cartier.com
روتوند دو كارتييه
مكرر الدقائق ،التوربيون المحلقة 9402إم سي موثقة بدمغة جنيف ،الكاليبر 9402إم سي دو كارتييه تجمع مابين اثنتين من أكثر تعقيدات الساعات الكبرى اعتباراً و ً هيبة :مكرر الدقائق و التوربيون المحلقة .بضغطة واحدة على الزر الجانبي يقوم مكرر الدقائق بتفعيل مطرقتين يمكن رؤيتهما من خالل ميناء الساعة فتعطيان الرنات التي تشير بالترتيب إلى الساعات و أرباع الساعات و الدقائق بالتطابق مع ما تؤشر إليه عقارب الساعة .يتم تنظيم الرنات بواسطة دوالب موازنة يعمل بالقصور الذاتي و يمكن رؤيته في موقع الساعة السادسة و يكمل ألف دورة في الدقيقة .مطور من خالل عدم وجود الجسر الذي يربطه إلى ميناء الساعة ،يظهر التوربيون المحلق و كأنه يطفو في قلب الساعة مبدع ًا تأثيراً بصري ًا فريداً. علبة الساعة من التيتانيوم ،تاج مصقول مرصع بحجر السافير بقطع كابوشون ،حركة ميكانيكية بتعبئة يدوية شغل الدار، مكرر الدقائق و توربيون محلق كاليبر 9402إم سي ،تصديق دمغة جنيف ( 45جوهرة 447 ،جزءاً ،تردد 21600ذبذبة في الساعة ،خزان طاقة مزدوج ،احتياطي الطاقة قرابة 50ساعة) ،مكرر الدقائق مع دوالب موازنة ،مطارق و أجراس قرصية مرئية على جانب الميناء ،توربيون محلق بدوار على شكل الحرف . C
بوتيك كارتييه في المملكة العربية السعودية ،الرياض ،ساكس فيفث أفنيو ،مركز المملكة،)01( 211 2450 : مجمع سنتريا ،شارع العليا العام)01( 462 6959 : ّ جدة ،شارع التحلية)02( 660 0720 : ّ مجمع الراشد مول)03( 881 4484 : ،13 الخبر ،بوابة ّ
الكلمة الأخرية
صورة من بنغازي: لحظة الحقيقة ..ورصاص القذافي آنجلينا جولي مبحرة الغالف األخير ملجلة "تايم" يحمل ِ صيف 2011لفتني ُ بحر للحظات مع نظرات سابحة في الفضاء الالمحدود في رحلة نهرية ،فإذا بي أ ِ الحسن وسفيرة ّ للسيدة ذات ُ النيات الحسنة ،ثم انتبه لعبارة سأعتبرها، صحافيًا ،عنوان ذلك الغالف: A single journey can change the course of a life بالتأكيد :رحلة ما قد ّ تغير مسار حياة .ها أنذا ،أحتل مقعدي بقطار لندني، أتصفح سيدة املجالت اإلخبارية الصادرة باإلنجليزية -في رأيي -ولعل ذلك ما كان سيتاح لوال رحلتي من اإلسكندرية الى بنغازي ،حيث ألتقي األستاذ رشاد بشير الهوني فألتحق بجريدة "الحقيقة" ،ويرحل هو إلى بيروت ،ثم لندن حيث يتمكن بالشراكة مع األستاذ أحمد الصالحني الهوني ،من تحقيق حلم إصدار صحيفة "العرب" وفيها ألتحق به من جديد. رحلة تلد رحالت ،ألن مسار الحياة ّ تغير .ملاذا هاجر رشاد الهوني ،وهو مع شقيقه األستاذ محمد بشير الهوني ،يملكان واحدة من أهم صحف بلدهما ،إن لم تكن األهم على اإلطالق ،لكنها بالتأكيد كانت تدار بعقلية مستقبلية سباقة لغيرها ،حتى على املستوى العربي ،إذ كانت دار "الحقيقة" على مشارف البدء بطبع الصحيفة يوميًا في تونس واملغرب ،إلى جانب طرابلس وبنغازي ،ولو تحقق ذلك ،لكانت التجربة األولى من نوعها في الصحافة العربية. سؤال :ملاذا لم يتحقق؟ جواب :قبل تبينّ األبيض من األسود ،فجر اإلثنني أول سبتمبر ،1969ربما بني الثانية والثالثة ،غادرت مقر دار "الحقيقة" واتخذت قدماي طريقها املألوف ،إذ أخطو بضع خطوات في شارع عريض ألتف بعدها إلى زقاق يوصلني لدار ٍة كنت أسكنها مع ُع ّز ٍاب آخرين من زمالئي في الجريدةً . ُ ابتعدت قليال عن املبنى ،أمشي مطرق الرأس وقد اشتد تعب السهر ،إذ تلك ْ السر؟ توقفت، آمر بغضبِ :قف .ما كلمة ِ حالتي ّ فوجئت بصعقة صوت ٍ ثم تسمرت بهلع إذ انتبهت أنني أقف أمام جندي أصبعه على زناد رشاش مصوب نحوي ،حزام طلقات ّ يطوق رقبته ليتدلى من كتفيه9. ّ مرت لحظات صمت ثقيل ،ثم عاد الجندي ً يزمجر :كلمة السر؟ تمالكت أعصابي ،بل أذكر أنني ابتسمت ،قلت متسائال بلهجة ليبيةِ :سر ِشنو؟ يبدو انه أدرك انني غير ليبي ،وأنني غير مدرك ملا يجري ،لكنه أصر على الصراخ بغضب :باهيَ ،من أنت؟ أجبت :أنا بكر عويضه .ومن فوري أدركت أنني ربما تثاقلت أكثر من الالزم ،فاستبقت تزايد غضبه ،بتوضيح طبيعة عملي وأشرت إلى مبنى الجريدة ،فقاطعني :وين ماشي؟ أجبت ،فعاجلني باألمر :هيا ،هيا، فيسع (بسرعة) فيسع. كنت أسرعت الخطى ،أنفذ أوامر الجندي ،عائدا الى الدارة .خطر لي أن أوقظ رفاق السكن (السنوسي بشير الهوني ،والشاعر الغنائي الليبي املبدع أحمد الحريري -لست متأكدًا إن كان معنا تلك الليلة -باالضافة الى نور الدين الزراري ،وهو صحافي فلسطيني كان ُمعارًا من جريدة "الجمهورية" القاهرية) ،لكنني استبعدت األمر .لم يمض وقت طويل حتى ايقظتني من شبه النوم أصوات الرفاق فنهضت ،وفي الصالون كان ثالثتهم متحلقني حول جهاز راديو ،قالوا بصوت واحد تقريبًا :انقالب عسكري. 66
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
لن أنسى كيف أجبتهم ببرود :أعرف. وكانت تلك مزحة ثقيلة ،إنما لعلها من تأثير ما جرى مع الجندي ،وسأظل أذكر مالمح الدهشة التي اعتلت وجوههم ،فسارعت الى رواية ما حصل لي مع الجندي ،ورحنا نتابع مارشات املوسيقى العسكرية وبالغات مجلس قيادة الثورة ،ومنها كان بالغ بوقف صدور الصحف حتى إشعار آخر. إجازة إجبارية ،لكنها لحسن الحظ لم تطل .بعد ثالثة أيام ،أو أربعة ،لست متأكدًا استأنفنا العمل .أذكر أول تغطية صحافية ميدانية كانت ألول ظهور علني ملن تعرفنا عليه باإلسم فقط ،معمر القذافي .كان ذلك يوم الثالثاء 16 سبتمبر ،وكانت املناسبة إحياء ذكرى استشهاد عمر املختار ،فتوجهت مع الصحافي محمد علي الشويهدي ،واملصور مصطفى التركي إلى املكان املخصص للحفل ،من دون علم مسبق بأن القذافي سيظهر .كانت مفاجأة بالفعل ،وبالطبع حصل نوع من االنفعال غير العادي بني الحاضرين ،وتخلل األمر إطالق زخات من أعيرة نارية في الهواء ،زميلنا املصور أصابه شيء من الهلع ،لكن زميلنا الشويهدي (سيصبح الحقًا وزير إعالم وثقافة ثم أمينًا للمكتبة الوطنية في بنغازي) راح يخفف عن الزميل املرتعب ،فداعبه :متخفش يا استاذ مصطفى ،ده رصاص فيشينك. ذلك "الفيشينك" ،أو الخايب ،أو الفارغ ،سمه ما شئت ،صار في ما بعد يضرب باملليان ،كما يقال ،من دون تمييز أو محاباة حتى لبعض رفاق قيادة الثورة. يفارق معمر القذافي حتى انفجار من أولئك الرفاق عبد الفتاح يونس ،الذي لم ُ ثورة 17فبراير 2011فانحاز إليها قائدا ،ثم ق ِتل في ظروف ما ًتزال غامضة. كان املالزم أول عبد الفتاح يونس يحتل مكتب رشاد الهوني ليال ليطلع على صفحات الجريدة كمراقب ثم يأذن بالطبع .ذات ليلة ألغى صفحة بأكملهاُ . كنت مع أحمد الحريري (وربما محمد أحمد ّ وريث) وبالتأكيد استاذنا جميعنا، قاسم حماد ،نشرف على إنجاز العدد .لم تكن لدينا مواد بديلة جاهزة ،وال حتى صور ،وهذه كان إعدادها يستغرق زمن حفر الكليشيهات وقتا طويال. اقترحنا على الضابط يونس ترك الصفحة بيضاء .رفض .خرج أحمد الحريري من املكتب ،وأشار لي من خلف الزجاج فاستأذنت ولحقت به ،نزلنا إلى الطابق األرضي حيث ُآالت الصف بالرصاص (اللينوتايب) قال أحمد للصفيف أكتب: "هذه الصفحة غ ِسلت بمسحوق تايد ..األكثر نظافة" .كتب ،خرجت أسطر الرصاص ساخنة ،أحكموها داخل إطار الصفحة الحديدي ،طبعنا بروفة، حملناها الى الضابط املتقمص شخص رئيس التحرير ،قال :شنو هذا؟ أجاب سيدي ،ملسحوق تايد .صمت عبد الفتاح يونس برهة، أحمد ،بال تردد :إعالن ّ ثم أصدر القرار :باهي ،مشوها! صباح اليوم التالي ،انفجر رشاد الهوني وبقية الزمالء في ضحك صاخب. إنما ،حكم معمر القذافي ،فما أضحك بل أبكى وسحق برصاص غير ذاك الذي يخرج من آالت اللينوتايب ،بل من رشاشات املوت ،حتى أتت لحظة الحقيقة، وقد جاءت بالفعل ،وحتى جريدة "الحقيقة" عادت للصدور ،ولو من دون محمد ورشاد بشير الهوني ،لعل نفس كل منهما تطيب برحمة من ربهما ،إذ يرقد منهما الجسد في تراب بنغازي ذاتها.
بكر عويضه
ملكها السابق محمد ظاهر شاه ،الذي عاد من املنفى الذي عاش به منذ صيف .1973 ً صار ملكا وهو في سن التاسعة عشر ،وعمل على إحداث تغييرات جذرية في النظام السياسي لبالده ،وشرع في اإلصالح اإلقتصادي والتنمية ،ولكن جفافًا ضرب أفغانستان في السبعينات مما ّأزم األحوال االقتصادية ،كما أن قالقل من جانب بعض القبائل البشتونية على طول الحدود األفغانية الباكستانية من تلك التي رفعت لواء الحكم الذاتي في وجهكابولّ ، سهلت لغريمه محمد داوود خان الفرصة لالنقضاض على السلطة في السابع عشر من يوليو ،1973فدخلت أفغانستان دوامتها املعروفة. يقول املدني« :الحل األمثل للخروج من النفق األفغاني املظلم هو العودة إلى الوضع السياسي الذي كان قائما في الستينات بمؤسساته وشخوصه ،عبر ضغوط دولية وتحت طائلة فرض عقوبات أممية على كل جهة تعرقل الفكرة ،منطلقا من أن ملكية محمد ظاهر شاه الدستورية ونهجه في الوقوف على مسافات متساوية من املتصارعني في الداخل ومن املتنافسني إقليميا ودوليا هي التي أمنت اإلستقرار في أفغانستان لعقود من الزمن».
آسيا ليست كاملة ّ عرج الكتاب على الحريات في الصني ،والتنافس غير املنطقي واملماحكات بني ماليزيا وإندونيسيا. كما ألقى الضوء على دور املرأة املنقوص ،فاليابانيات بانتظار دور أكبر في الحياة العامة .إذ رغم تقدم اليابان في كل املجاالت ،ما زالت تتحفظ على منح نسائها دورا يليق بهن في الحياة السياسية أو أدوارا تتناسب مع درجاتهن العلمية فيما يتعلق بقيادة املؤسسات العامة أو حتى الخاصة ،بدليل أن نسبة اإلناث في البرملان الياباني املنتخب لم تتعد 7.3باملائة من املجموع الكلي للنواب.
خارطة طريق أشرقت الومضات هذه املرة من الشرق ،حاملة خارطة طريق للجدية ،والعمل الذي ال ّ يتذرع باألعذار ويتعلق بها ،فمن يقول ّإن التنوع أرهقه تقول الومضات أن تايوان آخت بني األديان باملدنية البصيرة والتعليم ،والهند هزمته بالتنمية ،ومن يقول ّإن الفقر أرهقهّ ، فإن التعليم خير استثمار أدخل آسيا إلى عالم االنتاج الثقيل ،ومن يقول من أين أبدأ تقول الومضات إن اليابان بدأت بالتقليد ،وصار منتجها اليوم ،بعد أن كان ً غيرها .وبوصفة سريعة بائرا باألمس ،مطلب أوروبا قبل ّ ّ يكمن الفالح في القول بأن العلم بالتعلم ،والصناعة بالجدية، واختبار اإلرادة عبر الدخول في االنتاج حتى لو بدأ بالتقليد. فالتقليد مهم وركن رشيد يأوي إليه من أراد االقتصادات الناجحة. واختيار النظام السياسي الضامن للتسامح هو السيادة ،أما بغير ذلك فإن مسلسل الخيبات ،سيظل يظلل على عبدالصبور العربي ،الذي سيبقى عالة على البترول والحظ ،وتجارة الفشل، والسمسرة .فهل تصل قبسات املدني إلى مصر وتونس وليبيا ،أم ّأن خطابات الغيب وحوارات اإليديولوجيا الفارغة، وبارود األحقاد سيطول أمده؟<
األنظمة امللكية حائل دون وقوع بلدانها في براثن الفوضى
عبدالله املدني :كل املؤشرات تفيد باقتراب مصر من نموذج إيراني بوجه سني أكد الباحث واألكاديمي البحريني الدكتور عبدالله املدني أن األنظمة امللكية في دول مثل مصر والعراق وليبيا بنت دولة املؤسسات والقانون وأمنت االستقرار وشرعت في التحديث والعصرنة ،وكان بإمكانها – لو لم ينقلب عليها العسكر– أن تقدم املزيد من اإلنجازات. وقال مؤلف «ومضات من آسيا « ..إن كل املؤشرات تفيد «لألسف» باقتراب مصر في عهد جماعة اإلخوان املسلمني من نموذج إيراني بوجه سني ،بقيادة «مرشد الجماعة» بدال من «الولي الفقيه» ..وجهات النظر هذه وغيرها نقرؤها في اراء اختص بها مؤلف الكتاب «املجلة» وهي كما يلي: أحداث ثورة يناير في مصر عام 2011تتشابه بماحدث في أندونيسيا في عام ، 1989خصوصا وأنه كانت هناك تقاطعات بني نظام سوهارتو ومبارك لجهة طريقة وصولهما إلى السلطة وتحالفاتهما الداخلية وديمقراطيتهما الصورية ودور حزبيهما الحاكمني في إفساد الحياة السياسية ،ودعم واشنطن لهما ،وصوال إلى دور العسكر في اإلطاحة بهما بالتضامن مع الجماهير الغاضبة .وكنت أتوقع أن تسلك مصر املسلك االندونيسي ،لكن قناعاتي سرعان ما تغيرت ،والسيما بعد ظهور نتائج اإلنتخابات وما رافقها من فوضى وتخبط وسياسات إقصائية .كم نتمنى أن تقترب مصر من النموذج املاليزي او التركي في ظل زعامة اإلخوان املسلمني ،غير أن كل املؤشرات تفيد لألسف بإقترابها من نموذج إيراني بوجه سني ،بقيادة «مرشد الجماعة» بدال من «الولي الفقيه». مفاد رسالة كتاب «ومضات اسيوية» بإختصار شديدهو :استفيدوا قدر اإلمكان من تجارب األمم اآلسيوية في مختلف مناحي الحياة إن كنتم فعال تتطلعون إلى النهضة والرخاء واإلرتقاء بشعوبكم ،فهذه التجارب متاحة لكل من يريد أن يغرف منها ،كما أنها أثبتت نجاحات منقطعة النظير ،ناهيك عن أن مصدرها الشرق الذي نحن جزء منه باملفهوم الثقافي واالجتماعي الواسع .وليس املطلوب تطبيق تجربة اآلخر بحذافيرها ،وإنما اإلسترشاد بخطوطها العامة سبيال لتحقيق بعض نتائجها. عند مقارنةاألنظمة امللكية في السابقة دول مثل مصر
والعراق وليبيا،باألنظمة الجمهورية التي خلفتها نجد أنها كانت األفضل .وبعد مرور كل هذه الحقب على زوال امللكيات العربية في الدول املشار إليها ،وظهور أجيال بكاملها تعرضت لعملية غسيل دماغ على يد العسكر املؤدلجني كي تمقت األخيرة .لن تجدي الدعوة إلى التحول إلى امللكية من جديد،غير أن ما قد يجدي هو الدعوة إلى تمسك شعوب الخليج واألردن واملغرب بأنظمتها امللكية الحالية كحائل دون وقوع بلدانها وشعوبها في براثن الفوضى والتمزق والتراجع والبؤس والشعارات البائسة .وألني مؤمن بأفضلية األنظمة امللكية على الجمهورية رأيت في عودة امللكية إلى أفغانستان حال معقوال إللتفاف القوى القبلية والجهوية املتناحرة حول رمز مقبول متمثل في ملك لم تتلطخ يده بالدماء وينتمي إلى العرق البشتوني السائد. املؤسف ،بل املؤلم حقا ،أن تتبارى رموز اإلسالمالسياسي والحركات اإلسالموية بإتهام العلمانية بما ليس فيها .فالعلمانية عندهم كفر بواح وشر مطلق،لكن العلمانية عند هؤالء أنفسهم تنقلب فجأة إلى شيء طيب حينما تطبق في بالد بها أقلية مسلمة ألنها تتيح لهذه األقلية ممارسة شعائرها بحرية ،وتتيح ألفرادها التنافس بمساواة مع رموز األغلبية على املناصب العليا واملقاعد البرملانية وربما الوصول إلى سدة الزعامة .وفي هذا السياق ال بد من التذكير بأن عظمة الهند وما بلغته من تقدم وإستقرار ،يعود إلى نظامها الديمقراطي، ودعامتني تسندان هذا النظام هما العلمانية والفيدرالية، وال أعتقد انه هناك بلد في هذا العالم غير الهند ،سمحت غالبتها الهندوسية ( 80في املائة) بأن يحكمها رئيس جمهورية من األقلية اإلسالمية ( 15في املائة). اإلقتصاديات الناهضة والناجحة لم تكن لتنهض أوتنجح ،سواء في آسيا أو غيرها ،إال بوجود أنظمة تملك رؤية واضحة ،وإرادة حديدية ،ومخططني استراتيجيني قادرين على التنبؤ السليم ووضع خطط مستقبلية تتالءم مع تلك التنبؤات وتحديات املستقبل ،إضافة إلى وجود ثقافة تقدس العلم والعمل وتنظر الى احترام الوقت واستغالله استغالال أمثل بصفتها قيمة محورية لالرتقاء،هذا ما حدث تحديدا في جزيرة سنغافورة ذات املساحة الصغيرة واملوارد املحدودة التي تحولت بفضل الرؤية الثاقبة لزعيمها وباني نهضتها «لي كوان يو»، إلى واحدة من أكثر دول العالم تقدما ونماء وازدهارا ونظافة< المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
65
كتب
خارجي ،فقامت اإلدارة األميركية بزرع جاسوس داخل مجلس الوزراء الباكستاني (وزير املالية محمد شعيب) إلرسال تقارير عنه .طموح بوتو كان ً كبيرا ففي عام 1965 بعد هزيمة باكستان التي انتهت باتفاقية طشقند ما بني بالده والهند. قاد حمالت شعواء ضدها وانتقدها بقسوة ملقيا املسؤولية ُ على أيوب خان .أدى هذا املوقف إلى افتراق الرجلني ،فنفي بوتو في العام 1966بعيدا عن باكستان ،بعد أن خلق فيها ّ تيارا شعبيا كبيرا مؤيدا له وملواقفه ،ما حفزة إلنشاء «حزب الشعب الباكستاني» ،وراهن على تحقيق ثورة اجتماعية في باكستان ،وبعد مرور أقل من عام على وجوده في املنفى قرر بوتو العودة إلى باكستان ليكون على مقربة من أحداث بالده العاصفة.
,,
التايوانيون الذين ّ يسوقهم املؤلف في ومضاته ّ يبدلون الصعاب إلى مكاسب ويستخدمون العقل الفعال في إيجاد املخارج والحلول وابتكارها
,,
وبعد سقوط نظام محمد أيوب ،وتولي حكومة «يحى خان» الذي أمر بترتيب االنتخابات بني عام 1970و ّ ،1971 ظن ً وحيدا في السباق إلى الحكم ولكنه فشل بوتو أنه سيكون أمام «الشيخ مجيب الرحمن» الذي استفاد من دعم مواطنيه البنغاليني في باكستان الشرقية ،ففاز حزبه «عوامي» رغم فوز بوتو الساحق في باكستان الغربية ،وبالتالي تأهل مجيب الرحمن ليكون زعيما للحكومة الجديدة .لكن بوتو رفض ّ وأصر على عدم االستجابة لها ودفع الحكومة لتبني النتائج قراره إال أن الجنرال «خان» رفض مساره ،وذلك التحريض من قبل بوتو دفع األمور إلى حافة الهاوية ،فانفجرت األوضاع في باكستان الشرقية وتجذرت مطالب البنغاليني باالنفصال في وطن مستقل ،وأدت هذه التطورات املتسارعة في النهاية إلى نشوب الحرب الهندية الباكستانية الثالثة في عام 1971 والتي انتهت بهزيمة باكستان شر هزيمة وانسالخ جناحها الشرقي عنها. انتهت باكستان إلى جيش مهزوم محطمّ ،واقتصاد منهك ال يستطيع تلبية مطالب الناس اليومية ،فتولى بوتو السلطة بحكم نتائج االنتخابات النيابية في باكستان الغربية ،فعمل على إصالح األوضاع ،وخاطب األمم املتحدة الدول العربية واإلسالمية ،وطور مفهوم التضامن اإلسالمي ،وعقد اتفاقية سيمال لعام 1971مع الهند والتي عالجت بعض تداعيات حرب البنغال .كما أعد دستورا جديدا تحولت بموجبه البالد إلى النظام البرملانيّ ، تعمد بوتو إطالق فكرة القنبلة النووية اإلسالمية في محاولة لحشد الدول اإلسالمية خلفها ونجح. بدأت النهاية في العام 1977بعد أن أعيد انتخابه زعيما للبالد ،ولكن سرعان ما انقلب عليه الجنرال ضياء الحق، وأعدمه وسط دهشة العالم من بعد محاكمة سريعة في أبريل (نيسان) .1979كان بوتو كل شيء ممكن ونقيضه، حسبما تقتضيه املصلحة ،فبحسب املدني هو «إقطاعي واشتراكي ،وديمقراطي وديكتاتوري ،وإسالمي وعلماني، وعصري وتقليدي في آن واحد».
ما بني عاملني نوويني ..رئيس وسجني
مسلمان وهنديان (األول ولد في مدينة بوبال الهندية)، وكالهما شقا طريقيهما إلى صروح املجد العلمي والريادة بفضل ذكائهما وعبقريتهما ،فقدما لبلديهما القنبلة النووية .فما الذي أوصل األول إلى ما هو فيه اليوم من مشاكل وتهم ،وأوصل الثاني إلى سدة رئاسة الجمهورية في بلده دون ضجيج أو مالحقات؟ ساق ذلك ليقول إن الفارق بينهما صنعته البيئة السياسية التي وجد كل منهما نفسه خاضعا لشروطها وتوجهاتها وشعاراتها وهو ينتقل في حياته من محطة إلى أخرى.
غاندي ..تكريس ملنهج الالعنف ..األم تريزا مثال العطاء ..جوتي الزاهد في تناوله لغاندي تحدث الكتاب عن تسويقه فكرة «الساتياغراها» املعتمدة على التزاوج ما بني الحقيقة (ساتيا) والحب (أغراها) ،كمرادفني للقوة .وقال املدني ّإن غاندي استنبط من هذه الفكرة مبدأ املقاومة الالعنفية، غارسا بذلك البذرة األولى لحركة شعبية جماهيرية ستتوسع وتتعدد وسائلها السلمية وينحني لها العالم احتراما .واستعرض أهم معالم تجربة غاندي فقد قامت تجربة غاندي في املقاومة الالعنفية ،وكانت فكرة املقاطعة ً االقتصادية بالنسبة إليه عمال رمزيًا لبعث اإلرادة والعزيمة الضروريتني لصنع املعجزات ،كما أنه آمن بأن أي فكرة البد لكي تنجح جماهيريًا ،من اقترانها بالقدوة الحسنة ،وقد حرص غاندي على أال تصطبغ مقاومته بصبغة طائفية أو إثنية أو جهوية ،وكان واقعيًا يعرف قدر نفسه وتواضع قدرات شعبه مقارنة بإمكانيات الخصم. يمتلئ حديث املدني عن غاندي ،بقدر من االحترام واإلعجاب بطاقة الحب والخير التي يسوقهما ،وبشكل قريب منه يتحدث عن األم تريزا ،ويقول في خالصتها «القول ،أنه قبل أن نتساءل ملاذا لم تلد بالدنا العربية واإلسالمية ناشطة في مجال الخير وتخفيف اآلالم مثل األم تريزا ،علينا أن نتحرر من اتخاذ العقيدة الدينية معيارا لتحديد من يستحق العون والرحمة ساعة بذل الخير والعطاء». ّ مر الكتاب على «جوتي باسو» ،الزعيم السياسي الهندي الذي ال يقل عن «جواهرالل نهرو» و»محمد علي جناح» ً شأوا ،عرفه بـ»املاركسي» الذي رفض أن يحكم الهند، ً مشيرا إلى طلب قادة جبهة األحزاب اليسارية والعلمانية في عام 1996توليه لرئاسة الحكومة الهندية املركزية لضمان وحدتهم وتماسكهم ،تتبع أهم مراحل حياته وتقلباتها، وكيف استطاع أن يصعد بالبنغاليني الهنود ويطور واليتهم، كما تناول جهوده السياسية ،إلى أن قرر في نوفمبر 2000 بمحض اختياره وألسباب صحية ترك السلطة كرئيس وزراء شيوعي منتخب ديمقراطيا لوالية «البنغال الغربية»، واعتزل الحياة السياسية وقيادة الحزب الشيوعي املاركسي الهندي ورئاسة جبهة األحزاب اليسارية ،وقال «أقول للذين يروجون لفكرة أن الشيوعية قد ماتت ،أن الذي مات هو تجارب معينة استرشدت باملبادئ الشيوعية ،وليس الشيوعية كفكر ومنهج».
البيئة هي التي تصنعنا ،إذا انسقنا لها ،هذا ما خلصنا أفغانستان ..ملك ضائع إليه ،من املقارنة التي عقدها املدني بني عبدالقدير خان في باكستان وزين العابدين عبد الكالم في الهند ،وكالهما
64
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
لم يغفل املدني عن تناول أفغانستان ،فتناولها في شخص
املصري «جمال عبد الناصر» والزعيم الهندي «جوهارالل نهرو» ارتبطا بعالقة شخصية فريدة من نوعها ،تجاوزت ما هو متعارف عليه في عالقات زعماء البلدان املرتبطة بتحالفات ورؤى ومصالح مشتركة إلى عالقات فكرية حميمة ومجادالت فلسفية عميقة حول شؤون العالم وشجونه .منذ لقائهما ألول مرة في القاهرة في فبراير/ شباط عام ،1955فأعجب ناصر بتخطيط نهرو وأعجب نهرو بحماس ناصر .وشاركا ً معا في تأسيس كتلة عدم االنحياز والحياد االيجابي.
كومار الهندي ..وعبد الفضيل الباكستاني ..وعبدالصبور العربي!
املكاسب والخسائر املترتبة عن الظاهرة ،وأثار بشيء من السخرية الجدال حول تأثير الهنود واآلسيوين على «هوية الخليج وعروبته» وقال «وكأنما عروبة املنطقة مجرد هوية هالمية أو إناء فخاري قابل للكسر والضياع على يد عمالة أمية معدمة» ويقول «وأصحاب مثل هذه املقوالت والحجج ِّ –املخوفة -معظمهم من األشقاء العرب الذين يجهلون تاريخ الخليج وارتباطاته التاريخية العميقة مع الهند وشعوبها ،بل ال يدركون أن وجود املفردات الهندية في اللهجة الخليجية الدارجة سابق لـ[قدوم] العمالة الهندية والباكستانية [إلى منطقة] الخليج بعقود طويلة من الزمن».
يعقد الكتاب الكثير من املقارنات ،منها املقارنة بني النموذج ّ يتحيز له املدني ،للحد الباكستاني والنموذج الهندي ،الذي الذي جعل أصدقاءه يطلقون عليه «عبدالله كومار» .يقول املدني ّإن الهند نجحت بفضل ديمقراطيتها واستقرارها وتمكن نسبة كبيرة من مواطنيها من اللغة (اإلنجليزية)، ّ فتطورت في صناعة املواد الصيدلية واملستحضرات الطبية، وصارت البلد التاسع على مستوى العالم في مجال تصميم املركبات ،بينما لم تكن رؤية الدولة واضحة لدى عبدالفضيل (الباكستاني) فدخل في االحترابات واالنقالبات بال طائل، ثم يتساءل املدني بسخرية «لكن ماذا عن عبدالصبور العربي؟» ويجيب بوضوح وثقة أن نجاحه لن يأتي «إال بدولة مدنية عمادها دستور مؤطر بالديمقراطية العلمانية».
أشخاص حول آسيا..
ليصل إلى أن العالقات بني الخليج والهند وآسيا لها جذور عميقة ،ال يدركها املنظرون –خاصة العرب .وفي فصل آخر يتحدث عن العالقات األزلية مع الخليجً ، مارا بما قبل اإلسالم إلى أن ّ يفصل دور الهند في زمن االستعمار البريطاني. إذ كانت الهند تربط بني عرب الخليج وعرب مصر والعراق والشام ،الشتراكهما في الصحف واملجالت العربية الصادرة في بغداد والقاهرة ودمشق والتي كانت ترد الهند ويراسلها املصلحون الخليجيون من الهند ،ويعيدون إرسالها إلى الخليج .يقر املدني بتأثير هذه الصالت اجتماعيا وثقافيا على املجتمع الخليجي ،فيتتبع التأثير في اللغة واملوسيقى والفنون واملالبس.
يرسم املدني صورة مختلفة آلسيا ناجحةّ ، يطوف بني ّ رجالها بانتشاء وزهو كأنه يتجول في قريته ،فيخبرك ً بصوت عال أن فالنا جار فالن كريم وبحبوح ،ويهمس لك ً ً سرا بأنه يسيء معاملة زوجته أحيانا ،ففي شعاب آسيا، يجد املدني بتلقائية وحرفية ،مساحة ملمارسة حميمية املفكر مع عناصر القصة امللهمة ،فمثلما تأسره شوارع بومباي الخلفية ،وذكريات األجداد فيها ،كما تلهمه أوراق الصني وتكنلوجيا الهند وحرفية اليابان وتايوان ،نراهن أن طاغور وبوتو ونهرو وغيرهم ًأيا كان تصنيفهم ،يقبعون في آخر ذاكرة املدني ً دوما كأشخاص لهم حميمية خاصة، ّ يتحلقون حول آسيا التي يحبها املؤلف ،آسيا التي تضيء كلها من فرط اإليماض .ففي فصل في الكتاب يفرد مقالته عن «رابندراناث طاغور» ،األديب واملوسيقي الهندي العظيم، متتبعا تطوره األكاديمي ونضاالته ،وحياته البائس منها والسعيد ،واهتم برصد الجانب بلمسات طاغور الخاصة ً النابعة من خبرته في املوسيقى «رابندرا سانجيت» ،كاشفا اختالفه مع املهاتما غاندي حول النزعة القومية وقضايا أخرى ،ويبدي إعجابه لكونهما لم يفقدهما الخالف اعتزازهما ببعضها البعض والكثير من االحترام.
يمكننا هنا الربط بني هذا املقال ومقال آخر يتحدث فيه املدني عن اآلسيويني الذين غزوا أمريكا بسالح العلم وتستقبلهم وتحتفي بهم ،وكأنما يقول انتقوا كما تنتقي أمريكا .وتشير إحدى اإلحصائيات إلى أن 36في املائة من إجمالي عدد املهاجرين الجدد إلى أمريكا هم من آسيا، فكيف يرفضهم العرب! ّثم إن العالقات مع الهند والتأثير والتأثر لم تنحصر على عرب الخليج وحدهم ،فالزعيم
ثم يقفز لدراسة ذو الفقار علي بوتو املولود في العام ،1928 درس في أمريكا ،ثم بجامعة أوكسفورد البريطانية ،حاول إيجاد موطئ قدم له في السياسة الباكستانية ونجح في عام 1958فترأس وفد باكستان إلى مؤتمر األمم املتحدة لقانون البحار في جنيف ،سرعان ما دخل الحكومة ،ومنذ 1958 إلى 1966ارتبط بأيوب خان كشريك في الحكم ومستشار، إلى أن صار وزيرا للخارجية في ،1963وكان له تطلع
,,
الزعيم املصري «جمال عبد الناصر» والزعيم الهندي «جوهارالل نهرو» ارتبطا بعالقة شخصية فريدة من نوعها تجاوزت ما هو متعارف عليه في عالقات زعماء البلدان املرتبطة بتحالفات ورؤى ومصالح مشتركة
,,
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
63
كتب
في أكتوبر (تشرين األول) من العام ،2012اختار الباحث واألكاديمي البحريني الدكتور عبدالله املدني ،أن يعيد نشر مجموعة من مقاالته اآلسيوية في كتاب منفصل ،أصدرته دار ّ مدارك َللنشر ،في زمان تتقلب فيه ّالدول العربية وتحاول إعادة رسم مستقبلها ،فكأنما ّ ّ وليتدبر نجاح ليتبصر التجارب دني عبر هذا الكتاب تقديم ومضات للعقل العربي اختار امل ِ ّ اآلسيويني وهم حديثو عهد بفشل .فكل التجربة التي يتنقل بني سطورها الكتاب لم تتجاوز العقد السابع من عمرها ،وبدأت ً تماما في الحقبة الزمانية التي بدأ فيها كثير من الدول ّ ّ العربية ،ولكنها اليوم تشكل ظاهرة ثقافية وصناعية فارقة في العالم ،ويمكن لومضاتها أن ترسم خارطة الطريق ملن أراد االهتداء إلى السبيل الذي تنجح به األمم ،وقوامه التعليم والتنظيم والتثاقف والتسامح ،والعملية.
ما صنعه كومار ولم يفعله عبد الفضيل
ومضات من آسيا.. الكتاب :ومضات من آسيا املؤلف :عبدالله املدني الناشر :دار مدارك للنشر سنة النشر :أكتوبر (تشرين األول) 2012
,,
ّ تميز الكتاب بنظرة منصفة وعلمية للوجود اآلسيوي في الخليج ً متوجسا فلم يكن كعادة الباحثني اآلن فدرس املكاسب والخسائر املترتبة عن الظاهرة
,,
62
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
التعليم هو أبرز ما يثيره الدكتور عبدالله املدني في كتابه فيقرر ّأن ما وصلت إليه آسيا كان بسبب اإلنفاق الالمحدود على البحوث والدراسات ،وتدريب الكوادر األكاديمية الوطنية في أرقى الجامعات األجنبية مع استعارة أفضل األساتذة وأكثرهم خبرة من جامعات الدول املتقدمة ،وبغيره ال يمكن ألي دولة أن تخطو في أي سبيل من سبل الصناعة أو العلوم أو التكنلوجيا ،والسخاء عليه ،سخاء يثمر ،واستثمارا يربح. بدأ بالرياضيات السنغافورية ،فنسق التعليم السنغافوري َ النسق الذي يتطور ً دوريا ،ويرتبط الذي يبرزه د .املدني هو ً نتاجا ملسابقات ومساهمات تشترك بالواقع ،والذي أتى فيها املؤسسات العلمية واالقتصادية الخاصة .حتى التمارين االبتدائية ال تأتي اعتباطية بل تأتي مستوحاة من بيانات وإحصائيات قطاعات االقتصاد القومي ،ومن املعلومات الرقمية الخاصة بالبالد .وهنا يسخر من كون الرياضيات في العالم العربي ما زالت ّ تدرس بتمارين حسابية من نوع «إشترى تاجر كذا صندوقا من البرتقال بكذا درهم ،وباعها بكذا درهم فكم كان ربحه؟» ،مضيفا أن هذا لم يتغير منذ االستقالل. انتقل املدني في الفصل ذاته إلى تايوان ليقدم ملحة عن منهج التعليم مدى الحياة عبر كليات املجتمع .وبعدها اختار أن يبرز قيمة التسامح ،فتايوان بلد تتعدد دياناته ،ولكن ما يجعلها متآلفة ،بحسب املدني هو «نظام قائم على مبادئ العلمانية و أصول الديمقراطية التمثيلية ،وقد نضجت التجربة التايوانية ألنها مرت بمصاعب مع الديانات في فترة سابقة ،ولكن اإليمان باملواطنة وفتح املجال للتدين الفردي وعدم املحاباة هو ما أنقذ البالد» ويالحظ املدني أن دراسات مسحية أجرتها «وزارة الداخلية التايوانية تدلل على تمسك الناس بعقائدهم الدينية» ،بمعنى أن العلمانية «لم تخربها أو تشوهها» ،كما ّأن التعليم صنع ثقافة العطاء واالبتكار. التايوانيون الذين ّ يسوقهم لنا الدكتور املدني في ومضاته،
ّ يبدلون الصعاب إلى مكاسب ،ويستخدمون العقل الفعال في إيجاد املخارج والحلول ،وابتكارها .يتحدث الكتاب «كمثال» عن النفايات اإللكترونية وكيف حولها التايوانيون إلى مناجم للذهب ،مستمدين تجربتهم إلى حد ما من التجربة اليابانية ،فمصانع تدوير النفايات اإللكترونية وغير اإللكترونية في جميع أرجاء تايوان تزايدت حتى تجاوز عددها األلف ولك أن تتأمل حينما تدرك أن 95في املائة منها مصانع عائلية ،لتعود هذه النفايات مصدر دخل ال مدخل صداع ،فتايوان اليوم تعيد تدوير نصف إجمالي نفاياتها اإللكترونية ،وبنسبة تفوق املتوسط العاملي بما تتراوح نسبته ما بني 15و 30في املائة ،في الوقت الذي تكابد فيه بلدان العالم الثالثّ ، شر األمراض. لم تكن تايوان حاضرة في صفحات ِّ الكتاب فقط في ضروب املعالجة الصناعية ،بل ّإن املؤلف يسند الفضل العميم لها في حقل ترجمة املؤلفات من وإلى اللغة الصينية، على اعتبار أنها تنطق بها .كما ّأن حضور الهند لم يقتصر ّ والتطور في مجال صناعة األدوية، على الفتوح التكنلوجية ّ ً أيضا ثقافة الكتاب الهنديةّ ، منوها بفكرة خالقة بل شمل درج عليها الهنديون. فالهند ،على عكس دول العالم األخرى ،درجت على طباعة الكتب ّ جيدة املحتوى بطبعات رخيصة ،قبل أن ّ تحولها إلى الطبعات الفاخرة ،وهي تفتخر أنها بدأت ذلك منذ العام ،1946بهدف إيصال املؤلف فور ظهوره إلى أوسع قطاع من القراء .هذه الهند التي تشكلت صورة خاطئة عنها لدى كثير من املترفني ،األمر الذي عالجه املدني بحرفية عالية.
العمالة اآلسيوية ..العالقات مع العرب ّ تميز الكتاب بنظرة منصفة وعلمية للوجود اآلسيوي في ً الخليج فلم يكن متوجسا كعادة الباحثني اآلن ،فدرس
الثورة يف سوريا /سوريا /شبكات املال واألعمال يف سوريا /التمرد السوري الثورة يف سوريا
سوريا:
شبكات املال واألعمال يف سوريا
التمرد السوري:
املؤلف :ستيفن ستار
املؤلف :ديفيد دبليو ليش
املؤلف :بسام حداد
املؤلف :فؤاد عجمي
الناشر :جامعة كولومبيا
الناشر :جامعة ييل
الناشر :جامعة ستانفورد
الناشر :معهد هوفر
العام2012 :
العام2012 :
العام2012 :
العام2012 :
الصفحات 256 :صفحة
الصفحات 288 :صفحة
الصفحات 280 :صفحة
الصفحات 260 :صفحة
في البداية ،التحقت سوريا بركب الثورات العربية عام 2011كانتفاضة تحولت إلى تمرد ووصلت في النهاية إلى حرب أهلية شاملة .وإذا ما نظرنا إلى هذه الكتب األربعة معا ،فإنها ال تعطي للقارئ نظرة شاملة على املوضوع السوري ولكنها تقترب من ذلك .يسجل ستار ،صحافي كان يعيش في سوريا ملدة خمس سنوات، رواياته مع السوريني العاديني ومع آلة االستخبارات بالدولة من خالل رواية بسيطة للشارع السوري .فيما تمتع ليش ،مؤرخ أميركي ،بفرصة استثنائية للتواصل مع الرئيس السوري بشار األسد وأركان نظامه ،وإن كان ذلك لم يمنحه فرصة الرؤية العميقة لهذا النظام بل اقتصر ذلك التواصل على إلقاء الضوء على كيف تحطمت باستمرار آمال ليش الكبرى واملعلقة على األسد .ومن جهة أخرى ،يحلل حداد (أكاديمي سوري) الحلفاء املاليني للنظام البعثي في سوريا ،والذين يفترض أنهم مصدر الدعم الرئيسي للنظام السلطوي لألسد .ومن جهة أخرى ،تمكن عجمي من مراقبة املشهد عن بعد ،مقدما مشاهد سياسية رائعة وحية :فبعد سنوات من االبتعاد عن العالم العربي ،تمكن من الوصول إلى عمق شخصيات أبطال املشهد. يتتبع عجمي التحوالت الكبرى التي مر بها العلويون في سوريا من أتباع لالستعمار الفرنسي في النصف األول من القرن العشرين ملؤسسي
النظام البعثي في النصف الثاني .وقد عوض العلويون وضعهم كأقلية من خالل الدعوة للقومية العربية العلمانية واستخدامها لقمع األغلبية السنية في سوريا .فقد كان حافظ األسد الذي حكم سوريا من 1971وحتى وفاته عام 2000يعتبر نفسه املقاوم العربي الرئيسي للغرب مقارنة بالزعماء املصريني والسعوديني الخاضعني. ترصد الكتب األربعة الحلفاء الرأسماليني لنظام األسد في محاولة لفهم أهميتهم بالنسبة للنظام السلطوي والتكهن حول ما يمكن أن تعنيه فرضية انشقاقهم عنه .في البداية ،تكونت تلك املجموعة من أفراد من الجيش العلوي واألجهزة االستخباراتية باإلضافة إلى البرجوازية السنية القديمة .وكانت األخيرة قد وقفت إلى جانب حافظ أثناء قمعه الدموي للتمرد الذي قام به اإلخوان املسلمون في مدينة حماة عام .1982وكانت تلك هي اللحظة الفاصلة في الصفقة التي عقدتها النخب السنية مع النظام التي كان مفادها :ابتعدوا عن السياسة وتمتعوا بالثراء .ثم ،كما يقول ستار وحداد ،لم يعد للحلفاء السنة صوت فيما يتعلق بالقضايا الكبرى. فلم يصبحوا صناع سياسة بل متلقي سياسة .وأصبح سالحهم الرئيسي هو هروب رأس املال وتهديد االستثمار. ومع الوقت ،وفقا لحداد ،بدأت البرجوازية القديمة تتضاءل وتحل محلها طبقة رجال أعمال من بقايا
البرجوازية السنية وأوالد املوالني للنظام .ويعد ذلك التراجع للنخبة القديمة ظاهرة مثيرة لالهتمام ولكن لم يقدم أي من املؤلفني معنى واضحا لعالقة ذلك بالحرب األهلية .وهو ما يرجع جزئيا إلى أن الثورة السورية لم تندلع من الطبقات العليا ولكنها اندلعت عبر الهوامش الريفية للمجتمع التي عانت على مدار خمس سنوات من الجفاف .كما أن الرأسمالية العائلية وما يطلق عليها اجتماعية السوق قد خلقت نخبة جديدة يختلف أسلوب معيشتها تماما عن قيم الفقراء الريفيني الذين ينتمي العديد منهم إلى العلويني .وعلى الرغم من أن حافظ كان ينحدر من تلك الخلفية التقليدية ،فابنه بشار دمشقي من حيث األسلوب والذوق .في بداية الثورة السورية ،رسم اعتداء بشار الدموي على مدينة درعا (مدينة على الحدود األردنية بدأت فيها الثورة) الخط الفاصل بالدم. أما ستار الذي كان هناك عند اندالع الثورة ،فإنه ال يستطيع حسم أمره فيما إذا كان النظام كان يتوقع ذلك التحدي منذ سنوات أم أن األمر كان مفاجئا. فربما يكون االحتماالن صائبني تماما. ففي كل األحداث التي وقعت في ،2011 كان النظام ما زال يتصرف من منطلق ما وصفه الصحافي توماس فريدمان في إشارة إلى مذبحة 1982بأنه قواعد حماة« :ال قواعد على اإلطالق» .وفي السنوات السابقة على الثورة ،تسبب النجاح الذي حققه بشار في إغفال
نظره عن التهديدات املحدقة .فقد استطاع احتمال العقوبات األميركية واالنسحاب الجبري للجيش السوري من لبنان عام .2005كما أنه أسس عالقات قوية وحدودا مفتوحة مع تركيا ربما لكي يذكر حلفاءه في إيران أنهم ليسوا وحدهم املستعدين لعقد صفقات معه. وكان بشار يعتقد أن املعارضة السورية لخطة الهيمنة الرئيسية «للواليات املتحدة والصهيونية» سوف تحميه من مصير حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس والذين تم خلعهم بعد أن كانوا حلفاء ألمد بعيد مع الواليات املتحدة. وربما كان بشار على يقني من أن السوريني بعدما شهدوا فوضى الحرب األهلية في لبنان والفوضى الالنهائية في العراق منذ ،2003سوف يضعون األولوية للحفاظ على استقرار النظام. وعلى الرغم من أن الثورة أثبتت خطأ تلك االفتراضات ،كان بشار محقا حتى اآلن في االستنتاج بأن القمع الوحشي لن يثير ردة فعل دولية بخالف اإلدانة. ومع ذلك ،فإن ليش يصر على أن حكم أسرة األسد قد سقط حتى وإن ظل ممسكا بلجام السلطة في يديه وال يرى أي من املؤلفني اآلخرين أي مستقبل له كذلك .ولكنهم يتفقون أيضا على أن بشار ليس مجرد دمية، يهيمن عليها وحوش الظل مثل أخيه ماهر .كال :بشار يهيمن على السلطة ويؤمن بما يفعله.
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
61
مراجعات
القومية اإلسالمية
حتى بالنسبة ملن لديهم فكرة عن تركيا املعاصرة، فإن ذلك الكتاب املزعج في بعض األحيان سوف يفتح أعينهم على حقائق جديدة.
املؤلف :جيني وايت
يرصد هذا الكتاب على مدى أربعة عقود املجتمع التركي ،حيث تستكشف وايت التعقيدات املحيطة بتطور مفهوم الهوية التركية.
واألتراك اجلدد الناشر :جامعة برنستون العام2012 : الصفحات240 :
,,
38في املائة من الشباب الذين كانوا يساندون حزب العدالة والتنمية يصفون أنفسهم بأنهم كماليون أي أنهم معجبون بكمال أتاتورك املؤسس العلماني للجمهورية التركية
,,
وتركز أساسا على القوميني اإلسالميني الذين ظهروا في ،1980حيث تصفها بأنها مجموعة معقدة تعج باملتناقضات :فعلى سبيل املثال ،ووفقا لدراسة في عام 2009تستشهد بها وايت ،فإن 38في املائة من الشباب الذين كانوا يساندون حزب العدالة والتنمية يصفون أنفسهم بأنهم كماليون أي أنهم معجبون بكمال أتاتورك املؤسس العلماني للجمهورية التركية. وتستكشف وايت أيضا عوامل الضعف في العلمانيني األتراك املعاصرين مثل :ولعهم بالنقاء العرقي وخوفهم من التفاعل مع األجانب ،وتقديسهم لحدود الجمهورية. وعلى النقيض ،كان القوميون اإلسالميون أكثر انفتاحا على التنوع ،فهم يساندون انضمام تركيا لالتحاد األوروبي ويبحثون عن وسائل لدمج األكراد ٌ واألقليات الطائفية .كما أنهم تبنوا الفكر االقتصادي الليبرالي الجديد لدرجة مدهشة .ولكن لألسف ،فإن كل تلك الرؤى املتقدمة في تركيا تحد من وضع املرأة.
ذكرت الزيادات الحادة في أسعار الغذاء في عامي 2008و 2012العالم بأن األمن الغذائي ال يمكن التعامل معه باعتباره من املسلمات خاصة بالنسبة للفقراء .فمن املتوقع أن يتزايد عدد سكان العالم بنسبة 33في املائة في العقود الثالثة املقبلة ،كما أن معظم األراضي الزراعية املحتملة، عدا الغابات املطيرة ،مستغلة بالفعل .باإلضافة إلى أن املصادر املائية يساء استخدامها إلى حد كبير في بعض املناطق ذات الكثافة السكانية املرتفعة .فهل يمكن تأمني ما يكفي من املوارد الغذائية؟ يجيب كونواي عن هذا السؤال بـ «أجل» قاطعة. فهو يؤكد أن هناك العديد من التقنيات املعروفة لزيادة الحاصالت الزراعية يمكن استخدامها ولكن لكي نفعل ذلك علينا استغالل املوارد العلمية والتعليمية والتنظيمية على النحو األمثل. في البداية يشرح كونواي اإلنجازات الزراعية الهائلة في النصف األخير من القرن -على سبيل املثال ،زيادة اإلنتاج العاملي للحبوب من 900 مليون إلى 2500مليون طن -ويستعرض بعض أحدث اإلنجازات العلمية حول كيف يمكن زيادة اإلنتاجية ،بما في ذلك إجراء تحسينات جينية على املحاصيل والثروة الحيوانية.
60
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
مليار جائع :هل ميكننا إطعام العالم؟ املؤلف :غوردن كونواي الناشر :كومستوك بابليشينغ أسوشيتيس العام2012 : الصفحات456 :
سونغبان ..التصنيف االجتماعي في كوريا الشمالية /القمع ..الهيمنة ..الرقابة والعقاب /معسكرات الجوالغ الخفية الناشر لجنة حقوق اإلنسان بكوريا الشمالية
سونغبان ..التصنيف االجتماعي يف كوريا الشمالية
معسكرات اجلوالغ اخلفية:
القمع ..اهليمنة.. الرقابة والعقاب
املؤلف :روبرت كولينز
املؤلف :دايفيد هاوك
املؤلف :كني غوز
العام2012 :
العام2012 :
العام2012 :
الصفحات 119 :صفحة
الصفحات 229 :صفحة
الصفحات 182 :صفحة
تصدر لجنة حقوق اإلنسان في كوريا الشمالية والتي يقع مقرها بواشنطن أبحاثا قيمة تلقي الضوء على الحياة في «اململكة املغلقة» .وتكشف هذه التقارير الثالثة الحديثة عن النظام االستثنائي من القمع في كوريا الشمالية.
البيروقراطية األمنية في كوريا الشمالية والتي تعد مميزة للغاية حتى بني الدول الشمولية نظرا للشباك املحكمة التي تلقي بها حول املواطنة. فهناك رقابة بالحي للتأكد من أنه ليس هناك من يثرثر بشأن النظام أو يصغي لإلذاعات األجنبية أو يشاهد مقاطع الفيديو املهربة أو يستقبل زوارا غير مرغوب فيهم.
كوريا الشمالية في كوريا الجنوبية والتي تتزايد عددا.
ويصف كولينز نظام «سونغبان» الذي من خالله يتم تصنيف كل مواطن في كوريا الشمالية «في طبقة معتمدة على األصل واملرتبة االجتماعية - السياسية والتي ال يمارس الفرد عبرها أي سلطة ولكنها تحدد كل مناحي حياته أو حياتها». فهناك 51محورا فرعيا تنضوي تحت ثالث طبقات رئيسية تعتمد على مستوى االلتزام تجاه النظام :رئيسي ،متردد ،وعدائي .ويعتمد حصول الفرد على فرصة عمل ،ومنزل ورعاية صحية وحتى فرصة زواج على وضعه الطبقي. فأفراد الطبقات الدنيا غير مسموح لهم بأن يعيشوا في املناطق الثرية نسبيا مثل «بيونغ يانغ»؟ حيث يوجه النظام املساعدات األجنبية إلى الطبقة «الرئيسية» فيما تعاني املجموعات األدنى التي تصل نسبتها إلى نحو 80في املائة -مناملجاعة واملخاطر املرتفعة للتعرض للسجن. وفي
تقريره
الكاشف،
يستكشف
غوز
وعلى مستوى أعلى ،هناك ثالث وكاالت كبرى وزارة األمن ،ووزارة األمن الداخلي ،وإدارةاألمن العسكري -تفرض نظاما رسميا لـ «الذنب بالنسب» يمكن من خالله أن يتم إرسال أحد األفراد إلى السجن إذا ما كان يرتبط بأسرة ارتكب أحد أفرادها خطأ أو خطأ معرفيا أو كانت لديه صالت عائلية بأشخاص ارتبطوا خطأ أو كانوا ينحدرون من أسرة تنتمي للطبقات املدانة وتمتد تلك الصالت حتى الجيل الثالث. وتضطلع كل من تلك الهيئات بسلطة التحقيق، وإصدار األحكام واإلدانة والسجن وتفعيل القوانني التي ال يتم عادة اإلعالن عنها. ومن جهة أخرى ،جمع هاوك قدرا كبيرا من املعلومات الجديدة حول معسكرات الجوالغ بكوريا الشمالية وفقا ملقابالت شخصية تم إجراؤها مع 60عضوا في جالية الالجئني من
ويشير هاوك إلى أن هناك اختالفات بني األنواع املتعددة من منشآت االحتجاز ،رغم أن معظمها يستخدم تقنيات العمالة القسرية حتى املوت. وهو يصف أنواع العقاب الخاصة التي كان يتم تطبيقها على الالجئني الذين كانوا يحرمون من الحصول على حق اللجوء إلى الصني ويجبرون على العودة إلى كوريا الشمالية. وكان من أكثر القصص مأساوية قصص النساء الساعيات للجوء والذين كانوا يجبرون على ممارسة الجنس في الصني ثم يرفض طلبهم باللجوء ويعاد إرسالهم إلى كوريا الشمالية حيث يجبرون على اإلجهاض أو يقتل أطفالهم الصغار نظرا إلصرار نظام بيونغ يانغ على الحفاظ على نقاء العرق. وعلى الرغم من أن البعض يعتقد أن نظام الهيمنة في كوريا الشمالية في طريقه للفناء في ظل نمو األسواق الصغيرة ،وانتشار الفساد ،وانتشار تهريب الهواتف الجوالة ،والراديوهات ،والدي في دي ،واليو إس بي القادمة من الصني ،تشير تلك التقارير إلى أن قبضة النظام على السكان ما زالت محكمة حتى اآلن. المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
59
مراجعات
تعرض «املجلة» على قرائها 10من أفضل الكتب من مختارات مجلة «فورن أفيرز» ..كتب قيمة تستحق القراءة والتأمل بخاصة وأنها تروي أحداثا وتتعرض لشخصيات أثرت في العالم .األمن الغذائي في العالم ال يمكن التعامل معه باعتباره من املسلمات خاصة بالنسبة للفقراء ،والسؤال :هل يمكن تأمني ما يكفي من املوارد الغذائية؟ في «مائة مليون جائع :هل يمكننا إطعام العالم؟» يجيب غوردن كونواي عن هذا السؤال الصعب بـ»أجل» قاطعة .وفي «خيار الصني :ملاذا يجب على أميركا أن تشارك السلطة» يتساءل املسؤول األسترالي السابق في الدفاع هوف وايت إن يجب على الواليات املتحدة أن تتشارك «سلطة البحار» بالتساوي مع الصني باعتبارها جزءا من «محور آسيا» الذي يمكن أن يشمل الهند واليابان .بني الكتب املختارة أيضا« ،خطر على الحياة» و «القمع ..الهيمنة ..الرقابة والعقاب» و «معسكرات الجوالغ الخفية» وروايات عن القمع والظلم وحقوق االنسان املهدورة .وتغطية خاصة للثورة السورية من خالل 4كتب متميزة لنخبة من أبرز الكتاب.
أفضل 10كتب ..من سوريا واألمن الغذائي إلى معسكرات الجوالغ الخفية خيار الصني :ملاذا يجب على أمريكا أن تشارك السلطة
إليكم هذه الفكرة الراديكالية من «أستراليا» :يجب على الواليات املتحدة أن تتشارك السلطة بالتساوي مع الصني باعتبارها جزءا من «محور آسيا» الذي يمكن أن يشمل الهند واليابان.
الناشر :بالك إنكوروبوريشني
حيث يرى وايت (مسؤول أسترالي سابق في الدفاع) أن عصر «إنكار القوة البحرية» قادم ،وذلك عندما تصبح تكنولوجيا تدمير السفن الحربية الكبرى أكثر تقدما من إمكاناتها الدفاعية ومن ثم تصبح القوى الصغرى قادرة على منع القوى البحرية الكبرى من تهديد قوتها.
املؤلف :هوف وايت
العام2012 : الصفحات208 :
وإلى جانب عوامل أخرى ،فإن ذلك سوف يجعل من املستحيل على الواليات املتحدة أن تهيمن على املنطقة كما كانت تفعل من قبل وأن تتمكن الصني من الهيمنة عليها كما يعتقد البعض أنها تعتزم ذلك. ويعتقد وايت أن موقف الواليات املتحدة الحالية من مقاومة قوة الصني سوف يؤدي إلى التصعيد .وكانت حجته محل جدال في أستراليا ،حيث فسر البعض ذلك بأنه ينصح بأن تتجه أستراليا نحو الصني على نحو استباقي .وعلى الرغم من أن الحل الذي يقترحه وايت إلقامة توازن للقوة في آسيا خيالي إلى حد ما ،فإن الكتاب يستحق القراءة نظرا لتحليله الصريح لكيف يحد بزوغ الصني من ثقة حلفاء الواليات املتحدة في املنطقة. وكلما نمت الصني ،وفقا لوايت ،ال يمكن ألحد أن يتأكد من أن الصني «سوف تكتفي بحصة قليلة كحصة النصف في قيادة آسيا».
58
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
صحافة عالمية
وفي حني تخطط فرنسا لسحب قواتها خارج البالد بحلول شهر مارس ً تقريبا أن مالي سوف تخضع لوصاية املجموعة (آذار) ،إال أنه من املؤكد االقتصادية لدول غرب أفريقيا .ومن املحتمل أال يؤدي ذلك إلى نهاية منظمة للصراع ،ولكن إلى هجرة تلك املشكلة إلى دولة النيجر املجاورة. جدير بالذكر أن بعض القياديني الطوارق ،الذين قاموا بالتوقيع على اتفاقية مشاركة القوة خالل شهر مارس لعام 2012مع ثالث ميليشيات من الجهاديني وهي «القاعدة باملغرب اإلسالمي» و«أنصار الدين» و«حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا» ،قد هربوا بالفعل عبر حدود النيجر غير املحمية ،حيث يحاولون التجمع مرة أخرى .وفي ظل ضعف هيكل الحكومة النيجرية ،فإنهم سوف يمثلون تهديدا أمنيا خطيرا للدولة بأكملها. وتبدو النيجر هدفا سهل املنال ،فعلى الرغم من املحاوالت العديدة لإلصالح التي أجراها الرئيس محمدو إيسوفو ،الذي تم انتخابه في شهر أبريل (نيسان) عام ،2011تفتقر النخبة العلمانية السياسية بالنيجر إلى الشرعية في أعني بقية السكان الذين يعانون من الجهل والفقر ،فيما يتسمون بالتدين .وعلى مدار عقدين من الزمن ،جرت محاوالت فاشلة عدة إلرساء الديمقراطية في ظل تفشي الفساد السائد والراسخ من قبل الحكومات السابقة .ومع وجود هؤالء السكان ،عزز هذا اإلرث إحساسا عاما باالبتعاد عن العاصمة. وفي الوقت ذاته ،تعارض أعداد كبيرة من الجيش النيجري فكرة الحكم املدني .ومنذ أن تم استبعاد قيادة الجيش عن السلطة في عام ،1991نمت لدى قيادة الجيش حالة من عدم الثقة الكبيرة في النخبة املدنية بني كافة الرتب العسكرية .وفي ظل حالة الكره التي تسود الجيش النيجري تجاه الطوارق عقب شن حملتني عسكريتني كبيرتني عليهم في أعوام (1990 ،1995و 2009- 2007على التوالي)،أطاح الجيش النيجري بثالث حكومات مدنية منذ عام .1993
يجب على الغرب أال يثق بقدرة الجيش النيجري على التحكم في مثل هذا الصراع وحده .عينت الرتب العليا بالجيش النيجري من خالل الحكومة املدنية السابقة ويقوم ذلك التعيني على الوالء السياسي وليس الجدارة
في إيجاز ،يظل املشهد السياسي املحلي بالنيجر متفجر للغاية .وقد يتمثل إشعال في الفتيل في تدفق املتمردين من مالي. فقد يحاول هؤالء املتمردون إثارة انتفاضة سواء لإلسالميني أو الطوارق أو كليهما. وجديربالذكرأناألزمةاالقتصاديةاالجتماعيةالتييعانيمنهاالطوارقفيشمالالنيجر والتأثير املتزايد للمجموعات اإلسالمية بالجنوب تمثل تربة خصبة ملثل هذه املحاولة. قد يؤدي نشوب الشغب على نطاق أوسع بالنيجر إلى دخول الغرب في عملية عسكرية طويلة املدى في منطقة الساحل ،حيث إن فرنسا تحصل على ما يقرب من ثالثة أرباع طاقتها من اليورانيوم املوجود بمناجم شمال النيجر بالقرب من مدينة أرليت .ومن غير املفاجئ أن فرنسا نشرت جنودها بالفعل لحماية تلك املوارد ،فيما ُيقال إن الصني قد فعلت األمر ذاته لحماية منجم اليورانيوم الخاص بها بالقرب من مدينة أزاليك. كما أن النيجر دولة مصدرة للنفط ،ومن املتوقع أن يزداد اإلنتاج على نحو واضح خالل األشهر املقبلة .كما أن الحركات املتمردة وقوات اإلسالميني بإمكانهم استهداف حقول النفط واملناجم بالنيجر من أجل استخدامها لتمويل تمردهم. ويظل هناك احتمال واضح بتزايد الهجمات على منطقة النيجر والجزائر. ال يجب على الغرب أن يثق في قدرة الجيش النيجري على التحكم في مثل هذا الصراع وحده .عينت الرتب العليا بالجيش النيجري من خالل الحكومة املدنية السابقة ،ويقوم ذلك التعيني على الوالء السياسي ،وليس الجدارة .نتيجة لذلك ،يفتقر الجيش إلى االحترافية والتدريب املالئم .كما أن قوى الدولة الضعيفة بالفعل سوف ُ تستنفد على الفور ،حيث إن النيجر قد عرضت على املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا %20من قواتها العسكرية كي تنضم إلى العمليات الجارية بمالي أو تستعد لذلك .إن قدرة املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا على ضبط املنطقة ما زال محل شك كبير. ً أوال ،أثبتت بعثات املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا – في كل من سيراليون وليبيريا – أنها كانت في وضع حرج .ففي الحالتني ،تتسم العالقات بني القادة العسكريني بعدم الثقة واالنفكاك .وعانت عمليات املجموعة االقتصادية لدول غرب ً أفريقيا من نقص املوارد أيضا ،متضمنة الحاجة إلى األسلحة.
وعلى الرغم من محاوالت االنقالب التي جرت في عامي 2011و2012 وثبت أنها غير متقنة ومفتقرة للدعم بني كل من القوات املسلحة والسكان، فإنها تشير إلى الصراعات الدائمة بني أطراف من الجيش والنخبة املدنية. وعلى الرغم من توقيع طوارق النيجر على اتفاقية سالم في عام 2009مع الحكومة، فقد ظلت عشائر الطوارق بالنيجر مهمشة من الناحية االقتصادية ومحرومة من الحقوق السياسية .ومع موافقة الحكومة املركزية في عام 2009على توصيل املزيد من املوارد للطوارق ،كان من الواضح أن الحكومة لم تف بهذا الوعد.
لذلك ،السبب الوحيد لفعالية تلك العمليات هو الحضور القوي للجيش البريطاني. ً ولكن انسحاب فرنسا من مالي أصبح وشيكا ،وسيتم افتقاد مثل هذه القوة في الساحل .عالوة على ذلك ،الدول األفريقية العديدة التي تعهدت بتقديم الدعم واالنضمام العسكري بمالي تفتقر إلى املوارد الضرورية ملثل هذه الحرب .فقد طلبت بالفعل من املتبرعني الغربيني مساعدات تقدر بمليار دوالر أميركي ،وحتى اآلن لم يقدم الغرب سوى نصف ذلك القدر .وهكذا لن يكون من السهل عليهم فتح جبهة أخرى.
وهكذا تظل عشائر الطوارق أكثر ً فقرا من بقية الشعب .وال يجب أن تصرفنا حقيقة أن رئيس الوزراء الحالي يرجع أصله إلى الطوارق عن افتقار املجتمع إلى تمثيل سياسي حقيقي بالعاصمة .يعد الطوارق من الرحالة ،فال يعرف أحد بالتحديد كم عددهم ،ولكن تشير أفضل التقديرات إلى أن عددهم يبلغ 1.2مليار شخص في املجمل ،حيث يعيش معظمهم في دولة مالي والنيجر .وقد حذر إيسوفو بوضوح من التهديد الناشئ عن تمرد جديد للطوارق في الشمال.
باإلضافة إلى ذلك ،يأتي ثلث الجنود األفارقة املخصصني لبعثة مالي من دولة تشاد، التي ليست عضوا ضمن املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا .وينص قرار األمم املتحدة الخاص بمالي على «بعثة دولية بقيادة أفريقية» ،وبالتالي يسمح ألي دولة أفريقية لالنضمام إلى النزاع ،لذا من املحتمل أن تثير البعثة متعددة الجوانب وطويلة املدى التساؤالت حول مسؤولية تشاد أو املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا .ولكن لسوء الحظ ،ال يبدو أن الدعم الخارجي في طريقه.
هذا ،ويأتي تصريح الحكومة بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 2.5مليار دوالر أميركي للمناطق التي يسكن بها الطوارق عقب التدخل الفرنسي ،باعتباره محاولة لخمد مثل ذلك التمرد .وفي ذات الوقت ،في جنوب النيجر ،سمحت نقاط تفتيش غير مؤمنة عبر الحدود مع النيجر بتدفق دعاة إسالميني متطرفني يسعون إلى جذب السكان من خالل تقديم الوعود بإمدادهم باملنافع العامة التي لم تقدمها الدولة. وعلى سبيل املثال ،فإن منظمة بوكو حرام ،املنظمة الجهادية بنيجيريا، وطوائف إسالمية متطرفة محلية ،مثل حركة إزالة ،أقامت مراكز عسكرية معروفة بمدن ديفا ومرادي وزندر بجنوب النيجر .وتجري اشتباكات على نحو منتظم بني تلك املراكز العسكرية التي أقاموها وبني قوات األمن النيجرية.
فال يبدو أن بريطانيا وأملانيا تدركان أهمية الساحل بالنسبة ألمن الطاقة األوربية. فلم تخصص أملانيا سوى ثالث طائرات لحملة مالي ،بينما أرسلت اململكة املتحدة 240جنديا في مهام «غير قتالية». وفيما يتعلق بالواليات املتحدة األميركية ،يفتقر الرئيس باراك أوباما الستراتيجية شاملة تجاه أفريقيا ،ناهيك عن خطة خاصة بمنطقة الساحل .وال تقدم سياسة الطائرات دون طيار – وهو التكتيك املفضل لدى إدارة أوباما – سوى مجرد إصالح على املدى القصير .فإذا أراد الغرب أن يمنع الساحل من السقوط في قبضة الطوارق واإلسالميني ،سوف يتطلب ذلك تدخال ماليا وعسكريا عاجال ألجل طويل
فورن أفيرز /مارس -آذار56 - 2013 /
مشكالت غرب أفريقيا تتجه نحو الشرق
القاعدة تزحف نحو النيجر
مخاوف من انتقال عدوى مالي إلى النيجر
بقلم :سباستيان إليتشر *
بدا التقدم السريع للجيش الفرنسي نحو شمال مالي وتعبئة القوات التابعة للمجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا في الشهر املاضي ،على أنه أدى إلى انتصار مفاجئ على اإلسالميني والطوارق بمالي .بيد أن هناك حدثا على نفس األهمية وهو االنسحاب العاجل لإلسالميني والطوارق نحو شمال شرقي مالي. * أستاذ مساعد في السياسة املقارنة بجامعة ليونبورغ وكبير باحثني باملعهد األملاني للدراسات العاملية واإلقليمية بهامبورغ. ألف كتابا تحت عنوان «األحزاب السياسية في أفريقيا :العرقية وتشكيل األحزاب» الذي سوف يصدر عن جامعة كمبريدج.
فورن أفيرز /مارس -آذار55 - 2013 /
صحافة عالمية
تسببت فيها حكومة املالكي. وأسرع الصدر بتقديم دعمه للمتظاهرين -الذين جاءوا من املجتمعات ذاتها التي استهدفتها ميليشياته املسلحة بالقتل في أعوام سابقة -وأعلن موافقته على جميع مطالبهم .بل وذهب إلى أبعد من ذلك بظهوره يصلي إلى جوار رجال دين من السنة في واحد من أكبر املساجد السنية في بغداد ،وبعد ذلك قام بزيارة إلى إحدى الكنائس في بغداد والتي كانت هدفا لهجوم دموي في عام .2010 في الوقت الحالي ينشر مقتدى الصدر بيانات مكتوبة تعبر عن رؤى أكثر تسامحا تجاه الجماعات غير الشيعية ،ويمكن القول إنها معقولة .كتب الصدر إلى املتظاهرين السنة في ديسمبر (كانون األول) « :2012ال يمكنك محاربة الطائفية بمزيد من الطائفية» .تشير هذه الكلمات إلى تعهد باملشاركة الشاملة ونبذ العنف ،ولكنها تأتي من الرجل ذاته الذي كان أتباعه منذ عدة أعوام يقتلون ويسلبون خصومهم من الطوائف األخرى. واآلن بعد أن انسحبت القوات األميركية من العراق ،وأصبح السنة مهمشني سياسيا وعسكريا ،وبدأ األكراد يبحثون عن شريك شيعي آخر بخالف املالكي، يرى الصدر فرصة مواتية للعودة إلى الساحة السياسية والنجاح فيما أخفق فيه سابقا.
من أجل الفوز بثقة األكراد يمكن أن يقدم الصدر دعما لقضاياهم وهي تحديدا دور أكبر للمناطق واألقاليم في تنمية موارد النفط والغاز وتوزيع أكثر عدال ألرباح الطاقة وسيادة على املناطق املتنازع عليها
تقود عدة عوامل هذا املنهج الجديد املعتدل .أوال ،تعاني قوات الصدر العسكرية من الضعف وال يمكنها تحمل مواجهة أخرى مفتوحة مع الحكومة العراقية .وفي ظل تحول ميزان القوى ضد الصدر ،أصبح الزما عليه أن يكسب ود وتعاطف الجماهير إذا كان يرغب في الفوز بالسلطة السياسية .تسعى رسالته املعدلة التي تعبر عن االعتدال والشمولية إلى االستفادة من الشعور العام باإلحباط بسبب حكومة املالكي.
عالوة على ذلك ،تعاني حركة الصدر السياسية من االنقسامات على مدار األعوام الخمسة املاضية .ويخشى الصدر أن املالكي سوف يهمشه أيضا بمجرد أن ينتهي من العرب السنة .في الوقت ذاته ،تعمل عصائب أهل الحق ،التي انشقت عن جيش املهدي التابع للصدر ،على إقامة حزب سياسي خاص بها ينافس على قاعدة الصدر االنتخابية .وهكذا يجد الصدر تحديا في البحث عن وسيلة يستعيد بها قاعدته ،في حني يجتذب أيضا تابعني جددا استعدادا النتخابات املجالس املحلية املقبلة في أبريل 2013واالنتخابات العامة في مطلع عام .2014 وأخيرا ،ربما يرى الصدر أنه خليفة محتمل للمرجع الشيعي آية الله العظمى علي السيستاني ،ومن أجل تحقيق هذا الغرض ،يحتاج الصدر إلى التخلص من سمعته املرتبطة بالعنف .وسوف يسمح له الحصول على هذه املكانة بالفوز بدور أكثر تأثيرا في السياسة وفرض مزيد من الرقابة الدينية على املشهد السياسي العراقي.
طريق الخالص من وجهة نظر خصوم املالكي ،تمثل شخصية الصدر الجديدة
مأزقا .إذا تقبلوا الصدر الجديد ،سيخاطرون بتمكني عدو سابق يداه ملطخة بالدماء. ولكن إذا رفضوه ،من املمكن أن يعود إلى طرقه القديمة العنيفة .من الحكمة أن ُيقيم العراقيون مدى إخالص لهجة الصدر عن املشاركة، وهناك العديد من فرص االختبار املعقولة .في البداية ،يجب أن يطالب العراقيون الصدر بالتوسع في حركته لتصبح حزبا يجمع بني الطوائف ويرحب بانضمام أعضاء من غير الشيعة .سوف يعطي ضم أكراد وسنة وغيرهم من الجماعات إشارة إلى جميع األقليات العرقية والطوائف بأن الصدر يعتبرهم متساوين وليسوا زنادقة في مراتب متدنية. من جانبه ،يستطيع الصدر أن يهدئ من هجوم املتشككني بإظهار التزامه بالدستور العراقي وسيادة القانون .وإحدى وسائل القيام بذلك هي مساعدة العرب السنة واألكراد على تمرير تشريع يتعلق بدور محكمة فيدرالية دستورية عراقية (مقارنة باملحكمة العليا األميركية) ،والذي تقوضه مطالب األصوليني بإعطاء علماء الشريعة حق االعتراض على التشريع .سوف يساعد دعم مثل هذا القانون على أن يؤكد الصدر على إيمانه بالدستور العراقي وتأكيده على مشاركة الفصائل املختلفة في السلطة. أضف إلى ذلك أنه في إمكان الصدر الفوز بثقة العرب السنة بتناول مسألة اجتثاث حزب البعث بموضوعية (وهي عملية إزاحة أعضاء حزب البعث الذي كان تابعا لصدام حسني من املناصب السياسية). في السابق ،طالب الصدر بالعفو واإلفراج عن مئات من رجال امليليشيات الشيعة في جزء من صفقة دعمه للمالكي للفوز بفترة أخرى .ولكن استمر الصدر في معارضته القوية إلعادة إدماج أعضاء البعث السابقني في املجتمع العراقي. ومن خالل معاقبة السنة على اإلساءات املاضية أكثر من معاقبة الشيعة ،عرقل الصدر عملية املصالحة السياسية في العراق. وأخيرا ،من أجل الفوز بثقة األكراد ،يمكن أن يقدم الصدر دعما لقضاياهم ،وهي تحديدا دور أكبر للمناطق واألقاليم في تنمية موارد النفط والغاز ،وتوزيع أكثر عدال ألرباح الطاقة ،وسيادة على املناطق املتنازع عليها .وفي هذا الصدد ،يستطيع الصدر أن يشارك األحزاب الكردية في البرملان من أجل الدفع بقوانني جديدة تتعلق باستثمار املواد الهيدروكربونية واملشاركة في العائدات والتي من املمكن أن تحل النزاعات املزمنة واملزعزعة لالستقرار بني أربيل وبغداد حول عقود الطاقة ومخصصات امليزانية. نجحت القائمة العراقية واألكراد والصدريون من قبل في هزيمة املالكي في البرملان عندما حاول حل اللجنة العليا املستقلة لالنتخابات عام ،2011لذلك من املمكن أن تجمع الكتل الثالث معا ما يكفي من األصوات لتمرير قوانني أخرى أيضا. هل يستمر الصدر في تحوله املفاجئ من الديماغوغية الطائفية العنيفة إلى مدافع عن حوار شامل؟ يثير سجله السابق من قتل املدنيني واملواجهات العسكرية ضد الحكومة العراقية ومهاجمة القوات األميركية بالضرورة تساؤال حول مصداقية هذه الشخصية الجديدة. ولكن قد تعكس هذه النبرة املعدلة تغييرا صادقا في الفكر واألهداف التي تحمل الخير لالنتقال نحو الديمقراطية في العراق .من الحكمة أن يرحب العراقيون برسالة الصدر الجديدة مع توخي الحذر ،ويجب عليهم أن يضغطوا عليه إلثبات صدقه من خالل أفعال ملموسة وليس مجرد الكالم
فورن أفيرز /مارس -آذار54 - 2013 /
اكتسب الصدر في البداية سمعة كغوغائي غريب األطوار بإشعاله الصراع الطائفي وتقويضه الديمقراطية الجديدة في العراق .منذ عام 2003إلى ،2008رفع جيش املهدي التابع للصدر السالح ضد حكومات عراقية متتالية وارتكب جرائم بشعة على نطاق واسع ضد األقلية السنية في البالد ،باإلضافة إلى استهداف املنشآت والجنود األميركيني حتى غادرت القوات األميركية العراق في نهاية عام .2011 وفي الربيع املاضي ،غير الصدر مساره فجأة واستغرق العام املاضي في تحسني صورته وتقديم ذاته بصفته صوت االعتدال في العراق .أصبح الصدر اآلن يندد بالعنف عالنية ،ويدافع عن الحل السلمي للصراعات السياسية في العراق ،ويصلي مع زعماء دينيني من ديانات وطوائف مختلفة. قد تعكس نبرة الصدر الجديدة نضوجه الحقيقي ورغبته الحديثة في أداء دور إيجابي في النظام السياسي املختل في العراق .ولكن في الجهة املقابلة ،قد يكون ذلك مجرد تكتيك جديد يتوسع من خالله في بسط نفوذه وسلطته. وفي كلتا الحالتني ،بقدر ما يتمكن الصدر من إقناع العراقيني -من شيعة وأكراد وسنة على حد سواء -بأنه شريك معتدل وجدير بالثقة ،سوف يحقق مكاسب على حساب رئيس الوزراء نوري املالكي ،وهو شيعي أيضا. في املقابل ،يواجه السنة من العرب واألكراد في العراق خيارا صعبا، نظرا ألن العمل مع الصدر قد يؤدي إلى نتيجتني مختلفتني تماما. من املمكن أن يؤدي االنضمام له في تحديه للمالكي إلى التشجيع على وجود عملية سياسية أكثر شموال ،ولكنه أيضا قد يعيد تمكني سلطة امليليشيات الطائفية .الحل القائم أمام العراقيني هو التدقيق في التعامل مع الصدر الجديد واإلصرار على أن يدعم خطابه املعسول بأفعال ملموسة.
عودة االبن املدلل تنحدر مقتدى الصدر من عائلة تضم رجال دين مرموقني لهم تاريخ طويل في العمل السياسي .قتل عمه محمد باقر الصدر ،الفيلسوف الشيعي الشهير ،ووالده آية الله محمد صادق الصدر رجل الدين البارز ،على يد حكومة صدام حسني .وظهر مقتدى الصدر ذاته ألول مرة على الساحة السياسية في صيف عام .2003وكان خطابه الذي اعتمد على بث الكراهية ونظريات املؤامرة يلقى قبوال بني الشيعة املحرومني من حقوقهم السياسية ،والذين شكلوا سريعا قاعدة مؤيدة له. كانت امليليشيا التابعة للصدر املسماة بجيش املهدي -باإلضافة إلى نظرائها من السنة في تنظيم القاعدة -مسؤولة عن كثير من الدماء الطائفية التي سالت في العراق ما بني عامي 2005و.2008 مارس جيش املهدي أعماال إرهابية ضد مناطق واسعة في وسط وجنوب العراق ،وارتكب جرائم تطهير دموية في األحياء السنية في جميع أنحاء بغداد .وفي تلك الفترة ،لم يكن الصدر يخفي آراءه أو تصرفاته .بل في الحقيقة ظهر في تسجيالت له وهو يفخر بقدرته على قتل السنة تحت ستار ديني يقدمه رجال الدين الشيعة. فيما بني عامي 2006و ،2008تحدى الصدر عالنية حكومة املالكي في محاولة للسيطرة على البصرة وكربالء وميسان والعديد من أحياء بغداد ،مما أجج مواجهات عسكرية واسعة النطاق مع الحكومة .وكانت محاولته في النهاية غير ناجحة.
عندما توقع الهزيمة بعد تنفيذ الواليات املتحدة استراتيجية «تعزيز» القوات في عام ،7002غادر الصدر إلى إيران ومكث هناك ملدة أربعة أعوام في منفى اختياري .وكانت عالقة الصدر باملالكي متأرجحة بني مواجهة عسكرية مباشرة وتعاون سياسي وثيق. عاد الصدر إلى العراق في مطلع عام 1102مع شعور جديد بالثقة، بعد انتخابات حقق فيها فصيله السياسي فوزا مبهرا بـ 04مقعدا في البرملان الجديد .وبعد عودته ،استمر الصدر في لهجته املتحدية وسعى إلى بسط نفوذه عبر البرملان من خالل فرض تعيني رئيس وزراء ضعيف سهل االنقياد. ولكن أدى صمود املالكي ،وخوف إيران من تفكك التحالف الشيعي في العراق ،إلى إجبار الصدر على مساعدة املالكي في الفوز بفترة ثانية في منصبه على مضض .دون دعم الصدر ،كان املالكي سيفقد رئاسة الحكومة .واستمر الصدر في تحويل حزبه إلى جزء حيوي في حكومة املالكي االئتالفية ،متحديا األحزاب الكردية بصفته من يختار أصحاب املناصب العليا في بغداد. ولكن لم يجد الصدر أنه من السهل التأثير على املالكي ،بل على النقيض ،استغل املالكي فترته الجديدة في تقسيم املعارضة السنية وتهميش األكراد وتعزيز سلطاته .وفي سبيل ذلك جمع رئيس الوزراء بني التهديدات والتطبيق االنتقائي للقانون ضد معارضيه ،مثلما حدث في املحاكمة الصورية ذات الدوافع السياسية ضد نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهامشي ،السني ،بدعاوى تتعلق باإلرهاب.
قد تعكس نبرة الصدر الجديدة نضوجه الحقيقي ورغبته الحديثة في أداء دور إيجابي في النظام السياسي املختل في العراق ولكن في الجهة املقابلة قد يكون ذلك مجرد تكتيك جديد يتوسع من خالله في بسط نفوذه وسلطته
في الوقت ذاته ،دفع املالكي الصدر جانبا وكذلك العديد من األحزاب الشيعية .أسفرت هذه التطورات مجتمعة عن هجوم عنيف ضد رئيس الوزراء وتعالت الشكاوى من إقامة ديكتاتورية جديدة في بغداد.
التحول إلى االعتدال أمام هذه الخلفية ،بدأ الصدر في تغيير جلده .في عام ،2012بدأ في االبتعاد عن إيران ،ملقيا باللوم في العنف الطائفي السابق على جماعات أخرى تحظى بدعم من إيران ،وعلى وجه التحديد عصائب أهل الحق املنشقة عن جيش املهدي التي انفصلت عنه ودعمت املالكي .وفي أبريل (نيسان) املاضي ،أعلن الصدر انضمامه إلى رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود برزاني ،وزعيم ائتالف القائمة العراقية التي تحظى بدعم من السنة ،إياد عالوي ،في التنديد بسياسات املالكي ووصفها باملستبدة. وطالبوا بالتصويت على حجب الثقة عن رئيس الوزراء .وأوضح الصدر أسباب قيامه بذلك قائال« :إجراءات التهميش ..وتسييس القضاء ..تؤدي إلى نظام ديكتاتوري ..إن استخدام القوات املسلحة أو السلطة القضائية في القضاء على (الخصوم) وجهان لعملة واحدة». في شهر ديسمبر (كانون األول) عام ،2012أبدى الصدر موقفه الجديد مرة أخرى .في ذلك الشهر ،خرجت املظاهرات االحتجاجية في العديد من املحافظات ذات الغالبية السنية ضد املظالم التي
فورن أفيرز /مارس -آذار53 - 2013 /
صحافة عالمية
هل يستقبل العراقيون الصدر بذراعني مفتوحتني أم يشعرون بالقلق حيال شخصيته الجديدة؟
عودة مقتدى
مقتدى الصدر
بقلم :إيلي شوغرمان وعمر النداوي *
تواجه الديمقراطية الناشئة حديثا في العراق أزمة جديدة :هل تقبل العودة السياسية لقائد ميليشيا سابق. يطلق مقتدى الصدر ،رجل الدين الشيعي املثير للمشاكل ،حملة دعائية يعيد فيها تقديم ذاته كصوت يعبر عن االنسجام الطائفي .هل يستقبل العراقيون الصدر بذراعني مفتوحتني أم يشعرون بالقلق حيال شخصيته الجديدة؟ * إيلي شوغرمان :زميل ترومان ومدير في غريفون بارتنرز * عمر النداوي :كبير محللي شؤون العراق في غريفون بارتنرز
فورن أفيرز /مارس -آذار52 - 2013 /
هل يستقبل العراقيون الصدر بذراعني مفتوحتني أم يشعرون بالقلق حيال شخصيته الجديدة؟
عودة مقتدى
بقلم :إيلي شوغرمان وعمر النداوي
مشكالت غرب أفريقيا تتجه نحو الشرق
القاعدة تزحف نحو النيجر بقلم :سباستيان إليتشر
فورن أفيرز /مارس -آذار51 - 2013 /
,,
املبنى الخارجي لجامعة شيراز في قرية املعرفة – دبي
عندما يكون الحديث عن جامعات إيرانية متواضعة جدًا. هل تستهدف الحكومة اإليرانية من وراء فتح هذه الفروع (سواء كانت حكومية أو خاصة) احتواء مواطنيها في تلك الدول أم أن هناك أهدافا أخرى .يجب التأكيد هنا على أن وجود جالية إيرانية في اإلمارات ال يمكن اعتباره املحفز األكبر الفتتاح هذه الفروع ،فنحن ،وكما أشرنا سابقا ،نجد فروعا لجامعات إيرانية في دول تعد فيها نسبة الجالية اإليرانية متواضعة جدًا أو شبه معدومة ،مما يقود القارئ إلى البحث عن أسباب أخرى ساهمت وتساهم في إنشاء مثل هذه الجامعات خارج حدود الجمهورية اإلسالمية في إيران ،كما أن اإليحاءات السياسية واملذهبية في الكلمات والخطب التي تلقى في بعض املناسبات التي تقيمها هذه الجامعات يقود إلى استنتاجات تضع الفكرة برمتها في دائرة التساؤالت. ً ولو فرضنا جدال أن الجامعات هذه تستهدف حقيقة الجالية اإليرانية املوجودة على األراضي العربية واإلماراتية تحديدًا ،فما هي الفائدة التي تعود على البلد املضيف ،بل أليس ذلك سببا يحول دون اندماج الجالية اإليرانية في املجتمع املحلي؟ فأبناء الجالية ،ووفقا ملا ذكره بعض الطالب يتجهون منذ صغرهم إلى املدارس اإليرانية لكافة مراحل التعليم العام ،ثم يكملون تعليمهم في أقسام الجامعات اإليرانية .بمعنى أنه ليس هناك أي اندماج أو تواصل كبير مع املجتمع املحيط بهم .أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات تصب في نهاية املطاف في التقييم العام لوجود مثل هذه الجامعات في الدول الخليجية مع األخذ في االعتبار أن معظم املواطنني الخليجيني ال يعلمون بوجود مثل هذه الجامعات كما اتضح جليًا عندما طرحنا السؤال في وسائل التواصل االجتماعي قبل عدة أسابيع ،أي أنها مجرد نموذج موسع للمدارس اإليرانية يقتصر على أبناء الجالية دون غيرهم.
ثم نتساءل ،هل فكرت وزارات التعليم أو الجامعات الخليجية، الحكومية منها والخاصة ،بفتح فروع لها أو حتى معاهد ومراكز تعليمية في إيران ،وهل ستلقى الفكرة ترحيبا من الجانب اإليراني ونتجاوز الخالفات السياسية عندما يكون الحديث يدور في إطار ثقافي بحت؟ نعتقد أن هناك من هم، وعلى ضفتي الخليج العربي ،متحمسون كثيرًا ملثل هذه األفكار واالنفتاح الثقافي بني ثقافتني تمتدان آلالف السنني وبينهما الكثير من القواسم املشتركة التي فرضها التقارب الجغرافي ،الذي ال يمكن ألحد أن يتجاهله أو يسعى إلى تغييره. ختاما ،يدور في اإلعالم اإليراني الكثير من النقاشات حول إحدى الجامعات التي تملك فروعا عدة خارج إيران ،وتطرقت بعض التقارير إلى العثور في مبنى اإلدارة العامة للجامعة بطهران على عقود لبيع النفط والغاز ومستندات ووثائق حكومية سرية ال عالقة لها بالجامعة أو الشأن التعليمي إطالقا. قد تكون مثل هذه التقارير مجرد تصفية حسابات سياسية بني التيارات املتصارعة في الداخل االيراني ،إال أن ذلك ال يعني تجاهلها أو التقليل من أهميتها بأي حال من األحوال.
تطرقت بعض التقارير إلى العثور في مبنى اإلدارة العامة للجامعة في طهران على عقود لبيع النفط والغاز ومستندات ووثائق حكومية سرية ال عالقة لها بالجامعة أو الشأن التعليمي
,,
أكثر العبارات التي راجت في إيران (الثائرة) كانت ضد التسمم بالغرب ،وضد التغريب ،وما سمته إيران بتغيير قيم الشرق وشيطنته ،ولكنها اتخذت من مقاومة التغريب، سياسة جعلتها مكافئة في امليدان العاملي ،بسياساتها التي ً يجوز للمتطرفني وصفها أيضا بـ»التسمم» ،ولم تنس سكب جرعة من ثوريتها. علوم الطبيعة تقول ّإن الرياح تأتي من الضغط املرتفع إلى ّ الضغط املنخفض ،وهكذا هي سنة التدافع ،حتى التعليمي والثقافي! < المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
49
تقرير
العام ،فهذا ما ال يمكن السكوت عليه.
التعليم أداة اخرتاق
ٌّ ٌ ّ غنوصية، املركزية ،فكرة وبهذا ً الوصف فإن هذه الفكرة ً ً ّ متعدية ،ال تملك لنفسها فكاكا من أن تكون عابرة للحدود، والتعليم ،واالنتشار الثقافي ،ذراعان من أذرعتها».
سألنا الخبير التربوي والباحث ّ بمعهد الدوحة للدراسات ،احلل يبدأ ..من اختبار املشكلة الدكتور النور حمد ،إن كان يصنف األمر على أنه من باب
,,
وزير التعليم العالي اإليراني: وجود جامعات إيرانية في الخارج يقدم انطباعا ومثاال حيا للنموذج اإلسالمي والثقافي للبالد فالجامعات بمثابة سفير حضاري وثقافي إليران
,,
48
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
الغزو التعليمي ،وهل املشكلة في إيران أم فينا ،فشرح حاجة ّ ّ العالية دفعته للتأهل لسوق العمل بمنافسته الفرد العربي ّ إلى انتهاج حلول فردية في حاالت كثيرة ،تمثلت في اللجوء إلى أنماط مغايرة في التعليم ،ملا ّ تقدمه ّالدولة والجامعات ً ّ ّ الخاصة قائال «ازداد الطلب على التعليم العالي في الوطنية الوطن العربي في العقود األخيرة .وازدادت وتيرة ابتعاث ً تعليما معقول الجودة دول تقدم األسر ًالعربية ًّألبنائها إلى ٍ نسبيا ،كالهند وماليزيا ،وغيرها .هذا الطلب املتزايد ورخيصا العربي مثل إيران وتركيا تفكر الجوار دول جعل التعليم، على ّ ً حصة في هذه السوق الكبيرة بجدية في أن تجد لنفسها ٍ وبمقدار ما تظل الحالة العربية على ما هي عليه من الواعدةُّ . ٍّ نسبي في حقل التعليم ،بمقدار ما ازدادت شهية عجز ،وتخل ٍف ٍ دول الجوار في الدخول إلى هذه السوق .فالتعليم العربي يمكن أن تصبح لديه فرصة التمدد خارج حدود العالم العربي ،لو منتجات منافسة .املشكلة تنحصر بشكل أصبحت منتجاته ٍ بشكل عام ،ال يزال العربي، العالم في التعليم رئيس في أن ٍ ً ً محدودا في الكم ً قياسا بنمو متخلفا في النوع ،كما ال يزال الحاجة إليه».
تصدير األيديولوجيا ً مشيرا يشرح النورّ ،أن االستثمار في التعليم ،انتشر، إلى دور تركيا أو الهند وغيرهما من ّالدول التي حاولت أن ّ تتمدد في املنطقة ،ولكنا توقفنا معه عند ّالدور اإليراني، فلم يخف توجسه من «وهم» تصدير الفكرة ،فتح بند ً ِّ «األطماع اإليرانية» بدأ مناقشته قائال «تمثل إيران آخر قالع اإليديولوجيا عابرة األقطار ،أردت أن أشير إلى الفرق بني النموذجني التركي واإليراني في املجال الشرق أوسطي، ًّ اقتصاديا في العالم العربي ،وقد فتركيا تسعى إلى التغلغل حققت اختراقات كبيرة في هذا املجال .أما إيران ،التي ال تزال ً رهينة للتصورات األيديولوجية ،وللوعود النابتة من أرضية ً شارحا األطماع التي تتساوق مع الغنوص الديني» ،ويواصل ّ الغربي التعليم يشابه ال اإليراني التعليمي التوسع «التوسع ً ً ً إلى الخارج ،بوصفه سلعة اقتصادية هدفها الربح ،أو وسيلة لالستتباع الثقافي ،أو قل :للتغييب الشكلي عن الذات ،وعن الشخصية الحضارية ،وعن الهوية ،بغرض االستتباع اإليراني يقصد به تأكيد االستهالكي .ولكن تمدد التعليم ً الريادة على الدول اإلسالمية ،وخاصة دول الشرق األوسط وشمال أفريقيا العربية .التمدد التعليمي اإليراني يهدف إلى ُّ عميقة في بنية الفضاء اإلسالمي ،الذي أكدت رات ٍ إحداث تغي ٍ كل التجارب ،وكل الحراك ،ملرحلة ما بعد الحرب الباردة ،أن ً ّ ّ والسياسي ال ينفصالن فيه عن بعضهما بعضا. الديني ٌ فالتعليم بالنسبة إليران واحد من أدوات التمدد عبر الحدود القطرية» ،ويواصل بتركيز أكبر على «رسالية» التعليم ٌ لدى إيران «إنه أداة لنقل تصورات الحكومة اإليرانية القائمة ً ً وحاضرا ،ومستقبال .فمركزية ماضيا، ورؤيتها للعالم، الحراك اإليراني ،في هذه اللحظة التاريخية ،إنما تستند في جذرها العميق إلى عقيدة «والية الفقيه» ،ذات الصلة القوية بفكرة الخالص املهدوية،
طلبنا من د.النور ،تشريح العطب بشكل يبسط لنا الحل ،فقال باستقصاء «التقارير تشير إلى أن التعليم اإليراني أفضل حالاً من التعليم العربي ،وذلك ً بناء على نتائج قياسات الجودة العاملية .فمن ضمن أفضل 100جامعة في الشرق األوسط ٌ (إسرائيل مستثناة هنا) ،هناك حوالي الخمسني جامعة إيرانية. أي أن إيران تحتل نصف العدد ألفضل 100جامعة في الشرق األوسط .هذه النتيجة ،وحدها ،تجعل إيران تفكر ،وبصور ٍة طبيعية ً احساس جدا ،في التوسع في النطاق العربي ،دع عنك ٍ ً ً النخبة اإليرانية الحاكمة بأنها األفضل عقيدة ،واألعمق ثقافة، ً واألعلى صوتا في املنافحة ضد الهيمنة الغربية ،واألجدر بأن تكون رأس السهم اإلسالمي إلنجاز النهضة اإلسالمية ً ً مختصرا وجوابا على الحل املفترض يقول حمد املرتقبة»، الحل في «العمل من أجل اإلصالح ال التضييق على الخيارات األخرى» ،وبدأ ً الئما في عرضه للحل فيقول «تنحو الصحافة كثير من املواقف املتصلة بالهموم الوطنية ،والهموم العربية في ٍ القومية ،والهموم املذهبية ،إلى استنفار الجهات الحاكمة في قرارات باملنع .وفي تقديري ينبغي أال الوطن العربي لتتخذ ٍ نعتاد السير في هذه الوجهة غير املنتجة» ،ويشرح البديل ً وطريقة التناول التي يرتئيها قائال «علينا أن ننظر في عيوبنا ً ً سواء كانت اقتصادية ،أو ثقافية، التي جعلتنا هدفا للمطامع، أو مذهبية ،أو تعليمية .ينبغي أن نقبل إيران على ما هي عليه، وان تقبلنا إيران على ما نحن عليه. أما املسائل التنافسية املتصلة بالتعليم كأداة إلكساب املعارف العلمية والتقنية واملهارات ،فإن اليد الطولى سوف تصبح فيه ملن يخطط أفضل ،وينفذ أفضل ،ويستجيب لتحديات املرحلة بشكل أفضل .من يفوز هنا هو من ال ُيقصي جمهوره ٍ بالوصاية عليه ،وال بالتصرف بالنيابة عنه ،وإنما ذاك الذي ً يأخذ جمهوره معه عن رضا ،ملواجهة تلك التحديات في هذه رمال متحركة». اللحظة الكوكبية التي تقف على ٍ
أسئلة البد أن تطرح ! يعتبر فتح فروع للجامعات األجنبية في الدول العربية والخليجية تحديدًا ،خطوة جيدة لالحتكاك بالجامعة العاملية املعروفة واالستفادة من خبراتهم في مجال التعليم الجامعي والدراسات العليا .لكن يبقى السؤال هل يعد وجود جامعات تقييمها العاملي متواضع جدا ،مفيدا للدول املستضيفة ،ثم ما هي نسبة املواطنني العرب ـ إن وجدت أساسا -الذين يلتحقون بتلك الجامعات مقارنة مع الجامعات األوروبية واألميركية؟ الزيارة امليدانية أوضحت أن جميع الطالب الذين تم الحديث معهم إيرانيون ،وإن اختلف االنتماء العرقي واملذهبي .عالوة على ذلك ،نجد أن بعض هذه الجامعات تشترط على الراغبني في االلتحاق بها إجادة اللغة الفارسية. ثم ما الدور الذي تقوم به هذه الجامعات تجاه املجتمع املحلي وما هو طبيعة هذا الدور ،وهل ينحصر في املجال الثقافي أو يتجاوزه إلى بعد سياسي وعقائدي؟ أسئلة كثيرة تحتاج للنقاش بشفافية كبيرة دون أي أحكام مسبقة أو تحامل على طرف ما ،ولكنها بكل تأكيد تفرض نفسها خاصة
لجنة امتحانية في جامعة بيام نور في -دبي
ّ ّ الثورية في املناهج. االحتفائية تعكسها ّ ّ ّ الحرية اإليرانية مساحة املتفهم أن تستغل الجامعات من ولغة االستثمار األكاديمي ،للتمدد في دبي ،وأن تستغل حاجة املجتمع إلى وجود مؤسسات لها طابع املؤسسة الفارسية ،ولكن ما الذي يجذب من يعيش في دبي إلى جامعة إيرانية ،هذا ما سألنا عنه طالب الكلية. محمود أحمد ( 26سنة ،طالب نظم الكومبيوتر) ،أخبرنا ّأن الجامعة معترف بها في إيران ما يتيح للطالب حال العودة إلى ّ األصلية مواصلة حياتهم وإعادة االندماج في بيئة بلدانهم ً العمل ،مضيفا «كثيرون يعتبرون الوضع اآلني هنا مؤقتا؛ أو قل على األقل يعتمدون على ّأن لحظة ما في املستقبل قد تجبرهم على العودة إلى إيران ،فالجامعة هنا تجعلك على مستوى إعداد مناسب لبيئة العمل واملناخ الثقافي اإليراني، ّ إيرانية بحتة ،وحتى الثقافة املوجودة في فهي تقدم مناهج الجامعة هي ثقافة إيرانية ،واألساتذة الذين يحاضرون هنا، يأتون من بيئة إيرانية إضافة إلى أكاديميتهم العالية». علي زاده ،زميل محمودّ ،قدم فلسفة مختلفة ،ملا يجعل الجامعة اإليرانية ،جاذبة ألمثاله ،فقال «هناك عامل اقتصادي مهم ً ّ الدراسية باملقارنة جدا بالنسبة لكثيرين هنا ،فالرسوم ً للسوق التنافسي في التعليمي في اإلمارات ،مناسبة جدا، فتكاليف العام الدراسي ألمثالنا ال تتعدى 5000دوالر ،وهو أمر جيد في دبي ،ومناسب لحاجة الكثيرين». ّ بحرية تدل على تأثير كان الطالب من الجنسني ،يتعاطون املناخ العام في دبي على السلوكيات ،فسألنا محمود إن كان ّ ّ الحرية الشخصية املتاحة في دبي ،كانت ستتأثر لو يظن أن ّ ّ كانت الجامعة في طهران؟ ،فقدر أن الثقافة التعددية في دبي ربما تمنح الجميع رغبة أكبر في ممارسة ّ حريتهم ،ولكنه ً يظن ّأن املناخ األكاديمي حتى في طهران سيكون موجودا، بهذه الكيفية ،من حيث العقليات ،ولكن املناخ العام هو ما ّ سيؤثر علينا. طالبة أخرى ،قالت ّإن وجود مدارس إيرانية ،هو ما ّ مهد لوجود جامعات إيرانية ،في دبي ،فهذه املدارس هي التي صنعت املزاج األكاديمي اإليراني ،وهي التي تجعل رأس املال ً حاضرا في دبي ،وغيرها. اإليراني قراءة عاجلة لخارطة االنتشار ،جعلتنا نتحسس البعد ّ الطائفي ،األمر الذي ينفيه الطالب ،فيقولون ّ يوجد بيننا سنة وشيعة ،وال يمكننا التفريق بينهما ،ربما يغلب على املسائل الدينية قراءة شيعية ،ولكنها ال تكون موغلة وتكون طارئة، فالغرض املوجود هنا ربحي ،بعيد عن الدعاية اآليديولوجية. يعارضه م .أ .رشيدي ،الذي يقول «الحياة الجامعية، ّ عادية ،لدينا ناد للطالب ،منتخب ،به حد أدنى من التنافس
حفل تخرج دفعة جديدة من جامعة شيراز بقرية املعرفة في دبي
الديمقراطي» ،ولكن تستطيع تحسس الرسالية بمطالعة األنشطة الثقافية واالجتماعية ،تجد الصبغة والتوجه ً ً الحكومي اإليراني ،فأقامت الجامعة مثال معرضا لتصوير الحجاب ،كشعار ديني» ،يمكننا قراءة الرسالة السياسية من سياسيا ً ً ذلك ،كما أن احتفاالت الجامعة تشهد ً عاليا زخما يحضره ممثلو املرشد ،وتنبني الكلمات فيه على أنفاس طائفية واضحة ،ويمكن قراءة ذلك من خطابات كلمات ّ التخرج الحال ال يختلف في ّأية جامعة ،أخرى ،تبدو أطياف الوافدين إلى هذه الجامعات واحدة ،ولكن ما يغيب عن االنتباه هو تشابك الطالب في عالقاتهم في املجتمع مع آخرين من أبناء البلدان املستضيفة ،حتى على املستوى األسري.
حذر مشوب كان الجميع ً حذرا من تناول أي جانب سياسي ،ويتحفظون في التعاطي معه ،مؤكدين أنهم يمارسون العمل األكاديمي البحت ،وعالقتهم جيدة مع الجهات األكاديمية اإلماراتية ،وتبدو املصلحة متبادلة ،فدبي بمشروع قرية املعرفة تهدف بشكل واضح إلى استقطاب الجنسيات الشرق أوسطية ،واستقبالها، ً بديال ً ذكيا عن الدراسة في أوروبا أو حتى إيران نفسها، لتكون ً ً ما يلبي استثمارا في املجال التعليمي من جهة ويحقق هدفا ً تنمويا مرتبط بشكل أساسي بنمو الصناعات األخرى ونمو القطاعات االقتصادية واالجتماعية في الدولة وتوفير فرص العمل .كما أن الوجود في بيئة تصهر 140جنسية ،متداخلة، ّ ّ التحرك السياسي أو التجذر اإليديولوجي محاولة عبثية، يجعل لخلق خصوصية داخل أسوار قرية املعرفة.
ردود فعل الشارع حول افتتاح فروع جامعات إيرانية في اإلمارات ،قال استاذ تاريخ الكويت الحديث واملعاصر بجامعة الكويت واملدير التنفيذي ملجموعة مراقبة الخليج الدكتور ظافر محمد العجمي «فعال املوضوع مثير أن يصل لجامعة ...في الكويت أكثر من مدرسة إيرانية» وحول إمكانية فتح فروع لجامعات خليجية في إيران استبعد الدكتور العجمي الفكرة تمامًا قائال «لم نفتح جامعات في محافظات اليمن أو مصر أو اإلمارات حتى تفتحها في إيران» من جانب آخر ،تناول الكاتب اإلماراتي أحمد أميري قضية مشابهة وهي وجود مدرسة إيرانية تروج لشعارات إيديولوجية في االمارات فيقول «اللوحة الوحيدة اللي رأيتها في هذا الصدد ،لوحة على املدرسة اإليرانية على شارع خالد بن الوليد في بر دبي، مكتوب عليها :على املسلمني أن يتحدوا ،مذيلة هكذا :اإلمام الخميني «ره» ،و»ره» تعني رحمه الله. ّ عجيب ،من سمح للمدرسة اإليرانية أن تحط شعارات حكام إيران في اإلمارات ،هكذا عالنية وعلى الشارع العام؟ وضع الصور والتعليقات حق لهم داخل حرمهم ،أما على الشارع
,,
ُ ال تخفي األدبيات اإليرانية واملنشورات الرسمية نظرة إيران «التوسعية» املبنية واضحة رغبة على ٍ ٍ في مد النفوذ حتى أن خطابات الخميني األولى بعد نجاح الثورة تنضح بعبارات صريحة تدل على الرغبة في تصدير الثورة
,,
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
47
تقرير
احدى القاعات الدراسية في جامعة شهيد بهشتي -دبي
منحت املشاركة املواطنية للتجار الذين برروا االنتماء ،كما يوجد بني هؤالء املهاجرين من يرى إقامته في االمارات مرحلة مؤقتة لتحسني وضعه املعيشي ،ثم ما يلبث أن يعود إلى إيران .لذلك وألسباب أخرى أوجدت املدارس اإليرانية سواء للتعليم الخاص أو العام ،وهي مدارس بمناهج إيرانية كاملة ّ تقدم خدماتها للتالميذ (التوحيد ،سلمان الفارسي، وغيرهما)
,,
بلغ عدد الجامعات اإليرانية في دبي حتى عام 2007أربع جامعات وكلية وجميعها في قرية املعرفة في دبي هي عبارة عن فروع لجامعات في مدن إيرانية بعضها حكومية وأخرى أهلية
,,
ماذا عن التعليم اجلامعي والعالي؟ بلغ عدد الجامعات اإليرانية في دبي حتى عام 2007أربع جامعات وكلية ،وجميعها في قرية املعرفة في دبي (Dubai .)Knowledge Villageالجامعات اإليرانية في دبي عبارة عن فروع لجامعات في مدن إيرانية بعضها حكومية وأخرى أهلية. الجامعات اإليرانية في دبي هي :جامعة آزاد اإلسالمية،
46
السياسية والعلمية في الخارج ،على حد قول الوزير. وفي ،2004قال البروفسور عبد الله ج .جاسبي رئيس الجامعة ،خالل كلمته بمناسبة افتتاح فرع الجامعة بدبي»نحن نشعر باالمتنان لحصولنا على فرصة الدخول إلى سوق مثل سوق اإلمارات العربية املتحدة السريع النمو، ويسعدنا أن نصبح جزءًا منه ،كما أن وجودنا هنا سيمكن طالبنا من تطبيق ما لديهم من معرفة في محيط العمل»، كانت الجامعة قد حصلت على التصريح الرسمي بافتتاح فرعها في دبي في شهر يوليو(تموز) ،2003وبدأت بنحو ً حاليا .نجحت 200طالب تضاعف عددهم ثالث مرات ً الجامعة في ترسيخ أقدامها ،وتقوية عودها اقتصاديا، تقول مجلة «إيران إنفستمنت منثلي» ،إن أصول جامعة أزاد تبلغ ما بني 20و 25بليون دوالر ،وهو رقم ضخم، ّ عز أن تدانيه جامعات عربية مجتمعة ،ناهيك عن جامعة واحدة! (يوليو/تموز ،2010املجلد الرابع رقم )46
وهي أول جامعة إيرانية تم افتتاحها في دبي وكان ذلك في زيارة ميدانية
عام ،2004وهناك جامعة شيراز ،وجامعة شهيد بهشتي وجامعة پيام نور وأخيرا كلية علوم الحديثّ . يدرس في هذه الجامعات تخصصات عدة من بينها القانون واملحاسبة والرياضيات والحاسب اآللي وإدارة األعمال ،باإلضافة إلى التخصصات الدينية والعلوم الشرعية ،وتستخدم اللغات الفارسية واالنجليزية في كثير من هذه التخصصات وتمنح هذه الجامعات مختلف الدرجات العلمية (البكالوريوس واملاجستير والدكتوراه) .وفي شهر يوليو (تموز) املاضي، ووفقا ملا نشرته وكالة األنباء اإليرانية الرسمية ،اعترفت وزارة التعليم في دولة اإلمارات باثني عشر تخصصا تدرسها الجامعة الحرة في مراحل تعليمية مختلفة.
ملاذا افتتحت هذه اجلامعات يف اخلارج؟ وفقا لتصريح لوزير التعليم العالي اإليراني حول املوضوع، فإن طهران ترى أن افتتاح مثل هذه الجامعات يعود بالنفع عليها من جانبني ،أحدهما ،تنمية االعتماد على النفس بني األساتذة الجامعيني في إيران ،وبالتالي االحتكاك بالبيئة التعليمية األجنبية والغربية على وجه الخصوص .ثانيهما، يرى الوزير أن هذه الفروع هي بمثابة فرصة عظيمة لتعريف العالم بقدرات إيران العلمية والفنية والبحثية ،كما أن ذلك ينعكس إيجابا على رفع مراكز الجامعات اإليرانية في الترتيب العاملي ويساهم في الوقت ذاته في تسريع عجلة النمو والتقدم في البالد. أضف إلى ذلك ،أن وجود جامعات إيران في الخارج ،تقدم انطباعا ومثاال حيا للنموذج اإلسالمي والثقافي للبالد، وهي بمثابة سفير حضاري وثقافي إليران املساملة واملهتمة بالعلم واملعرفة مما يؤثر بشكل إيجابي على صورة إيران
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
حفل تخرج طالبات جامعة آزاد -دبي
في مبنى أنيق بداخل ّ قرية املعرفة بدبي ،وسط عدد من ّ بألوان زاهية ومتناسقة كما تلونت املؤسسات ،تلونت املباني ٍ املسميات وتعددت الجهات التي جاءت منها ،وعلى ظالل «فكرة» ّ عاملية للمعرفة ،توارد الزائرون من العالم باسم املعرفة جسم مؤسساتي يأمون القرية املبتغاة ـ التي صارت إلى ٍ يضم أكثر من 450مؤسسة تعليمية مختلفة ،منها 260 معهدا تدريبيا معتمدة من قبل سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا واإلعالم ،تحتل (الجامعة اإلسالمية الحرة)، وجامعات إيرانية أخرىّ ، مقراتها في قلب القرية ،وبوسط املباني .قرية املعرفة في حد ذاتها قصة مختلقة ،تتشارك في توصيفها مع مؤسسات مثل مدينة دبي األكاديمية العاملية ،وهيئات املعرفة ،لتندرج تحت مظلة املجمع التعليمي، ونجحت بما تقدمه من خدمات في استقطاب مؤسسات عاملية مرموقة ،فهي تقدم إعفاء كامال من الضرائب ،ومنحت حق امللكية الكاملة لألجانب في وقت مبكر ،وقدمت إعفاء من الرسوم الجمركية ،ومكنت من تحويل العمالت بسهولة وتلغي القيود على نقل رأس املال أو األرباح وتسهل إجراءات اإلقامة للعاملني.
مجتمع إيراني يف دبي جامعة آزاد اإلسالمية ،في املربع الرابع من مباني قرية ّ املعرفة ،لتصل إليها عليك أن ّ أسترالية تمر على جامعات هندية ،وإن ُت َ ّ هت فيمكنك أن تسأل عن الجامعة وأخرى ّ ّ ّ اإلسالمية أو اإليرانية ،في مباني الجامعة وحولها يتوزع ً أشتاتا بني املمراتٍّ ، بزي مدني كامل الطالب والطالبات ّ املدنية ،وفي بيئة تشي بانفتاح أبعد ما يكون عن الحالة ّ ِّ اإلسالمية التي يرسمها االسم ،أو العبارات املتفرقة ،التي
قرية املعرفة -دبي
زاد هذا الظن حضورًا بظهور براغماتية رفسنجاني والتي خففت من نفس تصدير الثورة ،ثم تلتها عقالنية خاتمي التي حاولت التصالح مع العالم ،والتخلي عن فكرة تقسيمه إلى مؤمنني وكفار ،غير ّأن حلم تصدير الثورة ،انبعث من جديد ،مع عودة أحمدي نجاد ،فلما انبعثت «الجامعات» اإليرانية في الخليج من جديد ،لم يجد خبراء االستراتيجية ّ التوجس ،بينما ُيهمل الواقعيون هذا التوجس، ُب ًدا من ً ألن التعليم ليس ميدانا للخصومات السياسية ،فهل هم ّ املحقون؟ خاصة وأنهم يقولون إن الخليج لم يكن وحده من استقبل الجامعات اإليرانية ،بل كل العالم كذلك.
اجلامعات اإليرانية يف اخلارج افتتحت بعض الجامعات اإليرانية فروعًا عدة في أكثر من عشر دول عربية وإسالمية وأجنبية ،فباإلضافة إلى اإلمارات العربية املتحدة ،ستفتتح قريبا فرعا لجامعة آزاد اإلسالمية في الكويت .في سوريا هناك فرع لجامعة تربيت مدرس، وأطلق عليها اسم جامعة الفارابي ،وحاليًا هناك طلبان من جامعتي امير كبير وجامعة شيراز الحكوميتني لفتح فروع لهما في سوريا أيضًا ،أما في ما يتعلق بالجامعات اإليرانية في لبنان ،فهناك فرع للجامعة اإلسالمية الحرة ،وقريبا سيتم افتتاح فرع لجامعة طهران ،ونجد فرعا لجامعة پيام وآخر لجامعة الفردوسي في أفغانستان ،باإلضافة إلى فروع لعدة جامعات في دول مثل باكستان ،جزر القمر ،تنزانيا، فنزويال ،اململكة املتحدة ،طاجكستان وزنجبار ،بعضها فتحت أبوابها للطالب وأخرى قيد االفتتاح .واجهت بعض هذه الجامعات مشاكل وصعوبات في البلدان املضيفة .فعلى سبيل املثال ،واجه فرع جامعة آزاد في بريطانيا ،ضواحي مدينة أكسفورد ،مشاكل عدة مع الجهات الرسمية هناك، ففي رسالة لها وبسبب العقوبات املفروضة على إيران، طلبت بريطانيا من إدارة الجامعة إغالق حسابها البنكي في البالد ،وإال سيتم تجميده ،الجامعة لم تتجاوب ،وبالتالي تم تجميد الحساب مؤخرا ،وبالتالي تم إغالق فرع الجامعة هناك على الرغم من أن موقعها ال يزال على االنترنت ،ولم يتطرق إلى هذه اإلجراءات .وكيل جامعة آزاد للشؤون املالية
أدلى مؤخرا بتصريحات نقلتها وكالة مهر اإليرانية لألنباء، مفيدا بأنه تم إغالق فرع الجامعة في بريطانيا من دون تقديم مزيد من التوضيحات .الجدير بالذكر أن رئيس مجلس أمناء جامعة آزاد اإلسالمية آية الله هاشمي رفسنجاني ،كان قد تحدث عن مشاكل تواجهها فروع الجامعة في الخارج ،وقال إن فروع الجامعة في بريطانيا ،لبنان واإلمارات تواجه عدة عقبات ،وقد تم انتداب مهدي هاشمي رفسنجاني لالطالع على هذه املشاكل عن كثب ،والعمل على حلها.
اجلامعات اإليرانية يف دولة اإلمارات شأنها شأن الخليج العربي ،تعيش دبي ً تماسا مع إيران ّ والفرس منذ زمان بعيد ،وتتفاعل معه قبل تكون الدولة وبعده ،وقبل الثورة اإليرانية ( )1979وبعدها ،وكانت دبي هي الوجهة الرئيسة لكثير من الهجرات التي انطلقت من الساحل اإليراني إلى ساحل الخليج ،وكما في التاريخ الحديث ،أقنعت الضرائب التجارية املنخفضة في دبي التجار اإليرانيني ً قديما بترك املوانئ اإليرانية التي ارتفعت فيها الضرائب بشكل ملموس في ظل السياسة املالية للقاجاريني ( 1794ـ .)1925 فتشكلت موجة الهجرة التي ترجع إلى ثمانينات القرن التاسع عشر ،لكنها اتخذت إيقاعًا سريعًا منذ عام.1901 وأصبح واضحًا في عهد رضا شاه ( )1941-1925أن هؤالء املهاجرين يفضلون البقاء في دبي على العودة .لم تتوقف موجات الهجرة في العقود التالية ،إذ إن فترة عدم االستقرار استمرت في إيران بعد عهد رضا شاه .نتيجة لذلك لم ّ تتحسن السياسات املالية .وملا كانت الحكومات الجديدة املتعاقبة في حاجة إلى املوارد ،رفعت الضرائب على املوانئ فدفعت مجموعات جديدة من التجار اإليرانيني إلى الهجرة إلى دبي. في الوقت ذاتهّ ، ّ وحسنت من طورت دبي بنيتها التحتية أدائها التجاري فارتفعت جاذبيتها وحافظت على الرسوم املنخفضة ،باإلضافة إلى استقرارها السياسي وقدرتها على استقبال املهاجرين .انتهى غالب املهاجرون ،إلى إقامة مستديمة وحقوق مواطنة متكافئة ،في ساحل دبي ،التي
,,
افتتحت بعض الجامعات اإليرانية فروعًا عدة في أكثر من عشر دول عربية وإسالمية وأجنبية فباإلضافة إلى اإلمارات العربية املتحدة ستفتتح قريبا فرعا لجامعة آزاد اإلسالمية في الكويت
,,
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
45
تقرير
من الجميل أن يكون هناك تواصل ثقافي وحضاري بني دول تجمعها منطقة جغرافية واحدة ،حتى وأن تنوعت ثقافاتها واختلفت لغاتها .بل إن هذا التنوع الثقافي يعد ميزة في حد ذاته ليكون مزيجًا ثقافيا وحضاريا رائعًا مبنيا على التأثير والتأثر واألخذ والعطاء .ولكن عندما يفتقر هذا التواصل إلى الصفة التبادلية هذه ،فإنه سيفقد حينها، ّ ّ وال شك ،امليزة األبرز لذلك ،ويدخله في موازنات ّ الحساسية. واجتماعية شديدة أمنية
الجامعات اإليرانية في الشرق األوسط ..دبي أنموذجًا
اخرتاق ثقايف بقلم: محمد بن صقر السلمي و عمر الترابي
,, التعليم العربي يمكن أن تصبح لديه فرصة التمدد خارج حدود العالم العربي لو أصبحت منتجات منتجاته ٍ منافسة
,,
44
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
ٌ صناعة أخرى ،وهو سلعة يمكن التعليم صناعة شأنه شأن أي ٍ ّ تاريخي ً ٍة بعينها، منعطفات حاالت بعينها ،أو في تكون في ٍ ٍ أن ً ً ٌ خاضع ًللتبادل ،وفق ًا لقانون سلعة عابرة للحدود ،ولذلك فهو العرض والطلب .فالتعليم بوصفه صناعة تنتج سلعة ،أصبح في العقدين األخيرينً ، واحدا ًمن صادرات الدول الغربية التي ّ غزت األسواق العربية ،خاصة السوق الخليجية .وكما هو ٌ وجود قديم في الدول معروف ،فقد كان للجامعة األميركية ُ العربية ،في عاصمتني عربيتني اشتهرتا بكونهما مركزين لإلشعاع املعرفي في الوطن العربي؛ هما القاهرة وبيروت. ٌ معلوم أيضا ،أن الدول العربية الفرانكوفونية وكما هو (الناطقة باللغة الفرنسية) واألنجلوفونية (الناطقة ٍّباللغة منتظم إلى كل من بشكل االنجليزية) ظلت تبتعث طالبها ٍ ٍ فرنسا وبريطانيا ،أثناء وبعد الحقبة االستعمارية». جودة التعليم الغربي جعلته يتعدى التعليم العالي في الوطن العربي ،إلى التعليم العام صناعة الوعي الوطني ..فاختراقه له دوافعه وأهدافه املتفهمة. ّ بخاصة، وعلى الرغم من رؤية التربويني ّأن «التعليم العام، ً ً ً ً ًّ قوميا محضا، وطنيا ،وشأنا ُيفترض فيه أن يكون شأنا ً أسبابا وأال ُيترك فيه الحبل على الغارب لآلخرين» .إال ّأن متعددة جعلت التعليم العام متاحا هو اآلخر ،لألجانب ،ال تنحصر في «ضعف التعليم في الوطن العربي ،وضعف سياساته ،وضعف التخطيط له ،وضعف مناهجه ،وضعف ً وأخيرا ضعف تأهيل الكوادر العاملة فيه ،وضعف تمويله، ّ ّ ً ولكن أيضا ،وجود سكان من بيئات متعددة، مخرجاته»، ّ عاما ً تعليما ً ً خاصا ،فتظهر مدارس الجاليات ،التي يتطلبون االحتفاظ بخصوصيتها ،وعلى الرغم من متطلبات تحاول لاّ ّ متفه ًماٍّ ، ّ لحد اإلدماج ،إ ّأن هذا النوع من املدارس ،يعتبر كبير. ّ األسباب املتعلقة بالضعف ،فتحت الباب الختراق النظم ّ التعليمية العربية ،أو للطالب العربي بعامة بوصفه أحد أدوات النظم .فمن واقع هذا الضعف ّ فإن األسر الحريصة على مستقبل أبنائها ،وعلى صياغتهم للتحديات املوجودة
املنفتحة وشديدة التنافسية ،والتي اآلن ،وبيئات العمل ّ كل صبح جديد ،اختاروا أن ّ يفعلوا تنداح أصبحت دوائرها ٍ املفاهيم الخاصة والحلول اإلسعافية ،بطرق أبواب التعليم األخرى ،وهذا ّ يعده التربويون بابًا «لالستتباع الثقافي ،ومن ثم االستتباع الحضاري ،وانطماس الشخصية الوطنية، والقومية .فالتعليم هو أحد أدوات االختراق الثقافي ،وأحد أقوى الوسائل الحتالل العقل واستتباعه.
تبادل ثقايف ّ كما أسلفنا فإنه ومع وجود جالية إيرانية كبيرة في دول مثل الكويت واإلمارات وقطر ودول أخرى ،نرى انه من الطبيعي أن يكون هناك مثل هذه املدارس لتعليم أبناء الجالية خاصة صغار السن منهم اللغة الفارسية وآدابها كونها جزءا من هويتهم الوطنية ،حتى لو كانوا خارج البالد .لكن ماذا عن أهمية توفير التعليم الجامعي والتعليم العالي اإليراني ألبناء الجالية ،وهل افتتاح فروع للجامعات اإليرانية في الخارج يستهدف باملقام األول أبناء الجالية ،أو أنه يركز على استقطاب الطالب األجانب ،وإن كان األمر كذلك ،فما هو الهدف الرئيس والفلسفة التي تقف خلف هذا التوجه؟»
ّ التخوف! إيران ..ملاذا ُ ال تخفي األدبيات اإليرانية ،واملنشورات الرسمية ،نظرة إيران واضحة في مد النفوذ .حتى أن رغبة ٍ «التوسعية» املبنية على ٍ خطابات الخميني األولى بعد نجاح الثورة تنضح بعبارات صريحة تدل على الرغبة في تصدير الثورة ،بل تصف املنشورات الرسمية الثورة الخمينية بأنها «حركة تستهدف النصرة لجميع املستضعفني على املستكبرين -والدستور يعد الظروف الستمرارية هذه الثورة داخل البالد وخارجها». ّ ظن الباحثون أن هذا الحلم يرتبط بالخميني بوصفه طامحًا سياسيًا ذاق نشوة النصر ،ورجل دين يعرف قدرة العاطفة الدينية على كسب مساحات توسعية ،في املجتمعات التي لم يكتمل في وعيها معنى الدولة ومفهوم الوطن والوالء له،
FREEDOM PERKS
Events JOIN US FOR
MINT POLO in the park 2013 HURLINGHAM 7TH/8TH/9TH JUNE 2013
Polo players from all over the world will battle each other at MINT POLO in the park. Come and enjoy the Harrods Food Court, browse around the luxury shopping village, or relax in the numerous pitch-side bars. FOR DETAILS OF FANTASTIC HOSPITALITY AND VIP PACKAGES GO TO
freedomperks.com/mintpolo OTHER LISTED EVENTS UPDATED DAILY PREVIOUS EVENTS ON FREEDOM PERKS
CIRQUE DU SOLEIL
THE LUXURY
KOOZA
PROPERTY SHOW
The story of The
Bringing luxury property
Innocent, a melancholy
buyers and sellers
loner in search of his
together to do business
place in the world
F I N D O U T M O R E A B O U T T H I S A N D L OT S O F
F A N TA S T I C O F F E R S N O W O N MOTORING & LEISURE
Exclusive Activity Deals
GROOMING
Men’s Skincare & Woman’s Beauty Products
GADGETS
Exclusive Hi-Tech Offers
FOOD & DRINK
Exclusive Restaurant Deals
In partnership with MML websites & movies: mml.ac
Complimentary Email Magazine bringing you exclusive Offers, Events & Lifestyle Information direct to your inbox
E X C L U S I V E O F F E R S AT F R E E D O M P E R K S . C O M
أسر من قبل الفرنسيني في مالطا أيام االنتداب الفرنسي على صورة طيبة
لبنان ،كما تقول بعض الروايات وبسبب «خطأ من املختار» كما يقول األسير في إحدى مقابالته. جده يوسف بن عبد القادر بن محمد األسير الحسيني أزهري وفقيه وشاعر ،وأحد رواد النهضة الفكرية في بالد الشام .والده محمد هالل األسير عازف عود ومطرب سابق ،والدته مسلمة شيعية من مدينة صور ،نشأ وترعرع في منطقة حارة صيدا ذات الغالبية الشيعية في بيئة بعيدة عن التدين ،تلقى علومه األولى في مدارس صيدا ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة بيروت اإلسالمية (كلية الشريعة) ونال إجازة في الشريعة اإلسالمية ودبلوما في الفقه املقارن ،ثم بدأ بإعداد رسالة املاجستير ،إال أن انشغاله املستمر في املجال الدعوي حال دون إكمالها. بعد االجتياح اإلسرائيلي للبنان عام ،1982بدأ التحول في حياة األسير ،الذي كان بعيدا عن التدين .أدى املوت الذي شهده في شوارع املدينة به إلى طرح «الكثير من األسئلة» التي وجد أجوبتها في االلتزام الديني .التحق بصفوف الجماعة اإلسالمية ،والتزم العمل معها نحو أربع سنوات ،إال أنه لم يجد ضالته كاملة فتركها.
الدعوة والتبليغ تعرف األسير على جماعة الدعوة والتبليغ سنة 1989حيث كانت انطالقته في مجال الدعوة التي قادته دروبها الى الهند وباكستان .ثم تمايز عن جماعة الدعوة والتبليغ في مسائل عدة، فأسس مسجد بالل بن رباح في 30ديسمبر (كانون األول) في منطقة عبرا في مدينة صيدا ،وكان مسجدا صغيرا في مساحته ،ثم تمت توسعته في السنوات الالحقة نتيجة األعداد املتزايدة لرواده .قيل عنه إنه يتمتع بشخصية هادئة وكاريزما طاغية ،هو محدث لبق ،صريح في كل مواقفه وتحركاته ،كما يتمتع بالقدرة على تجنيد محبيه لنصرة دعوته ومواقفه ،ما جعله مرجعية دينية واجتماعية لهم ،األمر الذي جعلهم يعودون إليه في حل نزاعاتهم واستشاراتهم التربوية والعائلية. ويعتبر األسير أن شعبيته تعود إلى مقاربته ملفات حساسة كالظلم في سوريا ،والذي يسكت عنه الجميع على الرغم من املشاهد املؤملة لعشرات القتلى والجرحى واملشردين ،ويشير الشيخ إلى أن بعض السياسيني ال يرون أن ملف تدمير املساجد حساس ،وهو أمر استفزازي بالنسبة للمسلمني عامة واملتشددين خاصة. الشيخ الذي ينادي بالسلمية ،بدأ يجنح أخيرا نحو العسكرة ،إذ كشف مؤخرا عن إنشاء منظمة «صيداوية» ،أكد أنها «ما زالت قيد الدراسة والتشاور ولم تصبح قرارًا نهائيًا بعد» ،معتبرًا أن «خطوة التسليح ال يمكن أن تكون عشوائية ،لذلك نتأنى في دراستها ،ألننا نخاف من فوضى السالح ومن تداعياته ،في حال لم يكن قرارًا مدروسًا» .ودعا لـ«ربيع لبناني ينتفض في وجه السالح». ّ ويرى األسير أن «املشروع اإليراني تغلب على الدولة وعلى كل الطوائف اللبنانية ،وفي طليعتها الطائفة الشيعية» ،ويشدد على «ضرورة حصر السالح في يد الدولة» ،ويعتبر أن «الدافع للمزيد ّ من التسلح خارج إطار الدولة ،هو سالح حزب الله الذي يضاهي سالح الدولة».
ويعترف األسير بأن «ظاهرة اإلسالميني أرعبت جزءا كبيرا ّ «املتدينني إلى تقديم من اللبنانيني» ،مشيرا أنه لهذا السبب دعا صورة طيبة عن اإلسالم ،كي يطمئنوا اآلخرين ،وهذا ليس كرم أخالق ،بل واجب ديني ،ألن ديننا ليس رعبا أو تخويفا ،بل رحمة .وهذا ما نمارسه اآلن». وإذ أكد أن معظم جمهور فريق « 14آذار» يشاركه الرأي، أوضح أنه يجري «دراسة مستمرة لشكل التحركات املقبلة، ّ نصر على أننا لن نسكت على لكن املضمون هو نفسه ،إذ هيمنة السالح ،وسنواصل التحرك حتى يعود التوازن إلى متأن ،ألننا اكتشفنا بعد لبنان .اآلن ندرس خطواتنا بشكل ٍ حادثة التعمير واعتصام الكرامة أن أطرافا كثيرة توافقنا املبدأ والرؤية واملوقف ،لكنها تحاربنا ملصالح خاصة. ونحن مستمرون بانتفاضة الكرامة ( )...نحن ُيعتدى علينا وعلى كرامتنا ووجودنا ،ما يضعنا أمام خيارات محدودة ،مثل الخضوع لسياسة الحزب والقول له (سمعنا وأطعنا) ،وهذا من سابع املستحيالت ،وإما نكتفي بأن ُ ُ ون ّ زج بالسجون ،ونشجب ونستنكر فقط، نضرب ونهان وإما أن نهاجر ونقدم البلد لهم على طبق من فضة ،وإما أن نتسلح ونقاتل ،ونقتل من يعتدي علينا ،وهذا الخيار حق مشروع ،ألننا ندافع عن أنفسنا وعرضنا ..وإما النزول إلى الشارع ورفع صوت املعاناة واأللم ،وهذا هو الخيار الذي اتخذناه». ويسخر األسير من القول إنه «ظاهرة انحسرت» ويقول« :في املبدأ ال يهمني ،سواء أكان يناصرني عدد كبير أم ال ،ألن خصومي يعملون بطريقة العدد ليظهروا أن ظاهرتي انطفأت. هذا املوضوع ال يهمني ،ألنني ال أعمل بغرض الشهرة بل انطالقا من قناعة .حني ينتهي االعتداء علينا ،أترك السياسة وأعود إلى عملي في الدعوة اإلسالمية الذي ما زلت أمارسه يوميا منذ عام 1988متنقال بني املناطق اللبنانية». وعارض األسير «التدخل امليداني في سوريا ،ألن ذلك يضر الثورة ،ويضر اللبنانيني في ظل الوضع اللبناني املعقد وفيسفسائه الطائفية .الثورة السورية ال تحتاج إلى املقاتلني ،بل تحتاج إلى املال والسالح ،حتى إنه من الصعب علينا إدخال السالح ،والثوار يحتاجون إلى سالح نوعي وليس سالحا فرديا»، معتبرا أن «أهم ما يحتاجه الثوار هو الدعم املعنوي. التي االعتصامات أثرت نفذناها على معنوياتهم إيجابا ،كذلك دعم النازحني الهاربني من النار والحديد ،ألن املقاتل هناك يجب أن يطمئن إلى عائلته وناسه كي يستطيع الصمود .وهذا ما قمنا به»<
,,
ظاهرة اإلسالميني أرعبت جزءا كبيرا من اللبنانيني لذلك ّ املتدينني تقديم على صورة طيبة عن اإلسالم كي يطمئنوا اآلخرين وهذا ليس كرم أخالق بل واجب ديني ألن ديننا ليس رعبا أو تخويفا بل رحمة ..وهذا ما نمارسه اآلن
,,
الشيخ أحمد األسير
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
41
بروفایل
يشكل الشيخ أحمد األسير ،ظاهرة هي األولى من نوعها في لبنان ،وربما في املنطقة. فالرجل املثير للجدل يجمع املتناقضات في شخصه وتصرفاته ،التي بات بعضها موضع تندر بني اللبنانيني ،وبعضها اآلخر موضع اهتمام وعناية بالغني ملا بدأ الرجل من جمعه من رصيد شعبي ،احتاج غيره لجمعه سنوات طويلة.
الشيخ أحمد األسير يمأل «الفراغ السني» في لبنان
السلفي الدميقراطي بقلم: ثائر عباس
,,
املشروع اإليراني ّ تغلب على الدولة وعلى كل الطوائف اللبنانية وفي طليعتها الطائفة الشيعية وال بد من حصر السالح في يد الدولة فالدافع ّ للمزيد من التسلح خارج إطار الدولة هو سالح حزب الله الذي يضاهي سالح الدولة
,,
40
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
الشيخ األسير ،رجل دين سني ،يأخذ من اإلخوان والسلفيني وغيرهم ،ولديه مالحظات على الجميع .أخواله من الشيعة وجيرانه من املسيحيني وجمهوره سني بالكامل .يعلن حربا بال هوادة على “حزب الله” ،ويتوجه بالنقد والتجريح مباشرة الى رأس الهرم الشيعي في لبنان ،األمني العام لحزب الله حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري ،وال يكاد يفوت فرصة ملشاكسة الثنائي الشيعي وإثبات حضوره ،لكنه في الوقت نفسه ،يوجه سهام نقده القاسية إلى تيار “املستقبل”، الذي يرأسه رئيس الحكومة سعد الحريري ،الذي يتهم مقربون منه األسير باملزايدة عليه ،الجتذاب الجمهور والشعبية. يحتار مراقبوه في وصف بعض تحركاته ،ومنها قيامه في يناير (كانون الثاني) املاضي بنزهة على الثلج مع 400من أنصاره .وعلى الرغم من حملة احتجاج واسعة نظمها بعض املسيحيني من سكان املنطقة ضد زيارته ،إال أن األسير بقي في الباص ألربع ساعات حتى فتح الجيش الطريق ،فتابع سيره وصلى ثم لعب مع مرافقيه على الثلج ،وأخذ الصور التذكارية مع بعض الزوار الذين كانوا في املنطقة ،معيدا الى الذاكرة قيامه بقيادة الدراجة ولعبه كرة القدم مع املعتصمني ،الذين أقفلوا معه طريق الجنوب أواخر العام املاضي ،واصراره على عدم فتحها حتى يلقي “حزب الله” سالحه .وعلى الرغم من أن األسير عاد ليفتح الطريق بعد 35يوما ،اال أنه ما يزال يلوح بقطع هذا الطريق االستراتيجي بني الحني واآلخر. هو شخصية جذبت اإلعالم واألنظار ،وأثارت الجدل على نطاق واسع بسبب مواقفه الجريئة وتحركاته التي استقطبت أعدادا كبيرة ومتزايدة من الناس في فترة زمنية قصيرة ،كما اشتهر بمناهضته للمشروع اإليراني عبر إطالقه ثورة الكرامة التي رفع فيها شعارات :إعادة التوازن بني الطوائف اللبنانية، ومعالجة السالح خارج الدولة ،ال سيما سالح حزب الله من خالل استراتيجية دفاعية. كانت املعادلة التي رفعها املعتدلون السنة في وجه “حزب الله” واضحة ،ومفادها أن رفضه التعامل مع رموز االعتدال في الساحة السنية ،سوف يجلب وجوها جديدة الى الساحة يصعب التعامل معها ،فإما أصحاب ربطة العنق وإما أصحاب اللحى. ومع إطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري ،نهاية العام 2010 ومغادرته البالد في بداية العام ،خلت الساحة أمام وجوه جديدة
بدأت تظهر وتنمو شعبيتها في األوساط السنية اللبنانية التي لم تهضم “غزوة بيروت” التي قام بها “حزب الله” في عام 2008ضد معارضيه ،ولم تستوعب صدمة إطاحة حكومة الحريري حتى أتت صدمة األزمة السورية ،وتأييد الحزب النظام السوري ،ما رفع منسوب التوتر الطائفي في لبنان إلى حدود غير مسبوقة.
أجواء محمومة في هذه األجواء املحمومة ،بدأ نجم الشيخ أحمد األسير يسطع في الساحة السنية اللبنانية .وعلى الرغم من أن مواقفه موجهة الى «حزب الله» وسالحه ،إال أن األسير كان يمضي في سبيل طريق إحراج تيار «املستقبل» ورئيسه ،فكانت دعوته الى أول تجمع تضامني مع «الثورة السورية» في وسط بيروت قرب ضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري ،وهي دعوة أحرجت تيار «املستقبل» ،الذي اضطر إلى إصدار بيان يتبرأ فيه من تحرك األسير ،الذي استبق تحركه بانتقادات عنيفة وجهها الى الحريري شخصيا ،عندما قال في الدرس الذي يلقيه بعد صالة املغرب ،ملن يصلون بإمامته إن تيار املستقبل يعتدي علينا عندما يصفنا باملتطرفني ،وهذا الوصف يرى فيه األسير نوعًا من إهدار الدم ،ثم خاطب الحريري الغائب« :هل االعتدال هو التنازل على فنجان شاي في قصر املهاجرين مع بشار األسد؟ ساعة تشاؤون تتنازلون ،وساعة تشاؤون تريدون يوم غضب إلشعال الشارع؟». في عام 2005قرر األسير أن يعود بشجرة نسبه الى الجذور، فتقدم بدعوى لدى محكمة األحوال الشخصية في صيدا إلضافة لقب الحسيني بعد لقب عائلته ،ليصبح اسمه بحسب الحكم الذي ناله بتاريخ 2006/7/11أحمد محمد هالل األسير الحسيني ،يومها تسلح الشيخ األسير بإخراج قيد عائلي ووثيقة وفاة لجده تؤكد أحقية طلبه ونسبه إلى أهل البيت، الذين يحظون بنظرة خاصة لدى الشيعة ،ويعتبرون كل من يتحدر منهم من «السادة» أو «السياد» بالعامية .وهؤالء يميزون أنفسهم عن رجال الدين اآلخرين بعمامة سوداء ،لم يرتد الشيخ األسير مثلها بالطبع. ُولد أحمد األسير الحسيني عام 1968في صيدا بجنوب لبنان، وهو يحمل لقب األسير الذي عرفت به عائلته ،ألن أحد أجداده
www.majalla.com
العدد 1581مارس -آذار 2013
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 03
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
issue 1581 - March 2013
تأسست في لندن عام 1980
مهدي خلجي :عندما تتفوق م�سر الإ�سالمية على اإيران الويل الفقيه �ستيفن غلني :املعونة الأمريكية لدول ال�سرق الأو�سط نعمة اأم نقمة؟ علياء براهيمي :القاعدة يف مايل..جر�س اإنذار يف �سمال اأفريقيا
قصة الغالف
ً الرحال الذي استهل كتابه قائال «بعد أن غابت شمس الخالفة اإلسالمية عام ،1924أضحت األمة اإلسالمية كيتيم بال والدين ،فتشتت أجزاء ،وتناثرت أشالء ،وآل حال األمة اإلسالمية إلى تنحية شرع الله ،واالحتكام إلى القوانني الوضعية البشرية املستوردة» .ويصل املؤلف في دراسته األصولية إلى نتيجة مفادها «الديمقراطية منهج غربي كفري ،واملجالس النيابية تناقض التوحيد».
,,
بندر الشويقي: معاني االضطرار املؤقت ال بد أن تكون حاضرة في الخطاب اإلسالمي حتى لو كان أمد هذا ً االضطرار طويال
,,
وفي مقال بعنوان «مناقضة الديمقراطية لإلسالم» نشرته مجلة البيان أيضًا في عددها ( )301أغسطس 2012يؤكد الدكتور إبراهيم الحقيل أن الديمقراطية «نظام سياسي َعلماني ُيعنى بأمور الدنيا وال يلتفت لآلخرة ال من قريب وال من بعيد ،وليس له عالقة بالدين مطلقًا» .في مقابل النظام الديمقراطي يقول الحقيل مستشهدًا بنص البن عاشور يقرر فيه أن اآليات تدل على «حاجة البشر إلقامة خليفة؛ لتنفيذ الفصل بني الناس في منازعاتهم ،إذ ال يستقيم نظام يجمع البشر دون ذلك ،وقد بعث الله الرسل ،نَّ وبي الشرائع ..فاإلسالم قرن بني الرسالة والخالفة ،ولهذا أجمع أصحاب رسول الله بعد وفاة النبي عليه الصالة والسالم على إقامة الخليفة؛ لحفظ نظام األمة ،وتنفيذ الشريعة». وفي الكلمة االفتتاحية لعدد مجلة البيان ( )300الصادر في يوليو (تموز) 2012التي جاءت بعنوان «اإلسالميون بني أنغام الديمقراطية وألغامها» ،تدعو املجلة بعد أن قررت اقتران الديمقراطية بالعلمانية املناهضة للدين، وفشلها في العالم العربي واإلسالمي ،إلى «صياغة نظام سياسي إسالمي بديل يرعى العقيدة ويعلي من شأن الشريعة ،لنتحول شيئًا فشيئًا من الشرعية العلمانية ،إلى الشرعية اإلسالمية». أما الدكتور الكويتي حاكم املطيري األمني السابق للحركة السلفية ،وشارك في تأسيس «حزب األمة» كأول حزب في الكويت التي تحظر تأسيس األحزاب السياسية ،يقول في حوار معه بموقع «لقاء العرب»، أجراه الدكتور ساجد العبدلي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001أن «الديمقراطية بمعناها األيديولوجي الذي يجعل للشعب حق السيادة املطلقة في تشريع ما يشاء تحليال وتحريما ،كفر بال خالف بني املسلمني». وفي كتابه الصادر في منتصف 2012بعنوان «السنن النبوية في األحكام السياسية /والسنن الواردة في السياسة الراشدة» يضع املطيري «الخالفة اإلسالمية» نموذجًا أكمل للحكم السياسي ،مقررًا أن «هذا النموذج محل إجماع الفقهاء واملصلحني على اختالف عصورهم، فال خالف بني طوائف األمة ومذاهبها وأئمتها في كونها النموذج األكمل الذي يجب االقتداء به ،بخالف املحدثات السياسية القديمة أو الجديدة سواء كانت بثوب إسالمي كوالية الفقيه ،أو مستوردة كالديمقراطية والليبرالية واالشتراكية» .ولهذا فإنه وحسب املطيري «يجب معرفة منهاج النبوة والخالفة الراشدة التي يجب على األمة إقامتها». يجدر بالذكر هنا أن «الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ» في الجزائر ،تعتبر أحد أبرز النماذج السلفية التاريخية
38
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
التي جمعت بني تكفير الديمقراطية وممارستها، حيث شاركت بكل قوتها في االنتخابات التشريعية في الجزائر عام ،1991وفي الوقت نفسه كان رجلها الثاني علي بلحاج ينشر سلسلة مقاالت في صحيفة الجبهة بعنوان «الدمغة القوية في كفر امللة الديمقراطية» – وفقًا ملا أورده الكاتب املصري جمال سلطان في مقال له بمجلة «املجلة» (العدد ،)1309كما خرج بلحاج في خطاب علني فصرح« :لنكن واضحني نحن لسنا ديمقراطيني ،أنا كفرت بالديمقراطية هذه» ،وفي خطبة أخرى يقول»:ال نعترف باألغلبية ،من يصل ويحكم شرع الله فهو صاحبنا ،ومن يصل وينحي شرع الله ،فإننا نحاربه حتى يهلك أحد الطرفني» (الخطب منشورة على موقع اليوتيوب) ،وإلى بلحاج ينسب القول :إن الحكم في الجزائر سيصبح إسالميًا ،وأن انتخابات 1991سوف تكون األخيرة بمجرد فوز الجبهة فيها.
سننقلب مىت ما سنحت لنا الفرصة في محاولة منه لإلجابة عن االعتراضات والتناقضات التي تفرضها فكرة تكفير الديمقراطية وممارستها في نفس الوقت ،كتب الدكتور ناصر العمر في مجلة البيان ً (العدد 302أغسطس )2012مقاال بعنوان «إشكالية التالزم بني الرضا بالديمقراطية والتعامل معها» ،وفيه يقرر بأن إجازة الدخول في املمارسة الديمقراطية والترشح في املجالس النيابية هو مسايرة لظروف الواقع وشروطه فإن «على املسلم أن يزيل املنكر ما قدر ،فإن لم يستطع إزالة املنكر لكن أمكنه التخفيف منه فذلك واجب عليه ،فمن أصول الشريعة تقليل املفاسد إن لم تمكن إزالتها» ،ويؤكد العمر أنه «لو اتيحت الفرصة لإلسالميني فما وسعهم إال إقامة خالفة راشدة على منهاج النبوة». ويبرر العمر موقفه من إجازة املشاركة في العملية الديمقراطية ،أن ذلك مطلب من أجل قطع الطريق على الليبراليني والعلمانيني« ،فنحن أمام واقع مفروض إما املشاركة في العملية الديمقراطية على قواعدها الغربية، وإما أن يستبد بأمر الحكم الليبراليون والعلمانيون وامللحدون». وهنا يؤكد العمر أن املشاركة في العملية الديمقراطية نظامها وقيمها« ،فقد ال يلزم منه الرضا بها أو تجويز يدخل العمل الديمقراطي وبرملاناته ُامل ِق ُّ وقد ملبادئه، ر ِّ يدخل فيه من يريد إصالحه ،وللتقريب يمكن أن ننظر ذلك بحانة يباع فيها الخمر! قد يدخلها من رضي بها، وجوز وجودها ،ويريد أن يخالف الشرع بداخلها ،وقد يدخلها في املقابل من يريد إراقة ما فيها أو اإلنكار واملعارضة ملخالفة الشريعة أو اإلصالح بالدعوة الستبدال ما فيها بطيبات أحلها الله». ويختصر العمر املسألة ويحسمها بوضوح ،فيؤكد أن ً دخول السلفيني في االنتخابات ،إنما كان «تعامال مع واقع بغرض إصالحه ،ومتى ما تهيأ لهم إقامة نظام حكم إسالمي أو خالفة راشدة على منهاج النبوة، فسينبذون النظم الغربية ،وليسمه من يسمه انقالبًا على الديمقراطية» <
انتخابات حرة ونزيهة». إال أننا نجد فتوى قديمة منشورة في موقعه الشخصي، بعنوان «معنى الديمقراطية وحكم اإلسالم فيها» ،حيث يقول إن «الديمقراطية كفر وشرك ،ألن الله عز وجل يقول(:ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)». تلتقي السلفية الحركية مع السلفية الجهادية في املوقف العقائدي األول ،فكال التيارين يؤمن بتكفير الديمقراطية ورفضها منهجًا وفكرًا ،لكن تفترق عنهم السلفية الجهادية بأنها تكفر وتحرم املشاركة في املجالس النيابية ،أو الدخول في العملية الديمقراطية بأي غرض كان. يؤكد ذلك ما صرح به القيادي الجهادي املصري محمد الظواهري ـ شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ـ الذي قال في حديث خاص لصحيفة «الشرق األوسط» أغسطس (آب) 2012إن «الديمقراطية كفر ودخول اإلسالميني االنتخابات غير جائز شرعا».
«الديمقراطية إن قصد بها معناها األصلي ،وهو منح الشعب حق الحكم املطلق حتى لو خالف أحكام الله فهو الشرك بعينه ،وهو الكفر باسمه ورسمه» .لكنه في فتوى أخرى نشرت في التاريخ نفسه بعنوان «حكم دخول املجالس النيابية» يقول العلي« :حكم دخولها يختلف باختالف البالد ،وطبيعة تلك املجالس ،وحالة الدعوة االسالمية في تلك البالد ،وأهم الشروط عند القائلني بالجواز أن يكون الداخلون قادرين على إبطال ما يخالف االسالم من غير إكراه ،وال يكرهون على ما يناقض التوحيد ،وأن يكون دخولهم مؤثرا في إزالة املنكر أو تقليله ..وأنه ال يمكن دفع هذا الضرر األكبر بطرق أخرى تغني عن الدخول ،ألن الدخول يصاحبه أمور مخالفة للشرع غالبا ،فال يجوز ما لم يتعني لدفع ضرر أكبر». إذن موقف السلفية الحركية من تكفير الديمقراطية ثابت لم يتغير ،ففي حوار مفتوح معه بعنوان «نظرات تفاؤلية في أحداث الربيع العربي» في 2فبراير 2013 يؤكد الشيخ ناصر العمر ـ املشرف على موقع املسلم ـ بكل حسم أن الديمقراطية «منهج غربي كفري». وعلى الرغم من أن الشيخ سفر الحوالي ـ أحد أبرز رموز السلفية الحركية في السعودية ـ وفي تصريح نقله موقع «املسلم» منتصف ديسمبر 2011قد قال في مؤتمر إسالمي في تونس إن على «الدول العربية التي لم يزرها الربيع العربي بعد ،أن تأخذ العبرة مما جرى ،وأن تتصالح مع شعوبها وتقوم بإصالحات شاملة وتفتح املجال لقيام أحزاب سياسية ونقابات مهنية وإقامة
إذن الديمقراطية في نظر السلفية الحركية والجهادية تعبر منهجًا غربيًا مرفوضًا ،هذا الحكم بطبيعة الحال سينسحب على القيم واملفاهيم االقتصادية والقانونية واالجتماعية املرتبطة بها ،يؤكد ذلك الدكتور عبد الرحيم بن صمايل السلمي .عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى ـ في مقال له بعنوان «األزمة الواقعية للديمقراطية»: «لقد فنت الناس بالديمقراطية ،وبهرتهم شعاراتها ،مثل الحرية ،والضمانات اإلجرائية في االتهام واملحاكمة، وحقوق اإلنسان ،وحرية العبادة ،والحريات الشخصية، ولهذا اندفعوا نحوها ،وأصبحت هي الدين الجديد في العصر الحديث». فـ (هي بمجموعها تمثل بوابة نحو الفتنة الفكرية التي تعصف باألمة) ..هكذا كتب الدكتور عابد السفياني ـ أستاذ الدراسات اإلسالمية بجامعة أم القرى ـ في كتاب سماه «موقف أهل السنة والجماعة من املصطلحات الحادثة ودالالتها» ،قال فيه« :إن من أخطر هذه املصطلحات هي :الحرية ،االنفتاح ،التعايش السلمي، املشروع النهضوي ،واإلصالح».
,,
الشيخ سفر الحوالي في فتوى: الديمقراطية كفر وشرك ألن الله عز وجل يقول« :ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»
,,
أما الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف ـ أستاذ العقيدة بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ـ فيقول في أحد سجاالته الكثيرة املنشورة بموقعه الشخصي: َ املتداولة ـ كاإلنسانية واملجتمع املدني والحريات «األلفاظ وغيرها ـ ال تنفك عن مالبسات فكرية وعقدية ،فال يمكن َّ تصور هذه املصطلحات بعلم وعدل إال باستصحاب هذه النشأة وتلك املالبسات».
..وغابت شمس اخلالفة في عددها السابع والستني الصادر في سبتمبر (أيلول) 1993قدمت مجلة «البيان» التي تصدر من لندن ـ تعد من أهم األصوات اإلعالمية املعبرة عن التيار السروري ـ لقرائها كتاب «اإلسالميون وسراب الديمقراطية ..دراسة أصولية ملشاركة اإلسالميني في املجالس النيابية» في طبعته األولى الصادرة في العام نفسه ،ملؤلفه عبد الغني المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
37
قصة الغالف
ً أو جاهال بأمر الله أو فاقدًا لألمانة» حسب رأيه. ويضيف« :التصويت لهذا الدستور باملوافقة سيكون طريقًا إلى دستور خير منه يأتي الحقًا ،يكون فيه االعتماد التام لشريعة اإلسالم».
,,
حاكم املطيري: الديمقراطية بمعناها الذي يجعل للشعب حق السيادة املطلقة كفر بال خالف بني املسلمني
,,
وفي السياق ذاته يرى الشيخ بندر الشويقي ـ عضو هيئة التدريس بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ـ وفقًا ملا نقله عنه موقع «شبكة طريق السنة» أن الجميع يتفق على أن هذا الدستور «يتضمن مواد مناقضة للشرع» .لكنه يستدرك« :فكون الدستور يتضمن مواد كفرية ،ال يعني هذا أن التصويت عليه يكون كفرًا بإطالق .وبيان ذلك يكون بالنظر في مأخذ التكفير في التحاكم لغير شرع الله ،فالذي يكفر بالحكم بغير شرع الله ،إنما هو من يدع شرع الله مختارًا غيره .أما العاجز عن التحاكم لشرع الله ،فالنصوص هنا ال تتناوله». فالتصويت باملوافقة بحسب الشويقي هي حيلة العاجز أو املضطر لذلك ،ألن «التصويت بصورته الحالية اختيار بني سيئ وأسوأ منه .فمن اختار السيئ على األسوأ ،ال راض بالسيئ». يقال إنه ٍ ويؤكد الشويقي أن «معاني االضطرار املؤقت ال بد أن تكون حاضرة في الخطاب اإلسالمي ،حتى لو كان أمد ً هذا االضطرار طويال ،ومتى غفل اإلسالميون عن هذا، فإن جيلهم القادم سيكون عرضة للذوبان في املفاهيم الليبرالية والقيم العلمانية».
موقف ثابت ..وآخر متغري يتضح من خالل اآلراء السابقة أن موقف السلفية الحركية تجاه الديمقراطية والنظم السياسية الحديثة متكون من شقني ،األول «عقائدي/ثابت» يرى أن الديمقراطية منهج غربي كفري يقوم على إعطاء حق ً التشريع للبشر ،ومنح السيادة للشعب ،بدال من أن تكون للشرع ،وشق آخر «سياسي/متغير» براغماتي نفعي يقوم على تقدير املصلحة من عدمها في املشاركة والدخول في اللعبة الديمقراطية «الكفرية» ويتأرجح الحكم بني الجواز والوجوب أو املنع بحسب ظروف الواقع وطبيعة الحاجة واملصلحة. وبناء على النصوص السابقة يمكننا تتبع التكييف الفقهي لدى السلفية الحركية للحكم بجواز باملشاركة في الديمقراطية ،وهو حكم يقوم على القواعد األصولية التالية: ـ أن يكون في ذلك دفعًا لشر الشرين ،واحتمال أخف الضررين. ً ـ أن يكون محققًا للمصلحة ،وسبيال للتدرج في تطبيق الحكم اإلسالمي ـ أن يكون ذلك مؤقتًا ،فمتى ما انتفت الحاجة بطل الجواز. أبرز مثال على املوقف املصلحي من الديمقراطية ما قاله
36
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
الشيخ ناصر العمر في مقاله السابق ردًا على من يتهم السلفية بأنها انقلبت على موقفها املحرم للديمقراطية واملشاركة االنتخابات« :بعضهم يقول باألمس تحرمون املشاركة في االنتخابات واليوم تحللونها! وفي الحقيقة هذا سوء تصور ،فعلماء الدعوة السلفية من أقدم الناس بيانًا لحكم املشاركة ،أما عدم مشاركتهم قبل فألن األحوال لم تكن مهيأة وكانت املشاركة عبثية ،فال معنى لتبديد األموال والجهود في غير كبير طائل». وفي فتوى للشيخ عبد الرحمن املحمود ـ أستاذ العقيدة في جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ـ منشورة في موقعه الشخصي في 16مايو (أيار) ،2007حيث سأله سائل من فرنسا عن حكم االنتخابات واملشاركة في التصويت أو الترشيح ،فأجاب« :النظام الديمقراطي هو من األنظمة الوضعية املنافية لإلسالم ،فاألصل هو املنع من املشاركة ملا يترتب على ذلك من املفاسد العظيمة ،ومنها :الركون إلى الظاملني وحضور مجالسهم واختالط الحق بالباطل ،وعدم ظهور راية أهل اإليمان وتمايزهم عن أهل الكفر والطغيان ..ولكن إن رأى العلماء الراسخون أن املشاركة في هذه املجالس النيابية، تقتضيه مصلحة شرعية معتبرة كرفض الباطل أو التخفيف منه أو إظهار الحق أو بعضه دون املوافقة على إقرار باطل أو رد شيء من الحق فال مانع منه حينئذ.. فالحكم يختلف باختالف الزمان واملكان واالجتهاد». األمر نفسه نحاه الشيخ الكويتي حامد العلي ـ األمني السابق للحركة السلفية بالكويت ـ في فتوى منشورة بموقعه الشخصي في ديسمبر ،2006قرر فيها أن
يؤسس لدولة دينية شمولية استبدادية ،إال أن هناك اختالفًا آخر وارتباكًا بدا واضحًا بني أوساط السلفيني ،حيث رأى بعضهم في الدستور املصري الجديد «ضالالت» و»شبهات» ،و«قوادح تناقض اإلسالم». مثال ذلك ما أكده الشيخ السلفي املصري مصطفى العدوي لوسائل إعالم مصرية بحرمة ً التصويت بنعم على الدستور ،قائال« :إن من يصوت على الدستور باملوافقة فهو«آثم» ،لوجود مخالفات عظيمة جدًا في ثناياه لكتاب الله وسنة نبيه عليه السالم». وأيضًا يتساءل الدكتور إبراهيم طلبة حسني ـ أكاديمي مصري مقيم في السعودية ـ مستغربًا في مقال له «ال أدري ملاذا هذه الضجة الكبيرة حول إسالمية الدستور ،إنني أجد نفسي أميل إلى رأي بعض املشايخ الفضالء الذين دعوا إلى التصويت بـ (ال) على الدستور ألن فيه ما يخالف الشريعة». واملفارقة هنا أن الدعوات الرافضة للدستور اجتمعت بني طرف يرفضه باعتباره دستورًا دينيًا يؤسس الستبداد اإلسالميني ،وطرف يرفضه باعتباره دستورا فاسدا مخالفا ألحكام الشريعة اإلسالمية. بناء على ذلك ،وألجل توحيد الصف السلفي، و»تفويت الفرصة» على الليبراليني ،كتب الشيخ ناصر العمر ـ أحد أبرز رموز السرورية في ً السعوديةـ عبر موقعه «املسلم» مقاال في اليوم املقرر للتصويت على الدستور املصري 15 ديسمبر 2012وضح فيه املوقف السلفي الحركي تجاه التصويت على الدستور املصري ،واملوقف من الديمقراطية ،واملشاركة في املجالس النيابية. ً يقرر العمر أوال أن «الديمقراطية الغربية الليبرالية مناقضة لشريعة اإلسالم ،لكن البعض يتصور الحال في مصر ،وكأن تطبيق الشريعة خيار متيسر فقط يحتاج من القوم دعوة الناس إليه، ً غافال عن الكيد السياسي واإلعالمي الذي يحرك دهماء الناس نحو قصر الرئاسة ،وما يؤازره من مكر إقليمي ودولي». يؤكد العمر أن «الكفر ال يجوز اإلقدام عليه إال في حال اإلكراه ،لكن الفقيه هو الذي يفرق بني املفسدتني بالدوس على أدناهما ،مدركًا بأن الكف (عن التصويت) سيكون أشد أثرًا في نصرة الباطل». يصل العمر لتوضيح املوقف السروري العام من ً االنتخابات قائال« :يمكن األخذ باآلليات االنتخابية في ظروف معينة ،والعمل على أسلمتها بفرض قيود ال تتعداها؛ كأن تستبعد في االختيار النساء ً من مناصب معينة مثال ،أو تستبعد مشاركة األحزاب الكافرة وكذا الفاجرة ،التي تدعو إلى ً الرذائل مثال ،فاملشاركة في العملية االنتخابية
ِّ ألجل تخفيف منكرات النظام ،ومعارضة كل تشريع يخالف حكم الله ،والدعوة إلى إعادة صياغة الدستور صياغة إسالمية ،جائزة، وليست من الرضا بالدستور املذكور في شيء». هذا املقال جاء تعليقًا على فتوى سعودية شهيرة أكدت أن الدستور املصري يتضمن مواد كفرية، ومع ذلك فالتصويت عليه «إن لم يكن واجبًا فهو جائز ،وليس في ذلك إقرار بالكفر وال رضا به ،فما هو إال دفع شر الشرين واحتمال أخف الضررين .وليس أمام املستفتني من املسلمني إال ً هذا أو ما هو أسوأ منه ،وليس من الحكمة عقال وال شرعًا اعتزال األمر بما يتيح الفرصة ألهل الباطل من الكفار واملنافقني من تحقيق مرادهم» ،بحسب نص الفتوى. وعلى الرغم من أن الفتوى تتناول شأنًا مصريًا خاصًا ،إال أنها تشكل نموذجًا يمكننا أن نفهم من خالله التصور السياسي والتنظير لدى الشرعي التيار السروري في تعامله مع «الربيع تطورات العربي» ،وتعاطيه مع النظم السياسية الحديثة، كالديمقراطية واملشاركة في املجالس النيابية ومؤسسات املجتمع املدني.
,,
شكل املوقف السروري من الدستور املصري الجديد نموذجًا تفسيريًا لفهم موقفه من الديمقراطية. كانت نقطة التقاء بني اإلمداد السلفي الحركي واملشروع اإلخواني
,,
أثارت الفتوى ردود فعل واسعة ما بني مؤيد ومعارض داخل األوساط السلفية ،كان ً التساؤل األكثر جدال كيف ُيقر كفر الدستور املصري ،ثم يقال بوجوب أو جواز التصويت له؟ أو بعبارة أخرى هل يجوز الوقوع في الكفر ألجل املصلحة؟ يجيب عن مثل هذه األسئلة الشيخ محمد املنجد ـ داعية وخطيب سوري مقيم في السعودية ـ الذي كتب عبر حسابه الشخصي في تويتر« :الدستور الحالي يتضمن مواد كفرية ال يجوز إقرارها وال الرضا بها ،وتجب إزالتها عند القدرة»، ألن إقرار هذا الدستور سيكون دعما لبقاء أفضل الرؤساء املتاحني حاليا والبديل عند سقوطه سيكون علمانيًا معاديًا للدين
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
35
قصة الغالف
حني جرت أول انتخابات للمجالس البلدية في السعودية 10فبراير (شباط) ،2005 كتب الدكتور إبراهيم الناصر ـ وهو من أبرز رموز السلفية الحركية في السعودية ّ بالسرورية) وتشكل كتاباته رؤية وتصورًا بني كوادر التيار ـ في (يعرفها مخالفوها ً موقع «اإلسالم اليوم» مقاال نشر في 20مارس (آذار) ،2005بعنوان «مذاهب الناس في االنتخابات» ،قدم فيه التصور الفكري والحركي للتعامل مع هذه «النازلة» وهي االنتخابات البلدية ،واملوقف الشرعي والسياسي «الصحيح» في التعاطي معها.
أسئلة الديمقراطية وأحالم الخالفة ..كيف يفكر الحركيون في الخليج؟
الليبروسروري! بقلم: عبد الله الرشيد
,,
الشيخ ناصر العمر في موقعه «املسلم»: لو اتيحت الفرصة لإلسالميني فما وسعهم إال إقامة خالفة راشدة على منهاج النبوة
,,
في البدء يؤكد الناصر أن الديمقراطية في األصل انبثقت من األسس الفكرية التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة ،التي تقوم على مبدأ العلمانية واستبعاد الدين، فهي في أصلها «مخالفة ومناقضة لشريعة اإلسالم، وتتنافى وإقامة الدين وتحقيق التوحيد». بعد تأكيده على مناقضة أصل الديمقراطية ألصل اإلسالم (املوقف العقائدي) ،قدم الناصر (املوقف السياسي) الذي يرجحه للتعامل مع النظم الديمقراطية القائمة في العالم ً اإلسالمي ،وهو« ً :رفض الديمقراطية ً فلسفة وقيمًا وآلية وقبولها ممارسة ـ بضوابط -باعتبار أنها حاجة عامة تنزل منزلة الضرورة ،فأصحاب هذا املوقف يمارسون هذه ّ اآللية ليس باعتبار جوازها ،وإنما باعتبار الضرر الذي يحصل باإلعراض عنها». وهكذا حافظ الناصر على موقفه الرافض املكفر للديمقراطية ،وفي الوقت نفسه لم يكن هذا املوقف ً معيقًا ومعطال للمزاحمة على السلطة ،واملشاركة في املجالس النيابية والبرملانية.
«الربيع العربي» ..عودة السؤال كشفت التطورات السياسية في دول «الربيع العربي» ونتائج انتخاباتها عن تقارب أو تحالف واضح بني فئات وجماعات اإلسالم السياسي ،اإلخوان املسلمني بفئاتهم ،والسلفيني الحركيني بأطيافهم ،ففرقاء األمس املختلفون فكريًا أصبحوا اليوم في خندق واحد من أجل حماية مشروع «حكم اإلسالميني» وإنجاحه في دول «الربيع العربي» الذي تقوده جماعة اإلخوان املسلمني، ويحظى بمباركة ودعم من رموز السرورية. يجدر التأكيد هنا أن السلفية الحركية (تسمى السرورية نسبة إلى أشهر رموزها محمد سرور زين العابدين، سوري الجنسية قدم للتدريس في السعودية منتصف الستينات) تختلف عن السلفية التقليدية بطموحها
34
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
ُ السياسي ،حيث توصف بأنها تجمع بني املنهج السلفي في الفقه والعقيدة ،واإلطار اإلخواني في التنظيم والحركة ،وباملجمل يشكل ابن تيمية وسيد قطب الرؤية الشرعية والفكرية ألبناء الحركة. بينما تتمسك السلفية التقليدية باملنهج السلفي التاريخي في السمع والطاعة لـ»ولي األمر» ،وتحريم الخروج عليه ،ومناصحته إذا اخطأ .تنفر من السياسة وتنشط في التعليم الديني ،والتوجيه واإلفتاء واإلرشاد والقضاء. جماعة اإلخوان املسلمني كانت قد حسمت موقفها بشكل مبكر من الديمقراطية واملشاركة في املجالس النيابية ،وتحولت من التنظير إلى املمارسة ،في حني أن السلفية الحركية التي تفاعلت واحتفلت كثيرًا بأحداث «الربيع العربي» وجدت نفسها أمام مأزق ً فكري ،وقضايا عاجلة ،وأسئلة ملحة تستلزم تدخال سريعًا ،فاملوافقة والتأييد بشكل مباشر لالنتخابات والديمقراطية ،سيعني ذلك هدمًا لتراث فكري متراكم وطويل يقوم على رفض ونبذ النظم السياسية الغربية الحديثة ،كما أن االطراد مع هذا التراث الفكري والقول بالرفض واالعتراض ،سيكون عبارة عن هدية مجانية للخصوم من «الليبراليني والعلمانيني» ،وحجر عثرة في طريق «إخواننا اإلسالميني».
إذن كيف سيكون احلل؟ شكل املوقف السروري الجديد من الدستور املصري نموذجًا تفسيريًا لفهم املشكلة وحلها ،كانت نقطة التقاء بني اإلمداد السلفي الحركي واملشروع اإلخواني، فعلى الرغم من أن املشهد األبرز على الساحة اإلعالمية يكشف لنا عن أن الدستور املصري قد تسبب في حالة انقسام في الحالة املصرية بني اإلسالميني (إخوانا وسلفيني) الداعمني واملؤيدين للدستور ،وبني الليبراليني والقوى املدنية األخرى الرافضني لهذا الدستور باعتباره
البـحـوث العلـميـة عاليـة التأثيـر ٌ متـاحـة ا ن للمـجتـمع بأكمله.
ﺷـﻬـﺮﻳﺎ ﺑﺎﻃﻼﻋﻚ ﻋﻠﻰ Natureﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ،ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼـﺪﺭ ًّ ﺍﻧﻀـﻢ ﺇﻟﻰ ُﺭ ّﻭﺍﺩ ﺍﻟﻌﻠــﻮﻡ ﱢ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـــﺔ ،ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻹﻟﻜﺘــﺮﻭﻧﻲ ﺍﻟﺨـﺎﺹ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺒـﻜﺔ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ،ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺜﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ. ﺇﻥ Natureﺍﻟﻄﺒــﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻠﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴــﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻷﺧﺒــﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴــﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩﺓ ،ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎﺕ ﻣﺘﺎﺣﺎ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺘـﺮﻧـﺖ ﻛﻞ ﺃﺳﺒــﻮﻉ ،ﻣﻊ ﻭﺟـﻮﺩ ﻧُ َﺴﺦ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ”.“Natureﺇﻥ ﻣﺤﺘـﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺳﻴـﻜﻮﻥ ً ﺷﻬﺮﻳﺎ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ًّ
ﺍﻃﻠِ ْﻊ ﻋﻠﻰ Natureﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ،ﻭﺍﻣﻸ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻣﺠﺎﻧً ﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ: ﱠ
arabicedition.nature.com
ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ:
شؤون سياسية
في ربيع عام ،2002عندما كانت االنتفاضة الثانية في عامها الثاني ،كنت في دمشق أحتسي الشاي مع صديق لي في مقهى بالقرب من املسجد األموي .كنا نشاهد بثا تلفزيونيا لهجوم إسرائيل على الضفة الغربية التي أعادت احتاللها .وعندما سألت صديقي عن مدى تأثير العنف في فلسطني على األعمال في سوريا ،هز كتفيه وقال: «ليس كبيرا ،فنحن معزولون عن ذلك اقتصاديا» .وفكر دقيقة ثم ضحك وقال« :على أي حال ليست لدينا برامج مساعدات كي نخسرها ،لسنا مثل مصر واألردن اللتني تتحمالن عبء مساعداتكم األميركية».
هل املعونة األميركية نعمة أم نقمة؟
مقابل املساعدات بقلم: ستيفن غلني
من املؤكد في الوقت الحالي أن السوريني املحاصرين في حاجة شديدة إلى أي نوع من املساعدة حتى من واشنطن. وعلى الرغم من أن وصف املساعدات األميركية بالعبء يبدو ساخرا ،فإنه يعكس إخفاقا أميركيا غريبا في الشرق األوسط .يشكو مسؤولو الدول الحاصلة على املساعدات من تسلط الدبلوماسيني األميركيني وبرامجهم الطموحة بإعادة بناء املجتمعات املحلية ومنحها حقوقا مميزة ،وهو ما يصبح في الغالب هدفا في حد ذاته بدال من أن يكون وسيلة نحو هدف ما. نذكر مثاال على ذلك مشروع بني حميدة للنسيج الذي حصل على دعم ملدة أعوام بعد أن جعلت منه قوى السوق مشروعا مهمال ،أو مشروعات الزراعة التي ال معنى لها في مصر ،والتي قدمت دعما ملنتجي الحبوب األميركيني أكبر مما قدمته للمزارعني الصغار الذين خصصت من أجلهم هذه املساعدات ظاهريا. تتعرض املساعدات العسكرية األميركية ،التي تفوق املساعدات املدنية كثيرا ،للهجوم على أنها الوسيلة التي تكافئ بها واشنطن من يذعن إلسرائيل وتعاقب بها من ال يفعل. تم شراء الدبابات واألسلحة النارية التي استخدمت ضد املتظاهرين السلميني في مصر على مدار العامني املاضيني بدوالرات دافعي الضرائب األميركيني ،ويعرف ذلك هؤالء الذي يحصلون على مثل هذا الكرم املريب .ويعرفون أيضا أنه في كل عام توزع واشنطن مبالغ طائلة على إسرائيل - وهي الدولة التي يبلغ فيها دخل الفرد - 32.000في صورة مساعدات إنسانية باإلضافة إلى مليارات الدوالرات في صورة مساعدات عسكرية سنويا. وعلى الرغم من التهديدات املتكررة بمنع املساعدات عن الحكومة املصرية التي وصلت إلى الحكم عن طريق انتخابات حرة ولكن يتزايد اتجاهها نحو االستبداد ،يرفض الكونغرس األميركي وقف تدفق األموال إلى القاهرة .تولى الرئيس محمد مرسي منصبه منذ ما يقل عن عام ،إال أنه
32
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
استطاع دفع الشعب إلى املقارنة بينه وبني سلفه الديكتاتور حسني مبارك .ولكن في ما يخص واشنطن ،قد ينتهك القيادي السابق في جماعة اإلخوان املسلمني الحقوق املدنية األساسية وسوف يفلت من العقاب ما دام لن يرفض معاهدة السالم مع إسرائيل ،وهي الخط األحمر الذي أثبت مرسي حتى اآلن أنه يملك ما يكفي من الذكاء في عدم املساس به. يعارض معظم األميركيني برامج املساعدات األجنبية التي تقام باسمهم .يجب أن يكونوا كذلك ،ولكن ليس كما يعتقد كثيرون بسبب أنها مكلفة :حيث تحتل املساعدات الخارجية األميركية ،من حيث نسبتها في اإلنفاق العام ،ذيل قائمة الدول الصناعية املانحة .ما يجب أن يطالب به األميركيون هو هيكلة املساعدات األميركية لتتناسب مع املستفيدين املستحقني ،وليست في صورة دعم ألمثال لوكهيد مارتن وكارغيل.
سوء ّنيات يجب أن يوضحوا أن تقديم املساعدات اإلنسانية إلى دول غنية مثل إسرائيل غير مقبول أخالقيا ويتعارض مع املصالح األميركية بسبب سوء النيات التي تنشأ عنها في الشرق األوسط .كما يجب أن يصروا على أن ترجع معدالت اإلنفاق في الوكالة األميركية للتنمية الدولية ،الواجهة الرئيسية للتنمية واملساعدات التي تقدمها واشنطن ،إلى مستويات ما قبل التسعينات ،عندما تم تخفيضها في حملة قاسية ومقيدة شنها السيناتور جيسي هيلمز الذي كان يتبنى مواقف عنصرية ومعادية للمثليني وللمرأة. إن الواليات املتحدة ليست الدولة املانحة الوحيدة التي ّ تسيس برامجها التنموية ،بيد أن قليال من الدول تثير مثل هذا العداء باتخاذ املساعدات كأوراق اختبار سياسية ليس لها عالقة بأهداف تحسني الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية بقدر ما تبغضها املجتمعات الحاصلة عليها .إذا لم تخطط واشنطن حزم املساعدات التي تقدمها بما يتناسب مع املستفيدين ،سوف تستمر أضرارها في التفوق على نفعها، ويجب أن تخرج من نشاط املساعدات التجاري كليا <
لقطة من مؤتمر قبائل اليمن الذى عقد في صنعاء
آخر ويثير عالمات استفهام جمة وعجيبة .أخرجت لنا الثورة املصرية عناوين صحف غير مألوفة نوعا ما ،إال أنها تثير تساؤالت جمة حول مستقبل مفهوم الدولة املدنية الحديثة في مصر ،هي املحكومة اآلن بقبضة اإلخوان املسلمني الذين يسعون إلى سن مفهوم الخالفة «اإلسالمية» في مصر واملنطقة .يقول أحد العناوين( :حكم «عرفي» بتهجير ثماني أسر مسيحية وبيع منازلهم) ،وذلك بسبب حادث «فردي» أو عالقة ما بني مسيحي ومسلمة .واملقلق أن هذا الحكم اشتركت فيه السلطات التنفيذية ممثلة في املحافظ والسلطة التشريعية املتمثلة في نائب الدائرة املنتمي إلى حزب النور السلفي .أما اآلخر هو معركة باألسلحة اآللية بني قبيلتي األشراف والحميدات بـ(قنا) سقط فيها أكثر من عشرة قتلى والحادث لم يكن سوى عمل فردي وهو عبارة عن «شجار بني سائقني».
من التمثيلية إلى الرمزية حني تحولت املجتمعات من القبلية إلى املدنية ،تحولت الثقافة القبلية تدريجيا من االنتماء التمثيلي إلى االنتماء الرمزي. وفي الخليج حيث البنى االجتماعية والظروف تتشابه ،فإن الهوية الوطنية الحديثة جاءت لتكمل الهوية القبلية التي احتفظ بها أصحابها ،ولكن عن طريق توحيد للمجتمع بثقافة جديدة متكاملة ،تتكيف مع التحديث الجديد ،وهو االنتقال من مفهوم القبيلة إلى مفهوم الوطن في ظل مشتركات راسخة .وقد كان للقبيلة دور إيجابي في منطقة الخليج، ولعبت أدوارا تاريخية ساعدت على تأسيس وقيام الدول. وكذلك في العالم العربي ،إال أن دخولها كحزب سياسي كان له بعض التبعات. في عاملنا العربي اليوم ،السؤال األول الذي يبدأ فيه املتحدث للتعرف على اآلخرين يتراوح بني األصل والقبيلة والعرق والدين واملذهب .واألجوبة فقط هي ما ستحدد نوع العالقة، ّونوع الحديث ،ونوع االحترام ،ونوع السلوك الوجداني .وقد ملح الدكتور الناقد عبد الله الغذامي إلى محاولة إحياء الثقافة القبلية من قبل جيل جديد ،وذلك في كتابه حكاية الحداثة. وفي مقالة سابقة له بعنوان «إعادة اكتشاف القبيلة» في «عكاظ» الثامن من مايو (أيار) 2008يعتقد «أن مرحلة ما بعد الحداثة أيقظت املخاوف وفتحت األبواب لعودة الهويات األصولية ،وأعادت اكتشاف القبيلة من جديد ،حتى جعلت
الحكومات تعتبرها نزعة تتعارض مع أنظمتها ومناهجها أو سببا من أسباب خلق الفوضى وتفشي الجهل في املجتمع ومؤسسات الدولة ،فضال عن املحسوبية والوساطات والفساد اإلداري واالستهانة باألنظمة والقوانني». كما ظهرت في العقد األخير من القرن املنصرم أفكار «اإلرهاب» تحت قناع الجهاد اإلسالمي ،وسعى قادة «القاعدة» إلى تجميل هذا املسعى تحت وحدة الهدف الدينية شكليا ،من خالل تحويل هوية هؤالء الشباب وانتمائهم ووالئهم إلى الوطني إلى طارئ جديد .كانت هذه الثقافة الطارئة واملضللة قد ترافقت وظهور العوملة ،فلم يجد بعض الشباب سوى اللجوء إلى متكأ أكثر أمانا وصالبة وهو إعادة روح القبلية .وعلى الرغم من كل ذلك ،إال أنه عادة ما يتفق غالب املثقفني السعوديني على إيجابية دور القبيلة في السعودية .فلو حدث أن سألت مثقفا ما عن سلبية أو إيجابية القبيلة ،سينبري عاجال بالرد «من املؤكد أن دور القبيلة في الخليج أيضا إيجابي من الناحية السياسية» ،وسيعدد مناقب القبيلة املتفق عليها .هذا بالضبط ما قاله لي األستاذ املؤرخ محمد السيف. وفي حلقة من برنامج «حراك» الذي يبث عبر قناة «فور شباب» ،ناقش فيها اإلعالمي عبد العزيز قاسم مع ضيوفه دور القبلية في «الربيع العربي» ،وكان السؤال :هل انتهى بالفعل دور القبيلة في خضم هذه الثورات واالضطرابات؟. وقد انتقد الدكتور محمد بن صنيتان الحربي -رئيس مركز ساس الوطني للبحوث واستطالع الرأي -في البرنامج تخويف البعض من القبلية ،واستخدامها كفزاعة لتخويف املجتمع ،بقوله« :القبيلة موجودة وال يمكن أن تموت ،وهي متجذرة في مجتمعنا ،ولألسف حصل تخويف من القبيلة، وتشويه لكثير من تاريخها».
,,
الهوية الوطنية الحديثة في الخليج جاءت لتكمل الهوية القبلية التي احتفظ بها أصحابها عن طريق توحيد املجتمع بثقافة متكاملة تتكيف مع التحديث الجديد
,,
أما الدكتور عبد الرحمن حبيب - ،الكاتب الصحافي -فقال إن «الربيع العربي» لم يقض على القبيلة باملعنى الحرفي، ولكنه أنهى دورها الرئيس في توجيه األحداث ،ولم يعد لها دور سياسي مؤثر في املجتمع ،وأكد أن القبيلة ليست ضد املدنية ،بل يمكن اعتبارها من مؤسسات املجتمع املدني. وذكر بأن الصحوة حاولت أن «تستغل القبيلة وتدخل من خاللها ،مثلها في ذلك مثل التيارات األخرى كالتيار الناصري واليساري ..وغيرهما» < المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
31
شؤون سياسية
تناحر دموي بني مختلف القبائل الليبية إبان الثورة .إال أن بعض الليبيني يعتقدون أنها ليست سوى لعبة سياسة «قذافية» لخلق الفتنة وتأجيج الصراع بني تلك القبائل املتناحرة ،والهدف ضمان استمرار القتال بينها البقاء في الكرسي ألطول فترة ممكنة. وإذا ما نظرنا إلى دول ما سمي «الربيع العربي» ،نجد أن بعض الدول هرعت لصالح األصولية البدوية والعشائرية خوفا من هدير الثورات .فهل تكون الثورات العربية تهديدا للفرد الذي يلجأ إلى العشيرة لالستقواء في وجه الحروب األهلية؟
,,
كان للقبيلة دور إيجابي في العالم العربي ولعبت أدوارا تاريخية ساعدت على تأسيس وقيام الدول .إال أن دخولها كحزب سياسي كان له بعض التبعات
,,
على الرغم من موقف القذافي السلبي الواضح من القبيلة، حيث يراها من مخلفات العهد امللكي الرجعي ،لكنه لم يستطع ترويضها لصالح الدولة على الدوام .كان األمر أشبه بالكر والفر ،تارة يلجأ إلى القبيلة حني يمر نظامه بأزمة ثقة، وتارة يلجأ إلى سياسة إثارة العداوات بني القبائل التي ال تظهر والء كافيا لنظامه ،وهذا ما حدث حني سعى القذافي إلى تحويل مسار الثورة الليبية إلى حرب أهلية. وهنا تظهر صورة جديدة أصولية لعالقة القبيلة بالثورة ،هل تساعد في تكوين أساس متني لقيام دولة ديمقراطية حديثة تقوم على التعددية ،أم تنتظر مصالحها من جديد لتعيد تاريخ سياسي سابق ،حكم عليه بالفشل؟ .لم تظهر األيام بعد نتائج مطلقة ،ال سيما مع تطور الفكر القبلي والعشائري في العصر الحالي من خالل أفرادهم املثقفني .يذكر الباحث محمد بو طالب في أطروحته عن «سوسيولوجيا القبيلة في املغرب العربي» أن تحطيم القبيلة الذي مارسه ّ االحتالل الفرنسي في الجزائر كان أحد أسباب تفشي العنف والراديكالية اللذين ظهرا الحقًا في املجتمع .فالبنى االجتماعية التقليدية كالقبيلة كان من املمكن أن يكون لها شأن في حفظ التوازن االجتماعي بعد صدمة االحتالل ،وهو األمر الذي حدث لدى املجتمع الليبي املجاور». هذه الفنت القبائلية تشير إلى أهمية دور القبيلة في استقرار وتماسك الدول التي تقوم على القبلية ،وذلك حني تقوم القبيلة بدورها الحيوي .فثقافة القبيلة ودورها عادة ما يبرزان بقوة، في غياب الدولة وضعف مؤسساتها ،الدولة بصفتها القاعدة الثابتة الصلبة التي تضمن تطبيق القانون وتقيم العدل واملساواة. ليس بعيدا عن ليبيا ،ينام اليمن على قاعدة من الجمر امللتهب في غياب الدولة ومؤسساتها املدنية .تزاوج الدولة والقبيلة في اليمن أدى إلى فشل سياسي ظاهر .وقد اعتبر تقرير دولي، أن اليمن يواجه العديد من املشكالت االجتماعية العامة التي تعيق التطور الديمقراطي في اليمن وفي مقدمتها «الثقافة القبلية والنظام االنتخابي الحالي» ،وقال :إنها ترفع بضعة رجال أثرياء إلى مواقع السلطة املطلقة علي جميع النساء وأغلبية الرجال» .إن حزب املؤتمر الشعبي الحاكم ّ طور سياسة إدماج شيوخ القبائل بالسلطات السياسية حتى باتت هذه القوى التقليدية تسيطر على البرملان من خالله كحزب حاكم يستمر في تعزيز الوشائج القبلية بسبب ثغرات قانون االنتخابات لينتقل من انتخابات إلى أخرى إلي نظام الحزب الواحد ،الذي يصبح التنافس محصورًا بني أعضائه فقط. وانتقد النظام االنتخابي املعمول به في اليمن ،وذكر أن فيه الكثير من الثغرات التي ال تنجم عنها نتائج شرعية قانونية
30
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
مما يعيق التحول الديمقراطي وإنجاز أولويات املجتمع. القبيلة أساس اجتماعي في كل أرجاء اليمن ،فيتباين نفوذ القبيلة السياسي من خالل املشائخ من منطقة ألخرى. للقبائل في اليمن ،تقاليدها وأعرافها ومسلحوها ،وهو ما ألقى بظالله على الواقع السياسي ومفهوم الدولة املعاصرة في اليمن ،بل إن بعض املناصب الحكومية يتوالها أصحابها حسب ثقلهم العشائري .وحسب كتاب «حرب اليمن ..1994 األسباب والنتائج» ،فإن القبائل األكبر في اليمن هي قبيلة «مذحج» تليها قبيلة « بكيل» ومن ثم قبيلة «حاشد» وجميعها تتركز في الشمال ،فيما تلتحق باقي القبائل في الجنوب بالتجمع األخير والتي شكلت حتى األمس القريب أداة حماية النظام. وتفيد دراسة للباحث اليمني نزار العبادي أن اإلحصائيات تقدر عدد القبائل اليمنية بمائتي قبيلة ،وتتمتع القبائل اليمنية بإمكانيات مادية وبشرية ،أدت إلى تعاظم تأثيرها على اتجاهات القرار السياسي للدولة ،وال سيما مع واقع انتشار ظاهرة امتالك السالح بشكل واسع النطاق في اليمن بني رجال القبائل بوجه خاص ،حتى إن بعض قبائل «حاشد» تمتلك وحدها مئات اآلالف من الرجال املسلحني. أجرى عبد العزيز الحيص الباحث السعودي في «املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات» ،دراسة بعنوان «القبيلة والديمقراطية :حالة العراق امللكي (1921ـ .»)1958ذكر في ّ خالصته أن القبيلة ،في مرحلة ما ّ «قوة معارضة للنظام وربما ،في مرحلة أخرى ،تدخل في صراع حادّ السياسيّ ، ّ ّ بعض من ناحية ،أو ضد الحكومة من ناحية بعضها مع ّ أخرى ،أو يتولد نوع من التوافق واالنسجام بني القبائل ّ والنخب الحاكمة .وهي حاالت أعاقت ،في مجملها ،استكمال ّ واملدنية في العراق. املمارسة الديمقراطية الدولة الحديثة في العراق ولدت في وقت مبكر من القرن ً العشرين لتجد أمامها ثقال ووجودًا كبيرا للقبائل ،سواء بني العرب أو األكراد .وقد عملت الدولة العثمانية على استخدام القبائل في الحروب واإلغارة على جيرانها لتوجيه ّ الخارجيني وتحطيم القبيلة. ّقوتها وطاقتها نحو األعداء ّ البريطانيون فعملوا على إحياء القبيلة واحتوائها عبر أما استمالة زعمائها ،وتقديم االمتيازات لهم .وفي فترة حكم امللك فيصل ،وهو ّأول ملك على العراق الحديث ،ركز في سياسته على احتواء القبائل ،وجعلها خاضعة للدولة تحت راية وطنية واحدة .وكان املثال األبرز نجاح ّ التمرد القبلي في إسقاط وزارات ّأيام العراق امللكي. ّ الديمقراطية وأشارت دراسة الحيص إلى أن فشل املمارسة في العراق في تلك الفترة يعود في املقام األول إلى استبداد ّ التدخل والدعم البريطاني ً دورا النخبة الحاكمة ،كما لعب في إخفاق املسار الديمقراطي ،لكن القبيلة لعبت أيضًا دورًا ّ العراقية مساعدًا في ذلك .وتؤكد هذه الدراسة ّأن الدولة الحديثة لم تنجح في نسخ الوالء للقبيلة بالوالء للوطن ،ويعود ّ ّ ّ القبلية إلى جانب تشكك الناس في ذلك إلى قوة تجذر القيم سلوك أفراد النخبة الحاكمة ،وهو األمر الذي ينطبق على دول ّ عربية أخرى. يبدو الحديث عن القبلية في بعض الدول ،كما أسلفنا ،حديثا ذا شجون .إال أن الحديث عن القبلية في مصر يأخذ منحى
,,
رجال من قبيلة الطوارق في املهرجان السنوي لركوب الجمال وااللعاب التقليدية في الصحراء الليبية
التعددية .أن نأخذ هذه الفكرة جديا ،يعني أننا نسقط كافة الفرضيات األخرى في السلة نفسها ،وليس بعيدا منها الفرنكوفونية واألنغلوسكسونية كفكر تصنيفي ،بل نكاد نقترب أكثر ونشمل األحزاب والنقابات التي يندرج تحتها العملية الديمقراطية املزروعة ولو شكليا في العالم العربي.
ذلك حتما .فالنازيون في أملانيا كان أبرز من طوروا أملانيا الحديثة ،ومثلهم الفاشيون في أيطاليا والقوميون األتراك في تركيا .وعلى النقيض توجد أطروحات قبلية تخريبية تحارب الحداثة كما يحدث ألفغانستان والسودان ،والنازية والفاشية في مراحلها األخيرة.
تقوم فكرة «الخالفة» على استعادة دور القبيلة في مقابل الدولة الحديثة فاملسلمون في نظر جماعات اإلسالم السياسي عبارة عن قبيلة ضخمة تتخطى حدود الدولة وجغرافيتها في العالم
,,
وإذا ما أخذنا أوروبا كمثال ،فإن األمم األوروبية إلى ما قبل القذايف والقبيلة
ثالثمائة عام فقط ،كانت تقوم على النظام اإلقطاعي وهو نظام بشع تبدو القبيلة أمامه مالكا طيبا .فأملانيا على سبيل املثال كانت تحت سيطرة قبائل «الجرمان» ،وبريطانيا يسيطر عليها تحالف القبائل األنغلوسكسونية ،والسويد وسويسرا تحت حكم قبائل «الفايكنغ» ،ومازال اإلنجليز يتندرون بذكر قبائل اآليرلنديني املتحاربة .لكن ذلك لم يستمر .وها هي أوروبا اليوم دول حديثة متناغمة تجري إلى الحضارة جريا ماراثونيا ،فال تذكر تاريخها هذا سوى في الفن والتاريخ. لكن السؤال ،هل تنتج القبيلة دوال متخلفة دائما؟ .ليس
استغل السياسي القبيلة في تشكيل وتوحيد الدول من خالل استمالتها ألغراض سياسية ،أو إثارتها ،أو من خالل التحشيد أو ترجيح جناح على آخر وغير ذلك. هذا بالفعل ما حدث في بعض البلدان .فاملجتمع الليبي عامة، على سبيل املثال ،مجتمع قبلي بطبيعته ،هو الذي يتكون من عدد من القبائل املتصاهرة واملتقاربة في العادات والتقاليد. والثقافة القبلية مازالت تتسيد كل من القرى واملدن الكبرى الرئيسة على حد سواء .وقد بثت لنا وسائل اإلعالم أخبار المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
29
شؤون سياسية
,,
نظام القبيلة يحتوي على بذور املمارسات الديمقراطية ،وإن بصورة بدائية. فمجلس شيخ القبيلة هو أشبه بالبرملان الذي يبحث شؤون ُ القبيلة وفيه تتخذ القرارات جماعيا
,,
فمشكالتنا، نحن العرب ،في معظمها هي مشكالت «عالقات احلارس األمني؟ ّ
وأربطة» ،وتشكل جمعي أكثر مما هي مشكالت «ذوات».
فيما ينحو هشام شرابي في كتابه «النظام األبوي ،وإشكالية تخلف املجتمع العربي» ،إلى أن القبيلة قد تصبح كيانًا اجتماعيًا بالغ الخطورة حني تتقاطع مع العالم السياسي الحديث ،ألنها تتداخل بهذا العالم بشكل «عصبي وتحشيدي» وغير منضبط فكريا ما يولد نتائج فادحة على املستوى ّ السياسي واالجتماعي .والقبيلة ككتلة اجتماعية مؤثرة ال تكون سلبية دائمًا .فقد يكون لها مواقف إيجابية في التأثير السياسي واالجتماعي ،مثل دعمها القيم واألخالق ّ ّ السامية، ومثال ذلك وقوف القبائل أو تعزيزها حصانة املجتمع. ّ العراقية في ثورة العشرين ّ ّ ضد املحتل البريطاني. ّ ويرى عزمي بشارة ّأن القبيلة تمثل عامل اعتدال قادر على ّ خلق نوع من االتزان االجتماعي في مواجهة «األيديولوجيات املطلقة». 28
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
في عصرنا الحاضر حاولت القبيلة الذوبان في املجتمع املدني ،فقد لعب التمثيل القبلي دورا بارزا في العملية الديمقراطية. الجدير بالذكر أن نظام القبيلة يحتوي ،كجزء من إرثها السياسي ،على بذور املمارسات الديمقراطية ،وإن بصورة بدائية .فمجلس شيخ القبيلة مثال هو أشبه بالبرملان الذي يتم تباحث فيه شؤون القبيلة وتتخذ القرارات جماعيا .وإذا ما تأملنا القبيلة كتنظيم سياسي ،فإن القبائل في مجتمعاتنا العربية هي األكثر قابلية ألن تكون مؤهلة للعب دور األحزاب السياسية حني تتحول الدولة إلى حديثة. اعتبر البعض أن القومية العربية هي صيغة أخرى لـ»القبيلة»، وأنها أطروحة شوفينية برداء عصري ،حني تعتمد على املشتركات العرقية .في حني أن الدولة الحديثة تؤسس على
اجتماع لزعماء القبائل السنية العراقية املعروفة بـ «مثلث املوت» في جنوب غرب بغداد
وقد سعت هذه األسر إلى استمرار ثقافة القبيلة في الدولة الحديثة ألسبابها السياسية ،التي قد يكون منها ضمان والء القبائل لضمان الحكم .وإذا نظرنا إلى األمر من زاوية أخرى، فقد تكون بداية إخضاع القبائل لنسق الدولة الحديثة مبدئيا، وانضوائها جميعا تحت راية الدولة الواحدة .وهذا األمر يتطلب حنكة سياسية من السياسي .إال أن هذه البلدان كان من املهم لها أن تتماشى مع الديمقراطية العاملية الكالسيكية، إذن فال بد من تأسيس مجالس الشورى والبرملانات وما سواها .وهذا ما حدث .ولم يزد ذلك الثقافة القبلية إال تعمقا. ونستطيع أن نلمس ذلك في االنتفاضات الشعبية العربية، حني يستنفر الحاكم عشيرته في مواجهة الشعب الثائر، وهذا ما يجعل الثورات مهددة بالتحول إلى حروب أهلية. دور القبيلة سياسيا في البلدان القبلية دور حيوي وأساسي، فهو إما يؤدي إلى استقرار أو إلى اضطراب سياسي ،بني انحياز وتأييد لجانب سياسي ما أو محاربته .وهذا كله يصب في الدور والتأثير السياسي للقبيلة .هل بإمكان القبيلة أن تصبح حزبا سياسيا فعال؟ُ .يبنى املجتمع املدني على الفرد الذي يشكل املجتمع الكلي الذي يقوم على الحرية الفردية، بينما ُيبنى الفرد في النظام القبلي على القبيلة نفسها من خالل التفكير الجمعي والحرية الجمعية ال الفردية .الفرد في القبيلة ليس حر نفسه بل ملك للقبيلة. يقول خلدون النقيب ،في كتابه «في البدء كان الصراع» «عندما خطر داهم ،نعود إلى هذه ألزمة طاحنة ،أو يتعرض املجتمع ٍ ٍ ّ الوشائجية ،التي نجد فيها األمان االنتماءات -الوالءات ّ والطمأنينة ،أو نستعملها كأدوات لتحقيق املصالح وكسب املنافع» ،ويعتقد النقيب أن املجاميع «القبلية» و»الطائفية» هي من أخطر املجاميع تأثيرا في املجتمع العربي ،ألنها تتمتع
بالوالءات القوية القادرة على توجيه الجموع ،وربما يتمكن البعض من توجيهها في مسارات خارجة على الواقع أو القاع السوسيولوجي الطبيعي الذي ينتمي إليه املجتمع. ويكشف خلدون النقيب عن مفهوم «القبيلة السياسية» ،في كتابه صراع القبيلة والديمقراطية :حالة الكويت» ،بوصفها ً ً شكال حديثا من أشكال التنظيم االجتماعي يتمايز عن ّ املفهوم التقليدي للقبيلة الذي يعتمد وحدة النسب .وهي حالة ّ «عقلية عامة» تخصب الذاكرة الجماعية للمجموعة ،وهي مفهوم تطوري أيضًا يتناغم مع األوضاع الجديدة ،ويفيد ّ التجمعات كما ترابطت القبائل ّ من أجل سياسة أو ترابط ّ غرض؛ فهي عصبية تتلون بألوان الطبقات والطوائف ،في املدينة أو الريف ،ألن هياكل النظم التقليدية ما زالت تعيد ّ يستجد من دوراتها التاريخية .ويرى إنتاج نفسها عبر ما النقيب ّأن القبيلة حافظت ،تاريخيًا ،على الوحدة والتجانس الثقافي للمجتمع العربي ،وعملت كوسيلة ضبط اجتماعي فيه». أما محمد جابر األنصاري مؤلف كتاب «العرب والسياسة: بشكل أين الخلل؟» فيقول «لم تنجح الدولة العربية الحديثة، ٍ ٍّ مبني على عام ،في إيجاد جو من الطمأنينة لدى أفرادها ْ ّ االجتماعية ،ورعاية املواطن ،وحفظ الحقوق تحقيق العدالة ّ واألمن ،وتحقيق سبل املشاركة الشعبية للناس ،كما أنها لم تفلح ،على مدى أكثر من نصف قرن ،في تقديم نفسها بوصفها تجربة وحدوية وطنية ناضجة ،يعتمد عليها األفراد ويركنون إليها».
,,
البنى االجتماعية التقليدية لها شأن مهم في حفظ التوازن االجتماعي والقبيلة تساهم في تأكيد استقرار وتماسك الدول التي تقوم عليها
,,
ّ املتجددة لثقافة ويقول أيضا «تتطلب ّقوة الحضور القبيلةّ ، تجدد االهتمام والتركيز البحثي في مسألة القبيلة. المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
27
شؤون سياسية
منذ أن كنت صغيرة وأنا أسمع اسم «القبيلة» ،فهي الثقافة األكثر خصوصية وتميزا في الخليج العربي ،وأكاد أقول أكثر الدول العربية .في بالدي تبدو «القبيلة» حميمية، دافئة ،صديقة ،شهمة ،عربية ،وأحبها ،شريطة أال تطغى على الوطن والهوية العامة ،وأال تذكي التعصب والنعرات.
عندما تتجاذب الدولة و العشيرة الوطن
القبيلة والسياسة بقلم: فضيلة الجفال
,,
تشكل القبيلة مكانا أكثر ثباتا وأمانا يعوض عن غياب الدولة إذا ما حدثت أي قالقل واضطرابات تمامًا كما يحدث في بلدان «الربيع العربي»
,,
26
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
أصول القبائل العربية تتناثر وتتجذر في تربة خريطة العرب ،واليوم الذي نعيش فيه مع تطورات التقنية ،تفتح الصفحات على مواقع الشبكة العنكبوتية فترى قبائل إلكترونية مجتمعة :تجمعات قبيلة شمر ،مجموعة عتيبة، شجرة حرب ،قبيلة قحطان وغامد وبني خالد وبني هاجر ويام وو ..وغيرها من القبائل .في موقع «فيس بوك» ،وجدت نفسي في مجموعة عاملية ضخمة لعائلتي ،مجموعة من مئات األشخاص الذين يبحثون عنها في العالم ،يتصافحون ويتباحثون األصل القبلي .بني هوس البحث عن هوية لهؤالء الذين يحاولون التكتل تحت راية القبيلة ،ثمة أسئلة عريضة نبتت مثل شجرة الصفصاف ،وتسلقت على الكرة األرضية، تماما مثل القبائل التي تبحث عن عروقها في األرض فتسقيها وتتكئ عليها. لكنه عالم ما بعد الحداثة ،حيث يعيد العالم روح الهوية واالنتماء ،سواء تلك التقليدية أو املستحدثة .إال أن بث الروح في الهويات التقليدية ،والذي يعتبر نوعا من االنتكاسة إلى املاضي ،حيث القبيلة هي األصل وهي املفر والقاعدة البديل، يعد بمثابة ّ ردة فعل على غياب البديل العميق ،الذي يمكن أن يحل مكان الهوية التقليدية ،كتعويض ،وهو «الوطن» بمكوناته الحديثة .قد نرى من متالزمات ذلك أن يكون تأسيس الدولة الحديثة في بعض دول العالم العربي ،ال سيما بلدان ما سمي «الربيع» يتراجع تحت غطاء القبيلة والعشيرة، في عملية البحث اإلنساني عن مأمن أكثر ثباتا يعوض عن غياب الدولة ،إذا ما حدثت أي قالقل واضطرابات .وهذه ربما األداة نفسها التي عادة ما تستخدمها النخب السياسية إلرضاخ الشعوب ،ولترسيخ مكانتها وسيادتها بني القبائل حني تشعل فتيل التناحر والتفرقة بينها ،تماما كما كان يفعله القذافي ،وصدام حسني ،وما يفعله األسد اآلن. ليس جديدا إذا قلنا إن ثمة هويتني ثقافيتني تنازعتا على هوية القبيلة لدى شعب الجزيرة العربية ،وما جاورها هما هويتا اإلسالم والعروبة .كانت هوية القبيلة هي الحاضنة االجتماعية األهم ،تتبارى في أهميتها مع كل الهويات األخرى ،بما في ذلك الهوية الشخصية للفرد .وربما يظهر هذا جليا في قول دريد بن الصمة:
وهل أنا إال من غزية إن غوت أرشد غويت وإن ترشد غزية ِ ومن ذلك أيضا التفاخر بالقبيلة ،ونستشهد بشعر جرير: فغض الطرف إنك من نمير فال كعبا بلـ ـ ــغت وال كالبا استمر العرب في تمجيد القبيلة ودورها في الكيان االجتماعي .وحني جاء االسالم ،كان من املتوقع أن ينتزع جزء من عروق تلك الهوية لصالح الدين .لكن ذلك لم يزعزع قاعدتها املتجذرة .وعلى الرغم من انفتاح العالم حتى يومنا هذا على الثقافات العاملية ،ال سيما التقنية والرقمية ،والقدرة على التنقل في شتى قارات العالم افتراضيا وجسديا ،تبقى القبيلة لدى القبليني في العقل والقلب عصية على التنحي.
القبلية يف حفلة تنكرية تبدو «الخالفة اإلسالمية» كفكرة تحاول استعادة دور القبيلة في مقابل الدولة الحديثة .فاملسلمون هم في نظر جماعة اإلسالم السياسي ،عبارة عن قبيلة ضخمة تتخطى حدود الدولة وجغرافيتها في العالم .وعلى إثر ذلك ،تساوى مفهوم الحزب السياسي في البلدان العربية مع مفهوم القبيلة من حيث الفكرة واملبدأ والتنسيق .فاملقياس لدى اإلسالميني هو القبيلة وليس الفرد. وهذا الفرد يقرب أفراده اإلسالميني على أبناء جلدته من أبناء الوطن الذين ينتمون إلى طوائف أو تيارات أخرى ،فترجح كفة مفهوم ثقافة القبيلة على ثقافة الدولة. املجتمعات العربية ،بحسب مفاهيم علم االجتماع ،لم تسلك في تطورها مسالك املجتمعات األخرى .إن أهم العوامل التي أسهمت في التغيرات االجتماعية العربية كانت غالبا عوامل خارجية .فاالستعمار حني غادر البلدان العربية ،أبقى البنية االجتماعية كما هي تحت حكم القبلية.
حسن البنا بفتواه وطريقة فهمه للدين ،وبعد عودته إلى الكويت قام عبد العزيز املطوع بنقل أفكار الشيخ حسن البنا إلى الكويت ،وأنشأ جمعية اإلرشاد برئاسة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي مع بعض اإلخوة األفاضل من الناشطني االسالميني ،وهم عبد العزيز العلي املطوع مراقبا عاما للجمعية ،وبعضوية كل من رئيس مجلس األمة األسبق محمد العدساني ورئيس املجلس البلدي االسبق أيضا عبد العزيز العدساني وأحمد الجسار وزير األوقاف حينذاك ،وخالد املسعود وزير التربية ،ويوسف الرفاعي وزير الدولة ،وعبد الرحمن العتيقي وزير املالية، وخالد العيسى وزير الكهرباء». وأضاف املطوع في حديثه «بدأ الوالد يتحدث عن فكر اإلرشاد ،وجرى بالفعل تأسيس جمعية اإلرشاد مع هذه املجموعة وآخرين في شهر رمضان عام 1371 هجري املوافق 1952ميالدي ،وسميت جمعية اإلرشاد في الكويت ،وكان شعار اإلرشاد هو املصحف املفتوح مكتوب عليه «واعتصموا بحبل الله جميعا» ،ومن أسفله غصنا زيتون رمزا للسالم ،واستمرت لسنوات بهدف تعريف الفرد املسلم بسماحة الدين الحنيف ،وكان الهدف دينيا بحتا وليس هناك أي أهداف سياسية. ويستكمل املطوع حديثه لصحيفة السياسية الكويتية (منشور بتاريخ 2013/1/21ص 8ـ )9عن انقالب جمال عبد الناصر على اإلخوان في مصر ،كونه تسبب في خالف فكري بني والده عبد العزيز املطوع وبعض جماعة اإلرشاد أنفسهم في الكويت ،وأن السبب في ذلك كان إخوان مصر وعبد الناصر ،وبالطبع ذلك لم يرق لعبد العزيز املطوع الذي كان يدعو إلى البعد عن األمور السياسية وعدم خلط الدين بالسياسة ،ولكن اإلخوة في جمعية اإلرشاد طالبوا بضرورة مساندة إخوانهم في مصر ضد عبد الناصر ،ورغم أن والدي كان هو صاحب فكرة تأسيس اإلرشاد ،وكان مقرها بيت والده وينفق عليها من ماله الخاص ،فقد تقدم باستقالته من جمعية اإلرشاد حتى ال يصطدم مع بعض الشباب الذين كان لهم فكر سياسي بجانب الدعوة ،وقال وقتها نحن أتينا لترسيخ الدعوة الدينية فقط بعيدا عن العمل السياسي، فهي جمعية دينية وليست سياسية ،هذا هو فكر عبد العزيز املطوع .وبني أحمد املطوع مستكمال رواته التاريخية عن تأسيس اإلخوان املسلمني في الكويت أن والده املرحوم عبد العزيز املطوع بعد تقديمه استقالته من جمعية اإلرشاد كتب له أعضاء الجمعية رسالة، يرجونه فيها أن يعدل عن استقالته ،ولكنه أصر عليها وترك اإلرشاد وبعد بضع سنوات جاء املغفور له األمير الشيخ عبد الله السالم وأغلق جميع جمعيات النفع العام ومنها جمعية اإلرشاد ،ومن ثم جاءت بعد ذلك جمعية اإلصالح والتي أسسها العم عبد الله العلي املطوع شقيق الوالد عليهما رحمة الله لتكون امتدادا لجمعية اإلرشاد.
إشكالية محرجة ويواجه اإلخوان املسلمون في الكويت اليوم اشكالية محرجة سببتها تداعيات األحداث املصرية بعد وصول الرئيس محمد مرسي ،تضاف بدورها لسلسلة االشكاالت التي حاصرتهم جراء ارتباطهم/انفصالهم
عبد العزيز العلي املطوع ..مؤسس «إخوان الكويت» في عام 1947أسس عبد العزيز العلي املطوع ،أولى خاليا لجماعة األخوان املسلمني في الكويت .وبتوصية من حسن البنا املؤسس واملرشد العام لإلخوان املسلمني أصبح املطوع ضمن أعضاء املجلس التأسيسي للجماعة. ويذكر الشيخ محمد محمود الصواف في كتابه «من سجل ذكرياتي» ،أن املطوع «كان على صلة كبيرة بإخوان مصر ومع اإلمام البنا» .املطوع كان تعرف في منتصف األربعينيات على البنا خالل دراسته في القاهرة كما التقاه الحقا في مكة املكرمة .تمكن املطوع من تأسيس أول بناء لإلخوان املسلمني في الكويت على شكل شعبة ،ثم تقرر أن تكون التسمية مختلفة عن اسم الجماعة األم فنشأ ما يعرف بجمعية اإلرشاد اإلسالمية لتكون واجهة اجتماعية لنشاط اإلخوان املسلمني التنظيمي .تم انتخاب املطوع كأول مراقب عام لجمعية اإلرشاد في حني تولى رئاسة الجمعية الشيخ يوسف بن عيسى القناعي .كانت األهداف املعلنة تتمثل في نشر الثقافة اإلسالمية وبعث روح التدين وعرض اإلسالم على أنه عقيدة ونظام عاملي صالح ملعالجة املشاكل االقتصادية واالجتماعية .تزامن تاريخ تأسيس جمعية اإلرشاد اإلسالمي مع توافد أعضاء من جماعة اإلخوان املسلمني في مصر وبقية فروع اإلخوان في املشرق العربي والعالم اإلسالمي إلى الكويت بهدف العمل سواء في السلك التعليمي أو في املرافق األخرى. عن التنظيم العاملي ،فقد راحوا يؤيدون قرارات الرئيس مرسي حتى ما تعلق منها باستخدام القوة في وجه املتظاهرين بالشوارع ،لكنهم في نفس الوقت يقودون احتجاجات داخل املناطق السكنية ضد الحكومة الكويتية ،ويعارضون استخدامها القوة ضد املحتجني. تاريخ اإلخوان املسلمني في الكويت يعود إلى أواسط خمسينيات القرن املاضي ،تخلله صعود نجمهم حينما احتضنتهم السلطة ،وسيطروا على مفاصل الدولة منذ نكسة ،1967حينما قدموا نفسهم بديال عن القوميني العرب ،وكانت ذروة تسيدهم املشهد في ثمانينات القرن املاضي ،إال أن بريقهم بدأ يخفت في التسعينات ،واستمر كذلك حتى قرروا ترميم شعبيتهم، فانتقلوا من املواالة إلى املعارضة عام ،2008وبعدما كانوا يشاركون في كل حكومة بوزير أو اثنني ،أصبحوا يشاركون في االستجوابات التي تقدم للوزراء ورئيس الحكومة ،ثم أصبحوا قادة للحراك املعارض املطالب بتغيير النظام السياسي بالكويت ،وتقليص صالحيات األمير الدستورية ،وتحويل البالد إلى النظام البرملاني الذي يشكل فيه البرملان الحكومة وليس رئيس الدولة. إن استعراض أبرز املحطات السياسية التي عبرها تنظيم اإلخوان املسلمني في الكويت وارتباطاته الدولية ومواقفه املحلية ،تؤدي بشكل أو بآخر لفهم منطق تعاطي اإلخوان مع األحداث ،وإن كان يغلب عليه ازدواج املعايير واالنتهازية في أكثر من منعطف ،فبعد دعم الحكومة الكويتية تحولوا إلى رأس حربة معارضيها، ومن رفض مشاركة املرأة بالعمل السياسي إلى أبرز دعاة إدماجها في العمل السياسي ،ومن معاداة طهران في وسائل اإلعالم ومواقع التواصل االجتماعي ،إلى احتفاء بالسفير اإليراني خالل حفل استقبال ،ال ضير من تطييب خاطر العاتبني بعبارة اعتذار ال تضر مصلحة التنظيم العليا <
,,
انعكست عالقة اإلخوان املسلمني مع الكويت سلبا خالل الفترة التي تلت تحرير الكويت من الغزو العراقي بحكم تداعيات موقف اإلخوان املسلمني من الغزو وهو ما دعا التنظيم إلى تغيير جلده
,,
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
25
شؤون سياسية
صفحات مجلة املجتمع التابعة لجمعية اإلصالح. وبناء على صحيفة «الطليعة» الكويتية (تمثل اليسار القومي املعارض) فإن حزب اإلخوان املسلمني الكويتي عاد إلى تنشيط عضويته في التنظيم الدولي لإلخوان املسلمني عام .2004وبينت الطليعة ان «أزمة احتالل العراق للكويت سنة 1990كادت تعصف بالتنظيم، فاإلخوان انقسموا تماما :إخوان األردن كانوا األكثر تطرفا ،وواحد منهم وصف صدام بأنه خليفة املسلمني.
,,
تاريخ اإلخوان املسلمني في الكويت يعود إلى أواسط خمسينيات القرن املاضي تخلله صعود نجمهم حينما احتضنتهم السلطة وسيطروا على مفاصل الدولة منذ نكسة 1967 حينما قدموا نفسهم بديال عن القوميني العرب
,,
24
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
وأن إخوان مصر حاولوا إمساك العصا من املنتصف، إال أن املستشار مأمون الهضيبي ،وكان وقتها نائبا للمرشد ،تبنى موقف إخوان األردن ،فاجتمع إخوان الكويت وقرروا تجميد عضويتهم في التنظيم الدولي، احتجاجا على تلك املواقف ،والتجميد استمر فترة طويلة، وبعد جهود حثيثة عادوا ،ولكن ليس بالقوة نفسها، ُ وهناك أنباء تشير إلى أنهم نصحوا بأن يحافظوا على كونهم إخوان الكويت ،من دون أن تكون لهم صلة بالتنظيم الدولي».
واملساجد في الواليات املتحدة األميركية من أجل كسبها، وبعد أن استوضح الشيخ سعود أكثر من الوفد ،أجابه إسماعيل الشطي أن الشعار الذي سيطرحونه في هذه املراكز هو« :وجوب مقاتلة الوجود األميركي في املنطقة»، وقال الشيخ سعود إن الشطي زاد في كالمه لتوضيح موقفهم بأن قال« :إنهم ال يريدون قوات أجنبية ،وإنه يجب أن تستبدل هذه القوات بقوات إسالمية لتحرير الكويت»، وهو ما نفاه الحقا العتيقي والشطي والسويدان. كما تحدث الناصر كذلك عن دور خطير قام به اتحاد الطلبة في أميركا الذي يسيطر اإلخوان املسلمون أثناء الغزو ،حينما سعى أعضاؤه لتخريب قيام السفارة الكويتية في واشنطن بتوفير مترجمني مرافقني لقوات تحرير الكويت عن طريق وزارة الدفاع األميركية ،حيث استطاعت السفارة توفير 600مترجم من الطلبة الكويتيني في أميركا ملوافقة الجيش األميركي ،تربص أعضاء اتحاد الطلبة بالدفعة األولى من مواطنيهم املترجمني ،وحثوهم على «عدم التطوع مع النصارى واليهود» تحت حجة إفهام الطلبة ألمور دينهم.
ويعد موقف تنظيم اإلخوان املسلمني من الغزو العراقي ،كيان سياسي محلي
عالمة فاصلة أيضا بتعاطي الجماعة مع الكويت ،فبينما كان تمويل عدد من مشروعاتها يتم بأموال من الكويت، إال أنها مع ذلك فضلت الوقوف في صف صدام حسني، بل إن عددا من قياديي التنظيم الكويتيني كان لهم موقف ملتبس من الغزو العراقي ،وأن منهم من سعى جاهدا لعدم مشاركة الواليات املتحدة األميركية بتحرير العراق واستبدال قوات التحالف الدولية بأخرى إسالمية.
انعكست عالقة اإلخوان املسلمني مع الكويت سلبا خالل الفترة التي تلت تحرير الكويت من الغزو العراقي ،بحكم تداعيات موقف اإلخوان املسلمني من الغزو ،وهو ما دعا التنظيم إلى تغيير جلده ،وأنشأ ذراعه السياسية« :الحركة الدستورية اإلسالمية» (تأسست )1992وحرص على تدعيمها برموز اإلخوان املسلمني مع تأكيده بأنها مجرد كيان سياسي محلي ال يتبع تنظيم اإلخوان املسلمني، ألن العالقة مع التنظيم العاملي مجمدة ،وأن دور الحركة سيكون مجرد املساهمة في الحياة السياسية عبر املشاركة باالنتخابات البرملانية والتفاعل مع األحداث املحلية.
وكشفت الطليعة في عدد لها صدر العام ذاته عن حدثني شهدهما الغزو العراقي على الكويت عام 1990من زاوية حزب اإلخوان املسلمني الكويتي ،الذي اعتبرت مواقفه سلبية تقاطعت مع املوقفني الرسمي والشعبي الكويتي تجاه الغزو ،األول :اجتماع وفد حزب اإلخوان املسلمني الكويتي مع أحد مساعدي وزير الخارجية األميركية عام ،1990حيث عبروا عن رفضهم للتدخل األميركي في طرد الجيش العراقي من الكويت ،أما الحادثة األخرى فإنها تمثلت في الوفد الذي شكله حزب اإلخوان املسلمني الكويتي لحضور أحد املؤتمرات اإلسالمية في الهور في باكستان إبان الغزو أيضا ،حيث وقعوا على البيان الختامي للمؤتمر الذي يدين تدخل الواليات املتحدة في طرد الجيش العراقي من الكويت.
ورغم محاوالت كثير من قادة اإلخوان املسلمني في الكويت نفي ارتباطهم بالتنظيم الدولي ،وإصرار مسؤولني في جمعية اإلصالح االجتماعي على عدم ارتباطهم باإلخوان املسلمني ،إال أن موقع الجمعية االلكتروني ،هو املوقع الوحيد لجمعية نفع عام بالكويت يخصص جزء منه لعرض «رسائل اإلمام حسن البنا» ،كما كشف أحمد عبد العزيز املطوع في لقاء نشر أخيرا عن نقطة ارتباط الجمعية بالتنظيم الدولي لإلخوان املسلمني.
وأشار سفير الكويت السابق لدى الواليات املتحدة األميركية الراحل الشيخ سعود الناصر (توفي )2012 إلى تلك الحادثة في برنامج إضاءات عبر قناة «العربية» مع تركي الدخيل عام ،2005وجاء في إفادة الناصر ،أحد شهود الغزو العراقي وعالقة الكويت بالواليات املتحدة األميركية نظرا لدوره وموقعه خالل األزمة األشهر بتاريخ الكويت ،باعتباره سفير الكويت لدى واشنطن عام ،1990أن ثالثة من قيادي حزب اإلخوان املسلمني الكويتي وهم إسماعيل الشطي وطارق السويدان وعبد الله العتيقي قابلوه في واشنطن أكتوبر (تشرين األول) 1990وطلبوا منه 50مليون دوالر لدعم هيئة أنشأوها ملناصرة الكويت للتحرك في أوساط املراكز اإلسالمية
فقد تحدث املطوع في لقاء مع صحيفة «السياسة» الكويتية عن ذكرياته مع والده وعمه ،والده عبد العزيز علي املطوع أحد مؤسسي العمل التطوعي الخيري في الكويت وعمه عبد الله علي املطوع رئيس جمعية اإلصالح االجتماعي في الكويت ،حيث أكد أحمد املطوع أن والده سمع بالشيخ حسن البنا وهو في بغداد وأعجب بمبادئه، وقصد السفر إلى القدس ،ثم ذهب إلى مصر واجتمع بالشيخ حسن البنا ،وذهبا معا إلى مكة املكرمة للعمرة، وأعجب الشيخ البنا بطريقة فكر الوالد وأسلوب كالمه، وخالل وجودهما في مكة سأل أحدهم الشيخ حسن البنا في أمر يحتاج إلى فتوى ،فطلب الشيخ من والدي أن يفتي في األمر ،وعندما أفتى والدي في األمر أعجب الشيخ
االخوان املسلمون في الكويت يرفضون التغلغل االيراني في املنطقة ويدعمون سياسة طهران في غزة والقاهرة
إال خير شاهد على ذلك. كما يمكن تلمس هذه األريحية بجالء بني عامي 2005 و ،2006حيث تمكنت الحكومة الكويتية يدعمها النواب الليبراليون بالبرملان من تمرير قانون يجيز للمرأة املشاركة في العمل السياسي ،وهو ما اعترض عليه النواب القبليون واإلسالميون ،ومن بينهم ممثلو اإلخوان املسلمني الذين استندوا بموقفهم إلى فتاوى مشايخ ورجال دين ،وحاولوا قدر املستطاع إفشال القانون ،إال أنهم كانوا أول من استفاد منه وفتحوا اللجان النسائية الستضافة الناخبات واستمالتهن لدعم مرشحي الحركة الدستورية اإلسالمية .واكتسب فرع اإلخوان املسلمني في الكويت أريحية تطويع مواقفه في عام ،1990حيث تمكن من تجميد عضويته في التنظيم العاملي ،جراء موقفه من الغزو العراقي للكويت ،لكن الفرع أبقى الباب مواربا مع التنظيم الدولي ،باعتباره ّ جمد عضويته ولم يلغها نهائيا .وبحسب الرواية التاريخية فإن التنظيم العاملي لحركة اإلخوان املسلمني مال خالل عام 1990 ناحية تأييد الرئيس العراقي صدام حسني بقرار غزوه للكويت ،ما دفع بممثلي التنظيم في الكويت إلى تجميد عضوية فرع بالدهم في التنظيم الدولي احتجاجا على ذلك.
فضاء رحب على مدى عقدي التسعينيات واأللفني ظلت العالقة ملتبسة بني اإلخوان املسلمني بالكويت والتنظيم الدولي، خصوصا فروع األردن ومصر وتونس ،إذ كان امللف
العراقي حاضرا في الذاكرة الكويتية ومعه موقف متشدد من الدول واملؤسسات التي أيدت الغزو العراقي عليها ،وهو ما حدا بمؤسسات مثل جمعية اإلصالح االجتماعي واتحاد طلبة جامعة الكويت املقربني من الحركة الدستورية اإلسالمية الذراع السياسية لإلخوان املسلمني في الكويت إلى محاولة الخروج من إطار االحتقان اإلقليمي والبحث عن فضاء رحب يعيدها للواجهة االقليمية ،ويمكنها مجددا من استعادة وترطيب عالقاتها التي تضررت جراء الغزو العراقي إلى أن وجدت ضالتها في القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن موقف أغلب الفصائل الفلسطينية كان مؤيدا لصدام حسني إال أن قضية النضال الفلسطيني وعروبة القدس كانتا هي الفضاء األرحب الذي انطلقت منه حركة اإلخوان املسلمني بالكويت لترميم عالقاتها الدولية ،محاولة إضفاء صفة الدولية على تحركاتها وبياناتها ،كونها ال تجد من يعارضها في مجتمع جبل على دعم القضية الفلسطينية ،فارتفعت بذلك الحركة عن بقية منافسيها السياسيني بالساحة الذين غرقوا بالشأن املحلي كثيرا ،ومن بينهم القوميون العرب والشيعة والقبليون. وفي أكثر من مناسبة في تسعينات القرن املاضي، اإلخوان تردد على الكويت ممثلو حركة حماس واجهة ّ املسلمني الفلسطينية ،كما تم االحتفاء بأكثر من منظر ورمز للجماعة ،ومن بينهم أحمد ياسني الذين أقيمت له احتفالية ضخمة على مسرح جمعية اإلصالح االجتماعي بتنظيم من اتحاد طلبة جامعة الكويت ،كما فتحت لهم
,,
انعكست عالقة اإلخوان املسلمني مع الكويت سلبا خالل الفترة التي تلت تحرير الكويت من الغزو العراقي بحكم تداعيات موقف اإلخوان املسلمني من الغزو
,,
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
23
شؤون سياسية
تعرض تنظيم اإلخوان املسلمني في الكويت خالل شهر رمضان املاضي ،لواحدة من أقسى حمالت االنتقاد التي واجهها في تاريخه منذ أن تأسس أواسط خمسينات القرن املاضي ،كان الفتا فيها أن أعنف نيران القصف لم تكن قادمة من الخصوم ،بقدر ما كانت من أتباعه ومحبيه بال هوادة.
اإلخوان يصافحون إيران في الكويت ويحاربونها على حدود دمشق!
معايري مزدوجة بقلم: أحمد العيسى
,,
يشكل الفرع الكويتي لتنظيم اإلخوان املسلمني العاملي حالة استثنائية داخل التنظيم فمواقفه تبني أنه فرع يمتلك أريحية بتطويع مواقفه كيفما يريد
,,
22
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
خالل شهر رمضان املاضي ،احتفى تنظيم اإلخوان املسلمني بالسفير اإليراني لدى الكويت روح الله قهرماني ،ضمن حفل استقبال نظمته الحركة الدستورية اإلسالمية (الذراع السياسية للتنظيم في الكويت) ،وكانت الصورة املتداولة في مواقع التواصل االجتماعي هي لقطة جماعية لقادة الحركة ونوابها في البرملان يتوسطهم السفير اإليراني ،لكن اللقطة األهم كانت البتسامة الترحيب ومصافحة الدكتور جمعان الحربش نائب أمني عام الحركة وممثلها في البرملان للسفير اإليراني ،كونه أحد أكبر معارضي طهران ،وأهم دعاة تسليح الجيش السوري الحر وجمع التبرعات داخل الكويت ،وواحد من قادة الحراك الشبابي السياسي املناوئ للحكومة. الحربش اعتذر ملنتقديه بأنه تفاجأ بدخول السفير اإليراني لحفل االستقبال ولم يكن يرغب في مصافحته، وتحت ضغط االنتقادات أنحى بالالئمة على شركة توزيع بطاقات دعوة حفل االستقبال ،فكان مثار سخط املعلقني على مواقع التواصل االجتماعي ،كونه برر سبب الدعوة ،لكنه لم يستطع تبرير سبب ابتسامته وتوسطه الصورة الجماعية مع ممثل النظام اإليراني ،الذي يعتبره الحربش أكبر داعمي الرئيس السوري بشار األسد ،فما كان منه تحت ضغط حدة االنتقادات ،إال أن دعا الحقا لتنظيم حملة تبرعات جديدة للجيش الحر ،حتى يتمكن من مواجهة نظام األسد ،وأن تلك الحملة ستكون بمثابة اعتذار منه ألخوته في سوريا ،بعد أن “توضأ” سبع مرات تطهرا من مصافحة السفير اإليراني كما ذكر على صفحته بموقع تويتر ،وبعد أن بلغت تداعيات الفضيحة حدود ريف دمشق ،حيث كان الجيش السوري الحر يجري عملياته العسكرية ضد قوات األسد.
فضيحة السفري لم تكن حدة انتقادات فضيحة استقبال اإلخوان املسلمني للسفير اإليراني في الكويت (أغسطس/آب )2012تهدأ، حتى خرج رئيس املكتب السياسي للحركة الدستورية اإلسالمية املحامي محمد الدالل على شاشة قناة العالم اإليرانية ،متحدثا عن الشأن املحلي الكويتي بعدها
بشهرين ،فناله ما ناله من النقد ،األمر الذي دعاه لالعتذار بنفسه لكل من انتقده شخصيا عبر حسابه بموقع تويتر على مدى يومني. وتمثل حالة اإلخوان املسلمني في الكويت التباسا على املتابعني ،إذ يقف اإلخوان املسلمون في الكويت موقفا علنيًا معارضا من طهران ،ويحذرون من مخاطر التوسع اإليراني في املنطقة ،وينتقدون دورها في سوريا والعراق ،لكنهم ال يمانعون في االلتقاء معها في محطات أخرى أبرزها غزة والقاهرة. فعلى الرغم من مشاركة نواب اإلخوان املسلمني في البرملان الكويتي باستجواب لرئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر املحمد ،بسبب ما اعتبروه إهماال جسيما في املحافظة على األمن الوطني أمام التغلغل اإليراني في البالد (مايو/أيار ،)2011إال أنهم لم يصدروا موقفا من تصريحات الرئيس اإليراني أحمدي نجاد خالل زيارته للقاهرة للمشاركة بمؤتمر القمة اإلسالمي (فبراير/ شباط )2013استعداد بالده لدعم مصر ورئيسها محمد مرسي ،وهو باملناسبة نفس املوقف الصامت من دعم إيران ملنظمة حماس في غزة. وتتضح حالة التباس املواقف واملعايير من دعم طهران للرئيس محمد مرسي ونظام اإلخوان املسلمني في مصر ،الذي تأتيه عبارات الثناء والتأييد من إخوان الكويت واملقربني منهم ،مقارنة مع شكل العالقة بني اإلخوان املسلمني بالكويت والنظام اإليراني في سوريا، إذ سرعان ما يتحول هذا التحالف والغزل إلى عداء معلن على حدود ريف دمشق ،حيث يتهم إخوان الكويت طهران بدعم نظام األسد ،بينما يدعمون هم الجيش السوري الحر مع ناشطني إسالميني كويتيني. ويشكل الفرع الكويتي لتنظيم اإلخوان املسلمني العاملي حالة استثنائية داخل التنظيم ،فمواقفه تبني أنه فرع يمتلك أريحية بتطويع مواقفه كيفما يريد ،فإن تعارضت مع موقف التنظيم العاملي انسل منه ،وإن تالقت عضدته ،وما الحالة امللتبسة من النظام اإليراني
,,
يهدد بانقسام املجتمعات وتحولها إلى كنتونات متصارعة، مع وجود مؤامرات كبرى لتقسيم املنطقة وتفكيكها ،أو ما تطلق عليه الواليات املتحدة «الحرب من الجيل الرابع أي إشغال شعوب الدول العربية في ذاتها ،ما يهدد بتأخر هذه الشعوب وتحويلها إلى فرق متناحرة متشاحنة».
حلول أما عن الحلول ،فال سبيل أمام تيارات اإلسالم السياسي إال املصالحة مع شعوبها ،وتطبيق النموذج الديمقراطي التشاركي التصالحي الذي يضمن مشاركة كل تيارات وفئات املجتمع في الحكم ،وأن تؤمن وتلتزم بتداول السلطة بشفافية لضمان عدم إغراق شعوبها في الخالف واالختالف والتناحر. وعلى هذه األنظمة أن تلجأ إلى الحلول االقتصادية الواقعية ً التي تعتمد على االستقرار أوال ،ثم التوسع في االستثمارات وبناء قاعدة اقتصادية سليمة دون رسم لوحات ملونة حول نمو متوقع في االقتصاد غير قابل للتحقيق ،وعلى هذه األنظمة أن تستمع لشعوبها بمختلف تياراتها ،وعليها أن تعدل من سياساتها إذا ثبت أنها خاطئة ،وأن تعتمد على شعوبها في مواجهة املحن واملصاعب وأال تستقوي بالخارج الذي تكمن مصلحته في تمزيق هذه الشعوب وإضعافها لحساب مصالحه الذاتية وأجندته املعلنة أو الخفية والتي تختلف وتتعارض بالطبع مع مصالح الشعوب العربية. واملطلوب من هذه األنظمة احترام القانون والدستور وأنظمة القضاء والشرطة والدفاع ،واملؤسسة الدبلوماسية
ذات الخبرة في رسم السياسة الخارجية ،وأال تتغول أو تستأسد على األجهزة الحكومية أو األمنية أو تهمشها وتسند امللفات املهمة للهواة والسياسيني الجدد ،الذين دخلوا الحياة العامة من باب الوالء والثقة أو القناعات االيدلوجية، أي على هذه األنظمة أن تنصاع وتنحاز ملصلحة الشعوب وليس ملصالح جماعة أو حزب أو فئة ،فبناء الدول يعتمد على التوافق وعطاء كل أبناء الشعب ،وااللتفاف حول راية الوطن ومصالحه ،وعلى حسابات األرباح والخسائر من منظور وطني ،فالطائفة ال تبني دولة ،والحزب ال يؤسس كيان دولة، والجماعة ال تقود أمة ،والتنظيمات األممية مجرد سراب في عالم السياسة ،فالتنظيم الدولي لإلخوان املسلمني يجب أن يكون وسيلة للدعوة والنصح وخدمة املسلمني الجدد، أو يكشف الوجه الحقيقي لإلسالم املتسامح الذي يحترم الجميع في دولته وفي خارجها ،ويرتقي بقيم العدل والحرية واملساواة ،وأال يكون أداة لتغذية الصراعات الداخلية أو تأليب األمم األخرى على اإلسالم ،أو تخريب بيوتنا بأيدينا كما يحدث اليوم في تونس ومصر من انقسامات واحتجاجات وعصيان مدني غير مسبوق ،والعصيان املدني الذي تشهده مدينة اإلسماعيلية املصرية الساحلية ،التي شهدت ميالد جماعة االخوان املسلمني عام ،1928على يد مؤسسها األول الشيخ حسن البنا ،يؤكد أن الجماعة تخسر ليس في معقلها مصر ،بل في الغرفة التي شهدت ميالدها في البيت املصري وهي مدينة اإلسماعيلية.
الوضع اآلن تجاوز مرحلة محاولة احتكار السلطة في دول «الربيع العربي» إلى التأسيس ألنظمة ممتدة في هذه الدول من خالل وضع دساتير تضمن بقاء األنظمة السياسية الحاكمة فترة طويلة من دون منازعة من التيارات واألحزاب األخرى
,,
على حكومات اإلسالم السياسي أن تعلم أن سر النجاح أو الفشل هو «الشعب» وليس وعود األنظمة اإلقليمية الطامعة الطامحة ،أو القوى الكبرى املراهنة املداهنة وأن الشعب هو السند وهو امللجأ < المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
21
شؤون سياسية
,,
املنطقة العربية تموج بأحداث غامضة وغير معلومة التوجه أو الوجهة ،وتهدد بتدحرج كرة الثلج خاصة مع تمسك أنظمة التيار اإلسالمي بمواقفها الرافضة ملشاركة التيارات واألحزاب األخرى في الحكم≠ وعدم قدرتها على النهوض بأعباء الحكم وتلبية احتياجات شعوبها
,,
20
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
بلغت نسبة الفقر في مصر جراء خسائر االقتصاد بعد ثورة 25 يناير نحو 60في املائة
تقترب من مطالب املعارضة في الشارع التونسي ،والوضع في اليمن ال يختلف كثيرًا .ففي أغسطس (آب) املاضي طلب محمد سالم باسندوة رئيس الحكومة اليمنية ـ الذي جاء من املعارضة اليمنية التي كانت مناوئة للرئيس السابق على عبد الله صالح ـ باالستقالة من منصبه من الرئيس اليمني عبد ربه ً منصور هادي ،إعفاءه من منصبه ،معلال ذلك بعدم قدرته على مواصلة عمله في ظل التباينات والعراقيل املفتعلة ،التي تؤدي إلى عرقلة عمل حكومته. على الصعيد االقتصادي ،جاء في تقرير صادر عن جامعة الدول العربية أن خسائر االقتصاد العربي ،جراء «ثورات الربيع» ،بلغت 120مليار دوالر أميركي ،وجاء في التقرير نفسه أن معدل البطالة بني القوى العاملة العربية سيبلغ 52 ً مليون عاطل عن العمل عام ،2015بدال من 32مليونًا عام ،2010وجاء في تقرير دولي أن نسبة الفقراء في مصر بعد ثورة 25يناير (كانون الثاني) تجاوزت 60في املائة ،وأن نسبة الفقر املدقع (ممن يحصلون على دوالر واحد يوميا) بلغت 25في املائة من مجموع الشعب املصري ،ونسبة من يحصلون على دوالرين في اليوم ،بلغت ما بني 65في املائة إلى 70في املائة ،استنادًا لدراسات مصرية موثقة ،وأن نسبة البطالة في مصر بلغت 26في املائة ،كما تراجعت مكانة مصر في دليل التنمية البشرية الصادر عن برنامج األمم املتحدة اإلنمائي لتحتل املرتبة الـ 114من بني 160دولة ،وفيما يتعلق بمعدل نمو االقتصاد املصري ،فقد توقع البنك الدولي أن تبلغ هذه النسبة للعام الحالي 2.6 ،2013في املائة ،و3.8 للعام املقبل ،و 4.7لعام ،2015وهذا املعدل ال يستطيع أن يوفر 800ألف فرصة عمل سنويًا للخريجني املصريني ،أو تحمل أعباء خدمة الدين العام الذي بلغ 1240مليار جنيه
مع نهاية السنة املالية الحالية ،طبقًا لتقرير البنك املركزي املصري. الوضع األمني ال يقل خطورة عن األوضاع االقتصادية املتدهورة ،خاصة أن املنطقة العربية مستهدفة ،ولها أعداء كثر ،بل إن امللف األمني يأتي في مقدمة امللفات الخطيرة التي تهدد األمني الوطني الداخلي لكل دولة عربية من دول «الربيع العربي» ،كما أنها تهدد األمن العربي بأكمله ،خاصة في ظل التربص اإلقليمي ،ومحاولة االستقطاب الدولي التي تستهدف الدول العربية ،كما أن هناك محاوالت علنية من دول الجوار اإلقليمي للتدخل في الشأن العربي ،ولعل رسالة املرشد األعلى للثورة اإليرانية علي خامنئي للرئيس املصري مرسي مؤخرًا ،التي يطالبه من خاللها بتطبيق نظام حكم والية الفقيه في مصر ،تكشف محاولة مقيتة وسافرة للتدخل في الشأن العربي الداخلي ،ومحاولة لفرض النموذج اإليراني على الدول العربية ،على الرغم من االختالف الحضاري والتاريخي واملذهبي ،باعتبار أن والية الفقيه نموذج إيراني ال يصلح في املجتمعات العربية السنية ذات التنوع الثقافي والحضاري والسكاني والديني. يتبقى القول إن املنطقة العربية تموج بأحداث غامضة وغير معلومة التوجه أو الوجهة ،وتهدد بتدحرج كرة الثلج، خاصة مع تمسك أنظمة التيار اإلسالمي بمواقفها الرافضة ملشاركة التيارات واألحزاب األخرى في الحكم ،وعدم قدرتها على النهوض بأعباء الحكم وتلبية احتياجات شعوبها، خصوصًا في ظل أوضاع اقتصادية تزداد تدهورًا ،مقابل رفض أطراف عديدة لهذا النمط من الحكم وخروج الفقراء والعاطلني عن العمل ،إضافة إلى األحزاب الليبرالية وغيرها ،ما
مصريون ينتفضون على حكم املرشد
أحد زعماء الجماعة اإلسالمية ،وهو عبود الزمر هدد بتكتيف املتظاهرين ،مهددًا بأن األسود سوف تلتهم كل من يتظاهر في ميادين مصر وشوارعها ،ملوحًا باستيراد أسود حماس ضد املتظاهرين املصريني ،كما أن حزب النهضة الحاكم في تونس ،متهم بقتل املعارض التونسي شكري بلعيد األمني العام لحزب الوطنيني الديمقراطي ،املنتمي لتحالف الجبهة الشعبية اليسارية في تونس ،ما أشعل الغضب في الشارع التونسي ،وأدى إلى انقسام الحزب الحاكم نفسه وارتباكه، وجعل البالد تدخل في أزمة دستورية بعد الفشل في تشكيل حكومة الجديدة على األسس التي دعا إليها رئيس الحكومة املستقيل حماد الجبالي ،حيث رفض حزب النهضة اإلسالمي تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة كفاءات وطنية ،كما أطلقوا عليها في تونس ،والصورة في تونس حاليًا ال تختلف كثيرًا عن املشهد إبان نشوب «ثورة الياسمني» ،ما قد يهدد بنشوب ثورة جديدة ضد حزب النهضة اإلسالمي الحاكم، بينما الوضع في سوريا يسيطر عليه القتل الذي يعد وسيلة النظام الوحيدة التي يستخدمها يوميًا ،ما اسفر عن مقتل قرابة 70ألف مواطن سوري ،إضافة إلى تشريد املاليني إلى دول الجوار ،واعتقال اآلالف في سجون بشار األسد في وضع مأساوي لم تتعرض له سوريا أو املنطقة العربية من قبل ،حيث يحترف النظام قتل مواطنيه وتشريدهم في ظل تراخي املجتمع الدولي ،وتأييد إقليمي متمثل في إيران وحزب الله اللبناني ً لنظام األسد ،الذي يناور لكسب املزيد من الوقت أمال في إنهاء األزمة السورية بقتل كل من يعترض على نظامه ،وفي اليمن تحولت «القاعدة» إلى كتائب للقتل والتصفية الجسدية مع خطر الحراك الجنوبي والتدخل اإليراني ،الذي يهدد بتقسيم اليمن وتحويله إلى ساحة للحرب األهلية والطائفية ،وفي ليبيا تحولت الدولة إلى دويالت صغيرة متنافسة ومتناحرة ما بغياب الدولة املركزية ،بل هناك مخاوف من أن تكون يهدد ً ليبيا ملجأ آمنًا لعناصر «القاعدة» والجماعات الجهادية األخرى العائدة من أفغانستان والعراق وغيرها ،وكذلك سوقًا
لبيع وتهريب السالح إلى الدول املجاورة. الوضع اآلن تجاوز مرحلة محاولة احتكار السلطة في دول «الربيع العربي» إلى التأسيس ألنظمة ممتدة في هذه الدول من خالل وضع دساتير تضمن بقاء األنظمة السياسية الحاكمة فترة طويلة من دون منازعة من التيارات واألحزاب األخرى، تحت إطار قانوني يقره الدستور املعمول به في البالد ،وبل وصل األمر باألنظمة الحاكمة الجديدة إلى اعتبار املعارضة خروجا على النظام وجرمت املظاهرات التي كانت وسيلة لوصول هذه األنظمة للحكم على أنقاض األنظمة السابقة ،بل تقر قتل املتظاهرين لحماية الثورة ومكتسباتها ،كما حدث بعد مقتل متظاهرين مصريني أمام قصر االتحادية وفي ميدان التحرير مؤخرًا ،ولعل ظاهرة سحل املواطن املصري املدعو حمادة صابر وما تالها من رد فعل شعبي ومن املعارضة ،والحكومة املصرية خير شاهد على التناقض الذي يعيشه النظام الحاكم في القاهرة ،وهذا ما انطبق على حادثة مقتل بلعيد في تونس.
إزالة الدكتاتور واإلبقاء على سياسته ثورات «الربيع العربي» أيضا جاءت بحكومات عديمة الخبرة في إدارة شؤون الدولة ،بل اعترفت هذه الحكومات بفشلها ،فلم تقدم هذه الحكومات الحد األدنى املطلوب منها في تحقيق النذر اليسير من طموحات شعوبها ،فرئيس الوزراء املصري هشام قنديل اعترف بعد أن طرده املتظاهرين في ميدان التحرير بعد حادثة سحل حمادة صابر بـ»بفشل حكومته» وأكد أن حكومته عاجزة عن إدارة البالد في مثل هذه الظروف ،كما أن ما حدث لحكومة حماد الجبالي بعد مقتل شكري بلعيد، أصاب الحياة السياسية بشلل تام وانقسام حاد ،ليس بني الحكومة والشعب ،بل بني أعضاء حزب النهضة الحاكم نفسه، ما أدى إلى استقالة الجبالي مطالبًا بتعديل الدستور ،وعدم سيطرة حزب النهضة على الحكومة بمفرده ،وهذه املطالب
,,
خسائر االقتصاد العربي ،جراء «ثورات الربيع» ،بلغت 120 مليار دوالر أميركي وجاء في التقرير نفسه أن معدل البطالة بني القوى العاملة العربية سيبلغ 52مليون عاطل عن العمل عام ً 2015بدال من 32 مليونًا عام 2010
,,
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
19
شؤون سياسية
بعد مرور أكثر من عامني على نشوب ثورات «الربيع العربي» ،يقف املتابع في حالة تأمل تصل في كثير من األحيان إلى التشاؤم واإلحباط ،خاصة عندما يحاول قراءة فاتورة االنجازات واالخفاقات ،وأيضا عند النظر إلى التحديات التي طرأت وكيفية التعامل معها أو تجاوزها ،وهذا اإلحباط ليس حالة عاطفية أو موقفًا عدائيًا من هذه الثورات ،بل ملا أفرزته من نتائج مغايرة للتوقعات التي أدت إلى قيامها.
احلصاد املرّ
ثورات «الربيع العربي» ..من الحزب الواحد إلى ّ التيار الواحد
بقلم: د .عبد العزيز بن عثمان بن صقر
,,
أحالم شعوب دول «الربيع العربي» تحولت إلى كوابيس مزعجة أو مشكالت صعبة ومعقدة، إضافة إلى ظهور تحديات جديدة ربما أكثر شدة وضراوة مما كانت عليه األحوال قبل اندالع هذه الثورات وعلى أكثر من صعيد
,,
18
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
ال أحد ينكر أن هذه الثورات جاءت لتغيير واقع الشعوب العربية التي رزحت تحت ضغوط الفقر ،البطالة ،تفشي الفساد املالي واإلداري ،وتدهور الحياة املعيشية للمواطن في هذه الدول، واندلعت شرارة هذه الثورات السلمية في بادئ األمر للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة االجتماعية في تونس بعد مقتل البوعزيزي ،ثم انتقلت إلى مصر ،ليبيا ،اليمن ،وسوريا. وتفاءل الكثيرون من أبناء هذه الدول ،خاصة تلك التي سقطت أنظمتها أو لم تطل فيها حدة املواجهات الدامية عكس ما حدث في ليبيا ،وما يحدث اآلن بشكل صارخ ومستفذ في سوريا التي طالت فيها عملية التغيير ،وسيكون ثمنها باهظا في حال تحقيقها ،وكانت تأمل شعوب هذه الدول في إجراء انتخابات رئاسية وبرملانية وإقرار دساتير جديدة ،تضمن وتحقق إفساح املجال أمام حرية الرأي والتعبير ،ثم االنطالق إلى املستقبل بخطى أكثر ديمقراطية لتعويض ما فات ،وتحقيق املأمول من االنجازات ،وهذا حق مشروع ألبناء هذه الدول التي تأخرت كثيرًا عن اللحاق بركب الحضارة الحديثة التي تكفل العيش بكرامة ،خاصة في ظل التطور الذي يشهده العالم أو حتى دول العالم الثالث التي قطعت شوطًا كبيرًا من النهضة في شتى مجاالت الحياة.
كشف احلساب
وضراوة مما كانت عليه األحوال قبل اندالع هذه الثورات وعلى أكثر من صعيد ومنها: على الصعيد السياسي ،استهدفت ثورات «الربيع العربي» إزاحة ظاهرة «الحزب الواحد» الذي ظل جاثما منفردًا في حكم هذه الدول لسنوات طويلة تصل في أكثرها إلى أكثر من نصف قرن تقريبا ،وجميعها كانت تحكم بآليات ديمقراطية شكلية والفتات براقة تسبغ الشرعية على انقالبات عسكرية في ظاهرها الديمقراطية والتعددية الحزبية ،ولكن في حقيقتها الشخصانية التي تصل إلى حد الديكتاتورية كما هو الحال في ليبيا القذافي أو سوريا األسد على وجه الخصوص، لكن ثورات «الربيع العربي» أتت بحزب واحد أيضا وهو تيار اإلسالم السياسي ،الذي أعد نموذجًا سلطويًا لالنفراد بالحكم واستبعد اآلخر ،بل يسعى الستئصاله باسم الدين أو تحت شعار ديمقراطية صناديق االنتخابات ،وهي ديمقراطية تسمح باالختيار بني أعضاء الحزب الواحد على النموذج الديمقراطي اإليراني ،وليس االنتخاب بمعناه املعروف الحر املباشر ،في ظل منافسة تعتمد على البرامج ال على االختيار بني تيار بعينه ،وهذا النموذج يقطع الطريق على تداول السلطة باسم الشرعية اإلسالمية ،واإلسالم بريء من هذه الشرعية براءة الذئب من دم ابن يعقوب ،وهذا أخطر تحد يواجه شعوب هذه الدول ،حيث تختلط السياسة بالدين في محيط من األمية التعليمية والثقافية ،ناهيك عن الفقر ،بل الفقر املدقع املخيف في كثير من دول «الربيع العربي».
بعد أكثر من عامني من اندالع هذه الثورات نعود لقراءة كشف الحساب أو التدقيق في فاتورة األرباح والخسائر لدى شعوب هذه الدول وتفحص ما تحقق ،وما تعثر والتعرف على أسباب هذا التعثر.
تكتيف املتظاهرين
الحقائق على األرض تقول إن ثورات «الربيع العربي» حققت انجازات بالفعل ،وإذا أوجزناها نجدها تتمثل في إزاحة األنظمة الحاكمة ،التي كانت ضاربة في القدم أو القوة والهيمنة، وصعود أنظمة جديدة كانت غير موجودة من قبل على املسرح السياسي ،بل كان رموز األنظمة الجديدة في السجون، وخاصة رموز تيار اإلسالم السياسي أو جماعة االخوان املسلمني ،الذين يحكمون اآلن في مصر ،تونس ،وليبيا ،ولكن بقية األحالم األخرى للشعوب لم تتحقق بعد ،بل ان بعض هذه األحالم تحول إلى كوابيس مزعجة أو مشكالت صعبة ومعقدة ،إضافة إلى ظهور تحديات جديدة ربما أكثر شدة
األمر ال يتوقف عند ذلك ،بل ان ديمقراطية ثورات «الربيع العربي» تجيز التصفية الجسدية للمعارضة ،من خالل إصدار فتاوى رسمية وعلنية عبر الفضائيات تبيح قتل املعارضة واملشاركني في املظاهرات املناهضة لألنظمة الحاكمة ،رغم أن هذه املظاهرات هي التي أتت بجماعة االخوان املسلمني إلى السلطة بعد ثورات «الربيع العربي» ،ولعل فتوى الدكتور محمود شعبان األستاذ بجامعة األزهر واملنتمي لتيار اإلسالم السياسي في مصر بقتل قادة جبهة االنقاذ املعارضة ،التي ينتمي إليها البرادعي ،وعمرو موسى ،وحمدين صباحي، ونقيب املحامني سامح عاشور وغيرهم ،خير شاهد ،بل إن
القاعدة في املغرب اإلسالمي نبذة تاريخية: جماعة مسلحة يقع مقرها في دولة مالي في شمال أفريقيا، وينتمي أغلب مقاتليها إلى الجزائر ومالي .تأسست في البداية تحت اسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال ،وهي جماعة إرهابية تعارض الحكومة الجزائرية ،وقد غيرت االسم عام 2007وأصبحت تتبنى الجهاد العاملي.
القيادة: أسسها الجزائري حسن حطاب، ويقودها حاليا أبو مصعب عبد الودود .ويدير الفرع الجنوبي للتنظيم مختار باملختار.
االتجاهات األخيرة:
جندي مالي يغطي لوحة خلفتها حركة الجهاد التابعة للقاعدة في مدينة (غاو ) شمال مالي
باماكو ،ومشكلة الجماعات املسلحة الجزائرية العالقة، وظهور اشتراك بعض من املتطرفني األفارقة املحليني في الجهاد العاملي ،واضطرابات سياسية في شمال أفريقيا، وبالطبع االنتهازية الجهادية .لم يكن مشروع إزاحة املسلحني اإلسالميني من شمال مالي والذي يضم أطرافا متعددة ،يخطط ألن يبدأ بهذه الطريقة مطلقا ـ وليست هذه هي املرة األولى التي يتخلف فيها املجتمع الدولي عن سيناريو تتولى بموجبه قوة غربية القيادة في مواجهة مشكلة متعددة األوجه ،تتخذ فيه الخطوة األولى من خالل قوتها العسكرية. إن مصالح فرنسا في مستعمرتها السابقة متعددة، تتنوع ما بني امتيازات اليورانيوم في الساحل ،إلى سالمة عشرات اآلالف من مواطنيها املقيمني في املنطقة ،إلى الشعور بالواجب اإلنساني تجاه الشعب املالي ،إلى األمن الوطني .وكان املنطق الكامن خلف قرار التدخل على األرجح هو أن الدفاع عن األرض أسهل من استعادتها، وأنه من األفضل التدخل اآلن مع وجود شريك محلي على األرض ،بدال من أن يكون عليها شن هجوم من خارج حدود مالي في وقت الحق .ال شك في أن الجيش الفرنسي سوف ينتصر في املعركة الحالية ،ليوقف تقدم املتمردين في الجنوب ويستعيد بلدتني رئيستني في الشمال. ولكن يظل هناك عدد من األسئلة التي تحتاج إلى إجابات.
إذا لم ينهزم املسلحون واختاروا التراجع ،ليس من الواضح ماهية القوات التي سوف تحارب املتمردين .وإذا تم بالفعل طرد املسلحني من مالي كلها ،ماذا سيكون مصير الدول املجاورة ا لضعيفة مثل موريتانيا والنيجر؟ كذلك يظل مصير مجتمع الطوارق غير محدد. من جانبه يبذل الرئيس الفرنسي جهدا كبيرا في التأكيد على أن فرنسا تعمل إلى جانب شركائها املاليني ،يعني ذلك أوال أن باريس تساند حكومة ذات شرعية مشكوك فيها يسيطر عليها مجلس عسكري غير منتخب ،وثانيا أنها تتحيز إلى مجلس عسكري ربما يكون متهما بانتهاك حقوق اإلنسان .لعل أكبر الشكوك هو ما إذا كانت فرنسا قد تعلمت من الحرب األميركية على اإلرهاب ،وسوف تضع تأمني الشعب املالي في محور منهجها في مكافحة اإلرهاب وسوف تعمل في ظل تعريف واضح ملا يعنيه نجاح العملية .إن لم يحدث ذلك، ورغم التأكيدات الفرنسية (والبريطانية أيضا) بأن التدخل في مالي سوف يكون «قصير األجل» ،سوف تجد فرنسا ذاتها في حرب مع فكر غير منظم يتوسع في مهمته عبر الزمان وكذلك املكان <
يملك تنظيم القاعدة في املغرب اإلسالمي -الذي ارتبط اسمه طويال بأعمال إجرامية وتهريب -وفرة من املال والسالح الذي حصل عليه من عمليات االختطاف ومخلفات الحرب األهلية الليبية .تسببت عملياته ضد القوات املالية والجزائرية في زيادة عدد املنضمني إليه من األجانب باإلضافة إلى ظهور اسمه على الساحة الدولية.
أبو مصعب عبد الودود
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
17
شؤون سياسية
حركة الشباب نبذة تاريخية: تتخذ حركة الشباب مقرا لها في جنوب ووسط الصومال وهي قوة غير منظمة ينتمي أعضاؤها إلى قبائل من شرق أفريقيا باإلضافة إلى الجاليات الصومالية املهاجرة في أميركا الشمالية وأوروبا .يدعي قادتها وجود صالت بينهم وبني «القاعدة». كما تلقى بعضهم تدريبا في معسكرات إرهابية في أفغانستان.
القيادة: يقودها عدد من زعماء القبائل من بينهم الشيخ مختار علي الزبير وأحمد عبدي (أبو محمد).
االتجاهات األخيرة: تتعرض حركة الشباب إلى ضغوط دولية متزايدة منذ أدرجتها الحكومة األميركية ضمن قائمة املنظمات اإلرهابية األجنبية في عام .2008 وفقد التنظيم جزءا كبيرا من قاعدته الجغرافية منذ عام 2011 ُ بعد أن طرد من مقديشو ومراكز أخرى في األقاليم.
الدعوة والقتال السلفية ،والتي أعادت تسمية ذاتها بعد ذلك باسم تنظيم القاعدة في املغرب اإلسالمي عام .2007ومن املعتقد أنه اتخذ أربع زوجات من املجتمعات الساحلية على طريقة أيمن الظواهري في املناطق القبلية في باكستان ،حتى يمكنه التخفي في مكانه املفضل. وأخيرا قرر بلمختار تأسيس كتيبة «املوقعون بالدم» لتصبح قوة توضع في الحسبان .وترددت تقارير بأن بلمختار استخدم هاتفا يعمل عبر شبكة الثريا من غاو من أجل تنفيذ عملية عني أميناس التي كانت مخططة في السابق ،وذلك في مكاملة مشفرة مع أحد القادة استغرقت ثالثني ثانية. في غضون ساعات قليلة ،فرض رجال بلمختار سيطرتهم على املنشأة ،وتصدر اسم القائد «األعور» عناوين األخبار العاملية .كان هجوم عني أميناس تحديدا رد الفعل السلبي الذي كانت السلطات الجزائرية قلقة من وقوعه ،وحذرت منه بالفعل لعدة شهور .على الرغم من إمكانياتها العسكرية واالستخباراتية ،ومحاوالت الحشد املنسقة التي بذلتها هيالري كلينتون وفرنسوا هوالند ،إال أن الجزائر رفضت االنضمام إلى خطة التدخل التي وضعتها املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا. وفضلت بدال من ذلك طريق املفاوضات السياسية الحذرة، التي يتم فيها فصل العناصر املالية األكثر اعتداال عن الجماعات املتطرفة األجنبية. في هذا الصدد ،بعد أسبوعني من التدخل الفرنسي ،أعلن فصيل متمرد يطلق على ذاته اسم حركة األزواد اإلسالمية عن رغبته في التفاوض مع باريس وباماكو ،باإلضافة إلى القتال ضد الرفاق السابقني في جماعة أنصار الدين. إضافة إلى املخاوف من حدة التهديدات الجهادية داخل الجزائر ،ينتاب الحكومة الجزائرية القلق بشأن الالجئني املاليني الذي نزحوا إلى بلداتها الجنوبية ،وبشأن تأمني حقولها من الغاز والنفط في الجنوب ،وبشأن أي حركات مفاجئة ربما تمس العالقات الجزائرية الدقيقة مع الطوارق من سكانها .ولكن في ظل تسارع وتيرة األحداث في يناير، لم تكن الجزائر ترغب في أن تبدو وكأنها تعرقل إرادة املجتمع الدولي ،وكما ذكرت إحدى الصحف الجزائرية: «وهكذا أغرقتنا فرنسا في املستنقع املالي رغما عنا».
إنذار يف شمال أفريقيا
مختار علي الزبير
منذ عام ،2011كانت الجزائر تستشعر الخطر الناتج عن تأثير التطرف املتنامي في ليبيا على استقرار املنطقة. شعر النظام العسكري في الجزائر منذ فترة طويلة بتهديدين رئيسني الحركات املدافعة عن الديمقراطية والحركات اإلسالمية املسلحة. وتعاملت الجزائر مع االنتفاضات الشعبية التي اندلعت ضد القذافي وما تالها من تكاثر امليليشيات املستقلة بصفتها فوضوية من جميع الجوانب .وفي الوقت الذي يتم فيه التحقيق في أزمة عني أميناس من الجانب الرسمي الجزائري ،من املرجح أن تشير أصابع االتهام إلى الجنوب وإلى الشرق أيضا. تشير أقاويل في الجزائر إلى أن أجهزة الراديو العسكرية
16
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
والهواتف التي تعمل عبر األقمار الصناعية والتي تم العثور عليها في موقع الحادث في عني أميناس تتبع عربا في األصل ،وأنه تم تمريرها إلى مقاتلني ليبيني أثناء الثورة ضد القذافي .وتردد أيضا أن تسع سيارات تويوتا استخدمت في العملية وكانت تحمل لوحات معدنية ليبية. من املؤكد أن ليبيا لم تحقق استقرارا كامال حتى اآلن. ويبدو أن العملية السياسية تواجه العراقيل من انقسامات إقليمية وقبلية وانعدام الثقة بني الليبراليني واإلسالميني. ال شك في أن التعددية سمة صحية للديمقراطية ،إال أن املأزق في ليبيا يتمثل في عدم وجود وسيط مستقل فعال بني جماعات املصالح املتنافسة في صورة سلطة مركزية قوية .وفي الوقت ذاته ،بعد مرور ما يزيد على عام على اإلطاحة بالقذافي ،ال تملك الدولة السيطرة على العنف. استمر شن هجمات صغيرة ضد أهداف غربية في عام ،2012من بينها الصليب األحمر وموكب دبلوماسي بريطاني ،لتصل إلى ذروتها في سبتمبر (أيلول) مع الهجوم الذي استهدف القنصلية األميركية في بنغازي، مما أسفر عن مقتل أربعة أفراد من البعثة الدبلوماسية من بينهم السفير األميركي .ومنذ ذلك الحني ،تم اغتيال العديد من املسؤولني الليبيني البارزين من بينهم مدير األمن في بنغازي العقيد فرج الدرسي ،الذي قاد حمالت ضد امليليشيات ،باإلضافة إلى رئيس املباحث الجنائية في بنغازي عبد السالم املهدوي. وفي الشهر املاضي ،أعلنت السلطات الليبية الصحراء الجنوبية منطقة عسكرية مغلقة ملواجهة «ارتفاع موجة العنف واالتجار في املخدرات ووجود جماعات مسلحة تعمل دون ردع» .دفع تزايد االضطرابات في ليبيا وضعف سيطرة الدولة الواليات املتحدة إلى إطالق طائرات تجسس دون طيار فوق معسكرات تدريب الجهاديني املشتبه بهم في الشرق ،غالبا بالقرب من درنة حيث يتوقع أن أيمن الظواهري أرسل قائدا يثق به يعرف باسم عبد الباسط عزوز .عالوة على ذلك ،خصصت إدارة أوباما 8ماليني دوالر أميركي لبناء قوات نخبة ليبية ملكافحة اإلرهاب، ومن املقرر أن تقوم بتدريبها قوات عمليات خاصة ،ولكن ليس من الواضح أي من الفصائل املحلية سوف تستفيد من مثل هذه الشراكة ،نظرا الستمرار القيود على الدولة الليبية. من جانبها ،تشير السلطات التونسية ،التي دخلت في مواجهات عديدة مع الجهاديني ،إلى ليبيا بصفتها «حاضنة» لعناصر «القاعدة» في املنطقة .وفي الوقت ذاته، يتضح أن هؤالء املسلحني يحرصون على إقامة قاعدة في والية القصرين املجاورة للحدود مع الجزائر .وفي مصر ،استطاعت الحركة السلفية الجهادية التوغل بني مجتمعات البدو التي عانت من الحرمان طويال في سيناء، حيث أسفر فراغ السلطة بعد رحيل مبارك عن مزيد من التدهور في أوضاعهم االجتماعية االقتصادية واإلقبال على الفكر الجهادي.
هزمية أم تراجع؟ وهكذا وقع استيالء اإلسالميني على شمال مالي وما تاله من تدخل فرنسي في سياق من إخفاقات حكومة
القاعدة في جزيرة العرب نبذة تاريخية: جماعة متطرفة تتخذ من اليمن مقرا لها ،وهي عبارة عن تحالف بني فصائل تابعة لـ«القاعدة» في السعودية واليمن ،تقاتل للفوز بمعقل جغرافي في اليمن لتتمكن من شن هجمات ضد الغرب. أبرز العمليات التي شنتها ضد اميركا هي محاولة تفجير طائرة ركاب أميركية عام ،2009على يد النيجيري عمر فاروق عبد املطلب.
القيادة: القائد السابق أنور العولقي والقائدان الحاليان هما ناصر الوحيشي وقاسم الريمي.
االتجاهات األخيرة:
بالتزامن مع االستحواذ على مساحة شاسعة من فريق من اخلصوم األراضي في مالي.
ونتيجة لهذه التطورات ،وبعد سلسلة من التقارير التي تشير إلى وجود معسكرات تدريب لتنظيم القاعدة مع تزايد التنسيق والتعاون املالي ،سعت الدول املجاورة ملالي إلى تقديم الدعم من خالل قوات تدخل متعددة األطراف .وكان املخطط أن تكون القوات تحت قيادة أفريقية ويتم نشرها تحت رعاية املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا واالتحاد األفريقي .وكان قرار مجلس األمن التابع لألمم املتحدة ( )2085صريحا في ديسمبر (كانون األول) ،2012وكان من املعتقد أن هناك قوة قوامها 3300جندي سوف تضم قوات نيجيرية .ولكن تم تأجيل تدخل املجموعة االقتصادية لدول غرب أفريقيا حتى بعد الصيف التالي ،ظاهريا من أجل إتاحة فرصة إلقامة حوار سياسي ،ولكن على األرجح بسبب مخاوف من أن القوات املحددة غير منظمة بدرجة كبيرة ال تسمح لها بالتغلب على املسلحني ـ وبالطبع بسبب عدم وضوح من سوف يسدد التكاليف البالغة 500مليون دوالر أميركي.
ردا على ما يجري إعداده من قوات للتدخل ،تزايدت كثافة وسرعة التهديدات القادمة من شمال مالي .وفي 24يونيو (حزيران) ،2012أصدر قائد أنصار الدين في تمبوكتو برسالة إلى الحكومة الفرنسية واألميركية وجميع دول الناتو ،مؤكدا أن املجاهدين مستعدون للقتال دفاعا عن اإلسالم في أي وقت ،متعهدا بنقل املعركة إلى «الواليات املتحدة ولندن وفرنسا وغزو العالم» .وفي بداية شهر ديسمبر ،2012أعلن مختار بلمختار عن تشكيل فصيل جهادي جديد ،وذلك من دون شك بسبب عدم اختياره أميرا لتنظيم القاعدة في املغرب اإلسالمي عن املناطق الساحلية .وتعهد بلمختار لدى تأسيسه كتيبة «املوقعون بالدم» بالرد على أي تدخل عسكري في مالي قائال: «سوف يكون لدينا بعض ما نقوله لكم».
أنور العولقي األميركي الجنسية املرشد الروحي وقائد التنظيم السابق قتل في غارة بطائرة تجسس أميركية في سبتمبر .2011 وساعد تعزيز الغارات الجوية وزيادة قوة الجيش اليمني على وضع التنظيم في موقف دفاعي .كما قتل الزعيم البارز في التنظيم سعيد الشهري في غارة جوية في يناير .2013
ناصر الوحيشي
انضم بلمختار ،الذي كان مقاتال قديما في الجهاد ضد السوفيات في أفغانستان ،عندما فقد عينه اليسرى، إلى االنتفاضة اإلسالمية ضد الحكومة الجزائرية في التسعينات ،وأصبح أمير مناطق الساحل في جماعة المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
15
شؤون سياسية
فروع تنظيم القاعدة العاملي نبذة تاريخية: أسسه أسامة بن الدن في افغانستان سنة ،1988وسريعا ما تحول التنظيم إلى أكثر جماعة إرهابية إثارة للخوف في العالم .يضم التنظيم األعضاء الناجني من الجماعة الجهادية العاملية التي شنت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام ، 2001 وبعد الخطوات التي اتخذت في أفغانستان عام ،2001تفرق قادة التنظيم باحثني عن مأوى في باكستان وأفغانستان.
القيادة: القائد الحالي: أيمن الظواهري نائب القائد السابق: أسامة بن الدن.
االتجاهات األخيرة: جاء اغتيال أسامة بن الدن ببلدة «أبوت آباد» الباكستانية في مايو(ايار) ، 2011نتيجة املحاوالت التي بذلتها اميركا والحكومات املتحالفة معها على مدار عشرة أعوام في التخلص من قيادة الجماعة .وبعد أعوام من البحث ما زال الظواهري وقادة آخرون بارزون مختبئني ال يملكون إال قدرة محدودة على توجيه أو تنظيم عمليات إرهابية.
أيمن الظواهري
حركة الشباب الصومالية املتشددة ترفع الفتات في مقديشو لالعالن عن والئها لرئيس تنظيم القاعدة أيمن الظواهري
وقد قامت جماعة الشباب بشن هجوم واحد كبير خارج الصومال :وهو تفجيرات كامباال في يوليو (تموز) ،2012 ردا على مشاركة القوات األوغندية في بعثة االتحاد األفريقي إلى الصومال .ولكن في عام ،2012تحول مسارها القومي ليتضمن تهديدات ضد أهداف غربية وأعلنت تحالفها مع «القاعدة» في فبراير (شباط). على صعيد آخر ،ظهرت بوكو حرام ،الجماعة اإلسالمية املسلحة في نيجيريا ،كنتاج للصراع على السلطة بني الشمال ذي األغلبية املسلمة والجنوب املسيحي .كان هدفها املحلي هو تطبيق الشريعة اإلسالمية والتعليم اإلسالمي ،ولكن اتسع نطاق عملها في عام .2012على الرغم من أن زعيمها أبو بكر شيكاو كان يصدر بياناته في السابق باللغة الهوسية السائدة في شمال نيجيريا، فإنه سجل رسالته في العيد عام 2012باللغة العربية، وأذاعها عبر الذراع اإلعالمية لجناح «القاعدة» في املغرب اإلسالمي. أعلن شيكاو أن الواليات املتحدة وبريطانيا واإلسرائيليني أعداء لبوكو حرام ،وتعهد بأن «يتضامن مع املجاهدين
14
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
في كل مكان» .وتم رصد مئات من مقاتلي بوكو حرام في غاو منذ أبريل وفقا لقوات األمن املالية ،ومن املعتقد أن شيكاو نفسه يدير العمل في الوقت الحالي من شمال مالي. في الوقت ذاته ،بدا أن تنظيم القاعدة في املغرب اإلسالمي، الذي كان موجها تلقائيا ضد الحكومة الجزائرية ،قد حول ارتكازه جنوبا ،حيث انضم مقاتلوه إلى رفاقهم الجزائريني األكثر رسوخا في شمال مالي .وبعد أعوام من التركيز على الجزائر ،تبنى كل من زعيم القاعدة في املغرب اإلسالمي ونظيره القديم (وخصمه في بعض األحيان) زعيم «القاعدة» مختار بلمختار تعبيرات أسامة بن الدن .ووصف بلمختار استراتيجية «القاعدة» في املغرب اإلسالمي بأنها «االستراتيجية املعلنة لتنظيم القاعدة ..في مواجهة الغرب الصليبي واليهود». وبهذه الطريقة ،كان االستيالء على شمال مالي نتيجة لصعود إدراك دولي وإقليمي بني العديد من الجماعات املحلية سابقا في أفريقيا .وتحولت وجهة الفراغ اآليديولوجي نحو الجهاد العاملي على مدار عام ،2012
مقاتالن تابعان لتنظيم القاعدة يحمالن سالحيهما في دورية بشوارع (غاو ) شمال مالي
ذوي الرتب الصغيرة إلى إسقاط الحكومة في باماكو في 22مارس (آذار) عام .2012 ومع تركيز الجيش املالي على االنقالب العسكري ،قام املتمردون الطوارق بالهجوم واالستحواذ على مناطق كبيرة في الشمال معلنني قيام دولة أزواد املستقلة في أبريل (نيسان) .وبعد فترة قصيرة ،اغتصب فصيل ديني يسمى «أنصار الدين» ،بقيادة إياد أغ غالي ،املكاسب التي حققتها حركة استقالل الطوارق العلمانية. وبعد تهميش زمالئه السابقني في حركة أزواد ،أصبح غالي على اتصال بمجموعة من املسلحني املتحالفني مع «القاعدة» في املغرب اإلسالمي ،باإلضافة إلى حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا التي تكونت حديثا. وكانت حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا ،والتي انشقت عن تنظيم القاعدة في املغرب اإلسالمي ،أعلنت تأسيسها في أكتوبر (تشرين األول) 2011من خالل حادث اختطاف رهائن في الصحراء الغربية .يقود حركة التوحيد رجالن ،أحدهما موريتاني يسمى حمادة ولد خيرو ،واآلخر جزائري يسمى أحمد التلمسي. وعلى عكس جماعة أنصار الدين املالية ،ترحب حركة التوحيد والجهاد بانضمام املقاتلني األجانب إلى صفوفها .كما أنها شنت هجمات ضد أهداف عسكرية جزائرية ،مثل حادثي تفجير السيارة في مارس 2012 في تمنراست وورفلة. استطاعت جماعة أنصار الدين ،بمساعدة عناصر من حركة التوحيد والجهاد و«القاعدة» في املغرب اإلسالمي، إبعاد األزواديني من أجل االستحواذ على البلدات الشمالية الكبرى في أبريل ،2012ومن بينها تمبكتو وغوندام وغاو وكيدال. ُ وهناك فرضت على السكان الذين ينتمي غالبيتهم إلى الصوفية آراء متشددة في اإلسالم فيما يشبه السياسات
املتحجرة الجديدة التي تتبعها حركة طالبان األفغانية، عندما سيطرت على كابل في عام .1996حطم املسلحون كل ما اعتبروه وثنيا وطبقوا تفسيرا متشددا لألحكام الشرعية .وكان يتم شراء الصبية بمبالغ زهيدة تصل إلى عشرة دوالرات من األسر الفقيرة حتى يصبحوا مقاتلني، ويتم إجبار الفتيات الصغيرات في عمر العاشرة على الزواج .لذا لم يكن غريبا أن يشير الصحافيون إلى أن التدخل الفرنسي يلقى قبوال بني السكان املحليني.
أبواب عظيمة من الفرص قبل مقتله في غارة بواسطة طائرة من دون طيار في سبتمبر (أيلول) ،2011تحدث ملهم تنظيم القاعدة اليمني أنور العولقي عن تبعات الربيع العربي قائال« :مع وجود تطورات جديدة في املنطقة ،يمكن أن يتوقع املرء أن تفتح أبواب كبرى من الفرص أمام املجاهدين في جميع أنحاء العالم» .بدا تفاؤل العولقي في غير محله في ذلك الوقت، نظرا ألن «القاعدة» كانت تعاني من أزمة استراتيجية ناتجة عن الحقيقة الصارخة بأن معظم ضحايا «القاعدة» منذ أحداث 9 /11من املدنيني املسلمني ،باإلضافة إلى تخلص إدارة أوباما من قياداتها عن طريق طائرات من دون طيار في الغالب. وعلى الرغم من أن نظرة العولقي كانت مبالغة ،فإن «القاعدة» استغلت من دون شك االضطرابات التي الحقت الربيع العربي من أجل إبعاد الهزيمة على األقل في الوقت الحاضر .وفي أفريقيا على وجه التحديد ،كانت التطورات التي شهدها عام 2012الفتة. ظهرت مجموعات كانت محلية في السابق ،أي كانت متورطة في حوادث دموية محلية ،في تحول مفاجئ نحو الجهاد العاملي .على سبيل املثال ،اشتهرت حركة الشباب في الصومال بسجلها الوحشي ضد الصوماليني، وحظرها املباريات واملوسيقى وغيرها ،وكانت هناك خالفات حادة بني املقاتلني الصوماليني واألجانب.
,,
تحدث ملهم تنظيم القاعدة اليمني أنور العولقي عن تبعات الربيع العربي قائال« :مع وجود تطورات جديدة في املنطقة يمكن أن يتوقع املرء أن تفتح أبواب كبرى من الفرص أمام املجاهدين في جميع أنحاء العالم»
,,
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
13
شؤون سياسية
تقدم التطورات في مالي وأزمة الرهائن األخيرة في أميناس ومنها التدخل العسكري الفرنسي املباشر ،إشارات مهمة تعلق بظاهرة الجهاديني على نطاق أوسع في شمال أفريقيا وغربها .يبدو أن كل ذلك حدث سريعا .في 10يناير (كانون الثاني) سيطر تحالف من املسلحني اإلسالميني على بلدة كونا املالية التي تقع على بعد 600كيلومتر من شمال شرقي العاصمة باماكو.
أتباع «القاعدة» في مالي ..جرس إنذار في شمال أفريقيا
حرب على اإلرهاب بقلم: د .علياء براهيمي
,,
أقام الجهاديون واالنتهازيون على حد سواء في شمال أفريقيا شبكة إجرامية كبيرة تقوم بتهريب املخدرات والسالح والسجائر والبشر واالتجار في السلع االستهالكية املدعمة من ليبيا والجزائر وخطف الرهائن من أجل فدية
,,
12
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
أعطى استيالء املتمردين املتصلني بتنظيم القاعدة ،والذين فرضوا سيطرة فعلية على شمال مالي منذ أكثر من تسعة أشهر ،إشارة إلى أمرين :أنهم لم يعودوا مهتمني بمباحثات السالم مع الحكومة املالية ،التي كان من املقرر انعقادها في 21يناير في بوركينا فاسو ،وأنهم يعتزمون االتجاه جنوبا. خوفا من استيالء املسلحني على البالد بأسرها، واستجابة ملطالب الرئيس املالي املؤقت ديونكوندا تراوري، أكدت الحكومة الفرنسية في 11يناير أن قواتها الجوية شنت غارات ضد أهداف داخل مالي ،ثم أعلنت الحقا أنها سوف ترسل آالفا من القوات البرية إلى املعركة .في 16 يناير ،قام 32مسلحا بمهاجمة منشأة بترولية في جنوب الجزائر في أميناس واحتاللها. وفي أثناء عملية االحتجاز التي استمرت أربعة أيام، أعلنت جماعة منشقة عن «القاعدة» مسؤوليتها عن العملية وطالبت بإنهاء عمليات القتال الفرنسية في مالي، باإلضافة إلى اإلفراج عن معتقلني بارزين في السجون األميركية .وقتل 37رهينة أجنبيا أثناء االحتجاز. تتناقض السرعة التي تفجرت بها األحداث فترة سكونهم الطويلة .خلف الحكم االستعماري الفرنسي وراءه ضعفا مستمرا في السلطة املركزية في باماكو ،والتي بدورها سمحت بحدوث الواقعتني. في البداية ،ظلت مظالم الطوارق في شمال مالي تحت القمع. وانفجر االستياء السياسي واالقتصادي في تمرد صريح في بداية الستينيات ،ومرة أخرى في 1990و.2006 وفي حني تم النص على إجراءات لتحسني أوضاع الطوارق في سلسلة من اتفاقيات السالم ،من بينها حكم ذاتي أكثر استقالال وسياسات اقتصادية أكثر فاعلية ،فإنها ظلت غير منفذة من جانب باماكو ،مما أدى إلى اشتداد حدة الحركة االنفصالية للطوارق في الشمال.
ثانيا ،عندما لحقت الهزيمة باملسلحني الجزائريني في حربهم التي استمرت عشرة أعوام ضد الدولة في الجزائر، وجدوا مساحة لهم في املناطق الفقيرة املعدمة التي ال تخضع لسيطرة الحكومة في شمال مالي ،وذلك منذ عام 2003وحتى اآلن. وهنا أقام الجهاديون واالنتهازيون على حد سواء في شمال أفريقيا شبكة إجرامية كبيرة ،تقوم بتهريب املخدرات والسالح والسجائر والبشر ،واالتجار في السلع االستهالكية املدعمة من ليبيا والجزائر وخطف الرهائن من أجل فدية. وأصبح الطوارق والعناصر الجهادية على اتصال بدرجة معينة من خالل إياد أغ غالي امللقب بـ«ثعلب الصحراء»، والذي نال شهرته كمقاتل ماهر أثناء تمرد الطوارق عام .1990برز غالي على الساحة السياسية بصفته مفاوضا بني الجهاديني في شمال أفريقيا والسلطات املالية وحكومات الرهائن األجانب .كان نفوذ املقاتل السابق من أجل االستقالل كبيرا.
أسود الصحراء بعد عام واحد تقريبا ،تمت اإلطاحة بأحد أكبر رعاة الطوارق في ليبيا .كان معمر القذافي ،الذي سعى دائما إلى مضايقة خصومه في املنطقة ،يؤيد حركة استقالل الطوارق ،فأعلن ليبيا حامية للطوارق الذين اعتبرهم «أسود الصحراء ونسورها» .وباإلضافة إلى مزاعم استضافة معسكرات تدريب الطوارق ،استعان القذافي بعدد وصل إلى 3000شخص من الطوارق في قواته األمنية. وبعد سقوطه عاد هؤالء املقاتلون املحملون باألسلحة واملدربون جيدا إلى مالي ،ليشعلوا التمرد االنفصالي من جديد ويخيفوا الجيش املالي الذي يعاني من الضعف .دفع الشعور بخيبة األمل في قتال الطوارق األكثر ثقة ،في ظل ضعف تسليح القوات املالية ،مجموعة من الضباط املاليني
Distinguish yourself
Kingâ&#x20AC;&#x2122;s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, Kingâ&#x20AC;&#x2122;s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011
www.kcl.ac.uk
شؤون سياسية
يندهش املرء املعتاد على املجتمع املصري إذا ما أصبح الحكم في مصر إسالميا .لقد استحوذ اإلسالميون على غالبية املجتمع املصري قبل فترة طويلة من سقوط الحكومة في قبضتهم. ولكن الظاهرة الحقيقية مع الثورة هي ظهور السلفية.
,,
عندما باشر الخميني التطبيق الفعلي للشريعة أدرك سريعا أنها ال تتفق كليًا مع املجتمع اإليراني. في املقابل بدأت مصر عملية األسلمة في ظل الدولة العسكرية وفقدت الكثير من الليبرالية التي ازدهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين
,,
في إيران ،كان لدينا أيضا أصوليون دينيون لم يشاركوا في الثورة ،لكنهم طالبوا بنصيبهم من السلطة بمجرد أن هدأت الثورة .أحد األمثلة على ذلك هو آية الله محمد تقي مصباح يزدي ،الذي لم يكن له نشاط سياسي قبل الثورة .بل وكان يثبط الجماهير عن الخروج في الحرب بني إيران والعراق. لكنه عندما توفي الخميني ،أصبح منغمسا في املشهد السياسي ،وأخذ ينكر التفسيرات الديمقراطية للمؤسسات السياسية القائمة في إيران .وهو مؤمن بشدة باملكانة املقدسة للولي الفقيه .ويشتهر بأنه منظر العنف في إيران. كانت شخصيات مثل مصباح يزدي الذي يرفض االعتراف باالنتخابات كإجراء ديمقراطي – مفيدة كي يبدو آية الله الحاكم معتدال .وأحيانا ما يستخدم القائد األعلى الحالي آية الله خامنئي أشخاصا مثل مصباح يزدي كوسيلة لتقديم سياساته في مواجهة معارضيه. يبدو السلفيون أيضا مفيدين في هذا الصدد بالنسبة لإلخوان املسلمني ،على الرغم من خالفاتهم الدينية .تبدو جماعة اإلخوان طرفا معتدال يمكن التفاوض معه مقارنة بالسلفيني. وكان ما أدهشني هو عدد الكتب التي تهاجم الشيعة في املكتبات والتي ألفها عدد من السلفيني. وفكرت في أن أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي (وأيضا مناطق أخرى مثل باكستان) قد يكون التوتر املتزايد بني الشيعة والسلفيني (وليس السنة) .يتجاوز هذا الخالف الصراع التاريخي بني مذهبي اإلسالم ،إذ تمتد جذور السلفية اإلسالمية إلى التاريخ الحديث أكثر من رسوخها في املاضي. في إيران ،كنا دائما ما نتعجب من قيام أول «ثورة إسالمية» في إيران ،وهي الدولة التي يعد اإلسالم واردا إليها ولكنه بات يشكل جزءا من الهوية اإليرانية. أود أن أضيف تعديال على ما قلته .لم تكن الثورة «إسالمية»، لكنها أصبحت إسالمية بعد سنتني أو ثالث من توحيد ٌ كثير من اإلسالميني قوتهم .إن أسلمة الثورة منهج كان املثقفني اإليرانيني يعتقدون أن ظهور حكومة إسالمية سوف يأتي بشكل طبيعي في دولة عربية أوال ،ألن اإلسالم يشكل جزءا أكبر من الهوية العربية .لكن التاريخ ال يخضع ملا تخضع له الرياضيات وال يقوم على العلوم االكتوارية. كانت إيران أول دولة تقيم حكما إسالميا ،ولكن إذا كان هناك ما نتعلمه من دروس التاريخ ،فهو أن الشعوب نادرا ما تتعلم منه .كانت إيران تنعم بالحداثة قبل الثورة لدرجة أن الحكومة أخفقت في تحويل البالد إلى نموذج ملثالية طوباوية إسالمية .لم يكن الوضع كذلك في أفغانستان املجاورة .في نهاية مصاف املؤسسات والثقافات الحديثة ،نجحت طالبان في إقامة مثالية طوباوية إسالمية ،تقمع فيها الحريات وتباد السياسة. لم تسقط حكومة طالبان بفعل الشعب األفغاني ولكن من خالل غزو من قوات التحالف التي قادتها الواليات املتحدة .ولوال هذا الغزو ،ربما
10
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
استمر هذا الحكم لعقود أخرى -من يدري؟.
فشل آيديولوجي تختلف األمور في مصر .عندما كنت أسير في الشوارع وانظر إلى املباني القديمة ،غمرني شعور باألسف والشفقة. هذه املباني التي ينتمي أصحابها إلى الطبقة الوسطى تاريخا، وتعكس حالتها الراهنة فشال آيديولوجيا وطبقيا وثقافيا متالزما .بدت املباني مثيرة للشفقة مثل امللك لير في مسرحية شكسبير الشهيرة .يملك اإلسالميون اإليرانيون سيطرة على احتياطي نفطي ،وهي الوسيلة الوحيدة التي تحملت بها إيران حربا استمرت ثمانية أعوام وتستكمل بها برنامجها النووي. ولكن مصر ليست دولة ثرية بالنفط ،واقتصادها يعاني بدرجة أسوأ كثيرا من االقتصاد اإليراني في عام .1979كما يعتمد اإلسالميون – إخوانا وسلفيني – على الدعم الخارجي. وكانت الجمهورية اإلسالمية تملك كثيرا من املال الذي سمح لها بوضع «تصدير الثورة» في صدارة أجندتها .في املقابل مصر جزء من العالم العربي ،بينما تتزايد عزلة حكومة الجمهورية اإلسالمية. كذلك لم تبدأ السلطة الكاسحة التي يملكها اإلسالميون في مصر منذ عامني .بينما إذا خلت الحكومة اإليرانية من اإلسالميني، سوف يظهر املجتمع اإليراني وجهه العلماني الحقيقي. الوضع معقد بالفعل في كلتا الدولتني ،وال يمكن أن يتوقع املرء إلى متى سوف يستمر الحكم اإلسالمي في أي منهما. يجب أن يكون مصدر األمل الرئيس هو املفكرون في كال البلدين ،حيث يظل تمكني املجتمع من التفكير في تجربته هو السبيل الوحيد للهروب من األزمة السياسية وتجنب تكرار أخطاء املاضي .هكذا يمكن أن يحقق املفكرون املصريون واإليرانيون أفضل استفادة من بعضهما البعض باملساعدة على التحرر من سجنهم السياسي واالجتماعي <
الرئيس االيراني محمود أحمدي نجاد يشير بعالمة النصر خالل لقاء مع شيخ األزهر أحمد الطيب في مشيخة األزهر بالقاهرة فبراير املاضي وبدأت في إلقاء املحاضرة باللغة العربية الفصحى ملدة ساعة ونصف الساعة .قلت إنه بعد الثورة اإليرانية مباشرة ،كان هناك خالف حول دور الشريعة فيما يشبه الخالف الدائر في مصر .وتعهد آية الله الخميني بتطبيق الشريعة إذا وصل إلى السلطة ،ولكنه كان يؤكد في تصريحاته قبل الثورة على مفاهيم مثل الديمقراطية وحرية التعبير وإرادة الشعب .وكانت فكرة الخميني أنه نظرا لتفوق اإلسالم على جميع الديانات األخرى ،يجب أن يتحول إلى تشريع فعال يصنع بدوره أفضل مجتمع على وجه األرض .من هو أفضل شخص يتولى مسؤولية تطبيق الشريعة؟ ومن هو أفضل من يحكم مجتمعا أو حكومة إسالمية؟ كان رد الخميني واضحا وحاسما :إنه آية الله أو الفقيه الشيعي ،الذي يعلم الشريعة وأفضل من يعرف تعقيداتها. ونتيجة لذلك ،جرى إدماج مفهوم «آية الله الحاكم» أو «الولي الفقيه» في املذهب الشيعي في دستور عام .1979 ومثلما طلبت القوى العلمانية الليبرالية املصرية مزيدا من الوقت لصياغة الدستور في حني سارع اإلخوان املسلمون من أجل املصادقة عليه ،أصر آية الله الخميني على االنتهاء من صياغة الدستور بسرعة ،متجاهال أولئك الذين لم يكونوا مقتنعني بمفهوم الولي الفقيه .وفي اإلسراع بعملية املصادقة على الدستور ،أنهى الخميني النقاش العام حول الخالفات داخل الدستور وقام بتهميش املفكرين الليبراليني العلمانيني والنشطاء السياسيني. ولكن عندما باشر الخميني التطبيق الفعلي للشريعة ،أدرك سريعا أنها ال تتفق كليًا مع املجتمع اإليراني. في املقابل ،بدأت مصر عملية األسلمة في ظل الدولة
الشريعة ،يحظر على النساء الظهور في التلفزيون أو التمثيل في السينما أو عزف املوسيقى. ولكن كيف تعمل اإلذاعة والتلفزيون من دون نساء؟ وما مدى صعوبة حظر املوسيقى بهذه الصورة؟ قرر الخميني أن يخفف قبضته فيما يتعلق بتطبيق الشريعة وظهر بدال منها تدريجيا فرض ديني واحد بصفته الواجب األساسي وهو حماية النظام اإلسالمي .كانت فكرة الخميني هي أن حماية الحكومة اإلسالمية ذات أهمية كبيرة لدرجة حتى أنه يسمح بشرب الخمر أو الكذب في سبيلها .بمعنى أن آية الله الحاكم يختلف عن املسلمني اآلخرين في قدرته على تجاوز الشريعة في حاالت تضارب املصالح بني الشريعة والنظام. وبهذا أصبحت الشريعة تخضع إلرادة الولي الفقيه ،بدال من أن تكون أساس التشريع .وأصبح ما يعتبره آية الله الحاكم في مصلحة النظام اإلسالمي هو ما يحدد سلوك الحكومة وليست الشريعة. وفي مزيد من التعقيد ،كانت شخصية الحاكم هي التي تحل محل الشريعة ،بمعنى أنها أصبحت شمولية إسالمية كاملة. استطعت أن أدرك حجم الصدمة التي شعر بها الطالب نتيجة ملحتوى املحاضرة .لم تكن قصة الجمهورية اإلسالمية معروفة جيدا بني شعوب الدول العربية .غادرت القاعة والجامعة وانخرطت في زحام الشوارع ،التي ذكرتني بطهران أيضا .تشبه القيادة في شوارع طهران القيادة في القاهرة على نحو مخيف :يجد املارة صعوبة حقيقية في عبور الطريق ويملك السائقون حق عبور جميع الطرق ،بينما ال يجد املارة املغلوبون على أمرهم إال القليل من الحقوق.
العسكرية ،وفقدت الكثير من الليبرالية التي ازدهرت في نهاية الولي الفقيه
القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،بينما تحولت إيران إلى الحداثة في ظل حكم العائلة البهلوية ،كان من الصعب على الجماهير القبول بالعودة إلى مجتمع يفتقد املؤسسات الحديثة التي اعتادوا عليها .على سبيل املثال ،في ظل حكم
توقف الفندق الذي أقيم فيه عن تقديم الكحوليات منذ عام ،2010عندما اشتراه رجل أعمال سعودي .وكان هناك ملهي ليلي شهير في الطابق العلوي للفندق مغلق أيضا .ال يجب أن
,,
في إيران كان ارتداء الحجاب اختياريا قبل الثورة وعندما وصل اإلسالميون إلى الحكم في عام 1979أصبح ارتداء الحجاب فرضا على جميع النساء بغض النظر عن دينهن. واآلن ترتدي النساء في إيران الحجاب بطريقة عصرية في تحد إلظهار أن القانون الحكومي اإللزامي هو السبب الوحيد الرتدائهن الحجاب
,,
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
9
شؤون سياسية
وصلت إلى الفندق في الساعة الرابعة والنصف مساء .تركت حقائبي في الغرفة والتقطت الخريطة وخرجت .كنت قد قرأت على منت الطائرة أن هناك مظاهرات في ميدان التحرير ينظمها سلفيون يعارضون مسودة الدستور ويطالبون بأن تكون الشريعة هي املصدر األساسي الوحيد للتشريع .سرت ملدة 15دقيقة وشققت طريقي إلى امليدان .كانت هذه هي أول زيارة أقوم بها إلى القاهرة.
عندما تتفوق مصر «اإلسالمية» على إيران «الولي الفقيه»!
زيارةإلىالقاهرة بقلم: مهدي خلجي
,,
كانت فكرة الخميني هي أن حماية الحكومة اإلسالمية ذات أهمية كبيرة لدرجة حتى أنه يسمح بشرب الخمر أو الكذب في سبيلها
,,
8
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
بدأ الظالم يلقي بظالله على السماء امللبدة بالعوادم امللوثة .كان امليدان مزدحما بالرجال والنساء ،وأقيمت فيه منصتان يهتف من خاللهما املنظمون بالشعارات .كان املتظاهرون يهتفون بني حني وآخر« :الله أكبر» تعبيرا عن موافقتهم على خطاب املتحدثني ،بينما حمل البعض الفتات تشير إلى دعم وضع الشريعة في الدستور ،وعارض آخرون قرارات الرئيس مرسي. جذبت انتباهي الفتة كتب عليها“ :الشريعة هي املكون الرئيسي للهوية املصرية ،اإلسالمية واملسيحية”. واستكملت املسير حول امليدان ،مستمعا إلى املتحدثني ومالحظا لتعبيرات الجماهير .كان حزب النور – أكبر حزب سلفي – واإلخوان املسلمون غائبني عن املظاهرات .وامتأل امليدان بالسلفيني ،الذين لم يشاركوا في الثورة التي وقعت أحداثها في ميدان التحرير ذاته قبل أكثر من عام ،إذ لم يدخل السلفيون عالم السياسة إال حديثا بعد سقوط مبارك. كان والدي ثوريا قبل اندالع الثورة اإليرانية عام ،1979 وأمضى عدة أشهر في السجن حتى غادر الشاه إيران ووصل الخميني إلى الحكم. وعلى الرغم من أنني كنت أبلغ من العمر 5أعوام وقت الثورة، فإن األحداث التي وقعت حينها حفزتني على االهتمام بالسياسة ،وخاصة التاريخ السياسي الحديث في إيران. استدعت األجواء في ميدان التحرير ذكريات طفولتي ،كانت نظرات اإلحباط والغضب ومجموعات النساء الالتي نزلن إلى الشارع ،والشعارات التي تدافع عن اإلسالم وإدخاله في الحياة السياسية واالجتماعية تشبه كثيرا ما شهدته في قم – مركز املؤسسة الدينية الشيعية – حيث يتركز الحراك السياسي بقوة .وعلى الرغم من أن هذه كانت أول زيارة لي إلى مصر ،فإنني شعرت بدرجة كبيرة من األلفة .بعد يومني، عندما كنت أقابل صديقا لي في جامعة القاهرة ،هرعت إلى األستاذ حسن حنفي أستاذ الفلسفة واملفكر اإلسالمي اليساري البارز .عندما تم تقديمي له بصفتي باحثا إيرانيا مقيما في الواليات املتحدة تغيرت قسمات وجهه واقترب مني وبدأ يقول« :عندما وقعت الثورة اإلسالمية في إيران في البداية ،كنا جميعا سعداء هنا .واآلن نشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب دعم إيران لبشار األسد».
رغبت في الرد ،ولكنه استمر في حديثه وفوجئت بقوله الذي ال يوافقه فيه غالب العرب« :ال نهتم بالثالث جزر املتنازع عليها وال تهمنا اإلشارة إلى الخليج بأنه فارسي أو عربي ،ولكننا معنيون بسوريا .ال يجب أن تضر إيران سمعتها بتمويل األسد في قمعه». لم تسنح لي فرصة الرد عند هذه النقطة .ولكنه بدا متفائال بشأن سلطة اإلخوان املسلمني الجديدة في مصر .كنت قد سمعت أن الرئيس مرسي خاطب حنفي في اجتماع مع املفكرين والباحثني ،وأنه أخبره أنه مدين له فكريا وأنه قرأ له أعماال كثيرة. كانت الجامعة ممتلئة بكثير من الطالب الشباب ،ولم أكن رأيت جامعة في أي دولة مزدحمة بهذه الصورة .وفي مفاجأة بالنسبة لي ،كانت جميع الفتيات تقريبا يرتدين الحجاب. وقيل لي إن املسيحيات فقط هن الالتي ال يرتدين الحجاب وأن جميع املسلمات تقريبا يغطني رؤوسهن .عندما دخلت إلى الجامعة ،فكرت في أن إيران ،باملقارنة مع مصر ،ال يمكن أن تعتبر إسالمية .في إيران ،كان ارتداء الحجاب اختياريا قبل الثورة ،وعندما وصل اإلسالميون إلى الحكم في عام ،1979 أصبح ارتداء الحجاب فرضا على جميع النساء بغض النظر عن دينهن .واآلن ترتدي النساء في إيران ،ال سيما في املدن الكبرى ،الحجاب بطريقة عصرية في تحد إلظهار أن القانون الحكومي اإللزامي هو السبب الوحيد الرتدائهن الحجاب. أعتقد أنه عندما وصل اإلسالميون إلى الحكم في إيران، اضطرت الحكومة إلى إعادة أسلمة املجتمع .ولكني في حالة مصر ،تمت أسلمة املجتمع بصورة كبيرة من قبل جماعات مثل اإلخوان املسلمني والسلفيني على مدار األربعني عاما املاضية في ظل الحكم العسكري. طلب مني أحد األصدقاء الذي ُي َدرس الفلسفة في جامعة القاهرة أن ألقي محاضرة أمام طالبه عن الثورة اإليرانية وما تالها من صياغة الدستور ،حتى يتمكن طالبه من املقارنة بني التجربتني اإليرانية واملصرية .ووافقت.
دور الشريعة دخلت إلى قاعة املحاضرة التي ضمت ما يقرب من 150طالبا،
الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد ستيفن غلني :صحفي مستقل و كاتب مقيم في واشنطن .انظم عام 1991لصحيفة وول ستريت جورنال التي عينته مراسال في كوريا الجنوبية واستمر بالعمل لديها طيلة عقد كامل مغطيا اخبار آسيا و الشرق االوسط من سيئول و طوكيو وفلسطني و عمان .و عمل ايضا مراسال لنيوزويك. د .علياء براهيمي :باحثة في كلية لندن لالقتصاد والعلوم السياسية ،وكانت في السابق باحثة مساعدة في العالقات الدولية في جامعة أكسفورد وباحثة في كلية سانت أنتوني في أكسفورد .وقد ألفت كتاب «الجهاد ومجرد معركة في الحرب على اإلرهاب» (أكسفورد.)2012 ، محمد بن صقر السلمي :أكاديمي سعودي وطالب دكتوراه متخصص في الدراسات اإليرانية ،يبحث في مفهوم اآلخر العربي في الفكر اإليراني الحديث من الجانبني األدبي والتاريخي ومهتم بالعالقات العربية اإليرانية ،متابع للشأن الداخلي اإليراني ويشرف على مدونة «شؤون إيرانية». فضيلة الجفال :كاتبة سعودية .كتبت في عدة صحف عربية ،استشارية اتصاالت استراتيجية ،حاصلة على املاجستير من كلية غولد سميث ،لندن ،لها كتاب « أيام مع املارينز» صدر في عام .2011 أحمد عبدالله العيسى :كاتب صحافي ومحلل سياسي كويتي ،عمل مستشارا سياسيا وإعالميا ،ويشغل حاليا منصب مدير عام شركة سنب لالستشارات اإلعالمية املتخصصة باإلعالم السياسي على مستوى دول الخليج العربي ،ومؤسس جريدة هنا الكويت اإللكترونية. عمر البشير الترابي :باحث وكاتب سوداني. ترأس تحرير مجلة االتحاد الطالبية بجامعة ً الشارقة ،يكتب مقاال أسبوعيًا بصحيفة الصحافة السودانية .باحث في مركز املسبار للدراسات .
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
7
المحتوى
08 عندما تتفوق مصر «اإلسالمية» على إيران «الولي الفقيه»!
زيارة إلى القاهرة
44 الجامعات اإليرانية في الشرق األوسط.. دبي أنموذجًا
اخرتاق ثقايف
18 ثورات «الربيع العربي» ..من الحزب الواحد إلى ّ التيار الواحد
احلصاد ّ املر
34 أسئلة الديمقراطية وأحالم الخالفة ..كيف يفكر الحركيون في الخليج؟
22 اإلخوان يصافحون إيران في الكويت ويحاربونها على حدود دمشق!
معايري مزدوجة
51 هل يستقبل العراقيون الصدر بذراعني مفتوحتني أم يشعرون بالقلق حيال شخصيته الجديدة؟
عودة مقتدى 6
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
الليربوسروري!
www.majalla.com
Al Majalla الدولية مجلة العــــــرب ﻣـﺠـﻠـــﺔ ﺍﻟـﻌــــــــﺮﺏ ﺍﻟـﺪﻭﻟـﻴــــﺔ
االفتتاحية
رساله المحرر كشفت نتائج انتخابات دول "الربيع العربي" عن تقارب ّ تحول تحالفا واضحا بني جماعات اإلسالم السياسي .اإلخوان املسلمون بفئاتهم ،والسلفيون الحركيون بأطيافهم .فرقاء األمس املختلفون فكريًا أصبحوا اليوم في خندق واحد ،وعلى قلب رجل واحد ،من أجل حماية مشروع "حكم اإلسالميني" وإنجاحه في الدول التي سيطرت عليها جماعة اإلخوان ،بفروعها ،النهضة في تونس والحرية والعدالة في مصر .تحالف يحظى بمباركة ودعم من التيار السروري في الخليج وهو ما يناقشه عبدالله الرشيد في موضوع الغالف. تحت عنوان "الليبروسروري" يبحث الكاتب التحوالت التي تشهدها الحركات اإلسالمية وكيف يفكر الحركيون في الخليج .فما بني أسئلة الديمقراطية وأحالم الخالفة تجد السلفية الحركية نفسها أمام مأزق فكري ،وأسئلة ملحة .فاملوافقة والتأييد لالنتخابات والديمقراطية ،هدم لتراث فكري متراكم وطويل يقوم على رفض ونبذ النظم السياسية الغربية الحديثة ،أما االطراد مع هذا التراث الفكري والقول بالرفض واالعتراض ،فسيكون هدية للخصوم من "الليبراليني والعلمانيني" ،وحجر عثرة في طريق مشروع "األخونة" و "األسلمة". في موضوع آخر يروي مهدي خلجي تفاصيل رحلة رجل قادم من بالد فارس إلى أكبر بلد عربي ليكتشف أن مصر الجديدة تحت حكم اإلخوان تفوقت "إسالميا" على إيران "الولي الفقيه" .يقول خلجي ،وهو ابن آية الله محمد تقي خلجي أحد مراجع الشيعة في إيران ،إنه على إثر الثورة اإليرانية وعندما باشر الخميني التطبيق الفعلي للشريعة ،أدرك سريعا أنها ال تتفق كليًا مع املجتمع اإليراني. في املقابل ،وهذا ما ملسه من خالل مالحظاته في زيارته األخيرة إلى القاهرة ،رأى أن مشروع "األسلمة" في مصر بدأ في ظل الدولة العسكرية وهو الطاغي اآلن في ظل دولة "األخوان والسلفيني"، ما أفقد مصر الكثير من الليبرالية التي ازدهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. خلجي يرى أن الوضع معقد بالفعل في مصر وإيران ،ويتساءل إن كان باالمكان أن يتوقع املرء إلى متى سوف يستمر الحكم اإلسالمي في أي منهما. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا majalla.comونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا.
احملرر
4
المجلة /العدد 1581مارس -آذار 2013
للمشاركة
إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني editorial@majalla.com ملحوظة :جميع المقاالت يجب أال تزيد على 800كلمة
اشتراكات
لالشتراك في الطبعة الرقمية ،يرجى االتصال بـsubscriptions@majalla.com : لالشتراك في االلكترونيةwww.issuu.com/majalla :
حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة 2009التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة .وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة) .وتصدر المجلة شهرياً .لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي ،يرجى زيارة www.majalla.com
issue 1581 - March 2013
العدد 1581مارس -آذار 2013 الرياض -حي المؤتمرات -طريق مكة -تقاطع التخصصى
مرخص لها
الرياض :هاتف - 4419933لندنA Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :
www.majalla.com/eng
HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310
الوكيل اإلعالني
موقع إلكتروني ،www.alkhaleejiah.com :بريد إلكترونيhq@alkhaleejiah.com :
وكيل اإلشتراكات
بريد إلكتروني ، info@arabmediaco.com :موقع إلكتروني ،www.arabmediaco.com :هاتف مجاني 800-2440076 :
وكيل التوزيع مركز الطباعة
من داخل المملكة ،920 000 417 :دبي ،+9714 3 914440 :باريس ، +331 537 764 00:لندن ، +44 207 404 6950:ومن مختلف الدول +966 1 441 1444 :
وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات -ص.ب - 62116الرياض ،11585هاتف +966 1 4419933 :فاكس،+966 1 2121774 : موقع إلكترونيwww.saudidistribution.com : ص.ب - 121 .الرياض ،11383هاتف ،+9661.2657000فاكس ،+9661.2658000موقع إلكترونيwww.halaprintco.com :
شركات المجموعة Saudi Specialized Publishing Company
حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة
لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم»
حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة»
للحصول على المزيد من المعلومات ،يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني 8002440014
AN AMERICAN EDUCATION A BRITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.
+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla today to download our catalog and viewbook.
العدد 1581مارس -آذار 2013
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 03
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
issue 1581 - March 2013
تأسست في لندن عام 1980
مهدي خلجي :عندما تتفوق م�صر الإ�سالمية على �إيران الويل الفقيه �ستيفن غلني :املعونة الأمريكية لدول ال�شرق الأو�سط نعمة �أم نقمة؟ علياء براهيمي :القاعدة يف مايل..جر�س �إنذار يف �شمال �أفريقيا