أزمة خلافة

Page 1



‫● الكلمة األخيرة‬

‫مصر‪ :‬علمانية تركيا أم راديكالية باكستان؟!‬ ‫عادل الطريفي‬ ‫نشأ في مصر في أوائل القرن العشرين تيار فكري متأثر باملد القومي العربي‪ ،‬وكان‬ ‫من أبرز طروحاته الدعوة إلى حتديث مصر‪ ،‬وذلك باالبتعاد عن النموذج التركي‬ ‫العثماني بوصفه مصدر التخلف والتبعية‪ ،‬ولكن بعد مرور قرابة املائة عام ها هو‬ ‫قطاع ال يستهان به من النخبة في مصر يطالب بتقليد النموذج التركي‪ .‬فاإلخوان‬ ‫يشيدون بتجربة حزب العدالة والتنمية (اإلسالمي)‪ ،‬بينما اجليش يلمح إلى دور‬ ‫نظيره التركي في احملافظة على مدنية وعلمانية الدولة بوصفه الضامن للدستور‪،‬‬ ‫حتى األحزاب التقليدية‪ ،‬كالوفد‪ ،‬دعت بشكل علني اجمللس العسكري إلى «تطبيق‬ ‫النموذج التركي»‪ ،‬ولعل السؤال املهم هنا‪ :‬هل يصلح النموذج التركي ملصر؟‬ ‫في تقرير بعنوان «جنراالت مصر قد يحافظون على دور كبير في احلكم»‬ ‫(«واشنطن بوست»‪ 17 ،‬يناير ‪ -‬كانون الثاني)‪ ،‬نقلت اجلريدة عن عدد من قيادات‬ ‫اجمللس العسكري أنهم يفكرون جديا في أن يلعب اجليش دورا مماثال للوضع التركي‪،‬‬ ‫بحيث يسلم احلكومة إلى أحزاب مدنية منتخبة‪ ،‬ويحتفظ بحقه في إدارة شؤونه‬ ‫ وبالذات موازنته ‪ -‬والتمتع باحلصانة لكي يقوم بدور الضامن واحلامي للدستور‪.‬‬‫يقول أحد أعضاء اجمللس (من دون ذكر اسمه)‪« :‬نريد منوذجا مثل تركيا‪ ،‬لكننا لن‬ ‫نفرضه‪ ..‬مصر‪ ،‬كدولة‪ ،‬محتاجة لذلك حلماية دميقراطيتنا من اإلسالميني‪ .‬نحن‬ ‫نعرف أن هذه اجلماعة (أي اإلخوان) ال تفكر بطريقة دميقراطية»‪.‬‬ ‫النموذج التركي جذاب لبعض النخب املصرية‪ ،‬ولكن ألسباب ‪ -‬أو زوايا ‪ -‬متعددة‬ ‫ومتناقضة؛ يريد اإلخوان فرصة ومساحة للحكم بشكل غير مباشر بحيث‬ ‫يتمكنون من دعم حتالف انتخابي ميثلون فيه األكثرية‪ ،‬ولكن يحتفظون‬ ‫ألنفسهم مبساحة كافية بعيدا عن أن يكونوا في الواجهة‪ .‬في الوقت ذاته‪،‬‬ ‫يرغب اإلخوان أن يستمر ضغط الدول الغربية على اجمللس العسكري املصري‬ ‫بحيث يؤمنون التجربة االنتخابية من خطر االنقالبات العسكرية مستقبال‪ ،‬أي‬ ‫تركيا ما بعد عام ‪ .2002‬اجليش من جهته يريد وضعا ميكنه من اإلشراف على‬ ‫الدولة بشكل غير مباشر‪ ،‬والتدخل متى ما أحس أن تيارا أو حزبا بدأ يتهدد وضعه‬ ‫االستثنائي في الدولة‪ ،‬أي تركيا ما بعد عام ‪.1980‬‬ ‫حتى شخصيات مثل محمد البرادعي والسيد البدوي وحمدين صباحي وآخرين‬ ‫ممن ميكن تصنيفهم كأحزاب صغيرة أو مستقلني‪ ،‬هؤالء أيضا يريدون منوذجا تركيا‪،‬‬ ‫لكنهم يريدون تركيا التعددية التي متكن حتى األحزاب الصغيرة واألقليات من‬ ‫املشاركة السياسية‪ ،‬بحيث ال تهمش أصواتهم من قبل حزب األكثرية‪ ،‬أي أنهم‬ ‫ينظرون إلى منوذج تركيا ما بعد عام ‪ ،1995‬حني احتاجت األحزاب التركية الكبيرة‬ ‫إلى إشراك املستقلني واألقليات لتضمن وجودها في نصف املناطق االنتخابية‬ ‫كما ينص قانون االنتخابات‪.‬‬

‫واالستثماري‪ ،‬بل استمرت في تضخيم أجهزة الدولة وتقدمي دعم حكومي للسلع‬ ‫واملنتجات وكأنها دولة ريعية متتلك احتياطيات هائلة من املوارد الطبيعية‪ ،‬بل‬ ‫ميكن القول إن أحد جوانب النقمة والثورة ضد النظام السابق جرى ألنه حاول‬ ‫إجراء إصالحات اقتصادية عن طريق اخلصخصة‪ ،‬واالستثمار األجنبي‪ .‬صحيح أن‬ ‫الفساد كان كامنا في املرحلة التي شهدت فيها مصر محاولة لتحرير التجارة‬ ‫وتقليص الدعم لتخفيض العجز‪ ،‬لكن الفساد لم يكن يختلف عن املراحل‬ ‫السابقة في مصر من حيث احلجم‪ ،‬وتقارير املؤسسات الدولية شاهدة على ذلك‪.‬‬ ‫مصر ال متلك أن تكون تركيا؛ ألنها ال متلك رأس املال االجتماعي والعلمي الذي‬ ‫ميكنها من تصحيح وضعها االقتصادي‪ ،‬فهي دولة رمبا تنتج أكبر عدد من‬ ‫اخلريجني اجلامعيني في العالم العربي‪ ،‬لكن مستوى تأهيلهم ضعيف ومتواضع؛‬ ‫ألنهم نتاج نظام تعليمي مجاني ومتأخر‪ ،‬ولهذا السبب ليست هناك جامعة‬ ‫مصرية في قائمة أهم ‪ 450‬جامعة في العالم‪ .‬تصدر مصر ما يقارب ‪ 9‬آالف‬ ‫كتاب مقارنة بـ‪ 35‬ألف كتاب تصدرها تركيا‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فأغلب تلك‬ ‫الكتب ليست في علوم حديثة‪ ،‬وهي سمة غالبة على الدول العربية كلها مبا‬ ‫فيها دول اخلليج‪.‬‬ ‫دعونا جن ِر مقارنة اقتصادية بني تركيا في التسعينات ومصر اليوم‪ ،‬فكل من‬ ‫البلدين متقارب من حيث التعداد السكاني‪ ،‬وكانت تركيا مقاربة ملا عليه االقتصاد‬ ‫املصري قبل الثورة‪ ،‬فالناجت اإلجمالي احمللي للفرد الواحد (‪GDP Per Head at‬‬ ‫‪ ،)PP‬كان يوازي ‪ 5500‬دوالر‪ .‬أما في مصر فبلغ ‪ 3200‬دوالر نهاية عام ‪.1998‬‬ ‫ولكن خالل عقدين من الزمن‪ ،‬ارتفع نصيب الفرد من الناجت اإلجمالي احمللي إلى‬ ‫‪ 14700‬دوالر في تركيا‪ ،‬مما يجعلها غنية وفقا ملقاييس البنك الدولي‪ ،‬بينما لم‬ ‫تتجاوز العام املاضي في مصر ‪ 6300‬دوالر‪ .‬في العام املاضي‪ ،‬بلغ عدد السياح إلى‬ ‫تركيا ‪ 28‬مليونا‪ ،‬بينما لم حتقق مصر ذات احلضارة الفرعونية العظيمة إال ‪11‬‬ ‫مليونا‪ .‬يبلغ حجم االقتصاد العام (احلكومي) من االقتصاد الكلي أكثر من ‪40‬‬ ‫‪ ،%‬وميلك اجليش املصري وحده قرابة ‪ % 10‬على األقل‪ ،‬ويبلغ حجم العجز مقارنة‬ ‫بالناجت اإلجمالي احمللي أكثر من ‪ ،% 11‬بينما في تركيا ال يزيد على ‪ % 3‬فقط‪.‬‬ ‫ماذا تعني هذه األرقام؟ ببساطة‪ :‬مصر «الثورية» حتتاج إلى تقليص العجز في‬ ‫موازنتها بتخفيض الدعم احلكومي خالل العقد املقبل حتى تصل إلى ‪ ،% 3‬وهي‬ ‫مهمة مستحيلة مع توقف السياحة واالستثمار األجنبي‪ ،‬وتعثر اإلنتاج‪ ،‬وزيادة‬ ‫اإلنفاق احلكومي وتالشي االحتياطيات املصرية في اخلارج‪ ،‬ناهيك عن التدهور‬ ‫األمني واالضطراب السياسي الذي قد يستمر بضعة أعوام على أقل تقدير‪.‬‬ ‫تكتف بتغيير‬ ‫ليس هذا فحسب‪ ،‬فمصر تعاني تنامي الراديكالية الثورية التي لم‬ ‫ِ‬ ‫الرئيس ورموز حكمه‪ ،‬بل وتطالب بإعادة صياغة سياسة مصر اخلارجية بتوجه‬ ‫راديكالي ضد دول اخلليج والتهديد بالتقارب مع إيران‪ .‬في الوقت ذاته يبدو اجمللس‬ ‫العسكري عاجزا عن مواجهة الفوضى الثورية املنفلتة في ميدان التحرير‪ ،‬وحتى‬ ‫اإلخوان الذين يقال إنهم أقوى قوة تنظيمية يبدون غير قادرين على مصادمة‬ ‫التوجه الثوري في الشارع املصري‪.‬‬

‫على الرغم من هذا احلماس اخلطابي في استلهام النموذج التركي الناجح‪ ،‬فإن‬ ‫مصر رمبا تكون غير مؤهلة للسير في خطوات النموذج التركي ألسباب كثيرة‪،‬‬ ‫لعل أكثرها وضوحا هو اختالف التجربة التاريخية؛ فتركيا دولة حتولت إلى النموذج‬ ‫العلماني الغربي‪ ،‬ومتكنت من حتويل أنظمتها واقتصادها إلى منوذج للدولة األوروبية‬ ‫الصناعية في النصف األول من القرن الـ‪ ،20‬ولهذا لم يكن عسيرا على تركيا أن‬ ‫تصحح مسارها في عام ‪ ،2002‬بحيث تعدل قوانينها التجارية لتتوافق مع السوق‬ ‫األوروبية املشتركة‪ ،‬وتسير في خط إصالحي تشريعي في محاولة منها لالنضمام‬ ‫إلى االحتاد األوروبي‪ .‬صحيح أن حزب العدالة تراجع عن حماسه لالنضمام إلى‬ ‫االحتاد بعد انتخابات ‪ ،2007‬لكن خالل السنوات الـ‪ 5‬التي قضاها في احلكم‬ ‫قبل ذلك قام بجملة إصالحات ليبرالية ليتوافق مع شروط العضوية األوروبية‬ ‫مكنته من حتقيق النمو بحيث بات مثل الطالب الذي استعد جيدا لالختبار ولكن‬ ‫لم يسمح له بحضوره‪ ،‬ولكن بقي لديه حس اجلدية وثقافة صلبة مما تعلمه‪.‬‬

‫مصر قد تنزلق إلى حالة راديكالية ثورية‪ ،‬أي أن اجليش واإلخوان قد يصالن إلى‬ ‫قناعة بأن أفضل طريق للفوز بالشارع املصري هو اللجوء خلطاب راديكالي‬ ‫شعاراتي يلبي التطلعات الثورية للشارع‪ ،‬وهذا سيقود مصر إلى منوذج باكستان‬ ‫ال منوذج تركيا؛ حيث يسقط البلد في فوضى أمنية ويصبح النزاع بني العسكر‬ ‫واإلسالميني على احلكم عبر املزايدات واللجوء إلى استدامة عداوات ومعارك في‬ ‫الداخل واخلارج‪.‬‬

‫على النقيض من ذلك جند مصر‪ ،‬التي تخبطت خالل النصف الثاني من القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬بحيث انزلقت في متاهات الناصرية زمنا‪ ،‬قبل أن تأكلها احلروب اخلاسرة‬ ‫اقتصاديا وتنمويا في الستينات والسبعينات‪ ،‬وحتى بعد أن متكن السادات‬ ‫من فرض السالم واستعادة األرض على الرغم من معارضة (أغلبية) النخب‬ ‫املصرية‪ ،‬لكن مصر لم تقم بعد ذلك ببناء اقتصاد مبني على التنوع الصناعي‬

‫وتستعد االستقرار‪ ،‬فإن فرص تعافيها‬ ‫ما لم تصحح مصر هذا املسار الفوضوي‬ ‫ِ‬ ‫االقتصادي تتضاءل يوما بعد يوم‪ .‬يقول أحمد هيكل جمللة «إيكونومست»‬ ‫(‪ 23‬يونيو – حزيران)‪« :‬إذا وضعنا األشياء في نصابها الصحيح‪ ،‬فإننا –‬ ‫املصريني ‪ -‬قد نكون تركيا في غضون ‪ 10‬أعوام‪ .‬أما إذا أخفقنا‪ ،‬فسنتحول إلى‬ ‫باكستان في ‪ 18‬شهرا»‪.‬‬

‫‪62‬‬



‫تقرير‬ ‫● نقاد‬

‫جتربة املغرب في احلد من الفقر‬

‫دروس للعالم العربي‬

‫يسمح التقرير الذي مت إعداده قبل «الربيع العربي» بالنظر إلى قضايا‬ ‫محورية في هذه املرحلة االنتقالية في العالم العربي‪ .‬ولبعض هذه‬ ‫الدروس أهمية خاصة للمغرب نفسه في أعقاب انتخابات األول من‬ ‫يوليو (متوز) احلالي‪ .‬خالل العقد املاضي‪ ،‬انخفض معدل الفقر في املغرب‬ ‫بنسبة تزيد عن ‪ 40‬في املائة‪ ،‬وأصبح هناك أقل من ‪ 9‬في املائة من‬ ‫املغاربة يعيشون حتت خط الفقر في مقابل نحو‪ 16.2‬في املائة قبل‬ ‫عشرة أعوام‪ .‬وبالتالي‪ ،‬استطاع املغرب حتقيق أهدافه التنموية لأللفية‬ ‫التي كان مخطط لها أن تنجز في عام ‪ 2015‬واخلاصة بالفقر مبا يفوق‬ ‫سواء التوقعات أو أداء دول أخرى مشابهة‪.‬‬

‫معهد كارنيغي للسالم الدولي‬ ‫احلسن عاشي‬ ‫ديسمبر (كانون األول) ‪2010‬‬

‫السنوات املاضية‪ .‬ويدعو عاشي إلى تغيير ذلك التوجه نظرا ألن املنظمات غير احلكومية‬ ‫كان لها دور حيوي في إعادة تعريف عالقات القوة على املستوى احمللي وحتويلها إلى‬ ‫عملية صناعة قرار تشاورية تتضمن الشباب والشابات‪ .‬ويجب تعزيز ذلك التطور‬ ‫واحلفاظ عليه‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬كانت الدولة تتسامح مع سلوك املنظمات غير احلكومية‬ ‫ألن تلك املنظمات كانت تركز على قضايا محددة دون االنخراط في سياسات تتسم‬ ‫باملواجهة‪ .‬وبقدر صعوبة ذلك‪ ،‬فإنه رمبا يقدم رؤية مهمة للدول العربية‪.‬‬

‫ويضيف املؤلف أنه من اجلدير بالذكر أن هناك عوامل ضعف حتيط مبعركة املغرب ضد‬ ‫الفقر‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬في الوقت الذي كانت فيه حتويالت املهاجرين املغاربة متثل‬ ‫مصدر دخل مهم للعديد من العائالت الفقيرة والبرامج احمللية االجتماعية االقتصادية‪،‬‬ ‫فإنها متثل موردا تنمويا غير مستقر‪ .‬وباملثل‪ ،‬يفقد دور اجملتمع املدني بصفة عامة الزخم‬ ‫نظرا لتبني الدولة مقاربات تزيد املركزية في معاجلة مشكالت الدولة‪ .‬فثقافة التأييد‬ ‫واملشاركة ما زالت لم تتطور في املغرب نظرا لالفتقار إلى أدوات‬ ‫احملاسبة املالئمة‪ .‬ويجب تعزيز ذلك عبر آليات احملاسبة لكي نضمن أن‬ ‫ال تستولي النخب احمللية على التوزيع الضروري للسلطة‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من أن «املبادرة الوطنية للتنمية البشرية» التي ذكرناها من قبل لديها‬ ‫العديد من املزايا‪ ،‬فإن الدولة وحدها حتملت ووفرت التمويل للمزيد من‬ ‫املشروعات وكانت مشاركة اجملالس املنتخبة محدودة للغاية‪.‬‬

‫يسعى احلسن عاشي (باحث مقيم في مركز كارنيغي للشرق األوسط‬ ‫في بيروت‪ ،‬وهو خبير اقتصادي في التنمية واالقتصاديات املؤسسية‪،‬‬ ‫والتجارة والعمل‪ ،‬تتركّز أبحاثه على منطقة الشرق األوسط وشمال‬ ‫أفريقيا) ألن يضع خارطة للعوامل الكامنة وراء انتقال نحو ‪ 1.7‬مليون‬ ‫مغربي من الفقر من خالل فحص عدة عوامل تتراوح من العوامل‬ ‫الدميوغرافية إلى البنى االستثمارية ودور البنية التحتية إلى منظمات‬ ‫اجملتمع املدني‪ .‬وبقيامه بذلك‪ ،‬فإنه يؤكد على التحديات التي ما زالت‬ ‫تواجه املغرب مثل معدالت األمية املرتفعة وعدم املساواة والنمو‬ ‫االقتصادي املتغير‪ .‬وأصبح ذلك ذا أهمية خاصة في الوقت الراهن نظرا احلسن عاشي اخلبير في الشؤون‬ ‫ألن املغرب‪ ،‬الذي يقترب من االنتخابات‪ ،‬والعالم العربي بصفة عامة االقتصادية مبركز كارنيغي ملنطقة‬ ‫الشرق األوسط وشمال إفريقيا‬ ‫ميران مبرحلة انتقالية‪.‬‬ ‫ويعد أول عنصر ساهم في تعزيز معركة املغرب ضد الفقر هو االنخفاض املتزايد‬ ‫ملعدالت اخلصوبة حيث انخفضت من ‪ 5.5‬إلى ‪ 2.3‬طفل لكل امرأة خالل العقود‬ ‫الثالثة املاضية‪ .‬وقد ساعد االنخفاض احلاد في النمو السكاني في احلفاظ على املعدل‬ ‫االقتصادي املتسارع للمغرب والذي ارتفع من ‪ 2.2‬إلى ‪ 5‬في الفترة من ‪.2009 - 2000‬‬ ‫ويعزو عاشي انخفاض معدل اخلصوبة إلى تأخر سن الزواج والذي جنم أساسا عن حتسن‬ ‫الظروف التعليمية وقلة الفرص املتاحة في سوق العمل‪ .‬وبالتالي يتضح بالنظر إلى‬ ‫دور التعليم أن الدولة قد لعبت دورا مهما في خلق الظروف التي سهلت االنخفاض‬ ‫في النمو السكاني‪.‬‬

‫إن تصميم االستراتيجية وتنفيذها عمال ضد موجة الالمركزية التي‬ ‫ظهرت في التسعينيات ويجب تغيير ذلك التوجه لضمان تعزيز النمو‬ ‫في املستقبل والدمقرطة‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬هناك خطوات مهمة يجب اتخاذها لتحقيق تقدم أكبر‪ .‬فأوال‪،‬‬ ‫ما زال معدل األمية مرتفعا للغاية (‪ 45‬في املائة) خاصة في املناطق‬ ‫الريفية وبني النساء‪ .‬وكما يؤكد عاشي فإن احلد من الفقر دون تعزيز‬ ‫التعليم ال يعمل على حتسني الظروف املعيشية كما أنه ال يحمي الناس‬ ‫من السقوط مرة أخرى فريسة للفقر‪ .‬ولعالج تلك املشكلة‪ ،‬يقترح‬ ‫عاشي أن يقدم املغرب برامج «التحويل النقدي املشروط للمال»‪ ،‬والتي‬ ‫تعيد توزيع املال على األسر الفقيرة شريطة أن يعلموا أوالدهم‪ .‬حيث إن مواجهة األمية‬ ‫هي الشرط املسبق ملعاجلة عدم املساواة التي ظلت مرتفعة رغم انخفاض معدل الفقر‪.‬‬ ‫كما يجب طرح سياسات فعالة إلعادة توزيع الدخل من أجل تعزيز االنفتاح التجاري‬ ‫واملالي والذي من دونه رمبا يتراجع انخفاض معدل الفقر مرة أخرى‪.‬‬

‫ويصل عاشي إلى أن صناع السياسة بحاجة للتفكير فيما بعد الفقر وأن يركزوا‬ ‫جهودهم على تعزيز النمو والالمركزية السياسية واملالية‪ .‬وهو ما يتطلب تعزيز‬ ‫مشاركة األطراف األخرى بخالف الدولة مبا في ذلك اجملالس احمللية املنتخبة ومنظمات‬ ‫اجملتمع املدني‪ .‬ورمبا يكون ذلك هو الدرس األكثر وضوحا وصعوبة والذي ميكن استخالصه‬ ‫من تقرير عاشي‪ :‬احلاجة إلى حوكمة المركزية‪ .‬وكما جتلى خالل األشهر الست املاضية‬ ‫في العالم العربي‪ ،‬فإن ذلك بحاجة إلى أن يصبح أكثر إحلاحا‪ .‬فبالنسبة للبعض‪ ،‬يبدو‬ ‫أن املغرب يتخذ خطوات في االجتاه الصحيح كما أوضح ذلك امللك محمد السادس في‬ ‫خطابه األخير الذي وعد فيه بإجراء تغييرات دستورية‪ .‬وبقراءة تقرير عاشي‪ ،‬ال يسعنا‬ ‫إال أن نتمنى أن تكون االنتخابات التي مت إجراؤها في األول من يوليو هي بداية العودة‬ ‫لالمركزية ومن ثم‪ ،‬تقدمي مستقبل أفضل لفقراء املغرب‪.‬‬

‫وملدة عقود بعد احلصول على االستقالل‪ ،‬وفر املغرب التعليم اجملاني والرعاية الصحية‬ ‫للجميع دون التمييز بني األغنياء والفقراء‪ .‬وباملثل استثمرت الدولة في البرامج‬ ‫األساسية للبنية التحتية وعززت موارد مياه الشرب وشبكة الكهرباء وشبكات الطرق‪.‬‬ ‫وتعمل تلك االستثمارات على رفع املستوى املعيشي للسكان‪ ،‬ولم يكن ذلك ممكنا‬ ‫دون عائدات الضرائب التي جاءت في أعقاب عمليات إصالح للنظام الضرائبي في‬ ‫الثمانينيات مت عبرها احلد من االستثناءات وتعزيز اإلدارة‪ .‬وقد أدى ذلك اإلصالح إلى‬ ‫اإلذعان الضرائبي أعلى مما يعني أن عائدات الضرائب اآلن أصبحت متثل ‪ 24‬في املائة من التو�صيات الرئي�سة �إىل �صانعي ال�سيا�سات‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي مقارنة بـ ‪ 15‬في املائة في مصر و‪ 11‬في املائة في سوريا‪.‬‬ ‫• بناء الرأسمال البشري‪:‬على صانعي السياسات السعي إلى محو األمية‪ ،‬من‬ ‫ويرجع جانب مهم من جناح املعركة ضد الفقر في املغرب إلى أنها أصبحت السياسة خالل تخصيص املزيد من املوارد البشرية واملالية لبرامج محو أمية الكبار‪ ،‬وتشجيع‬ ‫املستهدفة للمستويات العليا في املغرب‪ .‬فوفقا لعاشي‪ ،‬فإن ملك املغرب محمد األ ُ َسر الفقيرة على تعليم أبنائها‪.‬‬ ‫• تقليص عدم املساواة‪ :‬ميكن احل ّد من عدم املساواة عبر فرض ضرائب أكثر تصاعدية‬ ‫السادس يشارك بفعالية في سياسة البالد للحد من الفقر واملعروفة باسم «املبادرة‬ ‫الوطنية للتنمية البشرية»‪ .‬وهو ما وفر دعما سياسيا قويا للمبادرات اخملتلفة للحد من واعتماد إنفاق عام ُمو َّجه بشكل أفضل‪ ،‬وتدعيم سياسات إعادة توزيع الدخل‪.‬‬ ‫• حتسني بيئة األعمال‪ :‬يجب أن يق ّدم القادة حوافز إلى أصحاب املشاريع غير‬ ‫الفقر‪ ،‬ويتجلى‪ ،‬على نحو خاص‪ ،‬في الشروط العاملية للخدمات العامة‪.‬‬ ‫التقيد‬ ‫ويشجعوهم على‬ ‫ينضموا إلى اقتصاد املغرب الرسمي‪،‬‬ ‫احلكومية كي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يقول عاشي إن هناك ميال يتسم باخلطورة نحو املركزية التي تدعم سياسات بالتزاماتهم االجتماعية واملالية جتاه موظّ فيهم‪.‬‬ ‫التنموية‬ ‫• تعزيز الالمركزية السياسية واملالية‪ :‬ميكن املساهمة في حتسني‬ ‫احلكومة‪ .‬وفيما أصدر صناع السياسة في التسعينيات مقاربة جديدة لإلنفاق العام‬ ‫كانت تسعى لتوجيه املوارد العامة إلى حتقيق األهداف والتخلي عن املركزية من خالل احمللية عبر زيادة مشاركة الفاعلني غير احلكوميني‪ ،‬مبا في ذلك اجملالس احمللية املُن َت َخبة‬ ‫ومنظمات اجملتمع املدني‪.‬‬ ‫مشاركة اجملالس احمللية ومنظمات اجملتمع املدني‪ ،‬فقد مت التخلي عن تلك اجلهود خالل‬ ‫ّ‬ ‫‪60‬‬


‫غيرت مصير مصر‬ ‫‪ 12‬كلمة ّ‬

‫الساعات األخيرة‬

‫املعارضة ورغم ذلك استهان جمال باألمر‪ ،‬معتبرا أن الغضب سرعان ما يزول بعد فترة‬ ‫بترويض املعارضة‪ ،‬ولم يتخيل أن األمور ستنتهي ملا انتهت إليه‪ ،‬مؤكدا أن استعالء‬ ‫جمال وغروره في مواجهة الشعب املصري‪ ،‬وقيامه بالتخلص من الزعماء وقادة الرأي‬ ‫واملثقفني الكبار إلبعادهم عن طريقه‪ ،‬كانت من األخطاء الكبرى التي وقع فيها مبارك‬ ‫االبن‪ .‬ثم يكشف الكاتب في صفحات أخرى من الكتاب عن اخلطة التي لعبها جمال‬ ‫في فترة الثورة أمال في القضاء عليها واستعادته لزمام األمور من جديد‪ ،‬مشيرا إلى أن‬ ‫حالة االنكسار الظاهرية واالنكماش التي أصابته بعد انفجار مظاهرات الغضب في‬ ‫ميدان التحرير لم تكن سوى خدعة أو فترة اللتقاط األنفاس‪ ،‬كي مينح نفسه فرصة‬ ‫الستئناف خطته من جديد مبساعدة شركائه املقربني ومن أوهموه بأنهم حلفاؤه وهو‬ ‫ما كان سببا خفيا في تأخيرإعالن قرار الرئيس مبارك بتنحيه عن احلكم‪ ،‬وفي حالة‬ ‫البطء الشديد التي كانت تسبق إذاعة خطاب الرئيس في كل مرة أثناء اندالع الثورة‬ ‫في أنحاء مصر‪ .‬وهو ما فسر به الكاتب حالة الغموض والضبابية في موقف مؤسسة‬ ‫الرئاسة جتاه األحداث املتسارعة والساخنة‪ ،‬التي لم تكن خطابات رئيس اجلمهورية‬ ‫التي كان يترقبها كل املصريني والعالم مالئمة لها‘ ولم تكن على مستوى احلدث‪ ،‬بل‬ ‫كانت في كل مرة تتسبب في زيادة حالة استفزاز املصريني املتظاهرين في الشوارع‬ ‫وامليادين‪.‬‬

‫احلديث عن الساعات األخيرة في حكم الرئيس املصري السابق حسني‬ ‫مبارك حديث ذو شجون وشؤون الرتباطه بفترة حرجة ومرحلة مفصلية‬ ‫في تاريخ مصر‪ ،‬كما أن احلديث عن تلك السويعات القليلة التي سبقت‬ ‫إعالن تنحي الرئيس يعتبر أيضا تأريخا حلدث نادر في حياة األمم والشعوب‪،‬‬ ‫ألنه يتضمن الكشف عن العديد من املالبسات واألحداث الساخنة التي‬ ‫اكتنفت كواليس قصر الرئاسة التي لعبت دورها في إحداث تغيير جوهري‬ ‫في مصير شعب مصر واألمة العربية من بعده‪ .‬لذلك فإن العيون واآلذان‬ ‫بل العقول في العالم كله كانت مترقبة ملا ستسفر عنه تلك الساعات‬ ‫ثم يستعرض املؤلف أجواء الكواليس املصاحبة للخطابات التي ألقاها الرئيس‬ ‫من تطورات وتغيرات مصيرية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من االجتهادات التي ال حتصى في شرح تفاصيل‬ ‫غائبة عن رجل الشارع‪ ‬العادي تتعلق مببارك وعائلته وكيفية‬ ‫خروجهم أو هروبهم إلى شرم الشيخ‪ ،‬إال أن ما كتب بدقة‪،‬‬ ‫وعن معلومات موثوق بها من مصادرها‪ ،‬كان قليال حيث‬ ‫كانت التكهنات هي الوسيلة الغالبة على الكتابة في هذا‬ ‫املوضوع إلشباع شهية القراء الشغوفني بقراءة أي شيء‪ ‬‬ ‫يتناول موضوع الساعة‪.‬‬ ‫وأمام هذا الواقع تأتي أهمية كتاب "الساعات األخيرة في‬ ‫حكم مبارك" للكاتب الصحافي عبد القادر شهيب رئيس‬ ‫مجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر ورئيس حترير مجلة‬ ‫املصوراملصرية سابقا‪ .‬وهو كاتب مرموق ‪ ‬تتميز كتاباته‬ ‫بالنزاهة وعدم مداهنة السلطة‪ .‬وفي أحدث كتبه يكشف‬ ‫عن العديد من األسرار والتفاصيل اخلاصة باألحداث املواكبة‬ ‫لتنحي الرئيس مبارك واللحظات الفارقة قبيل خروجه من‬ ‫قصر الرئاسة وهروبه إلى شرم الشيخ‪ ،‬بعيدا عن خطر‬ ‫املتظاهرين الذين هددوا مبحاصرة‪ ‬القصرالرئاسي ليلة‬ ‫التنحي‪.‬‬ ‫ويبدأ املؤلف باحلديث عن حالة التوتر والغموض التي اكتنفت‪ ‬مواقف القيادة املصرية‬ ‫جتاه موجات الغضب التسونامية‪ ،‬التي عصفت بالشارع املصري في كل‪ ‬مكان‪ ‬ولم‬ ‫يحسن نظام مبارك تقديرها وتعامل معها بسطحية معهودة في كل تعامالته‬ ‫السابقة مع الشعب من دون أن يدرك حجم اخلطر احملدق به واملهدد ألركان نظامه‬ ‫الهش‪ ،‬الذي سقط‪ ‬أمام إرادة‪ ‬الشعب اجلماعية التي ساهم في توحيدها األسلوب‬ ‫املستفز الذي تعامل به مبارك مع املتظاهرين في بادئ األمر‪ ،‬والذي استشعر فيه‬ ‫املصريون بالتجاهل ملطالبهم واالستعالء عليهم‪.‬‬

‫ليكشف من خاللها الدور الذي لعبه جمال مبارك من وراء الستار في محاولة إلنقاذ‬ ‫ما ميكن إنقاذه من وجهة نظره وهو كرسى احلكم طبعا‪،‬‬ ‫ويستشهد شهيب بصياغة اخلطابات وما عكسته من عدم‬ ‫وضوح وحسم للمواقف‪ ،‬ثم يتوقف طويال عند اخلطاب الثالث‪،‬‬ ‫الذي كان يتوقع منه إعالن التنحي ليلة يوم احلادي عشر من‬ ‫فبراير‪ ،‬ويقول شهيب من‪ ‬خالل حتليله لصياغة هذا اخلطاب‬ ‫إنه مت ‪ ‬قص اجلزء األخير منه‪ ،‬الذي كان يتضمن التنحي بتأثير‬ ‫من جمال مبارك وأنس الفقي وزير اإلعالم وقتها‪ ،‬وزكريا عزمي‬ ‫مديرمكتب الرئيس‪ ،‬ومت تسجيله ‪ ‬أكثر من مرة‪ ‬تشبثا باحلكم‬ ‫ومحاولة لترك األمور غير محسومة‪ ،‬على الرغم من إعالن‬ ‫القيادي البارز في احلزب الوطني احلاكم يومها الدكتور حسام‬ ‫بدراوي‪ ‬تنحى الرئيس خالل ساعات‪.‬‬

‫ويعود املؤلف للحديث عن حالة الرئيس مبارك وموقفه‬ ‫الشخصي‪ ،‬بعيدا عن تأثير الثالثي جمال والفقي وعزمي‪..‬‬ ‫احلالة التي كان عليها عشية خروجه من قصر الرئاسة إلى‬ ‫شرم الشيخ وسر التحول الذي حدث في موقفه بإعالنه‬ ‫التنحي بعد كل هذه املماطالت‪ ،‬وهنا يكشف املؤلف عن‬ ‫حقيقة ما تردد من أن مبارك مت إجباره بالقوة على التنحي‬ ‫من قبل اجليش‪ ،‬مؤكدا أن احلقيقة هي أنه بعد سفر مبارك‬ ‫إلى شرم الشيخ وتفويض عمر سليمان نائبا له‪ ،‬واستمرار حالة الغضب في الشارع‬ ‫املصري وزيادة الضغوط الشديدة التي تعرض لها‪ ،‬قام مبارك باستشارة الثالثة املقربني‬ ‫منه وهم املشير حسني طنطاوي وزير دفاعه‪ ،‬ونائبه عمر سليمان رئيس اخملابرات‬ ‫املصرية السابق‪ ،‬والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الذي عينه بعد إقالة أحمد نظيف‪،‬‬ ‫وانتهى إلى موافقته تليفونيا على التنحي في قرار مكتوب ال تزيد كلماته عن ‪12‬‬ ‫كلمة وافق عليها كلها‪ .‬ثم يكشف املؤلف عن الطلب الذي طلبه الرئيس من املشير‬ ‫ونائبه واخلاص بتأجيل اإلعالن عن التنحي‪ ،‬حتى يلحق به جمال وعالء في شرم الشيخ‪ ‬‬ ‫ليطمئن عليهما ألنهما كانا مازاال في القاهرة‪ ،‬لكن هذا الطلب قوبل بالرفض خلطورة‬ ‫املوقف‪ ،‬وأهمية عنصر الوقت‪ ،‬وضرورة سرعة اإلعالن عن التنحي خوفا من توابع‬ ‫التأخيرعلى حركة طوفان اجلماهير الغاضبة في كل الشوارع املصرية‪ .‬وبالفعل مت إعالن‬ ‫قرار التنحي في الساعة السادسة قبل املوعد الذي كان يريده مبارك بساعة تقريبا‪.‬‬

‫ويشير شهيب إلى خطأ كبير وقع فيه النظام وكان سببا في تخبطه وهو يتعلق‬ ‫بعدم استيعاب مشاعر املصريني وفهمها فهما صحيحا‪ ،‬ليس أثناء املظاهرات فقط‪،‬‬ ‫وإمنا في الفترات التي سبقت املظاهرات وكانت تنذر بسخونة األحداث وهنا يكشف‬ ‫املؤلف عن النصيحة التي أسداها الرئيس الفرنسي ساركوزي للرئيس مبارك في آخر‬ ‫زيارة له لفرنسا قبيل الثورة وطالب فيها مبارك بضرورة التعامل مع الغضب الشعبي‬ ‫املتزايد بسبب تردي األوضاع املعيشية واالقتصادية والسياسية في مصر‪ ،‬وحتذيره من‬ ‫عواقبها احملتملة وقلق أوروبا وأميركا منها‪ .‬ويستطرد املؤلف مشيرا إلى أنه بدال من‬ ‫حسن تقدير املوقف والتفكير في وسيلة إلرضاء الشعب املصري‪ ،‬كان رد فعل مبارك‬ ‫على نصيحة ساركوزي هو أن حتدث مع بعض القادة اخلليجيني عن رغبته في سرعة‬ ‫إجراءات نقل السلطة البنه جمال في أقرب فرصة!! وهو ما استدل منه املؤلف على‬ ‫حالة التخبط وعدم اتخاذ املواقف الصائبة‪.‬‬

‫وفي محاولة لإلجابة عن تساؤل خاص بحقيقة انقالب القوات املسلحة على الرئيس‬ ‫ومؤسسة الرئاسة‪ ،‬وهو السؤال الذي شغل الرأي العام املصري كثيرا‪ ،‬خصص املؤلف‬ ‫فصال كامال عن هذا املوضوع‪ ،‬واستعرض فيه العديد من التفاصيل املثيرة التي كشفت‬ ‫أسرارا مهمة حول طبيعة عالقة الرئيس باملشير‪ ،‬ليروي أحد املواقف املهمة واحلاسمة‪،‬‬ ‫التي وضعت هذه العالقة على احملك‪ ،‬حينما سأل أحد األشخاص املهمني وزير الدفاع‬ ‫املصري املشير حسني طنطاوي ألي الفريقني يتحيز للمتظاهرين أم للرئيس مبارك‪ ،‬فرد‬ ‫املشير متسائال‪ :‬هل ينضم اجليش لصالح الشعب أم للرئيس الفرد؟ ثم أكد أن اجليش‬ ‫دائما مع الشعب ليحسم أي جدل ميكن أن يثار في هذه املسألة‪ .‬‬

‫وفي جزء آخر من الكتاب ينتقل الكاتب إلى كشف الدور اخلفي ألصابع جمال مبارك‬ ‫في تطور األحداث‪،‬على النحو الذي أدى إلى تدهور موقف والده الرئيس ‪ ‬وخلعه من‬ ‫السلطة‪ .‬ويستعيد بعض املواقف التي تعكس ضعف إدراك وحساسية جمال مبارك‬ ‫جتاه األمور اخلطيرة‪ ،‬منها موقف بينه وبني رؤساء حترير لصحف مصرية كان يسألهم‬ ‫فيه عن متديد قانون الطوارئ‪ ،‬فحذروه من الغضب الشعبي وخاصة الذي تقوده أحزاب‬

‫واحلقيقة أن الكتاب يقدم مادة ممتعة ومثيرة حافلة باألحداث والتفاصيل التي تهم‬ ‫القارئ العربي الذي يبحث في أسرار تلك الساعات القليلة‪ ،‬التي صنعت لشعب مصر‬ ‫تاريخا جديدا‪ ،‬ووجهت مصيره نحو النور واحلرية‪ ،‬ويحسب للمؤلف الكاتب الصحافي‬ ‫عبد القادر شهيب توخيه الدقة واألمانة في عرض املعلومات املوثقة من عدة مصادر‬ ‫وجتاهل املعلومات التي ال تتجاوز مستوى الشائعة‪.‬‬

‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫‪59‬‬


‫● نقاد‬

‫قصة دولة مخفقة في جنوب اجلزيرة العربية‬

‫اليمن‬

‫مقسما‬

‫يشهد اليمن اليوم أزمة عضوية ال يستطيع أحد التنبؤ بثقة مبآالتها‪ .‬و‬ ‫لكن يبقى أن استيعاب الواقع الراهن في اليمن بتعقيداته و امتداداته‬ ‫هي مهمة ال ميكن مقاربتها من دون اإلملام باملسار التاريخي للمجتمع و‬ ‫الدولة في اليمن‪ ،‬خصوصا ما يتعلق منه بالعقود الثالثة األخيرة‪ .‬و لعل‬ ‫أحد أوجه هذا املسار التاريخي الذي لم يحصل على ما يستحقه من‬ ‫الدراسة و االستقصاء البحثي هو قصة نشوء واضمحالل «جمهورية‬ ‫اليمن الدميقراطية الشعبية»‪ ،‬و ما يتصل بذلك من قيام الوحدة اليمنية‬ ‫و مصاعبها و التي انفجرت على شكل حرب أهلية في العام ‪ 1994‬وصوال‬ ‫إلى التحديات الراهنة املتمثلة في تعاظم النزعة االنفصالية في اجلنوب‬ ‫والتي بالكاد تخفي رغبتها في استعادة قيام دولة مستقلة في اجلنوب‪،‬‬ ‫وإن على أسس سياسية و أيديولوجية مختلفة عن املاضي‪.‬‬ ‫يأتي كتاب "اليمن مقسما" ليمأل جزء مهما من هذا الفراغ البحثي‪ ،‬إذ يقوم فيه‬ ‫نويل بريهوني‪ ،‬و هو باحث بريطاني مرموق و صاحب خبرة ديبلوماسية طويلة‪ ،‬مبا‬ ‫فيها العمل في عدن في السنوات األولى من السبعينات‪ ،‬بسرد قصة "جمهورية‬ ‫اليمن الدميقراطية الشعبية" التي أعلنت في العام ‪ ،1970‬منذ بداياتها املبكرة‬ ‫في نيل االستقالل من بريطانيا في العام ‪ ،1967‬مرورا بتجسدها آيديولوجيا‬ ‫كمزيج من الفكر القومي الذي ساد في الستينات و السبعينات و الفكر املاركسي‪-‬‬ ‫اللينيني بنسخته السوفياتية‪ ،‬و حتى انتهاءها بالوحدة االندماجية مع اجلمهورية‬ ‫العربية اليمنية (اليمن الشمالي)‪.‬‬ ‫و يتمحور الكتاب حول ثالثة موضوعات رئيسة أولها عرض و حتليل التاريخ السياسي‬ ‫لليمن اجلنوبي منذ نشؤه كدولة مستقلة في العام ‪ 1967‬و حتى إنتهاءه رسميا‬ ‫بتدشني الوحدة مع الشمال في العام ‪ ،1990‬و إنتهاءه فعليا بانتصار صنعاء و‬ ‫القوى اجلنوبية املوالية لها في احلرب األهلية في يوليو ‪ .1994‬و يحفل هذا اجلزء‬ ‫من الكتاب بعرض مفصل لألحداث و الشخصيات السياسية و األيديولوجية‬ ‫التي هيمنت على اجلسم السياسي ‪ ‬جلمهورية اليمن الدميقراطية و الصراعات‬ ‫املريرة على السلطة في عدن والتي بلغت ذروتها في أحداث العام ‪ 1986‬سيئة‬ ‫الصيت‪ ،‬و التي كان لها األثر البالغ في إضعاف "الدولة املاركسية الوحيدة في‬ ‫العالم العربي"‪ ،‬كاشفة بدمويتها املريعة عمق الوالءات القبلية و املناطقية في‬ ‫صنع الهويات السياسية في هذا اجلزء من العالم و أولويتها على ما كان ينافح‬ ‫عنه في االحتفاءات احلزبية و األبواق اإلعالمية الرسمية من انتماءات أيديولوجية و تبرز في ثنايا هذا الكتاب املهم مسيرة مدينة عدن كقصة فشل ذريع انحدرت‬ ‫و فكرية "حديثة"‪.‬‬ ‫فيها تلك املدينة العريقة بصورة مأساوية من "دبي محتملة" و ثاني أكبر ميناء في‬ ‫العالم في اخلمسينات إلى مدينة دون مستوى مدن العالم الثالث في زمننا الراهن‪،‬‬ ‫و يتمثل املوضوع الرئيس الثاني للكتاب في استقصاء العوامل البنيوية و البواعث بعد أن فعلت بها مغامرات"ماركسيي" اجلنوب و فساد "قبليي" الشمال أفاعيلها‪،‬‬ ‫الذاتية التي دفعت قادة اليمن الدميقراطية الى الذهاب نحو خيار الوحدة مع و التي تراوحت من اإلهمال سوء اإلدارة إلى النهب العشوائي منه‪ ‬و املنظم!‬ ‫اجلمهورية العربية اليمنية‪ ،‬و التي ميكن إجمالها ‪ ‬بأزمة إقتصادية حادة و تآكل‬ ‫مضاعف للشرعية على خلفية أحداث ‪ ،1986‬و تداعيات التغييرات التي دشنها يؤكد املؤلف مبوضوعية أن جمهورية اليمن الدميقراطية الشعبية "توفيت" نتيجة‬ ‫انتهاء احلرب الباردة على مجمل حتالفات موسكو اخلارجية و من ضمنها العالقة جلراح أغلبها ذاتية املصدر‪ ،‬وكتبت نفسها كدولة مخفقة (فاشلة)‪ .‬و في التحليل‬ ‫مع عدن‪ ،‬حيث لم يعد االحتاد السوفياتي ذلك احلليف الذي ميكن الركون إليه في النهائي‪ ،‬لم يكن نظامها السياسي متماسكا و قادرا على جتاوز احلقائق الصلبة‬ ‫امللمات‪.‬‬ ‫للمناطقية و القبلية في الشطر اجلنوبي من اليمن‪ .‬و لكن يبقى أن اإلرث املستمر‬ ‫لتجربة اليمن الدميقراطية كدولة مستقلة (و ليس كآيديولوجيا راديكالية) يتمثل‬ ‫و باالضافة الى كل ذلك‪ ،‬لعبت الصراعات الداخلية دورا في دفع بعض القيادات في في صياغة ما يسمى "الشخصية اجلنوبية" باعتبارها توجه ثقافي‪ -‬سياسي ميلك‬ ‫عدن إلى املراهنة على خيار الوحدة كحل حاسم لألزمات املتفاقمة في اجلنوب‪ ،‬و لم اليوم حضورا الميكن جتاهله و يجد أهم جتسيداته في تيار "احلراك اجلنوبي"‪ .‬‬ ‫يخل األمر من خداع ذاتي بقدرة اجلنوب "املتقدم" نسبة الى الشمال "املتخلف" في‬ ‫الهيمنة على مؤسسات دولة الوحدة‪ ،‬على الرغم من التفاوت الواضح في حجم‬ ‫شطري اليمن‪ .‬و شكل استكشاف التداعيات املستمرة ملسيرة اليمن الدميقراطية‬ ‫على مين اليوم املوضوع الرئيس الثالث للكتاب حيث يشير املؤلف إلى إمكانية مراجعة‪ :‬د‪ .‬أسعد صالح الشمالن‬ ‫معهد الدراسات الدبلوماسية ‪ -‬السعودية‬ ‫انبعاث دولة مستقلة في اجلنوب كاحتمال ال ميكن جتاهله‪.‬‬

‫و لقد عزز املؤلف جهده البحثي الرصني مبعلومات ملفتة هي أقرب الى النوادر‪ ،‬مثل‬ ‫تلك التي أفادت أن علي سالم البيض‪ ،‬رئيس اليمن الدميقراطية إبان محادثات الوحدة‬ ‫مع الشمال‪ ،‬هو من اقترح على رئيس اليمن الشمالي علي عبداهلل صالح و بصورة‬ ‫مفاجئة و بدون التنسيق مع القيادات السياسية أو احلزبية في عدن خالل رحلة‬ ‫بالسيارة مبفردهما ‪ ‬فكرة الوحدة االندماجية بديال عن الفديرالية أو الكونفديرالية‬ ‫كما كانت تذهب إليه النقاشات املؤطرة ملباحثات الوحدة بني البلدين في حينه‪.‬‬ ‫و كانت تلك من املفاجئات السارة لعلي عبداهلل صالح الذي تلقفها بحس سياسي‬ ‫تكتيكي بارع جاعال منها مدخال لوحدة مينية سيصفها الحقا البيض نفسه أنها‬ ‫كانت عملية "ضم" للجنوب إلى الشمال‪.‬‬

‫‪58‬‬



‫● اختيار احملرر‬

‫أﺳﻌﺎر اﳌﻮاد اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ ﺑﺤﻠﻮل اﻟﻌﺎم ‪2030‬‬

‫ﺗﺪﻋﻮ أوﻛﺴﻔﺎم إﱃ إﺟﺮاء إﺻﻼح ﺷﺎﻣﻞ ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﻐﺬايئ اﻟﻌﺎﳌﻲ‪ ،‬ﻣﺤﺬرة ﻣﻦ أن أﺳﻌﺎر ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻠﻊ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺳﺘﺘﻀﺎﻋﻒ‬ ‫ﺑﺤﻠﻮل اﻟﻌﺎم ‪ ،2030‬اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺆﺛﺮ ﺳﻠﺒﺎً ﻋﲆ اﻷﻛرث ﻓﻘﺮاً ﰲ اﻟﻌﺎمل‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻔﻘﻮن ﻧﺤﻮ ‪ %80‬ﻣﻦ دﺧﻠﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﻐﺬاء‬

‫‪400‬‬ ‫‪350‬‬ ‫‪300‬‬ ‫‪250‬‬ ‫‪200‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪100‬‬

‫‪ 27‬أﻳﺎر )ﻣﺎﻳﻮ(‪ 372.21 :‬دوﻻر‬ ‫اﻟﻘﻤﺢ‬ ‫دوﻻر أﻣرييك ﻟﻠﻄﻦ اﳌﱰي‬ ‫‪336.30 348.15‬‬ ‫‪306.53‬‬ ‫‪274.08‬‬ ‫‪270.23‬‬ ‫‪316.77‬‬ ‫‪326.55‬‬ ‫‪271.69‬‬ ‫‪246.25‬‬ ‫أﻛﱪ ﻣﺼﺪري اﻟﻘﻤﺢ ﰲ اﻟﻌﺎمل‬ ‫‪181.88‬‬ ‫ﻣﻼﻳني اﻷﻃﻨﺎن‬

‫‪10/2009‬‬ ‫اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة‬ ‫‪24.0‬‬ ‫اﻻﺗﺤﺎد اﻷورويب )‪(27‬‬ ‫‪22.1‬‬ ‫ﻛﻨﺪا‬ ‫‪19.0‬‬ ‫ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺳﻮد *‬ ‫‪36.7‬‬ ‫أﺳﱰاﻟﻴﺎ‬ ‫‪14.8‬‬ ‫اﻷرﺟﻨﺘني‬ ‫‪5.1‬‬

‫‪195.82‬‬ ‫‪157.67‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪0‬‬

‫أﻳﺎر ﺣﺰﻳﺮان متﻮز‬

‫اﳌﺼﺪر‪U.S. Wheat Associates :‬‬

‫آب‬

‫أﻳﻠﻮل ﺗﴩﻳﻦ ﺗﴩﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮن ﻛﺎﻧﻮن ﺷﺒﺎط آذار ﻧﻴﺴﺎن أﻳﺎر‬ ‫اﻷول اﻟﺜﺎين اﻷول اﻟﺜﺎين‬

‫‪2 0 1 0‬‬

‫* روﺳﻴﺎ‪ ،‬أوﻛﺮاﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻛﺎزاﺧﺴﺘﺎن‬

‫ولكن ذلك لن يحدث‪ ،‬بل إنه كلما أصبحت األرض واملياه أكثر ندرة‪ ،‬وكلما ارتفعت درجات‬ ‫حرارة األرض‪ ،‬وكلما تراجع األمن الغذائي بالعالم‪ ،‬سوف تظهر اخملاطر اجليوسياسية‬ ‫لندرة الغذاء‪ .‬إن االستحواذ على األرض‪ ،‬واالستحواذ على املياه وشراء احلبوب مباشرة من‬ ‫املزارعني في الدول املصدرة هي جزء أساسي في الوقت الراهن من صراع القوى العاملية‬ ‫على أمن الغذاء‪.‬‬ ‫وفي ظل انخفاض مخزونات احلبوب وتزايد التغيرات املناخية‪ ،‬تتزايد أيضا اخملاطر‪ .‬فقد‬ ‫أصبحنا على وشك التعرض ألزمة انهيار النظام الغذائي‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬ما الذي‬ ‫كان ميكن أن يحدث إذا ما تركزت موجة احلرارة في ‪ 2010‬في موسكو بدال من شيكاغو‪.‬‬ ‫في أرقام تقريبية‪ ،‬فإن انخفاضا بنسبة ‪ 40‬في املائة في احملصول الذي تأمل موسكو‬ ‫إنتاجه والذي يقدر بنحو ‪ 100‬مليون طن سوف يكلف العالم نحو ‪ 40‬مليون طن من‬ ‫احلبوب ولكن انخفاضا نسبته ‪ 40‬في املائة في محاصيل الواليات املتحدة‪ ،‬أكبر منتج‬ ‫للحبوب والتي تنتج نحو ‪ 400‬مليون طن سوف يكلفنا نحو ‪ 160‬مليون طن‪ .‬كما أن‬ ‫اخملزون العاملي من احلبوب (مقدار املتبقي عند بدء احلصاد اجلديد) سوف ينخفض إلى‬ ‫‪ 52‬يوما فقط من االستهالك‪ .‬ورمبا ال يكون ذلك املستوى هو فقط األقل ولكنه كان‬ ‫أيضا أقل من مخزون ‪ 62‬يوما في ‪ 2008 - 2007‬عندما تضاعفت أسعار احلبوب ثالثة‬ ‫أضعاف‪.‬‬ ‫ماذا إذن؟ ميكن أن حتدث فوضى في أسواق احلبوب العاملية‪ .‬وسوف ترتفع أسعار احلبوب‬ ‫‪56‬‬

‫‪11/2010‬‬ ‫‪34.7‬‬ ‫‪21.0‬‬ ‫‪17.5‬‬ ‫‪13.7‬‬ ‫‪13.5‬‬ ‫‪8.5‬‬

‫‪2 0 1 1‬‬

‫‪© GRAPHIC NEWS‬‬

‫على نحو كبير‪ .‬وسوف حتاول بعض الدول املصدرة للحبوب أن حتافظ على أسعار الغذاء‬ ‫احمللية ومن ثم سوف تضع قيودا أو متنع التصدير كما حدث في ‪ ،2007‬و‪ .2008‬وسوف‬ ‫يهيمن على شبكات األخبار ليس مئات احلرائق في األراضي الروسية ولكن أخبار الشغب‬ ‫الغذائي في الدول الفقيرة التي تستورد احلبوب وأخبار انهيار احلكومات إثر انتشار اجلوع‬ ‫وخروج األمور عن السيطرة‪ .‬ورمبا حتاول الدول املصدرة للبترول أن تقايض البترول باحلبوب‬ ‫ورمبا تخسر بالطبع الدول الفقيرة املستوردة للحبوب في تلك املنافسة‪ .‬وفي ظل سقوط‬ ‫احلكومات وانهيار الثقة في سوق احلبوب العاملية‪ ،‬رمبا يبدأ االقتصاد العاملي في السقوط‪.‬‬ ‫رمبا ال نكون دائما محظوظني‪ .‬والقضية اآلن هي هل يستطيع العالم أن يتجاوز التركيز‬ ‫على أعراض تراجع املوقف الغذائي ومعاجلة األسباب الدفينة أم ال؟ فإذا لم نستطع‬ ‫زيادة احملاصيل الزراعية مبياه أقل واحلفاظ على األراضي اخلصبة‪ ،‬سوف نخسر العديد من‬ ‫األراضي الزراعية‪ .‬وذلك يتجاوز إلى حد كبير الفالحني‪ .‬فإذا لم نكن نستطيع أن نتحرك‬ ‫بإيقاع سريع للغاية لكي نضمن استقرار املناخ‪ ،‬فرمبا ال نستطيع جتنب ارتفاع أسعار‬ ‫الغذاء‪ .‬وإذا لم نستطع اإلسراع في التوجه نحو األسر الصغيرة والعمل على استقرار‬ ‫سكان العالم في وقت قريب‪ ،‬فإن اجلوع سوف ميتد إلى املزيد من الصفوف‪ .‬إن وقت احلركة‬ ‫هو اآلن‪ ،‬وقبل أن تتحول أزمة الغذاء ‪ 2011‬إلى منط متكرر‪.‬‬ ‫* خاص بـ «اجمللة»‬ ‫نشر ألول مرة في «فورن بولسي» بتاريخ ‪ 25‬أبريل ‪2011‬‬


‫خطوة غير مسبوقة في ‪ 2008‬من شراء أو استئجار أراض في بلدان أخرى تزرع احلبوب‪.‬‬ ‫ومتت معظم عمليات االستحواذ على تلك األرض في أفريقيا؛ حيث استأجرت بعض‬ ‫احلكومات محصول األرض في مقابل أقل من دوالر أميركي لكل فدان سنويا‪ .‬ومن بني‬ ‫تلك املناطق األساسية كانت إثيوبيا والسودان وهي دول تعيش شعوبها على الغذاء‬ ‫الذي يوفره لها برنامج الغذاء العاملي التابع لألمم املتحدة‪ .‬ويعد استعداد حكومات‬ ‫هذين البلدين بيع األراضي للمصالح األجنبية في الوقت الذي تعاني فيه شعوبهما‬ ‫من اجلوع هو وصمة عار سوف تلتصق بهما‪.‬‬ ‫وبنهاية ‪ ،2009‬مت التفاوض على مئات من صفقات االستحواذ على األرض‪ ،‬كان بعضها‬ ‫يتجاوز املليون فدان‪ .‬فيذكر حتليل البنك الدولي ‪ 2010‬لعمليات االستحواذ على األرض‬ ‫تلك أن نحو ‪ 140‬مليون فدان مت استخدامها في تلك الصفقات ‪ -‬وهي املساحة التي‬ ‫تتجاوز احملاصيل اخملصصة للذرة والقمح معا في الواليات املتحدة‪ .‬وهناك عمليات‬ ‫استحواذ شبيهة حلقوق املياه مما يعني أن االستحواذ على األرض ميكن أن يؤثر على دول‬ ‫املصب أيضا‪ .‬فأي مياه يتم استخراجها من أعالي حوض نهر النيل لزراعة احملاصيل في‬ ‫أثيوبيا أو السودان‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬لن تصل إلى مصر وهو ما يغير سياسات املياه‬ ‫الدقيقة املتعلقة بنهر النيل من خالل إضافة دول جديدة يجب على مصر التفاوض‬ ‫معها‪ .‬وبذلك ترتفع احتمالية نشوب صراع ليس فقط على املياه‪ .‬فالعديد من صفقات‬ ‫االستحواذ على األراضي كان يتم عقدها سرا وفي معظم احلاالت كانت تلك األراضي‬ ‫يتم بيعها أو تأجيرها وهي رهن استخدام الفالحني احملليني بالفعل‪ .‬وفي أغلب األحيان‬ ‫لم يتم التشاور مع هؤالء الفالحني أو حتى إخبارهم بتلك االتفاقيات اجلديدة‪ .‬ونظرا‬ ‫ألنه في معظم احلاالت ال ميتلك الفالحون في تلك الدول النامية أوراق ملكية لألراضي‪،‬‬ ‫فإن الفالحني الذين يفقدون أراضيهم ليست لديهم فرصة كبيرة في رفع شكاواهم‬ ‫للمحاكم‪ .‬فيقول الصحافي جون فيدال الذي يكتب في «األوبزرفر» البريطانية نقال عن‬ ‫نيكاو أوكاال من منطقة غامبيال بأثيوبيا‪« :‬تصل الشركات األجنبية بأعداد كبير وحترم‬ ‫الناس من األراضي التي كانوا يستفيدون منها لعقود طويلة‪ .‬وليس هناك أي نوع من‬ ‫التشاور مع السكان احملليني‪ .‬فالصفقات يتم عقدها سرا‪ .‬فالشيء الوحيد الذي يراه‬ ‫احملليون هو مجيء جرارات كبيرة القتحام أراضيهم»‪.‬‬ ‫والقاعدة هي العداء احمللي لتلك العمليات من االستحواذ على األرض‪ .‬ففي عام ‪،2007‬‬ ‫وفي الوقت الذي بدأت فيه أسعار الغذاء في االرتفاع‪ ،‬وقعت الصني اتفاقية مع الفلبني‬ ‫الستئجار ‪ 2.5‬مليون فدان مخصصة لزراعة احملاصيل الغذائية والتي ميكن شحنها‪.‬‬ ‫ولكن عندما تسربت األنباء‪ ،‬أجبرت نداءات اجلماهير ‪ -‬معظمها من فالحي الفلبني ‪-‬‬ ‫مانيال على وقف االتفاق‪ .‬واجتاح الغضب نفسه مدغشقر‪ ،‬حيث كانت شركة كوريا‬ ‫اجلنوبية «دايو لإلمدادات» تسعى للحصول على حق استغالل أكثر من ‪ 3‬ماليني فدان‬ ‫من األراضي‪.‬‬ ‫وقد ساعد تسريب أخبار الصفقة على إثارة ضجة أطاحت باحلكومة وفرضت إلغاء‬ ‫االتفاقية‪ .‬وبالفعل‪ ،‬ال توجد سوى أشياء قليلة ميكنها أن تشعل التمرد بخالف‬ ‫االستحواذ على األراضي من أصحابها‪ .‬إن املعدات الزراعية ميكن بسهولة تخريبها‪ .‬كما‬ ‫أن احملاصيل الناضجة إذا ما مت تسليط الضوء عليها حتترق‪.‬‬ ‫فهذه الصفقات ليست فقط خطرة ولكن عندما يقوم املستثمرون األجانب بإنتاج‬ ‫الغذاء في بلد يعج باجلياع سيواجهون أزمة سياسية تتعلق بكيفية إخراجهم لذلك‬ ‫الغذاء‪ .‬فهل سيسمح الفالحون لشاحنات محملة باحلبوب بأن تتجه للموانئ وهم‬ ‫على حافة املوت جوعا؟ إن احتمالية االضطرابات السياسية في بلدان خسر فيها‬ ‫الفالحون أراضيهم ومصادر رزقهم مرتفعة للغاية‪ .‬كما ميكن أن تنشب النزاعات‬ ‫ببساطة بني املستثمرين والدول املضيفة‪.‬‬ ‫إن عمليات االستحواذ على األرض متثل استثمارا محتمال في الزراعة في الدول النامية‬ ‫مبا يقدر بنحو ‪ 50‬مليار دوالر‪ .‬ولكن رمبا يحتاج األمر إلى سنوات عديدة لتحقيق مكاسب‬ ‫مادية‪ .‬فما زالت ال توجد بنية حتتية عامة لزراعة موجهة للتجارة في معظم أرجاء‬ ‫أفريقيا‪ .‬وفي بعض البلدان‪ ،‬رمبا يحتاج األمر لسنوات لبناء الطرق واملوانئ الالزمة إلدخال‬ ‫املستلزمات الزراعية مثل األسمدة ولتصدير املنتجات‪ .‬وبخالف ذلك‪ ،‬تتطلب الزراعة‬ ‫احلديثة بنية حتتية خاصة‪ ،‬مخازن‪ ،‬معدات جتفيف احلبوب‪ ،‬مباني حفظ األعالف‪ ،‬ومباني‬ ‫تخزين األسمدة‪ ،‬ومنشآت تخزين الوقود‪ ،‬وإصالح املعدات وخدمات الصيانة‪ ،‬وآالت حفر‬ ‫اآلبار‪ ،‬ومضخات الري‪ ،‬والطاقة الالزمة إلدارة املضخات‪ .‬وإجماال‪ ،‬يبدو أن تطور األراضي‬ ‫التي مت االستحواذ عليها حتى اآلن يسير ببطء شديد‪.‬‬ ‫إذن إلى أي مدى سوف يزيد كل ذلك من اإلنتاج العاملي للغذاء؟ ال نعرف‪ ،‬ولكن حتليل‬ ‫البنك الدولي يشير إلى أن هناك ‪ 37‬في املائة فقط من املشاريع التي سوف يتم‬ ‫تخصيصها حملاصيل الغذاء‪ .‬وأن معظم األراضي التي مت شراؤها حتى اآلن سوف يتم‬ ‫استخدامها إلنتاج الوقود احليوي وغيرها من احملاصيل الصناعية‪.‬‬ ‫وحتى إذا ما جنحت بعض تلك املشاريع في النهاية من زيادة إنتاجية األرض‪ ،‬هل سيفيد‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫ذلك؟ إذا ما مت فعليا احلصول على املدخالت كافة ‪ -‬معدات الزراعة‪ ،‬واألسمدة‪ ،‬واملبيدات‬ ‫واحلبوب ‪ -‬من خارج البالد وإخراج احملصول الناجت بأكمله إلى خارج البالد‪ ،‬فإن ذلك لن يقدم‬ ‫أي إفادة القتصاد الدولة املضيفة‪ .‬وفي أحسن األحوال‪ ،‬رمبا يجد السكان احملليون عمال‬ ‫كعمال زراعيني ولكن في ظل عمليات مميكنة للغاية ستكون هناك فرص عمل قليلة‪.‬‬ ‫وفي أسوأ األحوال‪ ،‬لن يكون لدى الدول الفقيرة مثل موزمبيق والسودان أرض كافية أو‬ ‫مياه ميكن من خاللها أن تطعم سكانها الذين يعانون من اجلوع بالفعل‪ .‬وبالتالي فإن‬ ‫االستحواذ على األرض رمبا يساهم في إثارة االضطرابات أكثر من مساهمته في زيادة‬ ‫إنتاجية الغذاء‪.‬‬ ‫وميكن لذلك االنقسام احلاد بني الدول الغنية والفقيرة أن يصبح أكثر وضوحا وذلك في‬ ‫وقت قريب للغاية‪ .‬ففي يناير (كانون الثاني)‪ ،‬دخلت الدول املستوردة مرحلة جديدة في‬ ‫توفير الغذاء وذلك عندما أعلنت كوريا اجلنوبية والتي تستورد ‪ 70‬في املائة من احلبوب‬ ‫أنها سوف تنشئ هيئة عامة ‪ -‬خاصة ستكون مسؤولة عن تأمني جزء من احتياجاتها‬ ‫من احلبوب‪ .‬ومن خالل مكتب في شيكاغو‪ ،‬تعتمد اخلطة على جتنب الشركات التجارية‬ ‫الدولية الكبرى والشراء مباشرة من الفالحني األميركيني‪ .‬وفي إطار املساعي الكورية‬ ‫للحصول على صوامع غاللهم‪ ،‬رمبا يحاولون توقيع عقود متعددة املستويات مع الفالحني‬ ‫للموافقة على بيع كميات محددة من القمح‪ ،‬والذرة أو فول الصويا‪ ،‬بأسعار ثابتة‪.‬‬ ‫ولن تقف الدول املستوردة األخرى مكتوفة األيدي في الوقت الذي حتاول فيه كوريا اجلنوبية‬ ‫أن تضمن حصة من محصول احلبوب األميركي حتى قبل أن يصل إلى السوق‪ .‬فسرعان‬ ‫ما سينضم للكوريني‪ ،‬الصني‪ ،‬واليابان‪ ،‬واململكة العربية السعودية‪ ،‬وغيرها من الدول‬ ‫املستوردة‪ .‬وعلى الرغم من أن تركيز كوريا اجلنوبية األساسي كان على الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫أكبر مصدر للحبوب على مستوى العالم‪ ،‬وأكثرها بعدا‪ ،‬فإنها رمبا تفكر الحقا في عقد‬ ‫صفقات مع كندا‪ ،‬وأستراليا‪ ،‬واألرجنتني‪ ،‬وغيرها من كبار املصدرين‪ .‬وذلك يحدث في‬ ‫الوقت الذي رمبا تكون فيه الصني على مشارف دخول السوق األميركية كمستورد كبير‬ ‫للحبوب‪ .‬وفي إطار دخول املستهلك الصيني الثري (‪ 1.4‬مليار نسمة) في منافسة مع‬ ‫املستهلك األميركي على محصول احلبوب األميركي‪ ،‬رمبا ينتهي عهد الغذاء الرخيص‪،‬‬ ‫الذي كان ينظر إليه العديد من الناس باعتباره حقا أصيال لألميركيني‪.‬‬ ‫منافسة شرسة‬ ‫ال أحد يدري إلى أين ميكن أن تنتهي تلك املنافسة الشرسة على موارد الغذاء‪ ،‬ولكن يبدو‬ ‫أن العالم يبتعد عن التعاون الدولي الذي تطور عبر عدة عقود في أعقاب احلرب العاملية‬ ‫الثانية ويتجه صوب فلسفة كل دولة تسعى وراء مصاحلها اخلاصة‪ .‬رمبا تساعد وطنية‬ ‫الغذاء على تأمني موارد الغذاء للدول الغنية ولكنها ال تساعد في تعزيز األمن الغذائي‬ ‫العاملي‪ .‬ومن املرجح أن تشهد الدول ذات الدخل املنخفض التي يتم االستحواذ على‬ ‫أراضيها أو التي تورد احلبوب وضعها الغذائي وهو يتدهور‪.‬‬ ‫بعد مأساة احلربني العامليتني والعثرات االقتصادية التي أدت إلى الكساد الكبير‪ ،‬انضمت‬ ‫الدول معا في عام ‪ 1945‬لتأسيس األمم املتحدة‪ ،‬حيث أدركوا أخيرا أننا ال ميكننا أن نعيش‬ ‫منعزلني في العالم احلديث‪ .‬وقد مت تأسيس صندوق النقد الدولي للمساعدة على إدارة‬ ‫النظام املالي وتعزيز االستقرار االقتصادي والتقدم‪ .‬ومن خالل نظام األمم املتحدة‪ ،‬تلعب‬ ‫الهيئات املتخصصة من منظمة الصحة العاملية إلى منظمة األمم املتحدة لألغذية‬ ‫والزراعة (الفاو) دورا محوريا في العالم حاليا‪ .‬وكل ذلك عمل على تعزيز التعاون الدولي‪.‬‬ ‫ولكن في الوقت الذي تقوم فيه «الفاو» بجمع وحتليل البيانات الزراعية العاملية وتقدمي‬ ‫املساعدات الفنية‪ ،‬ليست هناك جهود منظمة لضمان كفاية موارد الغذاء العاملي‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬كانت معظم املفاوضات الدولية للتجارة الزراعية تركز حتى وقت قريب على‬ ‫الوصول إلى أسواق الواليات املتحدة وكندا وأستراليا واألرجنتني‪ ،‬والضغط باستمرار‬ ‫على أوروبا واليابان لفتح أسواقهما الزراعية احلصينة‪ .‬ولكن في العقد األول من‬ ‫هذا القرن‪ ،‬ظهر الوصول إلى املوارد باعتباره القضية األكثر أهمية فيما كان العالم‬ ‫ينتقل من عصر الفوائض الغذائية إلى سياسة جديدة تتمحور حول ندرة الغذاء‪ .‬وفي‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬مت استبدال برنامج املساعدة الغذائية األميركي الذي ساعد من قبل‬ ‫على مواجهة اجملاعة في املناطق املهددة‪ ،‬ببرنامج األمم املتحدة للغذاء العاملي التي تعد‬ ‫الواليات املتحدة هي أكبر املتبرعني به‪.‬‬ ‫إن برنامج الغذاء العاملي لديه اآلن أكبر عمليات للمساعدة الغذائية في نحو ‪ 70‬دولة‪،‬‬ ‫وموازنة سنوية بقيمة ‪ 4‬مليارات دوالر‪ .‬ولكن ليس هناك سوى تنسيق دولي محدود‪.‬‬ ‫وقد اقترح الرئيس الفرنسي نيكوال ساركوزي ‪ -‬الرئيس احلالي لقمة العشرين ‪ -‬معاجلة‬ ‫ارتفاع أسعار الغذاء من خالل احلد من املضاربات في أسواق املضاربة بالبضائع‪ .‬ورمبا‬ ‫تكون هذه فكرة نافعة‪ ،‬ولكنها تعالج أعراض االفتقار لألمن الغذائي املتزايدة وليس‬ ‫األسباب مثل النمو السكاني والتغير املناخي‪ .‬فالعالم يحتاج حاليا للتركيز ليس فقط‬ ‫على السياسة الزراعية ولكن على البنية التي جتعل تلك السياسة الزراعية تتكامل‬ ‫مع الطاقة‪ ،‬والسكان‪ ،‬وسياسات املياه‪ ،‬وهي العوامل التي تؤثر كل منها بشكل مباشر‬ ‫على أمن الغذاء‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫● اختيار احملرر‬

‫على حتويل احلبوب إلى وقود أن سعر احلبوب سوف يرتبط بسعر البترول‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإذا‬ ‫وصل سعر البترول إلى ‪ 150‬دوالرا للبرميل أو يزيد‪ ،‬فإن سعر احلبوب سوف يلحق به‬ ‫ارتفاعا‪ ،‬حيث يصبح حتويل احلبوب إلى بدائل للبترول أكثر إدرارا للربح‪ .‬وال تقتصر هذه‬ ‫الظاهرة فقط على الواليات املتحدة‪ ،‬فالبرازيل التي تقطر اإليثانول من قصب السكر‬ ‫تأتي في املرتبة الثانية في اإلنتاج بعد الواليات املتحدة‪ ،‬كما يحرم أيضا هدف االحتاد‬ ‫األوروبي باحلصول على ‪ 10‬في املائة من وقود النقل من الوقود املتجدد‪ ،‬خاصة الوقود‬ ‫احليوي بحلول عام ‪ 2020‬األرض من محاصيلها الغذائية‪.‬‬ ‫وهذه ليست فقط قصة الطلب املتزايد على الغذاء‪ .‬حيث إن كل شيء من انخفاض‬ ‫منسوب املياه إلى تآكل التربة وعواقب االحتباس احلراري العاملي‪ ،‬تعني أنه من املستبعد‬ ‫أن تلبي موارد الغذاء العاملية حاجات شهيتنا اجلماعية‪ .‬ولنأخذ التغير املناخي على‬ ‫سبيل املثال‪ :‬حيث يدرك خبراء علم البيئة أن في مقابل كل درجة مئوية ارتفاعا في‬ ‫درجة احلرارة فوق احلد األقصى للموسم‪ ،‬يجب على الفالحني أن يتوقعوا انخفاضا بنسبة‬ ‫‪ 10‬في املائة في عائدات احلبوب‪ .‬وكانت هذه العالقة متحققة متاما خالل موجة احلرارة‬ ‫في ‪ 2010‬في روسيا‪ ،‬والتي خفضت محصول احلبوب في البالد بنحو ‪ 40‬في املائة‪.‬‬ ‫وفيما ترتفع درجات احلرارة‪ ،‬ينخفض منسوب املياه حيث يزيد الفالحون من معدالت‬ ‫استخدامهم للمياه في الري‪ .‬وهو ما يزيد على نحو غير حقيقي‪ ،‬إنتاج الغذاء على املدى‬ ‫القصير‪ ،‬ويخلق فقاعة غذائية سوف تنفجر عندما تنضب الطبقات اجلوفية ويتقلص‬ ‫منسوب املياه‪ .‬ففي اململكة العربية السعودية‪ ،‬مكن الري البالد من االكتفاء الذاتي من‬ ‫القمح ملدة تزيد على العشرين عاما‪ ،‬واآلن ينهار إنتاج القمح‪ ،‬ألن الطبقات اجلوفية غير‬ ‫املتجددة التي تستخدمها البالد في الري تعرضت إلى حد كبير للنضوب‪ .‬وسرعان ما‬ ‫سوف يستورد السعوديون احلبوب التي يحتاجون إليها‪.‬‬ ‫فقاعات غذائية‬ ‫واململكة العربية السعودية ليست إال واحدة من ‪ 18‬دولة تعاني من فقاعة غذائية‬ ‫نظرا للمياه‪ .‬وإجماال‪ ،‬فإن ما يزيد عن نصف سكان العالم يعيشون في بلدان يتعرض‬ ‫منسوب املياه فيها للتضاؤل‪ .‬وتعد منطقة الشرق األوسط العربية التي تعاني من‬ ‫االضطرابات هي أول املناطق اجلغرافية التي يرتفع فيها إنتاج احلبوب‪ ،‬ثم ينخفض مرة‬ ‫أخرى نظرا لنقص املياه‪ ،‬في الوقت الذي ما زال فيها منو عدد السكان مستمرا‪ .‬حيث‬ ‫انخفض بالفعل إنتاج احلبوب في سوريا والعراق ورمبا ينخفض قريبا في اليمن‪ .‬ولكن‬ ‫كبرى الفقاعات الغذائية موجودة في الهند والصني‪.‬‬ ‫ففي الهند‪ ،‬التي قام فيها الفالحون بحفر نحو ‪ 20‬مليون بئر ري‪ ،‬انخفض منسوب املياه‬ ‫وبدأت اآلبار في اجلفاف‪ .‬فيذكر البنك الدولي أن ‪ 175‬مليون هندي يتغذون على حبوب‬ ‫متت زراعتها عبر اإلفراط في سحب املياه‪ .‬وفي الصني‪ ،‬يتمركز اإلفراط في سحب املياه‬ ‫في سهل الصني الشمالي الذي ينتج نصف قمح الصني وثلث الذرة‪ .‬حيث يتغذى حاليا‬ ‫نحو ‪ 130‬مليون صيني من خالل اإلفراط في سحب املياه‪ .‬فكيف ستعوض تلك الدول‬ ‫العجز احملتمل في املياه عندما جتف الصخور اجلوفية‪.‬‬ ‫في الوقت الذي نعمل فيه على جفاف آبارنا‪ ،‬نضر التربة ونخلق صحارى جديدة‪ .‬إن جتريف‬ ‫التربة كنتاج لإلفراط في حراثتها وسوء إدارة األرض يحد من إنتاجية ثلث محاصيل‬ ‫العالم‪ .‬ما مدى فداحة األمر؟ انظر إلى صور األقمار االصطناعية التي تظهر منطقتني‬ ‫جديدتني واسعتني للغاية من الصحراء‪ :‬أحداهما متتد عبر شمال وغرب الصني وغرب‬ ‫منغوليا‪ ،‬فيما متتد األخرى عبر وسط أفريقيا‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬يقول وانغ تاو‪ ،‬األكادميي املرموق املتخصص في الصحارى الصينية إن نحو‬ ‫‪ 1400‬ميل من األراضي في شمال الصني تتحول سنويا إلى صحارى‪ .‬وفي منغوليا‬ ‫وليسوتو‪ ،‬تقلصت محاصيل احلبوب إلى النصف أو أقل خالل العقود القليلة املاضية‪.‬‬ ‫كما تعاني أيضا كوريا الشمالية وهايتي من خسائر هائلة في التربة وتواجه كلتا‬ ‫الدولتني خطر اجملاعة إذا ما فقدت مساعدات الغذاء الدولية‪ .‬ميكن للحضارة املدنية أن‬ ‫تتجاوز عواقب خسارتها الحتياطي البترول ولكنها ال ميكن أن تتحمل نتائج خسارتها‬ ‫الحتياطي التربة‪.‬‬ ‫وبخالف التغيرات في البيئة التي جتعل من الصعب تلبية االحتياجات البشرية‪ ،‬هناك‬ ‫عامل مهم للغاية يجب أخذه في االعتبار‪ :‬خالل نصف القرن املاضي أو ما يزيد‪ ،‬كنا‬ ‫نعتبر التقدم الزراعي أمرا مسلما به‪ .‬وعقد تلو اآلخر‪ ،‬عزز التقدم التكنولوجي مساعي‬ ‫زيادة إنتاجية األرض بنجاح‪ .‬وبالفعل‪ ،‬أصبح محصول القمح العاملي ثالثة أضعافه في‬ ‫الفدان منذ عام ‪ .1950‬ولكن ذلك العصر على وشك النهاية في بعض الدول الزراعية‬ ‫األكثر تقدما التي يستخدم فيها الفالحون بالفعل التكنولوجيا املتاحة لزيادة احملاصيل‪.‬‬ ‫فعمليا متكن بعض الفالحني من اللحاق بالعلماء‪ .‬وبعد الزيادة املستمرة ملدة قرن تقريبا‪،‬‬ ‫توقفت زيادة إنتاجية القمح في الفدان متاما في اليابان ملدة ‪ 16‬عاما‪ .‬وفي الصني‪ ،‬رمبا‬ ‫تتقلص احملاصيل في وقت قريب‪ .‬ومتتلك هاتان الدولتان وحدهما ثلث محصول األرز‬ ‫العاملي‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬أصبح معدل إنتاج القمح ثابتا في دول مثل بريطانيا وفرنسا‬ ‫‪54‬‬

‫اﻟﻘﺤﻂ ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻳﻌ ّﺮض ‪ 10‬ﻣﻼﻳني ﺷﺨﺺ ﻟﻠﻤﺠﺎﻋﺔ‬

‫ﺗﻄﺎﻟﺐ وﻛﺎﻻت اﻹﻏﺎﺛﺔ مبﺴﺎﻋﺪات ﺗﺒﻠﻎ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﻼﻳني اﻟﺪوﻻرات ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺣﺎﻻت ﻃﻮارئ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺘﺰاﻳﺪة‬ ‫ﰲ اﻟﻘﺮن اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺼﻒ ﺑﺎﳌﻨﻄﻘﺔ أﺳﻮأ ﻣﻮﺟﺔ ﺟﻔﺎف ﻣﻨﺬ ‪ 60‬ﻋﺎﻣﺎً وارﺗﻔﺎع أﺳﻌﺎر اﳌﻮاد‬ ‫اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ أدى إﱃ ﺣﺎﺟﺔ ‪ 10‬ﻣﻼﻳني ﺷﺨﺺ ﻟﻠﻤﻌﻮﻧﺎت‬

‫إرﻳﱰﻳﺎ‬ ‫اﻟﺴﻮدان‬

‫ﺟﻴﺒﻮيت‬ ‫‪120.000‬‬

‫ﺟﻴﺒﻮيت‬ ‫أدﻳﺲ أﺑﺎﺑﺎ‬

‫اﻟﺼﻮﻣﺎل‬ ‫‪ 2.5‬ﻣﻠﻴﻮن‬

‫ﻋﺪد اﳌﻌﺮﺿني‬ ‫ﻟﻠﺨﻄﺮ‬ ‫وﺿﻊ اﳌﻮاد اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ‬ ‫متﻮز ‪ -‬أﻳﻠﻮل ‪2011‬‬ ‫ﻣﺠﻬﺪ‬ ‫ﻣﺘﺄزم‬ ‫ﻃﺎرئ‬

‫ﻣﺨﻴامت اﻟﻼﺟﺌني‬

‫إﺛﻴﻮﺑﻴﺎ‬ ‫‪ 3.2‬ﻣﻠﻴﻮن‬

‫ﺟﻨﻮب اﻟﺴﻮدان‬

‫ﻳﻨﺎل اﻹﺳﺘﻘﻼل ﰲ ‪ 9‬متﻮز‬

‫ﻣﻘﺪﻳﺸﻮ‬

‫ﻛﻴﻨﻴﺎ‬ ‫‪ 3.5‬ﻣﻠﻴﻮن‬

‫‪ 200‬ﻛﻠﻢ‬

‫ﻛﻤﺒﺎﻻ‬

‫ﻧريويب‬

‫داداب‬ ‫أﻣﻄﺎر ﰲ اﳌﻨﺎﻃﻖ‬ ‫اﻟﺮﻋﻮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻮﻣﺎل‬ ‫وﻛﻴﻨﻴﺎ وإﺛﻴﻮﺑﻴﺎ‪ ،‬وﰲ‬ ‫ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺤﺼﺎد‬ ‫ﰲ ﺟﻨﻮب ﴍق ﻛﻴﻨﻴﺎ‬

‫ﻣﻮﺳﻢ منﻮذﺟﻲ‬

‫ﻣﻮﺳﻢ ﻋﺠﺎف ﰲ اﳌﻨﺎﻃﻖ‬ ‫اﻟﺮﻋﻮﻳﺔ‪ .‬اﻟﺤﺼﺎد اﻟﺮﺋﻴﴘ‬ ‫ﰲ ﺟﻨﻮب ﴍق ﻛﻴﻨﻴﺎ‪.‬‬ ‫ﺣﺼﺎد ﺛﺎﻧﻮي ﰲ‬ ‫اﻟﺼﻮﻣﺎل‬

‫أﻣﻄﺎر رﺋﻴﺴﻴﺔ ﰲ إﺛﻴﻮﺑﻴﺎ‬ ‫واﻟﺼﻮﻣﺎل واﳌﻨﺎﻃﻖ‬ ‫اﻟﺮﻋﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﻴﻨﻴﺎ‪.‬‬ ‫أﻣﻄﺎر ﺛﺎﻧﻮﻳﺔ ﰲ ﺟﻨﻮب‬ ‫ﴍق ﻛﻴﻨﻴﺎ‬

‫أﻳﻠﻮل ﺗﴩﻳﻦ‪ 1‬ﺗﴩﻳﻦ‪ 2‬ﻛﺎﻧﻮن‪ 1‬ﻛﺎﻧﻮن‪ 2‬ﺷﺒﺎط‬ ‫ﻣﻮﺳﻢ ﻣﻄري ﻃﻮﻳﻞ‬ ‫ﻣﻮﺳﻢ ﻣﻄري ﻗﺼري‬ ‫واﺣﺪ ﻣﻦ أﻛرث اﳌﻮاﺳﻢ‬ ‫ﺟﻔﺎﻓﺎً أﻛرث ﻣﻦ أي وﻗﺖ‬ ‫ﻣﴣ‪ .‬ﻣﻮاﺳﻢ ﺟﺎﻓﺔ ﻟﻠﻤﺮة‬ ‫اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أو اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﲆ‬ ‫اﻟﺘﻮاﱄ ﰲ ﺑﻌﺾ اﳌﻨﺎﻃﻖ‪.‬‬ ‫ﻣﻌﺪل ﺗﻜﺎﺛﺮ اﳌﻮاﳾ‬ ‫ﺿﻌﻴﻒ ﺟﺪا‬ ‫اﳌﺼﺪر‪UN, OCHA :‬‬

‫أوﺿﺎع اﳌﻮاﳾ ﺗﺘﺤﻮل‬ ‫إﱃ أﺳﻮأ‪.‬‬ ‫ﻓﺸﻞ اﳌﺤﺎﺻﻴﻞ ﰲ‬ ‫اﻟﻘﺮن اﻟﴩﻗﻲ‪.‬‬ ‫ﺗﻔﺎﻗﻢ اﻟﻨﻘﺺ ﰲ اﳌﻮاد‬ ‫اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ ﰲ اﳌﻮﺳﻢ‬ ‫اﻟﻌﺠﺎف‬

‫ﺗﻨﺰاﻧﻴﺎ‬

‫رواﻧﺪا‬ ‫ﺑﻮروﻧﺪي‬

‫آذار‬

‫اﻟﺼﻮر‪ :‬ﺟﺘﻲ‬

‫أوﻏﻨﺪا‬ ‫‪600.000‬‬

‫اﻟﺤﺼﺎد اﻟﺮﺋﻴﴘ‬ ‫ﻟﻠﻤﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺰراﻋﻴﺔ‬ ‫ﰲ اﻟﺼﻮﻣﺎل‪.‬‬ ‫ﺣﺼﺎد ﺛﺎﻧﻮي ﰲ ﺟﻨﻮب‬ ‫ﴍق ﻛﻴﻨﻴﺎ‬

‫أﻳﺎر ﺣﺰﻳﺮان متﻮز‬ ‫ﻧﻴﺴﺎن‬ ‫ﻣﻮﺳﻢ ﺟﺎف‬ ‫ﻣﻮﺳﻢ ﻣﻄري رﺋﻴﴘ‬ ‫ﻗﺼري‬

‫ﻣﻌﺪل ﻫﻄﻮل اﻷﻣﻄﺎر‬ ‫ﰲ ﺑﻌﺾ اﳌﻨﺎﻃﻖ أﻗﻞ‬ ‫ﺑﻨﺴﺒﺔ ‪ %30‬ﻣﻦ اﳌﻌﺪل‬ ‫اﳌﺘﻮﺳﻂ‪ .‬اﻟﻮﻓﻴﺎت ﰲ اﻟرثوة‬ ‫اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ‪ %50-30‬ﰲ‬ ‫اﳌﻨﺎﻃﻖ اﻟﺮﻋﻮﻳﺔ ‪ -‬زﻳﺎدة‬ ‫‪ %60-40‬ﰲ اﳌﻨﺎﻃﻖ اﳌﺤﻠﻴﺔ‬

‫اﻟﺠﻔﺎف ‪2011-2010‬‬

‫ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ‬ ‫اﻟﻜﻮﻧﻐﻮ‬ ‫اﻟﺪميﻘﺮاﻃﻴﺔ‬

‫ﻣﻦ اﳌﺘﻮﻗﻊ أن ﻳﺘﺄﺧﺮ‬ ‫اﻟﺤﺼﺎد وأن ﻳﻜﻮن أﻗﻞ ﻣﻦ‬ ‫اﳌﻌﺘﺎد‪ .‬ﻓﺸﻞ اﳌﺤﺎﺻﻴﻞ‬ ‫ﰲ اﳌﻨﺎﻃﻖ اﻟﻬﺎﻣﺸﻴﺔ‬ ‫ﻣﺤﺘﻤﻞ‪ .‬أﺳﻌﺎر اﻟﺤﺒﻮب‬ ‫اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﺼﻞ إﱃ‪/‬ﺗﺘﺠﺎوز‬ ‫ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻗﻴﺎﺳﻴﺔ‬ ‫‪© GRAPHIC NEWS‬‬

‫وأملانيا‪ ،‬وهي أكبر ثالث دول أوروبية منتجة للقمح‪.‬‬ ‫في ذلك العصر من تقلص موارد الغذاء العاملي‪ ،‬حتولت القدرة على زراعة القمح لشكل‬ ‫جديد من أشكال الرافعة اجليوسياسية‪ ،‬حيث تسعى الدول لتأمني مصاحلها الضيقة‬ ‫على حساب املصالح املشتركة‪.‬‬ ‫منو الطلب العاملي‬ ‫لقد كانت أولى دالئل وجود مصاعب في ‪ ،2007‬عندما بدأ الفالحون يواجهون صعوبة‬ ‫في مواكبة منو الطلب العاملي على احلبوب‪ .‬كما بدأت أسعار حبوب الصويا واحلبوب في‬ ‫االرتفاع‪ ،‬حيث أصبحت ثالثة أضعاف في منتصف ‪ .2008‬وفي رد فعل على ذلك‪ ،‬حاولت‬ ‫العديد من الدول املصدرة السيطرة على ارتفاع أسعار الغذاء احمللي من خالل وضع قيود‬ ‫على الصادرات‪ .‬ومن بني تلك الدول كانت روسيا واألرجنتني أكبر مصدري القمح‪ .‬كما‬ ‫حظرت فيتنام‪ ،‬ثاني أكبر مصدر لألرز‪ ،‬التصدير متاما لعدة أشهر في بداية ‪ .2008‬وهو ما‬ ‫فعلته عدة دول صغيرة من مصدري احلبوب‪.‬‬ ‫وفي ظل وضع الدول املصدرة لقيود على التصدير في ‪ ،2007‬و‪ ،2008‬أصيبت الدول‬ ‫املستوردة بالرعب‪ .‬ونظرا ألنها أصبحت تشعر بأنها غير قادرة على االعتماد على السوق‬ ‫في توفير احتياجاتها من احلبوب‪ ،‬اتخذت العديد من الدول خطوة غير مسبوقة في‬ ‫التفاوض على اتفاقيات طويلة املدى الستيراد احلبوب مع الدول املصدرة‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬تفاوضت الفلبني على اتفاقية مدتها ثالثة أعوام مع فيتنام الستيراد ‪ 1.5‬مليون‬ ‫طن من األرز سنويا‪ .‬كما سافر وفد ميني إلى أستراليا بنفس الهدف ولكنهم لم يوفقوا‪.‬‬ ‫وفي سوق املبيعات‪ ،‬كان املصدرون مترددين في عقد التزامات بعيدة املدى‪.‬‬ ‫وخوفا من عدم قدرتهم على شراء احلبوب التي يحتاجون إليها من السوق‪ ،‬اتخذت‬ ‫بعض الدول الثرية‪ ،‬على رأسها اململكة العربية السعودية وكوريا اجلنوبية والصني‪،‬‬


‫العوامل اجليوسياسية اجلديدة للغذاء من الشرق األوسط إلى مدغشقر‬

‫أهال بكم في حروب‬ ‫القرن احلادي والعشرين‬ ‫في الواليات املتحدة‪ ،‬عندما ترتفع أسعار القمح بنسبة ‪ 75‬في املائة كما حدث خالل العام املاضي‪ ،‬فإن ذلك يعني الفارق بني رغيف اخلبز الذي يبلغ سعره‬ ‫دوالرين‪ ،‬ورغيف اخلبز الذي يبلغ سعره ‪ 2.10‬دوالر‪ .‬أما إذا كنت تعيش في نيودلهي‪ ،‬فإن هذا االرتفاع يشكل فارقا حقيقيا في األسعار‪.‬‬ ‫ل�سرت براون‬ ‫حيث إن تضاعف األسعار العاملية للقمح‪ ،‬يعني تضاعف سعر القمح الذي يطحن يدويا‬ ‫ويحول إلى دقيق لصنع خبز الشباتي‪ .‬والشيء نفسه ينطبق على األرز‪ .‬فإذا ما تضاعف‬ ‫السعر العاملي لألرز‪ ،‬يتضاعف سعر األرز في السوق احمللية جلاكارتا‪ .‬كذلك تكلفة طبق من‬ ‫األرز املسلوق في أحد املطاعم اإلندونيسية‪.‬‬ ‫أهال بكم في االقتصادات الغذائية اجلديدة لـ‪ :2011‬حيث ترتفع األسعار ولكن ذلك‬ ‫االرتفاع ال يؤثر على اجلميع بشكل متساو‪ ..‬فبالنسبة لألميركيني‪ ،‬الذين ينفقون أقل من‬ ‫عشر دخلهم في مراكز التسوق‪ ،‬يعد ارتفاع أسعار الغذاء الذي شهدناه خالل العام احلالي‬ ‫أمرا مزعجا‪ ،‬ولكنه ليس كارثة‪ .‬ولكن بالنسبة لفقراء الكوكب الذين يبلغ عددهم ملياري‬ ‫نسمة‪ ،‬والذين ينفقون نحو ‪ 50‬في املائة إلى ‪ 70‬في املائة من دخلهم على الغذاء‪ ،‬رمبا‬ ‫تعني تلك األسعار املرتفعة االنتقال من تناول وجبتني يوميا إلى تناول وجبة واحدة فقط‪.‬‬ ‫ويتعرض هؤالء الذين يتعلقون بأدنى مستويات السلم االقتصادي العاملي خلطر إفالت‬ ‫قبضتهم متاما‪ .‬وهو ما ميكن أن يساهم ــ وقد ساهم بالفعل ــ في الثورات واالضطرابات‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أنه في ‪ ،2011‬حقق مؤشر األمم املتحدة للغذاء العاملي معدال قياسيا يفوق‬ ‫معدله القياسي السابق؛ حيث ارتفع في مارس (آذار) ثمانية أشهر متتالية‪ .‬وفي إطار‬ ‫التوقعات بانخفاض احملاصيل خالل العام احلالي‪ ،‬وفي ظل تعرض احلكومات في الشرق‬ ‫األوسط وأفريقيا لألزمات إثر ارتفاع األسعار‪ ،‬وفي ظل تعرض األسواق لصدمة تلو األخرى‪،‬‬ ‫سرعان ما أصبح الغذاء هو العامل اخلفي وراء السياسة العاملية‪ .‬ومن املتوقع أن تصبح‬ ‫مثل تلك الكوارث أكثر شيوعا؛ حيث تبدو العوامل اجليوسياسية اجلديدة للغذاء أكثر‬ ‫تعرضا للخطر ــ وأكثر إثارة للجدل ــ من قبل‪ .‬فالندرة هي القاعدة اجلديدة‪.‬‬ ‫االستقرار السياسي‬ ‫وحتى وقت قريب‪ ،‬لم يكن الرتفاع أسعار الغذاء أهمية كبرى‪ ،‬ألنه سرعان ما كانت تعقبه‬ ‫عودة إلى مستوى األسعار املنخفض الذي ساعد على تشكيل االستقرار السياسي ملعظم‬ ‫أنحاء العالم في القرن العشرين‪ .‬ولكن األسباب والنتائج في الوقت الراهن مختلفة متاما‪.‬‬ ‫ففي كثير من اجلوانب‪ ،‬يعد ذلك استمرارا ألزمة الغذاء ‪ 2007‬ــ ‪ 2008‬التي تراجعت ليس‬ ‫ألن العالم تآزر على نحو ما حلل أزمة احلبوب بشكل نهائي‪ ،‬ولكن ألن الركود عمل على‬ ‫احلد من منو الطلب‪ ،‬كما ساعد املناخ املعتدل الفالحني على حصاد أفضل محاصيلهم‬ ‫على اإلطالق‪ .‬وتاريخيا‪ ،‬كان ارتفاع األسعار ينجم في أغلب األحوال عن سوء األحوال‬ ‫اجلوية؛ مثل تأخر هبوب الرياح املوسمية في الهند‪ ،‬أو موجات اجلفاف في االحتاد السوفياتي‬ ‫السابق‪ ،‬أو موجات ارتفاع درجات احلرارة في اإلقليم األوسط الشمالي الشرقي األميركي‪.‬‬ ‫وكانت مثل تلك الظروف تسبب إزعاجا ولكنها‪ ،‬حلسن احلظ‪ ،‬لم تكن دائمة التكرار‪.‬‬ ‫ولكن لسوء احلظ‪ ،‬ينجم ارتفاع األسعار في الوقت الراهن عن أسباب تعمل على زيادة‬ ‫الطلب وجتعل من الصعب زيادة اإلنتاج ومن بني تلك العوامل‪ :‬التزايد املتسارع لعدد‬ ‫السكان‪ ،‬وارتفاع درجات احلرارة الذي يفسد احملاصيل‪ ،‬وجفاف آبار الري‪ .‬فكل ليلة‪ ،‬هناك‬ ‫نحو ‪ 219‬ألف شخص إضافي ينضمون ملائدة العشاء العاملية‪.‬‬ ‫ولكن األكثر خطرا‪ ،‬هو أن العالم يفقد قدرته على معاجلة آثار ذلك العجز‪ .‬ففي رد الفعل‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫جتاه االرتفاع السابق في األسعار‪ ،‬متكنت الواليات املتحدة‪ ،‬أكبر منتج للحبوب في العالم‪،‬‬ ‫بفعالية من النأي بالعالم عن كارثة محتملة‪ .‬فمنذ أواسط القرن العشرين وحتى عام‬ ‫‪ ،1995‬كان لدى الواليات املتحدة إما فوائض في احلبوب أو أراض زراعية معطلة ميكن‬ ‫زراعتها لتوفير الغذاء للدول املتأزمة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬عندما تأخرت الرياح املوسمية‬ ‫عام ‪ ،1965‬شحنت إدارة الرئيس ليندون جونسون خمس محصول القمح األميركي إلى‬ ‫الهند‪ ،‬وهو ما جنح في حمايتها من اجملاعة‪ .‬ولكننا لم نعد نستطيع فعل ذلك اآلن‪ ،‬فلم‬ ‫يعد هناك وسادة أمان‪.‬‬ ‫وذلك هو ما يجعل أزمة الغذاء في ‪ 2011‬أزمة حقيقية‪ ،‬ويرجح أنها سوف جتلب معها‬ ‫املزيد من ثورات اخلبز والثورات السياسية‪ .‬فماذا إذا لم تكن األعمال التي أطاحت الطغاة‬ ‫من مثل زين العابدين بن علي في تونس‪ ،‬وحسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا‬ ‫(بلد تستورد ‪ 90‬في املائة من احلبوب) ليست نهاية القصة بل مجرد البداية؟ استعدوا‬ ‫أيها الفالحون ووزراء اخلارجية على حد سواء‪ ،‬لعصر جديد‪ ،‬تتشكل فيه السياسة الدولية‬ ‫وفقا لندرة الغذاء‪.‬‬ ‫لقد كان تضاعف األسعار العاملية للحبوب على مستوى العالم منذ بداية ‪ 2007‬نتاجا‬ ‫لعاملني أساسيني‪ :‬النمو املتسارع للطلب وصعوبة الزيادة السريعة لإلنتاج‪ .‬والنتيجة‬ ‫هي عالم يبدو مختلفا متاما عن اقتصاد فائض احلبوب العاملي في القرن املاضي‪ .‬فكيف‬ ‫ستبدو العوامل اجليوسياسية للغذاء في عالم جديد تهيمن عليه الندرة؟ حتى في تلك‬ ‫املرحلة املبكرة‪ ،‬ميكننا أن نرى على األقل اخلطوط العامة لالقتصاد اجلديد للغذاء‪.‬‬ ‫فمن ناحية الطلب‪ ،‬يواجه الفالحون حاليا أسبابا واضحة لتزايد الضغوط وأولها الزيادة‬ ‫السكانية‪ .‬فكل عام يصبح على فالحي العالم إطعام ‪ 80‬مليون شخص إضافي يعيش‬ ‫معظمهم في الدولة النامية‪ .‬فقد تضاعف عدد السكان تقريبا منذ عام ‪ 1970‬ومن‬ ‫املتوقع أن يصل إلى نحو ‪ 9‬مليارات في أواسط القرن املقبل‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬يحاول‬ ‫نحو ثالثة مليارات نسمة االرتقاء مبستوى تغذيتهم من خالل احلصول على اللحم واللنب‬ ‫والبيض‪ .‬فنظرا الرتقاء عدد كبير من األسر الصينية وغيرها من البلدان إلى الطبقة‬ ‫الوسطى‪ ،‬فإنهم أصبحوا يتوقعون احلصول على طعام أفضل‪ .‬كما أنه عندما يتزايد‬ ‫االستهالك العاملي للمواشي التي تستهلك احلبوب‪ ،‬يتزايد الطلب على الذرة وحبوب‬ ‫الصويا إلطعام تلك املواشي‪( ،‬على سبيل املثال‪ ،‬فإن استهالك الفرد للحبوب في الواليات‬ ‫املتحدة أربعة أضعاف االستهالك في الهند التي يتم حتويل قدر ضئيل فيها من احلبوب‬ ‫إلى بروتني حيواني حتى اآلن)‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬حتول حاليا الواليات املتحدة‪ ،‬التي كانت تعمل من قبل كمعامل أمان‬ ‫ضد أزمات انخفاض احملاصيل في كل مكان‪ ،‬كميات هائلة من احلبوب إلى وقود للسيارات‪،‬‬ ‫على الرغم من أن االستهالك العاملي للحبوب‪ ،‬الذي وصل بالفعل إلى ‪ 2.2‬مليار طن‬ ‫سنويا‪ ،‬يتزايد مبعدل متسارع‪ .‬فقبل عقد‪ ،‬كان االستهالك يتزايد مبعدل ‪ 20‬مليون طن‬ ‫سنويا‪ ،‬وتزايد مؤخرا ليصبح نحو ‪ 40‬مليون طن سنويا‪ .‬ولكن معدل حتويل الواليات‬ ‫املتحدة احلبوب إلى إيثانول تزايد مبعدالت أسرع‪ .‬ففي عام ‪ ،2010‬حصدت الواليات املتحدة‬ ‫ما يقرب من ‪ 400‬مليون طن من احلبوب حولت ‪ 126‬مليون طن منها إلى مقطرات‬ ‫وقود اإليثانول (ارتفعت من ‪ 16‬مليون طن عام ‪ .)2000‬وتعني تلك اإلمكانية الهائلة‬ ‫‪53 53‬‬


‫● اختيار احملرر‬

‫‪52‬‬



‫● الفن‬

‫جتربة فريدة في حدائق ماجوريل مبراكش‬

‫جمال بال تك ّلف‬

‫وسط صخب مراكش‪ ،‬هناك لؤلؤة تعمل كاستراحة لعابري السبيل‬ ‫الذين يرغبون في حلظات من السكينة‪ ،‬إنها حدائق ماجوريل التي‬ ‫متثل جتربة نباتية فريدة‪ .‬وعلى الرغم من أن تلك احلدائق من صنع‬ ‫اإلنسان فإنها مستوحاة متاما من الطبيعة من دون تكلف‪.‬‬ ‫نوام شيمل‬ ‫على الرغم من أن أزرق الكوبالت باهر فإن قوته ليست غامرة‪ ،‬بل إنها تأسرك‪،‬‬ ‫تسحبك إليها وتضفي عليك هدوءا وسكينة مطلقني‪.‬‬ ‫إن من زار منزل الفنانة فريدة خالو في مدينة املكسيك لديه ألفة بالظالل الداكنة‬ ‫لألزرق‪ .‬ولكن أزرق ماجوريل فريد‪ ،‬فهو يكاد يكون فسفوريا‪ ،‬مختلفا‪ ،‬استثنائيا‪،‬‬ ‫ومذهال في جماله وقدرته على التنومي املغناطيسي‪.‬‬ ‫تعد حدائق ماجوريل في مراكش واحة‪ ،‬معبدا من األلوان والنباتات واملياه‪ .‬فأنت متر‬ ‫بني بساتني اخليزران فور دخولك‪ ،‬ثم تسير إلى جانب الصبارات االستثنائية خالل‬ ‫جتوالك‪ ،‬حيث جتد أنواعا مختلفة من نباتات الصبار وهي تتجمع معا وتبدو وكأنها‬ ‫عائالت بأكملها تتكون من أب وأم وأطفال‪ .‬فهناك نباتات صبار صغيرة وأخرى ريانة‬ ‫وأخرى هائلة احلجم‪ .‬بعضها صغير احلجم واآلخر يصل ارتفاعه لنحو ‪ 30‬قدما‪.‬‬ ‫وميكن للمرء أن يستوحي من احلديقة أو يستسلم فقط لسحرها‪.‬‬ ‫ويعد التناقض املوجود في احلديقة جزءا من متيزها (نخل وخيزران هائل احلجم إلى‬ ‫جانب زهور ونباتات دانية من األرض)‪ ،‬كما تنتصب األواني الصفراء والبرتقالية إلى‬ ‫جانب لون األرض والظالل اخملتلفة لألخضر املوجودة في احلديقة‪.‬‬ ‫وإذا ما سمحت لنفسك بالتيه في احلديقة – تاركا نفسك لها ‪ -‬سوف تكتشف‬ ‫معنى سيرياليا للسالم والسكينة‪ ،‬بني السالحف بطيئة احلركة وسمك الشبوط‬ ‫سريع القفز‪ ،‬وزهور الفرانغيباني واجلهنمية املبهجتني‪ .‬ميكن للمرء أن يقضي ساعات‬

‫‪50‬‬

‫عدة هناك‪ ،‬يجلس على أحد املقاعد يحاول اغتنام ذلك اجلمال‪ .‬فيتحرك زوار احلدائق‬ ‫ببطء وهم مستغرقون وحاملون‪ .‬تستطيع تلك احلدائق ممارسة سحرها دون احلاجة‬ ‫لكثير من القوانني والضوابط‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الرحيل هو اجلزء األصعب في تلك الرحلة‪ ،‬فإنك حتمل معك‬ ‫املاجوريل الذي يغمرك بالسالم والسكينة لباقي اليوم‪.‬‬ ‫ميكنك االستمتاع بها واصطحابها إلى أكثر املناطق صخبا‪ ،‬في املدينة‪ ،‬وفي األسواق‪،‬‬ ‫وإلى مركز ميدان جامع الفنا بضجيجه وحكائيه وسحرة األفاعي‪.‬‬ ‫وعلى أية حال‪ ،‬لن يغادرك اللون األزرق‪ ،‬واإلحساس األثيري املفارق لذلك املكان بكماله‬ ‫وجالله‪ ،‬على الرغم من أن ذلك النظام البيئي من صنيعة اإلنسان‪ ،‬فإنه يحمل روح‬ ‫الطبيعة ويأتي مغايرا لنمط احلدائق منمقة التصميم التي تراها في إجنلترا وفرنسا‪.‬‬ ‫ويعمل في خدمة ماجوريل عدد كبير من العاملني غير املقتحمني خلصوصية‬ ‫الزائرين‪ .‬وعلى الرغم من أنها ليست صنيعة برية في تنوعها وتناقضاتها فإنها‬ ‫تعكس التنوع البيئي وقدرة الطبيعة على حترير الروح اإلنسانية‪.‬‬ ‫إنه فضاء يغوي‪ ،‬خادع وهادئ‪ .‬لقد صمم حدائق ماجوريل الرسام الفرنسي جاك‬ ‫ماجوريل الذي استقر في مراكش في العشرينيات من القرن املاضي‪ .‬فقد حصل‬ ‫على منزل حتول الحقا ألراضي تلك احلدائق‪ .‬في عام ‪ 1947‬فتحت احلدائق للجمهور‪.‬‬ ‫في عام ‪ 1980‬اشترى بيير بيرغ وإيف سان لوران احلدائق وجدداها‪ .‬ويعود الفضل‬ ‫إلى عمليات إعادة جتديد احلدائق فيما أصبحت عليه احلدائق اآلن بينابيعها املترقرقة‬ ‫وحمامات املياه والتيارات ذات املسارات املصممة بعناية خلف خليط من النباتات‬ ‫واألشجار‪.‬‬ ‫وتعد احلدائق اآلن منطقة خدمات عامة تدار لصالح اجلماهير وفقا لرغبة سان لوران‬ ‫الذي كان يتحدث بحب عن عشقه للمغرب‪ ،‬الذي علمه الضوء واللون والذي أصبح‬ ‫موطنا مميزا له سواء على املستوى األدبي أو الروحي‪.‬‬ ‫وميكن مشاهدة نباتات من خمس قارات في تلك احلدائق كما أنها تستضيف متحف‬ ‫الفن اإلسالمي الذي يحوي املنتجات التي متثل ثقافة املغرب والثقافة اإلسالمية‬ ‫بصفة عامة‪ .‬إن تلك احلدائق هي منتج من احلب‪ ..‬للطبيعة‪ ،‬للون‪ ،‬للجمال‪ ،‬للمغرب‪،‬‬ ‫وفوق كل ذلك‪ ،‬للحياة‪.‬‬ ‫نوام شيمل ‪ -‬باحث يعيش بلندن‪ ،‬وناشط في مجال حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫جوليت هيغت ‪ -‬كاتبة ومصورة متخصصة في التراث والثقافة املعاصرة في الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬تعمل حاليا على تأليف كتابها الثاني «تصميم عمان»‪ ،‬بعد أن نشرت‬ ‫كتابها األول «اللبان‪ :‬هدية عمان إلى العالم» عام ‪.2006‬‬



‫● الفن‬

‫لقد أطلقت عليها «انعكاسات» ألنها تعكس ماهيتي‪ ،‬وتعكس خلفيتي ومن أين‬ ‫أتيت كما تعكس أيضا ماهيتي في تلك اللحظة‪ .‬ونظرا ألنها مقطوعة مرجتلة فقد‬ ‫الحظت مع مرور السنوات أنني أغير أيضا من الطريقة التي أؤديها بها‪ .‬وأدركت أنه على‬ ‫الرغم من أنني أمتلك بعض القيم العاملية‪ ،‬والقيم الثقافية نظرا ملعرفتي باملوسيقى‬ ‫الكالسيكية فإنني أعبر عن نفسي على نحو أفضل من خالل موسيقاي ألنك عندما‬ ‫تؤدي باخ فإنك ترغب في التعبير عما كان يشعر به ولكن عندما تؤدي أحلانك فأنت حر‬ ‫متاما وتعبر عن نفسك‪ .‬وبعدما أصبح لدي ذلك التسجيل وبعزف تلك املوسيقى أشعر‬ ‫أنها قد ساعدتني أيضا على حترير نفسي ومشاعري وأن أصبح ما أنا عليه حقا بدال من‬ ‫التفكير في ماهيتي ومحاولة االنتساب لثقافة محددة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل ميكنك أن تخبريني مبا شعرت به عندما كنت تعدين ذلك األلبوم ‪-‬‬ ‫عندما ألفت تلك املقطوعات وعزفتها؟‬ ‫ يجب أن أقول إنني في الوقت الراهن أشعر بعواطف غامرة عندما أستمع لذلك‬‫النوع من املوسيقى والذي أقر بأنه لم يكن احلال قبل خمس أو ست سنوات وال‬ ‫أعرف ماهية ما حدث حقا‪ .‬فأنا أحاول أن أجد‪ ،‬رمبا أن أجد التوازن‪ .‬فألنني نشأت في بيئة‬ ‫تعج باملوسيقى الكالسيكية متاما‪ ،‬فمنذ كان عمري عامني ونحن ال نستمع في بيتنا‬ ‫سوى إلى املوسيقى الكالسيكية وبالتالي فرمبا حتى عمر ‪ 20‬أو ‪ 25‬كنت نتاجا للثقافة‬ ‫الغربية‪ ،‬خلفيات موسيقية أملانية وروسية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬كان ذلك كل ما لدي‪ .‬وبالطبع في‬ ‫مكان ما في عقلي كانت هناك بعض املوسيقى التقليدية ولكنها لم تكن تؤثر علي‬ ‫ولم أشعر بأنني أنتمي إليها على نحو خاص إال قبل عدة أعوام عندما بدأت إعادة‬ ‫تقييمها‪ ،‬وبدأت االستماع‪ .‬وعلى الرغم من غرابة ذلك‪ ،‬فإن االبتعاد عن ثقافتي جعلني‬ ‫فعليا أرتبط بها أكثر‪ .‬وأعتقد أن ذلك األلبوم‪ ،‬على نحو ما‪ ،‬هو تعبير عن تلك الروابط‬ ‫املكتشفة حديثا‪ .‬وكانت هناك بعض األحلان ‪ -‬اثنان أو ثالثة منها ‪ -‬املرجتلة حيث أنتجتها‬ ‫مباشرة في األستوديو‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما تلك األحلان؟‬ ‫ إنهما حلنان إضافيان‪ .‬والقصة هي أننا أعطينا فترة راحة لباقي املوسيقيني ثم قلنا‬‫أنا وصديقي املقرب‪ ،‬عازف الكالرينت‪ ،‬كنان العظمة‪ ،‬حسنا ميكننا أن نعزف شيئا‬ ‫إضافيا فقط نحن االثنان ولكن امليكروفون كان ما زال في االستوديو – وكان مهندسو‬ ‫الصوت قد ذهبوا لتناول الغذاء ‪ -‬ثم خرجنا بهاتني املقطوعتني القصيرتني‪ .‬وبعد ذلك‪،‬‬ ‫وعندما استمعنا لهما أدركت أن ذلك هو متاما ما كنت أسعى إليه ‪ -‬االنتقال بني األحلان‬ ‫خللق جسر للتواصل بينها جميعا‪ .‬وقد تخيلت دائما «إزاحة الستار» باعتباره رحلة‬ ‫واحدة طويلة وليس مجموعة من األحلان املنفصلة وقد أصبحت تلك األحلان القصيرة‬ ‫هي همزة الوصل‪.‬‬ ‫إنها جتربة أيضا‪ ،‬بعضها حدث في االستوديو‪ .‬حيث يعتمد اللحن الذي حتدثت عنه من‬ ‫قبل «ساري غلني» على أغنية أذربيجانية تقليدية‪ ،‬ومت تسجيله في مرة واحدة في مدة‬ ‫من ‪ 12 - 10‬دقيقة‪ .‬وبالنسبة لي‪ ،‬كانت تلك هي أكثر األحلان أهمية ‪ -‬فقد كنت‬ ‫سعيدة أن اثنني أو ثالثا من تلك املقطوعات في األلبوم جاءت على نحو عفوي‪ .‬ومما ال‬ ‫شك فيه أنني أشعر باإلثارة‪ .‬وأشعر بالسعادة من أنني أستطيع املوازنة بني خلفيتي‬ ‫الكالسيكية وخلفيتي التقليدية‪ .‬ولم يكن الهدف أن أنتج ألبوما من املوسيقى‬ ‫التقليدية بل كان الهدف هو إظهار التوازن وأن أرى كيف ميكن أن يتواصل أناس من‬ ‫خلفيات ثقافية وموسيقية مختلفة في ألبوم مثل ذلك‪ ،‬وهو ما يقودني إلى موضوع‬ ‫بحثي‪.‬‬ ‫وبخالف احلديث حول كيفية تعزيز العالقات الدولية عبر الدبلوماسية الثقافية من خالل‬ ‫أدوات املوسيقى والفن فإنني أفكر أيضا كيف ميكن مقارنة اجلمع بني موسيقيني من‬ ‫خلفيات ثقافية وموسيقية مختلفة وبني عملية التفاوض الدولي‪ .‬أساسا‪ ،‬وفي كلتا‬ ‫احلالتني‪ ،‬يجب عليك أن حتل شيئا ما‪ .‬ففي احلالة األولى عليك ممارسة عملية من‬ ‫التناغم‪ ،‬وفي احلالة األخرى‪ ،‬عليك معاجلة بعض املشكالت‪ .‬وأنا فعليا أحاول أن أعقد‬ ‫املقارنة بني االثنني في بحثي وأن أظهر أوجه التشابه أو إذا ما كان كال اجلانبني ميكن أن‬ ‫يتعلموا فعليا ويفيدوا من جتارب بعضهم البعض‪.‬‬ ‫ال أريد أن أبدو منطية‪ ،‬ولكنني أعتقد أنه من املمكن استخدام كال األسلوبني‪ ،‬كما أنه من‬ ‫املمكن حتى بالنسبة للدبلوماسية التقليدية أن تضع في اعتبارها بعض هذه األشياء‬ ‫وأن تنظر إلى الدبلوماسية الناعمة والقوى الناعمة واستخدامها على نحو أوسع‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬أخذا في االعتبار رد الفعل اإليجابي التي تلقيته حتى اآلن‪ ،‬ما هي األمثلة‬ ‫احلقيقية التي ميكن أن تذكريها والتي تعتقدين أنك سوف تشاركني فيها؟ فهل‬ ‫مثال سوف تقومني بدعوة موسيقيني من كال الطرفني لكي يعزفوا معا قبل إجراء‬ ‫احلوار الرسمي؟‬ ‫ بالطبع‪ ،‬ذلك هو أحد املسارات‪ .‬وميكنني أن أقول إن نحو ‪ 99.9‬في املائة من‬‫السياسيني الذين حتدثت إليهم كانوا مشجعني للغاية‪ .‬وحتى هؤالء الذين كانوا‬ ‫متشككني بعض الشيء‪ ،‬رحبوا بالفكرة أيضا وإن لم يكونوا بنفس القدر من االنفتاح‬ ‫جتاه مثل تلك املقاربات‪ .‬ولكن بخالف ذلك‪ ،‬كانت هناك مناذج عديدة في كل مكان‬ ‫‪48‬‬

‫عزفت فيه خالل اخلمسة أعوام املاضية‪ ،‬وكثيرا ما كانت تتم دعوتي للعزف في مثل‬ ‫تلك احلاالت‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬عزفت في مؤمتر في ليختنشتاين اجتمع فيه أكادمييون‬ ‫وباحثون من مجال الدبلوماسية ومن جامعات مختلفة حول العالم للحديث حول‬ ‫النزاعات املستمرة – إيران والشرق األوسط‪ .‬كما أنني حتدثت قليال حول األسباب وراء‬ ‫أدائي وكانوا منبهرين بالفكرة‪.‬‬ ‫وقبل عدة سنوات كانت هناك حلقة نقاشية حول النزاع اإليراني ولم يكن اإليرانيون‬ ‫واألميركيون يتحدثون معا‪ .‬ثم كانوا جميعا مدعوين لالستماع إلى عزفي وعلى‬ ‫نحو غريب‪ ،‬أتوا جميعا وكانوا سعداء للغاية‪ .‬وقد عزفت بعض موسيقى اخللفية‬ ‫الكالسيكية وعزفت موسيقى كالسيكية وبعض املوسيقى الشرقية‪ .‬ورمبا ألنني‬ ‫خبرت العيش مع ثقافات مختلفة ميكنني أن أعود إلى معظمها‪ .‬ثم بعد العزف أجد‬ ‫نفسي أحتدث إلى كال اجلانبني ألجد أن كليهما يتحدث بسعادة حول الفنون واملوسيقى‬ ‫وقد أعطاني ذلك حقا اليقني بشأن إمكانية حتقيق ذلك‪ .‬ومن األمثلة األخرى‪ ،‬عندما‬ ‫حتدثت مع دبلوماسي منساوي مرموق أخبرني أنه عندما كان يعمل في واشنطن‪ ،‬كانوا‬ ‫يحاولون التواصل مع دبلوماسي أميركي نافذ دون جدوى‪ .‬وعندما اكتشفوا أنه يحب‬ ‫األوبرا منحوه تذكرة إلى أوبرا فيينا التي يتم عرضها في واشنطن وقد ذهب حلضور‬ ‫العرض‪ .‬وكانت تلك هي الطريقة التي متكنوا عبرها من بدء التواصل معه مما أسفر‬ ‫عن املزيد من االجتماعات‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما الذي تأملني في حتقيقه كموسيقية وخاصة كموسيقية أذربيجانية؟‬ ‫ أحب أن أقوم بثالثة أشياء رئيسية في حياتي‪ .‬بالطبع العزف ولكنني الحظت مع مرور‬‫السنوات أن العزف فقط ليس عمال إبداعيا كافيا بالنسبة لي‪ .‬فأنا أحب أن أستخدم‬ ‫أيضا قدراتي األخرى على سبيل املثال كباحثة‪ .‬ورمبا أقوم بالتدريس‪ .‬كما ميكنني أيضا‬ ‫العزف والعمل كدبلوماسية ثقافية وهو ما أفعله حاليا‪ ،‬فأنا عضو مبجلس إدارة اجلالية‬ ‫األذربيجانية األوروبية التي يقع مقرها في لندن‪ .‬ونحن نحاول عبرها تعزيز الثقافة‬ ‫األذربيجانية والعالقة بني أذربيجان واململكة املتحدة أو أوروبا بالوسائل الثقافية والتي‬ ‫تعد مسؤوليتي‪ .‬كما أنني عضو في البرملان الثقافي األوروبي‪ ،‬وهو منتدى للمختصني‬ ‫بالثقافة من كافة أنحاء أوروبا حيث جنتمع ملناقشة قضايا معينة وسياسات ثقافية‬ ‫ونأتي بتوصيات نقدمها للبرملان األوروبي‪ .‬إنه شيء عظيم‪ ،‬وأنا حقا أستمتع به‪ ،‬والتالي‪،‬‬ ‫فإنك تدرك بعد فترة أنك نضجت وأنك تفهم أنك عندما تعزف فذلك أمر ولكن عندما‬ ‫ترى أيضا أشياء أخرى حتدث نظرا ملا قمت به أو نظرا لتجربتك تشعر باالمتنان الشديد‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬وطوال املدة التي كنت أعزف بها جاء إلي العديد من الناس بعد‬ ‫احلفل وقالوا‪« :‬لم نكن نعرف أي شيء حول أذربيجان‪ ،‬أو حول ثقافتها‪ .‬أما اآلن فقد‬ ‫أصبح لدينا انطباع عنها»‪ .‬وبالنسبة لي ذلك أفضل شيء‪ .‬فعندما أفكر في أصدقائي‪،‬‬ ‫أجد أنهم يرتبطون في ذهني بدول معينة وعندما تفكر في دولة معينة ال تفكر في‬ ‫سياستها أو في دبلوماسيتها ولكنك تفكر في ثقافتها‪ .‬فيخطر على بالك الطعام‬ ‫والفن واملوسيقى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإنني أعتقد أننا إذا ما فكرنا في األمر أكثر من ذلك واستمر‬ ‫بنا احلال في تزويد دولنا بالوسائل الثقافية فإن ذلك أفضل ما ميكننا عمله‪.‬‬ ‫أشعر بالسعادة وبأنني محظوظة ألنني في هذا اجملال‪ ،‬وألنني قادرة على استخدام‬ ‫الفنون والثقافة كوسيلة للتواصل مع مستويات اجتماعية مختلفة‪ .‬ما الذي أرغب في‬ ‫عمله في املستقبل؟ حسنا‪ ،‬ال أرغب في عمل شيء مختلف على نحو جذري‪ .‬أحب أن‬ ‫أستمر فيما أقوم به حاليا رمبا أكثر قليال أو التوسع إقليميا ودوليا نظرا ألنني أعتقد أن‬ ‫الثقافة ال يجب أن تكون لها حدود وكما قال مهامتا غاندي من قبل‪« :‬ال ميكن لثقافة أن‬ ‫تعيش إذا ما حاولت أن تكون حصرية»‪.‬‬ ‫حوار أجرته جاكلني شوين‬ ‫* ميكنك االستماع إلى ألبوم سابينا راكشيفا على موقعها اإللكتروني ‪www.‬‬ ‫‪sabinarakcheyeva.com‬‬


‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫‪47‬‬


‫● الفن‬

‫رشيقة وأنيقة ومذهلة‪ ..‬سابينا راكشيفا من باكو الى نيويورك‬

‫عازفة الكمان‬

‫ميكن أن نذكر الكثير حول السيدة راكشيفا‪ ،‬ولكن األكثر أهمية هو اهتمامها باستغالل املوسيقى إلقامة حوار‪ ،‬بخاصة في مجال الدبلوماسية‬ ‫والعالقات بني القوميات اخملتلفة‪ .‬فقد منحها جناحها فرصة العزف أمام السياسيني والشخصيات العامة‪ ،‬الذين احتفى العديد منهم بها‬ ‫نظرا ألدائها البارع‪ .‬أجرت «اجمللة» حوارا مع راكشيفا حول أول ألبوم لها «إزاحة الستار» واألدوار التي متارسها‪ ،‬املوسيقية والدبلوماسية‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى البحث الذي جتريه حاليا بكلية الدراسات الشرقية واألفريقية بجامعة لندن‪.‬‬ ‫جاكلني شوين‬ ‫منذ أعد موتسارت وبيتهوفن وهايدن أعماال تعتمد على الـ أوال تورسا (منط موسيقى‬ ‫تركي) في القرن الثامن عشر‪ ،‬ثم بعد ذلك بأقل من قرن «مسيرة فارسية» جلون‬ ‫ستراوس‪ ،‬أصبحت محاوالت املزج بني املوسيقى الغربية واألمناط الشرقية التقليدية‬ ‫مسارا تقليديا للموسيقيني وامللحنني في جميع أنحاء العالم‪ .‬وفي الوقت نفسه متثل‬ ‫عملية املزج بني منطني أو أكثر إلنتاج عمل جديد متكامل ال يخل في الوقت نفسه‬ ‫مبالمح أي من هذه األمناط في احلد األدنى حتديا‪ .‬ومما ال شك فيه أنه ال يوجد سوى عدد‬ ‫قليل يستطيع نشر البهجة خارج جدران قاعات احلفالت املوسيقية‪ .‬ومما ال شك فيه‪،‬‬ ‫أن سابينا راكشيفا تعد من بني املوسيقيني الذين لديهم مستقبل طويل ومثمر في‬ ‫عملية التطوير املستمرة لهذا النمط املوسيقي‪.‬‬ ‫رشيقة‪ ،‬أنيقة‪ ،‬ومذهلة‪ ،‬إنها راكشيفا عازفة الكمان البارعة التي اشتهرت باألداء‬ ‫العاطفي املتحمس في أكثر من ‪ 40‬دولة غالبا حتت رعاية موسيقار عاملي شهير مثل‬ ‫جيمس ليفني‪ ،‬وزوبني مهتا‪ ،‬ويوري متركانوف‪ .‬نشأت راكشيفا التي تنحدر أساسا من‬ ‫باكو في بيئة تعج باملوسيقى الكالسيكية خالل الفترة السوفياتية وقضت معظم‬ ‫سنوات تكوينها كموسيقية في الواليات املتحدة حيث كانت تدرس في كلية جوليارد‬ ‫في نيويورك ‪ -‬وكانت أول امرأة من أذريبجان يتم قبولها‪.‬‬ ‫وميكن أن نقول الكثير حول السيدة راكشيفا ولكن األكثر أهمية هو اهتمامها‬ ‫باستخدام املوسيقى في إقامة حوار‪ ،‬خاصة في مجال الدبلوماسية‪ .‬وقد منحها جناحها‬ ‫كموسيقية الفرصة لألداء أمام السياسيني والشخصيات العامة الذين احتفى العديد‬ ‫منهم بأدائها نظرا لبراعتها وألدائها املتنوع‪ .‬وفي العديد من األحوال‪ ،‬كان يتم دعوتها‬ ‫عندما يكون هناك دبلوماسيون من خلفيات ثقافية مختلفة كما أنها تشتهر بنشر‬ ‫السكينة بني الغرباء املتشككني وجذبهم للحوار‪ .‬وقد دفعها الكثير من التشجيع‬ ‫ودراستها املستمرة لألمناط اخملتلفة إلى توجيه جهودها إلى ذلك املسار‪ ،‬مما دفعها إلى‬ ‫كلية الدراسات الشرقية واألفريقية بجامعة لندن حيث كانت تدرس إمكانية استخدام‬ ‫اإلدارة اجلماعية لألداء املوسيقى كأداة دبلوماسية ثقافية‪.‬‬ ‫ويعد األلبوم الذي أصدرته أخيرا «إزاحة الستار» منوذجا مدهشا لتلك اجلهود‪ .‬ويقدم‬ ‫األلبوم الذي يشتمل على ستة من املوسيقيني – راكشيفا‪ ،‬كنان العظمة على‬ ‫الكالرينت وعتاب حداد على العود‪ ،‬ومات ريدلي على الكمان األجهر (الدابل باس)‬ ‫وفاسيليس ساركيس على اآللة اإليقاعية (بيركاشني) وكاثلني تاغ على البيانو‪ -‬الذين‬ ‫تعاونوا لتقدمي سبعة أحلان‪ ،‬أحلان إلهية‪ .‬وبني القوة واحليوية في أحيان والرقة والعذوبة‬ ‫في أحيان أخرى‪ ،‬يجد املستمع نفسه غارقا في رحلة طويلة‪ ،‬رمبا في سماء مدينة‬ ‫مجهولة أو على سجادة سحرية أو على عربات اجلليد احملاطة بسماء تألألت جنومها‪.‬‬ ‫وفيما حتملك النوتة املوسيقية إلى األعلى‪ ،‬حتملنا النوتات احلية إلى األمام‪ .‬وخالل‬ ‫تلك الرحلة‪ ،‬مير املستمع بعدة مشاعر‪ ،‬احلنني‪ ،‬احلزن‪ ،‬احلماس‪ ،‬السكينة‪ ،‬املتعة واإلثارة‪.‬‬ ‫وألنهم ال يشعرون بالرضا أبدا عن النفس‪ ،‬يحاول املوسيقيون دائما جذبك إليهم‪ .‬وحتى‬ ‫اآلن‪ ،‬كانت القطعة املوسيقية األساسية لراكشيفا هي «انعكاسات» مت ارجتالها في‬ ‫ظلمة شقتها مبانهاتن وهي تتأمل خط أفق املدينة‪ ،‬فيما يتميز باقي األلبوم بجودة‬ ‫ملحمية حتى أنه دائما ما كان يعرض عليها استخدام تلك املوسيقى كموسيقى‬ ‫تصويرية لألفالم‪.‬‬ ‫«اجمللة» التقت براكشيفا في حوار خاص حول أول ألبوماتها‪ ،‬واألدوار التي متارسها‬ ‫كعازفة وكمحاورة والدراسات التي تعدها بكلية الدراسات الشرقية واألفريقية بجامعة‬ ‫لندن‪ .‬وسوف تعزز سمعة راكشيفا الدولية كموسيقية موهوبة وجناحها املستمر في‬ ‫ذلك اجملال من احتمالية االستجابة ملساعيها املهمة في مجال الدبلوماسية‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫«اجمللة»‪ :‬دعينا نبدأ بالفلسفة الكامنة وراء موسيقاك وطموحاتك بالنسبة‬ ‫للمستقبل‪.‬‬ ‫ تتعلق خلفيتي برمتها بالعزف‪ .‬وحتى قبل خمس أو ست سنوات كنت مجرد عازفة‪.‬‬‫ونظرا لطبيعة خلفيتي الثقافية واملهنية‪ ،‬كنت أعزف منذ طفولتي كثيرا أمام‬ ‫الزعماء السياسيني وفي الساحات السياسية‪ .‬وفعليا‪ ،‬جعلتني التجارب التي مررت بها‬ ‫أعتقد أن كوني موسيقية يفتح أمامي املزيد واملزيد من األبواب‪ ،‬فبصفة عامة‪ ،‬إذا كنت‬ ‫فنانا‪ ،‬ميكنك حتقيق أكثر مما كنت تستطيع حتقيقه في مهنة مختلفة‪ ،‬فرمبا أستطيع‬ ‫من خالل املوسيقى أن أفعل أكثر مما كنت سأفعله لو أنني كنت حاضرة فقط‪ ،‬بالصعود‬ ‫على املسرح والعزف‪ .‬بدأت أفكر في اإلمكانات واستشرت بعض الناس في اجملال بل‬ ‫وحتى السياسيني وشجعوني كثيرا‪ .‬كما فكرت في عمل دراسات أبعد من العزف‪،‬‬ ‫وبحثت حتى اكتشفت ذلك البرنامج بكلية الدراسات الشرقية واألفريقية بجامعة‬ ‫لندن‪ ،‬في القسم املوسيقي ولذلك اخترت املوسيقى والعالقات الدولية‪ .‬وبشكل‬ ‫أساسي‪ ،‬أنظر للموسيقى وإلى كيف ميكن للثقافة واملوسيقى أن تعمال على تعزيز‬ ‫العالقات بني الدول‪ .‬لقد كانت حقا رحلة رائعة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لقد أصدرت مؤخرا أول ألبوم لك‪ .‬كيف اتخذت القرار اخلاص باسم األلبوم‬ ‫«إزاحة الستار»؟‬ ‫ كنت أفكر في خيارات متعددة‪ ،‬نظرا لطبيعة املوسيقى في األلبوم‪ ،‬حيث يتكون‬‫األلبوم أساسا من أحلاني ومن موسيقى مرجتلة ولكنه يعكس أيضا خلفيتي‪.‬‬ ‫أنحدر أساسا من أذربيجان ولكنني قضيت معظم سنوات تكويني وسنواتي املهنية‬ ‫في الغرب‪ .‬وفي البداية عندما انتقلت من أذربيجان إلى نيويورك‪ ،‬وجدت نفسي في‬ ‫بوتقة صهر من كافة الثقافات اخملتلفة ولم تكن لدي مشاعر جتاه األصول التي أنحدر‬ ‫منها‪ .‬وبالتالي كنت واحدة من هؤالء الناس‪ ،‬الذين يأتون إلى نيويورك وينصهرون بني‬ ‫الناس‪ ،‬حتى أصبحت وكأنني من نيويورك‪ .‬وأعتقد أن بعد ذلك بعدة سنوات بدأ الناس‬ ‫يسألونني عن البلد الذي أتيت منه وهل تستطيعني عزف قطعة موسيقية‪ .‬وكنت أقول‬ ‫حسنا أستطيع أن أعزف مقطوعة‪ .‬وأعزف قدرا منها‪ ،‬مثال موسيقى شعبية للتعبير‬ ‫عن نفسي عبر املوسيقى‪ .‬ومن ثم كتبت مقطوعتني موسيقيتني واندهشت حقا من‬ ‫حتقيقهما للنجاح‪ .‬وفي كل مرة كنت أعزف فيها – فقد كنت على سبيل املثال أعزف‬ ‫نحو أربع أو خمس مقطوعات من املوسيقى الكالسيكية ثم أعزف مقطوعة لي ‪ -‬وكان‬ ‫الناس عادة ما يأتون إلي بعد احلفل ويقولون‪« :‬لقد أحببنا تلك املقطوعة‪ ،‬لم نذهب أبدا‬ ‫لذلك املكان ولكننا أصبحنا نتخيل أجواءه»‪ .‬ولذلك عندما فكرت في األلبوم خطرت لي‬ ‫فكرة أن كلمة «إزاحة الستار» جزء من استعارة حيث إنها تنحدر بالطبع من الشرق‬ ‫األوسط وتتضمن أيضا الثقافة التي تتسم بأنها علمانية متاما وتقليدية في الوقت‬ ‫ذاته‪ .‬وقد فكرت في نوع من إزاحة الستار عن ذلك اجلانب من ذاتي ومن املوسيقى أيضا‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ما هي املقطوعة املوسيقية املفضلة لديك من «إزاحة الستار»؟‬ ‫ رمبا تكون املقطوعة املفضلة لدي هي «ساري غلني» ولكنني أفضل أيضا‬‫«انعكاسات» ألنها كانت أول مقطوعة أؤلفها‪ .‬من نحو خمس أو ست سنوات‬ ‫عندما كنت ال أزال في نيويورك‪ ،‬كنت أجلس في شقتي‪ ،‬وأنظر إلى أفق مانهاتن وأفكر‬ ‫في إحساسي مبدى ابتعادي عن خلفيتي‪ .‬واآلن أصبحت أشعر بأنني أكثر اقترابا‪ ،‬رمبا‬ ‫جسديا‪ ،‬ورمبا نظرا لعمليات التواصل تلك‪ ،‬ولكن عندما غادرت قبل ‪ 12‬عاما لم يكن‬ ‫هناك إنترنت أو تكنولوجيا الهواتف اجلوالة‪ .‬وبالتالي شعرت أنني ابتعدت عن كل شيء‬ ‫من ثقافتي إلى أسرتي وأصدقائي‪ .‬وكنت أجلس في بيتي‪ ،‬ثم بدأت أشد األوتار واألنوار‬ ‫مطفأة وأنتجت تلك املقطوعة‪.‬‬ ‫في كل مرة كنت أؤدي فيها تلك املقطوعة‪ ،‬كان يراودني إحساس رائع وكنت أجد‬ ‫استجابة رائعة من اجلماهير‪ .‬وعلى الرغم من أنني كنت أؤديها في أماكن مختلفة مع‬ ‫جماهير لديها ردود فعل مختلفة‪ ،‬ما زلت لم أقابل جمهورا ال يتفاعل مع املوسيقى‪.‬‬



‫● موجز عن دولة‬

‫السلطان قابوس لإلبداع الثقافي للمبدعني العمانيني والعرب‬ ‫والتي تصل قيمتها إلى ‪ 125‬ألف دوالر أميركي لكل فائز‪.‬‬ ‫سياسة متوازنة‬ ‫تتسم السياسة العمانية بالتوازن في عالقات السلطنة‬ ‫مع مختلف دول العالم والدوائر العربية واإلقليمية إال أن‬ ‫السلطان قابوس يحتفظ بعالقات خاصة لعمان مع دول‬ ‫مجلس التعاون اخلليجي والذى كان أول من نادى بإنشائه‪.‬‬ ‫وهو ما ينعكس على حرص السلطنة في تقوية أواصر‬ ‫العالقة مع اجليران وحتى عندما تسببت قضية التجسس‬ ‫األخيرة في تعكير صفو العالقات بينها وبني دولة اإلمارات‬ ‫العربية تعامل السلطان قابوس مع األمر بحكمة وسرعان‬ ‫ما عادت األمور لطبيعتها بعد زيارته األخيرة في يوليو‬ ‫املنصرم لإلمارات‪ .‬وعلى املستوى الداخلي تعد عمان من‬ ‫الدول العربية التي لها خصوصيتها بني الشعب وسلطانه‬ ‫وحتى عندما اندلعت االحتجاجات واالضطرابات العربية‬ ‫عقب ثورتي تونس ومصر لم تنتقل عدوى تلك الثورات إلى‬ ‫عمان بنفس العنف بفضل تلك اخلصوصية ولذلك فإن عمان‬ ‫لم تشهد تلك التقلبات السياسية احلادة التي حدثت في‬ ‫دول عربية أخرى واقتصر األمر فيها على بعض االحتجاجات‬ ‫الشعبية للمطالبة فقط مطالب بزيادة االجور وتوفير املزيد‬ ‫من الوظائف والقضاء على التربح واملطالبة مبجلس تشريعي‬ ‫حقيقي ولكنها لم تتجاوز إلى املطالبة بتغيير احلكومة‬ ‫وانتهى األمر بعد اعتصام احملتجني لفترة بالقبض على عدد‬ ‫من العمانيني بتهمة التخريب واحلكم‬ ‫عليهم بالسجن في ظل وجود قانون‬ ‫منع التظاهرات بعمان‪ .‬ويحسب‬ ‫للسلطان قابوس وعيه وقدراته في‬ ‫احتواء هؤالء الغاضبني فأمر بالعفو‬ ‫عن كثير منهم وأقال بعض الوزراء‬ ‫املشكوك في كفاءتهم من مناصبهم‬ ‫وأحالهم للقضاء كما تعهد السلطان‬ ‫قابوس بوضع برنامج انفاق حجمه ‪2.6‬‬ ‫مليار دوالر وأعلنت احلكومة انها ستوفر‬ ‫‪ 50‬ألف وظيفة في القطاع العام‬ ‫السترضاء العمانيني ‪.‬‬ ‫سلطان عمان‬ ‫هو السلطان قابوس بن سعيد الذي‬ ‫ينتهي نسبه إلى هود ونوح عليهما‬ ‫السالم ويصل إلى شيث إبن سيدنا‬ ‫آدم أبى البشرية‪ .‬وهو ثامن سالطني‬ ‫البوسعيد والتي تعد األسرة التي‬ ‫حكمت عمان أطول فترة زمنية جتاوزت‬ ‫القرنني‪ .‬وقد ولد في ‪ 18‬نوفمبر ‪1940‬‬ ‫ويعد من أطول احلكام العرب عمرا‬ ‫واستمرارا في احلكم‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫البداية الدراماتيكية لتوليه السلطنة‬ ‫خلفا لوالده الراحل إال أنه بفضل‬ ‫النهضة التي حققها للسلطنة على‬ ‫مدار فترة حكمه في مختلف اجملاالت‪،‬‬ ‫فإنه يحظى بشعبية بني العمانيني‪.‬‬ ‫كما يحتفظ بعالقات وطيدة مع كثير‬ ‫من القادة العرب احلاليني والسابقني‪.‬‬ ‫وكان لنشأته بني األدب والثقافة‬ ‫والتعليم الرفيع الفضل في غرس حب‬ ‫الثقافة واإلهتمام بها وهو ما انعكس‬ ‫على رعايته احملمودة لهذا اجملال الذي‬ ‫تتسم به السلطنة كما بدا واضحا‬ ‫في أسلوب إدارة البالد وقيادة دفتها‬ ‫واحلفاظ على إستقرارها وأمنها طوال‬ ‫تلك الفترة‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫نصيب الفرد من الناجت احمللي اإلجمالي‬ ‫ •‪ 4.712‬ريال عماني‬ ‫متوسط اإلنتاج اليومي من النفط‬ ‫ •‪ 774‬الف برميل‬ ‫إجمالي الصادرات السلعية‬ ‫ •‪ 7.186.9‬مليون ريال عماني‬ ‫إجمالي الواردات السلعية‬ ‫ •‪ 3.449.3‬مليون ريال عماني‬ ‫متوسط دخل الفرد في السنة‬ ‫ •‪ 10000‬دوالر أميركي‬ ‫املوقع‬ ‫ •تعتبر سلطنة عمان اول بقعة جغرافية تشرق عليها الشمس في الوطن‬ ‫العربي‪ .‬تقع سلطنة عمان جنوب غرب آسيا في أقصى اجلنوب الشرقي‬ ‫لشبه اجلزيرة العربية وتطل على ساحل ميتد أكثر من ‪ 1700‬كيلومتر يبدأ‬ ‫من أقصى اجلنوب الشرقي حيث بحر العرب ومدخل احمليط الهندي‪ ،‬ممتدا‬ ‫إلى خليج عمان حتى ينتهي عند مسندم شماال‪ ،‬ليطل على مضيق هرمز‬ ‫مدخل اخلليج العربي‪ .‬وترتبط حدود عمان مع اجلمهورية اليمنية من اجلنوب‬ ‫الغربي ومع اململكة العربية السعودية غربا‪ ،‬ودولة اإلمارات العربية املتحدة‬ ‫شماال‪ .‬وبفضل هذا املوقع تسيطر سلطنة عمان على أقدم وأهم الطرق‬ ‫التجارية البحرية في العالم وهو الطريق البحري بني اخلليج العربي واحمليط‬ ‫الهندي‬


‫كما سجل االقتصاد العماني قدرة كبيرة على احلد من‬ ‫آثار االزمة املالية العاملية بفضل االجراءات التي اتخذتها‬ ‫احلكومة و التي أدت إلى احلفاظ على الطلب احمللي ومعدالت‬ ‫منوه االيجابية‪ .‬جدير بالذكر أن القطاع النفطي يشكل‬ ‫الركيزة االساسية اليرادات السلطنة حيث يسهم بـ ‪ 87‬في‬ ‫املائة من املوازنة العامة (‪ 67‬في املائة للنفط و ‪ 11‬في املائة‬ ‫للغاز)‪.‬‬ ‫ومتتلك السلطنة ثروة معدنية يأتى النفط في مقدمتها‬ ‫ويستخرج من أكثر من ‪ 100‬حقال بريا وبحريا كما أن‬ ‫لعمان شهرة تاريخية في إنتاج النحاس الصافي باإلضافة‬ ‫إلى خامات معدنية أخرى لعبت دورا أساسيا في النهضة‬ ‫الصناعية العمانية‪ .‬وفي إطار تخطيط سلطنة عمان‬ ‫للتوسع في نطاق التمويل اإلسالمي فيها إستضافت مؤخرا‬ ‫أول مؤمتر عن التمويل اإلسالمي الذى عكس رؤى إقتصادية‬ ‫مستقبلية لعمان في هذا اإلجتاه‪.‬‬ ‫التعليم‪ ..‬قفزة نوعية‬ ‫وما كانت لهذه النهضة اإلقتصادية أن تقوم لوال إهتمام‬ ‫السلطنة بالتعليم واإلرتقاء به فقد شهدت عمان قفزة‬ ‫كمية ونوعية في التعليم العالى وما قبل اجلامعى ويشهد‬ ‫حاليا االستعانة بتقنيات التعليم املتطورة و تعميم النظام‬ ‫اآللي في اإلدارة واملعلومات التربوية واالستمرار في ربط‬ ‫مدارس السلطنة بشبكة السلكية خاصة لتزويدها باملواد‬ ‫التعليمية‪ ،‬وذلك في اطار استراتيجية تطوير التعليم‬ ‫املمتدة من عام ‪ 2006‬حتى عام ‪ .2020‬وذلك باإلضافة إلى‬ ‫مشروعات محو األمية وتعليم الكبار باإلستعانة بخريجى‬ ‫الشهادة العامة‪.‬‬ ‫كما طبقت السلطنة سياسة تعليمية تدعم قطاع‬ ‫التعليم العالي بشقيه احلكومي واخلاص ملد اإلقتصاد‬ ‫العماني بالكوادر البشرية املؤهلة والتي تعتبر من أهم‬ ‫دعائم التنمية والتطوير واحملرك األساسي لعمليات النمو‬ ‫اإلقتصادي واإلجتماعي والثقافي‪ .‬وقد بلغ عدد مؤسسات‬ ‫التعليم العالي مبختلف مؤسساتها ‪ 32‬مؤسسة حكومية‬ ‫تضم ‪ 14‬كلية جامعية و‪ 17‬معهدا ً متخصصا ً‪ .‬باإلضافة‬ ‫إلى ثالث جامعات أهلية تصبح أرابعة في القريب باإلضافة‬ ‫إلى جامعة السلطان قابوس احلكومية املؤسسة عام ‪1986‬‬ ‫والتي تعد من أهم وأعرق الصروح التعليمية إلعداد الكوادر‬ ‫الوطنية املؤهلة في شتى مجاالت العلم واملعرفة‪.‬‬ ‫عاصمة الثقافة العربية‬ ‫وعلى املستوى الثقافي تعتبر سلطنة عمان صرحا ثقافيا‬ ‫عربيا مهما بحضارتها وتاريخها وتراثها العريق وهو ما‬ ‫كان وراء إختيارها عاصمة للثقافة العربية عام ‪ 2006‬وقد‬ ‫ترجمت هذا الدور الثقافي إلى عمل دؤوب وإجنازات ثقافية‬ ‫كبرى وأنشطة وفعاليات محلية وخارجية فأقامت عددا من‬ ‫املهرجانات مثل مهرجان املسرح العماني الثاني‪ ،‬ومهرجان‬ ‫األغنية العمانية‪ ،‬ومهرجان األدب والفن لشباب دول مجلس‬ ‫التعاون اخلليجي‪ ،‬ومهرجان ثقافة الطفل‪ ،‬ومهرجان الشعر‬ ‫العماني اخلامس‪ ،‬ومعرض مسقط الدولي للكتاب‪ ،‬ومعرض‬ ‫الفنون التشكيلية واخلط العربي‪ ،‬ومهرجان السينما‪ ،‬كما مت‬ ‫تنظيم أسبوع ثقافي في مقر منظمة اليونسكو في باريس‬ ‫‪ ،‬أسبوع ثقافي في تونس وآخر في الرياض باإلضافة لدعمها‬ ‫الكتاب واألدباء والشعراء العمانيني من خالل تبني طباعة‬ ‫كتبهم وتقدمي الدعم املعنوي واملادي لهم‪ .‬واإلعالن عن جائزة‬ ‫العدد ‪ ،1563‬مايو ‪2011‬‬

‫حقائق أساسية‪:‬‬ ‫نظام احلكم‬ ‫ • نظـام احلـكم سـلطاني وراثي في‬ ‫الذكـور من ذريـة السيد تركـي بن‬ ‫سعيد بن سلطـان ويشترط فيمن‬ ‫يختار لـوالية احلكم من بـينهم‬ ‫أن يكون مسلما رشيدا عـاقال‬ ‫وابنا شرعيا ألبوين عمانيـني مسلمني و يقـوم احلـكم في السـلطنة على‬ ‫أسـاس العدل والشـورى واملسـاواة‪.‬‬ ‫ •‬ ‫رئيـس الدولـة‬ ‫ •السـلطان رئيس الدولـة والقائد األعلى للقوات املسلحة‪ ،‬ذاتـه مصونـة‬ ‫المتس‪ ،‬واحترامـه واجب‪ ،‬وأمره مطـاع وهـو رمـز الوحـدة الـوطنيـة ‪.‬‬ ‫السلطان‬ ‫ •قابوس بن سعيد الذى تولى احلكم عام ‪1970‬‬ ‫املساحة‪:‬‬ ‫ •‪ 309,500‬كيلومتر مربع‪.‬‬ ‫العاصمة‪:‬‬ ‫ •مسقط‪ ،‬عدد سكانها ‪ 695.432‬الف نسمة‪.‬‬ ‫عددالسكان‬ ‫ •‪ 3,204,897‬حسب مصادر ‪ 2007‬يتضمن ‪( 577,293‬وافد)‬ ‫الكثافة السكانية‬ ‫ •‪ 7.4‬نسمة لكل كيلومتر مربع‬ ‫معدل النمو السكاني‬ ‫ •‪ 2.8‬في املائة‬ ‫معدل العمر‬ ‫ •‪ 73.4‬سنة‬ ‫الديانة‬ ‫ •اإلســالم‪.‬‬ ‫األعراق‬ ‫ •عرب‪ ،‬بلوش‪ ،‬جنوب آسيا‪ ،‬أفريقيا‬ ‫اللغة الرسمية‬ ‫ •اللغة العربية‬ ‫لغات أخرى‬ ‫ •اللغة اإلجنليزية‪ ،‬اإليرانية‪ ،‬السواحلية‪ ،‬البلوش‪ ،‬األوردية‪ ،‬لهجات هندية‬ ‫الدين الرسمى‬ ‫ •اإلسالم والشريعة اإلسالمية هي أساس التشريع‬ ‫ •‬ ‫العملة‬ ‫ •الريال العماني = ‪ 2.60‬دوالر أمريكي‬ ‫العيد الوطني‬ ‫ •يصادف ‪ 18‬نوفمبر من كل عام حيث يحتفل العمانيون بذكرى فجر‬ ‫النهضة املباركة عام ‪1970‬عندما تولى جاللة السلطان قابوس بن سعيد‬ ‫املعظم‬ ‫ •مقاليد احلكم في البالد وهو يوافق يوم ميالده‪.‬‬ ‫الناجت احمللي اإلجمالي باألسعار التجارية‬ ‫ •‪ 11.817.4‬مليون ريال عماني‬

‫‪43‬‬


‫● موجز عن دولة‬

‫سلطنة عمان‬ ‫في صباح كل يوم يستقبل العمانيون شمس الصباح املشرقة‬ ‫قبل غيرهم من سكان الوطن العربي حيث تعد سلطنة‬ ‫عمان أول من تشرق عليها الشمس من الدول العربية بحكم‬ ‫موقعها في جنوب غرب قارة آسيا في أقصى اجلنوب الغربى‬ ‫لشبه اجلزيرة العربية‪ .‬وترجع أصل تسمية سلطنة عمان إلى‬ ‫عدة تفسيرات منها أنها نسبة إلى عمان بن اخلليل إبراهيم‪.‬‬ ‫كما فسرها البعض على أنها تسمية أطلقها املهاجرون‬ ‫العرب نسبة إلى مكان يحمل نفس اإلسم في اليمن‪ .‬كما‬ ‫عرفت عمان أسماء أخرى قدمية فكانت تسمى «مجان» وهي‬ ‫كلمة سومرية ترجع إلى إشتهارعمان قدميا بصناعة السفن‬ ‫وصهر النحاس ‪ .‬كما سميت أيضا مزون وتعنى السحاب‬ ‫ذا املاء الغزير املتدفق والذى كان له فضل إزدهار الزراعة في‬ ‫عمان من القدم ولذلك كانت عمان قبلة للقبائل العربية‬ ‫املهاجرة إليها لتسكن السهول وتشتغل بالزراعة والصيد‪،‬‬ ‫كما استقر البعض اآلخر في املناطق الداخلية والصحراوية‬ ‫واشتغل بالرعي وتربية املاشية‪.‬‬ ‫كما أسلفنا‪ ،‬تعتبر سلطنة عمان اول بقعة جغرافية تشرق‬ ‫عليها الشمس في الوطن العربي‪ .‬تقع سلطنة عمان جنوب‬ ‫غرب آسيا في أقصى اجلنوب الشرقي لشبه اجلزيرة العربية‬ ‫وتطل على ساحل ميتد أكثر من ‪ 1700‬كيلومتر يبدأ من أقصى‬ ‫اجلنوب الشرقي حيث بحر العرب ومدخل احمليط الهندي‪ ،‬ممتدا‬ ‫إلى خليج عمان حتى ينتهي عند مسندم شماال‪ ،‬ليطل على‬ ‫مضيق هرمز مدخل اخلليج العربي‪ .‬وترتبط حدود عمان مع‬ ‫اجلمهورية اليمنية من اجلنوب الغربي ومع اململكة العربية‬ ‫السعودية غربا‪ ،‬ودولة اإلمارات العربية املتحدة شماال‪.‬‬ ‫وبفضل هذا املوقع تسيطر سلطنة عمان على أقدم وأهم‬ ‫الطرق التجارية البحرية في العالم وهو الطريق البحري بني‬

‫اخلليج العربي واحمليط الهندي‪.‬ويتبع سلطنة عمان عدد من‬ ‫اجلزر الصغيرة في خليج عمان ومضيق هرمز مثل سالمة‬ ‫وبناتها‪ ،‬وفي بحر العرب مثل جزيرة مصيرة ومجموعة جزر‬ ‫احلالنيات‪.‬‬ ‫حملة تاريخية‬ ‫ترجع أصول احلضارة العمانية إلى األلف الثامنة قبل امليالد‬ ‫حيث مت اكتشاف العديد من مواقع التجمعات البشرية‬ ‫واملستوطنات الكبيرة على السواحل ‏واالودية وعلى سفوح‬ ‫اجلبال‪ ،‬باإلضافة إلى اآلثار القدمية ومن ابرز املواقع التي عثر‬ ‫فيها على شواهد ‏أثرية مستوطنة الوطية مبسقط كما أن‬ ‫هناك أثارا تؤكد أن عمان كانت جز ًءا من احلضارة القدمية‬ ‫التي شملت بالد فارس وامتدادها إلى أفغانستان‪ ،‬وشرقي‬ ‫الهند في القرن الثالث قبل امليالد حتى تخلصت عمان‬ ‫من السيطرة الفارسية مع زحف اإلسكندر األكبر شرقا‬ ‫ومهاجمته إلمبراطورية فارس‪.‬‬ ‫وكان إنهيار سد مأرب الشهير في اليمن وراء إجتاه القبائل‬ ‫العربية للهجرة إلى عمان من منطقة جنوب اجلزيرة العربية‬ ‫في رحلة إستغرقت ثمانية قرون كما شهدت عمان هجرة‬ ‫عربية أخرى من قلب اجلزيرة العربية بحثا عن املاء والكأل‬ ‫باإلضافة لهجرات وافدة لعمان من خارج اجلزيرة العربية من‬ ‫الساحل الشرقي إلفريقيا والهند وباكستان‪ .‬وجدير بالذكر‬ ‫أن أولى الهجرات العربية هي هجرة قبيلة االزد بقيادة مالك‬ ‫بن فهم االزدي‪ ،‬واليها تنتمي أسرة البوسعيدي احلاكمة‪.‬‬ ‫وأصبحت عمان عربية اللسان ودانت باإلسالم في السنة‬ ‫السابعة هجريا بعد أن أرسل لهم الرسول الكرمي «ص»‬ ‫يدعوهم إلى اإلسالم فوافقوا‪ .‬وقد أقام عمرو بن العاص‬ ‫بعمان يعلم أهلها شعائر الدين اإلسالمي وظل بها حتى‬ ‫جاءته رسالة من أبي بكر الصديق حتمل نبأ وفاة الرسول‬ ‫«ص»‪.‬‬ ‫تولى آل بوسعيد حكم عمان عام ‪1154‬هـ ‪1741 -‬م‬ ‫وكان استمرارهم في احلكم ملدة قرنني ونصف القرن مبثابة‬ ‫دفعة قوية لدعم الوحدة العمانية‪ .‬وقد توالى األئمة من آل‬ ‫بوسعيد حتى آل األمر اآلن للسلطان قابوس بن سعيد باني‬ ‫نهضة عمان احلديثة والذي شهدت عمان في عهده نهضة‬ ‫عمرانية واسعة‪.‬‬ ‫اإلقتصاد‪ ..‬حتديث وتنمية‬ ‫بحكم موقعها اجلغرافي شكلت عمان مركزا حضاريا وجتاريا‬ ‫نشطا وسط الكيانات الدولية واجملتمعية التي تعيش بينها‬ ‫مما ساهم في تنشيط عالقاتها مبختلف شعوب العالم عبر‬ ‫تاريخها وهو ما انعكس إيجابيا على أوضاعها وعالقتها‬ ‫اإلقتصادية وساعد اإلستقرار السياسي في السلطنة على‬ ‫إستمرار متتعها بهذه العالقات في العصر احلديث وخاصة‬ ‫في عهد السلطان قابوس الذى يعد بانى النهضة العمانية‬ ‫احلديثة حيث تشهد عُ َمان حتديث ًا جملاالت اإلنتاج اخملتلفة‪ ،‬من‬ ‫زراعة وصناعة وجتارة وفق خطط خمسية بدأت منذ عام‬ ‫‪1976‬م وحتى اليوم كان من أهم أهدافها التي حققتها‬ ‫االهتمام بتنمية املوارد البشرية وزيادة دور القطاع اخلاص‬ ‫والعمل على زيادة حصة القطاعات غير النفطية في الناجت‬ ‫الوطني اإلجمالي وهو ما جعل عمان من الدول األكثر منوا في‬ ‫العالم حيث بلغت معدالت النمو أكثر من ‪ 6.5‬ملدة زادت علي‬ ‫‪ 25‬عاما‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫خاصة الصني‪ ،‬وفي الوقت نفسه التعامل مع تشظي القوة وهو ما يعني تنظيم‬ ‫أفضل لالتصاالت بجيل جديد مكنته ثورة املعلومات‪ .‬وال أعرف إذا ما كان يصح‬ ‫أن نطلق على ذلك مبادئ أم ال‪ .‬فعادة‪ ،‬حتب الصحافة مصطلح املبادئ ولكن ذلك‬ ‫املصطلح ال يعكس ثراء الفكرة خلفه‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬في تشظي السلطة‪ ،‬تساهم الكيانات غير الدولية في تشكيل‬ ‫املشهد‪ .‬هل لدى الكيانات غير الدولية إمكانات القوة الناعمة؟‬ ‫ أجل‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬فالكيانات غير الدولية لديها قد كبير من القوة الناعمة‪.‬‬‫فإذا ما نظرت إلى املؤسسات‪ ،‬ستجد أنها دائما ما تهتم باسمها التجاري وإذا‬ ‫ما نظرت إلى املنظمات غير احلكومية‪ ،‬ستجد أنهم يحاولون عقاب املؤسسات‬ ‫باإلساءة السمها التجاري‪ .‬فسوف تهاجم حركة السالم اخلضراء شركة «شل»‪.‬‬ ‫وترغب «شل» بدورها في احلفاظ على سمعتها‪ ،‬فيما حتاول حركة السالم‬ ‫اخلضراء أن تلطخ اسم الشركة كنوع من الضغط السياسي‪ .‬فهناك صراعات‬ ‫حقيقية حول القوة الناعمة بني الكيانات غير الدولية‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬أين تضع احلركات اإلسالمية وحركات اإلسالم السياسي في معادلة‬ ‫القوة تلك؟‬ ‫ إن الدين هو أحد املصادر الهائلة للقوة الناعمة‪ .‬ففي النهاية‪ ،‬يجذب الدين‬‫الناس وتلك قوة ناعمة‪ .‬وعندما تفرق بني اإلسالم واحلركات اإلسالمية‪ ،‬سنجد أن‬ ‫لإلسالم قوته الناعمة‪ .‬فهو يجذب مليارات الناس‪ .‬وإذا كانت احلركات اإلسالمية‬ ‫تعني اآليديولوجية السياسية‪ ،‬التي تتبنى نوعا محددا من اإلسالم وحتاول فرضه‬ ‫على اآلخرين‪ ،‬إذن‪ ،‬فلها أيضا قوة ناعمة ولكنني أشك أن ينجح ذلك‪ .‬فإذا ما‬ ‫نظرنا البن الدن‪ ،‬سنجد أن لديه ولدى تنظيم القاعدة أيضا قوة ناعمة‪ .‬فلم يوجه‬ ‫بن الدن سالحا ضد هؤالء الناس الذين اتبعوه إلى مركز التجارة العاملي‪ .‬ولم‬ ‫يدفع لهم ماال‪ .‬بل جذبهم إلى رؤيته املشوهة لإلسالم‪ ،‬فهم فعلوا ذلك من‬ ‫أجل القوة الناعمة البن الدن‪ .‬ولكن ما نعرفه هو أن القوة الناعمة لنسخة بن‬ ‫الدن من احلركات اإلسالمية قد تراجعت‪ .‬حيث تشير االستطالعات إلى تراجع‬ ‫نسخة بن الدن للحركات اإلسالمية في جميع أنحاء العالم‪ ،‬كلما مر الوقت‪،‬‬ ‫وأنها أصبحت أقل تأثيرا حتى قبل مقتله‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬منذ توليه السلطة‪ ،‬أكثر من أي رئيس آخر منذ عقود‪ ،‬حاول‬ ‫أوباما نشر رسالة جديدة حول العالقات األميركية بالعالم العربي‪ .‬وبعد‬ ‫قضائه ثالث سنوات في املنصب‪ ،‬أخفق أوباما في احلد من مناهضة أميركا‬ ‫في املنطقة‪ .‬فهل تعتقد أن ذلك دليل على أن املنطقة محصنة ضد القوة‬ ‫الناعمة األميركية؟‬ ‫ كال‪ ،‬أعتقد أن ذلك يشير إلى أن هناك أبعادا متعددة للقوة الناعمة‪ .‬فعلى‬‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫سبيل املثال‪ ،‬وحتى خالل احلرب العراقية التي كانت سياسة بوش تفتقر فيها‬ ‫إلى الشعبية‪ ،‬أظهرت استطالعات «بيو» أن هناك أبعادا للسياسة األميركية‬ ‫لها جاذبيتها‪ ،‬خاصة تلك املتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا‪ .‬وباملثل‪ ،‬فإذا ما رجعت‬ ‫لفترة سابقة‪ ،‬ونظرت مثال إلى حرب فيتنام‪ ،‬التي كانت السياسات احلكومية‬ ‫األميركية فيها غير شعبية متاما وعندما أضرت السياسات احلكومية بالقوة‬ ‫الناعمة‪ ،‬كان الناس يتظاهرون في الشوارع ضد الواليات املتحدة ولكنهم لم‬ ‫يغنوا «الشيوعية الدولية» بل كانوا يرددون كلمات لوثر كينغ «يجب أن نتخطى‬ ‫ذلك»‪ .‬إذن‪ ،‬هناك أبعاد للثقافة األميركية ميكن أن تصبح جذابة حتى إذا لم تكن‬ ‫السياسة احلكومية األميركية كذلك‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل تتوقع حدوث تغيير في الصني بالتوازي مع الربيع العربي؟‬ ‫ أعتقد أن الصني سوف تتغير تدريجيا‪ ،‬ولكنها حتتاج إلى بعض الوقت‪ .‬فأنا‬‫ال أتوقع حدوث ثورة ياسمني في الصني ولكنني أعتقد أننا سوف نشهد حتررا‬ ‫تقليديا للصني خالل العقد املقبل كلما ارتفع دخل الفرد‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬وبالنسبة إليران‪ .‬هل تعتقد أن شيئا ما يحدث هناك؟‬ ‫ أجد أن اكتشاف حقيقة ما يحدث في إيران أمر أصعب‪ .‬ولكنني أمتنى أن يسود‬‫تطور األفكار الليبرالية الذي شهدناه في أعقاب االنتخابات األخيرة‪ ،‬في النهاية‪،‬‬ ‫ولكن حكومة الباسيج هي من يهيمن على السلطة إلى حد بعيد‪ .‬وبالتالي فال‬ ‫أعتقد أن ذلك سوف يحدث قريبا‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل تعتقد أن مفاهيمنا التقليدية بشأن مقاربة العالقات الدولية‬ ‫ما زالت صاحلة لطريقة تعاملنا مع الشرق األوسط؟ وهل ستصبح بال قيمة؟‬ ‫وما الذي حدث مليزان القوة أو حجة الواقعية في الشرق األوسط؟‬ ‫ ما زال توازن القوة ضروريا ولكنه لم يعد الطريقة الوحيدة للتفكير‪ .‬فكما‬‫يقول املؤرخ الشهير‪ ،‬إيه جيه بي تايلور‪ ،‬حول أوروبا في القرن التاسع عشر‪ ،‬فإن‬ ‫القوة العظمى هي دولة ينتصر سالحها وذلك مهم‪ ،‬ولكن في عصر املعلومات‪،‬‬ ‫فإن القوة تتعلق أيضا مبن يستطيع تسييد قصته‪ .‬فإذا ما نظرت إلى كيفية‬ ‫تطبيق مفاهيم نظرية العالقات الدولية على منطقة مثل الشرق األوسط أو أي‬ ‫مكان آخر في العالم‪ ،‬يجب أن تكون قادرا على التفكير في األبعاد الثالثية للقوة‪:‬‬ ‫اجليش‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬والقوة الناعمة والتفكير في كيف ميكنك اجلمع بينها لتحقيق‬ ‫استراتيجية فعالة‪ .‬فإذا ما فكرت فقط بشأن بعد واحد للقوة‪ ،‬فسوف تخسر‬ ‫على املدى البعيد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن املسألة الرئيسية ال تتعلق بالتخلي عن القدمي‬ ‫ولكن باملزاوجة بينها وبني اجلديد‪.‬‬

‫حوار أجراه اندرو بوين‬ ‫‪41‬‬


‫● حوارات‬

‫جوزيف ناي يتحدث عن الربيع العربي و السلطة في القرن احلادي والعشرين‬

‫مستقبل القوة‬

‫في حوار حصري مع «اجمللة»‪ ،‬يناقش العالم جوزيف ناي‪ ،‬األستاذ بجامعة هارفارد واألكادميي واخلبير في سياسات القوة آخر‬ ‫أعماله «مستقبل القوة»‪ ،‬ويفحص بعمق الربيع العربي في سياق معادلة السلطة اجلديدة في القرن احلادي والعشرين‪ .‬كما‬ ‫يلقى ناي الضوء على مستقبل القوة األميركية في أعقاب الربيع العربي‪.‬‬ ‫حوار أجراه اندرو بوين‬

‫جوزيف ناي هو أحد األكادمييني املرموقني واملؤثرين في العالقات الدولية والسياسة‬ ‫اخلارجية األميركية‪ ،‬والذي أسس باالشتراك مع روبرت كوهني‪ ،‬مركز الدراسات‬ ‫الليبرالية اجلديدة في العالقات الدولية‪ .‬وبابتكاره مصطلحي «القوة الناعمة»‪،‬‬ ‫و«القوة الذكية»‪ ،‬شكل ناي كيف يفكر العالم ويناقش الشؤون الدولية‪ .‬وكانت‬ ‫كتاباته مصدرا رئيسيا لتطور السياسة اخلارجية ألوباما‪.‬‬ ‫جوزيف ناي‪ ،‬أستاذ مرموق بجامعة هارفارد والعميد السابق لكلية كيندي‬ ‫للحكومة‪ .‬وهو يرأس حاليا أميركا الشمالية باللجنة الثالثية‪ .‬ويتضمن عمل‬ ‫ناي باملراكز الرسمية‪ :‬مساعد وزير الدفاع للشؤون األمنية الدولية‪ ،‬ورئيس‬ ‫مجلس االستخبارات الوطني‪ .‬وقد نشر ما يزيد عن ‪ 12‬كتابا مبا في ذلك «القوة‬ ‫الناعمة‪ :‬وسائل النجاح في السياسة الدولية»‪« ،‬فهم النزاع الدولي»‪« ،‬قوة‬ ‫القيادة» و«وثبة نحو القيادة‪ :‬الطبيعة املتغيرة للقوة األميركية»‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬يستكشف كتاب «مستقبل القوة» الذي نشر مؤخرا‪ ،‬احلراك اجلديد‬ ‫للقوة في القرن احلادي والعشرين‪ .‬كيف تتغير القوة وتتطور في هذا القرن‬ ‫اجلديد؟ ما هي العناصر األساسية التي حتكم تطور القوة في العالم اليوم؟‬ ‫ أرى أن هناك تغيرين أساسيني للقوة في القرن احلادي والعشرين‪ .‬أحدهما هو‬‫التحول بني الدول من الغرب إلى الشرق والذي ميكنك أن تطلق عليه تعافي‬ ‫آسيا‪ ،‬فقد عاد وضع آسيا إلى التوزيع الطبيعي‪ ،‬نظرا ألنها كانت متثل نصف‬ ‫سكان العالم وبالتالي نصف إنتاجه وهو ما غيرته الثورة الصناعية في القرن‬ ‫التاسع عشر‪ .‬والتغير الثاني للقوة هو توزيعها بعيدا عن كل الدول الغربية إلى‬ ‫أطراف من غير الدول‪ ،‬نتاجا لالنخفاض االستثنائي لتكلفة عمليات احلوسبة‬ ‫واالتصاالت والتي نتجت عن ثورة املعلومات احلالية‪ .‬وهو ما مكن أساسا األطراف‬ ‫من غير الدول واألفراد لكي تفعل أشياء كانت من قبل تقتصر على احلكومات أو‬ ‫املؤسسات الكبرى‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬ملاذا تعرف القوة في القرن احلادي والعشرين باعتبارها رقعة شطرجن‬ ‫ثالثية األبعاد؟‬ ‫ إذا ما نظرت إلى توزيع القوة في القرن احلادي والعشرين‪ ،‬ستجد أنه يساعد‬‫على فهم استعارة رقعة الشطرجن ثالثية األبعاد نظرا ألن القوة يتم توزيعها‬ ‫على نحو مختلف في املناطق اخملتلفة‪ .‬في القمة‪ ،‬هناك العالقات العسكرية‬ ‫بني الدول والتي يصبح فيها العالم أحادي القطب‪ .‬فالواليات املتحدة هي‬ ‫القوة العظمى الوحيدة‪ ،‬وهي متثل نصف اإلنفاق العسكري للعالم‪ ،‬وهي الدولة‬ ‫الوحيدة التي ميكنها التخطيط للقوة العسكرية على مستوى العالم‪ .‬وإذا ما‬ ‫ذهبت للمستوى املتوسط‪ ،‬والعالقات االقتصادية بني الدول‪ ،‬فإن العالم متعدد‬ ‫األقطاب‪ ،‬وأصبح كذلك منذ عقدين‪ ،‬واآلن بإمكان أوروبا أن تعمل ككيان واحد‬ ‫وعندما يحدث ذلك‪ ،‬فإن اقتصادها سوف يصبح أقوى من االقتصاد األميركي‪.‬‬ ‫وهناك أيضا الصني‪ ،‬البرازيل‪ ،‬الهند‪ ،‬واليابان وغيرها‪ ،‬من الدول التي ميكنها‬ ‫املساعدة على إقامة التوازن مع القوة األميركية‪.‬‬ ‫وإذا ما وصلنا إلى املستوى األدنى من العالقات بني الدول‪ ،‬وهو خروج األمور عن‬ ‫سيطرة احلكومات‪ .‬وهنا يأتي تشظي السلطة والكيانات غير الدولية‪ ،‬والذي‬ ‫ميكن أن يتضمن‪ :‬التدفق املالي الذي يفوق موازنات العديد من احلكومات‪ ،‬اإلرهاب‪،‬‬ ‫اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬التغير املناخي‪ ،‬واألوبئة‪ .‬وهنا تتوزع القوة على نحو فوضوي‪.‬‬ ‫فليس من املنطقي أن تطلق على ذلك أحادي القطب أو متعدد األقطاب‪.‬‬ ‫فالطريقة الوحيدة التي ميكننا بها التعامل مع تلك القضايا هي تنظيم‬ ‫شبكات تعاون بني احلكومات للتعامل معها‪ .‬فهناك ثالث توزيعات مختلفة‬ ‫للقوة بناء على املناطق التي تنظر إليها‪ .‬فمن اخلطأ أن تأخذ بعض احملاور أو‬ ‫املفاهيم التي ميكن أن تتفق مع القوة العسكرية أو االقتصادية مثل أحادية‬ ‫القطب أو تعددية القطب وتطبيقها على املستوى الدولي حيث ال تنطبق متاما‪.‬‬ ‫وذلك خطأ إجرائي‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬وصف العديد من احملللني األحداث في الشرق األوسط باعتبارها‬ ‫‪40‬‬

‫حلظة ثورية متاثل األحداث التي اجتاحت أوروبا في ‪ .1989‬وقد ربط آخرون بني‬ ‫الربيع العربي و‪ .1848‬هل تعتقد أن الشرق األوسط يشهد تغيرا للقوة وإذا‬ ‫ما كان ذلك صحيحا‪ ،‬فما هو دور توزيع القوة في تشكيل االنتفاضة العربية؟‬ ‫ لقد رأينا ثورة املعلومات وهي تؤثر بقوة على سياسات الشرق األوسط‪ ،‬فإذا ما‬‫نظرنا ملصر‪ ،‬لم نكن لنجد سوى الرؤية الكالسيكية املتعلقة بأنه ال يوجد حل‬ ‫وسط بني مبارك واإلخوان املسلمني‪ .‬وأساسا‪ ،‬لم يخلق ذلك التنامي للمعلومات‬ ‫فقط كيانا جديدا مت متثيله في ميدان التحرير ولكنه خلق أيضا التقنيات‬ ‫والتكنولوجيا مثل «تويتر» و«فيس بوك» التي ساعدتهم على التنسيق فيما‬ ‫بينهم‪ .‬اآلن‪ ،‬ال يعني ذلك أن العملية انتهت‪ .‬فنحن في املرحلة األولى من عملية‬ ‫متعددة املراحل‪ ،‬وبالتالي فنحن ال نعرف إلى أين ستتجه األمور‪ .‬فنحن اآلن نشهد‬ ‫سياسة‪ ،‬فمصر على سبيل املثال‪ ،‬أصعب مما كانت عليه قبل عشرة أو عشرين‬ ‫عاما‪ .‬ولكن تأثير ذلك على باقي املنطقة ما زال غير واضح‪ .‬وبالفعل هناك تأثير‬ ‫مع ٍد نظرا للغة والثقافة‪ ،‬فما حدث في تونس ينتقل إلى املنطقة بأكملها‪ .‬ولكن‬ ‫كل دولة مختلفة متاما في خصائصها ومن ثم فال يجب أن نتوقع أن حتدث نفس‬ ‫األشياء في كل دولة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فعلى الرغم من أن هناك عوامل شبه بني ما يحدث‬ ‫اآلن وما حدث في عام ‪ ،1848‬فإننا يجب أن نتذكر أيضا أن ما حدث في ‪ 1848‬كان‬ ‫انتشارا للثورات الليبرالية في أوروبا لم يسفر عن دميقراطية‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لقد احتاجت الثورات األوروبية إلى ‪ 100‬عام أو أكثر لكي حتقق‬ ‫التغيير‪ .‬فهل تعتقد أن الشرق األوسط بحاجة إلى تلك املدة الطويلة لكي‬ ‫يحقق التغيير؟‬ ‫ ليس بالضرورة‪ ،‬ألنك‪ ،‬في الوقت الراهن‪ ،‬أصبح لديك قدرة أكبر على احلشد‬‫السريع باإلضافة إلى االتصاالت‪ .‬وأعتقد أنه من اخلطأ أن ننظر إلى القياس‬ ‫التاريخي بشكل حرفي‪ .‬فقد قال املؤلف التاريخي‪ ،‬مارك توين‪ ،‬ذات مرة‪« :‬ال يكرر‬ ‫التاريخ أبدا نفسه‪ ،‬فاألمر ال يتجاوز القافية في أفضل األحوال»‪ .‬وبالتالي فال‬ ‫أعتقد أننا سوف نشهد ‪ 1848‬أو ‪ 1989‬مرة أخرى في الشرق األوسط‪ .‬فهناك‬ ‫مجرد أفكار عامة مشتركة‪ ،‬ولكن ما سوف يحدث في الشرق األوسط سوف‬ ‫تكون له أصول شرق أوسطية خالصة‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬لقد كانت هناك تساؤالت تتعلق بالقيادة األميركية في أعقاب‬ ‫االنتفاضة العربية‪ .‬فيقول بعض منتقدي أوباما إنه التزم خطابا مغايرا‬ ‫يحتفي بكل بالنماذج الواقعية ومناذج التدخل الليبرالية‪ .‬فهل استجابت‬ ‫أميركا بفعالية للتغيرات التي جتتاح املنطقة؟‬ ‫ حسنا‪ ،‬ذلك صحيح على نحو ما‪ .‬حيث تتضمن السياسة اخلارجية املوائمة‬‫بني مجموعة من القيم حتمل في العادة تناقضا‪ .‬فعلى أوباما أو أي رئيس آخر‪،‬‬ ‫مثال فيما يتعلق مبصر‪ ،‬أن يحافظ على عالقات طيبة مع اجليش املصري الذي ما‬ ‫زال القوة األكبر‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬عليه أن يحافظ على عالقته بجيل الشباب‬ ‫في ميدان التحرير‪ .‬فاألمر كالسير على احلبل‪ ،‬حيث يجب عليك أن حتافظ على‬ ‫التوازن‪ .‬وأعتقد أن أوباما كان يتهادى على ذلك احلبل دون أن يسقط عنه‪.‬‬ ‫«اجمللة»‪ :‬هل لدى أوباما مبادئ واضحة فيما يتعلق بالسياسة اخلارجية وإذا‬ ‫كان الوضع كذلك‪ ،‬هل تغير ذلك إثر الربيع العربي؟‬ ‫ بصفة عامة‪ ،‬لدي شكوك بشأن مصطلح املبادئ‪ ،‬ألنه ينتج‪ ،‬بصفة عامة‪،‬‬‫عن الصحافة وليس عن الرئيس أو السياسات نفسها ولكنني أعتقد أن أوباما‬ ‫كانت لديه استراتيجية عامة تتمثل في «استراتيجية األمن الوطني» التي‬ ‫أصدرها البيت األبيض‪ .‬وهي االستراتيجية التي يطلقون عليها «القوة الذكية»‪،‬‬ ‫القدرة على اجلمع بني موارد القوة الصلبة والقوة الناعمة داخل استراتيجيات‬ ‫ناجحة وهو ما يعني‪ ،‬ضرورة أن تستخدم في بعض األوقات القوة الصلبة وفي‬ ‫أخرى أن تلجأ للقوة الناعمة‪ .‬ويجب أن نكتشف كيف ميكن اجلمع بني االثنني‪.‬‬ ‫إن اخلطة العامة التي كان يحاول أوباما استخدامها كأفكاره منظمة لسياسته‬ ‫اخلارجية‪ ،‬كانت تعتمد على التعامل مع انتقال القوة الذي مثله بزوغ جنم آسيا‪،‬‬


‫او حقيقة البعد الطائفي للمطالب بالبحرين‪ ،‬وقد ألفت حولها كتب‬ ‫من قبل مثقفني شيعة يتحدثون عن تورط ايران بالبحرين‪ .‬وابسط مؤشر‬ ‫على ارتباك االعالم العربي هو سهولة اطالق لقب ثورات على ما يحدث في‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫تقيمون دور وأداء االعالم املرئي وبخاصة قناتي العربية واجلزيرة في‬ ‫ كيف ّ‬‫األحداث األخيرة؟‬ ‫* اجلزيرة استمرت على خطها القائم على االنتقائية املفرطة‪ ،‬واتباع اسلوب‬ ‫احلمالت‪ ،‬ويكفي فضيحة ثروة مبارك‪ ،‬كما سارت على ما يريده الشارع‪ .‬اما‬ ‫العربية فكانت متناقضة على مدار النشرات‪ ،‬وليس الدول‪ ،‬سواء في تونس‪،‬‬ ‫او مصر‪ ،‬او اليمن‪ ،‬او البحرين‪ ،‬اما في سوريا فكانت اخطاءها فادحة‪ ،‬وهي‬ ‫قصة اخرى‪.‬‬ ‫ وماذا عن الصحافة املكتوبة‪ .‬ماذا عن صحيفة الشرق األوسط التي‬‫ترأسون حتريرها؟‬ ‫* اخباريا‪ ،‬تقيدنا باملعلومة‪ ،‬من االطراف كافة‪ ،‬ورصدنا ما يحدث‪ ،‬وجتنبنا‬ ‫العاطفة‪ ،‬والتزمنا موقفا حاسما ضد القتل والعنف‪ ،‬واجرينا مزيدا من‬ ‫احلوارات لفهم حقيقة ما حدث ويحدث في كل الدول املعنية‪ ،‬مع اعداد‬ ‫التحقيقات‪ ،‬والبروفايل اخلاص بشخصيات كل مشهد‪ .‬اما على مستوى‬ ‫الراي فكانت املقاالت متباينة ولكن طغى عليها الطابع املتعقل‪ ،‬نظرا‬ ‫لطبيعة الكتاب املتخصصني في الصحيفة‪ .‬ملخص القول‪ ،‬لم نكن طرفا‪،‬‬ ‫باي شكل من االشكال مثل القنوات العربية حيث شاهدنا العربية تبث‬ ‫صورا ملن رفعوا اسمها في مصر‪ ،‬بينما راينا اجلزيرة تبث مقاطعا ايضا ملن‬ ‫يرفعون اسم احملطة القطرية في مصر!‬ ‫ أال ترون أن األحداث في املنطقة قد عرّت االعالم العربي‪ .‬مبعنى أنه كشف‬‫الضعف املهني‪.‬‬ ‫* بكل تأكيد‪ ،‬فالشائعة باتت معلومة‪ ،‬والعواطف حتولت الى معايير‪ ،‬وكان‬ ‫هناك حفلة تهييج بدال من التقصي والتحري‪ ،‬حيث حتول الفنانون الى‬ ‫محللني سياسيني!‬ ‫ في لقاء لكم مع بن برادلي رئيس التحرير السابق للواشنطن بوست‬‫حتاورمت حول املواصفات التي ينبغي توفرها في رئيس التحرير‪ ،‬هل تعتقد أن‬ ‫يصل اإلعالم العربي الى مثل ذلك املستوى املرجو واملطلوب؟‬ ‫* ال زال الطريق طويال‪ ،‬لالسف!‬ ‫ انتقدمت أكثر من مرة‪ ،‬وآخرها كان في مقال لكم حتت عنوان «الطفل‬‫الذي هز سوريا» ظاهرة احملللني السوريني الذين يدافعون عن النظام‬ ‫وتستضيفهم القنوات العربية وهو ما ال نراه في القنوات األجنبية اذ‬ ‫وحده املسؤول الرسمي ميثل النظام‪ ،‬أي نظام‪ ،‬هل يعود ذلك أيضا الى غياب‬ ‫املهنية؟‬ ‫* بكل تأكيد‪ ،‬ويعود ايضا الى عدة عوامل اخرى تعرفها عندما تعرف‬ ‫من يسيطر على غرفة االخبار‪ ،‬ومسؤولي النشرات‪ ،‬وان كان ذلك ال يعفي‬ ‫املسؤولني الكبار في احملطة من املسؤولية ايضا‪ .‬القنوات الغربية قاطعت‬ ‫احملللني السوريني فاضطر النظام الى ان يوصل رسالته عبر مسؤولني سوريني‪،‬‬ ‫بينما في االعالم العربي جند ان احملللني يتسيدون املشهد ليقوموا بتضليل‬ ‫املشاهد وهو خطأ وقعت فيه قناة العربية بشكل كبير لالسف‪.‬‬ ‫ ما هي رؤيتكم للوضع احلالي في سوريا‪ .‬وكيف ترون تطور األحداث؟‬‫* سوريا حالة مختلفة‪ ،‬واالمر نفسه ينطبق على باقي الدول‪ ،‬فال يوجد‬ ‫«كاتلوج» موحد للدول العربية‪ .‬في سوريا هناك عدة اعتبارات اهمها‬ ‫قلق الغرب من الطابع اجلغرافي لسوريا‪ ،‬حيث يحدها لبنان واالردن والعراق‬ ‫واسرائيل وتركيا‪ ،‬وهذا يعني ان االزمة السورية الداخلية هي ازمة خارجية‬ ‫بكل تأكيد‪ .‬لكن قناعتي ان اهم عامل سيحدد الى اين تتجه سوريا هو‬ ‫الشعب السوري نفسه‪.‬‬ ‫ قلتم في مقالكم «إلى من يقارنون البحرين بسوريا» إن هناك محاوالت‬‫مستميتة من دول ووسائل إعالم ملقارنة البحرين بسوريا‪ .‬ماذا تقصدون من‬ ‫وراء ذلك‪.‬‬ ‫* الواضح ان الناشطني البحرينيني الشيعة جنحوا بخلق عالقات مميزة‬ ‫مع االعالم الغربي‪ ،‬مما ادى الى تضليل االعالم الغربي جتاه ما يحدث هناك‪،‬‬ ‫كما ان هناك محاولة للقول عربيا بان ما يحدث بسوريا مشابه ملا يحدث‬ ‫بالبحرين‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ ،‬فما يحدث في دمشق هو حترك شعبي دون دعم‬ ‫خارجي‪ ،‬بينما ما حدث بالبحرين كان بدعم ايراني‪ ،‬واملفارقة ان النظام‬ ‫االيراني يدعم نظام بشار االسد ضد مواطنيه‪ ،‬بينما يدعم الشيعة‬ ‫البحرينيني ضد نظامهم!‬ ‫ قلتم أيضا في نفس املقالة إن اإليرانيني متورطون في سوريا‪ ،‬وليسوا‬‫كقوات درع اجلزيرة‪ .‬أين يكمن الفرق؟‬ ‫* البحرين جزء من مجلس التعاون اخلليجي‪ ،‬والذي تنبثق منه قوات درع‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫اجلزيرة‪ ،‬التي سبق لها ان دخلت دول اخرى غير البحرين من قبل‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فدعوة درع اجلزيرة للبحرين ليست تدخال خارجيا او احتالال‪ ،‬ناهيك عن ان‬ ‫مسؤولية درع اجلزيرة بالبحرين هي تامني املؤسسات احليوية‪ ،‬بينما التدخل‬ ‫االيراني في سوريا كان لقمع االبرياء العزل ومساعدة نظام قمعي‪ ،‬بينما‬ ‫النظام البحريني نظام دميقراطي يسمح على االقل بحرية الرأي واالختالف‪.‬‬ ‫فدرع اجلزيرة لم تدخل البحرين لتقطع االنترنت‪ ،‬والطرقات‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ هل تتوقعون مواجهة ما‪ ،‬حتى وان كانت اعالمية‪ ،‬بني الدول اخلليجية‬‫وبخاصة السعودية‪ ،‬من جانب‪ ،‬وايران من اجلانب اآلخر؟‬ ‫* املواجهة عمرها بعمر الثورة االيرانية اخلمينية‪ ،‬ولم تتوقف على االصعدة‬ ‫كافة لليوم‪.‬‬ ‫ اال توجد مخاوف من اللعب على وتر املذهبية في دول اخلليج‪ .‬وان كان‪ ،‬كيف‬‫السبيل ملعاجلة ذلك؟‬ ‫* اخملاوف حقيقية‪ ،‬وهذا االمر يتطلب عاملني‪ ،‬االول من قبل الدول التي‬ ‫عليها تكريس مفهوم املواطنة‪ ،‬من خالل احترام جميع املواطنني من دون‬ ‫متييز‪ ،‬والعامل االخر يتوقف على ابناء الطوائف ليحسموا امرهم‪ ،‬فهل هم‬ ‫مواطنون‪ ،‬ام ابناء جالية تقيم بذلك الوطن‪ .‬ال ميكن ان تكون مواطنا شيعيا‬ ‫في احدى دول اخلليج ووالؤك اليران‪ ،‬هذا امر غير مقبول!‬ ‫ في حالة حصول تغيير ما في سوريا‪ ،‬ما تأثير ذلك في مستقبل العالقات‬‫مع ايران؟‬ ‫* سقوط نظام االسد يعني فشل السياسة اخلارجية االيرانية‪ ،‬ومنذ الثورة‬ ‫اخلمينية‪ ،‬حينها ستعود ايران الى حجمها الطبيعي‪ ،‬وستكون مشغولة‬ ‫بتبعات فشلها اخلارجي داخليا‪.‬‬ ‫ هل باالمكان أن نرى أو نتوقع تدخال ايرانيا مباشرا «بأي شكل من األشكال»‬‫ملساعدة احلليف االستراتيجي سوريا؟‬ ‫* هذا امر حاصل اليوم‪.‬‬ ‫ وماذا عن حزب اهلل وحلفاء دمشق في لبنان ومستقبل العالقات بني البلدين‬‫* ما يجهله البعض ان املعارضة السورية االصيلة‪ ،‬او ما عرف بربيع دمشق‬ ‫كان لهم موقف واضح جتاه دور نظام االسد في لبنان‪ ،‬حيث كانوا يشجعون‬ ‫عالقات دبلوماسية متكاملة‪ ،‬وحسن جوار‪ ،‬خصوصا وانهم يطالبون بتطبيق‬ ‫الدولة املدنية في سوريا‪ ،‬وهذا بدوره يعني ان لبنان الدولة ستستفيد من‬ ‫سقوط نظام االسد‪ ،‬وليس لبنان الطوائف‪ ،‬وامليليشيات‪.‬‬ ‫ في حالة تأزم الوضع في سوريا اال تتخوفون من «سيناريو» ما ينفّذه حزب‬‫اهلل مثال في جنوب لبنان او النظام السوري نفسه في اجلوالن‬ ‫* حزب اهلل يعرف ان الظروف اليوم ليست مبصلحته‪ ،‬دوليا‪ ،‬واقليميا‪ ،‬سواء‬ ‫سياسيا او عسكريا وحتى على مستوى الراي العام‪ ،‬ومهمة حزب اهلل‬ ‫الرئيسية في لبنان هي خدمة ايران‪ ،‬وليس نظام االسد الذي بدوره يعي ويعرف‬ ‫ان اي عمل عسكري مع اسرائيل يعني خسائر فادحة نظرا الختالل موازين‬ ‫القوة‪ ،‬لذلك استبعد انزالق املنطقة الى مواجهة عسكرية في هذا االجتاه‪.‬‬ ‫ مبناسبة احلديث عن «السيناريوهات»‪ ..‬هل ممكن أن تقدم ايران بدورها على‬‫تصعيد ما يبعد األنظار عما يحدث في سوريا؟‬ ‫* ال اعتقد فإيران نفسها متر بأزمة داخلية حقيقية‪.‬‬ ‫احلميد‪ ،‬املثقف والكاتب والصحفي‪ ،‬من «الربيع العربي»؟‬ ‫ موقف طارق‬‫ّ‬ ‫* ارى انه زلزال سياسي‪ ،‬ليس خيرا كله‪ ،‬وال شرا كله‪ .‬اكثر ما يزعجني‬ ‫فيه انه حتول الى رومانسية‪ ،‬حيث بات لدينا شريحة عريضة اليوم من‬ ‫الرومانسيني االعالميني‪ ،‬واملثقفني‪ ،‬وحتى الساسة‪ ،‬وهذا خطر جدا‪ .‬‬ ‫ ماذا عن اليمن‬‫* وصفة جحيم ما لم تتم معاجلته بطريقة جادة بعيدة عن العاطفة‪،‬‬ ‫واجملاملة‪.‬‬ ‫ وماذا عن مصر‬‫* اعان اهلل مصر على املصريني!‬ ‫ وتونس‬‫* الى اآلن ال نعلم ملاذا حدث االنقالب العسكري؟‬ ‫ كيف ترى النهاية في ليبيا‬‫* اذا كنت تقصد القذافي فقد انتهى‪ ،‬ونحن بانتظار اسدال الستار لنرى هل‬ ‫النهاية حفرة‪ ،‬على غرار صدام حسني‪ ،‬او مستشفى على غرار حسني مبارك‪.‬‬ ‫ أخيرا‪ .‬هل نبدأ في تقييم النتائج وحصر اخلسائر أم هي مجرد بداية لها‬‫ما بعدها؟‬ ‫* الزلنا في البدايات‪ ،‬وعلينا ان نتذكر ان االنظمة التي سقطت‪ ،‬والتي تهتز‬ ‫اليوم‪ ،‬لم تنجح اصال في بناء دولة مؤسسات‪ ،‬وخالفه‪.‬‬

‫حوار أجراه‪ :‬عزالدين سنيقرة‬ ‫‪39‬‬


‫● حوارات‬

‫احلميد‪« :‬اجلزيرة» انتقائية و«العربية» متناقضة‬ ‫طارق ّ‬

‫رئيس التحرير‬

‫«الشائعة باتت معلومة والعواطف حتولت الى معايير»‪ ،‬هذا هو حال االعالم العربي في «زمن الثورة»‪ .‬إعالم جاءت األحداث‬ ‫اجلسام التي يعيشها العالم العربي لينكشف ضعفه وتتأكد عدم مهنيته‪ .‬لكن وعلى الرغم من «الرومانسية» التي‬ ‫احلميد رئيس حترير صحيفة «الشرق األوسط» ال يزال يرى ان الزلزال السياسي الذي‬ ‫طغت على الصحافة العربية فإن طارق‬ ‫ّ‬ ‫يعصف باملنطقة «ليس خيرا كله‪ ،‬وال شرا كله»‪.‬‬ ‫عزالدين سنيقرة‬ ‫«الشائعة باتت معلومة والعواطف حتولت الى معايير»‪ ،‬هذا هو حال‬ ‫االعالم العربي في «زمن الثورة»‪ .‬إعالم جاءت األحداث اجلسام التي يعيشها‬ ‫العالم العربي لينكشف ضعفه وتتأكد عدم مهنيته‪ .‬لكن وعلى الرغم من‬ ‫احلميد رئيس‬ ‫«الرومانسية» التي طغت على الصحافة العربية فإن طارق‬ ‫ّ‬ ‫حترير صحيفة «الشرق األوسط» ال يزال يرى ان الزلزال السياسي الذي‬ ‫يعصف باملنطقة «ليس خيرا كله‪ ،‬وال شرا كله»‪.‬‬ ‫بني ثورة هنا وانتفاضة هناك‪ ،‬تعرف املنطقة العربية‪ ،‬مبغربها ومشرقها‪،‬‬ ‫بشامها وخليجها‪ ،‬منذ قرابة ‪ 8‬أشهر زلزاال سياسيا‪ ،‬أنهى أنظمة وأخاف‬ ‫أخرى‪ ،‬واحلبل على اجلرار‪ .‬االعالم العربي‪ ،‬بشقيه‪ ،‬املرئي واملكتوب‪ ،‬طاله‬ ‫«الربيع العربي» فتاه على عادته وفقد مصداقية‪ ،‬هي أصال مفقودة‪ .‬خير‬ ‫احلميد رئيس حترير‬ ‫من «يجلد الذات» ويعمل قلمه‪ ،‬شطبا أو موافقة‪ ،‬طارق‬ ‫ّ‬ ‫جريدة الشرق األوسط‪ ،‬الذي بحكم خبرته الطويلة ومسؤوليته الكبيرة في‬ ‫احدى كبريات الصحف العربية‪ ،‬قد يكون من أكثر الناقدين‪ ،‬املنصفني‪ ،‬ملهنة‬ ‫موكول لها احلدث فتجاوزتها األحداث‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫احلميد‪ ،‬كان يشغل منصب مساعد رئيس التحرير سابقاً‪ ،‬وتولى قبل ذلك‬ ‫طارق‬ ‫ّ‬ ‫منصب مدير حترير الصحيفة في السعودية‪ ،‬وكان قبل التحاقه بـ «الشرق‬ ‫األوسط»‪ ،‬يعمل في القسم السياسي في صحيفة املدينة السعودية‪ .‬وعمل‬ ‫مراسال في واشنطن‪ .‬ودرس البكالوريس في جامعة امللك عبد العزيز في جدة‪،‬‬ ‫كما درس اإلعالم في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫«اجمللة» التقت رئيس التحرير فكان احلوار التالي‪:‬‬ ‫احلميد رئيس التحرير مواكبة االعالم العربي ملا يحدث من‬ ‫ كيف يرى طارق‬‫ّ‬ ‫تغيير في املنطقة؟‬ ‫* هناك ارتباك واضح‪ ،‬وارجتال‪ ،‬والسباب عدة‪ ،‬منها ان جل االعالم العربي ال‬ ‫ياخذ املعلومة على محمل اجلد‪ ،‬وابسط مثال هنا اللغط حول ثروة مبارك‪،‬‬ ‫كما ان اعالمنا ال يحاول سبر اغوار االحداث‪ ،‬والشخصيات املتسيدة للمشهد‪،‬‬ ‫لفهم ملاذا حدث ما حدث‪ ،‬وما هي دوافع الشخصيات املتسيدة لذلك املشهد‪،‬‬ ‫ناهيك عن ان العالقة بني االعالم العربي والبحث شبه منقطعة‪ ،‬فبعض‬ ‫احداث اليوم ليست مفاجئة بل هي نتاج تراكمات يغطيها االعالم نفسه‬ ‫طوال السنوات املاضية‪ ،‬مثل اوضاع مصر‪ ،‬او املطالب الشعبية في سوريا‪،‬‬


‫جيل جديد من اآلشوريني في جتمع بالسويد لتذكير العام مبذبحة ‪1915‬‬

‫السبب‪ ،‬ليس هناك شيء يبرر تدمير القرى‪ ،‬وذبح اآلالف من الضحايا‬ ‫األبرياء من الشباب والعجائز‪ ،‬واالغتصاب‪ ،‬والذبح واختطاف النساء‬ ‫واألطفال املسجل بالتفصيل عبر شهود العيان باعتباره أحد أكثر‬ ‫األفعال قسوة وال إنسانية‪.‬‬ ‫لقد أصبحت أحداث العنف في عام ‪ 1915‬تعرف باسم السيف‪،‬‬ ‫أو عام السيف داخل اجملتمع اآلشوري ولم يتم جتاهلها‪ .‬بل إنها‬ ‫متثل بالنسبة لهم قمة املذابح املستمرة التي ارتكبت خالل عهد‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية‪ .‬وخالل عامني فقط‪ ،‬في الفترة من ‪1843‬‬ ‫ ‪ ،1845‬وفقا ملمثلني بريطانيني ومصادر البعثات الغربية‪ ،‬مت ذبح‬‫عشرة آالف آشوري‪ .‬ومنذ ذلك الوقت‪ ،‬تعرضوا للمزيد من املذابح‬ ‫ولكن ‪ 1915‬كان العام األكثر وحشية من حيث عدد الضحايا‪.‬‬ ‫فقد اعترفت «الرابطة الدولية ألكادمييي املذابح اجلماعية» التابعة‬ ‫للبرملان األوروبي باملذبحة اآلشورية وكذلك «الرابطة األميركية‬ ‫األرمينية»‪ .‬ولكن تركيا ما زالت تنكر املذبحة رغم أنها رسميا قد‬ ‫اعترفت باقتراف مذابح في أماكن أخرى مبا في ذلك املذابح التي‬ ‫تضمنت عددا أقل من الضحايا واجلماعات األصغر مثل البوسنة‬ ‫وكوسوفو في االحتاد اليوغوسالفي السابق‪.‬‬ ‫وفي ‪ ،2009‬أدلى رجب طيب أردوغان‪ ،‬رئيس وزراء تركيا بذلك التصريح‬ ‫اجلريء بأن حوادث التطهير العرقي التي ارتكبتها احلكومات التركية‬ ‫السابقة كانت أفعال فاشية قائال‪« :‬لسنوات طويلة‪ ،‬كان من‬ ‫يحملون هويات مختلفة يتعرضون للطرد من بالدنا»‪.‬‬ ‫وهي اخلطوة التي تعرضت لالنتقاد احلاد وللتفنيد من جانب برملانه‬ ‫ولكن مجتمعات األقليات رحبت بها‪ .‬على أية حال‪ ،‬كانت هناك‬ ‫العديد من التحفظات على صدقه‪ ،‬وما زال لم يقدم اعتذارا رسميا‬ ‫حتى اآلن‪.‬‬ ‫انكار‬ ‫ولكي جند حلوال للنزاعات احلالية‪ ،‬يجب أن نعود للتاريخ احلديث‪،‬‬ ‫وندرس ما الذي حدث ونعرض املناحي اإليجابية وندين املناحي‬ ‫السلبية‪ .‬وإال نكون قد شاركنا في دعم السلوكيات األصولية‬ ‫والعرقية بصمتنا‪ .‬عندما ال نعترف بوقوع مذبحة جماعية‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫يخلق شعورا في اجملتمع بأن ذلك النوع من األفعال مر من دون عقاب‬ ‫وهو ما ال يسمح للمجتمع بالتطور‪ .‬كما يساهم اإلصرار على‬ ‫إنكار جرائم اإلمبراطورية العثمانية في انعدام الثقة واستمرار‬ ‫اضطهاد ضحاياها حتى اليوم‪ .‬وفقا لصبري إمتان‪ ،‬مؤسس مركز‬ ‫سيف اآلشوريني في أوروبا «فإن اإلنكار‪ ،‬جعل الوضع الذي كان‬ ‫موجودا منذ عام ‪ 1915‬يستمر من خالل اجلرائم التي ترتكب‬ ‫في الوقت الراهن ضد اآلشوريني في تركيا والعراق وإيران»‪ .‬الكرة‬ ‫اآلن في ملعب تركيا حيث ميكنها استغالل الفرصة لتقدم منوذجا‬ ‫طيبا للدول األخرى‪ .‬وقبل أن يحدث ذلك‪ ،‬يتساءل إمتان‪« :‬هل يجب‬ ‫عليهم أن يعيشوا وفقا للعقلية التي كانت سائدة وقت ارتكاب‬ ‫تلك اجلرائم؟»‪.‬‬ ‫ومن جهته‪ ،‬يقول هانيبال ترافيس مؤلف كتاب «املذابح اجلماعية‬ ‫في الشرق األوسط‪ :‬اإلمبراطورية العثمانية العراق والسودان» إن‬ ‫«تنفيذ القانون الدولي رمبا يحل املشكلة»‪ ،‬مضيفا‪« :‬مينع القانون‬ ‫الدولي إنكار وقوع املذابح اجلماعية أو اجلرائم ضد اإلنسانية‬ ‫ويتطلب سداد التعويضات ويضمن مساواة أعضاء األقليات‬ ‫الثقافية‪ ،‬الدينية‪ ،‬العرقية والسياسية والسكان األصليني»‪.‬‬ ‫رمبا يكون لدى كل فرد من األشوريني أو السريان أو الكلدان فرد قد‬ ‫قتل أو اختطف أو مت إجباره على الزواج خالل أحداث ‪ .1915‬ولكن‬ ‫العدالة رمبا تأتي في أشكال مختلفة‪ ،‬ففي الوقت الذي يخشى فيه‬ ‫البعض من مطالبة اجملتمع اآلشوري بالتعويضات – كما حدث في‬ ‫أملانيا النازية ‪ -‬فإن كل ما تطالب به أسر الضحايا هو اعتذار تركي‬ ‫حكومي‪ ،‬اعتراف بأن ما حدث كان مذبحة وأنه كان هجوما أحادي‬ ‫اجلانب عليهم‪ ،‬على أناس أبرياء‪ .‬ويشعر العديد منهم أنه حتى‬ ‫يحدث ذلك‪ ،‬فإن أرواح املاليني الذين قتلوا بال سبب ال ميكن أن ترقد‬ ‫في سالم‪ .‬فاجملتمع يحتاج إلى خامتة‪ ،‬ألنه بالنسبة لكل من فقد‬ ‫خالة أو عما أو جدا‪ ،‬باإلضافة إلى أرض الوطن‪ ،‬فإن القصة املروعة‬ ‫للدمار املنهجي لشعبهم ما زالت محسوسة حتى اآلن وما زالت‬ ‫واقعية للغاية‪.‬‬ ‫أ‪ .‬ليلث‪ -‬صحفية مقيمة بلندن ومختصة في ثقافة وفنون الشرق‬ ‫األوسط‬ ‫‪37‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫املصدر‪ :‬عرب سكوب‬

‫ففي أبريل (نيسان) ‪ ،1916‬مت رفع تقرير ملستشار اإلمبراطورية‬ ‫األملانية بأن األشوريني في شرق اإلمبراطورية العثمانية أبيدوا‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن التقديرات األولية لعدد األشوريني في ‪ 1922‬تشير إلى‬ ‫أنهم كانوا نحو ‪ 250‬ألف نسمة‪ ،‬تشير تقييمات حديثة إلى أن عدد‬ ‫اآلشوريني الذين قتلوا بلغ ‪ 750‬ألف نسمة‪ .‬هل ميكن تفسير ذلك‬ ‫حقا في إطار آثار احلرب األهلية؟‬ ‫فرق تسد‬ ‫من املعروف على نطاق واسع أن األتراك حشدوا قبائل األكراد من‬ ‫خالل استخدام الدعاية املناهضة للمسيحيني باإلضافة إلى الرشوة‬ ‫ومخزون السالح‪ ،‬واستغالل نظرية فرق تسد‪ .‬وفي عام ‪ ،1955‬أصدر‬ ‫برملان كردستان في املنفى ذلك االعتراف‪« :‬بدأ رجال اإلدارة العثمانية‬ ‫سياسة إبادة األرمن واألشوريني‪ ..‬مبساعدة بعض القبائل الكردية»‪،‬‬ ‫وكانت النتيجة «قتل ماليني األرمن واآلشوريني»‪.‬‬ ‫في يناير (كانون الثاني) ‪ ،1915‬وفي مقاطعة واحدة بأورمييا‪ ،‬متت‬ ‫مهاجمة ‪ 70‬قرية ونهبها‪ .‬وقام األتراك واألكراد بذبح اآلشوريني‬ ‫في أماديا في مايو (أيار) ‪ 1915‬قبل نقل انتباههم إلى الكلدان‬ ‫في مقاطعة سرت‪ .‬كما مت أيضا قتل اآلشوريني في مقاطعة جوار‪،‬‬ ‫هاربوت‪ ،‬هوسنكيف‪ ،‬وأورفا في يونيو (حزيران)‪ .‬ومت إجبار من لم يقتل‬ ‫على الهرب من قراهم التي مت تدميرها أو حرقها‪ ،‬حيث قطعوا رحلة‬ ‫طويلة إلى سوريا ولبنان واألردن بعربات جترها اخليول ومقطورات‪ ،‬أو‬ ‫سيرا على األقدام تاركني منازلهم وممتلكاتهم‪ .‬وقد مات العديد‬ ‫منهم خالل تلك الرحلة الشاقة والطويلة‪.‬‬

‫التوسع اآلشوري في بالد الشام وتركيا‬

‫‪36‬‬

‫ورمبا تكون أسباب املذبحة هي تطهير األراضي التركية‪ ،‬خوفا من‬ ‫تعاون املسيحيني مع األقلية الكردية أو مع روسيا في احلرب العاملية‪.‬‬ ‫يقول البعض إن ذلك كان رد الفعل التركي جتاه االنتفاضة األرمينية‬ ‫ضدهم الحتاللهم جانبا من أراضيهم‪ ،‬رغم أن تلك املذابح امتدت‬ ‫إلى ما هو أبعد من املقاومة املسلحة وال تبرر مقتل اآلشوريني‬ ‫والسريان والكلدان الذين لم يشاركوا في تلك االنتفاضة‪ .‬ومن‬ ‫جهته‪ ،‬يقول املؤرخ التاريخي ديفيد غونت إنه على الرغم من أن‬ ‫ذلك ال أساس له من الصحة‪ ،‬يبدو أن خوف األتراك من اندالع ثورة‬ ‫مسيحية كان سببا أساسيا في تلك املذابح‪ .‬وبغض النظر عن‬


‫اسرة آشورية بالزي التقليدي في بدايات القرن العشرين‬

‫ويوضح ذلك قضية دير القديس غابرييل في تركيا الذي مت تأسيسه‬ ‫في عام ‪ 397‬بعد امليالد‪ .‬حيث يعد الدير أقدم املراكز الدينية‬ ‫والثقافية وأكثرها أهمية عند اآلشوريني ولكن مستقبل الدير مهدد‬ ‫متاما‪ .‬ففي عام ‪ ،2004‬عندما قدمت احلكومة التركية «قانونا‬ ‫جديدا لتسجيل ملكية األراضي»‪ ،‬مت متكني القرى الكردية الثالث‬ ‫احمليطة بالدير وتشجيعها على تقدمي قضية الدير إلى احملكمة‪ .‬في‬ ‫‪ ،2008‬اتهم زعماء القرية الدير بالتبشير نظرا لقبوله طالب ميكنه‬ ‫مترير املعتقدات املسيحية إليهم‪ .‬كما زعموا أنه كان هناك مسجد‬ ‫من قبل في موقع الدير على الرغم من أن الدير مت بناؤه قبل عقدين‬ ‫من مجيء اإلسالم‪ ،‬وطالبوا بتقسيم األرض بني القرويني‪ .‬وفي قرار‬ ‫‪ ،2006‬اعتبر البرملان األوروبي تلك القضية قضية حقوق إنسان‪.‬‬ ‫ولكن ما بدا أنه آخر «حملة اضطهاد» ضد اجملتمع اآلشوري‪ ،‬جاء‬ ‫أيضا ليذكرهم مباضيهم املؤلم‪.‬‬ ‫جدير بالذكر‪ ،‬أن عدد السكان اآلشوريني وغيرهم من املسيحيني‬ ‫الذين يعيشون في الشرق األوسط يتضاءل على نحو متسارع‪ .‬فقد‬ ‫تضاءل عدد اآلشوريني‪ ،‬الذين كانوا من قبل أمة قوية وكبيرة يبلغ‬ ‫عددها نحو مليون نسمة تعيش في تركيا‪ ،‬وكانوا روادا في فترة‬ ‫‪ 2400‬قبل امليالد في مجاالت الطب‪ ،‬التعليم‪ ،‬القانون والفلك‪ .‬ومت‬ ‫القضاء عليهم من خالل عدد ال نهائي من اإلعدامات‪ ،‬حتى أصبح‬ ‫عددهم يبلغ اآلن نحو ‪ 5‬آالف نسمة‪ .‬فقبل احلرب العاملية األولى‪،‬‬ ‫كان املسيحيون يشكلون ‪ 33‬في املائة من السكان في تركيا‪،‬‬ ‫ولكنهم أصبحوا ميثلون حاليا نحو ‪ 0.1‬في املائة ‪ -‬نتاج املذابح التي‬ ‫تعرضوا لها‪ ،‬والهجرة اإلجبارية ثم الهجرة الحقا‪ .‬واليوم‪ ،‬ال تعترف‬ ‫تركيا باآلشوريني حتى كأقلية‪ .‬ويشعر العديد من أفراد ذلك اجملتمع‬ ‫بأنهم ضحايا دائرة كانت تستهدف محو وجودهم ليس املادي فقط‬ ‫بل حتى وجودهم في الذاكرة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فإن ذلك باإلضافة إلى‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫احلرمان من ملكية األراضي مذكور في كتب األكادمييني املتخصصني‬ ‫في دراسة املذابح اجلماعية مثل رافييل ملكن‪ ،‬باعتبارها أحدث‬ ‫خطوات اإلبادة‪.‬‬ ‫في ‪ 14‬نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ ،1914‬وفي بداية احلرب العاملية‬ ‫األولى‪ ،‬أعلن «شيخ اإلسالم» حربا مقدسة ضد جميع املسيحيني‬ ‫في الدولة العثمانية‪ .‬وتعد مذبحة األرمن التي جاءت نتاج تلك‬ ‫الدعوة مذبحة مشهورة وموثقة ولكن عددا قليال يعرف بشأن‬ ‫املذابح اجلماعية التي تعرض لها اآلشوريون الكلدان‪ ،‬السريان‪.‬‬ ‫يؤكد األستاذ ريتشارد هوفانسيان في الكتاب الذي يتضمن مقاالته‬ ‫حول املذبحة األرمينية «‪ »Anahit Khosroeva‬في األكادميية‬ ‫الوطنية لعلوم أرمينيا‪ ،‬أنه في الفترة بني ‪ 1922 – 1895‬في تركيا‪،‬‬ ‫وعندما مت ذبح نحو ‪ ،802.947‬فقد نحو ثلثي السكان اآلشوريني‬ ‫حياتهم‪.‬‬ ‫وميكن تفسير ذلك «الفصل املفقود» من التاريخ بطغيان قضية‬ ‫أرمينيا عليه وأيضا بوجود حظر قانوني على احلديث حول تلك املذابح‬ ‫في تركيا باإلضافة إلى التمويل احلكومي الفعال لألدبيات التاريخية‬ ‫البديلة في الواليات املتحدة وبريطانيا وامتداح الدولة العثمانية‬ ‫وتصوريها كضحية من منطلق أن املتمردين يستحقون العقاب‪.‬‬ ‫وقد عزت تركيا األحداث إلى «احلرب األهلية واالضطرابات» وليس‬ ‫للمذابح اجلماعية واستخدمت ذلك كمبرر لغياب االعتذار الرسمي‪.‬‬ ‫ولكن روايات الشهود وشهادات الدبلوماسيني واملبعوثني التي‬ ‫كانت ترسل عبر البرقيات واخلطابات والتقارير التي كانوا يرفعونها‬ ‫لرؤسائهم تروي لنا قصة مختلفة‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫● الوضع البشري‬

‫راهبات من مدينة ماردين التركية في صورة نادرة قبل حملة التطهير العرقي‬

‫الدولة العثمانية واألقليات الدينية‪ ..‬تاريخ من املذابح املسكوت عنها‬

‫الفصل املفقود‬

‫خالل احلكم العثماني‪ ،‬ارتكبت الكثير من املذابح ضد األقليات الدينية‪ ،‬غير املوثقة أو تلك التي ال يراد توثيقها‪ ،‬التي ميكن‬ ‫تصنيفها ضمن عمليات التطهير العرقي‪ .‬األقلية اآلشورية املسيحية كانت من األقليات التي ارتكبت في حقها "مذبحة"‬ ‫في بدايات القرن العشرين راح ضحيتها اآلالف ودمرت خاللها قرى بكاملها‪.‬‬ ‫أ‪ .‬ليلث‬ ‫تظهر الهجمات األخيرة على الكنائس في مصر والعراق أن املواطنني‬ ‫املسيحيني يواجهون مستقبال غامضا في الشرق األوسط‪ .‬ففي‬ ‫دولة يعد الدين فيها مكونا أساسيا من مكونات احلياة‪ ،‬يبدو أن‬ ‫قضية العنف الديني تعرضت للتهميش في التغطية اإلخبارية‬ ‫للربيع العربي‪ ،‬على الرغم من األهمية البالغة لتلك الهجمات‪،‬‬ ‫فهي تدفعنا للتساؤل إذا ما كان النزاع الديني قد قوض أي مساع‬ ‫دميقراطية في أعقابه‪ .‬فعندما ال يكون هناك تسامح ديني‪،‬‬ ‫‪34‬‬

‫ال يصبح هناك أمل في الدميقراطية‪ ،‬بل فقط صراع مصالح‪.‬‬ ‫فالعالقات الطيبة بني الديانات واملعتقدات ضرورية لبناء مجتمع‬ ‫صحي دميقراطي ومستقر‪ ،‬شريطة املساواة أمام القانون واحلماية‬ ‫من العنف الناجم عن االستبداد‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬أن كل مجتمع‬ ‫بحاجة إلى ضمير أخالقي‪ .‬وكلما وجد عدم التسامح الديني‪ ،‬فإن‬ ‫مجتمعات األقليات هي أكثر من يعاني‪ .‬ولألسف‪ ،‬يتناقص عدد هذه‬ ‫األقليات في الشرق األوسط لتصبح أكثر استضعافا‪.‬‬


‫ت�صاعدت عقود �شراء خام غرب تك�سا�س الو�سيط للت�سليم يف حزيران (يونيو) ‪ -‬العقود الآجلة ‪ -‬مببلغ ‪ 200‬دوالر للربميل و�سط تفاقم اال�ضطرابات يف ليبيا‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫‪33‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫البترول‪ ..‬غياب الوضوح في سوق متشبعة‬

‫تضارب أرقام‬

‫متر ّ سوق البترول العاملية بحالة من عدم االستقرار‪ ،‬فقد رفع تزايد الطلب العاملي وتهاوي الدوالر األميركي األسعار على نحو‬ ‫كبير‪ ،‬وما زالت االضطرابات السياسية املستمرة متثل أزمة للمستثمرين وللمؤثرين بالسوق‪.‬‬ ‫أمار تور‬ ‫في فبراير (شباط)‪ ،‬عندما اندلعت احلرب األهلية بليبيا‪ ،‬سرعان ما أكدت‬ ‫اململكة العربية السعودية أنها سوف تزيد إنتاج النفط اخلام لكي تواجه‬ ‫أي انخفاض في العرض‪ .‬وفي ذلك الوقت‪ ،‬كانت ليبيا تنتج نحو ‪ 1.3‬مليون‬ ‫برميل يوميا يتم توجيه معظمهما إلى أوروبا‪ .‬وفي ‪ 28‬فبراير (شباط)‪ ،‬تعهد‬ ‫املسؤولون السعوديون بزيادة اإلنتاج إلى تسعة ماليني برميل يوميا في خطوة‬ ‫بدت لتخفيف اخملاوف املبررة للمستثمرين وصناع السياسة‪ .‬واآلن‪ ،‬هناك‬ ‫تكهنات حول أن اململكة رمبا لم تكن واضحة متاما بشأن حجم زيادة إنتاجها‪.‬‬

‫من جهتها‪ ،‬رصدت «وول ستريت جورنال» قصة عدم االنتظام تلك وتشاورت‬ ‫مع محلل بنك باركليز‪ ،‬أمريتا سن‪ ،‬الذي أكد أن اململكة كانت «تنتج نحو ‪9‬‬ ‫ماليني برميل يوميا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) نظرا لزيادة الطلب»‪ .‬وأكد ذلك‬ ‫احملللون بغولدمان ساكس‪ ،‬ففي تصريح لـ«وول ستريت جورنال»‪« :‬فيما أعلنت‬ ‫اململكة العربية السعودية عن زيادة في اإلنتاج لتعويض النقص الليبي‪ ،‬من‬ ‫املرجح أن تلك الزيادة قد حدثت بالفعل قبل ذلك بوقت ما»‪.‬‬

‫وفي نفس اليوم الذي أصدر فيه النعيمي تصريحه في الكويت‪ ،‬أصدرت «املبادرة‬ ‫في أبريل (نيسان)‪ ،‬أكد وزير البترول السعودي علي النعيمي للصحافيني في املشتركة لبيانات البترول» بياناتها التي تغطي ‪ 90‬في املائة من عرض البترول‬ ‫الكويت أن اململكة قد خفضت إنتاجها بنحو ‪ 800‬ألف برميل يوميا لكي تواجه العاملي والتي أظهرت أن ناجت السعودية في فبراير كان يبلغ بالفعل ‪ 105‬آالف‬ ‫ما وصفه بأنه سوق «متشبعة»‪ .‬وقال النعيمي موضحا‪« :‬إن السوق تفقد برميل أقل مما ذكره الوزير‪.‬‬ ‫توازنها‪ ..‬فقد كان إنتاجنا في فبراير (شباط) يبلغ ‪ 9.125‬مليون برميل يوميا‬ ‫وكان يصل إلى ‪ 8.292‬مليون برميل يوميا في مارس (آذار)‪ .‬وما زلنا لم نعرف فما لدينا فعال هو نزاع مزعج يتعلق بالبيانات‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن اخملاوف املترتبة عليه‬ ‫حجم اإلنتاج في أبريل‪ ،‬ولكنه من املرجح أن يكون أكثر قليال من مستواه في مفهومة‪ .‬ونظرا ألن الغموض السياسي واملؤسسي يحيطان بسوق البترول‪،‬‬ ‫أمس احلاجة للشفافية‪ ،‬كما أنهم يحتاجون بال شك ألن‬ ‫مارس‪ .‬وما أريده من ذكر تلك األرقام هو أن أخبركم بأن السوق متشبعة»‪.‬‬ ‫أصبح املستثمرون في ّ‬ ‫يتمكنوا من الثقة في أي أرقام حكومية أو تصريحات تصل إليهم‪ .‬ولكن ما‬ ‫لم تكن األخبار في حد ذاتها مفاجئة متاما‪ ،‬حيث كانت «أوبك» قد قررت بالفعل أخفق البعض في إدراكه‪ ،‬هو أن سوق البترول حافلة بالغموض اخلاص بالبيانات‬ ‫عقد اجتماع طارئ ملناقشة ارتفاع أسعار البترول‪ ،‬وكانت كل الشواهد تشير وأنه ما زال على املنتجني واملنظمات الدولية الوصول إلى معيار موحد للتعبير‬ ‫إلى أن املنتجني لن يتدخلوا لتهدئة السوق‪ .‬هذا وقد أثار تفسير النعيمي جدال عن اإلنتاج‪.‬‬ ‫واسعا‪.‬‬ ‫ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الطبيعة املتقلبة لسوق البترول بصفة عامة‬ ‫بافتراض أن النعيمي كان يتحدث حول متوسطات املعدالت الشهرية‪ .‬يشير ولـ«أوبك» بصفة خاصة‪ .‬فمن املستحيل قياس احلجم احلقيقي الحتياطي‬ ‫تصريحه‪ ،‬وفقا لبروتوكول «أوبك»‪ ،‬إلى أن السعودية كانت تنتج بالفعل ما يزيد البترول لـ«أوبك» بدقة‪ ،‬كما أن األرقام التي تصدرها املنظمة ال تتم مراجعتها‪.‬‬ ‫على ‪ 9‬ماليني برميل يوميا في فبراير – حتى قبل إصدار تصريحها بشأن ليبيا‪ .‬ومرتان سنويا‪ ،‬سوف تلتقي البلدان األعضاء لتحديد حصص اإلنتاج على الرغم‬ ‫وفي أعقاب إعالن ‪ 28‬فبراير مباشرة‪ ،‬قال املسؤولون إن اإلنتاج قد تزايد بنسبة من أن االتفاق يفتقر إلى اآلليات الضرورية لفرض تلك الشروط‪.‬‬ ‫‪ 500‬ألف إلى ‪ 600‬ألف برميل يوميا مما يسمح للمملكة بتوفير ما أعلنت‬ ‫عنه‪ .‬ثم قالوا الحقا إن اإلنتاج مت تخفيضه بنحو ‪ 500‬ألف برميل يوميا في ومع ذلك‪ ،‬دائما ما تسمح تلك احلصص لكل دولة بأن يكون لديها االحتياطي‬ ‫مارس‪ ،‬نظرا النخفاض الطلب على النفط السعودي اخلام اخملتلف عن البترول الالزم لزيادة اإلنتاج بسرعة تناسب صدمات السوق اخلارجية‪.‬‬ ‫الليبي اخلفيف سهل التكرير‪.‬‬ ‫وكأكبر منتج للبترول بـ«أوبك»‪ ،‬تستطيع اململكة العربية السعودية ممارسة‬ ‫وأخذا في االعتبار تلك األرقام‪ ،‬يجب أن يكون إنتاج السعودية قد تراوح حول نفوذ هائل على تذبذب العرض في املنطقة وميكنها املساعدة على تقليل تذبذبات‬ ‫‪ 9.4‬مليون برميل يوميا في مارس – وليس ‪ 8.3‬مليون التي ذكرها النعيمي‪ .‬السعر احملتملة ولكن ذلك النفوذ ال ميتد إلى السوق العاملية‪ .‬فسوق البترول في‬ ‫بل إن الطريقة الوحيدة التي ميكن أن تكون الدولة قد وصلت عبرها إلى ما قدره النهاية منقسمة إلى حد كبير وتتضمن عشرات األسواق املستقبلية الكبيرة‪،‬‬ ‫‪ 8.3‬مليون برميل يوميا هو بتخفيض اإلنتاج على نحو حاد‪ ،‬بنسبة ‪ 0.7‬مليون واألسواق املادية في العالم بأسره‪ .‬عندما تنتج السعودية برميال من النفط‬ ‫فإنها تفعل ذلك لتلبية احتياجات ليس سوقا واحدة أو مستهلكا ولكن لتلبية‬ ‫برميل يوميا خالل النصف الثاني من مارس‪.‬‬ ‫حاجات آالف املستثمرين واملصنعني واحلكومات واملقامرين‪ ،‬الذين يشتري كل‬ ‫امل�ضاربون يتوقعون و�صول �سعر برميل النفط �إىل ‪ 200‬دوالر‬ ‫منهم حصته بسعر محدد سلفا وفي تاريخ تسليم خاص به‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن «اإلنتاج» ليس موجودا وفقا ملقياس واحد شامل ولكنه رقم مركب‬ ‫ميكنه أن يشتمل على أي عدد من القيم الدقيقة في أي وقت بناء على املتغيرات‬ ‫التي يختارها املرء لتغيير املعادلة‪ .‬وفقا حملمد علي خطيبي املندوب اإليراني‬ ‫الدائم لدى «أوبك»‪ :‬هناك فارق من ‪ 500‬ألف إلى ‪ 700‬ألف برميل يوميا‪ ،‬بني‬ ‫أعلى أرقام اإلنتاج وأقلها‪ ،‬بناء على املصدر‪.‬‬ ‫إن النقاشات التي حتيط بتعليقات النعيمي ال يجب أن تثير الشكوك حول‬ ‫تالعب بالسوق‪ .‬وإن كان ال محالة‪ ،‬يجب أن تبرز تلك الواقعة الغموض الدائم‬ ‫املتعلق باألرقام التي تهيمن على سوق الطاقة بأكملها ‪ -‬كما أنها واقعة حتتاج‬ ‫املزيد من االنتباه‪.‬‬ ‫أمار تور‪ -‬صحافي يعيش بباريس متخصص في التكنولوجيا واالقتصاد‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫يعتقد " أن حذف األصفار من العملة الوطنية لن ينطوي على أي تأثيرات‬ ‫ملموسة على االقتصاد اإليراني في ظروفه الراهنة"‪ .‬ويكتب في نفس‬ ‫الصحيفة "إن حتقيق أهداف اإلصالحات يستوجب العمل املسبق على‬ ‫التضخم املالي ووجود ليبيرالية اقتصادية"‪ .‬مشددا على "أنه و في‬ ‫جلم‬ ‫ُّ‬ ‫التضخم املالي والتي تُكث ِّف‬ ‫األوضاع التي يتواصل فيها ارتفاع نسبة‬ ‫ُّ‬ ‫احلكومة في إطارها تدخلها في االقتصاد‪ ،‬ونظرا ً للمشاكل لتي يُواجهها‬ ‫االقتصاد التي تنبع من حتقيق اإلصالحات في سياسة اخملصصات املالية ‪-‬‬ ‫فال قيم َة لتطبيق اإلصالحات في العملة الوطنية"‪.‬‬ ‫وفي هذا الواقع تخشى الدوائر املعارضة خلطة االصالحات في العملة‬ ‫احمللية أن التركيز على حتقيق اإلصالحات التي من املتوقع أن تكون ثمارها‬ ‫ضئيلة والتي تتطل َّب موارد كثيرة‪ ،‬قد يُؤدي إلى صرف األنظار عن املشاكل‬ ‫االقتصادية احلقيقية التي يُعاني منها االقتصاد اإليراني ومبا فيها‪:‬‬ ‫التضخم املالي‪.‬‬ ‫•‬ ‫ُّ‬ ‫• وقف التنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫• خفض حجم االستثمار في القطاع اإلنتاجي‪.‬‬ ‫• انعكاسات العقوبات االقتصادية‪.‬‬ ‫• ارتفاع نسبة البطالة‪.‬‬ ‫• "هروب األدمغة" اإليرانية‪.‬‬ ‫• االنخفاض في نسبة إنتاج النفط وفي نسبة تصديره‪.‬‬ ‫ومن وجهة نظر محايدة يرى اخلبراء االقتصاديون أنه ستضاف أعباء‬ ‫حذف األصفار من العملة وتغيير اسمها‪ ،‬الى النتائج السيئة واألعباء‬ ‫االقتصادية التي أسفرت عنها حتى اآلن خطة رفع الدعم احلكومي عن‬ ‫السلع احلياتية‪ ،‬والتي يقول اخلبراء واملعارضون من داخل التيار احملافظ‬

‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫نفسه خصوصا االصوليني‪ ،‬إنها لم تفلح في نزع فتيل التوتر من مجتمع‬ ‫مايزال يضم مناطق تسمى في األدبيات الرسمية بـ" املناطق احملرومة‬ ‫"‪ ،‬رغم مرور أكثر من واحد وثالثني عاما على ثورة بشرت بالعدل واحلرية‬ ‫والرفاه االجتماعي‪ ،‬فيما تستمر احلكومة في سياسة أوتيل العالقات بني‬ ‫ايران ودول املنطقة والغرب‪ ،‬وانتخاب لغة تصعيد خاصة في شأن ملفها‬ ‫النووي‪ ،‬وأن هذه اخلطوة لن حتول دون انهيار كامل للعملة اإليرانية‪ ،‬التي‬ ‫تواجه أصعب التحديات بسبب العقوبات الدولية املفروضة على طهران‪.‬‬ ‫قرار حذف األصفار ال يعدو كونه محاولة "بائسة" إلخفاء حقيقة مفادها‬ ‫أن احلكومة االيرانية قد خسرت معركة الدفاع عن التومان عند مستواه‬ ‫احلالي‪ ،‬وهي تخطط لـ"توجيه" تخفيض تدريجي لقيمة عملتها بنسبة‬ ‫تراوح بني ‪ 25‬و‪ 30‬في املائة‪ ،‬لكن خبراء ومراقبني يعتقدون أن البنك‬ ‫املركزي اإليراني لن يكون قادرا ً بعد ذلك على التحكم بقيمة التومان‪ .‬مما‬ ‫يرجح عندها انهيار التومان بشكل كامل‪ ،‬ومخاوف من فشل احلكومة‬ ‫في إدارة االنكماش املالي وتوجيهه بنجاح‪ ،‬مبا يؤدي الى انهيار الثقة‬ ‫في التومان وتراجع قيمته بشكل دراماتيكي‪ ،‬وبالتالي انهيار الثقة متاما‬ ‫بالرئيس‪.‬‬ ‫ولهذا أخذت ترتفع في البرملان‪ ،‬األصوات املطالبة بحجب الثقة عن‬ ‫الرئيس بعد خالفه املعلن مع املرشد آية اهلل علي خامنئي حول وزارة‬ ‫االستخبارات‪ ،‬واعتقال مقربني منه بتهم التجسس واالنحراف والفساد‬ ‫املالي‪ ،‬ودعم خطة القصاء رجال الدين عن نظام اجلمهورية االسالمية‪،‬‬ ‫يقودها صهره ومستشاره اخلاص اسفنديار رحيم ّ‬ ‫مشائي‪.‬‬

‫جناح محمد علي ‪ -‬صحافي وكاتب عراقي متخصص في الشؤون االيرانية‬

‫‪31‬‬


‫● ثروة األمم‬

‫البرملان االيراني يبحث كفاءة الرئيس قبل "اللعب" في "التومان"‬

‫أصفار‬

‫أحمدي جناد‬

‫تستعد ايران لدخول مرحلة في االصالح االقتصادي جديدة‪ ،‬يرى اخلبراء االقتصاديون إنها ستكون صعبة على السياسة‬ ‫االقتصادية االيرانية بشكل عام‪ ،‬فيما يحذر معارضو الرئيس محمود أحمدي جناد‪،‬أنها قد تشجعهم أكثر من أي وقت مضى‬ ‫على طرح «كفاءة الرئيس السياسية» الدارة البالد على البرملان القالته كما فعل العام ‪ 1981‬مع أول رئيس للجمهورية‬ ‫االسالمية‪ ،‬أبو احلسن بني صدر‪.‬‬ ‫جناح محمد علي‬ ‫بدأ اصوليو التيار احملافظ في عقد اجتماعات مكثفة لبحث "طرح كفاءة بعد ثالث سنوات على األقل‪.‬‬ ‫الرئيس" على البرملان‪ ،‬وليس استجوابه‪ ،‬أو مساءلته فقط‪ ،‬وذلك بعد أن‬ ‫قام البنك املركزي اإليراني في نهاية االسبوع املاضي بإطالق موقع جديد وكانت خطَّ ة حذف األصفار من العملة احمللية‪ُ ،‬طرحت قبل سنوات عدَّة‬ ‫التضخم املالي التي أضرت كثيرا ً‬ ‫أعد َّ ملواكبة عملية اإلصالحات املالية التي أقرَّتها في إطار جهود التعاطي مع أزمة‬ ‫ُّ‬ ‫على شبكة اإلنترنت‪ِ ،‬‬ ‫احلكومة اإليرانية األسبوع قبل املاضي‪ ،‬والتي سيتم في إطارها حذف بقيمة العملة اإليرانية‪ ،‬واضطرَّت البنك املركزي إلى إصدار أوراق نقدية‬ ‫األصفار األربعة من العملة الوطنية ‪ -‬الريال ‪ -‬التي يطلق اإليرانيون مببالغ باهظة بقيمة كل ورقة مابني ‪ 50,000‬و‪ 100,000 ‬ريال‪ .‬وفي‬ ‫آب أغسطس ‪ 2008‬قامت احلكومة بتشكيل جلنة خاصة جلس نبض‬ ‫تسمية "التومان" على عشرة منها‪.‬‬ ‫الشارع ومعرفة انعكاسات اإلصالحات املالية التي سيتم في إطارها‬ ‫فقد أطلق البنك املركزي اإليراني في نهاية االسبوع املاضي موقعا حذف ثالثة أو أربعة أصفار من العملة احمللية‪.‬‬ ‫أعد َّ ملواكبة عملية اإلصالحات املالية التي‬ ‫جديدا على شبكة اإلنترنت‪ِ ،‬‬ ‫أقرَّتها احلكومة اإليرانية األسبوع قبل املاضي‪ ،‬والتي سيتم في إطارها صرف األنظار‬ ‫حذف أربعة اصفار من العملة الوطنية ‪ -‬الريال ‪ -‬التي يطلق اإليرانيون ويرى املراقبون أن محافظ البنك املركزي اإليراني محمود بهمني يحاول‬ ‫تسمية "التومان" على عشرة منها أوضح البنك املركزي اإليراني أن صرف األنظار عن االنهيار احملتمل للتومان‪ ،‬بالترويج إلى أن التومان‬ ‫املوقع (‪ )Reform.cbi.ir‬على شبكة اإلنترنت سوف يقوم بتزويد سيصبح مكافئا ً للدوالر األمريكي بعد حذف األصفار‪ .‬والدعاية نفسها‬ ‫االقتصاديني ووسائل اإلعالم واملواطنني مبعلومات دقيقة حول اإلصالحات‪ .‬يتبناها الرئيس اإليراني محمود أحمدي جناد الذي يسعى لإليحاء بأن‬ ‫وسيقوم بالردّ على األسئلة التي سيتم طرحها بالنسبة للموضوع التكافؤ مع الدوالر دليل على قوة إيران االقتصادية‪ .‬فبدال ً من سعر‬ ‫والقيام باستفتاءات الرأي العام فيما يتعلق باإلصالحات وفتح منتديات الصرف احلالي للتومان الذي يبلغ ‪ 10.600‬تومان في مقابل الدوالر‬ ‫على شبكة اإلنترنت ملناقشة املوضوع ولطرح آراء ودراسات لها ارتباط األمريكي‪ ،‬سيصبح السعر اجلديد ‪ 1.06‬تومان في مقابل الدوالر‪،‬‬ ‫اضافة الى أن حذف األصفار ‪ ،‬سيساعد ‪ -‬من وجهة نظر حكومية ‪-‬‬ ‫باخلطَّ ة‪.‬‬ ‫التضخم املالي كما حدث في الدول األخرى‪ ،‬مثل تركيا‪ ،‬التي‬ ‫احتواء‬ ‫على‬ ‫ُّ‬ ‫وبدأ البنك املركزي اإليراني‪ ‬األسبوع املاضي بطرح استفتاء للرأي العام قامت باتخاذ إجراءات مماثلة‪ .‬غير أن معارضي اخلطَّ ة ينظرون لها من واقع‬ ‫أعدَّ‪ ،‬من بني أمور أخرى‪ ،‬القتراح اسم للعملة أنه نظرا ً لغياب التغييرات في السياسة االقتصادية احلكومية لن حتمل‬ ‫وسط زوار املوقع الذي قد ِ‬ ‫التضخم املالي هو‬ ‫اجلديدة‪ .‬من بني أربعة األسماء اجلديدة التي مت طرحها جتدر اإلشارة اإلصالحات في طياتها أي تأثيرات حقيقية وأن جلم‬ ‫ُّ‬ ‫ضروري مسبقا ً لتحقيق اإلصالحات في العملة‪.‬‬ ‫شرط‬ ‫ً‬ ‫إلى األسماء التالية‪" :‬تومان" (‪" ،)Toman‬ريال" (‪" ،)Rial‬فارسي"‬ ‫ً‬ ‫(‪ )Parsi‬و"دريك" (‪ .)Daric‬ويبدو أن االسم الرائد وسط الزوار الذين‬ ‫وحذ َّرت صحيفة "دنياي اقتصاد" أي " عالم االقتصاد "‪ ،‬االقتصادية‬ ‫شاركوا حتى اآلن في االستفتاء هو "فارسي"‪.‬‬ ‫اليومية‪ ،‬من حذف األصفار‪ ،‬وقالت "إن السلطات اإليرانية تُركز جهودها‬ ‫بيان خاص قام البنك املركزي اإليراني بنشره‪ ،‬جاء أنه خالل العامني على تطبيق اإلصالحات في العملة الوطنية بدال ً من التركيز على حلِّ‬ ‫وفي ٍ‬ ‫مقال‬ ‫في‬ ‫جاء‬ ‫وقد‬ ‫إيران"‪.‬‬ ‫واجهها‬ ‫ت‬ ‫التي‬ ‫الرئيسية‬ ‫االقتصادية‬ ‫املشاكل‬ ‫ومت‬ ‫لإلصالحات‬ ‫اخملتلفة‬ ‫األبعاد‬ ‫درسوا‬ ‫البنك‪،‬‬ ‫قبل‬ ‫من‬ ‫خبراء‬ ‫أن‬ ‫األخيرين‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫حتويل نتائج ذلك إلى احلكومة متهيدا ً للبحث الذي مت فيه إقرار اإلصالحات‪ .‬رئيسي نشرته الصحيفة‪ ،‬يوم ‪ 16‬متوز‪ /‬يوليو ‪ 2011‬أن اخلطَّ ة حلذف أربعة‬ ‫وطرحت خالل اجللسة احلكومية ضرورة إطالع اجلماهير على املعلومات األصفار من العملة احمللية ال يجوز لها أن تكون على رأس سلم األولويات‬ ‫ُ‬ ‫املطلوبة بالنسبة لإلصالحات التي َمن يُع ُّد املسؤول عنها هو نائب االقتصادية ألنه ليس من شأنها أن تُوفِّر حال للمشاكل الرئيسية التي‬ ‫محافظ البنك املركزي للشؤون االقتصادية‪ .‬ويرأس نائب محافظ البنك يُواجهها االقتصاد اإليراني في أعقاب تطبيق اإلصالحات في سياسة‬ ‫املركزي مقرا ً خاصا ً كان قد عقد خالل األشهر القليلة املاضية جلسات اخملصصات املالية والعقوبات االقتصادية املفروضة على إيران"‪.‬‬ ‫أسبوعية متت خاللها مناقشة األبعاد اخملتلفة املتعلقة بتطبيق اخلطَّ ة‪.‬‬ ‫وأضافت "إن التركيز املبالغ فيه من قبل احلكومة اإليرانية وأعضاء‬ ‫واتخذت احلكومة اإليرانية األسبوع قبل املاضي قرارا ً نهائيا ً بحذف أربعة مجلس الشورى ووسائل اإلعالم واخلبراء االقتصاديني على اإلصالحات في‬ ‫األصفار من العملة الوطنية وسط سجال بني احلكومة واالقتصاديني العملة قد يُؤدي لى جتاهل التحديات الرئيسية التي يُواجهها االقتصاد‬ ‫التضخم املالي"‪.‬‬ ‫في البرملان إذ يتطل َّب قرار احلكومة مصادقة البرملان (مجلس الشورى اإليراني ‪ ،‬وإلى استفحال أزمة‬ ‫ُّ‬ ‫االسالمي) عليه‪ .‬وقدَّر محافظ البنك املركزي اإليراني‪ ،‬محمود بهمني‬ ‫في تصريحات نقلتها وكالة أنباء فارس‪ ،‬أن اإلصالحات لن تستكمل اال وينظر اخلبير االقتصادي‪ ،‬سعيد ليالز الى هذه اخلطة بحذر شديد وهو‬ ‫‪30‬‬


‫بعد يومني من تنحي الرئيس املصري حسني مبارك في ‪ 11‬فبراير (شباط)‪ ،‬أعلن‬ ‫اجمللس األعلى للقوات املسلحة في البالد تعليق العمل بالدستور وحل البرملان‬ ‫وأن اجمللس املكون من ‪ 20‬عضوا‪ ،‬بقيادة املشير حسني طنطاوي‪« ،‬سيدير شؤون‬ ‫البالد لفترة مؤقتة مدتها ستة أشهر أو حتى موعد إجراء انتخابات برملانية‬ ‫ورئاسية»‪ ،‬كما ورد في بيان اجمللس‪.‬‬ ‫ولكن منذ توليه احلكم‪ ،‬يتعرض اجمللس التهامات بإساءة استغالل سلطاته‬ ‫املؤقتة‪ ،‬لدرجة أن البعض يشير إلى أن دوره هو مجرد استمرار حلكم مبارك‪ .‬في‬ ‫أبريل (نيسان)‪ ،‬أصدرت محكمة عسكرية حكما بسجن املدون مايكل نبيل‬ ‫ثالث سنوات إلهانته املؤسسة العسكرية و«نشر معلومات خاطئة»‪ .‬وصفت‬ ‫هيومان رايتس ووتش احلكم بأنه «انتكاسة خطيرة حلرية التعبير في مصر بعد‬ ‫مبارك»‪ .‬وفي واقعة أخرى‪ ،‬وزع اجمللس مذكرة على وسائل اإلعالم املصرية بعدم‬ ‫نشر «أي معلومات تتعلق بالقوات املسلحة أو قيادتها من دون استشارة اجلهات‬ ‫اخملتصة في اجليش»‪.‬‬

‫حتت قيادته‪ ،‬من الثوار؟ تثير اإلجابة على هذا السؤال انقسام املصريني حيث‬ ‫يتهم البعض املشير بأنه امتداد حلكم مبارك‪ ،‬بينما يرى فيه آخرون ُم َخ ِلصا‬ ‫تدخل إلنقاذ البالد من االنقسام والعنف ولإلشراف على حتولها من نظام حكم‬ ‫استبدادي إلى دميقراطي‪.‬‬ ‫سواء كان بطال قوميا أم من رجال النظام السابق‪ ،‬يبدو مستقبل طنطاوي‬ ‫أقل أمال‪ ،‬على األقل بسبب سنه الكبيرة‪ .‬ولكن رمبا يشعر طنطاوي (‪ 76‬عاما)‬ ‫بالسعادة إلدراكه بأن فترته كقائد وطني – سواء قام بأدوار في املستقبل أو لم‬ ‫يقم – ستسجل على نحو إيجابي‪ .‬ووفقا الستطالع رأي أجراه مركز بيو في‬ ‫أبريل‪ ،‬كان طنطاوي من أكثر الزعماء املصريني شعبية بنسبة ‪ 90‬في املائة‪،‬‬ ‫متفوقا على املرشح احملتمل للرئاسة عمرو موسى بفارق نقطة واحدة وعلى‬ ‫أمين نور أحد زعماء املعارضة بعشرين نقطة‪.‬‬

‫منذ تولي احلكم‪ ،‬تعرض اجمللس وطنطاوي النتقادات حادة من املصريني املدافعني‬ ‫عن الدميقراطية‪ .‬وكان طنطاوي الذي بقي في موقعه بعد عهد مبارك‪ ،‬وزيرا‬ ‫للدفاع واإلنتاج احلربي منذ عام ‪ .2001‬وكما ذكر في رسالة دبلوماسية من‬ ‫السفارة األميركية إلى وزارة اخلارجية األميركية في مارس (آذار) عام ‪،2008‬‬ ‫نشرها موقع «ويكيليكس»‪ ،‬يتسم طنطاوي بأنه «لطيف ومهذب» ولكنه‬ ‫أيضا «كبير السن ويقاوم التغيير»‪ .‬وورد في الرسالة‪« :‬يركز (طنطاوي) ومبارك‬ ‫على استقرار النظام واحلفاظ على الوضع الراهن حتى نهاية عهدهما‪ .‬وهما ال‬ ‫ميلكان الطاقة أو امليل أو الرؤية لفعل أي شيء مختلف»‪.‬‬ ‫يصغر طنطاوي‪ ،‬الذي ولد عام ‪ ،1935‬مبارك بسبعة أعوام فقط‪ .‬وشارك كال‬ ‫الرجلني في جميع احلروب العسكرية التي خاضتها مصر منذ استقاللها عن‬ ‫اململكة املتحدة‪ ،‬وهي حروبها ضد إسرائيل في ‪ 1956‬و‪ 1967‬و‪ .1973‬كان‬ ‫طنطاوي قائدا في اجليش عندما شاركت مصر في التحالف الدولي الذي أخرج‬ ‫قوات صدام حسني العراقية من الكويت عام ‪.1991‬‬ ‫بينما جاء طنطاوي من سالح املشاة‪ ،‬كان مبارك ضابطا في القوات اجلوية‪.‬‬ ‫ولكن عمل الرجالن بصورة مشابهة‪ .‬وعينا رجاال موثوقا بهم في مناصب ذات‬ ‫حساسية‪ .‬في احلقيقة‪ ،‬يضم اجمللس األعلى للقوات املسلحة خمسة أعضاء‬ ‫على األقل – من بينهم نائب رئيس اجمللس سامي عنان – من القوات اجلوية‬ ‫حيث رجال مبارك‪ .‬ولكي ال يفوقوه عددا في مضماره‪ ،‬ضم طنطاوي إلى اجمللس‬ ‫رتبا من املوالني له من سالح املشاة‪ .‬وفي األسابيع السابقة على تنحي مبارك‪،‬‬ ‫شهد اجمللس انقساما‪ ،‬حيث رغب بعض الضباط في إجبار املصريني على مغادرة‬ ‫الشوارع‪ ،‬بينما أصر آخرون على احلفاظ على حيادية اجليش‪.‬‬ ‫ووفقا ملصادر مطلعة‪ ،‬بدأت املعركة السياسية بني مبارك ومرؤوسه طنطاوي‬ ‫داخل اجمللس وأصبحت اخلالفات علنية‪ .‬وفي الوقت الذي «تالحمت» فيه الدبابات‬ ‫في ميدان التحرير مع املتظاهرين‪ ،‬طافت مروحية إف ‪ 16‬تابعة للقوات اجلوية‬ ‫فوق رؤوس املتظاهرين إلظهار القوة أمال في إخافتهم وتفريق حشدهم‪.‬‬ ‫ولم ينته الصراع بني طنطاوي ورئيسه مبارك إال بعد أن أدركت واشنطن أن‬ ‫مبارك أصبح الطرف اخلاسر بسبب عدم رغبته أو عجزه عن تهدئة املتظاهرين‪.‬‬ ‫واتصلت الواليات املتحدة – التي ترتبط بعالقات عسكرية ممتازة مع مصر –‬ ‫بطنطاوي لتعرف ما إذا كان قادرا على ضمان «هبوط آمن» للثورة املصرية‪ ،‬وهو‬ ‫السيناريو الذي شهد اإلطاحة مببارك ولكنه لم يؤد إلى العنف أو الفوضى‪.‬‬ ‫وبناء على ضمانات طنطاوي‪ ،‬خرجت واشنطن علنا بدعوتها ملبارك بالتنحي‪ .‬في‬ ‫الواقع‪ ،‬عندما تشبث مبارك مبوقفه‪ ،‬أخبره املسؤولون األميركيون أنه ال يوجد‬ ‫مخرج لألزمة سوى تنحيه‪ .‬واستمع مبارك في النهاية للنصيحة األميركية‪،‬‬ ‫وكما تعهد طنطاوي‪ ،‬تولى هو واجمللس مهمة إدارة البالد لفترة انتقالية حتى‬ ‫انتخاب برملان ورئيس جديدين‪.‬‬ ‫هل يصبح طنطاوي بعد انفصاله عن مبارك‪ ،‬بعد أعوام من العمل بإخالص‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫‪29‬‬


‫بروفايل‬ ‫بروفايل‬ ‫● ●‬

‫رئيس اجمللس األعلى‬ ‫للقوات املسلحة املصرية‬ ‫حسني طنطاوي‬

‫مشير الثورة‬ ‫هل يصبح طنطاوي بعد انفصاله عن مبارك‪،‬‬ ‫بعد أعوام من العمل بإخالص حتت قيادته‪ ،‬من‬ ‫الثوار؟ تثير اإلجابة على هذا السؤال انقسام‬ ‫املصريني حيث يتهم البعض املشير بأنه‬ ‫امتداد حلكم مبارك‪ ،‬بينما يرى فيه آخرون‬ ‫خ ِلصا تدخل إلنقاذ البالد من االنقسام‬ ‫ُم َ‬ ‫والعنف ولإلشراف على حتولها من نظام حكم‬ ‫استبدادي إلى دميقراطي‪.‬‬

‫‪28‬‬



‫● قصة الغالف‬

‫لعبة ال�سيا�سة وال�سلطة‬ ‫خرج صراع على السلطة كان دائرا منذ مدة طويلة إلى العلن حول إقالة الرئيس محمود أحمدي‬ ‫جناد لوزير االستخبارات حيدر مصيلحي‪ .‬ظاهريا‪ ،‬بدا أن املعركة انتهت بعد تراجع أحمدي جناد‪ .‬ولكن‬ ‫هناك قضايا أخرى خطيرة ما زالت دون حل‪ ،‬نظرا ألن إنذار خامنئي للرئيس «إعادة الوزير إلى منصبه‬ ‫أو االستقالة» لم يكن محاولة للحفاظ على سلطته اخلاصة ولكن على مؤسسة رجال الدين‬ ‫بكاملها‪.‬‬ ‫أقنع أسلوب أحمدي جناد في القيادة‪ ،‬وموقفه املفضل للقومية اإليرانية‪ ،‬وتفضيله تقليص وجود‬ ‫رجال الدين في مجلس الوزراء‪ ،‬املرشد األعلى ومؤيديه باعتبار جناد تهديدا وجوديا يجب حتجيمه‪.‬‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬انتقد رجال دين متشددون مثل مصباح يزدي وأحمد جنتي الرئيس‪ ،‬بسبب حتديه‬ ‫لـ«حكم رجل الدين األعلى»‪ ،‬وهي االنتقادات التي رددها مسؤولون آخرون رفيعو املستوى من بينهم‬ ‫قائد احلرس الثوري وقائد الباسيج ونائب ممثل املرشد األعلى في احلرس الثوري‪.‬‬ ‫ولم تكن هذه نهاية «القصف املدفعي الكثيف» ضد الرئيس‪ .‬أوقف خامنئي محاولة أحمدي جناد‬ ‫لدمج ثمانية وزارات في أربع في اجتماع خاص حضره علي الريجاني‪ .‬ورد أحمدي جناد‪ ،‬الذي عجز عن‬ ‫تنفيذ خطته األصلية‪ ،‬بإقالة ثالثة وزراء وتولى مؤقتا وزارة الطاقة‪ ،‬مما أثار انتقادات غير مسبوقة‬ ‫من معسكر خامنئي‪ .‬بعد ذلك جاء إعالن البرملان عما سماه «أعمال غير مشروعة للحكومة»‬ ‫والتي أحيلت للقضاء التخاذ مزيد من اإلجراءات ومن املمكن محاكمة شخصيات بارزة جنائيا من‬ ‫بينهم النائب األول للرئيس‪.‬‬ ‫وهكذا يقول بعض املراقبني لشؤون إيران إن الرئيس أحمدي جناد ومؤيديه خسروا معركتهم أمام‬ ‫خامنئي‪ ،‬وأن أحمدي جناد أصبح وكأنه «رئيس منتهية واليته» رمبا حتى ال ينهي فترته الثانية‪.‬‬ ‫ولكن هذه قراءة مفرطة في تبسيط األحداث في إيران‪ .‬ما زال أحمدي جناد‪ ،‬على الرغم من حتذيرات‬ ‫الفريق محمد علي جعفري‪ ،‬لديه مؤيدون مؤثرون داخل احلرس الثوري والباسيج‪ .‬يشارك العديد من‬ ‫الضباط أصحاب الرتب العليا الفكر السياسي ألحمدي جناد واستفادوا كثيرا من سياسات حكومته‬ ‫في األعوام الستة األخيرة‪.‬‬ ‫األهم من ذلك هو أن استقالة أحمدي جناد من املرجح أن تسفر عن فراغ سياسي قد يثير احتجاجات‬ ‫شعبية عنيفة تسرع من نهاية آيات اهلل كما حدث في املظاهرات املناهضة للحكومة التي خرجت‬ ‫في طهران ومدن أخرى كبرى في ‪ 11‬و‪ 12‬يونيو (حزيران) املاضي‪ .‬وأخيرا‪ ،‬يتردد امتالك مشائي‪ ،‬ضابط‬ ‫االستخبارات السابق في احلرس الثوري فيما بني عامي ‪ 1980‬و‪ ،1997‬وثائق محددة تشير إلى‬ ‫تعامالت بني مسؤولني محددين واستخبارات أجنبية‪ ،‬يهدد بنشرها في حالة اعتقاله أو استقالة‬ ‫أحمدي جناد‪.‬‬ ‫لذلك من العدل أن نقول إن لعبة السلطة والسياسة احلقيقية في إيران بدأت للتو وإن إيران‬ ‫ستشهد بعض التغييرات السياسية الكبرى في الشهور التي تسبق االنتخابات البرملانية املقبلة‪.‬‬ ‫رأى علي خامنئي في إقالة وزير االستخبارات فرصة إلجهاض املطامع السياسية للرئيس وحلفائه‪.‬‬ ‫ولكنه قلل من شأن نتائج تدخله العلني املبالغ فيه في األعمال اليومية للحكومة اعتقادا منه بأنه‬ ‫يستطيع توحيد القوى املتنافسة حتت لواء األمن الوطني وبقاء النظام‪.‬‬ ‫في الرابع من يونيو‪ ،‬ألقى علي خامنئي خطابا في الذكرى ‪ 22‬لوفاة آية اهلل اخلميني‪ .‬ودعا إلى‬ ‫تخفيف التوترات بني معسكر الرئيس ومعسكره قائال‪« :‬إذا أهنّا إخواننا باسم مشاعر الثورة‬ ‫والعدالة سنحيد عن طريق اخلميني»‪ .‬ولكن استمر فصيل أحمدي جناد واملوالني للمرشد األعلى‬ ‫في مهاجمة بعضهما اآلخر دون أي إشارة إلى التخفيف‪ ،‬مما يشير إلى أن الصراع يتصاعد إلى درجة‬ ‫كبيرة تثبت صعوبة تدخل حكام إيران من أجل تخفيفها‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن عالقة الرئيس الوثيقة مبشائي هي السبب الرئيسي للعداء احلالي مع رجال الدين‪.‬‬ ‫على الرغم من اختالف الفصيلني في املاضي ‪ -‬على سبيل املثال في املفاوضات النووية قبل انتخابات‬ ‫‪ - 2009‬إال أن صراعهما احلالي استثنائي بسبب حقيقة ما يبدو من خالف حول االجتاه املستقبلي‬ ‫للنظام اإلسالمي في إيران‪ .‬يوجد شقاق داخلي في السلطة حتول إلى «مواجهات تهزأ باإلجراءات‬ ‫املقبولة ومحاوالت تشويه بعضهما اآلخر»‪ .‬كما قيد الصراع الداخلي الراهن من قدرة النظام على‬ ‫اتخاذ القرارات وصرف نظره عن مشاكله األخرى‪ ،‬من بينها خسارة ممكنة لنفوذه اإلقليمي في أعقاب‬ ‫أحداث الربيع العربي‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬ال يعزز جتاهل أحمدي جناد لإلجراءات البرملانية من قوة مؤسسات الدولة‪ .‬وأصبح‬ ‫النظام بسبب الصراع على السلطة يبدو أضعف في نظر نشطاء احلركة اخلضراء‪.‬‬ ‫في إيجاز‪ ،‬يسعى «الرجل» الذي خرج من دائرة غامضة نسبيا ليفوز باالنتخابات الرئاسية عام‬ ‫‪ ،2005‬إلى التأكيد على سلطات الرئيس في تعيني وإقالة الوزراء‪ .‬ولكن الصراع احلقيقي ليس حول‬ ‫الوزراء أو حدود الصالحيات الرئاسية‪ ،‬بل هو جزء من «اختبار اإلرادة» بني أنضار أحمدي جناد واملؤسسة‬ ‫الدينية احلاكمة حول «آيديولوجية ودين اجلمهورية اإلسالمية وقدرتها على البقاء»‪.‬‬ ‫ألول مرة في تاريخها‪ ،‬تبدأ اجلمهورية اإلسالمية في االهتزاز من الداخل وبدأ احلديث عن «بقاء‬ ‫النظام» يفقد تدريجيا نشاطه املوحد‪ .‬الصعوبات االقتصادية أهم ما مييز هذه املرحلة حيث وصل‬ ‫معدل التضخم إلى رقمني وكذلك نسبة البطالة‪ ،‬باإلضافة إلى أسعار الغذاء والكهرباء املتزايدة‬ ‫باستمرار‪ .‬من جانب آخر أصبح الكيان السياسي اإليراني حاليا يعاني من استقطاب شديد فال يوجد‬ ‫فصيل سياسي واحد ميكن توقع فوزه في االنتخابات مبفرده‪ .‬وبذلك قد يكون هناك تغير راديكالي في‬ ‫إيران إذا عجزت الفصائل اخملتلفة في تشكيل حتالف في إطار االنتخابات البرملانية املقبلة‪ ،‬إال إذا كان‬ ‫الصراع احلالي بتنظيم كامل من احلكومة‪ ،‬كما يشير بعض أصحاب نظرية املؤامرة‪ ،‬ألن الظهور في‬ ‫حالة عداء يحقق فائدة سياسية لكل من خامنئي وأحمدي جناد‪.‬‬ ‫نيما خورامي أسل‬

‫قطاع عريض من الناس‪.‬‬ ‫من أجل املضي قدما وتعيني قائد جديد‪ ،‬حتى قبل تشكيل مجلس مؤقت‪ ،‬يجب أن‬ ‫تتخذ احلكومة تدابير أمنية صارمة وأن توقف العمل بالقانون العادي من أجل منع‬ ‫اإليرانيني من انتهاز الفرصة والقيام بثورة‪.‬‬ ‫يبدو أن أيا ممن ميلك السلطة اآلن سيحتفظ بها بعد وفاة خامنئي‪ .‬وسيكون للقوات‬ ‫‪26‬‬

‫املسلحة‪ ،‬وحتديدا احلرس الثوري الذي يسيطر على ثلث االقتصاد واجليش والبرنامج‬ ‫النووي في إيران‪ ،‬الكلمة العليا في تعيني املرشد األعلى القادم‪ .‬ومن غير املرجح أن‬ ‫اختيارهم سيكون أحد آيات اهلل من ذوي النفوذ‪.‬‬ ‫بعد الدرس املستفاد من األعوام الـ‪ 22‬املاضية‪ ،‬رمبا يفضلون تعيني آية اهلل يتسم‬ ‫بالضعف واعتالل الصحة في منصب املرشد األعلى لتبرير دستورية نفوذهم‪.‬‬ ‫وتأتي اإلطاحة برمز مثل أكبر هاشمي رافسنجاني وتعيني محمد رضا مهدوي‬ ‫كاني رئيسا للمجلس في مارس (آذار) املاضي منوذجا للسيناريو األكثر ترجيحا‬ ‫بالنسبة للحرس الثوري في اختيار القائد اجلديد‪ .‬كما سيكون القائد الضعيف‬ ‫خليفة مناسبا خلامنئي نظرا ألن اجملتمع اإليراني لن يتحمل شخصا قويا يحاكي‬ ‫صرامة خامنئي وميوله االستبدادية‪ .‬وسيحكم احلرس الثوري قبضته كثيرا إذا‬ ‫تولى اخلليفة منصبا صوريا بالفعل‪.‬‬ ‫يعتمد كل ذلك على كيفية حل القوات املسلحة واحلرس الثوري الصراع بني‬ ‫مصاحلهم السياسية واالقتصادية‪ .‬في الوقت احلالي ميلك خامنئي نفوذا كامال‬ ‫عليهم ويسيطر على انقسامهم‪ ،‬ولكن في غياب مثل هذا القائد‪ ،‬سيتغير أيضا‬ ‫ميزان القوة بني القوات املسلحة واحلرس الثوري‪ .‬في مثل هذا الوضع‪ ،‬غالبا ما‬ ‫متلك اجلماعات األكثر راديكالية فرصا أكبر في الفوز‪ .‬في إيجاز‪ ،‬رمبا يسمح خليفة‬ ‫خامنئي بتزايد عسكرة احلكومة التي من املرجح أن تصبح أكثر راديكالية أيضا‪.‬‬ ‫مهدي خلجي ‪ -‬باحث في معهد واشنطن‪ ،‬يركز على سياسة إيران واجلماعات‬ ‫الشيعية في الشرق األوسط‪ .‬يكتب حاليا في مدونة باللغتني اإلجنليزية‬ ‫والفارسية على ‪.mehdikhalaji.com‬‬


‫�آية الله �أحمد جنتي‬ ‫رئيس مجلس صيانة الدستور اإليراني ومقرب من الرئيس‬ ‫أحمدي جناد‪ .‬يعتبر جنتي‪ ،‬أحد أكبر العلماء في إيران‪ ،‬وأحد‬ ‫فقهاء احلوزة العلمية مبدينة قم‪ ،‬فضال عن كونه مرجعا‬ ‫تقليديا للشيعة اإلمامية فهو أيضا خطيب اجلمعة املناوب‬ ‫في طهران‏‪.‬‬ ‫وجنتي‪ ،‬الذي يعتبر من أكبر الشخصيات املرشحة خلالفة‬ ‫املرشد احلالي علي خامنئي‪ ،‬هو أيضا قاضي محكمة الثورة‪،‬‬ ‫واملشرف على منظمة اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬وعضو مجلس‬ ‫اخلبراء‪ ،‬وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام‪ ،‬وعضو‬ ‫اجمللس األعلى للثورة الثقافية‪ ،‬وكان يعمل في الدعوة‬ ‫والتدريس قبل ظهور الثورة اإلسالمية‪.‬‬ ‫ولد آية اهلل أحمد جنتي عام ‪ 1927‬مبدينة أصفهان اإليرانية‪.‬‬ ‫ويعد من أبرز احملافظني املساندين خلط املرشد األعلى علي‬ ‫خامنئي من أجل احملافظة على استمرار نظام والية الفقيه‬ ‫ونفوذه أمام دعوات اإلصالحيني إلى التخفيف من هيمنة‬ ‫الولي الفقيه املطلقة‪.‬‬ ‫وخالفا للعديد من رجال الدين البارزين املشككني في الرئيس‬ ‫اإليراني احلالي محمود أحمدي جناد‪ ،‬من أمثال أكبر هاشمي‬ ‫رفسنجاني‪ ،‬يعد آية اهلل أحمد جنتي احلليف الروحي‬ ‫واأليديولوجي لنجاد‪.‬‬ ‫وجنتي املعروف مبواقفه املناهضة للواليات املتحدة‬ ‫واملتطرفة جتاه كل محاوالت االصالح والتحديث‪ ،‬استخدم‬ ‫الصالحيات اخملولة له في رفض ترشيح اإلصالحيني اإليرانيني‬ ‫لالنتخابات الرئاسية أو البرملانية‪ ،‬مبررا ذلك بالقول إن الشرط‬ ‫األول ألي مرشح ملنصب منتخب في إيران هو والؤه املطلق‬ ‫للمرشد األعلى‪.‬‬ ‫كلف آية اهلل علي خامنئي مجلس صيانة الدستور الذي‬ ‫يرأسه جنتي بالنظر في طعون املعارضة في االنتخابات‬ ‫الرئاسية ‪ .2009‬ويرى املراقبون أن أحمد جنتي جعل من‬ ‫مجلس صيانة الدستور قلعة تتحكم في ثغور النظام‬ ‫وحترسها‏‏‪ ،‬ورقيبا على القوانني والقرارات‪.‬‬

‫القيادة ‌بشكل مؤقت»‪ .‬ولكن لم يحدد الدستور فترة زمنية للمجلس املؤقت‪،‬‬ ‫مما يترك احتمالية ألن يستمر حكم مثل هذا اجمللس للبالد لفترة طويلة للغاية‪.‬‬ ‫نفوذ النخبة‬ ‫من الصعب االعتقاد بأن تعيني خامنئي مرشدا أعلى في عام ‪ 1989‬كان انتخابا‬ ‫طبيعيا من مجلس صيانة الدستور‪ .‬ولكن من املمكن االعتقاد بأنه اختير أوال‬ ‫بواسطة عدد من أفراد النخبة السياسية ذات النفوذ – قبل أن يجتمع مجلس‬ ‫الفقهاء ويتم اقتراحه على اآلخرين من أجل التصويت‪ .‬وفي ذلك الوقت‪ ،‬لم يكن‬ ‫النفوذ السياسي متركزا في يد شخص أو فصيل‪ ،‬مما تطلب من الفصائل القوية‬ ‫الوصول إلى اإلجماع من أجل تعيني قائد جديد‪ .‬ولكن الوضع اليوم مختلف متاما‪.‬‬ ‫أوال‪ ،‬يتزايد ضيق دائرة السلطة في إيران‪ ،‬ال سيما بعد تهميش خامنئي للجيل‬ ‫األول من السياسيني الثوريني مثل أكبر هاشمي رافسنجاني ومحمد خامتي ومير‬ ‫حسني موسوي‪ .‬كما أعاد خامنئي تشكيل اجملال السياسي بتصعيد جيل جديد‬ ‫من السياسيني الذين يتسمون بالضعف ويدينون له بأوراق اعتمادهم السياسية‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬تغيرت طبيعة احلكم من حكم ثوري إلى احلكم العسكري‪ ،‬حيث لم يعد‬ ‫يعتمد على الدستور أو املؤسسات السياسية‪ .‬واعتبر خامنئي نفسه ميثل النظام‬ ‫السياسي بأكمله‪ .‬وفي املصطلحات السياسية في اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬عندما‬ ‫يشير املسؤولون إلى «النظام» فإنهم عادة ما يقصدون «خامنئي»‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬نتيجة للتحول السياسي‪ ،‬لم يعد لرجال الدين نفوذ في إدارة البالد‪ ،‬مما‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫يقلص من قدرتهم على التأثير على عملية اختيار القائد‪ .‬لقد كشف النظام عن‬ ‫وهمش رجال الدين الذين ميلكون‬ ‫رجال الدين حيث قسمهم إلى طيبني وأشرار‪ّ ،‬‬ ‫القدرة على تشكيل قوة دينية حقيقية‪ .‬وجعل املؤسسة الدينية تعتمد اقتصاديا‬ ‫وبيروقراطيا على احلكومة‪ .‬وبغض النظر عن ذلك‪ ،‬فإن رجال الدين يعتبرون منصب‬ ‫املرشد األعلى منصبا عسكريا بدال من كونه صاحب سلطة دينية مستقلة‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬تغير النسيج االجتماعي السياسي للمجتمع اإليراني في األعوام الـ‪22‬‬ ‫املاضية‪ .‬أصبحت النخبة اجملتمعية تشكك بصورة كبيرة في مفهوم والية الفقيه‪،‬‬ ‫بل ويشير الدستور احلالي أيضا إلى هيكل سلطة مزدوج يضمن التنازع الدائم بني‬ ‫املناصب التي حتظى بشرعية دميقراطية واملناصب ذات الشرعية الدينية التي ال‬ ‫ميكن محاسبتها أمام الشعب‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ذكر قادة املعارضة مثل موسوي‬ ‫في عدة مناسبات أن الدستور ليس مثاليا وقد يحتاج إلى تغيير‪ .‬ويستهدف أي‬ ‫حديث حول تغيير أو تعديل الدستور في األساس منصب املرشد األعلى وسلطته‪.‬‬ ‫التعيني الصدمة‬ ‫وعلى الرغم من أن تعيني خامنئي منذ ‪ 22‬عاما كان مفاجئا للمجتمع وصادما‬ ‫لرجال الدين‪ ،‬فإن احلكومة خططت من أجل تنصيبه مرشدا أعلى‪ ،‬مستغلة املناخ‬ ‫العاطفي املشحون بعد حرب طويلة أنهكت البالد‪ .‬وفي هذه املرة‪ ،‬جذبت وفاة‬ ‫القائد ذي الكاريزما ماليني من الناس حلضور جنازته‪ .‬واآلن حتديدا بعد أن فقدت‬ ‫احلكومة مصداقيتها بصورة كبيرة في أعقاب االنتخابات الرئاسية املزورة عام‬ ‫‪ ،2009‬سيكون من الصعب تقدمي قائد جديد ال يختلف حول خلفيته وتاريخه‬ ‫‪25‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫الإمامة يف زمن غيبة املهدي‬ ‫دستور اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‬ ‫املادة احلادية والتسعون‪:‬‬ ‫يتم تشكيل مجلس باسم «مجلس صيانة الدستور» بهدف‬ ‫ضمان مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشورى اإلسالمي من‬ ‫قوانني مع األحكام اإلسالمية والدستور‪.‬‬ ‫وتركيبته على النحو التالي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ستة أعضاء من الفقهاء العدول العارفني مبقتضيات العصر‬ ‫وقضايا الساعة ويختارهم القائد‪.‬‬ ‫احلقوقيني املسلمني من ذوي اإلختصاص‬ ‫‪ .2‬ستة أعضاء من‬ ‫ّ‬ ‫في مختلف فروع القانون‪ ،‬يرشحهم رئيس السلطة القضائية‬ ‫ويصادق عليهم مجلس الشورى اإلسالمي‪.‬‬ ‫املادة السابعة بعد املائة‪:‬‬ ‫بعد املرجع املعظم والقائد الكبير للثورة اإلسالمية العاملية‬ ‫ومؤسس اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية سماحة آية اهلل العظمى‬ ‫اإلمام اخلميني (ق ّدس سره الشريف) الذي اعترفت األكثرية‬ ‫الساحقة للشعب مبرجعيته وقيادته‪ ،‬توكل مهمة تعيني القائد‬ ‫إلى خبراء القيادة املنتخبني من قبل الشعب‪.‬‬ ‫هؤالء اخلبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء اجلامعني‬ ‫للشرائط املذكورة في املادتني اخلامسة والتاسعة بعد املائة‪ ،‬ومتى‬ ‫شخصوا فردا ً منهم ‪ -‬باعتباره األعلم باألحكام واملوضوعات‬ ‫ما ّ‬ ‫الفقهية أو املسائل السياسية واالجتماعية‪ ،‬أو حيازته تأييد‬ ‫الرأى العام‪ ،‬أو متتعه بشكل بارز بأحدى الصفات املذكورة في املادة‬ ‫التاسعة بعد املائة ‪ -‬انتخبوه للقيادة‪ ،‬وإال فإنهم ينتخبون أحدهم‬ ‫ويعلنونه قائدا ً‪ .‬ويتولّى القائد املنتخب من قبل اخلبراء والية األمر و‬ ‫يتحمل كل املسؤوليات املترتبة على ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتساوى القائد مع كل أفراد البالد أمام القانون‪.‬‬ ‫املادة التاسعة بعد املائة‪:‬‬ ‫الشروط الالزم توفرها في القائد وصفاته هي‪:‬‬

‫‪ - 1‬الكفاءة العلمية الالزمة لإلفتاء في مختلف أبواب‬ ‫الفقه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬العدالة والتقوى الالزمتان لقيادة األمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الرؤية السياسية واإلجتماعية الصحيحة والتدبير‬ ‫والشجاعة والكفاءة اإلدارية والقدرة الكافية للقيادة‪.‬‬ ‫عند تعدد من تتوفر فيهم الشروط املذكورة يفضل من كان‬ ‫منهم حائزا ً على رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره‪.‬‬

‫أو بعد رأي مجلس الشورى اإلسالمي بعدم كفاءته على‬ ‫أساس املادة التاسعة والثمانني‪.‬‬ ‫‪ - 11‬العفو عن احملكوم عليهم أو التخفيف من عقوباتهم‬ ‫في إطار املوازين اإلسالمية بعد اقتراح من رئيس السلطة‬ ‫القضائية‪.‬‬ ‫لشخص‬ ‫ويستطيع القائد أن يوكل بعض وظائفه وصالحياته‬ ‫ٍ‬ ‫آخر‪.‬‬

‫املادة العاشرة بعد املائة‪:‬‬ ‫مهام القائد وصالحياته‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تعيني السياسات العامة لنظام اجلمهورية اإلسالمية‬ ‫اإليرانية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اإلشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام‪.‬‬ ‫‪ - 3‬إصدار األمر باإلستفتاء العام‪.‬‬ ‫‪ - 4‬القيادة العامة للقوات املسلحة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬إعالن احلرب والسالم والنفير العام‪.‬‬ ‫‪ - 6‬نصب وعزل وقبول إستقالة كل من‪:‬‬ ‫أ‪ -‬فقهاء مجلس صيانة الدستور‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أعلى مسؤول في السلطة القضائية‪.‬‬ ‫ج‪ -‬رئيس مؤسسة اإلذاعة والتلفزيون في اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية اإليرانية‪.‬‬ ‫د‪ -‬رئيس أركان اجليش‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬القائد العام لقوات حرس الثورة اإلسالمية‪.‬‬ ‫و‪ -‬القيادات العليا للقوات املسلحة وقوى األمن الداخلي‪.‬‬ ‫‪ - 7‬حل اإلختالفات وتنظيم العالئق بني السلطات الثالث‪.‬‬ ‫‪ - 8‬حل مشاكل النظام ‪ -‬التى الميكن حلها بالطرق املتعارفة‬ ‫ من خالل مجمع تشخيص مصلحة النظام‪.‬‬‫‪- 9‬إمضاء حكم تنصيب رئيس اجلمهورية بعد انتخابه‬ ‫من قبل الشعب‪ .‬أما بالنسبة لصالحية املرشحني لرئاسة‬ ‫اجلمهورية من حيث توفّر الشروط املدرجة في هذا الدستور‬ ‫فيهم‪ ،‬فيجب أن تنال موافقة مجلس صيانة الدستور قبل‬ ‫انتخابات‪ ،‬وموافقة القيادة في الدورة األولى‪.‬‬ ‫‪- 10‬عزل رئيس اجلمهورية مع مالحظة مصالح البالد‪ ،‬وذلك‬ ‫بعد صدور حكم احملكمة العليا بتخلفه عن مها ّمه القانونية‬

‫املادة احلادية عشرة بعد املائة‪:‬‬ ‫عند عجز القائد عن أداء مها ّمه القانونية أو فقده أحد‬ ‫الشروط املذكورة في املادة اخلامسة واملادة التاسعة بعد املائة‬ ‫أو عُلم بفقدانه لبعضها منذ البدء‪ ،‬فإنه يعزل عن منصبه‪،‬‬ ‫ويعود تشخيص هذا األمر إلى مجلس اخلبراء املذكور في املادة‬ ‫الثامنة بعد املائة‪.‬‬

‫العليا في تكوين املكتب التنفيذي للمرشد اجلديد‪ .‬وبتعيني قادة احلرس الثوري أو‬ ‫ضباط االستخبارات‪ ،‬أصبح مكتب املرشد األعلى – الذي يضم حاليا أكثر من ألف‬ ‫موظف – مقر القيادة املركزية لكل من القوات املسلحة وجهاز االستخبارات بدال‬ ‫من كونه مجرد مكتب سياسي‪.‬‬ ‫ساعد اجليش ووزارة االستخبارات واملؤسسة القضائية املرشد األعلى الضعيف‬ ‫ظاهريا على امتالك نفوذ ال مثيل له‪ .‬عندما عاد قادة احلرب إلى املدن بعد اتفاق‬ ‫وقف إطالق النار بني إيران والعراق وسمحت أسباب مالية بالتنافس على عائدات‬ ‫احلكومة‪ ،‬أتيحت خلامنئي الشاب فترة كافية لترسيخ نفوذه‪ .‬وحتول من قائد‬ ‫ضعيف إلى زعيم حازم يتحدى سلطة الرئيس بالتدخل في شؤونه وشؤون‬ ‫البرملان‪ .‬كانت سلطة آية اهلل خامنئي املتزايدة العقبة الرئيسية أمام بناء الدولة‬ ‫في إيران‪ ،‬ألنه كان يعرقل متعمدا وبصورة منظمة املؤسسات السياسية من أجل‬ ‫منعها من احلصول على االستقالل املطلوب‪.‬‬

‫تنحيه أو عزله‪ ،‬فإن اخلبراء مكلفون‬ ‫في حالة وفاة القائد أو ّ‬ ‫بالقيام بأسرع وقت بتعيني القائد اجلديد وإعالن ذلك‪.‬‬ ‫وحتى يتم إعالن القائد فإن مجلس شورى مؤلف من رئيس‬ ‫اجلمهورية‪ ،‬ورئيس السلطة القضائية‪ ،‬وأحد فقهاء مجلس‬ ‫صيانة الدستور ‪ -‬منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة‬ ‫النظام ‪ -‬يتحمل جميع مسؤوليات القيادة بشكل مؤقت‪.‬‬ ‫وإذا لم يتمكن احد هؤالء من القيام بواجباته في هذه الفترة‬ ‫(ألي سبب كان)‪ ،‬يعني شخص آخر في اجمللس من قبل مجمع‬ ‫تشخيص مصلحة النظام مع احلفاظ على كون الفقهاء‬ ‫أكثرية‪.‬‬ ‫وهذا اجمللس يقوم بتنفيذ املهام املذكورة في البنود ‪1‬و ‪3‬و ‪5‬و‬ ‫‪ 10‬والفقرات د‪ ،‬هـ‪ ،‬و‪ ،‬في البند السادس من املادة العاشرة‬ ‫بعد املائة بعد موافقة ثالثة أرباع أعضاء مجمع تشخيص‬ ‫مصلحة النظام‪.‬‬ ‫ومتى ما عجز القائد ‪ -‬أثر مرض أو أية حادثة أخرى ‪ -‬عن القيام‬ ‫بواجبات القيادة مؤقتا يقوم اجمللس املذكور في هذه املادة ‪-‬‬ ‫خالل مدة العجز ‪ -‬بأداء مسؤوليات القائد في هذه الفترة‪.‬‬

‫لقد غير أسلوب خامنئي في القيادة طبيعة اجلمهورية اإلسالمية‪ .‬ونظرا المتالك‬ ‫الولي الفقيه السلطة املطلقة وأنه هو من يحدد مصلحة النظام‪ ،‬يستطيع أن‬ ‫يعطل أي قوانني إسالمية ودستورية يريدها‪ .‬وفي ظل مثل هذا النظام‪ ،‬ال ميكن‬ ‫أن تتم الوظيفة املعتادة للمؤسسات بصورتها الطبيعية‪ .‬ففي كل موقف‪،‬‬ ‫يستطيع أن يعارض الولي الفقيه جميع القرارات واألحكام التي يتخذها البرملان‬ ‫أو الرئيس أو القضاء‪ .‬وفي هذا النوع من احلياة السياسية‪ ،‬من املمكن أن تتحدد‬ ‫العناصر اخملتلفة وفقا لسلطة الولي الفقيه في إعالن الطوارئ في كل موقف‪.‬‬ ‫وبذلك حتولت اجلمهورية اإلسالمية من احلكم الثوري إلى االستبداد الديني‪.‬‬ ‫تختلف سيناريوهات اخلالفة وفقا لكيفية انتهاء حكم املرشد األعلى احلالي‪ .‬من‬ ‫املمكن تخيل اإلطاحة بخامنئي على يد انتفاضة شعبية كما حدث مع بن علي‬ ‫ومبارك‪ .‬أو قد ينتهي به احلال على يد انقالب عسكري يقوم به احلرس الثوري بعد‬ ‫اتساع الفجوة بني فصائل احلكومة‪ .‬وفي كلتا احلالتني‪ ،‬ستختلف طريقة وصول‬ ‫خليفة املرشد إلى السلطة وطبيعة قيادته‪.‬‬ ‫ولكن إذا توفي خامنئي الليلة‪ ،‬هل يكون االنتقال السلمي للسلطة – يشبه ما‬ ‫حدث منذ ‪ 22‬عاما – خيارا مرجحا؟ ينص الدستور على أن مهمة تعيني املرشد‬ ‫األعلى اجلديد مهمة مجلس خبراء مكون من ‪ 86‬مجتهدا شيعيا‪ ،‬يرشحهم‬ ‫مجلس صيانة الدستور وينتخبهم الشعب‪ .‬جاء نص الدستور كالتالي‪« :‬توكل‬ ‫مهمة تعيني القائد إلى اخلبراء املنتخبني من اجلامعني للشرائط املذكورة في‬ ‫املادتني اخلامسة والتاسعة بعد املائة‌‪ ،‬ومتى ما شخصوا فردا منه باعتباره األعلم‬ ‫باألحكام واملوضوعات الفقهية‪ ،‬أو املسائل السياسية واالجتماعية‪ ،‬أو حيازته‬ ‫تأييد الرأي العام‪ ،‬أو متتعه بشكل بارز بإحدى الصفات املذكورة في املادة التاسعة‌‬ ‫بعد املائة انتخبوه للقيادة‪ ،‬وإال فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدا»‪.‬‬ ‫ويضيف الدستور‪« :‬حتى يتم إعالن القائد فإن مجلس شورى مؤلفا من رئيس‬ ‫اجلمهورية‪ ،‬ورئيس السلطة القضائية‪ ،‬وأحد فقهاء مجلس صيانة ‌الدستور ‪-‬‬ ‫منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام ‪ -‬يتحمل جميع مسؤوليات‬

‫‪24‬‬


‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫‪23‬‬


‫● قصة الغالف‬

‫في انتظار خليفة لـ «رهبر معظّ م»‪..‬‬ ‫إيران تبحث عن مرشد لهذا الزمان‬

‫أزمة خالفة‬

‫تثير كل من احلركة الدميقراطية والصراع الداخلي في جمهورية إيران اإلسالمية تساؤالت حول استقرار النظام إذا توفي آية‬ ‫اهلل علي خامنئي‪ ،‬أو أصبح غير قادر على ممارسة مهمات منصبه كمرشد أعلى‪ ،‬وبالتالي فان استقرار النظام سيعتمد على‬ ‫االنتقال السلمي للسلطة‪.‬‬ ‫مهدي خلجي‬

‫كان علي حسيني خامنئي (بالفارسية على حسينى خامنه اى)‪ ،‬الذي ولد في‬ ‫‪ 16‬يوليو (متوز) عام ‪ ،1939‬سياسيا بارزا عندما تولى منصب املرشد األعلى في‬ ‫عام ‪ ،1989‬بعد وفاة روح اهلل اخلميني‪ .‬وفي مقارنة بينه وبني سلفه‪ ،‬الذي‬ ‫تولى السلطة عندما كان عمره ‪ 77‬عاما‪ ،‬باإلضافة إلى مؤسسي اجلمهورية‬ ‫اإلسالمية اآلخرين مثل آية اهلل حسني علي منتظري أو أكبر هاشمي رافسنجاني‪،‬‬ ‫كان خامنئي أصغر سنا بكثير‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،1979‬إثر إصابته بأزمة قلبية‪ ،‬قلص آية اهلل اخلميني دوره الفعلي بصورة‬ ‫كبيرة‪ .‬وعلى مدار األعوام العشرة التالية‪ ،‬مع احتفاظه بلقب املرشد األعلى‪،‬‬ ‫متتعت دائرة من املستشارين املقربني‪ ،‬من بينهم ابنه أحمد اخلميني وأكبر هاشمي‬ ‫رافسنجاني وعلي خامنئي بأدوار مؤثرة في إدارة البالد‪.‬‬ ‫عندما توفي اخلميني‪ ،‬أصبح رجل الدين والسياسة الشاب خليفة له ليمنع‬ ‫املرجعيات الدينية األخرى وكبار آيات اهلل أو أي سياسيني ثوريني بارزين من خالفته‬ ‫أو االستحواذ على السلطة‪ .‬ووفقا لرافسنجاني وآخرين‪ ،‬كانت وفاة اخلميني‬ ‫تعني نهاية املنصب الذي يناسب فقط مؤسس اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬بفضل‬ ‫وضعه التاريخي وكاريزمته ومكانته الدينية‪ .‬وبتعيني من يفتقد إلى كل من‬ ‫التفوق الديني والسياسي باإلضافة إلى الكاريزما‪ ،‬اعتبرت نخبة إيران التي تتمتع‬ ‫بالنفوذ أن املرشد األعلى مجرد منصب صوري‪ .‬ومتت مراجعة الدستور وتركزت‬ ‫السلطات التنفيذية في يد الرئيس‪ .‬كان من املمكن أن يكون ذلك حتوال كبيرا نحو‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬حيث تضاءل دور السلطة ذات الشرعية الدينية لصالح املؤسسات‬ ‫السياسية التي تعتمد على إرادة الشعب‪.‬‬ ‫ولكن أثبتت هذه املعادلة خطأها الكامل ألسباب عديدة‪ :‬الدستور مينح الولي‬ ‫الفقيه منصبا دائما في حني تتولى الهيئات املنتخبة دميقراطيا مناصب محدودة‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يستطيع الولي الفقيه أن يستغل أي انتخابات دستوريا وأن‬ ‫يغير من نتائجها‪ .‬كما يجب أن يختار مجلس صيانة الدستور ‪ -‬الذي يتم تعيني‬ ‫ستة من أعضائه الفقهاء مباشرة بواسطة املرشد األعلى – املرشحني‪ ،‬وأن‬ ‫يصادق على نتائج االنتخابات‪ ،‬على الرغم من أنهم يرفضون غالبية املرشحني‪.‬‬ ‫واألكثر أهمية هو أن الرئيس يستحوذ مبفرده على السلطة التنفيذية‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أن الدستور املعدل ما زال يعتبر املرشد األعلى قائدا للقوات املسلحة‪ ،‬مبا‬ ‫فيها اجليش والشرطة واحلرس الثوري والباسيج‪ .‬ويعني املرشد األعلى أيضا رئيس‬ ‫السلطة القضائية ورئيس هيئة اإلذاعة والتلفزيون احلكومية (التي حتتكر اإلذاعة‬ ‫والتلفزيون في إيران)‪ .‬وأخيرا يعني املرشد األعلى أمينا على مرقد اإلمام رضا في‬ ‫مشهد ومؤسسة رجال الدين‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫حاول خامنئي‪ ،‬الذي بدأ فترة واليته وهو يعرف أن ضعفه هو السبب الرئيسي‬ ‫لتعيينه‪ ،‬أن يخالف الصورة التي رسمها آخرون له‪ .‬في إطار سعيه إلى السلطة‪،‬‬ ‫حاول في البداية أن يعيد بناء منصب املرشد األعلى من موقعه اإلشرافي إلى‬ ‫قيادة فعلية ومؤثرة من خالل بيروقراطية حديثة ومعقدة للغاية‪ .‬وعلى النقيض‬ ‫من اخلميني‪ ،‬حاول خامنئي السيطرة على القوات املسلحة واملؤسسات األخرى‬ ‫اخلاضعة له‪ .‬وفي حني لم يتعامل اخلميني مطلقا بصفته قائدا أعلى للقوات‬ ‫املسلحة‪ ،‬حيث ترك السلطة إما للرئيس أو رئيس البرملان‪ ،‬لم يتخل خامنئي‬ ‫مطلقا عن سلطته على اجليش أو احلرس الثوري اإلسالمي القوي لصالح أي‬ ‫شخص آخر‪.‬‬ ‫السلطة املطلقة‬ ‫عندما وصل خامنئي إلى املنصب‪ ،‬كان أول قرار يتخذه هو تعيني مساعدين‬ ‫سابقني في وزارة االستخبارات‪ ،‬غالم حسني محمد كلبايكاني‪ ،‬وأصغر حجازي‪،‬‬ ‫ليكونا مدير مكتبه والنائب األمني بالترتيب‪ .‬كان كلبايكاني وحجازي رجلي دين‪،‬‬ ‫ولكنهما أمضيا العقد األول من عمر اجلمهورية اإلسالمية في اجليش واحلرس‬ ‫الثوري أو في وزارة االستخبارات‪ .‬بعد وصول خامنئي ملنصبه‪ ،‬كانت لهما الكلمة‬

‫جمل�س اخلرباء‬ ‫يختار اجمللس املكون من ‪ 86‬عاملا إسالميا اختيار القائد األعلى‪ .‬ميضي أعضاء اجمللس فترات‬ ‫عضوية مكونة من ‪ 8‬أعوام‪ ،‬ويتم اختيارهم عن طريق االنتخاب الشعبي‪ ،‬ولكن تقر‬ ‫احلكومة املرشحني لعضوية اجمللس مسبقا‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى انتخاب املرشد األعلى يشرف اجمللس رسميا على املرشد األعلى‪ ،‬وميلك‬ ‫سلطة إقالته «عند عجز‪ ‬القائد‪ ‬عن أداء وظائفه القانونية أو فقده أحد الشروط املذكورة‬ ‫في الدستور أو علم فقدانه لبعضها منذ البدء فإنه‪ ‬يُعزل عن منصبه»‪.‬‬ ‫لم يعزل اجمللس فعليا أي قائد أعلى‪ ،‬كما لم يعارض أيا من قراراته‪ .‬وبذلك تكون أهم‬ ‫وظيفة يؤديها اجمللس دورا مراسميا في اختيار القائد املقبل‪.‬‬


‫من املشكلة في أردوغان ذاته‪ ،‬حيث يتزايد حكمه املطلق وعدم تقبله للنقد‬ ‫مع زيادة سلطته‪ .‬ولكن يرى احملللون أن املشكلة تكمن في املفاهيم الواسعة‬ ‫للدميقراطية في تركيا‪ .‬يقول متني منير‪" :‬إن احلكام األتراك‪ ،‬مثل السالطنة‬ ‫العثمانيني‪ ،‬يفكرون في سلطة الدولة ككل"‪ ،‬وليس في مجموعة دقيقة من‬ ‫الضوابط والتوازنات‪.‬‬ ‫وال يبدو أن أردوغان استنثاء لهذه القاعدة‪ .‬في إطار احلملة االنتخابية قبل‬ ‫يوم األحد املاضي‪ ،‬لم يخف حقيقة أنه أراد غالبية كاسحة في البرملان‪ ،‬حتى‬ ‫يتمكن حزبه من صياغة الدستور اجلديد والتصديق عليه دون التشاور مع‬ ‫املعارضة‪ .‬وقد فشل في احلصول على هذا التفويض‪ ،‬وتعهد بالتوصل إلى‬ ‫تسوية في اخلطاب الذي ألقاه بعد الفوز‪ .‬وقبل الشروع في ترديد أغنية يرجع‬ ‫أصلها إلى موطنه في البحر األسود‪ ،‬التفت إلى اجلماهير وقال‪" :‬ما فعلناه‬ ‫ضمان ملا سنفعله"‪ .‬وهتف مؤيدوه مبتهجني‪ ،‬وتنهد املشككون وهم يفكرون‪:‬‬ ‫وهذه حتديدا هي املشكلة‪.‬‬ ‫نيوكالس بيرش – عمل مراسال حرا في تركيا ملدة ثمانية أعوام‪ .‬تنشر كتاباته في‬ ‫نطاق واسع من اإلصدارات‪ ،‬منها مجلة "التامي" و"وول ستريت جورنال" و"التاميز"‬ ‫اللندنية‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫‪21‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫احلكومات االئتالفية املتشاحنة واحلرب الكردية الوحشية‪ ،‬اعتاد كاتب تركي كبير ‪ ،1960‬أطاح اجليش بأربع حكومات منتخبة‪ ،‬ولكن بعد ‪ 12‬يونيو‪ ،‬من الصعب أن‬ ‫نتخيل إمكانية تكرار ذلك‪.‬‬ ‫إنهاء مقاله بسؤال‪" :‬متى سنكبر؟"‪.‬‬ ‫وكانت إجاباته على السؤال تتغير يوما بعد يوم‪ :‬عندما نتوقف عن وضع أصابعنا في لقد ذهب النظام القدمي‪ .‬ولكن كيف سيكون شكل تركيا حديثة الثقة بالنفس‬ ‫أنوفنا أمام الناس‪ ،‬عندما نتعلم فتح الباب أمام السيدات‪ .‬أيا كانت األمثلة التي يجيب بقيادة حزب العدالة والتنمية؟ وهل تصبح دولة يديرها مدنيون بالضرورة أكثر‬ ‫بها‪ ،‬فهي متثل عقدة دونية ترسخت في قرون من االنحدار العثماني‪ ،‬واقتناع احملدثني دميقراطية من تلك التي تدور فيها احلياة السياسية في ظل اجليش؟‬ ‫اجلمهوريني بأن الشعب عبارة عن أطفال متخلفني عليهم االنتظام في الصف‪.‬‬ ‫على الرغم من حديث حزب العدالة والتنمية عن "الدميقراطية التقدمية"‪ ،‬يقول‬ ‫يتمثل أعظم جناح حققه أردوغان في تدمير النظام املعادي للدميقراطية الناجت عن العديد من األتراك إنهم ال يعرفون شيئا‪ .‬يقول احمللل السياسي متني منير‪" :‬إن تركيا‬ ‫هذا األسلوب‪ .‬بداية من عام ‪ 2002‬وما بعدها‪ ،‬كان حزبه في حرب بكل ما حتمله موقع بناء سياسي أزيلت منه األسس القدمية‪ ،‬ولكن ال توجد خطة عمل من أجل‬ ‫الكلمة من معنى ضد وصاية النخبة البيروقراطية بقيادة اجليش والتي تعتبر ذاتها املستقبل‪ .‬ال نعرف ما هو نوع النظام الذي يحلم به أردوغان"‪.‬‬ ‫أرقى من السياسيني املنتخبني‪.‬‬ ‫على األرجح سنعرف ذلك قريبا‪ :‬فقد جعل صياغة ما وصفه يوم األحد بدستور‬ ‫هزم أردوغان اجليش‪ ،‬الذي هدد بالتدخل في عام ‪ ،2007‬وواجه مؤيديه في القضاء "ليبرالي مدني جديد" في أولوية فترة حكومته الثالثة‪ .‬يوافق األتراك من جميع‬ ‫الفئات على ضرورة تغيير الدستور احلالي‪ ،‬حيث إن الدستور‪ ،‬الذي وضع برعاية اجليش‬ ‫الذين حاولوا حل حزبه في عام ‪.2008‬‬ ‫في عام ‪ ،1982‬أصبح غير مالئم لدولة سريعة النمو‪.‬‬ ‫هزمهم ألنه ميلك تأييدا شعبيا‪ .‬لقد جعلت أحالم االستقرار والرخاء الشعب‬ ‫طموحا ومشاكسا‪ .‬وولت أيام خلع القبعات أمام من يفترض أنهم مميزون‪ .‬منذ عام ولكن يساور البعض شكوك جادة حول نوايا حزب العدالة والتنمية‪ .‬يكمن جزء‬ ‫‪20‬‬


‫ماذا يعني فوز حزب العدالة والتنمية في االنتخابات التركية؟‬

‫آمال عريضة‬

‫مير حزب العدالة والتنمية التركي بفترة غير مسبوقة من النجاح السياسي‪ .‬في الوقت الذي يقود فيه رئيس الوزراء أردوغان حزبه إلى فوز انتخابي‬ ‫ساحق‪ ،‬يواجه مسؤولية االستفادة من تركيا التي تشهد ثقة جديدة بذاتها‪ .‬سيكون أول حتد يواجهه أردوغان هو اإلشراف على صياغة دستور جديد‪.‬‬ ‫نيوكالس بيرش‬

‫بعد فوزه في عام ‪ ،2002‬وفوزه الساحق في عام ‪ ،2007‬واكتساحه بالغالبية في‬ ‫‪ 12‬يونيو (حزيران) من العام احلالي‪ ،‬لم تشهد تركيا مطلقا حزبا مثل العدالة‬ ‫والتنمية‪.‬‬ ‫منح نصف الناخبني األتراك أصواتهم لهذا احلزب‪ .‬ويبدو أن جاذبيته محصنة‬ ‫ضد اإلرهاق االنتخابي حيث حاز على نسبة أعلى من األصوات في ثالثة انتخابات‬ ‫متعاقبة‪ ،‬وهو ما لم يحققه أي حزب تركي آخر‪ .‬ليس غريبا أن يقف آالف من مؤيدي‬ ‫احلزب وهم يهتفون خارج مقره يوم السبت املاضي‪" :‬تركيا فخورة بك"‪ .‬ما هو السر‬ ‫إذن؟ ببساطة لم تكن أحوال األتراك مطلقا أفضل مما هي عليه اآلن‪.‬‬ ‫وصل حزب العدالة والتنمية إلى احلكم بعد عقد من االزدهار النسبي ثم الكساد‬ ‫الذي وصل إلى ذروته في األزمة املصرفية عام ‪ ،2002‬عندما ألقى الرئيس نسخة من‬ ‫الدستور في وجه رئيس الوزراء الذي أخبر الصحافيني‪ .‬وانخفض إجمالي الناجت احمللي‬ ‫للبالد بنسبة ‪ 10‬في املائة تقريبا‪.‬‬ ‫منذ ذلك احلني تضاعف حجم االقتصاد التركي ثالثة أضعاف‪ .‬وصعدت سوق األوراق‬ ‫املالية بنسبة ‪ 600‬في املائة تقريبا‪ .‬وبعد أن كانت تركيا اقتصاديا تشبه البيت‬ ‫املصنوع من الورق‪ ،‬جتاهلت األزمة العاملية األخيرة‪ :‬حيث حققت معدل منو بلغ ‪ 8‬في‬ ‫املائة في العام املاضي‪ ،‬ويقدر منوها في العام احلالي بأكثر من ‪ 5‬في املائة‪.‬‬ ‫عاد هذا النمو بالنفع على اجلميع‪ ،‬املستثمرين األجانب‪ ،‬وعائالت األعمال العريقة‬ ‫في تركيا‪ ،‬مثل عائلتي كوك وسابانسي‪ ،‬التي حصلت على نصيب األسد بشرائها‬ ‫شركات الدولة التي متت خصخصتها فيما بني عامي ‪ 2003‬و‪ ،2007‬ورجال األعمال‬ ‫املفضلني لدى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان‪ ،‬مع قصص صعودهم السريع من‬ ‫الفقر إلى الثراء‪ ،‬ومدن األناضول التي حتولت سريعا إلى مجال التصنيع‪.‬‬ ‫ولكن أكبر املستفيدين على األرجح هم ماليني األتراك الذين ولدوا يعانون من الفقر‪،‬‬ ‫وأصبح مسموحا لهم بأن يحلموا باالنضمام إلى الطبقة الوسطى على الرغم من‬ ‫تواضع حلمهم‪.‬‬ ‫هؤالء هم األشخاص الذين خاطبهم أردوغان عندما قال مساء يوم األحد‪" :‬نحن‬ ‫هنا ليس لنصبح أسيادا عليكم‪ ،‬بل لنخدمكم"‪ .‬استهدف برنامج إصالح شامل‬ ‫في قطاع الصحة هؤالء اجلماهير‪ ،‬وكذلك أيضا خطط دعم أسر األطفال في‬ ‫عمر التعليم املدرسي‪ .‬كما مت بناء الوحدات السكنية زهيدة الثمن البالغ عددها‬ ‫‪ 350000‬شقة حتت إشرافه من أجلهم‪ ،‬ويجري حاليا بناء ‪ 150000‬شقة أخرى‪.‬‬ ‫قال املعلق السياسي سدات إرغني‪" :‬إذا لم يكسر الشيء فال تصلحه‪ .‬كانت هذه‬ ‫هي فكرة احلملة االنتخابية حلزب العدالة والتنمية هذه املرة‪ .‬وقد جنحت"‪ .‬ويشير‬ ‫إرغني إلى أن ‪ 48‬في املائة من األتراك الذين سألهم مركز بيو األميركي الستطالعات‬ ‫الرأي في ‪ 7‬يونيو وصفوا أنفسهم بأنهم "سعداء" بحياتهم‪ ،‬وهي نسبة أقل من‬ ‫تلك التي فازت بها احلكومة في يوم األحد‪" .‬فلماذا يصوتون من أجل التغيير؟"‪.‬‬ ‫لقد غير التحول االقتصادي عقليات الناس أيضا‪.‬‬ ‫طوال فترة التسعينيات والعقد األول من القرن احلادي والعشرين‪ ،‬وهي أعوام‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫‪19‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫واحدة من هذه اجلماعات تسمى "السلفيون النشطاء"‪ ،‬تلك اجلماعة التي ترجع أصولها‬ ‫للحركات اجلامعية في السبعينيات من القرن املاضي‪ ،‬والتي تعمل حتت وصاية شيوخ‬ ‫أفتوا بهرطقة احلكام إن لم يحكموا وفقا للشريعة‪.‬‬ ‫طاملا رفض هؤالء السلفيون املشاركة في انتخابات دميقراطية‪ ،‬العتبارها هرطقة وخروجا‬ ‫عن شريعة اهلل‪ .‬إال أن التغيير طال بعضهم وتبنى مفهوم الدميقراطية واستخدموا‬ ‫أصواتهم بفعالية حتى أن املشايخ دعوا أنصارهم للذهاب والتصويت لصالح التعديالت‬ ‫الدستورية في االستفتاء الذي أجري أخيرا‪.‬‬ ‫وإنشاء حزب النور دليل على هذا التغير التي طرأ على التفكير السلفي‪ .‬فعلى الرغم‬ ‫من أن السلفيني عارضوا أي نوع من املشاركة السياسية في السابق‪ ،‬اآلن يكونون أول‬ ‫حزب سياسي لهم في التاريخ‪.‬‬ ‫هناك بالطبع قطاع معني من السلفية لم يتحرج من قبل في التعبير عن صوته‪.‬‬ ‫اجلهادية السلفية‪ ،‬وهي النسخة املتطرفة للغاية من اإلسالم والتي تعتبر أعضاء‬ ‫“القاعدة” من أهم أنصارها‪ ،‬والتي ترى وجوب محاربة كل حكومة ال تطبق الشريعة‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫في أوائل التسعينيات من القرن املاضي‪ ،‬حتول النفور السلفي من السياسة إلى انعزال‬ ‫تام‪ .‬على الرغم من قدرتهم على صنع األخبار‪ ،‬فإن هذا القطاع من السلفية ما هو إال‬ ‫قطاع صغير مجمل احلركة‪ .‬والشيء نفسه ينطبق على السلفيني في مصر مقارنة‬ ‫بباقي املسلمني في البالد اليوم‪ .‬وعلى الرغم من أن الشيخ عبد املنعم الشحات يزعم‬ ‫أن هناك ماليني من األنصار في جميع أنحاء البالد‪ ،‬يقول ستيفان الكروا إن العدد قد‬ ‫يكون في حدود مائتي ألف‪ ،‬ولكنه اعترف بأن هذا الرقم غير دقيق‪ ،‬لصعوبة حتديد من‬ ‫هو سلفي‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يبدو أن العديد من السلفيني قد تغلغلوا في اجملتمع املصري‪ .‬سميت احلركة‬ ‫تيمنا بالسلف الصالح أو بالسلف التقي في بداية اجملتمع اإلسالمي‪.‬‬ ‫يعتقد السلفيون أن التابعني األوائل للنبي محمد صلى اهلل عليه وسلم هم وحدهم‬ ‫من كانوا ميارسون اإلسالم بشكل صحيح‪ ،‬وميكن أن منيزهم عادة باجللباب القصير‪ ،‬الذي‬ ‫يتم ارتداؤه امتثاال للتعاليم اإلسالمية‪ ،‬حيث إن املالبس الطويلة تدل على الغرور‪.‬‬ ‫ولكن جلمال سلطان‪ ،‬هذه الصور النمطية ليست مفيدة كما أنها مضللة‪ .‬فيقول‪:‬‬ ‫"يهتم الغرب كثيرا باملظاهر‪ :‬اللحية‪ ،‬املالبس والطريقة التي يعيشون بها‪ ،‬ولكن‬ ‫السلفية ظاهرة واسعة النطاق‪ .‬فيمكنك أن جتدهم في األحياء الفقيرة‪ ،‬وكذلك بني‬ ‫الطبقات الراقية‪ .‬ميكنك أن تراهم كباعة جائلني‪ ،‬كأساتذة جامعات وأيضا كالعبي كرة‬ ‫قدم‪ .‬فهم موجودون في كل مكان"‪.‬‬ ‫فيقول الكروا إن احلركة قد تزايدت إلى حد كبير في العشر سنوات املاضية‪ ،‬في أماكن‬ ‫عدة مثل اإلذاعات السلفية املتشددة التي سمح بها نظام مبارك ملواجهة نفوذ اإلخوان‬ ‫املسلمني‪ .‬وأضاف أنه كان من املستبعد أن تشهد مصر أي نوع من السلفية السياسية‬ ‫ملدة طويلة‪.‬‬ ‫يبدو أن العديد من املصريني يتفقون مع ذلك‪ .‬فإذا حتدثت للناخبني الليبراليني ‪ -‬الذين من‬ ‫املفترض أن تكون لديهم أكبر اخملاوف من تهديد السلفيني ‪ -‬ستجد معظمهم رابطي‬ ‫اجلأش‪ ،‬مفضلني إبعاد هذه احلركة بدال من حتويلها لقوة ال يستهان بها‪.‬‬ ‫فيبدو أن األزمة احلقيقية‪ ،‬كما يشير لها ستيفان الكروا‪ ،‬هي أزمة ثقافية أكثر من كونها‬ ‫منافسة انتخابية‪ ،‬وهو ما يقلق النخبة الليبرالية بشدة‪ .‬إذا أخذت سيارة أجرة‪ ،‬وإذا بدا‬ ‫السائق مقتنعا أن النقاب هو الزى اإلسالمي الصحيح للمرأة فسوف يقول‪" :‬زوجتي ال‬ ‫ترتديه على الرغم من أنها ال بد أن تفعل‪ ،‬ولكننا ضعفاء"‪ .‬هذا ما لم تكن لتسمعه في‬ ‫مصر منذ خمسني عاما‪ .‬فإذا كنت تعتقد على غرار الشيخ عبد املنعم والشيخ خالد‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬أن كل مسلم سلفي حتى لو لم يدرك ذلك‪ ،‬فاالنتخابات القادمة سوف تثبت‬ ‫مدى صحة هذه النظرية‪.‬‬

‫أليستير بيتش‪ :‬محرر حر يعيش في القاهرة كان يعمل بالعديد من الصحف مبا في‬ ‫ذلك "إندبندنت"‪" ،‬صانداي تليغراف"‪ ،‬و "سبيكتاتور"‪ .‬وكان يعيش من قبل في سوريا‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫م�شايخ ال�سلفية‪:‬‬ ‫حسان‪ :‬من مواليد العام ‪ 1962‬بقرية دموه مركز‬ ‫محمد ّ‬ ‫دكرنس مبحافظة الدقهلية‪ ،‬حاصل على بكالوريوس إعالم‬ ‫من جامعة القاهرة وعمل مدرسا ً ملادتي احلديث ومناهج‬ ‫احملدثني في كليتي الشريعة وأصول الدين بجامعة اإلمام‬ ‫محمد بن سعود‪ .‬يقوم بالتدريس في معاهد إعداد الدعاة‬ ‫في املنصورة وهو رئيس مجلس إدارة مجمع أهل السنة‬ ‫ومشرف عام قناة الرحمة الفضائية‪ .‬سافر إلى األردن وكان‬ ‫ما زال في الثامنة عشرة من عمره وحضر بعض اللقاءات‬ ‫القليلة للشيخ محمد ناصرالدين األلباني‪ .‬بعد فترة‬ ‫اجلامعة التحق مبعهد الدراسات اإلسالمية بالقاهرة‪ ،‬ولم‬ ‫تكتمل دراسته في املعهد بسبب فترة التجنيد اإللزامي‪.‬‬ ‫تلقى العلم على يد كبار العلماء في السعودية من‬ ‫أمثال الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبداهلل بن جبرين‬ ‫والشيخ عبد القادر شيبة احلمد والشيخ محمد بن صالح‬ ‫العثيمني‪.‬‬ ‫احلويني‪ :‬من مواليد ‪ 1956‬واسمه احلقيقي‬ ‫أبو إسحاق‬ ‫ّ‬ ‫هو حجازي محمد شريف يعتبر أحد أشهر دعاة الدعوة‬ ‫السلفية حاليا ً‪ .‬ولد بقرية حوين مبحافظة كفر الشيخ‬ ‫مبصر‪ .‬يعده البعض كبير مشايخ أهل احلديث والسلفية‬ ‫في مصر والعالم‪ .‬له دروس في مسجد شيخ اإلسالم‬ ‫ابن تيمية مبدينة كفر الشيخ‪ .‬ويحاضر على قناة احلكمة‬ ‫الفضائية التي يرأس جلنتها العلمية في برامج عدة‪ .‬كذلك‬ ‫له على قناة الناس الفضائية برنامج فضفضة‪.‬‬ ‫تخرج من كلية األلسن قسم األسباني‪ .‬وكان بدأ طلب‬ ‫علم احلديث في احلادية عشرة من عمره وحضر دروس‬ ‫الشيخ محمد جنيب املطيعي في الفقه الشافعي‪.‬‬ ‫كما حضر دروسا للشيخ سيد سابق باملعادي وأخذ العلم‬ ‫على بعض "شيوخ األعمدة" في اجلامع األزهر والزم الشيخ‬ ‫محمد ناصرالدين األلباني لفترة قصيرة وتعلم منه‪ .‬كما‬ ‫تلقى العلم على يد مشايخ كبار مثل الشيخ عبداهلل بن‬ ‫قعود والشيخ بن باز والشيخ العثيمني‪.‬‬ ‫ياسر برهامي‪ :‬من مواليد ‪ ،1958‬وهو أحد أشهر دعاة‬ ‫السلفية في مصر‪ .‬ولد باإلسكندرية وحتصل على‬ ‫بكالوريوس الطب واجلراحة في عام ‪ 1982‬ثم ماجستير‬ ‫طب األطفال عام ‪ 1992‬من جامعة اإلسكندرية وليسانس‬ ‫الشريعة اإلسالمية عام ‪ 1999‬من جامعة األزهر‪.‬‬ ‫شارك في تأسيس معهد إعداد الدعاة للمدرسة السلفية‬ ‫باإلسكندرية والتدريس فيه‪ ،‬حيث قام بتدريس مادتي‬ ‫التوحيد وأصول الدعوة إلى حني إيقافه سنة ‪ .1994‬أيضا‬ ‫قام باملشاركة في كتابة مقاالت مجلة صوت الدعوة إلى‬ ‫حني إيقافها سنة ‪ .1994‬قام بشرح كتاب صحيح مسلم‬ ‫بشرح النووي وكتاب فتح الباري وتفسير ابن كثير وكتاب‬ ‫اإلميان لشيخ اإلسالم ابن تيمية وكتاب شفاء العليل وكتاب‬ ‫إعالم املوقعني البن القيم وكتاب العقيدة الوسطية‪.‬‬ ‫كما له كتب أخرى و مجوعات صوتية حول قضايا اسالمية‬ ‫مختلفة‪ ،‬وقام بالتعليق على العديد من الكتب مثل شرح‬ ‫كشف الشبهات‪ ،‬وكتاب أقوال وأفعال واعتقادات خاطئة‪.‬‬ ‫محمد حسني يعقوب‪ :‬من مواليد العام ‪1956‬م بقرية‬ ‫املعتمدية مركز إمبابة التابعة حملافظة اجليزة مبصر‪ .‬كان‬ ‫والده من املؤسسني للجمعية الشرعية لتعاون العاملني‬ ‫بالكتاب والسنة احملمدية في املعتمدية‪ .‬حصل على‬ ‫ثم سافر إلى اململكة العربية‬ ‫دبلوم املعلمني عام ‪َّ 1967‬‬ ‫السعودية لطلب العلم الشرعي‪ .‬حصل على إجازتني‬ ‫في الكتب الستة وإجازة في القرآن والكتب الستة‪ .‬من‬ ‫شيوخه الذين أخذ عنهم العلم الشرعي الشيخ عبد‬ ‫العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمني والشيخ‬ ‫عبد اهلل بن قعود والشيخ عبد اهلل بن غديان والشيخ‬ ‫عبداهلل بن عبد الرحمن اجلبرين والشيخ محمد اخملتار‬ ‫الشنقيطي والشيخ عبد اهلل بن محمد األمني الشنقيطي‬ ‫والشيخ أبو بكر اجلزائري والشيخ عبد القادر شيبة احلمد‪.‬‬ ‫كما التقى الشيخ محمد ناصر الدين األلباني وسمع منه‪.‬‬ ‫له كتب عدة في مسائل فقهية ومحاضرات وخطب كثيرة‬ ‫مسجلة على األشرطة صدر منها نحو املائتني وخمسني‬ ‫ويوجد عدد كبير منها في صفحته بإذاعة طريق اإلسالم‪.‬‬


‫وكان نحو اثني عشر شخصا قد لقوا مصرعهم خالل الشهر احلالي في االشتباكات‬ ‫العنيفة التي اندلعت في إمبابة‪ ،‬أحد أحياء القاهرة‪ ،‬وذلك حني اندلعت أحداث شغب‬ ‫بسبب شائعات عن احتجاز امرأة مسيحية حتولت لإلسالم في الكنيسة‪ ،‬وركزت‬ ‫معظم التقارير في اليوم التالي على اجملموعات السلفية الكبيرة التي وجدت أثناء‬ ‫األحداث‪.‬‬ ‫جاءت هذه احلادثة بعدما تصدرت موجة من القصص املرعبة عن السلفية‪ ،‬الصحف‬ ‫املصرية‪ ،‬باإلضافة إلى تقارير حول إغالق محال خمور عقب مظاهرات للسلفيني‪،‬‬ ‫واحتجاجات على عمليات خطف أو قتل تعرضت لها نساء حتولن إلى اإلسالم‪ .‬وفي‬ ‫أعقاب حادثة واحدة‪ ،‬ذهبت وكالة "أسوشييتد برس" حلد القول إن السلفية تقع على‬ ‫مسافة ضئيلة من تنظيم القاعدة‪ ،‬وهي مقارنة ضحلة في أحسن األحوال‪.‬‬ ‫ليس هناك شك في أن بعض الليبراليني والعلمانيني في مصر ليسوا مولعني بالسلفية‪.‬‬ ‫فكما يقول رامي السويسي‪ ،‬أحد أعضاء حركة شباب ‪ 6‬أبريل‪" ،‬أنا أحب الدين‪ ،‬ولكنني‬ ‫ال أحب هذه النوعية من التدين‪ .‬هناك فرق بني اإلسالم والتطرف"‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك‪ ،‬يبدو قلق املسيحيني حيال تأثير السلفيني منطقيا في ضوء تعنتهم‬ ‫الذي ظهر في العديد من األحيان‪ .‬وأخيرا‪ ،‬قال داعية سلفي آخر يدعى الشيخ خالد عبد‬ ‫اهلل‪ ،‬إنه يرى أن أقباط مصر متهمون باخليانة إلقامتهم عالقات مع الغرب‪.‬‬ ‫"إنه أمر محزن‪ ،‬عندما يذهب أقباطنا لألمم املتحدة وأوروبا قائلني‪ :‬تعالوا إلينا وأنقذوا‬ ‫أرواحنا"‪ ،‬فهم بذلك يخونوننا‪ .‬هم ال يدركون ما فعلت األمم املتحدة في العراق‬ ‫وباكستان‪" .‬املسيحيون أصبحوا ضد املسلمني اآلن‪ .‬فهم ال يريدون ملصر أن تصبح‬ ‫إسالمية"‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعتقد البعض أن اإلعالم املصري والنخبة السياسية هم من يقع على‬ ‫عاتقهما اللوم في إثارة الفزع‪ .‬في مارس (آذار) املاضي‪ ،‬وافق الناخبون املصريون على‬ ‫التعديالت الدستورية بغالبية ساحقة ‪ -‬وهي النتيجة التي متهد الطريق أمام انتخابات‬ ‫برملانية ورئاسية في وقت الحق من هذا العام‪.‬‬ ‫ولكن تلك النتيجة كانت صادمة للعديد من الليبراليني الذين أرادوا فترة انتقالية أطول‬ ‫لتساعدهم على إنشاء هيكل سياسي أكثر قوة‪ .‬وألقى العديد منهم باللوم على‬ ‫السلفيني‪.‬‬ ‫فيقول جمال سلطان‪ ،‬السلفي‪ ،‬ورئيس حترير اجلريدة اإللكترونية "املصريون"‪" :‬خالل‬ ‫االستفتاء على التعديالت الدستورية‪ ،‬أدركت القوى السياسية القدرة الكبيرة‬ ‫للسلفيني على حشد اجلماهير صوب التصويت بنعم‪ .‬وذلك ما حدث أيضا للعديد من‬ ‫األحزاب السياسية األخرى في مصر‪ ،‬الذين غضبوا بشدة عندما أدركوا قدرات السلفيني‬ ‫السياسية"‪.‬‬ ‫وفقا لألستاذ ستيفان الكروا‪ ،‬أستاذ معهد الدراسات السياسية في باريس‪ ،‬الذي قضى‬ ‫سنوات طويلة في دراسة احلركات اإلسالمية األصولية‪ ،‬شجب الشيوخ املصريون أحداث‬ ‫العنف التي وقعت بني املسلمني واملسحيني بعد سقوط مبارك‪.‬فقال‪" :‬إذا ألقيت نظرة‬ ‫على خطب معظم الشيوخ‪ ،‬فقد نددوا جميعا بالعنف‪ .‬وألقوا بالالئمة على السلفية"‪.‬‬ ‫وأضاف الكروا أن السلفية ال متتلك هيكال قويا أو قيادة مركزية‪ ،‬وأن من ذهب إلمبابة‬ ‫كان على األرجح ميثل التفاح الفاسد الذي انساق وراء شيوخ احلي احملتالني‪ .‬وقال أيضا‬ ‫إن هذه األحداث وقعت على األرجح قبل أن يصنع أي من األحزاب السياسية السلفية‬ ‫هذه الضجة‪.‬‬ ‫جدير بالذكر‪ ،‬أن التاريخ احلديث للسلفية في مصر يعود إلى السبعينيات من القرن‬ ‫املاضي ‪ -‬في الوقت الذي وصل فيه نشاط اجلماعة اإلسالمية أوجها‪ ،‬وذلك حيث انتشرت‬ ‫بعدما مت وضعها على قائمة املنظمات اإلرهابية في األمم املتحدة واالحتاد األوروبي‪.‬‬ ‫من البداية‪ ،‬كانت هناك توترات بني السلفيني واإلخوان املسلمني‪ ،‬فكان كل منهما يحاول‬ ‫أن يحشد أنصارا له وأن ينشر رسالته بني العامة‪ .‬وفي محاولة للتنسيق‪ ،‬بدأ سلفيو‬ ‫مصر في الثمانينيات من القرن املاضي تشكيل شبكة قوية تنتشر في جميع أنحاء‬ ‫اجلمهورية‪ .‬ومع وجود قاعدة لهم في اإلسكندرية‪ ،‬بدأت احلركة األصولية تكتسب‬ ‫الشعبية‪.‬‬ ‫قسم احملللون احلركة السلفية جملموعات فرعية مختلفة‪ ،‬أحجم معظمها عن املشاركة‬ ‫السياسية حتى ثورة اخلامس والعشرين من يناير‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫ال�سلفيون يف م�صر‪..‬‬ ‫مغي الأحوال‬ ‫�سبحان‬ ‫رّ‬

‫ال يوجد حصر دقيق ألعداد السلفيني في مصر وذلك ألسباب‬ ‫عدة أولها أنهم ليسوا جمعية وال حزبا منظما‪ ..‬السلفيون‬ ‫هم أناس يدعون إلى مجموعة من األفكار االسالمية العامة‬ ‫تنادي بالعودة إلى الفترة التأسيسية األولى‪ ،‬حيث أخذوا في‬ ‫التصاعد‪ ،‬منذ بدايات القرن الفائت‪ ،‬حتى أصبحت االجتاهات‬ ‫السلفية معقدة وبها حالة من التنوع في األفكار والرؤى‬ ‫وتداخل اخليوط‪.‬‬ ‫السلف الصالح‪ ،‬وفي تقديرات بعض شيوخ السلفية‬ ‫تنتشر في كل ربوع مصر جماعات تقول إنها تتبع ّ‬ ‫فان عدد السلفيني يقترب من خمسة ماليني لكنه الرقم غير موثق‪.‬‬ ‫ومن بني احلركات السلفية في مصر جمعية أنصار السنة احملمدية والدعوة السلفية في اإلسكندرية‪،‬‬ ‫واجلماعة االسالمية وتتنشر بشدة في الصعيد األقصى مثل محافظات سوهاج وأسيوط وقنا‪ ،‬وجماعة‬ ‫اجلهاد في اجليزة واملنيا والفيوم وبني سويف وأنصار السنة في الدلتا وخصوصا الدقهلية وكفر الشيخ‬ ‫واجلمعية الشرعية وتتشر في القاهرة على وجه اخلصوص‪.‬‬ ‫االنتشار السلفي مت ‪ -‬في الغالب ‪ -‬بسهولة من دون تنظيم‪ ،‬فاجلسم األكبر لهم غير مؤطر تنظيميا‬ ‫وليس له من ميثله أو يتحدث باسمه‪ ،‬لكنه وضع غير طبيعي بسبب ما يسمى بالوالء والبراء واالنتماء‬ ‫إلى مشايخ بعينهم‪.‬‬ ‫يتوزع املعسكر السلفي في مصر إلى عديد من االجتاهات يصل االختالف بينها إلى حد التناقض‪ ،‬فجماعة‬ ‫أنصار السنة احملمدية‪ ،‬ترى أن النظام الدميقراطي نظام كافر‪ ،‬لكن االنتخابات بالترشيح ومزاحمة أهل‬ ‫الدميقراطية لتقليل شرهم جائز‪ ،‬وترى شرعية العمل اجلماعي‪ ،‬وال تقر التحزب لغير السنة واجلماعة‪.‬‬ ‫اجلمعية الشرعية‪ ،‬التي يصل أتباعها ملئات اآلالف‪ ،‬ترى هي األخرى ما تراه جماعة أنصار السنة احملمدية‪.‬‬ ‫هناك أيضا السلفيون احلركيون الذين يرفضون تكوين جماعة خاصة‪ ،‬لكنهم يشجعون أتباعهم على‬ ‫التعاون مع جميع اجلماعات العاملة حتى تنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫ثمة أيضا تيار آخر قد يتناقض مع اجلميع‪ ،‬وهو التيار املدخلي بقيادة أسامة القوصي ومحمود عامر الذي‬ ‫كان أفتى بجواز قتل محمد البرادعي‪ ،‬حيث يرى بعدم اخلروج على احلاكم املسلم‪ ،‬وإن كان فاسقا‪ .‬بعد‬ ‫‪ 25‬يناير أجاز القوصي املظاهرات واعتذر لشباب الثورة‪ ،‬بينما قرر محمود لطفي عامر ترشيح نفسه‬ ‫للرئاسة‪.‬‬ ‫هناك سلفيات كثيرة أعدادها مبئات اآلالف منها من يتحالف مع األنظمة‪ ،‬وهي السلفية التقليدية‬ ‫واملدخلية وأخرى ترفضها بل ورمبا تكفرها وهي السلفية اجلهادية‪ .‬كما أن املوقف من السياسية لهذه‬ ‫السلفيات ليس واحدا‪.‬‬ ‫كان السلفيون يرون في تظاهرات ‪ 25‬يناير مصالح محدودة‪ ،‬ومفاسد أهمها‪ ،‬الشعارات الباطلة‪ ،‬ووجود‬ ‫املنكرات‪ ،‬وارتفاع احتمال سفك الدماء‪ ،‬وال سيما وأن منظميها ِمن شباب اإلنترنت غير املهتم برأي القوى‬ ‫التقليدية ‪ -‬مبا في ذلك اإلسالميون ‪ -‬في حتركاته‪ ،‬كما رأى البعض منهم أنه ال ميكن الصبر أو قبول‬ ‫هتافات ِمن نوعية‪ :‬يحيا الهالل مع الصليب الذي رفع جتسيدا للوحدة الوطنية بني املسلمني واألقباط‪.‬‬ ‫هناك مواقف ملتبسة من ثورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬أهمها من الداعية الشهير محمد حسان الذي عارضها وملا‬ ‫جنحت عاد وأيدها‪ ،‬ومثله‪ ،‬أبو إسحق احلويني الذي ظل في صمت مريب متواصل‪ ،‬ثم كانت املواقف‬ ‫املتتابعة للدعوة السلفية باإلسكندرية والتي متثل أكبر تكتل سلفي في مصر حول حكم املشاركة‬ ‫في ثورة ‪ 25‬يناير‪.‬‬ ‫ب‬ ‫في ‪ 29‬يناير أصدر السلفيون بيانا يقول‪ :‬ال يخفى على أحد ما حدث بعد مظاهرات األمس ِمن تخري ٍ‬ ‫مكاسب‬ ‫ض اجملتم َع كُلَّه ألعظم اخملاطر‪ ،‬وأ َ ُّي‬ ‫للم ْمتلكات العا َّمة‬ ‫َّ‬ ‫ب تُ َعر ِّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ب ون َ ْه ٍ‬ ‫واخلاصة‪ ،‬وعمليا ِت َسلْ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫حتصل لأل ُ َّمة ِمن تدمير و َحرق املباني العا َّمة والوثائق واملستندات‪»..‬‬ ‫في ‪ 30‬يناير املاضي أصدرت الدعوة السلفية بيانا حول انسحاب جهاز الشرطة وبعده بيوم واحد كان‬ ‫البيان الثالث حول معاجلة املوقف الراهن والذي ناشد جموع املسلمني في مصر بقوله‪« :‬أيها املسلمون‪،‬‬ ‫وترويعها‪...‬‬ ‫هلل تعالى أن حتفظوا مصرَ قَلْب العالم اإلسالمي‪ ،‬وأن حتموها ممن يريدون تخري َبها‬ ‫نناشدكم ا َ‬ ‫َ‬ ‫إلخ‪ .‬وقد تضمن البيان عددَا من النقاط تتعلق بحرمة الدماء واألعراض»‪.‬‬ ‫في ‪ 1‬فبراير جاء بيان آخر يعبر عن رؤية الدعوة السلفية الرافضة للثورة بقوله «إن تغيير الوضع السابق‬ ‫على األحداث ضرورة حتمية‪ ،‬فال ميكن االستمرار ُ في دَفع البالد إلى َمزي ٍد ِمن الفوضى»‪.‬‬ ‫بعد تغيير النظام تغير املوقف فجأة ومن رافض للثورة أصبحوا من دعاتها‪ ..‬في ‪ 14‬فبراير عقد‬ ‫السلفيون مؤمترا في مسجد عمرو بن العاص يوم ‪ 1‬إبريل‪ ،‬يدعون فيه للعودة للشريعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫ويطالبون اجمللس العسكري بتفعيل حدود الشريعة‪.‬‬ ‫وقد كان سمح خروج مئات املعتقلني ممن ينتمون إلى تيارات جهادية تعود في مجملها إلى السلفية‬ ‫التقليدية‪ ،‬من املعتقالت‪ ،‬بالدعوة إلى تشكيل أحزاب مبرجعية دينية‪ ،‬واحتواء جميع التيارات السلفية‬ ‫حتت إطار واحد‪.‬‬ ‫وفي األسكندرية حتديدا أعلن عدد من شباب الدعوة السلفية عن تأسيس حزب سياسي ذو مرجعية‬ ‫دينية حتت مسمي «حزب النور اإلسالمي» وقالوا إن الهدف من احلزب هو الدفاع عن تطبيق الشريعة‬ ‫اإلسالمية والوصول إلى غايته بطريقة سلمية علمية خاضعة ألحكام الشرع والدين والتي اتفق عليها‬ ‫أهل العلم‪.‬‬ ‫وأعلنوا أنهم مع االلتزام الكامل بالنظام العام واآلداب العامة للدولة واحترام شرعيتها وعدم اخلروج على‬ ‫مبادئها من دون الطمع في غرض آخر غير حتكيم املسلمني إلى دينهم واليطمع أعضاؤه في منصب أو‬ ‫دور سياسي صغر أو كبر أو غرض دنيوي‪.‬‬ ‫احلزب اجلديد غير مرتبط مبجلس إدارة الدعوة السلفية باإلسكندرية الذي أعلن عدم عزمه تأسيس حزب‬ ‫سياسي في الفترة الراهنة إال أنهم «السلفيون» سيشاركون في احلياة السياسية بشتى الطرق‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أن الدعوة السلفية باإلسكندرية قد نشأت عبر بوابة كلية الطب بجامعة اإلسكندرية‬ ‫من خالل انفصال ‪ 5‬من شيوخها الكبار احلاليني عن اجلماعة اإلسالمية في سبعينات القرن املاضي‪،‬‬ ‫مؤسسني أول نواة للتيار السلفي احلالي في مصر ومن املعروف أن التيار السلفي باإلسكندرية يطلق‬ ‫عليه مدرسة السلفية العلمية‪.‬‬ ‫هذا وقد شكلت الدعوة باإلسكندرية مجلسا إلدارة الدعوة خالل مارس املاضي يضم كال من الشيخ‬ ‫محمد عبد الفتاح «أبو إدريس» ومحمد إسماعيل املقدم وياسر برهامي في اجمللس الرئاسي فضال عن‬ ‫‪ 12‬شيخا آخر في اجمللس العام من بينهم عبد املنعم الشحات املتحدث الرسمي بإسم الدعوة في‬ ‫اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫● شؤون سياسية‬

‫مصر ما بعد مبارك‪ ..‬للخلف در‬

‫ربيع السلفية‬

‫حتول املشهد السياسي في مصر كثيرا مبا يفوق أكثر توقعات املراقبني جموحا خالل األشهر الستة املاضية‪ .‬في أعقاب اإلطاحة بحسني مبارك‪،‬‬ ‫تشكلت أحزاب سياسية جديدة عدة في هذا املناخ املتسامح‪ .‬ومن بني تلك اجملموعات‪ ،‬تأتي اجلماعة السلفية ذات التوجهات السياسية احملافظة‬ ‫التي غيرت توجهاتها على نحو جذري بدخولها اجملال السياسي بنشاط‪ ،‬وحتولها لقوة سياسية مهيمنة‪.‬‬ ‫أليستير بيتش‬ ‫جلس الشيخ في مكتب فاخر بالدور التاسع في أحد األبراج السكنية عابثا بتليفونه‬ ‫اجلوال‪ .‬وفي املكتب املضاء بنور غامر يتسلل من النافذة التي متتد من األرض حتى‬ ‫السقف واملطلة على النيل‪ ،‬حدد الشيخ نوع العقوبات التي ميكن أن يتوقعها املصريون‬ ‫إذا ما مت تطبيق نظامه القضائي‪.‬‬ ‫فيقول الشيخ‪" :‬في الشريعة اإلسالمية هناك عقوبة مشددة لكل جرمية‪ ،‬كجلد‬ ‫الظهر وقطع األيدي‪ .‬حيث حتتوي الشريعة على عقوبات قاسية ملن يرتكب جرما"‪ .‬وقد‬ ‫أكمل الشيخ عبد املنعم الشحات‪ ،‬الواعظ املتبع للتيار السلفي األصولي‪ ،‬حديثه قائال‬ ‫إن معظم املصريني بعد الثورة يتفقون مع رأيه ولكنهم لم يدركوا ذلك بعد‪.‬‬ ‫وأضاف‪" :‬على أية حال‪ ،‬لن يجبر السلفيون اجملتمعات على تطبيق الشريعة إن لم يكونوا‬ ‫قد استوعبوها"‪ .‬وأضاف‪" :‬مع العلم‪ ،‬سوف يتقبلها املسلمون كافة"‪.‬‬ ‫الشيخ عبد املنعم‪ ،‬الواعظ البدين‪ ،‬قصير القامة‪ ،‬ذو اللحية التي تشبه حلية فيدل‬ ‫‪16‬‬

‫كاسترو‪ ،‬والتي يحاكيها الكثير من أتباعه‪ ،‬هو متحدث بارز باسم اجلماعة السلفية في‬ ‫مصر‪ .‬وعلى خالف اإلخوان املسلمني‪ ،‬التي كانت متارس نشاطا سياسيا سريا رغم أنها‬ ‫كانت محظورة ألكثر من نصف قرن‪ ،‬أحجمت احلركة السلفية‪ ،‬التي ظهرت ألول مرة في‬ ‫منتصف القرن التاسع عشر من بني النخبة الفكرية جلامعة األزهر العريقة بالقاهرة‪،‬‬ ‫عن ممارسة السياسة‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬تخلى بعض السلفيني عن نفورهم السابق من دائرة الضوء السياسي في‬ ‫السباق النتزاع موطئ قدم فيما بعد مبارك‪ .‬حيث منحت جلنة شؤون األحزاب تصريحا‬ ‫بإنشاء حزب النور السلفي في الثالث عشر من يونيو (حزيران) ‪ ،2011‬في حني ما زال‬ ‫حزب الفضيلة يبذل جهودا مضنية حلشد التأييد‪ .‬ويقال إن هناك عددا آخر من األحزاب‬ ‫األخرى قيد اإلنشاء‪.‬‬ ‫ويأتي ذلك في إطار تصاعد التوتر بني املسلمني واألقباط في مصر‪ ،‬والذي عزاه الكثيرون‬ ‫للتأثير السلبي لبروز اجلماعات السلفية‪.‬‬


6


‫● احلرب والسالم‬

‫في أعقاب اغتيال نائب رئيس الوزراء األسبق رفيق احلريري في فبراير (شباط)‬ ‫‪ 2005‬نظرا لتبعات االنسحاب السوري من لبنان في أبريل (نيسان) من ذلك‬ ‫العام‪ ،‬دون أن نلحظ التغيرات الكبرى التي حدثت في املشهد السياسي‬ ‫اللبناني في أعقاب احلرب األهلية‪.‬‬ ‫لقد حدث التغير أساسا نظرا لتغير االنقسام من مسلمني – مسيحيني‪،‬‬ ‫إلى سنة – شيعة‪ .‬فقد كان ميثل السنة الزعيم احلريري وابنه سعد من بعده‬ ‫وراعيهم اململكة العربية السعودية‪ .‬وكان الشيعة ميثلهم حزب اهلل شديد‬ ‫التسلح املتحالف مع إيران وسوريا‪ .‬وكان املسيحيون منقسمني بني هذين‬ ‫املعسكرين‪ .‬وقد جعلت تلك االنقسامات من املستحيل جناح أسس النظام‬ ‫السياسي اللبناني القائم على الوفاق‪ .‬وحتول احترام التوافق بني الفصائل‬ ‫اخملتلفة بوضوح إلى حق االعتراض املتبادل أو الثلث املعطل داخل اجملالس بدال‬ ‫من العثور على أرضية مشتركة‪.‬‬ ‫وكانت سلطة «االعتراض» في مركز كافة النزاعات الداخلية خالل السنوات‬ ‫األربع املاضية‪ .‬وعلى الرغم من أن «احلق في االعتراض» يفترض أن يعكس‬ ‫الرغبة في جتنب الصدامات‪ ،‬فإنه عكس في لبنان صعوبة احلفاظ على الوفاق‬ ‫باعتباره الفلسفة اإلرشادية عندما ازدادت حدة االنقسامات الرأسية وعندما‬ ‫كانت الضغوط اخلارجية تسعى لزيادة احتدام االختالف بني تلك الفصائل‬ ‫املنقسمة‪.‬‬ ‫إذا ما مت إضافة سالح حزب اهلل إلى تلك املعادلة اللبنانية‪ ،‬يصبح استمرار‬ ‫الدميقراطية اللبنانية على احملك متاما‪ .‬ويبدو أن ما يبقي النظام اللبناني حيا‬ ‫هو اخلوف من عواقب االنهيار أكثر من احلاجة إلجناح األمور‪ .‬ولكن املوقف‬ ‫احلالي غير قابل لالستمرار‪ ،‬فهو مرجح لالنهيار ورمبا يتسبب في تغيرات‬ ‫درامية في حالة أي تغيرات إقليمية‪.‬‬ ‫وفي ظل تلك اخللفية‪ ،‬يستطيع املرء أن يدرك سبب انهيار مجلس الوزراء‬ ‫اللبناني في يناير (كانون الثاني) وملاذا لم يكن من املمكن وضع آخر مكانه‬ ‫حتى يونيو (حزيران)‪.‬‬ ‫نظام جامد ومجتمع متغير‬ ‫وبالتالي‪ ،‬ميكن أن نقول إنه بعد كافة التجارب التي شهدها لبنان خالل‬ ‫اخلمسني عاما األخيرة‪ ،‬يبدو أن التوافق في النظام السياسي ميثل صيغة‬ ‫ثابتة أثبتت عجزها عن التعامل مع التحوالت التي حتدث في اجملتمع اللبناني‪.‬‬ ‫فقد بدأ التوازن الدميوغرافي يتغير في اخلمسينيات لصالح اجملتمع املسلم‬ ‫وهو ما دفع املسلمني إلى املطالبة بحصة أكبر في املؤسسات‪ .‬ونظرا ألن‬ ‫املسلمني يفوقون املسيحيني عددا وألن السوريني عملوا على تهميش القوى‬ ‫السياسية املسيحية‪ ،‬تغيرت املعادلة وارتكزت االنقسامات على السنة ‪-‬‬ ‫الشيعة بدال من املسيحيني ‪ -‬املسلمني‪ .‬ويبدو أن التصلب ورفض اإلصالح‬ ‫وتغيير احلصص ومعدالت تقاسم السلطة منفصلة على نحو غريب عن‬ ‫اجملتمع الذي يتحرك ويتطور دميوغرافيا واجتماعيا ‪ -‬اقتصاديا‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬لم تعد دميقراطية الوفاق اللبنانية قادرة على حل النزاعات أو توفير‬ ‫املوارد لآلليات الدستورية لعالج االختالفات‪ .‬كما يجعل التدخل األجنبي‬ ‫وسالح حزب اهلل من الصعب ضبط األمور داخل البالد‪.‬‬ ‫ورمبا تكون الطريقة الوحيدة للحفاظ على خيار التوافق حتى تظهر قواعد‬ ‫جديدة للعبة سواء على املستوى احمللي أو اإلقليمي هو تبني سلسلة‬ ‫من اإلصالحات التي ميكن أن تسمح للنظام بتحسني أدائه وعالج األزمات‬ ‫واملشاركة في إنتاج نخبة حديثة جديدة‪ .‬ومثل تلك اإلصالحات يجب أن‬ ‫تتضمن املوافقة على قانون انتخابي جديد‪ ،‬وتشريع وطني جديد‪ ،‬وقانون‬ ‫جديد لالمركزية‪ ،‬وتغيير تدريجي للنظام الطائفي في البرملان (مع خلق‬ ‫مجلس للشيوخ)‪ ،‬باإلضافة إلى املوافقة على قانون جديد (اختياري) لألحوال‬ ‫الشخصية ميكن أن يعزز مبدأ املواطنة كبديل للطائفية‪ .‬ومن دون مثل تلك‬ ‫اإلصالحات‪ ،‬يبدو من غير املمكن احلصول على حكومة مستمرة ومستقرة‬ ‫في املستقبل القريب‪.‬‬ ‫زياد ماجد ‪ -‬األستاذ املساعد في اجلامعة األميركية بباريس ومنسق الشبكة‬ ‫العربية لدراسة الدميقراطية‬ ‫‪14‬‬

‫املتهمون بقتل احلريري‬ ‫ظهرت وألول مرة‪،‬‬ ‫صور املتهمني‬ ‫باملشاركة في عملية‬ ‫اغتيال رئيس وزراء‬ ‫لبنان رفيق احلريري‬ ‫في ‪ ،2005‬عبر‬ ‫قرار أصدره قاضي‬ ‫اإلجراءات التمهيدية‬ ‫باحملكمة الدولية‬ ‫دانيال فرانسني‪،‬‬ ‫وفيه رفع السرية‬ ‫عن كامل أسمائهم‬ ‫وألقابهم الواردة‬ ‫بقرار االتهام الذي‬ ‫صدر في ‪ 28‬يونيو‪/‬‬ ‫حزيران املاضي وأيضا ً عن املعلومات املتعلّقة بسيرهم الذاتية‪،‬‬ ‫وكلها منشورة اآلن في موقع احملكمة على اإلنترنت‪.‬‬ ‫ويفيد القرار بأن املدعي العام دانيال بلمار ذكر بعد التشاور‬ ‫مع النائب العام لدى محكمة التمييز اللّبنانية أن رفع السرية‬ ‫ّبنانية املتعلقة‬ ‫عن هذه املعلومات «ال يتعارض مع القوانني الل‬ ‫ّ‬ ‫بتنفيذ عمليات التوقيف»‪.‬‬ ‫ووفقا ً ملا في القرار‪ ،‬أفاد املدعي العام بأن اإلعالن عن الصور‬ ‫واملعلومات للعموم قد يعزز احتمال اعتقال امل ّتهمني‪ .‬أما‬ ‫املعلومات األخرى الواردة في قرار االتهام وفي النسخ املموهة‬ ‫اخلاصة بكل متهم فستبقى سرية في هذه املرحلة‪ ،‬وقال‬ ‫قاضي اإلجراءات التمهيدية في القرار إن الكشف عن‬ ‫ميس حقوق املتهمني الذين مازالت‬ ‫املعلومات املذكورة أعاله ال ّ‬ ‫تفترض براءتهم‪.‬‬ ‫وقدم املدعي العام في ‪ 17‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪ 2011‬قرار‬ ‫االتهام إلى القاضي فرانسني لينظر فيه‪ .‬وأحيل قرار االتهام‬ ‫ومذكرات التوقيف املرفقة به إلى السلطات اللّبنانية في ‪30‬‬ ‫حزيران‪/‬يونيو ‪.2011‬‬ ‫وأصدر قاضي اإلجراءات التمهيدية في ‪ 8‬متوز‪/‬يوليو ‪2011‬‬ ‫مذكّرات توقيف دولية بحق املتهمني‪ .‬وأجاز القاضي فرانسني‬ ‫ملكتب املدعي العام تزويد اإلنتربول باملعلومات الضرورية إلصدار‬ ‫«نشرة حمراء» بحق كل متهم‪.‬‬ ‫ومت حتديد يوم ‪ 11‬أغسطس‪/‬آب موعدا ً نهائيا ً لتقدمي السلطات‬ ‫اللبنانية تقريرا ً عن التقدم احملرز فيما يتعلق بتنفيذ مذكرات‬ ‫التوقيف‪ .‬وتبقى السلطات اللّبنانية مسؤولة مسؤولية‬ ‫مستمرة عن توقيف املتهمني‪ ،‬واحتجازهم ونقلهم‪.‬‬ ‫أما التهم املوجهة لألربعة فهي‪« :‬مؤامرة هدفها ارتكاب‬ ‫عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة لقتل رفيق احلريري عمدا ً‬ ‫باستعمال مواد متفجرة وقتل ‪ 21‬شخصا ً آخرين‪ ،‬إضاف ًة‬ ‫حملاولة قتل ‪ 231‬شخصا ً» واألربعة هم (من اليسار الى اليمني‬ ‫ومن أعلى الى أسفل)‪:‬‬ ‫سليم جميل عياش‪ :‬ولد في ‪ 10‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪1963‬‬ ‫في بلدة حاروف‪ ،‬باجلنوب اللبناني‪ .‬وهو ابن جميل دخيل عياش‬ ‫ومحاسن عيسى سالمة‪.‬‬ ‫مصطفى أمني بدر الدين‪ :‬معروف أيضا ً مبصطفى يوسف بدر‬ ‫الدين‪ ،‬أو سامي عيسى‪ ،‬أو إلياس فؤاد صعب‪ ،‬وولد في ‪ 6‬أبريل‪/‬‬ ‫نيسان ‪ 1961‬بضاحية الغبيري‪ ،‬جنوبي بيروت‪ .‬وهو ابن أمني‬ ‫بدر الدين وفاطمة جزيني‪.‬‬ ‫حسني حسن عنيسي‪ :‬معروف أيضا ً باسم حسني حسن‬ ‫عيسى‪ ،‬وولد في ‪ 11‬فبراير‪/‬شباط ‪ 1974‬في بيروت‪ .‬وهو ابن‬ ‫حسن عنيسي‪ ،‬املعروف أيضا ً باسم حسن عيسى‪ ،‬ووالدته هي‬ ‫فاطمة درويش‪.‬‬ ‫أسد حسن صبرا‪ :‬ولد أسد حسن صبرا في ‪ 15‬أكتوبر‪/‬تشرين‬ ‫األول ‪ 1976‬في بيروت‪ .‬وهو ابن حسن طحان صبرا وليلى صالح‬ ‫األم‪.‬‬


‫تغير مستمر وتزايد الضغط على النظام‪ .‬كما أصبح من الصعب التوصل‬ ‫التفاقات بني اجلماعات اخملتلفة إال عندما تتدخل القوى اخلارجية في حلظات‬ ‫الوهن الداخلي وتفرض صفقات على أنصارها اللبنانيني‪ .‬وكانت األطراف‬ ‫اخملتلفة ترفض باستمرار اخلضوع ملتطلبات الوفاق كشرط مسبق لتفعيل‬ ‫عمل الدميقراطية اللبنانية مرة أخرى‪.‬‬ ‫وقد ساعد اتفاق الطائف ‪ 1989‬الذي أنهى احلرب األهلية وعمل على‬ ‫تعديل الدستور لتعديل امتيازات الرئيس املاروني ورئيس الوزراء السني‬ ‫من بني غيرها من التعديالت على استقرار املوقف في البالد حتت السيطرة‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫السورية الكاملة‪ .‬ويبدو أن ثمن االستقرار كان التضحية مبعظم مناحي‬ ‫السيادة الوطنية والتهميش السياسي جلماعات كبيرة من اللبنانيني خاصة‬ ‫املسيحيني‪ .‬وعلى نحو ما‪ ،‬كانت سياسات الطائف انقالبا على الوفاق الذي مت‬ ‫تصميمه لكي يكون شامال بقدر اإلمكان ولكي يساعد على إيجاد تسويات‪.‬‬ ‫وقد أثبتت «جمهورية الطائف» أن األمر يتعلق بدمشق وبفرض حلفائها‬ ‫للقوانني وبالتالي حتديد الفائزين واخلاسرين‪.‬‬ ‫ما بعد الهيمنة السورية وظهور حزب اهلل‬ ‫من الصعب النظر إلى السنوات التي تلت انتفاضة االستقالل‪ ،‬التي اندلعت‬ ‫‪13‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫اجلماعات األكبر في اجملتمع‪ .‬والثانية خارجية ترتبط بالتطورات العاملية‬ ‫واإلقليمية‪ ،‬حيث ميكن مقارنة التأثير املستمر للشؤون اخلارجية على لبنان‬ ‫على نحو ما بعام ‪ ،1943‬عندما كانت االتفاقية الوطنية اللبنانية تقوم على‬ ‫إصرار النخب على النأي عن النزاع السائد في ذلك الوقت بني املشروعني‪،‬‬ ‫االلتحاق بفرنسا كقوة محتلة أو الوحدة العربية‪.‬‬ ‫لقد كانت النخبة التي هيمنت على احلياة السياسية اللبنانية حتى عام‬ ‫‪ ،1969‬على نحو ما‪ ،‬نخبة تقليدية تقتصر أساسا على مناطق محدودة‬ ‫داخل لبنان وعادة ما يحاول زعماء تلك اجملتمعات فرض هيمنتهم على‬ ‫مجتمعاتهم‪ .‬فقد جنح هؤالء الزعماء في استغالل كافة املزايا التي كانت‬ ‫تقدمها دميقراطية الوفاق اللبناني‪ .‬ونظرا ملوقفهم املتميز‪ ،‬كان هؤالء القادة‬ ‫يسعون للتوصل لتسويات سلمية لنزاعاتهم ويصرون على جتنب العنف‪،‬‬ ‫حيث كانت ثقافتهم السياسية تعتمد على املصالح الذاتية واملقايضات مع‬ ‫مؤسسات الدولة وإبقاء املناصب القيادية في أيدي األقارب واجلوار‪.‬‬ ‫انهيار االتفاق‪ :‬نفوذ خارجي ومواجهات داخلية‬ ‫في كتابه «كل الرجال احملترمني‪ :‬األصول االجتماعية للحرب في لبنان»‪ ،‬يقول‬ ‫مايكل جونسون إنه حتى أثناء نزاع ‪ ،1958‬لم يتعرض الزعماء للقتل ولم‬ ‫ينادوا بقتل زعماء آخرين‪ .‬فقد كان هناك اتفاق غير مكتوب‪ ،‬كلمة شرف بني‬ ‫هؤالء الزعماء باحلفاظ على حياة بعضهم البعض‪ ،‬حتى عندما يحني الوقت‪،‬‬ ‫ميكنهم التفاوض على وقف إطالق النيران وتهدئة أنصارهم‪ .‬كما مت احترام‬ ‫ذلك االتفاق أيضا لتعزيز متاسك النخبة التي لها أهمية محورية في بقاء‬ ‫النظام التوافقي لألمة‪.‬‬ ‫وأساس ذلك النظام‪ ،‬كما يصفه جونسون‪ ،‬هو أن حتالف زعماء اجملتمعات‬ ‫املعتدلة سوف يذعن لهيمنة أحد تلك اجملتمعات باسم االستقرار‪.‬‬ ‫فاالستقرار كان أولوية ألن هؤالء الزعماء كانت تربطهم صالت في أغلب‬ ‫األحوال بالنخبة املالية التجارية التي كانت حتتاج إلى مناخ من االستقرار‬ ‫لكي تزدهر‪ .‬وبنهاية الستينيات‪ ،‬وبعد ميكنة الزراعة وهو ما جعلها أكثر‬ ‫رأسمالية بالضرورة‪ ،‬حتى الزعماء احملليون اندمجوا في تلك التحالفات‪.‬‬ ‫ولم تشكل األحزاب السياسية في األربعينيات واخلمسينيات مصدرا للقلق‬ ‫بالنسبة للنخبة التقليدية اللبنانية حتى وقف اللبنانيون أمام خيارات‬ ‫متضاربة فيما يتعلق بالسياسة اخلارجية وحتى بدأت القوى اخلارجية في‬ ‫تأييد وتعزيز بعض األحزاب على حساب األخرى‪ .‬وقبل ذلك‪ ،‬كان لألحزاب‬ ‫إما نفوذ هامشي أو كان نفوذهم على قدر قدرتهم على تقدمي املساعدات‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬كان الزعماء يسعون للحصول على مصدر حديث للشعبية عبر‬ ‫أحزابهم واستغلوا تلك األحزاب حلفز الوالءات احمللية وكآالت انتخابية‪.‬‬ ‫وبنهاية الستينيات‪ ،‬بدأت األحزاب حتصل على سلطة كافية للمنافسة مع‬ ‫القوى التقليدية‪ .‬وبني األحزاب التي تدعو لإلصالح مثل احلزب االشتراكي‬ ‫التقدمي واحلزب الشيوعي اللبناني‪ ،‬وتلك التي تدعو حلماية النظام مثل‬ ‫حزب الكتائب وحلفائه‪ ،‬بدأت العالقة بني األحزاب تتشكل إلى جانب العالقة‬ ‫غير املعروفة للنخب السياسية من قبل‪ .‬وقد اتخذت تلك االنحيازات منحى‬ ‫رأسيا‪ ،‬مما يعكس انحيازات طائفية (باستثناءات قليلة) وليس خالفات‬ ‫اجتماعية اقتصادية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬استمر اخلطاب السياسي السائد في النأي‬ ‫عن التحريض الطائفي‪.‬‬ ‫وعند تلك النقطة‪ ،‬الظاهرة الثانية‪ ،‬أصبح التدخل األجنبي ضروريا‪ .‬ففي عام‬ ‫‪ ،1943‬كانت االتفاقية الوطنية اللبنانية ومبادئها التوافقية تعتمد على‬ ‫جتنب التحريض الطائفي أو حتالف إحدى الطوائف مع أحد احللفاء اإلقليميني‪.‬‬ ‫ومع ذلك ومنذ ‪ ،1958‬قرر الرئيس الثاني للبنان كميل شمعون االنضمام‬ ‫حللف بغداد‪ ،‬وهو حتالف ترعاه الواليات املتحدة ويتضمن تركيا والعراق‪ ،‬ومت‬ ‫إنشاؤه في مواجهة احلكومات العربية املوالية لالحتاد السوفياتي‪ .‬وقد‬ ‫جاء حتالف شمعون مخالفا بوضوح لتوجهات املسلمني اللبنانيني خاصة‬ ‫السنة‪ ،‬الزعماء الذين كانوا يفضلون االنحياز للرئيس املصري جمال عبد‬ ‫الناصر‪ .‬وبالتالي متت تسوية التفاهم التوافقي في ظل ما يطلق عليه‬ ‫التحالفات االستراتيجية‪ .‬ففي عام ‪ ،1958‬دفعت األحداث األجنبية لبنان‬ ‫بعيدا عن السالم الراسخ وباجتاه املواجهة الصريحة‪ .‬واضطر العديد من‬ ‫الزعماء التقليديني االنحياز ألحد املعسكرات في محاولة للحاق مبؤيديهم‬ ‫الذين انحازوا بالفعل إلى أحد اجلوانب‪ .‬وبالتالي‪ ،‬اضطرت النخبة اللبنانية‬ ‫التقليدية التباع «الطريق» واختيار املواجهة بدال من االجتاه صوب التسوية‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫حل ‪ 1958‬املؤقت‬ ‫وبدال من مراجعة مواقفهم والتوصل إلى حل شامل‪ ،‬توصل الزعماء‬ ‫اللبنانيون وأنصارهم إلى حل قصير املدى يشتمل على انتخاب قائد اجليش‬ ‫اجلنرال فؤاد شهاب كرئيس للدولة‪ .‬وهو ما نتج عنه استقرار‪ ،‬وبالتالي تنمية‬ ‫اقتصادية وإصالحات إدارية أو عمليات حتديث‪ .‬ولكن ذلك احلل لم يسمح‬ ‫بإجراء إصالحات سياسية جدية ميكنها إعادة النظر في املعادلة الطائفية‬ ‫وحصصها الثابتة من املؤسسات‪ ،‬ولذلك استمرت عمليات التعبئة داخل‬ ‫الدوائر اجملتمعية والسياسية اخملتلفة‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تزامنت النشاطات العسكرية الفلسطينية في جنوب‬ ‫لبنان‪ ،‬والهجمات اإلسرائيلية وارتفاع معدالت انضمام النشطاء الشباب إلى‬ ‫األحزاب السياسية أو التطوع للتدريب العسكري في أواخر الستينيات وأوائل‬ ‫السبعينيات مع رفض اإلصالحات السياسية واالجتماعية – االقتصادية‪،‬‬ ‫مما ساهم في إعادة تراكم احتماالت الدخول في مواجهة‪ .‬واندلعت احلرب‬ ‫األهلية في أبريل (نيسان) ‪.1975‬‬ ‫احلرب‪ ،‬والهيمنة السورية والنخبة املتغيرة‬ ‫لقد انتهت االضطرابات األهلية في ‪ 1990‬بهيمنة سوريا على لبنان ما بعد‬ ‫احلرب‪ .‬وعمل احلكام السوريون للبالد على ترقية زعماء احلرب األهلية‪ ،‬الذين‬ ‫أثبت معظمهم أنهم سريعو الغضب‪ ،‬يحاولون دائما فرض مواقفهم على‬ ‫اآلخرين أو على األقل تعطيل مؤسسات الدولة إذا لم يتم أخذ رأيهم في‬ ‫االعتبار‪.‬‬ ‫لقد كانت تلك النخبة‪ ،‬في احلقيقة‪ ،‬نتاجا لتطورات احلرب والعوامل األجنبية‬ ‫اخملتلفة التي أثرت على مراحلها اخملتلفة خاصة بعد الغزو السوري في ‪1976‬‬ ‫الذي هزم كمال جنبالط وحركته الوطنية‪ .‬وقد حاول جنبالط‪ ،‬األب الروحي‬ ‫للدروز‪ ،‬وأبو وليد جنبالط‪ ،‬عضو مجلس النواب احلالي‪ ،‬تغيير النظام اللبناني‬ ‫ولكن واجهته قوات لبنانية مسيحية ميينية وبعض احملافظني اإلسالميني‪.‬‬ ‫وبعد هزميته واغتياله‪ ،‬فرضت دمشق إرادتها وقاومت التحوالت السياسية‪.‬‬ ‫وقد تزامنت املساعي اإليرانية لتصدير الثورة بعد ‪ ،1979‬والغزو اإلسرائيلي‬ ‫في ‪ 1982‬واحتاللها الطويل جلنوب لبنان‪ ،‬مع التغيرات الدميوغرافية‬ ‫واالجتماعية االقتصادية في تلك اجملتمعات مما خلق «انقسامات رأسية»‬ ‫أعمق‪ ،‬وسمح بظهور «النخب احملاربة»‪ .‬وقد رفعت تلك النخب شعار توحيد‬ ‫طوائفهم أو مجتمعاتهم خاصة بني املسيحيني والشيعة حلماية ما وصفوه‬ ‫بأنه «ضماناتهم»‪ .‬وكان الشيعة صرحاء على نحو خاص بشأن حقوقهم أو‬ ‫حترير أراضيهم‪.‬‬ ‫ومنذ بداية الثمانينيات‪ ،‬لم يتمكن الوفاق من تقدمي حل للخالفات اللبنانية‬ ‫أو منع النزاعات العنيفة ناهيك عن حل تلك النزاعات‪ .‬وكان املوقف احمللي في‬


‫ذهب علي إلى مفتي فصيلته الدينية وطلب منه املستند الناقص‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أنه ولد ألبوين مسلمني ويدين باإلسالم طوال حياته‪ ،‬طلب املفتي‬ ‫من علي النطق بالشهادة أمامه‪ ،‬وهي قسم على غير املسلمني ترداده قبل‬ ‫التحول إلى اإلسالم‪ .‬ودون النطق بالشهادة‪ ،‬لم يكن بإمكان علي احلصول‬ ‫على بطاقة الهوية اللبنانية‪.‬‬ ‫في لبنان‪ ،‬ليس العقد االجتماعي بني املواطنني والدولة‪ ،‬ولكنه بني األشخاص‬ ‫وفصائلهم التي لديها عقد اجتماعي آخر مع احلكومة‪ .‬وفي الفترة بني‬ ‫استقالل البالد في ‪ 1943‬واندالع احلرب األهلية في ‪ ،1975‬كانت لبنان عصب‬ ‫دول املنطقة ألنها كانت واحة احلرية والدميقراطية‪ .‬ولكن دميقراطية الدولة‬ ‫أثبتت أنها اتفاق خاص بني زعماء تلك اجملتمعات اخلاصة سمح بلعبة اجملموع‬ ‫الصفري بني هؤالء الزعماء وجماعاتهم‪ .‬أما اليوم‪ ،‬وبعد ‪ 21‬عاما من نهاية‬ ‫احلرب األهلية اللبنانية‪ ،‬أثبت ميثاق التفاهم اخلاص بني تلك اجلماعات اخملتلفة‬ ‫أنه غير قابل لالستمرار أو على األقل أنه متعلق بتلك األزمة املستمرة في‬ ‫البالد وغير مالئم للوقت والعصر الراهن‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي ما زال فيه بعض اللبنانيني يقولون إن االغتياالت السياسية‬ ‫والتهديدات األمنية والضغوط التي ميارسها النظام السوري قضت على كل‬ ‫جهود احلفاظ على دميقراطية لبنان‪ ،‬يعتقد آخرون أن اإلخفاق احلالي للدولة‬ ‫اللبنانية إخفاق هيكلي‪ .‬وكنتيجة لذلك اإلخفاق‪ ،‬شهدت لبنان امتدادا‬ ‫واسعا للجمود املؤسسي وتهاوي ثقافة الوفاق وممارساتها‪.‬‬ ‫كيف بدأ األمر‬ ‫كان التصديق على الدستور اللبناني األول في ‪ 1926‬قائما على مفهوم‬ ‫مشاركة الطوائف اخملتلفة للسلطة‪ .‬وعشية االستقالل في عام ‪،1943‬‬ ‫مت توقيع اتفاقية وطنية بني الرئيس املاروني ورئيس الوزراء السني ووضع‬ ‫املزيد من الضوابط لتلك املبادئ الطائفية‪ .‬وفي عام ‪ ،1989‬وضعت الوثيقة‬

‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫الوطنية املعروفة باسم اتفاق الطائف نظريا نهاية للحرب األهلية (‪- 1975‬‬ ‫‪ )1990‬وعدلت الدستور والصيغة الدستورية املتعلقة مبشاركة السلطة‪.‬‬ ‫لقد كانت دميقراطية الوفاق‪ ،‬التي عادة ما تعني احلوكمة وفقا لإلجماع‬ ‫بني اجلماعات اخملتلفة بدال من حكم األغلبية‪ ،‬تعكس دائما فلسفة‬ ‫الدولة اللبنانية‪ .‬وذلك ألن مبادئ احلكومات االئتالفية والتمثيل التناسبي‬ ‫للمجتمعات (للطوائف) وحقهم في احلكم أو في االعتراض على قرارات‬ ‫احلكومة‪ ،‬باإلضافة إلى العمليات املؤسساتية أو االتفاقات التي تضمن‬ ‫استمرار نظام الدفع الذاتي (كما عرضه األكادميي األميركي الهولندي‬ ‫أرندت ليجهارت عندما كان يعرف الدميقراطيات التوافقية)‪ ،‬كانت متجلية‬ ‫في معظم النصوص اللبنانية والتشريعات املؤسسة‪.‬‬ ‫النخب والسياسات اخلارجية‪ :‬ظهور األزمة‬ ‫ولكن حتى قبل اكتمال الهيمنة الدمشقية على لبنان في أعقاب ‪،1990‬‬ ‫بدأت الدالالت على انهيار منوذج التوافق اللبناني في الظهور منذ أواخر‬ ‫الستينيات وأصبحت ظاهرة متاما باندالع احلرب األهلية في ‪ .1975‬وكانت‬ ‫أسباب ذلك االنهيار تتضمن حصص الكوتة الصارمة املنطبقة على العديد‬ ‫من املواقع احليوية‪ ،‬والتي أثبتت أنها متثل إشكالية خاصة‪ ،‬أخذا في االعتبار‪،‬‬ ‫استمرار تغير العامل الدميوغرافي‪.‬‬ ‫وهناك عوامل أخرى ترتبط باألحداث في الشرق األوسط وتأثيرها على لبنان‪.‬‬ ‫ولكن هناك عوامل أخرى ترتبط باحلرب اللبنانية‪ ،‬وامليول السيادية للمنتصرين‬ ‫في أعقاب احلرب‪ ،‬ومحاولة الزعماء احلصول على احلصة األكبر من التمثيل‬ ‫جملتمعاتهم‪.‬‬ ‫ولكي نفهم تأثير تلك العوامل‪ ،‬يجب أن نفحص ظاهرتني‪ .‬األولى‪ ،‬ظاهرة‬ ‫محلية ترتبط بتطور النخبة اللبنانية كنتيجة للتغيرات التي تتعرض لها‬

‫‪11‬‬


‫● احلرب والسالم‬

‫لبنان‪ ..‬نظام جامد جملتمع متغير‬

‫نهاية دميقراطية‬

‫بعد ستة أشهر من إجبار حزب اهلل جمللس الوزراء اللبناني برئاسة رئيس الوزراء سعد احلريري على االستقالة‪ ،‬أثبت التحالف‬ ‫الذي يقوده حزب اهلل – ‪ 8‬مارس (آذار) ‪ -‬أنه قادر على تشكيل مجلس جديد‪ .‬ولكن احلسابات اإلقليمية‪ ،‬واخلالف بشأن احلقائب‬ ‫الوزارية الرئيسية‪ ،‬ومحاولة جميع األطراف السياسيني احلصول على الثلث املعطل (الذي يسمح باستخدام حق الفيتو‬ ‫داخل اجمللس)‪ ،‬كل تلك العوامل كانت السبب في تأخير تشكيل اجمللس‪.‬‬ ‫وإذا كان صحيحا أن التدخل األجنبي‪ ،‬حتديدا السوري واإليراني‪ ،‬كان حاسما‬ ‫في تشكيل اجمللس‪ ،‬فإنه على نفس القدر من الصحة أن النظام السياسي‬ ‫اللبناني‪ ،‬الذي يعتمد أساسا على التوازنات الطائفية الدقيقة‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫حق االعتراض املشترك‪ ،‬لم يعد فاعال‪ .‬فاملؤسسات معطلة متاما‪ ،‬كما تعامل‬ ‫النخب داخل كل جماعة مؤسسات الدولة وكأنها ملك لها‪ .‬حيث حتول املبدأ‬ ‫اللبناني التقليدي املتعلق مبشاركة السلطة إلى مشاركة الدولة وهو ما‬ ‫يقسم الدولة ويحولها إلى دويالت صغيرة‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫زياد ماجد‬ ‫في عام ‪ ،1994‬وافق مجلس الوزراء اللبناني ألول مرة على منح اجلنسية‬ ‫لنحو ‪ 300‬ألف مقيم غير لبناني‪ .‬حمل علي‪ ،‬عراقي املولد‪ ،‬الذي يبلغ ‪55‬‬ ‫عاما بحماسة كل األوراق املطلوبة إلى مكتب التسجيل بالبالد لكي يحصل‬ ‫على أول هوية لبنانية خاصة به‪ .‬وبعدما فحص املوظف متوسط العمر‬ ‫أوراقه‪ ،‬نظر إليه قائال‪« :‬هناك مستند ناقص»‪ .‬وأضاف‪« :‬يجب أن تذهب‬ ‫لزعيمكم الديني وحتصل منه على شهادة تفيد إميانك»‪.‬‬


‫متوفرة الآن على‬

‫جملة العرب الدولية‬

‫املجلة‬ ‫تطبيقات املجلة‬ ‫تطبيقات‬


‫●● أقوال‬ ‫احملتويات‬

‫أقوال‬ ‫أن ما يحدث في سوريا ال تقبل به‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬فاحلدث‬ ‫أكبر من أن تبرره األسباب‪..‬‬ ‫فمستقبل سوريا بني خيارين ال‬ ‫ثالث لهما‪ ،‬إما أن تختار بإرادتها‬ ‫احلكمة‪ ،‬أو أن تنجرف إلى أعماق‬ ‫الفوضى والضياع‬ ‫امللك عبداهلل بن عبدالعزيز آل سعود العاهل‬ ‫السعودي في كلمة الى السوريني‬

‫إن من يقول إن سوريا لن تعود إلى ما كانت‬ ‫عليه قبل آذار‪ ،‬ويظن في ذلك تهديدا لها‪ ،‬فإن الشعب‬ ‫السوري يقول لهم فعال إن سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه‬ ‫قبل آذار‪ ،‬ألنها ستنطلق بعزمية أقوى وحصانة أمنع ووحدة‬ ‫وطنية أكبر وأمنع من قبل‬

‫بثينة شعبان املستشارة السياسية واإلعالمية للرئيس السوري بشار األسد‬

‫فليسمع االستعمار وليسمع‬ ‫احللف األطلسي‪ .‬لن نترك‬ ‫مصراتة رهينة سنحررها‬ ‫من الطغاة من البغاة‬ ‫من اجملرمني الذين‬ ‫يقطعون صدور‬ ‫ّ‬ ‫النساء وميثلون‬ ‫باجلثث‪ ،‬ها هي‬ ‫اعترافاتكم اخملزية‬ ‫أمام العالم‬

‫معمر القذافي الزعيم الليبي‬ ‫في كلمة صوتية مبناسبة‬ ‫مظاهرة من مؤيديه في مدينة‬ ‫اخلمس‬

‫ليس عمال أحاديا كما يروج إسرائيليا وأميركيا‪ ،‬نحن نريد أن‬ ‫نذهب إلى ‪ 193‬دولة لنشتكي‬ ‫إليها‪ ،‬بعد اهلل‪ ،‬هذا ليس‬ ‫عمال أحاديا بل العمل‬ ‫األحادي ما تقوم به‬ ‫إسرائيل من نهب‬ ‫لألرض واالستيطان‬ ‫واحلصار‬ ‫محمود عباس الرئيس‬ ‫الفلسطيني في افتتاح‬ ‫جلسة اجمللس املركزي‬ ‫ملنظمة التحرير الفلسطينية‬

‫‪8‬‬

‫إن ما تشهده البالد هذه األيام من عودة إلى أعمال‬ ‫العنف واالحتجاجات واالعتصامات تقف وراءها‬ ‫أطراف سياسية هدفها إفشال العملية‬ ‫االنتخابية‬

‫الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء التونسي في خطاب إلى‬ ‫الشعب التونسي‬

‫يتواكب احتفالنا بذكرى ثورة يوليو اجمليدة‪ ،‬التى‬ ‫حملت القوات املسلحة لواءها‪ ،‬وحظيت بتأييد‬ ‫شعب مصر العظيم ومساندته‪ ،‬مع مرور ‪ 6‬أشهر‬ ‫على إنطالق ثورة ‪ 25‬من يناير‪ ،‬التي حمل لواءها الشعب‪،‬‬ ‫وحظيت بحماية القوات املسلحة وتأييدها‬

‫املشير محمد حسني طنطاوي القائد العام ورئيس اجمللس األعلى للقوات‬ ‫ذكرى‬ ‫املسلحة في كلمة للشعب املصري مبناسبة‬ ‫ثورة ‪ 23‬يوليو ‪1952‬‬

‫إن التعاقد الدستوري‬ ‫والسياسي اجلديد‪،‬‬ ‫مبا يكفله من‬ ‫منظومة‬ ‫متكاملة‬ ‫حلقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫وواجبات‬ ‫املواطنة‪،‬‬ ‫سيبقى صوريا ما‬ ‫لم يقترن بانبثاق‬ ‫تعاقد اجتماعي‬ ‫واقتصادي تضامني‬

‫امللك محمد السادس العاهل‬ ‫املغربي في خطاب إلى األمة مبناسبة‬ ‫الذكرى الثانية عشرة العتالئه العرش‬

‫ما لم تعتذر إسرائيل رسميا ً عن تصرفها غير املشروع والذي‬ ‫يتنافى مع القوانني الدولية والقيم اإلنسانية‪ ،‬وما لم ترفع‬ ‫حصارها على غزة فإن تطبيع العالقات بني البلدين أمر غير‬ ‫وارد‬ ‫رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي في افتتاح اجتماع للسفراء‬ ‫الفلسطينيني في اسطنبول‬

‫ال يسعني إال أن أشيد بالنهضة التي يشهدها‬ ‫املغرب الشقيق في عهدكم‪ ،‬وما واكبها من إجنازات‬ ‫ومكاسب عمت بخيراتها أبناء شعبكم األبي‬

‫عبد العزيز بوتفليقة الرئيس اجلزائري في برقية تهنئة للعاهل‬ ‫املغربي محمد السادس مبناسبة الذكرى الـ‪ 12‬لعيد العرش‬


‫‪52‬‬

‫‪30‬‬

‫‪40‬‬ ‫العدد ‪ ،1564‬يونيو ‪2011‬‬

‫‪7‬‬


‫● احملتوى‬

‫احملتوى‬ ‫أقوال‬

‫‪8‬‬

‫احلرب والسالم‬

‫‪10‬‬

‫ •نهاية دميقراطية‬

‫شؤون سياسية‬

‫‪16‬‬

‫أزمة خالفة‬

‫‪22‬‬

‫ •ربيع السلفية‬ ‫ •آمال عريضة‬

‫في انتظار خليفة لـ «رهبر معظّ م»‪..‬‬ ‫إيران تبحث عن مرشد لهذا الزمان‬

‫بروفايل‬

‫‪28‬‬

‫ثروة األمم‬

‫‪30‬‬

‫ •أصفار أحمدي جناد‬ ‫ •تضارب أرقام‬

‫الوضع البشري‬

‫‪34‬‬

‫حوارات‬

‫‪38‬‬

‫ •الفصل املفقود‬

‫احلميد‪« :‬اجلزيرة» انتقائية و»العربية» متناقضة‬ ‫ •طارق‬ ‫ّ‬ ‫ •جوزيف ناي يتحدث عن الربيع العربي و السلطة في القرن احلادي‬ ‫والعشرين‬

‫سلطنة عمان‬

‫‪42‬‬

‫الفن‬

‫‪46‬‬

‫اختيار احملرر‬

‫‪52‬‬

‫النقاد‬

‫‪58‬‬

‫الكلمة األخيرة‬

‫‪62‬‬

‫‪6‬‬

‫‪28‬‬

‫‪19‬‬


‫الكتاب المساهمون‬ ‫في هذا العدد‬

‫مهدي خلجي‬ ‫باحث في معهد واشنطن‪ ،‬يركز على سياسة إيران‬ ‫واجلماعات الشيعية في الشرق األوسط‪ .‬عمل في مجالس‬ ‫حتريرصحيفتني إيرانيتني بارزتني‪ ،‬وأنتج أعماال لصالح "‬ ‫بي بي سي" وخدمة األنباء الفارسية التابعة للحكومة‬ ‫األميركية‪ .‬في ما بني عامي ‪ 1986‬و ‪ 2000‬تلقى خلجي‬ ‫تدريبا في املعاهد الدينية في قم ودرس علوم الدين‬ ‫والتشريع‪ ،‬حيث حصل على الدكتوراه‪ ،‬وأجرى أبحاثا موسعة‬ ‫عن التطورات الفكرية والفلسفية ‪ -‬السياسية احلديثة‬ ‫في إيران والعاملني اإلسالمي والغربي في قم‪ ،‬وبعد ذلك في‬ ‫طهران‪ ،‬بدأ خلجي عمله في الصحافة‪ ،‬حيث انضم جمللس‬ ‫حترير صحيفة "انتخاب" الدينية ثم الصحيفة اليومية‬ ‫"نقد ونزار" وفي عام ‪ 2000‬انتقل خلجي إلى باريس حيث‬ ‫درس علوم الدين والتفسير الشيعية في الكلية التطبيقية‬ ‫للدراسات العليا وينشر كتاباته حاليا باللغتني اإلجنليزية‬ ‫والفارسية على مدونته ‪MehdiKhalaji.org‬‬

‫نيكوالس بيرش‬ ‫كاتب أقام في اسطنبول‪ ،‬تركيا‪ ،‬من ‪ 2002‬إلى ‪، 2009‬‬ ‫حيث عمل صحافيا حرا‪ .‬ونشرت أعماله من تركيا وإيران‬ ‫والعراق والقوقاز في كثير من اإلصدارات‪ ،‬من بينها واشنطن‬ ‫بوست و التاميز وامللحق األدبي في الغارديان ومجلة "التامي"‪.‬‬ ‫يعكف بيرش‪ ،‬املقيم في لندن منذ بداية العام احلالي‬ ‫واملستمر في عمله كصحافي حر‪ ،‬على تأليف كتابه عن‬ ‫املذهب الصوفي الذي غير تاريخ تركيا‪.‬‬

‫نيما خورامي أسل‬ ‫باحث في منتدى الدفاع باململكة املتحدة وشبكة‬ ‫مستقبل الشرق األوسط‪ ،‬حيث يكتب تقارير ودراسات حول‬ ‫االقتصاديات اجلغرافية باإلضافة إلى التطورات األمنية‬ ‫في الشرق األوسط ومنطقة آسيا واحمليط الهادي‪ .‬يعمل‬ ‫أسل في عدد من املشروعات لصالح حكومات وجهات‬ ‫خاصة في الشرق األوسط‪ .‬تنشر مقاالته في "الغارديان"‬ ‫و"أوبن دميكراسي" و"ديفنس آي كيو"‪ .‬يقيم أسل حاليا‬ ‫في الصني‪ ،‬وتتضمن مجاالت تخصصه الرئيسة اإلسالم‬ ‫السياسي والتحرر من الراديكالية وإيران وتركيا ودول‬ ‫مجلس التعاون اخلليجي ودول البريك ودبلوماسية الشرق‬ ‫األوسط وسياسته اجلغرافية‪.‬‬ ‫العدد ‪ ،1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫‪5‬‬


‫● اإلفتتاحية‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬

‫األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز‬

‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬ ‫الرئيس التنفيذي‬ ‫الدكتور عزام الدخيل‬ ‫رئيس التحرير‬

‫عادل بن زيد الطريفي‬

‫إدارة التحرير‬ ‫عزالدين سنيقرة‬ ‫سكرتير التحرير‬ ‫جان سينجفيلد‬

‫التحرير‬

‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى املراسلة على البريد اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع املقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في االلكترونية(كندل) بـ‪kindle@majalla.com :‬‬

‫تنويه‬

‫اآلراء الواردة في اجمللة ال تعبر بالضرورة عن رأي إدارة التحرير‬

‫حقوق النشر محفوظة جمللة اجمللة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث‬ ‫والتسويق (اململكة املتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة‬ ‫اجمللة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة‬ ‫إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون احلصول على تصريح مسبق من‬ ‫الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة)‪ .‬وتصدر اجمللة شهريا ً‪ .‬لتلقي‬ ‫استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪London Office Address‬‬ ‫‪HH Saudi Research & Marketing (UK) Limited‬‬ ‫‪Arab Press House 182-184 High Holborn,‬‬ ‫‪LONDON WC1V 7AP DDI: +44 (0)20 7539‬‬ ‫‪2335/2337, Tel.: +44 (0)20 7821 8181,‬‬ ‫‪Fax: +(0)20 7831 2310‬‬ ‫‪E-Mail: editorial@majalla.com‬‬

‫اإلعالن‬ ‫لإلعالن في النسخة الرقمية يرجي االتصال بـ‪:‬‬

‫‪Mr. Wael Al Fayez‬‬ ‫‪w.alfayez@alkhaleejiah.com‬‬ ‫‪Tel.: 0096614411444,‬‬ ‫‪F.: 0096614400996‬‬ ‫‪P.O.BOX 22304, Riyadh 11495, Saudi Arabia‬‬

‫‪4‬‬

‫عزيزي القارئ‪،‬‬ ‫تعرف اجلمهورية اإلسالمية في ايران‪ ،‬منذ سنوات‪ ،‬صراعا خفيا سرعان ما يطفو‬ ‫على السطح‪ ،‬في شكل خالفات واتهامات‪ ..‬ومؤامرات‪ .‬الصراع الذي يختلط فيه‬ ‫املق ّدس بالسياسي محوره خالفة املرشد احلالي آية اهلل علي خامنئي الذي وهنت‬ ‫قبضته على السلطة مع وهن صحته في الفترة األخيرة‪ .‬يحسب خلامنئي أنه‬ ‫بعد بداية صعبة‪ ،‬استطاع سنوات قليلة بعد اختياره مرشدا للثورة خلفا ملؤسس‬ ‫اجلمهورية آية اهلل اخلميني في العام ‪ 1989‬أن يعيد للولي الفقيه معناه وسلطته‬ ‫مستغال منصبه في التأثير على احلياة االجتماعية والسياسة في ايران‪.‬‬ ‫ففي حني لم يتعامل اخلميني مطلقا بصفته قائدا أعلى للقوات املسلحة‪ ،‬حيث‬ ‫ترك سلطة تسيير شؤون الدولة إما للرئيس املنتخب أو رئيس البرملان‪ ،‬لم يتخل‬ ‫سلفه خامنئي مطلقا عن سلطته التي مينحه اياها الدستور فكان "اآلمر الناهي"‬ ‫واملتحكم بقبضة من حديد على اجليش و احلرس الثوري‪.‬‬ ‫ومع مرض خامنئي وتقدمه في السن‪ ،‬يبحث "مهدي خلجي"‪ ،‬الباحث في معهد‬ ‫واشنطن واملتخصص في سياسة إيران واجلماعات الشيعية في الشرق األوسط‪ ،‬في‬ ‫مقاله "أزمة خالفة"‪ ،‬مستقبل احلكم في ايران التي تشهد حتوالت كبرى وصراعا بني‬ ‫احملافظني املتشددين واللبراليني واالصالحيني‪ .‬ووسط هذه األجواء التي يشوبها كثير‬ ‫من الغموض سيكون للقوات املسلحة‪ ،‬وحتديدا احلرس الثوري الذي يسيطر على‬ ‫ثلث االقتصاد واجليش والبرنامج النووي في إيران‪ ،‬الكلمة العليا في تعيني املرشد‬ ‫األعلى القادم‪.‬‬ ‫من جهته يبحث "نيما خورامي أسل" اخلالف املتصاعد بني املرشد علي خامنئي‬ ‫ورئيس اجلمهورية أحمدي جناد‪ .‬ويرى الكاتب‪ ،‬املتخصص في اإلسالم السياسي‪ ،‬أن‬ ‫لعبة السلطة والسياسة احلقيقية في إيران بدأت للتو وإن إيران ستشهد بعض‬ ‫التغييرات السياسية الكبرى في الشهور التي تسبق االنتخابات البرملانية املقبلة‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا اإللكتروني‬ ‫‪ .majalla.com/ar‬ونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال‬ ‫بنا إذا رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫عادل الطريفي‬ ‫رئيس التحرير‬




‫العدد رقم ‪ - 1565‬يوليو ‪2011‬‬

‫احلرب والسالم‬

‫نهاية دميقراطية‬ ‫لبنان‪ ..‬نظام جامد جملتمع متغير‬

‫الوضع البشري‬

‫الفصل املفقود‬ ‫الدولة العثمانية واألقليات الدينية‪ ..‬تاريخ من املذابح املسكوت عنها‬

‫حوارات‬

‫‪07‬‬

‫‪Issue 1564‬‬

‫إيران تبحث عن مرشد لهذا الزمان‬

‫ ‪The Majalla‬‬

‫أزمة خالفة‬

‫‪9 770261 087119‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫طارق احلميد‪:‬‬ ‫"اجلزيرة" انتقائية و "العربية" متناقضة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.