الكلمة الأخرية ّ انقضت الجيوش ،عبر انقالبات عسكرية ،على حكوماتها التي بدأت التأسيس للبلدان نفسها ،وكان الغالب منها حكومات ملكية :مصر ( )1952بقيادة محمد نجيب ،والعراق ( )1958بقيادة عبد الكريم قاسم ،واليمن ()1962 بقيادة عبد الله السالل ،وليبيا ( )1969بقيادة معمر القذافي ،والبداية كانت بتركيا ( )1924بقيادة مصطفى كمال أتاتورك .كان مع كل هؤالء الزعماء أو القادة ما عرف بتنظيم الضباط األحرار أو املجلس العسكري ،لكن ما وينفرط عقد ذلك التنظيم أو املجلس ،ويصبح زعيم االنقالب خائنا بعد عزله بانقالب أيضا ،فأقيل هي إال أيام ُ وانق ِلب على عبد الكريم قاسم وقتل ،وانقلب على عبد الساللَ ، وس ِلم القذافي ليحكم ليبيا ألكثر محمد نجيب، من أربعني سنة. بينما دول أخرى تعرضت لهزات العسكر وحافظت على أنظمتها امللكية وما زالت .وبعد تعرض الجمهوريات لسلسلة انقالبات ،وصدامات أحزاب دموية ،ظهر الحنني إلى العهود امللكية واضحا ،وعلى وجه الخصوص في حالة مصر والعراق ،ذلك لوجود حياة برملانية وديمقراطية سياسية كان لها أن تتطور ،وفي تلك األنظمة هناك مؤسسات وبنى تحتية هتكتها االنقالبات والصراعات ،مع عدم إغفال املبررات التي أعطيت لالنقالبيني أو الثوار. استقبل الكثيرون حركة الجيش املصري بزعامة عبد الفتاح السيسي ()2013؛ وحركة خليفة حفتر في تجميع ما تبقى من الجيش الليبي في محاولة إلنهاء الوضع املضطر بـبسط األمن في بالده ،بعد هيمنة امليليشيات الدينية والقبلية.
بقلم :ر�شيد اخل ُّيون
معلوم أن السيسي عندما حرك الجيش كان وزير الدفاع والقائد العام للقوات املسلحة ،وأنه لم يجرؤ على إنهاء حكم اإلخوان املسلمني إال بعد خروج عشرات املاليني إلى الشوارع مطالبني بإسقاط حكومة «اإلخوان» .لم تتوافر للنموذج الليبي خليفة حفتر ،وكان ضابطا بالجيش الليبي وانقلب على القذافي وحاربه ،تلك الظروف ،فالشعب الليبي لم يتمكن من التعبير عن رفض األوضاع لسيادة امليلشيات ،فقد وصل الحال إلى اختطاف رئيس الوزراء، ناهيك باالغتياالت وفوضى السالح .إال أن محاولة حفتر ،التي نجحت في تأمني االنتخابات الليبية ،لم ترفض جماهيريا ،على أساس أنها انقالب على الديمقراطية ،مثلما قدم اإلخوان املسلمون حركة الجيش املصري، فـ «اإلخوان» الليبيون لم يكونوا بتلك القوة ،وكان هذا واضحا من فشلهم في االنتخابات ،مع ما بذل من األموال دعما لهم.
مصر وليبيا... الجيش املنقلب واملنقذ
فقد ما سمي الربيع العربي بريقه بسرعة مذهلة ،وذلك بعد قفز األحزاب الدينية على املشهد، فهي الجماعات املنظمة واملالكة لخطاب مؤثر باسم الدين ،لذا مألت الفراغ ،وفي الوقت نفسه لم يتمكن اإلسالميون من تأمني سلطاتهم التي تسرعوا لتثبيتها على أنها دائمة ال تنال منها صناديق االقتراع بعد أن أوصلتهم إليها.
ما يخص النموذج الليبي أيضا ،فإن الجيش ،على خالف الحالة املصرية ،لم يكن قويا ومنتظما ،وقد حصل هذا وفق سياسات النظام السابق ،لهذا ما إن أعلنت الثورة ضد معمر القذافي (قتل )2011حتى صار الجيش الليبي شيعا ،بينما وقف الجيش املصري خلف قيادته املمثلة بوزير الدفاع األسبق محمد حسني طنطاوي وقيادات أركانه ،محافظا على سلمية الثورة ،متصرفا كأن حسني مبارك لم يكن رئيس الجمهورية ،حتى قدم األخير استقالته وتولى الجيش قيادة البالد وأمن إجراء االنتخابات تأمينا محكما ،وسمح لـ «اإلخوان» بأن يتولوا السلطة بعد حصول مرشحهم محمد مرسي على نسبة 51في املائة ،فهي ليست فوزا ساحقا ،ناهيك بأن املاليني كانوا ال يرغبون في عودة أركان النظام السابق فاضطروا إلى إعطاء أصواتهم إلى أهون الشرين بالنسبة إليهم ،وهو مرشح «اإلخوان».
لم تواجه حركة حفتر ،وهو الضابط املتقاعد ،باضطرابات شعبية ،ألن الشعب أخذ يستغيث من العنف والفوضى؛ وإذا كان السيسي قد دعي شعبيا أيضا إلى ترشيح نفسه ،وأن خيال وألق جمال عبد الناصر أخذا يبعثان من جديد بسبب الحالة التي خلقتها الجماعات الدينية ،وهي في السلطة وهي خارجها -فإن حفتر حتى هذه اللحظة ( 24مايو «أيار») نفى أي طموح في السلطة ،فقدم نفسه منقذا لديه القوة لتأمني االنتخابات ،التي يريد اإلسالميون فرض أنفسهم من خاللها ،ألن أمرهم بدأ بهذا الطموح .ومن يسمع عن انهيار الجيش الليبي، وال وجود ملموسا له حتى في زمن القذافي ،الذي اعتمد على تنظيمات سماها الشعبية ،يفاجأ تماما بحركة «الكرامة» التي يقودها الفريق حفتر. السؤال :هل يظهر شبيه حفتر في بلدان أخرى أخذ العنف يتأصل فيها ،ونسبة الفساد املالي واإلداري عالية إلى درجة الخطر فيها ،مع تفاقم دور الجماعات الدينية الطائفية ،وتمتعها بحرية تامة في التدريب واالستعراض وتنفيذ العمليات .بهذا املعنى قد يؤخذ النموذج الليبي في حالة نجاحه مثاال .فها هي إحدى عشرة سنة والعراق يعيش الفوضى واإلرهاب ،والبلد يتعرض لالنقسام ،مع فهمنا ألوضاع العراق الطائفية والقومية ،وتشكيل الجيش على أساس هذا املزاج ،وكذلك الحال في اليمن والصومال ،مع أن مؤسسة الجيش اليمني ما زالت متماسكة قياسا ببقية البلدان املضطربة .ال ندري ،فاألفق مفتوح ،وربما سيكون حفتر نموذجا لحفاتر سينهضون ،بعد أن سحقت الجماعات املسلحة واألحزاب الدينية كرامة الشعوب ،حتى تسربلت الديمقراطية بثياب الديكتاتورية.
66
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
اجملتمع املدني يف سوريا وإيران: النشاط يف الدول السلطوية بول آرتس وفرانسيسكو كافاتورتا راجعه جون وترباري
ت�ش�ك��ك ت �ل��ك امل�ج�م��وع��ة ف ��ي ال �ع �ل��م ال � ��ذي ي�ط�ل��ق عليه علم تحول األنظمة أو - transitologyدون حق أحيانا -والذي يركز على الدور اإلي �ج��اب��ي ال� ��ذي ل�ع�ب��ه امل�ج�ت�م��ع امل � ��دن � ��ي خ �ل ��ال االن � �ت � �ق� ��ال إل ��ى الديمقراطية في أوروبا الشرقية وأميركا الالتينية. ويحتج م�ع��دو ذل��ك ال�ك�ت��اب بأن منظمات املجتمع املدني في كل من إيران وسوريا مجرد أدوات «ل�ت�ط��وي��ر األن�ظ�م��ة ال�س�ل�ط��وي��ة»؛ وب� � ��دال م ��ن دف � ��ع االن� �ت� �ق ��ال إل��ى الحكم الديمقراطي فإنها تساعد على القمع .فعلى سبيل املثال، ي �ق��ول ب �س��ام ح� ��داد إن ��ه عندما كانت سوريا تناضل من أجل اإلص�لاح��ات الليبرالية الجديدة ف��ي ال�س�ن��وات األول ��ى م��ن العقد األخير ،ع��ززت الدولة املنظمات اإلس�ل��ام � �ي� ��ة غ� �ي ��ر ال �ح �ك��وم �ي��ة
عملت ثالثة أجيال من آل روننغ داخل الصني، ب��داي��ة م��ن أج ��داد توبينغ ه��ال�ف��ور وه�ن��ا رون�ن��غ اللذين كانا يعمالن كمبشرين في مقاطعة هوبي وفي أعماق الصني في الفترة من 1891إلى .1908 ومكنت خطاباتهما ومذكراتهما وص��وره�م��ا العائلية ت��وب �ي �ن��غ م ��ن أن ت � ��روي ق�ص�ص�ه�م��ا ب �ت �ل��ك ال�ت�ف��اص�ي��ل املؤثرة .كما تتنقل ببراعة بني املستقبل واملاضي عبر التفاصيل الحميمة لقصص الحب العائلية وكذلك املآسي والديناميات املعقدة للمجتمع الصيني الريفي واإلط��ار األوسع للسياسات الصينية خالل ثورة املالكمني. وتضفي روايتها الحياة على مجتمع كان بدائيا وقاسيا باإلضافة إلى املؤسسات التبشيرية التي كانت تمارس عمال خطرا وطموحا على نحو مناف للعقل .ومع ذلك فإن هالفور وهنا استطاعا إنقاذ حياة العديد من األشخاص وعلما العديد من األطفال وتمكنا من تنصير العديد من األشخاص. وتستمر القصة عبر حياة أحد أبناء هالفور وهنا ،وهو تشستر رونينغ ال��ذي ك��ان دبلوماسيا كنديا مرموقا ووالد توبينغ وعبر حياة توبينغ نفسها وزوجها سيمور توبينغ اللذين يعمالن كصحافيني وكانا يسافران إلى الصني من فترة ألخرى منذ عام .1946 وك ��ان ��ت األج� �ي ��ال ال �ث�لاث��ة م ��ن ه ��ذه ال �ع��ائ �ل��ة ت�ع�م��ل على مكافحة االحتقار الذي كان يشعر به العديد من الغربيني والصينيني تجاه ثقافة اآلخ��ر .ويستأنف ذل��ك الكتاب تلك املهمة.
لتقديم أنواع محددة من الرعاية االجتماعية .ولكن تلك املجموعة م� ��ن امل � �ق� ��االت ت� �ق ��دم أدل� � ��ة غ�ي��ر م�ن�ض�ب�ط��ة ف�ع�ل��ى س�ب�ي��ل امل�ث��ال يشير ك��ل م��ن س�لام الكواكبي وب��اوال رفتي إل��ى أن «الحكومة نظمت تنظيمات غير حكومية» رب� �م ��ا ت �ت �م �ك��ن م� ��ن أن ت�ص�ب��ح مستقلة وم�ع��ارض��ة للدولة في ق �ض��اي��ا م � �ح� ��ددة ،ك �م��ا ت�ش�ي��ر ب �ي �م��ان ج �ع �ف��ري إل ��ى أن غ��رف��ة ال�ت�ج��ارة وال�ص�ن��اع��ات واملناجم وال� ��زراع� ��ة ال �ت��ي ك��ان��ت ت��رع��اه��ا الدولة أصبحت مع الوقت معادية للقطاع شبه الحكومي .ولكن في النهاية ،لم يحاول أي من املؤلفني اإلج��اب��ة عن ال�س��ؤال األساسي: ه��ل ي�م�ك��ن أن ت �ت �ط��ور األن�ظ�م��ة السلطوية إلى التحرر السياسي أم أن االنفجار (العنف أو غيره) سبيل وح�ي��دة لتحطيم قبضة تلك األنظمة؟
البعثات التبشريية: تاريخ شخصي من العصر اإلمرباطوري األخري إلى جمهورية الصني الشعبية أودري روننغ توبينغ راجعه :أندرو ناثان
,,
منظمات املجتمع املدني في كل من إيران وسوريا مجرد أدوات «لتطوير األنظمة السلطوية» عملت ثالثة أجيال من آل روننغ داخل الصني ،بداية من أجداد توبينغ هالفور وهنا روننغ
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
65
مراجعات
املغالي :أمريكا يف العالم من ترومان إلى أوباما ستيفن سستانوفيتش راجعه :والرت راسل ميد
ف��ي ه��ذا اإلن�ج��از التحليلي ،يقدم س �س �ت��ان��وف �ي �ت��ش رؤي � � ��ة ش��ام �ل��ة للسبعني عاما املاضية للسياسة ال�خ��ارج�ي��ة األم�ي��رك�ي��ة وي �ق��دم ن�ظ��رة نافعة وج� ��دي� ��دة ح� ��ول اس �ت��رات �ي �ج �ي��ات آخ� ��ر 12 رئ�ي�س��ا أم �ي��رك �ي��ا .وت �ع��د ال �ف �ك��رة ال��رئ�ي�س��ة ل �س �س �ت��ان��وف �ي �ت��ش ه� ��ي أن � ��ه م� �ن ��ذ ال� �ح ��رب العاملية الثانية ،كانت السياسات األميركية تتأرجح بني نقيضني التواصل «املغالي» أو التواصل املحافظ .ويحجم سستانوفيتش ع��ن إدان��ة أي م��ن النقيضني .ففي رأي��ه ،لم يكن املغالون من أمثال الرؤساء األميركيني هاري ترومان وجون كيندي وجورج بوش س ��وى م�غ��ال�ين م�ت�غ�ط��رس�ين ،ك�م��ا ال يجب النظر إلى الرؤساء الذين كانوا يميلون إلى التحفظ مثل دوايت إيزنهاور وباراك أوباما كانهزاميني .ولكن سستانوفيتش ينجح في إثبات حجته دون محاولة الدفاع عنها بأكثر مما تسمح الحقائق .مما ال شك فيه أن هذا الكتاب سيكون جيدا بالنسبة للمختصني واملستجدين ف��ي ه��ذا امل�ج��ال كما سيفيد منه أي شخص ل��دي��ه اه�ت�م��ام ب��امل��اض��ي أو بمستقبل السياسة األميركية.
احلوكمة العاملية معرضة للخطر
,,
من وجهة نظر هيلد وروجر يواجه العالم «ثغرة حوكمة» متنامية
,,
64
ديفيد هيلد وتشارلز روجر راجعه جون إكنربي من وجهة نظر هيلد وروج��ر ،يواجه العالم «ثغرة حوكمة» متنامية :فعلى ال��رغ��م م��ن أن ال �ع��ومل��ة ت�خ�ل��ق أن��واع��ا ج��دي��دة م��ن امل �ش �ك�لات االق�ت�ص��ادي��ة والبيئية واألم�ن�ي��ة ال�ت��ي ال يمكن حلها إال عبر الجهود الدولية الجمعية ،ما زالت الدول مترددة ب �ش��دة ب �ش��أن ال �ت �ع��اون .وي �ع��رب ك��ل م��ن هليد وروجر عن قلقهما بشأن تداعي مفهوم الحوكمة العاملية وتطبيقها .وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أنهما ال يتوقعان انهيارا منهجيا للمؤسسات العاملية، فإنهما يتوقعان مستقبال من األزمات والعقبات. ويؤكد املشاركون اآلخرون في هذا الكتاب تلك الرؤية ،حيث يصف بنيامني كوهني النظام الدولي املالي والنقدي الذي أصبح أقل تنظيما وأقل شفافية وأقل قابلية للتنبؤ ومن ثم فإنه يزيد احتماالت وقوع أزمات منهجية ،فيما يبرز روبرت ويد صعوبة تكامل االقتصادات الناشئة مع مؤسسات الحوكمة العاملية مؤكدا أن الدول الغربية قاومت جهود مشاركة السلطة. ولكن الكتاب يفتقر إلى الصورة الواضحة حول التحالفات والجماهير التي ربما تظهر وسط الكوارث املستقبلية لبناء جيل جديد من القواعد واملؤسسات متعددة األطراف.
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
التدخل األجنيب يف أفريقيا: من احلرب الباردة إلى احلرب على اإلرهاب إليزابيث شميدت راجعه :نيكوالس فان دي وال
ع� �ل ��ى ال� ��رغ� ��م م� ��ن أن االس� �ت� �ع ��راض ال� �ت ��اري� �خ ��ي ال � � ��ذي ق ��دم �ت ��ه ش �م �ي��دت بشأن التدخل العسكري في املنطقة خ�لال النصف األخ�ي��ر م��ن ال�ق��رن العشرين ال ي�ت�ط��رق إل��ى م�س��اح��ات ن�ظ��ري��ة ج��دي��دة ،فإنها تقدم مقدمة جيدة لسياسات القوى الخارجية صوب أفريقيا .تبدأ شميدت بالتدخالت التي رافقت إنهاء استعمار أج��زاء من القارة كانت تهيمن عليها بلجيكا وفرنسا واململكة املتحدة مل��دة طويلة (ب��اإلض��اف��ة إل��ى فصل ق��وي حول أزمة الكونغو في بداية الستينات) ،ثم تفحص النزاعات التي أحاطت بإنهاء استعمار أفريقيا الناطقة بالبرتغالية ونهاية التمييز العنصري في جنوب أفريقيا .وتنهي شميدت الكتاب بفصل ح��ول البعد األفريقي لـ«الحرب على اإلره��اب» التي قادتها الواليات املتحدة .وتفترض شميدت أن املصالح االقتصادية حركت القوى الخارجية التي تدخلت ف��ي أفريقيا خ�لال تلك النزاعات وتقول إن مثل تلك القوى كانت دائما ما تعتمد على ال�ت��واط��ؤ وال�ت�ع��اون م��ع األط ��راف املحليني وتستنتج في النهاية أن التدخالت ك��ان دائما لها تأثير مدمر على ال�ق��ارة ،ولكنها ال تضع انتقادها ضمن تحليل أكثر شموال للعالقات الدولية ألفريقيا وال تذكر املساعدات األجنبية وامل�س��اع��دت اإلنسانية وتتجاهل تأثير الدعم ال�خ��ارج��ي ال ��ذي ت�ق��دم��ه األم��م امل�ت�ح��دة وال�ق��وى اإلقليمية لحفظ السالم.
الصراع على مستقبل العراق زيد العلي راجعه :جون وترباري
كان ريزو هو أكبر محام باالستخبارات األم �ي��رك �ي��ة خ�ل�ال م�ع�ظ��م ف �ت��رة إدارة جورج بوش التي شهدت أكثر الجداالت عنفا حول «الحرب على اإلرهاب». وك �ت��ب ري � ��زو ،ال� ��ذي اع� �ت ��زل ح��ال �ي��ا ،م��ذك��رات تفصيلية بقدر م��ا سمحت ب��ه هيئة املراجعة باالستخبارات .ولن يكون كتاب ريزو هو آخر م��ا يصدر ح��ول «تقنيات التحقيق املتطورة» ال� �ت ��ي اس �ت �خ��دم �ت �ه��ا االس� �ت� �خ� �ب ��ارات ف ��ي ظ��ل اإلرشادات املثيرة للجدل التي أنتجها املحامون بوزارة العدل بإدارة بوش .مما ال شك فيه أن حجج ري��زو ل��ن تقنع س��وى ع��دد م�ح��دود من املتشككني .فعلى ال��رغ��م م��ن أن��ه ق��دم حججه على نحو تفصيلي ،فلن يقتنع املتشككون بأن الحادثة الشهيرة على سبيل املثال ،املتعلقة بتدمير الفيديوهات التي تصور عملية إغراق املحتجزين بـ «املواقع السوداء» باالستخبارات لم تكن جزءا من عمليات تعمية عمدية. ويقر ريزو بأن تلك القضايا تحيط بها مشاعر قوية وبوقوع العديد من األخطاء التي ارتكب هو شخصيا عددا منها .يمتاز أسلوب ريزو بحس دعابة وتقتصر تعليقاته القاسية على ما يعتبره لجان الرقابة بالكونغرس ومجلس ال �ش �ي��وخ ال �ت��ي ي�ص�ف�ه��ا ب��أن �ه��ا غ �ي��ر م�س��ؤول��ة وسطحية وكسولة.
ع��اد العلي ،ال��ذي ك��ان أب��وه دبلوماسيا عراقيا فر هاربا ،إلى العراق مستشارا قانونيا ل�لأم��م امل�ت�ح��دة أث�ن��اء االح�ت�لال األم�ي��رك��ي .وي�ع��د ه��ذا ال�ك�ت��اب مرثيته الخاصة، بعدما أخفقت كافة محاوالته إلص�لاح دول��ة ما بعد ص ��دام .وي�ش��ن العلي عبر ال�ك�ت��اب هجوما على العراقيني العائدين من املنفى الذين وصلوا إلى السلطة حاليا في العراق ،مثل رئيس الوزراء، ن��وري املالكي ،باإلضافة إل��ى ب��ول بريمير الذي عمل رئيسا لسلطة االئتالف املؤقتة الذي تقوده الواليات املتحدة في 2003ـ 2004نظرا ألنهم قادوا العراق دون داع إل��ى الطائفية واإلقليمية .وعلى الرغم من أن ق��درا كبيرا من تحليل العلي مفيد إلى حد بعيد فإنه ليس جديدا .ومن جهة أخرى، يقدم العلي أفضل أداء له فيما يتعلق بالقضايا الدستورية؛ حيث يدعو لدستور عراقي جديد يمكنه أن يوفر هيمنة مدنية أقوى على الجيش وتنظيما أكثر فعالية لألحزاب السياسية ويضع إج ��راءات أكثر ص��رام��ة ملكافحة وإص�ل�اح قطاع البترول والغاز وإقامة عالقة أكثر وضوحا بني الدولة املركزية واملحافظات العراقية .وعلى الرغم من أنه يستبعد أن تسفر االنتخابات البرملانية في ع��ام 2014عن تغيير كبير ،فإنه يتمنى أن يستطيع العراق في النهاية تحويل مساره بعد االنتخابات املحلية والبرملانية في 2014ـ .18
رجل الشركة :ثالثون عاما من اجلدال واألزمات يف االستخبارات األمريكية جون ريزو راجعه :والرت راسل ميد
القوي :كيف يعمل علم النفس على تثوير احلرب مايكل ماثيوز راجعه لورانس فريدمان
ي��ؤم��ن م��اث �ي��وز ،أس �ت��اذ ع�ل��م النفس الهندسي بويست بوينت ،بأن الفهم األع�م��ق لكيف يفهم اإلن�س��ان بيئته وي�ت�ك�ي��ف م�ع�ه��ا ي�م�ك�ن��ه أن ي�ح�س��ن اخ�ت�ي��ار املقاتلني بالقوات املسلحة وإعدادهم .كما يعد علم النفس جزءا حيويا من العناية بقدامى املحاربني الذين يحاولون التعايش مع اإلعاقة أو اضطرابات ما بعد الصدمة وربما تساعد وج��ود رؤى نفسانية على تقليل امل�ع��دالت امل �خ �ي �ف��ة ل�لان �ت �ح��ار ب�ي�ن األم �ي��رك �ي�ي�ن ال��ذي��ن شاركوا في القتال في أفغانستان والعراق. ولكن ماثيوز يحذر من االفتراض املتعلق بأن كافة املعارك يكون لها تأثير نفسي مدمر. وي ��ؤك ��د ب �ق��وة ع �ل��ى أن� ��ه ي �ج��ب ع �ل��ى ال �ق��وات املسلحة األميركية أن تستمر ف��ي االبتعاد عن هيمنة الذكور البيض والخوف من املثليني. كما يذكر أيضا أن الجيش األميركي استفاد من منح تقدير أكبر للثقافات املتنوعة ومن تعليم ضباطه كيف ي�ق��وم��ون ب��ال�ق�ي��ادة في املواقف املعقدة. ويختتم كتابه بطرح بعض األفكار حول كيف يؤثر علم النفس في تعزيز السالم وبشأن التحفظات األخالقية التي تجري إثارتها حول تقديم الدعم النفسي للقوات املسلحة عندما تقترف أشياء سيئة أو حمقاء؛ فيحذر على سبيل املثال من عدم تدخل علماء النفس في التعذيب .وعلى الرغم من أن الكتاب يرتكز إل��ى ح��د كبير على ال��والي��ات املتحدة ،يمتاز أسلوب ماثيو بالعمومية كما أنه يستشهد دائما بتجاربه الخاصة.
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
63
مراجعات
اختارت «املجلة» عشرة كتب متنوعة من أهم الكتب الصادرة حديثا ،التي عرضت بالنقد والتحليل في مجلة «فورن أفيرز» في عدد مايو (أيار) -يونيو (حزيران) الحالي ،وتتميز الكتب املختارة بالثراء والتخصص واملهنية العالية ،إضافة إلى عناصر الجذب والتشويق ،ومن بينها كتاب «الصراع على مستقبل العراق» لزيد العلي ،الذي يشن مؤلفه هجوما على العراقيني العائدين من املنفى الذين وصلوا إلى السلطة حاليا في العراق ،مثل رئيس الوزراء نوري املالكي ،باإلضافة إلى بول بريمير رئيس سلطة االئتالف املؤقتة الذي قادته الواليات املتحدة في 2004 - 2003نظرا ألنهم قادوا العراق دون داع إلى الطائفية واإلقليمية .وفي كتاب «املجتمع املدني في سوريا وإيران :النشاط في الدول السلطوية» لبول آرتس وفرانسيسكو كافاتورتا ،يرى املؤلفان أن منظمات املجتمع املدني في كل من إيران وسوريا مجرد أدوات «لتطوير األنظمة السلطوية»؛ وبدال من دفع االنتقال إلى الحكم الديمقراطي فإنها تساعد على القمع .ولكن في النهاية ،لم يحاول أي من املؤلفني اإلجابة عن السؤال األساسي :هل يمكن أن تتطور األنظمة السلطوية إلى التحرر السياسي أم أن االنفجار (العنف أو غيره) سبيل وحيدة لتحطيم قبضة تلك األنظمة؟ وفيما يلي نخبة من أهم الكتب املنشورة التي تستحق القراءة واملراجعة.
أميركا في العالم من ترومان إلى أوباما..والصراع على مستقبل العراق
أبرز عشرة كتب صدرت حديثا تشكيل العالم الناشئ :اهلند والنظام متعدد األطراف حرره كل من واغورو بال سينغ سيدو ،وبراتاب بانو ميتا، وبروس جونز راجعه :أندرو ناثان تتنامى باستمرار أهمية األنظمة متعددة األط��راف في تنظيم عالقات الدول بعضها ببعض ،ولكن مشاركة الهند في تلك األنظمة كانت دائما ما تتراجع أمام تركيزها على املشكالت املباشرة لألمن اإلقليمي ،والتزامها املستمر بـ«االستقالل االستراتيجي» ،والسياسات املحلية املعقدة املتمركزة حول الداخل ،بل وحتى النقص في الكفاءات الدبلوماسية. وعلى الرغم من أن الهند قامت بتشكيل جماعات ضغط للحصول على العضوية ال��دائ�م��ة بمجلس األم��ن ال�ت��اب��ع ل�لأم��م امل�ت�ح��دة ،ف��إن�ه��ا ن��أت بنفسها ع��ن ك��ل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ،ووضعت العقبات أم��ام اتفاقيات التجارة واملفاوضات املناخية وتجنبت االلتزامات الدولية املتعلقة بالحد من األسلحة. ويستكشف املشاركون في إعداد هذا الكتاب مواقف الهند بشأن تلك القضايا وغ�ي��ره��ا ب�م��ا ف��ي ذل��ك ح�ف��ظ ال �س�لام ب��األم��م امل �ت �ح��دة ،وق��ان��ون ال �ب �ح��ار ،واألم��ن اإللكتروني ،واملحاسبات املالية ،وحقوق اإلنسان. ويكشف املحررون نمطا متكررا من التناقض الذي يعود إلى الصراع بني الرغبة في الحفاظ على وضع القوة العظمى والخوف من أن تتعارض التقاليد الدولية مع مصالح الهند .وتميل نيودلهي لتفضيل املؤسسات متعددة األط��راف التي يمكن استخدامها للحد من أفعال القوى العظمى األخرى ولكن ليس من يمكن استغاللهم للتأثير على الهند نفسها.
62
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
السيادة واملسؤولية عن احلماية :تاريخ جديد لوك غالنفيل راجعه جون إكنربي
عالجت األمم املتحدة مفهوم «املسؤولية عن حماية» املدنيني من املذابح وغ�ي��ره��ا م��ن ال�ج��رائ��م ض��د اإلنسانية ألول م��رة ف��ي ع��ام 2005وج��رى استغالل ذل��ك املفهوم الحقا لتبرير تدخل حلف شمال األطلسي في ليبيا في عام .2011وينظر إلى ذلك املفهوم إلى حد كبير كتطور راديكالي ملفاهيم ستفاليا األقدم املتعلقة بالسيادة. ولكن غالنفيل يؤكد أن فكرة تمتع الدول السيادية بالحق املطلق في الحكم املستقل وعدم التدخل لم تكن موجودة عند نشأة النظام الستفالي في القرن السابع عشر. كما يوضح كيف حدثت تغيرات أصيلة ملفهوم السيادة بعدما أفسح الحكم املطلق املجال للديمقراطية الليبرالية وانتشرت ال��دول القومية خ��ارج نطاق الغرب ،كما لم تترسخ فكرة الحقوق غير املشروطة للحكم الذاتي وعدم التدخل حتى القرن العشرين والتي ترجع في معظمها إلى جهود غير األوروبيني الذين كانوا يعانون على يد االستعمار الغربي. واملفارقة ،هي أن هذه الجهود كانت رد فعل تجاه السبل غير املسؤولة التي كانت دائما ما تستخدمها ال��دول األوروب�ي��ة من خ�لال استغالل الثغرات في قوانينها الخاصة املتعلقة بالسيادة لتبرير التدخالت االستغاللية. مما ال شك فيه أن هذا التاريخ يجب أن يصبح حاضرا في أذهان الدول القوية خاصة عندما تنظر في كيفية معالجة األفكار املتعلقة بالسيادة املسؤولة.
لذلك يبدو «امللحدون» الجدد رهطا بشريا «غير مرئي» أو متمردا على سلطة املرئي .لكن املفارقة هي أن هذا اإللحاد للمرئي بالنسبة إلى عني السلطة العميقة، إنما يقدم نفسه بوصفه عملية رفع للحجب عن حقيقة مؤملة ومريرة ،قامت سلطة األب /الحاكم /اإلله بطمسها من خالل جهاز رمزي طويل األمد هو لغة التعالي :أن األفق دنيوي دائما ،وأنه ال يمكن وال يحق ألي شيء أن يكون مقدسا إال إذا كان عموديا .والحال أن هذا هو ماهية السلطة بما هي كذلك. ومن ثم فليس من هدف كبير ملعنى اإللحاد سوى إعادة الكينونة في العالم إلى العالم ،إلى «العالم» كما «يعلم» للحيوانات البشرية ،من دون أي مساحيق أبوية أو سياسية أو الهوتية. ال ترى السلطة غير نفسها .لذلك ال يكون البشري «شخصا» إال عندما ينجح في الظهور في مساحة املرئي الذي تضبطه وترعاه سلطة ما ،وسلطة السلط العميقة هي سلطة األب /الحاكم /اإلله .ولذلك كل تمرد على هذه الشبكة السابقة على وجودنا هو ضرب من «املراهقة». كل ما يفرض علينا عالقة سلطوية عمودية ،ومطلقة ،ومتعالية ،هو يفرض علينا حالة مراهقة أخالقية واسعة النطاق .يقال :املراهق هو الغالم الذي قد قارب الحلم .وصلى الصالة مراهقا أي مدانيا لفوات وقتها .املراهقة في املعنى األول قد تعني ما عناه كانط في رسالة ما هو التنوير؟ بمعنى «القصور»: القصور ال��ذي أذنبه اإلن�س��ان في حق نفسه .وف��ي املعنى الثاني امل��راه��ق هو املدرك لشيء كاد يتأخر عنه ،واملراهقة عندئذ هي تعجيل واستدراك ولحاق. لكن املعاني األصلية التي تسبق هذه الدالالت االصطالحية هي معان متصلة بجملة من القبائح :رهق بمعنى ظلم وك��ذب وسفه؛ وأرهقه حمله على ما ال يطيق؛ والرهق هو اإلثم والتهمة؛ ومنه« ،املرهق» املتهم في دينه ،ولكن أيضا املوصوف بخفة العقل والجهل.
إن الفضاءات الرقمية أو االفتراضية قد مكنت الشباب من مساحات تحرر ال مثيل لها في أي جيل سابق :تحرر الحواس وتحرر املخيلة وتحرر الصورة وتحرر اللغة ،وبالتالي تحرر الجسم الحي من الجسد الخلقي الجاهز للسكن. إن القصد هو أن اإللحاد هو حركة طوبيقية ،تشكيلية ،تريد إخفاء وتغطية نوع من الكينونة بادعاء نوع آخر منها .ولذلك ليس امللحد كائنا فضائيا ،سقط من فوهة السماء ،وصار غريبا عنا .بل هو ابن الجماعة الروحية التي ينتمي إليها .إنه لحظة الرفض داخلها ،الرفض اليائس من أي رحمة قد تأتي من شبكة السلطة العمودية سارية املفعول في كل شبر من هويته العميقة :شبكة األب / الحاكم /اإلله .وألن هذه الشبكة من شأنها أن تبسط سيادة مطلقة ،ال ناهية، غير قابلة لالستالب وال لالنقسام ،فإن أي تفاوض معها سيكون تفاوضا حول نوع الطاعة التي ستفرضها فحسب .إن نوع التفاوض الوحيد املمكن داخ��ل شبكة السلطة العميقة على أنفسنا هو تفاوض حول ش��روط تحويل ال يلحد املراهق إال ألنه قد بات مرهقا بألم رمزي أو أخالقي يفوق ملكة التحمل الخضوع إلى طاعة مشرفة .بيد أن هذا النوع من التفاوض حول تحسني شروط البشرية على نحو ال يطاق .ليس الفرق بني الحيوان والبشر غير فن االحتمال االنتماء إلى أفق أنفسنا العميقة هو بالتحديد ما طفق املراهقون ما بعد املحدثني ملا ال يطاق .والخيط الرفيع بني االحتمال البشري والتحمل الحيواني يكمن في يرفضونه ويمجونه مجا. هذا :ال يتحمل الحيوان ما يفوق قدرته على التحمل .لكن البشر قد يذهب في احتمال ما ال يطاق إلى حد مثير .وليست «البشرية» غير فن احتمال لألمر إن ما وقع من ث��ورات تحت مسمى هجني من قبيل «الربيع العربي» لم يكن الذي ال يمكن ألي حيوان أن يتحمله .واألمر الذي ال يمكن ألي حيوان أن يتحمله غريبا عن ظاهرة املراهقة امللحدة التي نبحث في داللتها هنا .لم تثر الشعوب ليس شيئا آخر سوى ظاهرة «السلطة» .وخصوصا التي تستطيع أن ترهن بضميرها الكهل ،وال بشيخوختها األخالقية .لم تكن الثورة من عمل األحزاب شخصيتنا العميقة في دور ما .وبالتالي هي تملك سلفا حق تدمير الهوية الرسمية ،سلطة ومعارضة .فهذه الهيئات الرمزية قد يئست منذ وقت طويل التي نستمد منها شكل تذوتنا .ما يتحمله الحيوان هو القوة .أما السلطة فهو من أي إمكانية للثورة باملعنى التاريخي الكبير .وذلك أن الدولة /األمة الحديثة، والتي اخترعت أجهزة السيادة والحكم والهوية واملواطنة والسكان والتمثيل يجهلها .وتلك معضلة اإلنسان. السياسي واإلدارة واإلقليم وال�ح��دود..،إل��خ؛ هي قد بذلت وسعها في اختراع كل تمرد على سلطة عمودية هو إذن في وضع مراهقة مضاعفة :إنه يتمرد مخلوق هووي طويل األمد ،يسكن جسدا مطيعا ويفكر بذهنية جاهزة وقابلة عليها ألنها ال تريد أن تعترف بحقه في أن يكون ما يريد .إنها ترفض سلفا للمراقبة والتحكم بواسطة التعليم واإلعالم واألمن .ومن ثم أن إمكانية الثورة أي إمكانية ألن يلحق بها ،أو يدرك كنهها ،أو الدخول في أي قرابة ندية معها .على الدولة القومية ما بعد االستقالل قد تالشت شيئا فشيئا في أفق الجيل السلطة ليست صديقة أو أختا ألحد .املراهق هو املحكوم عليه سلفا من طرف املعاصر لنشأتها. سلطة ما بأنه لن يلحق أب��دا باألفق ال��ذي ينتمي إليه .أفق األب أو أفق الحكم بيد أن الجديد هو جيل آخر تماما :جيل بال انتماء هووي جاهز .إنه ال ينتمي أو أفق اإلله هي بالضرورة آفاق مؤسسة على التعالي الالمشروط ،والذي ال أص�لا ال إل��ى األم��ة (باملعنى ال�ح��دي��ث) وال إل��ى امل�ل��ة (باملعنى ال��دي�ن��ي) .جيل يقبل أي نوع من املحايثة .ومن ثم ال وجود لسلطة أفقية ،أي تقبل التقاسم بني ال ينتمي إال إل��ى جسمه الحيوي وأدوات بقائه التكنولوجية الفائقة :طاقته األنداد .ولذلك فما يقلق املراهق ما بعد الحديث هو أنه ال يعثر على الندية أو الشبابية املندفعة نحو استعماالت تقنية جدا للحياة وللقدرة على الحياة ،والتي املساواة املعيارية السعيدة مع ما يحبه .إنه يبحث عن نوع من التماهي العميق طمعت الدولة األمة في تطويعها واستعمالها استعماال «جماليا» لصالحها. مع األشياء التي يدعى إلى احترامها أو إلى تقديسها أو التعلق بها .وهو ما ال حيث كان دي��دن الدولة /األم��ة الحديثة بعد فشل وع��ود االستقالل بالتنمية والديمقراطية ،هو إلهاء فئة الشباب إلهاء جماليا وتكنولوجيا عن دورها الذي يعثر عليه صراحة وبشكل مؤلم في شبكة األب /الحاكم /اإلله. اكتشفته الحركات اليسارية في العالم :دور الثورة على نمط اإلنتاج وشكل السلطة تحت الدولة الليبرالية الحديثة .وتحولت الثقافة إلى عملية إلهاء نسقي حرية فارغة متحررة للشباب يقطعهم عن نموذج الشاب الثوري الذي نشرته الحركات اليسارية، ما ال تفهمه ثقافة الكهول – وسلطة األب /الحاكم /اإلله ،هي الجهاز الرمزي واالستعاضة عنه بنموذج الشاب /املراهق ،طويل األم��د ،ال��ذي تدعوه الدولة األعلى للكهولة في السلم الخلقي لشعب أو مجتمع أو عصر ما -هو أن املراهق الهووية إلى مواصلة ألعاب طفولته بطرق أخرى. ما بعد الحديث قد بات كائنا حرا بطريقة غير مسبوقة :إنه يملك حرية فارغة هذا االختزال الجمالي للشباب في مراهقة بال أفق ،هو الذي خلق ،على الضد متحررة من كل أن��واع الخضوع التقليدية ،وذلك ليس بفضل ثورة سياسية من نيات الدولة /األم��ة ،جيال من املراهقني القادرين على الرفض األخالقي أو قوة خلقية ،بل بفضل استعمال جمالي غير مسبوق للتكنولوجيا الفائقة .الواسع النطاق .ومن هنا جاءت موضة اإللحاد<
مبرمجون خالل ورشة عمل عقدت في سان فرانسيسكو ،لبحث تطوير «فيسبوك» والبرمجيات وتحسني األدوات الالزمة الستقبال املواقع التي تحجبها بعض الدول ألسباب سياسية أو دينية 30 -أبريل2014 /
,,
املراهق الحديث يملك حرية فارغة متحررة من كل أنواع الخضوع التقليدية بفضل استعمال جمالي غير مسبوق للتكنولوجيا الفائقة
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
61
ثقافة
ثمة ابتسامة صامتة -وليست كل ابتساماتنا تدعو إلى الصمت -سرعان ما تعرض لنا حينما يأخذ أحد «أبنائنا» ،املراهقني «ما بعد املحدثني» ،في امتشاق لغة الحرية «املتحررة» -وليست كل حرية قادرة على التحرر من ذاتها -تلك التي نزعت قفاز األدب األبوي ،والتي تزعم بأناقة جارحة أنها ال تؤمن بأي إله وأنها حرية «ملحدة» (!).
ظاهرة املراهقة امللحدة ..تمرد أخالقي على السلطة األبوية
موضة التمرد! بقلم: فتحي املسكيني
,,
كل تمرد على سلطة عمودية هو مراهقة مضاعفة.. إنه يتمرد عليها ألنها ال تريد أن تعترف بحقه في أن يكون ما يريد
,,
60
سبب االبتسام ال��ذي ل��ن يفارقك ه��و ط��راف��ة ه��ذا املشهد األخالقي الجديد «مراهقة ملحدة» .وألن هؤالء املراهقني هم قلما يتوفرون على معرفة ميتافيزيقية أو دربة نقدية على الخوض في غمار مناقشة فلسفية أو الهوتية أو حتى أخالقية حول معنى اإللحاد بما هو كذلك ،أو ثقافة اإللحاد أو وجاهته املعيارية ،أو تجربة املعنى التي يمكن أن يصدر عنها ،أو تاريخه النظري ،أو نوع العقول التي ادعته ،أو أنماطه وأشكاله في العالم وأزماته ومجاالته وحدوده ومستقبله..،إلخ - ،فإن املراهقة امللحدة ظاهرة تدعونا إعادة التفكير في ماهية الدين وداللته اليوم ،أكثر مما تفرض علينا معالجة تسلطية ضد ذنب ال يغتفر .حني يواجهك أحد أبنائك بدعوى اإللحاد فإن كل الوصفات الالهوتية أو الفقهية أو الردود الشرعية عليه قد صارت فجأة بال أي جدوى: إنك لن تقيم الحد على مراهق هو ال يزال تحت مسؤوليتك األخالقية واملادية. ثم من أن��ت حتى تقيم عليه الحد؟ باسم أي سلطة؟ هل أن��ت أب��وه األخالقي الوحيد؟ هو قطرة بشرية في كأس مجتمعه بأسره ،وتكاد ال تمارس عليه أي سلطة حقيقية سوى بعض األدب. ما نشعر به إذن هو أن معنى السلطة بعامة قد تغير على نحو غير مسبوق، ولم يعد يمكن التعويل على أي نوع من «التسلط» لحمل الشباب على العناية بذواتهم الجديدة بناء على عالقة صحية بمصادر أنفسهم العميقة .فجأة ارتجت كل ثوابت األمة في عقولهم وفي مشاعرهم ،ولم يعد يمكن استعمال أي عنف أخالقي أو تأويلي ضد إرادتهم الفظيعة بهشاشتها والتباسها.
هي لم تكن غالبا سوى تمارين أخالقية مريرة على إقناع الحيوان البشري منذ والدته إلى وقت وفاته بأنه مدعو إلى أنماط «تذوت» مناسبة لطبيعته البشرية، هي تلك التي تكون كفيلة بتدريبه على التكيف املفيد مع شبكة السلطة التي ال «خارج» لها :شبكة األب /الحاكم /اإلله .وبأنه ليس يمكن أن يوجد «خارج» شبكة السلطة األبوية والسياسية والدينية غير األشباح أو املجانني أو املوتى. نعني ال يفلت من شبكة السلطة ،سلطة األب /الحاكم /اإلل��ه ،إال ما /من لم يوجد قط أو الذي جن عقله أو الذي فارق الحياة .العدم والجنون واملوت هي الحدود امليتافيزيقية التي ترسمها شبكة األب /الحاكم /اإلله ،ضد أي عصيان أخالقي من طرف الحيوان البشري ضد هيبتها.
وليس من الصدفة أن «امللحدين» في جميع الثقافات القديمة والحديثة هم أولئك الذين ال مكان لهم «داخ��ل» شبكة األب /الحاكم /اإلل��ه ،التي تنظم أو تضبط الحالة األخالقية السوية للبشر بما هو «أشخاص» ،أي كائنات «تشخص» أمام العني املراقبة ،ومن ثم تدخل في نطاق «املرئي» الخاص بالسلطة – الشخص هو املرئي بالنسبة إلى عني سلطة ما .ما عدا ذلك هو لحم حيواني خارج السيطرة. لذلك فامللحد هو ال��ذي يريد أن «يلحد» شيئا ميتا ،أي يواريه ال�ت��راب؛ وهذه «امل��واراة» هي عملية إخفاء للمرئي قصد تنصيب غير املرئي باعتباره هو املجال األنسب للبشر البشري .اإللحاد هو عدول عن املرئي الذي تعينه السلطة وتنشره كشاشة أخالقية أو معيارية وحيدة للتحديق نحو أنفسنا العميقة. ولذلك يبدو كل ما هو ملحد مائال ومعوجا :يقال :لحد السهم عن الهدف أي عدل عنه؛ والحد صاحبه أي اعوج كل منهما عن اآلخر .ولحد عن الدين أي مال ثورة على سلطة األب وحاد؛ والتحد إلى فالن التجأ ،وامللتحد امللجأ ،ألن الالجئ يميل إليه .واللحود أجل ،قد يقال إن املراهقة امللحدة هي موضة روحية تؤدي دورا جماليا أكثر املائل .وال يختلف معنى الكفر عن معنى اإللحاد في داللة اإلخفاء وامل��واراة: منها موقفا عقديا ضد الدين بما هو كذلك .قد يكون في هذا بعض من الصدق ،كفر الشيء ستره وغطاه .والكفران ستر نعمة املنعم وسترها .واملكفر املوثق لكن الصادق ليس صحيحا دائما .وذلك أن ادعاء اإللحاد من قبل الشباب لئن في الحديد ،كأنه مستور به .واملتكفر الداخل في السالح. لم يكن نتيجة تأمل ميتافيزيقي في حقيقة اإلله أو في معنى التعالي أو في تناهي الكيان اإلنساني وهشاشته الوجودية - ،فإنه يخفي في طياته تمردا تمرد بصري على شاشة أخالقية أكيدا على شبكة رمزية من السلطة ،ليس التأثير األبوي غير الهالة الظاهرة منها فحسب .إن ما يثور ضد املراهق امللحد هو شبكة طويلة األمد من األعمدة ما تصبو إليه املراهقة امللحدة ليس «الكفر» أو «الشرك» باملعنى الديني -فرؤية الروحية التي شكلت إل��ى حد اآلن ليس فقط جملة تقنيات ال��رج��اء العميقة العالم التي تبرر هذا النوع من السيرة في الحياة قد تبخرت منذ زمن طويل -بل ألنفسنا ،بل بخاصة جملة األشكال العامة للتذوت والتذويت التي بنينا عليها ما تصبو إليه هو التحرر من نمط سائد من السلطة العميقة .التحرر بواسطة معنى «النفس» لدينا ومعنى «الهوية» البشرية ومعنى «الشخص» املفرد بعامة« .اإللحاد» أي اإلخفاء والتعتيم والستر املتعمد لشاشة السلطة التي يؤلفها األب ونعني بالتحديد شبكة السلطة التي تتألف من ثالثية األب /الحاكم /اإلله / ،الحاكم /اإلل��ه .ال يعني اإللحاد في ماهيته هنا غير عملية إخفاء أخالقية وذلك باعتبارها الخطاطة السرية لكل نوع من السلطة ،أي من العالقة العمودية واسعة النطاق لوجه األب /الحاكم /اإلله ،التي تحملق في عني املراهق وتتآمر بالبشر أو بالعالم الذي يعيشون فيه. عليه من الداخل .إنه تمرد بصري على شاشة أخالقية لم تعد محتملة لنفوس كل تمرد أخالقي ،من جنس اإللحاد ،هو بوجه أو بآخر قلق من وطأة شبكة من نوع جديد .يريد املراهق امللحد أن يلتجئ إلى الجزء غير املرئي من حياته، األب /الحاكم /اإلله ،باعتبارها سلطة معيارية لم تعد محتملة .ولذلك فإن كل بحيث إن اإللحاد هو التمرد على سلطة املرئي ،وامتشاق غير املرئي بالنسبة أجهزة األدب التي شكلت إلى حد اآلن داللة «النفس» في الفضاء اإلنساني بعامة إلى بصر السلطة ،باعتباره هو أيضا شيء جدير بالنظر.
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
إشارة إلى تشكيل جيش نظامي برئاسة فوزي القاوقجي الذي حضر حج العام املاضي 1347هـ مع شكيب أرسالن!! وفي تقرير فرنسي بتاريخ 1930 / 8 / 28م إشارة إلى أن فيلبي أخبر أن امللك ابن سعود ينوي االستفادة من خدمات الوطنيني السوريني وجعل بالطه مركز جذب عربي ،وذلك بتكليف شكيب أرسالن بالتفاوض مع إسبانيا والحكيم مع بولونيا لعقد معاهدات معهما. وبغض النظر عن م��دى دق��ة ه��ذه التقارير فال شك أن زي��ارة شكيب أرس�لان للحجاز قد أحدثت عند الفرنسيني ردود فعل غير مطمئنة ألنهم لم ينظروا إليها كزيارة عادية لتأدية فريضة الحج ،فهم يخشون من أي تعاون يؤثر على مركزهم في سوريا في ظل لجوء عدد كبير من الثوار إلى ابن سعود واستقرارهم داخل حدوده في منطقة القريات، وهو املوقف العظيم الذي ما انفك شكيب أرسالن له ذاكرا وعليه شاكرا، ومن ذلك قوله« :وملا أنذر اإلنجليز الثوار السوريني بمغادرة األزرق أو أن يستسلموا إلى الفرنسيني اضطر نحو ألف نسمة إلى االستسالم، ولكن شقيقي عادل وسلطان باشا األطرش وغيرهما من القواد أبوا االس��ت��س�لام وق��ال��وا لإلنجليز :نحن ق��اص��دون إل��ى أرض اب��ن سعود فليس لكم أن تلحقونا إلى هناك وليس لكم في أرض ابن سعود أدنى يد علينا .فساروا إلى وادي السرحان وانتجعوا واحة النبك وتفيأوا في ظالل تلك الراية العربية الحقيقية ،وكانوا نحو ألف وخمسمائة نسمة. ولوال ظل ابن سعود ملا قدروا أن يستقروا في مكان ،ولضاقت عليهم األرض بما رحبت .فال يقدرون أن يدخلوا سوريا إال إذا طلبوا األمان من الفرنسيس وال فلسطني وال شرق األردن وال العراق تقدر أن تقبلهم، وليس لهم سبيل إلى اليمن». باإلجراء مواثقه ،وابتهاجا بامللك العربي األصيل الذي صان للعروبة وقد ذكر شكيب أرسالن في رسالة إلى رشيد رضا بتاريخ 3محرم حقها ولإلسالم حقائقه ،أدام الله تأييده وأطلع في بروج اإلقبال سعوده 1348هـ إلى أن امللك عبد العزيز عرض عليه اإلقامة في الحجاز ،كما وخلد شمسه الشارقة ووفقه لالتفاق مع سائر ملوك العرب وأمرائها عرض عليه عددا من الوظائف ،إال أنه اعتذر عن تلبية تلك العروض والعمل مع رجاالتها العاملني لرقيها وعالئها...». بسبب انشغاله بمتابعة القضية السورية /الفلسطينية في أوروبا. لم ويرى بعض الباحثني أن حصول شكيب على الجنسية الحجازية ج -الوفاء والتقدير: يكن في سنة 1926م كما أشرنا سابقا ،ولكنه جاء أثناء وجوده في الحجاز لتأدية فريضة الحج عطفا على كونه بعد هذه الرحلة بدأ يظهر وقد عاد شكيب مرة أخرى للحجاز عندما اندلعت الحرب السعودية في أوروبا كمواطن سعودي ،وهو األمر الذي أضفى على إقامته في اليمنية في مارس 1934م ولكن في مهمة رسمية ،وذلك حينما قرر جنيف طابعا شرعيا وجنبه إشكاالت كانت تثيرها جهات االستعمار الوفد ال��دائ��م للمؤتمر اإلس�لام��ي في القدس تشكيل وف��د للمصالحة برئاسة أم�ين الحسيني وعضوية شكيب أرس�لان وهاشم األتاسي في فرنسا وبريطانيا. وهكذا نرى أن املصادر تتفق على منحه الجنسية الحجازية /السعودية ،ومحمد علي علوبة والسكرتير علي أفندي رشدي ،فوصل الوفد إلى إال أنها تختلف في تاريخ الحصول عليها ،وقد يكون حصوله على جدة صباح االثنني 2محرم 1353ه��ـ 8 /أبريل 1934م ،فاستقبلهم الجنسية حدث عام 1926م ولكنه لم يعمل على إشهارها إال بعد لقائه يوسف ياسني وعبد الله الفضل وأقاموا في قصر الكندرة ثم وصلوا بامللك عبد العزيز بسبب الضغوط التي كان يواجهها في أوروبا من مساء إلى مكة املكرمة ونزلوا في أوتيل مكة بأجياد ليقابلوا امللك عبد دول االستعمار ،ولكن من اليقني أن زوجته (سليمى بنت الخاص بك) العزيز صباح اليوم الثاني في قصره باملعابدة ،ونتيجة لجهود الوفد واب��ن��ه (محمد غالب ب��ن شكيب أرس�ل�ان) ل��م يمنحا الرعوية العربية عقدت هدنة أعقبها معاهدة صلح وقعت في الطائف بحضور أعضاء السعودية إال بعد لقائه بامللك عبد العزيز بخمس سنوات ،وذلك بموجب الوفد الذي غادر الحجاز بعد نحو شهر من قدومه ليسافر إلى صنعاء األمر العالي رقم 5 / 1 / 26وتاريخ 1353 / 2 / 28هـ ،ونشرت الجريدة عن طريق الحديدة يوم الثالثاء 29محرم 1353هـ للقاء اإلمام يحيى، الرسمية «أم القرى» اسميهما في ب�لاغ رسمي ضمن قائمة أسماء ومنها إلى مصوع ثم إلى ديارهم. طويلة للممنوحني الرعوية أو الجنسية السعودية .وال غرابة بعد ذلك في سعي شكيب للحصول على الجنسية السعودية له وألفراد أسرته ،كما أنه مما يجدر اإلشارة إليه أن بعض املصادر ذكرت تناول شكيب وهو القائل« :والحمد لله على أن أبقى لنا راية ابن سعود حتى نتفيأ في أرس��ل�ان م��س��اع��دات م��ال��ي��ة م��ن امل��ل��ك ع��ب��د ال��ع��زي��ز ض��م��ن دع���م امل��ل��وك واألمراء العرب لجهوده امللموسة في القضايا العربية ،في حني ال نعلم ظلها بعد أن خفقت رايات األجانب على أكثر البالد». مقدار وتاريخ هذه املساعدات املتكررة ولكن يمكن الترجيح بأن هذه وك���ان شكيب أرس�ل�ان ق��د أل��ف كتابا ع��ن رحلته إل��ى الحجاز سماه املساعدات كانت قبل الحرب العاملية الثانية. «االرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف» املطبوع سنة وم��م��ا ق��د ي��ع��ط��ي ان��ط��ب��اع��ا ع��ن ع��م��ق ال��ع�لاق��ة ودرج����ة ال����ود وال��ت��ق��دي��ر 1350هـ 1931 /م ،وأهداه إلى امللك عبد العزيز قائال« :هذا وملا تسنى لشخصية شكيب أرس�لان في الدوائر الرسمية للدولة السعودية ما إكماله ،وبلغ اإلبدار هالله ،رأيت أن أتوجه باسم جاللة امللك الهمام الذي نشرته الصحيفة الرسمية «أم القرى» عند وفاته ،حيث وصفته بالبطل هو غرة في جبني األيام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود املجاهد الذي قام بجالئل األعمال ألوطانه البالد العربية! مثنية على ملك الحجاز ونجد وملحقاتها ،ت��ذك��ارا لجميل األم��ن ال��ذي م��د على غيرته الشديدة على البالد اإلسالمية مشبهة عودته ووفاته في لبنان هذه البلدان سرادقه ،وعرفانا بقدر العدل الذي وطد فيه دعائمه وناط بالسيف الذي عاد إلى غمده <
شكيب أرسالن األول يسارًا فمحمد الطاهر ثم أحمد حلمي وفوزان السابق السفير السعودي في القاهرة باللباس العربي
,,
خلف أمير البيان تراثا كبيرا من املطبوع واملخطوط في الشعر واألدب والتاريخ والجغرافيا والفكر والسياسة تأليفا وتحقيقا وترجمة وتقديما
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
59
ثقافة
وفد الصلح بني السعودية واليمن 1934وشكيب أرسالن الثاني من اليمني
,,
بعد إعالن استقالل سوريا ولبنان عاد شكيب إلى وطنه في أكتوبر ..1946ولم يطل به املقام حيث توفي بعد وصوله بأربعني يوما
,,
58
أكثر منهم ويزيد عجبهم بأنه يهاجم خصوم القضية في وسط أوروبا. وأنا إن عينت سفراء فسوف يكون األمير أول من أرجوه قبول ذلك ألن فيه كل املؤهالت وال يوجد اآلن عند العرب مثله». وقد ال يستغرب هذا الرأي إذا علمنا عن مراسالته السابقة مع امللك عبد العزيز واتصاالته املستمرة املرتبطة باملهمات التي كلفه بها قبل أن يتعرف عليه شخصيا ،إضافة إلى أن امللك أيضا كان يتابع بعض الجرائد التي ك��ان يكتب فيها شكيب ح��ول القضايا العربية بصفة عامة وحول القضية السورية بصفة خاصة ويقرأها بنفسه كجريدة «الشورى» على سبيل املثال. وقد عاد شكيب إلى الطائف بعد مغادرة امللك للحجاز ،وكان كتب خالل فترة وجوده في الطائف الحلقات األربع األولى من كتابه «االرتسامات ال�ل�ط��اف ف��ي خ��اط��ر ال�ح��اج إل��ى أق��دس م �ط��اف» ،ال�ت��ي نشرتها جريدة «الشورى» فيما بعد ،وقد ذيلها جميعا بمكان الكتابة وهو الطائف، في حني كانت الرابعة منها بتاريخ 20صفر 1348هـ.
وحفالت األسبوع األخير في مكة املكرمة التي أقامها فؤاد حمزة وكيل الخارجية وعبد الله الشيبي وعباس قطان أمني العاصمة وأطباء الصحة وعبد الله السليمان الحمدان وكيل املالية .وقد غادر شكيب أرسالن مكة املكرمة مساء الخميس متجها إلى جدة التي أقيمت له فيها مآدب أخرى قبل مغادرته عند محمد أفندي نصيف وعند عبد الله علي رضا، ليسافر من ميناء جدة بعد ظهر الجمعة. وبقدر ما أدخلت زيارة الحجاز من السرور على نفس شكيب أرسالن وساهمت في توثيق الروابط بينه وبني امللك عبد العزيز وازدياد إعجابه به ،حيث قال« :وجدت فيه امللك األشم األصيد الذي تلوح سيماء البطولة على وجهه ،والعاهل الصنديد األنجد ال��ذي كأنما قد ث��وب استقالل العرب الحقيقي على قده ،فحمدت الله على أن عيني رأت فوق ما أذني سمعت ،وتفاءلت خيرا بمستقبل هذه األمة» ،بقدر ما أحدثت ردود فعل قوية لدى السلطات الفرنسية من جهة ،ولدى التيار املناوئ له في التيار السياسي السوري من جهة أخرى ،فقد ارتابت السلطات الفرنسية من هذه الزيارة ولقاءات شكيب املتكررة بابن سعود في أثنائها ،بينما شنت الجهات السورية املعادية لشكيب حمالت تشهيرية ضده متهمة إياه بأن هدف زيارته البحث عن املناصب وليس الحج ،فتصدت لهذه الحمالت مجلة «الفتح» ،مشيرة إلى أنها فتنة ال تشرف القائمني بها. ويشير تقرير فرنسي إلى أن كتلة الوطنيني يطمحون لرؤية سوريا مستقلة بمساعدة مؤثرة وفعالة من اب��ن سعود ،ملمحا إل��ى تاريخ العالقة بني الوطنيني السوريني وابن سعود التي يرون أنها تعود إلى 1926م ،ولكنهم توجهوا إليه مرة أخ��رى عندما تعلق عمل الجمعية التأسيسية وقطعت املفاوضات مع املفوضية العليا سنة 1928م ،ثم أشار التقرير إلى مغادرة شكيب جنيف في أبريل 1929إلى مكة للحج، وكان ينوي التوقف في فلسطني لرئاسة مؤتمر يتبنى إعالن اململكة السورية وتعيني نجل ابن سعود ملكا لها ،ولكن ذلك أجهض بسبب منع البريطانيني دخوله لفلسطني.
وأشار التقرير إلى أنه خالل إقامة شكيب املطولة في الحجاز حشد الحاشية املقربة البن سعود أمثال الحكيم وياسني وحمزة وغيرهم حول أطروحات الوطنيني ،وأن ابن سعود حينما فاتحه شكيب أشار بتأجيل املوضوع .ولكن شكيب كتب إلى فوزي غازي بذلك في 18مايو 1929م فعقدت الكتلة الوطنية اجتماعا في بعلبك وكتبت إلى ابن سعود تؤكد قرار إعالن امللكية وترشيح نجله سعود لها. طرحت الفكرة مجددا بعد ع��ودة الحكيم إل��ى دمشق في 10أكتوبر 1929م وس��اف��ر منها لألحساء ليؤكد الب��ن سعود ال��ذي ك��ان هناك املسألة .وباقتراح من الحكيم استقدم ابن سعود القاوقجي لتنظيم وقد سجل امللك عبد العزيز انطباعه عن شكيب أرسالن في رسالة إلى قواته وتعاقد مع عدد من الضباط السوريني .وقامت حمالت في مصر الشيخ محمد رشيد رضا جاء فيها« :أنسنا بلقاء صديقكم وصديقنا وفلسطني بأن ابن سعود سيحقق الوحدة العربية .وفي يناير 1930م األمير شكيب أرسالن ،وهو كما وصفتم إخالصا وعلما وأدبا» ،مما أرسلت البرقيات بمناسبة إعالن مملكته في نجد. يؤكد أن حديثه عنه في ج��دة لم يكن مجاملة للضيف بقدر ما هو وفي هذا التقرير خلط لكثير من األمور ألن امللك عبد العزيز لم يكن له أي إعجاب بشخصيته وجهاده في سبيل رفعة العرب وتحرير أوطانهم .أطماع في ملك سوريا حتى وإن أبدى بعض الوطنيني رغبتهم في ذلك، وقد كان االحتفاء بشكيب أرسالن في الحجاز من قبل رجال الدولة حيث رأوا في شخصيته األمل الذي ينقذهم من سطوة املستعمرين، واألدباء واملثقفني نابعا من تقدير املكانة السياسية واألدبية له لدرجة حيث إنه بعد نهاية الثورة السورية الكبرى دعت فرنسا الشعب السوري أن يكتب افتتاحية أحد أعداد الجريدة الرسمية «أم القرى» ،وكانت تحت إلى انتخاب جمعية وطنية إلق��رار نظام الحكم وحضر الشيخ كامل عنوان «الحجاز وبعد تأثيره في األرض» ،وقد وصفته الجريدة بسعادة قصاب إلى السعودية في تلك الفترة الحرجة من تاريخ سوريا ،فاقترح كاتب الشرق األكبر األمير شكيب أرس�لان ،بل إن الجريدة حرصت على امللك أن يتولى مهمة تحرير سوريا فينقذها ويجلس على عرشها على تتبع تنقالته وأخ�ب��اره خ�لال وج��وده في الحجاز ،وم��ن ذل��ك ما وينال شكرها ،ولكن امللك اعتذر بشدة وق��ال« :إن تقاليدنا القومية نشرته في صدر عددها رقم 247تحت عنوان «خطب قيمة لعطوفة والدينية تحول دون قبولي عرشا تحت حماية األجانب» ،في حني ال أمير البيان شكيب أرسالن» ،حيث سطرت خالصة الخطب التي ألقاها شك أن شكيب أرسالن هو الذي مهد سبيل قدوم القاوقجي للحجاز في الحفالت التي أقيمت له بمكة املكرمة .كما أشارت الجريدة إلى أن بعد أن كان يبحث عن ملجأ إثر إجهاض الثورة السورية ،وكان حضور مغادرته ستكون مساء الجمعة 1348 / 4 / 9هـ على الباخرة الطليانية القاوقجي بعد قدوم شكيب للحجاز. إلى أوروبا ،موضحة أن مدة إقامته في الحجاز كانت أربعة أشهر ظل خاللها موضع الحفاوة ،وأقيمت له املآدب والحفالت ،مشيرة إلى مآدب وفي تقرير من القنصلية الهولندية في جدة بتاريخ 1929 / 11 / 27م
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
ملواقفه ويظهر ذلك في رسائله وكتاباته .ومما قاله تعبيرا عن ذلك: «وال ننسى إن ابن سعود هو بنفسه سخي اليد عظيم الحمية حافظ لشنشنة العرب الحقيقية».
ب -التجلي واالنصهار:
امللك عبد العزيز مع نجله سعود
وف��ي سنة 1347ه �ـ 1929 /م كلف امللك عبد العزيز شكيب أرس�لان وخالد القرقني رسميا باالتصال بالشركات األملانية في برلني لدعوتها لتنفيذ امل�ش��روع��ات الحضارية املختلفة ف��ي ب�ل�اده ،فعمال على ذلك بجد كما التقيا باملسؤولني األملان للحصول على التسهيالت الالزمة ونجحا في الحصول على حد ائتماني للحكومة السعودية يصل إلى 4 ماليني مارك ،مما مكن امللك عبد العزيز من إنجاز بعض الصفقات مع الشركات األملانية لتنفيذ خططه االقتصادية ،بل امتد دور شكيب إلى ما هو أبعد من ذلك ،فلقد واصل محاوالته إلقناع األملان ليقوموا بدور أوسع في تنمية البالد السعودية ،وشجع أصدقاءه في وزارة الخارجية على زي��ارة املنطقة بهدف تنمية العالقات السعودية /األملانية ،وقد بدأت الشركات األملانية تتنافس للمشاركة في املشروعات السعودية وواصلت الدوائر التجارية اهتمامها فازدادت نشاطات الشركات األملانية في السوق السعودية ،وكانت من نتيجة ذلك توقيع معاهدة صداقة بني مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها وبني الرايخ األملاني في 16ذي القعدة 1347هـ املوافق 26أبريل (نيسان) 1929م في القاهرة. وفي هذا العام الذي وقعت فيه معاهدة الصداقة عزم شكيب أرسالن على تأدية فريضة الحج التي لم يؤدها من قبل فشد رحاله من أوروبا ميمما شطره إلى الحجاز ،وفي حني ال يستبعد تبييته لنية الحج في هذا العام فال يمكن عزل املوضوع عن دور شكيب في املسألة األملانية ال��ذي قد يكون سببا في تعجيل الحج بهدف لقاء اب��ن سعود أيضا والتعرف عليه عن قرب ،وهذا على فرض أن ابن سعود لم يوجه الدعوة إليه مجددا. وما إن وطئت قدما شكيب األراضي املصرية أثناء طريقه إلى الحجاز إال وبرقية امللك عبد العزيز تصل إليه في بورسعيد متضمنة الترحيب ب��ه ف��ي ضيافته م��ن ح�ين دخ��ول��ه الحجاز إل��ى م�غ��ادرت��ه ،ول��م يملك إال االستجابة لهذا الكرم من ملك يتمثل في شخصيته سمو األخ�لاق العربية النبيلة .ولعل هذه البرقية تلمح إلى أن حضوره كان من دون دعوة خاصة على الرغم من إشارة أحد املصادر إلى دعوته من قبل امللك ابن سعود.
ما انفك الهجا بقلمه بالثناء على ابن سعود وسياسته. ولكن دعوة امللك عبد العزيز أتت أيضا متزامنة مع دور بدأ يلعبه شكيب في سبيل تعزيز العالقات السعودية األملانية ،وتشير بعض الوثائق األملانية إلى سعي شكيب أرسالن عند السلطات األملانية سنة 1926م إلرس��ال أحد علماء الطب األمل��ان للعمل في جدة ،كما سعى في سنة 1927م عند الحكومة السعودية للسماح ألستاذين جامعيني أملانيني بزيارة جدة ليقوما بإجراء بحوث اقتصادية عن التسويق والتجارة لخدمة مصالح الدوائر التجارية والصناعية األملانية في الحجاز في ظل تنامي أهميته االقتصادية .وكانت الحكومة السعودية قد رفضت منحهم التأشيرة الالزمة أول األمر بسبب عدم اعتراف أملانيا بالدولة السعودية ،وكان شكيب بحكم عالقاته القديمة والوثيقة مع املسؤولني األملان التي تشكلت خالل الحرب العاملية األولى مفيدا في إقناع األملان ب�ت��رس�ي��خ مصالحهم ف��ي ال �ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة ألن��ه ك��ان ي��رى ف��ي امللك عبد العزيز صورة القائد العربي النبيل القادر على تحقيق النهضة االقتصادية واآلمال السياسية للعرب ،ولعل في هذا تفسيرا منطقيا ملا تشير إليه بعض املصادر حول حصوله على الجنسية الحجازية وك��ان م�ق��ررا لشكيب أن يبحر م��ن األراض ��ي املصرية على الباخرة سنة 1926م وهي السنة التي طلب فيها الجواز الحجازي. الخديوية إلى جدة يوم 11مايو .وقد صادف وصول شكيب أرسالن وعلى الرغم من الحفاوة واالحترام التي أظهرتها «أم القرى» الجريدة إل��ى ج��دة ي��وم األح��د 3ذي الحجة 1347ه� �ـ امل��واف��ق 13م��اي��و 1929م الرسمية السعودية بشكيب أرسالن في وقت سابق ،فإن ذلك لم يمنعها واستقبله مندوب امللك عبد العزيز وبعض رجال الحكومة استقباال من التعقيب على إح��دى مقاالته وذل��ك لتوضيح بعض أم��ور العقيدة رسميا على ظهر الباخرة ليتجه مباشرة ملقابلة امللك ،وفي املساء انتقل التي ال يمكن التغاضي عنها ،فقد نشرت أم القرى في عددها رقم برفقة امللك عبد العزيز في سيارته الخاصة إلى مكة املكرمة. 108وت��اري��خ 3رج��ب 1345ه� �ـ 7 /يناير 1927م تعقيبا على مقالة وبعد أيام قليلة من انقضاء موسم الحج صادق امللك عبد العزيز على شكيب أرسالن املنشورة في «كوكب الشرق» ردا على كاتب آخر في معاهدة الصداقة السعودية األملانية ،وذلك في غرة محرم 1348هـ املوافق نفس الجريدة كان قد عرض باإلمام يحيى أيدت فيها اهتمام شكيب 7يونيو 1929م ،بينما كان شكيب أرسالن قد غادر مكة بسبب شدة بالوحدة العربية وصححت ما نسبه إلى أهل نجد خطأ بأنهم يعدون الحرارة إلى الطائف التي أمضى فيها قرابة الشهر ثم عاد إلى مكة في كل زائر للقبور مشركا ،موضحة أن زيارة القبور على الوجه املشروع التاسع عشر من شهر محرم 1348هـ 26 /يونيو 1929م لوداع امللك سنة متبعة ،وأن علماء نجد والحجاز وعلماء املسلمني الحاضرين في عبد العزيز الذي كان يعتزم املغادرة إلى نجد. املؤتمر اإلسالمي في حج سنة 1344هـ نشروا بيانا مشتركا بينوا فيه كيفية زيارة القبور املشروعة ،مؤكدة أن النجديني ال يمنعون إال الشرك وحضر مع امللك املأدبة التي أقامها إبراهيم ومحمد الفضل في جدة، والبدع املبتدعة وعبادة القباب والقبور ودعاء أصحاب القبور ألن العبادة وكان مما قاله امللك عبد العزيز عن شكيب أرسالن في تلك املناسبة: «ال يوجد مخلص يقول كلمة سوء في حق األمير شكيب ،وهيهات ال تصرف إال لله ،كما أن الضر والنفع بيده وحده. ه��ذا ف��ي ح�ين ل��م تتغير وج�ه��ة نظر شكيب أرس�ل�ان نحو امل�ل��ك عبد لخصومه أن يستطيعوا النيل منه ،فنحن نعرف األمير وأنه مجاهد العزيز ،ب��ل إن��ه ك��ان ي��زداد ف��ي ك��ل ي��وم إعجابا بشخصيته وتقديرا حقا ،فإذا كانوا إخوانه أحرار العرب يدافعون عن وطنهم فاألمير يدافع
,,
حصل شكيب أرسالن على الجنسية الحجازية وأقام في أوروبا كمواطن سعودي.. وهو األمر الذي أضفى على إقامته في جنيف طابعا شرعيا
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
57
ثقافة
,,
الوطنيون السوريون عرضوا على امللك عبد العزيز املساعدة في تحرير سوريا من االستعمار الفرنسي وتعيني نجله سعود ملكا عليها ..لكنه اعتذر
,,
56
املقال محيلة إلى ما نشرته من وصف لصورة هذا الضم العجيبة في الصفحة األخيرة من نفس العدد تحت عنوان «تأمل في هذا!!». وك��ان شكيب أرس�لان يرى بأنه ال سبيل إلى الوقوف ضد املشاريع االستعمارية والنفوذ األجنبي إال اتحاد العرب جميعا واندماجهم في ص��ف واح��د ض��د املستعمرين ،فكتب مقالة م��ن مرسني بتاريخ 15 أغسطس (آب) بعنوان «أزفت ساعة االتحاد أيها العرب» ،دعا فيها إلى وجوب جمع كلمة ملوك العرب وتحالفهم على عدم إدخال األجانب في أمور الجزيرة والعربية ،مقترحا ترك الفصل في مسألة الحجاز ملؤتمر إسالمي .وقد تضمنت هذه املقالة كالما وجهه إلى امللك الحسني يعبر فيه عن موقفه بكل صراحة ،حيث قال« :ال جرم أن هوانا مع ابن سعود من أجل أعمال ابنك عبد الله والزمرة املحيطة به وبابنك علي ،وأنهم يرون ألنفسهم الحق في إهدار كل ما يقدرون على إهداره من حقوق العرب وأمالكهم غنيمة باردة لإلنجليز إذا كان هؤالء يمكنون عليا من الحجاز ويتركون عبد الله في شرق األردن». فشكيب في تلك الفترة التي سبقت تسليم جدة للملك عبد العزيز بنحو أربعة أشهر يظهر دوافعه إلى تأييد ابن سعود وميله إليه دون مواربة، حيث أعلنها صريحة «هوانا مع ابن سعود» ألنه يرى أنه ال يمكن أن يهدر حقوق العرب أو يفرط في ديارهم أو أن يكون مطية لألجانب، بل إن��ه اعتبره كما سبقت اإلش���ارة شوكة في حلوقهم ،وم��ع ذل��ك لم يدع إلى إخ��راج علي بن الحسني من الحجاز أو إنهاء حكم األشراف في جزيرة العرب ،بل كان يفضل االتحاد واالتفاق بني الزعماء في وأن أولئك العرب الذين ينفخون في بوق الشقاق بني اإلمام يحيى وامللك الجزيرة العربية ليقفوا صفا واحد ،وهو األمر الذي يجعل منهم قوة عبد العزيز هم أشد عداوة لألمة العربية من الفرنساوي واإلنجليزي وال��ط��وران��ي وم��ن اللنبي وج��م��ال باشا وغ���ورو وصموئيل وجوفنيل مرعبة للمستعمرين. وغيرهم. ويظهر بعد ذل��ك أن شكيب ب��دأ بمراسلة امل��ل��ك عبد ال��ع��زي��ز بطريقة في هذه املقالة نجد شكيب أرسالن يفند كل تشكيك يطال ابن سعود مباشرة قبل استسالم جدة وانضوائها تحت لوائه ،وقد نشرت جريدة واستقالله وال��ذي تبرهنه مساحات دولته الواسعة وهيبته ونفوذه، «ال��ش��ورى» رس��ال��ة جوابية م��ن امللك عبد العزيز موجهة إل��ى شكيب وهو ما جعل بريطانيا تتعامل معه بطريقة مختلفة تراعي فيها تلك الجوانب ،كما تتجلى فيها الروح القومية التي أظهرت حرص شكيب أرسالن مؤرخة في 21جمادى األولى 1344هـ نصها: «من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود إلى سمو األمير على تحقق الوئام بني امللك عبد العزيز واإلم��ام يحيى وديمومته ألنه يعتبرهما البقية الباقية لألمة العربية ومناط آمالها ونواة اتحادها. شكيب آل أرسالن الكرام دام كننا للمسلمني والعرب السالم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد. فقد حظينا بكتاب نابغة العرب فألفيناه املحجة الوضحاء ،وشكرنا فيه الجد والهمة القعساء ،ولعل زمن تحقيق أماني الصديق الكريم قريب إن شاء الله تعالى ،وإننا على ما تعهدوننا من تلقي نصح املخلصني بالقبول ،فإن قصر الزمن علينا اليوم بلقياكم والتمتع برؤيتكم فليس غدا ببعيد عن توحيد العرى وجمع الشمل ،ولي األمل بالله عز وجل أن يعتمد بعضنا بعضا في السراء والضراء ،والله حسبنا ونعم الوكيل. حفظكم الله بعنايته ورعايته».
ويتضح من خالل رد امللك على رسالة شكيب أن هدف الرسالة كان السعي إلى وحدة العرب ولم شملهم ،ليعقب هذه الرسالة مقالة لشكيب كتبها من جنيف بتاريخ 13مارس 1926م نشرتها الشورى عنوانها «زعامة جزيرة العرب نغمة مضرة» ،يرد فيها على من يقلل من شأن الجزيرة العربية وزعمائها وداحضا كل تشكيك في استقاللها .ومما جاء فيها ...« :فابن سعود مستقل في نجد والحجاز وقسم من عسير وأطراف الشام والبلقاء إلى أطراف العراق إلى أحقاف اليمامة استقالال حقيقيا ال شائبة فيه وال تعلو فوق يده يد إال يد الله ،وال تجد ألجنبي سلطة في جميع هذه األقطار ،وإن كانت انعقدت بينه وبني اإلنجليز معاهدة فيما مضى أو اتفاق خاص ببعض مسائل فيما حضر فلم يكن ذلك ليمس شيئا من جانب استقالله أو استقالل بالده ،وإنكلترا تداريه أكثر مما يداريها ألنها تعلم أنه عند الحاجة يقدر على حشد مائة ألف إلى مائتي ألف مقاتل من أشجع مقاتلة األرض ومن أشدهم حماسة وتمسكا بفضائل الشرع» .وبعد تأكيده على استقالل اإلمام يحيى أيضا ذكر أنه ال نجدة لبالد العرب األخرى إال من جزيرة العرب
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
بعد ذلك بمدة وجيزة انعقد املؤتمر اإلسالمي في مكة املكرمة ،الذي افتتحه امللك عبد العزيز في يوم االثنني 26ذي القعدة 1344هـ املوافق 7 يونيو 1926م ،وعلى الرغم من عدم مشاركة شكيب أرسالن فقد تقرر فيه انتخاب لجنة تنفيذية وأن يقوم شكيب أرسالن بوظيفة السكرتير العام للمؤتمر ليدير حركة اللجنة التنفيذية ،وإن لم يقبل يعهد إلى لجنة لالتفاق على اختيار السكرتير العام .ويبدو أن إشارتهم إلى احتمال عدم القبول نابعة من كونهم اشترطوا إقامة اللجنة التنفيذية والسكرتير العام إقامة دائمة في مركز املؤتمر ،إضافة إلى ما يعرفونه من انشغال شكيب أرسالن بأعمال اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري /الفلسطيني في أوروبا .ويظهر أن أرسالن لم يقبل هذه املهمة لتلك األسباب ،حيث اعتذر عن قبولها إال أنهم رضوا منه باإلقامة في الحجاز أربعة أشهر ال غير ،في حني ملح رشيد رضا في إحدى رسائله إلى شكيب برغبته في وجوده في الحجاز لهدف العمل مستشارا سياسيا البن سعود. ويمكن تفسير الدعوة التي وجهها امللك عبد العزيز إلى شكيب أرسالن لزيارة الحجاز بعد املؤتمر ضمن هذا اإلطار أيضا فقد أشارت جريدة «ال��ش��ورى» إل��ى ه��ذه ال��دع��وة وذك��رت أن شكيب أرس�لان سيلبي هذه الدعوة وسيتوجه إلى الحجاز بعد عودته من رحلته إلى أميركا ،التي بدأت في 4يناير 1927م وانتهت 6مايو (أيار) 1927م ،وقد كان طلب الحصول على جواز سفر من الحجاز له ولرفيقه إحسان الجابري قبل هذه الرحلة ،ولكن يبدو أن انشغال األمير بأعمال الوفد السوري في أوروبا بعد رجوعه من أميركا حال دون تلبية دعوة السعوديني ،ولكنه
الحلفاء بأنها لن تسمح له بالعودة في حال خروجه منها ،وبعد انتهاء الحرب وإعالن استقالل سوريا ولبنان عاد شكيب إلى وطنه في 30 أكتوبر 1946م ،ولم يطل به املقام حيث توفي بعد وصوله بنحو أربعني يوما في 9ديسمبر 1946م وصلي عليه في اليوم التالي في الجامع العمري في بيروت ثم نقل جثمانه إلى مسقط رأسه في الشويفات حيث دفن هناك.
بشخصية امللك عبد العزيز من خالل مقاالته التي كان ينشرها في الصحف العربية ،ونجد جريدة «أم القرى» تنقل إحدى مقاالته حول مسألة الحجاز أثناء حصار جدة والتي كانت بعنوان «األشياء فوق األشخاص» ،محتفية به في زمن مبكر. وفي رسالة كتبها شكيب أرسالن وهو في مرسني إلى نبيه العظمة في القاهرة مؤرخة في 1925 / 5 / 26م قال ...« :ثم إنني بعد ذلك اطلعت على بعض مراسالت سرية أكدت لي أن ابن سعود ال يفرط في حقوق العرب وأنه باذل الجهد في تقليص النفوذ األجنبي في الجزيرة ...».وال نعلم هل هذه املراسالت السرية كانت بني شكيب أرسالن شخصيا وامللك عبد العزيز أم أن اطالعه عليها من طرق أخرى! ولكنها من دون شك ت��دل دالل��ة كبيرة على االنطباع اإليجابي ال��ذي تشكل لديه نحو امللك عبد العزيز.
وقد خلف أمير البيان تراثا كبيرا من املطبوع واملخطوط في الشعر واألدب والتاريخ والجغرافيا والفكر والسياسة تأليفا وتحقيقا وترجمة وتقديما يصعب حصره ،كما كتب في أدبه وسيرته ونضاله الكثير والكثير من املقاالت واملباحث في الصحف واملجالت والكتب والدوريات أثناء حياته وبعد وفاته ،ولم تقتصر هذه الكتابات على اللغة العربية، بل تعدتها إلى لغات أخرى ألنه كان ممن يلفت األنظار بفكره وقلمه وجهاده كما ظلت سيرته ونشاطه السياسي وأدبه ومؤلفاته موضوعا ثم نجده يكتب مقالة من مرسني بتاريخ 29يونيو 1925م تحت عنوان لعدد من الدراسات األكاديمية والرسائل العلمية واملؤلفات األدبية. «عني اإلنجليز على العقبة وقسم من الحجاز» ،محذرا من األه��داف االستعمارية التي يجري التخطيط لها بضم بعض أراض��ي الحجاز وخ�ص��وص��ا العقبة وم�ع��ان إل��ى منطقة ان�ت��داب�ه��ا ،وم�ع��رض��ا باألمير عالقة شكيب أرسالن بالسعودية عبد الله بن الحسني أمير ش��رق األردن ووزارت��ه الخاضعة لالنتداب البريطاني ،مؤكدا أن ابن سعود أصبح كالشوكة في حلق بريطانيا أ -التعارف واالرتباط: بسيطرته على الجوف وم��ا صاقبها ،وأن استمرار الصراع بني ابن ال شك أن سيطرة امللك عبد العزيز على الحجاز ك��ان سببا رئيسا سعود واألش��راف يمكن أولئك املستعمرين من إنشاب مخالبهم في في فتح قنوات االتصال مع كثير من الشخصيات املهتمة بالقضايا الجزيرة العربية ،ويدعو ابن سعود إلى قطع الطريق عليهم وإطفاء العربية ،فقد جذبتهم قدراته السياسية والعسكرية التي جعلته يطوي الفتنة بني أم��راء العرب بقبول الصلح في ظل احتمال بعيد بسقوط أراضي شبه الجزيرة العربية تحت ظالل لوائه ،ورأوا فيه رمزا للعروبة جدة في يده كما كان يظن. التي انتهك االستعمار استقاللها خارج الجزيرة فعقدوا عليه اآلمال في املساعدة والدعم إلنقاذ الشعوب العربية وتخليص أراضيها من ومن الواضح أن شكيب كتب هذا املقال قبل علمه بتنفيذ الخطة ،حيث براثن االستعمار ،س��واء في فلسطني أو سوريا ولبنان ،فمنهم من اتفق امللك علي بن الحسني وأخوه األمير عبد الله على ضم والية معان التحق بخدمته وعمل في بالطه ومنهم من توثقت عالقته بهذا امللك والعقبة إلى إمارة شرق األردن ،وكان 25يونيو 1925م التاريخ الرسمي العربي النبيل ،ومن هؤالء األمير شكيب أرسالن الذي أظهر إعجابه لهذا اإللحاق ،وهو األمر الذي جعل الجريدة تشير إلى ذلك في حاشية
لقاء بني امللك عبد العزيز وروزفلت في فبراير 1945
,,
كلف امللك عبد العزيز شكيب أرسالن وخالد القرقني رسميا االتصال بالشركات األملانية في برلني لدعوتها لتنفيذ املشروعات االقتصادية
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
55
ثقافة
شكيب أرسالن (1366 – 1286هـ )1946 - 1869 /األمير األديب املؤرخ السياسي الرحالة من الرجال الذين يصعب التعريف بهم ألن من هو في مكانته االجتماعية وشهرته السياسية وقيمته األدبية أعلى من أي تعريف ،فماذا سيقال وماذا سيروى عن رجل قضى حياته في نضال مستمر في سبيل الدفاع عن مصالح األمة اإلسالمية والعربية؟
ملحات من عالقة شكيب أرسالن بالسعودية
األديب وامللك بقلم: قاسم بن خلف الرويس
,,
قبل أن يتسلم امللك عبد العزيز جدة كشف شكيب أرسالن عن تأييده البن سعود وميله إليه دون مواربة.. حيث أعلنها صريحة: «هوانا مع ابن سعود»
,,
54
يقول محمد علي الطاهر ...« :ألن األمير شكيب الذي اشتغل خمسا وستني سنة من حياته وه��و يكتب ويخطب وينظم ستشتغل الدنيا عليه خمسمائة سنة ،بل أكثر ،وستصدر كتب كثيرة عنه تتناوله بالتحليل والشرح شأن أهل الخلود الذين عاشوا للناس وعملوا من أجلهم فاهتم بهم الناس وعملوا على تخليدهم». لقد ظل شكيب بن حمود األرسالني الذي ينحدر في نسبه من ساللة امللك النعمان بن املنذر بن ماء السماء اللخمي فخورا بنسبه العربي الذي أثر في تكوينه وبناء شخصيته طوال حياته. ولد في قرية الشويفات في لبنان ليلة األول من رمضان 1286هـ 5 / ديسمبر (كانون األول) 1869م لعائلة سياسية أدبية؛ فوالده كان يجيد النثر ويقرض الشعر ،وأخواه نسيب وعادل كاتبان شاعران ،وكلهم شغل بالسياسة. اهتم وال��ده بتعليمه القراءة والكتابة ،وحفظ جانبا من القرآن الكريم وهو صغير السن ،وأتم تعليمه في املدرسة األميركية ،لينتقل في سنة 1879م إلى مدرسة الحكمة وتتلمذ فيها على يدي عبد الله البستاني. انتقل إلى املدرسة السلطانية في سنة 1887م التي كان يدرس فيها الشيخ محمد عبده فالزمه وحضر مجالسه وتأثر به وتوثقت الروابط بينهما ،تفتقت موهبته الشعرية مبكرا وانصرف إلى الكتابة والتأليف والسياسة بقية حياته.
مراحل حياته السياسية ويمكن إيجاز حياته السياسية في أربع مراحل: املرحلة العثمانية ( :)1918 - 1887بدأت بعد وفاة والده سنة 1887محيث أصبح مديرا للشويفات ،ثم تولى منصب قائمقام الشوف في 1902م ،تخللها تطوعه للدفاع ع��ن األراض���ي الليبية بعد تعرضها لالحتالل اإليطالي سنة 1911م ،ومشاركته بتأسيس الجمعية الخيرية اإلسالمية سنة 1913م ،وان��ت��داب��ه إل��ى املدينة امل��ن��ورة ل�لإش��راف على تأسيس مدرسة «دار الفنون» ثم مشاركته في مجلس «املبعوثان» الذي أصبح عضوا فيه ونائبا لحوران إلى سنة 1918م. امل��رح��ل��ة األوروب���ي���ة األول����ى ( :)1923 - 1918ح��ي��ث ان��ه��زم��ت ال��دول��ةالعثمانية في الحرب العاملية األولى وهو في مهمة سياسية في برلني فاضطر إلى اإلقامة فيها ،ثم غادرها إلى جنيف في آخر العام ،ليعود إل��ى برلني م��رة أخ��رى ف��ي سنة 1920م وي��راف��ق أن��ور باشا ال��ذي لجأ إلى برلني في رحلة إلى موسكو سنة 1921م .انتخب سكرتيرا عاما للمؤتمر السوري الفلسطيني املنعقد في جنيف سنة 1921م ثم قررت اللجنة التنفيذية للمؤتمر في القاهرة سنة 1922م تأليف وفد لبسط
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
القضية السورية وبيان حقيقتها أمام الرأي العام األوروبي بوجه عام وأم��ام مجلس جمعية األم��م في جنيف بوجه خ��اص ،وتولى شكيب أرسالن املقيم في برلني في ذلك الوقت رئاسة الوفد. مرحلة مرسني ( :)1925 - 1923حيث عاد من أوروبا سنة 1923موأقام في مرسني الواقعة على الشاطئ الجنوبي لتركيا نظرا لقربها من سوريا حتى تتمكن والدته من زيارته بسهولة ،واستدعى أسرته لإلقامة معه فوصلت إليه في مارس (آذار) 1924م وكان لم يلتق بأسرته طيلة ستة أعوام ،ولكن لم تطل إقامته في مرسني إذ سرعان ما انتقل لإلقامة في جنيف في منتصف 1925م ثم لحقت به أسرته. املرحلة األوروبية الثانية ( :)1946 - 1925حيث استقر في سويسرامواصال من هناك أعماله كرئيس للوفد السوري في متابعة القضية السورية ومراجعة جمعية األم��م ،وكانت املرحلة األكثر سخونة في حياته السياسية في ظل سيطرة االستعمار على معظم العالم العربي، وقد سافر إلى أميركا في يناير (كانون الثاني) سنة 1927م للمشاركة في مؤتمر حزب االستقالل السوري ،ثم سافر في أكتوبر (تشرين األول) من نفس العام إلى موسكو بدعوة من الحكومة السوفياتية لحضور احتفاالتها بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة البلشفية ،كما شارك في مؤتمر مكافحة االستعمار املنعقد في بروكسل في ديسمبر 1927م وشارك أيضا في املؤتمر االشتراكي الثاني في بروكسل سنة 1928م ،كما أسس مكتب إعالم البلدان اإلسالمية بجنيف في سنة 1928م ،وزار الحجاز لتأدية فريضة الحج 1929م ،وتوجه إلى فرنسا ومنها إل��ى إسبانيا واملغرب سنة 1930م ،وأص��در في نفس السنة جريدة سماها «األمة العربية» باللغة الفرنسية في جنيف ،وحضر مؤتمر املستشرقني املنعقد في اليدن 1931م ،وزار أوروبا الشرقية 1932م ،ثم قام بجولة في أوروبا شملت أملانيا ويوغسالفيا وهنغاريا وإيطاليا في 1934 - 1933م ،وشارك في وفد املصالحة الذي شكله املؤتمر اإلسالمي في القدس أثناء الحرب بني السعودية واليمن 1934م، ثم اشترك في مؤتمر عربي عقد في روما في نهاية 1934م ،وترأس املؤتمر اإلسالمي األوروب��ي املنعقد في جنيف في سبتمبر (أيلول) 1935م ،وبعد عقد املعاهدة الفرنسية السورية سنة 1936م سمح له بالعودة إلى وطنه فوصل إلى بيروت في 3يونيو (حزيران) 1936م واشترك في مؤتمر بلودان في سوريا في سبتمبر 1937م وانتخب نائبا ثانيا لرئيس املؤتمر ،وك��ان يعتزم االستقرار في وطنه ولكن رفض حكومة فرنسا الجديدة تصديق املعاهدة اضطره إلى العودة إل��ى جنيف في آخ��ر 1937م .وزار برلني في أكتوبر 1939م فشنت عليه فرنسا حملة تشهير مكثفة بسبب ظروف الحرب العاملية الثانية، وح�ين ع��اد إل��ى جنيف أنذرته الحكومة السويسرية بسبب ضغوط
Distinguish yourself
Kingâ&#x20AC;&#x2122;s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, Kingâ&#x20AC;&#x2122;s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011
www.kcl.ac.uk
صحافة عالمية
العالقات التركية الروسية ،إلى السماح لروسيا بالتوسع مرة أخرى .يدفع البعض بأن قاعدة طرطوس البحرية بسوريا لفترة أطول .ومن خالل سماح مدينتي سيفاستوبول الزحف نحو جزيرة القرم هو الخطوة األخيرة أمام بوتني إلنقاذ حكمه الهش .ولكن من وطرطوس لروسيا بالوصول إلى املياه اإلقليمية على جانبي شبه جزيرة األناضول، وجهة النظر التركية ،فإن غزو روسيا لشبه جزيرة القرم يسير على نمط يرجع إلى 340فسوف تجد تركيا ذاتها ُمحاصرة بالفعل بالقوات البحرية الروسية الضخمة. عاما .أوال ،يؤمن بعض املؤرخني العسكريني أن روسيا تميل إلى التوسع عندما تكون ونتيجة لذلك ،سوف تتضرر املفاوضات املستمرة حول املناطق االقتصادية كافة الدول املجاورة لها ضعيفة وغير قادرة على رد العدوان. الحصرية في املنطقة ،وحول مجهودات تركيا للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. ثانيا ،عادة ما تكون السيطرة على البحر األسود تهديدا أوليا ،ينذر بوقوع املزيد من ومن املحتمل أن تبدأ روسيا في املراوغة حول الوضع القانوني ملضيق البوسفور، التدخالت .ثالثا ،من املؤكد أن السيطرة على البحر األسود تتطلب تغيير املوقف من بحجة – مثلما فعل ستالني – أن اتفاقية مونترو تستدعي إجراء تحديث ملنح روسيا وضع مضيق البوسفور ،ألن السفن الروسية التي تقوم بدوريات ال ُيمكنها التحرك نحو قدرة أكبر على الوصول إلى املنطقة دون عائق. البحر األبيض املتوسط إال من خالل هذا املضيق .ومن املؤكد أن القوى الغربية ترى في وأثبتت البحرية الروسية بالفعل استعدادها إللقاء ثقلها في مثل تلك األمور ،وخاصة أي وجود روسي داخل البحر األبيض املتوسط تهديدا لها. في شرق البحر األبيض املتوسط ،حيث بدأت إسرائيل وقبرص في التنقل عبر البحر وبالتالي ،لم تؤكد روسيا على وجودها في البحر األسود دون أن تستعد للنزاع (على والتنقيب عن الغاز الطبيعي .وردا على ذلك ،ذكرت روسيا قبرص بسيطرتها على الرغم من أنه ليس من الضروري أن يكون نزاعا عسكريا أو فوريا) مع قوى عظمى بنوك قبرصية ،بينما تعاملت بحرص أكبر مع إسرائيل. أخرى. ومن جانب آخر ،لعبت روسيا دورا أكثر صرامة مع الواليات املتحدة األميركية .فهي تتوافق العديد من جوانب التحرك الروسي في أوكرانيا مع النمط التاريخي .كانت ردود تعتبر عمليات التنقيب التي تجريها شركة إكسون -شيفرون من ساحل البحر األسود القوى الغربية التي تحقق التوازن أمام روسيا ضعيفة ومنقسمة .كما يدفع كثيرون بتركيا إمبريالية غربية .ومن املحتمل أن يكون غزو شبه جزيرة القرم أبرز تحذير بأن الحرب السورية أثبتت لروسيا أن قدرة الواليات املتحدة األميركية على إبراز قوتها روسي تجاه تلك العمليات حتى اآلن :إذ تتعرض عمليات شركات أكسون وشيفرون ُ بالقرب من منطقة التأثير الروسي تعد محدودة .فكافة القوات العسكرية الغربية تقريبا وشل في البحر األسود ملأزق قانوني. تواجه تخفيضات كبيرة في املوازنة .يتجه الفكر إلى أن روسيا قد تكون ضعيفة أيضا، كانت الشركات الثالث قد وقعت على اتفاقيات للتنقيب والحفر بطول الساحل األوكراني ولكن دول الجوار املباشر أضعف -والغرب ليس مستعدا لحمايتهم. قبل ضم شبه جزيرة القرم لروسيا ،واآلن في ظل وجود القوات البحرية الروسية تتعرض تركيا أيضا إلى تهديدات املتضخم في البحر األسود ،أصبحت تلك االتفاقيات محال للشك .ومن خالل تطويق مخيفة في البحر األسود .فمع بداية شبه جزيرة األناضول ،يوضح بوتني أيضا معارضته الستراتيجية ممر الغاز الجنوبي شهر أغسطس (آب) لعام ،2013قام األوروبية ُويقدم تحديا مباشرا ملشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر األناضول حزب التنمية والعدالة الحاكم بتركيا (تاناب) ،الذي يتجاوز روسيا لنقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا. بإلغاء مشروع إنتاج السفن الحربية الوطنية طويل األمد ،وهو برنامج يهدف ربما يكون أفضل تلخيص لشعور روسيا حيال ذلك األمر من خالل البيان الذي صدر ً مؤخرا عن ديمتري روجوزين ،نائب رئيس الوزراء الروسي ،الذي ذكر أنه ينبغي تسليم إلى تحديث البحرية التركية ويتضمن اثنتني من السفن الهجومية البرمائية الفرنسية من فئة ميسترال ،التي اشترتها روسيا بناء سفن حربية فائقة التكنولوجيا. من فرنسا قبل مشكلة القرم ،إلى روسيا «في أسرع وقت ممكن» أو يتعني على فرنسا (لم يكن قرار اإللغاء لسبب يتعلق إعادة 1.2مليار يورو لروسيا. باملشروع ذاته ،بقدر ما تعلق بالنزاع بني حزب العدالة والتنمية واملمول الرئيس للمشروع ،شركة كوش) .وفي شهر سبتمبر وإذا حصلت روسيا في النهاية على السفن الحربية ،التي تستطيع كل منها حمل 16 (أيلول) عام ،2013أصدرت تركيا قرارا مصيريا باختيار منظومة الدفاع الصاروخي طائرة هليكوبتر و 70مركبة مدرعة و 450جنديا ،فسوف تصبح روسيا قادرة على شن الصينية 9-HQمن أجل نظام دفاع جوي وصاروخي طويل املدى في تركيا بدال من غارات صغيرة النطاق على كافة الدول املطلة على البحر األسود ،مما قد يؤدي بدوره إلى منظومة باتريوت من شركتي رايثون لوكهيد مارتن ،ومنظومة الدفاع الروسية ،300s-Sوقف االستراتيجية األوروبية ملمر الغاز الجنوبي. واملنظومة اإليطالية الفرنسية .30 SAMP/T Asterوبعد إلغاء تركيا ملشروع إنتاج السفن الحربية الوطنية طويل األمد وحصولها على نظام دفاعي غير مطابق للمواصفات يبدو أن ذلك كله أمر سيئ ،وهو كذلك بالفعل .وإذا كان هناك سبب واحد يدعو إلى األمل، وغير مؤكد ،فلم يعد لديها أية خطط واثقة ملواجهة توسع أسطول روسيا في البحر فهو أن التوسع الروسي في عهد ستالني دفع تركيا لتصبح عضوا قويا في حلف الناتو. ومن املحتمل أيضا أن يؤدي غزو القرم إلى دفع تركيا ،التي اتجهت بعيدا عن الغرب في األسود. عهد رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان ،لتذكر األسباب التي أدت إلى انضمام البالد إلى سوف تتضرر املفاوضات املستمرة حول املناطق االقتصادية الحصرية في املنطقة ،ذلك التحالف في املقام األول. وحول مجهودات تركيا للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. ببساطة لم تتمكن اإلمبراطورية العثمانية وال الدولة التركية الحديثة من ردع التوسع يؤكد مارك غالوتي ،األستاذ بجامعة نيويورك ،على أن القدرات الروسية في البحر الروسي أو مقاومته بمفردها .وعندما يتعلق األمر بمطالب روسيا على املدى القصير، األسود ال تزال بدائية نسبيا ،وأن تلك القوة لن تتمكن من الصمود أمام مواجهة طويلة فإن روسيا دائما ما تكون أكثر حزما .ومنذ عام ،1689ظل الخيار الحقيقي الوحيد مع حلف الناتو .ولكن من املرجح أن تراهن روسيا على عدم تدخل الناتو .في الواقع ،ما لبقاء تركيا هو العمل مع حلفاء .ولكن يتطلب الوصول إلى تلك النقطة التزاما قويا قابال زال الروس يذكرون حرب القرم التي ُشنت في عام ،1853كما أنهم يجيدون حساب للقياس تجاه تركيا من قبل الغرب. املساحة التي يمكنهم التحرك فيها قبل إثارة رد فعل غربي كبير. وفي كل مرة يضم االثنان قوتيهما معا ،يبدي الغرب تأكيدات جديرة بالثقة في الحل. ولكن على الرغم من حرص موسكو ،فإن التدخل الروسي في البحر األسود سوف يؤدي ولكن في الوقت الحالي ،من غير الواضح ما إذا كان الناتو سيتدخل في أوكرانيا .سوف ً حتما إلى تعقيد األمور بالنسبة لتركيا .ومن بني االحتماالت أيضا ،تثق روسيا في أن يحدد القدر الذي سيتدخل به الحلف – الذي سيظهر من خالله إرادة قوية للرد على الرئيس السوري بشار األسد سوف يفوز في النهاية في الحرب األهلية في سوريا ،روسيا – إذا كانت تركيا سوف تشارك في جهود االحتواء أو أنها سوف ترضخ تحت وتعبيرا عن شكره للدعم الروسي خالل تلك الحرب ،سوف يسمح ملوسكو بالوصول إلى وطأة الضغوط الروسية
�أدى ال�سالم يف تاريخ العالقات الرتكية الرو�سية �إىل ال�سماح لرو�سيا بالتو�سع مرة �أخرى
فورن أفيرز /حزيران /يونيو 52 - 2014
منذ عام ،1783استغلت موسكو وجودها البري إلزعاج العثمانيني ،وكسب املزيد من ً وسريعا ما توسعت األراضي من خالل إراقة الدماء والتسبب في مزيد من الدمار. موسكو في عملياتها البحرية من البحر األسود إلى بحر إيجة والبحر األبيض املتوسط. وكذلك سارعت القوى األوروبية للتصدي لروسيا عند مضيقي البوسفور والدردنيل. وأدت املنافسة إلى اندالع حرب أخرى في شبه جزيرة القرم ،حرب القرم في الفترة بني ُ عامي .1856-1853شنت تلك الحرب نتيجة لعدم رغبة بريطانيا وفرنسا في السماح لروسيا بالسيطرة الكاملة على البحر األسود على حساب اإلمبراطورية العثمانية ،التي أرادت أن تفرض سيطرتها على املنطقة .ولم تكن تلك الحرب مجرد معركة محلية بقدر ما كانت عرضا مسبقا للحربني العامليتني املقبلتني. ووفقا للوثائق ،خسرت روسيا تلك املعركة وانتصر العثمانيون ،بينما في الحقيقة، كانت القوات البريطانية والفرنسية هي املنتصر الحقيقي في الحرب نيابة عن العثمانيني. ومع ذلك ،أساء قادة اإلمبراطورية العثمانية فهم ذلك النصر ،وشعروا بالسيادة فركنوا إلى الخمول .وفي الوقت ذاته ،استغل الروس الهزيمة بشبه جزيرة القرم واتخذوها فرصة لتنفيذ عدد من اإلصالحات املهمة .وفي النهاية ،لم تمنع اإلصالحات من زوال نظام القياصرة ،ولكن كانت وتيرة سقوطهم أبطأ من السقوط الذي لحق بالعثمانيني. وهكذا في نهاية القرن التاسع عشر ،كانت روسيا على استعداد لفرض سيطرتها على اإلمبراطورية العثمانية في القوقاز والبلقان والبحر األسود مرة أخرى.
جزيرة القرم وبالتأكيد ،لم تمنع مطلقا السيادة الروسية على تلك املناطق تركيا من الشعور باالرتباط بشبه جزيرة القرم .في تلك األعوام ،أصبحت املنطقة بمثابة باريس للمثقفني املسلمني .فقد أنتجت اآلباء املؤسسني للقومية التركية الحديثة ،بما فيهم يوسف آقجورا وإسماعيل غسبرنسكي .ولكن كان إقليم القرم بالنسبة لتركيا يحمل أكثر من األهمية الثقافية .يشير مايكل رينولد ،األستاذ املساعد بجامعة برنستون ،في كتابه «إمبراطوريات ُمحطمة» أن القرم كانت مهمة أيضا بالنسبة لجهاز االستخبارات العثماني ،الذي اعتقد أنه إذا انفصلت أوكرانيا عن روسيا فإن روسيا سوف تنهار .وأن ذلك من املمكن أن ُيمهد الطريق أمام العثمانيني للعودة مرة أخرى للبحر األسود .ووفقا لعمالء استخباراتيني ،فإن أفضل استراتيجية يمكن أن يتبعها العثمانيون هي إثارة سخط التتار املسلمني في القرم. ومن خالل سماح مدن سيفاستوبول وطرطوس لروسيا بالوصول إلى املياه اإلقليمية َ حاصرة بالفعل من قبل على جانبي شبه جزيرة األناضول ،سوف تجد تركيا ذاتها ُم القوات البحرية الروسية الضخمة .ربما ليست مفاجأة أنه في عام ،1914دخل العثمانيون في الحرب العاملية األولى من خالل تفجير امليناء البحري الروسي بسيفاستوبول بشبه جزيرة القرم ،والذي أصبح رمزا للتوسع الروسي .ونجحت املهمة ،وأصيبت العمليات الروسية بالبحر األسود بالشلل التام خالل الحرب العاملية .ولكن ،مرة أخرى ،كانت هناك قوة خارجية مكنت العثمانيني حقا من الفوز باملعركة. أدى عدم امتالك العثمانيني لتكنولوجيا عسكرية بحرية خاصة بها إلى استخدامهم سفينتني حربيتني مهربتني من أملانيا غوبن وبرسالو في شن الهجوم .وعندما ترك السفير الروسي لدى اإلمبراطورية العثمانية إسطنبول عقب القصف مباشرة ،افترض أن العثمانيني قد يربحون املعركة ولكنهم سوف يخسرون بوجه عام« :ففي حالة انتصار األملان ،سوف تصبح الدولة العثمانية مستعمرة ألملانيا. وفي حالة فوز البريطانيني ،سوف تتفكك اإلمبراطورية العثمانية» .عندما عاد إلى إسطنبول بعد انتهاء الحرب ،قال إنها ربما تصبح مدينة روسية .استطاعت روسيا تحقيق انتصارات ضد العثمانيني أكثر مما توقع كثير من األتراك في البداية .ولكن الثورة البلشفية ،التي قامت في عام ،1917والتي دفعت القيصر إلى استدعاء جيشه للعودة إلى الوطن من شرق األناضول ،أنقذت اإلمبراطورية العثمانية على نحو غير متوقع من هجوم روسي مؤكد. تميزت فترة ما بعد الحرب بدفء نادر في العالقات التركية الروسية .فقد تخلى االتحاد السوفياتي الجديد عن استراتيجية القيصر السابقة في التوسع ،نتيجة لعدم قدرته على فرض سيطرته على البحر األسود نظرا للضعف الذي حل في مرحلة ما بعد الثورة،
وفضل التعاون بدال من ذلك .في الوقت ذاته ،كانت اإلمبراطورية العثمانية تمر بتغييرات خاصة بها ،وعلى وجه التحديد تأسيس الجمهورية التركية تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك .وبالفعل ،يذكر البعض أن ذلك العصر في ظل حكم لينني وأتاتورك كان الفترة الوحيدة في التاريخ التي شهدت تعاونا حقيقيا بني روسيا وتركيا .في ذلك العصر ،أكد القادة ذوو الشعبية في كلتا الدولتني اللتني خاضتا مرحلة ما بعد الحكم اإلمبراطوري على مقاومة الغرب ،فيما تضاءلت قضية القرم باعتبارها نقطة خالف بينهما.
حكم أتاتورك ً سريعا ما تالشى أي ود بني القوتني ،عندما خرجت روسيا ،التي رأسها في تلك ولكن، الفترة جوزيف ستالني ،من الحرب العاملية الثانية باعتبارها قوة مهيمنة على حوض أوراسيا األعظم .فقد سعى إلى إعادة املحافظات الشمالية الشرقية من األناضول أرداهان وآرتفني وكارس إلى االتحاد السوفياتي ،وطالب بوضع خاص للسفن السوفياتية التي تمر عبر مضيق البوسفور .وفي عدة مرات ،خرق ستالني معاهدة مونترو التي وقعت عام ،1936لتنظيم املالحة في املضايق (التركية) ،عبر مضيقي البوسفور والدردنيل لفترة تزيد على عشرة أعوام .من وجهة نظر ستالني ،لم تعد االتفاقية قائمة في عالم ما بعد الحرب العاملية الثانية ،ذلك العالم الذي ال ُيمكن فيه إخضاع روسيا الجديدة ألهواء الحكومة التركية .وفي السجالت البريطانية ملؤتمر يالطا الذي عقد في نهاية الحرب العاملية الثانية ،ذكر أن ستالني سأل وينستون تشرشل ،ثم رئيس الوزراء البريطاني قائال« :ما الذي سوف تفعله بريطانيا إذا منحت إسبانيا أو مصر ذلك الحق بغلق قناة السويس ،أو ما الذي سوف تفعله الواليات املتحدة األميركية إذا كان ألي دولة أميركية جنوبية الحق في غلق قناة بنما؟» (في عام ،1956ردت حكومة رئيس الوزراء أنتوني إيدن على ذلك السؤال ،عندما حاولت بريطانيا باالشتراك مع فرنسا وإسرائيل 1914 إعادة التأكيد على سيطرتها على سد أسوان من خالل القوة العسكرية بعد أن قام الرئيس املصري جمال عبد الناصر بما ذكره ستالني بالفعل وأغلق قناة السويس).
دخل العثمانيون يف احلرب عام العاملية الأوىل من خالل تفجري امليناء البحري الرو�سي ب�سيفا�ستوبول ب�شبه جزيرة القرم
وخالل هذه الفترة ،كان يتعني على تركيا ُ أن تغير مسارها ،بعد أن أكدت على عدم انحيازها التعاوني تحت حكم أتاتورك .فلم ُ تستطع أن تقاوم الضغوط التي تفرضها روسيا التي عادت للظهور من جديد. ولذلك ،فقد انضمت تركيا لحلف الناتو في عام .1952وعندما انهار االتحاد السوفياتي، أصبحت منطقة البحر األسود منطقة عاملية على نحو أكبر .وعملت الدول من خالل منظمات متعددة األطراف مثل منظمة التعاون االقتصادي للبحر األسود وأنشأت نظام تضامن إقليمي لنزع فتيل األزمات املحتملة فيما بعد الحرب الباردة .وأكدت تركيا على دورها في الحفاظ على االستقرار في منطقة البحر األسود ،بينما أكدت روسيا على قدرتها على تقديم الغاز الطبيعي للجميع. وفي ظل الهدوء النسبي الذي اتسمت به املنطقة ،لم تول األوساط األكاديمية التركية والشعب التركي الكثير من االهتمام بها خالل العشرين عاما املاضية ،في حني اتجهت األنظار نحو دور تركيا في الشرق األوسط أو عضويتها في االتحاد األوروبي .ربما لم يكن عليهم أن يفقدوا ذلك التركيز.
غزو روسيا لشبه جزيرة القرم في شهر مارس (آذار) ،عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وأعلنت عن نيتها في «االستفادة الكاملة من اإلمكانات الجيواستراتيجية التي تملكها شبه جزيرة القرم» ُ ومواصلة تطوير أسطول البحر األسود في روسيا« ،حيث تعد تلك خطوة مهمة للبالد عندما جرى إلغاء عدد من االتفاقيات مع أوكرانيا بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم خالل الشهر املاضي» ،تغير كل شيء. وعلى نحو مفاجئ ،أدى السالم واالستقرار ،الذي امتد لفترة ثانية فقط في تاريخ
فورن أفيرز /حزيران /يونيو 51 - 2014
صحافة عالمية
الصراع الدائم بني تركيا وروسيا على السيادة اإلقليمية
من أنقرة إلى البحر األسود
الدول املطلة على البحر األسود
بقلم :أكني أونفر *
كان فقدان اإلمبراطورية العثمانية لشبه جزيرة القرم وانضمامها لإلمبراطورية الروسية في عام 1783بمثابة ألراض تقطنها أغلبية مسلمة نقطة تحول في تاريخ الحضارتني .بالنسبة للعثمانيني ،كانت الخسارة األولى الدائمة ٍ ُ لتصبح تحت سيادة قوة مسيحية ،التي كانت في هذه الحالة ،روسيا العظمى تحت قيادة كاثرين ،التي تشبه روسيا تحت قيادة الرئيس فالديمير بوتني ،والتي تدخلت في حرب أهلية في القرم وضمت شبه الجزيرة إليها في النهاية .وأما بالنسبة للروس ،فقد كانت بداية تحول بالدهم إلى قوة عاملية؛ وعبر البحر األسود ،تمكنت روسيا من اإلبحار نحو الغرب. * أستاذ مساعد في العالقات الدولية بجامعة عبد القادر هاز بإسطنبول .عمل في السابق محاضرا في الدراسات التركية والشرق أوسطية بجامعة برينستون بقسم دراسات الشرق األدنى
فورن أفيرز /حزيران /يونيو 50 - 2014
تونس فيما فشلت فيه مصر .يمكن أن يساعد مزيد من الكرم من جانب واشنطن في تأمني التحول الديمقراطي في تونس ويجري هذا كله بتكلفة مالية أقل بكثير مما يمكن أن يكون ضروريا ملصر -مئات املاليني من الدوالرات ،بدال من املليارات .إذا استطاعت الواليات املتحدة املساعدة على تعزيز الديمقراطية ،أو على األقل إجراء إصالحات ديمقراطية في تلك البالد ،سوف يحقق الربيع العربي بعض التأثير اإليجابي الدائم. من املؤكد أن إيران تمثل تحديا بالنسبة لواشنطن ،حتى دون االضطرار إلى تلبية املطالب الخليجية بالتعامل األميركي الصارم .أزعجت إيران صناع السياسة األميركيني على مدى عقود ،ولكن العالقة اليوم بني الواليات املتحدة وإيران معقدة ،خاصة وأن طهران تبدو مرة أخرى تحت تأثير املعركة الدائمة بني املتشددين والبراغماتيني حول روح الجمهورية اإلسالمية .يسعى كال املعسكرين إلى الهيمنة اإلقليمية إليران .ولكن يعتقد املتشددون أن أفضل وسيلة للوصول إلى الهيمنة هي دفع الواليات املتحدة خارج املنطقة واستبدال الحكومات املعادية إليران واملوالية للواليات املتحدة في الشرق األوسط بحكومات أخرى أكثر تعاطفا مع طهران .وكان سعي إيران للحصول على قدرات نووية جزءا واحدا فقط من تلك اإلستراتيجية .كما تستخدم إيران أيضا مجموعة واسعة من األدوات األخرى في تنفيذها ألجندة التيار املتشدد ،بما في ذلك اإلرهاب ودعم الثوار واملتمردين الذين يهددون مصالح الواليات املتحدة في الشرق األوسط. وعلى الجانب اآلخر ،يدفع البراغماتيون اإليرانيون بأن إيران تستطيع أن تحقق الهيمنة اإلقليمية من خالل تطوير اقتصادها وثروتها البشرية ومن خالل تبني العلم الحديث والعوملة .من وجهة نظرهم ،ال تؤدي محاربة الواليات املتحدة املستمرة إال إلى إضعاف إيران؛ وسيكون من األفضل إليران أن تنمو لتصبح قوة مهيمنة بشكل سلمي ،كما فعلت أملانيا بعد الحرب العاملية الثانية. ربما يثمر التوصل إلى اتفاق بني إيران والغرب ،بخصوص منع الجمهورية اإلسالمية من تطوير أسلحة نووية ،عن تشجيع طهران على التركيز على النمو االقتصادي الخاص بها وإقناعها بوقف مساعيها إلى زعزعة االستقرار في املنطقة .ولكن من املرجح على األقل أن إيران ستجد في االتفاق النووي تخفيفا للضغوط التي يتعرض لها اقتصادها – وهو نقطة ضعف النظام -وبالتالي سيتيح لها مضاعفة مخططاتها العدائية الخارجية. يشعر اإلسرائيليون والسعوديون ،وكثير من حلفاء واشنطن اآلخرين في الشرق األوسط بمخاوف تجاه السيناريو األخير .فهم يخشون أن يؤدي الوصول إلى اتفاق حول الحد من التسليح إلى انفراجة في العالقات بني الواليات املتحدة وإيران ،وبالتالي ستكون عليهم مواجهة العدوان اإليراني بمفردهم.
ولكنها تثبت بشكل نموذجي قاعدة أن اإليرانيني يتعدون الخطوط الحمراء األميركية فقط عندما يخطئون في تقدير حدودها بدقة أو يكونون على صواب في أنها ال تمثل خطوطا حمراء بالفعل. ُ ال ت ِكن طهران مثل ذلك االحترام لخصومها اإلقليميني ،الذين ينظر إليهم اإليرانيون بازدراء. وهي مشاعر متبادلة ،وبالتالي فمن دون وجود الواليات املتحدة هناك لردع إيران والتوسط نيابة عن حلفاء أميركا ،هناك احتمال كبير بوقوع أزمات إقليمية قد تتصاعد بطرق ال يمكن التنبؤ به مما يهدد املصالح األميركية ،وخاصة أسعار النفط. إذن التحدي الذي تواجهه الواليات املتحدة هو إيجاد طريقة للتفاوض من أجل إنهاء مطامع إيران النووية في الوقت الذي يجري فيه كبح طموحاتها اإلقليمية .للوصول إلى الحل الصائب الذي يجمع بني االنفراجة واالحتواء ،يجب على واشنطن أن تعيد ثقة حلفائها في رغبتها في الحفاظ على أمنهم وقدرتها على ذلك .أثار االتفاق النووي املؤقت مع إيران مخاوف في العواصم العربية وإسرائيل من أن دبلوماسية الحد من األسلحة قد تدخل إيران والواليات املتحدة في وفاق إقليمي .قد يبدو هذا االحتمال كوميديا نظرا النعدام الثقة املوروث بني واشنطن وطهران ،ولكنه يؤخذ على محمل الجدية في مقرات الحكومات العربية ،وفي تل أبيب .ولعل أفضل طريقة لتعزيز ثقة حلفاء الواليات املتحدة في واشنطن العمل بمزيد من الحسم في مسألة سوريا ،نظرا ألنه إذا نأت الواليات املتحدة بنفسها عن هذا الصراع ،فسوف تبدو تعهداتها األخرى جوفاء بالنسبة للجمهور العربي املتشكك.
ال تذهب بعيدا -سنعود على الفور بعد أكثر من عشرة أعوام من الحروب املكلفة وغير املرضية ،أصيب األميركيون بالسأم من التدخالت الخارجية ،وجعلت املشاحنات التي ال تنتهي في الشرق األوسط هذه املنطقة آخر مكان يرغب األميركيون في استثمار موارد بالدهم فيه .ولكن تظل مشاكل الشرق األوسط متشابكة بعمق مع أمن أميركا القومي واقتصادها .وتجبر تلك املشاكل إدارة أوباما على االهتمام بالشرق األوسط بقدر أكبر مما كانت تفضل؛ وتحديدا كما شهدت اإلدارات السابقة، تميل املنطقة إلى جذب الواليات املتحدة مرة أخرى إليها ،حتى إذا أرادت هي الخروج.
تعانى املعار�ضة ال�سورية من حالة فو�ضى و�شلل ب�سبب الف�ساد وعدم الكفاءة وي�سيطر عليها املتطرفون ال�سلفيون
في املقابل ،يشعر املرشد األعلى اإليراني آية الله علي خامنئي أيضا بالقلق إزاء اآلثار املحتملة لعقد اتفاق نووي ،على الرغم من اختالف األسباب .فقد حارب لفترة طويلة النفوذ املغري للثقافة األميركية ولديه مخاوف من أن إقامة عالقات بناءة بني الواليات املتحدة وإيران ستطيح بالدولة الدينية وتشوه الصورة الثورية إليران في العالم اإلسالمي .لقد وجد قيمة أكبر في قيادته لكتلة رافضي االنضمام إلى النظام العاملي .حتى لو جرى عقد اتفاق نووي ذي أهمية بالنسبة له ،فقد يشعر أن السبيل الوحيدة السترضاء املتشددين الذين يعتمد عليهم هو طمأنتهم بأن االتفاق لن يلطف من سياسة إيران الخارجية .وربما يحاول الحفاظ على قبولهم ملثل ذلك االتفاق على مضض من خالل التعهد لهم بحرية أكبر في ارتكاب املضايقات خارج البالد.
من حسن الحظ ،ال يبدو أن املشاكل الراهنة في املنطقة تمثل حتى اآلن تهديدا كبيرا لدرجة تستلزم قدرا كبيرا من القوة من الواليات املتحدة؛ كل ما يجب أن تفعله إدارة أوباما هو أن تبذل ما يزيد قليال عما رغبت في القيام به حتى اآلن .لكن يجب على واشنطن أن تكون قد تعلمت من تاريخها الطويل واملؤلم مع الشرق األوسط أن تجاهل مشاكل املنطقة لن يجعلها تذهب بعيدا .بل من املؤكد أن هذه املشاكل ستعود أسوأ من ذي قبل .كذلك ستتطلب معالجة هذه املشاكل في وقت الحق وقتا وطاقة – ودماء وأمواال -أكبر بكثير مما يتطلبه الحل العاجل.
وبالتالي ،يبدو من السابق ألوانه االفتراض أن عقد اتفاق نووي مع إيران سوف يعني نهاية العداء اإلقليمي اإليراني .ولكن يشير تاريخ املنطقة بقوة إلى أن الواليات املتحدة هي الدولة األقدر على الحد من مساعي إيران العدائية لتغيير الوضع الراهن في املنطقة .على الرغم من االدعاءات بانعدام العقالنية اإليرانية ،فإن الجمهورية اإلسالمية دائما ما تبدي احتراما جليا للقوة األميركية .ويحرص اإليرانيون عموما على عدم تجاوز الخطوط الحمراء األميركية الواضحة.
حتى في عصر تخفيض النفقات ،تظل الواليات املتحدة دولة ذات مصالح عاملية تنافسية، وال يوجد سبب لالعتقاد بأن واشنطن تفتقر إلى املوارد الالزمة للقيام بما هو ضروري في الشرق األوسط ولالهتمام بمصالحها في أماكن أخرى في الوقت ذاته .لم تتطلب إستراتيجية إدارة أوباما باالتجاه إلى آسيا تحويل أحد األصول املخصصة للشرق األوسط؛ إذ لم يجر نقل أي حاملة طائرات ،وال دبلوماسي ،وال برنامج مساعدات .وال ينبغي فعل ذلك .يجب على الواليات املتحدة االشتراك بقواتها الخاصة في عدد أقل من الصراعات في منطقة الشرق األوسط ،ليس ألنها تحتاج إلى إشراك مزيد منهم للقتال في آسيا .وال يجب أن يكون هناك شك في أن آسيا تمثل أهمية محورية للسياسة الخارجية األميركية .ولكن ال يقلل ذلك من أهمية الشرق األوسط؛ حيث تشمل املصالح الحيوية األميركية املنطقتني. وينبغي على واشنطن أن تبذل املزيد في آسيا ،ولكن ال يجب – وليس من الضروري -أن تفعل ذلك على حساب الشرق األوسط
في بعض األحيان تتحدى إيران املحظورات األميركية ،ولكن عندما تواجه مقاومة ،عادة ما تتراجع خوفا من رد فعل واشنطن املحتمل .على سبيل املثال ،لم تقم إيران مطلقا بطرد مفتشي األمم املتحدة الذين يراقبون برنامجها النووي ،ولم تشحن أسلحتها الفتاكة للميليشيات الشيعية العراقية وحزب الله .وهناك عدد قليل من االستثناءات لهذا األسلوب،
فورن أفيرز /حزيران /يونيو 49 - 2014
صحافة عالمية
تجعل طبيعة الصراع في سوريا من الصعب على أي قوة خارجية التصدي له بسرعة أو العراق على الحافة سهولة ،وهذا هو أحد األسباب التي جعلت الواليات املتحدة املنهكة من الحرب تمتنع عن الدخول بعمق في هذا الصراع .لم تحقق جهود إدارة أوباما املحدودة تأثيرا كبيرا إال في إرباك حلفاء الواليات املتحدة .وال تلقى الخيارات املقترحة من قبل العديد من منتقدي اإلدارة األميركية ،مثل توفير أسلحة أكثر تقدما للمعارضة ،استجابة كبيرة ،ألنها من املرجح أن تجعل القتال أكثر دموية دون االقتراب من الحل. بيد أن عدم اتخاذ أي خطوة أكثر وأشد خطورة .فإذا لم توجد قوة يمكنها أن تحقق التوازن بني الطرفني ،ليس من املرجح أن يحل السالم في سوريا لفترة طويلة .بل سيستمر الصراع في تمزيق بقية دول املنطقة ،وربما يهدم دوال أخرى أيضا – تلك الدول التي تؤثر على املصالح الحيوية األميركية التي لم تؤثر عليها سوريا .طاملا أن نظام األسد يمكن أن يعتمد على التدفق املستمر لألسلحة الروسية ،واألموال اإليرانية ،وقوات حزب الله ،ليس هناك سبب يدعو لالعتقاد بأن هذا النظام سوف ينهار .بل في الوقت الراهن ،ترتفع معنويات قوات األسد ،في حني تعاني املعارضة املنقسمة من صراع داخلي ورعاية خارجية غير مالئمة. كذلك لم يساعد على الحل تحسني صورة الطاغية السوري على املستوى الدولي بسبب تخلصه من األسلحة الكيماوية التي لم يكن من املفترض أن يمتلكها ،ناهيك باستخدامها.
الحروب األهلية في املنطقة حتى الوقت الحالي ،أسفر الدعم الخارجي للنظام وللمعارضة عن مأزق دموي .الطرف الخارجي الوحيد الذي يمكنه كسر هذا الجمود هو الواليات املتحدة .ولكن رغم أن إدارة أوباما تشعر بقلق واضح تجاه أي عمل يؤدي إلى تدخل القوات البرية األميركية ،فإن هناك خيارات يمكن أن تسمح بتوقعات معقولة إلنهاء الصراع السوري بشروط مقبولة للواليات املتحدة .على وجه التحديد تستطيع الواليات املتحدة اتباع األسلوب الذي انتهجته خالل الحرب األهلية في البوسنة في التسعينات.
ف�ضلت �إدارة �أوباما با�ستمرار اتباع الدبلوما�سية الهادئة على �إ�صدار الت�صريحات العلنية
ربما يشعر األميركيون برغبة إنسانية في وضع نهاية للمذابح التي ترتكب في سوريا، ولكن ال يؤثر الصراع هناك بشكل مباشر على مصالح الواليات املتحدة اإلستراتيجية. لكن األمر يختلف في العراق ،حيث يهدد الوضع املنتشر من سوريا بإعادة إشعال الحرب األهلية التي بدأت في أعقاب الغزو األميركي للعراق في عام .2003أصبح العراق ثاني أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك ،وال تقف التوقعات املتفائلة حول استقرار أسعار النفط في املستقبل على املوارد الصخرية املتاحة في أميركا الشمالية بل تعتمد كثيرا على استمرار العراق في زيادة اإلنتاج لسنوات مقبلة؛ وهو افتراض مشكوك فيه إذا كان البلد سينزلق مرة أخرى إلى صراع طائفي. ما من شك في أن العراق يعاني من آثار الجحيم السوري املجاور ،حيث تتدفق األسلحة واألموال واملسلحون السنة ذهابا وإيابا عبر الحدود .ولكن تنتج مشاكل العراق أساسا من فوضى ما بعد الحرب الخاصة بالسياسة واألوضاع األمنية في البالد .كما تسيطر مشاعر الخوف والرغبة في االنتقام ،التي ظهرت من جديد في اللحظة التي غادرت فيها القوات األميركية ،على الدولة العراقية ،والتي ما زالت في حاجة إلى مؤسسات قوية ومستقلة. بالنسبة لدور الواليات املتحدة في إخماد العنف املنتشر ،سوف تضطر إلى الضغط على العراقيني الستعادة ترتيبات تقاسم السلطة بني الطوائف والتي ساعدت واشنطن في صياغتها عام .2008 ولكن الواليات املتحدة لديها نفوذا أكبر بكثير مما تمارسه اليوم ،وهكذا ستضطر إلى اكتساب رأسمال سياسي جديد .كان قرار اإلدارة األخير ببيع 24طائرة هليكوبتر من طراز أباتشي إلى بغداد بداية جيدة .ويجب على واشنطن النظر في تعزيز جهود مكافحة اإلرهاب واملساعدات العسكرية التي تقدمها إلى بغداد على نطاق أوسع ،إلى جانب املساعدة على معالجة أوجه القصور التي ال حصر لها في الزراعة والتعليم والرعاية الصحية ،وعشرات املجاالت األخرى ،طاملا أبدت بغداد استعدادها إلعادة تنفيذ ترتيبات تقاسم السلطة.
في أوائل عام ،1994قدمت الواليات املتحدة املساعدات لكرواتيا وكروات البوسنة -سرا في البداية ،ثم بعد ذلك بشكل علني – وقامت ببناء جيش تقليدي مدرب على التكتيكات والعمليات تحت هيكل قيادة موحد مكون من ضباط أكفاء .استطاعت هذه القوة الكرواتية، بمساعدة القوة الجوية للناتو ،هزيمة جيش صرب البوسنة في سلسلة من املعارك التي ثرثرة فوق النيل أقنعت القيادة الصربية باستحالة إحراز نصر عسكري ،وبذلك تمكنوا من الوصول حتى بداية أحداث الربيع العربي ،ظلت مصر لفترة طويلة من أكثر حلفاء الواليات املتحدة إلى اتفاقية دايتون عام .1995 جدارة بالثقة في املنطقة .عندما أطيح بالرئيس حسني مبارك في أعقاب احتجاجات واسعة عام ،2011أتيحت للواليات املتحدة الفرصة بأن تلعب دور في رجيله إلقامة مصر في الوقت الحالي ،تعانى املعارضة السورية من حالة فوضى وشلل بسبب الفساد وعدم جديدة وديمقراطية .وعلى الرغم من استحالة إثبات هذا االفتراض ،فإنه إذا كانت الواليات الكفاءة ويسيطر عليها املتطرفون السلفيون .لكن ال يجب أن يستمر هذا الوضع. املتحدة على استعداد لتقديم حزمة من خمسة إلى عشرة مليارات دوالر وبسرعة في شكل مساعدات إضافية ملصر (باإلضافة إلى نحو 1.5مليار دوالر تحصل عليها مصر سنويا في عامي 2005و ،2006عندما أصبحت الواليات املتحدة جادة بشأن بناء جيش عراقي بالفعل) ،كان من املمكن أن يجلب ذلك لواشنطن نفوذا هائال – ربما على نحو يكفي ملنع كبير ذي إمكانيات ،كانت القوات املسلحة العراقية أيضا في حالة من الفوضى .لكن بحلول وقوع أسوأ تجاوزات محمد مرسي ،الرئيس اإلسالمي الذين جاء إلى السلطة بعد الثورة، عام ،2008ساعد الجيش األميركي في بناء قوة عراقية ذات كفاءة عالية بشكل معقول وبالتالي ملنع اإلطاحة به. وكانت قادرة على مساندة الجهود األميركية من أجل إنهاء الحرب األهلية في العراق، وصياغة ترتيبات جديدة لتقاسم السلطة للحفاظ على السالم. بيد أن إدارة أوباما لم تفعل شيئا تقريبا ملصر ،غير أنها عرضت مجرد مساعدات إضافية بسيطة تصل لـ 150مليون دوالر .ونتيجة لذلك ،فقدت واشنطن معظم نفوذها في القاهرة، من املؤكد أن مساعدة املعارضة السورية على بناء جيش كبير محترف ،قادر على السيطرة وانتكست قضية الديمقراطية في مصر مرة أخرى .اليوم قد يكون من الصائب أن أفضل على األراضي وهزيمة كل من قوات النظام واملتطرفني اإلسالميني املشاركني في الحرب ،ما يمكن للواليات املتحدة القيام به هو التركيز على املدى الطويل :انتظار عودة عوامل القمع سوف تحد من انقسام املعارضة .كما سيقيم مؤسسة علمانية قوية يمكن أن تتشكل السياسي وسوء اإلدارة االقتصادية التي أدت إلى ثورة 2011للظهور مرة أخرى واألمل في حولها حكومة سورية جديدة .سوف يكون إنشاء مثل هذه القوة مهمة طويلة وشاقة .أنه في حالة مواجهة اضطرابات شعبية مكثفة ،سيكون املسؤولون األميركيون قادرين على جدير بالذكر أن جهود الواليات املتحدة لتدريب جيش عراقي كفء استغلت وجود ما يقرب إقناع النظام املصري بتحقيق إصالح. من 150ألف جندي أميركي في العراق ،في حني أن الواليات املتحدة ليس لها أي قوات على األراضي السورية على اإلطالق .ولكن هذا هو الخيار الوحيد الذي يعطي أمال في وضع كانت مصر الجائزة الكبرى للربيع العربي ،ويمكن أن تضيع هذه الجائزة في الوقت الراهن. ولكن في مناطق أخرى ،يستمر األمل الذي ألهم أحداث عام 2011ويجب رعايته .نجحت نهاية مقبولة للحرب في سوريا بتكلفة معقولة. تحتاج الواليات املتحدة أيضا إلى اإلعالن عن رأيها في شأن العراق .فضلت إدارة أوباما باستمرار اتباع الدبلوماسية الهادئة على إصدار التصريحات العلنية .ولكن يجب على واشنطن التحدث صراحة عندما يتصرف القادة العراقيون ،بما في ذلك رئيس الوزراء نوري املالكي (ولكن ال تقتصر عليه) ،بطريقة قد تزعزع استقرار العراق .ال تزال كلمة اإلدارة لها ُ وزن في بغداد ،ألسباب ليس أقلها أن النخبة العراقية ما زالت ترجع قدرا كبيرا من النفوذ لواشنطن ،حتى وإن كان غير ظاهر.
فورن أفيرز /حزيران /يونيو 48 - 2014
ُ في السابق ،أرغم الرئيس األميركي دوايت أيزنهاور على التدخل في أزمة السويس عام ،1956والثورات القومية العربية في نهاية الخمسينات من القرن املاضي .وبالكاد تدخل ليندون جونسون من أجل منع حرب األيام الستة عام .1967أما ريتشارد نيكسون فقد وجد أن املنطقة تجذبه على مضض إلى حرب عام 1973بني العرب وإسرائيل وأزمة القوى النووية العظمى التي أسفرت عنها .وعلى الرغم من صورته العدائية ،لم يتخذ رونالد ريغان ً إجراء قويا في رده على الهجمات املتكررة التي شنتها إيران ووكالؤها في لبنان والخليج. أما جورج بوش األب فقد جاء إلى الرئاسة وهو يأمل في تجاهل صدام حسني ،وعدم الدخول في حرب معه .وعلى الرغم من أنه نادرا ما يذكر ذلك اليوم ،فإن جورج بوش االبن لم يكن مهتما على نحو خاص بالشرق األوسط وكان يبدي انتباها قليال للمنطقة قبل وقوع أحداث 11سبتمبر. وصل الرئيس باراك أوباما إلى منصبه عازما على النجاح فيما فشل فيه أسالفه .بعد عشرة أعوام من الحرب في أفغانستان والعراق ،خطط أوباما لنزع عبء الشرق األوسط عن كاهل واشنطن .في البيانات الرسمية ،كان مسؤولو إدارة أوباما حريصني على تجنب أي إشارة إلى أن واشنطن تريد «االبتعاد» عن التزاماتها تجاه الشرق األوسط .ولكن ُعرف عن بعض كبار املسؤولني أنهم تناولوا في أحاديث خاصة األسباب التي تستدعي إحداث تغيير كبير في نهج أميركا تجاه املنطقة .ودفعوا بأن الواليات املتحدة دائما ما كانت تفرط في االستثمار في املنطقة ،ال سيما في عهد اإلدارة السابقة .وخططوا لتصحيح انعدام التوازن بإدارة «محور» املوارد الدبلوماسية والعسكرية األميركية بعيدا عن الشرق األوسط وباتجاه آسيا ،التي يعتقد أوباما أن ما تحمله من نسب املخاطر مقابل العائد أفضل بالنسبة للواليات املتحدة. قدم هؤالء املسؤولون ثالث حجج متداخلة تدعم هذا االتجاه .أوال ،ألحوا على أن مشاكل الشرق األوسط تحمل مبالغة؛ فمن وجهة نظرهم معظم هذه املشاكل ما هي إال مشاحنات صغيرة يمكن حلها بسهولة .ثانيا ،أكد هؤالء املسؤولون على أن كثير من أسوأ املشاكل التي تواجه املنطقة هي في الواقع نتاج للتدخل األميركي الزائد .يعتمد هذا االدعاء جزئيا على حجة «الخطورة األخالقية» واملقصود بها أن التزام واشنطن تجاه املنطقة يسمح لبعض قادة الشرق األوسط باإلمعان في املمارسات السيئة ،وإذا انسحب األميركيون ُ فسوف تغير حكومات املنطقة أساليبها .وأخيراّ ،ادعوا بأن املصالح األميركية في الشرق األوسط أقل بساطة وعرضة للخطر من االعتقاد السائد. من وجهة نظر بعض أعضاء فريق أوباما ،تبرر هذه العوامل تقليص حجم التدخل األميركي في املنطقة على نحو كبير .يرتكز هذا النوع من الفكر على عدم اهتمام اإلدارة بتمديد نشر القوات األميركية في العراق ،ومساعيها الفاترة في إقامة السالم بني اإلسرائيليني والفلسطينيني (على األقل حتى العام املاضي ،عندما أصبح جون كيري وزيرا للخارجية)، والدعم األميركي املحدود لحركات املعارضة في ليبيا وسوريا ،وردود اإلدارة املرتبكة واملترددة على ثورات الربيع العربي .في ظل رئاسة أوباما ،لم تبتعد الواليات املتحدة عن املنطقة تماما ،إذ ما زالت هناك اتصاالت بني واشنطن والعواصم في املنطقة ،ولكن لم تبد ّ اإلدارة رغبة في استثمار مزيد من املوارد أو تنفيذ أجندات بناءة هناك.
استقرار الشرق األوسط مرت خمس سنوات على حكم أوباما ،أسفر هذا النهج عن نتيجتني مختلطتني .كان مسؤولو اإلدارة على خطأ عندما اعتقدوا أن مشكالت املنطقة مبالغ فيها أو أن معظمها نتيجة لألخطاء األميركية .لم يؤد االبتعاد األميركي إلى مزيد من االستقرار أو األمن في الشرق األوسط .بل في الواقع تعرضت املنطقة لظروف سيئة .ولم يستطع حكام املنطقة أن ُ يكونوا أكثر فاعلية عندما تركوا ليحكموا بأدواتهم الخاصة؛ ونتيجة لذلك ،اندلعت الحروب األهلية في ليبيا وسوريا واليمن ،بينما يترنح العراق ولبنان على حافة الحرب .وفي الوقت ذاته ،انتقلت حالة عدم االستقرار في تلك األماكن عبر الحدود إلى الجزائر ،واألردن ،وتركيا، وأحدثت توترا في النسيج االجتماعي بالفعل لتلك البلدان .عالوة على ذلك ،أثارت كل هذه الضغوط حربا ضارية بني وكالء إيران ومجموعة من الدول العربية السنية ،ويخشى كثيرون من تحول هذه التوترات إلى صراع بني الشيعة والسنة في املنطقة بأسرها. في مفارقة ،أثبتت هذه األوضاع صحة أحد االدعاءات التي قدمها مسؤولو اإلدارة .لم تؤثر حالة الفوضى املتزايدة في الشرق األوسط حتى اآلن على املصالح األميركية األساسية ،هذا
يعني أن هؤالء املسؤولني كانوا على صواب عندما ّادعوا أن مصالح الواليات املتحدة في املنطقة أقل عرضة للخسارة مما كان مفترضا في الغالب .طوال فترة حكم أوباما ،يشهد سعر النفط -البارومتر األساسي لالستقرار في الشرق األوسط وأهم املصالح األميركية في املنطقة -استقرارا إلى حد كبير ،وتشير معظم التوقعات إلى أنه سيبقى كذلك في املستقبل القريب .وحتى اآلن ،لم تقع أي هجمات إرهابية كبرى ضد األميركيني ،سواء في املنطقة أو داخل أميركا نفسها .كما لم يعان معظم حلفاء واشنطن الرئيسني في الشرق األوسط ،ومنهم إسرائيل ،من الفوضى اإلقليمية بدرجة كبيرة. ذلك جدير باملالحظة ،ومثير للدهشة إلى حد ما .في عام ،2009كان من الصعب التنبؤ بأن الواليات املتحدة يمكن أن تتهرب من دورها القيادي في املنطقة ملدة خمس سنوات ،وتبتعد في حني تشاهد الشرق األوسط الذي ابتعدت عنه ،وفي الوقت ذاته ال تتعرض مصالح أميركا الحيوية إلى ضربات موجعة .ولكن على الرغم من أن املصالح األميركية لم تعان حتى اآلن ،فإنه من غير املحتمل أن تظل حظوظ واشنطن جيدة. يرجع االستقرار النسبي ألسعار النفط إلى توسيع نطاق صادرات النفط من األماكن التي تعاني بشكل متزايد من العنف ،وخاصة العراق .وأصبحت سوريا أرضا خصبة لإلرهابيني الدوليني ،الذين يطمح بعضهم في مهاجمة أهداف داخل الواليات املتحدة. ويستمر فراغ السلطة في اليمن في توفير مالذ آمن لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية .وفي حني تنزلق ليبيا إلى حرب أهلية من تلقاء نفسها ،تجد الجماعات السلفية األخرى املالذ واملجندين هناك. ورغم ُّ تحمل أقرب حلفاء واشنطن في املنطقة حتى اآلن العديد من التهديدات ،فإنهم ليسوا بمأمن منها .في السنوات الثالث املاضية، استخدمت إسرائيل القوة عدة مرات ضد النظام السوري ،وكذلك ضد املتطرفني في غزة وسيناء ،في محاولة للقضاء على األخطار املتزايدة على طول حدودها.
�أُرغم الرئي�س الأمريكي دوايت �أيزنهاور على التدخل يف �أزمة ال�سوي�س عام 1956
ومع ذلك ،تشير حقيقة أن هذه املشاكل لم تؤثر بالفعل على املصالح األميركية إلى أنه، في مواجهة زعزعة االستقرار في املنطقة، ربما يكون كل املطلوب هو تعزيز الجهود باعتدال من أجل حماية مصالح الواليات املتحدة أمام التهديدات الهائلة في الشرق األوسط .ربما يكون أوباما قد أفرط في إبعاد الواليات املتحدة عن التدخل في الشرق األوسط ،ولكن ال يوجد داع للعودة مرة أخرى إلى التدخل العسكري املبالغ فيه الذي اتسمت به إدارة جورج بوش االبن.
إنقاذ سوريا أفضل ما يمكن فهمه عن عدم االستقرار الذي تعاني منه حاليا منطقة الشرق األوسط أنه مزيج من االشتباكات الناجمة عن االختالل السياسي واالقتصادي واألمني الخاص بكل بلد ،إلى جانب مجموعة من الصراعات الشاملة التي تتجاوز حدود املنطقة .أحد مصادر انتشار هذه الفوضى هو امتداد العديد من الحروب األهلية في الشرق األوسط ،والتي تفشى بعضها ،إذ تخرج مشكالت أحد املجتمعات إلى املجتمعات املجاورة وتشعل صراعات جديدة. يكمن املركز الحالي لتفشي هذه الفوضى في الصراع في سوريا ،والذي نشر في املنطقة الالجئني واإلرهابيني ،وتسبب في تطرف السكان املجاورين ،وأشعل الطموحات االنفصالية في العديد من الدول .قوضت الحرب العديد من األنظمة االقتصادية في املنطقة وتهدد بجر جميع دول الجوار السوري إلى الصراع .من جانبهما ،يجاهد كل من األردن وتركيا للتعامل مع أعباء نحو مليوني الجئ سوري .وعلى جانب آخر ،اتخذ املتطرفون السوريون من العراق مالذا لهم ويهددون بإشعال حرب أهلية في العراق .وتحولت الحرب الدائرة في سوريا إلى أكثر ميادين املعارك دموية في الحرب بالوكالة بني إيران التي تدعم نظام بشار األسد ،والدول السنية في الشرق األوسط العربي ،والتي تحاول بشدة الحد من نفوذ شيعة إيران دون تمكني جماعة اإلخوان املسلمني السنية أيضا.
فورن أفيرز /حزيران /يونيو 47 - 2014
صحافة عالمية
ملاذا يجب على واشنطن أن تركز على الشرق األوسط
وعود الشرق األدنى
باراك أوباما
بقلم :كينيث إم بوالك وراي تقية *
على عكس األساطير السائدة ونظريات املؤامرة املنتشرة عن رغبة واشنطن في السيطرة على الشرق األوسط طوال العقود الستة املاضية ،غالبا ما يسعى صناع السياسات األميركيون إلى الحد من تدخل الواليات املتحدة في املنطقة. ولكن يبدو أن املخاطر العالية التي تتعرض لها املصالح األميركية في املنطقة – وخاصة النفط – وتعقيد املشاكل في منطقة الشرق األوسط دائما ما يعيد الواليات املتحدة إليها. * كينيث إم بوالك :كبير زمالء في مركز سابان لسياسة الشرق األوسط في معهد بروكينغز * راي تقية :كبير زمالء في دراسات الشرق األوسط في مجلس العالقات الخارجية
فورن أفيرز /حزيران /يونيو 46 - 2014
ملاذا يجب على واشنطن أن تركز على الشرق األوسط
وعود الشرق األدنى بقلم :كينيث إم بوالك وراي تقية
الصراع الدائم بني تركيا وروسيا على السيادة اإلقليمية
من أنقرة إلى البحر األسود بقلم :أكني أونفر
فورن أفيرز /حزيران /يونيو 45 - 2014
facebook google+
The Arab world has a rich history of scientific breakthroughs. Ensure youâ&#x20AC;&#x2122;re part of the scientific and medical community gaining access to the latest research in the region. From the latest news, in-depth features, expert commentaries and research highlights to regional jobs, event listings and alerts direct to your inbox â&#x20AC;&#x201C; Nature Middle East is your free comprehensive portal keeping you at the centre of science in the Arabic speaking Middle East.
nature.com/nmiddleeast Sponsored by
Get the free mobile app at
Download the free app for your / gettag.mobi phone athttp:/ http://gettag.mobi
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
www.majalla.com
العدد 1596حزيران -يونيو 2014
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
اشرتك اآلن واحصل على نسختك الورقية
تأسست في لندن عام 1980
قا�سم بن خلف �لروي�س� :لأديب و�مللك ..ملحات من عالقة �سكيب �أر�سالن بال�سعودية فتحي �مل�سكيني :ظاهرة �ملر�هقة �مللحدة ..مترد �أخالقي على �ل�سلطة �لأبوية طوين بدر�ن� :مل�ساحلة �لفل�سطينية ..مطلب وطني �أم مناورة �إخو�نية؟!
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 06
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
Issue 1596 - June 2014
فورن أفيرز /أيار /مايو 57 - 2014
www.majalla.com
أرشيف
وطاملا ان هناك حكومتني لبنانيتني وهناك قرار دولي صدر عن مجلس االمن منذ عشر سنوات رقمه ( 425الداعي إلی انسحاب اسرائيل) ولم ينفذ ٬اذ ال يمكن تنفيذ ق��رار دول��ي جديد ما لم ينفذ القرار القديم لذلك فاللجنة العربية هي قدر لبنان وربما حظه االخير". اما رئيس مجلس النواب االسبق كامل االسعد الذي كان بني الذين اعتذروا عن عدم تلبية دعوة اللجنة العربية إلی تونس فيناقض مفهوم الحص ٬وقد قال لــ "املجلة"" :ان التضامن العربي شرط اساسي ملواجهة جميع القضايا املصيرية العربية ولنجاح أي مبادرة أو مخرج عربي لالزمة اللبنانية .لكن هذا التضامن غير متوفر" .وقال العميد ريمون اده "انه طاملا اسرائيل تحتل بصفة غير شرعية جنوب لبنان وطاملا الجيش السوري موجود علی ثلث االراض��ي اللبنانية فلن ينجح اص�لاح ولن يستقر السالم علی كل التراب اللبناني". اما عون فيری "ان اللجنة العربية لم تزل في بدية الطريق الطويل وتجب متابعة الجهود الن القضية اللبنانية عمرها 14سنة والكل يتمنی ان تنتهي خالل ساعات .فبدايات اللجنة في تونس كانت سليمة لكن في دمشق لم تكن استنتاجاتها كذلك .وال يمكننا سوی الرهان .فاذا استقامت هذه االستنتاجات حددنا موقفنا. والكرة في ملعب دمشق".
السيناريوهات املطروحة
ميشال عون
,,
عون.. الجنرال املفاجأة.. ورفض سورية التفاوض معه
,,
42
والسيناريوهات املطروحة عديدة ٬فمؤيدو سوريا يقولون ان االمل الوحيد هو رحيل عون أو استبعاده علی يد جماعته مشيرين إلی الخالفات بينه وبني احزاب "الجبهة اللبنانية" ويشيرون إلی مبادرة رئيس حزب الكتائب جورج سعادة إلی االتصال بالحص االخيرة في لبنان فيما تعرضت املبادرة الفرنسية "االنسانية" لترتيب وقف إلطالق النار عبر تأليف لجنة عسكرية من االطراف لقصف مدفعي مركز؟ اللبنانية ٬.وقد انتقد عون هذه املبادرة واصر علی ان يأتي الحل م �ص��ادر ديبلوماسية غربية ذك ��رت ف��ي االس �ب��وع امل��اض��ي ان عن طريق تشكيل لجنة عسكرية لبنانية ــ سورية. اسرائيل نصحت واشنطن بعدم القيام بأي مبادرة في لبنان لعدة اسباب ٬منها ان عون يعتبر اسرائيل خصما وان املعركة والجدير بالذكر ان عون أمر بوجود ضباط في الجيش اللبناني االخيرة ستغرق سوريا في صراع طويل. مع كل مجموعة من مقاتلي "ال�ق��وات اللبنانية" الذين سمحت لهم املشاركة في املعركة ضمن شروط حددتها قيادة الجيش. وبالرغم من ان الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران ح��اول عبر وكانت مصادر سياسية في املنطقة الشرقية اعترفت بان الحدة ات �ص��االت شخصية م��ع ال��زع �م��اء ف��ي ك��ل م��ن م��وس�ك��و ول�ن��دن التي يخوض بها عون معركته ال تحظی باالجماع ٬علی عكس وواشنطن حثهم فيها علی اتخاذ خطوات فعالة من أجل ايقاف أهدافه التي تحظی باملوافقة العامة في الشرقية . ال�ح��رب ٬إال ان النتيجة لم تتجاوز ع�ب��ارات من ن��وع "التضامن مع سيادة لبنان" و"ض��رورة وقف اطالق النار" .و"دعم جهود ورأت مصادر اخ��ری ان الخيار الوحيد سيكون في استمرار اللجنة العربية". ممارسة الضغوط العسكرية والتموينية م��ن ج��ان��ب الطرفني لتحديد الغالب واملغلوب ٬وهو خيار سيكون مكلفا خصوصا ب��ال�ن�س�ب��ة إل ��ی امل��دن �ي�ين ام ��ا ال �خ �ي��ار االخ� ��ر ف �ه��و ان ي �ق��وم اح��د مساعي اللجنة العسكريني املقبولني من الجانبني باالنقالب علی عون ٬وطلب وقد أكد رئيس اللجنة العربية الشيخ صباح االحمد الصباح لــ التفاوض مباشرة مع سوريا ٬واع��ادة طرح األزمة اللبنانية من "املجلة"" :ان العرب لن يفشلوا في جهودهم املبذولة من أجل جذورها وكانت سوريا قد ابدت استعدادها لبحث امكانات الحل حل األزم��ة اللبنانية النه ال تعود هناك مساع تبذل اذا توقفت شرط إزاحة عون. اعمال اللجنة". علی ان كل هذه الخيارات تدور في اطار الفرضيات والسؤال الذي وكان رئيس الحكومة بالوكالة سليم الحص قد قال لــ "املجلة" :البد منه هو هل حانت نهاية األزمة اللبنانية؟ وهل هذه املعركة " ال يوجد طريق ام��ام اللبنانيني يمكن ان يسلكوه إال طريق هي فعال معركة الحل؟ اللجنة العربية ٬الذي تصب فيه كل دعوات الدعم الدولية ٬باعتبار املراقبون في لبنان يقولون انها سنة التصفيات وحسم املواقع ان تدويل األزم��ة اللبنانية مستحيل طاملا لم يتم االتفاق عليه ٬اما ساعة الحل فلم تحن بعد؟ <
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
والقوات السورية اغالق املرافئ غير الشرعية في املنطقة الغربية عون بالدعم العراقي له ويرحب به .ولم ينف العراق هذا الدعم٬ من بيروت ٬بعد ان منع عون التالعب في املرافئ غير الشرعية كما يعتبر عالقته الجيدة مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي التقاه في تونس ٬ورقة ضغط ودعم تصب في مصلحته. في بيروت الشرقية.
وكان عون قد بدأ في 15فبراير (شباط) الفائت هجوما شامال املعركة األخيرة
علی "القوات اللبنانية" ونجح في السيطرة علی املنطقة الشرقية من بيروت وفتح املعابر بني شطري العاصمة تمهيدا الج��راء ان�ت�خ��اب��ات رئ��اس�ي��ة ٬وح�ظ�ي��ت خ�ط��وات��ه ه��ذه ب�م�ب��ارك��ة االح ��زاب الوطنية ٬ودمشق التي اعتبرتها ايجابية إلی ان حاول التوسع بقراره خارج حدود املنطقة الشرقية مما اعتبرته الفعاليات في املنطقة الغربية والقوات السورية خرقا ملسؤوليتها في امن هذه املنطقة. وي�ق��ول ع��ون امل�ح��اص��ر م��ن 3ات�ج��اه��ات وي�ش��ارك��ه امل�ع��رك��ة 10 االف مقاتل بينهم عدد من الضباط املسلمني انه علی دراية تامة باألخطار املحيطة ٬وان��ه ال مجال أمامه س��وی خ��وض املغامرة حتی النهاية والی "ان يصبح العالم معه".
ولوحظ في املعارك األخيرة بني عون واألحزاب "الوطنية" املوالية لدمشق ب��روز رئيس الحزب االشتراكي وليد جنبالط كطرف ف �ع��ال ف��ي امل �ع��رك��ة ٬وال ��واق ��ع ان ج�ن�ب�لاط ي�ع�ت�ب��ر ع ��ون خصمًا شخصيًا له ولحزبه ٬ألنه كان قائدا للجيش الذي خاض ضده معركة الجبل عام 1986التي كلفت الحزب والطائفة الدرزية ٬مئات القتلی وأدت إلی شل منطقة الجبل اقتصاديا وتهجير اهلها٬ وكانت هذه املعركة قد توقفت عند خط التماس في بلده سوق الغرب ٬ويقول بعض املطلعني انه في حال اشتداد الضغط علی القوات السورية واالحزاب املوالية لها ٬وفشل عزل عون سياسيا من جانب الفعاليات املسيحية وظهور ب��وادر بتدخل دول��ي أو اسرائيلي فان هذه االح��زاب قد تلجأ بمعاونة القوات السورية إلی تجاوز خط التماس في سوق الغرب بانجاه قصر بعبدا الذي يبعد عدة كيلومترات عن هذا الخط وتستطيع الوحدات السورية الوصول اليه خالل يومني.
وكانت املليشيات املسيحية في لبنان قد خاضت معاركها خالل س�ن��وات ال�ح��رب مدعومة بقوی خارجية وبالرغم م��ن ان عون يقول انه يخوض املعركة دون أي دعم خارجي تتهمه االحزاب "الوطنية" بـ "العمالة االسرائيلية" .واملعروف ان عون كان قائدًا والسؤال الذي طرحته االوساط السياسية اللبنانية خالل االسبوع ملدينة بيروت اثناء االجتياح االسرائيلي 1982وكان من الداعني املاضي ٬هو ملاذا لم تصدر عن واشنطن أو اسرائيل أو االتحاد إلی خوض املعركة ضد اسرائيل ويعتبرها دولة محتلة .ويعترف السوفييتي أي اش��ارة تدل علی احتمال التدخل لوقف الحرب
,,
غالف املجلة العدد ()481
سليم الحص ل ـ «املجلة»: ال اتفاق علی تدويل األزمة
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
41
أرشيف
فيما كان تبادل التراشق الكالمي واملدفعي علی جبهات بيروت وضواحيها مستمرًا بني رئيس حكومة العسكريني العماد ميشال عون والقوات املوالية له من جهة ٬وبني القوات السورية واملوالية لها من جهة اخری .كانت اللجنة السياسية العربية املكلفة حل األزمة اللبنانية تحاول التوصل إلی حد ادنی من التوافق .بني جميع االطراف يؤدي إلی وقف حقيقي الطالق النار. وفتح ملف التفاوض تمهيدا لحل عربي يشفي الجرح اللبناني النازف منذ 15عامًا .كما كان الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران يسعی عبر اتصاالت مكثفة مع موسكو ولندن وواشنطن والفاتيكان إلی نقل هذه القضية إلی دائرة التدويل .أي حل لالزمة اللبنانية وكيف يفكر الرجل الذي تصفه سوريا بــ "الجنرال الصغير" املصر علی "تحرير لبنان"؟ وترفض التفاوض معه .هل تنجح مغامرته األخيرة؟ وهل يسمح في الوقت الحاضر بتدويل األزمة؟ وما هي السيناريوهات املطروحة علی ما تبقی من الساحة اللبنانية؟ "املجلة" تحاول في التحقيق التالي االجابة عن التساؤالت التالية :
الشيخ صباح األحمد لـ «املجلة» :اللجنة العربية أمل لبنان الوحيد
لبنان :املغامرة األخرية املجلة العدد ()481 1989/4/26
ك��ان��ت اول م �ب��ادرة عربية الن�ه��اء ال�ح��رب ف��ي لبنان قد ظهرت عام 1976٬وكانت الظروف مماثلة ملا هي عليه هذه االيام .وقد اوفدت جامعة الدول العربية حينئذ إلی بيروت مبعوثها الخاص حسن صبري الخولي الذي سئل عن توقعه ح��ول نهاية الحرب فأجاب م��ازح��ًا" :ان ح��رب املائة عام انتهت" والبد ان يأتي اليوم الذي تنتهي فيه حربكم.
وت�ح��دث��ت م�ص��ادر قريبة م��ن دم�ش��ق ع��ن 3ت �ص��ورات سورية الزاحة عون :فأما الرحيل االختياري وهو مستبعد ٬أو حصول انقالب عسكري داخل الجيش يرضی جميع االط��راف ٬أو دفع القوی السياسية في املنطقة الشرقية إلی مقاطعة رئيس حكومة العسكريني وعزله.
لم يكن يدور في خلد أحد ان محنة لبنان ستستمر 15عاما ٬تركيبة الجنرال
بيروت :موفق مدني لندن :نورا فاخوري
إال ان الوزير السابق والزعيم الدرزي كمال جنبالط الذي اغتيل في الحرب (وال��د وليد جنبالط) قال في تلك الفترة بعد اعالن قمتي الرياض والقاهرة عن حل األزمة اللبنانية عبر ادخال قوات الردع العربية لفرض االستقرار والسالم" :ال اتوقع انتهاء مثل هذه الحرب قبل 20سنة ٬فكل الحروب اللبنانية في القرن التاسع عشر خصوصًا الحروب االهلية 1840و 1860استمرت 20 الحرب سنة متواصلة ٬فهل يصبح استقراء جنبالط مستقبل وعون شغل منصب قائد الجيش خالل السنوات املاضية إلی في لبنان؟ وهل تكون هذه هي املغامرة األخيرة؟ ان عينه الرئيس السابق امني الجميل في سبتمبر (ايلول) وبعد قبل أيام أجاب وليد جنبالط رئيس الحزب التقدمي االشتراكي ف�ش��ل مجلس ال �ن��واب ف��ي ان�ت�خ��اب رئ�ي��س للجمهورية رئيسًا والوزير في حكومة الرئيس سليم الحص وهو من رموز الحرب للحكومة العسكرية ٬التي اقتصرت بعد رفض القيادات العسكرية اللبنانية امل��وال�ي��ة ل�س��وري��ا ع�ن��دم��ا س��أل��ه اح��د الصحافيني عن االسالمية املشاركة فيها علی عون واثنني من زمالئه الضباط املستقبل قائال" :ان عون مصمم علی ما يسميه التحرير ٬وهذا تخرجا معه عام .1955 ولكن ما هي تركيبة هذا الجنرال الذي أعاد الحرب اللبنانية إلی بدئها؟ وما هو هدفه؟ يطلق خصوم عون عليه لقب "الجنرال الصغير"واملعروف عنه انه عسكري صادق مع نفسه ومحيطه ٬وعنيد ال يتراجع لدی اتخاذه قرارًا مهما كان الثمن.
يعني استمرار التدمير" اما رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون فقد اعلن في اليوم ذاته "ان الحل في لبنان مستحيل دون انسحاب القوات السورية".
وكانت مصادر حزبية مؤيدة لدمشق قد اك��دت في معلومات صحفية ان امل��واج �ه��ة ب�ين ع��ون وس��وري��ا وص�ل��ت إل��ی مرحلة الالعودة ،وكشفت هذه املصادر عن ان دمشق ابلغت جهات غربية وعربية ع��ن استعدادها لبحث امللك اللبناني بكل تفاصيله ش��رط إزاح��ة ع��ون مما قد يعني ان املعركة التي ب��دأت في أواس��ط م��ارس (آذار) املاضي البد ان تنتهي بغالب أو مغلوب. 40
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
وقد رفضت االحزاب "الوطنية" ومعها دمشق االعتراف بشرعية حكومة عون العسكرية ٬وفشلت كافة الوساطات التي سعت إلی تقريب وجهات النظر بني دمشق وبعبدا (مقر ع��ون) بما في ذلك مساعي اللجنة العربية السداسية التي يرئسها نائب رئيس ال��وزراء وزي��ر خارجية الكويت الشيخ صباح االحمد الصباح٬ والتي حاولت بعد اجتماعها بكافة االط��راف التوصل إلی حل لالزمة. لكن ال�خ�لاف ب�ين بعبدا ودم�ش��ق ل��م ي�خ��رج ع��ن ح��دود الحرب الكالمية ولم يبلغ التراشق املدفعي إال بعد ان اعلن عون قراره ب��دء م��ا س�م��اه "ح��رب التحرير" اث��ر رف��ض االح ��زاب "الوطنية"
في إضعاف األمن؛ واستهداف أنابيب الغاز ما أثر سلبا على الدخل املصري؛ وبالتالي القدرة على توفير الطاقة .توفير املشتقات النفطية أحد أهم برامج الدعم السعودي ملصر .توقف إنتاج الطاقة يعني توقف األنشطة االقتصادية والحركة بشكل عام؛ وهذا ما دفع السعودية لتوفير االحتياجات الضرورية من خالل برامج دعم مستدامة .هناك شبه اتفاق خليجي على استدامة الدعم النفطي واملالي حتى خروج مصر من أزمتها الحالية. وزير املالية املصري؛ الدكتور هاني قدري دميان؛ أكد في تصريحات صحافية على« :إن املساعدات املالية التي تلقتها مصر من اململكة العربية السعودية واإلم��ارات والكويت ،أسهمت وبشكل كبير للغاية في تخفيض عجز املوازنة العامة ،بنهاية العام الجاري». برغم استمرارية ال��دع��م ال�س�ع��ودي؛ فإنه اتخذ م��ؤخ��را ،شكال أكثر تنظيما وكفاءة؛ وفاعلية ملعالجة التداعيات االقتصادية؛ وتعطل موارد الدولة .لم تعتمد السعودية على جهودها الفردية بل أسهمت في حشد الدعم الخليجي الذي تحرك بقوة لدعم أمن مصر واستقرارها من خالل دعم االقتصاد واملحافظة على سعر ص��رف الجنيه امل �ص��ري .ال�ع�لاق��ات امل�ت�م�ي��زة؛ وت��أك�ي��دات الحماية لالستثمارات األجنبية؛ سمحت بمزيد من التدفقات االستثمارية إلى السوق املصرية؛ فمصر تمتلك كل مقومات االستثمار؛ وفي مقدمها االستثمارات السياحية؛ الزراعية؛ والعقارية التي تمثل هدفا رئيسا للمستثمرين السعوديني. يشير رئ�ي��س مجلس إدارة الجمعية امل�ص��ري��ة ال�س�ع��ودي��ة؛ ال�ش�ي��خ ع�ب��د الله الراجحي؛ إلى «أن حجم االستثمارات السعودية املستهدفة في السوق املصرية عام 2014يبلغ نحو 200مليار جنيه» سيتركز في قطاعات الزراعة والسياحة والعقارات؛ مؤكدا في الوقت عينه؛ «أن السوق املصرية ق��ادرة على استرداد عافيتها واالنطالق من جديد» .املساعدات املالية السعودية التي أسهمت في دع��م االقتصاد امل�ص��ري؛ قابلها دع��م سياسي وأمني غير مسبوق .تحرك السعودية السريع واملؤيد للتغيير أسهم في انتزاع التأييد من بعض الدول املترددة .ينبغي اإلشارة إلى أن السعودية كانت في مواجهة مباشرة مع الواليات املتحدة األميركية املؤيدة لحكم اإلخ��وان .قدمت السعودية مصلحة الشعب املصري على حسابات السياسة التي تعتمد مصالح األنظمة؛ في تجاهل كلي ملصالح الشعوب .االنتقادات األميركية؛ وما تبعها من فتور في العالقات؛ لم تثن السعودية عن املضي نحو هدفها الرئيس لحماية أمن واستقرار مصر. عبد الفتاح السيسي؛ أكد أن أول زيارة خارجية له ستكون للسعودية؛ وهو تصريح يحمل من املضامني الكثير؛ ويعكس العالقة االستراتيجية املشتركة بني مصر والسعوديةُ .بعيد فوز اإلخوان بالرئاسة؛ كانت إيران الوجهة املفضلة لهم؛ وبدال من زيارة السعودية للحصول على الدعم والتأييد وتوطيد العالقات الدبلوماسية؛ شكلت زيارتهم األول��ى لها؛ خرقا دبلوماسيا غير مسبوق؛ ألسباب مرتبطة بلغة الحوار؛ والتهديدات املبطنة؛ وعمليات االبتزاز؛ ما أسهم ف��ي فضح ن��واي��اه��م؛ وتوجهاتهم؛ وخططهم املستقبلية .ل��م تكن السعودية مطمئنة لعالقة اإلخ ��وان ب��إي��ران؛ وم��ع ذل��ك انتهجت سياسة النفس الطويل معهم؛ وهي سياسة دفعت باإلخوان إلى كشف مخططاتهم سريعا ما أدى
إلى خسارتهم الشارع املصري قبل الحكومات العربية .أثبتت األيام بعد نظر السعودية؛ وشرفاء مصر وسالمة موقفهم االستراتيجي .ع��ادت العالقات السعودية املصرية إلى سابق عهدها بعد خروج اإلخوان من الحكم؛ وركزت اململكة كثيرا على البعد األمني الذي تضرر بشكل واضح .لم تقتصر التداعيات األمنية على مصر؛ بل امتدت إلى دول الخليج؛ ومنها السعودية التي وضعت استراتيجية أمنية ملواجهة الفكر املتطرف ال��ذي أججته فترة حكم اإلخ��وان القصيرة؛ وأخرجته من مكمنه .فلسفة «املرشد» باتت تهدد استقرار دول الخليج؛ وأصبح بعض أتباع التنظيم يجاهرون بتبعيتهم للنظام الحاكم في مصر؛ وتأييدهم له؛ بل إنهم باتوا يستعدون الشعوب الخليجية على حكوماتهم تحقيقا لتوجيهات املرشد وتنظيمه.
مجلس التعاون الخليجي مصر تدخل مرحلة ج��دي��دة م��ن األم��ن واالس�ت�ق��رار؛ وال�ع�لاق��ات املتميزة مع السعودية وغالبية دول الخليج؛ ما يفتح الباب أمام تكهنات حول الكيان املشترك املتوقع تكوينه لحماية ما تبقى من «الكتلة العربية» املتجانسة .أحدثت الثورات أضرارا فادحة على أرض الواقع؛ وتسببت في إضعاف غالبية الدول العربية؛ ما أسهم في دعم خطط إيران االستراتيجية الهادفة للسيطرة على املنطقة .باتت إيران الدولة الوحيدة املستفيدة من الثورات العربية في الوقت الذي أصبح فيه الشعب العربي من أكثر الخاسرين .لم تأت نتائج الثورات العربية مصادفة؛ بل جاءت وفق خطط استراتيجية محكمة اعتمدت الديمقراطية والحرية وقودا لها؛ والفوضى العارمة جسرا للوصول إلى أهداف مرسومة بعناية من قبل االستخبارات الغربية. تنبأ البعض بأن يكون ملصر دور مهم في مجلس التعاون الخليجي؛ ولعلنا نرى؛ في املستقبل املنظور؛ اتحادا بني بعض دول الخليج املتجانسة واملتوافقة ف��ي ال��رؤى وال�س�ي��اس��ات .أن�ش��أت السعودية واإلم ��ارات لجنة عليا للتنسيق االستراتيجي واألمني بني البلدين؛ وفي ظني أنها املرحلة األولى في الطريق نحو إنشاء القاعدة التي يبنى عليها االتحاد الخليجي مستقبال .مهما كان شكل الكيان السياسي املنتظر؛ فال بد أن يكون ملصر دور مهم فيه؛ فالسعودية واإلمارات اتخذتا خيارا استراتيجيا لدعم مصر في محنتها الحالية؛ وستكون مصر الداعم األكبر الستقرار الخليج في مواجهة املخاطر املتوقعة .أجزم بأن مصر والسعودية تمثالن مركز القيادة العربية وأي توافق بينهما يقود إلى تحقيق املصالح الشاملة للدول العربية قاطبة .الشراكة االستراتيجية العربية هي ما تبحث عنها السعودية اليوم؛ ملواجهة األطماع الغربية؛ والتدخل اإليراني املستمر في ش��ؤون ال��دول العربية .أي شراكة خليجية ال يمكن فصلها عن مصر التي تشكل العمق االستراتيجي لدول الخليج .التكامل العربي يقود إلى خلق شراكة استراتيجية دائمة تقوم على املصالح املتبادلة وتهدف إلى تحقيق أمن واستقرار املنطقة .وحدة املصير هي الهدف الذي يجب أن تدفع نحوه جميع الدول العربية وليس مصر والسعودية فحسب<
السفير السعودي أحمد بن عبد العزيز قطان يفتتح املستشفى امليداني التابع لوزارة الحرس الوطني ،وهو املستشفى الثاني من املستشفيات امليدانية الثالثة التي أمر خادم الحرمني الشريفني ،امللك عبد الله بن عبد العزيز بإرسالها دعمًا للشعب املصري
,,
تحتل السعودية املرتبة السادسة من بني أكبر الدول املستثمرة في مصر
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
39
قضايا
استغرب كثير من املراقبني رد فعل السعودية الحاسم والسريع تجاه أحداث 30يونيو (حزيران) في مصر؛ ووصفوها باملتسرعة وغير املحسوبة؛ معتقدين أنها تراهن على قضية خاسرة ستكبدها خسائر سياسية؛ أمنية؛ ومالية فادحة .البعض قارن بني مواقف السعودية املتأنية في تعاملها مع القضايا العربية كافة؛ وموقفها الصارم و(املتسرع) من األحداث املصرية؛ خاصة أنها لم تتسرع من قبل في إظهار مواقفها السياسية تجاه األحداث األكثر خطورة على املستويني العربي والخليجي.
القاهرة والرياض ..قطبا النظام اإلقليمي العربي
صداقة مستمرة بقلم: فضل البوعينني
,,
تنبأ البعض بأن يكون ملصر دور مهم في مجلس التعاون الخليجي
,,
38
لم تكن السعودية متسرعة في موقفها تجاه ثورة 30يونيو؛ فقد كانت من املؤيدين للتغير األول؛ وتعاملت بدبلوماسية وحكمة مع حكم اإلخوان؛ ومدت جسور التعاون األمني والسياسي واالقتصادي للرئيس السابق محمد مرسي؛ وبعثت أكبر الوفود االقتصادية إلى مصر؛ برئاسة وزير التجارة والصناعة؛ ومجموعة كبيرة من رجال املال واألعمال. اجتهدت للمحافظة على العالقات األخوية الراسخة؛ إال أن عدائية نظام اإلخوان؛ ملصر وشعبها قبل الدول الشقيقة والصديقة؛ وانجرافه نحو نظام املاللي في الخليجية من خالل أعضاء التنظيم املنتشرين إيران؛ وتدخله في شؤون الدول ُ هناك؛ حملتها على تغيير موقفها املعلن؛ وهو موقف تم اتخاذه بناء على تراكمات األح��داث املاضية؛ التي حدثت خ�لال ث�لاث سنوات متتالية؛ ومنها سنة الحكم األولى .تداعيات سنة الحكم األولى؛ كادت أن تقضي على وحدة مصر ومستقبلها؛ وأض��رت بالعالقات العربية العربية؛ وأف��رزت مخرجات فكرية متطرفة؛ وتنظيمات إرهابية وصل خطرها دول الخليج .انعكاسات حكم اإلخوان الحادة على االستقرار؛ األمن؛ االقتصاد املجتمع؛ والدولة غيرت مواقف غالبية الحكومات العربية املؤيدة لحكم اإلخوان؛ وفي مقدمها السعودية التي لم تتردد في اتخاذ موقف مؤيد لثورة 30يونيو حفاظا على وحدة مصر وأمنها واستقرارها .كان املوقف السعودي ُمتأنيا في مضمونه؛ ومتوافقا مع سيناريو التغيير؛ وإن بدا متسرعا في ظاهره؛ حيث ارتكز على مواقف صريحة؛ وتجارب مسبقة؛ وتقييم حصيف للوضع القائم؛ ورؤى مستقبلية؛ ونظرة ثاقبة ملآالت األمور .أخيرا؛ كسبت مصر ،والسعودية وخسر املتشائمون واملعارضون للمواقف العروبية الحاسمة التي قدمت مصلحة مصر وشعبها وال��دول العربية على املصالح االستخباراتية واملخططات الغربية املتوشحة بوشاح الديمقراطية (املوجهة).
العمق االستراتيجي مصر هي العمق االستراتيجي للدول العربية؛ واستقرارها يعني استقرارا للمنطقة بشكل ع��ام .اس��ت��ه��داف ال���دول العربية؛ وف��ي مقدمها دول الخليج؛ يستوجب أوال إض��ع��اف مصر؛ ون��زع القيادة عنها؛ وه��ذا م��ا اجتهد الغرب لتحقيقه م��ن خ�ل�ال ال��ث��ورة األول����ى؛ وت��ق��دي��م ح��ك��م م��ص��ر ل����ـ«اإلخ����وان»؛ وف��ق استراتيجية استخباراتية محكمة .أزع��م أن الدعم الغربي لجماعة اإلخ��وان املسلمني ُب��ن��ي على ه��دف اخ��ت��راق ال���دول العربية وف��ي مقدمها السعودية؛ فالعالقات األميركية؛ اإليرانية اإلخوانية كانت ظاهرة بجالء؛ ونوايا التقسيم؛ ونشر الفوضى كانت حاضرة؛ وفتح أبواب مصر على مصراعيها لإليرانيني بدأت منذ اليوم األول للحكم اإلخواني .مخطط استراتيجي مدمر بدأ من مصر على أمل التوسع فيه نحو دول الخليج؛ وهو ما دفع السعودية التخاذ موقف حاسم ومضاد له؛ وللدول الداعمة؛ وعلى رأسها أميركا؛ التي ُيعتقد أنها كانت خلف أح��داث املنطقة؛ وما لحق بها من ويالت ودم��ار باسم «الربيع العربي»
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
والديمقراطية! العالقات االستراتيجية دفعت بالحكومة السعودية إلى اتخاذ مواقف جريئة؛ وم��ض��ادة لرغبات القوى العاملية الداعمة لحكم اإلخ���وان في مصر .انحازت السعودية إلى رغبة الشعب املصري؛ ودعمت الجهود املوجهة لتصحيح أخطاء الثورة؛ وإعادة األمن واالستقرار؛ واللحمة العربية املفقودة. لم تكن العالقات السعودية املصرية وليدة اللحظة؛ فالعام الحالي يصادف ال���ذك���رى 88ل��ت��وق��ي��ع امل��ل��ك ع��ب��د ال��ع��زي��ز؛ رح��م��ه ال���ل���ه؛ م��ع��اه��دة ال��ص��داق��ة بني البلدين .مرت العالقات السعودية املصرية بتجاذبات متفرقة ،إال أن الرؤية االستراتيجية؛ واألهداف املشتركة؛ ووحدة املصير كانت تنتصر دائما؛ فتعيد العالقات الثنائية إل��ى ما كانت عليه من قبل .قامت العالقات األخ��وي��ة على االحترام املتبادل؛ واملصالح املشتركة؛ والعالقات االقتصادية الوثيقة؛ فثروات النفط املتدفقة على السعودية كانت في حاجة دائمة إلى األيدي العاملة املحترفة للمساهمة في مشروعاتها التنموية؛ والتي كانت مصر من مصادرها الرئيسة. تعتبر األيدي العاملة املهاجرة جزءا رئيسا من برامج الدعم املالي غير املباشر؛ فوجود ما يقرب من 1.3مليون عامل يسهم بشكل كبير في دعم املوازنة وتوفير العمالت الصعبة للخزانة املصرية؛ وربط املجتمعني بالعالقات اإلنسانية التكاملية ،إضافة إلى ذلك فقد استثمرت الحكومة السعودية بشكل مباشر في مشروعات تنموية واقتصادية؛ وأسهمت في دعم االستثمارات السعودية الخاصة في بعض القطاعات املستهدفة في مصر؛ ومنها القطاع الزراعي الذي بات يشكل وعاء استثماريا متميزا للشركات السعودية؛ وأسهمت أيضا في تقديم املساعدات املالية املباشرة؛ لدعم البنك املركزي؛ واملحافظة على قيمة الجنيه املصري؛ ولتوفير موارد مالية كافية ملواجهة االحتياجات العاجلة. تحتل السعودية املرتبة السادسة من بني أكبر الدول املستثمرة في مصر ،ومن املنتظر أن تحتل مركزا متقدما خالل العام الحالي كنتيجة مباشرة لحزمة االستثمارات الحكومية والخاصة التي بدأت في التدفق بعد تأكيد الحكومة املصرية باحترام جميع االتفاقات االستثمارية املوقعة من قبل .تعامل اإلخوان مع املشروعات املشتركة؛ واالستثمارات األجنبية أضر بشكل كبير؛ بالعالقات االقتصادية؛ واستثمارات القطاع الخاص التي انسحبت بشكل مفاجئ من السوق املصرية .األمن واالستقرار واحترام االتفاقيات من أهم العوامل الداعمة لالستثمار األجنبي.
مشروع الربط الكهربائي يمكن القول :إن مشروع الربط الكهربائي أحد أهم املشروعات االستراتيجية بني البلدين؛ في الوقت الذي تمثل فيه املشروعات الزراعية أهمية بالغة للجانبني؛ وللقطاع الخاص على وجه التحديد .هناك رغبات مشتركة؛ والتزام سعودي بتطوير العالقات االقتصادية بشكل أكبر؛ بعد االنتخابات الرئاسية القادمة. أحدثت سنوات الثورة وتداعياتها أثرا سلبيا في االقتصاد املصري وعطلت السياحة؛ القطاع األكثر أهمية في دعم االقتصاد وخلق الوظائف؛ وتسببت
الراحل امللك عبد العزيز خالل زيارة رسمية ملصر لدى لقائه امللك فاروق وإلى جوارهما النقراشي باشا رئيس الوزراء املصري وعبد الرحمن عزام أمني عام جامعة الدول العربية
,,
الرئيس املصري الراحل محمد نجيب يقبل قطعة سجاد عليها نقش قرآني أهديت له من اململكة أثناء زيارته إلى مكة املكرمة في سبتمبر 1953
وتفعيل «ال��وح��دة االق�ت�ص��ادي��ة» ف�س��وف ي�ك��ون حجم التبادل التجاري أعلى من دول «ميركوسور» في جنوب أميركا وكذلك أعلى من االت�ح��اد الجمركي ملجموعة دول «أف�ت��ا» في أوروب��ا، والتحالف االقتصادي الخليجي املصري سوف يشكل 63في املائة من الناتج اإلجمالي العربي ويستحوذ على 71في املائة من التجارة البينية العربية في قطاع السلع و 59في املائة في قطاع الخدمات و 51في املائة في قطاع االستثمار و 48في املائة ختاما أقتبس هذه الكلمات من األبيات الخالدة التي قيلت أمام من األيدي العاملة الفنية. ال��راح�ل�ين امل�ل��ك عبد العزيز ب��ن عبد الرحمن آل س�ع��ود وامللك أعود إلى بداية املقال وأقول :إن التحالف بني اإلمام فيصل بن ف ��اروق األول «ف�م��ا نجد إال مصر ح�ين نعدها وم��ا مصر إال تركي آل سعود والحاكم عباس باشا األول بن أحمد طوسون نجد حني نعبر -وهتف الحجاز وكبر الحرمان -ومن الكنانة بن محمد علي باشا عام 1850م جدد بريقه التاريخي خادم صفق الهرمان»<
الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز في رسالته إلى حكومة وشعب مصر في عام 2013م حني قال :حكومة السعودية في تضامن تام مع جمهورية مصر العربية «سياسيا -أمنيا اقتصاديا» وشاهد العالم م��دى التفاعل الوطني السعوديوالشعبي املصري مع هذه الرسالة العظيمة وأثرها على استمرار اإلخاء االجتماعي والتعاون االقتصادي والتضامن األمني.
العالقات السعودية املصرية هي األقدم في تاريخ الدول العربية السابقة واملعاصرة
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
37
قضايا
أقل وصف يمكن أن أصف به العالقات السعودية املصرية في عام 2014هو القمة في كل ضلع من الهرم املثلث األضالع «اإلخاء -التعاون -التضامن» ،وإن الحكومتني السعودية واملصرية تقفان عربيا وإقليميا ودوليا بموقف موحد أمام التغير العاملي الذي خلفته «الفوضى الخالقة» الغربية في منطقة الدول العربية وأمام التبعات االقتصادية املدمرة من الربيع العربي.
العالقات السعودية املصرية 164 ..عاما من اإلخاء والتعاون والتضامن
حتالف أبيض بقلم: د .عبد الله بن مرعي بن محفوظ
قبل الولوج في أغوار الحاضر املعاصر ،يجب التأكيد في ونتيجة لهذه الظروف فقد ظهرت دع��وات صادقة لجمع كلمة كل مناسبة بني البلدين أن العالقات السعودية املصرية العرب والسعي لوحدتهم ونبذ خالفاتهم الجانبية. هي األقدم في تاريخ الدول العربية السابقة واملعاصرة �اء، وتحمل إرث��ا اجتماعيا وسياسيا مدته 164عاما من اإلخ� مجلس قيادة الثورة املصرية واملرحلة األول��ى في العالقات تأسست ع��ام 1850م بني اإلم��ام فيصل بن تركي آل سعود «الدولة السعودية الثانية» وعباس ومع ظهور القوميات العربية ظهر خالف سياسي بني القيادة باشا األول بن أحمد طوسون بن محمد علي باشا حاكم «حكومة امللكية السعودية ومجلس قيادة الثورة املصرية الذي لم يستمر مصر العثمانية» وظلت مستمرة في التعاون واالحترام إلى عهد طويال ،بل تحول إلى تضامن عسكري قوي بني امللك الشهيد الخديو إسماعيل باشا الذي جدد هذه الثقة ورفعها إلى درجة فيصل ب��ن عبد العزيز وال��زع�ي��م العربي جمال عبد الناصر، اإلخاء مع األمير عبد الله ابن اإلمام فيصل بن تركي وسطرها واستمر هذا التضامن بني ملوك السعودية ورؤساء جمهورية الخديو في خطابه رقم 4بتاريخ 1864م. مصر العربية إلى عهدنا الحالي في 2014م.
«فما نجد إال مصر حني نعدها وما مصر إال نجد حني نعبر -وهتف الحجاز وكبر الحرمان - ومن الكنانة صفق الهرمان»
الدولة السعودية الثالثة
,,
,,
36
وب�ع��د عشرين ع��ام��ا ب��دأ ال �ن��زاع ال��ذي وص��ل ذروت ��ه ف��ي العالم وحصل بعده الحرب العاملية األولى والثانية وظهور القوميات في أوروبا وتعمقت الفنت في الدولة العثمانية وأدت إلى سقوطها ف��ي ع��ام 1923م ،وك��ان قبلها انتهاء ال��دول��ة السعودية الثانية عام 1891م وأصبحت مصر تحت االحتالل البريطاني ،وهذا األمر لم يدم طويال ،حيث نالت مصر استقاللها ،وبرزت الدولة السعودية الثالثة في عام 1927م ،وما بني مراحل االستقالل في مصر والبناء والتوحيد في السعودية ،كانت العالقات السعودية املصرية تعتمد على اإلخاء والتبادل التجاري وزيارات الحج دون وجود عالقات دبلوماسية قوية بني البلدين.
هذا التاريخ السياسي بني أكبر دولتني عربيتني خلق في الواقع جذورا اجتماعية بني الشعبني أقوى من أي تحالف سياسي أو اقتصادي ،فقد وصل تعداد إخواننا املصريني املقيمني والعاملني في وطنهم السعودية لقرابة مليوني مواطن مصري ،يقابلهم ع��دد السعوديني املقيمني في مصر واملستثمرين فيها قرابة نصف مليون سعودي.
وبعد ه��ذا السرد السياسي واالجتماعي للعالقات السعودية املصرية ،أود التوضيح بصفتي رئيس مجلس األعمال السعودي املصري أن التبادل التجاري واالستثماري بني البلدين يمثل 40في املائة من الحركة االقتصادية العربية وع��دد الشركات السعودية املستثمرة في مصر 3600شركة وأصولها تقدر بـ27 ولكن في عام 1945م ،كان العالم العربي على موعد فجر جديد ،مليار دوالر ،وعدد الشركات املصرية املستثمرة في السعودية ح�ين ت��م التجديد ف��ي ال�ع�لاق��ات السياسية ب�ين حكومة «ال��دول��ة 300شركة وأصولها تقدر بثالثة مليارات دوالر. السعودية الثالثة» بقيادة امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود و«حكومة مصر» بقيادة امللك فاروق األول ملك مصر العالقات االقتصادية والسودان وصاحب النوبة ودارفور وكردفان ،واجتمع وقتها أهم ملكني عربيني وسط سيطرة من االستعمار الغربي على أغلب إننا نراهن على مستقبل العالقات االقتصادية ويمكن الجزم الدول العربية ،وفي هذا اللقاء حفل أول إقرار على أهمية التصدي والتأكيد أنها س��وف تنطلق إل��ى رح��اب أوس��ع ألن السعودية للدفاع عن الحقوق العربية املسلوبة ال سيما الحقوق الفلسطينية ،هي بوابة مصر ل��دول الخليج العربي ،وق��د ذكرنا في منتدى ويمكن القول :إن تلك املرحلة قد أكسبت اململكة العربية السعودية االستثمار الخليجي املصري ال��ذي عقد في ديسمبر (كانون واململكة املصرية أهمية كبيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا األول) 2013م ف��ي ال �ق��اه��رة ،ال �ع �ب��ارة االق�ت�ص��ادي��ة ال�ت��ال�ي��ة «ال ُ منذ منتصف القرن التاسع عشر وجعلتهما محورا أساسيا تستهينوا بقوة مصر وال ��دول الخليجية معا» ففعليا إن تم في سياسة العالم العربي خ�لال تلك الفترة التاريخية املهمة ،إبرام اتفاقية تجارة حرة بني مصر ودول الخليج العربي وإنشاء
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
والعسكرية األم�ي��رك�ي��ة ،إل��ى تقوية امل��وق��ف التفاوضي املصري والحيلولة دون انكشاف السلطات املصرية سياسيا واقتصاديا إزاء الضغوط األميركية ،األمر الذي أتاح للمصريني حيزا أوسع للمناورة وقدرة أكبر على مواصلة الصمود والتحدي في مواجهة محاوالت االستتباع والترويض واالبتزاز األميركية.
الجانب املصري يرفض استخدام الواليات املتحدة ألداة املساعدات العسكرية ،للضغط على القرار املصري الداخلي ،مشيرا إلى أن الحكومة املصرية ملتزمة بتنفيذ خارطة الطريق ،ليس إرض��اء للواليات املتحدة ،بل للشعب املصري ال��ذي واف��ق عليها وأيدها، على حد قوله .وأكد أن الجانب املصري يجري اآلن عملية مراجعة للعالقات مع الواليات املتحدة ،مشيرا إلى أن املساعدات العسكرية تحتل األولوية في عملية املراجعة تلك. وف��ى ح�ين ص�ب��ت امل�ع�ط�ي��ات س��ال�ف��ة ال��ذك��ر ف��ي مصلحة الجانب امل�ص��ري ،حيث ب��دأت واشنطن تدريجيا تعيد النظر جزئيا في ورغ ��م أهميتها للجيش امل �ص��ري ،ي��ؤك��د خ �ب��راء استراتيجيون قرارات التقليص والتجميد للمساعدات األميركية ،بشتى صورها، أميركيون أن تقليص املساعدات العسكرية األميركية لن يضيره للقاهرة في مسعى الستبقاء مغانم أميركية جمة من وراء تلك كثيرا ،إذ دأب��ت مصر على إيجاد بدائل لالعتماد على التسليح املساعدات ،سيبقى املوقف التفاوضي املصري حيال واشنطن األميركي كاستيراد أسلحة من أس��واق أخ��رى وتنويع مصادر أكثر قوة وأقل انكشافا طاملا استمرت األخيرة في تغليب املنطق التسليح املصري .بل إنه من املمكن ملصر االستمرار الجزئي في املصلحي على التوجه القيمي أو األخالقي في التعاطي مع ملف شراء أسلحة من نفس املوردين األميركيني الذين تعتمد عليهم املساعدات السنوية للقاهرة ،وطاملا بقى االستعداد العربي ملؤازرة حاليا لكن من ميزانية الدولة املصرية بدال من املساعدات العسكرية مصر اقتصاديا في محنتها الحالية ،وطاملا نجحت القاهرة في األميركية .يضاف إل��ى ذل��ك أن ش��رك��ات ال�س�لاح األميركية التي توظيف ورقة التوجه شرقا نحو الدب الروسي ،املفعم بالحماس تشكل «ل��وب��ى» ذا ن�ف��وذ بالكونغرس ستحرص على استمرار بشأن استعادة دوائر نفوذه الحيوية في منطقة الشرق األوسط من بيع سلعتها لعميلها املصري .وبدورهم ،أكد خبراء عسكريون جهة ،ورد الصفعة لألوروبيني واألميركيني بخصوص ما يجرى أميركيون أن مصر لديها قدرة على االحتفاظ بالحد األدنى من في أوكرانيا من جهة أخرى. االستعداد بغير مساعدة من الواليات املتحدة ،فكونها تعد األقوى في العالم العربي بالفعل ،حسب مؤسسة «غلوبال سيكيوريتى» ،غير أن الطرق واآلليات التي من خاللها سيجرى إنجاز خارطة املتخصصة ف��ي أب�ح��اث ال�ش��ؤون العسكرية ،سيكون ف��ي وسع املستقبل املصرية ،والنهج الذي ستنتهجه السلطات الجديدة في الصناعة الحربية املصرية إنتاج كثير من قطع الغيار الخاصة القاهرة فيما يتصل بالسياستني الداخلية والخارجية ،سيكون لها باألسلحة األميركية املستوردة. الدور األبرز في تحديد مالمح الشكل النهائي للعالقات املصرية األميركية عموما ،وف��ى القلب منها ملف امل�س��اع��دات بمختلف وع�لاوة على ما سبق ،وجه التوجه املصري شرقا نحو روسيا أنواعها ،على وجه الخصوص. صفعة قوية لواشنطن كان لها بالغ األثر في دفع واشنطن لحسم الجدل الداخلي فيها وإع��ادة حساباتها فيما يخص املساعدات وهو األمر الذي بدا جليا في تصريحات رئيس هيئة األركان املشتركة املقدمة للقاهرة ،حيث استبدت بإدارة أوباما مخاوف هائلة على للجيش األميركي ،الجنرال مارتن ديمبسي ،يوم 21مايو (أي��ار)، خلفية مساعي القاهرة وموسكو إلعادة تفعيل التعاون العسكري حينما أكد للصحافيني خالل زيارته بروكسل إلجراء محادثات مع بينهما ،مثلما تجلى في اإلعالن مؤخرا عن بيع موسكو للقاهرة مسؤولي حلف شمال األطلسي ،أن مستقبل العالقات العسكرية 24طائرة عسكرية مقاتلة متطورة من طراز «ميغ ،»35 -والتي بني بالده ومصر سيتوقف على سياسات الحكومة املقبلة وما إذا لم تكن منبتة الصلة بالزيارة التاريخية التي قام بها وزيرا الدفاع كانت ستحقق تقدما على صعيد التحول الديمقراطي أم ال ،مشددا والخارجية املصريان إلى موسكو في فبراير (شباط) املاضي ،على أن العالقات بني جيشي البلدين تحددها املصالح املشتركة من وما تخللها من تصريحات الرئيس الروسي بوتني ،الداعمة لترشح قبيل مكافحة اإلره��اب املتزايد في شبه جزيرة سيناء والفوضى السيسي النتخابات الرئاسة قبل إع�لان ترشحه رسميا ،األمر املتنامية في ليبيا. الذي أثار انتقادات أميركية رسمية ،كونها املرة األولى منذ أكثر لكن ديمسي لم يتورع عن التلويح بأنه لن يتردد من عقود أربعة خلت ،التي يسعى فيها رئيس مصري محتمل في االعتراض على توريد األسلحة األميركية للحصول على دعم سياسي دولي من خارج املعسكر الغربي. املتطورة التي تحصل عليها مصر ملكافحة
,,
التوجه املصري شرقا نحو روسيا صفعة قوية لواشنطن
,,
اإلره ��اب ،إذا م��ا ت��أك��د لواشنطن أن القاهرة ومن جانبها ،اعتبرت شبكة «فوكس نيوز» األميركية هذا التطور تستخدمها في انتهاكات حقوق اإلنسان محاولة من بوتني الستعادة نفوذ بالده في الشرق األوسط عبر مصر ،من خ�لال الدعم السياسي والعسكري للقيادة املصرية في الداخل< الجديدة .وب��دوره ،ارت��أى الكاتب األميركي توماس فريدمان في مقال له بصحيفة «نيويورك تايمز» األميركية مطلع مارس (آذار) املاضي أن اللقاء الذي جمع السيسي وبوتني في موسكو ،والذي وصفه «بلقاء األق��وي��اء» ،قد ذك��ره باللقاء الشهير ال��ذي شهدته العاصمة الروسية خ�لال ستينات ال�ق��رن امل��اض��ي ب�ين الزعيمني الراحلني ،املصري جمال عبد الناصر والسوفياتى خروتشوف.
وال يمكن إغ �ف��ال أه�م�ي��ة ال ��دور امل �ح��وري ال ��ذي لعبته السعودية واإلم��ارات والكويت في دعم املوقف املصري بهذا الصدد ،حيث أفضى ع��دم انصياع تلك ال��دول للضغوط األميركية الرامية إلى ثنيها عن دعم مصر اقتصاديا ،ومضيها قدما في ضخ مليارات ال ��دوالرات للقاهرة عوضا ع��ن تقليص امل�س��اع��دات االقتصادية
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
35
قصة الغالف
ملصر ،حرصا على فرص العمل وخطوط اإلنتاج التي قد تتعرض للخطر حالة تعليق أو قطع جزء من برنامج املساعدات العسكرية ملصر. وباعتمادها ملثل ذل��ك التقليص الجزئي واملرحلي ،واستبقائها املساعدات الخاصة بجهود مكافحة اإلره��اب واألم��ن في سيناء وحظر انتشار األسلحة ،وإزالة األلغام ،ومراقبة تجارة املخدرات الدولية والجريمة املنظمة ،إض��اف��ة إل��ى دع��م ت��دري��ب الشرطة في مجال احترام حقوق اإلنسان وإنفاذ القانون ،تكون واشنطن قد أدركت مستوى معقوال من التوازن ما بني آراء املثاليني ومواقف الواقعيني في اإلدارة .فلقد استرضى تجميد إدارة أوباما شطرا من املساعدات العسكرية بسبب ما جرى يوم 3يوليو املاضي ،والذي تجنب أوب��ام��ا وصفه باالنقالب العسكري ،املثاليني املتمسكني باملبادئ الويلسونية وض��رورة دعم واشنطن لقيم الديمقراطية وح��ق��وق اإلن���س���ان ،وال��ذي��ن ينتابهم ق��ل��ق وت��ش��ك��ك ح��ي��ال طريقة ومالبسات اإلطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر وما تمخضت عنه من تداعيات سياسية.
وزير الخارجية املصري نبيل فهمي ونظيره الروسي سيرغي الفروف خالل مؤتمر صحافي أثناء زيارة السيسي ملوسكو إلجراء محادثات حول مبيعات أسلحة -فبراير املاضي
,,
كان السخط الشعبي على املساعدات األميركية ملصر هو األكثر وضوحا طيلة العقود القليلة املنقضية
,,
34
حيث تمر قرابة 12سفينة حربية ونووية أميركية شهريا عبر القناة ،التي تعد املنفذ األساس لوصول القطع الحربية األميركية إلى العراق وأفغانستان ،دون أن تضطر كبقية دول العالم إلى أن تسلك طريق رأس الرجاء الصالح عند إرسال مثل هذا النوع من الناقالت. وثالثتها ،تحظى واشنطن بتسهيالت عسكرية تقدمها لها مصر كفتح امل��ج��ال ال��ج��وي امل��ص��ري أم��ام املقاتالت األميركية ،وخ�لال الفترة من ،2005 - 2001سمحت القاهرة 36553م��رة بعبور طائرات عسكرية أميركية األجواء املصرية ،حسب دراسة أجراها الجهاز الحكومي األميركي للمحاسبات عام ،2006هذا مع األخذ في الحسبان أن تلك الفترة الزمنية شهدت بدء الحرب األميركية في أفغانستان عام ،2001ثم في العراق عام .2003كما فتحت مصر مجالها الجوي لعبور املقاتالت األميركية نحو 2000مرة خالل عام 2013وحده. ورابعتها ،تتيح املساعدات األميركية حيزا من التأثير لواشنطن في القرار املصري بما يخدم املصالح واألهداف األميركية .حيث يرى خبراء استراتيجيون أميركيون أن تلك املعونات تعد املصدر األس���اس ل��ق��درة واشنطن على التأثير ف��ي م��ا ق��د يحدث بمصر بما يتوافق مع املصالح األميركية ،محذرين من أن قطع املعونة أو التهديد بذلك سيفقد أميركا نفوذها في مصر ،ويوجه ضربة قاصمة للمصالح والسياسات األميركية في املنطقة. وخ��ام��س��ت��ه��ا ،اح���ت���ف���اظ ص��ن��اع��ة ال���س�ل�اح األم���ي���رك���ي���ة ب��ال��ع��وائ��د االقتصادية املهمة جراء مبيعات السالح للجيش املصري والتي تأتي ضمن حزمة املساعدات العسكرية ملصر ،فهناك ست منشآت صناعية عسكرية أميركية تستفيد من هذه املساعدات ولن تقبل بأي تقليص ملبيعاتها من السالح ملصر سنويا حتى ال تتراجع أرباحها أو ترتبك سياسات التوظيف بها .وعادة ما تقوم الشركات العاملة في مجال الصناعات العسكرية واملتعاقدة لتنفيذ صفقات األسلحة ملصر بإرسال فريق من جماعات الضغط لزيارة أعضاء الكونغرس وإقناعهم باستمرار املساعدات العسكرية األميركية
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
وم��ن زاوي���ة أخ���رى ،سيحقق الفريق الواقعي مكاسب مهمة في عالقاته بمصر كحمل اإلدارة االنتقالية الحالية فيها على االلتزام بالنهج الديمقراطي وع��دم إق��ص��اء فصائل اإلس�ل�ام السياسي، فضال عن تقويض املساعي املصرية الرامية إلى تحقيق تنوع في مصادر التسليح ،وإنهاء االحتياج التام والدائم للواليات املتحدة في هذا املضمار ،ال سيما وأن املساعدات األميركية العسكرية ملصر ال تضمن لجيش األخيرة التفوق على نظيره اإلسرائيلي ،حيث تتبنى واشنطن استراتيجية تتيح إلسرائيل الحصول على ثالثة مليارات دوالر مقابل كل مليارين يمنحان ملصر ،فضال عن التزام واشنطن بضمان استمرار «التفوق العسكري النوعي» إلسرائيل، والذي يلزم األميركيني بعدم بيع أية أسلحة أميركية أكثر تطورا مما تحصل عليه إسرائيل ألية دولة أخرى في الشرق األوسط.
تمرد مصري بينما ك��ان السخط الشعبي على امل��س��اع��دات األميركية ملصر ه��و األك��ث��ر وض��وح��ا طيلة العقود القليلة املنقضية ،شكل ال��رد املصري الرسمي على تجميد واشنطن لقسط من املساعدات املقدمة للقاهرة أخيرا مفاجأة من العيار الثقيل ،فبعدما أدانت ذلك التوجه األميركي ،أبدت استعدادا جادا للتنازل عن تلك املساعدات، بشقيها االقتصادي والعسكري ،كما أعلنت البدء في مراجعتها وت��ق��وي��م ج���دواه���ا ال��ح��ق��ي��ق��ي��ة .وأك�����دت ال���ق���اه���رة رف��ض��ه��ا ت��ح��ول املساعدات إلى أداة ضغط عليها أو ابتزاز لها ،وفيما أورد املوقع اليهودي األميركي «جيويش ويكلي» أن املساعدات األميركية أف�����رزت ح��ك��وم��ة وج��ي��ش��ا م��ص��ري�ين ي��دي��ن��ان ب���ال���والء للمصالح األميركية ،مما يجعل اعتمادهما على تلك املساعدات حائال دون التمتع بكامل استقالليته ،حسب الوثائق الرسمية األميركية ،فقد ظهرت الدعوات املصرية للتحرر من إسار تلك املساعدات ،كما ظهر الحديث عن ض��رورة االستغناء عن املساعدات األميركية حماية لسيادة الدولة وصونا الستقاللية القرار الوطني ،كما توالت مبادرات شعبية لجمع التبرعات لالستغناء عن تلك املساعدات، التي ال يساور املصريني أدنى شك في أن تكلفتها السياسية قد فاقت بكثير جدواها االقتصادية. وبدوره ،وصف السفير بدر عبد العاطي ،املتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية ،ق��رار تجميد قسط م��ن امل��س��اع��دات األميركية ملصر بـ«الخاطئ» وطالب الجانب األميركي بمراجعته .وأك��د أن
األميركية ،لم يخل من انقسام وتردد ومراوغة في هذا الخصوص ،املؤقتة وتنفيذ خارطة املستقبل التي تتضمن وضع دستور جديد اهتدت إدارة أوباما إلى تقليص جزئي ومرحلي ملجمل املساعدات وإجراء انتخابات رئاسية وبرملانية ديمقراطية صيف العام الحالي. املقدمة إلى مصر سنويا. أما جزئية هذا التقليص ،فتكمن في أنه لم يشمل كافة مناحي وب �ن��ود ت�ل��ك امل �س��اع��دات ،ح�ي��ث أك ��دت وزارت� ��ا ال�خ��ارج�ي��ة وال��دف��اع األميركيتني أن واشنطن ،بعدما أعلنت في منتصف أغسطس (آب) املاضي وقف مناورات عسكرية مشتركة مع مصر ،أرجأت تسليم الجيش املصري أربع مقاتالت من طراز «إف ،»16فضال عن تعليق تزويده بمروحيات أباتشي وصواريخ «هاربون» وقطع غيار لدبابات «إيه 1إم »1الهجومية ،إضافة إلى وقف تحويل 260 مليون دوالر نقدا وضمانات ق��روض مقررة بقيمة 300مليون دوالر للحكومة امل�ص��ري��ة ،ف��ي انتظار إح ��راز ت�ق��دم ذي صدقية نحو حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا .هذا بينما سوف تستمر واشنطن في تقديم الدعم املالي للقضايا التي تخدم األهداف األمنية الحيوية للجانبني ،بما في ذلك مكافحة اإلرهاب وانتشار األسلحة وتأمني الحدود واألمن في سيناء ،كما ستميز ما بني املساعدات التي تذهب مباشرة إلى السلطات املصرية واملعدات التسليحية القتالية للجيش ،وتلك التي تذهب إل��ى املنظمات غير الحكومية وبعض املجاالت غير العسكرية كالتعليم والصحة والبيئة والتنمية البشرية. وأما مرحليته ،فتتجلى في كونه موقوتا إلى حني تأكد واشنطن من استعادة مصر ملسيرة الديمقراطية وضمان احترام حقوق اإلنسان .ورغم أن إدارة أوباما لم تعلن صراحة عن اعتبار عزل الجيش املصري للرئيس املنتخب محمد مرسي «انقالبا» عسكريا، مكتمل األركان ،إال أنها ما برحت تدين ما تراه قمعا بحق أنصاره وتطالب بضرورة رفع حالة الطوارئ التي أعلنتها السلطات املصرية
املساعدات كضرورة أميركية
بقدر ما تمثله املساعدات األميركية ملصر من أهمية ،إذ ساهمت في مشروعات البنية األساسية والتعليم والصحة والبيئة عالوة على تحديث الجيش امل�ص��ري ،فإنها تعد ض��رورة استراتيجية لواشنطن من زوايا شتى ،كما أورد تقرير قدمه للكونغرس املكتب األميركي ملحاسبة اإلنفاق الحكومي. أوالها :تعمل املساعدات العسكرية على ضمان تحقيق ثالثة أهداف أميركية حيوية بمنطقة الشرق األوسط ،تتمثل في :الحفاظ على حالة االستقرار في املنطقة ،فضال عن الوفاء بااللتزام األميركي بحماية أم��ن إس��رائ�ي��ل ،ك��ون ه��ذه امل�س��اع��دات مرتبطة بمعاهدة السالم التي وقعتها القاهرة مع تل أبيب عام ،1979عالوة على ضمان استمرار «ت�ع��اون ذي ثقل» ب�ين وزارة ال��دف��اع األميركية والسلطات املصرية فيما يتعلق بمكافحة اإلرهاب في سيناء. وثانيتها :استبقاء واشنطن للمعاملة الخاصة التي تحظى بها سفنها عند مرورها في قناة السويس بما يضمن أولوية وسرعة ه��ذا امل ��رور ف��ي ال��وق��ت ال��ذي تنتظر ال ��دول األخ ��رى ألس��اب�ي��ع قبل السماح لسفنها باملرور .ووفقا لتقرير مركز أبحاث الكونغرس، منحت مصر تصاريح على وجه السرعة لزهاء 861بارجة حربية أميركية لعبور قناة السويس خالل السنوات القليلة املنقضية، وقامت بتوفير الحماية األمنية الالزمة لعبورها.كذلك ،ال تلتزم السفن األميركية التي تحمل أسلحة نووية ،سواء كانت سفنا أو غواصات ،بإبالغ السلطات املصرية قبل 30يوما من مرورها،
جون كيري وعبد الفتاح السيسي (صورة أرشيفية) القاهرة نوفمبر2013 /
,,
وفقا لتقارير الكونغرس األميركي تشكل املساعدات العسكرية األميركية ملصر ثلث ميزانية املؤسسة العسكرية املصرية
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
33
قصة الغالف
يجوز التأريخ للمساعدات األميركية االقتصادية ملصر بحلول عام ،1946بيد أنها بدأت تشهد زيادة طفيفة في عام 1955بعد ثورة 23يوليو (تموز) ،1952لكنها ما لبثت أن توقفت بعد العدوان الثالثي على مصر عام 1956ثم استؤنفت عام ،1958وعادت للتوقف إبان نكسة يونيو (حزيران) عام 1967لتستأنف مرة أخرى عام 1974بعد نصر أكتوبر (تشرين األول) عام .1973
استئناف املساعدات األميركية ملصر ..ضرورة استراتيجية
مفرتق طرق بقلم: بشير عبد الفتاح
,,
إذ ساهمت املساعدات األميركية ملصر في مشروعات البنية األساسية والتعليم والصحة والبيئة فإنها تعد ضرورة استراتيجية لواشنطن
,,
32
ب��دأت امل�س��اع��دات األم�ي��رك�ي��ة تشهد ط�ف��رة ملموسة عام وب �م��رور ال��وق��ت ص ��ارت ت �ج��رى م�ن��اق�ش��ة س�ن��وي��ة ح��ول�ه��ا داخ��ل ،1979بعد توقيع معاهدة السالم املصرية اإلسرائيلية الكونغرس كلما ح��ان موعد مناقشة امليزانية السنوية ،أو قدم برعاية أميركية ،حيث دلف إلى مكوناتها بند جديد وهو أحد النواب سؤاال أو استجوابا في هذا الصدد. املساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها مليارا وثالثمائة مليون دوالر سنويا ،لتغدو مصر على إث��ره��ا ث��ان��ي أك�ب��ر دول��ة تتلقى وفى أواخر عام ،1998بدأت اإلجراءات العملية لتقليص املساعدات، امل�س��اع��دات العسكرية األميركية بعد إس��رائ�ي��ل ،والخامسة من حينما ق��رر الكونغرس البدء في تقليص تدريجي للمساعدات حيث إجمالي املساعدات األميركية ،بشتى أوجهها ،بعد إسرائيل االقتصادية ملصر بمقدار 40مليون دوالر سنويا على مدار عشر وأفغانستان وباكستان والعراق ،حيث يصل إجمالي ما تتحصل سنوات .وبالتالي ،خفضت مساعدات صندوق دع��م االقتصاد عليه سنويا من مساعدات أميركية مليار و 550مليون دوالر ،امل�ص��ري م��ن 815مليون دوالر ع��ام 1998إل��ى 411دوالر في تتوزع ما بني 1.3مليار دوالر مساعدات عسكرية والباقي معونات .2008وفى ،2006ثم حاول الكونغرس اشتراط ربط املساعدات االقتصادية ملصر بالتقدم في ملفي حقوق اإلنسان والديمقراطية، اقتصادية. إال أن وزيرة خارجية األميركية آنذاك كوندليزا رايس ،حالت دون ووفقا لتقارير الكونغرس األميركي ،تشكل املساعدات العسكرية ذلك .وبناء على طلب من الرئيس السابق بوش االبن ،الذي شهدت األميركية ملصر ثلث ميزانية املؤسسة العسكرية املصرية ،وتنفق فترة حكمة توترا في العالقات مع مبارك ،قرر الكونغرس قطع في ثالثة أوجه رئيسة :مشتريات أسلحة ،وتدريب وتحديث املعدات نصف امل�س��اع��دات االقتصادية لتصبح 200مليون دوالر عام العسكرية امل��وج��ودة ،ومتابعة عقود ال��دع��م والصيانة .ويشكل ،2009سعى أوباما عند توليه السلطة إلضافة 50مليون دوالر اإلن�ت��اج املشترك ب�ين ال��والي��ات املتحدة وم�ص��ر ل��دب��اب��ات M1A1إليها لتبلغ 250مليون دوالر منذ عام .2010 ،Abramsوالتي ب��دأ في ع��ام ،1988واح��دة من أب��رز ركائز تلك املساعدات العسكرية ،التي تضمن ملصر تيسيرات لواشنطن ،منها وبأغلبية 83مقابل 13عضوا ،رفض مجلس الشيوخ األميركي، مرور القطع العسكرية األميركية في قناة السويس بيسر في أي مشروع قانون تقدم به السيناتور الجمهوري ،ران��د ب��ول ،العام وقت.كما تنص االتفاقية على أن ال يجري تحويل املساعدات في امل��اض��ي لوقف امل�س��اع��دات األميركية إل��ى مصر ،وتحويلها إلى شكل أموال سائلة للقاهرة ،ولكن يجري تحويل املبالغ إلى حساب تمويل مشروعات محلية للبنية التحتية في الواليات املتحدة اعتبارا ببنك االحتياطي الفيدرالي في نيويورك ،ثم يقوم البنك بتحويل من عام .2014 املساعدات إلى الصندوق االئتماني في وزارة الخزانة ،ومنه إلى املقاولني وامل��وردي��ن التابعني للجيش األم�ي��رك��ي ،لتقوم األط��راف وبعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو املتعاقدة ،وبعضها مجموعات متعددة الجنسيات ،مع شركات امل��اض��ي ،ب��دأ الحديث ع��ن تقليص امل�س��اع��دات األميركية ملصر تابعة لها في الواليات املتحدة بتنفيذ توريد األسلحة واملعدات ،ي�لام��س الجانب العسكري منها بشكل ص��ري��ح للمرة األول��ى، بما يعني أن املساعدات العسكرية ال تذهب نقدا إلى القاهرة وإنما حيث طرحت عشرات من مشاريع القوانني لتقليص املساعدات إلى شركات أميركية ،األمر الذي يساعد على خلق وظائف داخل العسكرية ب��واق��ع 200مليون دوالر وتحويلها إل��ى مساعدات اقتصادية سنوية .وفى سابقة قد تكون هي األول��ى من نوعها الواليات املتحدة. منذ إقرارها في عام ،1978اشتدت وطأة الجدل حول املساعدات العسكرية األميركية ملصر بعدما أعلن الرئيس أوباما يوم الثالث نهاية حصانة املساعدات العسكرية من يوليو املاضي عن وض��ع ملف املساعدات األميركية ملصر لم يكن الجدل األميركي بشأن تقليص املساعدات االقتصادية برمته قيد املراجعة ،وأن إدارت��ه تدرس تعليق نحو 585مليون املقدمة ملصر وليد املوجة الثورية التي شهدتها مصر في نهاية دوالر منها إل��ى أن يتم إج��راء مراجعة أوس��ع ملجمل السياسة يونيو املاضي وما تالها من تداعيات في الثالث من الشهر الذي األميركية حيال القاهرة. تاله ،وإنما يعود إلى عام ،1948حيث بدأت تثار التساؤالت داخل أروقة السياسة األميركية حول جدوى استمرار تلك املساعدات .وبعد جدل حامي الوطيس دارت رحاه داخل أروقة صنع السياسة
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
ASHARQ AL - AWSAT The Leading International Newspaper
ﺟﺮﻳــﺪة اﻟﻌــﺮب اﻟﺪوﻟﻴــﺔ
editorial@asharqalawsat.com
www.aawsat.com
Design: Qussay Al-Issa
معك أينما تكون
http://www.aawsat.com
للحصول على :املعلومات املفصلة http://kaywa.me/1clMh
قصة الغالف
تختلف املشكلة ف��ي وادي ال�ن�ي��ل ،حيث ب��دأت ه��ذه الجماعات اإلرهابية ،التي ربما تحصل على مساعدة من أعضاء متعاطفني معها داخل جماعة اإلخوان املسلمني ،في حملة تبدو شبيهة على نحو مخيف بإرهاب فترة التسعينات الذي شهدته مصر .في تلك الفترة ،كانت الجماعة اإلسالمية تستهدف السياح واملسيحيني والشرطة املصرية في داخل األراضي املصرية .وحاليا في ظل غياب السياح ،تركز الهجمات على قوات األمن ومؤسسات الدولة. كما وقعت ع��دة ح��وادث انفجار لسيارات مفخخة في مناطق متعددة في مصر. في سبتمبر املاضي ،نجا وزير الداخلية من محاولة اغتيال في العاصمة .وفي لقاءات ،أع��رب بعض أعضاء اإلخ��وان املسلمني عن أملهم – إن لم يكن طموحهم – في قتل السيسي انتقاما من االنقالب واحداث ميدان رابعة.
تحديات مصرية
عنصر من جماعة اإلخوان يرفع علم مصر في ميدان رابعة العدوية
,,
مصر ليست في موقف يسمح لها بالتفاوض مع إثيوبيا ورواندا بشأن حصتها في مياه النيل
,,
30
سوف يكون الرئيس املنتخب منشغال تماما،حيث يشكل األمن واالقتصاد على وجه الخصوص تحديا مستمرا للدولة .ولكن يضاعف املجتمع امل�ص��ري ال��ذي يعاني م��ن االستقطاب وقلة الصبر من تعقيد تلك املشكالت .من الصعب التوقع بأن تصعد الدولة في أي وق��ت قريب كقوى إقليمية ،نظرا لتلك التحديات التي تواجهها .وم��ن املؤكد أن مصر تدين بكثير من الفضل لحلفائها في الخليج ،ملا قدموا من دعم مالي مهم في فترة ما بعد مرسي .ولكن مصر اآلن ليست في موقف يسمح لها حتى بالتفاوض مع إثيوبيا ورواندا بشأن حصتها في مياه النيل – وف��ي م��واج�ه��ة ت�ه��دي��د ال�ج�ه��ادي�ين ،تستخدم م�ص��ر مدرعاتها ناهيك بتهديدهما. وط��ائ��رات األباتشي في سيناء .ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت تلك األدوات كافية إلخماد قوتهم .وعلى الرغم من الثناء أحد التحديات األخرى التي ستواجه القاهرة هي عالقاتها مع الذي يلقاه الجيش على جهود املكافحة في سيناء ،فإن تكتيكاته واشنطن .في حني يمنع القانون إدارة أوباما من تقديم مساعدات في سيناء تواجه انتقادات .يوجد على وجه التحديد مخاوف في عسكرية للدول التي أط��اح فيها الجيش بالحكومات املنتخبة واشنطن من أن نشر صواريخ هيلفاير املضادة للدبابات والتي بطريقة ديمقراطية ،إال أن إدارة أوباما لم تصف اإلج��راء الذي تطلق بواسطة مروحيات في املناطق ذات الكثافة السكانية العالية اتخذه الجيش في الثالث من يوليو (تموز) لعزل مرسي بأنه سوف تؤدي إلى نشر تأييد تنظيم القاعدة. «انقالب» .ولكنها أوقفت تسليم بعض أنظمة السالح – أبرزها عشر طائرات أباتشي هجومية ،مما تسبب في توتر في العالقات وحتى الوقت الحالي ،يتعرض الصحافيون املصريون للمنع من الثنائية. تغطية األض��رار الناجمة عن العمليات في سيناء .وباإلضافة إل��ى تلك امل�خ��اوف ح��ول ح��ري��ة الصحافة ،وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أنه ولكن تراجعت اإلدارة األميركية ووافقت على تسليم الطائرات من السابق ألوان��ه الحكم على حملة الجيش املصري الحديثة العشر ،والتي سمح بها بموجب بند مكافحة اإلرهاب .ولكم بعد في سيناء ،يثير نقص املعلومات شائعات بأن أعداد الضحايا أن أصدرت إحدى املحاكم املصرية حكما باإلعدام على عدد كبير املدنيني مرتفعة ،وتشير مقاطع الفيديو على موقع «يوتيوب» من أعضاء جماعة اإلخوان املسلمني ّ جمد الكونغرس املساعدات عن املنطقة إلى أن حجم الخسائر التي لحقت باملنازل والبنية العسكرية املقدمة إلى الدولة .ويهدد هذا التطور بزيادة التوترات التحتية كبير. في العالقات الثنائية املصرية األميركية تحديدا في فترة انتقالية شديدة الحساسية. تمثل سيناء تحديا أم��ام ال�ق��اه��رة ،حتى عندما ك��ان جهاز امل �خ��اب��رات ال�ع��ام��ة امل �ص��ري ال��ذي رك��ز ج �ه��وده على مكافحة س��وف تشهد ال�ش�ه��ور املقبلة ف�ت��رة ح��رج��ة ف��ي م�ص��ر،ف��ي ظل اإلرهاب يتولى مسؤولية شبه الجزيرة .على سبيل املثال ،فيما اإلرهاب املستمر والتهديد الذي تمثله جماعة اإلخوان املسلمني، بني عامي 2004و ،2006نفذ إرهابيون مجموعة من الهجمات والذي يعتبره الجيش تهديدا وجوديا .وإذا لم يحقق السيسي الخطيرة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 100أجنبي ومصري .نموا وفرصا اقتصادية للجماهير ،فربما ينفد صبر العامة .وإذا عادت الثورة الشعبية ،فقد يصبح الجيش املصري في موقف ال��درس املستفاد من سيناء وال�ع��راق والضفة الغربية هو أن مزعج ،إما بدعم السيسي ،أو كما حدث في عام ،2011أي أن نجاح سياسات مكافحة اإلرهاب ال يتطلب فقط القيام بعمليات يقف إلى جانب الشعب < عسكرية نشيطة ،بل وأيضا وجودا استخباراتيا /أمنيا طويل األجل ،وأحيانا التزاما حقيقيا بتحقيق النمو االقتصادي. * مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
أن تعيد القاهرة تنشيط اقتصادها .على سبيل املثال ،سوف تحتاج مصر أن تصل بمعدل نمو الناتج املحلي اإلجمالي إلى 7.5 في املائة سنويا فقط من أجل الحفاظ على ثبات معدل البطالة، الذي يقدر بـ 30في املائة .في عام ،2013كان معدل النمو أقل من اثنني في املائة ،مما يعني أن أكثر من نصف مليون مصري يدخلون سوق العمل سوف ينضمون إلى صفوف البطالة .جدير بالذكر أن��ه ف��ي أث��ن��اء األع���وام السبعة األخ��ي��رة ف��ي عهد مبارك، حققت مصر معدل نمو وصل إلى 7.5في املائة ،وإن كانت آثاره لم تعد بالنفع على الفقراء. بالنسبة للسيسي ،يعني تحسني االق��ت��ص��اد أن يتولى مهمة صعبة بتنفيذ اإلصالح االقتصادي ،وال سيما رفع الدعم الشعبي على الطاقة ،وترشيد الدعم على الغذاء .تبلغ نسبة الدعم نحو 25 في املائة من ميزانية الدولة .وفي حني من املمكن ترشيد الدعم على الطاقة – عن طريق نظام «الكروت الذكية» – فإنه من غير املرجح تنفيذه على الدعم الغذائي .بيد أن القضية األكثر إلحاحا والتي ليس من املحتمل أن يتطرق إليها السيسي ،هي املصالح االقتصادية للقوات املسلحة املصرية .من املعتقد أن الجيش املصري يسيطر على 30في املائة تقريبا من االقتصاد املصري، وهي نسبة إن لم يجر املساس بها فسيكون من الصعب حل مشكلة االقتصاد املتهاوي.
في سيناء التي عانت طويال من اإله��م��ال .قبل ال��ث��ورة ،كان جهاز املخابرات هو املسؤول األول عن األمن في شبه الجزيرة، ولكن أثناء الثورة انكمش حجم الجهاز وضعفت الثقة به، ول��م يعد م��ن املمكن أن يقوم بمهامه ه��ن��اك .بعد ذل��ك ،أطلق مرسي سراح سجناء إرهابيني إسالميني قدامى من السجون املصرية ،ولم يبد اهتماما بالتطورات املثيرة للقلق املتزايد في أراضي سيناء .أبرزت سلسلة من الحوادث اإلرهابية ،وخاصة الهجوم عبر الحدود إلى إسرائيل في سبتمبر (أيلول) ،2012 وخطف ستة جنود مصريني في مايو (أيار) ،وقتل 25مجندا مصريا في سيناء في أغسطس (آب) ع��ام ،2013خطورة تلك التهديدات.
أخطر ما يشكل تهديدا في سيناء اليوم هما جماعتا أنصار بيت املقدس ومجلس شورى املجاهدين في أكناف بيت املقدس ،اللتان ترتبطان بصالت مع غزة ووادي النيل .بدأت هاتان الجماعتان، بمساعدة ما يقدر بثالثة إلى أربعة آالف مقاتل بدوي وأجنبي، في شن سلسلة عمليات في سيناء وعبر قناة السويس مما أسفر عن مقتل عشرات من الجنود املصريني ومسؤولي األمن، واستهدفتا من وقت آلخر مراقبي القوات متعددة الجنسيات الذين ينفذون معاهدة السالم بني مصر وإسرائيل .على املدى البعيد ،يهدد هذا االتجاه املتنامي بتحويل املجتمع البدوي في سيناء ،فتنتقل االن��ت��م��اءات القبلية التاريخية م��ن القبيلة إلى برنامج «التقشف» الذي يدافع عنه السيسي ،لن يكون كافيا على السلفية الجهادية. األرج��ح نظرا للحرمان املستمر في السنوات الثالث املاضية. شعبيا، حتى وإن اتخذ السيسي خطوات جريئة غير مقبولة من جانبه ،يعمل الجيش املصري على ملء الفراغ األمني الذي يتحسن سيظل تحقيق النمو االقتصادي بعيد امل��ن��ال ،إن لم خلفه جهاز املخابرات في سيناء عن طريق انتشار موسع للقوات الوضع األمني. في املنطقة وإقامة مزيد من التعاون مع إسرائيل .وفي الواقع، يتسم التعاون العسكري املصري اإلسرائيلي في سيناء حاليا بنشاط أكبر من أي وقت مضى .وقد وافقت إسرائيل على نشر تهديد إرهابي مستمر قوات الجيش املصري في مناطق في سيناء لم يكن مسموحا على مدار األعوام الثالثة املاضية ،تدهورت األوضاع األمنية بها منذ توقيع معاهدة السالم.
أطفال مصريون يحملون العلم الوطني حول القصر الرئاسي
,,
الجيش املصري يسيطر على 30في املائة تقريبا من االقتصاد املصري
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
29
قصة الغالف
بعد مرور أكثر من ثالثة أعوام على الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس املصري حسني مبارك الذي مكث في الحكم لفترة طويلة ،عادت مصر إلى حيث بدأت .وفي ظل تأييد شعبي كاسح ،انتهى حكم الرئيس املنتمي لجماعة اإلخوان املسلمني ،الذي استمر ملدة عام كارثي ،وها هي مصر تختار القائد العام السابق للقوات املسلحة عبد الفتاح السيسي رئيسا لها.
تحديات مصر والسيسي :الوضع األمني واالقتصادي وحراك شباب امليادين
مصر اجلديدة بقلم: ديفيد شينكر *
,,
إذا لم يتحسن وضع االقتصاد واألمن في غضون عام أو ما شابه ربما يفرغ صبر املصريني
,,
يبدو أن معظم املصريني يرون في السيسي أفضل ما ترجوه مصر للخروج من أعوام االضطرابات في مرحلة ما بعد مبارك ،يواجه الرئيس املنتخب ملصر سلسلة من التحديات التي سوف يكون من الصعب التغلب عليها .يشهد االقتصاد منذ عام ،2011تدهورا كبيرا ،وأصبح لتنظيم القاعدة موطئا في سيناء يهدد باالمتداد إلى وادي النيل. ُ أظهر استطالع للرأي أجري أثناء فترة الثورة في فبراير (شباط) ع��ام 2011أن نحو 70في املائة من املصريني الذين تظاهروا ضد مبارك كانت لديهم أسباب اقتصادية .وفي األعوام التالية، حصل املصريون على ح��ري��ات غير مسبوقة ،وأص�ب��ح لديهم نوع من ثقافة االحتجاج التي سيكون من الصعب احتواؤها. ومع اجتماع كل هذه العوامل ،سيكون من الصعب على الرئيس املنتخب أن يحقق االستقرار في مصر .وحتى في ظل التأييد الشعبي الواسع ورغبة املجتمع في العودة إلى الحياة الطبيعية، لن يكون أمام السيسي فترة زمنية مفتوحة إلحداث التغييرات. إذا ل��م يتحسن وض��ع االق�ت�ص��اد – واألم��ن – ف��ي غضون عام أو ما شابه ،ربما يفرغ صبر املصريني .وما تخشاه واشنطن – وأصدقاء مصر في الخليج – أن غياب التغيير امللموس قد يؤدي إلى مواجهة مصر لثورة أخرى .ولكن في هذه املرة يمكن أن تكون ثورة الجياع.
تحديات اقتصادية في مصر ،كان الواضح منذ فترة طويلة أن نحو 40في املائة من أف��راد املجتمع يعيشون على دخل يقل عن دوالري��ن في اليوم. وعلى الرغم من عدم توفر أرقام موثوق بها ،فإن هناك اعتقادا واسعا بأنه منذ عام ،2011ارتفعت نسبة الفقراء بدرجة كبيرة. في الوقت ذاته ،انكمشت قدرة الدولة – وجماعة اإلخوان املسلمني – على توفير شبكة أمان .وأصبحت األعمدة الثالثة التي يقوم عليها االقتصاد املصري تحت ضغوط متزايدة. ك��ان��ت الضحية األول ��ى ه��ي االس �ت�ث�م��ارات األج�ن�ب�ي��ة امل�ب��اش��رة. أصابت االحتجاجات املستمرة والعنف املنتشر في جميع أنحاء مصر املستثمرين بالقلق ،مما أدى إلى تجفيف االستثمارات األجنبية املباشرة التي كانت في السابق أح��د أعمدة اقتصاد ال��دول��ة .ول��م ينخفض حجم االستثمارات فقط ،بل وأيضا في
28
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
عام 2013هاجرت استثمارات بقيمة أكبر من ثالثة مليارات دوالر من البالد. أم��ا ال�ع�م��ود ال�ث��ان��ي ل�لاق�ت�ص��اد امل �ص��ري ،ال�س�ي��اح��ة ال�ت��ي كانت تمثل نسبة ت�ت��راوح من 15-10في املائة من إجمالي النشاط االقتصادي ،فتشهد انهيارا .على سبيل املثال ،انخفضت نسبة اإلشغاالت في شرم الشيخ املقصد السياحي في جنوب سيناء إلى 36في املائة .وفي الجهة املقابلة من القناة في محافظة البحر األح�م��ر ،أغلقت ثلث الفنادق التي ك��ان عددها يصل إل��ى 250 فندقا أبوابها .ومع غياب أعداد كبيرة من الصحافيني ،يغيب عن القاهرة أيضا األجانب الذين ينفقون األموال .وحتى قبل اندالع أحداث العنف الكبرى في أغسطس (آب) عام 2013في مصر، كان البنك الدولي قد وضع مصر في املرتبة رقم – 140وهي األخيرة في العالم ،بعد باكستان واليمن – فيما يتعلق بسالمة السياح .وي��زداد الوضع تدهورا حيث ب��دأت جماعات إسالمية إرهابية في شن هجمات بسيارات مفخخة في القاهرة. وي�ت�ع��رض ال�ع�م��ود ال�ث��ال��ث ل�لاق�ت�ص��اد امل�م�ث��ل ف��ي إي� ��رادات قناة السويس ،التي تصل إلى خمسة مليارات دوالر سنويا ،للخطر أيضا .في عام ،2012مرت أكثر من 17ألف سفينة عبر القناة. ولكن مؤخرا ،قل عدد السفن التي تعبر املمر املالحي ،مما أدى إلى انخفاض اإليرادات ،وهو االتجاه الذي دفع السلطات املصرية ف��ي ع��ام 2013إل��ى رف��ع ال��رس��وم .وف��ي تطور مثير للقلق ،في أغسطس (آب) ع��ام ،2013أطلق شخصان مسلحان قذائف صاروخية على سفينة صينية أثناء عبورها قناة السويس. وأعلنت جماعة تابعة لـ «القاعدة» ،تطلق على نفسها اسم كتائب الفرقان ،مسؤوليتها عن الحادث ،ونشرت مقطع فيديو للعملية عبر م��وق��ع «ي��وت�ي��وب» .وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ع��دم إص��اب��ة السفينة بأضرار كبيرة ،فإن الجماعة تعهدت باالستمرار في مهاجمة السفن املارة عبر القناة.إذا استمر املسلحون ،فسوف ينجحون عاجال أم آجال في إلحاق أضرار أو تعطيل أو إغراق إحدى السفن املارة ،وهو التطور الذي قد يسفر عن تداعيات كارثية على مصر والتجارة الدولية. وفي ظل العجز الكبير في املوازنة ،وهو الدين الذي أورد البنك الدولي وصوله في عام 2013إلى 100في املائة من الناتج املحلي اإلجمالي ،وندرة موارد الطاقة ،واالعتماد على املساعدات املالية القادمة من الخليج ،سوف يكون من الصعب على أفضل تقدير
حسني .لكن األهم هنا أن الشيوع الواسع ملفهوم األمة العربية منح مصر ّ مكانة خاصة ،ومكـنها من لعب دور ربما لم ينافسها فيه شعب عربي آخر. لكن م��ش��روع بناء «األم���ة ال��ج��دي��دة» ك��ان ف��ي مواجهة شبه دائ��م��ة تفاوتت حدتها ،م��ع مفهوم آخ��ر ،ه��و مفهوم «إح��ي��اء األم���ة» ،ال��ذي تبناه الخطاب اإلسالمي طوال القرنني املاضيني تقريبا ،دون االنتباه إلى حقائق شديدة األهمية؛ أولها أن تأسيس هذه األمة املراد إحياؤها جرى في شروط تاريخية وجغرافية مغايرة تماما ،وثانيها أن «وثيقة املدينة» التي كانت شهادة ميالد هذه األمة قامت على التراضي على اإلمالء وليس القسر ،وثالثها أن هذه الوثيقة املؤسـسة استندت إلى حقائق موضوعية ال االكتفاء بقناعة طرف من أطراف التعاقد بأن مصدر املفهوم مقدس! وفي هذه القناعة ما يستحق املراجعة العميقة! وب��اإلض��اف��ة إل��ى حقيقة أن ه��ذه الوثيقة تعاقد مدني طوعي وليس فعال يجر تجديده ب��أي صيغة مقدسا ،ف��إن إغ��ف��ال حقيقة أن ه��ذا التعاقد ل��م ِ منذ سقوط الخالفة العثمانية ،والقفز على حقيقة أن االجتماع السياسي اختلفت أسسه جذريا بعد هذا املنعطف أحد أوجه الخلل الكبيرة في خطاب «إحياء األمة».
اإلحياء واالكتشاف ومن األمور الالفتة في واقع ما بعد الثورة ،أن مسارا فرعيا جديدا طرأ بني املسارين الكبيرين يسعى أصحابه لطرح رؤية ثالثة للمفهوم يقوم على االكتشاف ال البناء واإلحياء .وأعني بذلك ظاهرة ليبرالية جديدة كشفت عنها السنوات األخيرة وما زال حجمها أصغر من أن يحول الصراع إلى صراع ثالثي األطراف .والالعب الجديد الذي لم يتبلور خطابه بعد يرفض منطقي «البناء» و«اإلحياء» ويدعو إلى نوع من االكتشاف نذهب فيه إلى التأسيس دون أجوبة جاهزة ال دينية وال تنويرية ،ويلخص هذا املوقف رفضا لفكرة األمة في مجاليها؛ األوس��ع (اإلسالمي) والواسع (العربي)، ويرون ضرورة بناء الدولة األمة انطالقا من ضدين؛ املصرية وهي دائرة ضيقة قياسا بسابقتيها ،والعالم وهو دائرة أوسع منهما! واكتشاف األمة يبدو أقرب -نوعا ما -إلى اإلجابة األنجلو -سكسونية على سؤال :ما األمة؟ ففي هذه اإلجابة تتراجع مرتكزات مثل :الدين والعـرق واللغة ،لحساب منظومة قيم ذات أف��ق إنساني تؤسس لتعددية شاملة. وبينما يغترف دعاة اإلحياء من نهر التراث الديني الفياض ويغترف دعاة البناء من بحر التراث الفكري الغربي الكالسيكي (الفرنسي في املقام األول) يجتهد دعاة االكتشاف لتحويل القليل من األدبيات الحديثة لثقافة حقوق اإلنسان ومواثيقها ومشاريع العوملة ،التي ما زال��ت هي نفسها في طور وضبط العالقة املضطربة -نظريا -بني الدولة واملجتمع في مصر ،وقد التشكل ،لبناء إطار فضفاض ال تشكل الدائرتان اإلسالمية والعربية إال أشرت إليها سلفا ،قد تكون بداية بناء الجسور بني املسارات الثالثة :البناء، تعبيرا عن حنني عام مكانه عالم الوجدان ال عالم السياسة. االكتشاف ،اإلحياء ،بحيث يتبلور مشترك عام ليس من الصعب إنجازه، يستهدف في املقام األول طي صفحة الدولة التي تصنع مجتمعها ،لتفتح صفحة الدولة التي تترجم من خالل البنية والسلوك حقيقة ما هو قائم غواية التنظير في الفراغ بالفعل في مجتمعها .وعندئذ ستكون «الدولة -األمة» للمرة األولى في تاريخ وإحدى اآلفات الكبيرة للسجال (القائم على التنافي) بني املفاهيم املشار مصر الحديث ثمرة التفاعل االجتماعي الحقيقي ،ال ثمرة أي نوع فوقي من إليها لألمة أنها مغرقة في التنظير في الفراغ ،فال مفهوم «األمة اإلسالمية» الهندسة املفروضة من أعلى. تسانده الوقائع القانونية والسياسية والثقافية التي تجعله خيارا للمستقبل بذور املنظور ،وال «األم��ة العربية» كمفهوم يتجاوز ح��دود الدولة ويحمل والفرض من أعلى إحدى النتائج التي تترتب حتما على التنظير في الفراغ هذا الحياة. العدوان على سيادتها (بشكل مضمر أو ظاهر) يملك أسباب سواء كانت نقطة انطالق هذا التنظير دينية أو قومية ،أو حتى وطنية. إلى تمت ال سكانية فضال عن أن النطاق الجغرافي للمفهوم يضم مجموعات والذي ال شك فيه عندي أن الحب السوي لألوطان ،وكذلك االقتداء الحقيقي ّ الزنوج أو البلوش أو العروبة بصلة ،سواء أشرنا هنا إلى األكراد أو األمازيغ بسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في تأسيس االجتماع السياسي، النظري والنقاش أصغر. أو معظم النوبيني ،باإلضافة إلى أقليات أخ��رى واالستيعاب الحقيقي لسنن السابقني (وهو مما دعا إليه القرآن الكريم على بينهما العالقة قيام وإمكان هنا حول دور األغلبية في حماية األقلية، مرارا) يوجب على األطراف كافة (أنصار بناء الدولة األمة وأنصار اكتشاف ذاك. أو البلد هذا في التعايش ،تكذبه تجارب تاريخية قريبة الدولة وأنصار إحياء الدولة األمة) أن يدركوا الواقع ،كما هو ال كما يتمنى بكثير وضوحا أكثر التاريخية حدوده و«األمة» في واقع مصر اآلن مفهوم أي منهم ،فالتفكير بالتمني فخ لألفراد ..ولألمم كذلك! < من حدوده الفكرية النظرية ،وهذا مما يمكن البناء عليه ،إذا شكلت اللحظة الراهنة لحظة التقاط أنفاس بني كل األطراف .والتنافي الذي يصر البعض على االحتكام إليه ليس الخيار الوحيد في العالقة بني مفاهيم األمة املشار إليها ،ومصر املتصالحة مع ذاتها ليست حلما بعيد املنال ،شريطة أن تصبح «الدولة -األمة» دولة مواطنيها ،ال دولة هذا التصور املسبق املعلب أيا كان.
أحد املتظاهرين املصريني يحمل خريطة قديمة لفلسطني خالل مسيرة تطالب مصر بالتدخل القامة دولة فلسطينة عاصمتها القدس
,,
مشروع بناء «األمة الجديدة» كان في مواجهة شبه دائمة مع مفهوم «إحياء األمة» الذي تبناه الخطاب اإلسالمي
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
27
قصة الغالف
تشكل الثورات دائما لحظة انقطاع بقدر ما ،وبالتالي لحظة إعادة تأسيس .وليست إعادة التأسيس دائما طريقا إلى هدم القائم ،فقد تكون العالقات بني األشياء هي ما يبني ما بعد االنقطاع ،وليس التخلص منها. ومن الحقائق التي تؤكدها صراعات الرؤى التي شهدها العالم خالل العصر الحديث أن النسبة األكبر من «املفاهيم املؤسسة» (وبالتالي الـمـنـظمة) لالجتماع اإلنساني ،هي محل خالف يبدأ من التعريف ويمتد إلى املمارسة ،ونعني بذلك مفاهيم مثل الثقافة ،النظام ،الدولة ،الشرعية ..وقطعا «األمة».
«األمة» بني إحياء واكتشاف وبناء
حدود وطن بقلم: ممدوح الشيخ
,,
من املحاوالت الشائع استدعاؤها لبناء حدود (تبدو واضحة) ملفهوم األمة التفرقة عند البعض بني مفهومي «األمة» و«الشعب»
,,
26
من امل��ح��اوالت الشائع استدعاؤها لبناء ح��دود (تبدو واضحة) ملفهوم األمة التفرقة عند البعض بني مفهومي «األمة» و«الشعب»، حيث يشير املفهوم األول إل��ى حقيقة ثقافية ف��ي امل��ق��ام األول، ويشير إلى جماعة تربطها مشتركات عامة واضحة ،بينما املفهوم الثاني يشير إل��ى جماعة سياسية ف��ي امل��ق��ام األول تربطها مصالح ه��ي أكثر وضوحا من املشتركات العامة .وعلى امتداد التاريخ الحديث حظي كل من اللغة والعرق باالهتمام األكبر بني كل املشتركات األخرى التي يمكن أن يبنى عليها «مفهوم األمة». وكما هو شأن معظم املفاهيم املؤسـسة ال يشكل املعنى اللغوي للمفهوم إال جانبا واحدا من مبناه ،حيث البحث اللغوي التقليدي رافد واحد للمفهوم ،اإلحياء ال البناء وفي مثل هذه الحالة غالبا ما يغلب اللفظ «املعنى االصطالحي» الذي ينشأ كانت هذه العملية في الحقيقة عملية «بناء» لألمة الجديدة وفق شروط وينمو وتتحدد حدوده ومالمحه خارج أسوار معاجم اللغة! مسبقة انحاز إليها مؤسس الدولة الحديثة «محمد علي باشا» وخلفاؤه. على أن تاريخ اللفظ ،أحيانا( ،خاصة في حالة مفهوم األمة) يشكل زاوية وقد كانت هذه الشروط املسبقة مستقاة في املقام األول من تجربة االجتماع نظر ال يمكن تجاهلها وال طي صفحتها حتى لو توهم البعض ذلك ،وبعض السياسي األوروبية خالل بناء األوروبيني نموذج «الدولة -األمة» تأسيسا التجارب التاريخية التي تتخذ معيارا تغري بتضخم هذا الوهم .وفي الحالة على التحول املفصلي ال��ذي دشنته ال��ث��ورة الفرنسية .وخ�لال حكم هذه املصرية ف��إن حقيقة مثل االستخدام القرآني لهذا اللفظ أح��د أه��م رواف��د الدولة شكلت الثقافة الفرنسية املعني الذي نهلت منه النخبة الجديدة حتى «املعنى» ،وغني عن البيان هنا أن اللفظ ورد في القرآن الكريم أكثر من 40التخمة ،وكانت العالقات الرسمية الوثيقة مع الدولة الفرنسية الوجه اآلخر مرة بمعان مختلفة ،وأنه في تاريخ الثقافة اإلسالمية الطويل خضع لنوع من لهذه العملية ،إذ لعبت العالقات معها حجر الزاوية في بناء الدولة حتى «إعادة التعريف» في كتابات ذات مناح متباينة؛ دعوية ،تاريخية ،وسياسية .االحتالل البريطاني. وهذه العالقة بالتالي ال يجوز اختصارها في نقل التشريع الفرنسي ،وال ومما يصعب تجاهله أيضا ،في الحالة نفسها ،أن املفهوم ولد مرة أخرى يليق تقزيمها لتصبح مجرد مالبسات تاريخية ،ليس وراءها اختيار وال في حلة جديدة على يد «نخبة األفندية» التي ولدت في مصر في عهد خلفاء قرار! محمد علي ضمن مشروع «الدولة الحديثة» التي ال تزال في نظر كثيرين شكل التنظيم السياسي الذي قضى على «مفهوم األمة اإلسالمية» ،حتى وفي النموذج الفرنسي املشار إليه كان «البناء» يستهدف في املقام األول قبل أن تسقط الخالفة .ومن ناحية أخرى لعب «خطاب الحد األقصى» عند تحقيق االن��دم��اج ب�ين امل��ك��ون��ات الثقافية ،بحيث ت��ك��ون الثمرة ب��ن��اء كيان بعض من نقلوا املفهوم األوروبي ارتكبوا خطيئة توهم أن «الدولة -األمة» سياسي جديد يتمايز عن الكيانات والجماعات املكونة له .لكن األهم هنا التي يجري بناؤها ستكون نفيا لكل ما سبقها على طريقة «العام رقم أن الدولة هي َم ْن يعمل على توليد الشعور لدى أعضائها بكونها «مشتركا صفر» في تجربة الثورة الفرنسية! عاما» يقتضي الحفاظ على استمراريته بغية دوام املجتمع .وهنا ،أصبحت العالقة بني الدولة واملجتمع معكوسة ،وتلك أحد أهم القضايا التي انتبه إليها ول���و ت��اب��ع ه���ؤالء م��ا ش��ه��دت��ه ف��رن��س��ا نفسها ف��ي ال��ذك��رى امل��ائ��ت�ين للثورة بعض من ساهموا في ثورات الربيع العربي ،وحاولوا الدفع باتجاه تقوية الفرنسية ،وه��ي مسقط رأس الدولة -األم��ة في التقليد الغربي ،الختلف املجتمع (وأيضا الفرد في مواجهة الدولة). موقفهم وخطابهم .فقد شهد االحتفال صدور أدبيات كثيرة تنتقد بحدة دور الدولة التي أنشأتها الثورة الفرنسية ،وصوال إلى اتهامها بإبادة ما ومن ناحية املمارسة التاريخية الفعلية ،تواكب مع هذا التحول في مصر يقارب ربع املليون من معارضيها ،في منطقة فاندي شمال البالد لتحقق تحوالت مماثلة في العالم العربي جعلت مفهوم األمة يتحول ليصبح مفهوما التناغم الذي كانت شروطه معدة مسبقا ،وألدركوا أن ما يبشر به بعضهم متمحورا حول العروبة .وقد غلب على هذه التحوالت التمركز حول اللغة أو الثقافة ،وفي حالة استثنائية كانت عرقية بشكل أحمق كتجربة صدام أصبح موضع إنكار واستنكار في مسقط رأسه!
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
وم��ن ثمار ه��ذا التباين في الفهم -خاصة عند املقارنة بني خطاب الحد األق��ص��ى ف��ي املعسكرين -بعض م��ا تشهده مصر م��ن ت��داف��ع��ات ك��ادت تصل إلى صراعات تهدد املستقبل .وقد مرت مصر بفترة تمتد من عام 1805إلى عام 1953تتحرك شيئا فشيئا نحو مفهوم جديد لـ«األمة» ،إلى اإلعالن الرسمي القانوني عن ميالد «الجمهورية» كثمرة قانونية لتغيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية جرت وقائعها في الحقبة املشار إليها ،وهي فترة أرجح أنها «فترة انتقالية» ،طويلة بمعايير السياسية ،لكنها قصيرة جدا في عمر األمم!
املسيحيني في املظاهرات التي نظموها احتجاجا على هدم وحرق كنائس على ي��د سلفيني« :ب��ال�ط��ول وال �ع��رض ..إح�ن��ا أصحاب األرض» .أما السلفيون وأتباع «الجماعة اإلسالمية» والجهاديون، فقد قلبوا هتاف الثورة «الشعب يريد إسقاط النظام» عقب رحيل مبارك مباشرة إلى« :الشعب يريد تطبيق شرع الله». وأتذكر في هذا املقام مجموعة من امللتحني كانوا يجوبون ميدان التحرير فاردين فوق رؤوسهم علما ضخما ملصر ،وهم يهتفون: «ال شرقية وال غربية ..مطلبنا هو الحرية» ،ولم يكن هذا إال نوعا من التحايل والخوف ،ألن مبارك وقتها كان ال يزال ينازع من أجل االحتفاظ بالسلطة ،ومن ثم فجزء كبير من قدرته على تخويف ه��ؤالء كانت باقية ،وم��ن هنا تخلى ه��ؤالء «تكتيكيا» ع��ن «ال شرقية وال غربية ..إسالمية إسالمية» إلى رفع شعار «الحرية» املتساوق مع مبادئ ومطالب الثورة ،ثم انقضوا عليه وعادوا إلى سيرتهم األولى ،بعد أن زالت أسباب الخوف. تحت راعية «الشرعية» وبلغ األمر مداه مع االستفتاء على التعديالت الدستورية الذي ج��رى ف��ي 19م��ارس (آذار) ،2011وك��ان ب��داي��ة االف �ت��راق في الساحة السياسية والقوى الثورية أو تلك التي التحقت بالثورة بعدما ت��أك��دت م��ن نجاحها .فانقسمت مصر إل��ى «مدنيني» يصفهم «اإلخ��وان» والسلفيون بأنهم «علمانيون» ،ويتركون ملشايخهم مهمة تشويه هذا املصطلح بما ليس فيه ،من دون ورع وال علم وال حياء ،وإلى «إسالميني» حسبما يصفون هم أنفسهم ،وإن كانت تدابيرهم وتصرفاتهم ،بل أقوالهم ،تتناقض أو تتعارض مع صحيح اإلسالم في مواضع ال حصر لها ،وال داعي لذكرها هنا.
واإلمبراطوريات والحضارات .وص��راع الحضارات هو املشهد األخير في استخدام الهوية ك��رأس حربة ضد «اآلخ��ر» .وهذه حالة عامة ال سبيل لنكرانها. ف��إذا عدنا إل��ى حالتنا الخاصة التي نقصدها ف��ي ه��ذا املقام، يمكن أن نقول إنه مع تفشي البطالة في مصر وإصرار الكبار على ممارسة الوصاية على الشباب في نظام «أب��وي» جامد، ينشأ وسط صراع أجيال حاد ،وانسداد األفق السياسي بفعل تسلطية الدولة وبطشها ،واستشراء الفساد ،وازدياد حجم الغنب االجتماعي ،وشيوع ثقافات تقليدية ودينية نازعة إلى الجمود والتشدد ،واستفحال الشعور بالقهر والظلم والهوان حيال العالم الخارجي ،يجد الشباب املصري نفسه مدفوعا إلى االنزالق إلى ارتكاب العنف بشتى صوره الرمزية واللفظية واملادية ،وهي حالة ال شفاء منها دون انقضاء األسباب التي تؤدي إليها ،ثم جاء الصراع حول الهوية ليزيد الطني بلة. لكن األس�ب��اب كلها كانت وراء العنف االجتماعي ،أم��ا العنف السياسي ف��ي م�ص��ر ،فيعزى إل��ى ص��راع ال�ه��وي��ات ب��األس��اس، الذي كان مكبوتا أيام حكم مبارك بفعل القوة األمنية ،ثم انفجر بعد رحيله بطريقة غير مسبوقة ،فوجدنا مخاوف األقباط من تقدم «اإلخوان» والسلفيني في الحياة السياسية ،وهتف بعض
ووس��ط ه��ذا الضجيج ،ع��ادت أص��وات تتحدث ع��ن ال�خ��وف من اختطاف الهوية املصرية ،التي ألفوها وتعايشوا معها ،وكانوا يعنون بها طبائع املصريني وثقافتهم العميقة وطريقتهم الوسطية أو املعتدلة في فهم الدين وتطبيقه ،التي جعلت اإلمام الشافعي نفسه يفتي ذات يوم في مصر بغير ما يفتي به في العراق على املسألة نفسها .وزادت ه��ذه املخاوف مع اتجاه «اإلخ��وان» إلى التحالف مع التكفيريني والسلفيني الجهاديني ،بعد عقود بدوا فيها كأنهم قد تماهوا مع مقتضيات الهوية املصرية أو تكيفوا مع طبائع وقيم وموروث املصريني ،وهي مسألة كانت تعطيهم ميزة على تيارات العنف والجمود التي اتخذت من اإلسالم آيديولوجية لها أو زعمت أنها تحمل لواءه في الدعوة.
,,
العنف السياسي في مصر يعزى إلى صراع الهويات باألساس الذي كان مكبوتا أيام حكم مبارك بفعل القوة األمنية
,,
وفور سقوط حكم «اإلخوان» بعد ثورة 30يونيو ،اشتد الصراع على السلطة ضراوة ،وهو يلبس لبوس الهوية ،فالذين وقفوا على منصة «رابعة» كانوا طيلة الوقت يصدرون خطاب الهوية رغم أنهم يعلمون بينهم وبني أنفسهم أن مقصدهم هو االحتفاظ بالسلطة واالستعداد للقتال من أجل هذا تحت راعية «شرعية» فقدوها قبل الثورة بكثير ألسباب كثيرة .فخطاب الهوية هنا كان الهدف منه تجميع القوى «الدينية» للوقوف إلى جانب «اإلخوان» في معركتهم السياسية البحتة .وفي مقابل هذا ،استدعى معارضو «اإلخوان» خ�ط��اب ه��وي��ة آخ��ر ه��و ال��دف��اع ع��ن «خصوصية» األم��ة املصرية وتاريخها ،وهي استدعاءات ال تزال قائمة حتى هذه اللحظة وال أعتقد أنها ستتوقف في املدى املنظور ،ليستمر الكل ،في سذاجة مفرطة ،في التناحر من أجل تحديد هوية مصر ،ولن يفعلوا في نهاية املطاف سوى مثلما فعل ذلك الذي أخذ وقتا طويال للتفكير، ثم عرف املاء باملاء<
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
الداعية السلفي ياسر برهامي
25
قصة الغالف
,,
االسالميون قلبوا هتاف ثورة يناير «الشعب يريد إسقاط النظام» عقب رحيل مبارك إلى: «الشعب يريد تطبيق شرع الله»
,,
اسامة نجل الرئيس السابق محمد مرسي
24
وإذا كان النوع األول يتمحور حول األنا بوصفها مظهرا شعوريا للذات كما يدركها صاحبها ،ف��إن هوية املجتمع هي خالصة عبقريته وذكائه الجمعي املستقى من سماته النفسية وتاريخه وقيمه وعقيدته وتصوراته وتجربته الحياتية بكل ما تنطوي عليه من قدرة على االستيعاب واالستبعاد ،وإمكانية في التواصل مع التجارب األخ��رى ،والتفاعل معها بمختلف الصور واألشكال. وه��ذان النوعان يشكالن صلب االهتمامات املعرفية والعلمية بقضية الهوية ،ال سيما الدراسات الثقافية ،التي تنشغل أساسا بفحص السياقات التي يقوم األف��راد والجماعات ،داخلها ومن خاللها وباالستناد إليها ،بتكوين هوياتهم أو فهمهم لذواتهم والتعبير عنها وحمايتها. وينطوي مفهوم الهوية على خاصية ثابتة ومستمرة للفرد أو الجماعة ،وهذا إن كان من املمكن تقبله على املستوى النظري فإن من الصعب تحققه في الواقع املعيش ،ولذا يدعو بعض الباحثني إلى التركيز على عملية التوحد ،وليس البحث عن هوية ثابتة، ألن األخيرة تكاد تكون مستحيال .فالشخص الواحد ينتمي إلى هويات كثيرة ،وهو ما عبر عنه أمارتيا سني حني قال« :إننا في حياتنا العادية نرى أنفسنا أعضاء لعدد متنوع من الجماعات، ونحن ننتمي إلى كل هذه الجماعات ،فالشخص نفسه يمكن أن يكون ،دون أي تناقض ،مواطنا أميركيا من أصل كاريبي، وينحدر من ساللة أفريقية ،ومسيحيا ،وليبراليا ،وهو رجل، ونباتي ،وعداء للمسافات الطويلة ،ومؤرخا ،ومعلما ،وروائيا، ومناصرا لقضايا املرأة ،وطبيعيا في عالقته بالجنس اآلخر... ومحبا للمسرح ،ومناضال من أجل قضايا البيئة ،ومشجعا للعبة التنس ،وعازفا ملوسيقى الجاز ،وشديد اإليمان بالرأي ال��ذي يقول إن هناك مخلوقات ذكية ف��ي الفضاء ال�خ��ارج��ي». وهذا التعدد في الهويات يتكرر لدى كل فرد على وجه األرض، بما يجعل اإلنسان موزعا طيلة الوقت بني انتماءات متقاطعة ومتشابكة ،ومتباينة أحيانا .وقد يشترك الفرد في انتماء أو أكثر من فرد آخ��ر ،لكنهما يكونان في الوقت ذات��ه متناقضني ومتنافرين في انتماءات أخرى ،وهذا في شبكة اجتماعية غير منتظمة.
مصرية تحمل صورتي الرئيس املصري الراحل أنور السادات وعبد الفتاح السيسي في موقع انفجار قنبلة أسفر عن إصابة خمسة من رجال الشرطة بالقرب من محطة مترو بالقاهرة
للتعبير عن هوية املنتمني إلى منطقتنا من العالم مثل« :الرابطة الشرقية» و«الجامعة اإلسالمية» و«القومية العربية» و«الرابطة الوطنية اإلقليمية» و«العالم العربي» و«الوطن العربي» ،وغير ذلك من املفاهيم التي ثار حولها جدل فكري عارم منذ مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى اللحظة الراهنة.
ون �ظ��را ل �ه��ذا ال�ت�ع�ق�ي��د ،ح��اول��ت ب�ع��ض ال ��دراس ��ات االج�ت�م��اع�ي��ة واالقتصادية أن تمارس نوعا من التجنيب أو االختزال لـ «الهوية» عبر سبيلني :األول هو «اإلغفال» بمعنى التجاهل واإلهمال الكلي لتأثير أي شعور مشترك بالهوية على سلوكيات واختيارات التجمعات البشرية ،والتعامل مع كل ف��رد كأنه «ك��ل متكامل» منبت الصلة عن غيره ،ويعمل ويتحرك في جزيرة منعزلة .أما ومن يمعن النظر في املالبسات والسياقات املرتبطة باألعمال الثاني فهو «االنتماء األحادي أو املنفرد» الذي يعني النظر إلى كل العنيفة التي تمت بسبب تنازع الهويات ،يجد أن وجاهة ورسوخ فرد كأنه ال ينتمي إال إلى جماعة واحدة ،يعطيها والءه. وتأثير التصورات التي تبرر العنف تختلف باختالف املدى أو القدر الذي يتوافر فيه للساخطني الشعور باالنتماء إلى جماعة معينة .ويتولد هذا الشعور ويتعزز عبر مجموعة من املعاني مصر تعود وال��رم��وز ال�ت��ي تجعل ال�ن��اس واع�ي�ن ب�ح��االت السخط املشتركة وعموما ،فإن اإلنسان ال يعطي مختلف هوياته الدرجة نفسها بينهم ،ومدركني في الوقت ذاته حجم وجود الجماعة أو املنظمة من األهمية أو األولوية ،لكنه يغلب بعضها على بعض ،وقد تنتظم التي تضمهم ،وواثقني بقدرتهم إن توحدوا على أن ينتفضوا لديه في سلم انتماء يتدرج من األقصى إلى األدنى ،وهنا قد تجد ضد من يضطهدهم أو يقهرهم .ومثل هذا الوضع دفع ديفيد مجموعة بشرية نفسها متفقة على إعطاء وزن أكبر لهوية معينة شوارتز إلى القول« :اإلغ��راءات الثورية تكون ناجحة بمقدار ما توفر الشعور باالنتماء إلى جماعة تاريخية معتدة بنفسها ،حتى عما عداها ،ويورثها هذا شعورا قويا بالتمايز عن اآلخرين. وه��ذه املجموعة ق��د تصغر لتختصر ف��ي جماعة أو عائلة أو لو كانت من نتاج الخيال». عشيرة أو قبيلة أو طائفة أو أهل حرفة أو أتباع دين أو لغة ،وقد تكبر عند البعض لتصبح ال��دول��ة أو اإلقليم ،وهنا يمكنها أن والصراع حول الهوية آفة عرفتها البشرية طيلة تاريخها املديد، تأخذ أسماء عدة .فعلى سبيل املثال ،هناك مصطلحات مختلفة ب��دءا م��ن ال�ت�ن��اح��رات العشائرية والقبلية وح�ت��ى ص��راع ال��دول
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
املصريني في لحظة تاريخية يتسامون فوق االحتقانات الطائفية والطبقية والسياسية التي عانوها عقودا ،لكن ما إن انتهت املوجة األول ��ى ب��إج�ب��ار حسني م �ب��ارك ع�ل��ى التنحي ح�ت��ى ب��دأ ص��راع الهويات ،الذي هو السبب الكامن أو املضمر وراء الدم الذي سال، وال يزال حتى اآلن ،بينما السبب الواضح الفاضح هو الصراع على السلطة من ناحية والحفاظ على الدولة من ناحية أخرى، وإن كان البعض يعد حيازة السلطة هي الوسيلة األقصر واألقرب واألكثر أمنا للدفاع عن الهوية كما يراها ،أو يتوهمها. لكن ال�ح��ال��ة امل�ص��ري��ة هنا ليست اس�ت�ث�ن��اء ،ف��ال�ص��راع��ات حول «ال�ه��وي��ة» ،بشتى أشكالها ،تعد األكثر إراق��ة للدماء في تاريخ البشرية املديد ،فاإلنسان الذي طاملا تمزق بني «أن��ا» و«ه��و» أو «نحن» و«هم» كان أكثر ضراوة حني زاحم وخاصم وقاتل من يختلفون معه في الدين والساللة والطبقة والثقافة .وتحت هذه البنى االجتماعية ال�ك�ب��رى ،تناحر امل�ت�م��اي��زون ف��ي ال�ف��روع من بني املتمركزين حول القبيلة والطائفة واملذهب واللهجة .حتى اإلمبراطوريات الكبرى لم تقلع عن توظيف الهويات في تبرير مشروعاتها االستعمارية ،ح�ين صنعت منها آيديولوجيات سهلت لها عملية الحشد والتعبئة. وأغلب األفعال العنيفة محالة إلى التعصب األعمى للهويات تارة، وإلى الهويات التي تنطوي على أفكار تدعو إلى كراهية اآلخر ونبذه طورا .لكن ما أود أن أؤكده في هذا املقام ،أن إمكانية إنتاج هوية ما عنفا مقنعا أو منظما ،ال يعني بأي حال من األحوال أن التخلي عن الهوية واجب ،فهذه مسألة مستحيلة بل ومرفوضة
تماما ،لكن من الضروري أن يتخلى األفراد عن التعصب األعمى لهوياتهم وخصوصياتهم ،وأال يستسلموا ملا يسمى «حرب األف�ك��ار» وأن يؤمنوا بتعدد الهويات وتقاطعها ،ويتسامحوا م��ع «اآلخ ��ر» ،ويمتلكوا ق��درة فائقة على التفرقة ب�ين التسامح والتساهل ،ف��األول الزم لنزع أي طاقة عنيفة تحملها الهويات، والثاني غير مطلوب ،ألن من ال يحترم ما لديه ليس بوسعه أن يحترم ما لدى اآلخرين ،ففاقد الشيء ال يعطيه.
ما الهوية؟ ابتداء ،فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو :ما الهوية؟ إنها في معناها األول والبسيط هي إدراك الفرد نفسيا لذاته .لكن ه��ذا ال�ت�ص��ور املبسط ل��م يلبث أن ات�س��ع وت�ف��اع��ل داخ��ل العلوم اإلنسانية قاطبة ،ليشمل الهوية االجتماعية ،والهوية الثقافية، والهوية العرقية ،وجميعها مصطلحات تشير إلى توحد الذات مع وضع اجتماعي ،أو تراث ثقافي ،أو جماعة عرقية .وإذا انطلقنا من الذات وفارقناها إلى املحيط األكبر ،فيمكن الحديث عن هوية الجماعة ،التي تعني التوحد أو اإلدراك الذاتي املشترك بني جماعة من الناس. والهوية مفهوم متعدد الجوانب ،يتعلق بفهم الناس وتصورهم ألنفسهم وملا يعتقدون أنه مهم في حياتهم ،استنادا إلى مصادر معينة م�ث��ل ال�ج�ن��وس��ة وال�ت��وج��ه الجنسي والجنسية واإلث�ن�ي��ة والطبقة واملذهب وغيرها .وهناك نوعان من الهوية ،األول :هو: الهوية الذاتية ،والثاني هو :الهوية الجتماعية .وكالهما مرتبط بهمزات وصل كثيرة.
أنصار عبد الفتاح السيسي من حزب النور السلفي يحملون مجسما للمشير بالزي العسكري والكاب الذي يميزه شعار غصني الزيتون ومجسما آخر للداعية السلفي ياسر برهامي
,,
الهوية مفهوم متعدد الجوانب يتعلق بفهم الناس وتصورهم ألنفسهم وعقائدهم
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
23
قصة الغالف
لم يتعلم أي من املصريني املتصارعني حول «الهوية» في مصر ،درس التاريخ القريب أو البعيد ،ولم يقرأوا تلك الحكمة السابغة التي خرج بها «نيوبري» بعد أن راجع خصائص الطبقات الحضارية املصرية ،حيث قال: «مصر وثيقة من جلد رقيق ،اإلنجيل مكتوب فيها فوق هيرودت ،وفوق ذلك القرآن ،وتحت الجميع ال تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجالء».
ثالث سنوات من االنقسام :صراع الهوية في مصر ..عبثي دوما ..دموي أحيانا
اللحى وأغصان الزيتون بقلم: د .عمار علي حسن
,,
فور سقوط حكم «اإلخوان» بعد 30 يونيو اشتد الصراع على السلطة ضراوة وهو يلبس لبوس الهوية
,,
في سبتمبر (أيلول) ،2011أي بعد ثمانية أشهر من قيام ثورة يناير وقبل شهرين من أول انتخابات برملانية أعقبتها ،طلب مني رئيس «ال��دع��وة السلفية» والرجل األهم في حزب النور ياسر برهامي نصيحة أقدمها إليه عقب حوار أجرته مجموعة من املثقفني املدنيني ،كنت واحدا منهم ،مع السلفيني ،فقلت له على الفور :أنصحك بأن «تكف ستة أشهر عن قراءة الفقه وتخصص هذا الوقت لقراءة الفلكلور املصري» فامتأل وجهه بالدهشة ،وتساءل :ملاذا؟ فأجبته« :ألن الفلكلور يربح في النهاية». لم يعمل برهامي بالنصيحة ،وقبله جماعة اإلخوان التي ظنت أن املصريني صوتوا على مشروعها أو تصورها الديني والفكري ال��ذي تقع الهوية ف��ي قلبه ،وه��ي مسألة طاملا كنت أفندها في حينها ،فدفعوا ثمنا باهظا ،أكبر بكثير من األثمان التي دفعها كل من حاولوا اختصار هوية مصر في جانب واحد :فرعونية، كما ك��ان ي�ن��ادي حفيد أحمد لطفي السيد وأس��س حزبا لهذا الغرض قبل ثورة يناير ..وبحر متوسطية ،كما حلم طه حسني وم��ن قبله الخديو إسماعيل ال��ذي أراد أن تكون ال�ق��اه��رة مثل باريس حتى في معمارها ..أو إسالمية ،كما رفعت ما تسمى حركة «الصحوة اإلس�لام�ي��ة» التي ب��دأت ف��ي عشرينات القرن العشرين ..أو عربية ،حسب ما تبنى التيار القومي وال سيما الناصرية ،التي غلبت هذا االتجاه على ما ع��داه .وفي كل هذه ال �ح��االت ،ك��ان الحضور األف��ري�ق��ي م��وج��ودا ،على األق��ل بحكم الجغرافيا التي جعلت مصر بوابة القارة السمراء ،وهي مسألة لم تكن سائدة قبل توحيد القطرين على يد امللك الفرعوني مينا، حيث كانت دلتا مصر جزءا من القارة اآلسيوية بينما الصعيد هو املنتمي إلى أفريقيا .وتقاطع الدين مع كل هذه الحاالت ،فنظر إلى مصر لدى كثيرين باعتبارها جزءا من العالم اإلسالمي ،فيما فرض الصراع الدولي عليها أن تكون في «العالم الثالث» بحكم تقسيمات القرن العشرين ،لكن هذه مسألة قابلة للتغير ألنها مرتبطة بشروط اقتصادية وتقنية وقدرات عسكرية معينة.
دولة ذات سيادة
منها ،نظامها جمهوري ديمقراطي ،يقوم على أساس املواطنة وسيادة القانون .الشعب املصري جزء من األمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها ،ومصر جزء من العالم اإلسالمي ،تنتمي إلى القارة األفريقية ،وتعتز بامتدادها اآلسيوي ،وتسهم في بناء الحضارة اإلنسانية». ه �ن��ا ي �ك��ون��ون ق��د ح � ��ددوا ال �ه��وي��ة ب ��دوائ ��ر االن �ت �م��اء ال�ج�غ��راف��ي والتاريخي والثقافي ،لكنهم في حقيقة األم��ر سايروا السائد واملتاح واملألوف ،وخضعوا لتوازنات سياسية واجتماعية في اللحظة الراهنة ،دون أن ينصاعوا إل��ى حقيقة دامغة تقول إن هوية مصر هي أنها «مصر» ،التي كونت أقدم دولة في تاريخ البشرية ،وسعت إلى معرفة الله قبل األديان اإلبراهيمية ،وكان موجودا بها سبعة أنبياء قبل اإلسالم ،وعاشت نحو سبعة قرون دولة مسيحية ،وظل املسيحيون يشكلون أغلبية سكانها حتى العصر الفاطمي ،أي بعد أكثر من قرنني من الفتح اإلسالمي، وه��ي ال��دول��ة ال�ت��ي احتفظت ب��وض��ع خ��اص طيلة زم��ن الخالفة اإلسالمية ،األموية والعباسية والعثمانية ،وكانت شبه مستقلة عن السلطة املركزية في دمشق وبغداد وإسطنبول ،ومن تولوا أمرها تشجعوا في أغلب األحيان على التمرد املعلن أو الصامت على السلطة املركزية محاولني أن يستقلوا بها ،هكذا فعل أحمد بن طولون وصالح الدين األيوبي والظاهر بيبرس ،ومحمد علي الذي جهز جيشا ملحاربة السلطان العثماني نفسه. لكل هذا ،فإن مصر بدت طيلة تاريخها أمة قائمة بذاتها ،نشأت على التوالي ،طبقات حضارية يركب بعضها بعضا ،ومن ثم فإن أي محاولة لتفكيك هويتها أو اختزالها في صنف أو لون واحد محكوم عليها بالفشل الذريع ،فاملوروث الشعبي املصري يتمدد فيه كل هذا الزمن لتبقى قيم ومعان وألفاظ وطقوس مستمرة ال تهتز وال تذهب .فعلى سبيل املثال ،فإن الطقوس التي تؤدى اآلن في مقام القطب الصوفي أبو الحجاج األقصري هي التي كانت تؤدى في املكان ذاته في مصر املسيحية ،ومن قبلها في معبد آمون بمصر الفرعونية ،إذ تغيرت الكلمات واملعاني واملقاصد واستمرت الطقوس .ولهذا ،ليس من قبيل املبالغة أن يقول البعض إن مصر أعطت املسيحية واإلسالم من روحها.
كل هذا ربما كان في ذهن أعضاء «لجنة الخمسني» الذين جلسوا لحظة تاريخية
ليضعوا دستور مصر الجديد ،عقب ث��ورة يونيو (ح��زي��ران)، حيث نصت املادة األولى فيه على أن «جمهورية مصر العربية وحني اندلعت ثورة يناير ،عبر ميدان التحرير عن كل هذا املعاني، دولة ذات سيادة ،موحدة ال تقبل التجزئة ،وال ينزل عن شيء وتعجب كثيرون من الجينات الحضارية التي قفزت فجأة لتجعل 22
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
تالميذ املدارس يرحبون بالنازي أدولف هتلر وهو يجتاح مقاطعة السوديت 1938
يتفكك ،حتى تجاهل حلف األطلسي االتفاق ،وتحركت قواته شرقا إلى داخل أملانيا الشرقية السابقة .ورغم شكاوى الرئيس الروسي بوريس يلتسني في أن تمدد األطلسي شرقا «ينتهك روح» االتفاق ،فإن روسيا لم تكن في وضع يمكنها من أن تفعل أي شيء حيال األمر. وكما الحظ الصحافي والكاتب املطلع بيتر بينارت رئيس التحرير السابق ملجلة «ذا نيو ريبابليك» ،فإن عددا من خبراء السياسة الخارجية اعتبروا قرار توسيع حلف األطلسي شرقا «استفزازا أرع��ن» .وقال مؤرخ الحرب الباردة املرموق جون لويس :إن «املؤرخني -وهم عادة كثيرو الخصام -اتفقوا عموما على نحو غير معهود على أن توسيع حلف األطلسي لم يكن حكيما ،وكان سيئ التوقيت ،وفوق كل شيء ،لم يكن يتالءم مع دقائق عالم ما بعد الحرب الباردة» .ولكن مع تضعضع روسيا على نحو خطر ،انتصرت نزعة التسلط األميركية على العالم .وهكذا دفع الرئيس بيل كلينتون األطلسي إلى حرب في يوغسالفيا .1999وف��ي ع��ام ،1997انضمت بولندا واملجر ،وتشيكيا إل��ى األطلسي ،ث��م تبعتها ف��ي ال�ع��ام 2004سبع دول كانت ج��زءا م��ن الكتلة السوفياتية .وأخيرا التحقت كل من ألبانيا وكرواتيا في عام .2009كما تم توسيع برنامج حلف األطلسي «الشراكة من أجل السالم» ليشمل الجمهوريات السوفياتية السابقة أوكرانيا ،وجورجيا ،ومولدوفا ،وكازاخستان ،وأرمينيا، وأذربيجان .والعرض الذي قدمه االتحاد األوروبي لـ«إنقاذ اقتصاد» أوكرانيا، في نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي ،تضمن بندا كان من شأنه أن يربط هذا البلد بالتنظيم العسكري لالتحاد األوروبي .وفي األيام األخيرة ،اتضح تماما خطر تقدم حلف عسكري حتى ح��دود روس�ي��ا ،عندما ب��دأ حلف األطلسي ينشر قواته في دول البلطيق وبولندا ،والواليات املتحدة ترسل مدمرة مجهزة بصواريخ موجهة إلى البحر األسود ،وطائرات حربية إلى دول البلطيق .والوضع الراهن هو بالذات الوضع الذي حاول غورباتشوف تجنبه في العام .1990ولهذا السبب ،يشكل زحف األطلسي باتجاه الشرق خطرا يتجاوز أوكرانيا .وحتى قبل أزمة القرم ،كانت املقاتالت األميركية تجوب األجواء الحدودية بني روسيا ودول البلطيق األعضاء في األطلسي. وملاذا تعتقد روسيا أنها بحاجة إلى منطقة عازلة؟ من منظور روسيا ،غزا نابليون وهتلر روس�ي��ا ،ففقدت 40مليونا م��ن سكانها ف��ي تينك الحربني العامليتني ،وعبر التاريخ ،أقامت قوى كبرى كثيرة مثل هذه املناطق العازلة. وعلى سبيل املثال ،إضافة إلى إمبراطوريتها العاملية غير املعلنة ،احتفظت
الواليات املتحدة لنفسها منذ العام 1823بحق التدخل عسكريا في أي مكان من أميركا الالتينية بموجب مبدأ مونرو. وقد حذر البعض من عواقب سيئة للواليات املتحدة حني تكرر ذلك مع روسيا خالل فترة ما بعد الحرب الباردة في التسعينات والعقد األول من القرن الواحد والعشرين -بدال من أن تتبع الواليات املتحدة مثال إدماج فرنسا في أوروبا النابليونية ،وهو ما أدى إلى قرن من دون حرب كبرى ،وبعد عقب الحروب ُ انتهاء الحرب الباردة ،أقصيت روسيا من أوروبا ،بدال من التخلي عن حلف األطلسي وإدماج روسيا في األسرة األوروبية العريضة .عالوة على ذلك ،وعد الرئيس جورج بوش األب الزعيم السوفياتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف بأن األطلسي لن يتوسع ،مقابل موافقته على إعادة توحيد أملانيا ،ولكن ذلك الوعد انتهك امل��رة تلو األخ��رى .وعندما رأى بوتني تآكل املزيد من منطقته العازلة وسقوط حكومة يانوكوفيتش األوكرانية الصديقة لروسيا ،طفح به الكيل من اإلذالل ،فتحرك إلنقاذ ما بقي ،من خالل إعادة ضم منطقة القرم الناطقة بالروسية إلى روسيا .وأوكرانيا املجاورة كانت دائما استراتيجية بالنسبة لروسيا ،إذ تضم امليناء الوحيد لروسيا على مياه دافئة وقاعدتها البحرية االستراتيجية في سيفاستوبول. واملستشار األملاني األسبق «هيلموت شميدت» يقول« :إن الواليات املتحدة واالت�ح��اد األوروب��ي وحلف الناتو جميعا مسؤولون عن ان��دالع ه��ذا الصراع بسبب سذاجتهم وآيديولوجيتهم الجيو -سياسية» ،وحذر كثيرون آخرون في أوروب��ا الغربية والواليات املتحدة من التوسع املتعمد وامل��ذل في عضوية حلف «الناتو» باتجاه ال�ح��دود السابقة لالتحاد السوفياتي باعتباره دعوة راسخة ومتواصلة لرد فعل عنيف من قبل روسيا بقيادة فالديمير بوتني. وكما شرح املؤرخ «وولتر روسيل ميد» األمر في مدونته« :إن أكبر طبخة لم يواجهها الغرب أب��دا هي :ما سياستنا تجاه روسيا؟ وما موقع روسيا في النظام العاملي في نظر الغرب؟ فمنذ القرارات بتوسيع حلف الناتو واالتحاد األوروبي التي اتخذت في عهد إدارة الرئيس كلينتون ،والسياسة الغربية تجاه روسيا لها مشروعان كبيران ملا بعد فراغ االتحاد السوفياتي :أن يمتد الناتو واالتحاد األوروبي إلى مناطق حلف وارسو واالتحاد السوفياتي السابق ،ولكن روسيا نفسها كانت ممنوعة من االثنني ...وكما علق الكثيرون في التسعينات فإن تلك االستراتيجية كانت تسعى للمشكالت» .وكان أول من لفت االنتباه إلى ذلك جورج كينان ،ففي مقابلة أجراها معه الصحافي األميركي الشهير توماس فريدمان في 2مايو 1998مباشرة بعد إجازة مجلس الشيوخ لتوسيع الناتو .كان عمر كينان حينها 94سنة. وعمل كينان سفيرا للواليات املتحدة في موسكو وصاحب دراسة شهيرة حول «مصادر السلوك السوفياتي» التي نشرت في مجلة «فورين أفيرز» عام .1947وقال كينان فيما يتعلق بتوسيع الناتو« :أعتقد أنها بداية حرب باردة جديدة ،أعتقد أن الروس سيكون لهم رد فعل تدريجي مناوئ بشدة ،وسيؤثر ذلك على سياساتهم» ،مضيفا أن« :ما يقلقني بصفة خاصة وصف روسيا بأنها بلد يتحرق لقتال أوروبا الغربية ...لقد كانت خالفاتنا إبان الحرب الباردة مع النظام السوفياتي الشيوعي .واآلن ندير ظهورنا لنفس الناس الذين قاموا بأكبر ثورة دون دماء في التاريخ إلزالة ذلك النظام السوفياتي .والديمقراطية في روسيا متقدمة بقدر الديمقراطية في تلك الدول التي وقعنا معها للتو ،إن لم تكن متقدمة أكثر منها ،للدفاع عنها ضد روسيا .إنها تدل على فهم ضعيف للتاريخ الروسي والسوفياتي. بالطبع سيكون هناك رد فعل سيئ من روسيا ،وعندها سيقولون (املنادون بتوسيع الناتو) لقد قلنا لكم دائما هكذا هم الروس ،لكن هذا مجرد خطأ» .لقد اعتبر األديب واملفكر اآليرلندي جورج برنارد شو أن هيغل كان محقا عندما قال :إننا نتعلم من التاريخ أن املرء ال يستطيع أن يتعلم أي شيء من التاريخ، وك��ان رج��ع الصدى في ه��ذه املقولة واضحا ب��دوره في مقولة أول مستشار أملاني غربي بعد الحرب العاملية الثانية ،وهو املستشار العظيم األسبق كونراد أديناور ( )1963 - 1949والتي جاء فيها أن «التاريخ هو املحصلة اإلجمالية ألشياء كان من املمكن تفاديها»! < * صحافي مختص في الشؤون الروسية وباحث في مجلة «الديمقراطية» -مؤسسة «األهرام» -القاهرة -مصر
,,
شبه وزير املالية األملاني أمام جمع من التالميذ األملان تصرف بوتني في القرم بما فعله هتلر عندما ضم إقليم السوديت
,,
فولفجانج شويبله
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
21
شؤون سياسية
حدود االختالف
,,
هنري كيسنجر: على الغرب أال ينظر إلى بوتني على أنه «هتلر جديد» بل كزعيم محلي يحاول مد نفوذ بالده
,,
غير أن املقارنة بني الرجلني تبدو في الحقيقة ظاملة ،أو على األقل غير منصفة، فثمة اختالفات واضحة ما تلبث أن تعكس الفارق بني الرجلني ،وهو ما يبدو ّ جليا في دالالت ساقها الصحافي األميركي تشارلز لني لتأييد وجهة نظره، ففي الوقت ال��ذي تمتع فيه هتلر بصفات القيادة الكاريزمية ،اتصف بوتني بالسياسي االنتهازي الذي يسعى إلى امتالك السلطة من أجل السلطة ذاتها، كما أن مشاعر الكراهية والعداء التي يشعر بها الرئيس الروسي بوتني تجاه املسلمني أو الشواذ لم تكن دافعا الرتكاب مذبحة بحق أي منهم كما هو الحال ف��ي مذبحة الهولوكوست التي م��ورس��ت بحق اليهود م��ن قبل هتلر .وعلى النقيض من هتلر أيضا ،يرى تشارلز أن بوتني دائما ما يضع نصب عينيه الحكومات الغربية واألوروبية خشية التداعيات االقتصادية ،وفي مقدمتها الواليات املتحدة األميركية التي باتت تمتلك أسلحة نووية كما أن لها الحق في الدفاع عن حلفائها في دول الناتو .ويضيف تشارلز بأن بوتني ربما يبدو أكثر عقالنية من هتلر في التعاطي مع املخاطر التي تحيط ب��ه ،وه��و ما قد يبدو واضحا في األزمة األوكرانية فربما ترضخ الحكومات الغربية للسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم في مقابل أال تقدم روسيا من جانبها على احتاللها احتالال مباشرا األمر الذي قد يرضي طموحات حلف الناتو الذي يخشى م��ن ت�ك��رار تجربة تشيكوسلوفاكيا التي ت��م التضحية بها للزعيم هتلر عام .1938 ومن ناحية ثانية ،وعلى الرغم أن هتلر وبوتني تمكنا من تعزيز الشعور الوطني ملواطنيهم وأن هتلر ذهب أبعد من ذلك إلى حد التمييز العنصري ،لكنه استطاع أن يعزز الشعور الوطني األملاني من خالل تمجيد العرق اآلري ،فإن أحداث أوكرانيا جاءت لتظهر هذه امليول لدى بوتني وإن كانت بصورة معاكسة وأكثر حضارية من خالل دعمه للمتحدثني بالروسية أو العرق السالفي (الروس). إذ بعد سيطرة املواطنني الناطقني بالروسية في شرق أوكرانيا على املدن في مناطقهم ،وتنظيم استفتاءي 11مايو املاضي الداعيني لالنضمام إلى روسيا، شكر بوتني ،وبأدب جم ،األوكرانيني الناطقني بالروسية على دعوتهم لضم الجزء ال��ذي يحتلونه من أوكرانيا ،ولكنه رفض هذه ال��دع��وة ..على األق��ل في الوقت الراهن .ومن ناحية ثالثة فإن «روح العصر» في القرن الحادي والعشرين، تختلف كثيرا عن مثيالتها في القرون السابقة ،فالدبلوماسية لم تعد مباراة صفرية ،وسياسة االعتماد املتبادل االقتصادية التي أفرزتها «العوملة» بني الدول ،وقبل هذا وذاك توازن الرعب النووي بني القوى الكبرى ،كلها أمور ،أو باألحرى قيود ،تجعل املغامرات العسكرية على الطريقة النابليونية والهتلرية نسيا منسيا ،ودرس��ا من التاريخ يمكن ق��راءت��ه وليس درس��ا في السياسة يجب تعلمه.
مسؤولية الغرب لعل الشكوى التي يجأر بها الغرب ضد روسيا بوتني ،ال تعدو أن تكون أكثر من مجرد الفكرة التي يسجلها هذان البيتان للشاعر الفرنسي تيودور ف .ك: «هذا الحيوان شرير ،ألنني إذا ما هاجمته ،يدافع عن نفسه» .فالحقيقة هي أن املقارنة بني بوتني وهتلر ،ليست في وجود هذه املتشابهات بينهما ،لكن في القاسم املشترك بينهما الذي يجمع بينهما أكثر من غيره ،أال وهو موقف القوى الغربية الكبرى من بلديهما ،ومسؤوليتها فيما آلت إليه األحداث ودفعت بهما إلى انتهاج مثل هذه السياسات املتهورة في حال بوتني والجنونية في حال هتلر ،فاملشكلة في حالة أملانيا النازية لم تكن في سياسة «االسترضاء ،»Appeasementالتي قيل إن تشامبرلني تعامل بها مع هتلر ،بل في سياسة ُ اإلذالل واإلذع��ان التي فرضت عليها بعد الحرب العاملية األول��ى ،فالشعوب ُ العظيمة قد تصبر على مرارة معركة ،لكنها ال تصبر على ذل معاهدة ،فقسوة العقوبات وجسامة التعويضات هي التي دفعت األمل��ان إل��ى الرغبة في الثأر واالنتقام ،رغم تحذيرات عالم االقتصاد وعضو الوفد البريطاني في مؤتمر الصلح بباريس «جون ماينرد كينز» ،الذي اعتبر شروط املعاهدة مجحفة بحق
هنري كيسنجر
20
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
أملانيا وقد تتسبب في اندالع حروب أخرى ،فالحلفاء طالبوا أملانيا بـ«اللحم واللنب» في وقت واحد ،باستعارة تعبير رئيس الوزراء البريطاني «لويد جورج» في املؤتمر ،كما أن تغاضي بريطانيا عن صعود العسكرية األملانية ،كان محاولة منها للعودة لسياسة توازن القوى األوروبية الشهيرة مللء الفراغ في وسط أوروبا في مواجهة االتحاد السوفياتي بزعامة ستالني ،وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه على السيدة هيالري كلينتون :ملاذا تأخرت بالدها نحو عامني ونصف من املشاركة في الحرب العاملية الثانية ضد هتلر وتركته يعيث في أوروب��ا فسادا ودم��ارا ،برغم أن الطوربيدات الحربية األملانية تحرشت كثيرا بالسفن األميركية في املحيط األطلسي؟! وفي الوقت الحالي فإن املشكلة في حالة روسيا ليست في سياسة «املهادنة» التي تنتجها القوى الغربية تجاه بوتني فيما يتعلق باألزمة األوكرانية ،بل في السياسات األميركية الحمقاء والرعناء التي انتهجتها تجاه روسيا منذ نهاية الحرب الباردة .فتوسع حلف الناتو حتى الحدود الروسية إنما ينتهك روح، إن لم يكن ن��ص ،اتفاق عقد في فبراير 1990بني الزعيم السوفياتي آن��ذاك ميخائيل غورباتشوف ،ووزير الخارجية األميركي جيمس بيكر ،واملستشار األملاني الغربي هيلموت كول .وكانت املسألة املطروحة في ذلك الوقت مسألة أملانيا وحلف األطلسي .وبموجب املعاهدة التي أنهت الحرب العاملية الثانية ،كان لالتحاد السوفياتي الحق في االحتفاظ بقوات عسكرية في أملانيا الشرقية. وقد كان األميركيون واألملان يسعون للتفاوض مع موسكو حول إعادة توحيد الدولتني األملانيتني على أساس سحب القوات السوفياتية ( 380ألف جندي) في أملانيا الشرقية ،مع بقاء القوات األميركية واألطلسية ضمن حدود أملانيا الغربية فقط .وال��روس كانوا مستعدين لسحب قواتهم ،ولكن فقط بشرط أال تدخل قوات أميركية وأطلسية مللء الفراغ .وفي 9فبراير .1990أبلغ غورباتشوف بيكر أن «أي توسيع للمنطقة الجغرافية لحلف األطلسي سيكون غير مقبول». ورد بيكر بأن أكد له أن «الوالية القانونية لحلف األطلسي لن تتمدد بوصة واحدة شرقا» .وفي اليوم التالي الجتماع غورباتشوف وبيكر ،عقد اجتماع بني غورباتشوف واملستشار األملاني الغربي هيلموت كول ،الذي أكد للزعيم السوفياتي أن «حلف األطلسي ال يمكن طبعا أن يوسع منطقته الجغرافية» نحو أملانيا الشرقية .وفي اجتماع مواز بني وزيري الخارجية األملاني الغربي هانز ديتريش جينشر والسوفياتي إدوار شيفارنادزة ،أبلغ جينشر شيفارنادزةأنه «بالنسبة لنا ،موقفنا ثابت ،حلف األطلسي لن يتوسع نحو الشرق» .لكن أيا من تلك التأكيدات والتطمينات لم تسجل خطيا وما أن بدأ االتحاد السوفياتي
في ذلك .ومن باب املقارنة فإن نتائج االستطالع الذي أجراه املركز املذكور في العام 2012فإن النسب كانت كاآلتي 69 :و 37في املائة على التوالي .لقد زادت شعبية بوتني كثيرا حتى خارج روسيا لتنافس شعبيته الكبيرة داخلها ،لدرجة أن 750مواطنا فرنسيا وقعوا عريضة ناشدوا فيها الرئيس أوباما التنازل عن جائزة نوبل للسالم لصالح الرئيس بوتني ،باعتبار أن أوباما داعية حرب فاشل في دعوته وبوتني داعية سالم قادر على تحقيق دعوته.
بني القرم والسوديت اع�ت�ب��ر ال�ك��ات��ب ال�ص�ح��اف��ي األم�ي��رك��ي ت�ش��ارل��ز ل�ين ف��ي م�ق��ال ل��ه ف��ي صحيفة «واشنطن بوست» أن��ه رغ��م أن إعمال التشبيه وخاصة حينما يتعلق األمر بالزعيم هتلر هو من املهام الصعبة فإن التحركات العسكرية للرئيس الروسي فالديمير بوتني في القرم تستحق املجازفة ،فبعد ضم أملانيا النازية للنمسا مباشرة ،حول أدولف هتلر انتباهه إلى األقلية األملانية العرقية التي عاش أفرادها في مقاطعة السوديت في تشيكوسلوفاكيا .في مستهل األم��ر ،طالب هتلر بالتنازل عن مقاطعة السوديت لصالح أملانيا ،فحظي باتفاق سهل نسبيا من رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلني ونظيره الفرنسي إدوار داالدييه. وعلى الفور ،رفع هتلر سقف مطالبه فتضمنت االحتالل العسكري األملاني للمنطقة .والواقع أن تشامبرلني وداالدييه اللذين اعتبرا القضية «مشاجرة في بلد بعيد بني َأناس ال نعرف عنهم أي شيء» ،وبالتالي فإن األمر ال يستحق تحدي هتلر ،ق ِبال االح�ت�لال بالتوقيع على اتفاقية ميونيخ في ع��ام .1938 وبهذا ،فقد عمال على تعزيز قوة أملانيا وتشجيع هتلر إلى حد كبير -وكانت العواقب مأساوية. في األمد األبعد .ويرى خبراء روس أن انضمام القرم قد يفتح شهية أقاليم ومناطق أخرى في الساحة السوفياتية السابقة لطلب االنضمام إلى االتحاد ومن املؤكد أن الرئيس الروسي فالديمير بوتني ليس هتلر ،وروسيا ليست الروسي .فقد أبرزت وسائل إعالم روسية أن إقليم بريدنيستروفييه بجمهورية أملانيا النازية (أو االتحاد السوفياتي باألحرى) ،وال يواجه العالم السيناريو مولدافيا السوفياتية السابقة ،حيث يشكل الروس نحو 30في املائة من سكانه، املروع نفسه الذي وقعت أحداثه في العام .1939ورغم هذا ،فإن األمر ال يخلو يطالب هو اآلخر باالنضمام إلى روسيا ،وال ينبغي استبعاد احتمال تزايد مثل من بعض أوج��ه التشابه املهمة بني مقاطعة السوديت وأزم��ات شبه جزيرة هذه املطالب في الفترة املقبلة ،خاصة إذا علمنا أن عدد الروس الذين وجدوا القرم ،ويتلخص وجه الشبه األكثر وضوحا في وجود غالبية من املغتربني أنفسهم خارج روسيا بعد انهيار ،1991ليس بالقليل .فعلى سبيل املثال ال في املنطقة املحتلة .فيشكل الروس ما يقرب من 60في املائة من سكان شبه الحصر ،في كازاخستان يعيش بني 23في املائة و 30في املائة من الروس، جزيرة القرم الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة ،وكثيرون منهم أوثق ارتباطا وفي التفيا نحو 29في املائة ،وفي استونيا نحو 25.5في املائة ،وفي أوكرانيا ببلدهم «األم» من ارتباطهم بأوكرانيا .وعلى نحو مماثل ،ك��ان والء سكان 17.3في املائة .ويدور الحديث هنا عن السكان من أصول روسية فقط ،وإذا منطقة السوديت األملان الذين بلغ عددهم ثالثة ماليني نسمة ألملانيا أقوى من أضفنا إليهم عدد السكان الناطقني بالروسية تصبح الصورة أكثر تعقيدا. انتمائهم لتشيكوسلوفاكيا ،وكانت األغلبية الساحقة منهم تتبنى إدماجهم ولكن سيتوقف األمر في هذه املسألة ،في غالب الظن ،على الكرملني أكثر من في الرايخ الثالث. توقفه على السكان الروس في تلك البلدان. وفي الواقع فإن الذريعة التي انتحلها بوتني لالحتالل والضم -حماية السكان املحليني -هي الذريعة نفسها التي استخدمها هتلر .وحتى وقت قريب ،لم ُيبد بوتني اهتماما كبيرا بشؤون القرم ،باستثناء تجديد عقد إيجار قاعدة أسطول البحر األس��ود في سيفاستوبول .ولكن منذ ان��دالع الثورة األوكرانية ،تحول ضعف السكان ال��روس املحليني املزعوم في مواجهة «الفاشيني» إلى قضية رمزية -وذريعة للتدخل العسكري الروسي .وقد وظف هتلر ذريعة مماثلة في مطالبة تشيكوسلوفاكيا بالتنازل عن مقاطعة السوديت .ويشترك بوتني في شيء آخر مع هتلر :نظرته إلى البلد الذي يحتله باعتباره «غير طبيعي» بطريقة أو بأخرى .ورغم أن بوتني لم يسبق له الطعن رسميا في استقالل أوكرانيا، فإنه لم ُيخف قط رأيه بأنها ليست «دولة حقيقية» ،مشيرا إليها بوصفها جزءا من «العالم الروسي» .وباملثل ،كانت تشيكوسلوفاكيا في نظر هتلر عبارة عن تكتل غير طبيعي من أمم ومناطق متباينة. سعى هتلر إلى تدمير تشيكوسلوفاكيا .فبعد ستة أشهر من اقتطاعه ملنطقة السوديت ،ألغى اتفاقية ميونيخ باحتالل بوهيميا ومورافيا بالكامل وتحويل األراضي التشيكية إلى محمية أملانية ،في حني زرع نظاما صوريا في سلوفاكيا املستقلة اسميا .وإذا كانت لدى بوتني خطط مماثلة فمن املرجح بعد ضم شبه جزيرة القرم ،ثم يعقب ذلك بالوجود العسكري املباشر في شرق أوكرانيا (حيث تحتشد القوات الروسية على الحدود) ،وربما يفرض نوعا من التقسيم
ومثله في ذلك مثل هتلر ،ال يهتم بوتني باملنطقة املحتلة فحسب بطبيعة الحال بل وال يهتم بها بشكل خاص .فهو يسعى بدال من ذلك إلى استعراضالقوة في أماكن بعيدة .وقد استغل بوتني لفترة طويلة انبعاث الحس الوطني وبشكل خ��اص فكرة روسيا بوصفها فاعال عامليا مستقال له «عامله»الخاص -إلضفاء الشرعية على حكمه .ووفقا لهذه الرؤية ،فإن أوكرانيا ال بد أن تنحاز استراتيجيا لروسيا ،وال بد أن تكون سيادتها محدودة. وم��ن جانبه ،ك��ان هتلر ي��رى في تشيكوسلوفاكيا الديمقراطية املستقلة تهديدا أمنيا ،في حني ك��ان يتطلع إل��ى أصولها الصناعية الكبيرة .ولكن ضم مقاطعة السوديت كان املقصود منه في املقام األول واألخير املساعدة في استعادة مكانة أملانيا بوصفها «قوة عظمى» .وهناك أيضا أوجه تشابه مذهلة بني استجابات زعماء الغرب لألزمتني -أو على وجه التحديد ترددهم في اتخاذ تدابير حاسمة .ويبدو أنهم غير راغبني في واقع األمر في دعم تحذيراتهم بشأن «التكاليف» و«العواقب» بتدابير ذات مغزى مثل تجميد األصول وفرض عقوبات تجارية وقيود على السفر -وهو ما من شأنه أن يعزز اعتقاد بوتني بأنهم سوف يستمرون في اختيار عالقاتهم بروسيا ْ معلني مصالحهم على سالمة أراضي أوكرانيا .ويذكرنا هذا الحذر بسياسة بريطانيا وفرنسا في العام .1938عندما تمت التضحية بالسوديت -ثم تشيكوسلوفاكيا في وقت الحق -في مقابل «السالم في عصرنا» والذي لم يدم طويال.
الزعيم النازي أدولف هتلر ()1945 - 1889 من موقعه في الجبهة أمام برج إيفل بعد استسالم فرنسا والتوقيع على الهدنة الثانية في كومبيان 23 -يونيو 1940
,,
يري البعض أن املقارنة بني بوتني وهتلر فيها من التعسف والتحامل أكثر مما فيها من النزاهة واإلنصاف
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
19
شؤون سياسية
بما ذكره هتلر في مذكراته «كفاحي» في تعليق له على استسالم أملانيا في عام 1918؛ حيث قال :إنه شعر بالكراهية تجاه من أقدم على هذه الجريمة النكراء، ّ مضطرا إلخفاء بطاقة العضوية للحزب في الوقت الذي وجد فيه بوتني نفسه الشيوعي السوفياتي في درج مكتبه مع انهيار االتحاد السوفياتي الذي حدث نتيجة لتداعيات الصراع العاملي والضعف والخيانة واملؤامرات ،وما أن سيطر كال الرجلني على مقاليد األمور في بلديهما إال وشرعا في إعادة بناء كل من النظام العسكري واالقتصادي سواء في أملانيا أو روسيا. على أن التشابه الكبير يتمثل في وضع روسيا ،عقب انهيار االتحاد السوفياتي السابق ،ووضع أملانيا عقب الحرب العاملية األولى ،فمع إطالق آخر رصاصة ف��ي ال�ح��رب العاملية األول ��ى ،تفككت اإلم�ب��راط��وري�ت��ان األمل��ان�ي��ة والنمساوية - املجرية اللتان خسرتا الحرب وانهارتا ،ورسم املنتصرون في الحرب األولى في معاهدة «فرساي» في يونيو (حزيران) عام 1919حدود الدول التي ولدت منهما .فأصبحت جمهورية اإللزاس واللورين تابعة لفرنسا ،وأصبحت بولندا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا واملجر وأملانيا دوال مستقلة تماما عن بعضها بحسب الخارطة السياسية التي وضعتها «عصبة األمم» عقب انتهاء الحرب العاملية األولى ،هكذا رأى القوميون النمساويون واألملان اإلمبراطوريتني ،اللتني بناهما أجدادهما كقوى عظمى وسط القارة األوروبية على مدى عقود تنهاران وتتقاسم إمبراطوريات أخ��رى (تحديدا الروسية -الحقا السوفياتية عقب الثورة -والبريطانية والفرنسية) مستعمراتهما حول العالم .ورأى هؤالء أن دماء نحو ثالثة ماليني عسكري أملاني ونمساوي ومجري سقطوا في الحرب ال يمكن أن تذهب هدرا ،وبالتالي فإن مجد أملانيا يجب أن يعود. ناشط من منظمة العفو الدولية يركب دراجة نارية خالل مظاهرة احتجاج ضد زيارة بوتني إلى فرنسا
,,
كان ّ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم مناسبة الستحضار تلك الحقبة السوداء للنازية ولرفع صورة هتلر من جديد
,,
18
لقائها مع األمير تشارلز ذكرت ماريان فرغيسون أن «األمير قال :واآلن يفعل بوتني الشيء نفسه تقريبا الذي فعله هتلر» ،في إشارة إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا ،مضيفة «فاجأني إدالؤه بهذا التعليق ألني أعرف أن (أفراد العائلة املالكة) ليس بإمكانهم اإلدالء بهذا النوع من التعليقات لكن ما قاله كان صادقا جدا ونزيها». وع��ادة ما تلتزم العائلة املالكة البريطانية الصمت في قضايا الدبلوماسية الخارجية ،لكن عرف عن األمير تشارلز الحديث الصريح .وحاول نائب رئيس الحكومة البريطاني نيك كليج الدفاع عن األمير تشارلز ،قائال« :إنه في املضمون ال أريد أن أقارن بني حقبة تاريخية أوروبية وأخرى» ،ولكن في الشكل« :لم أؤيد يوما الرأي الذي ينص ،وبحجة االنتماء إلى العائلة املالكة ،على نذر السكوت بطريقة الرهبان» .وذكرت هيئة اإلذاعة البريطانية «بي بي سي» أن تعليقات األمير تشارلز التي من شأنها خلق تعقيدات دبلوماسية مع الرئيس الروسي، إذ ذكرت صحيفة موسكوفسكي كومسومولتس الشعبية أن تعليقات األمير تشارلز «قد تتسبب في فضيحة دولية وتعقد العالقات املضطربة بني اململكة املتحدة وروسيا» ،خصوصا في ضوء مشاركة كل من األمير تشارلز وبوتني في إحياء الذكرى السبعني إلنزال النورماندي في فرنسا في 6يونيو (حزيران) والالفت في تطورات القرم األخيرة أنها أسهمت في ارتفاع شعبية بوتني إلى الحالي. مستويات هي األعلى منذ خمس سنوات ،شعبية الرئيس الروسي ،وصعود الشعور الوطني والقومي في روسيا على خلفية انضمام القرم إلى روسيا حدود التشابه واألزم��ة مع الغرب حول مستقبل أوكرانيا .فقد أظهر استطالع للرأي أجراه مركز «ليفادا» الروسي الشهير نهاية مارس املاضي أن فالديمير بوتني سيفوز قد يري البعض أن هذه املقارنة بني بوتني وهتلر فيها من التعسف والتحامل بأغلبية األصوات في حال إجراء انتخابات رئاسية ،حيث عبر 77في املائة ممن أكثر مما فيها من النزاهة واإلنصاف ،لكن هناك أيضا ع��ددا ال بأس به من شملهم االستطالع استعدادهم إلعطاء أصواتهم ملصلحة بقائه على كرسي التجارب الشخصية والصفات السلوكية التي جمعتهما ،إضافة إلى مجموعة الكرملني ،وذلك بعدما كانت هذه النسبة نحو 64في املائة منذ عدة شهور خلت، من الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي ساهمت في تكوين وفي الوقت نفسه ،تشهد روسيا حاليا صعودا للشعور الوطني والقومي بشكل ونشأة التركيبة النفسية لهذين الرجلني ،ما يجعل من هذه املقارنة حقيقة غير مسبوق .فقد نشر املركز املذكور استطالعا آخر ُيبني أن 74في املائة موضوعية وإن كانت ال تخلو من مبالغة سياسية ،فكالهما كان في السلك من الروس على استعداد لتأييد الكرملني في حال نشوب حرب مع أوكرانيا العسكري عندما انهارت دولتهما فهتلر ك��ان برتبة عريف عندما خسرت مقابل معارضة 13في املائة فقط .وأظهر هذا االستطالع أيضا أن نحو 80في أملانيا الحرب العاملية األول��ى ووق��ع أسيرا ل��دى الفرنسيني .أم��ا بوتني فشهد املائة من الروس راضون عن سياسة الرئيس بوتني بشأن ضم القرم .وبحسب انهيار االتحاد السوفياتي وهو موظف استخباراتي وتابع الذل واملهانة اللتني نتائج االستطالع الذي أجراه مركز «بيو» لألبحاث ومقره واشنطن ،ونشرت مارسهما الغرب على القطب الروسي في مرحلة التحول من قطب عاملي إلى نتائجه وكالة «إيتار تاس» الروسية في 9مايو املاضي ،فإن 83في املائة من دولة مريضه سقيمة خالل التسعينات املاضية .وثمة مقارنة أخرى بني الرجلني مواطني روسيا االتحادية يعربون عن ثقتهم في أن بوتني يتصرف بشكل تتمثل في تعاطي كل منهما مع مشهد االنهيار الذي حل ببلديهما ،مستشهدا صحيح فيما يخص املسائل الدولية ،في حني أن 52في املائة واثقون تماما
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
وقد يعتقد البعض أن ما تقوم به روسيا اليوم في أوكرانيا تصلح مقارنته ب��االج�ت�ي��اح ال ��ذي ق��ام��ت ب��ه أمل��ان�ي��ا واالت �ح��اد ال�س��وف�ي��ات��ي ل�ب��ول�ن��دا ع��ام 1939 واقتسامهما أراض�ي�ه��ا ،م��ا أدى إل��ى نشوب ال�ح��رب العاملية الثانية .لكن إذا أمعنا النظر في تاريخ املرحلة نجد تشابها شديدا وشبه تطابق بني سياسة الرئيس الروسي فالديمير بوتني تجاه أوكرانيا منذ وصوله إلى الحكم في موسكو ،وسياسة Fuehrerأدولف هتلر تجاه تشيكوسلوفاكيا عند وصوله إل��ى س��دة الحكم وبسط نفوذه التوسعي إل��ى البلدان امل�ج��اورة ل��ه .وم��ا أشبه سياسة هتلر التوسعية التي أشعلت الحرب العاملية الثانية ،بسياسة الرئيس الروسي فالديمير بوتني اليوم .فالرأي العام الروسي عند انفراط عقد االتحاد السوفياتي انتابه شعور امل��رارة نفسه ال��ذي انتاب ال��رأي العام األملاني عقب خسارة اإلمبراطورية األملانية بعد الحرب العاملية األولى ،ومنذ تفكك االتحاد السوفياتي السابق في ديسمبر (كانون األول) .1991تعيش روسيا رحلة اس �ت��رداد «هيبتها ال�ض��ائ�ع��ة» ،وال�ق��وم�ي��ون ال ��روس يحنون إل��ى أي��ام االت�ح��اد السوفياتي.
وأظهرت النتائج أن 24في املائة من األميركيني وجدوا أنها مقارنة عادلة ،بينما 50في املائة أن هذه املقارنة مبالغ فيها .وأشارت املجلة إلى أن بوتني أصبح العدو األول لكثير من األميركيني ،خاصة عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ،بينما ترى الغالبية العظمى من األميركيني أن بوتني شخص غير شريف وغير جدير بالثقة .وانقسم األميركيون حول األقوى بوتني أم أوباما ،حيث كان 80في املائة من األميركيني إما «قلقون إلى حد ما» أو «قلقون للغاية» من أن تؤدي املعركة بني بوتني والقوى الغربية إلى توريط الواليات املتحدة في صراع عسكري.
تفسيرات هنري كيسنجر وفي العاشر من مايو (أيار) املاضي ،قال وزير الخارجية األميركي األسبق، هنري كيسنجر ،إن على الغرب أال ينظر إلى الرئيس الروسي ،فالديمير بوتني، على أنه «هتلر جديد» بل كزعيم محلي يحاول مد نفوذ بالده ،مستبعدا أن يكون بوتني قد خطط مسبقا لعملية ضم القرم وإح��داث االض�ط��راب��ات في أوك��ران�ي��ا ،وإن ك��ان ينظر إل��ى وج��وب أن تكون دول��ة تابعة .وق��ال كيسنجر، في مقابلة مع CNNحول املوقف من روسيا بعد دوره��ا بأحداث أوكرانيا: «على املرء أن يسأل نفسه السؤال التالي :لقد أنفق بوتني 60مليار دوالر على األلعاب األوملبية وأق��ام مراسم االفتتاح واإلغ�لاق محاوال إظهار روسيا على أنها بلد طبيعي ومتطور ،وبالتالي من املستبعد أن يقوم هو نفسه بعد ثالثة أيام بشن هجوم بقرار ذاتي على أوكرانيا» .ولدى سؤاله حول ما إذا كان يرى بأن تصرفات بوتني إنما كانت رد فعل على األحداث التي شاهدها وهي تخرج عن نطاق سيطرته قال كيسنجر« :أجل ،أظن أنه كان يرغب على ال��دوام بأن تكون أوكرانيا في وضع الدولة التابعة» .وأض��اف« :جميع املسؤولني الروس الذين قابلتهم ،بمن فيهم الشخصيات التي في املعارضة ،ينظرون إلى أوكرانيا على أنها جزء من التراث الروسي ،ولكنني ال أظن أن بوتني كان قد خطط لفعل ذلك مسبقا ،ربما خطط للقيام بذلك بشكل تدريجي ،ولكنه اضطر للتحرك بالشكل الحالي بسبب الوضع الطارئ ...بالطبع شرح سبب قيامه بهذا األمر ال يعني أن املرء يوافق على ضم جزء من أرض دولة أخرى أو تجاوز حدودها». وعن ضرورة العمل من أجل بقاء روسيا ضمن املجتمع الدولي رغم ما تقوم به في أوكرانيا قال كيسنجر« :لدى روسيا مشاكل داخلية كبيرة ،تراجع في
عدد السكان وصناعة متأخرة .ولكنها تمثل منطقة حيوية واستراتيجية ،ومن مصلحة الجميع أن تكون جزءا من النظام الدولي ،فهي ليست مجرد جزيرة معزولة» ،وختم بالقول« :علينا أال ننظر لبوتني على أنه هتلر جديد ،بل زعيم روس��ي يحاول تحقيق أكثر ما يمكنه لصالح بلده ،هذه األم��ور ع��ادة ما تتم بطريقة عنيفة ،ونحن محقون بالتالي في الوقوف ضده ،ولكن علينا أيضا أن نعرف متى ننهي املواجهة». وفي 14مايو املاضي ،نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» األميركية تصريحا للرئيس األميركي السابق بيل كلينتون ،تعقيبا على قول وزير الخارجية جون كيري في م��ارس «إن الرئيس الروسي فالديمير بوتني ينبغي أال يتصرف بطريقة القرن التاسع عشر بغزو ال��دول وإع��ادة رسم الخرائط العاملية» ،قال فيه كلينتون :إن هذا ما يحدث بالضبط .وقال كلينتون في كلمة ألقاها أمام جمع من الحضور في القمة املالية السنوية ملؤسسة بيتر جي بيترسون في واشنطن إن «بوتني يريد إعادة تأسيس العظمة الروسية ولكن ليس بشروط الحرب الباردة» ،وأضاف أن الرئيس الروسي يعيد تأكيد القوة والنفوذ بـ«شروط إمبراطورية القرن التاسع عشر» .وأشارت الصحيفة إلى ما قاله الرئيس باراك أوباما في هذا الصدد أيضا في مارس املاضي بعد ّ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ،بأن تصرفات بوتني «ليست وفق القانون الدولي واألعراف الدولية املتبعة في القرن الحادي والعشرين» .وكان بيل كلينتون فجر في مناسبة سابقة -كما أوردت مجلة «بوليتيكو» األميركية -في منتدى املهارات والتعليم العالي بدبي تصريحات أثارت جدال واسعا داخل أميركا وخارجها ،عندما وصف بوتني بأنه «ذكي جدا ووطني شديد اإلخالص لروسيا ،لكنه يراها أكثر من حيث عظمة الدولة وليس من حيث مكانة أبنائها». وفي 21مايو (أيار) املاضي ،وخالل زيارة رسمية إلى كندا مع زوجته دوقة ك��ورن��وال ،أث��ار ول��ي العهد البريطاني األم�ي��ر تشارلز ج��دال واس�ع��ا ف��ي لندن بعدما شبه الرئيس الروسي فالديمير بوتني بالديكتاتور النازي أدولف هتلر. إذ أج��رى األمير تشارلز املقارنة خ�لال حديث مع ماريان فرغيسون ،وهي سيدة بولندية األصل ،عمرها 78عاما وفرت إلى كندا عندما كانت في الـ13 من العمر وفقدت أف��رادا من عائلتها قضوا في معسكر اعتقال نازي .وبعد
فالديمير بوتني قبل اجتماع وزاري -مايو 2014
,,
تطورات القرم األخيرة أسهمت في ارتفاع شعبية بوتني إلى مستويات هي األعلى منذ خمس سنوات
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
17
شؤون سياسية
قيل إن «التاريخ مثل الجغرافيا ال تكرر نفسها» ،لكن هذا ال يمنع من وجود «نظائر جغرافية» ،وهي ال تعني التشابه التام في املوقع واملوضع ،ولكن هذا التشابه قد يكون في الوظيفة والدور .وباملثل والقياس قد توجد «نظائر تاريخية» ،وهي ال تعني أيضا التشابه التام في الزمان واملكان ،ولكن في الظروف واملالبسات التي تفرز أسبابا ودوافع يترتب عليها نتائج وتداعيات ،وبما أن «التاريخ هو ظل اإلنسان على الجغرافيا» ،فقد تكون «نظائر التاريخ» أقرب إلى التشابه ،وهو ما دفع البعض ألن يعتقد أن «أسوأ ما في التاريخ أنه يعيد نفسه»
بني التحامل واإلنصاف :فالديمير بوتني ..هل يعيد إنتاج هتلر؟
سياسة االستيالء بقلم: أحمد دياب *
,,
أثار األمير تشارلز جدال واسعا في لندن بعدما شبه بوتني بالديكتاتور النازي هتلر
,,
16
ُ إن التاريخ كثيرا ما يكون أداة من أدوات السياسة ،فتستدعى رموزه ُ وتستحضر محطاته الكبرى في معارك الحاضر ،سواء للدفاع أو الهجوم ،وفي هذا السياق تتعدد املقارنات والتشبيهات ،في محاولة لتشويه الخصوم وإدانتهم والنيل من معنوياتهم ،وتصبح كل األسلحة في مثل هذه املعارك مشروعة ومباحة ،حتى تلك التي قد تتعسف على التاريخ أو تشوهه وتزوره .وكان ّ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ،مناسبة الستحضار تلك الحقبة ال �س��وداء ،ول��رف��ع ص��ورة هتلر م��ن ج��دي��د ،وم��ن امل�ف��ارق��ة أن هذا االستنجاد بالتاريخ إلدان��ة الحاضر تم على ضفتي النزاع ،ولكن كل طرف من الزاوية التي تدعم موقفه ووجهة نظره مما حدث .ولعل مقارنة وتشبيه الخصم بالزعيم النازي أدولف هتلر ،تظل في الفضاء الغربي من أكثر املقارنات ُ والتشبيهات قسوة ،وأكثرها إثارة للشجب واالستهجان ،بل وتجريما تعرض صاحبها إلى عقوبات تصل حد السجن في بعض البلدان ،ملا تختزنه الحقبة النازية من بشاعة ودموية وإذالل في التاريخ الحديث ،خاصة ما تثيره من آالم في ذاكرة عدد من شعوب القارة العجوز.
بوتني وهتلر
بالخطوات التي قام بها هتلر لحماية املتحدرين من أصل أملاني الذين كانوا يعيشون خ��ارج أملانيا .وقالت كلينتون إن بوتني سعى إلى منح األشخاص الذين يرتبطون بعالقة مع روسيا جوازات سفر روسية .وفي أعقاب اإلطاحة بالرئيس األوك��ران��ي امل��وال��ي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش ،ف��ي 22فبراير (شباط) املاضي ،اتهمت السلطات الجديدة في أوكرانيا بوتني بإثارة التوتر بإرساله ق��وات إلى شبه جزيرة القرم (جنوب البالد) .ونقلت الصحيفة عن كلينتون قولها إن «ذل��ك ليس جديدا ،فهو ما فعله هتلر في الثالثينات .لقد استمر هتلر في القول إن املتحدرين من أصول أملانية الذين كانوا في بلدان مثل تشيكوسلوفاكيا ورومانيا وغيرهما من الدول يتعرضون لسوء املعاملة، ولذلك يجب أن أذهب وأحمي شعبي .هذا ما جعل الجميع يشعرون بالتوتر». ومع سيطرة ق��وات موالية للكرملني على القرم في 18م��ارس املاضي ،قالت كلينتون إن بوتني «يعتقد أن مهمته هي استعادة عظمة روسيا» من خالل إعادة ترسيخ هيمنته على الجمهوريات السوفياتية السابقة .لكن كلينتون حاولت التخفيف من حدة تصريحها الحقا من خالل نفي املقارنة بني الشخصيتني: «أنا بالتأكيد لم أجر مقارنة ،لكني أوصي بأننا يمكن أن نستخلص دروسا من مثل هذا التكتيك الذي استخدم سابقا» ،وفيما يشبه محاولة رد اعتبار خجولة منها ،وصفت بوتني بأنه «رجل قوي ،بجلد رقيق».
في الثاني من مارس (آذار) املاضي ،أوردت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية
خبرا ُيفيد بأن وزير الخارجية التشيكي السابق كاريل شفارتسنبرغ عقد حديث وزير املالية األملاني
مقارنة ب�ين الرئيس ال��روس��ي فالديمير بوتني والزعيم ال�ن��ازي أدول��ف هتلر بعد تفاقم األزم��ة ف��ي أوك��ران�ي��ا ،ف��ي مقابلة م��ع صحيفة نمساوية ،معتبرا أن «م��ا يحدث في أوكرانيا يعد تكرارا للتاريخ» ،مذكرا بغزو أملانيا النازية للنمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا ف��ي عامي .1939 - 1938مضيفا أن: «بوتني يتصرف باملبدأ ذاته الذي استخدمه أدولف هتلر بادعاء أن مواطنيه يتعرضون للقمع» ،مضيفا أن «ال��روس في القرم ال يعانون من أي نوع من أنواع التمييز العنصري». وف��ي الثالث أو الرابع من الشهر ذات��ه ،كتب زبجنيو بريجنسكي ،مستشار األمن القومي للرئيس األميركي األسبق جيمي كارتر ( ،)1980 - 1976في صحيفة «واشنطن بوست» ،واصفا بوتني بأنه «خليط تقليد كوميدي يجمع بني موسوليني واألشد تهديدا هتلر».
وفي الثاني من أبريل (نيسان) املاضي ،شبه وزير املالية األملاني فولفجانج شويبله ،أمام جمع من التالميذ األملان في برلني ،طريقة تصرف روسيا في القرم بما فعله أدولف هتلر عندما قام بضم إقليم السوديت ،قائال« :نعرف كل ذلك من التاريخ .لقد استولى هتلر بمثل هذه الطرق على إقليم السوديت واستولى على الكثير من األراض��ي األخ��رى» .ولكنه تراجع الحقا وق��ال« :أنا لست غبيا ألق��ارن بني هتلر وأي شخص ك��ان ،يمكن لآلخرين القيام بذلك، ولكن الساسة األمل��ان ال يفعلون» ،وع��اب وزي��ر املالية األملاني على الصحافة الستخدامها نصف جملة وأخرجتها من سياقها .ولئن اعترف شويبله بأنه ذكر ضم مقاطعة السوديت لشرح حالة القرم لألطفال ،فإنه أكد توضيحه مباشرة أنه ال يقوم بعملية مقارنة.
وفي الخامس من مارس املاضي ،ذكرت وزيرة الخارجية األميركية السابقة هيالري كلينتون لصحيفة «لونغ بتيتش برس تلغرام» ،أن الخطوات التي أقدم عليها الرئيس الروسي فالديمير بوتني في أوكرانيا تشبه العدوان الذي شنه زعيم أملانيا النازية أدولف هتلر في ثالثينات القرن املاضي .وقالت كلينتون إن نشر بوتني لقوات روسية في أوكرانيا التي كانت جمهورية سوفياتية سابقة ،لحماية املواطنني الروس واملتحدثني باللغة الروسية في ذلك البلد ،يذكر
وفي الثالث من أبريل املاضي ،أظهر استطالع للرأي أن األميركيني يرون أن تهديدات الرئيس ال��روس��ي ،فالديمير بوتني ،بشأن أوكرانيا ال تمت بصلة لتهديدات الزعيم النازي األملاني ،أدولف هتلر ،ولكنهم يعتقدون أن بوتني زعيم قوي مثل أوباما .وأوردت مجلة «التايم» األميركية نتيجة االستطالع ،الذي أجرته جامعة كوينيبياك بمشاركة 1576مصوتا ،والذي عقد مقارنة بني سلوك بوتني تجاه أوكرانيا وسلوك هتلر خالل الفترة التي سبقت الحرب العاملية الثانية،
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
وي��ؤك��د خ��ب��راء مستقلون أن ه��ذا امل��ش��روع «ال��خ�لاف��ي» ك��ان م��ن ب�ين أسباب استفحال العنف في الجنوب من قبل موالني لنظام القذافي وفي الشرق من قبل أنصار اللواء املتقاعد خليفة حفتر وبعض املعارضني للنظام الليبي الحالي املوجودين في عواصم خليجية وعربية كثيرة. وحسب مراقبني مستقلني فإن من بني أسباب اغتيال السفير األميركي السابق في ليبيا كريس ستيفنز في بنغازي يوم 11سبتمبر 2012اتصاالته املكثفة بالسياسيني الليبيني وقادة القبائل شرق ليبيا إلقناعهم بالخيار «الفيدرالي». وإذ ال يؤكد زعيم املعارضة الليبية الليبرالية ورئيس الحكومة األسبق محمود جبريل بوضوح ه��ذه املعلومة فإنه أك��د في تصريحات صحافية أن��ه خالل رئاسته للحكومة املؤقتة اتصل بهيالري كلينتون وزيرة الخارجية ليحتج على تحركات سفيرها الداعية وسط قبائل ليبيا وساستها إلقناعهم بـ«الفيدرالية» فأعلمته أن��ه يقوم بذلك بصفته «الشخصية» .واس��ت��غ��رب جبريل إجابتها وتساءل« :كيف يمكن لسفير الواليات املتحدة أن يقوم بتحركات سياسية من هذا النوع ضمن (مبادرة شخصية) لم تكلفه بها سلطات بلده؟». ويؤكد محمود جبريل في هذا السياق وجود «دعوات ليس إلى إحياء الفيدرالية فقط كنظام إداري للدولة ،بل هناك محاوالت الستغالل هذه الدعوات لنقلها من مرحلة املطالبة بالفيدرالية كنظام إداري إلى مرحلة التقسيم». واألخطر من هذا هو أن زعيم «التحالف» املعارض ورئيس الحكومة األسبق أورد أن «فرنسا أيضا تتحرك في الجنوب ،تحديدا مع قبائل التبو» .والجنوب يعني الكثير بالنسبة لفرنسا ألنه يذكر بدويلة فزان التي كانت تابعة لها منذ هزيمة اإليطاليني خالل الحرب العاملية الثانية وتقاسم ليبيا من قبل فرنسا (التي كانت حصتها اإلقليم الجنوبي) وبريطانيا التي سيطرت على إقليمي طرابلس (الغرب) وبرقة (الشرق) ..وتحدهما مدينة إجدابيا. الدولة) على «وحدة ليبيا» فإن األشهر املاضية شهدت «تحركات انفصالية» كثيرة في شرق البالد وجنوبها ..وإن تسببت االغتياالت وعمليات اعتقال وحسب الجامعي الليبي بلقاسم عبد الله فإن «دع��اة التقسيم ينطلقون من الساعدي القذافي ومديري املخابرات السابقني (عبد الله السنوسي وعبد الله التنوع العرقي اإلثني والثقافي واللغوي في ليبيا :األمازيغ (أقل من عشرة في منصور) في تخفيف حدتها. املائة) ،والطوارق ،والتبو ..وهي قبائل ليبية جاء بعضها من أصول أفريقية وكان عبد ربه عبد الحميد البرعصي رئيس املكتب التنفيذي لحكومة «إقليم في جنوب البالد ،وبعضها له امتدادات داخل تشاد والنيجر ..والقبيلة موزعة برقة» أعلن في أكتوبر املاضي عن «دول��ة مستقلة» ش��رق ليبيا تضم أربع أحيانا بني األرضني ،بما يفتح شهية بعض (االستعماريني الجدد) للعب ورقة محافظات هي إجدابيا وبنغازي والجبل األخضر وطبرق ...وأورد أن تشكيل (حروب االستنزاف الحدودية) التي يلعبونها منذ 60عاما في أفريقيا ..خاصة هذه «الحكومة اإلقليمية» جرى باالستناد إلى «دستور ليبيا الذي أقر عقب في املناطق الغنية بثرواتها الطبيعية مثل جنوب ليبيا وشرقها ،مثلما سعوا استقالها في عام 1951إبان فترة حكم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي». إلى تقسيم العراق عمليا إلى ثالث دويالت :واحدة غنية بالنفط في كردستان ،ميليشيات تسيطر على موانئ النفط والثانية شيعية جنوب العراق ،والثالثة سنية فقيرة في بغداد ووسط البالد» .ولئن «أجهضت» تلك املحاولة «االنفصالية» ف��إن رئيس «املكتب السياسي ف��ي نفس ال��وق��ت ال��ذي يربط فيه كثير م��ن الساسة ف��ي ليبيا وخارجها بني إلقليم برقة» إبراهيم الجضران ساند هذا التمشي «الفيدرالي» ..ونشر قواته «الفلتان األمني والعسكري» وإقالة رؤس��اء الحكومات وال��وزراء واملسؤولني حول موانئ تصدير النفط باعتباره «الرئيس السابق إلحدى وحدات حرس عن الشركات الوطنية و«فضيحة سرقة النفط وتهريبه على منت بواخر كورية املنشآت النفطية». وأجنبية» ،وهيمنة «عصابات مسلحة» على موانئ تصدير النفط شرقا ،إحداها ورغم التشكيك في وطنية «جضران» من قبل خصومه اإلسالميني والليبراليني بزعامة إبراهيم جضران ،ال يخفي كثير من الزعماء األمنيني والعسكريني «املتمسكني بوحدة ليبيا» فقد نجح في أن يسيطر مع أفراد امليليشيا املسلحة والسياسيني من منطقة الشرق أن «بنغازي ع��روس ث��ورة »2011يمكن أن التي يتزعمها على منشآت تنتج «نحو 60في املائة من الثروة النفطية للبالد تنفصل مع مدن الشرق عن طرابلس إذا تواصل «تهميشها بعد الثورة مثلما في املناطق الصحراوية النائية املنتجة للنفط» ،على تعبير مصادر حكومية همشت في عهد القذافي». في طرابلس ،الذي أقر بكون صادرات ليبيا من النفط نزلت من مليون ونصف حفتر خليفة ��ار ص �� ن وأ بنغازي ��ي ف «الغاضبني» عند ولعل ب�ين نقاط ال��ق��وة املليون من البراميل يوميا إلى أقل من 300ألف برميل ،بينما يفترض أن ترتفع وموانئ ليبيا نفط ثلثي أن أسابيع، قبل املدني» «العصيان ومنظمي مظاهرات بسرعة إلى أكثر من عشرة ماليني برميل «لو يتوفر األمن ودولة مركزية قوية». فقط. ليبيا سكان ثلث يضم الذي الجزء في أي شرقا، تصديره موجودة في هذا املناخ العام تظل األوض��اع في ليبيا مرشحة إلى كل السيناريوهات، االستعمار ضد الوطنية الحركة قادت التي السنوسية، ملوك كما تنتمي عائلة في وقت تأكد فيه أن غالبية العواصم العربية والدولية لديها أطماع في ثروات وجود عدم ورغم املشرق.. إلى ليبيا، كامل في كبير صوفي ديني ولها إشعاع هذا البلد الذي ال يتجاوز عدد سكانه ستة ماليني ،بينما يمكن أن يصبح من 2011 ثورة منذ ينوهون ليبيا ساسة غالبية فإن امللكية بإرجاع واضحة مطالب بني املصدرين السبعة األوائ��ل للغاز والنفط إذا استقرت أوضاعه السياسية الدينية ورموزها وبعائلته ،1969 انقالب به أطاح الذي السنوسي، إدريس بامللك واألمنية. (شباط) فبراير في طرابلس في املركزية السلطة أصدرت لذلك والسياسية.. لعل «التوافق السياسي» الجديد يتحقق بعد اقتناع كل األطراف «بالخطر الذي املاضي قرار «إعادة االعتبار إليها». سيهدد الجميع» في صورة استمرار االقتتال -عامل إضافي يمكن أن يوحد «اإلخوة األعداء» في ليبيا ..وأصدقاؤها في الدول التي أنفقت مليارات الدوالرات الدستور األول أقر «التقسيم» من أجل اإلطاحة بنظام القذافي ،وتريد أن تجني ثمر «استثمارها»< ورغم تأكيد قيادات األحزاب الفاعلة في «املؤتمر الوطني العام» (البرملان ورئاسة
ليبية تحمل صورة اللواء خليفة حفتر خالل مظاهرة داعمة لتحركاته املناهضة للحكومة والبرملان الليبيني
,,
مصر اغلقت «البوابة» الحدودية مع ليبيا ورفعت من مستوى التعبئة العسكرية حماية لحدودها الشرقية
,,
* كاتب وإعالمي تونسي
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
15
شؤون سياسية
يرتئيها األشقاء الليبيون ،وحسب ما يرونه صالحا ملستقبل بلدهم وعالقاته الثنائية مع جيرانه حاضرا ومستقبال». وإذ تتواصل الحرب النفسية هنا وهناك نفت مصادر رسمية في ليبيا وتونس م��ا أشيع ع��ن ف��رار رئيس األرك��ان الليبي ال�ل��واء ال��رك��ن عبد ال�س�لام ج��اد الله العبيدي ال��ذي كان على رأس منتقدي «تحرك اللواء املتقاعد خليفة حفتر» ووصفه بـ«التمرد على السلطات الشرعية وعلى القيادة العليا للجيش الوطني الليبي في طرابلس».
مبادرة سياسية حكومية
أعضاء جماعة اإلخوان في ليبيا خالل مؤتمر صحافي عقد في بنغازي -مايو 2013
,,
القاهرة متخوفة من املعلومات التي تحدثت عن تأسيس «جيش مصري حر» داخل األراضي الليبية
,,
14
في هذه األثناء يتواصل الجدل في ليبيا حول مصير «املؤتمر الوطني العام» (البرملان والسلطة التنفيذية املنتخبني في 7يوليو /تموز )2012واسم رئيس الحكومة الجديدة ..وتتنوع املبادرات السياسية .وقد كشف الجامعي الليبي إبراهيم النقاص أن الحكومة املؤقتة تقدمت «ب�م�ب��ادرة إل��ى املؤتمر الوطني ال�ع��ام لحل األزم ��ة ال��راه�ن��ة ال�ت��ي تمر بها ال �ب�لاد» .وم��ن ب�ين أب��رز م��ا ف��ي هذه املبادرة «دخول املؤتمر الوطني في إجازة برملانية حتى انتخاب البرملان املقبل وتسليمه السلطة ..على أن تتقدم الحكومة املؤقتة باستقالتها في أول جلسة للبرملان الجديد ،وكذلك التمسك باإلعالن الدستوري املؤقت وشرعية الهيئات واملؤسسات املنبثقة عنه» .ودعت املبادرة إلى تشكيل لجنة وزارية للتواصل مع كل التشكيالت املسلحة بهدف الوصول إلى توافق وطني يرفض االحتكام للسالح ...على أن تكلف «قوات املنطقة الوسطى» (أي منطقة مصراتة ..وهي األقوى حاليا بعد قوات طرابلس واملنطقة الغربية) بحماية العاصمة ومؤسسات الدولة واملركزية .هل تنجح هذه املبادرة السياسية أم يقع إجهاضها مجددا الظالمية ،التي سيطرت على ليبيا وأهانت شعبها». ونسب إلى «الحجازي» تصريح أورد فيه أن «قوات حفتر نجحت في القضاء وتكون الكلمة األخيرة للسالح وألنصار «التقسيم» أو «الدولة الفيدرالية»؟ على مخازن الذخيرة التي تملكها تلك الجماعات اإلرهابية». والالفت للنظر في التصريح املنسوب إلى «الحجازي» كون «الجيش الوطني ثالث دويالت الليبي» توجه بنداء إلى القوات املصرية بالتدخل شرق ليبيا و«بمد يد العون للحفاظ على الحدود املصرية الليبية مستقرة» ،وأورد التصريح أن «الجيش وبعد مرور أسابيع على «الوساطات التونسية واألممية والعربية» بني الفرقاء املصري صمام األمان لألمة العربية بأكملها ونعول عليه الكثير ونمد اليد إليه السياسيني ف��ي ليبيا ..وبعد أشهر على «مؤتمر أص��دق��اء ليبيا» ف��ي روم��ا لحماية الحدود الليبية املصرية». بمشاركة وزراء خارجية الدول العظمى ودول عربية تتصاعد الدعوات لتقسيم ال�ب�لاد إل��ى دوي�ل�ات وأقاليم بالنسبة للبعض ..أو إل��ى بناء «ات�ح��اد فيدرالي» بني أقاليم تتمتع بـ«حكم ذاتي» يسمح ملنطقتي الشرق والجنوب بوضع حد مبادرات دولية «الحتكار املنطقة الغربية والوسطى بزعامة طرابلس ومصراتة ثروات البالد وفي انتظار نتائج جهود املصالحة الداخلية وتحركات «الكواليس» في طرابلس وطاقاتها». تحركت الدبلوماسية العربية والدولية؛ فقد عينت واشنطن السفير والخبير ولعل من أبرز القضايا الخالفية حول مستقبل ليبيا منذ 20أكتوبر (تشرين األمني األميركي السابق ديفيد ساترفيلد مبعوثا خاصا للحوار لدى ليبيا ،األول) 2011تاريخ اغتيال الزعيم الليبي السابق معمر القذافي وإعالن نهاية بينما عني السفير الفلسطيني السابق ناصر القدوة مندوبا عن األمني العام نظامه -م�ش��روع تقسيم ليبيا إل��ى ث�لاث دوي�ل�ات ..بحجة إح�ي��اء «االت�ح��اد لجامعة الدول العربية ملتابعة امللف الليبي« ..ودعم خيار الحوار السياسي» .الفيدرالي» الذي كانت عليه ليبيا ما بني 1951وعام 1964عندما كانت ليبيا في األثناء تكثفت في تونس جهود الوساطة بني األطراف الليبية املتنازعة بدعم مقسمة إلى ثالثة أقاليم :إقليم طرابلس غربا وإقليم برقة (ويشمل بنغازي والبيضاء ودرنة )...شرقا وإقليم فزان (وعاصمته سبها جنوبا). من ممثل األمم املتحدة لدى ليبيا طراق متري. وتشرف على هذه املبادرات «الصلحية» شخصيات إسالمية وليبرالية بزعامة وتؤكد مصادر مطلعة أن من بني أبرز أسباب اغتيال السفير األميركي كريس رئيس حزب النهضة اإلسالمي راشد الغنوشي ووزير الخارجية األسبق رفيق ستيفنز في سبتمبر (أيلول) 2012وحاالت االغتيال والعنف السياسي في عبد السالم من جهة ،ورئيس الجمهورية املنصف املرزوقي وقياديني من حزبه بنغازي والجنوب تضاعف دعاة «االنفصال» في مناطق النفط الغنية شرقا من جهة ثانية ،والباجي قائد السبسي رئيس الحكومة السابق وزعيم حزب وجنوبا ..أو أنصار تشكيل اتحاد «فيدرالي» يعوض الدولة املركزية «القديمة». «نداء تونس» من جهة ثالثة .وتأكد توافد ممثلني عن قبائل «الزنتان» و«ورفلة» فهل من الوارد أن تقسم فعال إلى ثالث دويالت أو أكثر خاصة بعد أن وقعت و«ورش �ف��ان» ..وزع��ام��ات عن «مجالس ال�ث��وار» القريبني من رئيس الحكومة محاوالت رسمية في هذا االتجاه في أكتوبر املاضي عند إعالن بعض ساسة األسبق محمود جبريل وعن زعامات تمثل «األغلبية» في الحكومة واملؤتمر املشرق عن «تأسيس دولة مستقلة في إقليم برقة» شرقا؟ الوطني العام بزعامة تيار «العدالة والبناء» بقيادة محمد صوان وتيار اإلخوان املسلمني و«حزب الوطن» بقيادة عبد الحكيم بالحاج .وقد نوه السفير الليبي من خالل ما تبثه وسائل اإلعالم الليبية املسموعة واملرئية واملكتوبة يتضح الجديد بتونس محمد علولو بأن «السفارة الليبية لدى تونس تسعى إلى التعاون أن «اقتراح» تقسيم ليبيا إلى ما ال يقل عن ثالث دويالت لم يعد مجرد إشاعة، مع كل األطراف التي تحاول تحقيق املصالحة بني الليبيني وضمان عودة عائالت بل إن بعض كبار زعامات القبائل والكتائب املسلحة و«املعارضة السياسية»، وخاصة «التحالف» ،باتت تعلن بوضوح دعمها لتشكيل «اتحاد فيدرالي» بني النازحني إلى تونس ومصر والجزائر في أقرب وقت». وقد أكد السفير التونسي في طرابلس رضا بوكادي أن «تونس تسعى إلى دولة في املشرق عاصمتها بنغازي ودولة في الجنوب عاصمتها سبها وثالثة إنجاح جهود حوار سياسي شامل بني األطراف املتنازعة ..وفق الخيارات التي في الغرب عاصمتها طرابلس.
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
غلق السفارات ..تهريب السالح وقد تصاعدت التخوفات في تونس ومصر والجزائر من مضاعفات اندالع «مواجهات عسكرية شاملة» بني أنصار اللواء خليفة حفتر وخصومه أقدمت عدة عواصم على غلق سفاراتها وقنصلياتها في طرابلس وبنغازي ..بما في ذلك اململكة العربية السعودية واإلمارات العربية املتحدة والجزائر. ف��ي ن�ف��س ال��وق��ت ف��رض��ت ال �س �ف��ارات ال�غ��رب�ي��ة إج� ��راءات أم�ن�ي��ة إض��اف�ي��ة على دبلوماسييها ورعاياها بعد تعاقب عمليات اختطاف األجانب والدبلوماسيني، بينهم دبلوماسيان تونسيان ال ي��زاالن مخطوفني منذ شهر م��ارس (آذار) املاضي. وقد فسرت املصادر الجزائرية إعالن حالة االستنفار العسكري على الحدود مع ليبيا باملعلومات األمنية «غير املطمئنة» التي وصلت الجزائر بعد تقارير أمنية حذرت من احتمال تعرض القوات الجزائرية املوجودة في الحدود مع ليبيا لهجمات تنفذها جماعات متطرفة مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة ،حسب اإلعالمية الجزائرية أنيسة السلطاني. وكانت الحدود الصحراوية الشاسعة بني ليبيا والجزائر من أبرز «الطرقات» التي استخدمها مهربو السالح واملخدرات واملهاجرون غير القانونيني من ليبيا خالل األعوام املاضية؛ ألن األمر يتعلق بمنطقة صحراوية غير آهلة بالسكان.. رغم تركيز نحو « 80نقطة أمنية ثابتة» بها.
الجيش املصري الحر وفي مصر املنشغلة بأوضاعها السياسية واألمنية الداخلية بعد االنتخابات الرئاسية كثف الجانب املصري رقابته على حدوده تحسبا «لتسلل إرهابيني مصريني وليبيني وعرب من مخيمات امليليشيات املسلحة املتطرفة في شرق ليبيا ،في محاولة (للتشويش) على النظام املصري » ،على حد تعبير وزير الدولة التونسي السابق للخارجية صالح الدين الجمالي. وأوردت مصادر رسمية وشبه رسمية في القاهرة أن بعض األوساط األمنية واالستخباراتية املصرية متخوفة من املعلومات التي تحدثت عن تأسيس «جيش مصري حر» داخ��ل األراض��ي الليبية (على غ��رار «الجيش الحر» في سوريا) تكون مهمته زعزعة األوض��اع األمنية والعسكرية في مصر «بدعم
من أنصار الرئيس املعزول محمد مرسي وجماعة اإلخوان املسلمني املصرية التي يحاكم قادتها هذه األيام في مصر بتهم كثيرة بينها الضلوع في عمليات إرهابية وأعمال عنف». لكن مصادر ليبية رسمية نفت وجود مثل هذا التنظيم على أراضيها ،كما نفى الناشط السلفي د .طارق الزمر الذي قيل إنه زعيم هذا «الجيش املصري الحر» وجوده في ليبيا ،وأكد أنه موجود في العاصمة القطرية الدوحة .ووصف من اتهمه بتشكيل مثل هذا التنظيم بـ«افتعال أكذوبة سخيفة»!
حركة تضامن مع اللواء حفتر وقد كشفت مصادر مسؤولة في تونس أن السلطات األمنية في مصر والجزائر وتونس أبرمت اتفاقا أمنيا «سريا» جديدا لترفيع التنسيق للتصدي للجماعات اإلرهابية التي قد تتسلل إلى األراضي الليبية ..في ظل معلومات مؤكدة عن «مغادرة آالف املقاتلني العرب لسوريا في اتجاه مواطنهم». وفي الوقت الذي يتواصل فيه التنسيق بني تونس والجزائر ومصر والعواصم الغربية والعربية املعنية بمستقبل االستقرار السياسي واالقتصادي واألمني في ليبيا ..تنوعت امل�ب��ادرات السياسية «التوفيقية» داخ��ل األراض��ي الليبية وخارجها ،وبينها تونس التي يتوافد عليها منذ مدة عدد من زعماء القبائل واألحزاب الليبية ..من مختلف التيارات ..ومن ممثلي «املهجرين» أو «النازحني» الليبيني الذين قدر عددهم في تونس وحدها بأكثر من مليون ،نسبة كبيرة منهم من بني أفراد عائالت املسؤولني السياسيني والعسكريني السابقني في عهد القذافي. لكن م��ن ب�ين م��ا يشغل ال�س��اس��ة ف��ي ليبيا وخ��ارج�ه��ا أن بعض العسكريني واألمنيني والساسة في ليبيا أعلنوا تعاطفهم مع تحرك اللواء خليفة حفتر وأن�ص��اره في «الجيش الوطني الليبي» في وق��ت تبدو فيه ق�ي��ادات «اإلخ��وان امل�س�ل�م�ين» الليبية وح�ل�ف��اؤه��ا م�ت��رددي��ن ف��ي تبني ش �ع��اري «ال�ق�ض��اء على امليليشيات اإلرهابية املسلحة» ومحاربة «التنظيمات الدينية املورطة في القتل وحمل السالح» مثل تنظيمي «أنصار الشريعة» و«الجماعة املقاتلة». تنسيق مع «قوات الحدود مع مصر» في ه��ذا السياق أعلن «الناطق باسم الجيش الوطني الليبي» العقيد محمد الحجازي« :إن عملية الكرامة التي يقوم بها (الجيش الوطني) ضد الجماعات (التكفيرية) في ليبيا مفتوحة حتى يتم القضاء على كل الجماعات األصولية
عنصر من ميليشيا جهادية يقف حارسا أمام مدخل أحد املخيمات بعد اشتباكات جرت منتصف الشهر املاضي بني القوات غير النظامية الليبية بقيادة اللواء حفتر وبينهم في مدينة بنغازي بشرق ليبيا 16مايو 2014
,,
تونس تتابع مع هيئات الالجئني األممية فرضية الحرب في ليبيا وإمكانية فرار مدنيني ليبيني إلى البالد
,,
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
13
شؤون سياسية
يزداد الوضع السياسي وامليداني غموضا في ليبيا منذ التحرك العسكري الذي قاده اللواء املتقاعد خليفة حفتر في مدينة بنغازي شرق البالد وأطلق عليه تسمية «عملية الكرامة» ،رافعا الفتة «القضاء على الجماعات اإلرهابية» التي تعاظم نفوذها في ليبيا ،ال سيما في املنطقة الشرقية مثل مدن «درنة» وبنغازي والبيضاء.
ليبيا بني املواجهات العسكرية واملبادرات السياسية
حرب التقسيم بقلم: كمال بن يونس *
,,
فسرت املصادر الجزائرية إعالن حالة االستنفار العسكري على الحدود مع ليبيا باملعلومات األمنية «غير املطمئنة»
,,
12
ت�ب��اي�ن��ت امل��واق��ف م��ن ت�ح��رك أن �ص��ار ال �ل��واء خليفة حفتر ورف��اق��ه؛ فقد ساندته ق��وات من سالح الجو والبر وعارضته بقوة الحكومة املركزية ورئاسة البرملان االنتقالي والقيادة العليا للجيش في طرابلس وميليشيات «غرف ثوار ليبيا» التي تعتبر القوة املسلحة األق��وى في غالبية املدن الليبية ،وخاصة في العاصمة طرابلس وفي «العاصمة التجارية» مصراتة و«عاصمة املنطقة الشرقية» بنغازي. فهل تعني هذه املستجدات مزيدا من تدهور األوضاع األمنية والعسكرية في
املدن الكبرى املوالية «للسلطات الشرعية» وكذلك في بنغازي ،بروز أشكال جديدة من العنف والعمليات اإلره��اب�ي��ة ،من بينها «التفجيرات» والهجمات بالصواريخ على منشآت عسكرية حكومية ..على غ��رار الهجوم بصواريخ «غراد» الذي شنه «إرهابيون» على املطار العسكري الذي انطلقت منه طائرات اللواء خليفة حفتر في هجماته على أهداف تابعة «للجماعات املسلحة املتطرفة» التابعة إلى «جماعة 17فبراير» و«أنصار الشريعة» في بنغازي ..حسب تعليق للمحلل السياسي والجامعي الليبي حمودة علي الورشفاني.
ليبيا بعد نحو ثالثة أعوام من «حرب التحرير» ..أي ثورة اإلطاحة بنظام معمر استنفار في تونس والجزائر ومصر
القذافي والحرب التي شاركت فيها قوات الحلف األطلسي؟ ألم تبدأ القوى املتصارعة في ليبيا إعادة إنتاج «السيناريو العراقي» ..مع ما ورغ��م تصريحات وزي��ر خارجية تونس املنجي الحامدي التي أورد فيها أن يعنيه م��ن سيناريوهات تقسيم البلد ب�ين «م��اف�ي��ات» وعشائر وميليشيات اتصاالته بنظرائه الجزائري والفرنسي واألميركي كشفت أن سيناريو «التدخل متناحرة ودويالت متنافرة ..مع تهديد الدول املجاورة بحمى العمليات اإلرهابية األطلسي في النزاع غير وارد حاليا» ،فقد أكد أن تونس تتابع مع هيئات الالجئني والتفجيرات واالغتياالت السياسية؟ األممية فرضية الحرب وإمكانية فرار أف��واج جديدة من املدنيني الليبيني إلى تونس ..قد يكون بينهم بعض اإلرهابيني. وقد عاد الحديث عن حل «التقسيم» ألن غالبية زعامات املعارضة من املنطقة الشرقية بما في ذلك اللواء خليفة حفتر من مدينة «البيضاء» شرق «بنغازي» وفي الوقت الذي تتعاقب فيه «مبادرات الساسة الليبيني والوسطاء الدبلوماسيني والناطق باسم الجيش الوطني العقيد محمد ال�ح�ج��ازي ..فيما تبدو ب��وادر ال�ع��رب واألج��ان��ب ضمن ج�ه��ود (تطويق األزم��ة األمنية الليبية) فقد أعلنت «االنفالت األمني» أخطر بكثير في مدن غير بعيدة عن الحدود الغربية ملصر القيادات السياسية والعسكرية في مصر والجزائر وتونس أنها رفعت مستوى مثل «درنة» و«طبرق» ..ومنطقة «الجبل األخضر» التي يحتمي بها كثير من االستنفار في املناطق الحدودية تحسبا لتدفق أفواج من اإلرهابيني أو من بني املسلحني العائدين من أفغانستان وباكستان وسوريا والعراق ومالي ..بينهم املدنيني الفارين من االقتتال في صورة توسع رقعة املواجهات العسكرية». نشطاء من «أنصار الشريعة» وأعضاء «الجماعة اإلسالمية املقاتلة» الذين لم السلطات الجزائرية التي لديها تجربة طويلة في الصراع مع التنظيمات املسلحة يتخلوا عن السالح قبل سبعة أع��وام ..خالل «املراجعات العقائدية والفكرية والجماعات اإلرهابية والحركات الدينية املتشددة أعلنت أنها استنفرت 40ألف والسياسية التي قامت بها زعامتهم مع سيف اإلس�لام القذافي بقيادة عبد عسكري على حدودها مع ليبيا ..والتي تقدر بنحو ألف كيلومتر. الحكيم بالحاج زعيم حزب الوطن حاليا ،»..على حد تعبير املحلل السياسي والناشط الحقوقي الليبي عماد الكوني. وفي مصر أعلن عن غلق «البوابة» الحدودية مع ليبيا وعن ترفيع مستوى التعبئة العسكرية حماية لحدود مصر الشرقية ..وتحسبا لتجدد مواجهات الحل الفيدرالي مسلحة على غرار تلك التي سجلت مرارا خالل األعوام املاضية ..بعد أن اتهمت القيادة املصرية من قبل ميليشيات مسلحة ليبية وقيادات تنظيمات متمركزة ت�ص��ري�ح��ات ك�ب��ار ال�س�ي��اس�ي�ين وزع �م��اء «م�ج��ال��س ث ��وار ل�ي�ب�ي��ا» بأجنحتهم في «طبرق» و«درنة» وبنغازي بالوقوف وراء العمليات التي يتزعمها خليفة العسكرية والسياسية تؤكد على رفض سنياريوهات التقسيم وعلى أن «كل حفتر وأنصاره وأطلقوا عليها تسمية «عملية الكرامة». الليبيني إخ��وة» ..لكن كثيرا منهم ال يخفون أنهم مع «الحل الفيدرالي» ،أي تقسيم البالد إلى ثالث دويالت على غرار ما كان عليه الوضع في عهد االحتالل وفي تونس جرت اتصاالت مكثفة بني رئيسي الجمهورية املنصف املرزوقي البريطاني -الفرنسي لليبيا بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العاملية الثانية عام والحكومة املهدي جمعة ووزير الخارجية منجي الحامدي مع الرسميني الليبيني :1942دولتان في الشمال ،األولى غربا وعاصمتها طرابلس ،والثانية شرقا ومع نظرائهم في الجزائر واملغرب ومصر بهدف تنسيق املواقف والتحركات وعاصمتها بنغازي (أو برقة) ،والثالثة في الجنوب الصحراوي املطل على تشاد «الوقائية» استعدادا لسيناريو «توسع أعمال العنف واإلره��اب والصراعات املسلحة التي قد تتسبب في فرار مزيد من املدنيني إلى الدول املجاورة التي فر والنيجر في منطقة «فزان» وعاصمتها «سبها». إليها منذ سقوط القذافي ثلث الشعب الليبي» ،حسب تصريح السفير التونسي ومن بني ما يعقد األوضاع ميدانيا وسياسيا في العاصمة طرابلس وعدد من بطرابلس رضا بوكادي.
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
طفل فلسطيني يلعب تحت كيس «املشمع» في ساحة ميناء مدينة غزة ابريل املاضي
اإلقليميني في مصر واإلمارات .وربما أراد عباس إظهار ذلك عبر زيارته الدوحة في رحلته األولى بعد إعالن اتفاق املصالحة .كما ذكرت تقارير أنه طلب من قطر تمويل رواتب موظفي حكومة حماس ،والتي عجزت الحركة عن دفعها لستة أشهر على التوالي بسبب أزم��ة السيولة ،إل��ى أن يجري تنظيم االنتخابات وتشكيل حكومة جديدة بعدها .إنما من غير الواضح أن كانت قطر ،عبر دعمها أوال محاولة التقارب بني دحالن وحماس ثم عبر دورها في تقارب الحركة وعباس ،تسعى إلى تثبيت دورها على الساحة الفلسطينية كراع أساسي لحماس ،مضيفة عباس إلى دائرتها ،أم إذا كانت تريد ترميم عالقة حماس -وعالقتها هي أيضا -بالقيادة املصرية بما يتوافق مع رؤية األخيرة. من هذه الناحية ،كانت الفتة إشادة حماس بدور مصر في تحقيق املصالحة. أرادت حماس أن يكون ه��ذا امل��وق��ف العلني اعترافا بأولوية القاهرة على الساحة الفلسطينية .ترسيخ هذه الحقيقة عربيا وإقليميا يلعب دورا على األرجح في حسابات السيسي .كما أن هذا اإلشهار الحمساوي بأن السيسي هو من يملك مفاتيح غزة ،وأن الحركة بعد كل مناوراتها ال تستطيع اللف حول هذا الواقع ،أيضا له أهميته ،خصوصا في املرحلة املقبلة .فحماس تأمل أن يؤدي اتفاق املصالحة والحكومة التي ستنبثق عنه إلى إعادة فتح معبر رفح وإلى إعادة تأهيلها إقليميا ودوليا .لذا على الحركة السير بحذر ،ذاكرة على الدوام أن مصر لها الكلمة األولى واألخيرة على الحدود.
حماس و«حزب الله» أيضا تجدر اإلشارة إلى أن اتفاق املصالحة لن يغير جذريا في الوضع القائم في الضفة والقطاع .فلن يعيد عباس تأسيس نفوذه في غ��زة ،ول��ن يسمح لحماس بتقوية وجودها في الضفة أو بإدخال عناصرها في أجهزة أمن الضفة .ال بل أكد قيادي بارز في حماس في مايو (أي��ار) ،أن «الحملة ضد أنصار حماس ومؤيديها بالضفة مستمرة على ق��دم وس��اق من اعتقاالت ومداهمات ومالحقات» .وإن تولت قوة مشتركة للحكومة العتيدة إدارة معبر رف��ح ،فهذا ال يعني أن الحركة في صدد التخلي عن الحكم في غزة أو أنها ستشارك إدارة القطاع مع عباس .فجهاز أمن حماس وكتائب القسام تبقى خارج إطار االتفاق ،وكذلك التنسيق األمني بني عباس وإسرائيل في الضفة.
إذن ،توازن القوى القائم في الضفة والقطاع مرشح لالستمرار .الترتيب الذي تتصوره حماس ،بحسب القيادي الحمساوي أحمد يوسف ،يتبع نموذج «حزب الله» في الحكومة اللبنانية ،بحيث تبقي حماس على إمكانيات القوة األمنية والعسكرية على األرض ،وه��و ما «يمكنها الحفاظ على شرعيتها وقدرتها في تحديد الرئيس القادم وأعضاء البرملان مستفيدة من تجربة (حزب الله) في لبنان». كالم يوسف يعني أيضا أن الحركة ستبقي على خيارها اإليراني ،إلى حني عودة هذه العالقة إلى ما كانت عليه .وهذا ما سيكون له تداعيات على موقف مصر من معبر رفح واألنفاق ،إذ ال تقدر القاهرة أن تقبل بعودة تدفق السالح اإليراني وما يتبعه من توتير للوضع في سيناء وغزة الذي تنظر إليه القيادة املصرية على أنه مصدر تهديد ألمنها القومي .هذا عدا عن التداعيات املحتملة على الوضع الداخلي املصري ومواجهة اإلخوان مع الجيش. لذا من األساسي فهم مناورة التقارب بني عباس وحماس ضمن إطارها الحقيقي واملحدود .كلتا الحركتني في مأزق ،وعالقتهما مأزومة مع الالعبني اإلقليميني النافذين في الساحة الفلسطينية ،وكلتاهما اضطرت إلى لعب ورقة املصالحة سعيا إلى الخروج من مأزقيهما ،وإن مؤقتا .فالتقارب إذا هدفه محدد :بالنسبة لعباس ،لدرء مسعى القاهرة وأبوظبي إلعادة دحالن، وهو قد استطاع في هذه املرحلة أن يقطع الطريق على دحالن عبر املصالحة. وبالنسبة لحماس ،إليجاد هامش للتحرك مع مصر وكسر القيود املسلطة عليها ،أمال بإعادة تأهيلها وإع��ادة تفعيل بعض عالقاتها الخارجية بعد تداعي اإلخوان في املنطقة. أخيرا ،فإن تموضع الحركتني خلف املصالحة يعكس مصلحة مشتركة أساسها تفاعل الساحة الفلسطينية الثانوية مع الالعب األساسي فيها أي مصر .حتى اللحظة ،لم تقدم القاهرة أي تنازل في موقفها وإن لم تنجح اآلن في إعادة تعويم دحالن .في املقابل ،وبعد أشهر من املناورة ،فقد حصلت على اعتراف من الالعبني املحليني ،بل واإلقليميني أيضا ،أن مفاتيح الساحة الفلسطينية بيد مصر وال مجال لاللتفاف على هذا الواقع <
,,
تأتي املصالحة على خلفية مساعي دول عربية إلبراز نفوذها في مرحلة ما بعد اإلخوان
,,
محمد دحالن
* كاتب وباحث لبناني ،متخصص في شؤون الشرق األوسط مقيم في نيويورك وزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ( ) FDDفي واشنطن
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
11
شؤون سياسية
لخص القيادي في حركة حماس ،موسى أبو مرزوق ،الدافع الرئيس وراء إنجاز اتفاق املصالحة في أبريل (نيسان) املاضي بني حركتي فتح وحماس« :إن كانت حركة حماس في مأزق ،فحركة فتح هي األخرى في مأزق، املفاوضات وصلت لطريق مسدود ،والدول العربية بدأت تتراجع في دعمها للفلسطينيني ،بسبب االنقسام».
املصالحة الفلسطينية ..مطلب وطني أم مناورة إخوانية!؟
خيار اسرتاتيجي بقلم: طوني بدران *
,,
أصبحت أولوية عباس إسقاط محاوالت مصر واإلمارات إعادة دحالن إلى الساحة
,,
محمود عباس
10
ك�ل�ام أب��و م ��رزوق صحيح ف��ي ع�ن��وان��ه ال�ع��ري��ض ،وإن أخ�ط��أ في ت�ش�خ�ي�ص��ه م � ��أزق ح��رك��ة ف �ت��ح وس �ب��ب ت ��راج ��ع ال ��دع ��م ال �ع��رب��ي. فمفاوضات السالم -كما إسرائيل والرعاة األميركيني -لم تتصدر اهتمام أي من الحركتني ،بل يجوز القول إن املقولة األميركية الشهيرة: «كل السياسة محلية» ،تنطبق هنا .لكن بما أن الساحة الفلسطينية ساحة ثانوية خاضعة للتجاذبات اإلقليمية ،فعلينا النظر أبعد من العوامل الداخلية إلى اصطفافات دول املنطقة والتنافس فيما بينها ،وإل��ى تفاعل الالعبني تردد أن قطر شجعت رئيس املكتب السياسي لحماس خالد مشعل ،املقيم في الدوحة ،على الوصول إلى ّ الفلسطينيني مع هذه العوامل اإلقليمية. تكيف ما مع دحالن يفتح الباب أمام عودة املساعدات املالية ،ويرطب العالقة مع مصر .بدءا من ديسمبر (كانون األول) وهكذا ،تأتي املصالحة بني فتح وحماس على خلفية مساعي دول عربية املاضي ،اتخذت حماس بضع خطوات في اتجاه دحالن ،وسمحت لبعض إلبراز نفوذها في املسرح الفلسطيني في مرحلة ما بعد سقوط اإلخوان أعوانه بالعودة إلى غزة ،وسمحت لجمعيات خيرية تديرها زوجة دحالن املسلمني من السلطة .وهي مرحلة وجدت حماس نفسها فيها معزولة بشكل بالعمل في القطاع ،لكن حماس لم تكن على وشك أن تطلق يد دحالن ،أو خانق ،سياسيا وماليا .فالجيش املصري قام بتهديم األنفاق على الحدود أبوظبي ،في غزة .واألهم ،فإن انفتاحها املحدود على دحالن كان له وقعه مع قطاع غزة ،مضيقا أكثر على حماس .ووصل التوتر مع مصر -املنفذ على عباس ،فاضطر األخير إلرسال وفد إلى غزة في فبراير (شباط) لقطع الوحيد للحركة -إلى حد إصدار محكمة القاهرة لألمور املستعجلة حكما الطريق على دحالن .وعندها بدأ التقدم في اتجاه االتفاق على املصالحة، «بحظر أنشطة حماس مؤقتا داخل جمهورية مصر العربية ،وكذلك حظر فأعلنت قيادة حماس في غزة ،خصوصا الصقور فيها ،أن التصالح مع الجمعيات والجماعات واملنظمات واملؤسسات التي تتفرع منها أو تتلقى دحالن غير وارد ،وأنها تقف مع عباس .كما أوضحت الحركة أن أي استثمار منها دعما ماليا أو أي نوع من أنواع الدعم» ،وذلك على خلفية اتهام القاهرة إماراتي في القطاع يجب أن يأتي ليس عبر وسطاء (أي مقربني من دحالن)، لحماس بالتخابر واقتحام سجون في مصر عام .2011كل هذا في ظل إنما تحت إشراف لجنة من الفصائل واملجلس التشريعي. استمرار الفتور النسبي بني حماس وإي��ران ،مما جعلها في مأزق فعلي، خصوصا مع تنامي عالقة طهران مع حركة الجهاد اإلسالمي املنافسة عباس ودحالن لحماس في القطاع. ب ��دوره ،ع��رق��ل ع�ب��اس وص��ول األم ��وال وال��روات��ب مل��ؤي��دي دح�ل ُ�ان ف��ي غ��زة. وعلى الرغم من أن خزينة السلطة الفلسطينية في «ضيقة» ،أجبر عباس إحياء املصالحة على إنفاق مليون دوالر على عرس جماعي في غزة بعد أن علم أن دحالن ّ سيمول العرس .قرار عباس بالصراع مع دحالن ّ خرب عالقة الرئيس ف��ي ال��وق��ت نفسه ،ل��م يسد ال��دفء ف��ي عالقة املشير عبد الفتاح السيسي كان مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ،ويعود ذلك إلى خالف عباس مع الفلسطيني مع اإلمارات ،وزاد منسوب التوتر مع السيسي ،لكن عباس يدرك القيادي الفتحاوي املفصول ،محمد دحالن ،مسؤول األمن الوقائي في غزة أن الصراع مع دحالن حيوي بالنسبة له ،ول��ذا ،وعلى الرغم من التوتر مع سابقا .بالفعل ،في مارس (آذار) املاضيّ ،صرح مسؤول مقرب من عباس القاهرة وأبوظبي ،قرر خوضه على جبهة إضافية ،في املخيمات الفلسطينية بأن السلطة تعيش اآلن «أسوأ عالقة بني النظام في مصر والسلطة منذ أمد بلبنان .ويشكل مناصرو دحالن فصيال مهما في املخيمات ،وخصوصا بعيد» .وأعاد املسؤول ذلك إلى أن السيسي يعمل ،بالتعاون مع اإلمارات ،حيث مخيم عني الحلوة ،كما أن املنظمة الخيرية التي تديرها زوجة دحالن كانت يقيم دحالن ،إلى دفع دحالن إلى األمام .ونقلت مصادر مصرية عن اللقاء قد وزعت مساعدات في املخيمات ،لكن لبنان ميدان «حزب الله» ،وعداوة األخير بني السيسي وعباس ،أن األخير حدثه عن ضرورة إحياء املصالحة األخير لدحالن معروفة ،إذ يعده أداة إلسرائيل ولدول الخليج التي يعاديها مع حماس ،إال أن السيسي رد بالقول« :خلينا من املصالحة الفلسطينية ،الحزب .وفي رسالة لدحالن ،قتلت مجموعة فلسطينية قريبة من «حزب الله» علينا أن نتحدث عن املصالحة الفتحاوية» ،في إشارة إلى الخالف مع دحالن .قائد فصيل كان قد رافق زوجة دحالن حني زارت مخيم املية ومية لتوزيع املساعدات .ولخصت صحيفة «األخبار» املقربة من الحزب تلك الرسالة بال على هذه الخلفية ،ناور الالعبون الفلسطينيون وداعموهم العرب منذ أشهر ،غموض« :ممنوع وجود الدحالنيني في املخيمات». وص��وال إل��ى التقارب الحالي بني عباس وح�م��اس .أصبحت أول��وي��ة عباس إسقاط محاولة مصر ،بالتحالف مع اإلم��ارات ،إع��ادة دح�لان إلى الساحة قد ينظر عباس إلى ال��دور القطري في التقارب بني عباس وحماس على ّ وإعادة بناء نفوذه .بالطبع ،شكل املسعى املصري -اإلماراتي مأزقا لحماس أن��ه يشكل سندا لتحقيق ت��وازن في عالقاته املتوترة مع داعمي دحالن
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
أي�ض��ا .م��ن جهة ،الحركة تكره دح�ل�ان ،ال��ذي ط��ردت��ه م��ن غ��زة بالقوة عام ،2007وهي أيضا تدرك أن عودة دحالن إلى غزة بدعم مصري ستأتي بال شك على حساب نفوذها .في الوقت نفسه ،أولوية حماس تخفيف الضغط املصري والتوصل إلى تفاهم ما يخفف حدة التوتر مع القاهرة .في هذا السياق ،برز الدور القطري.
وربط الهجوم بمظاهرات ضد فيلم ،أنتجه أميركي من أصل مصري مسيء إلى املسلمني ،للتغطية على التقاعس الذي حدث وراح ضحيته األميركيون األربعة. لكن «فضيحة بنغازي» ،كما يسميها الجمهوريون ،تعيبها أمور كثيرة ،أولها أن املوضوع صار مستهلكا ويجري تداوله منذ وقوعه ،وأن الكثير من األعمال اإلعالمية التي ادعت كشف حقيقة ما حصل ثبت عدم دقتها .وفي السياق نفسه ،يمكن للوزيرة األميركية التنصل من أي إخفاقات لحقت بإدارة أوباما بالقول إن الكلمة الفصل كانت بيد الرئيس األميركي ،وإنه حتى لو اعتقدت كلينتون غير ذلك وقالته ،فإن املواضيع لم تكن بيدها. وإل��ى ضعف أقرانها الديمقراطيني ومنافسيها الجمهوريني ،وإل��ى تمتعها بماكينة وع�لاق��ات آل كلينتون ،تتمتع كلينتون ب��ورق��ة أخ��رى كونها ام��رأة، وكون انتخابها سيصنع التاريخ بدخول أول امرأة إلى البيت األبيض كرئيسة ال كسيدة أول��ى ،وهو منصب سبق أن شغلته كلينتون أثناء واليتي زوجها بني األعوام 1993و.2001 واملعلوم أن واح��دة من االستراتيجيات األساسية التي يتكئ إليها «الحزب الديمقراطي» في تحفيز قاعدته هي تأييده شؤون املرأة وحقوقها ،بينما يتعثر بعض مرشحي «الحزب الجمهوري» ،األكثر يمينية ومحافظة ،عند حديثهم عن شؤون املرأة .وكان «الحزب الديمقراطي» دفع بمواضيع املرأة إلى األضواء أثناء االنتخابات األخيرة في عام 2012لتكبيد الجمهوريني بعض الخسائر والحفاظ على الرئاسة وبعض املقاعد في الكونغرس. ويعتقد بعض الخبراء أن قاعدة «الحزب الديمقراطي» تتشكل في غالبها من النساء ،واألقليات العرقية ،ومن هم بسن الشباب ،بينما تسيطر على قاعدة الجمهوريني غالبية من الرجال البيض من متوسطي العمر والشيوخ ،وهذه الفئة األخ�ي��رة هي األكثر مثابرة على التصويت ،األم��ر ال��ذي يحرج «الحزب الديمقراطي» في كل انتخابات نصفية ،ويجعل من الصعب على الديمقراطيني تحفيز قاعدتهم ،بينما ال يواجه الجمهوريون مشكلة مشابهة. ومع ترشيح كلينتون ،من املتوقع أن يحفز ذلك القاعدة الديمقراطية بشكل غير مسبوق ،إذ سيسعى الناخبون إلى املشاركة في صنع التاريخ بانتخاب أول امرأة رئيسة ،فيما من املؤكد أن غالبية النساء ستؤيد كلينتون ،وهو ما يجعل من مهمة الجمهوريني في استعادة البيت األبيض عملية أصعب. أما آخر نقاط األفضلية التي تتمتع بها وزي��رة الخارجية السابقة ،في حال ترشحها ،فتكمن في أنها لن تواجه أم��ورا مصيرية كالتي واجهها الرئيس الحالي باراك أوباما ،إذ تكون أميركا قد أتمت انسحابها من أفغانستان وأنهت حربها هناك ،ويكون قانون الرعاية الصحية قد أصبح واقعا يصعب التخلص
منه ،ويكون االقتصاد في موقع أفضل مقارنة بمطلع عام 2009عندما تسلمه أوباما من سلفه بوش وهو في وضع انهيار تام. هكذا ،إن قيض لكلينتون الوصول إلى سدة الرئاسة ،فهي قد تجد نفسها في موقع مميز يسمح لها التمتع بإنجازات سلفها أوباما من دون أي تكلفة سياسية تذكر .في السياسة الخارجية ،ص��ار جليا أن ال��وزي��رة السابقة ال توافق الرئيس الحالي في عدد من األمور ،في طليعتها األزمة في سوريا ،إذ سبق أن قال مسؤولون سابقون ،في تصريحاتهم بعد خروجهم من الحكم كما في كتب مذكراتهم ،إنه لطاملا أيدت كلينتون تسليح الثوار هناك ،وحتى توجيه ضربة عسكرية أميركية محدودة ضد ق��وات بشار األس��د ،في وقت يعزو البعض املشاركة األميركية املحدودة في الحرب الليبية لإلطاحة بمعمر القذافي إلى الضغوطات التي مارستها كلينتون على أوباما. وفي حال استمرت األزمة في سوريا حتى عام ،2016فمن املرجح أن تتحول إلى أحد أبرز املواضيع التي سيتمحور حولها النقاش الرئاسي في السياسة الخارجية .كذلك إيران ،في حال عدم التوصل إلى اتفاقية نووية معها تفضي إل��ى تحسني العالقة بني طهران وع��واص��م العالم بما في ذل��ك واشنطن ،فإن كلينتون قد تجد نفسها في موقع يجبرها على قيادة مواجهة مع إيران قد تصل إلى حد املواجهة العسكرية.
هل تترشح هيالري كلينتون؟ الدالئل حتى اآلن تشير إلى أنها ستترشح ،من إصدارها لكتاب مذكراتها في وزارة الخارجية ،إلى إطالالتها مدفوعة األجر في مناسبات مختلفة ،وحفاظها على شبكة عالقاتها ،بل توسيعها .صحيح أن الجمهوريني قد يقولون «كفى آل كلينتون في السلطة» ،إال أن ترشيح بوش قد يكون السبيل الوحيد لوقف الزحف الكلينتوني نحو الرئاسة ،مما قد يجبر الجمهوريني على عدم إثارة هذا املوضوع على غرار ما فعلت السيدة األولى السابقة ،زوجة جورج بوش األب ووال��دة جورج بوش االبن ،التي قالت أثناء حفل افتتاح املكتبة الرئاسية التي تحمل اسم ابنها ،إن الشعب األميركي قد اكتفى من سماع كلمتي «بوش وكلينتون» ،العائلتني اللتني توالتا على العيش في البيت األبيض منذ عام ،1988 باستثناء السنوات الست املاضية التي انتزعها أوباما منهما .أما في حال عودة هيالري أو جب إلى الرئاسة ،فسيجد األميركيون أنفسهم يعودون إلى جولة مقبلة من املواجهات بني العائلتني العتيدتني<
زعيمة املعارضة املؤيدة للديمقراطية في ميانمار أونج سان سو كيي تعانق وزيرة الخارجية األميركية السابقة هيالري كلينتون خالل زيارة تاريخية في مقر سو كي في يانجون ديسمبر 2011
,,
استطالعات الرأي األميركية تتوقع هزيمة نكراء للديمقراطيني في انتخابات الكونغرس املقررة في نوفمبر املقبل
,,
* صحافي وكاتب لبناني ،مقيم بالواليات املتحدة األميركية
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
09
شؤون سياسية
لم يجد كارل روف ،أحد أبرز قياديي «الحزب الجمهوري» والرجل الذي كان الرئيس السابق جورج بوش يطلق عليه اسم عقلي ،منفذا للهجوم ضد وزيرة الخارجية السابقة واملرشحة الرئاسية املتوقعة هيالري كلينتون إال عبر التشكيك في وضعها الصحي ،والقول إن دماغها ما زال يعاني على أثر حادثة ارتطام رأسها باألرض قبل أعوام.
تعبئة أميركية لترشيح هيالري كلينتون للرئاسة 2016
دميقراطية ناعمة بقلم: حسني عبد الحسني *
,,
املرشحون من الحزبني «الديمقراطي» و«الجمهوري» هم في معظمهم من «األوزان الخفيفة» فيما عدا الجمهوري جب بوش
,,
الصحة والسن
جب بوش
08
فور شيوع تصريحات روف ،تنطح الجمهوريون قبل الديمقراطيني ف��ي التصدي ل��ه وألس�ل��وب��ه ،ال��ذي ع��ده كثيرون رخيصا ،وك��ان في طليعتهم قيادي جمهوري آخر هو رئيس الكونغرس السابق نيوت غينغرتش ،الذي قال إنه «أمر رهيب أن يفعل كارل ذلك» ،عادا تعليقات روف «تافهة ،وشخصية ،وسلبية ،وتستهلك الوقت في أمور ال تحدث أي فارق». وختم غينغرتش« :لن نهزمها أبدا بهذا النوع من الهجمات». تصريحات روف حول صحة كلينتون قد تشي بيأس الجمهوريني واعتقادهم أن ليس بأيديهم الكفاية م��ن الحيل لوقف صعود نجمها ف��ي طريقها إلى البيت األبيض ،هذه املرة ليس كسيدة أولى ،بل كأول امرأة في منصب رئيس للواليات املتحدة. «كل ما أراد أن يفعله (روف) هو أن يقحم هذا املوضوع (حول صحة كلينتون) في غرفة الصدى ،وهو ينجح في ذلك» ،حسب مسؤول كلينتون اإلعالمي نك ميريل .و«غرفة الصدى» تعبير يرمز إلى عالم النخبة السياسية األميركية من سياسيني ومثقفني وإعالميني ،من دون عامة األميركيني ،للداللة على أن جزءا كبيرا من النقاشات السياسية عبارة عن «ردح» متبادل ال يتعدى حدود واشنطن ووسائل اإلعالم ،وال يؤثر في املزاج الشعبي أو في نتائج االنتخابات. «(الجمهوريون) يخافون من إنجازاتها ومما يمكن لها تقديمه ،وما يفعله (روف) هو املرض بعينه» ،يقول ميريل ،الذي يضيف(« :صحتها) مائة في املائة ،وحان الوقت لهم لالنتقال إلى هجومهم التالي اليائس». صحيح أن كلينتون ،في حال انتخابها رئيسة ،ستكون ثاني أكبر رئيسة سنا في التاريخ األميركي وهي تبلغ عمر ال�ـ .69إال أنه يصعب على الجمهوريني توجيه أسهم انتقادهم إليها ،إذ إن رئيس الجمهوريني األسطوري رونالد ريغان تبوأ منصبه وهو في سن السبعني.
وبعيدا عن شؤون الصحة والسن ،كان من املفترض أن يكون إلحاق الهزيمة ً بكلينتون من األم��ور السهلة ،إذ إن إيقاع الهزيمة بالحزب الحاكم هي عادة أسهل من احتفاظ أي حزب بالبيت األبيض لوالية ثالثة ،فضال عن أن «الحزب الديمقراطي» يمر بأزمة معقدة بسبب االن�ح��دار الكبير في شعبية الرئيس ب��اراك أوب��ام��ا ،وه��و ما يبدو جليا في استطالعات ال��رأي التي تتوقع هزيمة نكراء للديمقراطيني في انتخابات الكونغرس ،املقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) املقبل. وإذا م��ا حافظت استطالعات ال ��رأي على وتيرتها ،فمن امل�ت��وق��ع أن يخسر الديمقراطيون غالبية مجلس الشيوخ التي يسيطرون عليها حاليا ،ليسيطر خصومهم الجمهوريون على غالبية الكونغرس في مجلسيه املمثلني والشيوخ، وه��و ما سيسمح لـ«الحزب الجمهوري» بالقيام باملزيد من العرقلة ألوباما وملبادراته وسياساته ،مما سيحوله فعليا إلى «بطة عرجاء» ،حسب التعبير املحلي ،وسيؤدي إلى املزيد من التقويض لشعبيته. وع��ادة ،يرشح الحزب الحاكم نائب الرئيس تلقائيا لخالفة الرئيس ،لكن مع
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
تدهور شعبية أوباما ،تبدو فرص نائبه جو بايدن شبه منعدمة ،خصوصا أن األخير سيبلغ عمر الـ 73في عام .2016 ضعضعة الديمقراطيني ه��ذه ،ومحاولة مرشحيهم للكونغرس االبتعاد عن أوباما وسياساته للنجاة من الهزيمة التي تواجه حزبهم في نوفمبر ،واليأس ال��ذي يبدو أنه استتب في نفوس الديمقراطيني ،يجعل من كلينتون خالص الديمقراطيني ،فوزيرة الخارجية السابقة خرجت من سفينة حكم أوباما قبل أن تبدأ األخ�ي��رة بالغرق ،والسنوات األرب��ع الفاصلة بني خروجها وعودتها للسباق الرئاسي كفيلة بتحسني صورتها ،وهو ما تظهره استطالعات الرأي. وما يزيد من فرص كلينتون في الوصول إلى البيت األبيض واقع أن املرشحني من الحزبني «الديمقراطي» و«الجمهوري» هم في معظمهم من األوزان الخفيفة، فيما عدا الجمهوري جب بوش ،شقيق وابن الرئيسني السابقني جورج بوش األب واالبن .إال أن بوش قد يواجه معضلة التعامل مع تركة أخيه الثقيلة ،التي يبدو أن األميركيني بدأوا بالصفح عنها مع إظهار استطالعات الرأي تقدما كبيرا في شعبية الرئيس السابق .وما يزيد من فرص كلينتون أيضا هو أنها تتمتع بماكينة آل كلينتون الجبارة ،فزوجها الرئيس األسبق بيل هو أحد أكثر الرؤساء السابقني شعبية في التاريخ األميركي املعاصر ،وهو يتمتع بكاريزما يعتقد البعض أنها أنقذت أوباما ومنحته والية ثانية ،وساهمت في إبقاء جيوب متبرعي «الحزب الديمقراطي» مفتوحة في الدورات االنتخابية القليلة املاضية. وعلى عكس انتخابات عام ،2008عندما نجح الصعود األسطوري ألوباما في تعطيل ماكينة كلينتون الجبارة ووقفها ،بل دفعها نحو االستدانة التي أجبرت كلينتون فيما بعد على الخروج من السباق في اتفاق قضى بتسديد حملة أوباما كل ديون حملة كلينتون ،هذه املرة ال تواجه كلينتون منافسني من نوع أوباما ،بل إن معظم من عملوا في حملتي الرئيس األميركي الرئاسيتني أعلنوا تأييدهم للوزيرة السابقة في حال ترشحها.
حملة «مستعدون من أجل هيالري» والزخم ال��ذي تتمتع به كلينتون أدى حتى اآلن إلى إنشاء مناصريها حملة «مستعدين من أجل هيالري» ،وجمعوا خاللها مبلغ ستة ماليني دوالر حتى اآلن .كل ذلك وكلينتون ما زالت لم تعلن صراحة نيتها الترشح للرئاسة. لكن رغم عدم إعالنها ترشيح نفسها للرئاسة ،تشير معظم املؤشرات إلى أن الوزيرة السابقة تستعد لدخول السباق ،فهي من املتوقع أن تطلق هذا الشهر كتاب مذكراتها في وزارة الخارجية بعنوان «خيارات صعبة» ،مع ما سيترافق ذلك من حملة إعالمية ،وخطابات ،وحفالت توقيع ،وه��ذه ستكون جميعها مناسبات لهيالري لتعيد إطالق مواقفها السياسية املعروفة ،ولالنخراط مع مؤيديها ،كما معارضيها .معارضو كلينتون خصوصا سيعمدون إلى انتقاء الجزء املتعلق بهجوم 11سبتمبر (أيلول) 2012في مدينة بنغازي الليبية ضد القنصلية األميركية ،الذي أدى إلى مقتل أربعة أميركيني منهم السفير كريس ستيفنز .ويزعم الجمهوريون أن اإلدارة األميركية كانت تعرف أن الهجوم ضد القنصلية عمل إرهابي مدبر ،وأنها حاولت فيما بعد التعمية على ما حدث
الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد عبدالله بن مرعي بن محفوظ :باحث ومؤلف اكاديمي ،رئيس مجلس األعمال السعودي املصري ،نائب رئيس االتحاد العربي للمعارض واملؤتمرات الدولية التابع لجامعة الدول العربية ،رئيس تحرير مجلة «اقتصاديات السوق العربي». ديفيد شينكر :زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن .كان يعمل في السابق في مكتب وزير الدفاع لشؤون دول املشرق، واملساعد األعلى في سياسة البنتاغون الخاصة بدول املشرق العربي. قاسم الرويس :كاتب ومؤرخ سعودي ،مهتم بالتراث الشعبي ،صدرت له عدة مؤلفات وتحقيقات منها( :رشدي ملحس من نابلس إلى الرياض) و (البالغات الرسمية املنشورة في جريدة أم القرى) وتحقيق (مخطوطة العسافي). عمار علي حسن :روائي وباحث في علم االجتماع السياسي ،يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية ،له ثالثون كتابا في العلوم السياسية والنقد األدبي والتصوف، من أهمها «التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر» و«التغيير اآلمن :املقاومة السلمية من التذمر إلى الثورة». فتحي املسكيني :كاتب وباحث تونسي، أستاذ الفلسفة بجامعة تونس ،صدرت له عدة مؤلفات منها( :نقد العقل التأويلي)، (التفكير بعد هيدغر) ،و (الهوية والحرية.. نحو أنوار جديدة). فضل بن سعد البوعينني :كاتب واعالمي سعودي ومستشار اقتصادي مختص في االستثمار واألسواق املالية .أمني عام الجمعية السعودية لكتاب الرأي .خبرة عملية أكثر من 25عاما في القطاع املصرفي .ماجستير في إدارة األعمال.
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
7
المحتوى
تعبئة أميركية لترشيح هيالري كلينتون للرئاسة 2016
دميقراطية ناعمة
بني التحامل واإلنصاف: فالديمير بوتني ..هل يعيد إنتاج هتلر؟
سياسة االستيالء ليبيا بني املواجهات العسكرية واملبادرات السياسية
حرب التقسيم
ملاذا يجب على واشنطن أن تركز على الشرق األوسط
وعود الشرق األدنى
تحديات مصر والسيسي: الوضع االمني واالقتصادي وحراك شباب امليادين
مصر اجلديدة ملحات من عالقة شكيب أرسالن بالسعودية
األديب وامللك 6
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
مجلة العرب الدولية 1980 تأسست في لندن عام
شهرية سياسية
www.majalla.com
للحصول على :املعلومات املفصلة
االفتتاحية
رساله المحرر بعد مرور أكثر من ثالثة أعوام على الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس املصري األسبق حسني مبارك الذي مكث في الحكم لفترة طويلة ،عادت مصر إلى حيث بدأت .وفي ظل تأييد شعبي كاسح ،انتهى حكم الرئيس املنتمي لجماعة اإلخوان املسلمني ،الذي استمر ملدة عام كارثي ،وها هي مصر تختار القائد العام السابق للقوات املسلحة عبد الفتاح السيسي رئيسا لها. في هذا العدد تطرح مجلة «املجلة» ملف مستقبل مصر ،بعد االنتخابات الرئاسية ،ما هي أبرز التحديات الراهنة وكيف سيواجهها الرئيس املنتخب؟ يكتب الباحث املصري الدكتور عمار علي حسن تحليال مطوال حول طبيعة الهوية املصرية ،مؤكدا أنه «لم يتعلم أي من املصريني املتصارعني حول (الهوية) في مصر ،درس التاريخ القريب أو البعيد ،ولم يقرأوا تلك الحكمة السابغة التي خرج بها (نيوبري) بعد أن راجع خصائص الطبقات الحضارية املصرية ،حيث قال( :مصر وثيقة من جلد رقيق، اإلنجيل مكتوب فيها فوق هيرودوت ،وفوق ذلك القرآن ،وتحت الجميع ال تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجالء)». في حني يناقش الباحث األميركي ديفيد شينكر التحديات القائمة التي تواجهها مصر ،في موضوع بعنوان (مصر الجديدة) قائال« :يبدو أن معظم املصريني يرون في السيسي أفضل ما ترجوه مصر للخروج من أعوام االضطرابات في مرحلة ما بعد مبارك ،يواجه الرئيس املنتخب ملصر سلسلة من التحديات التي سوف يكون من الصعب التغلب عليها .يشهد االقتصاد تدهورا كبيرا منذ عام .2011وأصبح لتنظيم القاعدة موطئ في سيناء يهدد باالمتداد إلى وادي النيل». وفي سياق آخر يكتب الباحث السعودي عبد الله بن مرعي محفوظ عن طبيعة العالقات املصرية السعودية ،قائال« :أقل وصف يمكن أن أصف به العالقات السعودية املصرية في عام 2014هو القمة في كل ضلع من الهرم املثلث األضالع (اإلخاء -التعاون -التضامن) ،وإن الحكومتني السعودية واملصرية تقفان عربيا وإقليميا ودوليا بموقف موحد أمام التغير العاملي الذي خلفته (الفوضى الخالقة) الغربية في منطقة الدول العربية وأمام التبعات االقتصادية املدمرة من الربيع العربي». في حني يكتب املحلل السعودي فضل أبو العينني عن طبيعة العالقات السعودية املصرية واصفا إياها بأنها تتسم بـ«الصداقة املستمرة» مؤكدا أن السعودية من أكبر الدولة املستثمرة اقتصاديا في مصر ،وتشمل معها قطبي النظام العربي. وفي موضوع آخر يرصد املؤرخ السعودي قاسم الرويس مالمح من عالقة أمير البيان شكيب أرسالن من السعودية، وزياراته املتكررة لها ،ومواقفه الداعمة واملؤيدة للملك عبد العزيز في ظل تأسيسه للدولة السعودية الثالثة في عرض تاريخي مليء باملعلومات والوثائق النادرة. كما تقدم «املجلة» نخبة مختارة من أهم املقاالت املترجمة من مجلة «فورن أفيرز» األميركية ،التي تناقش شؤون ومستجدات الوضع اإلقليمي والعاملي ،إضافة إلى عرض ألهم الكتب واملؤلفات الصادرة في عام 2014وتتناول املشهد الثقافي والسياسي الراهن. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا majalla.comونرحب دائما بآرائك، وتعليقاتك.
المحرر 4
المجلة /العدد 1596حزيران -يونيو 2014
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.
Omar A. Alshaikh :مسؤول مكتب اخلليج ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ
الر�شيد عبد اهلل ^¤ 7yG* Ò* ^d<
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM :سكرتري التحرير اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﺳﻜﺮﺗﲑ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of NASHR.دCo. الد�سوقي م�صطفى Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
¥E¢ الفين6^G* £ }H اإلخراج
ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting CEO of NASHR عثمان عليCo.
ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ ΪϳήΒϟ ϰϠϋ ΔϠγήϤϟ ϰΟήϳ ˯έ ϭ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh
للمشاركة ȝƾżȚǍƄŵȚ
كلمة 800 جميع المقاالت يجب أال تزيد على: ملحوظةeditorial@majalla.com إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ ϲϓ ϙήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ ΔόΒτϟ ϲϓ ϙήΘηϼϟ
اشتراكات ϡΎψϧ ϱ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ ϭ ΔϠΠϤϟ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝϮΣϷ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ ΔϜϠϤϤϟ ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ ΔϠΠϤϟ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla : لالشتراك في االلكترونيةsubscriptions@majalla.com : يرجى االتصال بـ،لالشتراك في الطبعة الرقمية ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϣ ϖΒδϣ ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ ΎϫήϳϮμΗ ϭ Δϴϟ ϭ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ ϭ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ ϲϋΎΟήΘγ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ ϙήΘηϻ ΕέΎδϔΘγ
وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام. التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة2009 حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة لتلقي.ً وتصدر المجلة شهريا.)استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة www.majalla.com يرجى زيارة،استفسارات االشتراك الرقمي
LVVXH
$XJXVW
Ώ βτδϏ ΩΪόϟ
++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1596 - June 2014 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310
ϰμμΨΘϟ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ νΎϳήϟ ΎϬϟ κΧήϣ 2014 يونيو- حزيران1596 العدد
$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ
ZZZ PDMDOOD FRP HQJ
تقاطع التخصصى- طريق مكة- حي المؤتمرات- الرياض
مرخص لها
A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 : لندن- 4419933 هاتف:الرياض
www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ ϞΧΩ Ϧϣ
ϲϧϼϋϹ ϞϴϛϮϟ
hq@alkhaleejiah.com : بريد إلكتروني،www.alkhaleejiah.com :موقع إلكتروني +966 11 441 1444 : ومن مختلف الدول، +44 207 404 6950: لندن، +331 537 764 00: باريس،+9714 3 914440 : دبي،920 000 417 : من داخل المملكة
الوكيل اإلعالني
ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ
ΕΎϛήΘηϹ Ϟϴϛϭ
800-2440076 : هاتف مجاني،www.arabmediaco.com : موقع إلكتروني، info@arabmediaco.com :بريد إلكتروني
وكيل اإلشتراكات
ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ ΔϴΑήόϟ ΔϜϠϤϤϟ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ
ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 11 2121774 : فاكس+966 11 4419933 : هاتف،11585 الرياض- 62116 ب. ص- المؤتمرات وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي www.saudidistribution.com :موقع إلكتروني ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι
�شركات ن�شر شركات نشر
ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ
وكيل التوزيع
ΔϋΎΒτϟ ΰϛήϣ
ΔϋϮϤΠϤϟ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com
Saudi Specialized Publishing املتخصص السعودية للنشر الشركةCompany www.sspc.com.sa
áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG
www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\
حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة
»لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم
ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ ϕϮϘΣ
©ϡϼϋϹ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني،المعلومات للحصول على المزيد من
»حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة
العدد 1596حزيران -يونيو 2014
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
قا�سم بن خلف الروي�س :الأديب وامللك ..ملحات من عالقة �شكيب �أر�سالن بال�سعودية فتحي امل�سكيني :ظاهرة املراهقة امللحدة ..مترد �أخالقي على ال�سلطة الأبوية طوين بدران :امل�صاحلة الفل�سطينية ..مطلب وطني �أم مناورة �إخوانية؟!
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 06
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
Issue 1596 - June 2014
www.majalla.com