أساطير حول سيد قطب

Page 1



‫الكلمة األخيرة‬

‫سوريا ومستقبل المنطقة‪..‬‬ ‫قراءة ال تخلو من التشاؤم‬ ‫يفرض الحدث السوري نفسه على المشهد السياسي في الشرق األوسط‪ ،‬فهو مشه ٌد تتشابك فيه مصالح المجتمع الدولي ومصالح‬ ‫دول المنطقة وصراعاتها‪ ،‬وتنعجن في جوفه كل أدواء التاريخ والجغرافيا‪.‬‬ ‫عبداهلل بن بجاد العتيبي‬ ‫وكما تغري متابعة مجرياتها اليومية باالنسياق لها‬ ‫ٌ‬ ‫بحال‬ ‫مستحق فيجب أال تطغى‬ ‫أمر‬ ‫إنسانياً وهو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫على محاوالت القراءة الجادة لما يمكن أن يتجلى‬ ‫عنه مستقبل سوريا والمنطقة ما بعد نظام ّ‬ ‫بشار‬ ‫األسد‪.‬‬ ‫بنظر ٍة بحثي ٍة محض ٍة يمكن اعتبار سوريا نموذجاً‬ ‫مصغراً لكل تقاطعات المصالح وطموحات النفوذ‬ ‫التي ال تشترك فيها روسيا والصين إال بقدر ما‬ ‫تعتني بها الواليات المتحدة األميركية والغرب‪،‬‬ ‫ولكل صراعات المنطقة التي تتوسل كل أدواء‬ ‫التاريخ وتعقيدات الجغرافيا‪.‬‬ ‫أدواء التاريخ تتمثل في ّ‬ ‫أن السياق الحضاري‬ ‫مشحون بعناصر ال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تمت للتق ّدم‬ ‫والثقافي للمنطقة‬ ‫بسبب وهي تتمثل في‬ ‫الحديثة‬ ‫للحضارة‬ ‫بصل ٍة وال‬ ‫ٍ‬ ‫السني ‪ -‬الشيعي وفي األقليات‬ ‫الطائفية بمعناها‬ ‫ّ‬ ‫بمعناها الديني واإلثني وفي القبلية بمعناها‬ ‫األنثروبولجي االجتماعي‪ ،‬وقد دخل عليها ليزيدها‬ ‫تعقيداً صعود اآليديولوجيات الدينية السياسية‬ ‫وصعود الجماهير‪ ،‬والقراءة هنا لقياس التأثير‬ ‫السياسي لكل هذه العناصر‪ ،‬ومدى أهمية الوعي‬ ‫بها الستحضار صور ٍة أكثر ً‬ ‫دقة للواقع وبالتالي‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫ستتغ ّول هذه األدواء التاريخية ما بعد نظام ّ‬ ‫بشار‬ ‫األسد وستتفشى وستكون مهمة الخالص منها ً‬ ‫مهمة‬ ‫ً‬ ‫شاقة‪ ،‬وينبغي التفكير منذ اآلن في تبعات تفشي تلك‬ ‫األدواء واألساليب األنجع لمحاصرتها والتخفيف‬ ‫من غلوائها والح ّد من أضرارها‪.‬‬ ‫كسالح سياسي في‬ ‫أمّا الطائفية فقد استخدمتها إيران‬ ‫ٍ‬ ‫العراق ولبنان واليمن كما خلقت التشيّع السياسي‬ ‫ردءاً لها وعضيداً في مصر وغزة وغيرها‪ ،‬وقد‬ ‫صراع طويل األمد‬ ‫واجهتها السعودية عقوداً في‬ ‫ٍ‬ ‫واسع االنتشار‪ ،‬وهاهو ّ‬ ‫بشار األسد يسعى جهده‬ ‫لجعلها العنوان األبرز للصراع الدائر في سوريا‪،‬‬ ‫ث ّم إن المعرفة الغربية بهذه المشكلة على المستوى‬ ‫البحثي الصرف ال يعني انتقالها لصانع القرار وال‬ ‫حقيقي بأبعادها وتأثيراتها‪.‬‬ ‫وعي‬ ‫ٍ‬ ‫يعني تشكيل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ظل العرب ردحاً‬ ‫ً‬ ‫طويال يحاولون تجاهل الطائفية‬

‫‪66 2‬‬

‫والتغاضي عنها تحت شعارات القومية وعناوينها‬ ‫وحين جهد المستشرقون في قراءتها بالتفصيل‬ ‫البحثي الالزم كان بعض المفكرين والساسة العرب‬ ‫ينعون عليهم ذلك‪ ،‬ولكنّها اليوم ّ‬ ‫تطل برأسها بقو ٍة‬ ‫ّ‬ ‫أثر سيئ في المستقبل‪ ،‬وال حل لها‬ ‫وسيكون لها ٌ‬ ‫ووضوح‬ ‫إال بطرحها للنقاش والبحث بكل صراح ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫مخرج من دا ٍء لم يخترع العرب له دوا ًء‬ ‫تفتيشاً عن‬ ‫ٍ‬ ‫بعد‪.‬‬

‫طبيعة خطابها الذي أثر فيه عيش قياداتها في‬ ‫المنافي األوروبية واقترابهم من التجربة السياسية‬ ‫إلسالميي تركيا‪ ،‬كما تختلف عنها في طبيعة‬ ‫العالقة مع نظام الجمهورية اإلسالمية بإيران حيث‬ ‫لم يزل إخوان سوريا يكنّون العداء لنظام آيات اهلل‬ ‫بطهران منذ انحاز لحافظ األسد ض ّدهم وقد كانوا‬ ‫ٌ‬ ‫طويلة وسيكون‬ ‫يأملون أن يكون معهم وتلك قصة‬ ‫تأثير مه ٌم في مستقبل سوريا‪.‬‬ ‫لها ٌ‬

‫أما فيما يتعلّق باألقليات الدينية واإلثنية‪ ،‬الدينية‬ ‫كالمسيحيين والدروز والنصيرية أو العلوية‪،‬‬ ‫واإلثنية مثل األكراد والشركس والشيشان‪،‬‬ ‫هضم للحقوق وخسائر‬ ‫فستعاني هذه األقليات من‬ ‫ٍ‬ ‫في المكتسبات وبخاصة الدينية منها في مرحل ٍة‬ ‫حرج ٍة كل األمل في أال تطول م ّدتها قبل القدرة على‬ ‫محاصرتها‪ ،‬أما اإلثنيات كالشركس والشيشان فقد‬ ‫زمن ليس بالقريب منخرطين في المجتمع‬ ‫باتوا منذ ٍ‬ ‫كامل وال أحسب أنهم سيتعرضون ألذى‪،‬‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ضغوط هائل ٍة يدفعها‬ ‫وستبقى األقلية الكردية تحت‬ ‫ٍ‬ ‫طموح االستقالل كإخوانهم في العراق وترفضها‬ ‫سوريا الجديدة وتعاديها تركيا القوية في الشمال‪،‬‬ ‫وسيكون على عقالء األكراد التعامل مع األوضاع‬ ‫الجديدة بكل عقالنية وهدوء حتى ال تتطور األمور‬ ‫لإلضرار بهم‪.‬‬

‫ستعاني سوريا ما بعد األسد كثيراً في لملمة حطام‬ ‫سالح وكتائب مدرب ٍة‬ ‫الحرب ومخلفاتها المادية من‬ ‫ٍ‬ ‫مقاتل ٍة تقود كثيراً منها إحن االنتقام الدموي وبغضاء‬ ‫الطائفية القاتلة ولن تكون مهمة تفكيك هذه الكتائب‬ ‫مهمة ً‬ ‫أو دمجها في جيش سوري موحد ً‬ ‫سهلة ولكنّها‬ ‫ستكون سبيل الخالص الوحيد من تطوّر األمور‬ ‫سلبياً لحرب أهلي ٍة لم يزل نظام بشار األسد ينفخ في‬ ‫وتخطيط‪.‬‬ ‫كيرها منذ بدء األزمة عن وعي‬ ‫ٍ‬

‫أما القبلية فهي موجود ٌة في سوريا وإن بشكل ّ‬ ‫أقل‬ ‫ٍ‬ ‫من تأثيرها في ليبيا أو اليمن على سبيل المثال‪،‬‬ ‫معطيات أخرى تشكل‬ ‫وهي معطى اجتماعي ضمن‬ ‫ٍ‬ ‫كثير من‬ ‫بفسيفسائها سوريا الحديثة‪ ،‬وقد اهت ّم بها ٌ‬ ‫الباحثين وأفاضوا القول حول عالقتها بالتخلف‬ ‫عام حين ال تسير مع الصالح‬ ‫الحضاري‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫الوطني العام‪ ،‬ومع ذلك فيمكن لمن سيرث تركة‬ ‫األسد الثقيلة أن يحسن توظيفها في ما يخدم استقرار‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫لن تكون سوريا استثنا ًء من موجة صعود‬ ‫اآليديولوجيات األصولية في دول االحتجاجات‬ ‫ومؤثر‬ ‫كبير‬ ‫ٌ‬ ‫العربية بل سيكون لها منها نصيب ٌ ٌ‬ ‫مع استحضار ّ‬ ‫أن جماعة اإلخوان المسلمين في‬ ‫سوريا ً‬ ‫مثال تختلف عن الجماعة األم بمصر في‬

‫كانت عائلة روتشيلد اليهودية األلمانية الثرية من‬ ‫أقوى الداعمين اقتصادياً لقيام دولة إسرائيل‪ ،‬وكان‬ ‫يصرح ّ‬ ‫بأن عائلة شومان هي عائلة‬ ‫ياسر عرفات‬ ‫ّ‬ ‫روتشيلد الفلسطينية‪ ،‬وسيكون على سوريا ما بعد‬ ‫األسد أال تكتفي بمعونات أصدقاء سوريا من العرب‬ ‫بنصيب من ثروات‬ ‫والغرب‪ ،‬بل يجب أن تحظى‬ ‫ٍ‬ ‫تجارها ومساهماتهم في إعادة البناء فسوريا بلد‬ ‫ّ‬ ‫يكتنز تاريخا تجاريا ضخماً ودمشق وحلب كانتا‬ ‫على الدوام مدينتين للتجار الذين توارثوا المهنة‬ ‫وتجار سوريا منتشرون في‬ ‫كابراً عن‬ ‫كابر‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أكثر دول العالم اليوم‪ ،‬وهم قادرون عندما ّ‬ ‫تتوفر‬ ‫الظروف على المساهمة الناجعة في تخليص سوريا‬ ‫من عذاباتها المستمرة عبر اإلنفاق السخي والدعم‬ ‫المؤثر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكن وضوح الرؤية‬ ‫التفاؤل خير من التشاؤم‬ ‫ومواجهة التح ّديات عبر اإلقرار بالمشكالت‬ ‫عملي‬ ‫أمر‬ ‫والسعي للقضاء عليها أو الح ّد منها ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يتجاوز معادلة التفاؤل والتشاؤم إلى التنفيذ والتأثير‪.‬‬ ‫ويبقى األمل أن تتخلص سوريا من نظام األسد‬ ‫وقت‪ ،‬فكلما زادت م ّدة بقائه كان‬ ‫الدموي‬ ‫بأسرع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أعمق‬ ‫والفتنة‬ ‫الشقاق‬ ‫لبدور‬ ‫غرسه‬ ‫<‬


F A N TA S T I C O F F E R S N O W O N MOTORING & LEISURE

Exclusive Activity Deals

GROOMING

Men’s Skincare Products/ Women’s Beauty

GADGETS

Exclusive Hi-Tech Offers

EATING OUT

Exclusive Restaurant Deals

In association with

The Complimentary Email Magazine with Exclusive offers on Discerning Products and Events

E X C L U S I V E O F F E R S AT F R E E D O M P E R K S . C O M


‫كتب‬

‫النَّوادر ألبي علي القالي‪ ،‬وما سوى هذه األربعة‬ ‫فتوابع لها‪ ،‬وفروع عنها‪ ،‬وكتب المحدثين في‬ ‫ذلك كثيرة”(مقدمة ابن خلدون‪ ،‬تحقيق علي عبد‬ ‫وافي)‪.‬‬ ‫مازال الكتاب الديني والفقهي متفوقاً في المملكة‬ ‫العربية السعودية من ناحية القراءة واالنتشار‪،‬‬ ‫لكن بعد فتح معارض الكتب‪ ،‬وفسح المجال‬ ‫لدخول العناوين المتنوعة‪ ،‬صار االهتمام‬ ‫متنوعا والتفوق متعددا‪.‬‬ ‫لقد تعددت المعارض داخل البالد‪ ،‬ووجود‬ ‫المكتبات مثل مكتبة جرير‪ ،‬وفروعها في مختلف‬ ‫المدن السعودية‪ ،‬ومكتبة العبيكان وفروعها‪،‬‬ ‫والمكتبة التراثية (االسم السابق) بالرياض‬ ‫وجلبها لعناوين مختلفة‪ ،‬إلى جانب مكتبات عدة‬ ‫لبيع الكتاب‪ ،‬مثل مكتبة الثلوثية‪ ،‬وهنا أكتب‬ ‫ما رأيته‪ ،‬وليس معنى هذا ال وجود لغير ما‬ ‫ذكرت‪ ،‬أخذت تداول الكتب الفكرية واألدبية‬ ‫يزداد‪ ،‬ناهيك عن المكتبات اإللكترونية‪ ،‬التي‬ ‫تباع فيها الكتب على شكل أقراص‪ ،‬فهذه هي‬ ‫األخرى لها سوق عريض‪ ،‬لكن مشاهدتي‬ ‫الرياض‬ ‫للزحام‪ ،‬المنقطع النَّظير‪ ،‬في معرض ِّ‬ ‫على الكتب الورقية‪ ،‬تؤكد أن الوراقة ما زالت‬ ‫هي السيدة السائدة‪.‬‬

‫مكتبات عامة‬ ‫غير المكتبات الخاصة ببيع الكتب هناك‬ ‫اهتمام واضح بالمكتبات العامة‪ ،‬كنت دخلت‬ ‫وطفت في ثالث من كبرياتها‪ :‬مكتبة الملك‬ ‫عبد العزيز‪ ،‬ومكتبة الملك فهد‪ ،‬ومكتبة األمير‬ ‫سلمان‪ ،‬المجاورة لجامعة الملك سعود‪.‬‬ ‫صحيح أن أكثر قراء ورواد هذه المكتبات من‬ ‫الباحثين الجامعيين والمتفرغين‪ ،‬لكن وجود‬ ‫الدوريات القديمة والحديثة فيها‪ ،‬والكتب‬ ‫المتنوعة‪ ،‬واألجواء المريحة للقراءة‪ ،‬تكشف‬ ‫عن مجتمع شبابي قارئ عريض هناك‪.‬‬ ‫يتحدث تاريخ القراءة أو المكتبة العامة‬ ‫بالعاصمة الرياض بأنها افتتحت العام (‪)1373‬‬ ‫المصادف العام ‪ 1953‬ميالدية‪ ،‬وعرفت‬ ‫بالمكتبة السعودية‪ ،‬ثم نشأت المكتبة الوطنية‬ ‫‪ 1378‬هـ والمصادف العام ‪ 1958‬ميالدية‪.‬‬ ‫وقد جمعت لهذه المكتبة المؤلفات من مختلف‬ ‫البلدان‪ ،‬حتى ان أحد المثقفين العراقيين وهو‬ ‫عبدالرزاق الحصان (ت‪ )1964 ‬قد أهدى‬ ‫َّ‬ ‫مكتبته لها عبر السفارة السعودية ببغداد‪ ،‬هذا‬ ‫ما قرأته في جريدة الرياض السعودية‪ ،‬جاء‬ ‫في المراسلة مع مجلس الوزراء بشأن هذا‬ ‫اإلهداء‪“ :‬أتشرف بأن أنهي إلى علم سموكم‬ ‫بأن عبدالرزاق الحصان من كتاب العراق تقدم‬ ‫منذ سنة إلى سفارة جالله الملك في بغداد‪،‬‬ ‫واضعاً مكتبته وقفاً على نجد‪ ،‬وسلم السفارة‬ ‫قسما من هذه المكتبة على أن يقدم القسم اآلخر‬ ‫في ما بعد‪.‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪4‬‬

‫معرض الرياض‬

‫ولدى تقديم كشوف الكتب المسلمة إلى السفارة‬ ‫وهي مرفقة بهذا مع المعاملة إلى فضيلة الشيخ‬ ‫محمد بن إبراهيم انتقى بعضها وترك اآلخر‪.‬‬ ‫وبالنظر ألن القسم المتبقي يحتوى على كتب‬ ‫مختلفة فإن جاللة موالي الملك يأمر بصدد‬ ‫الكتب المسلمة إلى السفارة بما يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬تجلب الكتب المذكورة إلى الرياض‪.‬‬‫‪ 2‬لدى وصولها إلى الرياض يكلف الموظف‬‫القائم بتفتيش الكتب الواردة‪ ،‬فما كان منها‬ ‫فيه مساس في أمور الدين أو غير مرغوب‬ ‫ً‬ ‫حاال‪ ،‬والباقي يسلم إلى دار الكتب‬ ‫فيه يحرق‬ ‫السعودية التابعة ألمانة مدينة الرياض‪ ،‬فأرجو‬ ‫األمر بإجراء الالزم نحو ذلك وتقبلوا بقبول‬ ‫فائق االحترام‪.‬‬ ‫(جريدة‬ ‫هـ‬ ‫‪1378/6/10‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫الرياض‪ ،‬خمسون عاماً مضت بين أول مكتبة‬ ‫حديثة (المكتبة الوطنية) ومعرض الكتاب في‬ ‫مدينة الرياض‪ ،‬العدد ‪ 14501‬المؤرخ في ‪7‬‬ ‫مارس ‪.)2008‬‬ ‫الرزاق الحصان باحثاً قومياً متعصباً‪،‬‬ ‫كان عبد َّ‬ ‫أثارت بعض مؤلفاته لغطاً‪ ،‬وكان ينادي‬ ‫بالوحدة العربية وبالتربية اإلسالمية‪ ،‬وقد‬ ‫أحدث كتابه “العروبة في الميزان”(‪)1935‬‬ ‫ضجة لم تهدأ إال بتدخل عالم الدين محمد‬ ‫حسين كاشف الغطاء (ت‪ ،)1954 ‬وعمل‬ ‫مديراً لمكتبة األوقاف‪ ،‬ثم هجر بغداد إلى‬ ‫الزبير‪ ،‬ثم أقام بالكويت وتوفي هناك‪.‬‬ ‫على أية حال‪ ،‬يصعب رصد ماذا يقرأ‬ ‫السعوديون‪ ،‬بشكل دقيق‪ ،‬وبأسماء الكتب‪،‬‬

‫ولكن مثلما تقدم‪ ،‬القراء كثر في مختلف‬ ‫المجاالت‪ ،‬وهناك طبقات من َّ‬ ‫الشباب القراء‬ ‫المجادلين في َّ‬ ‫الشأن الثَّقافي‪ ،‬وما عادت هناك‬ ‫عواصم محتكرة للكتابة والطباعة والقراءة‪،‬‬ ‫مثلما كان يٌقال‪ :‬القاهرة تكتب‪ ،‬وبيروت تطبع‪،‬‬ ‫وبغداد تقرأ‪.‬‬ ‫بل إن ُ‬ ‫الكتاب خارج القاهرة قد زادوا على‬ ‫ما في داخلها‪ ،‬والرياض واحدة من عواصم‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب في مختلف المجاالت‪ ،‬والطباعة زادت‬ ‫على ما في داخل بيروت‪ ،‬والقراء أوسع في‬ ‫العواصم ُ‬ ‫األخر‪ ،‬ومنها الرياض‪.‬‬ ‫صحيح أن تلك العواصم لها ظهير تاريخي في‬ ‫ما كتبت وطبعت وقرأت‪ ،‬مثلما تقدم الحديث‬ ‫عن الوراقة ببغداد العباسية‪ ،‬وأن هذه الفنون‬ ‫أو المجاالت الثالثة لها تراثها المقوم لها‪،‬‬ ‫لكن ماذا نقول عن النجدي القصيمي سليمان‬ ‫ِّ‬ ‫الدخيل (ت‪ ،)1944 ‬قد افتتح مكتبة وأصدر‬ ‫جريدة ببغداد العام ‪ !1910‬مع أن بنجد في تلك‬ ‫اآلونة كان َمن يعتبر الكتاب مصدراً َّ‬ ‫للشر‪ ،‬أو‬ ‫يكتنز َّ‬ ‫الشر‪.‬‬ ‫لقد تغيرت ُّ‬ ‫الدنيا‪ ،‬وتراكم تراث ثقافي وكتابي‬ ‫بين السعوديين‪ ،‬على طول الحجاز ونجد‬ ‫وبقية المناطق‪ ،‬وصار يُنظر إلى الناشرين‬ ‫السعوديين‪ ،‬وهم ليسوا بالقليل‪ ،‬على أنهم‬ ‫ً‬ ‫فبدال ِمن أن يتكلف المؤلف‬ ‫المنافسون‪،‬‬ ‫السعودي بدفع المبالغ لنشر كتابه في دار‬ ‫لبنانية أو مصرية ً‬ ‫مثال‪ ،‬ينشر في دار سعودية‪،‬‬ ‫تمتلك مساحة من الحرية‪ ،‬ليست أقل مما هو‬ ‫في بلدان أُخر‪ ،‬أي التي يملكها سعوديون‪،‬‬ ‫مثل دور‪“ :‬العبيكان”‪ ،‬و”مدارك”‪ ،‬وجداول”‬ ‫وغيرها <‬


‫وسياسية وتجارية واجتماعية وتراثية وتاريخية‬ ‫ودينية‪ ،‬وكتب األطفال‪.‬‬ ‫كان اإلقبال على األصناف كافة‪ ،‬فمعايشتي‬ ‫الصباح وحتى المساء‪ ،‬في‬ ‫للمعرض تمتد من َّ‬ ‫الغالب ِمن األيام‪ ،‬فليس هناك ما ينقص اإلنسان‬ ‫ِمن حاجة داخل المعرض‪ .‬وكنت وصفت‬ ‫دكاكين الوراقين بالمخابز‪ ،‬ذلك لعظمة اإلقبال‬ ‫على شراء الكتب‪ ،‬ومن مختلف األعمار‪.‬‬

‫وعل ٍة واحدة‪ ،‬وعالِم واح ٍد‪ ،‬ونفس‬ ‫مبدأ واحد ِ‬ ‫واحدة‪ ،‬محيطة جواهرها المختلفة وأجناسها‬ ‫المتباينة‪ ،‬وأنواعها المُفننة‪ ،‬وجزئياتها‬ ‫المتغايرة"(الرسالة الخامسة واألربعين من‬ ‫الصفا)‪.‬‬ ‫رسائل إخوان َّ‬ ‫كذلك ليس لنا إغفال ما قاله معاصر‬ ‫الشاعر أبو َّ‬ ‫الصفا َّ‬ ‫الطيب المتنبي‬ ‫إخوان َّ‬ ‫(اغتيل ‪ 354‬هـ) عندما جعل الكتاب أفضل‬ ‫األصدقاء وخيرهم‪ ،‬أسوة مع الفرس‪ ،‬وكان‬ ‫مركب ّ‬ ‫الشجعان‪ ،‬في بيت ِمن قصيدة نظمها‬ ‫العام ‪ 349‬هـ‪ ،‬مادحاً قاتل كافور اإلخشيدي‬ ‫(‪ 348‬هـ)‪:‬‬ ‫سابح‬ ‫رج‬ ‫أعز ُّ‬ ‫مكان في ال ُّدنى َس َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب‬ ‫جليس في الزَّمان‬ ‫وخي ِر‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫العرف الطَّ يب في شرح ديوان‬ ‫(اليازجي‪َ ،‬‬ ‫أبي الطَّ يب) ومطلعها‪:‬‬ ‫خضاب‬ ‫نى كُن لي أن البياض‬ ‫ُ‬ ‫ُم ً‬ ‫بتبييض القرون َشباب‬ ‫فيخفى‬ ‫ِ‬

‫ماض وحاضر‬ ‫كانت أسواق الكتب‪ ،‬أو لنقل معارضها َّ‬ ‫الدائمة‪،‬‬ ‫تُعرف بدكاكين الوراقة أو الوراقين‪ ،‬فإن قالوا‪:‬‬ ‫«في الوراقين» يقصدون مكان بيع الكتب‬ ‫ونسخها وتجليدها وتجميل أغلفتها بتزويقها‪،‬‬ ‫ذلك في العهد العباسي‪ ،‬وفي عاصمته بغداد‬ ‫الكبرى آنذاك‪ ،‬ويتبارون في شراء الكتب‬ ‫وامتالك النسخ النَّفيسة منها‪ ،‬وقد عمل في‬ ‫النَّسخ كبار أُدباء وكتاب أزمانهم‪ ،‬مثل أبي‬ ‫حيان التَّوحيدي(ت ‪ 414‬هـ)‪ ،‬األديب األريب‬ ‫المعروف‪ ،‬وقد سئم النِّساخة عند الوزيرين ابن‬ ‫العميد (ت ‪ 363‬هـ) والصاحب بن عباد (ت‬ ‫‪ 385‬هـ)‪ ،‬فعمرا مكتبتهما بما نسخ لهما هو‬ ‫وغيره ِمن ُّ‬ ‫النساخ‪ ،‬وبعدها صنف فيهما كتابه‬ ‫َّ‬ ‫الشهير «أخالق الوزيرين» أو «ذم الوزيرين»‪،‬‬ ‫وفيه مادة أدبية هائلة فصيحة وبليغة‪.‬‬ ‫يذكر ياقوت الحموي (ت ‪ 626‬هـ)‪ ،‬في أهمية‬ ‫نسخة كتاب “األغاني الكبير” ألبي فرج‬ ‫ُ‬ ‫“قرأت على‬ ‫األصفهاني (ت ‪ 356‬هـ) اآلتي‪:‬‬ ‫ظهر جزء ِمن نسخة بكتاب األغاني ألبي فرج‪:‬‬ ‫وراقه (ناسخه) المسكين‪ ،‬وإنه ليساوي‬ ‫لقد ٌظلم َّ‬ ‫عندي عشرة آالف دينار (كان اشتراه بعشرة‬ ‫آالف درهم)‪ ،‬ولو ُفقد ما قدرت عليه الملوك‬ ‫بالرغائب”(معجم ُ‬ ‫األدباء‪ ،‬تحقيق إحسان‬ ‫إال َّ‬ ‫عباس)‪.‬‬ ‫وكانت للكتب مزادات وأسواق حيَّة‪ ،‬حسب لغة‬ ‫عصرنا‪ ،‬نفهم ذلك من رواية َّ‬ ‫الطبيب الحسين بن‬ ‫عبد اهلل والفيلسوف المعروف ابن سينا أبو علي‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫ُ‬ ‫“حضرت يوماً في الوراقين‪،‬‬ ‫(ت ‪ 428‬هـ)‪:‬‬ ‫والمنادي ينادي على كتاب في الحكمة‪،‬‬ ‫علي فأعرضت عنه‪ ،‬فقال لي‪ :‬اشتره‬ ‫وعرضه َّ‬ ‫فصاحبه محتاج! فاشتريته بثالثة دراهم‪ ،‬وإذا‬ ‫هو كتاب ألبي نصر الفارابي في أغراض ما‬ ‫بعد َّ‬ ‫الطبيعة‪ ،‬فطالعته ففهمت الكتاب‪ ،‬وتصدقت‬ ‫على الفقراء بشيء كثير”(معجم األدباء)‪.‬‬ ‫لقد تأدب عمرو بن بحر الجاحظ (ت ‪255‬‬ ‫الوراقة‪ ،‬أي المكتبات في لغتنا‬ ‫هـ) في دكاكين ِ‬ ‫المعاصرة‪ ،‬وكان قارئاً نهماً‪ ،‬ورأيت مثله‬ ‫كثيرين في أيامنا هذه‪ ،‬ومنهم َمن التقيت به‬ ‫الرياض‪،‬‬ ‫في معارض الكتب‪ ،‬ومنها معرض ِّ‬ ‫الرجل كان يفتح‬ ‫لألسف لم أتذكر اسمه‪ ،‬لكن َّ‬ ‫كيساً كبيراً ويضع فيه ما يشتري من الكتب‪،‬‬ ‫ويغلق هذا الكتاب ويفتح اآلخر‪ ،‬وراقبته عن‬ ‫كثب‪ ،‬كيف يسأل بنهم عن أسماء الكتب‪،‬‬ ‫والمطبوعات الجديدة‪ ،‬فسألته‪ :‬وهل تقرأها‬ ‫كلها! قال يكفي أني أمتلكها‪ ،‬ولو امتد يومي‬ ‫الرجل ال‬ ‫لقرأت أكثر من أربع وعشرين ساعة‪َّ ،‬‬ ‫أتذكر أنه كان كاتباً أو أديباً‪ ،‬بل قارئاً ومغرماً‬ ‫بحيازة الكتب‪.‬‬ ‫أعود إلى ما روي عن الجاحظ (ت ‪ 255‬هـ)‪:‬‬ ‫“كان يكتري دكاكين الوراقين‪ ،‬ويبيت فيها‬ ‫للنَّظر‪ ..‬فإنه كان يحضر لمجالسة المتوكل‪،‬‬ ‫فإذا أراد (الخليفة) القيام لحاجة أخرج كتاباً ِمن‬ ‫كمه أو خفه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين‬ ‫عودته إليه‪ ،‬حتى في الخالء‪ ،‬و (قال) إسماعيل‬ ‫بن إسحاق القاضي‪ :‬فإني ما دخلت إليه إال رأيته‬ ‫ينظر في كتاب أو يقلب كتباً أو ينفضها”(معجم‬ ‫ُ‬ ‫األدباء)‪.‬‬ ‫الرجل الذي رأيته في معرض الكتاب‬ ‫أرى أن َّ‬ ‫لو لم تكن له قدرة على تكلفة شراء الكتب لتقدم‬ ‫واكترى دكاكين الكتب ولبات فيها‪ ،‬وكم جاحظ‬ ‫مثله من القرائين في عصرنا‪.‬‬

‫كتب متنوعة‬ ‫كانت كتب معرض الرياض متنوعة‪ :‬أدبية‬

‫الحظت ظاهرة الفتة للنَّظر‪ ،‬وهي أن مجموعة‬ ‫من الشباب الجامعيين فتحوا مركزاً لهم في داخل‬ ‫المعرض الستبدال الكتب‪ ،‬يستقبلون الكتب‬ ‫القديمة أو التي ُقرئت ونفدت الحاجة منها‪ ،‬وهذه‬ ‫تستبدل بكتب اآلخرين‪ ،‬وعبر ذلك تحدث حركة‬ ‫وتواصل بين القراء تتخللها حوارات ونقاشات‬ ‫ثقافية وحول الكتب بالذات”‪ :‬أقرأت هذا‪ ،‬فاتك‬ ‫ذاك‪ ،‬أقرأ للكاتب الفالني‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫والحظت مكتبة حكومية جوالة تقف في الفضاء‬ ‫الذي أمام المعرض‪ ،‬داخل سيارة كبيرة‪ ،‬دخلتها‬ ‫وإذا داخلها طاوالت ومقاعد تحيط بها رفوف‬ ‫ِمن الكتب‪ ،‬وسألت عنها فقيل‪ :‬هناك عدة‬ ‫مكتبات متجوالت‪.‬‬ ‫كان للكتاب الفكري موقع عند رواد المعرض‪،‬‬ ‫وعلى وجه الخصوص الفكري الديني‬ ‫علي تذكر العناوين لكن مثل‬ ‫والسياسي‪ ،‬يصعب َّ‬ ‫هذا النَّوع من الكتب كان اإلقبال عليه واضحاً‪،‬‬ ‫ومنها كتب التنوير الدينية والفقهية‪ .‬كذلك للكتب‬ ‫التراثية موقعها في نفوس رواد المعرض‪.‬‬ ‫هناك إقبال على الكتب الخفيفة ِّ‬ ‫الظل‪ِ ،‬من‬ ‫والرجال‪ ،‬كتب صغيرة‬ ‫قبل الشباب‪ ،‬النساء‬ ‫ِّ‬ ‫الحجوم‪ ،‬وخفيفة اللغة‪ ،‬عبارة عن رسائل‬ ‫ووصايا مصاغة في لغة معاصرة‪.‬‬ ‫لكن جمهور عريض ال يكف عن السؤال عن‬ ‫المكتبات التي تبيع مؤلفات العالمة في االجتماع‬ ‫العراقي علي الوردي (ت‪ ،)1995 ‬وكتب النقد‬ ‫األدبي‪ ،‬والروايات األجنبية المترجمة‪ ،‬وكتب‬ ‫االكتشاف العلمي‪ ،‬والكتب السياسية‪ .‬وجدت‬ ‫السعوديين‪ ،‬الذين كنت التقيهم داخل المعرض‬ ‫وفي الجلسات الثقافية‪ ،‬م َمن أعرفهم مسبقاً‬ ‫وم ِمن ال أعرفهم‪ ،‬مشدودين لكتب ُّ‬ ‫التراث‪ ،‬فقلما‬ ‫وجدت َمن لم يقرأ كتب الجاحظ وأبي حيان‬ ‫التوحيدي وابن قتيبة (ت ‪ 276‬هـ)‪.‬‬ ‫التزم بعضهم بمشورة ابن خلدون (ت ‪808‬‬ ‫هـ)‪ ،‬وقرأ الكتب التي اعتبرها أساساً في‬ ‫تعلم فن الكتابة‪ :‬أدب الكاتب‪ ،‬والكامل في‬ ‫اللغة واألدب‪ ،‬والبيان والتبيين‪ ،‬والنوادر‪ ،‬بل‬ ‫رأيتها مسنودة إلى بعضها في مكتبات بعض‬ ‫األصدقاء الشخصية‪ .‬قال ابن خلدون‪“ :‬وسمعنا‬ ‫من شيوخنا في مجالس التعليم‪ ،‬أن أُصول هذا‬ ‫الفن (يقصد الكتابة) وأركانه أربعة دواوين‪،‬‬ ‫وهي‪ :‬أدب الكاتب البن قتيبة‪ ،‬وكتاب الكامل‬ ‫للمبرد‪ ،‬وكتاب البيان والتبيين للجاحظ‪ ،‬وكتاب‬ ‫‪3‬‬ ‫‪63‬‬


‫كتب‬

‫آالف العناوين لمن رغب في القراءة‬

‫معرض الرياض الدولي للكتاب‪..‬‬

‫ماذا يقرأ السعوديون؟‬

‫حضرت دورتي معرض الکتاب لعامي ‪ 2011‬و‪ ،2102‬ومن خالل الوجود في أروقة المعرض‪ ،‬لأليام العشرة كافة‪ ،‬تشكلت في ذهني‬ ‫صورة واضحة‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬عمَّا يقرأه السعوديون وكيف يتعامل المؤلفون في نشر كتبهم‪ ،‬أو ما يقتنونه ِمن الكتب‪.‬‬ ‫رشيد الخيُّون ‪ -‬باحث عراقي متخصص في الفلسفة اإلسالمية‬ ‫بطبيعة الحال ليس كل كتاب يُشترى يُقرأ‪،‬‬ ‫فهناك ِمن المهتمين‪ ،‬سواء كان األمر في‬ ‫السعودية أو في بالد أُخرى‪ ،‬يقتنون الكتب‬ ‫رغبة في امتالك مكتبة‪ ،‬يضمون إليها النَّادر‬ ‫والنَّفيس‪ ،‬في مادته أو تاريخه‪ ،‬أو ما تهواها‬ ‫األعين ِمن العناوين‪.‬‬ ‫فالمكتبة شأنها شأن القواميس أو المعاجم‪،‬‬ ‫على مختلف أنواعها واختصاصاتها‪ ،‬ال‬ ‫تُقرأ كلها إنما تراجع بين الحين واآلخر‬ ‫عند الحاجة‪ ،‬وليس بالضرورة أن يُقرأ كل‬ ‫كتاب يُقتنى‪ ،‬لكنها عالمة على عافية ثقافية‪،‬‬ ‫أو بعبارة أخرى ظاهرة ثقافية صحية أن‬ ‫يُصرف المال في امتالك الكتب ال في ما‬

‫‪62‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪2‬‬

‫يضر صحة اإلنسان وعقله ِمن األشياء‬ ‫ُ‬ ‫االخر‪.‬‬

‫العقل هو المميز‬ ‫الراغب في المكتبة ال يفرق بين الكتب‪ ،‬إنما‬ ‫يضم إليها ما تقع عينه عليه وتصل يده إليه‪،‬‬ ‫فعند المباهاة يباهي بالعناوين النَّادرة وكثرة‬ ‫ما لديه‪ ،‬وما يُحجب من العناوين لعلة ِمن‬ ‫العلل‪.‬‬ ‫وأرى أفضل ما قرأت‪ ،‬عند األقدمين‪ ،‬في‬ ‫التعبير عن قيمة الكتاب والتعامل مع أي‬ ‫كتاب كان‪ ،‬والعقل هو المميز بين الباطل‬

‫َّ‬ ‫والطالح‪ ،‬ما اتخذه إخوان‬ ‫والصالح‬ ‫والحق‬ ‫َّ‬ ‫وخالن الوفا (القرن الرابع الهجري)‬ ‫َّ‬ ‫الصفا ِ‬ ‫ومارسوه في ذلك القرن الغابر‪.‬‬ ‫‪ ‬قالوا‪" :‬وبالجملة ينبغي إلخواننا‪ ،‬أيدهم اهلل‬ ‫تعالى‪ ،‬أن ال يعادوا علماً ِمن العلوم‪ ،‬وال‬ ‫يهجروا كتاباً ِمن ُ‬ ‫الكتب‪ ،‬وال يتعصبوا على‬ ‫مذهب ِمن المذاهب‪.‬‬ ‫ألن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلَّها‪،‬‬ ‫ويجمع العلوم جميعها‪ ،‬وذلك أنه هو النَّظر في‬ ‫الحسية والعقلية‪،‬‬ ‫جميع الموجودات بأسرها ِ‬ ‫ِمن أولها إلى آخرها‪ ،‬ظاهرها وباطنها‪ ،‬جليها‬ ‫وخفيها بعين الحقيقة‪ِ ،‬من حيث هي كلُّها ِمن‬




‫األميركيون العراق كما فعلوا في عملية ثعلب‬ ‫الصحراء في ‪ ،1998‬حيث إنهم لم يتجرأوا‬ ‫فعليا على الغزو‪ .‬فهم لن يقوموا بالغزو إال‬ ‫بعد االنسحاب من أفغانستان‪.‬‬

‫عدة مرات‪ .‬وأنه إذا ما أعلن ذلك اآلن‪ ،‬فإنه‬ ‫لن يصدق‪ .‬حيث إن المفتشين سوف يأخذون‬ ‫كل شيء يمنحه لهم العراقيون ويطلبون‬ ‫المزيد‪ .‬فكان صدام يرى أنه ال سبيل أخرى‬ ‫أمامه‪.‬‬ ‫وعندما مرت الشهور وبدأت إدارة بوش في‬ ‫تركيز القوات األميركية في الكويت‪ ،‬لم يعد‬ ‫من الممكن تجاهل خطر حرب شاملة أخرى‪،‬‬ ‫هذه المرة على األراضي العراقية‪ .‬وبالفعل‪،‬‬ ‫قدمت االستخبارات العراقية معلومات مهمة‬ ‫للغاية‪ ،‬وتحليال لموقف الواليات المتحدة‬ ‫واستراتيجيتها المحتملة‪.‬‬ ‫ولكن صدام ظل عنيدا‪ .‬فقد منع االستخبارات‬ ‫العسكرية من تحليل النوايا األميركية‪ ،‬حيث‬ ‫كانت تلك من اختصاص القيادة السياسية‪.‬‬ ‫وكان من الواضح لكل من على هذا الكوكب‬ ‫أن جورج بوش عازم على غزو العراق‬ ‫وخلع النظام‪ ،‬ولكن ليس صدام‪ .‬لم ال؟‬ ‫ألنه كان على ما يبدو قد بدأ يصدق الدعاية‬ ‫اإلعالمية التي كان يروج لها‪.‬‬ ‫ففي الفترة ما بين ‪ 1991‬و‪ 2003‬كان صدام‬ ‫حسين ووسائل اإلعالم العراقية‪ ،‬قد اقتنعا‬ ‫بفكرة أن حرب الخليج ـ التي أطلق عليها‬ ‫صدام «أم المعارك» ـ كانت نصرا عراقيا‬ ‫عظيما‪ .‬مقرين بحدوث بعض النكسات‬ ‫العسكرية ومؤكدين االنتصار على الجانب‬ ‫المعنوي‪.‬‬ ‫حيث إن القوات األميركية قد توقفت قبل‬ ‫دخول المناطق السكانية العراقية‪ ،‬نظرا ألنها‬ ‫تم ردعها بأسلحة الدمار الشامل‪ ،‬ونظرا‬ ‫لبسالة وقدرات الحرس الثوري‪ ،‬وبطولة‬ ‫الشعب العراقي‪ .‬وفي اجتماع مغلق في بداية‬ ‫مارس (آذار) ‪ 1991‬أخبر صدام قادته بأنه‪،‬‬ ‫رغم أن العراق هزم على المستوى الفني‪،‬‬ ‫فإنه لم يخسر الحرب‪.‬‬ ‫وقال إن النبي قد تعرض للهزيمة أيضا في‬ ‫معركة أحد‪ ،‬ولكنه انتصر في نهاية الحرب‬ ‫كما سيفعل العراق‪ .‬وقد منح صدام قادته‬ ‫الميداليات وامتدح بطولتهم‪ .‬وهو ما خلق‬ ‫أجواء أصبح فيها االنتقاد وإدراك الواقع‬ ‫أمرا مستحيال‪.‬‬ ‫وفي اجتماع في شهر مارس (آذار) ‪،2002‬‬ ‫استقبل صدام أحد كبار المسؤولين الذي كان‬ ‫يعرف الواليات المتحدة جيدا‪ ،‬والذي كان قد‬ ‫التقى للتو بمسؤولين أميركيين‪ .‬وقد حذره‬ ‫الزائر بطريقة واضحة من أن الواليات‬ ‫المتحدة تستعد لـ«مؤامرة» كبرى ضده‪.‬‬ ‫وقد استجاب صدام بتعداد األسباب التي‬ ‫سوف تجعل واشنطن لن تفعل شيئا حياله‬ ‫قائال إنه واثق بأنه يستطيع التعامل مع‬ ‫الموقف‪« :‬نحن واثقون بأننا قادرون على‬ ‫هزيمة (المؤامرة األميركية)‪ ،‬وإذا ما كنا‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫استثنائي ولكن ليس متفردا‬ ‫حتى في النهاية‪ ،‬وعندما تم العثور عليه أشعث‬ ‫متسخا‪ ،‬ومختبئا في جحر في منطقة ريفية في‬ ‫العراق‪ ،‬لم يكن صدام قد أدرك بعد حقيقته‬ ‫طارحا «التفاوض» مع الجنود األميركيين‬ ‫الذين اعتقلوه‪ .‬ومن الصعب تخيل ما كان‬ ‫يمكن أن يقدمه‪ .‬ولكنه كان يؤمن بوضوح بأنه‬ ‫ما زال شخصا بارزا يمتلك كافة البطاقات في‬ ‫يديه‪.‬‬

‫جورج بوش‬

‫سوف نواجهها عسكريا‪ ،‬فإننا مستعدون‬ ‫لذلك‪.‬‬ ‫فاألميركيون كقوة عسكرية يحاولون تجنب‬ ‫المجيء للعراق‪ ..‬أعتقد أن األميركيين بدأوا‬ ‫يواجهون صعوبات في أفغانستان‪ ،‬وكان‬ ‫األفغان يمنونهم خسائر بشرية‪ ..‬سوف‬ ‫تكون هناك مشكلة كبيرة عندما تبدأ الخسائر‬ ‫البشرية في التزايد‪ ..‬فنحن نضع كافة‬ ‫األطراف عسكريا ولكن بدرجات مختلفة‪.‬‬ ‫بالنسبة لبلدان الخليج ‪ ،‬تفيد كافة المؤشرات‬ ‫إلى أنها ليست مهتمة بمهاجمة العراق‪.‬‬ ‫ولكن الكويت ليست قادرة على رفض‬ ‫خطة أميركية‪ ..‬ولكن في تقييمنا‪ ،‬لن يشن‬ ‫األميركيون هجوما موسعا أو ربما يهاجمون‬ ‫أهدافا محددة‪ .‬فهم لن يتخذوا إجراء لتغيير‬ ‫النظام في تلك المرحلة‪ ،‬على األقل لفترة ما‪،‬‬ ‫نظرا ألن ذلك يتطلب تقييم المخاطر وأثرها‬ ‫على الرأي العام العالمي إثر الهجوم على‬ ‫دولتين إسالميتين‪.‬‬ ‫إن عالقة بوش مع شعبه فيما يتعلق‬ ‫بالمؤامرة ضد العراق رائعة في الوقت‬ ‫الراهن‪ ..‬ولكن ما يقوله حول تغيير النظام‬ ‫يحتاج إلى المزيد من الوقت وهناك دالئل‬ ‫على أن شعبيته تنخفض جزئيا‪ .‬إن النرجسية‬ ‫أمر كارثي ويمكن أن تكلف الرجل الفرصة‬ ‫لكي يتحلى بالحكمة‪ ..‬إن عالقتنا بالعرب‬ ‫طيبة بشكل عام‪ ..‬كما أن عالقاتنا الدولية‬ ‫طيبة‪ ،‬كذلك عالقتنا بروسيا والصين»‪.‬‬ ‫وكان ذلك ما حدث‪ ،‬وكان صدام مستعدا‬ ‫لعمل أي شيء وعندما لم يكن هناك شيء‬ ‫آخر يفعله فإنه استدعى جميع الحلول معا‪:‬‬ ‫سوف يمنع الفرنسيون واأللمان األميركيين‬ ‫من الذهاب إلى الحرب‪.‬‬ ‫وسوف ينقذه الروس‪ .‬وسوف يقصف‬

‫وقد جعله ذلك النمط من السلوك‪ ،‬شخصية تمثل‬ ‫إشكالية خاصة في السياسة الدولية‪ ،‬ولكن ليس‬ ‫بالضرورة شخصية متفردة‪ .‬وقد أثبت غيره‬ ‫من القادة المصابين بجنون العظمة‪ ،‬استعدادا‬ ‫مشابها لتشويه الحقيقة لتتواءم مع احتياجاتهم‬ ‫اليائسة‪ ،‬ومن أبرز األمثلة على ذلك كان هتلر‪.‬‬ ‫وفي العديد من الحاالت‪ ،‬كان الجدل حول‬ ‫التعامل مع البلدان التي تمثل إشكالية يتمركز‬ ‫حول إذا ما كان حاكم محدد أو نظام بعينه يتسم‬ ‫بالعقالنية‪ ،‬وكأن العقالنية تتضمن المعقولية‪.‬‬ ‫لقد كان صدام عقالنيا للغاية بمعنى أنه خلق‬ ‫سلسلة منطقية حول كيفية االنتقال من النقطة‬ ‫(أ) إلى النقطة (ب) وتحقيق أهدافه والتي كان‬ ‫جميعها يالئم ذلك العالم تماما‪.‬‬ ‫ولكن كلما زادت المعلومات المتاحة حوله‪،‬‬ ‫أدركنا مدى المباالته وضاللية تفكيره وسلوكه‬ ‫على المستوى العملي‪ .‬فكان يسعى بانتظام‬ ‫لوضع منطق يبرر سعيه وراء أهداف كانت‬ ‫إلى حد كبير غير ممكنة التحقق‪ ،‬وعندما كان‬ ‫يشير أي أحد إلى ثغرات في تفكيره‪ ،‬كان‬ ‫ينفيها ببساطة‪ .‬ولم يجعله ذلك غير عقالني‪،‬‬ ‫ولكنه جعله خطرا للغاية وصعب الردع‪.‬‬ ‫إن تداعيات الحالة العراقية تتمثل في التعامل‬ ‫مع إيران وغيرها من األطراف التي تمثل‬ ‫إشكالية مزعجة للغاية‪ .‬ويبدو أن الشيء الوحيد‬ ‫الذي كان يتفق عليه المتفائلون والمتشائمون ـ‬ ‫من أن األنظمة العقالنية يمكنها االعتماد على‬ ‫التصرف على نحو متوقع ـ اتضح أنه حقيقي‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فال يستطيع صناع السياسة أن‬ ‫يؤسسوا قراراتهم بناء على األحكام المتعلقة بما‬ ‫يمكن أن تفعله العوامل العقالنية االفتراضية‬ ‫في المواقف المجردة‪.‬‬ ‫وبدال من ذلك‪ ،‬فإنهم يحتاجون إلى االعتماد‬ ‫على تحليل دقيق مخصص لكل حالة‪،‬‬ ‫الشخصيات السياسية المحددة والعمليات‬ ‫البيروقراطية التي تعمل على نحو خاص في‬ ‫السياق المحلي <‬ ‫‪7‬‬ ‫‪59‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫قد استبعد ذلك‪ ،‬نظرا ألنها لم تكن تتالءم مع‬ ‫خططه‪ ،‬وأخبر نفسه بأن واشنطن لن تستطيع‬ ‫أو ال ترغب في المضي قدما في تهديداتها‪.‬‬ ‫كما أنه شجع ودفع لعدد كبير من اإلرهابيين‬ ‫العرب لشن هجمات نيابة عنه على أمل أن‬ ‫يقنع ذلك الجماهير الغربية بالتخلي عن فكرة‬ ‫القتال‪ ،‬كما أنه بدأ بالفعل تدمير آبار البترول‬ ‫الكويتية في فبراير (شباط) ‪.1991‬‬ ‫ولكن مسألة الحرب غير التقليدية كانت‬ ‫مسألة معقدة‪ .‬فتشير التسجيالت إلى أنه‬ ‫رغم عدم وضوح التحذيرات التي أصدرها‬ ‫كل من بيكر وبوش حول تنفيذ عمليات‬ ‫«انتقامية»‪ ،‬كان زعماء العراق على ما‬ ‫يبدو يخشون رد الفعل النووي إذا ما نشروا‬ ‫األسلحة الكيماوية‪ ،‬وهو ما يرجع في جانب‬ ‫منه إلى أن العراق كان يحاول طوال الوقت‬ ‫معادلة ترسانته الكيماوية بترسانة كل من‬ ‫الواليات المتحدة وإسرائيل‪.‬‬ ‫وفي حوار مع القيادة العليا في خريف‬ ‫‪ ،1990‬ذكر عزيز زمالءه أن سياستهم‬ ‫كانت بعدم استخدام األسلحة الكيماوية إال‬ ‫إذا تعرضت البالد لهجوم باألسلحة النووية‪.‬‬ ‫وبالمثل‪ ،‬وفي اجتماع سري آخر في الوقت‬ ‫نفسه تقريبا‪ ،‬قال عزة الدوري‪ ،‬ذراع صدام‬ ‫اليمنى‪ ،‬مصمما‪« :‬من الخطر علينا أن نفصح‬ ‫عن نوايانا باستخدام األسلحة الكيماوية‪ .‬ال‬ ‫يجب أن نفعل ذلك»‪ .‬ثم أضاف عزيز أنهم‬ ‫إذا فعلوا‪ ،‬فإنهم سوف يمنحون األميركيين‬ ‫المبرر لشن هجوم نووي»‪.‬‬ ‫وفي ذلك االجتماع‪ ،‬لم يستبعد صدام حسين‬ ‫تماما الخيار الكيماوي‪ ،‬وقال لمساعديه إن‬ ‫العراق لديه أسلحة كيماوية جديدة خطيرة‬ ‫للغاية‪ .‬ولكنه لم يبد مقتنعا بأن على العراق‬ ‫استخدام مثل تلك األسلحة‪ .‬فيبدو أن الردع‬ ‫قد أفلح في تلك الحالة‪ ،‬ولكن جزئيا فقط‪ .‬فقد‬ ‫اختار صدام التهديدات التي أراد احترامها‬ ‫والتي كانت ال تقع في قلب خططه األكثر‬ ‫أهمية‪.‬‬ ‫والشيء نفسه ينطبق على األفعال العراقية‬ ‫ضد إسرائيل في حرب الخليج‪ .‬فقد وعدت‬ ‫إسرائيل باالنتقام بقوة ضد أي هجوم عراقي‪،‬‬ ‫ولكنها لم تفصح عن التفاصيل‪ .‬ومرة أخرى‪،‬‬ ‫تعامل صدام مع التهديد بطريقته الخاصة‪.‬‬ ‫فقد كان يعلم تاريخ العمليات االنتقامية‬ ‫إلسرائيل‪ .‬حيث إن شن هجوم تقليدي‪ ،‬سوف‬ ‫يدفع إسرائيل لالنتقام بشكل تقليدي‪ ..‬ذلك ما‬ ‫كانت إسرائيل تفعله دائما‪ .‬ومن ثم فإنه كان‬ ‫يرغب في دفع إسرائيل التخاذ رد فعل لكي‬ ‫يقضي على التحالف والذي تضمن بلدانا‬ ‫عربية‪ .‬فقد تجاهل بسعادة‪ ،‬التحذير الغامض‬ ‫وشن هجوما على إسرائيل بصواريخ سكود‬ ‫المعدلة‪ ،‬وامتنع عن استخدام األسلحة‬ ‫الكيماوية أو البيولوجية‪.‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪6‬‬

‫كان من الواضح‬ ‫لكل من على هذا الكوكب‬ ‫أن جورج بوش عازم‬ ‫على غزو العراق‬ ‫وخلع النظام‪،‬‬ ‫ولكن ليس صدام‬ ‫لم ال؟ ألنه كان على ما‬ ‫يبدو قد بدأ يصدق الدعاية‬ ‫اإلعالمية التي‬ ‫كان يروج لها‬ ‫وكما توقع صدام‪ ،‬ثار غضب الحكومة‬ ‫اإلسرائيلية ورغبت بشدة في االنتقام‪ ،‬ولكن‬ ‫خطط صدام باءت بالفشل‪ ،‬ومنعت واشنطن‬ ‫إسرائيل من االنتقام‪.‬‬

‫التسعينات وما بعدها‬ ‫بحلول عام ‪ ،1994‬واجه صدام العديد من‬ ‫المشكالت‪ .‬فقد استمر في السلطة بعد هزيمته‬ ‫الكارثية في حرب الخليج ولكن بالكاد‪ .‬فكان‬ ‫قد فقد سيطرته على شمال العراق لصالح‬ ‫األكراد‪ ،‬وواجه تمردا شيعيا قويا في‬ ‫الجنوب‪.‬‬ ‫وكان الدينار في تراجع مستمر‪ ،‬كما كان‬ ‫االقتصاد العراقي منهارا تماما إثر العقوبات‬ ‫التي فرضتها األمم المتحدة بعد غزو العراق‬ ‫للكويت‪ .‬وليس مفاجئا‪ ،‬أن صدام واجه سلسلة‬ ‫من خطط االنقالبات وأن خوفه على نجاته‬ ‫الخاصة كان يتزايد‪ .‬فقد كانت العقوبات تدمر‬ ‫االقتصاد وكذلك هيبته‪ ،‬وقرر أن عليه اتخاذ‬ ‫قرار‪.‬‬ ‫ذلك الصيف‪ ،‬وبعدما فشل في إقناع األمم‬ ‫المتحدة بأن العراق قد لبى كافة التزاماته فيما‬ ‫يتعلق بإنهاء برنامجه ألسلحة الدمار الشامل‪،‬‬ ‫أعلن صدام أنه إذا ما لم يتم رفع العقوبات‬ ‫على الفور‪ ،‬فإنه سوف يفتح «مخازن العالم»‬ ‫أمام العراقيين بوسائله الخاصة‪ .‬وفي أكتوبر‪،‬‬ ‫بدأ نشر أربع وحدات من الحرس الجمهوري‬ ‫صوب البصرة والكويت‪ ،‬كما فعل في يوليو‬ ‫‪ 1990‬قبل غزو الكويت‪.‬‬ ‫ولكن في ذلك الوقت‪ ،‬كان رد فعل الواليات‬ ‫المتحدة مباشرا‪ ،‬حيث عززت الكويت بنحو‬ ‫‪ 30‬ألف مقاتل وعدة مئات من الطائرات‬ ‫المقاتلة‪ .‬وأوضحت واشنطن أنه إذا لم يسحب‬ ‫صدام قواته‪ ،‬فإنها سوف تدمرها وسرعان ما‬ ‫أذعن صدام‪.‬‬ ‫ما الذي يفسر ذلك النجاح؟ كان موقف صدام‬

‫حسين من سحب قوات الحرس الجمهوري‬ ‫غامضا على نحو ما‪ .‬فكل ما قاله لقادته‬ ‫هو «هناك حقائق» دفعته لفعل ذلك‪ .‬ولكنه‬ ‫أخبرهم أيضا بأنه كان يريد كسر المأزق‬ ‫الدبلوماسي فيما يتعلق بالعقوبات‪ ،‬وأن يدع‬ ‫الفرنسيين والروس‪ ،‬الذين كانت تربطهم‬ ‫صداقات بالعراق‪ ،‬يقومون بالباقي‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬يصعب أن ال نستنتج أي شيء بخالف‬ ‫أن صدام قد تعلم من درسه في ‪ 1990‬ـ‬ ‫‪ :1991‬فقد أظهرت الواليات المتحدة النية‬ ‫والقدرة على ردع قواته المسلحة قبل ثالث‬ ‫سنوات‪ ،‬ولم تكن هناك سبيل لتجنب ذلك ـ‬ ‫على األقل وما زال ذلك حيا في ذاكرة كافة‬ ‫العراقيين‪.‬‬ ‫وكان هناك مسار آخر كان متاحا أمام صدام‬ ‫حسين ربما يحل له مشكالته‪ :‬فكان يمكن أن‬ ‫يوافق على بيع البترول تحت إشراف األمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬ويحاول القبول التدريجي بالحل‬ ‫الدولي فيما يتعلق بالعقوبات‪ .‬وهو المسار‬ ‫الذي اتخذه‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن الطريق لإلذعان الناجح لم يكن‬ ‫سهال‪ :‬فذاكرة حرب الخليج ما زالت حية‪،‬‬ ‫وهناك كثير من القوات األميركية باإلضافة‬ ‫إلى التهديد األميركي الواضح‪ ،‬والنصيحة‬ ‫الفرنسية والروسية باالنسحاب‪ ،‬ووجود‬ ‫برنامج الغذاء في مقابل النفط كمسار بديل‬ ‫معقول‪.‬‬ ‫وعندما اقتربت األلفية‪ ،‬لعب صدام لعبة‬ ‫مزدوجة‪ .‬فنحن نعلم اآلن أنه تخلى في النهاية‬ ‫عن أسلحة الدمار الشامل‪ .‬ولكنه رفض أن‬ ‫يكون صريحا في هذا الشأن‪ ،‬وحاول أن يقنع‬ ‫اآلخرين بأنه يحتفظ سرا بترسانة ألسلحة‬ ‫الدمار الشامل‪.‬‬ ‫وعلى أحد المستويات‪ ،‬كان يعتقد بأنه يجب‬ ‫أن يبقي إيران في حالة خوف‪ ،‬ولكن خصومه‬ ‫المحليين كانوا أكثر أهمية‪ .‬فقد كان يعتقد أنه‬ ‫من الضروري أن يبقي الخوف من األسلحة‬ ‫غير التقليدية الئحا في األفق على رؤوس‬ ‫المتمردين الشيعة في العراق‪.‬‬ ‫وعندما بدأت سحب الحرب تتجمع في‬ ‫‪ ،2002‬حافظ صدام على تلك المقاربة‪ ،‬رغم‬ ‫إلحاح مساعديه على أن تلك المقاربة لن تفلح‪.‬‬ ‫ففي أحد االجتماعات مع كبار مساعديه في‬ ‫ذلك العام‪ ،‬كان معظم الحضور بما في ذلك‬ ‫القادة المرموقون والزعماء المؤثرون في‬ ‫حزب البعث وفي مجلس الحرس الثوري‪،‬‬ ‫يشعرون بأن الطريقة الوحيدة لتجنب هجوم‬ ‫أميركي هي الصراحة الكاملة‪.‬‬ ‫وقد سمح صدام لقادته بالتعبير عن أنفسهم‪،‬‬ ‫ولكنه رفض الفكرة ببساطة‪ .‬وكانت حجته أن‬ ‫العراق خضع بالفعل لمفتشي األمم المتحدة‬


‫طلب بيكر أن تنسحب العراق من الكويت‬ ‫أو تتعرض للحرب‪ ،‬وحذره من أنه إذا‬ ‫شنت الواليات المتحدة حربا‪ ،‬ودمر العراق‬ ‫المنشآت البترولية الكويتية‪ ،‬أو شن هجمات‬ ‫إرهابية على الواليات المتحدة‪ ،‬أو استخدم‬ ‫أسلحة كيماوية أو بيولوجية «سوف يطالب‬ ‫الشعب األميركي باالنتقام‪ ..‬ولدينا الوسائل‬ ‫لفعل ذلك‪ ..‬ذلك مؤكد»‪.‬‬ ‫في األسابيع التالية‪ ،‬لم ينسحب العراق من‬ ‫الكويت‪ ،‬وهو ما أدى إلى التدخل العسكري‬ ‫لتحالف مكون من ‪ 34‬دولة بقيادة الواليات‬ ‫المتحدة‪ .‬كما حاول العراق أن يشن هجمات‬ ‫إرهابية على األهداف األميركية (دون‬ ‫تحقيق نتائج)‪ ،‬وتدمير مساحات كبيرة من‬ ‫البنية التحتية للبترول في الكويت‪ .‬ولم‬ ‫يستجب صدام إلى تحذيرات بيكر‪ ،‬إال‬ ‫فيما يتعلق باستخدام األسلحة البيولوجية‬ ‫والكيماوية ضد التحالف‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫أن التحذيرات األميركية كانت متساوية‬ ‫بشأن كافة األمور السابقة‪ ،‬فإن صدام انتقى‬ ‫األخير منها‪.‬‬ ‫وقد فسرت وسائل اإلعالم العراقية ذلك نيابة‬ ‫عن صدام‪ ،‬حيث إن االنسحاب السلمي من‬ ‫الكويت‪ ،‬كان غير متاح ألنه سيكون مهينا‬ ‫وغير إنساني‪ ،‬كما أن «شرفه القبلي» منعه‬ ‫من اتخاذ مثل ذلك المسار‪ .‬وربما تكون‬ ‫تلك العوامل قد لعبت دورا في قراره بعدم‬ ‫االنسحاب‪ ،‬ولكن كان هناك شيء آخر أكثر‬ ‫أهمية‪.‬‬ ‫كان صدام مقتنعا بأنه إذا ما انسحب على‬ ‫نحو سلمي‪ ،‬سوف يخسر احترام الشعب‬ ‫العراقي‪ ،‬بما في ذلك النخب التي يعتمد‬ ‫عليها نظامه للبقاء في السلطة‪.‬‬ ‫وبعدما قرر أن االنسحاب ليس مسألة‬ ‫مطروحة‪ ،‬كان على صدام فحص المخاطر‬ ‫المتعلقة ببقائه في الكويت‪ ،‬وهو ما كان‬ ‫يعني أن عليه استدعاء األسباب التي تجعل‬ ‫األميركيين يمتنعون عن الهجوم‪ ،‬وتجعلهم‬ ‫يخسرون إن فعلوا‪ .‬وكان األخير سهال‪ :‬فقد‬ ‫منع جنراالته ببساطة من طرح االستنتاجات‬ ‫المتشائمة عليه‪ ،‬وفصل كل من حاول فعل‬ ‫ذلك‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ووفقا للعديد من الجنراالت‬ ‫العراقيين‪ ،‬كان صدام يعتقد أن جيشه الكبير‬ ‫الذي يتكون من مليون مقاتل قوي بما يكفي‬ ‫لهزيمة قوات التحالف‪.‬‬ ‫وتفيد المصادر العراقية بأنه مع بداية‬ ‫الحرب‪ ،‬نشر صدام ‪ 55‬من وحداته الست‬ ‫والستين على الساحة الكويتية‪ ،‬في عمق‬ ‫الكويت وزودهم باحتياطي وفير من المدفعية‬ ‫والعربات المصفحة‪ ،‬كما وضع الحرس‬ ‫الثوري في العمق خلفهم جميعا‪ ،‬وهو نفس‬ ‫الحشد الذي اعتاد العراق على استخدامه‬ ‫لعرقلة الهجوم اإليراني في الثمانينيات‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫وقد شعر بأن ذلك كاف لضمان مأزق رهيب‬ ‫ال تستطيع القوات األميركية احتماله لمدة‬ ‫طويلة‪ .‬وفي اجتماع رفيع المستوى في‬ ‫‪ 13‬يناير ‪ ،1991‬وقبل يومين من انتهاء‬ ‫المدة التي حددها مجلس األمن التابع لألمم‬ ‫المتحدة النسحاب العراق‪ ،‬كان صدام‬ ‫مبتهجا‪ .‬فقد أكد لجنوده أن القوات الجوية‬ ‫األميركية لم تكن تعلم شيئا عن المكان الذي‬ ‫تحلق فوقه‪ ،‬وسأل بشكل بالغي فيما يتعلق‬ ‫بالهجوم البري عما «إذا كان األميركيون‬ ‫سوف يتمكنون من فعل أي شيء إذا ما تم‬ ‫اعتقال ‪ 20‬ألفا منهم»‪.‬‬ ‫وطوال الوقت‪ ،‬استمر صدام في اإلصرار‬ ‫على أن الواليات المتحدة تفتقر حتى لنية‬ ‫قتاله‪ .‬ففي اجتماع لمجلس قيادة الثورة في‬ ‫أواخر أكتوبر (تشرين األول) ‪ ،1990‬على‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬ادعى أنه رغم وجود عدد كبير‬

‫من القوات األميركية في الخليج‪ ،‬ما زالت‬ ‫واشنطن مترددة‪ .‬ونفى بيانا أميركيا حديثا‬ ‫بأن الواليات المتحدة تنشر ‪ 100‬ألف مقاتل‬ ‫إضافي في المنطقة‪.‬‬ ‫ولكن عزيز‪ ،‬الخبير في شؤون الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬أكد أن مثل ذلك التصريح يمثل‬ ‫التزاما بشن الحرب‪ .‬وأوضح لصدام بأن‬ ‫اإلدارة األميركية ال تستطيع التراجع اآلن‬ ‫دون خسارة الرأي العام لديها‪ ،‬ومن ثم فإنها‬ ‫بعد إرسالها ذلك العدد من القوات‪ ،‬سوف‬ ‫تذهب للحرب‪ .‬ولم يكن صدام مقتنعا‪ ،‬حيث‬ ‫قال إن فرص شن الواليات المتحدة للحرب‬ ‫تماثل خمسين في المائة فقط‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لمطالب الواليات المتحدة‬ ‫بامتناعه عن شن هجمات إرهابية وتدمير‬ ‫آبار البترول بالكويت‪ ،‬فيبدو أن صدام كان‬

‫‪5‬‬ ‫‪57‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫علي حسن المجيد (الذي حصل الحقا على‬ ‫لقب علي الكيماوي) لم يوافقوا على ذلك‪.‬‬ ‫وفي رد فعل على تحدي علي حسن المجيد‪،‬‬ ‫أقر صدام بغضب بأن الخميني سوف‬ ‫يحارب‪ ،‬ولكنه أصر على أنه إن فعل ذلك‪،‬‬ ‫فإن أي حملة عسكرية ستكون شديدة السهولة‬ ‫بالنسبة للعراق‪« :‬عندما يتوتر الموقف‪..‬‬ ‫اإليرانيون ليسوا سوى بشر‪ ..‬سوف يكون‬ ‫عليهم أن يكونوا واقعيين ويقروا بالنصر‬ ‫العراقي»‪ .‬وعندما بدأت األحداث‪ ،‬أعلن‬ ‫صدام انتصاره بعد ستة أيام من الحرب رغم‬ ‫أن المعارك استمرت بعد ذلك لمدة ثمانية‬ ‫أعوام‪ .‬وكان صدام قد بالغ في تقدير كفاءته‬ ‫العسكرية‪ ،‬وقلل من شأن القومية اإليرانية‬ ‫والحمية اإلسالمية والثورية والتفوق على‬ ‫األرض والمخزون البشري الهائل‪.‬‬ ‫وخالل تلك السنوات نفسها‪ ،‬أعلن صدام‬ ‫كراهيته إلسرائيل واليهود بصفة عامة‪ ،‬فقد‬ ‫كان يتوق ألن يلعب دور نبوخذ نصر أو‬ ‫صالح الدين و«يحرر» األراضي المقدسة‪.‬‬ ‫وفي التسجيالت‪ ،‬يتكرر ذكر إسرائيل‪ .‬فعلى‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬في محاضرة ألقاها في ‪،1978‬‬ ‫بجامعة البكر للدراسات العسكرية العليا‪،‬‬ ‫كلية األركان العراقية‪ ،‬قال إن العراق يحتاج‬ ‫إلى السالح النووي‪ ،‬لكي يستطيع تحقيق‬ ‫نصر تقليدي على إسرائيل‪ .‬فربما يشن‬ ‫العرب حربا جديدة مخططة ضد إسرائيل‪،‬‬ ‫وإذا فعلوا ذلك سوف تساهم العراق بقوة‬ ‫كبرى ـ ولكن يجب على العرب أن يحصلوا‬ ‫أوال على ترسانة نووية‪.‬‬ ‫فيمكن للقوى العسكرية التقليدية للعرب‬ ‫أن تهيمن‪ ،‬ولكنهم يحتاجون سالحا نوويا‬ ‫لمعادلة التهديد اإلسرائيلي بتصعيد النزاع‬ ‫إلى مستوى آخر‪ .‬وفي يونيو (حزيران)‬ ‫‪ ،1981‬دمرت القوات اإلسرائيلية الجوية‬ ‫المفاعل النووي العراقي (أوسيراك)‪.‬‬ ‫وقد استعدت إسرائيل لعملية انتقامية من‬ ‫القوات الجوية العراقية‪ ،‬ولكن بغداد لم تفعل‬ ‫أي شيء‪ .‬لماذا؟ في مناقشة حول الهجمة‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬لم يقترح صدام حسين أو أي‬ ‫من مستشاريه عملية انتقامية‪ .‬ولم يتحدثوا‬ ‫بصراحة عن السبب‪ ،‬ولكن يبدو من السياق‬ ‫أن السبب يرجع إلى أن الجميع كان يدرك‬ ‫أن ذلك ليس ممكنا‪ .‬فقد كان العراق يخوض‬ ‫حربا غير محتملة مع إيران‪ ،‬وكانوا يرون‬ ‫أن فتح جبهة عسكرية أخرى ليس بالقرار‬ ‫الحكيم‪ .‬وكانت القوات الجوية العراقية‬ ‫منشغلة تماما بالحرب مع إيران‪ ،‬كما لم‬ ‫يكن لدى بغداد حتى ذلك الوقت صواريخ‬ ‫متوسطة المدى‪.‬‬ ‫وقد ظهر اإلقرار بالتفوق العسكري التقليدي‬ ‫إلسرائيل في الثمانينات‪ .‬ففي سبتمبر ‪،1989‬‬ ‫وعندما انتهت الحرب مع إيران وكان لدى‬ ‫العراق جيش كبير ومتفرغ للقيام بمغامرات‬ ‫‪56‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪4‬‬

‫أكد صدام أن وزير‬ ‫دفاعه ورئيس األركان‬ ‫لم يكونا يعرفان‬ ‫عن غزو الكويت‬ ‫وان قيادات حزب البعث‬ ‫كانوا أكثر حظا فقد‬ ‫تم إخبارهم قبل الغزو‬ ‫بأربع ساعات‬ ‫أخرى‪ ،‬يبدو أن برزان التكريتي كان يعلم‬ ‫بشأن االستعداد لحرب جديدة‪ .‬وخوفا من أن‬ ‫يكون أخوه األكبر يعد حربا ضد إسرائيل‪،‬‬ ‫فإنه حذره من ذلك قائال‪« :‬إذا ما شن العراق‬ ‫حربا على إسرائيل‪ ،‬يمكن إلسرائيل أن‬ ‫تزيحنا من على وجه األرض»‪ .‬وكان رد‬ ‫فعل صدام هو التعهد بإعادة بناء البرنامج‬ ‫النووي العراقي‪ .‬فقد تمكنت إسرائيل من‬ ‫ردع صدام على المدى القصير‪ ،‬ولكن صدام‬ ‫أجل تحقيق هدف القضاء على إسرائيل‪،‬‬ ‫باعتباره هدفا بعيد المدى‪ ،‬حتى يتمكن من‬ ‫الحصول على السالح النووي والتفت إلى‬ ‫معالجة المشكالت األكثر إلحاحا مع جيرانه‬ ‫المباشرين‪.‬‬

‫حرب الخليج‬ ‫ولم يتعلم صدام حسين الحذر من ذلك‬ ‫االنتصار فادح الثمن على إيران‪ ،‬بل إنه فاقم‬ ‫إحساسه بأنه ال يخطئ‪ .‬فقد خرج من الحرب‬ ‫بمشكلتين كبيرتين‪ :‬ديون هائلة وجيش ضخم‬ ‫من دون شيء يفعله‪ .‬وفي بداية التسعينات‪،‬‬ ‫قرر استخدام جيشه للتخلص من المشكلة‬ ‫األولى بغزو جارته الثرية وقليلة الحيلة‪،‬‬ ‫الكويت‪ ،‬وحل مشكالته‪.‬‬ ‫ففي ظل تصاعد التوتر في الخليج العربي‬ ‫في ذلك الصيف‪ ،‬التقت السفيرة األميركية‬ ‫في العراق‪ ،‬أبريل غالسبي‪ ،‬بصدام‪ .‬وألقى‬ ‫العديد من األميركيين باللوم عليها إلخفاقها‬ ‫في استغالل الفرصة لردعه‪ ،‬ولكن األدلة‬ ‫تشير إلى أنه ربما لم يكن لديها شيء تقوم به‪.‬‬ ‫فعندما التقيا في ‪ 25‬يوليو (تموز) ‪،1990‬‬ ‫كانا يتحدثان في موضوعات مختلفة‪ .‬فقد‬ ‫أخبر صدام غالسبي أنه يعتزم حل مشكالته‬ ‫مع الكويت بطريقة أو بأخرى‪.‬‬ ‫فيما لم تصدق غالسبي أبدا أن صدام‬ ‫يعتزم غزو الكويت‪ ،‬كما أنها حذرته من‬ ‫أن الواليات المتحدة «لن تسمح بأي تسوية‬ ‫للنزاع بخالف التسوية السلمية»‪ ،‬كما أنها‬ ‫أكدت له أنه عندما يتعلق األمر بالحدود‬ ‫بين العراق والكويت‪ ،‬فإن الواليات المتحدة‬

‫«ليس لها موقف محدد في تلك الشؤون‬ ‫العربية»‪ .‬ولم تقنع تلك الرسالة المتخبطة‬ ‫صدام بأن الواليات المتحدة سوف تتدخل‬ ‫بالتأكيد كما تظهر التسجيالت أنه لم يكن‬ ‫مقتنعا باحتمالية اتخاذ أميركا رد فعل‬ ‫عسكريا‪ .‬وقد بدأ الغزو على أية حال‪.‬‬ ‫وقد أكد صدام في أحد االجتماعات المغلقة‬ ‫أنه حتى وزير دفاعه ورئيس أركان القوات‬ ‫المسلحة (بخالف الحرس الجمهوري) لم‬ ‫يكونا يعرفان بشأن الغزو إال مع بدايته‪.‬‬ ‫ولكن قيادات حزب البعث كانوا أكثر حظا‪:‬‬ ‫فقد تم إخبارهم قبل الغزو بأربع ساعات‬ ‫بأن العملية سوف تشمل الكويت بأسرها‪،‬‬ ‫وليس المنطقة الصغيرة التي كانوا قد‬ ‫تناقشوا حولها من قبل‪ .‬وكان المسؤولون‬ ‫يشعرون باالضطراب‪ :‬طارق عزيز‪ ،‬أحد‬ ‫المستشارين المقربين من صدام ووزير‬ ‫خارجيته سوف يذكر بعد ذلك بسنوات‪ ،‬أنه‬ ‫سأل صدام حسين في ذلك الوقت‪« :‬لماذا؟»‬ ‫فأجاب‪« :‬ألنه ليس هناك أي فارق» وذلك‬ ‫ما حدث‪.‬‬ ‫وكانت التحركات العسكرية للعراق خالل‬ ‫الغزو‪ ،‬بما في ذلك تنصيب أنظمة دفاعية‬ ‫في المجال الجوي للكويت وعلى الشواطئ‬ ‫خالل ساعات من بدأ الهجوم‪ ،‬تشير إلى أن‬ ‫صدام كان يعتقد أن الواليات المتحدة ربما‬ ‫تهاجم مباشرة لمنعه من االحتفاظ بجائزته‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬وفي اجتماع مع قادته في ‪7‬‬ ‫أغسطس (آب)‪ ،‬وبعد خمسة أيام من الغزو‪،‬‬ ‫كان يحمد اهلل ألنه منحه الوقت الكافي‬ ‫لالستعداد لهجمة عسكرية أميركية‪ .‬فلماذا‬ ‫إذن لم يمتنع عن الغزو في المقام األول؟‬ ‫وفقا للتسجيالت‪ ،‬ألنه كان واثقا بأنه يستطيع‬ ‫التغلب على الواليات المتحدة حتى إذا ما‬ ‫شنت هجوما عليه‪.‬‬ ‫فكما يقول لغالسبي‪« :‬مجتمعكم ال يستطيع‬ ‫قبول ‪ 10‬آالف قتيل في معركة واحدة»‪.‬‬ ‫وأقنع نفسه بأن رد فعل الواليات المتحدة‬ ‫سوف يقتصر على القوة الجوية‪ ،‬وأنه‬ ‫يستطيع أن يجعل الواليات المتحدة تتوقف‬ ‫بمهاجمة القواعد األميركية في الخليج‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫وبعدما احتل صدام الكويت‪ ،‬بذلت الواليات‬ ‫المتحدة جهودا حثيثة إلقناعه باالنسحاب‬ ‫(كشكل من أشكال اإلذعان) ولردعه عن‬ ‫المشاركة في أفعال مدمرة وخطرة خالل‬ ‫أي نزاع تال‪ .‬وقد أخفقت تلك الجهود‪.‬‬ ‫ففي ‪ 9‬يناير (كانون الثاني) ‪،1991‬‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬التقى وزير الخارجية‬ ‫األميركي‪ ،‬جيمس بيكر‪ ،‬مع عزيز في‬ ‫جنيف‪ ،‬وقدم له خطابا من الرئيس األميركي‬ ‫جورج دبليو بوش إلى صدام حسين‪ .‬وقد‬


‫حصلت الواليات المتحدة على عدد من‬ ‫الوثائق وتسجيالت للحوارات‪ ،‬بل وحتى‬ ‫تسجيالت العديد من االجتماعات الخاصة‬ ‫التي تلقي بالضوء على سلوك صدام‪ ،‬وهي‬ ‫المادة التي أصبحت اآلن متاحة أمام الباحثين‬ ‫بمركز «أبحاث سجالت النزاع» بواشنطن‬ ‫العاصمة‪.‬‬

‫كان سلوك صدام‬ ‫في السياسة الخارجية‬ ‫العراقية بعد وصوله‬ ‫للسلطة في السبعينات‬ ‫يماثل لعبة روليت‬ ‫روسية ممتدة‪ .‬وتمكن‬ ‫لعدة عقود من اإلفالت‬ ‫من خسارة الرهان وهو‬ ‫ما جعله يؤمن بأنه‬ ‫معصوم من الخطأ‬

‫وذلك ألن الزعيم العراقي كان يميل إلى‬ ‫تجاهل الحقائق المزعجة والمعلومات‬ ‫المؤسفة‪ .‬فكان دائما ما يضع سيناريوهات‬ ‫معقدة‪ ،‬تجعله يعتقد أن األمور سوف تصير‬ ‫إلى صالحه في النهاية‪ ،‬في الوقت الذي يعتقد‬ ‫فيه اآلخرون أن مثل تلك النتائج مستبعدة‬ ‫تماما‪ .‬وبدال من فحص المعلومات المتعلقة‬ ‫بنوايا الخصم أو حتى قدراته‪ ،‬كان يؤكد‬ ‫ببساطة المعلومات التي يحب أن يكون‬ ‫عليها‪ .‬وكان يتعامل مع التعلم على نفس‬ ‫النحو فقد كان يتعامل مع خبراته الماضية‬ ‫على نحو انتقائي وخاص‪ ،‬لمالءمة رغباته‬ ‫الحالية فقط‪.‬‬

‫لعدة عقود من اإلفالت من خسارة الرهان‬ ‫وهو ما جعله يؤمن بأنه معصوم من الخطأ‪.‬‬ ‫وفي ‪ ،2003‬حرك البندقية مرة أخرى‪،‬‬ ‫ولكن هذه المرة انطلقت الرصاصة‪.‬‬

‫وبالجمع بين تلك الوثائق والمعلومات‬ ‫التي كانت متاحة من قبل‪ ،‬يتضح أن ذلك‬ ‫القائد كان يصعب ردعه بل يكاد أن يكون‬ ‫مستحيال‪ ،‬ولكن ذلك كان ألسباب بعيدة كل‬ ‫البعد عن عدم العقالنية‪ .‬فقد كان من الصعب‬ ‫احتواء صدام حسين‪ ،‬رغم أنه كان يتصرف‬ ‫من منطلق مجموعة من التفضيالت القائمة‬ ‫على المصالح الشخصية‪.‬‬

‫وكان تفكير القطيع والتملق يلعبان دورا‬ ‫رئيسيا في صناعة القرار العراقي‪ ،‬وفقا‬ ‫لما أظهرته التسجيالت‪ ،‬ولكن ليس بالقدر‬ ‫الذي كان متوقعا‪ .‬فعلى الرغم من أن معظم‬ ‫مستشاري صدام حسين كانوا على استعداد‬ ‫للتسليم بافتراضات وتأكيدات صدام حسين‪،‬‬ ‫رغم إقرارهم بأنها متفائلة للغاية‪ ،‬كانت هناك‬ ‫على األقل بعض األصوات المعارضة‪.‬‬ ‫ففي العديد من اللحظات المحورية على مدار‬ ‫السنين‪ ،‬تحدى بعض األعضاء المؤثرين‬ ‫في الدائرة المقربة من صدام حسين مواقفه‬ ‫الضاللية‪ ،‬حتى إن البعض فعل ذلك دون‬ ‫التعرض للعقاب‪ ،‬وظلوا يحظون بثقته‪.‬‬ ‫ولكن صدام حسين كان يتجاهل تلك‬ ‫االعتراضات‪ ،‬أو يقدم تفسيرات منطقية‬ ‫لتوضيحها‪ .‬وربما يكون ذلك النمط قد أصبح‬ ‫أسوأ مع الوقت‪ ،‬فيبدو أن االنتصارات التي‬ ‫كان يدعيها صدام واستمرار وجوده في‬ ‫منصبه قد جعاله أكثر ثقة في ذاته‪ ،‬وهو ما‬ ‫جعله أكثر المباالة‪.‬‬ ‫فقد كان سلوك صدام في السياسة الخارجية‬ ‫العراقية بعد وصوله للسلطة في السبعينات‬ ‫يماثل لعبة روليت روسية ممتدة‪ .‬وتمكن‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫السبعينات والثمانينات‬ ‫لقد كانت أكثر الحلقات وضوحا والتي تم‬ ‫ردع صدام حسين بها ـ أو على األرجح‬ ‫أكره على الردع ـ في بداية تاريخه المهني‪.‬‬ ‫ففي عام ‪ ،1975‬كان النظام البعثي عالقا في‬ ‫حملة عسكرية صعبة ضد السكان األكراد‬ ‫في العراق‪ .‬بالنسبة لصدام‪ ،‬الذي كان نائبا‬ ‫للرئيس وأكثر الرجال تأثيرا في البالد‪ ،‬كان‬ ‫النصر حيويا‪ ،‬ألنه سوف يقضي على العقبة‬ ‫األخيرة أمام الهيمنة الكاملة للنظام‪.‬‬ ‫فقد كان األكراد يقاومون ببسالة بمساعدة‬ ‫شاه إيران‪ ،‬وبالتالي جلس صدام حسين مع‬ ‫شاه إيران في الجزائر‪ ،‬ومنحه كل شيء‬ ‫أراده‪ ،‬لكي يقنعه بالتوقف عن دعمه‪.‬‬ ‫وكان أكبر تنازل قدمه صدام حسين‪ ،‬هو‬ ‫التخلي عن السيادة العراقية في معظم الجانب‬ ‫الشرقي من الممر المائي لشط العرب‪،‬‬ ‫وهو ما تضمن التخلي عن مطالب استقالل‬ ‫السكان العرب بخوزستان في جنوب شرقي‬ ‫إيران‪ .‬وكانت تلك شروطا مهينة تعرض‬ ‫على أثرها صدام حسين النتقادات واسعة‪،‬‬ ‫خاصة من حافظ األسد زعيم حزب البعث‬ ‫الخصم في سوريا‪.‬‬ ‫وبعد ذلك بخمس سنوات‪ ،‬وقبل عدة أيام‬ ‫من غزوه إيران‪ ،‬راجع صدام ذلك القرار‬ ‫في اجتماع مع أقرب مستشاريه‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ ،1975‬أخبرهم أنه أذعن للشاه نظرا ألن‬ ‫االتحاد السوفياتي رفض تزويده بالمزيد من‬ ‫الذخيرة‪ .‬فلم يكن لدى العراق قذائف مدفعية‬ ‫تكفي إال ليوم واحد من القتال‪.‬‬ ‫وكان العراقيون يعلمون أن الشاه يحصل‬

‫على سالح وفير من الواليات المتحدة‪ ،‬وأن‬ ‫إيران كانت ترسل بالفعل كتائب مدفعية‬ ‫كاملة إلى كردستان العراق‪ .‬وكانت إيران‬ ‫والعراق على شفا حرب ال يمكن أن تنتصر‬ ‫فيها العراق‪ ،‬وقد أجبر ذلك التفوق العسكري‬ ‫صدام على إظهار «المرونة»‪.‬‬ ‫ربما يكون صدام قد تراجع أمام إيران‬ ‫في تلك المرة‪ ،‬ولكنه فعل ذلك لكي يحقق‬ ‫ما اعتبره نصرا أكبر وأكثر أهمية على‬ ‫األكراد‪ .‬وقد أفلحت استراتيجيته‪ .‬فمن دون‬ ‫دعم إيران‪ ،‬انهارت القوات الكردية خالل‬ ‫أسابيع‪ ،‬وتمكن صدام من فرض سيطرته‬ ‫على كافة أنحاء العراق على نحو لم يفعله‬ ‫أي حاكم منذ انتهاء المملكة التي تدعمها‬ ‫بريطانيا‪ .‬باإلضافة إلى أن الشاه أوقف دعمه‬ ‫(المحدود) للمعارضة الشيعية العراقية‪ .‬ومن‬ ‫منظور صدام‪ ،‬كانت الصفقة جيدة للغاية‪،‬‬ ‫وكانت حساباته خاللها عقالنية‪.‬‬ ‫ربما يكون صدام حسين قد تخلى عن شط‬ ‫العرب لسبب مفهوم‪ ،‬ولكنه لم يقنع أبدا‬ ‫بالخسارة وكانت رغبته في استعادة تلك‬ ‫األراضي أحد العوامل الرئيسة وراء قراره‬ ‫بغزو إيران بعد ذلك بخمس سنوات‪ .‬وال‬ ‫تحتوي الوثائق التي تم الحصول عليها‬ ‫على كافة األمور المتعلقة بصناعة القرار‬ ‫في الثمانينات‪ ،‬ولكنها عززت النظريات‬ ‫الموجودة حول أن صدام كان لديه منطق‬ ‫دفاعي وهجومي وراء ذلك الهجوم‪.‬‬ ‫فقد كان يخشى أن تثير الجمهورية اإلسالمية‬ ‫الجديدة بقيادة آية اهلل الخميني وإمكاناتها‪،‬‬ ‫غضب المعارضة الشيعية العراقية ضد‬ ‫بغداد‪ .‬فربما تنهي هزيمة إيران التهديد‬ ‫وتزيل عقبة أمام طموحات العراق‬ ‫اإلقليمية‪ ،‬باإلضافة إلى استعادة األراضي‬ ‫التي خسرها في الجزائر‪ .‬ولم يكن الغزو‬ ‫ضرورة اقتصادية أو حال لبعض المشكالت‬ ‫المحلية‪.‬‬ ‫وقد حذر القادة العراقيون صدام في بداية‬ ‫صيف ‪ 1979‬من أن يتم جره إلى حرب‬ ‫مع إيران‪ ،‬وكان في تلك المرحلة يوافق‬ ‫على ذلك‪ .‬ولكن عندما بدأ يفكر في استعادة‬ ‫شط العرب لم يعد بإمكانه التوقف‪ ،‬وقد‬ ‫وضع ضوابط منطقية لطموحاته من خالل‬ ‫تجاهله للخسائر المحتملة وتخيل أفضل‬ ‫السيناريوهات الممكنة‪.‬‬ ‫وفي ‪ 16‬سبتمبر (أيلول) ‪ ،1980‬التقى‬ ‫صدام الذي أصبح رئيسا للعراق مع الرجال‬ ‫المقربين منه لمناقشة خططهم‪ .‬فقد زعم أن‬ ‫إيران لن ترفض المطلب العراقي باستعادة‬ ‫شط العرب‪ ،‬ألنها إن فعلت ذلك فسوف‬ ‫تنشب حرب تخسر فيها إيران بفداحة‪ .‬ولكن‬ ‫معظم الحضور‪ ،‬عدا قلة‪ ،‬بمن فيهم ابن عمه‬ ‫‪3‬‬ ‫‪55‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫العقالنية ليست السبيل الوحيدة لالحتواء‬

‫دروس من العراق‬

‫في الوقت الذي تستأنف فيه إيران مساعيها النووية‪ ،‬يثور جدل بين المراقبين حول مدى القلق الذي يجب أن يسود العالم‪ .‬ففيما‬ ‫يرى المتفائلون أن الحرب النووية حرب انتحارية‪ ،‬ال يمكن أن تخاطر بها أي حكومة أبدا‪ ،‬ويؤمنون بأن الجمهورية اإلسالمية ليست‬ ‫استثناء من ذلك‪ ،‬يقول المتشائمون إن نظام إيران الراديكالي غير المستقر‪ ،‬ربما يتصرف على نحو غير متوقع‪ ،‬وإنه ال يمكن الوثوق‬ ‫به‪ .‬ويبدو أن كال الفريقين يتفق على أن العقالنية هي المفتاح الرئيسي للردع‪ ،‬ولكنهما يختلفان حول ما إذا كانت إيران النووية يمكن‬ ‫أن تتحلى بالعقالنية أم ال‪.‬‬ ‫أماتسيا برعام ‪ -‬أستاذ تاريخ الشرق األوسط في جامعة حيفا‬ ‫فورن أفيرز – خاص بـ»المجلة»‬

‫ولألسف‪ ،‬فإن األمور ليست بهذه البساطة‪.‬‬ ‫حيث إن الصلة بين العقالنية والردع ليست‬ ‫بالبساطة التي يعتقدها كثيرون‪ ،‬حيث‬ ‫يصعب التنبؤ بما يشكل السلوك العقالني‬

‫‪54‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪2‬‬

‫بالنسبة لقادة إحدى الدول‪ .‬أي باختصار‪،‬‬ ‫يمثل الردع قضية أكثر تعقيدا مما يعتقد‬ ‫بصفة عامة‪.‬‬ ‫وقد انتقل ذلك الجدل قهرا إلينا إثر الفحص‬

‫العميق لمحاوالت السيطرة على صدام‬ ‫حسين‪ ،‬والذي أصبح متاحا بعد اإلفراج‬ ‫عن قدر كبير من الوثائق العراقية التي تم‬ ‫االستحواذ عليها‪ .‬ففي أعقاب حرب العراق‪،‬‬


‫الفتراض أن الواليات المتحدة لن ترد إذا‬ ‫تعرضت كوريا الجنوبية لهجوم‪.‬‬ ‫وفي ضوء هذه الحقائق‪ ،‬من الصعب أن نرى‬ ‫في تشجيع ستالين على الغزو مثاال على السلوك‬ ‫الجريء المتطرف‪ .‬وعلى عكس ادعاءات‬ ‫كال‪ ،‬ال تشير بداية الحرب الكورية إلى أي‬ ‫دليل على روح المغامرة النووية السوفياتية‪،‬‬ ‫ومن ثم ال يجب أن نفهمها على أنها قصة‬ ‫تحذيرية لدى دراسة التأثير المحتمل الذي‬ ‫ستمثله الترسانة النووية على السلوك اإليراني‪.‬‬ ‫يبدو أن كال يوافق على فكرة أن السالح النووي‬ ‫يحقق االستقرار ‪ -‬أو نوعا من االستقرار على‬ ‫األقل ‪ -‬ولكنه أشار‪ ،‬كما يفعل معظم دارسي‬ ‫الشؤون النووية وأنا معهم‪ ،‬إلى أن االستقرار‬ ‫النووي يسمح بوجود عنف على مستوى‬ ‫منخفض‪ .‬تستطيع الدول المسلحة نوويا‪ ،‬التي‬ ‫تستفيد من الحماية التي توفرها لها ترسانتها‬ ‫النووية‪ ،‬أن تشعر بحرية أكبر في شن عمليات‬ ‫ثانوية‪ ،‬ونشر اإلرهاب وممارسة سلوك مزعج‬ ‫عامة‪ .‬ولكن يتعلق السؤال المطروح بحجم‬ ‫هذه السلوكيات المزعجة مقارنة بالسالم‬ ‫واالستقرار اللذين تحققهما األسلحة النووية‪.‬‬ ‫يضرب كال مثال بباكستان‪ ،‬التي ربما‬ ‫ضاعف سالحها النووي من رغبتها في شن‬ ‫معارك منخفضة الحدة ضد الهند‪ ،‬مما جعل‬ ‫شبه الجزيرة الهندية أكثر عرضة للوقوع في‬ ‫أزمات‪ .‬كما أصاب كال في التوضيح‪ ،‬قد تكون‬ ‫رغبة باكستان الزائدة سببا في التعجيل بوقوع‬ ‫ما يسمى بحرب كارجيل بين الهند وباكستان‬ ‫عام ‪ .1999‬ولكن كانت حرب كارجيل‬ ‫المعركة الرابعة التي تندلع بين الدولتين‪ ،‬كما‬ ‫أنها تبدو صغيرة مقارنة بالحروب الثالث‬ ‫األخرى التي اندلعت قبل أن تحصل كلتا‬ ‫الدولتين على سالحهما النووي‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬يعد الصراع في كارجيل حربا‬ ‫فقط بالنسبة لعلماء االجتماع‪ ،‬الذين يُعرفون‬ ‫«الحرب» بأنها أي نزاع ينتج عنه مقتل‬ ‫‪ 1000‬شخص أو يزيد في ميدان المعركة‪.‬‬ ‫ووفقا للمعايير الدولية‪ ،‬يشكل هذا المعدل من‬ ‫الضحايا ما يزيد قليال على المناوشات‪ .‬بعيدا‬ ‫عن إثبات أن الدول النووية الجديدة ال يسيطر‬ ‫عليها منطق الردع‪ ،‬تؤيد حرب كارجيل‬ ‫الفرضية التي تشير إلى أن السالح النووي‬ ‫يمنع الصراعات الصغيرة من التحول إلى‬ ‫حروب كبرى‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬السالح النووي ليس السالح الوحيد‬ ‫الذي يشجع على السالم كما شهد العالم‪ ،‬وال‬ ‫يوجد سبب ألن نعتقد أن األمور ستختلف إذا‬ ‫حصلت إيران على مثل هذا السالح‪.‬‬ ‫يقلق كال أيضا من أن إيران النووية سوف‬ ‫تزيد من الدعم الذي تقدمه إلى الجماعات‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫اإلرهابية‪ .‬اإلرهاب مأساة لهؤالء الذين تتدمر‬ ‫حياتهم بسببه ومصدر اضطرابات في الدول‬ ‫التي تعاني منه‪ .‬ولكن تقل أعداد القتلى نتيجة‬ ‫ألعمال اإلرهاب الدولية سنويا كثيرا إذا‬ ‫قورنت بالخسائر البشرية الناجمة عن الحروب‬ ‫الكبرى‪.‬‬ ‫وبالطبع‪ ،‬مثل كال‪ ،‬لن أرحب بزيادة الدعم‬ ‫اإليراني الذي يحصل عليه حزب اهلل أو زيادة‬ ‫اإلمدادات من األسلحة اإليرانية األكثر قوة‬ ‫إلى المسلحين الفلسطينيين‪ .‬وأرجو أيضا أن‬ ‫يكون هناك حل سلمي للصراع اإلسرائيلي‬ ‫ الفلسطيني والنزاعات القائمة بين إسرائيل‬‫وجيرانها‪.‬‬ ‫ولكن لم تقدم العقود العديدة الماضية سببا‬ ‫لالعتقاد في سهولة تحقيق هذه األهداف‪ ،‬بل‬ ‫يمكنني رؤية احتمالية تقليل خطر وقوع حرب‬ ‫كبرى من خالل االستقرار النووي‪ ،‬حتى وإن‬ ‫كان الثمن هو زيادة األنشطة االضطرابية‬ ‫والصراعات على مستوى منخفض‪.‬‬ ‫منذ عدة أشهر فقط على هذه الصفحات‪ ،‬أعرب‬

‫كال في بالغة عن معارضته لهجوم وقائي‬ ‫مقترح على منشآت نووية إيرانية‪ ،‬محذرا‬ ‫من أن ذلك قد يشعل حربا إقليمية («ال وقت‬ ‫للهجوم على إيران»‪ ،‬مارس‪ /‬آذار – أبريل‪/‬‬ ‫نيسان ‪.)2012‬‬ ‫أتفق معه‪ .‬ولكنني أختلف مع كال فيما يمكن‬ ‫أن تحققه الواليات المتحدة في مواجهتها مع‬ ‫الجمهورية اإلسالمية‪ .‬يبدو أن كال يعتقد أنه‬ ‫من الممكن على الواليات المتحدة أن تمتنع عن‬ ‫اتخاذ تصرف عسكري تحفه المخاطر ويظل‬ ‫في إمكانها أيضا أن تمنع إيران من الحصول‬ ‫على أسلحة نووية من خالل مزيج من‬ ‫العقوبات والمساعي الدبلوماسية‪ .‬ولكني أشك‬ ‫في هذا بقوة‪ .‬دون استخدام القوة العسكرية‪،‬‬ ‫من الصعب تخيل كيف يمكن منع إيران من‬ ‫الحصول على سالح نووي تصمم عليه‪.‬‬ ‫حينها ستسفر النتائج عن زيادة مؤسفة في‬ ‫اإلرهاب والصراعات منخفضة المستوى‪.‬‬ ‫ولكن تتفوق المميزات العديدة لالستقرار‬ ‫اإلقليمي كثيرا على التكاليف <‬

‫‪5‬‬ ‫‪53‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫أرسلت باكستان قوات تقليدية تبدو في هيئة‬ ‫متمردين إلى خط المراقبة في منطقة كارجيل‬ ‫في كشمير‪ ،‬ليشعلوا حربا محدودة مع الهند‪.‬‬ ‫شجع على هذه الخطوة اعتقاد الباكستانيين أن‬ ‫سالح الردع النووي سيحد من قدرة الهند على‬ ‫االنتقام باألسلحة التقليدية‪ .‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫على مدار العقد الماضي‪ ،‬تورط مسلحون‬ ‫مدعومون من باكستان في هجمات إرهابية‬ ‫كبرى داخل الهند ذاتها‪ ،‬من بينها هجمات‬ ‫عام ‪ 2001‬على مجمع البرلمان في نيودلهي‬ ‫وتفجيرات مومباي عام ‪.2008‬‬ ‫وكتب والتز أن «واضعي السياسات‬ ‫والمواطنين في العالم العربي وأوروبا‬ ‫وإسرائيل والواليات المتحدة يجب أن يشعروا‬ ‫باالرتياح لحقيقة أن التاريخ أظهر أنه أينما‬ ‫تظهر القدرات النووية يظهر االستقرار‬ ‫أيضا»‪.‬‬ ‫في الحقيقة‪ ،‬تشير أحداث التاريخ إلى أن‬ ‫التنافس بين إيران المسلحة وخصومها‬ ‫الرئيسيين قد يسير على نمط «مفارقة‬ ‫االستقرار وعدم االستقرار»‪ ،‬إذ يولد‬ ‫االستقرار المفترض الناتج عن تأكيد متبادل‬ ‫على الدمار انعدام استقرار كبير ألنه يجعل‬ ‫االستفزازات والنزاعات والصراعات التي‬ ‫تبعد عن السالح النووي تبدو آمنة‪.‬‬ ‫في أثناء الحرب الباردة‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫منع الردع النووي اندالع حرب تقليدية‬ ‫واسعة النطاق أو نووية بين الواليات المتحدة‬ ‫واالتحاد السوفياتي‪.‬‬ ‫ولكن في الوقت ذاته‪ ،‬مرت القوتان العظميان‬ ‫بأزمات مباشرة عديدة وتواجهتا في سلسلة‬ ‫من الحروب الدموية بالوكالة في كل من‬ ‫كوريا وفيتنام وأفغانستان وأنغوال ونيكاراغوا‬ ‫والسلفادور ومناطق أخرى‪ .‬في تحليل‬ ‫إحصائي أجراه مؤخرا عالم السياسة مايكل‬ ‫هوروفيتز‪ ،‬يتضح أن القوى النووية التي ال‬ ‫تملك الخبرة تميل إلى أن تكون أكثر عرضة‬ ‫لإلصابة باألزمات من أنواع أخرى من الدول‪،‬‬ ‫وكشف بحث آخر أجراه عالم السياسة روبرت‬ ‫روشهاوس أن الدول النووية أكثر إمكانية ألن‬ ‫تدخل في صراعات عسكرية على مستويات‬ ‫منخفضة مع بعضها البعض‪ ،‬حتى وإن كانت‬ ‫أقل احتماال للتورط في حرب شاملة‪.‬‬ ‫إذا كان تأثير الردع كما يتوقع والتز‪ ،‬ربما‬ ‫تقلل إيران من خطر وقوع حرب تقليدية بين‬ ‫دول منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ولكن يشير التاريخ إلى أن تطوير إيران‬ ‫للسالح النووي سيشجع روح المغامرة‬ ‫اإليرانية‪ ،‬مما يؤدي إلى مزيد من األزمات‬ ‫الحادة والمتكررة في الشرق األوسط‪ .‬قد‬ ‫تتضمن مثل هذه األزمات خطورة متالزمة‬ ‫من حدوث تبادل نووي ينتج عن خطأ‬ ‫‪52‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪4‬‬

‫يشير التاريخ إلى‬ ‫أن تطوير إيران للسالح‬ ‫النووي سيشجع روح‬ ‫المغامرة اإليرانية‬ ‫مما يؤدي إلى مزيد‬ ‫من األزمات الحادة‬ ‫والمتكررة في‬ ‫الشرق األوسط‬ ‫الحسابات أو حادث أو استخدام غير مسؤول‪،‬‬ ‫وهي خطورة غير موجودة في الوقت الراهن‬ ‫على اإلطالق‪.‬‬ ‫سيكون هذا التهديد كبيرا بوجه خاص في‬ ‫الفترة األولى بعد انضمام إيران إلى النادي‬ ‫النووي‪ .‬وبمجرد أن وصلت القوتان العظميان‬ ‫إلى التكافؤ النووي تقريبا أثناء الحرب الباردة‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬انخفض عدد األزمات المباشرة‪ ،‬وخفت‬ ‫المخاطر المرتبطة بالتصعيد النووي‪.‬‬ ‫ولكن أثناء األعوام األولى من الحرب‬ ‫الباردة‪ ،‬دخلت القوتان العظميان في العديد‬ ‫من األزمات‪ ،‬وذات مرة على األقل ‪ -‬أزمة‬ ‫الصواريخ الكوبية عام ‪ - 1962‬اقتربتا على‬ ‫نحو خطير من اندالع حرب نووية‪ .‬وكذلك‪،‬‬ ‫من الممكن أن تظهر مع مرور الوقت عالقة‬ ‫ردع مستقرة بين إيران من جانب والواليات‬ ‫المتحدة وإسرائيل من جانب آخر‪ ،‬ولكن قد‬ ‫تكون األعوام األولى المثيرة لألزمات مفزعة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن كال الجانبين لديه مصلحة‬ ‫كبيرة في عدم السماح لألمور بالخروج عن‬ ‫السيطرة‪ ،‬فإن الخطورة المتبقية في التصعيد‬ ‫غير المتعمد الناتج عن أعوام من االرتياب‬ ‫والعداء‪ ،‬وغياب خطوط اتصال مباشر‪،‬‬ ‫وأخطاء تنظيمية لن تكون تافهة‪ ،‬ويُمكن أن‬ ‫تكون تبعات النتيجة األقل احتمالية مدمرة‪.‬‬ ‫تهديد حقيقي للغاية‬ ‫في ظل تفاؤل والتز حيال آثار التسلح النووي‬ ‫اإليراني‪ ،‬يختتم حديثه بأن «الواليات المتحدة‬ ‫وحلفاءها ال يحتاجون إلى بذل كل هذه الجهود‬ ‫من أجل منع اإليرانيين من تطوير سالح‬ ‫نووي»‪ .‬يعتقد والتز أن الجدوى الوحيدة من‬ ‫استمرار المساعي الدبلوماسية هي الحفاظ‬ ‫على «خطوط اتصال مفتوحة (‪ )...‬ستجعل‬ ‫الدول الغربية تشعر أنها قادرة بصورة أفضل‬ ‫على التعايش مع إيران نووية»‪ .‬ويقول إنه‬ ‫«من الممكن إسقاط العقوبات المفروضة حاليا‬ ‫على إيران»‪.‬‬ ‫والتز مخطئ‪ .‬ربما ال يكون التهديد الذي تمثله‬

‫إيران إذا تسلحت نوويا خطيرا كما يشير‬ ‫البعض‪ ،‬ولكنه أيضا سيجعل الشرق األوسط‬ ‫مكانا متقلبا بل وأكثر عرضة للصراعات‪.‬‬ ‫لذلك يجب أن يظل منع إيران من امتالك‬ ‫السالح النووي إحدى أولويات الواليات‬ ‫المتحدة‪.‬‬ ‫من الممكن أن يشعل شن هجوم عسكري‬ ‫وقائي على البنية التحتية النووية في إيران‬ ‫سلسلة من التبعات غير المتوقعة والمزعزعة‬ ‫لالستقرار‪ ،‬لذا أفضل وأدوم حل للتحدي‬ ‫النووي اإليراني هو السعي إلى حل تفاوضي‬ ‫من خالل مزيج من الضغوط االقتصادية‬ ‫والمساعي الدبلوماسية‪ .‬من الممكن معارضة‬ ‫خوض حرب مع إيران دون الدفع‪ ،‬مثل والتز‪،‬‬ ‫بأن إيران المسلحة نوويا ستجعل من العالم‬ ‫مكانا أفضل‪.‬‬

‫والتز ير ّد على إتش كال‬ ‫االستقرار النووي يقلل خطر‬ ‫وقوع حرب كبرى‬ ‫في قوله إن إيران المسلحة نوويا تمثل تهديدا‬ ‫غير مقبول للواليات المتحدة وحلفائها‪ ،‬يرفض‬ ‫كولين رأيي بأن الدول تميل إلى توخي مزيد‬ ‫من الحذر بمجرد أن تحصل على سالح‬ ‫نووي‪ ،‬ويدعي أنني أقلل من شأن التهديد‬ ‫المحتمل أن تشكله جمهورية إسالمية لديها‬ ‫الجرأة‪ .‬ويتهمني بإساءة قراءة التاريخ ويشير‬ ‫إلى مبالغتي في تقدير حجم االستقرار الذي‬ ‫سيثمر عنه الردع النووي‪ .‬في الواقع‪ ،‬كال هو‬ ‫الذي أساء فهم األحداث التاريخية‪ ،‬وأخفق في‬ ‫استيعاب عواقب الردع النووي‪.‬‬ ‫من وجهة نظر كال‪ ،‬ليس بالضرورة أن‬ ‫تتصرف الدول النووية كقوى الوضع الراهن‬ ‫ويمكنها بدال من ذلك أن تتطرف كثيرا في‬ ‫تصرفاتها‪.‬‬ ‫وفي ذكره لسابقة حدثت من قبل‪ ،‬أشار إلى‬ ‫حقيقة أن االتحاد السوفياتي شجع كوريا‬ ‫الشمالية على القيام بعملية غزو خطيرة لكوريا‬ ‫الجنوبية عام ‪ ،1950‬بعد فترة وجيزة من‬ ‫إجراء السوفيات اختبارات على أول قنبلة‬ ‫نووية لديهم‪ .‬ولكن يهمل كال شرح السياق‬ ‫المصاحب لهذا القرار‪ .‬في فترة سابقة على‬ ‫ذلك‪ ،‬حدد وزير الخارجية األميركي دين‬ ‫أشيتسون عالنية تعهدات الواليات المتحدة‬ ‫األمنية في آسيا؛ ولم يكن الدفاع عن كوريا‬ ‫الجنوبية من بينها‪.‬‬ ‫وكانت الواليات المتحدة قد أشارت أيضا إلى‬ ‫عدم اهتمامها بحماية الكوريين الجنوبيين‬ ‫برفضها مدهم بما يكفي من سالح من أجل صد‬ ‫غزو كوريا الشمالية المدعوم من السوفيات‪.‬‬ ‫لذلك وجد االتحاد السوفياتي سببا وجيها‬


‫عقالنية ولكنها خطرة‬ ‫أصاب والتز في إشارته إلى أن قادة إيران‪،‬‬ ‫على الرغم من خطبهم الحماسية المتطرفة‪،‬‬ ‫عقالنيون في األساس‪ .‬ونظرا ألن قيادات‬ ‫إيران ليسوا انتحاريين‪ ،‬فإنه من غير المرجح‬ ‫بنسبة كبيرة أن تسعى إيران المسلحة نوويا‬ ‫إلى استخدام أسلحة نووية عمدا أو نقلها إلى‬ ‫إرهابيين‪ .‬ولكن على الرغم من أن الجمهورية‬ ‫اإلسالمية عقالنية فإنها خطرة ومن الممكن أن‬ ‫تزداد خطورتها إذا طورت سالحا نوويا‪.‬‬ ‫ترعى حكومة إيران في الوقت الراهن‬ ‫جماعات إرهابية وتدعم مجموعات مسلحة‬ ‫في الشرق األوسط‪ ،‬ويرجع أحد أسباب ذلك‬ ‫إلى إظهار القدرة على االنتقام من الواليات‬ ‫المتحدة وإسرائيل ودول أخرى إذا رغبت في‬ ‫شن هجوم على إيران أو عرقلة مصالحها‪.‬‬ ‫وإذا كان القلق الوحيد الذي يعتري قادة إيران‬ ‫هو بقاؤهم ويعتقدون أن الرادع النووي وحده‬ ‫يمكن أن يمنحهم الحماية الكافية‪ ،‬ربما يقلص‬ ‫وجودها كدول نووية من دعمها لوكالء من‬ ‫أجل تجنب نزاعات غير الزمة مع قوى نووية‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ولكن إيران ليست دولة الوضع الراهن‪،‬‬ ‫ويهدف دعمها لجماعات إرهابية ومسلحة إلى‬ ‫ما هو أكبر من مجرد الدفاع واالنتقام‪ .‬يعتبر‬ ‫مثل هذا الدعم أداة هجوم‪ ،‬مخصصة من أجل‬ ‫الضغط على دول أخرى وتخويفها‪ ،‬وتوسعة‬ ‫نفوذ إيران بصورة غير مباشرة‪ ،‬وتقديم‬ ‫أجندتها المتطرفة التي تسعى إلى جعل إيران‬ ‫القوة البارزة في الشرق األوسط‪ ،‬وبطل مقاومة‬ ‫إسرائيل و«القوى المتعجرفة» في الغرب‪،‬‬ ‫وتروج آليديولوجيتها اإلسالمية الثورية‪،‬‬ ‫وتؤكد على قيادتها في العالم اإلسالمي الواسع‪.‬‬ ‫في الوقت الراهن‪ ،‬تقدم طهران دعمها‬ ‫ورعايتها للمسلحين واإلرهاب من أجل الحد‬ ‫من مخاطر وقوع مواجهة مباشرة مع الدول‬ ‫األكثر قوة‪ .‬ولكن إذا اعتقد القادة اإليرانيون‬ ‫أن امتالكهم لترسانة نووية سيعد رادعا أكبر‬ ‫كثيرا من األعمال االنتقامية‪ ،‬فإنهم على‬ ‫األرجح سيسعون إلى تحقيق أهدافهم اإلقليمية‬ ‫بقوة أكبر‪.‬‬ ‫على وجه التحديد‪ ،‬قد تقدم طهران المسلحة‬ ‫نوويا إلى حزب اهلل والجماعات المسلحة‬ ‫الفلسطينية أسلحة تقليدية أكثر تعقيدا ودقة‬ ‫وأبعد مدى لكي يستخدموها ضد إسرائيل‪.‬‬ ‫وفي محاولة لتعزيز القدرات الرادعة لهؤالء‬ ‫الحلفاء‪ ،‬ربما تدرس إيران منحهم أسلحة‬ ‫«مزدوجة االستخدام»‪ ،‬لتخمن إسرائيل هل‬ ‫هذه األنظمة تقليدية أم مسلحة بمواد كيماوية‬ ‫أو بيولوجية أو نووية‪ .‬ربما أيضا تعطي إيران‬ ‫المسلحة نوويا اإلذن لوكالئها باستخدام أنظمة‬ ‫أسلحة متقدمة بدال من االحتفاظ بها احتياطيا‪،‬‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫كما تردد من قبل عن تعليمات طهران إلى‬ ‫حزب اهلل أثناء الحرب التي خاضها عام ‪2006‬‬ ‫ضد إسرائيل‪.‬‬ ‫يمكن أيضا أن تزيد إيران المسلحة نوويا‪،‬‬ ‫والتي تعتقد أنها تمتلك رادعا قويا ويمكنها بذلك‬ ‫ارتكاب أعمال عنف في الخارج مع اإلفالت من‬ ‫العقوبة‪ ،‬من عدد ونطاق الهجمات اإلرهابية‬ ‫ضد أهداف أميركية وإسرائيلية بواسطة حزب‬ ‫اهلل وفيلق القدس‪ ،‬جناح العمليات السري‬ ‫لقوات الحرس الثوري اإلسالمي في إيران‪.‬‬ ‫ربما تزيد إيران األكثر جرأة من أعداد قوات‬ ‫الحرس الثوري التي تنشرها في لبنان‪ ،‬وتسمح‬ ‫لقواتها البحرية بالدخول في أعمال متكررة‬ ‫تستعرض فيها القوة في البحر المتوسط‪ ،‬وتؤكد‬ ‫ذاتها بصورة أكثر شراسة في الخليج العربي‬ ‫ومضيق هرمز‪.‬‬ ‫ومن أجل تعزيز صورتها أمام أعين الجماهير‬ ‫المحلية واإلقليمية كزعيمة لكتلة المقاومة‬ ‫المناهضة للغرب‪ ،‬ربما تستجيب إيران‬ ‫المسلحة نوويا إلى األزمات اإلقليمية بالتهديد‬ ‫باستخدام جميع الوسائل المتاحة لديها لضمان‬ ‫استمرار نظام األسد في سوريا أو حزب اهلل أو‬ ‫الجماعات الفلسطينية‪ .‬ربما تتجرأ إيران على‬ ‫لعب دور المفسد في عملية السالم اإلسرائيلي‬ ‫الفلسطيني من خالل تشجيعها على شن‬ ‫هجمات مسلحة واسعة النطاق وربما تحاول‬ ‫زعزعة استقرار الدول المجاورة لها من خالل‬ ‫دبلوماسية القسر والتخريب في العراق ودول‬ ‫الخليج‪.‬‬ ‫يزيد النفوذ المتزايد لألصوليين المتشددين في‬ ‫طهران من إمكانية وقوع تلك االحتماالت‪.‬‬ ‫تتشكل رؤية هؤالء األصوليين للعالم وفقا‬ ‫لمعتقداتهم اآليديولوجية في حتمية التراجع‬ ‫األميركي والهزيمة اإلسرائيلية والصعود‬ ‫اإليراني‪ .‬ويرون أن المنافسة مع الواليات‬ ‫المتحدة وإسرائيل لعبة محصلتها صفر‪ .‬إذا‬ ‫حصلت إيران على السالح النووي‪ ،‬سيراه‬ ‫األصوليون تأكيدا لقناعاتهم وسيدفعون‬ ‫الحكومة اإليرانية إلى ما هو أبعد من ذلك في‬ ‫اتجاه المخاطرة واالستفزاز‪.‬‬ ‫وتأكيدا على ذلك‪ ،‬تدخل إيران غير النووية‬ ‫بالفعل في العديد من األنشطة التي تزعزع‬

‫تقدم طهران‬ ‫دعمها ورعايتها‬ ‫للمسلحين واإلرهاب‬ ‫من أجل الحد‬ ‫من مخاطر وقوع‬ ‫مواجهة مباشرة مع‬ ‫الدول األكثر قوة‬

‫االستقرار‪ .‬ولكن إذا تسلحت بالنووي‪ ،‬فعلى‬ ‫األرجح تستمر إيران في إثارة المشاكل وتعتمد‬ ‫على أداة الردع التي تملكها من أجل الحد من‬ ‫خيارات الرد المتاحة أمام الدول التي تتعرض‬ ‫للتهديدات‪.‬‬

‫تناقض االستقرار وعدم االستقرار‬ ‫يقول والتز‪« :‬يوضح التاريخ أنه عندما‬ ‫تحصل الدول على القنبلة‪ ،‬يزداد شعورها‬ ‫بأنها معرضة للخطر وترتفع حدة وعيها بأن‬ ‫أسلحتها النووية تجعل منها هدفا محتمال في‬ ‫عيون القوى الرئيسية‪ .‬ويمنع هذا اإلدراك‬ ‫الدول النووية من اتخاذ إجراء جريء أو‬ ‫عدواني»‪.‬‬ ‫في هذه الفكرة يتجاهل والتز تاريخا طويال‬ ‫شهد تصرفات استفزازية من دول نووية‬ ‫ناشئة‪ .‬على سبيل المثال في عام ‪،1950‬‬ ‫أعطى الزعيم الروسي جوزيف ستالين‬ ‫كوريا الشمالية الضوء األخضر لغزو كوريا‬ ‫الجنوبية‪ ،‬لتشتعل على أثرها الحرب الكورية‪.‬‬ ‫يبدو أن ستالين افترض (مخطئا) أنه ليس‬ ‫من الممكن أن ترد الواليات المتحدة ألن‬ ‫السوفيات يملكون في ذلك الحين سالحهم‬ ‫النووي الخاص‪ .‬ويدعي والتز أيضا أن الصين‬ ‫أصبحت أقل عدوانية بعد أن امتلكت سالحا‬ ‫نوويا في عام ‪ .1964‬ولكن في عام ‪،1969‬‬ ‫أمر ماو تسي تونغ القوات الصينية بمهاجمة‬ ‫القوات السوفيتية على الحدود الصينية ‪-‬‬ ‫السوفيتية‪ .‬وكان الغرض من الهجوم تحذير‬ ‫موسكو من القيام بأعمال استفزازية عبر‬ ‫الحدود وحشد التأييد الصيني الشعبي لثورة‬ ‫ماو‪ .‬وكما فعل ستالين من قبله‪ ،‬ربما كان‬ ‫ماو واثقا من أن الصين حصلت مؤخرا على‬ ‫قدرات نووية ستقلص من الصراع الناتج‪.‬‬ ‫(في النهاية‪ ،‬أسفرت االشتباكات الحدودية عن‬ ‫أزمة أكبر مما توقع ماو‪ ،‬حيث طرحت إمكانية‬ ‫حدوث هجوم نووي سوفيتي‪ ،‬وكانت النتيجة‬ ‫تراجع الصين)‪.‬‬ ‫ويؤكد والتز أيضا أن «الهند وباكستان أصبحتا‬ ‫أكثر حذرا منذ أن امتلكتا سالحا نوويا»‪ .‬ولكن‬ ‫في الواقع أدى تطوير باكستان للسالح النووي‬ ‫إلى تسهيل استراتيجيتها في خوض صراع‬ ‫منخفض الحدة ضد الهند‪ ،‬لتصبح شبه القارة‬ ‫الهندية منطقة أكثر عرضة لوقوع أزمات‪.‬‬ ‫وكما أوضح العالم السياسي إس‪ .‬بول كابور‪،‬‬ ‫كلما زادت القدرات النووية التي تملكها‬ ‫إسالم آباد‪ ،‬زادت سخونة الصراع الهندي‬ ‫ الباكستاني‪ .‬منذ عام ‪ ،1998‬عندما أجرت‬‫كل من الهند وباكستان اختبارات علنية على‬ ‫أسلحتها النووية‪ ،‬بدت إسالم آباد أكثر رغبة‬ ‫في دعم الجماعات المسلحة التي تحارب في‬ ‫إقليم كشمير المتنازع عليه ودعم الجماعات‬ ‫التي تشن هجمات إرهابية في مناطق أخرى‬ ‫في الهند‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬في عام ‪،1999‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪51‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫هل تجعل إيران النووية الشرق األوسط أكثر أمنا؟‬

‫إيران والقنبلة‬

‫موضوع امتالك إيران السالح النووي وما يعنيه ذلك من تهديد ألبرز حلفاء الواليات المتحدة في الشرق األوسط ولمصالح الغرب في‬ ‫المنطقة عموما‪ ،‬مازال يثير كثيرا من الجدل والنقاش داخل أميركا بين السياسيين وأصحاب القرار والمختصين‪ .‬وجهتا نظر تعرضهما‬ ‫مجلة «فورن أفيرز» للموضوع النووي اإليراني لباحثين من أبرز الباحثين األميركيين وهما كينيث إن‪ .‬والتز و كولين كال‪ ..‬وجهتا‬ ‫نظر تبرزان مدى التخبط الذي تعرفه السياسة األميريكة في التعامل مع الملف اإليراني وبقية الملفات في المنطقة‪.‬‬

‫كينيث إن‪ .‬والتز‪ :‬كبير باحثين في معهد أرنولد إيه‪ .‬سالتزمان لدراسات الحرب والسالم‪.‬‬ ‫كولين كال‪ :‬نائب مساعد وزير الدفاع األميركي لشؤون الشرق األوسط سابقا‪.‬‬ ‫فورن أفيرز – خاص بـ «المجلة»‬ ‫كولين إتش كال‪:‬‬ ‫خطوة واحدة بعيدة جدا‬ ‫ربما كان كينيث والتز على حق في أن إيران‬ ‫المسلحة نوويا قد ترتدع عن االستخدام‬ ‫المدروس للسالح النووي أو نقل معدات نووية‬ ‫إلى إرهابيين («لماذا يجب أن تحصل إيران‬

‫‪50‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪2‬‬

‫على القنبلة»‪ ،‬يوليو‪ /‬تموز – أغسطس‪ /‬آب)‪.‬‬ ‫ولكنه على خطأ تماما في أن الجمهورية‬ ‫اإلسالمية قد تصبح طرفا دوليا أكثر تحمال‬ ‫للمسؤولية إذا اتخذت الخطوة التي تسمح لها‬ ‫بمرور البوابة النووية‪ .‬في دفاعه عن هذا‬ ‫الرأي‪ ،‬أساء والتز تشخيص الدوافع اإليرانية‬

‫وكذا قرأ التاريخ على نحو خاطئ‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من حقيقة أن والتز أحد أكثر المنظرين‬ ‫في العالقات الدولية المرموقين‪ ،‬فإنه يتجاهل‬ ‫البحث السياسي المهم في آثار السالح النووي‬ ‫بما فيه من النتائج األخيرة التي تشير إلى أن‬ ‫الدول النووية الحديثة غالبا ما تكون أكثر تهورا‬ ‫وعنفا في مستويات منخفضة من الصراع‪.‬‬


‫بكر عويضة‪ :‬ليبيا الجديدة ما تزال في بداية البداية والتخوف‬ ‫من أن يكون هناك تعقيد عند الليبيين من أن يكونوا قادرين على‬ ‫ضبط النزاعات القبلية‪ ،‬ضبط المهيجات التي يمكن أن تفضي‪،‬‬ ‫ال سمح اهلل‪ ،‬إلى ما ال تحمد عقباه‪.‬‬

‫كاتب صحافي فلسطيني‬

‫يُتمكن من نزع سالح الميليشيات‪ .‬أنا لست‬ ‫مع التخوف الذي ينحو إلى الصوملة مثال‪ ،‬أو‬ ‫االعتقاد بأن ليبيا ستتحول إلى دولة فاشلة‪ ،‬أنا‬ ‫لست مع كل هذا‪ ،‬ألني أومن وأثق بقدرات‬ ‫الليبيين‪ ,‬صحيح أن األربعين سنة التي مرت‬ ‫كان فيها قهر وحرمان‪ ،‬لكن هذا ال يعني ان‬ ‫ليبيا تفتقد إلى عقول‪.‬‬ ‫لقد رأينا في هذه الثورة شبانا في األربعينات‬ ‫مثقفين ومتفتحين‪ ،‬يتعاملون مع االعالم‬ ‫العالمي بشكل جيد‪ .‬وهناك من هم فوق الستين‬ ‫من جيل محمود جبريل وهو جيل من شأنه أن‬ ‫يحفظ ليبيا ولن يغرقها في الصوملة‪ .‬باإلضافة‬ ‫إلى هذا‪ ،‬ال أعتقد أن المصالح الغربية‪ ،‬أو‬ ‫الدولية ولكن الغرب جزء أساسي في هذا‬ ‫األمر المتعلق بالسوق ونظرية السوق‪ ،‬ال‬ ‫يسمح بأن يحرم هذا السوق من ثروة ليبيا‬ ‫النفطية‪ ،‬والحاجة إلى االستفادة من وضع ليبيا‬ ‫في تحريك الوضع االقتصادي المتردي‪.‬‬

‫استطاعوا ذلك»‪.‬‬ ‫وأوضح شخص آخر قال إن اسمه منصور‪:‬‬ ‫«لماذا لم ينتظروا عودة المحاكم للعمل‪ ،‬وتقديم‬ ‫من يدعون أنه ارتكب جرائم؟ نحن تقبل هذا‪.‬‬ ‫لكن هذا العمل يولد عداوات مستقبلية بين‬ ‫القبائل‪ ،‬وال يمكن أن يؤدي إلى االستقرار‪.‬‬ ‫لماذا لم يذهبوا للقبائل الكبيرة المعروفة‪ ..‬ال‬ ‫هذه ما يقدر يكسر خشمها حد»‪.‬‬ ‫يقول الرائد عبد السالم م‪.‬ي الذي التقته المجلة‬ ‫في طرابلس إن‪« :‬الناس يريدون أن تبسط‬ ‫الدولة قبضتها على البلد‪ ،‬وتنهي هذا االنفالت‬ ‫األمني الذي لم تشهد مثله من قبل‪ .‬جميع الناس‬ ‫هنا يهمهم بالدرجة األولى األمن‪ .‬كل مرة يعد‬ ‫هؤالء المسلحون بإلقاء السالح‪ ،‬ويتحججون‬ ‫بأعذار واهية مثل أن البلد ليس بها جيش وال‬ ‫شرطة تحل محلهم»‪.‬‬ ‫ويؤكد الرائد عبدالسالم الذي كان ضابطا في‬ ‫جيش النظام السابق أن «استعراض السالح‬ ‫من قبل هؤالء المسلحين‪ ،‬يعتبر أمرا عاديا‬ ‫لدى هؤالء‪ ،‬لكن الناس أصابها الضجر من‬ ‫بواباتهم وأوامرهم‪ .‬فهم يشعرون أن بلدهم‬ ‫تسيطر عليه عصابات مسلحة»‪.‬‬

‫يقول علي‪.‬م‪.‬ل الذي ال يريد أن يذكر اسمه‬ ‫كامال‪ ،‬ألنه يخشى على أسرته‪ :‬إن ما جرى‬ ‫لنا شيء مخجل‪ .‬لقد زحف مسلحو مصراته‬ ‫على مدينتنا تاورغاء‪ ،‬مدججين بالسالح‪،‬‬ ‫وبدؤوا في قصفها من دون تفريق‪ ،‬لقد فر من‬ ‫فر‪ ،‬وبقي آخرون كأنهم سبايا‪ ،‬عاملوا الناس‬ ‫بوحشية ال حدود لها‪ .‬لماذا كل هذا؟ يقولون‬ ‫إن بعض رجال البلدة قاتلوا مع القذافي‪ .‬لكن‬ ‫هل يوجب هذا قتل الناس وتهجيرهم؟ إن ديننا‬ ‫يقول‪ :‬وال تزر وازرة وزر أخرى‪ .‬أنا اآلن‬ ‫مهجر في طرابلس مع آالف آخرين‪ .‬في هذا‬ ‫المعسكر الذي كان كلية عسكرية‪.‬‬ ‫ويقول مبارك‪.‬س‪.‬ع ال أقوى على العيش هكذا‬ ‫في معسكر‪ .‬إننا نطلب من الحكومة أن تعمل‬ ‫على إعادتنا إلى بيوتنا‪ ،‬وتبني ما تهدم منها‪.‬‬ ‫ال يمكن أن تؤخذ مدينة كاملة بجريرة أفراد‪،‬‬ ‫حتى لو عدوا بالعشرات! إن هناك أكثر من‬ ‫‪40‬ألفا‪.‬‬ ‫وقاطعه الحاج م‪.‬ع‪.‬س قائال‪« :‬لماذا نحن‬ ‫بالذات‪ ،‬لقد اختارونا ألننا ضعفاء‪ ،‬وهم‬ ‫لديهم قوة مسلحة مدعمين من إحدى الدول‬ ‫المعروفة‪ .‬ولو كانت كفتنا مماثلة لكفتهم لما‬

‫وأمام أحد المصارف في العاصمة قال أحد‬ ‫المسلحين ويدعى محمد لـ«المجلة» إن‬ ‫المسلحين «يؤدون خدمة وطنية عظيمة‪،‬‬ ‫ولوالهم لنهبت هذه المصارف‪ .‬إننا نقوم‬ ‫بعمل الشرطة حتى تعود لعملها‪ ،‬وليس لنا أي‬ ‫طموح في الهيمنة على األمن‪ .‬لكن طالما أن‬ ‫الجيش والشرطة اليزاالن غائبين‪ ،‬فإننا سنقوم‬ ‫بالمهمة ولن نتوقف»‪.‬‬ ‫لكن أحد المارة تدخل في الحديث قائال‪« :‬خلونا‬ ‫في حالنا‪ ،‬مش رايدين سالح في الشوارع‪ ،‬أنتم‬ ‫تظنون أنكم تفرضون األمن‪ ،‬لكن حملكم لهذا‬ ‫السالح يرعبنا»‪ .‬لكن المسلح قال له‪« :‬أنت‬ ‫مسكين»‪.‬‬ ‫وقبل أن يختفي بادرناه بالسؤال‪ :‬كيف تشعر‬ ‫وأنت تسير في شوارع طرابلس؟ فأجاب‪:‬‬ ‫«أشعر بالرعب»‪.‬‬

‫من الشارع الليبي‪..‬‬ ‫صوت الجماهير ما بعد الجماهيرية‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫وفي منطقة الظهرة بطرابلس قال خالد البدري‬ ‫إن «ال يهم‪ .‬هذه المظاهر المسلحة ستختفي‬ ‫عاجال أم آجال‪ .‬لكن األهم هو أنني اآلن أقول ما‬ ‫أشاء وال أخشى أحداز أستطيع أن أقول رأيي‬ ‫الصريح من دون خوف‪ ،‬ليس هناك مخابرات‬

‫تكتم األنفاس»‪ .‬وعندما سألته «المجلة» عما‬ ‫يريد أن يقوله ومنع منه زمن النظام السابق؟‬ ‫أجاب‪« :‬يا أخي كان جحيما ال يطاق‪ ،‬كانت‬ ‫شعارات زائفة ال تصمد على أرض الواقع‪.‬‬ ‫كان شخصا واحدا هو الكل‪ ،‬ال تقوى على‬ ‫مخالفته‪ .‬كان يرى كل شيء بعينه هو فقط»‪.‬‬ ‫وقال المواطن محمد العبيدي‪« :‬إنهم‬ ‫يتصارعون على تشكيل األحزاب‪ ،‬البلد‬ ‫امتألت أحزابا‪ ..‬إنهم يتصارعون على السلطة‬ ‫في طرابلس‪ ،‬تاركين الجنوب في حاله‪ .‬إن‬ ‫هناك أعدادا من الغرباء جاؤوا إليه من دول‬ ‫جنوبية‪ ،‬ظانين أنه يفيض خيرا‪ .‬هم ال تهمهم‬ ‫شأن البلد‪ ،‬إنما تهمهم السلطة»‪.‬‬ ‫وعلق علي الرقيعي على كالم العبيدي موضحا‬ ‫أن االنفصاليين أيضا يرون «أنها فرصتهم‬ ‫الوحيدة اآلن لتقسيم البلد‪ .‬ولكن هيهات‪ ،‬لن‬ ‫نعطيهم أي محال لتحقيق هذا األمر‪ ،‬ولو أدى‬ ‫ذلك لقتالهم‪ .‬ليبيا ستبقى موحدة وسنتفرغ إليهم‬ ‫بعد تنظيم األمور»‪.‬‬ ‫وأكد أحمد المزداوي أن «المنادين بالفيدرالية‬ ‫ليسوا انفصاليين‪ .‬وكل ما يريدون هو تسهيل‬ ‫اإلجراءات االدارية وحاجيات المواطن‬ ‫اليومية‪ ،‬وإطالق يد السلطات المحلية لتسهيل‬ ‫أمور المواطنين‪ ،‬والحد من السطة المركزية‬ ‫التي تتدخل في كل شاردة وواردة»‪.‬‬ ‫المواطن خليفة عبدالحفيظ ويعمل في أحد‬ ‫المتاجر في طرابلس قال إنه «رغم نجاح‬ ‫االنتفاضة في تخلصها من نظام االستبداد‪ ،‬إال‬ ‫أن هناك مشكلة كبيرة ينبغي أن تحل سريعا‪،‬‬ ‫أال وهي وجود دول داخل الدولة‪ ،‬كما هو‬ ‫حاصل في مصراته والزنتان وحتى بنغازي‪،‬‬ ‫إنه أمر يشكل خطرا كبيرا على أمن ليبيا‬ ‫وسيادتها»‪.‬‬ ‫أما المواطن غيث الترهوني فيرى أن «هناك‬ ‫عداء قبليا يصعب الخروج منه‪ ،‬وهناك قبائل‬ ‫كبيرة البد من تجنب المشاكل معها‪ ،‬والخروج‬ ‫بتسوية معها‪ ،‬وإال فإنها ستسبب عراقيل قد‬ ‫تتطور إلى حرب أهلية»‪.‬‬ ‫هذه هي ليبيا الجديدة بعد األخ العقيد معمر‬ ‫القذافي‪ ..‬بلد يبحث عن توازنه وشعب يريد أن‬ ‫يدخل التاريخ بعد أن خرج من سياقه ألربعة‬ ‫عقود <‬

‫‪11‬‬ ‫‪49‬‬


‫تقرير‬

‫سمير عطااهلل‪ :‬لألسف فإن التصرفات التي حدثت في بعض‬ ‫مدن ليبيا على أثر الخالص من الطاغية‪ ،‬كانت تشبه إلى حد بعيد‬ ‫تصرفات الطاغية نفسه‪ .‬هذا ما نأمل أن ينتهي اآلن بعد العودة‬ ‫إلى الدولة المعاصرة الحقيقية‪.‬‬

‫كاتب صحافي لبناني‬

‫وألمانيا ما بعد القائد‪ .‬واليوم ليبيا ما قبل األخ‬ ‫القائد‪ ،‬وما بعد األخ القائد‪.‬‬ ‫ولألسف فإن التصرفات التي حدثت في بعض‬ ‫مدن ليبيا على أثر الخالص من الطاغية‪ ،‬كانت‬ ‫تشبه إلى حد بعيد تصرفات الطاغية نفسه‪.‬‬ ‫هذا ما نأمل أن ينتهي اآلن بعد بلوغ ليبيا‬ ‫المرحلة البرلمانية نحو قيام الدولة الحقيقية‪،‬‬ ‫أو باألحرى‪ ،‬في رأيي الشخصي المتواضع‪،‬‬ ‫بعد العودة إلى الدولة المعاصرة الحقيقية‪ ،‬ألن‬ ‫ما كان قائما أيام إدريس األول‪ ،‬على الرغم من‬ ‫الهنات‪ ،‬وعلى الرغم من أن ليبيا كانت تعاني‬ ‫من تخلف شديد‪ ،‬كان هناك هيكل حقيقي لدولة‬ ‫سوية تعايش بقية دول العالم‪ .‬ولعل ليبيا على‬ ‫فقرها أيام إدريس األول‪ ،‬وعلى دخلها النفطي‬ ‫المتواضع الذي لم يكن هناك سواه‪ ،‬لعلها‬ ‫كانت كأداء سياسي واجتماعي‪ ،‬ورجال دولة‪،‬‬ ‫متقدمة إلى حد بعيد على عدد كبير من دول‬ ‫العالم الثالث‪ ،‬وخصوصا على أفريقيا وملوك‬ ‫أفريقيا الذين كان القذافي ملكا عليهم‪.‬‬ ‫ولكن يحدوني أمل ولو أنه ليس كبيرا في‬ ‫المرحلة المنظورة‪ ،‬بأن الدكتور محمود جبريل‬ ‫سوف يتمكن من قيادة ليبيا نحو عودة الدولة‪،‬‬ ‫ومن إعادة مؤسسات عسكرية وأمنية وقضائية‬ ‫وقانونية تنهي جميع الحاالت الشادة القائمة‬ ‫اآلن في ليبيا‪ ،‬والتي تعطي بعض المبررات‬ ‫لما كانت عليه جماهيرية القذافي‪ .‬وال أعتقد أن‬ ‫هذا ما يريده الشعب الليبي على اإلطالق‪.‬‬

‫بكر عويضة‪ :‬ليبيا الجديدة‬ ‫ما تزال في بداية البداية‬ ‫أرى المشهد الليبي عشية اقتراب عام من‬ ‫سقوط القذافي أرى ما يدعو للتفاؤل‪ .‬وما‬ ‫يدعو لهذا التفاؤل‪ ،‬هو كوننا جميعا في ليبيا‬ ‫في الوطن العربي‪ ،‬هنا في أوروبا‪ ،‬كون كل‬ ‫المعنيين بالشأن الليبي‪ ،‬وبما يجري في العالم‬ ‫العربي عموما‪ ،‬يتفاءلون خيرا بأنه قبل أقل من‬ ‫عام من سقوط نظام معمر القذافي‪ ،‬وغيابه هو‬ ‫شخصيا عن المشهد الليبي‪ ،‬وأخرج هنا بجملة‬ ‫اعتراضية‪ ،‬ألن غيابه الجسماني كان ضرورة‪،‬‬ ‫ونحن لسنا بشماتين لنشمت في الميتين‪ ،‬فلكل‬ ‫أجل كتابز أقصد أن غياب القذافي جسديا عن‬

‫‪10‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪10‬‬

‫المشهد الليبي كان له تأثير مباشر‪ ،‬ألنه لو‬ ‫بقي حيا‪ ،‬واستحكم في منطقة ما من المناطق‪،‬‬ ‫لتعقدت األمور أكثر‪ ،‬عموما أعود إلى النقطة‬ ‫التي بدأتها وهي أنه بعد ما يقارب العام من‬ ‫السقوط‪ ،‬تحقق االنتصار األولي للثورة وليس‬ ‫االنتصار الكامل‪ .‬فاالنتصار األول كان‬ ‫بالقبض عليه وتغييبه‪ ،‬وشهدت ليبيا ما يمكن‬ ‫أن نسميه العرس الديمقراطي في مشهده األول‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫كل المسائل ال تزال في بدايتها‪ .‬الفرح‬ ‫الديمقراطي بإجراء انتخابات نيابية برلمانية‪،‬‬ ‫تخللها ما تخللها من اختالفات حول المقاعد‪،‬‬ ‫وبعض المشاكل األخرى التي تسببت في‬ ‫عرقلة بسيطة لهذه االنتخابات‪ .‬ومن الطبيعي‬ ‫أن تكون هناك اختالفات في وجهات النظر‬ ‫حول الدوائر االنتخابية وعدد المقاعد‪ .‬ويحدث‬ ‫هذا حتى في بلد أم الديمقراطيات في العالم‬ ‫بريطانيا حول هذا الوضع وطبيعة الدوائر‬ ‫االنتخابية‪ ،‬ويحدث هذا في دول متمرسة في‬ ‫جميع أنحاء العالم‪ .‬ولكن مشهد االنتخابات‬ ‫في حد ذاته في ليبيا مشهد مفرح‪ .‬ولكن هل‬ ‫نرى في ليبيا بعد شهر أو شهرين جمهورية‬ ‫ديمقراطية‪ ،‬ووضعا سياسيا ديمقراطيا ال‬ ‫تشوبه شائبة‪ ،‬هذا أمر غير ممكن‪ .‬ولكن نحن‬ ‫نطلب من الليبيين كمجتمع وكأفراد وقوى‬ ‫سياسية‪ ،‬ما ليس في استطاعتهم‪ .‬فمرور سنة‬ ‫أو سنتين أو ثالث سنوات ليست كافية لتفكيك‬ ‫نظام معمر القذافي وآثاره‪ ،‬التي طالت البلد‬ ‫ألكثر من ثالثة عقود‪.‬‬ ‫الذين يتابعون الشأن الليبي يعرفون أنه منذ‬ ‫‪ 1969‬فصاعدا أن القذافي ومعه مجموعة‬ ‫من الضباط‪ ،‬وقدموا أنفسهم على أنهم‬ ‫شباب ينتمون إلى دينهم وتراثهم اإلسالمي‬ ‫وإلى القومية العربية‪ ،‬مزجوا بين االحتفاظ‬ ‫بالهوية اإلسالمية‪ ،‬وتعزيزها لليبيا والنتمائها‬ ‫العربي‪ .‬ثم انتقلنا فجأة إلى عهد طلع علينا‬ ‫فيه بـ«النظرية الثالثة» والنظرية األممية‬ ‫والجماهيرية‪.‬‬ ‫أقول إن سنة أو سنتين ليس باألمر الكبير‪ ،‬بعد‬ ‫هذه «العهود» والسنوات الكثيرة التي مرت‬ ‫على ليبيا‪ ،‬حتى يستقيم الوضع الليبي ويأخذ‬ ‫مساره الصحيح‪ ،‬آخذين بعين االعتبار أنه ليس‬ ‫هناك دولة أو مجتمع كل األمور فيه على ما‬

‫يرام‪ ،‬وكل األمور فيه دقيقة مائة في المائة‬ ‫حتى المجتمعات التي لم تدخل في خضات‪.‬‬ ‫الشق اآلخر من المشهد هو الذي يدعو إلى‬ ‫التخوف‪ .‬التخوف من أن يكون هناك تعقيد‬ ‫عند الليبيين‪ .‬ليس فقط عند الزعماء السياسيين‬ ‫والقوى السياسية‪ ،‬ولكن عند المواطنين‬ ‫الليبيين أنفسهم‪ ،‬من أن يكون قادرين على‬ ‫ضبط النزاعات القبلية‪ ،‬ضبط المهيجات التي‬ ‫يمكن أن تفضي‪ ،‬ال سمح اهلل‪ ،‬إلى ما ال تحمد‬ ‫عقباه‪.‬‬ ‫السبب في ذلك بسيط جدا‪ ،‬ألن ليبيا ليست‬ ‫نشازا‪ ،‬وليست حالة فريدة‪ ،‬في ما يتعلق‬ ‫بالتشققات الموجودة في المجتمع‪ ،‬فهذه حالة‬ ‫موجودة في العالم العربي بأسره‪ ،‬وماثلة حتى‬ ‫خارج العالم العربي‪ ،‬في العالم اإلسالمي‪ ،‬في‬ ‫أميركا الالتينية‪ ،‬في أي مجتمع نسبة األمية‬ ‫فيه مرتفعة‪ ،‬الفروق االجتماعية واالقتصادية‬ ‫واضحة‪ .‬الحالة الليبية‪ ،‬ودعنا نكن صريحين‪،‬‬ ‫وهذا شأن ال ينكره الليبيون أنفسهم‪ ،‬هناك جذور‬ ‫في التربة الليبية مبذورة منذ زمن من قبل أن‬ ‫يأتي معمر القذافي‪ .‬ال نريد أن نستخدم أسماء‬ ‫قبلية هنا إنما كانت هناك حروب قبلية موجودة‬ ‫حتى في أيام مقاومة االستعمار اإليطالي‪ ،‬وقد‬ ‫نشأت اختالفات قبلية بين الشرق والغرب‪ .‬هذه‬ ‫موجودة في التاريخ‪ ،‬وال نريد أن نعود إليها‪.‬‬ ‫ولكن ما ال يحتاج إلى تأكيد أن نظام القذافي‪،‬‬ ‫رغم ادعائه القومي والعروبي‪ ،‬ومناداته‬ ‫بالوحدة العربية‪ ،‬كان يعمق هذه النزاعات‬ ‫القبلية‪ ،‬ويلعب على الصراعات القبلية‪ .‬ولكن‬ ‫المهم اآلن هو أن يتمكن الليبيون كقوى سياسية‬ ‫كأفراد وزعامات في دعم استقرار بلدهم‪ .‬إنه‬ ‫يحلم من يرى أن الوجود القبلي ال دور له في‬ ‫دعم االستقرار‪.‬‬ ‫ال يمكن االستغناء عن تعاون زعامات‬ ‫القبائل في هذا المجال‪ ،‬وكما نرى الدعوة إلى‬ ‫الكونفيرالية التي تنادي بها زعامات قبلية على‬ ‫اعتبار أنها كانت قائمة في ليبية حتى ألغاها‬ ‫الملك الراحل إدريس السنوسي عام ‪.1963‬‬ ‫وعلى المثقفين أال يتغاضوا ويهملوا الدور‬ ‫القبلي والزعامات القبلية‪.‬‬ ‫فال بد من اشراكهم مع أطياف المجتمع الليبي‬ ‫جميعا حتى يكون هناك جهد مشترك‪ ،‬وحتى‬


‫محمد الفقيه‪ :‬ما يعنينا هو أن الشعب الليبي بتضحيات باهظة‬ ‫وبمساعدة اقليمية ودولية‪ ،‬أنجز القسم األول الصعب من أهدافه‬ ‫وهو تقويض نظام القذافي‪ ،‬ويبقي أمامه القسم الثاني األصعب‪،‬‬ ‫وأعني به معالجة آثار الحرب والتركة الثقيلة التي تركها نظام القذافي‪.‬‬ ‫سفير ليبيا في إسبانيا‬ ‫ألن ذلك يحقق لها مصالح تجارية وأمنية‪..‬‬ ‫ليبيا بلد جاذب لكثير من الباحثين عن‬ ‫المشاركة في بناء المشروعات التي تحتاجها‬ ‫الدولة ومؤسساتها‪ ،‬وهي مشروعات كثيرة‬ ‫ومتنوعة‪ ،‬وتحتاج إلى مهارات متعددة‬ ‫وتخصصات دقيقة وأخرى عادية‪.‬‬

‫مادام معموال به‪.‬‬ ‫فتجاهل هؤالء القياديون ذلك الدستور‪،‬‬ ‫ودخلوا بالشعب الليبي في متاهة إعادة‬ ‫تحقيق ما سبق أن حققه‪ .‬إال أن الظروف‬ ‫اآلن غيرها في منتصف القرن الماضي‪،‬‬ ‫وكذلك النفوس‪.‬‬

‫امام ليبيا والمسؤولين فيها تحديات كثيرة‬ ‫وكبيرة‪ ،‬وكما فاجأ الشعب الليبى العالم‬ ‫بالنجاح في معركة التحرير‪ ،‬ثم في معركة‬ ‫أول انتخابات‪ ،‬فمن المرجح أن يبني دولته‬ ‫الجديدة ومستقبله بتفاؤل‪ ،‬وأن يتغلب على‬ ‫كثير الصعوبات‪ ..‬التحدي كبير واالمتحان‬ ‫صعب‪ ،‬وأول مؤشرات النجاح للمرحلة‬ ‫االنتقالية الثانية سنراه عبر آداء «المؤتمر‬ ‫الوطني العام» والحكومة التي سيختارها‪.‬‬

‫وتحت تأثير فرصة الخالص من القذافي‬ ‫ونشوة االنتصار عليه‪ ،‬واالنعتاق من الخوف‬ ‫منه‪ ،‬والزهو بتصفيق الغرب للتوجهات‬ ‫الديمقراطية الليبية‪ ،‬يزداد ابتعاد هذا الشعب‬ ‫عن آليته الحصينة (ديستور ‪ )1951‬الذي‬ ‫صمم بحكمة لتحمله ـ عبر أخطار تركيبته ـ‬ ‫أمال إلى مستقبل مزدهر‪.‬‬

‫محمد بن غلبون‪ :‬استخبارات‬ ‫غربية تصر على إشعال حرب أهلية‬ ‫صحيح أن النظام الديمقراطي هو أكمل‬ ‫نظم الحكم التي شهدتها البشرية حتى اآلن‬ ‫وأجملها‪ ،‬إال أن الديمقراطية تظل مجرد‬ ‫وسيلة لضمان الحقوق واستتباب األمن‬ ‫وتحقيق العدالة‪ ،‬وتكافؤ الفرص في أي‬ ‫مجتمع‪.‬‬ ‫وبعد أن نفض الشعب الليبي عنه قيود الذل‬ ‫التي استعبده بها معمر القذافي لعدة عقود‬ ‫وغسل عارها بدماء زكية حارة‪ ،‬اندمج في‬ ‫مهرجانات الديمقراطية وأعراسها‪ ،‬وكأنها‬ ‫غاية في ذاتها‪ ،‬صارفا أنظاره عن األخطار‬ ‫الجهوية والعرقية والقبلية المتجذرة في‬ ‫المجتمع الليبي والتي ترعرعت في ظل‬ ‫الفوضى العارمة التي خلقها جنون معمر‬ ‫القذافي ونزق أبنائه وخسة خدامه‪ ،‬ثم‬ ‫ازدادت األخطار في حماية بنادق المسلحين‬ ‫الذين شعروا بدفء السلطة وبذخها بعد‬ ‫سقوط الجماهيرية الخرافية‪ .‬وغفل القياديون‬ ‫ـ تجاهال أو جهال ـ عن حقيقة مشاكل المجتمع‬ ‫الليبي الجهوية والعرقية والقبلية التي قد‬ ‫سبق لهذا الشعب أن احتواها في منتصف‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬عندما جاء الدستور الليبي‬ ‫عام ‪ ،1951‬ليخلص ليبيا من تلك المشاكل‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫وفي كل خطوة يخطوها بعيدا عن ذلك‬ ‫الدستور‪ ،‬يزداد خطر الحروب األهلية التي‬ ‫تصر بعض أجهزة االستخبارات الغربية‬ ‫على أن يمر بها الشعب الليبي‪ ،‬انتقاما لما‬ ‫حل بيهود ليبيا عام ‪.1967‬‬

‫العقيد علي الطاهر‪:‬‬ ‫شراء أمننا كان مهما‬ ‫مر الوضع في رأيي الشخصي بمرحلتين‬ ‫ّ‬ ‫بعد مقتل القذافي‪ .‬تتمثل المرحلة األولى‬ ‫في األشهر األربعة االولى وتميزت بكونها‬ ‫هادئة نسبيا وال توجد بها مشاكل إال في‬ ‫بعض المناطق المحدودة‪ .‬في المرحلة الثانية‬ ‫كانت ليبيا في الواقع غير مستقرة لعدة‬ ‫أسباب وهي كاآلتي‪:‬‬ ‫* ضعف القيادة السياسية الموجودة‪.‬‬ ‫* عدم اتخاذ القرارات السياسية المناسبة‪.‬‬ ‫* عدم التعاون مع الثوار وخاصة في‬ ‫المناطق الساخنة ابتداء من جمع السالح‬ ‫في تلك المناطق بالتعاون مع الثوار من‬ ‫نفس المناطق (بني وليد ـ بعض المناطق‬ ‫الجنوبية) علما بأنه تم تقديم خطة كاملة‬ ‫وشاملة من تنظيم ثوار كل ليبيا‪ ،‬ولم تتم‬ ‫الموافقة عليها من قبل القيادة السياسية‪.‬‬ ‫* تم توزيع األموال بطريقة غير مناسبة‬ ‫وغير مدروسة‪.‬‬ ‫* عدم تعيين الرجل المناسب في المكان‬ ‫المناسب‪.‬‬

‫على االجمال يمكن القول إن األمور خالل‬ ‫فترة العام‪ ،‬ظلت تتسم باالضطراب وعدم‬ ‫االستقرارسياسيا وعسكريا وأمنيا‪ .‬صعوبة‬ ‫في الحركة من منطقة الى أخرى داخل ليبيا‪.‬‬ ‫* كيف يمكن حل اشكالية الميليشيات‬ ‫المسلحة؟‬ ‫يتوجب أن تتم على عدة مراحل‪:‬‬ ‫* المرحلة األولى‪ :‬تعيين مندوبين من القيادة‬ ‫السياسية والعسكرية لجمع السالح في كل‬ ‫مناطق ليبيا‪ ،‬عبر خطة كاملة وواضحة‬ ‫على ان تعرض على كل المجالس العسكرية‬ ‫والمدنية للتصديق عليها وقبولها من كل‬ ‫األطراف وهي كالتالي‪:‬‬ ‫* أوال‪« :‬شراء أمننا» يتم عبر تخصيص‬ ‫مبالغ مالية لجمع السالح في فترات زمنية‬ ‫متوالية على أن يكون السعر في فترات‬ ‫التجميع األولى مقابل كل قطعة سالح‬ ‫مرتفعا ثم ينخفض تدرجيا مع تقادم المدة‬ ‫إلى أن يصل إلى مرحلة الصفر‪ ،‬ثم تأتي‬ ‫مرحلة تنفيذ القانون والعقوبات لكل من لم‬ ‫يقم بتسليم سالحه‪ ،‬وخالل هذه الفترة تكون‬ ‫الجماعات المسلحة قد ضعفت وتم تدريجيا‬ ‫تقوية القوات المسلحة واألجهزة األمنية‪.‬‬ ‫* هل أنت متفائل أم متشائم‪:‬‬ ‫ـ لست متفائال إال إذا تمكن المؤتمر الوطني‬ ‫العام من أعداد دستور جيد‪ ،‬واستفتى الليبين‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫كذلك إعادة توزيع المهام من أعلى الهرم‬ ‫السياسي إلى أدناه‪ ،‬وذلك بوضع الرجل‬ ‫المناسب في المكان المناسب حسب‬ ‫التخصصات وأعادة فرز في كل المناصب‬ ‫داخل البالد وخارجها فيمن احتلوا هذه‬ ‫المناصب‪ ،‬عندها سوف أكون أنا وزمالئي‬ ‫المقاتلون متفائلين‪ ،‬حتى نستطيع تكوين‬ ‫جيش قوي‪ ،‬وجهاز آمني قوي‪ ،‬وحماية بلدنا‬ ‫من كل اضطرابات وقيادتها إلى االستقرار‪.‬‬

‫كتاب وصحافيون عرب‬ ‫سمير عطااهلل‪ :‬بقيت روما‬ ‫وذهب نيرون‬ ‫األمم تؤرخ عادة بين ما هو قبل‪ ،‬وما هو بعد‪.‬‬ ‫فمثال يقال روما ما بعد نيرون وما قبل نيرون‪.‬‬ ‫وألمانيا ما قبل الفوهيرور أي «القائد»‪،‬‬

‫‪9‬‬ ‫‪47‬‬


‫تقرير‬

‫محمد بن غلبون‪ :‬صحيح أن النظام الديمقراطي هو أكمل‬ ‫نظم الحكم التي شهدتها البشرية حتى اآلن وأجملها‪،‬إال أن‬ ‫الديمقراطية تظل مجرد وسيلة لضمان الحقوق واستتباب األمن‬ ‫وتحقيق العدالة‪ ،‬وتكافؤ الفرص في أي مجتمع‪.‬‬ ‫رئيس حزب االتحاد الدستوري الليبي‬ ‫والخطوات المتزامنة التي يمكن ايجازها‬ ‫في‪:‬‬ ‫أ ـ اإلسراع باستيعاب ما أمكن من أعضاء‬ ‫هذه الميليشيات في المؤسسات الرسمية‬ ‫للدولة الليبية‪ ،‬بعد إعادة تأهيلهم‪.‬‬ ‫ب ـ تقديم حوافز مادية مشجعة مقابل تسليم‬ ‫األسلحة للجهات الرسمية‪.‬‬ ‫ج ـ ممارسة ضغوط شعبية على الميليشيات‪،‬‬ ‫من خالل المجتمع السياسي والمدني بشكل‬ ‫سلمي ومنظم‪ ،‬بحيث يبرز ويتبلور الرأي‬ ‫العام الرافض الستمرار هذه الميليشيات‪،‬‬ ‫بعد انتهاء دورها أثناء تحرير البالد من‬ ‫النظام االستبدادي‪.‬‬ ‫د ـ التسريع بعملية إعادة بناء الجيش الوطني‬ ‫والمؤسسات األمنية وتكثيف الجهود في هذا‬ ‫الصدد‪ ،‬لملء الفراغ األمني ً‬ ‫أوال‪ ،‬ولمواجهة‬ ‫أية تطاوالت أو تجاوزات من أية جماعة‬ ‫مسلحة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ أنا متشائل‪ ،‬أخشى أن يؤول الربيع الليبي‬ ‫إلى خريف بائس‪ ،‬على أيدي بعض المكونات‬ ‫والحساسيات السياسية والدينية والثقافية‬ ‫والجهوية ضيقة األفق ‪ ،‬فالمالحظ أن معظم‬ ‫هذه الحساسيات والمكونات ال تسعى أو‬ ‫تجتهد من أجل تطوير وتجديد طروحاتها‬ ‫في ضوء معطيات الواقع الليبي ومتطلباته‪،‬‬ ‫وليس لديها الحس السياسي السليم والرصين‬ ‫الساعي إلى التوافق والبحث عن المشترك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بدال من التركيز على المختلف بين الليبيين‪،‬‬ ‫لقد ثار الليبيون ضد االستبداد‪ ،‬وذلك يعني‬ ‫في فهمي أن النقيض هو أن يعيش كل‬ ‫مواطن في أمان وحرية تحت غطاء الدستور‬ ‫والقانون وااللتزام بهما‪ ،‬ال أن يستبدل بذلك‬ ‫االستبداد الفردي الغاشم‪ ،‬استبداداً آخر تحت‬ ‫أي مسمى أو ادعاء‪.‬‬

‫محمود الناكوع‪ :‬البالد ما تزال‬ ‫في مرحلة انتقالية‬ ‫يوم ‪ 20‬اكتوبر (تشرين الثاني) عام ‪2011‬‬ ‫سقط العقيد القذافي مقتوال بأيدى الثوار وفي‬ ‫مسقط رأسه سرت‪ ،‬ومنذ تلك اللحظات انتهت‬ ‫حقبة ذلك الحاكم الطاغية‪ ،‬واحتفل الشعب‬

‫‪46‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬

‫الليبي احتفاالت واسعة‪ ،‬معتبرا ذلك اليوم‬ ‫يوم تحرير البالد من قبضته الشريرة‪ .‬كما‬ ‫اعتبره بداية مرحلة جديدة في تاريخ ليبيا‬ ‫الحديثة‪ .‬ومنذ ذلك اليوم بدأت األفكار واألفعال‬ ‫تتحرك نحو بناء السلطة الجديدة على أسس‬ ‫ديمقراطية‪.‬‬ ‫لقد نجح القذافي في بناء سلطة الرعب‬ ‫والكراهية‪ ،‬التي كادت تدمر القيم االجتماعية‬ ‫في الوطن‪ ،‬وما تزال آثار أفكاره وبرامجه‬ ‫التعليمية واإلعالمية واالقتصادية واضحة‬ ‫لدى مجموعات من الليبيين‪ ،‬والتي تعكس‬ ‫ثقافة الفساد المالي واالداري وتبرر نهب المال‬ ‫العام باعتباره «رزق حكومة» أي أنه يجوز‬ ‫سرقته‪ ..‬ولكن ما حدث منذ سقوط القذافي‬ ‫وحكمه سادت الروح الجديدة‪ ،‬ومن أبرز‬ ‫مالمحها احساس المواطنين بالحرية الكاملة‪،‬‬ ‫وعندها انطلق الناس في تنظيم أنفسهم في‬ ‫شكل جمعيات تهتم بحقوق االنسان‪ ،‬وفي شكل‬ ‫أحزاب سياسية‪ ،‬وفي شكل نشاط خاص اتجه‬ ‫نحو اطالق قنوات فضائية‪ ،‬ونشر صحف‬ ‫ورقية‪ ،‬ومواقع الكترونية‪.‬‬ ‫واألبرز اجراء أول انتخابات حرة ونزيهة‬ ‫وبمشاركة كبيرة من الناخبين والتي انتخب‬ ‫فيها الشعب «المؤتمر الوطني العام»‪ ..‬وهي‬ ‫أول انتخابات على هذا المستوى من التنظيم‬ ‫والحماس والشفافية تحدث في ليبيا منذ‬ ‫استقاللها عام ‪.1951‬‬ ‫ليبيا بعد القذافي أكدت العزم بإرادة حرة أنها‬ ‫تتجه نحو بناء دولة القانون وترسيخ المواطنة‬ ‫على أسس من حقوق االنسان‪ ،‬وأن اإلسالم‬ ‫بقيمه السمحة العادلة سيكون مرتكزا مهما‬ ‫يقبله الجميع لتماسك وتالحم المجتمع في‬ ‫حاالت العسر واليسر‪.‬‬ ‫كل هذه التطورات تجعلني وتجعل غيري من‬ ‫الليبيين ننظر الى المستقبل بتفاؤل قوي ال‬ ‫يتطرق إليه الشك‪ ،‬ألن التغيير السياسي الكبير‬ ‫قد حدث‪ ،‬وأن حلم االطاحة بالطاغية قد أنجز‪،‬‬ ‫وأن حلم بناء الدولة الديمقراطية الحديثة بدأت‬ ‫خطواته األولى‪.‬‬ ‫البالد في مرحلة التحول من الثورة إلى الدولة‪،‬‬

‫ولكي يكون التفاؤل على أسس صحيحة‪ ،‬البد‬ ‫من عقلنة الخطاب السياسي واإلعالمي‪،‬‬ ‫وأن يتم التعامل مع السياسات والخطط لبناء‬ ‫مؤسسات البالد على قواعد من المعرفة‬ ‫والرؤى الشاملة والواضحة‪ ،‬بحيث تقل‬ ‫األخطاء أثناء ادارة المر حلة االنتقالية‪ ،‬والتي‬ ‫تتميز بكثير من الصعوبات‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كل األخطاء التى حدثت‪،‬‬ ‫وربما تحدث في المستقبل ورغم كل‬ ‫الصعوبات السياسية‪ ،‬فإن ليبيا تتحرك في‬ ‫االتجاه الصحيح‪ ،‬ألنها اختارت الخيار‬ ‫السليم وهو الديمقراطية والنزاهة وصناديق‬ ‫االقتراع‪ ،‬ومع استمرار التجربة وما قد‬ ‫يخالطها ويشوبها من عيوب‪ ،‬فإن المجتمع‬ ‫سيصحح أخطاءه وسيتعلم من تلك األخطاء‪،‬‬ ‫حتى يصل إلى األفضل‪ ،‬وهكذا هو المسار‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬ال يصل إلى المستوى الجيد إال‬ ‫من خالل الممارسة والتعلم منها‪.‬‬ ‫وظاهرة انتشار السالح هي ظاهرة مقترنة‬ ‫بحالة ما بعد الثورة‪ ،‬وهي ثورة شعبية مسلحة‪،‬‬ ‫ونظرا لضعف مؤسسات الدولة في المرحلة‬ ‫االنتقالية‪ ،‬فقد تأخر التعامل الناجح مع السالح‬ ‫الذي استغل استعماله بعض الشباب لتحقيق‬ ‫مآرب شخصية أو عائلية‪ ،‬أو تم استغاللهم من‬ ‫اطراف مضاده للثورة‪ ،‬أو تريد فرض وجودها‬ ‫ولو في مراحل متأخرة‪ ،‬وإن لم تشارك تلك‬ ‫األطراف في ثورة التحرير‪.‬‬ ‫ولكن هذه الظاهرة ال يمكن أن تستمر‪،‬‬ ‫ألن هناك رأيا عاما يرفضها بشدة‪ ،‬وبعد‬ ‫االنتخابات التي أفرزت مجلسا شرعيا ستزداد‬ ‫قوة الرفض لحاالت االنفالت األمني‪ ،‬وحاالت‬ ‫السالح خارج اطر مؤسسات الدولة‪.‬‬ ‫البالد ما تزال في مرحلة انتقالية والتزال األيام‬ ‫والليالي مثقالت بكثير من األعباء‪ .‬وتخفيف‬ ‫تلك األعباء يتطلب وعيا متقدما من فئات كل‬ ‫الشعب‪ ،‬ويتطلب حضور ثقافة التوافق وثقافة‬ ‫المصالحة جنبا إلى جنب مع حضور مناسب‬ ‫للدولة وخاصة في مجاالت‪ :‬األمن والقضاء‬ ‫والجيش والخدمات األساسية‪.‬‬ ‫ليبيا بلد ثري ومستقبله واعد‪ ،‬وكل القوى‬ ‫الدولية واالقليمية يهمها االستقرار في ليبيا‪،‬‬


‫محمود الناكوع‪ :‬لقد نجح القذافي في بناء سلطة الرعب‬ ‫والكراهية‪،‬التي كادت تدمر القيم االجتماعية في الوطن‪.‬‬ ‫وما تزال آثار أفكاره وبرامجه التعليمية واإلعالمية‬ ‫واالقتصادية واضحة لدى مجموعات من الليبيين‪.‬‬

‫سفير ليبيا في بريطانيا‬

‫جماعات التبو غير الليبية‪.‬‬ ‫منطقة أوباري مهددة‪ ،‬ألنه إذا استنكف‬ ‫الطوارق غير الليبيين نتيجة القتال الدائر في‬ ‫مالي والمشاكل في شمال النيجر والجنوب‬ ‫الجزائري‪ ،‬فسوف يأتون إلى وادي اآلجال‪.‬‬ ‫فشتان بين الجلوس في طرابلس على كرسي‬ ‫الحكم‪ ،‬ومعرفة ما يجري في الجنوب‪ ،‬وما‬ ‫يجري فيه من منازعات‪ .‬إن ما يجري ليس‬ ‫أمرا عارضا‪ ،‬إن منابع النفط والثروة واقعة‬ ‫في أيدي أجانب‪ .‬هذه االشكالية الكبرى‪ .‬إنهم‬ ‫يأتون من دول مختلفة من مالي وتشاد ودار‬ ‫فور وغيرها‪.‬‬ ‫واآلن نحن ننتظر ما ستؤول إليه هذه‬ ‫االنتخابات‪ ،‬ال بقدوم أشخاص جدد على‬ ‫رأس السلطة‪ ،‬بل بوضع حلول عاجلة لهذه‬ ‫القضايا‪.‬‬ ‫هل أنت متشائل أم متفائل؟‬ ‫أنا متشائم ومكتئب‪ .‬أنا متشائل قلبيا ومتشائم‬ ‫عقليا‪.‬‬ ‫أنا أقول‪ :‬إذا كان هناك خطف وقتل في‬ ‫طرابلس نفسها‪ ..‬فمن يحم صناديق االقتراع‬ ‫فيها إذا؟‬ ‫ما هي قدرة هؤالء الذين سيأتون عن طريق‬ ‫هذه الصناديق في إحالل األمن واالستقرار؟!‬

‫محمد صوان‪ :‬الشعب الليبي‬ ‫خرج من عنق الزجاجة‬ ‫الحقيقة أن ما حدث بعد القذافي ال يمكن أن‬ ‫يتكلم اإلنسان فيه بما يكفيه‪ .‬الحدث كبير على‬ ‫كل المستويات‪ .‬ليبيا كانت في حال وأصبحت‬ ‫اآلن في حال آخر‪ .‬نحن اآلن بعد حوالي‬ ‫سنة من انتهاء نظام القذافي‪ ،‬بدأت العملية‬ ‫السياسية‪ ،‬وبدأت تتشكل األحزاب‪ ،‬وبدأت‬ ‫تظهر الخارطة السياسية في ليبيا‪ ،‬ونتطلع‬ ‫اآلن إلى تشكيل حكومة‪ ،‬ووجود أول مجلس‬ ‫وطني منتخب شرعي نعول عليه كثيرا في‬ ‫إحداث االستقرار واالنتقال من حالة الثورة‪،‬‬ ‫والحرب والسالح إلى حالة الدولة‪ .‬ليبيا‬ ‫فيها مشاكل كثيرة‪ ،‬نتيجة للحرب‪ ..‬هناك‬ ‫مشاكل على المستوى االجتماعي‪ ،‬على‬ ‫مستوى انتشار السالح‪ ،‬ما يتعلق بالمصالحة‬ ‫الوطنية وبعض بؤر التوتر ما يتعلق ببعض‬ ‫الخالفات الجهوية والقبلية التي ربما كانت‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫كامنة وظاهرة‪ .‬واآلن أول خطوة نعتبرها‬ ‫وهي انتخاب رئيس يكون شرعيا‪ .‬نأمل‬ ‫كثيرا في أن ليبيا كما انجزت أعظم ثورة‪،‬‬ ‫واقتلعت رأس النظام وجذوره‪ ..‬نعم الجراح‬ ‫عميقة‪ ..‬نعم اآلالم كبيرة‪ ،‬لكن هذه الحرب‬ ‫الطاحنة‪ ،‬وهذا االستئصال الجذري‪ ،‬نأمل‬ ‫أن تكون ثورة الشعب الليبي من أنجح‬ ‫الثورات في تحقيق اهدافها إذا ما تمكننا‪ ،‬إن‬ ‫شاء اهلل‪ ،‬من التنفيذ الصحيح لمرحلة بناء‬ ‫الدولة التي بدأت بوادره اآلن في الحراك‬ ‫السياسي ونجاح االنتخابات‪.‬‬ ‫الشعب الليبي أظهر تجانسا كبيرا‪ ،‬والظروف‬ ‫الموضوعية على األرض‪ ،‬تقول إن هناك‬ ‫انتهاكات كبيرة تحدث‪ ،‬وهناك مشاكل سوف‬ ‫تأتي على البلد‪ ،‬لكن أثبت الشعب الليبي على‬ ‫الرغم من ضعف الحكومة‪ ،‬وضعف األداء‪،‬‬ ‫وعدم وجود السيطرة األمنية الكافية‪ ،‬أثبت‬ ‫أنه أكبر من كل المشاكل والخالفات‪ ،‬وحتى‬ ‫بعض االحتكاكات التي تحدث‪ ،‬سرعان ما‬ ‫يتمكن المجتمع ممثال في القبائل والرموز‬ ‫االجتماعية ومؤسسات المجتمع من أن‬ ‫يحتوي هذه المشاكل‪.‬‬ ‫وهذا ما يدعونا ألن نؤسس هذا التفاؤل على‬ ‫نظرة علمية قائمة‪ ،‬ونقول إن الشعب الليبي‪،‬‬ ‫إن شاء اهلل‪ ،‬قد خرج من عنق الزجاجة بإجراء‬ ‫هذه االنتخابات‪ .‬أما من الجانب الثاني‪ ،‬فإن‬ ‫وضع ليبيا يدعو إلى التفاؤل‪ .‬ليبيا الحقيقة‬ ‫ليس بها بترول فقط‪ ،‬ليبيا فيها طاقات كبيرة‬ ‫جدا‪ .‬أول هذه الطاقات هو البشر‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫الليبي إنسان ذكي ومعطاء‪ ،‬مخلص لهويته‬ ‫ووطنه‪ ،‬وباإلضافة إلى البترول‪ ،‬الذي يعتبر‬ ‫هو األساس للدفع بعملية النهضة السريعة‪،‬‬ ‫لكن لدينا شاطئ طوله ألفا كيلو متر نتطلع‬ ‫أن يكون مساهما في االقتصاد البديل‪ ،‬لدينا‬ ‫صحراء شاسعة فيها ثروات كالحديد والغاز‬ ‫ومخزن للطاقة الشمسية‪ ،‬لدينا مدن سياحية‬ ‫كاملة‪ ،‬ونتطلع أن العالم يرى ليبيا وتاريخها‬ ‫وثقافتها من خالل تشجيع هذا المجال‪ .‬ليبيا‬ ‫تعتبر حلقة ربط بين أوروبا وأفريقيا عبر‬ ‫التاريخ من خالل موقعها االستراتيجي‪ .‬لذا‬ ‫فنحن نتطلع أن ينظر في هذه الجوانب‪.‬‬ ‫ولدينا نحن في حزب العدالة والبناء بعض‬

‫الدراسات األولية التي نريد أن نطورها‬ ‫ونستفيد من هذه المجاالت ونقدمها لشعبنا‬ ‫الليبي‪.‬‬

‫محمد الفقيه‪ :‬أخشى أن يؤول‬ ‫الربيع إلى خريف بائس‬

‫‪1‬ـ لم يكتمل الحوار بعد على موت القذافي‪،‬‬ ‫لكن ذلك ليس باألمر المهم ‪ .‬ما يعنينا هو أن‬ ‫الشعب الليبي بتضحيات باهظة وبمساعدة‬ ‫اقليمية ودولية‪ ،‬أنجز القسم األول الصعب‬ ‫من أهدافه وهو تقويض نظام القذافي‪،‬‬ ‫ويبقي أمامه القسم الثاني األصعب‪ ،‬وأعني‬ ‫به معالجة آثار الحرب والتركة الثقيلة التي‬ ‫تركها نظام القذافي‪ ،‬بالتزامن مع إرساء‬ ‫أسس الدولة المدنية الديمقراطية الجديدة‬ ‫على األرض الليبية‪ ،‬إنها مجموعة مهمات‬ ‫معقدة وعويصة ومتزامنة‪ ،‬وتتطلب الحلول‬ ‫السريعة في ظل وجود هوة كبيرة بين‬ ‫التوقعات واإلمكانيات أوال‪ ،‬وانتشار السالح‬ ‫والتشكيالت المسلحة غير المنضبطة ثانيا‪،‬‬ ‫واحتدام الضغائن والثارات بين عدد من‬ ‫ً‬ ‫فضال عن السلوك‬ ‫المناطق والقبائل ثالثاً‪،‬‬ ‫السياسي غير المسؤول ممن يضغطون من‬ ‫أجل فرض النظام الفيدرالي على الشعب‬ ‫الليبي‪.‬‬ ‫كل ذلك يدفعنا إلى القلق على بالدنا التي ما‬ ‫تزال تلملم جراحها في مهب مصائر متعددة‪،‬‬ ‫لكن هذه النظرة الحذرة ال ينبغي أن تحول‬ ‫دون التنويه بالتطورات االيجابية والمنعشة‬ ‫لآلمال في المشهد السياسي الليبي الجديد‪،‬‬ ‫الذي ما يزال في طور التشكيل‪ ،‬وأعني بذلك‬ ‫تأسيس عدد كبير من التنظيمات الحزبية‪،‬‬ ‫ومنظمات المجتمع المدني‪ ،‬والصحف‬ ‫األهلية‪ ،‬فضال عن المظاهرات الحاشدة‬ ‫في مختلف مناطق البالد‪ ،‬رداً على التوجه‬ ‫الفيدرالي‪ ،‬واألهم من هذا كله‪ ،‬النجاح‬ ‫الالفت لتنظيم االنتخاب الخاص باختيار‬ ‫أعضاء المؤتمر الوطني العام‪ ،‬والمشاركة‬ ‫الشعبية الواسعة في هذه العملية االنتخابية‪،‬‬ ‫ما يدل على رغبة الشعب في بناء دولة‬ ‫القانون والحريات والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تستدعي معالجة إشكالية الميليشيات‬ ‫المسلحة في ليبيا جملة من اإلجراءات‬

‫‪7‬‬ ‫‪45‬‬


‫تقرير‬

‫محمد صوان‪ :‬الظروف الموضوعية على األرض تقول إن هناك‬ ‫انتهاكات كبيرة تحدث‪ ،‬وهناك مشاكل سوف تأتي على البلد‪ ،‬لكن أثبت‬ ‫الشعب الليبي على الرغم من ضعف الحكومة‪ ،‬وضعف األداء‪ ،‬وعدم‬ ‫وجود السيطرة األمنية الكافية‪ ،‬أنه أكبر من كل المشاكل والخالفات‪.‬‬ ‫رذيس حزب العدالة والبناء‬ ‫وعي الناخب الليبي‪ ،‬إال أن هذا النجاح لم‬ ‫يقابله نجاح مماثل للمترشحات في انتخابات‬ ‫المجلس الوطني العام‪ ،‬لكن مع ذلك يمكننا‬ ‫القول وبثقة‪ ،‬إن المرأة الليبية لعبت دورا‬ ‫حاسما في نجاح تحالف القوى الوطنية في‬ ‫الفوز بنصيب األسد من مقاعد المؤتمر‬ ‫الوطني العام‪ .‬ويرى محللون أن مبعث‬ ‫ذلك هو خوف المرأة من فقدان ما نالته من‬ ‫حقوق وما حققته من مكاسب طوال السنوات‬ ‫الماضية‪ ،‬في حالة وصول االسالميين إلى‬ ‫السلطة‪ .‬والحقيقة أن االسالميين فشلوا في‬ ‫حمالتهم االنتخابية في تطمين المرأة الليبية‪،‬‬ ‫والتأكيد على استمرارها في التمتع بحقوقها‪،‬‬ ‫كما أن الكثير من االفعال التي قام بها‬ ‫أعضاء في هذه الجماعات ضد المرأة خالل‬ ‫مرحلة اسقاط النظام في الكثير من المدن‪،‬‬ ‫سبب هلعا وخوفا للمرأة الليبية من وصول‬ ‫هذه الجماعات للسلطة‪ ،‬بما تمثله من أجندة‬ ‫مضادة لحقوق المرأة الليبية ومكتسباتها‪.‬‬ ‫كيف يقرأ بعض المسؤولين‬ ‫المشهد الليبي بعد حوالي سنة‬ ‫من تغييب القذافي؟‬

‫عبد الرحمن شلقم‪ :‬قوة الشريعة‬ ‫بعد شريعة القوة!‬ ‫‪ - 1‬منذ قرابة السنة‪ ،‬ليبيا بدون القذافي‪ ،‬بعد‬ ‫انتصار ثورة الشعب الليبي‪ .‬إن ما تحقق‬ ‫منذ انتصار الثورة وبدون مبالغة فاق كل‬ ‫التوقعات‪ ،‬فلقد استقرت األمور في كل أنحاء‬ ‫ليبيا‪ ،‬وبدأت رحلة تأسيس الدولة‪ ،‬نجاح‬ ‫عملية االنتخابات رغم األصوات التي قالت‬ ‫إن ذلك لن ينجز‪ .‬فأنا أرى ليبيا اليوم وطنا‬ ‫ينطلق بقوة نحو هدف محدد‪ ،‬وهو بناء ليبيا‬ ‫الجديدة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مشكلة السالح المنتشر في كل انحاء‬ ‫ليبيا بكل أنواعه هو الخطر األكبر‪ ،‬الذي‬ ‫يهدد بعرقلة بناء الدولة الديمقراطية الجديدة‪.‬‬ ‫فنجاح االنتخابات يعني دخول ليبيا إلى دائرة‬ ‫الهدف األساسي‪ ،‬وهو الدولة الحديثة التي‬ ‫تقوم على القانون‪ .‬السالح هو التحدي األكبر‬ ‫واألخطر الذي يواجهنا‪ ،‬نحن على أبواب‬ ‫قوة الشريعة بعد شهور من شريعة القوة‪ .‬بعد‬

‫‪44‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪6‬‬

‫انجاز المؤتمر الوطني العام‪ ،‬فإن الموضوع‬ ‫الذي يسبق ما عداه‪ ،‬هو تأسيس الجيش‬ ‫الوطني‪ ،‬الذي يشكل العمود الفقري لكيان‬ ‫الدولة‪ ،‬وبموازاة تأسيس الجيش‪ ،‬يشرع في‬ ‫إقامة جهاز الشرطة‪ ،‬وكذلك تفعيل القضاء‪،‬‬ ‫هذا هو المثلث الذي تقف عليه الدولة الليبية‬ ‫الجديدة‪.‬‬ ‫‪ – 3‬عندما سألتني هذا السؤال قلت لك أنا‬ ‫متشائل‪ ،‬لكن اآلن حدثت حركة في الحروف‪،‬‬ ‫ونافست الفاء حرف الشين‪ .‬التفاؤل هو الذي‬ ‫يعطي الملمح الجديد لليبيا ما بعد انتخاب‬ ‫المجلس الوطني‪ ،‬وأنا أراهن على شيئين‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬وعي الشعب الليبي الذي تجسد من‬ ‫خالل االنتخابات األخيرة‪ ،‬واالقبال الكبير‬ ‫من الرجال والنساء على عملية االنتخابات‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬الروح الوطنية التي أبداها الشعب‬ ‫الليبي‪ ،‬ورفضه للتوجهات المتطرفة‪ ،‬وكذلك‬ ‫التوجهات التي تمثل االيديولوجيات العابرة‬ ‫للحدود‪.‬‬ ‫نحن ننتظر انعقاد المؤتمر الوطني العام‪،‬‬ ‫وتشكيل الحكومة الجديدة‪ ،‬عندئذ نستطيع‬ ‫القول إن مشروع ليبيا الديمقراطية‪ ،‬المدنية‪،‬‬ ‫الجديدة قد انطلق‪.‬‬

‫عبدالمطلب الهوني‪ :‬منابع النفط‬ ‫في أيدي أجانب‬ ‫الثورة مثل طائر يطير بجناحيه‪ ،‬جناح العنف‬ ‫من أجل اسقاط النظام‪ .‬وجناح رومانسي‬ ‫يحلم بالقادم الجميل‪ .‬عندما يتخلص الشعب‬ ‫أو الثائرون من الحاكم‪ ،‬يسقط الجناح‬ ‫الرومانسي الجميل‪ ،‬ويبقى الجناح العنفوي‬ ‫الباطش‪.‬‬ ‫وهذا يحدث في كل الثورات‪ ،‬وليس مقتصرا‬ ‫على ثورة بعينها‪ .‬اآلن في ليبيا افتقدت‬ ‫الرومانسية‪ ،‬وبقي العنف‪ .‬ما االشكالية إذا؟‬ ‫االشكالية أن ليبيا حكمت من قبل القذافي‬ ‫كجهاز مافيوي‪ .‬وعندما سقط رئيس المافيا‬ ‫وقتل‪ ،‬سقطت الدولة التي كان يحكمها‬ ‫بالكامل‪ .‬ماذا حصل؟ حصلت كارثة‬ ‫كبرى في ليبيا‪ .‬وهو أن أنصار القذافي‪ ،‬أو‬ ‫حتى هؤالء الذين لم يشتركوا في الثورة‪،‬‬ ‫والمجرمين الذين أخرجوا أو خرجوا من‬

‫السجون‪ ،‬سطوا على السالح الكثيف‪ ،‬ألنه‬ ‫لمن ال يعلم أن في ليبيا ‪ 25‬مليون قطعة‬ ‫سالح‪ .‬فأصبح الثوار الذين ناضلوا من‬ ‫أجل اإلطاحة بالقذافي‪ ،‬أقلية ال معنى لها‪،‬‬ ‫وسيطر على ليبيا مجموعة مكونة من‬ ‫خليط عجيب وغريب‪ ،‬ال تهدف سوى إلى‬ ‫االبتزاز‪ ،‬وقتل الناس واختطافهم‪ ،‬وتصفية‬ ‫حسابات شخصية‪ ،‬وترك البلد بال دولة‪.‬‬ ‫ألن ليبيا من دون دولة ستكون من مصلحة‬ ‫المافيات‪ ،‬وأصبحت هذه المجموعات تأكل‬ ‫من سالحها‪ .‬اإلشكالية اآلن أن معمر القذافي‬ ‫ترك ألغاما لم تفكك‪ .‬ترك عداوات قبلية‪،‬‬ ‫ترك أناسا مغبونين حقوقهم تنتهك‪ ،‬ترك‬ ‫أناسا مظلومين يعذبون في السجون‪ .‬هذه‬ ‫وغيرها ألغام موجودة على األرض‪ .‬ولكن‬ ‫أخطر ما ترك هو عدد الشباب العاطل‪ ،‬الذي‬ ‫هو مخزون حقيقي ألي إرهابي أو قاتل‪.‬‬ ‫االنتخابات التي جرت يوم ‪ 7‬يوليو (تموز)‬ ‫الماضي‪ ،‬يقولون إنه من نتيجتها انتخاب‬ ‫مجلس وطني يدير شؤون البالد‪ .‬إن قلبي‬ ‫مع هؤالء الذين سيكونون في هذا المجلس‬ ‫أو الجمعية‪.‬‬ ‫ولكن عقلي ليس معهم‪ ،‬ألني أعتقد أن هذا‬ ‫المجلس‪ ،‬لن يكون أفضل حاال من المجلس‬ ‫االنتقالي الحالي‪ ،‬باعتبار أن قراراته لن‬ ‫تخرج من باب المجلس أو سمه البرلمان‪.‬‬ ‫ألنه يفتقد قوة الدولة في ما يخص تنفيذ‬ ‫القرارات وفرض األمن‪ .‬ما معنى ذلك؟‬ ‫معنى ذلك وأرجع هنا إلى تحليلي القديم‪،‬‬ ‫وهو أن ليبيا اليوم غير قادرة على تأسيس‬ ‫الدولة بدون معونة خارجية‪ .‬نزع السالح‪،‬‬ ‫تأسيس جيش وطني‪ ،‬وأمن وطني‪،‬‬ ‫ومؤسسات وطنية‪ ،‬ألن هناك شيئا مهما‬ ‫جدا‪ ،‬ال يفهمه كثير من العرب وباألخص‬ ‫الليبيين‪ ،‬وهو أن الدولة ذلك المخلوق الوحيد‬ ‫الذي يولد بأنياب وأظافر‪ :‬أي بجيش وأمن‪.‬‬ ‫فمادامت الدولة ليست موجودة‪ ،‬يظل األمر‬ ‫شبيها بغابة‪ .‬ولذلك نحن اآلن في اشكالية في‬ ‫الجنوب الليبي‪.‬‬ ‫ولمن ال يعلم هذه الحقيقة فإن الجنوب‬ ‫الليبي محتل من شعوب أخرى غير ليبية‪،‬‬ ‫فمناطق غات‪ ،‬مرزق‪ ،‬أم األرانب‪ ،‬زوية‪،‬‬ ‫بسة‪ ،‬القطرون والكفرة‪ ،‬هذه كلها محتلة من‬


‫عبدالمطلب الهوني‪ :‬ماذا حصل؟ حصلت كارثة كبرى في ليبيا‪.‬‬ ‫وهو أن أنصار القذافي‪ ،‬أو حتى هؤالء الذين لم يشتركوا في الثورة‪،‬‬ ‫والمجرمين الذين أخرجوا أو خرجوا من السجون‪،‬سطوا على السالح‬ ‫الكثيف‪ ،‬ألنه لمن ال يعلم‪ :‬في ليبيا ‪ 25‬مليون قطعة سالح‪.‬‬ ‫كاتب ومحلل سياسي‬ ‫أو للمخدرات من مختلف الدول المجاورة‪،‬‬ ‫وكذلك أمام المنظمات االرهابية التي‬ ‫استغلت الوضع وصارت تتجاسر بالدخول‬ ‫لالراضي الليبية من أجل الحصول على‬ ‫السالح وتهريبه‪ ،‬من أجل تحقيق أجندتها‬ ‫الخاصة بها وهي كثيرة‪ ،‬وقد أثار األمر قلق‬ ‫الدول المجاورة التي بدأت تشهد تصاعدا‬ ‫النتشار تهريب المخدرات واالسلحة إليها‬ ‫من ليبيا‪ ،‬وما حدث في شمال مالي من‬ ‫أحداث أدت إلى وصول مجموعات دينية‬ ‫متطرفة إلى السيطرة على جزء كبير من‬ ‫أراضي مالي‪ ،‬مما شكل تهديدا خطيرا ألمن‬ ‫واستقرار الدول المجاورة وخاصة الجزائر‪.‬‬

‫والدعم السياسي‪ ،‬في محاولة لتمكينهم من‬ ‫االمساك بزمام األمور في ليبيا‪ ،‬عبر حصد‬ ‫نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام‪ ،‬إال‬ ‫ان هذه السياسة أتت بنتائج عكسية‪ ،‬إذ انتبه‬ ‫الناخب الليبي لهذا الدور وحرم األحزاب‬ ‫الدينية المدعومة من الخارج من صوته‬ ‫االنتخابي‪ ،‬ألنه أحس بما يعد له من أجندة‬ ‫سياسية ذات تأثير مباشر على حياته اليومية‬ ‫وعلى سيادة بالده‪.‬‬ ‫لذلك يمكن لنا القول إن ما تحقق في‬ ‫االنتخابات وما كشف عنه الناخب الليبي من‬ ‫وعي وادراك‪ ،‬يعد ايجابية تحسب للمواطن‬ ‫الليبي ولمستقبله‪.‬‬

‫والحقيقة أن حكومة الكيب في طرابلس ابدت‬ ‫بوضوح عجزا في التعامل مع هذه القضية‬ ‫الخطيرة‪ ،‬رغم استغاثات الدول المجاورة‬ ‫والمجتمع الدولي‪ ،‬ألنها عاجزة عن السيطرة‬ ‫حتى على العاصمة طرابلس‪ ،‬لعدم تمكنها‬ ‫من بناء جيش وطني‪ ،‬أو لعدم رغبتها في‬ ‫بناء جيش وطني‪ ،‬كما يقول البعض‪.‬‬ ‫الفشل في حماية الحدود دفع البعض من‬ ‫أركان ورجاالت النظام السابق وغيرهم‬ ‫إلى القيام بعمليات تهريب ضخمة لالموال‬ ‫الليبية‪ ،‬األمر الذي دفع بحسن زقالم وزير‬ ‫المالية‪ ،‬إلى التنبيه إلى خطورة الوضع‪،‬‬ ‫تهرب عبر الحدود‬ ‫حيث قال إن أموال ليبيا ّ‬ ‫بشكل يومي وبكميات كبيرة‪.‬‬ ‫وهذه ثاني أخطر السلبيات التي تعاني منها‬ ‫ليبيا بعد عام من موت القذافي‪.‬‬

‫انتشار السالح‬

‫التدخالت الخارجية‬ ‫أخطر هذ التدخالت الخارجية كانت عربية‬ ‫حيث ومنذ البداية لثورة ‪ 17‬فبراير‪ ،‬تم‬ ‫تقديم دعم سياسي وعسكري ومالي‪ ،‬وساهم‬ ‫«هذا الدعم العربي السخي» بشكل كبير في‬ ‫القضاء على القذافي ونظامه‪ ،‬إال أنه تبين‬ ‫بعد القضاء على القذافي أن هذا الدعم لم يكن‬ ‫ألجل عيون الليبيين‪ ،‬بل لتحقيق أجندة محددة‬ ‫داخل ليبيا‪ ،‬أهمها أن هذا «المحسن العربي»‬ ‫كان يريد ان يكون العبا مهما وفعاال في‬ ‫الساحة السياسية الليبية‪ ،‬وتمكن من‬ ‫استقطاب بعض قادة الجماعات االسالمية‬ ‫في ليبيا إليه‪ ،‬وامدهم باألموال واألسلحة‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫نجاح االنتفاضة في التخلص من نظام‬ ‫القذافي‪ ،‬لم يقف حاجزا دون انتشار‬ ‫الماليين من قطع السالح بمختلف أنواعه‬ ‫في كل مدينة وقرية‪ ،‬ممثال في انتشار‬ ‫المجموعات المسلحة‪ ،‬وخاصة في مدينة‬ ‫طرابلس العاصمة‪ ،‬حيث تحولت أغلب هذه‬ ‫المجموعات إلى عصابات مسلحة ال هم‬ ‫لها إال إرهاب الناس وتخويفهم وابتزازهم‪،‬‬ ‫والحصول على األموال دون رادع‪.‬‬ ‫ويقال إن تنظيم كل ثوار ليبيا‪ ،‬قدم في بداية‬ ‫اسقاط نظام القذافي مقترحا بجمع السالح‬ ‫من االهالي‪ ،‬سمي باسم (شراء أمننا) يقوم‬ ‫على دفع مبالغ مالية من جانب الحكومة لكل‬ ‫من يقوم بتسليم قطعة سالح‪ ،‬إال أن الحكومة‬ ‫والمجلس االنتقالي رفضا المقترح دون‬ ‫تقديم االسباب‪.‬‬ ‫وهذه ثالث أكبر السلبيات ومن أشدها خطرا‬ ‫على ليبيا‪ ،‬وعلى اي حكومة مستقبلية أن‬ ‫تتعامل مع هذه المسألة في غاية الجدية‪ ،‬عبر‬ ‫العمل على تشكيل جيش وطني قوي وأجهزة‬ ‫أمنية قوية مؤهلة‪ ،‬يمكنها التعامل مع هذه‬ ‫المجموعات وارغامها على تسليم سالحها‪.‬‬

‫الفيدراليون‬ ‫الفيدرالية ليست غريبة على ليبيا‪ ،‬ألن النظام‬ ‫الملكي الذي قام عقب اعالن االستقالل كان‬ ‫فيدراليا‪ ،‬واستمر كذلك من ديسمبر (كانون‬ ‫األول) عام ‪ 1951‬وحتى أبريل (نيسان) عام‬

‫‪ ،1963‬إال أن قادة الفيدرالية الجدد الذين‬ ‫ظهروا على ساحة األحداث في ليبيا عقب‬ ‫االنتفاضة‪ ،‬وخاصة بعد مقتل القذافي‪ ،‬كانوا‬ ‫إلى حد ما مدفوعين بدوافع شخصية انانية‪،‬‬ ‫لعدم تمكنهم من الحصول على مناصب‬ ‫في الدولة الجديدة وتهميشهم‪ ،‬وقد حاول‬ ‫هؤالء القادة خلق نوع من البلبلة السياسية‬ ‫في اذهان المواطنين العاديين‪ ،‬وخاصة من‬ ‫سكان برقة بإيهامهم أن الفيدرلية هي الحل‬ ‫األمثل للتخلص من النظام المركزي‪ ،‬الذي‬ ‫عرفه الشعب الليبي خالل مرحلة القذافي‪،‬‬ ‫وسبب التهميش لكل مناطق ليبيا وخاصة‬ ‫في الشرق والجنوب‪ ،‬وقد حاول قادة هذا‬ ‫الفصيل االلتجاء إلى استخدام القوة‪ ،‬مطالبين‬ ‫بمنح إقليم برقة عددا مساويا لطرابلس في‬ ‫مقاعد المجلس الوطني االنتقالي المائتين‪،‬‬ ‫إال أن طلبه جوبه بالرفض من قبل المجلس‬ ‫الوطني االنتقالي‪ ،‬على اعتبار أن المقاعد‬ ‫الممنوحة إلقليم طرابلس كانت مماثلة‬ ‫للكثافة السكانية باإلقليم‪ ،‬وحاول بعض قادة‬ ‫الفيدراليين العمل على افشال االنتخابات‬ ‫التي تمت مؤخرا‪ ،‬ونجحوا في مهاجمة‬ ‫بعض مراكز االقتراع في بنغازي‪ ،‬إال أنهم‬ ‫فشلوا في تحقيق مآربهم‪ ،‬وخرج البرقاويون‬ ‫يوم االنتخابات وأدلوا بأصواتهم بشكل غير‬ ‫عادي‪ ،‬فيما يشبه الرد على الفيدراليين‬ ‫وأجندتهم‪.‬‬

‫المرأة الليبية‬ ‫حرصت المرأة الليبية على المشاركة‬ ‫في انتخابات المؤتمر الوطني العام‪،‬‬ ‫وكانت طوابير النسوة في مراكز االقتراع‬ ‫المختلفة‪ ،‬دليال على تطور وعي المرأة‬ ‫الليبية وحرصها على المشاركة في العملية‬ ‫السياسية الجديدة‪ ،‬بل وشاركت فيها بترشيح‬ ‫نفسها في عدد من الدوائر‪ ،‬إذ بلغ عدد‬ ‫المشاركات ‪ 500‬مرشحة‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق من المهم لنا االشارة إلى‬ ‫ان انتخابات المجلس المحلي في مدينة‬ ‫بنغازي‪ ،‬التي تمت قبل وقت قصير من‬ ‫انتخابات المؤتمر الوطني العام‪ ،‬شهدت‬ ‫ظاهرة الفتة للنظر إذ حازت الدكتورة نجاة‬ ‫الكيخيا أكبر عدد من اصوات الناخبين في‬ ‫تلك االنتخابات‪ ،‬األمر الذي يشير إلى تطور‬

‫‪5‬‬ ‫‪43‬‬


‫تقرير‬

‫عبد الرحمن شلقم‪ :‬كنت متشائال لكن اآلن حدثت حركة‬ ‫في الحروف‪ ،‬ونافست الفاء حرف الشين‪ ..‬لقد بدأت رحلة‬ ‫تأسيس الدولة‪ ..‬أنا أرى ليبيا اليوم وطنا ينطلق بقوة نحو‬ ‫هدف محدد‪ ،‬وهو بناء ليبيا الجديدة‪.‬‬

‫وزير الخارجية ومندوب ليبيا السابق لدى األمم المتحدة‬

‫أن طيبة وتسامح رئيس المجلس الوطني‬ ‫االنتقالي وفقدانه للخبرة‪ ،‬فتحت الباب أمام‬ ‫العديد من االنتهازيين للتسلل إليه والتأثير‬ ‫فيه بحجج عديدة‪.‬‬ ‫حكومة الدكتور عبد الرحيم الكيب‪ ،‬رغم‬ ‫حصولها على دعم رئيس وأعضاء المجلس‬ ‫الوطني االنتقالي ولدت ميتة‪ ،‬ذلك ان الكيب‬ ‫لم يكن معروفا على الساحة السياسية‬ ‫المناهضة لنظام القذافي ولم يعرف عنه‬ ‫اشتغاله بالسياسة‪ ،‬وكل ما عرف عنه أنه‬ ‫كان يعيش في المهجر منذ عقود طويلة‪،‬‬ ‫ويعمل أستاذا في احدى الجامعات االميركية‬ ‫متخصصا في الهندسة الكهربائية‪ ،‬ثم تحول‬ ‫إلى العمل في شركات دول الخليج‪.‬‬ ‫باقي أعضاء الوزارة الكثيري العدد هم من‬ ‫نفس الشاكلة‪ ،‬وسميت الحكومة بحكومة‬ ‫التكنوقراط‪ ،‬وبدأت في ممارسة أعمالها‬ ‫وكشفت منذ أيامها األول في الحكم عن‬ ‫أنها مثل «األطرش في زفة» واقع كان‬ ‫في أشد الحاجة لخبرة سياسيين محنكين‬ ‫على عالقة وثيقة بواقعهم وأناسه ونفسياتهم‬ ‫واشكالياتهم‪ ،‬وليس في حاجة ألصحاب‬ ‫لحي محفوفة بالمسطرة والفرجار ولحاملي‬ ‫شهادات دكتوراه في مختلف التخصصات‪،‬‬ ‫عاشوا بعيدا في المنافي وافتقدوا الخبرة‬ ‫بمعرفة الواقع الليبي أو التعامل مع مكوناته‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫كانت قرارات هذه الحكومة مجرد حبر‬ ‫على ورق‪ ،‬وظل المستشار عبد الجليل‬ ‫يمسك بين يديه زمام األمور في أروقة‬ ‫الحكم‪ ،‬وفي الشارع ظل قادة الميليشيات‬ ‫المسلحة أصحاب الكلمة األولى واألخيرة‪،‬‬ ‫وكان أفراد الشعب الليبي وأعضاء المجلس‬ ‫االنتقالي وأعضاء الحكومة على علم ودراية‬ ‫بذلك‪ ،‬ولم يكن بيد أحد منهم القدرة على‬ ‫تغيير األمور‪.‬‬ ‫المؤتمر الوطني العام الذي انتخب أعضاؤه‬ ‫شعبيا‪ ،‬ق ّدم فرصة تاريخية للشعب الليبي‬ ‫لتصحيح األمور وللتخلص من المجلس‬ ‫الوطني االنتقالي وحكومته العرجاء‪.‬‬ ‫هذه أولى االيجابيات التي عرفتها ليبيا عقب‬

‫‪42‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪4‬‬

‫عام من قتل القذافي‪.‬‬

‫إشكالية المدينة – الدولة‬ ‫يحق للبعض أن يسميها «دولة داخل دولة»‬ ‫لكن تعبير المدينة – الدولة ليس جديدا ويعود‬ ‫أليام اإلغريق حيث انتشرت المدن – الدول‪،‬‬ ‫أما في ليبيا فالحالة جديدة ومثيرة لالهتمام‪،‬‬ ‫وتتسم أيضا بالخطورة‪ ،‬وبدأت هذه الظاهرة‬ ‫عقب سقوط النظام ومقتل القذافي وأول ما‬ ‫ظهرت في مدينة مصراته‪ ،‬ثم سرعان ما‬ ‫انتقلت للزنتان وبنغازي وغيرها‪ ،‬خاصة‬ ‫بعد انتخاب المجالس المحلية بهذه المدن‪،‬‬ ‫التي صارت تتعامل وكأنها حكومة محلية‬ ‫مكتسبة للشرعية‪ ،‬لها كتائبها المسلحة‬ ‫وسجونها الخاصة ومخابراتها وعالقتها‬ ‫بالحكومة المركزية في طرابلس ال تتجاوز‬ ‫الشكالنية‪ ،‬ذلك أن الحكومات المحلية التي‬ ‫تشكلت في المدن المذكورة ال تهتم بالحكومة‬ ‫المركزية وال بقراراتها‪ ،‬وال تريد منها‬ ‫سوى تزويدها باألموال وعلى سبيل المثال‬ ‫فشلت الحكومة المركزية حتى اآلن في اقناع‬ ‫مدينة مصراتة بتسليم المعتقلين المحتجزين‬ ‫في سجونها إلى السلطة المركزية‪ ،‬خاصة‬ ‫بعد التقارير العديدة التي نشرتها المنظمات‬ ‫الدولية المهتمة بحقوق االنسان‪ ،‬كما فشلت‬ ‫الحكومة في اقناع مدينة الزنتان بتسليم‬ ‫نجل القذافي سيف المسجون لديها رغم أن‬ ‫الحكومة المركزية بنت سجنا خاصا له في‬ ‫طرابلس‪ ،‬وزودته بكافة أنواع التسهيالت‪،‬‬ ‫ووفرت له الحماية القوية‪.‬‬

‫قبائل ومشردون‬ ‫هناك مناطق في الجنوب الليبي مثل غات‪،‬‬ ‫زوية‪ ،‬أم األرانب‪ ،‬مرزق‪ ،‬القطرون‪،‬‬ ‫الكفرة‪ ،‬وبسة‪ ،‬بها كثير من األغراب‪.‬‬ ‫وبحكم انحالل الدولة الليبية‪ ،‬فإن هؤالء‬ ‫األقوام وجدوا فرصتهم للقدوم والعيش في‬ ‫ليبيا‪ ،‬نظرا لتوفر الرزق‪.‬‬ ‫ففي سبها كانت حصيلة االقتتال التي جرى‬ ‫بين قبائل التبو وأوالد سليمان في أبريل‬ ‫ً‬ ‫قتيال‪ ،‬فيما‬ ‫(نيسان) الماضي أكثر من‪147‬‬ ‫كان عدد الجرحى يقترب من ‪ 400‬شخص‪.‬‬ ‫وتحدث بين الفينة واألخرى معارك في‬

‫الكفرة بين قبيلة زوية والتبو الموجودين‬ ‫هناك‪ ،‬وتستخدم في هذه االشتباكات أسلحة‬ ‫ثقيلة ومدافع الهاون واآلر بي جي‪ .‬لكن‬ ‫هذا الصراع بين هذه القبائل ليس جديدا‪،‬‬ ‫فقد كانت هناك توترات ومعارك حتى قبل‬ ‫انتفاضة ‪ 17‬فبراير‪ ،‬إال أن فتيلها تصاعد‬ ‫بعد سقوط النظام‪ .‬وفي فبراير الماضي سقط‬ ‫أكثر من ‪ 100‬قتيل في اقتتال دار بين القبائل‬ ‫المذكورة‪.‬‬ ‫كما أن هناك توترات مستمرة بين قبائل‬ ‫الزنتان والمشاشية‪ .‬ففي يونيو (حزيران)‬ ‫الماضي سقط من كال الجانبين‪ 105‬اشخاص‬ ‫وجرح ‪ 500‬شخص آخر في مواجهات‬ ‫دامية‪ .‬وهناك نزاعات بين زوارة ورقدالين‪.‬‬ ‫هناك ايضا اشكالية المشردين من سكان‬ ‫مدينة تاورغاء شرق مصراته‪ ،‬حيث قامت‬ ‫الميليشيات المصراتيه بطرد سكان تاورغاء‬ ‫عن مدينتهم ورفضت السماح لهم بالعودة‬ ‫مما اضطر المجلس االنتقالي والحكومة‬ ‫االنتقالية إلى توزيع سكان المدينة الذين‬ ‫يتجاوزون الـ‪ 40‬ألف نسمة في مناطق‬ ‫عديدة في شرق البالد وغربها‪ ،‬بعد أن‬ ‫جهزت لهم مخيمات مؤقتة‪ ،‬كما أم هناك‬ ‫أكثر من ‪ 2000‬شخص من هؤالء ُسكنوا في‬ ‫األكاديمية البحرية العسكرية في طرابلس‪،‬‬ ‫ورفضت مصراته التي تلقت دعماً خارجيا‬ ‫ضخما أثناء االنتفاضة رئيس المجلس‬ ‫االنتقالي وتوسالت الحكومة والمنظمات‬ ‫المهجرين‬ ‫األهلية والدولية بعودة هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫إلى بلدتهم عقابا على الجرائم التي ارتكبها‬ ‫بعضهم في حق مصراته وأهلها‪ ،‬وكذلك‬ ‫فعلت قبائل الزنتان مع قبائل المشاشية‪ ،‬إذ‬ ‫رفضوا رجوعهم إلى ديارهم ألنهم وقفوا مع‬ ‫القذافي‪.‬‬ ‫هذه االشكالية تعد واحدة من أكبر النتائج‬ ‫السلبية لثورة ‪ 17‬فبراير بعد عام من مقتل‬ ‫القذافي‪.‬‬

‫حدود مستباحة‬ ‫لم تعرف حدود ليبيا مع جيرانها استباحة‬ ‫أكثر مما عرفته خالل السنة األخيرة‪ ،‬حيث‬ ‫صارت الحدود مرتعا خصبا مفتوحا أمام‬ ‫المجرمين والمهربين سواء للسلع أو للسالح‬


‫بعد شهرين ونصف الشهر‪ ،‬سيكون قد‬ ‫مضى على مقتل العقيد القذافي‪ ،‬عام كامل‪.‬‬ ‫عام كامل يسرح فيه الليبيون ويمرحون غير‬ ‫مصدقين ما حدث ألحالمهم من دون أوامر‬ ‫القذافي أو توجيهاته أو قراراته المزاجية‪.‬‬ ‫عشرة شهور من دون الرجل الذي عرفوه‬ ‫ألكثر من أربعة عقود‪.‬‬

‫عام على إسقاط معمر القذافي‬

‫نظرة شاملة على ما جرى ويجري في ليبيا‪،‬‬ ‫منذ أن اجتاحها «ربيع العرب»‪ .‬فهل استطاع‬ ‫الليبيون أن يضمدوا جراحهم‪ ،‬ويضعوا‬ ‫بلدهم على «السكة» التي كان خارجها أكثر‬ ‫من ‪ 40‬عاماً‪ ،‬أم أن هذه السكة غير قادرة‬ ‫على حمل بلد أهلكته الحرب‪ ،‬وقيده مسلحون‬ ‫معربدون‪ ،‬ويفتك به «تناطح قبلي»‪ ،‬يذكرنا‬ ‫بحكاية «الجمهورية الطرابلسية»‪ ،‬وما‬ ‫جرى قبلها وأثناءها وبعدها؟!‬ ‫للخوض في هذا الموضوع كان ال بد من‬ ‫إشراك بعض المسؤولين الليبيين أنفسهم‪،‬‬ ‫ومواطنين ليبيين عاديين‪ ،‬ألنهم أدرى‬ ‫بشعاب ليبيا ومدنها ووديانها‪ .‬كما كان من‬ ‫البديهي بل من الضروري استطالع رأي‬ ‫بعض الكتاب والصحافيين العرب‪ ،‬في‬ ‫محاولة لتوضيح المشهد الليبي‪.‬‬ ‫لقد دفع الليبيون ثمنا باهظا من أجل التخلص‬ ‫من نظام القذافي‪ ..‬من نظام أحال ليبيا إلى‬ ‫قلعة عسكرية معزولة عن العالم تحولت‬ ‫سراديبها ودهاليزها إلى سجون وساحاتها‬ ‫إلى مواقع نصبت فيها علنا أعواد المشانق‬ ‫في بث تلفزيوني حي‪ .‬ليبيا الحرة الجديدة‬ ‫مازالت في طور الحبو ومازالت تتعلم‬ ‫ بصعوبة شديدة – أبجدية الحرية غير‬‫المألوفة لديها ومازالت في حاجة ماسة إلى‬ ‫مساعدة دول العالم األخرى‪ ،‬لكي تتمكن من‬ ‫تعلم المشي والكالم في واقع محلي ودولي‬ ‫ظلت بعيدة عنه قسرا ألمد بعيد‪.‬‬

‫كوابيس‬ ‫المشهد السياسي الليبي الجديد لم تتضح‬ ‫تفاصيله بعد‪ ،‬إال أن المؤشرات األولية‬ ‫التي كشفت عنها انتخابات المؤتمر الوطني‬ ‫العام في ‪ 7‬يوليو (تموز) الماضي‪ ،‬تؤكد أن‬ ‫الشعب الليبي الذي فاجأ العالم بانتفاضته‬ ‫وثورته وتضحياته وشجاعته مازال قادرا‬ ‫على مفاجأة دول العالم وشعوبه‪.‬‬ ‫والحقيقة التي ال تقبل جدال‪ ،‬هي أن ليبيا‬ ‫الجديدة مازالت رغم كل ما حققته‪ ،‬لم‬ ‫تتخلص بعد من كوابيس عديدة تقض‬ ‫مضجعها وقد تهدد مستقبلها كدولة واعدة‬ ‫قادرة على أن تلعب دورا ايجابيا في محيطها‬ ‫العربي واألفريقي‪ ،‬أهمها وأخطرها انتشار‬ ‫الميليشيات المسلحة الخارجة عن سيطرة‬ ‫الدولة وأي دولة‪ ..‬الواقع أنه ليست هناك‬ ‫دولة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫غياب القذافي مع أوالده عن الساحة‪ ،‬ال‬ ‫يعني أن الطريق نحو تحويل الحلم إلى‬ ‫واقع معيش قد صار ممكنا على الليبيين‪،‬‬ ‫فأنصاره مازالوا مسلحين بالسالح والمال‪،‬‬ ‫كامنين في ليبيا وخارجها يتحينون الفرص‬ ‫لاليقاع بالدولة الوليدة يشجعهم ويحفزهم‬ ‫في ذلك ما كشف عنه حال المجلس الوطني‬ ‫االنتقالي من ضعف وعدم دراية وافتقاد‬ ‫للخبرة السياسية‪ ،‬وما صارت إليه حكومة‬ ‫عبد الرحيم الكيب من عجز وشلل في تحويل‬ ‫قرارتها إلى واقع معيش‪.‬‬ ‫المجلس الوطني االنتقالي الذي دفعت به‬ ‫األحداث إلى خشبة المسرح الليبي‪ ،‬كان‬ ‫رداً سريعا وذكيا سياسيا وايجابيا أفرزه‬ ‫واقع االنتفاضة المفاجأة إذ تحول إلى كيان‬ ‫سياسي التف حول أنصار الثورة ومنحوه‬ ‫القوة والشرعية الالزمتين لوجوده‪ ،‬وصار‬ ‫لسان حال الثورة يتحدث ويفاوض باسمها‬ ‫ويقودها في طريق التحرير حتى تحررت‬ ‫البالد‪ ،‬وسانده في ذلك مجلس تنفيذي‬ ‫(حكومة) ترأسها رجل محنك استطاعت في‬ ‫غضون أشهر قليلة أن تنجح في تكوين رأي‬

‫عام دولي‪ ،‬قدم لها التأييد والدعم السياسي‬ ‫والعسكري‪.‬‬ ‫العالقة بين المجلس الوطني االنتقالي‬ ‫الذي يقوده المستشار مصطفى عبد الجليل‬ ‫والمكتب التنفيذي برئاسة الدكتور محمود‬ ‫جبريل اتسمت في البداية بالتكامل بين‬ ‫الكيان التشريعي والتنفيذي‪ ،‬ربما بسبب شدة‬ ‫حرارة الظروف السياسية والعسكرية آنذاك‪،‬‬ ‫ثم سرعان ما بدأت تتدهور حتى وصلت‬ ‫مرحلة التنافر‪ ،‬وانتهت بخروج جبريل وحل‬ ‫الحكومة وإحالل أخرى محلها‪ .‬األسباب‬ ‫عديدة وراء ذلك لكن أهمها هو أن المجلس‬ ‫الوطني االنتقالي كان في معظم األحيان‬ ‫يتجاوز مهامه التشريعية بإصدار قرارات‬ ‫تعد من اختصاصات الحكومة‪ .‬وقد يقال إن‬ ‫األمور هذه كانت في بدايتها نتيجة فقدان‬ ‫رئيس المجلس الوطني االنتقالي للخبرة‬ ‫اإلدارية والسياسية الالزمة‪ ،‬لكن في مرحلة‬ ‫متقدمة صار التجاوز مقصودا ومتعمدا‪،‬‬ ‫ويهدف إلى تقليص صالحيات رئيس‬ ‫المجلس التنفيذي باالعتداء عليها‪ ،‬وأيضا‬ ‫في محاولة لوقف ازدياد شعبيته‪ .‬والحقيقة‬

‫‪3‬‬ ‫‪41‬‬


‫تقرير‬

‫أين ينتهي الكابوس ومتى يبدأ الحلم؟‬

‫ليبيا ما بعد جماهيرية القذافي!‬ ‫مجلس وطني انتقالي بال حول وال قوة – حكومة ورقية – دول داخل «الدولة» – مهجرون باآلالف – حدود مستباحة – جنوب متقاتل‬ ‫بعضه محتل من غرباء ـ انتشار للسالح والمجموعات المسلحة – آالف يقبعون في السجون ـ دول تحشر أنوفها في الشأن الليبي ـ‬ ‫فيدراليون يهددون بحرب أهلية ـ قبائل متشنجة كاظمة غيظها وأخرى تصول وتجول‪ ،‬وأخرى في اشتباكات مع بعضها بعضا ـ وأخيرا‬ ‫بارقة أمل أنارت سماء ليبيا‪ ..‬انتخابات لمجالس محلية وانتخاب المؤتمر الوطني العام بنجاح منقطع النظير‪.‬‬ ‫ولكن‪ ..‬أين ينتهي الكابوس؟ ومتى يبدأ الحلم في التحول إلى واقع؟‬ ‫جمعة بوكليب ‪ -‬كاتب وأديب ليبي مقيم بلندن‬ ‫عبدالجليل الساعدي ‪ -‬كاتب وإذاعي ليبي مقيم بلندن‬

‫‪40‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪2‬‬


‫سيد قطب شخصياً في أثناء دراسته في مصر‪ .‬مكث‬ ‫في مصر مدداً طويلة في فترات متقطعة‪ .‬ربما ألنه‬ ‫متوف من‬ ‫متزوج من مصرية‪ .‬اشتغل بالتدريس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات قريبة‪.‬‬ ‫مكثر في تآليفه‪ .‬ولعل أشهرها (يهود الدونمة) و‬ ‫(مذابح وجرائم محاكم التفتيش في األندلس) و(خبز‬ ‫وحرية) و(مسلمات مؤمنات) و(دليل الحيران في‬ ‫تفسير األحالم)‪.‬‬

‫إلى غرفة اإلعدام‬

‫به كتاب (سيد قطب‪ :‬الشهيد األعزل) لمحمد علي‬ ‫قطب‪ .‬وهذا الكتاب هو الكتاب نفسه الذي كان نشره‬ ‫في الستينيات تحت عنوان (سيد قطب أو ثورة الفكر‬ ‫اإلسالمي)‪ ،‬مع بعض اإلضافة اليسيرة‪ ،‬وإعادة نشر‬ ‫مقالة لمحمد قطب شقيق سيد كان كتبها في مجلة‬ ‫(الشهاب) – كما ذكر ذلك صالح عبد الفتاح الخالدي‬ ‫– لتكون بمثابة مقدمة للكتاب‪.‬‬ ‫محمد علي قطب – بصرف النظر عن التصحيف‬ ‫الذي وقع في كتابة اسم كتابه باللغة اإلنجليزية –‬ ‫يجب أال يكتب اسمه بطريقة ثنائية‪ .‬ألن ذهن القارئ‪،‬‬ ‫سينصرف مباشرة إلى شقيق سيد قطب‪ ،‬محمد‪.‬‬ ‫أحسب أن حامد ألجار كتب اسمه بطريقة ثنائية اتباعاً‬

‫ألحمد موصلي في كتابه (الفكر اإلسالمي المعاصر‪،‬‬ ‫دراسات وشخصيات‪ ،‬سيد قطب‪ ،‬بحث مقارن لمبادئ‬ ‫األصوليين واإلصالحيين) الذي هو أحد مراجعه‬ ‫المكتوبة باللغة اإلنجليزية‪ .‬فأحمد موصلي – ولعله‬ ‫الوحيد في ذلك – كتب اسمه بطريقة ثنائية‪.‬‬ ‫ويحسن بي ‪ -‬نظراً ألنه يتعمد أن يوقع القارىء في‬ ‫ارتباك بين االسمين‪ ،‬فيعتقد القارىء أنه من آل قطب‬ ‫أعرف به‪.‬‬ ‫وأنه مصري ‪ -‬أن ّ‬ ‫محمد علي قطب (أو القطب كما هو اسم عائلته‬ ‫الرسمي)‪ :‬لبناني صيداوي‪ .‬من أتباع دعوة اإلخوان‬ ‫المسلمين في لبنان‪ .‬درس في األزهر‪ .‬وتعرف على‬

‫ولزيادة التعريف به‪ .‬أذكر أنه هو أبو الممثلة راندا‪،‬‬ ‫زوجة المخرج عادل عوض‪ ،‬ابن الممثل الكوميدي‬ ‫الراحل محمد عوض‪.‬‬ ‫نختتم مراجعتنا للمقدمة بتوجيه ملحوظة‪ ،‬أراها‬ ‫أساسية‪.‬‬ ‫هذه الملحوظة األساسية‪ ،‬هي أن حامد ألجار في‬ ‫مقدمته اكتفى برواية اإلخوان المسلمين عن سيد‬ ‫قطب وعن تاريخهم وص ّدق هذه الرواية ذات الطابع‬ ‫الدعائي‪ ،‬المحشوة بالمبالغات التي تتضمن قدراً‬ ‫من حكايات مخترعة وحزمة من العبارات الملفقة‪.‬‬ ‫وأهمل كلياً الرواية الرسمية في عهد عبد الناصر‪.‬‬ ‫ولم يلتفت إلى كتب آخرين من اتجاهات أخرى‪ ،‬قدمت‬ ‫سياقاً مختلفاً لهذه الرواية‪ ،‬وناقشت ما في محتواها‬ ‫من تدليس وزيف‪ .‬وال إلى كتابات تمثل‪ ،‬من ناحية‬ ‫معلوماتية وأخرى تحليلية‪ ،‬مرحلة متقدمة ومتطورة‬ ‫في الدراسات المقدمة حول فكر سيد قطب وتحوالته‬ ‫وتاريخه‪.‬‬ ‫إن يكن حامد ألجار مؤمناً بالرواية اإلخوانية ومصدقاً‬ ‫لها أشد التصديق‪ ،‬أمر سائغ ومفهوم وال ُعجب فيه‬ ‫لكن ما هو غير سائغ وغير مفهوم وعجيب – كل‬ ‫العجب – أن غيره من غربيين كثر‪ ،‬هم أيضاً أسيروا‬ ‫الرواية اإلخوانية‪ ،‬وتشملهم تلك الملحوظة التي نبهت‬ ‫عليها‪ ،‬رغم أنهم ليس مثله مسلمين‪ ،‬وليسوا مثله‬ ‫متشيعين سياسياً وعقدياً إلسالم سيد قطب وإسالم‬ ‫اإلخوان المسلمين وإسالم الثورة اإليرانية <‬

‫الهوامش‬ ‫* وفق خبر نشر في مجلة (الرسالة)‬ ‫سنة ‪1951‬م‪ ،‬هذا نصه‪ « :‬قرر المجلس‬ ‫األميركي للدراسات االجتماعية ترجمة‬ ‫كتاب (العدالة االجتماعية في اإلسالم)‬ ‫لألستاذ سيد قطب إلى اللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫ونشره في أمريكا للتعريف بسياسة اإلسالم‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وسيقوم بترجمته المستشرق‬ ‫يوحنا (!) (جون ب‪ .‬هاردي) األستاذ‬ ‫بجامعة هاليفاكس بكندا»‪ .‬يذكر صالح عبد‬ ‫الفتاح الخالدي – صاحب أكثر من دراسة‬ ‫عن سيد قطب – اسم المجلس على هذا النحو‬ ‫من دون النص على اسمه باللغة اإلنجليزية‪.‬‬ ‫ويترجمه شريف يونس في كتابه (سيد‬ ‫قطب واألصولية اإلسالمية) إلى المجلس‬ ‫األميركي للمجتمعات المتعلمة‪ .‬عندما‬ ‫أخبرت أحمد الشنبري مترجم النصوص‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫اإلنكليزية المستخدمة في البحث قال‪:‬‬ ‫الترجمة األولى ترجمة خاطئة والترجمة‬ ‫الثانية ترجمة حرفية‪ ،‬واألقرب للصحة‬ ‫ترجمته بالمجلس األميركي للجمعيات‬ ‫الثقافية وليس المجتمعات المتعلمة‪ .‬ألنه‬ ‫اتحاد فيدرالي يضم سبعين مؤسسة فكرية‬ ‫ذات مستوى عال متخصص في مجال‬ ‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬وقد ذكر لي أنه تأسس سنة‬ ‫‪1919‬م‪.‬‬ ‫* في النقاش الذي أشرت إليه سلفاً‪ ،‬في‬ ‫مجلة المسلم المعاصر‪ ،‬أشار في خاتمة‬ ‫نقاشه الذي كان فيه يُعلى من شأن أفكار‬ ‫علي شريعتي أن لديه عديداً من التحفظات‬ ‫على الكثير من أفكاره وإن إحداها مشتق من‬ ‫حقيقة أنه سني‪ ،‬في حين أن علي شريعتي‬ ‫كان من الشيعة‪ .‬ويستفاد من هذه اإلشارة‬

‫على أنه في إسالمه تحول من السنية إلى‬ ‫الشيعة‪.‬‬ ‫* راجع هذه المقاالت في كتاب‪ :‬المجتمع‬ ‫المصري‪ ،‬جذوره وآفاقه‪ ،‬إعداد وتقديم آالن‬ ‫روسيون‪.‬‬ ‫* راجع دفاع الدكتور عدنان زرزور في‬ ‫كتابه (مصطفى السباعي‪ ،‬الداعية المجدد)‬ ‫عنه إزاء مؤخذات اإلسالميين على كتابه‬ ‫(اشتراكية اإلسالم)‪ .‬ومما يجدر ذكره‬ ‫أن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر‬ ‫طبعته طبعة ثالثة هذا العام‪ ،‬وكان قد‬ ‫طبع قبل سنوات قليلة من قبل دار الوراق‬ ‫والمكتب اإلسالمي في عنوان مختلف‬ ‫عن عنوانه األصلي‪ ،‬فبعد أن كان عنوانه‬ ‫(اشتراكية اإلسالم)‪ ،‬أصبح عنوانه (التكافل‬ ‫االجتماعي)‪.‬‬

‫‪1339‬‬


‫قصة الغالف‬

‫الماركسي‪.‬‬ ‫ثم مع حصول تطور ما في هذه المؤلفات الهزيلة‬ ‫في أواخر األربعينيات‪ ،‬كما في كتابي الغزالي‪:‬‬ ‫(اإلسالم واألوضاع القانونية) و(اإلسالم والمناهج‬ ‫االشتراكية) اللذين كتبهما بلغة ثورية مشبوبة‬ ‫واستلحق االشتراكية فيهما باإلسالم‪ ،‬لم يكن لهما في‬ ‫طبعتيهما األوليتين وال مع إعادة طباعتهما في سنوات‬ ‫الخمسينيات والستينيات تأثير يذكر سوى التأثير الذي‬ ‫جعل سيد قطب يكتب كتابه (العدالة االجتماعية في‬ ‫اإلسالم) والذي كان له منذ أول صدوره تأثيره في‬ ‫بعض الضباط واألحرار حينما كانوا تنظيماً سرياً‪.‬‬ ‫وتأثيره في جماعة اإلخوان المسلمين‪ .‬لكن سيد قطب‬ ‫حينما ألّف كتابه هذا متأثراً بكتابي الغزالي لم يكن‬ ‫يسارياً ولم يكن مثل الغزالي منضوياً في جماعة‬ ‫اإلخوان المسلمين وال معبراً عن فكرهم السياسي‬ ‫واالجتماعي‪.‬‬ ‫وال يسعنا – بمناسبة الحديث عن كتابي الغزالي – إال‬ ‫أن نقرر أن حظيهما كان عاثراً‪ ،‬فلقد اكتسحهما في‬ ‫البداية كتاب سيد قطب ثم طغى عليهما كتاب السباعي‬ ‫الذي كان هو المعول عليه والمرجع الذي يعتمد عليه‬ ‫للقول باشتراكية اإلسالم في العهد الناصري‪.‬‬ ‫الخطأ الثالث عشر‪ :‬وعلى الرغم من تجربته‬ ‫الشخصية في السجن‪ ،‬نجد أن الهضيبي كتب ما يمكن‬ ‫وصفه بنقض لكتاب سيد قطب (معالم في الطريق)‬ ‫أسماه (دعاة ال قضاة)‪ .‬أشار في كتابه إلى أن الجاهلية‬ ‫هي ظاهرة تاريخية حصرية وليست ظاهرة تاريخية‬ ‫متجددة‪ .‬ولذا فهي ليست قابلة لنعت مجتمع مسلم‬ ‫معاصر‪ ،‬بالجاهلي‪.‬‬ ‫تعليق‪ :‬كشف اللواء فؤاد عالم وكيل جهاز مباحث‬ ‫أمن الدولة األسبق في كتابه‪( :‬اإلخوان المسلمون‬ ‫وأنا) أن كتاب (دعاة ال قضاة) المنسوب للمرشد‬ ‫حسن الهضيبي ليس له‪ .‬وأن الكتاب ورائه مباحث‬ ‫أمن الدولة‪ .‬وأنه تم إعداده بواسطة بعض علماء‬

‫سيد قطب مع وليام روس رئيس جامعة نورث كارولينا األميركية التي درس فيها بعد حصوله على‬ ‫بعثة للواليات المتحدة في العام ‪ 1948‬من وزارة المعارف للتخصص في التربية وأصول المناهج‬

‫األزهر‪.‬‬ ‫وأن الذين شاركوا في إعداده إلى جانب علماء‬ ‫األزهر بعض المعتقلين من اإلخوان المتعاونين مع‬ ‫هذا الجهاز‪( .‬راجع قصة هذا الكتاب واألسباب التي‬ ‫دعت إلى تأليفه وكيف تمت نسبته إلى الهضيبي في‬ ‫كتاب فؤاد عالم المشار إليه آنفاً‪( ،‬ص ‪.)212 - 209‬‬ ‫وسأخصص مقالة مستقلة أذكر فيها شواهد‪ ،‬تثبت أن‬ ‫الكتاب لم يؤلفه الهضيبي‪.‬‬ ‫الخطأ الرابع عشر‪Qutb. Muhammad، :‬‬ ‫‪Sayyid. Al-Shahid Al-Ghazali. Cairo.‬‬ ‫‪.1974‬‬

‫محمد قطب‪ :‬سيد قطب‪ ،‬الشهيد الغزالي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1974‬م‪.‬‬ ‫تعليق‪ :‬ال أخفيكم أني أمضيت يوماً أو بعض يوم لفك‬ ‫شفرة عنوان هذا الكتاب‪ .‬لعلمي المسبق أن محمد‬ ‫قطب لم يخص أخيه سيد قطب بتأليف كتاب عنه‪ .‬وأنه‬ ‫ال يعرف له كتاب صادر في منتصف السبعينيات‪ .‬ثم‬ ‫ما عالقة عنوان الكتاب األساسي (سيد قطب) بعنوانه‬ ‫الشارح (الشهيد الغزالي) الذي هو أساساً عنوان‬ ‫مغلوط‪ .‬فاإلمام أبو حامد الغزالي مات ميتة طبيعية‬ ‫ولم يغتل‪ ،‬ليحكم له بالشهادة‪.‬‬ ‫الكتاب بعدما فككت شفرة عنوانه عرفت أن المقصود‬

‫سيد قطب إبراهيم‬ ‫ُولد سيد قطب إبراهيم في قرية «موشه»‬ ‫التابعة لمحافظة أسيوط في صعيد مصر عام‬ ‫‪1324‬هـ الموافق ‪1906-10-9‬م‪ ،‬ودخل‬ ‫المدرسة االبتدائية في القرية عام ‪1912‬م‪،‬‬ ‫تخرج فيها عام ‪1918‬م‪ ،‬ثم انقطع عن‬ ‫حيث ّ‬ ‫الدراسة لمدة عامين بسبب ثورة ‪1919‬م‪.‬‬ ‫وفي عام ‪1920‬م سافر إلى القاهرة للدراسة‪،‬‬ ‫حيث التحق بمدرسة المعلمين األولية عام‬ ‫‪1922‬م‪ ،‬ثم التحق بمدرسة «تجهيزية دار‬ ‫العلوم» عام ‪1925‬م‪ ،‬وبعدها التحق بكلية‬ ‫دار العلوم عام ‪1929‬م‪ ،‬حيث تخرج فيها‬ ‫ً‬ ‫حامال شهادة‬ ‫عام ‪1352‬هـ ‪1933 -‬م‬ ‫الليسانس في اآلداب‪.‬‬ ‫مدرسا في وزارة المعارف‬ ‫ُعيِّن بعد تخرجه‬ ‫ً‬ ‫بمدرسة الدوادية بالقاهرة‪ ،‬ثم انتقل إلى‬ ‫مدرسة دمياط عام ‪1935‬م‪ ،‬ثم إلى ُحلوان‬

‫‪3812‬‬

‫عام ‪1936‬م‪ ،‬وفي عام ‪1940‬م نُقل إلى‬ ‫وزارة المعارف‪ ،‬ثم م ً‬ ‫ُفتشا في التعليم‬ ‫االبتدائي‪ ،‬ثم عاد إلى اإلدارة العامة للثقافة‬ ‫بالوزارة عام ‪1945‬م‪ ،‬وفي هذا العام ألّف‬ ‫أول كتاب إسالمي وهو «التصوير الفني في‬ ‫القرآن»‪ ،‬وابتعد عن مدرسة العقاد األدبية‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 1368‬هـ ‪1948 -‬م‪ ،‬أوفدته وزارة‬ ‫المعارف إلى أمريكا لالطالع على مناهج‬ ‫التعليم‪ ،‬ونظمه‪ ،‬وبقي فيها حوالي السنتين‪،‬‬ ‫حيث عاد إلى مصر في عام ‪1370‬هـ‬ ‫‪1950‬م‪ُ ،‬‬ ‫وعيِّن في مكتب وزير المعارف‬ ‫بوظيفة مراقب مساعد للبحوث الفنية‪،‬‬ ‫واستمر حتى ‪1952-10-18‬م حيث َّ‬ ‫قدم‬ ‫استقالته‪.‬‬ ‫عمل «سيد قطب» في الصحافة منذ شبابه‪،‬‬ ‫ونشر مئات المقاالت في الصحف والمجالت‬

‫المصرية كاألهرام والرسالة والثقافة‪،‬‬ ‫وأصدر مجلتي «العالم العربي» و»الفكر‬ ‫الجديد»‪.‬‬ ‫ترأس جريدة «اإلخوان المسلمون»‬ ‫األسبوعية عام ‪1373‬هـ ‪1953 -‬م وهي‬ ‫السنة التي انتسب فيها إلى اإلخوان المسلمين‬ ‫رسميًا‪ ،‬وكان قبل ذلك قريبًا‬ ‫من اإلخوان‪ ،‬متعاو ًنا معهم‪.‬‬ ‫ُقدم للمحاكمة يوم ‪1954-11-22‬م‪ ،‬وحكمت‬ ‫عليه المحكمة بالسجن لمد‬ ‫خمسة عشر عامًا‪ ،‬وأُفرج عنه بعفو صحي‬ ‫عام ‪1964‬م‪.‬‬ ‫وفي عام ‪1965‬م اعتُقل‪ ،‬ثم ُحكم عليه‬ ‫باإلعدام فجر يوم‬ ‫اإلثنين ‪ 13‬جمادى األولى ‪ 1386‬هـ الموافق‬ ‫‪ 29‬أغسطس ‪.1966‬‬


‫نشرة سرية عنوانها (اإلخوان في المعركة) والتي‬ ‫كانت تطبع في مطابع الحزب الشيوعي المصري‬ ‫السرية‪ ،‬تتهم عبد الناصر ونظامه بالعمالة لالستعمار‬ ‫الغربي وتعريض البالد لمخاطر الحرب العالمية‬ ‫الثالثة المتوقعة‪ ،‬وعقد معاهدة سرية مع إسرائيل‪،‬‬ ‫واتهام الضباط بسرقة أموال الشعب‪ ،‬وعبد الناصر‬ ‫بتأثيث بيته بمفروشات من القصور الملكية المصادرة‬ ‫عن طريق لجنة جرد القصور‪.‬‬

‫تعليق‪ :‬إن استحضار التفسير التام والكامل الذي‬ ‫نجده عند زينب الغزالي – أحد أعضاء تنظيم ‪65‬‬ ‫األساسيين‪ ،‬يُفسد على حامد ألجار تفسيره المجتزأ‪.‬‬ ‫ففي تفسيرها أن القبض عليها وعلى التنظيم وإعدام‬ ‫سيد قطب ويوسف هواش وصديقها الحميم عبد الفتاح‬ ‫إسماعيل تم بتعليمات ً‬ ‫أوال من المخابرات األميركية‬ ‫ً‬ ‫ومن المخابرات السوفيتية ثانيا ومن وليتها الصهيونية‬ ‫العالمية ثالثاً!‬ ‫إن هذا التفسير العجيب والعجائبي‪ ،‬نلقاه عند عدد‬ ‫من كتبة اإلخوان المسلمين‪ ،‬وربما استمده ألجار‬ ‫من كتاب يوسف العظم (الشهيد سيد قطب‪ :‬حياته‬ ‫ومدرسته وآثاره) ومن كتاب صالح الخالدي (سيد‬ ‫قطب الشهيد الحي) اللّذين كانا من بين مراجعه‬ ‫المكتوبة باللغة العربية‪ ،‬ولم يأخذه مباشرة من كتاب‬ ‫(أيام في حياتي) لزينب الغزالي‪ .‬ثم اجتزأه ليمنحه –‬ ‫كما قلنا سابقاً – وجاهة ما‪.‬‬ ‫ولمن يهمهم التأصيل‪ ،‬أقول أن هذا التفسير – على نحو‬ ‫رباعي – يتكرر عند سيد قطب حتى في االنشقاقات‬ ‫ما بين اإلخوان المسلمين التي أنهكتهم قبل أن ينهكهم‬ ‫عبد الناصر وأرهقهم استمرارها بعد أن زج بهم في‬ ‫المعتقالت‪ .‬تفسير سيد قطب ذو األركان األربعة يقوم‬ ‫على أن أمريكا والصليبية الغربية والصهيونية (أو‬ ‫اليهودية العالمية) والشيوعية متآمرين على اإلخوان‬ ‫المسلمين وعليه شخصياً ألنه كشف مخططاتهم‬ ‫التآمرية‪ ،‬وألنه مفكر إسالمي أصيل!‬ ‫هذا ما يمكن التعليق به على القول األول‪ .‬أما التعليق‬ ‫على القول الثاني‪ ،‬فهو على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫لم يكن لإلخوان المسلمين بشكل عام وسيد قطب على‬ ‫الخصوص تأثير في عدم انتشار الماركسية في مصر‬ ‫خاصة في عقدي الخمسينيات والستينيات ألسباب‬ ‫عملية وسبب فكري‪.‬‬ ‫ذلك أن عبد الناصر ونظامه قبل تبنيه لونا من‬ ‫االشتراكية وبعد تبنّيه مزيدا من االشتراكية كان‬ ‫معادياً للشيوعية‪ .‬وكانت التنظيمات الشيوعية في‬ ‫عهده محظورة‪ .‬كما أنه زج باإلخوان والشيوعيين‬ ‫في السجون‪.‬‬ ‫قد ال يعرف حامد ألجار أن في مصر في العهد‬ ‫الناصري إدارة اسمها مكافحة الشيوعية تابعة لجهاز‬ ‫االستخبارات كان أول رئيس لها حسن التهامي‪ ،‬أحد‬ ‫الضباط األحرار‪ .‬وتاله في رئاستها ضابط مشهور‬ ‫عند الشيوعيين هو اللواء حسن المصيلحي ألنه عنى‬ ‫بمطاردتهم ومكافحة الشيوعية‪.‬‬ ‫ومن األسباب العملية التي تحول دون أداء اإلخوان‬ ‫المسلمين وسيد قطب الدور الذي زعمه لهم ألجار‪ ،‬أن‬ ‫حركة حدتو الشيوعية والحزب المصري الشيوعي‬ ‫تمكنا من إنشاء جبهة وطنية مكونة من الشيوعيين‬ ‫ومن بعض اإلخوان المسلمين وبعض الوفديين على‬ ‫مستوى الطالب تطالب بإسقاط حكم الجيش‪ .‬وقد‬ ‫وصل الشيوعيون إلى مستوى معين من التنسيق‬ ‫والتحالف مع اإلخوان المسلمين‪.‬‬ ‫وفي ظل هذا التنسيق والتحالف أعلن المرشد حسن‬ ‫الهضيبي موقفاً جديداً من الشيوعية‪ .‬فالشيوعية –‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫وبسبب هذه المنشورات السرية تعرض سيد قطب‬ ‫في بداية سجنه سنة ‪1954‬م‪ ،‬لتعذيب شديد‪ ،‬إذ أن فيها‬ ‫حتى عند بعض قيادات اإلخوان المعتدلة‪ ،‬اتهامات‬ ‫جاوزت الحد‪ ،‬وبعض منها يعلمون أنها غير صحيحة‪.‬‬ ‫وحين اعترضوا اتهمهم الهضيبي ومعه سيد قطب‬ ‫بمهادنة السلطة‪ .‬أما اإلخوان المسلمون الذين لم‬ ‫يفضوا تحالفهم مع السلطة ولم يقطعوا تعاونهم معها‪،‬‬ ‫فهم بحسب تقرير اجتماع ما بين الحزب الشيوعي‬ ‫المصري بقيادة الدكتور فؤاد مرسى ورسول اإلخوان‬ ‫ً‬ ‫ممثال لجناح الهضيبي‪« :‬‬ ‫المسلمين‪ ،‬سيد قطب‪،‬‬ ‫نفر من اإلخوان الخونة الذين يسيرون وفق خطط‬ ‫االستعمار»‪.‬‬ ‫قطب أثناء محاكمته‬

‫حسبما قال – ال تقاوم بالعنف والقوانين‪ .‬وأنه ال مانع‬ ‫لديه من أن يكون للشيوعيين حزب ظاهر‪ ،‬واإلسالم‬ ‫كفيل بضمان وسالمة الطرق التي تسلكها البالد»‪.‬‬ ‫وفي ظله أيضاً‪ ،‬اشترك اإلخوان في توزيع منشورات‬ ‫الحزب الشيوعي المصري التي تدعو إلى إسقاط حكم‬ ‫الجيش واشتركوا في مظاهرات الشيوعيين إلسقاط‬ ‫حكم العسكر سنة ‪1954‬م‪.‬‬ ‫إن العقوبة التي تلقاها سيد قطب وهي سجنه خمسة‬ ‫عشر عاماً‪ ،‬أثر حادث المنشية‪ ،‬كانت بسبب تحريره‬

‫ال يحمل سيد قطب‬ ‫درجة ماجستير‬ ‫وبعثته إلى أميركا‬ ‫لم تكن إلكمال الدراسات‬ ‫العليا‪ ،‬وإنما كانت‬ ‫بعثة تدريبية‬ ‫من قبل وزارة‬ ‫المعارف لتعلم اللغة‬ ‫اإلنجليزية والتخصص‬ ‫في التربية‬ ‫وأصول المناهج‬

‫إن هذا الدور الذي افترضه ألجار لتأثير اإلخوان‬ ‫وسيد قطب في التسبب بعدم انتشار الشيوعية بمصر‬ ‫ليس صحيحاً في عهد عبدا لناصر‪ ،‬وصحيح – مع‬ ‫إضافة أسباب عديدة – في عهد السادات‪.‬‬ ‫أما ما قبل الثورة‪ ،‬فلقد كان لهم إلى حد ما‪ ،‬هذا الدور‬ ‫في األوساط العمالية‪ ،‬وإلى حد ما أيضاً في األوساط‬ ‫الطالبية الجامعية وما قبل الجامعية لكن مع مالحظة‬ ‫أن تركيزهم األساسي كان منصباً على تنافس وصراع‬ ‫عملي مع أحزاب سياسية لم تكن يسارية وال شيوعية‪.‬‬ ‫إننا لو تأملنا في حيوات عدد من المثقفين المصريين‪،‬‬ ‫األكاديميين وغير األكاديميين قبل الثورة وفي أثناءها‬ ‫لوجدنا أنهم في بداية حياتهم كانوا إخواناً مسلمين ثم‬ ‫تحولوا إلى اليسار‪ .‬وال نجد العكس إذا ما تأملنا في‬ ‫حيوات اإلخوان المسلمين‪ ،‬إذ ال نجد فيهم قبل تلك‬ ‫الفترة وفي أثناءها من كان يسارياً في سابق حياته أو‬ ‫من هو قادم من تجربة ثقافية مغايرة تماماً لتجربتهم‪.‬‬ ‫االستثناء في هذا كان سيد قطب‪ ،‬القادم من تجربة‬ ‫أدبية ثقافية رومانتيكية‪.‬لم يكن فيها علمانياً صرفاً‬ ‫وال من دعاة الثقافة الغربية على نحو واضح‪ ،‬رغم‬ ‫غرامه بالقراءة في أدبياتها المترجمة إلى العربية‪.‬‬ ‫السبب الفكري الذي يفسر الملحوظة السابقة‪،‬‬ ‫أن مؤلفات اإلخوان المسلمين في الثالثينيات‬ ‫واألربعينيات‪ ،‬ابتدا ًء من مؤلفات المرشد والمؤسس‬ ‫األول‪ ،‬هي مؤلفات هزيلة على مستوى الفكر الديني‬ ‫اإلسالمي وعلى مستوى المعاصرة‪ ،‬قالباً ومضموناً‪.‬‬ ‫ولم يكن بوسعها – نظراً لهذه العلة المزدوجة – أن‬ ‫تزاحم أو تنافس ال الفكر الليبرالي المصري المستظل‬ ‫بنظرية القومية المصرية‪ ،‬وال المؤلفات اإلسالمية‬ ‫التي كتبها علماء األزهر وأكاديمييه وكتبها آخرون‬ ‫من ذوي االتجاه اإلسالمي العام ومن أصحاب االتجاه‬ ‫الليبرالي‪ .‬ناهيك عن أن تكون مؤهلة لمقارعة الفكر‬ ‫‪1137‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ً‬ ‫فصال ففصل‪.‬‬ ‫تهرب إليهم‪ ،‬بحسب إتمامها‪،‬‬ ‫فصوله ّ‬ ‫ولو أن السلطات المصرية تعلم بأمر التنظيم وصلة‬ ‫سيد قطب به ما كانت لتفرج عنه‪.‬‬

‫موجهًا فكرياً له وحسب‪ ،‬من داخل السجن‪.‬‬ ‫عنه ّ‬ ‫تقول زينب الغزالي في كتابها (أيام من حياتي)‪:‬‬ ‫انتقلت إلينا أخبار بأن إخراج اإلمام سيد قطب من‬ ‫السجن تخطيط من المخابرات ليسهل اغتياله‪ ،‬وأن‬ ‫في خطة االغتياالت القضاء على عبد الفتاح عبده‬ ‫إسماعيل ‪ ...‬وقد تأكدت لدينا األخبار بأن المخابرات‬ ‫األميركية والمخابرات الروسية ووليتهم الصهيونية‬ ‫العالمية قد قدموا تقارير مشفوعة بتعليمات لعبد‬ ‫الناصر بأخذ األمر بمنتهى الجد للقضاء على هذه‬ ‫الحركة اإلسالمية»‪.‬‬

‫الخطأ الحادي عشر‪ :‬حكمت السلطة في شهر مايو‪،‬‬ ‫سنة ‪ ،65‬على سيد قطب باإلعدام مع ستة من كبار‬ ‫أعضاء اإلخوان المسلمين‪ ،‬بمن فيهم الهضيبي‪ .‬ثم تم‬ ‫تغيير حكم اإلعدام بالسجن مدى الحياة على أربعة‬ ‫من المتهمين ولكن سيد قطب واثنين من رفاقه‪ ،‬وهما‬ ‫محمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل تم إعدامهم‬ ‫شنقاً في القاهرة بتاريخ ‪ 29‬أغسطس سنة ‪.1966‬‬ ‫تعليق‪ :‬كل الذين حكم عليهم مع سيد قطب في‬ ‫قضية تنظيم ‪ 65‬سواء باإلعدام أو باألشغال الشاقة‬ ‫أو باألشغال الشاقة المؤبدة ليسوا من كبار اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬بل هم من صغارهم ومن مغاميرهم ومن‬ ‫مجاهيلهم‪ ،‬كما كانوا في معظمهم شباناً‪.‬‬

‫هذا هو التفسير بتمامه وكماله الذي أخذ به ألجار‬ ‫مجتزأً ليمنحه وجاهة ما‪ ،‬ولم ُ‬ ‫ننقص منه سوى قولها‬ ‫– والحاجة ال تنسى أبداً نفسها –‪ :‬أنه سبق خروج‬ ‫سيد قطب بشهور‪ ،‬محاولة اغتيالي التي لم تنجح‪،‬‬ ‫حين انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى‪.‬‬ ‫وكان الحادث مدبراً من مخابرات جمال عبد الناصر‬ ‫الغتيالي وتواتر األخبار تؤكد ذلك‪.‬‬ ‫وكذلك قولها بعد أن ساقته‪ :‬أصبحوا يتوهمون‬ ‫أن هناك حركة فكرية يقودها سيد قطب في داخل‬ ‫السجن‪ ،‬وتقودها وتعمل على تنفيذها جماعة من‬ ‫اإلخوان المسلمين‪ ،‬على رأسها الشهيد عبد الفتاح‬ ‫إسماعيل وزينب الغزالي خارج السجن‪.‬‬ ‫يحتاج ألجار إلى أن يح ِّدث معلوماته‪ ،‬فتنظيم ‪65‬‬ ‫الذي كانت بداياته عفوية سنة ‪ 1957‬عند شباب‬ ‫اإلخوان المسلمين ممن كانوا خارج السجن‪ ،‬وكانوا‬ ‫ينتمون إلى محافظات ومدن مصرية شتى‪ ،‬والقائم‬ ‫على فكرة اغتيال عبد الناصر واغتيال قيادات أخرى‬ ‫في نظامه‪ ،‬وتدمير منشآت حيوية كبرى في مصر‪،‬‬ ‫والمأذون له بالعمل من قبل المرشد حسن الهضيبي‬ ‫رغم معارضة بعض قيادات اإلخوان المسلمين الذي‬ ‫كانوا في السجن والذين كانوا يرون أنه في حالة كشفه‬ ‫سيؤخر اإلفراج عنهم‪ ،‬هو من بين أمور كان اإلخوان‬ ‫المسلمون ينكرونها‪ ،‬وصار بعض منهم في السنوات‬ ‫األخيرة يعترفون بها مع استمرار إدانتهم لعبد الناصر‬ ‫ولنظامه‪.‬‬ ‫وهناك كتاب اسمه (اإلخوان وعبد الناصر‪ :‬القصة‬ ‫الكاملة لتنظيم ‪ )1965‬ألحمد عبد المجيد أحد قياديي‬ ‫التنظيم‪ ،‬وهو ممن لم يبدل في فكره ولم يغيّر فيه‪.‬‬ ‫هذا الكتاب وكتاب آخر لصهره السابق علي عشماوي‬ ‫(التاريخ السري لجماعة اإلخوان المسلمين) أحد‬ ‫قياديي التنظيم والذي قدم اعترافات كاملة حين‬ ‫اعتقل‪ ،‬يعدان – إضافة إلى محاضر التحقيق مع سيد‬ ‫قطب وقادة التنظيم – مراجع أساسية عن التنظيم‪.‬‬ ‫هذا التنظيم الذي احتل فيه سيد قطب دور المنظر‬ ‫والموجه السياسي والفكري‪ ،‬وتالياً القائد الفعلي بعد‬ ‫اإلفراج عنه‪ ،‬والذي كان مدعوماً من إخوان الخارج‪،‬‬ ‫يعتبر األساس والمنطلق لحركات العنف التي تتوسل‬ ‫باإلرهاب لتحقيق أهدافها في العقود األخيرة من‬ ‫القرن الماضي وسنوات القرن الحاضر‪.‬‬ ‫الخطأ العاشر‪ :‬كانت المحاكمة في أساسها محاكمة‬ ‫‪3610‬‬

‫السجين والسجان‬

‫كتاب واألفكار التي يحتوي عليها‪...‬‬ ‫تعليق‪ :‬إعدام سيد قطب كان بسبب تأليف كتابه (معالم‬ ‫في الطريق) زعم أطلقه اإلخوان المسلمون وغير‬ ‫اإلخوان المسلمين من الليبراليين‪ .‬فالكتاب طبع أكثر‬ ‫من مرة وكانت هناك تقارير وتوصيات من جهات‬ ‫أمنية تطالب بمنعه وعبد الناصر كان في البداية‬ ‫يرفض ذلك‪.‬‬ ‫إن تكرر ورود اسم الكتاب في محاكمة التنظيم‪،‬‬ ‫سببه أن الكتاب كان المرجع الفكري للتنظيم وكان‬ ‫أعضاء التنظيم من سنوات وقبل أن يجمع في كتاب‬ ‫يتدارسونه بوصفه كراساً حزبياً‪ ،‬وكانت مسودات‬

‫إن أحد األساتذة اإلنجليز‬ ‫الذين التقى سيد بهم في‬ ‫أميركا والذي عرف فيما‬ ‫بعد عنه‪ ،‬أن أحد رجال‬ ‫المخابرات البريطانية‬ ‫عرض عليه ‪ -‬إغرا ًء له ـ أن‬ ‫يترجم كتابه الجديد‪( :‬العدالة‬ ‫االجتماعية في اإلسالم) إلى‬ ‫اإلنجليزية‪ ،‬مقابل عشرة‬ ‫آالف دوالر ولكن سيد قطب‬ ‫رفض العرض‬

‫وسيد قطب نفسه لم يكن من كبار اإلخوان المسلمين‪،‬‬ ‫ألنه ليس عضواً في مكتب اإلرشاد وال في الهيئة‬ ‫التأسيسية‪ ،‬وال هو من قدامى اإلخوان المسلمين‪،‬‬ ‫رغم أهميته بوصفه أقوى منظر وأعمق مثقف انضم‬ ‫لجماعة اإلخوان المسلمين منذ نشأتها إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫فالمنصب الذي كان يشغله قبل سجنه سنة ‪ ،1954‬هو‬ ‫مسؤول قسم نشر الدعوة في المركز العام للجماعة‪،‬‬ ‫ورئيس تحرير جريدة (اإلخوان المسلمون)‪.‬‬ ‫وهذا المنصب منصب متوسط وليس منصباً قيادياً‪.‬‬ ‫الوحيد الذي كان من كبار اإلخوان المسلمين في هذه‬ ‫القضية‪ ،‬هو حسن الهضيبي والذي هو من كبارهم‬ ‫بحكم المنصب الذي يتواله‪ ،‬وهو منصب المرشد‬ ‫العام للجماعة لكن لم يصدر عليه – كما وهم ألجار‬ ‫– حكم باإلعدام‪ .‬فلقد « صدر عليه الحكم بالسجن‬ ‫ثالث سنوات‪ .‬وأخرج لمدة خمسة عشر يوماً إلى‬ ‫المستشفى‪ ،‬ثم إلى داره‪ ،‬ثم أعيد إلتمام مدة سجنه التي‬ ‫تم تمديدها بعد انتهاء المدة حتى تاريخ ‪ 15‬أكتوبر‬ ‫‪ ،1971‬حيث تم اإلفراج عنه»‪ .‬موقع (اإلخوان‬ ‫المسلمون)‪.‬‬ ‫إن الذين نفذ فيهم حكم اإلعدام هم‪ :‬سيد قطب قائد‬ ‫تنظيم ‪ 65‬ونائبه محمد يوسف هواش وعبد الفتاح‬ ‫عبده إسماعيل صديق زينب الغزالي الحميم ّ‬ ‫وخفف‬ ‫عبد الناصر حكم اإلعدام عن آخرين من قادة التنظيم‪،‬‬ ‫كعلي عبده عشماوي وأحمد عبد المجيد عبد السميع‪،‬‬ ‫وصبري عرفه الكومي ومجدي عبد العزيز متولي‬ ‫إلى أشغال مؤبدة لصغر سنهم وألنه لم تكن لهم سوابق‬ ‫سياسة كالثالثة الذين تم تنفيذ حكم اإلعدام فيهم‪.‬‬

‫اإلخوان لم يحدوا‬ ‫من انتشار الشيوعية في مصر‬ ‫الخطأ الثاني عشر‪ :‬من الملفت للنظر أن إعدام سيد‬ ‫قطب حدث بعد فترة قصيرة من رحلة عبد الناصر‬ ‫إلى موسكو‪ ...‬والملفت للنظر – أيضاً – أن تأثير‬ ‫اإلخوان بشكل عام وسيد قطب على الخصوص كان‬ ‫سبباً‬ ‫ً‬ ‫حائال دون انتشار الماركسية في مصر‪.‬‬


‫فلم يسبق لي أن قرأت لكاتب فحص تلك الرواية‬ ‫المزعومة التي أسلكها ضمن تكاذيب اإلخوان‬ ‫المسلمين وتكاذيب سيد قطب‪.‬‬ ‫الخطأ الرابع‪ :‬بدأ سيد قطب يكتب في مجالت اإلخوان‬ ‫المسلمين مثل (الرسالة) و (الدعوة) و(اللواء الجديد)‪.‬‬ ‫تعليق‪ :‬مجلة (الرسالة) ليست من مجالت اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬فهي مجلة أدبية ثقافية غير حزبية يملكها‬ ‫األديب أحمد حسن الزيات‪ .‬وكان سيد قطب ينشر فيها‬ ‫قصائده ومقاالته منذ فترة مبكرة من حياته‪ ،‬ترجع‬ ‫بداياتها إلى مطلع ثالثينيات القرن الماضي‪.‬‬ ‫كذلك مجلة (اللواء الجديد)‪ ،‬هي ليست – أيضاً –‬ ‫من مجالت اإلخوان المسلمين‪ ،‬فهي لسان الحزب‬ ‫الوطني الجديد الذي أنشأه فتحي رضوان سنة ‪،1944‬‬ ‫وأنشأ معه تلك المجلة في هذه السنة‪ .‬وهذا الحزب‬ ‫وهذه المجلة دعوة إلحياء مبادئ الحزب الوطني‬ ‫القديم الذي أنشأه مصطفى كامل‪.‬‬ ‫أرجع خطأ حامد ألجار هذا إلى أنه قرأ بتسرع‬ ‫عبارة واردة عند أحمد الموصلي في كتابه (الفكر‬ ‫اإلسالمي المعاصر‪ ،‬بحث مقارن لمبادئ األصوليين‬ ‫واإلصالحيين) – الذي هو من بين مراجعه – ففهمها‬ ‫على نحو خاطئ‪ .‬تقول العبارة‪ « :‬عند عودته إلى‬ ‫مصر كتب قطب في مجلة اإلخوان‪ ،‬الدعوة‪ ،‬وفي‬ ‫مجالت أخرى‪ ،‬كالرسالة واللواء الجديد» ص ‪.27‬‬ ‫الخطأ الخامس‪ :‬مع أن االنقالب – يقصد انقالب ‪23‬‬ ‫يوليو ‪ – 1952‬كان له شعبية واسعة وأن القائمين‬ ‫به أسموه « ثورة «‪ ،‬برغم غياب المشاركة الشعبية‬ ‫الواسعة إال أن الضباط األحرار كان يعوزهم قاعدة‬ ‫سياسية منظمة لهم‪ ،‬ولذا لجأوا إلى اإلخوان المسلمين‬ ‫حيث لبعضهم عالقة بالمنظمة‪ ،‬لتجبيش الدعم الشعبي‬ ‫الفعال‪.‬‬ ‫تعليق‪ :‬لم يسم القائمون على هذا االنقالب انقالبهم‬ ‫ثورة‪ ،‬فلقد كانوا يسمونه الحركة المباركة‪ .‬وتسميته‬ ‫بالثورة جاءت من قبل مثقفين كمحمد فريد أبو حديد‬ ‫ألح أكثر‬ ‫وطه حسين وراشد البراوي وسيد قطب الذي ّ‬ ‫من غيره على هذه التسمية وغالى في تمجيد حركة‬ ‫الضباط األحرار‪.‬‬ ‫الخطأ السادس‪ :‬كان سيد قطب أحد األعضاء الكبار‬ ‫في اإلخوان المسلمين الذين تعاونوا مع الضباط‬ ‫األحرار ‪ ...‬وبعد شهر من االنقالب ألقى سيد قطب‬ ‫محاضرة حول (التحرير الفكري والروحي في‬ ‫اإلسالم) وذلك في نادي الضباط في القاهرة‪ ،‬وكان‬ ‫عبد الناصر من بين الحضور‪.‬‬ ‫تعليق‪ :‬في تلك الفترة لم يكن سيد قطب من اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬فهو انضم إليهم في منتصف سنة ‪.1953‬‬ ‫وفي جملة حامد ألجار السابقة وجمل أخرى تلتها يقدم‬ ‫سيد قطب على أنه جزء من اإلخوان المسلمين الذين‬ ‫– كما قال – رفضوا في البداية احتواء عبدالناصر لهم‬ ‫عن طريق إعطاء مناصب وزارية لبعض قيادييهم‪،‬‬ ‫وكانوا على قدر من الحصافة لمقاومة الذوبان الكلي‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫كشف اللواء فؤاد عالم‬ ‫وكيل جهاز مباحث أمن الدولة‬ ‫األسبق في كتابه‪« :‬اإلخوان المسلمون‬ ‫وأنا» أن كتاب «دعاة ال قضاة»‬ ‫المنسوب للمرشد حسن الهضيبي‬ ‫ليس له وأن الكتاب وراءه مباحث‬ ‫أمن الدولة وأنه تم إعداده بواسطة‬ ‫بعض علماء األزهر وأن الذين‬ ‫شاركوا في إعداده إلى جانب علماء‬ ‫األزهر بعض المعتقلين من اإلخوان‬ ‫المتعاونين مع هذا الجهاز‬ ‫في الهيكل الجديد للحكومة الناصرية‪.‬‬ ‫هذا التقديم خاطئ من أكثر من جهة‪ ،‬ويدل على أنه‬ ‫ال يعرف أن سيداً في تلك الفترة كان محسوباً على‬ ‫الضباط األحرار ال على اإلخوان وأن اختالفه مع‬ ‫الضباط األحرار في فترة تالية كان ألسباب هي غير‬ ‫أسباب اختالف اإلخوان معهم‪ .‬ويدل أيضاً على أنه‬ ‫غير ملم بتفاصيل التحالف والصراع ما بين ضباط‬ ‫الثورة واإلخوان المسلمين ومجرياته ومسببات‬ ‫الصدام الفعلية من جهة‪ ،‬وال ملم باالنشقاقات المتوالية‬ ‫عند اإلخوان المسلمين التي حصل اثنان منهما في‬ ‫السنوات األولى لثورة يوليو من جهة أخرى‪.‬‬ ‫الخطأ السابع‪ :‬حدث في اإلسكندرية في ‪ 23‬أكتوبر‬ ‫‪ ،1954‬ما يبدو أنه كان محاولة غير ناجحة الغتيال‬ ‫عبد الناصر‪ ،‬ولكن هناك دالئل تشير إلى أن ما حدث‬ ‫كان بتدبير عبدالناصر نفسه‪ .‬كان الرجل الذي قيل‬ ‫أنه أطلق الرصاص محمد عبد اللطيف – والذي كان‬ ‫عضواً في اإلخوان‪ ،‬كان معروفاً لدى عبد الناصر‬ ‫كماهر في الرماية‪ ،‬ولذا فمن المعقول أن يكون عبد‬ ‫الناصر قد أوكل إليه محاولة االغتيال واثقاً من أنه‬ ‫عمداً لن يصيب الهدف‪ ،‬وأعدمه لضمان سكوته‪.‬‬ ‫تعليق‪ :‬يميل ألجار هنا إلى ترجيح رواية اإلخوان‬ ‫المسلمين بأن حادث المنشية كان مدبراً وتمثيلية‬ ‫بحسب ما يقول اإلخوان المسلمون لكن الموازنة ما‬ ‫بين رواية اإلخوان المسلمين عن هذا الحادث والوثائق‬ ‫المتعلق بها تؤكد أنه غير مدبّر وليس تمثيلية‪ .‬ولعل‬ ‫أفضل دراسة تاريخية وثائقية حسمت الجدل حوله‪،‬‬ ‫وأثبتت أنه حقيقي هي دراسة المؤرخ عبد العظيم‬ ‫رمضان – الذي كان خصماً لدوداً للناصرية –‪:‬‬ ‫(اإلخوان المسلمون والجهاز السري)‪.‬‬ ‫وقد ال يعلم حامد ألجار أنه حصل تطور يهز من شأن‬ ‫رواية اإلخوان المسلمين بخصوص حادث المنشية‬

‫فؤاد عالم‬

‫في السنوات األخيرة‪ ،‬هذا التطور هو شهادة فريد عبد‬ ‫الخالق – أحد قدامى اإلخوان وأحد قيادييهم – بأن‬ ‫محاولة االغتيال كانت صحيحة‪ ،‬وأنه علم هو وبعض‬ ‫قيادات في اإلخوان بها قبل حصولها‪ ،‬وحاولوا منعها‬ ‫لكنهم فشلوا‪.‬‬ ‫أما محمود عبد اللطيف الذي قال عنه ألجار أنه عضو‬ ‫في اإلخوان المسلمين‪ ،‬فهذه ليست صفته‪ ،‬فصفته‬ ‫الحقيقية‪ ،‬أنه عضو في النظام الخاص أو الجهاز‬ ‫السري في اإلخوان المسلمين‪.‬‬ ‫الخطأ الثامن‪ :‬قيل إن إطالقه كان بسبب سوء حالته‬ ‫الصحية المستمرة‪ ،‬إضافة إلى شفاعة الرئيس‬ ‫العراقي‪.‬‬ ‫تعليق‪ :‬لم يكن اإلفراج عن سيد قطب في أواخر الشهر‬ ‫الخامس من سنة ‪ 1964‬بسبب سوء حالته الصحية‬ ‫المستمرة‪ ،‬وإنما بسبب شفاعة الرئيس العراقي الذي‬ ‫ً‬ ‫أصال إلى اإلخوان المسلمين في العراق‪،‬‬ ‫كان ينتمي‬ ‫وكان معجباً بتفسير سيد قطب (في ظالل القرآن)‬ ‫وبكتاباته اإلسالمية‪ .‬وقد قبل عبد الناصر شفاعته ألنه‬ ‫كان موالياً له‪ .‬وبما أن سيد قطب أفرج عنه قبل أن‬ ‫يتم مدة عقوبته بـ» عفو صحي « ومعه يوسف هواش‬ ‫لم يكن من المنتظر أن يقال أنه أفرج عنه بـ»شفاعة»‬ ‫من الرئيس العراقي عبد السالم عارف»‪.‬‬ ‫الخطأ التاسع‪ :‬إنه من الممكن أن الحكومة أطلقته‬ ‫لكي تهيئ الظروف إلعادة القبض عليه ومحاكمته‬ ‫والتخلص النهائي منه‪.‬‬ ‫تعليق‪ :‬تفسيره هذا الذي صاغه على وجه االحتمال‪،‬‬ ‫تفسير قال به بعض اإلخوان المسلمين وقسم من‬ ‫إعالمهم في العالم العربي على وجه القطع‪ ،‬ومن‬ ‫أبرز من قال به زينب الغزالي التي كان لها دور‬ ‫أساسي في تنظيم ‪1965‬م السري المسلّح الذي كان‬ ‫قائده سيد قطب بعد اإلفراج عنه‪ ،‬وكان قبل اإلفراج‬

‫‪9 35‬‬


‫قصة الغالف‬

‫لم يكن سيد قطب من كبار اإلخوان‬ ‫المسلمين ألنه ليس عضواً في‬ ‫مكتب اإلرشاد وال في الهيئة‬ ‫التأسيسية وال هو من قدامى‬ ‫اإلخوان المسلمين فالمنصب‬ ‫الذي كان يشغله قبل سجنه سنة‬ ‫‪ 1954‬هو مسؤول قسم نشر‬ ‫الدعوة في المركز العام للجماعة‪،‬‬ ‫ورئيس تحرير جريدة «اإلخوان‬ ‫المسلمون»‪ .‬وهذا المنصب منصب‬ ‫متوسط وليس منصباً قيادياً‬ ‫اإلسالم)‪ ،‬رغم إقراره أن أصولية سيد قطب مختلفة‬ ‫كثيراً عن أصولية السباعي‪.‬‬ ‫إن حامد ألجار استل رأي أحمد عنايت بمعزل عن‬ ‫تعرضه‪ ،‬تعرضاً‬ ‫ً‬ ‫تفصيال للفروقات ما بين الكتابين‪.‬‬ ‫فأحمد عنايت صنف كتاب السباعي ضمن الرواية‬ ‫الرسمية أو الحكومية لالشتراكية وصنف كتاب سيد‬ ‫قطب ضمن الرواية األصولية لالشتراكية‪ ،‬وهناك‬ ‫صنف ثالث أسماه بالرواية الراديكالية لالشتراكية‪.‬‬ ‫ولم يُطلع ألجار القارئ على خالصات منها‪.‬‬ ‫ولإلطالع عليها أنصح القارئ بالرجوع إلى فصل‬ ‫أسمه بين االشتراكية واإلسالم (‪ ،)319 – 274‬في‬ ‫هذا الكتاب المرجعي‪.‬‬ ‫إن عمل السباعي (اشتراكية اإلسالم)‪ ،‬يندرج ضمن‬ ‫السياق الذي جاء فيه كتاب الغزالي وضمن سياق‬ ‫مقاالت سيد قطب اإلصالحية االجتماعية التي كان‬ ‫ينشرها في مجالت‪ ،‬منها‪ :‬الرسالة والبالغ األسبوعي‬ ‫والمقتطف ومجلة الشؤون االجتماعية *‪.‬‬ ‫وذلك قبل إصداره كتاب‪( :‬العدالة االجتماعية في‬ ‫اإلسالم)‪ ،‬حينما كان يقول باشتراكية اإلسالم‪ .‬وكتاب‬ ‫سيد قطب كان تنظيراً إسالمياً اجتماعياً اقتصادياً عاماً‬ ‫بينما كان كتاب السباعي بحثاً فقهياً في هذه المسألة‪.‬‬ ‫كما ال يمكن إغفال إن الكتابين يعبران عن موقفين‬ ‫– إلى حد ما – متضادين‪ ،‬فكتاب السباعي صدر‬ ‫في عهد بداية دولة الوحدة ما بين مصر وسوريا‪،‬‬ ‫وكان بمثابة دعم ونصرة لتطبيق النهج االشتراكي‬ ‫في مصر‪ ،‬وهذا ما جعل الكتاب يطبع بمطبعة الشعب‬ ‫الحكومية بمصر مرتين ال يفصل بينهما سوى وقت‬ ‫قصير‪ ،‬ويوزع على نطاق واسع‪ ،‬ويحظى مؤلفه‬ ‫بجائزة الدولة التشجيعية من قبل المجلس األعلى‬ ‫للعلوم والفنون واآلداب سنة ‪.1960‬‬ ‫أما سيد قطب فقد أحدث تغييرات فيما تلى الطبعات‬

‫‪34 8‬‬

‫أصدقاء الشرق األوسط) التي أعلن تحفظه عليها‬ ‫وعلى أنشطتها‪.‬‬ ‫هذا الموقف أعجب الشيوعيين اللبنانيين‪ .‬وكتب‬ ‫الكاتب اللبناني الماركسي جورج حنا مقالة حيّا فيها‬ ‫السباعي بسبب موقفه هذا الذي ُصنف عند الشيوعيين‬ ‫بأنه موقف سياسي تقدمي‪.‬‬

‫تصديق أكاذيب اإلخوان المسلمين‬ ‫هذه هي الملحوظات النقدية األساسية للفقرات المنقولة‬ ‫من مقدمة حامد ألجار‪ .‬أما ما لم يتم نقله منها‪ ،‬فلقد‬ ‫وقع فيها في أخطاء تقتضي التصحيح‪ ،‬وسأورد كل‬ ‫خطأ بحسب ترتيب وروده في المقدمة‪.‬‬ ‫حامد ألجار‬

‫األولى من كتابه متراجعاً عن ما كان قرره سابقاً من‬ ‫حق الجماعة في تحديد الملكية الفردية‪ ،‬تعبيراً عن‬ ‫معارضته لجمال عبد الناصر‪ ،‬من جهة‪ ،‬واستغراقا‬ ‫في فكر المودودي الذي تأثر به على نحو متدرج‪ ،‬فلم‬ ‫يؤيد سياسة التأميم التي أيدها بقوة مصطفى السباعي‬ ‫وسوغها فقهياً‪ .‬على عكس المودودي الذي كان‬ ‫يرفض فكرة التأميم بشكل حاد ونهائي‪.‬‬ ‫وينبغي أن نشدد على أن كتاب السباعي الذي كان‬ ‫نص محاضرة ألقاها على مدرج جامعة دمشق سنة‬ ‫‪( ،1959‬وطبع في كتاب بمطبعة الشعب الحكومية‬ ‫في ذات السنة‪ ،‬وطبع طبعة ثانية في مطلع سنة‬ ‫‪ 1960‬زاد فيها)‪ ،‬يعبر عن توجه أصلي عند مؤلفه‪.‬‬ ‫فهو كان يقول باشتراكية اإلسالم قبل سنوات من‬ ‫قيام ثورة يوليو ‪ .1952‬وكان عضواً في الجمعية‬ ‫التأسيسية سنة ‪1949‬م التي كانت تسمى الجبهة‬ ‫االشتراكية اإلسالمية المكونة من ثالث جمعيات‬ ‫دينية هي‪( :‬اإلخوان المسلمون) و(الجمعية الغراء)‬ ‫و(جمعية األنصار) ولكن هذا األمر ال ينفي أن‬ ‫اشتراكية عبد الناصر تبنّت هذا الكتاب واستفادت منه‬ ‫استفادة كبرى *‪.‬‬ ‫وينبغي أن نذكر أن للسباعي موقف من االتحاد‬ ‫السوفيتي مختلف عن موقف سائر اإلخوان المسلمين‬ ‫في مصر وغيرها من البلدان العربية‪ ،‬إذ كان موقفه‬ ‫موقفاً إيجابياً‪.‬‬ ‫وللسباعي موقف شهير في المؤتمر اإلسالمي‬ ‫المسيحي الذي عقد في بحمدون سنة ‪1954‬م‪،‬‬ ‫وكان الداعي والراعي له (جمعية أصدقاء الشرق‬ ‫األوسط) األميركية‪ ،‬قال فيه‪ :‬أن ظاهر المؤتمر‬ ‫محاربة الشيوعية‪ ،‬وباطنه االلتفاف على قضايا‬ ‫العرب والمسلمين‪ ،‬والسيما قضية فلسطين‪ .‬وشكك‬ ‫في أهداف المؤتمر ألن الداعين إليه‪ ،‬هم (جمعية‬

‫الخطأ األول‪ :‬أن أعمال سيد قطب األولى (المبكرة)‬ ‫‪ ...‬جعلته مقرباً من الشخصيات القيادية األدبية‬ ‫المصرية كعباس محمود العقاد (توفي ‪ )1964‬وطه‬ ‫حسين (توفي ‪.)1973‬‬ ‫تعليق‪ :‬إن سيداً عرف العقاد حينما انتقل إلى القاهرة‬ ‫عرفه به خاله‬ ‫إلكمال دراسته وكان حديث السن‪ .‬فلقد ّ‬ ‫أحمد حسين عثمان الذي أقام عنده‪ ،‬وكان صديقاً‬ ‫للعقاد‪.‬‬ ‫الخطأ الثاني‪ :‬وبعد أن أكمل درجة الماجستير في‬ ‫التعليم في جامعة شمال كولورادو في جريلي‪ ،‬تخلى‬ ‫سيد قطب عن فكرة إمكانية البقاء في أمريكا للحصول‬ ‫على الدكتوراه وعاد إلى مصر عام ‪.1950‬‬ ‫تعليق‪ :‬ال يحمل سيد قطب درجة ماجستير‪ ،‬وبعثته‬ ‫إلى أمريكا لم تكن إلكمال الدراسات العليا‪ ،‬وإنما‬ ‫كانت بعثة تدريبية من قبل وزارة المعارف لتعلم اللغة‬ ‫اإلنجليزية والتخصص في التربية وأصول المناهج‪.‬‬ ‫هذا الخطأ سبق أن صححه عبد اهلل الخباص في كتابه‬ ‫(سيد قطب األديب الناقد) الصادر سنة ‪ .1983‬وهذا‬ ‫الكتاب كان من بين مراجع ألجار‪ .‬ويظهر أنه غفل‬ ‫عن االلتفات إلى تصحيح هذا الخطأ الموجود عند‬ ‫بعض من كتبوا عن سيد قطب‪ .‬ومما يلفت النظر أن‬ ‫هذا الخطأ ال يقتصر ارتكابه على حامد ألجار‪ ،‬فهو‬ ‫شائع في أكثر من دراسة غربية عن سيد قطب!‬ ‫الخطأ الثالث‪ :‬ظهرت ميول سيد قطب بشكل‬ ‫واضح ومتزايد نحو اإلخوان المسلمين منذ أن شهد‬ ‫الحماس الشديد في أمريكا الذي استقبلت به أخبار‬ ‫اغتيال مؤسس جماعة اإلخوان المسلمين في فبراير‬ ‫‪.1949/12‬‬ ‫تعليق‪ :‬أصل هذا الرواية سيد قطب‪ ،‬وأشاعها اإلخوان‬ ‫المسلمون‪ ،‬وقد صدقها كثيرون ممن هم من غير‬ ‫اإلخوان المسلمين‪ ،‬وسنتطرق لزيفها عندما نتناول‬ ‫عالقة سيد قطب غير الودية بحسن البنا وبجماعته‬ ‫اإلخوان المسلمين في فترة من حياته‪.‬‬ ‫ولإلنصاف فإن هذا الخطأ ال يختص به حامد ألجار‪،‬‬


‫(التصوير اإلسالمي والثقافة الذي نجده في كتابه‬ ‫(معالم في الطريق)” ص ‪. 316‬‬ ‫ولقد عرف وليم شيبرد ما تمت اإلشارة إليه في‬ ‫كتابه (سيد قطب والحراك اإلسالمي‪ :‬ترجمة وتحليل‬ ‫نقدي ‪ ...‬إلخ)‪ ،‬ففي كتابه هذا اعتمد الطبعة السادسة‬ ‫(‪ ،)1964‬وأشار إلى االختالفات األساسية عن‬ ‫الطبعات السابقة‪ ،‬في الحواشي والمالحق‪.‬‬ ‫إن حامد ألجار أجحف في حقه وظلم كتابه‪ .‬ففي‬ ‫هذا الكتاب – كما توحي بعض عباراته – رجع إلى‬ ‫الطبعة األولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة‬ ‫والسادسة وطبعات دار الشروق األولى للكتاب‬ ‫(‪ )1974 + 1972‬وقام بمقارنات دقيقة بينها‪.‬‬ ‫إن دراسته التي جعلها مقدمة لترجمته أجود من مقدمة‬ ‫حامد ألجار التي – على قصرها ‪ -‬تعج باألخطاء‬ ‫الكثيرة‪.‬‬ ‫يذكر وليم شيبرد في معلومة الفتة أن “ من بين‬ ‫‪ 1663‬فقرة في آخر طبعة من الكتاب (يقصد آخر‬ ‫طبعة في حياته‪ ،‬وهي طبعة ‪ 1964‬التي نشرت قبل‬ ‫إعدامه بسنتين) نجد أن ‪ 442‬فقرة فقط لم تتعرض‬ ‫للتغييرات منذ الطبعة األولى والكثير منها اقتباسات‬ ‫من القرآن والمصادر ”‪.‬‬ ‫وال أستبعد أن حامد ألجار تعمد في استدراكه على‬ ‫وليم شيبرد أال يذكر سنة صدور الطبعة السابعة‬ ‫التي اعتمد عليها في دراسته األولية المنشورة سنة‬ ‫‪1992‬م‪ ،‬مع ذكره لسنة صدور الطبعة الخامسة التي‬ ‫اعتمد هو عليها في ترجمة كتاب سيد قطب‪.‬‬ ‫لقد فعل ذلك ليخلط الدارسين بينها وبين ما يسمى‬ ‫بالطبعة الشرعية السابعة الصادرة عن دار الشروق‬ ‫في تاريخ متأخر (‪1981‬م)‪ ،‬بينما هي صادرة في‬ ‫تاريخ متقدم‪ .‬هذا التاريخ هو ‪1967‬م من غير ذكر‬ ‫لجهة النشر‪.‬‬

‫الضعفاء هم الضعفاء‪ ،‬هم الذين تنازلوا‬ ‫عن أخص خصائص اإلنسان الذي كرَّمه‬ ‫اهلل حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية‬ ‫في التفكير واالعتقاد واالتجاه‪ ،‬وجعلوا‬ ‫أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة‪ ،‬دانوا‬ ‫لغير اهلل من عبيده واختاروها على‬ ‫الدينونة هلل‪ ،‬والضعف ليس عذرًا بل‬ ‫هو الجريمة‪ ،‬والقوة المادية ال تملك أن‬ ‫ً‬ ‫إنسانا يريد الحرية ويستمسك‬ ‫تستعبد‬ ‫بكرامته‪ ..‬من ذا الذي يملك أن يجعل‬ ‫أولئك الضعفاء يدينون لغير اهلل‪ ،‬واهلل‬ ‫هو خالقهم ورازقهم؟‪ ..‬فهم ضعفاء‪..‬‬ ‫ال ألنهم أقل قوة مادية من الطغاة‪ ..‬إنما‬ ‫هم ضعفاء ألن الضعف في قلوبهم وفي‬ ‫نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص‬ ‫اإلنسان‪ ..‬إن المستضعفين كثرة‪،‬‬ ‫والطواغيت قلة؛ فمن ذا الذي يخضع‬ ‫الكثرة للقلة؟ إنما يخضعها ضعف الروح‬ ‫وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل عن‬ ‫الكرامة‪ ..‬إن الطغاة ال يملكون أن يستذلوا‬ ‫الجماهير إال برغبة هذه الجماهير‪ ،‬فهي‬ ‫دائمًا قادرة على الوقوف لو أرادت‪،‬‬ ‫فاإلرادة هي التي تنقص هذه القطعان!‪..‬‬ ‫إن الذل ال ينشأ إال عن قابلية للذل في‬ ‫نفوس األذالء! وهذه القابلية هي التي‬ ‫يعتمد عليها الطغاة!» (الظالل)‪.‬‬

‫ومع تثميني لدراسة شيبرد إال أنها لم تسلم من الوقوع‬ ‫في هفوات من مثل قوله عن الطبعة األولى‪“ :‬‬ ‫ترجمت إلى اإلنجليزية منذ سنين (هاردي ‪+ 1950‬‬ ‫‪ )1970‬وكانت واسعة االنتشار في استخدام الباحثين‬ ‫لها منذ ظهورها”‪ .‬والصحيح أنها ترجمت إلى‬ ‫اإلنجليزية سنة ‪.1953‬‬ ‫وطبعت الترجمة طبعة ثانية سنة ‪ ،1953‬وطبعت‬ ‫طبعة ثالثة سنة ‪ .1955‬هاتان الطبعتان تمتا بعد أخذ‬ ‫اإلذن من سيد قطب‪ .‬هذا إضافة إلى الطبعة التي‬ ‫ذكرها شيبرد طبعة (‪ )1975‬والتي رأيتها على موقع‬ ‫األمازون ولم أتمكن من معرفة رقمها‪.‬‬ ‫وقد وقع في الخطأ في قوله‪ :‬أن الطبعة تمت سنة‬ ‫‪ ،1950‬بسبب أنه ال يوجد فيها تاريخ النشر‪ .‬لكننا‬ ‫نعرف من خالل مقالة محمود محمد شاكر النقدية‬ ‫الثالثة والرابعة عن الكتاب ومن خالل مقالة عز‬ ‫الدين إسماعيل التي تناولت الكتاب بالنقد أنه طبع سنة‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫‪ .1952‬فهذه المقاالت كتبت بمناسبة صدور طبعته‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫كما أن قوله ‪ -‬وهو يفسر االختالفات البيّنة بين‬ ‫الترجمة اإلنجليزية لكتاب سيد قطب وبين النص‬ ‫العربي المتداول ‪ :-‬افترضت عندما بدأت ألول مرة‬ ‫أالحظ االختالفات أنها بصورة عامة كانت بسبب أن‬ ‫الترجمة اإلنجليزية كانت من طبعة عربية مبكرة‬ ‫وثبت لي ذلك مؤخراً بعد الفحص»‪ ،‬قول غير دقيق‪.‬‬ ‫فالترجمة اإلنجليزية اعتمدت – على وجه الحسم –‬

‫على الطبعة األولى‪.‬‬ ‫وأعزو عدم حسمه لهذه المعلومة إلى اضطراب‬ ‫في معلومة في الكتابات العربية عن دار النشر التي‬ ‫صدرت عنها الطبعة األولى للكتاب وإلى بيانات‬ ‫النشر الموجودة في الكتاب الذي ترجمه هاردي إلى‬ ‫اإلنجليزية‪ .‬وهو ما سأتحدث عنه في القسم الثاني من‬ ‫البحث‪.‬‬ ‫ يقول حامد ألجار‪ :‬أن الكتاب طبع سبع مرات على‬‫األقل‪ .‬وهذه المعلومة غير صحيحة‪ .‬فالكتاب طبع‬ ‫أضعاف هذا الرقم‪ .‬وعلى وجه الدقة نحن ال نعلم‬ ‫الرقم الصحيح لطبعاته‪ .‬فهناك طبعات ال يوجد عليها‬ ‫اسم دار النشر وال تاريخ الطبعة وهي صادرة قبل أن‬ ‫تتملك دار الشروق حقوق نشره‪.‬‬

‫السحار والغزالي سبقا‬ ‫سيد قطب وأخطاء أخرى‬ ‫ يرى حامد ألجار أن كتاب (العدالة االجتماعية‬‫في اإلسالم) هو « أول ما صدر من مجموعة من‬ ‫األعمال المكرسة لنفس الموضوع‪ .‬وتبعه كتاب آخر‬ ‫هو (اشتراكية اإلسالم‪ ،‬للمؤلف مصطفى السباعي‬ ‫أحد قادة فرع اإلخوان المسلمين في سوريا»‪.‬‬ ‫ويرى أن هذا الكتاب «مماثل في المحتوى لعمل‬ ‫سيد قطب بالرغم من أن عنوانه يوحي بمخالفته‬ ‫إلصرار سيد قطب على أن اإلسالم فريد ومستقل‬ ‫كنظام اجتماعي اقتصادي ويتحدى كل المقارنات مع‬ ‫األيدلوجيات األخرى»‪.‬‬ ‫الرأي األول غير دقيق‪ ،‬فمن بين األعمال اإلسالمية‬ ‫المكرسة لهذا الموضوع في مصر كتاب لعبد الحميد‬ ‫جودة السحار عنوانه (أبو ذر الغفاري صاحب رسول‬ ‫اهلل‪ :‬مصدر يبحث االشتراكية في اإلسالم) صدر سنة‬ ‫‪1943‬م‪ ،‬وقدم له حسن البنا‪ ،‬وكتابان لمحمد الغزالي‬ ‫صدر األول (اإلسالم واألوضاع االقتصادية)‪ ،‬سنة‬ ‫‪1947‬م واآلخر (اإلسالم والمناهج االشتراكية) سنة‬ ‫‪1948‬م‪ .‬ويذكر شريف يونس في كتابه (سيد قطب‬ ‫واألصولية اإلسالمية)‪ ،‬أن سيد قطب في مجلة‬ ‫(الفكر الجديد)‪ ،‬في يناير سنة ‪1948‬م عرض‬ ‫وعلق على الكتاب الثاني‪ ،‬وأشار إلى سابق‬ ‫احتفائه بالكتاب األول دون إشارة إلى مكان‬ ‫النشر‪ .‬ولم يستطع – كما قال – التوصل إلى المقال‬ ‫األول‪ .‬هامش ص ‪.114‬‬ ‫وفي الطبعة األولى من كتاب سيد قطب (العدالة‬ ‫االجتماعية في اإلسالم) نجد أن هذين الكتابين من بين‬ ‫قائمة مراجعه‪ .‬وهي القائمة التي أسقطها في طبعات‬ ‫الحقة‪ .‬أما الرأي الثاني‪ ،‬فلقد احتذى فيه بالدارس‬ ‫اإليراني أحمد عنايت في كتابه (الفكر السياسي‬ ‫اإلسالمي المعاصر) أو هو أخذه عنه‪.‬‬ ‫فأحمد عنايت ال يرى أن هناك فروقاً جوهرية‬ ‫بين أفكار سيد قطب في كتابه (العدالة االجتماعية‬ ‫في اإلسالم) وأفكار السباعي في كتابه (اشتراكية‬

‫‪7 33‬‬


‫قصة الغالف‬

‫قلت عن أحد اإلشادتين أنها مجانية‪ ،‬ألن شيبرد لم‬ ‫يكن االستثناء الوحيد الذي عرف أن سيد قطب أحدث‬ ‫تغييرات في كتابه (العدالة االجتماعية في اإلسالم)‪،‬‬ ‫فبعض الذين كتبوا عنه بالعربية أشاروا إلى هذا‬ ‫األمر‪ .‬كما أنها معلومة شائعة لدى التيارات اإلسالمية‬ ‫عن هذا الكتاب‪.‬‬ ‫وقد أشار أبو الحسن الندوي في كتابه‪( :‬شخصيات‬ ‫ً‬ ‫تعديال فيما‬ ‫وكتب) إلى شيء من هذا فقال‪ “ :‬أحدث‬ ‫كتبه عن سيدنا عثمان وظهر في الطبعات األولى في‬ ‫كتابه‪ ،‬وحذف بعض العبارات كما يظهر من المقارنة‬ ‫بين الطبعات األولى واألخيرة “‪.‬‬ ‫والحق استناداً إلى الطبعة األولى التي بين يدي‬ ‫والطبعات الالحقة لها أنه من هذه الناحية فعل أكثر‬ ‫من هذا‪ ،‬فلقد خفف بعض العبارات وبعضها اآلخر‬ ‫حذفها‪ ،‬المتعلقة بأبي سفيان بن حرب ومعاوية بن أبي‬ ‫سفيان ويزيد بن معاوية وبني أمية‪.‬‬ ‫إن شريف يونس في كتابه‪( :‬سيد قطب واألصولية‬ ‫اإلسالمية) قدم مالحظات هي أوفى من مالحظات‬ ‫حامد ألجار‪ ،‬فيما يتعلق بالفروقات ما بين طبعات‬ ‫كتاب (العدالة االجتماعية في اإلسالم) ألنه ج ّد في‬ ‫الحصول على الطبعة األولى وعلى الطبعات التي‬ ‫تلتها‪.‬‬ ‫يقول شريف يونس‪ “ :‬وقد اعتمدت هذه الدراسة‬ ‫على ثالث طبعات‪ ،‬هي الطبعة األولى الصادرة‬ ‫عام ‪1949‬م‪ ،‬والطبعة الثالثة الصادرة عام ‪1952‬م‪،‬‬ ‫والطبعة الشرعية السابعة الصادرة عام ‪1981‬م‪،‬‬ ‫والتي أعتقد بنا ًء على شواهد داخلية‪ ،‬أنها إعادة‬ ‫طباعة للطبعة السادسة التي نقحها سيد قطب وفقاً‬ ‫ألفكاره الجديدة الواردة في كتابه‪( :‬معالم ي الطريق)‬ ‫بعد خروجه من السجن “‪ .‬هامش ص ‪.117‬‬

‫األمن المركزي ينقل قطب الى المحكمة‬

‫وكان يجب عليه أن يكون واضحاً مع القارئ‪ ،‬فيحيل‬ ‫إلى كتابه‪:‬‬ ‫‪Sayyid Qutb and Islamic Activism:‬‬ ‫‪A Translation and Critical analysis of‬‬ ‫‪ Social Justice in Islam‬سيد قطب والحراك‬ ‫اإلسالمي‪ :‬ترجمة وتحليل نقدي لكتاب سيد قطب‪:‬‬ ‫العدالة االجتماعية في اإلسالم) الصادر سنة ‪1996‬م‪،‬‬ ‫قبل كتابه بأربع سنوات‪ ،‬عن إي جي‪ .‬بريل – ليدن‪،‬‬ ‫الذي ضم فيه تلك المقالة التي طورها‪ ،‬إلى إعادة‬ ‫ترجمة لكتاب سيد قطب التي سبق فيها ألجار المتحفظ‬ ‫مثله على ترجمة هاردي‪.‬‬

‫‪32 6‬‬

‫إن ألجار لو فعل ذلك‪ ،‬لفهم القارئ مبرر استدراكه‬ ‫المفاجئ بعد إشادتين أحداهما كانت مجانية‪ ،‬ولجازت‬ ‫عنده المفاضلة أو المقارنة بين عمله وعمل شيبرد‪.‬‬ ‫ثم إن استدراكه أو مأخذه على تحليل شيبرد المكتوب‬ ‫في سنة ‪ ،1992‬ينسحب عليه هو أيضاً‪ .‬فهو اكتفى‬ ‫يجد في‬ ‫بالحصول على الطبعة الخامسة (‪ )1958‬ولم ِّ‬ ‫الحصول على الطبعة األولى مع أنها متيسرة لمن‬ ‫يجد في طلبها‪ .‬لقد كان يلزم حامد ألجار لكي تكون‬ ‫ترجمته دقيقة أن يحصل على الطبعة األولى ويعتمد‬ ‫عليها في الترجمة‪ .‬ألن سيداً في طبعات تلتها كان‬ ‫يعدل في الصياغة أحياناً ال لضرورة وإنما رغبة في‬ ‫التجويد واإلتقان‪.‬‬

‫ويقول معلقاً على تغير إستراتيجية سيد قطب‬ ‫اإلسالمية ما بين الطبعة األولى (‪1949‬م) والطبعة‬ ‫الشرعية السابعة (‪1981‬م)‪ “ :‬اتساقاً مع هذا التحول‪،‬‬ ‫فقد حذف سيد قطب من الطبعة السادسة (المتداولة‬ ‫اآلن) من الكتاب‪ ،‬كل ما اقترحه في الطبعة األولى‬ ‫– وحتى الثالثة على األقل – من تشريعات لتحقيق‬ ‫العدالة االجتماعية على الطريقة اإلسالمية‪ ،‬وكذلك‬ ‫كل مخططات توجيه الثقافة “‪ .‬هامش ص ‪. 241‬‬ ‫إن في اإلفادة األخيرة إجابة عما تردد ألجار في البت‬ ‫فيه‪ ،‬حينما قال‪ :‬أنه لم يمكنه التأكد من أن التغييرات‬ ‫قد عملت للطبعة الخامسة أو بتاريخ سابق‪ .‬فبحسب‬ ‫إفادة شريف يونس أن التغييرات بدأت من الطبعة‬ ‫الثالثة‪.‬‬ ‫ولعل أول من أشار إلى التغييرات هو عبد اهلل‬ ‫الخباص في كتابه‪( :‬سيد قطب األديب الناقد) الصادر‬ ‫سنة ‪1983‬م‪ ،‬حيث أخبرنا في هذا الكتاب بأن سيد‬ ‫قطب طبع الكتاب عدة طبعات‪ ،‬منها الطبعة المنقحة‬ ‫(‪ )1964‬حيث عدل سيد بعض أفكاره الواردة في‬ ‫الطبعات السابقة‪ ،‬كما أضاف إلى الكتاب فصل‬


‫وكان يجب عليه أن يفحص رواية سيد قطب التي‬ ‫صور فيها أمر ترجمة كتابه بأنها مجرد مبادرة تمت‬ ‫من قبل أستاذ في جامعة كندا‪ ،‬ويتحقق منها‪ ،‬إذ كيف‬ ‫ألستاذ بالصفة التي ذكرناها آنفاً عنه وعن جامعته‪،‬‬ ‫يعلم بأمر كتاب حديث الصدور في مصر ثم يحصل‬ ‫عليه ويقرأه ثم يعلم في وقت وجيز بأن صاحبه في‬ ‫أمريكا ثم يراسله ألخذ إذنه في ترجمته ويوافق سيد‬ ‫على ذلك‪ ،‬علماً بأنه لم يكن مستقراً في مدينة واحدة‪،‬‬ ‫فلقد كان ينتقل بين فترة وأخرى من مدينة ووالية إلى‬ ‫مدينة ووالية أخرى!‬ ‫كما كان يجب عليه أن يفحص ويتحقق من رواية‬ ‫أخرى مصدرها أخوه محمد قطب والتي أدلى‬ ‫بها لصالح دحبور( وهو نفسه ‪:‬صالح عبد الفتاح‬ ‫الخالدي) في كتابه‪( :‬سيد قطب الشهيد الحي)‪.‬‬ ‫رواية أخيه محمد قطب تقول‪ « :‬إن أحد األساتذة‬ ‫اإلنجليز الذين التقى سيد بهم في أمريكا والذي عرف‬ ‫فيما بعد عنه‪ ،‬أن أحد رجال المخابرات البريطانية‬ ‫عرض عليه – إغرا ًء له – أن يترجم كتابه الجديد‪:‬‬ ‫(العدالة االجتماعية في اإلسالم) إلى اإلنجليزية‪،‬‬ ‫مقابل عشرة آالف دوالر‪ .‬ولكن سيد قطب رفض‬ ‫العرض « وقد زاد عليها الخالدي أنه « أعطى الكتاب‬ ‫إلى المجلس األميركي للدراسات االجتماعية (!)‬ ‫ليترجم مجاناً‪ ،‬حيث قام بترجمته المستشرق يوحنا‬ ‫(!) (جون‪ .‬ب‪ .‬هاردي) األستاذ بجامعة هاليفاكس‬ ‫بكندا»‪.‬‬ ‫ رسالة سيد قطب إلى صديقه الناقد أنور المعداوي‬‫التي أخبره فيها بمكاتبة أستاذ في جامعة هاليفاكس‬ ‫بكندا له يستأذنه في ترجمة كتابه للغة اإلنجليزية‬ ‫وموافقته على ذلك‪ ،‬يرجع تاريخها إلى ‪ 6‬مارس‬ ‫‪1950‬م‪ ،‬وصدور الترجمة كان في سنة ‪.1953‬‬ ‫ويعني هذا أن العمل على الترجمة استغرق ما يقرب‬ ‫من الثالث سنوات‪ .‬وهذه السنوات تعد سنوات طويلة‬ ‫في ترجمة كتاب من الحجم المتوسط‪ .‬هذا األمر غفل‬ ‫حامد ألجار عن البحث فيه‪.‬‬ ‫ومحل البحث فيه‪ :‬هل التأخر في الترجمة سببه بطء‬ ‫شديد في عمل المترجم أم أن الجهة التي كانت وراء‬ ‫الترجمة كانت تبحث عن طريقة مالئمة للنشر ترفع‬ ‫الشبهة عن الترجمة وعن سيد قطب؟!‬ ‫ مثلما خلت مقدمته من تطرق للظروف والمالبسات‬‫الغامضة التي أحاطت بترجمة الكتاب ومن أية‬ ‫معلومة عن المترجم وجهة النشر‪ ،‬فقد خلت من أية‬ ‫معلومة عن نسخته باإلنكليزية‪ :‬هل تم طبعها طبعة‬ ‫واحدة أم أكثر؟ ما عدد نسخ الطبعة األولى؟ هل كانت‬ ‫وفيرة أم محدودة؟ هل كان يحال إليها في الكتب‬ ‫التي ألّفت باإلنجليزية من قبل أمريكيين الهوتيين‬ ‫وعلمانيين في خمسينيات وستينيات والمنتصف‬ ‫األول من سبعينيات القرن الماضي ‪ -‬أي قبل صعود‬ ‫موجات التطرف اإلسالمي – سواء في الحديث عن‬ ‫النظام االجتماعي في اإلسالم أو في مطارحات‬ ‫سجالية مع الشيوعية‪ ،‬وذلك بمعزل عن الحديث عن‬ ‫اإلسالم وعن مجتمعاته؟‬ ‫هذه المعلومات وغيرها مفيدة وهامة لصلتها المباشرة‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫محاكمة سيد قطب‬

‫بعملية استجالء تلك الظروف والمالبسات الغامضة‬ ‫بكتاب مفصلي في حياة سيد قطب الفكرية‪ .‬ومفصلي‬ ‫في تاريخ الفكر اإلسالمي الحديث والحركات‬ ‫اإلسالمية المعاصرة في العالمين العربي واإلسالمي‪.‬‬ ‫يخبرنا حامد ألجار‪ ،‬فيما يتعلق بالفروق الموجودة‬ ‫بين الطبعة األولى والطبعة الخامسة التي اعتمدها‬ ‫في الترجمة‪ ،‬أنه امتنع عن إضافة المواد المزادة في‬ ‫الطبعة الخامسة إلى الطبعة األولى وحذف مواد كانت‬ ‫موجودة في الطبعة األولى‪ .‬ألنه على يقين بأن الطبعة‬ ‫األولى لها منطقيتها وقيمتها الوثائقية‪.‬‬ ‫وكان يجب أن يكون على يقين أيضاً‪ ،‬فيقدم وصفاً لما‬ ‫أسماه بطبعة هاردي‪ ،‬ألنها هي األخرى تعد وثيقة‬ ‫تاريخية‪.‬‬ ‫ أرجع حامد ألجار األخطاء الفادحة في ترجمة‬‫هاردي إلى أن هذا قد يعود إلى أن الترجمة قد عملت‬ ‫ً‬ ‫امتثاال‬ ‫بالتعاون مع سيد قطب‪ .‬وقد كان يجب عليه‬ ‫لمقتضيات األمانة‪ ،‬أن يذكر أنه في أحد األغلفة‬ ‫وجه المجلس األميركي للجمعيات‬ ‫الداخلية للكتاب‪ّ ،‬‬ ‫الثقافية لسيد قطب شكراً وعرفاناً لتعاونه في الترجمة‬ ‫عوضاً عن صياغة عبارة موهمة‪ ،‬توحي بأنه يطرح‬ ‫ً‬ ‫احتماال من عندياته‪ .‬ويحق له بعد أن يفعل ذلك أن‬ ‫يطرح ذلك االحتمال الذي قال فيه‪ « :‬وإذا كان ذلك‬ ‫صحيحاً‪ ،‬فإما أن تكون معرفة سيد قطب باإلنجليزية‬ ‫ال توازي مهمة فحص الترجمة‪ ،‬أو أنه وثق بمعرفة‬ ‫هاردي باللغة العربية إلى درجة أنه اقتنع باستعراض‬

‫سريع لها»‪.‬‬ ‫أنوّه بأن الوحيد ممن كتبوا عن‬ ‫ويجدر التنويه هنا أن ِ‬ ‫سيد قطب الذي ذكر تلك المعلومة هو شريف يونس‬ ‫في كتابه (سيد قطب واألصولية اإلسالمية) الذي هو‬ ‫في األصل أطروحة ماجستير قدمها في كلية اآلداب‬ ‫بجامعة عين شمس‪ .‬فلقد أشار في هامش ص ‪ 69‬إليها‬ ‫بأنه « يتصدر الكتاب شكر لسيد قطب على تعاونه‬ ‫في ترجمة عمله»‪.‬‬

‫ظلم وليم شيبرد وأجحف بحقه‬ ‫ خص حامد ألجار وليم شيبرد في مقدمته باإلشارة‬‫في موضعين‪ .‬وفي موضع ثالث أورد استدراكاً مفاده‬ ‫أن تحليله اعتمد الطبعة السابعة ولم يتسنى له مثله‬ ‫الحصول على طبعة أقدم كالطبعة الخامسة (‪)1958‬‬ ‫التي استخدمها هو لتصحيح ترجمة هاردي‪ .‬مقالة‬ ‫شيبرد التي أحال إليها ثالث مرات والتي وصفها‬ ‫بالقيّمة‪ ،‬منشورة – كما تبين قائمة مراجعه – في‬ ‫مجلة ألمانية هي‪ Die Welt ctes Islam :‬سنة‬ ‫‪1992‬م تحت عنوان ‪The Development of‬‬ ‫‪the thought of Sayyid Qutb as reflected‬‬ ‫‪in earlier and later Editions of Social‬‬ ‫‪Justice in Islam‬‬ ‫تطور فكر سيد قطب المبكر والمتأخر‪ ،‬كما ينعكس‬ ‫في كتابه‪( :‬العدالة االجتماعية في اإلسالم)‪.‬‬

‫‪5 31‬‬


‫قصة الغالف‬

‫سوسيال دلم إسالم) للمفكر االندونيسي هامكا‪،‬‬ ‫(اقتصادنا) لمحمد باقر الصدر‪ ،‬وتأثيره في خطب‬ ‫عالم ديني ناشط سياسياً في إيران‪ ،‬هو أبو القاسم‬ ‫كاشاني‪.‬‬

‫من هو حامد ألجار؟‬ ‫قبل االسترسال في المالحظات النقدية لحامد ألجار‪،‬‬ ‫لنسأل من هو هذا الرجل؟‬ ‫أميل إلى أن حامد ألجار اسم غير معروف بالقدر‬ ‫الكافي في العالم العربي‪ .‬فالمعرفة به تقتصر على‬ ‫بعض األكاديميين العرب الذين لهم صلة أكاديمية‬ ‫ببعض الجامعات األميركية وعلى بعض المثقفين‬ ‫العرب المهتمين بالثورة اإليرانية وآخرين من‬ ‫المتحمسين لها وأنصارها‪.‬‬ ‫يعود السبب في ذلك أنه لم يترجم من أعماله إلى‬ ‫العربية سوى نزر قليل وأنه ليس له حضور في‬ ‫الصحافة والفضائيات العربية‪.‬‬ ‫في حدود إطالعي لم يترجم من كتبه وأبحاثه سوى‬ ‫هذه األبحاث‪:‬‬ ‫األول‪( ،‬اإلسالم كأيديولوجيا‪ :‬فكر شريعتي) نشر‬ ‫في مجلة (المسلم المعاصر)‪ ،‬سنة ‪ 1983‬عدد ‪.34‬‬ ‫ويظهر أنه مقدم ضمن ندوة‪ ،‬ألن المجلة ذيلته‬ ‫بنشر نقاشات حول البحث وردود صاحب البحث‬ ‫على المناقشين (شاما صديقي‪ ،‬إقبال عصرية‪ ،‬فريد‬ ‫شيال‪ ،‬يحيى الساعي‪ ،‬وحيد منير‪ ،‬الدكتور سلمان‬ ‫(!)) لكن من دون بيانات عن اسم الندوة ومكانها‬ ‫واسم رئيس الجلسة الذي يشار إليه بهذا االسم وكان‬ ‫يشارك بالنقاش‪ ،‬واسم مترجم البحث والنقاش‪.‬‬ ‫الثاني ‪( ،‬اإلمام الخميني ‪1962 – 1902‬م‪ ،‬سنوات‬ ‫ما قبل الثورة)‪ ،‬وقد ترجم هذا البحث الذي هو عبارة‬ ‫عن سيرة شخصية لإلمام الخميني وأبحاث أخرى‪،‬‬ ‫إلى العربية محروس سليمان سنة ‪2000‬م في كتاب‬ ‫عنوانه (اإلسالم والسياسة والحركات االجتماعية)‪.‬‬ ‫وأساس هذا الكتاب أبحاث قدمت إلى مؤتمر جامعة‬ ‫كاليفورنيا الذي عقد في بيركلي سنة ‪1981‬م‪ .‬ونشر‬ ‫في كتاب باإلنجليزية سنة ‪1988‬م‪ ،‬وقام بتحريره‬ ‫وكتابة مقدمتين له أدموند بيرك وإيما البيدوس‪.‬‬ ‫أما الثالث فهو عن (الوهابية‪..‬مقالة نقدية)‪.‬‬ ‫وقبل هذين البحثين‪ ،‬كان قد شارك بمحاضرة في‬ ‫الملتقى العاشر للفكر اإلسالمي عنوانها (الجهاد‪:‬‬ ‫أبعاده الروحية والسياسية واالجتماعية في حياة الفرد‬ ‫والمجتمع) منشورة في كتاب صادر سنة ‪ 1976‬عن‬ ‫الشؤون الدينية بالجزائر‪.‬‬ ‫لذا أرى أنه من المستحسن قبل الشروع في نقاش‬ ‫أعرف القارئ العربي به تعريفاً مختصراً‪.‬‬ ‫مقدمته أن ّ‬ ‫حامد ألجار‪ :‬أستاذ مرموق في قسم دراسات الشرق‬ ‫األدنى بجامعة كاليفورنيا – بيركلي‪ .‬وقد بدأ التدريس‬ ‫في هذا القسم منذ منتصف ستينيات القرن الماضي‪.‬‬ ‫مختص باآلداب الفارسية والعربية والتركية‪ .‬له كتب‬ ‫وأبحاث في التاريخ المعاصر إليران وتركيا ودول‬ ‫البلقان وأفغانستان‪ .‬يولي للمذهب الشيعي والصوفية‪،‬‬

‫‪30 4‬‬

‫لم يكن اإلفراج‬ ‫عن سيد قطب‬ ‫في أواخر الشهر‬ ‫الخامس من سنة‬ ‫‪1964‬م بسبب سوء‬ ‫حالته الصحية المستمرة‬ ‫وإنما بسبب شفاعة‬ ‫الرئيس العراقي الراحل‬ ‫عبد السالم عارف الذي‬ ‫كان ينتمي إلى اإلخوان‬ ‫المسلمين في العراق‬ ‫وكان معجباً بتفسير سيد‬ ‫قطب (في ظالل القرآن)‬ ‫وبكتاباته اإلسالمية‪ .‬وقد‬ ‫قبل عبد الناصر شفاعته‬ ‫ألنه كان موالياً له‬

‫وبخاصة الطريقة النقشبندية‪ ،‬في دراساته اهتماماً‬ ‫كبيراً‪ .‬حصل في السنوات المتأخرة على دكتوراه‬ ‫فخرية من جامعة طهران التي ترجع صلته بها إلى‬ ‫السنوات األولى من ستينيات القرن الماضي‪ ،‬حيث‬ ‫نال منحة من هذه الجامعة في طور إعداده لرسالة‬ ‫الدكتوراه ومكث فيها ما يقرب من ثالث سنوات‪.‬‬ ‫عاد إلى جامعته‪ ،‬جامعة كيمبرج‪ ،‬سنة ‪،1963‬‬ ‫الستكمال تحضيره ألطروحة الدكتوراه التي كان‬ ‫موضوعها‪( :‬الدور السياسي لعلماء الشيعة في‬ ‫القرن التاسع عشر) والتي دافع عنها سنة ‪.1965‬‬ ‫بعد حصوله على درجة دكتوراه راسل جامعة الملك‬ ‫سعود بالرياض من أجل أن يتعين مدرساً فيها لكنه لم‬ ‫يأته رد منها يفيد بالموافقة أو االعتذار‪.‬‬

‫وإعجابه باإلمام أبي حامد الغزالي الذي ألّف كتاباً‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫تربط حامد ألجار صلة شخصية باإلمام الخميني‬ ‫منذ أن كان في منفاه بباريس‪ .‬وقد ترجم مختارات‬ ‫من كتاباته وخطبه إلى اإلنجليزية في كتاب عنوانه‬ ‫(اإلسالم والثورة)‪ .‬وهو من المناصرين األشداء –‬ ‫وال يزال – للثورة اإليرانية‪.‬‬ ‫من كتبه‪( :‬الدين والدولة في إيران‪،)1906 – 1785 :‬‬ ‫(جذور الثورة اإلسالمية في إيران)‪( ،‬ميرزا مالكوم‬ ‫خان‪ :‬دراسة في السيرة الذاتية في الحداثة اإليرانية)‪،‬‬ ‫(الصوفية‪ :‬المبادئ والتطبيق)‪( ،‬السنة‪ :‬جوانب‬ ‫اإللزام والقدوة فيها)‪( ،‬المسيح في القرآن)‪( ،‬سورة‬ ‫الفاتحة‪ :‬مؤسسة للقرآن)‪( ،‬السنة‪ :‬بوصفها أنموذجا‬ ‫إلزامياً يحتذى)‪ .‬وله محاضرات ودروس دينية‬ ‫محضة يعنى بها عادة رجال الدين والوعاظ الشيعة‬ ‫ألقاها ومايزال يلقيها في جامعة كاليفورنيا – بيركلي‪.‬‬

‫مترجم كتاب سيد قطب‬ ‫اسم مجهول‪ ..‬وجامعة رثة!‬ ‫نبتدئ النقاش بتوجيه ملحوظات نقدية أساسية للفقرات‬ ‫التي نقلناها بنصها تقريباً‪ ،‬من مقدمة حامد ألجار فيما‬ ‫سبق‪ ،‬الملحوظات هي‪ ،‬كالتالي‪:‬‬ ‫يعرف حامد ألجار بصاحب الترجمة األولى‪،‬‬ ‫ لم ّ‬‫جون‪ .‬ب‪ .‬هاردي‪ .‬وكان يجب عليه أن يفعل ذلك‪ .‬ألن‬ ‫هذا االسم اسم مجهول حتى لدى األوساط األكاديمية‬ ‫المعنية للدراسات الشرقية والغربية‪ .‬وال يتوفر‬ ‫عنه سوى معلومة يتيمة هي‪ :‬أنه أستاذ في جامعة‬ ‫هاليفاكس بكندا‪.‬‬ ‫وهذه المعلومة التي تتردد في كتابات بعض الذين‬ ‫أرخو لسيد قطب مستقاة من رسالة منه حينما كان في‬ ‫ّ‬ ‫أمريكا لصديقه الناقد أنور المعداوي ومن خبر نشر‬ ‫ضمن أخبار في زاوية (الكشكول) في مجلة الرسالة‪.‬‬ ‫ كان من المفترض به أن يزود القارئ بنبذة عن‬‫المجلس األميركي للجمعيات الثقافية الذي نشر‬ ‫تعرف هذا المجلس على‬ ‫الترجمة‪ .‬ويوضح كيف ّ‬ ‫كتاب (العدالة االجتماعية في اإلسالم)‪ ،‬وعلى مؤلفه‬ ‫سيد قطب‪.‬‬

‫حرك رغبته في التدريس بهذه الجامعة‪ ،‬شعور‬ ‫ّ‬ ‫عاطفي روحي‪ ،‬حيث كان يريد أن يعمل في أقرب‬ ‫مكان لألماكن المقدسة في مكة والمدينة‪ .‬وحين لم يأته‬ ‫– بعد مضي شهرين – رد من جامعة الملك سعود‪،‬‬ ‫راسل جامعة كاليفورنيا‪ ،‬فتم قبوله فوراً للتدريس‬ ‫فيها‪.‬‬

‫إن إيضاح هذا األمر مهم‪ ،‬فسيد حينما كان في أمريكا‬ ‫كانت بعثته لتعليم اللغة اإلنجليزية وتلقي دورة تدريبية‬ ‫في التربية وأصول وضع المناهج‪ .‬وفي حالته يكون‬ ‫الطريق إلى المجلس والطريق إليه غير سالك في بلد‬ ‫كأمريكا هو قارة بالمعنى الحقيقي وليس المجازي‪.‬‬

‫يتقن حامد ألجار اللغة الفارسية واللغة العربية واللغة‬ ‫التركية القديمة والتركية الحديثة‪ ،‬وعدداً من اللغات‬ ‫األوروبية‪ ،‬إضافة إلى لغته األم‪ ،‬اللغة اإلنجليزية‪.‬‬ ‫هو أمريكي الجنسية‪ ،‬بريطاني األصل‪ .‬اعتنق الدين‬ ‫اإلسالمي في شبابه‪ .‬وهو شيعي المذهب *‪.‬‬ ‫وقد تسمى بحامد بعد إسالمه‪ ،‬ولم أتمكن من معرفة‬ ‫اسمه قبل إسالمه‪ .‬وربما اختار هذا االسم لمحبته‬

‫كما كان من المفترض به أن يتلمّس السبب الذي جعل‬ ‫المجلس يختار هذا الكتاب ليترجم وما الهدف كان‬ ‫من ذلك؟ ولماذا أختير أستاذ في جامعة الهوتية رثّه‬ ‫وقتذاك كجامعة هاليفاكس‪ ،‬لم يتم االعتراف بها إال‬ ‫قبل سنة واحدة من نشر الترجمة‪ ،‬هذه السنة هي سنة‬ ‫‪1952‬؟ ولِ َم ل ْم يختر أستاذ في جامعة في إحدى المدن‬ ‫األميركية التي يتردد سيد على جامعاتها ومعاهدها؟‬


‫بتاريخ سابق‪ ،‬فهذا أمر لم يمكنني التحقق منه‪.‬‬ ‫سيد قطب‬ ‫في السجن‬

‫وبعد ذكره لهذه الصعوبات ذكر الفروقات التي‬ ‫وجدها ما بين الطبعة األولى والطبعة الخامسة‬ ‫‪1377‬هـ‪1958/‬م التي استند إليها في مطابقة ما‬ ‫ترجمه هاردي مع النص األصلي‪ .‬هذه الفروقات‬ ‫التي ذكرها هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬في الطبعة األولى – طبعة هاردي كما يسميها –‬ ‫نقاش مسهب حول بابي (المصالح المرسلة) و (سد‬ ‫الذرائع) وحول الجفول الذي بدا على القوات العربية‬ ‫في مواجهة الوحشية والفضائع الصهيونية في أثناء‬ ‫حرب فلسطين األولى‪ .‬وفي الطبعة الخامسة هذا‬ ‫النقاش محذوف منها‪.‬‬ ‫‪ -2‬في الطبعة الخامسة توصيات مفصلة عن تدريس‬ ‫التاريخ اإلسالمي ودور األدب في التعليم‪ .‬وفي‬ ‫الطبعة األولى ال يوجد شيء من هذا‪.‬‬ ‫‪ -3‬األحاديث التي تستخدم لالستدالل في مختلف‬ ‫المواضيع ليست متطابقة تماماً في هاتين الطبعتين‪.‬‬ ‫يقول عقب ذلك‪ “ :‬بنا ًء على المقارنة بين الطبعة‬ ‫األولى والطبعة السابعة يشير وليم شيبرد إلى أن‬ ‫التغييرات تعكس اتجاه سيد قطب نحو ما أسماه‬ ‫(اإلسالم الجوهري الجذري)‪.‬‬ ‫هذا االتجاه سببه التأثير األيديولوجي لموالنا‬ ‫المودودي من ناحية واألحداث اآلخذة في الظهور في‬ ‫مصر من ناحية أخرى”‪.‬‬ ‫ويرى حامد ألجار أن تحليل شيبرد قد يعكس المسافة‬ ‫التي قطعها سيد قطب بين الطبعة األولى والطبعة‬ ‫السابعة ولكن ال يمكن القول بذلك فيما يتعلق بالطبعة‬ ‫الخامسة والتي اضطر الستخدامها بهدف تصحيح‬ ‫ترجمة هاردي‪.‬‬ ‫ويختم شرحه بما فعله بصدد إعادة الترجمة بالقول‪“ :‬‬ ‫أما فيما يتعلق بالفروق الموجودة بين الطبعة األولى‬ ‫والخامسة فإنني امتنعت عن إضافة المواد الموجودة‬ ‫فقط في األخيرة وحذف مواد موجودة فقط في األولى‬ ‫معتقداً على يقين بأن الطبعة األولى لها منطقيتها‬ ‫وقيمتها الوثائقية”‪.‬‬ ‫ما تقدم هو نقل للفقرات األخيرة من مقدمة حامد ألجار‬ ‫لكتاب‪Social Justice in Islam by Sayyid‬‬ ‫‪Qutb–Translated by John B. Hardie،‬‬ ‫‪Translation Revised and Introduction‬‬ ‫‪ By Hamid Algar‬الصادر سنة ‪.2000‬‬ ‫والكتاب عبارة عن ترجمة معدلة لترجمة جون ب‪.‬‬ ‫هاردي لكتاب سيد قطب (العدالة االجتماعية في‬ ‫اإلسالم) المنشورة سنة ‪ 1953‬بواشنطن‪.‬‬ ‫يتضمن مقدمة تقع في سبعة عشر صفحة‪ ،‬تفضل‬ ‫األستاذ أحمد الشنبري مشكوراً بترجمتها لي وترجمة‬ ‫بيانات نشر الطبعة األولى لترجمة هاردي وتصديره‬ ‫للترجمة‪ ،‬كما ترجم لي فقرات من كتاب جيمس‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫هيوراث دن‪Religious and Political Trends :‬‬ ‫‪ Modern Egypt‬االتجاهات الدينية والسياسية في‬ ‫مصر الحديثة‪ ،‬الصادر سنة ‪.1950‬‬ ‫وفقرات من كتاب وليم شيبرد‪Sayyid Qutb :‬‬ ‫‪and Islamic Activism: a Translation‬‬ ‫‪and Critical Analyses of Social Justice‬‬ ‫‪ in Islam‬سيد قطب والحراك اإلسالمي‪ :‬ترجمة‬ ‫وتحليل نقدي لكتاب العدالة االجتماعية في اإلسالم‬ ‫الصادر سنة ‪1996‬م‪.‬‬ ‫هذه الفقرات وبيانات النشر‪ ،‬كنت بحاجة إلى ترجمتها‬ ‫إلى العربية لكتابة مراجعة نقدية لمقدمة حامد ألجار‬ ‫عن تاريخ سيد قطب وكتابه (العدالة االجتماعية في‬

‫اإلسالم) في القسم األول من البحث‪.‬‬ ‫تقدم على الفقرات األخيرة من المقدمة التي نقلتها‪،‬‬ ‫تقديم لمحة عن حياته الشخصية والتعليمية والوظيفية‬ ‫واألدبية والسياسية والدعوية منذ والدته (‪ )1906‬إلى‬ ‫سنة إعدامه (‪.)1966‬‬ ‫وعرض لعالقة اإلخوان المسلمين بالضباط‬ ‫األحرار في مرحلتي التحالف والصراع‪ .‬ووقوف‬ ‫عند كتابه‪(:‬العدالة االجتماعية في اإلسالم) وكتابيه‬ ‫اآلخرين‪(:‬في ظالل القرآن) و (معالم في الطريق)‬ ‫وتلمس لتأثير الكتاب األول في كتب إسالمية تالية‬ ‫هي‪:‬‬ ‫(اشتراكية اإلسالم) لمصطفى السباعي‪( ،‬كيديالن‬

‫‪3 29‬‬


‫قصة الغالف‬

‫في نقد الباحث األميركي حامد ألجار‬ ‫وروايته عن تاريخ اإلخوان في مصر‬

‫أساطير حول‬ ‫سيد قطب‬ ‫يسوغ حامد ألجار إعادة ترجمة كتاب سيد قطب الشهير‪« :‬العدالة االجتماعية في اإلسالم» المنشور بالعربية سنة ‪،1949‬‬ ‫ّ‬ ‫مجدداً إلى اإلنجليزية بأن ترجمة جون ب‪ .‬هاردي له التي نشرت سنة ‪ 1953‬من قبل المجلس األميركي للجمعيات الثقافية‬ ‫‪ American Council of Learned Societies‬فيها عدد من الفقرات ال تنبئ بالحقيقة‪ .‬وأنه وجد عند مقارنتها‬ ‫بالنص العربي أن هاردي لم يفهم النص األصلي‪.‬‬ ‫علي العميم‬ ‫يقول ألجار‪“ :‬كانت أخطاء المترجم شائعة إلى درجة‬ ‫تجعل إعادة النظر أمراً ضرورياً‪ ،‬وقد نتج عن إعادة‬ ‫النظر هذا أني اكتشفت أخطا ًء كثيرة أخرى‪ .‬وغالباً‬ ‫ما خلط كلمات متشابهة إلى حد كبير مع بعضها‬ ‫البعض وفشل في فهم بنية اللغة العربية‪ ،‬ولجأ أحياناً‬ ‫إلى تخمين واضح عندما واجهته جملة أو عبارة بها‬ ‫إشكال”‪.‬‬ ‫ويعجب من أن األخطاء الفادحة التي تفسد ترجمة‬ ‫هاردي استمرت كلها تقريباً من دون أن تكشف‪.‬‬ ‫ويستثني من هذا الغفلة “تعليق متحفظ قدمه وليم‬ ‫شيبرد في مقالة قيّمة عن العدالة االجتماعية في‬ ‫اإلسالم” نشر سنة ‪1992‬م‪.‬‬ ‫يعلل حامد ألجار وقوع أخطاء جمّة في ترجمة هاردي‬ ‫وفق الترجيح اآلتي‪ “ :‬وهذا قد يعود إلى أن الترجمة‬ ‫قد عملت بالتعاون مع سيد قطب نفسه‪ .‬وإذا كان ذلك‬ ‫صحيحاً‪ ،‬فإما أن تكون معرفة سيد قطب باإلنجليزية‬ ‫ال توازي مهمة الترجمة‪ ،‬أو أنه وثق بمعرفة هاردي‬

‫‪28 2‬‬

‫باللغة العربية إلى درجة أن اقتنع باستعراض سريع‬ ‫لها ”‪.‬‬ ‫ويجمل رأيه بترجمة هاردي بعبارة موجزة هي‪ :‬أن‬ ‫هذه الترجمة تبدو أثناء قراءتها جيدة أحياناً على نحو‬ ‫خادع‪ ،‬وصحيحة ولبقة في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ثم يشرح بعد ذلك ما فعله في إعادة الترجمة‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫“ لقد عدلت الترجمة بأكملها لكي أصحح كل األغالط‬ ‫الجسيمة في المعاني‪ .‬كما أن إعادة النظر مرة أخرى‬ ‫بشكل شامل لجعل الكلمات والبنية تعكس بشكل أقرب‬ ‫إلى ما هو موجود في النص العربي‪ ،‬كان – بالطبع‬ ‫– ممكناً ”‪.‬‬ ‫وعرض وهو يشرح ما فعله في إعادة الترجمة‪،‬‬ ‫للصعوبات التي واجهته في أداء المهمة التي ندب‬ ‫نفسه إلنجازها‪ .‬هذه الصعوبات بحسب ذكره لها هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن كتاب (العدالة االجتماعية في اإلسالم) خرج‬ ‫في عدة طبعات مختلفة لم تكن بالضرورة مطابقة‬

‫ً‬ ‫وينبّه إلى أن هذا األمر على‬ ‫تماما لبعضها البعض‪ِ .‬‬ ‫نحو عام‪ ،‬لم يلفت االنتباه‪ .‬ويستثني من ذلك مرة‬ ‫مر بنا‬ ‫أخرى وليم شيبرد الذي وصف مقالته – كما ّ‬ ‫– بالقيّمة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تم طبع الكتاب سبع مرات على األقل‪ ،‬لكن ليس‬ ‫من المؤكد أن كل نشرة كانت طبعة مختلفة‪ .‬ألن كلمة‬ ‫طبعة قد تعني نسخة وقد تعني أيضاً طبعة منقحة‪.‬‬ ‫‪ -3‬لم يتسن لي سوى الحصول على الطبعة ‪/‬‬ ‫النشرة الخامسة الصادرة في القاهرة بتاريخ‬ ‫‪1377‬هـ‪1958/‬م‪ ،‬وهي بالتأكيد حتى لو أخذنا بعين‬ ‫االعتبار أخطاؤه في الترجمة – تختلف كثيراً عن‬ ‫الطبعة األولى التي استخدمها هاردي‪.‬‬ ‫‪ -4‬هناك فقرأت بأكملها في طبعة هاردي ليست‬ ‫موجودة في طبعة ‪1377‬هـ‪1958 /‬م‪ ،‬والتي أضيف‬ ‫إليها مواد لم تكن موجودة في الطبعة األولى‪ .‬وفيما‬ ‫إذا كانت تلك التغييرات قد علمت للطبعة الخامسة أو‬


‫‪¿’G ∑ΰTG‬‬

‫‪á«bQƒdG ∂àî°ùf ≈∏Y π°üMGh‬‬ ‫عبدالعزيز بن �صقر‪ :‬جمل�س التعاون واإيران‬ ‫برنارد هيكل ‪:‬اليمن بعد �صالح‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫مهدي خلجي‪ :‬م�صتقبل املرجعية ال�صيعية‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫العدد ‪ ،1571‬أبريل‪ /‬نيسان ‪2012‬‬

‫العدد ‪ ،1572‬مايو‪ /‬أيار ‪2012‬‬

‫املعتذرون‬

‫عن الأ�سد‬ ‫ملاذا يحاول اللوبي ال�سوري‬ ‫يف اأمريكا اإجها�ض الثورة‬

‫»‪:‬‬ ‫> عمرو مو�صى مر�صح الرئا�صة لـ«‬ ‫اأخ�صى على م�صر من ا�صتحواذ الأخوان امل�صلمني‬

‫»‪:‬‬ ‫> الباجي قائد ال�صب�صي يف حوار مع «‬ ‫لي�س هناك ربيع عربي بل بداية ربيع تون�صي‬

‫فوكوياما‪ :‬الدميقراطية الليربالية والطبقة الو�سطى‬ ‫حتقيق‪ :‬الفتنة الفكرية‪ ..‬انق�سامات يف ملتقى النه�سة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪05‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪04‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫حممد غامن الرميحي‪ :‬االنتقال اخل�شن‬ ‫جولييت هايت‪ :‬رحلة روحانية‬ ‫عبد الرزاق عيد‪ :‬الدوران يف املكان‬

‫العدد ‪ ،1570‬فبراير ‪2012‬‬

‫البنا‬ ‫خطة ّ‬ ‫ّ‬

‫هل ينجح االإخوان يف اإنقاذ اقت�شاد م�شر؟‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪02‬‬

‫ال�شفري الليبي يف لندن حممود الناكوع‪ :‬جتاوزنا مرحلة اخلطر‬ ‫‪9 770261 087126‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫العدد ‪ ،1569‬يناير ‪2012‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫العدد ‪ ،1569‬يناير ‪2012‬‬

‫‪øe‬‬

‫الربيع العربي‬ ‫‪ 10‬اأوهام‬

‫‪™«£à°ùj‬‬

‫رّغيت وجه التاريخ‬

‫‪‬‬

‫‪¥ÓZEG‬‬ ‫‪≥«°†e‬‬ ‫‪?õeôg‬‬

‫‪‬‬

‫‪11‬‬

‫‪9 770261 087119‬‬

‫‪‬‬

‫احلرب والسالم‪:‬‬ ‫أزمة خالفة‬ ‫إيران تبحث عن مرشد لهذا الزمان‬

‫الوضع البشري‪:‬‬ ‫جيل تويتر‪ ..‬شباب الربيع العربي‬ ‫يعيد صياغة مستقبله‬

‫‪‬‬

‫حوارات‪:‬‬ ‫برهان غليون‪ :‬نظام األسد انتهى‬ ‫وال نستبعد انقالبا عسكريا في سوريا‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪01‬‬

‫‪9 770261 087126‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ﻟﻼﺷﺘﺮﺍﻛﺎﺕ ﺑﺎﻟﺒﺮﻳﺪ‬ ‫ﺍﻻﺳﻢ‪ .................................................................................................. :‬ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ‪........................................................................................... :‬‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪................................................................................................................................................................................................................. :‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪﻱ‪ ................................................................................. :‬ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪﻱ‪................................................................................. :‬‬ ‫ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‪ ..................................................................................................... :‬ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ‪............................................................................. :‬‬

‫ﻧﻮﻉ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻙ‪:‬‬

‫ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﳌﺪﺓ ﻋﺎﻡ )‪12‬ﻋﺪﺩﺍ ﹰ ‪120 -‬ﺭﻳﺎﻻ ﺳﻌﻮﺩﻳﺎ(‬ ‫ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﳌﺪﺓ ﻋﺎﻣﲔ )‪ 24‬ﻋﺪﺩﺍ ﹰ ‪ 240 -‬ﺭﻳﺎﻻ ﺳﻌﻮﺩﻳﺎ(‬

‫ﺍﻓﺮﺍﺩ‬ ‫ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ‬

‫‪äGô“DƒŸG »M ájOƒ©°ùdG á«Hô©dG áµ∏ªŸG ‘ ™jRƒàdG π«ch‬‬ ‫‪+966 1 4419933 :∞JÉg ,11585 ¢VÉjôdG - 62116 Ü.¢U‬‬ ‫‪+966 1 2121774 :¢ùcÉa‬‬ ‫‪www.saudidistribution.com :ÊhεdEG ™bƒe‬‬ ‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ‪ ،1567‬ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ‪2011‬‬

‫ﻭﻛﻴﻞ ﺍﻹﺷﺘﺮﺍﻛﺎﺕ ‪ -‬ﺍﻟﺸﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻮﺳﺎﺋﻞ‪ -‬ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ ﺍﺠﻤﻟﺎﻧﻲ ‪800 2440076‬‬

‫‪27‬‬


Distinguish yourself

King’s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, King’s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011

www.kcl.ac.uk 37

2012 ‫ يناير‬،1569 ‫العدد‬


‫األميركية‪ .‬واختتموا بأن الشائعات والتسريبات‬ ‫تأتي في محاوالت لتقويض الجماعة في جزء من‬ ‫“مواجهة” أشمل بين الجماعة وحكومة مبارك‪.‬‬ ‫نفس حكومة مبارك التي كانت في ‪ 2004‬تتعرض‬ ‫لضغوط من إدارة الرئيس بوش لالنفتاح على‬ ‫ً‬ ‫أشكاال عديدة‬ ‫المعارضين‪ ،‬وأخذت هذه الضغوط‬ ‫من أهمها إشارات الرئيس بوش المتكررة في‬ ‫خطاباته عن أهمية أن تقوم مصر بإصالح سياسي‪،‬‬ ‫وكان بوش قد حرص في خطاب حالة االتحاد‬ ‫(فبراير‪ )2005‬على أن يكرر رسالة علنية سبق‬ ‫وبعث بها إلى النظام المصري خالل عام ‪2004‬‬ ‫ً‬ ‫قائال “إن مصر التي قادت التحول نحو السالم في‬ ‫المنطقة تستطيع أن تظهر قدرتها على قيادة المنطقة‬ ‫نحو الديمقراطية” مؤكداً “أن الواليات المتحدة‬ ‫ستقف مع حلفاء الحرية لدعم التحركات نحو‬ ‫الديمقراطية في الشرق األوسط إلنهاء االستبداد‬ ‫في عالمنا”‪.‬‬ ‫إلى جانب ذلك اتخذت اإلدارة األميركية مجموعة‬ ‫من الخطوات العملية للضغط علي النظام المصري‬ ‫من بينها تلويح جهات في الكونجرس باتخاذ‬ ‫إجراءات عقابية ضد مصر قد تصل إلى حد قطع‬ ‫المساعدات العسكرية التي تحصل عليها القاهرة‬ ‫سنوياً‪ ،‬وتهديد نواب بتقديم ما سموه “مشروع‬ ‫محاسبة مصر” الى الكونجرس بسبب تزايد‬

‫معاناة األقباط ‪-‬حسب زعمهم‪ -‬وتسريب اتهامات‬ ‫لمصر بأنها زودت نظام صدام حسين بأسلحة‬ ‫كيماوية‪ ،‬وتقدم واشنطن بطلب لمناقشة موضوع‬ ‫اإلصالحات الداخلية في مصر في اجتماع الدول‬ ‫العربية والدول الصناعية الثماني‪ ،‬وإعالن السفارة‬ ‫المصرية في القاهرة عن تقديم مبلغ مليون دوالر‬ ‫للجمعيات األهلية في مصر‪.‬‬ ‫وقد رأى خالد عبد الحميد في دراسة بعنوان‬ ‫“دراسة الدور األمريكي في عملية اإلصالح‬ ‫السياسي في مصر‪ ..‬تصاعد اإلخوان المسلمين‬ ‫وتداعياته على الموقف األميركي” منشورة على‬ ‫الموقع اإللكتروني لمعهد اإلمام الشيرازي الدولي‬ ‫للدراسات في واشنطن‪ ،‬أن جماعة اإلخوان‪،‬‬ ‫كغيرها من قوى المعارضة المصرية‪ ،‬قد استفادت‬ ‫مما سماه البعض بـ”الغطاء األميركي” الذي‬ ‫تشكل بفعل المطالبة المستمرة باإلصالح في‬ ‫مصر ودون المنطقة العربية‪ ،‬فالضغوط األمريكية‬ ‫مثلت دعماً مباشراً لجهود المعارضة المصرية في‬ ‫قضية اإلصالح‪ ،‬والتصريحات التي صدرت من‬ ‫مسؤولين أمريكيين في مواقع مختلفة قد صبت في‬ ‫النهاية في اتجاه توسيع هامش الحريات والحد من‬ ‫سطوة السلطة تجاه تحركات المعارضة وخصوصاً‬ ‫اإلخوان فبالرغم من أن السلطات المصرية قد‬ ‫اتخذت بعض اإلجراءات تجاه اإلخوان عقب‬ ‫مشاركتهم في بعض المظاهرات إال أن الحقيقة‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫مناخ الحرية الذي يسود مصر ما بعد ثورة ‪25‬‬ ‫يناير يزيد من الحماس الذي تروج به بعض‬ ‫عناصر وسائل اإلعالم المصرية الشائعات‬ ‫ونظريات المؤامرة‪ ،‬لذلك فإن االتهامات بالتعاون‬ ‫مع الواليات المتحدة ستتكرر على األرجح‪..‬‬ ‫اتهامات تالحق الجماعة منذ عقود وسوف تالحقها‬ ‫لعقود قادمة ما دامت أميركا وما دام اإلخوان<‬

‫فبينما يقوم رجال القبائل غير المسؤولين‬ ‫والمسلمون المتعصبون بالتفجير العشوائي‬ ‫ألجزاء من أنابيب البترول وشن الهجوم‬ ‫في بعض األحيان على األميركيين‪ ،‬فمن‬ ‫المحتمل أن ترفض الحكومات المسؤولة‬ ‫توقيع معاهدات ألنابيب البترول‪ ،‬أو‬ ‫اتفاقيات بترولية‪ ،‬أو اتفاقات الطيران‬ ‫المدني والمعاهدات التجارية‪ .‬كما سيصبح‬ ‫من الصعب تنفيذ العديد من المشروعات‬ ‫الضرورية لرفع مستوى المعيشة دون‬ ‫مساعدة الواليات المتحدة وإرشاداتها‪.‬‬

‫‪- 5‬المنظمة‬

‫ومن المرجح أن تتورط شعوب الدول‬ ‫العربية في ذلك الصراع بين اليهود‬ ‫والعرب حول فلسطين‪ .‬فعلى الرغم من‬ ‫أن معظم الحكومات العربية سوف تتردد‬ ‫في العمل ضد قرار «الجمعية العامة لألمم‬

‫في ظل الصراع السياسي والخالف المجتمعي الذي‬ ‫يخيم على مصر‪ ،‬وفي ظل استفراد “اإلخوان”‬ ‫بالسلطة وارتفاع األصوات المعارضة لكل ما يمثله‬ ‫اإلخوان‪ ،‬فإنه ال يوجد ما يمكن استبعاده من أساليب‬ ‫الخداع السياسي في هذه المرحلة‪ .‬ما جاء باالخوان‬ ‫لحكم مصر هو ما سوف يسمح لمعارضيهم بشن‬ ‫حرب ال هوادة فيها على كل محاوالت “األسلمة”‬ ‫التي يسعى البعض فرضها على المجتمع المصري‪.‬‬

‫على عالقات وثيقة مع الواليات المتحدة‬ ‫والمملكة المتحدة‪.‬‬

‫مثل ذلك اإلعالن انتفاضة جماهيرية‪ .‬كما‬ ‫أن الجفاف الحالي الذي يتعرض له شمال‬ ‫شرقي الصحراء العربية سوف يجعل رجال‬ ‫القبائل ضجرين‪ ،‬ومن ثم سيمثل الوعد‬ ‫بمغانم المستوطنات اليهودية جاذبية خاصة‬ ‫لكثير منهم‪.‬‬

‫من المتوقع أن تتنوع القوات العربية من‬ ‫فرق شبه عسكرية تخضع لسيطرة كاملة‬ ‫إلى تنظيمات قبلية من البدو بزعامة شيوخ‬ ‫القبائل‪ .‬وسوف يصبح نبل الغرض هو‬ ‫القوى الرئيسية لوحدتهم‪ .‬وسوف تمنح‬ ‫حرب العصابات المكثفة في فلسطين قوة‬ ‫كبرى للزعماء القوميين االنتهازيين‪،‬‬ ‫العدوانيين‪ ،‬المتطرفين‪ ،‬الذين ربما‬ ‫يهيمنون (في بعض الحاالت) على حكومات‬ ‫بلدانهم‪ .‬ومؤخرا‪ ،‬كانت هناك تقارير تشير‬ ‫إلى تأسيس إدارة موحدة لقوات حرب‬ ‫العصابات العربية‪.‬‬

‫أن السلطة ظلت يدها مقيدة‪ ،‬ولوال تسليط الضوء‬ ‫خارجياً على مصر فإن تصرفات األخوان في‬ ‫هذه المرحلة لم تكن لتقابل من جانب السلطة إال‬ ‫بإجراءات أشد عنفاً وأكثر صرامة”‪.‬‬ ‫وقد بدا‪ ،‬يضيف عبد الحميد‪ ،‬أن الجماعة على‬ ‫إدراك تام في هذا الوضع الجديد فأقر محمد حبيب‬ ‫نائب المرشد بأن “كل القوى السياسية المصرية‬ ‫استفادت من الضغوط “ األميركية كونها قيدت من‬ ‫سطوة السلطة في مواجهة المعارضة”‪.‬‬

‫المتحدة» ورغبات القوى العظمى‪ ،‬فإن‬ ‫الضغوط القومية والدينية والقبلية سوف‬ ‫تجبرهم على تأييد عرب فلسطين على‬ ‫المستوى غير الرسمي‪.‬‬ ‫ومن المرجح أن يعزز المتطرفون‬ ‫والقوميون نفوذهم على حساب رجال‬ ‫الدولة في العالم العربي الذين يعتقدون‬ ‫أن تنمية بلدانهم تعتمد على الحفاظ‬

‫وفي ظل التزام الواليات المتحدة بالتقسيم‪،‬‬ ‫سوف يتم تأجيل مثل تلك المشروعات إلى‬ ‫أجل غير مسمى‪.‬‬ ‫وسوف يتزايد الفقر واالضطرابات وفقدان‬ ‫األمل في العالم العربي‪ ،‬وهي العوامل التي‬ ‫تترعرع عليها الدعاية الشيوعية‪ ،‬وسوف‬ ‫ينتشر العمالء السوفيات (الذين يتسللون‬ ‫بالفعل إلى فلسطين كيهود نازحين) إلى‬ ‫الدول العربية محاولين تنظيم ما يطلق‬ ‫عليها «الحركات الديمقراطية» مثل‬ ‫الحركة الموجودة اآلن في اليونان‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪11‬‬


‫تحقيق‬

‫إذن فوجئ الرئيس أوباما وبقية الحكومة األميركية‬ ‫بسقوط مبارك‪ ،‬الذي حكم مصر لمدة ثالثين عاما‬ ‫وبدا مستعدا لالستمرار‪ ،‬على الرغم من المشاكل‬ ‫التي واجهت مصر‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي حشدت فيه الثورة ضد مبارك‬ ‫قوتها‪ ،‬سارعت اإلدارة من أجل اللحاق باألحداث‬ ‫التي تجري على األرض‪ ،‬وفي عدة منعطفات كانت‬ ‫تصدمها التطورات‪ .‬وفي حين تحتفظ أميركا ببعض‬ ‫النفوذ على مصر والجيش المصري – بفضل‬ ‫برنامج المساعدات الهائل – فإنها أثبتت أنها أبعد‬ ‫ما تكون عن محرك الدمى الذي يجذب الخيوط من‬ ‫وراء الستار‪.‬‬

‫نظرية المؤامرة‬ ‫تعتبر فكرة انتشار وكالة االستخبارات المركزية‬ ‫وقدرتها على استغالل األحداث في الشرق األوسط‬ ‫من مقرها المنعزل في النغلي في فيرجينيا‪،‬‬ ‫عنصرا ثابتا في نظريات المؤامرة في جميع أنحاء‬ ‫العالم العربي وإيران‪ ،‬مما يعكس حالة قلق عميق‬ ‫بشأن دور قوى أجنبية غير خاضعة للمساءلة في‬ ‫حياة سكان هذه الدول‪ .‬ولكن ما حجم هذه القوة‬ ‫التي تتمتع بها “سي آي إيه” والحكومة األميركية‬ ‫فعليا؟ اإلجابة ال تبعث على الراحة بالنسبة لمن‬ ‫يلقون باللوم على الواليات المتحدة بسبب العديد من‬

‫وكالة االستخبارات المركزية‬ ‫األميركية‬ ‫عواقب تقسيم فلسطين‬ ‫‪ 28‬نوفمبر (تشرين الثاني) ‪1947‬‬ ‫برنامج المراجعة التاريخية‬ ‫لوكالة االستخبارات المركزية‬ ‫النسخة الكاملة‬ ‫نسخة رقم‪35 :‬‬ ‫عواقب تقسيم فلسطين‬ ‫الملخص‬ ‫سوف تندلع النزاعات المسلحة بين اليهود‬ ‫والعرب إذا ما قبلت «الجمعية العامة لألمم‬ ‫المتحدة» خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين‬ ‫يهودية وعربية والتي أوصت بها لجنة‬ ‫فلسطين الخاصة التابعة لألمم المتحدة‬ ‫‪.UNSCOP‬‬ ‫لقد أصبح العرب في سوريا‪ ،‬ولبنان‪،‬‬ ‫والعراق‪ ،‬وإمارة شرق األردن‪ ،‬والمملكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬باإلضافة إلى فلسطين‪،‬‬ ‫متأثرين بالقومية والحمى الدينية‪ ،‬عازمين‬ ‫على قتال أي قوة أو مجموعة قوى تحاول‬ ‫تأسيس دولة يهودية في فلسطين‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أنه من المستبعد أن تقوم‬

‫‪10‬‬ ‫‪24‬‬

‫المشاكل التي تحل بالشرق األوسط أو من يأملون‬ ‫في أن تستطيع أميركا استخدام نفوذها من أجل حل‬ ‫هذه المشاكل‪.‬‬ ‫على الرغم من حجم ميزانية االستخبارات‬ ‫األميركية الهائل‪ ،‬حيث وصلت إلى نحو ‪ 80‬مليار‬ ‫دوالر في عام ‪ ،2011‬فإن “سي آي إيه” واألجهزة‬ ‫والمنظمات واالستخباراتية األميركية األخرى‬ ‫ليست منتشرة وال تعرف كل شيء‪ .‬في الوقت‬ ‫الذي هزت فيه الثورات ضد مبارك وبن علي‬ ‫وحكام آخرين العالم العربي‪ ،‬كانت “سي آي إيه”‬ ‫ووكالة استخبارات الدفاع (الخاصة بالبنتاغون‬ ‫ذاته) والجهات االستخباراتية األخرى منشغلة‬ ‫تماما باالنسحاب من العراق والحرب الدائرة في‬ ‫أفغانستان‪ ،‬اللذين كشفا عن نقاط ضعف حقيقية‬ ‫في النظام األميركي لجمع وتحليل المعلومات‬ ‫االستخباراتية‪.‬‬ ‫كان جواسيس أميركا أيضا مشغولين بإحباط‬ ‫مخططات “القاعدة”‪ ،‬وتعقب وقتل أسامة بن الدن‪،‬‬ ‫ومعارك طائرات التجسس في أفغانستان وباكستان‬ ‫والصومال واليمن‪ ،‬ووضع حد لمساعي إيران إلى‬ ‫الحصول على تكنولوجيا نووية وتطويرها‪ .‬هذا‬ ‫بخالف إعادة توجيه االستراتيجية األميركية تجاه‬ ‫شرق آسيا اعترافا بصعود قوة الصين‪ .‬وفي ظل‬ ‫استقرار شمال أفريقيا النسبي في العقد السابق على‬ ‫حكومات الدول العربية باإلعالن الرسمي‬ ‫عن الحرب‪ ،‬فإنهم لن يحاولوا منع شعوبهم‬ ‫(وبخاصة رجال القبائل المتعصبين) من‬ ‫المشاركة في المعركة؛ بل وربما يشجعون‬ ‫مثل ذلك السلوك ويقدمون مساعدات سرية‬ ‫كذلك‪.‬‬

‫‪- 2‬الضغط الديني‬ ‫وربما تكون الحكومات العربية متأثرة‬ ‫بالضغوط الدينية بنفس قدر تأثرها‬ ‫بالضغوط القومية‪ .‬كما أن العرب قادرون‬ ‫على التعصب الديني الذي عندما يقترن‬ ‫بالطموحات السياسية يمكن أن يمثل قوة‬ ‫هائلة للغاية‪ .‬ومن الصعب التكهن بما إذا‬ ‫كانت الحكومات العربية قادرة على توجيه‬ ‫تلك القوى أم ال‪.‬‬ ‫فمن الممكن أن تقوم منظمات دينية محددة‬ ‫بأخذ زمام المبادرة لتنظيم المقاومة العربية‬ ‫في فلسطين‪ .‬تم تأسيس حركة اإلخوان‬ ‫المسلمين التي تتمركز في مصر من الشبان‬ ‫المسلمين بغرض توجيه المجتمع العربي‬ ‫بما يتوافق مع اآليديولوجيا اإلسالمية‪ .‬وتم‬ ‫تأسيس فروع لتنظيم اإلخوان في سوريا‪،‬‬ ‫ولبنان‪ ،‬باإلضافة إلى فلسطين‪ ،‬والذي يعد‬ ‫من أكثر أفرعها نشاطا‪.‬‬

‫الربيع العربي‪ ،‬يصبح من المفهوم عدم تخصيص‬ ‫واشنطن قدرا كبيرا من الموارد من أجلها‪ ،‬في‬ ‫الوقت الذي كانت تعتقد فيه أن مناطق أخرى تشكل‬ ‫تحديات أكبر للمصالح األميركية‪.‬‬ ‫أدى الخوف من وجود قوة أميركية غير خاضعة‬ ‫للمساءلة خلف الكواليس واالنخفاض الكبير في‬ ‫شعبية أميركا في جميع أنحاء الشرق األوسط‬ ‫إلى استخدام االتهام بالعمالة لصالح أميركا ضد‬ ‫المعارضين السياسيين‪ .‬وكانت مصر نموذجا بارزا‬ ‫في هذا الصدد‪ .‬كانت فكرة سائدة في معظم خطابات‬ ‫معارضي مبارك‪ ،‬بأنه باع مصر إلى أميركا‪.‬‬ ‫وبدوره استخدم مبارك االتهام ذاته عندما كان‬ ‫يحتاج إلى تحسين صورته‪ .‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫احتوت المراسالت التي سربها موقع “ويكيليكس”‬ ‫في نوفمبر (تشرين الثاني) عام ‪ 2010‬مجموعة‬ ‫من الرسائل التي ترجع إلى عام ‪ ،2005‬قدم فيها‬ ‫دبلوماسيون أميركيون‪ ،‬كانوا يعملون في السفارة‬ ‫األميركية في القاهرة‪ ،‬تقارير حول تحقيقهم في‬ ‫الشائعات التي تشير إلى تلقي اإلخوان المسلمين‬ ‫أمواال أميركية‪.‬‬ ‫وتناولت المراسالت أيضا التقارير اإلعالمية التي‬ ‫تشير إلى تفكير اإلخوان المسلمين في إقامة حوار‬ ‫مباشر مع واشنطن بناء على طلب وزارة الخارجية‬ ‫وينظر تنظيم اإلخوان إلى «التغريب»‬ ‫باعتباره تهديدا خطيرا لإلسالم وسوف‬ ‫يواجه أي انتهاك صهيوني لفلسطين‬ ‫بالتعصب الديني‪ .‬فإذا ما تم إعالن‬ ‫«الجهاد»‪ ،‬سيصبح اإلخوان رأس الحربة‬ ‫في أي «حملة»‪ .‬كما يستطيع المفتي األكبر‪،‬‬ ‫باعتباره رئيسا للمجلس اإلسالمي األعلى‪،‬‬ ‫أن يعتمد على التأييد الجماعي لكافة أعضاء‬ ‫اإلخوان الذين يثقون في دخولهم الجنة إذا‬ ‫ما ماتوا في ساحة القتال‪.‬‬

‫‪- 4‬الحافز‬ ‫سوف يصبح الحافز الرئيسي بالنسبة للعديد‬ ‫من الزعماء في ذلك الصراع هو االنتهازية‬ ‫متزامنة مع التطلعات القومية والحمى‬ ‫الدينية‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬سوف يحظى القادة‬ ‫برضا القومية التي أعيد إحياؤها مؤخرا‬ ‫باعتبارها حافزا قويا لكثير من العرب‬ ‫خاصة رجال المدن الذين حظوا بمستوى‬ ‫أفضل من التعليم‪ .‬ومن المرجح أن ال يثير‬ ‫المتطوعون الذين يفرون من جيوش الدول‬ ‫العربية غضب حكوماتهم‪ ،‬بل سوف يحظى‬ ‫كثير منهم بالتشجيع السري‪.‬‬ ‫وسوف يتم إعالن الجهاد لضمان وجود‬ ‫متطوعين رغم أنه من المستبعد أن يشعل‬


‫المقرر إلجراء االنتخابات‪ .‬في ظل العنف المفرط‬ ‫في ميدان التحرير‪ ،‬أظهرت هذه الخطة مدى ابتعاد‬ ‫الواليات المتحدة عن المتظاهرين‪ ،‬الذين وصلوا‬ ‫إلى مرحلة اشتدت فيها قوة مطالبتهم بنظام جديد‬ ‫كلية‪.‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬أدركت الواليات المتحدة أنه من‬ ‫المؤكد أن تتضمن مصر الديمقراطية التعامل مع‬ ‫اإلخوان المسلمين‪ ،‬وهي أكبر الجماعات المعارضة‬ ‫وأكثرها تنظيما‪ .‬وكما أشارت “نيويورك تايمز”‬ ‫في ‪ 4‬فبراير “إذا سمح للمصريين بإجراء انتخابات‬ ‫حرة ونزيهة‪ ،‬وهو هدف إدارة أوباما‪ ..‬سيكون‬ ‫عليها التعامل مع احتمال حقيقي بأن تتضمن‬ ‫الحكومة المصرية أعضاء من اإلخوان المسلمين»‪.‬‬ ‫ضاعف هذا اإلدراك من عمق مشكلة قائمة أمام‬ ‫الواليات المتحدة‪ :‬الصراع بين القيم األميركية من‬ ‫ديمقراطية وحرية وبين المصلحة القومية بضمان‬ ‫االستقرار في مصر‪ ،‬الحليف الرئيس ومحور‬ ‫االستراتيجية األميركية في الشرق األوسط‪ .‬في ذلك‬ ‫الحين‪ ،‬كانت الواليات المتحدة تحت ضغوط هائلة‬ ‫من حلفائها الرئيسيين في المنطقة مثل إسرائيل‬ ‫والسعودية واألردن بـ”التهدئة” في مصر‪ ،‬بسبب‬ ‫خوفهم من أنه إذا أجريت انتخابات سيستحوذ‬ ‫اإلخوان المسلمون على السلطة في البالد‪ ،‬مما‬ ‫سينهي معاهدة السالم مع إسرائيل المستمرة منذ‬

‫خمسة وثالثين عاما‪ ،‬ويؤدي إلى زعزعة استقرار‬ ‫المنطقة‪.‬‬ ‫في صباح يوم ‪ 10‬فبراير‪ ،‬أعلنت الحكومة‬ ‫المصرية أن مبارك سيلقي بيانا إلى الشعب في‬ ‫مساء اليوم ذاته‪ ،‬مما أدى إلى انتشار التكهنات‬ ‫بأنه سيعلن تنحيه عن منصبه‪ .‬ولكن عندما استمع‬ ‫الماليين حول العالم إلى خطابه‪ ،‬شعروا بخيبة‬ ‫األمل عندما وجدوا مبارك المقاتل‪ ،‬يعد بـ”تفويض‬ ‫سلطاته” إلى سليمان‪ ،‬ولكنه لن يتنحى‪ .‬أصيب‬ ‫المتظاهرون في ميدان التحرير بالغضب الشديد‪،‬‬ ‫وتوقع البعض وقوع أحداث عنف مفرطة في اليوم‬ ‫التالي‪ .‬وكما علق جورج إسحاق‪ ،‬أحد زعماء‬ ‫المعارضة المصرية‪ ،‬في هذه الليلة‪“ :‬هل يتحدث‬ ‫هذا الرجل بجدية أم أنه فقد عقله؟ لن يعود الناس‬ ‫إلى منازلهم وغدا سيكون يوما رهيبا»‪.‬‬ ‫في الليلة ذاتها‪ ،‬أصدر المجلس األعلى للقوات‬ ‫المسلحة بعد أن أدرك هذه الحقيقة بيانا تحت‬ ‫عنوان “البيان رقم ‪ ،”1‬جاء فيه‪“ :‬تأكيدا وتأييدا‬ ‫لمطالب الشعب المشروعة” انعقد المجلس األعلى‬ ‫للقوات المسلحة لبحث تطورات الموقف حتى‬ ‫تاريخه‪ ..‬وقرر المجلس االستمرار في االنعقاد‬ ‫بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات‬ ‫وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات‬ ‫شعب مصر العظيم”‪.‬‬

‫‪- 4‬الوضع االقتصادي‪:‬‬ ‫يعاني االقتصاد المصري من تضخم وارتفاع‬ ‫تكاليف المعيشة وبطالة أعداد كبيرة من العمال‬ ‫في زمن الحرب‪ ،‬ومشكلة في العملة الصعبة‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنه ال يتعرض لألزمة الخطيرة التي تمر‬ ‫بها معظم دول غرب أوروبا‪ .‬ال تستطيع بريطانيا‬ ‫أن تقدم الكميات الكافية من السلع الضرورية‬ ‫أو تحويل األرصدة المتراكمة في فترة الحرب‬ ‫من الجنيه اإلسترليني إلى الدوالر‪ .‬ويلقى القطن‬ ‫المصري‪ ،‬سلعة التصدير المصرية الرئيسية‪،‬‬ ‫سوقا صغيرة في منطقة التعامل بالدوالر‪ ،‬لذلك ال‬ ‫يجلب ما يكفي من عملة الدوالر من أجل الواردات‬ ‫القادمة من الواليات المتحدة‪ .‬تتركز الصناعات‬ ‫الخفيفة بدرجة كبيرة في منطقة الدلتا‪ ،‬بتمويل‬ ‫من رأس مال محلي متزايد‪ ،‬ويتعلق نشاطها‬ ‫بالمنتجات المحلية مثل األغذية والقطن‪ .‬ال يوجد‬ ‫كثير من الموارد المعدنية المعروفة‪ ،‬فيما عدا‬ ‫مناطق محددة‪ ،‬ولكنها أيضا تفتقر إلى التوسع‪.‬‬ ‫يلبي اإلنتاج المحلي نصف احتياجات مصر من‬ ‫البترول‪ ،‬في حين يجري العمل في مناجم النطرون‬ ‫والمنجنيز والتنجستن أيضا‪.‬‬

‫‪- 5‬الشؤون الخارجية‪:‬‬ ‫يعد ظهور النزعة القومية المصرية بعد الحرب‬ ‫العالمية الثانية أحد أسباب استقالل البالد المتنامي‬

‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫في ذلك الوقت اعتقد المراقبون أن هذا البيان‬ ‫يشير إلى أن انقالبا عسكريا على وشك الحدوث‪.‬‬ ‫ومع عدم التأكد مما حدث فعليا خلف الكواليس‬ ‫في ليلة ‪ 11 - 10‬فبراير‪ ،‬عقد عمر سليمان في‬ ‫اليوم التالي مؤتمرا صحافيا أعلن فيه تنحي مبارك‬ ‫عن السلطة ونقله صالحياته التنفيذية إلى المجلس‬ ‫العسكري‪ ،‬برئاسة المشير حسين طنطاوي‪ .‬أصدر‬ ‫المجلس العسكري أيضا بيانا أعلن فيه أنه سيرفع‬ ‫حالة الطوارئ عندما يعود االستقرار‪ ،‬وأنه ملتزم‬ ‫بـ”رعاية مطالب الشعب المشروعة”‪ ،‬و”عدم‬ ‫المالحقة األمنية للشرفاء الذين رفضوا الفساد‬ ‫وطالبوا باإلصالح»‪.‬‬ ‫عندما وصل خبر سقوط مبارك إلى واشنطن‪،‬‬ ‫ألقى أوباما خطابا عبر التلفزيون‪ ،‬قال فيه‪“ :‬أظهر‬ ‫المصريون أن السيادة للديمقراطية الحقيقية‪ .‬كانت‬ ‫القوة األخالقية في عدم اللجوء إلى العنف – وليس‬ ‫اإلرهاب والقتل الجنوني – هي التي غيرت مسار‬ ‫التاريخ نحو العدالة مرة أخرى”‪.‬‬ ‫ودعا أوباما المجلس العسكري إلى رفع حالة‬ ‫الطوارئ‪ ،‬ومراجعة الدستور‪ ،‬وتمهيد الطريق‬ ‫أمام انتخابات حرة ونزيهة‪ .‬وبهذا بدا أن المسار‬ ‫نحو الديمقراطية موجود‪ ،‬ولكن سيكون الجيش‬ ‫المصري ممثال في المجلس العسكري صاحب‬ ‫القول األخير في مستقبل السياسة في مصر‪.‬‬ ‫فعليا على عالقة مصر بالقوى الغربية في المستقبل‬ ‫القريب‪ .‬القضية األولى هي الطلب المصري‬ ‫بأن تسحب بريطانيا العظمى قواتها من وادي‬ ‫النيل وأن تنهي سيطرتها على السودان‪.‬‬

‫في عالقاتها السياسية الخارجية ال سيما تلك التي‬ ‫تربطها ببريطانيا العظمى وفرنسا‪ ،‬والتنظيم األكبر‬ ‫لمصالح التجارة الخارجية‪ ،‬وزيادة الخوف من‬ ‫األجانب‪ .‬باإلضافة إلى السعي إلى الحصول على‬ ‫استقاللية أكبر‪ ،‬تتوسع مصر‪ ،‬بصفتها زعيمة‬ ‫الجامعة العربية‪ ،‬في نشر نفوذها على جميع‬ ‫أنحاء العالم العربي‪ .‬سوف تؤثر نتيجة القضيتين‬ ‫المعروضتين في الوقت الراهن أمام األمم المتحدة‬

‫أما الثانية فهي قضية فلسطين‪ .‬في الصراع‬ ‫بين مصر وبريطانيا‪ ،‬يشعر المصريون بمرارة‬ ‫تجاه الواليات المتحدة بسبب عدم استخدامها‬ ‫نفوذها كامال في دعم قضية مصر في مجلس‬ ‫األمن‪ .‬كما ُتحمل مصر القوى الغربية مسؤولية‬ ‫أزمة فلسطين‪ ،‬وتنتقد بشدة مع الدول العربية‬ ‫األخرى الموقف المؤيد للصهيونية الذي تتخذه‬ ‫الواليات المتحدة‪ .‬ال تتسم عالقات السوفيات مع‬ ‫مصر بأنها وثيقة‪ ،‬ولكن في حين ينأى المصريون‬ ‫عن أي انحياز قوي لالتحاد السوفياتي‪ ،‬فإنهم‬ ‫يميلون في الفترة األخيرة إلى التطلع إليه أمال في‬ ‫الحصول على تأييده للعرب في مواجهة السياسات‬ ‫األميركية والبريطانية التي ال تلقى قبوال في‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬

‫‪- 6‬الوضع العسكري‪:‬‬ ‫تفتقر القوات المسلحة المصرية إلى التدريب‬ ‫الجيد‪ ،‬والمعدات المالئمة‪ ،‬والقيادة الفعالة‪ .‬وال‬ ‫يمكنها الدفاع عن منطقة قناة السويس ضد أي‬ ‫عدوان كبير دون مساعدة أجنبية فورية في صورة‬ ‫وحدات جوية وبحرية وبرية‪.‬‬

‫‪923‬‬


‫تحقيق‬

‫حيث تدور األحداث اآلن في مصر»‪.‬‬

‫بين تخبط وشك‬ ‫كانت التغييرات في أسلوب الحكومة األميركية‬ ‫أثناء الثورة التي اندلعت ضد مبارك أكثر تعقيدا‪،‬‬ ‫إذ تحولت المواقف بسرعة مع تطور األحداث‪،‬‬ ‫لتحاول الواليات المتحدة مالحقتها مرة أخرى‪.‬‬ ‫بعد النجاح الذي حققه المتظاهرون في تونس‪،‬‬ ‫اكتسبت المظاهرات التي ثارت ضد حسني مبارك‬ ‫وحكومته زخما في أواخر شهر يناير‪ ،‬مما دفع‬ ‫الواليات المتحدة إلى المطالبة بالتهدئة‪ ،‬وحثت‬ ‫الحكومة المصرية على احترام حقوق مواطنيها‪.‬‬ ‫وكما أشار مارك الندر في صحيفة «نيويورك‬ ‫تايمز» في ‪ 25‬يناير‪ ،‬قبل خروج المظاهرات في‬ ‫مصر‪« ،‬تختلف الثورة في تونس‪ ،‬الالعب الهامشي‬ ‫في المنطقة‪ ،‬عن قيامها في مصر‪ ،‬محور المنطقة‪.‬‬ ‫الحكومة المصرية حليف مهم لواشنطن‪ ،‬ولكن‬ ‫الشعب يشعر بارتياب كبير في الدوافع األميركية‪،‬‬ ‫ويمكن أن يظهر شبح التطرف اإلسالمي»‪.‬‬ ‫بعد فترة من الشك‪ ،‬ظل فيها البيت األبيض والجميع‬ ‫كذلك يتفرجون على األحداث الجارية في مصر‪،‬‬ ‫استنتج أوباما في النهاية أن مبارك انتهى‪ .‬في هذه‬ ‫األثناء‪ ،‬حولت اإلدارة األميركية موقفها من تحذير‬

‫وكالة االستخبارات المركزية‬ ‫األميركية‬ ‫الوضع الراهن في مصر‬ ‫‪54 ERO‬‬ ‫‪ 16‬أكتوبر (تشرين األول) ‪1947‬‬ ‫نسخة رقم (‪)3‬‬ ‫برنامج المراجعة التاريخية‬ ‫(سي آي إيه)‬ ‫النسخة الكاملة‬ ‫الوضع الراهن في مصر‬ ‫‪ - 1‬أهمية مصر االستراتيجية‬ ‫من الطبيعي النظر إلى مصر إلى جانب الدول‬ ‫العربية‪ ،‬حيث ترجع أهميتها إلى األهمية‬ ‫االستراتيجية التي تملكها هذه الدول وموقف مصر‬ ‫المؤثر في هذه الدول‪ .‬ولكن من الناحية الجغرافية‪،‬‬ ‫تعد مصر مهمة بالنسبة للدفاع في منطقة شرق‬ ‫البحر المتوسط‪.‬‬ ‫تملك مصر ميزة دفاعية بأنها منفصلة عن المناطق‬ ‫التي من المحتمل أن تكون عدائية في أوروبا‬ ‫بفواصل بحرية وبرية‪ .‬أما من الجانب الهجومي‪،‬‬ ‫فيمكن أن تصبح مصر قاعدة ممكنة لصد تهديدات‬ ‫الشمال ضد منطقة قناة السويس أو األراضي الغنية‬

‫‪22‬‬ ‫‪8‬‬

‫خطير في الوضع في مصر‪ ،‬حيث هاجمت‬ ‫مجموعة من البلطجية الموالين للحكومة ممتطين‬ ‫الخيول والجمال ميدان التحرير وهم يحملون‬ ‫عصيا وأسلحة بيضاء‪ ،‬لتقوم معركة ضارية في‬ ‫الشوارع‪ .‬ووفقا لـ”نيويورك تايمز”‪ ،‬أصيب نحو‬ ‫‪ 600‬شخص وقتل ثالثة أثناء االشتباكات‪.‬‬

‫النظام من استخدام القوة‪ ،‬إلى الدعوة إلى “انتقال‬ ‫منظم” للسلطة دون الدعوة إلى تنحي مبارك‬ ‫صراحة‪ ،‬ثم تغير الموقف مرة أخرى لتشير إلى‬ ‫وجوب رحيله عن السلطة‪.‬‬ ‫في نهاية يناير عام ‪ ،2011‬بعد أن أعلن الرئيس‬ ‫المصري أنه سيظل في منصبه حتى شهر سبتمبر‬ ‫(أيلول)‪ ،‬أرسل أوباما فرانك ويزنر‪ ،‬الدبلوماسي‬ ‫والسفير السابق لدى مصر إلى القاهرة لنقل رؤية‬ ‫اإلدارة األميركية بأنه يجب على مبارك أن يبدأ‬ ‫في “انتقال منظم” للسلطة‪ .‬ولكن كما أشار جوش‬ ‫روغان في “فورين بوليسي”‪ ،‬عندما كان ويزنر‬ ‫في القاهرة‪ ،‬لم يقم بتوصيل الرسالة التي أرادت‬ ‫منه إدارة أوباما أن يوصلها‪ .‬في ‪ 5‬فبراير‪ ،‬صرح‬ ‫ويزنر في مؤتمر أمني في ميونيخ‪ ،‬حضرته‬ ‫الوزيرة كلينتون‪ ،‬قائال‪“ :‬نريد أن نصل إلى إجماع‬ ‫وطني بشأن الشروط المسبقة للخطوة التالية‪.‬‬ ‫ويجب أن يظل الرئيس (مبارك) في منصبه حتى‬ ‫يدير هذه التغييرات”‪ .‬بعد ذلك مباشرة‪ ،‬بدأت‬ ‫اإلدارة األميركية تنأى بذاتها عن تعليقاته‪ ،‬ال سيما‬ ‫بعد أن أعلن أوباما في األول من فبراير في خطاب‬ ‫عن األزمة المصرية أن “االنتقال المنظم يجب أن‬ ‫يكون جادا ويجب أن يكون سلميا ويجب أن يبدأ‬ ‫اآلن»‪.‬‬

‫وفي مواجهة هذه المشاهد غير المتوقعة من‬ ‫العنف‪ ،‬والتي تم بثها في جميع أنحاء العالم‪ ،‬أوضح‬ ‫المتحدث باسم البيت األبيض روبرت غيبس موقف‬ ‫اإلدارة من الوضع حيث قال‪“ :‬أريد أن أكون‬ ‫واضحا‪( ..‬اآلن) بدأت منذ األمس”‪ .‬ولكن لم تجد‬ ‫دعوات اإلدارة إلى “االنتقال المنظم” آذانا صاغية‪.‬‬ ‫في ‪ 3‬فبراير‪ ،‬وصلت إدارة أوباما إلى قناعة بأن‬ ‫مبارك قد انتهى‪ ،‬وضغطت عليه من أجل تسليم‬ ‫السلطة إلى نائب الرئيس المعين حديثا ورئيس‬ ‫جهاز االستخبارات السابق اللواء الراحل عمر‬ ‫سليمان‪ ،‬الذي كان يحظى بتأييد من الجيش‪ .‬وكانت‬ ‫الخطة هي أن يتولى سليمان الرئاسة ويشكل‬ ‫حكومة انتقالية ويدخل إصالحات تؤدي في النهاية‬ ‫إلى نظام ديمقراطي نموذجي‪ .‬وكما يظهر التاريخ‪،‬‬ ‫ال تسير األمور دائما وفقا للخطط الموضوعة‪.‬‬ ‫رفض مبارك التخلي عن السلطة وبدا مصمما على‬ ‫أن يظل رئيسا حتى شهر سبتمبر‪ ،‬وهو الموعد‬

‫ولكن تلى دعوة أوباما إلى مبارك بالتنحي تصعيد‬ ‫بالنفط في الشرق األوسط‪ .‬بعد أن خدمت كقاعدة‬ ‫إمداد في الحربين العالميتين‪ ،‬تملك مصر أيضا‬ ‫مرافق سكنية وجوية ومواصالت يمكن أن تمثل‬ ‫عامال ثمينا ألي قوة عسكرية حديثة تدخل المنطقة‪.‬‬

‫‪ .2‬تطورات مستقبلية محتملة‪:‬‬ ‫من المتوقع أن تزداد النزعة القومية واإلسالمية‬ ‫في مصر‪ ،‬كما في الدول العربية األخرى‪ ،‬وكذلك‬ ‫الدعوة إلى الحد من اعتماد مصر السياسي على‬ ‫الواليات المتحدة وبريطانيا‪.‬‬ ‫إذا أصدرت األمم المتحدة‪ ،‬بدعم غربي‪ ،‬قرارات‬ ‫في مشكلة فلسطين والنزاع بين بريطانيا ومصر‬ ‫واعتبرها العرب ضد ما يطمحون إليه (أو إذا‬ ‫اتخذت األمم المتحدة بالفعل موقفا معاديا للعرب في‬ ‫أي مسألة تؤثر على العالم العربي)‪ ،‬سوف يزداد‬ ‫توتر العالقات المصرية مع القوى الغربية‪ .‬ربما‬ ‫يسهل وضعان محتمالن في المستقبل البعيد عملية‬ ‫االختراق السوفياتي لمصر‪ .‬إذا لم تتحقق بعض‬ ‫اإلصالحات االقتصادية واالجتماعية وإذا ُسمح‬ ‫باستمرار تدني مستوى المعيشة‪ ،‬سوف يصبح‬ ‫الميدان خصبا النتشار الشيوعية‪.‬‬ ‫وكذلك إذا أثارت السياسات الخارجية ألميركا‬ ‫وبريطانيا االستياء الشعبي‪ ،‬ربما تحاول مصر‬ ‫(كما فعلت في الماضي) الحصول على بعض الدعم‬

‫المضاد من االتحاد السوفياتي في محاولة لتحسين‬ ‫موقف مصر في مساوماتها مع الواليات المتحدة‬ ‫وبريطانيا‪.‬‬

‫‪- 3‬الوضع السياسي‪:‬‬

‫ ‬

‫على الرغم من تكرار تغيير الحكومة‪ ،‬يمكن اعتبار‬ ‫مصر مستقرة سياسيا‪ ،‬حيث تتركز السيطرة على‬ ‫الحكومة في يد الطبقة العليا الثرية‪ ،‬بينما ال تملك‬ ‫غالبية كبيرة من الشعب وسيلة للتعبير السياسي‪.‬‬ ‫تستمر الحكومة الحالية التي تعبر عن ائتالف أقلية‬ ‫بفضل نفوذ الملك وحاشيته‪.‬‬ ‫ويُمنع أكبر األحزاب (حزب الوفد) من تشكيل‬ ‫الحكومة إلى حد كبير بسبب العداء الشخصي‬ ‫بين الملك وزعيم الحزب‪ .‬وحتى إذا تم استبدال‬ ‫حكومة وفدية بالحكومة الحالية‪ ،‬لن يكون هناك‬ ‫تغيير أساسي في السياسات الداخلية والخارجية‬ ‫المصرية‪ ،‬إال إذا قرر الوفديون السعي إلى تسوية‬ ‫الخالفات المصرية اإلنجليزية‪ .‬بيد أن عنصرا‬ ‫جديدا أضيف بعد الحرب مع ظهور حزب اإلخوان‬ ‫المسلمين‪ ،‬الذي يؤكد على اإلسالم وكراهيته‬ ‫الشديدة للتدخل األجنبي في العالم العربي‪ .‬ال تشكل‬ ‫الشيوعية تهديدا وشيكا لالستقرار المصري‪ ،‬ولكن‬ ‫تكمن احتمالية دعم االنتشار الشيوعي في كتلة‬ ‫ضخمة من الجماهير المصرية الذين وصل مستوى‬ ‫معيشتهم إلى درجة منخفضة‪.‬‬


‫اإلمام حسن الهضيبي المرشد العام الثاني لجماعة اإلخوان المسلمين يتوسط مجموعة من اإلخوان ومن الضباط األحرار‪ ..‬وفي الصورة يجلس جمال عبد الناصر على يسار الهضيبي‬

‫سرية بعد عقود من اآلن‪.‬‬

‫فشل مخابراتي‬ ‫فوجئت الواليات المتحدة تماما بالثورتين التونسية‬ ‫والمصرية‪ ،‬على الرغم من وجود مؤشرات مؤكدة‬ ‫على إمكانية حدوث اضطرابات في تونس‪ ،‬بفضل‬ ‫الفساد المتفشي في عائلة بن علي وكبار المسؤولين‪.‬‬ ‫في ‪ 17‬ديسمبر (كانون األول) عام ‪ ،2010‬أشعل‬ ‫البائع المتجول محمد البوعزيزي النيران في جسده‬ ‫احتجاجا على مصادرة عربة الفاكهة من قبل‬ ‫مسؤولي البلدية‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي توفي فيه البوعزيزي متأثرا‬ ‫بجراحه في مطلع شهر يناير (كانون الثاني)‪ ،‬لم‬ ‫يستوعب سوى القليل في واشنطن حقيقة تداعيات‬ ‫ما يحدث في تونس‪.‬‬ ‫عندما انتشر خبر إشعال البوعزيزي النار في‬ ‫جسده‪ ،‬خرجت المظاهرات المناهضة للحكومة‬ ‫في جميع أنحاء تونس‪ .‬وفي ‪ 7‬يناير فقط‪ ،‬اعترفت‬ ‫الواليات المتحدة بوجود اضطرابات‪ ،‬واستدعت‬ ‫السفير التونسي لتنتقد تعامل الحكومة مع‬ ‫المظاهرات وتحث على ضبط النفس‪.‬‬ ‫ووفقا لما صرح به مسؤول رفيع المستوى في‬ ‫وزارة الخارجية األميركية‪ ،‬أعربت الواليات‬ ‫المتحدة عن “قلقها بشأن ما يحدث فيما يتعلق‬ ‫بالمظاهرات‪ ..‬وشجعت الحكومة التونسية على‬ ‫ضمان احترام الحريات المدنية»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من التوقيت‪ ،‬كانت مصادفة بحتة أن‬ ‫تسافر وزيرة الخارجية األميركية هيالري كلينتون‬ ‫أثناء االضطرابات إلى قطر وأن تلقي خطابا تدعو‬ ‫فيه الحكام العرب إلى “مزيد من االنفتاح في‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫أنظمتهم السياسية”‪ ،‬حيث أصبح واضحا أن التقدم‬ ‫نحو اإلصالح قد شهد “ركودا”‪ .‬في ذات الوقت‪،‬‬ ‫تدهور الوضع داخل تونس بسرعة‪ ،‬ونشرت‬ ‫“نيويورك تايمز” في ‪ 11‬يناير خبرا عن مقتل ما‬ ‫يصل إلى ‪ 14‬شخصا‪ .‬دفع ذلك وزارة الخارجية‬ ‫األميركية إلى التأكيد على الحكومة التونسية بأن‬ ‫إدارة أوباما ال تشعر “بالقلق فحسب من أحداث‬ ‫العنف المستمرة‪ ،‬بل تؤكد أيضا على أهمية احترام‬ ‫حرية التعبير‪ ،‬وأهمية توفر المعلومات»‪.‬‬ ‫ولكن استمر العنف وفي يوم ‪ 13‬يناير قتل ‪16‬‬

‫قام مجموعة‬ ‫من الطالب من ذوي‬ ‫االنتماءات اإلخوانية في‬ ‫أمريكا الشمالية بالتجمع‬ ‫والتحشد لتكوين اتحاد‬ ‫الطالب المسلمين ليكون‬ ‫ذا صبغة إخوانية هو‬ ‫اآلخر ثم تكون النشاطات‬ ‫التنظيمية محصورة في‬ ‫التجمعات والمؤتمرات‬ ‫العلنية والمعسكرات‬ ‫الطالبية الحاشدة‬

‫شخصا آخرون‪ ،‬مما دفع بن علي إلى اإلشارة‬ ‫إلى أنه سيترك منصبه بعد انتهاء فترته الرئاسية‪.‬‬ ‫ولم يكن هذا كافيا‪ .‬في ذلك اليوم‪ ،‬أوضح الجيش‬ ‫التونسي أنه لن يستخدم القوة في قمع المظاهرات‪.‬‬ ‫واضطر بن علي بعد أن تخلى عنه الجيش إلى أن‬ ‫يهرب إلى خارج تونس مع عائلته‪.‬‬ ‫أصيبت الحكومة األميركية بالصدمة وانتقد الرئيس‬ ‫أوباما وكالة االستخبارات األميركية (سي آي إيه)‬ ‫بسبب فشلها في توقع قيام ثورة في تونس ورحيل‬ ‫بن علي المفاجئ‪ .‬ووفقا للصحافي األميركي مارك‬ ‫مازيتي‪“ ،‬ركز (المسؤولون األميركيون) انتقادهم‬ ‫على التقييمات االستخباراتية في الشهر الماضي‬ ‫(يناير ‪ )2011‬والتي انتهت إلى أنه على الرغم من‬ ‫المظاهرات التي خرجت في تونس فإن قوات األمن‬ ‫التابعة للرئيس زين العابدين بن علي ستدافع عن‬ ‫حكومته”‪.‬‬ ‫ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث‪ .‬كما ذكر‬ ‫أحد المسؤولين األميركيين‪“ ،‬أدرك الجميع أن‬ ‫المظاهرات في تونس خطيرة‪ ..‬ولكن ما لم يكن‬ ‫واضحا حتى للرئيس بن علي هو أن قواته األمنية‬ ‫ستختار سريعا أال تؤيده»‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة‪ ،‬كان المسؤولون األميركيون‬ ‫صريحين فيما يتعلق بشعورهم بالمفاجأة لدى‬ ‫رحيل بن علي‪ ،‬حيث اعترف أدميرال مايك مولن‪،‬‬ ‫رئيس هيئة األركان المشتركة‪ ،‬في برنامج “ذا‬ ‫ديلي شو” في ‪ 3‬فبراير (شباط) أن اإلطاحة بزين‬ ‫العابدين بن علي لم تصدمنا نحن فقط‪ ،‬بل صدمت‬ ‫كثيرين أيضا”‪ .‬وذهب مولن إلى القول إن “إلى‬ ‫حد كبير كان التوقيت هو المفاجئ لنا – وانتقلت‬ ‫(االضطرابات) من تونس‪ ..‬إلى تحد صعب فعليا‬

‫‪721‬‬


‫تحقيق‬

‫سعيد رمضان في ضيافة أيزنهاور داخل البيت األبيض‬

‫لهم إحساسها باللياقة والكياسة وسماحة روحها»‪.‬‬ ‫باتشمان التي اتهمت عابدين بالسعي للوصول‬ ‫للمستويات العليا من الحكومة األمريكية قالت‬ ‫مبررة موقفها‪« :‬لو كان أفراد عائلتي مرتبطين‬ ‫بحماس وهي منظمة إرهابية‪ ،‬فهذا وحده قد يكون‬ ‫كافياً لحرماني من الحصول على تصريح أمني»‪.‬‬ ‫ولكن اإلخوان المسلمين ووزارة الخارجية ليسا‬ ‫الطرفين الوحيدين المتهمين بالتواطؤ‪ .‬في يوليو‬ ‫(تموز)‪ ،‬خصصت صحيفة «الدستور» المصرية‬ ‫نصف صفحتها األولى لخبر يشير إلى تقديم عضو‬ ‫الكونغرس عن والية فيرجينيا فرانك وولف «وثيقة‬ ‫قانونية‪ ..‬تثبت أن الرئيس باراك أوباما و(وزيرة‬ ‫الخارجية) هيالري كلينتون‪ ،‬قدما ما يصل إلى‬ ‫‪ 50‬مليون دوالر أميركي إلى جماعة اإلخوان‬ ‫المسلمين أثناء الجولة الثانية من االنتخابات‬ ‫الرئاسية لدعم محمد مرسي»‪.‬‬ ‫ولكن عندما اتصلت “المجلة” بمكتب العضو‬ ‫وولف في واشنطن‪ ،‬نفى المتحدث باسمه أي‬ ‫معرفة باألمر‪ .‬وكان وولف قد سافر إلى مصر‬ ‫مرتين‪ ،‬آخرهما في يونيو عام ‪ ،2011‬واجتمع مع‬ ‫مبارك ومسؤولين مصريين آخرين تحدث فيهما‬ ‫عن مخاوفه بشأن حقوق األقليات الدينية والعرقية‬ ‫في الشرق األوسط‪ .‬وربما يكون دعم وولف العلني‬ ‫لألقباط أدى إلى صعود أسهمه داخل مصر‪،‬‬ ‫ليصبح هدفا سهال لمثل هذا النوع من االتهامات‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لالدعاء ذاته‪ ،‬فيبدو أنه مثال آخر على‬ ‫حملة تستهدف تشويه صورة مرسي باإلشارة إلى‬ ‫أنه عميل للحكومة األميركية‪ .‬وبالنظر إلى كل‬ ‫ذلك‪ ،‬يبدو أنه يتم جذب كل من عضو الكونغرس‬ ‫وولف‪ ،‬والواليات المتحدة عامة‪ ،‬إلى دعاية‬

‫‪20‬‬ ‫‪6‬‬

‫متصاعدة تهدف إلى النيل من مصداقية مرسي لدى‬ ‫الشعب المصري‪.‬‬ ‫إذا درسنا رد الفعل األميركي على أحداث الربيع‬ ‫العربي وأسلوب الحديث المتصاعد بين الواليات‬ ‫المتحدة ومصر اليوم‪ ،‬سنجد من الواضح أن‬ ‫الواليات المتحدة فوجئت باالضطرابات التي حدثت‬ ‫في تونس ومصر‪ .‬كانت الواليات المتحدة بطيئة‬ ‫االستجابة أثناء األزمة‪ ،‬على األقل بسبب المخاوف‬ ‫المبالغ فيها من أن اإلخوان المسلمين سيستحوذون‬ ‫في النهاية على السلطة بالقوة‪ .‬وما اتضح أيضا هو‬

‫«سي آي إيه»‬ ‫دعمت سعيد رمضان‬ ‫بشكل علني وكانت تعتبره‬ ‫عميال للواليات المتحدة‬ ‫وساعدته بالتالي في‬ ‫الخمسينات والستينات‬ ‫في االستيالء على أرض‬ ‫مسجد ميونيخ وطرد‬ ‫المسلمين المقيمين ليبني‬ ‫المسجد عليها الذي يعد‬ ‫من أهم مراكز اإلخوان‬ ‫المسلمين في أوروبا‬

‫أن الهجوم الذي يتعرض له مرسي من معارضيه‬ ‫– الذين يتجاهلون غالبا خلفيتهم الخاصة كجزء من‬ ‫النخبة السياسية في عصر مبارك والحكم العسكري‬ ‫والتي حافظت على صالت قوية مع الواليات‬ ‫المتحدة – إنما هو جزء من صراع على السلطة‬ ‫في مصر‪.‬‬ ‫وبالتوازي مع ذلك‪ ،‬خرجت نوبات من الشك داخل‬ ‫الواليات المتحدة ذاتها بشأن “تسلل” اإلخوان إلى‬ ‫الحكومة األميركية (والمجتمع) لتعكس بصورة‬ ‫مخيفة الشائعات المنتشرة في مصر وتستدعي‬ ‫إلى الذاكرة هواجس السيناتور جوزيف مكارثي‬ ‫الشهيرة في الخمسينيات من القرن الماضي‪.‬‬ ‫على الرغم من االتهامات األخيرة بأن الواليات‬ ‫المتحدة تدعم جماعة اإلخوان المسلمين سرا‪،‬‬ ‫وأن كبار المسؤولين األميركيين “متعاطفون” مع‬ ‫طموحات اإلخوان أو أن لهم صالت مع الجماعات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وأن إدارة أوباما قامت سرا بتمويل‬ ‫الحملة االنتخابية لمرسي‪ ،‬يجب التفريق ما بين هو‬ ‫“طبيعي” في عالقات الدول وبين ما هو دعائي‬ ‫بين خصوص سياسيين‪.‬‬ ‫يجدر تذكر رد الفعل األميركي البطيء على‬ ‫الربيع العربي‪ ،‬والذي شهد سقوط اثنين من أهم‬ ‫حلفاء أميركا‪ :‬زين العابدين بن علي في تونس‪،‬‬ ‫الذي استمر يحكم بالده طوال ‪ 23‬عاما‪ ،‬وحسني‬ ‫مبارك الذي استمر يحكم مصر منذ اغتيال أنور‬ ‫السادات في عام ‪ .1981‬بذلك يتضح لنا أن الربيع‬ ‫العربي هو فعل شعبي ذاتي فاجأ الواليات المتحدة‬ ‫وأن االتهامات بوجود دور ما لـ”سي آي إيه” من‬ ‫خلف الكواليس ال أساس له أو على األقل ال يوجد‬ ‫اآلن ما يدعمه حتى تكشف أميركا عن وثائق جديدة‬


‫وهذا ليس غريبا عليهم‪ ،‬فاإلخوان‪ ،‬عبر تاريخهم‬ ‫الطويل‪ ،‬أدمنوا عقد الصفقات السرية التي تصب‬ ‫في مصلحة الجماعة أوال‪.‬‬

‫خلفا لجورج بوش بدأت هناك محاوالت لمد‬ ‫الجسور مجددا بين أميركا والعالم االسالمي بعيدا‬ ‫عن مخلفات هجمات ‪ 11‬سبتمبر وجاء الربيع‬ ‫العربي وصعود االسالم السياسي بقيادة اإلخوان‬ ‫بكل فروعهم في البالد التي طالها الربيع ليعيد‬ ‫أجواء الخمسينيات من القرن الماضي وبدأنا‬ ‫نشهد مد الجسور مجددا بين صديقين قديمين‬ ‫فرقتهما السياسة والمصالح‪.‬‬ ‫ينفي مسؤولون سابقون في الحكومة األميركية‬ ‫اتصلت بهم “المجلة” أن الواليات المتحدة سعت‬ ‫على اإلطالق إلى التأثير على اإلخوان المسلمين‪.‬‬ ‫ويقول مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون‬ ‫الشرق األدنى ريتشارد ميرفي إنه ال يذكر وجود‬ ‫أي اتصاالت بين “سي آي إيه” واإلخوان أثناء‬ ‫الفترة التي أمضاها في وزارة الخارجية‪.‬‬ ‫وكذلك نفى توم تويتن‪ ،‬الذي كان يرأس فرع‬ ‫مصر وليبيا في “سي آي إيه” في فترة منتصف‬ ‫السبعينيات من القرن الماضي‪ ،‬ثم ترقى إلى‬ ‫منصب مدير العمليات في التسعينيات‪ ،‬أن‬ ‫البيت األبيض أمر بإجراء أي محاوالت تدخل‬ ‫لدى وأوضح تويتن قائال‪“ :‬إذا أراد صانعو‬ ‫السياسات‪ ..‬أن تقوم (سي آي إيه) بـ(عملية)‬ ‫تدخل‪ ،‬سيتطلب األمر وثيقة مكتوبة تضع‬ ‫األهداف والحدود وأسباب عملية الوكالة‬ ‫المطلوبة‪ ..‬ويمكنني أن أؤكد أنه لم تصدر وثيقة‬ ‫أو مناقشة حول التدخل في أو مع اإلخوان‬ ‫المسلمين منذ عام ‪ 1974‬وحتى تقاعدي عام‬ ‫‪.1995‬‬ ‫وكذلك ال أذكر أي إشارة لوجود مثل هذا‬ ‫البرنامج قبل عام ‪.»1974‬‬ ‫ولكن يجب التمييز بين محاولة التدخل للتأثير‬ ‫على منظمة ما والتجسس عليها‪ ،‬وهو عمل‬ ‫وكالة “سي آي إيه”‪ .‬وبالفعل يعترف محلل‬ ‫استخباراتي آخر قائال‪“ :‬كانت الوكالة تملك‬ ‫مصادر داخل بعض المنظمات اإلسالمية ألنها‬ ‫قدمت قدرا كبيرا من التقارير السرية عن‬ ‫(المنظمات) عكست الحصول على معلومات من‬ ‫مصادر مطلعة»‪.‬‬ ‫ايان جونسون نفسه‪ ،‬الذي تناول الصالت األولى‬ ‫بين االستخبارات األميركية واإلخوان‪ ،‬تراجع‬ ‫بعض الشيء عما دونه سابقا وقال لـ”المجلة”‬ ‫بأن االتهامات بوجود عالقة مع “سي آي إيه”‬ ‫كانت “”وسيلة قديمة لتشويه اإلخوان على‬ ‫مدار عقود‪ .‬بداية من عهد عبد الناصر‪ ،‬كانت‬ ‫تلك طريقة معروفة للهجوم على الجماعة – بأن‬ ‫يقال إنها تتعاون سرا مع مؤامرة عالمية أميركية‬ ‫(تمتد إلى الصهيونية)‪.‬‬ ‫في داخل مصر‪ ،‬تستمر االنتقادات بوجود‬ ‫عالقات بين اإلخوان والواليات المتحدة حتى‬ ‫اآلن‪ .‬في الوقت الحالي حيث تسيطر الجماعة‪،‬‬ ‫تحت ستار حزب الحرية والعدالة‪ ،‬على مقاليد‬ ‫السلطة في مصر‪ ،‬يجد خصومها حافزا إضافيا‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫أثناء الزيارة التي قامت بها الوزيرة هيالري‬ ‫كلينتون إلى مصر في يوليو (تموز)‪ ،‬انتقد‬ ‫الكاتب الصحافي أحمد موسى الرئيس مرسي‬ ‫وحزب الحرية والعدالة بسبب عدم إبداء الحسم‬ ‫الكافي فيما اعتبره تدخال أميركيا في الشؤون‬ ‫الداخلية المصرية‪ ،‬قائال إن الواليات المتحدة‬ ‫تحولت من “الشيطان األكبر” إلى “صديقة” في‬ ‫عيون الحرية والعدالة‪ /‬اإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫قام اإلخوان‬ ‫في أميركا في أوائل‬ ‫الستينات بعمل منظمات‬ ‫تعمل كواجهة خارجية‬ ‫تغطي علي هذا التنظيم‬ ‫السري لإلخوان في‬ ‫الداخل األميركي‪ ..‬هذا‬ ‫التنظيم السري حقق‬ ‫نجاحات واسعة في خلق‬ ‫منظمات راعية ودافعة‬ ‫لتحقيق األهداف السامية‬ ‫إلخوان أميركا‬ ‫للسعي إلى تشويه سمعتها‪.‬‬ ‫في يوليو الماضي وفي حوار مع “األهرام‬ ‫العربي” اعترف سعد الدين إبراهيم‪ ،‬أستاذ علم‬ ‫االجتماع ومدير مركز ابن خلدون‪ ،‬بأنه لعب‬ ‫دور الوسيط بين اإلخوان واألميركيين في زمن‬ ‫الرئيس المصري السابق حسني مبارك عبر‬ ‫تسهيل اللقاءات بين القياديين في جماعة اإلخوان‬ ‫المسلمين خيرت الشاطر وعصام العريان‬ ‫والمرشدين الحالي محمد بديع والسابق محمد‬ ‫مهدي عاكف مع المسؤولين األميركيين‪.‬‬ ‫وقال إبراهيم إنه لم يتم التوصل ألي اتفاقيات أو‬ ‫أي صفقات‪،‬فقد كان الهدف األساسي هو حرص‬ ‫الجانبين على أن تكون هناك قنوات اتصال ال‬ ‫تنقطع بينهما ويتم استثمارها عندما يأتي الوقت‬ ‫المناسب‪.‬‬ ‫من جهته قال الدكتور عفت السادات‪ ،‬رئيس‬ ‫حزب مصر القومي‪ ،‬إن اإلخوان قرروا‬ ‫االرتماء فى حضن الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬

‫وجدير باالهتمام أنه يدعي أن التواطؤ المزعوم‬ ‫بين االثنين “مؤامرة” تهدف إلى تقويض سلطة‬ ‫الجيش المصري‪ .‬وترددت مخاوفه أيضا على‬ ‫ألسنة المتظاهرين الذين قاموا بقذف سيارة‬ ‫كلينتون باألحذية والطماطم عند مغادرتها‬ ‫القنصلية األميركية في اإلسكندرية‪ .‬ولوح كثير‬ ‫منهم بالفتات تتهم الواليات المتحدة بتمويل‬ ‫جماعة اإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫اتهامات أميركية‬ ‫من الغريب أنه في الواليات المتحدة نفسها‬ ‫تجري عملية “تشهير” مشابهة‪ ،‬حيث تلجأ بعض‬ ‫الشخصيات العامة إلى اتهام منافسين سياسيين‬ ‫بالتواطؤ مع اإلخوان‪.‬‬ ‫في ‪ 13‬يونيو (حزيران)‪ ،‬أرسلت النائبة ميشيل‬ ‫باتشمان مع أربعة نواب جمهوريين آخرين‬ ‫استفسارا إلى مكتب المفتش العام في وزارة‬ ‫الخارجية للسؤال عن سبب منح مساعدة هيالري‬ ‫كلينتون منذ فترة طويلة هوما عابدين تصريحا‬ ‫أمنيا على الرغم من مزاعم بوجود عالقات بين‬ ‫والديها وشقيقها بأفراد وجماعات على صلة‬ ‫بجماعة اإلخوان المسلمين‪ .‬قوبلت االتهامات‬ ‫برد فعل عنيف من مشرعين آخرين‪ ،‬من بينهم‬ ‫السيناتور الجمهوري جون ماكين‪ ،‬الذي اعتلى‬ ‫منصة مجلس الشيوخ ليندد بالرسالة قائال إن هذه‬ ‫«اتهامات خبيثة‪ ..‬ليس لها منطق وال أساس وال‬ ‫فائدة» ‪.‬‬ ‫ووصف ماكين عابدين بأنها “صديقة” وأشار إلى‬ ‫أن هذه االدعاءات تشبه كثيرا ادعاءات السيناتور‬ ‫جون ماكارثي أثناء الخمسينيات‪ ،‬عندما تم إحضار‬ ‫مسؤولين أميركيين‪ ،‬وبخاصة من وزارة الخارجية‪،‬‬ ‫أمام الكونغرس من أجل الدفاع عن أنفسهم في‬ ‫اتهامات بالتواطؤ مع االتحاد السوفياتي‪.‬‬ ‫من جهته وصف باراك أوباما هوما عابدين بأنها‬ ‫«أمريكية وطنية» قائال خالل حفل إفطار رمضاني‬ ‫في البيت األبيض إن «تمثيلها لبلدنا والقيم‬ ‫الديمقراطية التي نعتز بها‪ ،‬لم يكن أقل من رائع»‪،‬‬ ‫مضيفاً‪« :‬الشعب األمريكي مدين لها باالمتنان‪ ،‬ألن‬ ‫هوما أمريكية وطنية‪ ،‬ومثال لما نحتاجه في هذا‬ ‫البلد‪ ،‬وهو مزيد من الموظفين الحكوميين‪ ،‬الذين‬ ‫‪519‬‬


‫تحقيق‬

‫مواجهة مع الجماعة‪ .‬بدأت الجماعة عبر مجلتها‬ ‫“الدعوة” تدعو صراحة (يوليو ‪ )1979‬الى‬ ‫مهاجمة السفارة االسرائيلية وقتل الديبلوماسيين‬ ‫والسياح االسرائيليين وكل من يتعاون من‬ ‫المصريين مع اسرائيل‪.‬‬ ‫في أبريل ‪ 1980‬دعت مجلة “الدعوة” إلى‬ ‫مقاطعة كل ما هو إسرائيلي ألن تفجير السفارة‬ ‫أو قتل الديبلوماسيين لن يجدي نفعا بعد أن‬ ‫أصبحت العالقات بين البلدين واقعا‪ .‬في يناير‬ ‫‪ 1979‬كانت “الدعوة” نشرت تقريرا زعمت‬ ‫أنه صادر عن “سي آي ايه” يدعو الحكومة‬ ‫المصرية الى القضاء على الجماعات االسالمية‬ ‫ومن بينها جماعة اإلخوان‪“ .‬الدعوة” نسبت‬ ‫التقرير (الذي اتضح الحقا أنه مز ّور) إلى‬ ‫رتشارد ميتشل أستاذ تاريخ الشرق األدنى‬ ‫وشمال افريقيا بجامعة مشيغن ومؤلف كتاب‬ ‫مجتمع اإلخوان المسلمين‪.‬‬ ‫التزوير المتعمد أغضب الرئيس السادات ودفعه‬ ‫إلى حجز أعداد “الدعوة” وتوبيخ المرشد نفسه‬ ‫على مثل هذه التقارير المغرضة والتي تسيء‬ ‫الى العالقات األميركية المصرية‪ .‬صباح ‪4‬‬ ‫سبتمبر ‪ 1981‬فاجأت صحيفة األهرام الناس‬ ‫بأنه تم القبض على المئات من المحرضين‬ ‫على الفتنة الطائفية‪ ،‬وقد كان معظم هؤالء‬ ‫من اإلخوان والجماعات اإلسالمية‪ ،‬وكان في‬ ‫مقدمهم مرشد اإلخوان عمر التلمساني‪.‬‬ ‫الصحيفة أوضحت أن غالبية المتهمين عناصر‬ ‫أعماها التعصب والتطرف الديني‪ ،‬وأن المدعي‬ ‫االشتراكي يتولي التحقيق مع المتهمين‪ .‬وفي‬ ‫‪ 5‬سبتمبر أعلن السادات‪ ،‬حل بعض الجمعيات‬ ‫المشهرة التي عملت ضد الوحدة الوطنية‪،‬‬ ‫والتحفظ على أموال اإلخوان المسلمين‬ ‫والجماعات اإلسالمية‪ .‬وكان االحتقان بين‬ ‫السادات واإلخوان قد وصل إلى ذروته بعد أن‬ ‫وجه السادات إلى التلمساني اتهامات بالتخريب‬ ‫والعمالة وإثارة الطلبة والفتنة الطائفية وإلى‬ ‫اإلخوان بوجود ثأر بينهم وثورة يوليو‪.‬‬

‫بين نفي وتأكيد‬ ‫على الرغم من الكم الهائل من الوثائق األميركية‬ ‫المفرج عنها من السرية ال تزال واشنطن‬ ‫تنفي وجود أي عالقة باإلخوان‪ .‬قد يكون هذا‬ ‫صحيحا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر‬ ‫اإلرهابية التي تالها قطع ألي عالقات أميريكة‬ ‫مع الجماعات االسالمية‪ ..‬لكن تواجد اإلخوان‬ ‫في الداخل األميركي بعلم أميركي وموافقة من‬ ‫السلطات األمنية ال يمكن نفيه بأي حال من‬ ‫األحوال‪.‬‬ ‫يذكر ستيفين ميرلي الباحث في معهد هدسون‬ ‫بواشنطن في دراسة مطولة عن اإلخوان‬ ‫المسلمين في الواليات المتحدة (‪ )2009‬أن‬ ‫اإلدارة األميركية سمحت لهم بمزاولة نشاطاتهم‬ ‫‪18‬‬ ‫‪4‬‬

‫ويضيف‪“ :‬ثم بدأت المرحلة الثانية ذات الطابع‬ ‫التنظيمي حيث تم عمل مجموعات على مستوى‬ ‫دول أمريكا الشمالية ولديهم إطار تنظيمي‬ ‫تنسيقي ما يسمى بمجلس التنسيق والذي أولى‬ ‫اهتمامه بالتنسيق بين جهود المجموعات الدولية‬ ‫والتحقق من مدى فاعليتها واالستفادة من‬ ‫تجاربها والخروج بتوصيات لكنها غير ملزمة‬ ‫للمجموعات وليست في إطار تنظيمي حتى‬ ‫اآلن‪ .‬ثم تنامت هذه المجموعات لتفرز قادة‬ ‫لها ثم يتم عمل مجموعة تنسق وتجمع بين قادة‬ ‫المجموعات في غياب أعضاء المجموعة األقل‬ ‫في السلم القيادي‪.‬‬

‫استخدمت الواليات‬ ‫المتحدة اإلخوان المسلمين‬ ‫فى الخمسينات‬ ‫ضد جمال عبد‬ ‫الناصر والمد القومي‬ ‫وبعد وفاة ناصر عام‬ ‫‪ 1970‬وتراجع القومية‬ ‫العربية نهاية السبعينات‬ ‫اضطربت العالقة‬ ‫بين الطرفين بسبب‬ ‫معارضة اإلخوان‬ ‫التفاقية كامب ديفيد‬ ‫التنظيمية داخل الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬قام اإلخوان في أميركا في‬ ‫أوائل الستينات بعمل منظمات تعمل كواجهة‬ ‫خارجية تغطي علي هذا التنظيم السري لإلخوان‬ ‫في الداخل األميركي‪ .‬ويقول ميرلي أن هذا‬ ‫التنظيم السري حقق نجاحات واسعة في خلق‬ ‫منظمات راعية ودافعة لتحقيق األهداف السامية‬ ‫إلخوان أمريكا‪.‬‬ ‫ويذكر الكاتب أنه في البدايات كانت مرحلة‬ ‫التجميع والحشد‪ ،‬حيث بدأ تشكيل الحركة‬ ‫بالتزامن مع بدء الفاعلية اإلسالمية في أمريكا‬ ‫الشمالية أو قبلها بقليل‪.‬‬ ‫يقول “بدأ تشكيل المتطوعين لكن بدون أي إطار‬ ‫تنظيمي‪ ،‬فهي إذن مجموعات من المتحمسين أو‬ ‫الناشطين كانوا في بالدهم من اإلخوان أو من‬ ‫جماعة أخرى أو ليس لهم أدنى انتماء فجمعهم‬ ‫النشاط والعمل مع الفريق وبهذا كانت مرحلة‬ ‫غرس بذرة اإلخوان في أمريكا الشمالية”‪.‬‬

‫وعليه تم إلحاق بعض الدول التي ليس لديها‬ ‫مجموعة ممثلة في مجلس التنسيق أن تنضم إلى‬ ‫أقرب مجموعة في الدولة المجاورة لها كما كان‬ ‫الحال بالنسبة للعراق مع األردن وليبيا مع مصر‬ ‫واألمثلة واردة”‪.‬‬ ‫ويكشف‪“ :‬قام مجموعة من الطالب من ذوي‬ ‫االنتماءات اإلخوانية في أمريكا الشمالية بالتجمع‬ ‫والتحشد لتكوين اتحاد الطالب المسلمين ليكون‬ ‫ذا صبغة إخوانية هو اآلخر ثم تكون النشاطات‬ ‫التنظيمية محصورة في التجمعات والمؤتمرات‬ ‫العلنية والمعسكرات الطالبية الحاشدة”‪.‬‬ ‫وبحسب ما جاء في الدراسة فقد “اعترف واحد‬ ‫من مؤسسي هذا االتحاد أن تاريخ تأسيسه‬ ‫يرجع إلى عام ‪ .1962‬لقد بدأ عمل االتحاد في‬ ‫جامعة اليونس في يوربانا شامباين حيث تجمعنا‬ ‫ألول مرة في الخامس والعشرين من ديسمبر‬ ‫من عام ‪ 1961‬وكنا يومها ثمانية طالب حيث‬ ‫اتفقنا على أن نلتقي في األول من الشهر التالي‬ ‫في ‪ 1‬يناير ‪ 1962‬حيث ضمت واليات انديانا‬ ‫ووسكونسين ومينوسوتا وكنا يومها خمس عشرة‬ ‫ثم اتفقنا على إطار أيدلوجي يمكننا السير عليه‬ ‫وااللتزام به لنحقق أعلى فاعلية في الجامعات‬ ‫األمريكية وتنضم إلينا الفرق الطالبية من كل‬ ‫حدب وصوت”‪.‬‬ ‫بدأ االتحاد عمله رسميا في ‪ 1963‬حتى أصبح‬ ‫من العالمات المميزة في الجامعات والمعاهد‬ ‫األكاديمية حتى تمتع بحوالي ‪ 250‬مكتباً تمثيلياً‬ ‫له في مختلف جامعات أمريكا وكندا‪ .‬كما توجد‬ ‫لالخوان‪ ،‬بحسب ستيفين ميرلي‪ ،‬جمعيات‬ ‫ومؤسسات أخرى تعمل في اطار القانون‬ ‫وبموافقة من السلطات األميركية وهي الوقف‬ ‫اإلسالمي بأمريكا الشمالية والجمعية اإلسالمية‬ ‫ألمريكا الشمالية والمعهد العالمي للفكر‬ ‫اإلسالمي ومجلس العالقات اإلسالمية األمريكية‬ ‫والجمعية اإلسالمية األمريكية والمجمع الفقهي‬ ‫ألمريكا الشمالية‪.‬‬

‫م ّد الجسور‬ ‫بعد انتخاب باراك أوباما رئيسا للواليات المتحدة‬


‫إعالن “الجهاد”‪ ،‬سيصبح اإلخوان رأس الحربة‬ ‫في أي “حملة”‪.‬‬ ‫كما يستطيع المفتي األكبر‪ ،‬باعتباره رئيسا‬ ‫للمجلس اإلسالمي األعلى‪ ،‬أن يعتمد على التأييد‬ ‫الجماعي لكافة أعضاء اإلخوان الذين يثقون في‬ ‫دخولهم الجنة إذا ما ماتوا في ساحة القتال»‪.‬‬

‫مصالح استراتيجية‬ ‫في حوار تلفزيوني لبرنامج “هنا العاصمة”‬ ‫مع االعالمية المصرية لميس الحديدي أكد‬ ‫عبد الحكيم عبد الناصر نجل الرئيس المصري‬ ‫الراحل جمال عبد الناصر ان العالقة الحميمية‬ ‫بين االخوان وأميركا مثيره لالندهاش والشواهد‬ ‫تؤكد وجود اتفاق بين الطرفين على تأمين‬ ‫مصالح واشنطن االستراتيجية في المنطقة‪.‬‬ ‫وقال عبد الحكيم عبد الناصر أن تأمين المصالح‬ ‫االميركية االستراتيجية بمصر مستمر منذ‬ ‫أربعين عاما وحتى اللحظة الحالية التي تشهد‬ ‫تصدر اإلخوان للمشهد‪.‬‬ ‫في فبراير ‪ 2011‬وفي مقال نشرته “نيويورك‬ ‫ريفيو أوف بوكس” ذهب الصحفي الكندي‬ ‫آيان جونسون إلى وصف العالقة بين اإلخوان‬ ‫وأميركا إلى أنها أكثر من حميمية‪ .‬يقول صاحب‬ ‫كتاب “مسجد في ميونيخ” (‪ ،)2010‬الذي‬ ‫يعرض نشاط اإلخوان في أوروبا ودورهم فى‬ ‫تجنيد عناصر تبنت في ما بعد الفكر الجهادى‪ ،‬إن‬ ‫ما بين اإلخوان والمخابرات األمريكية تراضيا‬ ‫حقيقيا يرجع إلى الخمسينيات من القرن الماضي‬ ‫وهو “تراض صامت” تم بمقتضاه االتفاق على‬ ‫معاداة الشيوعية وتهدئة أي توترات للمسلمين‬ ‫في أوروبا‪.‬‬ ‫يكشف جونسون في مقاله اطالعه على أحد‬ ‫الكتب للرئيس األميركي السابق دوايت ديفيد‬ ‫أيزنهاور يروي فيه تفاصل اجتماع حضره‬ ‫سعيد رمضان مندوب اإلخوان المسلمين وصهر‬ ‫مؤسس ومرشد الجماعة حسن البنا وهو والد‬ ‫الباحث المصري طارق رمضان الذي يحمل‬ ‫الجنسية السويسرية‪.‬‬ ‫الكاتب الكندي كشف أيضا أن “سي آي إيه”‬ ‫دعمت سعيد رمضان بشكل علني وكانت تعتبره‬ ‫عميال للواليات المتحدة وساعدته بالتالي في‬ ‫الخمسينيات والستينيات في االستيالء على أرض‬ ‫مسجد ميونيخ وطرد المسلمين المقيمين ليبني‬ ‫المسجد عليها الذي يعد من أهم مراكز اإلخوان‬ ‫المسلمين في أوروبا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا دور المخابرات‬ ‫وقد كشف الكاتب‬ ‫البريطانية في مساعدة سعيد رمضان لترتيب‬ ‫انقالب ضد عبد الناصر سنة ‪ 1965‬والعملية‬ ‫التي انتهت بالقبض على غالب عناصرها في ما‬ ‫عرف تاريخيا بقضية تنظيم اإلخوان التي أعدم‬ ‫بسببها سيد قطب‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫استفادت جماعة اإلخوان‬ ‫كغيرها من قوى‬ ‫المعارضة المصرية‬ ‫من«الغطاء األميركي»‬ ‫الذي تشكل بفعل المطالبة‬ ‫المستمرة باإلصالح‬ ‫في مصر ودون المنطقة‬ ‫العربية فالضغوط‬ ‫األمريكية مثلت‬ ‫دعماً مباشراً لجهود‬ ‫المعارضة المصرية‬ ‫في قضية اإلصالح‬ ‫بعد الثورة بعام أي في ‪ ،1953‬حظر مجلس‬ ‫قيادة الثورة في مصر جميع األحزاب السياسية‬ ‫باستثناء اإلخوان المسلمين لدورهم الكبير في‬ ‫نجاح الثورة‪ ،‬ولم يشفع لعبد الناصر تجنبه‬ ‫الصدام مع اإلخوان في بادئ األمر إال أن الصدام‬ ‫سرعان ما ظهر للعلن بسبب ابتعاد عبد الناصر‬ ‫عن فكر اإلخوان وسعيه إلقامة دولة علمانية‬ ‫تتعارض مع “األسلمة” التي كان يسعى إليها‬ ‫اإلخوان بخاصة وأنهم كانوا يرون أنهم أصحاب‬ ‫الفضل األكبر في نجاح الثورة وبالتالي قيادتها‪.‬‬ ‫بدأت الحرب المفتوحة بين عبدالناصر واإلخوان‬ ‫عام ‪ ..1954‬فقد تعرض لمحاولة اغتيال في ‪26‬‬ ‫أكتوبر‪ 1954‬عندما كان يلقي خطابا جماهيريا‬ ‫في ميدان المنشية باإلسكندرية في احتفال‬ ‫بمناسبة اتفاقية الجالء‪ ،‬حيث ألقيت عليه ثمان‬ ‫رصاصات لم تصبه أيا منها لكنها أصابت‬ ‫الوزير السوداني “ميرغني حمزة” وسكرتير‬ ‫هيئة التحرير باإلسكندرية “أحمد بدر” الذي‬ ‫كان يقف إلى جانب جمال عبد الناصر‪ ،‬وألقي‬ ‫القبض على مطلق الرصاص‪ ،‬الذي تبين الحقا‬ ‫أنه ينتمي الى تنظيم االخوان المسلمين‪.‬‬ ‫يفيد ماثيو هوالند في كتابه “أميركا ومصر‪ :‬من‬ ‫روزفلت إلى أيزنهاور” (‪ )1996‬أن العالقة‬ ‫بين عبد الناصر والواليات المتحدة لم تكن سيئة‬ ‫في السنوات األولى من الثورة حتى أن أميركا‬ ‫منحت عبد الناصر سترة واقية من الرصاص‬ ‫قبل خطاب المنشية الشهير وكأنها كانت على‬ ‫علم بمحاولة االغتيال (بحسب ما كشفه الحقا‬ ‫حسن التهامي المستشار السياسي للرئيس جمال‬ ‫عبد الناصر)‪.‬‬ ‫حادثة المنشية مكنت عبد الناصر بحسب هوالند‬ ‫من التخلص من الرئيس محمد نجيب ومن‬

‫اإلخوان عبر اصدار مرسوم يقضي بحظر‬ ‫الجماعة واعتبارها خارجة عن القانون‪ ،‬حتى أن‬ ‫أنتونى إيدن رئيس وزراء بريطانيا وصف عبد‬ ‫الناصر بأنه “واحد منا»‪.‬‬ ‫تحول عبد الناصر الحقا الى السوفيات والمعسكر‬ ‫الشرقي غير حسابات لندن وواشنطن وأصبح‬ ‫عدو األمس صديق اليوم وبدأت عالقة جديدة‬ ‫بين اإلخوان وأميركا هدفها هذه المرة القضاء‬ ‫على عبد الناصر نفسه‪.‬‬ ‫حاولت الواليات المتحدة وبريطانيا دعم اإلخوان‬ ‫عبر تشكيل خاليا سرية تعمل ضد الثورة‬ ‫وقد أقنعت واشنطن ولندن اإلخوان المسلمين‬ ‫بالتعاون مع جماعات إيرانية متشددة‪ ،‬وتم تشكيل‬ ‫خلية “فدائيي اإلسالم” التي استطاع عبد الناصر‬ ‫كشفها واعتقل على اثرها عددا من زعامات‬ ‫اإلخوان مع سحب الجنسية المصرية من عدد‬ ‫منهم‪ ،‬من بينهم سعيد رمضان نفسه (‪.)1965‬‬ ‫وعلى الرغم من إثبات االستخبارات المصرية‬ ‫تورط سعيد رمضان في تنفيذ أعمال إرهابية إال‬ ‫أن الحكومة السويسرية لم تتخذ أي إجراء ضد‬ ‫رمضان المقيم على أرضها‪ ،‬ما يضع عالمات‬ ‫استفهام حول حقيقة الدور األميركي والبريطاني‬ ‫في مخطط اغتيال جمال عبد الناصر‪.‬‬ ‫بعد وفاة عبد الناصر وتراجع المد القومي نشأت‬ ‫عالقة من نوع جديد بين أميركا واإلخوان بخاصة‬ ‫في فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات‪ .‬فقد‬ ‫أكد الكاتب األميركي روبرت دريفوس فى كتاب‬ ‫بعنوان “لعبة الشيطان‪ ..‬كيف أطلقت الواليات‬ ‫المتحدة العنان لألصولية اإلسالمية” (‪)2005‬‬ ‫أن واشنطن دعمت الجماعات اإلسالمية بالشرق‬ ‫األوسط وشمال أفريقيا جهراً وسراً‪ ،‬مما تسبب‬ ‫فى ميالد “اإلرهاب”‪ ،‬مؤكداً أن أمريكا تالعبت‬ ‫بالجماعات اإلسالمية التي دعمتها ومولتها‪.‬‬ ‫وقال دريفوس إن الواليات المتحدة استخدمت‬ ‫اإلخوان المسلمين فى الخمسينيات‪ ،‬ضد جمال‬ ‫عبد الناصر والمد القومي‪ ،‬وبعد وفاة ناصر عام‬ ‫‪ 1970‬وتراجع القومية العربية نهاية السبعينات‬ ‫اضطربت العالقة بين الطرفين بسبب معارضة‬ ‫اإلخوان التفاقية كامب ديفيد ‪ ،‬بخاصة وأن‬ ‫الرئيس أنور السادات الذي أصبح من أهم حلفاء‬ ‫واشنطن في المنطقة كان‪ ،‬قبل كامب ديفيد‪،‬‬ ‫استخدم اإلخوان‪ ،‬بمباركة أميركية‪ ،‬لمناهضة‬ ‫الناصرية والشيوعية‪.‬‬ ‫عرفت العالقة بين السادات واإلخوان “هدنة”‬ ‫استمرت لسنوات لكن سرعان ما بدأت العالقة‬ ‫تفتر لتنتهي الحقا في ‪ 1981‬إلى القطيعة باعتقال‬ ‫المئات وعلى رأسهم المرشد عمر التلمساني‪.‬‬ ‫في كتابهما “األصوليات والدولة” (‪)1996‬‬ ‫يذكر مارتن مارتي وسكوت آبل باي أن نزعة‬ ‫التطرف بدأت تقود اإلخوان بخالف األزهر‬ ‫الذي حافظ على اعتداله ولم يشأ الدخول في‬ ‫‪317‬‬


‫تحقيق‬

‫مرشد الجماعة محمد بديع مع آن بيترسون سفيرة واشنطن في القاهرة‬

‫اإلخوان المسلمون و «سي آي إيه»‪ ..‬عالقات قديمة متجددة‬

‫مصالح مشتركة‬

‫موضوع عالقة اإلخوان المسلمين ووكالة االستخبارات األميركية “سي اي ايه” يكثر حوله النقاش‪ .‬البعض يرى أن ال عالقة توجد‬ ‫بين الجماعة وأميركا وما هي إال محاولة للتشويه والبعض اآلخر يؤكد أن وثائق “سي اي ايه” واإلدارة األميركية تؤكد وجود عالقة‬ ‫ما بين الطرفين تعود إلى خمسينات القرن الماضي وخالل فترة الحرب الباردة بين الواليات المتحدة واالتحاد السوفياتي‪ ،‬التي لعب‬ ‫خاللها اإلخوان دورا مهما في مقاومة الم ّد الشيوعي‪.‬‬ ‫عز الدين سنيقرة‬ ‫الوثائق السرية التي أفرجت عنها “سي اي ايه”‬ ‫تؤكد أن اإلدارة األميريكة كانت تراقب اإلخوان‬ ‫ونشاطاتهم منذ العام ‪( 1947‬المجلة تنشر وثيقة‬ ‫سرية حول الوضع في مصر بتاريخ ‪ 16‬أكتوبر‬ ‫‪.)1947‬‬ ‫تقول الوثيقة المفرج عنها أن عنصرا جديدا‬ ‫أضيف بعد الحرب العالمية مع ظهور حزب‬

‫‪16‬‬ ‫‪2‬‬

‫اإلخوان المسلمين “الذي يؤكد على اإلسالم‬ ‫وكراهيته الشديدة للتدخل األجنبي في العالم‬ ‫العربي»‪.‬‬ ‫وفي وثيقة أخرى تحت عنوان “عواقب تقسيم‬ ‫فلسطين” بتاريخ ‪ 28‬نوفمبر ‪( 1947‬تنشرها‬ ‫المجلة) تذكر وكالة االستخبارات األميركية‬ ‫أنه “تم تأسيس حركة اإلخوان المسلمين‬

‫التي تتمركز في مصر من الشبان المسلمين‬ ‫بغرض توجيه المجتمع العربي بما يتوافق مع‬ ‫اآليديولوجيا اإلسالمية‪ .‬وتم تأسيس فروع لتنظيم‬ ‫اإلخوان في سوريا‪ ،‬ولبنان‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫فلسطين‪ ،‬والذي يعد من أكثر أفرعها نشاطا‪.‬‬ ‫وينظر تنظيم اإلخوان إلى “التغريب” باعتباره‬ ‫تهديدا خطيرا لإلسالم وسوف يواجه أي انتهاك‬ ‫صهيوني لفلسطين بالتعصب الديني‪ .‬فإذا ما تم‬


‫وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬كان الواقعيون‬ ‫األميركيون يفضلون دائما استراتيجية توازن‬ ‫خارجي تجاه الشرق األوسط يتم عبرها الحد‬ ‫من الخطوات العسكرية األميركية‪ .‬حيث‬ ‫يؤكد الواقعيون إن السياسات األميركية لم‬ ‫تساعد إال على تعزيز الجماعات اإلرهابية‬ ‫العالمية مثل تنظيم القاعدة وحث بلدان مثل‬ ‫إيران على السعي وراء امتالك السالح‬ ‫النووي‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة‪ ،‬وفيما يتعلق بإيران‪ ،‬دعا‬ ‫العديد من الواقعيين إلى عقد صفقة أخذا‬ ‫في االعتبار العديد من المصالح المتقاطعة‬ ‫بين إيران والواليات المتحدة‪ .‬كما أظهرت‬ ‫االستقصاءات أيضا أن التوجهات العربية‬ ‫تجاه الواليات المتحدة قد تأثرت إلى حد‬ ‫بعيد بفكرة انحياز أميركا الدائم إلسرائيل في‬ ‫نزاعها المستمر مع الفلسطينيين‪.‬‬ ‫وفي استطالع للرأي أجري عام ‪ 2008‬في‬ ‫ست دول عربية‪ ،‬قال ‪ 50‬في المائة من الذين‬ ‫تم استطالع آرائهم إن عقد صفقة سالم في‬ ‫الشرق األوسط سيكون أفضل حل لتحسين‬ ‫صورة الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫ولكن إدارة أوباما لم تعمل بتلك النصيحة‬ ‫بل إنها بدال من ذلك تخلت عن محاولة‬ ‫تقييد توسع إسرائيل في بناء المستوطنات‪،‬‬ ‫وعززت روابطها الدفاعية مع تل أبيب‪،‬‬ ‫واستخدمت حق االعتراض في مجلس األمن‬ ‫التابع لألمم المتحدة لرفض طلب السلطة‬ ‫الفلسطينية المتكرر باالعتراف بدولتها‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬كان الواقعيون من بين‬ ‫المؤيدين القليلين داخل مؤسسة السياسة‬ ‫الخارجية األميركية التخاذ موقف متشدد من‬ ‫إسرائيل خاصة في صراعها مع الفلسطينيين‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أن معظم الواقعيين يوافقون‬ ‫على أن الواليات المتحدة يجب أن تساعد‬ ‫إسرائيل إذا ما كان بقاؤها مهددا‪ ،‬فإنهم كانوا‬ ‫رافضين لما رأوا أنه دعم غير مشروط من‬ ‫واشنطن لتل أبيب حتى بشأن قضايا تتعارض‬ ‫فيها مصالح الدولتين‪.‬‬ ‫وبدال من ذلك‪ ،‬يعتقد الواقعيون أن على‬ ‫الواليات المتحدة أن تستغل وضعها لدى‬ ‫إسرائيل للضغط من أجل تبني األخيرة‬ ‫لسياسات أكثر توافقا مع مصالح الواليات‬ ‫المتحدة أهمها االلتزام بحل الدولتين‪.‬‬ ‫والخالصة‪ ،‬بغض النظر عما نعتقده بشأن‬ ‫مزايا توجه الواقعية السياسية بشأن السياسة‬ ‫تجاه الشرق األوسط‪ ،‬ال يستطيع أحد إنكار‬ ‫الشعبية التي كان من الممكن أن يحققوها بين‬ ‫الشعوب العربية التي تم تمكينها مؤخرا مقارنة‬ ‫بالسياسات الحالية للواليات المتحدة <‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫‪515‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫ال تحصل على الكثير من الطاقة من بترول‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬فإن األسواق األوروبية‬ ‫واآلسيوية التي لها أهمية كبرى بالنسبة‬ ‫القتصاد الواليات المتحدة تعتمد عليه‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فإن الواليات المتحدة لها مصلحة في‬ ‫حماية موارد البترول في المنطقة والتي‬ ‫تعني ‪ -‬في غياب سلطة مهيمنة ‪ -‬الحفاظ على‬ ‫درجة من االستقرار‪.‬‬ ‫وال يوجد ما هو أكثر تأثيرا على االستقرار‬ ‫من الثورات سواء كانت ديمقراطية أم ال‪.‬‬ ‫فكما ذكرنا من قبل‪ ،‬تثير الثورات صراعا‬ ‫ممتدا (وعنيفا في الغالب) على السلطة بين‬ ‫الجماعات المجتمعية التي تسعى لتشكيل‬ ‫النظام السياسي واالجتماعي الجديد‪ .‬ودائما‬ ‫ما تكون التحوالت الديمقراطية غير مستقرة‬ ‫على نحو خاص‪.‬‬ ‫فكما قال جاك سنيدر وإدوارد مانسفيلد في‬ ‫«التحوالت الديمقراطية‪ ،‬القوة المؤسسية‬ ‫والحرب»‪« :‬منذ الثورة الفرنسية‪ ،‬تزامنت‬ ‫المراحل المبكرة للدمقرطة مع أكثر النزاعات‬ ‫القومية دموية في العالم»‪.‬‬ ‫وفي ذلك السياق‪ ،‬ليس مفاجئا أن يعرب‬ ‫نحو ‪ 40‬في المائة من المصريين‪ ،‬في يونيو‬ ‫(حزيران) ‪ ،2011‬عن أنهم ال يشعرون‬ ‫باألمان في الشوارع فيما كانت تلك النسبة‬ ‫تبلغ ‪ 17‬في المائة قبل ذلك بعام‪.‬‬ ‫وبالمثل‪ ،‬نشر «مؤشر السالم العالمي ‪»2012‬‬ ‫قائمة وضعت الشرق األوسط وشمال أفريقيا‬ ‫باعتبارهما أقل المناطق سالما وبذلك احتال‬ ‫المركز الذي كانت تحتله «أفريقيا جنوب‬ ‫الصحراء» منذ عام ‪. 2007‬‬ ‫كما يؤدي التغيير االجتماعي السريع للدول‬ ‫إلى اضطرابات إقليمية‪ .‬فقد وجدت دراسة‬ ‫لستيف وولت من جامعة هارفارد أن الدول‬ ‫التي تشهد ثورات تكون أكثر عرضة لنشوب‬ ‫النزاعات‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬كشفت الدراسات‬ ‫اإلحصائية أن الدول التي تنتقل من النظام‬ ‫السلطوي إلى الديمقراطي‪« :‬يتعرض ثلثاها‬ ‫للتورط في شكل من أشكال الحرب (وتكون‬ ‫معرضة بنسبة الضعف ألن تتورط في حرب‬ ‫بين الدول) من الدول التي تستمر سلطوية»‪.‬‬ ‫كما ستعرقل الديمقراطية بصفة عامة الجهود‬ ‫الدبلوماسية للواليات المتحدة في المنطقة‬ ‫أخذا في االعتبار انخفاض شعبية أميركا‬ ‫االستثنائي بين الجماهير العربية‪ .‬فعلى الرغم‬ ‫من أن صناع السياسة األميركيين يدركون‬ ‫ذلك‪ ،‬يعتقد معظمهم أن واشنطن يمكنها‬ ‫إصالح صورتها بسرعة من خالل تأييدها‬ ‫للمتظاهرين‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فإنه بعد مالحظة عدم ثقة العالم‬ ‫‪14‬‬ ‫‪4‬‬

‫السياسات األميركية‬ ‫لم تساعد إال على‬ ‫تعزيز الجماعات‬ ‫اإلرهابية العالمية مثل‬ ‫تنظيم القاعدة وحث‬ ‫بلدان مثل إيران على‬ ‫السعي وراء امتالك‬ ‫السالح النووي‬ ‫العربي في الواليات المتحدة‪ ،‬زعم الرئيس‬ ‫أوباما‪« :‬نواجه فرصة تاريخية‪ .‬لدينا فرصة‬ ‫إلظهار أن أميركا تثمن كرامة بائع متجول‬ ‫في تونس أكثر من القوة الغاشمة لديكتاتور»‪.‬‬ ‫وحتى اآلن لم تكن النتائج مشجعة‪ .‬فإحدى‬ ‫الطرق التي سعت من خاللها اإلدارة‬ ‫إلظهار الواليات المتحدة تثمينها «لكرامة‬ ‫البائع المتجول كانت من خالل التدخل في‬ ‫ليبيا‪ .‬فكما قالت وزيرة الخارجية هيالري‬ ‫كلينتون مباشرة بعد بدء عمليات حلف شمال‬ ‫األطلسي‪« :‬إذا ما نظرت للتغطية التي تقدمها‬ ‫(الجزيرة)‪ ..‬تجد قدرا كبيرا من التقدير لما‬ ‫فعلناه نحن وغيرنا إليقاف القذافي»‪.‬‬ ‫وإذا ما كان ذلك صحيحا‪ ،‬فإن ذلك التقدير‬ ‫سرعان ما اختفى‪ .‬فبعد ساعات من شن حلف‬ ‫شمال األطلسي لغاراته على ليبيا‪ ،‬انتقدت‬ ‫الجامعة العربية ‪ -‬التي كانت تحشد بقوة من‬ ‫أجل التدخل ‪ -‬أفعال حلف شمال األطلسي‪،‬‬ ‫وبعد ذلك بعام‪ ،‬أكد أغلبية المواطنين في‬ ‫ثماني دول عربية باإلضافة إلى فلسطين‬ ‫والصومال معارضتهم لحملة األطلسي على‬ ‫ليبيا‪.‬‬ ‫كما حاولت إدارة أوباما أيضا تحسين‬ ‫الصورة األميركية من خالل تعزيز االنتقال‬ ‫الديمقراطي والمجتمعات المدنية في العالم‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫ولم يكن لذلك أيضا نتائج إيجابية‪ .‬فقد كانت‬ ‫الكتابات تظهر بالفعل على الجدران في‬ ‫مارس (آذار) ‪ ،2011‬عندما رفضت قيادات‬ ‫الشباب المشاركة في االنتفاضة المصرية‬ ‫االلتقاء بهيالري كلينتون‪ .‬وفي الشهر التالي‪،‬‬ ‫أعرب ‪ 79‬في المائة من المصريين عن أنهم‬ ‫ينظرون للواليات المتحدة بعدم ارتياح‪.‬‬ ‫ورغم ذلك تعهد الرئيس أوباما بماليين‬ ‫الدوالرات كمساعدة لمصر‪ ،‬وأنشأت وزارة‬ ‫الخارجية مكتبا كامال مخصصا لمساعدة‬ ‫التحوالت الديمقراطية بالمنطقة‪.‬‬ ‫ومع ذلك أعرب نحو ثالثة أرباع المصريين‬

‫في فبراير (شباط) ‪ ،2012‬عن معارضتهم‬ ‫للمساعدة األميركية لبالدهم‪ .‬واألهم من ذلك‪،‬‬ ‫أظهر استطالع للرأي أجري في مارس‬ ‫‪ 2011‬أن ‪ 56‬في المائة من المصريين‬ ‫كانوا ضد تأسيس عالقات قوية مع الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬فيما أيد تلك العالقات أقل من ربع‬ ‫الذين تم استطالع آرائهم‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن التأييد اإلقليمي‬ ‫للديمقراطية ما زال مرتفعا على نحو‬ ‫استثنائي‪ ،‬يجب العمل على تحسين رؤيتهم‬ ‫بشأن الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫فقد اكتشف استطالع حديث للرأي شمل آالفا‬ ‫من المواطنين من نحو ‪ 12‬دولة عربية أن‬ ‫‪ 73‬في المائة من الذين تم استطالع آرائهم‬ ‫كانوا ينظرون إلى الواليات المتحدة أو‬ ‫إسرائيل باعتبارهما أكثر الدول المهددة لهم‬ ‫أو لبلدانهم‪ .‬فيما قال نحو ‪ 5‬في المائة فقط‬ ‫الشيء نفسه حول إيران‪.‬‬

‫الخالصة‬ ‫لم تنجح إدارة أوباما في تحسين صورة‬ ‫أميركا في العالم العربي في أعقاب االنتفاضة‬ ‫أكثر مما تمكنت من فعله قبل اندالعها‪.‬‬ ‫ويعكس جانب من ذلك فقدان الثقة العميق‬ ‫في الواليات المتحدة والذي من المرجح أن‬ ‫يستمر لفترة مقبلة‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن هجوم القوة الناعمة الذي شنته‬ ‫اإلدارة األميركية على العالم العربي‪ ،‬كان‬ ‫ليجد نجاحا إذا ما تبنى الرئيس سياسة شرق‬ ‫أوسطية أكثر واقعية‪.‬‬ ‫فقد كان أحد أهم أوجه قصور جهود اإلدارة‬ ‫في التواصل هو إخفاقها في األخذ في االعتبار‬ ‫ما يشعل غضب العرب تجاه أميركا في‬ ‫األساس‪ .‬والمفارقة‪ ،‬أخذا في االعتبار سمعة‬ ‫الواقعية في واشنطن‪ ،‬ربما تكون السياسة‬ ‫الواقعية صوب الشرق األوسط أكثر توافقا‬ ‫مع ما قال العرب أنفسهم إنهم يرغبون في‬ ‫أن تمارسه الواليات المتحدة حيال القضايا‬ ‫التي تهم معظمهم‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬دائما‬ ‫ما تشير االستقصاءات إلى أن العرب كانوا‬ ‫يعارضون بقوة الوجود العسكري األميركي‬ ‫في منطقتهم‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن إدارة أوباما قد انسحبت‬ ‫بتردد من العراق‪ ،‬فإنها زادت انتشارها‬ ‫العسكري في عدة أماكن أخرى لمواجهة‬ ‫إيران‪ .‬وهو ما تضمن نشر ‪ 3-2‬حامالت‬ ‫طائرات في الخليج العربي‪ ،‬وزيادة هجمات‬ ‫الطائرات التي من دون طيار في بلدان مثل‬ ‫اليمن والصومال ونشر الطائرات المقاتلة إف‬ ‫‪ 22‬في اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬وإجراء‬ ‫مناورات عسكرية واسعة النطاق مع األردن‬ ‫واستخدام موانئ في الخليج ألول مرة منذ‬ ‫سنوات بعيدة‪.‬‬


‫السياسة الخارجية األميركية صوب تدفق‬ ‫المصريين على ميدان التحرير وكانت تحذر‬ ‫من السياسات غير العقالنية التي نشأت عن‬ ‫ذلك التفاؤل‪.‬‬ ‫واألهم من ذلك أن تبني سياسة تعتمد على‬ ‫الواقعية السياسية صوب الشرق األوسط كان‬ ‫سيعمل بال شك على تقليل عداء الجماهير‬ ‫العربية التي تم تمكينها أخيرا تجاه الواليات‬ ‫المتحدة‪.‬‬

‫نجاح متوقع‬ ‫في البداية‪ ،‬أخطأ صناع السياسة األميركيون‬ ‫عندما افترضوا أن االنتفاضة االجتماعية‬ ‫سوف تنجح بالضرورة‪.‬‬ ‫وعلى غرار العديد من المراقبين‪ ،‬استنتج‬ ‫األميركيون عبر االنتفاضات التي اندلعت‬ ‫في تونس ومصر أن القوى القمعية لم يعد‬ ‫بإمكانها إسكات المواطنين المسلحين بوسائل‬ ‫اإلعالم االجتماعية والقنوات الفضائية‪.‬‬ ‫وأخذا في االعتبار إيمانهم بهيمنة الدولة‪،‬‬ ‫وإمكانات القوة الخشنة‪ ،‬كان الواقعيون دائما‬ ‫يتشككون في ذلك الزعم‪.‬‬ ‫فعلى خالف الدول المجاورة‪ ،‬يتكون‬ ‫الجيشان التونسي والمصري من قوات‬ ‫احترافية تربطها صالت قوية بالواليات‬ ‫المتحدة ولديها مصادر قوة مستقلة عن‬ ‫أنظمتها الحاكمة‪ .‬كما كان الجيش المصري‬ ‫يشن قبل اندالع االحتجاجات صراعا صامتا‬ ‫على السلطة ضد مبارك لمنعه من نقل‬ ‫السلطة البنه جمال‪ .‬وبالتالي‪ ،‬لم يكن لديه‬ ‫سبب يجعله يساعد مبارك على الحفاظ على‬ ‫نظامه بل إنه قرر بدال من ذلك أن مصالحه‬ ‫سوف يتم تحقيقها أكثر إذا ما سهل خلع‬ ‫مبارك‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬يبدو أن تلك الحسابات‬ ‫كانت دقيقة‪.‬‬ ‫ثم كان لالعتقاد الخاطئ بأن االنتفاضة التالية‬ ‫سوف تكون على غرار النموذج المصري‬ ‫تكلفة باهظة بالنسبة للواليات المتحدة خاصة‬ ‫فيما يتعلق بليبيا‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن هناك عددا من العوامل‬ ‫التي دفعت الرئيس أوباما التخاذ قرار بدعم‬ ‫تدخل حلف شمال األطلسي في هذا البلد‪ ،‬قال‬ ‫الرئيس أوباما نفسه إن السبب الرئيسي وراء‬ ‫ذلك كان خوفه من أن يخلق نجاح القذافي في‬ ‫القمع الوحشي للمتظاهرين تأثيرا ممتدا في‬ ‫جميع أنحاء المنطقة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن تدخل حلف شمال‬ ‫األطلسي قد أثر بال شك على الطريقة التي‬ ‫اتبعها غيره من الزعماء في قمع الثورات ‪-‬‬ ‫مثل امتناع بشار األسد عن استخدام القوات‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫هجوم القوة الناعمة‬ ‫الذي شنته اإلدارة‬ ‫األميركية على العالم‬ ‫العربي‪ ،‬كان ليجد نجاحا‬ ‫إذا ما تبنى الرئيس سياسة‬ ‫شرق أوسطية أكثر واقعية‪..‬‬ ‫فقد كان أحد أهم أوجه‬ ‫قصور جهود اإلدارة في‬ ‫التواصل هو إخفاقها في‬ ‫األخذ في االعتبار ما يشعل‬ ‫غضب العرب تجاه أميركا‬ ‫في األساس‬ ‫الجوية التي حافظت على نظام أبيه ‪ -‬في‬ ‫البلدان األخرى وهو ما أسفر عن عنف‬ ‫مروع للدولة‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬اعترف مسؤولون باإلدارة‬ ‫األميركية بأن الواليات المتحدة ليست لديها‬ ‫مصالح حيوية في ليبيا‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫التدخل مر على نحو أكثر هدوءا مما توقع‬ ‫المعارضون له‪ ،‬فإنه لم يكن بال تكلفة‪.‬‬ ‫وكان من نتائج ذلك التدخل العسكري أن‬ ‫العديد من دول العالم غير الغربي أصبح‬ ‫ينظر لتدخل حلف شمال األطلسي في‬ ‫ليبيا باعتباره ممارسة غير مشروعة للقوة‬ ‫وبالتالي رفضوا مساندة الواليات المتحدة‬ ‫في قضايا أخرى مثل القضايا المتعلقة بكل‬ ‫من إيران وسوريا‪.‬‬ ‫واألكثر تأثيرا على المصالح األميركية‪ ،‬هو‬ ‫أن زعماء كوريا الشمالية وإيران قد نظرا‬ ‫لدور حلف شمال األطلسي في خلع القذافي‬ ‫باعتباره مبررا لسياساتهما النووية‪.‬‬

‫الوهم الديمقراطي‬ ‫كما أخفق صناع السياسة األميركيون أيضا‬ ‫في افتراضهم بأن االنتفاضات الناجحة سوف‬ ‫تؤدي بالضرورة إلى ديمقراطيات ليبرالية‪،‬‬ ‫حيث كانت الديمقراطية هي أكثر النتائج‬ ‫المستبعدة للربيع العربي‪.‬‬ ‫فبداية‪ ،‬لم تسفر من قبل االنتفاضات‬ ‫االجتماعية المفاجئة عن ديمقراطيات‪ .‬فهي‬ ‫في العادة تؤدي إلى صراع طويل وعنيف‬ ‫على السلطة ال يهدأ إلى عندما تستولي حكومة‬ ‫سلطوية على السلطة‪.‬‬

‫فكما قال والتز‪ ،‬وهو محق‪ ،‬في كتابه «نظرية‬ ‫السياسات الدولية» فإن‪« :‬الصراع لالستيالء‬ ‫على السلطة والحفاظ عليها لتأسيس نظام‬ ‫وخلق نوع من العدالة داخل الدول‪ ،‬ربما‬ ‫يصبح أكثر دموية من الحروب بين الدول»‪.‬‬ ‫وهو ما ينطبق تماما على النماذج المتطرفة‬ ‫من الثورات‪ ،‬والتي لم تمر البلدان العربية‬ ‫بأي منها حتى اآلن‪ .‬حيث تطلب استحواذ‬ ‫السوفيات على السلطة في ظل لينين وستالين‪،‬‬ ‫مقتل نحو ‪ 30‬مليون نسمة‪ ،‬فيما تسببت‬ ‫سياسات ماو الشاذة في مقتل نحو ‪ 10‬ماليين‬ ‫صيني‪ ،‬فيما أطاح حكم بول بوت الذي امتد‬ ‫ألربع سنوات بما يزيد على ‪ 25‬في المائة‬ ‫من سكان كامبوديا‪ .‬جدير بالذكر أن أيا من‬ ‫هذه الدول ال تعد دولة ديمقراطية حتى وقتنا‬ ‫الراهن‪.‬‬ ‫ويقدم التاريخ الحديث للعالم العربي ذاته‬ ‫دروسا إضافية‪ .‬فعلى الرغم من أن المنطقة‬ ‫العربية شهدت حركتين سياسيتين كبيرتين‬ ‫منذ الحرب العالمية الثانية ‪ -‬الوحدة العربية‬ ‫في عهد ناصر في الخمسينيات والستينيات‪،‬‬ ‫واالحتجاجات االقتصادية والسياسية األقل‬ ‫شموال في الثمانينيات والتسعينيات ‪ -‬لم تسفر‬ ‫أي منهما عن تحوالت ديمقراطية بالمنطقة‪.‬‬ ‫بل وكما يقول مارك لينش‪« :‬لم تكن موجات‬ ‫الحراك اإلقليمي تنتهي بالدمقرطة ولكنها‬ ‫كانت تسفر عن توغل أكثر عمقا لألنظمة‬ ‫السلطوية»‪ .‬وال يوجد ما يشير إلى أن هذه‬ ‫المرة سوف تكون مختلفة‪.‬‬

‫المصالح األميركية و«الربيع العربي»‬ ‫كما لم تكن هناك أسباب لالعتقاد بأن‬ ‫االنتفاضات االجتماعية ستفيد الواليات‬ ‫المتحدة‪ .‬فعلى الرغم من أن العديد في‬ ‫واشنطن كانت لديهم مخاوف محددة حول‬ ‫الربيع العربي ‪ -‬تتراوح من تراجع أمن‬ ‫إسرائيل وتمكين اإلسالميين إلى مخاوف‬ ‫أكثر إرباكا تتعلق باستفادة تنظيم القاعدة و‪/‬‬ ‫أو إيران من تلك الحركة ‪ -‬كان هناك إجماع‬ ‫عام في اإلدارة األميركية حول أن واشنطن‬ ‫سوف تفيد تماما من التحول في المنطقة‪.‬‬ ‫وكانت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا‬ ‫رايس قد استشعرت ذلك المزاج السائد عندما‬ ‫طالبت األميركيين‪« :‬أن يثقوا في المسار‬ ‫المنحني للتاريخ» والذي يعكس أن «مصالح‬ ‫الواليات المتحدة ومثلها سوف تتحقق على‬ ‫نحو أفضل» في ظل شرق أوسط ديمقراطي‪.‬‬ ‫ولكن ليس هناك الكثير من األسباب التي‬ ‫تعزز مسألة المسار المنحني للتاريخ تلك‪،‬‬ ‫حيث إن المصلحة الرئيسية للواليات المتحدة‬ ‫في المنطقة هي تأمين استمرار تدفق البترول‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الواليات المتحدة نفسها‬ ‫‪313‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫باراك أوباما‪..‬‬ ‫يد ممدودة لكن لمن؟‬

‫المدرسة الواقعية و«الربيع العربي»‪ ..‬المسار المنحني للتاريخ‬

‫استراتيجية التوازن‬

‫وفقا للواقعية الجديدة‪ ،‬ونظرا ألن النظام الدولي تسوده الفوضى (الالسلطة)‪ ،‬أي أنه ال توجد سلطة مركزية تحكم التفاعل بين الدول‪،‬‬ ‫يجب على كل دولة أن تنشئ وحدة للمساعدة الذاتية تعدعمها على ضمان بقائها والحفاظ على مصالحها‪ .‬فكما يقول كينيث والتز‪،‬‬ ‫مؤسس الواقعية الجديدة في كتابه «نظرية العالقات الدولية»‪« :‬نظرا ألن بعض الدول ربما تستخدم القوة في أي وقت‪ ،‬يجب على كل‬ ‫الدول أن تستعد ألن تفعل ذلك أيضا‪ ،‬أو تعيش تحت رحمة جيرانها األكثر قوة»‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬زاكري كيك‬ ‫وتتناقض الواقعية السياسية مع المبادئ‬ ‫الليبرالية التي تحكم المجتمع األميركي حاليا‪.‬‬ ‫وليس مفاجئا أن يتجاهل صناع السياسة‬ ‫األميركيون الواقعية أثناء تشكيلهم للسياسة‬ ‫الخارجية للبالد وأن يتبنوا بدال منها سياسة‬ ‫تعتمد على الليبرالية‪.‬‬ ‫فكما يقول جون ميرشيمر في «مأساة سياسات‬

‫‪12‬‬ ‫‪2‬‬

‫القوة العظمى»‪« :‬يميل األميركيون إلى معاداة‬ ‫الواقعية السياسية نظرا ألنها تصطدم بقيمهم‬ ‫األساسية‪( ..‬مثل) إحساسهم العميق بالتفاؤل‬ ‫واألخالقية‪ ..‬فيما تتوافق الليبرالية‪ ،‬من جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬تماما مع تلك القيم وليس مفاجئا إذن‬ ‫أن يبدو خطاب السياسة الخارجية للواليات‬ ‫المتحدة وكأنه مقتطع مباشرة من المحاضرة‬ ‫رقم ‪ 101‬لليبرالية»‪.‬‬

‫وتتوافق االستجابة األميركية للربيع العربي‬ ‫مع مالحظة ميرشيمر‪ ،‬حيث إن الواقعية‬ ‫السياسية‪ ،‬كنظرية للعالقات الخارجية ‪-‬‬ ‫العالقات بين الدول ‪ -‬ليس لديها الكثير لتقوله‬ ‫حول الثورات العربية في حد ذاتها‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬كانت الواقعية السياسية تحذر من‬ ‫التفاؤل المفرط الذي استحوذ على مؤسسة‬


‫لمفارقة القدر‪“ ،‬ابدى جالل الطالباني‪ ،‬الذي‬ ‫وصل الى الرئاسة بالقوة االميركية التي اطاحت‬ ‫بنظام صدام‪ ،‬معارضته للتدخل الغربي المسلح‬ ‫في الشؤون الداخلية ألي دولة في المنطقة”‪.‬‬ ‫أما األسد‪ ،‬فيعتقد عجمي انه التصق بقواعد‬ ‫اللعبة التي يمارسها‪“ :‬شراء الوقت على امل أن‬ ‫قوى المعارضة ستتعب من اندفاعها ضد نظام‬ ‫يجلس في خندق ومستعد الستخدام كل الوسائل‬ ‫المطلوبة للبقاء”‪.‬‬ ‫ويقول عجمي ان تصوير الصراع السوري على‬ ‫انه “صراع الغالبية السنية‪ ،‬الستعادة الحكم من‬ ‫سيادة االقلية”‪ ،‬هو ضرب من ضروب التبسيط‪،‬‬ ‫ولكنه يضيف‪“ :‬هذه الصورة هي التي طغت‪،‬‬ ‫وحددت شكل هذا الصراع”‪.‬‬ ‫عجمي يرفض حصر المواجهة السورية في‬ ‫شقها الطائفي‪ ،‬او الثقافي كمواجهة ريفية‬ ‫في وجه المدينية‪ ،‬ويشير الى البعد الطبقي‬ ‫االقتصادي كذلك بالقول‪“ :‬كان هناك (لدى‬ ‫العلويين) في سوريا (قبل االسد) مظالم تتعدى‬ ‫الحياة السياسية‪ ،‬وكان لديهم مظالم تتعلق بغياب‬ ‫العدالة بسبب اماكن ميالدهم ومعيشتهم التي‬ ‫خلقت ـ على حسب التعبير العربي ـ اوالد جارية‬ ‫واوالد ست”‪.‬‬ ‫ويكتب‪“ :‬حياة سياسية مليئة بالتآمر والعنف‪،‬‬ ‫ونوع من التوق الى العدالة‪ ،‬جاءت بالعلويين‬ ‫الى السلطة‪ ،‬وامن لهم المسدس والبزة العسكرية‬ ‫نوعا من االنتقام ضد من كانت لهم الحياة بشكل‬ ‫اسهل وأفضل”‪.‬‬ ‫ويختم عجمي كتابه بحكمة جميلة‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫“(العلويون اليوم) ليسوا في مزاج العودة الى‬ ‫العبودية‪ ،‬ولكن رقاص الساعة ال يستوي في‬ ‫الوسط”‪.‬‬

‫مراجعات‬ ‫ألنه لم يمض وقت كثير على صدور الكتاب‬ ‫(صدر في ‪ 30‬ايار عن “معهد هوفر”)‪ ،‬لم‬ ‫تصدر حتى اآلن اال مراجعة واحدة بحقه‪ ،‬قدمها‬ ‫ديكستر فيلكينز في “نيويورك تايمز”‪ .‬مراجعة‬ ‫اخرى جاءت على موقع “جدلية” بقلم بسام حداد‪،‬‬ ‫اال انها لم تناقش الكتاب‪ ،‬بل ردت على مراجعة‬ ‫ديكستر مع انه صبت جام غضبها على عجمي‪.‬‬ ‫في حوالي ‪ 1200‬كلمة‪ ،‬اثار فيلكينز النقاط‬ ‫التي تثير فضول الغربيين عموما حول الثورة‬ ‫السورية‪ :‬الى اين تذهب الثورة‪ ،‬تماسك سوريا‬ ‫ككيان سياسي موحد مستقبال‪ ،‬تشتيت آل االسد‬ ‫االنتباه عن شؤون الداخل بحصر خطابهم بالعداء‬ ‫السرائيل‪ ،‬مجيء بشار وتحسن االقتصاد‪ ،‬الثورة‬ ‫وطابعها الطائفي في المواجهة بين األغلبية‬ ‫السنية واألقلية العلوية الحاكمة‪ ،‬فخيارات اإلدارة‬ ‫األميركية في التعامل مع التطورات السورية‪.‬‬ ‫اال ان المراجعة الحيادية نسبيا التي قدمها فيلكينز‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫لم يكن بشار كأبيه اذ‬ ‫نجح في ايقاظ ما يكفي‬ ‫من االستياء السني‬ ‫لتهديد سطانه لكن من‬ ‫الواضح ان انقسامات‬ ‫طبقية وجغرافية سادت‬ ‫الثائرين السنة في وجه‬ ‫حكمه مما افقد الثورة‬ ‫الكثير من فاعليتها‬ ‫اثارت حفيظة حداد‪ ،‬فقدم ردا بلغ حوالي ثالثة‬ ‫اضعاف مقالة المنشورة فيلكينز من حيث عدد‬ ‫الكلمات‪ ،‬وضمن رده هجوما ضد المقاربة‬ ‫الغربية للموضوع السوري‪ ،‬واتهم عجمي بتبني‬ ‫هذه المقاربة‪ ،‬واتهم االثنين بـ “االستشراق”‪.‬‬ ‫يقول حداد ان عجمي “يوجه اصابع االتهام بشكل‬ ‫صحيح في وجه االنظمة المتسلطة في المنطقة‪،‬‬ ‫ولكنه ينسب على الدوام اسباب القمع الى عوامل‬ ‫متأصلة داخل العرب انفسهم‪ ،‬وهو ما يشي بأبشع‬ ‫اشكال االستشراق”‪ .‬ويضيف‪“ :‬كذلك يفشل‬ ‫عجمي في اثبات ترابط االسباب‪ ،‬ويعفي القوى‬ ‫الخارجية من تكريسها لمعادالت جيواستراتيجية‬ ‫معينة”‪ .‬ويتابع‪“ :‬ال احد بعقل سليم يستطيع ان‬ ‫ينسب كل االمراض القمعية ـ االقتصادية الى‬ ‫القوى الخارجية‪ ،‬لكن الشيء نفسه ينطبق على‬ ‫من يحاولون حصر االمر بعوامل داخلية وتجاهل‬ ‫الدور الواضح للقوى الخارجية”‪.‬‬ ‫ويختم حداد هجومه بالقول ان الكتاب‬ ‫والصحيفة وعدد كبير من القراء‪ ،‬يرتاحون‬ ‫الى “االفتراضات غير المدروسة عن سوريا‪،‬‬ ‫والمنطقة‪ ،‬وشعوبها”‪.‬‬ ‫طبعا حداد‪ ،‬ال يفطن لمغالطاته هو عندما يشمل‬ ‫“المستشرقين” كلهم في خانة واحدة‪ ،‬على غرار‬ ‫اتهامه للمستشرقين بقيامهم بإسقاط تعميمات‬ ‫على المنطقة وشعوبها‪ ،‬وهذه المغالطة تحدث‬ ‫عنها احد ابرز المفكرين السوريين‪ ،‬صادق‬ ‫جالل العظم‪ ،‬في معرض رده على ادوار سعيد‬ ‫ونظريته التعميمية حول “االستشراق”‪.‬‬ ‫ثم انه في رأي حداد‪ ،‬هناك رأي واحد ورؤية‬ ‫واحدة “أصيلة” يمكن ان يقدمها أبناء المنطقة‬ ‫وشعوبها‪ ،‬وهو ما يزعجه اصال‪ ،‬ألن عجمي‬ ‫يقدم رؤية‪ ،‬يخالف بعضها حداد‪ ،‬ولكن بعض‬ ‫الغربيين يعتبرونها “اصيلة” نظرا لجذور‬ ‫مؤلفها‪ ،‬وكأنه ال يمكن ان يقدم عجمي رؤية‬ ‫“ابن البلد” حول الموضوع السوري‪ ،‬وان يقدم‬ ‫حداد‪ ،‬اللبناني ـ السوري المقيم في واشنطن‪،‬‬

‫رؤية “ابن بلد” مخالفة‪ ،‬او كأن نظرة ابناء‬ ‫المنطقة “وشعوبها” تجاه شؤونهم‪ ،‬كالثورة‬ ‫السورية ضد األسد‪ ،‬عليها ان تتطابق‪ ،‬وان‬ ‫تشمل كل ما يعتقده حداد ذات صلة‪ ،‬خصوصا‬ ‫رؤيته لموضوع البحرين‪ ،‬والقضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫وعداءه للحكومة السعودية‪.‬‬ ‫ثم يصب حداد جام غضبه على عجمي‪ ،‬وينسب‬ ‫إليه قوله ان الحريات الدينية‪ ،‬اي قمع العلويين‬ ‫للسنة وممارساتهم الدينية‪ ،‬هي عنصر رئيسي‬ ‫خلف اندالع الثورة‪ ،‬مع ان عجمي لم يتوسع في‬ ‫ذلك‪ ،‬بل تطرق اليه لماما مثل في اشارته الى‬ ‫تراجع األسد عن منعه للمحجبات في التعليم في‬ ‫المدارس الرسمية‪ ،‬او في حديثه عن الطائفية‬ ‫في القطاع العام‪ ،‬عندما يمنح األسد أربعة آالف‬ ‫وظيفة في مصفاة بانياس للنفط الى علويين‪،‬‬ ‫يأتي بهم من خارج المدينة ذات الغالبية السنية‪.‬‬ ‫ويكتب حداد بسخرية ان “الطائفية هي دوما‬ ‫االجابة االفضل في مصانع عجمي”‪ ،‬مع ان‬ ‫عجمي حاول قدر المستطاع في كتابه ان يقدم‬ ‫األسباب االقتصادية لتقدم السنة داخل المدن‪،‬‬ ‫وتراجع االقليات‪ ،‬وحتى السنة‪ ،‬في االرياف‪،‬‬ ‫الى ان تمكنوا من استخدام “المسدس والبزة‬ ‫العسكرية” النتزاع تفوقهم االقتصادي‪ ،‬وتقديم‬ ‫جزء منه لعدد يسير من السنة في المدن ممن‬ ‫ابدوا الوالء للنظام‪.‬‬ ‫ثم ان عجمي تناول الفوارق االقتصاية داخل‬ ‫الطائفة العلوية‪ ،‬ونشوء اقطاع مالي هناك‪،‬‬ ‫وحاول االبتعاد عن حصر صورته للثورة‬ ‫في اطار الصراع السني ـ االقلوي‪ ،‬فيكتب ان‬ ‫الثورة السورية ضد األسد اخذت لألسف هذا‬ ‫الشكل‪ ،‬وفرضته على معظم من يحاول الحديث‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫على ان حداد يقدم مراجعة لكتاب عجمي من‬ ‫دون ان يقرأ الكتاب‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬وهذه آفة‬ ‫سبق ان اطلق عليها عجمي نفسه في كتاب سابق‬ ‫له اسم “المأزق العربي”‪ ،‬وهي تظهر جليا ان‬ ‫جزء كبير من ورطة العرب هي من صنع‬ ‫ايديهم‪ ،‬ولكن من دون اخفاء مسؤولية تنازل‬ ‫واشنطن عن اصدقائها في لبنان مرارا‪ ،‬ألن‬ ‫في بالدهم شجر االرز‪ ،‬وفي نفس الوقت سعي‬ ‫اميركا إلعادة السيادة الكويتية‪ ،‬حيث مصالحها‬ ‫والنفط‪.‬‬ ‫قراءة عجمي تظهر ان كتاباته تتضمن فهمه‬ ‫للوضع كعربي من ابناء المنطقة‪ ،‬ومعرفته‬ ‫بالشؤون الدولية كأكاديمي يعيش في الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬وادراكه ألخطاء العرب انفسهم‬ ‫ووقوعهم‪ ،‬مثل الشعوب االخرى‪ ،‬في منافسات‬ ‫اقتصادية واجتماعية وسياسية‪ ،‬ولألسف‬ ‫مذهبية‪ ،‬وفشلهم في انتاج مؤسسات تنظم هذه‬ ‫الخالفات مما يدفعهم الى التداول الدموي على‬ ‫السلطة مثل “رقاص الساعة الذي ال يستوي في‬ ‫الوسط»<‬ ‫‪5 11‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫ربيع سوريا‬

‫الحالة العلمية بين ابناء هذه الطائفة‪ ،‬وتم افراغ‬ ‫المدارس من شباب الطائفة الذين تم تطويعهم في‬ ‫الوحدات العسكرية الخاصة والمخلصة لألسد‪.‬‬ ‫ومع ان العلويين هبطوا من جبالهم الى المدن‪،‬‬ ‫اال انهم انشأوا احياءهم غالبا في ضواحيها‪ ،‬ولم‬ ‫يختلطوا مع المدينيين من الطوائف االخرى‪:‬‬ ‫“االحياء البائسة على مداخل المدن‪ ،‬والتي تأوي‬ ‫جنودا محبطين وفقراء‪ ،‬هي شاهد على وضع‬ ‫معظم هؤالء”‪.‬‬ ‫وينقل كذلك عجمي عن وطفة قوله ان “العلويين‬ ‫عموما لم يراكموا ثروات‪ ،‬بل نشأت طبقة‬ ‫اقطاعية جديدة بين العلويين”‪ ،‬وان “الفيالت‬ ‫الكبيرة” البناء االقطاع العلوي “تزين قرى‬ ‫اجدادهم‪ ،‬ولكن الفقر المنتشر على نطاق‬ ‫عريض بين العلويين لم يتم تحسينه”‪.‬‬ ‫وبكثير من االناقة اللغوية‪ ،‬يلخص عجمي كيف‬ ‫صمم األسد األب النظام‪ ،‬وكيف أساء ابنه‬ ‫استخدامه‪ ،‬ويقول‪“ :‬حافظ األسد‪ ،‬الرجل الذي‬ ‫صنع هذا النظام‪ ،‬ادرك ان بقاءه وبقاء سيادة‬ ‫اقليته كان يرتبطان بوحدة طائفته العلوية وبإبقاء‬ ‫السنة منقسمين ومسالمين”‪ .‬اما بشار‪“ ،‬فلم‬ ‫يكن المعا” كأبيه اذ نجح في “معادة ـ وايقاظ‬ ‫ـ ما يكفي من االستياء السني لتهديد سطانه”‪.‬‬ ‫اال أن عجمي يؤكد انه “لم يثر كل السنة ضد‬ ‫بشار‪ ،‬فموجة عارمة كان من شأنها سحق‬ ‫ديكتاتوريته”‪ .‬ويتابع القول انه من الواضح ان‬ ‫“انقسامات طبقية وجغرافية” سادت الثائرين‬ ‫السنة في وجه حكم بشار األسد‪ ،‬مما افقد الثورة‬ ‫الكثير من فاعليتها‪.‬‬

‫الثورة التي بدأت في لبنان‬ ‫يعتقد عجمي ان بدء افول حكم األسد بدأ قبل‬ ‫الثورة السورية بسنوات‪ ،‬وتحديدا في العام‬ ‫‪ 2005‬عندما اجبرت “انتفاضة االستقالل” في‬ ‫بيروت‪ ،‬األسد االبن على سحب جيشه من لبنان‪،‬‬ ‫بعد ما يقارب ثالثين عاما من االحتالل السوري‬ ‫الذي بدأ في عهد األسد االب‪ .‬ويقول ان دمشق‬ ‫حصلت على تفويض عالمي في العام ‪،1990‬‬ ‫عندما انخرطت في صفوف التحالف الدولي‬ ‫الذي قادته الواليات المتحدة لتحرير الكويت من‬ ‫جيش صدام حسين‪“ ،‬اللبنانيون مساكين‪ ،‬لديهم‬ ‫شجر االرز‪ ،‬فيما الكويت لديها نفط”‪ ،‬يقول‬ ‫عجمي مضيفا‪“ :‬تمت استعادة سيادة الكويت‪،‬‬ ‫اما اللبنانيين فتم تركهم لقدرهم الرهيب في‬ ‫السجن السوري الكبير”‪.‬‬ ‫يتابع عجمي ان تحالفا معارضا لالحتالل‬ ‫السوري للبنان‪ ،‬بدأ يتألف في اعقاب حرب‬ ‫العراق والمتغيرات الدولية‪ ،‬وجاءت الشرارة‬ ‫األولى للمواجهة بين هؤالء واألسد االبن ابان‬ ‫نهاية والية الرئيس اللبناني اميل لحود في‬ ‫سبتمبر (أيلول) ‪ ،2004‬عندما اعلن الحريري‬ ‫انه يفضل كسر يده على توقيع مرسوم التمديد‬ ‫للحود لنصف والية اضافية‪ ،‬فاستدعى بشار‬

‫‪10 4‬‬

‫بعد ذلك‪ ،‬ينقلب عجمي في كتابه من مؤرخ إلى‬ ‫محلل سياسي‪ ،‬ويقدم احداث الثورة السورية‬ ‫بترتيب تاريخي‪ ،‬طبعا من دون ان ينسى تقديم‬ ‫رؤيته واقتباسه من معنيين او اجراءه لقاءات‬ ‫معهم‪ ،‬كما فعل في زيارة الى تركيا التقى‬ ‫خاللها الجئين سوريين‪ ،‬وناشطين‪ ،‬وزعماء‬ ‫في المعارضة تصدرهم رياض الشقفة‪ ،‬مراقب‬ ‫“االخوان المسلمين” في سوريا‪.‬‬ ‫ربيع سوريا‪ ،‬يقول عجمي‪ ،‬بدأ في درعا‬ ‫الجنوبية عندما كتب اوالد تأثروا برحيل مبارك‬ ‫شعارات تنادي برحيل االسد‪ ،‬فجاءت ردة فعل‬ ‫عدد من مسؤولي النظام مع أهل األوالد يشوبها‬ ‫الكثير من العنف‪ ،‬والعجرفة والوقاحة‪.‬‬ ‫األسد‪ ،‬الحريري وانهال عليه بالتهديد‪ ،‬وفرض‬ ‫عليه قبوله وكتلته البرلمانية للتمديد‪“ .‬لم تكن‬ ‫هذه طريقة ابيه في التعامل‪ ،‬ولكن سوريا كانت‬ ‫اصبحت دولة بشار”‪ ،‬يكتب عجمي‪ ،‬الذي يعتبر‬ ‫ان حافظ كان “سيد االستراتيجية في دمشق‪..‬‬ ‫وكان الصبر ابرز صفاته‪ ،‬ونجح بشكل منهجي‬ ‫في اخراج او تهميش الالعبين الخارجيين‬ ‫اآلخرين في لبنان‪ ،‬وترك للبنانيين سيادة وطنية‬ ‫فارغة”‪.‬‬ ‫في شباط (فبراير) ‪ ،2005‬اغتيل الحريري في‬ ‫بيروت‪ .‬يعتقد عجمي ان السوريين ضالعون‬ ‫بالجريمة‪ ،‬وان قتلة الحريري “لم يعلموا ان‬ ‫في ضحيتهم هذه الكمية من الدماء” التي سالت‬ ‫بغزارة‪ ،‬وان “شبح الحريري برهن انه اقوى‬ ‫من الرجل نفسه”‪.‬‬ ‫لكن المتغيرات الدولية مرة اخرى‪ ،‬وخصوصا‬ ‫تراجع الصقور داخل ادارة الرئيس االميركي‬ ‫السابق جورج بوش‪ ،‬فرضت نفسها على‬ ‫اللبنانيين‪ ،‬ووفرت لألسد مخرجا من عزلته‬ ‫الدولية ومأزقه‪ ،‬حتى اضطر وريث الحريري‪،‬‬ ‫ابنه سعد‪ ،‬الى “التضحية بذكرى والده على مذبح‬ ‫الواقعية” بزيارته األسد في دمشق‪« .‬الفرنسيون‬ ‫واألميركيون والخليجيون لم يقدروا على موازنة‬ ‫قوة محور ايران ـ سوريا ـ حزب اهلل» في لبنان‪،‬‬ ‫يقول عجمي‪.‬‬ ‫ثم اندلع “الربيع العربي” في تونس‪ ،‬وامتد‬ ‫الى دول أخرى‪ ،‬لكن بشار األسد أدلى بمقابلة‬ ‫لصحيفة “وال ستريت جورنال” قال فيها‬ ‫كلمته إن “سوريا ليست ليبيا” واعتبر فيها ان‬ ‫خياراته في مواجهة اسرائيل‪ ،‬والتي تتطابق مع‬ ‫خيارات شعبه‪ ،‬تحميه وتؤمن بقاء نظامه‪ .‬ويقول‬ ‫عجمي انه بسبب االحداث اللبنانية في السنوات‬ ‫السابقة‪ ،‬صار بشار يعتقد بامكانية استناده الى‬ ‫الصراع السني ـ الشيعي في المنطقة كقوة كافية‬ ‫لتأمين استمراره في الحكم‪ .‬لكن ذلك لم يحصل‪،‬‬ ‫وانتفض السوريون للمطالبة بإنهاء ديكتاتورية‬ ‫آل األسد‪.‬‬

‫ويعرج عجمي على تقرير اصدرته “مجموعة‬ ‫األزمات الدولية” وجاء فيه‪“ :‬للمفارقة‪ ،‬النظام‬ ‫جاء من نفس المحافظات التي تنتفض اليوم‬ ‫ضده”‪ .‬ويضيف انه “كما هي العادة مع االنظمة‬ ‫التي يفاجأها التاريخ وهي غير مستعدة”‪ ،‬كانت‬ ‫ردة فعل نظام بشار األسد في مواجهة الثورة‬ ‫السورية هي عبارة عن مزيج من “الدموية‬ ‫والوعود باالصالح”‪.‬‬ ‫ويكتب عن المواقف الدولية بالقول ان روسيا‬ ‫والصين‪ ،‬مارستا حق النقض الفيتو في مجلس‬ ‫االمن الدولي ضد القرارت المعنية بسوريا‪،‬‬ ‫ألن “في بال الصينيين كان موضوع التيبيت”‬ ‫التي يحتلونها‪ ،‬فيما كان “الروس يفكرون‬ ‫بالشيشان”‪ .‬وبفطنة يقدم عجمي حكمته لتلخيص‬ ‫الموضوع‪ ،‬ويقول “ان االستبداد ال يتجزأ‪،‬‬ ‫والمظاهرات الشعبية تشكل تهديدا لكل ما تمثله‬ ‫هاتان االوتوقراطيتان”‪.‬‬ ‫ثم يوسع عجمي هجومه ليشمل موقف دول‬ ‫غير دائمة العضوية في المجلس‪ ،‬والتي ساندت‬ ‫األسد‪ ،‬مثل الهند والبرازيل وجنوب افريقيا‪،‬‬ ‫ويكتب‪“ :‬اذا كانت هذه القوى ترغب في دور‬ ‫اكبر حول العالم‪ ،‬واذا كانت ترغب في عضوية‬ ‫دائمة في المجلس‪ ،‬فإن تنازلها االخالقي يشكل‬ ‫دليال على انها ما زالت غير مستعدة لتحمل‬ ‫عبء الحفاظ على نظام عالمي الئق”‪.‬‬ ‫ويضيف ان “عار الهند ـ اكبر ديمقراطية في‬ ‫العالم ـ يحسب عليها‪ ،‬فالهند تفكر دائما في‬ ‫كشمير وفي مبدأ وجوب عدم التدخل الدولي في‬ ‫اي سيادة وطنية مهما كان ثمن”‪ .‬اما البرازيل‪،‬‬ ‫“فيقال انها صدقت ادعاءات النظام السوري‬ ‫حول حمايته للمسيحيين‪ ،‬فيما جاءت جنوب‬ ‫افريقيا الى الموضوع مع ادائها المخزي في‬ ‫الموضوع الليبي”‪.‬‬ ‫ويمضي عجمي في ذمه للمعارضين للتدخل‬ ‫الدولي في سوريا لالطاحة باألسد‪ ،‬ويقول انه‬


‫الدويالت‪ ،‬مثل العلوية‪ ،‬لم تتوافر لديها االمكانيات‬ ‫الدارة شؤونها بعد غياب الفرنسيين‪ ،‬صارت وحدة‬ ‫دولتي العلويين والدروز ممكنة مع سوريا دمشق‬ ‫وحلب‪.‬‬

‫ال سوريا عموما‪ ،‬وهو اختيار موفق‪ ،‬فحافظ‬ ‫األسد حكم سوريا رئيسا لثالثة عقود‪ ،‬وشارك‬ ‫في صناعة تاريخها لمدة عقد او اكثر قبل توليه‬ ‫السلطة‪ .‬فاألسد االب‪ ،‬على الرغم من عضويته في‬ ‫“حزب البعث العربي االشتراكي” الذي كان يبشر‬ ‫بالوحدة العربية‪ ،‬كان من الناشطين إلنهاء وحدة‬ ‫سوريا مع مصر عبدالناصر‪ .‬وفي الستينات‪ ،‬كان‬ ‫األسد حاضرا الى جانب زميله البعثي حاكم سوريا‬ ‫صالح جديد‪ ،‬وتبوأ االسد مناصب قيادية كوزير‬ ‫دفاع ورئيس حكومة‪ .‬وبعد وفاته في العام ‪،2000‬‬ ‫ورث ابن االسد‪ ،‬بشار‪ ،‬حكم البالد‪ ،‬وهو المنصب‬ ‫الذي مازال يشغله حتى اليوم‪.‬‬ ‫اذن‪ ،‬على مدى نصف قرن‪ ،‬منذ انفراط الوحدة في‬ ‫العام ‪ 1961‬وحتى اندالع الثورة السورية في العام‬ ‫‪ ،2011‬لعب حافظ ثم بشار االسد دورا اساسيا في‬ ‫رسم احداث سوريا‪ .‬لكن قبل االحاطة بالظروف‬ ‫التي رافقت حكم األسدين‪ ،‬وتقديم مقارنة بين‬ ‫شخصيتي االب واالبن وتأثير كل منها على‬ ‫مجريات االحداث‪ ،‬يقدم عجمي لمحة عن المرحلة‬ ‫التي ادت الى صناعة سوريا ككيان سياسي في‬ ‫شكله الراهن‪.‬‬ ‫ينقل عجمي عن المؤرخ الكبير متي موسى‪ ،‬انه‬ ‫مع انحسار نفوذ االنتداب الفرنسي في سوريا‪،‬‬ ‫قدم عدد من وجهاء الدولة العلوية عريضة‬ ‫الى الفرنسيين في العام ‪ 1936‬تطالب باريس‬ ‫باالبقاء على استقالل الدولة وعدم السماح بضمها‬ ‫للجمهورية السورية وعاصمتها دمشق‪ .‬وكان من‬ ‫الموقعين على العريضة‪ ،‬المدعو سليمان‪ ،‬والد‬ ‫حافظ االسد‪.‬‬ ‫من دون الخوض في تفاصيل “الثورة السورية‬ ‫الكبرى” التي اندلعت في العام ‪ 1920‬ضد حكم‬ ‫الفرنسيين‪ ،‬يتوصل عجمي الى استنتاج مفاده ان‬ ‫األقليات عموما كانت معادية النخراط دويالتها‬ ‫التي انشأها الفرنسيون في الجمهورية السورية‪،‬‬ ‫فيما كانت األغلبية السنية من اهل المدن من‬ ‫اصحاب الوجاهة واالراضي الزراعية الشاسعة‪،‬‬ ‫والمصالح التجارية في عموم الدولة هي التي‬ ‫تحرض ضد مشروع الفرنسيين في االبقاء على‬ ‫الدويالت‪ ،‬وتسعى ـ غالبا بدعم بريطاني منافس‬ ‫ـ الى انشاء دولة عربية موحدة تضم الى سوريا‬ ‫المؤلفة من واليتي دمشق وحلب‪ ،‬دولة العلويين‬ ‫في الشمال‪ ،‬والدروز في الجنوب‪ ،‬ولبنان المجاور‬ ‫ذات األغلبية المسيحية‪.‬‬ ‫ال شك انه لم يكن متاحا لعجمي الخوض في‬ ‫تفاصيل موضوع الدويالت وتوحدها‪ ،‬والحقا‬ ‫الوحدة مع مصر‪ ،‬في كتاب يهدف الى القاء‬ ‫الضوء على الثورة السورية الحالية‪ ،‬لكن يمكن‬ ‫للمهتمين مطالعة كتاب “الثورة السورية الكبرى”‬ ‫الذي اصدره في العام ‪ 2005‬مايكل بروفنس‪ ،‬وهو‬ ‫اكاديمي متميز عمل في “الجامعة االميركية في‬ ‫بيروت”‪ .‬في كتابه‪ ،‬يقول بروفنس ان االقليات‬ ‫كالعلويين والدروز آثروا البقاء خارج دولة دمشق‪،‬‬ ‫وان ثورة الدروز في الجنوب اندلعت السباب‬ ‫العدد ‪ - 1575‬سبتمبر ‪ /‬أيلول ‪2012‬‬

‫ولكن حتى بعدما انخرطت االقليات السورية في‬ ‫الجمهورية بشكلها الحالي‪ ،‬لم يتحول السوريون‬ ‫الى مجتمع متجانس بل استمر االنقسام بين الغالبية‬ ‫السنية الحاكمة وابناء االقليات المحرومة‪ ،‬وتحولت‬ ‫االحزاب الراديكالية القومية والجيش الى ادوات‬ ‫يمتطيها ابناء االقليات ليقارعوا سيطرة الغالبية‬ ‫السنية المدينية على مقدرات الحكم والدولة‪.‬‬

‫فؤاد عجمي‬

‫مختلفة عن الوحدة‪.‬‬ ‫يعتقد بروفنس ان الدروز ثاروا اوال ضد محاولة‬ ‫الفرنسيين اخضاعهم لحكم مباشر مقارنة بما يشبه‬ ‫الحكم الذاتي الذي كان العثمانيون يمنحونهم اياه‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬ال بد ان قائد الثورة‪ ،‬سلطان باشا االطرش‬ ‫الذي تلقى علوما في اسطنبول‪ ،‬كان متأثرا بحرب‬ ‫االستقالل التي كان يخوضها في ذلك الوقت كمال‬ ‫مصطفى (اتاتورك) ضد الحلفاء من اجل استقالل‬ ‫تركيا‪ .‬ثالثا‪ ،‬كانت تربط االطرش وكبار مزارعي‬ ‫الدروز عالقات تجارية وطيدة مع وجهاء وتجار‬ ‫دمشق‪ ،‬فحوران‪ ،‬اي منطقة الدروز الجنوبية‪،‬‬ ‫كانت بمثابة مخزن القمح الستهالك دمشق‬ ‫والمناطق المجاورة‪ ،‬وهو ما كان يعني ان التقسيم‬ ‫قد يحرم الدروز من سوق كبير النتاجهم القمحي‪.‬‬ ‫ال يخوض عجمي في االسباب التي يقدمها‬ ‫بروفنس‪ ،‬ولكنه يبني على مقتضاها‪ ،‬فالغالبية‬ ‫السنية المدينية في سوريا كانت في موقع سياسي‬ ‫واقتصادي واجتماعي افضل من االقليات عموما‪،‬‬ ‫باستثناء اللبنانية المسيحية والتركية في سنجق‬ ‫انطاكية واليهودية في فلسطين‪ .‬ومع اقتراب‬ ‫العالم من الحرب العالمية الثانية وانحسار نفوذ‬ ‫فرنسا وبريطانيا في المنطقة‪ ،‬وبما ان بعض هذه‬

‫حافظ األسد‬ ‫الرجل الذي صنع‬ ‫هذا النظام أدرك‬ ‫ان بقاءه وبقاء سيادة اقليته‬ ‫كانا يرتبطان بوحدة‬ ‫طائفته العلوية‬ ‫وبإبقاء السنة‬ ‫منقسمين ومسالمين‬

‫لم تتأخر نتائج هذه المواجهة‪ ،‬فسوريا نالت‬ ‫استقاللها التام من الفرنسيين في العام ‪،1946‬‬ ‫وما هي اال ثالث سنوات حتى قام سامي الحناوي‬ ‫باول انقالب عسكري‪ ،‬وكرت السبحة من بعده‬ ‫وساد عدم االستقرار السياسي الكثر من عقدين‬ ‫من الزمن حتى نجح االسد‪ ،‬الذي صادق الضباط‪،‬‬ ‫في خلع جديد‪ ،‬الذي خلع بزته العسكرية وصادق‬ ‫السياسيين‪ ،‬كما يقول عجمي‪.‬‬

‫حكم أسرة األسد‬ ‫“عندما وصلت أسرة االسد الى السلطة‪ ،‬كانت‬ ‫سوريا دولة زراعية يبلغ عدد سكانها ست‬ ‫ماليين”‪ ،‬يكتب عجمي‪ .‬اما مع اندالع الثورة‬ ‫السورية في مارس (آذار) ‪ ،2011‬فقد “كانت‬ ‫البالد قد اصبحت مدينية ووصل عدد سكانها‬ ‫الى ‪ 22‬مليونا»‪ .‬وفي العقود األربعة الفاصلة‬ ‫بين التاريخين‪ ،‬عمل حافظ األسد على تغيير‬ ‫وجه سوريا بشكل جذري حتى اختلفت كثيرا‬ ‫عما كانت عليه في الماضي‪.‬‬ ‫ويكتب عجمي ان النظام‪ ،‬وقاعدته االجتماعية‪،‬‬ ‫ونواته العلوية يمكن القول انهم عملوا على‬ ‫“ترييف” دمشق‪ ،‬وهذه صورة يتفق فيها‬ ‫مع السوسيولوجي العراقي فالح عبدالجبار‪،‬‬ ‫الذي يرسم صورة مشابهة لـ “ترييف” المدن‬ ‫العراقية‪ ،‬وخصوصا بغداد‪ ،‬ابان وصول صدام‬ ‫حسين وبعثه ونواته التكريتية الى الحكم في‬ ‫العاصمة العراقية‪ .‬ويضيف عجمي‪“ :‬ماديا‪،‬‬ ‫كان الريف يفيض الى المدينة‪ ..‬وكان هناك‬ ‫تغيير ثقافي‪ :‬وصول الفالحين الى السلطة”‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬افرغ حافظ األسد الدولة السورية من‬ ‫معناها‪ .‬انشأ دولة خوف وأجهزة مخابراتية‬ ‫متنافسة تأتمر بأوامره وحده‪ ،‬واستورد‬ ‫ثقافة عبادة الفرد من الدول الشيوعية واتكأ‬ ‫خصوصا‪ ،‬يقول عجمي‪ ،‬الى موضوع‬ ‫الصراع الفلسطيني ـ االسرائيلي‪ ،‬فاألسد‪ ،‬من‬ ‫دون هذا الصراع‪ ،‬ليس إال “طاغية علويا”‪.‬‬ ‫بيد ان تغييرات األسد طالت حتى طائفته العلوية‪.‬‬ ‫ينقل عجمي عن كاتب علوي من آل وطفة قوله‬ ‫ان آل األسد “عسكروا” العلويين وحولوهم الى‬ ‫حرس امبراطوري‪ ،‬وهو ما أدى الى تدهور‬ ‫‪39‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫تمثال لحافظ األسد في حمص‬

‫فؤاد عجمي‪ ..‬التم ّرد السوري واستمرار المأزق العربي‬

‫سوريا األسد‬

‫كان المؤرخ الراحل كمال الصليبي يروي في مجالسه الخاصة‪ ،‬أن الفتيات السوريات كن يأتين الى لبنان من منطقتي جبال العلويين‬ ‫ووادي النصارى المجاور‪ ،‬في الشمال الغربي لسوريا‪ ،‬للعمل في خدمة المنازل‪ .‬ويقول الصليبي‪ ،‬ان ظروف معيشة السوريات كانت‬ ‫صعبة‪ ،‬فربات المنازل اللبنانيات اللواتي كن يأوينهن‪ ،‬غالبا ما كن يحلقن لهن شعورهن بالموسى‪ ،‬لتفادي اثارة غرائز رب المنزل‪.‬‬ ‫حسين عبد الحسين‬

‫وكانت “العلية”‪ ،‬وهي مساحة لتخزين كل ما هو‬ ‫ال حاجة له‪ ،‬وغالبا ما تأوي زواحف وقوارض‬ ‫البيت‪ ،‬هي الغرفة المخصصة للخادمات السوريات‬ ‫اللواتي كن يعملن بأجور زهيدة جدا‪.‬‬ ‫قد ال يتذكر الكثير من اللبنانيين اليوم ذلك الزمن‬ ‫يوم كانت العلويات والنصرانيات‪ ،‬ينزحن الى‬ ‫لبنان للعمل في خدمة المنازل في ظروف مذلة‪.‬‬ ‫لكن المشهد لم يفارق فؤاد عجمي‪ ،‬استاذ العلوم‬ ‫السياسية المتقاعد في جامعة جونز هوبكنز‪ ،‬حتى‬ ‫بعد السنين الطويلة الفتراقه عن بلده االم‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪8‬‬

‫وهجرته الى الواليات المتحدة‪ ،‬وكأنه ال ينقص‬ ‫هذا الرجل صاحب المعرفة الموسوعية واألسلوب‬ ‫الكتابي الشيق والفريد‪ ،‬اال تضمين كتبه روايات من‬ ‫الذاكرة الشعبية‪ ،‬فيتحول كتابه عن الثورة السورية‪،‬‬ ‫الصادر مؤخرا‪ ،‬الى نص جميل وغني يدفع القارئ‬ ‫الى التمني بأن يطول الكتاب أكثر فأكثر‪.‬‬ ‫في ذاكرة عجمي صورتان عن سوريا من سني‬

‫أبي طالب‪ ،‬في ضواحي دمشق‪ ،‬فكانت غالبا ما‬ ‫تزور وتصطحبه معها‪ .‬وفي سنين شبابه‪ ،‬التحق‬ ‫عجمي بكثيرين ممن ذهبوا الى سوريا لرؤية‬ ‫الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر‪ ،‬الذي‬ ‫وقف على شرفة دمشقية يتأمل جمهوريته العربية‬ ‫المتحدة التي تشكلت في العام ‪ ،1958‬وانفرط‬ ‫عقدها بعد ثالث سنوات‪.‬‬

‫صباه‪ ،‬فهو كلبناني من جنوب لبنان وعلى المذهب في التاريخ‬

‫الشيعي‪ ،‬كانت والدته ممن يتبركون بزيارة‬ ‫ضريح “السيدة زينب”‪ ،‬اخت الحسين بن علي بن‬

‫يختار عجمي ان يروي قصة “سوريا األسد”‬


‫أساطير‬ ‫حول‬ ‫سيد قطب‬

‫‪28‬‬ ‫صـــــ‬


‫المحتوى‬

‫ليبيا ما بعد‬ ‫جماهيرية‬ ‫القذافي!‬

‫‪40‬‬ ‫صـــــ‬

‫‪08‬‬

‫شؤون سياسية‬

‫‪12‬‬

‫المدرسة الواقعية و«الربيع العربي»‬ ‫استراتيجية التوازن‬ ‫بقلم‪ :‬زاكري كيك‬

‫‪16‬‬

‫‪6‬‬

‫التمرد السوري واستمرار‬ ‫فؤاد عجمي‪ّ ..‬‬ ‫المأزق العربي‬ ‫سوريا األسد‬ ‫بقلم‪ :‬حسين عبد الحسين‬

‫تحقيق‬

‫اإلخوان المسلمون و «سي آي إيه»‪..‬‬ ‫عالقات قديمة متجددة‬ ‫مصالح مشتركة‬ ‫بقلم‪ :‬عز الدين سنيقرة‬

‫‪ 50‬صحافة عالمية‬

‫هل تجعل إيران النووية الشرق األوسط‬ ‫أكثر أمنا؟‬ ‫إيران والقنبلة‬ ‫بقلم‪ :‬كينيث إن‪ .‬والتز وكولين كال‬

‫‪54‬‬

‫العقالنية ليست السبيل الوحيدة لالحتواء‬ ‫دروس من العراق‬ ‫بقلم‪ :‬أماتسيا برعام‬

‫‪ 62‬كتب‬

‫معرض الرياض الدولي للكتاب‪..‬‬ ‫ماذا يقرأ السعوديون؟‬ ‫بقلم‪ :‬رشيد الخيُّون‬


‫الكتاب املساهمون‬ ‫في هذا العدد‬ ‫علي العميم‬ ‫كاتب وصحافي وناقد ومؤرخ سعودي عمل صحافياً في مجلة اليمامة‪،‬‬ ‫زاول الكتابة في الجرائد التالية‪ :‬الرياض‪ ،‬اليوم‪ ،‬واالقتصادية‪ .‬عمل صحافياً‬ ‫متفرغاً في جريدة الشرق األوسط‪ ،‬كما عمل صحافياً وكاتباً في جريدة‬ ‫الرياض‪.‬‬ ‫من مؤلفاته «شيء من النقد شيء من التاريخ‪ :‬آراء في الحداثة والصحوة وفي‬ ‫الليبرالية واليسار» و عبداهلل النفيسي‪ :‬الرجل‪ ،‬الفكرة‪ ،‬التقلبات‪ :‬سيرة غير‬ ‫تبجيلية» و العلمانية والممانعة اإلسالمية‪ :‬محاورات في النهضة والحداثة»‪.‬‬

‫د‪ .‬رشيد الخيّون‬ ‫باحث وكاتب عراقي متخصص في الفلسفة اإلسالمية‪ .‬نال شهادة الدكتوراه‬ ‫في صوفيا في الفلسفة اإلسالمية سنة ‪( 1991‬فلسفة المعتزلة)‪ .‬درس الفسلفة‬ ‫في مرحلة البكالوريوس‪ ،‬والفسلفة اإلسالمية في مرحلة الدراسات العليا‪ .‬من‬ ‫مؤلفاته «مذهب المعتزلة من الكالم إلى الفلسفة» و «تلخيص البيان في ذكر‬ ‫اهل االديان» و «المجتمع العراقي (تراث التسامح والتكاره)» و «‪ 100‬عام‬ ‫من اإلسالم السياسي بالعراق» و «أمالي السيد طالب الرفاعي»‪ .‬الخيّون‬ ‫يقيم حاليا في لندن وهو كثير الترحال مشرقا ومغربا محاضرا في الفلسفة‬ ‫اإلسالمية وداعيا للتحابب بين المذاهب ومعرفا بها وبأصولها وتاريخها‪.‬‬

‫زاكري كيك‬ ‫باحث في مركز األمن األمريكي الجديد وسبق له العمل في برنامج األمن‬ ‫القومي مع فريق جوزيف ناي ألبحاث األمن القومي في أمريكا‪ .‬يدرس‬ ‫العلوم السياسية والعالقات الدولية ومتخصص في شؤون األمن الحديثة‬ ‫وبخاصة الحد من مخاطر االنتشار النووي‪ .‬وهو نائب رئيس تحرير‬ ‫«إنترناشيونال ريليشين» ومساعد رئيس تحرير «ذا ديبلومات»‪ .‬وتنشر‬ ‫مقاالته بالمواقع اإللكترونية لـ»فورين أفيرز» و»فورين بوليسي»‪ ،‬و»ذا‬ ‫أتالنتيك»‪ ،‬و»وورلد بولتيكس ريفيو» و»ذا ناشيونال إنتريست»‪ ،‬وغيرها‬ ‫من المنابر اإلعالمية‪.‬‬

‫حسين عبد الحسين‬ ‫صحافي لبناني خريج «الجامعة االميركية في بيروت» حيث درس فيها‬ ‫التاريخ‪ .‬يقيم في الواليات المتحدة األميركية وهو مدير مكتب جريدة الراي‬ ‫الكويتية في واشنطن‪ .‬صاحب مدونة على موقع «المجلة» العربي بعنوان‬ ‫«من واشنطن» وسبق أن عمل منتجا لألخبار والبرامج مع قناة الحرة كما‬ ‫عمل مراسال ثم محررا مع صحيفة دايلي ستار اللبنانية وينشر دوريا في‬ ‫جريدة النهار اللبنانية كما له مقاالت عديدة نشرتها كبرى الصحف االميركية‬ ‫مثل نيويورك تايمز‪ ،‬واشنطن بوست‪ ،‬كريسشان ساينس مونيتور‪ ،‬يو اس اي‬ ‫توداي‪ ،‬هيرالد تريبيون‪ ،‬وبالتيمور صن كما شارك في برامج تلفزيونية على‬ ‫قنوات اميركية مثل سي ان ان‪ ،‬ام اس ان بي سي وبريطانية مثل بي بي سي‪.‬‬


‫اإلفتتاحية‬

‫المحرر‬ ‫رسالة‬ ‫ّ‬ ‫يطل الكاتب والصحافي السعودي علي العميم مجددا على قراء «المجلة» بعد طول غياب بمقال عن‬ ‫سيرة سيد قطب‪.‬‬ ‫علي العميم صاحب «شيء من النقد شيء من التاريخ‪ :‬آراء في الحداثة والصحوة وفي الليبرالية‬ ‫واليسار» و «العلمانية والممانعة اإلسالمية‪ :‬محاورات في النهضة والحداثة»‪ ،‬يعرض في نقده لترجمة‬ ‫كتاب سيد قطب «العدالة االجتماعية في اإلسالم» للكاتب األميركي واألستاذ في قسم دراسات الشرق‬ ‫األدنى بجامعة كاليفورنيا – بيركلي حامد ألجار‪ ،‬أخطاء كل من كتب حول سيد قطب وسيرته ومسيرته‪.‬‬ ‫ومن خالل مقاله "أساطير حول سيد قطب" يعرض العميم‪ ،‬الباحث والناقد والمؤرخ‪ ،‬فترة مهمة وفاصلة‬ ‫من تاريخ سيد قطب وجماعة اإلخوان المسلمين ويصوّب أخطاء وقع فيها الكاتب األميركي وغيره من‬ ‫غربيين كثر‪ ،‬أسرتهم الرواية اإلخوانية فحوّلتهم إلى متشيعين سياسياً وعقدياً إلسالم سيد قطب وإسالم‬ ‫اإلخوان المسلمين ما يشوّه التاريخ ويحوله إلى رواية ذات طابع دعائي‪ ،‬محشوة بالمبالغات التي تتضمن‬ ‫قدراً من حكايات مخترعة وحزمة من العبارات الملفقة‪.‬‬ ‫وفي تحقيق بعنوان "اإلخوان المسلمون و "سي آي إيه"‪ ..‬عالقات قديمة متجددة" تعرض "المجلة"‬ ‫بالوثائق موضوع عالقة اإلخوان المسلمين ووكالة االستخبارات األميركية الذي يكثر حوله النقاش‪.‬‬ ‫عالقات تؤكد وثائق "سي اي ايه" نفسها وجودها منذ خمسينات القرن الماضي وبخاصة خالل فترة‬ ‫الحرب الباردة بين الواليات المتحدة واالتحاد السوفياتي‪ ،‬التي لعب خاللها اإلخوان دورا مهما في‬ ‫مقاومة الم ّد الشيوعي‪.‬‬ ‫في العدد أيضا تحقيق عن ليبيا ما بعد القذافي استطلع فيه الكاتبان الليبيان عبد الجليل الساعدي وجمعة‬ ‫بوكليب آراء عدد من السياسيين والعسكريين والمواطنين الليبيين والكتاب العرب حول ليبيا الجديدة بعد‬ ‫أربعة عقود من حكم العقيد‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه الموضوعات وغيرها الكثير على موقعنا اإللكتروني ‪majalla.‬‬ ‫‪ com/ar‬ونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على الموضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في‬ ‫التواصل معنا‪.‬‬

‫احملرّر‬


‫أسسها سنة ‪1987‬‬

‫األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز‬

‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬

‫الرئيس التنفيذي‬ ‫الدكتور عزام الدخيل‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫عادل بن زيد الطريفي‬ ‫مدير التحرير‬ ‫عزالدين سنيقرة‬ ‫للمشاركة‬

‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع المقاالت يجب أال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬

‫اشتراكات‬

‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في االلكترونية‪www.issuu.com/majalla :‬‬

‫تنويه‬

‫اآلراء الواردة في المجلة ال تعبر بالضرورة عن رأي إدارة التحرير‬ ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‪ .‬وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها‬ ‫أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق‬ ‫(شركة محدودة)‪ .‬وتصدر المجلة شهرياً‪ .‬لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة ‪www.majalla.com‬‬

‫‪Issue 1575 - September 2012‬‬

‫العدد ‪ 1575‬سبتمبر ‪ -‬ايلول ‪2012‬‬ ‫مرخص لها‬

‫الرياض ‪ -‬حي المؤتمرات ‪ -‬طريق مكة ‪ -‬تقاطع التخصصى‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 4419933‬لندن‪+44 207 831 8181 :‬‬

‫‪A Monthly Political News Magazine‬‬

‫‪www.majalla.com/eng‬‬

‫‪HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd‬‬ ‫‪Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP‬‬ ‫‪Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310‬‬

‫الوكيل اإلعالني‬

‫موقع إلكتروني‪ ،www.alkhaleejiah.com :‬بريد إلكتروني‪hq@alkhaleejiah.com :‬‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

‫بريد إلكتروني‪ ، info@arabmediaco.com :‬موقع إلكتروني‪ ،www.arabmediaco.com :‬هاتف مجاني‪ 800-2440076 :‬‬

‫وكيل التوزيع‬

‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات ‪ -‬ص‪.‬ب ‪ - 62116‬الرياض ‪ ،11585‬هاتف‪ +966 1 4419933 :‬فاكس‪،+966 1 2121774 :‬‬ ‫موقع إلكتروني‪www.saudidistribution.com :‬‬

‫مركز الطباعة‬

‫ص‪.‬ب‪ - 121 .‬الرياض ‪ ،11383‬هاتف ‪ ،+9661.2657000‬فاكس ‪ ،+9661.2658000‬موقع إلكتروني‪www.halaprintco.com :‬‬

‫من داخل المملكة ‪ ،920 000 417 :‬دبي‪ ،+9714 3 914440 :‬باريس‪ ، +331 537 764 00:‬لندن‪ ، +44 207 404 6950:‬ومن مختلف الدول ‪+966 1 441 1444 :‬‬

‫شركات المجموعة‬ ‫‪Saudi Specialized Publishing Company‬‬

‫للحصول على المزيد من المعلومات‪ ،‬يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني ‪ 8002440014‬‬ ‫حقوق النشر لهذه المطبوعات‬ ‫باللغة العربية مرخصة «المجلة»‬

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم»‬

‫صورة الغالف‪ :‬جون روبرتس حقوق النشر محفوظة لـ "‬

‫"‬


AN A MER ICAN EDUCATION A BR ITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.

45

+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla 2012 ‫ يناير‬،1569 ‫العدد‬ today to download our catalog and viewbook.


‫ح�سني عبد احل�سني‪ :‬فوؤاد عجمي والتم ّرد ال�سوري‬ ‫د‪ .‬ر�سيد اخل ّيون‪ :‬ماذا يقراأ ال�سعوديون؟‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫العدد ‪ ،1575‬سبتمبر‪-‬أيلول ‪2012‬‬

‫زاكري كيك‪ :‬املدر�سة الواقعية والربيع العربي‬

‫يف نقد �لباحث �لأمريكي‬ ‫حامد �أجلار ورو�يته عن‬ ‫تاريخ �لإخو�ن يف م�سر‬

‫�أ�ساطري حول‬ ‫�سيد قطب‬ ‫علي العميم‬

‫للحصول على العدد‬ ‫استخدم هاتفك الذكي‬ ‫ملسح هذا الرمز‬

‫‪09‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬

‫‪Issue 1575‬‬

‫‪The Majalla‬‬

‫حتقيق‪� :‬لإخو�ن و �لـ «�سي �آي �إيه»‪ ..‬عالقات قدمية متجددة‬ ‫تغري يف جماهريية �لقذ�يف‬ ‫تقرير‪ :‬ليبيا‪ ..‬ماذ� رّ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.