● الكلمة األخيرة
حرب «بشار» األولى ..هل تكون األخيرة؟! عادل الطريفي عادة ما يتم تعريف «احلرب» بوصفها نزاعا مسلحا بني دولتني ،أو طرفني يكون أحدهما ممثال للسلطة -احلكومة املركزية -أو على األقل يكون طامحا لها .هناك تعريفات علمية كثيرة وكتب كالسيكية في هذا اجملال موجودة في كتب تراثية مثل «تاريخ احلرب البلويونيزية» للمؤرخ اإلغريقي ثوكوديدس ( 395ق.م) ،أو «فن احلرب» للفيلسوف الصيني صن تسو ،أو كتاب كالوفيتس الشهير بعنوان «في احلرب» ،وغيرها الكثير .الغرض هنا ليس تعريف احلرب أو احلديث عن كتبها التي ما زالت تؤلف إلى اليوم ،وإمنا ألن مفردة «احلرب» باتت -اآلن -خير وصف للتعبير عما يجري في سوريا اليوم. قاعدة بيانات النزاع الدولي ( )UCDPالتي نشأت بجامعة أبسلي بداية السبعينات لديها معايير محددة لوصف احلروب والنزاعات وأدوات لقياسها ،وهي معتمدة لدى كثير من املنظمات والهيئات الدولية .أحد معايير احلرب يتعلق بعدد الضحايا :وهو أن ال يقل عن ألف ضحية قتلت بشكل مباشر في النزاع املسلح. اليوم تكمل االنتفاضة الشعبية في سوريا شهرها اخلامس بعدد يفوق األلف قتيل بحسب بعض املصادر .هذا يجعل ما يدور في سوريا أكثر من مجرد احتجاجات، بل عملية عسكرية طالت على األقل 120عنصرا أمنيا أو من اجليش -استنادا إلى الروايات الرسمية .بوسع السلطات السورية أن تشكك في مصداقية هذه األرقام ،وأن ترفض إطالق صفة «احلرب» على ما يدور بينها وبني املتظاهرين ،ولكن احلقيقة الواضحة هي أن السلطات السورية احتاجت إلى نشر اجليش مبدرعاته وتقسيم املناطق وفرض حظر التجوال .هذه ،وال شك ،حرب الرئيس بشار األولى ،أو قل نزاعه املسلح األول ،بحيث اضطر إلى حتريك اجليش إلى مناطق العصيان املدني، وهي للمفارقة املرة الثانية التي يطلب فيها من اآلليات العسكرية -في عهده - التحرك بعد االنسحاب املذل من لبنان في أبريل (نيسان) .2005 حاليا ،يقاتل النظام من أجل البقاء ،ورغم مرور هذه الشهور اخلمسة فإن السلطات تبدو عاجزة عن إخماد العصيان ،وهي في الوقت ذاته تواجه ضغوطا وعقوبات دولية هائلة لتغيير النظام .هناك شبه إجماع على أن نظام الرئيس األسد لن يكون قويا كما في السابق ،فيما يذهب البعض اآلخر إلى القول بأن أيام النظام باتت معدودة.
بشعبية ،بل كانت هناك وال تزال حالة من الشك املريب ،بل وسلبية جتاه عملية السالم والنتائج احملتملة لها .هنا ،كانت األنظمة تكذب إما بادعاء املقاومة أو تعطيل عجلة السالم ،ألنها غير جادة بالطبع ،ولكن -أيضا -ألن اجملتمع ال يريد سماع احلقيقة :وهي أن السالم مع إسرائيل ضرورة دولية مدعومة من الدول الكبرى ،وأن الرأي العربي جتاه إسرائيل -وإن كان مبررا في الداخل العربي -فهو يتم النظر إليه بوصفه مواقف متطرفة جتاه اآلخر. هناك -أيضا -موضوع دور احلركات الدينية في السياسية .بعض األنظمة اجلمهورية ترفع الشعار الديني ،والبعض اآلخر يقبل أو يرفض دور احلركات اإلسالمية ،ولكن اجلميع يضطر إلى الكذب فيما يتعلق بهذه احلركات الدينية «اخلالصية» ،فال أحد يريد أن يقول مباشرة للجمهور العريض إنه ال ينبغي اخللط بني الدين والسياسة في دولة مدنية ،ولهذا فإن األنظمة -حتى البعث السوري - تكذب فيما يتعلق بهذا املوضوع. إذن ،املشكلة ليست فقط في وجود نظام ديكتاتوري ،أو جلوئه للكذب حتى يصنع مشروعية مزيفة ،بل الضطرار اجلميع أن يؤمنوا بقيم ومبادئ عفى عليها الزمن - كالفكرة القومية أو الدينية املتشددة ،أو فكرة املقاومة ،وغيرها -وعدم قدرتهم على جتاوز هذه األفكار والرؤى إلى ما هو أفضل ،ولذا كانت النتيجة أن حكمتهم أنظمة ديكتاتورية قالت لهم ما يريدون سماعه ،وصنعت شيئا آخر. هناك كتاب جميل للراحل أحمد بهاء الدين بعنوان «شرعية السلطة في العالم العربي» ( ،)1984يشير فيه إلى أن أزمة األنظمة العربية ثالثة :الدميقراطية، والعقالنية ،والشرعية .قد تكون مشكلة غياب الدميقراطية واضحة ،ولكن مشكلتنا -أيضا -كانت في انعدام العقالنية ،وبالتالي املشروعية .وهنا يكون انعدام العقالنية ليس في النظام فقط ،بل في اجملتمع الذي ال يقيم وزنا للتفكير العقالني وتبنى فيه كل القضايا على العاطفة القومية ،أو الدينية ،أو حتى الشخصية ،ولهذا ليس مبستغرب أن ال يبني النظام قراراته على مبدأ عقالني، وحتى إن اتخذ قرارات برغماتية فإنه يعلم مسبقا أنها غير مقبولة ألنها مبنية فقط على االعتبار العقالني للمصالح .إن من املستغرب بعد كل ذلك أن يطالب أحد -حقيقة -بنظام شرعي ال وجود فيه للعقالنية ،أو بالدميقراطية ألنها ليست فقط صندوق اقتراع مصمتا ،بل ثقافة مدنية /علمانية في املقام األول.
املسرحي املصري الكبير ،علي سالم كتب مقاال بعنوان «هذا عصر زوال الديكتاتوريات» ،قال فيه إن األنظمة العربية -أيا كانت -لم يعد بوسعها أن تدير أمورها بديكتاتورية عسكرية -وعن طريق األكاذيب -وأشار فيه إلى مقالة سابقة لي أطرح فيها تساؤال مفاده« :ماذا لو جنح نظام األسد في البقاء؟» .يرى األستاذ سالم أن ما حدث في العالم العربي ليس إال امتدادا لسقوط الديكتاتوريات واألنظمة الشمولية منذ احلرب العاملية الثانية وصوال إلى سقوط جدار برلني، وأن املوجة تأخرت كثيرا حتى وصلت إلى املنطقة وفضحت أكاذيب (شعارات) األنظمة.
قد ينجح النظام السوري في البقاء رغم كل الظروف التي حتيط به ،وقد يتمكن حلفاؤه اإليرانيون أن يقدموا له املعونة ،وأن يطلعوه على الكيفية التي بإمكانه أن يتحايل بها على العقوبات الدولية عن طريق السوق السوداء .أيضا ،قد يخرج األسد ضعيفا فاقدا للشرعية في نظر أغلبية مواطنيه ،ولكن ما دام هناك من يستطيع الدفاع عن حكمه فسيظل حاكما حتى ولو على قطعة أرض صغيرة .هو مقتنع بصواب موقفه ،وفي كون اآلخرين يعملون ضده حتى مواطنيه ،ومشكلة األسد احلقيقية هي القيم واملبادئ التي يؤمن بها هو ومحازبوه.
علي سالم محق فيما كتب ،فكثير من األنظمة العربية -ال سيما البعث واالشتراكي العربي -بنت مشروعيتها على جبال هائلة من األكاذيب ،وال شك أن هذه األكاذيب باتت مكشوفة .مشكلتنا في احلقيقة ليست في وجود األكاذيب، أو في انفضاح أمر هذه األكاذيب فقط ،بل في جلوء األنظمة إلى الكذب -في املقام األول -كي حتقق مشروعية ما ،ألن هذا اجلمهور يؤمن بقيم أو رؤى يعجز هذا النظام أو ذاك -اختيارا أو اضطرارا -عن تنفيذها .األستاذ سالم محق في أن هذه األنظمة لم تعد قادرة على االستمرار في الكذب في هذا العصر ،ولكن لعلي أضيف بأن األزمة ليست فقط في وجود أنظمة ديكتاتورية ،بل ألن وجود الديكتاتورية في املاضي كان مبررا ألجل تلك األكاذيب.
علينا أن نتذكر أن بقاء عدد من األنظمة التي تفتقر إلى الشرعية في نظر مواطنيها ليس عائدا فقط بسبب قوتها املادية ،أو قدرتها على اخلداع باألكاذيب، بل ألن الكثيرين ال يتصورون الكيفية التي ميكنهم من خاللها بناء شرعية تكون مقبولة لدى اجلميع ومؤمنة ملصالح الكل .األقليات ،وجزء من الطبقة الوسطى، التي وقفت إلى جانب األسد لم تقف بالضرورة إميانا به بل تخوفا من املستقبل، وإنهم رمبا قبلوا ببقاء ديكتاتور ولكن ما الذي مينع أن يوجد ديكتاتور آخر ،أو نظام شعبوي آخر ،يحكمهم كيفما شاء ،من الواضح أن البعض يفضل الديكتاتور الذي يعرفه على الديكتاتوريات -أو الشموليات الطائفية أو الدينية -التي قد تأتي مستقبال.
خذ موضوع السالم على سبيل املثال ،بعض األنظمة رفضته من حيث املبدأ، والبعض نادى به ووقع على وثيقة السالم ،فيما البعض اآلخر دخل لعبة املفاوضات وتراجع دائما بحجة أن الطرف اآلخر غير راغب في السالم .احلقيقة هي أن الشعوب العربية -وبحسب استفتاءات دولية كثيرة -لم حتظ لديها عملية السالم
يقول أحمد بهاء الدين« :قد يحيط املغتصب السلطة نفسه بكل أشكال الشرعية… ولكنها تبقى كلها ستائر تخفي عدم الشرعية ،فالقانون ليس أي ورقة عليها توقيع احلاكم .القوانني أحكام خارجة من ضمير الناس معبرة عنهم في األساس».
62
السوفياتي ،كان خطاب نيكيتا خوروشوف السري الشهير عام ،1956حيث انتقد ستالني بعد وفاته ملا يطلق عليه «الزعيم املؤله» ،على الرغم من كل شيء سري ،واعتبر مدمرا للشعب السوفياتي .اليوم تبرز عائلة كيم احلاكمة في كوريا الشمالية مخاطر هذا اخليار :بعد أن نشرت الصحف الرسمية بالفعل أن القائد العزيز كيم يونغ إل يتقن قراءة اخلواطر ،فماذا من املفترض أن يفعل ابنه ووريثه املعني حديثا كيم جون أون ليصبح مثله؟ املستبد املستنير «في بعض األحيان يتطلب األمر وجود دكتاتور إلجناز املهمة». في الواقع ال .لم يساعد العامان املاضيان كثيرا في الترويج لقدرات النموذج الدميقراطي الغربي على اتخاذ إجراءات كبرى ومؤملة ولكنها ضرورية .يصوب بعض الغربيني املصابني باإلحباط بسبب كل شيء ،بدءا من الفشل في حتقيق توازن في امليزانيات إلى العجز الواضح عن مواجهة حتديات تغير املناخ ،أنظارهم في حزن إلى احلكم القمعي للحزب الشيوعي في الصني. كتب توماس فريدمان في مقال له عام 2009في «نيويورك تاميز»« :بالتأكيد توجد عيوب في نظام احلكم املستبد ذي احلزب الواحد .ولكن عندما تقوده مجموعة من األشخاص املستنيرين ،كما في الصني اليوم ،من املمكن أن يكون له مميزات كبيرة» .في مارس (آذار) املاضي ،كتب مارتني وولف في «فايننشال تاميز» عن كيف «حققت الصني العظمة» .ال تعد هذه الرومانسية مع احلكم االستبدادي أمرا جديدا ،حيث وصف كثيرون في واشنطن نظام أوغستو بينوشيه القاتل في شيلي في السبعينيات بأنه قبيح ولكنه أداة ضرورية من أجل اإلصالح االقتصادي .ولكن احلنني إلى القبضة القوية تتأصل فيه العديد من املغالطات .أوال ،تتداخل إخفاقات أحد أنواع الدميقراطية – كما في حالة فريدمان حيث النسخة األميركية التي وصلت إلى طريق مسدود – مع تصنيف كامل للحكم .ثانيا ،يفترض هذا الشعور أن الدكتاتور أكثر قدرة من احلاكم الدميقراطي على إجراء إصالحات غير شعبية ولكنها الزمة .ولكن ال تتحول القرارات غير الشعبية إلى شعبية جملرد أن حاكما مستبدا هو من يتخذها ،لنذكر فقط كبير املسؤولني املاليني في كوريا الشمالية الراحل باك نام غي ،الذي انتهى به احلال أمام فرقة إعدام ،بعد رد فعل شعبي عكسي ضد خطة إصالح للعملة قدمها نظام كيم عام .2010 في الواقع ،رمبا يكون احلكام املستبدون ،بسبب افتقادهم شرعية االنتخابات الشعبية ،أكثر خوفا من إفساد األمور من الدميقراطيني .على سبيل املثال في روسيا بوتني ،ال يستطيع القادة تخفيض حجم اإلنفاق العسكري الهائل الذي يحافظ على هدوء الناخبني ،على الرغم من أن وزراءهم يدركون أنه ال ميكن حتمله .باإلضافة إلى ذلك ،تفترض اإلشارة إلى قدرة الدكتاتور على فرض سياسات أفضل على شعبه أنه على األرجح يعرف ما هي تلك السياسات األفضل .رمبا تكون فكرة وجود حلول تكنوقراطية ملعظم املشكالت االقتصادية واالجتماعية والبيئية مريحة ،ولكنها غالبا خاطئة .مثل تلك املسائل نادرا ما جتد إجابات تقنية ال سياسية خالصة ،وميكن فقط في ظل النظام الدميقراطي التعبير عنها وحلها بطريقة حتظى بقبول عام على األقل ،إن لم يكن تاما. «الثورات الرقمية تأتي بأخبار سيئة للحكام املستبدين». ليس بالضرورة .القت وسائل التكنولوجيا احلديثة – من جهاز الفاكس إلى اإلنترنت إلى «فيس بوك» – ترحيبا
رمبا تكون فكرة وجود حلول تكنوقراطية ملعظم املشكالت االقتصادية واالجتماعية والبيئية مريحة ،ولكنها غالبا خاطئة العدد ،1564يونيو 2011
مشابها كقوات لقلب األنظمة الدكتاتورية .وبالطبع ،إذا لم حتقق الهواتف اجلوالة و«تويتر» اختالفا على اإلطالق، فلن يستخدمها النشطاء املدافعون عن الدميقراطية .ولكن االختبار احلقيقي الذي متر به التكنولوجيا هو قدرتها على حتويل ميزان القوة بني الدكتاتور ومن يحاول إطاحته ،لكي تصبح الثورات أسرع أو أكثر جناحا أو تكرارا .وعلى الرغم من أن الوقت ما زال مبكرا لتأكيد ذلك ،ال يبدو منحنى الثورات في 2011مختلفا كثيرا عن الثورات ذات إمكانيات تكنولوجية أقل في عام ،1989أو حتى .1848ما يحقق االختالف هو مدى سرعة توصل األنظمة املستبدة إلى كيفية التعامل مع االختراع اجلديد أو استخدامه بنفسها .في بعض األحيان يحدث هذا بسرعة :كانت املتاريس التي ابتكرت في باريس وجعلت ثورات 1848ممكنة ذات فائدة ،ولكن سريعا ما توصلت قوات اجليش إلى كيفية استخدام املدافع ضدها .كذلك اليوم، يتعلم املستبدون بالفعل كيفية استخدام الهواتف اجلوالة و«فيس بوك» للتعرف على خصومهم وتعقبهم. على سبيل املثال في إيران ،استخدمت مراسالت «فيس بوك» وما ينشر على «تويتر» ورسائل البريد اإللكتروني كدليل ضد املتظاهرين في أعقاب الثورة اخلضراء الفاشلة .وكالعادة، ما زالت بعض من االختراعات املستمرة ال تخرج عن كونها تكنولوجية على األقل .كانت االحتجاجات احلاشدة واملظاهرات واإلضرابات ،على الرغم من وجودها في كل مكان اآلن ،مجرد أفكار جديدة في البداية كما هو احلال مع «تويتر» ،ولكنها استمرت لتلعب دورا حاسما في نشر الدميقراطية واحلقوق املدنية حول العالم .ومن املفيد أن نتذكر أن ليس جميع األدوات اجلديدة املهمة تأتي في صندوق أو عبر اتصال الواي فاي. شرارة األمل «الدكتاتورية في طريقها إلى زوال» .ليس في عصرنا هذا. قامت االنتفاضات األخيرة في الشرق األوسط ،على الرغم من أنها ملهمة ،على خلفية كئيبة .ذكرت منظمة فريدوم هاوس أنه في عام ،2010للعام اخلامس على التوالي ،فاق عدد الدول التي ساءت فيها احلقوق املدنية والسياسية تلك التي شهدت حتسنا في تلك احلقوق ،وذلك في أعوام متتالية هي األطول منذ بداية جتميع املنظمة للبيانات في عام .1972بعد عقدين من انهيار االحتاد السوفياتي ،رمبا تزدهر الدميقراطية في وسط أوروبا الشيوعية وأميركا الالتينية وأيضا البلقان ،ولكن ظلت معظم دول االحتاد السوفياتي السابق شمولية .وعلى الرغم من حترر عدد قليل من الدول العربية من حكامها الطغاة حديثا ،فإنها ما زالت تخوض مرحلة انتقالية .ال يستبعد الفقر أو الفساد، املوجودان على سبيل املثال في مصر وتونس ،أن تصبح الدولة دميقراطية – ومثال على ذلك الهند – ولكنه يجعل من األصعب بناء نظام دميقراطي مستقر .ولكن أشعلت الثورات العربية شرارة األمل ،تلك التي أقلقت بوضوح حكاما مستبدين في مناطق بعيدة تصل حيث موسكو وبكني. السؤال اآلن هو ماذا يجب على األنظمة الدميقراطية الليبرالية في العالم أن تفعله أو ال تفعله من أجل الدفع قدما .مبراجعة تاريخ الواليات املتحدة الطويل في تعزيز الدميقراطية وما شهده من جناحات وإخفاقات ،والدرس الذي ال مفر منه ،بعيدا عن املغامرات األخيرة في العراق وأفغانستان ،القليل غالبا ما يعني الكثير .إن تقدمي املساعدات – كما فعلت الواليات املتحدة مع املعارضة في دول مثل صربيا وأوكرانيا وجورجيا – أو مجرد تقدمي منوذج كوسيلة إلطاحة دكتاتور أفضل من القيام بإطاحة ذاتها. ولكن في كلتا احلالتني ،من املهم أن نذكر أن األصدقاء الغربيني األقوياء ليسوا كل شيء .على أي حال ،الدرس املستفاد من تونس ومصر هو أن الطغاة يسقطون في بعض األحيان على الرغم من ،وليس بسبب ،املساعدة األميركية.
خاص بـ»اجمللة» *نشر ألول مرة في «فورن بولسي» بتاريخ 25أبريل 2011 61
● اختيار احملرر
يكمن جزء من املشكلة التي يواجهها املعارضون احملتملون للدكتاتور في معرفة من غيرهم يعارضه ،حيث يزيد إجبار اجلماهير على اعتناق اخلرافات املنافية للعقل علنا من صعوبة األمر ويتوقف صعود وهبوط النظام بأسره على مصير رجل واحد. قوة اجلماهير «تستطيع قوة اجلماهير أن تطيح احلكام املستبدين» .ليس بذاتها .في عام ،1989اجتاحت قوة الشعوب جميع أنحاء أوروبا الشرقية .وأجبرت اإلضرابات اجلماهيرية في بولندا احلكام الشيوعيني في البالد على احلضور إلى طاولة املفاوضات للتوصل إلى طريق للخروج من السلطة .وبعد جتمع مئات اآلالف من األشخاص في ساحة فاتسالف في براغ ،انهار أحد أكثر األنظمة الشيوعية وحشية في أوروبا الشرقية وتنازل عن احلكم في تشيكوسلوفاكيا لصالح مجموعة متنوعة من الكتاب املسرحيني والقساوسة واألكادمييني وأصدقاء فرانك زابا .في أملانيا الشرقية ،خرج احلشود الغفيرة من أكبر مناذج الشيوعية في الغرب الجئني إلى أملانيا الغربية ،ثم ساعني إلى إعادة الوحدة معها .ولم تتقيد قوة الشعب ،التي أدت إلى نهاية فرديناند ماركوس في الفلبني عام ،1986بالشيوعية في أوروبا الشرقية .ولكن كان هناك ما هو أكبر من سبب انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية واألنظمة املستبدة ممثال في السلطة األخالقية املذهلة التي متلكها اجلماهير .وكما أظهر الصينيون في ميدان تيانامنني في عام ،1989االستسالم للنشطاء املدافعني عن الدميقراطية في الشوارع ليس اخليار الوحيد .هناك العديد من األماكن األخرى التي أخفقت فيها قوة الشعب كارثيا في مواجهة رد فعل عسكري منظم جيدا. في اجملر ،سحقت دبابات اجليش األحمر االنتفاضة الشعبية التي خرجت عام 1956بوحشية .وأسفرت ثورة الزعفران عام 2007 في بورما عن أحكام باإلعدام ضد الرهبان البوذيني املعارضني. وسقطت ثورة إيران اخلضراء التي قامت عام 2009أمام هراوات الباسيج بعد عامني .ما الذي مييز بني جناح قوى الشعوب وإخفاقاتها؟ بالطبع احلجم له أهمية ،ولكن مييل احلكام املستبدون إلى السقوط أمام احلشود فقط عندما يخسرون أوال دعما يقدمه لهم حلفاء مهمون في الداخل أو في اخلارج .كان قرار اجليش املصري بالتخلي عن مبارك وحماية املتظاهرين احملتشدين في ميدان التحرير في القاهرة ،على سبيل املثال ،عامال حاسما في سقوط الرئيس في فبراير (شباط) املاضي .كيف يستطيع املتظاهرون إقناع حماة النظام بالقفز من السفينة؟ في أوروبا الشرقية ،ساعدت رياح التغيير اجليوسياسية التي خطط لها الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف وحلفاؤه بوضوح، ولكنك ال تستطيع أن تسقط الستار احلديدي من جديد .رمبا تكون األنظمة ذات اجليوش املهنية املنفصلة عن السلطات املدنية أكثر عرضة لالنقسام ،أما األنظمة املعتمدة على األحزاب السياسية الفكرية فهي أقل احتمالية خلروج أعضائها عن الصفوف .ومن املمكن أن يؤدي التهديد الواثق باالنتهاء إلى محاكمة على ارتكاب جرائم حرب في الهاي أو جتميد األرصدة في بنوك سويسرا إلى نتائج مذهلة أيضا .ولكن من املؤسف للمتظاهرين أن توقع ردود أفعال املستبدين لالنتفاضات ال يخضع للعلوم الدقيقة ،وفي ذلك قليل من التعزية عندما تُشج رؤوسهم على يد قوات مكافحة الشغب. خطر االصالح «كلما اتسم الدكتاتور بالوحشية ،ازدادت صعوبة إطاحته». من املؤسف أن هذا صحيح .الحظ أليكسيس دي توكفيل ،لدى دراسته للثورة الفرنسية ،أن «أخطر حلظة متر بها حكومة 60
سيئة هي تلك التي تبدأ فيها باإلصالح» .من احملزن أن ما انطبق على القرن الثامن عشر ما زال صحيحا في القرن الواحد والعشرين .من املرجح أال تكون مصادفة أن قائمة احلكام املستبدين الذين أطاحتهم مظاهرات الشوارع في األعوام األخيرة حتفل بحكام سمحت أنظمتهم بقدر ضئيل من املعارضة السياسية .قد يكون طغاة أمثال سلوبودان ميلوسيفيتش في صربيا وإدوارد شيفرنادزه في جورجيا وقربان بيك باقاييف في قرغيزستان وحسني مبارك في مصر مروعني بصور مختلفة ،ولكن من دون شك كانت أنظمتهم أكثر تساهال من كثيرين ما زالوا متمسكني بالسلطة حتى يومنا هذا .إذا كان ذلك صحيحا ،فلماذا يسمح الطغاة باملعارضة في املقام األول؟ وملاذا ال يقدمون على إجراء مثل ما حدث في تيانامنني لدى أول إشارة على االحتجاج؟ ألنه من األصعب اليوم إدارة نظام دكتاتوري مروع بحق عما كان في املاضي .لقد زاد ترابط حضارة القرن احلادي والعشرين من صعوبة السيطرة على املعلومات وأصبح من األكثر صعوبة وتكلفة عزل البالد عن العالم اخلارجي مقارنة مبا كان يحدث في القرن العشرين. في الوقت ذاته ،جعلت نهاية الشيوعية اليساريني واليمينيني األقوياء على حد سواء املوضوع الرئيس للممارسات املناهضة للدميقراطية .في العقد املاضي ،استغل حكام دول مثل أوزبكستان واليمن خوف الغرب احلديث من اإلسالم املسلح – والضرورات اللوجيستية حلروب الواليات املتحدة بعد أحداث – 9/11من أجل حتقيق أهداف مشابهة ،ولكنهم أقل كثيرا من الطغاة اآليديولوجيني الذين قسموا قارات بأكملها بذريعة احلرب الباردة منذ جيل مضى .والنتيجة في كثير من املناطق هي أن احلكام مجبرون على تبرير ممارساتهم بإضفاء ملسة من «الدميقراطية» .اختار فالدميير بوتني التخلي عن احلكم – على الرغم من عدم ابتعاده عنه – في عام ،2008بدال من انتهاك منع الدستور الروسي الترشح لفترة رئاسية ثالثة متتالية، بل ويسمح احلزب الشيوعي الصيني أيضا ببعض االنتخابات التنافسية على مستويات القرى والبلدات .وبالطبع هناك استثناءات لهذا االجتاه ،منها :تركمنستان وكوريا الشمالية وبورما .ولكن تبدو مثل تلك األنظمة وكأنها بقايا من القرن العشرين املاضي غير املأسوف عليه ،بدال من كونها بشائر عصر مقبل. «الزعماء املؤلهون مجانني» .ولكنهم في احلقيقة ماكرون .هل يعتقد الكوريون الشماليون حقا أن كيم يونغ إل يستطيع أن يغير الطقس بناء على مزاجه الشخصي؟ هل يؤمن الليبيون أن الكتاب األخضر الذي ألفه القذافي عمل نابغ في الفلسفة السياسية؟ هل يعتبر التركمان أن روح نامة ،النص الديني الذي ألفه الدكتاتور السوفياتي الراحل صابر مراد نيازوف ،الذي أطلق على نفسه أيضا لقب الزعيم الروحي ،نصا مقدسا يتساوى مع القرآن والكتاب املقدس؟ على األرجح اإلجابة ال ،ولكن ألسباب تتعلق بالدكتاتورية ،عليهم أن يفعلوا ذلك .كما يقول العالم السياسي خافيير ماركيز ،يتسم الزعماء املألهون بالتفكير االستراتيجي كما يتسمون بالنرجسية .يكمن جزء من املشكلة التي يواجهها املعارضون احملتملون للدكتاتور في معرفة من غيرهم يعارضه ،حيث يزيد إجبار اجلماهير على اعتناق اخلرافات املنافية للعقل علنا من صعوبة األمر .تعد صناعة اخلرافات الرسمية أيضا وسيلة لتطبيق االنضباط داخل النظام .علم ستالني – رائد فكرة تأليه الزعيم الدكتاتور احلديثة – جيدا أن نسج اخلرافات حول شخصه سيكون من الصعب أن يتجاوزه رفاقه القدامى ،وقد حذر لينني حتديدا من هذا األمر .ولكن تعرض هؤالء الذين عارضوه إلى القتل سريعا .أما بالنسبة ملن تبقى من الرفاق ،فقد كان اإلذعان لتأليه الزعيم مذال ،وفي اإلذالل وسيلة قوية للسيطرة على اخلصوم احملتملني .ولكن الزعماء املؤلهني ،مثل معظم النماذج الدكتاتورية ،لديهم عيوبهم. كلما زاد قدر التأليه ،كان حتدي خالفته أكبر .ال ميلك ورثة احلكم بالفعل سوى خيارين :التخلص من تأليه الشخص أو احلصول على مكانة تأليه أفضل .اخليار األول خطير ،في االحتاد
«األنظمة الدكتاتورية تتعلق فقط بالدكتاتور» .نادرا ما يحدث ذلك. في الشهور األولى بعد بداية الثورات العربية ،امتألت شاشات التلفزيون حول العالم مبشاهد رمزية لنظام قدمي متهدم ،حيث تشتعل النيران في قصر عائلة بن علي املطل على البحر في تونس ،وخطابات حسني مبارك ما قبل التنحي في مصر ،وهجوم القذافي الالذع املليء بالتحدي من منزل تعرض للقصف في ليبيا. غرامي روبرتسون
كانت تلك املشاهد تذكرة بأن أكثر النماذج السياسية بقاء في القرن العشرين ،الدكتاتور الذي ال يعرف الرحمة ،استمرت حتى القرن الواحد والعشرين .ولكن ما قدر استمرارهم؟ وضعت منظمة فريدوم هاوس األميركية غير احلكومية في العام احلالي 47دولة حتت تصنيف «غير حرة» ،حيث يحكم كال منها دكتاتور مستبد .انخفضت أعداد هذه الدول بالتأكيد عن القرن املاضي، الذي امتأل بقائمة شملت :ستالني وهتلر وبول بوت وبينوشيه واخلميني ومجموعة أخرى أصبحت أسماؤها اآلن تترادف مع احلكم القمعي القاتل .ولكن استحضار مثل هؤالء الطغاة، على الرغم من كونهم اختزاال مفيدا في السياسة الدولية ،يعزز لألسف من خرافة مزعجة بأن األنظمة الدكتاتورية تتعلق فقط بالدكتاتور. سيطرت صورة الزعيم القوي اخملتفي داخل الكرملني احملاط بالغموض أو القصر الرئاسي ذي الزخرفة املبهرجة على فترة احلرب الباردة .ولكن ال تدار األنظمة الدكتاتورية مبفردها .يطلب أداء املهمات األساسية املتوقعة من حكومة مستبدة ،من وضع نظام وفرض ضرائب وسيطرة على حدود وإشراف على االقتصاد ،تعاون مجموعة كاملة من الالعبني ،رجال أعمال وبيروقراطيون وقادة االحتادات العمالية واألحزاب السياسية وبالطبع متخصصون في القمع مثل قوات اجليش والشرطة .وال تعد القدرة على إسعادهم جميعا وجعلهم يعملون معا أسهل بالنسبة للدكتاتور منها بالنسبة للحاكم الدميقراطي. استمرار األوضاع متلك األنظمة الدكتاتورية اخملتلفة أدوات متباينة من أجل استمرار األوضاع .اعتمدت األنظمة الشيوعية في القرن العشرين على العضوية اجلماهيرية في األحزاب السياسية للحفاظ على االنضباط ،وكذلك فعلت األنظمة املستبدة غير الشيوعية .كان النظام املستبد الذي حكم املكسيك 70عاما ،والذي وصفه الروائي البيروفي حائز جائزة نوبل ماريو فارغاس لوسا ذات مرة بأنه «النظام الدكتاتوري املثالي» ،حيث كان منظما بواسطة احلزب الثوري املؤسسي القومي ،وهو منظمة ضخمة امتد نفوذها من مجمع الرئيس في لوس بينوس إلى املقاعد احمللية في احلكومة في كل قرية صغيرة .كذلك كان حسني مبارك الرئيس املصري الذي أطيح به أخيرا مدعوما طوال ثالثة عقود من حزبه الوطني الدميقراطي. هناك أيضا نظام احلكم العسكري :حيث الدكتاتورية التي تديرها عصبة عسكرية .يتميز هذا النوع باالنضباط والنظام ،والقدرة ن له عيوبا أيضا ،أبرزها دائرة على قمع املعارضني بينهم ،ولك ّ صغيرة طبيعية من املؤيدين ال تتجاوز أصحاب الزي العسكري. استطاع اجلنراالت الذين حكموا البرازيل من عام 1964إلى عام 1985حل هذه املشكلة بإتاحة الوصول احملكم إلى البرملان حيث ميكن أن تعبر النخب االقتصادية وغيرها من أصحاب املصالح القوية عن مطالبها واملشاركة في احلكم .ولكن ثبتت صعوبة حتقيق التوازن حيث كان من الصعب على اجليش إدارة االنتخابات وحتمل ضغوط الشعب الذي ازداد عدم رضاه عما حتقق في مجالي االقتصاد وحقوق اإلنسان ،وفي النهاية عاد اجلنراالت إلى ثكناتهم. وعلى النقيض ،تقارب بعض احلكومات املستبدة منوذج الدكتاتورية املركزية في اخليال الشعبي .في أمثلة تقليدية على ذلك النوع، موبوتو سيسي سيكو الذي حكم زائير (اآلن جمهورية الكونغو الدميقراطية) ألكثر من 30عاما ،وعائلة دوفالييه احلاكمة في هاييتي .في هذا النوع من األنظمة ،يُحفظ النظام بتوزيع احملسوبيات وفقا لشبكات شخصية أو غيرها :مثل العشائر واجلماعات العرقية وما يشبهها .ولكن في مفارقة كانت تلك الدكتاتوريات األكثر زعزعة في االستقرار .من الصعب استمرار عمل احلكومة بسالسة في ظل غياب قاعدة مؤسسية واسعة
العدد ،1564يونيو 2011
59
● اختيار احملرر
طغاة العالم «أخطر حلظة متر ّ بها حكومة سيئة هي تلك التي تبدأ فيها باإلصالح»
58
تقرير ● نقاد
حركة املعارضة والتغير السياسي في العالم العربي
حوافز مجهولة
أثناء أحداث خلع زين العابدين بن علي ،الرئيس السابق لتونس ،نشر معهد كارنيغي للسالم ذلك التقرير ،الذي يحاول رسم صورة خللفية تلك االنتفاضة التي بدت مفاجئة. يشير التقرير إلى أن مدى االحتجاجات في العالم العربي يثير جدال حول إمكانية تشكل حركة موحدة .وفي ظل تالحق األحداث التي اجتاحت املنطقة منذ ذلك الوقت، تفيد نتائج التقرير في املساعدة على استكشاف ما يخبئه املستقبل للشرق األوسط. حركة املعارضة والتغير السياسي في العالم العربي
كما يقدم التقرير عرضا سريعا للطبيعة اخملتلفة لالحتجاجات التي معهد كارنيغي للسالم وقعت في بعض دول اخلليج خالل العقد املاضي .حيث لم يتم االحتفاء مارينا أوتاواي وعمرو حمزاوي باإلصالح االجتماعي االقتصادي بنفس قدر االحتفاء بإصالح التمثيل يناير (كانون األول) 2011 املدني ،كما كانت األطراف املشاركة تأتي من خلفيات متباينة متاما :أبناء نظرا لذلك اإليقاع املتسارع الذي تتطور به األحداث في العالم العربي ،الطبقة الوسطى في مقابل جماعات العمال والشباب غير املنظمة. أصبح ذلك التقرير الذي مت نشره في يناير (كانون األول) متأخرا للغاية. فمنذ نشره ،وقعت العديد من األحداث املزلزلة في مصر وليبيا وسوريا ،إن حتليل تكوين املنظمات املشكلة ملا يطلق عليه حركات املعارضة نظرا لالضطرابات املدنية .ومع ذلك ،ميكننا أن نستفيد كثيرا من التحليل هو األكثر انطباقا على الوضع الراهن في املنطقة .ذلك باإلضافة إلى الذي أعده كل من مارينا أوتاواي وعمرو حمزاوي نظرا ألنهما يدحضان إشكالية متى ميكن ملطالب اإلصالح االجتماعي أن تتحول إلى حركة ببراعة فكرة أن االنتفاضة في تونس -التي مهدت الطريق لالضطرابات سياسية .كما مت فحص االفتقار إلى حركة متماسكة في التوتر بني الالحقة في املنطقة -كانت حدثا منعزال مؤكدين أنها «كانت منوذجا جماعات العمال وشبكات الشباب على اإلنترنت واحلركات اإلسالمية. وأثناء انتظارنا ملا يخبئه القدر ملصر ،من الضروري أن نعيد تقييم النجاح دراماتيكيا لالضطرابات الشائعة في املنطقة». الواضح لالنتفاضة هناك في ظل التنافر الواضح واالفتقار للثقة بني األطراف األساسية .ويعد أكثر األشياء كشفا للمستقبل هو تأكيد وعلى الرغم من أن أوتاواي وحمزاوي ،وقت إعدادهما للتقرير لم يكن املؤلفني على أن «هناك صراعات حتمية بني نشطاء الشباب واحملتجني من لديهما ،بالطبع ،علم مبا سوف يحدث الحقا في مصر ،فإن العرض الذي نقابات العمال» .واملثير لالهتمام أيضا هو االعتقاد السائد بني النشطاء قدماه حلركة االحتجاجات املصرية خالل السنوات العشر املاضية كان التقليديني بأن «الشبكات االجتماعية (فيس بوك وغيره) تخلق حتالفات كاشفا ،خاصة إذا أخذنا في اعتبارنا مفترق الطرق الذي تقف على عتبته قصيرة املدى وال تخلق بنى دائمة ومنظمات». مصر حاليا .وأخذا في االعتبار النجاح الهائل في خلع حسني مبارك من منصبه ،يصبح من السهل النظر للنموذج املصري باعتباره حدثا مفاجئا .وفي النهاية يصل التقرير إلى االستنتاج املثير للجدل؛ أنه أخذا في ويظهر العرض الشامل املقدم في التقرير أن إرهاصات تلك االحتجاجات االعتبار طبيعة وشكل االحتجاجات في العالم العربي ،فإنه من غير واسعة النطاق كانت موجودة في مصر منذ سنوات .ومما ال شك فيه ،أن املرجح أن تظهر حركة موحدة .فحتى اآلن ،وعلى الرغم من النجاح غير هناك فارقا بني االحتجاجات ذات الطبيعة السياسية وتلك االحتجاجات املسبوق لالنتفاضة املصرية والثورات املستمرة (وحتى احلرب األهلية) في التي تدعو فقط لإلصالح االجتماعي االقتصادي .وبالتالي كان إضراب 6اليمن وليبيا ،فإنه من الصعب دحض تلك الفكرة. أبريل (نيسان) 2008ميثل حتوال هائال في ذلك الصدد ألنه يدعو لإلصالح السياسي واالجتماعي خاصة التخلص من الفساد املؤسسي. ويقول أوتاواي وحمزاوي إن املطلوب هو عوامل حفز غير متوقعة ميكن أن يتجمع احملتجون حولها ،وبالتالي «فمن املستحيل أن نتنبأ أين ومتى ميكن ويفحص املؤلفان ما يطلقان عليه «حركة احتجاج» إقليمية في الشرق لهؤالء احملتجني املتفرقني أن يكونوا شيئا مشتركا». األوسط وشمال أفريقيا .وبالنسبة ملصر ،اجلزائر ،األردن ،املغرب ،وتونس، توصلوا إلى أن معظم تلك االحتجاجات كانت متشابهة من حيث تباينها رمبا ال ميثل ذلك استنتاجا متكامال ولكنه استنتاج يعزز على األقل اجلدل. وافتقارها للتنسيق ،نظرا لعدم قدرة تلك اجلماعات على تشكيل جماعات ففي ظل حقيقة أن الظروف مالئمة متاما لنشوب الصراعات في العالم مصالح في مجتمعاتها. العربي ،من املتوقع أن يحتدم ذلك اجلدل. 56
مضيع ..والقادم أعظم السودان وطن ّ
رزق اليوم باليوم
من أصعب املشاعر على أي إنسان شعوره بانهيار الوطن وانكساره ومتزقه بني أبنائه نتيجة لرغبة بعضهم فى االنقسام واالستقالل بقطعة من الوطن فتتغير خريطته وتتقلص حدوده بني يوم وليلة ...ولألسف الشديد تنطبق هذه احلالة على السودان الذي مر بظروف صعبة وحروب داخلية كرست للدعوة إلى االنقسام وإحداث الشرخ العميق بني أبناء السودان شماله وجنوبه وهو ما دفع احملللني السياسيني إلى دراسة هذا الوضع اخلطير الذى اليستبعد تكراره في أي قطر عربي آخر. في أحدث الكتب السياسية الصادرة عن دار ميريت بالقاهرة لشهر مايو هذا العام كتاب «السودان الوطن املضيع» للدكتور حيدر إبراهيم علي ،وهو باحث سوداني عمل في العديد من املؤسسات العلمية البارزة و حاصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم االجتماعية من جامعة فرانكفورت األملانية. هذا الكتاب مت تغييرعنوانه من «السودان وضياع وطن» إلى العنوان اجلديد للتأكيد على اإلشارة إلى املسؤول عن هذا الضياع من خالل حتليل املؤلف الذى كان قد بدأ الكتابة في هذا الكتاب قبل حدوث انقسام السودان بفترة وكان يحذر من خطورة التقسيم احملتمل من خالل مجموعة من املقاالت التي ضمها املؤلف ضمن فصول كتابه للتدليل على رؤيته الثاقبة خلطورة املوقف في السودان والتحذير من توابعه اخلطرة التي لم ينتبه إليها اجملتمع السوداني وال الدولي وال العربي فحدث ما حدث وكان ما كان . فى البداية يرصد املؤلف بعض املظاهر السلبية املثيرة للقلق على وضع السودان مشيرا إلى أنه لم تعد توجد دولة سودانية مركزية قوية قابضة علي قلبه واطرافه .وأنه افتقد القومية املهيمنة ،عدا متراكمات قبلية يطلق عليها خصومه السياسيون بال دقة مفاهيمية أو نظرية صفة املركز املسيطر أو املهمش! ويؤكد املؤلف على أن السودان مر بالتجارب التاريخية واالجتماعية واالقتصادية التي ساعدت في حتويل كثير من الكيانات والتجمعات البشرية الي تكوينات وتنظيمات أرقى سياسيا واجتماعيا .ولكن السودان ظل بسبب عوامل ذاتية وموضوعية ،راكدا أو مقاوما للتغيير ،أو على االقل بطيء االستجابة مرجعا ذلك الى عدم الوحدة في احلضارة والدولة والقومية األمر الذي دفع املؤلف إلثارة تساؤل هام عن سبب عدم التوحد لكي ينجز االستحقاقات األخرى. ويلقى املؤلف باللوم على احملللني السودانيني ويتهمهم بتغليب اجلانب السردي في تناولهم األحداث التاريخية على اجلانب التحليلي األمر الذي اعتبره الدكتور حيدر من أهم أسباب عدم تعلم السودانيني من التاريخ ،والذي ظل يعيد نفسه حتي بلغ بنا شكل املأساة التي يعيشها السودان اآلن. وينتقل املؤلف إلى احلديث عن السودان بلد املتناقضات واملفارقات القاتلة مدلال على ذلك مبا شهدته أراضيه من أحداث سياسية وابتالءات واختبارات كان يرسب فيها في كل مرة يتعرض لها مما أسقطه في نفق مظلم جعل السودان صاحب سجل أطول حرب أهلية في العالم .مخيبا آمال املؤرخ الشهير أرنولد توينبي في أن يكون السودان ونيجيريا ملتقى الثقافات واألديان واألعراق في إفريقيا ومحبطا ألحالم العالم العربى بأن يكون سلة غذاء له بل وللعالم أجمع ليصبح مضرب األمثال فى اجملاعات والكوارث اإلنسانية. وفي أجزاء أخرى من الكتاب يعرج الكاتب على أهم أحداث التاريخ السوداني التي كانت سببا في دخوله هذا النفق املظلم الذي انتهى بضياع الوطن منذ تاريخ االستقالل عام 1956مرورا باالنقالبات العسكرية املتتالية واحلكومات الشمولية التي رضخ لها السودانيون قرابة نصف قرن مشيرا بأصابع االتهام إليهم بالالمباالة وإلى عقالئهم العدد ،1564يونيو 2011
باالستهتار والتسبب في ضياع البوصلة . ومن املاضي إلى احلاضروحتديدا الفترة التي سبقت عملية االنقسام بني شطري السودان يتناول الدكتور حيدر إبراهيم املشهد السياسي الداخلي في السودان واحلالة املتردية من االنقسامات الغريبة في الصفوف الداخلية وتأثير ذلك على التعجيل بضياع الوطن وانهياره ورأى أنه بدال من أن ينشغل الشماليون بالتفكير اجلدي في الوصول الي الصيغة القومية اجلامعة حلكم ما تبقى من البالد بطريقة متنع التفتيت واالنقسامات الالحقة ،دخلوا مجددا في حالة استقطاب حادة ومناورات حزبية عقيمة كشفت عن عقل سياسي يبدو أنه لم يتعلم كثيرا حتى من تاريخه القريب على حد وصف املؤلف. وحتى على املستوى االجتماعي يرى الكاتب أن اجملتمع السوداني واحلياة العامة في السودان أصبحت تتجه بقوة نحو التشرذم واالنقسامية بصورة غير صحية ،إذ يغيب االتفاق حول أهداف قومية جتمع الناس وترفّعهم عن خالفات ثانوية دوما .ويكاد هذا امليل نحو التشرذم واالنقسام أن يصبح طبيعة ثانية لدي السودانيني ،لينتهى الكاتب في هذا اجلزء من الكتاب إلى نتيجة مفادها أن حتليل الواقع السياسي في السودان أمر صعب ،وأن محاوالت استشراف املستقبل أو التنبؤ مبا سوف يحدث مهمة ميكن أن يقوم بها قارئ فنجان وليس احمللل السياسي ،وذلك بسبب تبدل املواقع واملواقف مستشهدا ببعض األحداث األخيرة القبلية والتي كشفت عن أن السودان يعيش حالة سيولة سياسية جتعل رسم خريطة سياسية ثابتة نسبيا في حتالفاتها ومواقفها السياسية ،مسألة في غاية الصعوبة. ويرى املؤلف أن األمر األخطر في هذا السياق هوغياب الرؤى االستراتيجية بعيدة املدى في تناول قضايا الوطن متهما اجلميع في السودان -حكومة ومعارضة -بالتعامل بردود الفعل أو جتزئة القضايا أو ما يسمي في السودان «رزق اليوم باليوم» وهذا سبب تغيير املواقف السريع واملتواتر. وعن الدميقراطية السودانية أوضح الكاتب أن هناك قطاعات وتيارات إسالمية كبيرة ،ترى في التنوع أو التعدد الثقافي نوعا ًَ من الفتنة أو الفرقة الضالة ،واملؤامرة لتمزيق األمة أو الدول العربية ،وهو حتليل اعتبره الكاتب حتديثا لفكرة أو تهمة الشعوبية التي سادت طويال في التاريخ العربي-االسالمي و أن مفهوم االقليات ظل سيء السمعة في السياسة والفكر العربيني ،وغالبا ً ما يتم السكوت عنه ،ومن هنا يدخل دائرة الغموض والتآمر ألنه ال يناقش علنا ويطارد من يحاول اإلفصاح واإلعالن عن مثل هذه األفكار الهدامة ولذلك فقد اعتبر املؤلف هذا الواقع مسؤوال أيضا عن ضياع السودان بتقسيمه ملا يراه من أن قبول التنوع والتعايش مع اآلخر اخملتلف يرتبط بقضية الدميقراطية احلقيقية. وعن البعد الدولى في القضية السودانية خصص املؤلف جزءا من كتابه حول دور املؤسسات والكيانات الدولية فى تكريس مبدأ االنفصال حتى وقع متهما إياهم بالكيل مبكيالني وأنه رغم كل حتفظات كل املراقبني والذين سجلوا موقفهم رسميا بأن االنتخابات لم ترق الي مستوى املعايير الدولية إال أنهم اعترفوا بالنتائج ..مشيرا إلى أن الغرب كان يهمه فقط قيام االستفتاء في اجلنوب ،والذي البد أن يقوم حتت ظل حكومة منتخبة بغض النظر عن عيوب االنتخاب . وفى جانب آخر من الكتاب حاول املؤلف التطرق إلى املستقبل واستشرافه في ما بعد االنفصال في ضوء كل ما سرده من أوضاع مقلقة داخل السودان مشيرا إلى أن املتوقع هو انشغال الشماليني مبوضوع الشريعة أوال أكثر من التنمية والتحول الدميقراطي واإلصالح والنهضة .ومن ناحية أخرى يحذر الدكتور حيدر إبراهيم من أن الشماليني قد يتعرضون حلروب أهلية فكرية وسياسية عديدة وطويلة وأنها ستكون أكثر دموية إذا لم يتسلح لها السودانيون بكثير من العقالنية والبصيرة واإلدراك العميق .ويدق الكاتب جرس إنذار بثورة قريبة في السودان حيث يقول إن من يظن أن السكون الذي يبدو على السودان ،هو دليل على أنه ميثل حالة استثناء في سيرورة النهوض الدميقراطي العربي الشامل ،وأن االنتفاضة ال مكان لها في البالد يكون مخطئا كبيرا ً .مؤكدا ً على فرضية تقول بأن القاعدة هي تشابه النظم العربية االستبدادية في خصائص مشتركة وهي القمع وغياب دولة القانون ،الفساد ،الفقر ،البطالة ،التخلف ،والتبعية للخارج .وهذه أوضاع اعتبرها املؤلف دافعا قويا لقيام الثورة وكفيلة بأن تقود املعارضة واالحتجاج حتى تصل درجة االنتفاضة والثورة الشعبية .ويرى أنه في حالة تأخر الثورة ،فإن االختالف ليس في أفضلية النظام املعني ،بل في جناحه في إضعاف وإنهاك املعارضة مما يجعلها أبطأ في حشد الناس ورفع الوعي ،ثم نزول اجلماهير إلي الشارع .ونحن أمام نظام مستمر ليس بسبب قواه الذاتية ،ولكن بسبب ضعف املعارضة الراهن أو البحث عن البديل . هذا ويعتبر كتاب «السودان الوطن املضيع» من الكتب الهامة التي تقدم رصدا واقعيا معاصرا ومفصال ً حول األوضاع السودانية في الشمال واجلنوب ،وداخل السودان وخارجه ،كما أن الكتاب يستمد أهميته من موضوعه الذي يدور حول وطن عربي شاءت له األقدار أن يكون غنيا ً في موقعه وثرواته مما جعله عرضة دائمة ألطماع الغرب املتسلط ومؤامراته. 55
● نقاد
«الدولة والكنيسة» ..أي موقع ألقباط مصر في اجلماعة الوطنية
انعزال وغربة
الشك أن العالقة بني السلطة الدينية والسلطة السياسية كانت شائكة ومثار جدل على مدار الزمن ويشهد على ذلك أحداث تاريخية متعددة كثيرا ما كانت السلطة الدينية طرفا فيها مقاوما أو ذا موقف مختلف مع السلطة السياسية. وعندما يتعلق األمر بالعالقة بني الكنيسة والدولة في العالم العربي اإلسالمي وبخاصة مصر فإن املوضوع يكون غاية في األهمية سيما في ظل األحداث املتواترة عن وجود توترات وأزمات طائفية بني املسلمني واألقباط حيث يعول على الدولة الدور األكبر في رأب الصدع واتخاذ اإلجراءات التي تكفل نزع فتيل األزمة. الشك أن العالقة بني السلطة الدينية والسلطة السياسية كانت شائكة ومثار جدل على مدار الزمن ويشهد على ذلك أحداث تاريخية متعددة كثيرا ما كانت السلطة الدينية طرفا فيها مقاوما أو ذا موقف مختلف مع السلطة السياسية. وعندما يتعلق األمر بالعالقة بني الكنيسة والدولة في العالم العربي اإلسالمي وبخاصة مصر فإن املوضوع يكون غاية في األهمية سيما في ظل األحداث املتواترة عن وجود توترات وأزمات طائفية بني املسلمني واألقباط حيث يعول على الدولة الدور األكبر في رأب الصدع واتخاذ اإلجراءات التي تكفل نزع فتيل األزمة. وتزداد أهمية املوضوع في مصر بخاصة بعد ما شهدته من ثورة كشفت عن تفاصيل خطيرة مرتبطة بتورط أجهزة أمنية في املساهمة في تأجيج نار الفتنة الطائفية من وقت آلخرألهداف سياسية .لكل ذلك تأتي أهمية صدور أحدث كتب املفكر اإلسالمي املستشار طارق البشري "الدولة والكنيسة" عن دار الشروق املصرية والتى كانت قد نشرت بعض مقاالت منه على حلقات على صفحات جريدتها القاهرية باإلضافة لقيام صحف مصرية أخرى بنشر بعض محتوياته على صفحاتها. وجدير بالذكرأن مؤلف الكتاب املستشار طارق البشري النائب األول السابق جمللس الدولة مبصرهو من الشخصيات التي أثير حولها جدل كبير في األوساط الثقافية والفكرية بخاصة بعد التحول الفكري الذي حدث له واجته على إثره إلى الفكر اإلسالمي واالهتمام بدراسة العالقة بني املسلمني واألقباط وتأثير هذه العالقة على استقرار اجلماعة الوطنية وهو ما كلفه احلرمان من تولي رئاسة مجلس الدولة عام 1993وعرضه لكثير من النقد الذي وصل إلى حد الهجوم الشديد ضده من قبل بعض األقباط فى داخل مصر وخارجها التهامهم له بأنه مسلم متعصب يسيء إليهم ووصفوا كتاباته باملسمومة التي تدعو إلى اإلرهاب وهو ما ينفيه البشري .ورمبا كان ذلك وراء غضب البعض وبخاصة االقباط واليساريني وصدمتهم من تعيني اجمللس العسكري في مصر املستشار البشري رئيسا للجنة التعديالت الدستورية التي قامت بصياغة وتعديل املواد الدستورية املعيبة في الدستور القدمي مبا يتالءم مع متطلبات املرحلة الثورية حيث أبدى املعترضون تخوفهم من البشري لكونه احد أقطاب تيار اإلسالم السياسي، وأحد دعاة املرجعية الدينية ،مبا يتناقض مع الدولة املدنية احلديثة التي ينشدونها كما يعتبرون اختيار البشرى لهذه املهمة مبثابة مغازلة من القوات املسلحة لإلخوان املسلمني إلرضائهم مبا يعيد من جديد ذكريات حتالف اجليش مع اإلخوان بعد ثورة يوليو . 1952 والكتاب ينطلق من نقطة أساسية مفادها بحث العالقة بني سلطة الدولة والكنيسة التي متثل الديانة املسيحية في مصر ومدى خضوع هذه السلطة الكنسية لسيادة القوانني التي تصدرها الدولة حيث يسوق املستشار البشري بعض األمثلة التي تكشف طبيعة تلك العالقة وما يشوبها من توترات ويعرض جملموعة من الوقائع التي تكشف عن حتول في موقف الكنيسة بشأن عالقتها بالدولة وحتول بشأن وضع األقباط كجزء مكون رئيس من اجلماعة الوطنية ،ويخص بالذكر موقف البابا شنودة بطريرك الكرازة املرقسية وتصريحاته الرافضة لتنفيذ احلكم الصادر عام 2008من احملكمة اإلدارية العليا مبجلس الدولة مبصر بالترخيص لشخص مسيحى مطلق بالزواج مرة ثانية .وهو ما 54
أملح إليه املؤلف بأنه دليل على أن الكنيسة تعمل بعيدا عن سلطة الدولة واعتبره موقفا غريبا ويتناقض مع كون الكنيسة املصرية إحدى هيئات اجملتمع املصرى اخلاضعة لسلطة الدولة املصرية املعبرة عن اجلماعة الوطنية املصرية على أساس أن األصل هو خضوع جميع املصريني بوصفهم أفرادا وهيئات خاصة لسلطات الدولة وهيئاتها العامة ،وأنهم يتعاملون معها حسب تنوع هذه الهيئات وتوزيع اختصاصاتها ،مشيرا إلى أن الدولة تتكون من ثالث سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ،وكل من هذه السلطات الثالث يتولى مهمات محددة ويخضع لرقابة السلطتني اآلخريني في مجاالت حددها القانون ورسمها. وينتقد املؤلف في هذا اجلزء من الكتاب موقف الكنيسة في عدم تنفيذ األحكام القضائية واعتمادها على صفتها الدينية في قيامها بالضغط على القبطي الراغب في الزواج الثاني أو غيره من االقباط أصحاب املطالب املشروعة وفي هذا السياق يتساءل الكاتب مندهشا :بأى حكم في اإلجنيل يجري هذا األمر وبأي تأويل ألي نص يعتبر ذلك فرضا كنسيا؟! ويتطرق املؤلف إلى نقطة هامة وحساسة مرتبطة بعالقة األقباط باإلسالم حيث يرى إلى أنه إذا كانت الكنيسة تتخذ مواقف مختلفة عن أحكام القضاء املصري في كثير من األحيان فإن ذلك من شأنه أن يؤدي مع مرور الزمن إلى خروج جماعة من املصريني عن نسق اجلماعة الوطنية وإنعزالهم عنها ثم يرد البشرى على من يبررون هذا االنعزال و اخلروج عن النسق العام مبا جاء في الفقه اإلسالمي قائال" :إن ذلك من شأنه أن يعيد نظام امللة إلى سابق عهده ،وهو يخرج عن مفهوم املواطنة ،الذي نرفعه عبر أجيال مضت ونقيمه على أسس نظرية وشرعية يقوم بها االندماج احلياتي بني املصريني جميعا" ،ليختتم هذا اجلزء في الكتاب مؤكدا على أن هناك جهودا كبيرا بذلت حتى يتسع الفقه اإلسالمي ويستوعب مفهوم اجلماعة الوطنية ومن ثم فإت حديث بعض األقباط عن الفكر اإلنعزالي ليس في صاحلهم ويخرجهم من اجلماعة الوطنية. واستمرارا للحديث حول الكنيسة وفكر اإلنعزال القبطي يسهب املؤلف في شرح بعض املواقف واحلوادث املعاصرة التي تعكس بعض مظاهر اإلحتقان الطائفي مع التركيز على بعض احلوادث التي تسببت في اإلساءة لإلسالم .ويوضح البشرى بأنه في كل مرة تثار فيها أزمة طائفية فإننا نذكر كل األسباب احملتملة والكامنة وراء إثارة األزمة ولكن يتم إغفال وجود احتمال ألي أثر للفعل الكنسي ذاته في الواقعة الطائفية بشكل يبدو متعمدا عدم اإلشارة إليه وهو ما يعتبره املؤلف مناقضا للفكر املوضوعي والتناول احملايد لألزمة ليؤكد من جديد تخوفه من أن يقود هذا النهج غير املوضوعي في تكريس مشاعر اإلنعزال والغربة وإثارة مزيد من احلوادث الطائفية كما حدث أخيرا في إمبابة. وفي جزء آخر من الكتاب يناقش البشري موضوعا شديد األهمية واحلساسية في الوقت احلاضر بالنسبة ملصر واملصريني وهو يتعلق بتطبيق الشريعة اإلسالمية واحلديث عن املادة الثانية من الدستور املصري والتي تعتبر مثار جدل واسع وخالف كبير بني مختلف القوى السياسية في مصر ما بعد الثورة الرتباطها بكون الشريعة اإلسالمية هي املصدر الرئيس للتشريع وأن اإلسالم هو دين الدولة املصرية .حيث يؤكد أن تطبيق الشريعة اإلسالمية ليست أمرا غريبا عن املصريني األقباط ألنها مسألة مطبقة منذ دخول اإلسالم مع الفتح العربى ملصر وأن كل حقوق املواطنة مكفولة في ظلها، مشيرا إلى أن املادة الثانية من الدستور املصري محل اخلالف ال تنقص أبدا من حقوق املواطنة ،مؤكدا على أهميتها بنفس صيغتها احلالية حيث يعتبرها هي احملقق لإلسناد الشرعي اإلسالمي ملبدأ املساواة التامة بني املواطنني املسلمني واملسيحيني في تولي الوظائف العامة واملشاركة الكاملة وبالتالي فهو يخالف كثيرا من اآلراء األخرى املطالبة بإلغائها. وفي معرض احلديث عن املسألة القبطية والشريعة اإلسالمية يشيد البشري مبوقف اآلباء األوائل من الشريعة األسالمية عبر التاريخ ويذكر بها االقباط الغاضبني. ويختتم املستشار طارق البشري كتابه باحلديث عن املشروع التاريخي الذي وحد األمة في مصر في بدايات القرن احلادي عشر وأهم الوثائق التي ساهمت في إثراء هذا املشروع والتأريخ له باإلضفة إلى عرض وثائق أخرى عن الشأن القبطى منها وثيقة املؤمتر القبطي الذي انعقد في فبراير عام 1910وتضمن مطالب عدة أهمها املساواة في الوظائف والتمثيل في الهيئة النيابية ومحاكم األحوال الشخصية القبطية والتعليم الديني وهو بالطبع ختام ذو مغزى هام يعكس أحوال األقباط في مصر باملقارنة مبا يتمتع به أقباط مصر اآلن من حقوق وواجبات. والشك أن كتاب " الدولة والكنيسة " يعد من الكتب اجلديرة بالقراءة ليس فقط من باب املتعة أو الثقافة ولكن ألنه كتاب يتضمن شروحا ودراسات عميقة لها ثقلها الفكري والثقافي املستمد من مؤلفه املستشار طارق البشري ويتضمن أيضا اإلجابة املوضوعية على العديد من التساؤالت والقضايا املثيرة للجدل غير احملسومة بعيدا عن اإلثارة ومن دون تهوين أو تهويل والتي تستند إلى خبرة قانونية وحكمة قضائية وفكر ثقافي ذي خلفية إسالمية مستنيرة حتظى باالحترام مهما أثارت أفكارها من جدل.
● الفن
سحر املكان ..كلمة السر ّ في طنجة املغربية
ريفييرا جديدة
تشتهر طنجة ،التي استضافت في السابق مشاهير املستوطنني األوروبيني ،اليوم بأنها وجهة لرواد الشواطئ .ولكن تعيد املدينة وضواحيها تعريف ذاتها ،في ظل إقامة مارينا ساحرة بطول الساحل وعدد من الفنادق الفخمة .توجد أيضا طنجة السرية التي تتطلب الدعوة إليها ،حيث ال يستطيع السائح العادي رؤيتها. جوليت هيغت تعاني طنجة من شهرة ال حتسد عليها ،وإن كانت اليوم ال تستحقها .يستحضر اسم املدينة في حد ذاته عاملا من التآمر واالنحدار واخملاطر ،الذي من السهل تخيله اليوم ،حيث تكشف احلواري الضيقة امللتوية عن بيوت تفصل بينها مسافات مبقدار أصابع اليد ،متيل على بعضها البعض وكأن كل بيت يهمس في أذن جاره .إنها أقدم مدينة يقطن بها سكان في املغرب ،حيث البوابة األصلية ألفريقيا من جهة أوروبا، والتي تداعت على حكمها القوى اخملتلفة عبر آالف السنني .تتميز طنجة التي تبعد عن إسبانيا مبسافة 15كيلومترا عبر مضيق جبل طارق وتعد البوابة الغربية للبحر املتوسط ،بأنها مدينة عاملية متسامحة. تشتهر املدينة التي استضافت مشاهير املستوطنني األوروبيني بأنها وجهة لقضاء اإلجازات على الشاطئ .ولكن تعيد طنجة وضواحيها تعريف ذاتها حيث تقام مارينا رائعة بطول الساحل وعدد من الفنادق الفخمة ،مثل «لوميراج» على منحدرات صخرية تطل على شاطئ خاص يبدو ممتدا بال نهاية .وهناك أيضا جالية عاملية ما زالت تعتبر طنجة موطنا ،بدال من مجرد محل إقامة ثانوي ،حيث تزوجوا منها وفي حاالت عديدة تركوا ممتلكاتهم ملغاربة بعد وفاتهم. أوصى الكاتب البريطاني ديفيد هربريت مبنزله جلاودي نور الدين ،الذي كان يعتني به حتى وفاته .يستقبل نور الدين حاليا ضيوفا مبقابل في املنزل الذي يعبر عن سيمفونية على الطراز املغربي ،حيث تعكس األقواس املغربية غرفة ذات زينة مبهجة تلو األخرى، وأقمشة وأثاث محلى الطراز ،وأحد أروع احلدائق التي ميكن تخيلها .احتسينا الشاي بالنعناع خارج املنزل في فبراير (شباط) ،بينما كانت الطيور تزقزق ونبات اجلهنمية يتألق بلونه الوردي على اجلدران امللونة. هناك طنجة السرية ،إنها زيارة املدينة بدعوة ،والتي لن تدركها إال إذا كنت تعرف شخصا مناسبا مثل نور الدين .قيل لي مرارا وتكرارا« :أكثر األشياء املمتعة في طنجة ال يراها السائح العادي« ،ومن حسن حظي أن أتعرف على بعض من تلك األشياء املمتعة عن طريق أشخاص مضيافني مثل آن المبتون ،التي تقيم حفالت غداء وعشاء لوكالء السياحة املتخصصني في منزلها ،فيال باملا .وتقدم شركتها أيضا سيكريت هومز آند غاردنز رحالت خاصة إلى احلدائق في املغرب .أعد طاهي آن المبتون ،الذي أوصت آن بالفعل بأن يرث ممتلكاتها ،في ذلك اليوم طعاما من املطبخ املغربي احمللي. في قلب املدينة القدمية ،زرت منزال غير عادي ،ميلكه األسترالي باري ستيرن الذي جمع أعماال أثرية ومعاصرة من جميع أنحاء العالم في قصر مصغر .ومثل اآلخرين، كنت «أزور» املدينة ،ولكني كنت محظوظة للتعرف على األماكن الرئيسة لبيع اآلثار واألعمال اليدوية املغربية .في متجر عبد اللطيف املليء بالكنوز ،قيل لي« :إذا اشتريت سجادة ووجدت لدى عودتك إلى بالدك أنها ال تعجبك ،ميكنك أن تردها وتسترد ثمن الشراء األصلي ،وإن كان بعد مرور عشرين عاما» .وفي متجر ماجد، وجدت مجوهرات رائعة ،وبعض من قطع الكهرمان القدمي الثمني للغاية لدرجة أنها تعرض في مجموعة خاصة. تتسم املدينة القدمية في طنجة خصوصا بجو من املشاهد احمليرة ،حيث تسير سيدات محجبات حتى يتوارين داخل احلواري املظلمة ،التي تفوح عراقة وقدما «ولكن ليس بروائح مريبة -فحتى أسواق األسماك واللحوم رائحتها لطيفة» .تعد املدينة سوقا قائمة على الدوام لسكان الريف احمليط بها .وفي أيام اخلميس والسبت، 52
تأتي نساء البربر من اجلبال املنحدرة من أجل التجارة ،مرتديات قبعات من القش على أطرافها كرات سوداء ،ومالبس مخططة من اللونني األحمر واألبيض. ميكن رؤية هؤالء السيدات البربريات من جديد في قلب املدينة القدمية في تطوان، املركز القدمي التاريخي املذهل لشرق طنجة .تعني تطوان باللغة البربرية «افتح عينيك» ،على األرجح في إشارة إلى سرعة إنشائها في القرن اخلامس عشر على يد الالجئني األندلسيني .جلب املستوطنون املسلمون واليهود املطرودون من جنوب إسبانيا تراثا معماريا وفنيا ظهر في الشرفات الدقيقة املصنوعة من احلديد ،واجلبس املزخرف واخلزف الالمع .يطلق سكان تطوان على مدينتهم «ابنة غرناطة» .تتباين عظمة البناء القدمي في واجهة الشوارع الواسعة املستقيمة مع فوضى احلواري الصغيرة في املدينة القدمية التي تضج بأنواع النشاط التجاري واحلرفي .ويتميز سكانها بابتسامتهم وترحيبهم بالدفء واحلميمية .الحظ صاحب متجر مطلي باللونني األحمر واألخضر أنني أصور الطبول التي يصنعها ،فوقف في فخر يحمل صورة لفرقته. تتباطأ الوتيرة في بلدة أصيلة الصغيرة اخلاملة الساحرة ،التي يتالقى فيها البحر عند متاريس برتغالية ترجع إلى القرن التاسع عشر .كان قصر الريسوني مقرا للص الشهير أحمد الريسوني الذي جنح في احلصول على فدية كبيرة مقابل اإلفراج عن مراسل «التاميز» والتر هاريس الذي اختطفه وأصبح بعد ذلك صديقا له .أصبح القصر حاليا مقرا إلقامة مسابقات بني الرسامني والشعراء واملوسيقيني كل أغسطس (آب) .وتشتهر أصيلة بجدارياتها التي ترسم على كل مساحة متاحة خالل مهرجانها الثقافي الذي يستمر ملدة يومني ،والذي يقام بعده معرض للخيول. جتذب تطوان وأصيلة وبلدة شيشاوة اجلميلة ،وبالطبع طنجة ذاتها املسافرين إلى تلك املنطقة بعيدا عن الفنادق وحمامات السباحة والشاطئ .ينجذب اليوم نوع آخر من الزوار إلى هذا الساحل الرائع حيث يجتمع احمليط األطلسي مع البحر املتوسط وتالمس إسبانيا املغرب .لقد بدأ نادي اليخت العاملي في إدراك قيمة اختالف هذين العاملني .على مدار عشرة أشهر في العام تتنافس ميناء منتجع مارينا سمير مع ماربيال في الهدوء واملساحة .وفي يوليو (متوز) وأغسطس (آب) فقط تزداد حركة وصول العائالت املغربية القادمة من الرباط والدار البيضاء إلى منازلهم الثانية حول مارينا أو فندق حياة وكابو نيغرو ،حيث يوجد أيضا حوض لليخوت وملعب غولف. كما يوجد موقع رائع للصيد عند املضيق. لقد ظهر السر بأن هذا اجلزء من ساحل شمال أفريقيا هو الريفييرا اجلديدة .وليس سرا أن «موسم» طنجة الرسمي يبدأ في األول من أبريل (نيسان) وينتهي في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) ،ولكن نصيحتي هي الذهاب إلى هناك في أقرب وقت ،في أي فترة من العام. جوليت هيغت -كاتبة ومصورة متخصصة في التراث والثقافة املعاصرة في الشرق األوسط .تعمل حاليا على تأليف كتابها الثاني «تصميم عمان» ،بعد أن نشرت كتابها األول «اللبان :هدية عمان إلى العالم» عام .2006
دمى متحركة
في «الفن العربي» و«الفن الشرق أوسطي»؟ ال أحب أن أصنف نفسي ،ال على املستوى اإلنساني وال على املستوى الفني .فالفنال ينتمي ملنطقة جغرافية محددة .ومن جهة أخرى ،فإن الفنان ال ميكن أن ينعزل عن مجتمعه ومحيطه .فأنا جزء من تلك املنطقة وعملي يهتم بالقضايا التي تهم بالدي. وعلى الرغم من أنني ال أنظر لنفسي باعتباري فنانة سياسية ،فإنني ال أستطيع أن أنتج أعماال خالية متاما من االهتمام السياسي .فأنا مهتمة مبحيطي ،ومجتمعي، وباهتماماتهما .وكل ذلك يتجلى في أعمالي .ففني يعكس محيطي ،حيث أقدم
تعبيرا بصريا عن مجتمعي. «اجمللة» :لقد درست في فرنسا ،وعشت في كندا .كيف أثر تنقلك بني األماكن اخملتلفة على أعمالك؟ في البداية ،شعرت بالصدمة عندما اطلعت على فن مختلف ،حيث إن الفن احلديث«فن التجهيز في الفراغ» ،وفنون الفيديو ،كانت مجهولة متاما بالنسبة لي في ذلك الوقت .وعندما كنت أدرس في سوريا لم يكن لدينا أي اطالع على الفن الغربي في ما بعد بيكاسو .وعندما وصلت إلى أوروبا ،اكتشفت أن علي أن أعيد النظر في مفهوم الفن بذاته والبدء ،إلى حد كبير ،من جديد .واآلن أحاول أن أجمع بني جذوري ،واألشكال املعاصرة للتعبير .كفنان من الضروري أن تعي من أين أتيت وأن تفهم كيف تطورت وسائل التعبير املعاصرة على حد سواء .وهذان اجلانبان يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب إذا ما كنت تريد أن تنتج فنا «ينتمي إلى ذاتك» ،فنا يعد تعبيرا حقيقيا عن وضعك اخلاص. «اجمللة» :أنت لست فقط فنانة ولكنك تدرسني أيضا بكلية الفنون اجلميلة بجامعة دمشق .وقد كانت جتربتك اخلاصة املتعلقة بالضياع أمام التقنيات املعاصرة اجلديدة مهمة بالنسبة لتطورك كفنانة .كيف تنقلني رؤيتك لطالبك؟ لألسف ،الوقت املتاح لدروسي محدود للغاية .كما أنني أدرس التصوير ،وبالتالي،يجب أن تظل التقنيات الفنية األخرى في اخللفية .ولكنني أحاول أن أكشف عن أكبر قدر من الفن الدولي املعاصر لطالبي ،فيجب على األقل أن يدركوا وجوده وثراءه .ولذلك، فحتى إذا ما كنت غير قادرة حقا على جعله جزءا من دروسي ،أمتنى أن أكون قادرة على تشجيعهم على البدء في استكشافه بأنفسهم.
بدوية
العدد ،1564يونيو 2011
بثينة علي
*شارلوت بانك باحثة وكاتبة مختصة في علم اآلثار وتاريخ الفن في الشرق األوسط وتعيش وتعمل بني برلني ودمشق
51
● الفن
اخلجل ..بدون تعليق
الفنانة السورية بثينة علي ..مجرّد امرأة
انتماء إلى الذات
تعد الفنانة السورية بثينة علي إحدى الفنانات املعاصرات من جيل الشباب في البالد الذين يعرضون أعمالهم على مستوى عاملي .فقد عرضت أعمالها في لبنان ،وبرلني ،والقاهرة ،وباريس ،ودبي ،وغيرها ،كما مت عرض أعمالها ضمن مجموعات املتحف العربي للفن احلديث في الدوحة ،ودار الفنون بعمان ومعرض إنريكو نافارا في باريس. شارلوت بانك تظهر أعمال بثينة علي اهتماما بالغا مبجتمعها والقضايا التي تهم أفراده .وباإلضافة إلى االهتمام الذي توليه حمليطها ،هناك أيضا منحى عاملي في أعمالها واهتمام باألمناط اإلنسانية والوجودية .كما أنها ال تقف أبدا كمتفرج منعزل عن املشهد ،بل إنها تندمج مباشرة مع موضوعها وتختار لكل عمل فني جديد الوسيط الذي تعتقد أنه األكثر مالءمة للتعبير عن أفكارها في شكل متوازن بأسلوب فريد .تعد أعمال بثينة الفنية معاصرة وعاملية وفي الوقت نفسه فإنها مرتبطة بأصول مجتمعها السوري على نحو كبير .وقد جعلها ذلك أكثر الفنانني الشباب أهمية في البالد. عندما التقيت بثينة علي في دمشق في أكتوبر (تشرين األول) كانت قد عادت للتو من اسطنبول حيث عرضت «ال تصغي إليها ،فهي مجرد امرأة» في معرض «مياه مشتركة» في اسطنبول ،وهو العرض الذي كان يرعاه الفنانان من السويد ،أوال كاستروب ،وماريا أنغكويست كليفير .وقد حتدثت إلى بثينة حول عملها ووضعها كفنانة شابة من املنطقة العربية على الساحة الفنية الدولية. «اجمللة» :في معرض «ال تصغي إليها ،فهي مجرد امرأة» رصدت صحبة املرأة وقوة احلمام التقليدي واحلميمية التي ينضوي عليها ..ما هي عناصر القوة التي ترينها في ذلك الشكل التقليدي للصداقة النسائية؟ أتذكر القصص التي أخبرتني بها أمي حول االستعدادات التي كانت تقوم بها هي50
وصديقاتها قبل الذهاب إلى احلمام .فقد أخبرتني حول األشياء التي كن يعدانها لكي يأخذنها معهن ،السجاجيد ،املناشف ،ماء الورد ،واحلنة ،بل وحتى الطعام .وكنت أدرك أهمية املكان بالنسبة لها ..حيث إنه كان يسمح للنساء بقضاء «وقت خاص»، واالسترخاء ،والرقص ،وتناول الطعام ،وتبادل احلكايات .وعندما تدخل امرأة للحمام، فإن أول شيء تفعله هو إزالة حجابها ،وهو الفاصل الذي يحجبها عن الغرباء من حولها .فهي تزيل ذلك الفاصل للكشف عن حقيقتها .إن احلمام هو املكان الذي جتد فيه النساء ملجأ مع بعضهن البعض ،ويصبحن أحرارا في التعبير عن أصواتهن ،وهو املكان الذي تسنح لهن فيه الفرصة ألن يصبحن أنفسهن ،بحرية في مكان خال من الضغوط التي ميارسها الذكور. «اجمللة»« :ال تصغي إليها ،فهي مجرد امرأة» هو مجرد منوذج الهتمامك بالثقافة العربية التقليدية ،وفي معرض آخر« ،خيمة» ( )2002كنت تفحصني الثقافة البدوية املعاصرة ومنط احلياة بها .وكانت أعمالك تقف عادة في مفترق الطرق بني احلقيقة احلية والتقاليد في العالم العربي واألسئلة العاملية حول الوجود اإلنساني ،ومن ثم تصبح عصية على التصنيف السهل باعتبارها فنا «عربيا» أو «شرق أوسطي» .ومن خالل التركيز العاملي املتزايد على «الفن العربي» ،يجد الفنانون أنفسهم في بعض األحيان في حاجة ملوازنة أعمالهم بني التوقعات الغربية ومشاريعهم الفنية اخلاصة. كيف تضعني نفسك كفنانة عربية داخل املشهد الفني الدولي املعاصر واالستغراق
● موجز عن دولة
تطور اقتصادي: في اجملال االقتصادي أثمرت توجيهات خادم احلرمني الشريفني امللك عبداهلل بن عبدالعزيز نحو اإلصالح االقتصادي الشامل وتكثيف اجلهود من أجل حتسني بيئة األعمال في اململكة وإطالق برنامج شامل حلل الصعوبات التي تواجه االستثمارات احمللية واملشتركة واألجنبية بالتعاون بني جميع اجلهات احلكومية ذات العالقة على حصول اململكة العربية السعودية على جائزة تقديرية من البنك الدولي تقديرا ً للخطوات املتسارعة التي اتخذتها أخيرا ً في مجال اإلصالح االقتصادي ودخول اململكة ضمن قائمة أفضل عشر دول أجرت إصالحات اقتصادية انعكست بصورة إيجابية على تصنيفها في تقرير أداء األعمال الذي يصدره البنك الدولي . وأوضح تقرير صندوق النقد الدولي لعام ( )2009أن اململكة واجهت األزمة املالية العاملية احلالية بأساسيات إقتصادية قوية وعملت على تعزيز مركزها اإلقتصادي الكلي وتقوية القطاع املالي وتنفيذ إصالحات هيكلية لدفع عجلة النمو بقيادة القطاع اخلاص .كما أثنى أعضاء مجلس الصندوق على اإلجراءات التي أتخذتها اململكة لتعزيز السيولة املصرفية وحتقيق اإلستقرار في سوق املعامالت بني البنوك والتحرك الذي قامت به احلكومة على مستوى املالية العامة لتخفيف أثر الركود اإلقتصادي العاملي. وعلى الرغم مما مير به اإلقتصاد العاملي من ظروف صعبة فقد أبقت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف اإلئتماني للمملكة عند مستوى ( ،)-AAوأكد التقرير على متانة الوضع املالي للحكومة بفضل ميزان املدفوعات القوي وجناح اخلطط اإلصالحية واإلنفاقية للحكومة .وتعزز هذه النتائج املكانة اإلقتصادية للمملكة كبيئة جاذبة لإلستثمارات وسيسهل على الشركات السعودية احلصول على التمويل بتكلفة أقل. كما تضمن تقرير البنك الدولي عن مناخ اإلستثمار لعام ( )2010تصنيف اململكة في املرتبة ( )13الثالثة عشرة من بني ( )183مئة وثالثة وثمانني دولة مت تقييم األنظمة والقوانني التي حتكم مناخ اإلستثمار بها متقدمة من املركز ( )16السادس عشر الذي حققته في عام (.)2009 هذا ويتوقع اقتصاديون أن ينمو اقتصاد السعودية نحو ستة الى 6.5في املائة في 2011بدال من 4.3في املائة كما هو متوقع حاليا بفضل حزمة اإلنفاق االجتماعي التي أعلن عنها في اآلونة األخيرة وتعهدت فيها اململكة بإنفاق 130مليار دوالر أي حوالي 30في املئة من ناجتها االقتصادي السنوي على بناء منازل جديدة وتوفير وظائف وإعانات بطالة وإجراءات أخرى. الصناعة: يتكون هيكل اإلنتاج الصناعي في اململكة العربية السعودية من وحدتني رئيسيتني ّ هما الصناعات األساسية (الثقيلة) والصناعات التحويلية -املتوسطة. وترتبط الصناعة في اململكة بالنفط والغاز الطبيعي :تكرير وبترو كيمياء .وأهم املنتوجات الصناعية :االسمنت القطران ،قضبان الفوالذ ،االثيلني ،العلف ،جليكول االثيلني ،االيتانول الصناعي ،ديكلورور االثيلني ،الستيارين ،الصودا الكاوية ،االزوت، حمض السيتريك ،االوكسجني ،امليالمني ،وهناك ايضا حتلية مياه البحر وصناعة املواد
الغذائية .يتناول نزع امللح من مياه البحر حوالي 100مليون متر مربع من املاء في السنة .وليست هذه الكمية بشيء يذكر أمام الـ 9500مليون متر مكعب التي تؤمنها سنويا املياه اجلوفية والتي تستهلكها الزراعة .وفي موازاة ذلك تشهد اليوم اململكة منوا كبيرا في مجال الصناعات الزراعية -الغذائية وصناعة املواد االستهالكية التي تقوم على رؤوس االموال اخلاصة. هذا ومتتلك اململكة العربية السعودية أكبر شبكة للطرق بالشرق األوسط إذ تتنوع ما بني الطرق البرية واجلوية والبحرية فمن ناحية الطرق البرية فإنها متتلك شبكة من الطرق السريعة تربط اخلليج شرقا مرورا بالعاصمة الرياض إلى البحر األحمر غربا ومن الشمال على احلدود األردنية إلى جيزان في اجلنوب ويبلغ مجموع أطوال الطرق ما يزيد عن 50ألف كيلومتر ما بني طرق سريعة ومزدوجة ومفردة بني املدن اما بالنسبة إلى داخل املدن فان غالب املدن الرئيسية وعواصم احملافظات متتلك شبكة من الطرق السريعة الدئرية وبالنسبة للسكك احلديدية فيوجد سكة حديد تربط ما بني ميناء امللك عبد العزيز مبدينة الدمام وما بني امليناء اجلاف مبدينة الرياض ومير باألحساء وبقيق والظهران وحرض. استثمار آمن هناك عدد من األسباب الداعية لالستثمار في عدد من القطاعات اإلستراتيجية التي متتلك فيها السعودية مزايا نسبية عالية ،على مستوى املنطقة والعالم ،ومنها على سبيل املثال أن اململكة هي الدولة األولى في العالم من حيث أسعار الطاقة املقدمة للمشاريع االستثمارية. وبشكل عام فان االستثمار في السعودية يحقق للمشاريع احمللية أو املشتركة أو األجنبية معدالت ربحية مرتفعة ،مع نسبة مخاطرة منخفضة ،دون أن يكون هناك أشكال متعددة من الضرائب أو رسوم تسجيل امللكية وغيرها حيث حتتل اململكة املركز اخلامس على مستوى العالم فيما يتعلق بالضرائب واملراكز الرابع على مستوى العالم في ما يتعلق بتكاليف تسجيل امللكية وفقا لتقرير أداء األعمال 2007ونقرير أداء األعمال 2006الصادران عن البنك الدولي. وعلى سبيل املثال فإنه وفقا لدراسة شاملة جمللة عرب فوربز أعلنت عنها في أواخر 2006لتقييم أداء ( )1616شركة مساهمة في العالم العربي وفقا لعدد من املعايير ومنها الكفاءة التشغيلية القيمة السوقية ،املبيعات ،اإليرادات ،عائد السهم ،العائد على حقوق املساهمني ،العائد علي املوجودات على مدار السنتني املاضيتني ( 2004ـ )2005إضافة الى النمو املتوقع لهذه الشركات في السنوات القادمة فقد حصلت على املراكز الثالثة األولى شركات سعودية وكان بني اخلمسني الشركة األفضل 22شركة سعودية ومنه شركات سعودية 100في املائة وشركات مشتركة برأسمال سعودي وأجنبي . وكمثال أخر فإن البنوك اإلثني عشر باململكة هي من أفضل البنوك في العالم العربي وأكثرها منوا وحتقيقا لألرباح ومعظمها ضمن قائمة أكبر ألف بنك في العالم ،وفقا لتقرير الفايننشال تاميز لعام 2006كما أن أكبر ثالثة بنوك في العالم العربي هي بنوك سعودية. و اململكة العربية السعودية هي أكبر سوق اقتصادي حر في منطقة الشرق األوسط .إذ حتوز على 25في املائة من أجمالي الناجت القومي العربي إضافة إلى أن اململكة العربية السعودية متتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم ( 25في املائة) وتوفر الطاقة للمشاريع االستثمارية بأقل األسعار على مستوى جميع دول العالم مما يجعل اململكة الوجهة املثالية للمشاريع التي تعتمد على استهالك الطاقة، إضافة إلى عدد من املوارد الطبيعية الواعدة في مجال التعدين ،كما أن املوقع اجلغرافي للمملكة يجعلها منفذا ً سهال ً ألسواق أوروبا وآسيا وأفريقيا ،ويتمتع سوقها بقدرة شرائية عالية ويشهد سوقها احمللي توسعا ً مستمرا ً . ويعتبر الريال السعودي من أكثر العمالت في العالم استقراراً ،حيث لم يكن هناك تغير كبير في قيمة صرفه خالل الثالثة العقود األخيرة وال توجد هناك أية قيود مفروضة على الصرف والتحويل بالعمالت األجنبية وحتويل رؤوس األموال واألرباح للخارج .أما معدالت التضخم في اململكة العربية السعودية فهي منخفضة جداً ،وتسعى اململكة لتوقيع اتفاقيات ثنائية مع عدد متزايد من الدول فيما يتعلق بتشجيع وحماية اإلستثمار ،ومنع االزدواج الضريبي. وكل ما سبق جعل التقرير الصادر في فبراير 2007عن مؤسسة «ميلكن» العاملية يصنف اململكة العربية السعودية في املرتبة األولى بني جميع دول العالم في التصنيف من حيث بيئة االقتصاد الكلي والتي يقصد بها مدى قابلية هذه البيئة إلدارة ومتويل املشاريع ،ويتضمن ذلك بحسب املؤسسة انخفاض واستقرار معدالت الفائدة ومستويات التضخم إضافة إلى انخفاض الضرائب مقارنة مع املستويات الدولية.
48
كبيرة من عائداتها لتطوير اخلدمات ومنها تطوير قطاع التعليم.وتعيش اململكة حاليا نهضة تعليمية شاملة توجت بإحدى وعشرين جامعة حكومية وأربع جامعات أهلية تضم 19كلية جامعية أهلية موزعة على جغرافيا لتغطي احتياجات اململكة حيث بلغ عدد طلبتها 701.681وبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس في هذه اجلامعات 30.246أستاذا للعام الدراسي , 2007/2008اضافة الى 32ألف مدرسة للبنني والبنات ارتفع أجمالي عدد طلبتها إلى أكثر من 5ماليني طالب وطالبة يتلقون تعليمهم في أكثر من 32ألف مدرسة ويقوم على تعليمهم أكثر من 426ألف معلم ومعلمة .كما مت إنشاء العديد من املعاهد واملراكز في بعض اجلامعات ألبحاث التقنيات متناهية الصغر -النانو. دولة املؤسسات: حرصا على سن األنظمة وبناء دولة املؤسسات واملعلوماتية في شتى اجملاالت مع توسع في التطبيقات مت إكمال منظومة تداول احلكم بإصدار نظام هيئة البيعة والئحته التنفيذية وتكوين هيئة البيعة وجرى حتديث نظام القضاء ونظام ديوان املظالم وتخصيص سبعة مليارات ريال لتطوير السلك القضائي والرقي به كما مت إنشاء عدد من الهيئات واإلدارات احلكومية واجلمعيات األهلية التي تعني بشؤون املواطنني ومصاحلهم ومنها (الهيئة الوطنية حلماية النزاهة ومكافحة الفساد) و(الهيئة العامة لإلسكان) كما مت إنشاء وحدة رئيسية في وزارة التجارة والصناعة مبستوى وكالة تعنى بشؤون املستهلك . وبدأت اجملالس البلدية متارس مسؤولياتها احمللية في 2005وزاد عدد مؤسسات اجملتمع املدني وبدأت تسهم في مدخالت القرارات ذات األبعاد االجتماعية واالقتصادية ومت تشكيل هيئة حقوق االنسان وإصدار تنظيم لها وتعيني أعضاء مجلسها كما مت انشاء جمعية أهلية تسمى جمعية حماية املستهلك وهيئة الغذاء والدواء وقام مركز امللك عبدالعزيز للحوار الوطني بدوره في نشر ثقافة احلوار في اجملتمع وأسهم في تشكيل مفاهيم مشتركة بشأن النظرة إلى التحديات التي تواجه اجملتمع وكيفية التعامل معها . وفي مجال احلوار بني اتباع االديان والثقافات واحلضارات ونبذ الصدام بينها وتقريب وجهات النظر دعا خادم احلرمني الشريفني امللك عبداهلل بن عبدالعزيز ال سعود في أكثر من مناسبة إلى تعزيز احلوار بني اتباع االديان والثقافات واحلضارات اخملتلفة وإلى ضرورة تعميق املعرفة باألخر وبتاريخه وقيمه وتأسيس عالقات على قاعدة االحترام املتبادل واالعتراف بالتنوع الثقافي واحلضاري و استتثمار املشترك االنساني لصالح الشعوب. وضوح وشفافية: في اجملال السياسي حافظت اململكة على منهجها الذي انتهجته منذ عهد مؤسسها الراحل امللك عبدالعزيز القائم على سياسة االعتدال واالتزان واحلكمة وبعد النظر على الصعد كافة ومنها الصعيد اخلارجي حيث تعمل اململكة على خدمة اإلسالم واملسلمني وقضاياهم ونصرتهم ومد يد العون والدعم لهم في ظل نظرة متوازنة مع مقتضيات العصر وظروف اجملتمع الدولي وأسس العالقات الدولية املرعية واملعمول بها بني دول العالم كافة منطلقة من القاعدة االساس وهي العقيدة اإلسالمية الصحيحة . وكانت السياسة اخلارجية للمملكة العربية السعودية وما تزال تعبر بصدق ووضوح مقرونني بالشفافية عن نهج ثابت ملتزم جتاه قضايا األمة العربية وشؤونها ومصاحلها املشتركة ومشكالتها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستعادة املسجد االقصى املبارك والعمل من أجل حتقيق املصالح املشتركة مع التمسك مبيثاق اجلامعة العربية وتثبيت دعائم التضامن العربي على أسس تكفل استمراره خلير الشعوب العربية. وللمملكة اسهاماتها الواضحة وامللموسة في الساحة الدولية عبر الدفاع عن مبادئ األمن والسالم والعدل وصيانة حقوق اإلنسان ونبذ العنف والتمييز العنصري وعملها الدؤوب ملكافحة اإلرهاب واجلرمية طبقا ملا جاء به الدين اإلسالمي احلنيف، منهج اململكة العربية السعودية في سياساتها الداخلية واخلارجية باإلضافة إلى مجهوداتها في تعزيز دور املنظمات العاملية والدعوة إلى حتقيق التعاون الدولي في سبيل النهوض باجملتمعات النامية ومساعدتها على احلصول على متطلباتها األساسية لتحقيق منائها واستقرارها. العدد ،1564يونيو 2011
حقائق أساسية
•العاصمة :الرياض •أهم املدن :مكة املكرمة - املدينة املنورة -جدة -الدمام •امللك :خادم احلرمني الشريفني عبداهلل بن عبد العزيز آل سعود •ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء :سلطان بن عبد العزيز آل سعود •النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء :نايف بن عبد العزيز آل سعود •اللغة :العربية •الدين :االسالم •العلم :مستطيل الشكل عرضه يساوي ثلثي طوله، أرضيته خضراء وتتوسطه الشهادة (ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل) وحتتها سيف عربي تتجه قبضته نحو سارية العلم مرسومة باللون األبيض ،وال يجوز تنكيسه أو مالمسة األرض أو املاء وذلك احتراما ً للشهادة املكتوبة عليه •العملة :الريال السعودي •التقومي :التقومي الهجري وهو اليوم الذي هاجر فيه الرسول محمد صلى اهلل عليه وسلم من مكة املكرمة إلى املدينة املنورة والذي يوافق عام 622م. •العطالت الرسمية: •نهاية األسبوع :اخلميس واجلمعة •عيد الفطر :تبدأ من اخلامس والعشرين من شهر رمضان إلى اخلامس من شهر شوال •عيد األضحى :تبدأ من اخلامس من شهر ذي احلجة إلى اخلامس عشر منه •اليوم الوطني 23 :سبتمبر وذلك تخليدا ً لذكرى توحيد اململكة وتأسيسها على يدي جاللة امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه اهلل الذي أعلن قيام اململكة العربية السعودية عام 1351هـ -1932م •النظام القضائي :دستور اململكة العربية السعودية هو القرآن والسنة النبوية ،وجميع األنظمة التشريعية لها مستمدة من هذين املصدرين. •نظام احلكم :النظام امللكي ،ويشكل مجلس الوزراء مع امللك السلطة التنفيذية والتشريعية للدولة ،ويتولى مجلس الشورى إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة التي حتال إليه من رئيس مجلس الوزراء. •جفرافية اململكة :حتتل السعودية القسم األكبر من شبه اجلزيرة العربية ،وتتألف من سهول ضيقة على ساحل البحر األحمر (سهول تهامة ،تليها ،نحو الشرق ،سالسل جبلية متتد على طول البالد (جبال احلجاز وعسير ويتعدى أقصى ارتفاعها 2000م) ،ثم صحار وهضاب صخرية في الوسط ( 90%من املساحة العامة) ،أكبرها صحراء النفوذ في الشمال والربع اخلالي في اجلنوب .أما في الشرق ،وعلى طول ساحل اخلليج العربي ،فتمتد سهول ساحلية واسعة. •املوقع :تقع اململكة في أقصى اجلنوب الغربي من قارة آسيا حيث يحدها غربا ً البحر األحمر وشرقا ً اخلليج العربي واإلمارات العربية املتحدة وقطر وشماال ً الكويت والعراق واألردن وجنوبا ً اليمن وسلطنة عمان •املساحة :تشغل السعودية أربعة أخماس شبه جزيرة العرب مبساحة تقدر 2،149،790كيلومتر مربع •عدد السكان 28 :مليون نسمة منهم 7ماليني أجنبي •معدل الدخل للفرد 16.039 :دوالر أميركي 47
● موجز عن دولة
اململكة العربية السعودية
اململكة العربية السعودية هي دولة عربية إسالمية ،حتتل اجلزء األكبر من شبه اجلزيرة العربية ،وتتميز مبوقعها االستراتيجي بني ثالث قارات ،وهي موطن للعديد من احلضارات ومهد للرساالت السماوية ،عاصمتها الرياض ،وتشتهر اململكة بوجود األماكن االسالمية املقدسة بها ،فيوجد بها املسجد احلرام مبكة املكرمة ،واملسجد النبوي الشريف باملدينة املنورة ،ويفد إليها ماليني املسلمني سنويًّا ألداء شعائر احلج والعمرة ،باإلضافة لوجود العديد من املزارات اإلسالمية األخرى. تشتهر اململكة بكثرة األحداث التاريخية التي مرَّت بها ،وذلك منذ عصور ما قبل اإلسالم ومرورًا بظهور اإلسالم بها ،وغيرها من األحداث الهامة مثل توحيد اململكة مؤسس اململكة .وتُعد اململكة هي األولى في على يد امللك عبد العزيز آل سعود ِّ العالم من حيث إنتاج البترول واحتياطه ،كما حتتل املركز العاشر في إنتاج الغاز الطبيعي.
اإلسالمي وبذل كل ما يستطيع إلصالح ذات البني بني األشقاء من العرب واملسلمني وتعميق الروابط األخوية بني الدول الشقيقة في مجلس التعاون وفي اجلامعة العربية وبني دول العالم اإلسالمي .ونادى بالعمل على حتقيق السالم العادل ودعا حملاربة اإلرهاب أيا ً كان مصدره وشدد خالل زيارته للفاتيكان وغيرها بأهمية احلوار بني األديان واحلضارات لتعزيز التسامح واألمن بني شعوب العالم.
إن املوقع اجلغرافي املتميز للمملكة وثرواتها النفطية واملعدنية الهائلة وسياساتها االقتصادية املنفتحة وسوقها احمللي الكبير إضافة إلى العدد املتزايد من مشاريع اخلصخصة واحلوافز االستثمارية التي تطرحها احلكومة ،جتعل منها أفضل موقع لالستثمار األجنبي مبنطقة الشرق األوسط.
تعامل امللك عبداهلل مع كل القضايا الداخلية منها واخلارجية بكل حكمة وعقالنية (آخرها من يشهده العالم العربي من تغيير وحتوالت عميقة) فانتهجت اململكة بتوجيهاته مبدأ الشفافية والتوازن بني بذل اجلهد حلل املشكالت ودرء مخاطرها عن اململكة وبني احلفاظ على وتيرة التنمية الداخلية والدفع بها إلى آفاق أرحب تطال كافة املناحي االجتماعية واالقتصادية والثقافية والعلمية وهو ما تشهد به احلقائق واملنجزات.
خادم احلرمني الشريفني قبل ست سنوات وعند بيعته ملكا للمملكة العربية السعودية عاهد خادم احلرمني الشريفني امللك عبداهلل بن عبدالعزيز آل سعود شعبه أن يتخذ القرآن الكرمي دستورا ً واإلسالم منهجا ً وأن يكون شغله الشاغل إحقاق احلق وإرساء العدل وخدمة أبناء هذا الوطن جميعا ً وكان دائما ً يردد في لقاءاته املتعددة مع أبناء شعبه «عليكم الصبر وعلي الوفاء مبشيئة اهلل تعالى». لم تكن فترة تولي امللك عبداهلل مريحة على صعيد األزمات اإلقليمية والدولية وتداعياتها في فترة شهدت حربني إسرائيلتني ضروسني ضد كل من لبنان وغزة وانقسامات عربية حادة وتعد على حدود اململكة اجلنوبية وأزمة مالية عاملية وإرهابا ً يتهدد العالم ويطال أمن اململكة. وقف خادم احلرمني بحزم مع كل قضايا احلق التي تخص األمة العربية والعالم 46
شهدت اململكة العربية السعودية منذ مبايعة امللك عبداهلل العديد من املنجزات التنموية العمالقة على امتداد مساحتها الشاسعة في مختلف القطاعات االقتصادية والتعليمية والصحية واالجتماعية والنقل واملواصالت والصناعة والكهرباء واملياه والزراعة تشكل في مجملها إجنازات جليلة متيزت بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته مما يضعها في رقم جديد في خارطة دول العالم املتقدمة فقد جتاوزت في مجال التنمية السقف املعتمدة إلجناز العديد من األهداف التنموية التي حددها إعالن األلفية لألمم املتحدة عام .2000 اخلدمات التعليمية: خطت مسيرة التعليم خطوات متسارعة إلى األمام حيث وجهت اململكة نسبة
● حوارات
عن طريق تأجيج العواطف الدينية و التمويل غير أن ذلك يبقى هامشيا، فالشعب التونسي قد اثبت للعالم قدرته على التغيير بالوسائل السلمية .أما بخصوص الكلمة التي نسبت للسيد الراجحي و التي مفادها التشكيك في قائد اجليوش الثالث (الفريق أول رشيد عمار) فما كانت لتثير تلك االضطرابات لو لم يكن الوضع مهيأ لذلك و الذي ال يزال مستمرا في االضطراب ،فالوضع االجتماعي في البالد يستحق إجراءات عاجلة حتى يعود األمل للتونسيني الذين انا متأكد من قدرتهم على الصمود لسنوات ثالث أخرى على األقل إذا ملسوا و رأوا عودة نسق االستثمار و التنمية ،فمجرد رؤية اجلرافات في الطرق السريعة كفيل بأن يعيد الطمأنينة أما إذا غاب ذلك فمن الطبيعي ان يدب اليأس ال سيما مع حالة الضعف التي عليها احلكومة و االختالل األمني ،ما يفرض التعجيل بإعادة الشرعية و تدعيم األمن و املصاحلة مع املواطن. «اجمللة» :يرجع الكثيرون حالة االنفالت األمني إلى ما يسميه التونسيون «حكومة الظل» التي تتركب من بعض فلول النظام السابق و «القوى املضادة للثورة» التي كانت منتفعة من النظام القدمي و بأطراف جديدة حتاول فرض نفسها بالقوة ،فما هو تفسيركم لهذه القوى وما هو موقفكم مما يسمى بحكومة الظل؟ ـ أوال أنا ال اعتقد في وجود حكومة ظل ،فاحلكومة معروفة وأعضاؤها معروفون و رئيسها أيضا معروف من زمن طويل وهو شخصية قد أثبتت في األسابيع القليلة املاضية قدرتها على إدارة دفة الدولة فبالتالي ما يوحى به من وجود حكومة ظل ال أرى له أساسا في الواقع .أما قوى الردة فهي بالتأكيد األطراف املتضررة وهي موجودة و لكنها وإن قدرت على النشاط فهي ال تستطيع أن تتجاوز استغالل االضطرابات املوجودة .وانا بكل الوضوح أقول انه البد من معاجلة األوضاع بإعادة الشرعية وإعادة األمل للشباب و الثقة للمستثمرين ووضوح رؤية العالم اخلارجي لتونس وحينها فقط تصبح كل األطراف التي حتدثنا عنها على هامش التاريخ و األحداث وغير قادرة على التأثير إال بقدر إخفاقنا في حتقيق املهمات العاجلة واألساسية التي ذكرتها. «اجمللة» :كنتم قبل 14جانفي (يناير) قد تعرضتم و حزبكم إلى هجمات شرسة من البوليس السياسي و احلزب احلاكم سابقا (التجمع الدستوري الدميقراطي) الذي كان مسيطرا على احلياة السياسية في تونس وبعد الثورة الزلتم تتعرضون إلى هجمات و لكن من أطراف أخرى بسبب رفضكم إلقصاء التجمعيني الذين طاملا أقصوكم ،فبماذا تردون؟ ـ أوال البد من التفريق بني اخلصوم السياسيني و الرأي العام و في جميع دول العالم يختلف كل اخلصوم أما الرأي العام فاعتقد انه إلى جانبنا و يؤيدنا ،أما مسألة احلزب احلاكم سابقا فنحن و في حزبنا قد توخينا سياسة االستمرارية بشأنه ،فقبل الثورة لم نكن نطالب بحله بل بفصل أجهزته عن أجهزة الدولة لتحقيق تكافؤ الفرص أما بعد 14جانفي فقد قامت حكومة السيد محمد الغنوشي بهذا الفصل و استرجعت الدولة مقراتها و منقوالتها و نادينا في هذه املرحلة بتتبع رموز هذا احلزب الذين تورطوا في الفساد و القمع ليتولى أمرهم قضاء عادل من دون تأثير خارجي مبا فيه تأثير الرأي العام ليبقى احلكم على اخلصوم السياسيني للشعب عن طريق صناديق االقتراع ،ففي بلدان أوروبا الشرقية حكمت األحزاب الشيوعية باحلديد و النار و لكنها أصبحت بعد ذلك أقلية ال تسمح لها إمكاناتها بالعودة إلى احلكم .وبالنسبة لي اخلالف مع التجمع الدستوري احلاكم سابقا ليس تضادا شخصيا بقدر ما هو على صورة تونس التي نريد وهي اآلن قد حتررت من االحتكار وإن كانت هناك مساءلة فيجب أن تكون أمام القضاء أوال ثم عن طريق صناديق االقتراع .ثم انه على كل من ميارس السياسة وضع املصاحلة الوطنية نصب عينيه و اذكر كلمة الرسول صلى اهلل عليه و سلم «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فهو من طوى صفحة املاضي ،فأنا انظر إلى املستقبل و أريد للتونسيني أن يتصاحلوا مع بعضهم البعض. «اجمللة» :كلمة « انظر إلى املستقبل « توحي بنوع معني من احلكم و يريد البعض لتونس نوعا اخر ،فكيف تريدون للحكم في تونس أن يكون؟ ـ اعتقد أن الدين اإلسالمي مشاع بني اجلميع واعتقد أيضا أن احلياة العصرية تفرض علينا التمييز بني السياسي و الديني الذي يجب أن يتمتع كل منهما باالستقاللية عن اآلخر و لكن ميكن للحركات ان تستوحي برامجها من اإلسالم من دون أن حتاول فرض عقيدتها اخلاصة و تطرحها كمشروع دولة ألن الدولة حتتكر العنف و لو أضفنا إليها الطابع العقائدي دينيا كان أو شيوعيا فستحمل خطر الشمولية و هو ما ال نقبله ويجب التمييز هنا بني العمل الدعوي والعمل السياسي إذ ال جند مثال في الغرب أجنيال ميركل املنتمية للحزب املسيحي 44
تذهب إلى الكنائس و حترض الشعب على احلزب االشتراكي وال القساوسة يحرضون املصلني للتدخل في الصراع بني األحزاب السياسية كما أنني في نفس الوقت لست من مؤيدي الالئكية الفرنسية. خالف مع النهضة «اجمللة» :منذ أواخر الثمانينات كنتم قد خبرمت اإلسالميني و أساليبهم العنيفة في فرض أنفسهم بالقوة ثم حتالفتم معهم في 2005في إطار هيئة 18أكتوبر لتعلنوا اآلن عدم استعدادكم خلوض أي حتالف مهما كان نوعه ،فهل سقطت حتالفاتكم مبجرد سقوط بن علي؟ ـ في نهاية الثمانينات كنا فعال على خالف مع حركة النهضة (اإلسالمية) في ما يتعلق بأسلوبها الذي توخته آنذاك على خلفية اعتقادنا بأنه سيساهم في انهيار الوضع العام في البالد و لكن العنف الذي واجه به النظام حركة النهضة لم يكن مقبوال ،ال من الناحية األخالقية وال من الناحية السياسية، ألنه دمر كل أمل في تطور دميقراطي في البالد ،وفي سنة 2005وعلى قاعدة مطالب دنيا كحرية التعبير و التنظم و العفو العام ،التقينا مع حركة النهضة و قمنا بتحرك دام سنة و نصف السنة و أجرينا حوارات في إطار ما يسمى مبنتدى 28أكتوبر و توصلنا إلى اتفاقات حول عديد القضايا لكن هذا التحالف جتاوزه الزمن منذ 2008حني طرحت مسالة انتخابات 2009عندما اختلفت الرؤى و انفرط التحالف بخاصة عند معركة املناشدة التي خضناها في الصف األول و لم جند سندا من عديد القوى مبا فيها حركة النهضة التي تعللت بان قواها ال تسمح لها لنختلف بعد الثورة أيضا في كيفية التعامل معها ،فقد ارتأينا نحن أن حكومة الوحدة الوطنية هو اسلم الطرق للمرور إلى الدميقراطية بينما ارتأى اإلخوة في النهضة التشكيك في شرعية احلكومة و عملوا على إسقاطها بالتعاون مع اليسار التونسي و منظمة االحتاد العام التونسي للشغل و هو ما جعل السبل تختلف و لكن لالنتخابات املقبلة أن تضع مكاسب تونس احلداثية في امليزان و سنعمل على تعزيزها عكس الدولة العقائدية التي ال تخلو من األخطار على احلريات اخلاصة من ناحية و على صورة تونس في العالم من ناحية أخرى و هو أساس اخلالف مع هذه احلركة. «اجمللة» :إذا نفهم انه من غير الوارد رؤيتكم في حكومة حتالف مع حركة النهضة؟ ـ األصل هو أن يفرز اجمللس الوطني التأسيسي غالبية تكون في احلكومة و أقلية تكون في املعارضة و لكن يقع في بعض احلاالت كما في أملانيا مثال أن تتعايش في حكومة انتقالية واحلديث في هذا ال يزال سابقا ألوانه غير أنني شخصيا ال أرى نفسي معنيا مبثل هذه احلكومة. «اجمللة» :اتهمكم النظام السابق بتنفيذ أجندة أمريكية في تونس وال تزال بعض األطراف من قوى ما بعد 14جانفي جتتر هذه االتهامات فما مدى صحتها؟ ـ حاول النظام السابق اإلساءة إلينا بشتى الطرق كاتهامنا باملواالة ألمريكا، ليقول أمام األمريكان بأننا موالون لصدام حسني ،ونشرت الصحافة الصفراء صورنا «كأعضاء لعصابة املوساد» و لم تؤثر هذه املمارسات في شيء فقد سقط الزيف «و قل جاء احلق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا « و بقينا واقفني .وال اعلم ملن تشيرين بالضبط باحلديث عن اتهامنا باملواالة لألمريكان فوالؤنا هلل و لتونس. «اجمللة» :أخيرا ،انطلقت الثورات العربية من تونس ،فكيف تتوقعون ملستقبل املنطقة العربية ان يكون؟ ـ أنا أرى أننا بصدد ميالد جديد للمنطقة العربية و لألمة العربية ،فقد كنا على هامش التاريخ بسبب فقدان الدميقراطية و احلمد هلل تفجرت الثورات في كامل أرجاء العالم العربي و كان لنا شرف البدء و كانت االوضاع ناضجة ومواتية النطالق عمليات التغيير الدميقراطي و القضاء على داء االستبداد الذي كان ينخر العالم العربي و التخلص منه سيمنحه فرصة االنبعاث من جديد ،فاجملتمعات العربية ستفجر طاقاتها و ستوسع التواصل بينها في إطار مبادالت و تنقالت حرة و هو ما سيعزز عرى الوحدة الثقافية و اجلغرافية و ستكون االفاق باذن اهلل واعدة و أنا اشعر ألول مرة بأننا نضع أرجلنا على اليابسة و إن شاء اهلل نتقدم في طريق الدميقراطية.
أجرى احلوار :شهرزاد عكاشة
انه مت إقرار انتخابات اجمللس الوطني التأسيسي الذي لم يقع حتديد مهماته وال م ّدته عدا صياغة دستور جديد ،أال تخشون من إعادة السيناريو الليبي الذي مكّن القذافي من السيطرة على احلكم ألكثر من أربعني عاما؟ ـ فعال ،أنا كنت والزلت مقتنعا بأن خارطة الطريق األولى التي وضعتها حكومة السيد محمد الغنوشي كانت هي الصائبة و السليمة ،فقد كان علينا التوجه مباشرة إلى انتخابات رئاسية متكن من رؤية واضحة ملستقبل البالد من خالل اختيار شخصية وطنية تتولى مسؤولية السلطة التنفيذية كما كان باإلمكان و في نفس السياق ان يقع انتخاب هيئة تشريعية ذات صالحيات دستورية تعيد النظر في الدستور التونسي الن القدمي لم يعد صاحلا و كانت هذه الفرضية كفيلة بإعادة االستقرار للبالد و الثقة للشركاء األجانب و األمل للشباب التونسي الذي أرى أن اليأس بدأ يعتريه من حتسن أوضاعه .التخوف من ان يطول عمر اجمللس التأسيسي قائم ألنه ال شيء يحدد من صالحياته ال سيما و انه سيكون الهيئة الوحيدة الشرعية الصادرة عن صناديق االقتراع و بالتالي فال السلطات احلالية و ال الالحقة قارة على حتديد صالحياته التي ستكون مطلقة و لو كنا قد أجنزنا انتخابات مباشرة لكان هناك اآلن توازن بني هيئتني منتخبتني من الشعب لكن النخب السياسية أرادت السير نحو مجلس وطني تأسيسي فسرنا و هاهم يريدون التأجيل سامحهم اهلل . االستحقاق الرئاسي «اجمللة» :هل ستترشحون لالستحقاق الرئاسي املقبل؟ ـ لقد مت تعليق العمل بالدستور في انتظار صياغة اخر جديد و بالتالي فالسؤال هو :هل سيكون لتونس احلق في انتخاب رئيس ...؟ فقد يقرر من سيصيغ الدستور انه من غير الضروري وجود رئيس كما هو احلال في ايطاليا و لكن أمتنى ذلك بخاصة و أن احلزب قد شارك في كل االستحقاقات االنتخابية السابقة وفي صورة إقرار نظام رئاسي وبعد موافقة احلزب ال أرى مانعا في الترشح. «اجمللة» :و لكن وقع تفسير استقالتكم من حكومة الغنوشي برغبتكم في الترشح للرئاسية املقبلة بعد إقرار منع املسؤولني في احلكومة من الترشح لهذا االستحقاق و هو ما يعني أن النية كانت وال تزال موجودة لديكم. ـ بالفعل ،ولكن القانون منع كل املتحملني للمسؤولية في احلكومة من الترشح ألي خطة انتخابية ومبا أنني كنت انوي منذ ذلك الوقت الترشح النتخابات اجمللس الوطني التأسيسي تخليت عن موقعي وتفرّغت بالكامل للحملة االنتخابية للحزب و الترشح ليس طموحا شخصيا بقدر ما هو محاولة خلدمة تونس عن طريق توفير أكثر ما ميكن من احلظوظ للحزب الدميقراطي التقدمي حتى يكون له تأثير في احلياة السياسية التونسية. «اجمللة» :السيد احمد جنيب الشابي ما هي رؤيتكم لدور اجليش التونسي في هذه املرحلة االنتقالية احلساسة من تاريخ البالد؟ وهل تتوقعون أن يكون له دور في احلياة السياسية؟ ـ أنا شخصيا افتخر مبكسبني في حياتنا الوطنية التونسية ،األول هو مجلة األحوال الشخصية و حرية املرأة والثاني هو حياد اجليش الذي دافع عن حدود البالد و كان في نصرة الشعب كلما تعرض إلى مخاطر و أمتنى أن يبقى في دوره هذا و لكن يبقى املطلوب أن يحكم التونسيون أنفسهم بأنفسهم عن طريق صناديق االقتراع.
سواء احلكومة أو األحزاب و لكنني حتى وان كنت أعارض ذلك فإنني اعتبر هذا فرصة إلعادة احلوار و النظر في أمر الهيئة العليا حلماية أهداف الثورة واإلصالح السياسي و االنتقال الدميقراطي . «اجمللة» :أال ترون أن الهيئة العليا لالنتخابات تستجيب في موقفها لنداءات األطراف املنادية بتأجيل االنتخابات؟ ـ ال أظن ذلك فأنا اخذ األمور بظواهرها و ال أميل إلى تفسير األمور من منطلق نظرية املؤامرة و اعتقد ان أعضاء الهيئة أشخاص نزهاء و في قرارهم اعتمدوا على االعتبارات التقنية بينما أضع أنا في احلسبان االعتبارات السياسية و التي تعد أهمها الظروف األمنية ،في هذا الوقت ،و أعني اآلن ،غالب الطرقات إلى احملافظات مقطوعة كما تشهد جهات اجلنوب إضرابات عامة و يسود البالد اضطراب كبير هو وليد الثورة ووليد الفراغ احلكومي الذي اخشى إن طال أن تتفاقم األمور. «اجمللة» :كنتم قد ناديتم غداة الثورة باملرور مباشرة إلى انتخابات رئاسية غير العدد ،1564يونيو 2011
«اجمللة» :كنتم وغداة إقالة حكومة الغنوشي قد حذرمت من تسلم اجليش للسلطة ،فهل كنتم وقتئذ تسيئون الظن باجليش أم كنتم تطلبون حياده فقط؟ ـ قلت في ذلك التصريح أنني ال اتهم اجليش وال قيادته بل كنت والزلت اكبر دوره و لكن قلت أيضا أن الفوضى تعبد الطريق أمام احلكم الديكتاتوري مبا فيه احلكم العسكري الذي ال أمتناه لتونس مبا أنني ضد الديكتاتورية و لذلك أؤكد انه يجب تالفي الفوضى التي إذا سادت جتعل الشعب يتوق إلى حكم قوي لتخليصه منها و لتجنب الوصول إلى هذه النتيجة ،يجب إجراء انتخابات في اقرب وقت ممكن. إعادة الشرعية «اجمللة» :مبناسبة احلديث عن الفوضى ،أال ترون كما الكثير من املتابعني أن قيام زوبعة تصريحات وزير الداخلية األسبق فرحات الراجحي وتعرض تونس إلى هجمات إرهابية هدفها التشكيك في اجليش الوطني و قيادته ،يرجح فرضية وقوف نفس اجلهة وراء احلادثتني؟ ـ كما قلت سابقا ليست لي تفسيرات تآمرية لألشياء ،و لكنني أرى أن اخلطر اإلرهابي في بالدي حقيقي غير انه يبقى هامشيا ،فال شيء في اجملتمع التونسي يدفع و يشجع اإلرهاب إال حاجيات الناس االقتصادية و التي قد يقع استغاللها 43
● حوارات
أحمد جنيب الشابي :أرفض التحالف مع النهضة أو إقامة دولة عقائدية في تونس
الفوضى طريق للديكتاتورية
أكد أحمد جنيب الشابي انه ال يرى نفسه في حكومة حتالف مع اإلسالميني الذين كان قد خبرهم في جتارب سابقة مشددا على انه ال سبيل إلى إقامة دولة عقائدية في تونس دينية كانت أو عسكرية أو شيوعية .وأوضح املرشح األبرز لرئاسة تونس ما بعد بن علي في حوار مع «اجمللة» انه ضد «االجتثاث» وإقصاء احلزب احلاكم سابقا من املشهد السياسي التونسي ما عدا من ثبت تورطه في القمع أو في الفساد. شهرزاد عكاشة
احمد جنيب الشابي هو املؤسس و األمني العام السابق للحزب الدميقراطي التقدمي وأحد أبرز السياسيني التونسيني املرشحني للفوز برئاسة اجلمهورية التونسية ما بعد زين العابدين بن علي .كان الشابي معارضا شرسا لنب علي منذ التسعينات و من قبله ألول رئيس لتونس احلبيب بورقيبة غير أن الكثيرين لم يغفروا له «ثقة» كان قد منحها للرئيس السابق غداة توليه احلكم في نوفمبر 1987ليغير موقفه مع أول انتخابات أجنزت في عهد بن علي. يحسب الحمد جنيب الشابي أنه كان يتكلم ،وبصوت عال ،حني اختار البعض الصمت و «درء الشر» وأنه كان بني من عارضوا نظام بن علي ،وبقوة ،ورفضوا التجديد له لوالية رئاسية خامسة .النظام السابق ،وفي وجود جل رموز املعارضة في اخلارج ،بخاصة االسالمية منها ،كان يعتبر الشابي احملرض األول ضد نظام حكم بن علي و اتهمه بأنه «موال» ألميركا .تهمة موالة أميركا ال تزال تالحقه إلى اآلن حتى من طرف حلفاء األمس أعداء اليوم ،غير أن الرجل أكد أن هذه االتهامات هي من باب االفتراء و أعلن بأن الوالء هلل و لتونس التي يتمنى أن يراها بلدا ذا نظام رئاسي حقيقي يتمنى أن يكون على رأسه يوما «إذا وافقه حزبه و أيد ترشحه». 42
«اجمللة» التقت الشابي الذي عليه قبل التطلع الى قصر الرئاسة بقرطاج الفوز أوال بثقة الناخب التونسي في انتخابات اجمللس الوطني التأسيسي الذي ستكون ابرز مهماته صياغة دستور جديد للبالد و انتخاب حكومة شرعية تسير شؤونها. وإلى أن ينتهي اجلدال حول موعد اول انتخابات تعددية ودميقراطية في تونس ما بعد بن علي إليكم نص احلوار الذي أجرته «اجمللة» مع أحمد جنيب الشابي. «اجمللة» :بداية ،شهدت تونس جدال كبيرا حول تأجيل انتخابات اجمللس الوطني التأسيسي الذي صرحت الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات باستحالة اجنازها في موعدها املقرر في 24جويلية -يوليو 2011بخاصة و أن هناك قوى سياسية عديدة تساند هذه التصريحات ،أال تتوقعون حصول ضغط في هذا االجتاه إذا أصرت احلكومة املوقتة على هذا التاريخ؟ ـ باملوقف الذي أعلنت عنه الهيئة املستقلة أصبح تنظيم االنتخابات في موعدها احملدد في خطر كبير حتى مع تعهد احلكومة بتوفير كل الظروف و اإلمكانيات و أخشى أن يكون اجنازها أمرا صعبا فموقف الهيئة قد فاجأ الكل
ال أدري كيف ميكن أن تتحول ألننا ال نعرف كيف ستتطور األمور. ونحن نعرف بالتأكيد أن البحرين لن تخضع لتغيير احلكومة وهو ما كان سيعتبر إقليميا بالتأكيد نصرا إليران .ولكن إذا سقط النظام السوري ،ستكون هذه خسارة فادحة إليران في منافستها اإلقليمية على النفوذ .لذلك أعتقد أن األمور ما زالت غير محددة .وأكثر ما أراه مثيرا لإلزعاج هو زيادة الشعور بالطائفية في املنطقة .ال تغيب الطائفية عن املنطقة مطلقا ،وفي مناطق مثل لبنان والعراق ،حيث وقعت صراعات داخلية ،أصبحت هذه الهويات الطائفية أكثر بروزا .ولكن ما نراه اليوم في دول اخلليج هو مزيد من التأكيد على الهوية الطائفية ،وأرى أن ذلك قد يسبب مشكالت كبيرة على املدى البعيد. «اجمللة» :ما هي تداعيات أو نتائج إجراءات مجلس التعاون اخلليجي في ما يتعلق بالبحرين؟ هل تتنبأ بوقوع مشكالت طائفية. لست مندهشا بالتأكيد من تدخل السعودية وأعضاء مجلسالتعاون اخلليجي اآلخرين في البحرين .لقد أدركوا أن هناك احتمالية ألن تسقط البحرين ولم يكونوا سيسمحون بوقوع ذلك ،فهذا خط أحمر للسعوديني .ولكن رد الفعل البحريني جاء بعد ذلك مع دعم ضمني أو فعلي واضح من دول مجلس التعاون األخرى ،مما تسبب في خلق مشكلة ألن هناك غالبية شيعية في هذه الدولة ،وال ميكن جلم الغالبية على الدوام من دون اخملاطرة بحدوث نوع من رد الفعل العنيف .من املؤكد أن هناك عناصر في إيران يسعدها استغالل ذلك بل وتشجيعه .لذا أعتقد أنه في حني قد يكون هناك استقرار في البحرين على املدى القصير ،فإن الثمن قد يكون باهظا في املستقبل. «اجمللة» :في هذا الصدد ،إلى أي درجة تعتقد أن مجلس التعاون اخلليجي يبالغ في حجم التهديد اإليراني؟ أعتقد أنه من اخلطأ رؤية حركات االحتجاج السياسيةالداخلية كمجرد أداة للسياسة اخلارجية اإليرانية .أتفهم اخملاوف اجليوسياسية التي متثلها إيران في اخلليج ،وهي ليست فقط حجم إيران وقوتها العسكرية وإمكانياتها النووية .أعني أننا نعرف محاولة إيران في املاضي الستغالل االنقسامات الداخلية في الدول العربية .ونعرف أن إيران تدعم جماعات مثل حزب اهلل وأحزاب معينة في العراق وحتاول تعزيز نفوذها في العالم العربي. ونعرف أنه في الثمانينيات بذل النظام اإليراني جهودا كبيرة لتصدير الثورة إلى اخلليج ،لذلك من املفهوم أن احلكومات في اجلانب العربي من اخلليج تنظر إلى إيران بعدم ارتياح وريبة. ولكنهم يرتكبون خطأ حقيقيا باعتبار كل حركة احتجاج داخلية أو حركة سياسية تضم مواطنني من الشيعة أنها بدعم من إيران .سيصبح ذلك نبوءة تتحقق ذاتيا. «اجمللة» :في هذه احلالة ،هل ترى أن هناك عالقة بني األمن اإلقليمي والداخلي؟ أرى أن املشاكل الداخلية من املمكن أن تؤدي إلى مشكالتإقليمية .في هذه احلالة ،سيقدم إليران مجال جاهز حملاولة السيطرة على السياسة في هذه الدولة ،لذا هناك مخاطرة. وأعتقد أن إرضاء املواطنني وسيلة فعالة في منع تسلل إيران إلى احلياة السياسية في الدولة بصورة أفضل من سياسة القمع .مبعنى أنه سيكون هناك دائما توازن بني الترضية والقوة في أي نظام سياسي .إذا حدث ميل نحو جانب القوة – مثلما فعل البحرينيون – يبدو لي أن في ذلك مخاطرة بدفع أكثر األمناط اعتداال في املعارضة السياسية التخاذ مواقف قد تصبح إيران أكثر قدرة على استغاللها. «اجمللة» :ما رأيك في رد فعل كل من السعودية وإيران على االضطرابات املدنية الراهنة في سوريا؟ حسنا ،يقف اإليرانيون موقفا محرجا ،حيث إن عليهممساندة حليف مقرب يقمع شعبه بالطريقة التي أدانها اإليرانيون عندما وقعت في البحرين أو مصر أو تونس .ولكن احلرج ال يؤدي غالبا إلى أن تغير الدول سياساتها اخلارجية .لذا العدد ،1564يونيو 2011
يبدو لي أن اإليرانيني سيقفون إلى جانب نظام األسد – على عكس األتراك – فهم غير ملتزمني بفكرة أن نفوذهم مرتبط باحلركات الدميقراطية في املنطقة ،وأعتقد أن هذه رؤية أنقرة ولكنها ليست بالتأكيد رؤية طهران ،التي أعتقد أنها ستستمر في مساندة األسد. «اجمللة» :هل تعتقد أن موقف الرئيس اليمني علي عبداهلل صالح ضعيف؟ وما هي التداعيات اإلقليمية لرحيله احملتمل؟ في رأيي ال ميكن الدفاع عن موقفه .ولكن بالنسبة لشخص فيمثل هذا املوقف ،يبدو بالتأكيد أنه متمسك مبكانه لبعض الوقت. وفي ظل انقسام اجليش وانشقاق شخصيات قبلية بارزة عن النظام ،أشك في أن علي عبداهلل صالح ميكنه أن يستمر كرئيس لليمن لفترة أطول .ولكنني ال أعتقد أن هذا سيكون له آثار إقليمية هائلة .على الرغم من أن صالح رئيس لليمن – شمال اليمن ثم الدولة املوحدة – منذ عام ،1978فإن اليمن ذاته كان دائما مكانا غير مستقر نسبيا بحكومة مركزية ضعيفة .وأعتقد أن هذا سيستمر ،لذلك ال أرى حقيقة أن بقاء صالح أو رحيله سيكون له أثر إقليمي هائل. «اجمللة» :إذا وضعنا ذلك في االعتبار ،بعد مقتل أسامة بن الدن أخيرا ،هل تعتقد أن هذا سيكون له أي أثر كبير على تنظيم القاعدة في شبه اجلزيرة العربية أو إقليميا ،داخل اليمن؟ ال أعتقد أنه سيكون هناك تأثير كبير .أصبحت «القاعدة» إلىحد كبير تطبق الالمركزية بالدرجة الكافية ألن يستمر عملها في اليمن ،ألن لديها جذورها احمللية ووسائل جتنيد خاصة بها .من املمكن أن يؤدي غياب بن الدن إلى صراع على السلطة في التنظيم املركزي لـ«القاعدة» ،وقد يؤدي ذلك إلى مشكالت في انخفاض أعداد اجملندين .ولكن يبدو ،في ما يتعلق باملستقبل القريب – سواء بالنسبة لـ«القاعدة في شبه اجلزيرة العربية» أو «القاعدة في بالد املغرب اإلسالمي» – أن هذه اخملاوف مستمرة. أعتقد أن «القاعدة» كانت على املدى البعيد في طريقها لالنحسار في املنطقة .وال أعتقد أن رسالتها اآليديولوجية حققت شعبية. ال أرى أنها كانت قادرة على حتقيق أي جناحات في األعوام األخيرة. وأعتقد أنها كانت في وضع سيئ في الغالب .وأرى أن مقتل بن الدن إشارة أخرى في طريق انحدار «القاعدة» .وفي احتمال على املدى البعيد ،أعتقد أن أهمية «القاعدة» ستقل .ولكن في رأيي إن هذه اجلماعات العديدة التابعة لـ«القاعدة» هي التي من املمكن أن تسبب مشكالت. «اجمللة» :إلى أي درجة ميكن أن تعيد السعودية تقييم عالقاتها مع دول مجلس التعاون اخلليجي األخرى ،وهل تعتقد أن األحداث األخيرة ستسمح لدول اجمللس األخرى – وبخاصة الكويت أو قطر – باحلصول على مزيد من النفوذ؟ أعتقد أن األحداث األخيرة جمعت دول مجلس التعاون اخلليجيمعا ،حيث تشترك الدول في شعورها بالتهديد جراء االضطرابات الداخلية .ويأتي الصالح املشترك ألي نظام في احلفاظ على أنظمة احلكم ،وهو ما أعتقد أنه األساس الذي قام عليه اجمللس .من املثير لالهتمام أن قطر أرسلت قوات إلى البحرين ،معظم وسائل اإلعالم ذكرت أن السعودية واإلمارات أرسلت قواتها – وأعتقد أنها كانت أولى البعثات – ولكن أرسلت كل من الكويت وقطر أيضا بعض القوات إلى البحرين .لذلك تبدو هذه إشارة جيدة إلى أن الدولة اخملتلفة داخل اجمللس – قطر -تشارك أيضا في هذه العملية .ونعرف أيضا أن قناة اجلزيرة لم تغط بالفعل أحداث البحرين كما فعلت في مناطق أخرى ،وفي ذلك إشارة أخرى إلى املوقف القطري من األحداث .وأرى بالفعل أن تلك األحداث ساهمت كثيرا في توحيد دول مجلس التعاون اخلليجي بدال من تفريقها.
أجرى احلوار مايكل وايتنغ 41
● حوارات
غريغوري غوس :االنتفاضات العربية «و ّحدت» الدول اخلليجية
خط أحمر
أي تأثير للتطورات اإلقليمية األخيرة على منطقة اخلليج العربي وما هي اخملاوف األمنية على املنظومة اخلليجية« .اجمللة» استطلعت رأي األستاذ غريغوري غوس الذي رأى أنه من األفضل للحكومات االبتعاد عن استخدام القوة أو خوض مخاطرة زيادة انعدام االستقرار .وفي ظل انتفاضة هنا وثورة هناك ،تزداد ،بخاصة داخل دول مجلس التعاون اخلليجي ،خطوات تقوية العالقات السياسية في محاولة للحفاظ على الوضع الراهن. مايكل وايتنغ يعمل إف غريغوري غوس الثالث أستاذا للعلوم السياسية في جامعة فيرمونت األميركية .وهو خبير شهير في العالقات الدولية في الشرق األوسط ،متخصص في شؤون شبه اجلزيرة العربية واخلليج العربي .تتضمن أعماله املنشورة «العالقات الدولية في اخلليج الفارسي» (« ،)2010ممالك النفط :التحديات الداخلية واألمنية في دول اخلليج العربي»« ،)1994( .العالقات السعودية اليمنية :الهياكل الداخلية والنفوذ األجنبي» (.)1990 حتدث األستاذ غريغوري إلى «اجمللة» ،حيث عرض أفكاره حول الصراعات اإلقليمية النتقال السلطة ،والتهديد الذي ميثله
40
التأثير اإليراني ،وتقييد القمع السياسي ،واألهمية طويلة األمد لـ«القاعدة» وبقاء حتالف مجلس التعاون اخلليجي. وفي ما يلي نص احلوار: «اجمللة» :أمام األحداث األخيرة املذهلة في تونس ومصر والبحرين وغيرها ،ما رأيك في حتول السياسة اإلقليمية إليران والسعودية ،ال سيما في ما يتصل بعالقة بعضهما ببعض؟ أعتقد أن اخلصومة بني إيران والسعودية تعود إلى ما قبلاألحداث التي وقعت في األشهر القليلة املاضية .وأعتقد أنها الفكرة الرئيسة للسياسة اإلقليمية منذ عامي .2008 - 2007
تقول غادة صالح مديرة إدارية في شركة خاصة ان املرأة اليمنية “يجب أن تكون شريكا ً فعليا ً وعمليا ً للرجل وليس مبجرد كالم”.. أما رجاء علي مقبل وهي ربة بيت فتقول“ :ال يجب أن نعتمد على األحزاب فقط أيا ً كان توجهها ،فاألحزاب تستغل املرأة كورقة ال أكثر، واملطلوب ارادة خاصة باملرأة نفسها” ،اال أنها ترى في وصول اجلماعات اإلسالمية “األخوان املسلمني” الى احلكم اثرا سلبيا على املرأة وقضاياها “ولديهم سوابق في اليمن” .أما الصيدالنية مينى األسودي فترى في الفترة القادمة دالئل على متكن املرأة من املراكز واملواقع القيادية في الدولة اجلديدة “بعد أن قادت النساء الثورة الشبابية في الساحات”.
من ن�ساء الثورة
احلركة النسوية هل يبدو املستقبل معتما بالنسبة للمرأة العربية في هذه الثورت التي جاءت تطالب بتغيير النظام القدمي بكل تداعياته ،عندما كانت تصيح في الساحات والتظاهرات“ :الشعب يريد اسقاط النظام”؟ تقول الصحفية البريطانية جني مارتنسون مسؤولة قسم املرأة في صحيفة (ذي غارديان) “ان الثورات العربية قامت ألن النساء أصرّين أن يكن جزءا من حراكها باجتاه الدميقراطية” .هذا صحيح ،فال أحد ينكر كيف ظهرت صور النساء في التغطيات االعالمية العربية تبحث عنهن الصحف والقنوات الفضائية وتركز على سيرهن الذاتية .ولكن بعد أن انتهت مرحلة اسقاط النظامني في مصر وتونس ،لم يبد ان هناك اهتماما ً جديا ً بالتمثيل النسائي في ادارة شؤون البالد ،فقد عاد اجملتمعان الى القوالب املسبقة على الثورة ،ان بخصوص االقليات او بخصوص اجلندر ،وبقي مفهوم “املواطن من الدرجة الثانية” فاعال على أرض الواقع .في تونس مثال حيث احلراك النقابي واجملتمع املدني أكثر حضورا من العديد من اجملتمعات العربية األخرى ،نالحظ أن نوابا رجاال األحزاب واجلمعيات واالحتاد العا ّم التونسي للشغل رشحت ّ ميثّلونها في (الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واإلصالح السياسي واالنتقال الدميقراطي) ،وبلغت نسبة النساء حوالي 20في املائة من الترشيحات بينما كانت في البرملان األخير أي قبل سقوط بن علي 27في املائة ،على الرغم من ان هذا احلضور النسائي البرملاني مثله مثل احلضور الرجالي لم يكن فاعال فترة بن علي ،ولكن لالرقام لغتها أيضا. وتذكرنا الدكتورة آمال قرامي أننا أمام عقلية مسؤولني سياسيني راعت رغبات الرجال ولم تع ّبر عن تطلعات النساء ،وهو أمر يتكرر مع كل ثورة .و”كأن الرجال عندما يستفيقون من وقع الثورة ،يريدون أن يحققوا مجدا ذكوريا ً خالصا من دون تسليط األضواء على مساهمة النساء في بناء هذا اجملد” .تقول قرامي اخملتصة بشؤون اجلندر ..إال أن بعض االشارات القليلة هنا وهناك تدفعنا الى التفاؤل قليال ،مثل انتخاب (حركة عدالة وحرية السياسة الشعبية) مبدينة اإلسكندرية للشابة أماني السيد منسقة عامة للحركة قبل أسابيع قليلة، واخلطوة هي األولى من نوعها بني احلركات الشبابية في مصر ،لكن البادرة تبقى محدودة التاثير قياسا ً بالهيمنة الذكورية على املشهد السياسي بشبابه ومخضرميه. في الوقت احلالي تنادي نساء مصر وتونس مبجتمع مدني ودولة مدنية ال دولة دينية ،تضمن املساواة بني الرجل واملرأة وبني مختلف أطياف اجملتمع في احلقوق الدستورية. وعلى هذا األساس تناضل الناشطات اآلن يساندهن في ذلك الرجال املؤمنني بهذه الفكرة .وتستعد نساء اليمن بعد اجتياز فترة القلق مع نظام علي عبداهلل صالح الى االلفتات حلقوقهن ،وقد أثبنت وهن في ساحات االعتصام قدرة على اجلدل والتفاوض ال تقل شأنا عن زمالئهن من الرجال. إن املعركة ليست سهلة وينتظر النساء مبن فيهن الشابات الناشطات ،شوط آخر من املطالبات ستأخذ في حينها طبيعة أخرى واسما ً آخر رمبا اندرج حتت مسمى (احلركة النسوية) الذي سيعاد له االعتبار بعد أن خفت قليال في السنوات املاضية.
لينا بن مهنّي -ناشطة حقوق إنسان و مدونة و صحفية تونسية و عضوة الهيئة الوطنية إلصالح اإلعالم واالتصال .تعمل صحفية في راديو كلمة الذي متلكه ناشطة حقوق اإلنسان التونسية سهام بن سدرين .و تعمل كذلك أستاذة جامعية في اللغة االجنليزية. عرفت مبعارضتها لنظام زين العابدين بن علي .و تكتب لينا بن مهني كذلك في موقع األصوات العاملية.ساهمت في التغطية اإلعالمية عبر اإلنترنت لثورة تونس حيث توجهت إلى مدينة الرقاب لتغطي انتفاضة سيدي بوزيد .اختيرت أفضل مدونة في مسابقة «البوبز» عام ،2011وسبق ان منعها النظام السابق من السفر الى خارج تونس في مناسبات عدة. تعتبر لينا واحدة من الشباب الذين أوصلوا الثورة التونسية عبر االنترنت والشبكات االجتماعية إلى العالم ،لكن بعد خمسة اشهر من سقوط نظام زين العابدين بن علي ال تزال لينا بن مهني «املدونة من اجل الربيع العربي» ،قلقة على الدميوقراطية في بالدها. بدأت تكتب مدونتها منذ عام 2006وفي 2008بدأت تكتب ألصوات عاملية وتبنت قضايا حقوقية عدة وساهمت في العديد من حمالت التضامن مع صحفيني ومدونني تونسيني وعرب تعرضوا لالعتقال أو املضايقات من سلطات بالدهم. على هامش مهرجان «مسافرون مدهشون» الذي دعيت اليه في سان مالو غرب فرنسا أخيرا ،قالت»:لم يتغير شيء في اإلعالم. لم يتحرك شيء .األشخاص أنفسهم الذين كانوا موجودين في ظل نظام بن علي في املناصب العليا في الصحف والتلفزيونات، ال يزالون هنا». وبعد رحيل بن علي عبرت لينا عن خشيتها من ان يستغل االسالميون االنتخابات وقالت «من بني جميع األحزاب ،هم األكثر تنظيما.كما انهم سيستفيدون من شهر رمضان الذي سيقع في آب/اغسطس هذا العام ،ليروجوا ألنفسهم». وتنتقد املدونة عموما األحزاب السياسية التي «ترتكب األخطاء ذاتها ،مرارا .هم يسعون الى السلطة من دون ان يأخذوا في احلسبان إرادة الشعب».
*غالية قباني -كاتبة وروائية وناشطة سورية مقيمة في لندن العدد ،1564يونيو 2011
39
● الوضع البشري
هذا املشهد احليوي لم ينعكس بالتوازي مع القرارات الرسمية فترة ما بعد الثورة وتولي حكومتني الوزارة .فاللجنة التي شكلت العادة النظر في التعديالت الدستورية تألفت من تسعة رجال قانونيني ليس بينهم امرأة واحدة ،على رغم وجود بعض النساء اخملتصات في القانون الدستوري .وكان رد النساء عمليا ً كما حصل يوم 8مارس املاضي، عندما جتمعت النساء مع الرجال أمام نقابة الصحفيني حامالت الالفتات والشعارات باملطالب املتفق عليها ،وتوجهن جميعا إلى ميدان التحرير ليلتحمن مبسيرات أخرى من مناطق مختلفة ،وكانت املفاجأة أن هناك املئات من البلطجية وكذلك بعض السلفيني في انتظارهن ،أخذوا بالتحرش باملتظاهرات وقاموا بأعمال استفزازية وصلت إلى توجيه الكلمات البذيئة وحتول امليدان إلى بؤرة للصراع واجلدل غير احلضارى. وميكن القول إن النساء من ضحايا ما يسمى بـ”الثورة املضادة” في مصر اآلن ،وهو أمر استدعى تنظيم النساء ألنفسهن ضمن (حتالف املنظمات النسوية املصرية) الذي وجه في مارس املاضي رسالة لرئيس الوزراء اجلديد عصام شرف في مطالبة ألن تضم الوزارة اجلديدة كفاءات نسائية ،وأن يتم متثيل النساء فى جميع اللجان مبا ال يقل عن 30في املائة من عضويتها .وشددن بشكل خاص على اجلمعية التأسيسية لصياغة الدستور اجلديد ملصر التي سيتم اختيارها من قبل البرملان اجلديد .اال أن الوزارة اجلديدة ضمت امرأة واحدة فقط اوكلت لها حقيبة التخطيط. الناشطة الشابة إسراء عبدالفتاح التي تعمل حاليا َ مديرة مشاريع في املعهد املصري الدميقراطي ،تعترف بتجاهل صناع القرار لدور املرأة “وهذا ما يقلقنى على مستقبل املرأة وحقوقها فى مصر” .وترى ان قيام الثورة ال يعني بالضرورة االميان بدور املرأة في بناء املرحلة الالحقة .وأن تغيير الصورة الذهنية عن املرأة فى اجملتمع املصري أمر غير سهل ويحتاج جملهود وحمالت كثيرة .هل هي وزميالتها قلقات على املكاسب التي حققتها املرأة عبر السنوات املاضية ،مثل قانون األحوال الشخصية ،منصب أول قاضية في مصر ،نائبة رئيس محكمة االستئناف ،الخ؟ “نعم” تقول اسراء “وهذا مرتبط بحال ان القوى السياسية املدنية لم تتمكن من تنظيم نفسها لتنافس التيار االسالمي بج ّدية”. حتالف املنظمات النسوية الذي يضم 15منظمة نسوية مصرية يحاول أن يفرض حضورا ً في مواجهة االستخفاف الذي تقابل به املرأة وتنظيماتها ،فقد أعلنت املتحدثات باسمه في مؤمتر صحفي عقد في ابريل املاضي عن خططه لدولة مدنية دميقراطية. الدكتور فؤاد عبد املنعم رياض ،العضو باجمللس القومي حلقوق اإلنسان ،كرر خالل املؤمتر هذه املسلمة التي بات على النساء معرفتها والتحرك على أساسها ،وهي أن قضية النساء مرتبطة بثقافة اجملتمع ،وليس بالتغيير الذي طرأ على اجملتمع بعد الثورة. ترددت أسماء ثالث نساء مصريات في سياق الترشح للرئاسة في اخلريف املقبل .اثنتان منهما لم تبادرا الى اعالن رغبتهما ولكن الفكرة اقترحت عليهما من مجموعة من النساء املتحمسات ،ومت انشاء صفحة من املؤيدين نساء ورجاال ً على الفيس بوك للمستشارة تهانى اجلبالى نائب رئيس احملكمة الدستورية العليا .وكان رد املستشارة رفض الترشح مع تأكيدها على أهلية املرأة املصرية وحقها الدستورى فى تولي الرئاسة“ ،منصب الرئاسة ليس إمامة أو خالفة ،وهو مجرد وظيفة فى إطار الدستور والقانون”. أما املستشارة نهى الزيني ،نائبة رئيس هيئة النيابة اإلدارية في مصر، قصرّحت لـ”العربية.نت” إنها تؤيد بشكل قاطع ترشح املرأة لهذا املنصب ألنه يعتبر وظيفة في الدولة وليس والية عامة .ولكنها من ناحية أخرى نفت نيتها ترشيح نفسها في االنتخابات القادمة للرئاسة ،بسبب الثقافة السائدة في الشارع املصري املضادة للفكرة. تبقى اإلعالمية “بثينة كامل” هي املرأة الوحيدة التي قررت الترشح عمليا ملنصب رئيس اجلمهورية في مصر .وقد صرحت أخيرا بأنها سوف تروّج حلملتها اإلنتخابية في احملافظات املصرية من خالل قناة (ريالتى تي في) reality tvالتليفزيونية التي سيتم إطالقها في 38
القريب من خالل برنامج يحمل اسم “يوميات مرشحة الرئاسة” . شراكة في اليمن املتابع للمشهد اليمني يرى اجلموع الغفيرة من الشباب حتديدا، وبينهم نساء محجبات ومنقبات ،يقفون في الساحات في املدن اليمنية األساسية ،ويطالبون برحيل الرئيس علي عبداهلل صالح. بل إن العارفني بظروف اليمن االجتماعية وشدة قبضة التقاليد القبلية فيها ،يستطيع ان يحكم على مدى قوة النساء في مواجهة كل تلك الظروف والصمود بني اجلموع ،حتت وطأة ردة الفعل احلادة للنظام اليمني ،كما في إدانته في احدى خطاباته األخيرة باملشاركة النسائية في التظاهرات ،ومهاجمته لالختالط بني الرجال والنساء، كونه محرما دينياً ،مع مالحظة أن النساء اليمنيات خرجن للشارع، قسم مع التغيير وقسم ضد التغيير. توكل كرمان االعالمية والناشطة واحدة من أبرز الوجوه في ساحة التغيير في صنعاء العاصمة اليمنية ،اختيرت واحدة من سبع نساء أحدثن تغييرا ً في العالم وفق تقرير ملنظمة «مراسلون بال حدود» عام .2009فهذه الشابة حتدت السلطة منذ عام 2004منطلقة أسست (منظمة صحافيات بال حدود) وكانت من الهم املهني عندما ّ ّ أول منظمة مينية تُعنى بحماية حرية التعبير في مختلف الوسائل السمعية والبصرية .وقادت العديد من االعتصامات العامني االخيرين للمطالبة بإيقاف احملكمة االستثنائية املتخصصة بالصحافيني، وبكف السلطة عن سياسة إيقاف الصحف .وكان لها مع السلطة مواجهات سابقة أدت بها الى االعتقال أكثر من مرة .لكن املرء سيفاجأ من حقيقتني تخصان توكل ،أولهما أن هذه الشابة املتمردة التي خلعت النقاب واكتفت باحلجاب ،محسوبة على حزب (التجمع اليمني لإلصالح) ،احلزب الديني الوحيد في اليمن ،بل وتدرجت فيه إلى عضوية مجلس الشورى فيه .وهي على ما يبدو تراهن على التيار الشبابي االصالحي في احلزب ،وليس على اخلط املتشدد الذي يقوده عبدالكرمي الزنداني رئيس احلزب. تلخص وداد البدوي الصحفية ورئيسة مركز اإلعالم الثقافي ،CMC حقيقة احلضور الكبير للنساء في هذا احلراك اليمني بقولها“ :رمبا أن وضعهن احلالي املتردي هو ما دفع بهن للخروج السريع واملطالبة بدولة مدنية حديثة تكفل لهن العدالة اإلجتماعية” .ومن املطالب التي تخص املرأة إلغاء االعتبارات القبلية في الدولة ،كون هذه االعتبارات تقصي املرأة من حقوقها لتركز على الرجال“ .املرأة نفسها في ساحات احلرية والتغيير تريد التخلص من العنف املمارس ضدها بسبب القوانني التمييزية ،تقول وداد وتكمل“ :لدينا أكثر من 27 مادة متييزية نناضل من أجل تغييرها لسنوات ،من دون جدوى” .وهي ال تعتقد بأن املرأة ستكون من املنسيني بعد جناح الثورة ،كونها مشاركة في اجملالس التنسيقية للثورة في احملافظات اخملتلفة مثل صنعاء وتعز وعدن وبعضها تترأسها املرأة“ .ميكنني القول إن املرأة وجدت املساواة احلقيقة وعدم التمييز في الساحة ،أكثر مما وجدتها في حياتها العامة”. األديبة والصحفية والناشطة بشرى املقطري ابنة مدينة تعز ،لم تكن اقل جرأة من زميلتها ،حتى أن بيتها تعرض الطالق رصاص استدعى اصدار بيانات االدانة من بعض التنظيمات احلزبية واحلقوقية بينها احتاد األدباء والكتاب اليمنيني .وتؤكد بشرى ان املرأة دخلت الثورة كشريك حقيقي ،هن واعيات ملطالبهن وللتحديات التي حتاصرهن كنساء من القوى التقليدية الكثيرة .وتقول في حوار هاتفي سريع بعد ان صعب عليها الدخول الى رسائلها األلكترونية للرد على أسئلة “اجمللة” ،بسبب حجب خدمة االنترنت من قبل احلكومة“ :لدينا مطالب كثيرة وواضحة ،وهي مدعومة من قبل قوى الشباب احلية ومن بعض األحزاب” .من بني املطالب التي رفعتها هي وزميالتها نظام الكوتا وضرورة متثيل املرأة سياسيا ً واجتماعياً ،ومنع زواج القاصرات .وترى املقطري أن الصراع ساهم في فرز الصراع بني العقليات القدمية واجلديدة ،بني مشروع تقدمي وآخر تقليدي ،واملرأة جزء من هذا الصراع“ .يوم أمس كان داميا ً مت ّ فيه حجز مجموعة من الناشطات والصحفيات في مركز للشرطة مع االعتداء عليهن لفظيا ً بأبشع األلفاظ”.
حتقق وسقط النظام ومازالت الثورة متواصلة حتى حتقيق أهدافها”. غير أنها ال تنفي تنوع الشعارات التي رفعت أثناء االحتجاجات قبل سقوط النظام ،ومنها “املرأة للبيت” ،مذكرة بالسخط الذي كان سائدا في الشارع التونسي على زوجة الرئيس السابق وارتباط اسمها بالفساد في البالد .وهذا الكالم ال يبدو نكوصا الى الوراء وحتسرا على حقبة سابقة ،وبحسب تعبير استاذة القانون سلسبيل القليبي في محاضرة بنادي الطاهر احلداد بتونس“ :نحن اقتلعنا نظاما فاسدا ال قيم اجتماعية له” . اال أن السلطات ردت على تخوف النساء وضغوط اجملتمع املدني بقانون يعتبر سابقة فى العالم العربي واالسالمي ،املناصفة، الذي يفرض على جميع األحزاب التي ستقدم مرشحني للمجلس التأسيسي في االنتخابات التى ستجري فى 24يوليو -متوز القادم النتخاب اول جمعية تأسيسية تضع دستورا مناسبا للبالد لفترة ما بعد بن على ،أن تكون قائماتها االنتخابية باملناصفة بني الرجال والنساء وبالتناوب في الترتيب داخل القائمة الواحدة. ثورة مضادة في مصر في مصر وقفت النساء جنبا ً إلى جنب مع الرجال في ساحة التحرير وغيرها من الساحات في املدن املصرية األخرى ،بعد ان خرجت الدعوات من اجملموعات الشبابية من خالل املواقع االفتراضية مثل صفحة (كلنا خالد سعيد) و(شباب 6ابريل) داعية الى التجمع يوم 25يناير املاضي .وطالبت املتظاهرات مع زمالئهن بوضع حد للقمع
السياسي وبإجراء إصالحات جذرية داخل النظام ،قبل أن تتطور املطالبات الى دعوة مبارك الى الرحيل .وقدمت النساء خدمات لوجستية مثل التدقيق في هويات القادمني الى الساحة ،وجمع النقود ألجل تأمني املستلزمات ملن سيرابط ليال نهارا في ميدان التحرير .وتشاركن مع الرجال في عنف رجال األمن والبلطجية الذي أفضى أحيانا ً الى املوت. برز في تلك الفترة أكثر من فتاة عرفن باسم “فتيات الفيسبوك” ينتمني الى مجموعة الشباب التي قادت التغيير األخير في مصر وأدى الى سقوط النظام في فبراير املاضي .فقد كتبت أسماء محفوظ على صفحتها في الفيسبوك“ :أنا ذاهبة الى ميدان التحرير” واستفزت رجولة الشباب ان يفعلوا مثلها ان امتلكوا اجلرأة على ذلك .كذلك برزت إسراء عبد الفتاح ،التي كانت عرفت اعالميا ً قبل ثالث سنوات عندما دعت هي وزمالؤها الى إضراب عام يوم 6أبريل عام 2008تضامنا ً مع عمال احمللة ضد الغالء والفساد .وبلغ حجم الدخول فترتها الى الصفحة التي حملت الدعوة في الفيسبوك نحو 77000مشتركا ً .اال أنها لم تكن مبنأى عن األمن املصري الذي قادها الى االعتقال مع ستة آخرين ملدة عشرين يوما ،حتى أفرج عنهم بعد تدخل من جهات عدة .وتالحظ الدكتورة عزة كامل الناشطة في مجال حقوق املرأة مساهمة النساء في ذلك احلراك السياسي بأنه “ألول مرة منذ عقود طويلة ،تعامل النساء على أنهن كامالت األهلية ال فرق بينهن وبني الرجال ،ال فرق بني محجبة ،ومنتقبة ،وغير محجبة ،مسلمة ،ومسيحية”.
توكل كرمان :كاتبة صحافية وناشطة ورئيسة منظمة صحفيات بال قيود ،وكانت قبل ذلك أديبة وشاعرة ومخرجة سينمائية .وهي أحد أبرز املدافعات عن حرية الصحافة وحقوق املرأة وحقوق اإلنسان في اليمن .عضو في عدد كبير من املنظمات واالحتادات العربية والدولية املدافعة عن حقوق الصحافيني وحقوق االنسان بصفة عامة .قادت العديد من االعتصامات والتظاهرات السلمية والتي تنظمها اسبوعيا ً في ساحة أطلقت عليها مع مجموعة من نشطاء حقوق اإلنسان في اليمن اسم ساحة احلرية وذلك قبل حتى بداية مظاهرات العالم العربي .وعلى الرغم من تعرضها للعديد من التهديدات واملضايقات واالعتداءات من أجل إثنائها عن نشاطها ،إال أنها واصلت نضالها من أجل تغيير دميقراطي في اليمن وهي تعتبر من أشد املعارضني واملنتقدين لنظام الرئيس علي عبداهلل صالح. اعتقلت مساء السبت الـ 23من يناير 2011من قبل القوات األمنية، بتهمة إقامة جتمعات ومسيرات غير مرخصة لها قانونا والتحريض على ارتكاب أعمال فوضى وشغب وتقويض السلم االجتماعي العام .أفرجت السلطات اليمنية عنها 24من يناير 2011بعد أن أثار القبض عليها موجة احتجاجات جديدة في العاصمة صنعاء. وضمن محاوالت «التخويف» ،تلقت توكل أخيرا رسالة إلكترونية عبر البريد وموقع التواصل االجتماعي «فيس بوك» من مجموعة تسمى «كتائب الثأر لليمن وللرئيس علي عبد اهلل صالح» تطالبها باالعتذار للشعب اليمني و»االعتراف بالعمالة للواليات املتحدة األميركية». وكشفت إلى تلقيها تهديدات يومية بالتصفية من جهات مجهولة في الفترة األخيرة ،اخرها تهديد بقطع رأس أخيها طارق إذا لم تعتذر عن الثورة ،وهو ذات اليوم التي مت فيه اقتحام منزلها. وأوضحت أنه مت تكسير الزجاج والعبث مبحتويات املنزل ،كما متت سرقة املكتبة التلفزيونية وأقراص التخزين وأجهزة احلاسوب اآللي.
العدد ،1564يونيو 2011
37
● الوضع البشري
يصلح هذا املثال دليال على ما آلت اليه أوضاع النساء في تونس، التي ،عندما اندلعت الثورة استخدمت مشاركتهن وقودا ً للدفع حتى إسقاط نظام بن علي ،وسرعان ما مت نسيانهن في املرحلة التالية عند تشكيل احلكومتني الالحقتني ،لتقتصر مشاركتهن على وزيرة او وزيرتني بينهما وزيرة للمرأة. هذا القلق ميكن ان يلتقطه املرء بسرعة من املواقع األلكترونية اخلاصة بالصحف او اجلمعيات النسائية التونسية ،او صفحات التواصل االجتماعي ،او من خالل احلوار املباشر مع النساء او الناشطني .هناك حالة من الذعر من عودة أنصار حركة النهضة واالعتراف الرسمي بها كحزب من قبل احلكم اجلديد .علينا ونحن نتابع املشهد التونسي اال ننسى انه في العام 1956وفي عهد الرئيس السابق احلبيب بورقيبة ،وضع في تونس قانون لالحوال الشخصية متقدم عما سواه من انظمة االحوال الشخصية في الدول العربية ،ينطوي على حظر لتعدد الزوجات هو االول من نوعه في العالم االسالمي .لكن وفي محاول لطمأنة اجملتمع من عودة حركة النهضة االسالمية ،احملظورة سابقا ،الى تونس قال ناطق باسمها ان “بعض القيود على املرأة هي من تأثير تقاليد اجتماعية وليس بسبب الدين” ،فيما أكد زعيم احلركة راشد الغنوشي متسك حزبه بالنموذج التركي املعتدل. هل يعكس التخوف من هذا احلزب غياب الثقة الشعبية بالدميقراطية وآلياتها التي يجري تفعليها حاليا ُ من بعد سبات على يد النظام السابق؟ وجهت السؤال للبروفيسور آمال قرامي االستاذة في
اجلامعة التونسية واخملتصة بدراسات اجلندر والدراسات اإلسالمية التي قالت“ :ال يتعلق القلق بحزب النهضة فحسب ،بل بأحزاب إسالمية أخرى منها من نالت الترخيص ومنها من لم تنله بعد، كحزب التحرير وتيارات سلفية أخرى .ولفتت االنتباه إلى أمرين، أولهما تناقض تصريحات الزعماء االسالميني بني ما يدلون به إلى الصحافة وما ينطقون به في املساجد أو في اجملالس اخلاصة ،وثانيها، انفصال خطاب القادة عن القاعدة ،فالشباب يريد عودة النساء إلى البيت وحتجيب النساء بالقوة ولبس النقاب متأثرا بالفضائيات املتطرفة ،وليس متأثرا ً بدرجة كبيرة بزعماء النهضة أو غيرها”. ولم يتوقّف األمر عند حدود احلكومة ،اذ تذكرنا الدكتورة قرامي أن نوابا غالب األحزاب واجلمعيات واالحتاد العا ّم التونسي للشغل ق ّدمت ّ –ذكورا -ميثّلونها في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واإلصالح السياسي واالنتقال الدميقراطي“ ،كانت نسبة النساء حوالي 20 في املائة واحلال أن ّها كانت من قبل في البرملان 27في املائة”. وتتبنى شاذلية وهي سيدة أعمال تونسية هذا التخوف وترى ان “هناك نية مبيتة إلقصاء املرأة ارضا ًء ألطراف معينة”! .وتشير الى القلق في صفوف النساء من هيمنة احلركة اإلسالمية على البالد “أصبحنا نرى النقاب على وجوه بعض النساء مع ازدياد نسبة احملجبات قياسا ً مبا قبل الثورة” .اال أن الصحافية شيراز الرحالي من صحيفة (املوقف) التونسية املستقلة ،تبدو أكثر تفاؤال“ :ال ميكن احلديث اليوم عن أن املرأة لم جتن ثمار الثورة ،الن املطلب األساسي قد
من ن�ساء الثورة جميلة إسماعيل :إعالمية وسياسية مصرية ومقدمة برامج تليفزيونية مصرية ،قادت حملة شرسة في داخل وخارج مصر من أجل اإلفراج عن زوجها السابق مؤسس حزب الغد املصري أمين نور ،والتقت بالرئيس األميركي السابق جورج دبليو بوش كما ألقت خطاب أمام البرملان األوربي للتعريف بقضية زوجها وفضح النظام املصري السابق. رشح امين نور نفسه في االنتخابات الرئاسية السابقة ضد الرئيس محمد حسني مبارك وخسر .انتقام النظام جاء سريعا فتم جتريد نور من حصانته البرملانية وايداعه السجن .كما جمد النظام حسابات الزوجني املصرفية،
36
وطردت جميلة من وظيفتها وتعرضت لسنوات من املالحقة لكن كل املضايقات لم تثنها عن محاولتها اقناع السلطات باطالق سراحه .كانت من بني أعلى األصوات املنادية باسقاط النظام وشاركت في احتجاجات واعتصامات ميدان التحرير وقادت العديد من املظاهرات املطالبة بتنحي مبارك .قارنت الثورة املصرية بسقوط جدار برلني .تقول بفخر« :صنعنا الثورة بانفسنا ،ولسنا مدينني الحد .وللمرة االولى هذه بلدنا وليست بلدهم (في اشارة الى مبارك وحاشيته)» .وقد قررت جميلة ترشيح نفسها في االنتخابات النيابية املقرر اجراؤها في وقت الحق من العام اجلاري.
شهد العام 2011قبل أن ينتصف ،أكبر حجم حضور نسائي عربي مشهود من قبل العالم ووسائل االعالم ،من خالل مشاركة النساء في احلراك السياسي واالجتماعي الذي تعيشه املنطقة ،حيث تصدرن صفحات الصحف والفيسبوك ونشرات االخبار ،وكن مرئيات ومسموعات في الوقت نفسه ،يدلني بأرائهن وتصدح حناجرهن بالهتافات واملطالبات التي ال تنفصل عن مطالب زمالئهن الرجال بإسقاط نظام وإحالل نظام جديد بدال عنه يحقق لهن طموحاتهن في مجتمع عصري يقوم على احلريات العامة. غالية قباني
االنتفاضات العربية ..تزرع املرأة فيحصد الرجل
قوامة التغيير
اثنان من اجملتمعات التي طالبت بالتغيير وأسقطت نظامني انتهى عمرهما االفتراضي ،أي تونس ومصر ،منشغلتان اآلن باملرحلة اجلديدة ،تنظفان مخلفات املرحلة السابقة وتستعدان النتخابات عامة ودستور يناسب الزمن اجلديد .أما اليمن كنموذج جملتمع ال يزال يطالب بالتغيير ولم يتحقق له ذلك بعد ،فال تزال جموع ساحة التغيير وغيرها من الساحات التي يتجمع فيها املتظاهرون ،مصرّة على مطالبة الرئيس علي عبداهلل صالح بالرحيل هو ونظامه بعد حكم جتاوز العقود الثالثة .ويبقى السؤال الذي يخطر ببال املتابع لهذا احلراك الفائر ،أنه ،وبعد أن يهدأ غبار املعركة من محاربة الفساد ومحاكمة املتنفذين ،وبعد أن يبدأ االعداد للمرحلة اجلديدة سياسيا ً واقتصادياً ،هل ستتذكر تلك اجملتمعات املرأة ضمن من يستحقون املكافأة ،كونها واحدة من املؤثرات في التغيير اجلديد وما كان ميكن للثورات ان تنجح من دونها كما يشير كثير من املعلقني؟ .أم أنها، وكما في شواهد تاريخية عديدة ،ستكون أول من يضحى بها بعد انتهاء املعارك وأول من سيعود الى الصفوف اخللفية؟ مناصفة في تونس في نهاية ابريل املاضي ،عقدت في العاصمة التونسية (الندوة الوطنية حول املرأة التونسية وإعالم ما بعد الثورة بني احلضور والغياب) ،التي شارك فيها أكادمييون واعالميون ناقشوا احلضور الباهت للمرأة في التلفزيون واالذاعة وعلو الصوت الذكوري الذي يحاول ان يخطف جناح الثورة لصاحله ،فهيمن على البرامج التلفزيونية احلوارية احلضور الرجالي الذي يدلي بشؤون وهموم الوطن ،في مقابل خفوت الصوت النسائي إال باستثناءات .وكانت من بني األوراق تلك املقدمة من الباحثة فتحية السعيدي عن (حضور املرأة في شبكة الفيس بوك) من خالل بحث شمل عينة من 550إمرأة عبر هذا الفضاء االفتراضي .وبينت الدراسة انشغال النساء قبل الثورة وأثناءها باالنتهاكات األمنية وكشفهن عن وجه ثوري غير معتاد وتعاطفهن مع عائالت الشهداء .أما بعد الثورة ،فبرز تعبيرهن عن اخلوف من الفتنة في تونس واستثناء النساء وإقصائهن عن املشاركة في احلياة العامة والعودة إلى الوراء .والحظت الباحثة أن هناك مجموعة صغيرة من النساء صرّحن بأفكارهن التحررية، لكنهن تعرضن لهجمات من قوى رجعية كما تعرضن لعنف لفظي وبينت أنه كلما تعلق األمر برأيهن في وعنف جنسي افتراضي. ّ الدين وبإبراز موقف يختلف مع (حركة النهضة) االسالمية ،جوبهن بالتصدي ألفكارهن.
العدد ،1564يونيو 2011
35
● الوضع البشري
34
وكان نصير بورتر هو سيف اإلسالم القذافي ،ابن الزعيم الليبي واحلاصل على تعليمه في كلية لندن لالقتصاد والذي كان ينظر إليه كخليفته .وقد كون سيف عالقة مع كبار األساتذة بهارفارد وعمل مع هيئة استشارية في كامبريدج يطلق عليها «مونيتور غروب» وقد التقى ابنه اآلخر املعتصم بهيالري كلينتون في واشنطن في 2009 بعد أشهر عدة من لقاء أبيه باجليل الثاني من صناع السياسة في جامعة «جورج تاون» من خالل اتصال عبر األقمار االصطناعية .فقد كتب املدير السابق لكلية لندن لالقتصاد أنتوني غيدنز في صحيفة «الغارديان» بعد رحلة لليبيا« :إذا كان القذافي جادا بشأن اإلصالح كما أعتقد فيمكن أن تصبح ليبيا نرويج شمال أفريقيا». ولكن بعض أفراد النخبة الليبية كانوا ينظرون بتشكك لإلصالحات بل وللزعيم نفسه الذي كان يقال إنه عرقل العديد من املبادرات وأنه كان يحبط املدافعني عن الليبرالية ويدفعهم للتخلي عن مساعيهم. «إن الهدف األميركي ليس آيديولوجيا دينية وليس حركة طالبان أو تنظيم القاعدة فاألمر يتعلق أساسا بتغيير ثقافة احلضارات األخرى»، ذلك ما قاله خليفة مهداوي رئيس القبيلة التي شاركت في احلفاظ على التراث الصحراوي لليبيا ،والذي تبنى وجهة نظر متشائمة بشأن جهود حتويل ليبيا إلى دولة مرحبة باالستثمارات وموالية للغرب ،وقد ظل مهداوي وفيا للقذافي خالل األزمة احلالية« .لقد جنحوا في آسيا مع الصني واليابان ،اللتني حولوهما إلى نظامهم االقتصادي ولكن ذلك النظام ينهار إذا ما أصبح في اتصال مباشر مع الناس البسطاء في أفغانستان وليبيا الذين يعيشون وفقا ملبادئ تنتمي لقرون مضت».
لقد أصبحت مهمة التحديث الغربية تاريخا اآلن بعدما مزقت الثورة والقمع البالد ،واستخدام األسلحة التي وفرها الغرب لقمع االنتفاضة .كما أخفقت مقاطع الفيديو الساخنة على «يوتيوب» والتعليقات اخلالية من السياق التي تأتي من شبكات األخبار الدولية في حتقيق العدالة للبلد الذي عرفها .وبعد ذلك بعامني ،كانت كلمات أحد العمال ما زالت تتردد في ذهني« :ليست احلضارة أبنية معدنية وسيارات حديثة الطراز ،فتلك مجرد حداثة» ،ذلك ما قاله عندما كنا منر أمام ملصق ثوري باهت مكتوب عليه« :الدميقراطية ليست هي حرية التعبير ولكنها حكم الشعب للشعب»« .فاحلضارة هي ما لديك في عقلك».
إياسون أثاناسياديس -صحافي يعيش في اسطنبول ويغطي الشؤون التركية والشرق األوسط ووسط آسيا .ومنذ 1999كان يعيش في القاهرة ،ودمشق ،والدوحة ،وصنعاء ،وطهران.
وبرر مهداوي ذلك بقوله إنه إذا ما كانت السياسات كافة تعتمد على الثقافة في األساس فإن الوسيلة الوحيدة للحد من الغزوات الغربية يكون عبر تأييد ثقافة ليبيا الوطنية واالحتفاء بها .كما كان ينظر بقلق للدول اخلليجية والتي يرى أنها فقدت التواصل مع جذورها البدوية في طريقها للتنمية وكان يخشى أن تلقى ليبيا املصير ذاته. وقد ظهر الرفض الشعبي لالنفتاح الثقافي نحو الغرب في رد الفعل العنيف للجماهير في بنغازي جتاه ما عرف بـ«أول حفل روك» الذي كان يؤديه املغني البريطاني بوب غيلدوف .وكان الهدف من احلفل الذي نظمه سيف اإلسالم اإلصالحي هو تعريف الليبيني باالنفتاح الثقافي. ولكن في الوقت الذي انشغل فيه املسؤولون عن احلفل بإلقاء اخلطب ،هاجت اجلماهير وطاردت سيف وغيلدوف وقذفوهما باحلجارة. «لقد كانت جتربة اجتماعية جللب الثقافة الغربية لليبيا» ذلك ما أخبرني به رجل األعمال ابن النخبة الليبية في طرابلس. «وقد أخفقت التجربة على نحو مذهل». في ،2007تكرر الغضب من الغرب مرة أخرى عندما هاجت اجلماهير الغاضبة داخل بنغازي خالل ذروة اجلدل حول الرسوم الدمناركية وأحرقوا القنصلية اإليطالية .وحتى بعد التأييد الغربي الواضح لقيادة املعارضة ،سرعان ما انقلب السكان احملليون على الصحافيني األجانب. العدد ،1564يونيو 2011
33
● ثروة األمم
داخل جماهيرية العقيد ..الزمن الليبي يسير ببطء
ما قبل احلداثة
رمبا تكون الثورة في ليبيا هي القصة التي تتصدر األخبار العاملية اليوم ،ولكن ال يوجد كثير من املعلومات حول تلك «اجلماهيرية «الصحراوية احلصينة التي تقع على عتبة االحتاد األوروبي .إياسون أثاناسياديس زار «مملكة القذافي» في 2009واكتشف أن مهمة التحديث ونشر «احلضارة املفترضة» قد سارت على نحو سيئ للغاية. إياسون أثاناسياديس لم يكن الذهاب إلى ليبيا سهال أبدا حتى قبل أن تنتشر أغلفة املزروعة ملقاومة التصحر والتي خلفها اإليطاليون املستعمرون. الرصاصات الفارغة واجلثث في شوارع مدنها ،وميتلئ هواؤها بالثورة. ولكن قبل أشهر عدة فقط ،كانت ليبيا تعد منوذجا لتجربة إعادة وبعدما عقد الزعيم الليبي معمر القذافي سالما مع الغرب ،قام ابنه وعقله اإلصالحي ،سيف اإلسالم ،باستدعاء عدد من الليبيني املهاجرين تشكيل اجملتمعات العربية ،قبل أن تصبح صومال شمال أفريقيا. فرمبا يكون الغرب قد أعاد تقييم ليبيا جزئيا بعد إعالنها تخليها إلى طرابلس على أمل أن يساهموا في إصالح ليبيا .وكان أحدهم هو عن برنامجها النووي في ،2003ولكن حارسات قائد الثورة واخليمة محمود جبريل -الذي حصل على درجة الدكتوراه من جامعة بتسبرغ املضادة للرصاص التي تبدو مقارنة بصالونات الدبلوماسية األوروبية -الذي تفاقمت درجة إحباطه من عملية إصالح النظام بتعيينه رئيسا واألميركية أمرا غريبا ،كان ذلك ،وأكثر ،يحرج شركاءه .إال أن القذافي للمجلس التنفيذي في اجمللس االنتقالي الليبي املعارض في مارس الذي كان يشتهر مبناهضته للغرب رفض أن يفهم اإلشارة .فكان يقدم (آذار) .وأخيرا في فبراير (شباط) ،2010قاد «اجمللس الوطني للتنمية عرضا غريبا كلما استطاع ذلك ،ومن أبرز تلك املواقف كان ظهوره في االقتصادية» ،وهو مركز أبحاث تابع لـ«مونيتور غروب» االستشارية اجلمعية العامة لألمم املتحدة الذي ألقى خالله بخطاب مطول استحوذ التي يقع مقرها في كامبريدج والتي أسسها سيف اإلسالم. من خالله على االنتباه على نحو فاق محمود أحمدي جناد وباراك أوباما. يقول ماندوليوس كنكيس املهاجر اليوناني الذي يعيش في مدينة ويذكر أن مترجم األمم املتحدة سقط منهارا من اإلرهاق. بنغازي« :يعمل املستشارون األميركيون والبريطانيون لكي يجعلوا وفي بداية ذلك العام ،زرت بلد القذافي .وكان والداي – األكادمييان -قد من ذلك البلد منوذجا للمنطقة»« ،ففي الوقت الذي أصبحت فيه زاراها في الثمانينيات وعادا بقصص حول دولة قبلية حصينة تعاني مناهضة أميركا ظاهرة في العالم العربي ،ينظرون إليها كبلد ميكن من العقوبات تطل فيها مدن بدائية على مياه بحر متوسط زرقاء أن يهيمن عليها الغرب سياسيا مقابل بعض املكافآت البسيطة مثل متأللئة تخرج من الصحراء .وحتى في ذلك الوقت كان الصحافيون البنية التحتية». غير مرحب بهم إال إذا كانوا من املدافعني عن اإلصالح .ولكن بوابات تلك اجلمهورية الشعبية كانت مفتوحة أمام جيش من املستشارين وكانت واحدة من املستشارين األميركيني الذين التقيت بهم في الذين يطبقون املعرفة الغربية في ثامن دولة على مستوى العالم من طرابلس في 2009تعمل مع وزارة اإلسكان على مشروع تكلفته مليارات عدة من الدوالرات ميثل املرحلة املقبلة في حتول ليبيا من دولة حيث احتياطي البترول. شبه بدوية إلى مجتمع متحضر .وكان والدها دبلوماسي أميركي نافذ ومن خالل دعوة وجهها إلي صديق دبلوماسي ،سافرت إلى مطار ولكنها لم ترغب في اإلفصاح عن اسمها .وعندما كانت في ليبيا طرابلس الدولي املزدحم .وكان املطار الضيق لدولة من العالم الثالث كانت تعيش في مجمع سكني فاخر خارج طرابلس وكانت تتحرك مع بدأت بالكاد التعافي من سنوات احلظر التجاري ال يستطيع احتواء النخبة احلكومية. طوابير العمال القادمني من جنوب شرقي آسيا الذين يتزاحمون خلتم كانت رؤية جبريل تعتمد على تبني النموذج الغربي بالكامل في ما جوازات السفر. يتعلق باحلقوق املدنية« ،النموذج الذي أراه هو جنوب أفريقيا» ذلك ما كانت تلك هي العالمة األولى على صحوة ليبيا القوية ،ولكن بدال من قاله في حوار مبجلة «التامي» في 2009في إشارة إلى دستور ما بعد القصة املباشرة حول التنمية االقتصادية ،كانت هناك أدلة جديدة التمييز العنصري والذي تضمن حرية التعبير وحرية امللكية اخلاصة تثبت أن البناء النشط كان مجرد جزء من مشروع أكبر تديره النخبة واملساواة بني اجلنسني« .يجب أن يكون هناك إطار قانوني لتوزيع الليبية من التكنوقراط ومن يدعمها في الغرب والتي تستهدف إعادة السلطات واحلق في حرية التعبير». حتويل ليبيا إلى دولة إسالمية منوذجية .وفي ظل عدد السكان الذي يصل إلى 6ماليني نسمة ،كان هناك اعتقاد بأن ليبيا يجب أن تتطور وكانت مهمة التحضر على الطراز الغربي جلية في .2009فقد كانت االستخبارات األميركية تعمل مع رئيس االستخبارات الليبية على نحو أسهل من جارتها (مصر) ذات الـ 85مليون نسمة. موسى كوسا لتطبيع العالقات بني الدولتني وهو ما كان ميثل بداية وقد بدت طرابلس - 2009مركز الديناميكية األفريقية التي متتلك موجة من التبادل االقتصادي والدبلوماسي والثقافي. أكبر احتياطي للبترول في أفريقيا -مثل شبه اجلزيرة العربية في وقد كلفت احلكومة الليبية مستشار ريغان السابق ومدرس اإلدارة السبعينيات .في دولة محا قائدها املناهض لالستعمار الترجمات بهارفارد ميشال بورتر بوضع دليل للتنمية .وقد أصدر «ليبيا في فجر الالتينية من إشارات الطرق ومحا اللغات الغربية من املناهج عصر جديد» ،وهو تقرير صدر عام 2006ويوصي بالسماح للقطاع التعليمية ،كان األثر الوحيد للغرب ما زال هو املعمار الزخم الذي اخلاص باحلصول على قدر أكبر من احلصة التي تسيطر عليها يعود إلى عهد الفاشية وماكينات الكابوتشينو العتيقة واألشجار احلكومة. 32
تقض مضجع بتسوية قضيه سجن بوسليم ،وغيرها من القضايا التي كانت ّ الدولة”. وتضيف الرسالة“ :لقد جنح سيف االسالم في العثور على شخص مثل مصطفى عبداجلليل ليحركه مثل “البالي ستيشن” مستغال خبرته في التمويه و التضليل لتغطية جرائم والده حتت راية املصاحلة الوطنية فكان يزور عائالت ضحايا مجزرة بوسليم ويبعث لهم برقيات الكذب والتضليل متظاهرا انه يتضامن معهم وانه ضد املتسببني في اجملزرة ..يفاوضهم في قبول تعويض تافه قدره وهو مبلغ 120ألف...كان يشترط ان اليطالب أحد منهم باي اجراء اخر مثل الكشف على اجلناة اوتسليم اجلثامني وعندما جادله البعض بأنه ملاذا اليكون التعويض مثل تعويضات ضحايا االيدز او ركاب لوكربي لوى أنفه وقال اللي عاجبه باهي واللي موش عاجبة يشرب من البحر”. وفي فبراير 2010وفي مقال بعنوان “حتية للمستشار مصطفى عبد اجلليل... ولكن!” نشر على املوقع الرسمي للجبهة الوطنية إلنقاذ ليبيا الذي تأسس في العام 1981ويعتبر أقدم وأعرق تنظيم معارض حلكم العقيد معمر القذافي، ّ العشة“ :هل يستطيع شخص نزيه أن يُحافظ تساءل املعارض الليبي فرج بو على نزاهته في حكومة يُحرّكها القذافي كأنه يُحرّك خيوط مسرح عرائس. وهل مت اختياره بناء على سمعته القضائية الشريفة فقط؟! ولكن هل يستقيم عمل الشريف حتت سلطة طاغية ،يبغض أشد البغض قيم الشرف واالستقامة واألمانة والعدل..؟! ويضيف“ :والشاهد أن “أمانة العدل” ليست سوى منشفة بيد القذافي ملسح آثار جرائمه .وقد أوتي بالسيد مصطفى عبد اجلليل للتغطية على تلك اجلرائم، خصوصا مذبحة “بوسليم” ،ومتييع مطلب احلقيقة والعدالة الذي يرفعه أهالي الضحايا ومنظمات حقوقية خارجية .وبالتالي ال يستقيم له أن يكون أمينا ً نزيها ً للعدل ،بينما شرفاء ليبيا يُهلكون في سجون القذافي”. هذه االنتقادات التي وجهت له في الداخل واخلارج ،وتأكده ،بعد زوال السحر ،أنه كان مجرد وسيلة للنظام لتلميع صورته وبخاصة شعوره أنه مازال على رغم كل
شيء يحظى بتقدير عدد كبير من الليبيني ،دفعه أخيرا الى اعالء صوته فانتقد و”تغول” جهاز أمنه الداخلي ،احتجاجا على عدم في ،2009عالنية ،القذافي ّ تنفيذ أحكام القضاء واستمرار األجهزة األمنية في اعتقال أكثر من 300سجني سياسي يقبعون في املعتقالت على رغم أن محاكم ليبية قضت ببراءتهم ،وهو لتحمل القادم من املسؤوليات اجلسام. وأهله ما يحسب له وأعاد ثقة الليبيني فيه ّ ّ سنتان حاول فيهما عبد اجلليل ترميم ما ته ّدم واستطاع احيانا أن يعيد بعض احلقوق ألصحابها ،وإن يرى محللون أن كل ما حتقق كان مجرد لعبة سياسية لتلميع صورة سيف االسالم القذافي ونظام يريد العودة إلى الساحة الدولية بعد سنوات من احلصار والعزلة .وجاءت ثورة 17فبراير عام 2011ضد العقيد معمر القذافي لينجو املستشار عبد اجلليل بنفسه من تبعية لنظام استغل، كما يقول مالحظون ،قلة خبرته السياسية لتوريطه في “لعبة عالقات عامة” الشعب الليبي كان اخلاسر األكبر فيها. على الرغم من األخطاء ،يبقى القاضي مصطفى عبد اجلليل ،كما يقول بعض العارفني به ،ذا تاريخ مشرف في محاربة الفساد ومالحقة املسؤولني عنه ،ممن كان باالمكان محاسبتهم ،أولئك الذين ال “ظهر لهم” او أولئك الذين غضب عليهم النظام او أراد التخلص منهم. مع أول رصاصة أطلقت في بنغازي ،هرع ابن الشرق الليبي لنصرة أهله وانضم للمعارضة التي سرعان ما تسلحت بعصبية القبيلة وصواريخ حلف شمال األطلسي لتبدأ حرب بني أبناء البلد الواحد أتت على األخضر واليابس .بعد أقل من شهر على اشتعال الثورة ومع اتساع رقعة االحتجاجات املناوئة للقذافي وارتفاع عدد املسؤولني الذين انشقوا عن النظام تأسس في 27فبراير 2011اجمللس الوطني االنتقالي ليكون صوت الثورة وقاطرتها واختير في اخلامس من مارس /آذار مصطفى عبد اجلليل رئيسا له. منذ ذلك التاريخ ،مات كثيرون وتشرد كثيرون .سمعنا عن كتائب القذافي وعن مرتزقة أجانب وشاهدنا طائرات تقصف وجثثا تتناثر وتعرفنا على معمر قذافي جديد ،مضطرب تائه ال يجد الكلمات .رأينا علم ليبيا امللكية يرفرف في الشرق والعلم األخضر ينازع املوت في الغرب .كان ال بد للثوار أن يتحدوا خلف رجل يحترمه اجلميع ،أو على األقل الغالبية فكان املستشار عبداجلليل هو ذلك الرجل. يقول متابعون للشأن الليبي إن عبد اجلليل قد يكون فعال رجل املرحلة حيث يلقى احتراما في الداخل واخلارج ،لكن اخلوف أن القضية جتاوزت شخص معمر القذافي وأن يتحول االقتتال في ليبيا الى حرب بني “شراقة” و “غرابة” .فالغرب الليبي الذي استأثرت قبائله بالثروة ،وقرّبها القذافي ودعمها ،مرتاب في نيات “الثوار” ويخاف أن يفقد سطوته وحظوته وهو الذي تسكنه أكبر القبائل وأكثرها عددا .أما الشرق الليبي ،الذي يسعى الى استرداد البعض من خيراته املنهوبة وانهاء أكثر من أربعني عاما من التهميش واالهمال ،فيصر ّ على اقتسام الثروة والسلطة وأن تكون له كلمة في حاضر ومستقبل ليبيا. كانت ليبيا ،التي نتابع ما يجري فيها اآلن بكثير من األلم ،وقبل توحيدها في كيان واحد في عهد امللك ادريس تتكون من ثالثة أقاليم ،شبه مستقلة ،هي برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في اجلنوب .التاريخ يحفظ اخلطاب الشهير الذي ألقاه ذات 16ديسمبر ،1972الرئيس التونسي الراحل احلبيب بورقيبة بتونس العاصمة في حضور معمر القذافي الذي “لم يفهم شيئا” كعادته. قال بورقيبة حينها“ :تنقص القذافي التجارب واملعلومات كما ينقصه تكوين وطن ..ليبيا محتاجة الى توحيد صفوف رجالها ..الى تكوين رابطة قوية بني طرابلس التي تفصلها صحراء عن برقة وصحراء عن فزان ..صحارى شاسعة يعيش فيها الليبيون ليس في القرون الوسطى بل في عهد سيدنا آدم”. أما مدينة البيضاء التي يتحدر منها املستشار عبد اجلليل ،فقصتها مع طرابلس أكبر من ينساها أبناء اجلبل األخضر .البيضاء كانت ذات يوم ،وقبل انقالب القذافي العاصمة املوعودة لليبيا امللكية تضم املباني احلكومية واإلدارية مثل مجلس الوزراء ووزارة العدل ،وكانت تتهيأ إلعالنها عاصمة رسمية مبقتضي الدستور ففقدت كل شيء ذات األول من سبتمبر العام .1969 والسؤال ..هل يكون القاضي مصطفى عبد اجلليل “رجل الشرق” أم“ رجل ليبيا” ما بعد معمر القذافي.
العدد ،1564يونيو 2011
31
بروفايل بروفايل ● ●
مصطفى عبداجلليل ..من أمانة العدل إلى أمانة الثورة
رجل الشرق
دم“ .من أنتم” ..سأل األخ العقيد غير مصدق ملا يحدث له، “من أنتم” ..عبارة انطلقت من الشعور رجل ،ذات ليلة من أمام بيت مه ّ ومن حوله ،وهو الذي ألكثر من أربعني عاما يأمر فيطاع ،فتذل أعناق وتقطع رقاب“ .من أنتم” ..سؤال استنكاري من قائد الثورة وهو لتوه ،على ميينه وشماله ،رجلني آخرين سأال نفس السؤال ،فلم ينتظرا طويال ليأتي الرد مدويا وحاسما. يعرف متاما من هم وقد شهد ّ هم شعب سئم النظريات العقيمة وحكم األب واألبناء والزوجة والقبيلة وقرر أن تكون للجماهير الكلمة الفصل في جماهيرية معمر القذافي.
مبنطق التاريخ ،كان ال بد ان ميتد “تسونامي” التغيير غير عابئ بحدود او بوابات. ليبيا كانت تنتظر االشارة وقد جاءت شرقا وغربا وكان لزاما ان يكون الفصل األخير لها وبها ،وقد كان .بني من خرج على الصف ،رجل كان قبل اسابيع قليلة احد أعمدة نظام ،مات من مات وهرم من هرم ،وهو يسرق االبتسامة ويع ّد ويتصيد األمل. األنفاس ويحكم بالشبهة ّ معمر الى مصطفى عبد اجلليل ،كان أول الكبار الذين خرجوا من جماهيرية ّ جماهيرية الشعب .في 17فبراير 2011اندلعت الشرارة وما كان لها ان تشتعل ،نارا ودمارا ،في بنغازي شرقا اال مبدد يأتي غربا من طرابلس حيث هيمنة األب واألبناء والرفقاء ،القذافي وبنيه وصحبه. لم متر اال ثالثة أيام على أول احتجاجات تشهدها عاصمة الشرق الليبي بنغازي حتى قدم مصطفى عبداجلليل استقالته من منصبه كوزير للعدل احتجاجا ً على األوضاع الدامية واستعمال العنف املفرط ضد املتظاهرين ،بحسب ما نقلت عنه صحيفة “قورينا” الليبية .كانت االستقالة ،ومن بعدها االنشقاق عن النظام واالنضمام الى صفوف املعارضة أول ضربة قوية لقذافي “من أنتم” الذي اختار املواجهة ،زنقة زنقة حتى آخر ليبي. املستشار مصطفى محمد عبد اجلليل من مواليد العام 1952في مدينة البيضاء باجلبل األخضر التي تعتبر ثاني كبرى مدن الشرق الليبي بعد بنغازي. عمل مساعدا ألمني النيابة العامة في مدينته العام ،1975ثالثة أشهر فقط بعد امتام دراسته اجلامعية في الشريعة والقانون ،ثم قاضيا في العام ،1978 ثم مستشارا في العام .1996وفي العام 2002عني رئيسا حملكمة استئناف ثم رئيسا حملكمة البيضاء في العام 2006قبل أن يدخل للعمل السياسي من بابه الواسع باختياره أمينا عاما اللجنة الشعبية العامة للعدل (وزيرا للعدل) في العام .2007 بعض الذين عرفوا القاضي عبد اجلليل عن قرب أو سمعوا عنه استغربوا في حينه قبوله مبنصب في حجم وزارة العدل في بلد أكثر ما يفتقده هو العدل، حوله القذافي الى معتقل كبير ،هو فيه اخلصم واحلكم والقاضي واجلالد. بلد ّ موقعه على رأس أمانة العدل كان سيضطره ال محالة الى االصطدام مبلف ما أصبح يعرف مبجزرة سجن “بوسليم” التي تعتبر إحدى أكبر اجملازر اجلماعية التي ارتكبها نظام العقيد القذافي وراح ضحيتها أكثر من ألف معتقل من ليبيني وعرب معظمهم من سجناء الرأي املنتمني إلى جماعات إسالمية. وقعت اجملزرة عندما داهمت قوات خاصة يوم 29يونيو /حزيران 1996سجن أبو سليم الواقع في ضواحي العاصمة طرابلس ،وأطلقت النار على السجناء بدعوى متردهم داخل السجن ثم قامت السلطات بدفن اجلثث في باحة السجن وفي مقابر جماعية متفرقة في ضواحي طرابلس. في نوفمبر 2009نشر موقع املؤمتر الوطني للمعارضة الليبية رسالة حتت عنوان “اتق اهلل في دماء ابنائنا يا سيادة الوزير” من فتحي عبداحلميد ،وهو أحد الذين فقدوا أبناءهم في أبو سليم ،اتهم فيها املستشار مصطفى عبد اجلليل 30
بأنه ما جاء الى منصبه اال بتعليمات من سيف االسالم القذافي الذي يسعى الى اعطاء صورة وهمية بأن ليبيا تقوم باصالحات وبينها معاجلة القضايا احلساسة التي أساءت الى النظام في الداخل واخلارج. وتقول الرسالة إنه “بعد تدويل قضية البلغاريات وقصتهن املعروفة (املتهمات بحقن أطفال ليبيني بفيروس االيدز) اقتضت الضرورة أن يستلم وزارة العدل شخص من شرق ليبيا الن أساس القضية حصلت ببنغازي شرق ليبيا وذلك لتدارك األمر وحله دون أن يثار في ذلك نقمة الشعب في الشرق ...وجرت األمور كما تشتهي السفن وقام األخ مصطفى عبد اجلليل بغسل القضية وذلك باإلفراج عن البلغاريات مقابل حصول املتضررون على تعويضات ،انه حقا االبن البار للثورة ،فقد جنبها ويالت تداعي هذه القضية داخليا وخارجيا ،تكفل أيضا
بعد استقالة محمد الغنوشي من رئاسة أول حكومة تونسية مؤقتة بعد فرار الرئيس بن علي ،كانت تونس في حاجة الى رجل دولة ،خبر السياسة وخبرته ،وليس فقط الى وزير أول تكنوقراطي لتسيير شؤون البالد في أخطر وأدق مرحلة تعرفها تونس منذ استقاللها في العام .1956فؤاد املبزّع رئيس اجلمهورية ،املؤقت أيضا ،فاجأ اجلميع في 27فبراير 2011بتعيني ابن الـ 84عاما والوزير السابق في عهد احلبيب بورقيبة ،الباجي قائد السبسي. كل من عاصر عهد بورقيبة كان يعرف من هو “سي الباجي” لكن “جيل بن علي” واألجيال األصغر سنا ،فوجئت بتعيني رجل جتاوز الثمانني لقيادة حكومة “ثورة الشباب” .وسرعان ما عرف الصغير قبل الكبير من هو قائد السبسي ،الرجل املتحدث الذي ال يخشى كاميرات التلفزيون وال أسئلة الصحافة ،وقبل كل شيء، خبرة أكثر من نصف قرن في خدمة تونس في مواقع مختلفة ومهمات حساسة في الدولة أهلته ليكون “الرجل املناسب في زمن الثورة” على الرغم من رفض البعض ألسلوبه في ادارة شؤون تونس اجلديدة مبفاهيم وأساليب قدمية. وهو يعترف أن املهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة ويرى أن “االنتقادات طبيعية وتصب في صالح الدميقراطية في تونس فال يوجد شخص يحظى بإجماع لدى سائر األطراف”. الباجي قائد السبسي ،املولود في العام 1926بقرية سيدي بوسعيد في الضواحي الشمالية لتونس العاصمة ،من عائلة كانت قريبة ومقرّبة من “بايات تونس” وهم األسرة امللكية احلاكمة ذات األصول التركية .درس في كلية احلقوق في باريس ليتخرج منها عام 1950قبل العمل في احملاماة ابتداء من .1952 اهتمامه بالسياسة بدأ منذ شبابه قبل استقالل تونس حيث انضم الى احلزب احلر الدستوري وبعد االستقالل عمل مستشارا للرئيس احلبيب بورقيبة الذي توطدت عالقته به وعمل معه حتى انقالب بن علي في السابع من نوفمبر .1987قبل أسابيع قليلة صدرت لقائد السبسي الترجمة العربية لكتابه “احلبيب بورقيبة ..املهم واألهم” التي يروي فيها هذا السياسي اخملضرم شهادته على مراحل مهمة من تاريخ تونس احلديث الذي ال ميكن التطرق اليه اال باحلديث عن أول رئيس لتونس اجلمهورية أو “اجملاهد األكبر” كما كان يعرف احلبيب بورقيبة. قائد السبسي الذي ورث “كاريزما” رئيسه الراحل أكد في كتابه “أن األجيال القادمة سوف تعترف مبناقبه (احلبيب بورقيبة) بشكل أفضل من أبناء جيله أو اجليل الذي عايش شيخوخته املتأخرة ونهايته ،أما األمة فإنها ستضعه حتما في املكانة التي هو بها جدير في التاريخ ،وذلك ألن دوره لم يتوقف عند املساهمة في بناء الدولة احلديثة فقط ،بل جتاوزه إلى رفع مكانة تونس إلى مصاف الدول التي حتظى باالحترام وتتمتع باملصداقية”. ويضيف في حديثه عن بورقيبة“ :إن بورقيبة لم يكن سوى إنسان ،لقد كانت له أهواؤه وقد عانى املتاعب وحمل أوزار السنني، وهو يبقى مع ذلك مثاال ً رائعا ً لرجل السياسة ،ألنه لم يتردد أبداً، خالل النضال ،في التضحية بحريته ،كما انه لم يسع قط ،خالل
العدد ،1564يونيو 2011
ممارسة السلطة لكسب ثروة شخصية ،ولم يتوقف طوال حياته عن النضال من أجل الكرامة”. عمل “سي الباجي” مديرا جهويا في وزارة الداخلية التونسية قبل تعيينه في 1963مديرا لألمن الوطني وفي 1965وزيرا للداخلية،ثم أشرف على وزارة الدفاع من نوفمبر 1969حتى يونيو 1970 ليعني سفيرا لتونس في فرنسا. توجهاته الليبرالية ساهمت في نشوب خالف مع بورقيبة حيث مت جتميد نشاطه في احلزب االشتراكي الدستوري (احلر ّ الدستوري سابقا والتجمع الدستوري الدميقراطي الحقا) عام 1971على خلفية تأييده إصالح النظام السياسي ليقع طرده من احلزب في عام 1974لينضم الحقا للمجموعة التي ستشكل عام 1978حركة الدميقراطيني االشتراكيني بزعامة أحمد املستيري، وقد تولى في تلك الفترة إدارة مجلة دميقراطية “دميكراسي” املعارضة .بعد سنتني من قطيعة مع بورقيبة عاد إلى الوزارة في ديسمبر 1980وزيرا معتمدا لدى الوزير األول الراحل محمد مزالي الذي سعى بدوره إلى انفتاح سياسي في تونس ،وفي أبريل 1981عني وزيرا للخارجية وقد لعب دورا مهما أثناء توليه منصبه في قرار إدانة مجلس األمن للغارة اجلوية اإلسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط بالضواحي اجلنوبية للعاصمة تونس .وفي سبتمبر 1986غادر الوزارة ليعني بعدها سفيرا لدى أملانيا الغربية. بعد انقالب 7نوفمبر ،1987انتخب في مجلس النواب عام 1989وتولى رئاسة اجمللس بني 1990و 1991قبل أن يبتعد عن األضواء ويتقاعد عن العمل السياسي العام. اعترف الباجي قائد السبسي مباشرة بعد قبوله رئاسة احلكومة املوقتة انه وحده الواجب نحو الوطن دفعه لقبول التحدي وهو في هذه السن املتقدمة من العمر لكنه حذ ّر في نفس الوقت أنه بتاريخه الطويل في خدمة الدولة لن يسمح بانهيارها وهو على رأسها. وفي أول خطاب وجهه للشعب التونسي بعد توليه مهماته اجلديدة شدد على أن مهمته األولى هي اعادة احالل االمن إلنعاش االقتصاد الذي اصبح على “شفير هاوية” زيادة على إعادة فرض سلطة الدولة التي تراجعت الى مستوى غير مقبول. في مارس املاضي وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية قال إنه ال يشعر انه بعيد عن الشباب الذين ساهموا في الشارع وعلى االنترنت في انهاء حكم بن علي ونظامه بعد 23عاما، مؤكدا انه حتت رقابة دائمة من الشباب “حراس” الثورة ومعتبرا ان “جيل االنترنت هو جيل احفادي لكن الشباب هو شباب الروح”. لكن قائد السبسي الذي عاهد نفسه وتعهد أمام شعبه مبغادرة منصبه الذي “فرضته عليه الثورة” والعودة الى “دور الزوج د” يرى ان تونس اجلديدة ليست اال في بداية الطريق ذلك واجل ّ ان “الثورة ليست هي الدميقراطية ،انها بوابتها االولى ونحتاج الى بذل جهد للوصول الى الدميقراطية ...هناك بالتاكيد مخاطر انزالق وعلى من يتولى املسؤولية ان يكون يقظا ،ونحن يقظون”.
29
● بروفايل
الباجي قائد السبسي.. رجل تونس في زمن الثورة
شباب الروح
منذ انقالبه في 1987وحتى فراره في ،2011حاول الرئيس زين العابدين بن علي محو اسم سلفه احلبيب بورقيبة من ذاكرة التونسيني ،لكن منذ 14يناير املاضي، وبقوة ،بعد وفاته بـ 11سنة .اجلميع في تونس عاد اسم بورقيبة يتردد في تونس، ّ استشعر عودة “البورقيبية” في شخص الباجي قائد السبسي رئيس احلكومة املؤقتة الذي عاد الى األضواء بعد تقاعد سياسي دام أكثر من عشرين عاما.
28
النمو االقتصادي في مصر عام 2011إلى 2في املائة ،أي نحو نصف املعدل املتوقع قبل قيام الثورة. إنها نهاية مفاجئة حلملة إصالح طموحة جعلت مصر ،على أية حال ،منوذجا لليبرالية اجلديدة في صندوق النقد الدولي. قبل عام ،2004أحاط الرئيس مبارك ذاته بأنصار شديدي احلذر يبغضون االستمرار في إصالحات متواضعة أدخلها الرئيس الراحل أنور السادات بعد جيل من املركزية االقتصادية في عهد عبد الناصر .كانت البنوك املصرية ملك احلكومة وحتت إدارتها، وكان تدفق العمالت خاضعا لتنظيم صارم ،وكانت التجارة تعاني من فرض ضرائب باهظة .وظلت معدالت النمو موحدة حتى مع الزيادة السكانية الهائلة ،مما أسفر عن عجز مخيف بني أعداد الشباب املنضمني إلى القوى العاملة وقدرة االقتصاد على استيعابهم. تغير كل ذلك منذ سبعة أعوام بعد تعيني أحمد نظيف رئيسا للوزراء ومستشاريه االقتصاديني ذوي الشهادات املعتمدة، والذين كان معظمهم مقربني من جمال مبارك ابن الرئيس والوريث السابق على ما يبدو .باإلضافة إلى محيي الدين، كان هناك وزير التجارة رشيد محمد رشيد ،الذي رفع رسوم االستيراد وعقد صفقات جتارية تاريخية مع دول اجلوار ،ووزير املالية يوسف بطرس غالي الذي حرر اجلنيه املصري وسمح لألجانب بشراء أسهم غالبة في البنوك الوطنية وسمح أيضا للمقرضني املصريني بتقدمي قروض طويلة األجل ،مما سمح بالرفع املالي لالقتصاد الذي لم يكن يعرف في السابق سوى عدم سيولة مزمن.
أيضا كانت نتيجة جتربة االشتراكية العربية التي سبقته .ولم يظهر حتى اآلن خيار ثالث ،لعله يكون مزيجا من االثنني. «األوضاع سيئة« ،هذا ما قاله أحد قادة حركة شبابية ساهمت كثيرا في اإلطاحة مببارك لترى بعد ذلك اجليش يحكم قبضته على املعارضة ،على الرغم من تشكيل مجلس انتقالي بعد سقوط النظام .وأضاف« :ال يعرف أحد متى جترى االنتخابات أو ما إذا كانت ستجرى من األصل .لقد تدهورت عالقاتنا مع اجليش وليس من املؤكد ما هو االجتاه الذي سيتخذونه ،سواء نحو الليبرالية احلقيقية أم صورة أخرى من السيطرة». منذ عام ،1952عندما استحوذ البكباشي جمال عبد الناصر والضباط األحرار على السلطة في انقالب غير دموي ،لم يكن مستقبل مصر االقتصادي واالجتماعي أكثر إبهاما مما هو عليه اآلن .ستساهم تعهدات اجملتمع الدولي بتقدمي ضمانات قروض وتخفيف ديون تقدر بعدة مليارات من الدوالرات بقدر ضئيل في إعادة بناء االقتصاد طاملا استمر الغموض السياسي في إبعاد للمستثمرين .كما تعرضت صناعة السياحة في البالد لضربة قوية ،وتوقفت االستثمارات ،األجنبية واحمللية .وعصف هروب رؤوس األموال بسوق األوراق املالية وارتفعت معدالت الفائدة بالتوازي مع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود العاملية .وبعد أن كانت في املاضي ذات فائض ،أعلنت احلكومة عن عجز في ميزان املدفوعات بلغ 3مليارات دوالر في األشهر الثالثة األولى من العام .وأنفقت ما يقدر بـ 6مليارات دوالر من 36مليار دوالر من احتياطي النقد األجنبي لدعم اجلنيه املصري احملاصر ،وبددت مليارات أخرى في محاولة فاشلة لتهدئة معارضيها بزيادة دعم الغذاء ورواتب العاملني في الدولة .وفقا ملعهد بيترسون لالقتصاد الدولي ،وهو مركز بحثي مقره في واشنطن ،انخفض العدد ،1564يونيو 2011
على الورق على األقل ،كانت النتائج مدهشة .ما بني عامي 2004و ،2008حقق االقتصاد املصري منوا من 4.5في املائة إلى 7.2في املائة قبل أن ينخفض إلى معدل متوسط عند 5.2 في املائة في عام .2010وفي العام املاضي ،وضع البنك الدولي مصر على قمة التصنيف في تقرير ممارسة أنشطة األعمال. ولكن لم يؤثر هذا على املصريني العاديني .في النهاية ،كان ما يهمهم هو معدل البطالة الذي وصل إلى 12في املائة واالرتياب الشديد في أن ثمار اإلصالح تعرضت للنهب على يد أعوان النظام والشركات األجنبية .بعد سقوط النظام مباشرة، اعتقل نظيف وجمال مبارك وشقيقه على خلفية اتهامات بالفساد .وهرب بطرس غالي وكذلك رشيد وأسرته ،مع ما تردد عن تهريبهم ما استطاعوا من ممتلكاتهم .ووجد محيي الدين، أوثقهم ارتباطا ببرنامج تصفية األصول العامة املرفوض ،نوعا آخر من املنفى أكثر راحة؛ ففي خريف العام املاضي ،غادر محيي الدين القاهرة إلى واشنطن العاصمة ،حيث بدأ مهام عمله اجلديد كمدير إداري في مجموعة البنك الدولي. يستدعي فشل كل من الليبرالية املصرية اجلديدة ونقيضتها الناصرية تساؤال حول ما هو املطلوب لتوفير فرص عمل جيدة كافية تتناسب مع أعداد الشباب الهائلة ،ليس فقط في مصر بل في العالم العربي ،حيث التركيبات السكانية املشابهة. هل تعيد أول حكومة جمهورية منتخبة بحرية في مصر تأميم البنوك وفرض رقابة على العمالت؟ هل ستسحب من احتياطي العملة األجنبية الصعبة من أجل زيادة الدعم ورفع الرواتب احلكومية؟ سيكون ذلك حال تكتيكيا قصير املدى ملشكلة ال ميكن عالجها إال بواسطة خطة استراتيجية واضحة .رمبا تكمن اإلجابة في طريق وسط بني رؤية عبد الناصر في اليسار وتوجه محيي الدين في اليمني .أيا كانت الطريقة، ينبغي على جيل جديد من اخملططني االقتصاديني العثور على طريق سريع قبل أن ينتهي الربيع العربي إلى صيف طويل حار.
*ستيفن غلني 27
● قصة الغالف
الطاقة ،فمن املمكن أن يصبح املزيد من االضطراب في املنطقة املنتجة للنفط حتديدا مصدرا للخطورة.
قبل أن ينتهي الربيع العربي إلى صيف طويل حار
وإدراكا منها لألسباب االقتصادية لالضطراب ،تلتزم احلكومات املؤقتة بتوفير فرص العمل وحل مشكلة التفاوت .ولكن كما ذكر مسعود أحمد في مقال له حتت عنوان «الشرق األوسط وشمال أفريقيا :حماية التماسك االجتماعي واالستقرار االقتصادي»، يتمثل التحدي املباشر للدول التي متر مبرحلة انتقالية في «احلفاظ على التماسك االجتماعي واستقرار االقتصاد الكلي». ومن أجل حتقيق ذلك ،رفعت الدول نسبة اإلنفاق مما يسمح لها بتوفير شبكة أمان اجتماعي .لقد توسعت احلكومات في دعم الغذاء والوقود ،ورفعت الرواتب واملعاشات احلكومية ،وأقرت تخفيضات ضريبية لتخفيف االحتياجات االقتصادية للقطاعات األكثر فقرا .ولكن ال تعد زيادة اإلنفاق حال طويل األمد .على الرغم من اختالف احلزمات املالية بصورة كبيرة وميلها ألن تكون أكبر في الدول املصدرة للنفط ،فإن هذه السياسة قد جتهد املال العام وتنتج عنها مستويات مرتفعة من الديون ،وهذا يضر باستقرار االقتصاد الكلي.
في حوار أجري معه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام ،2008 كان محمود محيي الدين ،أحد كبار املستشارين االقتصاديني للرئيس املصري حسني مبارك ،قلقا ولكنه متفائل بشأن مستقبل بالده .كان قد انتهى لتوه من اجتماع أطلع فيه قادة اليسار السياسي على خطته مبنح املواطنني أسهما في شركات القطاع العام وكان األمر صعب اإلقناع .لم تكن اخلصخصة ذات شعبية لدى معظم املصريني وتعرضت خطته للهجوم على أنها وسيلة لبيع أصول الدولة إلى رجال األعمال األثرياء عن طريق استغالل أموال الشعب.
يقدم مؤشر الفالفل الذي تنشره «اجمللة» صورة الختالفات القوة الشرائية في املنطقة .وفي مفارقة ،يوضح املؤشر أن بعضا من أغنى الدول العربية ،وحتديدا تلك التي يحقق سكانها في املتوسط أعلى دخل يومي ،لديها أسعار غذاء ،الفالفل في هذه احلالة ،أقل نسبيا .ومن املؤكد أنه جتب معاجلة هذا التفاوت ليس فقط على املستوى الوطني بل على املستوى اإلقليمي من أجل احلفاظ على االستقرار السياسي واالقتصادي.
باإلضافة إلى ذلك ،وكما أشار كل من ميشال دوني وجيفري فيدمان في موضوعهما عن مصر الذي حمل عنوان «أكبر من الفشل»« :إذا استطاعت مصر جتاوز األشهر االثني عشر املقبلة من دون أزمة حادة ،سيظل هناك الكثير من التساؤالت حول ما إذا كانت متلك اإلرادة السياسية لتبني السياسات املطلوبة جلذب االستثمارات األجنبية املباشرة الضرورية لتوفير 700000 فرصة عمل في العام من أجل القوى العاملة املتنامية فيها». مبعنى أنه سيكون على احلكومات املنتخبة حديثا اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بنوعية السياسات االقتصادية التي ستنتهجها وأهدافها في تنفيذ سياسات عادلة اجتماعيا .على الرغم من أنه غير مؤكد ما إذا كانت احلكومات املنتخبة حديثا ستعالج تفاوت األجور بزيادة اإلنفاق احلكومي بأسلوب مسؤول ماليا ،إال أنه من الواضح أن األنظمة التي تعاني من تغيير مستمر يجب أن تفعل ما في وسعها ملنع هروب رؤوس األموال». وعلى الرغم من الترحيب بثورتي مصر وتونس ألجل الفرص السياسية التي تقدمانها ،فإنه من املؤكد أنهما متران بتحديات وانتكاسات ،ال سيما في مجال االقتصاد .سيحتاج قادة مصر وتونس اجلدد أن يحققوا توقعات ناخبيهم .اإلصالح السياسي ليس عالجا ميكنه مداواة املظالم االقتصادية الكامنة التي فجرت الثورة بني عشية وضحاها .ولكن االضطراب السياسي وضع اقتصادات شمال أفريقيا في حالة غير مستقرة، ستعتمد نتيجتها على احلفاظ على معدالت النمو وضمان شموله للجميع .القول بإمكانية توفير آالف فرص العمل دون الضغط على ميزانية احلكومة أسهل كثيرا من الفعل ،ولكن في النهاية ،هذا هو مطلب الثوار.
*بوال ميجيا :تساهم مبقاالت في «اجمللة» وتقيم في تونس. تعمل صحافية حرة ومستشارة في بنك التنمية األفريقي، حيث يركز عملها على التحديات االقتصادية واالجتماعية في أفريقيا مع تركيز خاص على مصر وتونس وليبيا .تخرجت في كلية االقتصاد بجامعة لندن ومعهد العلوم السياسية في باريس وجامعة شيكاغو. 26
اقتصاد و كباب
ستيفن غلني ولكن كان اإلعالن عن خطة االستثمار في حد ذاته مقياسا للمدى الذي وصل إليه االقتصاد املصري في فترة قصيرة للغاية .بعد أن أوشكت احلكومة على اإلفالس تقريبا في عام ،2004تخلت عن أجيال من مركزية الدولة وتبنت خطة إصالح من صندوق النقد الدولي .ومنذ ذلك احلني ،ارتفع معدل منو االقتصاد إلى نسبة سنوية بلغت 6.5في املائة .وارتفع حجم االستثمارات األجنبية املباشرة والصادرات بنسبة 30في املائة في العام ،بينما منا القطاع اخلاص بنسبة 35في املائة .وأثنى صندوق النقد على حترير العملة املصرية واإلصالح املصرفي بصفته منوذجا للعالم النامي ،وكذلك أيضا مع حتويل ملكية أصول الدولة من القطاع العام إلى اخلاص. ولكن كانت هناك بعض الغيوم في األفق ،وفقا ملا قاله محيي الدين ألحد املراسلني أثناء عشاء تناول فيه الكباب في فندق هيلتون النيل .طاملا استمرت الدولة تعاني من نسبة بطالة مكونة من رقمني ومعدل زيادة سكانية تصل إلى 2في املائة سنويا ،سيكون مقيدا في دفعه للدورة التالية من اإلصالح. وصرح قائال« :لقد حققت العملية الكثير .ولكن كيف تصقلها دون أن تثير رد فعل عكسيا؟». بعد مرور 24شهرا ،في فبراير (شباط) ،2011تبلورت تلك اخملاوف حتديدا في حلظة تصف ما يطلق عليه الربيع العربي. أشعل الغضب الشعبي من مزاعم الفساد واالرتفاع املزمن في معدالت البطالة – تلك التي لم يستطع محيي الدين وزمالؤه حلها – ثورة سلمية أنهت نظام مبارك ونظرة محيي الدين الليبرالية اجلديدة ملصر. من املرجح أن الطبقات السياسية اجلديدة في مصر ،احلديثة في النظام الدميقراطي ،ستسرف في املعارضة الشعوبية لإلصالح الذي مت على مدار نصف العقد املاضي .إذا قررت احلكومة اجلديدة ،املقرر أن تتكون بعد االنتخابات املقرر إجراؤها في شهر سبتمبر (أيلول) املقبل ،التخلي عن عملية التحرر االقتصادي أو الرجوع فيها ،ستكون تلك حلظة كارثية ملصر «احلرة» .رمبا يكون اقتصاد السوق قد أخفق في حتقيق الرخاء ،ولكن هكذا
مؤشر الفالفل يستعير مؤشر الفالفل ،القائم على نظرية سعر الصرف، أداة عملية طورتها في البداية مجلة «اإليكونومست». يقدم املؤشر نظرة مهمة على قيمة عملة محددة من حيث قدرة الوحدة الواحدة منها على شراء الكمية ذاتها في جميع أنحاء العالم .مبعنى أن العمالت يجب أن تتجه نحو سعر صرف يساوي سعر سلة متماثلة من السلع في أكثر من دولة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة ملؤشر الفالفل؟ سعر الصرف للفالفل هو سعر الصرف املطلوب لكي يكون سعر الفالفل في لبنان مثله في األردن أو أي مكان آخر في العالم .تشير العالقة بني سعر الصرف للفالفل وسعر الصرف الفعلي إلى ما إذا كانت أسعار الصرف مبالغا فيها أو أقل من قيمتها ،وهو ما يسمح مبزيد من الدراسات االقتصادية العميقة .على سبيل املثال ،تشير تلك العالقة إلى مصداقية أرقام التضخم الرسمية.
الدولة
السعر األدنى
السعر األعلى
معدل سعر سندويتش الفالفل بالدوالر األميركي
معدل الدخل اليومي
الذين يقل دخلهم اليومي عن دوالر واحد
الذين يقل دخلهم اليومي عن دوالرين
البحرين
0.25دينار
1.5
2.3
75
--
--
عمان
0.5ريال
1
2
52
--
--
السودان
4جنيهات
6
1.90
4.5
% 40
% 60
لبنان
1.500ليرة
4000
1.8
18.5
% 28
% 28
األردن
0.5دينار
1.5
1.4
9.8
% 15
% 15
سوريا
25ليرة
100
1.25
6.9
% 12
% 12
السعودية
3رياالت
5
90سنتا
51
--
--
قطر
3ريااالت
4
90سنتا
241
--
--
اإلمارات
3دراهم
4
90سنتا
166
%19.50
%19.50
اليمن
100ريال
150
60سنتا
3.5
% 20
% 45
الكويت
0.1دينار
0.1
35سنتا
164
--
--
فلسطني
1شيكل
4
45سنتا
45
% 47
% 60
العراق
300دينار
500
34سنتا
2.2
% 25
% 35
مصر
0.5جنيه
2
28سنتا
5.5
% 20
% 40
خسائر باجلملة في العموم ،أثرت االضطرابات بالفعل على ثقة املستثمرين والسياحة واالستثمارات األجنبية املباشرة .في تونس وحدها، أثرت الثورة بالفعل على تصنيف الدولة االئتماني ،حيث خفضت وكالة «فيتش» تصنيفها إلى درجة أعلى قليال من أدنى درجة في نهاية يناير .كما تتسبب املظاهرات السياسية في توقف األنشطة االقتصادية وتقدر خسائرها بنحو 5إلى 8 مليارات دوالر ،أو 11في املائة من إجمالي الناجت احمللي .ووفقا لـ«فايننشال تاميز» ،من املتوقع أن يؤدي االضطراب السياسي مع النمو البطيء في أوروبا إلى انكماش بنسبة 1.5في املائة في إجمالي الناجت احمللي الفعلي في عام .2011ومما يزيد األمر سوءا ،شهد مصدران مهمان للعملة الصعبة انخفاضا كبيرا، وهما السياحة وحواالت التونسيني العاملني في ليبيا. العدد ،1564يونيو 2011
كذلك ال تنعم مصر بوضع أفضل .يشهد اإلنفاق احلكومي زيادة ثابتة ،بعد رفع رواتب املوظفني احلكوميني بنسبة 15في املائة وزيادة بند دعم الغذاء في امليزانية من أجل التخفيف من عبء ارتفاع األسعار في األسواق العاملية ،وفقا ملا نشرته «لوس أجنليس تاميز» .باإلضافة إلى ذلك ،من املتوقع أن يتجاوز العجز احلكومي 10في املائة في حني انخفض احتياطي العمالت األجنبية املتاح في البنك املركزي مبقدار 8مليارات دوالر منذ يناير ووصل اآلن إلى 28مليار دوالر. إال أن أسعار الغذاء تظل مصدر قلق مهم في املنطقة .ففي أبريل (نيسان) ،سجلت مراقبة أسعار الغذاء في البنك الدولي معدل تضخم مكون من رقمني في أسعار الغذاء في مصر وسوريا وإيران .ونظرا الرتباط زيادة أسعار الغذاء بارتفاع أسعار 25
● قصة الغالف
في جسده بعد مصادرة عربة اخلضراوات التي ميلكها ،إلى قدر اإلحباط االقتصادي املنتشر في املنطقة ،ورغبة اجلماهير في اخلروج لتغيير الوضع القائم.
املناطق الريفية واحلضرية ،وتفاوت األجور إجماال ،على زيادة الشعور بالظلم لدى الثوار في شمال أفريقيا مما دفعهم في النهاية إلى اخلروج إلى الشوارع.
وعلى الرغم من االحتجاجات املوسمية التي تخرج كرد فعل ناجت عن شعور باإلحباط االقتصادي الشديد ،فوجئ العالم عندما متت إطاحة الرئيس التونسي السابق بن علي في 14 يناير .بل وصدم عندما التقطت بقية أنحاء املنطقة هذه العدوى الثورية.
خط الفقر من بني تعداد سكاني يزيد على 80مليون نسمة ،يعيش أكثر من 40في املائة من املصريني على أقل من دوالرين في اليوم، ويعيش نحو 21في املائة على أقل من دوالر في اليوم .يشير ذلك إلى أنه على الرغم من النمو االقتصادي ،فلم تصل فوائد جناح مصر في السوق العاملية ،وكذلك دول شمال أفريقيا ،إلى بقية السكان .كان هذا النوع من التباين واضحا في صميم الثورة التونسية .وليست مصادفة أن االحتجاجات بدأت في املناطق احملرومة مثل سيدي بوزيد .عالوة على تلك املظالم ،لم يكن هناك مفر من املظاهرات في ظل ما يتردد عن الفساد والترف الذي اتسمت به حياة مبارك وبن علي والقذافي.
ولكن إذا ألقينا نظرة على أداء شمال أفريقيا االقتصادي في العقد املاضي ،سيكون من السهل معرفة سبب عدم توقع املراقبني أن يهل الربيع العربي .على أية حال حافظت املنطقة على معدالت منو كبيرة حتى في أثناء األزمة املالية العاملية. وكانت اقتصادات شمال أفريقيا تفخر بقوتها في مجالي السياحة والتجارة .وفيما يتعلق بتأثير النجاح االقتصادي على األفراد ،كانت دول شمال أفريقيا حتقق تقدما مثيرا لإلعجاب فيما يتعلق بالتنمية االجتماعية :في العقد املاضي ،ارتفعت نسبة التعليم ووصلت نسبة االلتحاق باملدارس إلى أعلى معدالتها ،وانخفضت نسبة عدم املساواة بني اجلنسني ،واتسع نطاق املناطق القادرة على احلصول على املياه النظيفة ،وارتفع متوسط األعمار .من املؤكد أن املنطقة حققت تقريبا جميع األهداف اإلمنائية في األلفية بحلول عام .2010 على ما يبدو كانت املنطقة مزدهرة اقتصاديا .ولكن ما أظهرته االحتجاجات أن النمو االقتصادي السريع ،بل وحتى التقدم في مجال التنمية البشرية ال يكفي إذا كان اجلزء اآلخر من الصفقة يشمل البطالة وتفاوت األجور والتباينات اإلقليمية باإلضافة إلى محدودية الشفافية احلكومية ومحاسبتها واألمن الغذائي. كانت مشكلة بطالة الشباب امللحة هي الدافع األكبر للمظاهرات .يتراوح معدل البطالة في املنطقة ما بني 18في املائة في املغرب إلى 30في املائة في تونس ،مقارنة مبتوسط عاملي يصل إلى 12في املائة .وكما يوضح تقرير صدر أخيرا عن بنك التنمية األفريقي ،أدت التغيرات الدميوغرافية ،ال سيما ارتفاع عدد السكان البالغ أعمارهم ما بني 15ــ 29عاما، إلى تفاقم املشكلة .في عام ،2005على سبيل املثال ،بلغت نسبة الشباب في إجمالي تعداد السكان في اجلزائر 23في املائة ،وفي املغرب 18في املائة وفي تونس 21في املائة. ومما ضاعف من مشكلة بطالة الشباب أيضا هو عدم توافق املهارات التي يتلقونها في التعليم مع تلك املطلوبة في سوق العمل ،باإلضافة إلى النقص اإلجمالي في الوظائف في السوق الرسمية .وكان من احملبط لشباب شمال أفريقيا أن نتائج التعليم سلبية .فبدال من حتسني فرص العمل بالسعي إلى االلتحاق بالتعليم العالي ،أصبحت هناك عالقة معاكسة بني فرص العمل والتعليم في املنطقة .في احلقيقة ،هناك فائض كبير في أعداد الطالب الذين يركزون على املواد األدبية مثل الدراسات اإلنسانية ،بدال من الدراسات العلمية مثل الهندسة والعلوم ،وهي املواد األكثر شعبية في االقتصادات الكبرى في آسيا .ولكن تشير نسبة البطالة التي بلغت 40في املائة بني خريجي اجلامعات في تونس مقابل 24في املائة من غير اخلريجني ،إلى وجود مشكلة جوهرية في النظام .وفقا لبنك التنمية األفريقي ،توجد مشكلة مشابهة في املغرب؛ حيث يعاني ما يزيد على 60في املائة من حاملي الشهادة الثانوية من البطالة مقارنة بـ 8في املائة من الشباب غير املتعلم. أمام هذه اإلحصائيات يتضح لنا سبب شعور الشباب في شمال أفريقيا بأنه ليس لديهم مستقبل في ظل األنظمة السابقة .ولكن بعيدا عن النقص الصارخ في فرص العمل املتاحة أمام الشباب في املنطقة ،ساعد التفاوت املنظم بني 24
ولكن باإلضافة إلى الفقر ،دفع نوع آخر من الضغوط االقتصادية االحتجاجات في الشرق األوسط .ميثل األمن الغذائي مشكلة في املنطقة منذ أن تفاجأ العالم بارتفاع في أسعار الغذاء في عامي 2007و .2008وتعرضت منطقة الشرق األوسط حتديدا ألضرار كبيرة ،حيث عدد السكان املتزايد املعتاد على دعم الغذاء الذي يشهد تضاؤال واملناطق اجملدبة التي ال ميكنها أن توفر إمدادات غذائية ثابتة. في سوريا على سبيل املثال ،قبل عام ،2008كان الغذاء زهيد السعر هو حجر الزاوية في السياسة االقتصادية في احلكومة ،وذلك من أجل احلفاظ على االستقرار السياسي في البالد .وقد حررت احلكومة القطاع الزراعي ،ولكن فيما بني يناير ويونيو (حزيران) في العام ذاته ،ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 20في املائة وفقا لبرنامج الغذاء العاملي .وازدادت الضغوط على أسعار الغذاء عندما مت تخفيض الدعم على الوقود في شهر مايو (أيار) ،مما تسبب في مضاعفة أسعار الغاز ثالثة أضعاف ،كما أوردت «إيرين» ،وهي وكالة أنباء إنسانية تابعة لألمم املتحدة .وأثر ارتفاع أسعار الوقود على القوة الشرائية للسوريني وأجبر الكثيرون على اتخاذ خطوات قاسية من أجل الوفاء باحتياجاتهم. صرح محمد وردة ،مستشار التنمية الزراعية ،لوكالة «إيرين»، حول قضية أسعار الغذاء في سوريا قائال« :يجد الناس بعض االستراتيجيات للتعامل مع ارتفاع األسعار إلى هذه املعدالت، فيبيعون السلع ويقللون االستهالك ويعملون في وظائف إضافية؛ إنهم يتكيفون مع األمر» .كانت جتربة سوريا واحدة من بني جتارب أخرى ،ففي عام 2008شهدت مصر أيضا أحداث شغب بسبب الغذاء. نظرا لألحوال االقتصادية الصعبة التي تواجه املنطقة ،ليس غريبا أن يخرج الكثيرون إلى الشوارع مطالبني بالتغيير .في الوقت الذي تسبب فيه احلكم السيئ في كثير من املظالم االقتصادية التي تعانيها الشعوب في الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،ستسفر التغييرات املفاجئة في النظام عن معوقات اقتصادية إضافية أمام تلك الدول التي تواجه فترة صعبة بالفعل. من الضروري حدوث منو اقتصادي من أجل تهدئة االضطراب السياسي ،على الرغم من عدم القدرة على ضمان املساواة. ولكن على الرغم من أن الربيع العربي قد يؤدي إلى تعديالت حكومية مهمة ميكنها أن تدعم النمو االقتصادي واملساواة، فإنه على املدى القريب سيسفر عن انعدام استقرار سيعرقل النمو االقتصادي .وتتمثل لعنة الثورات العربية في أنه على الرغم من أن املظالم االقتصادية هي الدافع وراء التحرر السياسي في هذه الدول ،فإنها أيضا جعلت مشاريع اإلصالح في هذه الدول معرضة خلطر الفشل.
العدد ،1564يونيو 2011
23
● قصة الغالف
الثمن االقتصادي للربيع العربي
خبز و حرية
لم تكن االعتصامات واالضرابات وصور االحتجاج األخرى التي تضم مئات املشاركني شيئا مرتبطا بدول الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،في الوقت الذي غيرت فيه ثورتا الياسمني واللوتس توقعات القادة واجملتمع الدولي عن نفوذ العمل اجلماعي في املنطقة ،كانت هناك أحداث مهمة سابقة على ثورات يناير (كانون الثاني) أشارت إلى وجود مشكالت عالقة. بوال ميجيا وعلى الرغم من غياب اجملتمع املدني النشط في معظم أنحاء شمال أفريقيا والشرق األوسط ،فإن ما فعله عمال النسيج في مصر في األعوام األخيرة ،سبق الثورات التي لم يتوقعها أحد، بل وأظهر أيضا املظالم االجتماعية االقتصادية التي أطاحت بعضا من أقدم الرؤساء في املنطقة. وعلى سبيل املثال ،فقد دعا عمال النسيج في شركة «مصر للغزل والنسيج» في احمللة عام 2008إلى إضراب وطني، أدى إلى مواجهته بالسالح .وعلى الرغم من تلبية احلكومة ملطالبهم وجتنب اإلضراب ،فإن العمال قادوا مظاهرات حاشدة ضد ارتفاع األسعار وتأثيرها في قدرتهم على سداد متطلبات احلياة في ظل أجورهم املتدنية وفرص العمل احملدودة .وكان رد فعل احلكومة متوقعا ،كما ذكرت صحيفة «األهرام» املصرية: «كان القمع وحشيا ،وطوال ثالثة أيام من االحتجاجات قتل خمسة أشخاص وجرح املئات ومت اعتقال العشرات» .ولكن في النهاية خضعت احلكومة ملطالب العمال ،نظرا لعجزها عن االستمرار في األعمال القمعية. لم تكن مظاهرات احمللة حدثا منفردا .نقال عن مركز األرض حلقوق اإلنسان ،فقد نشرت «األهرام» أنه «في ما بني عامي 2004و ،2008شارك 1741870عامال (مصريا) في مظاهرات واعتصامات واضرابات وصور أخرى من األعمال اجلماعية» .وفي هذه اإلحصائية استثناء لواحد من أبرز أحداث املواقف املدنية، وهي انتفاضة اخلبز املصرية عام ،1977والتي تكررت أخيرا في عامي 2007و 2008عندما وصلت أسعار اخلبز إلى درجة قصوى. في الواقع ،كان جناح عمال احمللة في احلصول على تنازالت من احلكومة إنذارا مهما بقيام الثورة في مصر .لقد عبرت احمللة عن شكاوى كثير من املصريني ،ولكنها أيضا قدمت حال :حيث اخلطوة اجلماعية من أجل احلصول على رد فعل حكومي .يتردد الكثير عن الدور الذي لعبته مواقع التواصل االجتماعي في جناحات الربيع العربي ،في مصر على وجه التحديد ،وكانت سابقة احمللة ورغبة املشاركني في االنضمام إلى دعوات التظاهر التي أطلقت عبر «الفيس بوك» و«تويتر» حاسمة في جناح الثورة. كما أظهرت أحداث احمللة ،أنه رمبا تسفر املظالم في مصر واملنطقة ككل عن تغيير سياسي ،ولكنها توضح أن األسباب الكامنة في األساس اقتصادية .يشير تاريخ االحتجاجات في مصر حتديدا إلى الدور الهائل الذي تلعبه الفرص االقتصادية ،أو نقصانها ،في دفع األفراد إلى التظاهر ضد الدولة .كذلك يشير الشهيد الثائر في تونس محمد البوعزيزي ،الذي أشعل النار 22
مانويل أمليدا
6
● شؤون سياسية
وعلى الرغم من االنتقادات احلادة التي توجهها له شخصيات محافظة بارزة مثل األخوين الريجاني ،أيد أحمدي جناد رحيم مشائي قائال« :إن اإليرانيني قبلوا اإلسالم بسبب تفوقهم على هؤالء الذين جلبوا اإلسالم إلى أرضنا»، وأن القيم اإليرانية املذكورة في اسطوانة سيروس يجب أن تكون املبادئ اإلرشادية لألمة اإليرانية في مسيرتها نحو «إعادة إقامة دولة قوية وحضارة حديثة». ومن جانبه ،يحاول أحمدي جناد االستفادة من احلرس الثوري في زيادة سلطات الرئاسة على حساب البرملان واملرشد األعلى .وعلى الرغم من اعتراضات عدد من البرملانيني ،فرض جناد رفع الدعم في محاولة لترشيد االقتصاد ونزع حقوق املنتقدين من الطبقة املتوسطة مع الوعد مبزيد من الدعم املوجه للطبقات الفقيرة التي تؤيد حكومته .أضف إلى ذلك إقالة وزير اخلارجية منوشهر متكي ودعم أحمدي جناد املستمر لرحيم مشائي وفشل محاوالت القضاء واجليش في مقاضاة محمد رضا رحيمي -النائب األول للرئيس -ليتضح أن فصال جديدا في السياسة اإليرانية قد بدأ. كُتب الكثير عن القوة السياسية واالقتصادية للحرس الثوري اجلمهوري، ولكن مت إغفال محاولة احلرس األخيرة الختراق القطاع الديني بإقامة عدد من املعاهد الدينية مثل معهد الشهيد محالتي في قم .يسعى احلرس الثوري من خالل ذلك إلى احلد من احتكار رجال الدين للمؤسسات الدينية وبسط نفوذه على صناعة القرار الديني ،فيصبح لديه رأي في تعيينات أصحاب املناصب الرفيعة .يتماشى ذلك مع ادعاءات أحمدي جناد املكررة غير امللحوظة بأن تفسيرات الدين لم تعد تتطلب دورا وسيطا من رجال دين محددين. عالوة على ذلك ،على النقيض من االعتقاد السائد في الغرب ،لم يعتمد احلرس الثوري مطلقا على سلطة املرشد األعلى في وجوده .بل كان خامنئي هو الذي يعتمد دائما على احلرس من أجل احلفاظ على قبضته على السلطة، نظرا ألنه يفتقد إلى أوراق اعتماد دينية ليصبح فقيها ،بخالف أشياء أخرى.
�صراع ال�سلطة يتميز املشهد السياسي اإليراني بالتوتر املستمر بني مؤسسة رجال الدين املؤيدة للحكم املطلق والتخطيط العدواني لكتلة الرئيس أحمدي جناد. في ضوء هذا املشهد ،تشير التعليقات األخيرة التي أدلى بها محمد علي جعفري ،قائد احلرس الثوري ،إلى نقطة انفصال محتملة في صراع السلطة. في أبريل (نيسان) ،استعرض علي جعفري عضالت احلرس الثوري اإليراني بقوله إن «احلرس الثوري ليس مجرد مؤسسة عسكرية ،ولكنه مؤسسة أمنية وثقافية وآيديولوجية وسياس-ية وعسكرية ،مما يعني أنه من املتوقع أن تكون له العديد من املهام ليتمكن من حماية الثورة ونتائجها في مجاالت الثقافة والسياسة واالقتصاد واجملتمع واألمن واالستخبارات». تلت هذا التعليق في شهر مايو (أيار) سلسلة من التصريحات التي متارس ضغطا على أحمدي جناد الذي يحتمل مترده. صرح رجل الدين ذو النفوذ حجة اإلسالم كاظم صديقي قائال« :قال الرئيس إنه سيحبط أعداء النظام (بقبوله سلطة خامنئي) ولكن هذا ال يكفي .إننا ننتظر أن يترجم أقواله إلى أفعال». وقال أحمدي جناد في اجتماع جمللس الوزراء إنه سيطيع خامنئي كما «يطيع االبن أباه» في محاولة إلنهاء املواجهة بني القائدين. وكان أحمدي جناد قد قاطع في السابق جميع الواجبات الرسمية بعد أن عارض خامنئي إقالته لوزير االستخبارات حيدر مصيلحي ،حليف املرشد األعلى. حذر اجلنرال جعفري ،اخلاضع لسلطة خامنئي مباشرة ،قائال« :لقد نسي بعض األشخاص داخل النظام قيم الثورة ويسعون إلى تشويه صورة اإلسالم.. ولكن الناس ال تتبع الشياطني أو اجلن ،ولن يتسامحوا مع مثل هذا االنحراف». قال آية اهلل محمد تقي مصباح يزدي ،مستشار أحمدي جناد« :إن طاعة املرشد األعلى واخلضوع له واجب ديني ليس له عالقة بالسياسة» ،مضيفا أن شرعية الرئيس «تقوم على إقرار املرشد األعلى وليس االنتخابات الشعبية». وكرر حجة اإلسالم مجتبى ذو النور ،ممثل خامنئي لدى احلرس الثوري ،الرسالة ذاتها ،حيث قال« :ال ميلك الرئيس أو أي شخص آخر أي شرعية دون أمر من املرشد األعلى» ،مطالبا أحمدي جناد بـ«تصحيح» موقفه.
20
وحتى اآلن ،يسعى خامنئي والباسداران إلى حتقيق هدف واحد ،وهو منع انتخاب رمز إصالحي آخر في منصب رئيس الدولة .وكانت قيادة خامنئي واعتداله بني احملافظني دعما حملاوالت احلرس الثوري في التخلص من اإلجراءات اإلصالحية في إيران .ولكن افتقاد خامنئي غير املسبوق للشعبية قلص من حجم مؤيديه بصورة كبيرة لدرجة أنه أصبح عبئا أكثر من كونه مساندا. لذلك إذا أدرك احلرس الثوري أن خامنئي لم يعد له أي فائدة سياسية حقيقية ،فسيكون لديهم السلطة واملوارد والرغبة في تهميشه. وفي ضوء هذه االعتبارات ،خسر خامنئي قدرا كبيرا من سلطته السياسية وقوته ،ال سيما في ما يتعلق بالتعليقات التي صدرت أخيرا عن حسني علي شريعتمداري ،لدرجة معارضة املرشد األعلى في تطورات سياسية معينة نتيجة مخاوف على بقاء النظام .لم يعد خامنئي هو صاحب القرار ولكن مطلوب منه أن يؤدي دوره في جهد ينظمه احلرس الثوري ،للحفاظ على هدوء اجملتمع ومنع قيام انتفاضة أخرى واسعة النطاق .ومثال على ذلك ،تصريحات خامنئي األخيرة عن النموذج اإليراني اإلسالمي في التنمية االقتصادية. ومثال آخر إبعاد وزير اخلارجية السابق منوشهر متكي .رمبا يكون متكي - كبير مستشاري علي الريجاني في االنتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2005واختير في منصبه الدبلوماسي بناء على إصرار على خامنئي -قد أصبح غير مهم لدرجة أن خامنئي قبل بإبعاده .وقبل وقت قصير قدم خامنئي دعمه ملتكي عندما انتقد الرئيس في اختيار مستشاريه لشؤون السياسة اخلارجية. وفي ما يتعلق بتداعيات ذلك على الواليات املتحدة وحلفائها ،جتد جماعة أحمدي جناد ،في مسيرتها القومية اإلسالمية ،دافعا لها في كل من تكاتف القوة الداخلية والبقاء .لذلك تعكس هذه األجندة اجلديدة مخاوف أكثر من الطموحات ،إنه ذلك اخلوف الذي يجب أن يشكل حجر الزاوية في املوقف الغربي نحو احلكومة اإليرانية. سيصبح على الواليات املتحدة وحلفائها التعامل مع حكومة متلك القوة للوفاء بتعهداتها ودوافع لتقدمي تسويات ،ومن جانب آخر ،تخشى على مستقبلها ألنها تخوض صراعا سياسيا داخليا .لهذا بدأ معسكر أحمدي جناد يعتقد أن الوصول إلى اتفاق مع الغرب ميكن أن مينحه اعترافا داخليا ودوليا يحتاج إليه كثيرا من أجل إنهاء العجز السياسي في طهران وتعزيز نفوذه. متر إيران مبرحلة حرجة تتعلق برغبتها في احلصول على أسلحة نووية .وقد أظهرت كوريا الشمالية للقيادة اإليرانية أنه من املمكن تطوير أسلحة نووية على حساب النمو االقتصادي واحلياة اليومية الكرمية .ولكن ليس من الواضح أن احلكومة على استعداد ألن تدفع هذا الثمن. تشير األدلة إلى أن العقوبات التي فرضت على إيران عام 2010أحلقت أضرارا بالنظام ،بإجباره على تغييرات مكلفة ومستنزفة للوقت في عالقاته املصرفية والتجارية .مبعنى أن العقوبات الدولية لعبت دورا في تنفيذ حزمة اإلصالح االقتصادي اجلديدة .من املؤكد أن محمود أحمدي جناد ورجال احلرس الثوري يعرفون تأثير االنهيار االقتصادي على قوة النظام ،وبذلك لديهم دوافع قوية لتقدمي تنازالت في البرنامج النووي .يتضح ذلك في اخلطاب األخير الذي ألقاه الرئيس في مدينة رشت ،حيث أشار إلى إمكانية التوصل إلى «اتفاق إيجابي» مع الغرب في «اجتماعات مستقبلية». نتيجة لذلك ،يجب أن يكون هناك نقاش ملح وصادق حول إيران ودورها أو نفوذها في الشرق األوسط وكيفية تعزيزها للمصالح األميركية هناك. يتطلب هذا بالضرورة التقدم بعيدا عن اخلالفات واملشكالت املاضية املترسبة والتركيز بحدة على احلاضر واملستقبل.
نيما خورامي أسل -محلل أمني في مشروع األزمات الدولية في لندن .يكتب بانتظام لصحيفة «الغارديان» .تتضمن مجاالت تخصصه شؤون الشرق األوسط واإلسالم السياسي والتحرر من الراديكالية والصني والقوقاز وأمن الطاقة واجلغرافيا السياسية.
احلرس الثوري وأحمدي جناد يعلنان نهاية دور املرشد في ايران
فقيه بال والية
منذ االنتخابات الرئاسية املتنازع عليها ،أصبح احلرس الثوري اإلسالمي العبا أساسيا في السياسة اإليرانية .في محاولة لتعزيز قوته ،يستغل احلرس االستياء الداخلي من املرشد األعلى من أجل إطالق خطاب قومي إسالمي ،مما يؤدي إلى تهميش علي خامنئي .ويحمل ذلك مضامني مهمة للمجتمع الدولي في تعامله مع إيران. نيما خورامي أسل اكتسبت «احلركة اخلضراء» ،التي ظهرت أثناء حملة االنتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2009في إيران ،زخما بعد الهزمية غير املقنعة للمرشحني اإلصالحيني ،وأصبحت جبهة معارضة قوية وحقيقية تتحدى أساس النظام اإلسالمي ذاته ،مما سهل على احلرس الثوري اجلمهوري اإليراني عملية الصعود ليتصدر القيادة السياسية في البالد.
طرق بديلة ملواجهة قيم اإلصالحيني وأجندتهم ،وبذلك جلأوا إلى تهميش دور املرشد األعلى .وفي 19يناير (كانون الثاني) ،على سبيل املثال ،أرسل أحمدي جناد خطابا إلى أعضاء البرملان ينتقد فيه صراحة املؤسسات ذاتها اخلاضعة إلشراف املرشد األعلى ،وهي حتديدا القضاء والبرملان ومجلس تشخيص مصلحة النظام.
يعمل احلرس الثوري اليوم ككتلة اجتماعية وسياسية واقتصادية شاملة ميتد نفوذها إلى كل أركان احلياة السياسية واجملتمع اإليراني .يحمل الباسداران (احلرس) ،الذي يجمع أفراده خلفية مشتركة في احلرب والنشأة في اخلدمة العسكرية ،نظرة شمولية شعوبية حاسمة نحو جمهورية إيران اإلسالمية تدعي أنها أكثر إخالصا للمبادئ األولى للثورة.
في الوقت ذاته ،أدرك مجلس الوزراء الذي يسوده احلرس الثوري أن الدين وحده لم يعد عملة سياسية ثمينة وأن الترويج للقومية بنكهة إسالمية بدأ يحل محل القيم الثورية في خطاب املسؤولني في إيران بعد االنتخابات. وهو اخلطاب الذي يفيد احلرس الثوري قبل أي من األطراف األخرى في الساحة السياسية اإليرانية ،حيث يسمح له بتبرير مطالبته بوجود حكومة مركزية قوية.
ولكن جتري حاليا مراجعة لصيغة السلطة ،ويبدو أن احلرس الثوري اجلمهوري يرعى عملية دعم القيم القومية في مقابل القيم الثورية .دفع تزايد صرح أقرب أصدقاء جناد ،إسفنديار رحيم مشائي ،بأنه يجب على إيران أن االستياء احمللي من النظام اإليراني -حتديدا املرشد األعلى -بالرئيس أحمدي تروج للمدرسة اإليرانية التي تقول إن «هناك تفسيرات مختلفة لإلسالم، جناد ،أحد قادة احلرس الثوري السابقني في الباسيج ،ومؤيديه إلى البحث عن ولكن فهمنا للطبيعة احلقيقية إليران ولإلسالم هو املدرسة اإليرانية». العدد ،1564يونيو 2011
19
● شؤون سياسية
إال ما كان موافقا ملزاج العقيد. وفتح العقيد أبواب الرفاهية لنفسه وأسرته ولكتابه وأفكاره ،ولكنه سدها في وجه شعبه ،الذي ضيق اخلناق عليه وحرمه من العيش الكرمي. الزحف ..الكارثة األسوأ من كل هذا ،ما حدث بعد ذلك ،إذ أطلق القذافي العنان للجانه الثورية بتحريض جموع العمال واحلرفيني والقوى العاملة األخرى على (الزحف) على املنشآت واملصانع واألماكن التي يعملون فيها لتشكيل جلان شعبية تدير هذه املصانع موهمينهم بأنهم سيتحولون من أجراء إلى شركاء ،تطبيقا ملقولة «شركاء ال أجراء» وهي واحدة أخرى من مقوالت الكتاب األخضر .ومواكبة لهذا الهدف أمر القذافي بإصدار صحيفة سماها «الزحف األخضر» في يناير .1980 وبدأ العمال في الزحف على املصانع واملؤسسات واحملال التجارية وشكلوا فيها جلانا شعبية لتسيير أمورها وطردوا أصحابها احلقيقيني الذين هربوا وفضلوا السالمة على املال ،ومن رفض من هؤالء اخلروج اضطر إلى ذلك اضطرارا بالقوة .وهنا ساء احلال في ليبيا ،بسوء اإلنتاج وقلته ،إذ نقصت طاقات املصانع واملنشآت املزحوف عليها ،بعد أن تولى رئاستها أناس ليست لهم اخلبرة واحلنكة ،وليست لديهم معرفة باألسواق العاملية التي توفر املواد وقطع الغيار الالزمة لهذه املصانع ،فأهملت وخربت .ولم متض خمس سنوات حتى نزعت ملكية جميع املصانع والشركات من أصحابها .وفي مواكبة هذا احلدث كان يجري أيضا تشكيل أمانات أو مثابات اللجان الثورية في كل مكان من ليبيا .وهذه اللجان التي أمر القذافي بتشكيلها كانت لها الصالحيات الكاملة في كل شيء .فدبت الفوضى في كل مكان وعانى الشعب الليبي من بطش هذه اللجان وإرهابها إذ كانت تطبق حرفيا ما يقوله القذافي في خطاباته ولقاءاته ومحاضراته. التصعيد عاشت ليبيا سنني صعبة متوترة منذ بدأ القذافي في تطبيق منوذجه السياسي على اجملتمع الليبي ،فظهر ما سماه «التصعيد الشعبي» وهي عملية فوضوية حيث يختار الناس في مناطقهم اخملتلفة شخصا ويعينونه أمينا على االقتصاد مثال أو الصحة أو التعليم .وأدى هذا إلى هيمنة القبائل الكبرى على أعمدة الدولة .كما أن االختيار لم يكن مدروسا فعادة ما يختار الناس شخصا ليس مؤهال بل أميا وحدث هذا مرارا .كما أن الوقت الذي تستغرقه عملية االختيار طويل جدا ،مما أدى إلى إهمال الناس ألعمالها وحرفها ووظائفها ،وظلوا يتغيبون عنها من دون حسيب أو رقيب .وكان لهذا مردود سيئ على االنتاج. ورافق كل هذا (تشنج ثوري) استمر متأججا حتى سقوط االحتاد السوفياتي.
كان القذافي خاللها في قمة اندفاعه الثوري ،فكان ال يدع مناسبة إال ويظهر في بدلة عسكرية بنياشينه وأوسمته وكأن ليبيا في حرب أبدية، صابا جام غضبه على الرجعية ومن يسميهم املندسني. إن ما كان يحدث في ليبيا شيء غريب عجيب ،أربعة عقود من الزمن ذهبت سدى ،عاثت فيها اللجان الثورية فسادا وإرهابا للناس ..وحصرت فيها على الليبيني أنفاسهم ..وأرغمتهم بالقوة على ترديد مقوالت القذافي.. وتدريسه في املدارس واجلامعات ،بل ذهب بهم األمر إلى بث جزء من الكتاب األخضر قبل أية نشرة إخبارية مسموعة أو مرئية .وما زال هذا األمر قائما إلى اآلن. إن ليبيا بالكامل أصبحت ملك رجل واحد يتحكم في ناسها ومالها ونفطها وسمائها وأرضها .دكتاتورية مطلقة ،كانت حتى برامج التلفزيون والراديو تدار بأمره وأمر مكتبه .وحدث مرة أن ع ّبر عن عدم رضائه عن برامج التلفزيون بأن قطع البث ،ووضع صورة ثابتة حلذاء ظل الناس ينظرون إليه فترة ليست بالقصيرة. وفي هوس جنون العظمة كان ال يقبل النجومية ،أي أنه كان ال يسمح بذكر أسماء في نشرات األخبار أو الصحف إذ كان يُكتفى بالقول مثال أمني الصحة من دون ذكر اسمه .وقد حدث هذا للمنتخب الليبي لكرة القدم فكان محظورا ذكر اسم الالعب ويذكر فقط رقمه. اجلمهرة ذهب العقيد إلى أبعد من ذلك عندما رأى وجوها تلفزيونية تتألق فأعلن ما سماها (اجلمهرة) ،استباقا لطغيانها على صورته في اإلذاعة .واجلمهرة هي أن يأتي املواطنون إلى اإلذاعة لقراءة نشرات األخبار ،فأضحت اإلذاعة الليبية شبيهة مبسرح العرائس يأتي إليها املواطنون من مختلف ربوع البالد ويطلبون قراءة النشرة .وقد قضى الليبيون شهورا ضاحكني ومنذهلني مما يحدث داخل اإلذاعة .إلى أن اضطر إلى إنهائها بعدما كثرت األخطاء واألغالط الفظيعة حيث إن نشرات األخبار تبث على الهواء مباشرة. إن حكم القذافي املطلق ينطبق عليه متاما قول املؤرخ والسياسي اإلجنليزي جون آكتون 1902 - 1834إن «السلطة عادة ما جتنح للفساد ،إال أن السلطة املطلقة هي التي تفسد بشكل مطلق» وهو فعال ما حدث في ليبيا .إذ ما كان لرأي أن يعلو فوق رأي العقيد .بل ما كان ألحد أن يجرؤ على إبداء أي رأي .فالرأي ما كان يراه العقيد .
*عزالدين سنيقرة
من الكتاب الأخ�ضر ..من حت ّزب خان احلزب هو الدكتاتورية العصرية ..هو أداة احلكم الدكتاتورية احلديثة ...إذ إن احلزب هو حكم جزء للكل... وهو آخر األدوات الدكتاتورية حتى اآلن .ومبا أن احلزب ليس فرداً ،فهو يضفي دميقراطية مظهرية مبا يقيمه من مجالس وجلان ودعاية بواسطة أعضائه .فاحلزب ليس أداة دميقراطية على اإلطالق ،ألنه يتكون إما من ذوي املصالح الواحدة ...أو الرؤية الواحدة ..أو الثقافة الواحدة ...أو املكان الواحد ..أو العقيدة الواحدة.. هؤالء يكونون احلزب لتحقيق مصاحلهم أو فرض رؤيتهم أو بسط سلطان عقيدتهم على اجملتمع ككل، وهدفهم السلطة باسم تنفيذ برنامجهم .وال يجوز دميقراطيا ً أن يحكم أي من هؤالء كل الشعب الذي يتكون من العديد من املصالح واآلراء و األمزجة واألماكن والعقائد ..فاحلزب أداة حكم دكتاتورية متكن أصحاب الرؤية الواحدة أو املصلحة الواحدة من حكم الشعب بأكمله ...أ ّي شعب ...واحلزب هو األقلية بالنسبة للشعب .إن الغرض من تكوين احلزب هو خلق أداة حلكم الشعب ...أي حكم الذين خارج احلزب بواسطة احلزب ...فاحلزب يقوم أساسا ً على نظرية سلطوية حتكمية ..أي حتكّم أصحاب احلزب في غيرهم من أفراد الشعب ..يفترض أن وصوله للسلـطة هو الوسـيلة لتحقيق أهدافه ،ويفترض أن أهدافه هي أهداف الشعب ،وتلك نظرية تبرير دكتاتورية احلزب ،وهي نفس النظرية التي تقوم عليها أي دكتاتورية. ومهما تعددت األحزاب فالنظرية واحدة بل يزيد تعددها من حدة الصراع على السلطة ...ويؤدي الصراع احلزبي على السلطة إلى حتطيم أسس أ ّي إجناز للشعب ...ويخرب أي مخطط خلدمة اجملتمع ...ألن حتطيم اإلجنازات وتخريب اخلطط هو املبرر حملاولة سحب البساط من حتت أرجل احلزب احلاكم .
18
بعد هذه الندوة بشهور قليلة سيق كثير من روادها إلى السجون .وقمعت حرية التعبير وكممت األفواه .وسارع القذافي بعد ذلك إلى إعالن النقاط اخلمس. لم يتخلص القذافي من املفكرين واملثقفني الذين عارضوا أفكاره في ندوة الفكر الثوري فقط ،ولكنه متكن أيضا من التخلص من زمالئه أعضاء احلركة الذين كانوا يكونون ما سمي «مجلس قيادة الثورة» فقد كان عددهم اثني عشر عضوا وهم اآلن ثالثة ،واحد منهم حتت اإلقامة اجلبرية. قبل إعالن القذافي عام 1977بعام واحدعن قيام سلطة الشعب ،وانبالج عصر اجلماهير أو عصر االنعتاق النهائي -وهي تسميات يحلو للقذافي أن يكررها في كل مناسبة -جاءت األحداث الدامية في السابع من أبريل 76 والتي قال عنها القذافي شخصيا إنها قربت من قيام سلطة الشعب. هناك روايتان ملا حدث ذلك اليوم :رواية النظام أو رواية اللجان الثورية تقول: «إن ثورة الطالب في ابريل قامت رفضا للنظام الرجعي املتعفن ،اميانا ً منها
مببادئ وفكر معمر القذافي الذي حرّض على القضاء النهائي على الرجعية املتخلفة في كل املؤسسات التعليمية آنذاك ،والتي تعد أهم الركائز التي يعول عليها اجملتمع اجلماهيري الواعي ،بثورة طالبية تكتسح الرجعية وتطهر املؤسسات التعليمية من بقاياها ومن العنكبوت الذي عشعش في العقول ،وكبح حرية التفكير حيث اقتصر التعليم على فئة معينة ووحيدة ،أما باقي افراد الشعب فكانوا محرومني من هذا احلق». الرواية الثانية ،كتبها التاريخ ،فحكم بأن كل هذا الكالم الثوري ليس إال ذرا للرماد في العيون ،فالقذافي كان يهيئ لنموذجه االشتركي املتمثل في الكتاب األخضر .ولكنه كان يعرف أن أفكاره هذه ستصطدم برؤى طلبة اجلامعات ،فرأى أن يصفي حساباته معها أوال .واستخدم في ذلك مصطلحا واضحا هو «تطهير اجلامعات من اليمني املتعفن». فالنظام الفتي ،في وقتها ،كان يعد لهذا اليوم ،وقام بإقحام الطلبة وإعدادهم في امللتقيات واملعسكرات العقائدية التي يسميها إلى اآلن معسكرات «سواعد وأشبال الفاحت» ثم جزهم في اجلامعات اخملتلفة لينفذوا إرادته وسياساته .وهذا ما حدث. لقد كانت أحداث دامية قتل فيها عدد من الطلبة الذين كانوا من املعارضني لسياسة النظام ذي الرؤية الواحدة .كما زج بالكثير منهم في السجون ومكثوا فيها مددا طويلة جدا حيث دخلوها شبابا وخرجوا منها كهوال، وأطلق القذافي كثيرا منهم في مسرحية "دكه للسجون" ببلدوزر في ما سماه يوم « أصبح الصبح» .لكن هناك أعداد من هؤالء الطالب لم يعودوا حتى اليوم إلى أهاليهم. بيد أن ما حدث بعد هذا التاريخ سيظل من األمور املريعة واملضحكة في اآلن نفسه في تاريخ ليبيا احلديث .لقد تعرض اجملتمع الليبي ألسوأ فوضى عرفتها املنطقة ،عندما شرع القذافي في تطبيق أفكار كتابه األخضر بالقوة على اجملتمع الليبي. من حتزّب خان ولنبدأ مبقولة من مقوالت هذا الكتاب وهي من «حتزب خان» .حيث نكّل النظام باحلزبيني ومنع تشكيل األحزاب حتت أي مسمى وزج بقادتها واملنتمني إليها في السجون .وطبق النظام مقولة «البيت لساكنه» بتعسف ومن دون استفتاء إذ أصبح كل انسان يسكن في بيت باإليجار ميلك هذا البيت .ولنتصور وقع هذا األمر على القطاع العقاري الذي أحرقت ملفاته في ما بعد عمدا من قبل أجهزة النظام من اللجان الثورية ،ليصبح من الصعب على أي شخص ميلك عقارا تقدمي دليل على ذلك .ووفقا لهذا التطبيق الفوضوي اجملحف عمت الفوضى والتذمر ،وسعى العقاريون إلى بيع أمالكهم بأثمان بخسة والفرار إلى اخلارج. ومما ال شك فيه أن القذافي جنح جناحا باهرا في القضاء على الطبقة الثرية في اجملتمع الليبي مبصادرة أمالكها والتضييق عليها ومحاصرتها وكان من أبرز هؤالء األثرياء عائلة "طاطاناكي" التي كانت متلك عقارات وأراض واسعة في طرابلس .ولكن بدأت تنمو في البالد في ما بعد ،طبقة أخرى من األثرياء اجلدد أكثر شراسة وثراء من طاطاناكي نفسها ،لتأسس بعد ذلك للفساد والرشوة واحملسوبية والوساطة. وقد أنفقت أموال طائلة على الكتاب األخضر وطبع بكل اللغات احلية وامليتة منها ،وأنشئ له مركز رئيس في طرابلس سمي «املركز العاملي لدراسات وأبحاث الكتاب األخضر» يوظف الطلبة وأساتذة اجلامعات من كل أرجاء الدنيا ويطلب منهم كتابة بحوث ودراسات حول هذا الكتاب مقابل أموال طائلة .وقام هذا املركز بإقامة الندوات في جامعات عاملية شهيرة مثل جامعة كاركاس في فنزويال وجامعتي مدريد والسربون وأكرا في غانا باإلضافة إلى معظم اجلامعات األفريقية .وكان الطلبة من جميع أنحاء العالم يأتون للدراسة في ليبيا على نفقة هذا املركز ،حيث يتم تدريسهم الكتاب األخضر ،وبعد ذلك يطلب منهم أن يكونوا «مبشرين بهذا الكتاب» يعني تدريسه وتوزيعه في بلدانهم مقابل أموال مجزية. وهكذا أصبحت كل الكتب في ليبيا قربانا للكتاب األخضر ،وأصبح املثقفون الليبيون يئنون في صمت .وكان ال يجرؤ أحد منهم أن يخرج كتابا إلى النور،
العدد ،1564يونيو 2011
17
● شؤون سياسية
القذافي من «ندوة الفكر» إلى االستبداد املطلق
الرأي ما يراه العقيد
كانت بداية سبعينات القرن املاضي في ليبيا مرحلة غير محددة املعالم ،وظل هذا األمر قائما حتى بعد «النقاط اخلمس» التي أعلنها القذافي عام 1973في خطاب زوارة الشهير ،وأعلن فيها :إعالن الثورة الشعبية ،والثورة الثقافية وتعطيل كل القوانني املعمل بها ،وتطهير البالد من جميع املرضى واملندسني ،وإعالن الثورة اإلدارية والقضاء على البيروقراطية. عزالدين سنيقرة
بي ،ولم يظهر هذا لم تكشف حركة 1969عن أيديولوجيتها بشكل نّ واضحا إال عام 1977عندما أعلن القذافي أن ليبيا سيكون اسمها من اآلن فصاعدا «اجلماهيرية» عوضا عن اجلمهورية ،حيث شرع القذافي في تطبيق كتابه األخضر تطبيقا عمليا على اجملتمع الليبي .ومن ذلك التاريخ تبنت ليبيا "االشتراكية". قبل اخلوض في ما حدث عام 1977وما بعده ،ينبغي معرفة مقدمات هذا االنتقال االستبدادي الفردي املطلق من بداية االنتقال من اجلمهورية إلى اجلماهيرية .ومن هذا التاريخ بالذات بدأت قبضة القذافي احلديدية احلقيقية وسلطته املطلقة تأخذان منحى استبداديا طاغيا. بعيدا عن التحامل أو اإلجحاف ،كانت البداية حسنة ومشجعة ،فقد تنفس املثقفون الليبيون الصعداء عندما علموا أن حركة الضباط تنوي اقامة حوار وطني كبير يجمع كل األطياف والتيارات السياسية والدينية. 16
وفعال جاء الوعد وأقيمت ندوة كبرى حتت مسمى «ندوة الفكر الثوري» بثت على الهواء مباشرة ،واستغرقت أسابيع واتسم فيها النقاش باحلرية التامة واملطلقة. كان الليبيون يستمعون فيها لكل التيارات والتنظيمات السياسية داخل ليبيا .وكانوا ينصتون إلى احلوارات السياسية الناضجة والبناءة. والتصادمات الفكرية املمتعة واملتعددة. يذكر أهل ذاك الزمان في ليبيا تلك احلادثة بني مدير الندوة الرائد بشير هوادي ،عضو مجلس قيادة الثورة في ذلك احلني ،والكاتب الكبير الصادق النيهوم .فقد انتقد هوادي لباس الصادق وطلب منه أن يترك لباس اجلينز وأن يرتدي بدلة ،أو لباسا أنيقا مقبوال .ولم يرد الصادق على هوادي .وفي اليوم التالي قدم الصادق باللباس نفسه ،ولكنه كان يحمل معه بدلة أنيقة مع مشجبها ،وعندما طلب هوادي من الصادق أن يتحدث ،أشار إليه الصادق بأن يتوجه بسؤاله للبدلة.
واشنطن فشلت في توحيد القوى العراقية إلى جانبها ما افضى إلى تزايد النفوذ اإليراني واضعاف جهود واشنطن في توفير الشروط املساعدة النسحاب قواتها في الوقت احملدد والتي زادت تعقيدا مع املتغييرات التي شهدتها املنطقة القلق االميركي الذي دفع واشنطن للدخول في مساومة مع احلكومة العراقية لتمديد تواجد قواتها في هذا البلد ،حسب بعض املقربني من هذه االدارة ،مرده إلى قلقها من السيطرة اإليرانية وتأثيرها على احلكومة العراقية عن طريق حلفائها النافذين واملسيطرين على قرار احلكومة بشكل كبير وواضح يتناقض في جوهره مع الرغبات االميركية. وتعتقد االدارة االميركية حسب هؤالء املقربني ،انها تدرك ما ستكون عليه طبيعة رد احلكومة العراقية ،اال انها تتخوف من ردة الفعل الشعبية في حال موافقة احلكومة على الرغبة االميركية ،التي ستكون عامة تتفاوت بني املطالبة باالستقالة او التهديد بالتصدي الذي قد يصل إلى البعد العسكري. وقد توقف الكثير من املراقبني امام ما اعلنه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والدعوة إلى استعراض ملناصريه ما جعل البعض يعتقد بان التصدي اليران في العراق سيكون امرا محفوفا باخملاطر وال بد من التفاهم معها باعتبارها قوة اقليمية صاعدة في املنطقة ،وان وجود اكثر من 170الف جندي في العراق لم يستطع قطع الطريق او احلد من النفوذ اإليراني في هذا .فكيف ميكن آلالف عدة من اجلنود حسب االتفاقية ان تكون قادرة على مواجهة النفوذ واالنتشار اإليراني داخل العراق ومؤسساته الرسمية واملدنية. استنفار وتعتقد هذه االوساط ان الهدف االميركي من ابقاء 20الف من جيوشها في العراق هو البقاء القيادة اإليراني في حال استنفار ،اال ان هذه القوات لن تكون قادرة على التصدي للغضب اإليراني في حال وصلت االمور بني الطرفني إلى حد االنفجار، وهذا ما يدفع إلى االعتقاد بان الطلب االميركي بتمديد تواجد القوات يعود إلى تقديرات لدى واشنطن من ان حالة االرباك وعدم االستقرار التي تعيشها املنطقة قد تدفع باالمور إلى االنفالت ما قد يؤثر مباشرة على امن الدولة االسرائيلية ،وان عليها االبقاء على وجودها العسكري قريبا وجاهزا وقادرا على التحرك والتدخل السريع في حال حصول أي تطور دراماتيكي ،وقد زاد من هذه اخملاوف ما شهدته احلدود اللبنانية والسورية من حترك غير متوقع كاد ان يطيح مبعادلة االستقرار، اضافة إلى محاولة طمأنة حلفاء اخرين من انها ملتزمة معهم مبواجهة الطموحات االيرانية في ظل صعوبة التعايش مع طموحاتها االقليمية التي ال ميكن االعتراف بها. واذا ما كانت االرادة االيرانية قد التقت إلى حد ما مع االرادة االميركية على ابقاء الرعاية للدولة العراقية وبالتالي القول بانها غير قادرة على حتمل مسؤوليتها بشكل مستقل بعد االنسحاب ،وقد التقتا ايضا في التصدي لتقسيم العراق. اال ان واشنطن فشلت في توحيد القوى العراقية إلى جانبها ما افضى إلى تزايد النفوذ اإليراني واضعاف جهود واشنطن في توفير الشروط املساعدة النسحاب قواتها في الوقت احملدد والتي زادت تعقيدا مع املتغييرات التي شهدتها املنطقة.
طرفي كماشة الضغط العسكري التي قد تستخدمها واشنطن ضدها ،أي ان استمرار تواجد قوات اميركية في العراق اكثر من العدد الذي حددته االتفاقية االمنية بني البلدين ،سيجعل منها قوة ضاربة ومهددة اليران اذا ما اضيفت إلى القوات االميركية املنتشرة في افغانستان والتي يفوق عددها املائة والعشرين الفا تضاف اليها قوات التحالف الدولي ،ما يفرض على طهران تشتيت قواها العسكرية على اكثر من جبهة حربية .في املقابل يعتقد البعض في واشنطن ان استمرار التواجد العسكري في العراق باحلد الذي يسمح بخوض معركة عسكرية مع إيران ،هو امر يفوق قدرة واستطاعة واشنطن في هذه املرحلة ،وان تخفيض عدد هذه القوات سيضع القيادة العسكرية االميركية امام حقيقة يصعب معها التحرش بايران الن ذلك سيجعل من هذه القوات لقمة سائغة لفرق املوت االيرانية. في املقابل يعتقد بعض املقربني من طهران ،ان االخيرة ال ترغب بانسحاب كامل للقوات االميركية من العراق وال تريد توسيع هذا التواجد بل االلتزام باحلدود واحلجم الذي اقرته االتفاقية االمنية ،وتعتقد ايضا ان التحرك الذي بدأ في االيام االخيرة من محافظة النجف ،ويقوم على رفع عرائض ملسؤولي احملافظات باصدار قوانني متنع القوات االميركية من دخول احملافظات ،قد يشكل مؤشرا على الرغبة االيرانية هذه. تهديد ويرى هؤالء ان التهديد الذي صدر عن جماعة التيار الصدري وجيش املهدي للقوات االميركية بالعودة إلى الساحة جاء انطالقا من ان قيادة هذا التيار احلليفة اليران التي ال تريد أي تعديل على نص االتفاقية ،وتطالب بتطبيق االتفاقية من دون احلديث عن تعديل حجم القوات الذي من املمكن ان يتم املوافقة عليه في حال مت االلتزام ببقائها في قواعدها اخملصصة خارج املدن العراقية. ويعتقد بعض هؤالء املقربني ان تهديد التيار الصدري للقوات االميركية قد ال يكون املقصود منه الضغط على االدارة االميركية الخراج قواتها من العراق ،بل قد يكون تهديدا لهذه االدارة انه في حال قامت بااللتزام باالتفاقية وسحبت قواتها فان عناصر جيش املهدي والتيار الصدري سيقومون باستهداف من سيتبقى من خبراء ومدربي هذه القوات وضرب االستقرار في العراق وحتويله إلى منصة لضرب االستقرار في املنطقة. ويجهد حلفاء طهران والقيادة االيرانية من ورائهم استغالل املوقع الصعب لواشنطن في العراق ،فهي غير قادرة من جهة على تخفيض حجم تورطها في املوضوع العراقي ،وهم غير قادرين على االستمرار بالوضع احلالي من جهة اخرى. واالنسحاب سيساعد طهران على حتريك حلفائها للضغط السياسي واالمني والعسكري على احلكومة العراقية واجبارها على اعادة النظر بعالقاتها مع اميركا وهذا سيكون على حساب القوى واالحزاب التي سعت اليجاد حالة من التوازن في عالقاتها بني طهران وواشنطن. ويبدو من املبكر وصف إيران بالفائز االكبر في العراق في مقابل خسارة اميركية، لكن ممن املمكن ان يتحول هذا الوصف إلى واقع اذا لم تواجه واشنطن بحزم كبير النفوذ اإليراني في هذا البلد وان تتخذ خطوات عملية اقلها – 1دعم القوات املسلحة العراقية وتعزيز قدراتها لتولي امللف االمني وفرض االستقرار. – 2العمل على عزل التيار الصدري وكل القوى املتطرفة من كل املكونات الطائفية العراقية. – 3مساعدة العراق على استعادة موقعه االقتصادي خصوصا على صعيد الصناعات النفطية.
ان تزامن انسحاب القوات االميركية من العراق مع التطورات التي تشهدها املنطقة خصوصا الشرق االوسط هو حتما ليس من تخطيط اإليرانيني ،لكنهم بال شك سيستفيدون منه وسيحاولون توظيفه لصاحلهم ،انطالقا من ان أي تغيير في املنطقة اذا لم يكن في السياق الذي يريدونه فانه على االقل لن يخلق وضعا مشابها للوضع السابق ولن يكون باحلدة نفسها من العداء للطموحات االيرانية االقليمية ،اضافة إلى ان إيران ستستفيد من االرباك الذي ستحدثه هذه املتغيرات على الدول التي تعتبرها منافسة لها في املنطقة وستحاول توريطها في ازمات متنقلة وانها لن تتوانى عن بذل أي جهد قد يساعد في تعقيد االمور على االخرين ،وان اخلروج االميركي من العراق سيرفع من وتيرة التحديات التي تواجهها هذه الدول من دون ان تكون طهران مجبرة على الدخول في أي مغامرة عسكرية من اجل حتسني موقعها السياسي.
اما اذا قررت واشنطن تقليل وجودها العسكري في العراق ،فان إيران التي تتمتع بعالقات حميمة ومختلفة وواسعة مع العراق ،اقتصادية وثقافية واجتماعية، فانها ستكون املستفيد االول من هذه اخلطوة اكثر من أي دولة في املنطقة، وستعمل على تعزيز نفوذها في هذا البلد كاحد ابرز القوى االجنبية في العراق ما سيؤثر على نفوذ وتأثير الواليات املتحدة في املنطقة التي ستكون مدعوة إلى تعزيز تواجدها الدبلوماسي واالقتصادي واالستخباراتي والعسكري لقطع الطريق على هذا املسار.
وتعقتد طهران ان انسحاب القوات االميركية من العراق سيساهم في الغاء احد
* حسن فحص -صحفي متخصص في الشؤون االيرانية
العدد ،1564يونيو 2011
15
● احلرب والسالم
هذا النفوذ اإليراني الواضح واملتشعب في احلياة السياسية العراقية وداخل مكوناتها احلزبية واالجتماعية وحتى الثقافية ،دفع الكثير من هذه القوى إلى كسب ود القيادة االيرانية ،حتى ولو كان ذلك يتعارض مع موقفها غير املعلن من طهران .وبالتالي فانها ستكون مجبرة على االخذ بعني االعتبار موقف التيار الصدري واحلركة التي قام بها جيش املهدي االستعراضية رفضا لتمديد االتفاقية االمنية للسماح ببقاء القوات االميركية في العراق ،وبالتالي دفعهم للوقوف على حقيقة املوقف اإليراني من هذا االمر والعمل في اطاره وتنفيذ ما تريده إيران في رفض او قبول او تعقيد شروط التمديد . واذا ما كان جيش املهدي قد خرج إلى شوارع العاصمة بغداد في استعراض للقوة، عسكري بلباس مدني ،ضد متديد بقاء القوات االميركية . فالشعب العراقي الذي ال يرغب في بقاء القوات االميركية بقدر رغبته في احلد ومنع التدخل اإليراني في شؤونه الداخلية والسياسية ،سيعيش حالة من الرعب على مستقبله في حال بقيت هذه القوات او انسحبت ،الن االستعراض يكشف ما سيكون عليه مستقبل العراق السياسي واالمني في ظل وجود هذه القوة وامتداداتها االقليمية . فهل سيوحد هذا التحدي ،الذي اوجده التيار الصدري باستعراضه الهادف ،مكونات الشعب العراقي ليعتبر هذا اليوم يوم مأساة عراقية تشبه بحجمها املأساة التي نزلت باالمام احلسني وآل بيته في صحراء كربالء في العام احلادي والستني للهجرة على يد جيش اخلليفة االموي يزيد ابن ابي سفيان .وهل ستحول هذا اليوم إلى يوم يشبه يوم العاشر من محرم "عاشوراء " الذي يحييه العراقيون شيعة وسنة حزنا على احلسني عليه السالم ،بان يخرجوا إلى الشوارع حاسري الرؤوس مطلقني عنانهم لـ" اللطم" على مستقبل العراق وسالمه وامنه في حال خرج االميركيون ام لم يخرجوا. إرادة في العام 2007وبعد تلويح االدارة االميركية في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش بامكانية سحب القوات االميركية من العراق ،اجتمعت اإلرادة العربية واالرادة االيرانية على رفض هذه اخلطوة او تنفيذ هذا االنسحاب.
بتدريب القوات العراقية في مؤسستي اجليش والشرطة واالستخبارات . اثناءها رمت طهران بكل ثقلها عبر حلفائها الدخال تعديالت على هذه االتفاقية، وقد جنحت ،في ادخال بعض التعديالت التي تعبر عن الهاجس االيراني واخلوف من امكانية شن حرب ضدها في املستقبل ،فتضمنت االتفاقية بندا يؤكد عدم استخدام االراضي العراقية كمنطلق لشن اي حرب على اي من دول اجلوار .ومبا ان طموح االدارة االميركية كان التوصل إلى توقيع معاهدة استراتيجية بني الطرفني تعطي اجلانب االميركي حرية العمل العسكري وانشاء قواعد عسكرية متقدمة في العراق قادرة على استيعاب عدد كبير من اجلنود واالسلحة املتطورة واملتقدمة، فان اخلرق االيراني لهذا املسار اعتبرته طهران انتصارا استراتيجيا لها في مواجهتها مع واشنطن. متغيرات وفي العام 2011وبعد املتغيرات الدراماتيكية التي شهدها العالم العربي في دول كانت تعتبر نقطة ارتكاز لالدارة االميركية في الشرق االوسط وتوفر التوازن بوجه طموحات طهران وامتداداتها االقليمية عبر حلفائها من دول واحزاب ومنظمات وحركات ترفع شعار معارضة عملية التسوية والسالم في الشرق االوسط .هذه املتغييرات دفعت االدارة االميركية للبدء باعادة النظر في بعض خططها واسلوب تعاطيها مع حلفائها االقليميني. خطوات كثير بدأتها وقامت بها واشنطن الستيعاب املتغيرات في منطقة الشرق االدنى او كما يسميه البعض – الربيع العربي – ولعل اهمها اخلطوة االستباقية في ما يتعلق باملوضوع العراقي ،اذ قام وزير الدفاع االميركي روبرت غيتس بزيارة إلى العاصمة العراقية بغداد واجرى مباحثات مع القيادة العراقية طلب فيها ادخال تعديل على االتفاقية االمنية بني البلدين في النقطة املتعلقة بانسحاب كامل القوات االميركية من هذا البلد .وتبعها الكالم الصادر عن واشنطن من انه اذا رغبت بغداد في بقاء القوات االميركية على اراضيها بعد التاريخ الذي حدد في االتفاقية االمنية أي في 31ديسمبر 2011فان عليها التقدم سريعا بطلب ذلك من واشنطن لتكون قادرة على القيام بخطوات جديدة في هذا االطار واال فان واشنطن لن تكون قادرة على البقاء في العراق .واخلشية االميركية من التباطؤ العراقي بالرد السريع ينطلق من ان تلبية هذا الطلب بحاجة ملسار طويل ومعقد من التخطيط قد ال تكون االستجابة له ممكنة اذا تلكأت القيادة العراقية في اتخاذ اخلطوة املطلوبة .
اجتماع االرادتني العربية وااليرانية على رفض اخلطوة االميركية كان من منطلقات على طرفي نقيض لدى كل منهما ،واعتبر االنسحاب مبثابة تهديد ملصالح كال الطرفني في العراق .فاملؤسسة العسكرية واالمنية ومعها املؤسسة السياسية في إيران التي اعلنت مرارا انها على استعداد ملساعدة االدارة االميركية وتوفير انسحاب مشرف لها من العراق في اطار صفقة اقليمية ،رأت -في دائرة التخطيط والقرار -ان الوقت لم يحن بعد خلروج هذه القوات وال بد من اتخاذ خطوات تساهم في زيادة لزوجة املستنقع العراقي حتت اقدام االدارة االميركية ما يساعد على تشتيت جهودها وعدم التفكير او التركيز على الطموحات االيرانية في املنطقة من بوابة البرنامج النووي وتعقيد احتماالت اي حرب ممكنة قد تفكر بها واشنطن ضدها .وتذرعت طهران آنذاك بان الدولة العراقية لم تصل إلى املستوى من القدرة على ثم وفي خطوة تكشف وجود تغير في موقف املالكي باجتاه تعاط اكثر إيجابية مع ضبط االمن وان االنسحاب من العراق يعني ادخال املنطقة في حال من الفوضى الطلب االميركي ،اعلن انه ال يعارض متديد او تعديل بعض بنود االتفاقية في حال االمنية ستنعكس سلبا على استقرار جميع الدول والالعبني . مت ذلك في اطار توافق كل االطراف العراقية وكل الكتل البرملانية التي يعود لها حق التقرير في أي تعديل على االتفاقية وطبيعته ،وهي التي تقرر حجم القوات اما االسباب املوجبة لرفض الدول العربية لالنسحاب االميركي من العراق في تلك االميركية التي ستبقى ان كان كخبراء ال يتعدى عددهم ثمانية آالف ملهمة التدريب املرحلة ،وما تزال حتى االن – والتي كانت تتقاطع مع موقف مؤيد لها داخل االدارة على االسلحة االميركية التي متلكها القوات املسلحة العراقية ام البقاء في االميركية – فقد كانت من منطلقات اعتبرت ان االنسحاب سيكون مبثابة تقدمي معسكرات خارج املدن باعداد كبيرة قد تصل إلى اكثر من خمسني الفا. انتصار مجاني لاليرانيني الذين سيستغلون الوضع الحكام سيطرتهم وتعزيزها على العراق سياسيا وامنيا واقتصاديا وثقافيا. املالكي في هذا املوقف فتح بابا مواربا لالدارة االميركية من دون ان يتخذ موقفا واضحا من الطلب الذي تقدمت به ،وربط االمر بتوافق وطني بني الكتل البرملانية في اواخر عهد الرئيس بوش عام 2008توصل الطرفان االميركي والعراقي إلى التي متتلك القدرة على ادخال أي تعديل على االتفاقية التي وقعها مع الرئيس بوش. تفاهم حول توقيع معاهدة امنية تسمح لواشنطن بسحب قواتها من العراق مع االبقاء على عدد محدد من عناصرها داخل معسكرات خارج املدن العراقية والقيام وورقة العودة إلى البرملان التي رفعها املالكي بوجه واشنطن تترك الباب لطهران مفتوحا للمساومة واللعب على امكانية املوافقة او عدمها ،انطالقا من انها متلك في العام 2007وبعد تلويح االدارة االميركية بامكانية تأثيرا على الكتلة البرملانية االكبر التي اوصلت املالكي إلى رئاسة الوزراء ،اضافة إلى امكانية التحالف مع اصوات اخرى من خارج الكتلة الشيعية البرملانية ،وبالتالي سحب القوات االميركية من العراق ،اجتمعت اإلرادة ستكون قادرة على مترير التعديل او عرقلته او ايقافه. تباين التوجه االميركي لتمديد تواجد قواته في العراق كشف عن خالف حصل داخل القيادة العراقية حول التعاطي مع الطلب او الرغبة االميركية ،ففي الوقت الذي ابدت فيه القائمة العراقية وزعيمها رئيس الوزراء السابق اياد عالوي إيجابية وتفهما للطلب االميركي ،سارع رئيس الوزراء نوري املالكي إلى التأكيد ان القوات املسلحة العراقية باتت قادرة على تولي املسؤوليات االمنية في كامل العراق وال تعديل على االتفاقية االمنية وعلى القوات االميركية االنسحاب في الوقت احملدد في االتفاقية .
العربية واالرادة االيرانية على رفض هذه اخلطوة او تنفيذ هذا االنسحاب 14
هذه التعددية في املواقف العراقية كشفت وجود ضغوط اميركية على احلكومة العراقية للقيام بتغيير سريع في موقفها من االنسحاب على امل ان يساعد بقاء هذه القوات في التأثير على بعض االحداث التي تشهدها املنطقة من تعقيدات
دخل التيار الصدري في االنتخابات البرملانية بداية عام 2010بشكل قوي ومؤثر، فاستطاع احلصول على املركز الثالث بني الكتل االنتخابية بعد كتلة العراقية بزعامة اياد عالوي وكتلة دولة القانون بزعامة نوري املالكي ،ودفعت كتلة اجمللس االعلى االسالمي في العراق بزعامة عمار احلكيم إلى املركز الوراء على الرغم من أن التحالف بني الطرفني قد جرى مبباركة وطلب ايراني واضح ،حتى ان مرشح التيار الصدري في محافظة "الناصرية" اجلنوبية احتل املركز االول بني الناجحني على حساب مرشح تيار اجمللس االعلى عادل عبداملهدي ابن املدينة ونائب رئيس اجلمهورية . هذا املوقع املتقدم للتيار الصدري فرضه شريكا اساسيا ومقررا في تركيب احلكومة العراقية ورئيسها القادم .الزيارات الكثيرة واملتكررة للمسؤولني اإليرانيني إلى العراق قبل تشكيل احلكومة كزيارة رئيس البرملان علي الريجاني ووزير اخلارجية حينها منوتشهر متكي ،ساهمت في اخراج االتفاق على توحيد النواب الشيعة الفائزين من دولة القانون واالئتالف الوطني في كتلة واحدة حتت اسم " التحالف الوطني" تضم مائة وتسعة وخمسني نائبا (.)159
العدد ،1564يونيو 2011
وعلى الرغم من هذا الدور اإليراني الكبير والواضح في تركيب التحالف ،اال ان الصدر لم يقدم أي تنازالت مجانية تساعد على عودة املالكي املتسمك بترشحه وتوليه رئاسة الوزراء للمرة الثانية ،وقد تذرع الصدر بتاريخ صراعه مع املالكي ومعركتي البصرة ومدينة الصدر في بغداد للحصول على مكاسب سياسية وادارية اكبر من املالكي . مفاتيح حتول الصدر في احلكومة العراقية اجلديدة التي تشكلت اواخر 2010إلى احد مفاتيح القرار السياسي واالمني واالداري في العراق ،وحتول إلى اهم نافذة ايرانية على الساحة العراقية إلى جانب النوافذ االخرى التاريخية كحزب الدعوة وحزب بدر(منظمة بدر) واجمللس االعلى االسالمي في العراق (احلكيم) وعصائب اهل احلق التي خرجت من رحم التيار الصدري وجيش املهدي وحزب االصالح (ابراهيم اجلعفري). ولعل املواقف التي ادلى بها رئيس الوزراء العراقي االسبق اياد عالوي خالل ازمة اختيار رئيس الوزراء القادم حول الدور اإليراني في هذا االختيار وانه من غير املمكن وصول رئيس للوزراء في العراق "ال ترضى عنه إيران" يشكل بوضوح عمق النفوذ اإليراني وفي الوقت نفسه عمق االزمة العراقية السياسية . 13
● احلرب والسالم
العراق
االنسحاب العسكري االميركي وصراع املصالح مع إيران
لطم على مستقبل
رسم االستعراض الضخم الذي قامت به قوات وعناصر تابعة جليش املهدي بزعامة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر في العاصمة العراقية بغداد عالمات استفهام كبيرة وكثيرة عن االهداف واجلهات التي تقف وراء هذا العمل ،وهل تقتصر االهداف على تأكيد املطالبة بانسحاب القوات االميركية من العراق بناء على االلتزام باالتفاقية االمنية املوقعة بني الطرفني ،ام انها حتمل رسائل من اطراف تقع خارج حدود الدولة العراقية موجهة للعراقيني في الداخل واالدارة االميركية في واشنطن؟ * حسن فحص العودة املدوية ملقتدى الصدر من منفاه االختياري في إيران إلى العراق حتت ظالل عودة جيش املهدي اجلناح العسكري للتيار الصدري الذي يتزعمه ،تأتي في حلظة تاريخية تتشابك فيها حدة اجلدل حول امكانية التمديد لتواجد القوات االميركية في العراق وتطورات املنطقة التي تربك كل االطراف الدولية واالقليمية ومحاولتها للتأثير على كامل مساراتها او استثمارها في اطار الرؤية التي تخدم مصاحلها. االستعراض الكبير جليش املهدي وان كان مدنيا في تفاصيله اال انه كان عسكريا في ابعاده ،بخاصة وانه كشف عن وجود كتلة بشرية على امت االستعداد واجلهوزية لتتحول إلى قوة عسكرية قادرة على قلب املعادلة االمنية في العراق خالل مدة وجيزة بفضل امتداداتها اجلغرافية والدميوغرافية االقليمية . فبعد ان استطاع مقتدى الصدر ،وتياره ،فرض نفسه العبا ورقما صعبا في املعادلة السياسية واالنتخابية العراقية ،فرض على كل االطراف استرضاءه ان كان خالل عملية االقتراع او خالل تشكيل احلكومة. الصدر الذي يعتبر القوة االبرز في جنوب العراق استطاع جتاوز نتائج املعركة التي فرضت عليه من قبل حكومة املالكي االولى والتي عرفت مبعركة البصرة في الثالث والعشرين من شهر مارس 2008وادت في نتائجها إلى خسارته السيطرة االمنية على محافظات اجلنوب مبساعدة من القوات االميركية ثم تالها في شهر ايار حصار معقله في بغداد داخل مدينة الصدر ،وانتهت مبا اصطلح على تسميته تعزيز سلطة وقدرة احلكومة املركزية االمنية والسياسية . جيش املهدي الذي تشكل بدايات العام 2004بعد الدخول االميركي إلى العراق، خاض اولى معاركه العسكرية ضد القوات االميركية في مدنية النجف االشرف معقل احلوزة الدينية في ابريل عام ،2004وهي املعركة التي اربكت احلسابات االميركية في تعاطيها مع الكتلة الشيعية العراقية وفرضت عليها اعادة حساباتها في اسلوب التعاطي مع مقدسات هذا املكون االساسي في العراق. معركة النجف اكسبت التيار الصدري قاعدة شعبية واسعة ،خصوصا وانه حتول إلى قوة اجتماعية اهتمت ايضا إلى جانب عملها العسكري باجلانب االنساني ومساعدة احملتاجني واستقطاب العاطلني عن العمل من ابناء هذه الطائفة الكبيرة، ما حولها الحقا إلى تبني شعار الدفاع عن الشيعة في مواجهة الطوائف واملذاهب االخرى ،ودخلت في لعبة احلرب الطائفية وحتولت "فرق املوت" التابعة جليش املهدي إلى احد اخطر الفاعلني فيها خصوصا بعد تفجير مقام االمامني العسكريني للشيعة االثنا عشرية في مدينة سامراء في فبراير عام ،2006واستمر نفوذ هذا التيار باالتساع حتى وصل عديد قواته ،حسب التقديرات االميركية في العام 2007 إلى اكثر من 60الف عنصر. مهادنة في العام 2007قرر التيار الصدري وبتوجيه من عمقه اإليراني الدخول او املشاركة 12
في العملية السياسية في العراق ،ما فرض عليه تبني قرار التخلي عن العمل العسكري او املهادنة مع االطراف االخرى املشاركة في العملية السياسية .هذا القرار ساهم في احداث عملية فرز بني عناصر هذا التيار ،فاجتهت الكتلة االكبر منه إلى العمل السياسي احلزبي املنظمة ،في حني انزلقت مجموعات اخرى قليلة في اتون العنف الطائفي املنظم . دخول التيار الصدري في العملية السياسية ساعد القوات االميركية واحلكومة العراقية على القاء القبض واعتقال عدد من قادة جيش املهدي الذين رفضوا االنصياع إلى القرار السياسي ،ترافق ذلك مع اعالن مقتدى الصدر في صيف عام 2007اول قرار للتيار بوقف اطالق النار ملدة ستة اشهر ،ثم عاد وجدد هذا القرار في فبراير عام 2008ملدة ستة اشهر جديدة ،اال ان استمرار اعمال العنف دفعت احلكومة العراقية ومبساعدة من القوات االميركية إلى اتخاذ قرار مبهاجمة معقل التيار في مدينة البصرة في 23مارس .2008 انتصار حكومة املالكي في البصرة لم يكن ناجزا حتى بعد املساعدة التي حصل عليها من القوات االميركية ،فقد تعرض إلى محاولة اغتيال كاد تودي به ،اال ان الوساطة االيرانية بني التيار الصدري واحلكومة سمحت لالخيرة ببسط سيطرتها ونفوذها على هذه املدينة ومحافظات جنوب العراق .
تزايدت تكلفة عمليات القرصنة الصومالية بنسبة هائلة ،وبلغت الفدية التي يتم دفعها سنويا إلى القراصنة نحو 238مليون دوالر. ويقدر خبير باألمم املتحدة التكلفة االقتصادية لعمليات القرصنة بـ5 7مليارات دوالر سنويا .وفي كينيا اجملاورة ،تزيد عمليات القرصنةمن تكلفة الواردات حتى أنها تصل إلى 23.9مليون دوالر شهريا، وفقا ألحد التقديرات ،فيما يشير تقدير آخر إلى أن الزيادة في تكلفة الصادرات لكينيا نظرا لعمليات القرصنة أصبحت تصل إلى 9.8 مليون دوالر شهريا. ومن جهة أخرى ،ميكن أن ميثل غياب السلطة -املقصود في هذه احلال هو حكومة فعالة في الداخل وحرس سواحل صومالي ميكنه متشيط املياه الصومالية بكفاءة -الذي ميثل مشكلة بالنسبة لكثير من األطراف فرصة للبعض اآلخر .وتعد شركات التأمني من أول األطراف التي حققت فوائد كبيرة نظرا للقرصنة الصومالية حيث إنها الضمان األخير ألصحاب السفن الذين يكون عليهم ترك سفنهم تعبر املياه التي يهيمن عليها القراصنة. وتعد شركات األمن اخلاصة آخر املنضمني لقائمة املستفيدين التي تتضمن بالفعل عددا من األطراف .فوفقا ملا ذكرته «نيويورك تاميز»، تشارك شركة يقع مقرها بجنوب أفريقيا «ساركني» ،ويقف وراءها إريك برينس مؤسس شركة «بالك ووتر» ،في القتال ضد القرصنة، بالطبع في مقابل ماليني عدة من الدوالرات. وهناك نوعان من األنشطة غير الشرعية التي جتري في املنطقة االقتصادية الصومالية منذ بداية التسعينيات .أحدها هو عمليات الصيد غير الشرعية التي تقوم بها السفن األجنبية بخاصة األوروبية واآلسيوية والتي تقدر مبئات املاليني من الدوالرات سنويا في أنواع مختلفة من الصيد. باإلضافة إلى التخلص من النفايات مبا فيها النفايات السامة ،وهي العملية التي تقوم بها الشركات األجنبية في املياه الصومالية، وهي أحد النشاطات غير الشرعية األخرى التي حتدث في املنطقة االقتصادية الصومالية منذ التسعينيات ،حيث إنه ميثل حال أرخص من الطرق التقليدية للتخلص من النفايات .وفي ظل املوجات الهائلة التي ضربت األراضي الصومالية بعد موجات التسونامي في ديسمبر (كانون األول) 2004اندفعت النفايات السامة كافة إلى الشاطئ .وباإلضافة إلى التسبب في عدد خطير من األمراض بالتزامن مع األمراض اإلشعاعية بني سكان شمال شرقي الصومال، فإن تلك اخمللفات السامة واإلفراط في الصيد قد عمال على تدمير احلياة البحرية مما دفع الصيادين إلى التحول إلى القرصنة. وعلى الرغم من أن البعض يعتبر اإلفراط في الصيد باإلضافة إلى النفايات السامة من األسباب الرئيسة وراء مشكلة القرصنة في الصومال ،فإنهما إلى حد كبير ميثالن عرضا للمشكلة األساسية وهي االضطرابات املزمنة في الصومال ،حيث إن السلطات الصومالية لديها قدرة ضئيلة أو ليس لديها قدرة أصال على وضع حرس سواحل يكفي لضمان ممارسة الصومال لسيادتها على مياهها اإلقليمية. ورمبا يكون احلل الوحيد اجلذري لتلك املشكلة هو عالج مشكلة االضطرابات الدائمة في الصومال وكإجراء مبدئي تنفيذ عمليات لضرب القراصنة في املواقع التي يتمركزون بها على األرض .وعلى الرغم من أن السيناريو السابق ،في الوقت الذي تبدو فيه فكرة بناء الدولة مقلقة ،يعد بعيد املنال ويتنافى مع إرادة اجملتمع الدولي، فإن الشيء نفسه ينطبق على اخليار األخير الذي يتعلق بضرب القراصنة على األرض وهو احلل الذي تستبعده قوات الدول املشاركة في العمليات البحرية .ومن هذا املنطلق ،فإن كلتا السياستني، من إرسال السفن العسكرية إلى حراسة سفن البترول ،وإقامة محاكمات دولية حملاكمة القراصنة الذين عادة ما يطلق سراحهم، هما حالن للتغطية على املشكلة وليس حللها. *مانويل أمليدا العدد ،1564يونيو 2011
11
● احلرب والسالم
الصوماليون يختطفون السفن والدول الغنية والشركات األجنبية جتني األرباح
قراصنة القرن األفريقي
بالنسبة للصوماليني ،تعد القرصنة في بعض األحيان ،هي امللجأ األخير للحصول على دخل مربح .إال أن الصيادين الذين حتولوا إلى قراصنة ليسوا الوحيدين الذين بإمكانهم حتقيق أرباح هائلة من ذلك النشاط ومن عدم وجود سلطة مسؤولة في املياه الصومالية .حيث تشكل شركات التأمني وشركات األمن اخلاصة بالصيد غير الشرعي واملشروعات األجنبية التي تسعى إلى وسائل أرخص للتخلص من النفايات ،اقتصادا بكامله في بحار القرن األفريقي نتيجة لالضطرابات املستمرة في البالد. مانويل أمليدا
في فبراير (شباط) من العام احلالي ،رصدت مروحية تابعة للبحرية الدمناركية امللكية يختا خاصا يرفع العلم األميركي ويحمل اسم «ذا كويست» وهو يبحر على بعد نحو مائتي ميل جنوب شرقي جزيرة «مسيرة» ،بعمان .وبعد محاولة رجال البحرية الهولندية االتصال باليخت ،اتضح أن اليخت أصبح حتت سيطرة القراصنة الصوماليني. وعلى الرغم من التوتر الذي يسود املوقف ،لم تكن هناك مخاوف كبرى بشأن سالمة الرهائن ،حيث إنه في معظم مثل تلك املواقف، كان القراصنة الصوماليون يتبعون بروتوكوال غير رسمي ،وهو احلفاظ على سالمة وتغذية الرهائن واملطالبة بفدية ماليني عدة من الدوالرات في مقابل حتريرهم .ومبجرد دفع الفدية ،يتم إطالق سراح الرهائن ،ويعتزل الرهائن ويتزوج غالبهم .إال أنه في تلك املرة لم تسر األمور على نفس النحو .حيث ذهبت أربع سفن تابعة للبحرية األميركية وحاملة طائرات إلى اليخت اخملتطف .وبعد حتقيق الهدف األول ،أجريت اتصاالت بالقراصنة وبدأت املفاوضات .وذهب اثنان من القراصنة إلى سفن البحرية األميركية الستئناف املفاوضات وظلوا طوال الليلة على منت السفينة .ولكن في الصباح ،قام القراصنة على منت اليخت بإطالق قذيفة صاروخية ضد سفينة البحرية 10
األميركية التي كانت املفاوضات جتري عليها ،وسمع دوي إطالق نيران داخل كابينة اليخت .فقام رجال البحرية األميركية بدخول اليخت ليجدوا أن الرهائن كافة قد قتلوا وخسروا حياتهم في النهاية. وتقول إحدى روايات القصة إن زعيم القراصنة الذي ذهب إلى سفينة البحرية األميركية للتفاوض كان قد اتفق مع رجاله على أن يقتلوا الرهائن في حال عدم عودته .وبالتالي كان القراصنة ينفذون السيناريو املتفق عليه. وتعد حلقة «ذا كويست» ذات النهاية املأساوية غير املسبوقة هي أحد الفصول احلديثة في املشكلة ،التي وفقا للبيانات املتاحة تزداد سوءا سنويا .وعلى الرغم من مشاركة بحرية عدد من دول حلف شمال األطلسي وبعض الدول األخرى مثل الصني والهند منذ عام ،2008فإن عدد الهجمات تزايد مبعدالت هائلة .ففي عام ،2010 كان هناك نحو 44هجوما وهو ما يعد رقما متحفظا حيث إن نحو 50في املائة فقط من الهجمات يتم اإلبالغ عنها للهيئات الدولية. وفي مارس (آذار) من العام احلالي ،كانت هناك هجمات على نحو شبه يومي ،كما قام القراصنة بتوسيع نطاق عملياتهم باستخدام السفن الكبيرة من الشرق األقصى إلى جزر املالديف وجنوبا وصوال إلى قناة موزمبيق .وليس فقط عدد الهجمات هو الذي يتزايد ،فقد
متوفرة الآن على
جملة العرب الدولية
املجلة تطبيقات املجلة تطبيقات
●● أقوال احملتويات
أقوال “املذابح ضد أبرياء في سوريا يجب أن يكون مشكلة ومصدر قلق للجميع ..اعتقد انه بات على اجلميع التفكير في ما اذا كان االسد ميلك الشرعية ليحكم في بلده بعد هذا النوع من اجملازر”
وزير الدفاع األميركي روبرت غيتس في ندوة بالعاصمة البلجيكية بروكسل
“أمتنى لو كان هناك حل سريع ملشكالتنا االقتصادية ألبلغكم به ،ولكن احلقيقة هي أننا لم ندخل في هذه الورطة بني عشية وضحاها ،ولن نتخطاها هكذا ،بل ستستغرق وقتا”
الرئيس األميركي باراك أوباما في خطابه األسبوعي حول وضع االقتصاد األميركي
“إن السؤال حتى وقت قريب كان هل القذافي نفسه ميكن ربطه بحوادث االغتصاب أو أنه شيء حدث في الثكنات.. لكن اآلن نحن نتلقى معلومات بأن القذافي نفسه قرر إجازة أعمال االغتصاب و هذا شيء جديد” مدعي عام احملكمة اجلنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو في مؤمتر صحفي باألمم املتحدة
“ال يصح أن نرقع األمور على أساس حكومة أغلبية وحكومة شراكة ،وهذه الشراكة ال تتحقق وأغلبية ال حتدث ،ومن ثم تصير تكتالت على أساس بيع مواقف ،فهذا في احلقيقة ال ينفع الشعب العراقي. ما يفيد الشعب العراقي هو أن تأتي حكومة قوية واضحة محددة من خالل االنتخابات النزيهة ،تؤدي ما عليها وتعمل على حل ما تستطيعه من العقد ،ألن هناك عقدا من الصعب حلها وأخرى نرى إمكانية حلها”
رئيس الوزراء العراقي األسبق وزعيم القائمة العراقية إياد عالوي في تصريحات لصحيفة “الشرق األوسط” السعودية
8
“الربيع العربي أتى برياح التغيير ..لقد انطلقت شرارة الرغبة في التغيير في تونس ،لكن كانت مصر هي التي شكلت مالمح الربيع العربي. ورياح التغيير اآلن تهب على كل مكان .وليس بالضرورة أن يكون ذلك أمرا سيئا.. نحن جزء من الربيع العربي ،لكننا نرغب في التأكد من أنه في صالح تسط عليه الشعوب ولم ُ أطراف أخرى ملصلحتها اخلاصة” وزير اخلارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في حديث مع صحيفة “واشنطن بوست” األميركية
“الثورة الشعبية خلقتها إرادة الشعب اليمني ،الذي هو مصدر جميع السلطات ،وصاحب الشرعية ،ومن حقه انتزاع هذه الشرعية ملن وهبها له بإرادته ..بأي شرعية يتحدى الرئيس شعبه ،وبأي شرعية يضرب شعبه بسالح اجليش ،ويقتل األمن ويجرح ويعتقل من يطالب باستعادة الشرعية إليه ،ألنه مالكها” قائد الفرقة اليمنية األولى مدرع اللواء علي محسن صالح في حوار مع صحيفة “احلياة” اللندنية
«لن نخضع أبداً ،لن تستطيعوا هزمية شعب مسلح، ستثور بنغازي ودرنة وطبرق والبيضاء واجلبل األخضر، سيكون هناك فدائي حتت كل شجرة في اجلبل األخضر، الى اإلمام بالزحف املليوني شرقا ً وغربا ً ..أتكلم والقصف بجانبي ،لكن روحي بيد اهلل ،ال افكر في املوت او احلياة ،بل القيام بالواجب» الزعيم الليبي معمر القذافي في تسجيل صوتي بثه التلفزيون الليبي
“موعد اجراء االنتخابات ليس مقدسا بل املهم هو حتقيق التوافق بشأنه وضمان ظروف جناح هذا االستحقاق وتأمني االمن واالستقرار للبالد” الوزير االول في احلكومة التونسية االنتقالية الباجي قائد السبسي خالل اجتماع عام في تونس العاصمة مع األحزاب وممثلي اجملتمع املدني
34
42
32 العدد ،1564يونيو 2011
7
● احملتوى
احملتوى أقوال
8
احلرب والسالم
10
•قراصنة القرن األفريقي •لطم على مستقبل العراق
شؤون سياسية
16
خبز و حرية
22
الرأي ما يراه العقيد فقيه بال والية
الثمن االقتصادي للربيع العربي
بروفايل
28
ثروة األمم
32
•ما قبل احلداثة
الوضع البشري
34
حوارات
40
•قوامة التغيير
•غريغوري غوس :االنتفاضات العربية «و ّحدت» الدول اخلليجية •أحمد جنيب الشابي :أرفض التحالف مع النهضة أو إقامة دولة عقائدية في تونس
اململكة العربية السعودية
46
الفن
50
النقاد
54
اختيار احملرر
58
الكلمة األخيرة
62
6
12
الكتاب المساهمون في هذا العدد بوال ميجيا تساهم مبقاالت في اجمللة وتقيم في تونس .تعمل صحافية حرة ومستشارة في بنك التنمية اإلفريقي ،حيث يركز عملها على التحديات االقتصادية واالجتماعية في افريقيا مع تركيز خاص على مصر وتونس وليبيا .تخرجت في كلية االقتصاد بجامعة لندن ومعهد العلوم السياسية في باريس وجامعة شيكاغو.
غالية قباني كاتبة وروائية وناشطة حقوقية سورية مقيمة في لندن. عملت في الصحافة بعد تخرجها من كلية احلقوق والشريعة بالكويت وعملت محررة في صحيفة «الوطن» الكويتية ما بني 1979و 1990حني غادرت الكويت .نشرت احلوارات والتحقيقات الصحفية والنقد السينمائي في مجموعة من الصحف واجملالت العربية .وباالضافة للعمل الصحفي تكتب املقالة ،وقد نشر لها في صحف « احلياة» و»الشرق االوسط» و «الزمان» .كما عملت مسؤولة للتحرير في مجلة «الرجل» التي تصدر في لندن عن الشركة السعودية للنشر . تقيم في العاصمة البريطانية منذ العام 1994وانتسبت جملموعة من الدورات في :النقد السينمائي ،فن الرواية ،السينما الوثائقية ،واالدب االجنليزي. لها مجموعة قصصية بعنوان «حالنا وحال هذا العبد» صدرت في دمشق عام .1992ورواية «صباح إمرأة» صدرت عن املركز الثقافي العربي في بيروت عام .2000ومن بني أعمالها مجموعة قصصية عنوانها «فنجان شاي مع مسز روبنسون» عن دار «ميريت في القاهرة».
ستيفن غلني صحفي مستقل و كاتب مقيم في واشنطن.انظم عام 1991لصحيفة وول ستريت جورنال التي عينته مراسال في كوريا اجلنوبية واستمر بالعمل لديها طيلة عقد كامل مغطيا اخبار آسيا و الشرق االوسط من سيئول و طوكيو و تل ابيب و عمان .و عمل ايضا مراسال لنيوزويك. ألف كتاب (احللم بدمشق :اصوات عربية في منطقة مضطربة) (جون موري ،اململكة املتحدة ) و فازت النسخة االميركية اجلديدة من كتابه التي صدرت بعنوان (املاللي و التجار وامليليشيا :االنهيار االقتصادي للعالم العربي .سانت مارتن برس) بجائزة افضل كتاب عام 2004التي تطلقها مجلة الغلوبالست االلكترونية .و تنشر مقاالته عن السياسة اخلارجية االميركية و شرق اسيا و العالم العربي في النيو ريبابليك واالتلنتك مانثلي وذي نيشن والفاينانشال تاميز و مجلة الغورمت و مجلة سميثسونيان و االنستتيوشنال إنفستر و الغلوبالست و السرفايفال .يعمل غلني حاليا على تأليف كتاب حول عسكرة السياسة اخلارجية االمريكية.
مانويل أمليدا محرر مساهم في «اجمللة» ،كان في السابق كبير محرري النسخة اإلجنليزية من «اجمللة» .وهو حاليا مرشح لنيل درجة الدكتوراه في قسم العالقات الدولية في كلية لندن لالقتصاد والعلوم السياسية ،حيث يُدرس بها أيضا .تضم مجاالت تخصصه الدول الفاشلة ،والتنمية الدولية ،والعنف السياسي .ويعمل أمليدا حاليا على تأليف كتابه اجلديد، القائم على موضوع رسالة الدكتوراه ،حتت عنوان موقت: «من البرابرة امللحدين إلى الدول الفاشلة :تاريخ مشكلة الفوضى». العدد ،1564يونيو 2011
5
● اإلفتتاحية
أسسها سنة 1987
األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز
أسسها هشام ومحمد علي حافظ الرئيس التنفيذي الدكتور عزام الدخيل رئيس التحرير
عادل بن زيد الطريفي
إدارة التحرير عزالدين سنيقرة جاكلني شون
التحرير
سكرتير التحرير جان سينجفيلد
للمشاركة
إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني editorial@majalla.com ملحوظة :جميع املقاالت يجب أال تزيد على 800كلمة
اشتراكات
لالشتراك في الطبعة الرقمية ،يرجى االتصال بـsubscriptions@majalla.com : لالشتراك في االلكترونية(كندل) بـkindle@majalla.com :
تنويه
اآلراء الواردة في اجمللة ال تعبر بالضرورة عن رأي إدارة التحرير
حقوق النشر محفوظة جمللة اجمللة 2009التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (اململكة املتحدة) شركة محدودة .وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة اجمللة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون احلصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة) .وتصدر اجمللة شهريا ً .لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي ،يرجى زيارة www.majalla.com
London Office Address HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited Arab Press House 182-184 High Holborn, LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539 2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181, Fax: +(0)20 7831 2310 E-Mail: editorial@majalla.com
اإلعالن لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ:
Mr. Wael Al Fayez w.alfayez@alkhaleejiah.com Tel.: 0096614411444, F.: 0096614400996 P.O.BOX 22304, Riyadh 11495, Saudi Arabia
4
عزيزي القارئ،
لم تكن االنتفاضات العربية ،التي انطلقت شرارتها األولى من تونس قبل ستة أِشهر ،فقط من أجل املطالبة باحلرية والدميقراطية واحلقوق األساسية لالنسان. لقمة العيش والفقر والبطالة كانت هي أيضا من بني األسباب ،ولعلّها األهم ،التي عم عددا من دفعت املواطن العربي الى االحتجاج .احتجاج ّ حتول الى غضب عارم ّ البلدان العربية مغربا ومشرقا.
"الربيع العربي" ،بطعم احلرية والكرامة ،لكنه أيضا بطعم اخلبز و"الفالفل" .في العام ،1986طرحت مجلة اإليكونومست السؤال التالي" :كم تستغرق من الدقائق لتجني ما يساوي سعر وجبة بيغ ماك؟" .في حينها نشرت شركة "يو بي إس" تقريرا يوضح املدة التي يستغرقها املوظف في 73مدينة في العالم جلني ما يساوي سعر أشهر برغر في العالم ،وفقا ملتوسط األجر ،وبذلك بدأ مؤشر "بيغ ماك". وألن التاريخ العربي املعاصر لم يعرف من "الثورات" ،بعيدا عن االنقالبات العسكرية التي ال تعد وال حتصى ،سوى "ثورات خبز" ،ارتأت "اجمللة" أن تستوحي من مؤشر "بيغ ماك" مؤشرا عربيا صرفا أطلقت عليه "مؤشر الفالفل" .استخدمنا الفكرة الرئيسة ذاتها جمللة اإليكونومست ،ولكن مع استبدال وجبة املواطن الغربي الغني، بالوجبة السريعة املفضلة في الشرق األوسط ،وجبة الفقير التي من دونها تثور أمم وتنتفض شعوب. في عرض توضيحي لالختالفات بني دخل الفرد وسعر الصرف ،يحاول "مؤشر الفالفل" اعطاء فكرة عن دخل املواطن العربي وثمن "وجبته املفضلة" في عدد من األقطار العربية. كاتبة "اجمللة" بوال ميجيا كتبت من تونس "خبز وحرية :الثمن االقتصادي للربيع العربي" ،في حتليل عميق ومن أرض الواقع لدور االضطرابات السياسية في عدم استقرار اقتصادات شمال افريقيا .أما الكاتب ستيفن غلني ،الذي يساهم مبقاالته في اجمللة منذ مدة طويلة ،فله دراسة متميزة عن الوضع االقتصادي في مصر. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا اإللكتروني .majalla.com/arونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا.
عادل الطريفي رئيس التحرير
العدد رقم - 1564يونيو 2011
مجلة العرب الدولية
خبز وحرية الثمن االقتصادي للربيع العربي
06
9 770261 087119 Issue 1564
ثروة األمم:
ما قبل احلداثة داخل جماهيرية العقيد ..الزمن الليبي يسير ببطء
الوضع البشري
قوامة التغيير االنتفاضات العربية ..تزرع املرأة فيحصد الرجل
حوارات
The Majalla
الفوضى طريق للديكتاتورية أحمد جنيب الشابي :أرفض التحالف مع النهضة