود فيها‪ ،‬منها العراق‬ ‫وباكستان والصومال واليمن‪.‬‬ ‫كما أن اإلشارة إلى االنتفاضات العربية باعتبارها احلدث‬ ‫الذي سوف يعمل على تهميش تنظيم القاعدة وإقصائه‬ ‫في النهاية تبدو افتراضا متعجال حيث إننا في مرحلة ما‬ ‫زالت فيها أحداث املنطقة العربية في طور التطور‪ .‬ومن‬ ‫السيناريوهات احملتملة‪ ،‬والذي يحمل قدرا من املعقولية‪،‬‬ ‫هو أن املنظمة سوف تستمر في الوجود وسوف تنفذ‬ ‫هجمات ثانوية ولكنها لن تصبح العبا أساسيا في املشهد‬ ‫اجليوسياسي في املنطقة كما كانت حتى وقت قريب‪ .‬وفي‬ ‫النهاية‪ ،‬وكما أثبتت ردود الفعل جتاه هجمات احلادي عشر‬ ‫من سبتمبر (أيلول)‪ ،‬فإن مدى ثقل «القاعدة» االستراتيجي‬ ‫يعتمد إلى حد كبير على قدرة التنظيم على التكيف‬ ‫وإيجاد مؤيدين جدد‪ ،‬في ظل إصرار البعض‪ ،‬بخاصة الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬على مطاردة أعضائها‪.‬‬ ‫كما أن األحداث في مصر وسوريا واليمن ميكن أن تتطور في‬ ‫كثير من االجتاهات اخملتلفة وإذا ما كانت هناك أسباب جتعلنا‬ ‫نتفاءل بشأن بعض تلك الدول (تونس‪ ،‬على سبيل املثال)‪،‬‬ ‫فهناك أسباب عديدة جتعلنا قلقني بشأن غيرها‪ ،‬حتديدا‬ ‫اليمن التي يتمركز فيها تنظيم القاعدة‪ .‬وحتى في مصر‪،‬‬ ‫التي كانت الفكرة العامة عن اإلخوان املسلمني فيها‪،‬‬ ‫هي أن اجلماعة تخلت عن الراديكالية وترحب باحلداثة‪ ،‬فإن‬ ‫التصريح الذي انتقدت فيه اجلماعة بشدة الواليات املتحدة‬ ‫نظرا للعملية التي شنتها على «الشيخ أسامة»‪ ،‬ومن‬ ‫دون إدانة ألفعال تنظيم القاعدة‪ ،‬يعد تصريحا مقلقا في‬ ‫أفضل األحوال‪ .‬كما أنه يضع عالمة استفهام حول موقف‬ ‫اإلخوان من تنظيم القاعدة إذا ما استحوذوا على السلطة‬ ‫في مصر‪.‬‬ ‫وفي ظل أننا ال ميكن التنبؤ بتطوراتها‪ ،‬فإن االنتفاضات‬ ‫العربية ميكنها أن تعمل ضد تنظيم القاعدة وميكنها‪ ،‬في‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬توفير فرص الزدهاره‪ .‬فرمبا تخلق االنتفاضات‬ ‫في العالم العربي حكومات غير قادرة أو غير مستعدة‬ ‫للتعاون في الصراع من أجل التخلص من تنظيم القاعدة‬ ‫سواء من حيث جمع املعلومات االستخبارية أو من حيث‬ ‫املنحى الذي يوازيه في األهمية وهو منع نشر األفكار‬ ‫الراديكالية‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬ليس هناك من ولد راديكاليا‪ ،‬وال‬ ‫حتى أسامة بن الدن نفسه‪.‬‬

‫مانويل أمليدا – محرر‪.‬‬


‫الربيع العربي ومقتل زعيم «القاعدة»‪..‬‬ ‫هل هي نهاية فورة اجلهاد‬

‫ما بعد أسامة‬

‫مع مقتل أسامة بن الدن‪ ،‬طرحت سيناريوهات عدة في ما يتعلق مبستقبل تنظيم القاعدة الذي أسسه‪ .‬من بني هذه‬ ‫السيناريوهات‪ ،‬وبدافع من أحداث الربيع العربي‪ ،‬نهاية تنظيم لديه عدد هائل من األتباع‪ .‬وعلى الرغم من مسار بن الدن واإلرث‬ ‫الذي تركه‪ ،‬فإن الطبيعة املتغيرة لـ«القاعدة»‪ ،‬باإلضافة إلى األحداث اجلارية في املنطقة‪ ،‬تتطلب توخي احلذر لدى اإلعالن عن‬ ‫النهاية الوشيكة لتنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫مانويل أمليدا‬ ‫في نهاية الثمانينات‪ ،‬أصبح رجل طويل القامة ذو كاريزما‬ ‫من عائلة مرموقة وثرية وجها جديدا للجهاد في أفغانستان‪.‬‬ ‫حظي بن الدن باستقبال األبطال عند وصوله إلى السعودية‬ ‫قادما من املعركة‪ .‬وقام بجولة في مدن الرياض وبريدة ومكة‬ ‫املكرمة بحماس املنتصر‪ ،‬وألقى محاضرة على الشباب‬ ‫السعودي عن ضرورة اجلهاد ضد الكفار‪ .‬اعتادت شخصيات‬ ‫بارزة في تيار الصحوة االسالمي في التسعينات الترحيب‬ ‫بالشاب بن الدن في خطبها ومحاضراتها‪ ،‬والترويج له بني‬ ‫أتباعها بصفته منوذجا للشاب امللتزم‪ .‬ولكن تغير الكثير‬ ‫في اململكة منذ الثمانينات‪ ،‬وحتول بن الدن الذي كان قدوة‬ ‫إلى ذكرى يريد اجلميع نسيانها‪.‬‬ ‫في األول من مايو (أيار) عام ‪ ،2011‬قتل أسامة بن الدن في‬ ‫أبوت آباد بباكستان‪ ،‬ولم تتمكن حتى أخبار الربيع العربي أن‬ ‫تلقي بظاللها على هذا اخلبر‪ .‬من واشنطن إلى إسالم آباد‪،‬‬ ‫ذهل أتباعه وأعداؤه على حد سواء من النهاية املفاجئة‬ ‫التي كانت مرتقبة إلى حد ما ألحد أهم الشخصيات ‪-‬‬ ‫ألسباب سيئة في مجملها ‪ -‬في العقد املاضي‪ .‬ساهم‬ ‫أيضا الدفن في البحر ‪ -‬لتفادي حتويل قبره إلى مزار يرتاده‬ ‫أتباع بن الدن للتبرّك وإحياء أفكاره وأسباب أخرى ‪ -‬في‬ ‫األهمية التراجيدية إلرثه‪.‬‬ ‫تطرح حاليا العديد من السيناريوهات في ما يتعلق‬ ‫مبستقبل تنظيم القاعدة الذي أسسه بن الدن‪ .‬ومن بني‬ ‫هذه السيناريوهات نهاية تنظيم لديه عدد هائل من األتباع‪.‬‬ ‫وتأييدا لهذه اإلمكانية‪ ،‬تأتي حقيقة أنه باإلضافة إلى مقتل‬ ‫زعيم التنظيم‪ ،‬فانه حتى اآلن لم تلعب «القاعدة» أي دور‬ ‫في أحداث الربيع العربي‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم تترك معظم املبادئ‬ ‫التي طالب بها احملتجون في شوارع مصر وتونس وصنعاء‬ ‫ من حريات ومتثيل سياسي ومحاسبة املسؤولني ‪ -‬التي‬‫جتاوزت مطالب «اخلبز» أية مساحة لـ«القاعدة» لكي تؤدي‬ ‫دورا ذا أهمية في املستقبل السياسي في املنطقة‪ .‬وأصبح‬ ‫الربيع العربي ميثل بصورة غير مباشرة رفضا جماهيريا لرؤية‬ ‫«القاعدة» للمنطقة‪ ،‬كما يوضح هذا الرأي‪.‬‬ ‫قبل اإلسراع باإلعالن عن نهاية «القاعدة»‪ ،‬ومن أجل التنبؤ‬ ‫بالسيناريوهات اخملتلفة عن االندثار املفاجئ للتنظيم‪ ،‬من‬ ‫احلكمة أن نحاول استيعاب ماهية «القاعدة» اليوم‪ ،‬بل‬ ‫وأيضا كيف كان دور بن الدن داخل «القاعدة»‪ ،‬وكيف أصبح‬ ‫السعودي الشاب‪ ،‬االبن مللياردير‪ ،‬متطرفا يخشاه العالم‪.‬‬ ‫أسامة في شبابه‬ ‫ولد أسامة‪ ،‬الذي يُعتقد أنه االبن السابع عشر حملمد بن‬ ‫الدن‪ ،‬من بني ‪ 54‬من األبناء‪ ،‬في ‪ .1957‬وفي غضون عشرة‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫أعوام تقريبا‪ ،‬أصبح محمد‪ ،‬الذي كان مهاجرا مينيا فقيرا‬ ‫يكافح يوميا من أجل كسب قوته‪ ،‬مليارديرا‪ ،‬بسبب شركة‬ ‫اإلنشاءات التي أسسها‪ ،‬وبفضل سياسة امللك الفيصل‬ ‫النهضوية‪ .‬لقد عاد البرنامج الذي قاده امللك فيصل‬ ‫لتحديث البنية التحتية للمملكة بالنفع الكبير على‬ ‫شركة بن الدن‪.‬‬ ‫في صباه‪ ،‬كان أسامة يلعب في مواقع اإلنشاء في احلجاز‪،‬‬ ‫حيث أقامت شركة والده كثيرا من املشاريع‪ .‬ولكن لم‬ ‫يعرف أسامة والده جيدا‪ ،‬حيث توفي الوالد في عام ‪1967‬‬ ‫عندما كان عمر أسامة ‪ 10‬أعوام فقط‪.‬‬ ‫وعلى النقيض من معظم أبناء محمد بن الدن‪ ،‬لم يسافر‬ ‫أسامة إلى اخلارج للدراسة في اجلامعات األميركية أو‬ ‫البريطانية الكبرى‪ .‬ولكن التحق أسامة‪ ،‬الذي يصفه‬ ‫ستيف كول في «حروب الشبح» بـ«الطالب اجلامعي‬ ‫سريع التأثر الذي يحصل على منحة سنوية قيمتها مليون‬ ‫دوالر»‪ ،‬بجامعة امللك عبد العزيز املرموقة احملافظة في جدة‪.‬‬ ‫كان من بني مدرسي أسامة‪ ،‬عبداهلل عزام املؤسس‬ ‫الروحي حلركة حماس ‪ -‬وقد تالقى مساراهما من جديد في‬ ‫أفغانستان – ومحمد قطب‪ ،‬شقيق ومحرر وناشر ومروج‬ ‫أفكار الداعية املصري الراديكالي الشهير سيد قطب‪ ،‬الذي‬ ‫أعدم شنقا عام ‪ 1968‬في مصر في عهد الرئيس جمال عبد‬ ‫الناصر‪ .‬ومن بني أفكار سيد قطب‪ ،‬باإلضافة إلى معاداته‬ ‫املتأصلة للعلمانية واألمركة‪ ،‬مفهوم التكفير‪ ،‬الذي ميكن‬ ‫وفقا له أن يوصم مسلمون بالكفر وبالتالي يحق اتخاذ‬ ‫إجراء عنيف ضد «الكفار»‪.‬‬ ‫إذا كانت هناك شكوك في أن اتصال بن الدن املباشر مع‬ ‫كل من عزام وشقيق قطب قد شكل على نحو حاسم‬ ‫أفكاره ونظرته نحو العالم‪ ،‬فيجب أن يبددها تذكر أن طالبا‬ ‫آخر من طالب قطب كان أمين الظواهري الذي أصبح في ما‬ ‫بعد عضوا في جماعة اجلهاد اإلسالمي‪ ،‬ويعتبر واحدا من‬ ‫مستشاري بن الدن نفسه‪.‬‬ ‫صعود وسقوط بطل‬ ‫من دراسة علم االقتصاد في جدة‪ ،‬إلى معسكرات التدريب‬ ‫في أفغانستان وباكستان‪ ،‬حيث انضم املتطوعون العرب‬ ‫إلى اجملاهدين األفغان في معركتهم ضد الغزاة السوفيات‬ ‫امللحدين‪ ،‬كانت مجرد خطوة بسيطة طبيعية اتخذها بن‬ ‫الدن‪ .‬في ذلك الوقت‪ ،‬كان بن الدن مثارا لإلعجاب – لهؤالء‬ ‫الذين ميكنهم جتاهل أو تأييد أفكاره العنيفة – بسبب‬ ‫تخليه عن حياة الرفاهية الدنيوية في سبيل اجلهاد‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫‪26‬‬


‫وعلى الرغم من أنه مت تفكيك احلزب احلاكم واستغل العديد من التونسيني باإلحباط بسبب االتهامات بأن سلوكهم غير وطني‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬فإن‬ ‫الفرصة لتكوين أحزابهم السياسية‪ ،‬فإن النظام احلزبي املتعدد ليس العديد من تلك اإلضرابات عكست مظالم مشروعة كانوا يعانون منها‬ ‫كافيا لضمان احلريات الدميقراطية التي حارب من أجلها التونسيون‪.‬‬ ‫منذ عقود ولم يكونوا من قبل قادرين على التعبير عنها‪ .‬وليس مستغربا‬ ‫في ذلك السياق أن النقابات كانت مترددة في إغفال فرصة ميكن أو ال‬ ‫ونظرا إلدراكهم أنه ما زالت هناك العديد من التغيرات الضرورية لضمان ميكن أن حتدث في املستقبل‪.‬‬ ‫مستقبل دميقراطي‪ ،‬استمرت املظاهرات في الشوارع ملدة طويلة بعد‬ ‫رحيل بن علي‪ .‬فلم تخف االحتجاجات في الشوارع في تونس إال في وفي ما يتعلق بالسؤال حول استمرار اإلضرابات من عدمه‪ ،‬ما زال أمام‬ ‫بداية مارس (آذار)‪ ،‬وذلك بعد قضاء عطلة أسبوعية مضطربة أدت إلى تونس طريق طويل عليها قطعه لتحسني األوضاع االقتصادية‪ .‬وأخذا في‬ ‫استقالة رئيس الوزراء في ذلك الوقت‪ ،‬محمد الغنوشي‪ ،‬والذي حصل االعتبار أن املظالم االجتماعية االقتصادية كانت في قلب االحتجاجات‬ ‫على منصبه بعد خلع بن علي‪.‬‬ ‫التي أدت إلى خلع بن علي‪ ،‬فإن معاجلة بطالة الشباب والتكافؤ اإلقليمي‬ ‫سوف يكونان من أولويات احلكومة‪ .‬ومما ال شك فيه أن قدرتهم على‬ ‫وبعد ذلك مت اختيار الباجي قائد السبسي‪ ،‬وهو رجل في عقده التاسع‪ ،‬التغلب على تلك التحديات سوف تعرقل األنشطة االقتصادية اليومية‪.‬‬ ‫معروف باستقالله‪ ،‬لكي يصبح رئيس الوزراء في احلكومة املوقتة وقد وبالفعل‪ ،‬مت تخفيض التصنيف االئتماني للبالد من قبل فتش راتنغ‪.‬‬ ‫شكل احلكومة االنتقالية الثانية‪.‬‬ ‫ناهيك عن أن تكلفة االضطرابات األخيرة تقدر بني ‪ 5‬مليارات دوالر (‪11‬‬ ‫في املائة) من الناجت احمللي اإلجمالي للبالد‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن البعض قد أعرب عن عدم رضائه عن عمر رئيس‬ ‫الوزراء‪ ،‬فإن الهدوء النسبي الذي ساد الشارع يعرب عن رأي البعض اآلخر‪ .‬ووفقا لـ«الفايننشيال تاميز»‪ ،‬فمن املتوقع أن يؤدي التزامن بني االضطرابات‬ ‫فبدال من حريق امللصقات‪ ،‬لم يبق إال الرماد في الشارع الرئيس ‪ -‬احلبيب السياسية مع تباطؤ معدل النمو إلى تقليص نحو ‪ 1.5‬في املائة من‬ ‫بورقيبة ‪ -‬وهو املكان الذي جاء إليه التونسيون لكي يعبروا عن سخطهم إجمالي الناجت احمللي لعام ‪ .2011‬ومما زاد األمور سوءا‪ ،‬انخفاض مصدرين‬ ‫من بقايا احلكومة السابقة‪.‬‬ ‫للعملة األجنبية بنسبة كبيرة وهما السياحة وحتويل األموال من العمال‬ ‫التونسيني في ليبيا‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن التونسيني يبدون راضني عن تلك التغييرات األخيرة‪ ،‬ما‬ ‫زال تاريخ التهميش السياسي يهدد آفاق االنتخابات الدميقراطية‪ .‬فقد وما زال أمام تونس طريق طويل للتخلص من الضرر الذي تعرض له‬ ‫وجد استطالعا للرأي أجرته «‪»Emrhod Consulting‬في األسبوع االقتصاد ويجب أن تتضمن تلك االستراتيجية إعادة توزيع لثروة الرئيس‬ ‫األول من مارس أن غالبية التونسيني (‪ 61‬في املائة) لم تسمع أبدا عن أي الكبيرة جدا‪ .‬وكما ذكرت أميديو‪ ،‬في ديسمبر (كانون األول) ‪،2010‬‬ ‫حزب سياسي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت هناك أقلية (‪14.6‬في املائة) تشعر بأن فإن عائلة الرئيس التونسي لديها هيمنة على نحو ‪ 40‬في املائة من‬ ‫حزب النهضة اإلسالمي هو أفضل األحزاب لتطوير البالد في املستقبل التدفق النقدي واالقتصادي للبالد‪ .‬وتقدر «اإليكونوميست» أن الفساد‬ ‫فيما كان هناك قرابة (‪ 74‬في املائة) من التونسيني لم حتسم قرارها‪ .‬قد كلف البالد على األقل مليار دوالر سنويا‪ .‬ولألسرة حصص في عدد من‬ ‫ووفقا ملا ذكره محلل لألخبار احمللية‪ ،‬فإن حقيقة أن غالبية التونسيني لم البنوك تتضمن بنك تونس العربي الدولي‪ ،‬وبنك الزيتونة‪ ،‬وبنك تونس‪.‬‬ ‫تتمكن من حتديد اسم أي حزب سياسي متثل مؤشرا خطرا‪ ،‬واألخطر منه كما أنها متتلك جانبا كبيرا من صناعة السيارات وصناعة السياحة (مبا‬ ‫هو أن اجلدال السياسي الذي استمر ملدة شهرين قد أثار العواطف بدال في ذلك اخلطوط اجلوية التونسية)‪ ،‬وحتتكر إدارة األسواق احلرة واملطارات‬ ‫من أن يحفز ظهور الثقافة السياسية‪ .‬وعلى الرغم من االفتقار إلى كافة‪ ،‬وتهيمن على غالبية وسائل اإلعالم املرئية واملطبوعة باإلضافة إلى‬ ‫الثقافة السياسية‪ ،‬ما زالت الغالبية التونسية (‪ 82‬في املائة) متفائلة التوكيالت الدولية املوجودة في البالد مثل سلسلة متاجر «مونوبريي»‪،‬‬ ‫بشأن مستقبل الثورة‪.‬‬ ‫و«جيون»‪ ،‬وشركة االتصاالت «أوراجن»‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن حقيقة أن احلكومة االنتقالية لديها خطة لالنتخابات‬ ‫املستقبلية متثل فرصة بالنسبة للتونسيني لكي يصبحوا أكثر وعيا‬ ‫باخليارات املوجودة أمامهم‪ .‬ففي يوليو (متوز)‪ ،‬سوف يكون التونسيون‬ ‫قادرين على انتخاب مجلس تأسيسي يعمل على إصالح الدستور‪ .‬وقد‬ ‫جاء ذلك القرار وسط جدل حول أن سلطات الرئاسة متثل وضعا مشجعا‬ ‫على الفساد وبالتالي تعرقل آفاق التطور الدميقراطي‪ .‬وقد قال العديد‬ ‫من الناس أن باختيار منح رئيس الوزراء والبرملان املزيد من السلطة‪ ،‬سوف لقد مت االحتفاء بسقوط بن علي وترك لدى التونسيني إحساسا بالفخر‬ ‫تتمكن تونس من حتطيم عالقتها التاريخية بالنظام السلطوي‪.‬‬ ‫يصعب وصفه‪ .‬ورمبا يكون أحد امللصقات في القاهرة قد وصف ذلك على‬ ‫النحو األمثل‪ :‬لقد كنا باألمس جميعا تونسيني‪ ،‬ولكننا اليوم جميعا‬ ‫وعلى أية حال‪ ،‬فإن أي مناقشة حول الثقافة السياسية لن تكون مصريني‪ ،‬وغدا جميعا سنكون أحرارا‪.‬‬ ‫مكتملة إذا لم تعالج امليل اإلشكالي الذي خلقته حرية التعبير اجلديدة‪.‬‬ ‫بعد الثورة‪ ،‬شهدت البالد اضرابات في القطاعات كافة‪ .‬فقد أغلق املطار إن التونسيني واعون بالتغيير الذي تسببوا فيه ليس فقط في بالدهم‪،‬‬ ‫مرات عدة‪ ،‬ومت إلغاء الرحالت‪ .‬كما قامت قوات الشرطة بإضراب مطالبة ولكن في العالم بأسره‪ .‬وكما قال عز الدين سنيقرة‪ ،‬الصحافي التونسي‬ ‫بتحسني األجور‪ ،‬فيما اتهمهم كثير بأنهم يزيدون من خطورة الوضع الذي يعيش في لندن‪« :‬أشعر أننا صنعنا التاريخ‪ ،‬وأن محمد البوعزيزي‬ ‫األمني املتهاوي‪ .‬كما أضرب أيضا سائقو الشاحنات املسؤولون عن ليس فقط شهيدا ولكنه ملهم للعرب واملسلمني جميعا وأي أحد يسعى‬ ‫توصيل البنزين إلى احملطات مما خلق رعبا من التعرض لنقص في الوقود‪ .‬وراء احلرية في هذا العالم لسنوات عدة قادمة‪ .‬أتطلع لتونس أفضل»‪.‬‬ ‫ويقال إن تلك اإلضرابات كافة تعرقل االقتصاد ومتنع الدولة من العودة إلى‬ ‫الوضع الطبيعي‪.‬‬ ‫لقد قطعت تونس شوطا طويال‪ ،‬وما زالت على طريق خلق شكل من‬ ‫احلكومة لطاملا كان يرغب فيه التونسيون‪ .‬ولكن عدد التغيرات املطلوبة‬ ‫وقد رأى البعض أن تلك اإلضرابات واملظاهرات ضارة للغاية‪ ،‬حتى أن لتحويل تلك املثل إلى حقائق ما زال كبيرا‪ .‬إن التونسيني والعالم الذي‬ ‫مجموعة أطلقت على نفسها اسم «الغالبية الصامتة» قد نزلت أيضا يساندهم ال يجب أن ينسوا أن الثورة قد بدأت للتو‪.‬‬ ‫إلى الشوارع داعية التونسيني إلى العودة إلى أعمالهم وعدم السماح‬ ‫باختطاف قيم الثورة من قبل األقلية الراديكالية‪.‬‬ ‫ولسوء احلظ‪ ،‬فإنه على خالف احلريات السياسية التي حصل عليها‬ ‫الشعب بعد رحيل بن علي من البالد‪ ،‬فإن املساواة االقتصادية ال تضمن‬ ‫آفاق التغيير السياسي‪ ،‬ويجب على التونسيني التحلي بالصبر إذا ما‬ ‫كانوا يرغبون في إعادة توزيع ناجحة للثروات والتحسن الكلي القتصاد‬ ‫البالد‪.‬‬

‫ولكن املضربني دافعوا عن حقهم‪ ،‬وأعرب كثير منهم عن إحساسه بوال ميجيا ‪ -‬محررة‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫‪25‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫التونسيون‪ ،‬وهم محقون‪ ،‬بأنهم قد ألهموا اآلخرين بشجاعتهم‪ .‬وعلى مسجلة في تونس‪ ،‬وفقا ملركز املعلومات ودراسات التدريب والتوثيق حول‬ ‫الرغم من اإلحساس السائد بالتفاؤل‪ ،‬ما زالت ثورة الياسمني في بدايتها‪ .‬اجلمعيات‪ .‬ومن بني تلك املنظمات‪ ،‬لم تكن هناك سوى حفنة مستقلة‬ ‫استقالال كامال ولم تكن أي منها تستطيع أن تتحرك بحرية بعيدا عن‬ ‫وعلى الرغم من األمل الذي يعقده التونسيون على املستقبل‪ ،‬فإنهم تدخل احلكومة‪.‬‬ ‫واعون بأن الطريق إلى االستقرار الدميقراطي ما زال طويال للغاية‪.‬‬ ‫ومن مفارقات الثورة أن مظلمتني من مظالم التونسيني التي أدت إلى وعلى الرغم من أن الدستور التونسي‪ ،‬نظريا كان يؤكد احلق في حرية‬ ‫االنتفاضة سوف يكون لهما تأثير طويل املدى على قدرة التونسيني على الرأي والتعبير والتجمع وتكوين اجلمعيات‪ ،‬حرمت اجلماهير عمليا من‬ ‫خلق ثقافة دميقراطية وإدارة حكم رشيد‪ ،‬وذلك بالضبط هو مستوى ممارسة تلك احلقوق‪ .‬فقد كانت احلكومة دائما ما حتاكم األفراد نظرا‬ ‫القمع الذي فكك املعارضة وثقافة الفساد التي خلقتها السلطة «لنشر معلومات خاطئة» بزعم أنها سوف تهدد النظام العام‪ .‬وفي‬ ‫املطلقة للنخبة احلاكمة‪.‬‬ ‫ظل تلك الظروف‪ ،‬فإن صعوبة املشاركة في االحتجاجات أو أي أعمال‬ ‫جماعية ليست باألمر املفاجئ‪ ،‬وهو ما يجعل من ثورة يناير أكثر إبهارا‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من تضحية الزعماء السياسيني باجملتمع املدني في تونس منذ وباحلديث مع التونسيني في األيام األولى للثورة‪ ،‬كانوا دائما يقولون إنهم‬ ‫أول رئيس لها‪ ،‬فقد مت إسكات أصوات الصحافيني‪ ،‬والنقابيني‪ ،‬واملدافعني قد تخلصوا من اإلحساس باخلوف الذي كان يسود البالد‪ .‬ورمبا لم يستطع‬ ‫عن احلقوق املدنية واإلنسانية في عهد بن علي‪ .‬ففي عهد بن علي‪ ،‬لم أي ثوري أن يصدر ذلك اإلحساس بخالف محمد البوعزيزي الذي لم ينظر‬ ‫تكن جماعات اجملتمع املدني بداية من الصحافيني إلى احملامني والقضاة إلى قتله نفسه باعتباره مجرد رد فعل لإلحباط االقتصادي‪ .‬فهل يوجد‬ ‫تعمل باستقالل من دون اخلوف من التدخل البيروقراطي أو اإليذاء‪ .‬وال خوف أكبر من اخلوف من املوت؟ لقد اختار البوعزيزي بطريقة علنية املوت‬ ‫حاجة للقول إن مسألة اخلوف قد مت القضاء عليها خالل الثورة‪ ،‬عندما بدال من اخلوف‪ ،‬وباختياره ذلك ألهم أمته بأسرها لكي حتذو حذوه‪.‬‬ ‫أظهر كل تونسي استعدادا ملواجهة احلكومة‪ .‬ومع ذلك فإن مالحظة‬ ‫مدى القمع ضرورية في فهم كيف كان حشد تلك اجلماهير ممكنا‪ ،‬فقد رمبا يكون التونسيون قد تغلبوا على واحدة من أصعب عقبات سلطة‬ ‫تخلص التونسيون من اخلوف الذي يصاحب االنتماء للمعارضة‪ ،‬ولكن الفرد‪ ،‬االستعداد للمخاطرة باألمن من أجل احلق في التعبير عن الذات‪.‬‬ ‫أيضا كم العمل املطلوب إلعادة بناء اجملتمع املدني والقيم الدميقراطية‪ .‬ومع ذلك فإن حقيقة أن تاريخ البالد املستقلة بكامله يتميز بقمع اجملتمع‬ ‫املدني تعد من العقبات املهمة التي يجب أن تتغلب عليها البالد إذا ما‬ ‫قبل الثورة‪ ،‬كان هناك ما يزيد عن ‪ 9000‬منظمة مجتمع مدني كانت ترغب في حتقيق تغير دائم‪.‬‬

‫‪ 63‬حزبا �سيا�سيا و‪ 120‬جمعية و‪ 51‬ن�شرية يف ثالثة �أ�شهر‬ ‫بلغ عدد األحزاب السياسية املرخص في تكوينها منذ ‪ 14‬يناير ‪2011‬‬ ‫تاريخ فرار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي الى خارج البالد‬ ‫إلى اليوم ‪ 63‬حزبا سياسيا في حني مت رفض ‪ 66‬مطلبا للترخيص في‬ ‫تكوين أحزاب لعدم استيفائها الشروط القانونية املنصوص عليها في‬ ‫القانون املؤرخ في ‪ 3‬مايو ‪ 1988‬املنظم لألحزاب السياسية علما وانه‬ ‫يتواصل درس ‪ 49‬مطلبا جديدا‪.‬‬ ‫أما بخصوص تكوين اجلمعيات فقد مت منذ وفق وزارة الداخلية التونسية‬ ‫إيداع حوالي ‪ 500‬مطلب لدى املصالح اجلهوية لتكوين جمعيات‪ ،‬أصبح‬ ‫ما يفوق ‪ 120‬منها مكونا قانونا فيما يتواصل درس بقية امللفات‪.‬‬ ‫وفي ما يتعلق بإصدار النشريات (صحف يومية وأسبوعية وشهرية‬ ‫ومجالت‪ )...‬مت تسليم ‪ 51‬وصل إعالم ورفض ‪ 41‬مطلبا لعدم استيفائها‬ ‫الشروط القانونية ويتواصل درس ‪ 26‬مطلبا‪.‬‬

‫مناصفة بني اجلنسني‬

‫في خطوة اعتبرت جتسيدا ألهداف "الثورة" صادقت الهيئة العليا‬ ‫لتحقيق اهداف الثورة في تونس على مشروع مرسوم انتخابات اجمللس‬ ‫التاسيسي في ‪ 24‬يوليو ‪ -‬متوز الذي نص على اختيار نظام القوائم بدورة‬ ‫واحدة على اساس التمثيل النسبي واملناصفة بني النساء والرجال‪.‬‬ ‫ونص مشروع املرسوم بالتصويت على القوائم بالغالبية في دورة واحدة‬ ‫مع توزيع املقاعد على مستوى الدوائر على أساس التمثيل النسبي مع‬ ‫اعتبار اكبر البقايا وهو النظام الذي اعتبر منصفا لالحزاب الصغيرة‪.‬‬ ‫ومينع النص الذي تبنته "الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة واالصالح‬

‫‪24‬‬

‫السياسي واالنتقال الدميقراطي"‪ ،‬ابرز هيئات االنتقال الدميقراطي في‬ ‫تونس‪ ،‬من الترشح كل من حتمل مسؤولية في احلكومة او احلزب احلاكم‬ ‫سابقا في عهد الرئيس اخمللوع زين العابدين بن علي اي منذ ‪.1987‬‬ ‫وجتادل اعضاء الهيئة حول مدة احلظر‪ :‬بني ‪ 10‬سنوات ام ‪ ، 23‬بعد‬ ‫التصويت اعتمد منع كل من حتمل مسؤولية في احلكومة او احلزب احلاكم‬ ‫سابقا خالل فترة حكم بن علي اي ‪ 23‬عاما‪.‬‬ ‫ولكن وبعد عرض املشروع على احلكومة املوقتة التي يرأسها الباجي قائد‬ ‫السبسي‪ ،‬واقتراح هذا األخير االقتصار على ‪ 10‬سنوات التي اعتبرها مدة‬ ‫كافية‪ ،‬مت خفض املدة إلى العشر سنوات األخيرة فحسب وسط جدل‬ ‫واسع داخل الهيئة وداخل أوساط الشعب التونسي‪.‬‬ ‫كما قررت الهيئة منع ترشح كل من وقع عريضة لدعم بن علي لالنتخابات‬ ‫الرئاسية التي كانت مقررة في ‪.2014‬‬ ‫وشكل الفصل ‪ 16‬من مشروع املرسوم ابرز فصوله حيث نص في صيغته‬ ‫النهائية على تقدمي الترشيحات على اساس مبدا املناصفة بني النساء‬ ‫والرجال على ان يتم ترتيب املرشحني صلب القوائم على اساس التناوب‬ ‫وال تقبل القائمات التي ال حتترم هذه القاعدة تعتبر هذه اخلطوة سابقة‬ ‫تاريخية في تونس‪.‬‬ ‫وكانت الهيئة العليا اقرت أيضا قيام الهيئة االنتخابية الوطنية‬ ‫املستقلة التي تتكون من ‪ 12‬عضوا وستشرف على كل مراحل انتخاب‬ ‫اجمللس الوطني التاسيسي في ‪ 24‬يوليو الذي سيكلف اساسا بصياغة‬ ‫دستور جديد للجمهورية الثانية في تاريخ تونس املستقلة‪.‬‬


‫الدميقراطية الوليدة في تونس‪ ..‬الشيطان يقبع في التفاصيل‬

‫بداية املشوار‬

‫لقد خلقت ثورة الياسمني في تونس إحساسا غير مسبوق بالوحدة والوطنية‪ ،‬ليس فقط في تونس‪ ،‬ولكن في العالم العربي‬ ‫بأسره‪ .‬ولكن وكما يقول املثل فإن الشيطان يقبع في التفاصيل‪ ،‬فما زالت هناك عقبات كثيرة على طريق البالد للدميقراطية‪،‬‬ ‫عقبات ميكن أن تؤثر على وحدة البلد التي أدت إلى قيام الثورة في األساس‪.‬‬ ‫بوال ميجيا‬ ‫لم يكن لكلمة ارحل من قبل مثل ذلك التأثير‪ .‬فعندما كانت اجلماهير‬ ‫تصيح ارحل‪ ،‬تولد إحساس بالتوحد بني التونسيني من اخللفيات كافة‪.‬‬ ‫وقد أثبتت قدرتهم على إنهاء نظام بن علي أن أقوى رجل في الدولة‬ ‫اضطر إلى االنصياع إلى إرادة الشعب‪.‬‬

‫»ارحل‪ ،‬ارحل‪ ،‬ارحل»‪ .‬في األيام األولى من شهر يناير (كانون الثاني)‪،‬‬ ‫تردد ذلك الشعار‪ ،‬الذي سوف يهدد حكم الفرد في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫في شوارع تونس‪ ،‬في ما كانت اجلماهير التي مألت الشوارع الواسعة‬ ‫أمام وزارة الداخلية تقدم رسالة باسم اجلماهير إلى رئيسها املزدرى‪ ،‬الذي‬ ‫استمر في احلكم ملدة ‪ 23‬عاما‪« .‬ارحل»‪ .‬لقد مثل ذلك الشعار اجلديد‬ ‫وقد أثبتت عناصر القوة املطلقة‪ ،‬السيطرة على القوى األمنية‪ ،‬وكل‬ ‫في تونس بالنسبة لكثيرين صحوة سياسية أو حافزا طال انتظاره‪.‬‬ ‫املصادر التقليدية للسلطة في يد الرئيس اخمللوع بن علي‪ ،‬عدم فعاليتها‬ ‫فبعد سنوات من القمع‪ ،‬واإلهانة‪ ،‬والعنف‪ ،‬واإلقصاء من احلياة السياسية في مواجهة الوحدة التونسية‪ .‬وتأثرا بذلك االنتماء اجلديد‪ ،‬واجهوا‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬نزل التونسيون إلى الشوارع مطالبني بحقوقهم املدنية القناصة‪ ،‬وقنابل الغاز‪ ،‬واالعتقال من أجل التخلص من بن علي‪.‬‬ ‫بكلمة واحدة‪ ،‬في ترديد جماعي بدأ همسا ثم انضمت له تدريجيا أصوات‬ ‫آالف احملتجني‪ ،‬وأخذ يعلو ويعلو ويعلو حتى انتهى إلى حتويل الشعار إلى وكان ميكن أن تستشعر الكبرياء والوطنية اللتني انبعثتا من األيام‬ ‫األولى ليناير (كانون الثاني) في الهواء‪ .‬فقد كانت كل احلوارات التي‬ ‫واقع‪.‬‬ ‫يعج بها الشارع تتمحور حول املستقبل‪ ،‬واآلن وبعد رحيل مبارك‪ ،‬يشعر‬

‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫‪23‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫ورمبا يزعم منتقدو تلك احلجة أن اإلخوان املسلمني وحزب اهلل ميثالن‬ ‫استثناء للقاعدة‪ ،‬عندما يتعلق األمر بخطط إدارة احلكم‪ ،‬حيث‬ ‫تقدم كلتا اجلماعتني مواقف متماسكة بشأن التعامل مع كثير‬ ‫من املشكالت اإلدارية التي تعرقل مصر ولبنان على التوالي‪ .‬ولكن‬ ‫كيف يخططون ملواءمة أجندتهم اإلسالمية مع قطاعات كبيرة من‬ ‫شعوبهم‪ ،‬غير مهتمة أو معارضة بوضوح للحوكمة اإلسالمية؟‬ ‫فقد تزايد حترر اللبنانيني من بديل حزب اهلل إلدارة احلكم‪ ،‬كما سئموا‬ ‫التورط في نزاعات دولية كنتيجة لنزوات حزب اهلل‪ .‬فهل هذه هي‬ ‫اخلطة املتماسكة للمستقبل؟‬ ‫والنقطة الثانية هي أن حركات املعارضة ليس لديها خطاب متماسك‬

‫الثوري الراديكايل‬

‫يعتبر العديد من احملللني وائل غنيم – املدير في شركة غوغل الذي كان رمزا‬ ‫طوال فترة االنتفاضة املصرية والذي ظهر في ميدان التحرير حينما وصلت‬ ‫املظاهرات إلى ذروتها‪ -‬إشارة على طبيعة املعارضة السياسية في مصر‬ ‫واملنطقة بأسرها‪ .‬إلى حد ما يؤكد احلديث املتبادل الذي مت أخيرا بني غنيم‬ ‫واملدير اإلداري لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان (والذي مت أثناء‬ ‫اجتماع الربيع السنوي لصندوق النقد الدولي) هذه الرؤية‪ ،‬حيث يقدم‬ ‫غنيم قدرا ضئيال من االستراتيجيات احملددة التي ميكن أن جتلب الرخاء ملصر‪.‬‬ ‫ويبدو من الصعب القول إنه ينبغي عليه أن يقدم جميع احللول للمشاكل‬ ‫التي تواجهها مصر حاليا‪ .‬في الواقع‪ ،‬على الرغم من صعوبة الطريق إلى‬ ‫املستقبل‪ ،‬من الرائع أن البالد متلك فرصة حلل مشاكل تولدت بسبب عقود‬ ‫من احلكم الفاسد‪ .‬كان هذا هو الرد على مشاركة غنيم في مناقشات‬ ‫صندوق النقد الدولي عن "الشباب والوظائف والنمو في الشرق األوسط‬ ‫وشمال أفريقيا"‪.‬‬ ‫أخطأ من ي ّدعي أن ما يطلق عليها اجلماعات الثائرة في مصر والشرق األوسط‬ ‫ليس لديها أجندة قوية‪ ،‬وجملرد كونهم ثوريني فهم بالضرورة معارضون للوضع‬ ‫الراهن‪ .‬وبطبيعة احلال تدور عملية البناء اجلديد بصورة بطيئة‪ ،‬وال ميكن‬ ‫معارضتها بفاعلية فقط باقتراح تكييف األنظمة القدمية ليصبح هذا هو‬ ‫طريق املستقبل‪.‬‬ ‫إن اإلخالص ملبادئ الكرامة والتعاطف اخلالصة سيؤدي إلى إنشاء بيئة يتحقق‬ ‫فيها االستقرار والرخاء‪.‬‬ ‫وفي ما يلي بعض ما جاء في كلمة وائل غنيم في ‪ 15‬أبريل – نيسان ‪:2011‬‬ ‫"في احلقيقة كنا نفكر فقط في كيفية التخلص من الكابوس‪ ،‬وليس‬ ‫في البدء في احللم‪ .‬لقد خرجت إلى الشارع لسببني‪ :‬ال أريد أن أرى الناس‬ ‫تأكل من القمامة‪ .‬أنا أعمل في شركة وأحصل على راتب جيد‪ ،‬وكثير منا‬ ‫متعاطف مع هؤالء الناس‪ ،‬ولكنهم لم يرغبوا في حتمل تكلفة مساعدتهم‪.‬‬ ‫ولكنني لم أكن مبفردي‪ ،‬بل معي آالف من املصريني‪ .‬أحد أصدقائي الذي‬ ‫فقد إحدى عينيه (أثناء املظاهرات) ميلك بالفعل سيارة فيراري‪ .‬وقد خرج إلى‬ ‫املظاهرات في يوم ‪ 25‬يناير (كانون الثاني)‪ .‬أما السبب الثاني فهو الكرامة‪.‬‬ ‫أردنا أن نستعيد كرامتنا‪ .‬والكرامة لها جانب اقتصادي"‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫وبعيد املدى ألنها ال تتكون من مجموعات متشابهة وموحدة‪ .‬ومرة‬ ‫أخرى‪ ،‬يلقي النموذج اللبناني بعض الضوء على ذلك رمبا ألن أول تلك‬ ‫املظاهرات القوية التي تتسم بالزخم كانت تلك التي أدت إلى إنهاء‬ ‫االحتالل السوري‪ .‬املوارنة‪ ،‬السنة‪ ،‬الدروز‪ ،‬األرثوذوكس اليونانيون‪ ،‬بل‬ ‫وحتى الشيعة خرجوا إلى الشوارع احتجاجا على االحتالل السوري‪.‬‬ ‫ثم انتهى االحتالل الذي بدأ في ‪ 1976‬بسالم‪ ،‬بل ورمبا مبعجزة‪.‬‬ ‫ثم عانى اللبنانيون من سنوات من اجلمود السياسي والعديد من‬ ‫النزاعات املسلحة وأعداد ال حتصى من الوفيات‪ .‬ثم انتهى حتالف‬ ‫املعارضة الذي أنهى االحتالل السوري وتبخرت حرية اللبنانيني التي‬ ‫مت اكتسابها بصعوبة بنفس السرعة التي حتققت بها‪ .‬ورمبا يقول‬ ‫النقاد إن لبنان حالة خاصة‪ :‬وهي بالفعل كذلك ولكن ليس من‬ ‫الصعب أن ترى نفس الصدوع وهي تتشكل اآلن في مصر‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن املصريني ال يواجهون نفس الصراع اإلثني الذي‬ ‫شهدته لبنان فإن مقاال لوليام واغنر ودانييل نكبخت مت نشره في‬ ‫«الهافنغتون بوست» يوضح الصعوبات التي تواجه مستقبل‬ ‫حركة املعارضة في مصر‪ .‬فسوف يكون على حركات العمال موازنة‬ ‫مطالبهم ومطالب الشباب الذين عليهم بالضرورة أن يوازنوا بني‬ ‫مطالبهم ومطالب اإلخوان املسلمني الذين سيكون عليهم العمل‬ ‫على خلفية تزايد خطورة اجليش‪.‬‬ ‫وتتعامل النقطة الثالثة مع سياسات وتوجهات الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫فليس من املستغرب أن دبلوماسيي الواليات املتحدة واملسؤولني‬ ‫باالستخبارات قد تفاجأوا بتلك الثورات‪ .‬فقد كانت رؤيتهم متأثرة‬ ‫بشراكتهم مع نظرائهم من رجال املؤسسات القمعيني واملتحجرين‪.‬‬ ‫ولفترة طويلة‪ ،‬عسكرت الواليات املتحدة عالقتها باملنطقة حيث‬ ‫كانت تبادل الدميقراطية باالستقرار‪ .‬وهو‪ ،‬كما اتضح‪ ،‬فصل زائف‪.‬‬ ‫فالواليات املتحدة ال ميكنها إال عمل القليل اآلن‪ ،‬كما يجب أن ال يشعر‬ ‫الغرب بأنه يجب عليه املشاركة الفعالة في املنطقة‪ .‬فهذه الثورات‬ ‫العربية ال تتعلق بالغرب بل تتعلق باملظالم احمللية املشروعة‪ .‬ويجب‬ ‫أن تسمح الدول الغربية للشعوب العربية بتحديد مستقبلها‬ ‫اخلاص وأن تكون ذكية مبا يكفي للبعد عن التورط الشديد‪ ،‬حيث يتم‬ ‫النظر إليهم باعتبارهم راغبني في سرقة تلك الثورات الشعبية‪.‬‬ ‫وبالفعل كانت السفيرة باربرا بودين‪ ،‬السفيرة األميركية السابقة‬ ‫لليمن دائما ما تدافع عن احلاجة إلعادة موازنة عالقة الواليات املتحدة‬ ‫األميركية باملنطقة بأسرها‪.‬‬ ‫إذن كيف ميكن أن تتعامل الواليات املتحدة مع ذلك؟ اخلطوة األولى‬ ‫هي إدراك أن الفصل بني املصالح والقيم أثبت أنه منط منقوص‪.‬‬ ‫وفي النهاية‪ ،‬فإن اتخاذ مواقف تتفق مع منظومة قيمهم سيكون‬ ‫بال شك في مصلحة الواليات املتحدة‪ .‬وثانيا‪ ،‬سوف حتتاج الواليات‬ ‫املتحدة إلى تعزيز الدبلوماسية كأداة لألمن القومي األميركي‪.‬‬ ‫فلمدة طويلة كانت الدبلوماسية ينظر إليها كخيار استراتيجي‬ ‫تال في الشرق األوسط‪ .‬على أية حال يجب على الواليات املتحدة‬ ‫أن تتعامل مع تلك الثورات كدليل على أنها ال ميكنها الفصل بني‬ ‫الدبلوماسية واألمن‪ ،‬فهما يعززان بعضهما البعض كما أنهما‬ ‫يتقاطعان‪.‬‬ ‫وثالثا‪ ،‬رمبا يساعد الدبلوماسيون األميركيون زعماء املعارضة على‬ ‫حتديد أجندتهم من خالل التواصل معهم بالعربية من خالل وسائل‬ ‫اإلعالم احمللية للمساعدة على تعزيز اجلدل واحلوار‪ .‬وأخيرا‪ ،‬يجب أن‬ ‫تضع الواليات املتحدة التعليم والتعليم املدني كأولويات سياسية‬ ‫وأن تعقد شراكات مع وزارات التعليم ومنظمات اجملتمع املدني‬ ‫واملدارس اإلسالمية في املنطقة للمساعدة على تأسيس حوكمة‬ ‫مييز الواليات‬ ‫مسؤولة في املستقبل‪ .‬رمبا يكون التعليم هو ما ّ‬ ‫املتحدة‪ ،‬لذلك فقد حان الوقت الستبدال الرصاص بالكتب‪.‬‬

‫*رشاد بدر – خريج كلية وودرو ويلسون وباحث ببرنامج الدين‬ ‫والدبلوماسية والعالقات الدولية مبعهد ليختنشتاين بجامعة‬ ‫برنستون‪.‬‬


‫انتفاضات الشرق األوسط‪ ..‬هل‬ ‫املعارضة مؤهلة لقيادة التغيير‬

‫أوهن البيوت‬

‫عودة روح مقاومة الطغيان والقمع في الشرق األوسط دليل‬ ‫على روح اإلنسان العربي الذي يرفض اخلنوع واالستكانة‪.‬‬ ‫ولكن من دون تصور متماسك للمستقبل‪ ،‬ستكون هناك‬ ‫حدود النتفاضات الشرق األوسط‪ .‬فما زال على جماعات‬ ‫املعارضة أن تثبت أنها مؤهلة إلدارة احلكم وما زالت املواءمة‬ ‫بني املثل والتعاليم اإلسالمية واالنتفاضات الشعبية بعيدة‬ ‫املنال‪.‬‬ ‫رشاد بدر‬ ‫في الشهور القليلة املاضية شهدنا املستحيل يتحقق في الشرق‬ ‫األوسط‪ :‬فقد مت خلع زين العابدين بن علي في تونس في أعقاب حرق‬ ‫محمد البوعزيزي نفسه‪ ،‬وأجبر محمد حسني مبارك على التنحي‬ ‫في مصر وهو ما كان إيذانا بانتهاء عصر أقوى الرؤساء في املنطقة‪،‬‬ ‫وهز الشعب الليبي أرجاء العالم بشجاعته‪ ،‬كما فعل ويفعل‬ ‫اليمنيون والسوريون‪ ،‬واللبنانيون من قبلهم‪ .‬ولكن وكما شهدنا في‬ ‫‪ ،1979‬و‪ ،1989‬و‪ - 2005‬عندما أنهى اللبنانيون على نحو سلمي‬ ‫ما يقارب من ‪ 30‬عاما من االحتالل السوري ‪ -‬فإن ملثل تلك الثورات‬ ‫كثيرا من العواقب غير املتوقعة‪.‬‬ ‫إن ما حدث في الشرق األوسط كان شهادة عظيمة على الروح‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬فسوف يستدعي التاريخ دائما تلك الفترة باعتبارها‬ ‫الفترة التي وقفت فيها املنطقة بأسرها ضد القمع والطغيان‪.‬‬ ‫ولكننا إذا منحنا تضحيات أشخاص مثل البوعزيزي والكثيرين غيره‬ ‫الذين حذوا حذوه قدرها‪ ،‬فسيكون علينا أن ندرك حدود ثورة الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬ففي إطار من اآلمال احلذرة‪ ،‬نقدم هنا ثالث مالحظات‬ ‫سلبية‪ ،‬على نحو ما‪ ،‬حول املنطقة يعقبها نظرة على السياسة‬ ‫األميركية‪.‬‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬لم تقدم حركات املعارضة باملنطقة أجندة مقنعة‬ ‫ومتماسكة واستراتيجية للتغيير‪ .‬وحقا كانت حركات املعارضة‬ ‫حتى قبل اندالع الثورة غير قادرة على مواجهة حتديات احلوكمة‪.‬‬ ‫ففي اخلليج‪ ،‬دعا زعماء املعارضة ‪ -‬حتديدا أنصار الدميقراطية ‪-‬‬ ‫بحماس شديد إلى احلاجة إلى الدميقراطية في املنطقة‪ ،‬قائلني‬ ‫إن الوقت قد حان لدميقراطية عربية إسالمية جديدة‪ .‬حسنا‪ ،‬ولكن‬ ‫كيف يبدو ذلك املزيج الفريد من الدميقراطية العربية؟ يدرك قادة‬ ‫املعارضة ما الذي ال يرغبون فيه ولكنهم ليست لديهم فكرة حول‬ ‫كيفية حتقيق مطالبهم‪.‬‬ ‫وينطبق الشيء نفسه على املشرق‪ .‬ففي لبنان‪ ،‬تقود نفس‬ ‫الشخصيات السياسية املعيبة واخلاوية البالد إلى املزيد من عدم‬ ‫التواؤم والركود‪ .‬ويلتزم الشباب اليوم بـ"دوغماطيقية" تلك‬ ‫األجندات‪ :‬حيث يتنافس طالب اجلامعات بحماس في انتخابات‬ ‫املدارس على أمل حتقيق آيديولوجيات ميشال عون وسمير جعجع‬ ‫ووليد جنبالط ونبيه بري وغيرهم‪ .‬فشباب لبنان اليوم يتبع نفس‬ ‫قادة األمس املضللني‪ .‬وباملثل في مصر‪ ،‬واليمن وغيرهما‪ .‬إن التخلص‬ ‫من الطغاة أمر عظيم حقا‪ ،‬ولكن ماذا بعد ذلك؟ يبدو أنه ال أحد‬ ‫يدرك ذلك فعال مبا في ذلك املعارضة‪ ،‬فالدميقراطية‪ ،‬مصطلح يبدو‬ ‫طيبا حتى يأتي وقت تعريفه‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫‪21‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫‪20‬‬


‫من الصداقات خارج ليبيا‪ ،‬ولم يظهر معظم جيرانه العرب قلقا كبيرا حيال‬ ‫رحيله‪.‬‬ ‫والقضية‪ ‬املثيرة للجدل اآلن ليست إذا ما كان العالم العربي بصفة عامة‬ ‫وليبيا بصفة خاصة سوف يكونان أفضل من دون القذافي‪ ،‬ولكن القضية‬ ‫تتعلق باملدى الذي ميكن إلى حده أن تلعب األطراف اخلارجية دورا حيويا‬ ‫في اخللع القسري للرئيس الليبي‪ .‬فقد أعلنت الدول العربية عبر اجلامعة‬ ‫العربية أنه على الرغم من تأييدها لفرض احلظر اجلوي فإنها ال ترغب في أن‬ ‫ترى الواليات املتحدة وهي تشارك في غزو ليبيا‪.‬‬ ‫وقد اتهم الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف الواليات املتحدة باإلمبريالية‪،‬‬ ‫فيما أدانت الصني الهجمات العسكرية ضد ليبيا واستخدام القوة‪ .‬كما‬ ‫أعرب عدد من الزعماء األفارقة عن اعتراضهم على التدخل العسكري‪.‬‬ ‫ودعا االحتاد األفريقي الذي كان القذافي يترأسه من قبل إلى إنهاء التدخل‬ ‫العسكري فيما أكد على شرعية مطالب الشعب الليبي‪ .‬وقد أكد رئيس‬ ‫زميبابوي روبرت موغابي الذي عرض تقدمي ملجأ للقذافي أنه "كان يجب‬ ‫علينا أن ال مننح الغرب‪ ،‬في ظل معرفتنا مبيوله الدموية السابقة‪ ،‬تلك‬ ‫املساحة التي متكنه من الوصول للشعب في أفريقيا"‪.‬‬ ‫‪ ‬وال يجب أن يكون مفاجئا أن االنتقاد الشديد الستخدام القوة العسكرية‬ ‫يأتي من هؤالء الذين ال تقع حقوق اإلنسان في قائمة أولوياتهم‪ ،‬بل وتعد في‬ ‫العادة عبئا عليهم‪ .‬ومن جهة أخرى فإن القوى الغربية لديها تاريخ حديث‬ ‫أسود في الشرق األوسط‪ ،‬بخاصة بعد الغزو الكارثي للعراق‪ ،‬حيث لم يعد‬ ‫هناك مجال الرتكاب األخطاء في ليبيا‪.‬‬ ‫إال أنه من الصعب تخيل أن تقف األمم املتحدة وفرنسا وبريطانيا موقف‬ ‫املتفرج فيما يذبح القذافي شعبه‪ .‬فعلى حد تعبير أالن جوبيه‪ ،‬وزير خارجية‬ ‫فرنسا‪" :‬إذا لم نفعل ما نفعله اآلن‪ ،‬يجب أن نشعر بالعار"‪ .‬أضف إلى‬ ‫ذلك العالقة الطويلة واملضطربة بني القذافي والغرب‪ ،‬وموجة الالجئني‬ ‫التي تهدد بنشر الفوضى في دول البحر املتوسط‪ ،‬وهو ما يجعل عدم اتخاذ‬ ‫الغرب لردة فعل‪ ،‬على األقل‪ ،‬أمرا غريبا‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى يسمح قرار مجلس األمن التابع لألمم املتحدة ‪ 1973‬والذي‬ ‫صرح بالتدخل العسكري باتخاذ "كل اإلجراءات الضرورية" حلماية املدنيني‬ ‫املهددين‪ .‬وعلى حد تعبير بن رودز‪ ،‬نائب مستشار األمن القومي األميركي‬ ‫لشؤون االتصاالت االستراتيجية‪ ،‬فإن أهداف العملية العسكرية هي‬ ‫"حماية املدنيني الليبيني‪ ،‬ووقف تقدم قوات القذافي على املدن الليبية‪،‬‬ ‫والتمكن من فرض حظر الطيران‪ ،‬والتمكن من توصيل املساعدات اإلنسانية‬ ‫إلى الشعب الليبي"‪ .‬حيث إن "فرض احلظر اجلوي" ال يقدم أي تبرير لنوع‬ ‫العمليات التي يقوم بها التحالف‪ .‬وأخذا في االعتبار أن معارضة قوات‬ ‫القذافي في معظمها مدنية‪ ،‬أصبح التحالف على نحو غير رسمي القوات‬ ‫اجلوية للثوار‪ .‬وعندما يتم القضاء على القوات اجلوية للقذافي‪ ،‬سوف‬ ‫تنتقل قوات التحالف الستهداف اجليش النظامي للقذافي‪.‬‬ ‫وفي أقل من عشرة أيام منذ بداية احلملة اجلوية‪ ،‬استعادت املعارضة‬ ‫سيطرتها على عدد من املدن الساحلية – أجدابيا‪ ،‬راس النوف‪ ،‬البريقة‪ ،‬وبن‬ ‫جواد – من دون أن جتد مقاومة بعدما مشطت غارات التحالف املدن قبل‬ ‫دخولهم‪ .‬وهناك تقارير حول أن قوات القذافي تترك وراءها األسلحة والزي‬ ‫الرسمي‪ .‬لقد مت تدمير قوات القذافي اجلوية تقريبا‪ ،‬كما أصبحت قدرات‬ ‫جيشه إلى حد كبير محدودة مقارنة بقدراتها قبل أسبوعني‪ .‬فقد خسر‬ ‫القذافي الزخم‪ ،‬ومن الصعب أن نتصور أن يستعيد اليد العليا‪.‬‬ ‫إن املشكلة املتوقعة اآلن هي أن تتحول احلرب األهلية بليبيا إلى مأزق‪ ،‬حيث‬ ‫يقف كل من الفريقني عند املناطق التي استطاع االستحواذ عليها من دون‬ ‫أن تكون لديه القدرة على الفوز باحلرب‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فمن الصعب وضع‬ ‫سيناريو يستطيع فيه القذافي أن يستعيد الهيمنة‪ ،‬أخذا في االعتبار تعهد‬ ‫التحالف باستمرار احلملة اجلوية التي يقودها حلف شمال األطلسي مهما‬ ‫تطلب األمر‪.‬‬

‫مانويل أمليدا – محرر‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫رجال العهد اجلديد‬ ‫مصطفى عبداجلليل‬ ‫أمني اجمللس الوطني االنتقالي الذي يقود املعارضة بشقيها‬ ‫السياسي والعسكري ضد نظام العقيد معمر القذافي‪.‬‬ ‫عبداجلليل من مواليد مدينة البيضاء بشرق ليبيا عام ‪1952‬‬ ‫وهو قاض ليبي كان وزيرا للعدل قبل اعالن استقالته من‬ ‫نظام العقيد القذافي أيام بعد تفجر ثورة الـ‪ 17‬من فبراير‪،‬‬ ‫محتجا على "األوضاع الدامية واستعمال العنف املفرط" ضد‬ ‫املتظاهرين‪ .‬دخل الرجل دائرة االهتمام اإلعالمي‪ ،‬بشكل أكبر‪،‬‬ ‫بعد إعالنه في أوج أحداث الثورة الليبية عن مساع لتشكيل‬ ‫مجلس وطني مؤقت برئاسته متهيدا لتشكيل حكومة تضم شخصيات مدنية‬ ‫وعسكرية "موثوقا بها" تسير شؤون كل "املناطق احملررة" مدة ثالثة أشهر‪ ،‬على أن‬ ‫يتوج ذلك بانتخابات حرة دميقراطية ونزيهة‪ ،‬يختار الشعب مبوجبها نوابه ورئيسه‬ ‫بشكل دميقراطي حر‪.‬‬ ‫اللواء عبد الفتاح يونس ‬ ‫القائد العام ألركان جيش التحرير الوطني التابع للثوار‬ ‫الليبيني‪ .‬وهو من رفقاء العقيد القذافي وشارك في انقالب‬ ‫‪ 1969‬ضد امللكية وكان الى غاية انشقاقه عن النظام في‬ ‫‪ 2011‬أحد املقربني للقذافي وأمني أمانة األمن العام (وزارة‬ ‫الداخلية) منذ ‪.2009‬‬ ‫واللواء عبد الفتاح يونس املولود في العام ‪ 1944‬من قبيلة‬ ‫العبيدات في منطقة اجلبل األخضر بشرق ليبيا انضم إلى‬ ‫تنظيم الضباط األحرار الوحدويني في ليبيا‪ ،‬وشارك وهو في‬ ‫سن اخلامسة والعشرين في انقالب الفاحت من سبتمبر‪/‬أيلول ‪ 1969‬مبعية القذافي‪.‬‬ ‫أعلن في ‪ 22‬فبراير‪/‬شباط ‪ 2011‬استقالته من وزارة الداخلية ومن جميع مناصبه‪،‬‬ ‫وانضمامه إلى الثوار الليبيني‪ .‬وأسهم عبد الفتاح يونس العبيدي بعد انضمامه لثورة‬ ‫‪ 17‬فبراير في إعادة تنظيم صفوف الثوار حتى عني قائد أركان جيش التحرير الليبي‬ ‫الذي يضم وحدات الصاعقة اخلاصة‪.‬‬ ‫عبداحلفيظ غوقة‬

‫محمود جبريل‬

‫فتحي تربل‬

‫نائب رئيس اجمللس الوطني االنتقالي الليبي واملتحدث الرسمي‬ ‫باسمه ونقيب احملامني الليبيني في احتاد احملامني العرب‪ .‬وهو‬ ‫جنل السياسي والدبلوماسي الليبي عبدالقادر غوقة أمني‬ ‫املؤمتر القومي العربي العام‪.‬‬ ‫إبان ثورة ‪ 17‬فبراير‪ ،‬كان عبداحلفيظ غوقة الوجه اإلعالمي‬ ‫للمجلس الوطني اإلنتقالي‪ .‬وعرف قبل ذلك في عهد معمر‬ ‫القذافي ناشطا حقوقيا في القضايا العامة مثل مجزرة أبو‬ ‫سليم وغيرها‪.‬‬ ‫عضو اجمللس الوطني االنتقالي الليبي منذ ‪ 5‬مارس ‪2011‬‬ ‫و أمني مجلس التخطيط الوطني السابق في ليبيا ومدير‬ ‫مجلس التطوير االقتصادي سابقا‪ ،‬باإلضافة لكونه أمني عام‬ ‫جمعية "األفق القادم" (جمعية للمستقبليني العرب)‪ .‬خبير‬ ‫في التخطيط االستراتيجي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة‬ ‫جيتراك الدولية‪.‬وهو متحصل على دكتوراه في التخطيط‬ ‫االستراتيجي وصنع القرار ‪ -‬علوم سياسية‪ .‬مكلف في‬ ‫صلب اجمللس بالشؤون اخلارجية رفقة سفير ليبيا املستقيل‬ ‫في الهند علي العيساوي‪.‬‬ ‫منظم حركة الشباب في اجمللس الوطني االنتقالي الليبي‪.‬‬ ‫حاصل على االدازة في القانون من جامعة قاريونس ببنغازي‬ ‫وهو املتحدث باسمي اهالي مساجني سجن بوسليم ‪،1996‬‬ ‫وهو ناشط في حقوق االنسان اعتقل في يوم ‪ 15-‬فبراير‬ ‫‪ 2011‬عشية املوعد احملدد النطالق االحتجاجات الليبية‬ ‫في ‪( 17/2/2011‬ثورة ‪ 17‬فبراير) والتي اندلعت لإلطاحة‬ ‫بالنظام الليبي‪ ،‬فكان اعتقاله مبثابة الشرارة التي ألهبت‬ ‫الثورة‪ .‬ثم أطلقت سلطات القذافي سراحه فجر اليوم التالي‬ ‫‪ 16/2/2011‬بعد خروج مظاهرات في بنغازي تندد باعتقاله‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫بعد نورييغا وصدام‪ ..‬أي مصير ينتظر القذافي‬

‫نبوءة سوء‬

‫في ‪ 23‬سبتمبر (أيلول) ‪ ،2009‬ألقى العقيد معمر القذافي خطابا أمام اجلمعية العامة لألمم املتحدة‪ .‬وطوال اخلطاب الذي‬ ‫استمر ملدة ‪ 100‬دقيقة‪ ،‬انتقد القائد الليبي بقوة التدخل الغربي‪ ،‬بخاصة خلع مانويل نورييغا‪ ،‬رئيس بنما‪ ،‬وصدام حسني‪،‬‬ ‫الرئيس العراقي‪ ،‬متحدثا عن قلقه اخلاص من املعاملة التي تلقاها الرئيسان بعد خلعهما‪ .‬يبدو أن القذافي في ذلك الوقت‪،‬‬ ‫كان يتنبأ مبصيره هو شخصيا‪.‬‬ ‫مانويل أمليدا‬ ‫ليست هناك مقارنة بني خطاب معمر القذافي الذي استمر ‪ 100‬دقيقة‬ ‫أمام اجلمعية العامة لألمم املتحدة في ‪ 23‬سبتمبر (أيلول) ‪ 2009‬وبني‬ ‫خطاب فيدل كاسترو الذي استمر ملدة أربع ساعات ونصف الساعة في‬ ‫‪ ،1960‬بل وليس هناك وجه للمقارنة بينه وبني خطاب كريشنا مينون الذي‬ ‫حقق رقما قياسيا‪ ،‬حيث استمر لثماني ساعات في ‪ .1957‬إال أن القذافي‬ ‫متكن من جتاوز اخلطاب الذي استمر خلمس عشرة دقيقة املسموح بها وفقا‬ ‫لقوانني اجلمعية العامة مما جعل مترجمه اخلاص ينهار من اإلرهاق قبل نهاية‬ ‫اخلطاب‪.‬‬ ‫وفي ذلك اخلطاب‪ ،‬وهو يرتدي مالبس تشبه مالبس شرير من الفيلم‬ ‫الكالسيكي الشهير "ماد ماكس"‪ ،‬حتدث القذافي حول العديد من القضايا‪،‬‬ ‫مبا في ذلك حل الدولة الواحدة الذي يراه للصراع اإلسرائيلي الفلسطيني‬ ‫والذي أطلق عليه "إسراطني"‪ .‬ومع ذلك فإن القذافي قضى معظم املائة‬ ‫دقيقة وهو يتحدث حول التدخل املسلح‪ .‬وأخبر اجلمعية العامة لألمم املتحدة‬

‫‪18‬‬

‫كيف أن رجاله قد وضعوا العديد من األلغام على اجلبهات الليبية قائال "إذا‬ ‫أردمت غزوي فرمبا تقتلون"‪.‬‬ ‫كان القذافي يشعر بالتوتر نظرا لقيام الواليات املتحدة بخلع مانويل نورييغا‬ ‫من السلطة في بنما في ‪ ،1989‬وقد انتقد بقوة غزو العراق الذي قادته‬ ‫الواليات املتحدة أيضا خللع نظام صدام حسني‪ .‬وأظهر القذافي اهتماما‬ ‫خاصا باملعاملة التي تلقاها كال الزعيمني من سجانيهما‪.‬‬ ‫يبدو أن القذافي كان يشعر بأن ذلك سيحدث له‪ .‬فقد وصلت االنتفاضات‬ ‫التي اندلعت في العالم العربي (على نحو طبيعي) إلى ليبيا‪ ،‬وبعدما‬ ‫استخدم القذافي القوات اجلوية لقصف املتظاهرين‪ ،‬سرعان ما عاد اسمه‬ ‫إلى قمة القائمة السوداء للقوى الغربية‪ ،‬والتي يبدو اآلن أنها حتتوي على‬ ‫كل تلك العناصر التي يحتاجها الغرب للتخلص منه‪ .‬وطوال سنواته الـ‬ ‫‪ 42‬التي قضاها في السلطة‪ ،‬لم يستطع القذافي سوى عقد عدد قليل‬


‫والهجوم‪ ،‬ومحاوالت العزل السياسي‪ ،‬الذي تعرض له بري بعد هذا االغتيال‪ ،‬ضاقت اخليارات‬ ‫امامه خصوصا وانها تزامت مع تراجع في التأييد السوري كان قد بدأ قبل االغتيال على الرغم‬ ‫من محاوالت التصحيح التي قام بها بري من خالل تبني تشكيل تكتل وطني في مقابل‬ ‫تكتل البريستول املعارض لسوريا‪ ،‬وبعد االغتيال لم يبق امامه سوى اللجوء الى دائرة احلماية‬ ‫التي يوفرها حتالف قوى الثامن من آذار‪ ،‬وتبنت قيادة حزب اهلل مساع لترميم عالقته مع دمشق‬ ‫وبالتحديد مع الرئيس بشار االسد‪.‬‬ ‫حاول بري احلفاظ على استقاللية ما لنفسه واللعب على خيوط التوازن مع الفرقاء اللبنانيني‬ ‫مستفيدا من موقعه داخل قوى الثامن من آذار‪ ،‬اال ان حرب متوز ‪ 2006‬حرمته هامش اللعب‬ ‫ووضعته امام واحد من خيارين‪ ،‬فاما ان يستمر في اللعب على خيوط التوازن وبالتالي الدخول‬ ‫في مغامرة خسارة قاعدته الشعبية التي باتت اكثر انسجاما مع قاعدة حزب اهلل داخل الطائفة‬ ‫الشيعية في ظل مغرى املقاومة واالنتصار‪ ،‬واما ان ينضوي في حتالف مع شريكه في الطائفة‬ ‫بانتظار حلظة االفالت‪.‬‬ ‫بعد حرب متوز واملستجد السياسي والعسكري الذي فرضته نتائج هذه احلرب وحتول حزب اهلل‬ ‫الى احد املتحكمني مبفاصل اللعبة السياسية بتفويض عن قوى اقليمية‪ ،‬لم يبق امام بري سوى‬ ‫اللجوء الى حزب اهلل للدفاع واحلفاظ على مكتساباته في التركيبة السياسية واالدارية وما تبقى‬ ‫له من نفوذ سياسي‪.‬‬ ‫وفي اخلطاب االخير المني عام حزب اهلل والذي خصص احملور االول منه للدفاع عن نبيه بري وما‬ ‫جاء عن لسانه في رسائل "ويكيليكس" ومحاولة تبرئته وااليحاء بان ما جرى كان في اطار اتفاق‬ ‫ضمني مسبق بني الطرفني وتوزيع ادوار يتولى فيه بري قيادة احلوار السياسي واالطاللة على‬ ‫العمل العسكري‪ ،‬فيما يتولى نصراهلل قيادة العمل امليداني واملواجهة مع عدم اهمال اجلانب‬ ‫السياسي‪ ،‬فان في هذا اخلطاب الكثير من االشياء التي ال بد من التوقف عندها‪.‬‬ ‫فاخلطاب على الرغم من نعومته وهدوئه‪ ،‬اال انه لم يستطع اخفاء الصدمة واالرباك الذي شعر‬ ‫به نصراهلل وقيادة حزب اهلل من الكالم املسرب وما فيه من آراء ومواقف عن حزب اهلل وبالتحديد‬ ‫امينه العام‪.‬‬ ‫وجلوء نصراهلل للعض على اجلرح والتأكيد على استمرار التحالف بني الطرفني سيدفع ببري لالرمتاء‬ ‫اكثر في حضن نصراهلل‪ ،‬ما يعني مصادرة ما تبقى لبري من هامش مناورة وحرية العمل السياسي‪،‬‬ ‫ما يعني أيضا إلغاء لكيانه السياسي وزعامته داخل الطائفة وان كان هذا االلغاء مؤجال او ممنوعا‬ ‫على اي من االطراف احلديث عنه‪ ،‬وهذا يعني االنتقال من مرحلة كونه الجئا سياسيا لدى حزب‬ ‫اهلل بعد حرب متوز الى مرحلة املصادر مع منحه بطاقة "قيد الدرس" حلني اثبات والئه وخلوص نيته‬ ‫والتخلي عن رغبة القفز على اخليوط‪.‬‬ ‫ولعل السؤال االساس الذي تطرحه هذه التطورات‪ ،‬هو املتعلق بانعكاساتها على الساحة الشيعية؟‬ ‫في املراحل املاضية‪ ،‬استطاع كال الطرفني‪ ،‬اي حزب اهلل وحركة امل‪ ،‬من مصادرة القرار الشيعي‪،‬‬ ‫وحتى مصادرة قرار الطائفة الشيعية بكاملها بذريعة احلفاظ على وحدة الصف الداخلي في‬ ‫مواجهة االستهداف الذي تتعرض له املقاومة وجمهورها‪ .‬واجلميع يعرف ويعلم كيف مت توزيع‬ ‫االدوار في التصدي الي صوت شيعي حاول التمايز عنهما‪ ،‬لكن حتى تلك احملاوالت املبنية على‬ ‫االعتراف باالخر وعدم العداء كانت تتعرض لالحباط‪ ،‬واحلرب استخدمت فيها كل االسلحة‬ ‫االخالقية وغير االخالقية‪.‬‬ ‫اما شعار اخليار او الصوت الشيعي الثالث‪ ،‬فقد تعرض بعض من حاول الهمس به لتهمة التخوين‬ ‫واالنشقاق وتنفيذ مخططات تخدم االهداف االميركية والصهيونية‪ ،‬اما من رفع هذا الشعار من‬ ‫االصالحيني داخل حركة امل ممن يرتبطون بعالقة صداقة مع حزب اهلل فقد جرى قمعهم او‬ ‫احباط مساعيهم بذريعة حاجة املرحلة وما تفرضه من ضرورات اقليمية الى جانب احلفاظ على‬ ‫وحدة الصف الداخلي‪.‬‬ ‫وبعد اخلطاب االخير‪ ،‬ومصادرة ما تبقى سياسيا من حركة امل ورئيسها‪ ،‬وهو ما تأكد في‬ ‫مضمون البيان االخير الصادر عن اجمللس املركزي حلركة امل‪ ،‬فلم نعد بحاجة لرفع شعار اخليار‬ ‫الثالث الشيعي‪ ،‬الننا لم نعد نواجه ثنائية مسيطرة‪ ،‬بل نحن ومن اجل استمرار دور فاعل للعائلة‬ ‫الشيعية بني العوائل اللبنانية‪ ،‬مدعوون لرفع الصوت عاليا وان نبدأ العمل على بلورة رؤية شيعية‬ ‫"ثانية" وليس ثالثة‪ ،‬تقدم خطابا وطنيا مدروسا متمايزا ال يستثير االخرين وال يتخلى عن ثوابت‬ ‫الطائفة في اطار العيش املشترك ويحافظ على املكتسبات الوطنية التي حتققتها املقاومة‬ ‫والدولة اللبنانية على حد سواء‪.‬‬ ‫ان ما خرج به خطاب نصراهلل من واقع جديد على الساحة الشيعية‪ ،‬يدعو اجلميع الى بذل اجلهد‬ ‫للعمل على بلورة "خيار ثان" شيعي بعد ان مت الغاء الثنائية لصالح التفرد بالتمثيل امللون شكال‪.‬‬

‫*حسن فحص‪:‬صحفي متخصص في الشؤون اإليرانية‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫ويكيليك�س تك�شف امل�ستور‬ ‫‪ 400‬ألف دوالر من إيران شهريا ً لزعيم‬ ‫أمل‬ ‫زعمت وثيقة نشرتها ويكيليكس أن‬ ‫نبيه بري زعيم حركة أمل اللبنانية‬ ‫يتلقى شهريا ً حوالي ‪ 400‬ألف دوالر‬ ‫من إيران‪ ،‬وقالت الوثيقة اعتمادا على‬ ‫تصريحات لشخصيات لبنانية مطلعة‪،‬‬ ‫بخاصة من الطائفة الشيعية‪ ،‬أن‬ ‫شعبية حركة أمل في تراجع مستمر‬ ‫بسبب شبهات حتوم حول زعيم حركة‬ ‫أمل رئيس مجلس النواب اللبناني‬ ‫نبيه بري بتورطه في فساد مالي مع‬ ‫تراجع صدقيته واعتقاد جزء كبير من‬ ‫أنصار احلركة وأبناء الطائفة الشيعية‬ ‫بتبعيته حلسن نصر اهلل عبر تنفيذه لكل ما يطلب منه‬ ‫حزب اهلل‪.‬‬ ‫وجاء في الوثيقة على لسان املفكر واحمللل السياسي‬ ‫محمد عبيد أن مناصري أمل في اجلنوب يتركون احلركة‬ ‫باآلالف ليدعموا حزب اهلل بسبب تصرفات زعيم احلركة‬ ‫نبيه بري‪.‬‬ ‫يقول عبيد إنه تعرف على بري عام ‪ 1990‬وكان يسكن‬ ‫في شقة مستأجرة لكن عائلته متلك اآلن نحو ملياري‬ ‫دوالر أميركي‪ ..‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬عائلة بري هي تقريبا ً أكبر‬ ‫مالك لألراضي في جنوب لبنان‪.‬‬ ‫كما زعم عبيد‪ ،‬بحسب ويكيليكس‪ ،‬أن نبيه بري يتلقى‬ ‫شهريا ً ‪ 400000‬دوالر أميركي من إيران حيث يستخدم‬ ‫ربع املال للحفاظ على مناصريه‪ ،‬ويترك الباقي في جيبه‪.‬‬ ‫خالف بني حسن نصراهلل ونبيه بر ّي‬ ‫كشفت وثائق»ويكيليكس» عن وجود خالفات بني نبيه‬ ‫بري وحسن نصراهلل بعد حرب متوز ‪ 2006‬وصلت إلى حد‬ ‫قطع االتصاالت املباشرة بني الزعيمني الشيعيني‪.‬‬ ‫بري عبر عن غضبه من نصر اهلل بعد إلقاء هذا األخير‬ ‫«خطاب النصر» في ‪ 14‬آب فقال بحسب ما ورد في‬ ‫الوثيقة على لسان الوزير محمد خليفة‪« :‬تصرف نصر‬ ‫اهلل‪ ،‬خالل اخلطاب‪ ،‬كأنه أكبر من صالح الدين‪ ،‬وأكبر منّا‬ ‫كلّنا»‪.‬‬ ‫من جهته كانت غضبة نصر اهلل على نبيه بري بعد اقدام‬ ‫األخير على «خداع» وزراء الكتلة الشيعية وموافقته‬ ‫على نشر اجليش اللبناني في اجلنوب‪ .‬وبحسب الوثيقة‬ ‫فإن زعيم حزب اهلل «انفجر غضبا ً» من موقف بري‬ ‫وأبلغه بذلك عبر وسطاء بأن احلزب غير مستعدا لتسليم‬ ‫مواقعه للجيش اللبناني‪.‬‬ ‫بري أيضا لم يكن راضيا من تلميح نصراهلل إلى أن على‬ ‫اجليش اللبناني أن يعود إلى حزب اهلل في اتخاذ قراراته‪.‬‬ ‫حزب اهلل كان يريد إبرام تفاهم على أن تبقى بعض‬ ‫األجزاء من اجلنوب عمليا ً خارج نطاق عمل كل من اجليش‬ ‫اللبناني وقوات األمم املتحدة «اليونيفيل» وهو األمر الذي‬ ‫رفضه بري‪ ،‬على رغم احللف املبرم بني حركة أمل وحزب‬ ‫اهلل‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫هل تعيد وثائق ويكيليكس صياغة العالقة بني حزب اهلل وحركة أمل‬

‫أقل الواجب ‪ ..‬واخليار الثاني‬

‫قد ال يكون مستغربا ان يخرج رئيس اجمللس النيابي اللبناني وزعيم حركة امل على الصحافة ويؤكد ان التحالف بينه وبني االمني العام السيد حسن‬ ‫نصراهلل وبني حركة امل وحزب اهلل من العمق مبكان ان ليس باستطاعة اي من االطراف الداخلية واخلارجية دق "اسفني" بينهما‪.‬‬ ‫حسن فحص‬ ‫هذا اقل الواجب الذي ميكن لنبيه بري ان يقوم به اجتاه حزب اهلل وامينه العام‪ ،‬خصوصا بعد اخلطاب‬ ‫االخير للسيد نصراهلل الذي قدم فيه مرافعة مطولة ومدعمة بالقرائن عن عمق التحالف بني‬ ‫الطرفني ومدى الثقة "املطلقة" التي يتمتع بها بري في متابعة امللف السياسي والتفاوضي‬ ‫املرتبط بالطائفة الشيعية على املسرحني اللبناني والدولي‪.‬‬ ‫اقل الواجب‪ ،‬فمهما حاول بري قوله وتقدميه من مسوغات ملا خرجت به برقيات "ويكيليكس"‬ ‫االميركية عما دار من احاديث بينه وبني السفير االميركي جفري فيلتمان ووزراء حركة امل وبعض‬ ‫نواب كتلته البرملانية‪ ،‬لن تستطيع التعويض عن مسحة االلم التي ارتسمت على وجه حليفه‬ ‫املفترض امني عام حزب اهلل واجبرته على التخفيف من احلدة التي تتسم بها خطاباته عندما‬ ‫يتعلق االمر بأشياء تشتم فيها رائحة اخليانة او التآمر على املقاومة وحزب اهلل والشيعة‪.‬‬ ‫لكن ماذا سيكون موقف "قيادة املقاومة" اذا ما استمر مسلسل "ويكيليكس" وتكشفت معه‬ ‫حقائق اخرى نقال عن اشخاص آخرين مقربني من بري قد تكون اكثر ايالما وقسوة مما سبقها من‬ ‫تسريبات‪ .‬فهل ميكن عندها تسويغ كالمهم القاسي واالنقالبي و‪ ...‬لهؤالء احللفاء ومحاولة‬ ‫احتواء مفاعيله‪ ،‬مقابل النيل من اصدقاء اخرين لم يكن ما سرب عنهم سوى مجرد انتقادات‬ ‫لطرف سياسي ال ترقى للنيل من احلزب ومقاومته‪.‬‬ ‫واذا ما كان من الصعب على اي وطني معارض حلزب اهلل او مؤيد له‪ ،‬ان يوافق او يتقبل ما جاء‬ ‫من كالم في "ويكيليكس" نقال عن بعض االطراف اللبنانية ‪ -‬حلفاء ومعارضني ‪ -‬من تشجيع‬ ‫وحتريض خالل حرب متوز ‪ 2006‬ضد ابناء العائلة الشيعية‪ ،‬احد املكونات االساسية للنسيج‬ ‫اللبناني والوطني‪ ،‬فانه من الصعوبة مبكان ان نحاول التسويغ للبعض من احللفاء ونتهم اخرين‬ ‫‪16‬‬

‫ممن كانت له عالقات مع اطراف دولية دون اخرى‪ ،‬لكن في اطار الثابت الوطني‪ ،‬باخليانة وطعن‬ ‫املقاومةبالظهر‪.‬‬ ‫ال شك ان خطاب االمني العام كان مفعما باحلزن‪ ،‬ليس فقط على ما نقلته "ويكيليكس" عن‬ ‫حلفاء واصدقاء كان يعتقد انه امن جانبهم‪ ،‬بل ايضا على ما حفلت به االحداث االخيرة في ساحل‬ ‫العاج من اخطاء سياسية تشوب دوافعها مصالح ضيقة تكاد اجلالية اللبنانية التي يغلب عليها‬ ‫الطابع الشيعي اجلنوبي ان تدفع ثمنها‪ .‬‬ ‫في املباشر حاول السيد نصراهلل في دفاعه عن الرئيس بري ان يستوعب الصدمة وان يدافع عما‬ ‫تبقى من صورة التحالف بني قطبي الساحة الشيعية السياسية‪ ،‬ليس لقناعة عميقة بان ما‬ ‫تكشفت عنه رسائل "ويكيليكس" هو مزور او طاله التحريف او انه ملفق وعار عن الصحة‪ ،‬بل‬ ‫الن احلفاظ على صورة القطبية والتحالف بني القوتني الشيعيتني واستمرار القبض على الطائفة‬ ‫بكاملها هو املطلوب وامللح في املرحلة املقبلة وما فيها من حتديات داخلية واقليمية ودولية‪.‬‬ ‫لكن ماذا يعني هذا الدفاع ؟ وهل كان نصراهلل مجبرا على ذلك ام هل كان نبيه بري بحاجة ملثل‬ ‫هذا الدفاع؟ اسئلة حتفز املتابع على رصد مسار ومحطات هذا التحالف بني القطبني احلزبيني‬ ‫والسياسيني داخل املشهد الشيعي اللبناني‪.‬‬ ‫فبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق احلريري في الرابع عشر من شهر فبراير‪/‬شباط ‪2005‬‬



‫● احلرب والسالم‬

‫بسعادة على شبكة «فيس بوك» اإليرانية وغيرها من املواقع السياسية‪.‬‬ ‫وترجع الصورة إلى رحلة خامنئي إلى ليبيا في الثمانينيات من القرن‬ ‫املاضي كرئيس للجمهورية اإلسالمية‪.‬‬ ‫يذكر أن إيران وليبيا كانتا تتمتعان بعالقة وثيقة منذ جاء النظام اجلديد إلى‬ ‫السلطة في إيران عام ‪ .1979‬فقد مت تدريب كثير من الثوريني اإلسالميني‬ ‫في ليبيا قبل ثورة ‪ .1979‬وقد بدأت إيران في شراء األسلحة الكيماوية من‬ ‫ليبيا خالل احلرب اإليرانية العراقية بعد ذلك بسنوات عدة ثم التكنولوجيا‬ ‫النووية بعد انتهاء احلرب‪ .‬وأخذا في االعتبار انقطاع الصالت الدبلوماسية‬ ‫بني إيران ومصر وعالقتها الضعيفة مع تونس واملغرب‪ ،‬أصبحت كل من‬ ‫ليبيا والسودان بوابة إيران الرئيسة لشمال أفريقيا‪ .‬وبالتالي كانت إيران‬ ‫دائما ما تصف ليبيا والسودان بأنهما احلليفان األفريقيان‪.‬‬ ‫وعندما قال لويس مورينو أوكامبو‪ ،‬كبير املدعني باحملكمة اجلنائية الدولية‪،‬‬ ‫في يوليو (متوز) ‪ ،2008‬إن البشير يتحمل املسؤولية اجلنائية عن املذابح‬ ‫واجلرائم املرتكبة ضد اإلنسانية وجرائم احلرب املرتكبة في دارفور منذ‬ ‫‪ ،2003‬سافر علي الريجاني رئيس مجلس الشورى إلى السودان إلظهار‬ ‫التأييد اإليراني للبشير‪.‬‬ ‫كما أحجمت إيران عن ممارسة ضغط على حكومة القذافي في ما يتعلق‬ ‫بقضية اختفاء اإلمام موسى الصدر‪ .‬يذكر أن الصدر هو عالم دين إيراني‬ ‫وأحد زعماء اجلالية الشيعية بلبنان والذي كان قد اختفى في رحلته خالل‬ ‫عام ‪ 1978‬إلى ليبيا للقاء أحد املسؤولني الليبيني‪ .‬وقد ادعت معظم‬ ‫التقارير أن قوات القذافي قد قتلته بعد جدال حاد مع القذافي‪ .‬وكان‬ ‫الصدر من أفراد أسرة اخلميني وبالتالي فإن اخلميني نفسه كان يتعرض‬ ‫لضغط عاطفي قوي للتحقيق في قضية اختفائه‪ .‬وخوفا من املغامرة‬ ‫باملزايا السياسية لعالقتهما بالقذافي فلم يالحق اخلميني وال خامنئي‬ ‫قضية الصدر‪.‬‬ ‫وعلى غرار األنظمة األوتوقراطية الشعبية كافة كان الزعماء اإليرانيون‬ ‫يسعون لتصوير أنفسهم كمدافعني عن املظلومني في كل مكان ولكن‬ ‫االنتفاضة العربية األخيرة أبرزت نفاق إيران وعدم مصداقيتها أكثر من أي‬ ‫وقت سابق‪ .‬فيبدو أن سلطة النخبة احلاكمة في اجلمهورية اإلسالمية‬ ‫مطلقة‪ ،‬وأن أي شيء آخر يلي سلطتها في املرتبة‪ .‬وبالنسبة إليران‪،‬‬ ‫ال يستخدم فقط اإلسالم ولكن املذهب الشيعي أيضا كأداة لتنفيذ‬ ‫أجندتها الطموحة في املنطقة وليس أكثر من ذلك‪.‬‬ ‫ونظرا ألن نفوذ إيران في املنطقة يأتي أساسا من القوى الناعمة وقدراتها‬ ‫الدعائية فإن احتمالية أن تضعف دعايتها نظرا لظهور أنظمة دميقراطية‬ ‫جديدة في الشرق األوسط يجعلها في موقف صعب للغاية‪ .‬فإذا ما‬ ‫هيمنت القوى الدميقراطية على الدول العربية‪ ،‬فسوف يفقد اخلطاب‬ ‫اإلسالمي منتداه الرئيس للدفاع عن آيديولوجيا احلكم اإلسالمي‪ .‬ومن‬ ‫املمكن أن يتم استبدال اخلطاب املناهض ألميركا وإسرائيل مبطالب‬ ‫وتوقعات أكثر عملية كما اتضح بالفعل خالل مسار املظاهرات في‬ ‫تونس ومصر وغيرهما‪ .‬ورمبا جتد إيران أرضا أقل خصوبة لدعايتها قدمية‬ ‫الطراز والتي تصورها كزعيم للعالم املناهض ألميركا وكراع رئيس للقوى‬ ‫املناهضة إلسرائيل‪ .‬فيمكن أن تسمح األنظمة الدميقراطية للناس‬ ‫بالتركيز أكثر على حياتهم اخلاصة واملزيد من املشاركة في تشكيل‬ ‫مستقبلهم السياسي ومساءلة النخبة احلاكمة عن أفعالها مما يعني‬ ‫أن الدعاية اإليرانية لن يصبح هناك حاجة إليها في الصراع ضد احلكام أو‬ ‫حلفائهم الغربيني‪.‬‬ ‫وإذا أدت احلركات السياسية األخيرة في العالم العربي إلى مجتمعات‬ ‫أكثر حرية وليبرالية فإن ذلك سوف يؤذن بتراجع النفوذ اإليراني في‬ ‫املنطقة؟ وبالنسبة للنظام اإليراني احلالي فإن الدميقراطية لم تعد فقط‬ ‫تهدد الداخل ولكن اخلارج أيضا‪.‬‬

‫*مهدي خلجي ‪ -‬باحث في معهد «واشنطن» ومتخصص في سياسات إيران واجلماعات‬ ‫الشيعية في الشرق األوسط‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫غ�ضب الطالب‬ ‫شهدت إيران في تاريخها احلديث كثيرا من‬ ‫االحتجاجات الطالبية ذات الطبيعة اخملتلفة‪ .‬في‬ ‫احلقيقة اتسمت االحتجاجات الطالبية املهمة‬ ‫في بدايتها بصبغة إسالمية‪ .‬ومنذ ذلك احلني‬ ‫أصبحت املظاهرات املدافعة عن الدميقراطية‬ ‫سمة مميزة‪.‬‬ ‫‪ 1977‬أكتوبر (تشرين األول) – بداية هجمات‬ ‫اإلسالميني على النظام‪ .‬ثار الطالب املطالبون‬ ‫بالفصل بني الرجال والنساء في حرم جامعة‬ ‫طهران وكسروا النوافذ وحرقوا احلافالت‪.‬‬ ‫‪ 1977‬نوفمبر (تشرين الثاني) – تعرض الشاه‬ ‫ملوقف حرج أثناء زيارته إلى الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫عندما أدت مسيرة صاخبة نظمها احتاد الطالب‬ ‫اإليرانيون خارج البيت األبيض إلى استخدام‬ ‫قوات الشرطة للغاز املسيل للدموع‪ ،‬الذي اندفع‬ ‫عبر الشارع إلى داخل البيت األبيض ليتسبب‬ ‫في إسالة دموع الشاه والرئيس كارتر في الوقت‬ ‫الذي كان اللقاء بينهما يذاع على التلفزيون‬ ‫اإليراني‪.‬‬ ‫‪ 1977‬نوفمبر (تشرين الثاني) – بداية املظاهرات‬ ‫العلمانية التي تشارك في الثورة‪ .‬حاولت‬ ‫الشرطة تفريق مؤمتر أدبي في جامعة اريامهر‪،‬‬ ‫حيث كان هناك ‪ 10.000‬شخص يستمعون إلى‬ ‫إلقاء الشعر‪ .‬مما أدى إلى خروج احلشد الغاضب‬ ‫من احلرم اجلامعي إلى الشوارع مرددين هتافات‬ ‫مناهضة للنظام‪ .‬وقتل طالب وأصيب ما يزيد‬ ‫على ‪ 70‬شخصا‪ ،‬ومت اعتقال نحو ‪ 1000‬آخرين‪.‬‬ ‫‪ 1999‬يوليو (متوز) ‪ -‬نظم طالب مدافعون عن‬ ‫الدميقراطية في جامعة طهران مظاهرة بعد غلق‬ ‫صحيفة «سالم» اإلصالحية‪ .‬أدت االشتباكات‬ ‫مع قوات األمن والباسيج إلى استمرار أحداث‬ ‫شغب ملدة ستة أيام واعتقال ما يزيد على ألف‬ ‫طالب‪ .‬وقتل عدد من الطالب وأصيبت أعداد‬ ‫كبيرة منهم‪.‬‬ ‫‪ 2003‬يونيو (حزيران) – شارك اآلالف في‬ ‫مظاهرات يقودها الطالب في طهران ضد‬ ‫مؤسسة رجال الدين‪.‬‬ ‫‪ 2006‬مايو (أيار) – اندلعت احتجاجات الطالب‬ ‫في العاصمة اإليرانية بعد ليلة من االشتباكات‬ ‫مع قوات الشرطة في جامعة طهران‪.‬‬ ‫‪ 2007‬ديسمبر (كانون األول) – اعتقل النظام‬ ‫اإليراني ما يزيد على ‪ 40‬طالبا أثناء يوم‬ ‫احتجاجات الطالب‪.‬‬ ‫‪ 2009‬ديسمبر (كانون األول) – ألقى املرشد‬ ‫األعلى اإليراني آية اهلل علي خامنئي‪ ،‬بأسلوبه‬ ‫التقليدي‪ ،‬باللوم على الغرب في خروج املزيد من‬ ‫االحتجاجات الطالبية داخل البالد‪.‬‬


‫متاما من خالل الشعارات والالفتات التي كانت تسمع وترى في ميدان‬ ‫التحرير‪ .‬وما يتضح من ذلك هو أن اجلمهورية اإلسالمية تخشى تراجع‬ ‫اآليديولوجيا اإلسالمية أمام املسار الدميقراطي احلقيقي‪.‬‬

‫في العالم العربي‪ .‬وقد زودت احداث البحرين إيران بفرصة عظيمة‬ ‫لتحقيق ذلك‪ ،‬كما شنت أجهزة دعايتها حمالت شرسة ضد ما زعمت‬ ‫أنه قمع أمني وحشي للمتظاهرين في البحرين‪.‬‬

‫وقد أجبرت االنتفاضات العربية إيران على أن تتخذ مواقف غريبة ومتناقضة‬ ‫مع خطابها املناهض لألوضاع الراهنة‪ .‬وعلى الرغم من أن بعض علماء‬ ‫الدين العرب من أهل السنّة واجلماعة قد أفتوا بأن املظاهرات حرام شرعا‪،‬‬ ‫قال علماء الدين اإليرانيون الشيعة املوالون للحكومة مثل حسني نوري‬ ‫همداني إن علماء الدين السنّة قد أساءوا تفسير النص اإلسالمي الذي‬ ‫ال مينع املظاهرات ضد احلكام الظاملني‪ .‬إال أن نفس علماء الدين استطاعوا‬ ‫قبل ‪ 20‬شهرا تبرير قمع اجلمهورية اإلسالمية للمظاهرات السلمية التي‬ ‫كانت تعارض االنتخابات الرئاسية املزورة‪.‬‬

‫واملفارقة أن نفس اإلحساس كان ميكن استشعاره في طهران عامي ‪2009‬‬ ‫و‪ 2010‬عندما كان احلرس الثوري اإليراني وميليشيا الباسيج يهاجمون‬ ‫املتظاهرين املساملني ويقتلون الشباب من الرجال والنساء الذين كانوا‬ ‫يتظاهرون رافعني شعار «أين صوتي؟»‪ .‬وكانت غالبية هؤالء الضحايا من‬ ‫الشيعة متاما مثلما هو حال الضحايا املزعومني في البحرين‪ .‬إال أنه في‬ ‫خطابه األخير في مارس (آذار) قال آية اهلل علي خامنئي إنه «بالنسبة‬ ‫للقضايا اإلقليمية‪ ،‬فإن موقفنا واضح‪ :‬ندافع عن الشعوب وعن حقوقها‪،‬‬ ‫ونعارض القوى املستبدة والطغاة والساعني للهيمنة واللصوص في أنحاء‬ ‫العالم كافة»‪.‬‬

‫ولكن هذه املرة لم يكن املتظاهرون من املواطنني اإليرانيني الشيعة الذين‬ ‫يحتجون على طغيان اجلمهورية اإلسالمية بل كانوا شيعة في دول عربية‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫وأثناء اندالع االنتفاضات العربية احلالية‪ ،‬كانت إيران تسعى لتصوير‬ ‫نفسها باعتبارها صوت املسلمني املضطهدين والنصير اخمللص للشيعة‬

‫وعلى الرغم من إدانته لوحشية احلكومة الليبية ضد شعبها‪ ،‬عارض‬ ‫«التدخل الغربي واألميركي»‪ .‬وفي خطابه للقوى الغربية‪ ،‬قال خامنئي‪:‬‬ ‫«أنتم لستم هناك للدفاع عن الشعب الليبي بل إنكم ترغبون في‬ ‫احلصول على بترول ليبيا وترغبون في استغالل ليبيا كمكان ملراقبة‬ ‫نشاطات احلكومات الثورية املستقبلية في مصر وتونس»‪ .‬وقد نشرت‬ ‫وكاالت إخبارية تابعة للدولة اتهاماتها مثل «فارس نيوز» (التابعة‬ ‫للحرس الثوري اإليراني)‪ ،‬التي أكدت أن القوى الغربية تستهدف الثوار‬ ‫وليس قوات القذافي‪.‬‬ ‫وبالعودة للحديث عن األحداث األخيرة في البحرين‪ ،‬ربط خامنئي بني‬ ‫طبيعة تلك االحتجاجات واالحتجاجات التي تسود الدول األخرى التي‬ ‫شهدت اضطرابات أخيرا مثل مصر وتونس وليبيا‪ .‬فقال خامنئي‪« :‬إن‬ ‫احلكومة البحرينية تتجاهل حقوق الشعب‪ ،‬فقد كان طلب الشعب‬ ‫األساسي هو االنتخابات وأن يكون لكل فرد صوت»‪ .‬متسائال‪« :‬هل هذا‬ ‫كثير؟»‪.‬‬ ‫وكقائد قام بتزوير انتخابات أخيرا في بلده وقمع من اعترضوا على أفعاله‬ ‫ووضع زعيم املعارضة قيد اإلقامة اجلبرية‪ ،‬ومثل تلك التصريحات جتعله‬ ‫يبدو منافقا في عيون شعبه‪.‬‬ ‫فعلى موقع «فيس بوك» وغيره من الشبكات االجتماعية‪ ،‬يسأل‬ ‫اإليرانيون بعضهم البعض‪« :‬ملاذا تعد االنتخابات احلرة والنزيهة أمرا‬ ‫طيبا بالنسبة للبحرين وليس بالنسبة لنا؟»‪ .‬وقد تزايدت حيرتهم عندما‬ ‫أضاف آية اهلل السيستاني في النجف صوته إلى صوت خامنئي في‬ ‫اإلدانة العلنية للحكومة البحرينية نظرا لدورها املزعوم في وفاة بعض‬ ‫الشيعة‪ .‬فيتساءلون‪« :‬ملاذا يستحق شيعة البحرين اهتمام آية اهلل فيما‬ ‫ال يستحقها الشيعة اإليرانيون الذين اضطهدتهم اجلمهورية اإلسالمية‬ ‫ألسباب سياسية؟»‪.‬‬ ‫وعلى نحو غير مفاجئ‪ ،‬أنكر خامنئي أن دفاعه عن الشعب البحريني‬ ‫ينبع من حقيقة أن معظم املعارضة من الشيعة‪ .‬وادعى أن إيران تدافع‬ ‫عن الشيعة في كل مكان ووصف أي محاولة لبث العداء بني الشيعة‬ ‫والسنة بأنها مؤامرة «القوى االستعمارية»‪ .‬ولكن التاريخ ما زال يكشف‬ ‫عن مفارقات جديدة‪ :‬فالسوريون يتظاهرون اآلن في الشوارع‪ ،‬إال أن إيران‬ ‫لم تنبس ببنت شفة‪ .‬وتتهم املعارضة اإليرانية والسورية على السواء‬ ‫احلكومة السورية باستخدام احلرس الثوري اإليراني والباسيج وقوات حزب‬ ‫اهلل اللبنانية في قمع املعارضة‪ .‬وتتعالى صيحات «سورية‪ ..‬ال إليران‪،‬‬ ‫وال حلزب اهلل!» في شوارع سورية‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬قالت وكالة أنباء‬ ‫«فارس» إن إسرائيل كانت وراء الرسائل النصية التي ظهرت على هواتف‬ ‫ما يزيد على مليون سوري والتي كانت تدعوهم للتظاهر ضد األسد‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن إيران قد أدانت التدخل الغربي في ليبيا وقرار دول مجلس‬ ‫التعاون اخلليجي بنشر قوات من درع اجلزيرة في البحرين‪ ،‬ذكرت املصادر‬ ‫اإلخبارية اإليرانية املوالية للحكومة مثل «راجا نيوز» أن االستشهاديني‬ ‫اإليرانيني مستعدون للذهاب إلى البحرين والقتال ضد احلكومة البحرينية‬ ‫واجلنود السعوديني مع «إخوتهم من الشيعة»‪.‬‬ ‫وبالنسبة لليبيا‪ ،‬يتم حاليا تداول صورة خلامنئي والقذافي وهما يبتسمان‬

‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫‪13‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫االنتفاضات العربية «تؤرق» النظام اإليراني وتعلن نهاية عصر «تصدير الثورة»‬

‫غيوم في سماء طهران‬

‫إذا ما أدت احلركات السياسية األخيرة في العالم العربي إلى مجتمعات أكثر حرية وليبرالية‪ ،‬فسيكون ذلك إيذانا بتراجع النفوذ اإليراني في املنطقة‪.‬‬ ‫فبالنسبة للنظام اإليراني احلالي‪ ،‬لم تعد الدميقراطية تهدد الداخل االيراني فحسب ولكن اخلارج أيضا‪.‬‬ ‫مهدي خلجي‬ ‫حاول الزعماء اإليرانيون تصوير االنتفاضات الشعبية العربية في تونس‬ ‫ومصر داخل إطار ثورة ‪ 1979‬حيث يصورونها وكأنها امتداد لسياساتهم‬ ‫لتصدير الثورة‪ .‬ولكن اإلسالميني ‪ -‬مثل راشد الغنوشي رئيس حركة‬ ‫النهضة في تونس ‪ -‬قالوا العكس متاما‪ ،‬حيث أكد الغنوشي أنه ال يرغب‬

‫‪12‬‬

‫في أن يصبح خميني تونس أو يعتمد منوذجه في احلكم‪.‬‬ ‫كما أكدت جماعة اإلخوان املسلمني في مصر أن ثورة مصر ليست حدثا‬ ‫إسالميا وأن جميع املواطنني املصريني قد شاركوا بها‪ .‬وكان ذلك واضحا‬


‫والعراق‪ ،‬فإن البحرين لديها عدد كبير من السكان الشيعة‪ ،‬حيث‬ ‫تشير التقديرات إلى أنهم ميثلون الغالبية البحرينية‪ .‬ولكن دول‬ ‫املنطقة‪ ،‬بخاصة دول مجلس التعاون‪ ،‬ستعارض بشراسة وجود‬ ‫حكومة شيعية أخرى على مقربة منها‪ .‬وما زاد تعقيد الوضع‪ ،‬هو‬ ‫وجود األسطول اخلامس األميركي في البحرين والذي يخدم البحرية‬ ‫في الشرق األوسط ويلعب دورا محوريا في العمليات اليومية لإلدارة‬ ‫األميركية املركزية‪.‬‬

‫ومصر‪ ،‬مت خلع حكومة أخرى تدعمها الواليات املتحدة ولكن من‬ ‫دون إراقة دماء في هذه املرة‪ ،‬وبتدخل إيراني مباشر عبر حزب اهلل‪.‬‬ ‫وبالنسبة إليران‪ ،‬توفر حكومة حزب اهلل في لبنان احلليف املثالي‬ ‫في منطقة البحر املتوسط‪ .‬فعلى النقيض من فصيل احلكيم أو‬ ‫احلركة الصدرية في العراق‪ ،‬فإن حزب اهلل اللبناني لم ينكر أبدا‬ ‫صالته بإيران‪ .‬بل إن قيادات حزب اهلل كانت تفتخر بأنها من أتباع‬ ‫آية اهلل روح اهلل اخلميني واملرشد األعلى احلالي آية اهلل خامنئي‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن حكومة طهران انتقدت حكومة البحرين‬ ‫الستخدامها القوة في قمع االحتجاجات‪ ،‬فإنها امتنعت عن‬ ‫إصدار تعليقات قوية حول تشكيل حكومة شيعية أو أي جمهورية‬ ‫إسالمية في البحرين‪ .‬فالنظام اإليراني يدرك جيدا أن التهديد‬ ‫بالتدخل األجنبي هو متاما ما حتتاج إليه النخبة البحرينية احلاكمة‬ ‫لقمع املعارضة‪ ،‬فقد استخدمت إيران نفسها ببراعة حجة التدخل‬ ‫األجنبي في شؤونها اخلاصة كأحد األسباب الرئيسة لقمع احلركة‬ ‫اخلضراء املعارضة‪ .‬باإلضافة إلى أن إيران حتاول حاليا أن تستفيد‬ ‫من تدخل القوات اخلليجية في البحرين حيث أطلقت على القوات‬ ‫املساندة «الغزاة» زاعمة أن االحتجاجات البحرينية هي معركة‬ ‫األقلية الشيعية املقموعة في مواجهة اجليش السني األجنبي‬ ‫املسلح الذي تدعمه الواليات املتحدة‪ .‬ومبعنى آخر‪ ،‬فإن إيران مستعدة‬ ‫النتصار كبير في حرب القلوب والعقول احملتشدة في شوارع العالم‬ ‫العربي‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن إيران ميكن أن تتباهى أو على األقل تعلن سرورها‬ ‫لتشكل احلكومات الشيعية املنتخبة بأساليب دميقراطية في العراق‬ ‫ولبنان (ورمبا حكومة شيعية في البحرين)‪ ،‬فإنها تخشى أيضا أن‬ ‫تصبح احلكومة الشيعية في العالم التي تقمع بوحشية املعارضني‬ ‫وتستجيب بعنف لتلك املعارضة‪ ،‬املعارضة املكونة في غالبها من‬ ‫الشيعة‪ .‬وفي األيام املقبلة‪ ،‬وفيما يواجه النظام اإليراني صراعا‬ ‫للسيطرة على املظاهرات اجلماهيرية في الشوارع‪ ،‬فإن الشعب‬ ‫اإليراني سوف يتطلع إلى لبنان والعراق‪ ،‬اللتني يحظى رجال الدين‬ ‫فيهما بالتوقير وانتخاباتهما غير مزورة‪ ،‬وعقد مقارنات بينهما‬ ‫وبني إيران التي يتعرض فيها رجال الدين املعارضون لإلسكات‪ ،‬كما‬ ‫يقضي رجل الدين السياسي املرموق‪ ،‬كروبي‪ ،‬الليل في السجن‪.‬‬

‫كما يراقب حليف إيران اإلقليمي‪ ،‬حزب اهلل في لبنان‪ ،‬من كثب‪،‬‬ ‫األحداث في املنطقة‪ ،‬حيث إن اندالع العنف والفوضى في شمال‬ ‫حول قدرا كبيرا‬ ‫أفريقيا في أعقاب تعيني رئيس الوزراء جنيب ميقاتي ّ‬ ‫من االهتمام اإلعالمي عن لبنان‪ .‬ففيما ركزت الكاميرات على تونس‬

‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫أراش أراميش ‪ -‬باحث في الشؤون اإليرانية مبؤسسة القرن كما أنه باحث بشبكة األمن القومي‪.‬‬ ‫وقد نشر أراميش في «الهيرالد تريبيون»‪ ،‬و«نيويورك تاميز اإللكتروني» و«هافينغتون بوست»‪،‬‬ ‫ودبلوماتيك كوريير»‪ ،‬وغيرها من املطبوعات‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫االنتفاضات الشعبية‪ ..‬حالل في بالد العرب حرام في ايران‬

‫رجع الصدى‬

‫منذ بداية االنتفاضات الشعبية في الشرق األوسط وشمال أفريقيا في يناير (كانون الثاني) من العام احلالي‪ ،‬تصاعد جدل بني اخلبراء واخملتصني في‬ ‫واشنطن حول إذا ما كانت إيران سوف تلحق بقطار الثورة‪ ،‬بنجاح هذه املرة‪ .‬وما زالت النتيجة غير معروفة حتى اآلن‪ .‬ولكن املؤكد أن احلكومة في‬ ‫طهران تراقب عن كثب تتابع األحداث‪ ،‬باإلضافة إلى حلفائها اإلقليميني‪ ،‬مثل حزب اهلل اللبناني‪ .‬فهل تستفيد إيران أم تخسر من تلك التغيرات‬ ‫احلالية في العالم العربي؟‬ ‫أراش أراميش‬ ‫لقد أفادت جمهورية إيران اإلسالمية إلى حد كبير من الغزو‬ ‫األميركي ألفغانستان في ‪ 2001‬وخلع صدام حسني في ‪،2003‬‬ ‫نظرا ألن كليهما مهد الطريق وسمح إليران مبد نطاق نفوذها في‬ ‫املنطقة‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬رمبا ال تكون التغيرات الدميقراطية احلالية في‬ ‫العالم العربي (إذا أسفرت تلك االنتفاضات عن تشكيل دميقراطيات‬ ‫تتسم بالشفافية) على هوى أو في مصلحة إيران‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫أن التداعيات بعيدة املدى بالنسبة إليران ما زالت غير واضحة‪ ،‬فإنه‬ ‫على املدى القصير‪ ،‬على األقل‪ ،‬يحاول النظام اإليراني احلصول على‬ ‫نتائج إيجابية من االضطرابات في املنطقة‪.‬‬ ‫وعلى املستوى الداخلي‪ ،‬فإن اجلمهورية اإلسالمية سعيدة بتركيز‬ ‫اجملتمع الدولي على اجلرائم التي يقترفها القذافي بدال من التركيز‬ ‫على احلرس الثوري اإلسالمي‪ .‬كما أن االضطرابات في الشرق األوسط‬ ‫وشمال أفريقيا منحت إيران املبرر الكافي العتقال مير حسني‬ ‫موسوي ومهدي كروبي‪ ،‬وهما الزعيمان الفعليان للمعارضة في‬ ‫إيران‪ ،‬فيما جتنبت لفت االنتباه اإلعالمي غير املرغوب فيه‪.‬‬ ‫وعلى املستوى اإلقليمي‪ ،‬أفادت إيران من حتول االنتباه العاملي عن‬ ‫لبنان وحكومة حزب اهلل حديثة التنصيب‪ .‬باإلضافة إلى أنه على‬ ‫الرغم من أن اجلمهورية اإلسالمية رمبا يكون لها نفوذ مباشر على‬ ‫السياسات املصرية أو التونسية‪ ،‬فإنها ميكنها‪ ،‬بال شك‪ ،‬التدخل في‬ ‫الصراع املتزايد على السلطة في البحرين‪ ،‬وهي الدولة ذات الغالبية‬ ‫الشيعية‪.‬‬ ‫وعلى املستوى اخلارجي‪ ،‬ترغب اجلمهورية اإلسالمية في أن ترى انهيار‬ ‫األنظمة املوالية ألميركا‪ .‬فقد مت االحتفاء بنهاية احلكم الذي امتد‬ ‫لعقود عدة سواء حلسني مبارك في مصر أو زين العابدين بن علي في‬ ‫تونس‪ .‬فلم تكن صالت بن علي بالغرب محل شك‪ ،‬فيما كان مبارك‪،‬‬ ‫وفقا ملزاعم إيران‪ ،‬الضلع الثالث في املثلث املناهض إليران واملكون من‬ ‫األردن والسعودية ومصر‪.‬‬ ‫ويوم أعلن التلفزيون املصري تنحي مبارك‪ ،‬جتاهلت وسائل اإلعالم‬ ‫اإليرانية التابعة للدولة األخبار األخرى وركزت بحماس على تغطية‬ ‫سقوط مبارك‪ .‬فقد خصصت وكالة «فارس» اإلخبارية وهي وكالة‬ ‫األخبار شبه الرسمية ذات الصلة باحلرس الثوري‪ 14 ،‬قصة خبرية‬ ‫من اخلمس عشرة قصة املكونة لصفحتها األولى‪ ،‬ملصر ومبارك‪.‬‬ ‫فيما نشرت «كيهان»‪ ،‬أكبر صحيفة تديرها الدولة وذات الصلة‬ ‫مبكتب املرشد األعلى‪ ،‬علي خامنئي‪ ،‬قصة تلو القصة حول انهيار‬ ‫نظام مبارك الذي تدعمه الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تصرفت احلكومة اإليرانية وجهاز دعايتها بحذر في‬ ‫تغطية القالقل في البحرين‪ .‬وعلى الرغم من احتفاء البعض مبا‬ ‫يجري في البحرين‪ ،‬فإن مصالح إيران في البالد جعلتها تتخذ رد فعل‬ ‫محسوب‪ .‬فعلى الرغم من أن الشبكات التلفزيونية التي متولها‬ ‫إيران والتي تبث باللغة العربية مثل «العالم» وقناة «املنار» التابعة‬ ‫حلزب اهلل‪ ،‬قد اتهمهما املسؤولون البحرينيون بتحريض السكان‬ ‫‪10‬‬

‫الشيعة في البحرين‪ ،‬فإن وسائل اإلعالم التي تبث باللغة الفارسية‬ ‫واململوكة للنظام‪ ،‬حافظت حتى اآلن على مسافة من االحداث في‬ ‫البحرين‪ .‬ولكن بغض النظر عن اجلهد الذي بذلته إيران في محاولة‬ ‫التظاهر بأنها ال مصلحة لها في ذلك الصراع‪ ،‬فإن التدخل اخلليجي‬ ‫في البحرين في ‪ 15‬مارس (آذار) أجبر إيران على اتخاذ موقف حاد‬ ‫وواضح‪ .‬فقد اتصل وزير خارجية إيران‪ ،‬علي أكبر صاحلي‪ ،‬باألمني‬ ‫العام لألمم املتحدة‪ ،‬بان كي مون‪ ،‬وطلب منه التدخل إلنهاء دائرة‬ ‫العنف‪ ،‬أي‪ :‬عدم مساندة وجود القوات اخلليجية في البحرين‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن مصر بعيدة جغرافيا‪ ،‬فإن البحرين أقرب إليها‪،‬‬ ‫حيث تبعد أميال عدة عن السواحل اإليرانية‪ .‬وعلى غرار إيران‬


‫متوفرة الآن على‬

‫جملة العرب الدولية‬

‫املجلة‬ ‫تطبيقات املجلة‬ ‫تطبيقات‬


‫●● أقوال‬ ‫احملتويات‬

‫أقوال‬ ‫" ان تونس جنحت في صنع‬ ‫ثورتها وفي التغيير واذا ما‬ ‫توصلت الى امتام اجلزء‬ ‫الثاني من هذه العملية‬ ‫واملتعلقة بالنجاح في‬ ‫مرحلة اعادة البناء‬ ‫فساكون اول املساندين‬ ‫لهذا الشعب ولهذا البلد‬ ‫اجلميل للحصول على جائزة‬ ‫نوبل للسالم"‬

‫الش فاليزا‪ ،‬رئيس بولندا االسبق والزعيم‬ ‫التاريخي للنقابة البولندية "تضامن"واملتحصل على جائزة نوبل‬ ‫للسالم خالل زيارة الى تونس‬

‫"طاب مساؤكم‪ ..‬هذه الليلة ميكنني أن أبلغ الشعب‬ ‫األمريكي والعالم أن الواليات املتحدة قامت بعملية‬ ‫قتلت فيها أسامه بن الدن زعيم القاعدة واإلرهابي‬ ‫املسؤول عن مقتل آالف الرجال والنساء واألطفال‬ ‫األبرياء"‬ ‫باراك أوباما‪ ،‬الرئيس األميركي في كلمة بثتها القنوات التلفزيونية‬ ‫معلنا مقتل اسامة بن الدن زعيم تنظيم القاعدة‬

‫"ان حترك الشعوب العربية‬ ‫جتاه احلرية ال رجوع‬ ‫عنه‪ ..‬رغم االختالفات‬ ‫إال أن اجملتمعات‬ ‫العربية تقلد‬ ‫بعضها وتتشارك‬ ‫كلها في الطموح‬ ‫لوضع حد لألنظمة‬ ‫االستبدادية"‬ ‫عمرو موسى‪ ،‬األمني العام‬ ‫للجامعة العربية ومرشح‬ ‫الرئاسة في مصر في حديث‬ ‫لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية‬

‫"نحن نأمل ان يترك الزعيم الليبي ليبيا‬ ‫ويتخلى عن السلطة فورا ألجله والجل‬ ‫مستقبل بلده ومن اجل وقف اراقة املزيد من‬ ‫الدماء والدموع ووقف الدمار‪ ..‬نريد ان نذكره‬ ‫بأن عليه ان يقوم بهذه اخلطوة التي ال مفر‬ ‫منها‪ ،‬من اجل وضع حد للمعاناة"‬

‫رجب طيب أردوغان‪ ،‬رئيس الوزراء التركي في مؤمتر صحفي مبينا‬ ‫موقف بالده من االقتتال الذي تشهده ليبيا‬ ‫‪8‬‬

‫"القادة الكبار في حزب التجمع الدستوري‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬خالل العشرة أعوام املاضية‬ ‫سيمنعون من خوض االنتخابات املقبلة مبن‬ ‫فيهم كل مستشاري بن علي‪ ..‬موضوع‬ ‫التجمع قد انتهى ونعتبر أننا طوينا صفحة‬ ‫املاضي"‬ ‫الباجي قائد السبسي‪ ،‬رئيس احلكومة املوقتة في تونس خالل‬ ‫مؤمتر صحافي موضحا موقفه وموقف حكومته من حزب‬ ‫التجمع املنحل‬

‫"نعلن البشرى لشعبنا‬ ‫من مصر التي حتملت‬ ‫على الدوام مسؤوليتها‬ ‫القومية والتاريخية لدعم‬ ‫الشعب الفلسطيني أننا‬ ‫نطوي وإلى األبد صفحة‬ ‫االنقسام السوداء‪ ...‬إنه‬ ‫لم يعد باإلمكان تقبل‬ ‫استمرار االحتالل اإلسرائيلي‬ ‫لألراضي الفلسطينية‪ ،‬وإنه لم‬ ‫يعد مقبوال أن تواصل إسرائيل التصرف‬ ‫كدولة فوق القانون ترفض االلتزام بالشرعية‬ ‫والقرارات الدولية"‬

‫محمود عباس‪ ،‬الرئيس الفلسطيني خالل حفل توقيع املصاحلة بني‬ ‫حركتي حماس وفتح في القاهرة‬

‫"قدوم البريطانيني ثم االميركيني الى املنطقة اثار‬ ‫مؤامرات لتحريف التاريخ وهوية اخلليج‪ ..‬اخلليج‬ ‫الفارسي انتمى وينتمي وسينتمي دائما ً اليران"‬ ‫اجلنرال حسن فيروزابادي‪ ،‬رئيس اركان اجليش االيراني في تصريحات‬ ‫مبناسبة "اليوم الوطني للخليج الفارسي" في ‪ 30‬ابريل‬

‫"إياكم أن تعتقدوا أنه بقتل بن‬ ‫الدن فإننا قضينا على أسباب‬ ‫اإلرهاب في منطقة الشرق‬ ‫األوسط‪ ..‬أسباب اإلرهاب‬ ‫احلقيقية من الغرب‬ ‫وليس من الشرق ووجود‬ ‫إسرائيل كقوة غاشمة‬ ‫وكقوة مستعمرة"‬ ‫أحمد الطيب‪ ،‬شيخ األزهر‬ ‫في تصريحات بعد اجتماع مبقر‬ ‫املشيخة مع املرشد العام جلماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني في مصر محمد بديع‬


‫‪40‬‬

‫‪42‬‬

‫‪46‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫‪7‬‬


‫● احملتوى‬

‫احملتوى‬ ‫أقوال‬

‫‪8‬‬

‫احلرب والسالم‬

‫‪10‬‬

‫ •رجع الصدى‬ ‫ •غيوم في سماء طهران‬ ‫ •أقل الواجب ‪ ..‬واخليار الثاني‬

‫شؤون سياسية‬

‫‪18‬‬

‫ما بعد أسامة‬

‫‪26‬‬

‫ •نبوءة سوء‬ ‫ •أوهن البيوت‬ ‫ •بداية املشوار‬

‫الربيع العربي ومقتل زعيم «القاعدة»‪ ..‬هل هي نهاية فورة اجلهاد‬

‫بروفايل‬

‫‪32‬‬

‫ثروة األمم‬

‫‪36‬‬

‫ •إصالح على الطريقة اإليرانية‬ ‫ •استثمار الثورة‬

‫الوضع البشري‬

‫ •املعضلة األوروبية‬

‫حوارات‬

‫ •نيال فرغسون ينتقد االدارة األميركية ويحذ ّر من سيطرة‬ ‫«االخوان» على مصر‬ ‫ •حازم صاغية يتحدث عن الدولة الوطنية والطائفية وسالح‬ ‫«حزب اهلل»‬

‫‪38‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪42‬‬

‫إيران‬

‫‪50‬‬

‫الفن‬

‫‪54‬‬

‫النقاد‬ ‫الكلمة األخيرة‬

‫‪58‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪6‬‬

‫‪20‬‬

‫‪12‬‬


‫الكتاب المساهمون في هذا العدد‬ ‫أراش أراميش‬ ‫باحث في شؤون إيران في مؤسسة القرن و‪InsideIRAN.‬‬ ‫‪ org‬في واشنطن العاصمة‪ .‬قبل انضمامه إلى مؤسسة‬ ‫القرن‪ ،‬عمل أراميش في كلية لندن لالقتصاد‪ ،‬حيث ركز على‬ ‫تأثير إيران على األحزاب السياسية الشيعية في العراق‪.‬‬ ‫ونشرت كتابات أراميش في عدد من اإلصدارات املطبوعة‬ ‫واإللكترونية‪ ،‬من بينها «إنترناشيونال هيرالد تريبيون»‬ ‫وموقع صحيفة «نيويورك تاميز» اإللكتروني و«ديبلوماتيك‬ ‫كويير» و«هافينغتون بوست»‪ .‬وظهر كمحلل في عدد من‬ ‫البرامج على قنوات «بي بي سي» الفارسية و«سكاي نيوز‬ ‫وورلد» و«اجلزيرة» اإلجنليزية‪.‬‬ ‫حصل أراميش على املاجستير من كلية لندن لالقتصاد والعلوم السياسية في السياسة املقارنة‬ ‫ودراسات الصراع والبكالوريوس من جامعة كاليفورنيا في بركيلي في كل من العلوم السياسية‬ ‫ودراسات الشرق األوسط‪.‬‬

‫مانويل أمليدا‬ ‫محرر مساهم في «اجمللة»‪ ،‬كان في السابق كبير محرري‬ ‫النسخة اإلجنليزية من «اجمللة»‪ .‬وهو حاليا مرشح لنيل‬ ‫درجة الدكتوراه في قسم العالقات الدولية في كلية لندن‬ ‫لالقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬حيث يُدرس بها أيضا‪ .‬تضم‬ ‫مجاالت تخصصه الدول الفاشلة‪ ،‬والتنمية الدولية‪ ،‬والعنف‬ ‫السياسي‪ .‬ويعمل أمليدا حاليا على تأليف كتابه اجلديد‪،‬‬ ‫القائم على موضوع رسالة الدكتوراه‪ ،‬حتت عنوان موقت‪:‬‬ ‫«من البرابرة امللحدين إلى الدول الفاشلة‪ :‬تاريخ مشكلة‬ ‫الفوضى»‪.‬‬

‫مهدي خلجي‬ ‫باحث في معهد واشنطن‪ ،‬يركز على سياسة إيران واجلماعات‬ ‫الشيعية في الشرق األوسط‪ .‬عمل في مجالس حترير‬ ‫صحيفتني إيرانيتني بارزتني‪ ،‬وأنتج أعماال لصالح «بي بي سي»‬ ‫وخدمة األنباء الفارسية التابعة للحكومة األميركية‪ .‬في‬ ‫ما بني عامي ‪ 1986‬و‪ 2000‬تلقى خلجي تدريبا في املعاهد‬ ‫الدينية في قم‪ .‬ودرس هناك علوم الدين والتشريع‪ ،‬حيث‬ ‫حصل على الدكتوراه‪ ،‬وأجرى أبحاثا موسعة عن التطورات‬ ‫الفكرية والفلسفية ‪ -‬السياسية احلديثة في إيران والعاملني‬ ‫اإلسالمي والغربي‪ .‬في قم‪ ،‬وبعد ذلك في طهران‪ ،‬بدأ خلجي‬ ‫عمله في الصحافة‪ ،‬حيث انضم جمللس حترير صحيفة دينية‬ ‫«نقد ونزار» ثم الصحيفة اليومية «انتخاب»‪ .‬وفي عام ‪ ،2000‬انتقل خلجي إلى باريس حيث‬ ‫درس علوم الدين والتفسير الشيعية في الكلية التطبيقية للدراسات العليا‪ .‬وينشر كتاباته‬ ‫حاليا باللغتني اإلجنليزية والفارسية على مدونته ‪.MehdiKhalaji.org‬‬

‫نيكوالس بيرش‬ ‫كاتب أقام في اسطنبول‪ ،‬تركيا‪ ،‬من ‪ 2002‬إلى ‪ ،2009‬حيث‬ ‫عمل صحافيا حرا‪ .‬ونشرت أعماله من تركيا وإيران والعراق‬ ‫والقوقاز في كثير من اإلصدارات‪ ،‬من بينها «واشنطن بوست»‬ ‫ومجلة «التامي» و«الغارديان» وامللحق األدبي في «التاميز»‪.‬‬ ‫يعكف بيرش‪ ،‬املقيم في لندن منذ بداية العام احلالي واملستمر‬ ‫في عمله كصحافي حر‪ ،‬على تأليف كتابه عن املذهب‬ ‫الصوفي الذي غير تاريخ تركيا‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫‪5‬‬


‫● اإلفتتاحية‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬

‫األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز‬

‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬ ‫الرئيس التنفيذي‬ ‫الدكتور عزام الدخيل‬ ‫رئيس التحرير‬

‫عادل بن زيد الطريفي‬

‫إدارة التحرير‬ ‫عزالدين سنيقرة‬ ‫جاكلني شون‬ ‫سكرتير التحرير‬ ‫جان سينجفيلد‬

‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع املقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في االلكترونية(كندل) بـ‪kindle@majalla.com :‬‬

‫تنويه‬

‫اآلراء الواردة في اجمللة ال تعبر بالضرورة عن رأي إدارة التحرير‬

‫حقوق النشر محفوظة جمللة اجمللة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث‬ ‫والتسويق (اململكة املتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة‬ ‫اجمللة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة‬ ‫إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون احلصول على تصريح مسبق من‬ ‫الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة)‪ .‬وتصدر اجمللة شهريا ً‪ .‬لتلقي‬ ‫استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪London Office Address‬‬ ‫‪HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited‬‬ ‫‪Arab Press House 182-184 High Holborn,‬‬ ‫‪LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539‬‬ ‫‪2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181,‬‬ ‫‪Fax: +(0)20 7831 2310‬‬ ‫‪E-Mail: editorial@majalla.com‬‬

‫اإلعالن‬ ‫لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ‪:‬‬

‫‪Mr. Wael Al Fayez‬‬ ‫‪w.alfayez@alkhaleejiah.com‬‬ ‫‪Tel.: 0096614411444,‬‬ ‫‪F.: 0096614400996‬‬ ‫‪P.O.BOX 22304, Riyadh 11495, Saudi Arabia‬‬

‫‪4‬‬

‫التحرير‬ ‫عزيزي القارئ‪،‬‬ ‫تأتي األحداث التي وقعت عام ‪ 2011‬وحتى هذه اللحظة لتغير حياة آالف‪ ،‬إن لم يكن ماليني‬ ‫البشر‪ .‬وتدفع هذه التطورات اجلسام املستمرة حتى اآلن باملرء إلى تخيل مواطني هذه املنطقة‬ ‫وهم يشهدون إطاللة فجر شرق أوسط جديد‪ .‬في هذا العدد من «اجمللة»‪ ،‬يتناول الكاتب البارز‬ ‫مانويل أمليدا الفراغ الذي تركه مقتل أسامة بن الدن في قيادة تنظيم القاعدة اجلهادي العاملي‪،‬‬ ‫والذي يبدو أنه بدأ في االنحسار‪ .‬يقول أمليدا في موضوعه الذي يحمل عنوان «ما بعد أسامة» إن‬ ‫مستقبل التنظيم يعتمد على الطبيعة املتغيرة التي يتسم بها‪ ،‬باإلضافة إلى األحداث التي‬ ‫ما زالت جتري في املنطقة‪.‬‬ ‫في هذا العدد أيضا‪ ،‬نريد أن نلفت انتباهك عزيزي القارئ إلى إيران‪ ،‬ال سيما تأثير االنتفاضات‬ ‫الشعبية التي جتتاح منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا على قوتها املتنامية خارج حدودها‪.‬‬ ‫يعرض كل من آراش أراميش من مؤسسة القرن وشبكة األمن الوطني‪ ،‬ومهدي خلجي من معهد‬ ‫واشنطن‪ ،‬املناقشات التي حتيط بهذه القضية في موضوعيهما‪« :‬رجع الصدى؟» و«غيوم في‬ ‫سماء طهران»‪ ،‬بالترتيب‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا ‪.majalla.com/ar‬‬ ‫ونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫عادل الطريفي‬ ‫رئيس التحرير‬




‫العدد رقم ‪ - 1563‬مايو ‪2011‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫ما بعد أسامة‬ ‫الربيع العربي‬ ‫ومقتل زعيم‬ ‫«القاعدة»‪..‬‬ ‫هل هي نهاية‬ ‫فورة اجلهاد‬ ‫‪05‬‬

‫‪9 770261 087119‬‬ ‫‪Issue 1563‬‬

‫ ‪The Majalla‬‬

‫احلرب والسالم‪:‬‬

‫شؤون سياسية‪:‬‬

‫حوارات‬

‫االنتفاضات الشعبية‪..‬‬ ‫حالل في بالد العرب حرام في ايران‬

‫بعد نورييغا وصدام‪..‬‬ ‫أي مصير ينتظر القذافي‬

‫نيال فرغسون ينتقد االدارة األميركية‬ ‫ويحذ ّر من سيطرة "االخوان" على مصر‬

‫رجع الصدى‬

‫نبوءة سوء‬

‫غيوم الربيع‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.