عودة الجمهورية

Page 1



‫الكلمة الأخرية‬ ‫ّ‬ ‫انقضت الجيوش‪ ،‬عبر انقالبات عسكرية‪ ،‬على حكوماتها التي بدأت التأسيس للبلدان نفسها‪ ،‬وكان الغالب منها‬ ‫حكومات ملكية‪ :‬مصر (‪ )1952‬بقيادة محمد نجيب‪ ،‬والعراق (‪ )1958‬بقيادة عبد الكريم قاسم‪ ،‬واليمن (‪)1962‬‬ ‫بقيادة عبد الله السالل‪ ،‬وليبيا (‪ )1969‬بقيادة معمر القذافي‪ ،‬والبداية كانت بتركيا (‪ )1924‬بقيادة مصطفى‬ ‫كمال أتاتورك‪ .‬كان مع كل هؤالء الزعماء أو القادة ما عرف بتنظيم الضباط األحرار أو املجلس العسكري‪ ،‬لكن ما‬ ‫وينفرط عقد ذلك التنظيم أو املجلس‪ ،‬ويصبح زعيم االنقالب خائنا بعد عزله بانقالب أيضا‪ ،‬فأقيل‬ ‫هي إال أيام‬ ‫ُ‬ ‫وانق ِلب على عبد الكريم قاسم وقتل‪ ،‬وانقلب على عبد السالل‪َ ،‬‬ ‫وس ِلم القذافي ليحكم ليبيا ألكثر‬ ‫محمد نجيب‪،‬‬ ‫من أربعني سنة‪.‬‬ ‫بينما دول أخرى تعرضت لهزات العسكر وحافظت على أنظمتها امللكية وما زالت‪ .‬وبعد تعرض الجمهوريات‬ ‫لسلسلة انقالبات‪ ،‬وصدامات أحزاب دموية‪ ،‬ظهر الحنني إلى العهود امللكية واضحا‪ ،‬وعلى وجه الخصوص في‬ ‫حالة مصر والعراق‪ ،‬ذلك لوجود حياة برملانية وديمقراطية سياسية كان لها أن تتطور‪ ،‬وفي تلك األنظمة هناك‬ ‫مؤسسات وبنى تحتية هتكتها االنقالبات والصراعات‪ ،‬مع عدم إغفال املبررات التي أعطيت لالنقالبيني أو الثوار‪.‬‬ ‫استقبل الكثيرون حركة الجيش املصري بزعامة عبد الفتاح السيسي (‪)2013‬؛ وحركة خليفة حفتر في تجميع‬ ‫ما تبقى من الجيش الليبي في محاولة إلنهاء الوضع املضطر بـبسط األمن في بالده‪ ،‬بعد هيمنة امليليشيات‬ ‫الدينية والقبلية‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬ر�شيد اخل ُّيون‬

‫معلوم أن السيسي عندما حرك الجيش كان وزير الدفاع والقائد العام للقوات املسلحة‪ ،‬وأنه لم يجرؤ على إنهاء‬ ‫حكم اإلخوان املسلمني إال بعد خروج عشرات املاليني إلى الشوارع مطالبني بإسقاط حكومة «اإلخوان»‪ .‬لم تتوافر‬ ‫للنموذج الليبي خليفة حفتر‪ ،‬وكان ضابطا بالجيش الليبي وانقلب على القذافي وحاربه‪ ،‬تلك الظروف‪ ،‬فالشعب‬ ‫الليبي لم يتمكن من التعبير عن رفض األوضاع لسيادة امليلشيات‪ ،‬فقد وصل الحال إلى اختطاف رئيس الوزراء‪،‬‬ ‫ناهيك باالغتياالت وفوضى السالح‪ .‬إال أن محاولة حفتر‪ ،‬التي نجحت في تأمني االنتخابات الليبية‪ ،‬لم ترفض‬ ‫جماهيريا‪ ،‬على أساس أنها انقالب على الديمقراطية‪ ،‬مثلما قدم اإلخوان املسلمون حركة الجيش املصري‪،‬‬ ‫فـ «اإلخوان» الليبيون لم يكونوا بتلك القوة‪ ،‬وكان هذا واضحا من فشلهم في االنتخابات‪ ،‬مع ما بذل من األموال‬ ‫دعما لهم‪.‬‬

‫مصر وليبيا‪...‬‬ ‫الجيش املنقلب واملنقذ‬

‫فقد ما سمي الربيع العربي بريقه بسرعة مذهلة‪ ،‬وذلك بعد قفز األحزاب الدينية على املشهد‪،‬‬ ‫فهي الجماعات املنظمة واملالكة لخطاب مؤثر باسم الدين‪ ،‬لذا مألت الفراغ‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬ ‫لم يتمكن اإلسالميون من تأمني سلطاتهم التي تسرعوا لتثبيتها على أنها دائمة ال تنال‬ ‫منها صناديق االقتراع بعد أن أوصلتهم إليها‪.‬‬

‫ما يخص النموذج الليبي أيضا‪ ،‬فإن الجيش‪ ،‬على خالف الحالة املصرية‪ ،‬لم يكن قويا‬ ‫ومنتظما‪ ،‬وقد حصل هذا وفق سياسات النظام السابق‪ ،‬لهذا ما إن أعلنت الثورة ضد معمر‬ ‫القذافي (قتل ‪ )2011‬حتى صار الجيش الليبي شيعا‪ ،‬بينما وقف الجيش املصري خلف‬ ‫قيادته املمثلة بوزير الدفاع األسبق محمد حسني طنطاوي وقيادات أركانه‪ ،‬محافظا على سلمية الثورة‪ ،‬متصرفا‬ ‫كأن حسني مبارك لم يكن رئيس الجمهورية‪ ،‬حتى قدم األخير استقالته وتولى الجيش قيادة البالد وأمن إجراء‬ ‫االنتخابات تأمينا محكما‪ ،‬وسمح لـ «اإلخوان» بأن يتولوا السلطة بعد حصول مرشحهم محمد مرسي على‬ ‫نسبة ‪ 51‬في املائة‪ ،‬فهي ليست فوزا ساحقا‪ ،‬ناهيك بأن املاليني كانوا ال يرغبون في عودة أركان النظام السابق‬ ‫فاضطروا إلى إعطاء أصواتهم إلى أهون الشرين بالنسبة إليهم‪ ،‬وهو مرشح «اإلخوان»‪.‬‬

‫لم تواجه حركة حفتر‪ ،‬وهو الضابط املتقاعد‪ ،‬باضطرابات شعبية‪ ،‬ألن الشعب أخذ يستغيث من العنف والفوضى؛‬ ‫وإذا كان السيسي قد دعي شعبيا أيضا إلى ترشيح نفسه‪ ،‬وأن خيال وألق جمال عبد الناصر أخذا يبعثان من‬ ‫جديد بسبب الحالة التي خلقتها الجماعات الدينية‪ ،‬وهي في السلطة وهي خارجها ‪ -‬فإن حفتر حتى هذه‬ ‫اللحظة (‪ 24‬مايو «أيار») نفى أي طموح في السلطة‪ ،‬فقدم نفسه منقذا لديه القوة لتأمني االنتخابات‪ ،‬التي يريد‬ ‫اإلسالميون فرض أنفسهم من خاللها‪ ،‬ألن أمرهم بدأ بهذا الطموح‪ .‬ومن يسمع عن انهيار الجيش الليبي‪،‬‬ ‫وال وجود ملموسا له حتى في زمن القذافي‪ ،‬الذي اعتمد على تنظيمات سماها الشعبية‪ ،‬يفاجأ تماما بحركة‬ ‫«الكرامة» التي يقودها الفريق حفتر‪.‬‬ ‫السؤال‪ :‬هل يظهر شبيه حفتر في بلدان أخرى أخذ العنف يتأصل فيها‪ ،‬ونسبة الفساد املالي واإلداري عالية إلى‬ ‫درجة الخطر فيها‪ ،‬مع تفاقم دور الجماعات الدينية الطائفية‪ ،‬وتمتعها بحرية تامة في التدريب واالستعراض وتنفيذ‬ ‫العمليات‪ .‬بهذا املعنى قد يؤخذ النموذج الليبي في حالة نجاحه مثاال‪ .‬فها هي إحدى عشرة سنة والعراق يعيش‬ ‫الفوضى واإلرهاب‪ ،‬والبلد يتعرض لالنقسام‪ ،‬مع فهمنا ألوضاع العراق الطائفية والقومية‪ ،‬وتشكيل الجيش على أساس‬ ‫هذا املزاج‪ ،‬وكذلك الحال في اليمن والصومال‪ ،‬مع أن مؤسسة الجيش اليمني ما زالت متماسكة قياسا ببقية البلدان‬ ‫املضطربة‪ .‬ال ندري‪ ،‬فاألفق مفتوح‪ ،‬وربما سيكون حفتر نموذجا لحفاتر سينهضون‪ ،‬بعد أن سحقت الجماعات‬ ‫املسلحة واألحزاب الدينية كرامة الشعوب‪ ،‬حتى تسربلت الديمقراطية بثياب الديكتاتورية‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫اجملتمع املدني يف سوريا وإيران‪:‬‬ ‫النشاط يف الدول السلطوية‬ ‫بول آرتس وفرانسيسكو كافاتورتا‬ ‫راجعه جون وترباري‬

‫ت�ش�ك��ك ت �ل��ك امل�ج�م��وع��ة‬ ‫ف ��ي ال �ع �ل��م ال � ��ذي ي�ط�ل��ق‬ ‫عليه علم تحول األنظمة‬ ‫أو ‪ - transitology‬دون حق‬ ‫أحيانا ‪ -‬والذي يركز على الدور‬ ‫اإلي �ج��اب��ي ال� ��ذي ل�ع�ب��ه امل�ج�ت�م��ع‬ ‫امل � ��دن � ��ي خ �ل ��ال االن � �ت � �ق� ��ال إل ��ى‬ ‫الديمقراطية في أوروبا الشرقية‬ ‫وأميركا الالتينية‪.‬‬ ‫ويحتج م�ع��دو ذل��ك ال�ك�ت��اب بأن‬ ‫منظمات املجتمع املدني في كل‬ ‫من إيران وسوريا مجرد أدوات‬ ‫«ل�ت�ط��وي��ر األن�ظ�م��ة ال�س�ل�ط��وي��ة»؛‬ ‫وب� � ��دال م ��ن دف � ��ع االن� �ت� �ق ��ال إل��ى‬ ‫الحكم الديمقراطي فإنها تساعد‬ ‫على القمع‪ .‬فعلى سبيل املثال‪،‬‬ ‫ي �ق��ول ب �س��ام ح� ��داد إن ��ه عندما‬ ‫كانت سوريا تناضل من أجل‬ ‫اإلص�لاح��ات الليبرالية الجديدة‬ ‫ف��ي ال�س�ن��وات األول ��ى م��ن العقد‬ ‫األخير‪ ،‬ع��ززت الدولة املنظمات‬ ‫اإلس�ل��ام � �ي� ��ة غ� �ي ��ر ال �ح �ك��وم �ي��ة‬

‫عملت ثالثة أجيال من آل روننغ داخل الصني‪،‬‬ ‫ب��داي��ة م��ن أج ��داد توبينغ ه��ال�ف��ور وه�ن��ا رون�ن��غ‬ ‫اللذين كانا يعمالن كمبشرين في مقاطعة هوبي‬ ‫وفي أعماق الصني في الفترة من ‪ 1891‬إلى ‪.1908‬‬ ‫ومكنت خطاباتهما ومذكراتهما وص��وره�م��ا العائلية‬ ‫ت��وب �ي �ن��غ م ��ن أن ت � ��روي ق�ص�ص�ه�م��ا ب �ت �ل��ك ال�ت�ف��اص�ي��ل‬ ‫املؤثرة‪ .‬كما تتنقل ببراعة بني املستقبل واملاضي عبر‬ ‫التفاصيل الحميمة لقصص الحب العائلية وكذلك املآسي‬ ‫والديناميات املعقدة للمجتمع الصيني الريفي واإلط��ار‬ ‫األوسع للسياسات الصينية خالل ثورة املالكمني‪.‬‬ ‫وتضفي روايتها الحياة على مجتمع كان بدائيا وقاسيا‬ ‫باإلضافة إلى املؤسسات التبشيرية التي كانت تمارس‬ ‫عمال خطرا وطموحا على نحو مناف للعقل‪ .‬ومع ذلك فإن‬ ‫هالفور وهنا استطاعا إنقاذ حياة العديد من األشخاص‬ ‫وعلما العديد من األطفال وتمكنا من تنصير العديد من‬ ‫األشخاص‪.‬‬ ‫وتستمر القصة عبر حياة أحد أبناء هالفور وهنا‪ ،‬وهو‬ ‫تشستر رونينغ ال��ذي ك��ان دبلوماسيا كنديا مرموقا‬ ‫ووالد توبينغ وعبر حياة توبينغ نفسها وزوجها سيمور‬ ‫توبينغ اللذين يعمالن كصحافيني وكانا يسافران إلى‬ ‫الصني من فترة ألخرى منذ عام ‪.1946‬‬ ‫وك ��ان ��ت األج� �ي ��ال ال �ث�لاث��ة م ��ن ه ��ذه ال �ع��ائ �ل��ة ت�ع�م��ل على‬ ‫مكافحة االحتقار الذي كان يشعر به العديد من الغربيني‬ ‫والصينيني تجاه ثقافة اآلخ��ر‪ .‬ويستأنف ذل��ك الكتاب‬ ‫تلك املهمة‪.‬‬

‫لتقديم أنواع محددة من الرعاية‬ ‫االجتماعية‪ .‬ولكن تلك املجموعة‬ ‫م� ��ن امل � �ق� ��االت ت� �ق ��دم أدل� � ��ة غ�ي��ر‬ ‫م�ن�ض�ب�ط��ة ف�ع�ل��ى س�ب�ي��ل امل�ث��ال‬ ‫يشير ك��ل م��ن س�لام الكواكبي‬ ‫وب��اوال رفتي إل��ى أن «الحكومة‬ ‫نظمت تنظيمات غير حكومية»‬ ‫رب� �م ��ا ت �ت �م �ك��ن م� ��ن أن ت�ص�ب��ح‬ ‫مستقلة وم�ع��ارض��ة للدولة في‬ ‫ق �ض��اي��ا م � �ح� ��ددة‪ ،‬ك �م��ا ت�ش�ي��ر‬ ‫ب �ي �م��ان ج �ع �ف��ري إل ��ى أن غ��رف��ة‬ ‫ال�ت�ج��ارة وال�ص�ن��اع��ات واملناجم‬ ‫وال� ��زراع� ��ة ال �ت��ي ك��ان��ت ت��رع��اه��ا‬ ‫الدولة أصبحت مع الوقت معادية‬ ‫للقطاع شبه الحكومي‪ .‬ولكن في‬ ‫النهاية‪ ،‬لم يحاول أي من املؤلفني‬ ‫اإلج��اب��ة عن ال�س��ؤال األساسي‪:‬‬ ‫ه��ل ي�م�ك��ن أن ت �ت �ط��ور األن�ظ�م��ة‬ ‫السلطوية إلى التحرر السياسي‬ ‫أم أن االنفجار (العنف أو غيره)‬ ‫سبيل وح�ي��دة لتحطيم قبضة‬ ‫تلك األنظمة؟‬

‫البعثات التبشريية‪:‬‬ ‫تاريخ شخصي من العصر‬ ‫اإلمرباطوري األخري إلى‬ ‫جمهورية الصني الشعبية‬ ‫أودري روننغ توبينغ‬ ‫راجعه‪ :‬أندرو ناثان‬

‫‪,,‬‬

‫منظمات‬ ‫املجتمع املدني‬ ‫في كل من‬ ‫إيران وسوريا‬ ‫مجرد أدوات‬ ‫«لتطوير‬ ‫األنظمة‬ ‫السلطوية»‬ ‫عملت ثالثة‬ ‫أجيال من آل‬ ‫روننغ داخل‬ ‫الصني‪ ،‬بداية‬ ‫من أجداد‬ ‫توبينغ هالفور‬ ‫وهنا روننغ‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪65‬‬


‫مراجعات‬

‫املغالي‪ :‬أمريكا يف العالم من‬ ‫ترومان إلى أوباما‬ ‫ستيفن سستانوفيتش‬ ‫راجعه‪ :‬والرت راسل ميد‬

‫ف��ي ه��ذا اإلن�ج��از التحليلي‪ ،‬يقدم‬ ‫س �س �ت��ان��وف �ي �ت��ش رؤي � � ��ة ش��ام �ل��ة‬ ‫للسبعني عاما املاضية للسياسة‬ ‫ال�خ��ارج�ي��ة األم�ي��رك�ي��ة وي �ق��دم ن�ظ��رة نافعة‬ ‫وج� ��دي� ��دة ح� ��ول اس �ت��رات �ي �ج �ي��ات آخ� ��ر ‪12‬‬ ‫رئ�ي�س��ا أم �ي��رك �ي��ا‪ .‬وت �ع��د ال �ف �ك��رة ال��رئ�ي�س��ة‬ ‫ل �س �س �ت��ان��وف �ي �ت��ش ه� ��ي أن � ��ه م� �ن ��ذ ال� �ح ��رب‬ ‫العاملية الثانية‪ ،‬كانت السياسات األميركية‬ ‫تتأرجح بني نقيضني التواصل «املغالي» أو‬ ‫التواصل املحافظ‪ .‬ويحجم سستانوفيتش‬ ‫ع��ن إدان��ة أي م��ن النقيضني‪ .‬ففي رأي��ه‪ ،‬لم‬ ‫يكن املغالون من أمثال الرؤساء األميركيني‬ ‫هاري ترومان وجون كيندي وجورج بوش‬ ‫س ��وى م�غ��ال�ين م�ت�غ�ط��رس�ين‪ ،‬ك�م��ا ال يجب‬ ‫النظر إلى الرؤساء الذين كانوا يميلون إلى‬ ‫التحفظ مثل دوايت إيزنهاور وباراك أوباما‬ ‫كانهزاميني‪ .‬ولكن سستانوفيتش ينجح في‬ ‫إثبات حجته دون محاولة الدفاع عنها بأكثر‬ ‫مما تسمح الحقائق‪ .‬مما ال شك فيه أن هذا‬ ‫الكتاب سيكون جيدا بالنسبة للمختصني‬ ‫واملستجدين ف��ي ه��ذا امل�ج��ال كما سيفيد‬ ‫منه أي شخص ل��دي��ه اه�ت�م��ام ب��امل��اض��ي أو‬ ‫بمستقبل السياسة األميركية‪.‬‬

‫احلوكمة العاملية‬ ‫معرضة للخطر‬

‫‪,,‬‬

‫من وجهة‬ ‫نظر هيلد‬ ‫وروجر‬ ‫يواجه‬ ‫العالم «ثغرة‬ ‫حوكمة»‬ ‫متنامية‬

‫‪,,‬‬

‫‪64‬‬

‫ديفيد هيلد وتشارلز روجر‬ ‫راجعه جون إكنربي‬ ‫من وجهة نظر هيلد وروج��ر‪ ،‬يواجه‬ ‫العالم «ثغرة حوكمة» متنامية‪ :‬فعلى‬ ‫ال��رغ��م م��ن أن ال �ع��ومل��ة ت�خ�ل��ق أن��واع��ا‬ ‫ج��دي��دة م��ن امل �ش �ك�لات االق�ت�ص��ادي��ة‬ ‫والبيئية واألم�ن�ي��ة ال�ت��ي ال يمكن حلها إال عبر‬ ‫الجهود الدولية الجمعية‪ ،‬ما زالت الدول مترددة‬ ‫ب �ش��دة ب �ش��أن ال �ت �ع��اون‪ .‬وي �ع��رب ك��ل م��ن هليد‬ ‫وروجر عن قلقهما بشأن تداعي مفهوم الحوكمة‬ ‫العاملية وتطبيقها‪ .‬وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أنهما ال‬ ‫يتوقعان انهيارا منهجيا للمؤسسات العاملية‪،‬‬ ‫فإنهما يتوقعان مستقبال من األزمات والعقبات‪.‬‬ ‫ويؤكد املشاركون اآلخرون في هذا الكتاب تلك الرؤية‪ ،‬حيث يصف بنيامني كوهني‬ ‫النظام الدولي املالي والنقدي الذي أصبح أقل تنظيما وأقل شفافية وأقل قابلية للتنبؤ‬ ‫ومن ثم فإنه يزيد احتماالت وقوع أزمات منهجية‪ ،‬فيما يبرز روبرت ويد صعوبة‬ ‫تكامل االقتصادات الناشئة مع مؤسسات الحوكمة العاملية مؤكدا أن الدول الغربية‬ ‫قاومت جهود مشاركة السلطة‪.‬‬ ‫ولكن الكتاب يفتقر إلى الصورة الواضحة حول التحالفات والجماهير التي ربما‬ ‫تظهر وسط الكوارث املستقبلية لبناء جيل جديد من القواعد واملؤسسات متعددة‬ ‫األطراف‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫التدخل األجنيب يف أفريقيا‪:‬‬ ‫من احلرب الباردة إلى احلرب‬ ‫على اإلرهاب‬ ‫إليزابيث شميدت‬ ‫راجعه‪ :‬نيكوالس فان دي وال‬

‫ع� �ل ��ى ال� ��رغ� ��م م� ��ن أن االس� �ت� �ع ��راض‬ ‫ال� �ت ��اري� �خ ��ي ال � � ��ذي ق ��دم �ت ��ه ش �م �ي��دت‬ ‫بشأن التدخل العسكري في املنطقة‬ ‫خ�لال النصف األخ�ي��ر م��ن ال�ق��رن العشرين ال‬ ‫ي�ت�ط��رق إل��ى م�س��اح��ات ن�ظ��ري��ة ج��دي��دة‪ ،‬فإنها‬ ‫تقدم مقدمة جيدة لسياسات القوى الخارجية‬ ‫صوب أفريقيا‪ .‬تبدأ شميدت بالتدخالت التي‬ ‫رافقت إنهاء استعمار أج��زاء من القارة كانت‬ ‫تهيمن عليها بلجيكا وفرنسا واململكة املتحدة‬ ‫مل��دة طويلة (ب��اإلض��اف��ة إل��ى فصل ق��وي حول‬ ‫أزمة الكونغو في بداية الستينات)‪ ،‬ثم تفحص‬ ‫النزاعات التي أحاطت بإنهاء استعمار أفريقيا‬ ‫الناطقة بالبرتغالية ونهاية التمييز العنصري في‬ ‫جنوب أفريقيا‪ .‬وتنهي شميدت الكتاب بفصل‬ ‫ح��ول البعد األفريقي لـ«الحرب على اإلره��اب»‬ ‫التي قادتها الواليات املتحدة‪ .‬وتفترض شميدت‬ ‫أن املصالح االقتصادية حركت القوى الخارجية‬ ‫التي تدخلت ف��ي أفريقيا خ�لال تلك النزاعات‬ ‫وتقول إن مثل تلك القوى كانت دائما ما تعتمد‬ ‫على ال�ت��واط��ؤ وال�ت�ع��اون م��ع األط ��راف املحليني‬ ‫وتستنتج في النهاية أن التدخالت ك��ان دائما‬ ‫لها تأثير مدمر على ال�ق��ارة‪ ،‬ولكنها ال تضع‬ ‫انتقادها ضمن تحليل أكثر شموال للعالقات‬ ‫الدولية ألفريقيا وال تذكر املساعدات األجنبية‬ ‫وامل�س��اع��دت اإلنسانية وتتجاهل تأثير الدعم‬ ‫ال�خ��ارج��ي ال ��ذي ت�ق��دم��ه األم��م امل�ت�ح��دة وال�ق��وى‬ ‫اإلقليمية لحفظ السالم‪.‬‬


‫الصراع على مستقبل العراق‬ ‫زيد العلي‬ ‫راجعه‪ :‬جون وترباري‬

‫كان ريزو هو أكبر محام باالستخبارات‬ ‫األم �ي��رك �ي��ة خ�ل�ال م�ع�ظ��م ف �ت��رة إدارة‬ ‫جورج بوش التي شهدت أكثر الجداالت‬ ‫عنفا حول «الحرب على اإلرهاب»‪.‬‬ ‫وك �ت��ب ري � ��زو‪ ،‬ال� ��ذي اع� �ت ��زل ح��ال �ي��ا‪ ،‬م��ذك��رات‬ ‫تفصيلية بقدر م��ا سمحت ب��ه هيئة املراجعة‬ ‫باالستخبارات‪ .‬ولن يكون كتاب ريزو هو آخر‬ ‫م��ا يصدر ح��ول «تقنيات التحقيق املتطورة»‬ ‫ال� �ت ��ي اس �ت �خ��دم �ت �ه��ا االس� �ت� �خ� �ب ��ارات ف ��ي ظ��ل‬ ‫اإلرشادات املثيرة للجدل التي أنتجها املحامون‬ ‫بوزارة العدل بإدارة بوش‪ .‬مما ال شك فيه أن‬ ‫حجج ري��زو ل��ن تقنع س��وى ع��دد م�ح��دود من‬ ‫املتشككني‪ .‬فعلى ال��رغ��م م��ن أن��ه ق��دم حججه‬ ‫على نحو تفصيلي‪ ،‬فلن يقتنع املتشككون‬ ‫بأن الحادثة الشهيرة على سبيل املثال‪ ،‬املتعلقة‬ ‫بتدمير الفيديوهات التي تصور عملية إغراق‬ ‫املحتجزين بـ «املواقع السوداء» باالستخبارات‬ ‫لم تكن جزءا من عمليات تعمية عمدية‪.‬‬ ‫ويقر ريزو بأن تلك القضايا تحيط بها مشاعر‬ ‫قوية وبوقوع العديد من األخطاء التي ارتكب‬ ‫هو شخصيا عددا منها‪ .‬يمتاز أسلوب ريزو‬ ‫بحس دعابة وتقتصر تعليقاته القاسية على‬ ‫ما يعتبره لجان الرقابة بالكونغرس ومجلس‬ ‫ال �ش �ي��وخ ال �ت��ي ي�ص�ف�ه��ا ب��أن �ه��ا غ �ي��ر م�س��ؤول��ة‬ ‫وسطحية وكسولة‪.‬‬

‫ع��اد العلي‪ ،‬ال��ذي ك��ان أب��وه دبلوماسيا‬ ‫عراقيا فر هاربا‪ ،‬إلى العراق مستشارا‬ ‫قانونيا ل�لأم��م امل�ت�ح��دة أث�ن��اء االح�ت�لال‬ ‫األم�ي��رك��ي‪ .‬وي�ع��د ه��ذا ال�ك�ت��اب مرثيته الخاصة‪،‬‬ ‫بعدما أخفقت كافة محاوالته إلص�لاح دول��ة ما‬ ‫بعد ص ��دام‪ .‬وي�ش��ن العلي عبر ال�ك�ت��اب هجوما‬ ‫على العراقيني العائدين من املنفى الذين وصلوا‬ ‫إلى السلطة حاليا في العراق‪ ،‬مثل رئيس الوزراء‪،‬‬ ‫ن��وري املالكي‪ ،‬باإلضافة إل��ى ب��ول بريمير الذي‬ ‫عمل رئيسا لسلطة االئتالف املؤقتة الذي تقوده‬ ‫الواليات املتحدة في ‪ 2003‬ـ ‪ 2004‬نظرا ألنهم قادوا‬ ‫العراق دون داع إل��ى الطائفية واإلقليمية‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن ق��درا كبيرا من تحليل العلي مفيد‬ ‫إلى حد بعيد فإنه ليس جديدا‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬ ‫يقدم العلي أفضل أداء له فيما يتعلق بالقضايا‬ ‫الدستورية؛ حيث يدعو لدستور عراقي جديد‬ ‫يمكنه أن يوفر هيمنة مدنية أقوى على الجيش‬ ‫وتنظيما أكثر فعالية لألحزاب السياسية ويضع‬ ‫إج ��راءات أكثر ص��رام��ة ملكافحة وإص�ل�اح قطاع‬ ‫البترول والغاز وإقامة عالقة أكثر وضوحا بني‬ ‫الدولة املركزية واملحافظات العراقية‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من أنه يستبعد أن تسفر االنتخابات البرملانية‬ ‫في ع��ام ‪ 2014‬عن تغيير كبير‪ ،‬فإنه يتمنى أن‬ ‫يستطيع العراق في النهاية تحويل مساره بعد‬ ‫االنتخابات املحلية والبرملانية في ‪ 2014‬ـ ‪.18‬‬

‫رجل الشركة‪ :‬ثالثون عاما‬ ‫من اجلدال واألزمات يف‬ ‫االستخبارات األمريكية‬ ‫جون ريزو‬ ‫راجعه‪ :‬والرت راسل ميد‬

‫القوي‪ :‬كيف يعمل علم النفس‬ ‫على تثوير احلرب‬ ‫مايكل ماثيوز‬ ‫راجعه لورانس فريدمان‬

‫ي��ؤم��ن م��اث �ي��وز‪ ،‬أس �ت��اذ ع�ل��م النفس‬ ‫الهندسي بويست بوينت‪ ،‬بأن الفهم‬ ‫األع�م��ق لكيف يفهم اإلن�س��ان بيئته‬ ‫وي�ت�ك�ي��ف م�ع�ه��ا ي�م�ك�ن��ه أن ي�ح�س��ن اخ�ت�ي��ار‬ ‫املقاتلني بالقوات املسلحة وإعدادهم‪ .‬كما يعد‬ ‫علم النفس جزءا حيويا من العناية بقدامى‬ ‫املحاربني الذين يحاولون التعايش مع اإلعاقة‬ ‫أو اضطرابات ما بعد الصدمة وربما تساعد‬ ‫وج��ود رؤى نفسانية على تقليل امل�ع��دالت‬ ‫امل �خ �ي �ف��ة ل�لان �ت �ح��ار ب�ي�ن األم �ي��رك �ي�ي�ن ال��ذي��ن‬ ‫شاركوا في القتال في أفغانستان والعراق‪.‬‬ ‫ولكن ماثيوز يحذر من االفتراض املتعلق بأن‬ ‫كافة املعارك يكون لها تأثير نفسي مدمر‪.‬‬ ‫وي ��ؤك ��د ب �ق��وة ع �ل��ى أن� ��ه ي �ج��ب ع �ل��ى ال �ق��وات‬ ‫املسلحة األميركية أن تستمر ف��ي االبتعاد‬ ‫عن هيمنة الذكور البيض والخوف من املثليني‪.‬‬ ‫كما يذكر أيضا أن الجيش األميركي استفاد‬ ‫من منح تقدير أكبر للثقافات املتنوعة ومن‬ ‫تعليم ضباطه كيف ي�ق��وم��ون ب��ال�ق�ي��ادة في‬ ‫املواقف املعقدة‪.‬‬ ‫ويختتم كتابه بطرح بعض األفكار حول كيف‬ ‫يؤثر علم النفس في تعزيز السالم وبشأن‬ ‫التحفظات األخالقية التي تجري إثارتها حول‬ ‫تقديم الدعم النفسي للقوات املسلحة عندما‬ ‫تقترف أشياء سيئة أو حمقاء؛ فيحذر على‬ ‫سبيل املثال من عدم تدخل علماء النفس في‬ ‫التعذيب‪ .‬وعلى الرغم من أن الكتاب يرتكز‬ ‫إل��ى ح��د كبير على ال��والي��ات املتحدة‪ ،‬يمتاز‬ ‫أسلوب ماثيو بالعمومية كما أنه يستشهد‬ ‫دائما بتجاربه الخاصة‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪63‬‬


‫مراجعات‬

‫اختارت «املجلة» عشرة كتب متنوعة من أهم الكتب الصادرة حديثا‪ ،‬التي عرضت بالنقد والتحليل في مجلة «فورن أفيرز»‬ ‫في عدد مايو (أيار) ‪ -‬يونيو (حزيران) الحالي‪ ،‬وتتميز الكتب املختارة بالثراء والتخصص واملهنية العالية‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫عناصر الجذب والتشويق‪ ،‬ومن بينها كتاب «الصراع على مستقبل العراق» لزيد العلي‪ ،‬الذي يشن مؤلفه هجوما على‬ ‫العراقيني العائدين من املنفى الذين وصلوا إلى السلطة حاليا في العراق‪ ،‬مثل رئيس الوزراء نوري املالكي‪ ،‬باإلضافة إلى بول‬ ‫بريمير رئيس سلطة االئتالف املؤقتة الذي قادته الواليات املتحدة في ‪ 2004 - 2003‬نظرا ألنهم قادوا العراق دون داع إلى‬ ‫الطائفية واإلقليمية‪ .‬وفي كتاب «املجتمع املدني في سوريا وإيران‪ :‬النشاط في الدول السلطوية» لبول آرتس وفرانسيسكو‬ ‫كافاتورتا‪ ،‬يرى املؤلفان أن منظمات املجتمع املدني في كل من إيران وسوريا مجرد أدوات «لتطوير األنظمة السلطوية»؛‬ ‫وبدال من دفع االنتقال إلى الحكم الديمقراطي فإنها تساعد على القمع‪ .‬ولكن في النهاية‪ ،‬لم يحاول أي من املؤلفني اإلجابة‬ ‫عن السؤال األساسي‪ :‬هل يمكن أن تتطور األنظمة السلطوية إلى التحرر السياسي أم أن االنفجار (العنف أو غيره) سبيل‬ ‫وحيدة لتحطيم قبضة تلك األنظمة؟ وفيما يلي نخبة من أهم الكتب املنشورة التي تستحق القراءة واملراجعة‪.‬‬

‫أميركا في العالم من ترومان إلى أوباما‪..‬والصراع على مستقبل العراق‬

‫أبرز عشرة كتب صدرت حديثا‬ ‫تشكيل العالم الناشئ ‪ :‬اهلند‬ ‫والنظام متعدد األطراف‬ ‫حرره كل من واغورو بال سينغ‬ ‫سيدو‪ ،‬وبراتاب بانو ميتا‪،‬‬ ‫وبروس جونز‬ ‫راجعه‪ :‬أندرو ناثان‬ ‫تتنامى باستمرار أهمية األنظمة متعددة األط��راف في تنظيم عالقات‬ ‫الدول بعضها ببعض‪ ،‬ولكن مشاركة الهند في تلك األنظمة كانت دائما ما‬ ‫تتراجع أمام تركيزها على املشكالت املباشرة لألمن اإلقليمي‪ ،‬والتزامها‬ ‫املستمر بـ«االستقالل االستراتيجي»‪ ،‬والسياسات املحلية املعقدة املتمركزة حول‬ ‫الداخل‪ ،‬بل وحتى النقص في الكفاءات الدبلوماسية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الهند قامت بتشكيل جماعات ضغط للحصول على العضوية‬ ‫ال��دائ�م��ة بمجلس األم��ن ال�ت��اب��ع ل�لأم��م امل�ت�ح��دة‪ ،‬ف��إن�ه��ا ن��أت بنفسها ع��ن ك��ل من‬ ‫البنك الدولي وصندوق النقد الدولي‪ ،‬ووضعت العقبات أم��ام اتفاقيات التجارة‬ ‫واملفاوضات املناخية وتجنبت االلتزامات الدولية املتعلقة بالحد من األسلحة‪.‬‬ ‫ويستكشف املشاركون في إعداد هذا الكتاب مواقف الهند بشأن تلك القضايا‬ ‫وغ�ي��ره��ا ب�م��ا ف��ي ذل��ك ح�ف��ظ ال �س�لام ب��األم��م امل �ت �ح��دة‪ ،‬وق��ان��ون ال �ب �ح��ار‪ ،‬واألم��ن‬ ‫اإللكتروني‪ ،‬واملحاسبات املالية‪ ،‬وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ويكشف املحررون نمطا متكررا من التناقض الذي يعود إلى الصراع بني الرغبة‬ ‫في الحفاظ على وضع القوة العظمى والخوف من أن تتعارض التقاليد الدولية‬ ‫مع مصالح الهند‪ .‬وتميل نيودلهي لتفضيل املؤسسات متعددة األط��راف التي‬ ‫يمكن استخدامها للحد من أفعال القوى العظمى األخرى ولكن ليس من يمكن‬ ‫استغاللهم للتأثير على الهند نفسها‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫السيادة واملسؤولية عن‬ ‫احلماية‪ :‬تاريخ جديد‬ ‫لوك غالنفيل‬ ‫راجعه جون إكنربي‬

‫عالجت األمم املتحدة مفهوم «املسؤولية عن حماية» املدنيني من املذابح‬ ‫وغ�ي��ره��ا م��ن ال�ج��رائ��م ض��د اإلنسانية ألول م��رة ف��ي ع��ام ‪ 2005‬وج��رى‬ ‫استغالل ذل��ك املفهوم الحقا لتبرير تدخل حلف شمال األطلسي في‬ ‫ليبيا في عام ‪ .2011‬وينظر إلى ذلك املفهوم إلى حد كبير كتطور راديكالي ملفاهيم‬ ‫ستفاليا األقدم املتعلقة بالسيادة‪.‬‬ ‫ولكن غالنفيل يؤكد أن فكرة تمتع الدول السيادية بالحق املطلق في الحكم املستقل‬ ‫وعدم التدخل لم تكن موجودة عند نشأة النظام الستفالي في القرن السابع عشر‪.‬‬ ‫كما يوضح كيف حدثت تغيرات أصيلة ملفهوم السيادة بعدما أفسح الحكم املطلق‬ ‫املجال للديمقراطية الليبرالية وانتشرت ال��دول القومية خ��ارج نطاق الغرب‪ ،‬كما‬ ‫لم تترسخ فكرة الحقوق غير املشروطة للحكم الذاتي وعدم التدخل حتى القرن‬ ‫العشرين والتي ترجع في معظمها إلى جهود غير األوروبيني الذين كانوا يعانون‬ ‫على يد االستعمار الغربي‪.‬‬ ‫واملفارقة‪ ،‬هي أن هذه الجهود كانت رد فعل تجاه السبل غير املسؤولة التي كانت‬ ‫دائما ما تستخدمها ال��دول األوروب�ي��ة من خ�لال استغالل الثغرات في قوانينها‬ ‫الخاصة املتعلقة بالسيادة لتبرير التدخالت االستغاللية‪.‬‬ ‫مما ال شك فيه أن هذا التاريخ يجب أن يصبح حاضرا في أذهان الدول القوية خاصة‬ ‫عندما تنظر في كيفية معالجة األفكار املتعلقة بالسيادة املسؤولة‪.‬‬


‫لذلك يبدو «امللحدون» الجدد رهطا بشريا «غير مرئي» أو متمردا على سلطة‬ ‫املرئي‪ .‬لكن املفارقة هي أن هذا اإللحاد للمرئي بالنسبة إلى عني السلطة العميقة‪،‬‬ ‫إنما يقدم نفسه بوصفه عملية رفع للحجب عن حقيقة مؤملة ومريرة‪ ،‬قامت‬ ‫سلطة األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله بطمسها من خالل جهاز رمزي طويل األمد هو‬ ‫لغة التعالي‪ :‬أن األفق دنيوي دائما‪ ،‬وأنه ال يمكن وال يحق ألي شيء أن يكون‬ ‫مقدسا إال إذا كان عموديا‪ .‬والحال أن هذا هو ماهية السلطة بما هي كذلك‪.‬‬ ‫ومن ثم فليس من هدف كبير ملعنى اإللحاد سوى إعادة الكينونة في العالم‬ ‫إلى العالم‪ ،‬إلى «العالم» كما «يعلم» للحيوانات البشرية‪ ،‬من دون أي مساحيق‬ ‫أبوية أو سياسية أو الهوتية‪.‬‬ ‫ال ترى السلطة غير نفسها‪ .‬لذلك ال يكون البشري «شخصا» إال عندما ينجح‬ ‫في الظهور في مساحة املرئي الذي تضبطه وترعاه سلطة ما‪ ،‬وسلطة السلط‬ ‫العميقة هي سلطة األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله‪ .‬ولذلك كل تمرد على هذه الشبكة السابقة‬ ‫على وجودنا هو ضرب من «املراهقة»‪.‬‬ ‫كل ما يفرض علينا عالقة سلطوية عمودية‪ ،‬ومطلقة‪ ،‬ومتعالية‪ ،‬هو يفرض‬ ‫علينا حالة مراهقة أخالقية واسعة النطاق‪ .‬يقال‪ :‬املراهق هو الغالم الذي قد‬ ‫قارب الحلم‪ .‬وصلى الصالة مراهقا أي مدانيا لفوات وقتها‪ .‬املراهقة في املعنى‬ ‫األول قد تعني ما عناه كانط في رسالة ما هو التنوير؟ بمعنى «القصور»‪:‬‬ ‫القصور ال��ذي أذنبه اإلن�س��ان في حق نفسه‪ .‬وف��ي املعنى الثاني امل��راه��ق هو‬ ‫املدرك لشيء كاد يتأخر عنه‪ ،‬واملراهقة عندئذ هي تعجيل واستدراك ولحاق‪.‬‬ ‫لكن املعاني األصلية التي تسبق هذه الدالالت االصطالحية هي معان متصلة‬ ‫بجملة من القبائح‪ :‬رهق بمعنى ظلم وك��ذب وسفه؛ وأرهقه حمله على ما ال‬ ‫يطيق؛ والرهق هو اإلثم والتهمة؛ ومنه‪« ،‬املرهق» املتهم في دينه‪ ،‬ولكن أيضا‬ ‫املوصوف بخفة العقل والجهل‪.‬‬

‫إن الفضاءات الرقمية أو االفتراضية قد مكنت الشباب من مساحات تحرر ال‬ ‫مثيل لها في أي جيل سابق‪ :‬تحرر الحواس وتحرر املخيلة وتحرر الصورة‬ ‫وتحرر اللغة‪ ،‬وبالتالي تحرر الجسم الحي من الجسد الخلقي الجاهز للسكن‪.‬‬ ‫إن القصد هو أن اإللحاد هو حركة طوبيقية‪ ،‬تشكيلية‪ ،‬تريد إخفاء وتغطية‬ ‫نوع من الكينونة بادعاء نوع آخر منها‪ .‬ولذلك ليس امللحد كائنا فضائيا‪ ،‬سقط‬ ‫من فوهة السماء‪ ،‬وصار غريبا عنا‪ .‬بل هو ابن الجماعة الروحية التي ينتمي‬ ‫إليها‪ .‬إنه لحظة الرفض داخلها‪ ،‬الرفض اليائس من أي رحمة قد تأتي من شبكة‬ ‫السلطة العمودية سارية املفعول في كل شبر من هويته العميقة‪ :‬شبكة األب ‪/‬‬ ‫الحاكم ‪ /‬اإلله‪ .‬وألن هذه الشبكة من شأنها أن تبسط سيادة مطلقة‪ ،‬ال ناهية‪،‬‬ ‫غير قابلة لالستالب وال لالنقسام‪ ،‬فإن أي تفاوض معها سيكون تفاوضا‬ ‫حول نوع الطاعة التي ستفرضها فحسب‪ .‬إن نوع التفاوض الوحيد املمكن‬ ‫داخ��ل شبكة السلطة العميقة على أنفسنا هو تفاوض حول ش��روط تحويل‬ ‫ال يلحد املراهق إال ألنه قد بات مرهقا بألم رمزي أو أخالقي يفوق ملكة التحمل الخضوع إلى طاعة مشرفة‪ .‬بيد أن هذا النوع من التفاوض حول تحسني شروط‬ ‫البشرية على نحو ال يطاق‪ .‬ليس الفرق بني الحيوان والبشر غير فن االحتمال االنتماء إلى أفق أنفسنا العميقة هو بالتحديد ما طفق املراهقون ما بعد املحدثني‬ ‫ملا ال يطاق‪ .‬والخيط الرفيع بني االحتمال البشري والتحمل الحيواني يكمن في يرفضونه ويمجونه مجا‪.‬‬ ‫هذا‪ :‬ال يتحمل الحيوان ما يفوق قدرته على التحمل‪ .‬لكن البشر قد يذهب في‬ ‫احتمال ما ال يطاق إلى حد مثير‪ .‬وليست «البشرية» غير فن احتمال لألمر إن ما وقع من ث��ورات تحت مسمى هجني من قبيل «الربيع العربي» لم يكن‬ ‫الذي ال يمكن ألي حيوان أن يتحمله‪ .‬واألمر الذي ال يمكن ألي حيوان أن يتحمله غريبا عن ظاهرة املراهقة امللحدة التي نبحث في داللتها هنا‪ .‬لم تثر الشعوب‬ ‫ليس شيئا آخر سوى ظاهرة «السلطة»‪ .‬وخصوصا التي تستطيع أن ترهن بضميرها الكهل‪ ،‬وال بشيخوختها األخالقية‪ .‬لم تكن الثورة من عمل األحزاب‬ ‫شخصيتنا العميقة في دور ما‪ .‬وبالتالي هي تملك سلفا حق تدمير الهوية الرسمية‪ ،‬سلطة ومعارضة‪ .‬فهذه الهيئات الرمزية قد يئست منذ وقت طويل‬ ‫التي نستمد منها شكل تذوتنا‪ .‬ما يتحمله الحيوان هو القوة‪ .‬أما السلطة فهو من أي إمكانية للثورة باملعنى التاريخي الكبير‪ .‬وذلك أن الدولة ‪ /‬األمة الحديثة‪،‬‬ ‫والتي اخترعت أجهزة السيادة والحكم والهوية واملواطنة والسكان والتمثيل‬ ‫يجهلها‪ .‬وتلك معضلة اإلنسان‪.‬‬ ‫السياسي واإلدارة واإلقليم وال�ح��دود‪..،‬إل��خ؛ هي قد بذلت وسعها في اختراع‬ ‫كل تمرد على سلطة عمودية هو إذن في وضع مراهقة مضاعفة‪ :‬إنه يتمرد مخلوق هووي طويل األمد‪ ،‬يسكن جسدا مطيعا ويفكر بذهنية جاهزة وقابلة‬ ‫عليها ألنها ال تريد أن تعترف بحقه في أن يكون ما يريد‪ .‬إنها ترفض سلفا للمراقبة والتحكم بواسطة التعليم واإلعالم واألمن‪ .‬ومن ثم أن إمكانية الثورة‬ ‫أي إمكانية ألن يلحق بها‪ ،‬أو يدرك كنهها‪ ،‬أو الدخول في أي قرابة ندية معها‪ .‬على الدولة القومية ما بعد االستقالل قد تالشت شيئا فشيئا في أفق الجيل‬ ‫السلطة ليست صديقة أو أختا ألحد‪ .‬املراهق هو املحكوم عليه سلفا من طرف املعاصر لنشأتها‪.‬‬ ‫سلطة ما بأنه لن يلحق أب��دا باألفق ال��ذي ينتمي إليه‪ .‬أفق األب أو أفق الحكم بيد أن الجديد هو جيل آخر تماما‪ :‬جيل بال انتماء هووي جاهز‪ .‬إنه ال ينتمي‬ ‫أو أفق اإلله هي بالضرورة آفاق مؤسسة على التعالي الالمشروط‪ ،‬والذي ال أص�لا ال إل��ى األم��ة (باملعنى ال�ح��دي��ث) وال إل��ى امل�ل��ة (باملعنى ال��دي�ن��ي)‪ .‬جيل‬ ‫يقبل أي نوع من املحايثة‪ .‬ومن ثم ال وجود لسلطة أفقية‪ ،‬أي تقبل التقاسم بني ال ينتمي إال إل��ى جسمه الحيوي وأدوات بقائه التكنولوجية الفائقة‪ :‬طاقته‬ ‫األنداد‪ .‬ولذلك فما يقلق املراهق ما بعد الحديث هو أنه ال يعثر على الندية أو الشبابية املندفعة نحو استعماالت تقنية جدا للحياة وللقدرة على الحياة‪ ،‬والتي‬ ‫املساواة املعيارية السعيدة مع ما يحبه‪ .‬إنه يبحث عن نوع من التماهي العميق طمعت الدولة األمة في تطويعها واستعمالها استعماال «جماليا» لصالحها‪.‬‬ ‫مع األشياء التي يدعى إلى احترامها أو إلى تقديسها أو التعلق بها‪ .‬وهو ما ال حيث كان دي��دن الدولة ‪ /‬األم��ة الحديثة بعد فشل وع��ود االستقالل بالتنمية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬هو إلهاء فئة الشباب إلهاء جماليا وتكنولوجيا عن دورها الذي‬ ‫يعثر عليه صراحة وبشكل مؤلم في شبكة األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله‪.‬‬ ‫اكتشفته الحركات اليسارية في العالم‪ :‬دور الثورة على نمط اإلنتاج وشكل‬ ‫السلطة تحت الدولة الليبرالية الحديثة‪ .‬وتحولت الثقافة إلى عملية إلهاء نسقي‬ ‫حرية فارغة متحررة‬ ‫للشباب يقطعهم عن نموذج الشاب الثوري الذي نشرته الحركات اليسارية‪،‬‬ ‫ما ال تفهمه ثقافة الكهول – وسلطة األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله‪ ،‬هي الجهاز الرمزي واالستعاضة عنه بنموذج الشاب ‪ /‬املراهق‪ ،‬طويل األم��د‪ ،‬ال��ذي تدعوه الدولة‬ ‫األعلى للكهولة في السلم الخلقي لشعب أو مجتمع أو عصر ما ‪ -‬هو أن املراهق الهووية إلى مواصلة ألعاب طفولته بطرق أخرى‪.‬‬ ‫ما بعد الحديث قد بات كائنا حرا بطريقة غير مسبوقة‪ :‬إنه يملك حرية فارغة هذا االختزال الجمالي للشباب في مراهقة بال أفق‪ ،‬هو الذي خلق‪ ،‬على الضد‬ ‫متحررة من كل أن��واع الخضوع التقليدية‪ ،‬وذلك ليس بفضل ثورة سياسية من نيات الدولة ‪ /‬األم��ة‪ ،‬جيال من املراهقني القادرين على الرفض األخالقي‬ ‫أو قوة خلقية‪ ،‬بل بفضل استعمال جمالي غير مسبوق للتكنولوجيا الفائقة‪ .‬الواسع النطاق‪ .‬ومن هنا جاءت موضة اإللحاد<‬

‫مبرمجون خالل ورشة عمل عقدت في سان‬ ‫فرانسيسكو‪ ،‬لبحث تطوير «فيسبوك»‬ ‫والبرمجيات وتحسني األدوات الالزمة‬ ‫الستقبال املواقع التي تحجبها بعض الدول‬ ‫ألسباب سياسية أو دينية ‪ 30 -‬أبريل‪2014 /‬‬

‫‪,,‬‬

‫املراهق‬ ‫الحديث يملك‬ ‫حرية فارغة‬ ‫متحررة من كل‬ ‫أنواع الخضوع‬ ‫التقليدية‬ ‫بفضل‬ ‫استعمال‬ ‫جمالي غير‬ ‫مسبوق‬ ‫للتكنولوجيا‬ ‫الفائقة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪61‬‬


‫ثقافة‬

‫ثمة ابتسامة صامتة ‪ -‬وليست كل ابتساماتنا تدعو إلى الصمت ‪ -‬سرعان ما تعرض لنا حينما يأخذ أحد‬ ‫«أبنائنا»‪ ،‬املراهقني «ما بعد املحدثني»‪ ،‬في امتشاق لغة الحرية «املتحررة» ‪ -‬وليست كل حرية قادرة على‬ ‫التحرر من ذاتها ‪ -‬تلك التي نزعت قفاز األدب األبوي‪ ،‬والتي تزعم بأناقة جارحة أنها ال تؤمن بأي إله وأنها‬ ‫حرية «ملحدة» (!)‪.‬‬

‫ظاهرة املراهقة امللحدة‪ ..‬تمرد أخالقي على السلطة األبوية‬

‫موضة التمرد!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫فتحي املسكيني‬

‫‪,,‬‬

‫كل تمرد‬ ‫على سلطة‬ ‫عمودية‬ ‫هو مراهقة‬ ‫مضاعفة‪..‬‬ ‫إنه يتمرد‬ ‫عليها ألنها‬ ‫ال تريد أن‬ ‫تعترف بحقه‬ ‫في أن يكون‬ ‫ما يريد‬

‫‪,,‬‬

‫‪60‬‬

‫سبب االبتسام ال��ذي ل��ن يفارقك ه��و ط��راف��ة ه��ذا املشهد األخالقي‬ ‫الجديد «مراهقة ملحدة»‪ .‬وألن هؤالء املراهقني هم قلما يتوفرون على‬ ‫معرفة ميتافيزيقية أو دربة نقدية على الخوض في غمار مناقشة‬ ‫فلسفية أو الهوتية أو حتى أخالقية حول معنى اإللحاد بما هو كذلك‪ ،‬أو ثقافة‬ ‫اإللحاد أو وجاهته املعيارية‪ ،‬أو تجربة املعنى التي يمكن أن يصدر عنها‪ ،‬أو‬ ‫تاريخه النظري‪ ،‬أو نوع العقول التي ادعته‪ ،‬أو أنماطه وأشكاله في العالم وأزماته‬ ‫ومجاالته وحدوده ومستقبله‪..،‬إلخ‪ - ،‬فإن املراهقة امللحدة ظاهرة تدعونا إعادة‬ ‫التفكير في ماهية الدين وداللته اليوم‪ ،‬أكثر مما تفرض علينا معالجة تسلطية‬ ‫ضد ذنب ال يغتفر‪ .‬حني يواجهك أحد أبنائك بدعوى اإللحاد فإن كل الوصفات‬ ‫الالهوتية أو الفقهية أو الردود الشرعية عليه قد صارت فجأة بال أي جدوى‪:‬‬ ‫إنك لن تقيم الحد على مراهق هو ال يزال تحت مسؤوليتك األخالقية واملادية‪.‬‬ ‫ثم من أن��ت حتى تقيم عليه الحد؟ باسم أي سلطة؟ هل أن��ت أب��وه األخالقي‬ ‫الوحيد؟ هو قطرة بشرية في كأس مجتمعه بأسره‪ ،‬وتكاد ال تمارس عليه أي‬ ‫سلطة حقيقية سوى بعض األدب‪.‬‬ ‫ما نشعر به إذن هو أن معنى السلطة بعامة قد تغير على نحو غير مسبوق‪،‬‬ ‫ولم يعد يمكن التعويل على أي نوع من «التسلط» لحمل الشباب على العناية‬ ‫بذواتهم الجديدة بناء على عالقة صحية بمصادر أنفسهم العميقة‪ .‬فجأة‬ ‫ارتجت كل ثوابت األمة في عقولهم وفي مشاعرهم‪ ،‬ولم يعد يمكن استعمال‬ ‫أي عنف أخالقي أو تأويلي ضد إرادتهم الفظيعة بهشاشتها والتباسها‪.‬‬

‫هي لم تكن غالبا سوى تمارين أخالقية مريرة على إقناع الحيوان البشري منذ‬ ‫والدته إلى وقت وفاته بأنه مدعو إلى أنماط «تذوت» مناسبة لطبيعته البشرية‪،‬‬ ‫هي تلك التي تكون كفيلة بتدريبه على التكيف املفيد مع شبكة السلطة التي‬ ‫ال «خارج» لها‪ :‬شبكة األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله‪ .‬وبأنه ليس يمكن أن يوجد «خارج»‬ ‫شبكة السلطة األبوية والسياسية والدينية غير األشباح أو املجانني أو املوتى‪.‬‬ ‫نعني ال يفلت من شبكة السلطة‪ ،‬سلطة األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلل��ه‪ ،‬إال ما ‪ /‬من لم‬ ‫يوجد قط أو الذي جن عقله أو الذي فارق الحياة‪ .‬العدم والجنون واملوت هي‬ ‫الحدود امليتافيزيقية التي ترسمها شبكة األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله‪ ،‬ضد أي عصيان‬ ‫أخالقي من طرف الحيوان البشري ضد هيبتها‪.‬‬

‫وليس من الصدفة أن «امللحدين» في جميع الثقافات القديمة والحديثة هم أولئك‬ ‫الذين ال مكان لهم «داخ��ل» شبكة األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلل��ه‪ ،‬التي تنظم أو تضبط‬ ‫الحالة األخالقية السوية للبشر بما هو «أشخاص»‪ ،‬أي كائنات «تشخص» أمام‬ ‫العني املراقبة‪ ،‬ومن ثم تدخل في نطاق «املرئي» الخاص بالسلطة – الشخص هو‬ ‫املرئي بالنسبة إلى عني سلطة ما‪ .‬ما عدا ذلك هو لحم حيواني خارج السيطرة‪.‬‬ ‫لذلك فامللحد هو ال��ذي يريد أن «يلحد» شيئا ميتا‪ ،‬أي يواريه ال�ت��راب؛ وهذه‬ ‫«امل��واراة» هي عملية إخفاء للمرئي قصد تنصيب غير املرئي باعتباره هو‬ ‫املجال األنسب للبشر البشري‪ .‬اإللحاد هو عدول عن املرئي الذي تعينه السلطة‬ ‫وتنشره كشاشة أخالقية أو معيارية وحيدة للتحديق نحو أنفسنا العميقة‪.‬‬ ‫ولذلك يبدو كل ما هو ملحد مائال ومعوجا‪ :‬يقال‪ :‬لحد السهم عن الهدف أي‬ ‫عدل عنه؛ والحد صاحبه أي اعوج كل منهما عن اآلخر‪ .‬ولحد عن الدين أي مال‬ ‫ثورة على سلطة األب‬ ‫وحاد؛ والتحد إلى فالن التجأ‪ ،‬وامللتحد امللجأ‪ ،‬ألن الالجئ يميل إليه‪ .‬واللحود‬ ‫أجل‪ ،‬قد يقال إن املراهقة امللحدة هي موضة روحية تؤدي دورا جماليا أكثر املائل‪ .‬وال يختلف معنى الكفر عن معنى اإللحاد في داللة اإلخفاء وامل��واراة‪:‬‬ ‫منها موقفا عقديا ضد الدين بما هو كذلك‪ .‬قد يكون في هذا بعض من الصدق‪ ،‬كفر الشيء ستره وغطاه‪ .‬والكفران ستر نعمة املنعم وسترها‪ .‬واملكفر املوثق‬ ‫لكن الصادق ليس صحيحا دائما‪ .‬وذلك أن ادعاء اإللحاد من قبل الشباب لئن في الحديد‪ ،‬كأنه مستور به‪ .‬واملتكفر الداخل في السالح‪.‬‬ ‫لم يكن نتيجة تأمل ميتافيزيقي في حقيقة اإلله أو في معنى التعالي أو في‬ ‫تناهي الكيان اإلنساني وهشاشته الوجودية‪ - ،‬فإنه يخفي في طياته تمردا تمرد بصري على شاشة أخالقية‬ ‫أكيدا على شبكة رمزية من السلطة‪ ،‬ليس التأثير األبوي غير الهالة الظاهرة‬ ‫منها فحسب‪ .‬إن ما يثور ضد املراهق امللحد هو شبكة طويلة األمد من األعمدة ما تصبو إليه املراهقة امللحدة ليس «الكفر» أو «الشرك» باملعنى الديني ‪ -‬فرؤية‬ ‫الروحية التي شكلت إل��ى حد اآلن ليس فقط جملة تقنيات ال��رج��اء العميقة العالم التي تبرر هذا النوع من السيرة في الحياة قد تبخرت منذ زمن طويل ‪ -‬بل‬ ‫ألنفسنا‪ ،‬بل بخاصة جملة األشكال العامة للتذوت والتذويت التي بنينا عليها ما تصبو إليه هو التحرر من نمط سائد من السلطة العميقة‪ .‬التحرر بواسطة‬ ‫معنى «النفس» لدينا ومعنى «الهوية» البشرية ومعنى «الشخص» املفرد بعامة‪« .‬اإللحاد» أي اإلخفاء والتعتيم والستر املتعمد لشاشة السلطة التي يؤلفها األب‬ ‫ونعني بالتحديد شبكة السلطة التي تتألف من ثالثية األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله‪ / ،‬الحاكم ‪ /‬اإلل��ه‪ .‬ال يعني اإللحاد في ماهيته هنا غير عملية إخفاء أخالقية‬ ‫وذلك باعتبارها الخطاطة السرية لكل نوع من السلطة‪ ،‬أي من العالقة العمودية واسعة النطاق لوجه األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله‪ ،‬التي تحملق في عني املراهق وتتآمر‬ ‫بالبشر أو بالعالم الذي يعيشون فيه‪.‬‬ ‫عليه من الداخل‪ .‬إنه تمرد بصري على شاشة أخالقية لم تعد محتملة لنفوس‬ ‫كل تمرد أخالقي‪ ،‬من جنس اإللحاد‪ ،‬هو بوجه أو بآخر قلق من وطأة شبكة من نوع جديد‪ .‬يريد املراهق امللحد أن يلتجئ إلى الجزء غير املرئي من حياته‪،‬‬ ‫األب ‪ /‬الحاكم ‪ /‬اإلله‪ ،‬باعتبارها سلطة معيارية لم تعد محتملة‪ .‬ولذلك فإن كل بحيث إن اإللحاد هو التمرد على سلطة املرئي‪ ،‬وامتشاق غير املرئي بالنسبة‬ ‫أجهزة األدب التي شكلت إلى حد اآلن داللة «النفس» في الفضاء اإلنساني بعامة إلى بصر السلطة‪ ،‬باعتباره هو أيضا شيء جدير بالنظر‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫إشارة إلى تشكيل جيش نظامي برئاسة فوزي القاوقجي الذي حضر‬ ‫حج العام املاضي ‪1347‬هـ مع شكيب أرسالن!!‬ ‫وفي تقرير فرنسي بتاريخ ‪1930 / 8 / 28‬م إشارة إلى أن فيلبي أخبر أن‬ ‫امللك ابن سعود ينوي االستفادة من خدمات الوطنيني السوريني وجعل‬ ‫بالطه مركز جذب عربي‪ ،‬وذلك بتكليف شكيب أرسالن بالتفاوض مع‬ ‫إسبانيا والحكيم مع بولونيا لعقد معاهدات معهما‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن م��دى دق��ة ه��ذه التقارير فال شك أن زي��ارة شكيب‬ ‫أرس�لان للحجاز قد أحدثت عند الفرنسيني ردود فعل غير مطمئنة‬ ‫ألنهم لم ينظروا إليها كزيارة عادية لتأدية فريضة الحج‪ ،‬فهم يخشون‬ ‫من أي تعاون يؤثر على مركزهم في سوريا في ظل لجوء عدد كبير‬ ‫من الثوار إلى ابن سعود واستقرارهم داخل حدوده في منطقة القريات‪،‬‬ ‫وهو املوقف العظيم الذي ما انفك شكيب أرسالن له ذاكرا وعليه شاكرا‪،‬‬ ‫ومن ذلك قوله‪« :‬وملا أنذر اإلنجليز الثوار السوريني بمغادرة األزرق أو‬ ‫أن يستسلموا إلى الفرنسيني اضطر نحو ألف نسمة إلى االستسالم‪،‬‬ ‫ولكن شقيقي عادل وسلطان باشا األطرش وغيرهما من القواد أبوا‬ ‫االس��ت��س�لام وق��ال��وا لإلنجليز‪ :‬نحن ق��اص��دون إل��ى أرض اب��ن سعود‬ ‫فليس لكم أن تلحقونا إلى هناك وليس لكم في أرض ابن سعود أدنى‬ ‫يد علينا‪ .‬فساروا إلى وادي السرحان وانتجعوا واحة النبك وتفيأوا في‬ ‫ظالل تلك الراية العربية الحقيقية‪ ،‬وكانوا نحو ألف وخمسمائة نسمة‪.‬‬ ‫ولوال ظل ابن سعود ملا قدروا أن يستقروا في مكان‪ ،‬ولضاقت عليهم‬ ‫األرض بما رحبت‪ .‬فال يقدرون أن يدخلوا سوريا إال إذا طلبوا األمان‬ ‫من الفرنسيس وال فلسطني وال شرق األردن وال العراق تقدر أن تقبلهم‪،‬‬ ‫وليس لهم سبيل إلى اليمن»‪.‬‬ ‫باإلجراء مواثقه‪ ،‬وابتهاجا بامللك العربي األصيل الذي صان للعروبة‬ ‫وقد ذكر شكيب أرسالن في رسالة إلى رشيد رضا بتاريخ ‪ 3‬محرم حقها ولإلسالم حقائقه‪ ،‬أدام الله تأييده وأطلع في بروج اإلقبال سعوده‬ ‫‪1348‬هـ إلى أن امللك عبد العزيز عرض عليه اإلقامة في الحجاز‪ ،‬كما وخلد شمسه الشارقة ووفقه لالتفاق مع سائر ملوك العرب وأمرائها‬ ‫عرض عليه عددا من الوظائف‪ ،‬إال أنه اعتذر عن تلبية تلك العروض والعمل مع رجاالتها العاملني لرقيها وعالئها‪...».‬‬ ‫بسبب انشغاله بمتابعة القضية السورية ‪ /‬الفلسطينية في أوروبا‪.‬‬ ‫لم‬ ‫ويرى بعض الباحثني أن حصول شكيب على الجنسية الحجازية ج ‪ -‬الوفاء والتقدير‪:‬‬ ‫يكن في سنة ‪1926‬م كما أشرنا سابقا‪ ،‬ولكنه جاء أثناء وجوده في‬ ‫الحجاز لتأدية فريضة الحج عطفا على كونه بعد هذه الرحلة بدأ يظهر وقد عاد شكيب مرة أخرى للحجاز عندما اندلعت الحرب السعودية‬ ‫في أوروبا كمواطن سعودي‪ ،‬وهو األمر الذي أضفى على إقامته في اليمنية في مارس ‪1934‬م ولكن في مهمة رسمية‪ ،‬وذلك حينما قرر‬ ‫جنيف طابعا شرعيا وجنبه إشكاالت كانت تثيرها جهات االستعمار الوفد ال��دائ��م للمؤتمر اإلس�لام��ي في القدس تشكيل وف��د للمصالحة‬ ‫برئاسة أم�ين الحسيني وعضوية شكيب أرس�لان وهاشم األتاسي‬ ‫في فرنسا وبريطانيا‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أن املصادر تتفق على منحه الجنسية الحجازية ‪ /‬السعودية‪ ،‬ومحمد علي علوبة والسكرتير علي أفندي رشدي‪ ،‬فوصل الوفد إلى‬ ‫إال أنها تختلف في تاريخ الحصول عليها‪ ،‬وقد يكون حصوله على جدة صباح االثنني ‪ 2‬محرم ‪1353‬ه��ـ ‪ 8 /‬أبريل ‪1934‬م‪ ،‬فاستقبلهم‬ ‫الجنسية حدث عام ‪1926‬م ولكنه لم يعمل على إشهارها إال بعد لقائه يوسف ياسني وعبد الله الفضل وأقاموا في قصر الكندرة ثم وصلوا‬ ‫بامللك عبد العزيز بسبب الضغوط التي كان يواجهها في أوروبا من مساء إلى مكة املكرمة ونزلوا في أوتيل مكة بأجياد ليقابلوا امللك عبد‬ ‫دول االستعمار‪ ،‬ولكن من اليقني أن زوجته (سليمى بنت الخاص بك) العزيز صباح اليوم الثاني في قصره باملعابدة‪ ،‬ونتيجة لجهود الوفد‬ ‫واب��ن��ه (محمد غالب ب��ن شكيب أرس�ل�ان) ل��م يمنحا الرعوية العربية عقدت هدنة أعقبها معاهدة صلح وقعت في الطائف بحضور أعضاء‬ ‫السعودية إال بعد لقائه بامللك عبد العزيز بخمس سنوات‪ ،‬وذلك بموجب الوفد الذي غادر الحجاز بعد نحو شهر من قدومه ليسافر إلى صنعاء‬ ‫األمر العالي رقم ‪ 5 / 1 / 26‬وتاريخ ‪1353 / 2 / 28‬هـ‪ ،‬ونشرت الجريدة عن طريق الحديدة يوم الثالثاء ‪ 29‬محرم ‪1353‬هـ للقاء اإلمام يحيى‪،‬‬ ‫الرسمية «أم القرى» اسميهما في ب�لاغ رسمي ضمن قائمة أسماء ومنها إلى مصوع ثم إلى ديارهم‪.‬‬ ‫طويلة للممنوحني الرعوية أو الجنسية السعودية‪ .‬وال غرابة بعد ذلك‬ ‫في سعي شكيب للحصول على الجنسية السعودية له وألفراد أسرته‪ ،‬كما أنه مما يجدر اإلشارة إليه أن بعض املصادر ذكرت تناول شكيب‬ ‫وهو القائل‪« :‬والحمد لله على أن أبقى لنا راية ابن سعود حتى نتفيأ في أرس��ل�ان م��س��اع��دات م��ال��ي��ة م��ن امل��ل��ك ع��ب��د ال��ع��زي��ز ض��م��ن دع���م امل��ل��وك‬ ‫واألمراء العرب لجهوده امللموسة في القضايا العربية‪ ،‬في حني ال نعلم‬ ‫ظلها بعد أن خفقت رايات األجانب على أكثر البالد»‪.‬‬ ‫مقدار وتاريخ هذه املساعدات املتكررة ولكن يمكن الترجيح بأن هذه‬ ‫وك���ان شكيب أرس�ل�ان ق��د أل��ف كتابا ع��ن رحلته إل��ى الحجاز سماه املساعدات كانت قبل الحرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫«االرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف» املطبوع سنة وم��م��ا ق��د ي��ع��ط��ي ان��ط��ب��اع��ا ع��ن ع��م��ق ال��ع�لاق��ة ودرج����ة ال����ود وال��ت��ق��دي��ر‬ ‫‪1350‬هـ ‪1931 /‬م‪ ،‬وأهداه إلى امللك عبد العزيز قائال‪« :‬هذا وملا تسنى لشخصية شكيب أرس�لان في الدوائر الرسمية للدولة السعودية ما‬ ‫إكماله‪ ،‬وبلغ اإلبدار هالله‪ ،‬رأيت أن أتوجه باسم جاللة امللك الهمام الذي نشرته الصحيفة الرسمية «أم القرى» عند وفاته‪ ،‬حيث وصفته بالبطل‬ ‫هو غرة في جبني األيام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود املجاهد الذي قام بجالئل األعمال ألوطانه البالد العربية! مثنية على‬ ‫ملك الحجاز ونجد وملحقاتها‪ ،‬ت��ذك��ارا لجميل األم��ن ال��ذي م��د على غيرته الشديدة على البالد اإلسالمية مشبهة عودته ووفاته في لبنان‬ ‫هذه البلدان سرادقه‪ ،‬وعرفانا بقدر العدل الذي وطد فيه دعائمه وناط بالسيف الذي عاد إلى غمده <‬

‫شكيب أرسالن األول يسارًا‬ ‫فمحمد الطاهر ثم أحمد حلمي‬ ‫وفوزان السابق السفير السعودي‬ ‫في القاهرة باللباس العربي‬

‫‪,,‬‬

‫خلف أمير البيان‬ ‫تراثا كبيرا‬ ‫من املطبوع‬ ‫واملخطوط في‬ ‫الشعر واألدب‬ ‫والتاريخ‬ ‫والجغرافيا‬ ‫والفكر‬ ‫والسياسة‬ ‫تأليفا وتحقيقا‬ ‫وترجمة وتقديما‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪59‬‬


‫ثقافة‬

‫وفد الصلح بني السعودية‬ ‫واليمن ‪ 1934‬وشكيب أرسالن‬ ‫الثاني من اليمني‬

‫‪,,‬‬

‫بعد إعالن‬ ‫استقالل‬ ‫سوريا ولبنان‬ ‫عاد شكيب‬ ‫إلى وطنه‬ ‫في أكتوبر‬ ‫‪ ..1946‬ولم‬ ‫يطل به املقام‬ ‫حيث توفي‬ ‫بعد وصوله‬ ‫بأربعني يوما‬

‫‪,,‬‬

‫‪58‬‬

‫أكثر منهم ويزيد عجبهم بأنه يهاجم خصوم القضية في وسط أوروبا‪.‬‬ ‫وأنا إن عينت سفراء فسوف يكون األمير أول من أرجوه قبول ذلك ألن‬ ‫فيه كل املؤهالت وال يوجد اآلن عند العرب مثله»‪.‬‬ ‫وقد ال يستغرب هذا الرأي إذا علمنا عن مراسالته السابقة مع امللك‬ ‫عبد العزيز واتصاالته املستمرة املرتبطة باملهمات التي كلفه بها قبل‬ ‫أن يتعرف عليه شخصيا‪ ،‬إضافة إلى أن امللك أيضا كان يتابع بعض‬ ‫الجرائد التي ك��ان يكتب فيها شكيب ح��ول القضايا العربية بصفة‬ ‫عامة وحول القضية السورية بصفة خاصة ويقرأها بنفسه كجريدة‬ ‫«الشورى» على سبيل املثال‪.‬‬ ‫وقد عاد شكيب إلى الطائف بعد مغادرة امللك للحجاز‪ ،‬وكان كتب خالل‬ ‫فترة وجوده في الطائف الحلقات األربع األولى من كتابه «االرتسامات‬ ‫ال�ل�ط��اف ف��ي خ��اط��ر ال�ح��اج إل��ى أق��دس م �ط��اف»‪ ،‬ال�ت��ي نشرتها جريدة‬ ‫«الشورى» فيما بعد‪ ،‬وقد ذيلها جميعا بمكان الكتابة وهو الطائف‪،‬‬ ‫في حني كانت الرابعة منها بتاريخ ‪ 20‬صفر ‪1348‬هـ‪.‬‬

‫وحفالت األسبوع األخير في مكة املكرمة التي أقامها فؤاد حمزة وكيل‬ ‫الخارجية وعبد الله الشيبي وعباس قطان أمني العاصمة وأطباء الصحة‬ ‫وعبد الله السليمان الحمدان وكيل املالية‪ .‬وقد غادر شكيب أرسالن‬ ‫مكة املكرمة مساء الخميس متجها إلى جدة التي أقيمت له فيها مآدب‬ ‫أخرى قبل مغادرته عند محمد أفندي نصيف وعند عبد الله علي رضا‪،‬‬ ‫ليسافر من ميناء جدة بعد ظهر الجمعة‪.‬‬ ‫وبقدر ما أدخلت زيارة الحجاز من السرور على نفس شكيب أرسالن‬ ‫وساهمت في توثيق الروابط بينه وبني امللك عبد العزيز وازدياد إعجابه‬ ‫به‪ ،‬حيث قال‪« :‬وجدت فيه امللك األشم األصيد الذي تلوح سيماء البطولة‬ ‫على وجهه‪ ،‬والعاهل الصنديد األنجد ال��ذي كأنما قد ث��وب استقالل‬ ‫العرب الحقيقي على قده‪ ،‬فحمدت الله على أن عيني رأت فوق ما أذني‬ ‫سمعت‪ ،‬وتفاءلت خيرا بمستقبل هذه األمة»‪ ،‬بقدر ما أحدثت ردود فعل‬ ‫قوية لدى السلطات الفرنسية من جهة‪ ،‬ولدى التيار املناوئ له في التيار‬ ‫السياسي السوري من جهة أخرى‪ ،‬فقد ارتابت السلطات الفرنسية من‬ ‫هذه الزيارة ولقاءات شكيب املتكررة بابن سعود في أثنائها‪ ،‬بينما‬ ‫شنت الجهات السورية املعادية لشكيب حمالت تشهيرية ضده متهمة‬ ‫إياه بأن هدف زيارته البحث عن املناصب وليس الحج‪ ،‬فتصدت لهذه‬ ‫الحمالت مجلة «الفتح»‪ ،‬مشيرة إلى أنها فتنة ال تشرف القائمني بها‪.‬‬ ‫ويشير تقرير فرنسي إلى أن كتلة الوطنيني يطمحون لرؤية سوريا‬ ‫مستقلة بمساعدة مؤثرة وفعالة من اب��ن سعود‪ ،‬ملمحا إل��ى تاريخ‬ ‫العالقة بني الوطنيني السوريني وابن سعود التي يرون أنها تعود إلى‬ ‫‪1926‬م‪ ،‬ولكنهم توجهوا إليه مرة أخ��رى عندما تعلق عمل الجمعية‬ ‫التأسيسية وقطعت املفاوضات مع املفوضية العليا سنة ‪1928‬م‪ ،‬ثم‬ ‫أشار التقرير إلى مغادرة شكيب جنيف في أبريل ‪ 1929‬إلى مكة للحج‪،‬‬ ‫وكان ينوي التوقف في فلسطني لرئاسة مؤتمر يتبنى إعالن اململكة‬ ‫السورية وتعيني نجل ابن سعود ملكا لها‪ ،‬ولكن ذلك أجهض بسبب‬ ‫منع البريطانيني دخوله لفلسطني‪.‬‬

‫وأشار التقرير إلى أنه خالل إقامة شكيب املطولة في الحجاز حشد‬ ‫الحاشية املقربة البن سعود أمثال الحكيم وياسني وحمزة وغيرهم‬ ‫حول أطروحات الوطنيني‪ ،‬وأن ابن سعود حينما فاتحه شكيب أشار‬ ‫بتأجيل املوضوع‪ .‬ولكن شكيب كتب إلى فوزي غازي بذلك في ‪ 18‬مايو‬ ‫‪1929‬م فعقدت الكتلة الوطنية اجتماعا في بعلبك وكتبت إلى ابن سعود‬ ‫تؤكد قرار إعالن امللكية وترشيح نجله سعود لها‪.‬‬ ‫طرحت الفكرة مجددا بعد ع��ودة الحكيم إل��ى دمشق في ‪ 10‬أكتوبر‬ ‫‪1929‬م وس��اف��ر منها لألحساء ليؤكد الب��ن سعود ال��ذي ك��ان هناك‬ ‫املسألة‪ .‬وباقتراح من الحكيم استقدم ابن سعود القاوقجي لتنظيم‬ ‫وقد سجل امللك عبد العزيز انطباعه عن شكيب أرسالن في رسالة إلى قواته وتعاقد مع عدد من الضباط السوريني‪ .‬وقامت حمالت في مصر‬ ‫الشيخ محمد رشيد رضا جاء فيها‪« :‬أنسنا بلقاء صديقكم وصديقنا وفلسطني بأن ابن سعود سيحقق الوحدة العربية‪ .‬وفي يناير ‪1930‬م‬ ‫األمير شكيب أرسالن‪ ،‬وهو كما وصفتم إخالصا وعلما وأدبا»‪ ،‬مما أرسلت البرقيات بمناسبة إعالن مملكته في نجد‪.‬‬ ‫يؤكد أن حديثه عنه في ج��دة لم يكن مجاملة للضيف بقدر ما هو وفي هذا التقرير خلط لكثير من األمور ألن امللك عبد العزيز لم يكن له أي‬ ‫إعجاب بشخصيته وجهاده في سبيل رفعة العرب وتحرير أوطانهم‪ .‬أطماع في ملك سوريا حتى وإن أبدى بعض الوطنيني رغبتهم في ذلك‪،‬‬ ‫وقد كان االحتفاء بشكيب أرسالن في الحجاز من قبل رجال الدولة حيث رأوا في شخصيته األمل الذي ينقذهم من سطوة املستعمرين‪،‬‬ ‫واألدباء واملثقفني نابعا من تقدير املكانة السياسية واألدبية له لدرجة حيث إنه بعد نهاية الثورة السورية الكبرى دعت فرنسا الشعب السوري‬ ‫أن يكتب افتتاحية أحد أعداد الجريدة الرسمية «أم القرى»‪ ،‬وكانت تحت إلى انتخاب جمعية وطنية إلق��رار نظام الحكم وحضر الشيخ كامل‬ ‫عنوان «الحجاز وبعد تأثيره في األرض»‪ ،‬وقد وصفته الجريدة بسعادة قصاب إلى السعودية في تلك الفترة الحرجة من تاريخ سوريا‪ ،‬فاقترح‬ ‫كاتب الشرق األكبر األمير شكيب أرس�لان‪ ،‬بل إن الجريدة حرصت على امللك أن يتولى مهمة تحرير سوريا فينقذها ويجلس على عرشها‬ ‫على تتبع تنقالته وأخ�ب��اره خ�لال وج��وده في الحجاز‪ ،‬وم��ن ذل��ك ما وينال شكرها‪ ،‬ولكن امللك اعتذر بشدة وق��ال‪« :‬إن تقاليدنا القومية‬ ‫نشرته في صدر عددها رقم ‪ 247‬تحت عنوان «خطب قيمة لعطوفة والدينية تحول دون قبولي عرشا تحت حماية األجانب»‪ ،‬في حني ال‬ ‫أمير البيان شكيب أرسالن»‪ ،‬حيث سطرت خالصة الخطب التي ألقاها شك أن شكيب أرسالن هو الذي مهد سبيل قدوم القاوقجي للحجاز‬ ‫في الحفالت التي أقيمت له بمكة املكرمة‪ .‬كما أشارت الجريدة إلى أن بعد أن كان يبحث عن ملجأ إثر إجهاض الثورة السورية‪ ،‬وكان حضور‬ ‫مغادرته ستكون مساء الجمعة ‪1348 / 4 / 9‬هـ على الباخرة الطليانية القاوقجي بعد قدوم شكيب للحجاز‪.‬‬ ‫إلى أوروبا‪ ،‬موضحة أن مدة إقامته في الحجاز كانت أربعة أشهر ظل‬ ‫خاللها موضع الحفاوة‪ ،‬وأقيمت له املآدب والحفالت‪ ،‬مشيرة إلى مآدب وفي تقرير من القنصلية الهولندية في جدة بتاريخ ‪1929 / 11 / 27‬م‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫ملواقفه ويظهر ذلك في رسائله وكتاباته‪ .‬ومما قاله تعبيرا عن ذلك‪:‬‬ ‫«وال ننسى إن ابن سعود هو بنفسه سخي اليد عظيم الحمية حافظ‬ ‫لشنشنة العرب الحقيقية»‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التجلي واالنصهار‪:‬‬

‫امللك عبد العزيز مع نجله سعود‬

‫وف��ي سنة ‪1347‬ه �ـ ‪1929 /‬م كلف امللك عبد العزيز شكيب أرس�لان‬ ‫وخالد القرقني رسميا باالتصال بالشركات األملانية في برلني لدعوتها‬ ‫لتنفيذ امل�ش��روع��ات الحضارية املختلفة ف��ي ب�ل�اده‪ ،‬فعمال على ذلك‬ ‫بجد كما التقيا باملسؤولني األملان للحصول على التسهيالت الالزمة‬ ‫ونجحا في الحصول على حد ائتماني للحكومة السعودية يصل إلى ‪4‬‬ ‫ماليني مارك‪ ،‬مما مكن امللك عبد العزيز من إنجاز بعض الصفقات مع‬ ‫الشركات األملانية لتنفيذ خططه االقتصادية‪ ،‬بل امتد دور شكيب إلى‬ ‫ما هو أبعد من ذلك‪ ،‬فلقد واصل محاوالته إلقناع األملان ليقوموا بدور‬ ‫أوسع في تنمية البالد السعودية‪ ،‬وشجع أصدقاءه في وزارة الخارجية‬ ‫على زي��ارة املنطقة بهدف تنمية العالقات السعودية ‪ /‬األملانية‪ ،‬وقد‬ ‫بدأت الشركات األملانية تتنافس للمشاركة في املشروعات السعودية‬ ‫وواصلت الدوائر التجارية اهتمامها فازدادت نشاطات الشركات األملانية‬ ‫في السوق السعودية‪ ،‬وكانت من نتيجة ذلك توقيع معاهدة صداقة بني‬ ‫مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها وبني الرايخ األملاني في ‪ 16‬ذي القعدة‬ ‫‪1347‬هـ املوافق ‪ 26‬أبريل (نيسان) ‪1929‬م في القاهرة‪.‬‬ ‫وفي هذا العام الذي وقعت فيه معاهدة الصداقة عزم شكيب أرسالن‬ ‫على تأدية فريضة الحج التي لم يؤدها من قبل فشد رحاله من أوروبا‬ ‫ميمما شطره إلى الحجاز‪ ،‬وفي حني ال يستبعد تبييته لنية الحج في‬ ‫هذا العام فال يمكن عزل املوضوع عن دور شكيب في املسألة األملانية‬ ‫ال��ذي قد يكون سببا في تعجيل الحج بهدف لقاء اب��ن سعود أيضا‬ ‫والتعرف عليه عن قرب‪ ،‬وهذا على فرض أن ابن سعود لم يوجه الدعوة‬ ‫إليه مجددا‪.‬‬ ‫وما إن وطئت قدما شكيب األراضي املصرية أثناء طريقه إلى الحجاز‬ ‫إال وبرقية امللك عبد العزيز تصل إليه في بورسعيد متضمنة الترحيب‬ ‫ب��ه ف��ي ضيافته م��ن ح�ين دخ��ول��ه الحجاز إل��ى م�غ��ادرت��ه‪ ،‬ول��م يملك إال‬ ‫االستجابة لهذا الكرم من ملك يتمثل في شخصيته سمو األخ�لاق‬ ‫العربية النبيلة‪ .‬ولعل هذه البرقية تلمح إلى أن حضوره كان من دون‬ ‫دعوة خاصة على الرغم من إشارة أحد املصادر إلى دعوته من قبل‬ ‫امللك ابن سعود‪.‬‬

‫ما انفك الهجا بقلمه بالثناء على ابن سعود وسياسته‪.‬‬ ‫ولكن دعوة امللك عبد العزيز أتت أيضا متزامنة مع دور بدأ يلعبه شكيب‬ ‫في سبيل تعزيز العالقات السعودية األملانية‪ ،‬وتشير بعض الوثائق‬ ‫األملانية إلى سعي شكيب أرسالن عند السلطات األملانية سنة ‪1926‬م‬ ‫إلرس��ال أحد علماء الطب األمل��ان للعمل في جدة‪ ،‬كما سعى في سنة‬ ‫‪1927‬م عند الحكومة السعودية للسماح ألستاذين جامعيني أملانيني‬ ‫بزيارة جدة ليقوما بإجراء بحوث اقتصادية عن التسويق والتجارة‬ ‫لخدمة مصالح الدوائر التجارية والصناعية األملانية في الحجاز في‬ ‫ظل تنامي أهميته االقتصادية‪ .‬وكانت الحكومة السعودية قد رفضت‬ ‫منحهم التأشيرة الالزمة أول األمر بسبب عدم اعتراف أملانيا بالدولة‬ ‫السعودية‪ ،‬وكان شكيب بحكم عالقاته القديمة والوثيقة مع املسؤولني‬ ‫األملان التي تشكلت خالل الحرب العاملية األولى مفيدا في إقناع األملان‬ ‫ب�ت��رس�ي��خ مصالحهم ف��ي ال �ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة ألن��ه ك��ان ي��رى ف��ي امللك‬ ‫عبد العزيز صورة القائد العربي النبيل القادر على تحقيق النهضة‬ ‫االقتصادية واآلمال السياسية للعرب‪ ،‬ولعل في هذا تفسيرا منطقيا‬ ‫ملا تشير إليه بعض املصادر حول حصوله على الجنسية الحجازية‬ ‫وك��ان م�ق��ررا لشكيب أن يبحر م��ن األراض ��ي املصرية على الباخرة‬ ‫سنة ‪1926‬م وهي السنة التي طلب فيها الجواز الحجازي‪.‬‬ ‫الخديوية إلى جدة يوم ‪ 11‬مايو‪ .‬وقد صادف وصول شكيب أرسالن‬ ‫وعلى الرغم من الحفاوة واالحترام التي أظهرتها «أم القرى» الجريدة إل��ى ج��دة ي��وم األح��د ‪ 3‬ذي الحجة ‪1347‬ه� �ـ امل��واف��ق ‪ 13‬م��اي��و ‪1929‬م‬ ‫الرسمية السعودية بشكيب أرسالن في وقت سابق‪ ،‬فإن ذلك لم يمنعها واستقبله مندوب امللك عبد العزيز وبعض رجال الحكومة استقباال‬ ‫من التعقيب على إح��دى مقاالته وذل��ك لتوضيح بعض أم��ور العقيدة رسميا على ظهر الباخرة ليتجه مباشرة ملقابلة امللك‪ ،‬وفي املساء انتقل‬ ‫التي ال يمكن التغاضي عنها‪ ،‬فقد نشرت أم القرى في عددها رقم برفقة امللك عبد العزيز في سيارته الخاصة إلى مكة املكرمة‪.‬‬ ‫‪ 108‬وت��اري��خ ‪ 3‬رج��ب ‪1345‬ه� �ـ ‪ 7 /‬يناير ‪1927‬م تعقيبا على مقالة وبعد أيام قليلة من انقضاء موسم الحج صادق امللك عبد العزيز على‬ ‫شكيب أرسالن املنشورة في «كوكب الشرق» ردا على كاتب آخر في معاهدة الصداقة السعودية األملانية‪ ،‬وذلك في غرة محرم ‪1348‬هـ املوافق‬ ‫نفس الجريدة كان قد عرض باإلمام يحيى أيدت فيها اهتمام شكيب ‪ 7‬يونيو ‪1929‬م‪ ،‬بينما كان شكيب أرسالن قد غادر مكة بسبب شدة‬ ‫بالوحدة العربية وصححت ما نسبه إلى أهل نجد خطأ بأنهم يعدون الحرارة إلى الطائف التي أمضى فيها قرابة الشهر ثم عاد إلى مكة في‬ ‫كل زائر للقبور مشركا‪ ،‬موضحة أن زيارة القبور على الوجه املشروع التاسع عشر من شهر محرم ‪1348‬هـ ‪ 26 /‬يونيو ‪1929‬م لوداع امللك‬ ‫سنة متبعة‪ ،‬وأن علماء نجد والحجاز وعلماء املسلمني الحاضرين في عبد العزيز الذي كان يعتزم املغادرة إلى نجد‪.‬‬ ‫املؤتمر اإلسالمي في حج سنة ‪1344‬هـ نشروا بيانا مشتركا بينوا فيه‬ ‫كيفية زيارة القبور املشروعة‪ ،‬مؤكدة أن النجديني ال يمنعون إال الشرك وحضر مع امللك املأدبة التي أقامها إبراهيم ومحمد الفضل في جدة‪،‬‬ ‫والبدع املبتدعة وعبادة القباب والقبور ودعاء أصحاب القبور ألن العبادة وكان مما قاله امللك عبد العزيز عن شكيب أرسالن في تلك املناسبة‪:‬‬ ‫«ال يوجد مخلص يقول كلمة سوء في حق األمير شكيب‪ ،‬وهيهات‬ ‫ال تصرف إال لله‪ ،‬كما أن الضر والنفع بيده وحده‪.‬‬ ‫ه��ذا ف��ي ح�ين ل��م تتغير وج�ه��ة نظر شكيب أرس�ل�ان نحو امل�ل��ك عبد لخصومه أن يستطيعوا النيل منه‪ ،‬فنحن نعرف األمير وأنه مجاهد‬ ‫العزيز‪ ،‬ب��ل إن��ه ك��ان ي��زداد ف��ي ك��ل ي��وم إعجابا بشخصيته وتقديرا حقا‪ ،‬فإذا كانوا إخوانه أحرار العرب يدافعون عن وطنهم فاألمير يدافع‬

‫‪,,‬‬

‫حصل شكيب‬ ‫أرسالن على‬ ‫الجنسية‬ ‫الحجازية‬ ‫وأقام في‬ ‫أوروبا‬ ‫كمواطن‬ ‫سعودي‪..‬‬ ‫وهو األمر‬ ‫الذي أضفى‬ ‫على إقامته في‬ ‫جنيف طابعا‬ ‫شرعيا‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪57‬‬


‫ثقافة‬

‫‪,,‬‬

‫الوطنيون‬ ‫السوريون‬ ‫عرضوا على‬ ‫امللك عبد‬ ‫العزيز املساعدة‬ ‫في تحرير‬ ‫سوريا من‬ ‫االستعمار‬ ‫الفرنسي‬ ‫وتعيني نجله‬ ‫سعود ملكا‬ ‫عليها‪ ..‬لكنه‬ ‫اعتذر‬

‫‪,,‬‬

‫‪56‬‬

‫املقال محيلة إلى ما نشرته من وصف لصورة هذا الضم العجيبة في‬ ‫الصفحة األخيرة من نفس العدد تحت عنوان «تأمل في هذا!!»‪.‬‬ ‫وك��ان شكيب أرس�لان يرى بأنه ال سبيل إلى الوقوف ضد املشاريع‬ ‫االستعمارية والنفوذ األجنبي إال اتحاد العرب جميعا واندماجهم في‬ ‫ص��ف واح��د ض��د املستعمرين‪ ،‬فكتب مقالة م��ن مرسني بتاريخ ‪15‬‬ ‫أغسطس (آب) بعنوان «أزفت ساعة االتحاد أيها العرب»‪ ،‬دعا فيها إلى‬ ‫وجوب جمع كلمة ملوك العرب وتحالفهم على عدم إدخال األجانب في‬ ‫أمور الجزيرة والعربية‪ ،‬مقترحا ترك الفصل في مسألة الحجاز ملؤتمر‬ ‫إسالمي‪ .‬وقد تضمنت هذه املقالة كالما وجهه إلى امللك الحسني يعبر‬ ‫فيه عن موقفه بكل صراحة‪ ،‬حيث قال‪« :‬ال جرم أن هوانا مع ابن سعود‬ ‫من أجل أعمال ابنك عبد الله والزمرة املحيطة به وبابنك علي‪ ،‬وأنهم‬ ‫يرون ألنفسهم الحق في إهدار كل ما يقدرون على إهداره من حقوق‬ ‫العرب وأمالكهم غنيمة باردة لإلنجليز إذا كان هؤالء يمكنون عليا من‬ ‫الحجاز ويتركون عبد الله في شرق األردن»‪.‬‬ ‫فشكيب في تلك الفترة التي سبقت تسليم جدة للملك عبد العزيز بنحو‬ ‫أربعة أشهر يظهر دوافعه إلى تأييد ابن سعود وميله إليه دون مواربة‪،‬‬ ‫حيث أعلنها صريحة «هوانا مع ابن سعود» ألنه يرى أنه ال يمكن أن‬ ‫يهدر حقوق العرب أو يفرط في ديارهم أو أن يكون مطية لألجانب‪،‬‬ ‫بل إن��ه اعتبره كما سبقت اإلش���ارة شوكة في حلوقهم‪ ،‬وم��ع ذل��ك لم‬ ‫يدع إلى إخ��راج علي بن الحسني من الحجاز أو إنهاء حكم األشراف‬ ‫في جزيرة العرب‪ ،‬بل كان يفضل االتحاد واالتفاق بني الزعماء في وأن أولئك العرب الذين ينفخون في بوق الشقاق بني اإلمام يحيى وامللك‬ ‫الجزيرة العربية ليقفوا صفا واحد‪ ،‬وهو األمر الذي يجعل منهم قوة عبد العزيز هم أشد عداوة لألمة العربية من الفرنساوي واإلنجليزي‬ ‫وال��ط��وران��ي وم��ن اللنبي وج��م��ال باشا وغ���ورو وصموئيل وجوفنيل‬ ‫مرعبة للمستعمرين‪.‬‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫ويظهر بعد ذل��ك أن شكيب ب��دأ بمراسلة امل��ل��ك عبد ال��ع��زي��ز بطريقة في هذه املقالة نجد شكيب أرسالن يفند كل تشكيك يطال ابن سعود‬ ‫مباشرة قبل استسالم جدة وانضوائها تحت لوائه‪ ،‬وقد نشرت جريدة واستقالله وال��ذي تبرهنه مساحات دولته الواسعة وهيبته ونفوذه‪،‬‬ ‫«ال��ش��ورى» رس��ال��ة جوابية م��ن امللك عبد العزيز موجهة إل��ى شكيب وهو ما جعل بريطانيا تتعامل معه بطريقة مختلفة تراعي فيها تلك‬ ‫الجوانب‪ ،‬كما تتجلى فيها الروح القومية التي أظهرت حرص شكيب‬ ‫أرسالن مؤرخة في ‪ 21‬جمادى األولى ‪1344‬هـ نصها‪:‬‬ ‫«من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود إلى سمو األمير على تحقق الوئام بني امللك عبد العزيز واإلم��ام يحيى وديمومته ألنه‬ ‫يعتبرهما البقية الباقية لألمة العربية ومناط آمالها ونواة اتحادها‪.‬‬ ‫شكيب آل أرسالن الكرام دام كننا للمسلمني والعرب‬ ‫السالم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد‪.‬‬ ‫فقد حظينا بكتاب نابغة العرب فألفيناه املحجة الوضحاء‪ ،‬وشكرنا فيه‬ ‫الجد والهمة القعساء‪ ،‬ولعل زمن تحقيق أماني الصديق الكريم قريب‬ ‫إن شاء الله تعالى‪ ،‬وإننا على ما تعهدوننا من تلقي نصح املخلصني‬ ‫بالقبول‪ ،‬فإن قصر الزمن علينا اليوم بلقياكم والتمتع برؤيتكم فليس‬ ‫غدا ببعيد عن توحيد العرى وجمع الشمل‪ ،‬ولي األمل بالله عز وجل أن‬ ‫يعتمد بعضنا بعضا في السراء والضراء‪ ،‬والله حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫حفظكم الله بعنايته ورعايته»‪.‬‬

‫ويتضح من خالل رد امللك على رسالة شكيب أن هدف الرسالة كان‬ ‫السعي إلى وحدة العرب ولم شملهم‪ ،‬ليعقب هذه الرسالة مقالة لشكيب‬ ‫كتبها من جنيف بتاريخ ‪ 13‬مارس ‪1926‬م نشرتها الشورى عنوانها‬ ‫«زعامة جزيرة العرب نغمة مضرة»‪ ،‬يرد فيها على من يقلل من شأن‬ ‫الجزيرة العربية وزعمائها وداحضا كل تشكيك في استقاللها‪ .‬ومما‬ ‫جاء فيها‪ ...« :‬فابن سعود مستقل في نجد والحجاز وقسم من عسير‬ ‫وأطراف الشام والبلقاء إلى أطراف العراق إلى أحقاف اليمامة استقالال‬ ‫حقيقيا ال شائبة فيه وال تعلو فوق يده يد إال يد الله‪ ،‬وال تجد ألجنبي‬ ‫سلطة في جميع هذه األقطار‪ ،‬وإن كانت انعقدت بينه وبني اإلنجليز‬ ‫معاهدة فيما مضى أو اتفاق خاص ببعض مسائل فيما حضر فلم‬ ‫يكن ذلك ليمس شيئا من جانب استقالله أو استقالل بالده‪ ،‬وإنكلترا‬ ‫تداريه أكثر مما يداريها ألنها تعلم أنه عند الحاجة يقدر على حشد‬ ‫مائة ألف إلى مائتي ألف مقاتل من أشجع مقاتلة األرض ومن أشدهم‬ ‫حماسة وتمسكا بفضائل الشرع»‪ .‬وبعد تأكيده على استقالل اإلمام‬ ‫يحيى أيضا ذكر أنه ال نجدة لبالد العرب األخرى إال من جزيرة العرب‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫بعد ذلك بمدة وجيزة انعقد املؤتمر اإلسالمي في مكة املكرمة‪ ،‬الذي‬ ‫افتتحه امللك عبد العزيز في يوم االثنني ‪ 26‬ذي القعدة ‪1344‬هـ املوافق ‪7‬‬ ‫يونيو ‪1926‬م‪ ،‬وعلى الرغم من عدم مشاركة شكيب أرسالن فقد تقرر‬ ‫فيه انتخاب لجنة تنفيذية وأن يقوم شكيب أرسالن بوظيفة السكرتير‬ ‫العام للمؤتمر ليدير حركة اللجنة التنفيذية‪ ،‬وإن لم يقبل يعهد إلى‬ ‫لجنة لالتفاق على اختيار السكرتير العام‪ .‬ويبدو أن إشارتهم إلى‬ ‫احتمال عدم القبول نابعة من كونهم اشترطوا إقامة اللجنة التنفيذية‬ ‫والسكرتير العام إقامة دائمة في مركز املؤتمر‪ ،‬إضافة إلى ما يعرفونه‬ ‫من انشغال شكيب أرسالن بأعمال اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري‬ ‫‪ /‬الفلسطيني في أوروبا‪ .‬ويظهر أن أرسالن لم يقبل هذه املهمة لتلك‬ ‫األسباب‪ ،‬حيث اعتذر عن قبولها إال أنهم رضوا منه باإلقامة في الحجاز‬ ‫أربعة أشهر ال غير‪ ،‬في حني ملح رشيد رضا في إحدى رسائله إلى‬ ‫شكيب برغبته في وجوده في الحجاز لهدف العمل مستشارا سياسيا‬ ‫البن سعود‪.‬‬ ‫ويمكن تفسير الدعوة التي وجهها امللك عبد العزيز إلى شكيب أرسالن‬ ‫لزيارة الحجاز بعد املؤتمر ضمن هذا اإلطار أيضا فقد أشارت جريدة‬ ‫«ال��ش��ورى» إل��ى ه��ذه ال��دع��وة وذك��رت أن شكيب أرس�لان سيلبي هذه‬ ‫الدعوة وسيتوجه إلى الحجاز بعد عودته من رحلته إلى أميركا‪ ،‬التي‬ ‫بدأت في ‪ 4‬يناير ‪1927‬م وانتهت ‪ 6‬مايو (أيار) ‪1927‬م‪ ،‬وقد كان طلب‬ ‫الحصول على جواز سفر من الحجاز له ولرفيقه إحسان الجابري قبل‬ ‫هذه الرحلة‪ ،‬ولكن يبدو أن انشغال األمير بأعمال الوفد السوري في‬ ‫أوروبا بعد رجوعه من أميركا حال دون تلبية دعوة السعوديني‪ ،‬ولكنه‬


‫الحلفاء بأنها لن تسمح له بالعودة في حال خروجه منها‪ ،‬وبعد انتهاء‬ ‫الحرب وإعالن استقالل سوريا ولبنان عاد شكيب إلى وطنه في ‪30‬‬ ‫أكتوبر ‪1946‬م‪ ،‬ولم يطل به املقام حيث توفي بعد وصوله بنحو أربعني‬ ‫يوما في ‪ 9‬ديسمبر ‪1946‬م وصلي عليه في اليوم التالي في الجامع‬ ‫العمري في بيروت ثم نقل جثمانه إلى مسقط رأسه في الشويفات‬ ‫حيث دفن هناك‪.‬‬

‫بشخصية امللك عبد العزيز من خالل مقاالته التي كان ينشرها في‬ ‫الصحف العربية‪ ،‬ونجد جريدة «أم القرى» تنقل إحدى مقاالته حول‬ ‫مسألة الحجاز أثناء حصار جدة والتي كانت بعنوان «األشياء فوق‬ ‫األشخاص»‪ ،‬محتفية به في زمن مبكر‪.‬‬ ‫وفي رسالة كتبها شكيب أرسالن وهو في مرسني إلى نبيه العظمة في‬ ‫القاهرة مؤرخة في ‪1925 / 5 / 26‬م قال‪ ...« :‬ثم إنني بعد ذلك اطلعت‬ ‫على بعض مراسالت سرية أكدت لي أن ابن سعود ال يفرط في حقوق‬ ‫العرب وأنه باذل الجهد في تقليص النفوذ األجنبي في الجزيرة‪ ...».‬وال‬ ‫نعلم هل هذه املراسالت السرية كانت بني شكيب أرسالن شخصيا‬ ‫وامللك عبد العزيز أم أن اطالعه عليها من طرق أخرى! ولكنها من دون‬ ‫شك ت��دل دالل��ة كبيرة على االنطباع اإليجابي ال��ذي تشكل لديه نحو‬ ‫امللك عبد العزيز‪.‬‬

‫وقد خلف أمير البيان تراثا كبيرا من املطبوع واملخطوط في الشعر‬ ‫واألدب والتاريخ والجغرافيا والفكر والسياسة تأليفا وتحقيقا وترجمة‬ ‫وتقديما يصعب حصره‪ ،‬كما كتب في أدبه وسيرته ونضاله الكثير‬ ‫والكثير من املقاالت واملباحث في الصحف واملجالت والكتب والدوريات‬ ‫أثناء حياته وبعد وفاته‪ ،‬ولم تقتصر هذه الكتابات على اللغة العربية‪،‬‬ ‫بل تعدتها إلى لغات أخرى ألنه كان ممن يلفت األنظار بفكره وقلمه‬ ‫وجهاده كما ظلت سيرته ونشاطه السياسي وأدبه ومؤلفاته موضوعا ثم نجده يكتب مقالة من مرسني بتاريخ ‪ 29‬يونيو ‪1925‬م تحت عنوان‬ ‫لعدد من الدراسات األكاديمية والرسائل العلمية واملؤلفات األدبية‪.‬‬ ‫«عني اإلنجليز على العقبة وقسم من الحجاز»‪ ،‬محذرا من األه��داف‬ ‫االستعمارية التي يجري التخطيط لها بضم بعض أراض��ي الحجاز‬ ‫وخ�ص��وص��ا العقبة وم�ع��ان إل��ى منطقة ان�ت��داب�ه��ا‪ ،‬وم�ع��رض��ا باألمير‬ ‫عالقة شكيب أرسالن بالسعودية‬ ‫عبد الله بن الحسني أمير ش��رق األردن ووزارت��ه الخاضعة لالنتداب‬ ‫البريطاني‪ ،‬مؤكدا أن ابن سعود أصبح كالشوكة في حلق بريطانيا‬ ‫أ ‪ -‬التعارف واالرتباط‪:‬‬ ‫بسيطرته على الجوف وم��ا صاقبها‪ ،‬وأن استمرار الصراع بني ابن‬ ‫ال شك أن سيطرة امللك عبد العزيز على الحجاز ك��ان سببا رئيسا سعود واألش��راف يمكن أولئك املستعمرين من إنشاب مخالبهم في‬ ‫في فتح قنوات االتصال مع كثير من الشخصيات املهتمة بالقضايا الجزيرة العربية‪ ،‬ويدعو ابن سعود إلى قطع الطريق عليهم وإطفاء‬ ‫العربية‪ ،‬فقد جذبتهم قدراته السياسية والعسكرية التي جعلته يطوي الفتنة بني أم��راء العرب بقبول الصلح في ظل احتمال بعيد بسقوط‬ ‫أراضي شبه الجزيرة العربية تحت ظالل لوائه‪ ،‬ورأوا فيه رمزا للعروبة جدة في يده كما كان يظن‪.‬‬ ‫التي انتهك االستعمار استقاللها خارج الجزيرة فعقدوا عليه اآلمال‬ ‫في املساعدة والدعم إلنقاذ الشعوب العربية وتخليص أراضيها من ومن الواضح أن شكيب كتب هذا املقال قبل علمه بتنفيذ الخطة‪ ،‬حيث‬ ‫براثن االستعمار‪ ،‬س��واء في فلسطني أو سوريا ولبنان‪ ،‬فمنهم من اتفق امللك علي بن الحسني وأخوه األمير عبد الله على ضم والية معان‬ ‫التحق بخدمته وعمل في بالطه ومنهم من توثقت عالقته بهذا امللك والعقبة إلى إمارة شرق األردن‪ ،‬وكان ‪ 25‬يونيو ‪1925‬م التاريخ الرسمي‬ ‫العربي النبيل‪ ،‬ومن هؤالء األمير شكيب أرسالن الذي أظهر إعجابه لهذا اإللحاق‪ ،‬وهو األمر الذي جعل الجريدة تشير إلى ذلك في حاشية‬

‫لقاء بني امللك عبد العزيز‬ ‫وروزفلت في فبراير ‪1945‬‬

‫‪,,‬‬

‫كلف امللك‬ ‫عبد العزيز‬ ‫شكيب أرسالن‬ ‫وخالد القرقني‬ ‫رسميا االتصال‬ ‫بالشركات‬ ‫األملانية في‬ ‫برلني لدعوتها‬ ‫لتنفيذ‬ ‫املشروعات‬ ‫االقتصادية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪55‬‬


‫ثقافة‬

‫شكيب أرسالن (‪1366 – 1286‬هـ ‪ )1946 - 1869 /‬األمير األديب املؤرخ السياسي الرحالة من الرجال الذين‬ ‫يصعب التعريف بهم ألن من هو في مكانته االجتماعية وشهرته السياسية وقيمته األدبية أعلى من أي‬ ‫تعريف‪ ،‬فماذا سيقال وماذا سيروى عن رجل قضى حياته في نضال مستمر في سبيل الدفاع عن مصالح‬ ‫األمة اإلسالمية والعربية؟‬

‫ملحات من عالقة شكيب أرسالن بالسعودية‬

‫األديب وامللك‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫قاسم بن خلف الرويس‬

‫‪,,‬‬

‫قبل أن يتسلم‬ ‫امللك عبد‬ ‫العزيز جدة‬ ‫كشف شكيب‬ ‫أرسالن عن‬ ‫تأييده البن‬ ‫سعود وميله‬ ‫إليه دون‬ ‫مواربة‪..‬‬ ‫حيث أعلنها‬ ‫صريحة‪:‬‬ ‫«هوانا مع‬ ‫ابن سعود»‬

‫‪,,‬‬

‫‪54‬‬

‫يقول محمد علي الطاهر‪ ...« :‬ألن األمير شكيب الذي اشتغل‬ ‫خمسا وستني سنة من حياته وه��و يكتب ويخطب وينظم‬ ‫ستشتغل الدنيا عليه خمسمائة سنة‪ ،‬بل أكثر‪ ،‬وستصدر‬ ‫كتب كثيرة عنه تتناوله بالتحليل والشرح شأن أهل الخلود الذين عاشوا‬ ‫للناس وعملوا من أجلهم فاهتم بهم الناس وعملوا على تخليدهم»‪.‬‬ ‫لقد ظل شكيب بن حمود األرسالني الذي ينحدر في نسبه من ساللة‬ ‫امللك النعمان بن املنذر بن ماء السماء اللخمي فخورا بنسبه العربي‬ ‫الذي أثر في تكوينه وبناء شخصيته طوال حياته‪.‬‬ ‫ولد في قرية الشويفات في لبنان ليلة األول من رمضان ‪1286‬هـ ‪5 /‬‬ ‫ديسمبر (كانون األول) ‪1869‬م لعائلة سياسية أدبية؛ فوالده كان يجيد‬ ‫النثر ويقرض الشعر‪ ،‬وأخواه نسيب وعادل كاتبان شاعران‪ ،‬وكلهم‬ ‫شغل بالسياسة‪.‬‬ ‫اهتم وال��ده بتعليمه القراءة والكتابة‪ ،‬وحفظ جانبا من القرآن الكريم‬ ‫وهو صغير السن‪ ،‬وأتم تعليمه في املدرسة األميركية‪ ،‬لينتقل في سنة‬ ‫‪1879‬م إلى مدرسة الحكمة وتتلمذ فيها على يدي عبد الله البستاني‪.‬‬ ‫انتقل إلى املدرسة السلطانية في سنة ‪1887‬م التي كان يدرس فيها‬ ‫الشيخ محمد عبده فالزمه وحضر مجالسه وتأثر به وتوثقت الروابط‬ ‫بينهما‪ ،‬تفتقت موهبته الشعرية مبكرا وانصرف إلى الكتابة والتأليف‬ ‫والسياسة بقية حياته‪.‬‬

‫مراحل حياته السياسية‬ ‫ويمكن إيجاز حياته السياسية في أربع مراحل‪:‬‬ ‫ املرحلة العثمانية (‪ :)1918 - 1887‬بدأت بعد وفاة والده سنة ‪1887‬م‬‫حيث أصبح مديرا للشويفات‪ ،‬ثم تولى منصب قائمقام الشوف في‬ ‫‪1902‬م‪ ،‬تخللها تطوعه للدفاع ع��ن األراض���ي الليبية بعد تعرضها‬ ‫لالحتالل اإليطالي سنة ‪1911‬م‪ ،‬ومشاركته بتأسيس الجمعية الخيرية‬ ‫اإلسالمية سنة ‪1913‬م‪ ،‬وان��ت��داب��ه إل��ى املدينة امل��ن��ورة ل�لإش��راف على‬ ‫تأسيس مدرسة «دار الفنون» ثم مشاركته في مجلس «املبعوثان» الذي‬ ‫أصبح عضوا فيه ونائبا لحوران إلى سنة ‪1918‬م‪.‬‬ ‫ امل��رح��ل��ة األوروب���ي���ة األول����ى (‪ :)1923 - 1918‬ح��ي��ث ان��ه��زم��ت ال��دول��ة‬‫العثمانية في الحرب العاملية األولى وهو في مهمة سياسية في برلني‬ ‫فاضطر إلى اإلقامة فيها‪ ،‬ثم غادرها إلى جنيف في آخر العام‪ ،‬ليعود‬ ‫إل��ى برلني م��رة أخ��رى ف��ي سنة ‪1920‬م وي��راف��ق أن��ور باشا ال��ذي لجأ‬ ‫إلى برلني في رحلة إلى موسكو سنة ‪1921‬م‪ .‬انتخب سكرتيرا عاما‬ ‫للمؤتمر السوري الفلسطيني املنعقد في جنيف سنة ‪1921‬م ثم قررت‬ ‫اللجنة التنفيذية للمؤتمر في القاهرة سنة ‪1922‬م تأليف وفد لبسط‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫القضية السورية وبيان حقيقتها أمام الرأي العام األوروبي بوجه عام‬ ‫وأم��ام مجلس جمعية األم��م في جنيف بوجه خ��اص‪ ،‬وتولى شكيب‬ ‫أرسالن املقيم في برلني في ذلك الوقت رئاسة الوفد‪.‬‬ ‫ مرحلة مرسني (‪ :)1925 - 1923‬حيث عاد من أوروبا سنة ‪1923‬م‬‫وأقام في مرسني الواقعة على الشاطئ الجنوبي لتركيا نظرا لقربها‬ ‫من سوريا حتى تتمكن والدته من زيارته بسهولة‪ ،‬واستدعى أسرته‬ ‫لإلقامة معه فوصلت إليه في مارس (آذار) ‪1924‬م وكان لم يلتق بأسرته‬ ‫طيلة ستة أعوام‪ ،‬ولكن لم تطل إقامته في مرسني إذ سرعان ما انتقل‬ ‫لإلقامة في جنيف في منتصف ‪1925‬م ثم لحقت به أسرته‪.‬‬ ‫ املرحلة األوروبية الثانية (‪ :)1946 - 1925‬حيث استقر في سويسرا‬‫مواصال من هناك أعماله كرئيس للوفد السوري في متابعة القضية‬ ‫السورية ومراجعة جمعية األم��م‪ ،‬وكانت املرحلة األكثر سخونة في‬ ‫حياته السياسية في ظل سيطرة االستعمار على معظم العالم العربي‪،‬‬ ‫وقد سافر إلى أميركا في يناير (كانون الثاني) سنة ‪1927‬م للمشاركة‬ ‫في مؤتمر حزب االستقالل السوري‪ ،‬ثم سافر في أكتوبر (تشرين‬ ‫األول) من نفس العام إلى موسكو بدعوة من الحكومة السوفياتية‬ ‫لحضور احتفاالتها بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة البلشفية‪ ،‬كما‬ ‫شارك في مؤتمر مكافحة االستعمار املنعقد في بروكسل في ديسمبر‬ ‫‪1927‬م وشارك أيضا في املؤتمر االشتراكي الثاني في بروكسل سنة‬ ‫‪1928‬م‪ ،‬كما أسس مكتب إعالم البلدان اإلسالمية بجنيف في سنة‬ ‫‪1928‬م‪ ،‬وزار الحجاز لتأدية فريضة الحج ‪1929‬م‪ ،‬وتوجه إلى فرنسا‬ ‫ومنها إل��ى إسبانيا واملغرب سنة ‪1930‬م‪ ،‬وأص��در في نفس السنة‬ ‫جريدة سماها «األمة العربية» باللغة الفرنسية في جنيف‪ ،‬وحضر‬ ‫مؤتمر املستشرقني املنعقد في اليدن ‪1931‬م‪ ،‬وزار أوروبا الشرقية‬ ‫‪1932‬م‪ ،‬ثم قام بجولة في أوروبا شملت أملانيا ويوغسالفيا وهنغاريا‬ ‫وإيطاليا في ‪1934 - 1933‬م‪ ،‬وشارك في وفد املصالحة الذي شكله‬ ‫املؤتمر اإلسالمي في القدس أثناء الحرب بني السعودية واليمن ‪1934‬م‪،‬‬ ‫ثم اشترك في مؤتمر عربي عقد في روما في نهاية ‪1934‬م‪ ،‬وترأس‬ ‫املؤتمر اإلسالمي األوروب��ي املنعقد في جنيف في سبتمبر (أيلول)‬ ‫‪1935‬م‪ ،‬وبعد عقد املعاهدة الفرنسية السورية سنة ‪1936‬م سمح له‬ ‫بالعودة إلى وطنه فوصل إلى بيروت في ‪ 3‬يونيو (حزيران) ‪1936‬م‬ ‫واشترك في مؤتمر بلودان في سوريا في سبتمبر ‪1937‬م وانتخب‬ ‫نائبا ثانيا لرئيس املؤتمر‪ ،‬وك��ان يعتزم االستقرار في وطنه ولكن‬ ‫رفض حكومة فرنسا الجديدة تصديق املعاهدة اضطره إلى العودة‬ ‫إل��ى جنيف في آخ��ر ‪1937‬م‪ .‬وزار برلني في أكتوبر ‪1939‬م فشنت‬ ‫عليه فرنسا حملة تشهير مكثفة بسبب ظروف الحرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫وح�ين ع��اد إل��ى جنيف أنذرته الحكومة السويسرية بسبب ضغوط‬


Distinguish yourself

King’s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, King’s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011

www.kcl.ac.uk


‫صحافة عالمية‬

‫العالقات التركية الروسية‪ ،‬إلى السماح لروسيا بالتوسع مرة أخرى‪ .‬يدفع البعض بأن قاعدة طرطوس البحرية بسوريا لفترة أطول‪ .‬ومن خالل سماح مدينتي سيفاستوبول‬ ‫الزحف نحو جزيرة القرم هو الخطوة األخيرة أمام بوتني إلنقاذ حكمه الهش‪ .‬ولكن من وطرطوس لروسيا بالوصول إلى املياه اإلقليمية على جانبي شبه جزيرة األناضول‪،‬‬ ‫وجهة النظر التركية‪ ،‬فإن غزو روسيا لشبه جزيرة القرم يسير على نمط يرجع إلى ‪ 340‬فسوف تجد تركيا ذاتها ُمحاصرة بالفعل بالقوات البحرية الروسية الضخمة‪.‬‬ ‫عاما‪ .‬أوال‪ ،‬يؤمن بعض املؤرخني العسكريني أن روسيا تميل إلى التوسع عندما تكون‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬سوف تتضرر املفاوضات املستمرة حول املناطق االقتصادية‬ ‫كافة الدول املجاورة لها ضعيفة وغير قادرة على رد العدوان‪.‬‬ ‫الحصرية في املنطقة‪ ،‬وحول مجهودات تركيا للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬عادة ما تكون السيطرة على البحر األسود تهديدا أوليا‪ ،‬ينذر بوقوع املزيد من ومن املحتمل أن تبدأ روسيا في املراوغة حول الوضع القانوني ملضيق البوسفور‪،‬‬ ‫التدخالت‪ .‬ثالثا‪ ،‬من املؤكد أن السيطرة على البحر األسود تتطلب تغيير املوقف من بحجة – مثلما فعل ستالني – أن اتفاقية مونترو تستدعي إجراء تحديث ملنح روسيا‬ ‫وضع مضيق البوسفور‪ ،‬ألن السفن الروسية التي تقوم بدوريات ال ُيمكنها التحرك نحو قدرة أكبر على الوصول إلى املنطقة دون عائق‪.‬‬ ‫البحر األبيض املتوسط إال من خالل هذا املضيق‪ .‬ومن املؤكد أن القوى الغربية ترى في‬ ‫وأثبتت البحرية الروسية بالفعل استعدادها إللقاء ثقلها في مثل تلك األمور‪ ،‬وخاصة‬ ‫أي وجود روسي داخل البحر األبيض املتوسط تهديدا لها‪.‬‬ ‫في شرق البحر األبيض املتوسط‪ ،‬حيث بدأت إسرائيل وقبرص في التنقل عبر البحر‬ ‫وبالتالي‪ ،‬لم تؤكد روسيا على وجودها في البحر األسود دون أن تستعد للنزاع (على والتنقيب عن الغاز الطبيعي‪ .‬وردا على ذلك‪ ،‬ذكرت روسيا قبرص بسيطرتها على‬ ‫الرغم من أنه ليس من الضروري أن يكون نزاعا عسكريا أو فوريا) مع قوى عظمى بنوك قبرصية‪ ،‬بينما تعاملت بحرص أكبر مع إسرائيل‪.‬‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر‪ ،‬لعبت روسيا دورا أكثر صرامة مع الواليات املتحدة األميركية‪ .‬فهي‬ ‫تتوافق العديد من جوانب التحرك الروسي في أوكرانيا مع النمط التاريخي‪ .‬كانت ردود تعتبر عمليات التنقيب التي تجريها شركة إكسون ‪ -‬شيفرون من ساحل البحر األسود‬ ‫القوى الغربية التي تحقق التوازن أمام روسيا ضعيفة ومنقسمة‪ .‬كما يدفع كثيرون بتركيا إمبريالية غربية‪ .‬ومن املحتمل أن يكون غزو شبه جزيرة القرم أبرز تحذير‬ ‫بأن الحرب السورية أثبتت لروسيا أن قدرة الواليات املتحدة األميركية على إبراز قوتها روسي تجاه تلك العمليات حتى اآلن‪ :‬إذ تتعرض عمليات شركات أكسون وشيفرون‬ ‫ُ‬ ‫بالقرب من منطقة التأثير الروسي تعد محدودة‪ .‬فكافة القوات العسكرية الغربية تقريبا وشل في البحر األسود ملأزق قانوني‪.‬‬ ‫تواجه تخفيضات كبيرة في املوازنة‪ .‬يتجه الفكر إلى أن روسيا قد تكون ضعيفة أيضا‪،‬‬ ‫كانت الشركات الثالث قد وقعت على اتفاقيات للتنقيب والحفر بطول الساحل األوكراني‬ ‫ولكن دول الجوار املباشر أضعف ‪ -‬والغرب ليس مستعدا لحمايتهم‪.‬‬ ‫قبل ضم شبه جزيرة القرم لروسيا‪ ،‬واآلن في ظل وجود القوات البحرية الروسية‬ ‫تتعرض تركيا أيضا إلى تهديدات املتضخم في البحر األسود‪ ،‬أصبحت تلك االتفاقيات محال للشك‪ .‬ومن خالل تطويق‬ ‫مخيفة في البحر األسود‪ .‬فمع بداية شبه جزيرة األناضول‪ ،‬يوضح بوتني أيضا معارضته الستراتيجية ممر الغاز الجنوبي‬ ‫شهر أغسطس (آب) لعام ‪ ،2013‬قام األوروبية ُويقدم تحديا مباشرا ملشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر األناضول‬ ‫حزب التنمية والعدالة الحاكم بتركيا (تاناب)‪ ،‬الذي يتجاوز روسيا لنقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا‪.‬‬ ‫بإلغاء مشروع إنتاج السفن الحربية‬ ‫الوطنية طويل األمد‪ ،‬وهو برنامج يهدف ربما يكون أفضل تلخيص لشعور روسيا حيال ذلك األمر من خالل البيان الذي صدر‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا عن ديمتري روجوزين‪ ،‬نائب رئيس الوزراء الروسي‪ ،‬الذي ذكر أنه ينبغي تسليم‬ ‫إلى تحديث البحرية التركية ويتضمن‬ ‫اثنتني من السفن الهجومية البرمائية الفرنسية من فئة ميسترال‪ ،‬التي اشترتها روسيا‬ ‫بناء سفن حربية فائقة التكنولوجيا‪.‬‬ ‫من فرنسا قبل مشكلة القرم‪ ،‬إلى روسيا «في أسرع وقت ممكن» أو يتعني على فرنسا‬ ‫(لم يكن قرار اإللغاء لسبب يتعلق إعادة ‪ 1.2‬مليار يورو لروسيا‪.‬‬ ‫باملشروع ذاته‪ ،‬بقدر ما تعلق بالنزاع بني‬ ‫حزب العدالة والتنمية واملمول الرئيس للمشروع‪ ،‬شركة كوش)‪ .‬وفي شهر سبتمبر وإذا حصلت روسيا في النهاية على السفن الحربية‪ ،‬التي تستطيع كل منها حمل ‪16‬‬ ‫(أيلول) عام ‪ ،2013‬أصدرت تركيا قرارا مصيريا باختيار منظومة الدفاع الصاروخي طائرة هليكوبتر و‪ 70‬مركبة مدرعة و‪ 450‬جنديا‪ ،‬فسوف تصبح روسيا قادرة على شن‬ ‫الصينية ‪ 9-HQ‬من أجل نظام دفاع جوي وصاروخي طويل املدى في تركيا بدال من غارات صغيرة النطاق على كافة الدول املطلة على البحر األسود‪ ،‬مما قد يؤدي بدوره إلى‬ ‫منظومة باتريوت من شركتي رايثون لوكهيد مارتن‪ ،‬ومنظومة الدفاع الروسية ‪ ،300s-S‬وقف االستراتيجية األوروبية ملمر الغاز الجنوبي‪.‬‬ ‫واملنظومة اإليطالية الفرنسية ‪ .30 SAMP/T Aster‬وبعد إلغاء تركيا ملشروع إنتاج‬ ‫السفن الحربية الوطنية طويل األمد وحصولها على نظام دفاعي غير مطابق للمواصفات يبدو أن ذلك كله أمر سيئ‪ ،‬وهو كذلك بالفعل‪ .‬وإذا كان هناك سبب واحد يدعو إلى األمل‪،‬‬ ‫وغير مؤكد‪ ،‬فلم يعد لديها أية خطط واثقة ملواجهة توسع أسطول روسيا في البحر فهو أن التوسع الروسي في عهد ستالني دفع تركيا لتصبح عضوا قويا في حلف الناتو‪.‬‬ ‫ومن املحتمل أيضا أن يؤدي غزو القرم إلى دفع تركيا‪ ،‬التي اتجهت بعيدا عن الغرب في‬ ‫األسود‪.‬‬ ‫عهد رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان‪ ،‬لتذكر األسباب التي أدت إلى انضمام البالد إلى‬ ‫سوف تتضرر املفاوضات املستمرة حول املناطق االقتصادية الحصرية في املنطقة‪ ،‬ذلك التحالف في املقام األول‪.‬‬ ‫وحول مجهودات تركيا للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي‪.‬‬ ‫ببساطة لم تتمكن اإلمبراطورية العثمانية وال الدولة التركية الحديثة من ردع التوسع‬ ‫يؤكد مارك غالوتي‪ ،‬األستاذ بجامعة نيويورك‪ ،‬على أن القدرات الروسية في البحر الروسي أو مقاومته بمفردها‪ .‬وعندما يتعلق األمر بمطالب روسيا على املدى القصير‪،‬‬ ‫األسود ال تزال بدائية نسبيا‪ ،‬وأن تلك القوة لن تتمكن من الصمود أمام مواجهة طويلة فإن روسيا دائما ما تكون أكثر حزما‪ .‬ومنذ عام ‪ ،1689‬ظل الخيار الحقيقي الوحيد‬ ‫مع حلف الناتو‪ .‬ولكن من املرجح أن تراهن روسيا على عدم تدخل الناتو‪ .‬في الواقع‪ ،‬ما لبقاء تركيا هو العمل مع حلفاء‪ .‬ولكن يتطلب الوصول إلى تلك النقطة التزاما قويا قابال‬ ‫زال الروس يذكرون حرب القرم التي ُشنت في عام ‪ ،1853‬كما أنهم يجيدون حساب للقياس تجاه تركيا من قبل الغرب‪.‬‬ ‫املساحة التي يمكنهم التحرك فيها قبل إثارة رد فعل غربي كبير‪.‬‬ ‫وفي كل مرة يضم االثنان قوتيهما معا‪ ،‬يبدي الغرب تأكيدات جديرة بالثقة في الحل‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من حرص موسكو‪ ،‬فإن التدخل الروسي في البحر األسود سوف يؤدي ولكن في الوقت الحالي‪ ،‬من غير الواضح ما إذا كان الناتو سيتدخل في أوكرانيا‪ .‬سوف‬ ‫ً‬ ‫حتما إلى تعقيد األمور بالنسبة لتركيا‪ .‬ومن بني االحتماالت أيضا‪ ،‬تثق روسيا في أن يحدد القدر الذي سيتدخل به الحلف – الذي سيظهر من خالله إرادة قوية للرد على‬ ‫الرئيس السوري بشار األسد سوف يفوز في النهاية في الحرب األهلية في سوريا‪ ،‬روسيا – إذا كانت تركيا سوف تشارك في جهود االحتواء أو أنها سوف ترضخ تحت‬ ‫وتعبيرا عن شكره للدعم الروسي خالل تلك الحرب‪ ،‬سوف يسمح ملوسكو بالوصول إلى وطأة الضغوط الروسية‬

‫�أدى ال�سالم يف تاريخ‬ ‫العالقات الرتكية الرو�سية‬ ‫�إىل ال�سماح لرو�سيا‬ ‫بالتو�سع مرة �أخرى‬

‫فورن أفيرز‪ /‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪52 - 2014‬‬


‫منذ عام ‪ ،1783‬استغلت موسكو وجودها البري إلزعاج العثمانيني‪ ،‬وكسب املزيد من‬ ‫ً‬ ‫وسريعا ما توسعت‬ ‫األراضي من خالل إراقة الدماء والتسبب في مزيد من الدمار‪.‬‬ ‫موسكو في عملياتها البحرية من البحر األسود إلى بحر إيجة والبحر األبيض املتوسط‪.‬‬ ‫وكذلك سارعت القوى األوروبية للتصدي لروسيا عند مضيقي البوسفور والدردنيل‪.‬‬ ‫وأدت املنافسة إلى اندالع حرب أخرى في شبه جزيرة القرم‪ ،‬حرب القرم في الفترة بني‬ ‫ُ‬ ‫عامي ‪ .1856-1853‬شنت تلك الحرب نتيجة لعدم رغبة بريطانيا وفرنسا في السماح‬ ‫لروسيا بالسيطرة الكاملة على البحر األسود على حساب اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬التي‬ ‫أرادت أن تفرض سيطرتها على املنطقة‪ .‬ولم تكن تلك الحرب مجرد معركة محلية بقدر‬ ‫ما كانت عرضا مسبقا للحربني العامليتني املقبلتني‪.‬‬ ‫ووفقا للوثائق‪ ،‬خسرت روسيا تلك املعركة وانتصر العثمانيون‪ ،‬بينما في الحقيقة‪،‬‬ ‫كانت القوات البريطانية والفرنسية هي املنتصر الحقيقي في الحرب نيابة عن العثمانيني‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬أساء قادة اإلمبراطورية العثمانية فهم ذلك النصر‪ ،‬وشعروا بالسيادة فركنوا‬ ‫إلى الخمول‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬استغل الروس الهزيمة بشبه جزيرة القرم واتخذوها‬ ‫فرصة لتنفيذ عدد من اإلصالحات املهمة‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬لم تمنع اإلصالحات من زوال‬ ‫نظام القياصرة‪ ،‬ولكن كانت وتيرة سقوطهم أبطأ من السقوط الذي لحق بالعثمانيني‪.‬‬ ‫وهكذا في نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬كانت روسيا على استعداد لفرض سيطرتها على‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية في القوقاز والبلقان والبحر األسود مرة أخرى‪.‬‬

‫جزيرة القرم‬ ‫وبالتأكيد‪ ،‬لم تمنع مطلقا السيادة الروسية على تلك املناطق تركيا من الشعور‬ ‫باالرتباط بشبه جزيرة القرم‪ .‬في تلك األعوام‪ ،‬أصبحت املنطقة بمثابة باريس للمثقفني‬ ‫املسلمني‪ .‬فقد أنتجت اآلباء املؤسسني للقومية التركية الحديثة‪ ،‬بما فيهم يوسف‬ ‫آقجورا وإسماعيل غسبرنسكي‪ .‬ولكن كان إقليم القرم بالنسبة لتركيا يحمل أكثر‬ ‫من األهمية الثقافية‪ .‬يشير مايكل رينولد‪ ،‬األستاذ املساعد بجامعة برنستون‪ ،‬في‬ ‫كتابه «إمبراطوريات ُمحطمة» أن القرم كانت مهمة أيضا بالنسبة لجهاز االستخبارات‬ ‫العثماني‪ ،‬الذي اعتقد أنه إذا انفصلت أوكرانيا عن روسيا فإن روسيا سوف تنهار‪ .‬وأن‬ ‫ذلك من املمكن أن ُيمهد الطريق أمام العثمانيني للعودة مرة أخرى للبحر األسود‪ .‬ووفقا‬ ‫لعمالء استخباراتيني‪ ،‬فإن أفضل استراتيجية يمكن أن يتبعها العثمانيون هي إثارة‬ ‫سخط التتار املسلمني في القرم‪.‬‬ ‫ومن خالل سماح مدن سيفاستوبول وطرطوس لروسيا بالوصول إلى املياه اإلقليمية‬ ‫َ‬ ‫حاصرة بالفعل من قبل‬ ‫على جانبي شبه جزيرة األناضول‪ ،‬سوف تجد تركيا ذاتها ُم‬ ‫القوات البحرية الروسية الضخمة‪ .‬ربما ليست مفاجأة أنه في عام ‪ ،1914‬دخل العثمانيون‬ ‫في الحرب العاملية األولى من خالل تفجير امليناء البحري الروسي بسيفاستوبول بشبه‬ ‫جزيرة القرم‪ ،‬والذي أصبح رمزا للتوسع الروسي‪ .‬ونجحت املهمة‪ ،‬وأصيبت العمليات‬ ‫الروسية بالبحر األسود بالشلل التام خالل الحرب العاملية‪ .‬ولكن‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬كانت هناك‬ ‫قوة خارجية مكنت العثمانيني حقا من الفوز باملعركة‪.‬‬ ‫أدى عدم امتالك العثمانيني لتكنولوجيا عسكرية بحرية خاصة بها إلى استخدامهم‬ ‫سفينتني حربيتني مهربتني من أملانيا غوبن وبرسالو في شن الهجوم‪ .‬وعندما ترك‬ ‫السفير الروسي لدى اإلمبراطورية العثمانية إسطنبول عقب القصف مباشرة‪ ،‬افترض‬ ‫أن العثمانيني قد يربحون املعركة ولكنهم سوف يخسرون بوجه عام‪« :‬ففي حالة انتصار‬ ‫األملان‪ ،‬سوف تصبح الدولة العثمانية مستعمرة ألملانيا‪.‬‬ ‫وفي حالة فوز البريطانيني‪ ،‬سوف تتفكك اإلمبراطورية العثمانية»‪ .‬عندما عاد إلى‬ ‫إسطنبول بعد انتهاء الحرب‪ ،‬قال إنها ربما تصبح مدينة روسية‪ .‬استطاعت روسيا‬ ‫تحقيق انتصارات ضد العثمانيني أكثر مما توقع كثير من األتراك في البداية‪ .‬ولكن‬ ‫الثورة البلشفية‪ ،‬التي قامت في عام ‪ ،1917‬والتي دفعت القيصر إلى استدعاء جيشه‬ ‫للعودة إلى الوطن من شرق األناضول‪ ،‬أنقذت اإلمبراطورية العثمانية على نحو غير‬ ‫متوقع من هجوم روسي مؤكد‪.‬‬ ‫تميزت فترة ما بعد الحرب بدفء نادر في العالقات التركية الروسية‪ .‬فقد تخلى االتحاد‬ ‫السوفياتي الجديد عن استراتيجية القيصر السابقة في التوسع‪ ،‬نتيجة لعدم قدرته على‬ ‫فرض سيطرته على البحر األسود نظرا للضعف الذي حل في مرحلة ما بعد الثورة‪،‬‬

‫وفضل التعاون بدال من ذلك‪ .‬في الوقت ذاته‪ ،‬كانت اإلمبراطورية العثمانية تمر بتغييرات‬ ‫خاصة بها‪ ،‬وعلى وجه التحديد تأسيس الجمهورية التركية تحت قيادة مصطفى كمال‬ ‫أتاتورك‪ .‬وبالفعل‪ ،‬يذكر البعض أن ذلك العصر في ظل حكم لينني وأتاتورك كان الفترة‬ ‫الوحيدة في التاريخ التي شهدت تعاونا حقيقيا بني روسيا وتركيا‪ .‬في ذلك العصر‪ ،‬أكد‬ ‫القادة ذوو الشعبية في كلتا الدولتني اللتني خاضتا مرحلة ما بعد الحكم اإلمبراطوري‬ ‫على مقاومة الغرب‪ ،‬فيما تضاءلت قضية القرم باعتبارها نقطة خالف بينهما‪.‬‬

‫حكم أتاتورك‬ ‫ً‬ ‫سريعا ما تالشى أي ود بني القوتني‪ ،‬عندما خرجت روسيا‪ ،‬التي رأسها في تلك‬ ‫ولكن‪،‬‬ ‫الفترة جوزيف ستالني‪ ،‬من الحرب العاملية الثانية باعتبارها قوة مهيمنة على حوض‬ ‫أوراسيا األعظم‪ .‬فقد سعى إلى إعادة املحافظات الشمالية الشرقية من األناضول أرداهان‬ ‫وآرتفني وكارس إلى االتحاد السوفياتي‪ ،‬وطالب بوضع خاص للسفن السوفياتية التي‬ ‫تمر عبر مضيق البوسفور‪ .‬وفي عدة مرات‪ ،‬خرق ستالني معاهدة مونترو التي وقعت‬ ‫عام ‪ ،1936‬لتنظيم املالحة في املضايق (التركية)‪ ،‬عبر مضيقي البوسفور والدردنيل‬ ‫لفترة تزيد على عشرة أعوام‪ .‬من وجهة نظر ستالني‪ ،‬لم تعد االتفاقية قائمة في عالم ما‬ ‫بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬ذلك العالم الذي ال ُيمكن فيه إخضاع روسيا الجديدة ألهواء‬ ‫الحكومة التركية‪ .‬وفي السجالت البريطانية ملؤتمر يالطا الذي عقد في نهاية الحرب‬ ‫العاملية الثانية‪ ،‬ذكر أن ستالني سأل وينستون تشرشل‪ ،‬ثم رئيس الوزراء البريطاني‬ ‫قائال‪« :‬ما الذي سوف تفعله بريطانيا إذا منحت إسبانيا أو مصر ذلك الحق بغلق قناة‬ ‫السويس‪ ،‬أو ما الذي سوف تفعله الواليات املتحدة األميركية إذا كان ألي دولة أميركية‬ ‫جنوبية الحق في غلق قناة بنما؟» (في‬ ‫عام ‪ ،1956‬ردت حكومة رئيس الوزراء‬ ‫أنتوني إيدن على ذلك السؤال‪ ،‬عندما حاولت‬ ‫بريطانيا باالشتراك مع فرنسا وإسرائيل‬ ‫‪1914‬‬ ‫إعادة التأكيد على سيطرتها على سد‬ ‫أسوان من خالل القوة العسكرية بعد أن‬ ‫قام الرئيس املصري جمال عبد الناصر بما‬ ‫ذكره ستالني بالفعل وأغلق قناة السويس)‪.‬‬

‫دخل العثمانيون‬ ‫يف احلرب‬ ‫عام‬ ‫العاملية الأوىل من خالل‬ ‫تفجري امليناء البحري‬ ‫الرو�سي ب�سيفا�ستوبول‬ ‫ب�شبه جزيرة القرم‬

‫وخالل هذه الفترة‪ ،‬كان يتعني على تركيا‬ ‫ُ‬ ‫أن تغير مسارها‪ ،‬بعد أن أكدت على عدم‬ ‫انحيازها التعاوني تحت حكم أتاتورك‪ .‬فلم‬ ‫ُ‬ ‫تستطع أن تقاوم الضغوط التي تفرضها‬ ‫روسيا التي عادت للظهور من جديد‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬فقد انضمت تركيا لحلف الناتو في عام ‪ .1952‬وعندما انهار االتحاد السوفياتي‪،‬‬ ‫أصبحت منطقة البحر األسود منطقة عاملية على نحو أكبر‪ .‬وعملت الدول من خالل‬ ‫منظمات متعددة األطراف مثل منظمة التعاون االقتصادي للبحر األسود وأنشأت نظام‬ ‫تضامن إقليمي لنزع فتيل األزمات املحتملة فيما بعد الحرب الباردة‪ .‬وأكدت تركيا على‬ ‫دورها في الحفاظ على االستقرار في منطقة البحر األسود‪ ،‬بينما أكدت روسيا على‬ ‫قدرتها على تقديم الغاز الطبيعي للجميع‪.‬‬ ‫وفي ظل الهدوء النسبي الذي اتسمت به املنطقة‪ ،‬لم تول األوساط األكاديمية التركية‬ ‫والشعب التركي الكثير من االهتمام بها خالل العشرين عاما املاضية‪ ،‬في حني اتجهت‬ ‫األنظار نحو دور تركيا في الشرق األوسط أو عضويتها في االتحاد األوروبي‪ .‬ربما لم‬ ‫يكن عليهم أن يفقدوا ذلك التركيز‪.‬‬

‫غزو روسيا لشبه جزيرة القرم‬ ‫في شهر مارس (آذار)‪ ،‬عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وأعلنت عن نيتها‬ ‫في «االستفادة الكاملة من اإلمكانات الجيواستراتيجية التي تملكها شبه جزيرة القرم»‬ ‫ُ‬ ‫ومواصلة تطوير أسطول البحر األسود في روسيا‪« ،‬حيث تعد تلك خطوة مهمة للبالد‬ ‫عندما جرى إلغاء عدد من االتفاقيات مع أوكرانيا بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم‬ ‫خالل الشهر املاضي»‪ ،‬تغير كل شيء‪.‬‬ ‫وعلى نحو مفاجئ‪ ،‬أدى السالم واالستقرار‪ ،‬الذي امتد لفترة ثانية فقط في تاريخ‬

‫فورن أفيرز‪ /‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪51 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫الصراع الدائم بني تركيا وروسيا على السيادة اإلقليمية‬

‫من أنقرة إلى البحر األسود‬

‫الدول املطلة على البحر األسود‬

‫بقلم‪ :‬أكني أونفر *‬

‫كان فقدان اإلمبراطورية العثمانية لشبه جزيرة القرم وانضمامها لإلمبراطورية الروسية في عام ‪ 1783‬بمثابة‬ ‫ألراض تقطنها أغلبية مسلمة‬ ‫نقطة تحول في تاريخ الحضارتني‪ .‬بالنسبة للعثمانيني‪ ،‬كانت الخسارة األولى الدائمة‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫لتصبح تحت سيادة قوة مسيحية‪ ،‬التي كانت في هذه الحالة‪ ،‬روسيا العظمى تحت قيادة كاثرين‪ ،‬التي تشبه‬ ‫روسيا تحت قيادة الرئيس فالديمير بوتني‪ ،‬والتي تدخلت في حرب أهلية في القرم وضمت شبه الجزيرة إليها‬ ‫في النهاية‪ .‬وأما بالنسبة للروس‪ ،‬فقد كانت بداية تحول بالدهم إلى قوة عاملية؛ وعبر البحر األسود‪ ،‬تمكنت روسيا‬ ‫من اإلبحار نحو الغرب‪.‬‬ ‫* أستاذ مساعد في العالقات الدولية بجامعة عبد القادر هاز بإسطنبول‪ .‬عمل في السابق محاضرا في الدراسات التركية والشرق أوسطية بجامعة برينستون بقسم دراسات الشرق األدنى‬

‫فورن أفيرز‪ /‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪50 - 2014‬‬


‫تونس فيما فشلت فيه مصر‪ .‬يمكن أن يساعد مزيد من الكرم من جانب واشنطن في‬ ‫تأمني التحول الديمقراطي في تونس ويجري هذا كله بتكلفة مالية أقل بكثير مما يمكن أن‬ ‫يكون ضروريا ملصر ‪ -‬مئات املاليني من الدوالرات‪ ،‬بدال من املليارات‪ .‬إذا استطاعت الواليات‬ ‫املتحدة املساعدة على تعزيز الديمقراطية‪ ،‬أو على األقل إجراء إصالحات ديمقراطية في تلك‬ ‫البالد‪ ،‬سوف يحقق الربيع العربي بعض التأثير اإليجابي الدائم‪.‬‬ ‫من املؤكد أن إيران تمثل تحديا بالنسبة لواشنطن‪ ،‬حتى دون االضطرار إلى تلبية املطالب‬ ‫الخليجية بالتعامل األميركي الصارم‪ .‬أزعجت إيران صناع السياسة األميركيني على مدى‬ ‫عقود‪ ،‬ولكن العالقة اليوم بني الواليات املتحدة وإيران معقدة‪ ،‬خاصة وأن طهران تبدو‬ ‫مرة أخرى تحت تأثير املعركة الدائمة بني املتشددين والبراغماتيني حول روح الجمهورية‬ ‫اإلسالمية‪ .‬يسعى كال املعسكرين إلى الهيمنة اإلقليمية إليران‪ .‬ولكن يعتقد املتشددون‬ ‫أن أفضل وسيلة للوصول إلى الهيمنة هي دفع الواليات املتحدة خارج املنطقة واستبدال‬ ‫الحكومات املعادية إليران واملوالية للواليات املتحدة في الشرق األوسط بحكومات أخرى‬ ‫أكثر تعاطفا مع طهران‪ .‬وكان سعي إيران للحصول على قدرات نووية جزءا واحدا فقط‬ ‫من تلك اإلستراتيجية‪ .‬كما تستخدم إيران أيضا مجموعة واسعة من األدوات األخرى في‬ ‫تنفيذها ألجندة التيار املتشدد‪ ،‬بما في ذلك اإلرهاب ودعم الثوار واملتمردين الذين يهددون‬ ‫مصالح الواليات املتحدة في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وعلى الجانب اآلخر‪ ،‬يدفع البراغماتيون اإليرانيون بأن إيران تستطيع أن تحقق الهيمنة‬ ‫اإلقليمية من خالل تطوير اقتصادها وثروتها البشرية ومن خالل تبني العلم الحديث‬ ‫والعوملة‪ .‬من وجهة نظرهم‪ ،‬ال تؤدي محاربة الواليات املتحدة املستمرة إال إلى إضعاف‬ ‫إيران؛ وسيكون من األفضل إليران أن تنمو لتصبح قوة مهيمنة بشكل سلمي‪ ،‬كما فعلت‬ ‫أملانيا بعد الحرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫ربما يثمر التوصل إلى اتفاق بني إيران والغرب‪ ،‬بخصوص منع الجمهورية اإلسالمية‬ ‫من تطوير أسلحة نووية‪ ،‬عن تشجيع طهران على التركيز على النمو االقتصادي الخاص‬ ‫بها وإقناعها بوقف مساعيها إلى زعزعة االستقرار في املنطقة‪ .‬ولكن من املرجح على‬ ‫األقل أن إيران ستجد في االتفاق النووي تخفيفا للضغوط التي يتعرض لها اقتصادها –‬ ‫وهو نقطة ضعف النظام ‪ -‬وبالتالي سيتيح لها مضاعفة مخططاتها العدائية الخارجية‪.‬‬ ‫يشعر اإلسرائيليون والسعوديون‪ ،‬وكثير من حلفاء واشنطن اآلخرين في الشرق األوسط‬ ‫بمخاوف تجاه السيناريو األخير‪ .‬فهم يخشون أن يؤدي الوصول إلى اتفاق حول الحد‬ ‫من التسليح إلى انفراجة في العالقات بني الواليات املتحدة وإيران‪ ،‬وبالتالي ستكون عليهم‬ ‫مواجهة العدوان اإليراني بمفردهم‪.‬‬

‫ولكنها تثبت بشكل نموذجي قاعدة أن اإليرانيني يتعدون الخطوط الحمراء األميركية فقط‬ ‫عندما يخطئون في تقدير حدودها بدقة أو يكونون على صواب في أنها ال تمثل خطوطا‬ ‫حمراء بالفعل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال ت ِكن طهران مثل ذلك االحترام لخصومها اإلقليميني‪ ،‬الذين ينظر إليهم اإليرانيون بازدراء‪.‬‬ ‫وهي مشاعر متبادلة‪ ،‬وبالتالي فمن دون وجود الواليات املتحدة هناك لردع إيران والتوسط‬ ‫نيابة عن حلفاء أميركا‪ ،‬هناك احتمال كبير بوقوع أزمات إقليمية قد تتصاعد بطرق ال‬ ‫يمكن التنبؤ به مما يهدد املصالح األميركية‪ ،‬وخاصة أسعار النفط‪.‬‬ ‫إذن التحدي الذي تواجهه الواليات املتحدة هو إيجاد طريقة للتفاوض من أجل إنهاء مطامع‬ ‫إيران النووية في الوقت الذي يجري فيه كبح طموحاتها اإلقليمية‪ .‬للوصول إلى الحل‬ ‫الصائب الذي يجمع بني االنفراجة واالحتواء‪ ،‬يجب على واشنطن أن تعيد ثقة حلفائها‬ ‫في رغبتها في الحفاظ على أمنهم وقدرتها على ذلك‪ .‬أثار االتفاق النووي املؤقت مع إيران‬ ‫مخاوف في العواصم العربية وإسرائيل من أن دبلوماسية الحد من األسلحة قد تدخل‬ ‫إيران والواليات املتحدة في وفاق إقليمي‪ .‬قد يبدو هذا االحتمال كوميديا نظرا النعدام‬ ‫الثقة املوروث بني واشنطن وطهران‪ ،‬ولكنه يؤخذ على محمل الجدية في مقرات الحكومات‬ ‫العربية‪ ،‬وفي تل أبيب‪ .‬ولعل أفضل طريقة لتعزيز ثقة حلفاء الواليات املتحدة في واشنطن‬ ‫العمل بمزيد من الحسم في مسألة سوريا‪ ،‬نظرا ألنه إذا نأت الواليات املتحدة بنفسها عن‬ ‫هذا الصراع‪ ،‬فسوف تبدو تعهداتها األخرى جوفاء بالنسبة للجمهور العربي املتشكك‪.‬‬

‫ال تذهب بعيدا ‪ -‬سنعود على الفور‬ ‫بعد أكثر من عشرة أعوام من الحروب املكلفة وغير املرضية‪ ،‬أصيب األميركيون بالسأم‬ ‫من التدخالت الخارجية‪ ،‬وجعلت املشاحنات التي ال تنتهي في الشرق األوسط هذه املنطقة‬ ‫آخر مكان يرغب األميركيون في استثمار‬ ‫موارد بالدهم فيه‪ .‬ولكن تظل مشاكل‬ ‫الشرق األوسط متشابكة بعمق مع أمن‬ ‫أميركا القومي واقتصادها‪ .‬وتجبر تلك‬ ‫املشاكل إدارة أوباما على االهتمام بالشرق‬ ‫األوسط بقدر أكبر مما كانت تفضل؛‬ ‫وتحديدا كما شهدت اإلدارات السابقة‪،‬‬ ‫تميل املنطقة إلى جذب الواليات املتحدة مرة‬ ‫أخرى إليها‪ ،‬حتى إذا أرادت هي الخروج‪.‬‬

‫تعانى املعار�ضة ال�سورية‬ ‫من حالة فو�ضى و�شلل‬ ‫ب�سبب الف�ساد وعدم‬ ‫الكفاءة وي�سيطر عليها‬ ‫املتطرفون ال�سلفيون‬

‫في املقابل‪ ،‬يشعر املرشد األعلى اإليراني آية الله علي خامنئي أيضا بالقلق إزاء اآلثار‬ ‫املحتملة لعقد اتفاق نووي‪ ،‬على الرغم من اختالف األسباب‪ .‬فقد حارب لفترة طويلة النفوذ‬ ‫املغري للثقافة األميركية ولديه مخاوف من أن إقامة عالقات بناءة بني الواليات املتحدة‬ ‫وإيران ستطيح بالدولة الدينية وتشوه الصورة الثورية إليران في العالم اإلسالمي‪ .‬لقد وجد‬ ‫قيمة أكبر في قيادته لكتلة رافضي االنضمام إلى النظام العاملي‪ .‬حتى لو جرى عقد اتفاق‬ ‫نووي ذي أهمية بالنسبة له‪ ،‬فقد يشعر أن السبيل الوحيدة السترضاء املتشددين الذين‬ ‫يعتمد عليهم هو طمأنتهم بأن االتفاق لن يلطف من سياسة إيران الخارجية‪ .‬وربما يحاول‬ ‫الحفاظ على قبولهم ملثل ذلك االتفاق على مضض من خالل التعهد لهم بحرية أكبر في‬ ‫ارتكاب املضايقات خارج البالد‪.‬‬

‫من حسن الحظ‪ ،‬ال يبدو أن املشاكل الراهنة‬ ‫في املنطقة تمثل حتى اآلن تهديدا كبيرا‬ ‫لدرجة تستلزم قدرا كبيرا من القوة من‬ ‫الواليات املتحدة؛ كل ما يجب أن تفعله‬ ‫إدارة أوباما هو أن تبذل ما يزيد قليال عما رغبت في القيام به حتى اآلن‪ .‬لكن يجب على‬ ‫واشنطن أن تكون قد تعلمت من تاريخها الطويل واملؤلم مع الشرق األوسط أن تجاهل‬ ‫مشاكل املنطقة لن يجعلها تذهب بعيدا‪ .‬بل من املؤكد أن هذه املشاكل ستعود أسوأ من ذي‬ ‫قبل‪ .‬كذلك ستتطلب معالجة هذه املشاكل في وقت الحق وقتا وطاقة – ودماء وأمواال ‪ -‬أكبر‬ ‫بكثير مما يتطلبه الحل العاجل‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬يبدو من السابق ألوانه االفتراض أن عقد اتفاق نووي مع إيران سوف يعني نهاية‬ ‫العداء اإلقليمي اإليراني‪ .‬ولكن يشير تاريخ املنطقة بقوة إلى أن الواليات املتحدة هي الدولة‬ ‫األقدر على الحد من مساعي إيران العدائية لتغيير الوضع الراهن في املنطقة‪ .‬على الرغم من‬ ‫االدعاءات بانعدام العقالنية اإليرانية‪ ،‬فإن الجمهورية اإلسالمية دائما ما تبدي احتراما جليا‬ ‫للقوة األميركية‪ .‬ويحرص اإليرانيون عموما على عدم تجاوز الخطوط الحمراء األميركية‬ ‫الواضحة‪.‬‬

‫حتى في عصر تخفيض النفقات‪ ،‬تظل الواليات املتحدة دولة ذات مصالح عاملية تنافسية‪،‬‬ ‫وال يوجد سبب لالعتقاد بأن واشنطن تفتقر إلى املوارد الالزمة للقيام بما هو ضروري‬ ‫في الشرق األوسط ولالهتمام بمصالحها في أماكن أخرى في الوقت ذاته‪ .‬لم تتطلب‬ ‫إستراتيجية إدارة أوباما باالتجاه إلى آسيا تحويل أحد األصول املخصصة للشرق األوسط؛‬ ‫إذ لم يجر نقل أي حاملة طائرات‪ ،‬وال دبلوماسي‪ ،‬وال برنامج مساعدات‪ .‬وال ينبغي فعل‬ ‫ذلك‪ .‬يجب على الواليات املتحدة االشتراك بقواتها الخاصة في عدد أقل من الصراعات في‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪ ،‬ليس ألنها تحتاج إلى إشراك مزيد منهم للقتال في آسيا‪ .‬وال يجب‬ ‫أن يكون هناك شك في أن آسيا تمثل أهمية محورية للسياسة الخارجية األميركية‪ .‬ولكن‬ ‫ال يقلل ذلك من أهمية الشرق األوسط؛ حيث تشمل املصالح الحيوية األميركية املنطقتني‪.‬‬ ‫وينبغي على واشنطن أن تبذل املزيد في آسيا‪ ،‬ولكن ال يجب – وليس من الضروري ‪ -‬أن‬ ‫تفعل ذلك على حساب الشرق األوسط‬

‫في بعض األحيان تتحدى إيران املحظورات األميركية‪ ،‬ولكن عندما تواجه مقاومة‪ ،‬عادة‬ ‫ما تتراجع خوفا من رد فعل واشنطن املحتمل‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬لم تقم إيران مطلقا‬ ‫بطرد مفتشي األمم املتحدة الذين يراقبون برنامجها النووي‪ ،‬ولم تشحن أسلحتها الفتاكة‬ ‫للميليشيات الشيعية العراقية وحزب الله‪ .‬وهناك عدد قليل من االستثناءات لهذا األسلوب‪،‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪49 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫تجعل طبيعة الصراع في سوريا من الصعب على أي قوة خارجية التصدي له بسرعة أو العراق على الحافة‬ ‫سهولة‪ ،‬وهذا هو أحد األسباب التي جعلت الواليات املتحدة املنهكة من الحرب تمتنع عن‬ ‫الدخول بعمق في هذا الصراع‪ .‬لم تحقق جهود إدارة أوباما املحدودة تأثيرا كبيرا إال في‬ ‫إرباك حلفاء الواليات املتحدة‪ .‬وال تلقى الخيارات املقترحة من قبل العديد من منتقدي اإلدارة‬ ‫األميركية‪ ،‬مثل توفير أسلحة أكثر تقدما للمعارضة‪ ،‬استجابة كبيرة‪ ،‬ألنها من املرجح أن‬ ‫تجعل القتال أكثر دموية دون االقتراب من الحل‪.‬‬ ‫بيد أن عدم اتخاذ أي خطوة أكثر وأشد خطورة‪ .‬فإذا لم توجد قوة يمكنها أن تحقق التوازن‬ ‫بني الطرفني‪ ،‬ليس من املرجح أن يحل السالم في سوريا لفترة طويلة‪ .‬بل سيستمر الصراع‬ ‫في تمزيق بقية دول املنطقة‪ ،‬وربما يهدم دوال أخرى أيضا – تلك الدول التي تؤثر على‬ ‫املصالح الحيوية األميركية التي لم تؤثر عليها سوريا‪ .‬طاملا أن نظام األسد يمكن أن يعتمد‬ ‫على التدفق املستمر لألسلحة الروسية‪ ،‬واألموال اإليرانية‪ ،‬وقوات حزب الله‪ ،‬ليس هناك‬ ‫سبب يدعو لالعتقاد بأن هذا النظام سوف ينهار‪ .‬بل في الوقت الراهن‪ ،‬ترتفع معنويات قوات‬ ‫األسد‪ ،‬في حني تعاني املعارضة املنقسمة من صراع داخلي ورعاية خارجية غير مالئمة‪.‬‬ ‫كذلك لم يساعد على الحل تحسني صورة الطاغية السوري على املستوى الدولي بسبب‬ ‫تخلصه من األسلحة الكيماوية التي لم يكن من املفترض أن يمتلكها‪ ،‬ناهيك باستخدامها‪.‬‬

‫الحروب األهلية في املنطقة‬ ‫حتى الوقت الحالي‪ ،‬أسفر الدعم الخارجي للنظام وللمعارضة عن مأزق دموي‪ .‬الطرف‬ ‫الخارجي الوحيد الذي يمكنه كسر هذا الجمود هو الواليات املتحدة‪ .‬ولكن رغم أن إدارة‬ ‫أوباما تشعر بقلق واضح تجاه أي عمل يؤدي إلى تدخل القوات البرية األميركية‪ ،‬فإن هناك‬ ‫خيارات يمكن أن تسمح بتوقعات معقولة إلنهاء الصراع السوري بشروط مقبولة للواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬على وجه التحديد تستطيع الواليات املتحدة اتباع األسلوب الذي انتهجته خالل‬ ‫الحرب األهلية في البوسنة في التسعينات‪.‬‬

‫ف�ضلت �إدارة �أوباما‬ ‫با�ستمرار اتباع‬ ‫الدبلوما�سية‬ ‫الهادئة على �إ�صدار‬ ‫الت�صريحات العلنية‬

‫ربما يشعر األميركيون برغبة إنسانية في وضع نهاية للمذابح التي ترتكب في سوريا‪،‬‬ ‫ولكن ال يؤثر الصراع هناك بشكل مباشر على مصالح الواليات املتحدة اإلستراتيجية‪.‬‬ ‫لكن األمر يختلف في العراق‪ ،‬حيث يهدد الوضع املنتشر من سوريا بإعادة إشعال الحرب‬ ‫األهلية التي بدأت في أعقاب الغزو األميركي للعراق في عام ‪ .2003‬أصبح العراق ثاني أكبر‬ ‫مصدر للنفط في منظمة أوبك‪ ،‬وال تقف التوقعات املتفائلة حول استقرار أسعار النفط في‬ ‫املستقبل على املوارد الصخرية املتاحة في أميركا الشمالية بل تعتمد كثيرا على استمرار‬ ‫العراق في زيادة اإلنتاج لسنوات مقبلة؛ وهو افتراض مشكوك فيه إذا كان البلد سينزلق‬ ‫مرة أخرى إلى صراع طائفي‪.‬‬ ‫ما من شك في أن العراق يعاني من آثار الجحيم السوري املجاور‪ ،‬حيث تتدفق األسلحة‬ ‫واألموال واملسلحون السنة ذهابا وإيابا عبر الحدود‪ .‬ولكن تنتج مشاكل العراق أساسا من‬ ‫فوضى ما بعد الحرب الخاصة بالسياسة واألوضاع األمنية في البالد‪ .‬كما تسيطر مشاعر‬ ‫الخوف والرغبة في االنتقام‪ ،‬التي ظهرت من جديد في اللحظة التي غادرت فيها القوات‬ ‫األميركية‪ ،‬على الدولة العراقية‪ ،‬والتي ما زالت في حاجة إلى مؤسسات قوية ومستقلة‪.‬‬ ‫بالنسبة لدور الواليات املتحدة في إخماد العنف املنتشر‪ ،‬سوف تضطر إلى الضغط على‬ ‫العراقيني الستعادة ترتيبات تقاسم السلطة بني الطوائف والتي ساعدت واشنطن في‬ ‫صياغتها عام ‪.2008‬‬ ‫ولكن الواليات املتحدة لديها نفوذا أكبر بكثير مما تمارسه اليوم‪ ،‬وهكذا ستضطر إلى‬ ‫اكتساب رأسمال سياسي جديد‪ .‬كان قرار اإلدارة األخير ببيع ‪ 24‬طائرة هليكوبتر من طراز‬ ‫أباتشي إلى بغداد بداية جيدة‪ .‬ويجب على واشنطن النظر في تعزيز جهود مكافحة اإلرهاب‬ ‫واملساعدات العسكرية التي تقدمها إلى بغداد على نطاق أوسع‪ ،‬إلى جانب املساعدة على‬ ‫معالجة أوجه القصور التي ال حصر لها في الزراعة والتعليم والرعاية الصحية‪ ،‬وعشرات‬ ‫املجاالت األخرى‪ ،‬طاملا أبدت بغداد استعدادها إلعادة تنفيذ ترتيبات تقاسم السلطة‪.‬‬

‫في أوائل عام ‪ ،1994‬قدمت الواليات املتحدة‬ ‫املساعدات لكرواتيا وكروات البوسنة ‪ -‬سرا‬ ‫في البداية‪ ،‬ثم بعد ذلك بشكل علني – وقامت‬ ‫ببناء جيش تقليدي مدرب على التكتيكات‬ ‫والعمليات تحت هيكل قيادة موحد مكون من‬ ‫ضباط أكفاء‪ .‬استطاعت هذه القوة الكرواتية‪،‬‬ ‫بمساعدة القوة الجوية للناتو‪ ،‬هزيمة جيش‬ ‫صرب البوسنة في سلسلة من املعارك التي ثرثرة فوق النيل‬ ‫أقنعت القيادة الصربية باستحالة إحراز‬ ‫نصر عسكري‪ ،‬وبذلك تمكنوا من الوصول حتى بداية أحداث الربيع العربي‪ ،‬ظلت مصر لفترة طويلة من أكثر حلفاء الواليات املتحدة‬ ‫إلى اتفاقية دايتون عام ‪.1995‬‬ ‫جدارة بالثقة في املنطقة‪ .‬عندما أطيح بالرئيس حسني مبارك في أعقاب احتجاجات‬ ‫واسعة عام ‪ ،2011‬أتيحت للواليات املتحدة الفرصة بأن تلعب دور في رجيله إلقامة مصر‬ ‫في الوقت الحالي‪ ،‬تعانى املعارضة السورية من حالة فوضى وشلل بسبب الفساد وعدم جديدة وديمقراطية‪ .‬وعلى الرغم من استحالة إثبات هذا االفتراض‪ ،‬فإنه إذا كانت الواليات‬ ‫الكفاءة ويسيطر عليها املتطرفون السلفيون‪ .‬لكن ال يجب أن يستمر هذا الوضع‪.‬‬ ‫املتحدة على استعداد لتقديم حزمة من خمسة إلى عشرة مليارات دوالر وبسرعة في شكل‬ ‫مساعدات إضافية ملصر (باإلضافة إلى نحو ‪ 1.5‬مليار دوالر تحصل عليها مصر سنويا‬ ‫في عامي ‪ 2005‬و‪ ،2006‬عندما أصبحت الواليات املتحدة جادة بشأن بناء جيش عراقي بالفعل)‪ ،‬كان من املمكن أن يجلب ذلك لواشنطن نفوذا هائال – ربما على نحو يكفي ملنع‬ ‫كبير ذي إمكانيات‪ ،‬كانت القوات املسلحة العراقية أيضا في حالة من الفوضى‪ .‬لكن بحلول وقوع أسوأ تجاوزات محمد مرسي‪ ،‬الرئيس اإلسالمي الذين جاء إلى السلطة بعد الثورة‪،‬‬ ‫عام ‪ ،2008‬ساعد الجيش األميركي في بناء قوة عراقية ذات كفاءة عالية بشكل معقول وبالتالي ملنع اإلطاحة به‪.‬‬ ‫وكانت قادرة على مساندة الجهود األميركية من أجل إنهاء الحرب األهلية في العراق‪،‬‬ ‫وصياغة ترتيبات جديدة لتقاسم السلطة للحفاظ على السالم‪.‬‬ ‫بيد أن إدارة أوباما لم تفعل شيئا تقريبا ملصر‪ ،‬غير أنها عرضت مجرد مساعدات إضافية‬ ‫بسيطة تصل لـ ‪ 150‬مليون دوالر‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فقدت واشنطن معظم نفوذها في القاهرة‪،‬‬ ‫من املؤكد أن مساعدة املعارضة السورية على بناء جيش كبير محترف‪ ،‬قادر على السيطرة وانتكست قضية الديمقراطية في مصر مرة أخرى‪ .‬اليوم قد يكون من الصائب أن أفضل‬ ‫على األراضي وهزيمة كل من قوات النظام واملتطرفني اإلسالميني املشاركني في الحرب‪ ،‬ما يمكن للواليات املتحدة القيام به هو التركيز على املدى الطويل‪ :‬انتظار عودة عوامل القمع‬ ‫سوف تحد من انقسام املعارضة‪ .‬كما سيقيم مؤسسة علمانية قوية يمكن أن تتشكل السياسي وسوء اإلدارة االقتصادية التي أدت إلى ثورة ‪ 2011‬للظهور مرة أخرى واألمل في‬ ‫حولها حكومة سورية جديدة‪ .‬سوف يكون إنشاء مثل هذه القوة مهمة طويلة وشاقة‪ .‬أنه في حالة مواجهة اضطرابات شعبية مكثفة‪ ،‬سيكون املسؤولون األميركيون قادرين على‬ ‫جدير بالذكر أن جهود الواليات املتحدة لتدريب جيش عراقي كفء استغلت وجود ما يقرب إقناع النظام املصري بتحقيق إصالح‪.‬‬ ‫من ‪ 150‬ألف جندي أميركي في العراق‪ ،‬في حني أن الواليات املتحدة ليس لها أي قوات على‬ ‫األراضي السورية على اإلطالق‪ .‬ولكن هذا هو الخيار الوحيد الذي يعطي أمال في وضع كانت مصر الجائزة الكبرى للربيع العربي‪ ،‬ويمكن أن تضيع هذه الجائزة في الوقت الراهن‪.‬‬ ‫ولكن في مناطق أخرى‪ ،‬يستمر األمل الذي ألهم أحداث عام ‪ 2011‬ويجب رعايته‪ .‬نجحت‬ ‫نهاية مقبولة للحرب في سوريا بتكلفة معقولة‪.‬‬ ‫تحتاج الواليات املتحدة أيضا إلى اإلعالن عن رأيها في شأن العراق‪ .‬فضلت إدارة أوباما‬ ‫باستمرار اتباع الدبلوماسية الهادئة على إصدار التصريحات العلنية‪ .‬ولكن يجب على‬ ‫واشنطن التحدث صراحة عندما يتصرف القادة العراقيون‪ ،‬بما في ذلك رئيس الوزراء نوري‬ ‫املالكي (ولكن ال تقتصر عليه)‪ ،‬بطريقة قد تزعزع استقرار العراق‪ .‬ال تزال كلمة اإلدارة لها‬ ‫ُ‬ ‫وزن في بغداد‪ ،‬ألسباب ليس أقلها أن النخبة العراقية ما زالت ترجع قدرا كبيرا من النفوذ‬ ‫لواشنطن‪ ،‬حتى وإن كان غير ظاهر‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪48 - 2014‬‬


‫ُ‬ ‫في السابق‪ ،‬أرغم الرئيس األميركي دوايت أيزنهاور على التدخل في أزمة السويس عام‬ ‫‪ ،1956‬والثورات القومية العربية في نهاية الخمسينات من القرن املاضي‪ .‬وبالكاد تدخل‬ ‫ليندون جونسون من أجل منع حرب األيام الستة عام ‪ .1967‬أما ريتشارد نيكسون فقد‬ ‫وجد أن املنطقة تجذبه على مضض إلى حرب عام ‪ 1973‬بني العرب وإسرائيل وأزمة القوى‬ ‫النووية العظمى التي أسفرت عنها‪ .‬وعلى الرغم من صورته العدائية‪ ،‬لم يتخذ رونالد ريغان‬ ‫ً‬ ‫إجراء قويا في رده على الهجمات املتكررة التي شنتها إيران ووكالؤها في لبنان والخليج‪.‬‬ ‫أما جورج بوش األب فقد جاء إلى الرئاسة وهو يأمل في تجاهل صدام حسني‪ ،‬وعدم‬ ‫الدخول في حرب معه‪ .‬وعلى الرغم من أنه نادرا ما يذكر ذلك اليوم‪ ،‬فإن جورج بوش االبن‬ ‫لم يكن مهتما على نحو خاص بالشرق األوسط وكان يبدي انتباها قليال للمنطقة قبل‬ ‫وقوع أحداث ‪ 11‬سبتمبر‪.‬‬ ‫وصل الرئيس باراك أوباما إلى منصبه عازما على النجاح فيما فشل فيه أسالفه‪ .‬بعد‬ ‫عشرة أعوام من الحرب في أفغانستان والعراق‪ ،‬خطط أوباما لنزع عبء الشرق األوسط عن‬ ‫كاهل واشنطن‪ .‬في البيانات الرسمية‪ ،‬كان مسؤولو إدارة أوباما حريصني على تجنب أي‬ ‫إشارة إلى أن واشنطن تريد «االبتعاد» عن التزاماتها تجاه الشرق األوسط‪ .‬ولكن ُعرف عن‬ ‫بعض كبار املسؤولني أنهم تناولوا في أحاديث خاصة األسباب التي تستدعي إحداث تغيير‬ ‫كبير في نهج أميركا تجاه املنطقة‪ .‬ودفعوا بأن الواليات املتحدة دائما ما كانت تفرط في‬ ‫االستثمار في املنطقة‪ ،‬ال سيما في عهد اإلدارة السابقة‪ .‬وخططوا لتصحيح انعدام التوازن‬ ‫بإدارة «محور» املوارد الدبلوماسية والعسكرية األميركية بعيدا عن الشرق األوسط وباتجاه‬ ‫آسيا‪ ،‬التي يعتقد أوباما أن ما تحمله من نسب املخاطر مقابل العائد أفضل بالنسبة‬ ‫للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫قدم هؤالء املسؤولون ثالث حجج متداخلة تدعم هذا االتجاه‪ .‬أوال‪ ،‬ألحوا على أن مشاكل‬ ‫الشرق األوسط تحمل مبالغة؛ فمن وجهة نظرهم معظم هذه املشاكل ما هي إال مشاحنات‬ ‫صغيرة يمكن حلها بسهولة‪ .‬ثانيا‪ ،‬أكد هؤالء املسؤولون على أن كثير من أسوأ املشاكل‬ ‫التي تواجه املنطقة هي في الواقع نتاج للتدخل األميركي الزائد‪ .‬يعتمد هذا االدعاء جزئيا‬ ‫على حجة «الخطورة األخالقية» واملقصود بها أن التزام واشنطن تجاه املنطقة يسمح‬ ‫لبعض قادة الشرق األوسط باإلمعان في املمارسات السيئة‪ ،‬وإذا انسحب األميركيون‬ ‫ُ‬ ‫فسوف تغير حكومات املنطقة أساليبها‪ .‬وأخيرا‪ّ ،‬ادعوا بأن املصالح األميركية في الشرق‬ ‫األوسط أقل بساطة وعرضة للخطر من االعتقاد السائد‪.‬‬ ‫من وجهة نظر بعض أعضاء فريق أوباما‪ ،‬تبرر هذه العوامل تقليص حجم التدخل األميركي‬ ‫في املنطقة على نحو كبير‪ .‬يرتكز هذا النوع من الفكر على عدم اهتمام اإلدارة بتمديد‬ ‫نشر القوات األميركية في العراق‪ ،‬ومساعيها الفاترة في إقامة السالم بني اإلسرائيليني‬ ‫والفلسطينيني (على األقل حتى العام املاضي‪ ،‬عندما أصبح جون كيري وزيرا للخارجية)‪،‬‬ ‫والدعم األميركي املحدود لحركات املعارضة في ليبيا وسوريا‪ ،‬وردود اإلدارة املرتبكة‬ ‫واملترددة على ثورات الربيع العربي‪ .‬في ظل رئاسة أوباما‪ ،‬لم تبتعد الواليات املتحدة عن‬ ‫املنطقة تماما‪ ،‬إذ ما زالت هناك اتصاالت بني واشنطن والعواصم في املنطقة‪ ،‬ولكن لم تبد‬ ‫ّ‬ ‫اإلدارة رغبة في استثمار مزيد من املوارد أو تنفيذ أجندات بناءة هناك‪.‬‬

‫استقرار الشرق األوسط‬ ‫مرت خمس سنوات على حكم أوباما‪ ،‬أسفر هذا النهج عن نتيجتني مختلطتني‪ .‬كان‬ ‫مسؤولو اإلدارة على خطأ عندما اعتقدوا أن مشكالت املنطقة مبالغ فيها أو أن معظمها‬ ‫نتيجة لألخطاء األميركية‪ .‬لم يؤد االبتعاد األميركي إلى مزيد من االستقرار أو األمن في‬ ‫الشرق األوسط‪ .‬بل في الواقع تعرضت املنطقة لظروف سيئة‪ .‬ولم يستطع حكام املنطقة أن‬ ‫ُ‬ ‫يكونوا أكثر فاعلية عندما تركوا ليحكموا بأدواتهم الخاصة؛ ونتيجة لذلك‪ ،‬اندلعت الحروب‬ ‫األهلية في ليبيا وسوريا واليمن‪ ،‬بينما يترنح العراق ولبنان على حافة الحرب‪ .‬وفي الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬انتقلت حالة عدم االستقرار في تلك األماكن عبر الحدود إلى الجزائر‪ ،‬واألردن‪ ،‬وتركيا‪،‬‬ ‫وأحدثت توترا في النسيج االجتماعي بالفعل لتلك البلدان‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬أثارت كل هذه‬ ‫الضغوط حربا ضارية بني وكالء إيران ومجموعة من الدول العربية السنية‪ ،‬ويخشى‬ ‫كثيرون من تحول هذه التوترات إلى صراع بني الشيعة والسنة في املنطقة بأسرها‪.‬‬ ‫في مفارقة‪ ،‬أثبتت هذه األوضاع صحة أحد االدعاءات التي قدمها مسؤولو اإلدارة‪ .‬لم تؤثر‬ ‫حالة الفوضى املتزايدة في الشرق األوسط حتى اآلن على املصالح األميركية األساسية‪ ،‬هذا‬

‫يعني أن هؤالء املسؤولني كانوا على صواب عندما ّادعوا أن مصالح الواليات املتحدة في‬ ‫املنطقة أقل عرضة للخسارة مما كان مفترضا في الغالب‪ .‬طوال فترة حكم أوباما‪ ،‬يشهد‬ ‫سعر النفط ‪ -‬البارومتر األساسي لالستقرار في الشرق األوسط وأهم املصالح األميركية‬ ‫في املنطقة ‪ -‬استقرارا إلى حد كبير‪ ،‬وتشير معظم التوقعات إلى أنه سيبقى كذلك في‬ ‫املستقبل القريب‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬لم تقع أي هجمات إرهابية كبرى ضد األميركيني‪ ،‬سواء في‬ ‫املنطقة أو داخل أميركا نفسها‪ .‬كما لم يعان معظم حلفاء واشنطن الرئيسني في الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬ومنهم إسرائيل‪ ،‬من الفوضى اإلقليمية بدرجة كبيرة‪.‬‬ ‫ذلك جدير باملالحظة‪ ،‬ومثير للدهشة إلى حد ما‪ .‬في عام ‪ ،2009‬كان من الصعب‬ ‫التنبؤ بأن الواليات املتحدة يمكن أن تتهرب من دورها القيادي في املنطقة ملدة خمس‬ ‫سنوات‪ ،‬وتبتعد في حني تشاهد الشرق األوسط الذي ابتعدت عنه‪ ،‬وفي الوقت ذاته ال‬ ‫تتعرض مصالح أميركا الحيوية إلى ضربات موجعة‪ .‬ولكن على الرغم من أن املصالح‬ ‫األميركية لم تعان حتى اآلن‪ ،‬فإنه من غير املحتمل أن تظل حظوظ واشنطن جيدة‪.‬‬ ‫يرجع االستقرار النسبي ألسعار النفط إلى توسيع نطاق صادرات النفط من األماكن‬ ‫التي تعاني بشكل متزايد من العنف‪ ،‬وخاصة العراق‪ .‬وأصبحت سوريا أرضا خصبة‬ ‫لإلرهابيني الدوليني‪ ،‬الذين يطمح بعضهم في مهاجمة أهداف داخل الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ويستمر فراغ السلطة في اليمن في توفير مالذ آمن لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة‬ ‫العربية‪ .‬وفي حني تنزلق ليبيا إلى حرب أهلية من تلقاء نفسها‪ ،‬تجد الجماعات السلفية‬ ‫األخرى املالذ واملجندين هناك‪.‬‬ ‫ورغم ُّ‬ ‫تحمل أقرب حلفاء واشنطن في املنطقة حتى اآلن العديد من التهديدات‪ ،‬فإنهم ليسوا‬ ‫بمأمن منها‪ .‬في السنوات الثالث املاضية‪،‬‬ ‫استخدمت إسرائيل القوة عدة مرات ضد‬ ‫النظام السوري‪ ،‬وكذلك ضد املتطرفني في‬ ‫غزة وسيناء‪ ،‬في محاولة للقضاء على‬ ‫األخطار املتزايدة على طول حدودها‪.‬‬

‫�أُرغم الرئي�س الأمريكي‬ ‫دوايت �أيزنهاور على التدخل‬ ‫يف �أزمة ال�سوي�س‬ ‫عام ‪1956‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬تشير حقيقة أن هذه املشاكل لم‬ ‫تؤثر بالفعل على املصالح األميركية إلى أنه‪،‬‬ ‫في مواجهة زعزعة االستقرار في املنطقة‪،‬‬ ‫ربما يكون كل املطلوب هو تعزيز الجهود‬ ‫باعتدال من أجل حماية مصالح الواليات‬ ‫املتحدة أمام التهديدات الهائلة في الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬ربما يكون أوباما قد أفرط في إبعاد الواليات املتحدة عن التدخل في الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬ولكن ال يوجد داع للعودة مرة أخرى إلى التدخل العسكري املبالغ فيه الذي اتسمت‬ ‫به إدارة جورج بوش االبن‪.‬‬

‫إنقاذ سوريا‬ ‫أفضل ما يمكن فهمه عن عدم االستقرار الذي تعاني منه حاليا منطقة الشرق األوسط أنه‬ ‫مزيج من االشتباكات الناجمة عن االختالل السياسي واالقتصادي واألمني الخاص بكل‬ ‫بلد‪ ،‬إلى جانب مجموعة من الصراعات الشاملة التي تتجاوز حدود املنطقة‪ .‬أحد مصادر‬ ‫انتشار هذه الفوضى هو امتداد العديد من الحروب األهلية في الشرق األوسط‪ ،‬والتي تفشى‬ ‫بعضها‪ ،‬إذ تخرج مشكالت أحد املجتمعات إلى املجتمعات املجاورة وتشعل صراعات‬ ‫جديدة‪.‬‬ ‫يكمن املركز الحالي لتفشي هذه الفوضى في الصراع في سوريا‪ ،‬والذي نشر في املنطقة‬ ‫الالجئني واإلرهابيني‪ ،‬وتسبب في تطرف السكان املجاورين‪ ،‬وأشعل الطموحات االنفصالية‬ ‫في العديد من الدول‪ .‬قوضت الحرب العديد من األنظمة االقتصادية في املنطقة وتهدد‬ ‫بجر جميع دول الجوار السوري إلى الصراع‪ .‬من جانبهما‪ ،‬يجاهد كل من األردن وتركيا‬ ‫للتعامل مع أعباء نحو مليوني الجئ سوري‪ .‬وعلى جانب آخر‪ ،‬اتخذ املتطرفون السوريون‬ ‫من العراق مالذا لهم ويهددون بإشعال حرب أهلية في العراق‪ .‬وتحولت الحرب الدائرة في‬ ‫سوريا إلى أكثر ميادين املعارك دموية في الحرب بالوكالة بني إيران التي تدعم نظام بشار‬ ‫األسد‪ ،‬والدول السنية في الشرق األوسط العربي‪ ،‬والتي تحاول بشدة الحد من نفوذ شيعة‬ ‫إيران دون تمكني جماعة اإلخوان املسلمني السنية أيضا‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪47 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫ملاذا يجب على واشنطن أن تركز على الشرق األوسط‬

‫وعود الشرق األدنى‬

‫باراك أوباما‬

‫بقلم‪ :‬كينيث إم بوالك وراي تقية *‬

‫على عكس األساطير السائدة ونظريات املؤامرة املنتشرة عن رغبة واشنطن في السيطرة على الشرق األوسط طوال‬ ‫العقود الستة املاضية‪ ،‬غالبا ما يسعى صناع السياسات األميركيون إلى الحد من تدخل الواليات املتحدة في املنطقة‪.‬‬ ‫ولكن يبدو أن املخاطر العالية التي تتعرض لها املصالح األميركية في املنطقة – وخاصة النفط – وتعقيد املشاكل في‬ ‫منطقة الشرق األوسط دائما ما يعيد الواليات املتحدة إليها‪.‬‬ ‫* كينيث إم بوالك‪ :‬كبير زمالء في مركز سابان لسياسة الشرق األوسط في معهد بروكينغز‬ ‫* راي تقية‪ :‬كبير زمالء في دراسات الشرق األوسط في مجلس العالقات الخارجية‬

‫فورن أفيرز‪ /‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪46 - 2014‬‬


‫ملاذا يجب على واشنطن أن تركز على الشرق األوسط‬

‫وعود الشرق األدنى‬ ‫بقلم‪ :‬كينيث إم بوالك وراي تقية‬

‫الصراع الدائم بني تركيا وروسيا على السيادة اإلقليمية‬

‫من أنقرة إلى البحر األسود‬ ‫بقلم‪ :‬أكني أونفر‬

‫فورن أفيرز‪ /‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪45 - 2014‬‬


twitter

facebook google+

The Arab world has a rich history of scientific breakthroughs. Ensure you’re part of the scientific and medical community gaining access to the latest research in the region. From the latest news, in-depth features, expert commentaries and research highlights to regional jobs, event listings and alerts direct to your inbox – Nature Middle East is your free comprehensive portal keeping you at the centre of science in the Arabic speaking Middle East.

nature.com/nmiddleeast Sponsored by

Get the free mobile app at

Download the free app for your / gettag.mobi phone athttp:/ http://gettag.mobi


‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬

‫العدد ‪ 1596‬حزيران ‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫اشرتك اآلن‬ ‫واحصل على‬ ‫نسختك الورقية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫قا�سم بن خلف �لروي�س‪� :‬لأديب و�مللك‪ ..‬ملحات من عالقة �سكيب �أر�سالن بال�سعودية‬ ‫فتحي �مل�سكيني‪ :‬ظاهرة �ملر�هقة �مللحدة‪ ..‬مترد �أخالقي على �ل�سلطة �لأبوية‬ ‫طوين بدر�ن‪� :‬مل�ساحلة �لفل�سطينية‪ ..‬مطلب وطني �أم مناورة �إخو�نية؟!‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪06‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1596 - June 2014‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ /‬مايو ‪57 - 2014‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫أرشيف‬

‫وطاملا ان هناك حكومتني لبنانيتني وهناك قرار دولي صدر عن‬ ‫مجلس االمن منذ عشر سنوات رقمه ‪( 425‬الداعي إلی انسحاب‬ ‫اسرائيل) ولم ينفذ‪ ٬‬اذ ال يمكن تنفيذ ق��رار دول��ي جديد ما لم‬ ‫ينفذ القرار القديم لذلك فاللجنة العربية هي قدر لبنان وربما‬ ‫حظه االخير"‪.‬‬ ‫اما رئيس مجلس النواب االسبق كامل االسعد الذي كان بني الذين‬ ‫اعتذروا عن عدم تلبية دعوة اللجنة العربية إلی تونس فيناقض‬ ‫مفهوم الحص‪ ٬‬وقد قال لــ "املجلة"‪" :‬ان التضامن العربي شرط‬ ‫اساسي ملواجهة جميع القضايا املصيرية العربية ولنجاح أي‬ ‫مبادرة أو مخرج عربي لالزمة اللبنانية‪ .‬لكن هذا التضامن غير‬ ‫متوفر"‪ .‬وقال العميد ريمون اده "انه طاملا اسرائيل تحتل بصفة‬ ‫غير شرعية جنوب لبنان وطاملا الجيش السوري موجود علی‬ ‫ثلث االراض��ي اللبنانية فلن ينجح اص�لاح ولن يستقر السالم‬ ‫علی كل التراب اللبناني"‪.‬‬ ‫اما عون فيری "ان اللجنة العربية لم تزل في بدية الطريق الطويل‬ ‫وتجب متابعة الجهود الن القضية اللبنانية عمرها ‪ 14‬سنة والكل‬ ‫يتمنی ان تنتهي خالل ساعات‪ .‬فبدايات اللجنة في تونس كانت‬ ‫سليمة لكن في دمشق لم تكن استنتاجاتها كذلك‪ .‬وال يمكننا‬ ‫سوی الرهان‪ .‬فاذا استقامت هذه االستنتاجات حددنا موقفنا‪.‬‬ ‫والكرة في ملعب دمشق"‪.‬‬

‫السيناريوهات املطروحة‬

‫ميشال عون‬

‫‪,,‬‬

‫عون‪..‬‬ ‫الجنرال‬ ‫املفاجأة‪..‬‬ ‫ورفض‬ ‫سورية‬ ‫التفاوض‬ ‫معه‬

‫‪,,‬‬

‫‪42‬‬

‫والسيناريوهات املطروحة عديدة‪ ٬‬فمؤيدو سوريا يقولون ان االمل‬ ‫الوحيد هو رحيل عون أو استبعاده علی يد جماعته مشيرين‬ ‫إلی الخالفات بينه وبني احزاب "الجبهة اللبنانية" ويشيرون إلی‬ ‫مبادرة رئيس حزب الكتائب جورج سعادة إلی االتصال بالحص‬ ‫االخيرة في لبنان فيما تعرضت املبادرة الفرنسية "االنسانية"‬ ‫لترتيب وقف إلطالق النار عبر تأليف لجنة عسكرية من االطراف‬ ‫لقصف مدفعي مركز؟‬ ‫اللبنانية‪ ٬.‬وقد انتقد عون هذه املبادرة واصر علی ان يأتي الحل‬ ‫م �ص��ادر ديبلوماسية غربية ذك ��رت ف��ي االس �ب��وع امل��اض��ي ان‬ ‫عن طريق تشكيل لجنة عسكرية لبنانية ــ سورية‪.‬‬ ‫اسرائيل نصحت واشنطن بعدم القيام بأي مبادرة في لبنان‬ ‫لعدة اسباب‪ ٬‬منها ان عون يعتبر اسرائيل خصما وان املعركة‬ ‫والجدير بالذكر ان عون أمر بوجود ضباط في الجيش اللبناني‬ ‫االخيرة ستغرق سوريا في صراع طويل‪.‬‬ ‫مع كل مجموعة من مقاتلي "ال�ق��وات اللبنانية" الذين سمحت‬ ‫لهم املشاركة في املعركة ضمن شروط حددتها قيادة الجيش‪.‬‬ ‫وبالرغم من ان الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران ح��اول عبر‬ ‫وكانت مصادر سياسية في املنطقة الشرقية اعترفت بان الحدة‬ ‫ات �ص��االت شخصية م��ع ال��زع �م��اء ف��ي ك��ل م��ن م��وس�ك��و ول�ن��دن‬ ‫التي يخوض بها عون معركته ال تحظی باالجماع‪ ٬‬علی عكس‬ ‫وواشنطن حثهم فيها علی اتخاذ خطوات فعالة من أجل ايقاف‬ ‫أهدافه التي تحظی باملوافقة العامة في الشرقية ‪.‬‬ ‫ال�ح��رب‪ ٬‬إال ان النتيجة لم تتجاوز ع�ب��ارات من ن��وع "التضامن‬ ‫مع سيادة لبنان" و"ض��رورة وقف اطالق النار"‪ .‬و"دعم جهود‬ ‫ورأت مصادر اخ��ری ان الخيار الوحيد سيكون في استمرار‬ ‫اللجنة العربية"‪.‬‬ ‫ممارسة الضغوط العسكرية والتموينية م��ن ج��ان��ب الطرفني‬ ‫لتحديد الغالب واملغلوب‪ ٬‬وهو خيار سيكون مكلفا خصوصا‬ ‫ب��ال�ن�س�ب��ة إل ��ی امل��دن �ي�ين ام ��ا ال �خ �ي��ار االخ� ��ر ف �ه��و ان ي �ق��وم اح��د‬ ‫مساعي اللجنة‬ ‫العسكريني املقبولني من الجانبني باالنقالب علی عون‪ ٬‬وطلب‬ ‫وقد أكد رئيس اللجنة العربية الشيخ صباح االحمد الصباح لــ التفاوض مباشرة مع سوريا‪ ٬‬واع��ادة طرح األزمة اللبنانية من‬ ‫"املجلة"‪" :‬ان العرب لن يفشلوا في جهودهم املبذولة من أجل جذورها وكانت سوريا قد ابدت استعدادها لبحث امكانات الحل‬ ‫حل األزم��ة اللبنانية النه ال تعود هناك مساع تبذل اذا توقفت شرط إزاحة عون‪.‬‬ ‫اعمال اللجنة"‪.‬‬ ‫علی ان كل هذه الخيارات تدور في اطار الفرضيات والسؤال الذي‬ ‫وكان رئيس الحكومة بالوكالة سليم الحص قد قال لــ "املجلة"‪ :‬البد منه هو هل حانت نهاية األزمة اللبنانية؟ وهل هذه املعركة‬ ‫" ال يوجد طريق ام��ام اللبنانيني يمكن ان يسلكوه إال طريق هي فعال معركة الحل؟‬ ‫اللجنة العربية‪ ٬‬الذي تصب فيه كل دعوات الدعم الدولية‪ ٬‬باعتبار املراقبون في لبنان يقولون انها سنة التصفيات وحسم املواقع‬ ‫ان تدويل األزم��ة اللبنانية مستحيل طاملا لم يتم االتفاق عليه‪ ٬‬اما ساعة الحل فلم تحن بعد؟ <‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫والقوات السورية اغالق املرافئ غير الشرعية في املنطقة الغربية عون بالدعم العراقي له ويرحب به‪ .‬ولم ينف العراق هذا الدعم‪٬‬‬ ‫من بيروت‪ ٬‬بعد ان منع عون التالعب في املرافئ غير الشرعية كما يعتبر عالقته الجيدة مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات‬ ‫الذي التقاه في تونس‪ ٬‬ورقة ضغط ودعم تصب في مصلحته‪.‬‬ ‫في بيروت الشرقية‪.‬‬

‫وكان عون قد بدأ في ‪ 15‬فبراير (شباط) الفائت هجوما شامال املعركة األخيرة‬

‫علی "القوات اللبنانية" ونجح في السيطرة علی املنطقة الشرقية‬ ‫من بيروت وفتح املعابر بني شطري العاصمة تمهيدا الج��راء‬ ‫ان�ت�خ��اب��ات رئ��اس�ي��ة‪ ٬‬وح�ظ�ي��ت خ�ط��وات��ه ه��ذه ب�م�ب��ارك��ة االح ��زاب‬ ‫الوطنية‪ ٬‬ودمشق التي اعتبرتها ايجابية إلی ان حاول التوسع‬ ‫بقراره خارج حدود املنطقة الشرقية مما اعتبرته الفعاليات في‬ ‫املنطقة الغربية والقوات السورية خرقا ملسؤوليتها في امن هذه‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫وي�ق��ول ع��ون امل�ح��اص��ر م��ن ‪ 3‬ات�ج��اه��ات وي�ش��ارك��ه امل�ع��رك��ة ‪10‬‬ ‫االف مقاتل بينهم عدد من الضباط املسلمني انه علی دراية تامة‬ ‫باألخطار املحيطة‪ ٬‬وان��ه ال مجال أمامه س��وی خ��وض املغامرة‬ ‫حتی النهاية والی "ان يصبح العالم معه"‪.‬‬

‫ولوحظ في املعارك األخيرة بني عون واألحزاب "الوطنية" املوالية‬ ‫لدمشق ب��روز رئيس الحزب االشتراكي وليد جنبالط كطرف‬ ‫ف �ع��ال ف��ي امل �ع��رك��ة‪ ٬‬وال ��واق ��ع ان ج�ن�ب�لاط ي�ع�ت�ب��ر ع ��ون خصمًا‬ ‫شخصيًا له ولحزبه‪ ٬‬ألنه كان قائدا للجيش الذي خاض ضده‬ ‫معركة الجبل عام ‪ 1986‬التي كلفت الحزب والطائفة الدرزية‪ ٬‬مئات‬ ‫القتلی وأدت إلی شل منطقة الجبل اقتصاديا وتهجير اهلها‪٬‬‬ ‫وكانت هذه املعركة قد توقفت عند خط التماس في بلده سوق‬ ‫الغرب‪ ٬‬ويقول بعض املطلعني انه في حال اشتداد الضغط علی‬ ‫القوات السورية واالحزاب املوالية لها‪ ٬‬وفشل عزل عون سياسيا‬ ‫من جانب الفعاليات املسيحية وظهور ب��وادر بتدخل دول��ي أو‬ ‫اسرائيلي فان هذه االح��زاب قد تلجأ بمعاونة القوات السورية‬ ‫إلی تجاوز خط التماس في سوق الغرب بانجاه قصر بعبدا الذي‬ ‫يبعد عدة كيلومترات عن هذا الخط وتستطيع الوحدات السورية‬ ‫الوصول اليه خالل يومني‪.‬‬

‫وكانت املليشيات املسيحية في لبنان قد خاضت معاركها خالل‬ ‫س�ن��وات ال�ح��رب مدعومة بقوی خارجية وبالرغم م��ن ان عون‬ ‫يقول انه يخوض املعركة دون أي دعم خارجي تتهمه االحزاب‬ ‫"الوطنية" بـ "العمالة االسرائيلية"‪ .‬واملعروف ان عون كان قائدًا والسؤال الذي طرحته االوساط السياسية اللبنانية خالل االسبوع‬ ‫ملدينة بيروت اثناء االجتياح االسرائيلي ‪ 1982‬وكان من الداعني املاضي‪ ٬‬هو ملاذا لم تصدر عن واشنطن أو اسرائيل أو االتحاد‬ ‫إلی خوض املعركة ضد اسرائيل ويعتبرها دولة محتلة‪ .‬ويعترف السوفييتي أي اش��ارة تدل علی احتمال التدخل لوقف الحرب‬

‫‪,,‬‬

‫غالف املجلة العدد (‪)481‬‬

‫سليم الحص‬ ‫ل ـ «املجلة»‪:‬‬ ‫ال اتفاق علی‬ ‫تدويل األزمة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪41‬‬


‫أرشيف‬

‫فيما كان تبادل التراشق الكالمي واملدفعي علی جبهات بيروت وضواحيها مستمرًا بني رئيس حكومة العسكريني العماد‬ ‫ميشال عون والقوات املوالية له من جهة‪ ٬‬وبني القوات السورية واملوالية لها من جهة اخری‪ .‬كانت اللجنة السياسية العربية‬ ‫املكلفة حل األزمة اللبنانية تحاول التوصل إلی حد ادنی من التوافق‪ .‬بني جميع االطراف يؤدي إلی وقف حقيقي الطالق النار‪.‬‬ ‫وفتح ملف التفاوض تمهيدا لحل عربي يشفي الجرح اللبناني النازف منذ ‪ 15‬عامًا ‪ .‬كما كان الرئيس الفرنسي فرنسوا‬ ‫ميتران يسعی عبر اتصاالت مكثفة مع موسكو ولندن وواشنطن والفاتيكان إلی نقل هذه القضية إلی دائرة التدويل‪ .‬أي حل‬ ‫لالزمة اللبنانية وكيف يفكر الرجل الذي تصفه سوريا بــ "الجنرال الصغير" املصر علی "تحرير لبنان"؟ وترفض التفاوض‬ ‫معه‪ .‬هل تنجح مغامرته األخيرة؟ وهل يسمح في الوقت الحاضر بتدويل األزمة؟ وما هي السيناريوهات املطروحة علی ما‬ ‫تبقی من الساحة اللبنانية؟ "املجلة" تحاول في التحقيق التالي االجابة عن التساؤالت التالية ‪:‬‬

‫الشيخ صباح األحمد لـ «املجلة»‪ :‬اللجنة العربية أمل لبنان الوحيد‬

‫لبنان‪ :‬املغامرة األخرية‬ ‫املجلة‬ ‫العدد (‪)481‬‬ ‫‪1989/4/26‬‬

‫ك��ان��ت اول م �ب��ادرة عربية الن�ه��اء ال�ح��رب ف��ي لبنان قد‬ ‫ظهرت عام ‪ 1976٬‬وكانت الظروف مماثلة ملا هي عليه‬ ‫هذه االيام‪ .‬وقد اوفدت جامعة الدول العربية حينئذ إلی‬ ‫بيروت مبعوثها الخاص حسن صبري الخولي الذي سئل عن‬ ‫توقعه ح��ول نهاية الحرب فأجاب م��ازح��ًا‪" :‬ان ح��رب املائة عام‬ ‫انتهت" والبد ان يأتي اليوم الذي تنتهي فيه حربكم‪.‬‬

‫وت�ح��دث��ت م�ص��ادر قريبة م��ن دم�ش��ق ع��ن ‪ 3‬ت �ص��ورات سورية‬ ‫الزاحة عون‪ :‬فأما الرحيل االختياري وهو مستبعد‪ ٬‬أو حصول‬ ‫انقالب عسكري داخل الجيش يرضی جميع االط��راف‪ ٬‬أو دفع‬ ‫القوی السياسية في املنطقة الشرقية إلی مقاطعة رئيس حكومة‬ ‫العسكريني وعزله‪.‬‬

‫لم يكن يدور في خلد أحد ان محنة لبنان ستستمر ‪ 15‬عاما‪ ٬‬تركيبة الجنرال‬

‫بيروت‪ :‬موفق مدني‬ ‫لندن‪ :‬نورا فاخوري‬

‫إال ان الوزير السابق والزعيم الدرزي كمال جنبالط الذي اغتيل‬ ‫في الحرب (وال��د وليد جنبالط) قال في تلك الفترة بعد اعالن‬ ‫قمتي الرياض والقاهرة عن حل األزمة اللبنانية عبر ادخال قوات‬ ‫الردع العربية لفرض االستقرار والسالم‪" :‬ال اتوقع انتهاء مثل‬ ‫هذه الحرب قبل ‪ 20‬سنة‪ ٬‬فكل الحروب اللبنانية في القرن التاسع‬ ‫عشر خصوصًا الحروب االهلية ‪ 1840‬و ‪ 1860‬استمرت ‪20‬‬ ‫الحرب‬ ‫سنة متواصلة‪ ٬‬فهل يصبح استقراء جنبالط مستقبل‬ ‫وعون شغل منصب قائد الجيش خالل السنوات املاضية إلی‬ ‫في لبنان؟ وهل تكون هذه هي املغامرة األخيرة؟‬ ‫ان عينه الرئيس السابق امني الجميل في سبتمبر (ايلول) وبعد‬ ‫قبل أيام أجاب وليد جنبالط رئيس الحزب التقدمي االشتراكي ف�ش��ل مجلس ال �ن��واب ف��ي ان�ت�خ��اب رئ�ي��س للجمهورية رئيسًا‬ ‫والوزير في حكومة الرئيس سليم الحص وهو من رموز الحرب للحكومة العسكرية‪ ٬‬التي اقتصرت بعد رفض القيادات العسكرية‬ ‫اللبنانية امل��وال�ي��ة ل�س��وري��ا ع�ن��دم��ا س��أل��ه اح��د الصحافيني عن االسالمية املشاركة فيها علی عون واثنني من زمالئه الضباط‬ ‫املستقبل قائال‪" :‬ان عون مصمم علی ما يسميه التحرير‪ ٬‬وهذا تخرجا معه عام ‪.1955‬‬ ‫ولكن ما هي تركيبة هذا الجنرال الذي أعاد الحرب اللبنانية إلی‬ ‫بدئها؟ وما هو هدفه؟‬ ‫يطلق خصوم عون عليه لقب "الجنرال الصغير"واملعروف عنه‬ ‫انه عسكري صادق مع نفسه ومحيطه‪ ٬‬وعنيد ال يتراجع لدی‬ ‫اتخاذه قرارًا مهما كان الثمن‪.‬‬

‫يعني استمرار التدمير" اما رئيس الحكومة العسكرية العماد‬ ‫ميشال عون فقد اعلن في اليوم ذاته "ان الحل في لبنان مستحيل‬ ‫دون انسحاب القوات السورية"‪.‬‬

‫وكانت مصادر حزبية مؤيدة لدمشق قد اك��دت في معلومات‬ ‫صحفية ان امل��واج �ه��ة ب�ين ع��ون وس��وري��ا وص�ل��ت إل��ی مرحلة‬ ‫الالعودة‪ ،‬وكشفت هذه املصادر عن ان دمشق ابلغت‬ ‫جهات غربية وعربية ع��ن استعدادها لبحث امللك‬ ‫اللبناني بكل تفاصيله ش��رط إزاح��ة ع��ون مما قد‬ ‫يعني ان املعركة التي ب��دأت في أواس��ط م��ارس (آذار)‬ ‫املاضي البد ان تنتهي بغالب أو مغلوب‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫وقد رفضت االحزاب "الوطنية" ومعها دمشق االعتراف بشرعية‬ ‫حكومة عون العسكرية‪ ٬‬وفشلت كافة الوساطات التي سعت إلی‬ ‫تقريب وجهات النظر بني دمشق وبعبدا (مقر ع��ون) بما في‬ ‫ذلك مساعي اللجنة العربية السداسية التي يرئسها نائب رئيس‬ ‫ال��وزراء وزي��ر خارجية الكويت الشيخ صباح االحمد الصباح‪٬‬‬ ‫والتي حاولت بعد اجتماعها بكافة االط��راف التوصل إلی حل‬ ‫لالزمة‪.‬‬ ‫لكن ال�خ�لاف ب�ين بعبدا ودم�ش��ق ل��م ي�خ��رج ع��ن ح��دود الحرب‬ ‫الكالمية ولم يبلغ التراشق املدفعي إال بعد ان اعلن عون قراره‬ ‫ب��دء م��ا س�م��اه "ح��رب التحرير" اث��ر رف��ض االح ��زاب "الوطنية"‬


‫في إضعاف األمن؛ واستهداف أنابيب الغاز ما أثر سلبا على الدخل املصري؛‬ ‫وبالتالي القدرة على توفير الطاقة‪ .‬توفير املشتقات النفطية أحد أهم برامج‬ ‫الدعم السعودي ملصر‪ .‬توقف إنتاج الطاقة يعني توقف األنشطة االقتصادية‬ ‫والحركة بشكل عام؛ وهذا ما دفع السعودية لتوفير االحتياجات الضرورية‬ ‫من خالل برامج دعم مستدامة‪ .‬هناك شبه اتفاق خليجي على استدامة الدعم‬ ‫النفطي واملالي حتى خروج مصر من أزمتها الحالية‪.‬‬ ‫وزير املالية املصري؛ الدكتور هاني قدري دميان؛ أكد في تصريحات صحافية‬ ‫على‪« :‬إن املساعدات املالية التي تلقتها مصر من اململكة العربية السعودية‬ ‫واإلم��ارات والكويت‪ ،‬أسهمت وبشكل كبير للغاية في تخفيض عجز املوازنة‬ ‫العامة‪ ،‬بنهاية العام الجاري»‪.‬‬ ‫برغم استمرارية ال��دع��م ال�س�ع��ودي؛ فإنه اتخذ م��ؤخ��را‪ ،‬شكال أكثر تنظيما‬ ‫وكفاءة؛ وفاعلية ملعالجة التداعيات االقتصادية؛ وتعطل موارد الدولة‪ .‬لم تعتمد‬ ‫السعودية على جهودها الفردية بل أسهمت في حشد الدعم الخليجي الذي‬ ‫تحرك بقوة لدعم أمن مصر واستقرارها من خالل دعم االقتصاد واملحافظة‬ ‫على سعر ص��رف الجنيه امل �ص��ري‪ .‬ال�ع�لاق��ات امل�ت�م�ي��زة؛ وت��أك�ي��دات الحماية‬ ‫لالستثمارات األجنبية؛ سمحت بمزيد من التدفقات االستثمارية إلى السوق‬ ‫املصرية؛ فمصر تمتلك كل مقومات االستثمار؛ وفي مقدمها االستثمارات‬ ‫السياحية؛ الزراعية؛ والعقارية التي تمثل هدفا رئيسا للمستثمرين السعوديني‪.‬‬ ‫يشير رئ�ي��س مجلس إدارة الجمعية امل�ص��ري��ة ال�س�ع��ودي��ة؛ ال�ش�ي��خ ع�ب��د الله‬ ‫الراجحي؛ إلى «أن حجم االستثمارات السعودية املستهدفة في السوق املصرية‬ ‫عام ‪ 2014‬يبلغ نحو ‪ 200‬مليار جنيه» سيتركز في قطاعات الزراعة والسياحة‬ ‫والعقارات؛ مؤكدا في الوقت عينه؛ «أن السوق املصرية ق��ادرة على استرداد‬ ‫عافيتها واالنطالق من جديد»‪ .‬املساعدات املالية السعودية التي أسهمت في‬ ‫دع��م االقتصاد امل�ص��ري؛ قابلها دع��م سياسي وأمني غير مسبوق‪ .‬تحرك‬ ‫السعودية السريع واملؤيد للتغيير أسهم في انتزاع التأييد من بعض الدول‬ ‫املترددة‪ .‬ينبغي اإلشارة إلى أن السعودية كانت في مواجهة مباشرة مع الواليات‬ ‫املتحدة األميركية املؤيدة لحكم اإلخ��وان‪ .‬قدمت السعودية مصلحة الشعب‬ ‫املصري على حسابات السياسة التي تعتمد مصالح األنظمة؛ في تجاهل كلي‬ ‫ملصالح الشعوب‪ .‬االنتقادات األميركية؛ وما تبعها من فتور في العالقات؛ لم‬ ‫تثن السعودية عن املضي نحو هدفها الرئيس لحماية أمن واستقرار مصر‪.‬‬ ‫عبد الفتاح السيسي؛ أكد أن أول زيارة خارجية له ستكون للسعودية؛ وهو‬ ‫تصريح يحمل من املضامني الكثير؛ ويعكس العالقة االستراتيجية املشتركة‬ ‫بني مصر والسعودية‪ُ .‬بعيد فوز اإلخوان بالرئاسة؛ كانت إيران الوجهة املفضلة‬ ‫لهم؛ وبدال من زيارة السعودية للحصول على الدعم والتأييد وتوطيد العالقات‬ ‫الدبلوماسية؛ شكلت زيارتهم األول��ى لها؛ خرقا دبلوماسيا غير مسبوق؛‬ ‫ألسباب مرتبطة بلغة الحوار؛ والتهديدات املبطنة؛ وعمليات االبتزاز؛ ما أسهم‬ ‫ف��ي فضح ن��واي��اه��م؛ وتوجهاتهم؛ وخططهم املستقبلية‪ .‬ل��م تكن السعودية‬ ‫مطمئنة لعالقة اإلخ ��وان ب��إي��ران؛ وم��ع ذل��ك انتهجت سياسة النفس الطويل‬ ‫معهم؛ وهي سياسة دفعت باإلخوان إلى كشف مخططاتهم سريعا ما أدى‬

‫إلى خسارتهم الشارع املصري قبل الحكومات العربية‪ .‬أثبتت األيام بعد نظر‬ ‫السعودية؛ وشرفاء مصر وسالمة موقفهم االستراتيجي‪ .‬ع��ادت العالقات‬ ‫السعودية املصرية إلى سابق عهدها بعد خروج اإلخوان من الحكم؛ وركزت‬ ‫اململكة كثيرا على البعد األمني الذي تضرر بشكل واضح‪ .‬لم تقتصر التداعيات‬ ‫األمنية على مصر؛ بل امتدت إلى دول الخليج؛ ومنها السعودية التي وضعت‬ ‫استراتيجية أمنية ملواجهة الفكر املتطرف ال��ذي أججته فترة حكم اإلخ��وان‬ ‫القصيرة؛ وأخرجته من مكمنه‪ .‬فلسفة «املرشد» باتت تهدد استقرار دول‬ ‫الخليج؛ وأصبح بعض أتباع التنظيم يجاهرون بتبعيتهم للنظام الحاكم في‬ ‫مصر؛ وتأييدهم له؛ بل إنهم باتوا يستعدون الشعوب الخليجية على حكوماتهم‬ ‫تحقيقا لتوجيهات املرشد وتنظيمه‪.‬‬

‫مجلس التعاون الخليجي‬ ‫مصر تدخل مرحلة ج��دي��دة م��ن األم��ن واالس�ت�ق��رار؛ وال�ع�لاق��ات املتميزة مع‬ ‫السعودية وغالبية دول الخليج؛ ما يفتح الباب أمام تكهنات حول الكيان املشترك‬ ‫املتوقع تكوينه لحماية ما تبقى من «الكتلة العربية» املتجانسة‪ .‬أحدثت الثورات‬ ‫أضرارا فادحة على أرض الواقع؛ وتسببت في إضعاف غالبية الدول العربية؛ ما‬ ‫أسهم في دعم خطط إيران االستراتيجية الهادفة للسيطرة على املنطقة‪ .‬باتت‬ ‫إيران الدولة الوحيدة املستفيدة من الثورات العربية في الوقت الذي أصبح فيه‬ ‫الشعب العربي من أكثر الخاسرين‪ .‬لم تأت نتائج الثورات العربية مصادفة؛‬ ‫بل جاءت وفق خطط استراتيجية محكمة اعتمدت الديمقراطية والحرية وقودا‬ ‫لها؛ والفوضى العارمة جسرا للوصول إلى أهداف مرسومة بعناية من قبل‬ ‫االستخبارات الغربية‪.‬‬ ‫تنبأ البعض بأن يكون ملصر دور مهم في مجلس التعاون الخليجي؛ ولعلنا‬ ‫نرى؛ في املستقبل املنظور؛ اتحادا بني بعض دول الخليج املتجانسة واملتوافقة‬ ‫ف��ي ال��رؤى وال�س�ي��اس��ات‪ .‬أن�ش��أت السعودية واإلم ��ارات لجنة عليا للتنسيق‬ ‫االستراتيجي واألمني بني البلدين؛ وفي ظني أنها املرحلة األولى في الطريق‬ ‫نحو إنشاء القاعدة التي يبنى عليها االتحاد الخليجي مستقبال‪ .‬مهما كان‬ ‫شكل الكيان السياسي املنتظر؛ فال بد أن يكون ملصر دور مهم فيه؛ فالسعودية‬ ‫واإلمارات اتخذتا خيارا استراتيجيا لدعم مصر في محنتها الحالية؛ وستكون‬ ‫مصر الداعم األكبر الستقرار الخليج في مواجهة املخاطر املتوقعة‪ .‬أجزم بأن‬ ‫مصر والسعودية تمثالن مركز القيادة العربية وأي توافق بينهما يقود إلى‬ ‫تحقيق املصالح الشاملة للدول العربية قاطبة‪ .‬الشراكة االستراتيجية العربية‬ ‫هي ما تبحث عنها السعودية اليوم؛ ملواجهة األطماع الغربية؛ والتدخل اإليراني‬ ‫املستمر في ش��ؤون ال��دول العربية‪ .‬أي شراكة خليجية ال يمكن فصلها عن‬ ‫مصر التي تشكل العمق االستراتيجي لدول الخليج‪ .‬التكامل العربي يقود إلى‬ ‫خلق شراكة استراتيجية دائمة تقوم على املصالح املتبادلة وتهدف إلى تحقيق‬ ‫أمن واستقرار املنطقة‪ .‬وحدة املصير هي الهدف الذي يجب أن تدفع نحوه جميع‬ ‫الدول العربية وليس مصر والسعودية فحسب<‬

‫السفير السعودي أحمد بن عبد العزيز قطان‬ ‫يفتتح املستشفى امليداني التابع لوزارة‬ ‫الحرس الوطني‪ ،‬وهو املستشفى الثاني من‬ ‫املستشفيات امليدانية الثالثة التي أمر خادم‬ ‫الحرمني الشريفني‪ ،‬امللك عبد الله بن عبد‬ ‫العزيز بإرسالها دعمًا للشعب املصري‬

‫‪,,‬‬

‫تحتل‬ ‫السعودية‬ ‫املرتبة‬ ‫السادسة من‬ ‫بني أكبر الدول‬ ‫املستثمرة‬ ‫في مصر‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪39‬‬


‫قضايا‬

‫استغرب كثير من املراقبني رد فعل السعودية الحاسم والسريع تجاه أحداث ‪ 30‬يونيو (حزيران) في‬ ‫مصر؛ ووصفوها باملتسرعة وغير املحسوبة؛ معتقدين أنها تراهن على قضية خاسرة ستكبدها خسائر‬ ‫سياسية؛ أمنية؛ ومالية فادحة‪ .‬البعض قارن بني مواقف السعودية املتأنية في تعاملها مع القضايا العربية‬ ‫كافة؛ وموقفها الصارم و(املتسرع) من األحداث املصرية؛ خاصة أنها لم تتسرع من قبل في إظهار مواقفها‬ ‫السياسية تجاه األحداث األكثر خطورة على املستويني العربي والخليجي‪.‬‬

‫القاهرة والرياض ‪ ..‬قطبا النظام اإلقليمي العربي‬

‫صداقة مستمرة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫فضل البوعينني‬

‫‪,,‬‬

‫تنبأ البعض‬ ‫بأن يكون‬ ‫ملصر دور‬ ‫مهم في‬ ‫مجلس‬ ‫التعاون‬ ‫الخليجي‬

‫‪,,‬‬

‫‪38‬‬

‫لم تكن السعودية متسرعة في موقفها تجاه ثورة ‪ 30‬يونيو؛ فقد‬ ‫كانت من املؤيدين للتغير األول؛ وتعاملت بدبلوماسية وحكمة مع‬ ‫حكم اإلخوان؛ ومدت جسور التعاون األمني والسياسي واالقتصادي‬ ‫للرئيس السابق محمد مرسي؛ وبعثت أكبر الوفود االقتصادية إلى مصر؛‬ ‫برئاسة وزير التجارة والصناعة؛ ومجموعة كبيرة من رجال املال واألعمال‪.‬‬ ‫اجتهدت للمحافظة على العالقات األخوية الراسخة؛ إال أن عدائية نظام اإلخوان؛‬ ‫ملصر وشعبها قبل الدول الشقيقة والصديقة؛ وانجرافه نحو نظام املاللي في‬ ‫الخليجية من خالل أعضاء التنظيم املنتشرين‬ ‫إيران؛ وتدخله في شؤون الدول‬ ‫ُ‬ ‫هناك؛ حملتها على تغيير موقفها املعلن؛ وهو موقف تم اتخاذه بناء على‬ ‫تراكمات األح��داث املاضية؛ التي حدثت خ�لال ث�لاث سنوات متتالية؛ ومنها‬ ‫سنة الحكم األولى‪ .‬تداعيات سنة الحكم األولى؛ كادت أن تقضي على وحدة‬ ‫مصر ومستقبلها؛ وأض��رت بالعالقات العربية العربية؛ وأف��رزت مخرجات‬ ‫فكرية متطرفة؛ وتنظيمات إرهابية وصل خطرها دول الخليج‪ .‬انعكاسات‬ ‫حكم اإلخوان الحادة على االستقرار؛ األمن؛ االقتصاد املجتمع؛ والدولة غيرت‬ ‫مواقف غالبية الحكومات العربية املؤيدة لحكم اإلخوان؛ وفي مقدمها السعودية‬ ‫التي لم تتردد في اتخاذ موقف مؤيد لثورة ‪ 30‬يونيو حفاظا على وحدة مصر‬ ‫وأمنها واستقرارها‪ .‬كان املوقف السعودي ُمتأنيا في مضمونه؛ ومتوافقا‬ ‫مع سيناريو التغيير؛ وإن بدا متسرعا في ظاهره؛ حيث ارتكز على مواقف‬ ‫صريحة؛ وتجارب مسبقة؛ وتقييم حصيف للوضع القائم؛ ورؤى مستقبلية؛‬ ‫ونظرة ثاقبة ملآالت األمور‪ .‬أخيرا؛ كسبت مصر‪ ،‬والسعودية وخسر املتشائمون‬ ‫واملعارضون للمواقف العروبية الحاسمة التي قدمت مصلحة مصر وشعبها‬ ‫وال��دول العربية على املصالح االستخباراتية واملخططات الغربية املتوشحة‬ ‫بوشاح الديمقراطية (املوجهة)‪.‬‬

‫العمق االستراتيجي‬ ‫مصر هي العمق االستراتيجي للدول العربية؛ واستقرارها يعني استقرارا‬ ‫للمنطقة بشكل ع��ام‪ .‬اس��ت��ه��داف ال���دول العربية؛ وف��ي مقدمها دول الخليج؛‬ ‫يستوجب أوال إض��ع��اف مصر؛ ون��زع القيادة عنها؛ وه��ذا م��ا اجتهد الغرب‬ ‫لتحقيقه م��ن خ�ل�ال ال��ث��ورة األول����ى؛ وت��ق��دي��م ح��ك��م م��ص��ر ل����ـ«اإلخ����وان»؛ وف��ق‬ ‫استراتيجية استخباراتية محكمة‪ .‬أزع��م أن الدعم الغربي لجماعة اإلخ��وان‬ ‫املسلمني ُب��ن��ي على ه��دف اخ��ت��راق ال���دول العربية وف��ي مقدمها السعودية؛‬ ‫فالعالقات األميركية؛ اإليرانية اإلخوانية كانت ظاهرة بجالء؛ ونوايا التقسيم؛‬ ‫ونشر الفوضى كانت حاضرة؛ وفتح أبواب مصر على مصراعيها لإليرانيني‬ ‫بدأت منذ اليوم األول للحكم اإلخواني‪ .‬مخطط استراتيجي مدمر بدأ من مصر‬ ‫على أمل التوسع فيه نحو دول الخليج؛ وهو ما دفع السعودية التخاذ موقف‬ ‫حاسم ومضاد له؛ وللدول الداعمة؛ وعلى رأسها أميركا؛ التي ُيعتقد أنها كانت‬ ‫خلف أح��داث املنطقة؛ وما لحق بها من ويالت ودم��ار باسم «الربيع العربي»‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫والديمقراطية! العالقات االستراتيجية دفعت بالحكومة السعودية إلى اتخاذ‬ ‫مواقف جريئة؛ وم��ض��ادة لرغبات القوى العاملية الداعمة لحكم اإلخ���وان في‬ ‫مصر‪ .‬انحازت السعودية إلى رغبة الشعب املصري؛ ودعمت الجهود املوجهة‬ ‫لتصحيح أخطاء الثورة؛ وإعادة األمن واالستقرار؛ واللحمة العربية املفقودة‪.‬‬ ‫لم تكن العالقات السعودية املصرية وليدة اللحظة؛ فالعام الحالي يصادف‬ ‫ال���ذك���رى ‪ 88‬ل��ت��وق��ي��ع امل��ل��ك ع��ب��د ال��ع��زي��ز؛ رح��م��ه ال���ل���ه؛ م��ع��اه��دة ال��ص��داق��ة بني‬ ‫البلدين‪ .‬مرت العالقات السعودية املصرية بتجاذبات متفرقة‪ ،‬إال أن الرؤية‬ ‫االستراتيجية؛ واألهداف املشتركة؛ ووحدة املصير كانت تنتصر دائما؛ فتعيد‬ ‫العالقات الثنائية إل��ى ما كانت عليه من قبل‪ .‬قامت العالقات األخ��وي��ة على‬ ‫االحترام املتبادل؛ واملصالح املشتركة؛ والعالقات االقتصادية الوثيقة؛ فثروات‬ ‫النفط املتدفقة على السعودية كانت في حاجة دائمة إلى األيدي العاملة املحترفة‬ ‫للمساهمة في مشروعاتها التنموية؛ والتي كانت مصر من مصادرها الرئيسة‪.‬‬ ‫تعتبر األيدي العاملة املهاجرة جزءا رئيسا من برامج الدعم املالي غير املباشر؛‬ ‫فوجود ما يقرب من ‪ 1.3‬مليون عامل يسهم بشكل كبير في دعم املوازنة‬ ‫وتوفير العمالت الصعبة للخزانة املصرية؛ وربط املجتمعني بالعالقات اإلنسانية‬ ‫التكاملية‪ ،‬إضافة إلى ذلك فقد استثمرت الحكومة السعودية بشكل مباشر‬ ‫في مشروعات تنموية واقتصادية؛ وأسهمت في دعم االستثمارات السعودية‬ ‫الخاصة في بعض القطاعات املستهدفة في مصر؛ ومنها القطاع الزراعي الذي‬ ‫بات يشكل وعاء استثماريا متميزا للشركات السعودية؛ وأسهمت أيضا في‬ ‫تقديم املساعدات املالية املباشرة؛ لدعم البنك املركزي؛ واملحافظة على قيمة‬ ‫الجنيه املصري؛ ولتوفير موارد مالية كافية ملواجهة االحتياجات العاجلة‪.‬‬ ‫تحتل السعودية املرتبة السادسة من بني أكبر الدول املستثمرة في مصر‪ ،‬ومن‬ ‫املنتظر أن تحتل مركزا متقدما خالل العام الحالي كنتيجة مباشرة لحزمة‬ ‫االستثمارات الحكومية والخاصة التي بدأت في التدفق بعد تأكيد الحكومة‬ ‫املصرية باحترام جميع االتفاقات االستثمارية املوقعة من قبل‪ .‬تعامل اإلخوان‬ ‫مع املشروعات املشتركة؛ واالستثمارات األجنبية أضر بشكل كبير؛ بالعالقات‬ ‫االقتصادية؛ واستثمارات القطاع الخاص التي انسحبت بشكل مفاجئ من‬ ‫السوق املصرية‪ .‬األمن واالستقرار واحترام االتفاقيات من أهم العوامل الداعمة‬ ‫لالستثمار األجنبي‪.‬‬

‫مشروع الربط الكهربائي‬ ‫يمكن القول‪ :‬إن مشروع الربط الكهربائي أحد أهم املشروعات االستراتيجية‬ ‫بني البلدين؛ في الوقت الذي تمثل فيه املشروعات الزراعية أهمية بالغة للجانبني؛‬ ‫وللقطاع الخاص على وجه التحديد‪ .‬هناك رغبات مشتركة؛ والتزام سعودي‬ ‫بتطوير العالقات االقتصادية بشكل أكبر؛ بعد االنتخابات الرئاسية القادمة‪.‬‬ ‫أحدثت سنوات الثورة وتداعياتها أثرا سلبيا في االقتصاد املصري وعطلت‬ ‫السياحة؛ القطاع األكثر أهمية في دعم االقتصاد وخلق الوظائف؛ وتسببت‬


‫الراحل امللك عبد العزيز خالل زيارة رسمية‬ ‫ملصر لدى لقائه امللك فاروق وإلى جوارهما‬ ‫النقراشي باشا رئيس الوزراء املصري وعبد‬ ‫الرحمن عزام أمني عام جامعة الدول العربية‬

‫‪,,‬‬

‫الرئيس املصري الراحل محمد نجيب يقبل قطعة سجاد عليها نقش قرآني أهديت له من اململكة أثناء زيارته إلى مكة املكرمة في سبتمبر ‪1953‬‬

‫وتفعيل «ال��وح��دة االق�ت�ص��ادي��ة» ف�س��وف ي�ك��ون حجم التبادل‬ ‫التجاري أعلى من دول «ميركوسور» في جنوب أميركا وكذلك‬ ‫أعلى من االت�ح��اد الجمركي ملجموعة دول «أف�ت��ا» في أوروب��ا‪،‬‬ ‫والتحالف االقتصادي الخليجي املصري سوف يشكل ‪ 63‬في‬ ‫املائة من الناتج اإلجمالي العربي ويستحوذ على ‪ 71‬في املائة‬ ‫من التجارة البينية العربية في قطاع السلع و‪ 59‬في املائة في‬ ‫قطاع الخدمات و‪ 51‬في املائة في قطاع االستثمار و‪ 48‬في املائة‬ ‫ختاما أقتبس هذه الكلمات من األبيات الخالدة التي قيلت أمام‬ ‫من األيدي العاملة الفنية‪.‬‬ ‫ال��راح�ل�ين امل�ل��ك عبد العزيز ب��ن عبد الرحمن آل س�ع��ود وامللك‬ ‫أعود إلى بداية املقال وأقول‪ :‬إن التحالف بني اإلمام فيصل بن ف ��اروق األول «ف�م��ا نجد إال مصر ح�ين نعدها وم��ا مصر إال‬ ‫تركي آل سعود والحاكم عباس باشا األول بن أحمد طوسون نجد حني نعبر ‪ -‬وهتف الحجاز وكبر الحرمان ‪ -‬ومن الكنانة‬ ‫بن محمد علي باشا عام ‪1850‬م جدد بريقه التاريخي خادم صفق الهرمان»<‬

‫الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز في رسالته إلى‬ ‫حكومة وشعب مصر في عام ‪2013‬م حني قال‪ :‬حكومة السعودية‬ ‫في تضامن تام مع جمهورية مصر العربية «سياسيا ‪ -‬أمنيا‬ ‫ اقتصاديا» وشاهد العالم م��دى التفاعل الوطني السعودي‬‫والشعبي املصري مع هذه الرسالة العظيمة وأثرها على استمرار‬ ‫اإلخاء االجتماعي والتعاون االقتصادي والتضامن األمني‪.‬‬

‫العالقات‬ ‫السعودية‬ ‫املصرية هي‬ ‫األقدم في‬ ‫تاريخ الدول‬ ‫العربية‬ ‫السابقة‬ ‫واملعاصرة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪37‬‬


‫قضايا‬

‫أقل وصف يمكن أن أصف به العالقات السعودية املصرية في عام ‪ 2014‬هو القمة في كل ضلع من الهرم‬ ‫املثلث األضالع «اإلخاء ‪ -‬التعاون ‪ -‬التضامن»‪ ،‬وإن الحكومتني السعودية واملصرية تقفان عربيا وإقليميا‬ ‫ودوليا بموقف موحد أمام التغير العاملي الذي خلفته «الفوضى الخالقة» الغربية في منطقة الدول العربية‬ ‫وأمام التبعات االقتصادية املدمرة من الربيع العربي‪.‬‬

‫العالقات السعودية املصرية‪ 164 ..‬عاما من اإلخاء والتعاون والتضامن‬

‫حتالف أبيض‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن‬ ‫مرعي بن محفوظ‬

‫قبل الولوج في أغوار الحاضر املعاصر‪ ،‬يجب التأكيد في ونتيجة لهذه الظروف فقد ظهرت دع��وات صادقة لجمع كلمة‬ ‫كل مناسبة بني البلدين أن العالقات السعودية املصرية العرب والسعي لوحدتهم ونبذ خالفاتهم الجانبية‪.‬‬ ‫هي األقدم في تاريخ الدول العربية السابقة واملعاصرة‬ ‫�اء‪،‬‬ ‫وتحمل إرث��ا اجتماعيا وسياسيا مدته ‪ 164‬عاما من اإلخ�‬ ‫مجلس قيادة الثورة املصرية‬ ‫واملرحلة األول��ى في العالقات تأسست ع��ام ‪1850‬م بني اإلم��ام‬ ‫فيصل بن تركي آل سعود «الدولة السعودية الثانية» وعباس ومع ظهور القوميات العربية ظهر خالف سياسي بني القيادة‬ ‫باشا األول بن أحمد طوسون بن محمد علي باشا حاكم «حكومة امللكية السعودية ومجلس قيادة الثورة املصرية الذي لم يستمر‬ ‫مصر العثمانية» وظلت مستمرة في التعاون واالحترام إلى عهد طويال‪ ،‬بل تحول إلى تضامن عسكري قوي بني امللك الشهيد‬ ‫الخديو إسماعيل باشا الذي جدد هذه الثقة ورفعها إلى درجة فيصل ب��ن عبد العزيز وال��زع�ي��م العربي جمال عبد الناصر‪،‬‬ ‫اإلخاء مع األمير عبد الله ابن اإلمام فيصل بن تركي وسطرها واستمر هذا التضامن بني ملوك السعودية ورؤساء جمهورية‬ ‫الخديو في خطابه رقم ‪ 4‬بتاريخ ‪1864‬م‪.‬‬ ‫مصر العربية إلى عهدنا الحالي في ‪2014‬م‪.‬‬

‫«فما نجد‬ ‫إال مصر‬ ‫حني نعدها‬ ‫وما مصر‬ ‫إال نجد حني‬ ‫نعبر ‪ -‬وهتف‬ ‫الحجاز وكبر‬ ‫الحرمان ‪-‬‬ ‫ومن الكنانة‬ ‫صفق‬ ‫الهرمان»‬

‫الدولة السعودية الثالثة‬

‫‪,,‬‬

‫‪,,‬‬

‫‪36‬‬

‫وب�ع��د عشرين ع��ام��ا ب��دأ ال �ن��زاع ال��ذي وص��ل ذروت ��ه ف��ي العالم‬ ‫وحصل بعده الحرب العاملية األولى والثانية وظهور القوميات‬ ‫في أوروبا وتعمقت الفنت في الدولة العثمانية وأدت إلى سقوطها‬ ‫ف��ي ع��ام ‪1923‬م‪ ،‬وك��ان قبلها انتهاء ال��دول��ة السعودية الثانية‬ ‫عام ‪1891‬م وأصبحت مصر تحت االحتالل البريطاني‪ ،‬وهذا‬ ‫األمر لم يدم طويال‪ ،‬حيث نالت مصر استقاللها ‪،‬وبرزت الدولة‬ ‫السعودية الثالثة في عام ‪1927‬م‪ ،‬وما بني مراحل االستقالل في‬ ‫مصر والبناء والتوحيد في السعودية‪ ،‬كانت العالقات السعودية‬ ‫املصرية تعتمد على اإلخاء والتبادل التجاري وزيارات الحج دون‬ ‫وجود عالقات دبلوماسية قوية بني البلدين‪.‬‬

‫هذا التاريخ السياسي بني أكبر دولتني عربيتني خلق في الواقع‬ ‫جذورا اجتماعية بني الشعبني أقوى من أي تحالف سياسي أو‬ ‫اقتصادي‪ ،‬فقد وصل تعداد إخواننا املصريني املقيمني والعاملني‬ ‫في وطنهم السعودية لقرابة مليوني مواطن مصري‪ ،‬يقابلهم‬ ‫ع��دد السعوديني املقيمني في مصر واملستثمرين فيها قرابة‬ ‫نصف مليون سعودي‪.‬‬

‫وبعد ه��ذا السرد السياسي واالجتماعي للعالقات السعودية‬ ‫املصرية‪ ،‬أود التوضيح بصفتي رئيس مجلس األعمال السعودي‬ ‫املصري أن التبادل التجاري واالستثماري بني البلدين يمثل‬ ‫‪ 40‬في املائة من الحركة االقتصادية العربية وع��دد الشركات‬ ‫السعودية املستثمرة في مصر ‪ 3600‬شركة وأصولها تقدر بـ‪27‬‬ ‫ولكن في عام ‪1945‬م‪ ،‬كان العالم العربي على موعد فجر جديد‪ ،‬مليار دوالر‪ ،‬وعدد الشركات املصرية املستثمرة في السعودية‬ ‫ح�ين ت��م التجديد ف��ي ال�ع�لاق��ات السياسية ب�ين حكومة «ال��دول��ة ‪ 300‬شركة وأصولها تقدر بثالثة مليارات دوالر‪.‬‬ ‫السعودية الثالثة» بقيادة امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل‬ ‫آل سعود و«حكومة مصر» بقيادة امللك فاروق األول ملك مصر العالقات االقتصادية‬ ‫والسودان وصاحب النوبة ودارفور وكردفان‪ ،‬واجتمع وقتها أهم‬ ‫ملكني عربيني وسط سيطرة من االستعمار الغربي على أغلب إننا نراهن على مستقبل العالقات االقتصادية ويمكن الجزم‬ ‫الدول العربية‪ ،‬وفي هذا اللقاء حفل أول إقرار على أهمية التصدي والتأكيد أنها س��وف تنطلق إل��ى رح��اب أوس��ع ألن السعودية‬ ‫للدفاع عن الحقوق العربية املسلوبة ال سيما الحقوق الفلسطينية‪ ،‬هي بوابة مصر ل��دول الخليج العربي‪ ،‬وق��د ذكرنا في منتدى‬ ‫ويمكن القول‪ :‬إن تلك املرحلة قد أكسبت اململكة العربية السعودية االستثمار الخليجي املصري ال��ذي عقد في ديسمبر (كانون‬ ‫واململكة املصرية أهمية كبيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا األول) ‪2013‬م ف��ي ال �ق��اه��رة‪ ،‬ال �ع �ب��ارة االق�ت�ص��ادي��ة ال�ت��ال�ي��ة «ال‬ ‫ُ‬ ‫منذ منتصف القرن التاسع عشر وجعلتهما محورا أساسيا تستهينوا بقوة مصر وال ��دول الخليجية معا» ففعليا إن تم‬ ‫في سياسة العالم العربي خ�لال تلك الفترة التاريخية املهمة‪ ،‬إبرام اتفاقية تجارة حرة بني مصر ودول الخليج العربي وإنشاء‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫والعسكرية األم�ي��رك�ي��ة‪ ،‬إل��ى تقوية امل��وق��ف التفاوضي املصري‬ ‫والحيلولة دون انكشاف السلطات املصرية سياسيا واقتصاديا‬ ‫إزاء الضغوط األميركية‪ ،‬األمر الذي أتاح للمصريني حيزا أوسع‬ ‫للمناورة وقدرة أكبر على مواصلة الصمود والتحدي في مواجهة‬ ‫محاوالت االستتباع والترويض واالبتزاز األميركية‪.‬‬

‫الجانب املصري يرفض استخدام الواليات املتحدة ألداة املساعدات‬ ‫العسكرية‪ ،‬للضغط على القرار املصري الداخلي‪ ،‬مشيرا إلى أن‬ ‫الحكومة املصرية ملتزمة بتنفيذ خارطة الطريق‪ ،‬ليس إرض��اء‬ ‫للواليات املتحدة‪ ،‬بل للشعب املصري ال��ذي واف��ق عليها وأيدها‪،‬‬ ‫على حد قوله‪ .‬وأكد أن الجانب املصري يجري اآلن عملية مراجعة‬ ‫للعالقات مع الواليات املتحدة‪ ،‬مشيرا إلى أن املساعدات العسكرية‬ ‫تحتل األولوية في عملية املراجعة تلك‪.‬‬ ‫وف��ى ح�ين ص�ب��ت امل�ع�ط�ي��ات س��ال�ف��ة ال��ذك��ر ف��ي مصلحة الجانب‬ ‫امل�ص��ري‪ ،‬حيث ب��دأت واشنطن تدريجيا تعيد النظر جزئيا في‬ ‫ورغ ��م أهميتها للجيش امل �ص��ري‪ ،‬ي��ؤك��د خ �ب��راء استراتيجيون قرارات التقليص والتجميد للمساعدات األميركية‪ ،‬بشتى صورها‪،‬‬ ‫أميركيون أن تقليص املساعدات العسكرية األميركية لن يضيره للقاهرة في مسعى الستبقاء مغانم أميركية جمة من وراء تلك‬ ‫كثيرا‪ ،‬إذ دأب��ت مصر على إيجاد بدائل لالعتماد على التسليح املساعدات‪ ،‬سيبقى املوقف التفاوضي املصري حيال واشنطن‬ ‫األميركي كاستيراد أسلحة من أس��واق أخ��رى وتنويع مصادر أكثر قوة وأقل انكشافا طاملا استمرت األخيرة في تغليب املنطق‬ ‫التسليح املصري‪ .‬بل إنه من املمكن ملصر االستمرار الجزئي في املصلحي على التوجه القيمي أو األخالقي في التعاطي مع ملف‬ ‫شراء أسلحة من نفس املوردين األميركيني الذين تعتمد عليهم املساعدات السنوية للقاهرة‪ ،‬وطاملا بقى االستعداد العربي ملؤازرة‬ ‫حاليا لكن من ميزانية الدولة املصرية بدال من املساعدات العسكرية مصر اقتصاديا في محنتها الحالية‪ ،‬وطاملا نجحت القاهرة في‬ ‫األميركية‪ .‬يضاف إل��ى ذل��ك أن ش��رك��ات ال�س�لاح األميركية التي توظيف ورقة التوجه شرقا نحو الدب الروسي‪ ،‬املفعم بالحماس‬ ‫تشكل «ل��وب��ى» ذا ن�ف��وذ بالكونغرس ستحرص على استمرار بشأن استعادة دوائر نفوذه الحيوية في منطقة الشرق األوسط من‬ ‫بيع سلعتها لعميلها املصري‪ .‬وبدورهم‪ ،‬أكد خبراء عسكريون جهة‪ ،‬ورد الصفعة لألوروبيني واألميركيني بخصوص ما يجرى‬ ‫أميركيون أن مصر لديها قدرة على االحتفاظ بالحد األدنى من في أوكرانيا من جهة أخرى‪.‬‬ ‫االستعداد بغير مساعدة من الواليات املتحدة‪ ،‬فكونها تعد األقوى‬ ‫في العالم العربي بالفعل‪ ،‬حسب مؤسسة «غلوبال سيكيوريتى»‪ ،‬غير أن الطرق واآلليات التي من خاللها سيجرى إنجاز خارطة‬ ‫املتخصصة ف��ي أب�ح��اث ال�ش��ؤون العسكرية‪ ،‬سيكون ف��ي وسع املستقبل املصرية‪ ،‬والنهج الذي ستنتهجه السلطات الجديدة في‬ ‫الصناعة الحربية املصرية إنتاج كثير من قطع الغيار الخاصة القاهرة فيما يتصل بالسياستني الداخلية والخارجية‪ ،‬سيكون لها‬ ‫باألسلحة األميركية املستوردة‪.‬‬ ‫الدور األبرز في تحديد مالمح الشكل النهائي للعالقات املصرية‬ ‫األميركية عموما‪ ،‬وف��ى القلب منها ملف امل�س��اع��دات بمختلف‬ ‫وع�لاوة على ما سبق‪ ،‬وجه التوجه املصري شرقا نحو روسيا أنواعها‪ ،‬على وجه الخصوص‪.‬‬ ‫صفعة قوية لواشنطن كان لها بالغ األثر في دفع واشنطن لحسم‬ ‫الجدل الداخلي فيها وإع��ادة حساباتها فيما يخص املساعدات وهو األمر الذي بدا جليا في تصريحات رئيس هيئة األركان املشتركة‬ ‫املقدمة للقاهرة‪ ،‬حيث استبدت بإدارة أوباما مخاوف هائلة على للجيش األميركي‪ ،‬الجنرال مارتن ديمبسي‪ ،‬يوم ‪ 21‬مايو (أي��ار)‪،‬‬ ‫خلفية مساعي القاهرة وموسكو إلعادة تفعيل التعاون العسكري حينما أكد للصحافيني خالل زيارته بروكسل إلجراء محادثات مع‬ ‫بينهما‪ ،‬مثلما تجلى في اإلعالن مؤخرا عن بيع موسكو للقاهرة مسؤولي حلف شمال األطلسي‪ ،‬أن مستقبل العالقات العسكرية‬ ‫‪ 24‬طائرة عسكرية مقاتلة متطورة من طراز «ميغ ‪ ،»35 -‬والتي بني بالده ومصر سيتوقف على سياسات الحكومة املقبلة وما إذا‬ ‫لم تكن منبتة الصلة بالزيارة التاريخية التي قام بها وزيرا الدفاع كانت ستحقق تقدما على صعيد التحول الديمقراطي أم ال‪ ،‬مشددا‬ ‫والخارجية املصريان إلى موسكو في فبراير (شباط) املاضي‪ ،‬على أن العالقات بني جيشي البلدين تحددها املصالح املشتركة من‬ ‫وما تخللها من تصريحات الرئيس الروسي بوتني‪ ،‬الداعمة لترشح قبيل مكافحة اإلره��اب املتزايد في شبه جزيرة سيناء والفوضى‬ ‫السيسي النتخابات الرئاسة قبل إع�لان ترشحه رسميا‪ ،‬األمر املتنامية في ليبيا‪.‬‬ ‫الذي أثار انتقادات أميركية رسمية‪ ،‬كونها املرة األولى منذ أكثر لكن ديمسي لم يتورع عن التلويح بأنه لن يتردد‬ ‫من عقود أربعة خلت‪ ،‬التي يسعى فيها رئيس مصري محتمل في االعتراض على توريد األسلحة األميركية‬ ‫للحصول على دعم سياسي دولي من خارج املعسكر الغربي‪.‬‬ ‫املتطورة التي تحصل عليها مصر ملكافحة‬

‫‪,,‬‬

‫التوجه‬ ‫املصري شرقا‬ ‫نحو روسيا‬ ‫صفعة قوية‬ ‫لواشنطن‬

‫‪,,‬‬

‫اإلره ��اب‪ ،‬إذا م��ا ت��أك��د لواشنطن أن القاهرة‬ ‫ومن جانبها‪ ،‬اعتبرت شبكة «فوكس نيوز» األميركية هذا التطور تستخدمها في انتهاكات حقوق اإلنسان‬ ‫محاولة من بوتني الستعادة نفوذ بالده في الشرق األوسط عبر‬ ‫مصر‪ ،‬من خ�لال الدعم السياسي والعسكري للقيادة املصرية في الداخل<‬ ‫الجديدة‪ .‬وب��دوره‪ ،‬ارت��أى الكاتب األميركي توماس فريدمان في‬ ‫مقال له بصحيفة «نيويورك تايمز» األميركية مطلع مارس (آذار)‬ ‫املاضي أن اللقاء الذي جمع السيسي وبوتني في موسكو‪ ،‬والذي‬ ‫وصفه «بلقاء األق��وي��اء»‪ ،‬قد ذك��ره باللقاء الشهير ال��ذي شهدته‬ ‫العاصمة الروسية خ�لال ستينات ال�ق��رن امل��اض��ي ب�ين الزعيمني‬ ‫الراحلني‪ ،‬املصري جمال عبد الناصر والسوفياتى خروتشوف‪.‬‬

‫وال يمكن إغ �ف��ال أه�م�ي��ة ال ��دور امل �ح��وري ال ��ذي لعبته السعودية‬ ‫واإلم��ارات والكويت في دعم املوقف املصري بهذا الصدد‪ ،‬حيث‬ ‫أفضى ع��دم انصياع تلك ال��دول للضغوط األميركية الرامية إلى‬ ‫ثنيها عن دعم مصر اقتصاديا‪ ،‬ومضيها قدما في ضخ مليارات‬ ‫ال ��دوالرات للقاهرة عوضا ع��ن تقليص امل�س��اع��دات االقتصادية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪35‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ملصر‪ ،‬حرصا على فرص العمل وخطوط اإلنتاج التي قد تتعرض‬ ‫للخطر حالة تعليق أو قطع جزء من برنامج املساعدات العسكرية‬ ‫ملصر‪.‬‬ ‫وباعتمادها ملثل ذل��ك التقليص الجزئي واملرحلي‪ ،‬واستبقائها‬ ‫املساعدات الخاصة بجهود مكافحة اإلره��اب واألم��ن في سيناء‬ ‫وحظر انتشار األسلحة‪ ،‬وإزالة األلغام‪ ،‬ومراقبة تجارة املخدرات‬ ‫الدولية والجريمة املنظمة‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى دع��م ت��دري��ب الشرطة في‬ ‫مجال احترام حقوق اإلنسان وإنفاذ القانون‪ ،‬تكون واشنطن قد‬ ‫أدركت مستوى معقوال من التوازن ما بني آراء املثاليني ومواقف‬ ‫الواقعيني في اإلدارة‪ .‬فلقد استرضى تجميد إدارة أوباما شطرا من‬ ‫املساعدات العسكرية بسبب ما جرى يوم ‪ 3‬يوليو املاضي‪ ،‬والذي‬ ‫تجنب أوب��ام��ا وصفه باالنقالب العسكري‪ ،‬املثاليني املتمسكني‬ ‫باملبادئ الويلسونية وض��رورة دعم واشنطن لقيم الديمقراطية‬ ‫وح��ق��وق اإلن���س���ان‪ ،‬وال��ذي��ن ينتابهم ق��ل��ق وت��ش��ك��ك ح��ي��ال طريقة‬ ‫ومالبسات اإلطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر‬ ‫وما تمخضت عنه من تداعيات سياسية‪.‬‬

‫وزير الخارجية املصري نبيل فهمي‬ ‫ونظيره الروسي سيرغي الفروف خالل‬ ‫مؤتمر صحافي أثناء زيارة السيسي‬ ‫ملوسكو إلجراء محادثات حول مبيعات‬ ‫أسلحة ‪ -‬فبراير املاضي‬

‫‪,,‬‬

‫كان السخط‬ ‫الشعبي على‬ ‫املساعدات‬ ‫األميركية‬ ‫ملصر هو‬ ‫األكثر‬ ‫وضوحا طيلة‬ ‫العقود القليلة‬ ‫املنقضية‬

‫‪,,‬‬

‫‪34‬‬

‫حيث تمر قرابة ‪ 12‬سفينة حربية ونووية أميركية شهريا عبر‬ ‫القناة‪ ،‬التي تعد املنفذ األساس لوصول القطع الحربية األميركية إلى‬ ‫العراق وأفغانستان‪ ،‬دون أن تضطر كبقية دول العالم إلى أن تسلك‬ ‫طريق رأس الرجاء الصالح عند إرسال مثل هذا النوع من الناقالت‪.‬‬ ‫وثالثتها‪ ،‬تحظى واشنطن بتسهيالت عسكرية تقدمها لها مصر‬ ‫كفتح امل��ج��ال ال��ج��وي امل��ص��ري أم��ام املقاتالت األميركية‪ ،‬وخ�لال‬ ‫الفترة من ‪ ،2005 - 2001‬سمحت القاهرة ‪ 36553‬م��رة بعبور‬ ‫طائرات عسكرية أميركية األجواء املصرية‪ ،‬حسب دراسة أجراها‬ ‫الجهاز الحكومي األميركي للمحاسبات عام ‪ ،2006‬هذا مع األخذ‬ ‫في الحسبان أن تلك الفترة الزمنية شهدت بدء الحرب األميركية‬ ‫في أفغانستان عام ‪ ،2001‬ثم في العراق عام ‪ .2003‬كما فتحت‬ ‫مصر مجالها الجوي لعبور املقاتالت األميركية نحو ‪ 2000‬مرة‬ ‫خالل عام ‪ 2013‬وحده‪.‬‬ ‫ورابعتها‪ ،‬تتيح املساعدات األميركية حيزا من التأثير لواشنطن‬ ‫في القرار املصري بما يخدم املصالح واألهداف األميركية‪ .‬حيث‬ ‫يرى خبراء استراتيجيون أميركيون أن تلك املعونات تعد املصدر‬ ‫األس���اس ل��ق��درة واشنطن على التأثير ف��ي م��ا ق��د يحدث بمصر‬ ‫بما يتوافق مع املصالح األميركية‪ ،‬محذرين من أن قطع املعونة‬ ‫أو التهديد بذلك سيفقد أميركا نفوذها في مصر‪ ،‬ويوجه ضربة‬ ‫قاصمة للمصالح والسياسات األميركية في املنطقة‪.‬‬ ‫وخ��ام��س��ت��ه��ا‪ ،‬اح���ت���ف���اظ ص��ن��اع��ة ال���س�ل�اح األم���ي���رك���ي���ة ب��ال��ع��وائ��د‬ ‫االقتصادية املهمة جراء مبيعات السالح للجيش املصري والتي‬ ‫تأتي ضمن حزمة املساعدات العسكرية ملصر‪ ،‬فهناك ست منشآت‬ ‫صناعية عسكرية أميركية تستفيد من هذه املساعدات ولن تقبل‬ ‫بأي تقليص ملبيعاتها من السالح ملصر سنويا حتى ال تتراجع‬ ‫أرباحها أو ترتبك سياسات التوظيف بها‪ .‬وعادة ما تقوم الشركات‬ ‫العاملة في مجال الصناعات العسكرية واملتعاقدة لتنفيذ صفقات‬ ‫األسلحة ملصر بإرسال فريق من جماعات الضغط لزيارة أعضاء‬ ‫الكونغرس وإقناعهم باستمرار املساعدات العسكرية األميركية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫وم��ن زاوي���ة أخ���رى‪ ،‬سيحقق الفريق الواقعي مكاسب مهمة في‬ ‫عالقاته بمصر كحمل اإلدارة االنتقالية الحالية فيها على االلتزام‬ ‫بالنهج الديمقراطي وع��دم إق��ص��اء فصائل اإلس�ل�ام السياسي‪،‬‬ ‫فضال عن تقويض املساعي املصرية الرامية إلى تحقيق تنوع في‬ ‫مصادر التسليح‪ ،‬وإنهاء االحتياج التام والدائم للواليات املتحدة في‬ ‫هذا املضمار‪ ،‬ال سيما وأن املساعدات األميركية العسكرية ملصر‬ ‫ال تضمن لجيش األخيرة التفوق على نظيره اإلسرائيلي‪ ،‬حيث‬ ‫تتبنى واشنطن استراتيجية تتيح إلسرائيل الحصول على ثالثة‬ ‫مليارات دوالر مقابل كل مليارين يمنحان ملصر‪ ،‬فضال عن التزام‬ ‫واشنطن بضمان استمرار «التفوق العسكري النوعي» إلسرائيل‪،‬‬ ‫والذي يلزم األميركيني بعدم بيع أية أسلحة أميركية أكثر تطورا‬ ‫مما تحصل عليه إسرائيل ألية دولة أخرى في الشرق األوسط‪.‬‬

‫تمرد مصري‬ ‫بينما ك��ان السخط الشعبي على امل��س��اع��دات األميركية ملصر‬ ‫ه��و األك��ث��ر وض��وح��ا طيلة العقود القليلة املنقضية‪ ،‬شكل ال��رد‬ ‫املصري الرسمي على تجميد واشنطن لقسط من املساعدات‬ ‫املقدمة للقاهرة أخيرا مفاجأة من العيار الثقيل‪ ،‬فبعدما أدانت ذلك‬ ‫التوجه األميركي‪ ،‬أبدت استعدادا جادا للتنازل عن تلك املساعدات‪،‬‬ ‫بشقيها االقتصادي والعسكري‪ ،‬كما أعلنت البدء في مراجعتها‬ ‫وت��ق��وي��م ج���دواه���ا ال��ح��ق��ي��ق��ي��ة‪ .‬وأك�����دت ال���ق���اه���رة رف��ض��ه��ا ت��ح��ول‬ ‫املساعدات إلى أداة ضغط عليها أو ابتزاز لها‪ ،‬وفيما أورد املوقع‬ ‫اليهودي األميركي «جيويش ويكلي» أن املساعدات األميركية‬ ‫أف�����رزت ح��ك��وم��ة وج��ي��ش��ا م��ص��ري�ين ي��دي��ن��ان ب���ال���والء للمصالح‬ ‫األميركية‪ ،‬مما يجعل اعتمادهما على تلك املساعدات حائال دون‬ ‫التمتع بكامل استقالليته‪ ،‬حسب الوثائق الرسمية األميركية‪ ،‬فقد‬ ‫ظهرت الدعوات املصرية للتحرر من إسار تلك املساعدات‪ ،‬كما‬ ‫ظهر الحديث عن ض��رورة االستغناء عن املساعدات األميركية‬ ‫حماية لسيادة الدولة وصونا الستقاللية القرار الوطني‪ ،‬كما توالت‬ ‫مبادرات شعبية لجمع التبرعات لالستغناء عن تلك املساعدات‪،‬‬ ‫التي ال يساور املصريني أدنى شك في أن تكلفتها السياسية قد‬ ‫فاقت بكثير جدواها االقتصادية‪.‬‬ ‫وبدوره‪ ،‬وصف السفير بدر عبد العاطي‪ ،‬املتحدث الرسمي باسم‬ ‫وزارة الخارجية‪ ،‬ق��رار تجميد قسط م��ن امل��س��اع��دات األميركية‬ ‫ملصر بـ«الخاطئ» وطالب الجانب األميركي بمراجعته‪ .‬وأك��د أن‬


‫األميركية‪ ،‬لم يخل من انقسام وتردد ومراوغة في هذا الخصوص‪ ،‬املؤقتة وتنفيذ خارطة املستقبل التي تتضمن وضع دستور جديد‬ ‫اهتدت إدارة أوباما إلى تقليص جزئي ومرحلي ملجمل املساعدات وإجراء انتخابات رئاسية وبرملانية ديمقراطية صيف العام الحالي‪.‬‬ ‫املقدمة إلى مصر سنويا‪.‬‬ ‫أما جزئية هذا التقليص‪ ،‬فتكمن في أنه لم يشمل كافة مناحي‬ ‫وب �ن��ود ت�ل��ك امل �س��اع��دات‪ ،‬ح�ي��ث أك ��دت وزارت� ��ا ال�خ��ارج�ي��ة وال��دف��اع‬ ‫األميركيتني أن واشنطن‪ ،‬بعدما أعلنت في منتصف أغسطس‬ ‫(آب) املاضي وقف مناورات عسكرية مشتركة مع مصر‪ ،‬أرجأت‬ ‫تسليم الجيش املصري أربع مقاتالت من طراز «إف ‪ ،»16‬فضال‬ ‫عن تعليق تزويده بمروحيات أباتشي وصواريخ «هاربون» وقطع‬ ‫غيار لدبابات «إيه ‪ 1‬إم ‪ »1‬الهجومية‪ ،‬إضافة إلى وقف تحويل ‪260‬‬ ‫مليون دوالر نقدا وضمانات ق��روض مقررة بقيمة ‪ 300‬مليون‬ ‫دوالر للحكومة امل�ص��ري��ة‪ ،‬ف��ي انتظار إح ��راز ت�ق��دم ذي صدقية‬ ‫نحو حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا‪ .‬هذا بينما سوف تستمر‬ ‫واشنطن في تقديم الدعم املالي للقضايا التي تخدم األهداف األمنية‬ ‫الحيوية للجانبني‪ ،‬بما في ذلك مكافحة اإلرهاب وانتشار األسلحة‬ ‫وتأمني الحدود واألمن في سيناء‪ ،‬كما ستميز ما بني املساعدات‬ ‫التي تذهب مباشرة إلى السلطات املصرية واملعدات التسليحية‬ ‫القتالية للجيش‪ ،‬وتلك التي تذهب إل��ى املنظمات غير الحكومية‬ ‫وبعض املجاالت غير العسكرية كالتعليم والصحة والبيئة والتنمية‬ ‫البشرية‪.‬‬ ‫وأما مرحليته‪ ،‬فتتجلى في كونه موقوتا إلى حني تأكد واشنطن‬ ‫من استعادة مصر ملسيرة الديمقراطية وضمان احترام حقوق‬ ‫اإلنسان‪ .‬ورغم أن إدارة أوباما لم تعلن صراحة عن اعتبار عزل‬ ‫الجيش املصري للرئيس املنتخب محمد مرسي «انقالبا» عسكريا‪،‬‬ ‫مكتمل األركان‪ ،‬إال أنها ما برحت تدين ما تراه قمعا بحق أنصاره‬ ‫وتطالب بضرورة رفع حالة الطوارئ التي أعلنتها السلطات املصرية‬

‫املساعدات كضرورة أميركية‬

‫بقدر ما تمثله املساعدات األميركية ملصر من أهمية‪ ،‬إذ ساهمت‬ ‫في مشروعات البنية األساسية والتعليم والصحة والبيئة عالوة‬ ‫على تحديث الجيش امل�ص��ري‪ ،‬فإنها تعد ض��رورة استراتيجية‬ ‫لواشنطن من زوايا شتى‪ ،‬كما أورد تقرير قدمه للكونغرس املكتب‬ ‫األميركي ملحاسبة اإلنفاق الحكومي‪.‬‬ ‫أوالها‪ :‬تعمل املساعدات العسكرية على ضمان تحقيق ثالثة أهداف‬ ‫أميركية حيوية بمنطقة الشرق األوسط‪ ،‬تتمثل في‪ :‬الحفاظ على‬ ‫حالة االستقرار في املنطقة‪ ،‬فضال عن الوفاء بااللتزام األميركي‬ ‫بحماية أم��ن إس��رائ�ي��ل‪ ،‬ك��ون ه��ذه امل�س��اع��دات مرتبطة بمعاهدة‬ ‫السالم التي وقعتها القاهرة مع تل أبيب عام ‪ ،1979‬عالوة على‬ ‫ضمان استمرار «ت�ع��اون ذي ثقل» ب�ين وزارة ال��دف��اع األميركية‬ ‫والسلطات املصرية فيما يتعلق بمكافحة اإلرهاب في سيناء‪.‬‬ ‫وثانيتها‪ :‬استبقاء واشنطن للمعاملة الخاصة التي تحظى بها‬ ‫سفنها عند مرورها في قناة السويس بما يضمن أولوية وسرعة‬ ‫ه��ذا امل ��رور ف��ي ال��وق��ت ال��ذي تنتظر ال ��دول األخ ��رى ألس��اب�ي��ع قبل‬ ‫السماح لسفنها باملرور‪ .‬ووفقا لتقرير مركز أبحاث الكونغرس‪،‬‬ ‫منحت مصر تصاريح على وجه السرعة لزهاء ‪ 861‬بارجة حربية‬ ‫أميركية لعبور قناة السويس خالل السنوات القليلة املنقضية‪،‬‬ ‫وقامت بتوفير الحماية األمنية الالزمة لعبورها‪.‬كذلك‪ ،‬ال تلتزم‬ ‫السفن األميركية التي تحمل أسلحة نووية‪ ،‬سواء كانت سفنا أو‬ ‫غواصات‪ ،‬بإبالغ السلطات املصرية قبل ‪ 30‬يوما من مرورها‪،‬‬

‫جون كيري وعبد الفتاح السيسي‬ ‫(صورة أرشيفية) القاهرة نوفمبر‪2013 /‬‬

‫‪,,‬‬

‫وفقا لتقارير‬ ‫الكونغرس‬ ‫األميركي تشكل‬ ‫املساعدات‬ ‫العسكرية‬ ‫األميركية ملصر‬ ‫ثلث ميزانية‬ ‫املؤسسة‬ ‫العسكرية‬ ‫املصرية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪33‬‬


‫قصة الغالف‬

‫يجوز التأريخ للمساعدات األميركية االقتصادية ملصر بحلول عام ‪ ،1946‬بيد أنها بدأت تشهد زيادة طفيفة‬ ‫في عام ‪ 1955‬بعد ثورة ‪ 23‬يوليو (تموز) ‪ ،1952‬لكنها ما لبثت أن توقفت بعد العدوان الثالثي على مصر عام‬ ‫‪ 1956‬ثم استؤنفت عام ‪ ،1958‬وعادت للتوقف إبان نكسة يونيو (حزيران) عام ‪ 1967‬لتستأنف مرة أخرى‬ ‫عام ‪ 1974‬بعد نصر أكتوبر (تشرين األول) عام ‪.1973‬‬

‫استئناف املساعدات األميركية ملصر‪ ..‬ضرورة استراتيجية‬

‫مفرتق طرق‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫بشير عبد الفتاح‬

‫‪,,‬‬

‫إذ ساهمت‬ ‫املساعدات‬ ‫األميركية ملصر‬ ‫في مشروعات‬ ‫البنية‬ ‫األساسية‬ ‫والتعليم‬ ‫والصحة‬ ‫والبيئة فإنها‬ ‫تعد ضرورة‬ ‫استراتيجية‬ ‫لواشنطن‬

‫‪,,‬‬

‫‪32‬‬

‫ب��دأت امل�س��اع��دات األم�ي��رك�ي��ة تشهد ط�ف��رة ملموسة عام وب �م��رور ال��وق��ت ص ��ارت ت �ج��رى م�ن��اق�ش��ة س�ن��وي��ة ح��ول�ه��ا داخ��ل‬ ‫‪ ،1979‬بعد توقيع معاهدة السالم املصرية اإلسرائيلية الكونغرس كلما ح��ان موعد مناقشة امليزانية السنوية‪ ،‬أو قدم‬ ‫برعاية أميركية‪ ،‬حيث دلف إلى مكوناتها بند جديد وهو أحد النواب سؤاال أو استجوابا في هذا الصدد‪.‬‬ ‫املساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها مليارا وثالثمائة مليون‬ ‫دوالر سنويا‪ ،‬لتغدو مصر على إث��ره��ا ث��ان��ي أك�ب��ر دول��ة تتلقى وفى أواخر عام ‪ ،1998‬بدأت اإلجراءات العملية لتقليص املساعدات‪،‬‬ ‫امل�س��اع��دات العسكرية األميركية بعد إس��رائ�ي��ل‪ ،‬والخامسة من حينما ق��رر الكونغرس البدء في تقليص تدريجي للمساعدات‬ ‫حيث إجمالي املساعدات األميركية‪ ،‬بشتى أوجهها‪ ،‬بعد إسرائيل االقتصادية ملصر بمقدار ‪ 40‬مليون دوالر سنويا على مدار عشر‬ ‫وأفغانستان وباكستان والعراق‪ ،‬حيث يصل إجمالي ما تتحصل سنوات‪ .‬وبالتالي‪ ،‬خفضت مساعدات صندوق دع��م االقتصاد‬ ‫عليه سنويا من مساعدات أميركية مليار و‪ 550‬مليون دوالر‪ ،‬امل�ص��ري م��ن ‪ 815‬مليون دوالر ع��ام ‪ 1998‬إل��ى ‪ 411‬دوالر في‬ ‫تتوزع ما بني ‪ 1.3‬مليار دوالر مساعدات عسكرية والباقي معونات ‪ .2008‬وفى ‪ ،2006‬ثم حاول الكونغرس اشتراط ربط املساعدات‬ ‫االقتصادية ملصر بالتقدم في ملفي حقوق اإلنسان والديمقراطية‪،‬‬ ‫اقتصادية‪.‬‬ ‫إال أن وزيرة خارجية األميركية آنذاك كوندليزا رايس‪ ،‬حالت دون‬ ‫ووفقا لتقارير الكونغرس األميركي‪ ،‬تشكل املساعدات العسكرية ذلك‪ .‬وبناء على طلب من الرئيس السابق بوش االبن‪ ،‬الذي شهدت‬ ‫األميركية ملصر ثلث ميزانية املؤسسة العسكرية املصرية‪ ،‬وتنفق فترة حكمة توترا في العالقات مع مبارك‪ ،‬قرر الكونغرس قطع‬ ‫في ثالثة أوجه رئيسة‪ :‬مشتريات أسلحة‪ ،‬وتدريب وتحديث املعدات نصف امل�س��اع��دات االقتصادية لتصبح ‪ 200‬مليون دوالر عام‬ ‫العسكرية امل��وج��ودة‪ ،‬ومتابعة عقود ال��دع��م والصيانة‪ .‬ويشكل ‪ ،2009‬سعى أوباما عند توليه السلطة إلضافة ‪ 50‬مليون دوالر‬ ‫اإلن�ت��اج املشترك ب�ين ال��والي��ات املتحدة وم�ص��ر ل��دب��اب��ات ‪ M1A1‬إليها لتبلغ ‪ 250‬مليون دوالر منذ عام ‪.2010‬‬ ‫‪ ،Abrams‬والتي ب��دأ في ع��ام ‪ ،1988‬واح��دة من أب��رز ركائز تلك‬ ‫املساعدات العسكرية‪ ،‬التي تضمن ملصر تيسيرات لواشنطن‪ ،‬منها وبأغلبية ‪ 83‬مقابل ‪ 13‬عضوا‪ ،‬رفض مجلس الشيوخ األميركي‪،‬‬ ‫مرور القطع العسكرية األميركية في قناة السويس بيسر في أي مشروع قانون تقدم به السيناتور الجمهوري‪ ،‬ران��د ب��ول‪ ،‬العام‬ ‫وقت‪.‬كما تنص االتفاقية على أن ال يجري تحويل املساعدات في امل��اض��ي لوقف امل�س��اع��دات األميركية إل��ى مصر‪ ،‬وتحويلها إلى‬ ‫شكل أموال سائلة للقاهرة‪ ،‬ولكن يجري تحويل املبالغ إلى حساب تمويل مشروعات محلية للبنية التحتية في الواليات املتحدة اعتبارا‬ ‫ببنك االحتياطي الفيدرالي في نيويورك‪ ،‬ثم يقوم البنك بتحويل من عام ‪.2014‬‬ ‫املساعدات إلى الصندوق االئتماني في وزارة الخزانة‪ ،‬ومنه إلى‬ ‫املقاولني وامل��وردي��ن التابعني للجيش األم�ي��رك��ي‪ ،‬لتقوم األط��راف وبعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو‬ ‫املتعاقدة‪ ،‬وبعضها مجموعات متعددة الجنسيات‪ ،‬مع شركات امل��اض��ي‪ ،‬ب��دأ الحديث ع��ن تقليص امل�س��اع��دات األميركية ملصر‬ ‫تابعة لها في الواليات املتحدة بتنفيذ توريد األسلحة واملعدات‪ ،‬ي�لام��س الجانب العسكري منها بشكل ص��ري��ح للمرة األول��ى‪،‬‬ ‫بما يعني أن املساعدات العسكرية ال تذهب نقدا إلى القاهرة وإنما حيث طرحت عشرات من مشاريع القوانني لتقليص املساعدات‬ ‫إلى شركات أميركية‪ ،‬األمر الذي يساعد على خلق وظائف داخل العسكرية ب��واق��ع ‪ 200‬مليون دوالر وتحويلها إل��ى مساعدات‬ ‫اقتصادية سنوية‪ .‬وفى سابقة قد تكون هي األول��ى من نوعها‬ ‫الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫منذ إقرارها في عام ‪ ،1978‬اشتدت وطأة الجدل حول املساعدات‬ ‫العسكرية األميركية ملصر بعدما أعلن الرئيس أوباما يوم الثالث‬ ‫نهاية حصانة املساعدات العسكرية‬ ‫من يوليو املاضي عن وض��ع ملف املساعدات األميركية ملصر‬ ‫لم يكن الجدل األميركي بشأن تقليص املساعدات االقتصادية برمته قيد املراجعة‪ ،‬وأن إدارت��ه تدرس تعليق نحو ‪ 585‬مليون‬ ‫املقدمة ملصر وليد املوجة الثورية التي شهدتها مصر في نهاية دوالر منها إل��ى أن يتم إج��راء مراجعة أوس��ع ملجمل السياسة‬ ‫يونيو املاضي وما تالها من تداعيات في الثالث من الشهر الذي األميركية حيال القاهرة‪.‬‬ ‫تاله‪ ،‬وإنما يعود إلى عام ‪ ،1948‬حيث بدأت تثار التساؤالت داخل‬ ‫أروقة السياسة األميركية حول جدوى استمرار تلك املساعدات‪ .‬وبعد جدل حامي الوطيس دارت رحاه داخل أروقة صنع السياسة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


ASHARQ AL - AWSAT The Leading International Newspaper

‫ﺟﺮﻳــﺪة اﻟﻌــﺮب اﻟﺪوﻟﻴــﺔ‬

editorial@asharqalawsat.com

www.aawsat.com

Design: Qussay Al-Issa

‫معك أينما تكون‬

http://www.aawsat.com

‫للحصول على‬ :‫املعلومات املفصلة‬ http://kaywa.me/1clMh


‫قصة الغالف‬

‫تختلف املشكلة ف��ي وادي ال�ن�ي��ل‪ ،‬حيث ب��دأت ه��ذه الجماعات‬ ‫اإلرهابية‪ ،‬التي ربما تحصل على مساعدة من أعضاء متعاطفني‬ ‫معها داخل جماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬في حملة تبدو شبيهة على‬ ‫نحو مخيف بإرهاب فترة التسعينات الذي شهدته مصر‪ .‬في تلك‬ ‫الفترة‪ ،‬كانت الجماعة اإلسالمية تستهدف السياح واملسيحيني‬ ‫والشرطة املصرية في داخل األراضي املصرية‪ .‬وحاليا في ظل‬ ‫غياب السياح‪ ،‬تركز الهجمات على قوات األمن ومؤسسات الدولة‪.‬‬ ‫كما وقعت ع��دة ح��وادث انفجار لسيارات مفخخة في مناطق‬ ‫متعددة في مصر‪.‬‬ ‫في سبتمبر املاضي‪ ،‬نجا وزير الداخلية من محاولة اغتيال في‬ ‫العاصمة‪ .‬وفي لقاءات‪ ،‬أع��رب بعض أعضاء اإلخ��وان املسلمني‬ ‫عن أملهم – إن لم يكن طموحهم – في قتل السيسي انتقاما من‬ ‫االنقالب واحداث ميدان رابعة‪.‬‬

‫تحديات مصرية‬

‫عنصر من جماعة اإلخوان يرفع‬ ‫علم مصر في ميدان رابعة العدوية‬

‫‪,,‬‬

‫مصر ليست‬ ‫في موقف‬ ‫يسمح لها‬ ‫بالتفاوض‬ ‫مع إثيوبيا‬ ‫ورواندا‬ ‫بشأن‬ ‫حصتها في‬ ‫مياه النيل‬

‫‪,,‬‬

‫‪30‬‬

‫سوف يكون الرئيس املنتخب منشغال تماما‪،‬حيث يشكل األمن‬ ‫واالقتصاد على وجه الخصوص تحديا مستمرا للدولة‪ .‬ولكن‬ ‫يضاعف املجتمع امل�ص��ري ال��ذي يعاني م��ن االستقطاب وقلة‬ ‫الصبر من تعقيد تلك املشكالت‪ .‬من الصعب التوقع بأن تصعد‬ ‫الدولة في أي وق��ت قريب كقوى إقليمية‪ ،‬نظرا لتلك التحديات‬ ‫التي تواجهها‪ .‬وم��ن املؤكد أن مصر تدين بكثير من الفضل‬ ‫لحلفائها في الخليج‪ ،‬ملا قدموا من دعم مالي مهم في فترة ما‬ ‫بعد مرسي‪ .‬ولكن مصر اآلن ليست في موقف يسمح لها حتى‬ ‫بالتفاوض مع إثيوبيا ورواندا بشأن حصتها في مياه النيل –‬ ‫وف��ي م��واج�ه��ة ت�ه��دي��د ال�ج�ه��ادي�ين‪ ،‬تستخدم م�ص��ر مدرعاتها ناهيك بتهديدهما‪.‬‬ ‫وط��ائ��رات األباتشي في سيناء‪ .‬ولكن ليس من الواضح ما إذا‬ ‫كانت تلك األدوات كافية إلخماد قوتهم‪ .‬وعلى الرغم من الثناء أحد التحديات األخرى التي ستواجه القاهرة هي عالقاتها مع‬ ‫الذي يلقاه الجيش على جهود املكافحة في سيناء‪ ،‬فإن تكتيكاته واشنطن‪ .‬في حني يمنع القانون إدارة أوباما من تقديم مساعدات‬ ‫في سيناء تواجه انتقادات‪ .‬يوجد على وجه التحديد مخاوف في عسكرية للدول التي أط��اح فيها الجيش بالحكومات املنتخبة‬ ‫واشنطن من أن نشر صواريخ هيلفاير املضادة للدبابات والتي بطريقة ديمقراطية‪ ،‬إال أن إدارة أوباما لم تصف اإلج��راء الذي‬ ‫تطلق بواسطة مروحيات في املناطق ذات الكثافة السكانية العالية اتخذه الجيش في الثالث من يوليو (تموز) لعزل مرسي بأنه‬ ‫سوف تؤدي إلى نشر تأييد تنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫«انقالب»‪ .‬ولكنها أوقفت تسليم بعض أنظمة السالح – أبرزها‬ ‫عشر طائرات أباتشي هجومية‪ ،‬مما تسبب في توتر في العالقات‬ ‫وحتى الوقت الحالي‪ ،‬يتعرض الصحافيون املصريون للمنع من الثنائية‪.‬‬ ‫تغطية األض��رار الناجمة عن العمليات في سيناء‪ .‬وباإلضافة‬ ‫إل��ى تلك امل�خ��اوف ح��ول ح��ري��ة الصحافة‪ ،‬وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أنه ولكن تراجعت اإلدارة األميركية ووافقت على تسليم الطائرات‬ ‫من السابق ألوان��ه الحكم على حملة الجيش املصري الحديثة العشر‪ ،‬والتي سمح بها بموجب بند مكافحة اإلرهاب‪ .‬ولكم بعد‬ ‫في سيناء ‪،‬يثير نقص املعلومات شائعات بأن أعداد الضحايا أن أصدرت إحدى املحاكم املصرية حكما باإلعدام على عدد كبير‬ ‫املدنيني مرتفعة ‪ ،‬وتشير مقاطع الفيديو على موقع «يوتيوب» من أعضاء جماعة اإلخوان املسلمني ّ‬ ‫جمد الكونغرس املساعدات‬ ‫عن املنطقة إلى أن حجم الخسائر التي لحقت باملنازل والبنية العسكرية املقدمة إلى الدولة‪ .‬ويهدد هذا التطور بزيادة التوترات‬ ‫التحتية كبير‪.‬‬ ‫في العالقات الثنائية املصرية األميركية تحديدا في فترة انتقالية‬ ‫شديدة الحساسية‪.‬‬ ‫تمثل سيناء تحديا أم��ام ال�ق��اه��رة‪ ،‬حتى عندما ك��ان جهاز‬ ‫امل �خ��اب��رات ال�ع��ام��ة امل �ص��ري ال��ذي رك��ز ج �ه��وده على مكافحة س��وف تشهد ال�ش�ه��ور املقبلة ف�ت��رة ح��رج��ة ف��ي م�ص��ر‪،‬ف��ي ظل‬ ‫اإلرهاب يتولى مسؤولية شبه الجزيرة‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬فيما اإلرهاب املستمر والتهديد الذي تمثله جماعة اإلخوان املسلمني‪،‬‬ ‫بني عامي ‪ 2004‬و‪ ،2006‬نفذ إرهابيون مجموعة من الهجمات والذي يعتبره الجيش تهديدا وجوديا‪ .‬وإذا لم يحقق السيسي‬ ‫الخطيرة التي أسفرت عن مقتل أكثر من ‪ 100‬أجنبي ومصري‪ .‬نموا وفرصا اقتصادية للجماهير‪ ،‬فربما ينفد صبر العامة‪ .‬وإذا‬ ‫عادت الثورة الشعبية‪ ،‬فقد يصبح الجيش املصري في موقف‬ ‫ال��درس املستفاد من سيناء وال�ع��راق والضفة الغربية هو أن مزعج‪ ،‬إما بدعم السيسي‪ ،‬أو كما حدث في عام ‪ ،2011‬أي أن‬ ‫نجاح سياسات مكافحة اإلرهاب ال يتطلب فقط القيام بعمليات يقف إلى جانب الشعب <‬ ‫عسكرية نشيطة‪ ،‬بل وأيضا وجودا استخباراتيا‪ /‬أمنيا طويل‬ ‫األجل‪ ،‬وأحيانا التزاما حقيقيا بتحقيق النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫* مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫أن تعيد القاهرة تنشيط اقتصادها‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬سوف‬ ‫تحتاج مصر أن تصل بمعدل نمو الناتج املحلي اإلجمالي إلى ‪7.5‬‬ ‫في املائة سنويا فقط من أجل الحفاظ على ثبات معدل البطالة‪،‬‬ ‫الذي يقدر بـ‪ 30‬في املائة‪ .‬في عام ‪ ،2013‬كان معدل النمو أقل‬ ‫من اثنني في املائة‪ ،‬مما يعني أن أكثر من نصف مليون مصري‬ ‫يدخلون سوق العمل سوف ينضمون إلى صفوف البطالة‪ .‬جدير‬ ‫بالذكر أن��ه ف��ي أث��ن��اء األع���وام السبعة األخ��ي��رة ف��ي عهد مبارك‪،‬‬ ‫حققت مصر معدل نمو وصل إلى ‪ 7.5‬في املائة‪ ،‬وإن كانت آثاره‬ ‫لم تعد بالنفع على الفقراء‪.‬‬ ‫بالنسبة للسيسي‪ ،‬يعني تحسني االق��ت��ص��اد أن يتولى مهمة‬ ‫صعبة بتنفيذ اإلصالح االقتصادي‪ ،‬وال سيما رفع الدعم الشعبي‬ ‫على الطاقة‪ ،‬وترشيد الدعم على الغذاء‪ .‬تبلغ نسبة الدعم نحو ‪25‬‬ ‫في املائة من ميزانية الدولة‪ .‬وفي حني من املمكن ترشيد الدعم‬ ‫على الطاقة – عن طريق نظام «الكروت الذكية» – فإنه من غير‬ ‫املرجح تنفيذه على الدعم الغذائي‪ .‬بيد أن القضية األكثر إلحاحا‬ ‫والتي ليس من املحتمل أن يتطرق إليها السيسي‪ ،‬هي املصالح‬ ‫االقتصادية للقوات املسلحة املصرية‪ .‬من املعتقد أن الجيش‬ ‫املصري يسيطر على ‪ 30‬في املائة تقريبا من االقتصاد املصري‪،‬‬ ‫وهي نسبة إن لم يجر املساس بها فسيكون من الصعب حل‬ ‫مشكلة االقتصاد املتهاوي‪.‬‬

‫في سيناء التي عانت طويال من اإله��م��ال‪ .‬قبل ال��ث��ورة‪ ،‬كان‬ ‫جهاز املخابرات هو املسؤول األول عن األمن في شبه الجزيرة‪،‬‬ ‫ولكن أثناء الثورة انكمش حجم الجهاز وضعفت الثقة به‪،‬‬ ‫ول��م يعد م��ن املمكن أن يقوم بمهامه ه��ن��اك‪ .‬بعد ذل��ك‪ ،‬أطلق‬ ‫مرسي سراح سجناء إرهابيني إسالميني قدامى من السجون‬ ‫املصرية‪ ،‬ولم يبد اهتماما بالتطورات املثيرة للقلق املتزايد في‬ ‫أراضي سيناء‪ .‬أبرزت سلسلة من الحوادث اإلرهابية‪ ،‬وخاصة‬ ‫الهجوم عبر الحدود إلى إسرائيل في سبتمبر (أيلول) ‪،2012‬‬ ‫وخطف ستة جنود مصريني في مايو (أيار)‪ ،‬وقتل ‪ 25‬مجندا‬ ‫مصريا في سيناء في أغسطس (آب) ع��ام ‪ ،2013‬خطورة‬ ‫تلك التهديدات‪.‬‬

‫أخطر ما يشكل تهديدا في سيناء اليوم هما جماعتا أنصار بيت‬ ‫املقدس ومجلس شورى املجاهدين في أكناف بيت املقدس‪ ،‬اللتان‬ ‫ترتبطان بصالت مع غزة ووادي النيل‪ .‬بدأت هاتان الجماعتان‪،‬‬ ‫بمساعدة ما يقدر بثالثة إلى أربعة آالف مقاتل بدوي وأجنبي‪،‬‬ ‫في شن سلسلة عمليات في سيناء وعبر قناة السويس مما‬ ‫أسفر عن مقتل عشرات من الجنود املصريني ومسؤولي األمن‪،‬‬ ‫واستهدفتا من وقت آلخر مراقبي القوات متعددة الجنسيات‬ ‫الذين ينفذون معاهدة السالم بني مصر وإسرائيل‪ .‬على املدى‬ ‫البعيد‪ ،‬يهدد هذا االتجاه املتنامي بتحويل املجتمع البدوي في‬ ‫سيناء‪ ،‬فتنتقل االن��ت��م��اءات القبلية التاريخية م��ن القبيلة إلى‬ ‫برنامج «التقشف» الذي يدافع عنه السيسي‪ ،‬لن يكون كافيا على السلفية الجهادية‪.‬‬ ‫األرج��ح نظرا للحرمان املستمر في السنوات الثالث املاضية‪.‬‬ ‫شعبيا‪،‬‬ ‫حتى وإن اتخذ السيسي خطوات جريئة غير مقبولة‬ ‫من جانبه‪ ،‬يعمل الجيش املصري على ملء الفراغ األمني الذي‬ ‫يتحسن‬ ‫سيظل تحقيق النمو االقتصادي بعيد امل��ن��ال‪ ،‬إن لم‬ ‫خلفه جهاز املخابرات في سيناء عن طريق انتشار موسع للقوات‬ ‫الوضع األمني‪.‬‬ ‫في املنطقة وإقامة مزيد من التعاون مع إسرائيل‪ .‬وفي الواقع‪،‬‬ ‫يتسم التعاون العسكري املصري اإلسرائيلي في سيناء حاليا‬ ‫بنشاط أكبر من أي وقت مضى‪ .‬وقد وافقت إسرائيل على نشر‬ ‫تهديد إرهابي مستمر‬ ‫قوات الجيش املصري في مناطق في سيناء لم يكن مسموحا‬ ‫على مدار األعوام الثالثة املاضية‪ ،‬تدهورت األوضاع األمنية بها منذ توقيع معاهدة السالم‪.‬‬

‫أطفال مصريون يحملون العلم‬ ‫الوطني حول القصر الرئاسي‬

‫‪,,‬‬

‫الجيش‬ ‫املصري‬ ‫يسيطر على‬ ‫‪ 30‬في املائة‬ ‫تقريبا من‬ ‫االقتصاد‬ ‫املصري‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪29‬‬


‫قصة الغالف‬

‫بعد مرور أكثر من ثالثة أعوام على الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس املصري حسني مبارك الذي مكث‬ ‫في الحكم لفترة طويلة‪ ،‬عادت مصر إلى حيث بدأت‪ .‬وفي ظل تأييد شعبي كاسح‪ ،‬انتهى حكم الرئيس املنتمي‬ ‫لجماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬الذي استمر ملدة عام كارثي‪ ،‬وها هي مصر تختار القائد العام السابق للقوات‬ ‫املسلحة عبد الفتاح السيسي رئيسا لها‪.‬‬

‫تحديات مصر والسيسي‪ :‬الوضع األمني واالقتصادي وحراك شباب امليادين‬

‫مصر اجلديدة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ديفيد شينكر *‬

‫‪,,‬‬

‫إذا لم‬ ‫يتحسن‬ ‫وضع‬ ‫االقتصاد‬ ‫واألمن في‬ ‫غضون‬ ‫عام أو ما‬ ‫شابه ربما‬ ‫يفرغ صبر‬ ‫املصريني‬

‫‪,,‬‬

‫يبدو أن معظم املصريني يرون في السيسي أفضل ما‬ ‫ترجوه مصر للخروج من أعوام االضطرابات في مرحلة‬ ‫ما بعد مبارك‪ ،‬يواجه الرئيس املنتخب ملصر سلسلة من‬ ‫التحديات التي سوف يكون من الصعب التغلب عليها‪ .‬يشهد‬ ‫االقتصاد منذ عام ‪ ،2011‬تدهورا كبيرا‪ ،‬وأصبح لتنظيم القاعدة‬ ‫موطئا في سيناء يهدد باالمتداد إلى وادي النيل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أظهر استطالع للرأي أجري أثناء فترة الثورة في فبراير (شباط)‬ ‫ع��ام ‪ 2011‬أن نحو ‪ 70‬في املائة من املصريني الذين تظاهروا‬ ‫ضد مبارك كانت لديهم أسباب اقتصادية‪ .‬وفي األعوام التالية‪،‬‬ ‫حصل املصريون على ح��ري��ات غير مسبوقة‪ ،‬وأص�ب��ح لديهم‬ ‫نوع من ثقافة االحتجاج التي سيكون من الصعب احتواؤها‪.‬‬ ‫ومع اجتماع كل هذه العوامل‪ ،‬سيكون من الصعب على الرئيس‬ ‫املنتخب أن يحقق االستقرار في مصر‪ .‬وحتى في ظل التأييد‬ ‫الشعبي الواسع ورغبة املجتمع في العودة إلى الحياة الطبيعية‪،‬‬ ‫لن يكون أمام السيسي فترة زمنية مفتوحة إلحداث التغييرات‪.‬‬ ‫إذا ل��م يتحسن وض��ع االق�ت�ص��اد – واألم��ن – ف��ي غضون عام‬ ‫أو ما شابه‪ ،‬ربما يفرغ صبر املصريني‪ .‬وما تخشاه واشنطن‬ ‫– وأصدقاء مصر في الخليج – أن غياب التغيير امللموس قد‬ ‫يؤدي إلى مواجهة مصر لثورة أخرى‪ .‬ولكن في هذه املرة يمكن‬ ‫أن تكون ثورة الجياع‪.‬‬

‫تحديات اقتصادية‬ ‫في مصر‪ ،‬كان الواضح منذ فترة طويلة أن نحو ‪ 40‬في املائة من‬ ‫أف��راد املجتمع يعيشون على دخل يقل عن دوالري��ن في اليوم‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من عدم توفر أرقام موثوق بها‪ ،‬فإن هناك اعتقادا‬ ‫واسعا بأنه منذ عام ‪ ،2011‬ارتفعت نسبة الفقراء بدرجة كبيرة‪.‬‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬انكمشت قدرة الدولة – وجماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫– على توفير شبكة أمان‪ .‬وأصبحت األعمدة الثالثة التي يقوم‬ ‫عليها االقتصاد املصري تحت ضغوط متزايدة‪.‬‬ ‫ك��ان��ت الضحية األول ��ى ه��ي االس �ت�ث�م��ارات األج�ن�ب�ي��ة امل�ب��اش��رة‪.‬‬ ‫أصابت االحتجاجات املستمرة والعنف املنتشر في جميع أنحاء‬ ‫مصر املستثمرين بالقلق‪ ،‬مما أدى إلى تجفيف االستثمارات‬ ‫األجنبية املباشرة التي كانت في السابق أح��د أعمدة اقتصاد‬ ‫ال��دول��ة‪ .‬ول��م ينخفض حجم االستثمارات فقط‪ ،‬بل وأيضا في‬

‫‪28‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫عام ‪ 2013‬هاجرت استثمارات بقيمة أكبر من ثالثة مليارات‬ ‫دوالر من البالد‪.‬‬ ‫أم��ا ال�ع�م��ود ال�ث��ان��ي ل�لاق�ت�ص��اد امل �ص��ري‪ ،‬ال�س�ي��اح��ة ال�ت��ي كانت‬ ‫تمثل نسبة ت�ت��راوح من ‪ 15-10‬في املائة من إجمالي النشاط‬ ‫االقتصادي‪ ،‬فتشهد انهيارا‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬انخفضت نسبة‬ ‫اإلشغاالت في شرم الشيخ املقصد السياحي في جنوب سيناء‬ ‫إلى ‪ 36‬في املائة‪ .‬وفي الجهة املقابلة من القناة في محافظة البحر‬ ‫األح�م��ر‪ ،‬أغلقت ثلث الفنادق التي ك��ان عددها يصل إل��ى ‪250‬‬ ‫فندقا أبوابها‪ .‬ومع غياب أعداد كبيرة من الصحافيني‪ ،‬يغيب عن‬ ‫القاهرة أيضا األجانب الذين ينفقون األموال‪ .‬وحتى قبل اندالع‬ ‫أحداث العنف الكبرى في أغسطس (آب) عام ‪ 2013‬في مصر‪،‬‬ ‫كان البنك الدولي قد وضع مصر في املرتبة رقم ‪ – 140‬وهي‬ ‫األخيرة في العالم‪ ،‬بعد باكستان واليمن – فيما يتعلق بسالمة‬ ‫السياح‪ .‬وي��زداد الوضع تدهورا حيث ب��دأت جماعات إسالمية‬ ‫إرهابية في شن هجمات بسيارات مفخخة في القاهرة‪.‬‬ ‫وي�ت�ع��رض ال�ع�م��ود ال�ث��ال��ث ل�لاق�ت�ص��اد امل�م�ث��ل ف��ي إي� ��رادات قناة‬ ‫السويس‪ ،‬التي تصل إلى خمسة مليارات دوالر سنويا‪ ،‬للخطر‬ ‫أيضا‪ .‬في عام ‪ ،2012‬مرت أكثر من ‪ 17‬ألف سفينة عبر القناة‪.‬‬ ‫ولكن مؤخرا‪ ،‬قل عدد السفن التي تعبر املمر املالحي‪ ،‬مما أدى‬ ‫إلى انخفاض اإليرادات‪ ،‬وهو االتجاه الذي دفع السلطات املصرية‬ ‫ف��ي ع��ام ‪ 2013‬إل��ى رف��ع ال��رس��وم‪ .‬وف��ي تطور مثير للقلق‪ ،‬في‬ ‫أغسطس (آب) ع��ام ‪ ،2013‬أطلق شخصان مسلحان قذائف‬ ‫صاروخية على سفينة صينية أثناء عبورها قناة السويس‪.‬‬ ‫وأعلنت جماعة تابعة لـ «القاعدة»‪ ،‬تطلق على نفسها اسم كتائب‬ ‫الفرقان‪ ،‬مسؤوليتها عن الحادث‪ ،‬ونشرت مقطع فيديو للعملية‬ ‫عبر م��وق��ع «ي��وت�ي��وب»‪ .‬وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ع��دم إص��اب��ة السفينة‬ ‫بأضرار كبيرة‪ ،‬فإن الجماعة تعهدت باالستمرار في مهاجمة‬ ‫السفن املارة عبر القناة‪.‬إذا استمر املسلحون‪ ،‬فسوف ينجحون‬ ‫عاجال أم آجال في إلحاق أضرار أو تعطيل أو إغراق إحدى السفن‬ ‫املارة‪ ،‬وهو التطور الذي قد يسفر عن تداعيات كارثية على مصر‬ ‫والتجارة الدولية‪.‬‬ ‫وفي ظل العجز الكبير في املوازنة‪ ،‬وهو الدين الذي أورد البنك‬ ‫الدولي وصوله في عام ‪ 2013‬إلى ‪ 100‬في املائة من الناتج املحلي‬ ‫اإلجمالي‪ ،‬وندرة موارد الطاقة‪ ،‬واالعتماد على املساعدات املالية‬ ‫القادمة من الخليج‪ ،‬سوف يكون من الصعب على أفضل تقدير‬


‫حسني‪ .‬لكن األهم هنا أن الشيوع الواسع ملفهوم األمة العربية منح مصر‬ ‫ّ‬ ‫مكانة خاصة‪ ،‬ومكـنها من لعب دور ربما لم ينافسها فيه شعب عربي آخر‪.‬‬ ‫لكن م��ش��روع بناء «األم���ة ال��ج��دي��دة» ك��ان ف��ي مواجهة شبه دائ��م��ة تفاوتت‬ ‫حدتها‪ ،‬م��ع مفهوم آخ��ر‪ ،‬ه��و مفهوم «إح��ي��اء األم���ة»‪ ،‬ال��ذي تبناه الخطاب‬ ‫اإلسالمي طوال القرنني املاضيني تقريبا‪ ،‬دون االنتباه إلى حقائق شديدة‬ ‫األهمية؛ أولها أن تأسيس هذه األمة املراد إحياؤها جرى في شروط تاريخية‬ ‫وجغرافية مغايرة تماما‪ ،‬وثانيها أن «وثيقة املدينة» التي كانت شهادة ميالد‬ ‫هذه األمة قامت على التراضي على اإلمالء وليس القسر‪ ،‬وثالثها أن هذه‬ ‫الوثيقة املؤسـسة استندت إلى حقائق موضوعية ال االكتفاء بقناعة طرف‬ ‫من أطراف التعاقد بأن مصدر املفهوم مقدس!‬ ‫وفي هذه القناعة ما يستحق املراجعة العميقة!‬ ‫وب��اإلض��اف��ة إل��ى حقيقة أن ه��ذه الوثيقة تعاقد مدني طوعي وليس فعال‬ ‫يجر تجديده ب��أي صيغة‬ ‫مقدسا‪ ،‬ف��إن إغ��ف��ال حقيقة أن ه��ذا التعاقد ل��م ِ‬ ‫منذ سقوط الخالفة العثمانية‪ ،‬والقفز على حقيقة أن االجتماع السياسي‬ ‫اختلفت أسسه جذريا بعد هذا املنعطف أحد أوجه الخلل الكبيرة في خطاب‬ ‫«إحياء األمة»‪.‬‬

‫اإلحياء واالكتشاف‬ ‫ومن األمور الالفتة في واقع ما بعد الثورة‪ ،‬أن مسارا فرعيا جديدا طرأ بني‬ ‫املسارين الكبيرين يسعى أصحابه لطرح رؤية ثالثة للمفهوم يقوم على‬ ‫االكتشاف ال البناء واإلحياء‪ .‬وأعني بذلك ظاهرة ليبرالية جديدة كشفت‬ ‫عنها السنوات األخيرة وما زال حجمها أصغر من أن يحول الصراع إلى‬ ‫صراع ثالثي األطراف‪ .‬والالعب الجديد الذي لم يتبلور خطابه بعد يرفض‬ ‫منطقي «البناء» و«اإلحياء» ويدعو إلى نوع من االكتشاف نذهب فيه إلى‬ ‫التأسيس دون أجوبة جاهزة ال دينية وال تنويرية‪ ،‬ويلخص هذا املوقف‬ ‫رفضا لفكرة األمة في مجاليها؛ األوس��ع (اإلسالمي) والواسع (العربي)‪،‬‬ ‫ويرون ضرورة بناء الدولة األمة انطالقا من ضدين؛ املصرية وهي دائرة‬ ‫ضيقة قياسا بسابقتيها‪ ،‬والعالم وهو دائرة أوسع منهما!‬ ‫واكتشاف األمة يبدو أقرب ‪ -‬نوعا ما ‪ -‬إلى اإلجابة األنجلو ‪ -‬سكسونية‬ ‫على سؤال‪ :‬ما األمة؟ ففي هذه اإلجابة تتراجع مرتكزات مثل‪ :‬الدين والعـرق‬ ‫واللغة‪ ،‬لحساب منظومة قيم ذات أف��ق إنساني تؤسس لتعددية شاملة‪.‬‬ ‫وبينما يغترف دعاة اإلحياء من نهر التراث الديني الفياض ويغترف دعاة‬ ‫البناء من بحر التراث الفكري الغربي الكالسيكي (الفرنسي في املقام األول)‬ ‫يجتهد دعاة االكتشاف لتحويل القليل من األدبيات الحديثة لثقافة حقوق‬ ‫اإلنسان ومواثيقها ومشاريع العوملة‪ ،‬التي ما زال��ت هي نفسها في طور وضبط العالقة املضطربة ‪ -‬نظريا ‪ -‬بني الدولة واملجتمع في مصر‪ ،‬وقد‬ ‫التشكل‪ ،‬لبناء إطار فضفاض ال تشكل الدائرتان اإلسالمية والعربية إال أشرت إليها سلفا‪ ،‬قد تكون بداية بناء الجسور بني املسارات الثالثة‪ :‬البناء‪،‬‬ ‫تعبيرا عن حنني عام مكانه عالم الوجدان ال عالم السياسة‪.‬‬ ‫االكتشاف‪ ،‬اإلحياء‪ ،‬بحيث يتبلور مشترك عام ليس من الصعب إنجازه‪،‬‬ ‫يستهدف في املقام األول طي صفحة الدولة التي تصنع مجتمعها‪ ،‬لتفتح‬ ‫صفحة الدولة التي تترجم من خالل البنية والسلوك حقيقة ما هو قائم‬ ‫غواية التنظير في الفراغ‬ ‫بالفعل في مجتمعها‪ .‬وعندئذ ستكون «الدولة ‪ -‬األمة» للمرة األولى في تاريخ‬ ‫وإحدى اآلفات الكبيرة للسجال (القائم على التنافي) بني املفاهيم املشار مصر الحديث ثمرة التفاعل االجتماعي الحقيقي‪ ،‬ال ثمرة أي نوع فوقي من‬ ‫إليها لألمة أنها مغرقة في التنظير في الفراغ‪ ،‬فال مفهوم «األمة اإلسالمية» الهندسة املفروضة من أعلى‪.‬‬ ‫تسانده الوقائع القانونية والسياسية والثقافية التي تجعله خيارا للمستقبل‬ ‫بذور‬ ‫املنظور‪ ،‬وال «األم��ة العربية» كمفهوم يتجاوز ح��دود الدولة ويحمل‬ ‫والفرض من أعلى إحدى النتائج التي تترتب حتما على التنظير في الفراغ‬ ‫هذا‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫العدوان على سيادتها (بشكل مضمر أو ظاهر) يملك أسباب‬ ‫سواء كانت نقطة انطالق هذا التنظير دينية أو قومية‪ ،‬أو حتى وطنية‪.‬‬ ‫إلى‬ ‫تمت‬ ‫ال‬ ‫سكانية‬ ‫فضال عن أن النطاق الجغرافي للمفهوم يضم مجموعات‬ ‫والذي ال شك فيه عندي أن الحب السوي لألوطان‪ ،‬وكذلك االقتداء الحقيقي‬ ‫ّ‬ ‫الزنوج‬ ‫أو‬ ‫البلوش‬ ‫أو‬ ‫العروبة بصلة‪ ،‬سواء أشرنا هنا إلى األكراد أو األمازيغ‬ ‫بسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في تأسيس االجتماع السياسي‪،‬‬ ‫النظري‬ ‫والنقاش‬ ‫أصغر‪.‬‬ ‫أو معظم النوبيني‪ ،‬باإلضافة إلى أقليات أخ��رى‬ ‫واالستيعاب الحقيقي لسنن السابقني (وهو مما دعا إليه القرآن الكريم‬ ‫على‬ ‫بينهما‬ ‫العالقة‬ ‫قيام‬ ‫وإمكان‬ ‫هنا حول دور األغلبية في حماية األقلية‪،‬‬ ‫مرارا) يوجب على األطراف كافة (أنصار بناء الدولة األمة وأنصار اكتشاف‬ ‫ذاك‪.‬‬ ‫أو‬ ‫البلد‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫التعايش‪ ،‬تكذبه تجارب تاريخية قريبة‬ ‫الدولة وأنصار إحياء الدولة األمة) أن يدركوا الواقع‪ ،‬كما هو ال كما يتمنى‬ ‫بكثير‬ ‫وضوحا‬ ‫أكثر‬ ‫التاريخية‬ ‫حدوده‬ ‫و«األمة» في واقع مصر اآلن مفهوم‬ ‫أي منهم‪ ،‬فالتفكير بالتمني فخ لألفراد‪ ..‬ولألمم كذلك! <‬ ‫من حدوده الفكرية النظرية‪ ،‬وهذا مما يمكن البناء عليه‪ ،‬إذا شكلت اللحظة‬ ‫الراهنة لحظة التقاط أنفاس بني كل األطراف‪ .‬والتنافي الذي يصر البعض‬ ‫على االحتكام إليه ليس الخيار الوحيد في العالقة بني مفاهيم األمة املشار‬ ‫إليها‪ ،‬ومصر املتصالحة مع ذاتها ليست حلما بعيد املنال‪ ،‬شريطة أن تصبح‬ ‫«الدولة ‪ -‬األمة» دولة مواطنيها‪ ،‬ال دولة هذا التصور املسبق املعلب أيا كان‪.‬‬

‫أحد املتظاهرين املصريني‬ ‫يحمل خريطة قديمة لفلسطني خالل‬ ‫مسيرة تطالب مصر بالتدخل القامة دولة‬ ‫فلسطينة عاصمتها القدس‬

‫‪,,‬‬

‫مشروع بناء‬ ‫«األمة الجديدة»‬ ‫كان في مواجهة‬ ‫شبه دائمة مع‬ ‫مفهوم «إحياء‬ ‫األمة» الذي‬ ‫تبناه الخطاب‬ ‫اإلسالمي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪27‬‬


‫قصة الغالف‬

‫تشكل الثورات دائما لحظة انقطاع بقدر ما‪ ،‬وبالتالي لحظة إعادة تأسيس‪ .‬وليست إعادة التأسيس دائما‬ ‫طريقا إلى هدم القائم‪ ،‬فقد تكون العالقات بني األشياء هي ما يبني ما بعد االنقطاع‪ ،‬وليس التخلص منها‪.‬‬ ‫ومن الحقائق التي تؤكدها صراعات الرؤى التي شهدها العالم خالل العصر الحديث أن النسبة األكبر من‬ ‫«املفاهيم املؤسسة» (وبالتالي الـمـنـظمة) لالجتماع اإلنساني‪ ،‬هي محل خالف يبدأ من التعريف ويمتد إلى‬ ‫املمارسة‪ ،‬ونعني بذلك مفاهيم مثل الثقافة‪ ،‬النظام‪ ،‬الدولة‪ ،‬الشرعية‪ ..‬وقطعا «األمة»‪.‬‬

‫«األمة» بني إحياء واكتشاف وبناء‬

‫حدود وطن‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ممدوح الشيخ‬

‫‪,,‬‬

‫من املحاوالت‬ ‫الشائع‬ ‫استدعاؤها‬ ‫لبناء حدود‬ ‫(تبدو واضحة)‬ ‫ملفهوم األمة‬ ‫التفرقة عند‬ ‫البعض بني‬ ‫مفهومي‬ ‫«األمة»‬ ‫و«الشعب»‬

‫‪,,‬‬

‫‪26‬‬

‫من امل��ح��اوالت الشائع استدعاؤها لبناء ح��دود (تبدو واضحة)‬ ‫ملفهوم األمة التفرقة عند البعض بني مفهومي «األمة» و«الشعب»‪،‬‬ ‫حيث يشير املفهوم األول إل��ى حقيقة ثقافية ف��ي امل��ق��ام األول‪،‬‬ ‫ويشير إلى جماعة تربطها مشتركات عامة واضحة‪ ،‬بينما املفهوم الثاني‬ ‫يشير إل��ى جماعة سياسية ف��ي امل��ق��ام األول تربطها مصالح ه��ي أكثر‬ ‫وضوحا من املشتركات العامة‪ .‬وعلى امتداد التاريخ الحديث حظي كل‬ ‫من اللغة والعرق باالهتمام األكبر بني كل املشتركات األخرى التي يمكن أن‬ ‫يبنى عليها «مفهوم األمة»‪.‬‬ ‫وكما هو شأن معظم املفاهيم املؤسـسة ال يشكل املعنى اللغوي للمفهوم إال‬ ‫جانبا واحدا من مبناه‪ ،‬حيث البحث اللغوي التقليدي رافد واحد للمفهوم‪ ،‬اإلحياء ال البناء‬ ‫وفي مثل هذه الحالة غالبا ما يغلب اللفظ «املعنى االصطالحي» الذي ينشأ‬ ‫كانت هذه العملية في الحقيقة عملية «بناء» لألمة الجديدة وفق شروط‬ ‫وينمو وتتحدد حدوده ومالمحه خارج أسوار معاجم اللغة!‬ ‫مسبقة انحاز إليها مؤسس الدولة الحديثة «محمد علي باشا» وخلفاؤه‪.‬‬ ‫على أن تاريخ اللفظ‪ ،‬أحيانا‪( ،‬خاصة في حالة مفهوم األمة) يشكل زاوية وقد كانت هذه الشروط املسبقة مستقاة في املقام األول من تجربة االجتماع‬ ‫نظر ال يمكن تجاهلها وال طي صفحتها حتى لو توهم البعض ذلك‪ ،‬وبعض السياسي األوروبية خالل بناء األوروبيني نموذج «الدولة ‪ -‬األمة» تأسيسا‬ ‫التجارب التاريخية التي تتخذ معيارا تغري بتضخم هذا الوهم‪ .‬وفي الحالة على التحول املفصلي ال��ذي دشنته ال��ث��ورة الفرنسية‪ .‬وخ�لال حكم هذه‬ ‫املصرية ف��إن حقيقة مثل االستخدام القرآني لهذا اللفظ أح��د أه��م رواف��د الدولة شكلت الثقافة الفرنسية املعني الذي نهلت منه النخبة الجديدة حتى‬ ‫«املعنى»‪ ،‬وغني عن البيان هنا أن اللفظ ورد في القرآن الكريم أكثر من ‪ 40‬التخمة‪ ،‬وكانت العالقات الرسمية الوثيقة مع الدولة الفرنسية الوجه اآلخر‬ ‫مرة بمعان مختلفة‪ ،‬وأنه في تاريخ الثقافة اإلسالمية الطويل خضع لنوع من لهذه العملية‪ ،‬إذ لعبت العالقات معها حجر الزاوية في بناء الدولة حتى‬ ‫«إعادة التعريف» في كتابات ذات مناح متباينة؛ دعوية‪ ،‬تاريخية‪ ،‬وسياسية‪ .‬االحتالل البريطاني‪.‬‬ ‫وهذه العالقة بالتالي ال يجوز اختصارها في نقل التشريع الفرنسي‪ ،‬وال‬ ‫ومما يصعب تجاهله أيضا‪ ،‬في الحالة نفسها‪ ،‬أن املفهوم ولد مرة أخرى يليق تقزيمها لتصبح مجرد مالبسات تاريخية‪ ،‬ليس وراءها اختيار وال‬ ‫في حلة جديدة على يد «نخبة األفندية» التي ولدت في مصر في عهد خلفاء قرار!‬ ‫محمد علي ضمن مشروع «الدولة الحديثة» التي ال تزال في نظر كثيرين‬ ‫شكل التنظيم السياسي الذي قضى على «مفهوم األمة اإلسالمية»‪ ،‬حتى وفي النموذج الفرنسي املشار إليه كان «البناء» يستهدف في املقام األول‬ ‫قبل أن تسقط الخالفة‪ .‬ومن ناحية أخرى لعب «خطاب الحد األقصى» عند تحقيق االن��دم��اج ب�ين امل��ك��ون��ات الثقافية‪ ،‬بحيث ت��ك��ون الثمرة ب��ن��اء كيان‬ ‫بعض من نقلوا املفهوم األوروبي ارتكبوا خطيئة توهم أن «الدولة ‪ -‬األمة» سياسي جديد يتمايز عن الكيانات والجماعات املكونة له‪ .‬لكن األهم هنا‬ ‫التي يجري بناؤها ستكون نفيا لكل ما سبقها على طريقة «العام رقم أن الدولة هي َم ْن يعمل على توليد الشعور لدى أعضائها بكونها «مشتركا‬ ‫صفر» في تجربة الثورة الفرنسية!‬ ‫عاما» يقتضي الحفاظ على استمراريته بغية دوام املجتمع‪ .‬وهنا‪ ،‬أصبحت‬ ‫العالقة بني الدولة واملجتمع معكوسة‪ ،‬وتلك أحد أهم القضايا التي انتبه إليها‬ ‫ول���و ت��اب��ع ه���ؤالء م��ا ش��ه��دت��ه ف��رن��س��ا نفسها ف��ي ال��ذك��رى امل��ائ��ت�ين للثورة بعض من ساهموا في ثورات الربيع العربي‪ ،‬وحاولوا الدفع باتجاه تقوية‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وه��ي مسقط رأس الدولة ‪ -‬األم��ة في التقليد الغربي‪ ،‬الختلف املجتمع (وأيضا الفرد في مواجهة الدولة)‪.‬‬ ‫موقفهم وخطابهم‪ .‬فقد شهد االحتفال صدور أدبيات كثيرة تنتقد بحدة‬ ‫دور الدولة التي أنشأتها الثورة الفرنسية‪ ،‬وصوال إلى اتهامها بإبادة ما ومن ناحية املمارسة التاريخية الفعلية‪ ،‬تواكب مع هذا التحول في مصر‬ ‫يقارب ربع املليون من معارضيها‪ ،‬في منطقة فاندي شمال البالد لتحقق تحوالت مماثلة في العالم العربي جعلت مفهوم األمة يتحول ليصبح مفهوما‬ ‫التناغم الذي كانت شروطه معدة مسبقا‪ ،‬وألدركوا أن ما يبشر به بعضهم متمحورا حول العروبة‪ .‬وقد غلب على هذه التحوالت التمركز حول اللغة‬ ‫أو الثقافة‪ ،‬وفي حالة استثنائية كانت عرقية بشكل أحمق كتجربة صدام‬ ‫أصبح موضع إنكار واستنكار في مسقط رأسه!‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫وم��ن ثمار ه��ذا التباين في الفهم ‪ -‬خاصة عند املقارنة بني خطاب الحد‬ ‫األق��ص��ى ف��ي املعسكرين ‪ -‬بعض م��ا تشهده مصر م��ن ت��داف��ع��ات ك��ادت‬ ‫تصل إلى صراعات تهدد املستقبل‪ .‬وقد مرت مصر بفترة تمتد من عام‬ ‫‪ 1805‬إلى عام ‪ 1953‬تتحرك شيئا فشيئا نحو مفهوم جديد لـ«األمة»‪ ،‬إلى‬ ‫اإلعالن الرسمي القانوني عن ميالد «الجمهورية» كثمرة قانونية لتغيرات‬ ‫اجتماعية وثقافية واقتصادية جرت وقائعها في الحقبة املشار إليها‪ ،‬وهي‬ ‫فترة أرجح أنها «فترة انتقالية»‪ ،‬طويلة بمعايير السياسية‪ ،‬لكنها قصيرة‬ ‫جدا في عمر األمم!‬


‫املسيحيني في املظاهرات التي نظموها احتجاجا على هدم وحرق‬ ‫كنائس على ي��د سلفيني‪« :‬ب��ال�ط��ول وال �ع��رض‪ ..‬إح�ن��ا أصحاب‬ ‫األرض»‪ .‬أما السلفيون وأتباع «الجماعة اإلسالمية» والجهاديون‪،‬‬ ‫فقد قلبوا هتاف الثورة «الشعب يريد إسقاط النظام» عقب رحيل‬ ‫مبارك مباشرة إلى‪« :‬الشعب يريد تطبيق شرع الله»‪.‬‬ ‫وأتذكر في هذا املقام مجموعة من امللتحني كانوا يجوبون ميدان‬ ‫التحرير فاردين فوق رؤوسهم علما ضخما ملصر‪ ،‬وهم يهتفون‪:‬‬ ‫«ال شرقية وال غربية‪ ..‬مطلبنا هو الحرية»‪ ،‬ولم يكن هذا إال نوعا‬ ‫من التحايل والخوف‪ ،‬ألن مبارك وقتها كان ال يزال ينازع من أجل‬ ‫االحتفاظ بالسلطة‪ ،‬ومن ثم فجزء كبير من قدرته على تخويف‬ ‫ه��ؤالء كانت باقية‪ ،‬وم��ن هنا تخلى ه��ؤالء «تكتيكيا» ع��ن «ال‬ ‫شرقية وال غربية‪ ..‬إسالمية إسالمية» إلى رفع شعار «الحرية»‬ ‫املتساوق مع مبادئ ومطالب الثورة‪ ،‬ثم انقضوا عليه وعادوا إلى‬ ‫سيرتهم األولى‪ ،‬بعد أن زالت أسباب الخوف‪.‬‬ ‫تحت راعية «الشرعية»‬ ‫وبلغ األمر مداه مع االستفتاء على التعديالت الدستورية الذي‬ ‫ج��رى ف��ي ‪ 19‬م��ارس (آذار) ‪ ،2011‬وك��ان ب��داي��ة االف �ت��راق في‬ ‫الساحة السياسية والقوى الثورية أو تلك التي التحقت بالثورة‬ ‫بعدما ت��أك��دت م��ن نجاحها‪ .‬فانقسمت مصر إل��ى «مدنيني»‬ ‫يصفهم «اإلخ��وان» والسلفيون بأنهم «علمانيون»‪ ،‬ويتركون‬ ‫ملشايخهم مهمة تشويه هذا املصطلح بما ليس فيه‪ ،‬من دون‬ ‫ورع وال علم وال حياء‪ ،‬وإلى «إسالميني» حسبما يصفون هم‬ ‫أنفسهم‪ ،‬وإن كانت تدابيرهم وتصرفاتهم‪ ،‬بل أقوالهم‪ ،‬تتناقض‬ ‫أو تتعارض مع صحيح اإلسالم في مواضع ال حصر لها‪ ،‬وال‬ ‫داعي لذكرها هنا‪.‬‬

‫واإلمبراطوريات والحضارات‪ .‬وص��راع الحضارات هو املشهد‬ ‫األخير في استخدام الهوية ك��رأس حربة ضد «اآلخ��ر»‪ .‬وهذه‬ ‫حالة عامة ال سبيل لنكرانها‪.‬‬ ‫ف��إذا عدنا إل��ى حالتنا الخاصة التي نقصدها ف��ي ه��ذا املقام‪،‬‬ ‫يمكن أن نقول إنه مع تفشي البطالة في مصر وإصرار الكبار‬ ‫على ممارسة الوصاية على الشباب في نظام «أب��وي» جامد‪،‬‬ ‫ينشأ وسط صراع أجيال حاد‪ ،‬وانسداد األفق السياسي بفعل‬ ‫تسلطية الدولة وبطشها‪ ،‬واستشراء الفساد‪ ،‬وازدياد حجم الغنب‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وشيوع ثقافات تقليدية ودينية نازعة إلى الجمود‬ ‫والتشدد‪ ،‬واستفحال الشعور بالقهر والظلم والهوان حيال العالم‬ ‫الخارجي‪ ،‬يجد الشباب املصري نفسه مدفوعا إلى االنزالق إلى‬ ‫ارتكاب العنف بشتى صوره الرمزية واللفظية واملادية‪ ،‬وهي حالة‬ ‫ال شفاء منها دون انقضاء األسباب التي تؤدي إليها‪ ،‬ثم جاء‬ ‫الصراع حول الهوية ليزيد الطني بلة‪.‬‬ ‫لكن األس�ب��اب كلها كانت وراء العنف االجتماعي‪ ،‬أم��ا العنف‬ ‫السياسي ف��ي م�ص��ر‪ ،‬فيعزى إل��ى ص��راع ال�ه��وي��ات ب��األس��اس‪،‬‬ ‫الذي كان مكبوتا أيام حكم مبارك بفعل القوة األمنية ‪ ،‬ثم انفجر‬ ‫بعد رحيله بطريقة غير مسبوقة‪ ،‬فوجدنا مخاوف األقباط من‬ ‫تقدم «اإلخوان» والسلفيني في الحياة السياسية‪ ،‬وهتف بعض‬

‫ووس��ط ه��ذا الضجيج‪ ،‬ع��ادت أص��وات تتحدث ع��ن ال�خ��وف من‬ ‫اختطاف الهوية املصرية‪ ،‬التي ألفوها وتعايشوا معها‪ ،‬وكانوا‬ ‫يعنون بها طبائع املصريني وثقافتهم العميقة وطريقتهم الوسطية‬ ‫أو املعتدلة في فهم الدين وتطبيقه‪ ،‬التي جعلت اإلمام الشافعي‬ ‫نفسه يفتي ذات يوم في مصر بغير ما يفتي به في العراق على‬ ‫املسألة نفسها‪ .‬وزادت ه��ذه املخاوف مع اتجاه «اإلخ��وان» إلى‬ ‫التحالف مع التكفيريني والسلفيني الجهاديني‪ ،‬بعد عقود بدوا‬ ‫فيها كأنهم قد تماهوا مع مقتضيات الهوية املصرية أو تكيفوا مع‬ ‫طبائع وقيم وموروث املصريني‪ ،‬وهي مسألة كانت تعطيهم ميزة‬ ‫على تيارات العنف والجمود التي اتخذت من اإلسالم آيديولوجية‬ ‫لها أو زعمت أنها تحمل لواءه في الدعوة‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫العنف‬ ‫السياسي في‬ ‫مصر يعزى‬ ‫إلى صراع‬ ‫الهويات‬ ‫باألساس الذي‬ ‫كان مكبوتا‬ ‫أيام حكم‬ ‫مبارك بفعل‬ ‫القوة األمنية‬

‫‪,,‬‬

‫وفور سقوط حكم «اإلخوان» بعد ثورة ‪ 30‬يونيو‪ ،‬اشتد الصراع‬ ‫على السلطة ضراوة‪ ،‬وهو يلبس لبوس الهوية‪ ،‬فالذين وقفوا على‬ ‫منصة «رابعة» كانوا طيلة الوقت يصدرون خطاب الهوية رغم أنهم‬ ‫يعلمون بينهم وبني أنفسهم أن مقصدهم هو االحتفاظ بالسلطة‬ ‫واالستعداد للقتال من أجل هذا تحت راعية «شرعية» فقدوها قبل‬ ‫الثورة بكثير ألسباب كثيرة‪ .‬فخطاب الهوية هنا كان الهدف منه‬ ‫تجميع القوى «الدينية» للوقوف إلى جانب «اإلخوان» في معركتهم‬ ‫السياسية البحتة‪ .‬وفي مقابل هذا‪ ،‬استدعى معارضو «اإلخوان»‬ ‫خ�ط��اب ه��وي��ة آخ��ر ه��و ال��دف��اع ع��ن «خصوصية» األم��ة املصرية‬ ‫وتاريخها‪ ،‬وهي استدعاءات ال تزال قائمة حتى هذه اللحظة وال‬ ‫أعتقد أنها ستتوقف في املدى املنظور‪ ،‬ليستمر الكل‪ ،‬في سذاجة‬ ‫مفرطة‪ ،‬في التناحر من أجل تحديد هوية مصر‪ ،‬ولن يفعلوا في‬ ‫نهاية املطاف سوى مثلما فعل ذلك الذي أخذ وقتا طويال للتفكير‪،‬‬ ‫ثم عرف املاء باملاء<‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫الداعية السلفي‬ ‫ياسر برهامي‬

‫‪25‬‬


‫قصة الغالف‬

‫‪,,‬‬

‫االسالميون‬ ‫قلبوا هتاف‬ ‫ثورة يناير‬ ‫«الشعب يريد‬ ‫إسقاط النظام»‬ ‫عقب رحيل‬ ‫مبارك إلى‪:‬‬ ‫«الشعب يريد‬ ‫تطبيق شرع‬ ‫الله»‬

‫‪,,‬‬

‫اسامة نجل الرئيس‬ ‫السابق محمد مرسي‬

‫‪24‬‬

‫وإذا كان النوع األول يتمحور حول األنا بوصفها مظهرا شعوريا‬ ‫للذات كما يدركها صاحبها‪ ،‬ف��إن هوية املجتمع هي خالصة‬ ‫عبقريته وذكائه الجمعي املستقى من سماته النفسية وتاريخه‬ ‫وقيمه وعقيدته وتصوراته وتجربته الحياتية بكل ما تنطوي عليه‬ ‫من قدرة على االستيعاب واالستبعاد‪ ،‬وإمكانية في التواصل مع‬ ‫التجارب األخ��رى‪ ،‬والتفاعل معها بمختلف الصور واألشكال‪.‬‬ ‫وه��ذان النوعان يشكالن صلب االهتمامات املعرفية والعلمية‬ ‫بقضية الهوية‪ ،‬ال سيما الدراسات الثقافية‪ ،‬التي تنشغل أساسا‬ ‫بفحص السياقات التي يقوم األف��راد والجماعات‪ ،‬داخلها ومن‬ ‫خاللها وباالستناد إليها‪ ،‬بتكوين هوياتهم أو فهمهم لذواتهم‬ ‫والتعبير عنها وحمايتها‪.‬‬ ‫وينطوي مفهوم الهوية على خاصية ثابتة ومستمرة للفرد أو‬ ‫الجماعة‪ ،‬وهذا إن كان من املمكن تقبله على املستوى النظري فإن‬ ‫من الصعب تحققه في الواقع املعيش‪ ،‬ولذا يدعو بعض الباحثني‬ ‫إلى التركيز على عملية التوحد‪ ،‬وليس البحث عن هوية ثابتة‪،‬‬ ‫ألن األخيرة تكاد تكون مستحيال‪ .‬فالشخص الواحد ينتمي إلى‬ ‫هويات كثيرة‪ ،‬وهو ما عبر عنه أمارتيا سني حني قال‪« :‬إننا في‬ ‫حياتنا العادية نرى أنفسنا أعضاء لعدد متنوع من الجماعات‪،‬‬ ‫ونحن ننتمي إلى كل هذه الجماعات‪ ،‬فالشخص نفسه يمكن‬ ‫أن يكون‪ ،‬دون أي تناقض‪ ،‬مواطنا أميركيا من أصل كاريبي‪،‬‬ ‫وينحدر من ساللة أفريقية‪ ،‬ومسيحيا‪ ،‬وليبراليا‪ ،‬وهو رجل‪،‬‬ ‫ونباتي‪ ،‬وعداء للمسافات الطويلة‪ ،‬ومؤرخا‪ ،‬ومعلما‪ ،‬وروائيا‪،‬‬ ‫ومناصرا لقضايا املرأة‪ ،‬وطبيعيا في عالقته بالجنس اآلخر‪...‬‬ ‫ومحبا للمسرح‪ ،‬ومناضال من أجل قضايا البيئة‪ ،‬ومشجعا‬ ‫للعبة التنس‪ ،‬وعازفا ملوسيقى الجاز‪ ،‬وشديد اإليمان بالرأي‬ ‫ال��ذي يقول إن هناك مخلوقات ذكية ف��ي الفضاء ال�خ��ارج��ي»‪.‬‬ ‫وهذا التعدد في الهويات يتكرر لدى كل فرد على وجه األرض‪،‬‬ ‫بما يجعل اإلنسان موزعا طيلة الوقت بني انتماءات متقاطعة‬ ‫ومتشابكة‪ ،‬ومتباينة أحيانا‪ .‬وقد يشترك الفرد في انتماء أو‬ ‫أكثر من فرد آخ��ر‪ ،‬لكنهما يكونان في الوقت ذات��ه متناقضني‬ ‫ومتنافرين في انتماءات أخرى‪ ،‬وهذا في شبكة اجتماعية غير‬ ‫منتظمة‪.‬‬

‫مصرية تحمل صورتي الرئيس املصري الراحل أنور السادات‬ ‫وعبد الفتاح السيسي في موقع انفجار قنبلة أسفر عن إصابة‬ ‫خمسة من رجال الشرطة بالقرب من محطة مترو بالقاهرة‬

‫للتعبير عن هوية املنتمني إلى منطقتنا من العالم مثل‪« :‬الرابطة‬ ‫الشرقية» و«الجامعة اإلسالمية» و«القومية العربية» و«الرابطة‬ ‫الوطنية اإلقليمية» و«العالم العربي» و«الوطن العربي»‪ ،‬وغير ذلك‬ ‫من املفاهيم التي ثار حولها جدل فكري عارم منذ مطلع النصف‬ ‫الثاني من القرن التاسع عشر وحتى اللحظة الراهنة‪.‬‬

‫ون �ظ��را ل �ه��ذا ال�ت�ع�ق�ي��د‪ ،‬ح��اول��ت ب�ع��ض ال ��دراس ��ات االج�ت�م��اع�ي��ة‬ ‫واالقتصادية أن تمارس نوعا من التجنيب أو االختزال لـ «الهوية»‬ ‫عبر سبيلني‪ :‬األول هو «اإلغفال» بمعنى التجاهل واإلهمال الكلي‬ ‫لتأثير أي شعور مشترك بالهوية على سلوكيات واختيارات‬ ‫التجمعات البشرية‪ ،‬والتعامل مع كل ف��رد كأنه «ك��ل متكامل»‬ ‫منبت الصلة عن غيره‪ ،‬ويعمل ويتحرك في جزيرة منعزلة‪ .‬أما ومن يمعن النظر في املالبسات والسياقات املرتبطة باألعمال‬ ‫الثاني فهو «االنتماء األحادي أو املنفرد» الذي يعني النظر إلى كل العنيفة التي تمت بسبب تنازع الهويات‪ ،‬يجد أن وجاهة ورسوخ‬ ‫فرد كأنه ال ينتمي إال إلى جماعة واحدة‪ ،‬يعطيها والءه‪.‬‬ ‫وتأثير التصورات التي تبرر العنف تختلف باختالف املدى أو‬ ‫القدر الذي يتوافر فيه للساخطني الشعور باالنتماء إلى جماعة‬ ‫معينة‪ .‬ويتولد هذا الشعور ويتعزز عبر مجموعة من املعاني‬ ‫مصر تعود‬ ‫وال��رم��وز ال�ت��ي تجعل ال�ن��اس واع�ي�ن ب�ح��االت السخط املشتركة‬ ‫وعموما‪ ،‬فإن اإلنسان ال يعطي مختلف هوياته الدرجة نفسها بينهم‪ ،‬ومدركني في الوقت ذاته حجم وجود الجماعة أو املنظمة‬ ‫من األهمية أو األولوية‪ ،‬لكنه يغلب بعضها على بعض‪ ،‬وقد تنتظم التي تضمهم‪ ،‬وواثقني بقدرتهم إن توحدوا على أن ينتفضوا‬ ‫لديه في سلم انتماء يتدرج من األقصى إلى األدنى‪ ،‬وهنا قد تجد ضد من يضطهدهم أو يقهرهم‪ .‬ومثل هذا الوضع دفع ديفيد‬ ‫مجموعة بشرية نفسها متفقة على إعطاء وزن أكبر لهوية معينة شوارتز إلى القول‪« :‬اإلغ��راءات الثورية تكون ناجحة بمقدار ما‬ ‫توفر الشعور باالنتماء إلى جماعة تاريخية معتدة بنفسها‪ ،‬حتى‬ ‫عما عداها‪ ،‬ويورثها هذا شعورا قويا بالتمايز عن اآلخرين‪.‬‬ ‫وه��ذه املجموعة ق��د تصغر لتختصر ف��ي جماعة أو عائلة أو لو كانت من نتاج الخيال»‪.‬‬ ‫عشيرة أو قبيلة أو طائفة أو أهل حرفة أو أتباع دين أو لغة‪ ،‬وقد‬ ‫تكبر عند البعض لتصبح ال��دول��ة أو اإلقليم‪ ،‬وهنا يمكنها أن والصراع حول الهوية آفة عرفتها البشرية طيلة تاريخها املديد‪،‬‬ ‫تأخذ أسماء عدة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬هناك مصطلحات مختلفة ب��دءا م��ن ال�ت�ن��اح��رات العشائرية والقبلية وح�ت��ى ص��راع ال��دول‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫املصريني في لحظة تاريخية يتسامون فوق االحتقانات الطائفية‬ ‫والطبقية والسياسية التي عانوها عقودا‪ ،‬لكن ما إن انتهت املوجة‬ ‫األول ��ى ب��إج�ب��ار حسني م �ب��ارك ع�ل��ى التنحي ح�ت��ى ب��دأ ص��راع‬ ‫الهويات‪ ،‬الذي هو السبب الكامن أو املضمر وراء الدم الذي سال‪،‬‬ ‫وال يزال حتى اآلن‪ ،‬بينما السبب الواضح الفاضح هو الصراع‬ ‫على السلطة من ناحية والحفاظ على الدولة من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫وإن كان البعض يعد حيازة السلطة هي الوسيلة األقصر واألقرب‬ ‫واألكثر أمنا للدفاع عن الهوية كما يراها‪ ،‬أو يتوهمها‪.‬‬ ‫لكن ال�ح��ال��ة امل�ص��ري��ة هنا ليست اس�ت�ث�ن��اء‪ ،‬ف��ال�ص��راع��ات حول‬ ‫«ال�ه��وي��ة»‪ ،‬بشتى أشكالها‪ ،‬تعد األكثر إراق��ة للدماء في تاريخ‬ ‫البشرية املديد‪ ،‬فاإلنسان الذي طاملا تمزق بني «أن��ا» و«ه��و» أو‬ ‫«نحن» و«هم» كان أكثر ضراوة حني زاحم وخاصم وقاتل من‬ ‫يختلفون معه في الدين والساللة والطبقة والثقافة‪ .‬وتحت هذه‬ ‫البنى االجتماعية ال�ك�ب��رى‪ ،‬تناحر امل�ت�م��اي��زون ف��ي ال�ف��روع من‬ ‫بني املتمركزين حول القبيلة والطائفة واملذهب واللهجة‪ .‬حتى‬ ‫اإلمبراطوريات الكبرى لم تقلع عن توظيف الهويات في تبرير‬ ‫مشروعاتها االستعمارية‪ ،‬ح�ين صنعت منها آيديولوجيات‬ ‫سهلت لها عملية الحشد والتعبئة‪.‬‬ ‫وأغلب األفعال العنيفة محالة إلى التعصب األعمى للهويات تارة‪،‬‬ ‫وإلى الهويات التي تنطوي على أفكار تدعو إلى كراهية اآلخر‬ ‫ونبذه طورا‪ .‬لكن ما أود أن أؤكده في هذا املقام‪ ،‬أن إمكانية إنتاج‬ ‫هوية ما عنفا مقنعا أو منظما‪ ،‬ال يعني بأي حال من األحوال أن‬ ‫التخلي عن الهوية واجب‪ ،‬فهذه مسألة مستحيلة بل ومرفوضة‬

‫تماما‪ ،‬لكن من الضروري أن يتخلى األفراد عن التعصب األعمى‬ ‫لهوياتهم وخصوصياتهم‪ ،‬وأال يستسلموا ملا يسمى «حرب‬ ‫األف�ك��ار» وأن يؤمنوا بتعدد الهويات وتقاطعها‪ ،‬ويتسامحوا‬ ‫م��ع «اآلخ ��ر»‪ ،‬ويمتلكوا ق��درة فائقة على التفرقة ب�ين التسامح‬ ‫والتساهل‪ ،‬ف��األول الزم لنزع أي طاقة عنيفة تحملها الهويات‪،‬‬ ‫والثاني غير مطلوب‪ ،‬ألن من ال يحترم ما لديه ليس بوسعه أن‬ ‫يحترم ما لدى اآلخرين‪ ،‬ففاقد الشيء ال يعطيه‪.‬‬

‫ما الهوية؟‬ ‫ابتداء‪ ،‬فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو‪ :‬ما الهوية؟ إنها‬ ‫في معناها األول والبسيط هي إدراك الفرد نفسيا لذاته‪ .‬لكن‬ ‫ه��ذا ال�ت�ص��ور املبسط ل��م يلبث أن ات�س��ع وت�ف��اع��ل داخ��ل العلوم‬ ‫اإلنسانية قاطبة‪ ،‬ليشمل الهوية االجتماعية‪ ،‬والهوية الثقافية‪،‬‬ ‫والهوية العرقية‪ ،‬وجميعها مصطلحات تشير إلى توحد الذات مع‬ ‫وضع اجتماعي‪ ،‬أو تراث ثقافي‪ ،‬أو جماعة عرقية‪ .‬وإذا انطلقنا‬ ‫من الذات وفارقناها إلى املحيط األكبر‪ ،‬فيمكن الحديث عن هوية‬ ‫الجماعة‪ ،‬التي تعني التوحد أو اإلدراك الذاتي املشترك بني جماعة‬ ‫من الناس‪.‬‬ ‫والهوية مفهوم متعدد الجوانب‪ ،‬يتعلق بفهم الناس وتصورهم‬ ‫ألنفسهم وملا يعتقدون أنه مهم في حياتهم‪ ،‬استنادا إلى مصادر‬ ‫معينة م�ث��ل ال�ج�ن��وس��ة وال�ت��وج��ه الجنسي والجنسية واإلث�ن�ي��ة‬ ‫والطبقة واملذهب وغيرها‪ .‬وهناك نوعان من الهوية‪ ،‬األول‪ :‬هو‪:‬‬ ‫الهوية الذاتية‪ ،‬والثاني هو‪ :‬الهوية الجتماعية‪ .‬وكالهما مرتبط‬ ‫بهمزات وصل كثيرة‪.‬‬

‫أنصار عبد الفتاح السيسي من حزب‬ ‫النور السلفي يحملون مجسما للمشير‬ ‫بالزي العسكري والكاب الذي يميزه شعار‬ ‫غصني الزيتون ومجسما آخر للداعية‬ ‫السلفي ياسر برهامي‬

‫‪,,‬‬

‫الهوية‬ ‫مفهوم متعدد‬ ‫الجوانب‬ ‫يتعلق‬ ‫بفهم الناس‬ ‫وتصورهم‬ ‫ألنفسهم‬ ‫وعقائدهم‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪23‬‬


‫قصة الغالف‬

‫لم يتعلم أي من املصريني املتصارعني حول «الهوية» في مصر‪ ،‬درس التاريخ القريب أو البعيد‪ ،‬ولم يقرأوا‬ ‫تلك الحكمة السابغة التي خرج بها «نيوبري» بعد أن راجع خصائص الطبقات الحضارية املصرية‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫«مصر وثيقة من جلد رقيق‪ ،‬اإلنجيل مكتوب فيها فوق هيرودت‪ ،‬وفوق ذلك القرآن‪ ،‬وتحت الجميع ال تزال‬ ‫الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجالء»‪.‬‬

‫ثالث سنوات من االنقسام‪ :‬صراع الهوية في مصر‪ ..‬عبثي دوما‪ ..‬دموي أحيانا‬

‫اللحى وأغصان الزيتون‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫د‪ .‬عمار علي حسن‬

‫‪,,‬‬

‫فور سقوط‬ ‫حكم‬ ‫«اإلخوان»‬ ‫بعد ‪30‬‬ ‫يونيو اشتد‬ ‫الصراع‬ ‫على السلطة‬ ‫ضراوة وهو‬ ‫يلبس لبوس‬ ‫الهوية‬

‫‪,,‬‬

‫في سبتمبر (أيلول) ‪ ،2011‬أي بعد ثمانية أشهر من‬ ‫قيام ثورة يناير وقبل شهرين من أول انتخابات برملانية‬ ‫أعقبتها‪ ،‬طلب مني رئيس «ال��دع��وة السلفية» والرجل‬ ‫األهم في حزب النور ياسر برهامي نصيحة أقدمها إليه عقب‬ ‫حوار أجرته مجموعة من املثقفني املدنيني‪ ،‬كنت واحدا منهم‪ ،‬مع‬ ‫السلفيني‪ ،‬فقلت له على الفور‪ :‬أنصحك بأن «تكف ستة أشهر‬ ‫عن قراءة الفقه وتخصص هذا الوقت لقراءة الفلكلور املصري»‬ ‫فامتأل وجهه بالدهشة‪ ،‬وتساءل‪ :‬ملاذا؟ فأجبته‪« :‬ألن الفلكلور‬ ‫يربح في النهاية»‪.‬‬ ‫لم يعمل برهامي بالنصيحة‪ ،‬وقبله جماعة اإلخوان التي ظنت أن‬ ‫املصريني صوتوا على مشروعها أو تصورها الديني والفكري‬ ‫ال��ذي تقع الهوية ف��ي قلبه‪ ،‬وه��ي مسألة طاملا كنت أفندها في‬ ‫حينها‪ ،‬فدفعوا ثمنا باهظا‪ ،‬أكبر بكثير من األثمان التي دفعها‬ ‫كل من حاولوا اختصار هوية مصر في جانب واحد‪ :‬فرعونية‪،‬‬ ‫كما ك��ان ي�ن��ادي حفيد أحمد لطفي السيد وأس��س حزبا لهذا‬ ‫الغرض قبل ثورة يناير‪ ..‬وبحر متوسطية‪ ،‬كما حلم طه حسني‬ ‫وم��ن قبله الخديو إسماعيل ال��ذي أراد أن تكون ال�ق��اه��رة مثل‬ ‫باريس حتى في معمارها‪ ..‬أو إسالمية‪ ،‬كما رفعت ما تسمى‬ ‫حركة «الصحوة اإلس�لام�ي��ة» التي ب��دأت ف��ي عشرينات القرن‬ ‫العشرين‪ ..‬أو عربية‪ ،‬حسب ما تبنى التيار القومي وال سيما‬ ‫الناصرية‪ ،‬التي غلبت هذا االتجاه على ما ع��داه‪ .‬وفي كل هذه‬ ‫ال �ح��االت‪ ،‬ك��ان الحضور األف��ري�ق��ي م��وج��ودا‪ ،‬على األق��ل بحكم‬ ‫الجغرافيا التي جعلت مصر بوابة القارة السمراء‪ ،‬وهي مسألة‬ ‫لم تكن سائدة قبل توحيد القطرين على يد امللك الفرعوني مينا‪،‬‬ ‫حيث كانت دلتا مصر جزءا من القارة اآلسيوية بينما الصعيد‬ ‫هو املنتمي إلى أفريقيا‪ .‬وتقاطع الدين مع كل هذه الحاالت‪ ،‬فنظر‬ ‫إلى مصر لدى كثيرين باعتبارها جزءا من العالم اإلسالمي‪ ،‬فيما‬ ‫فرض الصراع الدولي عليها أن تكون في «العالم الثالث» بحكم‬ ‫تقسيمات القرن العشرين‪ ،‬لكن هذه مسألة قابلة للتغير ألنها‬ ‫مرتبطة بشروط اقتصادية وتقنية وقدرات عسكرية معينة‪.‬‬

‫دولة ذات سيادة‬

‫منها‪ ،‬نظامها جمهوري ديمقراطي‪ ،‬يقوم على أساس املواطنة‬ ‫وسيادة القانون‪ .‬الشعب املصري جزء من األمة العربية يعمل‬ ‫على تكاملها ووحدتها‪ ،‬ومصر جزء من العالم اإلسالمي‪ ،‬تنتمي‬ ‫إلى القارة األفريقية‪ ،‬وتعتز بامتدادها اآلسيوي‪ ،‬وتسهم في بناء‬ ‫الحضارة اإلنسانية»‪.‬‬ ‫ه �ن��ا ي �ك��ون��ون ق��د ح � ��ددوا ال �ه��وي��ة ب ��دوائ ��ر االن �ت �م��اء ال�ج�غ��راف��ي‬ ‫والتاريخي والثقافي‪ ،‬لكنهم في حقيقة األم��ر سايروا السائد‬ ‫واملتاح واملألوف‪ ،‬وخضعوا لتوازنات سياسية واجتماعية في‬ ‫اللحظة الراهنة‪ ،‬دون أن ينصاعوا إل��ى حقيقة دامغة تقول إن‬ ‫هوية مصر هي أنها «مصر»‪ ،‬التي كونت أقدم دولة في تاريخ‬ ‫البشرية‪ ،‬وسعت إلى معرفة الله قبل األديان اإلبراهيمية‪ ،‬وكان‬ ‫موجودا بها سبعة أنبياء قبل اإلسالم‪ ،‬وعاشت نحو سبعة قرون‬ ‫دولة مسيحية‪ ،‬وظل املسيحيون يشكلون أغلبية سكانها حتى‬ ‫العصر الفاطمي‪ ،‬أي بعد أكثر من قرنني من الفتح اإلسالمي‪،‬‬ ‫وه��ي ال��دول��ة ال�ت��ي احتفظت ب��وض��ع خ��اص طيلة زم��ن الخالفة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬األموية والعباسية والعثمانية‪ ،‬وكانت شبه مستقلة‬ ‫عن السلطة املركزية في دمشق وبغداد وإسطنبول‪ ،‬ومن تولوا‬ ‫أمرها تشجعوا في أغلب األحيان على التمرد املعلن أو الصامت‬ ‫على السلطة املركزية محاولني أن يستقلوا بها‪ ،‬هكذا فعل أحمد‬ ‫بن طولون وصالح الدين األيوبي والظاهر بيبرس‪ ،‬ومحمد علي‬ ‫الذي جهز جيشا ملحاربة السلطان العثماني نفسه‪.‬‬ ‫لكل هذا‪ ،‬فإن مصر بدت طيلة تاريخها أمة قائمة بذاتها‪ ،‬نشأت‬ ‫على التوالي‪ ،‬طبقات حضارية يركب بعضها بعضا‪ ،‬ومن ثم فإن‬ ‫أي محاولة لتفكيك هويتها أو اختزالها في صنف أو لون واحد‬ ‫محكوم عليها بالفشل الذريع‪ ،‬فاملوروث الشعبي املصري يتمدد‬ ‫فيه كل هذا الزمن لتبقى قيم ومعان وألفاظ وطقوس مستمرة ال‬ ‫تهتز وال تذهب‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن الطقوس التي تؤدى اآلن‬ ‫في مقام القطب الصوفي أبو الحجاج األقصري هي التي كانت‬ ‫تؤدى في املكان ذاته في مصر املسيحية‪ ،‬ومن قبلها في معبد‬ ‫آمون بمصر الفرعونية‪ ،‬إذ تغيرت الكلمات واملعاني واملقاصد‬ ‫واستمرت الطقوس‪ .‬ولهذا‪ ،‬ليس من قبيل املبالغة أن يقول البعض‬ ‫إن مصر أعطت املسيحية واإلسالم من روحها‪.‬‬

‫كل هذا ربما كان في ذهن أعضاء «لجنة الخمسني» الذين جلسوا لحظة تاريخية‬

‫ليضعوا دستور مصر الجديد‪ ،‬عقب ث��ورة يونيو (ح��زي��ران)‪،‬‬ ‫حيث نصت املادة األولى فيه على أن «جمهورية مصر العربية وحني اندلعت ثورة يناير‪ ،‬عبر ميدان التحرير عن كل هذا املعاني‪،‬‬ ‫دولة ذات سيادة‪ ،‬موحدة ال تقبل التجزئة‪ ،‬وال ينزل عن شيء وتعجب كثيرون من الجينات الحضارية التي قفزت فجأة لتجعل‬ ‫‪22‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫تالميذ املدارس يرحبون‬ ‫بالنازي أدولف هتلر وهو‬ ‫يجتاح مقاطعة السوديت ‪1938‬‬

‫يتفكك‪ ،‬حتى تجاهل حلف األطلسي االتفاق‪ ،‬وتحركت قواته شرقا إلى داخل‬ ‫أملانيا الشرقية السابقة‪ .‬ورغم شكاوى الرئيس الروسي بوريس يلتسني في‬ ‫أن تمدد األطلسي شرقا «ينتهك روح» االتفاق‪ ،‬فإن روسيا لم تكن في وضع‬ ‫يمكنها من أن تفعل أي شيء حيال األمر‪.‬‬ ‫وكما الحظ الصحافي والكاتب املطلع بيتر بينارت رئيس التحرير السابق‬ ‫ملجلة «ذا نيو ريبابليك»‪ ،‬فإن عددا من خبراء السياسة الخارجية اعتبروا قرار‬ ‫توسيع حلف األطلسي شرقا «استفزازا أرع��ن»‪ .‬وقال مؤرخ الحرب الباردة‬ ‫املرموق جون لويس‪ :‬إن «املؤرخني ‪ -‬وهم عادة كثيرو الخصام ‪ -‬اتفقوا عموما‬ ‫على نحو غير معهود على أن توسيع حلف األطلسي لم يكن حكيما‪ ،‬وكان‬ ‫سيئ التوقيت‪ ،‬وفوق كل شيء‪ ،‬لم يكن يتالءم مع دقائق عالم ما بعد الحرب‬ ‫الباردة»‪ .‬ولكن مع تضعضع روسيا على نحو خطر‪ ،‬انتصرت نزعة التسلط‬ ‫األميركية على العالم‪ .‬وهكذا دفع الرئيس بيل كلينتون األطلسي إلى حرب‬ ‫في يوغسالفيا ‪ .1999‬وف��ي ع��ام ‪ ،1997‬انضمت بولندا واملجر‪ ،‬وتشيكيا‬ ‫إل��ى األطلسي‪ ،‬ث��م تبعتها ف��ي ال�ع��ام ‪ 2004‬سبع دول كانت ج��زءا م��ن الكتلة‬ ‫السوفياتية‪ .‬وأخيرا التحقت كل من ألبانيا وكرواتيا في عام ‪ .2009‬كما تم‬ ‫توسيع برنامج حلف األطلسي «الشراكة من أجل السالم» ليشمل الجمهوريات‬ ‫السوفياتية السابقة أوكرانيا‪ ،‬وجورجيا‪ ،‬ومولدوفا‪ ،‬وكازاخستان‪ ،‬وأرمينيا‪،‬‬ ‫وأذربيجان‪ .‬والعرض الذي قدمه االتحاد األوروبي لـ«إنقاذ اقتصاد» أوكرانيا‪،‬‬ ‫في نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي‪ ،‬تضمن بندا كان من شأنه أن يربط هذا‬ ‫البلد بالتنظيم العسكري لالتحاد األوروبي‪ .‬وفي األيام األخيرة‪ ،‬اتضح تماما‬ ‫خطر تقدم حلف عسكري حتى ح��دود روس�ي��ا‪ ،‬عندما ب��دأ حلف األطلسي‬ ‫ينشر قواته في دول البلطيق وبولندا‪ ،‬والواليات املتحدة ترسل مدمرة مجهزة‬ ‫بصواريخ موجهة إلى البحر األسود‪ ،‬وطائرات حربية إلى دول البلطيق‪ .‬والوضع‬ ‫الراهن هو بالذات الوضع الذي حاول غورباتشوف تجنبه في العام ‪ .1990‬ولهذا‬ ‫السبب‪ ،‬يشكل زحف األطلسي باتجاه الشرق خطرا يتجاوز أوكرانيا‪ .‬وحتى‬ ‫قبل أزمة القرم‪ ،‬كانت املقاتالت األميركية تجوب األجواء الحدودية بني روسيا‬ ‫ودول البلطيق األعضاء في األطلسي‪.‬‬ ‫وملاذا تعتقد روسيا أنها بحاجة إلى منطقة عازلة؟ من منظور روسيا‪ ،‬غزا‬ ‫نابليون وهتلر روس�ي��ا‪ ،‬ففقدت ‪ 40‬مليونا م��ن سكانها ف��ي تينك الحربني‬ ‫العامليتني‪ ،‬وعبر التاريخ‪ ،‬أقامت قوى كبرى كثيرة مثل هذه املناطق العازلة‪.‬‬ ‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬إضافة إلى إمبراطوريتها العاملية غير املعلنة‪ ،‬احتفظت‬

‫الواليات املتحدة لنفسها منذ العام ‪ 1823‬بحق التدخل عسكريا في أي مكان‬ ‫من أميركا الالتينية بموجب مبدأ مونرو‪.‬‬ ‫وقد حذر البعض من عواقب سيئة للواليات املتحدة حني تكرر ذلك مع روسيا‬ ‫خالل فترة ما بعد الحرب الباردة في التسعينات والعقد األول من القرن الواحد‬ ‫والعشرين ‪ -‬بدال من أن تتبع الواليات املتحدة مثال إدماج فرنسا في أوروبا‬ ‫النابليونية‪ ،‬وهو ما أدى إلى قرن من دون حرب كبرى‪ ،‬وبعد‬ ‫عقب الحروب‬ ‫ُ‬ ‫انتهاء الحرب الباردة‪ ،‬أقصيت روسيا من أوروبا‪ ،‬بدال من التخلي عن حلف‬ ‫األطلسي وإدماج روسيا في األسرة األوروبية العريضة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬وعد‬ ‫الرئيس جورج بوش األب الزعيم السوفياتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف بأن‬ ‫األطلسي لن يتوسع‪ ،‬مقابل موافقته على إعادة توحيد أملانيا‪ ،‬ولكن ذلك الوعد‬ ‫انتهك امل��رة تلو األخ��رى‪ .‬وعندما رأى بوتني تآكل املزيد من منطقته العازلة‬ ‫وسقوط حكومة يانوكوفيتش األوكرانية الصديقة لروسيا‪ ،‬طفح به الكيل‬ ‫من اإلذالل‪ ،‬فتحرك إلنقاذ ما بقي‪ ،‬من خالل إعادة ضم منطقة القرم الناطقة‬ ‫بالروسية إلى روسيا‪ .‬وأوكرانيا املجاورة كانت دائما استراتيجية بالنسبة‬ ‫لروسيا‪ ،‬إذ تضم امليناء الوحيد لروسيا على مياه دافئة وقاعدتها البحرية‬ ‫االستراتيجية في سيفاستوبول‪.‬‬ ‫واملستشار األملاني األسبق «هيلموت شميدت» يقول‪« :‬إن الواليات املتحدة‬ ‫واالت�ح��اد األوروب��ي وحلف الناتو جميعا مسؤولون عن ان��دالع ه��ذا الصراع‬ ‫بسبب سذاجتهم وآيديولوجيتهم الجيو ‪ -‬سياسية»‪ ،‬وحذر كثيرون آخرون‬ ‫في أوروب��ا الغربية والواليات املتحدة من التوسع املتعمد وامل��ذل في عضوية‬ ‫حلف «الناتو» باتجاه ال�ح��دود السابقة لالتحاد السوفياتي باعتباره دعوة‬ ‫راسخة ومتواصلة لرد فعل عنيف من قبل روسيا بقيادة فالديمير بوتني‪.‬‬ ‫وكما شرح املؤرخ «وولتر روسيل ميد» األمر في مدونته‪« :‬إن أكبر طبخة لم‬ ‫يواجهها الغرب أب��دا هي‪ :‬ما سياستنا تجاه روسيا؟ وما موقع روسيا في‬ ‫النظام العاملي في نظر الغرب؟ فمنذ القرارات بتوسيع حلف الناتو واالتحاد‬ ‫األوروبي التي اتخذت في عهد إدارة الرئيس كلينتون‪ ،‬والسياسة الغربية تجاه‬ ‫روسيا لها مشروعان كبيران ملا بعد فراغ االتحاد السوفياتي‪ :‬أن يمتد الناتو‬ ‫واالتحاد األوروبي إلى مناطق حلف وارسو واالتحاد السوفياتي السابق‪ ،‬ولكن‬ ‫روسيا نفسها كانت ممنوعة من االثنني‪ ...‬وكما علق الكثيرون في التسعينات‬ ‫فإن تلك االستراتيجية كانت تسعى للمشكالت»‪ .‬وكان أول من لفت االنتباه‬ ‫إلى ذلك جورج كينان‪ ،‬ففي مقابلة أجراها معه الصحافي األميركي الشهير‬ ‫توماس فريدمان في ‪ 2‬مايو ‪ 1998‬مباشرة بعد إجازة مجلس الشيوخ لتوسيع‬ ‫الناتو‪ .‬كان عمر كينان حينها ‪ 94‬سنة‪.‬‬ ‫وعمل كينان سفيرا للواليات املتحدة في موسكو وصاحب دراسة شهيرة‬ ‫حول «مصادر السلوك السوفياتي» التي نشرت في مجلة «فورين أفيرز» عام‬ ‫‪ .1947‬وقال كينان فيما يتعلق بتوسيع الناتو‪« :‬أعتقد أنها بداية حرب باردة‬ ‫جديدة‪ ،‬أعتقد أن الروس سيكون لهم رد فعل تدريجي مناوئ بشدة‪ ،‬وسيؤثر‬ ‫ذلك على سياساتهم»‪ ،‬مضيفا أن‪« :‬ما يقلقني بصفة خاصة وصف روسيا‬ ‫بأنها بلد يتحرق لقتال أوروبا الغربية‪ ...‬لقد كانت خالفاتنا إبان الحرب الباردة‬ ‫مع النظام السوفياتي الشيوعي‪ .‬واآلن ندير ظهورنا لنفس الناس الذين قاموا‬ ‫بأكبر ثورة دون دماء في التاريخ إلزالة ذلك النظام السوفياتي‪ .‬والديمقراطية‬ ‫في روسيا متقدمة بقدر الديمقراطية في تلك الدول التي وقعنا معها للتو‪ ،‬إن لم‬ ‫تكن متقدمة أكثر منها‪ ،‬للدفاع عنها ضد روسيا‪ .‬إنها تدل على فهم ضعيف‬ ‫للتاريخ الروسي والسوفياتي‪.‬‬ ‫بالطبع سيكون هناك رد فعل سيئ من روسيا‪ ،‬وعندها سيقولون (املنادون‬ ‫بتوسيع الناتو) لقد قلنا لكم دائما هكذا هم الروس‪ ،‬لكن هذا مجرد خطأ»‪ .‬لقد‬ ‫اعتبر األديب واملفكر اآليرلندي جورج برنارد شو أن هيغل كان محقا عندما‬ ‫قال‪ :‬إننا نتعلم من التاريخ أن املرء ال يستطيع أن يتعلم أي شيء من التاريخ‪،‬‬ ‫وك��ان رج��ع الصدى في ه��ذه املقولة واضحا ب��دوره في مقولة أول مستشار‬ ‫أملاني غربي بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وهو املستشار العظيم األسبق كونراد‬ ‫أديناور (‪ )1963 - 1949‬والتي جاء فيها أن «التاريخ هو املحصلة اإلجمالية‬ ‫ألشياء كان من املمكن تفاديها»! <‬ ‫* صحافي مختص في الشؤون الروسية وباحث في مجلة‬ ‫«الديمقراطية» ‪ -‬مؤسسة «األهرام» ‪ -‬القاهرة ‪ -‬مصر‬

‫‪,,‬‬

‫شبه وزير‬ ‫املالية األملاني‬ ‫أمام جمع‬ ‫من التالميذ‬ ‫األملان‬ ‫تصرف بوتني‬ ‫في القرم‬ ‫بما فعله‬ ‫هتلر عندما‬ ‫ضم إقليم‬ ‫السوديت‬

‫‪,,‬‬

‫فولفجانج‬ ‫شويبله‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪21‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫حدود االختالف‬

‫‪,,‬‬

‫هنري‬ ‫كيسنجر‪:‬‬ ‫على الغرب‬ ‫أال ينظر إلى‬ ‫بوتني على‬ ‫أنه «هتلر‬ ‫جديد»‬ ‫بل كزعيم‬ ‫محلي‬ ‫يحاول مد‬ ‫نفوذ بالده‬

‫‪,,‬‬

‫غير أن املقارنة بني الرجلني تبدو في الحقيقة ظاملة‪ ،‬أو على األقل غير منصفة‪،‬‬ ‫فثمة اختالفات واضحة ما تلبث أن تعكس الفارق بني الرجلني‪ ،‬وهو ما يبدو‬ ‫ّ‬ ‫جليا في دالالت ساقها الصحافي األميركي تشارلز لني لتأييد وجهة نظره‪،‬‬ ‫ففي الوقت ال��ذي تمتع فيه هتلر بصفات القيادة الكاريزمية‪ ،‬اتصف بوتني‬ ‫بالسياسي االنتهازي الذي يسعى إلى امتالك السلطة من أجل السلطة ذاتها‪،‬‬ ‫كما أن مشاعر الكراهية والعداء التي يشعر بها الرئيس الروسي بوتني تجاه‬ ‫املسلمني أو الشواذ لم تكن دافعا الرتكاب مذبحة بحق أي منهم كما هو الحال‬ ‫ف��ي مذبحة الهولوكوست التي م��ورس��ت بحق اليهود م��ن قبل هتلر‪ .‬وعلى‬ ‫النقيض من هتلر أيضا‪ ،‬يرى تشارلز أن بوتني دائما ما يضع نصب عينيه‬ ‫الحكومات الغربية واألوروبية خشية التداعيات االقتصادية‪ ،‬وفي مقدمتها‬ ‫الواليات املتحدة األميركية التي باتت تمتلك أسلحة نووية كما أن لها الحق‬ ‫في الدفاع عن حلفائها في دول الناتو‪ .‬ويضيف تشارلز بأن بوتني ربما يبدو‬ ‫أكثر عقالنية من هتلر في التعاطي مع املخاطر التي تحيط ب��ه‪ ،‬وه��و ما قد‬ ‫يبدو واضحا في األزمة األوكرانية فربما ترضخ الحكومات الغربية للسيطرة‬ ‫الروسية على شبه جزيرة القرم في مقابل أال تقدم روسيا من جانبها على‬ ‫احتاللها احتالال مباشرا األمر الذي قد يرضي طموحات حلف الناتو الذي‬ ‫يخشى م��ن ت�ك��رار تجربة تشيكوسلوفاكيا التي ت��م التضحية بها للزعيم‬ ‫هتلر عام ‪.1938‬‬ ‫ومن ناحية ثانية‪ ،‬وعلى الرغم أن هتلر وبوتني تمكنا من تعزيز الشعور الوطني‬ ‫ملواطنيهم وأن هتلر ذهب أبعد من ذلك إلى حد التمييز العنصري‪ ،‬لكنه استطاع‬ ‫أن يعزز الشعور الوطني األملاني من خالل تمجيد العرق اآلري‪ ،‬فإن أحداث‬ ‫أوكرانيا جاءت لتظهر هذه امليول لدى بوتني وإن كانت بصورة معاكسة وأكثر‬ ‫حضارية من خالل دعمه للمتحدثني بالروسية أو العرق السالفي (الروس)‪.‬‬ ‫إذ بعد سيطرة املواطنني الناطقني بالروسية في شرق أوكرانيا على املدن في‬ ‫مناطقهم‪ ،‬وتنظيم استفتاءي ‪ 11‬مايو املاضي الداعيني لالنضمام إلى روسيا‪،‬‬ ‫شكر بوتني‪ ،‬وبأدب جم‪ ،‬األوكرانيني الناطقني بالروسية على دعوتهم لضم‬ ‫الجزء ال��ذي يحتلونه من أوكرانيا‪ ،‬ولكنه رفض هذه ال��دع��وة‪ ..‬على األق��ل في‬ ‫الوقت الراهن‪ .‬ومن ناحية ثالثة فإن «روح العصر» في القرن الحادي والعشرين‪،‬‬ ‫تختلف كثيرا عن مثيالتها في القرون السابقة‪ ،‬فالدبلوماسية لم تعد مباراة‬ ‫صفرية‪ ،‬وسياسة االعتماد املتبادل االقتصادية التي أفرزتها «العوملة» بني‬ ‫الدول‪ ،‬وقبل هذا وذاك توازن الرعب النووي بني القوى الكبرى‪ ،‬كلها أمور‪ ،‬أو‬ ‫باألحرى قيود‪ ،‬تجعل املغامرات العسكرية على الطريقة النابليونية والهتلرية‬ ‫نسيا منسيا‪ ،‬ودرس��ا من التاريخ يمكن ق��راءت��ه وليس درس��ا في السياسة‬ ‫يجب تعلمه‪.‬‬

‫مسؤولية الغرب‬ ‫لعل الشكوى التي يجأر بها الغرب ضد روسيا بوتني‪ ،‬ال تعدو أن تكون أكثر‬ ‫من مجرد الفكرة التي يسجلها هذان البيتان للشاعر الفرنسي تيودور ف‪ .‬ك‪:‬‬ ‫«هذا الحيوان شرير‪ ،‬ألنني إذا ما هاجمته‪ ،‬يدافع عن نفسه»‪ .‬فالحقيقة هي‬ ‫أن املقارنة بني بوتني وهتلر‪ ،‬ليست في وجود هذه املتشابهات بينهما‪ ،‬لكن‬ ‫في القاسم املشترك بينهما الذي يجمع بينهما أكثر من غيره‪ ،‬أال وهو موقف‬ ‫القوى الغربية الكبرى من بلديهما‪ ،‬ومسؤوليتها فيما آلت إليه األحداث ودفعت‬ ‫بهما إلى انتهاج مثل هذه السياسات املتهورة في حال بوتني والجنونية في‬ ‫حال هتلر‪ ،‬فاملشكلة في حالة أملانيا النازية لم تكن في سياسة «االسترضاء‬ ‫‪ ،»Appeasement‬التي قيل إن تشامبرلني تعامل بها مع هتلر‪ ،‬بل في سياسة‬ ‫ُ‬ ‫اإلذالل واإلذع��ان التي فرضت عليها بعد الحرب العاملية األول��ى‪ ،‬فالشعوب‬ ‫ُ‬ ‫العظيمة قد تصبر على مرارة معركة‪ ،‬لكنها ال تصبر على ذل معاهدة‪ ،‬فقسوة‬ ‫العقوبات وجسامة التعويضات هي التي دفعت األمل��ان إل��ى الرغبة في الثأر‬ ‫واالنتقام‪ ،‬رغم تحذيرات عالم االقتصاد وعضو الوفد البريطاني في مؤتمر‬ ‫الصلح بباريس «جون ماينرد كينز»‪ ،‬الذي اعتبر شروط املعاهدة مجحفة بحق‬

‫هنري‬ ‫كيسنجر‬

‫‪20‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫أملانيا وقد تتسبب في اندالع حروب أخرى‪ ،‬فالحلفاء طالبوا أملانيا بـ«اللحم‬ ‫واللنب» في وقت واحد‪ ،‬باستعارة تعبير رئيس الوزراء البريطاني «لويد جورج»‬ ‫في املؤتمر‪ ،‬كما أن تغاضي بريطانيا عن صعود العسكرية األملانية‪ ،‬كان‬ ‫محاولة منها للعودة لسياسة توازن القوى األوروبية الشهيرة مللء الفراغ في‬ ‫وسط أوروبا في مواجهة االتحاد السوفياتي بزعامة ستالني‪ ،‬وهنا ثمة سؤال‬ ‫يطرح نفسه على السيدة هيالري كلينتون‪ :‬ملاذا تأخرت بالدها نحو عامني‬ ‫ونصف من املشاركة في الحرب العاملية الثانية ضد هتلر وتركته يعيث في‬ ‫أوروب��ا فسادا ودم��ارا‪ ،‬برغم أن الطوربيدات الحربية األملانية تحرشت كثيرا‬ ‫بالسفن األميركية في املحيط األطلسي؟!‬ ‫وفي الوقت الحالي فإن املشكلة في حالة روسيا ليست في سياسة «املهادنة»‬ ‫التي تنتجها القوى الغربية تجاه بوتني فيما يتعلق باألزمة األوكرانية‪ ،‬بل في‬ ‫السياسات األميركية الحمقاء والرعناء التي انتهجتها تجاه روسيا منذ نهاية‬ ‫الحرب الباردة‪ .‬فتوسع حلف الناتو حتى الحدود الروسية إنما ينتهك روح‪،‬‬ ‫إن لم يكن ن��ص‪ ،‬اتفاق عقد في فبراير ‪ 1990‬بني الزعيم السوفياتي آن��ذاك‬ ‫ميخائيل غورباتشوف‪ ،‬ووزير الخارجية األميركي جيمس بيكر‪ ،‬واملستشار‬ ‫األملاني الغربي هيلموت كول‪ .‬وكانت املسألة املطروحة في ذلك الوقت مسألة‬ ‫أملانيا وحلف األطلسي‪ .‬وبموجب املعاهدة التي أنهت الحرب العاملية الثانية‪ ،‬كان‬ ‫لالتحاد السوفياتي الحق في االحتفاظ بقوات عسكرية في أملانيا الشرقية‪.‬‬ ‫وقد كان األميركيون واألملان يسعون للتفاوض مع موسكو حول إعادة توحيد‬ ‫الدولتني األملانيتني على أساس سحب القوات السوفياتية (‪ 380‬ألف جندي) في‬ ‫أملانيا الشرقية‪ ،‬مع بقاء القوات األميركية واألطلسية ضمن حدود أملانيا الغربية‬ ‫فقط‪ .‬وال��روس كانوا مستعدين لسحب قواتهم‪ ،‬ولكن فقط بشرط أال تدخل‬ ‫قوات أميركية وأطلسية مللء الفراغ‪ .‬وفي ‪ 9‬فبراير ‪ .1990‬أبلغ غورباتشوف‬ ‫بيكر أن «أي توسيع للمنطقة الجغرافية لحلف األطلسي سيكون غير مقبول»‪.‬‬ ‫ورد بيكر بأن أكد له أن «الوالية القانونية لحلف األطلسي لن تتمدد بوصة‬ ‫واحدة شرقا»‪ .‬وفي اليوم التالي الجتماع غورباتشوف وبيكر‪ ،‬عقد اجتماع‬ ‫بني غورباتشوف واملستشار األملاني الغربي هيلموت كول‪ ،‬الذي أكد للزعيم‬ ‫السوفياتي أن «حلف األطلسي ال يمكن طبعا أن يوسع منطقته الجغرافية» نحو‬ ‫أملانيا الشرقية‪ .‬وفي اجتماع مواز بني وزيري الخارجية األملاني الغربي هانز‬ ‫ ديتريش جينشر والسوفياتي إدوار شيفارنادزة‪ ،‬أبلغ جينشر شيفارنادزة‬‫أنه «بالنسبة لنا‪ ،‬موقفنا ثابت‪ ،‬حلف األطلسي لن يتوسع نحو الشرق»‪ .‬لكن أيا‬ ‫من تلك التأكيدات والتطمينات لم تسجل خطيا وما أن بدأ االتحاد السوفياتي‬


‫في ذلك‪ .‬ومن باب املقارنة فإن نتائج االستطالع الذي أجراه املركز املذكور في‬ ‫العام ‪ 2012‬فإن النسب كانت كاآلتي‪ 69 :‬و‪ 37‬في املائة على التوالي‪ .‬لقد زادت‬ ‫شعبية بوتني كثيرا حتى خارج روسيا لتنافس شعبيته الكبيرة داخلها‪ ،‬لدرجة‬ ‫أن ‪ 750‬مواطنا فرنسيا وقعوا عريضة ناشدوا فيها الرئيس أوباما التنازل‬ ‫عن جائزة نوبل للسالم لصالح الرئيس بوتني‪ ،‬باعتبار أن أوباما داعية حرب‬ ‫فاشل في دعوته وبوتني داعية سالم قادر على تحقيق دعوته‪.‬‬

‫بني القرم والسوديت‬ ‫اع�ت�ب��ر ال�ك��ات��ب ال�ص�ح��اف��ي األم�ي��رك��ي ت�ش��ارل��ز ل�ين ف��ي م�ق��ال ل��ه ف��ي صحيفة‬ ‫«واشنطن بوست» أن��ه رغ��م أن إعمال التشبيه وخاصة حينما يتعلق األمر‬ ‫بالزعيم هتلر هو من املهام الصعبة فإن التحركات العسكرية للرئيس الروسي‬ ‫فالديمير بوتني في القرم تستحق املجازفة‪ ،‬فبعد ضم أملانيا النازية للنمسا‬ ‫مباشرة‪ ،‬حول أدولف هتلر انتباهه إلى األقلية األملانية العرقية التي عاش أفرادها‬ ‫في مقاطعة السوديت في تشيكوسلوفاكيا‪ .‬في مستهل األم��ر‪ ،‬طالب هتلر‬ ‫بالتنازل عن مقاطعة السوديت لصالح أملانيا‪ ،‬فحظي باتفاق سهل نسبيا من‬ ‫رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلني ونظيره الفرنسي إدوار داالدييه‪.‬‬ ‫وعلى الفور‪ ،‬رفع هتلر سقف مطالبه فتضمنت االحتالل العسكري األملاني‬ ‫للمنطقة‪ .‬والواقع أن تشامبرلني وداالدييه اللذين اعتبرا القضية «مشاجرة في‬ ‫بلد بعيد بني َأناس ال نعرف عنهم أي شيء»‪ ،‬وبالتالي فإن األمر ال يستحق‬ ‫تحدي هتلر‪ ،‬ق ِبال االح�ت�لال بالتوقيع على اتفاقية ميونيخ في ع��ام ‪.1938‬‬ ‫وبهذا‪ ،‬فقد عمال على تعزيز قوة أملانيا وتشجيع هتلر إلى حد كبير ‪ -‬وكانت‬ ‫العواقب مأساوية‪.‬‬ ‫في األمد األبعد‪ .‬ويرى خبراء روس أن انضمام القرم قد يفتح شهية أقاليم‬ ‫ومناطق أخرى في الساحة السوفياتية السابقة لطلب االنضمام إلى االتحاد‬ ‫ومن املؤكد أن الرئيس الروسي فالديمير بوتني ليس هتلر‪ ،‬وروسيا ليست الروسي‪ .‬فقد أبرزت وسائل إعالم روسية أن إقليم بريدنيستروفييه بجمهورية‬ ‫أملانيا النازية (أو االتحاد السوفياتي باألحرى)‪ ،‬وال يواجه العالم السيناريو مولدافيا السوفياتية السابقة‪ ،‬حيث يشكل الروس نحو ‪ 30‬في املائة من سكانه‪،‬‬ ‫املروع نفسه الذي وقعت أحداثه في العام ‪ .1939‬ورغم هذا‪ ،‬فإن األمر ال يخلو يطالب هو اآلخر باالنضمام إلى روسيا‪ ،‬وال ينبغي استبعاد احتمال تزايد مثل‬ ‫من بعض أوج��ه التشابه املهمة بني مقاطعة السوديت وأزم��ات شبه جزيرة هذه املطالب في الفترة املقبلة‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن عدد الروس الذين وجدوا‬ ‫القرم‪ ،‬ويتلخص وجه الشبه األكثر وضوحا في وجود غالبية من املغتربني أنفسهم خارج روسيا بعد انهيار ‪ ،1991‬ليس بالقليل‪ .‬فعلى سبيل املثال ال‬ ‫في املنطقة املحتلة‪ .‬فيشكل الروس ما يقرب من ‪ 60‬في املائة من سكان شبه الحصر‪ ،‬في كازاخستان يعيش بني ‪ 23‬في املائة و‪ 30‬في املائة من الروس‪،‬‬ ‫جزيرة القرم الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة‪ ،‬وكثيرون منهم أوثق ارتباطا وفي التفيا نحو ‪ 29‬في املائة‪ ،‬وفي استونيا نحو ‪ 25.5‬في املائة‪ ،‬وفي أوكرانيا‬ ‫ببلدهم «األم» من ارتباطهم بأوكرانيا‪ .‬وعلى نحو مماثل‪ ،‬ك��ان والء سكان ‪ 17.3‬في املائة‪ .‬ويدور الحديث هنا عن السكان من أصول روسية فقط‪ ،‬وإذا‬ ‫منطقة السوديت األملان الذين بلغ عددهم ثالثة ماليني نسمة ألملانيا أقوى من أضفنا إليهم عدد السكان الناطقني بالروسية تصبح الصورة أكثر تعقيدا‪.‬‬ ‫انتمائهم لتشيكوسلوفاكيا‪ ،‬وكانت األغلبية الساحقة منهم تتبنى إدماجهم ولكن سيتوقف األمر في هذه املسألة‪ ،‬في غالب الظن‪ ،‬على الكرملني أكثر من‬ ‫في الرايخ الثالث‪.‬‬ ‫توقفه على السكان الروس في تلك البلدان‪.‬‬ ‫وفي الواقع فإن الذريعة التي انتحلها بوتني لالحتالل والضم ‪ -‬حماية السكان‬ ‫املحليني ‪ -‬هي الذريعة نفسها التي استخدمها هتلر‪ .‬وحتى وقت قريب‪ ،‬لم ُيبد‬ ‫بوتني اهتماما كبيرا بشؤون القرم‪ ،‬باستثناء تجديد عقد إيجار قاعدة أسطول‬ ‫البحر األس��ود في سيفاستوبول‪ .‬ولكن منذ ان��دالع الثورة األوكرانية‪ ،‬تحول‬ ‫ضعف السكان ال��روس املحليني املزعوم في مواجهة «الفاشيني» إلى قضية‬ ‫رمزية ‪ -‬وذريعة للتدخل العسكري الروسي‪ .‬وقد وظف هتلر ذريعة مماثلة في‬ ‫مطالبة تشيكوسلوفاكيا بالتنازل عن مقاطعة السوديت‪ .‬ويشترك بوتني في‬ ‫شيء آخر مع هتلر‪ :‬نظرته إلى البلد الذي يحتله باعتباره «غير طبيعي» بطريقة‬ ‫أو بأخرى‪ .‬ورغم أن بوتني لم يسبق له الطعن رسميا في استقالل أوكرانيا‪،‬‬ ‫فإنه لم ُيخف قط رأيه بأنها ليست «دولة حقيقية»‪ ،‬مشيرا إليها بوصفها جزءا‬ ‫من «العالم الروسي»‪ .‬وباملثل‪ ،‬كانت تشيكوسلوفاكيا في نظر هتلر عبارة عن‬ ‫تكتل غير طبيعي من أمم ومناطق متباينة‪.‬‬ ‫سعى هتلر إلى تدمير تشيكوسلوفاكيا‪ .‬فبعد ستة أشهر من اقتطاعه ملنطقة‬ ‫السوديت‪ ،‬ألغى اتفاقية ميونيخ باحتالل بوهيميا ومورافيا بالكامل وتحويل‬ ‫األراضي التشيكية إلى محمية أملانية‪ ،‬في حني زرع نظاما صوريا في سلوفاكيا‬ ‫املستقلة اسميا‪ .‬وإذا كانت لدى بوتني خطط مماثلة فمن املرجح بعد ضم شبه‬ ‫جزيرة القرم‪ ،‬ثم يعقب ذلك بالوجود العسكري املباشر في شرق أوكرانيا‬ ‫(حيث تحتشد القوات الروسية على الحدود)‪ ،‬وربما يفرض نوعا من التقسيم‬

‫ومثله في ذلك مثل هتلر‪ ،‬ال يهتم بوتني باملنطقة املحتلة فحسب بطبيعة الحال‬ ‫ بل وال يهتم بها بشكل خاص‪ .‬فهو يسعى بدال من ذلك إلى استعراض‬‫القوة في أماكن بعيدة‪ .‬وقد استغل بوتني لفترة طويلة انبعاث الحس الوطني‬ ‫ وبشكل خ��اص فكرة روسيا بوصفها فاعال عامليا مستقال له «عامله»‬‫الخاص ‪ -‬إلضفاء الشرعية على حكمه‪ .‬ووفقا لهذه الرؤية‪ ،‬فإن أوكرانيا‬ ‫ال بد أن تنحاز استراتيجيا لروسيا‪ ،‬وال بد أن تكون سيادتها محدودة‪.‬‬ ‫وم��ن جانبه‪ ،‬ك��ان هتلر ي��رى في تشيكوسلوفاكيا الديمقراطية املستقلة‬ ‫تهديدا أمنيا‪ ،‬في حني ك��ان يتطلع إل��ى أصولها الصناعية الكبيرة‪ .‬ولكن‬ ‫ضم مقاطعة السوديت كان املقصود منه في املقام األول واألخير املساعدة‬ ‫في استعادة مكانة أملانيا بوصفها «قوة عظمى»‪ .‬وهناك أيضا أوجه تشابه‬ ‫مذهلة بني استجابات زعماء الغرب لألزمتني ‪ -‬أو على وجه التحديد ترددهم‬ ‫في اتخاذ تدابير حاسمة‪ .‬ويبدو أنهم غير راغبني في واقع األمر في دعم‬ ‫تحذيراتهم بشأن «التكاليف» و«العواقب» بتدابير ذات مغزى مثل تجميد‬ ‫األصول وفرض عقوبات تجارية وقيود على السفر ‪ -‬وهو ما من شأنه أن‬ ‫يعزز اعتقاد بوتني بأنهم سوف يستمرون في اختيار عالقاتهم بروسيا‬ ‫ْ‬ ‫معلني مصالحهم على سالمة أراضي أوكرانيا‪ .‬ويذكرنا هذا الحذر بسياسة‬ ‫بريطانيا وفرنسا في العام ‪ .1938‬عندما تمت التضحية بالسوديت ‪ -‬ثم‬ ‫تشيكوسلوفاكيا في وقت الحق ‪ -‬في مقابل «السالم في عصرنا» والذي‬ ‫لم يدم طويال‪.‬‬

‫الزعيم النازي أدولف هتلر (‪)1945 - 1889‬‬ ‫من موقعه في الجبهة أمام برج إيفل بعد‬ ‫استسالم فرنسا والتوقيع على الهدنة الثانية‬ ‫في كومبيان ‪ 23 -‬يونيو ‪1940‬‬

‫‪,,‬‬

‫يري البعض‬ ‫أن املقارنة‬ ‫بني بوتني‬ ‫وهتلر فيها‬ ‫من التعسف‬ ‫والتحامل‬ ‫أكثر مما فيها‬ ‫من النزاهة‬ ‫واإلنصاف‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪19‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫بما ذكره هتلر في مذكراته «كفاحي» في تعليق له على استسالم أملانيا في عام‬ ‫‪1918‬؛ حيث قال‪ :‬إنه شعر بالكراهية تجاه من أقدم على هذه الجريمة النكراء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مضطرا إلخفاء بطاقة العضوية للحزب‬ ‫في الوقت الذي وجد فيه بوتني نفسه‬ ‫الشيوعي السوفياتي في درج مكتبه مع انهيار االتحاد السوفياتي الذي حدث‬ ‫نتيجة لتداعيات الصراع العاملي والضعف والخيانة واملؤامرات‪ ،‬وما أن سيطر‬ ‫كال الرجلني على مقاليد األمور في بلديهما إال وشرعا في إعادة بناء كل من‬ ‫النظام العسكري واالقتصادي سواء في أملانيا أو روسيا‪.‬‬ ‫على أن التشابه الكبير يتمثل في وضع روسيا‪ ،‬عقب انهيار االتحاد السوفياتي‬ ‫السابق‪ ،‬ووضع أملانيا عقب الحرب العاملية األولى‪ ،‬فمع إطالق آخر رصاصة‬ ‫ف��ي ال�ح��رب العاملية األول ��ى‪ ،‬تفككت اإلم�ب��راط��وري�ت��ان األمل��ان�ي��ة والنمساوية ‪-‬‬ ‫املجرية اللتان خسرتا الحرب وانهارتا‪ ،‬ورسم املنتصرون في الحرب األولى‬ ‫في معاهدة «فرساي» في يونيو (حزيران) عام ‪ 1919‬حدود الدول التي ولدت‬ ‫منهما‪ .‬فأصبحت جمهورية اإللزاس واللورين تابعة لفرنسا‪ ،‬وأصبحت بولندا‬ ‫والنمسا وتشيكوسلوفاكيا واملجر وأملانيا دوال مستقلة تماما عن بعضها‬ ‫بحسب الخارطة السياسية التي وضعتها «عصبة األمم» عقب انتهاء الحرب‬ ‫العاملية األولى‪ ،‬هكذا رأى القوميون النمساويون واألملان اإلمبراطوريتني‪ ،‬اللتني‬ ‫بناهما أجدادهما كقوى عظمى وسط القارة األوروبية على مدى عقود تنهاران‬ ‫وتتقاسم إمبراطوريات أخ��رى (تحديدا الروسية ‪ -‬الحقا السوفياتية عقب‬ ‫الثورة ‪ -‬والبريطانية والفرنسية) مستعمراتهما حول العالم‪ .‬ورأى هؤالء أن‬ ‫دماء نحو ثالثة ماليني عسكري أملاني ونمساوي ومجري سقطوا في الحرب‬ ‫ال يمكن أن تذهب هدرا‪ ،‬وبالتالي فإن مجد أملانيا يجب أن يعود‪.‬‬ ‫ناشط من منظمة العفو الدولية‬ ‫يركب دراجة نارية خالل مظاهرة احتجاج‬ ‫ضد زيارة بوتني إلى فرنسا‬

‫‪,,‬‬

‫كان ّ‬ ‫ضم روسيا‬ ‫لشبه جزيرة‬ ‫القرم مناسبة‬ ‫الستحضار‬ ‫تلك الحقبة‬ ‫السوداء‬ ‫للنازية ولرفع‬ ‫صورة هتلر‬ ‫من جديد‬

‫‪,,‬‬

‫‪18‬‬

‫لقائها مع األمير تشارلز ذكرت ماريان فرغيسون أن «األمير قال‪ :‬واآلن يفعل‬ ‫بوتني الشيء نفسه تقريبا الذي فعله هتلر»‪ ،‬في إشارة إلى ضم شبه جزيرة‬ ‫القرم إلى روسيا‪ ،‬مضيفة «فاجأني إدالؤه بهذا التعليق ألني أعرف أن (أفراد‬ ‫العائلة املالكة) ليس بإمكانهم اإلدالء بهذا النوع من التعليقات لكن ما قاله كان‬ ‫صادقا جدا ونزيها»‪.‬‬ ‫وع��ادة ما تلتزم العائلة املالكة البريطانية الصمت في قضايا الدبلوماسية‬ ‫الخارجية‪ ،‬لكن عرف عن األمير تشارلز الحديث الصريح‪ .‬وحاول نائب رئيس‬ ‫الحكومة البريطاني نيك كليج الدفاع عن األمير تشارلز‪ ،‬قائال‪« :‬إنه في املضمون‬ ‫ال أريد أن أقارن بني حقبة تاريخية أوروبية وأخرى»‪ ،‬ولكن في الشكل‪« :‬لم أؤيد‬ ‫يوما الرأي الذي ينص‪ ،‬وبحجة االنتماء إلى العائلة املالكة‪ ،‬على نذر السكوت‬ ‫بطريقة الرهبان»‪ .‬وذكرت هيئة اإلذاعة البريطانية «بي بي سي» أن تعليقات‬ ‫األمير تشارلز التي من شأنها خلق تعقيدات دبلوماسية مع الرئيس الروسي‪،‬‬ ‫إذ ذكرت صحيفة موسكوفسكي كومسومولتس الشعبية أن تعليقات األمير‬ ‫تشارلز «قد تتسبب في فضيحة دولية وتعقد العالقات املضطربة بني اململكة‬ ‫املتحدة وروسيا»‪ ،‬خصوصا في ضوء مشاركة كل من األمير تشارلز وبوتني‬ ‫في إحياء الذكرى السبعني إلنزال النورماندي في فرنسا في ‪ 6‬يونيو (حزيران) والالفت في تطورات القرم األخيرة أنها أسهمت في ارتفاع شعبية بوتني إلى‬ ‫الحالي‪.‬‬ ‫مستويات هي األعلى منذ خمس سنوات‪ ،‬شعبية الرئيس الروسي‪ ،‬وصعود‬ ‫الشعور الوطني والقومي في روسيا على خلفية انضمام القرم إلى روسيا‬ ‫حدود التشابه‬ ‫واألزم��ة مع الغرب حول مستقبل أوكرانيا‪ .‬فقد أظهر استطالع للرأي أجراه‬ ‫مركز «ليفادا» الروسي الشهير نهاية مارس املاضي أن فالديمير بوتني سيفوز‬ ‫قد يري البعض أن هذه املقارنة بني بوتني وهتلر فيها من التعسف والتحامل بأغلبية األصوات في حال إجراء انتخابات رئاسية‪ ،‬حيث عبر ‪ 77‬في املائة ممن‬ ‫أكثر مما فيها من النزاهة واإلنصاف‪ ،‬لكن هناك أيضا ع��ددا ال بأس به من شملهم االستطالع استعدادهم إلعطاء أصواتهم ملصلحة بقائه على كرسي‬ ‫التجارب الشخصية والصفات السلوكية التي جمعتهما‪ ،‬إضافة إلى مجموعة الكرملني‪ ،‬وذلك بعدما كانت هذه النسبة نحو ‪ 64‬في املائة منذ عدة شهور خلت‪،‬‬ ‫من الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي ساهمت في تكوين وفي الوقت نفسه‪ ،‬تشهد روسيا حاليا صعودا للشعور الوطني والقومي بشكل‬ ‫ونشأة التركيبة النفسية لهذين الرجلني‪ ،‬ما يجعل من هذه املقارنة حقيقة غير مسبوق‪ .‬فقد نشر املركز املذكور استطالعا آخر ُيبني أن ‪ 74‬في املائة‬ ‫موضوعية وإن كانت ال تخلو من مبالغة سياسية‪ ،‬فكالهما كان في السلك من الروس على استعداد لتأييد الكرملني في حال نشوب حرب مع أوكرانيا‬ ‫العسكري عندما انهارت دولتهما فهتلر ك��ان برتبة عريف عندما خسرت مقابل معارضة ‪ 13‬في املائة فقط‪ .‬وأظهر هذا االستطالع أيضا أن نحو ‪ 80‬في‬ ‫أملانيا الحرب العاملية األول��ى ووق��ع أسيرا ل��دى الفرنسيني‪ .‬أم��ا بوتني فشهد املائة من الروس راضون عن سياسة الرئيس بوتني بشأن ضم القرم‪ .‬وبحسب‬ ‫انهيار االتحاد السوفياتي وهو موظف استخباراتي وتابع الذل واملهانة اللتني نتائج االستطالع الذي أجراه مركز «بيو» لألبحاث ومقره واشنطن‪ ،‬ونشرت‬ ‫مارسهما الغرب على القطب الروسي في مرحلة التحول من قطب عاملي إلى نتائجه وكالة «إيتار تاس» الروسية في ‪ 9‬مايو املاضي‪ ،‬فإن ‪ 83‬في املائة من‬ ‫دولة مريضه سقيمة خالل التسعينات املاضية‪ .‬وثمة مقارنة أخرى بني الرجلني مواطني روسيا االتحادية يعربون عن ثقتهم في أن بوتني يتصرف بشكل‬ ‫تتمثل في تعاطي كل منهما مع مشهد االنهيار الذي حل ببلديهما‪ ،‬مستشهدا صحيح فيما يخص املسائل الدولية‪ ،‬في حني أن ‪ 52‬في املائة واثقون تماما‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫وقد يعتقد البعض أن ما تقوم به روسيا اليوم في أوكرانيا تصلح مقارنته‬ ‫ب��االج�ت�ي��اح ال ��ذي ق��ام��ت ب��ه أمل��ان�ي��ا واالت �ح��اد ال�س��وف�ي��ات��ي ل�ب��ول�ن��دا ع��ام ‪1939‬‬ ‫واقتسامهما أراض�ي�ه��ا‪ ،‬م��ا أدى إل��ى نشوب ال�ح��رب العاملية الثانية‪ .‬لكن إذا‬ ‫أمعنا النظر في تاريخ املرحلة نجد تشابها شديدا وشبه تطابق بني سياسة‬ ‫الرئيس الروسي فالديمير بوتني تجاه أوكرانيا منذ وصوله إلى الحكم في‬ ‫موسكو‪ ،‬وسياسة ‪ Fuehrer‬أدولف هتلر تجاه تشيكوسلوفاكيا عند وصوله‬ ‫إل��ى س��دة الحكم وبسط نفوذه التوسعي إل��ى البلدان امل�ج��اورة ل��ه‪ .‬وم��ا أشبه‬ ‫سياسة هتلر التوسعية التي أشعلت الحرب العاملية الثانية‪ ،‬بسياسة الرئيس‬ ‫الروسي فالديمير بوتني اليوم‪ .‬فالرأي العام الروسي عند انفراط عقد االتحاد‬ ‫السوفياتي انتابه شعور امل��رارة نفسه ال��ذي انتاب ال��رأي العام األملاني عقب‬ ‫خسارة اإلمبراطورية األملانية بعد الحرب العاملية األولى‪ ،‬ومنذ تفكك االتحاد‬ ‫السوفياتي السابق في ديسمبر (كانون األول) ‪ .1991‬تعيش روسيا رحلة‬ ‫اس �ت��رداد «هيبتها ال�ض��ائ�ع��ة»‪ ،‬وال�ق��وم�ي��ون ال ��روس يحنون إل��ى أي��ام االت�ح��اد‬ ‫السوفياتي‪.‬‬


‫وأظهرت النتائج أن ‪ 24‬في املائة من األميركيني وجدوا أنها مقارنة عادلة‪ ،‬بينما‬ ‫‪ 50‬في املائة أن هذه املقارنة مبالغ فيها‪ .‬وأشارت املجلة إلى أن بوتني أصبح العدو‬ ‫األول لكثير من األميركيني‪ ،‬خاصة عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم‪ ،‬بينما‬ ‫ترى الغالبية العظمى من األميركيني أن بوتني شخص غير شريف وغير جدير‬ ‫بالثقة‪ .‬وانقسم األميركيون حول األقوى بوتني أم أوباما‪ ،‬حيث كان ‪ 80‬في املائة‬ ‫من األميركيني إما «قلقون إلى حد ما» أو «قلقون للغاية» من أن تؤدي املعركة‬ ‫بني بوتني والقوى الغربية إلى توريط الواليات املتحدة في صراع عسكري‪.‬‬

‫تفسيرات هنري كيسنجر‬ ‫وفي العاشر من مايو (أيار) املاضي‪ ،‬قال وزير الخارجية األميركي األسبق‪،‬‬ ‫هنري كيسنجر‪ ،‬إن على الغرب أال ينظر إلى الرئيس الروسي‪ ،‬فالديمير بوتني‪،‬‬ ‫على أنه «هتلر جديد» بل كزعيم محلي يحاول مد نفوذ بالده‪ ،‬مستبعدا أن‬ ‫يكون بوتني قد خطط مسبقا لعملية ضم القرم وإح��داث االض�ط��راب��ات في‬ ‫أوك��ران�ي��ا‪ ،‬وإن ك��ان ينظر إل��ى وج��وب أن تكون دول��ة تابعة‪ .‬وق��ال كيسنجر‪،‬‬ ‫في مقابلة مع ‪ CNN‬حول املوقف من روسيا بعد دوره��ا بأحداث أوكرانيا‪:‬‬ ‫«على املرء أن يسأل نفسه السؤال التالي‪ :‬لقد أنفق بوتني ‪ 60‬مليار دوالر على‬ ‫األلعاب األوملبية وأق��ام مراسم االفتتاح واإلغ�لاق محاوال إظهار روسيا على‬ ‫أنها بلد طبيعي ومتطور‪ ،‬وبالتالي من املستبعد أن يقوم هو نفسه بعد ثالثة‬ ‫أيام بشن هجوم بقرار ذاتي على أوكرانيا»‪ .‬ولدى سؤاله حول ما إذا كان يرى‬ ‫بأن تصرفات بوتني إنما كانت رد فعل على األحداث التي شاهدها وهي تخرج‬ ‫عن نطاق سيطرته قال كيسنجر‪« :‬أجل‪ ،‬أظن أنه كان يرغب على ال��دوام بأن‬ ‫تكون أوكرانيا في وضع الدولة التابعة»‪ .‬وأض��اف‪« :‬جميع املسؤولني الروس‬ ‫الذين قابلتهم‪ ،‬بمن فيهم الشخصيات التي في املعارضة‪ ،‬ينظرون إلى أوكرانيا‬ ‫على أنها جزء من التراث الروسي‪ ،‬ولكنني ال أظن أن بوتني كان قد خطط لفعل‬ ‫ذلك مسبقا‪ ،‬ربما خطط للقيام بذلك بشكل تدريجي‪ ،‬ولكنه اضطر للتحرك‬ ‫بالشكل الحالي بسبب الوضع الطارئ‪ ...‬بالطبع شرح سبب قيامه بهذا األمر ال‬ ‫يعني أن املرء يوافق على ضم جزء من أرض دولة أخرى أو تجاوز حدودها»‪.‬‬ ‫وعن ضرورة العمل من أجل بقاء روسيا ضمن املجتمع الدولي رغم ما تقوم‬ ‫به في أوكرانيا قال كيسنجر‪« :‬لدى روسيا مشاكل داخلية كبيرة‪ ،‬تراجع في‬

‫عدد السكان وصناعة متأخرة‪ .‬ولكنها تمثل منطقة حيوية واستراتيجية‪ ،‬ومن‬ ‫مصلحة الجميع أن تكون جزءا من النظام الدولي‪ ،‬فهي ليست مجرد جزيرة‬ ‫معزولة»‪ ،‬وختم بالقول‪« :‬علينا أال ننظر لبوتني على أنه هتلر جديد‪ ،‬بل زعيم‬ ‫روس��ي يحاول تحقيق أكثر ما يمكنه لصالح بلده‪ ،‬هذه األم��ور ع��ادة ما تتم‬ ‫بطريقة عنيفة‪ ،‬ونحن محقون بالتالي في الوقوف ضده‪ ،‬ولكن علينا أيضا أن‬ ‫نعرف متى ننهي املواجهة»‪.‬‬ ‫وفي ‪ 14‬مايو املاضي‪ ،‬نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» األميركية تصريحا‬ ‫للرئيس األميركي السابق بيل كلينتون‪ ،‬تعقيبا على قول وزير الخارجية جون‬ ‫كيري في م��ارس «إن الرئيس الروسي فالديمير بوتني ينبغي أال يتصرف‬ ‫بطريقة القرن التاسع عشر بغزو ال��دول وإع��ادة رسم الخرائط العاملية»‪ ،‬قال‬ ‫فيه كلينتون‪ :‬إن هذا ما يحدث بالضبط‪ .‬وقال كلينتون في كلمة ألقاها أمام‬ ‫جمع من الحضور في القمة املالية السنوية ملؤسسة بيتر جي بيترسون في‬ ‫واشنطن إن «بوتني يريد إعادة تأسيس العظمة الروسية ولكن ليس بشروط‬ ‫الحرب الباردة»‪ ،‬وأضاف أن الرئيس الروسي يعيد تأكيد القوة والنفوذ بـ«شروط‬ ‫إمبراطورية القرن التاسع عشر»‪ .‬وأشارت الصحيفة إلى ما قاله الرئيس باراك‬ ‫أوباما في هذا الصدد أيضا في مارس املاضي بعد ّ‬ ‫ضم روسيا لشبه جزيرة‬ ‫القرم‪ ،‬بأن تصرفات بوتني «ليست وفق القانون الدولي واألعراف الدولية املتبعة‬ ‫في القرن الحادي والعشرين»‪ .‬وكان بيل كلينتون فجر في مناسبة سابقة ‪ -‬كما‬ ‫أوردت مجلة «بوليتيكو» األميركية ‪ -‬في منتدى املهارات والتعليم العالي بدبي‬ ‫تصريحات أثارت جدال واسعا داخل أميركا وخارجها‪ ،‬عندما وصف بوتني‬ ‫بأنه «ذكي جدا ووطني شديد اإلخالص لروسيا‪ ،‬لكنه يراها أكثر من حيث‬ ‫عظمة الدولة وليس من حيث مكانة أبنائها»‪.‬‬ ‫وفي ‪ 21‬مايو (أيار) املاضي‪ ،‬وخالل زيارة رسمية إلى كندا مع زوجته دوقة‬ ‫ك��ورن��وال‪ ،‬أث��ار ول��ي العهد البريطاني األم�ي��ر تشارلز ج��دال واس�ع��ا ف��ي لندن‬ ‫بعدما شبه الرئيس الروسي فالديمير بوتني بالديكتاتور النازي أدولف هتلر‪.‬‬ ‫إذ أج��رى األمير تشارلز املقارنة خ�لال حديث مع ماريان فرغيسون‪ ،‬وهي‬ ‫سيدة بولندية األصل‪ ،‬عمرها ‪ 78‬عاما وفرت إلى كندا عندما كانت في الـ‪13‬‬ ‫من العمر وفقدت أف��رادا من عائلتها قضوا في معسكر اعتقال نازي‪ .‬وبعد‬

‫فالديمير بوتني قبل اجتماع‬ ‫وزاري ‪ -‬مايو ‪2014‬‬

‫‪,,‬‬

‫تطورات‬ ‫القرم األخيرة‬ ‫أسهمت في‬ ‫ارتفاع شعبية‬ ‫بوتني إلى‬ ‫مستويات هي‬ ‫األعلى منذ‬ ‫خمس سنوات‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪17‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫قيل إن «التاريخ مثل الجغرافيا ال تكرر نفسها»‪ ،‬لكن هذا ال يمنع من وجود «نظائر جغرافية»‪ ،‬وهي ال تعني‬ ‫التشابه التام في املوقع واملوضع‪ ،‬ولكن هذا التشابه قد يكون في الوظيفة والدور‪ .‬وباملثل والقياس قد توجد‬ ‫«نظائر تاريخية»‪ ،‬وهي ال تعني أيضا التشابه التام في الزمان واملكان‪ ،‬ولكن في الظروف واملالبسات التي تفرز‬ ‫أسبابا ودوافع يترتب عليها نتائج وتداعيات‪ ،‬وبما أن «التاريخ هو ظل اإلنسان على الجغرافيا»‪ ،‬فقد تكون‬ ‫«نظائر التاريخ» أقرب إلى التشابه‪ ،‬وهو ما دفع البعض ألن يعتقد أن «أسوأ ما في التاريخ أنه يعيد نفسه»‬

‫بني التحامل واإلنصاف‪ :‬فالديمير بوتني‪ ..‬هل يعيد إنتاج هتلر؟‬

‫سياسة االستيالء‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫أحمد دياب *‬

‫‪,,‬‬

‫أثار األمير‬ ‫تشارلز‬ ‫جدال واسعا‬ ‫في لندن‬ ‫بعدما‬ ‫شبه بوتني‬ ‫بالديكتاتور‬ ‫النازي هتلر‬

‫‪,,‬‬

‫‪16‬‬

‫ُ‬ ‫إن التاريخ كثيرا ما يكون أداة من أدوات السياسة‪ ،‬فتستدعى رموزه‬ ‫ُ‬ ‫وتستحضر محطاته الكبرى في معارك الحاضر‪ ،‬سواء للدفاع أو‬ ‫الهجوم‪ ،‬وفي هذا السياق تتعدد املقارنات والتشبيهات‪ ،‬في محاولة‬ ‫لتشويه الخصوم وإدانتهم والنيل من معنوياتهم‪ ،‬وتصبح كل األسلحة في‬ ‫مثل هذه املعارك مشروعة ومباحة‪ ،‬حتى تلك التي قد تتعسف على التاريخ أو‬ ‫تشوهه وتزوره‪ .‬وكان ّ‬ ‫ضم روسيا لشبه جزيرة القرم‪ ،‬مناسبة الستحضار‬ ‫تلك الحقبة ال �س��وداء‪ ،‬ول��رف��ع ص��ورة هتلر م��ن ج��دي��د‪ ،‬وم��ن امل�ف��ارق��ة أن هذا‬ ‫االستنجاد بالتاريخ إلدان��ة الحاضر تم على ضفتي النزاع‪ ،‬ولكن كل طرف‬ ‫من الزاوية التي تدعم موقفه ووجهة نظره مما حدث‪ .‬ولعل مقارنة وتشبيه‬ ‫الخصم بالزعيم النازي أدولف هتلر‪ ،‬تظل في الفضاء الغربي من أكثر املقارنات‬ ‫ُ‬ ‫والتشبيهات قسوة‪ ،‬وأكثرها إثارة للشجب واالستهجان‪ ،‬بل وتجريما تعرض‬ ‫صاحبها إلى عقوبات تصل حد السجن في بعض البلدان‪ ،‬ملا تختزنه الحقبة‬ ‫النازية من بشاعة ودموية وإذالل في التاريخ الحديث‪ ،‬خاصة ما تثيره من آالم‬ ‫في ذاكرة عدد من شعوب القارة العجوز‪.‬‬

‫بوتني وهتلر‬

‫بالخطوات التي قام بها هتلر لحماية املتحدرين من أصل أملاني الذين كانوا‬ ‫يعيشون خ��ارج أملانيا‪ .‬وقالت كلينتون إن بوتني سعى إلى منح األشخاص‬ ‫الذين يرتبطون بعالقة مع روسيا جوازات سفر روسية‪ .‬وفي أعقاب اإلطاحة‬ ‫بالرئيس األوك��ران��ي امل��وال��ي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش‪ ،‬ف��ي ‪ 22‬فبراير‬ ‫(شباط) املاضي‪ ،‬اتهمت السلطات الجديدة في أوكرانيا بوتني بإثارة التوتر‬ ‫بإرساله ق��وات إلى شبه جزيرة القرم (جنوب البالد)‪ .‬ونقلت الصحيفة عن‬ ‫كلينتون قولها إن «ذل��ك ليس جديدا‪ ،‬فهو ما فعله هتلر في الثالثينات‪ .‬لقد‬ ‫استمر هتلر في القول إن املتحدرين من أصول أملانية الذين كانوا في بلدان‬ ‫مثل تشيكوسلوفاكيا ورومانيا وغيرهما من الدول يتعرضون لسوء املعاملة‪،‬‬ ‫ولذلك يجب أن أذهب وأحمي شعبي‪ .‬هذا ما جعل الجميع يشعرون بالتوتر»‪.‬‬ ‫ومع سيطرة ق��وات موالية للكرملني على القرم في ‪ 18‬م��ارس املاضي‪ ،‬قالت‬ ‫كلينتون إن بوتني «يعتقد أن مهمته هي استعادة عظمة روسيا» من خالل إعادة‬ ‫ترسيخ هيمنته على الجمهوريات السوفياتية السابقة‪ .‬لكن كلينتون حاولت‬ ‫التخفيف من حدة تصريحها الحقا من خالل نفي املقارنة بني الشخصيتني‪:‬‬ ‫«أنا بالتأكيد لم أجر مقارنة‪ ،‬لكني أوصي بأننا يمكن أن نستخلص دروسا‬ ‫من مثل هذا التكتيك الذي استخدم سابقا»‪ ،‬وفيما يشبه محاولة رد اعتبار‬ ‫خجولة منها‪ ،‬وصفت بوتني بأنه «رجل قوي‪ ،‬بجلد رقيق»‪.‬‬

‫في الثاني من مارس (آذار) املاضي‪ ،‬أوردت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية‬

‫خبرا ُيفيد بأن وزير الخارجية التشيكي السابق كاريل شفارتسنبرغ عقد حديث وزير املالية األملاني‬

‫مقارنة ب�ين الرئيس ال��روس��ي فالديمير بوتني والزعيم ال�ن��ازي أدول��ف هتلر‬ ‫بعد تفاقم األزم��ة ف��ي أوك��ران�ي��ا‪ ،‬ف��ي مقابلة م��ع صحيفة نمساوية‪ ،‬معتبرا‬ ‫أن «م��ا يحدث في أوكرانيا يعد تكرارا للتاريخ»‪ ،‬مذكرا بغزو أملانيا النازية‬ ‫للنمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا ف��ي عامي ‪ .1939 - 1938‬مضيفا أن‪:‬‬ ‫«بوتني يتصرف باملبدأ ذاته الذي استخدمه أدولف هتلر بادعاء أن مواطنيه‬ ‫يتعرضون للقمع»‪ ،‬مضيفا أن «ال��روس في القرم ال يعانون من أي نوع من‬ ‫أنواع التمييز العنصري»‪.‬‬ ‫وف��ي الثالث أو الرابع من الشهر ذات��ه‪ ،‬كتب زبجنيو بريجنسكي‪ ،‬مستشار‬ ‫األمن القومي للرئيس األميركي األسبق جيمي كارتر (‪ ،)1980 - 1976‬في‬ ‫صحيفة «واشنطن بوست»‪ ،‬واصفا بوتني بأنه «خليط تقليد كوميدي يجمع‬ ‫بني موسوليني واألشد تهديدا هتلر»‪.‬‬

‫وفي الثاني من أبريل (نيسان) املاضي‪ ،‬شبه وزير املالية األملاني فولفجانج‬ ‫شويبله‪ ،‬أمام جمع من التالميذ األملان في برلني‪ ،‬طريقة تصرف روسيا في‬ ‫القرم بما فعله أدولف هتلر عندما قام بضم إقليم السوديت‪ ،‬قائال‪« :‬نعرف‬ ‫كل ذلك من التاريخ‪ .‬لقد استولى هتلر بمثل هذه الطرق على إقليم السوديت‬ ‫واستولى على الكثير من األراض��ي األخ��رى»‪ .‬ولكنه تراجع الحقا وق��ال‪« :‬أنا‬ ‫لست غبيا ألق��ارن بني هتلر وأي شخص ك��ان‪ ،‬يمكن لآلخرين القيام بذلك‪،‬‬ ‫ولكن الساسة األمل��ان ال يفعلون»‪ ،‬وع��اب وزي��ر املالية األملاني على الصحافة‬ ‫الستخدامها نصف جملة وأخرجتها من سياقها‪ .‬ولئن اعترف شويبله بأنه‬ ‫ذكر ضم مقاطعة السوديت لشرح حالة القرم لألطفال‪ ،‬فإنه أكد توضيحه‬ ‫مباشرة أنه ال يقوم بعملية مقارنة‪.‬‬

‫وفي الخامس من مارس املاضي‪ ،‬ذكرت وزيرة الخارجية األميركية السابقة‬ ‫هيالري كلينتون لصحيفة «لونغ بتيتش برس تلغرام»‪ ،‬أن الخطوات التي أقدم‬ ‫عليها الرئيس الروسي فالديمير بوتني في أوكرانيا تشبه العدوان الذي شنه‬ ‫زعيم أملانيا النازية أدولف هتلر في ثالثينات القرن املاضي‪ .‬وقالت كلينتون‬ ‫إن نشر بوتني لقوات روسية في أوكرانيا التي كانت جمهورية سوفياتية‬ ‫سابقة‪ ،‬لحماية املواطنني الروس واملتحدثني باللغة الروسية في ذلك البلد‪ ،‬يذكر‬

‫وفي الثالث من أبريل املاضي‪ ،‬أظهر استطالع للرأي أن األميركيني يرون أن‬ ‫تهديدات الرئيس ال��روس��ي‪ ،‬فالديمير بوتني‪ ،‬بشأن أوكرانيا ال تمت بصلة‬ ‫لتهديدات الزعيم النازي األملاني‪ ،‬أدولف هتلر‪ ،‬ولكنهم يعتقدون أن بوتني زعيم‬ ‫قوي مثل أوباما‪ .‬وأوردت مجلة «التايم» األميركية نتيجة االستطالع‪ ،‬الذي أجرته‬ ‫جامعة كوينيبياك بمشاركة ‪ 1576‬مصوتا‪ ،‬والذي عقد مقارنة بني سلوك بوتني‬ ‫تجاه أوكرانيا وسلوك هتلر خالل الفترة التي سبقت الحرب العاملية الثانية‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫وي��ؤك��د خ��ب��راء مستقلون أن ه��ذا امل��ش��روع «ال��خ�لاف��ي» ك��ان م��ن ب�ين أسباب‬ ‫استفحال العنف في الجنوب من قبل موالني لنظام القذافي وفي الشرق من‬ ‫قبل أنصار اللواء املتقاعد خليفة حفتر وبعض املعارضني للنظام الليبي الحالي‬ ‫املوجودين في عواصم خليجية وعربية كثيرة‪.‬‬ ‫وحسب مراقبني مستقلني فإن من بني أسباب اغتيال السفير األميركي السابق‬ ‫في ليبيا كريس ستيفنز في بنغازي يوم ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2012‬اتصاالته املكثفة‬ ‫بالسياسيني الليبيني وقادة القبائل شرق ليبيا إلقناعهم بالخيار «الفيدرالي»‪.‬‬ ‫وإذ ال يؤكد زعيم املعارضة الليبية الليبرالية ورئيس الحكومة األسبق محمود‬ ‫جبريل بوضوح ه��ذه املعلومة فإنه أك��د في تصريحات صحافية أن��ه خالل‬ ‫رئاسته للحكومة املؤقتة اتصل بهيالري كلينتون وزيرة الخارجية ليحتج على‬ ‫تحركات سفيرها الداعية وسط قبائل ليبيا وساستها إلقناعهم بـ«الفيدرالية»‬ ‫فأعلمته أن��ه يقوم بذلك بصفته «الشخصية»‪ .‬واس��ت��غ��رب جبريل إجابتها‬ ‫وتساءل‪« :‬كيف يمكن لسفير الواليات املتحدة أن يقوم بتحركات سياسية‬ ‫من هذا النوع ضمن (مبادرة شخصية) لم تكلفه بها سلطات بلده؟»‪.‬‬ ‫ويؤكد محمود جبريل في هذا السياق وجود «دعوات ليس إلى إحياء الفيدرالية‬ ‫فقط كنظام إداري للدولة‪ ،‬بل هناك محاوالت الستغالل هذه الدعوات لنقلها من‬ ‫مرحلة املطالبة بالفيدرالية كنظام إداري إلى مرحلة التقسيم»‪.‬‬ ‫واألخطر من هذا هو أن زعيم «التحالف» املعارض ورئيس الحكومة األسبق‬ ‫أورد أن «فرنسا أيضا تتحرك في الجنوب‪ ،‬تحديدا مع قبائل التبو»‪ .‬والجنوب‬ ‫يعني الكثير بالنسبة لفرنسا ألنه يذكر بدويلة فزان التي كانت تابعة لها منذ‬ ‫هزيمة اإليطاليني خالل الحرب العاملية الثانية وتقاسم ليبيا من قبل فرنسا‬ ‫(التي كانت حصتها اإلقليم الجنوبي) وبريطانيا التي سيطرت على إقليمي‬ ‫طرابلس (الغرب) وبرقة (الشرق)‪ ..‬وتحدهما مدينة إجدابيا‪.‬‬ ‫الدولة) على «وحدة ليبيا» فإن األشهر املاضية شهدت «تحركات انفصالية»‬ ‫كثيرة في شرق البالد وجنوبها‪ ..‬وإن تسببت االغتياالت وعمليات اعتقال‬ ‫وحسب الجامعي الليبي بلقاسم عبد الله فإن «دع��اة التقسيم ينطلقون من الساعدي القذافي ومديري املخابرات السابقني (عبد الله السنوسي وعبد الله‬ ‫التنوع العرقي اإلثني والثقافي واللغوي في ليبيا‪ :‬األمازيغ (أقل من عشرة في منصور) في تخفيف حدتها‪.‬‬ ‫املائة)‪ ،‬والطوارق‪ ،‬والتبو‪ ..‬وهي قبائل ليبية جاء بعضها من أصول أفريقية وكان عبد ربه عبد الحميد البرعصي رئيس املكتب التنفيذي لحكومة «إقليم‬ ‫في جنوب البالد‪ ،‬وبعضها له امتدادات داخل تشاد والنيجر‪ ..‬والقبيلة موزعة برقة» أعلن في أكتوبر املاضي عن «دول��ة مستقلة» ش��رق ليبيا تضم أربع‬ ‫أحيانا بني األرضني‪ ،‬بما يفتح شهية بعض (االستعماريني الجدد) للعب ورقة محافظات هي إجدابيا وبنغازي والجبل األخضر وطبرق‪ ...‬وأورد أن تشكيل‬ ‫(حروب االستنزاف الحدودية) التي يلعبونها منذ ‪ 60‬عاما في أفريقيا‪ ..‬خاصة هذه «الحكومة اإلقليمية» جرى باالستناد إلى «دستور ليبيا الذي أقر عقب‬ ‫في املناطق الغنية بثرواتها الطبيعية مثل جنوب ليبيا وشرقها‪ ،‬مثلما سعوا استقالها في عام ‪ 1951‬إبان فترة حكم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي»‪.‬‬ ‫إلى تقسيم العراق عمليا إلى ثالث دويالت‪ :‬واحدة غنية بالنفط في كردستان‪ ،‬ميليشيات تسيطر على موانئ النفط‬ ‫والثانية شيعية جنوب العراق‪ ،‬والثالثة سنية فقيرة في بغداد ووسط البالد»‪ .‬ولئن «أجهضت» تلك املحاولة «االنفصالية» ف��إن رئيس «املكتب السياسي‬ ‫ف��ي نفس ال��وق��ت ال��ذي يربط فيه كثير م��ن الساسة ف��ي ليبيا وخارجها بني إلقليم برقة» إبراهيم الجضران ساند هذا التمشي «الفيدرالي»‪ ..‬ونشر قواته‬ ‫«الفلتان األمني والعسكري» وإقالة رؤس��اء الحكومات وال��وزراء واملسؤولني حول موانئ تصدير النفط باعتباره «الرئيس السابق إلحدى وحدات حرس‬ ‫عن الشركات الوطنية و«فضيحة سرقة النفط وتهريبه على منت بواخر كورية املنشآت النفطية»‪.‬‬ ‫وأجنبية»‪ ،‬وهيمنة «عصابات مسلحة» على موانئ تصدير النفط شرقا‪ ،‬إحداها ورغم التشكيك في وطنية «جضران» من قبل خصومه اإلسالميني والليبراليني‬ ‫بزعامة إبراهيم جضران‪ ،‬ال يخفي كثير من الزعماء األمنيني والعسكريني «املتمسكني بوحدة ليبيا» فقد نجح في أن يسيطر مع أفراد امليليشيا املسلحة‬ ‫والسياسيني من منطقة الشرق أن «بنغازي ع��روس ث��ورة ‪ »2011‬يمكن أن التي يتزعمها على منشآت تنتج «نحو ‪ 60‬في املائة من الثروة النفطية للبالد‬ ‫تنفصل مع مدن الشرق عن طرابلس إذا تواصل «تهميشها بعد الثورة مثلما في املناطق الصحراوية النائية املنتجة للنفط»‪ ،‬على تعبير مصادر حكومية‬ ‫همشت في عهد القذافي»‪.‬‬ ‫في طرابلس‪ ،‬الذي أقر بكون صادرات ليبيا من النفط نزلت من مليون ونصف‬ ‫حفتر‬ ‫خليفة‬ ‫��ار‬ ‫ص‬ ‫��‬ ‫ن‬ ‫وأ‬ ‫بنغازي‬ ‫��ي‬ ‫ف‬ ‫«الغاضبني»‬ ‫عند‬ ‫ولعل ب�ين نقاط ال��ق��وة‬ ‫املليون من البراميل يوميا إلى أقل من ‪ 300‬ألف برميل‪ ،‬بينما يفترض أن ترتفع‬ ‫وموانئ‬ ‫ليبيا‬ ‫نفط‬ ‫ثلثي‬ ‫أن‬ ‫أسابيع‪،‬‬ ‫قبل‬ ‫املدني»‬ ‫«العصيان‬ ‫ومنظمي مظاهرات‬ ‫بسرعة إلى أكثر من عشرة ماليني برميل «لو يتوفر األمن ودولة مركزية قوية»‪.‬‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫ليبيا‬ ‫سكان‬ ‫ثلث‬ ‫يضم‬ ‫الذي‬ ‫الجزء‬ ‫في‬ ‫أي‬ ‫شرقا‪،‬‬ ‫تصديره موجودة‬ ‫في هذا املناخ العام تظل األوض��اع في ليبيا مرشحة إلى كل السيناريوهات‪،‬‬ ‫االستعمار‬ ‫ضد‬ ‫الوطنية‬ ‫الحركة‬ ‫قادت‬ ‫التي‬ ‫السنوسية‪،‬‬ ‫ملوك‬ ‫كما تنتمي عائلة‬ ‫في وقت تأكد فيه أن غالبية العواصم العربية والدولية لديها أطماع في ثروات‬ ‫وجود‬ ‫عدم‬ ‫ورغم‬ ‫املشرق‪..‬‬ ‫إلى‬ ‫ليبيا‪،‬‬ ‫كامل‬ ‫في‬ ‫كبير‬ ‫صوفي‬ ‫ديني‬ ‫ولها إشعاع‬ ‫هذا البلد الذي ال يتجاوز عدد سكانه ستة ماليني‪ ،‬بينما يمكن أن يصبح من‬ ‫‪2011‬‬ ‫ثورة‬ ‫منذ‬ ‫ينوهون‬ ‫ليبيا‬ ‫ساسة‬ ‫غالبية‬ ‫فإن‬ ‫امللكية‬ ‫بإرجاع‬ ‫واضحة‬ ‫مطالب‬ ‫بني املصدرين السبعة األوائ��ل للغاز والنفط إذا استقرت أوضاعه السياسية‬ ‫الدينية‬ ‫ورموزها‬ ‫وبعائلته‬ ‫‪،1969‬‬ ‫انقالب‬ ‫به‬ ‫أطاح‬ ‫الذي‬ ‫السنوسي‪،‬‬ ‫إدريس‬ ‫بامللك‬ ‫واألمنية‪.‬‬ ‫(شباط)‬ ‫فبراير‬ ‫في‬ ‫طرابلس‬ ‫في‬ ‫املركزية‬ ‫السلطة‬ ‫أصدرت‬ ‫لذلك‬ ‫والسياسية‪..‬‬ ‫لعل «التوافق السياسي» الجديد يتحقق بعد اقتناع كل األطراف «بالخطر الذي‬ ‫املاضي قرار «إعادة االعتبار إليها»‪.‬‬ ‫سيهدد الجميع» في صورة استمرار االقتتال ‪ -‬عامل إضافي يمكن أن يوحد‬ ‫«اإلخوة األعداء» في ليبيا‪ ..‬وأصدقاؤها في الدول التي أنفقت مليارات الدوالرات‬ ‫الدستور األول أقر «التقسيم»‬ ‫من أجل اإلطاحة بنظام القذافي‪ ،‬وتريد أن تجني ثمر «استثمارها»<‬ ‫ورغم تأكيد قيادات األحزاب الفاعلة في «املؤتمر الوطني العام» (البرملان ورئاسة‬

‫ليبية تحمل صورة اللواء خليفة‬ ‫حفتر خالل مظاهرة داعمة لتحركاته‬ ‫املناهضة للحكومة والبرملان الليبيني‬

‫‪,,‬‬

‫مصر اغلقت‬ ‫«البوابة»‬ ‫الحدودية مع‬ ‫ليبيا ورفعت‬ ‫من مستوى‬ ‫التعبئة‬ ‫العسكرية‬ ‫حماية‬ ‫لحدودها‬ ‫الشرقية‬

‫‪,,‬‬

‫* كاتب وإعالمي تونسي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪15‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫يرتئيها األشقاء الليبيون‪ ،‬وحسب ما يرونه صالحا ملستقبل بلدهم وعالقاته‬ ‫الثنائية مع جيرانه حاضرا ومستقبال»‪.‬‬ ‫وإذ تتواصل الحرب النفسية هنا وهناك نفت مصادر رسمية في ليبيا وتونس‬ ‫م��ا أشيع ع��ن ف��رار رئيس األرك��ان الليبي ال�ل��واء ال��رك��ن عبد ال�س�لام ج��اد الله‬ ‫العبيدي ال��ذي كان على رأس منتقدي «تحرك اللواء املتقاعد خليفة حفتر»‬ ‫ووصفه بـ«التمرد على السلطات الشرعية وعلى القيادة العليا للجيش الوطني‬ ‫الليبي في طرابلس»‪.‬‬

‫مبادرة سياسية حكومية‬

‫أعضاء جماعة اإلخوان في ليبيا‬ ‫خالل مؤتمر صحافي عقد‬ ‫في بنغازي ‪ -‬مايو ‪2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫القاهرة‬ ‫متخوفة من‬ ‫املعلومات‬ ‫التي تحدثت‬ ‫عن تأسيس‬ ‫«جيش‬ ‫مصري‬ ‫حر» داخل‬ ‫األراضي‬ ‫الليبية‬

‫‪,,‬‬

‫‪14‬‬

‫في هذه األثناء يتواصل الجدل في ليبيا حول مصير «املؤتمر الوطني العام»‬ ‫(البرملان والسلطة التنفيذية املنتخبني في ‪ 7‬يوليو‪ /‬تموز ‪ )2012‬واسم رئيس‬ ‫الحكومة الجديدة‪ ..‬وتتنوع املبادرات السياسية‪ .‬وقد كشف الجامعي الليبي‬ ‫إبراهيم النقاص أن الحكومة املؤقتة تقدمت «ب�م�ب��ادرة إل��ى املؤتمر الوطني‬ ‫ال�ع��ام لحل األزم ��ة ال��راه�ن��ة ال�ت��ي تمر بها ال �ب�لاد»‪ .‬وم��ن ب�ين أب��رز م��ا ف��ي هذه‬ ‫املبادرة «دخول املؤتمر الوطني في إجازة برملانية حتى انتخاب البرملان املقبل‬ ‫وتسليمه السلطة‪ ..‬على أن تتقدم الحكومة املؤقتة باستقالتها في أول جلسة‬ ‫للبرملان الجديد‪ ،‬وكذلك التمسك باإلعالن الدستوري املؤقت وشرعية الهيئات‬ ‫واملؤسسات املنبثقة عنه»‪ .‬ودعت املبادرة إلى تشكيل لجنة وزارية للتواصل‬ ‫مع كل التشكيالت املسلحة بهدف الوصول إلى توافق وطني يرفض االحتكام‬ ‫للسالح‪ ...‬على أن تكلف «قوات املنطقة الوسطى» (أي منطقة مصراتة‪ ..‬وهي‬ ‫األقوى حاليا بعد قوات طرابلس واملنطقة الغربية) بحماية العاصمة ومؤسسات‬ ‫الدولة واملركزية‪ .‬هل تنجح هذه املبادرة السياسية أم يقع إجهاضها مجددا‬ ‫الظالمية‪ ،‬التي سيطرت على ليبيا وأهانت شعبها»‪.‬‬ ‫ونسب إلى «الحجازي» تصريح أورد فيه أن «قوات حفتر نجحت في القضاء وتكون الكلمة األخيرة للسالح وألنصار «التقسيم» أو «الدولة الفيدرالية»؟‬ ‫على مخازن الذخيرة التي تملكها تلك الجماعات اإلرهابية»‪.‬‬ ‫والالفت للنظر في التصريح املنسوب إلى «الحجازي» كون «الجيش الوطني ثالث دويالت‬ ‫الليبي» توجه بنداء إلى القوات املصرية بالتدخل شرق ليبيا و«بمد يد العون‬ ‫للحفاظ على الحدود املصرية الليبية مستقرة»‪ ،‬وأورد التصريح أن «الجيش وبعد مرور أسابيع على «الوساطات التونسية واألممية والعربية» بني الفرقاء‬ ‫املصري صمام األمان لألمة العربية بأكملها ونعول عليه الكثير ونمد اليد إليه السياسيني ف��ي ليبيا‪ ..‬وبعد أشهر على «مؤتمر أص��دق��اء ليبيا» ف��ي روم��ا‬ ‫لحماية الحدود الليبية املصرية»‪.‬‬ ‫بمشاركة وزراء خارجية الدول العظمى ودول عربية تتصاعد الدعوات لتقسيم‬ ‫ال�ب�لاد إل��ى دوي�ل�ات وأقاليم بالنسبة للبعض‪ ..‬أو إل��ى بناء «ات�ح��اد فيدرالي»‬ ‫بني أقاليم تتمتع بـ«حكم ذاتي» يسمح ملنطقتي الشرق والجنوب بوضع حد‬ ‫مبادرات دولية‬ ‫«الحتكار املنطقة الغربية والوسطى بزعامة طرابلس ومصراتة ثروات البالد‬ ‫وفي انتظار نتائج جهود املصالحة الداخلية وتحركات «الكواليس» في طرابلس وطاقاتها»‪.‬‬ ‫تحركت الدبلوماسية العربية والدولية؛ فقد عينت واشنطن السفير والخبير ولعل من أبرز القضايا الخالفية حول مستقبل ليبيا منذ ‪ 20‬أكتوبر (تشرين‬ ‫األمني األميركي السابق ديفيد ساترفيلد مبعوثا خاصا للحوار لدى ليبيا‪ ،‬األول) ‪ 2011‬تاريخ اغتيال الزعيم الليبي السابق معمر القذافي وإعالن نهاية‬ ‫بينما عني السفير الفلسطيني السابق ناصر القدوة مندوبا عن األمني العام نظامه ‪ -‬م�ش��روع تقسيم ليبيا إل��ى ث�لاث دوي�ل�ات‪ ..‬بحجة إح�ي��اء «االت�ح��اد‬ ‫لجامعة الدول العربية ملتابعة امللف الليبي‪« ..‬ودعم خيار الحوار السياسي»‪ .‬الفيدرالي» الذي كانت عليه ليبيا ما بني ‪ 1951‬وعام ‪ 1964‬عندما كانت ليبيا‬ ‫في األثناء تكثفت في تونس جهود الوساطة بني األطراف الليبية املتنازعة بدعم مقسمة إلى ثالثة أقاليم‪ :‬إقليم طرابلس غربا وإقليم برقة (ويشمل بنغازي‬ ‫والبيضاء ودرنة‪ )...‬شرقا وإقليم فزان (وعاصمته سبها جنوبا)‪.‬‬ ‫من ممثل األمم املتحدة لدى ليبيا طراق متري‪.‬‬ ‫وتشرف على هذه املبادرات «الصلحية» شخصيات إسالمية وليبرالية بزعامة وتؤكد مصادر مطلعة أن من بني أبرز أسباب اغتيال السفير األميركي كريس‬ ‫رئيس حزب النهضة اإلسالمي راشد الغنوشي ووزير الخارجية األسبق رفيق ستيفنز في سبتمبر (أيلول) ‪ 2012‬وحاالت االغتيال والعنف السياسي في‬ ‫عبد السالم من جهة‪ ،‬ورئيس الجمهورية املنصف املرزوقي وقياديني من حزبه بنغازي والجنوب تضاعف دعاة «االنفصال» في مناطق النفط الغنية شرقا‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬والباجي قائد السبسي رئيس الحكومة السابق وزعيم حزب وجنوبا‪ ..‬أو أنصار تشكيل اتحاد «فيدرالي» يعوض الدولة املركزية «القديمة»‪.‬‬ ‫«نداء تونس» من جهة ثالثة‪ .‬وتأكد توافد ممثلني عن قبائل «الزنتان» و«ورفلة» فهل من الوارد أن تقسم فعال إلى ثالث دويالت أو أكثر خاصة بعد أن وقعت‬ ‫و«ورش �ف��ان»‪ ..‬وزع��ام��ات عن «مجالس ال�ث��وار» القريبني من رئيس الحكومة محاوالت رسمية في هذا االتجاه في أكتوبر املاضي عند إعالن بعض ساسة‬ ‫األسبق محمود جبريل وعن زعامات تمثل «األغلبية» في الحكومة واملؤتمر املشرق عن «تأسيس دولة مستقلة في إقليم برقة» شرقا؟‬ ‫الوطني العام بزعامة تيار «العدالة والبناء» بقيادة محمد صوان وتيار اإلخوان‬ ‫املسلمني و«حزب الوطن» بقيادة عبد الحكيم بالحاج‪ .‬وقد نوه السفير الليبي من خالل ما تبثه وسائل اإلعالم الليبية املسموعة واملرئية واملكتوبة يتضح‬ ‫الجديد بتونس محمد علولو بأن «السفارة الليبية لدى تونس تسعى إلى التعاون أن «اقتراح» تقسيم ليبيا إلى ما ال يقل عن ثالث دويالت لم يعد مجرد إشاعة‪،‬‬ ‫مع كل األطراف التي تحاول تحقيق املصالحة بني الليبيني وضمان عودة عائالت بل إن بعض كبار زعامات القبائل والكتائب املسلحة و«املعارضة السياسية»‪،‬‬ ‫وخاصة «التحالف»‪ ،‬باتت تعلن بوضوح دعمها لتشكيل «اتحاد فيدرالي» بني‬ ‫النازحني إلى تونس ومصر والجزائر في أقرب وقت»‪.‬‬ ‫وقد أكد السفير التونسي في طرابلس رضا بوكادي أن «تونس تسعى إلى دولة في املشرق عاصمتها بنغازي ودولة في الجنوب عاصمتها سبها وثالثة‬ ‫إنجاح جهود حوار سياسي شامل بني األطراف املتنازعة‪ ..‬وفق الخيارات التي في الغرب عاصمتها طرابلس‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫غلق السفارات‪ ..‬تهريب السالح‬ ‫وقد تصاعدت التخوفات في تونس ومصر والجزائر من مضاعفات اندالع‬ ‫«مواجهات عسكرية شاملة» بني أنصار اللواء خليفة حفتر وخصومه أقدمت‬ ‫عدة عواصم على غلق سفاراتها وقنصلياتها في طرابلس وبنغازي‪ ..‬بما في‬ ‫ذلك اململكة العربية السعودية واإلمارات العربية املتحدة والجزائر‪.‬‬ ‫ف��ي ن�ف��س ال��وق��ت ف��رض��ت ال �س �ف��ارات ال�غ��رب�ي��ة إج� ��راءات أم�ن�ي��ة إض��اف�ي��ة على‬ ‫دبلوماسييها ورعاياها بعد تعاقب عمليات اختطاف األجانب والدبلوماسيني‪،‬‬ ‫بينهم دبلوماسيان تونسيان ال ي��زاالن مخطوفني منذ شهر م��ارس (آذار)‬ ‫املاضي‪.‬‬ ‫وقد فسرت املصادر الجزائرية إعالن حالة االستنفار العسكري على الحدود‬ ‫مع ليبيا باملعلومات األمنية «غير املطمئنة» التي وصلت الجزائر بعد تقارير‬ ‫أمنية حذرت من احتمال تعرض القوات الجزائرية املوجودة في الحدود مع ليبيا‬ ‫لهجمات تنفذها جماعات متطرفة مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة‪ ،‬حسب‬ ‫اإلعالمية الجزائرية أنيسة السلطاني‪.‬‬ ‫وكانت الحدود الصحراوية الشاسعة بني ليبيا والجزائر من أبرز «الطرقات»‬ ‫التي استخدمها مهربو السالح واملخدرات واملهاجرون غير القانونيني من ليبيا‬ ‫خالل األعوام املاضية؛ ألن األمر يتعلق بمنطقة صحراوية غير آهلة بالسكان‪..‬‬ ‫رغم تركيز نحو ‪« 80‬نقطة أمنية ثابتة» بها‪.‬‬

‫الجيش املصري الحر‬ ‫وفي مصر املنشغلة بأوضاعها السياسية واألمنية الداخلية بعد االنتخابات‬ ‫الرئاسية كثف الجانب املصري رقابته على حدوده تحسبا «لتسلل إرهابيني‬ ‫مصريني وليبيني وعرب من مخيمات امليليشيات املسلحة املتطرفة في شرق‬ ‫ليبيا‪ ،‬في محاولة (للتشويش) على النظام املصري »‪ ،‬على حد تعبير وزير‬ ‫الدولة التونسي السابق للخارجية صالح الدين الجمالي‪.‬‬ ‫وأوردت مصادر رسمية وشبه رسمية في القاهرة أن بعض األوساط األمنية‬ ‫واالستخباراتية املصرية متخوفة من املعلومات التي تحدثت عن تأسيس‬ ‫«جيش مصري حر» داخ��ل األراض��ي الليبية (على غ��رار «الجيش الحر» في‬ ‫سوريا) تكون مهمته زعزعة األوض��اع األمنية والعسكرية في مصر «بدعم‬

‫من أنصار الرئيس املعزول محمد مرسي وجماعة اإلخوان املسلمني املصرية‬ ‫التي يحاكم قادتها هذه األيام في مصر بتهم كثيرة بينها الضلوع في عمليات‬ ‫إرهابية وأعمال عنف»‪.‬‬ ‫لكن مصادر ليبية رسمية نفت وجود مثل هذا التنظيم على أراضيها‪ ،‬كما نفى‬ ‫الناشط السلفي د‪ .‬طارق الزمر الذي قيل إنه زعيم هذا «الجيش املصري الحر»‬ ‫وجوده في ليبيا‪ ،‬وأكد أنه موجود في العاصمة القطرية الدوحة‪ .‬ووصف من‬ ‫اتهمه بتشكيل مثل هذا التنظيم بـ«افتعال أكذوبة سخيفة»!‬

‫حركة تضامن مع اللواء حفتر‬ ‫وقد كشفت مصادر مسؤولة في تونس أن السلطات األمنية في مصر والجزائر‬ ‫وتونس أبرمت اتفاقا أمنيا «سريا» جديدا لترفيع التنسيق للتصدي للجماعات‬ ‫اإلرهابية التي قد تتسلل إلى األراضي الليبية‪ ..‬في ظل معلومات مؤكدة عن‬ ‫«مغادرة آالف املقاتلني العرب لسوريا في اتجاه مواطنهم»‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي يتواصل فيه التنسيق بني تونس والجزائر ومصر والعواصم‬ ‫الغربية والعربية املعنية بمستقبل االستقرار السياسي واالقتصادي واألمني‬ ‫في ليبيا‪ ..‬تنوعت امل�ب��ادرات السياسية «التوفيقية» داخ��ل األراض��ي الليبية‬ ‫وخارجها‪ ،‬وبينها تونس التي يتوافد عليها منذ مدة عدد من زعماء القبائل‬ ‫واألحزاب الليبية‪ ..‬من مختلف التيارات‪ ..‬ومن ممثلي «املهجرين» أو «النازحني»‬ ‫الليبيني الذين قدر عددهم في تونس وحدها بأكثر من مليون‪ ،‬نسبة كبيرة‬ ‫منهم من بني أفراد عائالت املسؤولني السياسيني والعسكريني السابقني في‬ ‫عهد القذافي‪.‬‬ ‫لكن م��ن ب�ين م��ا يشغل ال�س��اس��ة ف��ي ليبيا وخ��ارج�ه��ا أن بعض العسكريني‬ ‫واألمنيني والساسة في ليبيا أعلنوا تعاطفهم مع تحرك اللواء خليفة حفتر‬ ‫وأن�ص��اره في «الجيش الوطني الليبي» في وق��ت تبدو فيه ق�ي��ادات «اإلخ��وان‬ ‫امل�س�ل�م�ين» الليبية وح�ل�ف��اؤه��ا م�ت��رددي��ن ف��ي تبني ش �ع��اري «ال�ق�ض��اء على‬ ‫امليليشيات اإلرهابية املسلحة» ومحاربة «التنظيمات الدينية املورطة في القتل‬ ‫وحمل السالح» مثل تنظيمي «أنصار الشريعة» و«الجماعة املقاتلة»‪.‬‬ ‫تنسيق مع «قوات الحدود مع مصر»‬ ‫في ه��ذا السياق أعلن «الناطق باسم الجيش الوطني الليبي» العقيد محمد‬ ‫الحجازي‪« :‬إن عملية الكرامة التي يقوم بها (الجيش الوطني) ضد الجماعات‬ ‫(التكفيرية) في ليبيا مفتوحة حتى يتم القضاء على كل الجماعات األصولية‬

‫عنصر من ميليشيا جهادية يقف حارسا‬ ‫أمام مدخل أحد املخيمات بعد اشتباكات‬ ‫جرت منتصف الشهر املاضي بني القوات غير‬ ‫النظامية الليبية بقيادة اللواء حفتر وبينهم‬ ‫في مدينة بنغازي بشرق ليبيا ‪ 16‬مايو ‪2014‬‬

‫‪,,‬‬

‫تونس تتابع‬ ‫مع هيئات‬ ‫الالجئني‬ ‫األممية فرضية‬ ‫الحرب في‬ ‫ليبيا وإمكانية‬ ‫فرار مدنيني‬ ‫ليبيني إلى‬ ‫البالد‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪13‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫يزداد الوضع السياسي وامليداني غموضا في ليبيا منذ التحرك العسكري الذي قاده اللواء املتقاعد خليفة‬ ‫حفتر في مدينة بنغازي شرق البالد وأطلق عليه تسمية «عملية الكرامة»‪ ،‬رافعا الفتة «القضاء على الجماعات‬ ‫اإلرهابية» التي تعاظم نفوذها في ليبيا‪ ،‬ال سيما في املنطقة الشرقية مثل مدن «درنة» وبنغازي والبيضاء‪.‬‬

‫ليبيا بني املواجهات العسكرية واملبادرات السياسية‬

‫حرب التقسيم‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫كمال بن يونس *‬

‫‪,,‬‬

‫فسرت املصادر‬ ‫الجزائرية‬ ‫إعالن حالة‬ ‫االستنفار‬ ‫العسكري‬ ‫على الحدود‬ ‫مع ليبيا‬ ‫باملعلومات‬ ‫األمنية «غير‬ ‫املطمئنة»‬

‫‪,,‬‬

‫‪12‬‬

‫ت�ب��اي�ن��ت امل��واق��ف م��ن ت�ح��رك أن �ص��ار ال �ل��واء خليفة حفتر ورف��اق��ه؛‬ ‫فقد ساندته ق��وات من سالح الجو والبر وعارضته بقوة الحكومة‬ ‫املركزية ورئاسة البرملان االنتقالي والقيادة العليا للجيش في طرابلس‬ ‫وميليشيات «غرف ثوار ليبيا» التي تعتبر القوة املسلحة األق��وى في غالبية‬ ‫املدن الليبية‪ ،‬وخاصة في العاصمة طرابلس وفي «العاصمة التجارية» مصراتة‬ ‫و«عاصمة املنطقة الشرقية» بنغازي‪.‬‬ ‫فهل تعني هذه املستجدات مزيدا من تدهور األوضاع األمنية والعسكرية في‬

‫املدن الكبرى املوالية «للسلطات الشرعية» وكذلك في بنغازي‪ ،‬بروز أشكال‬ ‫جديدة من العنف والعمليات اإلره��اب�ي��ة‪ ،‬من بينها «التفجيرات» والهجمات‬ ‫بالصواريخ على منشآت عسكرية حكومية‪ ..‬على غ��رار الهجوم بصواريخ‬ ‫«غراد» الذي شنه «إرهابيون» على املطار العسكري الذي انطلقت منه طائرات‬ ‫اللواء خليفة حفتر في هجماته على أهداف تابعة «للجماعات املسلحة املتطرفة»‬ ‫التابعة إلى «جماعة ‪ 17‬فبراير» و«أنصار الشريعة» في بنغازي‪ ..‬حسب تعليق‬ ‫للمحلل السياسي والجامعي الليبي حمودة علي الورشفاني‪.‬‬

‫ليبيا بعد نحو ثالثة أعوام من «حرب التحرير»‪ ..‬أي ثورة اإلطاحة بنظام معمر استنفار في تونس والجزائر ومصر‬

‫القذافي والحرب التي شاركت فيها قوات الحلف األطلسي؟‬ ‫ألم تبدأ القوى املتصارعة في ليبيا إعادة إنتاج «السيناريو العراقي»‪ ..‬مع ما ورغ��م تصريحات وزي��ر خارجية تونس املنجي الحامدي التي أورد فيها أن‬ ‫يعنيه م��ن سيناريوهات تقسيم البلد ب�ين «م��اف�ي��ات» وعشائر وميليشيات اتصاالته بنظرائه الجزائري والفرنسي واألميركي كشفت أن سيناريو «التدخل‬ ‫متناحرة ودويالت متنافرة‪ ..‬مع تهديد الدول املجاورة بحمى العمليات اإلرهابية األطلسي في النزاع غير وارد حاليا»‪ ،‬فقد أكد أن تونس تتابع مع هيئات الالجئني‬ ‫والتفجيرات واالغتياالت السياسية؟‬ ‫األممية فرضية الحرب وإمكانية فرار أف��واج جديدة من املدنيني الليبيني إلى‬ ‫تونس‪ ..‬قد يكون بينهم بعض اإلرهابيني‪.‬‬ ‫وقد عاد الحديث عن حل «التقسيم» ألن غالبية زعامات املعارضة من املنطقة‬ ‫الشرقية بما في ذلك اللواء خليفة حفتر من مدينة «البيضاء» شرق «بنغازي» وفي الوقت الذي تتعاقب فيه «مبادرات الساسة الليبيني والوسطاء الدبلوماسيني‬ ‫والناطق باسم الجيش الوطني العقيد محمد ال�ح�ج��ازي‪ ..‬فيما تبدو ب��وادر ال�ع��رب واألج��ان��ب ضمن ج�ه��ود (تطويق األزم��ة األمنية الليبية) فقد أعلنت‬ ‫«االنفالت األمني» أخطر بكثير في مدن غير بعيدة عن الحدود الغربية ملصر القيادات السياسية والعسكرية في مصر والجزائر وتونس أنها رفعت مستوى‬ ‫مثل «درنة» و«طبرق»‪ ..‬ومنطقة «الجبل األخضر» التي يحتمي بها كثير من االستنفار في املناطق الحدودية تحسبا لتدفق أفواج من اإلرهابيني أو من بني‬ ‫املسلحني العائدين من أفغانستان وباكستان وسوريا والعراق ومالي‪ ..‬بينهم املدنيني الفارين من االقتتال في صورة توسع رقعة املواجهات العسكرية»‪.‬‬ ‫نشطاء من «أنصار الشريعة» وأعضاء «الجماعة اإلسالمية املقاتلة» الذين لم السلطات الجزائرية التي لديها تجربة طويلة في الصراع مع التنظيمات املسلحة‬ ‫يتخلوا عن السالح قبل سبعة أع��وام‪ ..‬خالل «املراجعات العقائدية والفكرية والجماعات اإلرهابية والحركات الدينية املتشددة أعلنت أنها استنفرت ‪ 40‬ألف‬ ‫والسياسية التي قامت بها زعامتهم مع سيف اإلس�لام القذافي بقيادة عبد عسكري على حدودها مع ليبيا‪ ..‬والتي تقدر بنحو ألف كيلومتر‪.‬‬ ‫الحكيم بالحاج زعيم حزب الوطن حاليا‪ ،»..‬على حد تعبير املحلل السياسي‬ ‫والناشط الحقوقي الليبي عماد الكوني‪.‬‬ ‫وفي مصر أعلن عن غلق «البوابة» الحدودية مع ليبيا وعن ترفيع مستوى‬ ‫التعبئة العسكرية حماية لحدود مصر الشرقية‪ ..‬وتحسبا لتجدد مواجهات‬ ‫الحل الفيدرالي‬ ‫مسلحة على غرار تلك التي سجلت مرارا خالل األعوام املاضية‪ ..‬بعد أن اتهمت‬ ‫القيادة املصرية من قبل ميليشيات مسلحة ليبية وقيادات تنظيمات متمركزة‬ ‫ت�ص��ري�ح��ات ك�ب��ار ال�س�ي��اس�ي�ين وزع �م��اء «م�ج��ال��س ث ��وار ل�ي�ب�ي��ا» بأجنحتهم في «طبرق» و«درنة» وبنغازي بالوقوف وراء العمليات التي يتزعمها خليفة‬ ‫العسكرية والسياسية تؤكد على رفض سنياريوهات التقسيم وعلى أن «كل حفتر وأنصاره وأطلقوا عليها تسمية «عملية الكرامة»‪.‬‬ ‫الليبيني إخ��وة»‪ ..‬لكن كثيرا منهم ال يخفون أنهم مع «الحل الفيدرالي»‪ ،‬أي‬ ‫تقسيم البالد إلى ثالث دويالت على غرار ما كان عليه الوضع في عهد االحتالل وفي تونس جرت اتصاالت مكثفة بني رئيسي الجمهورية املنصف املرزوقي‬ ‫البريطاني ‪ -‬الفرنسي لليبيا بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العاملية الثانية عام والحكومة املهدي جمعة ووزير الخارجية منجي الحامدي مع الرسميني الليبيني‬ ‫‪ :1942‬دولتان في الشمال‪ ،‬األولى غربا وعاصمتها طرابلس‪ ،‬والثانية شرقا ومع نظرائهم في الجزائر واملغرب ومصر بهدف تنسيق املواقف والتحركات‬ ‫وعاصمتها بنغازي (أو برقة)‪ ،‬والثالثة في الجنوب الصحراوي املطل على تشاد «الوقائية» استعدادا لسيناريو «توسع أعمال العنف واإلره��اب والصراعات‬ ‫املسلحة التي قد تتسبب في فرار مزيد من املدنيني إلى الدول املجاورة التي فر‬ ‫والنيجر في منطقة «فزان» وعاصمتها «سبها»‪.‬‬ ‫إليها منذ سقوط القذافي ثلث الشعب الليبي»‪ ،‬حسب تصريح السفير التونسي‬ ‫ومن بني ما يعقد األوضاع ميدانيا وسياسيا في العاصمة طرابلس وعدد من بطرابلس رضا بوكادي‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫طفل فلسطيني يلعب تحت‬ ‫كيس «املشمع» في ساحة ميناء‬ ‫مدينة غزة ابريل املاضي‬

‫اإلقليميني في مصر واإلمارات‪ .‬وربما أراد عباس إظهار ذلك عبر زيارته‬ ‫الدوحة في رحلته األولى بعد إعالن اتفاق املصالحة‪ .‬كما ذكرت تقارير أنه‬ ‫طلب من قطر تمويل رواتب موظفي حكومة حماس‪ ،‬والتي عجزت الحركة‬ ‫عن دفعها لستة أشهر على التوالي بسبب أزم��ة السيولة‪ ،‬إل��ى أن يجري‬ ‫تنظيم االنتخابات وتشكيل حكومة جديدة بعدها‪ .‬إنما من غير الواضح‬ ‫أن كانت قطر‪ ،‬عبر دعمها أوال محاولة التقارب بني دحالن وحماس ثم عبر‬ ‫دورها في تقارب الحركة وعباس‪ ،‬تسعى إلى تثبيت دورها على الساحة‬ ‫الفلسطينية كراع أساسي لحماس‪ ،‬مضيفة عباس إلى دائرتها‪ ،‬أم إذا كانت‬ ‫تريد ترميم عالقة حماس ‪ -‬وعالقتها هي أيضا ‪ -‬بالقيادة املصرية بما‬ ‫يتوافق مع رؤية األخيرة‪.‬‬ ‫من هذه الناحية‪ ،‬كانت الفتة إشادة حماس بدور مصر في تحقيق املصالحة‪.‬‬ ‫أرادت حماس أن يكون ه��ذا امل��وق��ف العلني اعترافا بأولوية القاهرة على‬ ‫الساحة الفلسطينية‪ .‬ترسيخ هذه الحقيقة عربيا وإقليميا يلعب دورا على‬ ‫األرجح في حسابات السيسي‪ .‬كما أن هذا اإلشهار الحمساوي بأن السيسي‬ ‫هو من يملك مفاتيح غزة‪ ،‬وأن الحركة بعد كل مناوراتها ال تستطيع اللف‬ ‫حول هذا الواقع‪ ،‬أيضا له أهميته‪ ،‬خصوصا في املرحلة املقبلة‪ .‬فحماس تأمل‬ ‫أن يؤدي اتفاق املصالحة والحكومة التي ستنبثق عنه إلى إعادة فتح معبر‬ ‫رفح وإلى إعادة تأهيلها إقليميا ودوليا‪ .‬لذا على الحركة السير بحذر‪ ،‬ذاكرة‬ ‫على الدوام أن مصر لها الكلمة األولى واألخيرة على الحدود‪.‬‬

‫حماس و«حزب الله»‬ ‫أيضا تجدر اإلشارة إلى أن اتفاق املصالحة لن يغير جذريا في الوضع القائم‬ ‫في الضفة والقطاع‪ .‬فلن يعيد عباس تأسيس نفوذه في غ��زة‪ ،‬ول��ن يسمح‬ ‫لحماس بتقوية وجودها في الضفة أو بإدخال عناصرها في أجهزة أمن‬ ‫الضفة‪ .‬ال بل أكد قيادي بارز في حماس في مايو (أي��ار)‪ ،‬أن «الحملة ضد‬ ‫أنصار حماس ومؤيديها بالضفة مستمرة على ق��دم وس��اق من اعتقاالت‬ ‫ومداهمات ومالحقات»‪ .‬وإن تولت قوة مشتركة للحكومة العتيدة إدارة معبر‬ ‫رف��ح‪ ،‬فهذا ال يعني أن الحركة في صدد التخلي عن الحكم في غزة أو أنها‬ ‫ستشارك إدارة القطاع مع عباس‪ .‬فجهاز أمن حماس وكتائب القسام تبقى‬ ‫خارج إطار االتفاق‪ ،‬وكذلك التنسيق األمني بني عباس وإسرائيل في الضفة‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬توازن القوى القائم في الضفة والقطاع مرشح لالستمرار‪ .‬الترتيب الذي‬ ‫تتصوره حماس‪ ،‬بحسب القيادي الحمساوي أحمد يوسف‪ ،‬يتبع نموذج‬ ‫«حزب الله» في الحكومة اللبنانية‪ ،‬بحيث تبقي حماس على إمكانيات القوة‬ ‫األمنية والعسكرية على األرض‪ ،‬وه��و ما «يمكنها الحفاظ على شرعيتها‬ ‫وقدرتها في تحديد الرئيس القادم وأعضاء البرملان مستفيدة من تجربة‬ ‫(حزب الله) في لبنان»‪.‬‬ ‫كالم يوسف يعني أيضا أن الحركة ستبقي على خيارها اإليراني‪ ،‬إلى حني‬ ‫عودة هذه العالقة إلى ما كانت عليه‪ .‬وهذا ما سيكون له تداعيات على موقف‬ ‫مصر من معبر رفح واألنفاق‪ ،‬إذ ال تقدر القاهرة أن تقبل بعودة تدفق السالح‬ ‫اإليراني وما يتبعه من توتير للوضع في سيناء وغزة الذي تنظر إليه القيادة‬ ‫املصرية على أنه مصدر تهديد ألمنها القومي‪ .‬هذا عدا عن التداعيات املحتملة‬ ‫على الوضع الداخلي املصري ومواجهة اإلخوان مع الجيش‪.‬‬ ‫لذا من األساسي فهم مناورة التقارب بني عباس وحماس ضمن إطارها‬ ‫الحقيقي واملحدود‪ .‬كلتا الحركتني في مأزق‪ ،‬وعالقتهما مأزومة مع الالعبني‬ ‫اإلقليميني النافذين في الساحة الفلسطينية‪ ،‬وكلتاهما اضطرت إلى لعب‬ ‫ورقة املصالحة سعيا إلى الخروج من مأزقيهما‪ ،‬وإن مؤقتا‪ .‬فالتقارب إذا‬ ‫هدفه محدد‪ :‬بالنسبة لعباس‪ ،‬لدرء مسعى القاهرة وأبوظبي إلعادة دحالن‪،‬‬ ‫وهو قد استطاع في هذه املرحلة أن يقطع الطريق على دحالن عبر املصالحة‪.‬‬ ‫وبالنسبة لحماس‪ ،‬إليجاد هامش للتحرك مع مصر وكسر القيود املسلطة‬ ‫عليها‪ ،‬أمال بإعادة تأهيلها وإع��ادة تفعيل بعض عالقاتها الخارجية بعد‬ ‫تداعي اإلخوان في املنطقة‪.‬‬ ‫أخيرا‪ ،‬فإن تموضع الحركتني خلف املصالحة يعكس مصلحة مشتركة‬ ‫أساسها تفاعل الساحة الفلسطينية الثانوية مع الالعب األساسي فيها أي‬ ‫مصر‪ .‬حتى اللحظة‪ ،‬لم تقدم القاهرة أي تنازل في موقفها وإن لم تنجح اآلن‬ ‫في إعادة تعويم دحالن‪ .‬في املقابل‪ ،‬وبعد أشهر من املناورة‪ ،‬فقد حصلت‬ ‫على اعتراف من الالعبني املحليني‪ ،‬بل واإلقليميني أيضا‪ ،‬أن مفاتيح الساحة‬ ‫الفلسطينية بيد مصر وال مجال لاللتفاف على هذا الواقع <‬

‫‪,,‬‬

‫تأتي املصالحة‬ ‫على خلفية‬ ‫مساعي دول‬ ‫عربية إلبراز‬ ‫نفوذها في‬ ‫مرحلة ما بعد‬ ‫اإلخوان‬

‫‪,,‬‬

‫محمد‬ ‫دحالن‬

‫* كاتب وباحث لبناني‪ ،‬متخصص في شؤون الشرق األوسط مقيم في نيويورك‬ ‫وزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (‪ ) FDD‬في واشنطن‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪11‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫لخص القيادي في حركة حماس‪ ،‬موسى أبو مرزوق‪ ،‬الدافع الرئيس وراء إنجاز اتفاق املصالحة في أبريل‬ ‫(نيسان) املاضي بني حركتي فتح وحماس‪« :‬إن كانت حركة حماس في مأزق‪ ،‬فحركة فتح هي األخرى في مأزق‪،‬‬ ‫املفاوضات وصلت لطريق مسدود‪ ،‬والدول العربية بدأت تتراجع في دعمها للفلسطينيني‪ ،‬بسبب االنقسام»‪.‬‬

‫املصالحة الفلسطينية‪ ..‬مطلب وطني أم مناورة إخوانية!؟‬

‫خيار اسرتاتيجي‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫طوني بدران *‬

‫‪,,‬‬

‫أصبحت‬ ‫أولوية عباس‬ ‫إسقاط‬ ‫محاوالت مصر‬ ‫واإلمارات‬ ‫إعادة دحالن‬ ‫إلى الساحة‬

‫‪,,‬‬

‫محمود‬ ‫عباس‬

‫‪10‬‬

‫ك�ل�ام أب��و م ��رزوق صحيح ف��ي ع�ن��وان��ه ال�ع��ري��ض‪ ،‬وإن أخ�ط��أ في‬ ‫ت�ش�خ�ي�ص��ه م � ��أزق ح��رك��ة ف �ت��ح وس �ب��ب ت ��راج ��ع ال ��دع ��م ال �ع��رب��ي‪.‬‬ ‫فمفاوضات السالم ‪ -‬كما إسرائيل والرعاة األميركيني ‪ -‬لم تتصدر‬ ‫اهتمام أي من الحركتني‪ ،‬بل يجوز القول إن املقولة األميركية الشهيرة‪:‬‬ ‫«كل السياسة محلية»‪ ،‬تنطبق هنا‪ .‬لكن بما أن الساحة الفلسطينية ساحة‬ ‫ثانوية خاضعة للتجاذبات اإلقليمية‪ ،‬فعلينا النظر أبعد من العوامل الداخلية‬ ‫إلى اصطفافات دول املنطقة والتنافس فيما بينها‪ ،‬وإل��ى تفاعل الالعبني تردد أن قطر شجعت رئيس املكتب السياسي لحماس خالد مشعل‪ ،‬املقيم‬ ‫في الدوحة‪ ،‬على الوصول إلى ّ‬ ‫الفلسطينيني مع هذه العوامل اإلقليمية‪.‬‬ ‫تكيف ما مع دحالن يفتح الباب أمام عودة‬ ‫املساعدات املالية‪ ،‬ويرطب العالقة مع مصر‪ .‬بدءا من ديسمبر (كانون األول)‬ ‫وهكذا‪ ،‬تأتي املصالحة بني فتح وحماس على خلفية مساعي دول عربية املاضي‪ ،‬اتخذت حماس بضع خطوات في اتجاه دحالن‪ ،‬وسمحت لبعض‬ ‫إلبراز نفوذها في املسرح الفلسطيني في مرحلة ما بعد سقوط اإلخوان أعوانه بالعودة إلى غزة‪ ،‬وسمحت لجمعيات خيرية تديرها زوجة دحالن‬ ‫املسلمني من السلطة‪ .‬وهي مرحلة وجدت حماس نفسها فيها معزولة بشكل بالعمل في القطاع‪ ،‬لكن حماس لم تكن على وشك أن تطلق يد دحالن‪ ،‬أو‬ ‫خانق‪ ،‬سياسيا وماليا‪ .‬فالجيش املصري قام بتهديم األنفاق على الحدود أبوظبي‪ ،‬في غزة‪ .‬واألهم‪ ،‬فإن انفتاحها املحدود على دحالن كان له وقعه‬ ‫مع قطاع غزة‪ ،‬مضيقا أكثر على حماس‪ .‬ووصل التوتر مع مصر ‪ -‬املنفذ على عباس‪ ،‬فاضطر األخير إلرسال وفد إلى غزة في فبراير (شباط) لقطع‬ ‫الوحيد للحركة ‪ -‬إلى حد إصدار محكمة القاهرة لألمور املستعجلة حكما الطريق على دحالن‪ .‬وعندها بدأ التقدم في اتجاه االتفاق على املصالحة‪،‬‬ ‫«بحظر أنشطة حماس مؤقتا داخل جمهورية مصر العربية‪ ،‬وكذلك حظر فأعلنت قيادة حماس في غزة‪ ،‬خصوصا الصقور فيها‪ ،‬أن التصالح مع‬ ‫الجمعيات والجماعات واملنظمات واملؤسسات التي تتفرع منها أو تتلقى دحالن غير وارد‪ ،‬وأنها تقف مع عباس‪ .‬كما أوضحت الحركة أن أي استثمار‬ ‫منها دعما ماليا أو أي نوع من أنواع الدعم»‪ ،‬وذلك على خلفية اتهام القاهرة إماراتي في القطاع يجب أن يأتي ليس عبر وسطاء (أي مقربني من دحالن)‪،‬‬ ‫لحماس بالتخابر واقتحام سجون في مصر عام ‪ .2011‬كل هذا في ظل إنما تحت إشراف لجنة من الفصائل واملجلس التشريعي‪.‬‬ ‫استمرار الفتور النسبي بني حماس وإي��ران‪ ،‬مما جعلها في مأزق فعلي‪،‬‬ ‫خصوصا مع تنامي عالقة طهران مع حركة الجهاد اإلسالمي املنافسة عباس ودحالن‬ ‫لحماس في القطاع‪.‬‬ ‫ب ��دوره‪ ،‬ع��رق��ل ع�ب��اس وص��ول األم ��وال وال��روات��ب مل��ؤي��دي دح�ل ُ�ان ف��ي غ��زة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن خزينة السلطة الفلسطينية في «ضيقة»‪ ،‬أجبر عباس‬ ‫إحياء املصالحة‬ ‫على إنفاق مليون دوالر على عرس جماعي في غزة بعد أن علم أن دحالن‬ ‫ّ‬ ‫سيمول العرس‪ .‬قرار عباس بالصراع مع دحالن ّ‬ ‫خرب عالقة الرئيس‬ ‫ف��ي ال��وق��ت نفسه‪ ،‬ل��م يسد ال��دفء ف��ي عالقة املشير عبد الفتاح السيسي كان‬ ‫مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس‪ ،‬ويعود ذلك إلى خالف عباس مع الفلسطيني مع اإلمارات‪ ،‬وزاد منسوب التوتر مع السيسي‪ ،‬لكن عباس يدرك‬ ‫القيادي الفتحاوي املفصول‪ ،‬محمد دحالن‪ ،‬مسؤول األمن الوقائي في غزة أن الصراع مع دحالن حيوي بالنسبة له‪ ،‬ول��ذا‪ ،‬وعلى الرغم من التوتر مع‬ ‫سابقا‪ .‬بالفعل‪ ،‬في مارس (آذار) املاضي‪ّ ،‬صرح مسؤول مقرب من عباس القاهرة وأبوظبي‪ ،‬قرر خوضه على جبهة إضافية‪ ،‬في املخيمات الفلسطينية‬ ‫بأن السلطة تعيش اآلن «أسوأ عالقة بني النظام في مصر والسلطة منذ أمد بلبنان‪ .‬ويشكل مناصرو دحالن فصيال مهما في املخيمات‪ ،‬وخصوصا‬ ‫بعيد»‪ .‬وأعاد املسؤول ذلك إلى أن السيسي يعمل‪ ،‬بالتعاون مع اإلمارات‪ ،‬حيث مخيم عني الحلوة‪ ،‬كما أن املنظمة الخيرية التي تديرها زوجة دحالن كانت‬ ‫يقيم دحالن‪ ،‬إلى دفع دحالن إلى األمام‪ .‬ونقلت مصادر مصرية عن اللقاء قد وزعت مساعدات في املخيمات‪ ،‬لكن لبنان ميدان «حزب الله»‪ ،‬وعداوة‬ ‫األخير بني السيسي وعباس‪ ،‬أن األخير حدثه عن ضرورة إحياء املصالحة األخير لدحالن معروفة‪ ،‬إذ يعده أداة إلسرائيل ولدول الخليج التي يعاديها‬ ‫مع حماس‪ ،‬إال أن السيسي رد بالقول‪« :‬خلينا من املصالحة الفلسطينية‪ ،‬الحزب‪ .‬وفي رسالة لدحالن‪ ،‬قتلت مجموعة فلسطينية قريبة من «حزب الله»‬ ‫علينا أن نتحدث عن املصالحة الفتحاوية»‪ ،‬في إشارة إلى الخالف مع دحالن‪ .‬قائد فصيل كان قد رافق زوجة دحالن حني زارت مخيم املية ومية لتوزيع‬ ‫املساعدات‪ .‬ولخصت صحيفة «األخبار» املقربة من الحزب تلك الرسالة بال‬ ‫على هذه الخلفية‪ ،‬ناور الالعبون الفلسطينيون وداعموهم العرب منذ أشهر‪ ،‬غموض‪« :‬ممنوع وجود الدحالنيني في املخيمات»‪.‬‬ ‫وص��وال إل��ى التقارب الحالي بني عباس وح�م��اس‪ .‬أصبحت أول��وي��ة عباس‬ ‫إسقاط محاولة مصر‪ ،‬بالتحالف مع اإلم��ارات‪ ،‬إع��ادة دح�لان إلى الساحة قد ينظر عباس إلى ال��دور القطري في التقارب بني عباس وحماس على‬ ‫ّ‬ ‫وإعادة بناء نفوذه‪ .‬بالطبع‪ ،‬شكل املسعى املصري ‪ -‬اإلماراتي مأزقا لحماس أن��ه يشكل سندا لتحقيق ت��وازن في عالقاته املتوترة مع داعمي دحالن‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫أي�ض��ا‪ .‬م��ن جهة‪ ،‬الحركة تكره دح�ل�ان‪ ،‬ال��ذي ط��ردت��ه م��ن غ��زة بالقوة عام‬ ‫‪ ،2007‬وهي أيضا تدرك أن عودة دحالن إلى غزة بدعم مصري ستأتي بال‬ ‫شك على حساب نفوذها‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬أولوية حماس تخفيف الضغط‬ ‫املصري والتوصل إلى تفاهم ما يخفف حدة التوتر مع القاهرة‪ .‬في هذا‬ ‫السياق‪ ،‬برز الدور القطري‪.‬‬


‫وربط الهجوم بمظاهرات ضد فيلم‪ ،‬أنتجه أميركي من أصل مصري مسيء إلى‬ ‫املسلمني‪ ،‬للتغطية على التقاعس الذي حدث وراح ضحيته األميركيون األربعة‪.‬‬ ‫لكن «فضيحة بنغازي»‪ ،‬كما يسميها الجمهوريون‪ ،‬تعيبها أمور كثيرة‪ ،‬أولها‬ ‫أن املوضوع صار مستهلكا ويجري تداوله منذ وقوعه‪ ،‬وأن الكثير من األعمال‬ ‫اإلعالمية التي ادعت كشف حقيقة ما حصل ثبت عدم دقتها‪ .‬وفي السياق‬ ‫نفسه‪ ،‬يمكن للوزيرة األميركية التنصل من أي إخفاقات لحقت بإدارة أوباما‬ ‫بالقول إن الكلمة الفصل كانت بيد الرئيس األميركي‪ ،‬وإنه حتى لو اعتقدت‬ ‫كلينتون غير ذلك وقالته‪ ،‬فإن املواضيع لم تكن بيدها‪.‬‬ ‫وإل��ى ضعف أقرانها الديمقراطيني ومنافسيها الجمهوريني‪ ،‬وإل��ى تمتعها‬ ‫بماكينة وع�لاق��ات آل كلينتون‪ ،‬تتمتع كلينتون ب��ورق��ة أخ��رى كونها ام��رأة‪،‬‬ ‫وكون انتخابها سيصنع التاريخ بدخول أول امرأة إلى البيت األبيض كرئيسة‬ ‫ال كسيدة أول��ى‪ ،‬وهو منصب سبق أن شغلته كلينتون أثناء واليتي زوجها‬ ‫بني األعوام ‪ 1993‬و‪.2001‬‬ ‫واملعلوم أن واح��دة من االستراتيجيات األساسية التي يتكئ إليها «الحزب‬ ‫الديمقراطي» في تحفيز قاعدته هي تأييده شؤون املرأة وحقوقها‪ ،‬بينما يتعثر‬ ‫بعض مرشحي «الحزب الجمهوري»‪ ،‬األكثر يمينية ومحافظة‪ ،‬عند حديثهم‬ ‫عن شؤون املرأة‪ .‬وكان «الحزب الديمقراطي» دفع بمواضيع املرأة إلى األضواء‬ ‫أثناء االنتخابات األخيرة في عام ‪ 2012‬لتكبيد الجمهوريني بعض الخسائر‬ ‫والحفاظ على الرئاسة وبعض املقاعد في الكونغرس‪.‬‬ ‫ويعتقد بعض الخبراء أن قاعدة «الحزب الديمقراطي» تتشكل في غالبها من‬ ‫النساء‪ ،‬واألقليات العرقية‪ ،‬ومن هم بسن الشباب‪ ،‬بينما تسيطر على قاعدة‬ ‫الجمهوريني غالبية من الرجال البيض من متوسطي العمر والشيوخ‪ ،‬وهذه‬ ‫الفئة األخ�ي��رة هي األكثر مثابرة على التصويت‪ ،‬األم��ر ال��ذي يحرج «الحزب‬ ‫الديمقراطي» في كل انتخابات نصفية‪ ،‬ويجعل من الصعب على الديمقراطيني‬ ‫تحفيز قاعدتهم‪ ،‬بينما ال يواجه الجمهوريون مشكلة مشابهة‪.‬‬ ‫ومع ترشيح كلينتون‪ ،‬من املتوقع أن يحفز ذلك القاعدة الديمقراطية بشكل غير‬ ‫مسبوق‪ ،‬إذ سيسعى الناخبون إلى املشاركة في صنع التاريخ بانتخاب أول‬ ‫امرأة رئيسة‪ ،‬فيما من املؤكد أن غالبية النساء ستؤيد كلينتون‪ ،‬وهو ما يجعل‬ ‫من مهمة الجمهوريني في استعادة البيت األبيض عملية أصعب‪.‬‬ ‫أما آخر نقاط األفضلية التي تتمتع بها وزي��رة الخارجية السابقة‪ ،‬في حال‬ ‫ترشحها‪ ،‬فتكمن في أنها لن تواجه أم��ورا مصيرية كالتي واجهها الرئيس‬ ‫الحالي باراك أوباما‪ ،‬إذ تكون أميركا قد أتمت انسحابها من أفغانستان وأنهت‬ ‫حربها هناك‪ ،‬ويكون قانون الرعاية الصحية قد أصبح واقعا يصعب التخلص‬

‫منه‪ ،‬ويكون االقتصاد في موقع أفضل مقارنة بمطلع عام ‪ 2009‬عندما تسلمه‬ ‫أوباما من سلفه بوش وهو في وضع انهيار تام‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬إن قيض لكلينتون الوصول إلى سدة الرئاسة‪ ،‬فهي قد تجد نفسها‬ ‫في موقع مميز يسمح لها التمتع بإنجازات سلفها أوباما من دون أي تكلفة‬ ‫سياسية تذكر‪ .‬في السياسة الخارجية‪ ،‬ص��ار جليا أن ال��وزي��رة السابقة ال‬ ‫توافق الرئيس الحالي في عدد من األمور‪ ،‬في طليعتها األزمة في سوريا‪ ،‬إذ‬ ‫سبق أن قال مسؤولون سابقون‪ ،‬في تصريحاتهم بعد خروجهم من الحكم‬ ‫كما في كتب مذكراتهم‪ ،‬إنه لطاملا أيدت كلينتون تسليح الثوار هناك‪ ،‬وحتى‬ ‫توجيه ضربة عسكرية أميركية محدودة ضد ق��وات بشار األس��د‪ ،‬في وقت‬ ‫يعزو البعض املشاركة األميركية املحدودة في الحرب الليبية لإلطاحة بمعمر‬ ‫القذافي إلى الضغوطات التي مارستها كلينتون على أوباما‪.‬‬ ‫وفي حال استمرت األزمة في سوريا حتى عام ‪ ،2016‬فمن املرجح أن تتحول‬ ‫إلى أحد أبرز املواضيع التي سيتمحور حولها النقاش الرئاسي في السياسة‬ ‫الخارجية‪ .‬كذلك إيران‪ ،‬في حال عدم التوصل إلى اتفاقية نووية معها تفضي‬ ‫إل��ى تحسني العالقة بني طهران وع��واص��م العالم بما في ذل��ك واشنطن‪ ،‬فإن‬ ‫كلينتون قد تجد نفسها في موقع يجبرها على قيادة مواجهة مع إيران قد‬ ‫تصل إلى حد املواجهة العسكرية‪.‬‬

‫هل تترشح هيالري كلينتون؟‬ ‫الدالئل حتى اآلن تشير إلى أنها ستترشح‪ ،‬من إصدارها لكتاب مذكراتها في‬ ‫وزارة الخارجية‪ ،‬إلى إطالالتها مدفوعة األجر في مناسبات مختلفة‪ ،‬وحفاظها‬ ‫على شبكة عالقاتها‪ ،‬بل توسيعها‪ .‬صحيح أن الجمهوريني قد يقولون «كفى‬ ‫آل كلينتون في السلطة»‪ ،‬إال أن ترشيح بوش قد يكون السبيل الوحيد لوقف‬ ‫الزحف الكلينتوني نحو الرئاسة‪ ،‬مما قد يجبر الجمهوريني على عدم إثارة‬ ‫هذا املوضوع على غرار ما فعلت السيدة األولى السابقة‪ ،‬زوجة جورج بوش‬ ‫األب ووال��دة جورج بوش االبن‪ ،‬التي قالت أثناء حفل افتتاح املكتبة الرئاسية‬ ‫التي تحمل اسم ابنها‪ ،‬إن الشعب األميركي قد اكتفى من سماع كلمتي «بوش‬ ‫وكلينتون»‪ ،‬العائلتني اللتني توالتا على العيش في البيت األبيض منذ عام ‪،1988‬‬ ‫باستثناء السنوات الست املاضية التي انتزعها أوباما منهما‪ .‬أما في حال عودة‬ ‫هيالري أو جب إلى الرئاسة‪ ،‬فسيجد األميركيون أنفسهم يعودون إلى جولة‬ ‫مقبلة من املواجهات بني العائلتني العتيدتني<‬

‫زعيمة املعارضة املؤيدة للديمقراطية في‬ ‫ميانمار أونج سان سو كيي تعانق وزيرة‬ ‫الخارجية األميركية السابقة هيالري‬ ‫كلينتون خالل زيارة تاريخية في مقر سو‬ ‫كي في يانجون ديسمبر ‪2011‬‬

‫‪,,‬‬

‫استطالعات‬ ‫الرأي األميركية‬ ‫تتوقع‬ ‫هزيمة نكراء‬ ‫للديمقراطيني‬ ‫في انتخابات‬ ‫الكونغرس‬ ‫املقررة في‬ ‫نوفمبر املقبل‬

‫‪,,‬‬

‫* صحافي وكاتب لبناني‪ ،‬مقيم بالواليات املتحدة األميركية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪09‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫لم يجد كارل روف‪ ،‬أحد أبرز قياديي «الحزب الجمهوري» والرجل الذي كان الرئيس السابق جورج بوش‬ ‫يطلق عليه اسم عقلي‪ ،‬منفذا للهجوم ضد وزيرة الخارجية السابقة واملرشحة الرئاسية املتوقعة هيالري‬ ‫كلينتون إال عبر التشكيك في وضعها الصحي‪ ،‬والقول إن دماغها ما زال يعاني على أثر حادثة ارتطام‬ ‫رأسها باألرض قبل أعوام‪.‬‬

‫تعبئة أميركية لترشيح هيالري كلينتون للرئاسة ‪2016‬‬

‫دميقراطية ناعمة‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫حسني عبد الحسني *‬

‫‪,,‬‬

‫املرشحون‬ ‫من الحزبني‬ ‫«الديمقراطي»‬ ‫و«الجمهوري»‬ ‫هم في معظمهم‬ ‫من «األوزان‬ ‫الخفيفة» فيما‬ ‫عدا الجمهوري‬ ‫جب بوش‬

‫‪,,‬‬

‫الصحة والسن‬

‫جب‬ ‫بوش‬

‫‪08‬‬

‫فور شيوع تصريحات روف‪ ،‬تنطح الجمهوريون قبل الديمقراطيني‬ ‫ف��ي التصدي ل��ه وألس�ل��وب��ه‪ ،‬ال��ذي ع��ده كثيرون رخيصا‪ ،‬وك��ان في‬ ‫طليعتهم قيادي جمهوري آخر هو رئيس الكونغرس السابق نيوت‬ ‫غينغرتش‪ ،‬الذي قال إنه «أمر رهيب أن يفعل كارل ذلك»‪ ،‬عادا تعليقات روف‬ ‫«تافهة‪ ،‬وشخصية‪ ،‬وسلبية‪ ،‬وتستهلك الوقت في أمور ال تحدث أي فارق»‪.‬‬ ‫وختم غينغرتش‪« :‬لن نهزمها أبدا بهذا النوع من الهجمات»‪.‬‬ ‫تصريحات روف حول صحة كلينتون قد تشي بيأس الجمهوريني واعتقادهم‬ ‫أن ليس بأيديهم الكفاية م��ن الحيل لوقف صعود نجمها ف��ي طريقها إلى‬ ‫البيت األبيض‪ ،‬هذه املرة ليس كسيدة أولى‪ ،‬بل كأول امرأة في منصب رئيس‬ ‫للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫«كل ما أراد أن يفعله (روف) هو أن يقحم هذا املوضوع (حول صحة كلينتون)‬ ‫في غرفة الصدى‪ ،‬وهو ينجح في ذلك»‪ ،‬حسب مسؤول كلينتون اإلعالمي نك‬ ‫ميريل‪ .‬و«غرفة الصدى» تعبير يرمز إلى عالم النخبة السياسية األميركية‬ ‫من سياسيني ومثقفني وإعالميني‪ ،‬من دون عامة األميركيني‪ ،‬للداللة على أن‬ ‫جزءا كبيرا من النقاشات السياسية عبارة عن «ردح» متبادل ال يتعدى حدود‬ ‫واشنطن ووسائل اإلعالم‪ ،‬وال يؤثر في املزاج الشعبي أو في نتائج االنتخابات‪.‬‬ ‫«(الجمهوريون) يخافون من إنجازاتها ومما يمكن لها تقديمه‪ ،‬وما يفعله‬ ‫(روف) هو املرض بعينه»‪ ،‬يقول ميريل‪ ،‬الذي يضيف‪(« :‬صحتها) مائة في‬ ‫املائة‪ ،‬وحان الوقت لهم لالنتقال إلى هجومهم التالي اليائس»‪.‬‬ ‫صحيح أن كلينتون‪ ،‬في حال انتخابها رئيسة‪ ،‬ستكون ثاني أكبر رئيسة سنا‬ ‫في التاريخ األميركي وهي تبلغ عمر ال�ـ‪ .69‬إال أنه يصعب على الجمهوريني‬ ‫توجيه أسهم انتقادهم إليها‪ ،‬إذ إن رئيس الجمهوريني األسطوري رونالد ريغان‬ ‫تبوأ منصبه وهو في سن السبعني‪.‬‬

‫وبعيدا عن شؤون الصحة والسن‪ ،‬كان من املفترض أن يكون إلحاق الهزيمة‬ ‫ً‬ ‫بكلينتون من األم��ور السهلة‪ ،‬إذ إن إيقاع الهزيمة بالحزب الحاكم هي عادة‬ ‫أسهل من احتفاظ أي حزب بالبيت األبيض لوالية ثالثة‪ ،‬فضال عن أن «الحزب‬ ‫الديمقراطي» يمر بأزمة معقدة بسبب االن�ح��دار الكبير في شعبية الرئيس‬ ‫ب��اراك أوب��ام��ا‪ ،‬وه��و ما يبدو جليا في استطالعات ال��رأي التي تتوقع هزيمة‬ ‫نكراء للديمقراطيني في انتخابات الكونغرس‪ ،‬املقررة في نوفمبر (تشرين‬ ‫الثاني) املقبل‪.‬‬ ‫وإذا م��ا حافظت استطالعات ال ��رأي على وتيرتها‪ ،‬فمن امل�ت��وق��ع أن يخسر‬ ‫الديمقراطيون غالبية مجلس الشيوخ التي يسيطرون عليها حاليا‪ ،‬ليسيطر‬ ‫خصومهم الجمهوريون على غالبية الكونغرس في مجلسيه املمثلني والشيوخ‪،‬‬ ‫وه��و ما سيسمح لـ«الحزب الجمهوري» بالقيام باملزيد من العرقلة ألوباما‬ ‫وملبادراته وسياساته‪ ،‬مما سيحوله فعليا إلى «بطة عرجاء»‪ ،‬حسب التعبير‬ ‫املحلي‪ ،‬وسيؤدي إلى املزيد من التقويض لشعبيته‪.‬‬ ‫وع��ادة‪ ،‬يرشح الحزب الحاكم نائب الرئيس تلقائيا لخالفة الرئيس‪ ،‬لكن مع‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫تدهور شعبية أوباما‪ ،‬تبدو فرص نائبه جو بايدن شبه منعدمة‪ ،‬خصوصا‬ ‫أن األخير سيبلغ عمر الـ‪ 73‬في عام ‪.2016‬‬ ‫ضعضعة الديمقراطيني ه��ذه‪ ،‬ومحاولة مرشحيهم للكونغرس االبتعاد عن‬ ‫أوباما وسياساته للنجاة من الهزيمة التي تواجه حزبهم في نوفمبر‪ ،‬واليأس‬ ‫ال��ذي يبدو أنه استتب في نفوس الديمقراطيني‪ ،‬يجعل من كلينتون خالص‬ ‫الديمقراطيني‪ ،‬فوزيرة الخارجية السابقة خرجت من سفينة حكم أوباما قبل‬ ‫أن تبدأ األخ�ي��رة بالغرق‪ ،‬والسنوات األرب��ع الفاصلة بني خروجها وعودتها‬ ‫للسباق الرئاسي كفيلة بتحسني صورتها‪ ،‬وهو ما تظهره استطالعات الرأي‪.‬‬ ‫وما يزيد من فرص كلينتون في الوصول إلى البيت األبيض واقع أن املرشحني‬ ‫من الحزبني «الديمقراطي» و«الجمهوري» هم في معظمهم من األوزان الخفيفة‪،‬‬ ‫فيما عدا الجمهوري جب بوش‪ ،‬شقيق وابن الرئيسني السابقني جورج بوش‬ ‫األب واالبن‪ .‬إال أن بوش قد يواجه معضلة التعامل مع تركة أخيه الثقيلة‪ ،‬التي‬ ‫يبدو أن األميركيني بدأوا بالصفح عنها مع إظهار استطالعات الرأي تقدما‬ ‫كبيرا في شعبية الرئيس السابق‪ .‬وما يزيد من فرص كلينتون أيضا هو أنها‬ ‫تتمتع بماكينة آل كلينتون الجبارة‪ ،‬فزوجها الرئيس األسبق بيل هو أحد أكثر‬ ‫الرؤساء السابقني شعبية في التاريخ األميركي املعاصر‪ ،‬وهو يتمتع بكاريزما‬ ‫يعتقد البعض أنها أنقذت أوباما ومنحته والية ثانية‪ ،‬وساهمت في إبقاء جيوب‬ ‫متبرعي «الحزب الديمقراطي» مفتوحة في الدورات االنتخابية القليلة املاضية‪.‬‬ ‫وعلى عكس انتخابات عام ‪ ،2008‬عندما نجح الصعود األسطوري ألوباما في‬ ‫تعطيل ماكينة كلينتون الجبارة ووقفها‪ ،‬بل دفعها نحو االستدانة التي أجبرت‬ ‫كلينتون فيما بعد على الخروج من السباق في اتفاق قضى بتسديد حملة‬ ‫أوباما كل ديون حملة كلينتون‪ ،‬هذه املرة ال تواجه كلينتون منافسني من نوع‬ ‫أوباما‪ ،‬بل إن معظم من عملوا في حملتي الرئيس األميركي الرئاسيتني أعلنوا‬ ‫تأييدهم للوزيرة السابقة في حال ترشحها‪.‬‬

‫حملة «مستعدون من أجل هيالري»‬ ‫والزخم ال��ذي تتمتع به كلينتون أدى حتى اآلن إلى إنشاء مناصريها حملة‬ ‫«مستعدين من أجل هيالري»‪ ،‬وجمعوا خاللها مبلغ ستة ماليني دوالر حتى‬ ‫اآلن‪ .‬كل ذلك وكلينتون ما زالت لم تعلن صراحة نيتها الترشح للرئاسة‪.‬‬ ‫لكن رغم عدم إعالنها ترشيح نفسها للرئاسة‪ ،‬تشير معظم املؤشرات إلى أن‬ ‫الوزيرة السابقة تستعد لدخول السباق‪ ،‬فهي من املتوقع أن تطلق هذا الشهر‬ ‫كتاب مذكراتها في وزارة الخارجية بعنوان «خيارات صعبة»‪ ،‬مع ما سيترافق‬ ‫ذلك من حملة إعالمية‪ ،‬وخطابات‪ ،‬وحفالت توقيع‪ ،‬وه��ذه ستكون جميعها‬ ‫مناسبات لهيالري لتعيد إطالق مواقفها السياسية املعروفة‪ ،‬ولالنخراط مع‬ ‫مؤيديها‪ ،‬كما معارضيها‪ .‬معارضو كلينتون خصوصا سيعمدون إلى انتقاء‬ ‫الجزء املتعلق بهجوم ‪ 11‬سبتمبر (أيلول) ‪ 2012‬في مدينة بنغازي الليبية ضد‬ ‫القنصلية األميركية‪ ،‬الذي أدى إلى مقتل أربعة أميركيني منهم السفير كريس‬ ‫ستيفنز‪ .‬ويزعم الجمهوريون أن اإلدارة األميركية كانت تعرف أن الهجوم ضد‬ ‫القنصلية عمل إرهابي مدبر‪ ،‬وأنها حاولت فيما بعد التعمية على ما حدث‬


‫الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد‬ ‫عبدالله بن مرعي بن محفوظ‪ :‬باحث‬ ‫ومؤلف اكاديمي‪ ،‬رئيس مجلس األعمال‬ ‫السعودي املصري‪ ،‬نائب رئيس االتحاد‬ ‫العربي للمعارض واملؤتمرات الدولية التابع‬ ‫لجامعة الدول العربية‪ ،‬رئيس تحرير مجلة‬ ‫«اقتصاديات السوق العربي»‪.‬‬ ‫ديفيد شينكر‪ :‬زميل أوفزين ومدير‬ ‫برنامج السياسة العربية في معهد‬ ‫واشنطن‪ .‬كان يعمل في السابق في‬ ‫مكتب وزير الدفاع لشؤون دول املشرق‪،‬‬ ‫واملساعد األعلى في سياسة البنتاغون‬ ‫الخاصة بدول املشرق العربي‪.‬‬ ‫قاسم الرويس‪ :‬كاتب ومؤرخ سعودي‪ ،‬مهتم‬ ‫بالتراث الشعبي‪ ،‬صدرت له عدة مؤلفات‬ ‫وتحقيقات منها‪( :‬رشدي ملحس من نابلس‬ ‫إلى الرياض) و (البالغات الرسمية املنشورة‬ ‫في جريدة أم القرى) وتحقيق (مخطوطة‬ ‫العسافي)‪.‬‬ ‫عمار علي حسن‪ :‬روائي وباحث في علم‬ ‫االجتماع السياسي‪ ،‬يحمل درجة الدكتوراه‬ ‫في العلوم السياسية‪ ،‬له ثالثون كتابا في‬ ‫العلوم السياسية والنقد األدبي والتصوف‪،‬‬ ‫من أهمها «التنشئة السياسية للطرق‬ ‫الصوفية في مصر» و«التغيير اآلمن‪ :‬املقاومة‬ ‫السلمية من التذمر إلى الثورة»‪.‬‬ ‫فتحي املسكيني‪ :‬كاتب وباحث تونسي‪،‬‬ ‫أستاذ الفلسفة بجامعة تونس‪ ،‬صدرت له‬ ‫عدة مؤلفات منها‪( :‬نقد العقل التأويلي)‪،‬‬ ‫(التفكير بعد هيدغر)‪ ،‬و (الهوية والحرية‪..‬‬ ‫نحو أنوار جديدة)‪.‬‬ ‫فضل بن سعد البوعينني‪ :‬كاتب واعالمي‬ ‫سعودي ومستشار اقتصادي مختص في‬ ‫االستثمار واألسواق املالية‪ .‬أمني عام الجمعية‬ ‫السعودية لكتاب الرأي‪ .‬خبرة عملية أكثر من‬ ‫‪ 25‬عاما في القطاع املصرفي‪ .‬ماجستير في‬ ‫إدارة األعمال‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫‪7‬‬


‫المحتوى‬

‫تعبئة أميركية لترشيح‬ ‫هيالري كلينتون‬ ‫للرئاسة ‪2016‬‬

‫دميقراطية ناعمة‬

‫بني التحامل‬ ‫واإلنصاف‪:‬‬ ‫فالديمير‬ ‫بوتني‪ ..‬هل‬ ‫يعيد إنتاج‬ ‫هتلر؟‬

‫سياسة‬ ‫االستيالء‬ ‫ليبيا بني املواجهات العسكرية‬ ‫واملبادرات السياسية‬

‫حرب التقسيم‬

‫ملاذا يجب على واشنطن‬ ‫أن تركز على الشرق األوسط‬

‫وعود الشرق األدنى‬

‫تحديات مصر‬ ‫والسيسي‪:‬‬ ‫الوضع االمني‬ ‫واالقتصادي‬ ‫وحراك شباب‬ ‫امليادين‬

‫مصر‬ ‫اجلديدة‬ ‫ملحات من عالقة‬ ‫شكيب أرسالن بالسعودية‬

‫األديب وامللك‬ ‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


‫مجلة العرب الدولية‬ 1980 ‫تأسست في لندن عام‬

‫شهرية سياسية‬

www.majalla.com 

‫للحصول على‬ :‫املعلومات املفصلة‬




‫االفتتاحية‬

‫رساله المحرر‬ ‫بعد مرور أكثر من ثالثة أعوام على الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس املصري األسبق حسني مبارك الذي مكث‬ ‫في الحكم لفترة طويلة‪ ،‬عادت مصر إلى حيث بدأت‪ .‬وفي ظل تأييد شعبي كاسح‪ ،‬انتهى حكم الرئيس املنتمي لجماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني‪ ،‬الذي استمر ملدة عام كارثي‪ ،‬وها هي مصر تختار القائد العام السابق للقوات املسلحة عبد الفتاح‬ ‫السيسي رئيسا لها‪.‬‬ ‫في هذا العدد تطرح مجلة «املجلة» ملف مستقبل مصر‪ ،‬بعد االنتخابات الرئاسية‪ ،‬ما هي أبرز التحديات الراهنة وكيف‬ ‫سيواجهها الرئيس املنتخب؟‬ ‫يكتب الباحث املصري الدكتور عمار علي حسن تحليال مطوال حول طبيعة الهوية املصرية‪ ،‬مؤكدا أنه «لم يتعلم أي‬ ‫من املصريني املتصارعني حول (الهوية) في مصر‪ ،‬درس التاريخ القريب أو البعيد‪ ،‬ولم يقرأوا تلك الحكمة السابغة‬ ‫التي خرج بها (نيوبري) بعد أن راجع خصائص الطبقات الحضارية املصرية‪ ،‬حيث قال‪( :‬مصر وثيقة من جلد رقيق‪،‬‬ ‫اإلنجيل مكتوب فيها فوق هيرودوت‪ ،‬وفوق ذلك القرآن‪ ،‬وتحت الجميع ال تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجالء)»‪.‬‬ ‫في حني يناقش الباحث األميركي ديفيد شينكر التحديات القائمة التي تواجهها مصر‪ ،‬في موضوع بعنوان (مصر‬ ‫الجديدة) قائال‪« :‬يبدو أن معظم املصريني يرون في السيسي أفضل ما ترجوه مصر للخروج من أعوام االضطرابات‬ ‫في مرحلة ما بعد مبارك‪ ،‬يواجه الرئيس املنتخب ملصر سلسلة من التحديات التي سوف يكون من الصعب التغلب‬ ‫عليها‪ .‬يشهد االقتصاد تدهورا كبيرا منذ عام ‪ .2011‬وأصبح لتنظيم القاعدة موطئ في سيناء يهدد باالمتداد إلى‬ ‫وادي النيل»‪.‬‬ ‫وفي سياق آخر يكتب الباحث السعودي عبد الله بن مرعي محفوظ عن طبيعة العالقات املصرية السعودية‪ ،‬قائال‪« :‬أقل‬ ‫وصف يمكن أن أصف به العالقات السعودية املصرية في عام ‪ 2014‬هو القمة في كل ضلع من الهرم املثلث األضالع‬ ‫(اإلخاء ‪ -‬التعاون ‪ -‬التضامن)‪ ،‬وإن الحكومتني السعودية واملصرية تقفان عربيا وإقليميا ودوليا بموقف موحد أمام‬ ‫التغير العاملي الذي خلفته (الفوضى الخالقة) الغربية في منطقة الدول العربية وأمام التبعات االقتصادية املدمرة من‬ ‫الربيع العربي»‪.‬‬ ‫في حني يكتب املحلل السعودي فضل أبو العينني عن طبيعة العالقات السعودية املصرية واصفا إياها بأنها تتسم‬ ‫بـ«الصداقة املستمرة» مؤكدا أن السعودية من أكبر الدولة املستثمرة اقتصاديا في مصر‪ ،‬وتشمل معها قطبي النظام‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫وفي موضوع آخر يرصد املؤرخ السعودي قاسم الرويس مالمح من عالقة أمير البيان شكيب أرسالن من السعودية‪،‬‬ ‫وزياراته املتكررة لها‪ ،‬ومواقفه الداعمة واملؤيدة للملك عبد العزيز في ظل تأسيسه للدولة السعودية الثالثة في عرض‬ ‫تاريخي مليء باملعلومات والوثائق النادرة‪.‬‬ ‫كما تقدم «املجلة» نخبة مختارة من أهم املقاالت املترجمة من مجلة «فورن أفيرز» األميركية‪ ،‬التي تناقش شؤون‬ ‫ومستجدات الوضع اإلقليمي والعاملي‪ ،‬إضافة إلى عرض ألهم الكتب واملؤلفات الصادرة في عام ‪ 2014‬وتتناول املشهد‬ ‫الثقافي والسياسي الراهن‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا ‪ majalla.com‬ونرحب دائما بآرائك‪،‬‬ ‫وتعليقاتك‪.‬‬

‫المحرر‬ ‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1596‬حزيران‪ -‬يونيو ‪2014‬‬


ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.

Omar A. Alshaikh :‫مسؤول مكتب اخلليج‬ ‫ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ‬

‫الر�شيد‬ ‫عبد اهلل‬ ^¤ 7yG* Ò* ^d<

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM :‫سكرتري التحرير‬ ‫اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ ‫ﺳﻜﺮﺗﲑ‬ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of NASHR.‫د‬Co. ‫الد�سوقي‬ ‫م�صطفى‬ Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

¥E¢ ‫الفين‬6^G* £ }H ‫اإلخراج‬

ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting CEO of NASHR ‫عثمان‬ ‫ علي‬Co.

ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ΃ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ΍ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ΍ ΪϳήΒϟ΍ ϰϠϋ ΔϠγ΍ήϤϟ΍ ϰΟήϳ ˯΍έ΁ ϭ΃ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh

‫للمشاركة‬ ȝƾżȚǍƄŵȚ

‫كلمة‬ 800 ‫ جميع المقاالت يجب أال تزيد على‬:‫ ملحوظة‬editorial@majalla.com ‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني‬ ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ΍ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ΍ ΔόΒτϟ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ

‫اشتراكات‬ ϡΎψϧ ϱ΃ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ΃ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ΃ ϭ΃ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝ΍ϮΣϷ΍ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ΍ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla :‫ لالشتراك في االلكترونية‬subscriptions@majalla.com :‫ يرجى االتصال بـ‬،‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‬ ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ΍ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϣ ϖΒδϣ ΢ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ΍ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ΃ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ΃ ΎϫήϳϮμΗ ϭ΃ Δϴϟ΁ ϭ΃ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ΃ ϭ΃ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ΃ ϲϋΎΟήΘγ΍ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ΍ ϙ΍ήΘηϻ΍ Ε΍έΎδϔΘγ΍

‫ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬.‫ التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‬2009 ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة‬ ‫ لتلقي‬.ً‫ وتصدر المجلة شهريا‬.)‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة‬ www.majalla.com ‫ يرجى زيارة‬،‫استفسارات االشتراك الرقمي‬

LVVXH

$XJXVW

Ώ΁ βτδϏ΃ ΩΪόϟ΍

++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1596 - June 2014 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310

ϰμμΨΘϟ΍ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ νΎϳήϟ΍ ΎϬϟ κΧήϣ 2014 ‫ يونيو‬-‫ حزيران‬1596 ‫العدد‬

$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ΍

ZZZ PDMDOOD FRP HQJ

‫ تقاطع التخصصى‬- ‫ طريق مكة‬- ‫ حي المؤتمرات‬- ‫الرياض‬

‫مرخص لها‬

A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‫ لندن‬- 4419933 ‫ هاتف‬:‫الرياض‬

www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ΍ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϞΧ΍Ω Ϧϣ

ϲϧϼϋϹ΍ ϞϴϛϮϟ΍

hq@alkhaleejiah.com :‫ بريد إلكتروني‬،www.alkhaleejiah.com :‫موقع إلكتروني‬ +966 11 441 1444 : ‫ ومن مختلف الدول‬، +44 207 404 6950:‫ لندن‬، +331 537 764 00:‫ باريس‬،+9714 3 914440 :‫ دبي‬،920 000 417 : ‫من داخل المملكة‬

‫الوكيل اإلعالني‬

ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ

ΕΎϛ΍ήΘηϹ΍ Ϟϴϛϭ

800-2440076 :‫ هاتف مجاني‬،www.arabmediaco.com :‫ موقع إلكتروني‬، info@arabmediaco.com :‫بريد إلكتروني‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ΍ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 11 2121774 :‫ فاكس‬+966 11 4419933 :‫ هاتف‬،11585 ‫ الرياض‬- 62116 ‫ب‬.‫ ص‬- ‫المؤتمرات‬ ‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي‬ www.saudidistribution.com :‫موقع إلكتروني‬ ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι

‫�شركات ن�شر‬ ‫شركات نشر‬

ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

‫وكيل التوزيع‬

ΔϋΎΒτϟ΍ ΰϛήϣ

ΔϋϮϤΠϤϟ΍ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com

Saudi Specialized Publishing ‫املتخصص‬ ‫السعودية للنشر‬ ‫ الشركة‬Company www.sspc.com.sa

áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG

www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

»‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم‬

ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ΍ ϕϮϘΣ

©ϡϼϋϹ΍ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 ‫ يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني‬،‫المعلومات‬ ‫للحصول على المزيد من‬

»‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة‬



‫العدد ‪ 1596‬حزيران ‪ -‬يونيو ‪2014‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫قا�سم بن خلف الروي�س‪ :‬الأديب وامللك‪ ..‬ملحات من عالقة �شكيب �أر�سالن بال�سعودية‬ ‫فتحي امل�سكيني‪ :‬ظاهرة املراهقة امللحدة‪ ..‬مترد �أخالقي على ال�سلطة الأبوية‬ ‫طوين بدران‪ :‬امل�صاحلة الفل�سطينية‪ ..‬مطلب وطني �أم مناورة �إخوانية؟!‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪06‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1596 - June 2014‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.