اليمن اختبار الاتفاق

Page 1

‫العدد ‪ 1945‬مايو ‪ /‬أيار ‪2023‬‬ ‫‪majalla.com‬‬

‫اليمن…‬ ‫اختبار‬ ‫االتفاق‬

‫مالمح الحل السيايس‬ ‫وتحديات التفاهم‬ ‫السعودي – اإليراين‬

‫الصعود للهاوية‪ ...‬كيف‬ ‫وصل السودان إلى هنا؟‬

‫معركة انتخابية تركية‬ ‫في مئوية الجمهورية‬

‫صالح مسلم‪ :‬أكراد سوريا‬ ‫ليسوا عمالء ألميركا‬

‫بيروت‪...‬مدينة اليباب‬ ‫ٌ‬ ‫سجل للمهانات واالختفاء‬


002_AM.indd 2

28/04/2023 12:55


April DPS Almajallah Arabian oud.pdf

002_AM.indd 3

1

22/03/2023

3:18 PM

28/04/2023 12:55


004_AM.indd 4

28/04/2023 12:57


004_AM.indd 5

28/04/2023 12:57


‫المحتويات‬

‫‪6‬‬

‫المجلة‬

‫املحتويــات‬

‫‪46‬‬ ‫أربعة‬ ‫سيناريوهات‬ ‫في السودان‬

‫‪82‬‬ ‫هستيريا‬ ‫الذكاء‬ ‫االصطناعي‬

‫‪100‬‬ ‫مداح‬ ‫طالل ّ‬ ‫الحداثي‬ ‫وصانع المزاج‬

‫‪10‬‬ ‫قصة‬ ‫الغالف‬

‫رسم – دينا سواوتيه‬

‫يستعرض شوقي عبد العظيم‬ ‫احتماالت املستقبل‬ ‫ويحذر من حرب طويلة‬

‫يعرض خالد القصار‬ ‫محاسن التطورات العلمية‬ ‫ومخاطرها‬

‫يستذكر شادي عالء الدين‬ ‫مسرية الفنان السعودي الراحل‬ ‫بعد اإلحتفاء به‬

‫اليمن‪....‬‬ ‫اختبار االتفاق‬ ‫السعودي – اإليراين‬

‫‪8‬‬

‫االختبار اليمني‪...‬‬ ‫واالنفجار السوداين‬ ‫إبراهيم حميدي‬

‫‪26‬‬

‫هل ُتلزم الصني إيران‬ ‫بوقف تسليح “الحوثيني”؟‬ ‫خالد حمادة‬

‫‪56‬‬

‫ألوان الخوف‬ ‫والقلق‬ ‫وفاء صالح‬

‫‪92‬‬

‫انفوغرافيك‬ ‫الدين‬ ‫االمرييك‬

‫‪12‬‬

‫تحديات التسوية‬ ‫يف اليمن‬ ‫ّ‬ ‫الغنام‬ ‫هشام‬

‫‪32‬‬

‫سالم اليمن‬ ‫يُنعش باب املندب‬ ‫فيصل الفايق‬

‫‪59‬‬

‫"معركة" تركية‬ ‫يف مئوية الجمهورية‬ ‫عمر أونهون‬

‫‪94‬‬

‫نجاح صناعة‬ ‫السيارات يف املغرب‬ ‫محمد الشرقي‬

‫‪16‬‬

‫مالمح الحل‬ ‫السيايس يف اليمن‬ ‫بدر القحطاين‬

‫‪34‬‬

‫أدباء‬ ‫امليليشيات‬ ‫عيل املقري‬

‫‪66‬‬

‫امللك تشارلز‪...‬‬ ‫وتحديات العهد الجديد‬ ‫كون كوخلني‬

‫‪103‬‬

‫طالل مدّاح‬ ‫“صوت األرض”‬ ‫عادل حوشان‬

‫‪20‬‬

‫مستقبل الدولة‬ ‫ودورات القتال‬ ‫ميساء شجاع الدين‬

‫‪36‬‬

‫صالح مسلم‪ :‬سوريا‬ ‫لن تعود إىل ما قبل ‪2011‬‬ ‫إبراهيم حميدي‬

‫‪72‬‬

‫بريوت مدينة اليباب‪...‬‬ ‫وسجل املهانات‬ ‫محمد أبي سمرا‬

‫‪106‬‬

‫يونس توفيق‪:‬‬ ‫لغتي هي وطني‬ ‫يوسف وقاص‬

‫‪22‬‬

‫الشروط الحقيقية‬ ‫لعودة اليمنيني‬ ‫عبد الغني اإلرياين‬

‫‪50‬‬

‫كيف وصل السودان‬ ‫إىل هنا؟‬ ‫أمجد فريد الطيب‬

‫‪86‬‬

‫زلزال مايل‬ ‫ينتظر أمريكا‬ ‫توفيق شنبور‬

‫‪110‬‬

‫دور الرتجمة‬ ‫يف بناء الحضارة‬ ‫ستيفانو أردويني‬

‫‪03/05/2023 10:05‬‬

‫‪006_AM.indd 6‬‬


‫‪7‬‬

‫كتاب العدد‬

‫المجلة‬

‫كتــاب العــدد‬ ‫بدر القحطاين‬ ‫"المجموعة السعودية‬ ‫لألبحاث واإلعالم"‬

‫صحايف سعودي‬ ‫متخصص يف الشأن اليمني‬

‫أسسها سنة ‪1987‬‬ ‫األمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز‬

‫عمر أونهون‬

‫الرئيس التنفيذي‬ ‫جمانا راشد الراشد‬ ‫‪Chief Executive Officer‬‬ ‫‪Jomana Rashed AlRashid‬‬

‫ّ‬ ‫الغنام‬ ‫هشام‬

‫أسسها سنة ‪1980‬‬ ‫هشام ومحمد علي حافظ‬

‫خبري سعودي يف العلوم‬ ‫السياسية والعالقات الدولية‪،‬‬ ‫وزميل بحثي ومستشار اسرتاتيجي‬ ‫يف عدة مراكز تفكري أوروبية‬ ‫وأمريكية وبريطانية‬

‫رئيس التحرير‬ ‫غسان شربل‬ ‫مدير التحرير التنفيذي‬ ‫إبراهيم حميدي‬ ‫مدراء التحرير‬ ‫حسام عيتاني‬ ‫خالد القصار‬ ‫سامر أبو هواش‬ ‫‪Editor-in-Chief‬‬ ‫‪Ghassan Charbel‬‬

‫سفري تريك سابق‪ ،‬يكتب‬ ‫يف مراكز أبحاث ووسائل إعالم‬ ‫تركية وأجنبية‬

‫عيل املقري‬ ‫روايئ يمني‪،‬عمل محررا ثقافيا‬ ‫يف صحف ومجالت يمنية وعربية‬ ‫وله عدد من الروايات‬ ‫من أعماله "بالد القائد"‬ ‫صدرت بالعام ‪2018‬‬

‫أمجد فريد الطيب‬

‫محمد أبي سمرا‬

‫باحث وكاتب سوداين‬ ‫يكتب يف وسائل إعالم عدة‪،‬‬ ‫ويقيم يف الخرطوم‬

‫روايئ وصحفي لبناين‬ ‫من مؤلفاته "وداع لبنان"‬ ‫و"نساء بال أثر"‬

‫‪Executive Editor‬‬ ‫‪Ibrahim Hamidi‬‬

‫ميساء شجاع الدين‬ ‫باحثة أوىل يف “مركز صنعاء‬ ‫للدراسات االسرتاتيجية”‪ .‬نشرت‬ ‫كتاباتها وتحليالتها يف العديد من‬ ‫وسائل اإلعالم العربية واألجنبية‬

‫‪editorial@majalla.com‬‬

‫عادل حوشان‬

‫مديرة قسم اإلبداع‬ ‫سارة لون‬

‫‪SRMG, 10th Floor, Building 7, Chiswick‬‬ ‫‪Business Park, 566 Chiswick High Road‬‬ ‫‪London W4 5YG, United Kingdom‬‬ ‫‪Tel: +44 20 7831 8181‬‬

‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫الوكيل اإلعالني‬

‫‪03/05/2023 10:06‬‬

‫‪Saudi Media Company‬‬ ‫‪KSA +966 920033777‬‬ ‫‪Dubai UAE +971 45684155‬‬ ‫‪sales@smc.me‬‬

‫كاتب وناشر‬ ‫وإعالمي سعودي‬

‫فيصل الفايق‬

‫ستيفانيو أردويني‬

‫مستشار وكاتب‬ ‫يف شؤون الطاقة‬ ‫ومدير دراسات سابقا‬ ‫يف منظمة "أوبك"‬

‫أستاذ علم اللغة يف جامعة‬ ‫"لينك كامبوس" بروما‬ ‫له مؤلفات بينها "عن املحادثة‪:‬‬ ‫منظور متكامل للتحليل اللغوي"‬

‫عبد الغني اإلرياين‬ ‫باحث أول يف‬ ‫"مركز صنعاء للدراسات‬ ‫االسرتاتيجية"‪،‬‬ ‫وعمل مستشارا‬ ‫يف األمم املتحدة‬

‫‪006_AM.indd 7‬‬


‫المحرر‬

‫‪8‬‬

‫المجلة‬

‫االختبــار اليمنــي‪ ...‬واالنفجــار الســوداين‬

‫إبراهيم حميدي مدير التحرير التنفيذي‬ ‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫نحاول تقفي‬ ‫خطوات الصني‪،‬‬ ‫عرب تسليط‬ ‫الضوء عىل‬ ‫دورها املحتمل‬ ‫يف ضمان التزام‬ ‫إيران باالتفاق مع‬ ‫السعودية وعدم‬ ‫تسليح الحوثيني‪.‬‬ ‫‪02/05/2023 12:54‬‬

‫االتفاق السعودي – اإليراين برعاية الصني‪ ،‬الستئناف‬ ‫ماض يف طريقه‪ ،‬وفق الخطوات‬ ‫العالقات الثنائية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫املتفق عليها منذ إعالنه يف بكني مارس‪/‬آذار املايض‪.‬‬ ‫ال شك أن هذا االتفاق كان محطة رئيسة سترتك‬ ‫آثارها يف اإلقليم وما وراءه‪ .‬وسيكون اختبار االتفاق يف‬ ‫اليمن‪ ،‬الذي شهد يف أبريل‪/‬نيسان خطوات عديدة‪،‬‬ ‫تضمنت لقاءات مع الحوثيني يف صنعاء‪ ،‬لبحث استمرار‬ ‫التهدئة وتبادل أسرى وحل سيايس شامل لليمن‪ ،‬عىل‬ ‫أن تستكمل الحقا‪.‬‬ ‫لهذه األسباب وغريها‪ ،‬يستحق هذا املوضوع‪ ،‬أن‬ ‫يكون قصة الغالف لعدد مايو‪/‬أيار‪ ،‬حيث يجري تناوله‬ ‫من جميع الجوانب الداخلية والخارجية‪ ،‬وطرح األسئلة‬ ‫والتحديات واآلفاق‪.‬‬ ‫يتضمن امللف‪ ،‬قراءة ملنعكسات التفاهم بني الرياض‬ ‫وطهران عىل تفاصيل التسوية اليمنية‪ ،‬مع رسم مالمح‬ ‫هذا الحل‪ ،‬إضافة إىل التحديات املاثلة أمام تنفيذ التصور‬ ‫العتيد‪ .‬ويقدم‪ ،‬يف هذا امللف‪ ،‬ك ّتاب وباحثون يمنيون‪،‬‬ ‫آراءهم يف هيكلية الدولة املشتهاة يف اليمن‪ ،‬والعالقة‬ ‫بني العاصمة صنعاء والالمركزية واملحليات‪ ،‬والشروط‬ ‫التي يجب توفرها للخروج من دورات القتال‪ ،‬يك‬ ‫يعود اليمنيون الذين اق ُتلعوا من بالدهم بعد السيطرة‬ ‫الحوثية عىل البالد‪ ،‬إضافة إىل نص نقدي ضد “مثقفي‬ ‫امليليشيات” ومديح البندقية‪.‬‬ ‫يف امللف أيضا‪ ،‬محاولة لتقفي خطوات دور الوسيط‬ ‫الصيني‪ ،‬عرب تسليط الضوء عىل دور بكني املحتمل يف‬ ‫ضمان التزام طهران بعدم تسليح الحوثيني‪ .‬بمعنى‬ ‫استغالل التهدئة للميض نحو السالم اليمني والتهدئة‬ ‫اإلقليمية وليس االستعداد لجوالت جديدة واعتداءات‬ ‫مديدة‪ .‬أي ضمان أمن املنطقة وباب املندب‪ ،‬بدال من‬ ‫تهديد املمرات االسرتاتيجية للتجارة والطاقة املهمة لبكني‬ ‫واملنطقة والعالم‪.‬‬ ‫ويف خضم وضع اللمسات األخرية عىل عدد “املجلة”‬ ‫الجديد‪ ،‬انفجر الوضع السوداين‪ ،‬بطريقة مفاجئة‬ ‫تجاوزت اإلشارات التي كانت توحي بها “حرب الكلمات”‬ ‫بني الجرنالني‪ ،‬عبد الفتاح الربهان ومحمد حمدان دقلو‬ ‫(حميديت) يف األسابيع املاضية‪ .‬وكان ال بد من مواكبة‬ ‫هذا االنفجار بامتداداته الداخلية والخارجية ومبادرات‬ ‫إطفاء حرائقه ومداواة معاناته‪ ،‬حيث لعبت السعودية‬ ‫دورا طليعيا وقياديا يف إجالء مواطنيها وآالف الرعايا من‬ ‫عشرات الجنسيات العربية واألجنبية‪.‬‬ ‫نواكب يف مجلتنا “حرب الجرنالني”‪ ،‬بالعودة إىل‬

‫جذور الصراع بني حليفي األمس يف السودان‪ ،‬وكيفية‬ ‫“الصعود إىل الهاوية” ورصد املحطات واألنفاق التي‬ ‫مرت بها البالد لـ”الوصول إىل هنا”‪ ،‬إضافة إىل عرض‬ ‫أربعة سيناريوهات ملستقبل السودان‪ ،‬أحدها “اإلقامة‬ ‫عىل الجمر”‪ ،‬وتشظي النريان يف العروق السودانية‪.‬‬ ‫يف هذا الشهر‪ ،‬هناك ثالثة مواعيد مربمجة‬ ‫ومحطات مهمة‪ :‬استضافة السعودية للقمة‬ ‫العربية‪ ،‬واالنتخابات الرتكية‪ ،‬وحفل تتويج امللك‬ ‫الربيطاين تشارلز‪ .‬نواكب هذه املناسبات بقراءة معمقة‬ ‫لسيناريوهات االنتخابات الرتكية التي تجري يف الذكرى‬ ‫املئوية لوالدة الجمهورية‪ ،‬واستشراف مستقبل بريطانيا‬ ‫ووضعها الداخيل والتحديات التي يواجهها امللك الجديد‬ ‫بعد تسلمه العرش خلفا لوالدته يف العام املايض‪.‬‬ ‫نفتح صفحاتنا للقمة العربية التي تعقد يف مرحلة‬ ‫مهمة تتناول قضايا عربية وإقليمية كثرية‪ ،‬بينها عودة‬ ‫سوريا إىل “الحضن العربي”‪ ،‬ذلك أن وزير الخارجية‬ ‫السعودي األمري فيصل بن فرحان‪ ،‬زار دمشق والتقى‬ ‫الرئيس بشار األسد الشهر املايض‪.‬‬ ‫املوقف من التقارب العربي ومستقبل سوريا‪ ،‬بني‬ ‫األسئلة التي أجاب عنها ‪ -‬يف حديثه إىل “املجلة” ‪ -‬رئيس‬ ‫حزب االتحاد الديمقراطي صالح مسلم‪ ،‬القيادي‬ ‫الكردي يف التكتل العسكري ‪ -‬السيايس الذي يسيطر‬ ‫عىل شمال شرقي سوريا‪ .‬وقد رحب صالح مسلم‬ ‫بالتقارب العربي ‪ -‬وحذر من الرتيك ‪ -‬مع دمشق‪ ،‬لكنه‬ ‫قال‪“ :‬ال يمكن عودة سوريا إىل ما قبل ‪ ،”2011‬أي سنة‬ ‫بدء االحتجاجات واألزمة يف البالد‪.‬‬ ‫يتضمن العدد أيضا‪ ،‬مواكبة للتطورات االقتصادية‬ ‫يف منطقتنا والعالم‪ ،‬خصوصا ما يتعلق بالتحديات‬ ‫املالية يف أمريكا ومساعي الصني لبناء تحالف اقتصادي‬ ‫دويل ينافسها‪ ،‬إضافة إىل محاسن الذكاء االصطناعي‬ ‫ومخاطره‪ ،‬واالخرتاق املغربي يف صناعة السيارات‪.‬‬ ‫الفنان الراحل طالل مدّاح‪“ ،‬صوت األرض”‪،‬‬ ‫أو “صانع املزاج”‪ ،‬يحل بذكراه ضيفا عىل صفحات‬ ‫مجلتنا بسطور وكلمات تسلط الضوء عىل مسريته‬ ‫بعد احتفاء مستحق به‪.‬‬ ‫كما يتضمن العدد‪ ،‬زيارة مؤملة إىل سجالت‬ ‫العاصمة اللبنانية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ورحلتها عىل درب‬ ‫النسيان‪ ،‬إضافة إىل مساهمة ومقابلة عن الدور‬ ‫الحضاري للرتجمة‪.‬‬ ‫يف متناول القراء‪ ،‬العدد الشهري من “املجلة” بعد‬ ‫انطالقتها يف حلة جديدة ومنصات رقمية عديدة‪.‬‬

‫‪008_AM.indd 8‬‬


April FP Majllah Como.pdf

008_AM.indd 9

1

26/03/2023

10:34 AM

02/05/2023 12:54


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪10‬‬

‫قصة الغالف‬

‫اليمن‪ ...‬اختبار االتفاق‬ ‫السعودي – اإليراين‬ ‫رسم ‪ -‬سيباستيان تيبو‬

‫اليمن‪ ،‬هو بالفعل اختبار االتفاق السعودي – اإليراين برعاية صينية‬ ‫الذي أنجز يف مارس ‪ /‬آذار املايض‪.‬‬ ‫نعرض تحديات التسوية يف اليمن الصفحة ‪ 12‬ونعرض مالمح الحل‬ ‫السيايس فيه الصفحة ‪ 16‬كما يتضمن موضوع الغالف‪ ،‬اقرتاحا‬ ‫ملستقبل الدولة اليمنية للخروج من دورات القتال الصفحة ‪20‬‬ ‫والشروط الحقيقية لعودة اليمنيني من الخارج الصفحة ‪22‬‬ ‫الصني التي رعت االتفاق بني الرياض وطهران‪ ،‬هل توقف إيران عن‬ ‫تسليح “الحوثيني”؟ الصفحة ‪ 26‬مع تركيز عىل منعكسات سالم اليمن‬ ‫عىل باب املندب ذي األهمية االسرتاتيجة للتجارة العاملية الصفحة ‪32‬‬ ‫ونختم بمقال نقدي بقلم الكاتب اليمني عيل املقري عن أدباء يمدحون‬ ‫امليليشيات يف اليمن وغريها الصفحة ‪34‬‬

‫‪02/05/2023 12:56‬‬

‫‪010_AM.indd 10‬‬


‫‪11‬‬

‫‪02/05/2023 12:56‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫‪010_AM.indd 11‬‬


‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫‪12‬‬

‫قصة الغالف‬

‫تحديــات‬ ‫التســوية‬ ‫يف اليمــن‬ ‫هل ينهي االتفاق السعودي‪ -‬اإليراين الحرب؟‬ ‫فيينا ‪ -‬هشام الغ ّنام‬

‫رسم ‪ -‬سيباستيان تيبو‬

‫االتفاق بني السعودية وإيران لن يحل موضوع اليمن‪ ،‬النفوذ فيه سيبقى رصيدا‬ ‫حاسما لطهران يف زيادة وزن األعباء اللوجستية عىل اململكة والحفاظ عىل اليمن‬ ‫سـراتيجية اإليرانيــة‪ .‬ط ـهـران ســتواصل سياســة‬ ‫كأهــم نقــاط شــبكة االرتــكاز يف اال ـ‬ ‫التحســن النوعــي للقــدرة العملياتيــة ملــا يســمى «محــور املقاومــة»‪ ،‬بمــا يف ذلــك‬ ‫تطويــر الروابــط العملياتيــة األفقيــة بــن الجماعــات الشــيعية املســلحة يف املنطقــة‬ ‫من اليمن وحتى الهالل الخصيب ورفع قدرات التنسيق والتشغيل البيني لديها‪.‬‬ ‫كاف»؛‬ ‫لكــن الــدور اإل ـيـراين‪ ،‬رغــم كل التحفظــات «ضــروري‪ ،‬وإن كان غــر ٍ‬ ‫لتمكــن التقــدم نحــو الســام الشــامل يف اليمــن الــذي هــو أكــر تعقيــدا ويرتبــط‬ ‫أيضــا يف معظمــه بالداخــل اليمنــي أكــر مــن الخــارج‪.‬‬ ‫يف تغري فعيل‪ ،‬وربما ّ‬ ‫مثل اخرتاقا يف مســار الحرب املســتمرة منذ أكرث من ‪8‬‬ ‫عـاء‪ ،‬والتقــى بقيــادات «أنصــار اللــه» وعــى‬ ‫خـرا صن ـ‬ ‫أعــوام‪ ،‬زار وفــد ســعودي مؤ ـ‬ ‫رأسهم رئيس ما يسمى «املجلس السيايس األعىل» مهدي املشاط‪ .‬قد تكون هذه‬ ‫الزيارة انطالقة جديدة لبدء مفاوضات إلنهاء الحرب والوصول باليمن لخريطة‬ ‫طريــق تخــرج اليمــن مــن أزمتــه‪ .‬لكــن الخشــية دائمــا مــن انتكاســة تعــود بالجميــع‬ ‫للمربع األول‪ ،‬قد تكون األرضية التي وفرها االتفاق السعودي‪ -‬اإليراين هي أهم‬ ‫مــا يمنــع هــذا النكــوص‪ .‬لكــن الســؤال‪ :‬هــل ســينهي االتفــاق الســعودي‪ -‬اإل ـيـراين‬ ‫أزمة اليمن وصراعاته املستمرة؟‬ ‫لن تكون اإلجابة عىل سؤال مثل هذا سهلة‪ ،‬فاملصالحة السعودية‪ -‬اإليرانية‬ ‫شـرة للســعودية‪،‬‬ ‫ســتخفض التصعيــد وقتيــا‪ ،‬عــى األقــل التصعيــد املوجــه مبا ـ‬ ‫املسرّية والصواريخ‬ ‫فليس من املتوقع أن يطلق أعوان إيران عىل اململكة الطائرات‬ ‫ّ‬

‫‪02/05/2023 12:59‬‬

‫الباليستية والقذائف القصرية واملتوسطة والصواريخ الجوالة املنخفضة التكاليف‪-‬‬ ‫عادة عشرات أو مئات اآلالف من الدوالرات عىل األكرث‪ -‬فيما تعتزم إيران إعادة‬ ‫فتح بعثتها الدبلوماسية يف الرياض‪ ،‬إال أن الصفقة لن تغري التخطيط اإليراين‬ ‫عــى املــدى املنظــور واعتمــاده عــى حل ـفـاء يشــكلون جســما واحــدا وقــوة عنيــدة يف‬ ‫عموم املنطقة ولن يقلل من االنتشار الجغرايف لشبكة حلفاء إيران يف املنطقة‪.‬‬ ‫وال يمكــن تفســر محادثــات الســام يف اليمــن واإلشــارات اإليجابيــة املتعــددة‬ ‫القادمة من مناطق الصراع يف اليمن بأكرث من ضغط مؤقت من االيرانيني عىل‬ ‫األفراد والجماعات املوالية لهم لتخفيف حدة التوترات يف املرحلة الحالية حتى‬ ‫يقــف االتفــاق الســعودي اإل ـيـراين عــى قدميــه‪ .‬فمــن الخطــورة بمــكان تفســر هــذه‬ ‫التهدئــة عــى أنهــا رغبــة إيرانيــة يف التخــي عــن أداة قوتهــا يف جنــوب شــبه الجز ـيـرة‬ ‫العربيــة‪ .‬وهــذا يعنــي أن الوضــع املعقــد يف اليمــن سيســتمر‪ .‬بالنســبة إل ـيـران‬ ‫سـراتيجيا‪ ،‬منخفــض التكاليــف‪ ،‬يضمــن لهــا القــدرة‬ ‫ســيبقى هــذا البلــد م ـمـرا ا ـ‬ ‫صـول التشــغييل إىل أماكــن حيويــة مختلفــة مــن الجز ـيـرة العريبــة خــال‬ ‫عــى الو ـ‬ ‫أي ـنـزاع محتمــل مســتقبال‪.‬‬ ‫يغفل أيضا كثري من املراقبيني‪ ،‬من كلتا الجهتني‪ ،‬التحول الكبري الذي طرأ‬ ‫عىل طيف األعالم الحمراء يف املخيلة االسرتاتيجية والعسكرية اإليرانية‪ ،‬فاململكة‬ ‫العربيــة الســعودية لــم تعــد كمــا كانــت يف العقليــة اإليرانيــة ســابقا‪ ،‬مجــرد تابــع‬ ‫للسياسة األمريكية يف املنطقة‪ ،‬يف االتفاق واالختالف‪ ،‬كما كان يظن اإليرانيون‪،‬‬ ‫واكتشفوا خطأه بعد االتفاق النووي يف ‪ ،2015‬بل باتت تشكل تهديدا عسكريا‬ ‫مؤ ـثـرا عــى خيــارات ا ـيـران ســواء مــن ناحيــة تطويــر األســلحة اإليرانيــة أو خطتهــا‬

‫‪012_AM.indd 12‬‬


‫‪13‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫عامل قد يكون‬ ‫داعما الستقرار‬ ‫أكثر ديمومة‬ ‫في اليمن‪،‬‬ ‫هو الشراكة‬ ‫السعودية‪-‬‬ ‫الصينية‪.‬‬ ‫فبوساطة بكين‪،‬‬ ‫تحقق اختراق‬ ‫نحو السالم ّ‬ ‫مكن‬ ‫الرياض وطهران‬ ‫من عقد صفقة‬ ‫دبلوماسية‬ ‫مهمة‪.‬‬

‫لخريطــة قواعدهــا العســكرية يف املنطقــة‪ .‬يعلــم هــذا يقينــا مــن اســتمع لهواجــس‬ ‫اإليرانيــن وقلقهــم يف الغــرف املغلقــة‪ .‬فقــد عمــدت إ ـيـران إىل تعزيــز قدراتهــا‬ ‫العســكرية‪ ،‬ليــس فقــط يف اليمــن‪ ،‬بــل أيضــا ـقـرب ســواحل الخليــج لتحســن‬ ‫فرصهــا يف أي مواجهــة مســتقبلية مــع دول شــبه الجز ـيـرة العربيــة وعــى رأســها‬ ‫السعودية‪ .‬ال يتصور عىل املدى املنظور أن تتغري هذه االسرتاتيجية اإليرانية خاصة‬ ‫واملصالحة بني القوتني اإلقليميتني اللدودتني تخطو خطواتها األوىل‪ ،‬خطوات‬ ‫حثيثــة لكنهــا ال زالــت يف بدايتهــا‪ .‬بــل املتوقــع العكــس وهــو أن تتســابق الدولتــان‬ ‫عــى تعزيــز قدراتهمــا وزيــادة أوراق القــوة‪ ،‬ليــس رغبــة يف التصعيــد للتصعيــد‬ ‫العــدواين‪ ،‬بــل تحســن كل منهمــا ملوقفهــا التفــاويض أمــام األخــرى‪.‬‬ ‫يف املجمــل‪ ،‬سيســتمر البلــدان يف سياســة الــردع واالحتــواء وإن كان بأشــكال‬ ‫مختلفــة‪ :‬الســعودية بنفوذهــا االقتصــادي بينمــا إ ـيـران بوكالئهــا العســكريني‪،‬‬ ‫ومن أهمهم «حويث» اليمن (أنصار الله)‪ .‬بالقطع ستساعد إعادة العالقات بني‬ ‫البلدين عىل تهدئة بؤرة التوتر يف اليمن مرحليا‪ ،‬لكن إعادة العالقة الدبلوماسية‬ ‫السعودية‪-‬اإليرانية لن تكون كافية لجلب السالم لليمن‪ .‬ومن خالل النظر إىل‬ ‫العالقــات بــن الواليــات املتحــدة وروســيا أو الواليــات املتحــدة والصــن‪ ،‬باإلمــكان‬ ‫فهم كيفية وجود عالقات دبلوماسية بني الدول مع بقاء اسرتاتيجية مشرتكة‬ ‫للــردع واالحتــواء يف مكانهــا وتوليــد التو ـتـرات يف الوقــت نفســه‪.‬‬ ‫يف الوقت نفســه‪ ،‬ال يمكن التقليل من أهمية الصفقة الســعودية‪ -‬اإليرانية‬ ‫صـول لتكامــل إقليمــي ينعكــس عــى اليمــن‬ ‫يف ب ـنـاء الثقــة بــن البلديــن حتــى الو ـ‬ ‫حـول نحــو نظــام ســلمي وتعــاوين هــو عمليــة متدرجــة ســتكون‬ ‫و ـغـره‪ .‬لكــن هــذا الت ـ‬

‫‪02/05/2023 12:59‬‬

‫إعــادة العالقــات‪ ،‬إحــدى مراحلهــا الرئيســة والحتميــة التــي ســيبنى عليهــا هــذا‬ ‫النظــام األمنــي الحقــا‪ .‬األســئلة الرئيســة اآلن هــي‪ :‬مــا الجهــود التــي يجــب بذلهــا‬ ‫لجعل اإليجابية الحالية يف اليمن دائمة‪ ،‬وكيف يمكن تحصني اليمن مستقبال‬ ‫جـزء األســايس مــن نجــاح هــذا األمــر يتعلــق باليمنيــن‬ ‫مــن االنتــكاس والنكــوص؟ ال ـ‬ ‫و «أنصار الله» وانعتاقهم من تحكم واستخدام إيران لهم‪ ،‬والجزء املهم اآلخر‬ ‫يتعلــق بالتــوازن اإلقليمــي والتفاهمــات بــن الريــاض وط ـهـران‪.‬‬

‫التفاضل والتكامل‬

‫اتبعت الرياض وطهران دوافعهما الخاصة واملختلفة للتوصل إىل اتفاق بينهما‪.‬‬ ‫طـرة يف الوقــت‬ ‫هــذا التناقــض يف الدوافــع واألهــداف بــن البلديــن هــو فرصــة ومخا ـ‬ ‫نفسه؛ فمن جهة‪ ،‬هو ظريف ومعاماليت ومصلحي بحت‪ ،‬وبالتايل هذا ينعكس‬ ‫عــى هشاشــة املصالحــة حيــث يمكــن ألي طــرف أن ينعطــف عــن املســار ويرتاجــع‬ ‫عن املصالحة إذا تم تحقيق أهدافه الخاصة أو حتى اليأس من عدم تحقيقها‪،‬‬ ‫كعودة التصعيد يف اليمن ملستوياته السابقة‪.‬‬ ‫لكــن يف املقابــل‪ ،‬وألن طبيعــة الصفقــة قائمــة عــى مصالــح بحتــة فهــي تغلــب‬ ‫االحتماالت لجعل املصالحة حقيقية ومستدامة وذلك بتوسيع مجاالت االهتمام‬ ‫واملصالح املشرتكة‪ .‬فمن املنظور االسرتاتيجي للسعودية‪ ،‬تحول الصفقة الصراع‬ ‫بني البلدين إىل املجال االقتصادي بعيدً ا عن املنافسة األمنية‪ ،‬ألن األخرية ضارة‬ ‫ومكلفة ليس فقط للسعودية بل للجانب اإليراين أيضا‪ ،‬وبالتأكيد لليمن وفصائله‬ ‫املتعددة ككل بما فيهم من يتعاون مع إيران‪ .‬ويبدو أن الرياض قد أخذت قرارها‬

‫‪012_AM.indd 13‬‬


‫سياسة‬

‫‪14‬‬

‫المجلة‬

‫االتفاق‬ ‫السعودي‬ ‫اإليراني لن‬ ‫يغير تخطيط‬ ‫طهران على‬ ‫المدى المنظور‬ ‫واعتمادها على‬ ‫حلفاء يشكلون‬ ‫جسما واحدا‬ ‫وقوة عنيدة في‬ ‫عموم المنطقة‬ ‫ولن يقلل‬ ‫من االنتشار‬ ‫الجغرافي‬ ‫لشبكة حلفاء‬ ‫إيران في‬ ‫المنطقة‪.‬‬

‫سـراتيجية ثالثيــة‪ :‬أوال‪ ،‬تهدئــة األعمــال العدائيــة مــع إ ـيـران‪ .‬ثانيــا‪ ،‬اســتكمال‬ ‫با ـ‬ ‫الضمانــات األمنيــة الحاليــة التــي تمتلكهــا مــن الواليــات املتحــدة‪ .‬ثالثــا‪ ،‬اســتخدام‬ ‫سـراتيجية‬ ‫منافســة القــوى العظمــى لصالحهــا وتنويــع تحقيقهــا األمنــي‪ .‬هــذه اال ـ‬ ‫املتعــددة‪ ،‬مــع التفاعــل الدبلومــايس مــع إ ـيـران الســتكمال الــردع بالدبلوماســية‬ ‫وجلــب ضامــن ســيايس جديــد وهــي الصــن التــي تتمتــع بنفــوذ كبــر عــى ط ـهـران‪،‬‬ ‫خاصــة بعــد أن أثبتــت فيهــا سياســة الواليــات املتحــدة أنهــا غــر كافيــة‪ ،‬و‪/‬أو غــر‬ ‫فعالة‪ ،‬هذا كله سيوفر البيئة واألرضية املناسبة لتمكني املكونات اليمنية املختلفة‬ ‫للخروج من األزمة املدمرة الحالية‪.‬‬ ‫يبقى السؤال قائما‪ :‬هل هذه االسرتاتيجية السعودية ستكون مقنعة إليران‬ ‫صـوال لحــل ســيايس مــع إب ـقـاء عالقتهــا قائمــة مــع‬ ‫لتخفيــف التو ـتـرات يف اليمــن و ـ‬ ‫«أنصــار اللــه»‪ ،‬ألنهــا لــن ت ـفـرط يف هــذه العالقــة طوعــا؟‬ ‫غـرات وتعلــم واقعــا وتســتوعب أن ال‬ ‫بالنســبة إل ـيـران‪ ،‬هــي تنظــر لهــذه الت ـ‬ ‫حـرب يف منطقــة الخليــج‪ .‬فقــد أدى فشــل سياســة‬ ‫مصلحــة للســعودية يف أي ـ‬ ‫الضغط األقىص األمريكية عىل إيران‪ ،‬وتوجه طهران لزيادة تخصيب اليورانيوم‪،‬‬ ‫وتهديدات إسرائيل بقصف املنشآت النووية اإليرانية‪ ،‬إىل وضع املنطقة عىل شفا‬ ‫حـرب‪ .‬ال تريــد الســعودية أن تكــون طرفــاً يف هــذا التصعيــد الــذي يقـوّض أمنهــا‬ ‫ـ‬ ‫ويؤخر مشروع تحولها االجتماعي واالقتصادي‪ .‬االنفتاح مع إيران يبعث برسالة‬ ‫شـرة مــع‬ ‫حـرب مبا ـ‬ ‫طـرة ب ـ‬ ‫واضحــة لإليرانيــن بــأن اململكــة ليســت مســتعدة للمخا ـ‬ ‫جارتها اللدودة مما يخفف الهواجس اإليرانية من أي مشاركة سعودية أو تعاون‬ ‫سـرائيل أو حتى الواليات املتحدة الســتهداف ايران‪.‬‬ ‫ســواء كان هذا التعاون مع إ ـ‬

‫أولوية‪ ...‬ومفارقة‬

‫ما يعني السعودية تجاه إيران هو الجماعات املوالية لها يف اليمن بشكل مباشر‬ ‫واألثر املدمر لهذا التدخل اإليراين يف اليمن ومحيطه باإلضافة إىل مسألة ليست‬ ‫منفصلــة عــن األوىل وهــي برنامــج الصواريــخ التقليديــة املتقــدم لــدى إ ـيـران والــذي‬ ‫طـاع‪ .‬املفارقــة أن هاتــن األولويتــن للســعودية‬ ‫يصــل إىل أعوانهــا أيضــا بــا انق ـ‬

‫‪02/05/2023 12:59‬‬

‫جـزءا أساســيا مــن املحادثــات بــن الواليــات املتحــدة‬ ‫يف تعاملهــا مــع إ ـيـران ليســتا ـ‬ ‫شـركائها األوروبيــن مــع إ ـيـران‪ ،‬وهــذا ســبب آخــر وجيــه لعقــد صفقــة إقليميــة‬ ‫و ـ‬ ‫مع إيران‪ .‬وبينما تدرك السعودية تماما أن إيران لن تضع قيودا عىل برنامجها‬ ‫الصاروخي مهما واجهت من ضغوط‪ ،‬فإنها تعتقد أن تطبيع العالقات مع إيران‬ ‫هــو خيــار منطقــي ومســار بديــل قــد يســهم يف اســتقرار املنطقــة‪ ،‬خاصــة يف اليمــن‪.‬‬ ‫وهذا ليس مستبعدا‪ ،‬أعني محاولة استفادة إيران من مشروع اململكة وبرنامج‬ ‫تحولها االجتماعي واالقتصادي‪ .‬فهناك قناعة إيرانية‪ ،‬رغم الخالفات عىل مستوى‬ ‫القيادة اإليرانية تجاه هذا امللف‪ ،‬إال أن إيران‪ ،‬بكل الضغوط الداخلية والدولية‬ ‫حـوالت يف اململكــة‬ ‫التــي تواجههــا‪ ،‬تــدرك أن هنــاك فرصــا لالســتفادة مــن هــذه الت ـ‬ ‫الــذي هــو مشــروط باســتقرار املنطقــة وال اســتقرار وال تنميــة دون هــدوء ومعادلــة‬ ‫ســام مقبولــة يف اليمــن‪ -‬عــى ذلــك هنــاك مصلحــة متبادلــة ال يمكــن تحقيقهــا إال‬ ‫مــن خــال إقامــة عالقــات طبيعيــة بــن البلديــن‪ .‬وعليــه‪ ،‬ســتذهب اململكــة بعيــدا‬ ‫وألقــى مــدى يف مراعاتهــا ملحيطهــا الحيــوي بحيــث إنــه إذا أدى االنحيــاز ألي مــن‬ ‫القــوى العظمــى إىل إثــارة التو ـتـرات مــع ط ـهـران‪ ،‬فلــن تكــون اململكــة طرفــا يف هــذا‬ ‫االنحيــاز‪ ،‬وهــذه سياســة ســعودية مختلفــة جذريــا‪ .‬عــى ســبيل املثــال‪ ،‬اختــارت‬ ‫سـراتيجي تجــاه أزمــة أوكرانيــا‪ ،‬ممــا ســاعدها عــى‬ ‫اململكــة سياســة الغمــوض اال ـ‬ ‫حماية مصالحها من العواقب واالرتدادات السلبية للتوترات الروسية‪-‬الغربية‪.‬‬ ‫شـراكة‬ ‫عامــل آخــر قــد يكــون داعمــا الســتقرار أكــر ديمومــة يف اليمــن‪ ،‬هــو ال ـ‬ ‫االقتصادية واألمنية واالسرتاتيجية السعودية‪-‬الصينية‪ .‬فبوساطة بكني‪ ،‬تحقق‬ ‫خـراق نحــو الســام ّ‬ ‫مكــن الريــاض وط ـهـران مــن عقــد صفقــة دبلوماســية مهمــة‪.‬‬ ‫ا ـ‬ ‫ظـرا ألنهــا تتمتــع بنفــوذ ســيايس‬ ‫واملتوقــع تعاظــم دور الصــن يف هــذا املســار‪ ،‬ن ـ‬ ‫واقتصادي عىل إيران‪ ،‬فإنها تجعل إيران أكرث ميال للوفاء بالتزاماتها يف االتفاق‬ ‫مع اململكة‪ ،‬واليمن منطقة التزام رئيسة‪ ،‬خاصة وأن طهران تنظر إىل التدخل‬ ‫الصينــي يف قضايــا أمــن الخليــج عــى أنــه فرصــة لطــرد أ ـمـركا مــن األقليــم‪.‬‬ ‫طـراف دون وجــود‬ ‫وتعتقــد إ ـيـران أن زيــادة املبــادرات الدبلوماســية متعــددة األ ـ‬ ‫غربــي ستســهم يف نهايــة املطــاف يف إضعــاف البنيــة األمنيــة التــي تقودهــا أ ـمـركا‪،‬‬

‫‪012_AM.indd 14‬‬


‫‪15‬‬

‫المجلة‬

‫سـراتيجية‪ .‬تريــد ط ـهـران ســحب الصــن وإدخالهــا‬ ‫وهــذا مــن أهــم أهــداف إ ـيـران اال ـ‬ ‫جـزء مــن هــذه العمليــة‪ .‬التدريبــات البحريــة مــع الصــن‬ ‫يف شــؤون أمــن الخليــج ك ـ‬ ‫وروســيا أمثلــة عــى هــذه العمليــة التــي تعتقــد ط ـهـران أنهــا يمكــن أن تســاهم يف‬ ‫تعزيــز وجــود الصــن وتحــد مــن قــدرات أ ـمـركا يف املنطقــة‪ .‬وهــذا ليــس أ ـمـرا ســلبيا‬ ‫من وجهة النظر السعودية بل قد يجلب استقرارا أكرث للجزيرة العربية واليمن‪.‬‬ ‫صـرة اململكــة الجنوبيــة عــر حــدود طويلــة‬ ‫االســتقرار يف املنطقــة‪ ،‬خصوصــا خا ـ‬ ‫مع اليمن‪ ،‬هو األهم بالنسبة للسعودية‪ .‬لم تقم اململكة بالتوقيع عىل االتفاقية‬ ‫مــع إ ـيـران بــا أســباب وجيهــة وخطــة عمليــة تســتفيد منهــا اململكــة؛ إنهــا تــدرك أن‬ ‫إن ـهـاء املعادلــة الصفريــة مــع إ ـيـران ســتكون لــه ارتــدادات إيجابيــة؛ كثــر مــن هــذه‬ ‫االرتــدادات ربمــا ال يكــون أصــا ضمــن الحســاب اإل ـيـراين وقــد يخــرج عــن ســيطرتها‬ ‫ســواء يف اليمــن أو غــر اليمــن‪.‬‬ ‫بمعنــى أن الصفقــة مــع الســعودية يف نظــر ا ـيـران ستســاعدها عــى ترســيخ‬ ‫مكاسبها عرب اليمن وسوريا والعراق ولبنان‪ ،‬وهي النقاط الساخنة التي تمتلك‬ ‫فيها إيران نفوذا ذا تأثري كبري‪ .‬تحييد اململكة‪ ،‬من وجهة نظر إيرانية سيساعدها‪،‬‬ ‫عــى األقــل‪ ،‬يف الحفــاظ عــى الوضــع الراهــن يف هــذه األماكــن واإلب ـقـاء عــى‬ ‫مصالحهــا وزيادتهــا‪ .‬مثــا اســتعادة العالقــات الدبلوماســية السعودية‪-‬الســورية‬ ‫تضــع األســاس للــدول العربيــة األخــرى للتصالــح مــع دمشــق‪ .‬عــى الرغــم مــن أن‬ ‫هــذه الديناميكيــات ســتفتح أيضــا البــاب أمــام الريــاض ملمارســة نفوذهــا يف هــذه‬ ‫األماكــن‪ ،‬إال أنهــا تلقائيــا ســتضيق الدعــم الضمنــي لجماعــات املعارضــة لألســد‪.‬‬ ‫باملثــل يمكــن أن يقــال عــن مواقــع أخــرى مــن ضمنهــا اليمــن‪ ،‬تعتقــد ط ـهـران أن‬ ‫شـركائها اإلقليميــن الرئيســيني‬ ‫هــذه الديناميكيــة الجديــدة ستســاعد يف اســتقرار ـ‬ ‫سـرحب بهــا مبدئيــا‪ .‬إىل جانــب ذلــك‪ ،‬كمــا ثبــت يف حالــة‬ ‫عــى املــدى الطويــل‪ ،‬ف ـ‬ ‫العراق؛ فرغم الوجود األمرييك حافظت طهران عىل نفوذها‪ ،‬ويبدو أن اإليرانيني‬ ‫خـول الســعودية الناعــم إىل ســوريا أو مناطــق ســيطرة «أنصــار‬ ‫واثقــون مــن أن د ـ‬ ‫سـراتيجية‪ .‬لكــن هــذا‬ ‫عـرض مصالــح إ ـيـران للخطــر بطريقــة ا ـ‬ ‫اللــه» يف اليمــن لــن ي ـ‬ ‫التصــور ليــس بالضــرورة دقيقــا كمــا يعتقــد اإليرانيــون‪ ،‬فانفتــاح هــذه األماكــن‬ ‫املغلقــة ســابقا عــى الســعوديني قــد يوفــر فرصــا غــر مســبوقة لتغيريهــا إيجابيــا‬ ‫مــن الداخــل والتأثــر عــى توازناتهــا الهشــة أصــا والتــي لــم تصــل إىل مــا هــي عليــه‬ ‫ويقــوى فيهــا النفــوذ اإل ـيـراين إال بســبب انغالقهــا وعــدم انفتاحهــا عــى خيــارات‬ ‫أخــرى غــر إ ـيـران‪ .‬وهــذه القــوى املرتبطــة مــع إ ـيـران ســواء يف اليمــن أو ـغـره ليســوا‬ ‫نســيجا واحــدا بــل فيهــم مــن يعــي عواقــب األفعــال العدائيــة للجــوار الضــارة بهــم‬ ‫عىل املدى الطويل‪ ،‬كما أن فيهم عناصر متشــددة مرتبطة ارتباطا وثيقا بإيران‪.‬‬ ‫وعــى كل حــال هــذا االنفتــاح الســعودي عــى اليمــن بكافــة مكوناتــه‪ ،‬لــن يجعــل‬ ‫حــال اليمــن أســوأ ممــا هــو عليــه ســابقا‪.‬‬ ‫حـزاب أو حتــى األنظمــة املرتبطــة بإ ـيـران والتــي تســتفيد‬ ‫حـركات أو األ ـ‬ ‫إن هــذه ال ـ‬ ‫مــن تفــوق إ ـيـران يف الطا ـئـرات دون طيــار والصواريــخ عاليــة التقنيــة‪ ،‬وعــى رأســها‬ ‫«أنصــار اللــه»‪ ،‬تعلــم أن هــذا لــن يــدوم ل ـفـرة طويلــة وأن اململكــة تطــور تقنياتهــا‬ ‫الخاصــة بالصواريــخ والطا ـئـرات دون طيــار بمســاعدة صينيــة وتعمــل مــع أ ـمـركا‬ ‫للح ـ‬ ‫صـول عــى قــدرات د ـفـاع صاروخــي مضــادة للطا ـئـرات دون طيــار أكــر ك ـفـاءة‪.‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬فمن مصلحة الحركة «الحوثية» أن تتوصل إىل اتفاق مع اململكة اآلن‬ ‫وتفــاوض عــى خريطــة طريــق منطقيــة ملســتقبل اليمــن‪ ،‬قبــل أن تنتهــي ميزتهــا‬ ‫النســبية يف الطا ـئـرات دون طيــار الرخيصــة والصواريــخ منخفضــة التكلفــة والتــي‬ ‫خـرة املاضيــة‪.‬‬ ‫اســتخدمتها بكثافــة طيلــة الســنوات األ ـ‬

‫ستذهب المملكة بعيدا وألقصى مدى في‬ ‫مراعاتها لمحيطها الحيوي؛ بحيث إنه إذا أدى‬ ‫االنحياز ألي من القوى العظمى إلى إثارة التوترات‬ ‫مع طهران‪ ،‬فلن تكون المملكة طرفا في هذا‬ ‫االنحياز‪ ،‬وهذه سياسة سعودية مختلفة جذريا‪.‬‬

‫‪02/05/2023 12:59‬‬

‫سياسة‬

‫السفري السعودي محمد آل‬ ‫جابر ورئيس املجلس السيايس‬ ‫لـ “الحوثيني” مهدي املشاط يف‬ ‫صنعاء يف ‪ 9‬ابريل ‪( 2023‬غيتي)‬

‫خالل مناورات صينية‬ ‫– روسية – ايرانية يف‬ ‫املحيط الهندي يف ‪15‬‬ ‫مارس املايض‪( .‬غيتي)‬

‫لكن بالقطع فإن مواصلة الرياض تحسني دفاعها الصاروخي وقدراتها املضادة‬ ‫للطائرات دون طيار من خالل العمل مع الصني وأمريكا وأوروبا وشركاء آخرين‪،‬‬ ‫وســعيها أيضــا إىل اكتســاب التقنيــة العاليــة‪ ،‬وتعزيزهــا لصناعتهــا العســكرية‬ ‫املحلية‪ ،‬ستعتربه إيران وشركاؤها يف اليمن مقلقا ومهددا لهم‪ .‬ستنظر طهران إىل‬ ‫برامج التطوير العسكرية السعودية عىل أنها تهديد للتوازن الدفاعي الهجومي‬ ‫اإلقليمي؛ ولذلك فمن املرجح‪ ،‬رغم االتفاق‪ ،‬أن تواصل الجهود إلطالق تدابري‬ ‫مضادة مناسبة خصوصا يف اليمن‪ .‬عىل الرغم من أن طهران قد توافق مرحليا‬ ‫عــى الحــد مــن تجهيــز «أنصــار اللــه» بأنظمــة أســلحة هجوميــة جديــدة ومتطــورة‪،‬‬ ‫لكنها لن تتوقف عن دعمهم كركيزة ردع طاملا أن إيران تفتقر يف جيشها لبدائل‬ ‫سـرائييل إل ـيـران ثابــت ومســتمر ويف ازديــاد‪.‬‬ ‫نوعيــة‪ .‬وبمــا أن التهديــد األ ـمـريك‪ -‬اإل ـ‬ ‫فهــذا يعنــي أن ط ـهـران ســتواصل سياســة التحســن النوعــي للقــدرة العملياتيــة‬ ‫ملــا يســمى «محــور املقاومــة»‪ ،‬بمــا يف ذلــك تطويــر الروابــط العملياتيــة األفقيــة بــن‬ ‫الجماعات الشيعية املسلحة يف املنطقة من اليمن وحتى الهالل الخصيب ورفع‬ ‫قدرات التنسيق والتشغيل البيني لديها‪.‬‬ ‫ضـوع اليمــن‪ ،‬لكــن‬ ‫خالصــة ال ـقـول‪ ،‬االتفــاق الســعودي‪-‬اإليراين لــن يحــل مو ـ‬ ‫دور طهران‪ ،‬بكل التحفظات املذكورة آنفا‪ ،‬مهم‪ ،‬فهذه سببية «ضرورية ولكنها‬ ‫غري كافية»‪ ،‬فالدور اإليراين ضروري ويجب أن يكون حاضرا لتحقيق نتيجة يف‬ ‫اليمن‪ ،‬لكن وجوده ليس كافيا للحصول عىل تلك النتيجة‪ ،‬فموضوع السالم‬ ‫الشامل يف اليمن أكرث تعقيدا ويرتبط بالداخل اليمني أكرث من الخارج‪ ،‬ولهذا‬ ‫نقــاش آخــر‪ ،‬لكــن مــا يهمنــا يف هــذه املقالــة هــو األعمــال العدائيــة مــن اليمــن تجــاه‬ ‫اململكــة‪ .‬هنالــك فرصــة تاريخيــة حاليــة‪ -‬عــى األقــل عــى املــدى القصــر‪ -‬فتحــت‬ ‫شـرعا لتغيــر الهيــكل األمنــي ملنطقــة الخليــج بطريقــة تخــدم أكــر دول‬ ‫البــاب م ـ‬ ‫شــبه الجز ـيـرة اململكــة واليمــن‪.‬‬

‫‪012_AM.indd 15‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪16‬‬

‫قصة الغالف‬

‫مالمــح الحــل‬ ‫الســيايس يف اليمــن‬

‫و ـفـرت التهدئــة والتوافقــات وميضــا‬ ‫يف عتمــة األزمــة القاتمــة‬ ‫لم يشهد اليمن منذ انقالب الحوثيني يف سبتمرب‪/‬أيلول ‪2014‬‬ ‫وحتى األسابيع املاضية حاال مماثال من البهجة‪ .‬وعوضا عن‬ ‫امتالء الشاشات بصور الجبهات‪ ،‬انهمرت صور املصافحات‪،‬‬ ‫خالل أيام‪ ،‬من دار الرئاسة يف صنعاء‪ ،‬وتلقف الجميع مشاهد‬ ‫قبالت األسرى املفرج عنهم وأحضان ذويهم‪ .‬لقد وفرت التهدئة‬ ‫والتوافقات وميضا يف عتمة األزمة القاتمة‪.‬‬ ‫لندن‪ -‬بدر القحطاين‬

‫شهدت األيام األوىل من أبريل‪/‬نيسان ‪ 2023‬مداوالت‬ ‫حـول مرحلــة انتقاليــة جــرى تدوينهــا يف مســودة‬ ‫ـ‬ ‫يصعــب الحكــم عليهــا‪ ،‬كونهــا لــم تصــدر بعــد‪،‬‬ ‫ومــا زالــت قيــد الدراســة والنقاشــات‪ ،‬وقــد تشــمل‬ ‫تعديالت عديدة‪ .‬وطبقا ملا استوعبته “املجلة” عرب‬ ‫اتصاالت مع مسؤولني وباحثني وبعض املطلعني‪،‬‬ ‫تتئك املسودة عىل أساسني‪ ،‬هما‪ :‬وقف النار‪ ،‬وبناء‬ ‫الثقة‪ .‬ورغم أنهما لم يردا بهذه الصيغة‪ ،‬لكن “من‬ ‫دون أي مــن األساســن ســيتبخر حلــم ب ـنـاء الســام‬ ‫اليمني مجددا”‪ ،‬وفق قول سيايس يمني حذر من‬ ‫جـراءات‬ ‫عــودة الضبابيــة والتشــاؤم‪.‬ويتمثل أبــرز اإل ـ‬ ‫املبكرة يف وقف النار‪ ،‬وصرف الرواتب‪ ،‬وفتح الطرق‬ ‫الربية والبحرية والجوية اليمنية‪ ،‬وتشــكيل لجان‬

‫‪02/05/2023 13:03‬‬

‫فنية لدمج البنك املركزي‪ ،‬إىل جانب عملية إصالح‬ ‫اقتصادية بمساهمة سعودية‪.‬‬ ‫أ مــا “جو ـهـرة” املرحلــة االنتقاليــة‪ ،‬فســتكون‬ ‫شـرة‪ ،‬واإلجابــة عــى أهــم ســؤال‬ ‫املفاوضــات املبا ـ‬ ‫يتخللها‪ ،‬وهو‪“ :‬كيف يرى اليمنيون شكل الدولة‬ ‫ومضمونهــا”‪.‬‬

‫“نسج” السالم‬

‫ا ســتغرق التمهيــد للســام اليمنــي‪ ،‬ك ـثـرا مــن‬ ‫الجهود والرحالت املكوكية‪ ،‬وسيال من النقاشات‬ ‫والحوارات‪ ،‬وقليال من الخيبات التي رافقت كربى‬ ‫املناســبات التــي كانــت قريبــة جــدا مــن تحقيقــه‪.‬‬ ‫اتخــذت الســعودية خطــوة شــجاعة باختيــار‬

‫الســام ودعمــه‪ .‬ســبقت طــريف ال ـنـزاع بخلــق حــال‬ ‫تهدئــة إقليميــة‪ ،‬واســتفادت يف امللــف اليمنــي مــن‬ ‫التجارب العديدة التي لم يجد فيها الحل السيايس‬ ‫فر صــة ليتنفــس‪ .‬اتجهــت اململكــة نحــو الخا نــق‬ ‫األســايس ألي عمليــة سياســية يمنيــة‪.‬‬ ‫لــم تنتظــر الريــاض أن يرتاجــع الحوثيــون مثلمــا‬ ‫فعلــوا يف مشــاورات الكويــت عــام ‪ ،2016‬والتــي‬ ‫انتهت‪ -‬بإيعاز إيراين‪ -‬بعدم التوجه نحو السالم‪،‬‬ ‫بــل اتجهــت قبــل أن ترســل وفــدا برئاســة ســفريها‬ ‫لدى اليمن إىل صنعاء محمد آل جابر نحو “نسج”‬ ‫العمليــة السياســية برعايــة صينيــة‪.‬‬ ‫توجــت الدبلوماســية الســعودية اتفــاق بكــن‬ ‫بدفع امللف اليمني نحو مرحلة جديدة‪ .‬صحيح أنها‬

‫‪016_AM.indd 16‬‬


‫‪17‬‬

‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫مقاتل من قوات الحكومة اليمنية يف مأرب يف نوفمرب ‪ ( 2021‬أ ف ب)‬

‫جاءت بعد االتفاق الذي أعقب رحلة ماراثونية من‬ ‫املشــاورات التــي عقــدت بتيســر مــن ســلطنة عمــان‬ ‫والعراق وبطلب من إيران أوال ثم أنجزت االتفاق‪،‬‬ ‫مواز يف استمرار فتح أبواب‬ ‫لكنها أسهمت بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫الحــل اليمنــي‪.‬‬ ‫دفعــت الريــاض منــذ عــام ‪ 2018‬باتجــاه الســام‬ ‫يف اليمــن‪ .‬واصلــت دعــم املســار األممــي‪ ،‬وفتحــت‬ ‫قنــوات خلفيــة للتحــدث مــع الحوثيــن‪ ،‬وأطلقــت‬ ‫مبــادرة يف مــارس‪/‬آذار ‪ 2021‬للحــل الســيايس يف‬ ‫شـرة مــع ط ـهـران‪.‬‬ ‫اليمــن‪ .‬وتحدثــت مبا ـ‬ ‫كانت الربغماتية السعودية ملهمة للحكومة‬ ‫ا لـ ــيمنيـ ــة و عـ ــامل تش ـ ـجـ ــيع للحـ ــوثي ــن ا لـ ــذي‬ ‫يفضلــون دائمــا ال ـقـول يف االجتماعــات املغلقــة‪:‬‬

‫‪02/05/2023 13:03‬‬

‫“نحــن نثــق يف اململكــة”‪.‬‬ ‫نجحــت مشــاورات الر يــاض اليمنيــة‪ ،‬التــي‬ ‫انعقــدت تحــت مظلــة خليجيــة وحظيــت بد عــم‬ ‫إقليمي ودويل‪ ،‬إىل نقل السلطة ومعالجة املشاكل‬ ‫السياسية التي كانت تنخر جسد الشرعية وجميع‬ ‫مناهيض الحوثيني‪ .‬وتشكل مجلس القيادة الرئايس‬ ‫وترأســه الدكتــور رشــاد العليمــي بعضويــة ‪ 7‬نــواب‬ ‫مــن مختلــف املناطــق شــماال وجنوبــا‪ ،‬وبمختلــف‬ ‫قواهم؛ سياسية كانت أو عسكرية‪ .‬وبات مناهضو‬ ‫الحوثيــن أكــر تماســكا رغــم كل التحديــات التــي‬ ‫واجهت رئيس املجلس‪ ،‬الذي استطاع مستندا عىل‬ ‫“التوافق والشراكة” من إبقاء الفرقاء متماسكني‬ ‫طيلــة العــام املــايض‪.‬‬

‫عوامل الحل‬

‫تعتمــد مال مــح الحــل الســيايس يف اليمــن عــى‬ ‫معطيــات داخليــة وخارجيــة‪ .‬ويتصــدر املعطيــات‬ ‫الداخلية تيقن طريف النزاع من أنه ال حل عسكريا‬ ‫ممكن لألزمة‪ .‬بات جسد الالعبني األساسيني مثخنا‬ ‫بالضغــوط الناجمــة عــن تكاليــف الوعــود الباهضــة‪.‬‬ ‫حــاول الحوثيــون احتــال مــأرب نحــو ‪ 18‬شــهرا‪.‬‬ ‫سـرت الجماعــة املدعومــة مــن إ ـيـران اآلالف‬ ‫خ ـ‬ ‫مــن املقاتلــن بــا جــدوى‪ .‬الحكومــة اليمنيــة بدورهــا‬ ‫لــم تعلــن وال التحالــف الداعــم لهــا عــن أي عمليــة‬ ‫عســكرية منــذ نهايــة عــام ‪ 2018‬ويف أعقــاب “اتفــاق‬ ‫اســتكهولم”‪ .‬وال ـتـزم الحليفــان “الد ـفـاع ا ـلـرادع”‬ ‫سـراتيجية عســكرية طورهــا التحالــف يف نوفمــر‪/‬‬ ‫ا ـ‬

‫‪016_AM.indd 17‬‬


‫سياسة‬

‫‪18‬‬

‫المجلة‬

‫لعل أبرز املعطيات الخارجية‪ ،‬نجاح “مفاتيح الحلول” التي استحدثتها‬ ‫السعودية لفتح أبواب الحل بمباركة الحكومة اليمنية‪ ،‬إذ تعمل‬ ‫السعودية عىل وساطة ُتفيض إىل حل سيايس يمني شامل برعاية أممية‪.‬‬ ‫تشــرين الثــاين بعدمــا تعرضــت الســعودية ملــا يربــو‬ ‫عــى ‪ 1400‬درون مفخخــة وصواريــخ باليســتية‪.‬‬ ‫ولعل أبرز املعطيات الخارجية‪ ،‬نجاح “مفاتيح‬ ‫الح ـلـول” التــي اســتحدثتها الســعودية لفتــح أبــواب‬ ‫الحــل بمبار كــة الحكو مــة اليمنيــة‪ ،‬إذ تعمــل‬ ‫السعودية عىل وساطة تفيض إىل حل سيايس يمني‬ ‫شامل برعاية أممية‪ .‬يستند إىل املرجعيات الثالث‬ ‫(املبــادرة الخليجيــة وآليتهــا التنفيذيــة‪ ،‬ومخرجــات‬ ‫الحــوار الوطنــي اليمنــي الشــامل‪ ،‬و ـقـرار مجلــس‬ ‫األمــن ‪.)2216‬‬ ‫وتعتقــد ر شــا جر هــوم‪ ،‬و هــي عضــوة “هيئــة‬ ‫املصالحة والتشاور” املنبثقة عن إعالن نقل السلطة‬ ‫إىل مجلس القيادة الرئايس يف أبريل‪/‬نيسان ‪،2022‬‬ ‫أن املرحلة االنتقالية قد تنجح إن توفرت “تطمينات‬ ‫وضمانــات”‪ .‬وت ـقـول‪“ :‬هنــاك حاجــة لتنفيــذ نظــام‬ ‫حوكمــة محــي كا مــل الصالحيــات يعطــي أب ـنـاء‬ ‫وبنــات املناطــق الحــق يف قيــادة وتنميــة مناطقهــم‪،‬‬ ‫والبــدء بتنفيــذ العدالــة التصالحيــة التــي تهــدف إىل‬ ‫معالجة األضرار اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا بالرتكيز‬ ‫عىل جرب الضرر وإعادة الحق وفتح باب الحوار بني‬ ‫املتضرريــن واملتضــررات ومــن انتهكــوا حقوقهــم بمــا‬ ‫صـراع”‪.‬‬ ‫يضمــن عــدم العــودة لــدورات ال ـ‬

‫صـراع‬ ‫صـراع‪ ،‬فبــذرة كل جولــة ـ‬ ‫طـراف ال ـ‬ ‫لخدمــة أ ـ‬ ‫سابق كانت ألن مشاريع السالم تنظر إىل مستقبل‬ ‫املتصارعــن وتجــري أدواتــه عــى مكاســبهم‪ ،‬ال عــى‬ ‫مستقبل اليمنيني العامة وحاجاتهم”‪ .‬والستدامة‬ ‫ذلك السالم‪“ ،‬فال بد من نزع أدوات الصراع املادية‬ ‫واملعنوية جميعا‪ ،‬إذ ال يمكن أن يدوم سالم وهناك‬ ‫سالح أو قوة مسلحة بيد أي طرف‪ ،‬كما ال تتحول‬ ‫الدولــة إىل التنميــة والوظيفــة العامــة أو الــروة‬ ‫مختلــة‪ ،‬ويكتنزهــا طــرف دون آخــر”‪ ،‬وي ـقـول البيــل‬ ‫لـ”املجلة” إنه من الضروري خروج جميع األطراف‬ ‫من معادلة القسمة السياسية إىل معادلة الدولة‪،‬‬ ‫“أي أن تعــود الســلطة للشــعب‪ ،‬إذ ينبغــي ألي‬ ‫تسوية أن تكون مجرد فرتة انتقالية تهيئ األرضية‬ ‫املالئمة للتنافس عىل خدمة الناس‪ ،‬وخاللها تنزع‬ ‫املكتسبات الذاتية لألطراف التي تصارع بها‪ ،‬حتى‬ ‫إذا ما انتهت الفرتة االنتقالية تعود هذه األطراف إىل‬

‫من القسمة إلى الدولة‬

‫يذ ّكــر الدكتــور فــارس البيــل الســيايس واألكاديمــي‬ ‫اليمنــي‪ ،‬بــأن تاريــخ اليمــن املعاصــر يزخــر بمراحــل‬ ‫صـراع كانــت ُتفــي إىل نقطــة البدايــة‪“ ،‬كمــا‬ ‫حــل لل ـ‬ ‫لــو أن كل التســويات واالتفاقــات لــم تكــن ســوى‬ ‫مجرد محطات تهدئة‪ ،‬ألنها لم تكن مؤطرة بحلول‬ ‫عميقة وشاملة تعالج املسألة من جذورها‪ ،‬وكما‬ ‫صـراع جديــد‪ ...‬واآلن‬ ‫لــو كانــت مجــرد ـفـرة تهيئــة ل ـ‬ ‫حـرب األكــر ضــررًا يف تاريــخ اليمنيــن؛‬ ‫بعــد هــذه ال ـ‬ ‫فإنهم يحتاجون إىل ســام شــامل وعادل ينقذهم‬ ‫من دوامات الصراع املتتالية‪ ،‬تجفف معه كل بؤر‬ ‫صـراع املتوقعــة والخامــدة”‪.‬‬ ‫ال ـ‬ ‫صـراع اليمنــي‪ ،‬وينتقــل‬ ‫“لــي تنطفــئ جــذوة ال ـ‬ ‫اليمنيــون جميعــا إىل مســتقبل آمــن؛ ينبغــي أن‬ ‫تبنــى دعائــم الســام القــادم عــى صيغــة الدولــة‬ ‫الشــاملة والعادلــة التــي ال تقــي أحــدا”‪ ،‬حســب‬ ‫قول فارس البيل‪ .‬ويضيف‪“ :‬لكنها معنية بالدرجة‬ ‫األوىل بحقوق الشعب وموجهة لخدمتهم وليس‬

‫‪02/05/2023 13:04‬‬

‫يف مأرب بعد االفراج عنهم يف ‪ 16‬ابريل‬ ‫‪ ( 2023‬رويرتز)‬

‫الناس دون امتيازات وعوامل قوة ونفوذ‪ ،‬فتطلب‬ ‫منهــم أن تعيدهــم إىل الســطة بربامــج خدمتهــم‪،‬‬ ‫طـراف تحشــد النــاس لخدمتهــا هــي”‪.‬‬ ‫ال أن تظــل األ ـ‬ ‫سألت “املجلة” رشا جرهوم عما يجدر فعله عىل‬ ‫الساحة السياسية‪ ،‬فأجابت بالقول‪“ :‬رفع الوعي‬ ‫ومســتوى التعليــم وب ـنـاء ثقافــة الســام والتســامح‬ ‫واحرتام التنوع يف املناهج التعليمية‪ ،‬فالفقر ليس‬ ‫هو العامل الوحيد الذي يدفع للصراع وإنما وجود‬ ‫فئات الشباب املحروم من فرص التطور والنمو”‪.‬‬ ‫وتعتقــد عضــوة “هيئــة املصالحــة والتشــاور”‬ ‫اليمنية أنه “يجب أن تتوفر مساحة أساسية لحل‬ ‫قضيــة الجنــوب يف إطــار الســام الشــامل وتحديــد‬ ‫ماهيــة الرتتيبــات السياســية واالقتصاديــة واألمنيــة‬ ‫والعســكرية التــي يجــب أن تتــم يف كافــة مراحــل‬ ‫السالم والتي يجب أن تشمل عملية تحديد املصري‬ ‫بطريقــة ديمقراطيــة وســلمية”‪.‬‬ ‫ماذا يحتاج اليمن هذه املرة ليك تنجح العملية‬ ‫السياسية وتنقله من الوضع الحايل لوضع أفضل؟‬ ‫ترى جرهوم أنه من املمكن أن تنجح يف اليمن “إذا‬ ‫شاركت القوى الوطنية مرحلة الحوار واملفاوضات‬ ‫حـول أهميــة‬ ‫السياســية بع ـقـول منفتحــة تتمركــز ـ‬ ‫تغليب مصلحة اإلنسان لتحقيق حياة كريمة‪ ،‬ومن‬ ‫املهم أيضا أن ال تصبح املرجعيات شروطا أو قيودا‬ ‫ألهميــة إيجــاد مســاحة للمرونــة‪ .‬أمــام التوافقــات‬ ‫التي يمكن أن تصل إليها وفود التفاوض مع أهمية‬ ‫وضع آلية للتشاور الواسع مع املجتمعات املحلية‬ ‫لضمان أن الحلول تعرب عىل تطلعاتها‪ .‬وكل هذه‬ ‫سـاء‬ ‫املراحــل لــن تنجــح إذا اســتمر تجاهــل دور الن ـ‬ ‫ودعم مشاركتهن الرمزية فقط”‪.‬‬

‫األسرى‪ :‬محادثات مقبلة‬

‫املبعوث الخاص هانس غروندبرغ‬

‫يعتقــد كثــر مــن اليمنيــن أن نجــاح صفقــة األســرى‬ ‫ســاهم ك ـثـرا يف تقبــل ف ـكـرة كســر الجمــود الــذي‬ ‫طال أي محادثات تجريها الحكومة مع الحوثيني‪.‬‬ ‫لــو لــم يــأت إعــان صفقــة األســرى واملعتقلــن‬ ‫اليمنيــن عقــب إعــان االتفــاق الســعودي‪ -‬اإل ـيـراين‪-‬‬ ‫الصينــي بعــودة العالقــات‪ ،‬ملــا كســب ذلــك الزخــم‬ ‫الذي استمده‪ .‬جاء اإلعالن بعد “إعالن بكني” بيوم‬ ‫واحــد‪ ،‬وراح الجميــع يربــط هــذه بتلــك‪ ،‬واألهــم أن‬ ‫الصفقــة تمــت “بسالســة” وهــو مــا يؤكــده مســؤولو‬ ‫الحكومــة اليمنيــة‪.‬‬

‫‪016_AM.indd 18‬‬


‫‪19‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫بعد اطالقهم يف مطار‬ ‫صنعاء يف ‪ 17‬ابريل‬ ‫‪ ( 2023‬رويرتز)‬

‫انطلقــت يــوم ‪ 14‬أبريل‪/‬نيســان ‪ 2023‬عمليــة‬ ‫سـراح‬ ‫اســتمرت ثالثــة أيــام‪ ،‬وجــرى خاللهــا إطــاق ـ‬ ‫‪ 878‬أسريا من كل األطراف‪ ،‬وتعد من حيث الكم‬ ‫والكيف واحدة من أكرب عمليات تبادل األسرى يف‬ ‫األزمــة اليمنيــة‪.‬‬ ‫ي ـقـول ماجــد فضائــل وهــو وكيــل وزارة حقــوق‬ ‫اإلنســان اليمنيــة لـ”املجلــة”‪“ :‬تمــت الصفقــة بشــكل‬ ‫سلس‪ ،‬لم تحصل عراقيل باستثناء التأجيل ليوم‬ ‫واحــد ولســبب لوجســتي وترتيبــات فنيــة‪ ،‬لــم تكــن‬ ‫طـراف بــل كانــت بطلــب مــن الصليــب‬ ‫مــن أحــد األ ـ‬ ‫األحمر‪ ،‬وتم التأجيل ثالثة أيام‪ ،‬حتى يتم التأكد‬ ‫مــن أن الطا ـئـرات يف مكانهــا‪ ،‬وكان هنــاك تعــاون‬ ‫مــن الجميــع”‪.‬‬ ‫وبســؤاله عــن مــدى ارتبــاط االتفــاق بالتهدئــة‬ ‫و عــودة العال قــات الســعودية‪ -‬اإليرانيــة‪ ،‬يشــر‬ ‫جـزءا مــن‬ ‫خـرة تعــد ـ‬ ‫فضائــل إىل أن الصفقــة األ ـ‬ ‫طـراف‪،‬‬ ‫سـرا مــن كل األ ـ‬ ‫صفقــة أكــر تضــم ‪ 2223‬أ ـ‬ ‫وجــرى االتفــاق حولهــا يف مــارس‪/‬آذار ‪ 2022‬يف‬ ‫شـرة عــر زووم وتمــت املوافقــة‬ ‫مفاوضــات غــر مبا ـ‬ ‫برســائل متبادلــة مــن الطرفــن‪.‬‬ ‫وكشــف فضا ئــل لـ”املجلــة” عــن ا ســتكمال‬ ‫اجتماعــات إلطــاق بقيــة األســرى الــ‪ 1345‬املتبقــن‬ ‫خــال جولــة قادمــة جــرى االتفــاق عــى أن تكــون‬ ‫خــال ‪ 15‬مايو‪/‬أيــار ‪.2023‬‬

‫ذوبان المشاكل؟‬

‫طـرة مــن ليــايل العاصمــة الســويدية‬ ‫يف ليلــة ما ـ‬ ‫سـرا الفتــا للدبلو مــايس‬ ‫ا ســتكهولم‪ ،‬أتذ كــر تف ـ‬ ‫األ ـمـريك ماثيــو تولــر الســفري األ ـمـريك األســبق لــدى‬ ‫اليمــن‪ ،‬إذ كان يــرى أن املشــاورات اليمنيــة عــام‬ ‫طـراف أو أحدهــا‬ ‫‪ 2016‬لــم تنجــح بســبب يقــن األ ـ‬ ‫بأنــه يســتطيع تحقيــق نصــر عســكري‪ ،‬كان ذلــك‬ ‫يف بدايــة ديســمرب‪/‬كانون األول ‪ .2018‬تغــر تولــر‪،‬‬ ‫وأعقبه أكرث من سفري‪ ،‬وصار لدى الواليات املتحدة‬ ‫مبعوث خاص إىل اليمن‪ ،‬ولم يتحقق أي تغري يف‬ ‫الخريطة اليمنية‪ ،‬رغم محاوالت الحوثيني العبثية‬ ‫لالســتيالء عــى مــأرب‪.‬‬ ‫تعتقد األوساط اليمنية أن الجميع كان ينتظر‬ ‫غـرت‪ ،‬وأن‬ ‫الســام‪ .‬الفــرق هنــا أن املعطيــات ت ـ‬ ‫الضامنني بدأت أدوارهم تتغري‪ ،‬وباتت هناك رعاية‬ ‫لتوافقاتهــم‪ .‬الحكومــة والتحالــف كانــا يضغطــان‬

‫‪02/05/2023 13:04‬‬

‫عسكريا لدعم السالم باتخاذ اسرتاتيجية الدفاع‪،‬‬ ‫حـزب‬ ‫وكان الحوثيــون يتلقــون وعــودا مــن إ ـيـران و ـ‬ ‫اللــه بالصــوم يف مــأرب‪ .‬لــم يتحقــق ذلــك‪ ،‬وعوضــا‬ ‫عــن الصــوم يف الجبهــات بــات ‪ 878‬يمنيــا يصومــون‬ ‫بــن أهليهــم هــذه ا ـملـرة‪.‬‬ ‫يعــود الدكتــور فــارس البيــل ليذ ّكــر بــأن الســام‬ ‫الحقيقي يتمثل يف “نزع مسببات الصراع وأدواته‪،‬‬ ‫وخلــق تــوازن بــن القــوى معادلتــه التنافــس عــى‬ ‫التنمية ومعالجة الواقع‪ ،‬وإعادة القرار للشعب‪،‬‬ ‫وتحييد القوة والوظيفة والنفوذ والخطاب‪ ،‬وسرعة‬ ‫معالجــة األولويــات امللحــة”‪ .‬ويتابــع قائــا‪“ :‬إذا مــا‬ ‫هُ نــدس الســام املقبــل عــى هــذه الرؤيــة يمكــن أن‬ ‫نضمــن اســتقرارا طويــا لليمــن‪ ،‬ونشــهد توج ًهــا‬ ‫ً‬ ‫مختلفا نحو التنمية واإلعمار‪ ،‬عندها ستذوب كثري‬ ‫من املشكالت السياسية التي ظهرت اآلن‪ ،‬واملشاريع‬ ‫املتعــددة التــي أنتجهــا انهيــار الدولــة باألســاس”‪.‬‬ ‫يضيف األكاديمي اليمني‪ ،‬قائال‪“ :‬أنا عىل يقني‬ ‫أن الشعب وحتى األطراف عندما يلمسون مشروعا‬ ‫واضحــاً وقويــاً وعــادالً لحضــور دولــة قويــة ُتعنــى‬ ‫بالنــاس وحــل مشــكالتهم؛ ســينخرطون وراء هــذا‬ ‫التوجه‪ ،‬وستذوب كل الظواهر التي نشأت بفعل‬ ‫املحاصصــة والتقاســم‪ ،‬والخــوف عــى املســتقبل‬ ‫واالحتــكار واملصــر املج ـهـول”‪.‬‬

‫اتخذت السعودية‬ ‫خطوة شجاعة‬ ‫باختيار السالم‬ ‫ودعمه‪ .‬سبقت‬ ‫طريف النزاع بخلق‬ ‫حال تهدئة إقليمية‪،‬‬ ‫واستفادت يف امللف‬ ‫اليمني من التجارب‬ ‫العديدة التي لم‬ ‫يجد فيها الحل‬ ‫السيايس فرصة‬ ‫ليتنفس‪.‬‬ ‫‪016_AM.indd 19‬‬


‫سياسة‬

‫قصة الغالف‬

‫المجلة‬

‫‪20‬‬

‫ميساء شجاع الدين باحثة أوىل يف‬ ‫“مركز صنعاء للدراسات االسرتاتيجية”‪.‬‬ ‫نشرت كتاباتها وتحليالتها يف العديد من‬ ‫وسائل اإلعالم العربية واألجنية‬

‫ال يمكن معه تجاهلها أو التحايل عليها بمكونات جنوبية أخرى‬ ‫أكــر اعتــداال‪ ،‬كمــا حــدث يف مؤتمــر الحــوار الوطنــي الســابق‪.‬‬ ‫أما “الحوثيون”‪ ،‬فبعد اتساع مناطق سيطرتهم من محافظة‬ ‫واحدة نائية لتشمل الجزء األكرب مما كان يعرف باليمن الشمايل‬ ‫عـاء‪ ،‬صــارت‬ ‫قبــل الوحــدة العــام ‪ 1990‬بمــا فيهــا العاصمــة صن ـ‬ ‫رؤيتهم للحكم أكرث وضوحا‪ ،‬خاصة بعد انفرادهم بالسلطة إثر‬ ‫اغتيال الرئيس األسبق عيل عبدالله صالح يف ديسمرب‪/‬كانون األول‬ ‫حـول ف ـكـرة “الواليــة” ومفهــوم‬ ‫‪ ،2017‬وهــي رؤيــة دينيــة تتمحــور ـ‬ ‫“االختيــار اإللهــي” لشــخص تجــب طاعتــه‪ ،‬ويف هــذه الحالــة هــو‬ ‫عبد امللك الحويث‪ ،‬قائد الجماعة‪.‬‬ ‫بطبيعــة الحــال هــذا النمــط مــن الحكــم ال يمكنــه ق ـبـول الت ـنـوع‬ ‫وإدارة السلطة بمفاهيم تحرتم وتقبل مفاهيم مثل الديمقراطية‬ ‫أو الفيدرالية‪ ،‬وبالتايل لم يعد هناك مجال ألي أرضية مشرتكة‬ ‫وســطى بــن “الحوثيــن” وبقيــة املكونــات السياســية بمــا فيهــا‬ ‫الجنوبيــة التــي تطالــب باالنفصــال‪ ،‬وكان مــن املمكــن أن تكــون‬ ‫الفيدراليــة حــا وســطا أو مؤقتــا‪.‬‬ ‫ال تعــاين التســوية السياســية النهائيــة يف اليمــن فقــط‪ ،‬مــن‬ ‫ضعــف الثقــة بــن املكونــات املختلفــة‪ ،‬بــل أيضــا التبايــن الشاســع‬ ‫بــن التصــورات السياســية املطروحــة؛ ممــا يضيــف لهــا إشــكالية‬ ‫غيــاب اإلرادة‪ .‬فــا وجــود لطــرف يمكنــه التنــازل عــن مشــروعه‬ ‫السيايس بهدف مشاركة السلطة مع اآلخرين‪ ،‬والحلول الوسط‬ ‫تبــدو متعــذرة‪ .‬فبالنســبة لبعــض املكونــات الجنوبيــة‪ ،‬يعنــي هــذا‬ ‫خسارتها لجمهورها‪ ،‬أما بالنسبة لـ“الحويث” فهي خسارة لجوهر‬ ‫فكرتــه ومنطلــق وجــوده‪.‬‬ ‫بينما نضجت كل الشــروط املوضوعية لوقف الحرب اليمنية‬ ‫عــى املســتوى اإلقليمــي‪ ،‬وحســم الطرفــان الرئيســان عــى هــذا‬ ‫حـرب اليمنيــة‬ ‫املســتوى ضــرورة طــي هــذه الصفحــة‪ ،‬ال تبــدو ال ـ‬ ‫بمســتواها املحــي قابلــة للطــي قريبــا‪.‬‬ ‫صـول لتســوية سياســية‪ ،‬تكمــن مشــكلة‬ ‫إضافــة اىل تعــذر الو ـ‬ ‫أشــد خطــورة وهــي مناطــق النفــوذ لــكل جماعــة مســلحة‪ .‬فبينمــا‬ ‫توقفــت االشــتباكات املســلحة يف ســوريا وليبيــا بال ـتـزام كل طــرف‬ ‫صـراع كليــا‪ ،‬لكــن هــذه‬ ‫ملســاحة نفــوذه دون حــل ســيايس ينهــي ال ـ‬ ‫املســألة ال تبــدو محســومة يف اليمــن‪.‬‬ ‫حـويث” يمتلــك قــوة مســلحة أكــر وأكــر تنظيمــا مــن‬ ‫إذ أن “ال ـ‬ ‫طـران الجــوي‬ ‫ـغـره مــن الفصائــل اليمنيــة‪ .‬ومــع غيــاب عامــل ال ـ‬ ‫املرجح ملعسكر خصومه‪ ،‬يظل األمر مغريا لجماعة عقائدية مثل‬ ‫“الحوثيني” للتمدد العسكري إىل بقية املناطق‪ .‬والطبيعة العقائدية‬ ‫للجماعة تمنحها الدافع التبشريي الذي تؤمن به كل الجماعات‬ ‫العقائدية التي تفرتض ضرورة تطبيق نظرية حكمها عىل الجميع‬ ‫بغــض النظــر عــن أي حــدود أو اختالفــات سياســية أو اجتماعيــة‪.‬‬ ‫الجنوب أيضا‪ ،‬توجد فيه بذور توتر مختلفة‪ ،‬فالفصيل األكرث‬ ‫حضــورا وهــو “املجلــس االنتقــايل” يتحــدث عــن الجنــوب ككتلــة‬ ‫سياســية موحــدة وهــذا ال ينطبــق عــى واقــع الحــال‪ ،‬فالجنــوب‬ ‫تتقاسمه فصائل مسلحة مختلفة وقوى إقليمية متعددة تعزز‬ ‫من انقساماته املناطقية‪ .‬لذلك ال تبدو مناطق النفوذ يف الجنوب‬ ‫محسومة ونهائية‪ ،‬إذ أنها تنتظر جولة جديدة من القتال ترسمها‬ ‫بشكل يتناسب مع قوة الجماعات الجنوبية املختلفة‪.‬‬ ‫أخرياً‪ ،‬فيما تبدو الخطى متالحقة وسريعة نحو تسوية لوقف‬ ‫إطالق النار‪ ،‬فيما يتعلق بالبعد اإلقليمي للحرب‪ ،‬تظل الحروب‬ ‫املحلية غري محسومة وتنتظرها جوالت قتال إضافية‪.‬‬

‫مســتقبل الدولــة‬ ‫ودورات القتــال‬

‫شكل الدولة اليمنية املستقبلية ال يزال محل خالف‬ ‫بشكل يستحيل تصور توافق حوله‬

‫بينما تتسارع الخطى نحو وقف الحرب يف اليمن‪ ،‬ال تزال قضايا‬ ‫مهمــة عالقــة تقــف يف وجــه إمكانيــة عقــد تســوية سياســية شــاملة‬ ‫حـرب بمــا يضمــن الحــد األدىن مــن االســتقرار للبلــد‬ ‫ونهائيــة لل ـ‬ ‫حـرب كليــا‪ ،‬أبرزهــا شــكل الدولــة املســتقبلية الــذي ال‬ ‫ووقــف ال ـ‬ ‫ـيـزال محــل خــاف وتجــاذب بشــكل يــكاد يســتحيل تصــور توافــق‬ ‫حولهــا‪ .‬فعندمــا نتحــدث عــن شــكل الدولــة املســتقبلية‪ ،‬نواجــه‬ ‫حـول عالقــة الديــن بالدولــة‪ ،‬ووحــدة‬ ‫بعــض األســئلة املصرييــة ـ‬ ‫البلــد‪ ،‬وعالقــة الحكومــة املركزيــة ببقيــة املناطــق‪.‬‬ ‫مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد يف الفرتة ما بني مارس‪/‬آذار‬ ‫‪ 2013‬ويناير‪/‬كانون الثاين ‪ ،2014‬نوقشت فيه قضايا متعددة‪،‬‬ ‫بينها عالقة الدين بالدولة واإلقرار بالفيدرالية‪ ،‬لكن دون تحديد‬ ‫واضــح لعــدد األقاليــم التــي أ ـقـرت بســتة أقاليــم يف لجنــة شــكلها‬ ‫رئيــس الجمهوريــة يف وقــت الحــق بعــد املؤتمــر‪ ،‬وحســمت هــذه‬ ‫حـول الفيدراليــة يف أقــل مــن شــهر‪ ،‬لــي‬ ‫اللجنــة الخــاف الصعــب ـ‬ ‫تقر األقاليم الستة‪ ،‬وهو التصور الذي رفضته العديد من القوى‬ ‫حـراك الجنوبــي‬ ‫السياســية املهمــة‪ ،‬مثــل تيــارات مختلفــة مــن ال ـ‬ ‫والحزب االشرتايك‪ ،‬وحزب املؤتمر الشعبي املنقسم بجزئه الخاص‬ ‫بالرئيس السابق (حينها) عيل عبد الله صالح‪ ،‬و “الحوثيني”‪.‬‬ ‫وراء هذا املشهد الرسمي املنشغل بالفيدرالية‪ ،‬كانت دعوات‬ ‫االنفصال من بعض املكونات الجنوبية قوية رغم عدم مشاركتها‬ ‫املؤتمر‪ .‬أما “الحوثيون”‪ ،‬فكانوا يقدمون تصورات منفتحة حول‬ ‫املرأة وعلمانية الدولة يف مؤتمر الحوار الوطني‪ ،‬ويطبقون نقيضها‬ ‫يف محافظة صعدة التي كانت تحت سيطرتهم‪.‬‬ ‫حـرب‪ ،‬صــارت التصــورات املتعلقــة‬ ‫بعــد تطــور األمــور نحــو ال ـ‬ ‫بمســتقبل الدولــة أكــر وضوحــا وتناقضــا وبــا مواربــة‪ ،‬فاملكونــات‬ ‫الجنوبية امليالة لفكرة االنفصال وتأسيس دولة جنوبية مستقلة‬ ‫صارت أكرث حضورا يف الســاحة الجنوبية وأقوى تســليحا بشــكل‬

‫‪02/05/2023 13:10‬‬

‫ال وجود لطرف‬ ‫يمكنه التنازل‬ ‫عن مشروعه‬ ‫السيايس بهدف‬ ‫مشاركة السلطة‬ ‫مع اآلخرين‪،‬‬ ‫والحلول الوسط‬ ‫تبدو متعذرة‪،‬‬ ‫فبالنسبة‬ ‫لبعض املكونات‬ ‫الجنوبية هذا‬ ‫يعني خسارتها‬ ‫لجمهورها‪ ،‬أما‬ ‫الحويث فهي‬ ‫خسارة لجوهر‬ ‫فكرته ومنطلق‬ ‫وجوده‪.‬‬

‫‪020_AM.indd 20‬‬


020_AM.indd 21

02/05/2023 13:10


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫قصة الغالف‬

‫الشروط الحقيقية‬ ‫لعــودة اليمنيــن‬ ‫إىل بالدهــم‬ ‫ضرورة اعتماد الالمركزية والتنمية والشراكة‬ ‫عمان ‪ -‬عبد الغني اإلرياين‬ ‫رسوم ‪ -‬سيلينا برييرا‬

‫‪02/05/2023 13:13‬‬

‫‪22‬‬

‫من جملة ما أسفرت عنه حرب اليمن من الكوارث‬ ‫نــزوح ماليــن اليمنيــن مــن بيوتهــم‪ ،‬ومنهــم مئــات‬ ‫اآلالف مــن نخبــة املجتمــع؛ مــن املهنيــن ورجــال‬ ‫األعمــال والقيــادات االجتماعيــة والسيا ســية‬ ‫والعسكرية‪ ،‬الذين نزحوا إىل دول الجوار والعالم‬ ‫عـاء‬ ‫األوســع‪ ،‬تاركــن املجــال للقــوة املســيطرة يف صن ـ‬ ‫(حركة أنصار الله الحوثية)‪ ،‬ل ُتحكِم سيطرتها عىل‬ ‫الدولة ومؤسساتها‪ ،‬وتعيد تشكيل هوية املجتمع‬ ‫بلونهــا املذهبــي‪.‬‬ ‫و قــد نجحــت الحر كــة يف ـفـرض ســيطرتها‪،‬‬ ‫عـاء ا لــذي منــع‬ ‫مســتفيدة مــن إقفــال مطــار صن ـ‬ ‫عــودة تلــك القيــادات التــي كانــت ســتعيق مشــروع‬ ‫الحركــة الرئيــس وهــو ب ـنـاء نســختها الزيديــة مــن‬ ‫“دو لــة طالبــان”‪.‬‬ ‫اليــوم‪ ،‬بعــد أن أحكمــت الحركــة ســيطرتها عــى‬ ‫مؤسسات الدولة‪ ،‬بما فيها جيش الدولة اليمنية‪،‬‬ ‫وأخضعــت املجتمــع لســلطتها البوليســية‪ ،‬لــم يعــد‬ ‫لكثــر مــن أولئــك النازحــن إال أن يرتبــوا أوضاعهــم‬ ‫يف الخــارج أو يعــودوا قابلــن بالنظــام الجديــد الــذي‬ ‫تنصــل‪ ،‬بال ـقـول أحيانــا وبالفعــل أكــر األحيــان‪ ،‬مــن‬ ‫القيــم القانونيــة والدســتورية التــي قامــت عليهــا‬ ‫الوحدة‪ ،‬وعىل رأسها املواطنة املتساوية‪ ،‬فأصبحت‬ ‫التجــاوزات عــى حقــوق املواطنــة التــي كنــا نأخذهــا‬ ‫عــى العهــود الســابقة‪ ،‬سياســة دولــة وعرفــا ُي ّتبــع‪.‬‬

‫‪022_AM.indd 22‬‬


‫‪23‬‬

‫السالم المنشود‬

‫كثــر مــن النازحــن قــرروا الب ـقـاء يف بلــدان اللجــوء‪،‬‬ ‫لكــن مئــات اآلالف ال يزالــون يتطلعــون للعــودة إذا‬ ‫تحقق السالم‪ ،‬السؤال اآلن عن ماهية ذلك السالم‬ ‫املنشود؟‬ ‫قامت الجمهورية اليمنية عام ‪ 1990‬عىل دستور‬ ‫يضمن املواطنة املتساوية وسيادة القانون والتمكني‬ ‫السيايس عرب التعددية الحزبية واالنتخابات‪ ،‬وكان‬ ‫حـرم مــن‬ ‫حــداً مع ـقـوال مــن تلــك القيــم يمــارس وي ـ‬ ‫قبــل الســلطات املركزيــة رغــم التجــاوزات الجســيمة‬ ‫التــي كانــت النخــب ترتكبهــا‪ .‬إال أن تر ّكــز الســلطة‪،‬‬ ‫والفساد الناتج عن ذلك‪ ،‬كانا يقودان اليمن نحو‬ ‫هاويــة الفشــل االقتصــادي وخطــر تفــكك الدولــة‪،‬‬ ‫جـاءت االنتفاضــة الشــعبية يف ‪ 2011‬احتجاجــا‬ ‫ف ـ‬ ‫عىل تلك التجاوزات واملطالبة باإلصالحات الالزمة‬ ‫لرتسيخ حقوق املواطنة والحد من الفساد‪ ،‬وأدت‬ ‫إىل اســتقالة الرئيــس عــي عبــد اللــه صالــح ونقــل‬ ‫السلطة وبدء مرحلة انتقالية عقد أثناءها “مؤتمر‬ ‫الحــوار الوطنــي” الــذي أقــر إصالحــات جذريــة كان‬ ‫أهمهــا الالمركز يــة العميقــة التــي كا نــت ســتتيح‬ ‫للمجتمعــات املحليــة حــق إدارة شــؤونها بعيــدا عــن‬ ‫هيمنــة املركــز ونخبتــه املتهمــة بالفســاد‪.‬‬ ‫إال أن االنقســامات الحــادة أفشــلت املرحلــة‬ ‫االنتقاليــة‪ ،‬وتمكــن “الحوثيــون” بالتحا لــف مــع‬

‫‪02/05/2023 13:13‬‬

‫المجلة‬

‫الرئيــس األ ســبق مــن الســيطرة عــى العاصمــة‬ ‫عـاء‪ ،‬وفرضــوا اإلقامــة الجربيــة عــى الرئيــس‬ ‫صن ـ‬ ‫االنتقــايل وحكومتــه‪ ،‬واســتطاع االنقالبيــون بســط‬ ‫ســيطرتهم عــى معظــم املحافظــات‪ ،‬وبــدأوا بجملــة‬ ‫من االستفزازات التي أدت إىل تدخل التحالف الذي‬ ‫تقــوده الســعودية‪.‬‬ ‫و قــد تبــن أن االنقالبيــن لــن يلتز مــوا بالحــد‬ ‫األدىن من حقوق املواطنة وسيادة القانون وأعطوا‬ ‫مســؤوليهم ســلطة تقديريــة تمكنهــم مــن مصــادرة‬ ‫حرية أي مواطن وأمالكه وحقوقه دون أن يكون له‬ ‫ملجــأ قا ـنـوين يعــود إليــه‪ ،‬أو كمــا قــال رئيــس املكتــب‬ ‫الســيايس الراحــل يف “انصــار اللــه” صالــح الصمــاد‪:‬‬ ‫“أصغــر مســؤول يف الحركــة يمكنــه أن يــودع أي‬ ‫مواطن يف السجن‪ ،‬وليس باستطاعة أكرب مسؤول‬ ‫يف الحركــة إطــاق ذلــك املواطــن”‪.‬‬ ‫خلقــت تجــاوزات “الحوثيــن” بيئــة طــاردة‪،‬‬ ‫جـرة إىل الخــارج‬ ‫فحدثــت موجــة مــن النــزوح واله ـ‬ ‫كان عــى رأســها املهنيــون ورجــال األعمــال والقــادة‬ ‫السياسيون والعسكريون والوجاهات االجتماعية‪.‬‬ ‫وخالل السنوات األخرية عاد عدد قليل من النازحني‬ ‫الذين سلموا باألمر الواقع‪ ،‬إال أن الغالبية ما زالوا‬ ‫غــر قابلــن بالتســليم بســلطة “الحوثيــن” املطلقــة‪.‬‬ ‫حـرب ســيمكن الكثــر مــن‬ ‫ال شــك أن وقــف ال ـ‬ ‫العــودة إىل بيوتهــم‪ ،‬لكــن العــودة الجماعيــة لــن‬

‫سياسة‬

‫تتــم إال بتوفــر الحــد املق ـبـول مــن حقــوق املواطنــة‬ ‫وتوفر الضمانات القانونية ضد السلطة التعسفية‬ ‫ملســؤويل الدولــة‪ ،‬ولــن تتوفــر تلــك الضمانــات إال يف‬ ‫شـراكة فعليــة يف الســلطة‪.‬‬ ‫إطــار ـ‬

‫الشراكة ممكنة؟‬

‫شـراكة ممكنــة أم مســتحيلة يف ظــل هيمنــة‬ ‫هــل ال ـ‬ ‫“الحوثيــن” عــى مؤسســات الدولــة؟ أي حديــث عــن‬ ‫عـاء‬ ‫طـراف املناوئــة لـ “الحوثيــن” إىل صن ـ‬ ‫عــودة األ ـ‬ ‫للمشــاركة يف الســلطة هــو خيــار صعــب بحكــم األمــر‬ ‫الواقع‪ ،‬إذ إن الجمهورية اليمنية منذ قامت لم تدِ رْها‬ ‫املؤسسات الرسمية‪ ،‬بل كانت السلطة الحقيقية يف‬ ‫مؤسســات موازيــة وشــبكات مــواالة خاضعــة ـلـرأس‬ ‫الســلطة‪ ،‬بينمــا كانــت املؤسســات الرســمية مجــرد‬ ‫أدوات تنفيذية‪ ،‬وقد تبني لنا خالل الفرتة االنتقالية‬ ‫أن الســلطة ال تنتقــل بتســليم رئاســة الجمهوريــة أو‬ ‫الحكومة كما تم يف ‪ ،2011‬بل بالسيطرة عىل املفاصل‬ ‫الحقيقية للسلطة كما فعل “الحوثيون” عىل مدى‬ ‫سنوات توّجوها بقتل حليفهم الرئيس الراحل عيل‬ ‫عبداللــه صالــح‪ ،‬حســب اعتقــاد محللــن‪.‬‬ ‫ال يمكــن ضمــان املواطنــة املتســاوية بصيغــة‬ ‫شـراكة التــي‬ ‫حـويث”‪ ،‬وال بصيغــة صالــح‪ .‬أمــا ال ـ‬ ‫“ال ـ‬ ‫شهدناها يف الفرتة االنتقالية فقد فشلتألن السلطة‬ ‫التــي تمر ـكـزت عــى مــدى عقــود بيــد نخبــة العاصمــة‬

‫‪022_AM.indd 23‬‬


‫سياسة‬

‫ومارستها عرب شبكات املواالة لم تكن تقبل القسمة‬ ‫ألنها ليست محددة بقانون‪ ،‬بل هي سلطة ظرفية‬ ‫تعتمد عىل مهارة صاحب السلطة‪ ،‬لذا ال نستطيع‬ ‫شـراكة فيهــا‪.‬‬ ‫حتــى تخيــل الطريقــة املناســبة لل ـ‬ ‫إذن‪ ،‬الشرط األسايس لبناء دولة سيادة القانون‬ ‫هو التخلص من التسلط الذي أسفرت عنه املركزية‬ ‫املفرطــة‪ ،‬واعتمــاد الالمركزيــة العميقــة التــي تقــوم‬ ‫عىل مبدأ أن كل الصالحيات هي يف األصل للحكم‬ ‫املحيل يف كل محافظة‪ ،‬يفوض بعضا منها للسلطة‬ ‫املركز يــة‪ ،‬حســب الحا جــة‪ .‬وال يمكــن ا ســتمرار‬ ‫الالمركزيــة السياســية واإلداريــة مــا لــم تصاحبهمــا‬ ‫المركزيــة ماليــة‪ ،‬وتضمــن الدســتور بنــدا يقــر بحــق‬ ‫املحافظــات يف مواردهــا املحليــة‪ ،‬عــى أن تشــارك‬ ‫يف تمويــل الحكومــة املركزيــة بنســبة معينــة‪ .‬كمــا‬ ‫ال يمكــن للمحافظــات االحتفــاظ بهــذه الحقــوق إال‬ ‫إذا كان لديهــا مــن القــوة الخشــنة مــا يــردع الســلطة‬ ‫املركزيــة عــن الســعي إىل إعــادة تركيــز الســلطة ـمـرة‬ ‫أخــرى‪ ،‬وأعنــي بهــذا أن تكــون لــكل محافظــة قوتهــا‬ ‫األمنيــة الرادعــة‪.‬‬ ‫ال ـتـزال بعــض النخــب اليمنيــة تر فــض هــذه‬ ‫“الوصفــة”‪ ،‬وتــرى أن اســتعادة الدولــة ال تكــون‬ ‫إال برتكيــز الســلطة‪ .‬وهــي بهــذا تراهــن عــى “املســتبد‬ ‫العادل” الذي سيأيت عىل حصان أبيض‪ ،‬وتتجاهل‬ ‫أن معظم املستبدين كانوا من عينة الرؤساء‪ :‬عيل‬

‫‪02/05/2023 13:13‬‬

‫المجلة‬

‫لن يعود اليمنيون إىل ديارهم‬ ‫إال إذا عادت دولتهم إىل مسار‬ ‫االستقرار والتنمية‪ ،‬بسيادة القانون‬ ‫واحرتام حقوق املواطنة‪ ،‬وتوزيع‬ ‫السلطة السياسية‪.‬‬ ‫عبدالله صالح‪ ،‬وصدام حسني‪ ،‬ومعمر القذايف‪،‬‬ ‫وبشار األسد‪ ،‬وأمثالهم‪ ،‬وأن السلطة املطلقة شر‬ ‫مطلق‪ .‬وال تدرك تلك النخب أن فشل الدولة اليمنية‬ ‫كان بســبب غيــاب الضوابــط التــي تعقلــن الســلطة‬ ‫املركزيــة وأهمهــا التوازنــات املســتقرة بــن الســلطات‬ ‫الثالث‪ ،‬وكذلك بني الدولة والشعب‪ ،‬وبني املركز‬ ‫واألطراف‪ .‬كما أن عدم تجذر تقاليد سيادة القانون‬ ‫يف الوعــي املجتمعــي جعــل الضوابــط الدســتورية‬ ‫والقانونية عىل السلطة مجرد ديكور ال أنياب لها‪.‬‬

‫التنمية‬

‫بعد ثماين سنوات من الحرب‪ ،‬وبعد مالمح تفكك‬ ‫الدولة وتمزق جغرافيتها وانقسام مؤسساتها‪ ،‬لم‬ ‫يعد خيار املركزية ممكنا بأي حال من األحوال‪.‬‬ ‫إن وقف الحرب خطوة يف طريق السالم‪ ،‬ولكن‬

‫‪24‬‬

‫الوصول إىل سالم دائم لن يتم إال بتوافق اليمنيني‬ ‫عىل صيغة شراكة تتيح لكل محافظة إدارة شؤونها‬ ‫بذاتهــا‪ ،‬وتكــون لهــا مواردهــا كمــا هــو الحــال يف‬ ‫النظم الفيدرالية‪.‬‬ ‫ولــن يكــون الســام دائمــا إال بتوفــر الشــروط‬ ‫الالزمــة للتنميــة االقتصاديــة‪ .‬وأهــم تلــك الشــروط‬ ‫أن يجــد اليمــن “الوصفــة” املناســبة للخــروج مــن‬ ‫دوامــة التخلــف‪ .‬وأشــر هنــا إىل أن الــدول القليلــة‬ ‫التي خرجت من دوامة التخلف لم تعتمد “وصفة”‬ ‫واحدة‪ ،‬بل إن كل دولة وجدت “الوصفة” الخاصة‬ ‫بها‪ ،‬لكن معظم تلك الدول تشرتك يف أحد مقومات‬ ‫“وصفــة التنميــة” الناجحــة‪ ،‬وهــو التخفيــف مــن‬ ‫اإلنفــاق العســكري واألمنــي إىل أدىن مســتوى‪،‬‬ ‫وتوجيه املوارد نحو االستثمار يف اإلنسان بالتعليم‬ ‫والخدمــات الصحيــة‬ ‫لــن يعــود اليمنيــون إىل ديارهــم إال إذا عــادت‬ ‫دولتهــم إىل مســار االســتقرار والتنميــة‪ ،‬ولــن تعــود‬ ‫حـرام حقــوق‬ ‫إىل ذلــك املســار إال بســيادة القانــون وا ـ‬ ‫املواطنة‪ ،‬ولن يتم ذلك إال بزوال االستبداد‪ ،‬وذلك‬ ‫يكــون بتوزيــع الســلطة السياســية عــى املســتويات‬ ‫املختلفــة‪ ،‬بحيــث تتكــون توازنــات إيجابيــة تضمــن‬ ‫االســتقرار‪ ،‬وتمنــع ظهــور ذلــك الصنــف مــن القــادة‬ ‫الرنجســيني الذيــن يغامــرون بشــعوبهم لتحقيــق‬ ‫أمجادهــم الذاتيــة‪.‬‬

‫‪022_AM.indd 24‬‬


2023.pdf

022_AM.indd 25

1

27/02/2023

11:40 AM

02/05/2023 13:13


026_AM.indd 26

02/05/2023 13:16


‫المجلة‬

‫ُ‬ ‫هل تلزم الصني إيران‬ ‫بوقف تسليح “الحوثيني”؟‬

‫قصة الغالف‬

‫‪27‬‬

‫سياسة‬

‫واشنطن أعلنت ضبط أسلحة بعد توقيع االتفاق بني الرياض وطهران‬

‫عناصر “حوثيين” خالل عرض في صنعاء في ‪ 15‬سبتمبر ‪( 2022‬غيتي)‬

‫بريوت ‪ -‬خالد حمادة‬

‫‪02/05/2023 13:16‬‬

‫ـض أيــام قليلــة عــى انت ـهـاء املباحثــات بــن‬ ‫لــم تمـ ِ‬ ‫وفدي كل من اململكة العربية السعودية‪ ،‬وايران‪،‬‬ ‫برعاية الصني وصدور البيان الثاليث املشرتك يوم ‪10‬‬ ‫مارس‪/‬آذار ‪ 2023‬حتى كان قائد القيادة الوسطى‬ ‫األمريكية الجرنال مايكل كوريال يؤكد يوم ‪ 16‬مارس‬ ‫املايض ضبط خمس شحنات أسلحة إيرانية كانت‬ ‫يف طريقها إىل “الحوثيني” يف اليمن‪ ،‬بالتزامن مع‬ ‫املشاورات بني الرياض وطهران‪.‬‬ ‫عـرض التعليــق عــى‬ ‫جـاء حديــث كوريــا يف م ـ‬ ‫ـ‬ ‫االتفاق السعودي ‪ -‬اإليراين برعاية صينية‪ ،‬خالل‬ ‫مؤتمــر صحــايف عقــده يف وزارة الد ـفـاع األمريكيــة‪،‬‬ ‫شـرته وســائل اعــام أمريكيــة‪.‬‬ ‫وفــق مــا ن ـ‬ ‫وبالرغم من متابعة الواليات املتحدة للمباحثات‬ ‫التي استمرت لثالث سنوات‪ ،‬فقد اعترب كوريال أن‬ ‫“إ ـيـران هــي العنصــر األســايس لزعزعــة االســتقرار يف‬ ‫املنطقة (الشرق األوسط) وأن تنفيذها لالتفاق مع‬ ‫الســعودية موضــع شــك”‪ ،‬مضيفــا‪“ :‬بينمــا كانــت‬ ‫املناقشــات جاريــة‪ ،‬يف األيــام التســعني املاضيــة‪،‬‬ ‫قمنا بمنع خمس شــحنات أســلحة رئيســية قادمة‬ ‫مــن إ ـيـران إىل اليمــن”‪ ،‬مكــرراً أن “االتفاقيــة يشء‬ ‫والتنفيــذ يشء آخــر”‪.‬‬ ‫وال تقتصر التوقعات املشككة يف نجاح االتفاق‬ ‫عىل الواليات املتحدة التي ال تستسيغ نجاح الصني‬ ‫يف تحقيق اخرتاق دبلومايس يف عقر دار حلفائها‪،‬‬ ‫ولكن العديد من املراقبني والدبلوماسيني املتابعني‬

‫لتعقيدات امليدان اليمني يشاركون الواليات املتحدة‬ ‫أســئلتها عــن االتفــاق‪ .‬ت ـقـول ليونــورا أرديماجنــي‪،‬‬ ‫الباحثــة املســاعدة يف املعهــد اإليطــايل للدراســات‬ ‫السيا ســية الدوليــة‪“ :‬إن االتفاقيــة املوقعــة بــن‬ ‫السعودية وإيران يف بكني يمكن أن تسمح بتمديد‬ ‫الهدنة‪ ،‬لكن التعقيدات الداخلية يف اليمن تعرقل‬ ‫مســار الســام”‪ ،‬مع ـتـرة أن الصــن ُتعــد “طرفــا‬ ‫سـرا” مثــل “نمــوذج ســلطنة عمــان” أكــر مــن‬ ‫مي ـ‬ ‫كونهــا “طرفــاً ضامنــا”‪ ،‬وأن “االتفــاق يجــب أن ال‬ ‫يؤجــج التوقعــات املفرطــة فيمــا يتعلــق باليمــن‪،‬‬ ‫وهو لن يكون قادرا عىل بناء السالم بني الالعبني‬ ‫الداخليــن”‪.‬‬ ‫بــدوره‪ ،‬أ ـعـرب نائــب املندوبــة األمريكيــة الدائمــة‬ ‫لــدى األ مــم املتحــدة‪ ،‬الســفري األ ـمـريك جيفــري‬ ‫ديلورينتيــس عــن أملــه يف أن ُيســهم االتفــاق‬ ‫السعودي‪ -‬اإليراين يف الجهود املبذولة “لتأمني حل‬ ‫صـراع يف اليمــن‪ ،‬ومعالجــة اســتمرار تدفــق‬ ‫دائــم لل ـ‬ ‫املســاعدات اإليرانيــة الفتاكــة للحوثيــن‪ ،‬وضمــان‬ ‫الدعــم اإل ـيـراين لعمليــة سياســية يمنيــة”‪ .‬ولــم يكــن‬ ‫الســفري قنــج شــوانج‪ ،‬نائــب منــدوب الصــن الدائــم‬ ‫لــدى األمــم املتحــدة‪ ،‬أكــر تفــاؤال‪ ،‬مع ـتـرا االتفاقيــة‬ ‫بمثابــة “أخبــار ســارة لعالــم اليــوم املــيء بالشــكوك‬ ‫وعــدم االســتقرار‪ .‬وأضــاف يف كلمتــه أمــام مجلــس‬ ‫األمن الدويل‪“ :‬لقد أدخلت االتفاقية عنصرا إيجابيا‬ ‫يف مشــهد الســام واالســتقرار والتضامن والتعاون‬

‫يف املنطقــة‪ ،‬ونأمــل أن تخلــق أيضــا الظــروف التــي‬ ‫ُتفــي إىل تحســن الوضــع يف اليمــن”‪.‬‬

‫وقف تسليح “الحوثيين” اختبار‬ ‫اليران‬

‫واكبــت إ ـيـران ـنـزاع صعــدة والحــروب الســت التــي‬ ‫بــدأت يف يونيو‪/‬حز ـيـران ‪ 2004‬بــن حكومــة عــي‬ ‫عبــد اللــه صالــح مــن جهــة و “حركــة أنصــار اللــه”‬ ‫املعروفة باسم “الحوثيني” واتهامها بإنشاء تنظيم‬ ‫مسلح داخل البالد والسعي إلعادة اإلمامة الزيدية‬ ‫وإسقاط الجمهورية اليمنية‪ ،‬مروراً بدخول جماعة‬ ‫عـاء يــوم ‪ 21‬ســبتمرب‪/‬‬ ‫“أنصــار اللــه” العاصمــة صن ـ‬ ‫أي ـلـول ‪ ،2014‬وإطــاق” التحالــف العربــي لدعــم‬ ‫الشرعية يف اليمن” من عشر دول تقوده السعودية‬ ‫يــوم ‪ 25‬مــارس‪ /‬آذار ‪ 2015‬وحتــى مرحلــة توقيــع‬ ‫البيــان الثــايث برعايــة صينيــة‪.‬‬ ‫ال يح ـتـاج الــدور اإل ـيـراين أدلــة إضافيــة إلثبــات‬ ‫تزويد “الحوثيني” باألسلحة عىل أنواعها‪ ،‬والحقاً‬ ‫سـرة‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫بالصواريــخ البالســتية والطا ـئـرات امل ـ‬ ‫ساهم يف تحول الصراع عىل السلطة داخل اليمن‬ ‫إىل تهديــد إقليمــي لحــق ال ُبنــى التحتيــة االقتصاديــة‬ ‫لــدول الجــوار وهــدد اســتقرارها‪.‬‬ ‫تعــود بدايــات التقاريــر الدوليــة حيــال الــدور‬ ‫اإليراين إىل ‪ 14‬ديسمرب‪ /‬كانون األول ‪ ،2017‬عندما‬ ‫كشفت السفرية األمريكية لدى األمم املتحدة‪ ،‬نييك‬

‫‪026_AM.indd 27‬‬


‫سياسة‬

‫ال يحتاج الدور اإليراني‬ ‫أدلة إضافية إلثبات‬ ‫تزويد “الحوثيين”‬ ‫باألسلحة‬

‫المجلة‬

‫توالت عمليات االعتراض‬ ‫لشحنات أسلحة وذخائر‬ ‫نفذتها اميركا وبريطانيا‬ ‫وفرنسا‬

‫‪28‬‬

‫سفينة حربية فرنسية‬ ‫أوقفت في ‪ 15‬يناير‬ ‫سفينة فيها ‪ 3‬االف بندقية‬ ‫ً‬ ‫صاروخا‬ ‫و‪20‬‬

‫هايل‪ ،‬النقاب عن أدلة جديدة عىل تسليم أسلحة‬ ‫إيرانية إىل “الحوثيني” يف اليمن‪ .‬ففي مركز عسكري‬ ‫شـركة “أناكوســتيا بولينــغ” يف‬ ‫داخــل القاعــدة امل ـ‬ ‫واشــنطن العاصمــة‪ ،‬عرضــت هــايل ومســؤولون يف‬ ‫البنتاغــون قطعــاً مــن صــاروخ وصــوراً ملجموعــة مــن‬ ‫منظومــات أســلحة إيرانيــة الصنــع تــم اكتشــافها يف‬ ‫طـراز‬ ‫اليمــن‪ -‬فــإىل جانــب الطا ـئـرات دون طيــار مــن ـ‬ ‫“قاصــف‪ ”1 -‬وصواريــخ “طوفــان” املوجهــة املضــادة‬ ‫للدبابــات التــي يســتخدمها “الحوثيــون”‪ ،‬وتنطبــق‬ ‫عليها تماماً مواصفات املنظومات اإليرانية الصنع‪،‬‬ ‫سالحنْي متقدمني‪،‬‬ ‫تركزت اإلحاطة اإلعالمية عىل‬ ‫ْ‬ ‫همــا‪ :‬صــاروخ “قيــام‪ ”1 -‬الباليســتي القصــر املــدى‪،‬‬ ‫طـراز‬ ‫جـرة و“املوجهــة عــن ُبعــد” مــن ـ‬ ‫والــزوارق املتف ـ‬ ‫“شــارك‪ ”33 -‬والتــي احتــوى ال ـقـرص الصلــب يف‬ ‫حاسوب أحد الزوارق عىل أكرث من ‪ 90‬مجموعة من‬ ‫اإلحداثيات للمواقع يف إيران واليمن والبحر األحمر‪.‬‬ ‫توالــت بعــد ذلــك عمليــات اال ـعـراض واملصــادرة‬ ‫لشحنات أسلحة وذخائر مختلفة يف املحيط الهندي‬ ‫والبحــر األحمــر ومضيــق بــاب املنــدب وخليــج عمــان‪،‬‬ ‫والتــي نفذتهــا دور يــات تابعــة للوال يــات املتحــدة‬ ‫وبريطانيا وفرنسا‪ ،‬وقد سُ جل يف‬ ‫املنصرمنْي‬ ‫العامنْي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫نشــاط ملحــوظ لط ـهـران بتقديــم الدعــم العســكري لـ‬ ‫“الحوثيني”‪ .‬فقد أعلنت البحرية امللكية الربيطانية أن‬ ‫“السفينة مونرتوز قد صادرت‪ ،‬يف مناسبتني خالل‬ ‫عام ‪ ،2022‬أسلحة إيرانية يف زوارق يقودها مهربون‬ ‫يف املياه الدولية جنوب إيران‪ ،‬وكان من بني األسلحة‬ ‫حـركات لصواريــخ‬ ‫املصــادرة صواريــخ أرض‪-‬جــو وم ـ‬ ‫كروز الهجومية املوجهة‪ ،‬كما أوردت صحيفة “وول‬ ‫ســريت جورنــال”‪ ،‬نقـا ً عــن مســؤولني يف الجيــش‬ ‫الفرنــي‪ ،‬أن ســفينة حربيــة فرنســية أوقفــت يف ‪15‬‬ ‫ينايــر‪ /‬كانــون الثــاين املــايض ســفينة تهريــب مشــتبها‬ ‫بهــا قبالــة الســاحل اليمنــي تنقــل أكــر مــن ‪3000‬‬ ‫بندقية هجومية ونصف مليون طلقة و‪ 20‬صاروخاً‬ ‫موجهاً مضادا للدبابات‪ .‬كما أعلنت القوات البحرية‬ ‫الربيطانيــة واألمريكيــة يــوم ‪ 2‬مــارس ‪ 2023‬ا ـعـراض‬ ‫شحنة أسلحة إيرانية عىل منت قارب يف خليج عمان‪،‬‬ ‫هــي الســابعة خــال ثالثــة أشــهر كانــت يف طريقهــا‬ ‫إىل “الحوثيــن” يف اليمــن‪ ،‬احتــوت عــى صواريــخ‬ ‫موجهة مضادة للدبابات ومكونات صواريخ باليستية‬ ‫متوسطة املدى بما يمثل انتهاكا لقرار مجلس األمن‬ ‫الــدويل رقــم ‪ 2216‬والقانــون الــدويل‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:17‬‬

‫‪026_AM.indd 28‬‬


‫‪29‬‬

‫المجلة‬

‫نقاط القوة والضعف‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ال شك أن النهج الذي ستتبعه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حقيقيا‬ ‫اختبارا‬ ‫إيران‪ ،‬سيشكل‬ ‫لنجاح هذا االتفاق الدبلوماسي‬ ‫الذي سبقته “التزامات ملموسة”‬ ‫بشأن اليمن‪ ،‬سيكشف عنها فيما‬ ‫بعد‪.‬‬ ‫ما يمكن البناء عليه هو‬ ‫استشعار الرغبة من أطراف النزاع‬ ‫في التوصل لحلول سلمية‪ ،‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫مسبقا من تصريح‬ ‫ما أمكن قراءته‬ ‫وزير الخارجية السعودي فيصل بن‬ ‫فرحان‪ ،‬خالل “المنتدى االقتصادي‬ ‫العالمي” في دافوس شهر يناير‪/‬‬ ‫كانون الثاني ‪ 2023‬بقوله إن “إنهاء‬ ‫الحرب في اليمن يجب أن يتم َعبر‬ ‫حل توافقي‪ ،‬وهو ما نعمل عليه‬ ‫حاليا”‪ ،‬وتشديده على أن “الصراع‬ ‫في اليمن لن ينتهي إال من خالل‬ ‫ً‬ ‫مشيرا إلى‬ ‫تسوية سياسية”‪،‬‬ ‫الحاجة “إليجاد سبيل إلعادة‬ ‫الهدنة في اليمن‪ ،‬والعمل على‬ ‫تحويلها إلى وقف دائم إلطالق‬ ‫النار”‪.‬‬ ‫ُويضاف إلى ذلك التحول في‬ ‫الموقف األميركي من األزمة‬ ‫اليمنية من داعم ألحد أطراف‬ ‫النزاع‪ ،‬إلى دور الوسيط في األزمة‪.‬‬ ‫ففي فبراير‪/‬شباط ‪ ،2021‬أعلن‬ ‫الرئيس األميركي جو بايدن‪ ،‬عن‬ ‫وقف الدعم األميركي للعمليات‬ ‫العسكرية في اليمن‪ ،‬ووقف ما‬ ‫يتعلق بها من صفقات تسلح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مبعوثا‬ ‫وتعيين تيم ليندركينغ‬ ‫لليمن‪.‬‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى ان ليندركينغ‬ ‫حث االيرانيين في المباحثات‬ ‫األخيرة في سلطنة عمان على‬ ‫أن “يظهروا حقا أنهم يحدثون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إيجابيا في النزاع‪ ،‬بوقف‬ ‫تحوال‬ ‫تهريب األسلحة للحوثيين ووقف‬ ‫االنتهاكات لقرارات مجلس األمن‬ ‫الدولي”‪ .‬ونقلت صحيفة “وول‬ ‫ستريت جورنال” عن مسؤولين‬ ‫اميركيين قولهم‪ ،‬أن “إيران وافقت‬ ‫على وقف إرسال شحنات األسلحة‬ ‫إلى حلفائها الحوثيين في اليمن”‪،‬‬ ‫كجزء من إعادة العالقات مع‬ ‫السعودية و “نريد معرفة ما إذا‬ ‫كانت إيران ستتمسك بالصفقة‪،‬‬ ‫وهذا اختبار لها‪ ...‬وإذا توقفت‬ ‫طهران عن تسليح الحوثيين‪ ،‬فقد‬ ‫تضغط بذلك على جماعة الحوثي‬ ‫للتوصل إلى اتفاق إلنهاء الصراع”‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫االختالف شبه الكلي في مالمح‬ ‫المشهد العسكري والسياسي‬ ‫للنزاع‪ .‬ربما التوصيف األدق في‬ ‫هذه المرحلة‪ ،‬هو أنه يعيش حالة‬

‫‪02/05/2023 13:17‬‬

‫والالسلم بعد فترة‬ ‫من الالحرب‬ ‫ِ‬ ‫من هدنة جرى تمديدها لعدة‬ ‫أشهر‪ ،‬واستمرت بعد اإلعالن عن‬ ‫تعذر تجديدها بداية أكتوبر‪/‬تشرين‬ ‫األول الماضي‪ ،‬من خالل هدوء‬ ‫نسبي تخللته بعض المواجهات‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫على الجانب اآلخر‪ ،‬فقد اشتدت‬ ‫قبضة “الحوثيين” على المناطق‬ ‫الخاضعة لسيطرتهم وسط‬ ‫تفاقم معاناة السكان وتنامي‬ ‫مشاعر الرفض والمقاومة‬ ‫لجملة اإلجراءات األمنية والتدابير‬ ‫االقتصادية التي تحاول الحركة‬ ‫فرضها باستخدام سلطة األمر‬ ‫الواقع لضمان استمرار وجودها‪،‬‬ ‫في حين ال تزال الحركة ماضية‬ ‫في تنفيذ مشروعها المذهبي‪ ،‬من‬ ‫دون اكتراث لالنتقادات المتزايدة‬ ‫الموجهة إليها من الداخل والخارج‪.‬‬ ‫ويقول الرئيس األسبق لجنوب‬ ‫اليمن‪ ،‬علي ناصر محمد‪“ :‬يوجد‬ ‫أكثر من رئيس‪ ،‬وأكثر من حكومة‪،‬‬ ‫وأكثر من مجلس نواب‪ ،‬وأكثر من‬ ‫جيش‪ ،‬وأكثر من بنك مركزي‪ ،‬وأكثر‬ ‫من قناة تلفزيونية تحمل نفس‬ ‫االسم”‪.‬‬

‫سياسة‬

‫طبقت‬ ‫السعودية‬ ‫اسرتاتيجيتها‬ ‫للتهدئة‬ ‫مع طهران‬ ‫خالل جوالت‬ ‫التفاوض‬ ‫قبل االتفاق‬ ‫عىل عودة‬ ‫العالقات‬

‫‪4‬‬ ‫إن الحرب في اليمن ليست‬ ‫ً‬ ‫حربا بالوكالة‪ ،‬وهناك أصول‬ ‫داخلية للصراع من أجل السلطة‬ ‫السياسية والسيطرة على الموارد‪،‬‬ ‫وما التحركات األخيرة لـ “الحوثيين”‬ ‫حريب في محافظة‬ ‫في مديرية ْ‬ ‫مأرب‪ ،‬وأخرى في َ ت ْ‬ ‫عز‪ ،‬سوى‬ ‫محاولة من الجماعة للسيطرة‬ ‫على المحافظة النفطية‪.‬‬ ‫صحيح أن “الحوثيين” يتلقون‬ ‫أسلحة وذخائر من إيران لكنهم ال‬ ‫ً‬ ‫اقتصاديا عليها‪ ،‬بخالف‬ ‫يعتمدون‬ ‫ميليشيات أخرى في المنطقة‪،‬‬ ‫حيث يسيطر “الحوثيون” على‬ ‫اقتصاد الشمال الغربي للبالد‬ ‫ً‬ ‫فضال عن شبكات غير رسمية‬ ‫وغير قانونية‪ .‬وبهذا‪ ،‬لن تضغط‬ ‫إيران بشدة على “الحوثيين”‬ ‫إللزامهم بأي اتفاق‪ .‬كما يمكن‬ ‫للرياض إيجاد تفاهم مع‬ ‫“الحوثيين” يركز على أمن الحدود‪.‬‬ ‫وفي هذا المجال يقول المحلل‬ ‫السياسي اإليراني حسين روي‬ ‫واران لـ”بي بي سي”‪“ :‬هل يمكن‬ ‫أمر‬ ‫إليران أن تدفع الحوثيين إلى ٍ‬ ‫ال يريدونه؟‪ .‬ال‪ ،‬إيران لن تقوم‬ ‫بذلك‪ ،‬ولكن إذا كانت هناك أرضية‬ ‫حقيقية لحل األزمة‪ ،‬فإن إيران‬ ‫ستدفع باتجاهه “‪.‬‬

‫موالون لـ “الحوثيني”‬ ‫يف صنعاء يف ‪ 26‬مارس‬ ‫‪( 2023‬غيتي)‬ ‫يمنيون يف أحد شوارع‬ ‫صنعاء يف ‪ 28‬مارس‬ ‫‪( 2023‬غيتي)‬

‫عناصر القوة في هذا االتفاق وما‬ ‫عناصر الضعف؟‬

‫تعتــر ليونــورا أرديماجنــي أن قــدرة الصــن عــى‬ ‫أن تكــون مر ـكـزاً عــى املســتوى االقتصــادي وعــى‬ ‫مســافة سياســية متســاوية بــن الريــاض وط ـهـران‬ ‫هــي التــي ســمحت لبكــن برســم األمــل األخــر مــن‬ ‫االتفاقيــة‪ .‬ورأت أن الســعوديني واإليرانيــن يثقــون‬ ‫بالصــن ألنهــم يعلمــون أن بكــن تعتمــد بشــكل‬ ‫كبــر عــى خليــج مســتقر مــن أجــل طــرق الطاقــة‬ ‫والتجــارة البحريــة‪ .‬وتابعــت‪“ :‬يعتمــد الجميــع اآلن‬ ‫عــى الخليــج‪ ،‬وهــو بالنســبة “لبكــن” البوابــة إىل‬ ‫األسواق األوروبية واألفريقية‪ ،‬كما أنه املحوَر الربي‬ ‫حـزام والطريــق”‪.‬‬ ‫والبحــري ملبــادرة ال ـ‬ ‫لكن االتفاق كما يبدو أمني بامتياز‪ ،‬فما يمكن‬ ‫مالحظته يف سياق املحادثات السعودية‪ -‬اإليرانية‬ ‫وحتــى عنــد اإل عــان عــن ا ســتئنافها‪ ،‬انحســارها‬ ‫يف الجوانــب األمنيــة للدولتــن‪ ،‬وهــذا مــا يؤكــده‬ ‫التمثيــل األمنــي يف املحادثــات عــى حســاب التمثيــل‬ ‫الدبلومايس أو السيايس أو االقتصادي‪ ،‬فقد وقع‬ ‫مــن الجانــب الســعودي مستشــار األمــن القومــي‪،‬‬ ‫مســاعد العيبــان‪ ،‬وكذلــك مــن الجانــب اإل ـيـراين‬ ‫أمني املجلس األعىل لألمن القومي‪ ،‬عيل شمخاين‪.‬‬ ‫وهنا ال بد من الوقوف أمام مجموعة من القضايا‬ ‫الهامة التي ال زال من املبكر اإلجابة عليها أو مجرد‬ ‫طرحهــا؛ فهــل تقتصــر تلــك التهديــدات بالنســبة‬ ‫للمملكــة عــى الهجمــات التــي تســتهدف أراضيهــا‬ ‫سواء التي تنطلق من اليمن أو من العراق أم إنها‬ ‫تشــمل كل مــا يمــت إىل األنشــطة العا ـبـرة للحــدود‬ ‫للميليشــيات املرتبطــة بط ـهـران والتــي تهــدد أمــن‬ ‫الخليج واملنطقة؟ وهل هي‪ -‬بالنسبة إليران‪ -‬ضمان‬ ‫حياد السعودية إزاء أي تطورات إقليمية بينها وبني‬ ‫سـرائيل أم التأثــر يف االحتجاجــات الداخليــة التــي‬ ‫إ ـ‬ ‫ُتبث من الخارج وتلقى مشاهدات وتفاعال واسعا‬ ‫يف الداخــل اإل ـيـراين ويف العالــم؟‬ ‫لقــد طبقــت اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫جـوالت‬ ‫سـراتيجيتها للتهدئــة مــع ط ـهـران خــال ـ‬ ‫ا ـ‬ ‫التفاوض التي سبقت االتفاق عىل عودة العالقات‬ ‫الدبلوماسية منذ العام ‪ ،2021‬وهي تبذل جهداً‬ ‫واضحاً وتبدي انفتاحاً مشهوداً لوضع نهاية لهذه‬ ‫الحرب‪ ،‬لكن اإلشكالية تبقى يف مدى التأثري الذي‬ ‫يمكــن أن تمارســه إ ـيـران عــى حركــة “أنصــار اللــه”‬ ‫للقبول بتسوية سلمية للنزاع اليمني‪ ،‬فثمة من‬ ‫يســتبعد يف الجانــب اإل ـيـراين قيــام ط ـهـران بذلــك‬ ‫رغــم قــوة تأثريهــا عــى “الحوثيــن”‪.‬‬ ‫فإيران هي املورد الرئييس لألسلحة والتدريب‬ ‫والربامج الدعائية للحوثيني‪ ،‬وبإمكانها أن تفعل‬ ‫الكثــر وينبغــي أن تفعــل الكثــر‪ ،‬لكنهــا لــم تعــرف‬ ‫ـمـرة واحــدة بإرســال أســلحة إىل الحوثيــن‪ ،‬غــر‬ ‫أنها قالت قبل عامني إنها تقدم “دعماً استشارياً”‬ ‫ألنشطة الجماعة‪.‬‬

‫‪026_AM.indd 29‬‬


‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫‪30‬‬

‫هنا يصبح التساؤل مشروعاً حول ما يمكن أن تكون‬ ‫عليــه خيــارات الســعودية يف حــال امت ـنـاع اإليرانيــن‬ ‫عــن ممارســة ضغــط حقيقــي وفعــال عــى الحركــة‬ ‫املتحالفــة مــع ط ـهـران؟ وهــل يــؤدي ذلــك إىل عــودة‬ ‫“الضربات العسكرية بالتوايل والتوازي حتى العودة‬ ‫إىل طاولــة الحــوار‪ ،‬حيــث يبقــى الحــل والربــط بيــد‬ ‫النظــام اإل ـيـراين؟”‪ .‬وهــل يمكــن أن يــؤدي اإلخفــاق‬ ‫يف إ ـلـزام القــوى اليمنيــة املؤ ـثـرة عــى األرض بحــل‬ ‫ســيايس لل ـنـزاع إىل انســحاب الســعودية مــن هــذا‬ ‫حـويث‬ ‫امللــف برمتــه؟ وحتــى لــو اســتولت جماعــة ال ـ‬ ‫عــى املناطــق الشــمالية للبــاد بالكامــل ـُ‬ ‫وتـرك اليمــن‬ ‫وحده يتخبط يف صراعاته الداخلية لسنوات أخرى‬ ‫قادمــة‪ ،‬ســندخل يف صراعــات هجينــة ومتعــددة‪،‬‬ ‫مــا يضمــن للريــاض األمــن واملصالــح التــي ترجوهــا‬ ‫مــن اتفاقهــا مــع إ ـيـران‪ ،‬خاصــة مــع وجــود جــار‬ ‫طـرب‪ .‬وحتــى لــو توصلــت إىل اتفــاق‬ ‫منقســم ومض ـ‬ ‫جـزيئ مــع “الحوثيــن” ســواء بدعــم إ ـيـران أو‬ ‫أمنــي ـ‬ ‫مــن دونــه‪ ،‬فاســتقرار الســعودية مرتبــط باســتقرار‬ ‫جـزء مــن‬ ‫جارهــا الجنوبــي وليــس فقــط مــع ذلــك ال ـ‬ ‫حدودها الذي تسيطر عليه الحركة “الحوثية”‪.‬‬ ‫“حويث” خالل تظاهرة يف صنعاء يف ‪ 24‬مارس ‪( 2023‬غيتي)‬

‫في اإلجراءات والضمانات‬ ‫‪1‬‬ ‫ال بد من التوقف عند االستراتيجية‬ ‫الهادئة التي تمت بها معالجة‬ ‫الملف اليمني من خالل مرحلة‬ ‫الحل والبناء التراكمي للثقة بين‬ ‫المتحاورين‪ .‬فتمديد الهدنة الذي‬ ‫يشكل المرحلة األولى لالتفاق‬ ‫سيكون لمدة عام هذه المرة‪،‬‬ ‫وبمواصفات اتفاقية سالم شاملة‬ ‫نتيجة اإلصرار الدولي واإلقليمي‬ ‫على عدم فشل المفاوضات وليس‬ ‫مجرد اتفاق لوقف إطالق النار‬ ‫يتم خرقه بسهولة‪ ،‬وسيترافق‬ ‫اتفاق الهدنة األساسي مع مالحق‬ ‫اقتصادية وإنسانية تدور حول رفع‬ ‫الحصار بشكل كامل وسحب كل‬ ‫القوى األجنبية في اليمن وإعادة‬ ‫الفتح الكامل للموانئ التي يسيطر‬ ‫عليها الحوثيون ومطار صنعاء‪،‬‬ ‫ودفع رواتب موظفي الحكومة‬ ‫من عائدات النفط‪ ،‬وجهود إعادة‬ ‫البناء‪ ،‬ووضع جدول زمني لخروج‬ ‫القوات األجنبية من البالد‪ ،‬هذا ما تم‬ ‫الكشف عنه على لسان المبعوث‬ ‫األممي إلى اليمن هانس غروندبرغ‪،‬‬ ‫في جلسة أمام مجلس األمن‪ ،‬فيما‬ ‫ترجح مصادر أخرى أن السعودية‬ ‫قد تحتضن مراسم التوقيع على‬

‫‪02/05/2023 13:17‬‬

‫االتفاق بين ممثلين للحكومة‬ ‫الشرعية وممثلين للحوثيين‪.‬‬ ‫وتتضمن المرحلة الثانية فترة‬ ‫تفاوض لمدة ‪ 3‬أشهر حول إدارة‬ ‫المرحلة االنتقالية التي ستستمر‬ ‫سنتين‪ ،‬يتم خاللها التفاوض حول‬ ‫الحل النهائي والشامل والمستدام‬ ‫لألزمة السياسية بين كل األطراف‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫رغم النجاحات التي يحققها المسار‬ ‫الدبلوماسي‪ ،‬فال بد من التوقف‬ ‫عند الدور واإللزامات التي يمكن أن‬ ‫تقوم بها اللجنة الثالثية التي تضم‬ ‫الصين والتي من المقرر أن تجتمع‬ ‫بشكل دوري لمتابعة تنفيذ االتفاق‪،‬‬ ‫وهل يستلزم األمر مواكبة وتعاونا‬ ‫دوليا لتهيئة كامل فرص النجاح‬ ‫لالتفاق المذكور‪ ،‬وهل تكفي الرعاية‬ ‫الصينية إلرساء قواعد وتفاهمات‬ ‫وعالقات دولية لها تداعياتها على‬ ‫األمن واالستقرار اإلقليمي والدولي‬ ‫والمالحة الدولية‪ .‬تقضي الواقعية‬ ‫وجوب الحضور الدولي على‬ ‫مستويات ثالث‪:‬‬ ‫أ‌ ‪ -‬المستوى اإلنساني‪ :‬تؤكد جويس‬ ‫مسويا‪ ،‬مساعدة األمين العام‬ ‫لألمم المتحدة للشؤون اإلنسانية‪،‬‬

‫تقليص عدد الجوعى في اليمن‬ ‫إلى مليوني شخص وتراجع مؤشر‬ ‫تقييم األمن الغذائي من الدرجة‬ ‫الخامسة وهي األعلى إلى مستوى‬ ‫الصفر‪ ،‬وإذ تعيد الفضل في ذلك‬ ‫بشكل كبير إلى الجهود الدؤوبة‬ ‫للعاملين في مجال اإلغاثة‪ ،‬والدعم‬ ‫السخي من المانحين‪ ،‬والهدنة‪ ،‬إال‬ ‫أنها تشدد على أن اليمن ما زال‬ ‫يمثل حالة طوارئ هائلة‪ ،‬إذ “يعتمد‬ ‫أكثر من ‪ 17‬مليون شخص على‬ ‫المساعدات والحماية من وكاالت‬ ‫اإلغاثة‪ ،‬ولكن في كثير من األحيان‬ ‫ال تمتلك الوكاالت ما تحتاجه‬ ‫لتوفير المساعدة”‪ .‬وهذا يقتضي‬ ‫العمل بشكل متضافر لحض األمم‬ ‫المتحدة على إدارة المرافئ اليمنية‬ ‫وتقديم اإلمدادات المدنية من أجل‬ ‫تجنب اندالع أزمة إنسانية أكثر‬ ‫خطورة‪.‬‬ ‫ب‌ ‪ -‬المستوى األمني‪ :‬بما يعني‬ ‫التضامن الدولي والمشاركة في‬ ‫مسؤولية وقف تهريب األسلحة‬ ‫لصالح الميليشيات الحوثية وسائر‬ ‫الفاعلين غير الحكوميين في‬ ‫المنطقة والعالم‪ .‬وفي هذا اإلطار‬ ‫يمكن للجنة الثالثية استصدار قرار‬ ‫من مجلس األمن الدولي لتشكيل‬

‫قوة دولية وتخصيص موارد‬ ‫إضافية لجمع وتحليل المعلومات‬ ‫االستخبارية تقوم بجهود االعتراض‬ ‫لشبكات تهريب التجهيزات‬ ‫العسكرية ال سيما العالية القيمة‬ ‫منها كمكونات الصواريخ ومكونات‬ ‫الطائرات دون طيار في المنطقة‬ ‫الممتدة من سواحل اليمن وسلطنة‬ ‫عمان حتى سواحل الصومال وباب‬ ‫المندب‪ ،‬على أن تكون قوات خفر‬ ‫َ‬ ‫السواحل الوطنية في كل من الدول‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أساسيا منها‬ ‫جزءا‬ ‫المشاطئة‬ ‫في مرحلة الحقة‪ ،‬على أن تواكب‬ ‫بترتيبات مماثلة في المطارات‬ ‫ومراقبة صارمة للمالحة الجوية‪.‬‬ ‫ت‌‪ -‬المستوى القانوني‪ :‬ويقتضي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا بدفع من المملكة‬ ‫جهدا‬ ‫العربية السعودية لحمل مجلس‬ ‫األمن على توسيع نطاق العقوبات‬ ‫المنصوص عليها في قراري‬ ‫“مجلس األمن رقم ‪ 2216‬و ‪”2266‬‬ ‫اللذين يحظران نقل األسلحة‬ ‫إلى الحوثيين والقوات الحليفة‬ ‫واستصدار ما يلزم لتعزيز القواعد‬ ‫ُ‬ ‫واألطر القانونية الدولية التي ُ تفضي‬ ‫إلى اتخاذ تدابير حقيقية تتجاوز‬ ‫اإلدانة لكافة الدول التي تقوم بدعم‬ ‫الجماعات اإلرهابية‪.‬‬

‫‪026_AM.indd 30‬‬


026_AM.indd 31

02/05/2023 13:17


‫سياسة‬

‫السالم‬ ‫يف اليمــن‬ ‫ُينعــش‬ ‫بــاب املنــدب‬

‫تأثريات إيجابية عىل أحد أهم املمرات‬

‫دبي ‪ -‬فيصل الفايق‬

‫قصة الغالف‬

‫ســينعش اتفــاق الســام اليمنــي الحركــة البحريــة‬ ‫يف أحــد أهــم امل ـمـرات املائيــة العامليــة‪ ،‬مضيــق بــاب‬ ‫املنــدب‪ ،‬وهــو شــريان رئيــي للحركــة االقتصاديــة‬ ‫والتجاريــة العامليــة‪ ،‬وســينعكس إيجابــا عــى أمــن‬ ‫حركــة ناقــات النفــط والســفن التجاريــة بعــد أن‬ ‫سـراتيجية‬ ‫ا ســتهدفت اعتــداءات‪ ،‬األهميــة اال ـ‬ ‫للمضيــق الواقــع عــى البحــر األحمــر‪ ،‬والــذي يبلــغ‬ ‫طوله ‪ 20‬كيلومرتا فقط‪ ،‬حيث يلتقي البحر األحمر‬ ‫عـرب‪ ،‬ممــا يجعــل مئــات‬ ‫بخليــج عــدن يف بحــر ال ـ‬ ‫الســفن هدفــا ســهال‪.‬‬ ‫وقــد شــكلت هــذه العمليــات تهديــدا صارخــا‬ ‫للمالحــة البحريــة وألمــن الطاقــة العاملــي والتجــارة‬ ‫الدوليــة‪.‬‬ ‫تعنــي عــودة الســام إىل هــذا املمــر املــايئ الحيــوي‬ ‫عـرب‬ ‫الــذي يربــط البحــر األبيــض املتوســط ببحــر ال ـ‬ ‫واملحيط الهندي‪ ،‬وصول إمدادات الطاقة من النفط‬ ‫والغــاز واملشــتقات البرتوليــة إىل الســوق األوروبيــة‬ ‫وحوض املتوسط‪ ،‬حيث كانت الناقالت تضطر يف‬ ‫جـاء‬ ‫األعــوام الســابقة لإلبحــار عــن طريــق رأس الر ـ‬ ‫الصالح جنوب أفريقيا‪ ،‬بسبب التهديدات األمنية‬ ‫للمالحــة والتجــارة الدوليــة‪ ،‬وقطــع مســافة طويلــة‬ ‫صـول إىل الســوق األوروبيــة‪ ،‬ممــا يعنــي‬ ‫جــدا للو ـ‬ ‫زيــادة ك ـبـرة يف اســتهالك الوقــود وكلفــة التأمــن‬ ‫مــن تلــك األخطــار‪.‬‬ ‫يُعد مضيق باب املندب رابع أكرب املمرات املائية‪،‬‬ ‫بعد قناة السويس‪ ،‬من حيث عدد براميل النفط‬ ‫ومشتقاته التي تمر عربه‪ ،‬والذي يصل إىل أكرث من‬ ‫‪ 6‬ماليــن برميــل يوميــا‪ .‬كمــا يمــر ـعـره نحــو ‪ 10‬يف‬

‫‪02/05/2023 13:21‬‬

‫‪32‬‬

‫المجلة‬

‫املئــة مــن الغــاز الطبيعــي املســال يف العالــم‪ ،‬حيــث‬ ‫إنه بوابة عبور السفن يف طريقها لقناة السويس‪.‬‬

‫إحياء قطاع النفط والغاز‬

‫تعــرف اليمــن بكونهــا أفقــر دول العالــم العربــي‪،‬‬ ‫يف وقــت تتمتــع فيــه باحتياطيــات تبلــغ نحــو ثالثــة‬ ‫مليارات برميل من النفط‪ ،‬و‪ 17‬تريليون قدم مكعب‬ ‫من الغاز‪ .‬وهذه احتياطيات متواضعة جدا مقارنة‬ ‫بدول الخليج العربي‪ ،‬يقابلها استهالك قليل جدا‬ ‫أيضا من النفط‪ ،‬ال يتخطى ‪ 60‬ألف برميل يوميا‪،‬‬ ‫وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة األمريكية‪.‬‬ ‫انخفــض إن ـتـاج النفــط يف اليمــن بشــكل ملحــوظ‬ ‫منــذ أن بلــغ ذروتــه عــام ‪ 2001‬عنــد نحــو ‪ 440‬ألــف‬ ‫ظـرا إىل االنخفــاض الطبيعــي يف‬ ‫برميــل يوميــا‪ ،‬ن ـ‬ ‫الحقول القديمة يف البالد والهجمات املتكررة عىل‬ ‫البنيــة التحتيــة النفطيــة‪.‬‬ ‫يوجد نوعان من النفط الخام يف اليمن‪“ :‬نفط‬ ‫مأرب”‪ ،‬الذي وصلت ذروة إنتاجه إىل ‪ 62‬ألف برميل‬ ‫شـرة أعــوام‪ ،‬وكان يتــم تصد ـيـره عــر‬ ‫يوميــا قبــل ع ـ‬ ‫ميناء رأس عيىس الذي يقع شمال ميناء الحديدة‬ ‫عىل البحر األحمر‪ .‬والنوع الثاين هو “نفط مسيلة”‬ ‫الذي وصلت ذروة إنتاجه قبل عقد من الزمن إىل‬ ‫نحو ‪ 105‬آالف برميل يوميا‪ ،‬وكان يتم تصديره عرب‬ ‫عـرب بال ـقـرب‬ ‫مي ـنـاء الشــحر الــذي يطــل عــى بحــر ال ـ‬ ‫من الحدود العمانية اليمنية‪ .‬ويمثل “نفط مسيلة”‬ ‫أكرث من ‪ 80‬يف املئة من احتياطيات النفط يف اليمن‪.‬‬ ‫ال توجــد بيانــات حديثــة عــن إن ـتـاج النفــط الخــام‬ ‫يف اليمن‪ ،‬وما توافر من بيانات أخرية غري دقيقة‪،‬‬ ‫حيث تشري بعض األرقام إىل انخفاض إنتاج النفط‬ ‫اإلجمــايل يف اليمــن مــن ‪ 125‬ألــف برميــل يوميــا عــام‬ ‫‪ 2014‬إىل أدىن مستوى له عند نحو ‪ 20‬ألف برميل‬ ‫يوميا عام ‪ ،2016‬ليعود ويرتفع ببطء إىل نحو ‪40‬‬ ‫إىل ‪ 60‬ألــف برميــل يوميــا عــام ‪ .2019‬كمــا انخفــض‬ ‫إن ـتـاج الغــاز الطبيعــي مــن ‪ 328‬مليــار قــدم مكعــب‬ ‫عام ‪ 2014‬إىل ثالثة مليارات قدم مكعب عام ‪2018‬‬ ‫وفقا لبيانات وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال”‪.‬‬ ‫مــع انتشــار ســيطرة الحوثيــن يف البــاد‪ ،‬أصبــح‬ ‫طـاع الطاقــة‬ ‫املنــاخ الســيايس أكــر خطــورة‪ ،‬وتأثــر ق ـ‬ ‫شـركات األجنبيــة‬ ‫طـرت ال ـ‬ ‫بشــكل كبــر بعــد أن اض ـ‬ ‫العاملــة يف اليمــن إىل التخــي عــن العمليــات‬ ‫التشــغيلية وإجــاء موظفيهــا‪ .‬وجــرى إغــاق كل‬ ‫عمليــات إن ـتـاج النفــط والغــاز تقريبــا يف البــاد بعــد‬ ‫الهجمــات املتكــررة التــي تعرضــت لهــا ح ـقـول النفــط‬ ‫وخطــوط األنابيــب ومرافــق التصديــر يف املــوائن‪ .‬كمــا‬ ‫أُغلقت مصفاة التكرير يف عدن البالغة طاقتها نحو‬ ‫‪ 150‬ألف برميل يوميا‪ ،‬بسبب تفاقم الصراع الدائر‬ ‫منذ عام ‪ ،2015‬مما أجرب اليمن عىل استرياد كافة‬ ‫املنتجــات البرتوليــة املكــررة‪ .‬وكذلــك أُغلــق معمــل‬ ‫الغــاز الطبيعــي املســال الوحيــد يف اليمــن يف العــام‬

‫ناقلة نفط يمنية غرقت قبالة شاطئ عدن‬ ‫يف ‪ 26‬سبتمرب ‪( 2019‬أ ف ب)‬

‫‪032_AM.indd 32‬‬


‫‪33‬‬

‫نفسه مع مغادرة شركة “توتال” الفرنسية البالد‪.‬‬ ‫قــد تكــون صناعــة النفــط والغــاز يف اليمــن عــى‬ ‫مفــرق طــرق بعــد إيقــاف تشــغيل مرافــق اإلن ـتـاج‬ ‫والتصديــر‪ ،‬وذلــك أن إعــادة التشــغيل ســتتطلب‬ ‫عودة االستثمارات وشركات النفط العاملية‪ ،‬ومن‬ ‫حـرب‪ ،‬قــد تضمــن‬ ‫جـزم بــأن أي نهايــة لل ـ‬ ‫الصعــب ال ـ‬ ‫عودة هذه الشركات‪ ،‬حيث ال تزال األخطار األمنية‬ ‫حـول مســتقبل‬ ‫عاليــة‪ ،‬وعالمــات االســتفهام ك ـثـرة ـ‬ ‫االســتقرار الســيايس‪ .‬حتــى اآلن‪ ،‬لــم يتــم اســتغالل‬ ‫سـراتيجية‬ ‫غـرايف لليمــن وأهميتــه اال ـ‬ ‫املو قــع الج ـ‬ ‫اقتصاديا‪ ،‬إذ لم يُستثمر قط يف بناء مرافق تخزين‬ ‫النفــط ومشــتقاته‪ ،‬أو مرافــق لتعبئــة وقــود ناقــات‬ ‫النفط والسفن التجارية التي تمر عرب باب املندب‪.‬‬ ‫ال شك أن السالم واالستقرار السيايس يف اليمن‬ ‫سيدعمان اقتصاد البالد ومداخيل ممراته البحرية‬ ‫وموانئه‪ ،‬واالستفادة من موقعه عىل طول الطرق‬ ‫صـول إىل‬ ‫البحريــة الرئيســية‪ ،‬ممــا يتيــح ســهولة الو ـ‬ ‫األسواق يف آسيا واملحيط الهادي وأوروبا‪ .‬كما ستوفر‬ ‫املرحلة السلمية دعما ملوارد اليمن من النفط والغاز‬

‫المجلة‬

‫ال شك أن السالم‬ ‫واالستقرار السيايس‬ ‫يف اليمن سيدعمان‬ ‫اقتصاد البالد‬ ‫ومداخيل ممراته‬ ‫البحرية وموانئه‪،‬‬ ‫واالستفادة من‬ ‫موقعه عىل طول‬ ‫الطرق البحرية‬ ‫الرئيسية‪.‬‬

‫سياسة‬

‫التي لم ُتستغل كما يجب حتى اآلن عىل الرغم من‬ ‫أنها ُتشكل النسبة األكرب من الناتج املحيل اإلجمايل‬ ‫غــر املطــور‪ ،‬وســتضع ح ـلـوال جذريــة ألزمــة الوقــود‬ ‫الخانقــة التــي ألقــت بظاللهــا عــى حيــاة املواطنــن‬ ‫وعطلت كثريا من وسائل النقل والخدمات‪ .‬ويرتقب‬ ‫سـرافق عمليــة‬ ‫أن توفــر املشــاريع االقتصاديــة التــي ـ‬ ‫السالم الكثري من فرص العمل وأن تحد من البطالة‪.‬‬

‫استثمارات صينية‬

‫منذ عام ‪ ،1986‬استثمر كثري من الشركات العاملية‬ ‫طـاع النفــط والغــاز اليمنــي‪،‬‬ ‫مــن دول شــتى يف ق ـ‬ ‫منها الواليات املتحدة وإندونيسيا والنمسا وفرنسا‬ ‫وكوريا الجنوبية واليابان‪ .‬أما الصني‪ ،‬فقد عزفت‬ ‫عن االستثمار يف القطاع‪ ،‬رغم أنها من مستوردي‬ ‫النفــط اليمنــي الخــام‪ ،‬ووجودهــا يف شــرق أفريقيــا‬ ‫واســتثماراتها الك ـبـرة هنــاك‪ .‬وال بــد مــن متابعــة‬ ‫مــا اذا كانــت وســاطة الصــن يف عــودة العالقــات‬ ‫الدبلوماسية السعودية ‪-‬اإليرانية‪ ،‬س‪j‬تيح حقبة‬ ‫جديــدة مــن االســتثمارات الصينيــة‪.‬‬

‫صورة أرشيفية لناقلة يف‬ ‫ميناء الحديدة يف ‪ 5‬أبريل‬ ‫‪ ( 2022‬أ ف ب )‬ ‫مقاتالن من قوات‬ ‫الحكومة اليمنية يف بلدة‬ ‫مخى قرب البحر األحمر‬ ‫يف ‪ 9‬فرباير ‪( 2017‬أ ف ب)‬

‫‪02/05/2023 13:21‬‬

‫‪032_AM.indd 33‬‬


‫ثقافة‬

‫‪34‬‬

‫المجلة‬

‫قصة الغالف‬

‫أدبــاء امليليشــيات‬

‫عيل املقري روايئ يمني‪ ،‬عمل محررا ثقافيا يف صحف ومجالت يمنية وعربية‬ ‫وله عدد من الروايات‬ ‫رسم ‪ -‬بول رايدنغ‬

‫أصبح مثقفون‬ ‫وأدباء يتبارون يف‬ ‫تمجيد الطائفية‬ ‫وصنيعتها‬ ‫امليليشيات‪،‬‬ ‫ويحاولون أن‬ ‫يؤسسوا لها‬ ‫مرجعيات‬ ‫وأمجادا‪ ،‬ولو‬ ‫بالتلفيق‪ ،‬كما‬ ‫حصل يف صنعاء‬ ‫أخريا‬ ‫‪02/05/2023 13:24‬‬

‫إذا مجّ دت زعيم امليليشيات بقصيدة أو رواية أو حتى‬ ‫ّ‬ ‫قصة قصرية فستلقى جائزتك التي ال ُتقدّ ر بثمن‪ ،‬ليس‬ ‫يف جانبها املايل فقط ّ‬ ‫وإنما يف تك ّرم وسماحة هذا الزعيم‬ ‫شخصيا باستقبالك ومصافحتك‪ ،‬نعم مصافحتك‪،‬‬ ‫أمام أعني الكامريا!‬ ‫ّإنه “املجد” الذي صار يهجس به أدباء عرب ممن‬ ‫اسرتاحوا يف حضن امليليشيات التي مألت حارات‬ ‫وشوارع دول عربية وصارت بديال للشعارات القومية‬ ‫والوطنية التي تغنى بها أسالفهم الشعراء الذين كانوا‬ ‫قد ظنوا أنهم خرجوا من تقاليد مدح القبيلة وتحفيزها‬ ‫يف مواجهة القبائل األخرى إىل ثقافة الوطن والوطنية‬ ‫والوحدة امل ُ َك َّل َلة باللغة الواحدة والدين الواحد والزعيم‬ ‫األوحد! وهذا الزعيم األوحد هو من ترك لنا هذا اإلرث‬ ‫الثقيل ليس يف شعاراته املُجَ ْل ِجلة وإنما يف نقيضها‬ ‫املتمثل يف التمزق القومي والوطني وسيادة املذهبية‬ ‫والجهويّة‪ ،‬يتساوى يف ذلك العراق ولبنان وسوريا‬ ‫واليمن وليبيا والسودان وغريها‪ .‬لتتحوّل شعارات‬ ‫الوطن العربي األكرب إىل هتافات القبيلة والجهة‬ ‫واملذهب وهي عصبيات ال ُتصان وال تنمو إال بإنشاء‬ ‫ّ‬ ‫مسلحة لها سطوتها عىل كل الحياة اليومية‬ ‫ميليشيات‬ ‫بما يف ذلك األدب والفن‪.‬‬ ‫أرسل يل شاعر صديق يطلب مني أن أنشر عىل‬ ‫صفحايت وحسابايت عىل التواصل االجتماعي إعالنا لجائزة‬ ‫أدبية يف مختلف املجاالت تحمل اسم صانع ميليشيات‬ ‫شهري فقلت له من باب املزاح‪ :‬كم ستدفع؟ فقال ِّ‬ ‫بجدية‪:‬‬ ‫لك ما تريد! واستغربت أن هذا الشخص‪ ،‬الذي ُ‬ ‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫ورحت إىل صفحاته عىل‬ ‫أظنه يعرفني‪ ،‬ال يعرفني!‬ ‫التواصل االجتماعي ألجد ما ال أتوقعه من شاعر بقي‬ ‫ّ‬ ‫ينظر يف جلسة أدبية لقصيدة ما بعد الحداثة إىل ح ّد‬ ‫كادت تنشب معركة باأليدي بينه وبني شاعر عمودي!‬ ‫لم أرد بعدها عىل رسائله واكتفيت بمنشور ضد‬ ‫ميليشيته ّ‬ ‫عله يفهم‪ ،‬لك ّنه لم يفهم‪ ،‬أو ربّما ظن أنني‬ ‫ٌ‬ ‫قابل لالستقطاب‪ ،‬وصديقي هذا‪ ،‬ذ ّكرين بشاعر آخر‬

‫ال شغل له إال تمجيد املذهب الديني الذي ينتمي إليه‬ ‫حتى ّإنه َعنون أحد دواوينه الشعرية باسم املؤسس‬ ‫األوّل للطائفة‪ ،‬ومع هذا كان معنا يف صنعاء ونحن‬ ‫نؤسس بيتا للشعر مع عبدالعزيز املقالح وآخرين إال‬ ‫أنه سرعان ما انقلب علينا واستحوذ عىل البيت بمفرده‬ ‫وحوّله إىل بيت ال يتجاوز اهتمامه شعراء حارته أو‬ ‫الشارع املجاور كحد أقىص!‬

‫ُ‬ ‫سألت الراحل املقالح يومها‪ :‬ما مصرينا وقد ُفصلنا‬ ‫بهذه الطريقة؟ ابتسم لوصفنا بـ “املفصولني”‪ ،‬وهو الذي‬ ‫كان يحلم أن يكون البيت لجميع الشعراء العرب وليس‬ ‫لشعراء حي أو شارع كما صار عليه‪ ،‬فاقرتح أن نصدر‬ ‫مجلة “غيمان” التي أبقى لنا اسمها لريأس تحريرها‬ ‫همدان دمّاج ووضع اسمي عليها كمدير للتحرير‪.‬‬ ‫املهم أن صاحبنا اعترب البيت بيته وال مجال للنقاش!‬ ‫وحني بدأت امليليشيات التي يعتربها مرجعيته بالزحف‬ ‫نحو صنعاء وساد الحوار حول تقاسم السلطة‪ُ ،‬‬ ‫كنت‬ ‫أعرف أنه لن يقبل أقل من منصب وزير ثقافة لشغفه‬ ‫الدائم بالسلطة! ولهذا حني قابلته يف الشارع صدفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سارعت بتهنئته بمنصب الوزير قبل أن تتشكل الحكومة!‬ ‫فشكرين وراح يسرد يل أنه ذهب إىل حيث يقيم زعيم‬ ‫املرجعية بهدف موافقته عىل تعيينه يف هذا املنصب‪،‬‬ ‫إال أن الزعيم منع أبناء الطائفة‪ ،‬كما قال‪ ،‬من تويل‬ ‫أي منصب فحمدت هذا التوجه‪ ،‬ولكن ما إن م ّرت‬ ‫أشهر حتى استحوذ أبناء الطائفة نفسها‪ ،‬بل أبناء‬ ‫قرية زعيمها وعائلته عىل كل املناصب‪ ،‬ولم يحصل‬ ‫صاحبنا عىل واحد منها‪ ،‬فهو بالرغم من شهادته العليا‬ ‫وطائفيته املشرتكة ال ينتمي للعائلة نفسها أو القرية!‬ ‫وهكذا أصبح مثقفون وأدباء‪ ،‬من بغداد إىل‬ ‫صنعاء مرورا ببريوت ودمشق‪ ،‬يتبارون يف تمجيد‬ ‫الطائفية وصنيعتها امليليشيات‪ ،‬ويحاولون أن يؤسسوا‬ ‫لها مرجعيات وأمجادا‪ ،‬ولو بالتلفيق‪ ،‬كما حصل يف‬ ‫صنعاء أخريا‪ ،‬حيث أعلنوا أن هيئة الكتاب بصدد نشر‬ ‫كتاب للراحل عبدالله الربدوين يحمل عنوان “عيل‬ ‫والحسني‪...‬انتصار إلرادة األمّ ة وجموع الفقراء”‪ ،‬وهي‬ ‫محاولة لتطييف الشاعر الشهري‪ ،‬الذي بقي طوال‬ ‫حياته ضمري ّ‬ ‫كل اليمنيني‪.‬‬ ‫قبل خمسمائة سنة كان هناك شاعر فرنيس اسمه‬ ‫بيري دو رونسار‪ ،‬له مكانة كبرية وسط مجايليه‪ ،‬شهد‬ ‫صراعات بلده الدامية بني الكاثوليك والربوتستانت‬ ‫ولم ينحز إىل أي طائفة منهما‪ ،‬ووجّ ه معظم كتاباته‬ ‫وأشعاره إىل الناس يدعوهم فيها إىل ما يجمعهم‬ ‫وإىل تجاوز العصبيات والتفكري باملستقبل مشككا‬ ‫بمرجعياتهم التي ينطلقون منها؛ وهو التشكيك‪ ،‬أو‬ ‫التساؤل نفسه‪ ،‬الذي كان قد سبقه إليه أبو العالء‬ ‫املع ّري بخمسمائة سنة حني أنصت إىل ضجيج الالذقية‬ ‫متسائال‪“ :‬ما الصحيح؟”‪ .‬السؤال الذي أظن أن عىل‬ ‫األدباء طرحه اآلن بدال من االنحيازات امليليشياوية‪.‬‬

‫‪034_AM.indd 34‬‬


FPC Almajala - Boghossian.pdf

034_AM.indd 35

1

18/01/2023

3:15 PM

02/05/2023 13:23


036_AM.indd 36

02/05/2023 13:26


‫المجلة‬

‫‪37‬‬

‫حـزب االتحــاد الديموقراطــي” الكــردي الســوري صالــح‬ ‫شـرك لـ” ـ‬ ‫دافــع الرئيــس امل ـ‬ ‫مسلم‪ ،‬عن زعيم “حزب العمال الكردستاين” عبدالله أوجالن املوجود يف سجن‬ ‫تريك منذ نقله من كينيا إىل تركيا بداية ‪ 1999‬بعد أشهر عىل إخراجه من سوريا‪.‬‬ ‫وقــال إن أوجــان “مفكــر وفيلســوف‪ ،‬خــرج مــن قلــب املعانــاة الكرديــة” وإنــه‬ ‫قاتل الجيش االسرائييل يف سهل البقاع اللبناين بعد االجتياح ‪ 1982‬مع مقاتلني‬ ‫فلسطينيني‪ .‬وكشف‪“ :‬رفاقه طبعا قاتلوا االسرائيليني‪ ،‬وقتل ‪ 13‬منهم يف قلعة‬ ‫سـرائيل عرفــت أن األ ـكـراد يقاومــون مــع الفلســطينيني‪.‬‬ ‫الشــقيف‪ .‬هــم قاتلــوا‪ ،‬وا ـ‬ ‫بعد عودتهم إىل املعسكر يف البقاع طالبهم الجيش السوري باملغادرة‪ .‬األكراد‬ ‫رفضوا مغادرة املعسكر”‪.‬‬ ‫عىل صعيد آخر‪ ،‬لم يبد مسلم قلقا من أي تعاون سوري – تريك ضد “قوات‬ ‫سوريا الديموقراطية” (قسد) و”اإلدارة الذاتية” التي تدير مناطق شمال سوريا‬ ‫وشــمالها الشــرقي‪ ،‬بدعــم مــن التحالــف بقيــادة ا ـمـركا‪ .‬لكنــه أ ـعـرب عــن االرتيــاح‬ ‫مــن التقــارب العربــي مــع دمشــق‪ .‬وقــال‪“ :‬نحــن لســنا منزعجــن مــن العالقــات‬ ‫السورية – العربية ‪ -‬الكردية بل نرحب بها‪ .‬نتمنى عىل األقل لهذه املصالحة‪،‬‬ ‫أو التقارب‪ ،‬أن ال يكونا عىل حساب الشعب السوري”‪ .‬وأضاف‪“ :‬النظام يريد‬ ‫إعــادة ســوريا إىل مــا قبــل ‪ 2011‬وهــذا غــر ممكــن‪ .‬لذلــك أعتقــد أن موقــف الــدول‬ ‫العربيــة يجــب أن يكــون مشــروطا ببعــض القوانــن الديموقراطيــة وعــى األقــل‬

‫مقابلة‬

‫احرتام الشــعب الســوري واحرتام مكوّنات ســوريا يف الحل الســيايس والقرارات‬ ‫األممية الصادرة‪ ،‬القرار ‪ 2254‬وغريه‪ ،‬وأعتقد أن الدول العربية ستضع بعض‬ ‫الشــروط” عىل دمشــق‪.‬‬ ‫وســئل عــن الحــوار مــع دمشــق‪ ،‬فأجــاب‪“ :‬كان هنــاك حــوار قبــل ـفـرة واآلن‬ ‫ضـوع ويحثــوا‬ ‫عـرب اآلخــرون‪ ،‬نأمــل أن يســاهموا يف هــذا املو ـ‬ ‫ال حــوار‪ .‬االخــوان ال ـ‬ ‫الرئيــس بشــار األســد عــى مناقشــة األمــور للتوصــل إىل حــل معــن”‪ .‬وأضــاف أن‬ ‫“قوات قسد قدمت التضحيات ألجل السيادة والحماية السوريتني ربما أكرث‬ ‫مــن الجيــش الســوري‪ .‬فلمــاذا ال تكــون نــواة الجيــش الســوري املســتقبيل لســوريا‬ ‫الديموقراطية”‪.‬وعــن العالقــة مــع ا ـمـركا‪ ،‬قــال‪“ :‬بعــض النــاس يــردد أننــا عمــاء‬ ‫للواليــات املتحــدة‪ .‬نحــن لســنا عمــاء أل ـمـركا ولــم نتلــق يومــا أوامــر منهــا‪ .‬أ ـمـركا‬ ‫أتت إىل سوريا عندما اقتضت مصلحتها ذلك ونحن مصلحتنا تطلبت التعاون”‪.‬‬ ‫وقال إنه يف حال انسحاب أمريكا من سوريا‪ ،‬لن يسمى ذلك “خيانة‪ .‬ألن الخيانة‬ ‫يعدونا يوما بالحماية‪،‬‬ ‫تحصل عندما يعطونك وعدا ويخلفون الوعد‪ .‬هم لم ِ‬ ‫ويقولون علنا إننا لن نحميكم ولن ندافع عنكم ولن نحارب تركيا من أجلكم”‪.‬‬ ‫وعن روسيا‪ ،‬قال مسلم‪“ :‬لدينا عالقة قديمة معها طبعا‪ ،‬وكنا نتمنى أن‬ ‫يكون الروس وسطاء وأن يفرضوا الحل بحكم عالقتهم مع الحكومة السورية”‪.‬‬ ‫وهنا نص الحديث الذي جرى عرب الهاتف يف ‪ 18‬أبريل‪/‬نيسان‪:‬‬

‫صالــح مســلم‪ :‬لســنا عمــاء أل ـمـركا‪...‬‬ ‫وســوريا لــن تعــود إىل مــا قبــل ‪2011‬‬ ‫رئيس “االتحاد الديمقراطي” الكردي قال لـ “املجلة” إنه يرحب‬ ‫بتقارب العرب مع دمشق‪ ...‬وإن أوجالن “فيلسوف‪ ،‬وقاوم اسرائيل يف لبنان”‬ ‫لندن – ابراهيم حميدي‬ ‫هنــاك مبــادرة سياســية أطلقتهــا “اإلدارة الذاتيــة” لحــل االزمــة‬ ‫الســورية‪ ،‬كيــف تــرى مســتقبل هــذه “االدارة” فــي شــمال وشــمال‬ ‫شــرق ســوريا؟‬

‫“اإلدارة الذاتية” نموذج للحل يف الشرق األوسط‪ ،‬حيث كانت هناك مشاكل‬ ‫وتعقيدات‪ .‬فالحرب العاملية األوىل بدأت من الشرق االوسط وال تزال النزاعات‬ ‫مســتمرة هنــاك‪ ،‬والدولــة القوميــة لــم ُتعـ َّزز حتــى اآلن‪ .‬تقــدّ م “اإلدارة الذاتيــة”‬ ‫نموذجــا غريبــا عــن كيفيــة تعايــش الشــعوب‪ ،‬ونتمنــى أن ننجــح فيهــا فنثبــت‬ ‫األمور ونرســخها بحيث تنتشــر أخوّة الشــعوب ونصبح نموذجا ليس فقط لنا‬ ‫بــل لــكل ســوريا والشــرق األوســط‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬دليل سليمان‬

‫تقصد انها نموذج بديل من الدولة القومية ؟‬

‫‪02/05/2023 13:26‬‬

‫يف بدايــات القــرن العشــرين‪ ،‬كانــت هنــاك ثــاث امرباطوريــات عامليــة تتحــارب يف‬ ‫ما بينها‪ :‬الفرنسية والربيطانية والعثمانية‪ ،‬واألخرية ُعرفت بـ“الرجل املريض”‪.‬‬ ‫مــن هنــا انطلقــت الف ـكـرة‪ :‬مــا البديــل مــن “الرجــل املريــض”؟ فــكان اال ـقـراح‪،‬‬ ‫لنؤسس دوال قومية ونضع فيها أعواننا إلدارة تلك البالد فنحصل عىل خرياتها‪.‬‬ ‫االنتدابــان الفرنــي والربيطــاين عــى املنطقــة كان لتعليــم الشــعوب كيفيــة إدارة‬ ‫أمورهــم ثــم ّ‬ ‫نصبــوا أناســا ال يتعارضــون مــع مصالحهــم‪ .‬الــدول القوميــة كانــت‬ ‫لخدمــة قــوى الهيمنــة العامليــة‪.‬‬

‫احتكرت الدول القومية السلطة وتقاسمت الرثوات مع القوى الخارجية‪،‬‬ ‫فوقعت النزاعات بني تلك الدول‪ ،‬واستمرت حتى بعد الحرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫اآلن تريــد الشــعوب أن تكــون لهــا كلمتهــا‪ ،‬وأن تكــون الســلطة نابعــة مــن‬ ‫الشعب‪ .‬أوروبا تنبّهت إىل هذا األمر‪ ،‬إذ أدركت بعد الحرب العاملية الثانية أن ال‬ ‫جدوى من الدولة القومية التي تفتحت بذورها مع الثورة الفرنسية وانتشرت‬ ‫يف كل أوروبا‪ ،‬وتسبب التنازع يف ما بني الدول إىل مقتل ماليني البشر‪ .‬فكان‬ ‫ال بــدّ مــن التوصــل إىل حــل يقــوم عــى ا ـعـراف كل دولــة بقوميتهــا وخصائصهــا‬ ‫وعىل انشاء االتحاد األوروبي ورفع الحدود بني الدول التي أصبحت تتنافس‬ ‫باألمــوال بــدل الد ـمـاء‪ .‬هــذا هــو التوجــه العاملــي‪ ،‬وأثبــت وعــي النــاس أن القتــال‬ ‫غــر مفيــد ويدخــل يف خدمــة احتــكار الســلطة والــروة‪.‬‬ ‫لكــن العصــب األساســي لـــ”اإلدارة الذاتيــة” هــو القوميــة الكرديــة‪،‬‬ ‫فكيــف يمكــن التوفيــق بيــن األمريــن؟‬

‫القوميــة الكرديــة عانــت ك ـثـرا‪ .‬كردســتان التاريخيــة كانــت فيهــا شــعوب ك ـثـرة‪.‬‬ ‫الناس الذين عاشوا بني األكراد منهم من انصهر ضمن بوتقتهم عرب التاريخ‪،‬‬ ‫لكن عندما حان وقت تأسيس الدولة لم يعرتفوا بكردستان وال بالوجود الكردي‪.‬‬ ‫هناك ‪ 4‬مناطق‪ ،‬والكل يحاول االستقواء عىل الكردي فيها‪ :‬السوري يريد‬ ‫تذويبه والسيطرة عليه‪ ،‬وهذا ما يفعله العراقي والرتيك وااليراين‪ .‬جميعهم‬

‫‪036_AM.indd 37‬‬


‫مقابلة‬

‫المجلة‬

‫أنكروا “الكردي” وأنكروا كردستان‪.‬‬ ‫الفقــر يناضــل مــن أجــل حريتــه‪ ،‬لكــن الكــردي هــو األكــر معانــاة عــر تاريــخ‬ ‫عـراق)‬ ‫الدولــة القوميــة ومآســيها الدولــة ومجازرهــا‪ ،‬مــن حلبجــة (يف شــمال ال ـ‬ ‫جـرة‪ .‬هنــاك اآلن‬ ‫وغريهــا‪ ،‬إىل آالف القــرى التــي تشــرد أهلهــا واضطــروا إىل اله ـ‬ ‫نحــو ثالثــة أو أربعــة ماليــن كــردي يف أوروبــا‪ ،‬واأل ـكـراد منتشــرون يف كل ب ـقـاع‬ ‫العالم‪ ،‬وهم تركوا كردستان التي ُنهب فيها كل يشء‪ .‬الكردي مهجّ ر يف بلده‬ ‫وعار وجائع‪ ،‬لذا يضطر اىل الهجرة‪ .‬الكرد هم األكرث معاناة من التذابح ومن‬ ‫ٍ‬ ‫الدولــة القوميــة الفاشــية‪ ،‬لــذا هــم األكــر بحثــا عــن الحريــة وعــن وســيلة عيــش‬ ‫كريمة مع جريانهم حتى ال يُهانوا‪ .‬وجدوا أن األفضل أن يعيشوا معا كجريان‬ ‫ويتقاســموا رغيــف الخبــز بــدل أن يتقاتلــوا الحتــكار الســلطة والــروة‪ .‬وهــذا مــا‬ ‫بادرنــا بــه يف شــمال وشــرق ســوريا‪.‬‬ ‫“قائد ملهم‪ ...‬ومفكر”‬ ‫ما هي عالقاتكم مع األقاليم الكردية األخرى بأوضاعها المختلفة؟‬

‫حـزاب األخــرى يف كردســتان هــي عالقــة أب ـنـاء وطــن واحــد وقوميــة‬ ‫عالقتنــا مــع األ ـ‬ ‫واحدة ودماء واحدة وتاريخ مشرتك ولغة مشرتكة وثقافة مشرتكة‪ .‬لكن منذ‬ ‫جـزء يف كردســتان يســيطر عليــه “غريــب”‪ :‬يف‬ ‫بدايــة القــرن العشــرين أصبــح كل ـ‬ ‫سوريا البعثيون‪ ،‬الكماليون يف تركيا‪ ،‬صدام سابقا يف العراق‪ ،‬والشاه سابقا‬ ‫جـزء يبحــث عــن الحــل املنفــرد الــذي يناســبه‪ .‬يســتعملون الكــردي‬ ‫يف ا ـيـران‪ .‬كل ـ‬ ‫السوري ضد الكردي الرتيك‪ ،‬والكردي العراقي ضد الكردي االيراين‪ .‬أصبحوا‬ ‫يستغلون الكردي ضد األكراد اآلخرين بحسب حاجاتهم‪ .‬فلنتفاهم عىل األقل‬ ‫يف ما بيننا‪ ،‬ليك ال نكون موضع استغالل‪ ،‬فال يحصل تقاتل بني األخوة‪.‬‬ ‫حـزب آخــر‪ ،‬بــل نتجنــب املواجهــة‪،‬‬ ‫هــذه الناحيــة مهمــة‪ ،‬ونحــن ال نتهــم أي ـ‬ ‫ونريــد أن نحافــظ عــى األخـوّة والصداقــة‪ ،‬ونتعاطــف ونتعــاون‪ ،‬وهــذا هــو األمــر‬ ‫جـزاء كردســتان‪.‬‬ ‫الســائد يف جميــع أ ـ‬

‫‪38‬‬

‫“حزب العمال الكردستاين” لن يقف ضد مطالب الشعب الكردي يف شمال‬ ‫سـاح فعــل ذلــك بعدمــا سُ ــدّ ت يف وجهــه‬ ‫كردســتان وتركيــا‪ ،‬وعندمــا حمــل ال ـ‬ ‫جميــع األبــواب‪ ،‬السياســية والديبلوماســية وحتــى الثقافيــة‪ .‬شــعب محاصــر‬ ‫ومالحــق ويســجن‪ ،‬ال بــد أن يبحــث عــن مجــال‪ ،‬لــذا توجــه بعــض الشــباب اىل‬ ‫الجبــال للد ـفـاع عــن أنفســهم‪ .‬قــد يكــون بعضهــم قتــل عمــاء يف صــف العــدو‬ ‫الــذي يحاربهــم يف بيتهــم‪ ،‬يف بدايــة ظهورهــم يف ‪.1985 - 1984‬‬ ‫تركيا عضو يف “الناتو”‪ ،‬الذي يمثل قوى الهيمنة العاملية‪ ،‬وهو تعاون مع‬ ‫تركيا يك تطلق صفة اإلرهاب عىل “حزب العمال الكردستاين”‪ ،‬عىل الرغم من‬ ‫حـزب لــم يقــم بــأي عمليــة ضــد األمريكيــن أو األوروبيــن‪ .‬الــدول األوروبيــة‬ ‫أن ال ـ‬ ‫تصف الحزب باإلرهاب تعاطفا مع تركيا‪ ،‬وليس ألي ســبب آخر‪ .‬فالحزب لم‬ ‫يقــم بــأي عمليــة إرهابيــة ضــد أي دولــة مــن الــدول أو ضــد فــرد مــن األ ـفـراد‪ ،‬لــم‬ ‫يهاجــم أبراجــا ولــم يقتــل جنــودا وال ـيـزال لديــه حتــى اآلن مراكــز تدريــب شــتى يف‬ ‫جبال كردســتان‪ ،‬وهي لحماية الشــعب الكردي فقط‪.‬‬ ‫املؤامرة الدولية حيكت للقبض عىل أوجالن‪ ،‬خالل سنة ‪ 1998‬ألن التخطيط‬ ‫يغرّي‬ ‫كان إلقامة “مشروع الشرق األوسط الكبري”‪ .‬وجدوا أن الرجل يمكنه أن ّ‬ ‫املعادلــة ألنــه اســتطاع جمــع الصــوت الكــردي الــذي يضــم أكــر مــن خمســن‬ ‫مليــون كــردي يف الشــرق األوســط‪ ،‬وأظ ـهـره كقــوة‪ .‬لــم يكــن للكــرد مــكان يف‬ ‫“الشــرق األوســط الكبــر” الــذي كانــوا يعملــون عــى إنشــائه‪ .‬ورأوا أن أوجــان‬ ‫بقوته وحزبه وبإحيائه للشــعب الكردي ســيكون مؤثرا جدا يف املعادلة‪ ،‬وهذا‬ ‫مــا لــم يكــن يف الحســبان‪ ،‬لذلــك قــرروا “التخلــص” منــه‪ ،‬باعتقالــه وتســليمه‬ ‫إىل تركيــا‪ .‬أرادوا التخلــص مــن العقبــة التــي يمكــن أن تواجههــم يف مشــروعهم‬ ‫لـ”الشــرق األوســط الكبــر”‪.‬‬ ‫كانــت هنــاك عالقــة قديمــة بيــن “حــزب العمــال” ودمشــق‪ ،‬ثــم‬ ‫قطعــت العالقــة‪ .‬اآلن ثمــة وســاطة روســية بيــن دمشــق وأنقــرة‪،‬‬ ‫واجتماعــات أمنيــة ســورية – تركيــة‪ .‬هــل أنت قلق من هــذا التعاون؟‬

‫ما هي العالقة بزعيم “حزب العمال الكردستاني” عبدهللا اوجالن؟‬

‫حـزب العمــال الكردســتاين” مــع النظــام الســوري ألن هنــاك أحداثــا‬ ‫تعــاون “ ـ‬ ‫تفرض نفسها عرب التاريخ‪ .‬أو هناك ظاهرة معينة تحاول اإلفادة منها والبناء‬ ‫ضـاع غــر‬ ‫حـزب العمــال الكردســتاين” عــام ‪ 1978‬كانــت األو ـ‬ ‫عليهــا‪ .‬عندمــا ظهــر “ ـ‬ ‫مســتقرة يف تركيــا وكانــت هنــاك توقعــات دائمــة بحــدوث انقــاب عســكري بــن‬ ‫يوم وآخر‪ .‬ثمة تجربة سابقة بالنسبة إىل اليسار الرتيك عندما ظهر عام ‪1970‬‬ ‫كانــت لــه عالقــات مــع املنظمــات الفلســطينية‪ .‬يف ‪ 1980 – 1979‬مــع االنقــاب‬ ‫العسكري الذي حصل يف تركيا‪ ،‬أقام األكراد عالقات مع املنظمات الفلسطينية‪،‬‬ ‫حتــى أن بعــض الرفــاق حصلــوا عــى هويــات فلســطينية اســتعلموها لالنتقــال‬ ‫إىل لبنــان‪ .‬هــذا مــا حصــل وليــس عــر الدولــة الســورية‪ .‬وكانــوا وجوديــن ضمــن‬ ‫املنظمات الفلسطينية يف لبنان‪ ،‬وعندما حصل االجتياح االسرائييل عام ‪1982‬‬ ‫قاومــوه‪ .‬الفلســطينيون هربــوا إىل بــروت وتعرضــت بــروت لحصــار دام أربعــة‬ ‫أشــهر‪ .‬الوحيــدون الذيــن ناضلــوا وقاومــوا‪ .‬كانــوا مــن املوجوديــن وبينهــم الكــرد‬ ‫وجماعة “حزب العمال الكردستاين” ضمن املنظمات املقاومة‪ ،‬وكانت لديهم‬ ‫معســكرات يف الب ـقـاع‪ .‬وهــم دافعــوا‪.‬‬

‫أوجالن يقيم اآلن في معتقل تركي‪ ،‬وتتهم تركيا ودول أخرى “حزب‬ ‫العمال الكردستاني” بأنه تنظيم إرهابي‪...‬‬

‫هل قاتل أوجالن االسرائيليين؟‬

‫هو مفكر وفيلسوف‪ ،‬خرج من قلب املعاناة الكردية‪ .‬إنه شخص عاش مأساة‬ ‫الشــعب الكــردي يف كل خليــة مــن خاليــاه‪ ،‬وتفاعــل معهــا منــذ نعومــة أظفــاره‪.‬‬ ‫إنسان ذيك وحكيم وذو فكر‪ .‬خالل عيد النوروز عام ‪ 1973‬راودته فكرة إنشاء‬ ‫حزب مع مجموعة مخلصني‪ ،‬فشكلوا “حزب العمال الكردستاين” سنة ‪.1978‬‬ ‫ثم انتشر الحزب وبدأ بالكفاح املسلح يف شمال كردستان يف ‪ ،1984‬وتوسع‪،‬‬ ‫والقى شعبية جارفة يف جميع أجزاء كردستان‪ .‬لذلك هو قائد ملهم ومحرك‬ ‫للشعب الكردي الذي يفتخر بأن لديه شخصا بهذه املواصفات ويملك القدرة‬ ‫عىل قيادة مسرية الديموقراطية‪.‬‬ ‫عبداللــه قائــد ملهــم وليــس قائــدا ميدانيــا‪ ،‬يعطــي أفــكارا وفلســفة‪ ،‬وهنــاك‬ ‫حـزاب ك ـثـرة حتــى مــن املعارضــن وغــر املعارضــن‬ ‫مــن يقتنــع بأفــكاره‪ ،‬وثمــة أ ـ‬ ‫تتبنــى أفــكاره‪ ،‬وفلســفته أصبحــت عامليــة ولــم تعــد كرديــة فقــط‪.‬‬ ‫نحن يف “حزب االتحاد الديموقراطي” نعتربه رائد الفكر لألمة الديموقراطية‬ ‫التي نصنعها اآلن‪.‬‬

‫أُ ِســر أوجــان بمؤا ـمـرة دوليــة (يف بدايــة ‪ 1999‬بعــد اخراجــه مــن ســوريا نهايــة‬ ‫‪ )1998‬اشرتكت فيها قوى عاملية يف مقدمها دول “الناتو” وخلية تابعة للحلف‪.‬‬ ‫عندمــا يكــون شــخص واحــد يف طا ـئـرة ُ‬ ‫وتغلــق كل املطــارات األوروبيــة يف وجهــه‬ ‫حتــى ال يتوجــه إىل املحكمــة الدوليــة يف هولنــدا‪ ،‬هــذه دالئــل تشــر إىل أن كل‬ ‫سـره وتســليمه إىل تركيــا‪ .‬تركيــا تلعــب دور‬ ‫قــوى حلــف األطلــي وغريهــا وراء أ ـ‬ ‫حــارس الســجن فقــط‪ .‬العزلــة املفروضــة عــى أوجــان صــادرة مــن قــوى الهيمنــة‬ ‫العامليــة التــي تديــر ســجن إ ـمـرايل‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:26‬‬

‫سـرائيليني‪ .‬وســقط ‪ 13‬شــهيدا منهــم يف قلعــة الشــقيف‪.‬‬ ‫رفاقــه طبعــاً قاتلــوا اال ـ‬ ‫سـرائيل عرفــت أن األ ـكـراد يقاومــون مــع الفلســطينيني‪.‬‬ ‫هــم ماطلــوا وقاتلــوا وا ـ‬ ‫بعــد عودتهــم إىل املعســكر يف الب ـقـاع طالبهــم الجيــش الســوري‪ ،‬كمــا فعــل‬ ‫الفلســطينيون باملغــادرة‪ .‬األ ـكـراد رفضــوا مغــادرة املعســكر وقالــوا إن رفاقــا لنــا‬ ‫استشــهدوا يف لبنــان ونحــن باقــون هنــا ولــن تتمكنــوا مــن اجبارنــا عــى املغــادرة‪.‬‬ ‫شـاء معســكر لهــم‪ .‬يف ذلــك‬ ‫طـاء األ ـكـراد منطقــة معينــة إلن ـ‬ ‫اتفقــوا عــى إع ـ‬ ‫الوقت أسست سوريا بعد االجتياح عام ‪ 1984 - 1983‬عالقة مع “حزب العمل‬ ‫الكردستاين” كونه يضم مقاتلني ومحاربني‪ .‬سوريا أرادت انشاء صداقة لإلفادة‬

‫‪036_AM.indd 38‬‬


‫‪39‬‬

‫المجلة‬

‫مقابلة‬

‫الخيانــة االمريكيــة تحصــل‬ ‫عندمــا يعطونــك وعــدا ويخلفــون الوعــد‪.‬‬ ‫يعدونــا يومــا بالحمايــة‬ ‫هــم لــم ِ‬ ‫بــل يقولــون علنــا‪ :‬لــن نحميكــم‬ ‫ولــن ندافــع عنكــم‬ ‫ولــن نحــارب تركيــا مــن أجلكــم‪.‬‬ ‫لذلــك اذا تطلبــت مصلحتهــم املغــادرة‬ ‫فهــم ســيغادرون مــن ســوريا‬ ‫ونعتمــد عــى أنفســنا‬

‫‪02/05/2023 13:27‬‬

‫‪036_AM.indd 39‬‬


‫تصوير‪ :‬دليل سليمان‬

‫مقابلة‬

‫المجلة‬

‫‪40‬‬

‫‪02/05/2023 13:27‬‬

‫‪036_AM.indd 40‬‬


‫‪41‬‬

‫المجلة‬

‫منهم ضد تركيا‪ ،‬وهذا ما حدث‪ .‬يف سوريا حتى اآلن ال يستطيع أحد أن يدّ عي‬ ‫حـزب املــال أو ال ـ‬ ‫أنــه زوّد ال ـ‬ ‫سـاح‪ .‬ســوريا كانــت فقــط تســتطيع منــع اآلخريــن مــن‬ ‫مهاجمــة املواقــع الكرديــة‪ .‬تركــوا املجــال مفتوحــا لرتكيــا ملحاربــة األ ـكـراد‪ ،‬ومــن‬ ‫جهة أخرى كانوا يسهّلون الحصول عىل “ورقة مهمة” لعناصر من أجل عبور‬ ‫ال ـ‬ ‫سـاح مــن لبنــان عــر الحــدود وتســهيل عبــور مجموعــات بــن لبنــان وســوريا‬ ‫حـزب وســوريا‪.‬‬ ‫أيضــا‪ .‬تلــك كانــت العالقــة بــن ال ـ‬ ‫ســوريا لــم تقــدم ال املــال وال ال ـ‬ ‫حـزب العمــال الكردســتاين”‪ .‬كان‬ ‫سـاح إىل “ ـ‬ ‫هنــاك تنســيق ســيايس بينهمــا حســبما تتطلــب املصلحــة الســورية ومصلحــة‬ ‫حـزب‪ .‬وذلــك للتوضيــح‪.‬‬ ‫ال ـ‬ ‫تركيــا معاديــة منــذ ذاك الوقــت‪ ،‬وعندمــا يتطــرق األمــر اىل املســألة الكرديــة‪،‬‬ ‫يخــرج األ ـتـراك عــن طوعهــم ويفقــدون صوابهــم ألنهــم يعرفــون أنــه إذا قــوي‬ ‫الكــردي فقــد يثــأر للمجــازر التــي ارتكبتهــا تركيــا يف حــق األ ـكـراد‪ ،‬مــن ‪ 1925‬حتــى‬ ‫اليــوم‪ .‬مئــات اآلالف مــن الكــرد ذبحــوا‪ ،‬واأل ـكـراد يشــعرون بالحقــد وبأنهــم‬ ‫تعرضــوا للخيانــة‪.‬‬ ‫“الزواج القسري”‬ ‫هــل أنــت قلــق األن مــن تعاون تركي‬ ‫– سوري ضدكم؟‬

‫مــا هــو مســتقبل “االدارة الذاتيــة” إذا حصــل التعــاون بيــن انقــرة‬ ‫ودمشــق؟‬

‫مــن الناحيــة العســكرية ليــس األمــر مــن مســؤوليايت‪ ،‬ولكــن بحكــم معرفتــي‬ ‫بشعبنا فإن “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) تستطيع الدفاع عن نفسها‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬علينا أن نأخذ يف االعتبار أن هناك احتمال ‪ 1‬يف املئة للتعاون‬

‫‪02/05/2023 13:27‬‬

‫بني انقرة ودمشق‪ ،‬ويجب أن يكون لدينا قلق حتى نقدر أن ندافع عن أنفسنا‪.‬‬ ‫أجد أن االحتمال ربما أقل من واحد يف املئة‪.‬‬ ‫خــال شــهر مايو‪/‬أيــار هنــاك انتخابــات تركيــة‪ ،‬هــل تتوقــع قبــل تلــك‬ ‫االنتخابــات عمليــة عســكرية تركيــة فــي شــمال ســوريا أم تتوقــع‬ ‫تفاهمــا ســوريا ‪ -‬تركيــا خــال هــذا الشــهر؟‬

‫ال أعــرف‪ ،‬األو ـ‬ ‫ضـاع ضبابيــة وال يش واضحــا‪ .‬االجت ـمـاع دونــه عوائــق ك ـثـرة‪ .‬لــديَّ‬ ‫رأي يف االنتخابــات التــي ســتجري‪ ،‬والنظــام ا ـلـريك الحاكــم يف أضعــف حاالتــه‬ ‫من الناحية االقتصادية والسياسية والديبلوماسية‪ .‬االنهيار الحاصل يف تركيا‪،‬‬ ‫حـرب التــي تشــنها‬ ‫اقتصاديــا وديبلوماســيا وسياســيا‪ ،‬ســببه املســألة الكرديــة وال ـ‬ ‫تركيا عىل الشعب الكردي منذ ثماين سنوات‪ ،‬دمرت كل القرى يف كردستان‪،‬‬ ‫يف شمالها وغربها وجنوبها يف الجبال‪ .‬هذه الحرب دمرت تركيا‪ .‬أي بلد يدخل‬ ‫يف حرب يدفع الثمن‪ .‬هذا باإلضافة إىل املشكالت التي تواجهها تركيا سياسيا‬ ‫ظـرا‬ ‫وديبلوماســيا مــن الناحيــة العامليــة ن ـ‬ ‫إىل خرقهــا حقــوق االنســان وعــدم التزامهــا‬ ‫أي مبــادئ أخالقيــة أو انســانية أو اتفاقــات‬ ‫دولية‪ ،‬إىل درجة أن القرارات التي تتخذها‬ ‫محكمة حقوق االنسان األوروبية ال تطبق‬ ‫يف تركيــا‪.‬‬ ‫أردو غــان ضعيــف داخليــا وخارجيــا‬ ‫والجميــع ينتظــر رحيلــه‪ .‬لذلــك يمكــن أن‬ ‫يقــوم بــأي خــرق أو أي يشء‪ ،‬ومــن ضمــن‬ ‫ذلــك القيــام بعمليــة عســكرية يف ســوريا‪،‬‬ ‫لزيــادة شــعبيته‪ .‬أنــا ال أتوقــع ذلــك‪ ،‬ألن‬ ‫تركيا ال تستطيع االستمرار يف هذا الوضع‪،‬‬ ‫لكن عىل الرغم من كل يشء علينا أن نكون‬ ‫مســتعدين وجاهزيــن للد ـفـاع عــن أنفســنا‪.‬‬

‫لســنا وســط‬ ‫تقاطــع ـنـران‪.‬‬ ‫لدينــا قواعــد مــع‬ ‫التحالــف‪ .‬ندافــع‬ ‫عــن أنفســنا ـبـدل‬ ‫الد ـفـاع عنهــم‬ ‫إذا حــدث اعتــداء‬

‫عند مــا جــرى الحد يــث عــن ل ـقـاء بــن‬ ‫(الرئيســن) بشــار األ ســد ور جــب طيــب‬ ‫أردوغان وعن تقارب بني النظامني السوري‬ ‫وا ـلـريك وصفنــاه بـ”ا لــزواج القســري”‪.‬‬ ‫العــداء بــن الطر فــن قد يــم‪ ،‬منــذ ضــمّ‬ ‫لــواء اســكندرون وحتــى مــن زمــن االنتــداب‬ ‫عـرض لهــا‬ ‫الفرنــي‪ .‬هنــاك مــآس ك ـثـرة ت ـ‬ ‫السوريون عىل يد الدولة الرتكية والفاشية‬ ‫الرتكية ولن ُتلغى بج ّرة قلم‪ .‬يف خصوص‬ ‫مسألة أوجالن عندما وقعوا اتفاقية أضنة‬ ‫(يف ‪ )1998‬بني رئيس شعبة األمن السيايس‬ ‫يف سوريا ورئيس املخابرات الرتكية‪ ،‬كانوا‬ ‫يريدون القضاء عىل كل يشء كردي ضمن‬ ‫سوريا‪ .‬ولذلك خوفهم من املسألة الكردية‬ ‫يتزايد‪“ .‬البعثيون” سياستهم معروفة وما‬ ‫كانــوا يمارســون ضــد الكــرد‪.‬‬ ‫الخال فــات بــن األ ـتـراك والســوريني‬ ‫ك ـبـرة‪ ،‬لكــن يجمعهــم العــداء للكــرد‪ .‬ال‬ ‫أعــرف إن كانــوا ســيتوصلون إىل اتفــاق‪،‬‬ ‫لكنــي أرى أن الظــروف املوضوعيــة غــر متو ـفـرة والتوازنــات غــر متو ـفـرة‪ .‬ونحــن‬ ‫نعتــر أنفســنا ســوريني ونريــد بعــض الحقــوق للشــعب الســوري بمــن فيــه‬ ‫الشــعب الكــردي‪ .‬ال عــداء مــع الدولــة الســورية واليــوم أعلنــت “االدارة الذاتيــة”‬ ‫برنامجها‪ :‬سوريون يدعون إىل بعض الديموقراطية ليتنفسوا‪ .‬لذلك إذا حدث‬ ‫أي تقارب بني األتراك والســوريني‪ ،‬فســيكون عىل حســاب الكرد وعىل حســاب‬ ‫الشــعب الســوري‪ ،‬وآنــذاك لــن يكــون أمامنــا إال املقاومــة فــا وســيلة أخــرى‪ .‬أنــا‬ ‫متوجــس طبعــا‪.‬‬

‫مقابلة‬

‫خــال شــهر مايو‪/‬أيــار هنــاك قمــة‬ ‫عربيــة وهنــاك تطبيــع عربــي مــع‬ ‫دمشــق‪ .‬مــا هــو موقفكــم مــن هــذا‬ ‫التطبيــع مــع دمشــق؟‬

‫نحن لسنا منزعجني من العالقات السورية‬ ‫– العربية ‪ -‬الكردية بل نرحب بها‪ .‬وعندما‬ ‫كنا ضمن “هيئة التنسيق الوطنية” (تكتل‬ ‫ســوري معــارض يف دمشــق) كنــا أول مــن‬ ‫دعا يف بداية الحرب السورية إىل مناقشة‬ ‫طـراف آخــرون‪.‬‬ ‫القضيــة الســورية يف الجامعــة العربيــة بــدل أن يتدخــل فيهــا أ ـ‬ ‫حـزب أول مــن دعــا إىل ذلــك وتوجهنــا إىل الجامعــة العربيــة ونحــن‬ ‫وربمــا كنــا ك ـ‬ ‫لســنا منزعجــن مــن التقــارب‪ .‬لكــن نجــد مــن الصعــب أن يــأيت العالــم العربــي‬ ‫إلعــادة العالقــات مــع النظــام الســوري كأن شــيئا لــم يكــن‪ ،‬بعــد كل املــآيس التــي‬ ‫حصلت وكل الخراب الذي جرى وسقوط مئات آالف الشهداء وتهجري املاليني‪.‬‬ ‫نجــد هــذا األمــر صعبــا‪ ،‬وفيــه ظلــم يف حــق الشــعب الســوري‪.‬‬ ‫نتمنــى عــى األقــل لهــذه املصالحــة‪ ،‬أو التقــارب‪ ،‬أن ال يكونــا عــى حســاب‬ ‫الشعب السوري‪ .‬فالنظام ال يزال عىل ذهنيته التي نعرفها والتي نتعامل معها‪،‬‬ ‫ال ـيـزال يريــد إعــادة ســوريا إىل مــا قبــل ‪ 2011‬وهــذا غــر ممكــن‪ .‬لذلــك أعتقــد أن‬ ‫موقف الدول العربية يجب أن يكون مشروطا ببعض القوانني الديموقراطية‬ ‫وعىل األقل احرتام الشعب السوري واحرتام مكونات سوريا بالحل السيايس‬ ‫وال ـقـرارات األمميــة الصــادرة‪ 2254 ،‬و ـغـره‪ ،‬وأعتقــد أن الــدول العربيــة ســتضع‬ ‫بعض الشــروط (الســتئناف العالقات مع النظام الســوري)‪.‬‬

‫‪036_AM.indd 41‬‬


‫مقابلة‬

‫المجلة‬

‫الحوار مع دمشق‬ ‫هل هناك حوار بينكم وبين دمشق؟‬

‫كان هنــاك حــوار قبــل ـفـرة‪ ،‬واآلن ال حــوار‪ .‬نتمنــى أن تأخــذ الحكومــة الســورية‬ ‫عـرب اآلخــرون‪ ،‬نأمــل أن‬ ‫مبادراتنــا يف االعتبــار وتبــدأ مشــوارا جديــدا‪ .‬االخــوان ال ـ‬ ‫يساهموا يف هذا األمر ويح ّرضوا الرئيس بشار األسد عىل مناقشة األمور للتوصل‬ ‫إىل حل معني‪ .‬اآلن ال حوار‪ .‬يف املايض القريب‪ ،‬قبل أشهر‪ ،‬كانت هناك لقاءات‬ ‫لكــن ذهنيــة النظــام ال ـتـزال هــي نفســها‪ ،‬وتتمثــل يف العــودة إىل مــا قبــل ‪.2011‬‬ ‫جـزء مــن ســوريا أوال‪ ،‬والثــورة الســورية قامــت لتطالــب بالديموقراطيــة‬ ‫نحــن ـ‬ ‫والحرية للشعب السوري‪ ،‬ونحن نلتزم الديموقراطية والحل السلمي‪ .‬املشروع‬ ‫األهــم هــو مشــروع اإلدارة الذاتيــة الديموقراطيــة‪ ،‬وهــو نمــوذج لســوريا املســتقبل‪.‬‬ ‫مــا ندعــو إليــه‪ ،‬تطالــب بــه مناطــق ســورية مختلفــة‪ .‬الــكل أصبــح يطالــب بــاإلدارات‬ ‫الذاتيــة التــي تقــوم ضمــن دولــة واحــدة وحكومــة مركزيــة وســلطات تابعــة‪ .‬تبقــى‬ ‫نقطــة واحــدة هــي أن املواطــن الســوري لــم يعــد يقبــل بــأي يشء إن لــم يكــن شــريكا‬ ‫معنّي بالقرارات السياسية‪.‬‬ ‫يف القرار السيايس‪ .‬لم يعد ممكنا أن يتفرد مجلس ّ‬ ‫حـرام إرادة الشــعب الســوري وقراراتــه‪.‬‬ ‫يجــب ا ـ‬ ‫ماذا عن مستقبل “قسد”؟‬

‫“قســد” قدمت التضحيات ألجل الســيادة الســورية والحماية الســورية ربما أكرث‬ ‫صـراع عــى املناطــق التــي حررتهــا “قســد” مــن‬ ‫مــن الجيــش الســوري‪ ،‬ولكــن هنــاك ـ‬ ‫اإلرهــاب ومــن تركيــا‪“ .‬قســد” أكــر فاعليــة مــن الجيــش الســوري‪ ،‬فلمــاذا ال تكــون‬ ‫نــواة الجيــش الســوري املســتقبيل لســوريا الديموقراطيــة‪.‬‬ ‫تجربــة الســودان وليببــا والعــراق يبــدو أنها عــززت مواقــف الحكومات‬ ‫العربيــة فــي اتجــاه تعزيــز ودعم الســلطة المركزية؟‬

‫هنــا يكمــن الخطــأ‪ ،‬نحــن نعتــر أن هنــاك احتــكارا للســلطة‪ ،‬والجيــوش العربيــة‪،‬‬ ‫يف ظل القومية‪ ،‬تحمي السلطة والرثوات‪ ،‬وال تحمي الشعب‪ .‬الجيوش تحمي‬ ‫السلطة ولم يحصل أن حمَ ت الشعب‪ .‬رأينا يف سوريا عندما تعرضنا لتهديدات‪،‬‬ ‫حـزب البعــث‪.‬‬ ‫كيــف ـتـرك الجيــش املناطــق وتوجــه إىل دمشــق لحمايــة النظــام و ـ‬ ‫ليس هذا الجيش الذي نريده‪“ .‬قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) تريد حماية‬ ‫الشعب وليس حماية السلطة‪ .‬نرى نتيجة احتكارات السلطة يف السودان‪ ،‬حيث‬ ‫الشــعب مغلــوب عــى أ ـمـره‪ ،‬غــر منظــم‪ ،‬ال يعــرف كيــف يتصــرف وليــس هنــاك‬ ‫ّ‬ ‫وتسلطت عىل الشعب‪ .‬حميديت (محمد حمدان دقلو)‬ ‫مؤسسات‪ .‬جاءت قوى‬ ‫و(عبد الفتاح) الربهان ال يتنازعان ملصلحة الشعب السوداين‪ .‬كل منهما يحتكر‬ ‫جـزءا مــن الســلطة والــروة ويحــاول الحفــاظ عليــه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫تأت السلطة املركزية من الشعب‪ ،‬وفق مؤشرات معينة‪ ،‬وإذا كانت ال‬ ‫لم‬ ‫إذا‬ ‫ِ‬ ‫تمثل الشعب‪ ،‬فستكون ّ‬ ‫علة عليه‪ .‬يجب مقاربة األمر حدسيا؛ السلطة املركزية‬ ‫وجيش لحماية السلطة‪ ،‬غري الجيش الذي يحمي الشعب والدولة‪.‬‬ ‫الغطاء االميركي‬ ‫يبقى جانب مهم وهو العالقة مع األميركيين‪ .‬رئيس األركان االميركي‬ ‫مــارك ميللــي كان موجــودا فــي شــمال شــرق ســوريا‪ ،‬هــل قــدم لكــم‬ ‫تأكيــدات أن الوجــود االميركي قائم ومســتمر؟‬

‫جـاء مــن أجــل مســألة عســكرية والتقــى بأقرانــه مــن أجــل محاربــة‬ ‫رئيــس األركان ـ‬ ‫اإلرهــاب وليــس مــن أجــل أي مســألة أخــرى‪ .‬ونحــن كسياســيني لــم نلتـ ِـق بــه ولــم‬ ‫نعــرف بزيارتــه إال بعــد مغادرتــه ســوريا‪.‬‬ ‫العالقــة هــي عالقــة مصلحــة بــن طرفــن‪ ،‬أ ـمـركا لهــا مصلحتهــا ونحــن لنــا‬ ‫مصلحتنا‪ .‬املصلحة املشرتكة كانت محاربة اإلرهاب يف كوباين‪ .‬تدخل األمريكيون‬ ‫ووجدوا أننا نحارب اإلرهاب عن صدق‪ ،‬ألنها مسألة وجود بالنسبة إلينا‪ ،‬ووجدوا‬ ‫أننا القوة الفعالة‪ ،‬فقرروا التعاون معنا‪ ،‬وهذا التعاون ال يزال مستمرا‪.‬‬ ‫أ ـمـركا حاولــت إيجــاد قــوة أخــرى صادقــة معهــا يف محاربــة اإلرهــاب يف الشــرق‬

‫‪02/05/2023 13:27‬‬

‫‪42‬‬

‫األوسط‪ ،‬وحاولت تشكيل كتائب تدريب زودتها األموال واألسلحة لكنها فشلت‬ ‫ضـاء عــى اإلرهــاب والحفــاظ عــى مصالحهــم يف الشــرق‬ ‫كلهــا‪ .‬إذا أرادوا فعــا الق ـ‬ ‫األوسط‪ ،‬فيجب أن يكون هناك عىل األقل شريك صادق يف ما يقوم به‪ .‬ما دمنا‬ ‫موجودين ونحارب اإلرهاب فإن العالقة مع األمريكيني مستمرة عىل هذا األساس‪.‬‬ ‫أعتقد أن الشراكة تبقى قائمة ما دام اإلرهاب موجودا وما دام “داعش” موجودا‬ ‫وما دام اإلرهابيون يهددوننا‪ ،‬والدول التي تدعم اإلرهاب‪ ،‬مثل تركيا وغريها‪،‬‬ ‫تستخدم اإلرهاب وال تزال تزود اإلرهابيني األسلحة‪.‬‬ ‫بعض الناس يردد أننا عمالء للواليات املتحدة‪ .‬نحن لسنا عمالء ألمريكا ولم‬ ‫نتلق يوما أوامر منها‪ .‬امريكا أتت اىل سوريا عندما اقتضت مصلحتها ذلك‪ ،‬ونحن‬ ‫مصلحتنــا تطلبــت التعــاون‪ .‬أعطــي مثــا واحــدا‪ :‬كان يجــب علينــا تحريــر الرقــة مــن‬ ‫“داعــش”‪ ،‬لــو قمنــا بذلــك منفرديــن مــن دون التحالــف الــدويل لتطلــب األمــر ربمــا‬ ‫خمس أو ست سنوات مع خسائر ال يمكن تحديدها‪ .‬عندما تعاونا مع التحالف‬ ‫ضـاء عــى “داعــش” وتحريــر الرقــة‪ ،‬تــم ذلــك يف خمســة أشــهر‪ّ ،‬‬ ‫فوفرنــا‬ ‫الــدويل للق ـ‬ ‫الجهد واملال‪ .‬فلماذا ال نتعاون؟‬ ‫لــم نحــرر الرقــة مــن أجــل ا ـمـركا أو التحالــف الــدويل‪ ،‬حررناهــا ألن الســيارات‬ ‫املفخخــة التــي كانــت تنفجــر يف كوبــاين والقامشــي كانــت تــأيت مــن الرقــة‪.‬‬ ‫هل أنت قلق من طعنة في الظهر أو من خيانة أميركية؟‬

‫كل يشء ممكن حسب مصلحتهم‪ .‬ذهبوا من اجل أهداف معينة وعندما حققوا‬ ‫أهدافهــم أو حتــى حــن لــم يحققوهــا‪ ،‬غــادروا‪ .‬هــم فعلــوا ذلــك معنــا‪ ،‬يف رأس‬ ‫العــن ويف تــل أبيــض‪ ،‬نحــن لــم نطلــب منهــم حمايتنــا ولكــن حســب الوعــود التــي‬ ‫عرضوهــا‪ ،‬ذكــروا أنهــم موجــودون وســيحاربون‪ ،‬ويف الوقــت ذاتــه أعطــوا الضــوء‬ ‫األخضــر ألردوغــان ملهاجمتنــا‪ ،‬وفعــا قــام بذلــك‪ .‬نحــن قاومنــا‪ ،‬حتــى يف عفريــن‪.‬‬ ‫الروس والتحالف الدويل‪ ،‬ألم يكونا قادرين عىل منع تركيا من احتالل عفرين؟‬ ‫توافقوا وفق مصالحهم‪ ،‬ونرى أن ذلك خطأ‪ ،‬لكننا ال نستطيع تصحيح اآلخرين‪.‬‬ ‫بل نصحح ما نقدر عليه‪ .‬إذا اقتضت مصلحة امريكا مغادرة سوريا فال خيار لنا‬ ‫إال االعتماد عىل أنفسنا كما نحن اآلن نعتمد عىل أنفسنا ونأخذ تدابري‪.‬‬ ‫هل تسميها خيانة؟‬

‫يعدونــا يومــا‬ ‫الخيانــة تحصــل عندمــا يعطونــك وعــدا ويخلفــون الوعــد‪ .‬هــم لــم ِ‬ ‫بالحمايــة‪ ،‬ويقولــون علنــا إننــا لــن نحميكــم ولــن ندافــع عنكــم ولــن نحــارب تركيــا‬ ‫من أجلكم‪ .‬لذلك اذا تطلبت مصلحتهم املغادرة فهم سيغادرون‪ .‬نحن نرى أن‬ ‫مصلحتهم تفرض عليهم البقاء يف الشرق األوسط واالستمرار يف محاربة اإلرهاب‬ ‫معنــا ألنهــم لــن يجــدوا أفضــل منــا‪.‬‬ ‫انتــم واقعــون فــي تقاطــع نيران وســط احتكاك أميركي – روســي على‬ ‫الضفــة األخرى‪ .‬كيف تتمكنــون من إدارة العالقة؟‬

‫لدينــا عالقــة قديمــة مــع الــروس طبعــا وكنــا نتمنــى عــى الــروس بحكــم عالقتهــم‬ ‫مع الحكومة السورية أن يكونوا وسطاء وأن يفرضوا الحل‪ .‬كانوا وعدوا بفرض‬ ‫الحل‪ ،‬لكن ذلك لم يحصل‪ .‬ربما ال يزالون يتصرفون بمنتهى الرباغماتية خاصة‬ ‫يف عالقتهم مع تركيا‪ .‬هذه الرباغماتية ال أعتقد أنها ستفيدهم ولن تعود بفائدة‬ ‫علينا‪ .‬هذه الرباغماتية ال تليق بالروس بالنظر اليهم كقوة ودولة عظمى‪ .‬ونتمنى‬ ‫أن يتمكنوا من املساهمة والضغط عىل النظام اليجاد الحل السيايس‪.‬‬ ‫هل أنتم بالفعل وسط تقاطع نيران؟‬

‫لسنا وسط تقاطع نريان‪ ،‬لدينا قواعد مشرتكة مع التحالف الدويل ونحن ندافع‬ ‫عــن أنفســنا بــدل الد ـفـاع عنهــم إذا حــدث اعتــداء‪ .‬وقــع اعتــداء ا ـيـراين عــى إحــدى‬ ‫القواعــد‪ ،‬إذا أرادوا التحــارب فليتحاربــوا بعيــدا عنــا‪ .‬االيرانيــون ليســوا موجوديــن‬ ‫عندنا بأي شكل من األشكال‪ ،‬هم موجودون لدى النظام‪ .‬لسنا يف تقاطع نريان‬ ‫لكن املنطقة ككل ملتهبة وعلينا التعامل مع هذا الواقع‪.‬‬

‫‪036_AM.indd 42‬‬


‫‪43‬‬

‫المجلة‬

‫مقابلة‬

‫عالقتنــا قديمــة مــع الــروس‬ ‫ونتمنــى بحكــم عالقتهــم مــع الحكومــة‬ ‫أن يكونــوا وســطاء وأن يفرضــوا الحــل‬ ‫وكانــوا وعــدوا ب ـفـرض الحــل يف ســوريا‬ ‫لكــن ذلــك لــم يحصــل‪.‬‬ ‫ال يزالــون يتصرفــون بمنتهــى الرباغماتيــة‬ ‫خصوصــاً يف عالقتهــم مــع تركيــا‪.‬‬ ‫هــذه الرباغماتيــة ال تليــق بالــروس‬ ‫ونتمنــى أن يســاهموا بالحــل‬ ‫الســيايس الســوري‬

‫‪02/05/2023 13:27‬‬

‫‪036_AM.indd 43‬‬


044_AM.indd 44

28/04/2023 13:05


KELLY SLATER LIMITED EDITION

044_AM.indd 45

28/04/2023 13:06


‫سياسة‬

‫‪46‬‬

‫المجلة‬

‫أربعة سيناريوهات‬ ‫يف السودان‪ ...‬أحدها‬ ‫«اإلقامة عىل الجمر»‬

‫تداعيات إنسانية وسياسية واقتصادية خطرية للمواجهة‬ ‫الخرطوم ‪ -‬شوقي عبدالعظيم‬

‫رسوم ‪ -‬باربرا جيبسون‬

‫ثم ماذا بعد؟ سؤال معلق يف سماء السودان امللبد‬ ‫بالدخــان األســود الناجــم عــن املعــارك التــي خلفــت‬ ‫مئــات القتــى‪ ،‬وآالف الجرحــى‪ ،‬واملبــاين املد ـمـرة‪،‬‬ ‫والخدمات املرتدية‪ ،‬واألوضاع اإلنسانية املأساوية‪،‬‬ ‫واملــوت «الســايب» بالطلقــات الطائشــة والقذائــف‬ ‫التي أخطأت أهدافها إىل بيوت الناس ومساكنهم‪،‬‬ ‫والرعــب والهلــع والحــزن‪.‬‬ ‫السؤال أعاله– ثم ماذا بعد؟‪ -‬يصبح أكرث إلحاحا‬ ‫مع ميض كل ساعة من ساعات الحرب‪ ،‬وبعد كل‬ ‫يوم من أيامها الكريهة‪ ،‬وتتناسل منه سيناريوهات‬ ‫عديدة‪.‬‬ ‫تبدأ دائما يف حال انتصر الجيش السوداين بقيادة‬ ‫عبدالفتــاح الربهــان عــى «قــوات الدعــم الســريع»‬ ‫بقيادة محمد حمدان دقلو (حميديت)؛ يف أي طريق‬ ‫ستسري األمور؟ وإذا حدث العكس وبسطت «قوات‬ ‫الدعم السريع» سيطرتها عىل املواقع االسرتاتيجية‬ ‫وتسيدت املشهد‪ .‬وهناك سيناريو ثالث‪ ،‬وهو االقامة‬ ‫حـرب ألشــهر‪ ،‬إن‬ ‫يف الجمــر‪ ،‬يف حــال اســتمرت ال ـ‬ ‫لــم يكــن لســنوات‪ ،‬ولــم ينتصــر أحــد‪ .‬أمــا الســيناريو‬ ‫األخري‪ ،‬فيتعلق بأن تنتهي الحرب عىل طاولة الحوار‬ ‫واملفاوضات وتعود العملية السياسية التي انقطعت‬ ‫بسبب الصراع العسكري املسلح‪.‬‬ ‫من املهم اإلشارة إىل نقطة جوهرية متسببة لحد‬ ‫بعيد يف حرية السودانيني حول مصائر هذه املعارك‬ ‫حـرب لــم يقدمــوا للنــاس‬ ‫الدا ـئـرة‪ ،‬وهــي أن قــادة ال ـ‬ ‫حـرب‬ ‫طروحــات وحججــا قويــة ومنطقيــة لقيــام ال ـ‬ ‫أصــا‪ ،‬حتــى تجعــل النهايــة مفهومــة ومتوقعــة‪،‬‬ ‫كما أن تصريحاتهم يف اإلعالم زادت الحرب إبهاما‬ ‫وغموضــا وإحباطــا‪ .‬قائــد «الدعــم الســريع» قــال‪:‬‬ ‫«ليس لدينا مشكلة مع الجيش‪ ،‬ولكن مشكلتنا مع‬ ‫القيــادة»‪ .‬ويف بيانــات ك ـثـرة يدعــو الضبــاط والجنــود‬ ‫يف القوات املسلحة إىل االنضمام لـ»الدعم السريع»‪.‬‬ ‫يف املقابــل‪ ،‬يجاريــه قــادة الجيــش؛ حيــث قــال‬ ‫عضــو مجلــس الســيادة الفريــق أول شــمس الديــن‬

‫‪02/05/2023 13:30‬‬

‫الكبــايش‪ ،‬وهــو القائــد الفعــي للمعــارك‪« :‬ليــس‬ ‫لدينــا مشــكلة مــع قــوات الدعــم الســريع‪ ،‬مشــكلتنا‬ ‫مــع حميــديت وشــقيقه»‪.‬‬ ‫نعم؛ مفهوم أن هذه التصريحات تندرج يف إطار‬ ‫الحرب النفسية للتأثري عىل الجنود وكسب تعاطف‬ ‫املجتمع‪ ،‬ولكنها ظلت هي الرواية املعتمدة للحرب‬ ‫عنــد كثــر مــن الســودانيني‪ ،‬لــذا فــإن نظرتهــم لهــا ال‬ ‫حـرب قيــادات تجعــل ســؤالهم عمــا‬ ‫تتعــدى كونهــا ـ‬ ‫يليها مشروعا وملحا‪.‬‬ ‫وهنــاك مخــاوف مــن اســتثمار انتصــار الجيــش‪،‬‬ ‫إذا حــدث‪ ،‬مــن قبــل قــادة النظــام الســابق‪ .‬وهــذا‬ ‫االســتثمار بــدأ يف وقــت مبكــر منــذ األســابيع التــي‬ ‫سبقت الحرب‪ ،‬عندما سعوا إىل ربط «قوات الدعم‬ ‫الســريع» وقائدهــا بالقــوى السياســية املوقعــة عــى‬ ‫االتفاق اإلطاري وتحديدا «الحرية والتغيري»‪ ،‬حتى‬ ‫إذا انتصر الجيش يكون االنتصار عىل «قوات الدعم‬ ‫الســريع» وعــى «الحريــة والتغيــر» يف الوقــت ذاتــه‪.‬‬ ‫ويف املقابــل‪ ،‬يقــود أنصــار النظــام الســابق حملــة‬ ‫صـرة شــعواء للجيــش الســوداين‪ ،‬بالحــق‬ ‫منا ـ‬ ‫وبالباطل‪ ،‬يف انتظار أن يرد لهم الجميل بعد انجالء‬ ‫املعركة بأن يكونوا بديال سياسيا لـ «الحرية والتغيري»‪،‬‬ ‫شـرة‪ ،‬أو عــى‬ ‫أو يعــود عناصرهــم إىل الســلطة مبا ـ‬ ‫األقل يقوم بتهيئة السماح لهم بتصفية حساباتهم‬ ‫مع القوى السياسية التي أطاحت بهم من الحكم‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة النتصــار «حميــديت»‪ ،‬فإنــه ســيغريه‬ ‫للتوســع يف الط ـمـوح الســيايس للحفــاظ عــى ثروتــه‬ ‫التي تضعه يف مقدمة قائمة األثرياء يف السودان‪،‬‬ ‫ويحافظ كذلك عىل تأثريه يف معظم الشأن السوداين‪.‬‬ ‫ولكن حال اســتمرت الحرب دون نصر حاســم‪،‬‬ ‫فــإن هــذا يعنــي أن معانــاة الســودانيني ســتطول‬ ‫وسيعيشون إفرازات هذه الحرب الكارثية التي بدأ‬ ‫شــبح تداعياتهــا ي ـلـوح يف األفــق مــن نــزوح‪ ،‬ونقــص‬ ‫شـرب والكهر ـبـاء‪ ،‬فضــا عــن املــوت تحــت‬ ‫يف ميــاه ال ـ‬ ‫أقــدام املتحاربــن‪.‬‬

‫البرهان «المنضبط»‬ ‫وحميدتي «الثري»‬ ‫بــزغ نجــم الفريــق أول الركن عبد الفتاح‬ ‫البرهان في ‪ 25‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول‬ ‫‪ ،2021‬عندمــا ألقى بيانــا عبر التلفزيون‬ ‫الرســمي‪ ،‬مرتديا بزته العســكرية‪ ،‬أعلن‬ ‫فيه حالة الطوارئ بعد حل الســلطات‬ ‫االنتقاليــة وتوقيف مســؤولين مدنيين‪،‬‬ ‫وبينهــم رئيــس الوزراء آنذاك عبدهللا‬ ‫حمــدوك‪ ،‬وإقالــة عدد كبير من أعضاء‬ ‫الحكومــة واألعضــاء المدنيين في مجلس‬ ‫الســيادة المســؤول عن قيادة المرحلة‬ ‫االنتقاليــة بعــد اإلطاحة بنظام عمر‬ ‫البشير‪.‬‬ ‫قــال البرهان وقتهــا إنه يريد «تصحيح‬ ‫الثورة» التي أطاحت بالبشــير‪ ،‬وهو‬ ‫مــا رحــب به البعض‪ ،‬وعارضه آخرون‬ ‫واصفين ما حدث بـ «انقالب عســكري»‬ ‫جديد في الســودان‪ ،‬الذي شــهد كثيرا من‬ ‫االنقالبات منذ اســتقالله عام ‪.1956‬‬ ‫وعين البرهان وزيرا للدفاع ورئيســا‬ ‫ُ‬ ‫للمجلــس العســكري االنتقالي خلفا‬

‫‪046_AM.indd 46‬‬


‫‪47‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫صـراع العســكر‬ ‫جــذور ـ‬ ‫وم ـيـزان القــوى‬

‫للفريق عوض بن عوف الذي اســتقال من‬ ‫منصبــه بعــد أن ألقــى بيانا أعلن فيه عزل‬ ‫البشــير في أبريل‪/‬نيسان ‪.2019‬‬ ‫وترجــع جذور عبــد الفتاح البرهان إلى‬ ‫والية نهر النيل الواقعة إلى الشــمال‬ ‫مــن العاصمــة الخرطوم‪ ،‬وولد في عام‬ ‫‪ 1960‬فــي قريــة قندتو في أســرة دينية تتبع‬ ‫الطريقــة الختميــة‪ ،‬وهي إحدى الطرق‬ ‫الصوفية الكبرى في الســودان‪.‬‬ ‫وتخــرج البرهــان في الدفعة ‪ 31‬في‬ ‫الكليــة الحربيــة‪ ،‬وعمل ضابطا في قوات‬ ‫المشــاة‪ ،‬وغيرها من وحدات الجيش‪.‬‬ ‫وشــارك في حرب دارفور‪ ،‬وكذلك‬ ‫المعارك التي ســبقت انفصال جنوب‬ ‫الســودان عن شماله‪.‬‬ ‫ويصــف مقربــون من البرهان قائد‬ ‫الجيش الســوداني بأنه شخص‬ ‫«منضبــط»‪ ،‬إذ تــدرج في المناصب‬ ‫القيادية داخل المؤسســة العســكرية‪.‬‬ ‫وصعــد الفريــق أول محمد حمدان دقلو‪،‬‬ ‫المعروف باســم «حميدتي»‪ ،‬من بدايات‬ ‫متواضعــة ليصبــح ثاني أقوى رجل في‬ ‫الســودان‪ ،‬كنائب رئيس مجلس الســيادة‬ ‫االنتقالــي الحاكم‪ ،‬وكقائد لقوات شــبه‬

‫‪02/05/2023 13:30‬‬

‫عســكرية تعرف باســم «قوات الدعم‬ ‫الســريع»‪ ،‬وكأحد أثرياء البالد‪.‬‬ ‫وأدى «حميدتــي» دورا بارزا في‬ ‫السياســة المضطربة في الســودان على‬ ‫مدى عشــر ســنوات‪ ،‬ساعد خاللها في‬ ‫اإلطاحة بالرئيس عمر البشــير عام ‪،2019‬‬ ‫والــذي كانــت تربطه به عالقة وثيقة ذات‬ ‫يــوم‪ ،‬وتتهمه قيــادات التيار المدني بإخماد‬ ‫احتجاجــات الســودانيين الطامحين إلى‬ ‫الديمقراطية‪.‬‬ ‫ومــع توليه منصــب نائب رئيس مجلس‬ ‫الســيادة‪ ،‬تولى «حميدتي» عددا من أهم‬ ‫الحقائب الوزارية في الســودان بعد‬ ‫اإلطاحة بالبشير‪.‬‬ ‫ويســتمد «حميدتــي» كثيرا من نفوذه‬ ‫من «قوات الدعم الســريع» التابعة له‬ ‫والتــي يمتلــك مقاتلوها خبرة في حروب‬ ‫الصحــراء بمنطقة دارفور‪ ،‬لكنهم‬ ‫يفتقــرون إلى انضبــاط الجيش النظامي‪.‬‬ ‫ويقــول مقربــون إن طموحه «غير محدود»‪.‬‬ ‫ينحــدر «حميدتي» مــن قبيلة الرزيقات‬ ‫ذات األصــول العربيــة التي تقطن إقليم‬ ‫دارفور‪ .‬ونشــأ في أســرة امتهنت تجارة‬ ‫الجمال واإلبل‪.‬‬

‫حـول إىل الديمقراطيــة بعــد‬ ‫سـرة الت ـ‬ ‫بــدأ الســودان م ـ‬ ‫احتجاجــات شــعبية أطاحــت يف أبريل‪/‬نيســان عــام‬ ‫‪ 2019‬بحكم الرئيس عمر البشري الذي استمر لنحو‬ ‫ثالثــة عقــود‪.‬‬ ‫وبموجــب اتفــاق أُ ـبـرم يف أغســطس‪/‬آب ‪،2019‬‬ ‫وافق الجيش عىل تقاسم السلطة مع مدنيني ريثما‬ ‫تجــري االنتخابــات‪ ،‬لكــن ذلــك الرتتيــب تعطــل فجــأة‬ ‫نتيجــة ســيطرة الجيــش عــى الســلطة‪ ،‬وهــو مــا عــده‬ ‫السياسيون املدنيون انقالبا عسكريا يف أكتوبر‪/‬تشرين‬ ‫األول ‪ ،2021‬تســبب يف سلســلة مــن االحتجاجــات‬ ‫الحاشدة املطالبة بالديمقراطية يف أنحاء السودان‪.‬‬ ‫يمثــل الجيــش قــوة مســيطرة يف الســودان منــذ‬ ‫اســتقالله عــام ‪ 1956‬إذ خــاض حروبــا داخليــة وقــام‬ ‫بانقالبات متكررة ولديه حيازات اقتصادية ضخمة‪.‬‬ ‫وخــال ال ـفـرة االنتقاليــة التــي بــدأت باإلطاحــة‬ ‫بعمر البشري وانتهت بـما سمي «انقالب عام ‪،»2021‬‬ ‫حـزاب‬ ‫تعمقــت هــوة انعــدام الثقــة بــن الجيــش واأل ـ‬ ‫السياســية املدنيــة‪.‬‬ ‫شـرعيته مــن حر كــة‬ ‫وا ســتمد الجا نــب ا ملــدين ـ‬ ‫احتجاج صامدة ودعم من أطراف يف املجتمع الدويل‪.‬‬ ‫وحظي الجيش بدعم داخيل من فصائل متمردة‬ ‫استفادت من اتفاق السالم يف ‪ 2020‬ومن املخضرمني‬ ‫يف حكومــة البشــر الذيــن عــادوا إىل الخدمــة املدنيــة‬ ‫بعد سيطرة الجيش عىل مقاليد الحكم‪.‬‬ ‫صـراع الراهــن هــو‬ ‫وأحــد األســباب الرئيســية لل ـ‬ ‫حـول آليــة دمــج «قــوات الدعــم الســريع»‬ ‫الخــاف ـ‬ ‫شــبه العســكرية يف الجيــش النظامــي‪.‬‬

‫‪046_AM.indd 47‬‬


‫سياسة‬

‫‪48‬‬

‫المجلة‬

‫معالم «حرب الجنرالين» في السودان‪ ،‬باتت واضحة‪.‬‬ ‫نيات رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان‪ ،‬ونائبه‬ ‫محمد حمدان دقلو (حميدتي)‪ُ ،‬كتبت بالرصاص وقذائف‬ ‫الدبابات وغارات الطائرات‪.‬‬

‫‪- 2003‬‬ ‫‪2020‬‬

‫الحرب في دارفور بين‬ ‫الحكومة السودانية‬ ‫وجماعات معارضة‪.‬‬

‫‪2009‬‬

‫المحكمة الجنائية‬ ‫الدولية تصدر مذكرة‬ ‫توقيف بحق الرئيس‬ ‫عمر البشير‪.‬‬

‫‪2011‬‬

‫جنوب السودان ُ يعلن‬ ‫االستقالل رسميا‪.‬‬

‫‪2019‬‬

‫الجيش يطيح‬ ‫بالبشير‪.‬‬

‫«حرب‬ ‫الجرنالــن»‬ ‫صـراع عــى الســلطة‪ .‬الســودانيون‬ ‫حــدود املعركــة املحليــة وأهدافهــا‪ ،‬باتــت مرســومة إىل حــد كبــر‪ .‬ـ‬ ‫واملدنيون‪ ،‬يف ذيل الحسابات وغرف العمليات‪ .‬وباتوا يقفون وحدهم مع بدء عمليات إجالء األجانب‪.‬‬ ‫والصراع‬ ‫لكن ماذا عن سياق املعارك الخارجية والصراع عىل أفريقيا؟‬ ‫جـوالت الخارجيــة الالفتــة التــي قــام بهــا «حميــديت»‪ ،‬زيارتــه إىل موســكو نهايــة فرباير‪/‬شــباط‬ ‫مــن ال ـ‬ ‫عــى أفريقيــا‬ ‫العــام املــايض‪ ،‬بالتزامــن مــع إعــان روســيا الهجــوم عــى أوكرانيــا يــوم ‪ 24‬فرباير‪/‬شــباط ‪ .2022‬هــذه‬ ‫لندن ‪ -‬إبراهيم حميدي‬

‫عنصر من “قوات الدعم‬ ‫السريع” بقيادة محمد‬ ‫حمدان دقلو‬

‫‪02/05/2023 13:30‬‬

‫خطوة رمزية‪ ،‬سبقها إعالن اتفاق أويل عىل إقامة قاعدة عسكرية روسية يف بورتسودان‪ ،‬ثم تراجع‬ ‫حكومــة عبداللــه حمــدوك عنــه‪ .‬يضــاف إىل ذلــك‪ ،‬تقاريــر ك ـثـرة عــن عالقــة خاصــة وتعــاون يف أربــاح‬ ‫الذهب ومعارك عابرة للحدود األفريقية‪ ،‬بني «حميديت» وجيش «فاغرن»‪ ،‬ذراع روسيا يف «حروب‬ ‫الظــل» داخــل أفريقيــا‪ .‬ومثلمــا بــدا واضحــا أن أ ـمـركا تعــارض قيــام قاعــدة عســكرية روســية يف ليبيــا‬ ‫سـراتيجيا لروســيا يف بورتســودان عــى‬ ‫أو شــواطئ البحــر املتوســط‪ ،‬بــدا أن واشــنطن تعــارض وجــودا ا ـ‬ ‫سـراتيجي يف القــرن األفريقــي‪ ،‬الــذي يطــل عــى بــاب املنــدب ويمــر‬ ‫مــوائن البحــر األحمــر وموطــئ قــدم ا ـ‬ ‫منــه ‪ 30‬يف املئــة مــن التجــارة العامليــة‪.‬‬ ‫“حرب الجرنالني» انفجرت‪ .‬الربهان لديه حلفاؤه اإلقليميون والدوليون‪ .‬و»حميديت» لديه شركاؤه‬ ‫يف املنطقة والعالم‪ .‬العوامل موجودة يك يتحول الصراع إىل «حرب وكالة» بامتدادات إقليمية ودولية‪،‬‬ ‫ينحدر فيها القتال إىل حرب أهلية تتغذى من هويات صغرية وانقسامات وعصبيات ومناطقيات‪.‬‬

‫‪2020‬‬

‫السودان يوقع اتفاق‬ ‫سالم مع “الجبهة‬ ‫الثورية السودانية”‪.‬‬

‫‪2023‬‬

‫الصراع بين البرهان‬ ‫و“حميدتي”‪.‬‬

‫‪046_AM.indd 48‬‬


‫‪49‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫جندي سوداين من الجيش بقيادة عبد الفتاح الربهان‬

‫صـراع عــى‬ ‫ال ـ‬ ‫الذهــب؟‬ ‫صــارت مناجــم الذهــب يف الســودان نقمــة بعدمــا‬ ‫كانت نعمة عىل الدولة‪ ،‬نتيجة الصراعات والتناحر‬ ‫عــى الســلطة‪ .‬ويُعَ ــدّ الســودان أحــد أهــم منتجــي‬ ‫املعدن النفيس يف القارة السمراء‪ ،‬والثالث عشر بني‬ ‫غـرت طبيعــة‬ ‫البلــدان املنتجــة للذهــب يف العالــم‪ .‬وت ـ‬ ‫الصراع الدائر حالياً يف السودان ليتحول إىل السعي‬ ‫للسيطرة عىل املعدن األصفر مهددا بنشوب حروب‬ ‫أهليــة يف البــاد‪.‬‬ ‫يأيت ذلك يف ظل مطامع دولية للعبث بالسودان‬ ‫واالستيالء عىل ثرواته من الذهب وغريه من املوارد‬ ‫صـراً أساســياً مــن‬ ‫الطبيعيــة‪ .‬ويُعتــر هــذا املعــدن عن ـ‬ ‫صادرات البالد‪.‬‬ ‫يُص ّنف السودان كواحد من أكرث االقتصادات فقراً‬ ‫يف العالــم‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنــه يعــوم عــى بحــر مــن‬ ‫الــروات الطبيعيــة‪ ،‬وتصــل احتياطياتــه مــن الذهــب‬ ‫إىل ‪ 1550‬طنــاً‪ ،‬وشــكلت صــادرات الذهــب أكــر مــن‬ ‫‪ 45‬يف املئة من الصادرات اإلجمالية بقيمة ‪ 1,7‬مليار‬ ‫دوالر عــام ‪ 2021‬بحســب وزارة املعــادن الســودانية‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬تمتلك البالد احتياطيات من الفضة والنيكل‬ ‫والنحــاس إىل جانــب النفــط‪ ،‬وتعــدّ م ـمـراً ألنابيــب‬ ‫تصديــر النفــط اآلتيــة مــن جنــوب الســودان إىل مي ـنـاء‬ ‫بورتسودان‪.‬‬ ‫وتنتشر مناجم الذهب يف جبال شرق نهر النيل‬ ‫ويف محاذاة البحر األحمر وأعىل سلسلة جبال البحر‬ ‫األحمــر شــرقي الســودان‪ ،‬وأيضــاً يف مناطــق جبــال‬ ‫النوبة ومنطقة كردفان ودارفور‪.‬‬

‫صارت مناجم الذهب في السودان‬ ‫نقمة بعدما كانت نعمة على‬ ‫الدولة‪ ،‬نتيجة الصراعات والتناحر‬ ‫على السلطة‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:30‬‬

‫‪ ...‬والســاح يف أيدينــا زينــة الرجــال‬ ‫لندن‪ -‬حسام عيتاين‬ ‫لــم يجــد عســكر الســودان وميليشــياته حــا للمعضــات التــي تواجــه بلدهــم غــر توجيــه مدافعهــم‬ ‫إىل صــدور مواطنيهــم وإىل بعضهــم البعــض‪ .‬األهــم مــن ـعـاج األزمــة الخانقــة التــي تعصــف باقتصــاد‬ ‫الســودان ومــن بقائــه يف صــدارة الــدول األفقــر يف العالــم واألكــر تعرضــا لتبعــات التغــر املناخــي‪ ،‬يف‬ ‫نظر الربهان و «حميديت»‪ :‬أي منهما سيجلس عىل عرش من دم ورماد البلد وسكانه؟ ويف حال فاز‬ ‫الربهــان يف هــذه املذبحــة أو تغلــب عليــه «حميــديت»‪ ،‬أو توصــل االثنــان إىل تســوية وتقاســم الســلطة‪،‬‬ ‫فما الذي سيقدمه الواحد منهما أو كالهما‪ ،‬للسودانيني؟ أية خطة ملعالجة البطالة والفقر والجوع‬ ‫وتخفيــض عــدد القابعــن تحــت خــط الفقــر؟ ال يشء‪.‬‬ ‫هي السلطة من أجل السلطة‪ ،‬ولو عىل ركام بلد تحمّ ل الكثري من الحروب والصراعات واملغامرات‬ ‫السياسية‪ .‬فيذهب الضابط املهووس بالقوة وسفك الدماء‪ ،‬ليأيت أسوأ منه‪ ،‬يف دورة ال تنتهي من‬ ‫حـرب الحاليــة كل أمــل يف االنتقــال إىل حكــم مــدين‬ ‫الهبــوط إىل قيعــان العبــث والالجــدوى‪ .‬أنهــت ال ـ‬ ‫جـاءت جولــة االقتتــال الحاليــة ل ُتســقط أي ق ـنـاع‬ ‫ضـرب املحاولــة الديمقراطيــة يف انقــاب ‪ .2021‬و ـ‬ ‫بعــد ـ‬ ‫خـراط يف العمليــة السياســية للخــروج مــن األزمــة التــي‬ ‫عــن اد ـعـاءات العســكريني وامليليشــيات باالن ـ‬ ‫اصطنعهــا حكــم عمــر البشــر‪ ،‬وهــو عســكري مغامــر آخــر‪ ،‬تــورط مــع أنصــاره اإلســاميني يف متاهــات‬ ‫مــا زالــت البــاد تعــاين منهــا‪.‬‬ ‫الحرب هي الطبيعة الكامنة لكل األنظمة العسكرية‪ .‬هكذا يقال‪ .‬وهكذا عاش السودان منذ عقود‪.‬‬

‫‪046_AM.indd 49‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪50‬‬

‫الصعود إىل الهاوية‪...‬‬

‫‪03/05/2023 10:08‬‬

‫‪050_AM.indd 50‬‬


‫‪51‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫كيف وصل السودان إىل هنا؟‬ ‫كان واضحا منذ انفراد الجرنالني‬ ‫بالسلطة أن صراع النفوذ بينهما‬ ‫قادم ال محالة‬ ‫الخرطوم – أمجد فريد الطيب‬ ‫صعود نحو باب‬ ‫أمر ما…‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫“نسيان ٍ‬ ‫الهاوية” ‪ -‬محمود درويش‬

‫تنطبق مقولة الشاعر محمود درويش التي تتصدر‬ ‫هذه الكتابة‪ ،‬عىل قصة كيف تصاعدت األوضاع‬ ‫سـرعة يف الســودان‪ ،‬وانزلقت يف دوامة الحرب‬ ‫ب ـ‬ ‫الطاحنــة التــي تــدور حاليــا يف الخرطــوم ومــدن‬ ‫ســودانية أخــرى‪ .‬ففــي ‪ 15‬أبريل‪/‬نيســان ‪،2023‬‬ ‫وشهر رمضان يقرتب من نهايته‪ ،‬اندلعت الحرب‬ ‫يف الســودان بــن القــوات املســلحة الســودانية‬ ‫و“قــوات الدعــم الســريع”‪.‬‬ ‫وكان ذلــك هــو املصــر الــذي ظــل يحــذر منــه‬ ‫صـراع النفــوذ بــن‬ ‫كثــرون‪ .‬فقــد كان واضحــا أن ـ‬ ‫الرجلــن قــادم ال محالــة‪ ،‬منــذ ان ـفـراد الجرنالــن‬ ‫بالسلطة بعد اإلطاحة بحكومة الفرتة االنتقالية‬ ‫ورئيسها دكتور عبدالله حمدوك يوم ‪ 25‬أكتوبر‪/‬‬ ‫تشــرين األول ‪.2021‬‬ ‫من أجل فهم ما يحدث اآلن‪ ،‬نحتاج إىل النظر‬ ‫شـرات‬ ‫إىل الــوراء‪ .‬يف ‪ 6‬أبريــل ‪ ،2019‬تدافــع ع ـ‬ ‫اآلالف مــن الســودانيني والســودانيات‪ ،‬شــاهرين‬ ‫هتافهــم بمطالــب الحريــة والســام والعدالــة‪،‬‬ ‫وأعلنــوا اعتصامهــم حتــى إســقاط نظــام الرئيــس‬ ‫عمــر البشــر‪.‬‬ ‫حدث ذلك بعد أشهر من املظاهرات املستمرة‬ ‫التي بدأت يف ديسمرب‪ /‬كانون األول ‪ 2018‬احتجاجا‬ ‫عىل النظام وتردي األوضاع يف البالد‪ ،‬والذي بلغ‬ ‫قمته بعد ثالثني عاما من حكم الفساد واالستبداد‬ ‫الذي دشنه انقالب “الجبهة القومية اإلسالمية”‬ ‫(النسخة السودانية من تنظيم اإلخوان املسلمني)‬ ‫يف ‪ 30‬يونيو‪/‬حزيران ‪.1989‬‬ ‫انحــاز عــدد مــن ضبــاط الجيــش املتمركزيــن‬ ‫يف القيــادة العامــة مثــل النقيــب حامــد عثمــان‪،‬‬ ‫وا ملــازم محمــد صد يــق‪ ،‬وخر جــوا بجنود هــم‬ ‫لحمايــة املدنيــن املعتصمــن يف محيــط قيادتهــم‬

‫‪03/05/2023 10:08‬‬

‫‪050_AM.indd 51‬‬


‫سياسة‬

‫‪52‬‬

‫المجلة‬

‫يف ‪ 2019‬اختار “حميديت” عدم التدخل‪ ،‬بعد أن بدا واضحا للجميع أن موجة‬ ‫االحتجاجات الشعبية ضد البشري ونظام اإلسالميني الحاكم‪ ،‬أعتى من أي‬ ‫تصور‪ ،‬ولن تتوقف قبل الوصول إىل مرادها بإسقاط الطغاة‪.‬‬ ‫من هجمات كتائب جهاز األمن الذي كان يديره‬ ‫رجل النظام القوي حينها صالح عبدالله قوش‪.‬‬ ‫تدريجيا‪ ،‬أجربت حركة االنحياز املتزايد يف أوساط‬ ‫الضباط والجنود إىل مطالب املعتصمني‪ ،‬قيادة‬ ‫الجيش عىل اإلطاحة بالبشري يف ‪ 11‬أبريل ‪2019‬‬ ‫واحتجــازه يف منزلــه قبــل نقلــه إىل ســجن كوبــر‪.‬‬ ‫انحازت “قوات الدعم السريع”إىل هذا الحراك‬ ‫بعدم التدخل‪ .‬ومنذ وقت مبكر بعد اندالع الثورة‪،‬‬ ‫أمر البشري قائدها محمد حمدان دقلو (حميديت)‬ ‫بإحضار قواته إىل الخرطوم للتصدي لالحتجاجات‬ ‫وإخمادها كما فعلت يف سبتمرب‪/‬أيلول ‪.2013‬‬

‫“ليست قوات حميدتي بل قوات‬ ‫حمايتي”‬

‫وكان مديــر مكتــب البشــر آنــذاك‪ ،‬محمــد عثمــان‬ ‫الحسني‪ ،‬أشرف عىل استخدام “الدعم السريع”‬ ‫يف إخماد االحتجاجات عام ‪ ،2013‬وهو ما نجحت‬ ‫فيه بقسوة بالغة وصلت إىل حد قتل نحو ‪200‬‬ ‫من املتظاهرين السلميني يف أقل من أسبوع واحد‪.‬‬ ‫ووصــف أحــد شــهود العيــان الحــدى منظمــات‬ ‫حقوق اإلنسان ما فعلته هذه “القوات” بالقول‪:‬‬ ‫“وقفنا‪ ،‬لكنهم أطلقوا النار”‪.‬‬ ‫منــذ ذاك الحــن‪ ،‬أصبــح البشــر ي ـقـول عــن‬ ‫هــذه القــوات إنهــا “ليســت قــوات حميــديت بــل‬ ‫قــوات حمايتــي”‪ ،‬ولكــن حميــديت اختــار هــذه ا ـملـرة‬ ‫عــدم التدخــل‪ ،‬بعــد أن بــدا واضحــا للجميــع أن‬ ‫موجة االحتجاجات ضد البشري ونظام اإلسالميني‬ ‫الحاكــم‪ ،‬أعتــى مــن أي تصــور‪ ،‬ولــن تتوقــف قبــل‬ ‫صـول إىل مرادهــا بإســقاط الطغــاة‪.‬‬ ‫الو ـ‬ ‫وتستحق قصة إنشاء “الدعم السريع” نفسها‬ ‫التنــاول‪ .‬يف ‪ ،2013‬أنشــأ نظــام البشــر‪ ،‬الــذي كان‬ ‫يخــوض حربــا أهليــة يف مســاحة شاســعة‪ ،‬يف ـغـرب‬ ‫جـزء‬ ‫وجنــوب البــاد‪“ ،‬قــوات الدعــم الســريع”‪ ،‬ك ـ‬ ‫مــن جهــاز املخا ـبـرات واألمــن الوطنيــة‪ .‬لــم يكــن هــذا‬ ‫التأســيس خلقــا جديــدا‪ ،‬بــل إعــادة تأهيــل إحــدى‬ ‫ميليشيات “الجنجويد” التي كانت موجودة بالفعل‬ ‫تحــت قيــادة حميــديت‪ ،‬الــذي تــم منحــه رتبــة عميــد‪.‬‬ ‫كان حميــديت‪ ،‬قائــد هــذه القــوات‪ ،‬أحــد قــادة‬ ‫“الجنجويد” خالل العقد األول من صراع دارفور‪.‬‬ ‫بل إنه تمرد لفرتة ضد نظام البشري خالل الصراع‪.‬‬ ‫كشف حميديت عن أسباب ذلك يف تقرير تلفزيوين‬

‫‪03/05/2023 10:08‬‬

‫مع “القناة الرابعة” اإلنجليزية؛ نعمة الباقر عام‬ ‫‪ ،2008‬إذ تعلقــت تلــك األســباب بنزاعــات ماليــة‬ ‫وعوامل أخرى مرتبطة بمطالبه يف االعرتاف الرسمي‬ ‫والرتب العسكرية الرسمية لنفسه وميليشياته‪.‬‬ ‫حتــى ذ لــك الحــن كان حميــديت يصــر عــى‬ ‫جـزءا مــن أي جهــاز رســمي وأنــه يقاتــل‬ ‫أنــه ليــس ـ‬ ‫يف دارفــور اســتجابة لطلــب شــخيص مــن البشــر‬ ‫بإحضــار رجا لــه واالنضمــام إىل املعر كــة ضــد‬ ‫املتمرديــن‪ .‬فجــأة‪ ،‬تــم اإلعــان عــن الرجــل الــذي‬ ‫لم تكن لديه مهنة رسمية سابقة (كان حميديت‬ ‫يعمــل كتاجــر جمــال عــى الحــدود الســودانية‪-‬‬ ‫التشادية) كما لم يكن له تدريب عسكري رسمي‬ ‫سابق كعميد يف صفوف جهاز األمن واملخابرات‬ ‫الوطنــي عــام ‪.2013‬‬

‫‪30‬‬

‫سنة‬ ‫تحالف العسكر و “الجبهة‬ ‫القومية االسالمية”‬ ‫في السودان‬ ‫كان الفــارق الرئيــي بــن حميــديت و قــادة‬ ‫طـراز القديــم أن حميــديت ال‬ ‫“الجنجويــد” مــن ال ـ‬ ‫يتمتــع بالو ضــع االجتما عــي للقيــادة القبليــة‪،‬‬ ‫وهــو مــا كان يحظــى بــه مــوىس هــال و ـغـره مــن‬ ‫قادة “الجنجويد” السابقني‪ .‬يبني الرجل نفسه‬ ‫باســتخدام نفــوذه املــايل كرجــل أعمــال عصامــي‬ ‫ناجح وقادر عىل التجنيد السريع ملقاتلني أشداء‬ ‫شــديدي ا ـلـوالء لــه‪ .‬وأشــار حميــديت إىل ذلــك يف‬ ‫مـره الصحــايف يف مايو‪/‬أ يــار ‪ ،2014‬ا لــذي‬ ‫مؤت ـ‬ ‫ذكــر فيــه قدرتــه عــى تجنيــد ‪ 100‬ألــف مقاتــل‬ ‫للقتال من أجل النظام إذا لزم األمر‪ ،‬ألنه ليس‬ ‫لهؤالء املجندين مصادر دخل أخرى‪ .‬كان الواقع‬ ‫االقتصادي الذي خلقته الحرب التي اندلعت يف‬ ‫دارفــور منــذ ‪ ،2003‬عامــا جذابــا لالنضمــام إىل‬ ‫صفوف حميديت‪ ،‬حني أصبح حمل السالح أحد‬ ‫وســائل كســب العيــش يف املنطقــة‪.‬‬

‫كان االختــاف الســابق م ـيـزة لحميــديت يف نظــر‬ ‫البشــر ونظامــه‪ .‬وكان يتــم النظــر إىل حميــديت‬ ‫عــى أنــه متعطــش للوضــع االجتماعــي واال ـعـراف‬ ‫والقبول واالحرتام التقليدي الذي تمنحه الرتبة‬ ‫العســكرية‪.‬‬ ‫كذلــك‪ ،‬لــم تكــن لديــه مصالــح قبليــة تقليديــة‬ ‫لحمايتهــا قــد تتقاطــع مــع معادلــة اإلســاميني‬ ‫لتوازنات القوى يف املنطقة كما حدث مع موىس‬ ‫هالل‪ .‬وكان حميديت هو املرشح املثايل للوظيفة؛‬ ‫طـراز األول ودون أي‬ ‫شـراء مــن ال ـ‬ ‫ســيف قابــل لل ـ‬ ‫حموالت‪ .‬وهكذا‪ ،‬عندما قرر جهاز األمن الوطني‬ ‫ـتـويل مهمــة محاربــة املتمرديــن بعــد اإلخفاقــات‬ ‫املســتمرة للقــوات املســلحة الســودانية‪ ،‬كان‬ ‫شـراء‪.‬‬ ‫حميــديت ورجالــه مســتعدين لل ـ‬

‫عشوائية الرتب العسكرية‬

‫نجحــت “قــوات الدعــم الســريع” بشــكل فاعــل يف‬ ‫إثبات نفسها بانتصارات متوالية‪ .‬وهو ما منحها‬ ‫نفوذا كبريا وأهمية لقيادة نظام البشري‪ ،‬لدرجة‬ ‫اعتقالــه ل ـفـرات طويلــة أصواتــا سياســية ارتفعــت‬ ‫بانتقــاد هــذا الكيــان املشــوه‪ ،‬والتنبيــه لخطــورة‬ ‫شـاء قــوات موازيــة لقــوات الجيــش‪.‬‬ ‫إن ـ‬ ‫كان أبــرز ـهـوالء املعتقلــن آخــر رئيــس وزراء‬ ‫منتخب؛ الراحل اإلمام الصادق املهدي‪ ،‬ورئيس‬ ‫“حزب املؤتمر السوداين” سابقا إبراهيم الشيخ‪،‬‬ ‫الذ يــن اعتقلهــم النظــام ل ـفـرة طويلــة و ســجل‬ ‫ضدهم تهما قضائية يف نيابة الجرائم املوجهة ضد‬ ‫الدولة بسبب انتقادهم لتكوين هذه القوات‪ .‬وعىل‬ ‫ـواز‪ ،‬أثــار تزايــد نفــوذ “الدعــم الســريع”‬ ‫صعيــد مـ ٍ‬ ‫العســكري حفيظــة الجيــش‪ ،‬الــذي ا ـعـرض كثــر‬ ‫مــن الضبــاط يف صفوفــه عــى طريقــة منــح الرتــب‬ ‫العســكرية عشــوائيا لهــذه القــوات‪ .‬وهــو مــا شــكل‬ ‫بو ـتـرة متزايــدة بــذرة الخــاف الحــايل‪.‬‬ ‫يف ‪ 3‬يونيــو ‪ ،2019‬شــاركت “قــوات الدعــم‬ ‫الســريع” يف معيــة قــوات تابعــة للمجلــس‬ ‫العسكري الذي تم تكوينه بعد إسقاط البشري يف‬ ‫فض االعتصام املنعقد أمام مباين القيادة العامة‬ ‫للجيــش‪ ،‬للمطالبــة بتســليم الحكــم لحكو مــة‬ ‫مدنيــة تمثــل قــوى الثــورة يف الســودان‪.‬‬ ‫شهد ذلك اليوم مجزرة دموية ال يزال يتذكرها‬ ‫الســودانيون بكثــر مــن األىس‪ .‬ولكــن عــى أثرهــا‬

‫‪050_AM.indd 52‬‬


‫‪53‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫عناصر من “قوات الدعم‬ ‫السريع” يف الخرطوم يف‬ ‫‪ 19‬يونيو ‪( 2022‬ا ف ب)‬

‫اندلعت املظاهرات مرة أخرى بشكل واسع أجرب‬ ‫املجلــس العســكري عــى التفــاوض مــع املدنيــن‬ ‫واالتفاق عىل الوثيقة الدستورية وتكوين حكومة‬ ‫مدنية انتقالية بمجلس سيادة مدين عسكري‪.‬‬ ‫ورأس الحكو مــة عبداللــه حمــدوك يف‬ ‫أ غســطس ‪/‬آ ب ‪.2 0 1 9‬‬ ‫بينمــا كان العســكريون وعــى رأســهم برهــان‬ ‫وحميديت يف مجلس السيادة الذي ترأسه برهان‬ ‫وعــن حميــديت نائبــا لــه‪ .‬وكان مــن املتفــق أن يتــم‬ ‫تســليم رئاســة مجلــس الســيادة يف الثلــث األخــر‬ ‫مــن ال ـفـرة االنتقاليــة لرئيــس مــدين‪ .‬ولكــن عنــد‬ ‫ا ـقـراب هــذا امليقــات‪ ،‬قــام العســكريون بانقالبهــم‬ ‫شـراكة‪،‬‬ ‫يف ‪ 25‬أكتوبــر ‪ ،2021‬معلنــن فــض ال ـ‬ ‫وعمليا انتهاء عملية االنتقال املدين الديمقراطي‬ ‫يف الســودان‪.‬‬ ‫لــم تكــن ال ـفـرة االنتقاليــة التــي ســبقت هــذا‬ ‫االنقــاب سلســة‪ .‬حيــث تزايــد نفــوذ العســكريني‬ ‫جـراء ســعي كثــر مــن القــوى املدنيــة‬ ‫يف الحكــم ـ‬ ‫لالستعانة واالستقواء بهم يف مواجهة الحكومة‬ ‫املدنيــة غــر الحزبيــة يف املرحلــة األوىل‪.‬‬ ‫كما تزايد النفوذ االقتصادي واإلقليمي لـ“قوات‬ ‫الدعــم الســريع”‪ ،‬وتزايــدت اتصاالتــه الخارجيــة‬ ‫وصالته يف اإلقليم‪ ،‬وكذلك بنى صالت اقتصادية‬ ‫وعسكرية وطيدة مع “مجموعة فاغرن” الروسية‬ ‫التــي اســتعانت بــه لعملهــا يف منطقــة الســاحل‪،‬‬ ‫واستعانت بحميديت وقواته يف النفوذ الرويس يف‬

‫‪03/05/2023 10:08‬‬

‫مايل والنيجر وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى‪،‬‬ ‫جـرال‬ ‫وليبيــا التــي دعــم فيهــا حميــديت بقواتــه ال ـ‬ ‫خليفة حفرت عام ‪.2019‬‬ ‫يف الداخل‪ ،‬ظل العسكريون يضعون العراقيل‬ ‫أمــام الحكومــة املدنيــة‪ .‬واســتعانوا ببقايــا النظــام‬ ‫إلثارة النزعات القبلية واإلقليمية لتضييق الخناق‬ ‫عليها‪ .‬وصل ذلك إىل تشجيع مجموعات محلية‬ ‫عــى إغــاق مي ـنـاء بورتســودان‪ ،‬املنفــذ البحــري‬ ‫الرئيــي للبــاد‪ ،‬وتشــجيع تنظيمــات سياســية‬ ‫منشــقة عــن تحالــف “قــوى الحريــة والتغيــر”‬ ‫إلقامة اعتصام أمام القصر الجمهوري للمطالبة‬ ‫بإسقاط حكومة حمدوك يف التمهيد النقالبهم‪.‬‬ ‫شكلت هذه املجموعات املنشقة الداعم السيايس‬ ‫الرئييس النقالب ‪ 25‬أكتوبر‪،‬وهي ما عرفتالحقا‬ ‫بمجموعــة “الكتلــة الديمقراطيــة”‪ ،‬والتــي كانــت‬ ‫أغلب مكوناتها من مجموعة التنظيمات املوقعة‬ ‫عــى اتفــاق ســام جوبــا يف أكتوبــر ‪.2020‬‬ ‫لكــن تحــت الرفــض الواســع لالنقــاب وضغــط‬ ‫املجتمــع الــدويل إلن ـهـاء الحالــة‪ ،‬وافــق شــريكا‬ ‫االنقالب عىل االنخراط يف عملية استعادة مسار‬ ‫حـول املــدين الديمقراطــي‪.‬‬ ‫الت ـ‬

‫تبييض السمعة‬

‫ومــى حميــديت أكــر يف ســعيه لتبييــض اســمه‬ ‫أمام املجتمع الدويل يف تبني خطاب الديمقراطية‬ ‫والحقوق والتحالف مع املجموعات املوقعة عىل‬

‫االتفاق اإلطاري‪ .‬ونجح يف ضم عدد من حلفائه‬ ‫املدنيــن املقربــن لهــذه املجموعــة مثــل إبراهيــم‬ ‫املريغني‪ ،‬وزير االتصاالت يف عهد البشري‪ ،‬والذي‬ ‫تربطه عالقات نسب مباشرة بمدير مكتب البشري‬ ‫الســابق محمــد عثمــان الحســن‪ ،‬األب الروحــي لـ‬ ‫“قــوات الدعــم الســريع”‪ .‬وأثــر هــذا عــى تقديــم‬ ‫تنازالت من بعض املكونات املدنية املرهقة واملتلهفة‬ ‫للعــودة للســلطة عــر هــذه العمليــة وتصفهــا بـ‬ ‫“اللعبــة الوحيــدة” بامليــدان‪.‬‬ ‫ولكــن مــا حــدث مــن تعــر يف مســار العمليــة‬ ‫السياسية‪ ،‬كان عرضا للمرض األكرب الذي أصاب‬ ‫ال ـفـرة االنتقاليــة منــذ بدايتهــا يف ‪ 2019‬وأدى إىل‬ ‫تعرثهــا حتــى انتهــت بانقــاب ‪ 25‬أكتوبــر ‪،2021‬‬ ‫صـاح يف أج ـهـزة‬ ‫وهــو الســعي إىل تســييس اإل ـ‬ ‫الدولة واالستفادة منها لتحقيق مكاسب لألطراف‬ ‫املختلفــة إىل أقــى حــد ممكــن‪.‬‬ ‫وعرقل هذا االستقطاب مهمة إصالح القطاع‬ ‫األمنــي والعســكري‪ ،‬منــذ البدايــة‪ ،‬إذ قاومــت‬ ‫املكونــات العســكرية‪ ،‬ســواء كانــت يف الجيــش أو‬ ‫“الدعم السريع”‪ ،‬هذه العملية منذ بدء الفرتة‬ ‫جـراءات عمليــة للمــي‬ ‫االنتقاليــة‪ ،‬وعرقلــت أي إ ـ‬ ‫فيها قدما‪ ،‬وانحصر الخطاب والعمل السيايس‬ ‫الرسمي حول إصالح القطاع األمني يف الرتتيبات‬ ‫األمنيــة املتعلقــة باتفــاق ســام جوبــا‪ ،‬وكان عــدم‬ ‫بــدء وتقــدم هــذه العمليــة أحــد األســباب التــي‬ ‫مهــدت وأدت إىل انقــاب ‪ 25‬أكتوبــر‪.‬‬

‫‪050_AM.indd 53‬‬


‫سياسة‬

‫وبــدال مــن إن ـهـاء االنقــاب وإعــادة االنتقــال‬ ‫املــدين الديمقراطــي إىل مســاره املرتبــط بأهــداف‬ ‫صـاح ضرور يــة‬ ‫الثــورة والتغيــر وعمليــات إ ـ‬ ‫ذات طابــع جــذري وتأســييس يف جهــاز الدولــة‬ ‫بشقيه املدين والعسكري‪ ،‬أصبح هدف العملية‬ ‫السياسية محاوالت حثيثة – ورخيصة لألمانة –‬ ‫للعودة إىل السلطة دون تمحيص فيما يحدث‬ ‫بعــد ذلــك‪.‬‬ ‫و تــم ا ســتخدام كل أدوات التضليــل‬ ‫والربوباغاندا يف الرتويج لهذه العودة باعتبارها‬ ‫انتصارا إلرادة شعبية‪ ،‬بينما اإلرادة الشعبية ال‬ ‫ـتـزال – رغــم إرهاقهــا املتزايــد مــن الوضــع الحــايل‬ ‫– تنظــر بكثــر مــن الشــك إىل مخرجــات هــذه‬ ‫عـرة‪.‬‬ ‫العمليــة املت ـ‬ ‫كمــا أن تقلــب تحالفــات االنقالبيــن مــع‬ ‫القــوى السياســية‪ ،‬وتحولهــا مــن ضفــة “الكتلــة‬ ‫الديمقراطية” إىل االنخراط مع املجلس املركزي‪،‬‬ ‫إىل جعل هذه العملية جزئية بشكل يهدد قدرة‬ ‫مخرجاتها عىل تحقيق أي اســتقرار‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫اســتعادة مســار االنتقــال‪.‬‬ ‫وأدى تحول العملية إىل مجرد ساحة لحصد‬ ‫مغانم سلطوية‪ ،‬إىل تحويل نقاش القضايا إىل‬ ‫مســاومات “خــذ وهــات”‪ ،‬ال يتــم الرتكيــز فيهــا‬ ‫بشــكل كبــر عــى األهــداف املتعلقــة باالنتقــال‬ ‫شـراء داء تســييس‬ ‫نفســه‪ ،‬وكمــا أدى إىل است ـ‬ ‫قضايا اإلصالح ومهام الفرتة االنتقالية املختلفة‬ ‫بما جعلها فرصة ليحصد كل طرف من األطراف‬ ‫السياسية ما يستطيع من مكاسب‪ ،‬وألن دافع‬ ‫القوى املدنية املوقعة عىل االتفاق اإلطاري أصبح‬ ‫مجرد الرجوع إىل السلطة فقد كانت األكرث كرما‬ ‫يف منــح التنــازالت‪.‬‬

‫‪03/05/2023 10:09‬‬

‫المجلة‬

‫‪100‬‬

‫الف مقاتل‬ ‫وعد حميدتي في‬ ‫مايو ‪ ،2014‬بتجنيدهم‬ ‫دفاعا عن النظام‬ ‫أداة لبناء الديمقراطية؟‬

‫والسؤال الذي يطرح نفسه اآلن هو‪ :‬ماذا يريد‬ ‫العســكر؟ حصانــة مــن املحاســبات‪ ،‬فمنحوهــم‬ ‫طـاء مــن ال يملــك ملــن ال يســتحق‪،‬‬ ‫الحصانــة يف ع ـ‬ ‫وحاولــوا إخراجهــا عــر نقاشــات فوقيــة لقضيــة‬ ‫العدالــة االنتقاليــة بمناقشــة تجــارب كولومبيــا‬ ‫وجنوب أفريقيا‪ ،‬ولكن أغفلت مناقشة املسؤولية‬ ‫السياسية عن الجرائم التي تم ارتكابها‪ ،‬بما حول‬ ‫مخرجاتهــا إىل محــض تقنــن كامــل لإلفــات مــن‬ ‫العقــاب‪ ،‬وتمــت تحليــة الصفقــة باملشــاركة يف‬ ‫تبييــض اســم وســمعة “قــوات الدعــم الســريع”‬ ‫وقائدها حميديت والتي بدأت بتسميته “شخصية‬ ‫العــام لحقــوق اإلنســان” يف الســودان واســتمرت‬ ‫يف إعــادة تقديمــه كحليــف للقــوى الديمقراطيــة‪.‬‬ ‫يذكــر أنــه ُعقــدت ورشــة معالجــة إشــكاالت‬ ‫اتفاق جوبا دون مشاركة أغلب املوقعني‪ ،‬ودون‬ ‫مناقشة حقيقية ملاهية هذه اإلشكاالت عىل أرض‬ ‫الواقــع‪ ،‬ولــم تخــرج ســوى بت ـكـرار الورشــة ـمـرة‬ ‫أخرى يف جوبا ودون توصيات ذات معنى تعالج‬ ‫األزمة الحقيقية يف فرتة االنتقال‪ ،‬وهو تعريفها‬ ‫كفرتة إلنجاز مهام اإلصالح وإعادة البناء وليس‬ ‫صـراع عــى الحكــم والســيطرة‪.‬‬ ‫ال ـ‬

‫‪54‬‬

‫ومضــت ورش االتفــاق اإلطــاري (املبــدأي) يف‬ ‫منهج التسابق ذاته لالنتهاء منها بأي شكل كان‪،‬‬ ‫انصرافا للرتكيز عىل الجائزة والهدف الرئيس من‬ ‫العملية‪ ،‬وهو غنيمة السلطة‪ ،‬لكن األمر انفجر‬ ‫خـرة‪ ،‬والتــي يرتبــع‬ ‫صـاح األمنــي األ ـ‬ ‫يف ورشــة اإل ـ‬ ‫الفاعلــون األساســيون (الجيــش وقــوات الدعــم‬ ‫السريع) يف مناقشتها عىل سدة السلطة بالفعل‪،‬‬ ‫ولذلــك ســعى الطرفــان إىل الرتكيــز عــى حصــد‬ ‫مكاســب سياســية طويلــة األمــد لــكل منهمــا عــى‬ ‫حســاب اآلخــر‪ ،‬بغــض النظــر عــن منطقيــة ذلــك‪.‬‬ ‫لكــن الخطــورة األكــر يف هــذه العمليــة أنهــا‬ ‫مفصليــة تتعلــق بالتاريــخ الســيايس الســوداين‬ ‫واستخدام السالح فيه‪ ،‬بما جعل صراع السياسة‬ ‫مرتبطا بالسطوة والنفوذ العسكري القادر عىل‬ ‫االنقالب عىل أي أسس متفق عليها ديمقراطيا‪،‬‬ ‫وجعــل الســودان يتصــدر قائمــة الــدول األفريقيــة‬ ‫التي شهدت أكرب عدد من االنقالبات ومحاوالت‬ ‫صـاح العســكري واألمنــي‬ ‫االنقــاب‪ ،‬فعمليــة اإل ـ‬ ‫ال تصلح ألن تكون مرتعا للمزايدات السياسية‪،‬‬ ‫ومفاهيم مثل خضوع األجهزة العسكرية للرقابة‬ ‫املدنية‪ ،‬ووحدة هياكل السيطرة والتحكم وقيادة‬ ‫القــوات املســلحة يف البــاد‪ ،‬وأســاليب ومناهــج‬ ‫التجنيــد والتدريــب والتســليح‪ ،‬ليســت مرتبطــة –‬ ‫وال ينبغــي لهــا – بالســعي لوجــود حليــف يملــك‬ ‫السالح والنفوذ العسكري لالنحياز لفرض هذه‬ ‫األجنــدة أو تلــك‪ ،‬هــذا خطــأ منهجــي وقعــت فيــه‬ ‫“قــوى الحريــة والتغيــر”– ومــن يمــي يف ركبهــا‬ ‫– حــن تحــاول ب ـنـاء هيــكل ديمقراطــي باســتخدام‬ ‫أدوات قمعيــة‪ ،‬و قــد أُسســت “ قــوات الد عــم‬ ‫السريع” خالل عهد البشري كإحدى أدوات القمع‬ ‫حـرب األهليــة‪ ،‬وهــذا أســاس متجــذر ال يصلــح‬ ‫وال ـ‬ ‫معــه تحويلهــا بــن ليلــة وضحاهــا إىل أداة لب ـنـاء‬ ‫الديمقراطيــة وتمديــن الحيــاة السياســية‪ ،‬ذلــك‬ ‫ناهيــك عــن أن حميــديت وقواتــه لــم يو ـفـرا جهــدا‬ ‫يف االنخراط يف قضايا وشــؤون إقليمية ودولية‪،‬‬ ‫تكشف بوضوح عن طموحات قائدها يف استخدام‬ ‫هذه القوات كرافعة لطموحاته السياسية داخل‬ ‫وخــارج الســودان‪.‬‬ ‫وعــى صعيــد آخــر‪ ،‬فــإن الجيــش الســوداين‬ ‫مصــاب بــداء العمــل الســيايس‪ .‬ولعبــت ـفـرات‬ ‫الحكــم العســكري املطولــة يف البــاد‪ ،‬وآخرهــا يف‬

‫‪050_AM.indd 54‬‬


‫المجلة‬

‫‪55‬‬

‫سياسة‬

‫هناك خطأ منهجي وقعت فيه قوى الحرية والتغيري – ومن يميش يف ركبها –‬ ‫حني حاولت بناء هيكل ديمقراطي باستخدام أدوات قمعية‪.‬‬ ‫عهد التحالف بني “الجبهة القومية اإلســامية”‬ ‫والعسكر لـحواىل ‪ 30‬سنة‪ ،‬دورا كبريا يف تحويل‬ ‫عقيــدة القــوات املســلحة يف فهمهــا لعالقتهــا مــع‬ ‫جهــاز الدولــة مــن “الحمايــة” اىل “الوصايــة”‪،‬‬ ‫بحيــث أصبحــت تعتــر نفســها كيانــا فــوق جهــاز‬ ‫الدولة وليست جزءا منه؟ تمتد شواهد ذلك من‬ ‫تصريحات الجرنال الربهان وحتى الشعور الطاغي‬ ‫لدى “الخرباء االسرتاتيجيني” الذي يعتربون أن‬ ‫أي هراء يقولونه هو من جوامع الكلم التي ينبغي‬ ‫أن يقتنــع بهــا الجميــع‪.‬‬

‫سباق مغانم‬

‫منــذ وقــت مبكــر‪ ،‬أدرك الوســطاء الدوليــون‪،‬‬ ‫التحول الذي حدث يف طبيعة وأهداف العملية‬ ‫السياســية وتحولهــا إىل ســباق مغانــم يهــدف إىل‬ ‫السلطة‪ ،‬ولذلك أصبحت وساطتهم ترتكز حول‬ ‫هــذه النقطــة‪.‬‬ ‫ولعل زلة اللسان أو اإلشارة املقصودة‪ ،‬التي‬ ‫وردت يف تقريــر املمثــل الخــاص لألمــن العــام‬ ‫فولكــر بريتــس األخــر ملجلــس األمــن‪ ،‬أن بعــض‬ ‫حـركات املوقعــة عــى اتفــاق ســام جوبــا‬ ‫قــادة ال ـ‬ ‫تسعى فقط لضمان مشاركتها يف السلطة‪ ،‬تصلح‬ ‫للتعميــم عــى جميــع املشــاركني يف العمليــة‪ ،‬إذ‬ ‫إن بريتــس يعــرف تمامــا أن هــذه العمليــة‪ ،‬التــي‬ ‫أصبــح يلعــب فيهــا بمعيــة آخريــن دور املخــرج‪،‬‬

‫أصبح الغرض منها الوصول إىل معادلة لتقسيم‬ ‫حـول‬ ‫الســلطة وضمــان النفــوذ وليــس دعــم الت ـ‬ ‫الديمقراطــي‪.‬‬ ‫ولهــذا أصبــح الوســطاء الدوليــون وموظفوهــم‬ ‫يف – أمــم متحــدة وســفراء واتحــاد أفريقــي وإيقــاد‬ ‫وغريهــا – يــرددون بثقــة بعــض الدفوعــات الغريبــة‬ ‫وكأنهــا ثوابــت منطقيــة‪ ،‬مثــل عــدم ق ـبـول برهــان‬ ‫كقائد للجيش بخضوع الجيش إلدارة مدنية غري‬ ‫منتخبة‪ ،‬وهو يف ذلك يشكك يف شرعية هذه اإلدارة‬ ‫يف املقــام األول‪ ،‬فلمــاذا يشــارك فيهــا‪.‬‬ ‫ومــا هــو هــذا الوضــع الغريــب الــذي يتمتــع فيــه‬ ‫جيــش الدولــة باســتقالل عــن الجهــاز التنفيــذي‬ ‫للدولة‪ ،‬شرعية االنتقال وحكومته هي من شرعية‬ ‫شـرعية‪ ،‬فاألوىل به‬ ‫الثورة‪ ،‬ومن ال يقبل بهذه ال ـ‬ ‫أن ال يشارك فيها‪ ،‬وثانية الغرائب أن حميديت ال‬ ‫يعرتض عىل أن يكون جزءا من الجيش‪ ،‬لكنه ال‬ ‫يرغــب يف أن يخضــع أو يكــون تابعــا للقائــد العــام‬ ‫للجيــش وأنــه يفضــل التبعيــة ـلـرأس الدولــة‪ ،‬ذي‬ ‫املهام الشرفية‪ ،‬ناهيك عن أن ذلك يجعل القائد‬ ‫العام ليس قائدا وال عاما‪.‬‬ ‫لم يخربنا أي من هؤالء الخرباء األمميني عن‬ ‫كيــف يســتقيم هــذا الوضــع مــع الســعي إلن ـهـاء‬ ‫تعدد الجيوش وحاميل السالح يف الدولة‪ ،‬وكل‬ ‫هــذه الغرائــب التــي يتــم التعامــل معهــا كأســانيد‬ ‫منطقية يف بالد العجائب‪ ،‬مرتبطة بيقني هؤالء‬

‫الرئيس السوداين السابق‬ ‫عمر حسن البشري جنوب‬ ‫دارفور يف ‪ 28‬ابريل ‪.2015‬‬ ‫( اف ب)‬ ‫متظاهرون عىل حافلة‬ ‫يف الخرطوم يف ‪ 23‬ابريل‬ ‫‪ ( .2019‬أف ب )‬

‫‪03/05/2023 10:09‬‬

‫الوســطاء أن األمــر ال يعــدو مجــرد مســاومة عــى‬ ‫مائــدة الســلطة وليــس ســعيا الســتعادة مســار‬ ‫االنتقــال بشــكل حقيقــي‪.‬‬ ‫ويف هذا أيضا يدخل النقاش حول فرتة دمج‬ ‫“الدعــم الســريع”‪ ،‬التــي يتحــدث البعــض عــن‬ ‫شـرة أعــوام‪ ،‬وبينمــا يدفــع آخــرون‬ ‫حاجتهــا لع ـ‬ ‫بحاجتهــا لعا مــن فقــط لتصبــح الو ســاطة يف‬ ‫إقناعهــم بالق ـبـول بحــل وســط يف خمســة أعــوام‪،‬‬ ‫دون أن يجيب أحد هؤالء الجهابذة عىل سؤال‪:‬‬ ‫إىل مــاذا تســتند هــذه األرقــام؟‬ ‫إذ إن “قــوات الدعــم الســريع” ال تختلــف عــن‬ ‫الجيش يف يشء سوى تركيبها القبيل وهو األمر‬ ‫صـاح‪،‬‬ ‫الــذي ينبغــي أن ينتهــي يف أي عمليــة إ ـ‬ ‫ولكنهــا قــوات كا نــت تحــارب العــدو نفســه‪،‬‬ ‫وبالعقيــدة القتاليــة ذاتهــا‪ ،‬واألســلحة نفســها‬ ‫وكذلــك التدريــب‪ ،‬بــل إن عــددا مقــدرا وك ـبـرا مــن‬ ‫ضباطهــا هــم مــن الضبــاط الســابقني يف القــوات‬ ‫شـرات‬ ‫املســلحة‪ ،‬فلمــاذا يح ـتـاج دمجهــا إىل ع ـ‬ ‫حـول‬ ‫الســنني؟ إذا لــم يكــن األمــر مجــرد مســاومة ـ‬ ‫اســتمرار النفــوذ الســيايس لقائدهــا؟‬ ‫أصبــح املجتمــع الــدويل ووســطاؤه يســعون‬ ‫صـول إىل اتفــاق‪ ،‬بــأي شــكل كان‪،‬‬ ‫إىل مجــرد الو ـ‬ ‫وأصبــح تركيــز بعــض ‪ -‬إن لــم يكــن غالبيــة ‪-‬‬ ‫املوظفــن واملبعو ثــن االحتفــال بانت ـهـاء نا جــح‬ ‫للعملية السياسية‪ ،‬بغض النظر عما ستنتجه‪،‬‬ ‫وإذا مــا كانــت تخــدم أهــداف الثــورة واالســتقرار‬ ‫والديمقراطيــة أم ال‪.‬‬ ‫بطبيعــة الحــال‪ ،‬اســتغل اإلســاميون وبقايــا‬ ‫النظــام الســابق التو تــر و ســاهموا يف تأجيجــه‬ ‫غـرض مزيــد مــن الزعزعــة‬ ‫سياســيا وعســكريا ب ـ‬ ‫وعــدم االســتقرار يف مســار االنتقــال الســوداين‬ ‫واالنتقــام مــن فقدانهــم للحكــم‪ .‬باألحــرى فــإن‬ ‫ك ـثـرا مــن األســانيد تؤيــد أنهــم كانــوا وراء إطــاق‬ ‫صـراع‪ ،‬ولكــن يظــل‬ ‫الرصاصــة األوىل يف هــذا ال ـ‬ ‫طموح الجرنالني نحو االنفراد بالحكم الشمويل‬ ‫حـرك األول لل ـنـزاع فيمــا بينهمــا‪.‬‬ ‫هــو امل ـ‬ ‫كال الطرفــن ‪ -‬الجيــش و “الدعــم الســريع”‪-‬‬ ‫شـركاء عــى حــد الســواء يف انت ـهـاكات شــهدتها‬ ‫ـ‬ ‫البــاد وهــي انقــاب ‪ 25‬أكتوبــر ‪.2021‬‬ ‫والـ ـصـ ــراع ال ـحــال ــي بـيـنـه ـمـ ــا ه ــو م ـع ــركة ع ـل ــى‬ ‫غ ـنــائ ــم ومـص ــالح‪.‬‬

‫‪050_AM.indd 55‬‬


‫صورة و قصة‬

‫‪56‬‬

‫المجلة‬

‫ألــوان الخــوف‬ ‫والقلــق‬ ‫فنانة سودانية تكتب وترسم‬ ‫يف “املجلة” عن الوضع الراهن‬ ‫نص ورسم ‪ -‬وفاء صالح‬

‫الصراع عىل السلطة‬ ‫معاناة السودانيني‬

‫‪‎‬منذ أربعة أعوام‪ ،‬يمر السودان بصراعات عىل الحكم والسلطة‪ ،‬وليس للمواطنني يد‬ ‫يف الحرب التي تحدث يف السودان حاليا‪ ،‬لكنهم أكرث املتضررين بقتلهم وتدمري منازلهم‬ ‫والنزوح من وطنهم والعيش يف رعب ورهبة مما قد يحدث تاليا‪ .‬وأستطيع أن أقول إن‬ ‫هذا ما يعيشه حتى الذين هم خارج الدولة‪ ،‬قلقا عىل أهلهم وأحبائهم املوجودين يف‬ ‫الداخل‪.‬‬ ‫‪‎‬قدّ م الكثري من الفنانني أعماال تسلط الضوء عىل ما يجري حاليا يف السودان بسبب‬ ‫النزاع عىل السلطة‪ ،‬وعكس كثري من األعمال الخوف والقلق والدمار الذي حدث للبيوت‬ ‫ُ‬ ‫حاولت عكس وإيصال ما يحدث يف بلدي السودان‬ ‫يف مدينة الخرطوم‪ .‬يف هذه اللوحات‪،‬‬ ‫من نزاع وما خلفه ذلك من ضحايا ومشاعر قلق وعكس رغبتي التي أستطيع القول بأن‬ ‫هذه رغبة كل سوداين اآلن‪ .‬أن ينتهي هذا الوضع ونعيش يف سالم‪.‬‬ ‫منذ بداية النزاع مررت بحالة من الخوف والحزن ونكران ملا يحدث من روع األحداث‬ ‫والدمار الذي حدث وإصابة املواطنني داخل بيوتهم والشوارع العامة‪ .‬يف بعض األحيان‬ ‫أشعر أنه حلم سيئ ال أكرث‪.‬‬ ‫الرسم ساعدين يف التعبري عن حزين ومدى رغبتي يف إحالل السالم يف السودان‪،‬‬ ‫وإيضاح أن هذه الحرب ليست حربنا وليس للمواطن الربيء الذي يعيش يف خوف‬ ‫ويموت داخل منزله أي يد يف هذا الصراع‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:38‬‬

‫‪056_AM.indd 56‬‬


‫‪57‬‬

‫‪02/05/2023 13:39‬‬

‫المجلة‬

‫صورة و قصة‬

‫‪056_AM.indd 57‬‬


1

10/10/22

12:20 PM

CAPTURE COLLECTIONS

Hia Akillis FP Sep 2022.pdf

A K I L L I S. C O M

058_AM.indd 58

02/05/2023 13:44


‫‪59‬‬

‫ُ تجرى االنتخابات الرئاسية على‬ ‫جولتين‪ ،‬تقام الثانية في حال‬ ‫لم يتمكن أي مرشح من تجاوز‬ ‫عتبة «‪ 50‬في المئة‪ +‬واحد»‬ ‫ويتنافس عندها المرشحان‬ ‫اللذان يحصدان أعلى األصوات‬ ‫في الجولة األولى‬

‫المجلة‬

‫نظرا لتزامن‬ ‫انتخابات ‪ 2023‬مع الذكرى‬ ‫المئوية لتأسيس الجمهورية‬ ‫التركية‪ ،‬فستكون ّثمة قيمة‬ ‫رمزية لمن يفوز بها‬

‫“معركة” تركية‬ ‫ومئوية الجمهورية‬ ‫الحزب الحاكم أمام انتخابات مصريية‬ ‫أنقرة ‪ -‬عمر أونهون رسوم ‪ -‬إيوان وايت‬ ‫غرافيك ‪ -‬ديانا استيفانيا روبيو‬

‫‪02/05/2023 13:44‬‬

‫سياسة‬

‫مدة والية الرئيس ‪ 5‬سنوات‬ ‫ويجوز انتخاب المرشح لفترتين‬ ‫كحد أقصى‪ ...‬ويجري الترشيح‬ ‫على الرئاسة إما من ِقبل حزب‪/‬‬ ‫تحالف سياسي‪ ،‬أو يخوض‬ ‫الراغبون السباق االنتخابي‬ ‫كمرشحين مستقلين‬

‫منتصــف مايو‪/‬أيــار ‪ ،2023‬موعــد االنتخابــات الرئاســية والربملانيــة‪ ،‬التــي ربمــا تكــون أهــم انتخابــات‬ ‫حـزاب عــام ‪.1946‬‬ ‫منــذ أول انتخابــات متعــددة األ ـ‬ ‫ونظرا لتزامن انتخابات ‪ 2023‬مع الذكرى املئوية لتأســيس الجمهورية الرتكية‪ ،‬فســتكون ثمّ ة‬ ‫قيمــة رمزيــة ملــن يفــوز بهــا‪.‬‬ ‫يتوىل حزب العدالة والتنمية السلطة منذ عام ‪ ،2002‬حيث حكم رجب طيب أردوغان بني عامي‬ ‫‪ 2003‬و‪ ،2014‬رئيســا للــوزراء‪ ،‬ثــم مــن ‪ 2014‬ولغايــة اليــوم بصفتــه رئيســا لرتكيــا‪ .‬وكان أردوغــان‪،‬‬ ‫خــال ـفـرة رئاســته للــوزراء‪ ،‬يجــادل بــأن املنظومــة السياســية الرتكيــة كانــت تبطــئ تقــدّ م البــاد‪،‬‬ ‫ودعــا إىل نظــام يمكنــه تســهيل تقــدم مــا ســماه «تركيــا الجديــدة» يف قــرن وصفــه بـ«القــرن ا ـلـريك»‪.‬‬ ‫جـاءت محاولــة االنقــاب عــام ‪ 2016‬لتقــدّ م ألردوغــان فرصــة للمــي قدمــا يف فكرتــه بتغيــر‬ ‫و ـ‬ ‫جـاءت نتيجتــه‬ ‫النظــام‪ .‬ويف أبريل‪/‬نيســان ‪ ،2017‬جــرى اســتفتاء للتصويــت عــى تعديــات الدســتور ـ‬ ‫حـزب العمــل القومــي يف تغيــر املنظومــة‪ .‬وقــد‬ ‫حـزب العدالــة والتنميــة وحليفــه ـ‬ ‫موافقــة لرغبــات ـ‬ ‫حصــل أردوغــان عــى مــا يريــد بــ‪ 51.41( 25,157,463‬يف املئــة) صوتــوا بـ«نعــم»‪ ،‬مقابــل ‪23,779,141‬‬ ‫(‪ 48.59‬يف املئــة) صوتــوا بــ«ال»‪.‬‬ ‫ونتج عن التعديالت الدستورية إلغاء منصب رئيس الوزراء‪ ،‬وحل محله نظام رئايس ورئاسة‬ ‫تنفيذية‪ ،‬حيث يُنتخب الرئيس كل خمس سنوات‪.‬‬

‫‪058_AM.indd 59‬‬


‫سياسة‬

‫‪60‬‬

‫المجلة‬

‫اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﺮﺋﺎﺳﻴﺔ ﻟﺴﻨﺔ ‪2018‬‬

‫ﻋﺪد اﻷﺻﻮات اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺷﺤﻴﻦ‬ ‫‪%0,9‬‬

‫‪%0,2‬‬

‫‪433,704‬‬

‫‪98,955‬‬

‫ﺗﻤﻴﻞ ﻗﺮه ُﻣﻼ أوﻏﻠﻮ‬

‫دوﻏﻮ ﺑﺮﻳﻨﺠﻚ‬

‫أول انتخابات رئاسية في ظل‬ ‫النظام الجديد ‪2018‬‬

‫وفقا للنظام الجديد‪ ،‬تجرى االنتخابات الرئاسية‬ ‫عــى جولتــن‪ ،‬تقــام الثانيــة يف حــال لــم يتمكــن أي‬ ‫مرشــح مــن تجــاوز عتبــة «‪ 50‬يف املئــة‪ +‬واحــد»‪،‬‬ ‫ويتنافــس عندهــا املرشــحان اللــذان يحصــدان أعــى‬ ‫األصــوات يف الجولــة األوىل‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪ ،2018‬تر شــح ســتة أ شــخاص ملنصــب‬ ‫الرئاســة‪ ،‬وحصــل أردوغــان يف الجولــة األوىل عــى‬ ‫‪ 52.59‬يف املئــة مــن األصــوات‪ ،‬ليصبــح أول رئيــس‬ ‫للنظــام الجديــد‪ ،‬دون اللجــوء إىل جولــة ثانيــة‪،‬‬ ‫حـرم إينجــه مــن‬ ‫بينمــا حصــل أ ـقـرب منافســيه‪ ،‬م ـ‬ ‫حـزب الشــعب الجمهــوري‪ ،‬عــى ‪ 30.64‬يف املئــة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫يوضح الجدول عدد األصوات التي حصل عليها‬ ‫جـرت‬ ‫كل مرشـ ٍـح يف االنتخابــات الرئاســية التــي ـ‬ ‫ســنة ‪:2018‬‬

‫ﻣﻴﺮال أﻛﺸﻴﻨﺎر‬

‫‪%52,6‬‬

‫‪%8,4‬‬

‫‪26,330,823‬‬

‫‪4,205,795‬‬

‫رﺟﺐ ﻃﻴﺐ‬ ‫أردوﻏﺎن‬

‫ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ‬ ‫دﻣﻴﺮﻃﺎش‬

‫‪%30,6‬‬ ‫‪15,340,321‬‬

‫ﻣﺤﺮم إﻳﻨﺠﻪ‬

‫االنتخابات البلدية في مارس ‪2019‬‬

‫اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﻨﻴﺎﺑﻴﺔ ﻟﺴﻨﺔ ‪2018‬‬

‫ذهــب الناخبــون األ ـتـراك إىل صناديــق اال ـقـراع آخــر‬ ‫جـرت االنتخابــات‬ ‫ـمـر ٍة يف مــارس‪/‬آذار ‪ 2019‬حــن ـ‬ ‫البلدية‪ .‬وكان لالنتخابات تأثري سيايس كبري‪ ،‬حيث‬ ‫شــكلت النتائــج ضربــة ك ـبـرة ألردوغــان‪ ،‬إذ خســر‬ ‫حـزب العدالــة والتنميــة بلديــات املــدن الكــرى يف‬ ‫ـ‬ ‫حـزب‬ ‫إســطنبول وأن ـقـرة وبولــو وأنطاليــا ملصلحــة ـ‬ ‫حـزب العدا لــة‬ ‫الشــعب الجمهــوري‪ .‬و قــد كان ـ‬ ‫والتنميــة مســيطرا عــى بلديــات املــدن هــذه عــى‬ ‫العشرين املاضية‪ ،‬وأحيانا ملدة أطول‬ ‫مدار األعوام ِ‬ ‫مــن ذلــك‪ ،‬وإن كان تحــت الفتــات أخــرى‪.‬‬ ‫أظهرت االنتخابات البلدية نجمني صاعدين عىل‬ ‫املسرح السيايس الرتيك‪ :‬أكرم إمام أوغلو‪ ،‬عمدة‬ ‫حـزب الشــعب الجمهــوري)‪،‬‬ ‫إســطنبول الجديــد ( ـ‬ ‫حـزب‬ ‫ومنصــور يافــاش‪ ،‬عمــدة أن ـقـرة الجديــد ( ـ‬ ‫الشــعب الجمهــوري)‪.‬‬

‫االنتخابات البرلمانية المقبلة في‬ ‫‪ 14‬مايو ‪2023‬‬

‫وفقــا للمجلــس األ عــى لالنتخا بــات‪ ،‬فــإن‬ ‫‪ 60.904.499‬شخصا مؤهلون للتصويت يف صناديق‬ ‫ا ـقـراع يبلــغ عددهــا اإلجمــايل ‪ 190.736‬صندوقــا‪،‬‬ ‫وهناك ‪ 3.286.786‬ناخبا إضافيا مؤهلون للتصويت‬ ‫يف الخارج مُوزعون عىل ‪ 4.969‬صندوق اقرتاع يف ‪74‬‬

‫‪02/05/2023 13:44‬‬

‫‪%7,3‬‬

‫‪3,649,030‬‬

‫ﻋﺪد اﻟﻨﺎﺧﺒﻴﻦاﻟﻤﺴﺠﻠﻴﻦ‬

‫‪59.367.469‬‬

‫‪%86.22‬‬

‫‪51.189.444‬‬ ‫ﻋﺪداﻟﻤﻘﺘﺮﻋﻴﻦاﻟﻔﻌﻠﻴﻴﻦ‬

‫‪%100‬‬

‫ﻋﺪداﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻴﻴﻦ‬

‫اﻟﺨﻴﺮ‬ ‫اﻟﺤﺰب ّ‬

‫ﺣﺰب اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﻘﻮﻣﻲ‬

‫ﺣﺰب اﻟﺸﻌﻮب‬ ‫اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ‬

‫‪%11.70 %11.10 %9.96‬‬

‫‪4.993.479‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪5.565.331‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪5.867.302‬‬ ‫‪67‬‬

‫ﺣﺰب اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺠﻤﻬﻮري‬

‫‪%22.65‬‬ ‫‪11.354.190‬‬ ‫‪146‬‬

‫ﺣﺰب اﻟﻌﺪاﻟﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ‬

‫‪%42.56‬‬ ‫‪21.338.693‬‬ ‫‪295‬‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت‬

‫‪058_AM.indd 60‬‬


‫‪61‬‬

‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫تأهل ‪ 36‬حزبا سياسيا للمشاركة يف االنتخابات‪ ،‬ولكن أربعة منها‬ ‫ستشارك ضمن قوائم األحزاب األخرى‪ ،‬وبالتايل فلن تظهر‬ ‫سوى أسماء وشعارات ‪ 32‬حزبا عىل بطاقات االقرتاع‬

‫دولة‪ .‬وهؤالء األتراك الذين يعيشــون يف الخارج‪،‬‬ ‫وغالبيتهــم يف أملانيــا‪ ،‬تليهــا أعــداد ك ـبـرة يف فرنســا‬ ‫واململكــة املتحــدة وهولنــدا والنمســا‪.‬‬ ‫و قــد تأ هــل ‪ 36‬حز بــا سيا ســيا للمشــاركة يف‬ ‫االنتخابــات‪ ،‬ولكــن أربعــة منهــا ستشــارك ضمــن‬ ‫حـزاب السياســية األخــرى‪ ،‬وبالتــايل فلــن‬ ‫قوائــم األ ـ‬ ‫تظهر سوى أسماء وشعارات ‪ 32‬حزبا عىل بطاقات‬ ‫اال ـقـراع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وتقســم البــاد إىل ‪ 87‬دا ـئـرة انتخابيــة‪ ،‬ولــكل‬

‫دائرة عدد معني من الربملانيني يختلف حسب عدد‬ ‫ضـاء الربملــان هــو ‪ 600‬نائــب‪،‬‬ ‫الســكان‪ .‬ومج ـمـوع أع ـ‬ ‫بينهــم ‪ 98‬نائبــا يمثلــون دا ـئـرة إســطنبول‪.‬‬ ‫وألخذ فكرة عن تركيبة الربملان الحايل من نواب‬ ‫إسطنبول‪ ،‬يوجد حاليا ‪ 43‬نائبا من حزب العدالة‬ ‫والتنمية‪ ،‬و‪ 27‬من حزب الشعب الجمهوري‪ ،‬و‪11‬‬ ‫حـزب‬ ‫حـزب الشــعوب الديمقراطــي‪ ،‬و‪ 8‬مــن ال ـ‬ ‫مــن ـ‬ ‫الخرّي‪ ،‬و‪ 8‬من حزب العمل القومي‪ ،‬وعضو واحد‬ ‫ّ‬ ‫فقط من حزب العمال الرتيك‪.‬‬ ‫ُتستخدم طريقة هوندت يف حساب عدد أعضاء‬ ‫الربملان‪ .‬وسيُحدد حساب وتوزيع النواب يف الدوائر‬ ‫االنتخابيــة مــع األخــذ بعــن االعتبــار عــدد األصــوات‬ ‫حـزب داخــل التحالــف يف‬ ‫التــي حصــل عليهــا كل ـ‬ ‫تلك الدائرة االنتخابية‪ُ .‬تضاف األصوات التي جرى‬

‫اإلدالء بها يف الخارج بشكل متناسب مع األصوات‬ ‫التي تحصل عليها األحزاب يف جميع أنحاء البالد‪.‬‬ ‫وكانــت عتبــة االنتخابــات يف تركيــا ‪ 10‬يف املئــة‪،‬‬ ‫وهي نسبة عالية جدا يف حال مقارنتها مع التمثيل‬ ‫الديمقراطي العادل‪ .‬وقد ُخ ّفضت النسبة يف مارس‬ ‫‪ 2022‬إىل ‪ 7‬يف املئة‪ ،‬وهو تحسن طفيف‪ ،‬ولكنها ال‬ ‫ـتـزال مرتفعــة مقارنــة بمتوســط ‪ 5‬يف املئــة يف جميــع‬ ‫ديمقراطيات العالم‪.‬‬ ‫كانت إحدى الحجج التي استخدمها أردوغان‬ ‫لصالــح تغيــر النظــام القديــم أنــه أنتــج حكومــات‬ ‫ائتالفيــة اعتورهــا العديــد مــن العيــوب‪ .‬مــع النظــام‬ ‫الرئــايس‪ ،‬لــم تعــد االئتالفــات موجــودة‪ ،‬بــل حلــت‬ ‫محلهــا «تحالفــات» ولكــن هــذا يعنــي أن االســم هــو‬ ‫مــا تغـ ّـر‪ ،‬أمّ ــا الجوهــر فــا ـيـزال كمــا هــو‪.‬‬ ‫وتنطبــق العتبــة االنتخابيــة ‪ 7‬يف املئــة عــى‬ ‫حـزاب الفرديــة عــى حــدّ‬ ‫التحالفــات السياســية واأل ـ‬ ‫ســواء‪ .‬فــإذا تجــاوز العــدد اإلجمــايل لألصــوات يف‬ ‫حـزاب‬ ‫تحالــف مــا تلــك العتبــة‪ُ ،‬تعتــر جميــع األ ـ‬ ‫املكونــة لالئتــاف فا ـئـزة‪.‬‬ ‫حـزاب السياســية املشــاركة‬ ‫وسنســرد قائمــة باأل ـ‬ ‫يف االنتخابات‪ ،‬ونبني حجمها وسياساتها وقدرتها‬ ‫حـزاب‬ ‫عــى التأثــر يف مجــرى األحــداث (تسلســل األ ـ‬ ‫وفقــا لألبجديــة الرتكيــة)‪:‬‬

‫حزب العدالة والتنمية‬ ‫حزب يميني محافظ يقوده‬ ‫الرئيس أردوغان‬ ‫حزب الوحدة الكبرى‬ ‫(‪)Büyük Birlik Partisi‬‬ ‫حزب قومي متطرف‪ ،‬محافظ‬ ‫حزب الشعب الجمهوري‬ ‫حزب يسار وسطي‬ ‫ديمقراطي اشتراكي‬ ‫الحزب الديمقراطي‬ ‫حزب يمين وسطي‬ ‫حزب الديمقراطية والتقدم‬ ‫حزب ليبرالي محافظ‬ ‫حزب المستقبل‬ ‫حزب يميني محافظ‬ ‫حزب الشعوب الديمقراطي‬ ‫حزب يساري‪ُ ،‬ويعتبر حزبا لألكراد‬ ‫حزب الدعوة الحرة‬ ‫التدين‬ ‫حزب شديد‬ ‫ّ‬ ‫الخير‬ ‫الحزب ّ‬ ‫حزب من اليمين الوسطي‪/‬قومي‬ ‫حزب الوطن‬ ‫حزب من اليسار الوسطي‬ ‫حزب العمل القومي‬ ‫حزب قومي يتسم بالمحافظة‬ ‫ٌ‬ ‫حزب السعادة‬ ‫حزب محافظ‪ /‬ديني‬ ‫ٌ‬ ‫حزب العمال التركي‬ ‫حزب اشتراكي‬ ‫الحزب الوطني‬ ‫حزب يساري أوروآسيوي‬ ‫حزب الرفاه الجديد‬ ‫حزب ديني‬ ‫حزب البلد‬ ‫حزب يميني متطرف قومي تركي‬ ‫مناهض للهجرة‬

‫‪02/05/2023 13:45‬‬

‫‪058_AM.indd 61‬‬


‫سياسة‬

‫المجلة‬

‫‪62‬‬

‫التحالفات الكبرى وتوزع‬ ‫األحزاب السياسية عليها‬

‫ستدخل األحزاب السياسية التحالفات االنتخابية‬ ‫إما بقوائم املرشحني الخاصة بها (قوائم منفصلة)‬ ‫شـركة‬ ‫تحــت شــعارها الخــاص‪ ،‬وإمــا بقوائــم م ـ‬ ‫سـراتيجية م ـ‬ ‫جـزء مــن ا ـ‬ ‫ك ـ‬ ‫شـركة‪ .‬وتشــكل املعاقــل‬ ‫حـزاب السياســية وكذلــك املرشــحون‬ ‫التقليديــة لأل ـ‬ ‫عوامــل حاســمة يف االنتخابــات‪.‬‬ ‫حـزاب‬ ‫يف العاشــر مــن أبريل‪/‬نيســان‪ ،‬قدمــت األ ـ‬ ‫السياســية قوائمهــا للمرشــحني إىل املجلــس األعــى‬ ‫لالنتخابــات‪ ،‬وكانــت عــى الشــكل التــايل‪:‬‬

‫‪« .1‬تحالف الجمهور» (‪:)Cumhur İttifakı‬‬ ‫املرشح الرئايس‪ :‬رجب طيب أردوغان‪.‬‬ ‫األحزاب السياسية يف التحالف‪:‬‬ ‫حزب العدالة والتنمية‪ :‬محافظ‪/‬قومي‪.‬‬ ‫قومي‪ -‬محافظ‪.‬‬ ‫حزب الوحدة الكربى‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫قومي مع نكهة محافظة‪.‬‬ ‫حزب العمل القومي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫حزب الرفاه الجديد‪ :‬يمني ديني‪.‬‬ ‫حزب الدعوة الحرة‪.)HüdaPar( :‬‬ ‫حزب اليسار الديمقراطي‪.‬‬ ‫وستدخل األحزاب األربعة األوىل كأحزاب مستقلة‬ ‫بقوائم خاصة لكل منها‪ ،‬أما حزب الدعوة الحرة (‪4‬‬ ‫مرشحني) وحزب اليسار الديمقراطي (‪ 3‬مرشحني)‬ ‫حـزب العدالــة والتنميــة‪ ،‬وقــد‬ ‫فســيدخالن يف قائمــة ـ‬ ‫تم ترشيح قادة هذين الحزبني يف دوائر انتخابية يف‬ ‫إسطنبول‪ ،‬حيث يُتوقع فوزهما هناك‪.‬‬ ‫‪« .2‬تحا لــف األ مــة» واملع ــروف أيضــا با ســم‬ ‫«التحا لــف الســدايس»‪:‬‬ ‫املرشح الرئايس‪ :‬كمال كليشدار أوغلو‪.‬‬ ‫األحزاب السياسية يف التحالف‪:‬‬ ‫حـزب الشــعب الجمهــوري‪ :‬يســاري وســطي‪/‬‬ ‫ـ‬ ‫شـرايك‪.‬‬ ‫ديمقراطــي ا ـ‬ ‫الحزب الديمقراطي‪ :‬يميني وسطي‪.‬‬ ‫حزب الديمقراطية والتقدم‪ :‬ليربايل محافظ‪.‬‬ ‫حزب املستقبل‪ :‬يميني محافظ‪.‬‬ ‫الخرّي‪ :‬يميني وسطي‪ /‬قومي‪.‬‬ ‫الحزب‬ ‫ّ‬ ‫حزب السعادة‪ :‬ديني‪ ،‬محافظ‪.‬‬ ‫يف هذا التحالف الثاين‪ ،‬تحالف األمة‪ ،‬سيكون‬ ‫األمــر أكــر تعقيــدا بعــض الــيء‪ ،‬حيــث سيشــارك‬ ‫حـزب الشــعب‬ ‫حـزاب خــارج ـ‬ ‫‪ 77‬مرشــحا مــن ســتة أ ـ‬ ‫حـزب الشــعب الجمهــوري‪.‬‬ ‫الجمهــوري عــى قوائــم ـ‬ ‫حـزب الديمقراطيــة والتقــدم (‪،)25‬‬ ‫التوزيــع هــو؛ ـ‬ ‫حـزب املســتقبل (‪،)19‬‬ ‫حـزب الســعادة (‪ ،)24‬و ـ‬ ‫و ـ‬ ‫حـزب الديمقراطــي (‪ .)3‬كمــا جــرى إدراج نائــب‬ ‫وال ـ‬ ‫سابق من حزب الشعب الجمهوري استقال فيما‬ ‫ّ‬ ‫وشكل حزبه الخاص‪ ،‬حزب التغيري‪ ،‬يف قائمة‬ ‫بعد‬ ‫حـزب الشــعب الجمهــوري أيضــا‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫حـزب يف تحالــف األمــة‪،‬‬ ‫ســيدخل ثــاين أكــر ـ‬

‫‪02/05/2023 13:45‬‬

‫حـزب الخـ ّـر‪ ،‬االنتخابــات بقائمتــه املســتقلة‬ ‫وهــو ال ـ‬ ‫حـزب اتفقــوا عــى التنســيق‬ ‫أيضــا‪ ،‬ولكــن قــادة ال ـ‬ ‫حـزب الشــعب الجمهــوري يف األماكــن التــي‬ ‫مــع ـ‬ ‫يمكنهــم فيهــا الفــوز باملزيــد إذا أضيفــت أصواتهــم‬ ‫بعضهــا إىل بعــض‪.‬‬ ‫ضمن هذهاالسرتاتيجية‪ ،‬لن يشاركحزب الشعب‬ ‫الجمهــوري يف الرتشــح يف ‪ 7‬دوائــر انتخابيــة‪ ،‬بينمــا‬ ‫الخرّي عن الرتشح يف ‪ 9‬دوائر‪ .‬عالوة‬ ‫سيمتنع الحزب ّ‬ ‫حـزب الخـ ّـر ‪ 5‬مرشــحني‬ ‫عــى ذلــك‪ ،‬ســيكون لــدى ال ـ‬ ‫يشاركون يف قوائم حزب الشعب الجمهوري‪.‬‬ ‫‪« .3‬تحالف العمل والحرية»‬ ‫ال يوجد مرشح رئايس‪.‬‬ ‫األحزاب السياسية يف التحالف‪:‬‬ ‫حـزب‬ ‫حـزب الخضــر اليســاري (وهــو مصنــف ك ـ‬ ‫ـ‬ ‫كــردي‪ ،‬وسيشــارك يف االنتخابــات ليكــون بديــا‬ ‫حـزب الشــعوب الديمقراطــي يف حــال حظــر‬ ‫عــن ـ‬ ‫حـزب)‪.‬‬ ‫هــذا ال ـ‬ ‫حزب العمال الرتيك‪ :‬اشرتايك‪.‬‬ ‫‪ 4‬أحزاب يسارية‪ /‬اشرتاكية صغرية جدا‪.‬‬ ‫وسيشارك حزب العمال الرتيك بقوائم خاصة‬ ‫يف ‪ 41‬دائرة انتخابية‪ ،‬بينما يشارك مرشحو حزب‬ ‫الشعوب الديمقراطي واألحزاب األربعة اليسارية‬ ‫الصغرية يف قوائم موحدة‪.‬‬

‫تمثيل المرشحات‬ ‫النساء في‬ ‫األحزاب الرئيسة‬ ‫تحالف الجمهور‪:‬‬ ‫•حزب العدالة والتنمية‪:‬‬ ‫‪ 113‬من أصل ‪ 600‬مرشح‬ ‫(‪ 18.83‬في المئة)‬ ‫•حزب العمل القومي‪90 :‬‬ ‫من أصل ‪ 600‬مرشح (‪14‬‬ ‫في المئة)‬ ‫•حزب السعادة‪ 45 :‬من‬ ‫أصل ‪ 600‬مرشح (‪ 7.5‬في‬ ‫المئة)‬ ‫تحالف األمة‪:‬‬ ‫•حزب الشعب الجمهوري‪:‬‬ ‫‪ 156‬من أصل ‪ 582‬مرشحا‬ ‫(‪ 26.80‬في المئة)‬ ‫الخير‪ 139 :‬من‬ ‫•الحزب ّ‬ ‫أصل ‪ 536‬مرشحا (‪25.9‬‬ ‫في المئة)‬ ‫تحالف العمل والحرية‪:‬‬ ‫•حزب الخضر اليساري‪:‬‬ ‫‪ 193‬من أصل ‪ 490‬مرشحا‬ ‫(‪ 39.38‬في المئة)‬ ‫•حزب العمال التركي‪161 :‬‬ ‫من أصل ‪ 398‬مرشحا‬ ‫(‪ 40.45‬في المئة)‬

‫‪058_AM.indd 62‬‬


‫‪63‬‬

‫‪« .4‬تحالف آتا» (‪)Ata İttifakı‬‬ ‫املرشح الرئايس‪ :‬سنان أوغان‪.‬‬ ‫األحزاب السياسية يف التحالف‪:‬‬ ‫حزب النصر و‪ 3‬أحزاب صغرية‪ :‬يميني متطرف‪،‬‬ ‫جـرة‪ .‬وسيشــارك جميــع‬ ‫قومــي ـتـريك‪ ،‬مناهــض لله ـ‬ ‫املرشحني يف قوائم حزب النصر‪.‬‬

‫األطراف ذات األهمية الخاصة‬ ‫والجدل واالنشقاقات‬

‫الخرّي بعد انشقاقه عن حزب العمل‬ ‫تأسس الحزب ّ‬ ‫القومــي بقيــادة ـمـرال أكشــينار‪ ،‬وهــي الزعيمــة‬ ‫النســائية الوحيــدة يف الســاحة السياســية الرتكيــة‬ ‫الحاليــة‪.‬‬ ‫حـزب املســتقبل عــى يــد أحمــد داود‬ ‫تأســس ـ‬ ‫أوغلــو‪ ،‬وزيــر الخارجيــة الســابق ورئيــس الــوزراء‪،‬‬ ‫حـزب العدالــة والتنميــة‪.‬‬ ‫الــذي انفصــل عــن ـ‬ ‫كما انشق عيل باباجان‪ ،‬وزير االقتصاد السابق‬ ‫حـزب العدالــة والتنميــة‬ ‫ونائــب رئيــس الــوزراء‪ ،‬عــن ـ‬ ‫وأنشأ حزب الديمقراطية والتقدم‪.‬‬ ‫تأسس حزب الوطن عىل يد محرم إينجه‪ ،‬الذي‬ ‫حـزب الشــعب الجمهــوري للرئاســة يف‬ ‫كان مرشــح ـ‬ ‫عــام ‪ 2018‬واســتقال يف وقــت الحــق بعــد خســارته‬ ‫أمام أردوغان‪.‬‬ ‫حزب الشعوب الديمقراطي‪ ،‬الذي يواجه قضية‬ ‫تتعلــق باإلرهــاب‪ ،‬ومــن أجــل تجنــب خطــر عــدم‬ ‫القدرة عىل املشاركة يف االنتخابات يف حالة الحظر‪،‬‬ ‫سيخوض االنتخابات كحزب آخر‪.‬‬ ‫حـزب الخضــر اليســاري‪ ،‬والــذي ُيســمى أيضــا‬ ‫ـ‬ ‫حزب األكراد‪ ،‬بدعم تقديري من ‪ 9‬إىل ‪ 12‬يف املئة‪.‬‬ ‫حـزب الخضــر اليســاري‬ ‫ويُالحــظ أن قاعــدة دعــم ـ‬ ‫ال تقتصــر عــى األ ـكـراد وال يصــوت جميــع األ ـكـراد‬ ‫صـاح الديــن دمريطــاش‪،‬‬ ‫لصالحــه‪ .‬هــذا ويقبــع ـ‬ ‫حـزب والســيايس ذو‬ ‫الرئيــس املشــارك الســابق لل ـ‬ ‫الشعبية العالية‪ ،‬يف السجن منذ نوفمرب‪ /‬تشرين‬ ‫الثــاين ‪« 2016‬ألســباب تتعلــق باإلرهــاب»‪.‬‬ ‫حـزب العمــال ا ـلـريك النجــم الصاعــد‬ ‫قــد يكــون ـ‬ ‫ضـاء يف الربملــان‬ ‫يف االنتخابــات‪ ،‬حيــث إن لديــه ‪ 4‬أع ـ‬ ‫الحــايل‪ ،‬وقــد ُثمّ نــت ديناميتــه حتــى مــن ِقبــل أولئــك‬ ‫الذين يختلفون معه آيديولوجيا‪ .‬وت ــشري استطالعات‬ ‫الرأي إىل أن معدل دعمه يبلغ نحو ‪ 2.8‬يف املئة‪.‬‬ ‫ح ــزب النصــر‪ ،‬بقي ــادة أومــيت أوزداغ‪ ،‬هــو حزب‬ ‫يم ـي ــني م ـت ــطرف قـ ـ ــومي ـتـريك‪ ،‬وت ـس ـ ـتـن ــد أس ـ ـس ـ ــه‬ ‫عل ــى مناهض ــة الهج ــرة‪ .‬وي ــمثل األش ــخاص الذيــن‬ ‫يريــدون عــودة الـ ـس ــوريني والجماعــات األخــرى‪،‬‬ ‫مثـ ــل األفغـ ــان‪ ،‬إىل بلدانهم‪ .‬وأصب ــح الحزب مركز‬ ‫جذب يف البداية‪ ،‬ولكن يبــدو أن ش ــعبيته انخفضت‬ ‫خـرة‪.‬‬ ‫يف اآلونــة األ ـ‬ ‫يقود حزب الرفاه الديني فاتح أربكان‪ ،‬وهو نجل‬ ‫حـزب نجــم‬ ‫الســيايس املحافــظ املشــهور ومؤســس ال ـ‬ ‫الدين أربكان‪ .‬وعندما طلب حزب العدالة والتنمية‬

‫‪02/05/2023 13:45‬‬

‫المجلة‬

‫رجب طيب‬ ‫أردوغان‬ ‫(تحالف‬ ‫الجمهور)‬

‫ رجب طيب أردوغان‪:‬‬‫ولد عام ‪.1954‬‬ ‫محافظ‪ ،‬شعبوي‪.‬‬ ‫عمدة إسطنبول‬ ‫من ‪ 1994‬إلى ‪.1998‬‬ ‫أحد المؤسسين‬ ‫الرئيسيين لحزب‬ ‫العدالة والتنمية عام‬ ‫‪ .2001‬زعيم الحزب‬ ‫منذ عام ‪ .2003‬حكم‬ ‫البالد على مدى‬ ‫السنوات العشرين‬ ‫الماضية في منصب‬ ‫رئيس الوزراء (‪2003‬‬ ‫ ‪ )2014‬وفي منصب‬‫الرئيس (‪- 2014‬‬ ‫‪.)2023‬‬

‫محرم إينجه‬ ‫(حزب البلد)‬

‫ محرم إينجه‪:‬‬‫من مواليد ‪.1964‬‬ ‫ديمقراطي اشتراكي‪.‬‬ ‫مدرس فيزياء ومدير‬ ‫مدرسة‪ .‬شغل‬ ‫منصب عضو في‬ ‫البرلمان عن حزب‬ ‫الشعب الجمهوري‬ ‫حتى استقالته في عام‬ ‫‪ .2018‬وكان المرشح‬ ‫الرئاسي لحزب‬ ‫الشعب الجمهوري‬ ‫في انتخابات عام‬ ‫‪ 2018‬وجاء في المرتبة‬ ‫الثانية بعد أردوغان‪.‬‬ ‫أسس حزب الوطن‬ ‫عام ‪.2021‬‬

‫سياسة‬

‫كمال كليشدار‬ ‫أوغلو‬ ‫(تحالف األمة)‬

‫ كمال كليشدار‬‫أوغلو‪ُ :‬ولد عام ‪.1948‬‬ ‫ديمقراطي اشتراكي‪.‬‬ ‫كان موظفا حكوميا‬ ‫قبل دخوله المعترك‬ ‫السياسي‪ ،‬حيث‬ ‫شغل منصب رئيس‬ ‫مؤسسة الضمان‬ ‫االجتماعي‪ُ .‬‬ ‫انتخب‬ ‫عضوا في البرلمان‬ ‫عام ‪ .2002‬زعيم حزب‬ ‫الشعب الجمهوري‬ ‫منذ عام ‪.2010‬‬

‫سنان أوغان‬ ‫(تحالف آتا)‬

‫ سنان أوغان‪ :‬مواليد‬‫‪ .1967‬قومي‪ .‬أكاديمي‬ ‫استراتيجي‪ .‬كان‬ ‫عضوا في البرلمان‬ ‫عن حزب العمل‬ ‫القومي‪ .‬ترك حزبه‬ ‫بسبب خالفات مع‬ ‫قيادته‪.‬‬

‫من أربكان االنضمام إىل تحالف الشعب‪ ،‬كان رده‬ ‫الرسمي هو‪« :‬ال يمكننا أن نكون شركاء يف ‪ 20‬عاما‬ ‫من الخطيئة‪ .‬لقد وصل حزب العدالة والتنمية إىل‬ ‫نهايته»‪ .‬وعىل الرغم من هذا التصريح الواضح‪ّ ،‬إاّل‬ ‫أن أربكان بعد فرتة وجيزة سحب ترشيحه للرئاسة‬ ‫وأعلن أن حزبه قرر اآلن دخول االنتخابات مع حزب‬ ‫العدالة والتنمية وتحالف الشعب‪.‬‬ ‫حـزب شــديد التديــن‬ ‫حـرة هــو ـ‬ ‫حـزب الدعــوة ال ـ‬ ‫ـ‬ ‫ومناهض للعلمانيةوالجمهوريني بشكلعلني‪ .‬يقال‬ ‫حـزب اللــه» ا ـلـريك املســؤول‬ ‫إنــه مرتبــط بمــا يســمى « ـ‬ ‫عــن عــدد مــن االغتيــاالت السياســية‪ /‬اآليديولوجيــة‪.‬‬ ‫حـرة حاضــر يف املشــهد بشــكل‬ ‫حـزب الدعــوة ال ـ‬ ‫ـ‬ ‫أكــر يف جنــوب شــرقي تركيــا‪ ،‬وغالبيــة أعضائــه مــن‬ ‫األكراد املتدينني املتطرفني‪ .‬يف انتخابات ‪ 2018‬بلغ‬ ‫إجمــايل مــا حصــل عليــه مــن أصــوات ‪ 0.31‬يف املئــة‪.‬‬

‫االنتخابات الرئاسية‬

‫مــدة واليــة الرئيــس هــي ‪ 5‬ســنوات ويجــوز انتخــاب‬ ‫املرشــح لفرتتــن كحــد أقــى‪.‬‬ ‫يجري الرتشيح عىل الرئاسة إما من قِبل حزب‪/‬‬ ‫تحالــف ســيايس‪ ،‬أو يخــوض الراغبــون الســباق‬ ‫االنتخابي كمرشحني مستقلني‪ .‬ويمكنألي شخص‬ ‫مؤهل قادر عىل جمع ‪ 100.000‬توقيع من الجمهور‬ ‫التقدم كمرشح مستقل‪.‬‬ ‫صـول‬ ‫إذا لــم يتمكــن أي مــن املرشــحني مــن الح ـ‬ ‫عــى «‪ 50‬يف املئة‪+‬صــوت واحــد»‪ ،‬فتجــرى الجولــة‬ ‫الثانيــة بعــد ‪ 14‬يومــا‪ ،‬يف ‪ 28‬مايــو‪ .‬مــع هــذا النظــام‬ ‫يكون كل صوت مهما‪ ،‬وجميع األحزاب السياسية‪،‬‬ ‫غـرة‪ ،‬تشـ ّـكل فارقــا‪.‬‬ ‫مهمــا كانــت ص ـ‬ ‫املنافس الرئييس ألردوغان هو كليشدار أوغلو‪،‬‬ ‫وهما شخصان وأسلوبان مختلفان‪ .‬أردوغان يتمتع‬ ‫بشــخصية كاريزميــة‪ ،‬وهــو مســتعد للقتــال دائمــا‬ ‫ويميل وجهات نظره عىل من حوله‪ ،‬فيما كليشدار‬ ‫أوغلــو متحــدث هــادئ ويعطــي انطباعــا بأنــه زعيــم‬ ‫يميل إىل الحكم من خالل التشاور‪.‬‬ ‫حـزب‬ ‫حـزب الشــعوب الديمقراطــي و ـ‬ ‫لــم يقــدم ـ‬ ‫العمــال ا ـلـريك أيّ مرشــح‪ ،‬ومــن املتوقــع أن يدعمــا‬ ‫كمــال كليشــدار أوغلــو يف الســباق الرئــايس‪.‬‬ ‫يشــعر ناخبــو املعارضــة بالقلــق مــن أن يجــذب‬ ‫حـرم إينجــه بعــض األصــوات التــي توجــد حاجــة‬ ‫م ـ‬ ‫كبرية إليها من حزب الشعب الجمهوري‪ ،‬ويذهب‬ ‫البعض إىل حد االدعاء بأن أردوغان يقف وراء حزب‬ ‫إينجه وترشيحه لهذا السبب بالضبط‪ .‬يدعي إينجه‬ ‫أن نســبة دعمــه يف الجولــة األوىل تبلــغ نحــو ‪ 10‬يف‬ ‫املئــة‪ ،‬كمــا يدعــي أنــه املرشــح الوحيــد الــذي يمكنــه‬ ‫هزيمــة أردوغــان يف الجولــة الثانيــة‪.‬‬ ‫حـزب الشــعب‬ ‫إينجــه مســتاء إلهمالــه مــن ِقبــل ـ‬ ‫الجمهوري‪ ،‬ويبدو أنهجعل مناألمر قضية شخصية‪.‬‬ ‫يغرّي إينجه‬ ‫لكنّ كل يشء ممكن يف السياسة‪ ،‬وقد ّ‬ ‫موقفه يف اللحظة األخرية لصالح كليشدار أوغلو‪.‬‬

‫‪058_AM.indd 63‬‬


‫سياسة‬

‫‪64‬‬

‫المجلة‬

‫تعاين الحكومة ظروفا اقتصادية صعبة‪ ،‬معدل التضخم السنوي‬ ‫هو ‪ 57.68‬يف املئة‪ ،‬لكن من شبه املؤكد أن األرقام الفعلية تتجاوز‬ ‫التصريحات الرسمية بكثري‬

‫وماذا عن نواب الرئيس؟‬

‫يف تركيــا‪ ،‬بخــاف الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬ال‬ ‫يرتشح نواب الرئيس إىل االنتخابات‪ .‬يجوز للرئيس‬ ‫تعيني نائب للرئيس أو أكرث‪ ،‬بعد انتخابه‪ .‬يف حالة‬ ‫شــغور منصــب الرئيــس ألي ســبب مــن األســباب‪،‬‬ ‫يجري انتخاب الرئيس يف غضون خمسة وأربعني‬ ‫يومــا‪ .‬وحتــى ذلــك الحــن‪ ،‬يمــارس نائــب الرئيــس‬ ‫ســلطات الرئيــس‪.‬‬ ‫عندمــا ان ُتخــب أردوغــان رئيســا عــام ‪ ،2018‬قــام‬ ‫بتعيني فؤاد أوكتاي‪ ،‬وكيل الوزارة السابق لرئاسة‬ ‫الوزراء‪ ،‬نائبا للرئيس‪ .‬هذه املرة ومن جديد‪ ،‬هوية‬ ‫وعدد نواب الرئيس الذين قد يعينهم أردوغان إذا‬ ‫فاز باالنتخابات غري معروفة‪.‬‬ ‫جـزءا‬ ‫إذا ان ُتخِ ــب كمــال كليشــدار أوغلــو‪ ،‬فــإن ـ‬ ‫من صفقة تحالف األمة هو أن يتوىل قادة األحزاب‬ ‫الخمسة األخرى يف التحالف‪ ،‬باإلضافة إىل رؤساء‬

‫بلديتي أنقرة وإسطنبول‪ ،‬مناصب نواب للرئيس‪.‬‬ ‫هــذا يعطــي انطباعــا بوجــود مجلــس إدارة تحــت‬ ‫قيــادة الرئيــس‪.‬‬

‫أهم القضايا االنتخابية‬

‫قــال أردو غــان‪« :‬لقــد وسّ ــعنا اقتصاد نــا وعزز نــا‬ ‫ديمقراطيتنا وألغينا الحظر وأعطينا الثقة بالنفس‬ ‫واملصداقيــة للسياســة الخارجيــة الرتكيــة»‪.‬‬ ‫لكــن ال يتفــق الجميــع عــى ذلــك‪ ،‬إذ تجــادل‬ ‫املعارضــة بــأن تركيــا تراجعــت يف كل هــذه املجــاالت‬ ‫تحــت حكــم أردوغــان‪.‬‬ ‫هناك الكثري من القضايا عىل األجندة السياسية‪،‬‬ ‫ولكنّ القضايا التالية تتصدر القائمة‪:‬‬ ‫ضـرب ز ـلـزال الســادس مــن‬ ‫التعــايف مــن الز ـلـزال‪ :‬ـ‬ ‫فرباير‪/‬شباط ‪ 11‬مقاطعة‪ ،‬محدثا خسائر وأضرارا‬ ‫بشــرية هائلــة‪ .‬رســميا‪ ،‬حتــى العاشــر مــن أبريــل‪/‬‬

‫نيسان‪ ،‬لقي ‪ 50.399‬شخصا حتفهم‪ .‬وصرح وزير‬ ‫البيئة والتطوير الحضري أن ‪ 227.027‬مبنى تندرج‬ ‫ضـرار الشــديدة‬ ‫تحــت فئــة «الهــدم العاجــل أو األ ـ‬ ‫أو األبنيــة املنهــارة»‪ُ ،‬‬ ‫وتبــذل حاليــا جهــود ضخمــة‬ ‫لإلنعــاش واإلعمــار وإعــادة التأهيــل‪ .‬الصعوبــات‬ ‫والتحديــات ك ـثـرة‪.‬‬ ‫االقتصــاد‪ :‬تعــاين الحكومــة ظروفــا اقتصاديــة‬ ‫صعبــة منــذ ـفـرة‪ .‬معــدل التضخــم الســنوي هــو‬ ‫‪ 57.68‬يف املئــة‪ ،‬لكــن مــن شــبه املؤكــد أن األرقــام‬ ‫الفعلية تتجاوز التصريحات الرسمية بكثري‪ .‬معدل‬ ‫التضخــم ألســعار املــواد الغذائيــة هــو ‪ 7‬يف املئــة آلخــر‬ ‫عامني‪ ،‬يف حني أنه ينخفض عىل الصعيد العاملي‪.‬‬ ‫كما تبلغ نســبة البطالة ‪ 9.7‬يف املئة‪ ،‬ونســبة الفرد‬ ‫مــن الدخــل القومــي يف حالــة جمــود منــذ ســنوات‪،‬‬ ‫فيما فقدت اللرية الرتكية قيمتها مقابل العمالت‬ ‫األجنبية‪ ،‬وغالبية الشعب الرتيك أكرث فقرا‪ .‬تدّ عي‬

‫آﺧﺮ اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت اﻟﺮأي اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻴﺔ ﻟـ‪ 11‬ﺷﺮﻛﺔ ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ ﻣﺎرس ‪2023‬‬

‫ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻷﺻﻮات اﻟﺘﻲ ﻧﺎﻟﺘﻬﺎ اﻷﺣﺰاب‬

‫اﺳﺘﻄﻼﻋﺎت ‪ 11‬ﺷﺮﻛﺔ اﻗﺘﺮاع ﻣﺎرس ‪2023‬‬

‫‪%1.1 % 0.9‬‬ ‫ﺣﺰب‬ ‫اﻟﺴﻌﺎدة‬

‫ﺣﺰب‬ ‫اﻟﻨﺼﺮ‬

‫‪%1.3 % 1.2‬‬

‫ﺣﺰب‬ ‫اﻟﻌﻤﺎل‬ ‫اﻟﺘﺮﻛﻲ‬

‫‪%5.3‬‬

‫ﺗﺤﺎﻟﻔﺎت أﺧﺮى‬

‫‪%1.6‬‬

‫‪%1.6‬‬

‫‪%2.9‬‬

‫ﺣﺰب‬ ‫ﺣﺰب اﻟﺮﻓﺎه ﺣﺰب‬ ‫ﺣﺰب‬ ‫اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻮﻃﻦ‬ ‫اﻟﺠﺪﻳﺪ‬ ‫واﻟﺘﻘﺪم‬

‫‪% 11.9‬‬

‫ﺗﺤﺎﻟﻒ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺤﺮﻳﺔ‬

‫‪%6.5‬‬

‫ﺣﺰب اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﻘﻮﻣﻲ‬

‫‪% 10.5‬‬

‫اﻟﺨﻴﺮ‬ ‫اﻟﺤﺰب ّ‬

‫‪% 40.6‬‬

‫ﺗﺤﺎﻟﻒ اﻟﺠﻤﻬﻮر‬

‫‪% 10.7‬‬

‫ﺣﺰب‬ ‫اﻟﺸﻌﻮب‬ ‫اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ‬

‫‪% 27.6‬‬

‫ﺣﺰب اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺠﻤﻬﻮري‬

‫‪% 32.8‬‬

‫ﺣﺰب اﻟﻌﺪاﻟﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ‬

‫ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎت‬ ‫‪% 42.2‬‬

‫ﺗﺤﺎﻟﻒ اﻷﻣﺔ‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﻳﻮروﻧﻴﻮز اﻟﺘﺮﻛﻴﺔ‬

‫‪02/05/2023 13:45‬‬

‫‪058_AM.indd 64‬‬


‫‪65‬‬

‫الحكومــة أن االقتصــاد يف وضــع جيــد للغايــة‪ ،‬وأن‬ ‫أي آثار سلبية ناتجة عن الظروف العاملية والزلزال‪.‬‬ ‫وبينما تدرك املعارضة الصعوبات الناجمة عن هذه‬ ‫جـزء األكــر مــن اللــوم‬ ‫العوامــل‪ّ ،‬إاّل أنهــا تلقــي بال ـ‬ ‫عــى السياســات الحكوميــة‪.‬‬ ‫األمن‪ :‬تم كبح أنشطة حزب العمال الكردستاين‬ ‫يف تركيــا إىل حــد كبــر‪ ،‬وقــد ُقتــل أو أســر عــدد مــن‬ ‫أعضائــه القياديــن‪ .‬لكــنّ املشــكلة ال ـتـزال قائمــة‪،‬‬ ‫ولهــا بُعديــن ســوري وعراقــي‪.‬‬ ‫عــودة الســوريني وغريهــم‪ :‬هنــاك أكــر مــن ‪4.5‬‬ ‫مليــون ســوري وأفغــاين يف تركيــا‪ .‬يــرى العديــد مــن‬ ‫األتراك أن الوقت قد حان لعودتهم إىل بلدانهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتعترب هذه إحدى أهمّ القضايا بالنسبة للناخبني‪.‬‬ ‫السياسة الخارجية‪ :‬تحاول الحكومة إظهار أن‬ ‫تركيــا تبــي بــاء حســنا يف العالقــات الدوليــة‪ .‬كانــت‬ ‫هنــاك بعــض النجاحــات املزعومــة‪ ،‬ولكــن بشــكل‬ ‫عام‪ ،‬األمور ليست إيجابية بالدرجة التي تصورّها‬ ‫الحكومة‪ .‬يمكن االستشهاد ببعض األمثلة هنا‪ :‬لم‬ ‫تتحرك جهود التقارب مع نظام الرئيس بشار األسد‬ ‫يف ســوريا بالطريقــة التــي تريدهــا الحكومــة‪ ،‬عــى‬ ‫األقــل حتــى اليــوم‪ .‬العالقــات مــع االتحــاد األوروبــي‬ ‫مجمدة‪ .‬مرة أخرى‪ ،‬لم ُ‬ ‫يدع الرئيس األمرييك جو‬ ‫بايــدن تركيــا إىل «القمــة مــن أجــل الديمقراطيــة»‪،‬‬ ‫طـراز‬ ‫كمــا لــم تتــم صفقــة بيــع الطا ـئـرات املقاتلــة مــن ـ‬ ‫«‪ »16-F‬ومعــدات التحديــث‪ ،‬عــى الرغــم مــن أن‬ ‫اإلدارة األمريكيــة ت ـقـول إنهــا تدعــم هــذه الصفقــة‪.‬‬ ‫لكنّ استطالعات حزب العدالة والتنمية تحيك‬ ‫حـزب‬ ‫قصــة مختلفــة‪ ،‬حيــث قــال نائــب رئيــس ال ـ‬ ‫حـزب‪،‬‬ ‫إنــه‪ ،‬وفقــا آلخــر اســتطالع أجرتــه فــرق ال ـ‬ ‫فــإن أصــوات أردوغــان تبلــغ ‪ 53‬يف املئــة‪ ،‬بينمــا تبلــغ‬ ‫حـزب العدالــة والتنميــة ‪ 41‬يف املئــة‪،‬‬ ‫نســبة أصــوات ـ‬ ‫وهــي إىل ارت ـفـاع‪.‬‬ ‫عىل أي حال‪ ،‬فإن وجهة النظر املوضوعية هي‬ ‫أن شعبية حزب العدالة والتنمية قد تراجعت‪.‬‬ ‫وتجــادل املعارضــة أيضــا بأنــه حتــى لــو خســر‬ ‫أردوغــان فإنــه لــن يتخــى عــن الســلطة بســهولة‪،‬‬ ‫فلديــه ورفاقــه الكثــر ليخســروه‪ ،‬ومــن هنــا تــأيت‬ ‫مخــاوف املعارضــة مــن تزويــر االنتخابــات‪.‬‬

‫كانت هناك بعض النجاحات املزعومة‬ ‫يف العالقات الخارجية‪ ،‬ولكن بشكل عام‪ ،‬األمور‬ ‫ليست إيجابية بالدرجة التي تصورّها الحكومة‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:45‬‬

‫المجلة‬

‫سياسة‬

‫ماذا بعد؟‬

‫حـول كل‬ ‫طـراف املتعارضــة ـ‬ ‫تركيــا يف ظــل انقســامات عميقــة للغايــة بــن األ ـ‬ ‫قضيــة تقريبــا‪.‬‬ ‫االحتماالت الثالثة األكرث ترجيحا يف نهاية االنتخابات هي‪:‬‬ ‫فوز أردوغان بالرئاسة واألغلبية يف الربملان‪.‬‬ ‫فوز أردوغان بالرئاسة وخسارته األغلبية يف الربملان‪.‬‬ ‫خسارة أردوغان الرئاسة واألغلبية يف الربملان‪.‬‬ ‫ينظــر كثــرون يف تركيــا وخارجهــا إىل أردوغــان عــى أنــه اســتبدادي بشــكل‬ ‫متزايد‪ .‬وعىل الجانب السلبي‪ ،‬اتسمت فرتة واليته‪ -‬خاصة يف السنوات القليلة‬ ‫املاضية‪ -‬باألزمات ومزاعم الفساد والظروف االقتصادية الصعبة‪ ،‬مع ذلك ال‬ ‫يزال لديه أنصاره املتشددون‪ .‬يبدو أن شعبيته تفوق شعبية حزبه‪ ،‬لكن عىل‬ ‫الرغــم مــن ذلــك‪ ،‬يبــدو أنهــا انخفضــت مقارنــة بالســابق‪.‬‬ ‫يشــر أردوغــان وأنصــاره إىل أن تركيــا يف طريقهــا إىل وثبــة ك ـبـرة‪ ،‬ويزعمــون‬ ‫أنهم وحدهم القادرون عىل إدارتها‪ .‬أطلق أردوغان حملته تحت شعار «القرن‬ ‫ا ـلـريك»‪ ،‬وقــدّ م برنامجــه االنتخابــي الــذي يتضمــن دســتورا مدنيــا جديــدا ومدنــا‬ ‫مقاومة للكوارث وإصالحات تعزز سيادة القانون وخفض التضخم ومواصلة‬ ‫تطوير السياسة الخارجية باالستناد اىل أسس اإلنسانية وما يمليه الضمري‪.‬‬ ‫عــى الجهــة املقابلــة‪ ،‬يمــي تحالــف األمــة املعــارض ُقدمــا يف تعهــده بإعــادة‬ ‫ترســيخ العدالــة وإن ـهـاء الفســاد وتقويــم االقتصــاد وجعــل تركيــا جد ـيـرة بالثقــة‬ ‫ـمـرة أخــرى‪.‬‬ ‫لقــد أكــد كليشــدار أوغلــو أنــه يجــب ترميــم كل يشء‪ ،‬وأن إحــدى أولوياتــه‬ ‫صـاح ه ـيـاكل الدولــة التــي تضــررت مــن السياســات الحزبيــة‬ ‫القصــوى ســتكون إ ـ‬ ‫حـزب العدالــة والتنميــة‪.‬‬ ‫يف عهــد ـ‬ ‫الرابح يف االنتخابات‪ ،‬ستكون لديه قضايا كثرية للتعامل معها‪.‬‬

‫‪058_AM.indd 65‬‬


‫امللــك تشــارلز ‪...‬‬ ‫وتحديــات العهــد الجديــد‬

‫بينما يحرص امللك تشارلز عىل تمييز عهده عن عهد والدته‪ ،‬فإنه سيحتاج إىل أن يعمل بحذر‪ ،‬خاصة يف املجال‬ ‫الحساس املتعلق بمراعاة الحياد السيايس الصارم الذي يعد مطلبا دستوريا للملكية الربيطانية‪.‬‬ ‫لندن ‪ -‬كون كوخلني‬

‫‪02/05/2023 13:48‬‬

‫رسوم ‪ -‬ماثيو هولند‬

‫‪066_AM.indd 66‬‬


‫يعترب اضطرار امللك تشارلز الثالث‪ ،‬املتوج حديثا‪،‬‬ ‫لخالفة الحكم املثايل واملطول لوالدته الراحلة امللكة‬ ‫إليزابيــث الثانيــة‪ ،‬التحــدي األكــر الــذي يواجهــه‪ .‬إذ‬ ‫إن األخطاء التي ارتكبتها امللكة خالل حكمها الذي‬ ‫استمر سبعني عاما كانت نادرة للغاية‪ ،‬ولم يكن‬ ‫حزنهــا العميــق الــذي كانــت تشــعر بــه قبيــل وفاتهــا‬ ‫العام املايض متعلقا فقط بأمتها‪ ،‬بل كان متعلقا‬ ‫بالعالم الواسع‪ .‬وهذه خطى سيصعب عىل امللك‬ ‫حـرص امللــك تشــارلز عــى‬ ‫تشــارلز اتباعهــا‪ .‬وبينمــا ي ـ‬ ‫تمييز عهده عن عهد والدته‪ ،‬فإنه سيحتاج إىل أن‬ ‫يعمــل بحــذر‪ ،‬خاصــة يف املجــال الحســاس املتعلــق‬ ‫بمراعاة الحياد السيايس الصارم الذي يعد مطلبا‬ ‫دستوريا للملكية الربيطانية‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:49‬‬

‫لقــد حر صــت والد تــه طــوال ـفـرة حكمهــا‬ ‫عــى عــدم الكشــف عــن معتقداتهــا السياســية أو‬ ‫مشــاعرها الشــخصية‪ .‬وكانــت يف الوقــت ذاتــه‬ ‫األكــر شــهرة وخصوصيــة يف بريطانيــا خــال ـفـرة‬ ‫حكمهــا‪ .‬فلــم تكــن اهتماماتهــا املعروفــة– ورعهــا‪،‬‬ ‫ورعايتها للجمعيات الخريية املختلفة واهتمامها‬ ‫بكالب الكورغي وسباق الخيل‪ -‬أمورا مسيسة أو‬ ‫م ـثـرة للجــدل‪.‬‬ ‫أمــا ابنهــا فــكان يتمتــع بســمعة عامــة مختلفــة‬ ‫عـرش‪،‬‬ ‫تمامــا‪ .‬إذ كان امللــك تشــارلز‪ ،‬قبــل توليــه ال ـ‬ ‫يعــر عــن آرائــه بصراحــة يف مــا يتعلــق بالقضايــا‬ ‫حـول الهند ســة املعمار يــة والزرا عــة‬ ‫الخالفيــة ـ‬ ‫والصحــة والبيئــة‪ -‬التــي كان بعضهــا مرتبطــا‬

‫باملناقشات السياسية والثقافية الجارية‪ .‬ويف عام‬ ‫‪ ،2015‬نشرت صحيفة «الغارديان» رسائل تظهر‬ ‫أن األمري تشارلز كان قد ضغط عىل حكومة توين‬ ‫شـرة بشــأن قضايا تهمه بشــكل شــخيص‪،‬‬ ‫بلري مبا ـ‬ ‫بمــا يف ذلــك قضايــا متعلقــة باهتمامــه بالطــب‬ ‫البديــل‪ .‬إن محاولــة امللــك تشــارلز أن يكــون أكــر‬ ‫تدخــا مــن والدتــه يف املجــال الســيايس قــد تدفــع‬ ‫النــاس إىل النفــور منــه‪.‬‬ ‫إال أن تشــارلز‪ ،‬ومنــذ أن أصبــح ملــكا‪ ،‬أشــار‬ ‫إىل اســتعداده لتبنــي نهــج أكــر دبلوماســية بمــا‬ ‫يتعلــق بواجباتــه امللكيــة‪ .‬وكان أول مؤشــر عــى‬ ‫ذلــك هــو إعالنــه عــدم حضــور قمــة التغـ ّـر املناخــي‬ ‫‪ ،Cop 27‬والتــي عقــدت العــام املــايض يف منتجــع‬

‫‪066_AM.indd 67‬‬


‫سياسة‬

‫شـرم الشــيخ املصــري‪ ،‬حيــث قــام وقبــل انعقــاد‬ ‫ـ‬ ‫ظـرا‬ ‫املؤتمــر باســتضافة حفــل اســتقبال فقــط‪ .‬ون ـ‬ ‫لكــون قضيتــي تغــر املنــاخ والبيئــة همــا مــن أ ـقـرب‬ ‫القضايا إىل قلب امللك‪ ،‬فإنه كان يخطط لحضور‬ ‫القمة ملواصلة حملته الطويلة إلقناع قادة العالم‬ ‫حـراري‪.‬‬ ‫جـراءات ضــد االحتبــاس ال ـ‬ ‫باتخــاذ إ ـ‬ ‫وقــال تشــارلز الثالــث يف خطابــه األول بصفتــه‬ ‫طـاع‬ ‫امللــك‪« :‬بالتأكيــد ســتتغري حيــايت مــع االض ـ‬ ‫بمســؤوليايت الجديــدة‪ .‬ولــن أتمكــن مــن تكريــس‬ ‫جل وقتي وطاقتي للجمعيات الخريية والقضايا‬ ‫التــي أهتــم بهــا اهتمامــا ك ـبـرا‪ ،‬ولكننــي أعلــم أن‬ ‫هــذا العمــل املهــم ســينتقل إىل أيــد أمينــة أخــرى»‪.‬‬ ‫ومــع أن وجــود امللكــة الراحلــة كان مصــدرا‬ ‫لالستقرار‪ ،‬إال أن املجتمعات التي يحكمها النظام‬ ‫امللــي الربيطــاين– يف كل مــن البلــدان األربعــة يف‬ ‫اململكة املتحدة والدول األربع عشرة اإلضافية يف‬ ‫غـرت ك ـثـرا عــى مــدار حكمهــا‬ ‫الكومنولــث‪ -‬قــد ت ـ‬ ‫الــذي اســتمر ســبعني عامــا‪ .‬وســيتعني عــى امللــك‬ ‫تشارلز اتخاذ خيارات جديدة تتعلق بمعنى كونه‬ ‫صـرا‪ ،‬تمامــا كمــا فعلــت والدتــه بتكيفهــا‬ ‫ملــكا معا ـ‬ ‫سـرعة يف ســنوات مــا بعــد‬ ‫غـرة ب ـ‬ ‫مــع الظــروف املت ـ‬ ‫حـرب العامليــة الثانيــة‪ .‬هــذا يعنــي أن ـفـرة واليتــه‬ ‫ال ـ‬

‫‪02/05/2023 13:49‬‬

‫المجلة‬

‫عىل العرش ستتحدد من خالل كيفية استجابته‬ ‫للتو ـتـرات الجديــدة يف العالقــة بــن الــدول ذات‬ ‫الســيادة وشــعوبها‪.‬‬ ‫ال يخلــف ملــك بريطانيــا الجديــد‪ ،‬والــذي يعــد‬ ‫عـرش (‪ 73‬عامــا)‪ ،‬أحــد‬ ‫أكــر ملــك يجلــس عــى ال ـ‬ ‫أكرث العهود شهرة يف التاريخ فقط‪ ،‬بل يرث شعبا‬ ‫يكافــح أزمــة غــاء معيــي وحربــا يف أوكرانيــا أدت‬ ‫إىل مشكلة كارثية يف إمدادات الطاقة‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫تســاؤالت شــعبية مــن مختلــف األجيــال ومختلــف‬ ‫شـرة عــن أهميــة وجــود‬ ‫دول الكومنولــث األربــع ع ـ‬ ‫ملكيــة دســتورية يف العالــم الحديــث‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من ذلك‪ ،‬سيكون االهتمام باألمور‬ ‫الداخليــة مــن أهــم أولويــات تشــارلز‪ .‬حيــث ابتليــت‬ ‫العائلة املالكة بصراع داخيل وفضائح يف السنوات‬ ‫خـرة‪ .‬إذ تســبب تــورط األمــر أنــدرو املزعــوم يف‬ ‫األ ـ‬ ‫فضيحــة اعتــداء جنــي‪ ،‬اتهــم فيهــا بممار ســة‬ ‫الجنــس مــع فتــاة تبلــغ مــن العمــر ‪ 17‬عامــا فقــط‪،‬‬ ‫يف جلب العار عىل العائلة املالكة خالل السنوات‬ ‫األخرية للملكة‪ .‬وعىل الرغم من قيام دوق يورك‬ ‫بنفــي هــذه االتهامــات إال أنــه اضطــر إىل دفــع مبلــغ‬ ‫‪ 12‬مليون جنيه إسرتليني لفريجينيا جوفري بدال‬ ‫مــن مواجهــة محاكمــة مدنيــة يف نيويــورك‪ .‬كمــا‬

‫‪68‬‬

‫أنــه اضطــر إىل التخــي عــن كافــة واجباتــه امللكيــة‬ ‫ومناصبــه العســكرية‪.‬‬ ‫واضطــر األ مــر هــاري أيضــا إىل التخــي عــن‬ ‫مناصبــه العســكرية عندمــا اســتقال مــن منصبــه‬ ‫امللــي‪ .‬ويبــدو أن الشــعور با ـملـرارة واال ـغـراب عــن‬ ‫بعــض أ ـفـراد العائلــة املالكــة بعــد نشــر الكتــاب‬ ‫االتهامي بعنوان «االحتياطي» قد دفع دوق ودوقة‬ ‫ساسكس‪ ،‬املتواجدان يف كاليفورنيا‪ ،‬للهجوم عىل‬ ‫أ ـفـراد العائلــة املالكــة يف العديــد مــن املقابــات مــع‬ ‫وســائل اإلعــام األمريكيــة بســبب طريقــة تعامــل‬ ‫أ ـفـراد العائلــة معهمــا‪.‬‬ ‫وتعترب دعوة األمري هاري لحضور حفل التتويج‬ ‫وبقاء زوجته يف منزلهما يف كاليفورنيا محاولة من‬ ‫امللك لتقديم غصن زيتون البنه الضال‪.‬‬ ‫يواجــه كيــان الكومنولــث اليــوم تهديــدا وجوديــا‬ ‫محتمال‪ .‬فباعتبارها رئيسة للكومنولث‪ ،‬كانت امللكة‬ ‫الراحلة أيضا ملكة عىل جامايكا ونيوزيلندا وبابوا‪-‬‬ ‫غينيا الجديدة‪ -‬وكندا وتوفالو وأسرتاليا وأكرث من‬ ‫ســتة بلــدان أخــرى‪ .‬ويعتــر تعــداد الســكان يف هــذه‬ ‫الــدول مجتمعــة أكــر مــن تعــداد الســكان الذيــن‬ ‫يعيشون يف اململكة املتحدة‪ ،‬ويخضعون جميعهم‬ ‫اليوم لحكم امللك الجديد‪ ،‬الذي يواجه مزيجا من‬ ‫الحركات املناهضة للملكية والحركات الجمهورية‬ ‫التي كانت تسعى لحشد التأييد‪.‬‬ ‫لــذا‪ ،‬تبقــى مسـ ــألة مــا إذا كانــت هــذه الــدول‬ ‫س ـ ــتقبل امللــك الجد يــد كمــا قبلــت والد تــه مــن‬ ‫حـول‬ ‫قبــل مســألة غــر واضحــة حتــى اآلن‪ .‬فقــد ت ـ‬ ‫الع ـ ــديد مــن املس ـ ــتعمرات الب ـ ــريطانية الـ ـ ـس ـ ــابقة‬ ‫إىل جمهـ ـ ــوريات قبـ ــل أن تت ــوىل امللك ـ ــة إليـ ــزابيث‬ ‫العـ ــرش أو يف السـ ــنوات األوىل من حكمها‪ ،‬خ ــالل‬ ‫حقبة اإلنهاء الس ــريع لالس ــتعمار يف الخمس ــينات‬ ‫والسـ ــتينات مــن القــرن املــايض‪ ،‬بمــا يف ذلــك الهن ــد‬ ‫وبا كـ ــستـ ــان وجميــع املس ــتع ـم ــرات الب ــريطانيـ ــة‬ ‫األفريقيةـ ـ وقــد ارتب ـ ــط النظ ـ ــام امللــي الربيطـ ـ ــاين يف‬ ‫العديد من هذه األمـ ــاكن بأس ــوأ م ـظ ــاهر اإلجح ــاف‬ ‫يف اإلمـ ــراطورية‪.‬‬ ‫وتزايــدت الدعــوات يف العــام املــايض إلصــدار‬ ‫بيانــات اعتــذار ودفــع تعويضــات مــن قبــل النظــام‬ ‫املليك لدوره التاريخي يف تجارة الرقيق عرب املحيط‬ ‫سـراليا‪ ،‬التــي تولــت حكمهــا‬ ‫األطلــي‪ .‬وكانــت أ ـ‬ ‫مؤخرا حكومة جديدة ذات توجه جمهوري‪ ،‬من‬

‫‪066_AM.indd 68‬‬


‫‪69‬‬

‫تبقى مسألة قبول‬ ‫دول الكومنولث‬ ‫امللك الجديد كما‬ ‫قبلت والدته‪ ،‬غري‬ ‫واضحة بعدما‬ ‫تحول العديد‬ ‫من املستعمرات‬ ‫الربيطانية السابقة‬ ‫إىل جمهوريات‬ ‫قبل أن تتوىل امللكة‬ ‫اليزابيث العرش‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:49‬‬

‫المجلة‬

‫ضـاء الرئيســيني يف الكومنولــث الذيــن أعلنــوا‬ ‫األع ـ‬ ‫طموحهــم يف اإلطاحــة بامللــك مــن رئاســة الدولــة‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن لــدى امللــك فلســفته الخاصــة‬ ‫ـ‬ ‫حـول تغيــر العالقــة بــن األمــم‪ ،‬خاصــة يف خضــم‬ ‫املحادثات حول أهمية وجود ملك أبيض يف األرايض‬ ‫الكاريبيــة الناشــئة‪ .‬وذهــب امللــك العــام املــايض إىل‬ ‫باربادوس ليشهد انتقال السلطة بعد قرون من‬ ‫الحكــم الربيطــاين‪ .‬وأطلعــت جامايــكا األمــر وليــام‬ ‫يف زيارته العام املايض برفقة أمرية ويلز حول نيتها‬ ‫أن تكون الدولة التي تيل باربادوس يف اتخاذ تلك‬ ‫الخطوة‪ .‬كما أعلنت أنتيغوا وبربودا بعد أيام من‬ ‫وفاة امللكة أنها ستقطع أيضا عالقاتها مع بريطانيا‬ ‫يف غضون ثالث سنوات‪.‬‬ ‫ويف يوليو‪/‬تمــوز مــن العــام املــايض‪ ،‬أخــر امللــك‬ ‫تشــارلز قــادة الكومنو لــث يف روا نــدا أن األ مــر‬ ‫ضـاء ليقــرروا مــا إذا كانــوا ســيبقون‬ ‫مــروك لألع ـ‬ ‫عىل امللك يف رئاسة الدولة‪ ،‬مضيفا أن «مثل هذه‬ ‫الرتتيبات يمكن أن تتغري بهدوء ودون ضغينة»‪.‬‬ ‫إنه مستعد بالفعل ملواجهة التغيريات املستقبلية‬ ‫دون نيــة ســيئة‪( .‬ومــن املثــر لالهتمــام‪ ،‬أن هنــاك‬ ‫دوال تســعى بنشــاط لالنضمــام إىل الكومنولــث‪،‬‬ ‫ضـاء‪ ،‬وهــم روانــدا وموزمبيــق‬ ‫آخرهــا أربعــة أع ـ‬ ‫والغابــون وتوغــو‪ ،‬ال يملكــون أيــة روابــط تاريخيــة‬ ‫مــع اإلمرباطوريــة الربيطانيــة‪ ،‬بــل إن آخــر اثنتــن‬ ‫منهــا كانتــا مســتعمرتني فرنســيتني يف الســابق)‪.‬‬ ‫و عــى الر غــم مــن جميــع القضا يــا املحيطــة‬ ‫بالكومنولث‪ ،‬إال أن امللك تشارلز اختار زيارة دولتني‬ ‫مــن خــارج الكومنولــث يف أول زيــارات دولــة لــه‪.‬‬ ‫كانــت فرنســا خيــاره األول هــذا العــام وانعكاســا‬ ‫سـرة الكومنولــث‪.‬‬ ‫لحقيقــة أن اهتماماتــه تتجــاوز أ ـ‬ ‫إال أنه لم يذهب إىل هناك بناء عىل نصيحة بشأن‬ ‫االضطرابــات التــي تجــري يف البــاد بســبب ا ـقـراح‬ ‫الرئيس الفرنيس إيمانويل ماكرون خفض الســن‬ ‫الذي يمكن للعمال الفرنسيني فيه الحصول عىل‬ ‫معاشــاتهم التقاعديــة‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬تحولت أول زيارة دولة للملك‬ ‫إىل خيــاره الثــاين‪ ،‬أملانيــا‪ .‬وتحــدث تشــارلز باللغــة‬ ‫األملانية خالل مأدبة رسمية وقال إنه وامللكة تأثرا‬ ‫بعمــق بالرتحيــب الحــار‪ ،‬وأشــاد باألمــة األملانيــة‬ ‫املتم ـيـزة للغا يــة‪ .‬وأ ضــاف أن البلد يــن ســيقفان‬ ‫متحديــن مــع أوكرانيــا‪.‬‬

‫سياسة‬

‫وعــى الرغــم مــن كونــه يف ســن تقاعــد فيــه كثــر‬ ‫مــن رعايــاه أنفســهم‪ ،‬فقــد واصــل امللــك تشــارلز‬ ‫إظهار رغبته يف التكيف واالبتكار‪ .‬وقد أوضح منذ‬ ‫ـفـرة طويلــة أنــه يخطــط لتقليــص نظامــه امللــي‪،‬‬ ‫سـرة كأب ـنـاء العــم وبنــات األخــت‬ ‫وتحويــل أ ـفـراد األ ـ‬ ‫وأب ـنـاء األخ وحتــى األشــقاء إىل أشــخاص ثانويــن‪.‬‬ ‫حيــث ســيتألف النظــام امللــي الجديــد مــن ســبعة‬ ‫أعضاء رئيسيني فقط‪ ،‬وجميعهم من كبار أفراد‬ ‫العائلة املالكة‪ ،‬امللك نفسه وزوجته امللكة‪ ،‬إضافة‬ ‫إىل أمري وأمرية ويلز الجدد واألمرية امللكية وإيرل‬ ‫وكونتيســة ويســيكس‪ ،‬وهمــا اآلن دوق ودوقــة‬ ‫أد ـنـره الجــدد‪.‬‬ ‫إن تقليــل عــدد أ ـفـراد العائلــة املالكــة الذيــن‬ ‫يق ــومـ ــون بواجبـ ــات رس ـ ـم ــية يعنــي أيضـ ــا تقـ ــليل‬ ‫عــدد األ ش ـخـ ــاص الذ يــن يتـ ـ ــم تمويلهــم مــن‬ ‫خــال املنح ــة ال ـسـ ــيادية‪ -‬وهــي األمــوال الع ــامة‬ ‫امل ـس ــتخدمة لدعمهــم‪ .‬هــذا‪ ،‬إىل جـ ــانب حفــل‬ ‫التتويج‪ ،‬الذي لم تتجاوز مدته نصف مدة حفل‬ ‫تتويــج والدتــه‪ ،‬وهــو مــا يظهـ ــر أن امللــك تش ـ ــارلز‬ ‫قــد فهــم أزمــة غــاء املعي ـ ــشة الحاليــة يف اململكــة‬ ‫املتحــدة‪.‬‬ ‫ولطاملــا اهتــم امللــك بالت ـنـوع‪ ،‬إذ ضــم حفــل‬ ‫التتويج الخاص به موسيقيني من أقليات عرقية‪.‬‬ ‫وقد تأخر تنظيم الحفل نفسه بسبب رغبة امللك‬ ‫يف إدراج أدوار ألشــخاص مــن ديانــات أخــرى غــر‬ ‫املســيحية‪ .‬ويف عــام ‪ ،2015‬قــال امللــك تشــارلز‬ ‫إنــه ســيحتفظ بلقــب امللــك التقليــدي املدافــع عــن‬ ‫اإليمان‪ ،‬لكنه رأى يف نفسه حاميا لجميع األديان‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من كون امللكة الراحلة تعترب مصدر‬ ‫سـرا وعالنية‬ ‫إلهام للملك تشــارلز‪ ،‬إال أنه تحدث ـ‬ ‫عن رغبته يف بناء إرثه انطالقا من نجاحاتها‪ ،‬وهو‬ ‫محظــوظ بــأن يكــون ابنــه األكــر‪ ،‬أمــر ويلــز‪ ،‬إىل‬ ‫جانبــه‪ .‬وبصفتــه أحــد املقربــن املوثوقــن للملــك‪،‬‬ ‫ســتتاح لألمري وليام الفرصة للتعلم من والده‪.‬‬ ‫ويف الوقــت املناســب‪ ،‬ســتصبح تحديــات امللــك‬ ‫تشــارلز أيضــا تحديــات لألمــر وليــام‪ .‬ويتمتــع كل‬ ‫مــن األب واالبــن بفرصــة إلهــام بعضهمــا بعضــا‬ ‫والوصول معا إىل رؤية مشرتكة‪ ،‬وجعل العائلة‬ ‫املالكة املصغرة فعالة ومرنة‪ .‬ومن خالل قيامهما‬ ‫بذلك‪ ،‬فإنهما يأمالن يف ضمان استمرارية النظام‬ ‫امللــي ألجيــال عديــدة قادمــة‪.‬‬

‫‪066_AM.indd 69‬‬


070_AM.indd 70

28/04/2023 13:09


Apr DPS ALMAJALLAH - Maxx Royal.pdf

070_AM.indd 71

1

27/03/2023

2:17 PM

28/04/2023 13:09


‫المجلة‬

‫يوميات‬

‫‪72‬‬

‫بيروت مدينة اليباب‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫سجل للمهانات‬ ‫واالختفاء‬ ‫ثالث سنوات من االنهيارات املتتالية‬ ‫بريوت ‪ -‬محمد أبي سمرا‬

‫ّ‬ ‫التحلل الذي أصاب الدولة اللبنانية يف سنوات إفالسها‬ ‫يتوسّ ع‬ ‫املــايل والســيايس‪ ،‬ويتزايــد تفشــيه يف نســيج الحيــاة والعالقــات‬ ‫االجتماعيــة العامــة والخاصــة‪ .‬ويف بــروت لــم يبـ َـق مشــهد مــن‬ ‫الحياة اليومية‪ ،‬صورها وكلماتها املتداولة‪ ،‬يف منأى عن االختناق‬ ‫ُّ‬ ‫ينحل إىل مناطق‬ ‫واالهرتاء‪ ،‬فيما يفقد املجتمع اللبناين روابطه‪،‬‬ ‫وجماعات ومدن وأحياء وقرى متباعدة‪ ،‬شبه مستقلة ومنعزلة‪،‬‬ ‫ُبق عىل‬ ‫يتخبّط أهلها يف تأمني احتياجاتهم الضرورية بصمت لم ي ِ‬ ‫ألسنتهم سوى كلمات التذمر واالستنكار والشكوى واألنني من‬ ‫كل يشء‪ .‬حتى أن االختناق العام الصامت يشري إىل أن املجتمع‬ ‫صــار معرضــا للتحلــل التــام والــزوال‪ .‬كأن مطرقــة بحجــم الســماء‬ ‫هوت عىل لبنان وأهله‪ ،‬لغتهم وذاكرتهم‪ ،‬فبدّ دتهم ومحقتهم‬ ‫ومــأت أفواههــم وعيونهــم بالرمــاد‪ ،‬وربمــا أكــر مــن أيامهــم يف‬ ‫الحرب األهلية (‪.)1990 - 1975‬‬

‫رسوم ‪ -‬إدواردو رامون‬

‫حـ ّـل ببــروت يف ســنواتها الثــاث األ ـ‬ ‫خـرة‪ ،‬قــد ال ـتـرأ مــن ع ـيـاءٍ‬ ‫وعجــز مضاعفــن مزمنــن‪.‬‬ ‫شـرتنا حروبنــا األهليــة‬ ‫قــد يعــود العجــز والع ـيـاء إىل وقــت مبا ـ‬ ‫املديــدة شــبه من ّومــن‪ ،‬وط ّينــا إياهــا مــن دون أن نــدري ملــاذا خضنــا‬ ‫يف الــدم واملذلــة‪ ،‬وطمرناههمــا بعفـ ٍـو عــام عمــا مــى كأنــه لــم‬ ‫يكــن‪ .‬وغصبــا أو صاغريــن أو فرحــن ارتضينــا بمــا ســمّ ته جماعــات‬ ‫منــا “وصايــة” خارجيــة علينــا‪ ،‬وســمّ ته أخــرى “احتــاال” تــاه آخـ ُر‬ ‫حـرب دائمــة ســمّ ته‬ ‫مدمــر‪ ،‬فتذرعــت بــه جماعــة أسســت مجتمــعَ ـ‬ ‫“مقاومة”‪ ،‬ويتسلط فيه “الشهداء” و“سادة الوجود” و“أشرف‬ ‫النــاس” عــى األح ـيـاء األقــل شــرفا‪ ،‬ألنهــم انصرفــوا إىل شــؤون‬ ‫شـرنا إزالــة الــردم وا ـلـركام ملشــروع‬ ‫الحيــاة الدنيــا‪ .‬ويف األث ـنـاء با ـ‬ ‫إعــادة الب ـنـاء واإلعمــار بكلمــات دعائيــة جو ـفـاء مبتذلــة‪ ،‬وبأرقــام‬ ‫فلكيــة مــن القــروض والديــون‪ .‬وهــذه ُو ِّزعـ ْ‬ ‫ـات وه ـبـاء عــى‬ ‫ـت هبـ ٍ‬

‫بالد العجز والعياء‬

‫تحــت هــذه املطرقــة تعيــش بــروت‪ ،‬ويعيــش ســكانها مهانــن‬ ‫موتوريــن‪ .‬وغالبــا مــا يختنقــون بمهاناتهــم وتوتراتهــم‪ .‬ويمكــن أن‬ ‫نلمح عالمات ذلك املتباينة واملتفاوتة‪ ،‬نبصره عىل وجوه الناس‪،‬‬ ‫ونعيشه يف أي شارع من املدينة املتحللة بصمت‪ ،‬وأحيانا بعنف‬ ‫مفاجــئ‪ .‬واألرجــح أننــا كنــا‪ ،‬قبــل الســنوات الثــاث مــن القحــط‬ ‫والعزلــة‪ ،‬مســتغرقني يف الصمــت والعنــف هذيــن‪ ،‬أو بــكالم‬ ‫ثرثــار قليــل اال ـكـراث بوقائــع حياتنــا‪ .‬أوليــس هــذا مــا يقولــه عجزنــا‬ ‫وعزوفنــا عــن وصــف مــا حـ ّـل بنــا اليــوم‪ ،‬كمــا عزفنــا عــن وصــف‬ ‫أحوالنــا يف حقــب ســابقة؟ ومحاولتنــا أن نصــف‪ ،‬هنــا واآلن‪ ،‬مــا‬

‫‪02/05/2023 13:51‬‬

‫‪072_AM.indd 72‬‬


072_AM.indd 73

02/05/2023 13:52


‫يوميات‬

‫المجلة‬

‫أ ـمـراء الحــروب وجماعاتهــم‪ ،‬وعــى جيــش لجــب مــن موظفــن‬ ‫شــبه متبطلــن إال مــن كونهــم رعايــا ومنتفعــن‪ ،‬فيمــا كان جيــش‬ ‫“املقاومــة” الســري ومجتمعهــا الحربــي يفــكك أوصــال الدولــة‬ ‫واملجتمــع “املــدين” ويجعــل السياســة واالجت ـمـاع والحيــاة حربــا‬ ‫باردة أو ّ‬ ‫معلقة‪ ،‬ال تخلو من االغتياالت‪ ...‬إىل أن أصابنا إفالس‬ ‫ّ‬ ‫خـرة‪ ،‬منتظريــن‬ ‫يتنصــل الجميــع منــه ونعيشــه حربــا مت ـ‬ ‫ماحــق‬ ‫شـرة الحكايــة مــن أولهــا‪.‬‬ ‫مبا ـ‬ ‫ّ‬ ‫وياما صفقنا وبكينا ملا صارت بريوت مدينة خراب وكآبة‪ ،‬حينما‬ ‫غنى شاعر‪“ :‬بريوت نجمتنا‪ ،‬بريوت خيمتنا”‪ ،‬وأنشدتها سفريتنا‬ ‫نار ورماد؟”‪ .‬وها‬ ‫إىل النجوم متسائلة‪“ :‬كيف صار طعمها طعم ٍ‬ ‫تقطعت أوصال األماكن واألوقات واالجتماع يف بريوت اإلفالس‬ ‫الكبــر والفقــر‪ ،‬فتمـ ّزق نســيجها وإي ـقـاع الحيــاة اليوميــة فيهــا‪،‬‬ ‫وذهبــت بعيــدا يف االختنــاق والبكــم والعزلــة والشــحوب الــذي‬ ‫يكســو وجــوه ســكانها املتنقلــن مب ّنجــن أو مخدريــن ذاهلــن يف‬ ‫شــوارعها الكالحــة‪.‬‬

‫الحمراء ورأس بيروت‬

‫ال يتوقــف الــكالم اليــوم يف بــروت عــن الحــال املزريــة التــي انحــدر‬ ‫إليها معلمان أساسيان يف املدينة‪ :‬منطقة رأس بريوت‪ ،‬وشارع‬ ‫الح ـمـراء الــذي يخرتقهــا يف وســطها مــن مصــرف لبنــان شــرقا إىل‬ ‫منحدر الشارع املؤدي إىل املنارة عىل شاطئ البحر‪ .‬أما الجامعة‬ ‫األمريكية فيأيت ذكرها يف سياق إجماع عىل دورها التأسييس يف‬ ‫ّ‬ ‫تكــون رأس بــروت منطقــة خليــط “كوزموبوليتــي” مدينــي لبنــاين‬

‫وعربي وأجنبي‪ ،‬منذ اختار املرسلون اإلنجيليون األمريكيون تلك‬ ‫التلــة البريوتيــة املشــرفة عــى البحــر لتشــييد جامعتهــم الشــرق‬ ‫أوســطية عليهــا ســنة ‪.1866‬‬ ‫لكن الوجه “الكوزموبوليتي” الثقايف‪ ،‬االستعرايض واإلعالمي‬ ‫والدعــايئ‪ ،‬بلــغ أوجــه يف رأس بــروت ســتينات القــرن العشــرين‬ ‫والنصــف األول مــن ســبعيناته‪ ،‬عندمــا صــار شــارع الح ـمـراء يف‬ ‫موطــن الحداثــة البريوتيــة الجديــدة‪ ،‬عنوانهــا ومحجّ تهــا اللبنانيــة‬ ‫والعربيــة والشــرق أوســطية‪ .‬ويعــود ذلــك أقلــه إىل أســباب ثالثــة‬ ‫متزامنــة ومتداخلــة‪:‬‬ ‫بعــد مئــة ســنة عــى تأسيســها‪ ،‬بلغــت الجامعــة األمريكيــة أوج‬ ‫عـراق‬ ‫اســتقطابها أب ـنـاء نخــب عربيــة مــن فلســطني وســوريا وال ـ‬ ‫واألردن وبلدان الخليج العربية ‪ -‬بالتزامن مع الفورة النفطية‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫للتعلــم واإلقامــة يف رأس بــروت‪ .‬وهــذا إىل جانــب أب ـنـاء نخــب‬ ‫لبنانية أنجلوفونية اللغة والثقافة‪ ،‬وســواهم من بلدان الشــرق‬ ‫األوسط واألجانب املنتمني إىل عشرات الجنسيات‪ ،‬وكان عددهم‬ ‫الســنوي باأللــوف‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ينحل المجتمع اللبناني إلى مناطق‬ ‫وجماعات ومدن وأحياء وقرى متباعدة‪،‬‬ ‫يتخبط أهلها في‬ ‫شبه مستقلة ومنعزلة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تأمين احتياجاتهم الضرورية بصمت لم‬ ‫ُ ي ِبق على ألسنتهم سوى كلمات التذمر‬ ‫واالستنكار والشكوى واألنين‬

‫‪02/05/2023 13:52‬‬

‫‪74‬‬

‫‪1866‬‬

‫اختار المبشرون اإلنجيليون‬ ‫األميركيون التلة البيروتية المشرفة‬ ‫على البحر لتشييد جامعتهم الشرق‬ ‫أوسطية عليها‬ ‫ط ـفـرة الحداثــة الشــبابية‪ ،‬وظهــور الطــاب بقــوة عــى مســارح‬ ‫الحياة االجتماعية والسياسية والثقافية‪ ،‬عامليا وعربيا‪ ،‬خصوصا‬ ‫يف العاصمة اللبنانية بريوت‪.‬‬ ‫ضيق وسط بريوت املديني التقليدي القديم بمتطلبات ووظائف‬ ‫حداثة الستينات الشبابية التي انتقلت إىل شارع الحمراء يف رأس‬ ‫بريوت‪ ،‬حيث أُنشئت مقاهي الرصيف ومطاعم الوجبات السريعة‬ ‫ودور السينما ومرابع الرتفيه والحياة الليلية الشبابية املحدثة‪،‬‬ ‫إضافة إىل مقار الصحف وبعض املنتديات الثقافية والفنية‪.‬‬ ‫هــذا كلــه انتهــى اليــوم واختفــى تمامــا‪ ،‬ولــم يبــق منــه ســوى‬ ‫الجامعــة األمريكيــة التــي يقتصــر طالبهــا عــى اللبنانيــن وحدهــم‬ ‫تقريبــا‪ .‬ولكــن ـكـرة منهــم ت ـترّم مــن أقســاطها املرتفعــة “املدو ـلـرة”‬ ‫عىل إيقاع جنون أسعار الدوالر واالنهيار املايل‪ .‬أما معظم طالبها‬ ‫فعازمــون عــى اله ـ‬ ‫جـرة فــور إنهائهــم دراســتهم فيهــا‪ .‬ولــذا بــدأت‬ ‫الجامعــة األمريكيــة بتشــييد فــرع لهــا يف ـقـرص‪.‬‬ ‫بلغ تدهور أحوال رأس بريوت والحمراء الذروة يف السنوات‬ ‫الثالث األخرية‪ .‬لكنهما منذ بداية الحروب األهلية يف لبنان شهدا‬ ‫محطــات ك ـثـرة مــن الصعــود والهبــوط‪ .‬وكان االنحــدار مــا قبــل‬ ‫حـزب اللــه” ومــا يســمى‬ ‫األخــر يف العــام ‪ ،2008‬عندمــا ســيطر “ ـ‬ ‫“املمانعة” بقوة السالح عىل مدينة بريوت‪ ،‬وكانت رأس بريوت‬ ‫سـرحا أساســيا لتلــك الســيطرة‪ .‬وبــن ســنوات ‪ 2011‬و‪،2015‬‬ ‫م ـ‬ ‫شهد شارع الحمراء انبعاثه النسبي األخري أثناء فرار أعداد كبرية‬ ‫مــن الشــبان‪/‬ات الســوريني إىل بــروت يف خضــم الثــورة الســورية‪،‬‬ ‫واتخاذهــم مقاهــي الح ـمـراء ومرابعــه الليليــة مكانــا للقاءاتهــم‬ ‫ونشاطاتهم يف انتظار هجراتهم إىل أوروبا‪ .‬وهذه الفئة السورية‬ ‫الشابة‪ ،‬املتعلمة والجامعية واملهنية املحدثة‪ ،‬اختفت اليوم إال‬ ‫يف مــا نــدر مــن بــروت ولبنــان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫محرّي ًة اليوم مقاربة الكالم اليومي الناعي‪ ،‬املتأيس‬ ‫وقد تكون ّ‬ ‫والحزين‪ ،‬يف رثائه رأس بريوت والحمراء وحدهما‪ ،‬جراء الحال‬ ‫خـرا‪ .‬وليــس‬ ‫املزريــة التــي يُجمــع كثــرون عــى انحدارهمــا إليهــا أ ـ‬ ‫حـرة إنــكار مــا أصابهمــا مــن ا ـهـراء وتحلــل قــد‬ ‫الباعــث عــى ال ـ‬ ‫يتجــاوزان مــا أصــاب ســواهما مــن مناطــق بــروت‪ .‬بــل مصدرهــا‬ ‫التشــكك يف الصــورة األيقونيــة الزاهيــة التــي تعــود إىل مــا تســميه‬ ‫األدبيــات اللبنانيــة “الزمــن الجميــل” يف نمــط العيــش والحيــاة‬ ‫الثقافية والفنية‪ ،‬عندما كانت الحمراء املسرح البريويت األشهر‬ ‫لــذاك الزمــن يف الســتينات‪ .‬وهــي الصــورة التــي تنطــوي عــى حنــن‬ ‫رومنطيقي‪ ،‬ومنها ينبعث الرثاء املحموم للحمراء ورأس بريوت‬ ‫اليــوم‪ُ ،‬‬ ‫وت ْ‬ ‫ض َفــى مأســوية مضاعفــة عــى حاضرهمــا املأســوي‪.‬‬ ‫وبعــد ســهرة يف بــار فنــدق كان يضــج بالحيــاة يف مــايض رأس‬ ‫بريوت اآلفل ‪ -‬وخال يف تلك السهرة إال من أصدقاء ثالثة شاؤوا‬ ‫طـاع طويــل يعــود إىل بدايــات تفــي‬ ‫اســتئناف لقاءاتهــم بعــد انق ـ‬ ‫و ـبـاء كورونــا وعزالتــه ‪ -‬وصــف أحدهــم الســهرة بعــد خروجهــم‬

‫‪072_AM.indd 74‬‬


‫‪75‬‬

‫المجلة‬

‫مــن البــار وســرهم يف الشــوارع القريبــة املعتمــة الخاويــة‪ ،‬فقــال‬ ‫إنهــا “ســهرة ألبانيــة”‪ .‬وهــذا كنايــة عــن أنهــا كســهرات مطارديــن‬ ‫أو منبوذيــن يف بلــدان “الســتار الحديــدي” الشــيوعية التــي كانــت‬ ‫الحيــاة فيهــا تعيســة وتشــبه العيــش يف املعتقــات‪.‬‬ ‫والحــق أن يف هــذا التشــبيه يشء مــن مــا أصــاب منطقــة رأس‬ ‫بريوت‪ ،‬وخصوصا يف حياتها الليلية‪ :‬عتمة كأنما يف بلدة نائية‪.‬‬ ‫سـاء‪ .‬املفتوحــة منهــا‬ ‫مقــا ٍه ومرابــع ومتاجــر مقفلــة مــا إن يحــل امل ـ‬ ‫شبه خالية‪ .‬شبان عراقيون يتجوّلون سائحني يف مجموعات عىل‬ ‫األرصفة املعتمة واملقفرة‪ .‬املقاهي التي ال تزال تفتح أبوابها تقدّ م‬ ‫الرناجيــل‪ .‬حتــى ذاك الــذي كان مقهــى “الهــورس شــو” للنخبــة‬ ‫الثقافية والفنية يف الســتينات والســبعينات‪ ،‬يخلو إال من شــاب‬ ‫عراقي وحيد يجلس عىل كنبة خلف زجاج املقهى مدخنا نرجيلة‬ ‫وينظــر يف الرصيــف الخــايل أمامــه‪ .‬وغالبــا ال أثــر ال ـمـرأة أو صبيــة‬ ‫يف الليــل عــى رصيــف‪.‬‬ ‫لكــن املشــهد النهــاري يف الح ـمـراء ورأس بــروت مختلــف عــن‬ ‫املشــهد الليــي “األلبــاين”‪ ،‬ربمــا عــى عكــس مــا غنــت ـمـرة نجــوى‬ ‫ـكـرم أن “الليــل يســر العيــوب”‪ .‬ففــي بــروت اليــوم ضــوء النهــار‬ ‫هــو “سـ ّتار عيوبهــا”‪ .‬فنهــارات الســعي املحمــوم ‪ -‬رغــم أن النــاس‬ ‫يرتكون انطباعا بأنهم مخدّرون شاحبون متوترون ومبتئسون ‪ -‬ال‬ ‫تفصح عن تلك العزالت الثقيلة التي يعيشونها ليال يف بيوتهم‪.‬‬ ‫ففــي الليــل تبــدو املدينــة يف مشــهدها اإلجمــايل شــبحية‪ ،‬ليــس يف‬ ‫شــوارعها ســوى تلــك األضــواء الكابيــة الشــحيحة التــي تخــرج مــن‬ ‫جـاج نوافــذ البيــوت يف العمــارات‪.‬‬ ‫خلــف ز ـ‬ ‫وتبــدو رأس بــروت يف نهــارات اآلحــاد هادئــة هــدوءا أليفــا‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:52‬‬

‫يوميات‬

‫فاآلحاد ليست للسعي املضطرب املتوتر‪ ،‬بل لنزهات بطيئة تذ ّكر‬ ‫بــذاك التســكع القديــم‪ ،‬رغــم أنهــا نزهــات عــى يشء مــن خ ـمـول‬ ‫ال يخلــو مــن لــذة فا ـتـرة‪ .‬أمــا األنشــطة الثقافيــة والفنيــة والســينما‬ ‫واملسرح فصارت من الذكريات املنسية‪ .‬وال يخلو األمر من عمل‬ ‫سـرحي ومعرض تشــكييل وأمســية ثقافية يف أوقات متباعدة‪،‬‬ ‫م ـ‬ ‫لكنهــا يف معظمهــا بــا أثــر‪.‬‬ ‫وتسمع البعض يف بريوت اليوم يشبّهونها بالقاهرة‪ .‬وهؤالء‬ ‫يقصــدون أن نمــط العيــش ومشــاهده وحركــة الحيــاة اليوميــة يف‬ ‫شوارع بريوت‪ ،‬وخصوصا يف شطرها الغربي‪ ،‬صارت تشبه تلك‬ ‫التي يف القاهرة باختالالتها وفوضاها وعتقها وألوانها الرمادية‪.‬‬ ‫لكن نزهة يوم أحد هادئ يف رأس بريوت مرورا يف شارع الحمراء‪،‬‬ ‫قــد تذ ـكـرك بحــي املهندســن أو الزمالــك يف القا ـهـرة‪ .‬وقــد يكشــف‬ ‫هذا عن أن تشبيه بريوت اليوم بالقاهرة يعني أن مشاهد الحياة‬ ‫اليومية يف العاصمة اللبنانية صارت رمادية‪ ،‬وتنطوي عىل يشء‬ ‫شـونة ذكوريــة‪ ،‬وفقــدت تلــك األناقــة التــي كان يعبدهــا‬ ‫مــن خ ـ‬ ‫اللبنانيــون وتتأهــب اليــوم لالخت ـفـاء‪ ،‬بعدمــا كانــوا جعلوهــا مــن‬ ‫عوامــل تشــاوفهم باعتبارهــا مــن مصــادر “التميــز” اللبنــاين الــذي‬ ‫حطمــه مــا أصــاب بــروت ولبنــان منــذ ‪ 3‬ســنوات‪.‬‬

‫شوارع وأحياء للعزلة‬

‫ويف بريوت اليوم شوارع مهجورة إال من الكآبة والذكريات املخزنة‪.‬‬ ‫وهناك مشاهد مؤملة يف شوارع أخرى‪ .‬وللعنف امللجوم شوارعه‬ ‫أيضا‪ ،‬فال تخلو من عراك هنا وشجار هناك‪ .‬وقد يتجدد بإطالق‬ ‫النــار ثأريــا‪ ،‬فيتفــرج عليــه يف الشــارع ســكانُ البنايــات مــن خلــف‬ ‫جـاج نوافــذ بيوتهــم‪ ،‬و ـيـراوون يف الســهرة وقائعــه‪ ،‬مســتمعني‬ ‫ز ـ‬ ‫شـرات أخبــار تلفزيونيــة تذيــع عليهــم وقائــع قاتمــة‪ .‬وقــد ن ـقـرأ‬ ‫إىل ن ـ‬ ‫أحيانا أخبار انتحارات هنا وهناك‪ .‬لكن األسبوع األول من مارس‪/‬‬ ‫آذار املايض ســجل ‪ 4‬انتحارات من بيئة طائفية واحدة (شــيعية)‪.‬‬ ‫وهم ق ّرروا املغادرة برصاصة يف الرأس‪.‬‬ ‫وللبــؤس مشــاهده األليمــة يف ـكـرة مــن شــوارع بــروت‪ :‬عــى‬ ‫ناصية يف كورنيش املزرعة تلمح امرأة أو صبية ّ‬ ‫تلفها ثياب سوداء‪،‬‬ ‫تحمــل بيدهــا الفتــة كرتونيــة مكتــوب عليهــا “مكســورة عــى إيجــار‬ ‫بيــت‪ .‬يف ســبيل اللــه‪ .‬ســبعمائة ألــف” ـلـرة‪ .‬عــى الكورنيــش عينــه‬ ‫الفتــة خشــبية معلقــة عــى عمــود إنــارة‪ .‬يف أعالهــا ويف أســفلها‬ ‫“سب‬ ‫ُكتبت عبارة “احذر األمر خطري”‪ .‬ويف وسطها عبارة بارزة‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫الله دمار”‪ ،‬يف إيحاء إىل أن هذا هو سبب اإلفالس املدمر‪ .‬تتذكر‬ ‫أنك قبل أشهر رأيت غابة من الالفتات املماثلة يف شوارع مدينة‬ ‫طرابلــس‪ .‬وتحــت جســر محطــة ال ـكـوال‪ ،‬غــر بعيــد مــن كورنيــش‬ ‫املزرعــة‪ ،‬تقــف صبيــة حاملــة الفتــة كرتونيــة ُكتبــت عليهــا عبــارة‪:‬‬

‫‪072_AM.indd 75‬‬


‫يوميات‬

‫‪76‬‬

‫المجلة‬

‫‪2008‬‬

‫االنحدار ما قبل األخير‪ ،‬عندما سيطر‬ ‫“حزب هللا” وما يسمى “الممانعة” بقوة‬ ‫السالح على مدينة بيروت‪ ،‬وكانت رأس‬ ‫بيروت مسرحا أساسيا لتلك السيطرة‬

‫سـرطان‪ .‬تح ـتـاج إىل دواء باهــظ الثمــن”‪.‬‬ ‫“مامــا مريضــة ـ‬ ‫تقــف الصبيــة وســط زحــام ســيارات خانــق‪ .‬ولفــوىض الزحــام‬ ‫شــوارعها الك ـثـرة يف بــروت‪ :‬ســيارات هــادرة متح ـفـزة لالنقضــاض‬ ‫عــى أي مســاحة شــاغرة يف الشــارع‪ .‬أرتــال مــن دراجــات ناريــة‬ ‫جـرة بســائقيها بــن‬ ‫تنبثــق فجــأة يف أي مــكان ضيــق‪ ،‬طا ـئـرة مزم ـ‬ ‫ســيارات ومشــاة ال يبخلــون بشــتائمهم عــى ســائقي الدراجــات‬ ‫الذيــن يمــدّ بعضهــم ألســنتهم جوابــا عــى الشــاتمني املرتاعــن مــن‬ ‫أن تصدمهم الدراجات النارية املسرعة طائرة يف االتجاهات كلها‪.‬‬ ‫ويف هذه الشوارع يتهيأ لك أن املشاة وركاب السيارات وممتطي‬ ‫جـرة‪ ،‬هاربــون مــن ـهـول غامــض إىل مج ـهـول أشــد‬ ‫الدراجــات املزم ـ‬ ‫مال عىل العطش‪ ،‬كأنما‬ ‫غموضا‪ .‬لكن الجميع يتنقلون بصرب ِج ٍ‬ ‫تلك اللحظات هي األخرية قبل الجنون أو الخالص من الجحيم‪.‬‬ ‫وللهدوء الشاحب يف بريوت شوارع تحاول مقاومة الشحوب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يقل فيها املشــاة وعبور الســيارات املصطفة بكثافة عىل جنباتها‪،‬‬ ‫وتلــك الك ـثـرة املركونــة تحــت األرض يف مرائــب البنايــات الفخمــة‪،‬‬ ‫بأعــداد تفــوق أعــداد ســكانها القليلــن‪ .‬و ـهـؤالء القلــة محصنــون‬ ‫يف بيوتهم املريحة عىل قناعة راسخة مزمنة بأن األماكن العامة‬ ‫يف الخــارج معاديــة ألســلوب حياتهــم الهادئــة املســتكينة‪ ،‬رغــم‬ ‫قلــق بعضهــم املكتــوم واملقيــم‪ .‬ربمــا يف انتظــار الرحيــل عــن البــاد‪.‬‬ ‫ويف مدينــة االختــاالت واملهانــات‪ ،‬الصــر والصمــت املزمنــن‬ ‫عليهــا‪ّ ،‬‬ ‫ينظــم ـهـؤالء حياتهــم يف كل بنايــة بوصفهــا كيانــا ســكنيا‬ ‫منعزال ومستقال‪ .‬وغالبا ما تكون رسائل هواتفهم املحمولة أداة‬ ‫تنظيمهــم األساســية‪ .‬وقــد ال يلتقــي ســكان هــذه البنايــات‪ ،‬ال يف‬ ‫مصاعدها وال يف مداخلها‪ ،‬إال مصادفة ونادرا‪ .‬وربما يتحاشون‬

‫‪02/05/2023 13:52‬‬

‫هذه اللقاءات‪ ،‬ال ليشء سوى انعدام حاجتهم إليها‪ .‬ففي املدينة‬ ‫التــي يقيمــون فيهــا ويعملــون‪ ،‬يتكبــد تصريــف شــؤون حياتهــم‬ ‫وخدماتهــم وحاجاتهــم اليوميــة جيــش مــن العمــال الصغــار‬ ‫الوســطاء‪ :‬مــن ناطــور البنايــة‪ ،‬إىل عاملــة التنظيفــات املنزليــة‪ ،‬إىل‬ ‫عمال الصيانة و“الدلفري” (التوصيل) من املطاعم واملخازن الكربى‬ ‫ومحــال الخضــار‪ ،‬إىل مخلــي املعامــات يف اإلدارات الحكوميــة‬ ‫الفوضويــة الخربــة منــذ دهــر يف لبنــان كلــه‪.‬‬ ‫والكآبــة والشــحوب املخيمــان عــى شــوارع وأح ـيـاء هــذه الفئــة‬ ‫من سكان البنايات الفخمة الحصينة‪ ،‬ال يحوالن دون خروجهم‬ ‫من معازلهم وارتيادهم مطاعم باهظة األسعار‪ ،‬وسهرهم فيها‬ ‫بانتظــام تقريبــا‪ .‬فهــم يتقاضــون مرتباتهــم ويحصلــون مداخيلهــم‬ ‫بالــدوالر الــذي أضفنــا إليــه صفــة “الطــازج” يف لبنــان املفلــس‪.‬‬ ‫إىل عشاء يف واحد من هذه املطاعم بمحلة مار مخايل للحياة‬ ‫الليليــة‪ ،‬دعانــا صديــق كويتــي ال ينقطــع عــن زيــارة بــروت التــي‬ ‫يغلبــه حنينــه إىل حياتــه طالبــا يف جامعتهــا األمريكيــة يف بدايــات‬ ‫حروب لبنان األهلية‪ .‬كان املطعم خاليا تقريبا يف الثامنة مساء‪.‬‬ ‫وحدثنــا الصديــق عــن الغمــوض الــذي يكتنــف فهمــه طبيعــة حيــاة‬ ‫اللبنانيــن يف زمــن اإلفــاس‪ .‬وقــد زاد فهمــه وفهمنــا غموضــا يف‬ ‫شـرة‪ ،‬بعدمــا غـ ّ‬ ‫ـص املطعــم بالزبائــن مــن األعمــار‬ ‫الســاعة العا ـ‬ ‫كافــة‪ .‬ويف أمســية أخــرى‪ ،‬بعــد جولــة حزينــة موحشــة يف عتمــة‬ ‫رأس بــروت وشــارع الح ـمـراء‪ ،‬ذهلـ ُ‬ ‫صـرت جمعــا غ ـفـرا‬ ‫ـت ملــا أب ـ‬ ‫عــى مدخــل مطعــم افتتــح قبــل شــهور يف محلــة القنطــاري ـقـرب‬ ‫مبنــى محطــة تلفزيــون “املســتقبل” املقفــل واملهجــور منــذ أكــر مــن‬ ‫ُ‬ ‫ظننت‬ ‫‪ 3‬سنوات‪ ،‬بعدما ورثه سعد الحريري عن والده القتيل‪.‬‬ ‫أن الجمــع يتهيــأ اللتقــاط صــورة حفــل زفــاف‪ .‬وتضاعــف ذ ـهـويل ملــا‬ ‫ُ‬ ‫دخلت املطعم الفسيح ورأيت حشود زبائنه الدائمني من عائالت‬ ‫بريوتية تقليدية محدثة‪ ،‬كأن بريوت هنا عىل حالها قبل اإلفالس‬ ‫واالنهيــار االقتصــادي‪.‬‬

‫الحياة بمنطق المنامات‬

‫وقال يل قبل أيام شاعر وصحايف لبناين عىل مشارف السبعني‪،‬‬ ‫يعمــل ويقيــم يف بــروت منــذ عقــود‪ :‬ال أدري كيــف ومتــى وملــاذا‬ ‫يتهيأ يل يف لحظات خاطفة أن ما يحدث يف لبنان منذ ‪ 3‬سنوات‬ ‫يشــبه املنامــات‪ .‬وأوضــح‪ :‬مــا أعنيــه باملنامــات هنــا ليــس تشــبيها أو‬ ‫كناية أو مجازا أو استعارة‪ .‬بل أعني أن أهل هذه البالد يعيشون‬ ‫حياتهــم‪ ،‬يعملــون‪ ،‬يتكلمــون‪ ،‬ويصرفــون أوقاتهــم وشــؤونهم‬ ‫بمنطــق املنامــات‪ ،‬ويف مزيــج مــن التصديــق وعــدم التصديــق‪ ،‬ويف‬ ‫كامــل وعيهــم وشــبه منومــن‪.‬‬ ‫وأضاف‪ :‬أسمعهم يقولون كلمات وعبارات لكنها تنبرت فجأة‬ ‫وتفقــد معناهــا أو تســقط يف هــوة معتمــة‪ .‬كأن أشــخاصا ســواهم‬ ‫يتكلمون فيهم أو عربهم‪ .‬أراهم يمشون يف شوارع بريوتية أعرفها‬

‫‪072_AM.indd 76‬‬


‫‪77‬‬

‫المجلة‬

‫ويعرفونهــا معرفــة تفصيليــة مزمنــة‪ ،‬فيتهيــأ يل ولهــم فجــأة أنهــا‬ ‫فقــدت معاملهــا ومالمحهــا‪ .‬تراجعــت يف الزمــن‪ ،‬وصرنــا متقدمــن‬ ‫ســنني ك ـثـرة يف أعمارنــا يف غفلــة منــا‪ .‬وكالظــال نمــي فاقديــن‬ ‫أصواتنــا وكلماتنــا‪ ،‬أو نتكلــم وال نســمع أصواتنــا‪ .‬وأحيانــا أشــعر‬ ‫أننــي نائــم‪ ،‬فيمــا أنــا مســتيقظ وجالــس وحــدي هنــا عــى الكنبــة‪،‬‬ ‫فــأروح أتحســس جســمي ووجهــي‪.‬‬ ‫ولشرح فكرته قال‪ :‬هذا الضياع الذي أسميه هذيانا أو عيشا‬ ‫يف املنامــات‪ ،‬يشــبه الفــوىض املاليــة وفــوىض األســعار التــي صــارت‬ ‫كلهــا بالــدوالر مــن دون أن يعلــم أحــد قيمتــه الحقيقيــة بالعملــة‬ ‫اللبنانيــة‪ .‬وهــذه لــم يعــد املصــرف املركــزي يطبــع منهــا ســوى أوراق‬ ‫املئة ألف لرية‪ ،‬ويرميها باألطنان يف األسواق النقدية‪ ،‬فيشرتيها‬ ‫النــاس مــن الصرافــن يوميــا بدوالراتهــم املخ ّزنــة يف بيوتهــم‪ ،‬ثــم‬ ‫يبتاعون باللرية سلعهم وخدماتهم املسعّ رة كلها بالدوالر الطازج!‬ ‫وصارت قيمة املئة ألف لرية تساوي تقريبا قيمة األلف لرية قبل‬ ‫ّ‬ ‫خـرا إىل‬ ‫وحلــق أ ـ‬ ‫اإلفــاس‪ ،‬حــن كان ســعر الــدوالر ‪ 1500‬ـلـرة‪،‬‬ ‫أكرث من نحو ‪ 100‬ألف لرية‪ .‬هذا فيما تتقاســم الســوق الســوداء‬ ‫واملصرف املركزي التالعب بسعر الدوالر الكثري األنواع واألسعار‪:‬‬ ‫هنــاك دوالر الودائــع املصرفيــة مــا قبــل العــام ‪ ،2019‬واملحجــوزة‬ ‫ميتة تقريبا ويُســمح بســحب مبالغ زهيدة منها شــهريا‪ ،‬بعضها‬ ‫باللرية وبعضها بالدوالر الطازج‪ .‬وهناك رواتب املوظفني الشهرية‬ ‫خـرا بــدوالر ســعره أدىن بكثــر‬ ‫بال ـلـرة‪ ،‬والتــي صــاروا يتقاضونهــا أ ـ‬ ‫من سعر الدوالر الطازج املتغري‪ .‬ودوالرات املوظفني هذه يشرتون‬ ‫شـراء احتياجاتهــم املســعرة بالــدوالر‬ ‫بهــا ـلـرات مــن الصرافــن ل ـ‬ ‫الطــازج الــذي تتغــر أســعاره صعــودا فلكيــا وهبوطــا ضئيــا يف‬

‫يوميات‬

‫خـرا الــدوالر الج ـمـريك عــى الســلع املســتوردة‪،‬‬ ‫كل يــوم‪ .‬وهنــاك أ ـ‬ ‫والــذي تتغــر أســعاره كل مــدة‪.‬‬ ‫وختم الشاعر الصديق قائال‪ :‬لك أن تتخيل هذه املتاهة التي‬ ‫يعيش فيها الناس الذين هيهات أن يعلموا قيمة العملة املحوّلة‬ ‫مرات من لرية إىل دوالر وبالعكس‪ ،‬يك يشرتوا حاجاتهم‪.‬‬

‫سجل لالختفاءات‬

‫عىل جدران صالون بيت الصديق لوحات كثرية لفنانني تشكيليني‬ ‫محدثــن أعــرف كثرييــن منهــم‪ .‬لكــن تهيــأ يل أنهــم اختفــوا يف هــوة‬ ‫زمنية سحيقة‪ .‬حتى أنني شعرت أن جلستنا وحديثنا يف الصالون‬ ‫يحدثــان يف تلــك الهــوة‪ .‬ربمــا بســبب ـقـول محــديث إنــه نــادرا مــا‬ ‫يخــرج مــن بيتــه الــذي تخيلـ ُ‬ ‫ـت أن الزمــن واقــف أو متجمــد فيــه‪،‬‬ ‫كمــا يف بيتــي‪ .‬وهــذه حــال ـكـرة مــن النــاس يف عالقتهــم ببيوتهــم‬ ‫التــي تحولــت إىل معــازل‪ .‬وأنــا مــن زرت الصديــق بــا موعــد وبعــد‬ ‫انقطاع طويل عنه‪ ،‬زرته مصادفة عندما وجدتني قرب بيته‪ .‬حتى‬ ‫إننــي ال أقــوى اآلن عــى تذ ّكــر ملــاذا ومتــى مــررت يف ذلــك الشــارع‪.‬‬ ‫حــن خرجــت مــن بيتــه شــعرت بوحــدة موحشــة مضاعفــة‪،‬‬ ‫فتذكرت “السهرة األلبانية” ولم أعد أعرف إىل أين أذهب‪ .‬يئست‬ ‫عندمــا تخيلتنــي أصعــد درج البنايــة املعتــم إىل بيتــي يف طبقتهــا‬ ‫السادســة‪ .‬كانت وحشــتي أشــد شــحوبا من األضواء املنبعثة من‬ ‫تجهيزات الطاقة الشمسية املعلقة بأعمدة اإلنارة العامة‪ .‬تهيأ يل‬ ‫أن معظم البنايات أســفل منطقة األشــرفية البريوتية خالية من‬ ‫ســكانها‪ ،‬أو أنهم من املســنني‪ .‬وبعد أيام حضرت عرضا للرقص‬ ‫املعاصــر يف مســرح “مونــو” يف تلــك املنطقــة‪ .‬الشــارع الــذي يحمــل‬ ‫املسرح اسمه كان ومتفرعاته منطلق الحياة الليلية وصخبها يف‬ ‫بريوت التســعينات عقب توقف الحرب األهلية‪ ،‬وهجوم ســكان‬ ‫بــروت عــى الســهر بكثافــة لتعويــض مــا خســروه مــن أعمارهــم‬ ‫حـرب‪ .‬لكــن هــذه الشــوارع اليــوم مطفــأة ومق ـفـرة‬ ‫يف ـعـزالت ال ـ‬ ‫عـرض الراقــص تفــوق الخمســن‬ ‫تمامــا‪ .‬أعمــار حاضــري‪/‬ات ال ـ‬ ‫جـاءت مــن بلــدة بعيــدة‬ ‫ســنة‪ .‬ا ـمـرأة أعرفهــا كانــت مــع ابنتيهــا‪ ،‬و ـ‬ ‫عـرض‪ .‬االبنتــان يف زيــارة خاطفــة لبــروت وتعمــان بــن‬ ‫لحضــور ال ـ‬ ‫دبــي وأوروبــا‪ .‬التقيــت صديقــا آخــر يعمــل ويقيــم يف الكويــت‪ .‬قــال‬ ‫إنــه عابــر يف بــروت لــ‪ 36‬ســاعة‪ ،‬ويغادرهــا إىل كاليفورنيــا لزيــارة‬ ‫جـرت املدينــة عقــب انفجــار مرفئهــا‪.‬‬ ‫سـرته التــي ه ـ‬ ‫أ ـ‬ ‫عابرون مسنون يشاهدون عرضا راقصا عابرا يف بريوت‪ .‬وأثناء‬ ‫عـرض الجميــل واألنيــق اشــتعلت رغبتــي يف مغــادرة‬ ‫حضــوري ال ـ‬ ‫عـرض مــن أصــل لبنــاين وتحمــل جنســية بلــد‬ ‫بــروت‪ .‬مصممــة ال ـ‬ ‫أوروبــي تلقــت فيــه التدريــب عــى الرقــص‪ .‬كانــت قــد عــادت إىل‬ ‫بريوت سنة ‪ ،2002‬وانشأت فيها مدرسة للرقص‪ .‬لكنها سرعان‬

‫سمته جماعات منا “وصاية”‬ ‫ارتضينا بما ّ‬ ‫وسمته أخرى “احتالال”‪ ،‬فتذرعت‬ ‫خارجية علينا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سمته‬ ‫به جماعة أسست‬ ‫َ‬ ‫مجتمع حرب دائمة ّ‬ ‫“مقاومة”‪ ،‬ويتسلط فيه “الشهداء” و”سادة‬ ‫الوجود” و”أشرف الناس” على األحياء‬

‫‪02/05/2023 13:52‬‬

‫‪072_AM.indd 77‬‬


‫المجلة‬

‫يوميات‬

‫‪78‬‬

‫‪%19‬‬

‫ّ‬ ‫تدنت نسبة المسيحيين في لبنان‬ ‫بعدما كانت أكثر من ‪ 30‬في المئة في‬ ‫تسعينات القرن الماضي‬

‫ما هاجرت إىل أمسرتدام التي تعمل فيها وتقيم‪ .‬ومؤديا العرض‬ ‫شــاب وشــابة لبنانيــان تلقيــا تدريبهمــا هنــاك‪ ،‬وبعــد تقديمهمــا‬ ‫عـرض يف أمســيتني‪ ،‬غــادرا مــع املدربــة بــروت‪.‬‬ ‫ال ـ‬ ‫خـرين شــاب يقيــم يف ضاحيــة بــروت الجنوبيــة أنــه أنهــى‬ ‫وأ ـ‬ ‫دراسة السينما يف معهد الفنون بالجامعة اللبنانية يف محلة فرن‬ ‫الشباك‪ ،‬وأن زمالءه وزميالته العشرين الذين أنهوا مثله دراسة‬ ‫الســينما واملســرح يف املعهــد عينــه‪ ،‬لــم يبـ َـق منهــم يف لبنــان ســوى‬ ‫هو واثنني يقيمان مثله يف الضاحية عينها‪ .‬أما اآلخرون فهاجروا‬ ‫ملتابعة دراساتهم العليا يف أوروبا‪ ،‬أو للعمل يف الخليج‪ .‬وأخربين‬ ‫جـول والكتــوم أنــه يعيــش كغريــب يف بيئتــه‪ ،‬ومثلــه‬ ‫الشــاب الخ ـ‬ ‫شــقيقته التــي ســبقته يف التخــرج مــن معهــد الفنــون‪ .‬وغربتهمــا‬ ‫لم تسهل تواصلهما مع بيئة أخرى يف بريوت‪ ،‬يمكن أن ينضويا‬ ‫فيهــا لتنميــة خرباتهمــا الفنيــة والعثــور عــى عمــل‪.‬‬ ‫كان الشــاب محــديث حا ـئـرا وحزينــا‪ ،‬وســألني مــاذا أنصحــه أن‬ ‫يفعــل‪ ،‬بعدمــا ذكــر أنــه ال يجيــد لغــة أجنبيــة‪ .‬تذ ـكـرت رغبتــي يف‬ ‫حـرت بمــاذا أجيبــه‪ ،‬قبــل اقرتاحــي عليــه أن يتعلــم‬ ‫املغــادرة‪ ،‬وا ـ‬ ‫لغــة أجنبيــة‪ .‬وكان مــدرس يف الجامعــة األمريكيــة يف بــروت‬ ‫أخربين أن أحاديث طالبها وطالباتها الدائمة يف لقاءاتهم مدراها‬ ‫جـرة فــور إنهائهــم‪ /‬ــهن دراســاتهم الجامعيــة‪ .‬والشــابة‬ ‫الدائــم اله ـ‬ ‫صـرت طــوال عشــر ســنوات عــى العمــل واإلقامــة‬ ‫الثالثينيــة التــي أ ـ‬ ‫يف بريوت بعد إنهائها دراستها يف الجامعة األمريكية‪ ،‬وتعميقها‬ ‫خـرا وقــررت الرحيــل إىل باريــس‬ ‫لســنتني يف لنــدن‪ ،‬استســلمت أ ـ‬ ‫والعمل واإلقامة هناك‪ ،‬قائلة‪ :‬لم يبق يف لبنان أحدٌ من زماليئ‬ ‫وأصدقايئ يف السنوات املدرسية والجامعية من حيايت‪ .‬ولم تعد‬ ‫الحياة تطاق هنا يف بريوت التي أحبها‪ .‬أريد الحصول عىل جنسية‬ ‫أوروبيــة ألشــعر باألمــان‪ ،‬ثــم أعــود إىل بــروت‪.‬‬ ‫جـرة أن نســبة املســيحيني‬ ‫صـاءات جديــدة عــن اله ـ‬ ‫وحســب إح ـ‬ ‫مــن ســكان لبنــان ّ‬ ‫تدنــت إىل أقــل مــن ‪ 19‬يف املئــة‪ ،‬بعدمــا كانــت يف‬ ‫التســعينات أكــر مــن ‪ 30‬يف املئــة‪ .‬وال يعنــي هــذا أن املســيحيني‪،‬‬ ‫خصوصا األجيال الشابة‪ ،‬وحدهم من يهاجرون‪ .‬بل يعني أنهم‬

‫نمشي كالظالل فاقدين أصواتنا‬ ‫وكلماتنا‪ ،‬أو نتكلم وال نسمع أصواتنا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا أشعر أنني نائم‪ ،‬فيما أنا‬ ‫مستيقظ وجالس وحدي هنا على‬ ‫الكنبة‪ ،‬فأروح أتحسس جسمي ووجهي‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:52‬‬

‫أكرث إقباال عىل الهجرة من سواهم الذين يهاجرون بدورهم‪ .‬لكن‬ ‫قد يكون املسيحيون يف لبنان أشد من سواهم خوفا ديموغرافيا‬ ‫عىل تناقصهم وتالشيهم الديموغرايف‪.‬‬ ‫هل يمكن القول إن فئة من شبان لبنان تعيش بني خيارين‪:‬‬ ‫الهجرة أو االنتحار؟‬

‫القفر وقبر الحريري‬

‫يف مستهل قصيدة له وضع الشاعر اللبناين الراحل حسن عبدالله‬ ‫بيتا من الشعر العربي يُقال إنه يعود إىل العصر األموي‪ .‬يقول‬ ‫حرب قربُ”‪ .‬املرور‬ ‫قرب‬ ‫ٍ‬ ‫قفر‪ /‬وليس قرب ِ‬ ‫البيت‪“ :‬وقرب حرب بمكان ٍ‬ ‫اليوم قرب ضريح رفيق الحريري ومرافقيه يف مقتلة ‪ 14‬فرباير‪/‬‬ ‫شباط ‪ ،2005‬يذ ّك ُر بهذا البيت الشعري القديم‪ .‬فمكان الضريح‬ ‫ناحية مقفرة من ساحة الشهداء يف وسط بريوت املقفر‪ ،‬بعدما‬ ‫سـوليدير” إعماره بعد الحرب‪،‬‬ ‫شـركة “ ـ‬ ‫أعاد مشــروع الحريري و ـ‬ ‫وصار عنوانا رئيسيا للحقبة السياسية الحريرية واستعادة لبنان‬ ‫وبريوت شيئا من دورهما العربي والدويل القديم‪.‬‬ ‫وسط بريوت الجديد مقفر‪ ،‬أقله منذ انفجار مرفئها‪ .‬وهو ظل‬ ‫خـرة يف ذاك االنفجــار‪.‬‬ ‫يُحتضـ ُر ســنوات قبــل أن يلفــظ أنفاســه األ ـ‬ ‫ساحة الشهداء مقفرة كذلك‪ .‬وهيهات أن يسمع أحدٌ يف جنباتها‬ ‫أصداء صرخات من “ثورة األرز” يف ‪ 14‬مارس‪ /‬آذار ‪ ،2005‬أو من‬ ‫ثورة ‪ 17‬فرباير‪ /‬تشرين األول ‪ .2019‬والقفر الذي يسكن الساحة‬ ‫ووســط بــروت كلــه ـيـرك ظاللــه عــى الثورتــن اللبنانيتــن ومبنــى‬ ‫املغرّبة‬ ‫صحيفة “النهار” الجديد‪ ،‬وصورة جربان تويني العمالقة ّ‬ ‫عىل واجهته الزجاجية املحطمة‪ ،‬وعىل تمثال سمري قصري تحت‬ ‫تلــك الشــجرة الدهريــة الضخمــة ـقـرب مبنــى الصحيفــة الصرحــي‬ ‫شــبه املهجــور‪ .‬وتوينــي وقصــر قتيــا ثــورة األرز التــي انطلقــت بعــد‬ ‫دفن الحريري يف ناحية من الساحة‪ .‬وشهدت تلك الثورة ذروتها‬ ‫حـزب اللــه” يف ‪ 8‬مــارس‬ ‫يف ‪ 14‬مــارس‪ ،‬عقــب تظا ـهـرة جمهــور “ ـ‬ ‫لـ “شــكر ســوريا األســد” وترويــع مــن انتفضــوا واتهموهــا باغتيــال‬ ‫الحريــري‪ .‬ومــن نافــذة فــوق املربــع الليــي البــرويت “بودابــار” يف‬ ‫ساحة رياض الصلح املقفرة بدورها اليوم‪ ،‬أطل حسن نصر الله‬ ‫خطيبا يف حشود تظاهرة “شكرا سوريا”‪ .‬وبعد حرب يوليو‪ /‬تموز‬ ‫‪ 2006‬خيّم جمهور ‪ 8‬آذار معسكرا يف ساحة رياض الصلح طوال‬ ‫ســنتني‪ ،‬أدتــا إىل تعطيــل الحيــاة ومعظــم النشــاطات يف وســط‬ ‫بــروت الجديــد‪ ،‬وبدايــة احتضــاره‪ .‬ومحيــط مجلــس النــواب يف‬ ‫ســاحة النجمــة والشــوارع املتفرعــة منهــا ‪ -‬وهــي شــهدت النهضــة‬ ‫الرتفيهيــة والســياحية الك ـبـرة ‪ -‬عســكرت فيهــا وأقفلتهــا كلهــا‬ ‫شـرطة مجلــس النــواب التابعــة لنبيــه بــري‪ ،‬وجعلتهــا أرض قفـ ٍـر‬ ‫ـ‬ ‫وأشــباح‪ ،‬منــذ اغتيــال الحريــري وحتــى اليــوم‪.‬‬ ‫هــذا التأريــخ املكثــف إلقفــار وســط بــروت التــام بعــد انفجــار‬ ‫ـزر هامشــية عــى أطرافــه ‪ -‬يــكاد يكــون مــرآة‬ ‫املرفــأ ‪ -‬ســوى يف جـ ٍ‬

‫‪072_AM.indd 78‬‬


‫‪79‬‬

‫يوميات‬

‫المجلة‬

‫‪2005‬‬

‫من نافذة فوق المربع الليلي البيروتي‬ ‫أطل حسن نصر هللا خطيبا في حشود‬ ‫تظاهرة “شكرا سوريا”‬

‫صـوال إىل اإلفــاس‬ ‫لالســتنزاف الســيايس واالقتصــادي اللبنــاين‪ ،‬و ـ‬ ‫املايل اليوم‪ .‬ويف مرآة إعادة إعمار منطقتي مار مخايل والجميزة‬ ‫وتأهيلهمــا الســريع للحيــاة الليليــة يف بــروت‪ ،‬بعــد انفجــار املرفــأ‬ ‫وتضررهمــا فيــه عــى نحــو يفــوق بأشــواط تضــرر وســط بــروت‪،‬‬ ‫يبدو ترك الوسط ملوته املأسوي عالمة عىل ثأر حلف ميشال عون‬ ‫حـزب اللــه” مــن “الحريريــة” ومشــروعها اللبنــاين والعربــي يف‬ ‫و“ ـ‬ ‫لبنــان‪ .‬وهــو ثــأر لــم يكــن ثمنــه أقــل مــن ســقوط لبنــان يف “جهنــم”‬ ‫التــي بشــر بهــا عــون اللبنانيــن يف أث ـنـاء ثــورة ‪ 17‬أكتوبــر ‪،2019‬‬ ‫وبدايــات اإلفــاس املــايل والســيايس‪.‬‬

‫قصر المهانات المتجددة‬

‫والخــاء املقفــر يف ســاحة الشــهداء يؤمــه يف الســاعة الثامنــة مــن‬ ‫صباح كل يوم حشد من طالب تأشريات السفر والهجرة‪ .‬يصطف‬ ‫الحشد أمام مبنى األوبرا الرتايث الذي اتخذته شركة أمنية مجمعا‬ ‫ملكاتــب تحــت األرض‪ ،‬أوكلــت إليهــا ســفارات أوروبيــة عــدة تسـ ُّـلم‬ ‫طلبات التأشريات وتنظيمها‪.‬‬ ‫أما الحشود الهائلة التي تؤم قصر العدل يف منطقة املتحف‬ ‫الوطني‪ ،‬فتنتمي إىل فئات أهل املهانة الصامتة والكآبة والضياع‬ ‫والصــر يف مــا يشــبه املعتقــات‪ .‬و ـهـؤالء مــن عامــة النــاس وصغــار‬ ‫القضاة واملحامني وموظفي القطاع الحكومي ومخليص معامالت‬ ‫شتى‪ .‬وهم يتكوّمون يف مكاتب مهرتئة حول أكداس ضخمة من‬ ‫عـرة واملهملــة‪ ،‬واألكــر ا ـهـراءً مــن املكاتــب‪.‬‬ ‫امللفــات واألوراق املب ـ‬ ‫وليس قصر العدل ومعامالته وحشوه إال نموذجا لدوائر اإلدارة‬ ‫الحكومية يف لبنان كله‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:52‬‬

‫بعد زياريت الثالثة قصر العدل لدفع غرامة ركن سياريت قرب‬ ‫ـي إنجــاز املعاملــة رغــم ســاعات مــن‬ ‫رصيــف شــارع‪ ،‬اســتحال عـ ّ‬ ‫املذلــة واملهانــة‪ .‬أوكلــت إنجازهــا ألحــد املحامــن‪ .‬رويــت مشــاهدايت‬ ‫يف القصر وحشوده لصديق يف حال من استغراب ما رأيت وعدم‬ ‫تصديقــه‪ .‬كنــا نمــي كعادتنــا يف غــروب كل نهــار عــى رصيــف‬ ‫شـاءات البنيــة التحتيــة لـ “حديقــة بــروت البحريــة”‬ ‫فســيح مــن إن ـ‬ ‫التي توقف إنشاؤها عىل طرف وسط بريوت البحري‪ ،‬غري بعيد‬ ‫مــن املرفــأ وركامــه وبقايــا صوامعــه الخرســانية املتصدّ عــة‪ .‬وأمــام‬ ‫أبصارنــا يف البعيــد‪ ،‬عــى منحــدرات جبــل صنــن يف املــن الشــمايل‬ ‫وكســروان‪ ،‬كتــل مــن األبنيــة اإلســمنتية املشــيدة فوضويــا وعــى‬ ‫عجــل‪ ،‬أث ـنـاء ه ّبــات ع ـمـران الحــروب والتهجــر إىل ديــار الص ـفـاء‬ ‫الطائفي‪ .‬وقال أحدنا لآلخر إن لبنان كله أمعن أخريا يف تحوله‬ ‫معــازل بشــرية متباعــدة‪ ،‬بك ـمـاء صامتــة‪ ،‬ويســعى ســكانها يف‬ ‫شـرنقون داخــل بيوتهــم‬ ‫النهــارات مكتئبــن شــاحبني‪ .‬ويف الليــل يت ـ‬ ‫يف تلــك الكتــل اإلســمنتية‪.‬‬ ‫وجوابا عىل وصفي املستغرب ما رأيت من ذل ومهانات يف‬ ‫قصر العدل‪ ،‬روى يل الصديق مشهدا من بريوت الستينات ال‬ ‫يقــل مهانــة ومذلــة‪ .‬وذلــك يك يوضــح يل أن اســتغرابي ليــس يف‬ ‫محله‪ .‬وإمعانا منه يف استعادة مشاهد الذل واملهانة‪ ،‬ذكرين‬ ‫بمشــهد رأينــاه معــا يف أمســية مــن العــام ‪ 2018‬بعــد إعــان فــوز‬ ‫حـزب اللــه” “املمانــع” يف االنتخابــات النيابيــة‪ :‬أرتــال‬ ‫معســكر “ ـ‬ ‫مــن فتيــان الدراجــات الناريــة يحتفلــون بــذاك الفــوز احتفــاال‬ ‫صاخبــا وعنيفــا‪ ،‬متقافزيــن عــن دراجاتهــم الناريــة‪ .‬بعضهــم‬ ‫ركــض نحــو تمثــال رفيــق الحريــري املنتصــب ـقـرب مــكان اغتيالــه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تسلق جمع منهم التمثال‪ ،‬وملا وصل أحدهم إىل أعاله امتطى‬ ‫كتفيه مطلقا صرخات النصر‪ .‬استمر املشهد دقائق‪ ،‬فيما نحن‬ ‫صـراف‬ ‫نكتــم غيظنــا ومهانتنــا‪ ،‬جالســن يف الســيارة منتظريــن ان ـ‬ ‫حشــد الفتيــان الصاخــب‪ .‬ويف تلــك األمســية مشــينا عــى رصيــف‬ ‫الكورنيــش دقائــق ك ـثـرة صامتــن‪ ،‬كأنمــا الكلمــات لــن ت ـقـول‬ ‫شــيئا وفقــدت أي معنــى‪.‬‬

‫‪072_AM.indd 79‬‬


080_AM.indd 80

28/04/2023 13:10


080_AM.indd 81

28/04/2023 13:10


082_AM.indd 82

02/05/2023 13:55


‫‪83‬‬

‫المجلة‬

‫لــم يكــد يمــي أســبوعان عــى إطــاق “أوبــن إيــه‪ .‬آي” النســخة األكــر تطــورا مــن‬ ‫“تشات جي‪ .‬بي‪ .‬يت‪ )GPT-4( ”.‬مع كل ما تحمله من ميزات أشد إثارة مقارنة‬ ‫بالنسخة السابقة‪ ،‬حتى ووجهت برسالة أثارت صخبا ومخاوف تحت عنوان‬ ‫“وقــف موقــت لتجــارب الــذكاء االصطناعــي العمالقــة”‪ .‬ففــي كتــاب مف ـتـوح دعــا‬ ‫أكــر مــن ألــف وثالثمئــة شــخصية بــارزة يف عالــم التكنولوجيــا واألعمــال‪ ،‬اىل‬ ‫تجميــد تطويــر أقــوى أنظمــة روبوتــات “الــذكاء االصطناعــي” ملــدة ســتة أشــهر‬ ‫ظـرا اىل الخطــر الــذي تشــكله هــذه األنظمــة ذات الــذكاء التنافــي‬ ‫عــى األقــل‪ ،‬ن ـ‬ ‫البشــري عــى املجتمعــات واإلنســانية‪.‬‬ ‫أهمية الرسالة أن من أبرز موقعيها إيلون ماسك‪ ،‬مالك “تويرت” والرئيس‬ ‫التنفيذي لـشركة “تسال”‪ ،‬ستيف وزنياك أحد مؤسيس “أبل”‪ ،‬ستيوارت راسل‪،‬‬ ‫أســتاذ علــوم الكمبيوتــر يف جامعــة كاليفورنيــا‪ ،‬ـبـركيل‪ ،‬وماكــس تيغمــارك‪،‬‬ ‫أســتاذ الفيز ـيـاء يف معهــد ماساشوســتس للتكنولوجيــا‪ ،‬وإيفــان شــارب‪ ،‬أحــد‬ ‫مؤســي “بينرتســت” وكثريين غريهم‪.‬‬

‫تكنولوجيا‬

‫تمنى هؤالء استغالل املهلة املقرتحة لوضع مجموعة قواعد وبروتوكوالت‬ ‫طـاع‪.‬‬ ‫شـركة ألدوات الــذكاء االصطناعــي اآلمنــة بمــا يبــدد املخــاوف وينظــم الق ـ‬ ‫م ـ‬ ‫وطالبــوا الحكومــات بــأن تكــون ســدا منيعــا يف حــال عــدم االســتجابة‪ ،‬إذ “يجــب‬ ‫أن يكــون لدينــا بعــض اللوائــح والضوابــط الرقابيــة” بحســب ماســك الــذي كان‬ ‫محقــا يف قولــه “لدينــا هيئــات تنظيميــة تشــرف عــى الســامة العامــة للســيارات‬ ‫والطا ـئـرات واألدويــة”‪ ،‬فمــا املانــع أن يطــال ذلــك الــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫عندما يقلق ماسك من الذكاء االصطناعي (‪ )AI‬فهو ال يتحدث عن طائرات‬ ‫الـ”درون” التي تستخدم لتأمني خدمات الربيد السريع أو التصوير أو غريه‪ ،‬وال‬ ‫عن تطبيقات التواصل االجتماعي التي شكلت أول ربط بني “‪ ”AI‬واإلنسانية‪،‬‬ ‫يف وقت نخســر تواصلنا االجتماعي الحقيقي شــيئا فشــيئا‪ ،‬كما أنه ال يتحدث‬ ‫عن الذكاء االصطناعي الذي يستخدم يف برامج عملية لتطوير آلياتها‪ .‬ما يحذر‬ ‫منه ماسك أبعد من ذلك بكثري‪ ،‬وهو عىل حق من حيث املبدأ‪ ،‬يف حال كانت‬ ‫نياته صافية وخلواً من أهداف تجارية مضمرة‪.‬‬

‫هستيريا‬ ‫الذكاء‬ ‫االصطناعي‬ ‫ما بني تخوفات إيلون ماسك واحتمال أن يكون “أكرث خطورة من كارثة نووية”‬ ‫لندن ‪ -‬خالد القصار‬ ‫رسوم ‪ -‬ناش ويراسكريا‬

‫‪02/05/2023 13:55‬‬

‫‪082_AM.indd 83‬‬


‫تكنولوجيا‬

‫“أكبر تهديد وجودي للبشرية”‬

‫ليســت ا ـملـرة األوىل التــي يحــذر فيهــا ماســك مــن تداعيــات املــي‬ ‫العشوايئ أو غري املسؤول يف تطوير الذكاء االصطناعي‪ ،‬وال سيما‬ ‫يف شــق “التعلــم الــذايت لآللــة”‪ ،‬ففــي عــام ‪ 2014‬تحــدث يف معهــد‬ ‫“ماساشوستس” للتكنولوجيا عن إمكان تحول الـ“‪ ”AI‬إىل “أكرب‬ ‫تهديد وجودي للبشرية”‪ ،‬وكرر موقفه يف قمة الحكومات يف دبي‬ ‫يف فرباير‪/‬شباط املايض‪ ،‬وسبق له أن قاد حملة يف عام ‪ 2017‬توجه‬ ‫بها إىل حكومات الدول‪ ،‬وأيده فيها ألف من العلماء الكبار‪ ،‬ممن‬ ‫يدركون إمكانات الذكاء االصطناعي من أمثال عالم الفيزياء ستيفن‬ ‫هوكينغــز‪ ،‬الرئيــس التنفيــذي لـ“ديــب ماينــد تيكنولوجيــز” ديميــس‬ ‫هاســابيس‪ ،‬ووزنيــاك‪ ،‬الذيــن وقعــوا رســالة يف تلــك الســنة أيضــا‪،‬‬ ‫تدعــو إىل حظــر تطويــر األســلحة القائمــة عــى الــذكاء االصطناعــي‬ ‫خوفا من سباق تسلح بهذه التقنية املتطورة ونشرها واستخدامها‪،‬‬ ‫أو إطــاق مــا يســمى “الروبوتــات القاتلــة”‪ ،‬كمــا ســبق وشــاهدنا يف‬ ‫العديــد مــن أفــام الخيــال العلمــي‪ ،‬أو “األســلحة الذاتيــة” التــي‬ ‫يمكن أن تشعل حربا عاملية ثالثة‪ ،‬من تلقاء نفسها‪.‬‬ ‫خـراء الــذكاء االصطناعــي مــن كنــدا‬ ‫وقــد انضــم املئــات مــن ـ‬ ‫سـراليا إىل الحملــة يف وقــت الحــق لألســباب عينهــا‪ .‬وال ـيـزال‬ ‫وأ ـ‬ ‫حـول وجــوب حظــر هــذا‬ ‫الجــدل قائمــا بــن الــدول حتــى يومنــا هــذا ـ‬ ‫ال ـنـوع مــن األســلحة أو الســماح بهــا وفــق قواعــد صارمــة تحكــم‬ ‫اســتخدامها‪ .‬علمــا أن عــددا مــن املقرتحــات لتنظيــم تكنولوجيــا‬ ‫الـ“‪ ”AI‬تم طرحها يف اآلونة األخرية يف الواليات املتحدة واململكة‬ ‫املتحدة واالتحاد األوروبي‪ ،‬التي قدمت سابقا أطرا أولية لحوكمة‬ ‫حـركا أمميــا‬ ‫التكنولوجيــا إىل جانــب الصــن وســنغافورة‪ .‬اال أن ت ـ‬ ‫سـرعة تقــدم الــذكاء‬ ‫جماعيــا قــد ال يكــون مجديــا أو متســقا مــع ـ‬ ‫االصطناعــي وقــد يبــدو كمــن ي ـلـوح برايــة ح ـمـراء لصــاروخ انطلــق‪،‬‬ ‫مما يفرض عىل كل دولة القيام بدورها الرقابي خطوة بخطوة‪.‬‬ ‫تلتقــي املخــاوف املعلنــة يف الرســالتني عنــد الســيطرة الســلبية‬ ‫للذكاء االصطناعي خصوصا يف ظل عدم االستعداد الكايف لألخطار‬ ‫املحتملــة وكيفيــة تجنبهــا‪ ،‬مــن األخطــار الســيربانية والســلوكيات‬ ‫املتح ـيـزة‪ ،‬إىل ســيطرة الخوارزميــات عــى ع ـقـول البشــر وتلقينهــم‬ ‫سـاح بيولوجــي‪،‬‬ ‫طـرة مثــل كيفيــة صنــع ـ‬ ‫معلومــات خاطئــة أو خ ـ‬ ‫إضافة إىل سرقة نصوصهم وفنونهم وأشعارهم‪ ،‬وكذلك وظائفهم‬ ‫بمئــات املاليــن ربمــا‪ ،‬واألســوأ مــن ذلــك‪ ،‬إىل تدمــر وجودهــم‪.‬‬ ‫هل هذه املخاوف مربرة؟ الجواب هو نعم‪ ،‬فاملصالح األمنية‬ ‫والجيوسرتاتيجية واالقتصادية تتقدم عىل أي اعتبار‪ ،‬والشاهد‬ ‫حـرب البــاردة بــن الواليــات‬ ‫عــى ذلــك الغــزو الــرويس ألوكرانيــا وال ـ‬ ‫املتحدة والصني‪ ،‬والتي قد تتحول إىل ساخنة وتنفجر يف أي وقت‪.‬‬ ‫ال يخفى أن أبحاث الـ “‪ ”AI‬حققت تقدما مذهال خالل العقد‬ ‫املايض‪ ،‬بعد “شتاء الذكاء االصطناعي” يف أواخر الثمانينات الذي‬ ‫أفــى إىل فشــل تجــاري واســع‪ .‬وكان أُحــرز هــذا التقــدم خصوصــا‬ ‫يف مجال التعلم اآليل وتطوير آالت تحمل وعدا عظيما ويمكنها‬ ‫شـراف البشــر‬ ‫تنفيــذ عمليــات معقــدة ذات قيمــة عاليــة جــدا مــع إ ـ‬ ‫أو تدخلهم أو من دونه وهو األخطر‪ .‬ساهمت العاصفة العاملية‬ ‫التــي أثارهــا “تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت‪ ”.‬يف األشــهر الخمســة املنصرمــة‬ ‫حـوالت‬ ‫يف تجديــد ســباق التســلح التكنولوجــي‪ ،‬وقــد تنتــج منــه ت ـ‬ ‫ســريعة للــذكاء االصطناعــي تتطلــب فهمــا عميقــا وقــدرة عــى‬ ‫اإلحاطة بزمام األمور بسرعة تتخطى سرعة الذكاء االصطناعي‬ ‫الفائقــة‪ ،‬وبعــدا أخالقيــا حيويــا‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:55‬‬

‫المجلة‬

‫‪84‬‬

‫“التطور الفائق والكيل للذكاء االصطناعي هو أمر يف حجم‬ ‫هبوط كائنات فضائية‪ .‬ال أعتقد أن لدى أحد أي دليل حول‬ ‫كيفية تطوير ذكاء اصطناعي آمن‪ ،‬ذلك أننا ال نعرف حتى‬ ‫ماهيته‪ ،‬فمن الصعب ً‬ ‫جدا معرفة كيف يمكن التحكم به”‪.‬‬ ‫بيرت ثيل‪ ،‬أحد أبرز ممويل شركة “أوبن إيه‪ .‬آي”‬

‫“أخطر من كارثة نووية”‬

‫ال شــك أن ماســك ليــس وحيــدا يف استشــعاره األخطــار املحدقــة‪،‬‬ ‫بل هناك مواقف أكرث تطرفا تثري الهلع من التقدم غري املدروس‬ ‫للــذكاء االصطناعــي‪ ،‬وقــد يكــون املوقــف األعنــف لبيــل غايتــس‪،‬‬ ‫شـركة “مايكروســوفت” الــذي قــال قبــل ســنوات إن الــذكاء‬ ‫مالــك ـ‬ ‫االصطناعــي “يحتمــل أن يكــون أكــر خطــورة مــن كارثــة نوويــة”‪.‬‬ ‫من املستغرب من صاحب قول كهذا باألمس‪ ،‬أال يكون يف صف‬ ‫ماســك اليــوم‪ ،‬ويبــدو وكأنــه عــى املقلــب اآلخــر مــن االصطفــاف‬ ‫الحاصــل مــا بــن الــروي أو املــي قدمــا‪.‬‬ ‫سبقه يف ذلك هرني كيسنجر‪ ،‬الذي عقد اجتماعا سريا‪ ،‬كما‬ ‫ذكرت مجلة “فانيتي فري”‪ ،‬مع خرباء الذكاء االصطناعي الكبار‬ ‫يف نادي “بروك” الخاص يف مانهاتن عام ‪ ،2016‬ملناقشة التغيري‬ ‫املفاجىء أو الصدع الذي يمكن أن تتسبب به الروبوتات الذكية‬ ‫يف التاريــخ (‪ )rupture in history‬وخطــورة اكتشــافها مســار‬ ‫بناء الحضارات‪ .‬أما بيرت ثيل‪ ،‬أحد أبرز ممويل شركة “أوبن إيه‪.‬‬ ‫آي”‪ ،‬فكان رأيه أن التطور الفائق والكيل للذكاء االصطناعي هو‬ ‫أمــر “يف حجــم هبــوط كائنــات فضائيــة”‪ ،‬وأنــه ال يعتقــد أن لــدى‬

‫‪082_AM.indd 84‬‬


‫‪85‬‬

‫المجلة‬

‫حـول كيفيــة تطويــر ذكاء اصطناعــي آمــن‪ ،‬ذلــك‬ ‫أحــد أي دليــل ـ‬ ‫“أننــا ال نعــرف حتــى ماهيــة الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬فمــن الصعــب‬ ‫جــدً ا معرفــة كيــف يمكــن التحكــم بــه”‪.‬‬ ‫الالفت أن ماسك شارك يف تأسيس شركة الذكاء االصطناعي‬ ‫شـركة األم لـ “تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت”‬ ‫“أوبــن إيــه‪ .‬آي” عــام ‪ ،2015‬ال ـ‬ ‫خـرا)‪ ،‬لجعــل‬ ‫شـركة أ ـ‬ ‫(غــر الربحيــة يف البدايــة قبــل تحويلهــا إىل ـ‬ ‫العالم يف مأمن من “الذكاء االصطناعي الخبيث”‪ .‬وهو الذي دافع‬ ‫يف أكرث من مناسبة عن الشركة مطلقا صفة الديموقراطية عىل‬ ‫أهدافها مربرا تطويرها لتطبيقات تعتمد عىل الذكاء االصطناعي‬ ‫ال تكــون يف طبيعتهــا ح ـكـرا عــى أحــد مــن النــاس‪ ،‬حيــث تكمــن‬ ‫الخطــورة يف حصــر التقنيــة يف يــد فئــة قليلــة ممــن يســتغلون‬ ‫القــدرات الخارقــة للــذكاء االصطناعــي ألهــداف تدمرييــة‪ .‬إال أن‬ ‫شـركة‬ ‫األمــر اختلــف اآلن بعــد مغــادرة ماســك مجلــس إدارة ال ـ‬ ‫شـركة وتوجهاتهــا منــذ ذلــك الحــن‪ ،‬ال‬ ‫عــام ‪ 2018‬إذ بــدأ ينتقــد ال ـ‬ ‫ســيما عالقتهــا مــع “مايكروســوفت”‪.‬‬

‫اآللة في مواجهة البشر‬

‫يف عالم‬ ‫“البزنس”‬ ‫واملال ال مكان‬ ‫لحسابات مصري‬ ‫البشرية‪ ،‬وليس‬ ‫عىل جدول‬ ‫أعمال الشركات‬ ‫أن تحل األخالق‬ ‫محل األرباح‪،‬‬ ‫للحؤول دون‬ ‫تدمري الكوكب‬ ‫من أجل الربح‬ ‫السريع‪.‬‬

‫‪02/05/2023 13:55‬‬

‫يشرح ماسك أن البشر سيكونون “محمل التشغيل( (�‪boot-load‬‬ ‫‪ )er‬البيولوجــي للــذكاء الرقمــي الفائــق”‪ .‬محمــل التشــغيل هــو‬ ‫برنامج صغري يطلق نظام التفعيل عند تشغيل جهاز الكمبيوتر‬ ‫ألول ـمـرة‪“ .‬ال يمكــن للمــادة تنظيــم نفســها يف شــريحة‪ ،‬ولكــن‬ ‫يمكنها تنظيم نفسها يف كيان بيولوجي يزداد تعقيدا ويمكنه يف‬ ‫شـاء الشــريحة‪ ”.‬يف قولــه هــذا تحذيــر مــن تمــادي البشــر‬ ‫النهايــة إن ـ‬ ‫يف االســتغراق يف التطــور الســريع والهائــل الــذي يشــهده الــذكاء‬ ‫االصطناعــي دون التفكــر يف مــا يمكــن أن تــؤول إليــه قــدرات هــذه‬ ‫التكنولوجيــا الذاتيــة مــن ســلوكيات قــد تنعكــس ســلبا عــى البشــر‬ ‫لنحصــد شــر مــا اقرتفــت أيديهــم‪ .‬فالقضيــة بالنســبة إليــه تتجــاوز‬ ‫دوافع حفنة من املديرين التنفيذيني يف “وادي السيليكون”‪ ،‬من‬ ‫بينهــم مديــرو “غوغــل”‪ ،‬أكانــوا يتمتعــون بأخالقيــات األعمــال أم‬ ‫ال‪ ،‬فاآلالت لن تعكس شخصية من يصنعونها‪ ،‬بل سيكون لها‬ ‫كيانها الذايت‪ ،‬وال يمكن توقع إىل جانب من ستكون اآللة‪ ،‬فهى‬ ‫بــا ضوابــط قــد تقــف ذات يــوم يف مواجهــة البشــر‪.‬‬ ‫شـركتي “ألفابيــت”‬ ‫كان غيــاب اســمي الرئيســن التنفيذيــن ل ـ‬ ‫و”مايكروسوفت”‪ ،‬سندار بيتشاي وساتيا ناديال عن الئحة موقعي‬ ‫الرسالة املفتوحة جليا‪ ،‬فاملهلة املطروحة للهدوء والرتوي ليست‬ ‫يف صالحهما تجاريا للحاق بالسباق املحموم الذي فرضه “تشات‬ ‫شـركتني اللتــن‬ ‫جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت‪ ”.‬واملعركــة “الوجوديــة” بــدأت بــن ال ـ‬ ‫لهمــا ـبـاع طويــل يف االســتثمار يف أنظمــة الــذكاء االصطناعــي‪ .‬أكــر‬ ‫شـركتني‪ ،‬إضافــة إىل‬ ‫مــا يثــر القلــق التوجــه الســائد لــدى هاتــن ال ـ‬ ‫“ميتــا” و“أمــازون”‪ ،‬لتقليــص فريــق أخالقيــات األعمــال لديهــم‬ ‫املخصص لتقييم القضايا األخالقية حول نشر الذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫بحسب صحيفة الـ “فاينناشال تايمز”‪.‬‬ ‫حـرك‬ ‫ال ينبغــي أن يكــون الســباق للســيطرة عــى الســوق امل ـ‬ ‫الوحيد لسرعة نشر التكنولوجيا األكرث تأثريا عىل البشرية‪ .‬فكما‬ ‫ال يمكــن ل ـ‬ ‫شـركات الــدواء إطــاق أي منتــج جديــد قبــل إخضاعــه‬ ‫الختبارات دقيقة تمتد إىل سنوات وتؤكد سالمته للمستخدم‪،‬‬ ‫كذلــك قــد ال يكــون مناســبا إطــاق أنظمــة ذكاء اصطناعــي تتمتــع‬ ‫بقوة “ ‪ ”GPT-4‬وأكرب منها‪ ،‬قبل تقييم قدرة مختلف الثقافات‬ ‫والشــعوب والــدول عــى اســتيعابها بأمــان‪.‬‬ ‫ولربمــا ماســك عــى حــق يف انتقاداتــه لصنــوه بيــل غايتــس‪ ،‬فقــد‬

‫تكنولوجيا‬

‫اتهمه بـ “قصر النظر” يف فهمه لألمر‪ ،‬وذلك بعد مطالعة لغايتس‬ ‫يف آذار‪/‬مارس املايض تحت عنوان “ لقد بدأ عصر الذكاء االصطناعي”‬ ‫دافع فيها عن الذكاء االصطناعي معتربا إياه مكمال أو داعما لدور‬ ‫البشــر وليــس الغيــا لــه‪ ،‬ال ســيما يف رفــع انتاجيــة العمــل أو إيجــاد‬ ‫ح ـلـول لتعزيــز ـفـرص التعليــم وتلقــي الرعايــة الصحيــة ومكافحــة‬ ‫تغــر املنــاخ‪ .‬وعــى الرغــم مــن تطرقــه إىل أخطــار هــذه التكنولوجيــا‪،‬‬ ‫إال أنه دعا إىل املوازنة بني املخاوف يف شأن الجوانب السلبية للذكاء‬ ‫االصطناعــي‪ ،‬وهــي واقعيــة ومفهومــة‪ ،‬وبــن قدرتــه عــى تحســن‬ ‫حياة البشر‪ .‬فكما يحتاج العالم إىل أملع العقول للرتكيز عىل أكرب‬ ‫تحدياته‪ ،‬سيحتاج كذلك أفضل أنظمة الذكاء االصطناعي للرتكيز‬ ‫عــى معالجــة هــذه التحديــات‪ ،‬كمــا قــال غايتــس يف مطالعتــه التــي‬ ‫نشرها عىل موقعه الخاص “غايتس نوتس”‪.‬‬

‫العالم في “لحظة محورية”‬

‫أما الرأي املحايد األبرز فكان لعالم الكومبيوتر الربيطاين جيفري‬ ‫هينتون الذي اشتهر بـ “عراب الذكاء االصطناعي”‪ .‬فهو يف حني أكد‬ ‫يف مقابلة مع “يس‪ .‬أن‪ .‬بي‪ .‬يس” أن العالم يف “لحظة محورية”‪،‬‬ ‫مع التقدم السريع للذكاء االصطناعي العام (‪ )AGI‬حيث قلص‬ ‫توقعاتــه لغــزو هــذه التكنولوجيــا العالــم مــن ‪ 50‬عامــا‪ ،‬كمــا كان‬ ‫يعتقــد منــذ وقــت قريــب‪ ،‬إىل ‪ 20‬عامــا أو أقــل‪ ،‬دعــا إىل التفكــر‬ ‫مليا يف عواقبه اآلن والتي قد تشمل قضية محاولته القضاء عىل‬ ‫البشرية‪ .‬إال أنه اعترب هذه القضية شأنا ثانويا يف مقابل حقيقة‬ ‫شـركات الالهثــة وراء الســلطة الحتــكار‬ ‫ســعي الحكومــات وال ـ‬ ‫شـركات‪،‬‬ ‫تكنولوجيــا الــذكاء االصطناعــي وهــي‪ ،‬الحكومــات وال ـ‬ ‫لن تتوقف عن تطوير هذه التكنولوجيا قبل أن تتوقف نظرياتها‬ ‫عن ذلك‪ .‬يف النتيجة‪ ،‬يبدو أن ماسك خسر جولته األوىل‪ ،‬وقد‬ ‫سـراتيجية‬ ‫جـزء مــن “ا ـ‬ ‫شــكك البعــض يف دعوتــه تلــك ووصفهــا ب ـ‬ ‫مبيعــات أكــر”‪ ،‬فهــل يخســر معركتــه الثانيــة مــع تنامــي الوعــي‬ ‫واإلقبــال عــى تطويــر الــذكاء االصطناعــي أكــر فأكــر وإدخالــه يف‬ ‫شـركات الناشــئة واحتــدام‬ ‫كل املياديــن واالســتخدامات وتكاثــر ال ـ‬ ‫املنافســة بــن املســتثمرين املتعطشــن لــكل مــا هــو جديــد وواعــد؟‬

‫في “البزنس” ال حسابات لمصير البشرية‬

‫خـرة آذانــا صاغيــة عــى األرجــح‪ ،‬ولــن‬ ‫لــن تلقــى رســالة ماســك األ ـ‬ ‫يتجــاوز تأثريهــا بــدء نقــاش جــدي لتحديــد املخاطــر املرتقبــة‪ ،‬ويف‬ ‫شـركات “الحوكمــة الرقميــة” يف ظــل‬ ‫أفضــل األحــوال ال ـتـزام ال ـ‬ ‫العواقــب غــر املنظــورة‪.‬‬ ‫أول رد فعل جدي جاء من إيطاليا يف إقدامها عىل حظر “تشات‬ ‫جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت” لغيــاب الدافــع القا ـنـوين لجمــع البيانــات الشــخصية‬ ‫وتخزينهــا بحجــة “تدريــب خوارزميــات تشــات جــي‪ .‬بــي‪ .‬يت”‪ ،‬بمــا‬ ‫يتنافــى مــع قانــون الخصوصيــة يف االتحــاد األوروبــي‪ ،‬ويتوقــع‬ ‫حـركا مماثــا لــدول أخــرى يف االتحــاد األوروبــي قريبــا‪.‬‬ ‫أن نشــهد ت ـ‬ ‫ليس ختاما‪ ،‬ال شك يف أن الدعوات و“الرسائل الوجدانية”‪،‬‬ ‫أو الرهــان عــى الدافــع األخالقــي اإلنســاين وحــده‪ ،‬لــن يقــف حائــا‬ ‫دون ميض شركات “الذكاء االصطناعي” قدما يف تطوير أعمالها‬ ‫ونشــرها وابتــكار منتجــات تــدر األربــاح الطائلــة عليهــا‪ .‬يف عالــم‬ ‫“البزنس” واملال ال مكان لحسابات مصري البشرية‪ ،‬وليس عىل‬ ‫جدول أعمال الشركات أن تحل األخالق محل األرباح‪ ،‬وهي لم‬ ‫تبد يوما ليونة تذكر‪ ،‬إال فيما ندر‪ ،‬للحؤول دون تدمري الكوكب‬ ‫من أجل الربح الســريع ومهما كلف الثمن‪.‬‬

‫‪082_AM.indd 85‬‬


‫المجلة‬

‫اقتصاد‬

‫‪86‬‬

‫زلزال مايل‬ ‫ينتظر أمريكا‬ ‫عشية معركة رفع سقف الدين الفيديرايل والتساؤالت عن مستقبل الدوالر‬ ‫بريوت ‪ -‬توفيق شنبور‬ ‫رسوم ‪ -‬ديف موراي‬ ‫غرافيك ‪ -‬ديانا استيفانيا روبيو‬

‫يرتقب العالم معركة رفع سقف الدين الفيديرايل‬ ‫األ ـمـريك يف يونيو‪/‬حز ـيـران املقبــل‪ ،‬وتاليــا مصــر‬ ‫مؤشرات االقتصاد األمرييك الذي يكافح التضخم‬ ‫برفع مستميت للفوائد‪ ،‬يف وقت تتعاظم التساؤالت‬ ‫عن مدى قدرة الدوالر عىل االستمرار كأقوى عملة‬ ‫مهيمنــة عــى اقتصــادات العالــم منــذ عقــود‪ ،‬وتأثــر‬ ‫كل ذلك عىل االقتصاد العاملي وعمالته ومصارفه‬ ‫وشركاته‪ .‬إىل متى يمكن للواليات املتحدة األمريكية‬ ‫أن ت ـقـرض وتراكــم الديــون وتطبــع الــدوالرات إىل‬ ‫مــا ال نهايــة؟‬ ‫بلغ حجم الديون الفيديرالية األمريكية ‪31,45‬‬ ‫تريليون دوالر يف ‪ 19‬يناير‪/‬كانون الثاين املايض‪ ،‬وهو‬ ‫السقف األقىص املحدد القرتاض الحكومة األمريكية‬ ‫بموجب القانون ‪ 117-73‬تاريخ ‪ 16‬ديسمرب‪ /‬كانون‬ ‫األول ‪ ،2021‬مــا يمثــل دينــا يقــدر بـ ‪ 94‬ألــف دوالر‬ ‫عىل كل أمرييك وما نسبته ‪ 121‬يف املئة من الناتج‬

‫‪03/05/2023 10:10‬‬

‫املحيل االجمايل للبالد‪.‬‬ ‫هذا األمر يضع الواليات املتحدة األمريكية أمام‬ ‫واحد من االحتماالت الثالثة اآلتية‪:‬‬ ‫إمــا خفــض اإلنفــاق و‪ /‬أو رفــع الضرائــب‪ ،‬وإمــا‬ ‫التخلــف عــن الســداد‪ ،‬وإمــا رفــع أو تعليــق ســقف‬ ‫الدين أو مراجعة كيفية تعريف السقف لالستمرار‬ ‫يف برامج إنفاق محددة‪ .‬علما أن خيار رفع سقف‬ ‫الدين العام حصل سابقا ‪ 78‬مرة منذ عام ‪،1960‬‬ ‫‪ 49‬مرة تحت قيادة الجمهوريني و‪ 29‬مرة يف ظل‬ ‫إدارة الديموقراطيني‪.‬‬

‫قانون سقف الديون الفيديرالية‬

‫تــم تحديــد ســقف الديــون الفيديراليــة لل ـمـرة األوىل‬ ‫بموجب قانون سندات الحرية الثاين لعام ‪،1917‬‬ ‫والواليات املتحدة األمريكية ليســت الوحيدة التي‬ ‫تضع سقفا إلنفاقها الحكومي‪ ،‬فهذا األمر تعتمده‬

‫‪086_AM.indd 86‬‬


‫‪87‬‬

‫المجلة‬

‫‪%121‬‬

‫نسبة الديون الفيديرالية‬ ‫األميركية من الناتج المحلي‬ ‫االجمالي للبالد‪ ،‬وهي نسبة‬ ‫مرتفعة جدا مقارنة بدول أخرى‪.‬‬

‫‪03/05/2023 10:10‬‬

‫‪1,13‬‬

‫تريليون دوالر‬ ‫حصة اليابان من الديون‬ ‫الفيديرالية‪ ،‬متصدرة الئحة أكبر‬ ‫دائني الواليات المتحدة‪.‬‬

‫اقتصاد‬

‫‪%25‬‬

‫من سندات الخزانة األميركية‬ ‫اإلجمالية تعود إلى دول أجنبية‬ ‫ومستثمرين من القطاع‬ ‫الخاص في هذه الدول‪.‬‬

‫‪086_AM.indd 87‬‬


‫اقتصاد‬

‫دولة أخرى هي الدنمارك منذ عام ‪ 1993‬كمطلب‬ ‫دســتوري‪ ،‬فيمــا حــدد االتحــاد األوروبــي الســقف‬ ‫ضـاء عنــد ‪ 60‬يف‬ ‫األقــى للديــن لــدى الــدول األع ـ‬ ‫املئــة مــن الناتــج املحــي اإلجمــايل وفقــا ملعاهــدة‬ ‫“ماسرتيخت”‪ ،‬بموجب “ميثاق االستقرار والنمو”‪.‬‬ ‫إن وضــع ســقف للديــون الفيديراليــة أمــر يريــح‬ ‫الخزانــة األمريكيــة‪ ،‬إذ يســمح لهــا بإصــدار ســندات‬ ‫الدين بسهولة وتحت السيطرة من دون أن تضطر‬ ‫للحصول عىل موافقة الكونغرس يف كل مرة تكون‬ ‫هناك حاجة لالستدانة‪ .‬يف املقابل‪ ،‬هناك تساؤل‬ ‫عــن جــدوى هــذا الســقف‪ ،‬وانتقــاد لــه‪ ،‬بســبب‬ ‫طـرار إىل تعديلــه وزيادتــه باســتمرار‪.‬‬ ‫االض ـ‬ ‫صـول إىل الســقف املحــدد للديــون‬ ‫يف حــال الو ـ‬ ‫الفيديرالية وعدم دفع مستحقات عامة‪ ،‬ستكون‬ ‫الواليات املتحدة يف حال تخلف عن السداد‪ ،‬ويكمن‬ ‫جـراءات االســتثنائية‬ ‫الحــل الفــوري يف عــدد مــن اال ـ‬ ‫مــن أهمهــا‪ :‬االغــاق وخفــض مســتوى النفقــات‬ ‫والخدمــات العامــة‪ ،‬كمــا حصــل عنــد تســريح ‪800‬‬ ‫ألــف موظــف حكومــي ملــدة خمســة أيــام إثــر رفــض‬ ‫موازنــة الرئيــس بيــل كلينتــون عــام ‪ ،1995‬وآخرهــا‬ ‫االغــاق الكبــر مــا بــن ‪ 22‬ديســمرب‪ /‬كانــون األول‬ ‫‪ 2018‬و‪ 25‬يناير‪ /‬كانون الثاين ‪ 2019‬بسبب معارضة‬ ‫النواب زيادة النفقات املقرتحة من الرئيس ترامب‬ ‫وأهمهــا مشــروع ب ـنـاء جــدار بــن بــاده واملكســيك‪.‬‬

‫صراع الديوك بين الديموقراطيين‬ ‫والجمهوريين‬

‫ضـوع زيــادة ســقف الديــون الفيديراليــة‬ ‫يتطلــب مو ـ‬ ‫اتفاقا بني البيت األبيض واملعارضة يتكرس بموافقة‬ ‫غـرس عليــه‪ .‬ويكــون غالبــا مدعــاة إلطــاق‬ ‫الكون ـ‬ ‫صـراع د ـيـوك بــن الديموقراطيــن والجمهوريــن‬ ‫ـ‬ ‫ملحاولــة تســجيل املكاســب السياســية مــن خــال‬ ‫املســاومة واالب ـتـزاز‪.‬‬

‫أبرز محطات سقف‬ ‫الدين األميركي‬

‫أبريل ‪ /‬نيسان ‪1917‬‬ ‫قبل الحرب العالمية األولى‪ ،‬حافظ‬ ‫الكونغرس على رقابة صارمة على‬ ‫االقتراض الفيديرالي‪ .‬أعطى قانون‬ ‫سندات الحرية الثاني لعام ‪ 1917‬وزارة‬ ‫الخزانة مرونة أكبر في إدارة الشؤون‬ ‫المالية وإصدار ديون جديدة من دون‬ ‫قيود‪.‬‬

‫‪03/05/2023 10:10‬‬

‫‪88‬‬

‫المجلة‬

‫غالبا ما يكون موضوع زيادة سقف‬ ‫الديون الفيديرالية مدعاة إلطالق‬ ‫صراع ديوك بني الديموقراطيني‬ ‫والجمهوريني ملحاولة تسجيل‬ ‫مكاسب سياسية باملساومة واالبتزاز‬ ‫فرئيــس مجلــس النــواب الحــايل‪ ،‬الجمهــوري‬ ‫كيفن ماكاريث‪ ،‬ذكر يف حملته االنتخابية أنه سيقف‬ ‫حائال أمام منح شيك عىل بياض إلنفاق الحكومة‬ ‫“ألن النفقــات خارجــة عــن الســيطرة‪ ،‬وال يوجــد‬ ‫شـراف‪ ...‬نحــن يف حاجــة إىل تغيــر الطريقــة التــي‬ ‫إ ـ‬ ‫تنفق فيها األموال بتهور يف هذا البلد”‪ .‬واستخدم‬ ‫الحقا مثال بطاقة االئتمان للحديث عن املوضوع‪،‬‬ ‫إذ قــال‪“ :‬إذا أعطيــت إبنــك بطاقــة ائتمــان ووصــل‬ ‫إىل الحــد األقــى لعمليــات الســحب املصــرح بهــا‪،‬‬ ‫فهــل تزيــد قدرتــه عــى اال ـقـراض أم تطلــب منــه‬ ‫خفــض االنفــاق؟”‪.‬‬ ‫موقــف مــكاريث هــذا ّ‬ ‫علــق عليــه االقتصاديــان‬ ‫ليو نــارد بور مــان ووليــام ج‪ .‬غيــل‪ ،‬مــن معهــد‬ ‫“بروكينغــز” بال ـقـول إنــه تشــبيه خاطــئ‪ .‬إذ أن مــا‬ ‫يتــم الد ـفـاع عنــه يف الواقــع هــو عــدم دفــع ثمــن مــا‬ ‫شـراؤه باســتخدام بطاقــة االئتمــان بتصريــح مــن‬ ‫تــم ـ‬ ‫األهــل‪ .‬لــذا إذا قــورن األمــر بســقف الديــن‪ ،‬فــإن‬ ‫رفض رفعه يماثل عدم دفع املصروفات التي تمت‬ ‫املوافقــة عليهــا بالفعــل‪ .‬اذ ال يمكــن التصويــت عــى‬ ‫زيــادة العجــز ثــم رفــض تمويلــه‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬رفض الرئيس جو بايدن يف خطابه‬ ‫غـرس “احتجــاز‬ ‫عــن حا لــة االتحــاد أ مــام الكون ـ‬ ‫االقتصــاد كرهينــة” وأضــاف “إن مبــدأ رفــع ســقف‬ ‫الديــون أمــر غــر قابــل للتفــاوض”‪ ،‬داعيــا مــكاريث‬

‫يوليو ‪ /‬تموز ‪1939‬‬ ‫تم تحديد السقف األول‬ ‫للديون الفيديرالية عند ‪45‬‬ ‫مليار دوالر‪ ،‬ومنحت وزارة‬ ‫الخزانة سلطة القرار‬ ‫بشأن أدوات االقتراض‬ ‫التي يجب استخدامها‪.‬‬

‫عــر “تويــر” إىل االجت ـمـاع بــه يف البيــت األبيــض‬ ‫ضـوع‪.‬‬ ‫والتحــاور يف املو ـ‬

‫“االستدانة عقيدتنا”‬

‫داخليــا‪ ،‬ســتكون عواقــب عــدم االتفــاق عــى زيــادة‬ ‫كافيــة لســقف الديــون الفيديراليــة قبــل ‪ 5‬يونيــو‪/‬‬ ‫حز ـيـران املقبــل وخيمــة بحســب دا ـئـرة املوازنــة يف‬ ‫الكونغرس‪ .‬حيث سيتعني عىل الحكومة يف الداخل‬ ‫التوقــف عــن “العيــش” عــى االئتمــان الــذي يعتــر‬ ‫رك ـيـزة أساســية يف التعامــل املــايل‪ ،‬ولربمــا يتبــدل‬ ‫شعار العملة األمريكية من “نثق بالله” (‪In God‬‬ ‫‪ )We Trust‬إىل “االستدانة عقيدتنا” (‪In Debt‬‬ ‫‪. )We Trust‬‬ ‫سيفيض تقصري الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها‬ ‫القانونيــة تجــاه مواطنيهــا اىل نضــوب املــال لــدى‬ ‫املاليني منهم‪ ،‬خصوصا كبار السن الذين سيعلق‬ ‫تزويدهــم بشــيكات التقاعــد الخاصــة بهــم‪ ،‬ولــن‬ ‫يكون يف اإلمكان دفع رواتب الجنود‪ ،‬كما سيؤول‬ ‫خـرات‪ ،‬وانخفــاض يف‬ ‫إىل فقــدان للوظائــف واملد ـ‬ ‫سعر صرف الدوالر ويف أسعار األسهم يف مرحلة‬ ‫الحقــة‪ ،‬يف مقابــل ارت ـفـاع ثمــن الذهــب‪ ،‬مــا يهــدد‬ ‫حـول األمــور يف النهايــة‪ ،‬بحســب تعبــر وز ـيـرة‬ ‫بت ـ‬ ‫الخزانــة‪ ،‬جانيــت يالــن‪ ،‬إىل أزمــة ماليــة وركــود‬ ‫يتســببان بضــرر عميــق يف االقتصــاد األ ـمـريك مــن‬ ‫الصعــب إصالحــه بســهولة‪.‬‬ ‫كذلــك‪ ،‬ســينجم عــن تأخــر الحكومــة عــن دفــع‬ ‫مســتحقاتها‪ ،‬زيــادة تكلفــة ديونهــا حتــى عــى املــدى‬ ‫القصــر مــا يزيــد إدارة الديــن الفيد ـيـرايل تعقيــدا‪.‬‬ ‫وستدفع األمور يف اتجاه خفض التصنيف االئتماين‬ ‫للبــاد‪ .‬وقــد حصــل هــذا األمــر عــام ‪ 2011‬يف ظــل‬ ‫إدارة الرئيــس بــاراك أوبامــا بعدمــا وصــل الخــاف‬ ‫حـول ـقـرار رفــع ســقف‬ ‫الســيايس اىل حافــة الهاويــة ـ‬ ‫الدين‪ ،‬ما دفع وكالة التصنيف “ستاندرد أند بورز”‬

‫يونيو ‪ /‬حزيران ‪1946‬‬ ‫عمد الكونغرس إلى رفع‬ ‫سنويا طوال‬ ‫سقف الدين‬ ‫ً‬ ‫فترة الحرب العالمية الثانية‬ ‫لتغطية جميع االقتراضات‬ ‫التي فرضتها الحرب‪ ،‬حيث‬ ‫بلغ ذروته عند ‪ 300‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬ليخفض إلى ‪ 275‬مليار‬ ‫دوالر في نهاية الحرب‪.‬‬

‫أغسطس ‪ /‬آب ‪1954‬‬ ‫وافق الكونغرس على‬ ‫زيادة موقتة لسقف‬ ‫الدين بهدف تمويل‬ ‫الحرب الكورية‪.‬‬

‫‪086_AM.indd 88‬‬


‫‪89‬‬

‫المجلة‬

‫ﺳﻘﻒ اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ‬ ‫)‪(2023 - 1993‬‬ ‫)ﺑﺘﺮﻳﻠﻴﻮﻧﺎت اﻟﺪوﻻرت(‬

‫اقتصاد‬ ‫‪31.40‬‬

‫‪ 17‬ﻳﻨﺎﻳﺮ‪/‬ﻛﺎﻧﻮن اﻟﺜﺎﻧﻲ‬

‫‪31.40‬‬

‫‪ 16‬دﻳﺴﻤﺒﺮ‪/‬ﻛﺎﻧﻮن اﻷول‬

‫‪4.15‬‬

‫‪4.37‬‬ ‫‪ 1‬أﺑﺮﻳﻞ‪/‬ﻧﻴﺴﺎن‬ ‫‪ 6‬أﺑﺮﻳﻞ‪/‬ﻧﻴﺴﺎن‬

‫‪28.90‬‬

‫‪4.90‬‬

‫‪ 14‬أﻛﺘﻮﺑﺮ‪/‬ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول‬

‫‪ 10‬أﻏﺴﻄﺲ‪/‬آب‬

‫‪5.50‬‬

‫‪ 29‬ﻣﺎرس‪/‬آذار‬

‫‪28.40‬‬

‫‪5.95‬‬

‫‪ 2‬أﻏﺴﻄﺲ‪/‬آب‬

‫‪ 5‬أﻏﺴﻄﺲ‪/‬آب‬

‫‪6.40‬‬

‫‪ 28‬ﻳﻮﻧﻴﻮ‪/‬ﺣﺰﻳﺮان‬

‫‪1993‬‬

‫‪‘23‬‬ ‫‪‘21‬‬

‫‪‘96‬‬

‫‪7.38‬‬

‫‪‘97‬‬

‫‪ 27‬ﻣﺎﻳﻮ‪/‬أﻳﺎر‬

‫‪8.18‬‬

‫‪‘04‬‬

‫‪ 19‬ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ‬ ‫‪/‬ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬

‫‪‘06‬‬

‫رﻓﻊ ﺳﻘﻒ اﻟﺪﻳﻦ ‪25‬‬ ‫ﻣﺮة ﺧﻼل ‪ 30‬ﻋﺎﻣﺎ‬

‫‪‘07‬‬

‫‪8.97‬‬

‫‪ 20‬ﻣﺎرس‪/‬آذار‬

‫‪9.82‬‬

‫‪‘18‬‬

‫‪20.50‬‬

‫‪‘17‬‬

‫‪ 8‬ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ‪/‬أﻳﻠﻮل‬

‫‪‘15‬‬ ‫‪‘14‬‬

‫‪‘08‬‬

‫‪19.80‬‬

‫‪‘13‬‬ ‫‪‘09‬‬

‫‪ 27‬ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ‪/‬أﻳﻠﻮل‬

‫‪ 9‬ﻓﺒﺮاﻳﺮ‪/‬ﺷﺒﺎط‬ ‫‪‘19‬‬

‫‪‘02‬‬ ‫‪‘03‬‬

‫‪22.00‬‬

‫‪‘10‬‬

‫‪ 2‬ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ‪/‬ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬

‫‪‘11‬‬

‫‪18.10‬‬

‫‪10.60‬‬

‫‪ 18‬ﻓﺒﺮاﻳﺮ‪/‬ﺷﺒﺎط‬

‫‪ 30‬ﻳﻮﻟﻴﻮ‪/‬ﺗﻤﻮز‬

‫‪17.20‬‬

‫‪11.30‬‬

‫‪ 17‬أﻛﺘﻮﺑﺮ‪/‬ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول‬

‫‪ 3‬أﻛﺘﻮﺑﺮ‪/‬ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول‬

‫‪12.10‬‬

‫‪ 17‬ﻓﺒﺮاﻳﺮ‪/‬ﺷﺒﺎط‬

‫‪12.40‬‬

‫‪ 28‬دﻳﺴﻤﺒﺮ‪/‬ﻛﺎﻧﻮن اﻷول‬

‫أبريل ‪ /‬نيسان ‪1979‬‬ ‫رفع الكونغرس‬ ‫سقف الدين لتجنيب‬ ‫الحكومة الفيديرالية‬ ‫التخلف عن السداد‬ ‫للمرة األولى في تاريخ‬ ‫الواليات المتحدة‬ ‫الحديث‪.‬‬

‫‪03/05/2023 10:11‬‬

‫سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪1979‬‬ ‫تم تبني “قاعدة جيفارت”‬ ‫(‪ )Gephardt‬من قبل مجلس‬ ‫النواب األميركي التي تسمح‬ ‫برفع سقف الدين تلقائيا من‬ ‫دون الحاجة إلى تصويت عن‬ ‫طريق تمرير الموازنة‪.‬‬

‫‪14.30‬‬

‫‪ 12‬ﻓﺒﺮاﻳﺮ‪/‬ﺷﺒﺎط‬

‫‪14.70‬‬

‫‪16.70‬‬

‫‪ 25‬ﻓﺒﺮاﻳﺮ‪/‬ﺷﺒﺎط‬

‫‪ 2‬أﻏﺴﻄﺲ‪/‬آب‬

‫سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪1982‬‬ ‫تم سن قانون رسمي‬ ‫لتحديد سقف الدين‬ ‫الفيديرالي‪.‬‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﻣﻮﻗﻊ "ﻳﻮ‪ .‬أس‪ .‬إﻳﻪ‪ .‬ﻓﺎﻛﺘﺲ" اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ‬

‫سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪1985‬‬ ‫دخل موضوع سقف الدين‬ ‫في مأزق سياسي حول كيفية‬ ‫معالجة األمر‪ ،‬فاتخذت وزارة‬ ‫الخزانة للمرة األولى ما يسمى‬ ‫بـ “اإلجراءات االستثنائية”‪،‬‬ ‫وهي مناورات محاسبية تسمح‬ ‫للحكومة بمواصلة الوفاء‬ ‫بالتزاماتها الفيديرالية‪.‬‬

‫‪086_AM.indd 89‬‬


‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫إىل خفــض التصنيــف االئتمــاين للبــاد مــن ‪AAA‬‬ ‫غـرس وافــق يف‬ ‫إىل ‪ ،AA‬عــى الرغــم مــن أن الكون ـ‬ ‫نهايــة املطــاف عــى رفــع ســقف الديــن ولــم يحصــل‬ ‫تخلــف عــن الســداد‪.‬‬

‫من يحمل السندات األميركية؟‬

‫خارجيــا‪ ،‬يهــدد ا ســتنفاد قــدرة الحكو مــة عــى‬ ‫اال ـقـراض‪ ،‬بفقــدان الثقــة يف الصدقيــة املاليــة‬ ‫للوال يــات املتحــدة عامليــا‪ .‬كمــا يلقــي بالتمو يــل‬ ‫واالقتصــاد العامليــن يف الفــوىض واملج ـهـول‪،‬‬ ‫ظـرا للــدور الــذي يضطلــع بــه الــدوالر األ ـمـريك‬ ‫ن ـ‬ ‫كعملــة احتيــاط عامليــة يف النظــام النقــدي واملــايل‬ ‫الــدويل‪ ،‬وأيضــا لــدور ســندات الخزانــة األمريكيــة‬ ‫صـول ويف نظــام تحويــل الســيولة‬ ‫يف تســعري األ ـ‬ ‫بالــدوالر‪ .‬فالجهــات التــي تحــوز تلــك الســندات‪،‬‬ ‫ســتكون أول املتأثريــن بشــكل مباشــر‪ ،‬إمــا بالتأخــر‬ ‫يف دفع املستحقات أو بالتخلف عن دفعها‪ ،‬وهي‬ ‫تتــوزع بــن مجموعتــن‪ :‬األوىل داخليــة‪ ،‬وتتكــون‬ ‫طـاع الخــاص؛ بــن‬ ‫أساســا مــن مســتثمرين مــن الق ـ‬ ‫صناديق تقاعد خاصة وشركات تأمني ومستثمري‬ ‫تجزئة‪ ،‬وتحوز ‪ 31‬يف املئة من السندات اإلجمالية‪،‬‬ ‫تليها صناديق التقاعد العامة بنسبة ‪ 22‬يف املئة‪،‬‬ ‫فاالحتياطي الفيديرايل‪ ،‬وأخريا البنوك األمريكية‪.‬‬ ‫والثانيــة خارجيــة‪ ،‬وتحــوز ثــاين أكــر نســبة مــن‬ ‫الســندات اإلجماليــة عنــد ‪ 25‬يف املئــة وتعــود إىل‬ ‫طـاع الخــاص‬ ‫دول أجنبيــة ومســتثمرين مــن الق ـ‬ ‫مــن هــذه الــدول‪.‬‬ ‫شــهدت بنيــة حيــازة الــدول األجنبيــة لســندات‬ ‫الخزانة األمريكية تحوالت مهمة يف العقد األخري‪.‬‬ ‫فقد تخلت روسيا يف عام ‪ 2018‬عن جميع ما تحوزه‬ ‫من هذه السندات ومقداره نحو ‪ 100‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫مــن جهتهــا‪ ،‬خفضــت الصــن بشــكل هــادئ ومنــذ‬ ‫عــام ‪ 2011‬حيازتهــا لديــون الحكومــة األمريكيــة إىل‬

‫أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪1986‬‬ ‫صرح صانعو السياسة‬ ‫رسميا لوزير الخزانة‬ ‫باستخدام إجراءات‬ ‫استثنائية لمنع الحكومة‬ ‫الفيديرالية من تجاوز سقف‬ ‫الدين‪.‬‬

‫‪03/05/2023 10:11‬‬

‫أقل من تريليون دوالر ألسباب متنوعة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫وضع اليابان يف صدارة الئحة أكرب دائني الواليات‬ ‫املتحــدة بمبلــغ يناهــز ‪ 1,13‬تريليــون دوالر‪ ،‬تليهــا‬ ‫اململكة املتحدة وبلجيكا ولوكسمبورغ‪.‬‬ ‫عربيا‪ ،‬تتصدر اململكة العربية السعودية املرتبة‬ ‫األوىل يف حيازات ديون الخزانة األمريكية بمبلغ‬ ‫يــوازي ‪ 121,1‬مليــار دوالر وهــي األعــى خليجيــا‪،‬‬ ‫تليهــا اإل مــارات العربيــة املتحــدة‪ ،‬فالكو يــت‪،‬‬ ‫فســلطنة عمــان‪ ،‬فقطــر‪ ،‬فالبحريــن‪ .‬ومــن خــارج‬ ‫مجلــس التعــاون لــدول الخليــج العربيــة يــأيت‬ ‫عـراق يف مقدمــة الــدول العربيــة يف التوظيــف‬ ‫ال ـ‬ ‫يف ســندات الخزانــة االمريكيــة بمبلــغ يناهــز الـ ‪40‬‬ ‫مليــار دوالر‪.‬‬

‫االقتراض إلى ما ال نهاية‬

‫الســؤال الــذي يطــرح باســتمرار‪ ،‬هــل يمكــن‬ ‫للواليــات املتحــدة أن تذهــب باال ـقـراض ومراكمــة‬

‫أغسطس ‪ /‬آب‬ ‫‪1997‬‬ ‫بعد إغالق حكومي‬ ‫طويل األمد‪ ،‬تم رفع‬ ‫سقف الدين إلى نحو‬ ‫‪ 6‬تريليونات دوالر‬ ‫كجزء من مشروع‬ ‫قانون الموازنة‬ ‫المتوازنة لعام ‪.1997‬‬

‫يونيو ‪ /‬حزيران ‪2002‬‬ ‫وقف العمل بالموازنات‬ ‫المتوازنة مع عودة‬ ‫صانعي السياسة إلى‬ ‫اإلنفاق بالعجز‪ ُ .‬رفع‬ ‫سقف الدين إلى ‪6,4‬‬ ‫تريليونات دوالر‪ ،‬وهي أول‬ ‫زيادة منذ عام ‪.1997‬‬

‫‪90‬‬

‫الديــون إىل مــا ال نهايــة؟ الجــواب هــو أن ســندات‬ ‫الخزانــة األمريكيــة تعتــر راهنــا ومبدئيــا واحــدة مــن‬ ‫أكرث االستثمارات أمانا يف العالم وليس هناك من‬ ‫خطــر لالنهيــار يف املســتقبل املنظــور‪.‬‬ ‫سـرت الوال يــات املتحــدة يو مــا‬ ‫حتــى لــو خ ـ‬ ‫التسهيالت الكبرية املتأتية من امليزة التي تتمتع‬ ‫بها يف االقرتاض‪ ،‬فسيظل لديها إمكان تفعيل‬ ‫رافعات مالية أخرى‪ ،‬مثل تسييل استثمارات‬ ‫عامة وزيادة عائدات الضرائب التي تبلغ اليوم‬ ‫‪ 20‬يف املئــة مــن ناتجهــا املحــي اإلجمــايل وهــي‬ ‫نســبة متدنيــة قياســا لبعــض الــدول األوروبيــة‬ ‫(تبلــغ هــذه النســبة مثــا يف بلجيــكا ‪ 42,92‬يف‬ ‫املئــة)‪ .‬يمكــن لالحتياطــي الفيد ـيـرايل أيضــا‪ ،‬يف‬ ‫األوقــات املصرييــة‪ ،‬تجــاوز املح ّرمــات وتشــغيل‬ ‫ماكينة طباعة الدوالر لتمويل مدفوعات الديون‬ ‫العامة‪ ،‬علما أنه يحتل املرتبة الثانية من ضمن‬ ‫كبــار الدائنــن للخزانــة‪.‬‬ ‫يتمثــل اإلشــكال الحقيقــي يف أن يفقــد الــدوالر‬ ‫مســتقبال دور العملــة املرجعيــة عامليــا‪ ،‬والدولــة‬ ‫األكــر أهليــة يف الوقــت الراهــن يف نظــر البعــض‬ ‫ألن تتحــدى الوضــع الريــادي النقــدي واالقتصــادي‬ ‫للواليات املتحدة هي الصني‪ .‬مع ذلك فإنها تحتل‬ ‫املركز الثاين ضمن أكرب الدائنني الرئيسيني للواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وبالتايل ليس لديها مصلحة حقيقية يف‬ ‫خســارة قيمــة الديــن األ ـمـريك‪.‬‬ ‫يضــاف إىل ذلــك‪ ،‬أن الريــادة النقديــة لليــوان‬ ‫الصينــي يرتبــط بأمــور عــدة‪ ،‬منهــا نجــاح الصــن يف‬ ‫تســويق أذونــات وســندات خزانــة صينيــة جاذبــة‬ ‫لال ســتثمار عامليــا‪ ،‬و عــدم أهليتهــا لذ لــك يشــكل‬ ‫حجــر ـعـرة امــام الريــادة‪ ،‬وهــو الســبب األســايس‬ ‫نفســه الــذي كان وراء االخفــاق يف انطالقــة اليــورو‬ ‫كعملــة دوليــة منافســة للــدوالر األ ـمـريك يف الدفــع‬ ‫والتســوية عامليــا‪.‬‬

‫أغسطس ‪ /‬آب ‪2011‬‬ ‫سن الكونغرس ورئيس الواليات المتحدة‬ ‫قانون مراقبة الموازنة لعام ‪ ،2011‬الذي سمح‬ ‫برفع سقف الدين إلى ‪ 16,4‬تريليون دوالر على‬ ‫مرحلتين‪ .‬أدى هذا اإلجراء إلى خفض التصنيف‬ ‫االئتماني للواليات المتحدة من قبل “ستاندرد‬ ‫آند بورز” من ‪ AAA‬إلى ‪.+AA‬‬

‫‪086_AM.indd 90‬‬


‫‪91‬‬

‫المجلة‬

‫هل يفقد الدوالر‬ ‫دوره المرجعي؟‬ ‫يتمثل الخطر الحقيقي في‬ ‫استمرار ارتفاع مديونية‬ ‫الواليات المتحدة وتخلفها عن‬ ‫السداد‪ ،‬في احتمال أن يفقد‬ ‫الدوالر مستقبال دور العملة‬ ‫المرجعية عالميا‪ .‬تعتبر الصين‬ ‫الدولة األكثر أهلية‪ ،‬في نظر‬ ‫بعض الخبراء‪ ،‬لتحدي الدور‬ ‫الريادي النقدي واالقتصادي‬ ‫للواليات المتحدة‪ ،‬علما أن‬ ‫الصين تحتل المركز الثاني‬ ‫ضمن أكبر الدائنين الرئيسيين‬ ‫للواليات المتحدة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ليس لديها مصلحة في خسارة‬ ‫قيمة الدين األميركي‪.‬‬ ‫يضاف الى ذلك‪ ،‬أن الريادة‬ ‫النقدية لليوان الصيني مرتبطة‬ ‫بشروط عدة‪ ،‬منها نجاح الصين‬ ‫في تسويق أذونات وسندات‬ ‫خزانة صينية جاذبة لالستثمار‬ ‫عالميا‪ ،‬وعدم أهليتها لذلك‬ ‫يشكل حجر عثرة امامها‪ ،‬وهو‬ ‫السبب نفسه الذي كان وراء‬ ‫االخفاق في انطالقة اليورو‬ ‫كعملة دولية منافسة للدوالر‬ ‫األميركي في الدفع والتسوية‬ ‫عالميا‪.‬‬

‫فبراير ‪ /‬شباط ‪2013‬‬ ‫ُ أقر قانون “ال موازنة‪ ،‬ال‬ ‫أجور” لعام ‪ ،2013‬وتم‬ ‫تعليق العمل بسقف‬ ‫الدين للمرة األولى‬ ‫حتى ‪ 18‬مايو‪ /‬أيار ‪،2013‬‬ ‫حيث حدد عند مستوى‬ ‫مجموع الديون حتى‬ ‫ذلك التاريخ‪.‬‬

‫‪03/05/2023 10:11‬‬

‫اقتصاد‬

‫اإلرهابيون اإلقتصاديون‬

‫هنــاك مــن يلفــت إىل أن املعركــة السياســية‬ ‫الحالية بني املعسكرين الديموقراطي والجمهوري‬ ‫حـول رفــع ســقف الديــون الفيديراليــة لــن تمــر‬ ‫ـ‬ ‫بســام كمــا حصــل مــع ســابقاتها خــال الثالثــن‬ ‫ســنة املاضيــة‪ ،‬يف مقــدم ـهـؤالء اســتاذ االقتصــاد‬ ‫ـبـول كروغمــان الحائــز عــى جا ـئـزة نوبــل لالقتصــاد‬ ‫لعــام ‪.2008‬‬ ‫فقد تخوف يف افتتاحية له يف “نيويورك تايمز”‬ ‫من مجموعات من أقىص اليمني يطلق عليها اسم‬ ‫حـزب الجمهــوري‪،‬‬ ‫“كتلــة الحريــة” تســيطر عــى ال ـ‬ ‫وكانــت وراء إيصــال مــكاريث إىل رئاســة مجلــس‬ ‫النواب بعدما أطلق لها وعودا بالتزام أهدافها يف‬ ‫تقليــص العديــد مــن النفقــات املاليــة‪ ،‬يف مقدمهــا‬ ‫نظام التأمني الصحي “أوباما كري”‪.‬‬ ‫وقد تخوف الربوفسور كروغمان يف مقاله من‬ ‫أن تتعمد املجموعات الســابقة العرقلة “ملشــاهدة‬ ‫العالــم يحــرق يف ظــل إدارة ديموقراطيــة”‪ .‬ودعــا‬ ‫ضـوع ملــن ســمّاهم بـ“اإلرهابيــن‬ ‫إىل عــدم الخ ـ‬ ‫االق ـت ـ ـصـ ــاديني”‪ ،‬م ــن خ ـ ــال اع ـتـ ـم ــاد اج ـ ــراءات‬ ‫جـراء تقنــي‬ ‫اســتثنائية موقتــة لتجــاوز املــأزق‪ ،‬منهــا إ ـ‬ ‫تشريعي يقوم عىل استمالة عدد من الجمهوريني‬ ‫العقالء لتمرير اتفاق رفع سقف الديون‪ ،‬أو سك‬ ‫استثنايئ لعملة بالتينية من قبل الحكومة بقيمة‬ ‫إســمية تبلــغ تريليــون دوالر يشــريها االحتياطــي‬ ‫الفيديرايل من الخزانة‪ ،‬أو اعتماد حيل محاسبية‬ ‫يف العمليــات عــى الســندات‪.‬‬ ‫يف املقابل يقدم املحلل االقتصادي لدى “موديز”‬ ‫مــارك زانــدي صــورة ســوداوية جــدا إذا لــم يتــم‬ ‫التوصل قبل بداية يونيو‪/‬حزيران املقبل إىل اتفاق‬ ‫لرفع سقف الديون الفيديرالية‪ ،‬فاألمور يف نظره‬ ‫ستســر قدمــا اىل “أرمجــدون مــايل” (‪Financial‬‬ ‫‪ ،)Armageddon‬أي إىل نهايــة ماليــة للعالــم‪.‬‬

‫نوفمبر ‪ /‬تشرين الثاني ‪2015‬‬ ‫على بعد أسابيع قليلة فقط من “تاريخ‬ ‫أكس” (‪ )X-Date‬وهو التاريخ الذي ال تعود‬ ‫فيه الحكومة الفيديرالية قادرة على‬ ‫الوفاء بالتزاماتها بالكامل وفي الوقت‬ ‫المحدد‪ ُ ،‬أقر قانون موازنة الحزبين لعام‬ ‫‪ ،2015‬والذي علق السقف القانوني للدين‬ ‫حتى ‪ 15‬مارس ‪ /‬آذار ‪.2017‬‬

‫بالتــوازي مــع التحليــات الســابقة‪ ،‬يتحــدث‬ ‫آخرون عن “زلزال مايل” عنيف سيحصل يف مطلق‬ ‫األحــوال يف املســتقبل املنظــور وتصيــب ارتداداتــه‬ ‫العالم بأسره‪ ،‬وسيتأىت من انهيار الرتابط الصني‪-‬‬ ‫أ ـمـركا (‪ ،)Chimerica‬وهــو تعبــر صاغــه املــؤرخ‬ ‫املايل نايل فرغيسن واالقتصادي موريتز شوالريك‬ ‫للداللة عىل العالقة الرتابطية بني الصني التي تعترب‬ ‫أكرب دائن للعالم‪ ،‬والواليات املتحدة األمريكية التي‬ ‫تصنف بأكرب مدين فيه‪ .‬ذلك أن التشققات يف هذه‬ ‫العالقة ستتعمق يف حال التوقف عن سداد الديون‬ ‫األمريكيــة وســتدفع الصــن اىل تعزيــز موقعهــا يف‬ ‫مجموعة الـ“بريكس” (‪ )BRICS‬التي تضم إليها‪،‬‬ ‫روسيا والربازيل والهند وجنوب أفريقيا‪ ،‬بعد الغزو‬ ‫الرويس ألوكرانيا والتهديد األمرييك يف شأن تايوان‬ ‫وتزويد روسيا باألسلحة‪.‬‬ ‫يقـ ّر البيــان التأســييس لهــذه املجموعــة عالنيــة‬ ‫بالسعي إىل نظام عاملي ثنايئ القطب‪ ،‬وهي تجتهد‬ ‫للتوســع وضــم تجمعــات أخــرى اليهــا مثــل اتحــاد‬ ‫دول أ ـمـركا الجنوبيــة (‪ ،)UNASUR‬ومبــادرة‬ ‫خليــج البنغــال للتعــاون التقنــي واالقتصــادي‬ ‫متعــدد القطا عــات (‪ )BIMSTEC‬ا لــذي يضــم‬ ‫دول خليــج البنغــال‪ .‬كمــا أنشــأت هــذه املجموعــة‬ ‫صنــدوق احتيــاط نقــدي لحمايــة عمــات أعضائهــا‬ ‫ضــد ضغــوط الســيولة العامليــة‪.‬‬ ‫وأطلقت املجموعة أخريا مشاورات إلنشاء نظام‬ ‫خــاص بهــا للتحويــات وأوامــر الدفــع ليكــون بديــا‬ ‫مــن نظــام الـ“ســويفت” (‪ ،)SWIFT‬مــا يؤشــر اىل‬ ‫صـول ز ـلـزال صني‪-‬أ ـمـركا (‪)Chimerica‬‬ ‫ـقـرب ح ـ‬ ‫الكبري الذي لن تكون ارتداداته محصورة بانهيارات‬ ‫يف أســواق الســندات واألســهم والصــرف وخطــوط‬ ‫امدادات املنتجات والغذاء والنفط والغاز وغريها‪،‬‬ ‫بل توجد احتماالت كبرية جدا أن تتعداها اىل حرب‬ ‫“أرمجدون” حقيقي ال مايل فقط‪.‬‬

‫أغسطس ‪ /‬آب ‪2021‬‬ ‫في األول من أغسطس ‪/‬‬ ‫آب ‪ ،2021‬أثار تطور جائحة‬ ‫كوفيد‪ 19 -‬واالرتفاع غير‬ ‫المتوقع لتكاليف اإلغاثة‬ ‫الحكومية‪ ،‬وانعاش‬ ‫االقتصاد في مرحلة الحقة‪،‬‬ ‫شكوكا في القدرة على‬ ‫تحديد “تاريخ أكس”‪.‬‬

‫يناير ‪ /‬كانون الثاني ‪2023‬‬ ‫في ‪ 19‬يناير ‪ /‬كانون الثاني الماضي‬ ‫بلغت وزارة الخزانة سقف الدين البالغ‬ ‫‪ 31,4‬تريليون دوالر واتخذت تدابير‬ ‫واجراءات استثنائية ونقدية تسمح‬ ‫لها بتمويل التزامات الحكومة بالكامل‬ ‫خالل الصيف أو حتى أوائل خريف‬ ‫السنة الجارية‪.‬‬

‫‪086_AM.indd 91‬‬


‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫ﻧﻤﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ‬ ‫ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻘﻴﻤﺔ‬ ‫وﺣﺼﺘﻪ ﻣﻦ‬ ‫اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ‬ ‫ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻌﻮاﻣﻞ‬ ‫اﻟﺪﻳﻤﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ‬ ‫وارﺗﻔﺎع ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ‬ ‫اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ‬ ‫وﻋﺪم ﻛﻔﺎﻳﺔ‬ ‫اﻹﻳﺮادات ﻣﻦ‬ ‫اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ‬ ‫وراء ﻧﻤﻮ اﻟﺪﻳﻦ‬ ‫اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ‬

‫‪92‬‬

‫‪35%‬‬

‫‪34%‬‬ ‫‪33%‬‬ ‫‪34%‬‬

‫‪‘76‬‬

‫‪‘74‬‬

‫‪1972‬‬

‫‪‘78‬‬ ‫‪‘80‬‬

‫‪3.2‬‬

‫‪‘82‬‬

‫‪40%‬‬

‫‪32%‬‬

‫‪35%‬‬

‫‪3.0‬‬

‫‪2.9‬‬

‫‪3.4‬‬ ‫‪3.2‬‬

‫‪‘84‬‬

‫‪3.5‬‬

‫‪47%‬‬ ‫‪‘86‬‬

‫‪4.4‬‬

‫‪51%‬‬ ‫‪‘88‬‬

‫‪5.7‬‬

‫‪55%‬‬

‫‪6.5‬‬

‫‪‘90‬‬

‫‪7.2‬‬

‫‪63%‬‬

‫‪‘92‬‬

‫‪8.5‬‬

‫‪65%‬‬

‫‪‘94‬‬

‫‪9.3‬‬ ‫‪66%‬‬

‫‪‘96‬‬

‫‪62%‬‬

‫‪‘98‬‬

‫‪9.8‬‬ ‫‪10.0‬‬

‫ﻫ‬

‫‪9.7‬‬ ‫‪‘00‬‬

‫‪56%‬‬

‫ﻧﻤﻮ اﻟﺪﻳﻦ‬ ‫اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ‬

‫‪10.2‬‬ ‫‪11.5‬‬

‫‪‘02‬‬

‫‪58%‬‬

‫)ﺑﺘﺮﻳﻠﻴﻮﻧﺎت‬ ‫اﻟﺪوﻻرات(‬

‫ﻧﺴﺒﺔ‬ ‫اﻟﺪﻳﻦ‬ ‫اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ‬ ‫اﻟﻤﺤﻠﻲ‬ ‫)ﻧﺴﺒﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ(‬

‫‪30.7‬‬ ‫‪12.4‬‬ ‫‪18.4‬‬

‫‪13.6‬‬

‫‪‘04‬‬

‫‪22.2 20.6‬‬

‫‪‘06‬‬

‫‪62%‬‬ ‫‪‘08‬‬

‫‪68%‬‬

‫‪‘10‬‬

‫‪91%‬‬

‫‪‘12‬‬ ‫‪‘14‬‬

‫‪100%‬‬

‫‪‘16‬‬ ‫‪‘18‬‬

‫‪106%‬‬

‫‪03/05/2023 10:11‬‬

‫‪25.3‬‬

‫‪61%‬‬

‫‪103%‬‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﻣﻮﻗﻊ "ﻓﻴﺴﻜﺎل داﺗﺎ" اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻮزارة اﻟﺨﺰاﻧﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ‬

‫‪24.1‬‬

‫‪30.9‬‬

‫‪106%‬‬

‫‪‘20‬‬

‫‪128%‬‬

‫‪2022‬‬

‫‪124%‬‬

‫‪086_AM.indd 92‬‬


‫‪93‬‬

‫اقتصاد‬

‫المجلة‬

‫دﻳﻮن اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة‬ ‫اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﺣﺴﺐ اﻟﺪوﻟﺔ‬

‫ﺳﻨﺪات اﻟﺨﺰاﻧﺔ‬ ‫)ﺑﻤﻠﻴﺎرات اﻟﺪوﻻرات(‬

‫‪655‬‬

‫‪867‬‬

‫اﻟﺼﻴﻦ‬

‫‪1,076‬‬

‫اﻟﻴﺎﺑﺎن‬

‫‪439‬‬

‫دول أﺧﺮى‬

‫اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة‬

‫‪32‬‬

‫‪354‬‬

‫اﻟﺒﻴﺮو‬

‫ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ‬

‫‪34‬‬

‫ﺗﺸﻴﻠﻲ‬

‫‪329‬‬

‫ﻟﻮﻛﺴﻤﺒﻮرغ‬

‫‪37‬‬

‫ﻓﻴﺘﻨﺎم‬

‫‪284‬‬

‫ﺟﺰر اﻟﻜﺎﻳﻤﺎن‬

‫‪37‬‬

‫اﺳﺒﺎﻧﻴﺎ‬

‫‪270‬‬

‫‪38‬‬

‫ﺳﻮﻳﺴﺮا‬

‫ﺑﻮﻟﻨﺪا‬

‫‪255‬‬

‫إﻳﺮﻟﻨﺪا‬

‫‪39‬‬

‫إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ‬

‫‪226‬‬

‫‪40‬‬

‫ﺗﺎﻳﻮان‬

‫ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ‬

‫‪224‬‬

‫‪41‬‬

‫اﻟﻬﻨﺪ‬

‫اﻟﻌﺮاق‬

‫‪42‬‬

‫‪221‬‬

‫اﻟﺴﻮﻳﺪ‬

‫ﻫﻮﻧﻎ ﻛﻮﻧﻎ‬

‫‪46‬‬

‫‪217‬‬

‫ﺗﺎﻳﻠﻨﺪ‬

‫اﻟﺒﺮازﻳﻞ‬

‫‪46‬‬

‫‪215‬‬

‫اﻟﺒﺎﻫﺎﻣﺎس‬

‫ﻛﻨﺪا‬

‫‪48‬‬

‫‪189‬‬

‫اﺳﺮاﺋﻴﻞ‬

‫ﻓﺮﻧﺴﺎ‬

‫‪48‬‬

‫‪179‬‬

‫اﻟﻔﻠﻴﺒﻴﻦ‬

‫ﺳﻨﻐﺎﻓﻮرة‬

‫‪49‬‬

‫‪120‬‬

‫اﻟﻜﻮﻳﺖ‬

‫اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬

‫‪57‬‬

‫‪103‬‬

‫ﻛﻮرﻳﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ‬

‫‪101‬‬

‫أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ‬

‫‪92‬‬

‫اﻟﻨﺮوج‬

‫‪82‬‬

‫ﺑﺮﻣﻮدا‬

‫‪67‬‬

‫ﻫﻮﻟﻨﺪا‬

‫‪59‬‬

‫‪59‬‬

‫أﺳﺘﺮاﻟﻴﺎ‬

‫اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة‬

‫اﻟﻤﻜﺴﻴﻚ‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪" :‬ﻓﻴﺠﻮال ﻛﺎﺑﻴﺘﺎﻟﻴﺴﺖ"‪ ،‬اﺳﺘﻨﺎدا اﻟﻰ ﺑﻴﺎﻧﺎت وزارة اﻟﺨﺰاﻧﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ‬

‫‪03/05/2023 10:11‬‬

‫‪086_AM.indd 93‬‬


‫المجلة‬

‫اقتصاد‬

‫‪94‬‬

‫خـرة ســمعة تنافســية رائــدة يف‬ ‫غـرب يف الســنوات األ ـ‬ ‫اكتســب امل ـ‬ ‫صناعــة الســيارات وبلغــت عائــدات صادراتــه أكــر مــن ‪ 11‬مليــار‬ ‫دوالر يف العام املنصرم‪ ،‬ويتوقع إنتاج مليون سيارة سنويا بدءا‬ ‫غـرب ينافــس كال مــن الهنــد والصــن‬ ‫مــن الســنة الجاريــة‪ .‬صــار امل ـ‬ ‫جـزاء الســيارات‬ ‫يف مجــال تلقــي االســتثمارات املوجهــة لتصنيــع أ ـ‬ ‫املختلفة‪ ،‬ويحتل املرتبة الثانية يف الدول األكرث تصنيعا يف أفريقيا‬ ‫بحســب تصنيــف البنــك األفريقــي للتنميــة واالتحــاد األفريقــي‪.‬‬ ‫ُتطــرح قريبــا يف األســواق املغربيــة أول ســيارة مــن صنــع محــي‬ ‫بالكامــل تحمــل عالمــة تجاريــة باســم “نيــو” (‪ )NEO‬مــن صنــف‬ ‫‪ M2‬متوســطة الحجــم‪ ،‬يف إمكانهــا منافســة ســيارات “رينــو”‬ ‫و“بيجو” و“سيرتوين” الفرنسية‪ ،‬و“فيات” اإليطالية ومثيالتها‬ ‫مــن العربــات املصنعــة يف آســيا‪ .‬وسـ ُتعرض بســعر مــن ‪ 15‬إىل ‪17‬‬ ‫ألــف دوالر أ ـمـريك‪ ،‬أي نحــو ‪ 170‬ألــف درهــم مغربــي‪.‬‬ ‫طـاء مزيــد مــن‬ ‫تتكتــم الجهــات املشــرفة عــى املشــروع عــن إع ـ‬ ‫التفاصيل حول السيارة الجديدة‪ ،‬بما يف ذلك التصميم الخارجي‪،‬‬ ‫حفاظــا عــى امللكيــة الفكريــة والصناعيــة مــن أي تقليــد أو قرصنــة‬ ‫يف الوقــت الراهــن‪ .‬وكشــفت مصــادر يف وزارة الصناعــة والتجــارة‬ ‫لـ“املجلة” أن السيارة املغربية ستكون مجهزة بمحركات من شركة‬ ‫“أوبــل” األملانيــة وهــي اجتــازت كل االختبــارات الفنيــة املطلوبــة‪،‬‬ ‫وتنتظــر الرتخيــص لهــا مــن الســلطات الحكوميــة املختصــة‪.‬‬ ‫ويتزامــن طــرح هــذا ال ـنـوع مــن الســيارات املتوســطة الحجــم‬ ‫غـرب إىل إن ـتـاج ســيارات هجينــة‬ ‫مــع انتقــال صناعــة العربــات يف امل ـ‬ ‫وكهربائيــة بالكامــل‪ ،‬اســتجابة لألســواق األوروبيــة‪ ،‬التــي قــررت‬ ‫حـركات البنزيــن والديــزل يف أفــق ‪ .2035‬ويعتــر‬ ‫وقــف العمــل بم ـ‬ ‫غـرب املــزود الثــاين ألســواق االتحــاد األوروبــي بعــد الصــن مــن‬ ‫امل ـ‬ ‫العربات املنخفضة التكلفة‪ .‬وسبق لشركة ‪ NAMX‬املغربية خالل‬

‫قصة نجاح‬ ‫صناعة السيارات‬ ‫في المغرب‬ ‫من املحركات الحرارية إىل العربات الكهربائية الصديقة للبيئة‬ ‫عائدات صادراته أكرث من ‪ 11‬مليار دوالر يف ‪ 2022‬ويتجه نحو إنتاج مليون سيارة سنويا‬ ‫الرباط ‪ -‬محمد الشرقي‬

‫‪02/05/2023 14:06‬‬

‫رسوم ‪ -‬باربرا جيبسون‬

‫‪094_AM.indd 94‬‬


‫‪95‬‬

‫‪02/05/2023 14:06‬‬

‫المجلة‬

‫اقتصاد‬

‫‪094_AM.indd 95‬‬


‫اقتصاد‬

‫عـرض الــدويل للســيارات يف باريــس‪ ،‬العــام املــايض‪ ،‬أن طرحــت‬ ‫امل ـ‬ ‫نموذجا أوليا من سيارة ذكية متعددة االستعماالت باسم ‪.HUV‬‬

‫مليون سيارة سنويا‬

‫غـرب تطــورا ك ـبـرا يف الســنوات‬ ‫وتتوقــع صناعــة الســيارات يف امل ـ‬ ‫املقبلــة‪ ،‬مــن خــال تنفيــذ ثــاث خطــوات تشــمل أوال‪ ،‬زيــادة‬ ‫مســتوى االند ـمـاج املحــي إىل ‪ 80‬يف املئــة مــن التصنيــع يف مقابــل‬ ‫‪ 65‬يف املئة حاليا‪ ،‬أي يتم تصنيع مكونات السيارات كلها محليا‪،‬‬ ‫طـاع‬ ‫حـركات‪ .‬ثانيــا‪ ،‬تحقيــق الحيــاد الكر ـبـوين يف الق ـ‬ ‫بمــا يف ذلــك امل ـ‬ ‫الصناعــي عــر اعتمــاد الطاقــات املتجــددة والهيدروجــن األخضــر‪.‬‬ ‫شـركات‬ ‫وثالثــا‪ ،‬زيــادة حجــم االســتثمارات الدوليــة واســتقطاب ـ‬ ‫مصنعــة للســيارات‪.‬‬ ‫غـرب إن ـتـاج مليــون ســيارة ســنويا يف عــام ‪.2023‬‬ ‫ويتوقــع امل ـ‬ ‫غـرب مــن الســيارات تجــاوزت ‪ 403‬آالف عربــة‬ ‫وكانــت مبيعــات امل ـ‬ ‫وزعــت يف أكــر مــن ‪ 70‬دولــة عــام ‪ 2021‬وتــم تصنيفــه ضمــن الــ‪20‬‬ ‫بلدا األكرث تصنيعا وتصديرا للسيارات بحسب إحصاءات املنظمة‬ ‫الدوليــة ملصنعــي الســيارات (‪International Organization‬‬ ‫‪ )of Motor Vehicle Manufacturers – OICA‬لعام ‪.2021‬‬ ‫وكانــت الربــاط تحتــل املرتبــة ‪ 27‬عامليــا يف العــام ‪.2017‬‬

‫‪ 11‬مليار دوالر مبيعات في ‪2022‬‬

‫بلغت صادرات املغرب يف عام ‪ 2022‬أكرث من ‪ 11‬مليار دوالر من‬ ‫مبيعات السيارات إىل ‪ 71‬دولة معظمها يف أوروبا وأفريقيا والشرق‬ ‫األوســط‪ ،‬وهــي تحتــل رأس قائمــة الــدول العربيــة واألفريقيــة يف‬ ‫إنتاج السيارات بنحو ‪ 700‬ألف عربة يف العام املنصرم‪ .‬كما صدر‬ ‫ما قيمته ‪ 21‬مليار درهم (نحو ‪ 2‬مليار دوالر) من مبيعات أجزاء‬ ‫الطائرات التجارية و‪ 1,9‬مليار دوالر من مبيعات أشباه املوصالت‬ ‫والرقائق االلكرتونية‪.‬‬ ‫وأفــادت وزارة الصناعــة والتجــارة أن حجــم إن ـتـاج الســيارات‬ ‫قــد يصــل إىل مليــون عربــة يف نهايــة عــام ‪ 2023‬وقــد يبلــغ مليونــن‬ ‫ســيارة مُ صــدرة عــام ‪ ،2030‬لكــن ذلــك يتوقــف أساســا عــى تطــور‬ ‫شـرات االقتصاديــة‪ ،‬وخصوصــا‬ ‫األســواق الدوليــة‪ ،‬وتحســن املؤ ـ‬ ‫داخــل أســواق االتحــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫وتمثــل مبيعــات الســيارات ربــع مج ـمـوع الصــادرات املغربيــة‪،‬‬ ‫نحو ‪ 15‬يف املئة من مجموع الواردات حسب تقرير مكتب الصرف‬ ‫املغربــي ‪ 2022‬املشــرف عــى التجــارة الخارجيــة‪ .‬ويعمــل يف هــذه‬ ‫الصناعــات ربــع مليــون مــن املهندســن والفنيــن يف ثــاث مناطــق‬ ‫إن ـتـاج يف كل مــن طنجــة عــى البحــر األبيــض املتوســط التــي تصنــع‬ ‫موديــات “داســيا ورينــو” ويعمــل فيهــا نصــف عــدد العمــال‪،‬‬ ‫طـرة عــى املحيــط االطلــي التــي‬ ‫ومصانــع “ســتيالنتس” يف القني ـ‬ ‫تص ّنــع عالمــات “بيجــو” و“ســيرتوين”‪ ،‬باالضافــة إىل مصانــع‬ ‫“صوماكا” يف الدار البيضاء‪ ،‬وهي األقدم من نوعها يف املغرب‪،‬‬ ‫وتعــود إىل مطلــع الســتينات مــن القــرن املــايض‪ .‬وكانــت تجمّ ــع‬ ‫موديــات “فيــات” و“ســيمكا” وغريهــا‪ .‬ثــم انتقلــت ملكيتهــا إىل‬ ‫عالمة “رينو” الفرنسية بالكامل‪ ،‬خالل فرتة خصخصة الشركات‬ ‫العموميــة يف تســعينات القــرن املــايض‪.‬‬ ‫غـرب بــات مؤهــا‬ ‫وت ـقـول دراســة لــوزارة االقتصــاد واملاليــة إن امل ـ‬ ‫بعد أكرث من عقد من تجربة صناعة السيارات املنخفضة التكلفة‪،‬‬ ‫لالنضمــام إىل نــادي الــدول األكــر تصنيعــا يف مجــال العربــات‬ ‫حـول يف‬ ‫املختلفــة ذات القيمــة املضافــة العاليــة‪ .‬ويشــكل هــذا الت ـ‬

‫‪02/05/2023 14:06‬‬

‫المجلة‬

‫شـرطا للحفــاظ عــى تنافســية عاليــة يف مجــال‬ ‫املجــال الصناعــي ـ‬ ‫صناعة عربات املستقبل التي تعمل بالكهرباء وتستجيب لحاجيات‬ ‫أجيال جديدة من املستخدمني يف احرتام تام للبيئة وشروطها‪،‬‬ ‫ومتطلبات الحياة املرتبطة بالكامل بتكنولوجيا االتصاالت والذكاء‬ ‫االصطناعي‪ :‬أي سيارات ذكية بالكامل‪.‬‬ ‫غـرب كال مــن الهنــد والصــن يف مجــال تلقــي‬ ‫و يُنا فــس امل ـ‬ ‫االستثمارات املوجهة لتصنيع أجزاء السيارات املختلفة‪ .‬ويوجد‬ ‫شـركة عامليــة تعمــل يف مناطــق التســريع الصناعــي‬ ‫اكــر مــن ‪ 180‬ـ‬ ‫الحرة املرتبطة بشبكة من السكة الحديد تصل اىل ميناء طنجة‬ ‫عىل البحر األبيض املتوسط والدار البيضاء عىل املحيط األطليس‪،‬‬ ‫لتزويد مصنعي السيارات أو تصدير أطراف السيارات إىل اسواق‬ ‫بعيــدة منهــا اليابــان واملانيــا وبريطانيــا وفرنســا والواليــات املتحــدة‬ ‫وغريهــا‪ .‬وبحســب وزارة الصناعــة والتجــارة تــكاد ال توجــد ســيارة‬ ‫غـرب‪.‬‬ ‫يف أوروبــا ليــس فيهــا يشء صنــع يف امل ـ‬ ‫غـرب‪،‬‬ ‫ومــن أبــرز مــزودي مصنعــي الســيارات العاملــة يف امل ـ‬ ‫“ديلفي” و“لري” األمريكيتان‪ ،‬و“هيغشمان” األملانية‪ ،‬و“يازايك”‬ ‫و“ ســوميتومو” اليابانيتــان‪ ،‬و“فاليــو” الفرنســية‪ ،‬و“مانيتــي‬ ‫مار يــي” االيطاليــة وغري هــا‪ ،‬بحســب بيا نــات وزارة الصنا عــة‬ ‫والتجــارة عــام ‪.2022‬‬ ‫وأســتفاد املغرب من الحروب الروســية عىل أوكرانيا بانتقال‬ ‫غـرب‪ ،‬وخصوصــا‬ ‫شـركات تصنيــع الســيارات إىل امل ـ‬ ‫العديــد مــن ـ‬ ‫اليابانيــة واألمريكيــة‪ ،‬وأصبحــت ســيارة “تيســا” تعتمــد جزئيــا‬ ‫عىل اشباه املوصالت (‪ )Semiconductors‬املصنعة يف املغرب‪.‬‬ ‫شـركة “ســوميتومو” اليابانيــة اســتثمارات جديــدة يف‬ ‫وأعلنــت ـ‬ ‫غـرب بقيمــة ‪ 2‬مليــار درهــم (‪ 190‬مليــون‬ ‫صناعــات الســيارات يف امل ـ‬

‫‪96‬‬

‫قد يصل إنتاج‬ ‫السيارات يف‬ ‫املغرب إىل‬ ‫مليون عربة‬ ‫يف نهاية عام‬ ‫‪ 2023‬ومليونني‬ ‫سيارة مُ صدرة‬ ‫عام ‪،2030‬‬ ‫لكن ذلك‬ ‫يتوقف عىل‬ ‫تطور األسواق‬ ‫الدولية‪،‬‬ ‫وتحسن‬ ‫املؤشرات‬ ‫االقتصادية‬ ‫العاملية‪.‬‬

‫‪094_AM.indd 96‬‬


‫‪97‬‬

‫المجلة‬

‫أهم صادرات‬ ‫المغرب‬ ‫الصناعية‬ ‫عام ‪2022‬‬ ‫(مليار دوالر)‬

‫‪11‬‬

‫صناعات‬ ‫السيارات‬

‫‪8‬‬

‫الصناعات‬ ‫الغذائية‬

‫‪4.4‬‬

‫صناعة‬ ‫المالبس‬

‫طـرة‪،‬‬ ‫دوالر)‪ ،‬يف ثــاث جهــات هــي طنجــة‪ ،‬الربــاط وســا والقني ـ‬ ‫ضـاء الكــرى‪.‬‬ ‫والــدار البي ـ‬

‫المغرب مستفيد من العولمة‬

‫اعتــر املعهــد االيطــايل للدراســات السياســية الدوليــة ‪ ISPI‬أن‬ ‫املغرب من الدول القليلة يف املنطقة التي أستفادت من التوزيع‬ ‫الجغرايف للقيم العاملية (اإلمدادات الصناعية) منذ العام ‪2005‬‬ ‫بفضل الرهان عىل التسريع الصناعي وتنويع االقتصاد واالنفتاح‬ ‫عــى التجــارب الخارجيــة املختلفــة‪ .‬وانتقلــت حصــة االند ـمـاج يف‬ ‫سالســل القيــم العامليــة (بحســب املعهــد االيطــايل) مــن ‪ 7,6‬يف املئــة‬ ‫اىل ‪ 47‬يف املئــة يف أقــل مــن ‪ 13‬ســنة (بــن عامــي ‪ 2005‬و ‪.)2018‬‬ ‫وتمكنــت الربــاط مــن جلــب اســتثمارات ضخمــة خــال العقديــن‬ ‫األخرييــن شــملت أكــر املزوديــن لألســواق العامليــة مــن الواليــات‬ ‫املتحدة والصني واليابان وكوريا الجنوبية واململكة املتحدة ودول‬ ‫االتحــاد األوروبــي‪ ،‬فرنســا وإيطاليــا وإســبانيا ‪.‬‬ ‫جـزاء الطا ـئـرات‬ ‫وقــال املعهــد االيطــايل إن صناعــة الســيارات وأ ـ‬ ‫غـرب يف املســتوى الصناعــي نفســه‬ ‫وأشــباه املوصــات‪ ،‬وضعــت امل ـ‬ ‫لــدول مثــل املكســيك ورومانيــا وروســيا وتركيــا والهنــد والربازيــل‪،‬‬ ‫غـرب بحكــم وجــوده عــى البحــر‬ ‫سـراتيجي للم ـ‬ ‫مــع امتيــاز جيــو ا ـ‬ ‫املتوسط واملحيط االطليس‪ ،‬بني قاريت أوروبا وأفريقيا‪ ،‬واعتماده‬ ‫عىل تصنيع الفوسفات لتحسني اإلنتاج الزراعي يف أفريقيا‪ .‬كما‬ ‫صدر املغرب العام املايض بقيمة ملياري دوالر من مبيعات أجزاء‬ ‫الطائرات مثل “بوينغ” و“بومبارديه” و“أوروسبيس” و“سافران”‬ ‫و‪ EADS‬ويقال “ال توجد طائرة مدنية إال وفيها يشء من املغرب”‪.‬‬ ‫واســتعادت هذه الصناعة وهجها بعد أزمة كوفيد‪ 19 -‬التي‬ ‫كانت تهدد صناعة الطائرات‪ ،‬وكانت “بومبارديه” نقلت جزءا‬ ‫مــن وحــدات اإلن ـتـاج مــن بلفاســت يف إيرلنــدا الشــمالية إىل الــدار‬ ‫البيضاء ثم قامت ببيع حصصها إىل الشركة األمريكية “سبريت‬ ‫إيروسيستم” يف صفقة بلغت قيمتها ‪ 225‬مليون دوالر‪ .‬وتتزود‬ ‫العديــد مــن وحــدات تصنيــع الطا ـئـرات االمريكيــة والكنديــة مــن‬ ‫ضـاء‪.‬‬ ‫مصانــع الــدار البي ـ‬

‫خلفية سياسية للقصة‬

‫‪2.1‬‬

‫صناعات‬ ‫أجزاء‬ ‫الطائرات‬

‫‪1.8‬‬

‫الصناعات‬ ‫الكهربائية‬ ‫المصدر‪ :‬مكتب‬ ‫الصرف‪ ،‬يناير ‪/‬‬ ‫كانون الثاني ‪2023‬‬

‫‪02/05/2023 14:06‬‬

‫حـرب بحريــة بــن‬ ‫يف مطلــع صيــف عــام ‪،2002‬كادت أن تندلــع ـ‬ ‫اسبانيا واملغرب حول جزيرة ليىل‪ ،‬وهي صخرة جبلية غري مأهولة‬ ‫يف سواحل البحر األبيض املتوسط بني مدينة سبتة املحتلة شرقا‬ ‫ومدينة طنجة غربا‪.‬‬ ‫ضـاع إىل‬ ‫تدخلــت الواليــات املتحــدة بك ــل ثق ــلها إلع ــادة األو ـ‬ ‫مكانهــا الســابق خــال زيــارة ســريعة لكولــن بــاول وزيــر الخارجيــة‬ ‫آنــذاك‪ ،‬الــذي كان ال يريــد نزاعــا يف شــمال أفريقيــا‪ ،‬يف وقــت كان‬ ‫عـراق وحشــد‬ ‫ـب تفكــر اإلدارة األمريكيــة عــى كيفيــة غــزو ال ـ‬ ‫ينصـ ّ‬ ‫التأييــد العربــي أو الحيــاد يف الحــد األدىن‪.‬‬ ‫فهمت حكومة ماريا أزنار املتطرفة التي سعت إىل التشويش‬ ‫عــى مشــروع ب ـنـاء مي ـنـاء تجــاري شــرق مدينــة طنجــة عــى البحــر‬ ‫املتوسط قبالة مضيق جبل طارق‪ ،‬أن واشنطن أقرب إىل الرباط‬ ‫يف املواقــف االقتصاديــة‪ ،‬وهــي إشــارة إىل دعــم تشــييد املي ـنـاء‬ ‫الضخم‪،‬الــذي كانــت تخطــط لــه الربــاط يف تلــك املنطقــة بدعــم‬ ‫مــن دول خليجيــة وخصوصــا الســعودية واإلمــارات والكويــت‪.‬‬ ‫بعد سنوات سيصبح ميناء طنجة املتوسط‪ ،‬الذي يقع داخل‬ ‫منطقة تجارية حرة مرتبطة بشبكة من السكك الحديد السريعة‪،‬‬

‫اقتصاد‬

‫املرفأ الدويل لتصدير السيارات من أفريقيا إىل أوروبا وإىل العالم‪،‬‬ ‫واألول يف البحر األبيض املتوسط‪ ،‬ويرتبط بأكرث من ‪ 180‬ميناء يف‬ ‫أكرث من ‪ 70‬دولة يف العالم‪ ،‬وقد تم تصنيفه يف املرتبة السادسة‬ ‫عامليا يف ترتيب املرافئ العاملية يف مجال النجاعة‪ ،‬التي حل فيها‬ ‫مي ـنـاء امللــك عبــد اللــه يف املرتبــة األوىل‪ ،‬بحســب تصنيــف “املؤشــر‬ ‫العاملي ألداء ميناء الحاويات ‪ ”2021‬بالتعاون بني البنك الدويل‬ ‫و“ستاندرد أند بورز ماركت انتليجانس”‪.‬‬

‫التشريعات والموارد البشرية‬ ‫والبنى التحتية‬

‫يبــدو أن ثالثــة عوامــل ســاعدت يف نهضــة صناعــة الســيارات يف‬ ‫املغرب‪ ،‬هي أوال البنية التحتية املتطورة‪ ،‬من املوائن إىل القطارات‬ ‫السريعة والطرق الحديثة يف الشمال والجنوب‪ ،‬وثانيا االستثمار‬ ‫يف املــوارد البشــرية‪ ،‬عــر فتــح مئــات مراكــز التدريــب والتأهيــل‬ ‫التقنــي والعلمــي يف تخصصــات مــا يعــرف باملهــن العامليــة أو مهــن‬ ‫املستقبل‪ ،‬وتشمل التدريب عىل تصنيع أجزاء العربات والطائرات‬ ‫واألقمار الصناعية والطاقات املتجددة والذكاء االصطناعي‪ .‬وقد‬ ‫ساعد التدريب التقني يف تطوير صناعة السيارات العاملية وأيضا‬ ‫تركيب الطائرات‪،‬حيث يوجد مئات املهندسني املغاربة املشرفني‬ ‫عىل هذه الصناعات يف جل الدول الكربى بحسب إحصاء لوزارة‬ ‫التعليم العايل‪.‬‬ ‫أمــا العامــل الثالــث فهــو الجانــب التشــريعي والقا ـنـوين‪ ،‬حيــث‬ ‫يمنح املغرب امتيازات جبائية للشركات العاملة يف مجال التصدير‬ ‫و“األوفشــورينغ” ال تتجــاوز يف األقــى حصــة ‪ 20‬يف املئــة مــن‬ ‫األرباح الصافية املعلنة‪ ،‬مع إمكان تحويل جزيئ أو كيل لألرباح‬ ‫غـرب وتوســيع االســتثمار باالعتمــاد عــى تمويــات‬ ‫إىل خــارج امل ـ‬ ‫مصرفيــة محليــة أو أجنبيــة‪.‬‬ ‫صـرم قانونــا جديــدا‬ ‫وأقــر الربملــان املغربــي قبــل نهايــة العــام املن ـ‬ ‫بمثابة ميثاق االستثمار‪ ،‬هو الخامس منذ االستقالل‪ ،‬ويتضمن‬ ‫جـراءات باعتمــاد‬ ‫تحف ـيـزات مهمــة للمســتثمرين وتبســيط اإل ـ‬ ‫التكنولوجيــا يف التعامــل مــع اإلدارات الحكوميــة‪ ،‬والســماح‬ ‫للبلديــات واملحافظــات بتقديــم تحف ـيـزات عينيــة للمســتثمرين‪،‬‬ ‫مثل األرض‪ ،‬إلقامة املشاريع‪ .‬وهو برنامج ضمن خطة النموذج‬ ‫التنمــوي الجديــد ملضاعفــة حصــة االســتثمار الخــاص‪ ،‬وزيــادة‬ ‫أعداد الشركات العاملة يف التصدير‪ ،‬وتنويع األسواق الخارجية‬ ‫شـراكات الدوليــة‪ ،‬وتطويــر ُ‬ ‫غـرب”‪.‬‬ ‫“صنــع يف امل ـ‬ ‫وال ـ‬ ‫ويحتل املغرب املرتبة الثانية يف الدول األكرث تصنيعا يف أفريقيا‬ ‫بحســب تصنيــف البنــك األفريقــي للتنميــة واالتحــاد األفريقــي يف‬ ‫تقرير “مؤشر التصنيع األفريقي ‪ .”2022‬بحسب التقرير‪ ،‬يمتلك‬ ‫غـرب اقــوى الوحــدات االقتصاديــة والصناعيــة يف القــارة‪ ،‬منــذ‬ ‫امل ـ‬ ‫العــام ‪ ،2010‬وذلــك بتشــجيع مــن الحكومــات التــي وضعــت‬ ‫الصناعــة ضمــن أولوياتهــا وال ســيما صناعــة الســيارات‪ ،‬بحســب‬ ‫الدراســىة نفســها‪.‬‬ ‫وتمثل الصناعات املختلفة قرابة ‪ 30‬يف املئة من الناتج املحيل‬ ‫غـرب إىل رفعهــا إىل ‪ 45‬يف املئــة خــال العقــد‬ ‫اإلجمــايل ويح ـتـاج امل ـ‬ ‫املقبل‪ ،‬وهو رهان ليس مستحيال لكنه ميلء بالتحديات‪ ،‬ومنها‬ ‫غـرات املناخيــة‬ ‫األزمــات االقتصاديــة وعــدم اليقــن الــدويل والت ـ‬ ‫التي ستدفع الصناعات املغربية إىل االعتماد املبكر عىل الطاقات‬ ‫الخضراء والتخلص من الكربون الذي سيكون املعيار األول لتقييم‬ ‫نجاح أي صناعة أو دخولها األسواق العاملية يف أفق ‪.2030‬‬

‫‪094_AM.indd 97‬‬


098_AM.indd 98

28/04/2023 13:12


Mar DPS Hia - Maxx Royal.pdf

098_AM.indd 99

1

27/02/2023

11:36 AM

28/04/2023 13:12


‫شخصيات‬

‫المجلة‬

‫طــال مـ ّـداح‬ ‫الحدايث‬ ‫وصانــع ا ـملـزاج‬ ‫الســعودي‬ ‫يف الغنــاء‬ ‫العربــي‬ ‫ما س ّر طالل ّ‬ ‫مداح‪ ،‬وما خصوصيته يف املشهد الغنايئ‬ ‫العربي‪ ،‬حتى بات يحتل اليوم‪ ،‬يف بلده وخارجه‪،‬‬ ‫مكانة رمزية ال ينازعه فيها أحد سواه‪ .‬شادي عالء‬ ‫الدين وعادل حوشان يقرآن ظاهرة طالل ّ‬ ‫مداح‪.‬‬ ‫رسوم ‪ -‬نسمة محرم‬

‫‪02/05/2023 14:09‬‬

‫‪100‬‬

‫بريوت ‪ -‬شادي عالء الدين‬ ‫صنــع طــال مــدّاح بشــخصيّته وكلمــات أغانيــه وطريقتــه الخاصــة‬ ‫يف األداء وموسيقاه وألحانه‪ ،‬مشهدا بصريا وغنائيا يحيل بكل‬ ‫تجلياتــه عــى مجــال ســعودي خــاص‪ ،‬ونجــح يف تحقيــق األلفــة‬ ‫العرب ّيــة مــع لهجــة البــاد ومزاجهــا‪ ،‬كمــا يشــهد لــه أنــه استشــرف‬ ‫لحظــة التحديــث التــي تخــوض الســعوديّة مجاالتهــا يف املياديــن‬ ‫كافــة‪ ،‬وم ّهــد لهــا‪.‬‬

‫ثورة “يا زارع الورد”‬

‫أغنيــة طــال مــدّاح األوىل كانــت “شــفت القمــر يف املرايــا” وهــي‬ ‫مــن ألحانــه وكلمــات الشــاعر عبــد الرحمــن بــن ســعود‪ ،‬لكنهــا‬ ‫لــم تســجّ ل‪ .‬أمــا األغنيــة التــي أطلقتــه يف ف ـ‬ ‫ضـاء الغ ـنـاء الســعوديّ‬ ‫والعربـ ّـي فهــي “يــا زارع الــورد” مــن تلحينــه وكلمــات عبــد الكريــم‬ ‫خزام‪ ،‬وقد خرجت إىل النور عام ‪ 1959‬وسُ جّ لت لصالح اإلذاعة‬ ‫الســعوديّة عــام ‪.1961‬‬ ‫ّ‬ ‫تتجىّل استثنائيّة هذه األغنية يف أنها األغنية العاطفيّة األوىل‬

‫التي تسجّ لها وتذيعها اإلذاعة السعوديّة التي كانت ال تبث سوى‬ ‫األناشيد الوطنيّة‪ .‬من هنا نجحت يف أن تكون حدثا‪ ،‬وخصوصا‬ ‫أن الجو آنذاك لم يكن يستسيغ هذا النوع من الغناء‪.‬‬ ‫الــرواج الكبــر الــذي القتــه هــذه األغنيــة ســعوديّا وعرب ّيــا شـ ّرع‬ ‫أبــواب التطويــر مــن زاويتــن‪ ،‬فن ّيــة واجتماع ّيــة‪.‬‬ ‫ففــي الزاويــة األوىل‪ ،‬لــم تخــرج األغنيــة يف تركيبهــا الفنــي عــن‬ ‫مألوف األذن السعوديّة‪ ،‬لك ّنها وسعته وطوّرته‪ ،‬عرب تعدّ د البنى‬ ‫املوسيقيّة واإليقاعات التي دخلت يف تركيبتها‪ ،‬فكانت أول أغنية‬ ‫“مكبلهة”‪ ،‬وهو مصطلح يصف األغنية املتعددة اللحن واإليقاعات‪.‬‬ ‫اجتماعيّا‪ ،‬إنّ تقبل الجمهور لهذا املزاج الجديد الكامن فيها‬ ‫ساهم يف تغيري وجهات النظر حول الغناء التي انتقلت تدريجيّا‬ ‫صـوال إىل مــا نشــهده اليــوم‬ ‫مــن التحفــظ إىل الق ـبـول فالرتحيــب و ـ‬ ‫من احتفاء عريض بمسرية مدّاح ليس بوصفه مطربا وموسيقيا‬ ‫عظيما وحسب‪ ،‬بل بوصفه أحد أركان الهويّة السعوديّة الفنية‬ ‫املعاصرة وأحد أبرز ص ّناع خصوصيّتها‪.‬‬ ‫مشاركته الوحيدة يف فيلم “شارع الضباب” إىل جانب صباح‬ ‫ورشيد عالمة‪ ،‬أعطت شارة انطالق السينما السعوديّة‪.‬‬ ‫لم يحظ الفيلم بنجاح جماهريي‪ ،‬لكنه فتح العني عىل عالقة‬ ‫مختلفة وجديدة مع السينما‪ ،‬يمكن معاينة مالمحها يف مشهد‬ ‫ّ‬ ‫ومثقفــة‬ ‫الســينما الســعوديّة الجديــدة التــي قدّ مــت تجــارب ذك ّيــة‬ ‫ّ‬ ‫معقــدة بسالســة‬ ‫بصريّــا وجمال ّيــا‪ ،‬وقــادرة عــى طــرح إشــكاليّات‬ ‫وبلغة سينمائيّة قادرة عىل إنتاج أدواتها الخاصة‪.‬‬

‫‪100_AM.indd 100‬‬


100_AM.indd 101

02/05/2023 14:09


‫شخصيات‬

‫المجلة‬

‫‪102‬‬

‫الغنائي السعودي‬ ‫المزاج‬ ‫ّ‬

‫كان طــال مــدّاح يصــر دائمــا عــى تأكيــد انتمائــه الفنــي إىل املحل ّيــة‬ ‫وكان ي ـقـول “أنــا متمســك بأســلوبي املحــي يف الغ ـنـاء ومــن يحــب‬ ‫إيل”‪.‬‬ ‫ذلــك فليســتمع ّ‬ ‫سـرة الراحــل التــي شــملت تعاونــا مــع أســاطني‬ ‫الالفــت أن م ـ‬ ‫التلحــن العربــي مــن مثــل محمــد عبــد الوهــاب‪ ،‬وبليــغ حمــدي‬ ‫ومحمد املوجي‪ ،‬لم تكن العالمة الفارقة يف مسريته‪ .‬يمكن القول‬ ‫إنّ تلك التجربة كانت فاشلة‪ ،‬عىل الرغم من املكانة الكبرية التي‬ ‫كل امللحنــن املصريّــن الكبــار‪ ،‬ذلــك ألن ّ‬ ‫يحتلهــا ّ‬ ‫كل ملحــن منهــم‬ ‫حرص عىل أن يج ّره إىل منطقته الخاصة التي ال تشبه شخصية‬ ‫مــدّاح الغنائ ّيــة وال تعـ ّـر عــن مشــروعه‪.‬‬ ‫مــا صـ ّرح بــه بلباقتــه التــي عــرف بهــا‪ ،‬عــن أســباب فشــل لحــن‬ ‫قصيدة عبد الوهاب “ماذا أقول” وردّها إىل كونه لم يشرف عليها‬ ‫بنفســه وتركهــا للموســيقار عبــود عبــد العــال الــذي لــم يمنحهــا‬ ‫ّ‬ ‫حقهــا بالكامــل‪ ،‬ال يعنــي ّأنــه لــم يكــن يعــي تمامــا أنّ ا ـملـزاج الــذي‬

‫صـاغ بــه عبــد الوهــاب هــذا اللحــن ال يناســب روحــه وال طريقتــه‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫يف تســجيل متوفــر عــى “يوتيــوب” يضــم جلســة تجمــع عبــد‬ ‫الوهاب بمدّاح‪ ،‬نستمع إىل آهات انتشاء املوسيقار املصري الشهري‬ ‫بأغنية “أغراب” وال يكتفي بذلك بل يمنحه لقب “زرياب”‪.‬‬ ‫ذلك اإلعجاب دفع بحامل لقب “موسيقار األجيال” إىل محاولة‬ ‫ضمه إىل مدرسته التي يعترب أنها تجمعه بنجوم مثل عبد الحليم‬ ‫حافظ‪ ،‬ونجاة الصغرية‪ ،‬وفايزة أحمد‪ ،‬بعدما تيقن من تميزه‪،‬‬ ‫حرص أن يجعل منه صدى ألسلوبه وانعكاسا لطريقته ومشروعه‪.‬‬ ‫يســجّ ل لطــال املــداح أنــه عــرف كيــف ينجــو مــن الفــخ املغــري‬ ‫حـرص عــى أن ّ‬ ‫يوقــع‬ ‫الــذي كان قــد نصبــه لــه عبــد الوهــاب‪ ،‬حــن ـ‬ ‫معــه عقــد احتــكار يمنعــه بموجبــه مــن تســجيل أغــان لصالــح‬ ‫شـركته‪.‬‬ ‫شـركات غــر ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـوين ورفــض اإلقامــة‬ ‫خــرج مــدّاح مــن هــذا املــأزق الفنـ ّـي والقا ـن ّ‬ ‫تحــت ع ـبـاءة عبــد الوهــاب‪.‬‬ ‫ساهم هذا الخيار بقوة يف صنع هالته الخاصة التي بنيت عىل‬ ‫األغــاين املحل ّيــة‪ ،‬ســواء تلــك التــي لحّ نهــا بنفســه‪ ،‬أو التــي لحّ نهــا‬ ‫لــه ملحنــون ســعوديون‪ ،‬وأطلــق مرحلــة “ســعودة الغ ـنـاء” عــر‬ ‫تعاونــه مــع األمرييــن الشــاعرين محمــد العبــد اللــه الفيصــل وبــدر‬ ‫سـراج عمــر‪.‬‬ ‫بــن عبــد املحســن وامللحــن ـ‬ ‫تحت ظالل هذا املشروع خرجت إىل النور أغنيات شهرية مثل‬ ‫“مقادير”‪“ ،‬أغراب”‪“ ،‬ما أطولك يا ليل”‪“ ،‬غربة وليل”‪“ ،‬تعب‬ ‫الطريق”‪“ ،‬العشق”‪“ ،‬نام الطريق”‪“ ،‬املوعد الثاين”‪ ،‬كما برزت‬ ‫قدرات مدّاح التلحينيّة يف أغنيات مثل “زمان الصمت” و“وعد”‪.‬‬ ‫حرصه عىل الدفاع عن خصوصيّته قدّ م خدمة جليلة للغناء‬ ‫العربي عموما والسعودي خصوصا‪ ،‬إذ أشاع فيه مزاجا جديدا‬ ‫ّ‬ ‫يمتلــك أدواتــه الخاصــة وتقنياتــه املتما ـيـزة‪ ،‬ويختلــف عــن املزاجــن‬ ‫املصري واللبناين‪.‬‬ ‫غـره‪،‬‬ ‫لقــد نجــا مــدّاح بذكائــه مــن أن يكــون مجــرد انعــكاس ل ـ‬ ‫وصنــع بنفســه ولنفســه موقعــا خاصــا قــارع مــن خاللــه ســلطات‬ ‫شـراكة والند ّيــة‪.‬‬ ‫الغ ـنـاء العربــي ووقــف اىل جانبهــا مــن موقــع ال ـ‬

‫الشخصي‬ ‫النجم‬ ‫ّ‬

‫النجم يف عاملنا ال يشبهنا يف يشء‪ .‬النجوم يجتهدون يف ّ‬ ‫كل لحظة‬ ‫يف إثبــات عيشــهم حيــاة أخــرى ال يمكــن أن نتخيّلهــا‪ ،‬ومنفصلــة‬ ‫بالكامل عن حياتنا‪.‬‬

‫‪02/05/2023 14:09‬‬

‫هـرة احتقــار الجمهــور‬ ‫راجــت تاليــا انطالقــا مــن هــذا البعــد ظا ـ‬ ‫عـرب املشــهورين‬ ‫سـرة بعــض الفنانــن ال ـ‬ ‫وازدرائــه‪ .‬مــن يتابــع ـ‬ ‫اآلن‪ ،‬يعرث عىل مقاطع مصورة تظهر استخفافهم بجماهريهم‪،‬‬ ‫واستعالئهم عليهم‪ ،‬وصوال إىل إهانتهم‪.‬‬ ‫نجــم أيامنــا هــذه حــن يحــاول أن يكــون طريفــا‪ ،‬ال يفعــل‬ ‫ذلــك بطريقــة تلقائ ّيــة‪ ،‬تق ّربــه مــن جمهــوره وتلغــي املســافات‬ ‫بينه وبينهم‪ ،‬بل يفعله كأنه جزء من العرض املتعايل نفسه‪.‬‬ ‫يسوّق له عىل ّأنه إضافة عىل ما يخرتعه ويبيعه من بضاعة‪،‬‬ ‫وي ـفـرض عــى الجمهــور اســتقباله انطالقــا مــن هــذا املعيــار الــذي‬ ‫يناقــض مفهــوم التواصــل والتحــاور‪.‬‬ ‫صار النجم الحايل سلطة أو ناطقا باسم سلطة‪ ،‬يف حني أنّ‬ ‫طالل مدّاح كان يؤمن بأنّ ال سلطة تعلو عىل سلطة الجمهور‬ ‫ّ‬ ‫وبأنه وحده من يحدد مكانة أيّ فنان وحجمه‪.‬‬ ‫كان طــال مــدّاح مــن طينــة أخــرى مــن الفنانــن‪ .‬خفــة ظلــه‬ ‫كانــت امتــدادا لشــخصيته التــي كانــت تتبلــور عــى املســرح حيــث‬ ‫يلقــي النــكات ويتصــرف بتلقائ ّيــة شــديدة و ســمت ســلوكه‬ ‫الشــخيص والعــام‪.‬‬

‫‪100_AM.indd 102‬‬


‫‪103‬‬

‫شخصيات‬

‫المجلة‬

‫طـرب الــذي اســتحق لقــب‬ ‫امل ـ‬ ‫صـوت األرض”‬ ‫“ ـ‬ ‫جدة ‪ -‬عادل حوشان‬

‫حرصه عىل الدفاع عن‬ ‫خصوص ّيته ّ‬ ‫قدم خدمة‬ ‫العربي عموما‬ ‫جليلة للغناء‬ ‫ّ‬ ‫والسعودي خصوصا‪ ،‬إذ‬ ‫أشاع فيه مزاجا جديدا يمتلك‬ ‫أدواته الخاصة وتقنياته‬ ‫املتمايزة‪ ،‬ويختلف عن‬ ‫املزاجني املصري واللبناين‬ ‫‪02/05/2023 14:10‬‬

‫“يا قمرنا يا قمرنا‬ ‫ليه تسيبنا يا قمرنا‬ ‫رحت تسهر يا قمر‪ ،‬وسبتنا عىل‬ ‫األرض ليه‪ ...‬يا قمرنا”‬ ‫‪ :1973‬كان طالل مدّاح يقف‬ ‫عىل إحدى أعظم خشبات مسارح‬ ‫الغناء العربي‪ ،‬مصر‪ ،‬التي تقدّم‬ ‫عباقرتها وأصواتها للغناء يف العالم‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫يف تسجيل للحفل الغنايئ‪،‬‬ ‫تشري يد طالل إىل الفرقة املوسيقية‬ ‫باإلعادة‪ .‬يعدّل نظارته الطبية‪.‬‬ ‫ينقطع عن الغناء ألن “كورال”‬ ‫األغنية أعاد مقطعا يف غري مكانه‪.‬‬ ‫يقول كلمة ويتوقف‪ ،‬ليتأكد من‬ ‫“الستاند” لكنه ال ُيكمِ ل‪ .‬حني‬ ‫يتأكد من أن الفرقة بكاملها ذهبت‬ ‫إىل مكان ال عودة منه‪ ،‬يخرج عن‬ ‫الجميع يف عامله الخاص ويذهب‬ ‫برفقة بيت النمريي‪:‬‬ ‫يل يف محبتكم شهود أربع‬ ‫إثنان‬ ‫وشهود كل قضي ٍة‬ ‫ِ‬ ‫يخرج ليعيد الفرقة بأكملها‬ ‫إىل درس املقامات‪ .‬يخرج خروج‬ ‫ّ‬ ‫املعلم الذي يعرف مواقع القمر‪،‬‬ ‫“قمرنا”‪ ،‬وملعة النجوم ودورة‬ ‫أفالك املوسيقى‪ ،‬دون أن يخفي‬ ‫ابتسامته عن العازفني‪ ،‬ليعدّلوا‬ ‫من هندام آالتهم‪.‬‬ ‫كادت األغنية أن تتوقف‪ ،‬إىل‬ ‫أن اقرتب من املايسرتو وعازف‬ ‫القانون‪ ،‬الذي حاول أن يشرح‬ ‫لطالل يف وسط األغنية األخطاء‬ ‫التي وقع فيها الجميع‪ ،‬ويلتفت‬ ‫بنوتته حامال سجالتها ليشرح ملن‬ ‫خلفه من العازفني‪.‬‬ ‫إال أن طالل يُكمل الغناء‪:‬‬ ‫“النجوم تحمل رسايل”‪ ،‬مشريا‬ ‫بيده إىل السموات‪.‬‬ ‫بعدما انتهى طالل من‬ ‫“مواله” الثاين‪ ،‬اضطر لضبط‬ ‫اإليقاع والكورال بضرب كفيه‬

‫معا لتعرف الفرقة اإليقاع الذي‬ ‫سيبدأ به املذهب‪ ،‬وليصبح األستاذ‬ ‫واملايسرتو واإليقاعات وبحة األوتار‬ ‫وهواء الناي‪.‬‬ ‫كتب أحد املعلقني عىل‬ ‫تسجيالت األغنية يف “يوتيوب”‬ ‫هذه القصة عن األغنية‪:‬‬ ‫“يف حفل صوت العرب‬ ‫العشرين تمت دعوة طالل مدّاح‬ ‫ليشارك يف الحفل كأول خليجي‪،‬‬ ‫وكان طالل سيقدم أغنية بكلمات‬ ‫وألحان سعودية‪ ،‬لكن بليغ حمدي‬ ‫قدّم لطالل لحنا ألغنية “يا قمرنا”‪.‬‬ ‫وافق طالل وتم عمل الربوفات‬ ‫لكن بليغ عدّل اللحن يف اللحظات‬ ‫األخرية‪.‬‬ ‫لم يسعف الوقت طالل وال‬ ‫الفرقة لعمل الربوفات الكافية له‪،‬‬ ‫وحدثت “لخبطة” من الجانبني‪،‬‬ ‫لطالل الذي حفظ اللحن السابق‬ ‫وتغري يف وقت قصري‪ ،‬وللفرقة التي‬ ‫لم تتمكن من اللحن بعد‪.‬‬ ‫ارتجل طالل يف األغنية‬ ‫“موالني” لتاليف عدم تناغم الفرقة‬ ‫معه‪ ،‬وتمكن من تدارك املوقف‪،‬‬ ‫أو بعضه عىل األقل‪ .‬انتهت الحفلة‬ ‫وعاد طالل إىل السعودية وقوبل‬ ‫بهجوم لفشل األغنية‪.‬‬ ‫كان رأي طالل مختلفا‪،‬‬ ‫فاالغنية نجحت يف مصر لكن‬ ‫اإلعالم املحيل ضخم املوضوع‪.‬‬ ‫اعتزل طالل الناس واتفق األمري‬ ‫محمد العبد الله واألمري بدر بن‬ ‫عبد املحسن واملوسيقار سراج عمر‬ ‫عىل إقامة معسكر إعدادي لطالل‬ ‫يف الحفلة املقبلة‪ ،‬وفعال تمت‬ ‫دعوة طالل يف العام التايل عام‬ ‫‪ 1974‬يف حفل صوت العرب الـ‪21‬‬ ‫ليشارك مع العندليب عبد الحليم‬ ‫حافظ يف حفل نادي الرتسانة‬ ‫يف القاهرة أمام اكرث من ‪ 50‬ألف‬ ‫متفرج‪.‬‬

‫‪100_AM.indd 103‬‬


‫شخصيات‬

‫المجلة‬

‫‪104‬‬

‫صوت طالل خامة من قصب األرض وطينها‬ ‫وتربتها املغموسة باملاء‪ ،‬يشء يصعب وصفه‬ ‫وال يمكن نسيانه‪ .‬حتى “راء” الكلمات عىل‬ ‫الرغم من خطأ مخارجها‪ ،‬تحولت إىل أيقونة يف‬ ‫الكلمات ويف أصوات من يرددون أغانيه‬ ‫مــع األمــر محمــد العبداللــه‬ ‫سـراج عمر‪،‬‬ ‫الفيصل واملوســيقار ـ‬ ‫حصــل التحــدي الكبــر الــذي رمــم‬ ‫جـراح الحضــور الســابق‪ ،‬وقــدم‬ ‫ـ‬ ‫طــال رائعتــه “مقاديــر” لتنجــح‬ ‫نجاحــا منقطــع النظــر وســط‬ ‫اســتقبال هائــل مــن الحضــور‪،‬‬ ‫وليخطــف هــو االضــواء كعادتــه‪،‬‬ ‫ويثبــت للنــاس أنــه صــوت األرض‬ ‫قاطبــة‪ ،‬رحمــة اللــه عليــه ورحمــة‬ ‫سـراج عمــر ومحمــد‬ ‫اللــه عــى ـ‬ ‫العبداللــه الفيصــل”‪.‬‬ ‫هــذه القصــة رواهــا أحــد املعلقــن‬ ‫مــع اختــاف بســيط وبعــض‬ ‫ّ‬ ‫التدخــات لــي ال يختـ ّـل األمــر‪،‬‬ ‫عــى الرغــم مــن وجــود ســيناريو آخــر‬ ‫للحكايــة كلهــا‪.‬‬ ‫الكثــر مــن محبــي طــال مــداح‬ ‫“يــروون” قصصــا عنــه‪ ،‬قصصــا‬ ‫ألغنياتــه ولصداقاتــه وملوســيقاه‬ ‫وإلنســانيته ولبســاطته‪.‬‬ ‫للــذي يريــد أن يبحــث أو يســتمع‬ ‫أو ي ـقـرأ‪ ،‬ســيجد طــال متاحــا بــكل‬ ‫تفاصيلــه‪ ،‬لــذا فــإن الكتابــة عنــه‬ ‫محفوفــة باألخطــار‪ ،‬خطــر الت ـكـرار‬ ‫وخطــر روايــة مــا لــم يحــدث‪،‬‬ ‫مجازفــة االســتماع إىل الروايــات‬ ‫الشــفهية التي تصدر من عاشــقيه‪.‬‬ ‫الخطــأ‪ ،‬إن ُ‬ ‫ارتكــب يف الكتابــة‪،‬‬ ‫غـرا وغــر‬ ‫حتــى وإن كان ص ـ‬ ‫متعمــد‪ ،‬ســيصبح خطــأ فادحــا ال‬ ‫يمكــن أن يمــر مــرور ال ـكـرام‪.‬‬ ‫لــم ـُتـرك ألبــي عبداللــه أي‬ ‫شــاردة تفلــت مــن قلــوب النــاس‪،‬‬ ‫فقــد تتبعــوه يف حياتــه كلهــا‪،‬‬ ‫حفظوهــا ودوّنوهــا واحتفظــوا‬ ‫سـرارها‪ ،‬وهــذه خاصيــة‬ ‫ببعــض أ ـ‬ ‫تم ّيــز بهــا بعــض “مراجــع” تاريــخ‬ ‫طــال مــدّاح الفنيــة والشــخصية‪.‬‬ ‫أصبحت سرية أبو عبدالله “ملكية”‬ ‫خاصــة نــادرا مــا يفشــون بهــا أو‬

‫‪02/05/2023 14:10‬‬

‫سـرب منهــم قطعــة مــن حياتــه‬ ‫تت ـ‬ ‫وموسيقاه‪.‬‬ ‫املحظوظــون فقــط هــم مــن‬ ‫يســتمعون ولــو مــن قبيــل املصادفــة‬ ‫إىل روايــة شــفهية عــن أحــد مواقفــه‬ ‫أو إحــدى أغنياتــه النــادرة وقصتهــا‪.‬‬ ‫بعــد عــام ‪ 2000‬وهــو العــام‬ ‫الــذي لــم يكمــل فيــه طــال أغنيتــه‬ ‫األخرية عىل خشــبة املســرح‪،‬‬ ‫بــدأت حيــاة الراحــل تدخــل قائمــة‬ ‫األساطري‪.‬‬ ‫رحلتــه امتــدّ ت منــذ أوائــل‬ ‫الســتينات تقريبــا حــن غــادر الطائــف‬ ‫ليــزرع ورد األغنيــة الســعودية يف‬ ‫“وردك يــا زارع الــورد”‪ .‬ولــم تنتــهِ‬ ‫الرحلــة عنــد ذلــك الحــدّ ‪ ،‬حيــث تبنــى‬ ‫محبــوه ومرافقــوه عــى مســتوى‬ ‫العالــم العربــي كلــه‪ ،‬جمــع الشــتات‬ ‫والروايــات والقصــص‪ ،‬بعضهــم كان‬

‫يهــوى ترديدهــا ونشــرها‪ ،‬وبعضهــم‬ ‫س ّرب منها‬ ‫سـره الخاص لي ـ‬ ‫اعتربها ـ‬ ‫مــا ـيـراه ممكنــا دون أن يخــدش‬ ‫احتفاظه لنفســه بحق هذا السـ ّر‪.‬‬ ‫عــى الرغــم مــن أن طــال مــدّاح‬ ‫كان معلنــا للــكل‪.‬‬ ‫يف إحــدى الشــهادات التــي تلفــت‬ ‫االنتبــاه‪ ،‬مــا قالــه بليــغ حمــدي‬ ‫حني ســئل عن “صوت” طالل‪:‬‬ ‫“مفيهــوش فهلــوة”‪.‬‬ ‫هــذا الوصــف املتفـ ّرد مــن حــارس‬ ‫املوســيقى العربيــة‪ ،‬دقيــق ومعـ ّـر‬ ‫وأخــاذ‪ ،‬كان ال يمكــن أن يصــدر عــن‬ ‫أي شــخص لــو لــم يقلــه بليــغ‪.‬‬ ‫صــوت طــال خامــة مــن قصــب‬ ‫األرض وطينهــا وتربتهــا املغموســة‬ ‫با ـملـاء‪ ،‬يشء يصعــب وصفــه وال‬ ‫يمكن نســيانه‪.‬‬ ‫حتــى “راء” الكلمــات عــى الرغــم‬

‫مــن خطــأ مخارجهــا‪ ،‬تحولــت إىل‬ ‫أيقونــة يف الكلمــات ويف أصــوات مــن‬ ‫يــرددون أغانيــه‪.‬‬ ‫الشــغف العظيــم للغ ـنـاء‪ ،‬لــم‬ ‫يخالطــه زيــف النجوميــة وال ملعانهــا‪.‬‬ ‫حــن تســتمع إىل أحــد محبــي‬ ‫طــال يتحــدث‪ ،‬تشــعر أن كل أغنيــة‬ ‫غنيــت لــه بشــكل خــاص‪ ،‬وأنهــا‬ ‫تالمســه هــو وتضــع يدهــا عــى قلبــه‪.‬‬ ‫طــال ليــس الوحيــد الــذي غنــى‬ ‫بــكل ألــوان اململكــة وتراثهــا‪ ،‬لكنــه‬ ‫الوحيــد الــذي دخــل قلــب كل‬ ‫سـاكنيها بت ـنـوع ذائقاتهــم‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫إنــه مقيــاس “ريخــر” الــذوق‬ ‫املحـ ّـي عــى أقــل تقديــر‪ ،‬فمــا دون‬ ‫‪ 9‬درجــات يف تقييــم ســماعك لــه‪،‬‬ ‫فذائقتــك محــل شـ ّ‬ ‫ـك وعليــك إعــادة‬ ‫حساباتك‪.‬‬ ‫هــذا التطــرف العنيــف صنعتــه‬ ‫شــخصية طالل الفنية واإلنســانية‬ ‫حبــا بــه ولــه‪ ،‬وتقد ـيـرا مــن النــاس ملــا‬ ‫قدمــه لهــم‪.‬‬ ‫نوافذهــم مفتوحــة لتاريخــه‪،‬‬ ‫شـرعة ملوســيقاه‪ ،‬قصائد‬ ‫أبوابهم م ـ‬ ‫شــعراء أغنيتــه خالــدة يف وجدانهــم‪.‬‬ ‫ال يوجد َشــعر امرأة لم ُيسـ ّرح‬ ‫عــى صــوت طــال‪ ،‬وال بحــة أب‬ ‫غائــب لــم تنبــت يف ذاكرتــه عشــبة‬ ‫مــن أغنيــة‪ ،‬وال أم ُتعــدّ وجبــة صبــاح‬ ‫دون أن تضــع ملــح أصابعهــا يف‬ ‫مقطــع ألغنيــة تحبهــا‪.‬‬ ‫ال فتاة وال شــاب عاصره أو لم‬ ‫صـره‪ ،‬لــم يرســل ملــن يحبــه “راء”‬ ‫يعا ـ‬ ‫مزيّنة بالقلب عرب ســناب تشــات‬ ‫أو واتســاب أو رد يف تويرت أو غالف‬ ‫لصورة يف انســتغرام‪.‬‬ ‫طــال صــوت الحضــور يف‬ ‫حـرب‪،‬‬ ‫الغيــاب‪ ،‬صــوت الحــب يف ال ـ‬ ‫صــوت الوداعــة يف التوحــش‪،‬‬ ‫وصــوت الطمأنينــة يف مواجهــة‬ ‫التهـوّر يف اب ـتـاع الحيــاة‪.‬‬

‫‪100_AM.indd 104‬‬


100_AM.indd 105

02/05/2023 14:10


‫حوار‬

‫المجلة‬

‫الكاتــب واملرتجــم يونــس توفيــق‪:‬‬ ‫لغتــي هــي وطنــي‬

‫‪106‬‬

‫ترجــم رســائل ابــن عربــي‬ ‫إىل اإليطاليــة‬ ‫ميالنو ‪ -‬يوسف وقاص‬ ‫رسم ‪ -‬أوريانا فينويك‬

‫‪02/05/2023 14:12‬‬

‫‪106_AM.indd 106‬‬


‫‪107‬‬

‫المجلة‬

‫يونس توفيق‪ ،‬كاتب ومرتجم وشاعر عراقي يقيم يف إيطاليا‪،‬‬ ‫استطاع خالل عقود إقامته هناك أن يحقق حضورا أدبيا مرموقا ال‬ ‫سيما عرب ترجماته ورواياته التي تنشر باإليطالية‪.‬‬ ‫ولد يونس توفيق يف املوصل عام ‪ ،1957‬وهو مجاز يف األدب‬ ‫والفلسفة من جامعة تورينو اإليطالية وحاصل عىل الدكتوراه‬ ‫من جامعة جنوى يف اللغات والثقافات وتكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالتصاالت‪ .‬يعيش يف إيطاليا منذ ‪ 1979‬ويشرف حاليا عىل إدارة‬ ‫املركز الثقايف اإليطايل‪ -‬العربي‪“ ،‬دار الحكمة”‪ ،‬يف تورينو‪ ،‬ويكتب‬ ‫يف صحف “ال ستامبا” و“ال ريبوبليكا” و“إل ماتينو”‪ ،‬وتوىل إدارة‬ ‫سلسلة “أباديركالتشر ‪ ”ABADIR CULTURE‬املختصة بثقافات‬ ‫أفريقيا والشرق األوسط لحساب دار “أنانكه” للنشر‪ ،‬وهو أيضا‬ ‫عضو يف املجلس اإلسالمي يف إيطاليا ومجلس حقوق اإلنسان يف‬ ‫مقاطعة البيدمونت‪ .‬له مؤلفات عدة باللغة اإليطالية‪ ،‬من بينها‬ ‫“ظهور السيدة البابلية” (‪ ،)1994‬وروايته األوىل “الغريبة” (‪)2001‬‬ ‫التي أصدرتها دار “بومبياين” وحازت جائزة “كرينتساين كافور”‬ ‫والعديد من الجوائز األخرى‪ ،‬و“مدينة إرام” (‪ ،)2002‬و“العروس‬ ‫املنبوذة” (‪ ،)2011‬و“فتاة ساحة التحرير” (‪ ،)2012‬وصدرت له قبل‬ ‫أشهر رواية “الضفة ما بعد الجحيم”‪ ،‬الحائزة املرتبة الثانية يف‬ ‫“جائزة روبنسون” التي تنظمها جريدة “ال ريبوبليكا” الشهرية‪.‬‬

‫من الموصل إلى إيطاليا‬ ‫رحلة طويلة بدأت عام ‪ ،1979‬عندما‬ ‫انتقلت إلى إيطاليا للدراسة‪ ،‬ثم رحلة‬ ‫أدبية وثقافية وشخصية طويلة أخرى‪.‬‬ ‫ما الذي علمتك إياه هذه التجربة وإلى أي‬ ‫مدى أثرت على حياتك بشكل عام؟‬

‫كنت ال أزال طالبا يف السنة األوىل من املرحلة الثانوية‬ ‫يف مدرســة “الشــرقية” اإلعداديــة‪ ،‬وهــي مــن أقــدم‬ ‫املــدارس يف مدينــة املوصــل‪ ،‬ربمــا األوىل (بنيــت عــام‬ ‫‪ 1905‬وكان العراق ال يزال تحت الهيمنة العثمانية)‪،‬‬ ‫عندما بدأت تنضج ملكتي األدبية وبدأت يف كتابة‬ ‫شـرت بعضــا منهــا‬ ‫صـرة‪ ،‬ون ـ‬ ‫القصائــد والقصــص الق ـ‬ ‫يف الصحــف واملجــات الوطنيــة‪ .‬إننــي أتحــدث عــن‬ ‫أعوام السبعينات السعيدة‪ 1975 ،‬عىل وجه الدقة‪،‬‬ ‫وكانت دفة الحكم آنذاك يف يد حزب البعث العربي‬ ‫االشرتايك الذي وصل إىل السلطة يف ‪ 17‬يوليو‪/‬تموز‬ ‫‪ .1968‬وقــد ســمح التشــكيل العلمــاين للحكومــة‪،‬‬ ‫عىل الرغم من طابعها الديكتاتوري البحت‪ ،‬بتطور‬ ‫سـرعة وتحــرر املجتمــع عــى مســتويات عــدة‪.‬‬ ‫البــاد ب ـ‬ ‫لقــد تــم الحفــاظ عــى التعدديــة الدينيــة عــى األقــل‪.‬‬ ‫كانت الثقافة تنمو عىل قدم وساق‪ ،‬واملسارح ودور‬ ‫السينما ودور النشر تنتشر بسرعة‪ ،‬حتى إنه كانت‬ ‫سـرا وطنيــة فيلهارمونيــة‪ ،‬ومهرجانــات‬ ‫لدينــا أورك ـ‬

‫‪02/05/2023 14:12‬‬

‫للشعر ولألغنية‪ .‬كان اليشء املهم هو عدم االنخراط‬ ‫يف السياسة إال من طريق الحزب الحاكم والخضوع‬ ‫للرقابــة قبــل النشــر‪ .‬هــذه اآلفــة‪ ،‬وهــي نموذجيــة‬ ‫يف األنظمــة الديكتاتوريــة‪ ،‬حــدّ ت بشــدة مــن حريــة‬ ‫املثقفني وإبداعاتهم‪.‬‬ ‫يف إيطاليــا‪ ،‬فتــح يل األدب العاملــي والفلســفة‬ ‫والتاريــخ وغريهــا مــن العلــوم اإلنســانية‪ ،‬املكتوبــة‬ ‫بحريــة وموضوعيــة‪ ،‬آفاقــا هائلــة للمعرفــة والنمــو‬ ‫الشخيص‪ ،‬ومنحني الفن واملسرح واملوسيقى الحب‬ ‫واألحــام‪ ،‬ممزوجــة بــدفء الشــمس اإليطاليــة‪.‬‬ ‫اكتشــفت آنــذاك أن الجمــال ســر الكــون‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫سـول عليــه الصــاة والســام‪ ،‬بقولــه‪“ :‬إِنَّ‬ ‫أكــده الر ـ‬ ‫َّ‬ ‫ب ْالجَ مَ َ‬ ‫ال”‪ ،‬لكن ال أحد منا تقريبا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يل‬ ‫الل َه جَ مِ ٌ ُحِ ُّ‬ ‫يبحــث عــن الجمــال اإللهــي يف خلقــه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التغلــب عــى‬ ‫ســاعدين الســعي وراء املعرفــة يف‬ ‫الجحيم التي كانت تجثم عىل صدري‪ .‬فتمكنت من‬ ‫هزيمــة األحــكام املســبقة وتجــاوز جــدران الخــوف‪،‬‬ ‫وتحريــر عقــي مــن عــبء إمرباطوريــة املــايض وأن‬ ‫ضـوح مــا وراء الحجــب الســود‪.‬‬ ‫أرى بو ـ‬ ‫عندمــا رأيــت نــور الحقيقــة‪ ،‬لــم أغلــق عينــي ولــم‬ ‫أ ـتـرك نفــي تنصــرف للغفلــة‪ ،‬لقــد مضيــت قدمــا‬ ‫ألسمح لنفيس بالوالدة من جديد يف فضاء املعرفة‬ ‫األبــدي‪ .‬كانــت معانــاة حقيقيــة أن أكــون بعيــدا‬ ‫عــن وطنــي‪ ،‬لكنهــا كانــت يف الوقــت نفســه طريقــة‬

‫حوار‬

‫لفهــم ســبب اختيــارايت وتقييــم التواصــل مــع اآلخــر‪.‬‬ ‫لقــد ســاعدين التعايــش مــع القيــم الجديــدة عــى‬ ‫إعــادة اكتشــاف التقاليــد القديمــة لحضــاريت‪ ،‬دون‬ ‫أن تبقينــي أســر املــايض‪ ،‬بــل حـ ّررت عقــي وروحــي‪.‬‬ ‫تعرفــت إىل عقيــديت وتعمّ قــت فيهــا بفضــل الحــوار‬ ‫والتقابــل مــع اآلخريــن‪ ،‬وأيضــا للد ـفـاع عــن نفــي‬ ‫ّ‬ ‫التعصــب والجهــل‪.‬‬ ‫مــن‬ ‫لذلــك يتطلــب األمــر ل ـقـاء متكافئــا بــن ثقافاتنــا‬ ‫وإعــادة تقييــم املــايض الكتشــاف الحاضــر وتحر ـيـره‬ ‫مــن شــبح ذلــك العــبء الــذي ان ـقـرض اآلن‪.‬‬ ‫ابن عربي‬ ‫تبرز أيضا من بين أعمالك ترجمة كتب‬ ‫مهمة من التراث العربي إلى اإليطالية‪،‬‬ ‫مثل “رسائل ابن عربي‪ --‬كتاب الفناء‬ ‫في المشاهدة” لمحيي الدين ابن عربي‪،‬‬ ‫روسي تيستا‪ .‬ما‬ ‫بالتعاون مع روبرتو ّ‬ ‫الصعوبات التي واجهتها في ترجمة هذا‬ ‫الكتاب وكيف تعاونت مع مترجم إيطالي‪،‬‬ ‫أفترض أنه خبير في الثقافة العربية؟‬

‫كان هنــاك العديــد مــن الصعوبــات‪ ،‬أوالهــا أن تكــون‬ ‫خـول‬ ‫قــادرا عــى فهــم مصطلحــات ابــن عربــي‪ ،‬للد ـ‬ ‫يف ف ـكـره الفريــد والعميــق الــذي ال يتمكــن منــه ســوى‬ ‫القالئل‪ .‬فدون قراءة معظم كتبه وشارحيه وترجماته‬ ‫إىل لغات أخرى‪ ،‬تكاد تستحيل ترجمته‪ .‬كان روبرتو‬ ‫رويّس تيســتا أحــد طالبــي يف اللغــة العربيــة الذيــن‬ ‫ّ‬ ‫تمكنوا من استيعاب اللغة‪ ،‬ليس محادثة‪ ،‬بل قراءة‬ ‫فقــط‪ ،‬وبمســاعديت كمرتجــم مــن اللغــة العربيــة‪،‬‬ ‫طـوّر النــص ووضعــه يف ّ‬ ‫حلــة أدبيــة جذابــة وموائمــة‪.‬‬ ‫دانتي واإلسالم‬

‫مــن أشــهر األعمــال التــي ترجمهــا توفيــق‪ ،‬بالتعــاون‬ ‫رويّس تيستا‪ ،‬كتاب‬ ‫مع املستعرب اإليطايل روبرتو ّ‬ ‫“دانتــي واإلســام” (العنــوان األصــي‪ :‬علــم األمــور‬ ‫ُ‬ ‫األخ َر ِويَّــة اإلســامية يف الكوميديــا اإللهيــة)‪ ،‬وهــو‬ ‫العمل الرئيس واألكرث شهرة للمستعرب اإلسباين‬ ‫ميغال آسني باالثيوس (‪ ،)1944 - 1871‬الذي نشر‬ ‫عــام ‪ ،1919‬ولــم يُرتجــم إىل اللغــة اإليطاليــة ســوى‬ ‫يف عــام ‪ ،1997‬بســبب اعرتاضــات األوســاط األدبيــة‬ ‫املختصــة بدراســات أدب دانتــي‪.‬‬ ‫كتــب الناقــد واألديــب وأســتاذ األدب املعاصــر يف‬ ‫“الكوليــج دو فرانــس” يف باريــس كارلــو أوسّ ــوال يف‬ ‫خـرة ال تنضــب مــن‬ ‫مقدمــة الكتــاب أنــه “يفيــض بذ ـ‬ ‫املصــادر والتشــابهات والتماثــات‪ ،‬وتتــم مقارنــة‬ ‫الرؤية األخروية للكوميديا​​اإللهية لدانتي أليغيريي‬ ‫بشــكل منهجــي مــع عوا لــم أ خــرى موصو فــة يف‬ ‫األعمــال األدبيــة والدينيــة العربيــة”‪ .‬وقــد أثــار هــذا‬ ‫الكتــاب عنــد ظهــوره جــداال ك ـبـرا‪ ،‬وخاصــة بــن‬ ‫داريس دانتــي اإليطاليــن‪ ،‬غــر املســتعدين لق ـبـول‬

‫‪106_AM.indd 107‬‬


‫حوار‬

‫فرضية تأثري الفن والفكر العربيني اإلسالميني عىل‬ ‫“الكوميديــا​​اإللهيــة” (وأيضــا اللحظــة الدقيقــة مــن‬ ‫إصدار الكتاب‪ ،‬عشية االحتفاالت بالذكرى املئوية‬ ‫السادسة لوفاة دانتي والتي كانت ستختم صورته‬ ‫كأقــى ضامــن لقيمــة األدب اإليطــايل يف العالــم)‪.‬‬ ‫قام ميغال آسني باالثيوس نفسه بتوثيق ردود‬ ‫الفعل التي أثارها الكتاب‪ ،‬وضمّ نها يف مؤلفه “يف‬ ‫التاريــخ وانتقــاد الجــدال”‪ ،‬وهــو مراجعــة للنقــد‬ ‫الســلبي واإليجا بــي للمختصــن بــأدب دانتــي‪،‬‬ ‫وكذلــك للمســتعربني واملؤرخــن واللغويــن‪ُ .‬نشــر‬ ‫الكتــاب يف عــام ‪ 1924‬وتابــع املؤلــف تحديثــه حتــى‬ ‫بدايــة األربعينــات‪ .‬بعــد خمســن عامــا عــى وفــاة‬ ‫شـرت دار “براتيــكا” مؤلــف باالثيــوس‬ ‫باالثيــوس‪ ،‬ن ـ‬ ‫رويّس تيســتا ويونــس‬ ‫يف الرتجمــة املتقنــة لروبرتــو ّ‬ ‫توفيــق‪ ،‬ومنــذ ذلــك الحــن أعيــد طبــع الكتــاب‪،‬‬ ‫حتــى اإلصــدار الحــايل‪ ،‬الــذي تضمــن عشــرين ســنة‬ ‫من التحقيقات‪ ،‬ومن األبحاث املوازية التي أجرتها‬ ‫ماريــا كــوريت‪ ،‬ثــم املزيــد مــن الباحثــن الشــباب‪ ،‬مــن‬ ‫أندريــا تشــييل إىل لوتشــيانو غارغــان‪ .‬أصبــح واضحــا‬ ‫عـراج” ‪Liber‬‬ ‫مــن خــال الدراســات‪ ،‬أن “كتــاب امل ـ‬ ‫‪ de scala‬كان واســع االنتشــار يف الــدول الناطقــة‬ ‫بالالتينية‪ ،‬حتى أنه ُذكرت نسخة منه يف جرد ملكتبة‬ ‫يف مدينة بولونيا‪ ،‬عاصمة مقاطعة إميليا رومانيا‪،‬‬ ‫أنجزهــا أحــد اآل ـبـاء الدومينيــكان يف زمــن دانتــي‪.‬‬ ‫و عــن كتــاب باالثيــوس ي ـقـول أومرب تــو إيكــو‪،‬‬ ‫يف مقــال نشــر عــام ‪ 2014‬عــى صفحــات مجلــة‬ ‫“السربيســو”‪“ :‬يف عــام ‪ 1919‬نشــر ميغــال آســن‬ ‫ّ‬ ‫باالثيوس كتابا (“علم األمور ُ‬ ‫األخ َر ِويَّة اإلسالمية يف‬ ‫الكوميديا اإللهية”) أحدث ضجة كبرية عىل الفور‪.‬‬ ‫إذ أنــه حــدّ د عــر مئــات الصفحــات أوجــه التشــابه‬ ‫املذهلة بني نص دانتي والنصوص املتعددة للتقاليد‬ ‫عـراج‬ ‫اإلســامية‪ ،‬وال ســيما النســخ املختلفــة مــن م ـ‬ ‫النبي محمد‪ .‬يف إيطاليا عىل وجه الخصوص‪ ،‬نشأ‬ ‫جدل بني مؤيدي هذا البحث واملدافعني عن أصالة‬ ‫دانتــي‪ .‬كنــا عــى وشــك االحتفــال بالذكــرى املئويــة‬ ‫السادسة لوفاة أعظم الشعراء اإليطاليني‪ ،‬وعالوة‬ ‫عــى ذلــك‪ ،‬فقــد كان يُنظــر إىل العالــم اإلســامي‬ ‫بــازدراء يف منــاخ مــن الطموحــات االســتعمارية‬

‫المجلة‬

‫والتمدين‪ :‬كيف يمكن للمرء أن يعتقد أن العبقرية‬ ‫اإليطالية كانت مدينة لتقاليد أولئك املُعدمني “غري‬ ‫األوروبيني‪ ...‬لقد بات االعتقاد راسخا اآلن أن دانتي‬ ‫تأثــر بالعديــد مــن املصــادر اإلســامية”‪.‬‬ ‫الكتاب الذي أثار الكثير من الجدال كان‬ ‫“علم األمور ُ‬ ‫خرِ َّوية اإلسالمية في‬ ‫األ َ‬ ‫الكوميديا اإللهية “‪ .‬كيف بدأ هذا العمل‬ ‫وما رأيك في األصوات الكثيرة التي‬ ‫انتقدته بشدة في بعض األحيان؟‬

‫حـرب الخليــج األوىل‪ّ ،‬‬ ‫نظــم‬ ‫يف عــام ‪ 1991‬وبعــد ـ‬ ‫الشاعر والروايئ اإليطايل جوزيبّي كونتي يف مدينة‬ ‫سان ريمو لقاء دوليا كبريا ومهما بعنوان “الفراشة‬ ‫واللهب” للتقريب بني ثقافات ضفتي البحر األبيض‬ ‫املتوسط‪ .‬دعيت كشاعر إللقاء قصيديت “ليلة القدر”‬ ‫باللغتني العربية واإليطالية‪.‬‬ ‫هنــاك تعرفــت إىل الربوفســور كارلــو أوسّ ــوال‪،‬‬ ‫الناقد األدبي والعالم اللغوي‪ ،‬الذي ركز يف خطابه‬ ‫سـراء‪ ،‬وكتــب أســاتذة‬ ‫عــى املقارنــة بــن كتــاب اإل ـ‬ ‫صوفيني مثل ابن عربي والسنايئ الغزنوي وغريهما‬ ‫مــن جهــة‪ ،‬و“الكوميديــا​​اإللهيــة” مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫يف تلــك املنا ســبة طلــب منــي ترجمــة كتــاب‬ ‫باالثيــوس‪ ،‬فقبلــت التحــدي وطلبــت مــن روبرتــو‬ ‫رويّس تيســتا مســاعديت يف ترجمــة النصــوص مــن‬ ‫ّ‬ ‫اإلسبانية بينما اضطلعت برتجمة النصوص العربية‬ ‫األصليــة التــي ضمّ نهــا املؤلــف كتابــه دون ترجمــة‪.‬‬ ‫شـره‪ ،‬حقــق الكتــاب‪ ،‬عــى عكــس الجــدل‬ ‫بمجــرد ن ـ‬ ‫الــذي اندلــع يف الخمســينات والســتينات مــن القــرن‬ ‫املايض‪ ،‬نجاحا بني املختصني يف علوم التاريخ واألدب‬ ‫اإليطاليــن‪ ،‬املتحمســن لــأدب العربــي مثــل ماريــا‬ ‫كوريت وغريها من نقاد الجيل الجديد وصدرت منه‬ ‫العديــد مــن املطبوعــات وتناقلتــه دور نشــر ك ـثـرة‪.‬‬ ‫أدب المهاجرين‬ ‫الم ّ‬ ‫سلم به أن المهاجر‪ ،‬أيا تكن‬ ‫من ُ‬ ‫جنسيته‪ ،‬ينقل ثقافته معه‪ ،‬وهو أمر‬ ‫لم يكتشفه اإليطاليون سوى مع‬

‫ّ‬ ‫التغلب عىل‬ ‫ساعدين السعي وراء املعرفة يف‬ ‫الجحيم التي كانت تجثم عىل صدري‪ .‬فتمكنت‬ ‫من هزيمة األحكام املسبقة وتجاوز جدران‬ ‫الخوف‪ ،‬وتحرير عقيل من عبء أمرباطورية‬ ‫املايض وأن أرى بوضوح ما وراء الحجب السود‬ ‫‪02/05/2023 14:12‬‬

‫‪108‬‬ ‫الروايات األولى لكتاب أجانب‪ ،‬في بداية‬ ‫التسعينات‪ ،‬مثل “أنا بائع الفيلة” َلب ْب‬ ‫ّ‬ ‫بيفيتا‪ ،‬و”وعد حمدي”‬ ‫وأوريستْه‬ ‫خوما‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ميكيليتي‪،‬‬ ‫لسعيدو موسى با وأليساندرو‬ ‫و”مهاجر” لصالح مثناني وماريو‬ ‫فورتوناتو‪ :‬كيف ترى هذا األدب‪ ،‬أي “أدب‬ ‫المهاجرين اإليطالي”؟‬

‫يف بدايــة روايتــي األوىل‪ ،‬كنــت أعتــر نفــي كاتبــا‬ ‫جـرا يكتــب باللغــة اإليطاليــة‪ .‬كنــت مصنفــا مــن‬ ‫مها ـ‬ ‫بــن الكتــاب األجانــب عــى الئحــة دار “بومبيــاين”‬ ‫للنشــر‪ .‬بمــرور الو قــت أ جــد أن تســمية “أدب‬ ‫املهاجريــن اإليطــايل” لــم تعــد مناســبة‪ ،‬ألن اللغــة‬ ‫إيل هي األرض‪ ،‬وكل من يكتب باستخدام‬ ‫بالنسبة ّ‬ ‫جـزء منهــا‪ ،‬واللغــة نفســها‬ ‫لغــة هــذه األرض‪ ،‬هــو ـ‬ ‫تصبح وطنه‪ .‬منذ الرواية األوىل وأنا أكتب مباشرة‬ ‫باللغــة اإليطاليــة ودون مســاعدة أحــد حيــث كنــت‬ ‫من األوائل القالئل الذين يكتبون وينشرون دون‬ ‫مناصفــة مــع كاتــب إيطــايل‪.‬‬ ‫دار الحكمة‬ ‫“دار الحكمة”‪ ،‬المركز الثقافي الذي‬ ‫يغص‬ ‫أنشأته في تورينو‪ ،‬في حي شعبي‬ ‫ّ‬ ‫بالمهاجرين‪ ،‬ماذا يعني لك هذا االسم‪،‬‬ ‫والذي يشهد على العصر الذهبي العربي‬ ‫واإلسالمي بشكل عام؟‬

‫تأسست جمعية مركز دار الحكمة الثقايف اإليطايل‬ ‫العربــي يف عــام ‪ 1985‬عــى أيــدي بعــض األســاتذة‬ ‫الذيــن يدرســون اللغــة العربيــة يف جامعــة تورينــو‪.‬‬ ‫لقــد اخرتنــا االســم لنتذ ّكــر ونذ ّكــر اآلخريــن بذلــك‬ ‫العصــر الرائــع الــذي ترجمــت فيــه النصــوص املهمــة‬ ‫إىل اللغة العربية بدقة يف مخترب “بيت الحكمة” يف‬ ‫بغداد العباسية‪ .‬استأجرنا املقر‪ ،‬وهو منشأة بنيت‬ ‫يف الخمسينات من القرن املايض‪ ،‬من بلدية تورينو‬ ‫وقمنــا برتميمــه عــام ‪ 2000‬وفــق مشــروع معمــاري‬ ‫مســتوحى مــن الثقافتــن العربيــة واإليطاليــة‪.‬‬ ‫أصبــح املركــز‪ ،‬وهــو فريــد مــن نوعــه يف إيطاليــا‪،‬‬ ‫نقطــة الت ـقـاء بــن ثقافــات البحــر األبيــض املتوســط​​‪،‬‬ ‫ويقــدم خدمــات متنوعــة إىل املواطنــن اإليطاليــن‬ ‫واملهاجريــن عــى حــدّ ســواء‪.‬‬ ‫كيف تصف عالقتك باللغة اإليطالية التي‬ ‫كتبت بها معظم أعمالك؟‬

‫عالقة انخراط وانتماء‪ ،‬دون إنكار لغتي األم‪ .‬إنها‬ ‫تسحرين وأحب استخدامها يف الكتابة ألنها توفر يل‬ ‫أدوات ومساحات مرنة مثل اللغة العربية‪ .‬اللغة‬ ‫اإليطالية غنية باألضداد واملرتادفات واالستعارات‬ ‫كونها من أصل التيني‪.‬‬

‫‪106_AM.indd 108‬‬


106_AM.indd 109

02/05/2023 14:13


‫األخيرة‬

‫‪110‬‬

‫المجلة‬

‫دور الرتجمــة يف بنــاء الحضــارة‬

‫ستيفانو أردويني أستاذ علم اللغة يف جامعة “لينك كامبوس” بروما‬ ‫رسم ‪ -‬نيكوال فرياريس‬ ‫قدر الرتجمة السقوط يف هاوية مفارقة اللغة‪،‬‬ ‫فاللغة هي السمة التي تجمع البشر وتف ّرقهم‬ ‫يف آن واحد‪ .‬يف نهاية القرن السابع عشر تساءل‬ ‫عالم اللغة األملاين”هومبلدت”‪ :‬ملاذا كل هذه‬ ‫اللغات؟ ملاذا كل هذا التشتت؟ ور ّد عىل هذا‬ ‫السؤال موضحا أنّ كل لغة تمثل جزءا من لغة‬ ‫كونية‪ ،‬وأضاف إىل ذلك فكرة سيتبناها “والرت‬ ‫بنجامني” الحقا‪ ،‬وهي أننا قد نتخيل مجموع‬ ‫ُظهر كل‬ ‫اللغات كأنه موشور متعدّ د الوجوه‪ ،‬ي ِ‬ ‫وجه منه العالم بلون مختلف‪ .‬كيف نجمع إذن‬ ‫بني اختالف اللغة وكونيتها؟ يقول “هومبلدت”‬ ‫من خالل الرتجمة تلك املهمة املكتوب عليها‬ ‫بالفشل‪ ،‬لكنها رغم ذلك “املهمة األكرث‬ ‫ضرورية‪ ،‬ألنها تنقل ملن ال يعرف اللغة األجنبية‬ ‫تلك األشكال من الفن واإلنسانية التي قد تظل‬ ‫مجهولة لوال فعل الرتجمة‪ ،‬والتي دائما تأيت يف‬ ‫مصلحة كل األمم ألنها تعزز القدرة التعبريية‬ ‫وتزيد من أهمية كل اللغات معا”‪.‬‬ ‫أظن أن هذا ما تفعله الرتجمة‪ :‬إنها تبدع‬ ‫املفاهيم‪ ،‬فاللقاء بني عوامل كثرية وأكوان‬

‫‪02/05/2023 14:16‬‬

‫معرفية كثرية يؤدي إىل إبداع أشياء جديدة غري‬ ‫متوقعة‪ .‬الرتجمة إذن تفكري يف اللغة وفلسفة‬ ‫متجسدة تنري أجزاء من العالم ال حياة وال تاريخ‬ ‫ّ‬ ‫لها وال شعور بها إال بفعل الرتجمة‪ .‬فالرتجمة‬ ‫تعيد إبداع الثقافات وتشكيل الهويات‪ .‬وتاريخ‬ ‫الرتجمة هو تاريخ تلك التحوالت والتغريات التي‬ ‫تؤدي دائما إىل إعادة التفكري يف العالم حولنا‪.‬‬ ‫تتعلق مسألة الرتجمة إذن بهويتنا وبوجودنا‬ ‫يف العالم‪ ،‬ألنها آلية الدخول يف عالقة مع‬

‫تناقض الرتجمة عنف أيّ فكرة‬ ‫تحاول أن تخضع العالقة مع‬ ‫اآلخر للشمولية التي تسعى إىل‬ ‫فرض التشابه التام أو اإلنكار التام‬ ‫لالختالف بني الكائن والكينونة‪،‬‬ ‫والرتجمة آلية مقاومة الرغبة املغرية‬ ‫يف محو التناقضات بدال من إبرازها‬

‫الواقع‪ .‬تناقض الرتجمة عنف أيّ فكرة تحاول أن‬ ‫تخضع العالقة مع اآلخر للشمولية التي تسعى‬ ‫إىل فرض التشابه التام أو اإلنكار التام لالختالف‬ ‫بني الكائن والكينونة‪ ،‬والرتجمة آلية مقاومة‬ ‫الرغبة املغرية يف محو التناقضات بدال من‬ ‫إبرازها‪ ،‬كما قال الفيلسوف األملاين “أدورنو”‪.‬‬ ‫الرتجمة نموذج للمعرفة يتعارض مع كل‬ ‫تلك الفلسفات التي ترى أنّ الواقع مشتق من‬ ‫مبدأ ما‪ .‬هي املجال الذي يقف فيه املرء مع أو ضد‬ ‫األفكار الشمولية عن الواقع‪ ،‬تلك التي تحاول أن‬ ‫تختزل اآلخر إىل الحدود التي نضعها له‪ .‬اللقاء‬ ‫مع اآلخر يف سياق الرتجمة يتمثل يف اللقاء بني‬ ‫اللغة املصدر واللغة الهدف‪ ،‬وبذلك هو مثل‬ ‫اللقاء بني األنا واآلخر‪ .‬ولكن‪ ،‬يف فعل الرتجمة‬ ‫تشك األنا يف ذاتها أمام اآلخر وتستجيب لندائه‪.‬‬ ‫كان الفيلسوف الفرنيس “ليفيناس” أول من‬ ‫طرح موضوع اللقاء مع اآلخر خارج أي منطق‬ ‫ثنايئ‪ ،‬من خالل ما سماه “ اللقاء وجها لوجه”‪،‬‬ ‫حيث أصبح اللقاء شيئا ملموسا وأخذ شكل‬ ‫الوجه؛ وجه يأيت من خارج أفقي املعريف ويقتحم‬ ‫عاملي بهذه الصيغة اإلنسانية املألوفة‪ .‬وجه يدعوين‬ ‫إىل أن أكون مسؤوال ويحدثني عن عمق معنى‬ ‫ّ‬ ‫يتجىّل يف صورة ذلك‬ ‫الغريية وعالقتي بها‪ .‬فاآلخر‬ ‫الوجه اإلنساين املألوف تماما يل واملختلف تماما‬ ‫عني‪ ،‬وبهذا يتجاوز لقايئ مع وجه اآلخر كل‬ ‫األيديولوجيات واألفكار املجردة التي تعترب وجود‬ ‫املشرتك اإلنساين أمرا بديهيا‪ .‬وجود الوجه يشهد‬ ‫بأن وجود اآلخر غري ثابت‪ ،‬غري عائد إىل فكريت عن‬ ‫اآلخر‪ ،‬لذلك يضع هويتي موضع الشك‪.‬‬ ‫هذه املفارقة التي تحكم عىل العالقة بني‬ ‫غريبني وتضعهما أحدهما أمام اآلخر بكل‬ ‫تشابههما واختالفهما‪ ،‬هذه العالقة هي ما‬ ‫يحدث يف كل ترجمة ويف كل لقاء‪“ .‬ليفيناس”‬ ‫يعرب عن هذه الفكرة بوضوح عندما يكتب أن‬ ‫اآلخر ليس غائبا وال مستوعبا‪ ،‬بل قريبا جارا‪.‬‬ ‫أرى أن هذا تعريف جيد لفعل الرتجمة‪ :‬إنها‬ ‫عالقة جرية رغم املسافة الفاصلة‪ .‬يتجه اآلخر‬ ‫نحوي من خالل املسافة التي تفصلنا ويقف‬ ‫أمامي‪ ،‬وجهه يف وجهي‪ ،‬ووجهه هو برهان‬ ‫اختالفنا القائم رغما عن قربنا‪.‬‬

‫‪110_AM.indd 110‬‬


110_AM.indd 111

02/05/2023 14:16



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.