الكلمة الأخرية
تجمعت األيام ،كخرزات مسبحة ،حتى مرت على العراق الجديد إحدى عشرة سنة ،منذ االجتياح فالسقوط، وها نحن نعدها بأربعة آالف وخمسة عشر يوما ،بنهاراتها ولياليها .بل هناك من عدها بساعاتها ودقائقها وثوانيها ،وهو يواجه املوت في كل لحظة .يومها ،تعاقب عند الحدود السابقون والالحقون ،أولئك خرجوا وهؤالء دخلوا ،وكان حينها األمل قويا في عراق خال من الديكتاتورية واالضطهاد. إن نسينا ال ننس ذلك الشاب الذي وارته أمه في حفرة تحت أرضية الدار ،وظل حبيسا فيها لعشرين سنة ،وال يعرف بخبره سوى األم ،خرج يومها وتحدث عن قبره ،وقد رأيناه شبح إنسان .غير أن املبكي املضحك أنه خرج من حفرة إلى القتل على الهوية ،وانقطعت أخباره عنا ،والذين عادوا باحثني عن تحقيق أحالمهم الضائعة ،في ظل أيام البطش والحصار والحرب ،أسقطوها من ذاكرتهم ،فما حصل ال في العلم وال في الحلم. كنت كتبت عن ذلك اليوم ،ونشر في يوم سقوط التمثال ( 9أبريل «نيسان» )2003تحت عنوان« :صبح األصباح» («الشرق األوسط») ،وكلما مرت الذكرى أتذكر املقال ،وأعود لقراءته ،أضحك في داخلي ضحكة الحزين ،وال تستغربوا الضحك مع الحزن ،فهو نوع من الشرود ،وقد يصنف بضرب من ضروب الجنون. مرت سنة وسنتان وثالث ونحن ننفخ في رماد ،عبر مقاالت ولقاءات ،ندافع عن النظام الجديد ،نقنع أنفسنا بشيء قد يحدث ،وسيتوقف املوت املجاني ،لكن الزمن طال ،وها هي السنة الحادية عشرة تمر ،وقد فرغ الصبر واشتقنا للمعارضة من جديد ،وها نحن عدنا نعتصم ونتظاهر أمام السفارات ،ليس ضد حاكم ،مثلما كنا سابقا ،إنما ضد حاكمني ،ضد قوانني تريد دفع العراق إلى ما قبل التاريخ ،وأخذنا نرغبهم في القرن الرابع الهجري والعاشر امليالدي ،أو قبل مائة عام ،كي يرتدعوا ويكفوا عن أخذ البالد إلى املجهول!
بقلم :ر�شيد اخل ُّيون
كنا موحدين ضد نظام طغى ،وليس لبشر سوي أن ينفي أو يلغي ذلك الطغيان ،مع أننا نعذر غير الذائقني عذاباته ،لكن ما حصل ،خالل هذه اإلحدى عشرة سنة ،جعل حجتنا تضعف وتحول صراخنا إلى همس. ليس ألننا لم نكن على حق في دعوانا ،إنما اإلنسان ابن لحظته ،فعندما ينظر إلى األيام الخوالي ال يراها إال بما ينتقي ويقابل بها الحاضر .أقرب الصورة أكثر ،إذا كنت ترى سفح جبل من على بعد فال ترى إال لونه ،بأشواكه ووروده ،حتى املاء عن بعد يختلط بالصخور وتراهما واحدا ،لكن عندما تقترب منه تعزل األشياء بعضها عن بعض ،فاملاضي صار بعيدا والحاضر ما نحن فيه.
العراق ..بعد أحد عشر حوال
عندما ننتقد رئيس الوزراء يقولون لنا ،وهم معارضة األمس وكنا معهم ،صدام حسني (أعدم )2006أفضل؟ إنهم يتصورون بهذا السؤال أنهم يحبسون كلماتنا، وتناسوا أننا كنا معهم ،بل أكثر منهم في تلك املواجهة .أخذوا يمنون علينا أن الصحافة تكتب والفضائيات تقول ما تريد ،أال يكفي هذا؟ لكن مئات الصحافيني واإلعالميني قتلوا بكاتم صوت وانفجار؟! نعم ،لم يصل املنع إلى ممنوعات النظام السابق ،والسبب ليس ألنهم ديمقراطيون ،بل ألنهم ليسوا أقوياء كفاية كي يمنعوا باملطلق .فترى مواجهتنا ضدهم ملنعهم من الوصول إلى ذلك املستوى ،مع أنهم يقطعون خطوات في ذلك االتجاه.
إن إحدى عشرة سنة تعني جنينا يتكون في رحم أمه ويولد وينهي املدرسة االبتدائية ،بل ضمن القانون الجعفري لألحوال الشخصية ،الذي أقره مجلس الوزراء العراقي ،في الشهر املاضي ،يعني ذلك الرقم أن طفلة ولدت فتزوجت ومر على زواجها سنتان ،ألن القانون أقر رسميا الزواج للبنت تسعة أعوام! فتخيل العراق إلى أي ماض يتجه. خالل هذه السنوات ،تصاعد إنتاج النفط ،وسمنت امليزانية العامة وسمنت رقابهم أكثر منها ،واملعركة مستمرة في كل عام حولها ،ووصلت هذا العام إلى مائة وخمسني مليار دوالر ،وهي تكفي ألربع دول ،خالل هذه األعوام صعد اسم العراق في الفساد املالي إلى أعلى املستويات الدولية .صعد الحس الطائفي إلى درجة مخيفة ،كنا نأمل حكومة تحل املشكالت وإذا بها أكبر مشكل! إذا قلت لو أن األميركان لم يتقدموا إلسقاط النظام ،ليس ألني أقول إنه كان أفضل ،وال كنت ضد الحرب مائة في املائة ،فهو لم يترك لنا خيارا ،لكني تمنيت ذلك ،بعدما حصل ،لفقدان الحلم ،كنا في ظل النظام السابق نحلم بعراق ليس مثاليا ،بل نكتفي بحقن دمائنا وتبذير ثرواتنا ،ويحتضننا بدل الشتات ،نبدأ بالعمل من أجل ذلك الحلم .ال أريد لكلمتي أن تكون عاطفية أكثر منها واقعية ،لكن الكاتب كالشاعر والرسام توجهه العاطفة أيضا، وأراها مطابقة للواقع ليس فيها شرود أو إغواء. لهذا ،عندما يسألني غير العراقي :ما وضع العراق؟ تخونني الكلمات وأعجز عن الجواب ،أراهم يسترون حقيقة النزاع باختالف املذاهب ،ولصالح الجعفري كاشف الغطاء (ت « :)1979أكل يوم ضجيج -يقوم حول املناصب - وأعجب الكل ينمي -إلى اختالف املذاهب»(شعراء الغري) .ليس االعتراض على أن الرئاسة بيد فالن من املذهب الفالني ،إنما االعتراض عليه فكرا وتطبيقا .لكن للمذهب عذر ينفعه!
66
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
www.majalla.com
العدد 1594أبريل -نيسان 2014
مجلة العرب الدولية
اشرتك اآلن واحصل على نسختك الورقية
شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
د� .سالح ال�سعيبي :دور حوكمة ال�سركات يف مواجهة التحديات بال�سعودية ريت�سارد كرامير ومايا اأوتارا�سفيلي :الآثار اجليو�سيا�سية لأزمة اأوكرانيا �سالم الكواكبي :بعد دخول الأزمة ال�سورية عامها الرابع ..روؤية نقدية
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 04
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
Issue 1594 - April 2014
www.majalla.com
كتب
وأمثال تثير اإلعجاب ،تحكي عن تجربته وخبرته في صروف الحياة ،وما زال الناس يضربونها مثال ويروونها حكمة .وال يدرون أن قائلها سكن القلوب قبل العقول ،ورقص الفكرة على (حس الطار)».
الخنساء وموضي البرازية
,,
االحتكاك بالشعوب والتجوال بني الحواضر والجلوس مع امللوك واألمراء أعطى لألعشى زخما معرفيا وثقافة غزيرة ولذلك جاء شعره مليئًا باملفردات األعجمية
,,
64
عنوان الضفيرة السادسة «ديك الخنساء وحمامة موضي البرازية» من يقرأ منت ه��ذا النص ،سيلحظ أن عنوانه امل��وج��ود في الكتاب «ديك الخنساء وموضي البرازية» وقع فيه سقط طباعي ،لذلك أعدت ملوضي حمامتها؛ فموضي فيما كتبه عنها املؤلف ،لم تصاحب ديكا كما الخنساء. نظم املؤلف الخنساء وموضي البرازية في لؤلؤة واحدة ،لصفة مادية -أوال تجمع بينهما أال وهي الجمال وطول القامة .وقد عيرهما بعض الرجالملا زهدتا فيهم بطول قامتيهما ،فشنعتا عليهم بقصر قاماتهم ،وتغنيا بمزايا القوام الطويل. وثانيا ،ثمة سمة مشتركة في شخصيتهما ،فكالهما كانتا ذواتي بأس شديد ،ومجبولتني على روح التحدي ،فنافستا الرجال وغالبتاهم ،فتفوقتا عليهم .وثالثا ،كالهما جوبهت بموقف شعري ذكوري ،أسخط الشعراء والنقاد والدارسني أن تكونا في شعرهما صنوا لفحول الشعراء ،وفي شخصيتهما ندا للطراز املميز من الرجال. كان أول الخيط في هذه اللؤلؤة املنظومة ديك الخنساء الذي اتخذت منه - كما يقول املؤلف -خليال تبدي له من أحزانها شجنا صباحيا ،ونواحا ليليا .وحمامة سمعتها موضي تغرد على جريد نخل حني كانت تتلوى من األلم بعد أن ألهب العبد سالمة جسدها بالسوط ،بجريرة أنها صدحت بشعرها غ�ن��اء ف��ي أن��دي��ة ال�ق��وم! فموضي ح�ين سمعت الحمامة تغني أسرعت تحبو على ركبتها إلى النخلة ،ورفعت رأسها إلى جريد النخل، مناجية الحمامة شعرا ،مشفقة فيه عليها ،بما مضمونه: «وي�ل��ي! إن سمعك س�لام��ة ،ع��اد ليسومك س��وء ال�ع��ذاب ،فيبكيك مثلي، وينتف ريشك ،ويخنق غناءك السماوي» ،مختتمة هذه املناجاة بتوجيه النصح لها بـ«أن ترحل إلى بالد أخرى ،تحفظ فيها الكرامة ،ويحترم الفن، فديارها أهلها فيها غرباء ،عمائمهم منكسة ،وحقوقهم مبخوسة ،ديار صار العبد فيها سيدا .والسيد طريدا ومشردا». قد ال يخفى على البعض أن التركيب أو املزج أو التأليف أو النظم يكون عاديا حني يتم بني شيئني أو كيانني أو كينونتني هما ،أصال ،متماثالن في الصفات والسمات واللون وامل��زاج أو الطبيعة ،فاألمر في هذه الحالة ال يحتاج إال لشيء من اللحم أو الرتق أو السبك أو الجبر أو التنسيق أو الوصل البسيط. أم��ا ف��ي حالة أخ��رى ،وه��و أن العمل ال��ذي أش��رن��ا إليه بأسمائه املختلفة (التركيب ،املزج ،)...يتضمن عنصري اختالف جذري ،فإن ذلك يكسبه ملعانا ويمنحه بريقا. واللؤلؤة التي نصفها الخنساء ونصفها اآلخ��ر موضي البرازية ،جاء مل�ع��ان�ه��ا وب��ري�ق�ه��ا م��ن ك��ون�ه�م��ا م��ن م��زاج�ي�ن م�ت�ض��ادي��ن وم ��ن مذهبني متناقضني ،فالجدة الخنساء كانت باكية نائحة ومتشائمة وسوداوية وعاشقة للموت ،ومنها -كما يرى املؤلف -استمد املعري عشق املوت. بينما الحفيدة موضي البرازية كانت ضاحكة ومرحة وطروبا ومتهكمة ومغرمة بحب الحياة. يبحث املؤلف في تاريخ موضي فيقول« :في زمن الرواية الشفهية تختلط األزمنة ،ويصعب تحديد التاريخ ،ويضيع عام الوالدة ترجيحا ،وتصبح سني الوفاة حتى ال زمنيا وطنا تاريخيا». لذا اختلف الباحثون حول الفترة الزمنية التي عاشت فيها موضي. أهي عاصرت الدولة السعودية األولى (1233 - 1157هـ) أم الدولة الثانية (1308 - 1240ه�ـ) أم تراها لحقت على بدايات الدولة الثالثة (1319ه�ـ)؟ والبعض يؤكد بعد املقارنات الشعرية للحدث الزمني أنها عاشت في فترة الدولة السعودية الثانية. يعرف املؤلف بموضي ،فيقول« :هي موضي بنت أبو حنايا البرازي من
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
قبيلة مطير .شاعرة من أشهر شاعرات العامية ،جاءت تمردا على قوانني املكان وأعراف البادية وتقاليد السلطة .شعرها يمتاز باملتانة وقوة املعاني وجزالتها ،وجرأة العبارة ،والتغني بالبطوالت والحث على بلوغ محامد األم��ور ،وكذلك بنقد الذع يتساوى فيه الكل ،قبيلتها والقبائل األخرى، الحلفاء واألعداء ،عقيد القوم وحقيرهم. دخلت في نقد املجتمع الذي تحكمه عادات وتقاليد ومحافظة دينية مذهبية شديدة الصرامة ،رافضة بعض عاداته متمردة على قسوة أعرافه مناكفة متدينة ،فكان لها السبق ف��ي ه��ذا امل�ي��دان ال��ذي ل��م تمخره ام��رأة قبلها، وأضحت رمزا لنساء الجزيرة .فكشفن الصمت وقارعن العقوق بغالب الحقوق». قد يشد بعض القراء فضول إلى معرفة أي نوع من األزواج تفضل امرأة جبارة وفذة كموضي .وقد أطلعنا املؤلف على هذا الجانب من حياتها الذي سجلته شعرا ،فيقول« :تزوجت موضي (حجول) أحد فرسان القبيلة وشجعانها ،ذو الفراسة والقيافة ،كان مضرب مثل بفروسيته ومعرفته بمتاهات الصحراء وأفالك املتاهات. لم يطب ملوضي املقام معه ،مع أنها الشاعرة التي تتفاخر بأمجاد القبيلة، وتشيد بشجعانها ،وتقدر فروسية ،املعارك وإباء الرجال. فالزوج أولى أن يكون فارس فراش ال فارس طعان ،وهذا الشيء لم تره في حجول ،فيوم عندها وباقي األشهر في ميادين الغزو والغارات والثأر ،ال تراه إال مثار نقع فوق رأسها ،كانت تطلب منه الطالق فيرفض حتى بلغ الصبر منه حدا ،هجته فيه ،فطلقها. اختارت زوجا على هواها ،ابن حالل ليس له في العير وال في النفير ،من أبناء عمومتها يمتهن الرعي ويجيد الحب ،عاشت معه في دفء ومودة لم يؤذها يوما حتى وال بـ(ال) جوابا للسائل املتحكم ،مطالبها أوامر يتبعها (سمي) ،وتناديه دوما :يا شوق. ه��ي العارفة بمعادن ال��رج��ال ،فراستها تفترسهم ف� ْ�رس��ا ،فلكل مجال وناحية رجال ،وهي الرحالة الخبيرة بثعالب الصحراء ،اختارت ولخيارها أسباب ترد بها على أختها (بنا) التي تفاخرت عليها بزوجها ،وبغلبة معالية على زوج موضي منقصة من قدر (شوق) موضي. أجابتها :وهل يخفى علي مناعيرك (شجعانك) فأنا بهم أخبر ،وأريدهم مثلك ،لكن للطعان فرسان وللعناق فرسان ،إنما أبعدني عنهم صلف طبعهم وخشونة معشرهم ،وشوقي أريده بجنبي يفيقني صبحه ويدفيه ليلي ،يناديني بعذب ال�غ��زل ،غايته خدمتي وطاعتي .ال كمثل فارسك تنتظرينه شهورا فيعود إليك جراحا أو كفنا ،وإن عاد صحيحا فحديثه جلمود صخر ،ووقته يقضيه بني أضيافه ،أو رفقة سمره. ما هو بخافيني رجال الشجاعة وديهم بس املناعير صلفني أريد مندس بوسط الجماعة يرعى غنمهم والبهم والبعارين إذا نزرته راح قلبه رعاعة يقول ياها في الحشا وش تبغني». يقارن املؤلف ديك الخنساء بحمامة موضي ،فيقول« :ديك الخنساء ليس له من الحمام غير الريش ،ال يذكر بحبيب ،وال يعزي بفقيد ،وال يعرف أصول الغزل ،بصوته يزعج النيام مبددا سكرة املنام ،متباهيا بصياحه ،معلنا ذكورية الصباح .موقظا شجى وأح��زان الخنساء مؤذنا ببدء نواحها، وبسيل دمعها الذي ال يوقفه إال نومة املحزون مع خشوع الليل». ه��ذا ال��دي��ك ال��ذي ات�خ��ذت��ه الخنساء خليال ت�ب��دي ل��ه م��ن أح��زان�ه��ا شجنا صباحيا ،ونواحا ليليا ،يؤكد املؤلف أمرا عجيبا يفعله ،وهو أنه يصغي «إليها غير نافش ريشه كبرياء -كعادته -فهو بحضرة الخنساء ،قطب نحابة الصحراء»! إنه يسعنا وصف الكتاب من حيث الشكل وهو أنه كتاب يتقاسمه شجن حزين وإيقاع راقص .أما من حيث املضمون ففيه جدة وطرافة ،والجاذب فيه أنه جمع بني البحث التاريخي واإلبداع اللغوي في إهاب واحد ،ولنا أن نقول عنه إنه أول كتاب كرس في جزء منه لقضية التناص بني الشعر العامي والشعر الفصيح <
األعشى وابن لعبون عنوان الضفيرة الخامسة «األعشى وابن لعبون ..سيرة الكأس وأحاديث الطرب» يستقبل املؤلف في مفتتح هذا النص األعشى ،ويلقي بني يديه كلمة متدفقة في شعريتها ومنسابة في غنائيتها: «ه��و ال�ك��اس ينساب أعشائيا يماميا ،يتمايل مترنحا ح��ام�لا أه��ازي��ج املسافات وحكايات األماكن. من قرية (منفوحة) يلتحف (السباسب) إلى بالط كسرى وقصور روما، شوقا لكعبة نجران ،ومعاصر اليمن ،موقظا بـ(صنجة) أفيال النجاشي غربا ،وشرقا مراقصا جواري كابل والترك الشغاميم. األعشى ترحال االتجاهات ،سيرة الكأس بنشوة وحياة ،عصر الشعر أعنابا منتبذة وخمورا معتقة .دقت نواقيس كنائس اليمامة إيذانا بميالد إمام الخمر ،وسيد املجون والخالعة وعراف التهتك ،أبي الشعر املغنى، صناجة العرب :أعشى قيس. من بساتني النخيل وأغ�ص��ان السدر املتدلية على ج��دران بيته الطيني املتهدم ،غنته (منفوحة) ،ورثته جوارح الطير وأليفها بني ضفتي وادي حنيفة إلى واد العقيق ،زحفت الرياض خانقة قبره عابثة برطوبته ،فجف واختفى ،تحت أطنان الحديد وجبروت الخرسانة. هم الشعراء يعمرون املدن والقرى ،كحمامة الدوح يبنون القصور أبياتا شعرية ،وينسجون ال�ص�ح��ارى خياما على ع�م��ود الشعر .ت��رك ال��زرع والضرع وأسرج الريح تطوافا للخمر حبا وفداء عند أبواب الحانات ،وصال وجال بني املدائن والقرى والبوادي فارسا مدججا بالصهباء والشمول و(ال��زق) و(ال��دن) والشالشيل وأشاوس الندماء ،فاتحا حوانيت الشهوة والنغم ،رافعا كؤوس الوجود بني الصدور ،حاميا خباء اللذة من الفناء ومشرعه للعبث والجود ،محررا كل معتقة من أسر الدن وجور الحداد. ...عقر النسيب في خمارة بني ساقيات وقينات .ما تلك الالتي تغزل بهن إال قينات يطربنه عزفا وجواري يسقينه ماء الحياة ،ويزلن العشى عن عينيه بتلمس أعناقهن ،وغرس أنفه بني ترائبهن .وذلك الردف الذي على اهتزازه يقرع الطبل .وتلك الخصور التي من هول أمواجها تصدح أوتار العود ،جعلت األعشى في عتمة الليل بصيرا .األطالل رسم يزول ويهجر، والحانة تبقى وتعمر ،دار معاد ال يهجر. هو العشق إذن للمكان بما يحويه ،هو املجد الذي ابتغاه سائال مستنذال من أجله ،ملهبا ظهور (العيس) سياطا ال يستريح حتى تناخ (عتريسته) أمام حانة (هريرة) ،وخباء (األزيرق). أقام للخمر معبدا شعريا جاعال إياه غرضا أساسيا ،فأصبح األخطل مريدا والنواسي تابعا».
يقدم املؤلف في هذا النص بعض اللمحات عن تاريخ اليمامة ،بحكم أنها موطن األعشى ومعلومات عن أصناف الخمور التي ذاقها األعشى في موطنه وفي العراق وفي بالد فارس والشام وأفغانستان واليمن والحبشة، وعن الغناء والرقص في تلك البلدان .ويقدم ملحة عن الزبير التي عاش ابن لعبون فيها وعن الصراع السياسي بني األسر الحاكمة في هذه املدينة الذي كان فيه ابن لعبون فيه منحازا إلى آل زهير. يرى املؤلف أن االحتكاك بالشعوب والتجوال بني الحواضر ،والجلوس مع امللوك واألمراء والسادة من العجم والعرب ،أعطى لألعشى زخما معرفيا وثقافة غزيرة وأفقا رحبا ،يتعدى سماء الجزيرة ،وبسبب هذا «جاء شعره مليئا باملفردات األعجمية والطقوس الدينية واملعرفة باألديان والقصص والحكايات األسطورية». وفي أثناء حديثه عن محمد بن لعبون املولود في قرية ثادق سنة 1790م واملتوفى في الكويت سنة 1831م ،يقدم إضاءات حول تاريخ أسرته وبلدة حرمة الواقعة في إقليم سدير التي عمرها جده الثاني ،والزبير التي عاش فيها ،ويبسط القول في أصول الغناء الخليجي وأنواعه الرتباطه بشعر ابن لعبون. يقول املؤلف« :عند ظهور دع��وة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رفضت معظم القرى والبلدات الدخول فيها ،ال رفضا للتوحيد ونقائه ،فالقوم جلهم حنابلة ،ولكن رفضا للتوحد في ظل إمام واحد وأسرة واحدة ،فكل منهم يريد أن يكون أميرا وحاكما على بقعته الصغيرة .هذا هو العامل الرئيس ،أما العوامل األخ��رى ،تتعلق بمسلك الدعوة في فرض السلوك القويم بالقوة ال بالحسنى ،وخالفات أخرى هامشية مع مفهوم التوحيد كما يراه الشيخ محمد بن عبد الوهاب .وكانت الخالفات أمرا يذكى ،كي ال يتم توحيد البالد تحت راية واحدة .ودليل ذلك أن أهل تلك البلدات من إقليم سدير عندما نزحوا إلى بلدة الزبير حملوا معهم نجدا بعاداتها وأعرافها ومذهبها الحنبلي وصراع أسرها على إماراتها». ويورد ملحوظة بخصوص الزبير ،التي يقول عنها إنها بوابة نجد على العراق وبوابة ابن لعبون على الحب ،مفادها أن الزبير «كانت حنبلية لكنها متسامحة ،املذاهب فيها متآلفة واالختالف لم يكن مطروقا ومطروحا، فاملدينة التجارية -والزبير كانت هذه املدينة -خليط من األفكار واألجناس، دكاكينها مسرح للوئام ،وبضاعتها االندماج والتصالح». و«ف ��ي ال��زب�ي��ر ن�ب��غ محمد وذاع ص�ي�ت��ه ،خ��ال��ط أن��اس��ا ج ��اءوا م��ن جميع االتجاهات ،وكانوا مختلفي التوجهات واللغات واللهجات ،فازداد ثقافة على ثقافته التقليدية ،وص��ار أكثر انفتاحا ووعيا بالبيئة التي اختار العيش فيها». ويشير إلى أنه متأثر بالشعر العربي القديم .وهذا التأثر -كما يقول -بمن سبقه جلي من خالل تضميناته الشعرية. ويحدد نسبه في الشعر العامي بأنه «ينحدر من مدرسة محسن الهزاني. فهو متأثر بإيقاعاته الشعرية وغ��زل��ه الفاضح ال��ذي يتناول مغامراته النسائية وتفاصيلها الحميمة .فمعظم قصائده تأتي على (املربوع) الذي برع فيه الهزاني ،وأخذ كذلك عنه لحن السامري ،فطوره وزاد عليه ،ناقال إياه من الصوت والدف والتصفيق إلى طور العود واملرواس والكمنجة». يصف املؤلف دهر ابن لعبون بأنه «غزل وتشبيب ونسيب ،يرق له العاذل والحبيب ،ومع اعتداده بنفسه ،وكماله املظنون ،فإن خطو قدمي امرأة وصوت خلخال فتاة من بعيد ،يفز قلبه وترتعد حواسه منه .يفزه قافال من مجالس الرجال إليه من دون حياء ،وال استئذان. سار في دروب اللهو يتصيد أماكن الطرب ،ويرسم قصائده على أوزان الوتر ،أجاد العزف على الربابة ،وبنى أوزانه الشعرية على وترها ،وكان يضرب على العود ويجيد الغناء ،أعطى لربابته اس��م (فريجة) نادمها وشكا لها أشجانه .كان صريح الغزل ،كاشف ستر الغواني ،ذواقا مجاهرا بغزواته وسكره يأتي من صافي أرياقهن .تجد في شعره بعضا من املفردات التركية والفارسية والهندية». ويقول عنه« :هذا الشاعر العاشق للحياة الثمل بالطرب ،الواهب للحسان، غيث القصائد ،العازب من أجلهن حتى راح العمر ،الساكب في فناجينهن، أماني من عبث ووعود من سراب ،ال تخلو قصائده من حكم تدير الرأس،
,,
كان محسن الهزاني ذا نزعة تجديدية فأدخل الجناس على الشعر العامي وطور بحر املسحوب وأشهره حتى اعتمده الشعراء في نظمهم وشعرهم
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
63
كتب
,,
تعد موضي البرازية شاعرة من أشهر شاعرات العامية جاءت تمردا على قوانني املكان وأعراف البادية وتقاليد السلطة
,,
62
ثم يضيف شارحا« :الحج عند عمر بن أبي ربيعة ليس موسما للعبادة وحسب ،بل أيام وأعراس للجميالت الالتي تقاطرن من كل فج عميق ،حفلة يعرف فيها للجمال ويترك للعني فيها حرية التجوال بني أزهار حدائق الرحمن ،ويسمح للسان بهتك سر األسرار ،بوحا بما يحتمل داخل النفس والوجدان .يصفهن من مفرق الشعر إلى أذيال الثياب ،فيجسد أمام أعيننا لوحة رسمت بريش الكالم إط��اره��ا ال�ك��ون ،وتاريخها ال يحده الزمان. صورة تسلب عقول الشباب ،وتعيد للعجائز وهج الصبا والتصابي». عمر بن أبي ربيعة ،كما يقول املؤلف ،شاعر املرأة والغناء ،دخل إلى حيث تريده املرأة أن يدخل .تغزل فيها ووصف جسدها فانتشت طربا ،واهتزت أردافها فخرا .ربط بني الشعر والغناء بعقد من العشق للطبيعة واملرأة، فصنع شعره ال ينشد محفليا ،بل ليغني طربا صاغه على أنغام العود ونبض أوتاره وزفير املزامير ،ورقص أصابع عازف على عيون الناي .ال شيطان شعر زاره ،وال أناخ يوما بوادي عبقر ركابه .كان مع نعم الطبيعة وصدى الوتر. ...هو مرحلة تحول في الشعر العربي .هجر األط�لال لم يقف بها ،ولم يصف الخمر ومجالسها ،ولم يجن من العشق .كان يعشق بعقله ال بقلبه، بشهوته ال بمشاعره ،وهذا الفرق بينه وبني العذريني .أعطى للشعر غرضا واحدا ،هو الغزل وبنى القصيدة ،امرأة مشتهاة. يقدم املؤلف تعريفا بالهزاني هو كاآلتي« :أما محسن بن عثمان الهزاني، شاعر من كبار شعراء العامية .ولد في النصف األخير من القرن الثاني عشر الهجري ،وتوفي سنة .1805تقريبا في (الحريق) .وهي قرية من قرى نجد». أما إنه «ولد من بيت شرف ونسب ،أمير ابن أمير ،ذو مال وجاه وجمال، نام على النعيم من صرخته األولى إلى شهقته األخيرة .كان فاتكا يخشاه الرجال ،وجميال تهواه النساء .ترك اإلمارة وهوى السلطة ،من أجل هوى حسان الوجوه ،وولعا بوتر ونغم ربابة فوق كومة رمل في ليلة بدرية ضوءها سهر ونسيمها طرب ،يتناغم العود مع صوت الطبيعة ،مكونا لحنا أبديا تصغي له النجوم ،وتتجه نحو قطعان السحاب. يدخل الصوت شجيا أذن الجسد ،فيطير الجسد مع ارتفاعه (جوابا) ويهبط مع انخفاضه (ق��رارا) منفصال عن الزمن .يصبح زهرة عوسج تالعب ظالها .وريشة في األعالي تغازل بازا .يجول الصوت في الصحراء، تهديه الريح لألشجار فينتقل بني شجيرات الصمود واملواعيد ،حامال حفيفها وحكايتها ،مكونا لحنا آخر يدخل مع اإلنشاد الذي يقفز على األغصان ،ويطير مع مناقير قمري الحمام من قرية إلى قرية إلى ما وراء حدود األنهار. اشتهر بالغزل ،فصار مثاال ملنتهى الغزل ،فقيل ملن نظم غزال( :لو كنت محسن) .واشتهر بالغرام ،فصار كلما رزق رجل فتاة جميلة وبشر بها، صرخ قائال( :ويلي من محسن). إن في شعره ثراء لغوي ومعرفي ،تسمع فيه امرأ القيس وجميل بثينة واملتنبي .شعر فصيح لكنه بلسان عامي». يزيدنا تعريفا بقيمة الهزاني وأهمية شعره في الشعر العامي ،فيقول: «ك��ان الهزاني ذا نزعة تجديدية ،ف��أدخ��ل الجناس على الشعر العامي، وطور بحر املسحوب وأشهره حتى اعتمده الشعراء في نظمهم وشعرهم، فاستبد بحر املسحوب بأكثر الشعر العامي .وكانوا من قبل ينظمون على بحر الهاللي. وأدخل نظم (املربوع) على الشعر العامي ،مظهرا براعته جناسا وطباقا. ملونا الشعر العامي بلون زاه بهيج ،متالعبا بألفاظه بديعا ومعاني وزخرفة ورونقا ،وبدأت أوزان وموسيقى الشعر العامي مرحلة جديدة من التطور ،ألفاظه خفيفة رشيقة ،سهلة القراءة ،صيغت على وتر الربابة وإيقاعات السامري. إن لديه روحا قصصية نجدها في الحوار بينه وبني فتياته ،أو في حديثهن عند الغدير عنه أو في نصح عجوز لفتاة همست باسمه ،فحذرتها من الوقوع في سحر كالمه ،وفتنة بهائه». يقول املؤلف« :إذا ك��ان عمر بن أب��ي ربيعة يذهب في جميع االتجاهات وينطلق من مكة إلى (الكريد) يتلقى الشاميات وإلى (ذات عرق) ينتظر
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
سار الشاعر ابن لعبون في دروب اللهو يتصيد أماكن الطرب ويرسم قصائده على أوزان الوتر أجاد العزف على الربابة وبنى أوزانه الشعرية على وترها
ال�ع��راق�ي��ات ،وإل��ى (م��ر) يستقبل امل��دن�ي��ات ،وإل��ى (ق��رن امل �ن��ازل) يلتقي النجديات ،سهم حب يفتح القلوب وال يغلقها يلوح لهن بيديه وبعودي صاحبيه العريض وابن سريج ،يلبي معهن حتى يصلن مكة ،فإن محسن لم يعن نفسه وعثاء السفر ،وجهد القفز على ظهر فرس والتعلق بحبال هودج ،وتسلق قمم الجبال متعلقا بأكتاف األصحاب .بل كان يقعد عند باب بيته هنيئا .عني على فنجان قهوة وعني ترقب قوافل الراحلني إلى مكة ،وما إن تغيب رؤوس الجمال وتلج القافلة في السراب ،حتى تناديه األي��ادي :هيا أقبل نعانق ،ونفرش النمارق ،وترقص األرج��ل املخدنجة املحجلة ،ويرفع محسن صوته ملبيا ،فقد بدأت مشاعر حجه في بيوت موردات الخدود ،وفي مضارب نجل العيون». جاء اجتماع عمر بن أبي ربيعة بمحسن الهزاني - ،كما يروي املؤلف - على النحو اآلتي: «في ليلة غاب قمرها ونامت نجومها ،كان محسن متوسدا سرجه في قرن املنازل ،وقد هجعت عينه ،وعندما أفاق ،رأى فرسا نجباء مخضبة بالحناء ،عليها قطوع وديباج ،وفارسها حسن املظهر ،قد أسبل ملته واقفا عند قدميه .قال محسن :من أنت؟ فقال :أشعل نارا ألراك. فأشعل محسن نارا عمرها بالرمث والغضى. قال الفارس :أنا عمر بن أبي ربيعة .ومن أنت؟ أنا محسن الهزاني. كأني أرى فيك نفسي أيها املرودن البهي ،لوال أن ثنيتك ليس فيها سواد. يد (قويتتي) أحن على خدي ،من يد ثرياك على خدك. كانت صفعتها لي قبالت. قبالت أحرقت سويداء القلب. أين أهلك يا فتى. أهلي في نجد. آه كانت لي هنا مع جداتك صوالت وجوالت. وكانت لي هناك مع حفيداتك حكايات وغزوات. أضعت ثريتي من سمائي. وفقد قويتتي من بني يدي».ثم يتحاوران شعرا ،ويختم املؤلف نصه بهذا النعي: «مات عمر ومات محسن ،فانقطع الوتر األول واألخير من عود الحياة ،وبني هذين الوترين ضاعت النغمة التي تبنت للحب قصورا ،وأقامت للحسان أفراحا .وإذا كانت األرض وارت جسديهما ،فروحاهما نجمتان في السماء تهديان املحبني لدروب الحب والهوى ،تلمعان كلما بلغت عذراء ،وبان خد خريدة وسط الظالم».
زوجة نمر بن عدوان التي كانت أجمل من تفتح الزهور ،وأرق من رذاذ املطر طيبة املعشر كاملة الخصال. هذا الحزن ال يستمر على وتيرة واحدة إلى آخر العمر ،بل يتصاعد مع تساقط السنني ،إال إذا كان هناك أمر أكثر مرارة وأملا ،نعم ماتت الحبية على يده ،وبفعل يديه ،عاجلها برصاصة ظانا أنها ابن ليل آت ليسرق فرسه املحبوبة ،لم يدرك أن الحبيبة هي التي كانت عند املحبوبة». يقول عنه« :صنع منه الحزن شاعرا كبيرا ،حوله من شاعر يطوي البيداء مسابقا فرسه ،متغنيا بسيفه ورمحه إلى شاعر رقيق عذب ،رفيق حزن وآهات يخاف على الورد من قطر الندى. نسي أمير البلقاء أم��ور الرياسة واإلم ��ارة ،وانشغل عنها ،وق��وف��ا عند رسوم ديار الحبيبة ،التي رحلت قبل أن يغادر الزغب صدغي طفلتيهما وقبل أن تنسكب خصلة بيضاء فوق حاجبيها .ندية اليد ،كأن األغصان أخذت منها ليونتها. بكاها حتى آخر العمر ،بكي سنوات الهناء القليلة التي ظنها ستطول معها .تمنى أن تمتد إليه يدها ،لتهديه وتحميه من عثرات الشيخوخة». يقص املؤلف كيف التقى متمم بنمر عبر هذه الحكاية: كان نمر «عند القبور ينفث دخان غليونه ،ويناجي زوجته ،يتصل معها بلمس الرمل والحصى ،باستنشاق أقاحي الصحراء .فذاك الرحيق تطاير من قبرها. انحنى نمر ليلتقط حجرا ،فسمع صيحة حزينة ،اقترب منه الصوت ،فرأى رجال قوي البنية ،أعور العني .فقال نمر: ماذا تريد؟ رد عليه وهو ينظر إلى الحجر. دع مالك! لقد تدحرج من قبر وضحى. إذن ضعه على القبر حتى ال يشعر بالوحشة. أنت متمم ،سيد الحزن وراثي العاملني. نعم يا سيد الندم ،تهديك وضحى السالم ،وتخبرك أنها صفحت عنك.ويروي لنا شعرهما الذي تناجيا به عند قبر مالك وقبر وضحى. تهيج عند املؤلف ذكرى مالك مرة أخرى ،فيقول« :كم هي مأساوية تلك اللحظات األخيرة من حياة مالك .كم هي مؤملة تلك األسئلة التي أدارت رؤوس املحاربني ،وهزت قلوبهم ،فأغمضوا العني عن وهج الحق ،وأخفوا دموعهم خوفا من قائدهم. ومتمم هو الوحيد ال��ذي إذا رأوه أفجعتهم الذكرى ،ونزفت ضمائرهم، وهاجهم ما هاجهم من االستعبار والندم ...طارت معظم أعناق القبيلة ،لم تشفع لها كلمات الشيوخ ،وشهقات األمهات ،وبكاء الزوجات ،وهمهمات الصغار. وجاء دور مالك ،فوقف صلبا جلدا ،فهو سيد في قومه ،فارس تعرف الخيول وثبه ،وتعرف املعارك جسارته وبأسه. لم يكن يخاف املوت ،فمن خاض الطعان ،يدرك أن األجل أقرب من ظله». يجمع املؤلف مالكا بخالد بن الوليد ،فيسأل مالك خالدا: أتقتلني وأنا مسلم أصلي القبلة؟ أنا مثلك تنهال دموعي في اليوم خمس م��رات ،وأستحيي من الله أنأفعل معصية .ويلتفت مالك -ويا ليته ما التفت -فينظر إلى امرأته التي فيها من الجمال ش��ارات وملسات .ويقول :يا خالد ،بهذا تقتلني .مالك! بالله كم من (عمر) أبكيت». وفي خاتمة النص يحدثنا أنه «صفت في السماء غيوم سوداء ،ونعقت الغربان ،وناحت حمامات البطاح وتحول الحائط إلى فدفد .رحل مالك. وأي فتى كمالك. أطلق متمم ونمر صرخة الشجا ،فتطاير غبار القبور ،ردد صيحتهما متالع وسلمى .وانحنت أعشاب القبور ترحيبا بألحان القلوب ،وانتفض املوتى وط��ارت أرواحهم مرفرفة فوق رأسي شاعرينا .فقد أطربها هذا املديح وهذا الثناء».
عمر بن أبي ربيعة ومحسن الهزاني الضفيرة الرابعة عنوانها «عمر بن أبي ربيعة ومحسن الهزاني ..شهوة الكالم ولذة النظر في قرى الحب ووديان الغرام». يفتتح املؤلف هذا النص بهذه الكلمات الجذلى الراقصة« :عندما يذكر اسم عمر بن أبي ربيعة تشدو الحناجر ،وتفرقع األصابع وتهتز الرؤوس .وتبدأ النشوة تحرك األكتاف ،والخطوة تتبع الخطوة ،واأليادي تتراقص كأجنحة النعام في مبارزات الحب والزواج. لم تكن بداية الغناء مع (ال�ج��رادات��ان) ومضر بن ن��زار ،وليست (وإي��داه وإي ��داه) أول موسيقي حلقية ت�خ��رج م��ن ال�ص�ح��راء .لقد ب��دأ ال�غ�ن��اء مع أنني الرياح ،وصرير العواصف ،بمرور الهواء بني األشجار ،واصطدامه بالجبال ،وعبوره من شقوق الجدران واألبواب ،في ذلك التجاذب والتناغم بني الورقة والغصن ،بني الصوت والحجر بني القمر واملاء. بدأ الغناء مع أزيز الرعد ،وحني تمر سحابة فوق كثبان الرمل ،فيوقفها جمال الطبيعة وصفاء الصحراء ،فتمتد لها يد البرق سالما وإعجابا. إن الغناء ليس فقط عالقة بني كلمة ووتر ،يربطهما ببعض حنجرة صادح وص��وت مترنم .الغناء تسريب املحسوس ،وفيض الالمحسوس .حالة من اإليغال في املاضي ،تعيده لك صورا تنقلك من مكان إلى مكان ،نظرة حاضرة تستشرف الحياة نعمة ،وحالة من اشتهاء ما ال يأتي ،تغمسك في عوالم خلقتها املخيلة وتوهمتها العني». يصيح املؤلف بالصوت عاليا ،فيقول« :ج��ودي يا ري��اح الحج على عمر بالسحر واإلل �ه��ام ،فقد لسانه منذ غ��ادر ح�س�ن��اوات ال�ع��رب م�ك��ة ،منذ ودعنه عند أستار الكعبة .حمل شعره وجد املسير يتبعه رفيقه ومغنيه (العريض) ،يباري قوافل الحجاج اآلفلني إلى ديارهم وعيناه -أبدا -ال تفارق خصور نسائهم .والعريض يسمعهم لحن الشوق والحب لالئي من أجلهن تنثر ورود األلحان ،وعلى ترائبهن تتدلى هبات اإلله ،ومن بني أعطافهن تتوالد القصائد .يشير عمر بيده مودعا بعدما أخذ منهن مواثيق ال�ع��ودة في املوسم ال�ق��ادم ،وشفتاه تتمتمان بآيات ال��رج��اء واألم��ل ،بأن يحنن عليه ،وينظرن إليه نظرة لقاء ،حتى ال تترمل عيناه ،ويشكل لسانه. ابتعد ال��رك��ب وال�ه��وادج تتمايل م��ودع��ة عاشقها ،فينوح ع��ود العريض، كنواح األرض عندما تتفصد عروقها من فقد املطر ،ويشيخ وجهها في مواسم الجفاف».
يرى املؤلف أن حميدان الشويعر هو امتداد لسلفه وجده الحطيئة فهما في الفقر سواء وللجوع أوفياء ..وفي الصورة مجموعة من أهل البادية يتناول الطعام من إناء واحد
,,
عندما يذكر اسم عمر بن أبي ربيعة تشدو الحناجر وتفرقع األصابع وتهتز الرؤوس وتبدأ النشوة تحرك األكتاف
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
61
كتب
املمثل ياسر املصري يجسد شخصية نمر بن عدوان
,,
حميدان الشويعر هو أحد املبدعني املجددين في الشعر العامي فقد طعمه بجو من الفكاهة والظرف والسخرية الناقدة
,,
60
وأثرت في أخالقيات القرية ،وغيرت في طباع النفوس ،فنت تستعر وحروب ال تدع وال تذر فنادى ناصحا ،وناقدا ،وشاهدا ،وأزجاهم نهرا من حكم الفاهم العارف ،وأمطرهم سهام الفضح واللوم من مثقل بهمومهم ،وآسف على مصائبهم ..لقد أعطي حميدان قدرة على التحليل ،وكشف التضليل ومعرفة ببصائر األم��ور ،وكان أكثر ما يثير سخريته أولئك الطامعون بالثراء ،وجمع األم��وال وه��م جالسون عند زوجاتهم ،ال يغادروهن إال لقضاء الحاجة ،وأولئك الشجعان الذين يتابعون األحداث من على سطوح البيوت ،ومن وراء ثقوب األبواب!!». يسرد لنا املؤلف واقعة لقاء حميدان بجده الحطيئة ،فيقول« :يرى حميدان شبحا نائما تحت شجرة السدر في وادي ذات عرق ،يرى ثيابا رثة ،ووجها أكله البؤس ،فيغبطه على ما فيه من عز وشرف: قم أيها املستظل بظله قل لي من أنت؟فيقوم وقد أعياه الزمان ،وآنسه املكان: ابن الفقر. إذن نسبنا واحد. أمعك تمرة؟ جائع يرجو من هالك عظمة. أأنت الحبر الفهيم؟ نعم أنا التائه بال زاد. حدثني عن (مانع)؟ أخذته بنت املدينة مني .وماذا عن مليكة؟ جميلة .كلما نظرت إليها كسا جمالها قبحي.»...ثم يبدءان باملحاورة شعرا وعندما ينتهيان من املحاورة ،يلخص املؤلف قصتهما بعبارات مكثفة هي« :لقد ارتضيا الفقر والجوع ،فأضحى الفقر اَّ مسكنا والجوع ملبسا ،تغنيا به ،وأشادا بأمجاده ،وسل الكلمات سيوفا في مواجهة عدويهما األزل�ي�ين (الغنى والبخل) ،فأصبح لهما مريدون وسالكون في دروب العوصاء ،يحطون ويبطون ،يأخذون حقوقهم من جيوب األغنياء ،ومن براثن البخالء. ك��ان الشعر ب��اب رزقهما ،وسبيل عيشهما ،ال يريان في أخ��ذ العطايا منة أو عيبا ،بل حق طالبا به فاستحقاه ،وتفضال منهما على صاحب العطاء بقبول عطائه والرضى به .كان بإمكانهما أن يصبحا من األغنياء والوجهاء ،تمتلئ جيوبهما بالدنانير والبارات بعدد حروف قصائدهما».
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
يحدد لنا مكانته في الشعر العامي في الجزيرة العربية بـ«أنه أحد املبدعني املجددين في الشعر العامي ،فقد طعمه بجو من الفكاهة والظرف والسخرية الناقدة .كانت بعض قصائده مسرحا يضفي بعض األنس والسرور على تلك النفوس املتعبة ،من سعير الحر ولهيب الحروب». ويضيف موضحا ميزته وتميزه في هذا الشعر ،فيقول« :أبرز ما يلفت النظر في شعره ،قدرته على تحويل اللهجة املحكية اليومية إلى لغة شعرية، وفكاهته املكحلة بمجون العبارة مع تدينه ،والنقد الديني واالجتماعي وال�س�ي��اس��ي ال ��ذي يفتح ن��اف��ذة ل��دراس��ة األح ��وال االج�ت�م��اع�ي��ة واألح ��داث السياسية في تلك املرحلة الزمنية من منظور آخر». يقف املؤلف على قبري الحطيئة وحميدان ويناشد التراب الذي ضمهما بالكلمات التالية« :أيها التراب ،يا سيد الطبيعة يا رحم اإلنسانية ،لقد عادا إليك ،عادا إلى الرحم األول ،فكن بهما رحيما رفيقا ،وآنسهما كما آنساك أيام الترحال بني جبالك وكثبانك ،ال تنس خطاهما الخفيفة عليك ،ويديهما النديتني على خدك الخشن ،ال تنس غرس الشجر ،ومسح الحجر ،والجباه التي ترويك بعرقهما خمس مرات ،أشبع بطنيهما فجوعهما ال يطفئه إال الشوق .الشوق إلى ندى األيام اآلتية». ويضيف قائال« :زفرة زفرة ،وينهض الحطيئة :قم يا حميدان ،فالكريم ال يموت على فراشه ،يركب كل منهما على أتانه ،ويبدأ نشيجهما الذي ال ينتهي ،حتى اآلن نسمعه كلما مررنا ب��وادي ذي مرخ أو أطلينا على القصب ،تشيعهما الضواري ،وسحب الجفاف ذات الظل الشفاف ،وأعشاب الصحراء اليابسة ،ويلوح األثل لهما من بعيد مودعا ،ويئن الجوع من فراق آخر فرسانه .عال نشيدهما الذي ما فتئ الشاعران يرددانه منذ أمد طويل، حتى رددته معهما أطناب الخيام وجدران الطني».
متمم بن نويرة ونمر بن عدوان عنوان الضفيرة الثالثة «متمم بن نويرة ونمر بن ع��دوان ..القتل خطأ والقتل صبرا» يكلمنا املؤلف في هذا العنوان عن مأساة متمم بن نويرة ،فيقول« :كم تكون املأساة والحزن أكثر حرقة عندما يكون املفارق أخا حبيبا ،لك معه ذكريات في الظهر وفي الرحم ،وفي اإلناء وفي الخباء ،أي ذكريات أقرب من رؤيتك عضده يقوى وجسمه يفرز وهو متكئ عليك :يا ابن أبي وأمي كنت أفضلك علي ،فأقدم لك الثدي األيمن وأخ��ذ األيسر ،وإذا لم تكتف أزحت فمي وتركته لك وانضويت عند قدم أبي لترتوي .أهديتك عيني ترى بها ،فرأيت العالم من خاللك. قتل مالك بن نويرة الفارس اإلنسان ظلما ،غادر دنياه تاركا وراءه أفراخا أنعم من الزبد ،بكاءهم يفجع الذئاب ،ويصدع الحجر ،تلك مأساة متمم بن نويرة. إن الظلم الذي وقع على أخيه ،والطريقة التي قتل بها ،جعلت الحزن يتغلغل في جسده ويسري مع دمه ،ال الزمان ينسيه وال املكان يسليه ،وال املرأة التي زوجوها إياه حملت عنه بعض الهم ،بل زاده لومها له انفجاعا. وأصدق الشعر ما كان رثاء ،ألنه ينبع من الداخل من عمق املشاعر ،ونبض القلب وأحاسيس النفس ،فيفضي كاملطر ،ال يعصي انسيابا .رثاء املحب تغيب عنه الزلفى ،وال يرجى منه عطاء أو ثناء .يموت الحبيب ،فتنفجر أحاسيس كونية أولها صدق ،وآخرها حق .الرثاء ليس كالهجاء يشوبه الحق والضغناء ،وال الفخر يعتريه االعتداد واالفتخار ،وال كالغزل تطاله املبالغة والذاتية والشهوة. الرثاء حديث النفس للروح ،فيه تتجه بالكلية إلى عزيز لم يعطك الفرصة لتبوح له ما في قلبك من عواطف تجاهه ،وما في نفسك من عتب عليه. فما أنقى وأصدق هذا الحديث». يعادل املؤلف مأساة متمم بمأساة نمر بن عدوان .مأساة متمم كانت في أخيه مالك ،ومأساة نمر بن عدوان كانت في زوجته وضحاء. «أن تموت الزوجة في ريعان شبابها ،ذلك منتهى األل��م واألس��ى للزوج، وخاصة إذا كانت جميلة ،ومحبوبة وأما لوردتني .فكيف إذا كانت تلك
محمد :من هواها شغفا نحن توحدنا جسدان في روح أوحدا». ثم انتقل الحوار بينهما إلى حوار شعري بدأه قيس ،واستمر حوارهما الشعري بما مجموعه سبعة وعشرين بيتا .كان املعنى والصور والكلمات فيها متقاربة. يخبرنا إبراهيم أنهما -وهما ينشدان شعرهما « -طربا وأطربا ،وتجمعت أسراب القطا وحمائم اليمامة حول صدى الهوى ،مرددات نشيد الذكرى، ونزل من سهيل الفرقدان والثريا ،دموع تساقطت على (الجرعاء) ،فأنبتت العرار والرند ،والخزامى والنفل ،واهتز جبل (البتيل) فتدحرج من أعاله حجر سقط على (ال�ل��وى) فأدمى رمله ،وع��وت ال��ذئ��اب فأصغت الظباء لزغاريد ملوك الصحراء وأحنت رؤوسها خجال من عشاقها ،وتطاير الجن في الفلوات وتصايحوا ،فهم اآلخرون أفناهم وأخفاهم العشق».
الحطيئة وحميدان الشويعر الضفيرة الثانية عنوانها «الحطيئة وحميدان الشويعر ..رحلة بني أطناب الخيام وجدران الطني» ،وفي هذه الضفيرة يخاطب الحطيئة بقوله« :إيه يا حطيئة .لك مع الفقر فكرة ،ومع الجوع صحبة ،كلما غادرته بهبة من أمير، ورضا من غني ،عدت إليه مهروال متلهفا ،وهذا هو حال الفقير املخلص لفقره يرى الغنى ترفا وعجزا وقعودا عن السعي ،ومواجهة الحياة». إن الحطيئة «شاعر يتقاطر رقة ،ورحمة ،ولوال الزوج والولد ،ألصبح سيدا وأميرا للشعراء املخضرمني .ولكن هذا الحصار األسري جعله يركز طاقته وموهبته في مجال املدح والذم حتى يطعم األفواه الجائعة ،التي تطالبه كلما حل الظالم برائحة التمر وطعم اللنب .وما أدل على رقته وعطفه وصراعه مع دنياه من أجل أبنائه ،من تلك األبيات االعتذارية التي رققت قلب القاسي اللني -رضوان الله عليه -وأبكت عينيه ،ومنحت الحطيئة حريته: ماذا نقول ألفراخ بذي مرخ زغب الحواصل ال ماء وال شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سالم الله يا عمر ومن ذلك الحوار الشعري القصير جزل املعنى بينه وبني زوجته :حمل متاعه وزاده القليل على حماره ،فقد حان رحيل الجائع إلى ديار الشبع، فالفقير محكوم عليه أال يبقى في بيته إال أياما ،ويغادر شهورا ،وسنني، سألته زوجته سؤال املترجي :متى ترجع؟ فقال: عدى السنني لغيبتني وتصبري ودعي الشهور فإنهن قصار
فأجابته: واذكر تحننا إليك وشوقنا واذكر بناتك إنهن صغار فحط رحله بعدما تبدى له من الشوق ما تبدى ،وحنينا إلى صبح مليكة ومسائها». ثم يلتفت املؤلف إلى مليكة ويخاطبها بقوله« :لله درك أيتها العربية ،التي إذا نطقت غنت ،وإذا سكتت تكلمت عيناها فأبكت .أي ع��ذاب تحملت؟ وأي صبر تصبرت؟ أقسوة الصحراء أم قسوة الناس أم قسوة الزوج؟ أنت الوحيدة التي تعرف زوجها حق املعرفة ،يعود إليك بعد النهار منهكا، ال يكاد يحمل لسانه ،فقد حارب وبارز به أعداءه ،تهنئينه بالنصر ،وال تأبهني أجميل وجهه أم قبيح ،فقد رأي��ت وجهه الداخلي ال��ذي أجمل من خد القمر ،وأصفى من عني الديك ،فتضمينه إلى صدرك ملجئه الذي هو دنياه ،وتسمعينه صوت بنياته فيزداد تمسكا بالحياة .لو كان بيدي من األمر شيء لكتبت اسمك بماء الذهب على بوابة الزلفي ،وظللته بسعف النخيل الخالدي الذي يشهد انتظارك للحطيئة كل نهار». يرى املؤلف أن حميدان الشويعر ،الحبر الفهيم املتهم بالعيارة (السخرية الثقيلة) امتداد لسلفه وجده الحطيئة ،فهما في الفقر سواء وللجوع أوفياء. كونهما املكان سهاما من كلمات ،لغة تظللها السماء الصحراوية .يذكر أنه ولد في قرية القصب الواقعة شمال غربي الرياض .عاش في القرن الثامن عشر امليالدي ،وقيل إنه توفي عام 1773م. يقول عنه« :تشققت يدا حميدان وأعياه صراخ ْ (مسحاته) من لطم األرض لها ،أدمى األرض ،وأدمته ولم يأخذ منها إال األلم والتجهم والضيم: أجير أنا ال أملك بيتا ،وال أرضا ،وملكي الوحيد حقول القوافي ،وبساتني الحروف ،وإذا نصحت قومي ،أشاحوا وجوههم عني ،وقالوا :دميم الخلفة، شيخ بذيء». تلك معاناة حميدان -كما يقول املؤلف -الشاعر القروي ،ومثقف املشافهة الذي نهشته دنياه ،حتى أصبح نحيال فقيرا ،يوزع حكمته ،وشعره على قرى أشغلها جمع التمر ،وصراع اإلمارة ،يكويهم بنقده الالذع ،ويعريهم بصريح العبارة. يقول املؤلف: «هجا حميدان نفسه واألهل واألقارب والعشيرة ،وقريته والقرى املجاورة لها ،ذم فيه بعدهم عن الخير والفضيلة ،وتهافتهم على املال تهافت الجياع على القصعة. ناح نوح البرق على الرعد ،من هموم أثقلته ،وأعباء أضنته ،فلم يكن الفقر وشح املوارد هي أمله وحزنه الوحيد؛ فهناك آالم وأحزان أخر. تلك التحوالت الدينية واالجتماعية والسياسية في عصره التي ملزت تدينهم
من آثار الدرعية التاريخية عاصمة الدولة السعودية األولى
,,
إبراهيم العميم كرس جهده في كتابه لكشف التناص بني الشعر العامي والشعر الفصيح
,,
املؤلف :إبراهيم العميم
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
59
كتب
صدر أخيرا عن «دار جداول» كتاب عنوانه «هؤالء ..وشعرية املكان» إلبراهيم العميم .املؤلف في كتابه هذا جدل بني شاعر فصيح متقدم وشاعر عامي متأخر في ضفيرة واحدة :األول من الشعراء املخضرمني الذين عاشوا بني عصرين: الجاهلية واإلسالم ،كاألعشى والحطيئة والخنساء ،ومتمم بن نويرة ،فيما عدا شاعر واحد هو قيس بن امللوح الذي عاش ما بني فترة صدر اإلسالم ومطلع العصر األموي ،واآلخر من شعراء العامية من وسط الجزيرة العربية وشمالها وشرقها ،كحميدان الشويعر ومحمد بن عمار ومحسن الهزاني ونمر بن عدوان وموضي البرازية ومحمد بن لعبون.
في نثر فني يتقاسمه شجن وإيقاع راقص
العميم يجدل شعراء فصحى وشعراء عامية يف ضفائر ست بقلم: املحرر الثقافي
,,
الكتاب فيه جدة وطرافة تميز بالبحث التاريخي واإلبداع اللغوي
,,
غالف الكتاب
58
قيس ومحمد بن عمار الضفيرة األول��ى عنوانها «قيس بن امللوح ومحمد بن عمار.. أوهام القبيلة وغار الجنون». يوجز لنا إبراهيم حكاية ابن عمار بقوله« :هام ابن عمار بحب فتاة ،وتعلق فيها حد الجنون ،حاول بجميع وسائله ،لكن حال بينه وبني ذاك حساد وأعراف ،وعادات اجتماعية ال يحاد عنها في تلك الفترة الزمنية ،فمن قائل إنها من قبائل الظاعنني حول القرى ،وهؤالء لهم ناموسهم و(سلومهم) في الزواج والنسب ،وراو آخر يقول :إنها من جماعة (الصلب) الذين ينزلون على البلدات وال�ق��رى يخدمون في البيوت ويحترفون األع�م��ال اليدوية، راحلني إلى قرى وبلدات بعد إتمام عملهم ،وهؤالء للناس معهم في الزواج والنسب عرف مقدس ،من خالفه أصبح مذموما مطرودا. ارتحلت الحبيبة في ليلة ال قمر فيها ،فصحا وقد أخفت الرياح خطى ات�ج��اه��ات ال�ح��ب ،ف�ه��ام ح��زن��ا ،واع �ت��زل ال�ن��اس جنونا بها ف��ي غ��ار على مشارف القرية ،وعندما غادر ذلك الغار وجدوا ألفيته مكتوبة بدمه على جدران غاره». عندما نصل إلى موضع هذه الحكاية التي أوجزها نفهم داللة الكلمات الرثائية الحزينة التي بدأ بها نص ذلك العنوان: «الزمان مختلف واملكان واحد ،وهذا الغار (العماري) ال يغادره الحمام ينوح على صاحبه ،يحيي ذكراه في مواسم التزاوج والتوالد ،وهذه الصخور التي حكت وخدش وجهها ،بأشعار كتبت بدم شاعرنا .هي األخرى تنوح على ذكرى أنيسها وجليسها أيام الحزن والفراق. كلما أطل وجه ثادقي (نسبة لقرية الشاعر ثادق) ،ناشدته وتوسلت إليه أن يدلها على ابن عمار». يعرف بالشاعر ،فيقول« :ولد محمد بن راشد بن عمار في سنة 1856 تقريبا وقيل 1863في قرية ثادق التي تقع شمال غربي الرياض ،وتوفي سنة .»1932يقول عن شعره« :لم يدون له في كتب دواوين الشعر العامي إال ألفيته التي عرفت بألفية ابن عمار التي طار بها الركبان مغردة في آفاق الجزيرة وخارجها ،حتى نسجت حولها حكايات وأساطير ،ملا فيها من أساليب جديدة وتعابير ووص��ف دقيق ،لحال العاطفة في فورانها وسكونها ،المست شغاف قلوب املحبني ،وكذلك ملا في رواية حبه من ألم الصبابة وغموض القصة».
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
ثم يشرح معنى «األلفيات» ويفصل فيه ،بعد أن يذكر أنه فن وأسلوب تميز به الشعر العامي عن الشعر الفصيح .وأن ابن عمار فاق الشعراء في هذا الفن ،وهذا األسلوب ،وصار تحديا للشعراء فلم يأتوا بمثل «ألفيته» إلى زماننا الحاضر. ويقرر في ختام الشرح أنه أصبح حرفا في ألفيته ولغزا بني بيتني. ابن عمار عند إبراهيم امتداد للحب العذري العذب ،الذي يرى الحبيبة أقرب من البؤبؤ ،وأبعد من رمش العني ،وأقدس من العادات والتقاليد ،وأعظم من نجوم الليل وغيوم النهار حبا ،بتجاوز الجسد ويرسي في مراكب الروح ،مطيحا بكل النظريات الغريزية والعقلية التي صاغها أرباب املدن وأهل الجسد من بني البشر. وألن اب��ن ع�م��ار ع�ن��ده ه��و ام �ت��داد ل�ه��ذا ال�ح��ب ،فقد جعله يلتقي صدفة بالعامري. يعني لنا مكان اللقاء ويصفه ويسمي شهوده ،ويروي ما جرى بينهما من حوار ابتدأه العامري في األول مع نفسه ،فيقول« :التقى التائهان في مفازات الهيام في واد ال زرع فيه وال شجر ،يسكنه من الجن عشاق وأحباب، يلمح العامري طيف ابن عمار من بعيد ،ويقترب منه ،فيرى شعرا طويال ووجها قمحيا ،وقامة مديدة. أنفسي أرى أم طيفا أرى أم أن ليلى في حبها تتشابه الوجوه؟! قيس :بربك هل رأيت ليلى؟ محمد :أراها في عينيك وعيني ،مع حفيف الخيام وهديل الحمام. قيس: بربك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبلت فاها؟ وهل رفت عليك قرون ليلى رفيف األقحوانة في نداها؟ محمد :لو كنت قبلتها ملا همت في نجد مثل (خشف) يبحث عن أمه أو (خلوج) أضناها فراق وليدها قبل الهناء. قيس :تشبثت بها فغيبوها عني. محمد :حال بيني وبينها أوهام القبيلة. قيس :رحلت الظباء عن نجد ،وأصبح املطر أمال. محمد :بعدها لم يتبق لنا سوى الذكرى والبكاء. قيس :أأنت أنا أم أنا أنت؟
ص��ورت��ه واألح ��داث التي تقف خلفها ف��ي نهاية املسلسل ،وأمثلة كثيرة قد يستحضرها القارئ أثناء قراءة هذا الكالم.
النكسة االقتصادية النكسة االقتصادية في عام 1989م ،والتي كانت الحلقة األخيرة ملا أطلق عليه «اقتصاد الفقاعة» التي اكتشف الشعب الياباني أن كل ما كان بداخلها كان مجرد هواء ،فهوس «اإلنتاجيزم» وجنون التنمية االقتصادية ،الذي بدا وكأنه سيقفز باليابان فوق العالم ،لكنه انحسر كاشفا عن كثير من األخطاء التي تسببت بها العجلة في املقام األول ،كذلك أزمة النفط في عام 1973م التي سبقت النكسة االقتصادية الكبرى ،كانت ضمن النكسات االقتصادية التي حررت الكثير من اليابانيني من الوهم ،وجعلتهم مستوعبني بشكل أكبر ملدى هشاشة الحياة البشرية اليوم في ظل التحالفات االقتصادية الضخمة وسيطرة العوملة واالعتماد املطلق على النفط ،ورغ��م أن��ه يحلق باإلنسان في مراحل لم يكن يتوقعها من الرفاهية ،لكنه يمكن أن يسقطه إلى األرض التي لم يعد معتادا على العيش عليها ،فضال عن التعايش معها ،كل ذلك من مجرد اختالل بسيط قد يكون سببا في تعطل هذه العجلة الضخمة ،ليكون السقوط رد فعل مساويا في املقدار ومعاكسا في االتجاه للصعود. قد ينظر البعض إلى أثر النكسة االقتصادية ،على أنه عارض ال يمكن أن يؤثر كثيرا في العمق الفكري أو الثقافي لصناعة «األنمي» ،لكنه رأي يتراجع أمام النسيج املتشابك لالقتصاد الياباني الذي يؤثر بال شك ليس في اليابان فقط بل في كل الدول الصناعية ذات االقتصاد القوي ،إذ يؤثر اقتصاد الصناعات على بعضها تكامليا بالسلب أو اإليجاب ،وفي اليابان االقتصادية ،وتحديدا في صناعة «األنمي» ،فإن األثر ظهر بشكل واضح لدرجة ظهور بعض األعمال في آخر الثمانينات بعد أزمة النفط وقبل انفجار الفقاعة كما يقال ،تحمل اسم األزمة مثل مسلسل الفيديو املنزلي «كارثة الفقاعة» الذي نزلت أفالمه الثمانية تباعا منذ ع��ام 1987م وحتى ع��ام 1991م م��ن إخ��راج كاتسوهيتو أكياما، وحققت سمعة قوية في الغرب ،كما فعلت في اليابان ،وتلتها أعمال أخرى تحمل العنوان مع بعض املتغيرات لكنها تعتمد على فكرة الكساد االقتصادي وآثارها على املجتمع في ظهور جرائم من نوع مختلف يحتاج إلى معالجة من نوع مختلف ،إذ تبني القصة حبكتها على ظهور جيل املنقذات في نوع معني من بذل امليكا مثل الكاندام. الطبيعة الجغرافية لتضاريس األراضي اليابانية ،واملناخ املتقلب الذي يحتشد بتاريخ كبير لألعاصير واملدود البحرية ،هناك الزالزل والبراكني ،التي تقف خلف الكثير من الدمار الذي عرفته اليابان في كثير من حقبها ،أشهرها زلزال (كانتو العظيم) كما يسميه اليابانيون ،الذي دمر طوكيو عام 1923م ،وآخرها كان الزلزال الكبير هانشني الذي دمر مدينة كوبي عام 1995م وحصد أرواح ستة آالف وخمسمائة نسمة وخلف ثالثمائة ألف شخص دون منزل ،مضافا إلى ذلك الحرائق والنيران متكررة الحدوث في العصر األول من الحداثة مثل
حريق مياريكي الهائل الذي دمر نحو ٪70من مدينة إدو (طوكيو الحالية) في عام 1657م ،كل ذلك خلق من وقت مبكر تصورا أخرويا عن مدى هشاشة الحضارة اإلنسانية املتمثلة في البناء واإلعمار ،وهو ما نجد ظالله في حمى البناء العشوائية اليوم في طوكيو كرمز للمدينة اليابانية املثالية ،حيث يمكن أن تتغير بعض مالمح األحياء في حال غيابك عنها مدة قصيرة ،فثبات البناء لم يعد يثير في الياباني حسا باألمان ،فالحوادث الطبيعية متوقعة باستمرار. االنفجار السكاني هو اآلخر ،ظاهرة مقلقة ،وهو املسؤول األبرز عن إحدى أشهر ظواهر األخروية ،أعني بها املستعمرات الفضائية ،إذ نشاهد في عدد من األعمال ،عيش بعض األرضيني في مستعمرات فضائية على كواكب أخرى، نرى مثال نموذجا بارزا في أعمال مثل سلسلة «الكاندام»« ،تراي جن»« ،قطار املجرة « ،»999دالوس». في الوقت الذي تناقش فيه الكثير من األفالم واملسلسالت الرسومية ظاهرة األخ��روي��ة ،ف��إن الغالب منها ينتهي بمشاهد تعبيرية عن سنة االستخالف التي تحمل هي األخ��رى مظاهر متعددة ،حيث الطبيعة تجدد نفسها ،بذور األمل تتبرعم في األرجاء ،املياه تنساب في مجاريها ،وأحيانا تتطرف بعض األعمال ،في تصوير تحول تنويري لبعض األرواح الشريرة ،التي كانت سببا في حلول النهاية ،التي يختلف شكلها الخارجي من عمل آلخر ،لكنها تحمل جميعا مضمون االنهيار والتبدد نفسه. في األعمال األخرى تبدو النهاية أبدية فليس من حلول ملا بعد ،كل شيء ينتهي بسبب عوامل األخروية كما يبدو ،لكن هذه األعمال ذات الجرعة شديدة التأثير ليست كثيرة كما يتوقع البعض بسبب عوامل كثيرة ومهمة أبرزها سوق النشر والتوزيع ،إذ تظهر معدالت البيع والتسويق رغبات الجمهور ومتطلباتهم ،لذا فإن هذه األعمال في عدد ال بأس به منها ،تميل لالنضمام إلى النوع األول من األعمال األخروية ذات النظرة التفاؤلية ،ولكن بتلميحات رمزية بشكل مقصود. في بعض األحيان يطرح هذا املفهوم عكسيا في األعمال التي تتناول إنقاذ العالم من الدمار ،أحد أبرز مالمح التصور األخ��روي في «األنمي» ،فنجد أنه بعد استقرار األمور ،تبقى بذرة هنا أو هناك ،تهدد هذا االستقرار بعدم الدوام، يمكننا تذكر كثير من األعمال التي انتهت بمشهد يوحي بأن سبب الدمار ال يزال هناك على الرغم من أنه يختتم أحداثه بما يوحي بالنهايات سواء كانت نهاية سعيدة أو غير ذلك. باعتقادي أن النمط األخروي ال يتوقف عند الهيئة التي يتخذها ،التي وإن تغير شكلها فإن مضامينها العامة تبقى موحدة املفهوم في الغالب إال فيما ندر من بعض األعمال املميزة ،فكثير من أعمال «األنمي» تجنح للتصور األخروي لقدرته على إثراء العمل باألفكار التخيلية التي برع في طرحها اليابانيون في كثير من أفالم ومسلسالت «األنمي» ،لكن األمر أكبر من هيئة نمطية يمكن إدراك�ه��ا بسهولة ،فالكثير من األعمال األخ��رى التي يتابعها الجمهور على اعتقاد أنها ليست ذات عالقة بالتصور األخروي ،تكون مليئة بهذا التصور باطنيا ،وناهيك عن االستشهاد ببعض األعمال التي يمكنني بها تدعيم هذه الفكرة ،فلك أن تقف عند الكثير م��ن األع�م��ال التي ال تحتوي على عناصر يمكن م��ن خاللها ،تصنيفها ضمن ه��ذا امل��وض��وع بسهولة ،لكن مسلسال مثل «ب�ي��رس��رك» ،ال��ذي يبدو أن��ه يسير في خط ال يمت إل��ى إح��دى مواضيع «األن�م��ي» الكبرى الثالثة التي من أجلها تمت كتابة ه��ذا الفصل ،ناهيك عن أن بيئة املسلسل تتخذ من أوروب��ا العصور الوسطى مسرحا لألحداث ،إال أن الدهشة تصيبك في الربع األخير من أح��داث املسلسل بمقطع تظهر فيه شخصية جامبينو قائد جاتسو ،ولكن في ط��ور تحول شيطاني ،وتنتهي الحلقة ونحن نسمع جامبينو الشيطاني يقول «لقد اقترب موعد الكسوف خال من هذا الهاجس ذي العظيم» ،إنها إشارة أخروية ،في عمل بدا لنا وكأنه ٍ األذرع األخطبوطية املسيطرة. على الرغم مما سبق ذكره ،عن فعالية املفهوم األخروية وتأثيره في صياغة الثقافة التي تقف خلف األفالم الرسومية في اليابان ،فإن هناك عددا ال بأس به من األعمال التي تحاول التسلق على املفهوم في تسويق نفسها على الرغم من رداءة العمل ككل أو على األقل عاديته املفرطة ،هذه النماذج الرديئة من األعمال ليست نادرة في صناعة «األنمي» ،لكن وعي الجمهور يجعلها نادرة الوجود في قوائم األفضل وتوصيات األوتاكو والنقاد<
,,
ظهرت القنبلة الذرية بشكل بارز في الرسوم اليابانية باعتبارها لحظة فاصلة ومشهدا أخيرا للعالم
,,
املخرج الياباني أكيرا كوراساوا
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
57
ثقافة
الشنتوية األقرب للمذهب األخالقي منها للمذهب النحلي أو الديني .رغم ذلك وكأن األمر أشبه بنكاية ما ،فإن كال طرفي الثقافة اليابانية العليا والدنيا مغمور بشكل الفت بالرؤى األخروية الكتابية.
,,
االنفجار السكاني هو اآلخر ظاهرة مقلقة وهو املسؤول األبرز عن إحدى أشهر ظواهر األخروية
,,
هاياو مايزاكي مخرج مسلسل «كونان فتى املستقبل -مغامرات عدنان ولينا»
56
في رواية «مياه الطوفان فاضت على روحي» للروائي الكبير «كنزابورو أو»، هناك كثافة غير عادية لفضيان الرؤية األخروية ،والهولوكوست النووي. الروائي املعاصر «هاروكي موراكامي» كتب عددا من الروايات التي تحتقن بالرؤى األخروية منذ بداياته في «بالد العجائب الفائرة بعنف ونهاية العالم» عام 1985م ،حتى أعماله األخيرة مثل «كافكا على الشاطئ» عام 2005م ،نظرة مونولوجية من طراز (األنا) عن نهاية العالم من منظور شخصية واحدة منفردة في «الغابة النرويجية ،تتعدد لثالثة في «كافكا على الشاطئ». موراكامي كتب بعد «بالد العجائب الفائرة» بما يقارب السنوات العشر ،كتابه الشهير «تحت سطح األرض» الذي نشر في عام 1997م ،تأمالت واقعية غير متخيلة عن الناجني من الهجوم بغاز السارين في مترو طوكيو عام 1995م، من قبل الطائفة الدينية املتطرفة «آوم شينيركيو». عبر الوعي األخ��روي لدى طوائف مثل اآلوم شينيركيو ،يمكننا اإلدراك بأن الثقافة اليابانية ليست الوحيدة التي يحدوها ه��وس غريب للرؤى األخ��رى، األمر في الحقيقة معتقد عميق اإليمان يشترك فيه املجتمع الياباني بمشاهده املختلفة .هناك الكثير من طوائف األخروية الشبيهة بطوائف األلفية في الغرب، تلك التي نشطت وازدهرت منذ بداية القرن التاسع عشر ،ولم تلبث أن انتكست واضمحلت مع ذهاب أوهامها ،أو ما بدت أوهاما في وقت الحق بشأن األلفية الجديدة ،مثلما حدث مع طائفة «آوم شينيركيو» نفسها ،التي بدأ فيها تناقص حاد ألعداد املؤمنني واألتباع الذين بدأوا يحسون بفساد املعتقد ،األمر الذي تم مالحظته في عام 1999م. في تقارير مختلفة تم إعدادها عن الطائفة بعد العملية التي نفذها األتباع في نظام األنفاق الياباني بطوكيو ،كانت هناك أطروحة مشتركة ،بأن أتباع الطائفة، وعلى رأسهم الزعيم الروحي «شوكو أساهارا» ،كانوا من املهتمني باملانجا واألنمي ذي املواضيع األخروية ،كما أن أساهارا كان يبدي تقديرا بالغا ملانجا «ناويشكا وادي الريح». وبدل البحث عن سبب ظهور الطوائف ذات التصورات األخروية ،وتطرفها في ممارسة معتقداتها التي تعدت إلى الغير ،كما في حادث مترو األنفاق ،اختار تلق ملثل هذه األفكار ،بينما التصورات السياسيون« ،املانجا» و«األنمي» كمنابع ٍ األخروية التي اعتنقتها تلك الطوائف ،اعتنقها «األنمي» كذلك ،حاله في ذلك، حال كل أشكال الفنون واآلداب ،مثل بعض الروايات التي ذكرناها سابقا ،أو األعمال السينمائية. املخرج الشهير أكيرا كوراساوا حقق فيلمني يحمالن تصورات أخروية مختلفة «سجل كائن حي» 1952م ،و«أحالم» 1990م ،وقد توحي املسافة الزمنية بني العملني ،أن كوراساوا كغيره من أبناء قومه لم يستطع أن يتخلص من الوعي األخروي والتعبير عنه .في استقراء آخر لفيلم «ألعاب نارية» للمخرج املعاصر «تاكيشي كيتانو» عام 1998م ،يمكن مالحظة سيطرة التصور األخروي عن النهاية ،على تفكير أحد أبرز مخرجي السينما اليابانية الحديثة ،وفي اعتقادي أن الكلفة اإلنتاجية للسينما الحية ،سبب رئيس في كثافة التصور األخروي في «األنمي» دون السينما. أعتقد أنه من املهم إدراك أن الوحي الكتابي ومرويات الديانة البوذية فقط ،ال تبدو مسؤولة بشكل مطلق عن الوعي األخروي شديد التأثير في منظومة املجتمع الياباني ،ففي كثير من األحيان أشعر بأن االستفادة من تلك املرويات واآلثار ال تتجاوز التشكيل الظاهري لعملية النهاية ،ألنها تبدو معقدة ومتعددة الصور ومليئة بتفصيالت متخيلة ،ليس مسؤوال عنها الوحي الكتابي أو امليراث املروي سوى في استثارة كيفيتها.
ثبات البناء لم يعد يثير في الياباني حسًا باألمان فالحوادث الطبيعية متوقعة باستمرار ..وفي الصورة أحد أبرز الشوارع التجارية في العاصمة طوكيو
مدينتي هيروشيما ون��اج��ازاك��ي ،حاصدا أرواح املدنيني الذين بلغ تعدادهم ما يزيد على مائة وأربعني ألف إنسان في هيروشيما وحدها وثمانني ألفا في ناجازاكي ،ومسببا أمراضا جينية مفجعة ألجيال عدة الحقة من نسل الهيباكوشا (الذين تلقوا القنبلة الذرية ونجوا منها) .وحتى اليوم فإن اليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعرضت للقنبلة الذرية ،وال تزال تعاني من آثارها حتى اللحظة. هذا التجلي املأساوي للنهاية التي لم تستغرق دقائق معدودة ،كان له أثره العميق على نفوس كل اليابانيني حتى اليوم ،ال يريدون نسيانه لدرجة االحتفال كل عام ،بذكرى ضحايا هيروشيما وناجازاكي ،مما يعيد املأساة لألذهان ،مذكرا إياها بأن النهاية ليست مفاجأة كما قد يعتقد أحد ،وهو ما يجعل مفهوما مثل «العيش في الكابوس» ،هو من أدق ما يمكن به التعبير عن أحد أسباب الوعي والتصور األخ��روي ،الكثيف الحضور في األجناس األدبية والطرائق الفنية املختلفة في اليابان ،ولعل أبرز من قدم مفهوم العيش في الكابوس ،املخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا في فيلمه «أنا أعيش في خوف» عام 1955م. ظهور القنبلة الذرية في األجناس األدبية والفنية ،ليس متعمدا على اإلطالق كما ت��رى األس�ت��اذة «س��وزان نابير» الباحثة في دراساتها عن «األن�م��ي» ،بل إنه يتسلل خالل مقدار الفت للنظر ،وبدرجات أكثر عمقا مما يبدو ظاهرا على السطح ،لكل أجناس األدب والفنون والثقافة لحقبة ما بعد الحرب العاملية الثانية .وفي «األنمي» فإن حضور القنبلة الذرية يأخذ صورا مختلفة ،ال ترتبط باملفهوم العام لقنبلة فطر عش الغراب الشهيرة ،بل صورا متنوعة عن انفجار غالبا ما يحصد األخضر واليابس ،مثل االنفجارات التي تخلقها آلهة الحرب «كيوجيشي» في «ناويشكا وادي الريح» ،كل هذا الغلو في استحضار النهاية عبر االنفجارات الحربية املدمرة ،أصبح مع الوقت سمة جمالية لألنمي ،أعرف أنه من الطريف الوصول إلى استنتاج كهذا ،لكن يمكن إدراك مثل هذا الكالم، عند رؤية النجاح الجماهيري والشعبية الصاخبة التي يحققها فيلم يسيطر عليه التصور األخروي متمثال في االنفجارات التي لم تعد غريبة عن الوعي الياباني منذ ع��ام 1945م ،وبالتحديد في اللحظة التي سقطت فيها قنبلتا هيروشيما وناجازاكي.
جدير بالذكر في مقطع القنبلة الذرية أنها ال تتوقف عند حدود الدمار بل تتعدى إلى آثارها الناتجة على سقوطها ،حيث الوحوش املمسوخة والطفرات الجينية التي تسببت في امتساخها ،والتي تبقى على األرض من أجل حصاد معاناة مزدوجة على ذاتها وعلى غيرها من البشر األصحاء ،وغودزيال لشهرته مثال نموذجي على ما نقصده بهذا الكالم. لهذا السبب ليس مفاجئا على اإلط�لاق أن نعلم أن األيقونة األكثر حضورا وشعبية ،أي األخروية ،مغمورة بصور االنفجارات املفجعة ،ويتذكر الكثيرون القنبلة الذرية منا ،ممن حظي بمشاهدة فيلم «أكيرا» الذي يبتدئ بمشهد القنبلة النووية في ع��ام 1945م ،ق��ام الطيران الجوي األميركي بإلقاء قنبلتني ذريتني على املدمرة ،أو مسلسل «تراي جن» الذي كان يعيد مشهد االنفجار مقطعا لتكتمل
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
السطحية من تربة البوذية الشديدة الخصوبة لتعدد التفسيرات ، -في املدن والقرى اليابانية ،وبات من الطبيعي سماع أصوات ترانيم االجتماعات الدينية لألتباع ،وهم يؤدون صالة «الننبوتسو» في بحث شديد االهتياج عن الخالص. أيا كان التشابه بني الطريقتني في الخالص ،إال أن تعليم املابو تعليم يوتوبي فاضل ،هيئة أكثر سلمية للخالص ،ال تعتمد ص��ورة املنقذ ذات��ه ،أو مملكة السماء في الوحي الكتابي ،أو العالم املطهر في السوترا البوذية املتأخرة. في القرون الوسطى أيضا ،ظهر مفهوم أثر في اآلداب والفنون بشكل واضح، لكنه استمر حتى غمر الحياة اليابانية كلها ،كان ذلك مفهوم «مونو نو آواري»، الذي يعني بالعربية «كآبة األشياء» ،وهو فلسفة جمالية تؤكد طبيعة الحزن للحياة ،وأن هذا الحزن جزء ال يتجزأ من السعادة التي تحققها أشياء هذه الحياة ،وه��و سبب يقف خلف النظرة اليابانية املعاصرة للعالم وإمكاناته، والتوجس الدائم لنهاية األشياء كطبيعة أصلية فيها ،وهو نوع يمكن إضافته إلى تكون الوعي األخروي في الثقافة اليابانية الحديثة. الشهير يقال إن أول من خرج بمصطلح «مونو نو آواري» هو الناقد الياباني َ «موتوري نوريناجا» ،الذي عاش بني عامي 1730م و1801م ،إذ أصبح ُيطلق هذا األسلوب على كثير من أعمال املدرسة الرومانسية األدبية ،ثم تجاوز ذلك حتى أصبح اليوم يطلق على بعض األعمال األكثر حداثة في اليابان مثل رواية «الغابة النرويجية» للروائي الكبير «هاروكي موراكامي» ،كما أن هذا املصطلح توسع من أن يكون حكرا على عالم السرد ،ليصبح تعبيرا ضمن تعابير أخرى مؤثرة في السينما اليابانية ،مثل أعمال املخرج البارز «ياسوجيرو أوزو» ،أو «املانجا» عند هيتوشي أشينانو ،كاورو موري ،وكوزوي أمانو.
ما وراء األخروية! موضوع األخروية هو موضوع متأصل في الهوية اليابانية الوطنية املعاصرة، هذا الجزم بتأصله في الهوية ،يأتي على صورتني شكليتني ،فهو إما طبيعي أو مفاجئ ،تقول األستاذة سوزان ج .نابير في كتابها «األنمي من أكيرا وحتى األميرة مونونوكي»: «ل��و أن ال�ت�ص��ور األخ ��روي وم��واض�ي�ع��ه ل��م ت��وج��ه بسبب ال��زي��ادة ف��ي التغير االجتماعي واتساعه غير املتوقع ،فإن اليابان اليوم ما زالت تظللها ذكريات القنبلة الذرية ،واإلخفاقات االقتصادية التي تقفل بني كل عقد وآخر ،بعد حقبة من االنفجار االقتصادي ،ال��ذي يبدو غالبا املرشح ال��واض��ح الظهور ،لبروز ال��رؤى املتعددة للنهاية ،ومن هنا يمكن تفهم هذا الشعور وسبب احتضان الجمهور له».
لكن ك�لام األس�ت��اذة نابير ،يمكن سحبه وبشكل كامل ما ع��دا في جزئيته الخاصة بالقنبلة الذرية ،على الكثير من الحضارات والثقافات املعاصرة ،فالقرن العشرون مع موروثه االجتماعي ،ومعتركاته السياسية املتعددة ،واملعدل الهائل واملتالحق بشكل فادح السرعة للتغيرات التقنية التكنولوجية ،تبدو هي املتهم الرئيس خلف هذا الكم الضخم من الرؤى األخروية ،التي تظهر في العالم اليوم، ما يجعل البعض يرى في الغاية القصوى ملنتجات العصر الحديث ،وبالذات في مجال الرفاهية اإلنسانية ،دالئل على نهاية السعي الحثيث لكل ما يمكن أن يتفتق عنه العقل البشري. الوعي األخ��روي حاضر في الفنون واألشكال األدبية املختلفة ،لكن حضور هذا الوعي ،يبدو واضحا بإيقاع أكثر وضوحا وكثافة في الواليات املتحدة األميركية ،إذ ولدت طوائف وملل يوم القيامة من «الشاكرز» في القرن التاسع عشر ،إلى أتباع ديفيد كورش وجيم جونز في القرن العشرين ،مما يجعل استحضار عبارة الكاتب األميركي «جون و .نيلسون» مناسبة لالستشهاد، حيث يقول« :األخروية أميركية مثلما هي النقانق». يقول جوناثان كيرتش« :يحظى سفر الرؤيا في أيامنا هذه بجمهور واسع من القراء في األوساط األصولية املسيحية ،إال أن الحبكة والشخصيات تبدو مألوفة حتى بالنسبة ملن لم يسبق له أن اطلع على آخر أسفار العهد الجديد. وفكرة أن العالم سينتهي قريبا ،بكل ما تتضمنه من صور بصرية وهمية وكلمات وأرقام وألوان وصور وأحداث كما يصورها سفر الرؤيا ،تعد جزءا من نسيج الحضارة الغربية ،سواء في الثقافة العليا أو في الثقافة الشعبية، ب��دأت ف��ي العهود التوراتية السحيقة ،واستمرت إل��ى عصرنا ه��ذا .فمعركة أرمجدون ،فرسان الرؤيا األربعة ،الختم السابع ،عاهرة بابل العظيمة ،املسيح الدجال ،حاصد األرواح الشرس ،عناقيد الغضب ،غادرت مكانها على سفر الرؤيا ،ووجدت طريقها إلى أرفع األعمال األدبية والفنية واملوسيقية ،وصفحات الرياضة ،في الصحف وشاشات السينما ،وأفضل الكتب مبيعا في الغرب». إن األمر الذي يجعل أوروبا وأميركا بمعزل عن اليابان في التصورات األخروية هو اشتراكهما في الوحي السماوي الذي يحدد النهاية في معركة فاصلة بني ق��وى الخير وب�ين ق��وى الشر الشيطانية ،وتنتهي األح��داث ب��أن يحيق الشر بالشيطان وحزبه ،ويرسلون إلى الجحيم ،بينما يرفل أهل الخير في السعادة إذ يدخلون الجنة مملكة السماء ،التصور نفسه بشكل عام ،هو ما نعتقده نحن املسلمني ،عبر آيات القرآن ومرويات السنة النبوية. الثقافة التقليدية اليابانية لم تشارك قط في تصور هذه الرؤية بسبب منابع التلقي ،فاملرويات البوذية لم ي��رد فيها ذك��ر ملثل ه��ذه املعركة الفاصلة على اإلط�ل�اق ،وفكرة النعيم أو الجحيم ليس هناك أي تصور عنها في املفاهيم
الثقافة اليابانية التقليدية والتراثية تؤثر في تركيبة املجتمع الياباني وفي الصورة نموذج للطراز املعماري الياباني
,,
«األنمي» أثر بشكل كبير على فهم اليابانيني املعاصرين لألخروية وقدم رؤى واتجاهات جديدة
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
55
ثقافة
املفهوم األخروي ليس حكرا على دراما الرسوم اليابانية املتحركة «األنمي» ،فهو سمة تجد لها حضورا بارزا في أكثر أشكال األدب تعبيرا ،النخبوي منها وحتى الشعبي ،بل يمكننا أن نتوسع في الفكرة لنقول، إن مفهوم نهاية العالم واألخروية ،هو هاجس يتملك أكثر املجتمعات الحضارية وثقافاتها املختلفة .لكنه في «األنمي» يبدو أكثر كثافة وأشد حضورا ،حتى ليبدو في كثير من األحيان أنه ليس من موضوع يشكل هاجسا مسيطرا على الرسوم املتحركة اليابانية ،غير نهاية العالم أو انتظارها.
صراع الخير والشر ..كيف ينتهي العالم في الرسوم اليابانية املتحركة؟
مشهد االنفجار األخري بقلم: طارق الخواجي
,,
قضية نهاية العالم ونهاية صراع الخير بالشر تشكل هاجسا كبيرا يسيطر على الرسوم املتحركة اليابانية
,,
«اندلعت الحرب العاملية الثالثة عام 2008م ،استخدمت فيها الشعوب املتحاربة ،أسلحة مغناطيسية تفوق في خطورتها األسلحة التقليدية، ونتيجة لذلك حل الدمار في البر والبحر ،وباتت الكرة األرضية تعيش كارثة مؤملة .قضت الحرب على معظم أج��زاء هذه األرض ..ولكن اآلن أخذت األشجار والحشائش تنمو من جديد ،وأخذت األسماك تمأل مياه البحر ،لقد انتعشت األرض وامتألت بالحياة من جديد». هذا املقطع الشهير من مسلسل «كونان فتى املستقبل -مغامرات عدنان ولينا» عام 1978م ،الذي أخرج أجزاء عدة منه «هاياو مايزاكي» ،لم يكن فريدا من نوعه، سواء من الناحية الزمانية ،إذ سبق ظهور مثل هذا املقطع ،بشكل أو بآخر في عدد من األعمال الرسومية اليابانية السابقة والالحقة ،كما أنه لم يكن فريدا من نوعه من ناحية املضمون واملوضوع ،فقد درجت أعمال «األنمي» ،على طرح مثل هذه النظرة للمستقبل ،في عدد ال يحصى منها. املفهوم األخروي ليس حكرا على «األنمي» ،فهو سمة تجد لها حضورا بارزا في أكثر أشكال األدب تعبيرا ،النخبوي منها وحتى الشعبي ،بل يمكننا أن نتوسع في الفكرة لنقول ،إن مفهوم نهاية العالم واألخروية ،هو هاجس يتملك أكثر املجتمعات الحضارية وثقافاتها املختلفة ،ويمكن ألي منا إدراك ذلك ،في حال أعطى لنفسه الوقت في سبر القشرة الخارجية املجردة ،لبعض الروايات والقصص أو األعمال السينمائية ألي ثقافة فاعلة في العالم اليوم ،لكنه في «األنمي» وهو ما يهمنا بشكل أكبر في هذه الدراسة ،يبدو أكثر كثافة وأشد حضورا ،حتى ليبدو في كثير من األحيان وعبر األعمال األكثر تميزا في الصناعة ،أنه ليس من موضوع يشكل هاجسا مسيطرا على الرسوم املتحركة اليابانية ،غير نهاية العالم أو انتظارها. هذا ال يمنعنا من القول ،إن هناك حاالت اندماج واسعة في الكثير من أعمال «األن�م��ي» ،بني ه��ذا املوضوع وغيره من املواضيع املسيطرة عليه مثل الرثاء واالحتفال ،لكن الالفت للنظر أن هذا االندماج غالبا ما يجري في وجود املظهر األخروي ،وفي الغالب ما يكون هو املظهر األبرز ،الذي يمكن التقاطه في العمل بسهولة ،وفي بواكير املسلسل أو الفيلم أحيانا.
في استقراء املفهوم مفهوم األخروية املترجم عن املفردة اإلنجليزية «أبوكاليبس» ،يفسر في معظم األوقات على أنه التسلسل املتتابع للدمار الكوني ،لكن املعنى األساسي املستند على الشروح الدينية والتفاسير الكتابية ،يأخذ باملعنى منحى روحيا ،يمكن اختزاله في عبارة «كسر جوهري لطبيعة األشياء» ،وهو ما يمكن حمله على األخروية الشخصية ،املتمثلة في نهاية حياة الفرد بحلول أجله.
54
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
الكلمة اليونانية «أبوكاليسس» يجري تفسيرها على أنها النزاع التدميري األخير بني الخير والشر. في الكثير من أعمال «األنمي» ،ال يكثر السرد املتواتر عن «انتظار نهاية العالم»، بل من الوحي لـ«ملاذا وكيف ينتهي العالم؟». بإعطاء املسافة بني املرويات الدينية اليابانية ،ومقابلها في املسيحية ،يبدو فاتنا للغاية وساحرا للعني ،كيف أن النظريات اليابانية الحاضرة اليوم ،التي تروي نهاية العالم ،تأخذ صداها من الوحي الكتابي. الثقافة اليابانية التقليدية والتراثية ،مظهر أساسي يؤثر في تركيبة املجتمع الياباني املعاصر ،وعلى فهمه للتصور األخروي ،لكن وعلى مرحلة ما ،فإنه يمكن القول إن «األنمي» أثر وبشكل كبير ،على فهم اليابانيني املعاصرين لألخروية. ملزيد إي�ض��اح ،يجب أن نعود الستقراء التاريخ أوال ،لنفهم التأثير الجمعي للثقافة اليابانية التقليدية والتراثية ،وكيف أثرت في التصور األخ��روي عند اليابانيني ،ال��ذي نجد آث��اره اليوم في كثير من اآلداب والفنون وم��ن ضمنها «األنمي» .إنها تغذية راجعة بشكل ما. كتب البوذية وشروحاتها املتعددة القراءات ،ال تأتي على ذكر أي رؤى ،للمعركة الفاصلة بني طائفتي الخير والشر في نهاية العالم .هناك نهاية ولكن ليس بحسب مرويات الوحي الكتابي .قد يكون تعليم «املابو» البوذي أو ما يطلق عليه «األيام األخيرة للقانون» ،وفي تفسير آخر «العهود الحديثة من الناموس»، هو ما يمكننا الوقوف عليه كمفهوم يعطي تصورا واضحا عما يظنه البوذيون عن النهاية أو السقوط بمعنى أصح. تعليم «املابو» يتحدث عن مرور آالف السنني بعد موت بوذا املعلم األول ،يبدأ العالم في االنحطاط والتفسخ ويعتريه الفساد بشكل أبلغ مما كان يتوقع ،إذ فقدت تعاليم ب��وذا قوتها وتأثيرها على األتباع ال��ذي أغراهم العالم بزخرف الرفاهية وامل�ت��ع ال��زائ�ل��ة ،إال أن العالم يجري إن�ق��اذه على ي��د «مايتريا ب��وذا»، الذي سيظهر في هذه الساعة الحرجة من الحاجة ،ليكون دليال لعهد جديد من التنوير البوذي .يستغرق املايتريا بوذا سبعة أيام ،إلنجاز ما تطلق عليه السوترا البوذية «اليقظة» أو «التنوير» ،ويسبق ظهور املايتريا ب��وذا ،بعض التغييرات الطبيعة في املناخ وحتى التضاريس ،مثل انحسار مياه املحيطات لكي يتمكن من الوصول إلى األرض بسالم. مؤثرا في كلتا الثقافتني العليا والدنيا في القرون الوسطى من التاريخ الياباني، فإن عقيدة ومذهب «املابو» ،أصبحت واسعة االنتشار بشكل أكثر في القرن وبتواز تاريخي مع عودة مفهوم «األلفية» في الغرب ،حيث ينتظر الحادي عشر، ٍ النصارى مخلصهم بعد األلفية األولى للسيد املسيح عليه ُالسالم ،انتشرت في اليابان حركة إحياء للتعاليم البوذية األصلية - ،التي طمست بالتعاليم
Distinguish yourself
Kingâ&#x20AC;&#x2122;s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, Kingâ&#x20AC;&#x2122;s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011
www.kcl.ac.uk
ثقافة
الغير قرونا وراء قرون؟! أإلى هذه الدرجة يؤثر املصدر غير القابل للتنقيح على التفكير املنهجي!
ّ الشك! ديكارت والغزالي وبطولة
,,
اطالع العقاد على مجمل مصنفات املصنفني املعنية بالتاريخ والتراجم والعلوم تركت أثرا باذخا على نصه الغني باملصادر واملفتوح على املعارف
,,
«إمام الفلسفة األوروبية الحديثة» ،هو اللقب الذي أطلقه العقاد على الفيلسوف ديكارت .وهو رغم إشادته به والتذكير بموقعه في تاريخ الفلسفة األوروبية ،فإن العقاد ،وانطالقا من تثبيت الهوية ،ال يتوقف كثيرا عند نظام ديكارت املعرفي ،وينتقل فورا إلى استنتاج مفاده أن اإلمام الغزالي سبق إمام الفلسفة األوروبية الحديثة ،بثالث قضايا، حددها تباعا وهي «ف��إن الغزالي يقول إن الشك أول مراتب اليقني، والشك هو مقدمة الفلسفة الديكارتية إلى البراهني اليقينية» .إلى آخر املطابقات .وهنا ،سنتذكر ذلك الفارق ،ما بني معالجتني مختلفتني ،في نموذج ديكارتي واحد ،وهي معالجة طه حسني ومعالجة العقاد .األولى أثمرت نظاما معرفيا يعتمد املقارنات ّالتاريخية وفحص الوثائق وسياقها التاريخي واللغوي .والثانية ،العقادية ،أثمرت تثبيتا للهوية عبر مصادرة الفحص للوثيقة ،واستخدام مبدأ اإلظهار واإلخفاء إلمرار نظرية أو فكرة ،دون حتى أن تترك أثرا في قاموس املصطلحات.
ماركس في عيادة العقاد.. من املعروف أن املاركسية ،وتحديدا في زم��ن العقاد ،كانت على أشدها ،إعالميا ،وسياسيا ،وعسكريا ،وتنظيرا .وك��ان الصراع حول املاركسية ال يمكن أن يخاض دون أن يتسلح الطرفان ،بأدوات معرفية م �ح��ددة تنقل ح�ج��م ال �ف��ارق م��ا ب�ين التفكير الشيوعي، والتفكير الرأسمالي ،سواء في الفلسفة أو في االقتصاد أو في العلوم الطبيعية .إال أن العقاد لم يتحكم بمدى إف��راط كراهيته ملاركس، فكتب عن الرجل بطريقة التجريح واإلهانة .فأصبح مؤلف رأس ٌ املال «شهوة تخريب وعدوان» .وصراع الطبقات ،املاركسي ،مرادف لـ«شهوة التخريب والعدوان» .ولهذا يصر العقاد على أولوية دراسة شخص ماركس على دراسة املاركسية نفسها .كونه ،أي ماركس، هو «نبي السوء في زمانه» وصورته هي «مفتاح مذهبه ومذهب الحقد والسوء في نفوس أمثاله»! ويفيد من كتاب «كارل ماركس حياته وعمله» لينقل عنه أن ماركس «يعاني من اعتالل روحي وكان دائما حقودا ومتقلبا ويخضع لتأثير سوء الهضم واالنتفاخ وهياج الصفراء» وأنه كان «موسوسا يعتمد في الطعام على االستعانة بالتوابل واملخلالت وبيض السمك اململح»! وبعد أن يستثمر كل ما ورد في الكتاب ،ينطلق إل��ى ال�ق��ول« :على ه��ذه ال�ص��ورة يتمثل كارل ماركس كاتب يدين باملادية الثنائية وبالتفسير االقتصادي للتاريخ» .وأن هذه النشأة الجسدية «تضاف إلى نشأته النفسية واألخالقية فال تنم عن فطرة سوية وال تهيئ الناشئ للخير والفالح في حياته الخاصة أو العامة» .كذلك فإنه كان «قذرا يهمل االغتسال والنظافة وكان منظر القروح والثآليل التي تمأل وجهه وعينيه وما ظهر من جلده يزيده ق��ذارة على ق��ذارة» .لينتهي إلى أن هذه «هي صورة إمام االشتراكية والعلمية واالشتراكية املادية» .ولقد كان العقاد من الذكاء أنه عندما بدأ بشرح املادية واملاركسية ،كان قد ضمن وج��ود ه��ذه الصورة املقززة ملاركس في ذه��ن ال�ق��ارئ ،فلم يقلق من تأثر القارئ بالشيوعية ،فهي جاءت ،بعد كل هذه الصورة القبيحة ملؤلفها املريض والذي كان غاية في القذارة!
أبو نواس واألمراض الجنسية! إن كان التناول الشخصي لكارل ماركس ،من قبل العقاد ،مفهوما 52
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
بصفته نشاطا ضد املاركسية نفسها ،عبر التركيز على الصفات الشخصية والجسدية والصحية ملؤلفها ،فكيف يمكن فهم األمر إن كان الهدف ،هذه املرة ،شاعرا؟ ومن الطبقة األولى لشعراء العربية، وهو الحسن بن هانئ ،املعروف بأبي نواس! في تراجم وسير الشعراء التي اشتهرت عن العقاد ،سنجد ترجمة جديدة له ،هذه امل��رة .خصوصا أن العقاد كان يسم بعض الرواة الذين يتناولون أخبار أبي نواس بأنهم ّ «أميون» كونهم يتناولون «أخبارا مزعومة» .فسنجد أن العقاد لم يهمل رواي��ات ال��رواة وال أخبار اإلخباريني الذين حذر منهم ،بل سيتجه إليهم بكل ما يحمله من معرفة موسوعية ال مثيل لها في تاريخ العرب الحديث ،وربما القديم ،بل إن الظن بأن العقاد هو األغزر معرفة ،في تاريخ العرب ّ كله ،قد يكون في مكانه ،خصوصا إذا ما قورن باملصنفني ومؤلفي املوسوعات .ذلك أنه يزيد عليهم بأنه لم يقتصر على فئة معينة دون غيرها ،بل في كل الفئات .لهذا السبب فإن العقاد هو األغزر معرفة واطالعا مع كل من حمل القلم أو قرأ الكتاب أو ّ دون على ورقة. من ماركس ،إلى أبي نواس ،سنجد الشخصي يتفوق على النقدي، لدى العقاد ،ويركز العقاد على أن الشاعر كان «ألثغ الصوت نحيفا م�ض�ط��رب األع �ص��اب» .وي�ق��ارن��ه ب��أوس�ك��ار واي �ل��د لجهة «امل�لام��ح األنثوية وخصل الشعر املرسلة والصوت الذي تمازجه الرخامة». منتقال إلى الحديث عن الغدد ودورها في االضطراب السلوكي (مع أن العقاد ،قطعا ،لم يتسن له إخضاع أبي نواس لتحليل الغدة!) وكذلك يخصص بابا للحديث عن التفاصيل التشريحية ألعضاء الجسم (!) ومن ثم دور الغدة الرخامية ،كذا ،والدرقية ،ومن ثم الغدة الكظرية ،كذا! ،ثم الغدة الصنوبرية (على أال ينسى القارئ أن الكتاب ينتمي إل��ى النقد األدب��ي أو التراجم في حد أدن��ى!) .وبعد تمهيد طويل عن الشذوذ الجنسي وأعراض األمراض الجنسية ،يدخل إلى التكوين الجسدي ألبي نواس .فيقول« :كان حسن الوجه رقيق اللون أبيض حلو الشمائل ناعم الجسم وكان ألثغ بالراء يجعلها غينا وفي حلقه بحة ال تفارقه»!! ثم إن أبا نواس كان جسمه يخلو من ّ الشعر ..وباقي الروايات املتواترة عن أبي نواس في كتب التراجم.
ّ ّ العقاد فرويدي متخف .. كان العقاد ،وال شك ،من أشهر املثقفني العرب املتأثرين بالفرويدية. ف�لا تخلو ل��دي��ه ف�ك��رة م��ن إش ��ارة أو اس �ت��دارة إل��ى منهج التحليل النفسي ،وهي ال تحصى في مؤلفاته ،وفي كل مصادرها .فإن عدنا إل��ى تصعيده الشخصي على النقدي ،في تناوله أصحاب األفكار أكثر من األفكار نفسها ،أو إص��راره على الجمع ما بني الصفات الجسدية والفكرة ،كأولوية لفهمها ،تؤكد تأثره الطاغي بالفرويدية .العقاد كان فرويديا بالكامل ،إال أن ما أخفى هذا التأثر لديه هو غزارة معلوماته التي قد تحرف االنتباه عن تلك النقطة .بل إن الفرويدية هي سبب تشتته النسبي الذي نلحظه هنا أو هناك ،في االستطراد الذي يلجأ إليه لتأسيس خلفية إكلينيكية ملوضوعه ،كما فعل مع أبي نواس حيث أسهب في الحديث عن الغدد بكل أنواعها، وأيضا شروحاته التفصيلية عن النرجسية والشذوذ الجنسي وكل األمراض النفسية ذات الصلة. إن لم نخرج من عند العقاد ،بمنهجية واضحة ،تتعلق بنظام التفكير، أو األثر البعيد الذي يمكن أن يخلفه في كتاب املصطلحات التي هي الشيء الوحيد الذي يخلد األفكار .فإننا نخرج باإلعجاب الذي ال يحد بهذا القدر الذي حصله هذا الرجل من املعرفة املوسوعية .كما ّ يضيع دقيقة واح��دة من حياته إال وهو يقرأ .كما لو أن لو أنه لم العقاد موسوعة تمشي على قدمني.. رحم الله هذه املوسوعة .في الذكرى الخمسني لرحيلها< * كاتب وناقد سوري
إلى االقتباس من كتاب «إخوان الصفا» حول تقسيم األيام والليالي وساعات اليوم .في الوقت الذي ال يشكل فيه «إخوان الصفا» مرجعا قاطعا لجهة املصدر الذي يسعى العقاد إلى تمجيده بصفته األصل العربي للعلوم الوقتية والساعات الذي أخذه األوروبيون عن العرب. ّ مصنف ّ مجهل املصدر على هذا فضال ،عن أن «إخوان الصفا» هو طريقة «ألف ليلة وليلة» ،ال بل إن مادة إخ��وان الصفا ،تنسف ما سيذهب إليه العقاد في تمجيد األصل العربي لهذا العلم أو ذاك، بسبب أن إخوان الصفا ،بزمن رواجه ومضمونه وسياقه األندلسي، يجعل منه كتابا غنوصيا باطنيا في كثير من جوانبه ،كما أنه يعتمد املصادر اآلسيوية والفارسية والهندية في شكل حاسم، فكيف يمكن االعتماد عليه إلثبات األصل العربي لعلم األيام؟! ّ تتظهر نزعة تثبيت الهوية ،ل��دى العقاد ،آخ��ذة ف��ي الظهور أكثر ف��أك�ث��ر وه��و ف��ي م �ع��رض ال�ك�ش��ف ع��ن األص ��ل ال�ع��رب��ي للفلسفة األوروب�ي��ة .وهنا ،يستخدم الرواقية نموذجا ،ب��دءا من مؤسسها زينون الرواقي ،وانتهاء بتالمذتها أو أثرها في الحضارات القديمة. فيقفز إلى استنتاج سريع ،ومن دون أي معطى تاريخي قطعي، إلى أن الرواقية «فلسفة عربية قديمة» .في الوقت ال��ذي يتصارع األوروب�ي��ون ،والقوميون املشرقيون ،على نسب هذا الفيلسوف، الذي في النهاية بقي في حدوده اإلغريقية .مع أنه هو نفسه يتحدث عن مولده في «الشاطئ الشرقي من جزيرة قبرص» .وآخر األمر، أن زينون الرواقي إيلي األصل ،كما ينظر إليه املثقفون الغربيون، وك�م��ا أورد الشاعر الفرنسي ب��ول فاليري ف��ي قصيدته املقبرة البحرية إذ يقول« :يا زينون القاسي ،يا زينون اإليلي ،أنفذت في قلبي ذلك السهم». وللتعبير ،أك�ث��ر ،ع��ن ن��زع��ة تثبيت ال�ه��وي��ة ،وامل �ص��در غير القابل للتنقيح ،كونه يأتي من جهة مكتملة ،يقينية البنية ،ف��إن العقاد يعاود املصادرة التي ستخدمه في املناورة الدفاعية التي يجيدها بمهارة منقطعة النظير ،فيقول« :وق��د كان طابع الذهن السامي، ون�ك��اد ن�ق��ول ط��اب��ع ال�ج��زي��رة العربية ،ملحوظا ف��ي ك��ل م��ا علمته املدرسة الرواقية في باب الغيبيات أو باب العلم الطبيعي أو باب األخالق» .مع أن منشأ الرواقية يعود إلى نحو القرن الرابع والخامس قبل امليالد ،فكيف كشف العقاد عن «التربيطات» التي استنتجها، إيمانا واع�ت�ق��ادا ،أك�ث��ر منها منهجا ،ف��ي م�ن��اورة دفاعية ميزته عن قرينه طه حسني ،الذي كان على عكسه ،يتعامل مع مصدر قابل للتنقيح ،غير مكتمل ،ويمكن طرح األسئلة عليه .هذا األمر ّ سهل على العقاد أن ينتقل من بديهية إلى أخرى ،مختتما بالقول: «خالصة ما تقدم أن األوروبيني تتلمذوا على أبناء الجزيرة العربية في مسائل الحضارة واملعيشة اليومية». هذا دون أن ّ يمر على السومريني إال بصفتهم «من شعوب العنصر اآلري» ،وبذلك منح الفرس واإليرانيني أرض العراق وبالد ما بني النهرين! وال نعلم كيف فاته التمييز ما بني آري�ين قاطنني أرض الفرس ،وسومريني ،هم أهل العراق وشامة الهالل الخصيب ،وكما كان يسميهم البغدادي في كتابه العظيم «تاريخ بغداد»« :جمجمة العرب» ..ولربما غض العقاد الطرف عن تفاصيل كهذه ،هو يعرفها أكثر من غيره ،بطبيعة الحال ،لسبب واحد فقط ،الستكمال التعامل مع املصدر غير القابل للتنقيح .فكون أرض سومر من الشعوب اآلرية ،ستنقذ العقاد من بديهيته القابلة للنقض عند أول فحص. ذلك أن السومريني والبابليني ،يشكلون «إشكالية» في علم التاريخ، كونهم ينقضون نظرية «األصل البؤري» للحضارة ،أي كلما سعى املؤرخ للتعامل مع التاريخ من نقطة محددة متعارف عليها ،يأتيك السومريون والبابليون وينقضون البؤرة ،ذلك أن الحضارة هناك مغرقة ف��ي ال�ق��دم ،ومتعددة امل�ج��االت .وليس البحث ع��ن الخلود،
املتمثل بأثر جلجامش الشهير ،إال جزءا من عمق األثر السومري في الحضارة البشرية. سنالحظ هذا األمر يتجلى بكل قوة ،عندما اصطدم العقاد بحقيقة امتياز اإلغريق بالفلسفة .فهذه الحقيقة ستنقض تثبيت الهوية وامل�ص��در غير القابل للتنقيح .وعندما ل��م يكن ه�ن��اك م��ن مبرر يمكن أن يخدمه في قناعته اإليمانية أكثر منها منهجية ،سنراه يكتشف سببا المتياز اإلغريق بالفلسفة ،أال وهو «ألن بالدهم نشأت وتطورت دون أن ينشأ فيها ملك قوي وكهانة قوية .ولو قامت عندهم ال��دول القوية والكهانة القوية كما قامت في مصر وبابل لكان شأنهم في أسرار الدين واملسائل اإللهية كشأن البابليني واملصريني» .وكذلك استبق القول بامتياز اإلغريق بالفلسفة إنه بسبب «أن هذه البحوث كانت مباحة عندهم حيث كانت تمتنع على غيرهم من أبناء الدول الشرقية العريقة». ٌ ولربما يتساءل سائل ،كيف ملوسوعي بحجم العقاد ،أن يتجنب ّ الحقيقي املؤكد ،ويلجأ للوهمي املركب؟ ال لسبب في نقص اطالعه، فهو األكثر اطالعا من غيره .إنما لسبب وحيد سيرافقه في كل تدويناته ،وهي نزعة تثبيت الهوية ،والتحرك من جغرافيا النقاء وال�ن�م��وذج امل�ث��ال��ي .ل�ه��ذا السبب تجاهل وج��ود «دول ��ة ق��وي��ة» عند اإلغريق ،وهو العارف أن بعض حكامهم كانوا يطلبون التعامل معهم بصفتهم آلهة ال ب�ش��را ..ومنهم اإلسكندر املقدوني الذي طلبها علنا حتى من الفالسفة .فكيف لم تكن هناك دول��ة قوية وهي تلك الدولة التي اشتهرت بتأسيس الجيوش واحتالل أرض
عباس محمود العقاد
,,
ليس من السهل اآلن إعادة قراءة العقاد فقد تغيرت اللغة ومناهج التأليف وكذلك تغير املزاج العام للقارئ
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
51
ثقافة
مرت قبل أيام ،الذكرى الخمسون لرحيل األديب والناثر الكبير عباس محمود العقاد الذي توفي في 12 مارس(آذار) .1964اسم هذا الرجل ،يكاد يطغى على أي محاولة أو ّنية تسعى ملقارنته بأي أحد آخر ،أو أن تنال بعض الشيء من هذا البحر الذي لن ينقصه ْ غارف أو شرب شارب .إال أن زمنا طويال وعميقا قد مر، غرف ٍ ما بني قلم العقاد ونثره ،وزمننا هذا .تغيرت مفاهيم وسقطت نظريات ،وتشكلت أخرى .ال ،بل إن بعضا من الذين عاصروه ،كانوا قد نحوا في شكل مختلف وجذري عما نحاه ذلك القلم القارئ املعروف بالعقاد ،ونعني طه حسني ،الذي حمل من التفكير وأدوات املنهج ،ما لم يقم به العقاد ،الذي كان في األصل ،يريد اقتحام نموذج املثقف املوسوعي التاسع عشري.
في الذكرى الخمسني لرحيله :ماذا بقي من عباس محمود العقاد؟
املثقف املوسوعي بقلم: عهد فاضل *
غالف كتاب (مجموعة العبقريات اإلسالمية) لعباس محمودالعقاد
50
حقا ،ظفر العقاد بنموذج املثقف املوسوعي ،الكاتب عن كل شيء ،والقارئ عن كل شيء .لكن ،إن ترك طه حسني نتوءا في العقل العربي ،يتجلى بالقدرة على طرح األسئلة والتشكك بالصورة املثالية للماضي ،عبر آليات ممنهجة ونظام تفكير ،فما الذي ،في املقابل ،تركه العقاد ،وهو املقتحم للنموذج املوسوعي ،وال��ذي يليق به في شكل ال ينطبق على س��واه؟! هل ترك العقاد شيئا يتعلق بنظام التفكير ،أم ترك لنا نموذج املثقف املوسوعي ،فقط ،وال��ذي ال يعنى كثيرا ب ��األدوات واملنهج ونظام التفكير ،بقدر ما يعنيه املوسوعية ،واالطالع ،والتبحر ،والتعرف على كل شيء؟!
النفسي بصفة عامة .وال غرابة في األم��ر ،ولسبب يتعلق أصال بتقنيات الكتابة ،وهي أن لغة التحليل النفسي ،عميقا ،هي لغة كتابة ّ وتأليف ،وال يتقن التحليل النفسي من ال يتقن االستخدام الخالق للكتابة والتعبير .وهنا ال بد أن نذكر ،أن فرويد نفسه ،سبق وفاز بجائزة في الكتابة!
وبالعودة إلى موسوعية الرجل األشهر فيها ،فستظهر شوائبها، ّ حيث غزارة املصادر واملعلومات لم تمكن نظام التفكير من أدوات جديدة .بل عملت املوسوعية على التفتح واالتساع بكل اتجاه .وهي على غزارتها وأهميتها ،فقد خدمت صاحبها ،ولم تخدم تاريخ األفكار ،لجهة نظام التفكير ،الذي هو ّ مقدم على أي نتائج معرفية ممكنة .على غير ما أف��اد منه معاصره طه حسني ،ال��ذي سيطر املوسوعية أم نظام التفكير! على لذة املوسوعية في مقابل الظفر بمنهج وأدوات .مع اإلشارة ل�ي��س م��ن ال�س�ه��ل ،اآلن ،إع� ��ادة ق� ��راءة ال �ع �ق��اد .ف�ق��د ت�غ�ي��رت اللغة إلى غزارة مصادر حسني ،في كل األحوال .لقد كان التناقض بني ومناهج التأليف ،وكذلك تغير امل��زاج العام للقارئ .وأي�ض��ا ،فإن حسني والعقاد هاما وعميقا وحاسما :املوسوعية تنسحب أمام إعادة قراءة العقاد ،لن تساهم في حل عقد ثقافية ماثلة اآلن ،في املنهج ،ونظام التفكير ُيقصي املصادر. نظرية املعرفة ،أو مستقبل التفكير الفلسفي .فالعقاد ،في األصل، املاضي ج��اء م��ن أس��اس دف��اع��ي عامل على تثبيت الهوية ومنح أثر العرب في الحضارة األوروبية امل��زي��د م��ن الوثوقية والتمجيد .وه��ذه امل�ن��اورة الدفاعية انعكست على لغته وقناعاته ومجمل أفكاره التي طرحها وشرحها بأكثر ال شك فإن اطالع العقاد على مجمل مصنفات املصنفني املعنية من طريقة وأكثر من مكان .فأفاد من اطالعه الثري على التاريخ بالتاريخ وال�ت��راج��م وال�ع�ل��وم ،تركت أث��را ب��اذخ��ا على نصه الغني العربي ،الديني منه والدنيوي ،واإلفادة ذاتها مع التاريخ األوروبي .باملصادر واملفتوح على املعارف .ولم يكن عرض املعلومات عرضا ومثلها مختلف العلوم والتفريعات التي لم تفته ولم يتشاغل عنها ،أو تباهيا ،بل في القدر الذي يتطلبه السياق ،ويزيد عليه أحيانا. ّ فتجرأ على استعمالها ،على نحو غير مسبوق ،مثلما تحدث وقراءتنا لدراسته املعروفة بأثر العرب في الحضارة األوروب�ي��ة، عن الحسن بن هانئ ،واملعروف بأبي ن��واس ،واستخدم معرفته ستختصر غنى القلم ال��ذي خطها وب��راع�ت��ه ف��ي دم��ج كثير من بالتشريح ليستخدم علم الغدد في إطار شرحه لحالة أبي نواس املعارف في هدف داللي واحد ،وهي ميزة النثر الفني التي يتقنها الجنسية والنفسية والشخصية! ه��ذا مع العلم أن النقد األدب��ي ،العقاد كما ل��م يتقنها أي أح��د آخ��ر ،اللهم إال زك��ي م�ب��ارك ،ال��ذي ال يمكن له بحال من األح��وال أن ّ يطور أدوات��ه وتقنياته عبر هذه كان طوفانا أسلوبيا ومعرفيا في آن واحد معا .وسيظهر لنا في العلوم التشريحية .وكان يمكن االكتفاء باألدوات النقدية املتاحة« ،األثر .».نزعة تثبيت الهوية التي تحكمت بوعي العقاد في التاريخ أو الجمالية السائدة .وإن كانت محاولة من العقاد ،إلعادة تأريخ والنقد األدبي ،وكذلك املصدر غير القابل للتنقيح الذي يستلهم منه ّ التراجم ،فهو لم يزد شيئا ّ عما تناوله املصنفون األوائل ،في هذا العقاد نموذج املاضي ،النقي واملثالي. ال�ب��اب ،خاصة ،واملتعلق بأبي ن��واس .إال أن ما يتكشف في أدب في معرض إشارته إلى تلقي األوروبيني «عقائدهم عن األسبوع العقاد ،واملوغل في الشخصية ،أحيانا ،إلى درجة الكتابة العيادية ،وأرب��اب األي��ام وسلطانها على األح�ي��اء أو على األح��داث وال��زروع سيكون سببه تأثر العقاد أيما تأثير ،بفرويد ،أو مذهب التحليل والضروع» وأن األوروبيني تلقوها عن العرب ،سنجده ينتقل فورا
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
باتت عملية احتواء تدفق الالجئني السوريني أكثر أهمية من أي وقت مضى في األردن ،أحد حلفاء واشنطن األكثر ثباتا في الشرق األوسط وشريك مهم في سياسة الواليات املتحدة بالشرق االوسط .يصل عدد الالجئني السوريني في األردن إلى 600ألف الجئ تقريبا ،يمثلون نحو عشرة في املائة من سكان األردن .وبنهاية هذا العام ،من املتوقع أن يصل عدد الالجئني إلى 800ألف. تشكل محنة هؤالء السوريني بالفعل مصدر قلق إنساني خطير ،كما جاء في العديد من التقارير املفصلة التي تناولت شأن الالجئني في مخيم الزعتري، وهو املخيم الرئيس الذي تديره األمم املتحدة لالجئني السوريني في األردن.
كارثة تلوح في األفق لكن تمثل أزمة الالجئني أيضا كارثة تلوح في األفق أمام الحكومة األردنية ألن 80في املائة تقريبا من الالجئني السوريني في األردن يعيشون خارج مخيمات املفوضية العليا لشؤون الالجئني التابعة لألمم املتحدة ،فقد اختاروا بدال منها أن يعيشوا بني األردنيني ،خاصة في املدن الفقيرة القريبة من الحدود مع سوريا .في الواقع ،تضاعف عدد سكان املحافظة الشمالية في األردن منذ اندالع القتال في سوريا ،حيث يفوق عدد السوريني هناك جيرانهم األردنيني. تكافح الحكومة األردنية بالفعل من أجل تحقيق مطالب الالجئني. وخالل زيارتي األخيرة للمفرق ،وهي مدينة صغيرة وفقيرة تقع على بعد عشرة أم�ي��ال جنوب ال�ح��دود ال�س��وري��ة ،وج� ُ �دت أك��وام القمامة متراكمة في تقاطع الطرق وتسربت مياه الصرف الصحي إلى ممرات السير ،في عالمات على عدم استطاعة أنظمة الخدمات العامة في املدينة تحمل األعباء الثقيلة. وأصبحت املدارس العامة املحلية مزدحمة جدا لدرجة أن الدراسة تجري فيها على فترتني؛ فترة صباحية مخصصة لنصف عدد التالميذ وفترة مسائية للنصف اآلخر.
مخيم األردنيني النازحني! يعنى استمرار عملية تدفق الالجئني تزايد الطلب على املساكن؛ وعندما يقترن هذا الطلب مع تأثير إعانات اإليجار التي تقدمها جمعيات ال تستهدف الربح إلى الجئني سوريني ،يؤدي إلى وصول قيمة اإليجار إلى الضعف وفي بعض ثالثة أضعاف. األوقات إلى ُ ونتيجة ل��ذل��ك ،ط��رد بعض األردن �ي�ين م��ن منازلهم ،لعدم قدرتهم على دفع اإليجارات الزائدة .وفي مارس (آذار) عام ،2013أقامت مجموعة من السكان املحليني مدينة من الخيام الصغيرة احتجاجا على هذه األوضاع ،واضعني الفتة على خيام املفوضية العليا لشؤون الالجئني التابعة لألمم املتحدة التي ج��رى ش��راؤه��ا م��ن ال�س��وق ال �س��وداء لالجئني ال�س��وري�ين تشير إل��ى «مخيم األردنيني النازحني». كذلك شهد املستشفى القريب ،الذي يقدم خدمات مجانية لالجئني السوريني، ضغطا مماثال ،حيث ُيشكل السوريون ما بني 10إلى 18في املائة من نسبة املرضى ،مما تسبب في وجود نقص في الدواء وامتالء سعة بعض املرافق الطبية. أدت أزم��ة الالجئني إل��ى تفاقم مشكالت ع��دي��دة كانت م��وج��ودة ف��ي األردن قبل ذلك .كان نظام الرعاية االجتماعية في األردن يعاني حتى قبل وصول السوريني .وفي الواقع - ،بعد االزمة السورية -وصل إحباط الشعب بسبب سوء الخدمات في مجاالت الصحة والتعليم والصرف الصحي،وكما أخبرني أحد املراقبني املحليني في عمان بأن «كل شيء كان ينهار بالفعل عندما ظهر السوريون». يشكو األردنيون باستمرار من أن حكومتهم -واملجتمع الدولي -تساعد الالجئني السوريني على حساب مواطنيها املكافحني .لم يتسبب هذا اإلحباط املنتشر في اندالع أحداث عنف حتى اآلن ،ولكن ربما ُينذر عدد من األحداث
الثانوية -مثل وضع حواجز من اإلطارات املشتعلة على الطريق املؤدي ملخيم الزعتري ورشق الشاحنات التي تقدم املساعدات لالجئني بالحجارة -بمشكلة وشيكة .قال لي أحد األردنيني ،إن األردنيني يعتقدون أن «السوريني يأخذون فرصهم» وإن الحكومة األردنية تساعد على ذلك.
مساعدات تنموية تحتاج الواليات املتحدة إلى املساعدة على حل هذه املشكلة في وقت قريب. ينبغي على واشنطن البدء بالنظر في طلب تقدمت به عمان في يناير (كانون الثاني) من املجتمع الدولي للحصول على 4.1مليار دوالر كمساعدات تنموية لدعم الخدمات الصحية والتعليمية والصرف الصحي وخدمات عامة أخرى تعاني من كثرة الضغط ،وأصبح من الضروري دعم الخدمات االجتماعية لألردنيني وكذلك السوريني. يجب على ال��والي��ات املتحدة أي�ض��ا أن ت��وس��ع ن�ط��اق مساعداتها اإلنسانية امل�ب��اش��رة .لكن عليها أن تفعل ذل��ك بطريقة تدعم ف��ي ال��وق��ت ذات��ه األه��داف التنموية طويلة األجل وتتجنب إغضاب املجتمع األردني املضيف .على سبيل املثال ،يجب على املنظمات أن تقسم مساعداتها – سواء في شكل مساعدات نقدية أو عينية أو تدريب مهني أو برامج دعم عالجي – بني الالجئني السوريني واألردنيني املحتاجني. ي �ن �ب �غ ��ي ع� �ل ��ى ال � � ��والي � � ��ات امل� �ت� �ح ��دة أيضا مساعدة املجتمع ال��دول��ي في تطوير مزيد من البرامج التي تلبي احتياجات األردنيني والسوريني معا وتشجع على التعاون بينهم .يدفع أح��د ال�ب��رام��ج امل��وج��ودة ،ال��ذي تموله الواليات املتحدة مع حلفاء أوروبيني، ألص �ح��اب امل �ن��ازل األردن� �ي�ي�ن أم ��واال مقابل إضافة مساحات إلى منازلهم ُ لكي ت��ؤج��ر لالجئني لفترة محددة، ُ وبعدها تستخدم املساحة بأي طريقة يفضلها املالك .تعود مثل هذه املشاريع بالنفع املباشر على كلتا املجموعتني وه�ك��ذا تكون أفضل طريقة لتهدئة التوترات بينهما.
ي�صل عدد الالجئني ال�سوريني يف الأردن �إىل � 600ألف الجئ تقريبا ميثلون نحو ع�شرة يف املائة من �سكان الأردن
مشكلة التأقلم َُ في النهاية ،يجب على واشنطن أن تذكر األردنيني والسوريني أن كل هذا مجرد حل مؤقت .نعم ،سوف يتخذ مئات اآلالف من السوريني األردن موطنا لهم لعدة سنوات مقبلة .ولكن األردن مجرد مالذ مؤقت .في الوقت الذي يقيم فيه الالجئون السوريون في األردن ،يحتاجون إلى الحصول على فرص لشحذ املهارات التي قد يحتاجونها في املستقبل ،في سوريا. ويشمل هذا دمجهم بشكل أفضل في االقتصاد املحلي وتوسعة نطاق فرص التعليم للطالب األكبر سنا -وليس بغرض جعل السوريني سكانا على املدى الطويل ،بل إلعدادهم للعودة إلى وطنهم إلعادة بنائه في أقرب وقت ممكن. غالبا ما تكون عملية دعم الالجئني عالية التكلفة ،من الناحية املادية وغيرها. ويعاني األردن بالفعل من مشكلة التأقلم .لذا يجب على الواليات املتحدة والدول الشريكة الرئيسة مواصلة دعم أعداد الالجئني السوريني التي ما زالت تتزايد هناك مع العمل على تخفيف آثار وجود الالجئني على األردنيني املحليني. يتطلب ذلك مزيجا من املساعدات اإلنسانية واملساعدات التنموية ،مع معرفة أن مساعدة السوريني النازحني تتطلب مساعدة األردنيني النازحني أيضا. وإذا لم يحدث هذا ،يعرض تدفق الالجئني السوريني استقرار األردن لخطورة أكبر مما هي عليه بالفعل
فورن أفيرز /أبريل /نيسان 49 - 2014
صحافة عالمية
األردن يعاني تحت ضغوط استضافة الالجئني السوريني
مالذ مؤقت
جندي أردني يحمل أحد األطفال املصابني في رحلة شاقة مع مجموعة من الالجئني السوريني وهم في طريقهم ملخيم الزعتري 5 -ديسمبر 2013
كتبت :ماريسا بورغيس *
مر على اندالع الحرب األهلية في سوريا ثالث سنوات ،وتظل الواليات املتحدة غير قادرة على وضع حد لهذا االقتتال. لكن حقيقة أن الواليات املتحدة ال تستطيع وقف الصراع ،ال تعفيها من مسؤولية معالجة آثاره .أوال وقبل كل شيء، أزمة اللجوء املتفاقمة التي تهدد اآلن استقرار الدول املجاورة لسوريا واملنطقة بأكملها. * زميلة باحثني في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية
فورن أفيرز /أبريل /نيسان 48 - 2014
انتقد تاج الدين لتأييده قرار محكمة محلية منع تقديم ترجمة جديدة للقرآن وهو الحكم الذي أغضب املسلمني املدافعني عن الحقوق املدنية .ويهدد احتفاء بوتني بتاج الدين واعتباره الصوت الرسمي لإلسالم في روسيا باإلساءة إلى موقف تاج الدين في عيون أتباعه ،كما أنه يعرض العالقة الطيبة بني الكرملني وهيئة جينودين للخطر كما أن��ه يمكن أن يعزز موقف املعارضني املسلمني الذين يرون أن املالحقات ضدهم تتزايد .فبتبنيه لتاج الدين ،ربما يراهن بوتني على الحصان الخاسر. وتسود تلك النزاعات على السلطة أنحاء روسيا حاليا؛ حيث يتنازع زعماء املساجد مع بعضهم البعض على الهيمنة ،ويتبادلون التهم بالتطرف والهرطقة ويستدعون الدولة والشرطة للتدخل .فعلى سبيل املثال قام اإلمام سيد جعفر لطفولني ،إمام مسجد بتتارستان والذي نظم حملة ملقاطعة حفل إلتون جون في عاصمة الجمهورية خالل العام املاضي ،بالتحذير من قيام اثنني من خصومه بنشر اآلراء املتطرفة املرتبطة بحزب التحرير ،وهو ما ترتب عليه إدانتهما على الفور وسجنهما.
وعلى الرغم من أن النساء املسلمات في تتارستان كانوا يمارسون أنواعا مختلفة من ارتداء أغطية الشعر منذ بداية التسعينات فإن سبعة في املائة فقط منهن يرتدين الحجاب. وإذا ما افترضنا أن النشاطات املسلحة تولد في رح��م مناطق الحروب مثل القوقاز ،فإن تتارستان ليس لديها ما تقلق بشأنه .فنظرا لوجود صناعة بترولية مربحة ،وأرض زراعية خصبة وقطاع صناعي قوي ،حصلت تتارستان على التصنيف الرابع في املناطق الروسية نظرا الرتفاع مستوى املعيشة وذلك في استطالع حديث حيث جاءت بعد موسكو وسان بطرسبرغ ومنطقة موسكو الكبرى .وك��ان أكثر املجيبني على االستطالع تدينا ليسوا الرجال الغاضبني الذين يميل الصحافيون الروس والغربيون لتصويرهم على نحو كاريكاتيري؛ بل كانوا متقاعدين نساء يعيشون في الريف .وال يمكن أن يكون هناك تناقض أكثر وضوحا من املقارنة مع الجمهوريات التي تمزقها الحروب مثل جمهورية الشيشان وإنغوشيا واللتني باإلضافة إلى حاالت العنف املستمرة ،فهناك ثلث السكان يعاني من البطالة واليأس والتوتر.
وتخفي تلك النعوت املثيرة للجدل نزاعات أكثر عمقا وتجذرا ح��ول ما الذي تناقضات الكرملني
يعنيه كونك مسلما في روسيا اليوم .فخالل العقدين املاضيني ،أدى البحث عن جوهر اإلس�لام في عالم ما بعد االتحاد السوفياتي إلى إجابات متعددة وخ�لاف��ات عميقة .فعلى سبيل امل�ث��ال ،احتفى العديد من التتار بالرؤية التي تفيد بأنهم يمارسون اإلسالم كجزء من اإلرث اإلثني ،وهي الرؤية التي عززها رجال دين يستمدون سلطتهم من الحكومة ،ويجدون أن ذلك التفسير وثيق الصلة بهويتهم التتارية املستقلة .وسرعان ما نعتت تلك املدرسة في التفكير من ينتقدون رؤاها بأنهم متطرفون. ومن جهة أخرى ،كان املثقفون التتار األكثر علمانية يتطلعون إلى الغرب مؤكدين أن اإلسالم يدعو لإلصالح بما يتوافق مع ذلك النوع من اإلصالحات الذي جرت ممارسته في أوروبا ،ويقولون إن اإلسالم يجب أن يكون متوافقا مع املفاهيم املعاصرة للتقدم وحقوق املرأة .ووفقا لرؤيتهم ،يجب أن يتمتع املسلمون باملرونة عندما يقررون ماهية التقاليد القانونية اإلسالمية املناسبة لعصرهم. وتقف كل من املفاهيم العرقية للتتار التي تتحكم فيها الحكومة ،وكذلك الرؤية األكثر علمانية ،في مواجهة سلفيي روسيا الذين يرفضون مثل تلك التفسيرات. فمن جهتهم ،يمثل السلفيون مجموعة مسيسة ومنتشرة ف��ي مجموعات صغيرة في جميع أنحاء البالد تعد من أكثر الجماعات اإلسالمية تفردا ليس فقط من خالل اللحى واملالبس ولكن نظرا ألنهم يمثلون تحديا ثقافيا واضحا للوضع الراهن.
في بخارستان ،وتتارستان ،وموسكو ،وسان بطرسبرغ وغيرها من األماكن في روسيا ،تمتزج كافة أنواع الجماعات السنية والشيعية بطرق جديدة خاصة عبر الهجرة من جمهوريات االتحاد السوفياتي سابقا إلى الجنوب .فعلى سبيل املثال ،وعلى الرغم من أن السلفيني يرفضون الصوفية (التي تتبنى توجها أكثر روحانية لإلسالم وتقدس األضرحة ورجال الدين) ،يلتقي أفراد كال الجماعتني خالل العمل في بناء املواقع وفي األسواق وفي مساجد موسكو املتعددة .كما يصلي كالهما إلى جانب متملقي التراتبيات اإلسالمية التي تدعمها الدولة ومن يدعون إلى أن يعمل املجتمع املدني بدال من الدولة على إدارة الشؤون اإلسالمية. وبالنسبة للتعددية الناشئة واملعارضة واكتشاف اإلسالم في روسيا سيكون من الخطأ أن تبالغ في مستوى ه��ذا اإلحياء الديني أو مساواته بالتنظيمات املسلحة .وقد وجد استطالع رأي أجراه في عام 2010مركز أبحاث الرأي العام الروسي أن املسلمني أقل حماسة تجاه اإلجازات الدينية واألدب والطقوس مما كانت عليه الكنيسة األرثوذكسية .وفي تتارستان ،أظهر مسح جرى إجراؤه في عام 2012أن ستة في املائة من املسلمني ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم «متدينني للغاية» ،فيما يقر نحو 17في املائة آخرين بأن «لديهم شكوكا» بشأن ما إذا كانوا ما زالوا مسلمني من األساس.
وبمزيج من جذب حلفاء متدينني وقمع آخرين وتخليد صورة االضطرابات اإلسالمية النابعة من القوقاز ،يعاني اتجاه الكرملني من التناقض .وتعمل ال �ح �ك��وم��ة ج ��اه ��دة إلب� � ��راز رغ�ب�ت�ه��ا املميزة في التسامح ولكن باصطدامها ب��ال��وس �ط��اء ال ��ذي ��ن اخ �ت��ارت �ه��م ف��إن�ه��ا تخاطر بصنع أع��داء جدد .ويزعم أن اإلس�لام هو إحدى الديانات الروسية التقليدية الذي تدافع عنه الدولة ولكنها تثير ال��ذع��ر ب�ين غير املسلمني تجاه ت��رج �م��ات م� �ح ��ددة ل�ل�إس�ل�ام وت�ن�ع��ت مناطق بأسرها بالتسلح اإلسالمي.
يتحدى م�سلمو رو�سيا الت�صنيف ال�سهل فحتى تكوينهم الدميوغرايف يعد مو�ضوعا للجداالت العنيفة فحاليا تقدر احلكومة وال�صحافيون ومنظمات احلقوق املدنية �إجمايل عدد امل�سلمني بنحو 20مليونا
وتتعامل موسكو مع كافة الجماعات ال ��دي �ن �ي ��ة ف� ��ي روس � �ي� ��ا ب �م ��ا ف� ��ي ذل ��ك املسيحيون األرث��وذك��س وع�ل��ى نحو مشابه :من خالل محاولة احتوائهم. وال يحتاج األمر إال إلى صوت واحد تدعمه الدولة لكي يجعل الزعم باالبتعاد عن األرثوذكسية الدينية جريمة سواء كانت تلك السلطة تنبع من القساوسة األرثوذكس أو رجال الدين املسلمني املوالني للكرملني والذي ساعد على نشأتهم. وربما يدفع دعم الدولة لتفسير واحد ألحد األديان إلى مالحقة من يعتنقون تفسيرا آخر. ولكن ترويج الحكومة االنتقائي لإلسالم يتوافق مع أهداف السياسة الخارجية لبوتني .وقد شكل تأكيد بوتني على العالقات التاريخية بني اإلسالم وروسيا باإلضافة إلى تصريح الرئيس ديمتري ميدفيديف في عام 2009بالقاهرة (وال ��ذي ك��رره بوتني ف��ي أوف��ا) ب��أن روس�ي��ا كانت «ج��زءا أساسيا» م��ن العالم اإلسالمي ،وهو ما شكل مسلك موسكو الستعادة نفوذها في آسيا والشرق األوسط .وتمثل مثل تلك التصريحات أيضا إجابة وإن كانت صامتة لألصوات املحلية املتنامية املتعلقة بكراهية األجانب واالنتقادات العنصرية التي يديرها السياسيون الشعبيون والتنظيمات اليمينية ضد مهاجري روسيا. خ��اض��ت ح�ك��وم��ة ب��وت�ين ال�ت��ي ك��ان��ت ال تستريح للتعددية وت �ن��وع امل�م��ارس��ات اإلسالمية في روسيا رهانا باختيارها للمفسرين املصيبني لإلسالم .ولكن بقيامها بذلك فإنها خسرت هؤالء املسلمني الذين يجدون تحالفات بني السلطات املسلمة والحكومة القمعية .وإل��ى ح��د كبير ،س��وف يقرر املسلمون ال��روس أنفسهم من لديه السلطة لكي يتحدث بأسمائهم بغض النظر عن محاوالت بوتني لكي يقرروا العالقات الدينية مع الدولة
فورن أفيرز /أبريل /نيسان 47 - 2014
صحافة عالمية
فمن جهتها ،كانت املؤسسات األمنية الروسية دائما ما تختلق وجود مسلحني نموذج كاثرين الثانية في مناطق ال يوجد بها أي منهم وتتهم املسلمني املحليني باالتصال باملتطرفني دون وجود دليل بخالف تربية أحدهم للحية أو ارتدائه مالبس معينة .وعادة ما كان املسؤولون يلقون باللوم -بمساعدة رجال الدين املسلمني املقربني من الدولة -في أحداث العنف ،على عاتق جماعات التبليغ،والتي لديها وجود سري في العديد من املدن الروسية اليوم و«حزب التحرير» وهو تنظيم إسالمي يسعى إلنشاء خالفة عابرة للقوميات.
وفي بعض األوقات ،كانت الوكاالت األمنية تساهم في التهديد األمني بأساليب أكثر مباشرة .حيث قام كل من بوتني خالل واليته األولى كرئيس ،وسلفه بوريس يلتسني ،باستغالل الحرب التي اندلعت في الشيشان في أواخ��ر التسعينات لتعزيز شبعيتيهما وتبرير سلسلة من اإلجراءات األمنية القمعية .وكنتاج لذلك التالعب ،أصبح العديد من ال��روس ،ولديهم أسباب وجيهة لذلك ،يشكون بأن هيئة األمن الفيدرالية الروسية متورطة في عدد من الهجمات اإلرهابية الكبرى التي رجت أرجاء روسيا قبل عقد بما في ذلك سلسلة من تفجيرات املباني في جميع أنحاء البالد في عام 1999وكارثة مسرح دوبروفكا في عام ( 2002والتي راح ضحيتها نحو 40مسلحا شيشانيا و 130رهينة).
وكان نموذج اإلسالم ،الذي تجده الدولة موائما ،حاضرا في املشهد في أكتوبر (تشرين األول) املاضي ،عندما أحيا املسؤولون الروس ورجال الدين اإلسالميون في «أوفا» عاصمة جمهورية بخارستان الذكرى 225لإلدارة الدينية املركزية ملسلمي روسيا وهي مؤسسة أنشئت في عهد كاثرين الثانية لوضع اإلسالم تحت إشراف الدولة .وخالل عهد كاثرين ( )96-1762حصل مسلمو روسيا على إقرار رسمي بمساجدهم ورجال الدين الخاصني بهم ،بل إن حكومتها قبلت تطبيقهم للشريعة اإلسالمية فيما يتعلق بالزواج واألسرة واألخالق العامة. كما كان املاللي واألفراد املترددون على املساجد دائما ما يلجأون إلى الشرطة القيصرية للوشاية بجيرانهم الذين يرتكبون الزنا أو ال يواظبون على حضور الصلوات .وأصبح اإلسالم أحد أعمدة النظام اإلمبراطوري املحافظ.
وفي املقابل ،كان من املتوقع أن تقوم السلطات اإلسالمية بتعليم أتباعها أن كونهم مسلمني صالحني يعني بالضرورة الوالء للدولة .ومن ثم ،وكما هو الحال اآلن ،كان تسامح السلطة يأتي مشروطا بعدة عوامل .وباملثل ،كان العديد من رجال املسلمني ما زالوا يتحدثون في خطبهم ضد املظالم االجتماعية ويركز عدد منهم على السياسة الخارجية ليعكسوا رؤية الكرملني تجاه التحالف بني وترغب موسكو أن تصور العنف في شمال القوقاز باعتباره عنفا مرتبطا البلدان املسلمة ورؤيته لروسيا كمعادل لنفوذ الواليات املتحدة. بالتمرد اإلس�لام��ي خ��ارج روس�ي��ا .فبعدما ش��ن الكرملني ال�ح��رب الثانية في إمارة الشيشان في عام ،1999دشن بعض املقاتلني املسلمني حملة إلنشاء وأث �ن��اء االح�ت�ف��ال�ي��ة ب� �ـ«أوف ��ا» ،أع�ل��ن ب��وت�ين اإلس�ل�ام «ك�م�ك��ون أس��اس��ي للثقافة �ة. � ي � س �رو إس�لام�ي��ة ع�ل��ى األراض� ��ي ال� الروسية وج��زء عضوي وأساسي في التاريخ ال��روس��ي» واحتفى باملؤسسة لديهم �ن � ولكن ه��ؤالء املتآمرين ال��ذي ألنها ساعدت على أن تجعل املسلمني «وطنيني حقا ومنتمني لوطنهم» .ولكنه مسؤولني أه��داف طوباوية لم يكونوا حذر من أن «قوى سياسية محددة» تسعى «الستغالل اإلسالم أو على نحو االضطرابات سوى عن قدر محدود من أكثر دقة تيارات راديكالية» إلضعاف الدولة .وأضاف بوتني أن «مسلمي روسيا أنشطة كانت في املنطقة .فبشكل عام كانوا دائما متحدين في خدمة املجتمع ودولتهم وال��دف��اع عنها ضد األع��داء �از � ق �و � ق � ل ا �ي � ف امل �ج �م��وع��ات امل �س �ل �ح��ة الخارجيني ومظاهر التطرف» .كما دعا رجال الدين الحضور «لرفع أصواتهم» على املحلية الصراعات تقتصر على في الدفاع عن الوحدة والتجانس داخل روسيا وفي العالم اإلسالمي بشكل عام �د � ح أ �وى � س �ن � ي �د � ل ا �ن � ك � ي ال�س�ل�ط��ة ول ��م واملساعدة على دمج العمال املهاجرين وتعزيز املؤسسات اإلسالمية التي تتبنى املقاتلون �ان � ك و لها. املحركة العوامل الرؤية اإلسالمية الروسية املميزة لتهميش «القيادات غير الرسمية» التي تهدد بتحقيق �ا � م �ا � م � ت � ه ا �ر � ث � ك أ �ون � ف امل �ت �ط��ر بتعاليمها الزائفة الدولة. مكاسب م��ن نشاطاتهم الجنائية أو االنتقام من وحشية الحكومة أكثر من وأبرزت مالحظات بوتني كيف كان املسؤولون املسلمون والروس دائما يشاركون القضايا اإلسالمية. في الحوار حول كيف يمكن ضبط اإلسالم وهو الحوار الذي كان دائما للدولة اليد العليا فيه .وبالطبع استجاب طلعت تاج الدين ،رئيس اإلدارة الدينية املركزية والحقيقة هي أن��ه على الرغم من دعاية الحكومة ومالحقاتها ،ما زال معظم ملسلمي روسيا والبالغ من العمر 65عاما بحماسة لتوجيهات بوتني .وتعزيزا املسلمني الروس مرتبطني بقوة ببلدهم ومؤسساتها .وعلى الرغم من تنامي إلشارة بوتني إلى الجهود التاريخية للمسلمني في الدفاع عن الدولة ،أشار املفتي جاذبية اإلسالم العابر للقوميات -أصبح بإمكان املسلمني الروس اآلن التسوق إلى أن مؤسسته كانت تقوم بكل ما في وسعها للحفاظ على «اإلسالم التقليدي» للحصول على أحدث صيحات املوضة اإلسالمية في املحال املخصصة وحضور ومنع «دعاية الفصائل الطغيانية والتيارات الراديكالية في مجتمعاتنا». معرض «ال�ح�لال» السنوي ال��ذي ينعقد بموسكو -ف��إن ذل��ك ال يعكس تحوال أصوليا للوالءات أو التوجهات.
ال يبدي معظم امل�سلمني الرو�س اهتماما بدعوات الدعاة الأجانب فعلى غرار املجتمعات الأخرى يف رو�سيا ا�ستغل امل�سلمون احلريات التي ح�صلوا عليها منذ �سقوط ال�شيوعية والإحلاد لإعادة اكت�شاف دينهم
فمن جهة ،ال يبدي معظم املسلمني الروس اهتماما بدعوات الدعاة األجانب .فعلى غرار املجتمعات األخرى في روسيا ،استغل املسلمون الحريات التي حصلوا عليها منذ سقوط الشيوعية واإللحاد إلع��ادة اكتشاف دينهم .ولكنهم كانوا في معظم األحيان يرفضون العروض التي يقدمها الدعويون األتراك والحكومة السعودية أو غيرهم من األجانب الستبدال الحزب الشيوعي ال��ذي يعود إلى العصر السوفياتي برجال دين جدد يأتون من الخارج .وباستثناء جمهورية داغستان ،بشمال القوقاز ،التي لديها عالقات وثيقة باملؤسسات التعليمية العربية ،ركز املسلمون الروس على تأسيس مدارسهم الدينية الخاصة .وفي إطار تلك الجهود ،تمتع املسلمون بتأييد قوي من الدولة التي منحت اإلسالم وض��ع «أح��د األدي��ان التقليدية في روسيا» وعلى الرغم من أنها رسميا دولة علمانية ،تميل روسيا إلى الكنيسة األرثوذكسية كما تعهد املسؤولون بحماية اإلسالم والبوذية بل وحتى اليهودية من املؤثرات األجنبية .وعمليا يعني ذلك تأييد السلطات الدينية املستعدة للعمل مع الدولة لتعزيز الوطنية بني املتدينني.
رهان بوتني
على الرغم من أن ذلك الخطاب يمثل محاولة من بوتني للحفاظ على سيطرة الدولة، فإنه يعكس أيضا املعضلة التي يواجها ،نظرا ألن مسلمي روسيا ال يتحدثون بصوت واحد .فعلى الرغم من أن تاج الدين أكد تعاونه ،فإن لديهم خصما شرسا، وهو رافاييل جينودين ( 54سنة) رئيس مجلس املفتني الروسي ،وهي الهيئة التي تتكون من رجال الدين وتتنافس مع اإلدارة الدينية املركزية ملسلمي روسيا على العمل كممثل رسمي لإلسالم في روسيا .وبالطبع لم يكن جينودين سعيدا بظهور تاج الدين مع بوتني ومن ثم كان ظهوره مقتضبا خالل تلك االحتفالية بأوفا ،فقد كان الرجالن يتنازعان لسنوات طويلة حول السيطرة على املؤسسات اإلسالمية بروسيا بما في ذلك العديد من الهيئات واملدارس الدينية في صراع يستهدف الفوز باملكانة االجتماعية واملوارد املالية وكذلك دعم الدولة. ومن جهة أخرى ،رأى تاج الدين االحتفال السنوي كاحتفاء بدعوته لتوحيد نحو 80تنظيما إسالميا إقليميا في البالد تحت سلطته ،ولكن جينودين ،من جانبه،
فورن أفيرز /أبريل /نيسان 46 - 2014
على نحو دائم ،كان املسلحون اإلسالميون في شمال القوقاز يناشدون بقية مسلمي روسيا لينتفضوا وينضموا إليهم .ففي الصيف املاضي ،دعا دوكو عمروف؛ أحد القيادات املتمردة الذي يزعم هيمنته على ما يعتبره إمارة القوقاز؛ املجاهدين في تتارستان وباشكورتوستان (جمهوريتان مستقلتان تقعان على مبعدة 400و 700ميل من شرق موسكو على التوالي) «إلفساد» خطط الرئيس الروسي فالديمير بوتني إلقامة األوملبياد في سوتشي على آثار سلفهم. ولكن محاوالت عمروف لحث املسلمني على االنتفاضة في كافة أنحاء روسيا ضد حكومة بوتني لم تحقق نجاحا يذكر .فال ت��زال القوقاز منطقة منعزلة بني املناطق الروسية ذات األغلبية املسلمة ،والتي باإلضافة إلى كونها معقال راديكاليا ،فإنها تتمتع باالستقرار والتماسك كما أنها مزدهرة إلى حد ما .كما لم يبد أغلبية املسلمني في معظم أنحاء الفيدرالية الروسية تعاطفا مع إخوتهم في منطقة شمال القوقاز املضطربة بل كانوا ،تاريخيا ،يظهرون اهتماما أكبر بالتعايش مع الدولة وليس مقاومتها. على أية حال ،يظل السؤال الرئيس اليوم هو كيف سيستمر الكرملني في التعامل مع الجالية املسلمة املتنوعة وما إذا كان يستطيع الحفاظ على والءات مثل تلك املجموعات املتنوعة .فمن جهتها ،بذلت حكومة بوتني جهودا حثيثة الستقطاب املسلمني ألهدافها السياسية الخاصة ،سواء املحلية أو األجنبية .وكان دائما إيجاد حل للحرب ال��دائ��رة في شمال القوقاز مجرد ج��زء من األحجية .ففي املناطق األخرى ،يعتمد االستقرار إلى حد بعيد على ما إذا كانت موسكو سوف تستمر في محاولة السيطرة على كيفية تفسير املواطنني املسلمني بروسيا للشريعة اإلسالمية من خالل تحديد أي السلطات واملمارسات الدينية يعد وطنيا بما يكفي ومتوافقا مع الدولة. ومن جهة أخرى ،كان مسلمو روسيا دائما يميلون إلى تبني توجهات دينية مختلفة ومتنافسة .ويزيد تدخل الحكومة في الجدال الدائر داخ��ل الجاليات املسلمة املتنوعة من خطر عزل الذين يتبنون اتجاها إسالميا سلميا ولكنه يتعارض مع الرؤية املعتمدة رسميا لإلسالم .باإلضافة إل��ى أن وض��ع قيود على التفسير اإلسالمي حتى وإن كان ذلك بمساعدة أحد معسكرات السلطات اإلسالمية ضد األخرى لن يقلل من حدة التحديات السياسية الكثيرة املتعلقة باإلسالم والتي تواجهها روسيا ،بل على العكس ،سيكون على الكرملني احتواء قدر أكبر من التعددية في مشهد إسالمي دائم التغير.
أكبر جالية مسلمة في أوروبا ومن جهة أخرى ،يتحدى مسلمو روسيا التصنيف السهل .فحتى تكوينهم الديموغرافي يعد موضوعا للجداالت العنيفة ،فحاليا تقدر الحكومة والصحافيون ومنظمات الحقوق املدنية إجمالي عدد املسلمني بنحو 20مليونا أو 14في املائة من إجمالي سكان روسيا الذين يصل عددهم إلى 143مليون نسمة .وال يجعل ذلك الرقم مسلمي روسيا ثاني أكبر الجاليات املسلمة في البالد فقط ولكنه يجعلها أيضا أكبر جالية مسلمة في أوروبا بأسرها .ومع ذلك ،فإن آخر تعداد للسكان والذي أجري في 2010والذي كان يسأل عن الجنسية وكذلك االنتماء الديني أفاد بأن البالد لديها ما يقارب 13مليون نسمة من املسلمني أو ما يعادل تقريبا تسعة في املائة من السكان.
الستخدام التقديرات األكبر والتي تصل إلى نحو 20مليونا ،وذلك في إطار جهودهم للتأكيد على مزاعم روسيا بكونها جزءا من العالم اإلسالمي وجعل تلك املزاعم تبدو أكثر مصداقية لكي يضمنوا التأييد االنتخابي للمسلمني. ويعزز النظام الفيدرالي لروسيا ،والذي ورثته روسيا عن االتحاد السوفياتي، تلك الحالة من الغموض من خالل منحه امتيازا للعرقيات املحلية في مقابل زيادة أعدادها .ولنأخذ تتارستان كمثال ،ففي بداية املرحلة السوفياتية أنشأ لينني وستالني (اللذان ينتميان لإلثنية الجورجية) تلك الجمهورية باإلضافة إلى عدد آخر من الجمهوريات إق��رارا بالقومية اإلثنية وتأكيدا على رفض هيمنة اإلثنية الروسية. واليوم ،تتمسك النخب هناك وفي غيرها من املناطق بالسلطة من خالل الزعم بأنها تمثل مصالح ما يزعمون أنها أممهم .ولكن في تتارستان وغيرها من الجمهوريات ،كان من الصعب دائما الحفاظ على أغلبيات كاسحة أخ��ذا في االعتبار العدد الكبير للسكان في روسيا والهجرات املستمرة ،ومن ثم فقد أصبح التتار يشكلون رسميا نحو 53في املائة فقط من السكان الذين يبلغ عددهم 3.8مليون نسمة .وكان النشطاء املسلمون وكذلك النخب املحلية دائما ما يتعرضون لالتهامات بأنهم يمارسون ضغوطا على املقترعني للتالعب بنتائج التعداد وزيادة عدد الجماعات املسلمة. وهناك معضلة مشابهة في موسكو ،والتي تعد رسميا موطنا لنحو 300ألف مسلم من إثنيات مختلفة من إجمالي عدد سكان يتراوح بني 12و 17مليون نسمة .ولكن ال�ت�ع��داد ال يكشف س��وى ع��ن ج��زء م�ح��دود م��ن القصة .فهناك نحو مليوني مسلم آخرين يعيشون هناك دون أوراق تسجيل ويزعم بعض املراقبني بأن مليونني من املهاجرين املسلمني يعملون في املدينة .وقد أتى معظم ه��ؤالء املسلمني إل��ى موسكو ل �ل �ه��رب م ��ن األوض � � ��اع االق �ت �ص��ادي��ة السيئة ف��ي ب�ل��دان�ه��م م�ث��ل أذرب�ي�ج��ان وطاجيكستان وأوزب�ك�س�ت��ان .ولكن وضعهم املؤقت ال��ذي ع��ادة ما يفتقر للتسجيل يجعلهم معرضني ملالحقات الشرطة واالس�ت�غ�لال والعنف اإلثني وك��اف��ة ال�ع��وام��ل التي تعرقل مساعي الحكومة ألن تظهر بمظهر التسامح. وقد ساعد التضارب في أرق��ام التعداد واعتداءات الشرطة والتعصب األعمى على جمع املسلمني الروس معا في مجموعة واحدة حتى وإن كانوا في الحقيقة مجموعة متنوعة ومنتشرة في جميع أنحاء البالد .ففي أماكن مثل تتارستان، يشكل املسلمون النخب ولكن في موسكو يحتل معظمهم أدنى مراتب القوى العاملة .وعلى الرغم من أن النظام الفيدرالي الروسي يمنح املسلمني الروس ن�ف��وذا سياسيا معقوال ،ف��إن سياسات الحكومة بما ف��ي ذل��ك ح��االت موثقة من التحرش األمني وال�غ��ارات على املنازل وامل�ش��روع��ات ،تعمل على تهميش املهاجرين املسلمني الذين يغيبون عن أعني القائمني على إجراء التعداد ولكنهم واضحون وضوح الشمس لسكان موسكو القلقني تجاه هجرات املسلمني.
يظل ال�س�ؤال الرئي�س اليوم هو كيف �سي�ستمر الكرملني يف التعامل مع اجلالية امل�سلمة املتنوعة وما �إذا كان ي�ستطيع احلفاظ على والءات مثل تلك املجموعات املتنوعة
ويعد ه��ذا ال��رق��م األص�غ��ر نتاجا لالقتصار على إح�ص��اء أع�ض��اء الجماعات ما بعد الشيشان
العرقية التي كانت ترتبط تاريخيا باإلسالم مثل األذريني وبشكير والشيشان وال�ك��ازاخ والتتار وتصنيفهم جميعا باعتبارهم مسلمني .وتزعم العديد من القيادات اإلسالمية بأن ذلك الرقم األقل يأتي في إطار الجهود التي تستهدف التقليل من شأن كتلتهم السياسية مؤكدين أنه فشل في أن يعكس االنتماءات الدينية الحقيقية للروس. وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ص��دور تلك األرق ��ام الرسمية للتعداد ،ع��ادة م��ا يميل حتى السياسيون ال ��روس امل�ق��رب��ون م��ن ب��وت�ين وغيرهم م��ن الجمهوريات العرقية
يعزز ه��ذا القلق مواجهات موسكو الدائمة م��ع االنفصاليني الشيشان وهو النزاع ال��ذي انتشر عبر شمال القوقاز باعتباره حركة تمرد واسعة يقودها اإلسالميون ،والذي أدى إلى الخلط بني الراديكالية واإلسالم في عقول الجماهير الروسية .وكما أظهرت تفجيرات فوغوغراد التي وقعت في ديسمبر (كانون األول) املاضي ،نقل املسلحون من شمال القوقاز معركتهم ضد الحكومة إلى األراض ��ي الروسية وبعيدا ع��ن موطنهم األص�ل��ي ،وه��ي امل�خ��اوف التي عملت الحكومة على استثمارها.
فورن أفيرز /أبريل /نيسان 45 - 2014
صحافة عالمية
إلى متى سيستمر بوتني في احتواء التيارات الدينية في روسيا؟
موسكو واجلماعات املسلمة
أطفال يتحدثون بعد االنتهاء من الصالة في مسجد (الجمال) في منطقة القوقاز الروسية في داغستان
بقلم :روبرت دي كروز *
ال يبدو مستغربا أن يحبس الروس أنفاسهم أثناء االستعدادات لألوملبياد الشتوية 2014فهناك سبب وجيه وراء ذلك؛ فمدينة سوتشي التي استضافت الدورة ،وتقع على البحر األسود والتي كان رجال الكرملني دائما ما يذهبون إليها كمنتجع ،تحتل موقعا خطرا على الجبهة الجنوبية الروسية؛ حيث تقع على مبعدة 50ميال فقط من منطقة شمال القوقاز الفيدرالية التي تعج بالنزاعات العرقية والحركات القومية االنفصالية وتتعرض لقمع الدولة منذ انهيار االتحاد السوفياتي .ففي العامني املاضيني فقط ،أسفرت أعمال العنف في تلك املنطقة الجبلية الشاسعة والتي تضمنت السيارات املفخخة واالغتياالت والصدامات بني املقاتلني املسلمني وقوات األمن الروسية عن مقتل أو جرح أكثر من 1500شخص. * مدير برنامج الدراسات اإلسالمية صهيب وسارة عباسي وأستاذ التاريخ بجامعة ستانفورد .وهو مؤلف كتاب «من أجل النبي والقيصر ..اإلسالم واإلمبراطورية في روسيا وآسيا الوسطى»
فورن أفيرز /أبريل /نيسان 44 - 2014
إلى متى سيستمر بوتني في احتواء التيارات الدينية في روسيا؟
موسكو واجلماعات املسلمة بقلم :روبرت دي كروز
األردن يعاني تحت ضغوط استضافة الالجئني السوريني
مالذ مؤقت كتبت :ماريسا بورغيس
فورن أفيرز /أبريل /نيسان 43 - 2014
facebook google+
The Arab world has a rich history of scientific breakthroughs. Ensure youâ&#x20AC;&#x2122;re part of the scientific and medical community gaining access to the latest research in the region. From the latest news, in-depth features, expert commentaries and research highlights to regional jobs, event listings and alerts direct to your inbox â&#x20AC;&#x201C; Nature Middle East is your free comprehensive portal keeping you at the centre of science in the Arabic speaking Middle East.
nature.com/nmiddleeast Sponsored by
Get the free mobile app at
Download the free app for your / gettag.mobi phone athttp:/ http://gettag.mobi
,,
الحرب الداخلية شديدة
مخجلة .وبذلت ه��ذه الجماعات كل ما في استطاعتها إللهاب العواطف ،وتستخدم اإلشاعات كسالح قوي في «الحرب الداخلية» املصرية .والحكومة غير قادرة -بعد استفاقتها لتوها من سبات نزعة «التحرر» -علی مواجهة أعدائها في هذه الحرب التي تبدو كأنها حرب حتى النهاية.
يعتمد عليها ال�ن�ظ��ام أو إل��ی كسب ت��أي�ي��ده��ا ٬وه��ذه ال�ق��وی هي الجيش والشرطة وأجهزة األم��ن املختلفة التي تغلغلت الحركة في صفوفها كلها. وتدعی الحكومة أن هذه الجماعات كانت لديها خطط الغتيال ع��دد كبير من ضباط الجيش ٬ولكن الذين درس��وا نشاط هذه الجماعات يصفون ادعاءات الحكومة في هذا الصدد بأنها مجرد «دع��اب��ة» .فقد كانت ه��ذه الجماعات تهدف إل��ی السيطرة علی وال يمكن للحكومة املصرية أن تكسب ه��ذه ال�ح��رب بأسلوب الجيش من داخله ٬ثم «التحرك به لالنضمام إلی الجماهير» في القمع ٬بل يجب عليها أن تعمل لتغيير املزاج السائد الذي يغذي ه��ذه امل��وج��ة املتطرفة ،وال يمكن القضاء علی امل��زاج والنزعات اللحظة املناسبة. السائدة بوضعها في السجون أو إطالق النار عليها ٬ولكن يمكن مواجهتها سياسيا. شلل البالد وف ��ي امل��رح �ل��ة ال��راب �ع��ة ،ك ��ان م��ن امل �ف ��روض أن ي�ت��م ش��ل ال�ب�لاد ب��اإلض��راب��ات واملسيرات واالغ�ت�ي��االت علی مستوی ع��ال ٬وبعد ذلك تظهر «قيادة إسالمية» قادرة علی توحيد صفوف الجيش والشعب وإن�ه��اء حالة الفوضى واالض �ط��راب .وف��ي ه��ذا الوقت، سيظهر ن�ظ��ام ال�ح�ك��م ف��ي ص ��ورة «ال�ق�ن��اع ال ��ذي تختفي وراءه إس��رائ�ي��ل وأم �ي��رك��ا» .وه��ذا ه��و ال�ش�ع��ار ال�س��ائ��د ف��ي امل�ن�ش��ورات السرية. وبينما يقال إن بعض املنشورات مكتوب بأسلوب الجدل املقبول٬ فإن من الواضح أن أعضاء املجتمعات الدينية في مصر يؤمنون باستعمال كل وسيلة لديهم لتبرير غاياتهم .وبث هؤالء أخبارا ومعلومات ضد السادات ٬وأفراد أسرته وأصدقائه واملقربني إليه. ويبدو أن فرص التصديق تزداد كلما ازدادت بشاعة التهمة. وروجت املنشورات الغتيال السادات بوصفه «واجبا مقدسا»٬ كما وزع ��وا م��ا ق��ال��وا إن�ه��ا «م�س�ت�ن��دات» تثبت «ال�خ�ي��ان��ات» التي ارتكبها نظام الحكم .وهناك أيضا ص��ور فوتوغرافية أجريت عليها عمليات «مونتاج» إلظهار عدد من املسؤولني في أوضاع
إن االستخدام العشوائي لوسائل العنف واإلره��اب ال يمكن أن يؤدي إال إلی زيادة تدهور املوقف ٬واملتطرفون يستخدمون فعال ك��ل األساليب إلس�ك��ات معارضيهم ولكسب تأييد املترددين، ويتطلب «االختالف في الرأي» في بعض الكليات الجامعية قدرا كبيرا من الشجاعة ٬وفي بعض الوحدات الصناعية يتعرض العمال الذين يرفضون سلوك سبيل املتطرفني للضرب أو للمقاطعة ٬كما يتعرض األشخاص الذين يعلنون تحفظاتهم تجاه هذه املوجة إلی حرق سياراتهم أو متاجرهم .وإلی جانب ذلك ،تعرض رجال الدين املؤيدون للحكومة لخطف أبنائهم ولتعرض آبائهم لطعنات في مناسبات كثيرة ٬وربما هذه املوجة جعلت فتيات كثيرات يرتدين الحجاب في الجامعة ٬وانتشرت شائعات تقول إن الفتيات الالتي ال يرتدين الحجاب يمكن أن يتعرضن للهجوم.
هناك «مزاج إسالمي» يسود مصر والتحدي الحقيقي لنظام الحكم يتمثل في هذا املزاج وليس في املنظمات الدينية التي تبدي استعدادا ملمارسة أعمال العنف ضد نظام الحكم
,,
وحتى إذا خ��رج حكام مصر في الغد يقسمون أغلظ األيمان بأنهم «متدينون» سيستمر خصومهم في محاولة اإلطاحة بهم ٬ولن تؤدي تنازالت في هذا النطاق إلی تغيير موقفهم .إن مصر تعيش اليوم حربا شديدة علی الجبهة الداخلية ٬وكلما أسرع قادة البالد في إدراك هذه الحقيقة ٬كان ذلك أفضل لهم وللشعب املصري < المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
41
أرشيف
,,
من املؤكد أن جماعة اإلخوان املسلمني نفسها منقسمة إلی عدد كبير من الجماعات الفرعية وأنها تعاني خالفات داخلية ال نهاية لها بشأن املبادئ والتطبيق
,,
قوات االمن املصرية تعتقل احد قادة التنظيمات الدينية السرية
وعنوانه «اقتصادنا» ،كما تنتشر في مصر حاليا مصطلحات خمينية مثل «املستضعفني» و«املستكبرين» ،وهي مصطلحات لم تكن معروفة في العالم العربي -باستثناء لبنان -ـ قبل الثورة اإلي��ران��ي��ة .وتنتشر ف��ي مصر أي��ض��ا م��ن��ش��ورات أخ���ری بتوقيع مستعار مثل «معلم» أو «موحد». ويقول البحاثة ٬الذين كان لهم اتصال مباشر بالزعماء الدينيني املسجونني حاليا ٬إن هذه الجماعات في معظمها يديرها شبان، مستوی ذكائهم أعلی م��ن املستوی ال��ع��ادي .وتجتذب جماعة اإلخوان املسلمني أصحاب املتاجر وصغار املوظفني الحكوميني٬ أما الجماعات الدينية الجديدة فتجتذب طلبة الجامعات والعمال املهرة. وقد تأكد في القاهرة أن أعضاء الجماعات الدينية تغلغلوا في صفوف عمال مجاالت حساسة مثل املياه ٬والكهرباء ٬وصناعات األسلحة ٬والنفط ٬واملطابع ٬كما أن لهم وجودا في صفوف عمال النقل ٬ويعتقد الكثيرون أيضا أنهم ممثلون في صفوف الكوادر الفنية بالقوات املسلحة .وتحظى الجماعات الجديدة بشعبية في األوساط العلمية والتقنية ٬علی عكس جماعة اإلخوان املسلمني التي اجتذبت في أغلب األحيان أشخاصا من أوساط غير مثقفة. وه��ذه الفئة الثانية هي التي تسعی بصفة عامة إلی االستيالء علی السلطة في مصر .وقد أعدت بالفعل مسودة دستور جديد. ضبطت السلطات املصرية نسخا منها.
خطط االستيالء علی السلطة
وي��ب��دو واض��ح��ا أن ه��ذه الخطط السرية تتضمن أرب���ع م��راح��ل: في املرحلة األولی تثبت الحركة «عدم شرعية» نظام الحكم عن طريق إقناع غالبية الشعب بأن «الحكام» يعملون «ضد اإلسالم ومصالح املسلمني» .ويمكن لجماعة اإلخوان املسلمني أن تلعب دورا حاسما في هذه املرحلة بفضل شبكتها املستقرة واملنتشرة في أنحاء البالد .ويبدو أن الذين وضعوا الخطة اعتقدوا أيضا أنه يمكن تنفيذ هذه املرحلة قبل نهاية .1981 وقبل حملة االعتقاالت التي شنها السادات ٬كان الوعاظ ورجال الدين يوجهون حملة منظمة ضد نظام الحكم يركزون فيها علی «عدم شرعيته» ٬ويقولون إن نظام الحكم يجب أن يسقط ألنه «ال يتبع الشريعة اإلسالمية» .وكان من املقرر أن تركز املرحلة الثانية علی إنشاء سلطات موازية للحكومة وتتمتع بصالحياتها .وفي هذا اإلطار ،نفذت جماعة التكفير والهجرة جزءا كبيرا من األعمال النظرية والعملية املطلوبة ٬وكان من املفروض أن «تخرج الجماهير من تحت سيطرة النظام» عن طريق مقاطعة «الفساد املتمثل في املكاتب الحكومية واملحاكم والبنوك ..إلخ». وكان من املفروض أيضا أن يتم تشكيل «لجنة إسالمية» غير معلنة في كل مؤسسة أو مصلحة حكومية ملمارسة السلطة إلی جانب الرؤساء املعينني لهذه املؤسسة أو املصلحة .ومن املؤكد تقريبا أنه كانت هناك خطط الغتيال عشرات من القيادات املحلية٬ بهدف تصفية املسؤولني الحكوميني وقادة الحزب الحاكم .وكانت هناك بني الحني واآلخر إشارات تدل علی النية في «إعدام» كبار الزعماء .ولكن ،يبدو من املؤكد أن اغتيال السادات كان عمال قام به «متطرفون متسرعون» ٬فقد كانت الجماعات اإلسالمية تهدف إلی أن تصبح السلطة الحقيقية في البالد ٬من وراء الستار قبل أن تضرب «كبار الخونة».
وقد حرصنا علی جمع األفكار املتفرقة التي ضمتها املنشورات وامل��ق��االت وأش��رط��ة الكاسيت ال��ت��ي ت��وزع��ه��ا الجماعات السرية الدينية لتحديد االستراتيجية والخطط التي وضعتها لالستيالء وفي املرحلة الثالثة ،كانت الحركة تهدف إلی تحييد القوی التي علی السلطة في مصر. 40
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
غير شقيق» علی األق��ل .وكان السادات نفسه «في منزلة األخ» يعرضون دروسا مجانية علی أوالد الفقراء. وقد تغلغل «املتطرفون» في صفوف كل واحدة من هذه الجماعات لعدد من السنوات. تقريبا سعيا وراء السلطة وتحت شعار إنشاء «الدولة اإلسالمية والفئة الثانية ٬ف��ي إط��ار الشعور اإلس�لام��ي السائد ف��ي مصر النموذجية». حاليا ٬هي التي تشكل الخطر األكبر علی نظام الحكم ٬رغم قلة عدد أعضائها وبعدها عن األضواء حتى اآلن ٬وتشمل هذه الفئة وم��ن األم ��ور ال�لاف�ت��ة ل�لان�ت�ب��اه ،أن تغلغل «امل�ت�ط��رف�ين» إل��ی هذه ع��ددا كبيرا م��ن الجماعات ال�ت��ي تلتف ع��ادة ح��ول ن�ش��رة شبه الجماعات تم بتشجيع الحكومة ومساندتها عندما أراد السادات سرية ٬أو علی وجه الخصوص حول زعيم محلي يتمتع بقوة خلق «قلعة دينية» ض��د الشيوعية .وف��ي ال��وق��ت الحالي ،شابه الشخصية .ومن هذه الجماعات؛ جماعة التكفير والهجرة ٬التي «املتطرفون» في مصر السمك في املاء ٬فهم يستطيعون االختباء قد تكون كبرى هذه الجماعات ٬وقد تكون منقسمة أيضا إلی ببساطة حتى تهدأ العاصفة ٬ثم يعودون إلی الظهور عندما تهدأ األمور .وليس من املعروف إذا كان بينهم ماركسيون يبدون في عدة جماعات فرعية. صورة املسلمني املخلصني الكتساب ثقة الجماهير املتدينة .ولكن وه�ن��اك أي�ض��ا ج�م��اع��ات ال��دع��وة ٬وال �ه��دف ٬وج�ن��د ال�ل��ه ٬وال�ق��دس ٬من الغريب حقا أن الجامعات املصرية التي كانت في وقت من والجهاد .وفي معظم األحيان ،يطلق علی الجماعات الفعالة اسم األوقات قلعة لليسار العربي ٬قد أصبحت فجأة مركزا للنشاط بسيط ه��و «ج�م��اع��ات تحفيظ وتفسير ال�ق��رآن ال�ك��ري��م» ٬ومثل اإلسالمي تستبعد من صفوفه أي اتجاهات أخری. هذه الجماعات موجودة في كل حارة من حواري القاهرة واملدن املصرية الكبيرة األخرى. وألن السائد في مصر اآلن شعور ومزاج وليس تنظيما مركزيا، فإن من الصعب معرفة املدرسة املحددة ٬من بني املدارس الكثيرة وه�ن��اك أيضا تنظيمات لتقديم امل�س��اع��دات املتبادلة وجماعات للفكر اإلسالمي املنتشرة في مصر ٬التي تعكس أفكار محمد لتقديم «قروض من دون فوائد» .وهناك جماعات لرعاية األرامل باقر الصدر رجل الدين العراقي الذي تم إعدامه قبل عامني. واليتامى ٬ولإلنفاق علی تعليم األذكياء من أوالد الفقراء .وهناك أيضا جماعات للتأهيل اإلسالمي ٬وجماعات من الطلبة الذين وتنتشر في مؤلفاته ،وخصوصا كتابه عن االقتصاد اإلسالمي
اغتيال السادات جزء من خطة االستيالء على الحكم في مصر أم ماذا؟
غالف املجلة العدد ()92
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
39
أرشيف
هذه الحلقة من سلسلة التحقيقات التي أعدها أمير طاهري لـ«املجلة» تتناول الوضع الراهن في مصر من جوانبه املختلفة .وقد أمضی أمير طاهري عدة أسابيع في مصر اجتمع خاللها عشرات األشخاص ،من مسؤولني ودبلوماسيني وسياسيني بارزين .اكتسب طاهري شهرة عاملية ،إذ يكتب حاليا في صحيفة «الصنداي تايمز» اللندنية األسبوعية وصحيفة «الهيرالد تريبيون» األميركية الصادرة في أوروبا ،إضافة إلی بعض الصحف األميركية ،كما يكتب لـ«املجلة» .وفي هذه الحلقة ،يتحدث طاهري عن نفوذ الجماعات اإلسالمية ،ويكشف خططهم السرية.
«اجمللة» تكشف خطط اجلماعات الدينية السرية لالستيالء علی احلكم يف مصر! املجلة العدد ()92 1981/10/14 تحقيق من القاهرة بقلم أمير طاهري
38
«ال دي ��ن م��ع ال �س �ي��اس��ة ،وال س �ي��اس��ة م��ع ال ��دي ��ن» .ه��ذا أو الشعور السائد ف��ي مصر حاليا ٬وتتمثل الفئة األول ��ی في هو الشعار ال��ذي ال ي��زال يصرخ بصمت من الالفتات جماعة اإلخوان املسلمني التي يمكن وصفها بأنها الفئة املمثلة ال�ح�ك��وم�ي��ة امل�ع�ل�ق��ة ع�ل��ی ج� ��دران ال �ق��اه��رة .وت �ب��دو ه��ذه التجاه اليمني. الالفتات رثة مهلهلة كأنها تنتمي إلی عصر آخر تم نسيانه منذ زمن بعيد .ومع ذلك ،صدرت األوامر بتعليق هذه الالفتات قبل ومن املؤكد أن جماعة اإلخوان املسلمني نفسها منقسمة إلی عدد أشهر قليلة فقط ٬وكان الرئيس السادات ال يزال علی قيد الحياة كبير من الجماعات الفرعية ٬وأنها تعاني خالفات داخلية ال نهاية لها بشأن املبادئ والتطبيق .مع ذل��ك ،لم تفكر جماعة اإلخ��وان ويأمل تحقيق «فصل بني الدين والدولة». املسلمني ع�ل��ی وج��ه ال�ع�م��وم ف��ي أي أس �ل��وب م�ح��دد لالستيالء ولم يعد هناك اليوم من يردد هذا القول :فالسياسة والدين تشكالن علی السلطة وتشكيل حكومة خاصة بها .وبدال من ذلك ،يری كيانا غير قابل لالنقسام في مصر ذات التاريخ التليد ٬إن كل البارزون من مفكري اإلخوان املسلمني -مثل عمر التلمساني -أن من يشترك في الصراع من أجل السلطة في مصر يدرك جيدا أن الجماعة يجب أن تكون بمثابة رقيب يضمن عدم خروج «الحكام» املشاعر الدينية وحدها هي التي يمكن تحريكها بفعالية كوسيلة علی «أحكام كتاب الله ومبادئ السنة السمحة». لتعبئة «الجماهير الصامتة» في محاولة للوصول إلی السلطة. ولهذا السبب ،ال تسعی الجماعة إلی ممارسة السلطة بنفسها ٬بل قبل أعوام ٬في الفترة التي تلت حرب أكتوبر (تشرين األول) ٬كان تفضل إمالء إرادتها علی الحكومة ٬وبتعبير آخر تسعی الجماعة أي شخص يحتل مكانة مرموقة في مصر «مصريا مخلصا» ،إلی السلطة من دون املسؤولية .وتری الجماعة أن عالج «الحكام أما اآلن فقد أصبح الجميع «مسلمني متدينني» ،وهذا يجعل من الذين يرتكبون املعاصي» يتمثل في طريقة االغتيال التقليدية٬ الصعب معرفة من يعني ذلك حقيقة ومن يقتصر تدينه علی وربما أيضا في أعمال العنف والشغب ،إذا اقتضی األمر ذلك. املظاهر وحدها ٬وقد أصبح من الصعب حاليا التمييز بني الغث والسمني ٬بعد أن أصبحت األحزاب والجماعات السياسية املصرية وال تخطط الجماعة للسيطرة علی جهاز الدولة بأكمله ٬وإنما كلها حريصة علی أن يكون لها «لون» إسالمي ٬بنسب متفاوتة .تكتفي بفرض الرقابة علی أولئك الذين «يخرجون علی تعاليم اإلس�ل�ام» وقتلهم ٬وحتى الشيخ عبد الحميد كشك ٬املسجون ويمكن القول بصفة عامة ،إن هناك «م��زاج��ا إسالميا» يسود حاليا بعدما وصفه السادات بأنه «خائن لإلسالم» ،لم يدع في أي مصر في الوقت الحالي ٬والتحدي الحقيقي لنظام الحكم يتمثل وقت من األوقات إلی حكم مباشر من قبل رجال الدين. في هذا املزاج ٬وليس في املنظمات السرية الدينية التي يبلغ عددها ضد نحو عشر ٬والتي تبدي استعدادا ملمارسة أعمال العنف اجلماعات السرية نظام الحكم .وال يمكن للشرطة السرية أن تتغلغل في «أوساط هذا املزاج» ٬كما ال يمكن تحطيمه عن طريق قوات األمن والنظام .قال لنا أستاذ في جامعة القاهرة« :إن جماعة اإلخوان املسلمني مثل محطة للسكك الحديدية -إذا جاز التشبيه -يدخلها كثيرون وت �ض �ط��ر ال �س �ل �ط��ات ٬ف��ي س�ع�ي�ه��ا ل�ت�ح�ط�ي��م تنظيم للذهاب إلی شتی االتجاهات». صغير ٬إلی ضرب عدد كبير من األشخاص الذين ورغم ما يقوله أعضاء جماعة اإلخوان املسلمني ٬لم تتقدم الجماعة ليست لهم عالقة بالسياسة ٬وهذا هو ما يجعل التحدي علی م��دی تاريخها ال��ذي يبلغ خمسني ع��ام��ا ببرنامج شامل «لحكومتها املثالية» .وه��ذا ه��و السبب ف��ي أن أي شخص كان اإلسالمي قوة لها شأنها في مصر اليوم. ونستطيع التمييز بني فئتني متميزتني في إطار هذا املزاج يستطيع في وقت من األوقات أن يصف نفسه بأنه «أخ» أو «أخ
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
م��ن ال�س��وق ،ه��ذا التفاعل م��ن املستثمرين أدى إل��ى سلوك سلبي في املال بإجراء تجارب مسوحية على عدد من الشركات وإدراج املؤشر مرحلتني؛ األول��ى منها االستفادة من الطرح األول «ع�لاوات اإلص��دار» في اللوائح التنفيذية لبرامج الحوكمة. وبيع األسهم في سوق الظل ،والثانية تظهر عند رغبة أحد األطراف في تسييل مساهمته والخروج من الشركة. استشراف أداء الشركات ولقد استفاد من هذه املرحلة الكثير من أصحاب رؤوس األم��وال من امل��ؤس�س�ين ،حيث اس�ت�ف��ادوا م��ن غياب ل��وائ��ح تنظيم الحوكمة وغياب املسؤولية مما أثر على السوق املالية في مرحلتني؛ األولى حركة انهيار السوق في عام 2006م ،والثانية في عام 2008م ،ويستطيع القارئ من خ�لال مراجعة بيانات السوق االط�لاع على حركة االنتقال بني املالك الرئيسني للشركات املدرجة ليجد أن التغيير الكثير في املالك سارع في تفاعل هيئة سوق املال باستصدار لوائح الحوكمة ،وعلى الرغم من منح فرص لتفعيل وتنفيذ مواد الالئحة حتى بداية عام 2011م ،وإن أهمية الحوكمة في إدارة األنشطة التجارية ،وكذلك اإلدارات التنفيذية الحكومية، ت��أت��ي ف��ي األول��وي��ة واأله�م�ي��ة للمساهمة ف��ي استقطاب االس�ت�ث�م��ارات؛ سواء الوطنية أو الوافدة ،حيث إن فعالية الحوكمة تؤدي إلى االستقرار االقتصادي ،مما يساعد على استقطاب االستثمارات الوطنية أو الوافدة. إن القناعة في أهمية الحوكمة تفاعلت معها الهيئة العامة لالستثمار، وف��ي تنمية ال�ق��درات التنافسية للشركات السعودية أطلقت مؤشر حوكمة الشركات في إطار إعطاء قرائن ورؤية لكيفية تقييم الشركات امل��درج��ة ف��ي ه�ي�ئ��ة س ��وق امل� ��ال ،وي�ع�ت�ب��ر م��ؤش��ر ح��وك�م��ة ال�ش��رك��ات السعودي الذي يهدف إلى قياس مدى كفاءة وفعالية ومهنية مجالس إدارة الشركات ،ولقد ش��ارك في تطوير ه��ذا املؤشر كل من جامعة الفيصل ،وكذلك معهد أعضاء مجلس اإلدارة في دول مجلس التعاون الخليجي ،وي��أت��ي دور الجامعة ف��ي إط��ار توثيق فعالية امل��ؤش��ر في توثيق وترجمة النتائج ،وعلى الرغم من أهمية هذا املؤشر الذي قد ال يلقى قبوال واسعا من قبل الشركات واملؤسسات الرتباطه بعدد من العناصر التي تؤثر سلبا على نتائج الشركات ما لم تقم هيئة سوق
إن أهمية ت��واف��ر آل�ي��ات وم��ؤش��رات الس�ت�ط�لاع األن�ش�ط��ة االقتصادية الستشراف أداء الشركات املدرجة في السوق يعطي االستثمارات الوافدة قدرة على قراءة نمط البيئة االقتصادية وعمق الحركة االستثمارية، التي تمثل مدى التفاعل بني قدرة الفرد «املواطن» االستثمارية وحجم االستثمار ،والقراءة األولية للوائح الحوكمة تجد أنها ترجمة واقعية أعطت أهمية لألعراف االجتماعية ،ولم تغفل ضرورة توفر االنضباط والشفافية ف��ي ال��دور الرقابي لسوق امل��ال ،كما أن استقطاب الهيئة للمؤشر الذي جرى تطويره من قبل الهيئة العامة لالستثمار قد يؤدي إل��ى ثقافة اقتصادية ونوعية ،س��واء للمستثمر أو للمتعامل العادي في السوق املالية السعودية ،وبنظرة سريعة عما تحمله آليات تطبيق الحوكمة من تأثيرات على النمط االستثماري نجد أن اللوائح بحد ذاتها ال تؤثر على مسيرة االستثمارات بشكل مباشر ،سواء تلك املحلية أو الخارجية ،وهي تتعلق بالسوق السعودية ،التي اكتسبت خاصية ج��ذب قوية لتجنبه ظ��واه��ر ال�ح��رك��ات االجتماعية ،أو م��ا ُيطلق عليه «الربيع العربي» ،إن صح التعبير ،التي أثرت بشكل الفت على الدول العربية ،ذل��ك أن االقتصاد السعودي يستند إل��ى ق��وة السوق املالية، والتنوع االقتصادي املتميز ،باإلضافة إلى املنظور السياحي كناتج محلي جديد سيسهم في تنامي الحركة االقتصادية من خالل دعم حركة السياحة الدينية إن جاز التعبير ،التي تعادل أكبر االقتصادات العربية ،واملتصفح ألداء االقتصاد السعودي يلحظ أن الحوكمة ،وكذلك أنظمة التصحيح لسوق امل��ال ،ساهمت في املرونة اإلداري��ة والتفاعل االج�ت�م��اع��ي م��ع امل�ت�غ�ي��رات املحيطة باملنطقة ،ال�ت��ي جعلت م��ن البيئة االقتصادية عنصر ج��ذب فعاال ساهم في تحسني استقرار القدرة التنافسية لالقتصاد السعودي <
جانب من أحد األسواق املالية في الخليج
,,
الحوكمة تشريعيا هي اآللية التي تتفاعل فيها مركبات الهيكل التنظيمي للمؤسسات العامة واملنظمات والشركات
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
37
اقتصاد
ظهر في الحقبة الزمنية املاضية مصطلح لغوي جديد على الثقافة االقتصادية ،يطلق على اآلليات واملناهج العملية في ممارسة اإلدارة الفاعلة للمنظمات والشركات تحت مسمى «الحوكمة» ،واملعنى اللغوي لهذا املصطلح هو الحكم والعدل ،ويذهب البعض إلى أن استخدامه ظهر مجازا في كتابات الفيلسوف اليوناني أفالطون ،حيث استند إلى عنصر املثاليات مقتبسا ذلك من دراسة املنطق العلمي لعالم الرياضيات فيثاغورث.
دورها في مواجهة التحديات االجتماعية واالقتصادية في السعودية
حوكمة الشركات بقلم: د .صالح بن محمد الشعيبي
,,
على الرغم من التطور الكبير وامللحوظ على األنظمة املالية واالقتصادية فإن مفهوم «الحوكمة» يأتي في تضارب مع التركيبة االجتماعية في السعودية
,,
36
الحوكمة تشريعيا هي اآللية التي تتفاعل فيها مركبات الهيكل التنظيمي للمؤسسات العامة واملنظمات والشركات ،وتشتمل على عنصرين أساسيني هما: أ -عنصر موثق يستند إلى األنظمة واملعايير التي تربط بني التنظيم اإلداري «ال�ج�ه��از ال�ت�ن�ف�ي��ذي» وامل�ج�ت�م��ع امل��رت�ب��ط ب��امل�ن��اف��ع امل�ت�ب��ادل��ة بني املستفيدين من خدمات تلك املؤسسات العامة واملنظمات والشركات. ب -يأتي العنصر الثاني في إط��ار البوصلة ملجموعة من االعتقادات املكتسبة «م�ي�ت��ا ال�ع�ق��ائ��دي��ة» ،ال�ت��ي تنظر إل��ى اإلدراك ال�ح�س��ي للخطأ والصحيح في التفاعالت التي تتحكم في تصرفاتنا سواء تجاه الذات أو تجاه الغير. ولقد دخل مفهوم الحوكمة في األعمال االقتصادية في إدارة األنشطة الحكومية واأله�ل�ي��ة س��واء ك��ان��ت ش��رك��ات مساهمة أو ذات مسؤولية محدودة من خالل إيجاد منظومة من البنود التي يتم من خاللها زراعة مفهوم االنضباط والتحكم في سير العمل بما يحقق مصلحة الشركة بوصفها كيانا طبيعيا ،وتحقيق املنفعة العامة للمساهمني بمنظور عملي ،وتعبر «الحوكمة» وأنظمتها على أنها األسس التي تنبني عليها إدارة املنظمة في إطار مفاهيم تستند على قوة الرقابة العملية الذاتية، وال��وع��ي الحسي ل�لأف��راد وال�ع��ام�ل�ين داخ��ل املنظمة ،ول��م يكن املجتمع السعودي يعطي أهمية للحوكمة لتغلب املفهوم العقائدي.
مفهوم «الحوكمة» وج��اءت الحاجة لتفعيل وتطبيق مفهوم «الحوكمة» على املؤسسات والشركات الوطنية والوافدة من خالل تحسني البيئة االقتصادية ،تجنبا إلحداث األزمة املالية التي حدثت خالل عامي 2008و2009م« ،والحوكمة» في إط��ار مجتمع مثل اململكة العربية السعودية ،التي على الرغم من التطور الكبير وامللحوظ على األنظمة املالية واالقتصادية ،فإن مفهوم «الحوكمة» يأتي في تضارب مع التركيبة االجتماعية ،التي مازالت تلعب دورا مهما في ممرات الشركات السعودية املعلنة والواردة في هيئة سوق املال ،والشركات ذات املسؤولية املحدودة ،والعائلية ،ذلك أن املجتمع ال يزال يلقي بظالله على اإلدارة الداخلية ،وتسيير أمور الشركات بما يؤثر على مسيرة الشركات ،وجاء التوجه العام سواء لتبني نظم «الحوكمة» كدافع مهم لتجنب األزمات ،وخلق منظور ومنهج تطبيقي لحوكمة الشركات في البحث عن وسيلة استقطاب واملحافظة على االستثمارات وحقوق املواطنني املساهمني ،والحد من الحس االجتماعي «القبلي» املتعمق في
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
إدارات الشركات املساهمة ومجالس اإلدارات ،الذي أحدث ربكة ال تزال كثير من الشركات تتعافى من تخييم العرف االجتماعي. واملراجعة األولية ألداء الشركات املدرجة في هيئة سوق املال ،وباستثناء البنوك واملصارف ،نجد أن مالمح التأثير االجتماعي يغلب على األجهزة التنفيذية أو مجالس اإلدارة لدى بعض الشركات ،واستمرار هذا النهج قد يؤدي إلى خسائر يضطر بعدها املساهمون للتدخل من أجل إنقاذ الشركة من خ�لال عمليات رف��ع رؤوس األم��وال أو الخروج من السوق تحت تأثير سوء اإلدارة ،األمر الذي يعطي مؤشرا ألهمية تفعيل دور «الحوكمة» ،وفي هذا اإلطار جاءت خطوات جيده في مهمة االستحواذ وتنظيم التوجهات املرتبطة بآلية تنفيذ برامج «الحوكمة» في اململكة العربية السعودية ،ومن أهمها تطوير مؤشرات التطبيق ،وباستشراف من هيئة سوق املال السعودية صدرت الئحة الحوكمة في عام 2006م، التي ألزمت الشركات ،ووضعت شروطا ونصوصا ساعدت في تهيئة البيئة التنظيمية للحوكمة داخل الشركات املدرجة في هيئة سوق املال، وم��ن أه��م البنود والحيثيات لتطبيق الالئحة؛ تفعيل ع��دد م��ن اآلليات إلح��داث نقلة نوعية ف��ي إدارة ال�ش��رك��ات وتطوير مفاهيم أك��دت على مصلحة املساهمني ،ولقد اشتملت الالئحة على ع��دد م��ن امل��واد التي أكدت أهمية سياسات اإلفصاح ،والشفافية ،وتوثيق اإلجراءات التنفيذية، والوظائف األساسية للجهاز التنفيذي ،ومجالس اإلدارة ،وذلك للتأكيد على أنظمة الحوكمة ،وضوابط الرقابة الداخلية في منهجية جعلت الرؤية واضحة من خ�لال الفصل بني امللكية واإلدارة ،كما وضعت خطوات تطبيقية إلدارة املجالس والرقابة املاليةُ ،ويتوقع أن نتائج التزام الشركات بالئحة الحوكمة ستؤدي إلى تنامي القدرات اإلدارية للشركات.
سوق املال السعودي وقد أدرجت نظام التصويت ملجلس اإلدارة بجواز التجزئة لحق التصويت التراكمي بعدد األسهم من دون تكرار وذلك ملنع االحتكار ،وإن كان بعض املالك قد يستطيعون التأثير على تشكيل املجالس من خالل التكتالت، التي تكون في إطار «سوق الظل» خالل حركة تداول األسهم ،وتتميز الحوكمة في أنظمة سوق املال السعودي بصالحيات قوية لهيئة سوق املال السعودي ،التي ّ تعد حديثة عهد في إطار الحركات التجارية مما يجعلها أقل خبرة ودراية في ممارسة الحق العام في تطبيق أنظمة ولوائح الحوكمة التي تجعل رؤوس األم��وال االستثمارية تتعامل في تفاعلها مع السوق بمنهج لسعة النحل ،أي أن الكثير منها يأتي من خالل قراءة سريعة للسوق بالدخول وانتظار مرحلة جني األرباح ومن ثم الخروج
اإلخوان لم يحدثوا قطيعة معرفية معها ،وأن من جاءوا من خلفيات أخرى منهم لم يحافظوا على القطيعة املعرفية التي كانت تفصلهم عنها قبل تحولهم إلى الفكر اإلسالمي .فلم يختلف فكرهم عن توجهات جماعة اإلخوان واإلسالم السياسي عموما في جوهرها، ُبل قدم بعضهم رؤى بدت أكثر تشددا في صيغتها الفكرية التي طرحت بها مقارنة بالتوجهات السياسية املعادلة لها في خطاب اإلخوان وغيرهم من قوى اإلسالم السياسي. خ��ذ مثال امل��وق��ف م��ن «اآلخ ��ر» .فقد ظ��ل ك��ل م��ن البشري وعمارة يعتبران فكر العلمانيني املصريني واف��دا من الغرب وغريبا على الشرق ،بل تعدى األمر الفكر إلى من يؤمنون به حيث اعتبروهم غرباء .وأذكر أننا كنا في ندوة نظمتها صحيفة «الحياة» في مكتبها بالقاهرة عام 1994حني فاجأنا دكتور محمد عمارة بترديد القول املأثور شعبيا «البيت بيت أبونا ..والغرب بيطردونا» ،قاصدا أن «العلمانيني» الغرباء يسعون إلى إقصاء اإلسالميني األصالء .وقد شرحت له يومها أن الدار (الوطن) للجميع وليست ألحد ،ولم يرثها أي طرف عن أبيه وليس فيها غرباء ألن من يعيشون فيها كلهم شعب واحد. وي�ك�ش��ف ك�ت��اب دك �ت��ور ع �م��ارة «م�ع��رك��ة املصطلحات ب�ين ال�غ��رب واإلسالم» الصادر عام 1996رفضا دفينا لكل ما تعبر عنه مفاهيم التنوير والديمقراطية وحقوق اإلنسان والعقالنية واإلبداع ،وليس تاريخ جماعة اإلخوان ومراجعة ما كتبه عن هذا التاريخ باعتباره فقط مفهوم العلمانية ،ونفورا شديدا من املضمون التحرري لهذه مؤرخا .فقد تضمن أحد كتبه التأريخية (الحركة السياسية في املفاهيم .فالتنوير مثال هو محض اتجاه مادي ال ديني. مصر )1952-1945في طبعته األول��ى الصادرة عام 1972رؤية نقدية ص��ارم��ة لتوجهات جماعة اإلخ ��وان وممارساتها ف��ي تلك وق��ل مثل ذل��ك عن بعض أفكار املستشار ط��ارق البشري الذي الفترة .فقد انتقد مصادرتها الدين ملصلحتها وسعيها للسيطرة ينظر إلى العلمانية باعتبارها «واف��دا غريبا اقتحم حياة مصر على اإلسالم وعدم احترام أعضائها إال أهداف جماعتهم كتنظيم ،وشعبها في القرن التاسع عشر» .ويعتبر كتابه «الحوار اإلسالمي والغموض الذي اكتنف نظرتها لطبيعة الدعوة ،وهل هي سياسية أم العلماني» الصادر عام 1996مثاال للغلو في هذا املجال .فقد ربط دينية .واعتبر البشري هذا الغموض مقصودا لتسهيل النمو تحت بني ما سماه وفود الفكر العلماني وحضور االستعمار ،ورأى أن ستار الدعوة الدينية وج��ذب كثير من الناس بعيدا عن صراعات البحث عن أمر الفكر الوافد في مجمله (أي كل األفكار اإلنسانية السياسة املباشرة ومراوغة الحكومة واألح��زاب وال��رأي العام رغم امل��دن�ي��ة) ال يتيسر إال باستحضار قصة امل��واج�ه��ة السياسية أنها كانت – في نظره حينئذ – ليست إال تنظيما سياسيا يسعى والعسكرية املستمرة مع الغرب على مدى القرنني األخيرين ،في للسلطة .كما انتقد عدم اهتمامها باملسألة الوطنية ،معتبرا أنها إطار ما يسميه «عصر مقاومة االستعمار». رغم ما كان يصدر عن قادتها من تعريض باالستعمار أحيانا أو هجوم عليه كانت أقل التنظيمات تعرضا للمسألة الوطنية وتحديدا ويعني ذل��ك أن الكثير من املفاهيم األساسية التي تقوم عليها للموقف إزاءها في وقت كانت هذه املسألة هي بؤرة االهتمام العام .الدولة الوطنية في هذا العصر ليست إال فكرا وافدا ارتبط بالغزوة وليس هذا إال غيض من فيض االنتقادات التي وجهها البشري إلى االس�ت�ع�م��اري��ة ،وأن م�ق��اوم��ة ه��ذه ال �غ��زوة ت��رت�ب��ط ب��ال�ت��ال��ي (وه��ذا اإلخوان في الطبعة األولى من الكتاب. استنتاجنا وليس قوله الصريح) بمواجهة تلك املفاهيم التي ال يستقيم بناء ال��دول واملجتمعات في العصر الراهن في غيابها. غير أنه لم يلبث أن ّ راجع نظرته هذه إلى اإلخوان مراجعة جذرية ولعله ينسى أن من بني هذه املفاهيم ما كان سالحا في مواجهة تقريبا .ولذلك ص��در الطبعة الثانية للكتاب الصادرة عام 1983االستعمار مثل السيادة الوطنية وتقرير املصير فضال عن مفهوم بمقدمة طويلة في 68صفحة أفصح فيها عن تغيير نظرته إلى الديمقراطية الذي يرتبط بالضرورة باستقالل الوطن ألنه يقوم جماعة اإلخ��وان .وأوضح في هذه املقدمة ،التي لم تكن من حيث على مبدأ السيادة للشعب ال��ذي تنفر منه بعض ق��وى اإلس�لام حجمها ووظيفتها مجرد مقدمة بل فصال جديدا ،أن فكره تغير .السياسي صراحة وبعضها اآلخر ضمنا أو ثورية. وقال« :دار فكري دورة كبيرة» فيما يتعلق بفهم طبيعة جماعة اإلخوان ودورها ،موضحا أنه أدرك أن من ينظر إليها من خارج وك�ث�ي��رة ه��ي ف��ي ال��واق��ع األم�ث�ل��ة ال��دال��ة على أن ال�ت��وج�ه��ات الفكرية ّ إطارها الفكري والعقيدي والحضاري «ال يستطيع أن يستصحب للمثقفني وال�ك��ت��اب ال��ذي��ن اش�ت�ه��روا بأنهم وس�ط�ي��ون ،ب��ل بكونهم منطقها» ،وال يعي الفرق «بني املنهج اإلسالمي كما يراه اإلخوان النماذج األبرز للوسطية ،ليست إال تعبيرا عن التوجهات السياسية واملنهج العلماني الذي انطبع به فكر الكثيرين من أبناء املؤسسات لجماعات اإلسالم السياسي بما فيها جماعة اإلخوان. الحديثة في بلدنا» .ومضى بعد ذلك «يصحح» ما أخطأ فيه عندما فالوسطية اإلسالمية ،التي تقوم على فكرة عامة بسيطة مؤداها لم يستصحب منطق اإلخ��وان ،ويراجع ما ورد عنهم في الطبعة أن��ه ال إف ��راط وال ت�ف��ري��ط ،ه��ي ن�م��ط ح�ي��اة يعيشه م�ئ��ات امل�لاي�ين األولى «بهذا النظر» الجديد ،ويوضح أنه صار يفهم ما غفل عنه من املسلمني بشكل طبيعي وليست توجها فكريا أو سياسيا. من قبل. فاإلنسان املسلم وسطي بفطرته إال إذا تعرض ملا يفسد هذه ويعني ذل��ك أن املثقفني «ال��وس�ط�ي�ين» ال��ذي��ن انشقوا على جماعة الفطرة التي فطره الله عليها <
,,
تحدث محمد عمارة في كتاباته وتصريحاته كثيرا عما سماه الوسطية الجامعة دون أن يوضح ما الذي تجمعه على وجه التحديد
,,
فهمي هويدي
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
35
قضايا
عند املؤسسني أن الدولة لن تنهض إال بالعدل والحرية معا ،وليس بأحدهما دون األخرى .والوسطية في مصر مثال تعني أيضا أن طريق البناء الذاتي يؤسس على الثقة في الذات الوطنية والحضارية التعددية وينبع من قيم الحضارة العربية اإلسالمية ذات الطابع املصري املميز بخصوصيتها الثقافية املستمدة من املرجعيات التي ارتضاها املجتمع ونص عليها الدستور» .كما ربط هذا البرنامج ضمنيا بني الوسطية اإلسالمية واإلسالم الحضاري الذي ال يقل التباسا ومراوغة.
,,
انتمى القرضاوي والعوا للجماعة قبل أن يستقيال منها ألسباب سياسية وتنظيمية وليس لدوافع فكرية
,,
سليم العوا
34
واملالحظ أن عالم االجتماع املسيحي اإلنجيلي دكتور رفيق حبيب الذي شارك في تأسيس حزب الوسط ،كتب عن هذه الوسطية من منظور مختلف تماما عما ورد ف��ي برنامج ال�ح��زب ال��ذي ساهم أصولية في كتابته .فقد ربط -في كتابه «حضارة الوسط – نحو َّ جديدة» الصادر عام - 2011الوسطية باملوقع الجغرافي حيث قسم الحضارات الكبرى في التاريخ إلى ثالث؛ شرقية (آسيا) ووسطية (العاملان العربي واإلسالمي) وغربية .ورأى أن الحضارة العربية – اإلسالمية تمثل ما سماه الوسط الحضاري في التاريخ البشري. وكما هو الحال في برنامج حزب الوسط الذي افتقد مفهوم الوسطية فيه إلى التحديد والوضوح ،جاء طرح حبيب للمفهوم نفسه ما بني عام مبالغ في العمومية وغائم يفتقد الوضوح .فالحضارة العربية – اإلسالمية عنده تمثل وسطا نوعيا بني الحضارات اآلسيوية والغربية .ويحاول تفسير ذل��ك بالعودة إل��ى ثنائية امل��ادة واملعنى التي تجاوزها الفكر اإلنساني منذ فترة طويلة« :أصبح الوسط الحضاري ممثال ملوضع وسط في التفاعل بني املادة واملعنى ،وبهذا يكون تكوينه مركبا من القيمة الثنائية والتي يظهر كل قطب منها في حضارات مختلفة»! ومما يثير االنتباه اآلن ،ولم يكن منتبها إليه قبل أن تنكشف قوى اإلسالم السياسي بعد فشلها في االختبار املصري ،أن جانبا من الرهان على اعتدال جماعة اإلخ��وان ارتبط باعتقاد لم يركز على وسطيتها فكريا وفقهيا بقدر ما اهتم بما بدا أنه جيل وسط في هذه الجماعة يمكن التعويل عليه.
أنصار اإلخوان والرئيس السابق محمد مرسي يشتبكون مع الشرطة املصرية خالل مظاهرة في شوارع حي الزيتون بالقرب من قصر القبة (ديسمبر )2013
العام غير املحدد أيضا .فقد تحدث كثيرا عما سماه وسطية جامعة دون أن يوضح ما الذي تجمعه على وجه التحديد .فقد ربط هذه الوسطية الجامعة ب��إح��دى أه��م خصائص األم��ة اإلس�لام�ي��ة وفقا للقرآن الكريم الذي اعتبرها أمة وسطا (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا). وال يختلف هذا الكالم الشديد العمومية عما يمكن أن تسمعه على منابر بعض املساجد في خطب وعظية ،أو في أحاديث بعض قادة اإلخوان وغيرهم من أطياف اإلسالم السياسي .فلم يقدم املثقفون ّ والكتاب الذين استمدوا «شرعيتهم» من اعتبارهم وسطيني جديدا في تحديد معنى الوسطية وبلورة مفهومها وتحريره من السيولة التي يتسم بها. ومع ذلك فقد نجح هؤالء املثقفون ،الذين قدموا إسهامات فكرية ّ مقدرة في بعض القضايا األخ��رى بغض النظر عن االختالف أو االتفاق معها ،في تدعيم الرهان على الوسطية اإلسالمية وربطها ب�ق��وى اإلس�ل�ام السياسي ال�ت��ي ل��م ت�م��ارس العنف وف��ي مقدمتها جماعة اإلخ� ��وان .فلم يختلف االت �ج��اه ال��رئ�ي��س ف��ي فكر املثقفني «الوسطيني» عن التوجهات األساسية لهذه الجماعة وتلك القوى، سواء من جاءوا من خلفية «إخوانية» أو يسارية .فقد انتمى بعضهم إلى تنظيم اإلخوان في مرحلة مبكرة من حياته مثل دكتور يوسف القرضاوي ودكتور محمد سليم العوا قبل أن يستقيال منها ألسباب سياسية وتنظيمية وليس لدوافع فكرية وفقهية .وهذا الفرق في سبب االستقالة بالغ األهمية ،ألن الخالف السياسي والتنظيمي يتعلق عادة بأمور عارضة ،في حني أن الخالف الفكري والفقهي يرتبط بقضايا أساسية وجوهرية.
وق��د استمر ال��ره��ان على ه��ذا الجيل حتى بعد أن عزفت أغلبيته الساحقة عن االستجابة لدعوة من انشقوا على الجماعة وسعوا إلى تأسيس حزب الوسط .ففي دراسة د .عمرو الشوبكي «تحديات بناء تيار إسالمي ديمقراطي» املنشورة عام ،2004رأى أن «جيل الوسط في جماعة اإلخوان أكثر ليبرالية إجماال من الجيل القديم». وفسر عدم انشقاق هذا الجيل ،بخالف ما فعله أقرانه في تركيا مثال عند تأسيس حزب العدالة والتنمية ،بأن «الحالة السياسية املصرية ال تسمح حاليا بأي فرصة لقبول حزب سياسي إسالمي ديمقراطي» بخالف حالة تركيا التي سمحت لرجب طيب إردوغان و«إخوانه» بتأسيس حزب العدالة والتنمية. والحال أن املرء ال يجد معنى واضحا محددا للوسطية ،مثلها مثل االعتدال ،لدى تيارات اإلسالم السياسي واملثقفني الذين ارتبطوا به في العقود الثالثة األخيرة مهما بذل من جهد .وربما يرهقك البحث عن هذا املعنى ،فال تجد إال إعادة إنتاج لفكرة األمة الوسطية التي تفتقد بدورها املضمون وتحتاج إلى تحديد واضح للمقصود بها .ورغ��م أن دك�ت��ور محمد ع�م��ارة وامل�س�ت�ش��ار ط��ارق ال�ب�ش��ري كانا ي �س��اري�ين ،ق�ب��ل أن ي�ت�ح��وال إل��ى ال�ف�ك��ر اإلس�ل�ام��ي ،ف�ق��د جمعهما والقرضاوي وال�ع��وا وه��وي��دي وغيرهم قواسم مشتركة اعتبرها مثقفون وسطيون كثيرون تعبيرا عن الوسطية اإلسالمية رغم أنها تمثل الوجه الفكري ّ وحتى املثقفون والكتاب الذين اشتهروا بأنهم وسطيون ال تجد لتوجهات اإلسالم السياسي. ل��دي�ه��م م��ا ت�ب�ح��ث ع �ن��ه .ف �ك��ان دك �ت��ور م�ح�م��د ع �م��ارة ه��و أك�ث��ره��م وثمة مالحظة بالغة الداللة في هذا السياق ،وهي أن تحول البشري استخداما ملفهوم الوسطية في كتاباته وأحاديثه ،ولكن في اإلطار من الفكر اليساري إلى الفكر اإلسالمي اقترن بتغيير نظرته إلى
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
بابا أوسع للرهان على إدم��اج هذه الجماعة في الحياة السياسية على أساس أن التفاعل الذي سيترتب على هذا اإلدماج سيؤدي إلى التزامها تدريجيا بالديمقراطية بما يتيح في النهاية تبديد املخاوف من وصولها إلى السلطة عبر انتخابات تكون هي األخيرة في غياب ما يضمن إجراء االنتخابات التالية في موعدها في ظل هيمنة هذه الجماعة على السلطة. وفي الوقت الذي شهدت العالقة بني اإلخوان وقوى املعارضة املصرية مزيجا من الصراع والتعاون ،كان هناك ميل واضح لدى غير قليل من الباحثني املهمومني بقضايا الوطن إلى دمج اإلسالم السياسي املعتدل في الحياة السياسية و«التنظير» ألهمية هذا الدمج وضرورته إليجاد األرضية التي ال غنى عنها لتطور ديمقراطي تطلعوا إليه. وك��ان كاتب السطور أحد ه��ؤالء الذين راهنوا على تيار إسالمي سياسي معتدل ،وظنوا أن جماعة اإلخوان قابلة للتطور باعتباره سنة الحياة قبل أن يثبت خطأ هذا الرهان بشكل قاطع عقب تولي الرئيس املنتمي إليها محمد مرسي السلطة في منتصف عام .2012 وك��ان كتابي «األزم ��ة املصرية – مخاطر االستقطاب اإلس�لام��ي العلماني» الصادر عام 1993مثاال لهذا التنظير في قضية دمج اإلسالميني املعتدلني في الحيز السياسي العام وإتاحة الفرصة لهم للتفاعل واالحتكاك بما يؤديان إليه من تطور فكري وتنظيمي في صفوفهم ،سعيا إلى محاصرة العنف الديني الذي كان قد تصاعد في مصر في ذلك الوقت.
ثالثة افتراضات فقد انطلقت الرؤية املتضمنة في هذا الكتاب ،كما جاء في مقدمته، من ثالثة افتراضات .أولها أن «ظاهرة العنف هي جزء من معضلة أوس��ع ترتبط بمحدودية التطور الديمقراطي وع��دم توفر تقاليد ُ ال�ح��وار بني املختلفني فكريا وسياسيا .فعندما تغلق أو تضيق أبواب العمل السياسي املشروع ،ويتبدد األمل في التغيير السلمي، تنفتح في املقابل أبواب العنف» .وكان االفتراض الثاني أن «ازدياد ح��دة االستقطاب اإلس�لام��ي – العلماني يهدد باختفاء تدريجي للقوى والعناصر املعتدلة أو القريبة من االعتدال في كل منهما، والتي يتوقف عليها مد الجسور بينهما .ويترتب على ذلك ازدياد صعوبات التطور الديمقراطي الذي يفترض انفتاح مختلف التيارات على بعضها بما يؤدي إليه من اكتسابها فضائل التسامح والحوار ّ والحل الوسط والتفاعل البناء» .أما االفتراض الثالث فكان متعلقا بما بدا في ذلك الوقت من «وجود فرصة للتوافق بني القوى املعتدلة ف��ي ال�ت�ي��ارات العلمانية واإلس�لام�ي��ة على إط��ار ع��ام ي�ح��دد م��ا هو مشترك وما هو مختلف عليه». وكان هذا االتجاه إلى البحث عن إسالم سياسي معتدل قويا في تلك املرحلة ،حيث عبر عنه كثير من الباحثني في الوقت الذي كان جانب من اللقاءات السياسية بني أحزاب وقوى املعارضة الليبرالية واليسارية وجماعة اإلخ ��وان يهدف إل��ى إي�ج��اد أرض�ي��ة مشتركة والعمل املشترك في مواجهة نظام مبارك الذي أغلق املجال السياسي في وجه الجميع ،األمر الذي فرض عليهم البحث عن سبل للتعاون من أجل اإلصالح .وكثيرة كانت الجهود واللقاءات التي استهدفت ما كان متعارفا عليه تحت عنوان «توافق وطني» .وساهمت تلك ال�ج�ه��ود ف��ي تقوية االت �ج��اه البحثي واألك��ادي�م��ي ال��ذي راه��ن على إس�ل�ام سياسي م�ع�ت��دل .وم��ن أه��م األع �م��ال البحثية ال�ت��ي عبرت عن ه��ذا االتجاه الكتاب ال��ذي أص��دره مركز ال��دراس��ات السياسية واالستراتيجية ب �ـ «األه��رام» ع��ام 2004تحت ع�ن��وان «إسالميون وديمقراطيون :إشكاليات بناء نظام سياسي ديمقراطي» وحرره دكتور عمرو الشوبكي.
فقد انطلق هذا الكتاب من افتراضني أساسيني .أولهما أن «مسألة إيمان اإلسالميني بالديمقراطية واردة ال تمنعها أسباب هيكلية أو (جينية) تعود إل��ى جوهر الخطاب اإلس�لام��ي ،ولكنها ترتبط بتحديات من نوع جديد يتعلق معظمها بمدى جدية نظم الحكم العربية في إطالق مسيرة اإلصالح السياسي والديمقراطي املعطلة والقادرة على فرض احترام قواعد الديمقراطية على مختلف فرقاء الساحة السياسية». أما االفتراض الثاني فهو أن «اإلسالميني أصحاب العقيدة الكلية والشاملة سيصبحون أمام تحدي بناء رؤى سياسية قادرة على التعامل مع القضايا الجزئية ولغة األرقام ومهارة التفاعل النقدي مع العالم .وقد خاضت بعض فصائل التيار اإلسالمي هذا التحدي بنجاح ،وق��دم��ت خبرة ح��زب العدالة والتنمية ف��ي تركيا نموذجا ناجحا اقتصاديا وسياسيا» .وق��د اهتم الكتاب املشار إليه هنا بإلقاء ضوء ساطع على تلك الخبرة تحديدا.
ثانيا :التباس مفهومي االعتدال والوسطية إذا ك��ان مفهوم االع�ت��دال ملتبسا بطابعه ألن��ه يتعلق بموقع غير محدد على متواصل Continiumسياسي أو فكري يختلف من وقت آلخر ،األمر الذي يصعب معه تحديد مستوى هذا االعتدال أو حتى تعريفه بدقة ،فاألمر كذلك أيضا بالنسبة إلى مفهوم الوسطية رغ��م أن��ه ق��د ي�ك��ون ق��اب�لا للتحديد .ول�ك��ن الكثير م��ن اإلسالميني استخدموا مفهوم الوسطية دون تحديد أو تعريف متفق عليه، ُ واس��ت��درج كثير غيرهم إل��ى الحديث عنه وكأنه يشير إل��ى معنى محدد في الوقت الذي ظل مفهوما سائال ومراوغا. وحتى الحزب الذي انشقت قيادته عن جماعة اإلخوان عام 1995 وحمل اسما مستمدا من الوسطية (حزب الوسط) لم يقدم تعريفا محددا لهذا املفهوم يساعد في تدقيقه .فقد تضمن برنامجه فقرة واحدة عن الوسطية جاء فيها كالم إنشائي شديد العمومية يفتقد التحديد والوضوح« :الوسطية من منظور وطني حضاري تعني
الرئيس جمال عبد الناصر يزور قبر مؤسس الجماعة حسن البنا سنة 1954برفقة عبد الرحمن شقيق البنا
,,
كانت الحاجة إلى إسالم سياسي معتدل ووسطى قائمة أيضا لدى قطاع من الباحثني واألكاديميني وأجنحة في التيارات األخرى الليبرالية والقومية العربية واليسارية
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
33
قضايا
أحيانا لإلهانة منهم .وهذه تصرفات يستحق عليها الشكر وليس االعتقال» .كما ورد في مذكراته التي نشرتها صحيفة «الحياة» عام .1995واستمر منهج الرهان على اعتدال اإلخوان ووسطيتهم في عهد مبارك الذي شهدت بدايته تعاونا بينهم وبني النظامُ في الحرب التي ترتبت على الغزو السوفياتي ألفغانستان ،حيث أتيحت لهم حرية حركة واسعة في الدعوة إلى «الجهاد» في هذه الحرب وجمع تبرعات لدعمها .وكان تصاعد موجة العنف ،التي كانت قد بدأت في أواخر السبعينات ،وتحولها إلى تهديد قوي في أواخر الثمانينات وحتى عام ،1997عامال آخر ساهم في استمرار الرهان على اعتدال تجاههم في الوقت نفسه نظرا لنجاحهم اإلخوان مع ازدياد الحذر ُ في استغالل حرية الحركة التي أتيحت لهم منذ بداية السبعينات للتغلغل في املجتمع وتوسيع نطاق املنتمني إلى الجماعة.
املرشد العام السابق محمد بديع يشير بعالمة (رابعة) اثناء محاكمته (فبراير )2014
,,
ُيعد الشيخ الباقوري الذي فصله مكتب إرشاد اإلخوان وعبد العزيز كامل والبهي الخولي هم أبرز قادة هذه الجماعة الذين نقلوا والءهم منها إلى الدولة الوطنية
,,
32
وت��واص��ل ال�ت��زام ال�ح��ذر ،وم��ا اق�ت��رن ب��ه م��ن ممارسة ضغوط على جماعة اإلخوان عبر توجيه ضربات أمنية انتقائية محدودة ضدها من وق��ت إل��ى آخ��ر ،بالتوازي مع استمرار تصنيفها ضمن قوى االعتدال في اإلسالم السياسي دون التصريح بذلك. ولعل هذا يفسر توجه املجلس األعلى للقوات املسلحة الذي استهل إدارته لشؤون البالد ،عقب تخلي الرئيس األسبق حسني مبارك من السلطة في 11فبراير ،2011بإعطاء أولوية للتعاون معهم. َّ وشمل ذلك املثقفني والكتاب الذين كانوا يعتبرون وسطيني ،حيث اختير املستشار طارق البشري لرئاسة اللجنة التي عهد إليها هذا تعبر عن الوسطية واالع�ت��دال .غير أن الطريقة التي ُاتبعت سعيا املجلس بتعديل دستور 1971قبل أن يقرر إصدار إعالن دستوري. إل��ى ه��ذا ال�ه��دف أدت على امل��دى األب�ع��د إل��ى تداعيات سلبية فاقت اآلثار اإليجابية التي حققها على املدى األقصر .فقد خلق إلحاق وي��دل اختيار القيادي في جماعة اإلخ��وان صبحي صالح عضوا مؤسسة األزهر بسلطة الدولة وربطها بها عوامل وهن فيها ،حيث في تلك اللجنة التي رأسها البشري على االرتباط الذي كان قائما ضعفت مصداقيتها عندما بدا أنها لسان حال هذه السلطة .كما في منهج سلطة الدولة في مصر بني هذه الجماعة ومجموعة من أدى توسيعها بال حدود إلى انتشار مئات املعاهد الدينية التي صار املثقفني ظلوا يوصفون بأنهم وسطيون أو معبرون عن الوسطية صعبا ،ثم مستحيال ،ضبط إيقاعها في اإلطار الوسطي الذي أريد اإلسالمية .وسنعود الحقا ملناقشة اتجاهات فكر هؤالء املثقفني لهذه املؤسسة أن تلتزم به .ولذلك وجد التطرف الديني طريقه إلى وعالقتهم مع جماعة اإلخوان. غير قليل من العاملني بها وليس فقط الدارسني فيها. -2رهان باحثني وسياسيني على إسالم سياسي معتدل ووسطي:
السياسات االشتراكية الناصرية ورغم أن السادات واصل استخدام مؤسسة األزهر بالطريقة نفسها، فقد عاد معه الرهان على اعتدال جماعة اإلخوان ووسطيتها مرة أخرى .فقد بدأ -اعتبارا من أواخر - 1971في اإلفراج عن املسجونني واملعتقلني من قادتها وأعضائها ،والسماح ملن لجأوا إلى الخارج بالعودة ،وأت��اح لهم حرية حركة تنامت تدريجيا حيث استأنفوا إصدار إحدى مطبوعاتهم (مجلة الدعوة) عام .1976صحيح أن الهدف األساسي للسادات كان االستفادة من دور اإلخوان في دعم عملية التحول عن السياسات االشتراكية الناصرية وإيجاد توازن مع القوى اليسارية (الناصرية واملاركسية) املؤيدة لهذه السياسات. غير أنه ما كان متصورا االعتماد على اإلخوان في مثل هذا السياق دون اقتناع بأنهم معتدلون ووسطيون .ول��وال ذل��ك ،ما لجأ نظام السادات إلى اإلخ��وان للمساعدة في مواجهة التطرف الديني حني أخذت ظاهرة العنف تتفاقم في أواخر السبعينات .فقد اعتمد على املرشد العام لإلخوان في ذلك الوقت عمر التلمساني وبعض قادتهم ف��ي محاولة لوقف تنامي جماعات العنف .وق��د أك��د ذل��ك النبوي إسماعيل ،الذي تولى منصب وزير الداخلية بني عامي 1977و1982 ضمن رواي�ت��ه العتقاالت سبتمبر (أي�ل��ول) ،1981حيث روى أنه اعترض على اعتقال التلمساني .وقال للسادات إنه «رجل معتدل كان يذهب للجامعات ويتحدث إلحباط تحركات نظمتها جماعات دينية متطرفة .وكان يتحدث ويفند آراءهم لدرجة أنه كان يتعرض
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
راه��ن غير قليل من الباحثني والسياسيني الليبراليني والقوميني واملستقلني سواء في مصر ،أو في بالد عربية أخرى ،على وجود إس�ل�ام س�ي��اس��ي م�ع�ت��دل ووس �ط��ي .وس��اه �م��وا ب��ذل��ك ف��ي إض�ف��اء االعتدال والوسطية على جماعة اإلخوان وجماعات وأحزاب إسالمية ّ سياسية أخ��رى ،وترسيخ النظرة اإليجابية إل��ى مثقفني وكتاب يعبرون فكريا ع��ن التوجهات السياسية العامة لهذه الجماعات واألحزاب باعتبارهم معبرين عن الوسطية اإلسالمية.
تحالف الوفد مع اإلخوان وكان هذا «االختراع» نتيجة الحاجة املاسة إلى وجود إسالم سياسي يمكن دمجه في بناء ديمقراطي كان هؤالء الباحثون والسياسيون يبشرون به ويتطلعون إليه .وقد دشنت قيادة حزب الوفد ذي التاريخ الليبرالي العريق هذا االتجاه الذي سعى إلى إيجاد إسالم سياسي ُمعتدل ،عبر اتفاقها مع قيادة جماعة اإلخوان على التعاون – الذي أطلق عليه التحالف – في انتخابات 1984البرملانية في مصر .وقام ذلك التعاون على أن تضم قوائم حزب الوفد االنتخابية عددا من املرشحني الذين ينتمون إلى جماعة اإلخوان .وكانت هذه هي املرة األول��ى التي يشارك فيها اإلخ��وان في انتخابات عامة ،حيث وجد ثمانية منهم الطريق إلى مجلس الشعب ضمن قوائم حزب الوفد. وفتح ذلك التعاون االنتخابي بني حزب ليبرالي وجماعة اإلخ��وان
العربية التي راهنت على وجود إسالم سياسي معتدل ووسطي، وكان بعضها «رائ��دا» في هذا املجال ،وأفكار باحثني وأكاديميني ميزوا بني االعتدال والتطرف وبلوروا أفكارا ساهمت في دعم االتجاه ُ إلى الرهان على تيارات إسالمية سياسية اعتبرت معتدلة ووسطية. -1رهان نظم الحكم على إسالم سياسي معتدل ووسطي:
السياسية الصادر في 16يناير (كانون الثاني) .1953 ولكن ه��ذا التقارب ال��ذي فرضته ال�ظ��روف السياسية سرعان ما ت��راج��ع وب ��دأت ع�ن��اص��ر ال�ت��وت��ر ال�ك��ام�ن��ة ب�ين ال�ط��رف�ين ف��ي الظهور تدريجيا إلى أن ب��دأت العالقة في التحول منذ فبراير 1954نحو الصدام الذي بلغ ذروته في أكتوبر من العام نفسه. غير أن هذه التجربة امل��رة لم تكن كافية إلح��داث قطيعة مع منهج الرهان على إسالم سياسي معتدل ،وال حتى على جماعة اإلخوان نفسها؛ حيث استقطب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عددا من ُ قادتها الذين فصلوا منها أو انشقوا عليها خالل فترة الصدام، واستعان بهم في سعيه إلى مواجهة هذه الجماعة بسالحها وهو استخدام الدين عبر سياسة استهدفت إثبات أن اإلسالم الرسمي أو إسالم الدولة هو الصحيح ،وأن اإلخوان منحرفون عن صحيح اإلسالم ،قبل أن يعود الرئيس الراحل أنور السادات للرهان عليهم مجددا في مطلع سبعينات القرن املاضي.
بدأت إرهاصات هذا الرهان في مصر منذ ثورة يوليو ،1952عبر تعاون قيادتها مع جماعة «اإلخوان» في اإلعداد لهذه الثورة ثم في تثبيت أركانها ،قبل أن يبدأ الصدام بني الطرفني بعد شهور على قيامها ويبلغ ذروته في أكتوبر (تشرين األول) .1954 ف�ف��ي ال�ف�ت��رة ب�ين 26ي��ول�ي��و (ت �م��وز) 1952ح�ين اجتمعت الهيئة التأسيسية (مجلس الشورى بعد ذلك) لجماعة «اإلخوان» وأصدرت بيانا عبر عن فرحتها (لنجاح الحركة املباركة لضباط الجيش)، و 26أكتوبر 1954عندما أطلق محمود عبد اللطيف عضو الجماعة ثماني رصاصات لم يصب أي منها جمال عبد الناصر خالل إلقائه خطابا في ميدان املنشية باإلسكندرية ،جرت في نهر العالقة بني ُ وي�ع��د أحمد حسن ال�ب��اق��وري ،ال��ذي فصله مكتب إرش��اد جماعة سلطة الثورة واإلخوان مياه كثيرة. اإلخوان ،ودكتور عبد العزيز كامل والبهي الخولي هم أبرز قادة هذه تعامل مجلس قيادة الثورة ،ومن قبله قيادة تنظيم الضباط األحرار ،الجماعة الذين نقلوا والءهم منها إلى عبد الناصر والدولة الوطنية. مع الجماعة باعتبارها أب��رز القوى الوطنية التي يمكن االعتماد وكانت بدايات منهج عبد الناصر في مواجهة جماعة اإلخوان بسالح عليها بما ينطوي عليه ذلك من اعتقاد في أنها ليست متطرفة ،على الدين ال��ذي تستخدمه ،أو محاولته تجريدها من هذا السالح ،قد األقل إلى الحد الذي يثير القلق .ورغم أن قادة الثورة فوجئوا عقب ظهرت للمرة األولى عندما بدأت مقدمات الصدام معها في فبراير نجاحها بطلب املرشد العام للجماعة حينئذ حسن الهضيبي عرض (شباط) 1954حيث اصطحب معه الباقوري في زي��ارة إلى قبر القرارات التي يتخذونها على مكتب إرشاد هذه الجماعة للنظر فيها مؤسسها حسن البنا في ذكرى اغتياله الخامسة ،وألقى كلمة أكد قبل إصدارها ،واصلوا التعاون معها رغم رفضهم هذا الطلب .فقد فيها إيمانه بمنهج اإلسالم في مختلف مناحي الحياة وأثنى فيها كانوا في حاجة إلى قاعدة يرتكزون عليها إلى أن ّ يثبت العهد الجديد على املرشد األول وأعماله. ركائزه .ولذلك وجهوا إليها رسائل إيجابية بدءا باستبعاد ضباط البوليس السري األكثر عداء لها وإعادة التحقيق في قضية مقتل وفي ظل الصدام مع اإلخوان ،اتجه عبد الناصر إلى مؤسسة األزهر زعيمها حسن البنا واستثنائها من قرار حل األحزاب والجماعات لتطويرها من أج��ل أداء دور أراده لها كمؤسسة إسالمية كبرى
محمد عمارة يتسلم درع تكريم من القرضاوي باعتباره احد رموز الوسطية والتجديد في االحتفاء الذي نظمه مركز اإلعالم العربي بنقابة الصحفيني املصريني بحضور قيادات جماعة اإلخوان وعلى رأسهم املرشد العام محمد بديع ونائبه محمود عزت إضافة إلى صالح عبد املقصود وزير االعالم في حكومة مرسي والقيادي عصام العريان واملستشار طارق البشري والكاتب فهمي هويدي (نوفمبر )2010
,,
اقترن مفهوم االعتدال أو شعاره على هذا النحو بفكرة الوسطية اإلسالمية التي أعيد إنتاجها من دون بلورتها وتحديد مضمونها
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
31
قضايا
ُ كانت الحاجة وستظل ،أم االختراع .فكم من اختراعات ظهرت أو اخترعت نتيجة وجود حاجة ماسة إليها. وينطبق ذلك على ما هو مفيد ،وما هو ضار ،في هذه االختراعات .واملقصود باالختراع هنا معنى أوسع بكثير من الكشف العلمي أو االبتكار التكنولوجي .فهو يشمل األفكار بأنواعها كافة ومجاالتها جميعا. ومن هذه األفكار فكرة االعتدال التي ظهرت مع صعود تيارات اإلسالم السياسي منذ أواخر سبعينات القرن املاضي ،ومفهوم الوسطية الذي توسع استخدامه في هذا السياق وبات مقترنا باملثقفني والكتاب الذين يعبرون فكريا عن التوجه السياسي العام لهذه التيارات.
التباس مفهوم الوسطية في أطروحات اإلسالم السياسي ..وفشل الرهان على «اإلخوان»
زيف االعتدال
بقلم: د .وحيد عبد املجيد
,,
الوسطية من منظور وطني حضاري تعني عند املؤسسني أن الدولة لن تنهض إال بالعدل والحرية معا وليس بأحدهما دون األخرى
,,
30
الحاجة إلى هاتني الفكرتني -الوسطية واالعتدال -قوية لدى تيارات اإلس�لام السياسي التي اقتضت مصلحتها أن تقدم نفسها في صورة مفادها أنها تجنح إلى العمل السلمي املعتمد على الدعوة واإلقناع واملنبت الصلة بالعنف واإلكراه وتسعى إلى الحوار والشراكة مع غيرها من التيارات وتنأى بنفسها عن الغلو واملغاالة وتنفر من الجموح واملغالبة. ورغ��م أن ه��ذه التيارات لم تطرح ما يمكن اعتباره نهجا واضحا يمثل قطيعة معرفية مع من يرفعون ل��واء «الجهاد» في مواجهة املسلمني وشركاء الوطن ويلجأون إلى العنف ويمارسون اإلرهاب، فقد حرصت على تمييز نفسها عنهم باعتبارها ممثلة لالعتدال في مواجهة تطرف من يحملون السالح .ولكن مفهوم االعتدال الذي أصبح مقترنا بتيارات اإلسالم السياسي وحركاته ،وأهمها جماعة «اإلخ��وان» املنتشرة حول العالم ،ظل أقرب إلى شعار عام منه إلى فكرة تقوم على رؤية واضحة ملحدداته وأسسه ومنهجه والخط الذي يفصله معرفيا وفكريا وسياسيا عن العنف الذي لم يخل تاريخ هذه التيارات وخاصة جماعة اإلخوان منه.
فكرة الوسطية
املخاوف التي ظلت تعترض طريق التطور الديمقراطي في عدد من الدول العربية ،وهو وصول حركات إسالمية سياسية إلى السلطة عبر هذا الطريق ثم غلقه بضبة ومفتاح .ولذلك كان الجدل حول م��ا إذا كانت مرجعيات ت��ي��ارات اإلس�ل�ام السياسي التي ُوصفت باالعتدال وبنياتها التنظيمية املغلقة تسمح بأن تصبح جزءا من عملية ديمقراطية مفتوحة يحدث فيها ت��داول على السلطة عبر االنتخابات إحدى أهم القضايا التي شغلت الحيز العام في عديد من البالد العربية منذ أوائل ثمانينات القرن املاضي. وكانت مواجهة إرهاب الحركات اإلسالمية التي رفعت لواء «الجهاد» ولجأت إلى العنف سببا ثانيا للحاجة إلى تيارات إسالمية سياسية معتدلة اعتقادا في أن وجود أصوات معتدلة في هذا السياق يساهم في إضعاف نزعات التطرف التي تنتج عنفا وإرهابا ،تأسيسا على املنطق البسيط الذي يقضي بأنه إذا زادت مساحة فكرة ما تناقصت بالتالي مساحة نقيضتها .وملا كان االعتدال والتطرف نقيضني، بدا أن ازدياد حضور أحدهما ال بد أن يكون على حساب اآلخر. وك��ان لدى بعض نظم الحكم العربية مثل هذه الحاجة إلى وجود تيارات إسالمية معتدلة ذات توجهات وسطية اعتقادا في أنه يساهم في محاصرة التطرف والحد من العنف واإلرهاب. ولذلك فاالفتراض الذي تنطلق منه الرؤية التي نقدمها هنا ملسألة االعتدال والوسطية في اإلس�لام السياسي هو أن وجودهما كان ح��اج��ة موضوعية دف��ع��ت إل��ى التعجل ف��ي اعتبارهما موجودين بالفعل استنادا على خطاب سياسي شديد العمومية تبنته التيارات التي اعتبرت معتدلة ووسطية ولم يتضمن ما يتيح التثبت من جديته أو التيقن من االلتزام به .وسنعود في مناقشة هذا االفتراض إلى ما يكون اعتباره منطق من راهنوا على هذا الخطاب ،وخاصة من الباحثني واألكاديميني الذين بلوروا ما اتجهت قطاعات من التيارات الليبرالية والقومية العربية واليسارية إلى العمل على أساسه في هذا املجال. وننتقل في الشق الثاني من هذه الرؤية إلى مناقشة الغموض الذي انتاب فكرة الوسطية في أطروحات اإلسالم السياسي املوصوف باالعتدال وااللتباس الذي أحاط بها ،وما زال.
واقترن مفهوم االعتدال ،أو شعاره ،على هذا النحو بفكرة الوسطية اإلسالمية التي أعيد إنتاجها من دون بلورتها وتحديد مضمونها أو حتى معناها في العصر الراهن .ولذلك ظلت فكرة الوسطية ،مثلها بمجموعة من مثل االعتدال ،أقرب إلى شعار عام رغم أنها اقترنت ُ ّ املثقفني والكتاب اإلسالميني الذين قدموا أنفسهم حينا ،وقدموا حينا آخر ،باعتبارهم ممثلني لها مثل دكتور يوسف القرضاوي ودكتور محمد سليم العوا ودكتور محمد عمارة واملستشار طارق البشري واألستاذ فهمي هويدي وغيرهم. غير أن م��ا ينبغي االنتباه إليه ه��و أن الحاجة إل��ى وج��ود تيارات معتدلة في ساحة اإلسالم السياسي وأفكار إسالمية وسطية لم تكن مقصورة فقط على التيارات التي ُوصفت باالعتدال واملثقفني ُ الذين اعتبروا وسطيني .كانت الحاجة إلى إسالم سياسي معتدل ووسطى قائمة أيضا لدى قطاع من الباحثني واألكاديميني ،وأجنحة في التيارات األخرى الليبرالية والقومية العربية واليسارية اعتقادا أوال :منطق الرهان على إسالم سياسي معتدل ووسطي: ف��ي أن وج���وده يساعد ف��ي إزال���ة أو على األق���ل تخفيف أح��د أهم ينبغي التمييز في بحثنا عن هذا املنطق بني توجهات نظم الحكم
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
إيراني أميركي عمدة لبيفرلي هيلز في عام 2007ثم أعيد انتخابه في .2010 كما تمكن اإليرانيون من ولوج عالم السياسة األميركية أيضا ،وكان من أبرزهم سيروس أمير مكري ،السكرتير املساعد بوزارة الخزانة األميركية. أظهرت دراسة أجراها موقع «إدارة األعمال الصغيرة »SBAفي عام 2008أن املهاجرين اإليرانيني ضمن أعلى 15جماعة مهاجرة من حيث عدد املشروعات التي يمتلكونها ،حيث أشارت الدراسة إلى أن املهاجرين اإليرانيني بينهم نحو 33.570من أصحاب املشروعات اإليرانيني الفاعلني ،وهو ما يعني أن اإليرانيني األميركيني يتمتعون بنحو 21.5في املائة من معدل ملكية املشروعات .ووفقالهذه الدراسة ،يعادل صافي إجمالي دخل املشروعات التي يقدمها اإليرانيون األميركيون نحو 2.560بليون دوالر. وكان ستيوارت كريمي ،املعروف باسم بيغان ،والذي لديه متجر خاص في بيفرلي هيلز يوصف بأنه أكثر املتاجر ارتفاعا في األسعار على مستوى العالم ،من رجال األعمال الرواد والناجحني بها .ويلعب التعليم دورا محوريا في اإلسهامات املالية في الدولة املضيفة .فبينما تشير اإلحصاءات القومية إلى أن أقل من 30في املائة من األميركيني يحملون درجة البكالوريوس ،فإنها تؤكد أن أكثر من 51في املائة من املهاجرين اإليرانيني يحملون درجة البكالوريوس أو أعلى منها حيث يحمل أكثر من ربعهم درجة املاجستير أو الدكتوراه. جدير بالذكر أن هناك ص��ورة نمطية شائعة ع��ن اإلي��ران�ي�ين تؤكد أن اآلب��اء اإليرانيني يدفعون أبناءهم ،خاصة إذا ما كانت لديهم القدرة على املذاكرة ،لكي يصبحوا مهندسني وأطباء ومحامني ،وأخذا في االعتبار تخرج نحو 5000 إيراني من الكليات الطبية بالواليات املتحدة ،يبدو أن هذه الصورة النمطية صحيحة إلى حد كبير. وتفيد التقارير بأن فانيسا برادفورد كيري ،االبنة الصغرى لجون كيري من زوجته األولى ،قد تزوجت من طبيب إيراني أميركي .وعلى الرغم من أن صورة جون كيري وهو يجلس على طاولة الطعام املزينة بزينات فارسية احتفاال بالسنة اإليرانية الجديدة ربما تصبح صورة سارة للعديد من اإليرانيني داخل كوميديني يسخرون من السياسة األميركية واإليرانية على حد سواء وليس الواليات املتحدة أو في إيران ،فإنها تثير بعض االنتقادات والشكوك حول موقف لديهم مثل تلك األجندات السياسية. كيري من القضية اإليرانية وكذلك القضية السورية. وم��ن بني أشهر العلماء علي ج��وان ،ال��ذي ش��ارك في اختراع أول ض��وء ليزر التيارات الدينية والسياسية مستمر بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام .1960
املطربون واملمثلون أم املقاتلون السياسيون؟ تتضمن ل��وس أنجليس أعلى تركز للجالية الفارسية األميركية بالواليات املتحدة .فبعد الثورة اإليرانية ،تحولت لوس أنجليس إلى مركز جذب للعدد األكبر من املطربني والفنانني الذين هربوا من بالدهم للنجاة بحياتهم. وقد عملت الجالية اإليرانية في لوس أنجليس ،سواء عمدا أم ال ،كواحدة من أقوى حركات املعارضة الثقافية لنظام الخميني .وانتشرت أعمالهم الفنية ،التي كانت تحظرها الدولة اإلسالمية ،على مستوى واسع وعرضت سرا سواء بمنازل اإليرانيني أو حفالتهم أو مناسباتهم .وسرعان ما بدأ العديد من املطربني غناء األغنيات السياسية التي ع��ادة ما كانت تنتقد القمع ال��ذي تمارسه الحكومة الجديدة ضد النخب والحريات. وقد دافع العديد من املطربني ،دون االنتماء إلى أية أحزاب سياسية ،عن اإليرانيني املقموعني .وحتى ف��ي أغانيهم امل��رح��ة وغير السياسية ،ك��ان��وا يعربون عن معارضتهم للتقاليد اإلسالمية الصارمة التي فرضتها الجمهورية اإلسالمية. وك��ان التأثير السياسي -الثقافي ملطربي ل��وس أنجليس قويا للغاية حتى أن الدولة اإلسالمية دعمت ظهور مطربني مشابهني لهؤالء املطربني ورفعت رسميا الحظر على مطربي «البوب» الفرس في منتصف التسعينات خوفا من تعرضها «لهجوم ثقافي». وقد تعرض املمثل الكوميدي واملعارض ،راف��ي خاشاتوريان ،ال��ذي ع��ادة ما كان يلعب دور الخميني في األف�لام الدرامية ،للمطاردة والضرب في تقاطع ويستوود في عام 1986مما أسفر عن تعرض عينه اليسرى للضرر الدائم. على أية حال ،ال يتبنى جميع املطربني اإليرانيني وجهات نظر سياسية؛ فهناك م��از ج�ب��ران��ي ،وم��اك��س أميني ،وط�ه��ران س��وب��ارف��از ال��ذي��ن يعملون كممثلني
سعى العديد من السجناء السياسيني اإليرانيني في الفترة من التسعينات وحتى األلفينات إلى اللجوء إلى الواليات املتحدة .وكذلك يقيم أق��ارب الشاه واملتصلون به ،بما في ذلك اإلمبراطورة السابقة فرح بهلوي ،واألميرة أشرف بهلوي أخت الشاه ،ووزير خارجية الشاه أردشير زاهدي ،حاليا في الواليات املتحدة .ومن أبرز اإلصالحيني الذين هاجروا إلى الواليات املتحدة كان سيد حسني موسوي ،الرئيس السابق لفريق املفاوضني النوويني اإليرانيني الذي ه��اج��ر إل��ى ال��والي��ات امل�ت�ح��دة وي�ع�م��ل ح��ال�ي��ا كمحاضر بجامعة برنستون، بنيوجيرسي .وعادة ما يكتب املقاالت في الصحف األميركية مثل «واشنطن بوست» فيما يتعلق بامللف النووي اإليراني .وكانت واشنطن هي مأوى أولى حركات املعارضة لنظام الخميني وهي «مؤسسة الحرية اإليرانية» التي أسسها علي أكبر طباطبائي ،امللحق اإلعالمي السابق بالسفارة اإليرانية .وبعد كشفه عن عدد من العالقات السرية مثل إحياء جهاز السافاك بنفس بنيته الهيكلية تحت إشراف النظام اإلسالمي الجديد ،قتل الطباطبائي رميا بالرصاص في منزله بماريالند في يوليو (تموز) .1980ووقعت عملية اغتياله قبل عدة أيام من مظاهرة مزمعة ملعارضة الخميني .جدير بالذكر أن معظم اإليرانيني األميركيني ال يؤمنون بدين محدد ،حيث إنهم إما متشككون أو ملحدون .ووفقا الستطالع رأي أجراه زغبي -تحالف الشؤون العاملة لإليرانيني األميركيني ،ما زال نحو 30في املائة من اإليرانيني يمارسون شعائر الشريعة اإلسالمية ،فيما يأتي نحو 21في املائة منهم من خلفيات بهائية ،أو آشورية ،أو أرمينية ،أو يهودية. وتنتمي نسبة كبيرة من اإليرانيني األميركيني في بيفرلي هيلز إلى اليهود الفرس الذين هاجروا في أعقاب الثورة ،وج��اءوا إلى الواليات املتحدة ضمن أقوى موجات الهجرة التي تشهدها البالد على اإلطالق <
شارك جون كيري احتفاالت الجالية االيرانية في واشنطن بعيد «النوروز» ويستمع الى شرح عضو مجلس الجالية االيرانية حول تقاليد االحتفال باملناسبة 20 -مارس 2014
,,
وفقا لبيانات التعداد األميركي التقديرية في عام 2009هناك ما يقدر بنحو مليون إيراني- أميركي يعيشون في الواليات املتحدة
,,
* باحث وكاتب ايراني مقيم في لوس انجلس
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
29
قصة الغالف
يعج تاريخ تبني الجماعات والجاليات املهاجرة للثقافة األميركية ونظامها االجتماعي باالضطرابات ،إذ كان املزيج من بعض العناصر الطبيعية مثل توقيت الهجرة والتعليم واملرحلة السنية والوضع االقتصادي بل وحتى نوع الهجرة سواء كانت قسرية أم تطوعية يمكنه أن يصنع فارقا هائال في تلقي الدولة املضيفة لتلك الجماعة ونتائج الهجرة بالنسبة لألقلية املهاجرة.
تطلق الجالية اإليرانية في أميركا على نفسها اسم «الفرس» لحماية نفسها ضد التوترات
اإليرانيون األمريكيون بقلم: بابك فروغي *
,,
تفيد التقارير بأن فانيسا برادفورد كيري االبنة الصغرى لجون كيري من زوجته األولى قد تزوجت من طبيب إيراني أميركي
,,
فانيسا برادفورد كيري
28
على الرغم من أن أميركا كانت تشتهر دائما بالزيادة السريعة لعدد املهاجرين إليها ،حيث إن واح��دا من بني كل خمسة أميركيني من املهاجرين ،فمن الواضح أن العالقات السياسية السلبية بني إيران والواليات املتحدة أسفرت عن الكثير من الصعوبات بالنسبة للجاليات اإليرانية في ال��والي��ات املتحدة .وم��ع ذل��ك ،فقد استخدمت الجالية اإليرانية التي تطلق على نفسها اس��م «ال�ف��رس» انتماءها العرقي كوسيلة لحماية نفسها ضد تلك التوترات. كان اإليرانيون من بني املهاجرين الذين هاجروا إلى الواليات املتحدة ،حيث بدأت موجات هجرتهم في الستينات من القرن املاضي عندما كانت العالقات اإليرانية األميركية قوية ،ثم تزايدت موجات الهجرة في أعقاب ثورة 1979اإليرانية. وكما مثلت ث��ورة 1979نهاية عصر الشاه ،فإنها كانت بداية ملوجة واسعة من الهجرة من إيران وكان أنصار الشاه وأفراد الجيش السابقني والنشطاء السياسيني ضمن املجموعة األولى من اإليرانيني الذين لم يشعروا باألمان في وطنهم األم وهاجروا للنجاة بحياتهم .كما اختار البهائيون أيضا الهجرة من إيران ألن الحكومة الحاكمة الجديدة والتي مأسست القيم اإلسالمية ،وجدت أن دينهم ينافي العقائد اإلسالمية .كما اختار األشخاص الذين لم يؤيدوا الجمهورية اإلسالمية وآيديولوجيا آية الله الخميني الهجرة حتى وإن كانوا ال يمارسون النشاط السياسي.
تداعيات أزمة الرهائن ولكن األمل الذي كان يعقده اإليرانيون على البدء من جديد في الواليات املتحدة ل��م ي��دم ط��وي�لا ،وذل��ك حيث هاجم مجموعة م��ن ال�ط�لاب اإلي��ران�ي�ين املسلحني السفارة األميركية في طهران وأخذوا نحو 52من الدبلوماسيني األميركيني واملواطنني كرهائن في نوفمبر (تشرين الثاني) .1979وأدت أزم��ة الرهائن التي امتدت لنحو 444يوما إلى نشأة سلوك عدائي ضد اإليرانيني ،كما زادت التقارير اإلعالمية املنحازة األوض��اع س��وءا مع ع��رض بعض اإليرانيني إلى التمييز ملجرد كونهم قادمني من إيران ،حتى اضطر بعضهم إلى تغيير اسمه ألسباب اجتماعية ،فغير البعض اسمه من علي إلى أالن ومن فريد إلى فرد ومن باتول إلى بيتي ،ومن كونه إيرانيا إلى كونه إيطاليا أو إسبانيا على أمل التماهي والتكامل مع ثقافة الدولة املضيفة. وعلى الرغم من عدم انتهاء حالة عدم الثقة املتبادلة بني الحكومتني منذ ذلك الوقت ،تمكنت الدولتان من أن تبقي املشكالت على الصعيد الحكومي .ولكن ذلك ال يعني أن التغيرات االجتماعية السياسية لم تمثل أية ف��ارق في حياة املهاجرين .فبعدما جاء اإلصالحي السابق محمد خاتمي إلى السلطة في عام ،1997بدأ زي��ارة البلدان األخ��رى وعقد اجتماعات مع القادة األوروبيني والجمعية العامة لألمم املتحدة .وك��ان أول رئيس إيراني يفتح ح��دود البالد أمام الزعماء األجانب ويتحدث عن «الحوار» بدال من «الحوار أحادي الجانب» في أعقاب .1979
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
كما أعادت األخبار املتعلقة بشيرين عبادي ،حائزة جائزة نوبل للسالم في ،2003إيران تحت أنظار وسائل اإلعالم مرة أخرى ،خاصة وأن شيرين عبادي كانت دائما ما تقدم نفسها كامرأة مسلمة ساعدت العديد من الناس على االحتفاء بدينهم بغض النظر عن جنسيتهم. حدثت موجتان من الهجرة من إيران إلى الواليات املتحدة قبل وبعد ثورة ،1979 حيث بدأت املوجة األولى في أواسط الخمسينات وبداية الستينات من القرن املاضي وتضمنت طالب الجامعة واألسر الثرية التي كانت تبحث عن فرصة أفضل في الواليات املتحدة. وكانت إيران تشهد نموا سريعا في تلك الفترة نظرا إلى اقتصادها الذي يعتمد على البترول والتصنيع الذي هيمن على البالد .وفي ذلك الوقت كان الطالب اإليرانيون يسافرون إل��ى ال��والي��ات املتحدة إم��ا عن طريق املنح التي تقدمها الحكومة في ذلك الوقت أو على نفقتهم الخاصة .وكانت العائالت املوسرة في تلك الفترة تتمتع بصالت وثيقة بأسرة الشاه محمد رضا .ويقدر عدد السكان الذين غادروا البالد في تلك املرحلة األولى بنحو 34ألف نسمة. ومنذ ثورة ،1979وبالتحديد قبل عام من وصول الثورة إلى ذروتها وحتى وقتنا ال��راه��ن ،ك��ان��ت ه�ن��اك م��وج��ة ثانية م��ن ال�ه�ج��رة ،حيث شكل الالجئون السياسيون وطالبو اللجوء واألشخاص الذين اختاروا النفي الذاتي في ظل االضطرابات التي وقعت في إيران في الثمانينات ،املوجة الثانية من الهجرة. باإلضافة إلى الشباب الذين كانوا يرغبون في الفرار من الخدمة العسكرية والحرب اإليرانية -العراقية والنساء الشابات والعائالت التي سافرت ألغراض تعليمية وسياسية.
سكان الجالية اإليرانية في الواليات املتحدة أظهر تعداد السكان الذي أجري في عام 2010والذي لم يكن يتمحور حول ال�ع��رق ولكنه ك��ان يسأل ع��ن األص ��ول ،أن ع��دد م��ن يصفون أنفسهم بأنهم إيرانيون في الواليات املتحدة األميركية يقدر بنحو 450ألف نسمة. وتشير تقديرات «مجموعة الدراسات اإليرانية» ،وهي منظمة أكاديمية مستقلة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأن عدد اإليرانيني األميركيني تجاوز 691ألف نسمة في – 2004وهو أكثر من ضعف العدد 338ألف نسمة املذكور في تعداد الواليات املتحدة لعام .2000 ووفقا لبيانات التعداد األميركي التقديرية واملسح املستقل الذي قام به إيرانيون أميركيون في ع��ام ،2009هناك ما يقدر بنحو مليون إي��ران��ي – أميركييعيشون في الواليات املتحدة .ويتمركز نحو 520ألفا منهم حول لوس أنجليس وهو ما دفع املواطنني اإليرانيني األميركيني باملنطقة في بعض األحيان إلى اإلشارة إلى لوس أنجليس كـ«طهران أنجليس» أو «إيران أنجليس». كما تستضيف بيفرلي هيلز وإرف��اي��ن أكبر الجاليات اإلي��ران�ي��ة األميركية. ويفسر وجود أعداد كبيرة من اإليرانيني بها كيف تمكن اإليرانيون األميركيون من التعايش في بيفرلي هيلز حتى أصبح جيمي «جامشيد» ديلشاد وهو
روحاني
رهائن أميركيني .في ذلك الوقت وضع تصرف ظريف حكومة أوباما في موقف حرج ،نظرا ألنه حدث بينما كان الرئيس األميركي يعمل جاهدا على إقناع الكونغرس املتشكك بأن ظريف والرئيس اإليراني حسن روح��ان��ي يمثالن إي��ران املعتدلة الحريصة على فتح صفحة جديدة مع الواليات املتحدة. لذلك شعر البيت األبيض بالحاجة إلى إصدار بيان إدانة .ولكن أبرز البيان ال�ف��ارق ب�ين إي��ران ومغنية ،متغافال ع��ن حقيقة أن الهجمات اإلرهابية التي ارتكبها كانت تحت وصاية إيران .وكان تفجير ثكنات املارينز ،الذي نظمه مغنية ،بالتنسيق مع زميل ظريف ،وزير الدفاع حسني دهقان ،ال��ذي كان قائدا لقوات الحرس الجمهوري في لبنان في تلك الفترة. عندما وضع ظريف إكليل الزهور على قبر مغنية ،كان يشير إلى استمرارية هيكل السلطة في إيران وإجماع النظام على سياساتها اإلقليمية .وكما قال سميث« :يعد التطرف الذي تدعمه إيران مؤشرا على ق��وة وتماسك النظام الحاكم ال��ذي يستخدم اإلره ��اب لتحقيق مصالحه» .في املقابل ،يأتي التطرف السني إما تعبيرا عن ضعف الدول ذات األغلبية السنية أو معارضة لحكوماتها والسعي إلى اإلطاحة بها .وهذا تحديدا هو سبب عمل إيران املنتظم مع الجماعات املتطرفة السنية .وكانت وزارة الخزانة األميركية قد كشفت مؤخرا عن أن بعضا من هذه الجماعات اإلرهابية التي تعمل في سوريا تحصل في الحقيقة على تمويل من شبكة مقرها في إيران. ولكن يحتاج أوباما إلى تقديم دليل على خرافة االعتدال اإليراني نظرا ألن��ه جعل الوصول إل��ى اتفاق مع طهران خطة رئيسة في سياسته الخارجية .وهكذا سوف يتغاضى عن أي شيء تقوله إيران أو تفعله للتأكيد على أن سياساته لم تخرج عما هو مخطط لها .أحدث مثال على ذلك ما وقع في مارس (آذار) املاضي عندما صادرت إسرائيل سفينة كلوس سي ،التي كانت تحمل شحنة أسلحة إلى عمالء إيران
أوباما
في غزة .سعت إسرائيل إلى اإلشارة إلى هذه الخطوة اإليرانية لتذكرة واشنطن بطبيعة ط�ه��ران الحقيقية .ولكن ك��ل م��ا وج��دت��ه ك��ان عدم االهتمام من البيت األبيض .وعلى أي حال ،تندرج هذه األفعال تحت ما يعتبره أوباما «تصرفا سيئا يمكن السيطرة عليه». إذا لم تشعر اإلدارة األميركية الحالية بالضيق جراء هذا «التصرف السيئ» ،فالسبب هو أن أوباما قصر املسألة على امتالك إيران للسالح ال �ن��ووي .وتكشف تصريحاته إل��ى «بلومبيرغ» ع��ن ه��ذا األم��ر« :إذا كنا نستطيع أن نضمن عدم امتالكهم للسالح النووي ،فعلى األقل سيمنعهم ذل��ك من مضايقة دول ال�ج��وار» .ولكن ه��ذا مضلل .تقوم إيران بـ«مضايقات» تجاه جيرانها ،يمكن القول إنها تخريبية عنيفة، منذ عقود ،قبل أن تندفع نحو الحصول على سالح نووي .وهذه على وجه التحديد هي مهمة فيلق القدس. ولكن بدال من مواجهة مخالب فيلق القدس في املنطقة ،في حاالت محددة ،أقام أوباما شراكة فعالة مع عمالئه «املتطرفني» .على سبيل امل�ث��ال ف��ي لبنان ،تشاركت ال��والي��ات املتحدة ب�ص��ورة غير مباشرة معلومات استخباراتية مع حزب الله من خالل أصدقاء الجماعة في إدارة االستخبارات ف��ي الجيش اللبناني ،وال�ت��ي تعمل ع��ن ق��رب مع امليليشيا الشيعية .تقدم ه��ذه الحالة مثاال على كيف وض��ع البيت األب�ي��ض تهديد التطرف السني ف��ي األول��وي��ة ،وت�ح��ول إل��ى العمل مع متطرفي إيران ،بل واعتبارهم قوات استقرار. على الرغم من أن أوباما يدعي معارضة املتطرفني من كال الجانبني، فإن رؤيته للتطرف السني تختلف كثيرا عن رؤيته للتطرف اإليراني. يعتبر أوباما الثاني ذا فكر «إستراتيجي» وعقالني ،ليبرر سياسته في التقارب مع طهران .ونتيجة لذلك ،أصبح معتدلو إيران املفترضون باإلضافة إلى متطرفيها رابحني في الحالتني < * كاتب وباحث لبناني ،متخصص في شؤون الشرق األوسط مقيم في نيويورك وزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ( ) FDD
,,
لي سمبث: يعد التطرف الذي تدعمه إيران مؤشرا على قوة وتماسك النظام الحاكم الذي يستخدم اإلرهاب لتحقيق مصالحه
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
27
قصة الغالف
في لقاءات أجريت معه على مدار العام املاضي ،كشف الرئيس أوباما شيئا فشيئا عن رؤيته تجاه الشرق األوسط ،ورؤيته لعالقات أميركا في املنطقة ،ال سيما فيما يتعلق بالسياسة التي تحمل توقيعه :التقارب مع إيران.
واشنطن وطهران ..تحالفات قائمة وخصومة عنيدة
احملصلة صفر !
بقلم: طوني بدران *
,,
أوباما :يمكن التقارب مع حكام إيران الثوريني وتقديم الحوافز لهم ليتعاونوا مع املجتمع الدولي «حتى وإن استغرق ذلك 15أو 20 عاما»
,,
26
في سبيل استيعاب رؤية أوباما لألطراف في الشرق األوسط ،ألميركا بالتعاون والتعامل مع دول مثل إي��ران .في املقابل ،يتسم يجب أن ندرك أوال أنها ال تستند إلى تصنيفات ُمعرفة جيدا .السلوك املتطرف اإليراني بالعقالنية والتخطيط اإلستراتيجي ،ولذلك في تصور أوباما ،ال يوجد وضع راهن تسيطر عليه الواليات ال يعد مشكلة مستعصية. املتحدة ،ويقف فيه املعسكر املوالي ألميركا في املعارضة أمام معسكر متنافس رجعي يسعى إلى عرقلة النظام األميركي وأخيرا ليحل محله .يقول لي سميث الخبير في شؤون الشرق األوسط إن «السبب في ذلك باإلضافة إلى االتحاد السوفياتي وحلفائه أثناء الحرب الباردة ،منذ هو أن إيران دولة ذات سيادة وحدود ومؤسسات وطنية مثل الجيش ثورة عام ،1979كانت إيران ،وما زالت ،وسوف تستمر دولة رجعية واالستخبارات وتملك موارد طاقة هائلة تشكل تهديدا إستراتيجيا». تقف ضد النظام الذي تقوده أميركا .ولكن انتهى اعتقاد أوباما بهذا ف��ي ال��واق��ع ،ال ي��وج��د ف��ي أي م�ك��ان ف��ي ال ��دول العربية السنية كيان ُ النموذج .بعيدا عن رفضه املتكرر لعقلية «املحصلة صفر» التي سادت يشبه فيلق القدس .تشكل هذه القوات ،الخاضعة لقيادة ثاني أكثر في فترة الحرب الباردة ،أوضح الرئيس األميركي هذه النقطة في حوار املسؤولني نفوذا في إيران ،كيانا رسميا تابعا للدولة مكلفا بتأسيس أجرته معه مؤخرا وكالة «بلومبيرغ». ودعم الجماعات العسكرية واإلرهابية في الخارج وهدفه الصريح هو ص��رح أوب��ام��ا ق��ائ�لا« :أعتقد أن��ه ك��ان هناك ارت�ي��اح ف��ي ظ��ل استقرار ممارسة نفوذ مباشر في الدول األخرى. الواليات املتحدة مع نظام قائم وتحالفات قائمة وخصومة عنيدة مع إي��ران» .ولكن انتهى ذلك في الوقت الحالي ،حيث أض��اف« :ما أقوله لشركائنا في املنطقة هو أننا يجب أن نستجيب ونتأقلم على التغيير» .نفوذ إيران اإلقليمي
بني التطرف السني والشيعي
ولكن أوباما ال ينظر إلى األمر بهذه الطريقة ،وال يبدو أنه يشعر بالقلق البالغ من توسع نفوذ إي��ران اإلقليمي .ولكن ،كما ق��ال ،إذا ك��ان من املمكن منع إيران من الحصول على سالح نووي ،سيكون «من املمكن السيطرة على أي تصرف سيئ آخر يحدث من جانبها» .وهكذا في حني تجب محاربة املتطرفني من السنة ،يمكن التقارب مع حكام إيران الثوريني وتقديم الحوافز لهم ليتعاونوا مع املجتمع الدولي« ،حتى وإن استغرق ذلك 15أو 20عاما» ،على حد قول أوباما.
ولكن بدال من ذلك يبدو أن إدارة أوباما تتعامل مع املنطقة بتصنيف مختلف .يستند منهج اإلدارة ،أوال وق�ب��ل ك��ل ش��يء ،إل��ى التظاهر بتساوي املسافات تجاه املجموعات التقليدية من األصدقاء واألعداء. أوضح أوباما في لقاء مع برنامج «تشارلي روز» في يونيو (حزيران) امل��اض��ي ،مشيرا إل��ى سياساته ف��ي قضية س��وري��ا ،ق��ائ�لا« :نحن ال نقف مع أي طرف في حرب دينية بني الشيعة والسنة» .يعني ذلك أن وهكذا يالقي كل من «املعتدلني» املفترضني و«املتطرفني» في إيران الخط الفاصل الرئيس بالنسبة ألوباما ال يتعلق باألصدقاء واألعداء معاملة تفضيليةُ . ويعد «املعتدلون» ،من وجهة نظر أوب��ام��ا ،دليال على أن اإليرانيني «ق��ادرون على التغيير» .ويدفع أوباما بأن االتفاق التقليديني ،بل بالتصنيفات املبهمة لـ«املتطرفني» و«املعتدلني». ال��ذي يتفاوض بشأنه البيت األبيض مع اإليرانيني سوف يعزز قوة ولكن حتى داخل هذا اإلطار ،ال يصمد مبدأ أوباما املفترض بتساوي «تلك التيارات واألصوات داخل إيران» .ولكن في الوقت ذاته ،يعارض املسافات .في الواقع ،أعلن البيت األبيض أن الجماعات السنية املتطرفة أوباما الضغط على إيران أو تبني موقف املواجهة معها ،ألن من يقال هي املشكلة الحقيقية والتهديد الرئيس أمام الواليات املتحدة .فأصبحت عنهم «معتدلني» في طهران سيكون عليهم «االستجابة للمتشددين السياسة األميركية تواجه ظاهرة املتطرفني السنة بمحاربتهم ماليا بينهم» ،وهم أصحاب السلطة .بمعنى أن إيران مستفيدة في الحالتني. وعسكريا .وفي املقابل ،عندما يتعلق األمر بإيران ،يجد «املتطرفون» في الحقيقة ،يستطيع «املعتدلون» في إيران أن يفخروا بعالقات النظام باإلرهاب وما زال في اإلمكان عدهم أصوات التغيير. و«املعتدلون» املفترضون بها معاملة مختلفة تماما. عندما سئل أوب��ام��ا في ح��واره مع «بلومبيرغ» عن التطرف السني وال�ش�ي�ع��ي ،ك��ان��ت إج��اب�ت��ه ك��اش�ف��ة ،إذ ق ��ال« :إذا ن�ظ��رت إل��ى السلوك اإلي��ران��ي ،ستجد أن��ه إستراتيجي وليس متهورا؛ لديهم رؤي��ة عاملية ويرون مصالحهم ويستجيبون للتكاليف واملنافع» .املعنى الواضح هنا هو أن املتطرفني اإلسالميني الذين ال يشكلون دولة ،مثل «القاعدة»، ال يستجيبون لألدوات الدبلوماسية والسياسية مثل تلك التي تسمح
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
في مثال جيد على ذلك ،في يناير (كانون الثاني) املاضي ،قام وزير الخارجية اإليراني محمد جواد ظريف الذي من املفترض أنه «معتدل» بزيارة إلى لبنان ووضع إكليال من الزهور على قبر قائد حزب الله الراحل عماد مغنية .كان مغنية مسؤوال عن مجموعة من الهجمات التي نالت من أهداف أميركية من بينها تفجيرات السفارة األميركية وثكنات املارينز عام 1983في بيروت ،باإلضافة إلى اختطاف وقتل
ّ التي من املمكن للطرف اآلخر اإلقدام عليها حال شعرت أنه جدي وأنه يحضر لشيء ما ّ ضدها .وعندما تنجح في مسعاها هذا وتفكك خطوة الخصم ،فإنها تعود إلى سلوكها القديم ،فإذا عاد ،عادت هي بالدعوة إلى التفاوض. ّ ّ التفاوضية مع الواليات املتحدة بشكل وقد استخدمت إيران هذه التكتيكات مباشر وغير مباشر في ع��دد من املحطات في أفغانستان وال�ع��راق وامللف النووي .ويكفي أن املفاوضات في امللف النووي ال تزال تمضي منذ عام ،2003 وخالل هذا الوقت أصبحت إيران قاب قوسني أو أدنى من تحقيق برنامجها النووي بشكل كامل في الوقت الذي لم يحقق فيه الطرف اآلخر أيا من أهدافه الرئيسة في منع إيران من ّ التقدم حتى اآلن.
نموذج الردع واملواجهة غير املتكافئة تعاني إيران من نقاط ضعف هائلة من ناحية قدراتها العسكرية التقليدية، ول��ذل��ك ف�ه��ي تعتمد ع�ل��ى اس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ت �ق��وم ع�ل��ى ت�ط��وي��ر ق ��درات امل��واج�ه��ة الالتناظرية .ومضمون ه��ذه االستراتيجية هو طاملا أن��ك ال تمتلك امل��وارد أو األدوات الالزمة ملواجهة الخصم بنفس الطريقة واألسلوب وبنفس حجم ونوعية األسلحة التي يهددك بها في لعبته ،فاألفضل تغيير قواعد اللعبة برمتها عبر ّ تقليدية ال تحصني الذات من الناحية الدفاعية أوال ،ومن ّثم مواجهته بطرق غير ترقى بالتأكيد إلى حجم ونوعية ما يمتلكه الخصم ولكنها قادرة على إيالمه ورفع تكلفة أي انتصار محتمل له لدرجة تدفعه إلى إعادة حساباته طاملا أن نجاحه سيكون مكلفا للغاية هذا إذا نجح به. ّ ويمكن إعطاء مثال صغير (لتقريب الفكرة وحسب) على هذا التوجه وهو أنك وبدال من أن تستخدم طائرة ملواجهة طائرة طاملا أنك غير قادر على شرائها أو صناعتها أو تطويرها ،فإنك تستخدم صاروخا مضادا للطائرات في مواجهة الطائرة ،فالصاروخ أقل تكلفة بالتأكيد وأقل حجما وأسهل شراء وتخزينا واستخداما ،وهكذا على كافة األصعدة العسكريةّ . ه��ذا النوع من االستراتيجية يحتاج إل��ى تخطيط معقد وإل��ى إدارة مجموعة واسعة جدا من األدوات الدفاعية والهجومية إلعطاء النتيجة املأمولة وأن تكون قادرا في نفس الوقت على تحمل الضربة األولى ومن ثم الرد املباشر وغير املباشر وتوسيع دائرة املواجهة واالعتماد على اإلره��اب واالستعداد لتحمل الخسائر البشرية بشكل يزيد على قدرة الخصم على تحمل خسائره البشرية وجعل الخصم في حيرة من أمره حول الطريقة املثلى للتعامل معك انطالقا من عدم يقينه حول حقيقة كونك تتصرف بناء على حسابات عقالنية أو بناء على توجهات غير عقالنية انتحارية.
وإن كان بعضهم في مرحلة ما ولسبب ما أو ظرف ما على خالف أو عداء أو صدام مع نظام املاللي. وق��د س��اع��د ه��ذا املنطق ال�ن�ظ��ام اإلي��ران��ي على تجنيد الكثير م��ن اإلي��ران�ي�ين املعروفني ال��ذي��ن يشغلون م��واق��ع مرموقة ف��ي ال�خ��ارج للعمل لصالحه ولعل أكثرهم جدال في هذا السياق «تريتا بارسي» اإليراني املولد. وعلى الرغم من ّأن بارسي كان قد ّألف كتاب «التحالف الغادر :التعامالت ّ السرية ّ املتحدة األميركية» وهو أحد الكتب القليلة ّ القيمة بني إسرائيل وإيران والواليات التي تكشف طبيعة العالقات واملصالح املتبادلة بني هذا املثلث ،لكن سرعان ما قامت إيران باستغالل املؤلف وتوظيفه لصالحها كما تفيد املعلومات، وسرعان ما أسس بارسي وترأس «املجلس الوطني اإليراني األميركي» الذي أصبح بمثابة «لوبي إيراني غير رسمي» يعمل لصالح إيران في واشنطن تحت يافطات مختلفة ،كما ّأن بارسي عمل مستشارا لعضو الكونغرس األميركي بوب ناي (نياك) عضو املجلس اإليراني األميركي وهو ما أوجد إليران منفذا آخر أيضا للدخول إلى الكونغرس. باإلضافة إلى ذلك ،أوج��دت طهران نوعني من اللوبيات اإليرانية في الواليات ّ املتحدة األميركية: )1لوبي الوسط اإلعالمي والبحثي واألكاديمي :استطاعت طهران الدخول إلى الوسط اإلعالمي والدوائر التي تساعد على التأثير في الرأي العام وصناعة القرار ،فأوجدت صحافيني وباحثني وناشطني في الصحافة واإلعالم ووسائل ّ البحثية ف��ي ال��والي��ات امل�ت�ح��دة وي��رك��زون على استهداف ال�ت��واص��ل وامل��راك��ز مستويات متعددة من صناعة القرار األميركي بدءا من الرأي العام ووصوال إلى الكونغرس. ّ وه��ؤالء األشخاص يشكلون مجموعة لها درج��ات مختلفة من التواصل مع الحكومة اإلي��ران�ي��ة ،ويقال إن نائب وزي��ر الخارجية اإلي��ران��ي سابقا صادق خ��رازي ال��ذي عاش لفترة جيدة من الزمن في الواليات املتحدة كان صاحب الفكرة في إنشاء هكذا لوبي وتطويره.
وتتضمن هذه االستراتيجية أيضا تعزيز القدرات االستخباراتية ووسائل والقيام بعمليات تضليلية وبحروب بالوكالة واستخدام الحروب غير التقليدية ّ ّ ّ الحكومية أو شبه العسكرية (بمعنى أنها اإلرهاب والجماعات املسلحة نصف ليست جماعة إرهابية بسيطة وليست في نفس الوقت جيشا نظاميا كحزب الله في لبنان والحوثيني وبعض الجماعات الشيعية في العراق) ومجموعة واسعة من التشكيالت العسكرية املتخصصة (كالحرس الثوري والباسيج). البرية والبحرية )2لوبي التجارة واألع�م��ال واملصالح االقتصادية :ويعمل ب�م��وازاة املصالح وهو ما تفعله إيران بالضبط عبر تطوير قدراتها الالتناظرية ّ وال�ت�ج��ارة واألع�م��ال األميركية وخصوصا ف��ي قطاع الطاقة وال�ن�ف��ط .ه��ؤالء ورسم خطوط حمراء وسياسة حرب نفسية. لديهم تواصل مع السوق اإليرانية بطريقة أو بأخرى بشكل مباشر وغير مباشر وعلني وسري وبمستويات متعددة ويرتبطون أيضا باألسواق العاملية، نموذج عن االختراق والتوظيف: ويخشون أن تعرض إي��ران ملزيد م��ن الضغوط ق��د يضر بمصالحهم على بناء لوبي إيراني في أميركا املستوى العاملي .وبالنسبة إلى ه��ؤالء ،فإن املصالح املادية واملكاسب املالية تتجاوز بالنسبة لهم أهمية األمن القومي األميركي وهي نقطة ضعف تستغلها بذلت إيران خالل العقد املاضي جهودا كبيرة لبناء لوبي لها داخل الواليات إيران إلى أبعد الحدود. ّ ّ املتحدة األميركية انطالقا من حقيقة أن النظامي السياسي في واشنطن يبقى لقد ساعدت كل هذه األدوات على التالعب باملوقف األميركي والتأثير به وتفكيك مفتوحا بطبيعته على التأثير من قبل اللوبيات ،وبالتالي فإن محاولة التأثير توجهاته لضرب إيران واختراق قلب واشنطن أيضا في محاولة الستمالتها تحوالت ّ في ظل ّ على صناعة القرار من داخل واشنطن ليست باألمر املستحيل. دولية وإقليمية جيو -سياسية تفتح الباب واسعا أمام إمكانية ّ وقد استفادت طهران أيض ا من الشعور القومي لإليرانيني في الخارج ليصب حصول تحوالت في املواقف التاريخية بني النظامني ،وهو ما سيجري اختباره ّ في مصلحتها ،إذ من املعروف أن اإليرانيني ال يتهاونون في الدفاع عن بلدهم عمليا في الفترة الالحقة < ضد أي نوع من أنواع األذى الذي قد يلحقه سواء أكان اقتصاديا أو عسكريا * باحث لبناني في الشؤون الدولية واالستراتيجية
شعار شركة (أبل) األميركية يطل من نافذة متجر كمبيوتر على طول شارع ولي العصر (طهران -ديسمبر )2013
,,
سعت طهران إلى بناء لوبي إعالمي وأكاديمي في أميركا يكون صوتها املؤثر والفاعل في دوائر الصحافة والجامعات ولدى صناع القرار
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
25
قصة الغالف
ّ السياسة اإليرانية سياسة معقدة ملن ال يفهم طريقة التفكير اإليرانية واألدوات التي يوظفها النظام في سبيل الحفاظ على وجوده ،لكنها في نفس الوقت سياسة قابلة للفهم والتفكيك واملواجهة إذا جرى استيعاب ّ يتحرك اإليراني ضمنها .لقد ّ ّ طور النظام اإليراني مع الوقت سلسلة من املفاهيم الخلفية االستراتيجية التي واألدوات واملمارسات املستمدة من خلفيته التاريخية والثقافية والطائفية ّ وحولها إلى عقائد إستراتيجية يجري استخدامها وتوظيفها في إطار رؤية سياسية محددة األهداف واملعالم أولويتها حماية النظام وتفكيك وتحييد املخاطر الخارجية عليه.
االستراتيجية اإليرانية في التأثير على القرار األميركي
التالعب باخلصم بقلم: أصالن الطيب نحاس *
,,
تتالعب إيران في سياستها الخارجية عبر إيهام خصومها بأن لديها جناحني مختلفني األول معتدل واآلخر متشدد
,,
24
يخولها فعل ذل��كّ ، رغ��م أن إي��ران ال تملك من القوة املادية ما ّ فإن ه��ذه العقائد االستراتيجية القائمة بشكل أساسي على مفاهيم ّ والتقية والفبركة والتالعب والتمويه والتشتيت كالغموض والخداع والتغطية واإلنكار واالستغالل والتوظيف واالزدواجية واالختراق والترهيب ّ وال��ردع واملواجهة غير املتوازية ،نجحت حتى اآلن في أن تشكل توليفة من األدوات التي تسلحت بها سياسيا وعمليا ّ وتحولت جميعها مع مرور الوقت إلى جوهر ما يمكن تسميته بـ«فن البقاء اإليراني» الذي يتمحور حول تأكيد حالة عدم اليقني لدى اآلخر تجاه نوايا ّ وتحركات إيران.
املستهدف وتاريخ وطريقة تفكير عندما يكون الخصم على دراية تامة بخلفية ّ وتصرف ورد فعل خصمه ،فإنه يكون قادرا على توقع الخطوات التي من املمكن أن يقوم بها ،وهو ما يساعده على استهدافه بشكل ّفعال وربما استباقي أيضا. ّ اليقني إزاء قدراتك أو طريقة تفكيرك أو أما ّإذا كان الخصم في حالة من عدم ّ ّ تصرفك فعندها لن يكون قادرا على توقع تصرفك ،وبالتالي لن يكون قادرا على التفكير بشكل صحيح أو اتخاذ القرار الصحيح بشأنكّ ،وهو ما يعني أنك استطعت التأثير في سلوكه بما يخدم مصالحك ،وربما شله عن الحركة تجاهك ،وهو ما فعلته إيران بالضبط تجاه الغرب خالل مراحل متعددة. لقد استخدمت إيران هذه التكتيكات بشكل منهجي مدروس لحماية نفسها، ّ ّ وق��د شكلت ال��والي��ات امل��ت�ح��دة كما غيرها م��ن ال��دول مسرحا ملمارسة هذه ّ املفاهيم ،إذ رك��زت السياسة اإليرانية على استهداف الجانب األميركي كما غيره من الالعبني اإلقليميني والدوليني من أجل التأثير على قراره السياسي والعسكري خصوصا .وألن تناول هذه التكتيكات بشكل مفصل غير ممكن في مقال ،فإننا سنتناول بعض النماذج املحدود لإلشارة إلى جوهر السياسة اإليراني في التأثير على السياسة األميركية تجاهها ،ومنها:
نموذج التالعب :سياسة توزيع األدوار (املعتدل في مقابل املتشدد) ّ تؤدي هذه السياسة إلى إعطاء انطباع للخارج بأن هناك شقني داخل إيران مختلفني بشكل ج��ذري عن بعضهما البعض ،مع العلم أن اختالفهما ليس جذريا حول طبيعة النظام وإنما داخله .ويخلق هذا التقسيم نوعا من التشويش لدى الطرف املراقب أو الذي يتعامل مع إيران من الخارج: > في ح��ال وج��ود محافظ في السلطة :يبقى ل��دى الخارج أم��ل على ال��دوام في إمكانية التوصل إلى حل حال وصول وجه إصالحي معتدل إلى صناعة القرار في إيران .وهذا النوع من التفكير يجعله يحجم عن أي ضربة شاملة إليران أو عن أي ضغط كبير مخافة أن يؤدي ذلك إلى ضياع الفرصة (املأمولة)،
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
أو أن ّ يتحول الجميع إلى متشددين محافظني ،أو أن يؤدي ذلك إلى إضعاف اإلصالحيني. > في حال وجود إصالحي في السلطة :يحاول الخارج االنخراط ّ الفعال مع إيران دون حذر ما يؤدي في النهاية إلى أن يجري خداعه واستغالل جهوده لكسب املزيد من الوقت .أما في حال انخراطه الحذر فإنه يصطدم في النهاية بالقرار النهائي الذي يعود للمرشد ،ويعود بعدها للمربع األول ،صعود محافظ، وهكذا يدور في هذه الحلقة املفرغة ،وفي هذا الوقت تتقدم إيران نحو هدفها. تخلق هذه الثنائية َوهما لدى الطرف الخارجي باألمل دوما في التوصل إلى حل يعتقد ّأنه حقيقيّ ، لكن هذا الوهم يوفر للنظام اإليراني دوما الوقت الالزم للمراوغة السياسية ،ولتفكيك أي نوع من التحالف الخارجي الذي قد ينشأ وذلك نتيجة ّ توزع اآلراء بني من يرى أن هناك توجهات متناقضة في الداخل اإليراني يمكن االعتماد على أحدها في إضعاف اآلخر وبني من يعد أن ذلك غير ممكن .بمعنى آخر ،فإن هذه الثنائية قد تنقل الخالف أيضا حول طريقة التعاطي مع النظام اإليراني إلى داخل دائرة الخصم .وقد اختبر الخارج ذلك في مراحل متعددة سواء في عهد خاتمي أو أحمدي نجاد أو اآلن في عهد روحاني.
نموذج عن االستغالل والتفكيك: سياسة التفاوض املفتوحة وهي سياسة تقوم على الدعوة الدائمة إلى التفاوض (بشرط أن يكون وضع إيران أفضل من الطرف اآلخر في الغالب ،أو إذا كان وضع الطرف اآلخر سيئا وبحاجة إلى مساعدة طهران وفق الرؤية اإليرانية) .والتفاوض في املفهوم ّ العام يعني االستعداد لبحث مسألة ما لتجنب التصعيد .وفي الثقافة الغربية ُ الحديثة فإن الرسالة املباشرة التي تفهم من دعوتك إلى التفاوض هي رسالة إيجابية تعني أنك مستعد ألن تبحث املسائل الخالفية وأن تجلس على طاولة املفاوضات في سلوك حضاري للتوصل إلى تفاهم .لكن في الثقافة اإليرانية فإن التفاوض هو مجرد أداة ليس الهدف منها الوصول إلى حل بقدر ما هو: > اإليحاء ّ بأن طهران طرف موثوق وحضاري ويسعى إلى حل ،لكنها في حقيقة األمر تكون تسعى إلى املماطلة وكسب الوقت قدر املستطاع. > التحضير لجولة أخرى من املفاوضات عبر االنسحاب من املفاوضات، بمعنى أن التفاوض في هذه الحالة هدفه التحضير للتفاوض املقبل وليس للوصول إلى هدف أي حلقة التفاوض املفرغة. > في حال شعرت ّإيران بوجود فرصة لتحقيق أهدافها ،فإن هذه املفاوضات تتحول فورا إلى محطة لتحقيق انتصار موضعي على الخصم عبر الحصول على املكاسب من دون تقديم أي تنازالت. > املفاوضات أيضا في السلوك اإليراني هي عبارة عن أداة لتفكيك الخطوة
AN AMERICAN EDUCATION A BRITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.
+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla today to download our catalog and viewbook.
قصة الغالف
ولوبي إسرائيل لديه سيطرة شبه مطلقة في مجلس املمثلني في الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري ،والذي أقر نسخة من قانون العقوبات املطلوب على إي ��ران .لكن مجلس الشيوخ يسيطر عليه الحزب الديمقراطي ،الذي على الرغم من الصداقة التي تجمعه بلوبي إسرائيل ،من غير املمكن له أن يعارض قرارات رئيس البالد الذي ينتمي إلى الحزب نفسه. هكذا ،جمع اللوبي اإلسرائيلي 59صوتا من أصل 60مطلوبة لفرض اإلقرار على زعيم الغالبية في املجلس هاري ريد ،وعلى أوباما نفسه .وبغياب الصوت الوحيد املطلوب ،تعثر مجهود فرض أي عقوبات جديدة على إيران في حال انهارت املفاوضات الدولية النووية معها ،أو لم تتوصل إلى نتيجة. لكن اللوبي اإليراني لم يقف متفرجا على أوباما ،الذي كان في خضم مواجهة تشريعية مع أصدقاء إسرائيل ،بل راح اإليرانيون يحشدون شعبيا لتأييد الرئيس ضد عقوبات جديدة .وف��ي خضم نشاطهم ،عثر اإليرانيون على حلفاء نجحوا في تجنيدهم لتأييد املفاوضات مع إي��ران ،أي مفاوضات، وبغض النظر عن نتيجتها .أما هؤالء الحلفاء ،وهم قوة سياسية شرسة ال يستهان بها ،فهم مجموعات مناهضة للحرب في العراق وأفغانستان. طبعا ال تؤدي دفعة جديدة من العقوبات على إي��ران إلى الذهاب إلى حرب معها ح�ك�م��ا ،ل�ك��ن اإلي��ران �ي�ين ن�ج�ح��وا ف��ي ت�س��وي��ق ه��ذه ال�ف�ك��رة ،ال�ت��ي راح يرددها مسؤولو البيت األبيض وحلفاؤهم في الكونغرس .كذلك تبنى فكرة «م�ف��اوض��ات أو ح��رب» التحالف املناهض للحرب ،وه��و م��ا ش� ّ�د م��ن عضد أوباما وقدم له دعما شعبيا في مواجهة غالبية الكونغرس في موضوع إيران.
تراجع اللوبي اإلسرائيلي تريتا بارسي رئيس املجلس القومي اإليراني -األميركي
,,
تريتا بارسي صديق وزير الخارجية اإليراني جواد ظريف منذ أكثر من عقد عندما كان األخير يعمل مبعوثا دائما لبالده في األمم املتحدة بنيويورك
,,
22
م��ع إي��ران ،س��را وعلنا .وم��ع هيغل ،حضر ع��دد م��ن مستشاريه ،الحاليني والسابقني ،من أمثال أندرو بارازيليتي ،وهو مدير موقع «آل مونيتور» حيث تعمل الباحثة في «مجلس األطلسي» باربرا سالفني ،التي تزور إيران بانتظام، وغالبا ما تنظم ندوات ،على غرار اصفندياري ،تستضيف فيها وجوه لوبي طهران في واشنطن ،بمن فيهم بارسي وخاجيهبور ،وتؤلف باالشتراك معهم دراسات تزعم أن العقوبات على طهران تؤذي اإليرانيني فقط من دون حكومتهم ،مما يوجب حكما رفعها. وسالفني تكتب علنا أن على واشنطن البحث عن مصالحها الفعلية ،وأن ذل��ك يكون عبر االستبدال بتحالفها مع ال��ري��اض تحالفا مع ط�ه��ران ،فيما كتب بارازيليتي أن على أميركا تكليف إيران حل األزمة من سوريا ،من دون شروط .واملوقع يموله األميركي من أصل سوري جمال دانييل ،الذي جمع ثروة من عمله في قطاع النفط ،وال��ذي يعتقد كثيرون أنه يأمل بأن تكافئه إيران بعقود نفطية في حال جرى رفع العقوبات عنها. في املنامة ،حيث حضر بارازيليتي ،اندلعت أزمة كادت تطيح بالقمة الخليجية، عندما قام أحد الصحافيني بطرح سؤال على وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي حول إمكانية قيام اتحاد خليجي ،ليرد األخير أن االحتمال غير وارد ،وأن عمان ستنسحب من املجلس في حال جرى التصويت عليه في قمة الكويت .هنا سارعت الدبلوماسية الكويتية إلنقاذ القمة التي كانت في طريقها الستضافتها ،فيما تبني في وقت الحق أن السؤال واإلجابة حصال بتنسيق كان يهدف إلى إحراج اململكة العربية السعودية. وفي واشنطن ،استمرت نشاطات اللوبي اإليراني املتنوعة ،التي تدعو جميعها إلسقاط العقوبات بشكل غير مشروط عن إيران وبالتحالف معها ،حتى لو اقتضى ذلك التنازل لها في سوريا ولبنان والعراق وعموم املنطقة .ونشاطات اللوبي اإليراني تتضمن ندوات ،وإصدار دراس��ات ،وعقد مؤتمرات ،ونشر مقاالت في صحف أميركية متنوعة ،وإقامة صداقات مع باحثني وخبراء أميركيني ،كذلك مع مسؤولني في الحكومة وفي الكونغرس ،ومع مساعديهم. وفي الوقت الذي حاول فيه اللوبي املوالي إلسرائيل ،واملعروف بـ«أيباك» ،حض مؤيديه في الكونغرس على تمرير قانون يفرض عقوبات جديدة على إيران بمفعول متأخر ،أي بعد سنة على اإلقرار ،وفي حال فشل املفاوضات الدولية مع إيران ،التي أنتجت اتفاقية مؤقتة في نوفمبر املاضي في جنيف ،وضع اللوبي اإليراني خطة محكمة للتصدي ملجهود العقوبات الجديدة.
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
«لغالبية األميركيني هموم واهتمامات تمنعهم من متابعة السياسة الخارجية وتفاصيلها ،مما يعطي مجموعة صغيرة لكنها مثابرة املقدرة على الهيمنة في هذه املواضيع» ،يكتب بارسي فيما يبدو أنه تصوره لكيفية عمل اللوبيات في العاصمة األميركية .مقالة بارسي صدرت على موقع «هفنغتون بوست» بعنوان «وهم أن أيباك ال تقهر» ،على إثر تراجع اللوبي اإلسرائيلي عن محاولة تمرير عقوبات ج��دي��دة على إي ��ران .ويضيف ب��ارس��ي أن «أي �ب��اك» واجهت مجموعة من الهزائم ،كان أولها بعدما تبنت توجيه أميركا ضربة عسكرية إلى سوريا في أعقاب الهجوم الكيماوي الذي شنته قوات بشار األسد ضد مدنيني في ضواحي دمشق في أغسطس (آب) .أما الهزيمة الثانية فجاءت في املواجهة حول إي��ران .في املواجهتني ،يعتقد بارسي أن امل��زاج املعارض للحرب هو الذي أثبت فاعليته ،وأن في املرة الثانية ،استند البيت األبيض لهذا املزاج ،الذي ينشط فيه بشدة بارسي واللوبي اإليراني ،إلحباط «أيباك» وأي عقوبات جديدة على إيران. إال أن املواجهة لم تنتهِ ،حسب بارسي ،الذي يؤكد أن الجولة املقبلة بني طرفني حدد واحد منهما على أنه اللوبي اإلسرائيلي ولم يحدد اآلخر ،آتية في غضون أشهر ،إذ إن لوبي إسرائيل ،حسب الناشط اإليراني ،سيفرد اهتمامه لنسف االتفاقية النهائية التي يجري التفاوض عليها بني إيران والعالم. طبعا ال يذكر بارسي أنه مؤلف كتاب يمتدح فيه إسرائيل ،ويقول إنه ال عداء إيرانيا معها ،وإن مصلحة أميركا تتمثل في دخول بتحالف مثلث األضالع، يجمع كل من أميركا وإسرائيل وإيران .لكن يبدو أنه بعدما تأكدت طهران من أن إسرائيل لن تسمح لها بحيازة سالح نووي ،قررت االنقالب من محاولة مصادقة اإلسرائيليني إلى مواجهتهم ،خصوصا في عاصمة القرار العاملي واشنطن .وحسب املواجهات القليلة املاضية ،يبدو أن بارسي محق في أن لوبي إسرائيل ليس معصوما عن الخسارة ،وأن��ه يمكن للوبي فتي -كمثل اللوبي اإليراني الذي أسسه بارسي ويقوده في واشنطن منذ نحو عقد -أن يلحق هزيمة باإلسرائيليني ،وذلك بالتحالف مع تيارات داخلية أخرى ،وفهم الصورة األميركية بشكل دقيق ومتابعتها ،وهو نشاط إيراني يبدو أنه قارب أن يثمر ،خصوصا مع ترديد الرئيس األميركي أن التغيير ٍآت ،وأن واشنطن في طريق حتمي إلى مصالحة وصداقة مع طهران ،وأن على حلفاء أميركا في املنطقة التكيف مع التغيير< * صحافي وكاتب لبناني ،مقيم في الواليات املتحدة
ليتبني أنه كان على اتصال بظريف ،وأنه قام بتنسيق لقاءات بني أعضاء في الكونغرس من الحزبني مع املسؤول اإليراني.
املحاكم األميركية تثبت ارتباط اللوبي اإليراني بطهران الرسائل اإللكترونية التي جرى الكشف عنها أظهرت أن ظريف وبارسي التقيا للمرة األولى في مارس (آذار) ،2006وأن ظريف مرر إلى بارسي وثيقة «املساومة الكبرى» التي اقترحها اإليرانيون على األميركيني إبان حرب العراق في عام ،2003ورفضتها واشنطن. وتظهر وثائق املحكمة أن طهران قدمت الوثيقة للسفير السويسري في إيران، الذي يمثل املصالح األميركية ،والذي مررها إلى األميركيني. وفي وقت الحق ،ادعى األميركي فلينت ليفيريت أنه وزوجته تسلما الوثيقة من اإليرانيني أيضا ومرراها إلى اإلدارة األميركية .وليفيريت مؤلف كتاب ح��ول حياة الرئيس ال�س��وري بشار األس��د ،ويتمتع بعالقة جيدة بدمشق وطهران ،ويقول في مقابلة مع الكاتب لي سميث إنه من األميركيني القالئل الذين ي��زورون طهران دوري��ا وم��ن دون فيزا .ويعتقد سميث أن ليفيريت يعتقد أنه في حال التوصل إلى اتفاق أميركي -إيراني ،فإنه سيكون من أول املستفيدين ماليا من العقود املقبلة إلى حد أطلق سميث على ليفيريت لقب «رجل إيران في واشنطن». وفي رسائل بارسي اإللكترونية التي كشفتها املحكمة تنسيق بينه وبني ظريف حول مؤتمر في الكونغرس بالتعاون مع «مؤسسة أميركا الجديدة»، كجزء من مشروع أطلقه بارسي في عام ،2006بعنوان «مشروع التفاوض مع إي��ران» .ويرفق بارسي رسالته اإللكترونية إلى البعثة اإليرانية بتقدير تكاليف ستة أشهر من العمل لهذا امل�ش��روع ،ال��ذي يتضمن دع��وة 10إلى 15خبيرا في الشأن اإليراني من حول العالم ،بتكلفة تبلغ مائة ألف دوالر. وفي سبتمبر (أيلول) ،2012حكمت املحكمة ضد بارسي ،وغرمته مبلغ 185ألف جوالر كتعويضات لداعي اإلسالم. والبعثة اإليرانية الدائمة لدى األمم املتحدة في نيويورك ال تشرف على «اللوبي اإليراني» في واشنطن فحسب ،بل كانت تشرف كذلك على عمل ما يعرف بـ«مؤسسة علوي» ،حسبما نقلت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» عن محققني فيدراليني أميركيني في نوفمبر (تشرين الثاني) .2009
و«مؤسسة علوي» أنشأها شاه إيران في عام 1973تحت اسم «مؤسسة بهلوي» ،وفي عام ،1979تحول اسمها إلى مؤسسة املستضعفني ،وفي وقت الحق أصبحت معروفة بـ«مؤسسة علوي» .وفي فبراير (شباط) من عام ،2012رفعت شرطة نيويورك السرية عن وثائق لها تعود إلى مايو (أيار) ،2006وفيها أن «أجهزة االستخبارات اإليرانية تعمل داخل الواليات املتحدة عبر مؤسسات متعددة ،منها (مؤسسة علوي)» ،وهي تهمة نفتها املؤسسة التي تكرر على موقعها أن مهمتها األساسية هي «شرح الثقافة اإلسالمية، واللغة الفارسية واألدب والحضارة» .وفي صفحات أخرى على موقعها ،ترى املؤسسة أن هدفها دعم «الثقافة الشيعية». وتملك املؤسسة ناطحة سحاب في قلب مدينة نيويورك تعود عليها بإيجارات ضخمة تستخدمها في تمويل أكثر من 30مؤسسة تعليمية في عموم ال��والي��ات املتحدة .ويعتقد خبراء أن طهران تستخدم ه��ذه األم��وال لتكافئ األكاديميني الذين يكتبون ما يرضيها ،واملؤسسات التربوية التي تصدر دراسات تخدم مصلحة طهران. إال أنه على الرغم من نفي «مؤسسة علوي» أي ارتباط مع طهران ،كشفت «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (إف بي آي) أن رئيس املؤسسة فرشيد جاهدي قام في عام 2008بإتالف وثائق تثبت أن املؤسسة سددت جزءا من أموالها لبنك ملي في طهران ،واململوك من الحكومة اإليرانية ،وأن جزءا من األموال قد يكون جرى استخدامه في تمويل البرنامج النووي اإليراني. وف��ي أب��ري��ل (ن�ي�س��ان) ،2010حكمت محكمة فيدرالية ف��ي ن�ي��وي��ورك على جاهدي بالسجن ثالثة شهور بتهمتي عرقلة التحقيقات وإعاقة العدالة، وجرى التحفظ على جزء كبير من أموال وممتلكات املؤسسة ،التي ما زالت تعمل ،وإنما بحذر.
نشاطات اللوبي اإليراني في واشنطن تثمر في ديسمبر (كانون األول) ،وقبل أيام من انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت ،عقد خبراء ومسؤولون عرب وأجانب حوارا سنويا في املنامة ّتوجه وزير الدفاع األميركي تشاك هيغل بحضور جدد أثناءه تعهد بالده بأمن الخليج في وجه أي تهديد إيراني ،لكن تعهدات الوزير األميركي لم تكن بريئة ،بل جاءت بمثابة تطمينات في وقت كانت فيه حكومة بالده تتفاوض
وزير الخارجية اإليراني جواد ظريف
,,
عملت ايران منذ منتصف التسعينات على تشكيل مجموعة ضغط متعارف على تسميتها «لوبي» داخل العاصمة األميركية وبتمويل من طهران
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
21
قصة الغالف
على عكس الصورة التي يحاول النظام اإليراني أن يقدمها حول نفسه ومواقفه ،ال يتعدى شعار «مرك بار أميركا» ،أي املوت ألميركا ،كونه كالما لفظيا ،فيما في الواقع تبتعد طهران عن العقائدية وتتبع سياسة عمالنية تهدف إلى مصادقة واشنطن والتحالف معها ،حتى تنال إيران اعترافا أميركيا بهيمنتها في منطقة الشرق األوسط ،وتفويضا إلدارة هذه املنطقة ،خصوصا في وقت يسود شعور أميركي شعبي باإلرهاق من السياسة الخارجية.
«اللوبي» اإليراني ..رجال طهران في واشنطن
املساومة الكربى بقلم: حسني عبد الحسني *
,,
أجهزة االستخبارات اإليرانية تعمل داخل امريكا عبر مؤسسات عدة منها «مؤسسة علوي» التي تأسست عام 1973والتزال فاعلة حتى اليوم
,,
20
ألن طهران ليست عقائدية بل واقعية ،فقد عملت منذ منتصف التسعينات على تشكيل مجموعة ضغط ،متعارف على تسميتها «لوبي» ،داخل العاصمة األميركية ،وبتمويل من طهران وإشراف مباشر من البعثة اإليرانية الدائمة لدى األمم املتحدة في نيويورك ،نجحت إيران في خلق هذا اللوبي الذي راح مسؤولوه ،يتصدرهم إيراني -سويدي على املذهب الزرادشتي يقيم في واشنطن ،يتباهون بتحقيقهم النتائج ،وبإلحاقهم هزائم بأعتى اللوبيات األميركية ،وعلى رأسها ذاك املؤيد إلسرائيل.
خبراء أم مؤيدو نظام إيران؟ في مكتبي بواشنطن ،وصلت ّ إلي دعوة من «مركز وودرو ويلسون» املرموق لحضور ندوة بعنوان «إيران في السنوات الخمس املقبلة :تغيير أم املزيد من الشيء نفسه؟» املوضوع اإليراني ساخن ،ون��دوات من هذا النوع غالبا ما تستقطب حشدا من املعنيني من مسؤولني أميركيني وخبراء وإعالميني. فتحت الدعوة ،فإذا بي أعرف واحدة من املتحدثني ،وهي صحافية أميركية تكتب عن الشرق األوسط بشيء من املوضوعية .أما املتحدثون اآلخرون ،فلم يكونوا من األميركيني ،مما دفعني إلى التحري عنهم .واحد إيراني ،ويدعى بيجان خاجيهبور ،ويدير «شركة استشارات» ،يفترض أن ّ مقرها النمسا، لكني أقرأ اسمه منذ فترة كمحاضر في الندوات املخصصة إليران هنا في العاصمة األميركية. ثم ببحث سريع ،وجدت أن شركة االستشارات املزعومة« ،آتية إنترناشونال»، تابعة لـ«مجموعة آتية» في طهران ،التي تقدم نفسها ،على موقعها على اإلنترنت ،كمؤسسة متخصصة في تقديم «املساعدة والنصح للشركات األجنبية للدخول والعمل بنجاح في السوق اإليرانية». املتحدث الثاني باحث فرنسي اسمه بيرنارد هوركارد ،أفضى بحثي عنه إلى مقابلة أجرتها معه قناة «يورونيوز» في أبريل (نيسان) املاضي ،وقال فيها« :منذ 34عاما ،ونحن نقول كل يوم إن الجمهورية اإلسالمية قاربت أن تنهار ،ولكنها ما زالت موجودة ،وهي أكثر نظام حكومة مستقر في الشرق األوسط ،ونحن نرى ذلك ،خصوصا بعد الربيع العربي ،وهي الدولة التي يمكن أن تتقدم إلى األمام» .ثم يدعو هوركارد إلى السماح إليران باالستمرار في تخصيب اليورانيوم ،والتوصل إلى اتفاق معها يفضي إلى رفع العقوبات عنها ،وتطبيع العالقات مع الغرب ،وخصوصا الواليات املتحدة. املتحدث الثالث ،روب��رت��و توسكانو ،إيطالي وسبق أن عمل سفيرا لبالده لدى إيران بني األع��وام 2003و .2008في مقالة له في «هفنغتون بوست»، قلل توسكانو من هتاف اإليرانيني «املوت ألميركا» ،وكتب أنه من األفضل للسياسات األميركية أن ال تلتفت إلى خطاب النظام املعادي للواليات املتحدة،
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
وأن تمضي قدما في االنفتاح عليه ،وإال فإن البديل الوحيد هو الحرب ،وعند ذاك ،يتوحد اإليرانيون خلف قيادتهم ،وتصبح هتافاتهم باملوت ألميركا ذات معنى. وختم توسكانو أنه عندما «يقول اإليرانيون األميركيون (خصوصا املجلس القومي اإلي��ران��ي األم�ي��رك��ي) :ال تضربوا إي ��ران .ه��م ال يقولون ذل��ك ،ألنهم متساهلون مع النظام ،بل ألنهم يعرفون أن أي هجوم سينعش النظام شعبيا، لذا اسمحوا لي بأن أؤكد أن صورة اإليرانيني ككارهني ألميركا هي صورة خاطئة». أما مديرة الندوة ،حسبما ورد في الدعوة ،فهي اإليرانية -األميركية هالة اصفندياري ،وهي مديرة برنامج الشرق األوس��ط في املعهد ،وكان النظام اعتقلها في عام 2007ملدة أربعة أشهر في السجن االنفرادي في ايفني ،ثم أفرج عنها ،ومنذ ذلك اليوم واصفندياري تصر على ضرورة انفتاح أميركا على إي��ران ،وعلى رف��ع العقوبات عن ط�ه��ران ،والسماح لها باملضي قدما ببرنامجه النووي .ولهذا السبب ،تقيم اصفندياري ن��دوات في املعهد الذي تديره ،وتوقع على عرائض لرفع العقوبات.
التغيير املقبل إذن ،حتى من دون ذهابي إل��ى الندوة ح��ول إي��ران ،ك��ان يمكنني أن أتكهن مسبقا بمجرياتها؛ مجموعة من اإليرانيني ،بعضهم ممن اكتسبوا الجنسية األميركية أو األوروبية ،وأوروبيون مؤيدون لالنفتاح غير املشروط على إيران، يتكلمون على مدى ساعتني حول التغيير املقبل مع انتخاب حسن روحاني رئيسا إليران والفرصة السانحة القتناصها ،والعوائد املالية لالنفتاح على طهران ،ويحذرون من مغبة عرقلة أميركا التوصل إلى اتفاق ،حتى لو تعنتت إيران وتمسكت بشروطها النووية ،بحجة أنه ال اتفاق يعني حتما الحرب، وهي كلمة ال يستسيغها األميركيون بعد حربي العراق وأفغانستان. ويبدو أن توسكانو ،الذي يأخذ على عاتقه تجميل صورة إيران ،والتحذير من الحرب ،والتمجيد باملجلس القومي اإليراني -األميركي ،نشر مقالته بدعم من املجلس نفسه ،الذي يترأسه اإليراني -السويدي املقيم في واشنطن تريتا بارسي ،الذي يكتب دوريا في هذا املوقع. وبارسي صديق وزير الخارجية اإليراني جواد ظريف منذ أكثر من عقد، عندما كان األخير يعمل مبعوثا دائما لبالده في األمم املتحدة بنيويورك. وفي منتصف العقد املاضي ،اتهم اإليراني املعارض حسن داعي اإلسالم بارسي بالعمل ملصلحة النظام ،فما كان من بارسي إال أن أقام دعوى قدح ّ وذم بحق داعي اإلسالم ،فأمرت املحكمة بفتح البريد اإللكتروني لبارسي،
ASHARQ AL - AWSAT The Leading International Newspaper
ﺟﺮﻳــﺪة اﻟﻌــﺮب اﻟﺪوﻟﻴــﺔ
editorial@asharqalawsat.com
www.aawsat.com
Design: Qussay Al-Issa
معك أينما تكون
http://www.aawsat.com
للحصول على :املعلومات املفصلة http://kaywa.me/1clMh
شؤون سياسية
إطارا جيدا لتعزيز نفوذها خارج حدودها .وباختصار ،تستطيع قطر أن تستغل نفوذ جماعة اإلخوان وأن تحقق أهدافها بالقليل من الجهد وبشروط قطرية وتكلفة محدودة. ومن جهة أخرى ،كانت الدوحة واضحة للغاية في إصرارها على أن دعمها لجماعة اإلخوان املسلمني ال يمثل خطرا على األمن الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي .فعلى سبيل املثال ،وفي أعقاب انسحاب سفراء مجلس التعاون الخليجي الثالثة ،أص��درت قطر بيانا أعلنت فيه أنها لن تتخذ رد فعل مقابل وتسحب سفراءها مشيرة إلى أن الخالف يتمركز على «اختالفات في املواقف املتعلقة بقضايا خارج نطاق مجلس التعاون».
التداعيات على السياسة اإلقليمية األميركية
,,
أضرت العديد من التطورات التي وقعت في املنطقة على األقل منذ االنتفاضات العربية بالعالقات بني واشنطن ودول الخليج العربي
,,
18
صلة باملوضوع عندما نأخذ في اعتبارنا اآليديولوجيات املتباينة لتلك الشراكة الغريبة .فكما يقول دكتور هايكل« :جماعة اإلخوان املسلمني هي حركة سياسية مناهضة للغرب تسعى إلى خلع األنظمة القومية العلمانية وال تفضل األنظمة امللكية خاصة تلك التي لديها عالقات اقتصادية وعسكرية وثيقة مع الغرب .وال ترتبط قطر فقط بعالقات وثيقة بالواليات املتحدة ولكن التفسير الذي تتبناه لإلسالم أيضا ال يتسامح مع أي نوع من النشاطات السياسية ما لم تكن تخضع لهيمنة الحاكم ورعايته». إذن ،من الواضح أن تأييد قطر لجماعة اإلخوان املسلمني ال ينبع من وج��ود عقائد دينية أو آيديولوجيات سياسية مشتركة .في الواقع، كانت تسعى لتأسيس استقاللها كدولة صغيرة وثرية للغاية من خالل ترسيخ وضعها أينما أتيحت لها الفرصة .وقد عملت قطر بجدية إلى خلق دور لها في املنطقة ،وأقامت عالقات وثيقة بحماس وإسرائيل وبالواليات املتحدة وإيران باإلضافة إلى طالبان والغرب .وكانت قطر تاريخيا تسارع إلى عقد التحالفات وهو ما تجلى في العالقات التي أقامتها مع االتحاد السوفياتي والصني في الثمانينات وإسرائيل وإيران في التسعينات. ويحاول ديفيد روبرتس ،مدير املعهد امللكي للخدمات املتحدة لدراسات ال��دف��اع واألم��ن بقطر تفسير ذل��ك التوجه ق��ائ�لا« :لقد كانت سياسة قطر الخارجية – وم��ا زال��ت -تتمحور ح��ول ال �ت��وازن» .فمن الناحية االستراتيجية ،كانت «إقامة عالقات جديدة مع إي��ران وإسرائيل ثم حزب الله وحماس الحقا ،تستهدف تعزيز رغبة قطر في إقامة عالقات مع كافة البلدان بغض النظر عن توجهاتها» .وأض��اف روب��رت��س أن تعميق العالقات مع إيران كان يستهدف موازنة التعاون املستمر مع ال��والي��ات املتحدة ال��ذي ك��ان يتضمن االت�ف��اق��ات الدفاعية والترتيبات املتعلقة بالقواعد من 1992وما بعدها .وبالنسبة لقطر ،كانت هذه هي الطريقة للمنافسة مع الهيمنة اإلمبريالية واإلقليمية. باإلضافة إلى أن خطر اضطالع جماعة اإلخوان بنشاطات في قطر يعد خطرا محدودا أو كذلك تعتقد قطر .فمنذ حل قطر لجماعة اإلخوان املسلمني في عام ،1999انحسر خطر تهديد الجماعة لألمن الداخلي القطري ،ووجدت قطر أنه من مصلحتها أن تقيم تحالفات بالخارج مع جماعة اإلخوان ومثيالتها من الجماعات كجزء من تطلعاتها اإلقليمية الواسعة ،حيث تجد قطر في جماعة اإلخوان وشبكتها العاملية الراسخة
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
أصبح من الواضح أن هناك قلقا قد تشكل داخل دول مجلس التعاون الخليجي إثر دعم الدوحة للحركات اإلسالمية في املنطقة ضمن عدة عوامل أخرى .ووفقا لديفيد أندرو وينبرغ ،زميل الباحثني بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات «يمكن أن تتطور األوضاع سريعا أخذا في االعتبار أن القيادات اإلقليمية هددت بابعاد قطر من مجلس التعاون». ومن جهة أخرى ،أضرت العديد من التطورات التي وقعت في املنطقة على األق��ل منذ االنتفاضات العربية بالعالقات ب�ين واشنطن ودول الخليج العربي .ويقع اللوم بشكل أساسي على تباين السياسات تجاه الشرق األوسط دائم التغير باإلضافة إلى الصدع الذي شق صف دول مجلس التعاون والعوامل الدافعة له .كما أضاف تغير السياسات تجاه إيران وقضية السالح النووي إلى أسباب الخالف داخل هذا التحالف. وباملثل ،تتنامى مخاوف دول الخليج من أن تتخلى الواليات املتحدة عنها وهو ما يدفع العديد من دول الخليج ألن تتخذ ،وفقا ملا يقوله فريدريك ويهري ،الباحث بمؤسسة كارنيغي للسالم الدولي «سياسة خارجية أكثر نشاطا وقوة في املنطقة» وهو ما يمكن في بعض الحاالت أن «يعارض أو يعرقل املصالح األميركية».وتعد كل من مصر وسوريا نموذجني رئيسني يبرزان تباين أجندات دول مجلس التعاون الخليجي وهو ما يزعج صناعة السياسة األميركية الخارجية. وفيما يتعلق باألولويات االستراتيجية األميركية في الشرق األوسط، سوف يكون اختالفات بني اعضاء مجلس التعاون الخليجي ضربة أخرى إلى استراتيجيتها في الشرق األوسط التي تعاني من العثرات ب��ال�ف�ع��ل .ف��أخ��ذا ف��ي االع�ت�ب��ار وج ��ود ال�ع��دي��د م��ن ال�ق��واع��د العسكرية األميركية املحورية التي تقع على أراضي دول الخليج والتعاون املستمر منذ أمد طويل ملكافحة اإلرهاب وتحقيق أمن الطاقة ،ال يمكن للواليات املتحدة أن تتحمل خسارة عالقاتها ب��أي من ال��دول املشكلة ملجلس التعاون الخليجي. وعلى الصعيد ذاته ،سوف يضر انهيار العالقات الدبلوماسية وعالقات التعاون بني الدول األعضاء في مجلس التعاون إلى حد بعيد باملصالح األميركية السالف ذكرها .ومن ثم فإنه من الضروري لواشنطن أن تظل دول مجلس ال�ت�ع��اون م��وح��دة وق��وي��ة ،خ��اص��ة إذا م��ا أخ��ذن��ا في االعتبار مهمة م��وازن��ة ذل��ك ال�ع��دد م��ن التهديدات اإلقليمية ب��داي��ة من إيران وصوال إلى اإلرهاب اإلسالمي .وربما استغلت واشنطن رحلة الرئيس باراك أوباما إلى السعودية في مارس املاضي كفرصة لتأكيد استمرارية الدعم األميركي والتأكيد على نواياها ألن تظل شريكا فاعال في مواجهة التهديدات اإلقليمية عبر استمرار التعاون األمني .وربما تسعى الواليات املتحدة لنهج مقاربة أق��وى لتشجيع وضع نهاية ملا يعد نزاعا عائليا رغم أن ذلك لن يكون باملهمة اليسيرة ،حيث أثبتت قطر أنها ترغب في أن تستمر مسرحا مركزيا وأنها لن تتخلي عن األضواء بسهولة <
ويعد العامل الثاني الذي كان يقف وراء موقف الدول الثالث األعضاء بمجلس التعاون الخليجي هو الجدال الذي دار مؤخرا حول يوسف القرضاوي ،وه��و الزعيم الروحي لجماعة اإلخ��وان املسلمني واملقيم بالدوحة وهو الجدال الناجم عن اتهاماته املتكررة وخطاباته التحريضية ض��د ب�ع��ض ال ��دول الخليجية ال سيما االم � ��ارات .وق��د أث ��ارت خطبه وتصريحاته غضب قائد ع��ام شرطة دب��ي ضاحي خلفان التميمي وهو ما دفعه إلى إصدار أمر اعتقال للشيخ اإلسالمي .فمن وجهة نظر قائد الشرطة ،يحض خطاب القرضاوي على العنف داخل دول مجلس التعاون الخليجي ومن ثم يجب وقفه.
في املنطقة .فعلى سبيل املثال كانت قطر تدعم حركة التجمع اليمني لإلصالح في اليمن وساعدت قوات املعارضة الجهادية املتشددة في سوريا وكانت تدعم الثورة الليبية وتبثها لحظة بلحظة على التلفزيون. وفي الوقت الراهن ،يعد أحد أسباب االستياء الرئيسة للسعودية هو دعم قطر ودفاعها عن جماعة اإلخوان املسلمني .فبعد سقوط حسني مبارك وانتخاب مرشح اإلخوان املسلمني محمد مرسي كرئيس ملصر، تعهدت إيران باملساعدة على حل األزمة املالية التي يواجهها االقتصاد املصري عبر تقديم نحو 7.5مليار دوالر خالل العام الذي حكم فيه مرسي؛ وهي الخطوة التي أقلقت بعض الدول حيث كان سقوط مبارك الحليف وتمكني أق��وى الحركات اإلسالمية باملنطقة،جرت ترجمته كخطر واضح على امن الشرق االوسط والخليج .كما أعرب العديد داخل مصر عن غضبهم من التقارب بني الدوحة وجماعة اإلخوان املسلمني (والذي نظر إليه باعتباره تدخال في الشؤون الداخلية املصرية ودعما لعوامل االضطرابات) وهو ما تجلى في إعادة الحكومة املصرية لودائع قطرية تبلغ قيمتها ملياري دوالر في سبتمبر .2013
وم��ن جهة أخ ��رى ،ل��م تكن فقط تصريحات ال�ق��رض��اوي ه��ي العامل الوحيد خلف غضب ال��دول الثالث بمجلس التعاون الخليجي ،حيث كان هناك عامل آخر يتعلق بأن قطر ،وكما تقول «واشنطن بوست» قد استخدمت «شبكة الجزيرة العربية كمنصة لخطاب املعارضة ضد الحكومة املصرية مما أث��ار غضب مصر وحلفائها ب��دول الخليج». وذه��ب البعض في واشنطن إل��ى حد وص��ف «ال�ج��زي��رة» بأنها لسان حال اإلخوان املسلمني. وفي إشارة إلى مدى توافق سياسة دول مجلس التعاون بشأن مصر، تعهدت السعودية والكويت واإلمارات بتزويد مصر بمبلغ يصل إلى 12 مليار دوالر من املنح والقروض منعدمة الفوائد مباشرة بعد اإلطاحة النزاع الخفي بمرسي. على أي��ة ح��ال ،ف��إن ال�خ�لاف اللفظي انتقل إل��ى خ�لاف م��ادي فعلي .ومنذ سقوط مرسي ،وجدت قطر طرقا أخرى لدعم جماعة اإلخوان فكما يشير برنارد هايكل ،األستاذ بجامعة برنستون« :كانت قطر املصرية ،ك��ان أب��رزه��ا استضافتها إل��ى ع��دد متنام م��ن اإلسالميني تقود مساعي خلع األنظمة العربية السلطوية من تونس إلى سوريا امل�ص��ري�ين وال�س�م��اح ل�ه��م ب��االس�ت�م��رار ف��ي ال��دف��اع ع��ن قضيتهم من وكانت فاعلة على العديد من الجبهات حيث كانت تقدم الدعم اإلعالمي األراضي القطرية وعبر وسائلها اإلعالمية .ويعود هذا التوجه لسنوات والدعائي وتوفر املساعدات املالية والعسكرية وتتدخل في النزاعات بني سابقة ،حيث كان القرضاوي نفسه يثير املشاكل لدول عربية وخليجية ملدة طويلة من األراضي القطرية وعبر قناة «الجزيرة» التي تمولها قطر. العديد من الجماعات املتمردة». ف�ق��د دع �م��ت ق�ط��ر ال�ف�ص��ائ��ل اإلس�لام �ي��ة ال�س�ن�ي��ة ال �ت��ي ت�س�ع��ى إلث��ارة ولم تكن السعودية فقط هي من فاض بها الكيل إثر تلك املمارسات ،بل االضطرابات في ال��دول السلطوية .كما سهلت األجندة اإليرانية في إن السلطات املصرية نفسها قد بدأت تتخذ إجراءات بنفسها ملواجهة املنطقة من خالل عالقتها القوية بإيران ودعمها لحزب الله وغيره من ما تنظر إليه كتدخل قطري عدائي حيث أغلقت مكاتب «الجزيرة» التنظيمات التابعة إلي��ران .وينظر إل��ى ذل��ك السلوك باعتباره سلوكا بالقاهرة واحتجزت عددا من صحافييها.
اجتماع لوزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي الـ 32الذي عقد في البحرين -صورة ارشيفية 28 -مارس (اذار) ( - 2013واس)
,,
منذ حل قطر جماعة اإلخوان املسلمني في عام 1999 انحسر خطر تهديد الجماعة لألمن الداخلي القطري
,,
يمثل تهديدا خطيرا لألمن الداخلي لبلدان مثل السعودية والبحرين
واإلمارات وهو ما يرجع في جانب كبير منه إلى االضطرابات الطائفية طريقة العمل
الداخلية داخل تلك البلدان. وكان من بني املمارسات القطرية األخرى التي أثارت غضب جيرانها وإن ولكن ملاذا تميل قطر «لالنحياز للفريق اآلخر» من خالل دعمها الواضح كانت تمثل تهديدا أقل خطرا على أمنها هو تأييدها للفصائل املتنازعة لجماعة اإلخوان وغيرها من اإلسالميني في املنطقة؟ يعد هذا السؤال ذا
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
17
شؤون سياسية
دائما ما أدى املوقع االستراتيجي لدول الخليج ووفرة موارد الطاقة بها إلى جعلها موقعا للنزاعات العاملية وساحة للعديد من النزاعات اإلقليمية .كما أسفرت االنتفاضات العربية عن إثارة العديد من النزاعات األخرى في دول الخليج التي يمكنها أن تصبح حجر عثرة أمام السياسات األميركية والغربية صوب الشرق األوسط بأسره .فخالل الشهرين املاضيني ،هيمنت الخطوات االستراتيجية والخطوات املضادة التي اتخذها العديد من األطراف في دول الخليج على عناوين األخبار وكان جميعها يؤكد الحقيقة الواضحة :وهي أن اختالف وجهات النظر بني أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي أصبح يمثل تحديا كبيرا أمام استراتيجيات الواليات املتحدة صوب املنطقة.
تأثير الخالف في وجهات النظر بني مجلس التعاون الخليجي على السياسة األميركية باملنطقة
الرهان على األمن بقلم: تالي هلفونت
,,
ال يمكن للواليات املتحدة أن تتحمل خسارة عالقاتها بأي من الدول املشكلة ملجلس التعاون الخليجي
,,
16
تشعر الواليات املتحدة؛ التي تعتمد إلى حد بعيد على عالقتها االستراتيجية بالبلدان التي تشكل مجلس التعاون الخليجي وتتعاون معهم لضمان أمن الطاقة (وموازنة التهديد اإليراني)، بالقلق حيال تلك التطورات .وتقع دولة قطر التي تحظى بأهمية بالغة رغ��م ص�غ��ر حجمها ف��ي ق�ل��ب ال �ن��زاع ال�ح��ال��ي داخ ��ل مجلس ال�ت�ع��اون الخليجي .فقد حافظ األميركيون والقطريون على تحالف وثيق منذ بداية التسعينات من القرن املاضي .وبعد القيام بعمليات عسكرية مشتركة خالل عاصفة الصحراء في عام ،1991توصل البلدان إلى اتفاقية تعاون عسكري ما زالت فاعلة حتى يومنا الحالي .ويعد مركز العمليات الجوية املشتركة للشرق األوسط الذي يقع في قاعدة «العديد» الجوية وغيرها من املنشآت في قطر من العناصر الحيوية بالنسبة للقيادة املركزية األميركية .وكذلك ،كان املسؤولون األميركيون دائما ما يصفون التعاون ملكافحة اإلرهاب بني البلدين منذ 2001باعتباره تعاونا حيويا . ومن ثم ،وجدت واشنطن سلوك قطر خالل السبع أو الثماني سنوات املاضية سلوكا مربكا وع�ل��ى نحو م��ا متناقضا .فمن ج�ه��ة ،كانت قطر شريكا حقيقيا في العمل على تحقيق االستقرار باملنطقة .ومن جهة أخرى ،تتهم قطر بدعم وتمويل عناصر في جميع أنحاء املنطقة تعرب صراحة عن عدائها للواليات املتحدة والغرب بصفة عامة .وفيما لم يفعل األميركيون شيئا حيال مخاوفهم سوى املناقشات همسا حول كيف يمكنهم دفع قطر مرة أخرى إلى «االتجاه الصحيح» ،اتخذ جيرانها العرب إجراءات حقيقية.
االستحواذ على عناوين األخبار ففي 5م��ارس (آذار) ،2014أص��درت ك��ل م��ن السعودية والبحرين واإلم ��ارات ،وجميعها دول أعضاء بمجلس التعاون الخليجي ،بيانا مشتركا يعلن سحب سفرائهم من دولة قطر؛ العضو أيضا بمجلس التعاون الخليجي .وفي البيان وصفت الدول الثالث السياسة الخارجية للدوحة في املنطقة بأنها تهدد أمن ال��دول األعضاء بمجلس التعاون الخليجي .وبصيغة أوض��ح ،يعود سحب السفراء إلى حد كبير إلى دعم قطر لجماعة اإلخوان املسلمني ولسياستها حيال سوريا وعدد من القضايا ذات الصلة. وبعد يومني فقط ،صنفت السعودية رسميا جماعة اإلخوان املسلمني كتنظيم إرهابي ،مما يؤكد بوضوح دعمها للحكومة الجديدة في مصر في مواجهة اإلخ��وان املسلمني .كما تضمنت تلك الخطوات الحازمة،
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
ملواجهة اإلسالميني املتطرفني وقمعهم ،تصنيف جبهة النصرة والدولة اإلسالمية في العراق والشام – جماعتان جهاديتان تقاتالن ضد بشار األسد في سوريا -كجماعات إرهابية .وجاء ذلك بعد شهر واحد من القرار السعودي القاضي بفرض عقوبة السجن ملدة 20عاما على أي شخص ينتمي لجماعة إرهابية أو يشارك في القتال بالخارج أو يقدم الدعم املادي ملثل تلك التنظيمات. وتنظر السعودية وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي إلى قطر كعقبة أمام عملية قمع التطرف اإلسالمي .باإلضافة إلى أنهم يلقون باللوم على قطر نظرا لتراجعها الصريح عن االتفاقات األمنية التي وقعتها مع جيرانها األعضاء في مجلس التعاون الخليجي .وتهدد تلك التطورات بالحد من املساعي التي كانت دول مجلس التعاون الخليجي تبذلها مؤخرا لتعزيز التعاون فيما بينها حول القضايا األمنية .فمنذ عام ،2012التقى كبار وزراء دول مجلس التعاون الخليجي ورؤساؤها عدة م��رات ملناقشة وتأسيس إط��ار أمني عام مشترك لذلك املجلس. ولفترة من الوقت ،كان يبدو أن قطر توافق على تلك املبادرات .فعلى سبيل املثال ،وفي 23نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي ،حضر األمير القطري قمة في الرياض ووقع اتفاقا «إلنهاء أي سياسات أو عالقات بالوكالة تضر دول مجلس التعاون األخ��رى» .وج��رى االحتفاء بذلك االلتزام في الشهر التالي بحضور كافة قيادات مجلس التعاون الخليجي في القمة السنوية بالكويت .وأخيرا ،وفي قمة عقدت فبراير املاضي، واف��ق وزراء خارجية دول مجلس التعاون على «تطوير آلية ملراقبة تنفيذ اتفاق الرياض» . ومع ذلك ،فإن ممارسات قطر سواء قبل أو أثناء أو بعد توقيعها لتلك االتفاقيات الغائمة كشفت بوضوح عن أن لديها أولويات أخرى .فما زالت تؤيد جماعة اإلخوان في مصر وتؤيد بعض فصائل املعارضة املتنازعة في سوريا ،وغيرها من املواقف التي ينظر إليها باعتبارها تجاوزات لذلك االتفاق .ولكن املوقف تفجر في اجتماع عقد في فبراير (ش�ب��اط) املاضي ف��ي السعودية .فبعد اجتماع مغلق استمر ألكثر من تسع ساعات ،رفضت قطر املعايير التي طرحها مجلس التعاون الخليجي لضبط اآلليات التي يمكن عبرها مراقبة وقف «أي سياسات أو عالقات بالوكالة تضر بدول مجلس التعاون الخليجي» .ولم يسفر ذلك الرفض عن غضب السعودية والبحرين واإلمارات فقط بل إنه أكد للمجلس أن ممارسات الدوحة تستهدف تمكني محاوالت املتطرفني التخريبية ليس فقط في بالد الشام بل في دول الخليج أيضا.
مبيعات األس�ل�ح��ة إل��ى م�ص��ر ف��ي أع �ق��اب إط��اح��ة ال�ج�ي��ش بالحكومة اإلسالمية املدنية في يوليو (تموز) ،2013وجدت روسيا فرصة لسد هذا الفراغ .تلت زيارة وفد رفيع املستوى إلى القاهرة برئاسة الوزير الف��روف في نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي ،زي��ارة أخ��رى قام بها مؤخرا وزيرا الدفاع والخارجية املصريان -في أول زيارة رسمية منذ 40عاما – من أجل إتمام صفقة سالح تقدر بنحو ثالثة مليارات دوالر ومن املنتظر معرفة ما إذا كان األمر مجرد صفقة أم تحوال أكبر في توجهات مصر .ولكنها تشير إلى منهج روسيا االستباقي في إقامة العالقات ،كما حدث مع سوريا وإيران. يأتي األردن مثاال آخ��ر .على الرغم من أن درج��ة الشراكة مع اململكة الهاشمية ومصر في عهد عبد الناصر تختلف بدرجة كبيرة (على سبيل املثال ،لم يكن هناك 15ألف خبير عسكري روسي متمركز في األردن) ،إال أن العالقات بني عمان وموسكو منفتحة وتشهد صفقات متبادلة منذ منتصف السبعينات ،فيما عدا معارضة عمان العلنية لحرب الشيشان في الوقت الحالي ،في مواجهة ازدياد احتياجات الطاقة وعدم وجود وسائل فعالة من حيث التكلفة لتلبيتها ،أتمت هيئة الطاقة الذرية األردنية الشهر املاضي عدة جوالت من املباحثات تمهد نتائجها الطريق أمام «روساتوم» الروسية إلقامة أول مفاعل نووي في البالد. قبل عامني ،شكلت لجنة حكومية أردنية وروسية عندما كان بوتني في زيارة إلى عمان .وفي إطار سعيها إلى معالجة عجزها التجاري املزمن ورغبتها في زي��ادة تدفق السياحة ،استمر تفاعل األردن من خالل اللجنة مع نظرائها الروس. تتشارك جميع الدول املذكورة آنفا معا في خوفها املبرر من التهديدات األمنية للتفسيرات املتطرفة لإلسالم واملنظمات اإلرهابية السنية .من شمال القوقاز إل��ى شمال سيناء إل��ى غ��رب ال�ع��راق ،تجاهد ك��ل هذه الحكومات الحتواء الجماعات الجهادية والتخلص منها .تبلي روسيا التي تستمر مخاوفها املبررة من تصدير مثل هذه اآليديولوجيا إلىسكانها من املسلمني الذين يشكلون قطاعا كبيرا -بالء حسنا في دعم تلك الحكومات في املنطقة التي تعمل على منع انتشارها أيضا. يتنوع ن�ط��اق ت�ع��اون روس�ي��ا م��ع دول ال�ش��رق األوس ��ط م��ن اتفاقيات مشروعة (األردن) إلى مبيعات السالح إلى الحكومات املصرية ،إلى تقديم دع��م ثابت متعدد الجوانب إل��ى أنظمة استبدادية مثل (إي��ران وس ��وري ��ا) .األم ��ر امل�ش�ت��رك ف��ي ك��ل ه��ذه ال �ح��االت ه��و ت��دخ��ل روس�ي��ا االنتهازي عندما تكون هناك مساحة لتوسعة نطاق نفوذها ووقف أهداف السياسات األميركية في املنطقة ،دون أن تضع في اعتبارها معاملة هذه الحكومات ملواطنيها.
اعتبارات السياسات األميركية ال تبدو نهاية األزمة األوكرانية قريبة ،وسوف تستمر في اختبار فاعلية الدبلوماسية الغربية .وفي حني يحدو واضعي السياسات األميركيني اآلمال بأن تثبت العقوبات الراهنة املتاحة نجاحها في إجبار روسيا على االلتزام بمطالب الغرب ،فإن هناك إج��راءات أخ��رى محل دراسة مثل املساعدة على بناء الجيش األوك��ران��ي .يدخل االتحاد األوروب��ي في مفاوضات جديدة مع الحكومة األوكرانية املؤقتة لإلسراع بتوقيع اتفاقية الشراكة ،وتلتزم الحكومة األميركية بإمداد أوكرانيا بقرض قيمته مليار دوالر من أجل مساعدة اقتصاد أوكرانيا املتعثر. يعتقد عدد قليل نسبيا من الخبراء األميركيني أن بوتني يرتجل في القرم ،وأنه يتخذ رد فعل على اتهام حليفه الرئيس األوكراني السابق يانوكوفيتش ،ويستغل ف��رص��ة ان�ع��دام االس�ت�ق��رار ف��ي ال�ب�لاد .تقدم تصرفات بوتني األخيرة في الخارج القريب ،باإلضافة إلى نتائج األزمة في سوريا ،قصة لقائد استبدادي لديه استراتيجية كبرى بعيدة األمد. س��وف تلقي تبعات ع��دم احترام روسيا لسلطة الحكومة في كييف
ب��درج��ة م��ا ب��آث��ار سلبية على ال�ش��رق األوس ��ط .وس��وف ت�ك��ون كلمة موسكو أق��ل مصداقية س��واء في املفاوضات من أج��ل ال��وص��ول إلى حل ممكن للحرب األهلية املأساوية في سوريا أو من أجل التسوية في ق��درات إي��ران النووية .يمثل رف��ض بوتني سحب قواته من القرم مجرد قمة جبل الجليد .تحد الدولة التي تملك هذا االستعداد املستمر لالستهانة بالقواعد األساسية في النظام العاملي من ثقة أصدقائها وأعدائها على حد سواء. ليس معنى ذلك عدم وجود بديل على املدى القريب .تملك سوريا قليال من الحلفاء الذين يمكنها االختيار بينهم ،إن وجدوا؛ ومن املؤكد أنه ال يوجد من يملك مصالح ومخاطر مثل تلك التي تملكها روسيا. عالوة على ذلك ،لن يمنع بوتني األسد من اتخاذ إجراء مستقل في الداخل أو الخارج .وكذلك ،ال تملك إيران أيضا نصيبها من الداعمني على الساحة العاملية وكذلك لن يكون مرجحا أن تغير موقفها في مواجهة الكرملني؛ ولكن ستقل احتماالت اعتماد الغرب على روسيا ّ في أن تكون ُمحكما أو مشاركا في حل املفاوضات .ومع االنتخابات الرئاسية املقبلة في سوريا ،يدعو الخبراء واشنطن إلى التركيز على الدولة التي مزقتها الحرب األهلية ،حتى ال يستفيد األسد من االهتمام األميركي بأوكرانيا ويقوم بتزوير االنتخابات .ربما تحيي الحكومة األميركية مباحثات السالم السورية من أجل وقف إراق��ة مزيد من الدماء ،إذا تفوق بوتني في القرم وأعاد توجيه أجندته بتحدي نفوذ الغرب في الشرق األوسط. في إيجاز ،أفضل ما يقوم به واضعو السياسة الخارجية األميركيون هو حماية وتقديم املصالح األميركية ،بأن تشمل سياساتهم إثبات روس�ي��ا االستباقي لذاتها ف��ي ال�ج��وار وال �خ��ارج .وك�م��ا يشير بعض املحللني ،تحتاج ال��والي��ات املتحدة إل��ى تحديد نهاية اللعبة وتطوير استراتيجية عملية لتحقيق هذه النهاية ،اعترافا منها بأنه أينما وجدت حاجة أو فراغ ،في الشرق األوسط أو غيره من املناطق ،سوف ينتهز الكرملني تحت قيادة بوتني الفرصة ليملؤه<
بشار األسد
,,
سوريا آخر حليف عربي لروسيا جدير بالثقة في عالم ما بعد الحرب الباردة والذي كانت موسكو تأمل من خالله امتالك نفوذ سياسي في الشرق األوسط
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
15
شؤون سياسية
تدخل روسيا على املستويني املحلي والدولي .من وجهة نظر الكرملني هناك كثير من األش�ي��اء املعرضة للخطر :منشأة طرطوس البحرية على ساحل البحر املتوسط ف��ي س��وري��ا؛ ومصنعو ال�س�لاح ال��روس الذين يشكلون نسبة 48في املائة من الواردات السورية أثناء توسعها املطرد في التسليح ما بني عامي 2006و2010؛ وآخر حليف عربي جدير بالثقة في عالم ما بعد الحرب الباردة ،والذي كانت روسيا تأمل من خالله امتالك نفوذ سياسي في الشرق األوسط. شن بوتني ،ال��ذي أزعجته احتماالت إضعاف األس��د عسكريا ،حملة دبلوماسية لوقف القصف الوشيك ،وسمح لوزير خارجيته بالتمسك بتعبير بالغي صرح به نظيره األميركي .منحت عدم رغبة أوباما في اتخاذ إجراء دون موافقة الكونغرس وقتا ومجاال للروس للتوسط في قرار مجلس األمن رقم ،2118توافق بموجبه الحكومة السورية على التخلي عن أسلحتها الكيماوية ،مما يلغي مبرر شن رد مسلح على املذبحة التي يرتكبها نظام األسد ضد شعبه. عدت جميع العواصم الغربية هذا الحل السلمي لألزمة تسوية ناجحة، وخطوة تجاه إع��ادة ال��روح إلى العالقات ،والتي كانت تلفظ أنفاسها بالكاد بسبب الخالفات حول الدرع الصاروخية األميركية في أوروبا، وال�ح�م��اي��ة ال�ت��ي قدمتها روس�ي��ا للموظف املتعاقد سابقا ف��ي وكالة األمن القومي إدوارد سنودين الذي جرت إدانته؛ والطرق الدبلوماسية املسدودة بشأن الصراع السوري والبرنامج النووي اإليراني .ولكن ظهر التردد األميركي في اتخاذ رد فعل أكثر حسما تجاه تجاوز «الخط األحمر» في صورة ضعف العزيمة األميركية. وزير الخارجية الروسي سيرغي الفروف
,,
يجد الخبراء األميركيون في شؤون الخارج أن التعامل مع طموحات بوتني بإعادة روسيا إلى مجد االتحاد السوفياتي هو التحدي األول في السياسة الخارجية منذ أعوام وحتى اآلن
,,
14
في أوكرانيا أنها غير فاعلة .بعد االستفتاء ،ص��وت مجلس الدوما الروسي لصالح ضم إقليم القرم .وفي 18مارس ،وقع بوتني ومسؤولو حكومة القرم معاهدة لضم شبه الجزيرة إل��ى روس�ي��ا .وس��وف تتم االتفاقية بمجرد أن تقرها املحكمة الدستورية الروسية ويصادق عليها البرملان الروسي .ويسبب هذا التطور األخير قلقا بالغا لدى الغرب. يعني فشل العقوبات حتى اآلن في الضغط على بوتني من أجل االلتزام بمطالب الغرب واحترام حق الشعب األوكراني في تقرير مصيره ،أنه يجب النظر في طرق أخرى لحل األزمة .في الوقت الحالي ،تشمل هذه الطرق استمرار املباحثات األميركية مع حلفائها في االتحاد األوروبي والناتو ،ومن بينهم بولندا ودول البلطيق من أجل التأكيد على رغبة أميركا ف��ي دع��م شركائها الدوليني وزي ��ادة التكاليف التي تسددها روسيا جراء تصرفاتها غير املشروعة في إقليم القرم.
العودة إلى التدخل في الشرق األدنى
كذلك كانت الحالة مع طهران ،التي لم يقل دعمها لألسد قيد أنملة عندما وردت أنباء وقوع هجوم على غوطة دمشق .أدان الرئيس املنتخب حديثا حسن روحاني استخدام غاز األعصاب سارين ،ولكنه لم يحدد من املتورط في استخدامه .وبعيدا عن هذا االنتقاد ،استمر إم��داد إيران للقوات املوالية للحكومة باملقاتلني واألسلحة واملال والدعم اللوجيستي دون توقف .وعكس انعدام خوف إيران من الرقابة الدولية بسبب دعمها ُ للنظام الوحشي موقفا متجرئا يثق في أن واشنطن ستبعد القصف اإلسرائيلي وربما تكون مرنة في مفاوضات 1+5التالية. يرجع جزء من الفضل فيما تحقق من مكاسب إي��ران األخيرة على الجبهة النووية ،وتخفيف العقوبات ،وما يتعلق بسوريا إلى مصالحها املتماشية مع مصالح موسكو ،ويرجع أيضا إلى التخطيط الروسي. ومنذ عام ،1995ص� ّ�درت روسيا تكنولوجيا نووية إلى إي��ران ،على الرغم من احتجاجات الحكومات الغربية .يشترك القادة الغربيون في مخاوفهم بشأن مسيرة املرشد األعلى علي خامنئي املزعومة لتسليح برنامج ب�لاده للطاقة النووية .تفاقمت هذه املخاوف ج��راء املباحثات الجارية إلقامة مفاعل ثان يمد الحكومة الروسية بالنفط والنفوذ.
قبل بداية املواجهة السياسية حول القرم ،كان أكبر نموذج على فشل م�ح��اوالت ضبط ال�ع�لاق��ات ه��و عجز ال�ق��وى ع��ن ال��وص��ول إل��ى طريق مشترك ذي نفع متبادل للمساعدة على إنهاء الحرب األهلية الوحشية املندلعة في سوريا .وفي ظل توفر تقييم استخباراتي يكشف عن أن عمالء الحكومة السورية استخدموا عن عمد أسلحة كيماوية ضد سكانها املدنيني ،بدأ مخططو السياسات األميركيون في صياغة ردود محتملة ملا يمكن أن يمنع شن مزيد من الهجمات من جهة الرئيس السوري؛ كان أحدها شن حملة قصف جوي ملواقع وقواعد عسكرية. بعيدا عن هذه األحداث املتالحقة ،امتد دعم موسكو املستمر للنظام ال�س��وري منذ ع�ق��ود ،ب��داي��ة م��ن ع��ام 1970تحت حكم ح��اف��ظ األس��د واستمر م��ع تولي ابنه الرئيس الحالي بشار األس��د الحكم .بعد أن تحولت مظاهرات الربيع العربي السلمية في سوريا إلى عنف متزايد يجري تجديد العالقات في مناطق أخرى في العالم العربي ،تتضمن مع االعتداءات العنيفة التي تقوم بها الدولة في صيف عام ،2011تزايد مصر الشريك القديم ل��روس�ي��ا .وف��ي ظ��ل ق��رار إدارة أوب��ام��ا بتقييد
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
وفيما يتعلق بمجموعة ال��دول ،1+5ق��دم وزي��ر الخارجية ال��روس��ي سيرغي الف��روف دعما راسخا ملساعي طهران لتخفيف العقوبات التي فرضتها الواليات املتحدة وأوروبا ،في جزء كبير من حملة روسيا الواسعة لرفع العقوبات كوسيلة للحفاظ على النظام العاملي .وعلى صعيد سوريا ،يتعلق التعاون الروسي مع إيران بتداخل املصالح بدال من التخطيط للتدخل من الكرملني؛ بيد أن استخدام مبعوث روسيا لدى األمم املتحدة بيدالي تشوركني املستمر لحق الفيتو حقق حماية فعالة للعرب والفرس من أعضاء هذا الثالوث االستبدادي ضد اتخاذ إجراء أكثر حسما ضدهم في الجمعية العامة.
ي�ض��ع ال�ك�ي��ان األول ل�ه��ذه امل �ب��ادرة ،ب�ق�ي��ادة روس �ي��ا ،ات �ح��اد ال�ج�م��ارك األوراس ��ي ،روسيا البيضاء وكازاخستان من بني أعضائه( ) .كما أدرج االتحاد أرمينيا كمرشح للعضوية بعد أن قرر الرئيس سيرج سيركسيان االمتناع عن توقيع اتفاقية الشراكة مع االتحاد األوروبي في سبتمبر (أيلول) عام .2013استغل بوتني بفاعلية الصراع الدائر بني أرمينيا وأذربيجان في ناغورني كاراباخ لتقديم أجندته الخاصة. بعد أن ملح عالنية الحتمالية تصعيد ال�ص��راع في ه��ذه املنطقة ببيع أسلحة إلى أذربيجان ،استطاع إقناع سركسيان بترك املباحثات املطولة من أجل اتفاقية الشراكة مع االتحاد األوروب��ي التي كانت تسبق قمة فيلنيوس في نوفمبر (تشرين الثاني) .2013 بعد أن استمروا في الصراع من أجل تحقيق االستقالل الكامل عن روسيا ،أصبح قادة جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا مقتنعني بأن مصير استقاللهم في يد الغرب .ال يمكن ضمان نتيجة ذلك سوى بتحقيق مزيد من التكامل الذي ال يمكن الرجوع فيه مع الغرب؛ وبالتالي ،يأتي االنضمام إلى االتحاد األوروبي وحلف الناتو على قمة أجندات حكومات هذه الدول. بعد االحتالل العسكري الروسي الحالي إلقليم القرم في أوكرانيا، والتهديد ال��واض��ح ب�غ��زو أج��زاء أخ��رى م��ن ش��رق أوك��ران�ي��ا ،أصبحت س�ي��ادة ال��دول��ة معرضة للخطر .تشكل أزم��ة أوك��ران�ي��ا تحديا رئيسا للواليات املتحدة حيث إنها أدت إلى تدهور شديد في العالقات الروسية األميركية .وقد تحدث نتائج هذه األزمة تغييرا كبيرا في ميزان القوى العاملي الراهن ،ويعرقل النفوذ األميركي خارج وسط أوروبا وشرقها أوراسيا .منذ عدة أشهر فقط لم يكن مسؤولون أميركيون ليعترفوا ص��راح��ة بفكرة أن هناك م��ا يشبه ال�ح��رب ال �ب��اردة ي��دور اآلن بيد أن املحللني يعترفون اآلن صراحة بـ«لعبة الشطرنج» التي يلعبها بوتني ضد الغرب. أص��درت واشنطن بيانات صريحة ضد تصرفات بوتني ،وفرضت
عقوبات على بعض الشخصيات من ذوي النفوذ في الحكومة الروسية بتجميد أرصدتهم الخارجية ،وفرضت قيودا على سفرهم وسحبت تأشيراتهم .ووقفت الواليات املتحدة إلى جانب املجتمع الدولي الكبير في إدان��ة االستفتاء ال��ذي أج��ري في القرم لتقرير ما إذا ك��ان اإلقليم سيظل جزءا من أوكرانيا .وعلى الرغم من أن مجلس األمن التابع لألمم املتحدة رفض هذا االستفتاء ،فإن حكومة القرم أجرت االستفتاء غير الدستوري في 16مارس (آذار) .ووفقا للسلطات املساندة من جهة الروس في القرم ،صوت 94في املائة من املشاركني في استفتاء 16 مارس لصالح انفصال القرم عن أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا .ردا على ذلك ،تعهد االتحاد األوروب��ي والواليات املتحدة بزيادة العقوبات التي تستهدف شخصيات روسية أخرى مؤثرة .وفي 17مارس ،وقع الرئيس أوباما على قرار رئاسي يدرج قائمة بالشخصيات الروسية التي ستفرض عقوبات ضدها .تتضمن هذه القائمة املكونة من 11 اسما (تدرج قائمة االتحاد األوروبي 21اسما) سياسيني وبرملانيني روس��ا ومساعدي ومستشاري الرئيس بوتني باإلضافة إل��ى تجار أسلحة روس وداعمني ماليني رئيسني ألف��راد في الحكومة الروسية. كما تضمنت قائمة الشخصيات التي فرضت عليها عقوبات الرئيس األوك��ران��ي السابق يانوكوفيتش ال��ذي ه��رب إل��ى روسيا بعد توجيه اتهامات ضده. يسري اعتقاد بني واضعي السياسات الخارجية األميركيني بأنه ما زال من املمكن حل أزمة أوكرانيا عن طريق الدبلوماسية .املقصود من هذه العقوبات هو بعث رسالة قوية إلى القادة ال��روس والضغط على الحكومة من أجل التعاون مع املجتمع الدولي .ولكن تتسم املساعي إلى إيقاف روسيا املتهورة بأنها رد فعل بدال من أن تكون جزءا من تخطيط استراتيجي ،وفي ذلك عجز عن االنتباه إلى أن اعتداء موسكو األخير على دولة أخرى مستقلة يعد جزءا من مبادرة أكبر يقودها بوتني لتعزيز فكرة أن االتحاد الروسي طرف قوي على الساحة العاملية. حتى اآلن أثبتت جميع العقوبات التي فرضت بسبب سياسات بوتني
الرئيس الروسي فالديمير بوتني أثناء حضوره الحفل الختامي لدورة االلعاب االوملبية الشتوية -مارس 2014
,,
تستمر روسيا في دعم حليفتها القديمة سوريا وتقدم غطاء سياسيا َّ فعاال إليران ومساعدة تقنية لبرنامجها النووي
,,
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
13
شؤون سياسية
يمكن القول إن العالقات الروسية األميركية وصلت إلى أدنى درجاتها منذ نهاية الحرب الباردة .ترك تصرف روسيا الصادم بتجاهل سيادة أوكرانيا وغزو إقليم القرم واضعي السياسات حول العالم في حالة من االرتباك .تشهد صور القوات الروسية املحيطة باملنشآت العسكرية واملطارات على انتهاء محاولة «إعادة ضبط» العالقات الروسية األميركية ،التي بدأت منذ خمسة أعوام في قمة الدول العشرين التي أقيمت في لندن. منذ ذلك الحني ،وبعيدا عن اتفاقية خفض السالح النووي الجديدة وجوالت التعاون الدبلوماسي بني حني وآخر ،ال تشهد العالقات بني الدولتني سوى التدهور.
كيف تمثل عودة روسيا «بوتني» إلى إثبات ذاتها تحديا لسياسات الغرب في الشرق األوسط؟
اآلثار اجليوسياسية ألزمة أوكرانيا بقلم: ريتشارد كرايمر ومايا أوتاراشفيلي
,,
تسعى موسكو بانتهازية إلى تعميق عالقاتها مع مصر واألردن في املجاالت التي تركتها الواليات املتحدة فارغة
,,
12
ليس من الغريب أن تحدث هذه االنتكاسة في ظل حكم الرئيس فالديمير بوتني لروسيا .يأتي الغزو الروسي للقرم في فصل آخر جديد من ملحمة ما بعد االتحاد السوفياتي املعروفة، التي يلجأ فيها الكرملني إل��ى التدخالت العسكرية في دول االتحاد السوفياتي السابق التي أصبحت مستقلة ،كوسيلة إلضعاف حكومات هذه الدول املجاورة وتحدي سياسات الواليات املتحدة والقوى الغربية عامة .ترمز عدم رغبة موسكو في املساعدة على حل الصراعات املستمرة في مناطق مثل ترانسنستريا ،وغزوها العدواني لجورجيا في عام ،2008واعتداؤها األخير على سيادة أوكرانيا باحتالل إقليم القرم ،إلى مخططات روسيا إلعادة إثبات هيمنتها على نطاق إقليمي. عالوة على ذلك ،ال تقف هذه املحاوالت إلثبات القوة عند الحدود القريبة من االتحاد الروسي .في منطقة الشرق األوسط ،تستمر روسيا في دعم حليفتها القديمة سوريا :وتقدم غطاء سياسيا َّ فعاال إليران ومساعدة تقنية لبرنامجها النووي؛ وتسعى بانتهازية إلى تعميق عالقاتها مع مصر واألردن في املجاالت التي تركتها الواليات املتحدة فارغة .إن ما تملكه املنطقة من مصادر الطاقة وأسواق الصناعة والسالح املحتملة وتصدير الفكر اإلسالمي املتطرف يجعل من الضروري للغاية عدم ترك املنطقة دون اهتمام. وفي حني كان يجري اإلعداد الستراتيجية بوتني في استعراض القوة منذ عدة أعوام ،فإنها أصبحت ذات تأثير في الوقت الحالي .تنبع جرأة صناع القرار في السياسة الخارجية الروسية من اعتقادهم بأن اإلدارة األميركية الحالية عاجزة عن القيادة والعزم الضروري لكبح أطماعهم؛ ولكن هذا مجرد حدس .في الوقت الحالي يضع واضعو السياسات الخارجية األميركيون استراتيجيات بشأن كيفية تحقيق التوازن بني تطلعات روسيا الجيوسياسية التي تمثل تهديدا ،وفي الوقت ذاته تقديم ّ حوافز لروسيا للتعاون على نحو بناء مع املجتمع الدولي.
التخندق في الخارج القريب يجد واضعو السياسات والخبراء األميركيون في شؤون الخارج القريب من روسيا أن التعامل مع طموحات بوتني بإعادة روسيا إلى مجد يشبه عهد االتحاد السوفياتي هو التحدي األول في السياسة الخارجية منذ أع��وام وحتى اآلن .أشار بوتني في عدة مواقف إلى أنه يعتبر سقوط االتحاد السوفياتي أكبر مأساة حلت في القرن العشرين .تعيش دول االتحاد السوفياتي املنهار باإلضافة إلى الدول التابعة له في ظل نفوذ
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
روسيا منذ أعوام استقاللها األولى .وعلى الرغم من تضاؤل النفوذ الروسي كثيرا في 11دولة بعد عهد الشيوعية والتي أصبحت اليوم أع�ض��اء ف��ي االت�ح��اد األوروب� ��ي ،فإنها م��ا زال��ت ذات أهمية ب�ين ال��دول األعضاء في االتحاد السوفياتي سابقا .ما زالت بعض من هذه الدول بالفعل داخ��ل نطاق النفوذ ال��روس��ي ،ال سيما تلك الواقعة في آسيا الوسطى .وفي املقابل ،يجاهد بوتني من أجل تعزيز هيمنة بالده على دول جنوب القوقاز (جورجيا وأرمينيا) ،باإلضافة إلى الدول التي تقع مباشرة على حدود االتحاد األوروب��ي ،مثل مولدوفا وأوكرانيا .يظل النفوذ الغربي كبيرا في ه��ذه ال��دول؛ كما تظل هناك آم��ال كبيرة في تحقيق تحول ديمقراطي ورغبة في تكامل أوثق مع االتحاد األوروبي. أصبحت كل من أرمينيا وجورجيا ومولدوفا وأوك��ران�ي��ا في الوقت الحالي قطع شطرنج في الصراع العنيف الشهير الدائر بني روسيا وال �غ��رب .ت �ش��ارك االس�ت�ث�م��ارات األم�ي��رك�ي��ة ف��ي التنمية االق�ت�ص��ادي��ة والتحول الديمقراطي في هذه الدول بنسبة كبيرة .وتؤدي هذه الدول، التي ما زالت في مراحل انتقالية ،دورا جيوسياسيا مهما في الربط بني الغرب والشرق ،وأوروبا وآسيا ،وتعد منطقة عازلة بني روسيا وأوروبا. تمثل أوكرانيا بمفردها مركزا ذا أهمية قصوى لنقل الطاقة بني أوروبا وآسيا ،ولروسيا على وجه التحديد. من املعروف أن بوتني يملك نفوذا كبيرا في مجال االقتصاد والطاقة والجغرافيا السياسية في الدول املجاورة لروسيا .وكان لفرض حظر على منتجات جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا نتائج مدمرة على اقتصاد هذه الدول في املاضي .ويظل ارتفاع أسعار الطاقة أو قطع إمدادات الطاقة كلية عن مولدوفا وأوكرانيا أداة أخ��رى شديدة الفاعلية تستخدمها روسيا .وكما هو الحال في معظم الدول في املنطقة ،تعاني هذه الدول الهشة أيضا من قضايا تتعلق بوحدة أراضيها ويستمر وجود القوات املسلحة الروسية في مناطقها االنفصالية ليمثل مشكلة كبرى .منح دور حفظ السالم الذي عينت روسيا ذاتها لتأديته فرصة دخول ال تقدر بثمن عندما اندلع الصراع في إقليم أوسيتيا الجنوبية في جورجيا عام .2008أسفر الصراع عن مقتل وتشريد اآلالف داخل األراضي ذات السيادة الجورجية ،خارج مناطق الصراع .وأدى ضعف رد الفعل الدولي مع عدم وجود إج��راء من جانب الغرب ملعاقبة روسيا بسبب تدخلها غير املشروع إلى تعزيز اعتقاد بوتني بضعف وعجز الغرب. في سبيل مواجهة محاوالت االتحاد األوروبي للتوسع شرقا ،أسس بوتني اتحاد أوراسيا الذي من املقرر أن يتكون رسميا في عام .2015
بتشارك السلطة مع عالوي بتوليه رئاسة مجلس األمن القومي الذي يمتلك الصالحيات للموافقة على كل التشريعات املهمة بمجرد أن يوافق عليها رئيس ُ الوزراء .كان القرار خطة لتعزيز السلطة ،لكنه أيضا فرض على املالكي من قبل حلفائه األكراد وبضغط من املسؤولني األميركيني. وعلى الرغم من هذا الضغط ،كانت للمالكي خطط أخرى .بدأ في استهداف الجيش واملحاكم والوزارات لجعلها تحت سيطرته .واحتفظ بلقب ودور وزيري الدفاع والداخلية لنفسه وأخرج بعض الوحدات األمنية الخاصة من وزارة الدفاع، ونظم التسلسل الهرمي العسكري وسيطر على جميع التعيينات في الرتب العليا ،وبالتالي قوض تسلسل القيادة العسكرية ،حتى أصبح الجيش عمليا ال يشكل خطر االنقالب. جمع بني الجيش والشرطة في منصب واحد تحت قيادة رجل واحد من أجل السيطرة على جميع امل�ه��ام األم�ن�ي��ة ،وش��دد سيطرته على األج�ه��زة األمنية واالستخباراتية .احتفظت قوات األمن الشيعية املتخفية كميليشيات بالسجون السرية وقامت بعمليات اختطاف وقتل مستهدف مع اإلفالت من العقاب .وقام املالكي بخطوات مماثلة بجعل مؤسسات الحكومة تحت سيطرته املباشرة .في بداية ،2010وضع املحكمة الفيدرالية العليا والبنك املركزي والعديد من الهيئات املستقلة التي أنشأها األميركيون ملراقبة االنتخابات وحماية حقوق اإلنسان ومحاربة الفساد تحت سيطرته املباشرة .وقرر أنه يمكن ملجلس الوزراء فقط، وليس البرملان ،اقتراح التشريعات ،وأنهى حق البرملان في استجواب الوزراء .في ديسمبر (كانون األول) عام ،2011في اليوم الذي انسحبت فيه القوات األميركية رسميا من العراق ،أمر املالكي باعتقال العديد من السياسيني البارزين من العرب السنة العراقيني ،بما في ذلك نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، بهم والفعليني إلى محاولة تكرار عملية تعزيز القوات الناجحة في عامي 2006 بتهمة التخطيط لالنقالب ،وهدد باعتقال املطلك والنجيفي. 2007والتي نفذتها القوات العراقية واألميركية .يسعى املالكي لإلسراع بتسلماألسلحة من أميركا وتدريب املخابرات ومكافحة اإلرهاب .ويكرر املالكي أيضا الخطأ األكثر خطورة الذي ارتكبه املالكي خطة استخدمتها من قبل كل من حكومة اإلنجليز أثناء االنتداب وصدام :من خالل دفع وتسليح امليليشيات القبلية للمحاربة من أجله .ووفقا لتقرير نشر ربما يكون الخطأ األكثر خطورة الذي ارتكبه املالكي في ،2007بعدما أحبطت في جريدة «نيويورك تايمز» منتصف يناير (كانون الثاني) ،وعد رئيس الوزراء القوات األميركية وميليشيات قبائل السنة العراقية جهود «القاعدة» للسيطرة رجال القبائل بوظائف دائمة ،ومعاشات تقاعدية واستحقاقات عند الوفاة، ع�ل��ى م�ن��اط��ق ش�م��ال غ��رب��ي ال �ع��راق .رف��ض امل��ال�ك��ي ال��وف��اء بتعهداته بتعيني وملح بإصدار عفو عن املعتقلني الذين عارضوا الحكومة .ولكن ربما ال يشمل ميليشيات الصحوة العاطلني واملحبطني ،وكثير منهم م��ن ضباط الجيش ذلك البعثيني السابقني ،وهو األمر الذي طالب به بعض السياسيني السنة ولكن واألمن السابقني ،في مواقع رسمية ُوإعطاءهم رواتب حكومية .وبدال ُ من ذلك ،قوبل برفض شديد من الفصائل الكردية والشيعية. تجاهلهم بل وفي كثير من الحاالت أجبروا على الفرار من البالد أو قتلوا.
,,
ال يزال هناك انعدام في الثقة بني املالكي والسنة في محافظة األنبار .تستفيد ينظر بعض العراقيني إلى أن املالكي في طريقه ألن يكون صداما جديدا .أصبح الدولة اإلسالمية في العراق والشام من ضعف الحكومة ومن مخاوف السنة املالكي ،مثل صدام ،ماهرا في استخدام الخطاب القومي في املواقف املناسبة من مزيد من التهميش وقمع الدولة وفوضى الحرب األهلية في سوريا ملهاجمة والخطاب والتناول الطائفي عندما يتصور أنه أكثر فائدة. الشيعة في العراق وقوات الحكومة. يسعى املالكي إل��ى حل أزماته عبر إج��راء التسويات السياسية ،مثل اتفاق أرب�ي��ل ،الستمالة خصومه ،وك��ذل��ك ف��ي استخدام الحجج الدستورية للدفاع وفي املقابل ،ال يبدو أن السنة يريدون دولة منفصلة .ما يريدونه هو الحصول عن رفضه لتنفيذ تنازالت سياسية سابقة في حني يتحرك لعزل وتخويف على النفوذ إلى جانب املالكي أو من يخلفه كرئيس للوزراء .في نهاية يناير ،كان واعتقال املعارضني .وقد ساعده على ذلك االنقسام الذي وقع في العام املاضي متوقعا أن يزور املنافسون السياسيون للمالكي من السنة – املطلك والنجيفي، في القائمة العراقية وع��زوف القادة البرملانيني من السنة عن إنهاء العالقات وع�ل�اوي امل��رش��ح للمنصب ب��اس�ت�م��رار وب��ارزان��ي رئ�ي��س إقليم ك��ردس�ت��ان - معه علنا. واشنطن للحصول على قبول من الواليات املتحدة بطموحاتهم السياسية، من املزيد إنشاء أو السلطة في املشاركة أن من بوضوح �ه � ي رأ املالكي وق��ال وتأكيد الكونغرس على صدق قيمهم الديمقراطية في مكافحة التطرف .في ويشاركه الحالية. العراق مشاكل يحل لن املحافظات في الذاتي الحكم مناطق الوقت نفسه ،ينظمون ونظراؤهم الشيعة ائتالفات سياسية تهدف لالستفادة في وجهة نظره كثير من العراقيني .ويدافع بأن في الدول الديمقراطية للفائز من القانون االنتخابي الجديد وهزيمة املالكي في أبريل. الحق في تشكيل الحكومة مع وزراء ومسؤولني يختارهم هو .ينطبق ذلك على دولة لها تاريخ من انتخابات حرة ونزيهة وقبول بسلطة القانون ونظام الفصل إذا كان املالكي ق��ادرا على كسر شوكة ميليشيات «داع��ش» – الكسر يعني بني السلطات .ولكن العراق ليس هذه الدولة ،واملالكي ليس هذا الزعيم ،وأصبح هزيمتهم وقتلهم – قبل انتخابات أبريل ،سيستطيع ائتالف دولة القانون التابع أمام العراقيني الذي عانوا كثيرا طيلة عقود ماضية من الظلم والديكتاتورية له الفوز بمقاعد كافية إلعادة انتخابه رئيسا للوزراء .ولكن إذا تعثرت جهوده، إما قبول املالكي أو معارضة تصرفاته علنا. وإذا فشلت الفصائل الشيعية في التوحد خلفه ،وإذا ما قررت إيران دعم مرشح
,,
هل ستكون هذه معركة املالكي األخيرة؟ قام املالكي بتغيير استراتيجيته من تنفيذ عمليات اعتقال اإلرهابيني املشتبه
آخر ،حينئذ من غير املحتمل أن يفوز املالكي بفترة ثالثة <
رئيس الوزراء العراقي نوري املالكي يتحدث في مؤتمر صحافي مشترك مع األمني العام لألمم املتحدة بان كي في بغداد حول الوضع في العراق وسوريا في 13يناير 2014خالل زيارة بان كي مون إلى العراق
يواجه املالكي اآلن أخطر وربما آخر معاركه االنتخابية إذا فشل في وضع حد للعنف الذي اندلع في األنبار ونينوى واملوصل
* أستاذة في معهد دراسات الشرق األوسط في جامعة جورج واشنطن. وكانت قبل ذلك كبيرة زمالء بارزة في املعهد الوطني للدراسات االستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
11
شؤون سياسية
لم يتبق سوى أسابيع قليلة على إجراء االنتخابات الوطنية ملجلس النواب العراقي ،التي تجرى كل أربع سنوات، واملقرر إجراؤها في 30أبريل (نيسان) الحالي .وكما هو الحال في معظم البلدان بالنسبة النتخابات مفتوحة نسبيا ،ينبغي على كل املرشحني والفصائل أن يتنافسوا على كسب مؤيدين ،وتدشني حملتهم االنتخابية في انحاء البالد .وهذا ما يحدث بالفعل ،في العراق ،حيث أعلن سياسيون بارزون ترشحهم وحثوا أحزابا وفصائل أخرى على االنضمام إلى قوائمهم أو تحالفاتهم.
أزمة األنبار عقبة كبيرة أمام رغبة رئيس الوزراء العراقي في فترة ثالثة
معركة املالكي األخرية بقلم: جوديث يافي *
,,
يتسم املالكي بالدهاء في إجراء التسويات السياسية مثل اتفاق أربيل الستمالة خصومه وكذلك في استخدام الحجج الدستورية للدفاع عن رفضه لتنفيذ تنازالت سياسية سابقة
,,
10
يبدو أن قانون االنتخابات الجديد في العراق ،وال��ذي جرت املوافقة ترى الغالبية أن إجراءات املالكي مقصودة لتعزيز سلطته الشخصية .وهذا هو عليه بعد معركة سياسية طويلة العام املاضي ،سيكون في صالح وضع العراق ما بعد صدام ،حيث تحمل خطوات املالكي تشابها واضحا مع املرشحني الفرديني واالئتالفات الصغيرة على حساب القوائم املحددة الطريقة التي استحوذ بها صدام على السلطة. سلفا واالئتالفات الكبيرة ذوي الصالت القليلة بالناخبني الفرديني .وسيسعى رئيس ال ��وزراء ن��وري املالكي إل��ى إس�ك��ات النقاد املعارضني ل��ه خ�لال سعيه أعطى دستور عام - 2005والذي كان معظم املشاركني في كتابته من العرب الشيعة واألكراد -الحكومة املركزية صالحيات قليلة وسلطة ضعيفة ،ومنح لفترة ثالثة. سلطة أكبر لحكومات املحافظات .من املفترض أن ذلك كان يهدف إلى تقاسم لكن يمكن أن يحدد الصراع الذي يدور في شوارع الرمادي والفلوجة وحتى السلطة وفقا للتنوعات الطائفية والعرقية األساسية في العراق من العرب السنة في بغداد ،نتائج االنتخابات ومصير املالكي السياسي .في عام ،2010كان والعرب الشيعة واألكراد ،بهدف منع العودة إلى ديكتاتورية السلطة االستبدادية ائتالف دولة القانون الذي قاده رئيس ال��وزراء ق��ادرا على الفوز باالنتخابات من قبل الزعيم األوحد وتقليل صالحيات الحكومة املركزية بشكل صارم. بسبب تطورين .األول ،استطاع املالكي استعادة األمن في مناطق في بغداد وتملك الحكومة الفيدرالية السلطة للدفاع عن الدولة وحماية شعبها وتوزيع والبصرة؛ حيث كانت امليليشيات الشيعية تتقاتل من أج��ل السيطرة على اإليرادات ،بينما تخول سلطة اتخاذ القرارات بشأن السيطرة على املوارد وتوزيع طرق التهريب املربحة وعائدات البترول .حقق استعداد املالكي للتصدي لهذه ال�ث��روة واملحافظة على األم��ن املحلي إل��ى حكومات املحافظات ،بما ف��ي ذلك امليليشيات ،خاصة من حركة الصدر واملجلس األعلى اإلسالمي العراقي وحزب الحكومة اإلقليمية الكردستانية ،التي تسيطر على الشؤون السياسية املحلية الفضيلة ،دعما متزايدا من السنة واألكراد وأيضا الشيعة لفترة وجيزة .ثانيا واألج�ه��زة األمنية .كما تملك الحكومة الفيدرالية أيضا صالحيات غامضة تمكن املالكي من التغلب على منافسه ،القائمة العراقية بقيادة إياد عالوي ،تتعلق بتنمية املواد النفطية وتصديرها .ويمكن للمحافظات أن تعترض على التي فازت بفارق مقعدين على ائتالف دولة القانون في االنتخابات البرملانية القوانني الوطنية وتقرر تشكيل حكومات إقليمية مماثلة للحكومة اإلقليمية عام ،2010من خالل حصوله على موافقة املحكمة العليا على وجهة نظره بأنه الكردستانية ،إذا كان هناك تفكير في القيام بذلك .وجرى تأجيل حل القضايا يمكن الئتالف تكون بعد االنتخابات أن يختار رئيس الوزراء ويشكل الحكومة .الصعبة واملسببة للشقاق التي كان من املقرر النظر فيها عام - 2005مثل كان هذا انتهاكا غير مباشر للدستور ،الذي ينص على أنه بعد االنتخابات حدود املحافظات واألقاليم املتنازع عليها مثل كركوك ،والسيطرة على مصادر يحق للحزب أو االئتالف الفائز تشكيل الحكومة ،وربما كان ذلك سيجعل النفط العراقي -إلى وقت الحق أكثر مالءمة. عالوي رئيسا للوزراء. أصبح املالكي رئيسا للوزراء عام ،2006بعد أن قضى عشرين عاما في املنفى يواجه املالكي اآلن أخطر ،وربما آخر ،معاركه االنتخابية .إذا فشل في وضع حد في طهران ودمشق كمسؤول في حزب الدعوة اإلسالمي املحظور وكمشارك للعنف الذي اندلع في األنبار ونينوى واملوصل ،حينئذ سيكون من الصعب فوزه يبدو متحفظا وال يشكل تهديدا في حكومة إبراهيم الجعفري التي استمرت في االنتخاب أو االحتفاظ بدعم من ائتالف الشيعة املعطل اآلن .من املحتمل لفترة قصيرة .ولكن على الرغم من هذه الصورة ،فإن املالكي هو الذي دبر أن يكون ثمن الفشل في األنبار هو فقدانه للدعم الداخلي والخارجي (يعني للتخلص من الجعفري .وعندما أصبح رئيسا للوزراء ،كانت أولى خطواته ذات اإليرانيني) والذي يساعده على االحتفاظ بالسيطرة على الساحة السياسية. شعبية .أظهرت نتيجة االستطالع الذي أجراه املعهد الديمقراطي الوطني في يونيو (حزيران) عام 2012أن 53في املائة من املشاركني في إجابة األسئلة (بما في ذلك العرب السنة واألكراد) دعموا تحركاته ضد امليليشيات الشيعية. االستعداد للحرب واالنتخابات وانتقل املالكي بعد ذل��ك إل��ى جلب ع�ق��ود نفط وت��وزي��ع ع��ائ��دات النفط تحت في االنتخابات البرملانية العراقية عام ،2010ظهر املالكي وائتالفه كرئيس السيطرة الفيدرالية .في عام ،2010عقب االنتخابات التي فاز فيها ائتالف للحكومة بدال من منافسه عالوي والقائمة العراقية ،التي فازت باالنتخابات العراقية التابع لعالوي وخسر الحق في تشكيل حكومة جديدة ،قابل املالكي بأغلبية بسيطة بفارق مقعدين .ومنذ ذلك الحني ،يتابع العراقيون واملراقبون زعماء بارزين من األك��راد وعرب السنة ومعهم عالوي ،والزعيمني الكرديني سعي املالكي الحثيث في تعزيز سلطة الحكومة املركزية على حساب البرملان ج�لال طالباني ومسعود برزاني وأعضاء البرملان أسامة النجيفي وصالح وحكومات في املحافظات ونظام الفصل بني السلطات الذي تأسس بعد اإلطاحة املطلك .ووافق املالكي على مشاركة السلطة مع السنة والشيعة واألك��راد في ال�ع��راق وتعيني سني وشيعي لتولي وزارت��ي ال��دف��اع والداخلية .ووع��د أيضا بنظام صدام حسني عام .2003
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
ُ دولية .إنها ،إن كانت معارضة ،تنظم شعرا أكثر مما تعمل عقال بحديثها عن ُ ّ النشاطات ،سياسية كانت أم عسكرية أو إنسانية .وتبجل القيم التي تعتقد جازمة بأن كل من انخرط في الثورة يلوذ بها ،وهذا يظل ،لألسف ،أمرا نسبيا إلى حد كبير .وهي ترفض أن توصم أيقونة رسمتها بأنبل األلوان على أنها متجاوزة أو متخاذلةُ .فيضحي كل من آمن بالثورة فرضا أو عينا، شاذة أو ُ ّ هو الغيفارا ُاملنتظرّ ، في أذهن صورته صفاء ر عك ي أن يمكن ما كل عن ها منز ّ انتظرت هذا اليوم ،أي يوم الثورة ،منذ عقود عدة ،ولم تصدق أنه قد حل.
شعور عظيم باإلحباط إننا ،وفي بداية العام الرابع من عمر املأساة السورية ،نقع جميعا ،كسوريني لشعور عظيم باإلحباط والعجز. وسوريات ،وإلى أي مدرسة انتمينا ،ضحية ٍ وهذا يمكن أن يودي بمقدراتنا الذهنية والتحليلية إلى الجمود .ويدعنا عرضة ّ للتعلق بقشة األمل التي تطير بها الرياح ذات اليمني وذات الشمال .نبتعد عن املحاكمة العقلية الواعية .نتأثر بما يقوله اآلخرون عنا ولنا ،أكثر مما نتأثر بما يكتبونه لهم ولنا .ألننا ال نحب أن نقرأ ربما .نبحث عن مخارج ُمرضية آنيا دون البحث عن مخارج نهائية الزمة مستدامة .نرتطم أينما توجهنا باآلخرين ُ منا ونعاديهم وننتقدهم ونشتمهم ونقصيهم ونبخس من قيمتهم .نرفض أن نعترف بتقصيرناّ ،بأخطائنا ،بسلبيتنا وسلبياتنا ،بعجزنا ،بانحرافنا، بترددنا .نبحث عن املخلص اآلتي من الوهم أو من الخيال أو من السماء ،وال ُ نسعى لكي نبرزه في ذواتنا وفي إنجازاتنا العملية والفكرية. إلقاء اللوم املتكرر على تخلي املجتمع الدولي عن قضيتنا لهو سراب أضحى مجتمع دولي فعال أوال؟ وهل ،إن وجد، من الضروري أن ينقشع .فهل هناك ّ فهو كان قد ّ تمسك بنا في أي لحظة ليتخلى عنا اآلن؟ هل سبق له أن ّادعى املعقودة عليه وعلى سياساته ومواقفه ذلك إال في أحالمنا؟ وهل آمالنا ّ ّ ما كانت إال هروبا من واجب أن ننظم أنفسنا ونعمل مع بعضنا ونوضح مشاريعنا ونضع خططنا ونبني تصوراتنا لنرى فيما بعد إن توافقت عليها مصالح الفاعلني من إقليميني أو دوليني؟ إن هذا الهروب االستباقي من املسؤولية وإيجاد ّ شماعة املجتمع الدولي املتخاذل أضحى اسطوانة مشروخة .فمن قراءة مدرسية مبتدئة للتاريخ ،الحديث حتى وليس القديم، لم يسبق أن قام هذا «املجتمع الدولي» الوهمي الكيان بأي تحركات فعلية قائمة على أخالقيات املواجهة أو على مبادئ الحق والعدالة .وه��ذا ليس ّ انتقاصا أو شيطنة ملا هو عليه هذا ّ املتصور ،بل هو الواقع الذي املكون ّ يجب أن تقوم عليه سياسات الدول والتي ال تتدخل في وضعها وتنفيذها
أخالقيات الصوامع أو دور العبادة أو الكتب .بل تقودها مفاهيم عالقات دولية متعارف عليها في إطار املصالح املتنوعة من سياسية واقتصادية وثقافية .إغماض األبصار عن انحرافات بعضنا عن مسار املطالبة بالحقوق، وعن تبني بعضنا اآلخر للغة بعيدة عن مفهوم املواطنة والوطن الجامعني ،وعن ّ تجاوزات شاذة تدفع الكثيرين ممن آمنوا بشرعية املطالبات إلى أن يستنكفوا عن االستمرار في هذا اإليمان ،بدأ يعطي ثماره الفاسدة في املمارسات وفي الطروحات .وكأننا نسعى إلى تعزيز الشروخات االجتماعية التي كنا قد اتهمنا سابقا النظام وأدواته بالتأسيس لها وبالتحفيز على إدامتها وتعميقها .وإذ بنا، نقع في الحفرة التي طاملا جرى التنبيه إلى موقعها وإلى مدى عمقها ،لنتبنى خطابات مذهبية ،عنصرية ،ذكورية وندخلها في ّ حيز املمارسة «الثورية» في أسوأ األحوال ،أو نتغاضى عنها ونجد لها تبريرات شتى في أحسن األحوال.
انفصال النخب عن حقيقة مجتمعها إن انفصال النخب عن حقيقة مجتمعها ،والنظرة الفوقية أو العاجية أو الحاملة أو النظرية له ،دون معرفة حقيقية وبحثية وعلمية ملكوناته وتقلباته وتحوالته وتريفه ّ التدين فيه ّ ونسبة ّ وتمدنه ،هي عوامل ستؤول بنا مجتمعة إلى دفع أثمان باهظة في عملية البناء املادي واملعنوي .هذه العملية التي لم نقاربها إال فرادى وبمشاريع ندر التنسيق فيما بينها .وحيث يحتفظ بها ويحميها من ّ خطها ليبعدها عن اآلخرين ،وكأنها اختراع الذرة أو أنها ستبني له بيتا على القمر دونا عن بقية السوريني .التكاتف والتعاضد واالنفتاح واإليمان بقواسم مشتركة واالبتعاد عن مصادر الكره والكراهية ،تساعد جزئيا على إيجاد الحلول الواقعية للمأزق القائم .هذا املأزق الذي يمنع من نضوج ثمار ساهمت السوريني، يقوم بهذا العمل أحد سوانا نحن ّ دماء غزيرة في زرع بذورها .لن ّ ولن يساعدنا عليه أحد إال فيما قل ون��در .وليس في االنتظار والترقب إال املقتلة .العزم واألمل اللذان كسرا حاجز الخوف وأخرجا املواطن السوري من غد قوقعة الرهبة والعسف ،ما زاال حيني لديه .وسعيه إلى حياة أفضل وإلى ٍ مشرق ،رغم األلم والدمار والحسرة السائدين اآلن ،يجب أن يترافق مع عمل دؤوب على توضيح املفاهيم ونبذ الشوائب الفكرية والعملية .إضافة إلى قبول مراجعة ما سبق القيام به على كافة األصعدة وانتقاده للبناء على دروسه .لقد تم اقتياد السوريني إلى مواجهات لم يتوقعوها وإلى ممارسات صعبة القبول سوي .ولكنهم أثبتوا فعال قدرتهم على اجتراح املعجزات ،التي من كل كائن ٍ كان خروجهم السلمي للمطالبة بالحرية أوالها وأجملها<
شاب سوري يحرس مبنى املحكمة السورية في حلب (مارس )2014
,,
بداية العام الرابع من عمر املأساة السورية نقع جميعا كسوريني وإلى أي مدرسة انتمينا ضحية لشعور عظيم ٍ باإلحباط والعجز
,,
* كاتب وباحث أكاديمي سوري مقيم في فرنسا
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
09
شؤون سياسية
املجتمعي واالنهيار الصحي واالقتصادي والهجرة دخل السوريون عامهم الرابع من املوت والخراب والتشرذم ّ ّ الداخلية واللجوء الخارجي والعجز الدولي .وفي هذا املخاض املتعثر وشبه املميت ،تبرز عدة مدارس في الكثيرين ،إعالميا وأكاديميا وفيسبوكيا وتويتريا .والكل يدلو البحث والتحليل والتعليق واالستنتاج لدى ّ ُ بئر عميقة مليئة بالدماء وبالجماجم عله يخرج منها ترياقا يضع نفسه في مقدمة الصورة امللونة، بدلوه في ٍ أينما وجدت ،مع ابتسامة املنتشي بالنصر الوهمي أو املتوهم.
بعد دخول األزمة السورية عامها الرابع ..مدارس ودروس
رؤية نقدية
بقلم: سالم الكواكبي *
,,
انفصال النخب عن حقيقة مجتمعها والنظرة الفوقية أو العاجية أو الحاملة أو النظرية له عوامل ستؤول بنا مجتمعة إلى دفع أثمان باهظة
,,
08
تبرز أرب��ع م��دارس أساسية الس�ت�ع��راض الحالة ال�س��وري��ة ف��ي هذه الفضاءات مجتمعة .ويمكن أن ُيضاف لها أيضا عدد من اإللكترونات الشاردة بمفردها في مساحة واسعة ،لدرجة أنها ّ تحرض على دعوة القاصي والداني إلى الخوض في معالجة املسألة السورية .ويمكن استعجال ّ البكائية التي ّ تطور خطابا تعريف هذه املدارس األساسية وتبسيطها كالتالي: لطميا يستند إل��ى ال�ع��واط��ف ،ال�ص��ادق��ة حينا أو املصطنعة أح�ي��ان��ا ،ملقاربة التطورات السياسية والعسكرية واإلنسانية .والثانية هي النقدية التي تسعى إلى معالجة نقدية ملسار السنوات املاضية بعيدا عن املعادلة الصفرية محاولة الخروج من عنق الزجاجة السياسية أو سبطانة املدفع املسلط على حيوات السوريني .واملدرسة النقدية تضع تصورات للحلول أو املخارج وسيناريوهات متوقعة ،ربما تخيب في مجملها وربما تصيب في جزئها ،ولكنها تسعى وتجتهد ،باالستناد إل��ى ق��اع��دة إي�م��ان صلبة ب��األه��داف الرئيسة التي خرج السوريون سلميا من أجلها ،وهي الحرية والكرامة والعدالة .وهناك املدرسة الواثقة أو املتعجرفة ،فهي تحجب اآلخر ُوتقصيه ،لترى فيما ّ اجترته الذات من تنبؤات أو ما أبدعته األنا من تصورات أو ما أسهبت به من سيناريوهات هو الذي تحقق ،وبأن كل ما هو بقائم ليس إال ترجمة حرفية لإلبداع الفكري والسياسي ألدمغتها .وأخيرا ،تبرز املدرسة الحاملة ،أو ّ املتوهمة ،أو املثالية ،أو حتى الساذجة ربما.
عبارات الندم ّ هناك تقاطعات موضوعية بني امل��دارس البكائية والواثقة والحاملة ،فيما بني جميع أطراف املشهد من موالني ومعارضني ورماديني وحياديني وتفريعاتهم كافة .أما املدرسة النقدية ،فيمكن أن يتشارك بها املعارضون والحياديون ،هذا محدد لهذه املفاهيم التي يكون االجتهاد واسعا تعريف إذا تم التوافق على ٍ ٍ في تفسيرها.
وتتطور القريحة اللطمية في وسائل التواصل االجتماعي الحديثة ،فنكاد نقول إن فيسبوك أضحى حائط املبكى الجديد وغير املرتبط بدين أبناء موسى بل هو حائط املبكى السوري في هذه املرحلة .ومن مساوئه الكثيرة ،أنه يقسو في عباراته وفي ردود أفعاله ،ويمكن أن يلعب دورا كبيرا في إثارة الضغائن والغرائز والنعرات والشتائم عند عدد ال بأس به من مريديه ومن مرتاديه.
تضخيم األنا والذات في مدرسة الواثقني ،تصبح األمور أكثر شخصنة ،ويكون أعضاؤها أصحاب مدرسة «عليا» في تضخيم األنا والذات ،ولو كان نرسيس حيا ،لبحث له عن دور تلميذ فيها ال أكثر .فهم سبق وتوقعوا كل املآالت التي وصلت إليها البالد ،ثورة ٍ أو دمارا أو فشال أو نجاحا أو انقسامات أو استقطابات .وهم سبق ّ و«نبهوا» إلى كل املخاطر التي تحدق بمصير البالد والعباد ،وقد ّبينت األيام صحة ما نبهوا إليه ولم يستمع إليهم أصحاب الحل والعقد .وهم سبق وانتقدوا اللجوء إلى الخارج في طلب املساعدة ،أو أنهم سبق وانتقدوا عدم اللجوء إلى نفس الخارج طلبا للمساعدة .وه��م سبق ّ وفهموا ّكل املخططات التي تحاك ضد الشعب والوطن ،وكتبوا في ذلك معلقات ومجلدات .وهم سبق وأن انتقدوا، بل وشتموا ،كل التشكيالت املعارضة إن فشلت خاتمتها ،أو أنهم امتدحوا وأثنوا عليها وعلى قياداتها إن أفلحت جهودهاّ . واملميز في ّ هذه املدرسة ،أن رواده��ا يقولون الشيء وعكسه ،حسب ميول األح��داث وتقلب املسارات ،وال يجدون في ذلك أينما حرج. ّ أ ُم��ا م��درس��ة ال�ن�ق��د ،وه��و ال يمكن أن ُينعت ب�ـ«ال�ب��ن��اء» ألن�ه��ا صفة يصبغها املستهدف ب��ه حينما يرضى ع��ن مستواه وينفيها عنه حينما ال يرضى، فأعضاؤها يسعون من خالل عرضهم لألمور وتحليلهم للمشكالت ووضعهم النقاط على الحروف إل��ى استعراض البدائل أو تقديم املقترحات أو مقاربة التجارب املماثلة أو مقارنة الصيغ املناسبة أو االستفادة من األخطاء لكي ُيبنى على الشيء مقتضاه .وهم في نشاطهم ،يحاولون أن يضعوا ّ الهم العام في مقدمة الصورة وينأون عن شخصنة أقوالهم أو تجريح من ُينتقد .إضافة إلى أنهم يبتعدون عن إبراز شخصهم على الرغم من سعيهم إلى نشر أعمالهم بكل الوسائل املتاحة .وهم يعرفون أنه في بعض األحيان ،النقد ال ُيجدي ،آخذين بعني االعتبار الزمان واملكان .فيحتفظون به لعبور املرحلة وليخرجوه الحقا ّ بحلة أكثر شغال وتمحيصا غير متخلني عنه أبدا.
ّ قان لتصوغ عبارات أحمر ٍ حبر ٍ في املدرسة البكائية ،تبدأ األقالم إذن تنهل من ٍ الندم أو التوبيخ أو التنديد بما «اقترفته» هذه الثورة اليتيمة من «آث� ٍ�ام» وما لم تحققه من انتصارات ومحاسبتها على ما لم تتوقعه من خ��ذالن ال��دول «الصديقة» التي مألت املحيطات وعودا .ويطيب للمحللني االستراتيجيني منهم والتكتيكيني ،الغوص في نوايا الدول العابرة لألخالق وفحص ما ورائيات علم البحار الجتراع تفسيرات ّ يصح أن ُيقال عنها :من كل بستان زه��رة .وكما املعارضني ،يقوم املوالون بالبكاء على أطالل البلد الذي رضوا بأن يعيشوه خانعا ورضوا بأن يعاقروه خنوعني بما تيسر من العطاءات ّ املوزعة من أولي وأخيرا ،تمتاز املدرسة الحاملة أو املثالية ،بأنها تضع عناوين شعرية وشاعرية األمر .وهم ّ يميزون في بكائهم بني منطقة وأخرى وبني «شعب» سوري وآخر .ألح��داث تلوكها السياسات وتعجنها ال��ره��ان��ات محلية كانت أم إقليمية أو
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد صالح بن محمد الشعيبي :عضو مجلس الشورى السعودي تقلد العديد من املناصب الحكومية من جملتها وكيل وزارة التجارة والصناعة ،رئيس لجنة االقتصاد والطاقة، عضو ورئيس العديد من اللجان واملجالس في مجال تخصصه ،له مساهمات علمية وأصدر عددا من الكتب واملؤلفات ،يحمل درجة الدكتوراه في اقتصاديات التنمية من جامعة بتسبرج في الواليات املتحدة. تالي هلفونت :مديرة برنامج الشرق األوسط بمعهد أبحاث السياسة الخارجية .وتركز أبحاثها حاليا حول التوازن اإلقليمي للقوة في منطقة الشرق األوسط والسياسة األميركية املتعلقة بها .اعدت دراسة ملعهد أبحاث السياسة الخارجية حول «الجهاد اإلسالمي الفلسطيني «.»95-1988 ريتشارد كرايمر :استاذ بالجامعة األميركية، باحث مساعد في مشروع التحوالت الديمقراطية في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيالدلفيا .خبير في القانون الدولي العام ،يكتب في عدة صحف أميركية ،لديه اهتمام خاص بالجهد املبذول من «القوى الناعمة» والدوافع االقتصادية املساعدة في التحول الديمقراطي. مايا أوتاراشفيلي :باحثة مساعدة في معهد أبحاث السياسة الخارجية ومنسقة برنامج مشروع التحوالت الديمقراطية .حاصلة على درجة املاجستير في مجال العوملة والتنمية من جامعة وستمنستر في لندن. وحيد عبد املجيد :رئيس مركز األهرام للترجمة والنشر ،ونائب مدير مركز الدراسات السياسية واإلستراتيجية باألهرام .قيادي بجبهة اإلنقاذ الوطني له عدة مؤلفات من أهمها «اإلخوان املسلمون بني التاريخ واملستقبل» ،و«اإلرهاب وأمريكا واإلسالم ..من يطفىء النار»!.؟ و«حروب أميركا بني بن الدن وصدام حسني» ،حاصل على دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة. طارق الخواجي :كاتب وناقد سينمائي سعودي، متخصص في دراما الرسوم اليابانية املتحركة، صدر له عن النادي األدبي بالرياض كتاب (قلعة اإلنمي ..تجربة اقتحام) يتناول األصول الثقافية والتاريخية لإلنمي ،قدم له الوزير املفوض للسفارة اليابانية في الرياض فوميو إيواي.
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
7
المحتوى
أزمة األنبار عقبة كبيرة أمام رغبة رئيس الوزراء العراقي في فترة ثالثة
معركة املالكي األخرية
التباس مفهوم الوسطية في أطروحات اإلسالم السياسي.. وفشل الرهان على «اإلخوان»
كيف تمثل عودة روسيا «بوتني» إلى إثبات ذاتها تحديا لسياسات القوى الغربية في الشرق األوسط؟
اآلثار اجليوسياسية ألزمة أوكرانيا
زيف االعتدال
األردن يعاني تحت ضغوط استضافة الالجئني السوريني
مالذ مؤقت
في نثر فني يتقاسمه شجن وإيقاع راقص
العميم يجدل شعراء فصحى وشعراء عامية يف ضفائر ست 6
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
«اللوبي» اإليراني.. رجال طهران في واشنطن
املساومة الكربى
مجلة العرب الدولية 1980 تأسست في لندن عام
شهرية سياسية
www.majalla.com
للحصول على :املعلومات املفصلة
االفتتاحية
رساله المحرر على الرغم من أن إيران تعاني من نقاط ضعف هائلة في اإلعداد العسكري التقليدي ،فإنها سعت منذ وقت طويل إلى تعزيز وتعويض هذا النقص ،عبر وسائل وأساليب ملتوية تحقق بها أهدافها ،وتدير فيه املعركة مع خصومها عن بعد .وتتشكل أبرز هذه األساليب عبر تأسيس ميليشيات منتشرة في مناطق الصراع امللتهبة ،وخطوط التماس، تتحرك وفق مصالح وأهداف السياسة اإليرانية التي تعتمد على نقل املواجهة إلى مناطق بعيدة عنها. في ظل تسارع الحركة الدبلوماسية بني واشنطن وطهران أخيرا ،يبرز سؤال ملح حول مالمح االستراتيجية التي اعتمدها النظام اإليراني من أجل التأثير في القرار األميركي ،واستمالته لصالحه ،ومن أجل ذلك تفتح «املجلة» ملف «اللوبي» اإليراني في الواليات املتحدة الذي ينشط عبر مؤسسات ومراكز سعت بدأب إلى إيصال وجهة النظر اإليرانية ،والتأثير على املؤسسات األكاديمية والبحثية واإلعالمية في أميركا. الباحث اللبناني حسني عبد الحسني ،املقيم في واشنطن ،تتبع وجود اللوبي اإليراني في أميركا ،في مقال بعنوان «املساومة الكبرى» كاشفا عن وثائق سرية ،رفع الحظر عنها حديثا ،من أن مؤسسات إيرانية داخل نيويورك تعد أذرعا لالستخبارات اإليرانية ،ومن أبرزها «مؤسسة علوي» التي تملك ناطحة سحاب في نيويورك ومن دخلها تمول 30مؤسسة إيرانية أخرى ،وترصد املكافآت لألكاديميني الذي يكتبون ما يرضيها ،وتدعم املؤسسات التي تقدم دراسات تحقق مصلحة طهران. وفي ذات امللف يكتب بابك فروغي ،الباحث اإليراني املقيم في لوس أنجليس ،عن الجالية اإليرانية في أميركا ،وصالتهم بالطبقة السياسية األميركية ،وأنماطهم وتأثيرهم ،وطبيعة هجرتهم للواليات املتحدة ،ومدى اندماجهم مع املجتمع األميركي. وفي ملف آخر ،وتعليقا على تداعيات القضية األوكرانية ،كتب ريتشارد كرايمر ومايا أوتاراشفيلي ،تقريرا متكامال حول طبيعة املوقف الروسي من أوكرانيا ،وآثار األزمة الجيوسياسية ،متسائلني :كيف تشكل عودة بوتني القوية تهديدا لسياسات القوى الغربية في الشرق األوسط؟ وفي موضوع آخر يكتب املفكر والباحث املصري وحيد عبد املجيد عن مفهوم «الوسطية» في فكر حركات اإلسالم السياسي ،مؤكدا أن شعار «االعتدال» في ممارسات اإلسالميني هو مجرد زيف ووهم ،وأثبت الزمن أن الرهان على جماعة اإلخوان باعتبارهم رمزا للوسطية واالعتدال هو رهان فاشل ،مؤكدا أن أغلب الشخصيات اإلسالمية التي انشقت عن اإلخوان وترفع شعار االعتدال واالنفتاح ،كان انشقاقها في أصله من أجل خالفات سياسية وليس فكرية. أما الكاتب السعودي طارق الخواجي فرصد فكرة نهاية العالم ،و«مفهوم األخروية» في دراما الرسوم اليابانية املتحركة «اإلنمي» ،وأثر ذلك على الثقافة اليابانية التي يشكل تراثها التقليدي أثرا كبيرا في تركيبة املجتمع الياباني. إضافة إلى ذلك تقدم «املجلة» نخبة من أهم املقاالت السياسية ،مترجمة من مجلة «فورن أفيرز» األميركية التي تسلط الضوء على أهم األحداث اإلقليمية والعاملية. ندعوك عزيزي القارئ إلى قراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا majalla.comونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا.
المحرر 4
المجلة /العدد 1594أبريل -نيسان 2014
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.
Omar A. Alshaikh ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
^¤ 7yG* Ò* ^d<
اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of ﺳﻜﺮﺗﲑ NASHR Co. Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
¥E¢ 6^G* £ }H
ǀżȤƾƪƵƴŽ Actingسكرتري CEO of-NASHR م�صطفى الد�سوقي. د:التحرير الر�شيدCo. عبد اهلل:مسؤول مكتب اخلليج
ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ ΪϳήΒϟ ϰϠϋ ΔϠγήϤϟ ϰΟήϳ ˯έ ϭ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh
للمشاركة ȝƾżȚǍƄŵȚ
كلمة 800 جميع المقاالت يجب أال تزيد على: ملحوظةeditorial@majalla.com إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ ϲϓ ϙήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ ΔόΒτϟ ϲϓ ϙήΘηϼϟ
اشتراكات ϡΎψϧ ϱ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ ϭ ΔϠΠϤϟ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝϮΣϷ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ ΔϜϠϤϤϟ ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ ΔϠΠϤϟ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla : لالشتراك في االلكترونيةsubscriptions@majalla.com : يرجى االتصال بـ،لالشتراك في الطبعة الرقمية ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϣ ϖΒδϣ ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ ΎϫήϳϮμΗ ϭ Δϴϟ ϭ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ ϭ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ ϲϋΎΟήΘγ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ ϙήΘηϻ ΕέΎδϔΘγ
وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام. التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة2009 حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة لتلقي.ً وتصدر المجلة شهريا.)استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة www.majalla.com يرجى زيارة،استفسارات االشتراك الرقمي
LVVXH
$XJXVW
Ώ βτδϏ ΩΪόϟ
++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1594 - April 2014 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn,
London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310
ϰμμΨΘϟ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ νΎϳήϟ ΎϬϟ κΧήϣ 2014 نيسان- أبريل1594 العدد
$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ
ZZZ PDMDOOD FRP HQJ
تقاطع التخصصى- طريق مكة- حي المؤتمرات- الرياض
مرخص لها
A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 : لندن- 4419933 هاتف:الرياض
www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ ϞΧΩ Ϧϣ
hq@alkhaleejiah.com : بريد إلكتروني،www.alkhaleejiah.com :موقع إلكتروني +966 11 441 1444 : ومن مختلف الدول، +44 207 404 6950: لندن، +331 537 764 00: باريس،+9714 3 914440 : دبي،920 000 417 : من داخل المملكة
ϲϧϼϋϹ ϞϴϛϮϟ الوكيل اإلعالني
ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ
ΕΎϛήΘηϹ Ϟϴϛϭ
800-2440076 : هاتف مجاني،www.arabmediaco.com : موقع إلكتروني، info@arabmediaco.com :بريد إلكتروني
وكيل اإلشتراكات
ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ ΔϴΑήόϟ ΔϜϠϤϤϟ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 11 2121774 : فاكس+966 11 4419933 : هاتف،11585 الرياض- 62116 ب. ص- المؤتمرات وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي www.saudidistribution.com :موقع إلكتروني
ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι
�شركات ن�شر شركات نشر
ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ
وكيل التوزيع
ΔϋΎΒτϟ ΰϛήϣ
ΔϋϮϤΠϤϟ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com
Saudi Specialized Publishing املتخصص السعودية للنشر الشركةCompany www.sspc.com.sa
áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\
حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة
»لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم
ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ ϕϮϘΣ
©ϡϼϋϹ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني،المعلومات للحصول على المزيد من
»حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة
العدد 1594أبريل -نيسان 2014
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
د� .صالح ال�شعيبي :دور حوكمة ال�شركات يف مواجهة التحديات بال�سعودية ريت�شارد كرامير ومايا �أوتارا�شفيلي :الآثار اجليو�سيا�سية لأزمة �أوكرانيا �سالم الكواكبي :بعد دخول الأزمة ال�سورية عامها الرابع ..ر�ؤية نقدية
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 04
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
Issue 1594 - April 2014
www.majalla.com