خارطة جديدة

Page 1



‫الكلمة الأخرية‬

‫تناقلت الصحف واملواقع عبارة «بعد خراب املوصل» تعبيرا عما حصل من انسحاب الجيش ودخول الجماعات املسلحة‪،‬‬ ‫وبينهم «دولة اإلسالم في العراق والشام» (داعش)‪ .‬سمعنا بالدولة املتخيلة‪ ،‬وها هي بعد خراب املوصل تقترب من فرض‬ ‫الواقع‪ ،‬ولو على قرية من القرى‪ ،‬لكن «داعش» حتى هذه الساعة لم تتحدث عن عاصمة دولتها هل‪ :‬بغداد أم دمشق؟‬ ‫َ‬ ‫ما حدث ليس باألمر املفاجئ‪ ،‬ملن بح صوته ونضب مداد قلمه‪ ،‬في التحذير من السلوك الطائفي لألحزاب والجماعات ُ التي‬ ‫ارتقت ناصية السلطة مع اجتياح األميركان العراق (أبريل «نيسان» ‪ .)2003‬إن وجود قانون باسم «االجتثاث»‪ ،‬ثم لطف‬ ‫باسم «املساءلة والعدالة»‪ ،‬يعني أن حزب البعث الحاكم سابقا سيحصر في زاوية‪ ،‬وال يجد أعضاؤه املجتثون بهذا القانون‬ ‫أمامهم سوى إعادة التنظيم‪ ،‬وحمل السالح‪ ،‬وهذا ما حصل بالفعل‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬إن إذالل كبار وصغار ضباط الجيش السابق‪ ،‬ممن لم يستدعوا للعودة إلى الخدمة‪ ،‬وقطع أرزاقهم‪ ،‬ووقوفهم لساعات‬ ‫تحت الشمس يطالبون ولو بعشرين دوالرا‪ ،‬ولم يسمع لهم نداء ‪ -‬قاد ذلك إلى التحاقهم بالجماعات املسلحة‪ ،‬ويفعلها أي‬ ‫إنسان يطارد في رزقه‪.‬‬ ‫حذرنا‪ ،‬ومنذ اليوم األول‪ ،‬من حماقة السلوك الطائفي‪ ،‬فإن الطائفة التي يوجه ضدها الخطاب يصعب عليها إطالة السكوت‪،‬‬ ‫وملا اعتصموا تحت خيام بمدن املنطقة الغربية لم ينفذ لهم مطلب‪ ،‬وكان من مطالبهم العمل على دراسة مادة (‪ )4‬إرهاب‪،‬‬ ‫إما اإللغاء وإما التعامل وفقها بعدالة‪ ،‬ولم يحصل ذلك‪.‬‬ ‫إن أي بلد مشحون بالطوائف واألديان يحتاج إلى سياسة ميزان الذهب‪ ،‬فعندما تفرض في الدستور مادة خاصة بالشعائر‪،‬‬ ‫وفتحها على مصراعيها‪ ،‬من املؤكد أنها ستثير الطرف اآلخر‪ .‬وعندما تسخر الجامعات ودوائر الدولةمن مناسبة دينية‬ ‫خاصة بطائفة يثير أهل الطائفة األخرى‪ ،‬وعلى وجه الخصوص في ظرف حساس جدا‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬ر�شيد اخل ُّيون‬

‫صرخنا من أعماقنا أن محاكمات النظام السابق يجب أال تأخذ شكال طائفيا‪ ،‬لكن أول محاكمة كانت على قضية طائفية‪،‬‬ ‫ثم أعدم صدام حسني (‪ ،)2006‬وهو محسوب على الطائفة السنية واملنطقة الغربية‪ ،‬بطريقة تثير االشمئزاز‪ ،‬حتى قيل في‬ ‫وقتها‪« :‬اعدم صدام السني»‪ ،‬وكان الحريصون يناشدون أنه إذا كان ال بد من السرعة في املحاكمات‪ ،‬فلتكن على قضايا‬ ‫تجمع ال تفرق‪ ،‬وأولى تلك القضايا اإلعدامات التي مارسها صدام ضد رفاقه‪ ،‬وبينهم السنة والشيعة‪.‬‬

‫العراق‪ ..‬بعد خراب املوصل‬

‫إن مواجهة اإلرهاب‪ ،‬وقوته بفعل ما ذكرنا من أسباب وغيرها الكثير‪ ،‬ال تتم بالتهييج‬ ‫الطائفي‪ ،‬مثلما يحصل اآلن‪ ،‬فإن هذه الجموع التي يراد لها خوض املعركة ستكون‬ ‫حطبا لها‪ ،‬وكم تذكر املشاهد بصوالت النظام السابق‪ ،‬وتحشيد العراقيني في املعارك‪،‬‬ ‫واالحتفال بانتصارات كاذبة‪.‬‬

‫لقد أغفل القائمون على أمر البالد أهم عامل من عوامل مكافحة اإلرهاب؛ وهو املصالحة‬ ‫الوطنية‪ ،‬أسسوا دائرة لها‪ ،‬ووضعوا على رأسها َمن تشم من فيه رائحة االنتقام‪ ،‬وعشر سنوات ودائرة املصالحة تصدر‬ ‫بياناتها الكاذبة‪ ،‬لذر الرماد في العيون‪ .‬إنها ليست مصالحة حقيقية‪ ،‬ألن القائمني عليها في األصل هم خصوم ملن يراد‬ ‫املصالحة معهم‪ .‬فانتهى األمر إلى الفشل الذريع‪ ،‬ويوما بعد يوم يتعمق العداء بفعل روح االنتقام‪.‬‬ ‫ليس هذا فقط‪ ،‬بل إن االستحواذ على مؤسسات الدولة‪ ،‬بهذا املد الطائفي الحزبي‪ ،‬لم يترك مجاال للسلم االجتماعي‪ ،‬حتى‬ ‫إنهم جعلوا الحسني مقابل يزيد‪ ،‬وهذه العبارة جاءت على لسان رئيس الوزراء نفسه‪ .‬كنا نعلم أن رئيس الوزراء واملسؤول‬ ‫عن األمن الداخلي اآلن (كان بقاال بالدانمارك)‪ ،‬وكل إدارة رئاسة الوزراء املتنفذة بالشأن اليومي‪ ،‬جاءت من أصول حزبية‬ ‫طائفية‪ ،‬يمكن أن تكون نافعة في التمرد والثورة‪ ،‬لكنها ليست نافعة على اإلطالق في بناء الدولة وتحقيق السلم االجتماعي‪.‬‬ ‫ترى هذه األحزاب والجماعات الدينية كافة أن عالقتها بالخارج أكثر من صالتها بني بعضها البعض بالداخل‪ ،‬وهذا ما جعل‬ ‫البالد مرهونة ألمر الخارج الدولي واإلقليمي‪ ،‬ومعلوم أن أكثر الدول حضورا بالتأثير في السياسة العراقية هي دولة إيران‪،‬‬ ‫والشاهد على هذا أن أميركا عندما تريد التفاوض في شأن عراقي ال تتفاوض إال مع إيران‪.‬‬ ‫إن العالقة بالخارج أمر طبيعي أيام املعارضة‪ ،‬فكل معارضة بحاجة لسند خارجي‪ ،‬لكنه يصبح مؤذيا ونشازا عندما‬ ‫ترتهن للحاضن القديم وهي في السلطة‪ ،‬وهذا ما حصل‪ ،‬تربعت قوى على السلطة لم تميز‪ ،‬حتى هذه اللحظة‪ ،‬بني كونها‬ ‫زمن معارضة ويحتاج للهدم‪ ،‬وزمن سلطة ومتطلباته للبناء‪.‬‬ ‫يبقى التوضيح أن «خراب املوصل» كان كناية تخص البصرة‪ ،‬وذلك خالل املعارك أثناء ثورة الزنج (‪270 - 255‬هـ) وسيطرتهم‬ ‫عليها‪ ،‬وقد دامت خمس عشرة سنة‪ ،‬تحولت فيها البصرة إلى أرض يباب‪ ،‬وأكل فيها الناس كل شيء‪ ،‬حتى الكالب والقطط‪،‬‬ ‫هكذا أخبرنا عنها املسعودي في مروجه‪ ،‬والطبري في تاريخه‪ ،‬وكل َمن كتب عن تلك الفترة‪ ،‬حتى قيل «بعد خراب البصرة»‪.‬‬ ‫ما زال الوقت غير متأخر‪ ،‬للوقوف في مواجهة خرابات املدن العراقية األخرى‪ ،‬بمراجعة سياسية أمينة صادقة‪ ،‬ملا ارتكبه‬ ‫اإلسالم السياسي خالل األحد عشر عاما‪ .‬ونحن نكتب هذه السطور والنقاش يعلو إلزالة حزب الدعوة من قيادة البالد‪،‬‬ ‫فهذا الحزب مبني على فكرة ال تنفع املجتمعات املختلطة طائفيا‪ ،‬مثل العراق‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫الرتابط العاملي‪ :‬العالم بعد ‪1945‬‬ ‫حرره إكريا إري‬ ‫جون إكنربي‬

‫ينظر معظم كتاب التاريخ العاملي لعصر ما بعد ‪ 1945‬إلى‬ ‫كل من الحرب الباردة وبزوغ القوة األميركية باعتبارهما‬ ‫جوهر القصة‪.‬‬ ‫وفي هذا العمل الجديد الباهر‪ ،‬يركز إيري ومن ساعدوه في إعداد‬ ‫الكتاب على االتجاهات األعمق التي هزت النظام العاملي املعاصر‬ ‫وأعادت تشكيله‪.‬‬ ‫فوفقا للخطاب السائد‪ ،‬يبرز معدو الكتاب األساليب األصيلة التي‬ ‫قامت عبرها القوى العابرة للقوميات – التجارة‪ ،‬االستثمار‪ ،‬الهجرة‪،‬‬ ‫االتصاالت‪ ،‬وغيرها ‪ -‬بالربط بني مناطق سياسية منفصلة وحولت‬ ‫وعي اإلنسان‪ .‬مما ال شك فيه أن العوملة كانت موجودة من قبل‬ ‫‪ ،1945‬حيث بدأت تظهر مبكرا منذ سبعينات القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫ولكن إيري يالحظ أنه قبل الفترة املعاصرة‪ ،‬كانت القوى الغربية‬ ‫هي التي تحرك العوملة متأثرة بقوى املستعمرين والرأسماليني ومن‬ ‫اعتبروا أنفسهم أصحاب حضارة‪ ،‬وخصوم القوة العظمى‪ ،‬بينما‬ ‫يعتقد إي��ري أنه بالنسبة لألوقات األح��دث‪ ،‬أصبحت تلك العملية‬ ‫تحركها الشعوب غير الغربية التي تسعى لصنع تاريخها والتي‬ ‫في املقابل منحت العالم املعاصر إحساسا بكونه مجتمعا معاصرا‬ ‫وباملصير اإلنساني املشترك‪.‬‬ ‫وبالطبع‪ ،‬ل��م تختف القومية وسياسة الحماية وره��اب األجانب‬ ‫والصراع بني القوى العظمى تماما‪ .‬ولكن وفقا لرؤية إيري التاريخية‬ ‫امللهمة‪ ،‬ساعدت الحدود الوطنية على بداية عالم أكثر استقرارا‬ ‫وسلمية‪.‬‬

‫في هذا العرض التاريخي الساحر والثري‪،‬‬ ‫يركز ستار على املساهمات الباهرة لعلماء‬ ‫آس �ي��ا ال��وس �ط��ى وم �ه �ن��دس �ي �ه��ا وف�ن��ان�ي�ه��ا‬ ‫ومؤرخيها خالل القرون األربعة التي بدأت مباشرة‬ ‫ق �ب��ل ال �غ ��زو ال �ع��رب��ي ف ��ي ال �ق ��رن ال �ث��ام��ن واس �ت �م��رت‬ ‫ح �ت��ى ال �ح �ص��ار امل �غ��ول��ي ف ��ي ال� �ق ��رن ال �ث��ال��ث عشر‬ ‫وه��ي الفترة التي كانت فيها تلك املنطقة املجهولة‬ ‫اآلن ه��ي «امل��رك��ز الثقافي ل�ل�ع��ال��م»‪ .‬فمن ه��ذا املكان‬ ‫ال�خ�لاق‪ ،‬حدثت ط�ف��رات ف��ي علم الفلك س��وف تقود‬ ‫الح�ق��ا كريستوفر ك��ول��وم�ب��وس (ت�ل��ك االك�ت�ش��اف��ات‬ ‫التي تنبأت بوجود األميركتني قبل سبعة قرون من‬ ‫رحلته)‪ ،‬والتطورات الطبية التي سوف تشكل الطب‬ ‫في عصر النهضة األوروبية بل وحتى أحد أشكال‬ ‫الطب الذى ما زال يمارس حتى اليوم الحالي في الهند؛‬ ‫وإنجازات مميزة في علم البصريات وعلم اإلنسان‬ ‫والرياضيات والجيولوجيا‪ .‬ويركز ستار على العلماء‬ ‫متعددي املعارف الذين هيمنوا على العصر‪ ،‬مشيرا‬ ‫إل��ى أصولهم املتنوعة التي كانت ترجع إل��ى الثقافة‬ ‫الفارسية والتركية بقدر ما كانت تعود إلى الثقافة‬ ‫العربية‪ .‬وف��ي ه��ذا اإلط��ار‪ ،‬يبرز ستار أهمية جذور‬ ‫آسيا الوسطى التي دائما ما كان يغفلها املؤرخون‪.‬‬ ‫ويقدم الكتاب عملية استكشاف واضحة للجداالت‬ ‫الفلسفية والدينية املعقدة بهذا العصر‪ ،‬ونبذة موجزة‬ ‫حول أشعارها وفنونها معززة بالعديد من الرسوم‬ ‫التوضيحية‪.‬‬

‫التنوير املفقود‪:‬‬ ‫العصر الذهيب آلسيا الوسطى‬ ‫من الغزو العربي‬ ‫إلى تيمورلنك‬ ‫فردريك ستار‬ ‫روبرت ليغفولد‬

‫‪,,‬‬

‫يقدم كتاب‬ ‫«التنوير‬ ‫املفقود» عرضًا‬ ‫تاريخيا‬ ‫ساحرًا‬ ‫ملساهمات‬ ‫علماء وفناني‬ ‫آسيا الوسطى‬ ‫حني كانت‬ ‫يومًا «املركز‬ ‫الثقافي‬ ‫للعالم»‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪65‬‬


‫مراجعات‬

‫امللكية النووية احلرارية‪:‬‬ ‫االختيار بني الدميقراطية واملوت‬ ‫إلني سكاري‬ ‫لورانس فريدمان‬

‫‪,,‬‬

‫تعد مذكرات‬ ‫وزير الدفاع‬ ‫األميركي‬ ‫ً‬ ‫غيتس مدخال‬ ‫مهمًا لفهم‬ ‫القيم العليا‬ ‫التي تدار بها‬ ‫السياسية‬ ‫األميركية‬

‫‪,,‬‬

‫‪64‬‬

‫يعالج هذا الكتاب املثير لالهتمام ما‬ ‫ت�ص�ف��ه س �ك ��اري ب �ع��دم ال �ت��واف��ق بني‬ ‫األسلحة النووية والديمقراطية‪ .‬ولكن‬ ‫معرفة سكاري بالشؤون النووية سطحية‪ ،‬كما‬ ‫أنها ال تقدم سوى القليل من املعلومات حول‬ ‫األسلحة‪ ،‬بخالف إلقاء الضوء على بشاعتها‬ ‫والبنية الهشة وغ�ي��ر الشرعية وال�خ�ط��رة التي‬ ‫تحكم ملكيتها واستخداماتها املحتملة‪ .‬ويعد‬ ‫الكتاب أساسا فرضية حول العقد االجتماعي‬ ‫بني األفراد والحكومات تتضمن بعض التأمالت‬ ‫املثيرة لالهتمام حول مصادر اإلجماع والسلوك‬ ‫اإلنساني في الطوارئ‪ .‬وحتى في تلك القضايا‬ ‫املجردة‪ ،‬يمكن قراءة سكاري باستمتاع‪ .‬وعلى‬ ‫ال��رغ��م م��ن أن س�ك��اري أب��رزت سخافة الوضع‬ ‫ال�ن��ووي‪ ،‬ال��ذي يمكن اإلنسان الضعيف من أن‬ ‫يتسبب في دمار رهيب خالل دقائق معدودة‪،‬‬ ‫فإنها لم تقدم س��وى حل هش للقضية‪ ،‬فهي‬ ‫تقترح تعزيز مواد الدستور األميركي التي توزع‬ ‫مسؤولية صناعة الحرب على الشعب بدال من‬ ‫اقتصارها على التنفيذيني‪ .‬ولكنها ال توضح‬ ‫كيف يشترك األشخاص العاديون في الواليات‬ ‫املتحدة والدول النووية األخرى معها في رؤيتها‬ ‫أو يتصرفون من خاللها‪.‬‬

‫الفعل ورد الفعل يف النظام العاملي‪:‬‬ ‫ديناميات القوة االقتصادية والسياسية‬ ‫تيريي دي مونتربيال‬ ‫ريتشار كوبر‬ ‫أخ� �ي ��را‪ ،‬ظ �ه��ر ه ��ذا ال�ك�ت��اب‬ ‫ال��رائ��ع ب��ال�ل�غ��ة اإلن�ج�ل�ي��زي��ة‬ ‫ب �ع��د ‪ 12‬ع��ام��ا م��ن ن�ش��ره‬ ‫للمرة األولى في فرنسا‪ ،‬وهو يعد‬ ‫نموذجا أصيال للعلوم الفرنسية‬ ‫ال ��راق� �ي ��ة‪ :‬م �ج��رد وم �ن �ط �ق��ي ول�ك�ن��ه‬ ‫م� ��رص� ��ع ب ��ال� �ع ��دي ��د م � ��ن األم� �ث� �ل ��ة‪.‬‬ ‫ك �م��ا ي �ت �ح��دث امل ��ؤل ��ف ل �ل �ق��راء عن‬ ‫آرائ��ه بشأن املشكالت ف��ي النظام‬ ‫ال �س �ي��اس��ي واالق� �ت� �ص ��ادي ال��دول��ي‬ ‫ول�ك�ن��ه ال ي�خ�ب��ره��م م��ا ال ��ذي يجب‬ ‫عليهم فعله حيالها‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من أنه منبهر بتعقيد النظام فإنه‬ ‫يؤمن بأنه غير مستقر وهش نظرا‬ ‫ألن االضطرابات الصغيرة نسبيا‬ ‫يمكنها (ولكن ليس بالضرورة) أن تؤدي إلى تغيرات كبرى ومزعجة‬ ‫في عالقات الدول بعضها ببعض وبني تلك الدول والكيانات األخرى‬ ‫التي تتزايد أهميتها‪ .‬مما ال شك فيه أن هذا الكتاب مكثف وعميق‬ ‫ويحث على التفكير‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫الواجب‪ :‬مذكرات‬ ‫وزير يف احلرب‬ ‫روبرت غيتس‬ ‫والرت راسل ميد‬

‫ف��ي ه��ذه امل��ذك��رات ال�ج��ذاب��ة والصريحة‬ ‫ح��ول ف�ت��رت��ه ك��وزي��ر ال��دف��اع األم�ي��رك��ي‬ ‫في إدارتي بوش وأوباما‪ ،‬يقدم غيتس‬ ‫ق��درا م��ن االن�ت�ق��ادات ال�ح��ادة للطريقة التي عالج‬ ‫بها صناع السياسة التنفيذيون والتشريعيون‬ ‫مشكالت السنوات الثماني املاضية‪ .‬ويلقي غيتس‬ ‫ب�م�ع�ظ��م غ�ض�ب��ه ع�ل��ى ب �ي��روق��راط �ي��ة ال�ك��ون�غ��رس‬ ‫والبنتاغون‪ .‬فمن وجهة نظر غيتس‪ ،‬أخفقت كلتا‬ ‫املؤسستني في التعامل مع حروب العقد املاضي‬ ‫بالطاقة والرؤية الالزمتني‪ .‬فقد استمر الكونغرس‬ ‫في التركيز على املشروعات الحكومية املوجهة‬ ‫لكسب ت��أي�ي��د ال�ج�م��اه�ي��ر وامل �ص��ال��ح السياسية‬ ‫الضيقة على حساب التخطيط االستخباراتي‬ ‫ال ��دف ��اع ��ي‪ .‬وق ��اوم ��ت ب �ي��روق��راط �ي��ة ال �ب �ن �ت��اغ��ون‬ ‫الضغوط التي واجهتها لالنتقال إل��ى وضعية‬ ‫الحرب حيث كانت مترددة أمام تلبية االحتياجات‬ ‫العسكرية امللحة وتجاهلت تقديم الرعاية الكافية‬ ‫للمقاتلني امل �ص��اب�ين‪ ،‬وه ��و م��ا دف��ع غ�ي�ت��س إل��ى‬ ‫اإلح �ب��اط حيث أص�ب��ح ي��رى أن مهمته الرئيسة‬ ‫ه��ي ال��دف��اع ع��ن ق��وات��ه ال�ت��ي ت�ق��ات��ل ع�ل��ى الجبهة‬ ‫في مواجهة البيروقراطية واألوض��اع السياسية‬ ‫الراهنة‪ .‬ويعد هذا الكتاب مالئما للشباب الذين‬ ‫يرغبون في أن يفهموا ويتوصلوا إلى القيم العليا‬ ‫التي تدار بها السياسة األميركية ويجب عليهم‬ ‫قراءته بعناية حيث إن غيتس لديه الكثير الذي‬ ‫يمكنه أن يقدمه حول املثالية العملية التي تمثل‬ ‫أفضل نوع للقيادة األميركية‪.‬‬


‫أسطورة القائد القوي‪ :‬القيادة‬ ‫السياسية يف العصر احلديث‬ ‫أركي براون‬ ‫روبرت ليغفولد‬

‫ي�ع��د ك�ت��اب جنسبرغ ت�ح��دي��ا مباشرا‬ ‫ل�ل�ت�ف��اؤل ال ��ذي ط��رح��ه ع��ال��م األع�ص��اب‬ ‫امل� �ع ��رف ��ي ال� �ش� �ه� �ي ��ر‪ ،‬س �ت �ي �ف��ن ب �ن �ك��ر‪،‬‬ ‫ال ��ذي أف ��اد ك�ت��اب��ه ال �ص��ادر ف��ي ‪« 2011‬أف�ض��ل‬ ‫مالئكة لطبيعتنا» بأن دور العنف في الشؤون‬ ‫اإلنسانية ي�ت��راج��ع‪ ،‬حيث ي��رد عليه جنسبرغ‬ ‫قائال إن العنف له أهمية سواء بالنسبة للتغير‬ ‫أو ب��ال�ن�س�ب��ة ل�ل�ح�ف��اظ ع�ل��ى ال �ن �ظ��ام ال�س�ي��اس��ي‬ ‫واالج �ت �م��اع��ي‪ .‬وي��ؤك��د ج�ن�س�ب��رغ ع �ل��ى أهمية‬ ‫املنظمة البيروقراطية للعنف الفعال ويفحص‬ ‫كيف يمكن للعمليات السلمية أن تعتمد على‬ ‫إم �ك��ان �ي��ة ال �ع �ن��ف – ع �ل��ى س�ب�ي��ل امل� �ث ��ال‪ ،‬خطر‬ ‫أن ت�ه��اج��م ال �ق��وات األم �ن �ي��ة م �ظ��اه��رات سلمية‬ ‫مناهضة ل�ل�ح�ك��وم��ة‪ .‬وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ع�ن��وان‬ ‫كتابه وسخريته ال�ب��ارع��ة‪ ،‬ال ي�ق��ول جنسبرغ‬ ‫إن كافة أنواع العنف مهمة‪ :‬فعلى سبيل املثال‪،‬‬ ‫فإنه يفند تجاوزات وكالة إنفاذ القانون وينتقد‬ ‫االعتماد املفرط للسياسة الخارجية األميركية‬ ‫على الحرب‪ .‬ويشير جنسبرغ إلى أن األنشطة‬ ‫ال �ت��ي ت�ص�ف�ه��ا ال �ح �ك��وم��ات ب��اع �ت �ب��اره��ا ب��دائ��ل‬ ‫شرعية للعنف مثل ممارسة «القوى الناعمة»‪،‬‬ ‫تعمل ف��ي ال��واق��ع كعوامل م�ع��ززة للقوة‪ .‬ولكن‬ ‫ذلك الزعم يقلل االختالفات النوعية بني العنف‬ ‫الفعلي وال�ت�ه��دي��دات ال�ت��ي تقتصر على وضع‬ ‫حدود للسلوك‪.‬‬

‫يحذر براون من مخاطر الزعماء الذين‪ ،‬سواء‬ ‫ك��ان زعماء ديمقراطيات أو ديكتاتوريات‪،‬‬ ‫يسعون للهيمنة على السياسة وعلى جميع‬ ‫من حولهم؛ حيث ت��ؤدي الحقيقة أو الوهم املتعلقان‬ ‫بالسلطة غير القابلة للتحدي إل��ى سياسات خاطئة‬ ‫وس ��وء ح��ظ مل��ن يحكمونهم‪ .‬وي�ص��ر ب ��راون ع�ل��ى أن‬ ‫األفضل هو أن يمتلك القائد «عقال نقديا‪ ،‬واستعدادا‬ ‫لالستماع إلى وجهات نظر متباينة»‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫املرونة والشجاعة وعدد آخر من الخصائص‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن حجته تبدو مباشرة‪ ،‬فإنها ثرية ومتعددة‬ ‫األب�ع��اد حتى أن��ه يمكن دمجها ببساطة في النظرية‬ ‫ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة‪ .‬وي�ع�ت�م��د ب ��راون ع�ل��ى ت��اري�خ��ه األك��ادي�م��ي‬ ‫الطويل ال��ذي أم�ض��اه ف��ي دراس��ة الزعماء خاصة في‬ ‫األنظمة الشيوعية الشمولية وفي بعض األحيان في‬ ‫الدول الديمقراطية‪ ،‬لكي يستكشف عدد من العوامل‬ ‫التي تؤثر على القيادة بما في ذلك الثقافة السياسية‪،‬‬ ‫ومؤسسات القيادة‪ ،‬وأشكال الحكم و«البعد النفسي»‪.‬‬ ‫كما أنه يقسم القادة إلى ثالثة أنواع‪ :‬الرئيس «املجدد»‬ ‫(الذين يتمكن من دفع «تغيير راديكالي للسياسة»)‬ ‫والقائد النادر «املطور» (ال��ذي يغير النظام املحلي أو‬ ‫الدولي نفسه)‪ ،‬والقائد «الثوري» (الذي عادة ما يصبح‬ ‫مشوشا عندما يصل إل��ى السلطة ويصبح نسخة‬ ‫مكلفة م��ن ال�ق��ائ��د امل �ح��ول)‪ .‬وي�خ�ت�ت��م ب ��راون بتقييم‬ ‫النجاح واإلخ�ف��اق لقيادات محددة س��واء في األنظمة‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬أو السلطوية‪ ،‬أو الهجني‪.‬‬

‫قيمة العنف‬ ‫بنيامني جنسربغ‬ ‫لورانس فريدمان‬

‫رمال متحركة‪ :‬الواليات املتحدة‬ ‫يف الشرق األوسط‬ ‫جويل ميغدال‬ ‫جون ووتربري‬

‫يرتكز تحليل ميغدال املذهل على نظرية‬ ‫م��راج�ع��ة ال �ت��اري��خ ف��ي م�ع��ال�ج�ت��ه للمراحل‬ ‫الرئيسة للسياسة األميركية صوب الشرق‬ ‫األوسط وهو ما يجبر القراء على إعادة التفكير في‬ ‫بعض الحكم املتوارثة‪ .‬حيث يؤكد ميغدال أن التحالف‬ ‫االستراتيجي للواليات املتحدة مع إسرائيل لم يبدأ‬ ‫خالل حرب األيام الستة في ‪ ،1967‬ولكنه بدأ في عام‬ ‫‪ 1970‬عندما قدمت الواليات املتحدة الدعم إلسرائيل‬ ‫لتعزيز جيشها على الحدود مع األردن وهو ما ساعد‬ ‫على الحفاظ على االستقرار خالل النزاع اإلقليمي‬ ‫الذي اندلع في أعقاب ثورة سبتمبر (أيلول) األسود‬ ‫ض��د امللكية األردن �ي��ة‪ .‬كما أن��ه ي��ؤم��ن ب��أن التحالف‬ ‫االس�ت��رات�ي�ج��ي ب�ين ال��والي��ات امل�ت�ح��دة وإس��رائ�ي��ل قد‬ ‫انتهى بالفعل ف��ي ح��رب الخليج ‪ 91-1990‬عندما‬ ‫منعت الواليات املتحدة إسرائيل من أن تلعب دورا‬ ‫ف��ي رد ال�ف�ع��ل ع�ل��ى غ��زو ال �ع��راق ل�ل�ك��وي��ت وأخ �ب��رت‬ ‫اإلسرائيليني بأن يلتزموا الصمت حتى وإن أمطرهم‬ ‫صدام حسني بالصواريخ‪ .‬ومن جهة أخ��رى‪ ،‬أخفق‬ ‫ال��رؤس��اء األميركيون رون��ال��د ري�غ��ان وج��ورج بوش‬ ‫وبيل كلينتون في تقدير أهمية تراجع القومية العربية‬ ‫وب��زوغ اإلس�لام السياسي والالعبني غير العرب –‬ ‫تحديدا إيران وتركيا ‪ -‬في العالم العربي‪ .‬وخالل عهد‬ ‫كلينتون‪ ،‬وحتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر‪،‬‬ ‫كانت استراتيجية واشنطن تجاه الشرق األوس��ط‬ ‫«غير موجهة»‪ .‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬كان الرئيس‬ ‫ج��ورج بوش موجها‪ ،‬ولكنه كان يدير دفة السفينة‬ ‫في االت�ج��اه الخاطئ‪ .‬وعلى الرغم من أن فرضيات‬ ‫ميغدال تبدو معقولة وفي بعض األحيان مدهشة‪،‬‬ ‫يمكن استخدام نفس األدلة التي استخدمها للوصول‬ ‫إلى استنتاجات مختلفة تماما‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪63‬‬


‫مراجعات‬

‫تقدم مجلة «املجلة» نخبة من أهم الكتب السياسية والثقافية الصادرة حديثا‪ ،‬والتي تتناول أهم امللفات املفتوحة في‬ ‫املنطقة‪ ،‬وجذورها التاريخية‪ ،‬وتداعياتها الراهنة‪ ،‬من الحرب الباردة والنظام العاملي‪ ،‬حتى حروب تشرشل األولى‪ ،‬وعالقة‬ ‫الواليات املتحدة مع الشرق األوسط‪ ،‬مرورًا بطبيعة ونفسية القائد والسياسي في العصر الحديث‪ ،‬فتعمقًا وتأمال في‬ ‫سيرة الزعيم الفرنسي فرانسو ميتران‪ ،‬إضافة إلى مذكرات وزير الدفاع األميركي‪ ،‬ثم حديث مفصل حول طبيعة‬ ‫الحروب النووية القائمة بني دول العالم الكبرى‪.‬‬ ‫كما نستعرض كتابًا يتناول التنوير املفقود عن «العصر الذهبي آلسيا الوسطى من الغزو العربي إلى تيمورلنك» في‬ ‫عرض تاريخي ساحر وثري‪ ،‬يركز على املساهمات الباهرة لعلماء آسيا الوسطى ومهندسيها وفنانيها ومؤرخيها‬ ‫خالل القرون األربعة التي بدأت مباشرة قبل الغزو العربي في القرن الثامن واستمرت حتى الحصار املغولي في القرن‬ ‫الثالث عشر وهي الفترة التي كانت فيها تلك املنطقة املجهولة اآلن هي «املركز الثقافي للعالم»‪.‬‬

‫الواليات املتحدة في الشرق األوسط‪ ..‬وحروب تشرشل األولى‬

‫عشرة كتب‬ ‫حرب تشرشل األولى‪:‬‬ ‫ونستون الصغري يف حرب‬ ‫مع األفغان‬ ‫كون كوفلني‬ ‫روبرت لغفولد‬

‫ف��ي ع��ام ‪ ،1896‬ك��ان ون�س�ت��ون ت�ش��رش��ل ض��اب�ط��ا ش��اب��ا بسالح‬ ‫الفرسان يسعى وراء الشهرة واملجد‪ .‬وبمجرد أن تخرج في الكلية‬ ‫العسكرية امللكية في ساندهيرست وهو ما زال في ‪ 21‬من عمره‪،‬‬ ‫ك��ان ق��د ب��دأ يرسم مستقبله السياسي‪ ،‬فقد استغل صالته لكي يلتحق‬ ‫بأحد ميادين املعركة العديدة لإلمبراطورية البريطانية حيث تمكن من جمع‬ ‫امليداليات وصقل سمعته‪ .‬وبعد ذلك بعام‪ ،‬نجح في تحقيق أهدافه بعدما‬ ‫شارك في سلسلة من الغارات العسكرية التي امتدت لثالثة أسابيع ضد رجال‬ ‫القبائل األفغان فيما يطلق عليه حاليا محافظة خيبر بختون خوا وكاد أن‬ ‫يفقد حياته مرتني‪ .‬ويظهر كوفلني براعة في تصوير خصائص تشرشل‬ ‫الشاب وعيوبه ونظرته للحياة وتباهيه الواضح بتطلعاته‪ .‬كما أنه يبرز الحد‬ ‫الذي إليه كان البريطانيون يخشون امتداد الروس إلى جنوب آسيا حيث كان‬ ‫البريطانيون يعتقدون أنهم راغبون في نزع تاج اإلمبراطورية البريطانية‪.‬‬ ‫وقد حرك هذا الخوف عددا ال يحصى من الحمالت العسكرية البريطانية‬ ‫لتعزيز الحدود بني أفغانستان والهند خالل النصف الثاني من القرن التاسع‬ ‫عشر‪ .‬ويعقد كوفلني مقارنة مخيفة بني محاربي البشتون الذين حاربهم‬ ‫البريطانيون ونزاع الواليات املتحدة وحلف شمال األطلسي مع أحفادهم‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫املقاتلون األجانب‪:‬‬ ‫اهلوية العابرة للقوميات‬ ‫يف النزاعات املدنية‬ ‫ديفيد ماليت‬ ‫لورانس فريدمان‬

‫لقد كان النزاع في سوريا أحدث الحروب املدنية الحديثة التي‬ ‫كان فيها لوجود مقاتلني أجانب تأثير كبير على القتال‪.‬‬ ‫وفي إطار الفحص العميق الذي قدمه ماليت لألسباب والكيفية‬ ‫ال�ت��ي ي�ت��ورط بها املقاتلون األج��ان��ب ف��ي القتال ف��ي أم��اك��ن بعيدة عن‬ ‫أوطانهم‪ ،‬فإنه ركز على أهمية الهوية العابرة للقوميات والحاجة لتقديم‬ ‫الدعم لزمالئهم في مجتمع يتعرض للتهديد‪ .‬وتشتمل دراسات الحالة‬ ‫التي قدمها على نماذج لحرب االستقالل لوالية تكساس (وهو خيار‬ ‫م�ث��ال��ي)‪ ،‬وال�ح��رب األهلية اإلس�ب��ان�ي��ة‪ ،‬وح��رب االس�ت�ق�لال اإلسرائيلية‬ ‫وأفغانستان في الفترة من ‪ 1987‬إلى ‪ ،1992‬مقدما بعض االستنتاجات‬ ‫حول مشاركة اإلسالميني في العديد من النزاعات الحديثة في الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬وهناك ثالثة أنماط رئيسة تظهر في هذه الرواية‪ .‬أولها‪ :‬الدور‬ ‫الرئيس الذي لعبته املنظمات التي كانت تجند وتدرب وتوزع املتطوعني‪.‬‬ ‫وثانيا أهمية الكيفية التي يجري بها تأطير النزاعات لتحديد ما إذا‬ ‫كان املتطوعون يمكنهم أن يقبلوا معركة اآلخر باعتبارها معركتهم‪.‬‬ ‫وثالثا هو ميل املقاتلني املحليني أو األجانب لكي يقاتل بعضهم البعض‬ ‫في النهاية‪.‬‬


‫أصبحت عاملية بشأن حرية اإلنسان وقدسيتها‪ .‬فكان الفرد ُيضطهد في‬ ‫أسرته‪ ،‬ثم توضع له القوالب املحددة لكل نظام حياته في بيئته الصغيرة‪،‬‬ ‫وكذلك في مجتمعه الكبير‪ .‬أما ما يخص رؤية الحقيقة‪ ،‬فقد نتج عن تلك‬ ‫التصورات غير الفردية وغير الواقعية في كثير من األحيان‪ ،‬أن أصبح‬ ‫في خصام مع العقل‪ .‬وذلك ألن «املطلق» ليس قائما وفق قواعد العقل‬ ‫ومساءالته‪ ،‬فالعقل ال يقني له على اإلطالق‪ ،‬كما أن اليقني مضاد للعقل‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فالعقل ال يقر إال بنسبية الحقيقة‪ ،‬ال باليقينيات التي مجالها‬ ‫الذات والوجدان‪ .‬وكان العقل دائما موجودا لدى البشر‪ ،‬لكن ليس دائما‬ ‫بشكل عقالني؛ حيث تتناوبه على مر العصور‪ ،‬وحتى عصرنا الحاضر‪،‬‬ ‫معادلة املنطق واألسطورة‪.‬‬

‫ثقافة املجاز‬ ‫ومن هنا يتضح أن الحقيقة في الشرق الحديث ترتبط دائما بنسق تصوري‬ ‫يتحدد في جزء كبير منه بواسطة املجاز؛ فهي دائما ال تكمن فيما يقال‪ ،‬بل‬ ‫فيما يضمر في نظام الخطاب‪ ،‬ال سيما إذا كان متصال باملجاز‪ .‬وكثير من‬ ‫تصوراتنا املجازية استوطنت في ثقافتنا عبر مراحل زمنية طويلة‪ ،‬لكي‬ ‫تصبح جزءا من تصور الحقيقة‪ .‬واملشكلة العظمى في مثل هذا الوضع أنها‬ ‫تصبح مركز استقطاب‪ ،‬فثم أناس يسعون إلى فرض تصوراتهم املجازية على‬ ‫الثقافة‪ ،‬ليحددوا ما الذي يجب على الناس أن يعدوه حقيقة موضوعية ومطلقة‪.‬‬ ‫لهذا السبب على املرء أن ينظر بشك إلى أسطورة املوضوعية عند التعامل مع‬ ‫قضايا الحقيقة‪ ،‬ناهيك بمسألة اإلطالق التي تستلزم اإلحاطة بكل العوامل‬ ‫التي تنسب إليها الحقيقة من أجل تصور كامل للحقيقة بكل أبعادها‪ ،‬وهو‬ ‫أمر مستحيل‪ .‬وحيث إن الحقيقة قائمة على الفهم‪ ،‬وجميع التصورات املجازية‬ ‫التي تدخل في ثقافة كل مجتمع هي العربة األساسية للفهم‪ ،‬فإن التفكير‬ ‫بأن ذلك املجاز سيكون حقيقة هو السبيل لجعل الحقيقة تعتمد على املجاز؛‬ ‫فتصبح بالتالي حقيقة أي جملة متناسبة مع الطريقة املعتادة لفهم العالم من‬ ‫خالل هذا الكيان البنيوي الذي ينظر منه إلى الواقع‪.‬‬ ‫وفي املنهج الغربي‪ ،‬كانت النتائج مزلزلة لفرضية تناسب قفزات البشر في‬ ‫مجال الفكر التطوري‪ ،‬فقد سيطر هذا الفكر الغربي على تصورات الشعوب‬ ‫الحديثة‪ّ ،‬‬ ‫وكون معايير املنظمات الدولية‪ ،‬وأصبحت جمعيات حقوق اإلنسان‬ ‫واملنظمات غير الحكومية فاعلة على أسس من تلك املعايير‪ .‬فلم يعد مجال‬

‫الحرية أمرا خاصا بالفرد أو مجتمعه‪ ،‬أو حتى الكيان املؤسسي الذي يعيش‬ ‫فيه‪ ،‬بل أصبح كونيا يتعدى ح��دود املجتمعات وس�ي��ادة ال��دول‪ .‬وم��ع نشأة‬ ‫املنظمات العاملية املعنية بهذا الشأن‪ ،‬وإجراءات العوملة الشاملة في كل شؤون‬ ‫الحياة تقريبا‪ ،‬وفي أغلب دول العالم املتقدم‪ ،‬أصبحت قضية الحرية الفردية‬ ‫والحقوق اإلثنية والدينية على رأس أولويات تلك املطالبات‪.‬‬ ‫وبالنظر إلى تأثير تلك املتغيرات الكبيرة في أحداث التواصل‪ ،‬فإن نظرية‬ ‫الفاعلية التواصلية بوصفها تجسيدا لجدل الحداثة املعيارية واألخالق‬ ‫التواصلية‪ ،‬تؤكد على الحقيقة بأنها إنتاج عملية تبادل البراهني والحجج‪،‬‬ ‫وهي‪ ،‬بالتالي‪ ،‬تتويج التفاق ذي طبيعة جماعية‪ ،‬وهذا ما يسميه هابرماس‪:‬‬ ‫«النظرية االجتماعية للحقيقة»‪ .‬وهنا يكون مفهومها قائما على كونها‬ ‫نتيجة فكرية وليست واقعا‪ .‬بالطبع كان لهذه التطورات جوانب سلبية‬ ‫مصاحبة‪ ،‬تمثلت ف��ي تشظي الفكر الفلسفي الغربي املرتبط بمباحث‬ ‫الحقيقة‪ .‬وهو من املتغيرات التي أصابت الدرس الفلسفي الغربي القديم‬ ‫ف��ي مقتل‪ ،‬لكنه ب��دأ يتعافى ف��ي حقول بينية أخ��رى‪ ،‬منها‪ :‬الظاهراتية‪،‬‬ ‫والتأويلية‪ ،‬والدراسات الحجاجية في أطرها املتعددة‪ .‬وأصبحت مفاهيم‬ ‫«الحقيقة املجردة»‪ ،‬التي هي مناط العقل املحض‪ ،‬نسبية تقوم على إعادة‬ ‫النظر الدائمة‪ ،‬فالعلوم اليوم تعتمد على البرهنة الدائمة على ما ينتقصها‬ ‫في سيرورة ال تنتهي في اكتناه حقائق الكون والعالم‪ ،‬فقد غدا تاريخ العلم‬ ‫ليس تاريخ الحقائق التي توصل إليها‪ ،‬بل تاريخ أخطائه‪.‬‬ ‫الخالصة‪ ،‬أنه بسبب هذه الفروق الجوهرية في مفاهيم الشرق والغرب‬ ‫منتم‬ ‫لهذين املبدأين الرئيسني في ممارسات الفكر البشري‪ ،‬نجد كل ٍ‬ ‫إلى أي من الثقافتني ال يفهم‪ ،‬ملاذا تكون لواحدة من التجارب‪ ،‬أو إلحدى‬ ‫املقوالت‪ ،‬أهمية كبيرة عند املنتمي إلى الثقافة األخرى‪ ،‬بينما ال تعني له‬ ‫شيئا ذا بال‪ ،‬فعندما تحدث البابا السابق (ابن الثقافة الغربية الحديثة‪،‬‬ ‫حتى وإن كان يتبوأ مركزا دينيا على رأس الكنيسة الكاثوليكية) عن ثقافة‬ ‫الشرق اإلقصائية‪ ،‬قامت الدنيا ولم تقعد في الشرق‪ ،‬ألنهم يستدعون‬ ‫ال�ت��اري��خ‪ ،‬وي�ت�ص��ورون أن منطلقاته صليبية ع��دوان�ي��ة‪ ،‬واألم��ر كذلك في‬ ‫نظرة الغربيني إلى ما يراه الشرقيون حقا لكبار العائلة على صغارها‪ ،‬أو‬ ‫لرجالها على نسائها‪ ،‬في حني يراه الغربيون افتئاتا على حق الفرد في‬ ‫العيش على أساس خياراته‪ .‬قد تصدق باستمرار املقولة القديمة‪ :‬الشرق‬ ‫شرق‪ ،‬والغرب غرب‪ ،‬ولن يلتقيا! <‬

‫صورة اتخذت في ‪ 24‬فبراير عام‬ ‫‪ 2012‬في معرض بمعهد العالم‬ ‫العربي في باريس للوحة تحمل‬ ‫اسم «حرية التعبير» للتشكيلي‬ ‫التونسي أحمد الهاجري‬

‫‪,,‬‬

‫النقلة التي‬ ‫قام بها فالسفة‬ ‫التنوير‬ ‫ساهمت في‬ ‫هيمنة الفرد‬ ‫على مبادئ‬ ‫التنظيم‬ ‫املجتمعي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪61‬‬


‫ثقافة‬

‫توجد بالتأكيد تراكمات من تصورات مفهومي «الحرية» و«الحقيقة» املختلفة كليا في الشرق عنها في الغرب‪،‬‬ ‫وتطورت في ضوء ما توصلت إليه كل من الكتلتني بشأن تتبع مصادر االنعتاق من القيود من جهة‪ ،‬واليقني‬ ‫عند اإلنسان املرتبط بتصور الكون وعالقاته به في كل األزمان‪ ،‬ودوافع سلوك اإلنسان نحو بعض املسلمات‬ ‫اليقينية؛ انطالقا من العقل البدائي‪ ،‬ثم امليتافيزيقي‪ ،‬وأخيرا التجريبي‪.‬‬

‫في ممارسات الفكر البشري‪ ..‬الفروق الجوهرية بني مفاهيم الشرق والغرب‬

‫ماهية احلرية‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫فالح بن‬ ‫شبيب العجمي‬

‫بالنسبة للشرق القديم كانت هناك محاوالت من مفكريه بالتزام كالم‬ ‫األنبياء والحكماء‪ ،‬وكل ما يعتقد بأن امليتافيزيقا تفرضه بوصفه‬ ‫إطارا لحرية الفرد‪ ،‬وبقيت تلك القيود مفروضة بشدة في كل الحقب‬ ‫املختلفة من حياة شعوب الشرق‪ .‬كما أنهم‪ ،‬فيما يخص أطر الحقيقة‪ ،‬خائفون‬ ‫من تبني نظريات بأي شأن مهم من شؤون حياتهم ومستقبلهم؛ ومن أجل‬ ‫ذلك كانوا كلما تقادمت بهم العصور‪ ،‬ونسوا تعليمات السماء‪ ،‬أو تقادمت‬ ‫عليهم‪ ،‬ولم تعد تلبي حاجات عصرهم‪ ،‬التفوا حول نبي جديد‪ ،‬أو حكيم يفسر‬ ‫لهم أمور الكون من جديد‪ ،‬ويطمئنهم بأن مستقبلهم بخير‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫أما في الغرب‪ ،‬الذي يمكن اعتبار أولى مراحله الفكرية املستقلة ما توصل إليه‬ ‫فالسفة العقل في مرحلة التنوير‪ ،‬من أن حرية اإلنسان مطلب مستقل بحد‬ ‫ذاته‪ ،‬وأن االنتقاص منها مثل االعتداء على جسد اإلنسان فيزيائيا؛ كما أن‬ ‫هناك عالقة وطيدة بني االهتمام باملعرفة وتطور آليات العقل البشري‪ .‬فقد التزم‬ ‫كانط في «نقد العقل املحض» ببناء نظرية للمعرفة؛ تبني ما يجب أن تكون‬ ‫عليه بنية الشخص العارف وطبيعة الشيء املعروف‪ ،‬حتى تأمن موضوعية‬ ‫املشروع الفيزيائي‪ ،‬منذ كوبرنيكوس وغاليلي‪ ،‬وصوال إلى نيوتن والفوازييه‪.‬‬ ‫هذه النظرية أدت – كما هو معروف – إلى إبراز شرعية املعرفة العلمية‪ ،‬ووهم‬ ‫املعرفة امليتافيزيقية‪ ،‬املعرفة التي تطمح في الوصول إلى املطلق‪ .‬فقد حدد‬ ‫الوضع امليتافيزيقي للعلم‪ ،‬والوضع العلمي للميتافيزيقا؛ وهو في هذا عرض‬ ‫مسألة ترتبط ارتباطا وثيقا باملنطق‪ ،‬أي بمصداقية األحكام التركيبية ْ‬ ‫القبلية‪.‬‬ ‫فالحكم بأن لكل حدث سببا يحدث‪ ،‬حكم ْقبلي ال يرتكز إلى التجربة‪ .‬فنحن‬ ‫ال ن��درك األح��داث التي سوف نختبرها‪ ،‬لكننا واثقون سلفا من خضوعها‬ ‫لقانون السببية الذي ال يستمد من تصور الحدث‪.‬‬

‫تصوراتنا‬ ‫املجازية‬ ‫استوطنت‬ ‫في ثقافتنا‬ ‫عبر مراحل‬ ‫زمنية طويلة‬ ‫فأصبحت‬ ‫جزءا من‬ ‫الحقيقة‬

‫‪,,‬‬

‫‪60‬‬

‫وق��د ك��ان كانط ينظر إل��ى العقل البشري املنظم للتجربة الحياتية واملشرع‬ ‫للطبيعة‪ ،‬ليس على أساس املبادئ الفطرية التي أقرها ديكارت من قبل‪ ،‬بل‬ ‫بوصفه هو نفسه جملة من القوالب ْ‬ ‫القبلية (صورتا الزمان واملكان واملقوالت)‬ ‫التي هي مكونة من قوالب فارغة تملؤها الحدوس الحسية‪ ،‬فتحول إلى معرفة‪،‬‬ ‫هذه الحدوس التي تظل عمياء من دون تلك القوالب‪ ،‬حسب تعبيره‪.‬‬

‫الشرق لم يقدم بلورة جديدة ملفهوم الحرية‬

‫اإلطالق‪ ،‬سواء لعلو النسب‪ ،‬أو الجتماع عدد من الفضائل ال تتوافر ملن ليسوا‬ ‫من األحرار‪ .‬وإذا أريد مدح امرأة بأن أخالقها فاضلة قيل‪ّ :‬‬ ‫«حرة»؛ بل إن بعض‬ ‫الصقور األصيلة يطلق عليه ّ‬ ‫«حر»‪ .‬ليس هناك تنظير فكري ملبدأ «الحرية»‬ ‫الفردية أو الجمعية‪ ،‬وحتى عندما طالبت شعوب الشرق باستقاللها‪ ،‬فلم تكن‬ ‫الحرية من ضمن املطالب التي كانوا يسعون إليها‪ ،‬بل تركزت رغباتهم في طرد‬ ‫املستعمر‪ ،‬وأن يحكمهم مستبدون من أبناء جلدتهم‪ .‬وفي شأن الحقيقة‪ ،‬بقيت‬ ‫ُ‬ ‫أطر هيمنة املقوالت العامة التي أسسها األسالف هي الثقافة‪ ،‬التي تقبل على‬ ‫أساسها أي نظرية أو رؤية كونية أو مجتمعية‪ .‬فلم تدخل أي من املجتمعات‬ ‫الشرقية مرحلة الحقبة التجريبية‪ ،‬إال إذا كان األمر ال يتجاوز جزئية علمية‬ ‫بحتة‪ ،‬ال تمس عناصر الكون‪ ،‬أو محددات الحياة البشرية‪ .‬فكان كل ما يتعلق‬ ‫بتصورات الحقيقة منطلقا من الثابت‪ ،‬ويوصف بأنه مطلق بالكامل‪ ،‬وغالبا‬ ‫ال يتعرض إلى تعديالت أو مراجعة‪.‬‬ ‫أما في الغرب حديثا‪ ،‬فإن تلك النقلة التي قام بها فالسفة التنوير قد استمرت‪،‬‬ ‫وتطورت في اتجاه هيمنة الفرد على مبادئ التنظيم املجتمعي؛ وهو ما يعني‬ ‫إعطاء مزيد من الحرية الفردية‪ ،‬وعدم جواز االنتقاص منها بأي حال‪ ،‬وتحت‬ ‫أي ظ��رف ك��ان‪ .‬وه��و ما أصبح واح��دا من أرك��ان الدساتير الغربية الحديثة‪،‬‬ ‫بل ومبادئ حقوق اإلنسان التي أقرتها هيئة األمم املتحدة عام ‪1948‬م‪ .‬كما‬ ‫ترسخت فلسفة أن ما أصبح اإلنسان يطلق عليه «الحقيقة» في مجال البحث‬ ‫املستمر ذاك‪ ،‬ليس انعكاسا أو نسخة من منطوقات مبثوثة في بنية الواقع؛‬ ‫واقع جرى تصوره بسذاجة بما هو وجود في ذاته خاص بالوقائع املنتظمة‬ ‫بحسب قوانني معينة‪ .‬بل إن الحقيقة‪ ،‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬تعني الكيفية‬ ‫التي ينتظم وفقها الواقع؛ الواقع كما نمارسه انطالقا من مصالحنا املتغيرة‪،‬‬ ‫وتلبية ه��ذه املصالح ول��و ظاهريا؛ يعني أنها ص��ارت ض��روري��ة اجتماعيا‪،‬‬ ‫ومفصلة حول ألعاب اللغة النوعية‪ .‬وفي الواقع إن مجموع هذه القيم التعبيرية‬ ‫التي تشكل قوة اللغة تمثل في الوقت نفسه جزءا كبيرا من ثقافة املجتمع‪،‬‬ ‫وهو ما يسميه فوكو «منظومة الحقيقة»؛ حيث يرى أن الحقيقة ليست خارج‬ ‫القوة‪ ،‬بل إنها جزء من هذا العالم ينتج بواسطة صيغ متعددة من اإلك��راه‪،‬‬ ‫ي��ؤدي إلى تحوالت منتظمة من القوة‪ ،‬فكل مجتمع لديه منظومة للحقيقة‪،‬‬ ‫ما يشكل سياسته العامة إزاء الحقيقة‪ .‬تتضمن هذه املنظومة أنواع الكالم‬ ‫املقبول‪ ،‬والذي يصلح أن يصبح حقيقة‪ ،‬كما تشتمل على اآلليات التي تمكن‬ ‫املرء من اختيار املقوالت الصائبة وتستبعد الخاطئة‪ ،‬واألدوات التي يعاقب‬ ‫بها كل من يخالف تلك املعايير؛ بمعنى أن مهمة هذه املنظومة إبراز ما يصلح‬ ‫أن يعد حقيقة إلى الوجود‪.‬‬

‫وإذا أتينا إلى الشرق الحديث‪ ،‬فإن عددا من التغيرات الهامشية قد حدثت؛‬ ‫لكن األسس الجوهرية ملفهومي «الحرية» و«الحقيقة» بقيت كما هي‪ .‬فال نجد‬ ‫في أي من بالد الشرق التقليدية (وليس الشرق الجغرافي) أي بلورة جديدة‬ ‫ملفهوم الحرية؛ إذ بقيت في الثقافة العربية‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬تعني الخروج فما الذي نتج عن كل من املنهجني؟‬ ‫من السجن أو املكان املحدود‪ ،‬أو إذا وصف بها إنسان‪ ،‬فتعني حالة اجتماعية في الواقع إن الشرق الحديث بقي رغم ادعاء بعض منظريه التزام الحداثة‬ ‫تقابل من يوصفون بالعبودية‪ .‬ولذلك نجد أن الناس يمكن أن يوصفوا بها على واملعايير العاملية املعاصرة‪ ،‬بعيدا عن التفاعل مع تلك التطورات الفكرية التي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫في مقالة بعنوان «عقيم الجدل» نشرت في إحدى املجموعات‬ ‫البريدية على اإلن�ت��رن��ت‪ ،‬واص�ف��ا رض��وان السيد بأنه يريد أن‬ ‫يشرعن إلس�لام مدجن ترعاه األنظمة املستبدة التي يخيفها‬ ‫زحف اإلس�لام السياسي والربيع العربي ‪ -‬حسب قوله ‪ -‬وأما‬ ‫املثقفون ال�ع��رب اآلخ ��رون أم�ث��ال عبد املجيد ال�ش��رف��ي‪ ،‬محمد‬ ‫أرك��ون (عركون كما يسميه) فهؤالء مجرد أدوات للمستعمر‬ ‫وأتباع للثقافة الفرنكفونية‪ ،‬فهذا الجدال معهم وفقا للمرزوقي‪،‬‬ ‫قد «يضفي عليها وهم الجدية على أطروحاتهم في حني أنها‬ ‫خالية الوطاب‪ ..‬ويكفي أن نذكر بأن زعيمي هذا التيار املتأثر‬ ‫بالثقافة اليعقوبية الفرنسية عمليا وبتلفيق التأويليات األملانية‬ ‫في نسختها الفرنسية املشوهة يخلطان بني ترديد أسماء العلوم‬ ‫في كتاباتهم والتمكن من مسمياتها‪ :‬قصدت عركون والشرفي‬ ‫ف�ك�لاه�م��ا ال ي �ت �ج��اوز ال �ش �ع��ارات وأس� �م ��اء ال �ك �ت��ب وامل��وض��ات‬ ‫الحداثوية م��ع العلم أنهما كالهما خريج آداب عربية وم��ن ثم‬ ‫فال صلة لكتاباته في الدين باختصاصه األكاديمي‪ ،‬ما يعني‬ ‫أنه يعبر عن أحوال نفسه أكثر مما يعبر عن معرفة علمية بما‬ ‫يتكلم عليه إذا كان القصد بها تجاوز الشعارات وذكر أسماء‬ ‫االختصاصات‪ .‬ثم إن التقويم العلمي للمعرفة العلمية ال يمكن‬ ‫أن يكون مجاله الكتابة الصحافية فضال عن اللمحات التويترية‪.‬‬ ‫وكالمي ه��ذا ال يقتصر على خصوم الدكتور رض��وان بل هو‬ ‫يشمله‪ .‬ذل��ك أن اتهام الدكتور ملا يحصل في اإلس�لام السني‬ ‫من مخاض بوصفه انحرافا غير سوي فيه جزء ال يتجزأ من‬ ‫تحالف االنحطاطني ضد ه��ذا املخاض‪ :‬االنحطاط الذاتي الذي‬ ‫يمثله إسالم الفقهاء األعزل والنخب املتعمشة من رضي عنهم‬ ‫اإلسالم الخادم لالستبداد والفساد كما يتبني من الحلف املشني‬ ‫ضد الربيع العربي وضد كل مقاومة لالستعمار املحافظ على‬ ‫شروط بقاء األمة تابعة بسبب تفتيت مكانها وتقطيع زمانها‬ ‫والحرب على حصانتها»‪.‬‬ ‫يضع املرزوقي طرفي السجال من دعاة اإلسالم املدجن (رضوان‬ ‫السيد ن�م��وذج��ا)‪ ،‬ودع ��اة ق�ش��ور ال�ح��داث��ة (ال�ش��رف��ي وأرك ��ون)‪،‬‬ ‫في سلة واح��دة‪ ،‬فحسب قوله‪« :‬ه��ذا االنحطاط املستورد الذي‬ ‫يريد إسالم الصوفية األعزل الذي ال يتدخل في خيارات األمة‬ ‫التفكيكية التداولية التي حررت داللة النص من سلطة التأليف‬ ‫السياسية والروحية وخاصة في مقاومة الغزو األجنبي بوجهيه‬ ‫والتلقي في مصادره وسياقات قراءته مبينة اإلمكانات الخصبة‬ ‫املادي ممثال بالنخب السياسية واالقتصادية التابعة‪ ،‬والرمزي‬ ‫وغير املتناهية التي يتضمنها في دالالته وهوامشه‪.‬‬ ‫ممثال بالنخب التربوية والثقافية التابعة التي ال تمثل إال قشور‬ ‫الحداثة ألن الحداثة بما هي تمكن من العلوم وتطبيقاتها انتقلت‬ ‫يختم ولد أباه مرافعته املتضامنة مع أطروحة رضوان السيد‪،‬‬ ‫إلى هذا اإلسالم السياسي الذي يخيف الغرب وعمالئه»‪.‬‬ ‫بالقول‪« :‬م��ن املفارقات املثيرة أن��ه في الوقت ال��ذي تعرف اليوم‬ ‫الدراسات القرآنية في الغرب طفرة نوعية ببروز كتابات رصينة‬ ‫بقدر ما توحي هذه السجاالت بحراك ثقافي عربي‪ ،‬فإنها تكشف‬ ‫حول البنيات النصية والبالغية والتركيبية والداللية في القرآن‬ ‫في الوقت ذات��ه عن طبيعة الحالة العربية التي تصل إل��ى آفاق‬ ‫الكريم‪ ،‬تقف على النقيض م��ن أدب�ي��ات االس�ت�ش��راق التقليدي‬ ‫مسدودة حتى في حالتها الثقافية‪ ،‬فبعد أن فشلت املشاريع‬ ‫واملراجعني الجدد (من أهمها أعمال جنفييف غوبيو وميشل‬ ‫السياسية وسقطت ال��دول��ة العربية‪ ،‬ت�ه��اوت املشاريع الثقافية‬ ‫كويبرز وفرنسوا ديروش وآن سيلفي بواليفو‪ ..‬إلخ)‪ ،‬نلمس أن‬ ‫والنقدية التي كانت ترفع شعار التنوير‪ ،‬وسقطت هي األخرى‬ ‫الوعود التي طاملا سمعناها من باحثني عرب مشهورين اقتحموا‬ ‫أمام امتحان الحالة العربية التي تمزقت بني النزاعات الطائفية‬ ‫حقل األبحاث القرآنية لم تتجاوز ما أشار إليه رضوان السيد‬ ‫والحروب األهلية‪.‬‬ ‫من هدم اإلسالم السني باسم تطبيق آيديولوجي غير علمي وال‬ ‫موفق ملناهج حديثة لم يجر استيعابها وال فهمها‪ ،‬فهي بهذا لقد كانت مشاريع قراءة التراث ونقده‪ ،‬غرقا مضنيا في املاضي‪،‬‬ ‫الوجه اآلخر لخصوم اإلسالم السني من املنشقني عليه الحاملني دون أي فاعلية مجدية في الحاضر‪ ،‬وهذا يدل على أن الصراع‬ ‫السيف على مؤسساته األهلية وعلى الدولة»‪.‬‬ ‫الثقافي والطائفي العربي هو في جذوره صراع حول تفسير هذا‬ ‫التراث‪ ،‬وغرق عميق فيه‪ ،‬وربما يستدعي ذلك الغرق أن نغرق في‬ ‫بحار الدم التي تسفحها الحروب الطائفية واألهلية والتي ترزح‬ ‫أبو يعرب املرزوقي يفتح النار على الجميع‬ ‫تحتها املنطقة بعد أن أصبحت متشحة بالسواد واألل��م والذي‬ ‫لم يتوقف األمر عند هذا الحد من االصطفاف بني الرأيني‪ ،‬بل جاء يسود أغلب مناطقها التي تعيش تحت رهبة التفكك والتقسيم‪،‬‬ ‫املفكر التونسي أبو يعرب املرزوقي‪ ،‬وفتح النار على الطرفني‪ ،‬وغياب األمن وتهاوي الدولة <‬

‫‪,,‬‬

‫السيد ولد‬ ‫أباه‪ :‬الجهد‬ ‫الهائل الذي‬ ‫بذله املثقفون‬ ‫العرب لتفكيك‬ ‫التراث‬ ‫اإلسالمي‬ ‫ونقده‪ ،‬أفضى‬ ‫إلى نتائج‬ ‫كارثية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪59‬‬


‫ثقافة‬

‫‪,,‬‬

‫طرابيشي‪ :‬نعم‬ ‫هناك «حملة‬ ‫على اإلسالم»‬ ‫يقودها‬ ‫ويخوض‬ ‫غمارها كل من‬ ‫ِّ‬ ‫ويروج‬ ‫يتبنى‬ ‫لتقسيمنا إلى‬ ‫معسكرين‬ ‫متناحرين‬

‫‪,,‬‬

‫جديد»‪ ،‬مدافعا بشدة عن أطروحات محمد أركون من أن تكون‬ ‫مسخرة لهدم اإلس�لام السني‪ ،‬مؤكدا أن هذه التهمة ال يتجرأ‬ ‫أن يطلقها حتى القرضاوي‪ ،‬فكيف يأتي السيد ويطلقها هكذا‬ ‫جزافا‪ ،‬ملمحا إلى أن السيد ال يمتلك الجلد والصبر لقراءة فكر‬ ‫محمد أركون‪ ،‬وال يعرف عنه إال عناوين الكتب والفصول التي‬ ‫يقرأها خالل فترات االستراحة في املؤتمرات‪.‬‬ ‫يضيف الهوني قائال موجها حديثه للسيد‪ّ :‬‬ ‫«إن الفكر التكفيـري‬ ‫ال���ذي ت��داف��ع ع��ن��ه ه��و امل��ؤس��س وامل��ب��رر ال��ع��ق��دي ل�ل�إره���اب‪ّ .‬‬ ‫وإن‬ ‫التكفيريني ّ‬ ‫السنة ال يقتلون أهل األديان والنحل وامللل واملذاهب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫داخل الطائفة السنية يقتلون السنة‬ ‫األخرى‬ ‫فقط‪ ،‬بل هم طائفة ّ‬ ‫الصوفية ّ‬ ‫والسنة الشعبية‪ ،‬وكل من اعتبروه فاسقا أو ملحدا أو‬ ‫كافرا‪ .‬فهنيئا لك أنت والقرضاوي بهذه الصحبة الجديدة التي‬ ‫تخلط بني ّ‬ ‫الدين والسياسة‪ ،‬وب�ين الدولة والطائفة‪ ،‬وب�ين فكرة‬ ‫دول��ة املواطنة ودول��ة اإلي��م��ان» (صحيفة «الشرق األوس���ط»‪25 ،‬‬ ‫أبريل ‪.)2014‬‬ ‫أما الكاتب السوري عزيز العظمة فوافق الهوني في رده‪ ،‬وكتب‬ ‫مقاال وص��ف فيه السيد بأنه «كثير االخ��ت�لاط ك��ال��ع��ادة وغير‬ ‫ّ‬ ‫متماسك في ّ‬ ‫تسرعه واستعجاله‪ ،‬ويتعذر فيه على قارئه تمييز‬ ‫الخيط األبيض من الخيط األسود؛ هذا القارئ الذي يجد نفسه‬ ‫منقادا إلى أن يستشعر من خالل ما يقرؤه من سطور املقال‪،‬‬ ‫عصبية طائفية بدائية غير قادرة على التمييز بني األمور وعلى‬ ‫ّ‬ ‫لعصبية ما دون السياسة‬ ‫التعصب واالنتصار‬ ‫التعالي عن عماء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫نْ‬ ‫ّ‬ ‫عصبية ال ترى حولها إال فسطاطي‪ :‬فسطاط الذات‬ ‫وما فوقها‪،‬‬ ‫التي ال تحجم‪ ،‬في غياب ملكة التمييز لديها‪ ،‬عن املماهاة بني‬ ‫الوالء ّ‬ ‫للدم الطائفي والذهاب بهذا الوالء ‪ -‬على تقادمه وضرره‬ ‫ إلى تأييد كل ما نطق باسمه من عاقل أو ناعق أو تكفيري‪،‬‬‫وفسطاط اآلخر الذي ليس على استعداد النتضاء لواء االقتتال‬ ‫ّ‬ ‫واتخاذ رضوان ّ‬ ‫السيد مناضال قدوة في هذا‪..»..‬‬ ‫الطائفي‬ ‫يتجاوز العظمة في رده ويصف كالم السيد بالخفة والحمق‪،‬‬ ‫وأن كالمه يستوجب إقامة حد القذف واإلفك عليه‪ ،‬فيقول‪« :‬تلك‬ ‫تهمة يكيلها لي رضوان ولغيري أيضا‪ ،‬باستسهال يدل ّإما على‬ ‫ّ‬ ‫الخفة بل الحمق‪ّ ،‬‬ ‫وإما على تهتك في الكيان األخالقي واملعنوي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هذه ‪ -‬وغيرها مما جاء فيما كتب رض��وان ‪ -‬بهتان صرف ال‬ ‫يستند إلى شذرة في الواقع‪ ،‬وليس لديه عليه أي مستند في قول‬ ‫ّ‬ ‫أو ّ‬ ‫وتقول غريبان إذ إن رضوان ليس‬ ‫نص أو فعل‪ .‬هذا اختالق‬ ‫ّ‬ ‫بجاهل بمواقفي‪ ..‬ما فعله الرجل غير أخالقي‬ ‫غريبا عني وال هو ّ‬ ‫ومخالف للقانون‪ ،‬ولعله يستذكر ّأن فقه أهل السنة يوجب إقامة‬ ‫ّ‬ ‫الحد على القدح والقذف واإلفك»‪( .‬صحيفة «الشرق األوسط»‪،‬‬ ‫‪ 2‬مايو ‪.)2014‬‬

‫رسام فلسطيني يرسم‬ ‫صورة للرئيس السوري‬ ‫بشار األسد والزعيم‬ ‫الشيعي اللبناني حسن‬ ‫نصر الله في أحد‬ ‫شوارع بيروت وفي‬ ‫الخلف تبدو صورة‬ ‫الرئيس العراقي الراحل‬ ‫صدام حسني‬

‫يقرر ولد أباه أنه ليس في هذه املالحظة ما يعني التعصب ورفض‬ ‫تطبيق املناهج النقدية على الخطاب الديني والنص التراثي‪« ،‬بل‬ ‫هو كشف لحيلة من الحيل اآليديولوجية املعروفة التي تتمثل‬ ‫ف��ي اس��ت��خ��دام أدوات التحليل وال��وص��ف والتشخيص كآليات‬ ‫للشحن التعبوي وتوجيه الوعي بذريعة موضوعيتها وحياديتها‬ ‫املعيارية‪.‬‬

‫فكيف يمكن أن نبرر منهجيا الجمع بني التاريخانية الفيللوجية‬ ‫في نقد النص الديني والنظريات البنيوية والتفكيكية التي قامت‬ ‫أساسا على رفض تلك املقاييس التي كانت سائدة في تاريخ‬ ‫األفكار؟ وكيف نحمل املقاربات الحفرية والتفكيكية والتداولية‬ ‫مشاريع نقد التراث عقيمة!‬ ‫شحنة تنويرية آيديولوجية‪ ،‬وهي في عمقها ومنظورها نقيض‬ ‫من جانب آخر يعلق الكاتب املوريتاني السيد ولد أباه في صحيفة النزعات اإلنسانية والحداثية والتنويرية؟‬ ‫«االت��ح��اد» اإلم��ارات��ي��ة على ال��ج��دل ال��ذي أح��دث��ه رض���وان السيد‪،‬‬ ‫متابعا له وموافقا في طرحه‪ ،‬حيث يرى أن الجهد الهائل الذي بذل م��ن ال��واض��ح أن ه��ذه األدوات تستخدم بطريقة تلفيقية وغير‬ ‫في األعوام األخيرة لتفكيك التراث اإلسالمي ونقده‪ ،‬لم يفض إلى دقيقة ف��ي التعامل م��ع النص الديني وال��ت��راث��ي‪ ،‬دون أن تسلك‬ ‫نتائج علمية رصينة‪ ،‬وإنما كانت نتائجه كارثية من حيث توظيفه أيا من املقاربات الثالث التي نجدها في السياق الغربي وهي‪:‬‬ ‫الواعي وغير الواعي أحيانا في هدم التقليد السني الذي يعاني من املقاربة الهرمينوطيقية (التأويلية) التي أع��ادت تفسير وفهم‬ ‫انشقاقات داخلية حادة من آثارها الحركات األصولية املتطرفة النصوص الدينية في مناح مبتكرة عززت مسلك اإلصالح الديني‬ ‫والسلفيات الجهادية وتيارات اإلسالم السياسي املؤدلجة‪ ،‬في دون قطيعة راديكالية مع منابع اإليمان والتدين‪ ،‬املقاربة النقدية‬ ‫الوقت الذي تقف املؤسسة التقليدية عاجزة عن امتصاص هذه التاريخية التي سمحت بالتحقيب للفكر وتتبعه في مكوناته‬ ‫البنيوية وتحوالته دون مصادرات آيديولوجية موجهة‪ ،‬املقاربة‬ ‫الصدمات العنيفة‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫املفكر السوري برهان غليون رئيس املجلس الوطني السوري املعارض‬ ‫سابقًا يلقي خطابا‪ ،‬بجانب عمدة بلدية باريس‪ ،‬برتران ديالنو في ‪15‬‬ ‫مارس ‪ ،2012‬خالل تجمع حاشد لالحتجاج ضد نظام الرئيس بشار األسد‬

‫ممتدة‪ ،‬إلى أنهم تمكنوا وباألخص من املحافظني وأبناء التيارات اإلسالمية باعتباره‬ ‫كتب‬ ‫ٍ‬ ‫السلفية واألشعرية‪ ،‬والخروج بعد ٍ‬ ‫من تحطيم اإلسالم السني‪ .‬وكانوا في زمن العسكريني واألمنيني انتصارا يؤازرهم‪ ،‬مؤكدين أن مقال رضوان السيد لن يقف عند‬ ‫الطويل‪ ،‬يحصلون على جوائز منهم بسبب العقالنية التي اشتهر هذا الحد‪ ،‬فسوف تتوالى الردود املعارضة له بقوة‪.‬‬ ‫بها حافظ األسد وبشار األسد ومعمر القذافي‪ .‬وهم يجدون اليوم‬ ‫املخاضات الفظيعة التي دخل فيها الجهاديون‬ ‫وسط‬ ‫الحزبيون وهذا ما حصل‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وصدام‬ ‫ف َرصا جمة لإلشادة من جديد بالتنوير الذي عليه األسد‬ ‫قبله‪ ،‬وإيرانيو الخامنئي ونصر الله من بعد»‪.‬‬ ‫جاءت ردود كثيرة على اتهامات وانتقادات رضوان السيد‪ ،‬أولها‬ ‫عربي‬ ‫مفكر‬ ‫نحو‬ ‫سهام نقد السيد الالذعة لم تتوقف‪ ،‬فأدارها‬ ‫وأبرزها رد املفكر السوري جورج طرابيشي‪ ،‬في مقال نشرته‬ ‫وانزعاجه‬ ‫السني‪،‬‬ ‫اإلسالم‬ ‫كبير‪ ،‬متهما إياه بتحامله الشديد على‬ ‫صحيفة «الشرق األوسط» في ‪ 23‬أبريل ‪ ،2014‬بعنوان «الحملة‬ ‫عن‬ ‫صامت‬ ‫اآلخر‬ ‫الجانب‬ ‫من فظائع األصوليني السنة‪ ،‬لكنه في‬ ‫على اإلس�ل�ام‪ ..‬ق��راءة مغايرة»‪ ،‬ج��اء فيه رفيقا لطيفا في رده‬ ‫سوريا‪..‬‬ ‫بالده‬ ‫بحق‬ ‫يفعله‬ ‫جرائم وبشائع نظام بشار األسد وما‬ ‫ملتزما أدب الخالف الرفيع بني املثقفني‪ ،‬قال فيه‪« :‬ما دام السيد‬ ‫مثال‬ ‫طرابيشي‬ ‫�ورج‬ ‫�‬ ‫ج‬ ‫انزعاج‬ ‫يقول رض��وان‪« :‬م��ا العالقة بني‬ ‫قد اختار لبيانه االتهامي عنوان (الحملة على اإلسالم)‪ ،‬فألعترف‬ ‫فظائع‬ ‫من‬ ‫وانزعاجه‬ ‫القديم‪،‬‬ ‫في‬ ‫من األرثوذكسية وأهل الحديث‬ ‫له أن هذه الحملة قائمة على قدم وساق فعال‪ ،‬ولكنها بالضبط‬ ‫وأدونيس‬ ‫وهو‬ ‫وفظائعه؛‬ ‫بشار‬ ‫من‬ ‫األصوليني‪ ،‬وعدم انزعاجه‬ ‫ّتلك الحملة التي تجعل من اإلسالم إسالمني‪ ،‬وزيادة في الطني‬ ‫مذابح‬ ‫ضد‬ ‫هم‬ ‫الذين‬ ‫املعارضني‬ ‫كل‬ ‫وعزيز العظمة وأشباههم!‬ ‫بلة‪ :‬إسالمني متنابذين ومتناحرين حتى النفس األخير»‪.‬‬ ‫بشار (بمن فيهم ميشيل كيلو املسيحي املاركسي) هم في نظر‬ ‫هؤالء‪ :‬طائفيون! أما األسد ونصر الله فهم علمانيون تنويريون‪ ،‬يضيف طرابيشي‪« :‬ليسمح ل��ي السيد رض��وان أن أس��أل��ه‪ :‬إذا‬ ‫ّ َ َ‬ ‫وإال ف ِلم لم يحملوا عليهم كما حملوا على كل املعارضني لبشار كان اإلسالم هو الدين ُ الذي نزل به القرآن‪ ،‬فهل القرآن سني أم‬ ‫ّ‬ ‫بالداخل والخارج إما بحجة اإلرهاب أو بحجة الطائفية!»‪.‬‬ ‫شيعي؟ وإذا كان من أنزل عليه هذا القرآن هو الرسول محمد‪،‬‬ ‫على‬ ‫العرب‬ ‫وبكل وضوح يقرر رضوان السيد انقالب املثقفني‬ ‫فهل كان هذا الرسول سنيا أم شيعيا؟‪ ..‬إنها فعال إذن (حملة‬ ‫ِّ‬ ‫بعثيا‬ ‫أو‬ ‫قوميا‬ ‫هويتهم العربية‪ ،‬قائال‪« :‬ال أعرف ‪ -‬إال فيما ندر ‪-‬‬ ‫على اإلسالم) يقودها ويخوض غمارها كل من يتبنى ويروج‬ ‫ّ‬ ‫الله‬ ‫ونصر‬ ‫وخامنئي‬ ‫أو يساريا إال وهو اليوم مع بشار األسد‬ ‫لتلك الثنائية املانوية التي ال تريد أن تتصور الخير في معسكر‪،‬‬ ‫واملالكي»‪.‬‬ ‫إال بقدر ما تنسب الشر إلى املعسكر اآلخر‪ ،‬وذلك تبعا لالنتماء‬ ‫الطائفي الذي يلومني السيد رضوان السيد شخصيا على كوني‬ ‫بالغت في التحذير من وخامة عواقبه»‪.‬‬ ‫هل القرآن سني أم شيعي؟‬

‫‪,,‬‬

‫أبو يعرب‬ ‫املرزوقي‪ :‬أركون‬ ‫والشرفي مجرد‬ ‫أدوات للمستعمر‬ ‫أتباع للثقافة‬ ‫الفرنسية‬ ‫واألملانية‬ ‫بنسختها‬ ‫املشوهة‬

‫‪,,‬‬

‫أثار مقال السيد‪ ،‬واتهاماته الصريحة املباشرة ألهواء املثقفني لم يتوقف األمر عند هذا القدر‪ ،‬فجاء رد الكاتب الليبي محمد عبد‬ ‫ال �ع��رب‪ ،‬ج��دال واس �ع��ا‪ ،‬وردودا م�ت��وال�ي� ُ�ة‪ ،‬ف��ي ال�س�ع��ودي��ة‪ ،‬وعلى املطلب الهوني في الصحيفة ذاتها‪ ،‬واصفا رضوان – بتهكم ‪-‬‬ ‫صفحات مواقع التواصل االجتماعي استقبل املقال بحفاوة‪ ،‬باملناضل السياسي‪ ،‬قائال له‪« :‬نحن لسنا بحاجة إلى قرضاوي‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪57‬‬


‫ثقافة‬

‫لست أدري بالضبط‪ ،‬متى بدأ تفكك الوعي العربي‪ ،‬وتضاؤل اإلحساس باالنتماء إلى أمة واحدة؟‪ ..‬هكذا‬ ‫يتساءل املفكر العربي الدكتور رضوان السيد في سلسلة مقاالت فتح بها سجاال وجدال حول طائفية‬ ‫املثقفني العرب‪ ،‬متوغال ومحلال دوافع املشاريع الثقافية العربية التي سعت إلى إعادة قراءة التراث العربي‬ ‫واإلسالمي من جديد‪ ،‬مؤكدا أن هؤالء في مشاريعهم يسعون إلى تحطيم اإلسالم السني‪ ،‬ويسكتون‬ ‫ويتوارون عن مواجهة التطرف الشيعي‪ ،‬فهي باختصار «حملة على اإلسالم‪ ،‬وحملة على العرب»‪.‬‬

‫رضوان السيد يثير الجدل حول والءات املثقفني العرب‪ ..‬والردود ال تتوقف‬

‫أهواء النخب‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عبد الله الرشيد‬

‫‪,,‬‬

‫رضوان السيد‪:‬‬ ‫ال أعرف ـ ـ إال‬ ‫فيما ندر ـ ـ‬ ‫قوميا أو بعثيا‬ ‫ّ‬ ‫أو يساريا إال‬ ‫وهو اليوم مع‬ ‫بشار األسد‬ ‫وخامنئي‬ ‫ونصر الله‬ ‫واملالكي‬

‫‪,,‬‬

‫‪56‬‬

‫يوصف رضوان السيد حال النخب العربية قائال‪« :‬كانت طرابيشي وأركون والشرفي متهمون‬

‫النخب القومية العربية في الستينات مكونة من حزب‬ ‫البعث‪ ،‬والناصريني‪ ،‬وبعض الحزبيات الصغيرة التابعة‬ ‫ألحد الطرفني‪ .‬ثم مات جمال عبد الناصر فتكأكأ الناصريون‬ ‫بني ليبيا وال�ع��راق‪ .‬أما القوميون العرب املوالون لعبد الناصر‪،‬‬ ‫فقد اعتنقوا املاركسية ‪ -‬اللينينية واس�ت��راح��وا م��ن ال�ه��م‪ .‬في‬ ‫حني انقسم (البعث) بسبب الصراع على السلطة إلى سوريني‬ ‫وعراقيني‪ .‬وفي أواخر الثمانينات‪ ،‬وبسبب سياسات الشخصنة‬ ‫ل��دى حافظ وص��دام‪ ،‬ك��ان ح��زب البعث (أو األول��ى‪ :‬عروبته) قد‬ ‫انتهى‪ .‬أم��ا (البعث) ال�س��وري فقد تطيف‪ ،‬وع��اد علويا وسنيا‬ ‫ودرزيا ومسيحيا‪ ،‬وكنت أرى أناسا من بعث األسد‪ ،‬وبعد حديث‬ ‫ش��رس ف��ي األح�ق��اد الطائفية‪ ،‬يعتذرون بأنهم ف��ي الحقيقة ال‬ ‫يحترمون األدي��ان والطوائف‪ ،‬وإنما هم شيوعيون أو قوميون‬ ‫سوريون! أما البعثيون العراقيون‪ ،‬فإنهم اعتصموا بصدام على‬ ‫السطح‪ ،‬وإذا وثقوا باملتحدث إليهم‪ :‬إن كانوا شيعة أو مسيحيني‪،‬‬ ‫حاولوا إقناعك بعلمانية الدولة‪ .‬وإن كانوا سنة حاولوا إقناعك‬ ‫بتدين ص��دام وصوفيته وانتسابه إل��ى آل ال�ب�ي��ت!»‪( .‬صحيفة‬ ‫«الشرق األوس��ط» ‪ 25‬أبريل ‪ ،2014‬مقال بعنوان «النواح على‬ ‫صدام واالشتغال عند إيران»)‪.‬‬ ‫يلملم رضوان السيد أطراف املشهد الذي يصف تحوالت النخب‬ ‫العربية وتخليها عن ال��روح القومية إلى النزوح عن االنتماءات‬ ‫الطائفية‪ ،‬مؤكدا أن ذلك حدث منذ عقدين وأكثر‪ ،‬أي قبل سقوط‬ ‫دول «البعث»‪ .‬وربما كان السبب في ذلك حسب رأيه أن أنظمة‬ ‫الدولة الوطنية في مرحلتها الثانية األمنية والعسكرية‪ ،‬قد تنكرت‬ ‫للعروبة واإلسالم من ضمن تنكرها للجمهور العربي واملسلم‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬فإن النخب القومية العاملة مع األنظمة‪ ،‬اتجه املثالي منها‬ ‫إل��ى ال�ي�س��ار‪ ،‬واآلخ� ��رون إل��ى الطائفيات واإلث�ن�ي��ات واألم�ن�ي��ات‪.‬‬ ‫يضيف‪« :‬وال ننسى أنه في الوقت الذي مات فيه عبد الناصر‪،‬‬ ‫وتحول السادات إلى دولة العلم واإليمان (= دستور عام ‪،)1971‬‬ ‫كان املثقفون العرب الكبار‪ ،‬وعلى مدى الثالثني عاما الالحقة‪،‬‬ ‫يطورون أطروحات في نقض املوروث اإلسالمي‪ ،‬ونقد القومية‬ ‫الفاشية‪ .‬وقد أحسسنا جميعا بانهيار العروبة فكرة وممارسة‪،‬‬ ‫من واقعة أن املظاهرات الهائلة التي قامت ضد الغزو األميركي‬ ‫للعراق عام ‪ ،2003‬إنما قام بها اإلسالميون‪ ،‬وما كان للقوميني‬ ‫ظ�ه��ور ب��ارز فيها ‪ -‬وه��و األم��ر نفسه ال��ذي ك��ان ق��د ظهر عام‬ ‫‪ 1990‬أيضا»‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫لم يقتصر األمر عند التوصيف العام لحال النخب العربية املثقفة‪،‬‬ ‫فقد تجرأ السيد وأفصح عن مقصوده باألسماء‪ ،‬حيث استعرض‬ ‫في مقال له بعنوان «الحملة على العرب‪ ..‬الحملة على اإلسالم»‬ ‫نشر في صحيفة «الشرق األوسط» في ‪ 18‬أبريل ‪ ،2014‬داعيا‬ ‫إلى فحص الحمالت على اإلسالم‪ ،‬التي ترفع تحت عنوان مكافحة‬ ‫التشدد واإلرهاب‪ .‬مؤكدا ّأن معظم الحاملني عليهما ال يتعاطون‬ ‫ّ‬ ‫خاتمة مقاالتهم أو بحوثهم‬ ‫مع تصرفات هؤالء‬ ‫وأولئك إال في ُ‬ ‫العلمية العميقة جدا‪ّ .‬‬ ‫«أما جوهر هذه األطروحات الضخمة‪ ،‬فهو‬ ‫ُ‬ ‫الحملة على إسالم العصر الوسيط‪ ،‬أو األرثوذكسية السنية‪ ،‬أو‬ ‫التقليد األسود والجامد‪ ،‬أو بصراحة اإلسالم السني‪ .‬وهذا ُّ‬ ‫الفن‬ ‫أو األدب اإلداني يزدهر اآلن»‪.‬‬ ‫يؤكد رضوان السيد أن الراحل محمد أركون هو األب الشرعي‬ ‫لهذه الفكرة‪« ،‬فقد أراد أوال تحطيم ك��ل األرث��وذك�س�ي��ات ألنها‬ ‫حجبت عنا القرآن واإلسالم األول‪ .‬ثم قرر ّأن املهمة التحريرية‬ ‫تنقضي أو تتحقق بضرب األرثوذكسية السنية‪ ،‬كما قال‪ .‬أما‬ ‫األرثوذكسية أو األرثوذكسيات األخ��رى املسيحية أو الشيعية‬ ‫فيجب تحطيمها أي�ض��ا‪ّ ،‬‬ ‫لكن املهمة معها َأس�ه��ل‪ ،‬ث��م إن فيها‬ ‫خياالت وأساطير زاهية تبعث على البهجة‪ ،‬وليست‬ ‫باطنية ًوفيها‬ ‫ً‬ ‫نصوصية قاتمة مثلما هي عند السنة‪ .‬وفي النهاية ّ‬ ‫فإن‬ ‫حروفية‬ ‫األصوليات اإلسالمية الحاضرة تستند إلى تلك األرثوذكسية‬ ‫القديمة ال غير»‪.‬‬ ‫ي��رى رض��وان السيد أن أرك��ون وتالميذه يسعون إل��ى تصفية‬ ‫القديم (من القرآن وإل��ى محمد‬ ‫حساباتهم مع اإلس�لام السني ُ‬ ‫عبده) بحجتني‪ :‬التقليد املتجمد‪ ،‬واألصوليات القائمة اليوم على‬ ‫ذلك التقليد‪« .‬ومن هؤالء على سبيل املثال عبد املجيد الشرفي‪،‬‬ ‫الذي نشر كتابا قبل ثالثة شهور ملناقضة اإلسالم السياسي‪،‬‬ ‫وإذا به يزعم ّأن اإلسالم السياسي فاسد ألنه يستند إلى التقليد‬ ‫الفاسد‪ ،‬والتقليد (في الفقه والتفسير) فاسد في فهمه للقرآن‪،‬‬ ‫ففي النهاية‪ :‬الكل فاسد! وظهر لدينا أيضا قبل الثورات وبعدها‬ ‫ٌ‬ ‫فريق تنويري يريد اجتراح إصالح ديني‪ ،‬يشبه تماما ما فعله‬ ‫األوروبيون مع تراثهم الديني في القرنني الثامن عشر والتاسع‬ ‫ع�ش��ر‪ .‬ول��ذل��ك ان �ص��رف ع �ش� ٌ‬ ‫�رات م��ن ه ��ؤالء الص�ط�ن��اع ق ��راءات‬ ‫تنويرية وتحريرية للقرآن والسنة‪ ،‬والتيارات الفكرية والدينية‬


‫كان هناك انقالب مضاد‪ ،‬حيث تحرك الشاه وفقا لصالحياته الدستورية بالتوقيع على قرار‬ ‫إقالة مصدق‪ .‬ولكن لم يقبل الرجل بذلك واعتقل الرسول وجميع املتورطني الذين استطاع‬ ‫الوصول إليهم‪ .‬علينا اآلن أن نلقي نظرة جديدة تماما على املوقف اإليراني وربما علينا‬ ‫أن نتقرب إلى مصدق إذا كنا نريد أن ننقذ أي شيء هناك»‪ .‬اشترك البيت األبيض وقيادة‬ ‫االستخبارات األميركية والسفارة األميركية في طهران في االعتراف بأن الخطة فشلت‪ ،‬وأنه‬ ‫حان وقت تجاوز ذلك‪ .‬يبدو أن بعض عمالء «سي آي إيه» في طهران اعتقدوا أنه ما زالت‬ ‫هناك فرصة إلنجاح زاهدي‪ ،‬إذا أثبت ذاته‪ .‬ربما أيضا احتفظ هؤالء العمالء ببعض الصلة مع‬ ‫زاهدي‪ :‬ليس من الواضح ما إذا كانوا قد فعلوا أم ال‪ .‬ولكن الواضح أنه في تلك املرحلة‪ ،‬كانت‬ ‫محاولة إنقاذ االنقالب بمبادرة إيرانية تماما‪.‬‬

‫شخصية مأساوية‬ ‫في أعقاب فشل االنقالب‪ ،‬سادت الفوضى في طهران وتحولت الحظوظ السياسية سريعا‪.‬‬ ‫شعر حزب توده أن وقته قد حان أخيرا‪ ،‬فانطلق أنصاره في الشوارع يلوحون بأعالم حمراء‬ ‫ويدمرون رموز امللكية‪ .‬وانضم األعضاء املتطرفون في الجبهة الوطنية مثل وزير الخارجية‬ ‫حسني فاطمي إلى جموع الغاضبني املنددين بحكم الشاه‪ .‬حتى أن افتتاحية صحيفة «بختار‬ ‫امروز» التي يسيطر عليها فاطمي خرجت تنتقد الديوان امللكي وتصفه بـ«املكان الداعر القذر‬ ‫«عطش لالنتقام‬ ‫الفاسد»؛ وحذرت افتتاحية أخرى في الصحيفة ذاتها الشاه من أن الشعب ِ‬ ‫ويرغب في رؤيته على املشانق»‪ .‬أزعج مثل هذا الكالم ضباط الجيش ورجال الدين وأغضب‬ ‫كثيرا من اإليرانيني العاديني الذين كانوا ما زالوا يحترمون امللكية‪ .‬بل ولم يدع مصدق إلى‬ ‫تشويه صورة امللكية‪ .‬وعلى الرغم من محاوالت توسعة سلطاته على حساب الشاه‪ ،‬ظل‬ ‫مصدق مخلصا ملوقفه من امللكية الدستورية‪ .‬وكان من الشاه أن أصدر بيانا من املنفى أعلن‬ ‫فيه أنه لم يتخل عن العرش‪ ،‬وأكد على عدم دستورية تمسك مصدق بالسلطة‪ .‬في الوقت ذاته‪،‬‬ ‫استمر زاهدي ومشاركوه في املؤامرة في مقاومتهم‪ .‬وتواصل زاهدي مع وحدات مسلحة‬ ‫للجيش في العاصمة واألقاليم ظلت مخلصة للشاه وأخبر قادتها أن يستعدوا للتعبئة‪ .‬وسعى‬ ‫زاهدي أيضا إلى نشر قرار الشاه بإقالة مصدق وتعيني زاهدي رئيسا للوزراء على نطاق‬ ‫واسع‪ .‬وبدا أن عمالء «سي آي إيه» في طهران ساعدوا على نشر الرسالة عبر وسائل اإلعالم‬ ‫املحلي واألجنبي‪ .‬كانت مساعي نشر قرار الشاه وصمت مصدق املدروس مفيدة‪ .‬وصفت‬ ‫روايات عديدة لالنقالب‪ ،‬من بينها رواية روزفلت‪ ،‬أن الشاه لم يكن يحظى بشعبية وأنه حاكم‬ ‫غير شرعي احتفظ بالعرش فقط بدعم سري من األجانب‪ .‬ولكن إذا كان هذا هو الوضع‪،‬‬ ‫لم يكن زاهدي وحلفاؤه سيجتهدون من أجل نشر قرار الشاه‪ .‬تشير حقيقة ما فعلوه إلى‬ ‫أن الشاه ظل يتمتع بقدر كبير من التأييد الشعبي واملؤسسي‪ ،‬على األقل في أعقاب انقالب‬ ‫مصدق املضاد؛ وفي الواقع أثارت أخبار مغادرة الشاه انتفاضات في جميع أنحاء البالد‪ .‬لم‬ ‫تغير تلك املظاهرات من آراء ممثلي أميركا في إيران‪ .‬وكما ذكر هندرسون في وقت الحق‪،‬‬ ‫فهو لم يأخذ االضطرابات في البداية على محمل الجد وأرسل برقية إلى وزارة الخارجية‬ ‫األميركية بأنها «على األرجح ذات أهمية ضئيلة»‪ .‬بيد أن القوة الدافعة اكتسبت زخما وتدخل‬ ‫رجال الدين في النزاع‪ ،‬حيث هاجم املاللي مصدق والجبهة الوطنية‪.‬‬ ‫وحث كاشاني وشخصيات دينية أخرى بارزة مؤيديهم على الخروج إلى الشوارع‪ .‬وعلى‬ ‫النقيض من املظاهرات التي حدثت في مطلع الصيف‪ ،‬لم تكن تلك املظاهرات صنيعة عمالء‬ ‫االستخبارات األميركية والبريطانية‪ .‬وأرسل مسؤول في السفارة األميركية بعد أن تفاجأ‬ ‫تقريرا يشير فيه إلى أن الحشود «تحت قيادة مدنيني وليس عسكريني‪ .‬وأن املشاركني ليسوا‬ ‫من نوع رجال العصابات الذين كانوا يمثلون األغلبية في املظاهرات األخيرة عادة في طهران‪.‬‬ ‫وبدا أيضا أنهم ينحدرون من جميع الطبقات من عمال وموظفي وتجار وطالب وغيرهم»‪.‬‬ ‫وأشار تقييم «سي آي إيه» أن «هروب الشاه أوضح للجماهير كثيرا إلى أي مدى ذهب مصدق‪،‬‬ ‫ودفعت بهم إلى أن يكونوا قوة غاضبة مؤيدة للشاه»‪.‬‬ ‫كان مصدق عازما على وقف املوجة الصورية وأمر الجيش باستعادة األمن‪ .‬ولكن بدال من‬ ‫ذلك انضم كثير من الجنود إلى املظاهرات‪ ،‬وأصبح الهتاف‪« :‬يحيا الشاه!» يتردد في كافة‬ ‫أنحاء العاصمة‪ .‬وفي ‪ 19‬أغسطس (آب)‪ ،‬اتصل رئيس األركان الجنرال تقي رياحي‪ ،‬الذي ظل‬ ‫مخلصا ملصدق حتى ذلك الحني‪ ،‬هاتفيا برئيس الوزراء لالعتراف بأنه فقد السيطرة على‬ ‫كثير من قواته وعن العاصمة‪ .‬وقامت وحدات الحراسة امللكية بالسيطرة على محطة إذاعة‬ ‫طهران الرئيسة والعديد من وزارات الحكومة‪ .‬وبعد أن وجد مصدق أن خياراته تقل‪ ،‬ذهب‬ ‫لالختباء في منزل أحد جيرانه‪ .‬ولكن شخص رئيس الوزراء ينتمي ملؤسسة وال يمكنه البقاء‬ ‫مختبئا لفترة طويلة‪ ،‬لذلك كشف عن مكانه سريعا‪.‬‬

‫وبعد عدة أشهر‪ ،‬تمت إدانة مصدق بالخيانة‪ ،‬وكانت عقوبتها اإلعدام‪ .‬ولكن نظرا لسنه‪،‬‬ ‫وخدمته التي امتدت طويال في البالد‪ ،‬ودوره في تأميم صناعة النفط‪ ،‬خففت العقوبة إلى‬ ‫السجن ثالث سنوات‪ .‬وفعليا كان عليه أن يمضي سجنا مدى الحياة‪ ،‬حيث قضى ‪ 14‬عاما‬ ‫من حياته حبيسا في القرية التي ولد بها‪ .‬كان مصدق سياسيا ذا مبادئ وحمل توقيرا‬ ‫عميقا للمؤسسات اإليرانية والنظام الدستوري‪ ،‬وأمضى حياته العامة كلها مدافعا عن سيادة‬ ‫القانون والفصل بني السلطات‪ .‬ولكن ضغوط الحكم أثناء األزمة أبرزت جوانب تثير القلق‬ ‫في شخصيته‪ .‬لقد أعمته حاجته إلى تعزيز شعبيته عن التسويات التي كانت ستحل النزاع‬ ‫حول النفط مع اململكة املتحدة‪ ،‬وبذلك حماية االقتصاد اإليراني‪ .‬وكان األسوأ من ذلك أنه في‬ ‫عام ‪ ،1953‬تحول مصدق‪ ،‬البرملاني الدستوري وبطل اإلصالح الديمقراطي إلى زعيم شعوبي‬ ‫ديماغوغي‪ّ :‬‬ ‫يزور االستفتاءات ويمارس التخويف ضد خصومه ويحل البرملان ويطالب‬ ‫بسلطات خاصة‪ .‬أصابت املعلومات السائدة في أمرين‪ :‬أن مصدق كان بالفعل شخصية‬ ‫مأساوية‪ ،‬وضحية‪ .‬ولكن كانت مأساته في أنه لم يتمكن من الخروج من األزمة التي يتحمل‬ ‫بنفسه مسؤولية إثارتها‪ .‬وقبل أن يكون ضحية ألي شخص آخر‪ ،‬كان مصدق ضحية‬ ‫نفسه‪.‬‬

‫خرافة البصمات األميركية‬ ‫منذ عام ‪ ،1953‬وخاصة منذ أن أطاحت الثورة اإلسالمية في عام ‪ 1979‬بالشاه‪ ،‬جرى‬ ‫التشويش على حقيقة االنقالب من خالل روايات تخدم أهداف ذاتية‪ ،‬من تأليف أميركيني‬ ‫وإيرانيني على حد سواء‪ .‬بذلت الجمهورية اإلسالمية جهدا كبيرا لنشر فكرة أن االنقالب‬ ‫واملؤامرة التي استهدفت مصدق أظهرت عداء أميركيا عنيدا تجاه إيران‪ .‬ومما ساعد الثوار‬ ‫الدينيني في هذا التشويه الروايات األميركية التي بالغت كثيرا في حجم الدور األميركي‬ ‫بمصدق بعيدا عن السلطة‪ .‬ومن أبرز تلك الروايات النسخة التي رواها روزفلت‬ ‫الذي دفع ّ‬ ‫في كتابه وعظم فيها من دوره وصدر عام ‪ 1979‬تحت عنوان‪« :‬انقالب مضاد‪ :‬الصراع من‬ ‫أجل السيطرة على إيران»‪ .‬ووفق روايته‪،‬‬ ‫ذهب روزفلت إلى طهران ومعه عدة حقائب‬ ‫تمتلئ بالنقود واستغل اإليرانيني الجاهلني‬ ‫بسهولة من أجل تنفيذ مخططات واشنطن‪.‬‬

‫بد�أت النخب املثقفة‬ ‫يف �إيران ال�شعور بالغ�ضب‬ ‫جتاه اال�ستبداد املتزايد‬ ‫من رئي�س الوزراء‬

‫على النقيض من رواية روزفلت‪ ،‬يكشف‬ ‫فيلم وثائقي أن إدارة أيزنهاور لم تكن‬ ‫مسيطرة على األمر بل إنها في الواقع‬ ‫فوجئت بمسار األحداث‪ .‬وفي عشية‬ ‫انتصار الشاه‪ ،‬ذكر هندرسون في برقية‬ ‫إلى واشنطن أن السبب الحقيقي لنجاح‬ ‫معظم القوات املسلحة وأعدادا كبيرة من املدنيني اإليرانيني يخلصون‬ ‫االنقالب هو «أن ُ‬ ‫بالفطرة للشاه الذين لقنوا االعتقاد بأنه رمز للوحدة الوطنية واستقرار البالد»‪ .‬وفي الوقت‬ ‫الذي كانت فيه إيران تمر بصراع داخلي هائل‪ ،‬بدا أن «سي آي إيه» على دراية بأن مخططاتها‬ ‫أثبتت عدم أهميتها نسبيا‪ .‬وفي ‪ 21‬أغسطس (آب)‪ ،‬أرسل تشارلز كابل‪ ،‬القائم بأعمال مدير‬ ‫الوكالة تقريرا إلى أيزنهاور بـ«خروج موجة قوية غير متوقعة من ردود األفعال الشعبية‬ ‫والعسكرية على حكومة رئيس الوزراء مصدق‪ ،‬وفقا ألحدث البرقيات الواردة من طهران‪،‬‬ ‫في احتالل افتراضي للعاصمة من قبل القوات التي أعلنت والءها للشاه ورئيس وزرائه‬ ‫املعني زاهدي»‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى املبالغة في تقدير الدور األميركي والبريطاني في التخطيط إلسقاط مصدق‬ ‫وإعادة الشاه‪ ،‬تتجاهل رواية االنقالب التقليدية حقيقة أن الشاه كان ما زال يتمتع بشعبيته‬ ‫في مطلع الخمسينات‪ .‬فلم يكن أصيب بجنون العظمة الذي حل به في السبعينات‪ ،‬ولكنه كان‬ ‫ما زال ملكا شابا مترددا يرجع إلى رجال الدولة األكبر سنا في إيران وكبار آيات الله ويحترم‬ ‫حدود سلطاته‪ .‬ولكن ظلت النسخة األسطورية التي تروي أحداث عام ‪ 1953‬هي السائدة‪ ،‬إلى‬ ‫حد ما ألنها منذ قيام الثورة اإلسالمية جعلت الواليات املتحدة شريرة‪ ،‬وذلك يخدم مصالح‬ ‫قادة إيران‪.‬السبب الثاني الستمرار تلك الخرافة هو أنه في أعقاب األزمة في فيتنام وتحقيقات‬ ‫الكونغرس في منتصف السبعينات‪ ،‬والتي كشفت عن تورط «سي آي إيه» في عمليات سرية‬ ‫إلحداث انقالبات في الخارج‪ ،‬بدأ كثير من األميركيني يشككون في نزاهة مؤسساتهم ودوافع‬ ‫حكومتهم؛ وبدا من الصعب عدم االفتراض بأن االستخبارات األميركية كانت القوة الرئيسة‬ ‫التي تقف وراء االنقالب في إيران‬

‫فورن أفيرز‪ /‬تموز‪ /‬يوليو ‪55 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫املحتجون نهب مقر إقامة مصدق‪ .‬فألغى الشاه رحلته استشعارا للمزاج العام‪ .‬تتسم هذه‬ ‫القصة بأهمية خاصة‪ ،‬ألنها وضحت عمق املعارضة اإليرانية األصيلة ملصدق؛ ال يوجد‬ ‫أي دليل على أن «سي آي إيه» دبرت هذه االحتجاجات‪ .‬ساعدت املظاهرات أيضا التحالف‬ ‫املناهض ملصدق بأن يزداد قوة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬قد يكون هذا االئتالف نفسه‪ ،‬مع مزيد من الدعم‬ ‫املقدم من القوات املسلحة‪ ،‬هو الذي أدى إلى اإلطاحة بمصدق بعد ستة شهور الحقة‪.‬‬

‫عنيفة في الشوارع‪ .‬كانت وكالة االستخبارات املركزية األميركية تلقي نظرة خافتة على‬ ‫هؤالء العمالء البريطانيني‪ ،‬معتقدة أنهم يتسمون «بكثير من املبالغة»‪ .‬ولكن في شهر مايو‬ ‫(أيار)‪ ،‬تبنت الوكالة الخطوط األساسية في خطة بريطانية تهدف إلى اإلطاحة بمصدق‪ .‬كانت‬ ‫السفارة األميركية في طهران أيضا مشاركة‪ :‬ففي إحدى البرقيات املرسلة إلى واشنطن‪ ،‬أكد‬ ‫هندرسون على إدارة أيزنهاور أن «معظم السياسيني اإليرانيني املتحالفني مع الغرب سوف‬ ‫يرحبون بتدخل أميركي سري من شأنه أن يساعدهم على تحقيق طموحاتهم السياسية‬ ‫الفردية أو الجماعية»‪.‬‬

‫أعطت أحداث فبراير (شباط) انطباعا إلحدى مؤسسات واشنطن املحبطة‪ .‬قدمت «سي آي‬ ‫إيه» تقريرا إلى الرئيس األميركي دوايت أيزنهاور‪ ،‬الذي ورث املعضلة اإليرانية عندما تولى‬ ‫مهام منصبه قبل شهر من ذلك الوقت‪ ،‬تشير فيه إلى أن «مؤسسة امللك قد يكون لها دعما‬ ‫شعبيا أكثر مما كنا نتوقع»‪ .‬وبعث وزير الخارجية جون فوستر داالس ببرقية إلى السفارة‬ ‫األميركية في طهران مفادها‪« :‬يبدو أن هناك مجموعة معارضة شجاعة نسبيا ومهمة داخل‬ ‫وخارج املجلس (البرملان اإليراني)‪ .‬لنجمع قادة الجيش والعديد من املدنيني الذين ما زالوا‬ ‫موالني للشاه وسيتحركون إذا قدم لهم قيادة إيجابية‪ ،‬أو أذعن فقط لخطوة تنصيب حكومة‬ ‫جديدة» بعد املظاهرات أصبح املجلس املكان الرئيس إلثارة املعارضة ضد مصدق‪ .‬ومنذ‬ ‫تولي مصدق رئاسة الوزراء‪ ،‬تسبب أسلوبه املستبد في صناعة القرار‪ ،‬وعجزه عن إنهاء أزمة‬ ‫النفط‪ ،‬وتضييق دائرة مقربيه لتقتصر على عدد قليل من املساعدين املوثوق بهم في إبعاد‬ ‫تدريجي للعديد من البرملانيني‪ .‬وردا على ذلك‪ ،‬قرر رئيس الوزراء التخلص من التهديد بحل‬ ‫املجلس‪ .‬بيد أن ذلك تطلب تنفيذ خطوة مشكوك في صحتها القانونية‪ :‬في ‪ 14‬يوليو (تموز)‪،‬‬ ‫استقال جميع نواب الجبهة الوطنية املوالني ملصدق في الوقت ذاته‪ ،‬مما منع املجلس من‬ ‫اكتمال النصاب الضروري لكي يؤدي مهامه‪ .‬ثم دعا مصدق إلى إجراء استفتاء وطني لتقرير‬ ‫مصير املجلس التشريعي الذي أصيب بالشلل‪ .‬ولكن لم تكن تلك لفتة ديمقراطية تحمل‬ ‫نوايا طيبة؛ شاب االستفتاء حمالت مقاطعة ومخالفات في التصويت وعنف من الجماهير‪،‬‬ ‫ولم تكن النتائج مفاجئة‪ :‬جرى إقرار اقتراح‬ ‫مصدق بحل البرملان بنسبة ‪ 99‬في املائة‬ ‫من املصوتني‪ .‬وفاز مصدق في انتخاباته‬ ‫املزورة‪ ،‬ولكن كلفته هذه الخطوة ما تبقى من‬ ‫شرعية متهاوية‪.‬‬

‫حملت الخطة األميركية البريطانية املشتركة للعمل السري اسما كوديا هو أجاكس‬ ‫‪ .TPAJAX‬وظهر زاهدي كمحور هذه الخطة‪ ،‬حيث رأى فيه األميركيون والبريطانيون أكبر‬ ‫خصوم مصدق‪ .‬تضمنت هذه الخطة أن تشن االستخبارات األميركية والبريطانية حملة‬ ‫دعائية تهدف إلى إثارة الشكوك حول مصدق‪ ،‬ودفعت أمواال لصحافيني لكتابة موضوعات‬ ‫تنتقد رئيس الوزراء وتتهمه بالفساد والجشع للسلطة‪ ،‬بل واالنحدار من أصول يهودية – في‬ ‫محاولة فجة الستغالل مشاعر معاداة السامية‪ ،‬التي اعتقدت االستخبارات الغربية خطأ أنها‬ ‫كانت منتشرة في إيران في ذلك الوقت‪ .‬في الوقت ذاته‪ ،‬تنظم شبكة من العمالء اإليرانيني الذين‬ ‫يعملون لصالح األميركيني والبريطانيني مظاهرات واحتجاجات وتشجع عصابات الشوارع‬ ‫والزعماء القبليني على استفزاز أتباعهم إلى ارتكاب أحداث عنف ضد مؤسسات الدولة‪ .‬كان‬ ‫من املفترض أن تؤدي تلك األمور إلى إشعال الوضع غير املستقر بالفعل‪ ،‬وبذلك تمهد الطريق‬ ‫أمام الشاه إلقالة مصدق‪ .‬وفي الحقيقة كان الشاه هو الالعب املحوري في الخطة‪ ،‬حيث‬ ‫إنه يحتفظ بوالء القوات املسلحة وكان الوحيد الذي يملك سلطة إقالة مصدق‪ .‬ذكر امللحق‬ ‫العسكري األميركي في تقرير أرسله من طهران في ربيع عام ‪« :1953‬إذا كان الشاه سيصدر‬ ‫قراره‪ ،‬فعلى األرجح أن أكثر من ‪ 99‬في املائة من الضباط سوف يلتزمون بأوامره بارتياح‬ ‫آملني في الحفاظ على حالة االستقرار»‪.‬‬

‫تكثيف املخطط‬

‫كان م�صدق �سيا�سيا ذا‬ ‫مبادئ وحمل توقريا عميقا‬ ‫للم�ؤ�س�سات الإيرانية‬ ‫والنظام الد�ستوري‬

‫خطة االستخبارات األميركية والبريطانية‬

‫في ‪ 11‬يوليو (تموز)‪ ،‬وافق أيزنهاور على الخطة‪ ،‬وبدأت وكالة االستخبارات األميركية‬ ‫واالستخبارات البريطانية في العمل‪ .‬وجدت االستخبارات الغربية بالتأكيد تربة خصبة من‬ ‫أجل تنفيذ مخططاتها‪ ،‬حيث كانت االضطرابات تجتاح إيران مما عرض موقف مصدق‬ ‫للخطر‪ .‬وبدا أن كل ما تبقى هو أن يقوم الشاه رسميا بإقالة رئيس الوزراء‪ .‬ولكن كان تجنيد‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬بدا مصدق عازما على فعل ملك إيران أكثر صعوبة مما توقع األميركيون والبريطانيون في البداية‪ .‬بدا ظاهريا أن الشاه‬ ‫كل شيء في وسعه لتأكيد أسوأ املخاوف التي متقبل للخطة‪ ،‬حيث كان يشك في رئيس وزرائه بل ويحتقره‪ .‬ولكن كان من الواضح أيضا أنه‬ ‫تنتاب واشنطن بشأنه‪ .‬ظن رئيس الوزراء أنه متردد في فعل أي شيء قد يزيد من زعزعة استقرار بالده‪.‬‬ ‫يستطيع استغالل مخاوف أميركا بشأن‬ ‫إمكانية تعزيز النفوذ السوفياتي في إيران كان الشاه رجال مترددا بطبيعته‪ ،‬ويطلب مزيدا من التأكيدات قبل الشروع في مسار‬ ‫للحصول على مساعدات أكبر من واشنطن‪ .‬وفي أثناء أحد االجتماعات في يناير (كانون محفوف باملخاطر‪ .‬استطاعت االستخبارات األميركية إقناع شقيقته التوأم‪ ،‬األميرة أشرف‬ ‫الثاني)‪ ،‬حذر مصدق لوي هندرسون‪ ،‬السفير األميركي من أنه إذا لم تقدم له الواليات املتحدة من أجل الضغط عليه في هذا األمر‪ .‬ومن بني من حثوا الشاه على التقدم الجنرال نورمان‬ ‫املساعدات املالية الكافية‪« ،‬سوف تكون هناك ثورة في إيران في غضون ثالثني يوما»‪ .‬وهدد شواريسكوف الضابط في الجيش األميركي الذي ّدرب قوات الشرطة في إيران وتمتع بقدر‬ ‫مصدق أيضا ببيع النفط إلى دول الكتلة الشرقية‪ ،‬والتقارب مع موسكو من أجل الحصول كبير من النفوذ في البالد؛ وكيرميت روزفلت مسؤول االستخبارات األميركية الذي ساعد‬ ‫على مساعدات إذا لم تستجب واشنطن‪ .‬وصلت هذه التهديدات واملناشدات إلى ذروتها في على وضع الخطة‪ .‬وأخيرا في ‪ 13‬أغسطس (آب)‪ ،‬وقع الشاه مرسوما ملكيا بإقالة مصدق‬ ‫يونيو (حزيران)‪ ،‬عندما كتب مصدق إلى ُأيزنهاور مباشرة يطلب منه زيادة املساعدات وتعيني زاهدي رئيسا جديدا للوزراء‪ .‬أراد زاهدي ومؤيدوه التأكد من تسلم مصدق للمرسوم‬ ‫االقتصادية األميركية‪ ،‬مؤكدا على أنها إذا لم تقدم مباشرة «فربما تكون أي خطوات يجري شخصيا‪ ،‬لذلك انتظروا ألكثر من يومني قبل أن يرسل الشاه حرسه امللكي لتسليم القرار‬ ‫اتخاذها غدا لتعويض إهمال اليوم متأخرة للغاية»‪ .‬استغرق أيزنهاور شهرا تقريبا للرد ثم إلى مقر إقامة رئيس الوزراء في الوقت الذي كان زاهدي متأكدا من وجود مصدق به‪ .‬ولكن‬ ‫أخبر رئيس الوزراء اإليراني في صرامة بأن الطريق الوحيد للخروج من ورطته هو تسوية في ذلك الوقت‪ ،‬أخبر شخص ما مصدق باألمر‪ .‬فرفض تسلم القرار‪ ،‬وبدال من ذلك أمر قوات‬ ‫النزاع على النفط مع اململكة املتحدة‪.‬‬ ‫تأمينه بالقبض على الرجال الذين أرسلهم الشاه‪ .‬اختبأ زاهدي‪ ،‬وهرب الشاه خارج البالد‪،‬‬ ‫فخرج أوال إلى العراق ثم إلى إيطاليا‪ .‬وبدا أن الخطة فشلت‪ .‬وخرج مصدق ليعلن عبر موجات‬ ‫ولكن عند هذه املرحلة‪ ،‬كانت واشنطن تدرس بالفعل خطة وضعها البريطانيون إلبعاد اإلذاعة أنه أبطل محاولة انقالب‪ ،‬في حني أنه تجاهل ذكر إقالة الشاه له من منصبه‪ .‬وفي‬ ‫مصدق‪ .‬تعرفت وكالة االستخبارات البريطانية السرية (إم آي ‪ )6‬على شبكة من الشخصيات الحقيقة مصدق هو الذي لم يلتزم بالدستور اإليراني وليس الشاه أو من دعموه من الخارج‪.‬‬ ‫البارزة املعارضة ملصدق املستعدة للتحرك ضد رئيس الوزراء بدعم سري أميركي وبريطاني‪.‬‬ ‫كان من بينهم الجنرال فضل الله زاهدي‪ ،‬الضابط الذي يرتبط بصالت مع شخصيات مهمة بعد ما ظهر فشل االنقالب‪ ،‬سادت حالة من االستسالم في واشنطن ولندن‪ .‬ووفقا ملراجعة‬ ‫والذي خدم في مجلس الوزراء برئاسة مصدق ولكنه ترك منصبه بعد أن خاب أمله في أسلوب داخلية أجرتها وكالة االستخبارات األميركية في عام ‪ ،1954‬بعد رفض مصدق تنفيذ قرار‬ ‫قيادة رئيس الوزراء وانغمس في املعارضة السياسية‪ .‬وفي ظل تاريخ تدخلها في شؤون الشاه‪ ،‬قررت وزارة الخارجية األميركية أنه «تمت املحاولة وفشلت»‪ ،‬وكذلك كان املوقف‬ ‫إيران‪ ،‬كانت الحكومة البريطانية تملك مجموعة من املصادر االستخباراتية‪ ،‬من بينها أعضاء البريطاني الرسمي‪« :‬يجب أن نأسف على أننا ال نستطيع االستمرار في املعركة»‪ .‬وتولى‬ ‫في البرملان وصحافيون‪ ،‬قامت برعايتهم وإعدادهم‪ .‬كما استطاعت لندن االعتماد على عدد الجنرال والترب يدل سميث‪ ،‬رئيس موظفي البيت األبيض وكاتم أسرار أيزنهاور مهمة ال‬ ‫من تجار البازار املؤثرين الذين بدورهم حشدوا رجال عصابات يمكنهم إثارة احتجاجات يحسد عليها بإبالغ الرئيس‪ .‬في مذكرة إلى أيزنهاور‪ ،‬كتب سميث‪« :‬فشلت الخطوة‪ ..‬فعليا‬ ‫فورن أفيرز‪ /‬تموز‪ /‬يوليو ‪54 - 2014‬‬


‫في تقاربها مع الدولة اإلسالمية‪ ،‬جعلت الواليات املتحدة من ذاتها مخطئة تسعى إلى التكفير‬ ‫عن ذنوبها السابقة‪ .‬سمح هذا للنظام الديني اإليراني‪ ،‬الذي أساءت استغالل التاريخ بآالف‬ ‫الطرق‪ ،‬بسمو موقفه األخالقي‪ ،‬مما أعطاه ميزة غير مستحقة يتفوق بها على واشنطن‬ ‫والغرب‪ ،‬حتى في املواقف التي ال عالقة لها بانقالب عام ‪ .1953‬ومنها تلك املواقف التي يظل‬ ‫سلوك إيران هو السبب الوحيد إلثارة النزاع‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬املفاوضات التي تجرى حول‬ ‫البرنامج النووي اإليراني‪ .‬كل هذا يجعل الوصول إلى فهم أفضل وأكثر دقة للدور األميركي‬ ‫الحقيقي في ماضي إيران ذا أهمية كبيرة‪ .‬إنه أبعد من مجرد تصحيح كتب التاريخ‪ .‬سوف‬ ‫يساعد فهم األمور بشكل صحيح الواليات املتحدة في وضع طريقة أقل انهزاما للذات في‬ ‫تعاملها مع الجمهورية اإلسالمية وسوف يشجع اإليرانيني – خاصة نخبة رجال الدين داخل‬ ‫البالد – على استحقاق ملكية ماضيهم‪.‬‬

‫وسطاء أمناء‬ ‫في السنوات التي أعقبت الحرب العاملية الثانية‪ ،‬كان الدمار قد لحق بإيران‪ ،‬وكانت تحاول‬ ‫التعافي من الفقر واملجاعة التي خلفتها الحرب‪ .‬وكانت أيضا دولة غنية؛ حيث كان احتياطي‬ ‫نفطها الوافر يشغل محركات اإلمبراطورية البريطانية‪ .‬لكن لم تكن الحكومة اإليرانية تتحكم‬ ‫في هذا النفط؛ كانت شركة النفط األنجلو ‪ -‬إيرانية هي التي تسيطر على النفط‪ ،‬وكان املساهم‬ ‫األكبر هو الحكومة البريطانية‪ .‬في بداية الخمسينات‪ ،‬عندما اجتاحت النزعة القومية الجازمة‬ ‫العالم النامي‪ ،‬بدأ كثير من اإليرانيني في رؤية أن هذه الترتيبات التي ترجع إلى فترة االستعمار‬ ‫ظاملة وأمر من عصر بائد لم يعد مالئما‪ .‬كانت هناك رغبة قوية في استعادة السيطرة على‬ ‫املوارد الوطنية اإليرانية إلى درجة التوحيد بني صفوف اإلصالحيني الليبراليني في البالد‪،‬‬ ‫ونخبة املثقفني‪ ،‬وعناصر من مؤسستها الدينية‪ ،‬واملهنيني من أبناء الطبقة املتوسطة داخل‬ ‫حركة سياسية متماسكة‪.‬‬ ‫وكان في منتصف هذه الحركة مصدق‪ ،‬املحامي الذي انحدر من الطبقة العليا وانخرط في‬ ‫السياسة اإليرانية منذ سن مبكرة‪ ،‬وقد عمل في وزارات عديدة وأصبح عضوا في البرملان‪.‬‬ ‫مع اقتراب نهاية الحرب العاملية الثانية‪ ،‬ظهر مصدق مرة أخرى على الساحة السياسية‬ ‫كبطل مناهض لالستعمار ومدافع عن القومية ونجح في أن يجمع بني العديد من العناصر‬ ‫املختلفة في حزبه السياسي الجبهة الوطنية‪ .‬لم يكن مصدق ثوريا‪ ،‬بل كان يحترم تقاليد‬ ‫طبقته االجتماعية ودعم فكرة امللكية الدستورية‪ .‬لكنه أيضا سعى إلى أن تكون إيران أكثر‬ ‫ديمقراطية وأكثر حداثة‪ ،‬باإلضافة إلى تأميم نفط إيران‪ .‬ودعا حزبه إلى تحسني التعليم العام‪،‬‬ ‫وحرية الصحافة‪ ،‬وإجراء إصالحات قضائية‪ ،‬وتشكيل حكومة تمثل كل األطياف‪ .‬في أبريل‬ ‫(نيسان) عام ‪ ،1951‬صوت البرملان على تعيني مصدق رئيسا للوزراء‪ .‬وفي خطوة ذكية‪،‬‬ ‫أصر مصدق أنه لن يتولى مهام منصبه إال إذا وافق البرملان أيضا على اقتراح قدمه يتعلق‬ ‫بتأميم صناعة النفط اإليرانية‪ .‬وحصل مصدق على هذا االقتراح في تصويت باإلجماع‪،‬‬ ‫واستسلم الشاه بسهولة ملطالب البرملان‪ .‬حينها دخلت إيران أزمة جديدة وخطيرة جدا‪.‬‬ ‫رأت اململكة املتحدة‪ ،‬اإلمبراطورية املتهاوية التي تصارع من أجل التكيف مع انحسار‬ ‫نفوذها‪ ،‬في شركة النفط األنجلو ‪ -‬إيرانية مصدرا مهما للطاقة والربح وكذلك رمزا للمكانة‬ ‫االستعمارية املحدودة التي نجحت الدولة في التمسك بها مع نهاية الحرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫لذلك كان رد فعل لندن على التأميم غاضبا‪ .‬وطالبت الشركات األوروبية التي تعمل في‬ ‫إيران باالنسحاب أو مواجهة العقوبة‪ ،‬وبدأت البحرية البريطانية التي ما زالت تتمتع بقوتها‬ ‫في اعتراض السفن التي تحمل النفط اإليراني على أساس أنها كانت تنقل شحنة مسروقة‪.‬‬ ‫تمكنت هذه التحركات ‪ -‬إلى جانب حقيقة أن شركات النفط الغربية العمالقة‪ ،‬والتي كانت تقف‬ ‫إلى جانب لندن‪ ،‬تمتلك ما يقرب من جميع الناقالت املوجودة آنذاك ‪ -‬من فرض حصار محكم‬ ‫على صادرات إيران النفطية‪.‬‬ ‫قبل نهاية عام ‪ .1952‬أجبرت مصفاة عبادان اإليرانية‪ ،‬األكبر في العالم في ذلك الوقت‪ ،‬على‬ ‫التوقف‪ .‬منذ بداية أزمة التأميم‪ ،‬سعى الرئيس األميركي هاري ترومان إلى تسوية املنازعات‪.‬‬ ‫ولم تنجح العالقات الوثيقة بني الواليات املتحدة واململكة املتحدة في أن تقف واشنطن بجانب‬ ‫حليفتها‪ .‬وأبدى ترومان بالفعل احتراما لحكم إيران الذاتي واملصالح الوطنية‪ .‬في عام ‪،1946‬‬ ‫سعى رئيس الوزراء السوفياتي جوزيف ستالني إلى االستيالء على محافظات شمال إيران‬ ‫من خالل رفضه سحب القوات السوفياتية التي جرى نشرها هناك خالل الحرب‪ .‬اعترض‬ ‫ترومان‪ ،‬وأصر على الحفاظ على وحدة أراضي إيران حتى لو كان ذلك يعني تمزيق تحالف‬ ‫الواليات املتحدة املتوتر بالفعل مع السوفيات؛ وتراجع ستالني‪ .‬كذلك عندما وصل األمر إلى‬

‫الصراع على السيطرة على النفط اإليراني‪ ،‬لعب األميركيون دور الوسيط النزيه؛ حيث أرسل‬ ‫ترومان عددا من املبعوثني إلى طهران الذين حثوا البريطانيني على االعتراف بشرعية التأميم‬ ‫التي وافق عليها البرملان في حني ضغطوا أيضا على اإليرانيني لتقديم تعويض عادل لألصول‬ ‫البريطانية التي تمت مصادرتها‪.‬‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬واصلت واشنطن تقديم املساعدات االقتصادية إليران‪ ،‬كما كانت تفعل منذ‬ ‫أن بدأت الحرب‪ ،‬وهي املساعدات التي كانت تخفف آالم حصار النفط البريطاني‪ .‬ونصح‬ ‫األميركيون البريطانيني بالعدول عن استخدام القوة العسكرية إلجبار إيران على اإلذعان‪،‬‬ ‫وأيضا رفضوا الدعوات البريطانية للقيام بعملية سرية مشتركة لإلطاحة بمصدق‪ .‬لكن‬ ‫وساطة ترومان لم تكن كافية‪ ،‬بسبب تعنت مصدق أكثر من كونها بسبب أخطاء أميركية‪.‬‬ ‫رأى مصدق‪ ،‬فيما يبدو‪ ،‬الثمن االقتصادي مرتفعا للغاية إلى درجة ال تحفظ استقاللية إيران‬ ‫وكرامتها الوطنية‪ .‬وبعد فترة متوقعة‪ ،‬رفض مصدق وحلفاؤه جميع االقتراحات األميركية‬ ‫التي تحافظ على أي نوع من املشاركة البريطانية في قطاع النفط اإليراني‪ .‬واتضح أن تحديد‬ ‫مصالح النفط اإليرانية في شروط وجودية َّكبل رئيس الوزراء‪ :‬كانت أي تسوية بمثابة تنازل‬ ‫عن سيادة الوطن‪.‬‬

‫ألوان طبيعية‬ ‫بحلول عام ‪ ،1952‬وضع الصراع االقتصاد اإليراني على حافة االنهيار‪ .‬وفشلت طهران في‬ ‫إيجاد طرق إلخراج نفطها بااللتفاف على الحصار البريطاني‪ُ ،‬‬ ‫وحرمت من املصدر الرئيس‬ ‫إليراداتها‪ ،‬وكانت تعاني من تزايد عجز ميزانية ووجدت صعوبة في تسديد رواتب املوظفني‪.‬‬ ‫وبدأت واشنطن تخشى من أن مصدق في مواجهته مع البريطانيني‪ ،‬قد سمح بتدهور‬ ‫االقتصاد إلى درجة أن استمراره في الحكم سوف يمهد الطريق لحزب توده‪ ،‬الحزب الشيوعي‬ ‫اإليراني‪ ،‬لكي يتحداه ويستولي على السلطة‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬مع استمرار النزاع‪ ،‬واجه مصدق‬ ‫معارضة متزايدة داخل البالد‪ .‬كانت قضية‬ ‫التأميم تحظى بشعبية‪ ،‬ولكن كان الجمهور‬ ‫يزداد قلقا بسبب تعنت رئيس الوزراء ورفضه‬ ‫لقبول اتفاقيات عديدة تحمل حلوال وسطا‪.‬‬ ‫تعامل رئيس الوزراء مع االنتقادات بتوسيع‬ ‫نطاق سلطاته من خالل وسائل مشكوك‬ ‫فيها دستوريا‪ ،‬مطالبا بسلطات خاصة من‬ ‫البرملان وساعيا إلى تولي مسؤولية القوات‬ ‫املسلحة ووزارة الحرب‪ ،‬اللتني كانتا تحت‬ ‫سيطرة الشاه‪ .‬وحتى قبل أن تدبر االستخبارات الغربية مؤامراتها‪ ،‬تسبب سلوك بالفعل‬ ‫في إبعاد شركاء االئتالف الخاص به‪ .‬وبدأت النخب املثقفة والنقابات املهنية في إيران في‬ ‫الشعور بالغضب بسبب االستبداد املتزايد من رئيس الوزراء‪ .‬وبدأت الطبقات الوسطى التي‬ ‫تدعم مصدق‪ ،‬التي شعرت باالنزعاج بسبب استمرار تراجع االقتصاد‪ ،‬في البحث عن بديل‬ ‫وجنحت نحو املعارضة امللكية‪ ،‬كما فعل الضباط‪ ،‬الذين عانوا من عمليات تطهير عديدة‪.‬‬

‫حاول حكام �إيران الدينيون‬ ‫حجب احلقيقة غري‬ ‫املالئمة ب�أن املاليل‬ ‫وقفوا �إىل جانب ال�شاه‬

‫ومن جانبهم‪ ،‬بدأ مؤيدو مصدق من رجال الدين‪ ،‬الذين وافقوا على حملة التأميم والذين‬ ‫شجعوا الشاه على معارضة مخططات اململكة املتحدة اإلمبريالية‪ ،‬في إعادة النظر‪ .‬لم يكن‬ ‫رجال الدين مرتاحني مطلقا لولع مصدق بالحداثة وبدأوا يفقدون االحترام الذي كانوا يتلقونه‬ ‫من الشاه املحافظ‪ .‬بعد مشاهدة انهيار االقتصاد اإليراني والشعور بالخوف‪ ،‬مثل واشنطن‪،‬‬ ‫من أن تؤدي األزمة إلى استيالء الشيوعيني على الحكم‪ ،‬بدأ القادة الدينيون مثل آية الله أبو‬ ‫القاسم كاشاني في تحويل والئهم‪( .‬منذ قيام الثورة اإلسالمية عام ‪ ،1979‬حاول حكام إيران‬ ‫الدينيون حجب الحقيقة غير املالئمة أن املاللي‪ ،‬عند منعطف حاسم‪ ،‬وقفوا إلى جانب الشاه)‪.‬‬ ‫وصلت األزمة أخيرا إلى ذروتها في فبراير (شباط) ‪ ،1953‬عندما أعلنت املحكمة امللكية‪ ،‬التي‬ ‫ضاقت ذرعا بمحاوالت مصدق لتقويض النظام امللكي‪ ،‬فجأة أن الشاه ينوي مغادرة البالد‬ ‫ألسباب طبية لم يحددها‪ ،‬علما بأن الرأي العام سوف يفسر هذه الخطوة كإشارة على شعور‬ ‫الشاه بعدم الرضا عن مصدق‪ .‬أفلحت املناورة‪ ،‬وتسبب خبر رحيل الشاه املزمع في مواجهة‬ ‫خطيرة بني مصدق والقائمة املتزايدة من املنتقدين‪.‬‬ ‫انضم كاشاني إلى ضباط الجيش الساخطني والسياسيني الذين جرى تطهيرهم وناشدوا‬ ‫الشاه علنا بالبقاء‪ .‬اجتاحت االحتجاجات طهران والعديد من املدن اإلقليمية‪ ،‬بل وحاول‬

‫فورن أفيرز‪ /‬تموز‪ /‬يوليو ‪53 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫وكالة االستخبارات األميركية (سي آي إيه)‪ ..‬اإلطاحة بمصدق‪ ..‬عودة الشاه‬

‫حقيقة ما حدث يف إيران‬

‫صورة من األرشيف لرئيس الوزراء اإليراني محمد مصدق يغادر الطائرة‬

‫بقلم‪ :‬راي تقية *‬

‫في عام ‪ ،2009‬أثناء الخطاب املهم الذي ألقاه الرئيس األميركي باراك أوباما في القاهرة حول العالقات األميركية مع‬ ‫العالم اإلسالمي‪ ،‬أشار بشكل عابر إلى أنه «في منتصف الحرب الباردة‪ ،‬لعبت الواليات املتحدة دورا في اإلطاحة‬ ‫بالحكومة اإليرانية املنتخبة ديمقراطيا»‪ .‬كان أوباما يشير إلى انقالب ‪ 1953‬الذي أطاح رئيس الوزراء اإليراني‬ ‫محمد مصدق ودعم حكم الشاه محمد رضا بهلوي‪ .‬استمر أوباما في تذكير الجمهور أن إيران بدورها ارتكبت‬ ‫أيضا جرائم ضد األميركيني‪ .‬لكنه أشار بوضوح إلى دور واشنطن في االنقالب كاعتراف علني بأن الواليات‬ ‫املتحدة يقع عليها بعض من اللوم في الصراع املستعر منذ فترة طويلة مع الجمهورية اإلسالمية‪.‬‬ ‫* زميل دراسات الشرق األوسط في مجلس العالقات الخارجية‬

‫لكن توجد مفارقة كبيرة في اعتراف أوباما‪ .‬فربما يكون تاريخ الدور الذي أدته الواليات‬ ‫املتحدة األميركية في انقالب ‪« 1953‬معروفا»‪ ،‬كما أعلنه الرئيس في خطابه‪ ،‬لكنه لم يقم على‬ ‫أسس سليمة‪ .‬بل على العكس‪ ،‬قام هذا الدور بشكل كبير على خرافتني متصلتني‪ :‬كانت‬ ‫مؤامرات وكالة االستخبارات املركزية (سي آي إيه) أهم العوامل التي أدت إلى اإلطاحة بمصدق‬ ‫وأفسد تدخل الواليات املتحدة وبريطانيا بشكل أساسي الفاصل الديمقراطي القصير في‬ ‫إيران‪ .‬على مدى عقود‪ ،‬دعم املؤرخون والصحافيون والنقاد هاتني الخرافتني‪ ،‬وأدخلوهما في‬ ‫الخطاب السياسي بل وأيضا الثقافة الشعبية‪ :‬أحدثها فيلم «أرغو» في هوليوود الذي حصل‬ ‫على جائزة األوسكار لعام ‪ 2013‬ألفصل تصوير‪ .‬يشير الفيلم إلى أن الثورة اإلسالمية‬

‫اإليرانية التي اندلعت عام ‪ 1979‬كانت ردا متأخرا على ظلم ارتكبته الواليات املتحدة قبل ربع‬ ‫قرن‪ .‬يروج لهذه الرواية لألحداث أيضا قادة الدولة الدينية‪ ،‬الذين استغلوها في تأجيج العداء‬ ‫ضد أميركا وإخفاء حقيقة أن رجال الدين أنفسهم قاموا بدور كبير في اإلطاحة بمصدق‪ .‬في‬ ‫الحقيقة‪ ،‬لم يكن تأثير وكالة «سي آي إيه» على أحداث ‪ 1953‬كبيرا في النهاية‪ .‬وبغض النظر‬ ‫عن أي شيء فعلته الواليات املتحدة أو لم تفعله‪ ،‬كان على مصدق أن يسقط ويحتفظ الشاه‬ ‫بعرشه ويوسع سلطاته‪ .‬لكن أصبحت قصة اللوم األميركية راسخة حتى أصبحت تشكل‬ ‫جزءا من استيعاب عدد كبير من األميركيني لتاريخ العالقات األميركية اإليرانية وتؤثر في‬ ‫طريقة تفكير القادة األميركيني بشأن إيران‪.‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬تموز‪ /‬يوليو ‪52 - 2014‬‬


‫وتسعى الواليات املتحدة وإيران إلى الزج باألكراد في الصراع‪ ،‬من خالل الزج بحكومة إقليم‬ ‫كردستان وقوات البشمركة املاهرة (والجاهزة) خاصة وأن الجيش الوحيد الذي لم يمس في‬ ‫العراق يتمركز بالساحة الكردية‪ .‬و خالل لقاء في طهران‪ ،‬بني رئيس الوزراء الكردستاني‬ ‫نيجيرفان بارزاني‪ ،‬وعلي شمخاني‪ ،‬األمني العام للمجلس األعلى لألمن القومي اإليراني‪ ،‬طلب‬ ‫املسؤولون اإليرانيون‪ ،‬بحسب تقارير‪ ،‬من األكراد االشتراك في القتال ضد «داعش»‪ .‬ويبدو‬ ‫أن املسؤولني األميركيني يأملون أيضا في أن يتدخل األكراد؛ إذ إنه إذا كانت واشنطن ترغب‬ ‫في قمع «داعش»‪ ،‬تصبح البشمركة هي رهانها األفضل‪.‬‬ ‫لكن هل ستحقق الواليات املتحدة وإيران ما تسعيان إليه؟ البعض يظن ذلك؛ إذ يعتقد عدد‬ ‫من املديرين التنفيذيني لشركات النفط واملحللني املخضرمني في الشؤون العراقية أن األكراد‬ ‫يمكن أن تحركهم عائدات النفط‪ ،‬وضمانات تدفق اإليرادات فقط‪ .‬فقد كانت حكومة إقليم‬ ‫كردستان قد ضخت نحو ثالثة ماليني برميل من النفط إلى جيهان التركية‪ ،‬ولكنها واجهت‬ ‫صعوبة في بيع منتجها في السوق العاملية لعدة أسباب من بينها تدخل بغداد‪ .‬ويعتقد‬ ‫البعض أنه إذا توقفت املقاومة التي يواجهها األكراد فيما يتعلق بمبيعات النفط‪ ،‬فسوف‬ ‫يصبحون أكثر ميال لدعم الواليات املتحدة وإيران ضد «داعش»‪.‬‬ ‫وهناك أسباب وجيهة لكي تعمل حكومة إقليم كردستان على دحر «داعش»؛ ففي املاضي‪،‬‬ ‫استهدف مجاهدون سنة حكومة إقليم كردستان‪ ،‬وقبل أسبوع واحد من سيطرة «داعش»‬ ‫على املوصل‪ ،‬شنوا هجوما على مكتب االتحاد الوطني الكردستاني في ديالى‪ ،‬مما أسفر‬ ‫عن مصرع ‪ 18‬شخصا‪ .‬كما أن هناك صعوبة في التنبؤ بأفعال «داعش» وهو ما يمكن‬ ‫أن يجعلها تشكل في املستقبل القريب مخاطر أمنية بالنسبة للمنطقة التركية‪ .‬وبالنسبة‬ ‫للحكومة الكردية التي اشتهرت بقدرتها على توفير األمن‪ ،‬سيمثل هجوم «داعش» ضربة‬ ‫هائلة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فعلى الرغم من أن «داعش» تركز اهتمامها على بغداد في الوقت‬ ‫الراهن‪ ،‬يمكن أن يندلع صراع عسكري مع األكراد في عدة أماكن؛ حيث إن «داعش» تخوض‬ ‫معارك متقطعة مع البشمركة شمال ديالى التي يرغب األكراد في بسط سيطرتهم عليها‬ ‫بسبب قربها من مدينة خانقني ذات األغلبية الكردية‪ .‬وفي كركوك أيضا‪ ،‬يبدو الخط الفاصل‬ ‫بني البشمركة و«داعش» مطروقا على نحو خطر؛ حيث يسيطر األكراد على معظم أنحاء‬ ‫املحافظة‪ ،‬بينما يسيطر املتمردون السنة على األجزاء الجنوبية‪ ،‬بما في ذلك الحويجة‪ ،‬حيث‬ ‫وقعت أعمال عنف دامية بني متظاهرين سنة والحكومة العراقية‪ ،‬العام املاضي‪ .‬وبحسب‬ ‫مصدر كردي‪ ،‬تشاطر املنطقة حاليا ألف كيلومتر (‪ 620‬ميال) من حدودها‪ ،‬مع املتمردين‪.‬‬ ‫لكن هؤالء الذين يتوقعون حماسة كردية للقتال سيخيب أملهم على األرجح؛ نظرا ألنهم‬ ‫أساءوا تقدير املوقف الكردي الراهن‪ ،‬وكذلك أثر الجرح املمتد منذ عدة عقود ماضية‪ ،‬حينما‬ ‫منح األكراد دعمهم للغرب ولم يحصلوا على شيء في املقابل‪ .‬ففي الواقع‪ ،‬رسم األكراد‬ ‫خطوط املعركة شمال املوصل‪ ،‬عبر جنوب محافظة كركوك‪ ،‬وحتى شمال محافظة ديالى‪،‬‬ ‫وطاملا احترمت «داعش» ذلك الخط‪ ،‬فإن األكراد‪ ،‬الذين يعتمدون على سمعتهم كمركز يتمتع‬ ‫باالستقرار وجاذب للقطاع الخاص في منطقة محفوفة بالصراعات الطائفية‪ ،‬لن يكون لديهم‬ ‫أسباب كافية الستدعاء الحرب‪ .‬على أية حال‪ ،‬قضى األكراد عقدا من الزمان لتنمية هذه‬ ‫السمعة‪ ،‬وأسس االتحاد الوطني الكردستاني جيشا قويا بدعم شعبي‪ ،‬وأدارت الحكومة‬ ‫ببراعة عالقتها مع تركيا وإيران‪ .‬وبينما عاش العراقيون في أنحاء البالد في صراع دائم‪،‬‬ ‫شهدت العاصمة الكردية حالة من البناء املستمر‪ .‬ويعتمد استمرار هذا النجاح‪ ،‬الذي بني إلى‬ ‫حد بعيد على الثروة النفطية‪ ،‬أساسا على الحفاظ على األمن‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمثل التاريخ إشكالية أيضا‪ ،‬فإذا ما ذكرت ببساطة عام ‪ 1975‬أمام أي‬ ‫كردي‪ ،‬سوف تسمع عن «خيانة» وزير الخارجية األميركي هنري كسينجر‪ ،‬واتفاق الجزائر‪،‬‬ ‫الذي أنهى مؤقتا الصراع العراقي اإليراني؛ وترك أكراد العراق‪ ،‬الذين دعموا شاه إيران‪ ،‬يعانون‬ ‫على أيدي البعثيني‪ .‬فقد اكتوت الذاكرة الجمعية لألكراد بهذه الخيانة التي بقيت شاهدة على‬ ‫مخاطر أن تترك أمرك تحت رحمة القوى الراسخة‪.‬‬ ‫وبالنسبة لألكراد ليس عام ‪ 1975‬هو املشكلة الوحيدة؛ ففي األيام األولى لحرب العراق حاربت‬ ‫القوات الخاصة األميركية جنبا إلى جنب مع البشمركة الكردية‪ ،‬ضد تمرد أنصار اإلسالم‪.‬‬ ‫واعتقد األكراد أنهم أثبتوا أنفسهم كحلفاء أقوياء للواليات املتحدة‪ ،‬لكن حينها سعى بول‬ ‫بريمر‪ ،‬رئيس الحكومة املؤقتة للتحالف في العراق‪ ،‬إلى نزع سالحهم‪ .‬وعقب اجتياح كركوك‬ ‫عام ‪ ،2003‬اضطر األكراد إلى التراجع تحت وطأة الضغط األميركي‪ ،‬وهي اللحظة التي أسف‬ ‫عليها قادة التحالف الوطني الكردستاني لسنوات طويلة حتى تمكنوا من استعادة املدينة‬

‫األسبوع املاضي‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أربك قرار إدارة أوباما بانسحاب القوات من العراق القادة‬ ‫األكراد وتركهم دون مبرر لخوض املعركة نيابة عن الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫على أية حال‪ ،‬ليست الواليات املتحدة هي الالعب الوحيد الذي يثير ريبة األكراد‪ ،‬فهم غير‬ ‫متحمسني أيضا للجيش العراقي‪ ،‬الذي ربما يكون عليهم التنسيق معه أيضا‪ .‬ففي مدينة‬ ‫الغوالء أطلقت املدفعية العراقية مؤخرا نيرانها على القوات الكردية بدال من متمردي «داعش»‪،‬‬ ‫وقتلت ستة من البشمركة مما زاد مرارة املواطنني األكراد وأجج االستياء من الجيش العراقي‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬تظل القوات الكردية هي أفضل أمل أمام الراغبني في وقف «داعش» في العراق ومن‬ ‫املرجح أن تعمل إدارة أوباما على إقناعهم باملشاركة في الهجوم‪ ،‬أو على األقل توفير دعم‬ ‫لوجستي واستخباراتي ملموس للجيش العراقي‪ .‬وهناك عدة أشياء على إدارة أوباما أن تقوم‬ ‫بها إذا ما كانت ترغب في مشاركة كردية‪ .‬أوال عليها أن تكف عن أي حديث عن دعم رئيس‬ ‫الوزراء العراقي نوري املالكي؛ الدموي مثير املشاكل الذي تدعمه إيران إلى أقصى درجة؛ حيث‬ ‫إن اإلشارات األميركية املستمرة بشأن دعمه‪ ،‬لن تؤدي إال إلى حشد املعارضة السنية‪ ،‬وهو‬ ‫ما يمكن أن ينعكس على االتحاد الوطني الكردستاني‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬يجب على واشنطن‬ ‫(وطهران) أن تصر على أن يضع املالكي حدا للخطاب التحريضي ألعضاء حزبه ووسائل‬ ‫اإلعالم الرسمية‪ .‬فهذا الخطاب الذي يلمح ملؤامرة كردية – داعشية على وجه الخصوص ينفر‬ ‫سريعا الرأي العام الكردي‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬يجب على الواليات املتحدة أن تقدم شيئا ملموسا لألكراد اآلن‪ ،‬وهو ما يمكن أن يتضمن‬ ‫مثال تيسير طرق بيع النفط الكردي‪ ،‬فقد أرسل االتحاد الوطني الكردستاني ناقالت النفط‬ ‫مرارا إلى املياه الدولية بحثا عن مشترين‬ ‫ولكنها كانت تعود خاوية الوفاض‪ .‬كما‬ ‫يجب على الواليات املتحدة أن تتخلى بهدوء‬ ‫عن اعتراضاتها على مبيعات النفط الكردية‬ ‫املستقلة‪ ،‬وتعمل على تسهيل العثور على‬ ‫مشترين‪ ،‬وتدعم وجود تدفق مستقل‬ ‫للعائدات لحكومة إقليم كردستان‪ .‬ثالثا‪ :‬على‬ ‫الواليات املتحدة تسليح البشمركة؛ فقبل‬ ‫شهور فقط‪ ،‬وافق الرئيس األميركي باراك‬ ‫أوباما على مد املالكي بشحنة أخرى من‬ ‫األسلحة األميركية املتطورة‪ ،‬وها هم مقاتلو‬ ‫«داعش» يلوحون بالعديد من األسلحة‬ ‫أميركية الصنع‪ ،‬فقد كانت هذه هي تكلفة دعم واشنطن الراسخ لقوات األمن العراقية‪ .‬وإذا كان‬ ‫الغرب ينشد مساعدة كردية الستئصال «داعش»‪ ،‬عليه أن يظهر التزاما مماثال عبر تسليح‬ ‫القوات الكردستانية‪ ،‬مع تقديم الدعم عبر ضربات جوية عند الضرورة‪.‬‬

‫يجب �أن تلتزم وا�شنطن‬ ‫جتاه حكومة �إقليم كرد�ستان‬ ‫دعم مطالبها لفر�ض‬ ‫�سيطرتها على املناطق‬ ‫املتنازع عليها‬

‫وأخيرا‪ :‬يجب أن تلتزم الواليات املتحدة تجاه حكومة إقليم كردستان بدعم مطالبها بفرض‬ ‫سيطرتها على املناطق املتنازع عليها والتي استعادتها األسبوع املاضي‪ .‬وبالنسبة للواليات‬ ‫املتحدة سيكون من الحماقة أن تعد حكومة إقليم كردستان بكركوك‪ ،‬وهو وعد يعرف األكراد‬ ‫أن الواليات املتحدة ال يمكنها الوفاء به‪ .‬لكن الوعد بقبول ضمني باملطالب الكردية مسألة‬ ‫أخرى‪ ،‬فهذه الطمأنة‪ ،‬يجب أيضا‪ ،‬أن تمرر بهدوء‪ ،‬وفي صيغة أن حل الوضع النهائي لكركوك‬ ‫هو قضية عربية – كردية – تركمانستية‪ .‬ما من أحد يمكنه أن يشك في أن حكومة إقليم‬ ‫كردستان لديها شكوك في مثل ذلك الوعد‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يمكن لدعم أميركي جريء‪ ،‬بطرق‬ ‫أخرى‪ ،‬أن يقنع حكومة إقليم كردستان بإخالص الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫إن ما يجعل كلفة املشاركة الكردية مرتفعة جدا اليوم هي القناعة الكردية‪ ،‬وهي قناعة‬ ‫معقولة بأن الواليات املتحدة كانت شريكا غير موثوق الجانب‪ .‬باإلضافة إلى أن األكراد‬ ‫يتمتعون بوضع مهيمن في العراق؛ حيث إنهم موحدون ومتفوقون عسكريا ولم يطالهم‬ ‫تأثير الصراعات العربية العنيفة‪ ،‬وكون أن كل شيء قابل للتغير أمام عدو‪ ،‬ال يمكن التنبؤ به‬ ‫كـ«داعش»‪ ،‬أمر‪ .‬والسعي للقتال أمر مختلف بالكلية‪ .‬وإلقناع حكومة إقليم كردستان للقيام‬ ‫بهذه املهمة‪ ،‬يجب على الواليات املتحدة أن تنخرط بفعالية في القضية الكردية‪ ،‬وإلى أن يحدث‬ ‫ذلك‪ ،‬ربما تنأى حكومة كردستان العراق بنفسها عن املعركة إال إذا وضعت مصالحها على‬ ‫املحك‪ ،‬وال أحد يمكنه أن يلومها في هذه الحالة‪ .‬وكما هو الحال في كثير من األحيان‪ ،‬فإن‬ ‫التاريخ هو الذي يطرح أكبر العقبات أمام مكافحة «داعش»‬

‫فورن أفيرز‪ /‬تموز‪ /‬يوليو ‪51 - 2014‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫كيف يجري الدفع بحكومة إقليم كردستان ملواجهة «داعش»؟‬

‫خالص األكراد‬

‫جندي من البيشمركة الكردية (رويترز)‬

‫بقلم‪ :‬دوف فريدمان ـ كيل صالح *‬

‫يحتل تنظيم «الدولة اإلسالمية في العراق والشام» (داعش) في الوقت الراهن مساحة بحجم األردن‪ ،‬تمتد من تخوم‬ ‫حلب إلى ضواحي بغداد‪ ،‬مما يجعلها تمثل‪ ،‬من هذا املوقع الجديد‪ ،‬تهديدا خطيرا للمصالح األمنية اإلقليمية وكذلك‬ ‫للواليات املتحدة‪ .‬وإلى اآلن‪ ،‬ال يملك الساعون إلى إيقافه سوى القليل من الخيارات؛ فقد تغلب تنظيم «داعش» بسهولة‬ ‫على قوات األمن العراقية التي يفوق عددها املجموعات الجهادية بنسبة مائة إلى واحد‪ ،‬وتكرر األمر نفسه مع الحرس‬ ‫الثوري اإليراني الذي تدفق عبر الحدود لدعم القوات العراقية؛ خاصة أن مقاتلي النخبة اإليرانية تتشتت جهودهم‬ ‫بني الجبهات في سوريا والعراق‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬تبدو الواليات املتحدة غير راغبة على اإلطالق في إعادة القوات‬ ‫األميركية إلى ساحة القتال مجددا‪.‬‬ ‫* دوف فريدمان‪ :‬طالب دراسات عليا بمعهد جاكسون للشؤون الدولية بجامعة ييل‬ ‫* كيل صالح‪ :‬باحثة متخصصة في العراق وسوريا ولبنان‬

‫فورن أفيرز‪ /‬تموز‪ /‬يوليو ‪50 - 2014‬‬


‫كيف يجري الدفع بحكومة إقليم كردستان ملواجهة «داعش»؟‬

‫خالص األكراد‬ ‫بقلم‪ :‬دوف فريدمان ـ كيل صالح‬

‫وكالة االستخبارات األميركية (سي آي إيه)‪ ..‬اإلطاحة بمصدق‪ ..‬عودة الشاه‬

‫حقيقة ما حدث يف إيران‬ ‫بقلم‪ :‬راي تقية‬

‫فورن أفيرز‪ /‬تموز‪ /‬يوليو ‪49 - 2014‬‬


twitter

facebook google+

The Arab world has a rich history of scientific breakthroughs. Ensure you’re part of the scientific and medical community gaining access to the latest research in the region. From the latest news, in-depth features, expert commentaries and research highlights to regional jobs, event listings and alerts direct to your inbox – Nature Middle East is your free comprehensive portal keeping you at the centre of science in the Arabic speaking Middle East.

nature.com/nmiddleeast Sponsored by

Get the free mobile app at

Download the free app for your / gettag.mobi phone athttp:/ http://gettag.mobi


‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬

‫العدد ‪ 1597‬تموز ‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫اشرتك اآلن‬ ‫واحصل على‬ ‫نسختك الورقية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫لورنزو فيدينو‪ :‬مابعد القاعدة‪� ..‬سيا�سة التنظيمات االرهابية باأوروبا‬ ‫فالح العجمي‪ :‬ماهية احلرية ‪..‬والفروق بني مفاهيم ال�سرق والغرب‬ ‫جوزيف برادوي‪ :‬م�ساريع وليدة لتاأ�سي�س الفكر النقدي العربي‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪07‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1597 - July 2014‬‬

‫فورن أفيرز‪ /‬أيار‪ /‬مايو ‪57 - 2014‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


‫أرشيف‬

‫دور بال بطل‬

‫‪,,‬‬

‫تفجير‬ ‫السفارة‬ ‫األميركية في‬ ‫بيروت مؤامرة‬ ‫دولية إلقامة‬ ‫«حكومات‬ ‫دينية‬ ‫متعصبة»‬

‫‪,,‬‬

‫‪46‬‬

‫> ولكن جرى سحب مشاة البحرية بالفعل‪ ،‬وحتى إذا قبلنا ما تقوله عن‬ ‫أن الهجوم على هدف عسكري عمل إرهابي وليس عملية قتالية عادية‪،‬‬ ‫ف��إن وزي��ر الخارجية ج��ورج شولتز وآخ��ري��ن ص��رح��وا بأنه ليس هناك‬ ‫احتمال إلرسال القوات األميركية مرة أخرى إلى لبنان في املرحلة الحالية‬ ‫للقيام بواجبات حفظ السالم‪ .‬وقد فهمت أن وجهة نظر اإلدارة األميركية‬ ‫بشأن حماية الحدود اإلسرائيلية تعتمد أساسا على استخدام الجيش‬ ‫اللبناني وقوات األمم املتحدة لهذا الغرض‪ .‬وقد أشرت أنت نفسك من قبل‬ ‫إلى جهود قامت بها اإلدارة الحالية‪ .‬وأدت إلى وقف أعمال العنف على‬ ‫الحدود اإلسرائيلية‪ ،‬وتمثلت في اتفاق وقف إطالق النار الذي توسط فيه‬ ‫فيليب حبيب واحترمه الفلسطينيون‪ .‬ويمثل هذا االتفاق سابقة تسمح‬ ‫بعدم استخدام ميليشيا اللواء أنطوان لحد التي تشرف عليها إسرائيل‬ ‫في جنوب لبنان‪ .‬هل ما زالت الواليات املتحدة ّ‬ ‫تعد مهمة املحافظة على‬ ‫أمن الحدود اللبنانية يجب أن تقوم بها وح��دات الجيش اللبناني وقوت‬ ‫األمم املتحدة‪ ،‬وليس (كما تطلب إسرائيل) ميليشيات اللواء أنطوان لحد؟‬ ‫ املتطلبات األساسية ما زالت قائمة دون تغيير منذ سنتني أو حتى منذ‬‫ثماني سنوات‪ ،‬وهي تأمني حدود إسرائيل من أعمال العنف اإلرهابية‪.‬‬ ‫ويمكن أن تشمل ترتيبات األم��ن ف��ي لبنان دورا ل�ق��وات األم��م املتحدة‪،‬‬ ‫ونحن نعتقد بضرورة ذلك‪ .‬وال يمكن أن تنجح الترتيبات املساعدة‪ ،‬إلى‬ ‫جانب استخدام قوات األمم املتحدة‪ ،‬إال إذا جرى االتفاق عليها بني لبنان‬ ‫وإسرائيل‪ .‬وإنني أعتقد أن باإلمكان وضع هذه الترتيبات‪.‬‬

‫لبنان‪ .‬إن إسرائيل لم تتعرض ألي صاروخ أو هجوم فلسطيني من‬ ‫األراضي السورية على مدى ‪ 17‬عاما‪ ،‬ومرتفعات الجوالن هادئة‪ .‬وفي‬ ‫عام ‪ 1973‬دخلت مصر وسوريا الحرب الستعادة بعض أراضيهما‬ ‫املحتلة‪ ،‬ولكنهما تجنبتا اإلغارة على قلب إسرائيل‪ .‬وإذا أخذنا في‬ ‫اعتبارنا أيضا أن مناحيم بيغن نفسه صرح بأن السوريني يحافظون‬ ‫على ما يتفقون عليه‪ ،‬فهل يمكن أن تمثل القوات السورية عامال مفيدا‬ ‫في مراقبة الحدود اللبنانية ‪ -‬اإلسرائيلية؟ إن إسرائيل تقدر السيطرة‬ ‫السورية الحازمة على الفلسطينيني‪ ،‬ولكن هل يمكن أن يكون لدى‬ ‫الواليات املتحدة أي اعتراض على اتفاق مباشر بني سوريا وإسرائيل؟‬ ‫ ما زال��ت الواليات املتحدة تؤمن باستقالل لبنان ووح��دة أراضيه‪،‬‬‫ولهذا تؤمن أيضا بضرورة انسحاب القوات األجنبية كلها من لبنان‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى كانت الواليات املتحدة‪ ،‬وما زالت ترغب في إجراء‬ ‫مباحثات مستقرة مع الحكومة السورية حتى يمكن إنشاء عالقات‬ ‫ثنائية مستقرة بني البلدين‪ ،‬ومن أجل تشجيع عملية السالم على‬ ‫نطاق أوس��ع‪ .‬وإذا ك��ان هناك رد فعل إيجابي على ذل��ك م��ن جانب‬ ‫سوريا‪ ،‬فإنه يمكن (في رأيي) تحقيق تقدم كبير في هذا اإلطار‪.‬‬

‫> في أي إطار؟‬ ‫ في إطار العالقات األميركية ‪ -‬السورية‪.‬‬‫> ه��ل يمكنك الحديث بتفصيل أكثر ع��ن دور ق��وات األم��م املتحدة‬ ‫وحجمها وتشكيلها؟ أعتقد أن الواليات املتحدة ترغب في توسيع‬ ‫نطاق املهمة التي تقوم بها ه��ذه ال�ق��وات‪ ،‬كما أنها ترغب في زي��ادة‬ ‫حجمها‪ .‬كيف سيكون حجم قوات األمم املتحدة‪ ،‬وما املنطقة التي‬ ‫> أليس صحيحا أن الواليات املتحدة تفضل أن تتولى هذا ال��دور قوات‬ ‫ستشرف عليها؟‬ ‫األمم املتحدة ووحدات الجيش اللبناني بعد تدريبها بصورة كافية‪ ،‬وليس‬ ‫ميليشيات ثانوية يجري تجنيد أفرادها على أساس أنهم مرتزقة؟‬ ‫ يبدو لي أن قوات األمم املتحدة ساهمت بصورة مفيدة للغاية في‬‫ ال تفضل الواليات املتحدة أي جهة على جهة أخرى‪ .‬إن الواليات املتحدة‬‫الحفاظ على استقرار جنوب لبنان في املاضي‪ ،‬وعلى هذا األساس‬ ‫تتطلع إلى األطراف املعنية نفسها‪ ،‬ألن هذه األطراف هي التي ستنفذ أي‬ ‫تستطيع ه��ذه ال�ق��وات عمل امل��زي��د إذا ج��رى توسيع نطاق مهمتها‪.‬‬ ‫شيء يجري االتفاق عليه‪.‬‬ ‫وبرغم أنني أعلم أن الوقت املتاح‪ ،‬من أجل التوصل إلى إجماع على‬ ‫ذل��ك‪ ،‬قصير للغاية‪ ،‬فإنني م��ا زل��ت آم��ل ف��ي أن ي��درك ك��ل ط��رف من‬ ‫«لن يتغير موقفنا من منظمة التحرير!»‬ ‫األطراف املعنية مدى فائدة هذه القوات‪ ،‬وأن توافق هذه األطراف على‬ ‫تحديد مهمة جديدة لقوات األمم املتحدة‪ ،‬تسمح لها بتولي قدر أكبر‬ ‫> سأعود إلى سؤالي األول اآلن‪ .‬يبدو أن الدور الذي تلعبه الواليات املتحدة من املسؤولية من الناحية الجغرافية ومن ناحية املهمة التي تتوالها‪.‬‬ ‫قد تقلص كثيرا‪.‬‬ ‫> ه��ل تعني زي ��ادة حجم ه��ذه ال �ق��وات وزي ��ادة منطقة مسؤوليتها‬ ‫ هذا صحيح‪.‬‬‫فحسب‪ ،‬أم تعني أيضا إعطاءها مهام أكبر؟‬ ‫في‬ ‫السالم‬ ‫موضوع‬ ‫إلى‬ ‫أيضا‬ ‫يمتد‬ ‫وإنما‬ ‫لبنان‪،‬‬ ‫على‬ ‫هذا‬ ‫> ال يقتصر‬ ‫ إنني أعني الناحية الجغرافية أساسا‪ ،‬ولكن ربما يتضمن ذلك حجم‬‫املنطقة‪.‬‬ ‫هذه القوات وتشكيلها أيضا‪.‬‬ ‫زال‬ ‫ما‬ ‫السالم‬ ‫عملية‬ ‫بتحقيق‬ ‫األساسي‬ ‫اهتمامنا‬ ‫أن‬ ‫أعتقد‬ ‫إنني‬ ‫ كال‪،‬‬‫> ولكن هل ستتغير مهمتها؟ هل ستتمتع هذه القوات بحرية أكبر‬ ‫الواليات‬ ‫على‬ ‫ويجب‬ ‫مضى‪.‬‬ ‫وقت‬ ‫أي‬ ‫في‬ ‫عليها‬ ‫كان‬ ‫التي‬ ‫بالدرجة‬ ‫واضحا‬ ‫في فرض وجودها‪ ،‬كما فعلت قوات األمم املتحدة في الكونغو (زائير‬ ‫املتحدة أن تضع في اعتبارها الجو السائد في املنطقة عند تحديد درجة اآلن)؟‬ ‫وأسلوب مشاركتها‪ .‬ويبدو لي أن عددا من األحداث في كل من إسرائيل ‪ -‬من الواضح أنه يتعني الحصول على موافقة جميع األطراف املعنية‬ ‫والدول املجاورة لها قد أدت إلى تغيير الجو السائد في املنطقة‪ ،‬كما يبدو على ذلك‪ .‬وأنا ال أرجح احتمال وقوع ذلك أو أستبعده‪ .‬وال أعتقد أن‬ ‫لي أنه سيمر بعض الوقت قبل أن نتصور أنه سيكون هناك دور ملموس األمر هنا يرجع إلى الواليات املتحدة‪ ،‬فليس هذا موضوعا يتحكم فيه‬ ‫ملبادرة كبيرة جديدة‪ .‬وفي الوقت ذاته يمكن أن تنمو في هذا الجو الحقائق النفوذ األميركي‪ .‬وسوف يتعني علينا تبني موقف األط��راف املعنية‬ ‫الواقعية للمصالح اإلنسانية والعناصر الضرورية للسالم‪ ،‬ومنها ضرورة من هذا املوضوع‪.‬‬ ‫وجود قدر أكبر من الثقة بني األط��راف املعنية‪ .‬وأعتقد أن الفترة املقبلة > هل يعارض أي طرف زيادة دور قوات األمم املتحدة؟ إن املشكلة‬ ‫ستشهد بالتأكيد مزيدا من التحسن في تحقيق هذه الشروط األساسية األساسية في املاضي كانت تتمثل في رف��ض إسرائيل باستمرار‬ ‫أكثر مما حدث في الفترة املاضية‪ .‬وأعتقد أن هذا شيء مشجع للغاية‪ .‬التعاون مع األم��م املتحدة‪ .‬واآلن يتوسل بيريس إل��ى األم��م املتحدة‬ ‫لكي ترسل قواتها محل القوات اإلسرائيلية في جنوب لبنان‪ ،‬ويطالب‬ ‫بزيادة دور قوات األمم املتحدة‪.‬‬ ‫واشنطن ودمشق‬ ‫ أعتقد أن األم��ر سيقتصر على بعض التحفظات‪ .‬وأن��ا ال أعتقد‬‫> ما رأي��ك في مستقبل العالقات األميركية ‪ -‬السورية‪ ،‬وم��ا رأيك في الوقت ذاته أن هناك اتفاقا كامال بني لبنان وسوريا على طبيعة‬ ‫في دور سوريا في املستقبل في هذه املنطقة؟ يبدو أنه من املقبول مهمة قوات األمم املتحدة‪ ،‬ولكن يبدو لي أيضا أنه يمكن التغلب على‬ ‫حاليا (حتى من جانب إسرائيل) أن يكون لسوريا دور أساسي في هذه العقبات <‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫> يبدو املوقف اآلن من بعض النواحي أصعب مما كان عليه قبل عام أو‬ ‫عامني‪ .‬لقد رفض الكونغرس املوافقة على طلب األردن تزويده بأسلحة‬ ‫معينة‪ ،‬ويتجه األردن اآلن إلى موسكو للحصول على املعدات العسكرية‪.‬‬ ‫وقد تحدث الرئيس ريغان في مبادرته عن ثالثة أطراف؛ إسرائيل‪ ،‬واألردن‪،‬‬ ‫والفلسطينيني‪ ،‬أال يعني ذلك أن األمر أصبح أكثر صعوبة بالنسبة إلى‬ ‫الواليات املتحدة في تشجيع األردن على التفاوض؟‬ ‫ لقد كانت ال��والي��ات املتحدة تساند باستمرار أم��ن األردن‪ ،‬وستجري‬‫املحافظة على ه��ذه السياسة ف��ي املستقبل‪ .‬ويتعني على امل�ل��ك حسني‬ ‫أن يتخذ بنفسه اإلج��راءات التي يعتقد أنها تخدم مصالح ب�لاده‪ ،‬ولكن‬ ‫ال��والي��ات املتحدة ستظل على استعدادها لتقديم املساعدة‪ ،‬تماما كما‬ ‫كانت مستعدة لذلك في املاضي‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬ال تؤدي قرارات األردن بعدم‬ ‫قبول العروض التي قدمت إليه في املاضي إلى إلغاء القيمة املترتبة على‬ ‫تقديم هذه العروض‪.‬‬ ‫> هل تقوم الواليات املتحدة بأي مجهود إلقناع الجناح الرئيس املعتدل‬ ‫في منظمة التحرير الفلسطينية (وهي الحليف الرئيس لألردن) باتخاذ‬ ‫إجراء يمكن واشنطن من إشراكه في الحوار؟‬ ‫ إن هذا الجناح لم يعترف قط بالقرارين ‪ 242‬و‪ 338‬الصادرين عن مجلس‬‫األمن‪ .‬وهذان القراران يشيران إلى حدود ‪ .1967‬أو بتعبير آخر خطوط‬ ‫الهدنة في عام ‪ .1949‬إن السفارة األميركية وسفارات معظم الدول األخرى‬ ‫لدى إسرائيل موجودة في تل أبيب‪ ،‬وهذا يعني أن الواليات املتحدة لم تذهب‬ ‫إلى مدى أبعد من قرار مجلس األمن الصادر في ‪ ،1947‬الذي ينص على‬ ‫تقسيم فلسطني إلى دولة يهودية وأخرى عربية‪ .‬هل يكفي أن تعلن «فتح»‬ ‫أو أي حركة فلسطينية رئيسة أخرى‪ ،‬استعدادها لالعتراف بقرار التقسيم‬ ‫الصادر في ‪ ،1947‬لكي تدخل الواليات املتحدة في مفاوضات معها؟‬ ‫ تتخذ الواليات املتحدة موقفا واضحا‪ .‬وهذا يعني أننا لن نغير موقفنا‬‫حتى تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود‪،‬‬ ‫وحتى توافق على قراري مجلس األمن ‪ 242‬و‪ .338‬ولم تتغير هذه الشروط‬ ‫قط‪.‬‬ ‫> هل من املرجح أن تتغير في املستقبل؟‬ ‫ كال‪.‬‬‫> حتى إذا كان ذلك يعني مطالبة منظمة التحرير الفلسطينية باالعتراف‬ ‫بأكثر مما تعترف به الواليات املتحدة والدول الحليفة لها‪ ،‬وهو أن القدس‬ ‫الغربية عاصمة إلسرائيل؟‬ ‫ لم يتغير موقف الواليات املتحدة‪ ،‬وليس هناك أي احتمال في تغييره‪.‬‬‫> هل هناك أي شيء آخر تستطيع الواليات املتحدة عمله لتشجيع القادة‬ ‫الفلسطينيني املعتدلني‪ ،‬من أمثال ياسر عرفات‪ ،‬على التعاون مع امللك‬ ‫حسني‪ ،‬في التفاوض مع إسرائيل‪ ،‬بعد أن أوضح امللك حسني أنه لن يقدم‬ ‫على هذا اإلجراء منفردا؟‬ ‫ أعتقد أنه يتعني على ال��دول العربية نفسها تقرير الترتيبات املتعلقة‬‫بتمثيل الفلسطينيني‪ .‬والواليات املتحدة تتطلع إلى الدول العربية التخاذ‬ ‫املبادرة في هذا الشأن‪ .‬وأنا أعتقد أن الدول العربية أكثر قدرة منا على‬ ‫التأثير على الفلسطينيني‪.‬‬

‫تفجير القيادة‬ ‫> فلنتحدث اآلن عن لبنان‪ .‬لقد وافق يوم الثالثاء األسبق الذكرى السنوية‬ ‫لتفجير مقر قيادة مشاة البحرية األميركية في بيروت‪ ..‬هل تعتقد أن‬ ‫بعض عناصر السياسة األميركية في لبنان كانت خاطئة أو غير مناسبة‬ ‫على مدى العامني املاضيني؟‬ ‫ كال‪ ،‬إال إذا رأينا أن من الخطأ رفع مستوى فهم الرأي العام للسياسة‬‫األميركية‪ .‬لقد جرى إرسال القوات األميركية إلى لبنان لهدفني أساسيني‪،‬‬ ‫أول�ه�م��ا منع ق�ي��ام ح��رب س��ادس��ة ف��ي ال�ش��رق األوس ��ط‪ ،‬وال�ث��ان��ي محاولة‬ ‫ع�لاج األس�ب��اب الجذرية ملوجة العنف األخ�ي��رة‪ ،‬التي نتجت عن الوجود‬

‫الفلسطيني في جنوب لبنان! وقد حققنا هذين الهدفني‪ .‬وع�لاوة على‬ ‫ذلك كانت الواليات املتحدة ترغب في إقامة حكومة مستقرة وقوية في‬ ‫لبنان‪ ،‬وبذلك تصبح حدود لبنان مع الدول املجاورة أكثر استقرارا‪ .‬وكان‬ ‫هناك بعض األمل في تحقيق هذا الهدف‪ .‬ألن سوريا أعلنت في بداية هذا‬ ‫النزاع موافقتها من ناحية املبدأ على االنسحاب من لبنان‪ .‬وعندما اتضح‬ ‫في نوفمبر (تشرين الثاني) ‪ 1983‬أن سوريا ال ترغب في االنسحاب من‬ ‫لبنان‪ ،‬أصبح من املتعذر تحقيق هذا الهدف في السياسة األميركية‪ .‬وفي‬ ‫تلك املرحلة‪ ،‬قمنا بإعادة تقييم سياستنا‪ ،‬وغيرنا اتجاهها‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فإن عوامل اإلنسانية واملصلحة الذاتية تملي علينا منح السالم فرصة‪،‬‬ ‫عندما يتعذر على أي دولتني حل خالفاتهما إال عن طريق العنف‪ ،‬سواء‬ ‫ك��ان ذل��ك ف��ي ال�ش��رق األوس��ط أو ف��ي أي ج��زء آخ��ر م��ن العالم توجد فيه‬ ‫مصالح أميركية مهمة‪ .‬وقد فعلنا ذلك بناء على اعتقادنا الراسخ بأن هذا‬ ‫هو اإلجراء الصائب في ذلك الوقت‪ ،‬ولكن سوريا تسببت في تغيير هذا‬ ‫االعتقاد‪ ،‬وكان ذلك هو ما جعلنا نغير سياستنا‪.‬‬ ‫> معنى كالمك أن جميع اإلجراءات التي اتخذتها الواليات املتحدة كانت‬ ‫سليمة تماما‪ ،‬بالنظر إلى طبيعة األحداث‪.‬‬ ‫ سوف يفهم القراء من سؤالك أنك تشير إلى تفجير مقر قيادة مشاة‬‫البحرية‪ .‬وال بد أن نتذكر هنا أن الذين قاموا بهذا الهجوم كانوا إرهابيني‬ ‫تدعمهم إيران‪ ،‬وأن أهدافهم تتعدى حدود لبنان وتمتد إلى الشرق األوسط‬ ‫بأكله‪ .‬وهدفهم هو إقامة حكومات دينية متعصبة في كل مكان‪ .‬وسوف‬ ‫يصبح تنفيذ هدفهم أكثر سهولة إذا انسحبت القوات األجنبية‪ ،‬سواء كانت‬ ‫أميركية أو فرنسية أو بريطانية‪ ،‬أو من أي دولة أخرى‪ .‬وباختصار‪ ،‬كان‬ ‫اإلرهاب في الشرق األوسط‪ ،‬وال يزال‪ ،‬موضوعا منفصال عن السياسة‬ ‫األميركية تجاه لبنان‪ ،‬ألن املوضوعني مختلطان إلى حد ما في أذهان‬ ‫الناس‪ .‬والدرس الذي يجب أن نتعلمه من ذلك هو أن نقلل من التركيز على‬ ‫سياستنا في لبنان‪ ،‬وأن نزيد في مقابل ذلك التركيز على جعل الرأي العام‬ ‫األميركي يدرك مفهوم اإلرهاب بصورة عامة‪ ،‬وسبل مكافحته‪ .‬وفي هذا‬ ‫اإلطار يجب أن نبذل جهودنا اليوم من أجل التوصل إلى اتفاق دولي على‬ ‫اتباع سياسة ملكافحة اإلرهاب‪ ،‬كما حدث بالنسبة إلى مسألة اختطاف‬ ‫الطائرات في الستينات‪ ،‬وذلك على أن يكون الهدف الرئيس من هذا االتفاق‬ ‫هو حرمان اإلرهابيني من القواعد اآلمنة التي يعتمدون عليها‪.‬‬ ‫> كنت أعتقد أن ج�ن��ود م�ش��اة البحرية ُي��درب��ون على أن��واع معينة من‬ ‫الحروب‪ .‬أال تعتقد (بصفتك ضابطا سابقا في مشاة البحرية) أن مهمة‬ ‫تلك ال��وح��دات ف��ي ب�ي��روت كانت غريبة للغاية؟ لقد ك��ان��وا ي��داف�ع��ون عن‬ ‫موقع معني‪ ،‬وبذلك أصبحوا هدفا للهجوم دون أن تكون لديهم أي مهمة‬ ‫إيجابية‪ .‬ألم تكن هذه الوحدات الخاصة تنفذ املهمة التي تكلف بها في‬ ‫العادة قوات األمم املتحدة؟‬ ‫ يبدو لي أن هذا الرأي فيه إغفال للهدف الحقيقي‪ .‬ولو سألتني‪ :‬هل كان‬‫من الصواب أن ترسل الواليات املتحدة قوات حفظ سالم إلى لبنان‪ ،‬سواء‬ ‫كانت هذه القوات من مشاة البحرية أو من الجيش‪ ،‬ألجبتك قائال‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫كان هذا القرار صائبا‪.‬‬

‫روبرت ماكفرلني‬

‫‪,,‬‬

‫من املمكن‬ ‫تطوير‬ ‫عالقاتنا مع‬ ‫سوريا بشكل‬ ‫إيجابي‬

‫‪,,‬‬

‫> أال تعتقد أن ه��ذه ال�ق��وات لم تكن تصلح لهذه املهمة‪ ،‬وأنها أصبحت‬ ‫عنصرا من عناصر الحرب األهلية بدال من أن تصبح عنصرا من عناصر‬ ‫الحل؟‬ ‫ ال أعتقد أن ه��ذا ه��و امل��وض��وع األس��اس��ي‪ ،‬س��واء ف��ي أس�ل��وب ممارسة‬‫السياسة أو في نتائج هذه السياسة‪ .‬لقد كانت املشكلة اللبنانية تتطلب‬ ‫قوات خارجية لحفظ السالم‪ ،‬ومن الواضح أن تدخل إرهابيني من خارج‬ ‫لبنان أدى إلى زيادة مخاطر وقوع أعمال إرهابية‪ .‬ولكن العالج الصحيح‬ ‫لهذه املخاطر ال يتمثل في أن نقول إننا لن نتدخل‪ ،‬أو في عدم محاولة‬ ‫إع�ط��اء ال�س�لام ف��رص��ة‪ .‬وع�ل�اوة على ذل��ك‪ ،‬فإننا عندما ن�ق��ول‪« :‬سنغير‬ ‫سياستنا عندما نتعرض للهجوم»‪ ،‬ف��إن ذل��ك سيؤدي بالضرورة إلى‬ ‫تشجيع اإلرهاب في السنوات املقبلة‪ .‬وليس هذا هو العالج الصحيح‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪45‬‬


‫أرشيف‬

‫يعتقد روبرت ماكفرلني مستشار الرئيس ريغان لشؤون األمن القومي‪ ،‬أن عام ‪ 1985‬سيشهد تحركا في اتجاه السالم في الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬وأن هذا التحرك سينبع من العرب واإلسرائيليني أنفسهم‪ ،‬مع ابتعاد الواليات املتحدة عن أداء دور رئيس‪ ،‬وعدم محاولتها‬ ‫توجيه األحداث‪ .‬وال يحب روبرت ماكفرلني الظهور كثيرا‪ ،‬على عكس سلفيه هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجنسكي‪ ،‬برغم أنه‬ ‫يستطيع مثلهما مقابلة الرئيس يوميا‪ .‬وهذه املقابلة مع «املجلة» هي أول مقابلة صحافية مع ماكفرلني خالل العام الحالي‪ .‬وملا‬ ‫كان ماكفرلني ضابطا سابقا برتبة ميجور في مشاة البحرية األميركية‪ ،‬فإنه اقترح بنفسه توقيت املقابلة بحيث تتفق مع الذكرى‬ ‫السنوية لنسف مقر قيادة مشاة البحرية األميركية في بيروت يوم ‪ 23‬أكتوبر (تشرين األول) ‪ .1983‬وما زال ماكفرلني يرى املقاومة‬ ‫الفلسطينية «إرهابا»! ويرى أن نسف مقر قيادة مشاة البحرية في بيروت جرى في إطار مؤامرة دولية إلقامة «حكومات دينية‬ ‫متعصبة» في املنطقة‪ ،‬وأنه لم تكن له صلة باألزمة اللبنانية‪ .‬ويلتزم ماكفرلني الحرص في حديثه‪ ،‬مثله في ذلك مثل معظم املوظفني‬ ‫الحكوميني الذين ال يتحدثون إطالقا إلى الصحافيني‪ .‬وكان يزن في حديثه كل كلمة‪ .‬ويتحدث ببطء شديد وكأنه يملي طابعا على‬ ‫اآللة الكاتبة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كان حديث ماكفرلني ينم عن سلطة واسعة‪ ،‬وركز في حديثه على أنه أصر على عدم قيام الواليات املتحدة‬ ‫بمبادرات مثيرة‪ ،‬وعلى أن تترك «أطراف النزاع» تسوي معظم خالفاتها بنفسها‪ .‬وقال إن ذلك تحقق بالفعل‪ .‬وفيما يلي نص املقابلة‬ ‫مع روبرت ماكفرلني‪.‬‬

‫حوار خطير مع مستشار األمن القومي األميركي‬

‫ماكفرلني لـ«اجمللة» ‪ :‬ما زلنا نرى‬ ‫الفلسطينيني إرهابيني!‬ ‫املجلة ‪ -‬أرشيف‬

‫‪,,‬‬

‫لن نرسل‬ ‫مرتزقة من‬ ‫أجل أمننا‬ ‫في لبنان‬

‫‪,,‬‬

‫‪44‬‬

‫> ما االتجاه العام لعملية السالم في الشرق األوسط؟ هل تجمدت‬ ‫في الوقت الحالي؟‬ ‫ إن الحاجة األس��اس�ي��ة للسالم م��ا زال��ت ملحة كما كانت في‬‫املاضي‪ .‬وما زال��ت املبادئ األساسية في مبادرة الرئيس ريغان سارية‬ ‫املفعول حتى اآلن‪ ،‬وم��ا زال هو نفسه ملتزما بهذه امل�ب��ادئ‪ .‬وأعتقد أن‬ ‫اه�ت�م��ام ال��والي��ات بمنع وق��وع ح��رب س��ادس��ة ف��ي ال�ش��رق األوس ��ط يبرر‬ ‫حرصها على املفاوضات املباشرة بني األطراف املعنية‪ ،‬وأعتقد أن الظروف‬ ‫الحالية توفر أساسا لألمل في التمكن من استئناف عملية السالم في‬ ‫وقت ما من العام املقبل‪.‬‬ ‫> تحدثت عن املفاوضات املباشرة بني األطراف املعنية‪ ،‬ولكن هل هناك أي‬ ‫أمل في أن تتخلى إسرائيل عن رفضها للمبادرة التي تقدم بها الرئيس‬ ‫ريغان في ‪1982‬؟ هل هناك دالئل على تغيير في املوقف اإلسرائيلي؟‬ ‫ أعتقد أنه من السابق ألوانه التحدث عن ذلك في املرحلة الحالية‪ .‬ولكن‬‫األم��ر ال��ذي ب��دا واضحا‪ ،‬أثناء زي��ارة رئيس ال��وزراء اإلسرائيلي بيريس‬ ‫لواشنطن‪ ،‬هو أن إسرائيل تشعر بمدى ضرورة السالم القائم على مبادئ‬ ‫كامب ديفيد‪ ،‬واملبادئ التي تضمنها قرارا مجلس األمن الدولي ‪ 242‬و‪.338‬‬ ‫اإلسرائيليون يدركون أن ذلك سيخدم مصالحهم الوطنية‪ ،‬وهم ملتزمون‬ ‫بإيجاد الجو املناسب لتحقيق التقدم‪.‬‬ ‫> قال لي الرئيس السابق جيمي كارتر‪ ،‬ووزير الخارجية السابق سايروس‬ ‫فانس‪ ،‬في مقابالت نشرتها «املجلة»‪ ،‬إن مناحيم بيغن تراجع عن تنفيذ‬ ‫الجزء الثاني من اتفاق كامب ديفيد‪ ،‬عندما استأنف بناء املستوطنات في‬ ‫األراضي املحتلة دون انتظار قيام «الكيان الفلسطيني» هناك‪ .‬وهذه مشكلة‬ ‫تعترض طريق إيجاد الجو املناسب للتقدم‪ .‬هل هناك أي احتمال في أن‬ ‫تتغلب الحكومة اإلسرائيلية الحالية على هذه العقبة عن طريق وقف بناء‬ ‫املستوطنات؟ وهل يتمتع بيريس بهذا القدر من حرية الحركة السياسية؟‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫ أعتقد أن أفضل وسيلة يسهم بها كل طرف من األط��راف املعنية في‬‫تحسني الجو‪ ،‬هي أن نترك ذلك لهذه األطراف نفسها‪ ،‬وليس عن طريق‬ ‫رد هذه األطراف على مقترحات أميركية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنه من الواضح أن‬ ‫هناك اهتماما أساسيا لدى كل من الطرفني بدعم عملية السالم‪ .‬وأعتقد‬ ‫أن ب��اإلم�ك��ان أن يعمل ال�ط��رف��ان خ�لال األش�ه��ر املقبلة على ترجمة هذا‬ ‫االهتمام إلى إجراءات ملموسة وواضحة‪ .‬والكل يعرف االحتماالت الكثيرة‬ ‫واملتشابكة امل��وج��ودة حاليا‪ ،‬ولكنني أعتقد أن��ه يجب علينا ت��رك عملية‬ ‫االختيار لألطراف املعنية نفسها‪ ،‬وأعتقد أن ذلك سيتحقق قبل مضي‬ ‫وقت طويل‪.‬‬ ‫> ولكن من املؤكد أن املستوطنات ستمثل عامال رئيسا في ذلك‪.‬‬ ‫ املسائل املطروحة معروفة جيدا‪ ،‬كما سبق أن ذكرت لك‪ ،‬واملستوطنات‬‫م��ن ب�ين ه��ذه املسائل‪ .‬ولكن ال يمكن ألي ط��رف خ��ارج��ي تحديد شكل‬ ‫وأسلوب معالجة هذه املسائل‪.‬‬

‫استعداد دائم‬ ‫> تحدثت عن اتفاق بني األطراف املعنية‪ ،‬واتفاق كامب ديفيد ينص على أن‬ ‫الواليات املتحدة واحد من هذه األطراف‪ .‬إن الواليات املتحدة تمثل الوسيط‬ ‫الذي تقبله األطراف كلها‪ ،‬أال يعني ذلك أنه يجب على الواليات املتحدة أن‬ ‫تفعل شيئا ما لتشجيع امللك حسني‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬على االنضمام‬ ‫إلى عملية السالم؟‬ ‫ إن�ن��ا على اس�ت�ع��داد دائ��م للمساهمة ف��ي ت�ط��ور ات�ج��اه��ات التفكير في‬‫اتصاالتنا مع كل من ال��دول العربية وإسرائيل‪ .‬وأعتقد أنه من السابق‬ ‫ألوانه في هذه املرحلة الحالية تتطلب تحسني الجو بهدوء لكي نتبني ما‬ ‫يمكن أن ينتج عن ذلك‪.‬‬


‫‪,,‬‬

‫جورج بوش‬

‫روبرت ماكفرلني‬

‫لعدة سنوات‪ .‬إننا لن نتفاوض مع املنظمة حتى تقبل قراري مجلس األمن‬ ‫‪ 242‬و‪ ،338‬اللذين يدعوان إلى انسحاب إسرائيل إلى خط الهدنة لسنة‬ ‫‪ ،1949‬وتعترف بحق إسرائيل في الوجود‪.‬‬ ‫> ما موقفك بشأن مبيعات األسلحة األميركية لألردن والدول الصديقة‬ ‫في الخليج ومصر؟‬ ‫ إننا نعتقد أن هناك تهديدا حقيقيا للعرب املعتدلني من جانب العرب‬‫املتشددين وم��ن إي��ران‪ .‬فمن ال��واض��ح أن��ه إذا ه��دد امل�ت�ش��ددون باألنظمة‬ ‫املعتدلة‪ ،‬ف��إن ه��ذه األخ�ي��رة تصبح خ�ط��را يتهدد إس��رائ�ي��ل وأص��دق��اءن��ا‬ ‫وحلفاءنا ويتهدد الواليات املتحدة‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬وغيره من األسباب‪ ،‬مثل‬ ‫صداقتنا الحقيقية مع الزعماء العرب املعتدلني‪ ،‬نعتقد أن علينا مساعدة‬ ‫املعتدلني على الحصول على أسلحة «دف��اع�ي��ة» للحيلولة دون تحقيق‬ ‫املتشددين أي نجاح‪ .‬ال يجب أن نخطئ في حق أصدقائنا العرب املعتدلني‪،‬‬ ‫فندفعهم إلى أحضان الروس‪ ،‬بعدم مباالتنا باحتياجاتهم الحقيقية للدفاع‬ ‫عن النفس‪ .‬إنه ألمر حيوي أن يكون العرب املعتدلون قادرين على حماية‬ ‫أنفسهم من تطرف أشخاص مثل الخميني‪.‬‬

‫وغيرها من القضايا األوسع‪ .‬ولكن املسألة ليست سهلة ألننا نختلف على‬ ‫كثير من املسائل املهمة‪ .‬سنتابع حوارنا معهم‪ ،‬ونأمل في أن نحقق تحسنا في‬ ‫العالقات‪ .‬ولكننا يجب أال نغفر قط لسوريا عدوانها على جيرانها وتنسيقها‬ ‫لإلرهاب‪ ،‬أو نتغاضى عنه‪.‬‬ ‫> تصر اإلدارة الحالية‪ ،‬كما أصرت غيرها من اإلدارات السابقة‪ ،‬على أن الواليات‬ ‫املتحدة تسعى إلى أن تكون منصفة في تعاملها مع العرب واإلسرائيليني‪.‬‬ ‫كيف تفسر لنا مفهوم اإلنصاف؟ وما الذي ستفعله كرئيس لجعله واضحا؟‬ ‫ ب�ي�ن�م��ا سنستمر ث��اب�ت�ين ع�ل��ى ال�ق�ي��م األم�ي��رك�ي��ة األس��اس �ي��ة‪ ،‬وه ��ي األم��ن‬‫والديمقراطية والحكم الذاتي‪ ،‬سنحاول تشجيع الفرقاء املعنيني بالنزاع العربي‬ ‫ اإلسرائيلي‪ ،‬الذين قد يرون األشياء من زاوية مختلفة عن الزاوية التي نراها‬‫من خاللها‪ ،‬على االجتماع والتفاوض حول خالفاتهم‪ .‬ونحن في الوقت الذي‬ ‫نعرب فيه دائما عن استعدادنا لسماع أفكار اآلخ��ري��ن‪ ،‬ال نحاول أن نملي‬ ‫أفكارنا على آخ��ري��ن‪ ،‬رغ��م أن لدينا وجهات نظرنا الخاصة وقناعتنا التي‬ ‫نتمسك بها‪ .‬مبادرة ريغان هي تعبير عن فهمنا ألكثر األسس عدال من أجل‬ ‫تحقيق سالم عادل ودائم‪ ،‬يكون منصفا للجميع‪.‬‬ ‫> ما السياسة التي يتعني على الواليات املتحدة انتهاجها تجاه جنوب أفريقيا؟‬ ‫هل ينبغي أن تسعى إلى تحقيق ديمقراطية كاملة‪ ،‬بمعنى صوت واحد لكل‬ ‫رجل‪ ،‬أم أنكم ترون شيئا أقل؟‬ ‫ لسنا من الغرور بحيث نوصي بنظامنا الديمقراطي األميركي لكل دولة‪.‬‬‫هدفنا بالنسبة إلى جنوب أفريقيا وكل الدول األخرى ينبغي أن يكون تشكيل‬ ‫حكومة بموافقة املحكومني‪ .‬نود أن نرى هذا املبدأ يمارس في أفريقيا كلها‪،‬‬ ‫بما في ذلك جنوب أفريقيا‪ .‬فالتمييز العنصري بغيض لقيمنا‪ ،‬ونحن نقوم‬ ‫بكل ما نستطيع للتشجيع على وضع التمييز العنصري بوسائل سلمية في‬ ‫املكان الالئق به‪ ،‬أي في كتب التاريخ‪ .‬لقد جرى تحقيق بعض التقدم في جنوب‬ ‫أفريقيا في هذا االتجاه‪ ،‬ليس تقدما كافيا‪ ،‬ولكنه أكثر من التقدم الذي كان‬ ‫يمكن أن يتم لو أننا استمعنا إلى نصيحة أولئك الذين كانوا يودون أن نقطع‬ ‫جميع اتصاالتنا بجنوب أفريقيا <‬

‫أوضاع لبنان‬ ‫> إذا افترضنا أن األوضاع في لبنان ستكون عندما تتسلم الرئاسة‪ ،‬مثلما‬ ‫هي عليه اآلن‪ ،‬ما األهداف التي ستسعى إلى تحقيقها هناك؟‬ ‫ أهدافنا الثالثة العريضة في لبنان كانت واضحة ولم تتغير منذ سنوات؛ أوال‪:‬‬‫تحقيق وحدة لبنان تحت قيادة حكومة لبنانية تامة السيادة‪ .‬ثانيا‪ :‬انسحاب‬ ‫جميع القوات األجنبية من لبنان (باستثناء قوات األمم املتحدة)‪ .‬وثالثا‪ :‬ضمان‬ ‫أمن شمال إسرائيل من الهجمات التي تشن من لبنان‪ ،‬هدفنا إيجاد لبنان حر‬ ‫ومستقل يعيش بسالم مع جيرانه‪.‬‬ ‫> ما وجهة نظرك بشأن العالقات األميركية مع سوريا؟‬ ‫‪ -‬إننا نقوم بكل ما نستطيع للتحدث إليهم‪ ،‬والتوصل إلى تفاهم حول لبنان‬

‫لن نغفر‬ ‫قط لسوريا‬ ‫عدوانها‬ ‫على‬ ‫جيرانها‬ ‫وتنسيقها‬ ‫لإلرهاب‬

‫‪,,‬‬

‫غالف املجلة العدد (‪)248‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪43‬‬


‫أرشيف‬

‫لدى صدور هذا العدد من «املجلة»‪ ،‬تكون نتائج انتخابات الرئاسة األميركية تأكدت في صالح الرئيس ريغان والحزب الجمهوري‬ ‫في األغلب‪ ،‬كما أكدت معظم استطالعات الرأي العام في الشهور األخيرة‪ ،‬إال إذا حدثت «معجزة»‪ ،‬ظل والتر مونديل يأمل في‬ ‫تبلورها حتى اللحظة األخيرة‪ .‬وكان مونديل ركز في الشهر األخير من الحملة االنتخابية على قضية شيخوخة ريغان وصحته‬ ‫الجسمانية والعقلية‪ .‬ولكن هذا التركيز الذي أثار قلق الحزب الجمهوري في البداية لم يسفر عن تحول ملموس في أغلبية الناخبني‬ ‫الذين يؤيدون إعادة انتخاب ريغان‪ ،‬رغم قناعة كثيرين منهم بصحة جدل مونديل‪ .‬ويرجع ذلك إلى أن التاريخ األميركي يحتوي على‬ ‫كثير من السوابق التي تولى فيها نائب الرئيس بنجاح مهام الرئاسة‪ ،‬عندما يعجز الرئيس لسبب أو آلخر عن القيام بعمله‪ .‬ولعل‬ ‫أوضح مثال‪ ،‬نجاح نائب الرئيس ترومان في خالفة روزفلت بعد أن توفي األخير بسكتة قلبية سنة ‪ .1944‬من هذا املنطلق‪ ،‬وعلى‬ ‫ضوء شيخوخة ريغان‪ ،‬يبرز نائب الرئيس جورج بوش كرجل قد يصبح أقوى رجل في العالم في أي وقت إذا توفي الرئيس ريغان‬ ‫أو عجز عن القيام بمهام الرئاسة‪ .‬ومن أجل هذا سعت «املجلة» إلى مقابلته‪ ،‬للتعرف على آرائه ومواقفه التي قد تخالفه في كثير‬ ‫منها تجاه قضايا الشرق األوسط خاصة والقضايا العاملية بشكل عام‪ .‬وبسبب انشغاله في حملة الرئاسة املحمومة في أسبوعها‬ ‫األخير‪ ،‬رد جورج بوش على األسئلة التي أعدتها «املجلة» كتابيا‪.‬‬

‫خطة ريجان للشرق األوسط حديثان خاصان بـ «املجلة»‬

‫جورج بوش‪ :‬يجب‬ ‫أن نقف بقوة خلف‬ ‫أصدقائنا العرب‬ ‫املجلة‬ ‫العدد (‪)248‬‬ ‫‪1984/11/10‬‬ ‫أجرى الحوار في‬ ‫واشنطن راسل هاوي‬

‫‪42‬‬

‫لقد عاش جورج بوش قاب قوسني أو أدنى من الرئاسة خالل‬ ‫السنوات األربع املاضية‪ .‬وقد يصبح في أي لحظة اآلن أقوى رجل‬ ‫في العالم‪ ،‬إذا أعيد انتخاب الرئيس ريغان‪ ،‬كما هو متوقع‪ .‬وفي‬ ‫املقابلة املكتوبة مع «املجلة» أوض��ح لنا ج��ورج ب��وش أن��ه يفضل مبادرة‬ ‫ريغان أساسا لحل القضية الفلسطينية‪ ،‬ولكنه لن يسعى إلى فرضها‬ ‫على الفرقاء املعنيني إذا أصبح رئيسا‪ .‬وقال لـ«املجلة» إنه يؤيد بشدة بيع‬ ‫األسلحة األميركية للدول العربية الصديقة‪ .‬ولكنه اتهم سوريا بـ«العدوان»‬ ‫ضد لبنان وبـ«التنسيق» مع ما سماه بـ«اإلرهاب»‪ .‬وكما كان متوقعا‪ ،‬لم‬ ‫تبرز املقابلة أي دالالت كبيرة على أن جورج بوش سيتبع سياسة خارجية‬ ‫تختلف عن سياسة ريغان الحالية‪ ،‬مؤكدا ذلك بقوله‪ :‬إنه سيحتفظ بجورج‬ ‫شولتز وزيرا للخارجية‪ ،‬إذا أصبح رئيسا للجمهورية‪ .‬وفيما يلي نص‬ ‫املقابلة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫> إذا أعيد انتخابك نائبا لرئيس الجمهورية‪ ،‬يمكن أن تستدعى لتسلم‬ ‫مهام الرئاسة‪ ،‬كما استدعى نواب رؤساء آخرون في التاريخ األميركي‬ ‫الحديث‪ ..‬ما الطابع الذي ستصبغ به عندئذ سياستك الخارجية؟‬ ‫ لقد قمت بعدد من املهام السياسية في الخارج نيابة عن الرئيس ريغان‪،‬‬‫وأحسست بارتياح وأنا أنفذ السياسة األميركية الخارجية‪ .‬إنني أتفق مع‬ ‫الرئيس ريغان اتفاقا جوهريا على اتجاه سياستنا الخارجية وأهدافها‪،‬‬ ‫كما أنني أثق ثقة تامة بوزير الخارجية جورج شولتز‪.‬‬ ‫> وافقت إسرائيل في اتفاقات كامب ديفيد على إنشاء كيان‬ ‫فلسطيني تشريعي ذاتي الحكم في املناطق املحتلة‪ .‬ولكن‬ ‫مبادرة ريغان سنة ‪ 1982‬تدعو إلى استقالل املناطق املحتلة‬ ‫باالرتباط مع األردن‪ .‬فكيف يمكنك أن تسعى إلى تطبيع كامب‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫ماكفرلني‪ :‬لن‬ ‫يتغري موقفنا من‬ ‫منظمة التحرير‬ ‫ديفيد ومبادرة ريغان؟‬ ‫ دعني أوال أت� ّ�م سؤالك‪ ..‬اتفقت إسرائيل ومصر في «إط��ار السالم» الذي‬‫تمخض عن كامب ديفيد على أن فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ستبدأ‬ ‫عندما يجري تشكيل سلطة الحكم الذاتي‪ .‬وعندئذ (أي بعد انقضاء السنوات‬ ‫الخمس) تبدأ املفاوضات لتقرير الوضع الشرعي النهائي للضفة الغربية‬ ‫وقطاع غزة‪ ،‬وعالقاتهما مع جيرانهما‪ .‬ومن الواضح أنه ال يوجد اتفاق بعد بني‬ ‫الفرقاء املعنيني على الشكل النهائي لهذا الوضع الشرعي‪ .‬ولهذا السبب تدعو‬ ‫اتفاقات كامب ديفيد إلى التفاوض حوله‪ .‬أما مبادرة ريغان‪ ،‬املرتكزة على‬ ‫اتفاقات كامب ديفيد‪ ،‬فإنها تقول بوضوح إنه ال «دولة فلسطينية مستقلة»‬ ‫وال «سيطرة إسرائيل الدائمة على املناطق املحتلة»‪ ،‬هما الطريق إلى السالم‬ ‫واألمن‪ .‬إننا نؤيد حكما ذاتيا في املناطق املحتلة يرتبط باالتحاد مع األردن‪،‬‬ ‫بوصفه يوفر أفضل فرصة لتحقيق سالم دائم وعادل‪ .‬إن هذا هو موقفنا‪.‬‬ ‫ولكننا ن��درك أننا ال نستطيع أن نملي على دول املنطقة كيف تتعامل مع‬ ‫بعضها‪ .‬إن هذه املسألة واضحة بالنسبة لنا‪ ،‬ولكنها ليست بالوضوح ذاته‬ ‫في نظر اآلخرين‪ .‬إننا ال نصر على أنه يتعني على اآلخرين القبول بموقفنا‬ ‫قبل الجلوس إلى مائدة املفاوضات‪ .‬فالشيء املهم هو أن تبدأ املحادثات‪.‬‬

‫شروط التفاوض‬ ‫> هل أنت على استعداد للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬إذا‬ ‫اعترفت بقرار األمم املتحدة سنة ‪ 1947‬املتعلق بتقسيم فلسطني إلى دولة‬ ‫يهودية وأخرى عربية؟‬ ‫‪ -‬شروطنا للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية واضحة‪ ،‬وظلت ثابتة‬


‫يقدمون األفكار حول التفكير النقدي على نحو مجرد ويتجنبون املناقشات‬ ‫الصريحة حول تداعيات ذلك على األوضاع الداخلية‪ .‬فمن جهة‪ ،‬ربما يكون‬ ‫الحفاظ على الخط الفاصل بني توضيح التفكير النقدي من جهة والقضايا‬ ‫الساخنة من جهة هو الحل األمثل بالنسبة لهذه املشروعات حيث إنها‬ ‫تتجاوز االنقسامات الطائفية وم��ن ثم تحمي نقاء رسالتها‪ .‬وم��ن جهة‬ ‫أخ��رى‪ ،‬عندما تسمع في األخبار تصريحا مهما أو نقاشا يفتقر تماما‬ ‫للتفكير النقدي‪ ،‬يشعر هؤالء الشباب املدافعون عن املنطق بوجوب التدخل‬ ‫والدفاع عن اإلطار األخالقي الذي يروجون له‪ .‬وبالطبع لن يجري تحقيق‬ ‫الهدف بعيد املدى املتمحور حول تطوير املجتمع من خالل تعزيز املعرفة‬ ‫والخطاب النقدي والطرائق العلمية دون أن يجري باستمرار تحديد العالقة‬ ‫بني النظرية والتطبيق‪ .‬على أية حال‪ ،‬فإن قيام هؤالء الشباب بذلك يمكنه‬ ‫أن يجعل املحتوى أقل تجريدا وأكثر حيوية في تنمية الجماهير من مجرد‬ ‫عشرات اآلالف أو مئات اآلالف إلى جماهير واسعة من عشرات املاليني‪.‬‬ ‫وتعد حقيقة أن «أصفار» و«التحرير» يجري منعهما بفعالية من تحقيق‬ ‫ذلك أحد املثالب الخطيرة على املدى الطويل‪.‬‬ ‫ولكن بغض النظر عن مدى كون الوضع بائسا‪ ،‬تعد هذه املشروعات مبشرة‬ ‫للغاية؛ فمن خ�لال الفحص الدقيق لحججهم‪ ،‬يمكنك أن تجد إمكانات‬ ‫محتملة للتغلب على املخاطر والعثور على فرص جديدة للنمو في السعودية‬ ‫باإلضافة إلى مصر‪ ،‬والتي ربما نجده في أماكن غير متوقعة تماما‪ .‬ففي‬ ‫مايو (أي ��ار) ‪ ،2014‬أق��ر وزي��ر التعليم ال�س�ع��ودي‪ ،‬األم�ي��ر خالد الفيصل‪،‬‬ ‫بمشكلة وجود الراديكالية في النظام التعليمي للمملكة‪« .‬حيث إن املجال‬ ‫(التعليمي) ترك بالكامل لـ(الراديكاليني)‪ ،‬حتى إنه ال توجد فرصة لألفكار‬ ‫املعتدلة أو لـ(تعليم) سبل الحياة املعتدلة‪ .‬لقد تخلينا عن أبنائنا وبناتنا‬ ‫وتمكنوا هم من اختطافهم»‪ .‬لقد صدمت تلك التصريحات الباهرة العديد‬ ‫من السعوديني وأرسلت إشارة مفادها أن السلطة ربما ترغب في التغيير‬ ‫الجذري للطريقة التي يتعلم بها الشباب السعودي‪ .‬وينظر السعوديون‬ ‫الذين تحدثت إليهم إلى تلك التعليقات باعتبارها دعوة عامة للتطور وطرح‬ ‫مناهج تعليمية جديدة لكي تدرسها الوزارة‪.‬‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬فإن استراتيجية أكاديمية التحرير لدخول النظام التعليمي‬ ‫املصري ووسائل اإلعالم بدأت بمبدأ أن أيا منهما ليس وحدة متراصة وأنه‬ ‫من املمكن عقد تحالفات مع أناس نافذين يمكنهم أن يدافعوا عن املجموعة‬ ‫من داخل املؤسسة‪ .‬وفي أبريل (نيسان) ‪ ،2014‬رحبت األكاديمية بمشاركة‬ ‫الدكتور فاروق الباز ملجلس إدارتها‪ .‬وباعتباره أخا للراحل أسامة الباز‪،‬‬ ‫ال��ذي ك��ان يعمل كمستشار للرئيس األسبق حسني مبارك‪ ،‬فإنه يتمتع‬ ‫بمصداقية بني أوساط الحكومة التي يقودها الجيش‪ .‬ويحتل الباز مكانة‬ ‫في الساحة السياسية املصرية باعتباره أستاذا غير متفرع للجيولوجيا‬ ‫بجامعة عني شمس وكذلك في املجتمع العلمي األميركي حيث شارك في‬ ‫العمليات االستكشافية األولية للقمر التي قامت بها «ناسا» كما أنه يترأس‬ ‫الجمعية الجيولوجية في أميركا‪.‬‬ ‫وفي إحدى الفعاليات اإلعالمية احتفى الباز بحماسة بأكاديمية التحرير‬ ‫واصفا الجماعة بأنها «مشروع طموح ووطني‪ ،‬حيث إن الطاقة والحماسة‬ ‫التي يتمتع بها الشبان املتطوعون في األكاديمية تكفي إلثبات أن هناك‬ ‫مستقبال أفضل ينتظر مصر»‪ .‬وتوقع أن تنمو الجماعة و«تصبح نافذة‬ ‫خ�لال سنوات م�ح��دودة»‪ .‬وق��د استغل غنيم‪ ،‬مؤسس أكاديمية التحرير‬ ‫وراعيها املثير للجدل‪ ،‬تلك املناسبة لكي يرفع غصن زيتون للمؤسسة‬ ‫املصرية داعيا‪« :‬إلقامة الصلة بني الطالب والشباب املصريني وبني كبار‬ ‫أكاديمييها واالس�ت�ف��ادة م��ن خبراتهم باعتبار أن ذل��ك ه��و أح��د األه��داف‬ ‫االستراتيجية للمؤسسة»‪ .‬وبمعنى آخ��ر‪ ،‬وعلى الرغم من التصريحات‬ ‫األولية القاسية لألكاديمية حول عقم النظام التعليمي املصري الذي يعتمد‬ ‫على الحفظ والصم‪ ،‬يرغب حاليا غنيم أن يجري النظر إليه كأحد أفراد‬ ‫الفريق ال��ذي يرغب في املشاركة بشيء جديدة وأن يصبح بناء بالنسبة‬ ‫للنظام‪ .‬وفي ظل دفاع رجال املؤسسة مثل فاروق الباز عن األكاديمية‪ ،‬يمكن‬ ‫لغنيم أن يحظى بأنصار من داخل الحكومة وربما بقدر من الحرية‪ ،‬سواء‬

‫فيما يتعلق بإمكانات األكاديمية للدفاع عن مبادئها في النقاشات العامة أو‬ ‫من حيث قدرتها على الوصول إلى داعمني أجانب محتملني‪.‬‬ ‫ومن املعقول أن نأمل أن تتمكن أكاديمية التحرير مع الوقت من ترسيخ‬ ‫وضعها ف��ي مصر بما يكفي لطلب وق�ب��ول ال��دع��م األجنبي بما ف��ي ذلك‬ ‫ال��دع��م األم�ي��رك��ي‪ .‬ويمكن للدعم األميركي أن يأتي بأشكال متعددة وال‬ ‫يجب قصره على الدعم املادي الذي أصبح معيبا في عيون وسائل اإلعالم‬ ‫والساسة املصريني‪ .‬كما تظهر رابطة الطالب املصريني التي تعتمد تماما‬ ‫على املتطوعني بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتي أسسها ويديرها‬ ‫إس�لام حسني املحاضر في التفكير النقدي أن مصريا مقيما بالخارج‬ ‫اكتسب خبرة في قوى عظمى خارجية يمكنه أن يحظى بالدعم في بالده‬ ‫فيما يجري إقصاء البعض اآلخر‪ .‬ومن ثم فإن «النوادي» األميركية املصرية‬ ‫و«مجتمعات الصداقة» لها دور مهم يمكن أن تلعبه لحشد املواهب واملوارد‬ ‫سواء الفكرية أو املالية‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬فإن املساعدات املثيرة للجدل‬ ‫والتي تخصصها الواليات املتحدة في كل األحوال للتعليم املصري يمكن‬ ‫أن تشق طريقها ألكاديمية التحرير إلى الحد الذي يمكن األكاديمية من‬ ‫تشكيل إجماع داخلي إلعادة ترتيب النظام التعليمي‪.‬‬ ‫ومن جهته‪ ،‬فإن عمر العنزي أمامه طريق آخر محتمل لكي يحصل على‬ ‫تأييد واس��ع من الجمهور السعودي يتضمن استثمارات مالية ب��دال من‬ ‫التبرعات الخاصة‪ .‬فيقول عنزي‪« :‬ال يوجد حاليا ما يقابل قناة (ديسكفري)‬ ‫أو (ناشيونال جيوغرافيك) باللغة العربية‪ .‬يمكننا أن نصبح مثلهما إذا ما‬ ‫عملنا بجد واجتهاد‪ .‬فنحن بالفعل لدينا امليكروفون ولدينا غرفة معزولة‬ ‫يمكننا التسجيل بها‪ .‬نحن بحاجة إلى محررين ومصممني – لكي يخففوا‬ ‫قدرا من العبء عن كاهل راكان ألنه يقوم بمعظم العمل بنفسه»‪ .‬ويضيف‬ ‫العنزي أن مساهمة مستثمر نبيل يمكنها أن تساعد الجماعة على تطوير‬ ‫بنيتها األساسية لكي تتمكن م��ن إن�ت��اج امل��زي��د م��ن املحتوى ال��راق��ي مما‬ ‫قد يشجع شركة إعالمية كبرى على الشراكة مع الجماعة لبناء شركة‬ ‫تجارية ربحية‪.‬‬ ‫مما ال شك فيه أن «أص�ف��ار» وأكاديمية التحرير وغيرهما من املبادرات‬ ‫املماثلة في املنطقة تواجه العديد من املعضالت في محاولة بناء جمهور‬ ‫وتغيير ثقافة الخطاب والتفكير في مجتمعاتهم‪ .‬ولكن في إطار التغيرات‬ ‫املتالحقة في معظم الدول العربية‪ ،‬يصبح الباب مفتوحا أمامهم‪ .‬ويمكنهم‬ ‫االستفادة من الوضع إذا ما كان لديهم ما يكفي من البصيرة واإلصرار‬ ‫والدعم وحسن الطالع <‬

‫صورة ارشيفية للمبعوث السابق لألمم‬ ‫املتحدة والجامعة العربية في سوريا‬ ‫األخضر اإلبراهيمي ومديرة اليونسكو‬ ‫إيرينا بوكوفا‪ ،‬خالل مؤتمر صحفي عقد‬ ‫في اليونسكو في ‪ 29‬أغسطس عام ‪2013‬‬

‫‪,,‬‬

‫تطوير املجتمع‬ ‫من خالل‬ ‫تعزيز املعرفة‬ ‫والخطاب‬ ‫النقدي‬ ‫والطرائق‬ ‫العلمية ال‬ ‫يتم إال عبر‬ ‫تحديد العالقة‬ ‫بني النظرية‬ ‫والتطبيق‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪41‬‬


‫تقرير‬

‫تحظ بأي دعم‪ .‬ووفقا لحسني‪ ،‬لم تمنح أي من الشبكات التلفزيونية بالدولة‬ ‫مساحة للمبادرة كما لم يعرب أي من الشخصيات السياسية املرموقة عن‬ ‫تبنيه لها‪ .‬ومع ذلك حصل حسني على قدر من التشجيع‪ ،‬عندما علم أن‬ ‫إحدى مدرسات االبتدائي‪ ،‬املعجبة بتلك املحاضرات‪ ،‬قد طلبت من أكاديمية‬ ‫التحرير اإلذن لتقديم تلك املحاضرات في فصولها‪.‬‬ ‫وعلى غرار حسني‪ ،‬يؤمن العنزي‪ ،‬الذي ساهم في تأسيس «أصفار» بأن‬ ‫األمل في أن يصبح لجهودهم تأثير ذو مغزى في مجتمعاتهم ينعقد على‬ ‫نجاحهم في التأثير على الشباب‪« .‬نحن نستهدف حاليا الشباب الذين‬ ‫سيصبحون مسؤولني عند مرحلة معينة في حياتهم املستقبلية‪ .‬فهؤالء‬ ‫هم األشخاص الذين نستطيع تغييرهم وهؤالء هم من نرغب في تغييرهم»‪.‬‬ ‫ومن جهة أخ��رى‪ ،‬فعلى الرغم من التباين الحاد بني الظروف االجتماعية‬ ‫والسياسية في السعودية ومصر‪ ،‬ففي كال البلدين‪ ،‬يواجه املدافعون عن‬ ‫التفكير النقدي واملنطق العلمي تحديات مشابهة‪ ،‬وتعكس تلك التحديات‬ ‫معضلة اجتماعية أكبر في شمال أفريقيا والشرق األوسط لها تداعيات‬ ‫على األشخاص واملؤسسات خارج املنطقة والتي ربما ترغب في مساندة‬ ‫جهود الشباب‪.‬‬ ‫املمثلة املصرية سفيرة النوايا الحسنة‬ ‫يسرا‪ ،‬شاركت في الدعوة العاملية‬ ‫ملكافحة الفقر التي نظمتها االمم‬ ‫املتحدة بالقاهرة‬

‫‪,,‬‬

‫شباب‬ ‫سعوديون‬ ‫أنشأوا مشروعًا‬ ‫خالقًا يهدف‬ ‫إلى نشر األفكار‬ ‫حول املنطق‬ ‫والعلم باللهجة‬ ‫السعودية‬ ‫وبطريقة‬ ‫ساخرة تالئم‬ ‫الجمهور‬

‫‪,,‬‬

‫‪40‬‬

‫العائق املالي‬

‫النقدي ولكن القيم االجتماعية أكثر ليبرالية إلى حد بعيد‪ .‬ففي عام ‪،2012‬‬ ‫تبرع الناشط املصري وائ��ل غنيم – ال��ذي اعتبره الصحافيون الغربيون‬ ‫أحد املحركني الرئيسني للثورة املصرية ‪ - 2011‬بعائدات مذكراته إلنشاء‬ ‫مؤسسة إعالمية إلن�ت��اج فيديوهات تعليمية على اإلنترنت حملت اسم‬ ‫«أكاديمية التحرير» ويستهدف املشروع مواجهة «الوضع املتردي للثقافة‬ ‫املصرية والذي جاء نتاج النظام التعليمي العقيم الذي يعتمد على الحفظ‬ ‫والصم»‪ .‬وبدعم من فريق اإلنتاج في القاهرة‪ ،‬نشر املحاضرون املتطوعون‬ ‫نحو ‪ 600‬فيديو على «يوتيوب» وحصلوا على ‪ 2.5‬مليون مشاهدة‪ .‬ومن بني‬ ‫الفيديوهات األكثر شعبية التي حصلت على أكثر من ‪ 100‬ألف مشاهدة هو‬ ‫سلسلة من املحاضرة تتكون من ‪ 11‬جزءا تعلم التفكير النقدي وتستكشف‬ ‫بهدوء تداعياته االجتماعية والسياسية‪ ،‬كان املتحدث الرئيس بها هو إسالم‬ ‫حسني املقيم في الواليات املتحدة وهو باحث مصري في علم الفيروسات وعلى ال��رغ��م م��ن وج��ود م�ص��ادر محلية يمكنها تمويل تلك املشروعات‬ ‫بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وال��ذي أسس مجموعة من الطالب – فوفقا إلس�ل�ام حسني م��ن أكاديمية التحرير فإنها لديها حساباتها‬ ‫املصريني للمشاركة بفيديوهات حول موضوعات أخرى أيضا‪.‬‬ ‫الخاصة‪« .‬فأي من (األسماء الكبرى) التي يمكنها أن تمنحك تبرعا في‬ ‫مصر‪ ،‬تلعب أدوارا أخرى في املجتمع لها توجهات سياسية‪ .‬فإذا كان من‬ ‫ويوضح الجزء األول من السلسلة أن األشخاص الذين يفتقرون ملهارات يمولك هو رجل أعمال معروف بدعمه لهذا الفصيل أو ذاك‪ ،‬سوف ينظر‬ ‫التفكير النقدي «يعتقدون أنهم هم فقط املصيبون» و«يرون نظريات املؤامرة إليك املصريون باعتبارك ضمن فريقه‪ :‬فأنت ال تسعى وراء التعليم ولكنك‬ ‫في كل ش��يء في الحياة» ولكنك إذا دحضت تلك األفكار «يصبح عقلك تسعى لتحقيق أجندة راعيك»‪.‬‬ ‫ملكك وح��دك‪ ..‬ولن يتمكن أي شخص من السيطرة عليك أو التالعب بك‬ ‫لخدمة أهدافه‪ ..‬كما أن ذلك سوف يؤثر على كافة مناحي حياتك‪ :‬الشخصية فحتى التمويل األولي الذي قدمه وائل غنيم ألكاديمية التحرير كان يحمل‬ ‫واالجتماعية والسياسية‪ ..‬وسوف يصبح (التفكير النقدي) هو خط دفاعك مزايا وعيوبا في الوقت نفسه‪ :‬ففي عام ‪ ،2012‬أثار غنيم غضب اإلسالميني‬ ‫ضد األخبار املشوشة التي تنشرها وسائل اإلع�لام»‪ .‬وفي الجزء الثاني عندما أعرب عن معارضته الصريحة لحكومة محمد مرسي‪ ،‬فيما كانت‬ ‫ونح قيادة الجيش ومؤسسات الدولة تنظر له باستمرار بتشكك منذ أن بدأ‬ ‫«النزاهة الثقافية» قال إن العملية تبدأ بالنقد الذاتي «انظر في امل��رآة‪ِ .‬‬ ‫جانبا هويتك العرقية والسياسية واالجتماعية وحاول أن تنظر إلى األشياء يناهض نظام مبارك في عام ‪ .2010‬وفي املناقشات العامة في مصر‪ ،‬نعت‬ ‫على نحو غير منحاز»‪.‬‬ ‫غنيم‪ ،‬على نحو غير مدهش‪ ،‬بأنه «عميل أميركي»‪ ،‬و«عميل للصهيونية»‬ ‫بل وحتى جرى اتهامه بأنه ينتمي سرا للماسونية التي ينظر لها في مصر‬ ‫ويبدو أن نصيحة حسني تأتي كرد فعل على جهود وسائل اإلعالم التابعة باعتبارها مؤامرة قديمة ضد اإلس�لام‪ .‬وفي هذا اإلط��ار‪ ،‬فإن العديد من‬ ‫للدولة واألحزاب السياسية للتالعب بالشعب املصري ولكنه يقاوم إغراء النشطاء ضمن قطاع الشباب األوسع الذي يمثله غنيم – غير املنتمي التجاه‬ ‫إقامة أي��ة صلة مباشرة بني أفكاره وال�ش��ؤون الجارية‪ .‬ويضيف حسني‪ :‬معني‪ ،‬والثوريون البارعون في وسائل اإلع�لام االجتماعي الذين أطلقوا‬ ‫«اقترح أحد أفراد فريقنا أن يضمن بعض النماذج من املناقشات السياسية شرارة املظاهرات في ‪ – 2011‬يواجهون أوضاعا مضطربة في بالدهم حيث‬ ‫والدينية بمصر والتي تفتقر إلى التفكير النقدي‪ .‬ولكننا كنا قلقني من أنه إذا جرى إلقاء بعضهم في السجون وإقصاؤهم عن أروقة السلطة‪.‬‬ ‫ما بدت السلسلة وكأن لها توجها سياسيا‪ ،‬ربما يحجم الجمهور عن الفكرة‬ ‫برمتها‪ .‬ومن ثم فقد تجنبنا أية إشارات محددة على أمل أن يفسر الجمهور ومن ثم‪ ،‬فإن الخوف من تحمل اإلهانة اللفظية ‪ -‬أو ما هو أسوأ منها – على‬ ‫امل��ادة بنفسه»‪ .‬وعلى الرغم من أن القوى االجتماعية والسياسية النافذة يد النخب العريقة يعرقل نمو كيانات مثل أكاديمية التحرير و«أصفار»‬ ‫تشترك في رغبتها في منع املصريني من تنمية مهارات التفكير النقدي‪ ،‬ليس فقط من خ�لال الحد من آف��اق جمع التمويل ال�لازم ولكن من خالل‬ ‫يقول حسني إن أكاديمية التحرير لم تتعرض بعد للهجوم‪ .‬ولكنها كذلك لم الحد من قدرتهم على التواصل املباشر مع الجمهور‪ .‬فعلى سبيل املثال‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫بغض النظر عن الخيارات االستراتيجية التي يمكن أن تصبح مطروحة على‬ ‫«أصفار» و«تحرير» فإنها تعرقلها االعتبارات املالية‪ .‬فبالنسبة ألكاديمية‬ ‫التحرير‪ ،‬تقف القوانني الصارمة ضد التمويل األجنبي للمنظمات غير‬ ‫الحكومية مما يجعل قبول تلك املنظمات حتى ملنح بسيطة من الصندوق‬ ‫الوطني للديمقراطية مثال تحمل مخاطر أكبر من أن تستحق املغامرة‪.‬‬ ‫ففي فبراير (ش�ب��اط) ‪ ،2012‬وجهت الحكومة اتهامات جنائية ضد ‪43‬‬ ‫ع�ض��وا باملنظمات غير الحكومية بمصر إث��ر ات�ه��ام��ات بأنهم يخدمون‬ ‫«أج�ن��دات أجنبية»‪( .‬م��ن أه��م املنظمات التي ل��م تطلها تلك الوصمة كانت‬ ‫منظمة اليونيسكو التي تتلقى منها أكاديمية التحرير منحة متواضعة)‪.‬‬


‫األرب�ع��ة في محاضرة عبر اإلنترنت لرئيس جامعة ييل‪ ،‬بيتر سالوفي‪،‬‬ ‫تفحص نظرية «مثلث الحب»‪ :‬األلفة والشغف وااللتزام؛ فيوضح حمراني أنه‬ ‫على الرغم من أن الحب هو تجربة يمر بها املخ «فإنه ليس كالصداع» نظرا‬ ‫ألنه ال يمكن تفسيره على نحو دقيق على املستوى الكيماوي ‪ -‬العصبي‪.‬‬ ‫وهو ما يرجع في جانب منه‪ ،‬وفقا ملداخلة عنزي‪ ،‬إلى أنه مصطلح يتعلق‬ ‫بعلم النفس االجتماعي وهو علم غير دقيق ومنحاز نظرا للسياق الثقافي‬ ‫الغربي الذي نشأ به ذلك املجال العلمي‪ .‬فيقول عنزي‪« :‬تبدأ صعوبة تفسير‬ ‫الحب بمشكلة اللغة‪ .‬ففي اللغة اإلنجليزية هناك فارق بني «‪»I like you‬‬ ‫و«‪ »I love you‬و«‪ ،»I’m In love with you‬بينما لدينا في اللغة العربية‬ ‫فروق أخرى‪ .‬وأوضح حمراني أن الحب بني شخصني يلعب دورا مختلفا‬ ‫في الثقافات الفردية مثل تلك التي ينحدر منها سالوفي عما يمكن أن يلعبه‬ ‫في مجتمعات تقليدية مثل اململكة العربية السعودية «والتي تقوم فيها‬ ‫الجماعات الكبرى مثل العائالت والعشائر بلعب دور أكبر في العالقات‬ ‫بني الحبيبني»‪.‬‬ ‫والح�ق��ا انتقلت املناقشة م��ن محاضرة سالوفي إل��ى الكتب التي قرأتها‬ ‫املجموعة مثل كتاب «فن الكراهية» لجيرالد شوينولف‪ .‬وأضاف مسعودي‬ ‫أن الحب والكراهية ليسا طرفي نقيض ولكنهما توأمان من حيث القوة‬ ‫كما أنهما على مسافة متساوية من الالمباالة‪ .‬وأضاف ملقيا بمالحظة‬ ‫تحمل قدرا من التفاؤل‪« :‬ربما تندهش عندما تكتشف أن الكراهية تتحول‬ ‫بسهولة إلى الحب»‪.‬‬

‫إنتاج تلك املقاطع عشرات الساعات وهو ما يعبر عن شغف تلك املجموعة‬ ‫بالعلم واملنطق‪.‬‬ ‫وحتى اآلن لم تثر «أصفار» غضب املحافظني‪ ،‬وهو ما يعود بحسب عنزي‪،‬‬ ‫إلى أنها مجموعة صغيرة من املتطوعني الذين ليس لديهم سوى عدة آالف‬ ‫من املعجبني‪ .‬ويضيف عنزي‪« :‬نحن نستأنف عملنا بحذر وحريصون‬ ‫على أن نجعل األمر مخففا ونتجنب املواجهات»‪ ،‬فيتذكر عنزي أنهم «كانوا‬ ‫حريصني للغاية أثناء إعداد سلسلة مكونة من ثالث حلقات تعالج نظرية‬ ‫التطور‪ ،‬ألنك عندما تطرح فكرة التطور‪ ،‬ترفض بالضرورة فكرة «الخطط‬ ‫املسبقة»‪ .‬وعندما أنتجنا الحلقات كنا قلقني للغاية بشأن إثارتها النتقادات‬ ‫مجتمعية حادة‪.‬‬ ‫ولكننا لم نتلق سوى عدد محدود‪ ،‬اثنني أو ثالث‪ ،‬من التعليقات املضطربة‪،‬‬ ‫فيما كانت معظم التعليقات متحمسة للقضية‪ .‬فقد كانت بعضها تفيد‬ ‫«لم نكن نعرف ذلك من قبل‪ ..‬نشكركم جزيال»‪ .‬ومن ثم فإن املجتمع‪ ،‬حاليا‬ ‫أكثر تنويرا مما كنا نعتقد»‪ .‬وكانت الجماعة تحرص على تجنب تقديم‬ ‫مفاهيم علمية حول الله وال تعلق أبدا على السياسة‪.‬‬

‫مبادرات خجولة‬ ‫وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أن ت�ل��ك امل �ب��ادرة ليست إال نقطة ف��ي محيط املنتجات‬ ‫اإلعالمية اإلسالمية‪ ،‬فإنها ليست وحدها في الدفاع عن تلك املثل‪ .‬فهناك‬ ‫مجموعة أخ��رى متواضعة تحمل اس��م «ال�س�ع��ودي��ة العلمية» تعمل على‬ ‫ترجمة الفيديوهات العلمية األميركية دون أي تعليق‪ .‬وهناك صفحة على‬ ‫«فيسبوك» مجهولة املصدر تدعى «أنا أؤمن بالعلم» وهي عبارة عن منتدى‬ ‫للنقاشات باللغة العربية حول أحدث االكتشافات في العالم‪ .‬كما أن هناك‬ ‫ع��ددا من األف��راد املتحمسني مثل خالد الجودي من الرياض ال��ذي صور‬ ‫نفسه وهو يحث على التفكير النقدي ثم بث ذلك الفيديو على «يوتيوب»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن بعض ه��ؤالء الشباب قد أق��ام��وا ص�لات بني بعضهم‬ ‫البعض‪ ،‬هناك آخرون ممن التقيت بهم ينتجون املحتوى دون تشجيع أو‬ ‫دعم ويؤكدون أنهم يشعرون بعزلة ثقافية‪.‬‬

‫وأضاف عنزي أن تلك املنتجات «تستهدف جمهورا أكثر صبرا وثقافة»‪ ،‬أما‬ ‫بالنسبة للجمهور الذين ليست لديهم القدرة على االنتباه لفترات طويلة‪ ،‬تقدم‬ ‫الرسوم املتحركة لـ«أصفار» حلقة تعليمية مدتها ثالث دقائق‪ .‬فهناك على‬ ‫سبيل املثال حلقة التفكير النقدي التي جرى نشرها على اإلنترنت مرفقة‬ ‫بترجمة إنجليزية‪ ،‬وهي عبارة عن رسوم متحركة تشرح كتاب «األدوات‬ ‫السبع للتفكير النقدي» للفيلسوف دانييل دينيت؛ حيث أضافت «أصفار»‬ ‫إليهم أداة ثامنة باإلضافة إلى بعض التعديالت التي تتواءم مع الجمهور‬ ‫السعودي‪ .‬وتوضح بعض الرسوم املتحركة األخرى الطرائق واملوضوعات‬ ‫العلمية املتعلقة بعدد من املجاالت العلمية مثل نظرية التطور وملاذا لم يعد أكاديمية التحرير‬ ‫يجري اعتبار بلوتو كوكبا‪ .‬جرت كتابة سيناريوهات تلك الرسوم املتحركة‬ ‫بعناية فائقة وتزويدها بموسيقى تصويرية ورسوم أنيقة واستخدامات وكانت هناك مساع عربية أكثر قوة على غرار «أصفار» في مصر؛ حيث‬ ‫محدودة للنصوص وعدة فواصل من الضحك في كل دقيقة‪ .‬واستغرق إن امل��دارس هناك تتمتع بسمعة مشابهة من اإلخفاق في تعليم التفكير‬

‫ناشطون لبنانيون يحملون الفتات‬ ‫كتب عليها باللغة العربية «صوت‬ ‫لنا نصوت لك» وذلك ضمن مسيرة‬ ‫حاشدة لحث البرملان اللبناني‬ ‫لتوقيع قانون ضد العنف األسري‬ ‫(ابريل املاضي)‬

‫‪,,‬‬

‫االستعانة‬ ‫بالخطاب‬ ‫املدني‬ ‫والنقاشات‬ ‫العقالنية هي‬ ‫السبيل اآلمن‬ ‫لحل املشكالت‬ ‫صغيرها‬ ‫وكبيرها‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪39‬‬


‫تقرير‬

‫من الخالفات الزوجية الصغيرة إلى الصراعات الطائفية املشتعلة‪ ،‬كيف يمكن فض النزاع بني األطراف‬ ‫املتنازعة؟ يمكن ذلك من خالل االستعانة بالخطاب املدني والنقاشات العقالنية‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ :‬تستطيع‬ ‫األطراف املتنازعة النقاش والتفاهم‪ ،‬ومطالبة بعضها البعض بالتوقف عن املغالطات املنطقية‪ .‬كما يمكنهم‬ ‫تحديد الخالفات الحادة بينهم وتقبل وجودها والتفاوض من أجل التوصل إلى تسوية‪ .‬مما ال شك فيه فإن‬ ‫تحقيق ذلك ليس باملهمة السهلة في ظل األجواء الساخنة املحيطة باملواجهات ذات البعد العاطفي ويصبح‬ ‫أصعب في ظل تسلط الخطاب الديني أو في البيئة التي ال يجري تعليم الجدال العقالني بها أو التي ال يكون‬ ‫ذلك الخطاب متاحا للتدريس بلغتها املحلية‪.‬‬

‫مشاريع وليدة لتأسيس الفكر النقدي في الشرق األوسط‬

‫نزاهة ثقافية‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫جوزيف برادوي‬

‫‪,,‬‬

‫السعودية‬ ‫عبرت عن‬ ‫عزمها‬ ‫بوضوح‬ ‫على التغيير‬ ‫الجذري‬ ‫لطريقة التعليم‬ ‫نحو أفكار‬ ‫ومناهج‬ ‫أكثر انفتاحا‬ ‫ومدنية‬

‫‪,,‬‬

‫هناك العديد من األماكن التي ينطبق عليها ذلك مثل السعودية‪،‬‬ ‫فوفقا لعمر العنزي (‪ 23‬ع��ام��ا)‪ ،‬طالب الطب بجامعة امللك عبد‬ ‫العزيز بمدينة ج��دة الساحلية فإنه «عندما يتحدث ال�ن��اس إلى‬ ‫بعضهم البعض هنا‪ ،‬عادة ما يخوضون نقاشات حادة قائمة على مغالطات‬ ‫منطقية يستحيل حلها‪ .‬وبالطبع فإن تركهم على هذا الحال يضر بالبالد»‪.‬‬ ‫فمن وجهة نظره‪ ،‬تمكنت «حركة جاهلة»‪ ،‬يتقدمها رجال الدين املتطرفون‬ ‫ووس��ائ��ل اإلع�ل�ام الرجعية وم��درس��و امل ��دارس الخاضعون لنفوذهم‪ ،‬من‬ ‫قمع االستعانة بالعقل واملنطق‪ .‬وأضاف عمر أن القضاء على تلك الحركة‬ ‫يمكن أن يتحقق عبر نشر التفكير النقدي والطرائق العلمية وغرس الولع‬ ‫بالعديد من حقول العلم والتكنولوجيا التي ج��اءت كنتاج لتلك التقنيات‬ ‫على م��دار التاريخ‪ .‬ففي يوليو (ت�م��وز)‪ ،‬أنشأ العنزي بالتعاون مع ثالثة‬ ‫من أصدقائه مشروعا يستهدف تحقيق ذلك الهدف وهو مشروع إلنشاء‬ ‫منصة إعالمية تحمل اسم «أصفار» سميت تيمنا بالرقم الذي اخترع في‬ ‫بابل القديمة وساهم في تبديل وجه العالم‪ .‬فمن خالل الوسائل السمعية‬ ‫والبصرية والنثر‪ ،‬تحاول «أصفار» نشر األفكار حول املنطق والعلم باللهجة‬ ‫السعودية وبطريقة ساخرة جرى إعدادها على نحو خاص ملواءمة الجمهور‬ ‫املستهدف‪.‬‬ ‫وه �ن��اك ال�ع��دي��د م��ن امل �ش��روع��ات م�ث��ل «أص �ف��ار» ف��ي ال�ع��ال��م ال�ع��رب��ي ال�ي��وم‬ ‫باإلضافة إلى العديد من املشروعات التي تعتمد على نجاحهم أكثر من‬ ‫املتطوعني املشاركني ف��ي مشروعاتهم‪ .‬فوسط إراق��ة ال��دم��اء ف��ي سوريا‬ ‫وال�ع��راق ولبنان‪ ،‬واالستقطاب السياسي في دول ما بعد الربيع العربي‬ ‫وانتشار اآليديولوجيات الجهادية في شمال أفريقيا والشرق األوسط‪ ،‬فإن‬ ‫حشد املجتمعات العربية للتفكير النقدي والتفاوض لحل نزاعاتهم الداخلية‬ ‫يمكنه املساعدة في تهميش الجماعات املتطرفة وتعزيز املصالحات الوطنية‬ ‫وب��ال�ض��رورة تعزيز االس�ت�ق��رار واألم ��ن‪ .‬وتمثل م�ب��ادرة أص�ف��ار والنجاح‬ ‫النسبي ال��ذي حققته حتى اآلن ب��اإلض��اف��ة إل��ى التحديات التي واجهتها‬ ‫نموذجا على ما يمكن أن تحتاجه أي من املساعي العربية لتعزيز الخطاب‬ ‫املدني لكي تتمكن من اكتساب أرضية معقولة‪.‬‬

‫خطر لعبة البوكيمون!‬

‫الدين فتوى ضد ألعاب األطفال (بوكيمون وورق اللعب) زاعمني أنها تروج‬ ‫لـ«الصهيونية»؛ فيقول عمر إن الجميع كانوا يلقون بألعاب البوكيمون‪،‬‬ ‫مضيفا‪« :‬لقد كان لدي العديد من أوراق اللعب ولكنني لم أستوعب ملاذا‬ ‫ّ‬ ‫علي التخلص منها»‪ .‬إثر تلك الفتوى‪ ،‬ذهب عمر إلى اإلنترنت وبحث عن‬ ‫معنى تلك األس�م��اء وال��رم��وز امل��وج��ودة على البطاقات وال�ت��ي زع�م��وا أنها‬ ‫تحمل معاني خطرة‪ ،‬مؤكدا أنه اكتشف أن كافة تلك البطاقات ال تحمل‬ ‫األذى ومن ثم قرر االحتفاظ بمجموعته‪ .‬وأضاف عمر‪« :‬ولكنني الحظت‬ ‫أن العديد من أصدقائي لم يفكروا مثلي‪ ،‬وم��ن ثم فقد احتفظت بآرائي‬ ‫لنفسي لسنوات طويلة»‪.‬‬ ‫وأضاف عنزي أن السعوديني الذين يشاركونه ميله إلى تحدي التوجهات‬ ‫املحافظة عادة ما ينجذبون للعلوم ويكتسبون الشجاعة الكافية للتعبير عن‬ ‫آرائهم عندما يكتشفون أنهم ليسوا وحدهم‪ .‬فلم يبدأ عنزي الحديث بحرية‬ ‫أكبر حول أفكاره بني أقرانه إال حينما التحق بكلية الطب بجامعة امللك عبد‬ ‫العزيز قبل عامني‪ ،‬حيث يعد مشروع «أصفار» نتاجا لصداقته ببراء عرابي‪،‬‬ ‫طالب هندسة الحاسوب والفلسفة وراكان املسعودي الذي يصف نفسه بأنه‬ ‫«حقوقي ومدافع عن املساواة» واملولود في سوريا ويدرس في جدة ومحمد‬ ‫الحمراني‪ ،‬طالب الطب الذي يهوى املوسيقى‪ .‬ونظرا ألن جميعهم يتقن اللغة‬ ‫اإلنجليزية نتاج دراستهم لها في بلدهم حيث إن عنزي على سبيل املثال‬ ‫لم يقم من قبل بزيارة أي دولة ناطقة باإلنجليزية‪ ،‬تمكن الشباب من تعزيز‬ ‫دراستهم بدورات على اإلنترنت مع جامعة أميركية حول املنطق العلماني‬ ‫وأحدث األبحاث في مجاالتهم كما أسسوا منتدى أسبوعيا غير رسمي‬ ‫للحديث حول ما تعلموه‪.‬‬ ‫وم��ن خ�لال امل�ق��االت التي كتبها عالم األح�ي��اء املطور ريتشارد دواكينز‪،‬‬ ‫اكتشفوا تشارلز دارون ونظرية التطور‪ .‬كما منحهم استكشاف املوقع‬ ‫اإللكتروني «‪ »yourlogicalfallacyis.com‬إطارا لتمييز أنماط الحوار في‬ ‫السعودية ‪ .‬وم��ن خ�لال االستماع من كثب إل��ى البرنامج الكوميدي الذي‬ ‫يذيعه جو روجان أسبوعيا على اإلنترنت تعلموا كيف يمكنهم أن يجعلوا‬ ‫البودكاست مسليا‪ .‬وفي بداية العام املاضي‪ ،‬اشتروا ميكروفون وأنشأوا‬ ‫استوديو مزودا بجدران تمتص صدى الصوت‪.‬‬

‫ويتذكر عمر العنزي أنه توصل إلى التفكير النقدي على نحو عفوي وهو ومن البودكاست التي قدمتها «أصفار» كانت حلقة بمناسبة عيد الحب‬ ‫في العاشرة من عمره وذلك في عام ‪ ،2001‬حينما أصدر عدد من رجال ‪ 2014‬حملت عنوان‪« :‬سيرة الحب‪ :‬اإلعجاب وعلم النفس»‪ ،‬ثم شارك الشباب‬ ‫‪38‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫فؤاد عجمي‬

‫أرض النيل‬

‫الجدد الذي تولوا السلطة في العراق تشويه املذهب الشيعي بأفعالهم‬ ‫الشريرة‪ ،‬نازعني منه الشعور بالرحمة التي كانت ضياءه املرشد»‪.‬‬ ‫يختتم الروائي عبد الرحمن منيف روايته املحزنة «شرق املتوسط» بهذه‬ ‫السطور‪« :‬أريد أن أتبع طريقة رجب ذاتها‪ ،‬أن أدفع األمور إلى نهاياتها‪..‬‬ ‫لعل شيئا بعد ذلك يقع»‪ .‬لم ينتظر فؤاد حتى يقع شيء ما بعد ذلك‪.‬‬ ‫وقف أم��ام املصير البائس للشعوب القاطنة في العالم العربي‪ .‬وقف‬ ‫أمام الخسارة واألسى اللذين حال بشعبه‪ .‬وقف شامخا وفي بعض‬ ‫األحيان كان يقف بمفرده‪.‬‬

‫ال ي��وج��د م�ك��ان ف��ي ال�ع��ال��م ال�ع��رب��ي خلص م��ن ن�ظ��رة ف��ؤاد الفاحصة‬ ‫ودراسته الناقدة‪ ،‬ولكن لعل أكثر مكان حاز شغفه بعد وطنه األصلي‬ ‫هو أرض النيل‪ .‬على أرض مصر كتب عجمي مقاله الرائع في «فورين‬ ‫آفيرز» عام ‪ ،1995‬حيث وصف الديكتاتور الراحل بـ«موظف عام بدرجة‬ ‫رئيس»‪ ،‬وهو أفضل وصف ملحنة البلد وال يزال ينطبق عليها اليوم‬ ‫كما كان في ذلك الحني‪.‬‬ ‫ف��ي «أح��زان مصر» تأسف عجمي ألن «ف��ي صميم الحياة املصرية‬ ‫يقبع شعور مفزع باإلحباط‪ .‬لقد كان شعور مصر الحديثة بالفخر معلمي وناصحي‬ ‫أكبر كثيرا من إنجازاتها»‪ .‬ووصف ذاته في املقال بـ«الغريب الذي تابع‬ ‫منعطفات تاريخ البالد والذي يقترح عليها فقط بدافع من الرغبة في قابلت فؤاد ألول مرة في أكتوبر (تشرين األول) عام ‪ .2010‬كنت طالبا‬ ‫تمدنها وسط متاعب جسام»‪.‬‬ ‫منزعجا من وضع دراسات الشرق األوسط في الجامعات األميركية‪،‬‬ ‫فأرسلت إليه عبر البريد اإللكتروني أطلب منه نصيحة في سعي إلى‬ ‫كانت املتاعب التي تمر بها البالد وكأنها خاصة به‪ .‬في رسالة عبر الحصول على درجة الدكتوراه‪ .‬تقابلنا بعد أسبوع وعلى مدار ثالث‬ ‫البريد اإللكتروني في سبتمبر (أيلول) عام ‪ ،2013‬كتب إلي قائال‪« :‬أعيد ساعات توثقت الصلة بيننا‪ .‬أفضل االعتقاد بأنه رأى نسخة شابة منه‪،‬‬ ‫ما قاله يوسف القعيد بتصرف – ما الذي يحدث على أرض مصر؟ ما ولكنها أقل براعة‪ ،‬في طالب يجلس أمامه‪ ،‬إلى درجة أنه وجد تشابها‬ ‫الذي حدث ملصر التي نعرفها؟ ما الذي سيوقف تحول مسار مصر ب�ين تحولي اآليديولوجي بسبب أح��داث ال�ح��ادي عشر م��ن سبتمبر‬ ‫نحو الالمعقول والكارثة؟ هل أصبح من املخيف فعليا متابعة أخبار (أيلول) من القومية العربية إلى االتجاه املحافظ‪ ،‬وتحوله اآليديولوجي‪.‬‬ ‫مصر واالستماع إليها وقراءتها‪ .‬أمضيت أعواما كما تعلم وأنا أدرس على مدار األعوام األربعة التالية‪ ،‬أصبح فؤاد معلمي وناصحي وكتب‬ ‫هذا البلد‪ .‬لقد أصابني في مقتل في عام ‪ 1995‬بمشكلة في الجهاز مقدمة كتابني دعاني إلى تأليفهما‪.‬‬ ‫الهضمي‪ ،‬وم��ع ذل��ك ظللت أح��ب املكان‪ ،‬ولكن اآلن ه��ذه مصر التي ال‬ ‫أستطيع التعرف عليها»‪.‬‬ ‫سوف ينعى العالم وفاة عالم بارع‪ .‬ستحاول أخبار نعيه الحديث عن‬ ‫رجل موهوب ولكنها لن توفيه قدره‪ .‬أما أنا‪ ،‬فسوف أذكر عاملا جليال‬ ‫نشر آخر كتاب لفؤاد عجمي تحت عنوان «الصراع على السيادة في رعى شابا تحت جناحه ووجه له النصائح على مدار أربعة أعوام‪ .‬سوف‬ ‫الهالل الخصيب» قبل وفاته بأيام ‪ .‬في الصفحات األخيرة من الكتاب‪ ،‬أتذكر العطف والتشجيع والكرم الذي عاملني به‪.‬‬ ‫عاد إلى فكرة عزيزة على قلبه‪ ،‬مصير الشيعة في العالم العربي‪ .‬كانت وداعا يا معلمي‪ .‬وداعا يا صديقي‪ .‬وداعا يا فؤاد املعقد والفريد‪،‬‬ ‫الجملة األخيرة في الكتاب‪« :‬ستكون قصة فريدة تتحدث عن الخسارة األميركي الشيعي اللبناني‪ ،‬وعلى الرغم من أن��ه لن يفضل ذلك‪،‬‬ ‫واألسى إذا استطاع حزب الله والحرس الثوري اإليراني وأرباب الحروب العربي أيضا <‬

‫‪,,‬‬

‫ال يوجد مكان‬ ‫في العالم‬ ‫العربي خلص‬ ‫من دراسته‬ ‫الناقدة وأكثر‬ ‫مكان حاز‬ ‫شغفه بعد‬ ‫وطنه هو مصر‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪37‬‬


‫قضايا‬

‫من بني جميع األساطير العربية في فترة ما قبل اإلسالم‪ ،‬ربما تكون قصة زرقاء اليمامة أكثر مأساوية‪.‬‬ ‫كانت امرأة ذات موهبة حيث كانت خارقة البصر‪ ،‬تحذر قومها من الهالك القادم في صورة جيش يستخدم‬ ‫األشجار كساتر له‪ .‬وكانت اللعنة التي لحقت بها تشبه لعنة كاساندرا اإلغريقية التي لم يصدقها شعبها‬ ‫مطلقا‪ .‬وكانت النتيجة أنهم دفعوا ثمنا باهظا‪.‬‬

‫فؤاد عجمي‪ :‬مفكر عابر للثقافات تجاوز حدود اإلثنية والقومية‬

‫رجل بني عاملني‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫صامويل تادرس‬

‫‪,,‬‬

‫لم تكن كلماته‬ ‫تحظى‬ ‫بترحيب مطلقا‬ ‫في بيروت‬ ‫والقاهرة‪ ..‬ولم‬ ‫تكن تواكب‬ ‫العصر في‬ ‫أروقة السلطة‬ ‫في واشنطن‬

‫‪,,‬‬

‫‪36‬‬

‫كان فؤاد عجمي رجال ينتمي إلى عاملني‪ ،‬وكأنه جسر يربط‬ ‫ب�ين ثقافتني‪ ،‬وك��ان ص��ادق��ا ف��ي حديثه إل��ى االث�ن�ين‪ .‬ل��م تكن‬ ‫كلماته تحظى بترحيب مطلقا في الصالونات الثقافية في‬ ‫بيروت والقاهرة‪ ،‬ولم تكن تواكب العصر في أروقة السلطة في واشنطن‪،‬‬ ‫كما هو الحال مع جميع كلمات النقد‪ .‬إنه رجل قاطعه إخوته‪ ،‬وارتكب‬ ‫أسوأ الخطايا‪ .‬بدال من أن يسير وراء القطيع‪ ،‬ويلقي باللوم في متاعب‬ ‫املنطقة على األجنبي‪ ،‬كتب في الصفحات األول��ى من كتاب «املحنة‬ ‫العربية»‪« :‬إن الجراح ذات األهمية جراح من صنع الذات»‪.‬‬

‫أصدقاء وأعداء‬

‫خالصة القضية‪..‬توجز في عبارة‪..‬لقد لبسنا قشرة الحضارة‪..‬والروح‬ ‫جاهلية‪.‬‬ ‫وبدأ املنحدر في الهبوط منذ ذلك الحني‪ .‬كانت الحرب األهلية ثم مجزرة‬ ‫حماة‪ ،‬ثم غزو صدام للكويت‪ ،‬جميعا في االنتظار‪ .‬إذا كان نزار قباني‬ ‫كتب‪« :‬أنعى لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة»‪ ،‬فإن فؤاد عجمي‬ ‫كشف بيد حذرة عن اإلفالس األخالقي الذي نال من هذا الفكر ومن‬ ‫الطبقة السياسية بأسرها في العالم العربي‪.‬‬ ‫على عكس بعض املهاجرين العرب‪ ،‬ك��ان ف��ؤاد بالفعل في وطنه في‬ ‫أميركا‪ .‬تأقلم تماما مع البلد الذي استقبله ووقع في حبه‪ ،‬وكان ممتنا‬ ‫للفرص التي منحها له وآمن بالفضيلة والخير الذي قد تجلبه قوته‪.‬‬ ‫ادع��ى مهاجموه أن��ه عندما ج��اء إل��ى أميركا ت��رك ج��ذوره وهويته ولم‬ ‫ينظر وراءه مطلقا‪ ،‬بينما ق��ال آخ��رون إن��ه رج��ل متزعزع ممزق بني‬ ‫الشرق والغرب‪ ،‬دائما ما يحاول االنتماء إليهما‪ .‬عكست انتقاداتهم عن‬ ‫مخاوفهم وشكوكهم الخاصة أكثر من حديثهم عنه‪.‬‬

‫بالنسبة ملن استمر على الدرب ذاته‪ ،‬يوجد تهديد خاص يمثله الرجل‬ ‫الذي ترك الجموع‪ .‬فهو يعلم األساليب القديمة جيدا؛ وكان في املاضي‬ ‫يقدم البراهني ذاتها‪ ،‬بل وأحيانا ما كان ُيدرسها آلخرين‪ .‬ولكن األسوأ‬ ‫كان السؤال الذي يثيره تغيير قناعاته‪ ،‬إذا طرأ عليه‪ ،‬وإذا تساءل عن‬ ‫الحقائق الواضحة‪ ،‬هل يضعفها ذلك أو يجعلها غير حقيقية؟ إنها‬ ‫أسئلة ملحة‪ ،‬من األفضل لها‬ ‫االنتماء‬ ‫وبراعة أسلوبه‪ ،‬ولم يكن أمامهم سوى توجيه الشتائم‪ .‬وفي ظل عجزهم‬ ‫عن شرح قناعاته الجديدة‪ ،‬والقوة التي دافع عنها بها‪ ،‬سعوا إلى إجابات‬ ‫أسهل بدال من مناقشتها؛ قالوا إنه رجل يكره شعبه وإنه عنصري‪،‬‬ ‫وإنه متعطش للسلطة وإنه خائن‪ .‬وكانت كلمات مثل «املخبر األصلي»‬ ‫تشيع بني رجال ال يستطيعون سوى الوقوف في ظله‪ .‬لم يمكنهم مطلقا‬ ‫استيعاب السبب ال��ذي جعل رج�لا ش��رب من ينبوع القومية العربية‬ ‫يتخلى عنها‪ ،‬ولم يغفروا له مطلقا خيانته‪.‬‬ ‫كانت لحظة الصدق التي وصل إليها عجمي في صباح يوم مصيري‬ ‫في يونيو (حزيران) عام ‪ .1967‬استغرق التخلي عن قناعاته القديمة‬ ‫وقتا وتفكيرا جادا في الذات‪ ،‬ولكنه كان مسارا مرسوما إذ تحطمت‬ ‫أح�لام جيل كامل ومنطقة بأسرها على أرض ال��واق��ع على الرمال‬ ‫الساخنة ف��ي سيناء‪ .‬انتشرت م��وج��ات الصدمة ف��ي جميع أنحاء‬ ‫العالم العربي على مدار عقود‪ .‬كان عار الهزيمة السابقة في ‪1948‬‬ ‫ق��د خلف أث��را ضئيال‪ .‬وع��د جمال عبد ال�ن��اص��ر‪ ،‬الشخصية التي‬ ‫تبحث عن مؤلف على طريقة لويجي بيرانديلو‪ ،‬بالخالص‪ ،‬ولكنه لم‬ ‫يجلب سوى األسى‪ ،‬حتى إن الكاتب املصري الذكي توفيق الحكيم‬ ‫ألف كتاب «ع��ودة الوعي» بعد وفاة عبد الناصر‪ ،‬ولكن امل��رارة التي‬ ‫خلفتها تلك املرحلة التقطها نزار ّقباني في قصيدته البارعة «هوامش‬ ‫على دفتر النكسة»‪:‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫لم يكن فؤاد مزعزعا قط‪ ،‬وإذا كان االنتماء هو هدفه‪ ،‬فكان من السهل‬ ‫أن يميل إلى الحكمة املقبولة بني أوساط األكاديميني واليساريني في‬ ‫نيويورك حيث يبدو االعتدال فضيلة وأن يتخذ منها وطنا له‪ ،‬ليزداد‬ ‫نجمه الساطع بريقا أمام سطحيتهم الفكرية‪ .‬ال يعرف من قال ذلك‬ ‫سوى القليل عن أميركا والقليل عن عجمي‪ .‬وجد فؤاد تحررا وفرصة‬ ‫في العالم الجديد‪ ،‬مثله في ذلك مثل املهاجرين األميركيني من أصول‬ ‫يهودية وبولندية وأيرلندية‪ ،‬ولكن لم ينس أي منهم‪ ،‬وال هو‪ ،‬املكان الذي‬ ‫جاءوا منه‪ .‬لقد انفصل عن الوسائل القديمة وعداءات املنطقة‪ ،‬ولم يسمح‬ ‫لها مطلقا بأن تطارده في وطنه الجديد أو تستهلكه في ظالمها‪ ،‬ولكنه‬ ‫احتفظ بحبه للمنطقة‪.‬‬ ‫لم يتوقف عجمي عن حب موقع وشعوب املنطقة‪ .‬كان عجمي بارزا‬ ‫ألن��ه أصبح أميركيا بالكامل‪ ،‬يحب ه��ذا البلد كما يمكن أن يحبه أي‬ ‫شخص‪ ،‬ولكنه لم يفقد مطلقا شغفه بما تركه من خلفه‪ .‬كان يعلم‬ ‫جيدا العلل التي حلت باملنطقة‪ ،‬واآلالم التي يشعر بها من يحبونها‪،‬‬ ‫ويعلم الله أنها لم تقدم له شيئا سوى األلم‪ ،‬ولكنه كان يعتقد دائما أن‬ ‫شعوب املنطقة تستحق األفضل‪ .‬لم يكن يتحرج من مناصرة قضية‬ ‫شعوب املنطقة وتوقهم إلى الحرية‪ .‬لم يكن هناك من يناصر هؤالء‬ ‫الذين أضعفهم الذعر في سجون صدام والذين هلكوا جراء وحشية‬ ‫بشار األسد‪ ،‬كما فعل فؤاد عجمي‪.‬‬


‫وراء قضية ضيقة ملجموعة إثنية أو طائفية‪ .‬فهذه التهمة الخبيثة طريقة‬ ‫قديمة التهام أقلية أو مجموعة ضغط إثنية بتوريط الواليات املتحدة في‬ ‫حرب خارجية نيابة عن هذه املجموعة‪ .‬أي أنها‪ ،‬في الصميم‪ ،‬تهمة بأن‬ ‫أولويات عجمي ليست أميركية‪ .‬وهو تماما عكس الواقع‪ .‬فعجمي نظر إلى‬ ‫ضرورة التدخل األميركي في سوريا من نفس املنطلق الذي اعتمده في‬ ‫العراق‪ ،‬واضعا إياه في نفس السياق مع التدخل األميركي في البوسنة‪.‬‬ ‫في مقابلة مع قناة سورية معارضة العام املاضي‪ ،‬وض��ح عجمي هذه‬ ‫الفكرة‪« :‬ملا يقول إنسان هذا الكالم‪ ،‬يقولون لك‪ :‬آه‪ ،‬أنت تؤمن باإلمبراطورية‬ ‫األميركية‪ .‬ولكن ه��ذا ال��واق��ع‪ .‬في كل ه��ذه الحمالت اإلنسانية‪ ،‬الحروب‬ ‫اإلنسانية إلنقاذ شعوب هي في مأزق تاريخي‪ ،‬بدءا بالكويت في ‪،1991‬‬ ‫لو لم يكن هناك تدخل أميركي في الكويت لكانت أصبحت الكويت‪ ،‬كما‬ ‫كان يقول أبو عدي (أي صدام حسني)‪ ،‬جزءا من العراق‪ .‬ثم نذهب إلى‬ ‫البوسنة‪ ،‬في ‪ ،1995‬وكوسوفو في ‪ ،1999‬ثم نأتي إلى العراق في ‪،2003‬‬ ‫وأفغانستان وليبيا‪ .‬كل هذه الحروب اإلنسانية تتكل وتعتمد على الدور‬ ‫األميركي وإيمان الواليات املتحدة بمسؤوليتها التاريخية‪ ...‬القضية ليست‬ ‫أن تكون شرطي العالم‪ .‬القضية هي أن الواليات املتحدة هي التي تحمي‬ ‫مآس ومجازر‬ ‫النظام العاملي‪ .‬إن لم تكن هناك هذه الحماية‪ ،‬تكن هناك‬ ‫ٍ‬ ‫كالتي نراها اليوم في سوريا»‪ .‬وربما علينا أن نلفت هنا إلى أن عددا من‬ ‫الناشطني واملثقفني السوريني الداعمني للثورة توجهوا بالشكر واالمتنان‬ ‫إلى عجمي عند صدور خبر وفاته لوقفته الثابتة إلى جانب الثورة السورية‪.‬‬

‫الحرية‬ ‫ولم ينبثق موقف عجمي وانتقاده للرئيس أوباما من تحزب للجمهوريني‬ ‫ضد الديمقراطيني‪ ،‬رغم ارتباط اسمه بإدارة بوش‪ .‬فمثال البوسنة الذي‬ ‫أشار إليه مرارا حصل تحت إدارة بيل كلينتون الديمقراطية‪ .‬فهو رأى‬ ‫أن كلينتون مثل استمرارا للسياسة األميركية التقليدية ومبادئها التي‬ ‫اعتنقها الحزبان تاريخيا‪ .‬وعلى عكس ذلك‪ ،‬فهو وجد في أوباما قطيعة مع‬ ‫املبادئ األميركية التي آمن بها بعمق‪ .‬وهذا ما ردده مرارا‪ ،‬أنه «منذ ‪،2008‬‬

‫ملا ظهر باراك أوباما وكان تقريبا ظاهرة تاريخية‪ ،‬كان عندي شك في‬ ‫باراك أوباما‪ .‬على الرغم من الحماسة الكبيرة‪ ،‬أنا لم أتحمس له»‪ .‬فقد رأى‬ ‫عجمي في «ظاهرة» أوباما شيئا جديدا‪ ،‬وغريبا‪ ،‬في السياسة األميركية‪.‬‬ ‫فظاهرة «الجماهير» ال تلعب دورا في الحياة السياسية في الواليات املتحدة‬ ‫كالذي تلعبه في مجتمعات العالم الثالث‪ .‬أعادت ظاهرة جماهير أوباما‬ ‫إلى ذهن عجمي ظاهرة مألوفة في العالم العربي‪ ،‬خصوصا في حقبة‬ ‫عبد الناصر التي عاشها في شبابه‪ .‬وهذا أساسا ما أثار شبهة عجمي‬ ‫في أوب��ام��ا‪ ،‬إذ رأى فيه استحضارا لعلل املجتمعات العربية وأوهامها‬ ‫وانجذابها خلف شخص قائد مخلص‪ .‬بكالم آخر‪ ،‬رأى عجمي في ظاهرة‬ ‫شخص أوباما تجسيدا لكل ما انتقده في كتاباته ط��وال حياته املهنية‬ ‫عن األوه��ام العربية‪ .‬وهكذا‪ ،‬بتقديري أن عجمي وجد في هذه الظاهرة‬ ‫الشخصانية عودة إلى ما تركه وراءه عندما هاجر إلى أميركا‪ .‬وقطيعة‬ ‫أوباما مع املبادئ األميركية التقليدية بررت ريبة عجمي‪.‬‬ ‫ال يمكن فهم عجمي خ��ارج سياق أميركيته‪ .‬مواقفه منبثقة من رؤيته‬ ‫كمواطن أميركي ل��دور أميركا كقوة داعمة للحرية في العالم‪ .‬وتفاؤله‬ ‫بإمكانية بناء نظام سياسي جديد جامع ومتعدد في العراق أتى‪ ،‬ليس‬ ‫من نزعة شيعية مزعومة‪ ،‬بل من تقليد أميركي محض بالتفاؤل في‬ ‫ق��درة الناس‪ ،‬رغم أنه كتب بإسهاب عن اإلخفاقات املتعددة في التاريخ‬ ‫الحديث للعرب‪ .‬فميزة كتابات وأسلوب عجمي‪ ،‬الذي مزج األدب والشعر‬ ‫في تفسيره للتاريخ واملجتمعات العربية‪ ،‬أنه‪ ،‬ككل أديب جيد‪ ،‬كتب عن‬ ‫حالة اإلنسان وتراجيديا نضال اإلنسان مع الحرية‪ .‬شاءت الصدف أن‬ ‫يكون آخر مقال كتبه عجمي تعبيرا عن مرارته لفشل أوباما في العراق‬ ‫وسوريا‪ .‬فرفض عجمي القبول بأن الفشل في العراق حتمي‪ ،‬نابع من‬ ‫أميركيته ومجبول عليها‪ .‬حتى النهاية‪ ،‬آمن عجمي بأن أميركا وحدها‬ ‫قادرة على حفظ النظام والتوازن في العالم ضد االستبداد والوحشية‪ .‬أي‬ ‫رحل كما عاش طوال حياته‪ ،‬أميركيا أوال وأخيرا <‬

‫رئيس الوزراء العراقي نوري املالكي‬ ‫لدى استقباله الباحث والكاتب‬ ‫اللبناني فؤاد عجمي في املنطقة‬ ‫الخضراء ببغداد‪ 17 -‬مارس ‪2007‬‬

‫‪,,‬‬

‫كانت مواقفه‬ ‫متسقة مع‬ ‫رؤيته كمواطن‬ ‫أميركي لدور‬ ‫أميركا كقوة‬ ‫داعمة للحرية‬ ‫في العالم‬

‫‪,,‬‬

‫* كاتب وباحث لبناني مقيم في نيويورك متخصص في شؤون الشرق األوسط‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪35‬‬


‫قضايا‬

‫يوم األحد الواقع فيه ‪ 22‬يونيو (حزيران) املاضي‪ ،‬توفي املؤرخ والكاتب الكبير فؤاد عجمي عن عمر ‪ 68‬سنة‪.‬‬ ‫ولد عجمي في بلدة أرنون في جنوب لبنان في عام ‪ 1945‬وأتى إلى الواليات املتحدة وهو في الثامنة عشرة من‬ ‫العمر‪ .‬اعتنق عجمي أميركا وحقق فيها أعلى درجات النجاح‪ ،‬ضمنها الوسام الوطني للعلوم اإلنسانية الذي‬ ‫منحه إياه الرئيس جورج بوش عام ‪ .2006‬قصة عجمي‪ ،‬إذن‪ ،‬قصة أميركية كالسيكية‪ .‬لذا أي محاولة لتقييم‬ ‫اإلرث الفكري للرجل يجب تنطلق من أن عجمي كان أميركيا أوال وأخيرا‪.‬‬

‫قراءة في اإلرث الفكري لفؤاد عجمي‬

‫معارك ضد االستبداد والوحشية‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫طوني بدران *‬

‫‪,,‬‬

‫لم ينبثق‬ ‫موقف عجمي‬ ‫وانتقاده‬ ‫للرئيس أوباما‬ ‫من تحزب‬ ‫للجمهوريني‬ ‫ضد‬ ‫الديمقراطيني‬ ‫رغم ارتباط‬ ‫اسمه بإدارة‬ ‫بوش‬

‫‪,,‬‬

‫‪34‬‬

‫إن أردنا أن نفهم عجمي علينا أن نفهم هذه الحقيقة األساسية‪.‬‬ ‫وه ��ذه الحقيقة ل��م يفهمها ن �ق��اده‪ ،‬وح�ت��ى ب�ع��ض املعجبني ب��ه‪.‬‬ ‫فلسنوات‪ ،‬قارب النقاد‪ ،‬خصوصا اليساريني منهم‪ ،‬عجمي من‬ ‫خالل عدسة سياسات الهوية التي تسود على نحو متزايد في بعض زوايا‬ ‫الحياة الفكرية األميركية‪ .‬ووصف هؤالء عجمي بأنه «مخبر محلي» أو‬ ‫«العربي الصالح» الذي مهمته «بيع حروب أميركا» في الشرق األوسط‪ .‬أي‬ ‫بكالم آخر‪ ،‬ركز هؤالء الخصوم على «عروبة» عجمي‪ ،‬واتهموه أنه استغل‬ ‫«عروبته» ليبني شهرته‪ ،‬ورأوه بمثابة «العربي» الذي يخدم «اإلمبريالية‬ ‫األميركية» ضد «أه�ل��ه» ال�ع��رب‪ .‬وك��ان األس�ت��اذ الجامعي ال��راح��ل إدوارد‬ ‫سعيد وأتباعه ق��ادة هذا النوع من الحمالت ضد عجمي‪ ،‬إذ أطلق عليه‬ ‫سعيد صفة «العم عبده»‪ ،‬أي النسخة العربية عن صفة «العم طوم» التي‬ ‫كانت تستعمل ضد األميركيني السود املحسوبني شديدي الخنوع والتبعية‬ ‫لألناس البيض وبالتالي الذين يشاركون في قهر «أهلهم»‪ ،‬كما اتهمه‬ ‫بإعطاء توصيات عنصرية تجاه العرب‪ .‬إذن‪ ،‬بالنسبة إلى نقاد عجمي‬ ‫هؤالء‪ ،‬فإن أصله العربي كان يجب أن يشكل هوية وحيدة طاغية‪ ،‬على‬ ‫أن تتبع هذه الهوية العقيدة السياسية التي يحددونها هم والتي بنظرهم‬ ‫يجب أن يتبناها كل عربي بال استثناء‪ .‬لذا‪ ،‬فإن كتابات عجمي النقدية‬ ‫حول علل املجتمعات واألنظمة والخطاب السياسي العربي كانت بتصور‬ ‫خصومه مجرد غطاء يوفره مفكر عربي للغرب الذي يريد أذية العرب‬ ‫وإخضاعهم‪ .‬بالنسبة إلى ه��ؤالء‪ ،‬قدم عجمي منظومة فكرية تبرر ما‬ ‫يحسبونه عدوانا مستديما ضد العرب‪.‬‬

‫للعلويني أب�ن��اء ال�ج�ب��ل‪ ...‬وي��رون أن ب�ي��روت‪ ،‬التي كانت مغلقة ف��ي وجه‬ ‫ُ‬ ‫الشيعة قبل خمسني أو ستني عاما‪ ،‬قد فقدت للشيعة نوعا ما‪ .‬وثم أتى‬ ‫التغيير في بغداد‪ ،‬تحت الرعاية األميركية‪ ،‬وكان هذا التغيير صعبا على‬ ‫السنة أن يتقبلوه‪ ...‬ورأوا أنه لن يأتي جيش عربي ليعكس هذا الترتيب‬ ‫الجديد»‪ .‬لكن هذا التوصيف لم يتوقف عند هذه النقطة‪ ،‬أي أن عجمي‬ ‫لم يكن يتباهى بهزيمة السنة‪ .‬فدوما نظرته إلى حرب العراق كانت أنها‬ ‫شكلت فرصة للعراقيني لبناء صيغة سياسية جديدة بعيدة عن االستبداد‬ ‫والقمع‪ .‬وهكذا أكمل حديثه عن رؤيته للدولة الجديدة في العراق مضيفا‪:‬‬ ‫«إن القول بأن الحرب أنجبت نظاما شيعيا هو تعنيف‪ .‬فهذه ليست دولة‬ ‫شيعية في العراق‪ .‬فالدولة التي لها رئيس ووزير خارجية كردي‪ ،‬ونائب‬ ‫رئيس ورئيس مجلس نواب سني‪ ،‬ال يمكن وصفها بالدولة الشيعية‪ .‬نعم‪،‬‬ ‫إن الشيعة قد أتوا إلى موقع الصدارة في العراق‪ ،‬لكن هذه دولة تعددية‪.‬‬ ‫السلطة متقاسمة»‪.‬‬

‫املبادئ األميركية‬

‫لم يكن عجمي متغافال عن أن السنة لم ينظروا إلى مسؤوليهم في الحكومة‬ ‫على أنهم أصحاب ثقل تمثيلي‪ ،‬بعكس املسؤولني األكراد مثال‪ ،‬لكنه لم‬ ‫يكن منحازا ضد السنة‪ .‬فهو عاد وكتب مرارا‪ ،‬كما فعل في آخر مقالة‬ ‫كتبها في ال �ـ«وول ستريت ج��ورن��ال» قبل وفاته‪ ،‬ووض��ع كل اللوم على‬ ‫رئيس الحكومة ن��وري املالكي لتبنيه سياسة طائفية «إلخضاع السنة‬ ‫وتهميش األكراد» وهو‪ ،‬كما كتب‪ ،‬ما لن يتقبله السنة أبدا‪ ،‬وهو فعال ما‬ ‫يحصل اآلن في العراق‪ .‬وأضاف بأن املالكي «استبدل بالوصاية األميركية‬ ‫اتهام بالطائفية‬ ‫الهيمنة اإليرانية»‪ ،‬وأيضا ضرب «حلفا نجسا مع نظام األسد الوحشي‬ ‫وقام خصوم عجمي بمهاجمته من زاوي��ة أخ��رى‪ ،‬غير مكتفني باتهامه في سوريا»‪.‬‬ ‫بالحقد على العرب بشكل عام‪ ،‬واتهموه بالطائفية واالنحياز إلى الشيعة‬ ‫ضد السنة‪ ،‬خصوصا بسبب دوره في دعم الحرب األميركية في العراق‪ .‬وربما أفضل برهان على أن عجمي لم ينطلق من دافع طائفي هو موقفه‬ ‫َ‬ ‫يتوان‬ ‫في مقالة بغيضة في مجلة «ذا نايشن» اليسارية في أبريل (نيسان) من الثورة السورية‪ ،‬التي خصص لها آخر كتاب له قبل وفاته‪ .‬فلم‬ ‫‪ ،2003‬وصف صاحب املقالة ‪ -‬أحد أتباع سعيد ومتعاطف مع «حزب للحظة عن الهجوم على املالكي الصطفافه مع األسد‪ ،‬كما أنه دافع بشغف‬ ‫الله» ‪ -‬كتابات عجمي بأنها «مشبعة بالعداوة تجاه العرب السنة عموما (ما عن البرامج اإلخبارية األميركية عن الثورة السورية ضد االتهامات بأن‬ ‫عدا عرب الخليج املوالني للغرب‪ ،‬والذين يبدي تجاههم تساهال ملحوظا) الثوار هم إرهابيون أو «القاعدة»‪ .‬وهنا صلب املوضوع‪ ،‬فإن الدافع الرئيس‬ ‫وتجاه الفلسطينيني خصوصا»‪ .‬هكذا لعب الخصوم على أصول عجمي ملواقف عجمي هو قناعته كأميركي بدور أميركا التقليدي في العالم‪ .‬ولهذا‬ ‫الشيعية‪ ،‬متهمني إياه بتبني «سياسة قبلية»‪ .‬مما ال شك فيه أن عجمي السبب‪ ،‬وجه عجمي انتقادات الذعة للرئيس باراك أوباما بسبب سياساته‬ ‫تحمس للتجربة األميركية في ال�ع��راق‪ .‬ورأى البعض في خطابه نفسا في العراق وعلى وجه الخصوص في سوريا‪ ،‬حيث وصف سياسة أوباما‬ ‫طائفيا شيعيا‪ .‬مثال‪ ،‬بعد زي��ارة ل��ه للعراق ع��ام ‪ ،2007‬تحدث عجمي بالفشل «أخالقيا وسياسيا»‪ .‬ورأى عجمي أن أوباما «انعزالي‪ ،‬ال يؤمن‬ ‫ع��ن كيف أن السنة «ق��د خ�س��روا معركة ب�غ��داد» وك�ي��ف أن�ه��م يعيشون بنشر املبادئ األميركية»‪ .‬وهذا اإليمان بهذه هو املحرك األساسي لفكر‬ ‫«في صدمة» إذ «ينظرون إلى العالم العربي ويرون أنهم خسروا دمشق عجمي‪ .‬فهو لم يكن‪ ،‬كما اتهمه خصومه‪ ،‬يسعى لتجيير القوة األميركية‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫في تقدير الرغبة األميركية في االلتزام على املدى البعيد بالوجود‬ ‫في أرض املعركة‪.‬‬ ‫في العراق‪ ،‬سريعا ما خاب أمل فؤاد في أن يشهد «صعود نوع‬ ‫مختلف من الشيعة إلى السلطة» يمنح رجال الدين دورا سياسيا‬ ‫وثقافيا خاصا بهم مع إخضاعهم للسلطات العلمانية‪.‬‬

‫ويستجيبون للتكاليف والفوائد‪ .‬وهذا ال يدفع إلى القول بأنها‬ ‫ليست دولة دينية تعتنق جميع األفكار التي أبغضها‪ ،‬ولكنها‬ ‫ليست كوريا الشمالية‪ .‬إنها دولة كبيرة قوية ترى أنها طرف مهم‬ ‫على الساحة العاملية‪ ،‬وال أعتقد أن لها هدفا انتحاريا‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫تستجيب إلى الحوافز»‪.‬‬ ‫لم تثبت أي بادرة من السلوك اإليراني‪ ،‬سواء في سوريا أو لبنان‬ ‫أو العراق أو اليمن أو البحرين‪ ،‬صحة آراء أوباما بشأن إيران‪.‬‬ ‫بل قدمت انتفاضة املوصل التي تدفع املنطقة إلى حافة حرب‬ ‫طائفية إقليمية دموية إثباتا واقعيا على خطأ فرضيات أوباما‪.‬‬

‫ووجد أن رئيس الوزراء العراقي الجديد استبدل بالنفوذ األميركي‬ ‫هيمنة إيرانية‪ .‬ولكنه استمر في اعتقاده أن إدارة أوباما غير‬ ‫راغبة في التحرك في ش��أن ال�ع��راق أو حتى س��وري��ا‪ .‬في رأي��ه‪،‬‬ ‫الرئيس األميركي غير مهتم باملنطقة ويريد سحب قواته منها‪،‬‬ ‫وال يريد أن «يستخدم القوة العسكرية إلنقاذ األطفال السوريني تغافل أوباما عن السياسات الطائفية التي اتبعها املالكي‪ ،‬وأدت‬ ‫أو حتى انتشال العراق من حافة الحرب األهلية‪ ،‬بل اختار قائد إلى ان��دالع الثورة السنية في العراق‪ ،‬وتغافل عن جرائم األسد‬ ‫العالم الحر سابقا النظر في االتجاه اآلخر»‪.‬‬ ‫في سوريا‪ ،‬وأدت إلى صعود جماعة متطرفة تجند الشباب من‬ ‫جميع أنحاء العالم‪.‬‬ ‫كتب عجمي في شهر يونيو (حزيران) املاضي‪« :‬وصف السيد‬ ‫أوباما املالكي بالقائد املنتخب لدولة العراق الديمقراطية املستقلة ال يزال أوباما يصر على عدم اتخاذ إج��راء‪ ،‬ويرفض التزحزح‬ ‫ذات السيادة‪ .‬يشك املرء في أن السيد أوباما يعرف أفضل»‪.‬‬ ‫عن موقفه‪ ،‬بل ويشعر باالرتياح لرؤيته الوهمية‪« :‬إذا استطعت‬ ‫ولكن‪ ،‬كان أوباما يعلم ‪ -‬كما أخبر جيفري غولدبيرغ في مارس أن تجعل إي��ران تعمل ف��ي إط��ار م��ن املسؤولية ‪ -‬بعدم تمويل‬ ‫(آذار) املاضي ‪ -‬أن هناك تحوالت تجري في املنطقة‪ ،‬وأن تلك منظمات إرهابية وع��دم تطوير أسلحة نووية – يمكن أن تجد‬ ‫التحوالت تجعل من الالزم على الواليات املتحدة عدم إغضاب توازنا بني دول الخليج السنية‪ ،‬أو ذات األغلبية السنية‪ ،‬وإيران؛‬ ‫قاسم سليماني‪ ،‬القائد العسكري اإليراني املسؤول اليوم عن ستكون هناك منافسة‪ ،‬وربما شكوك‪ ،‬ولكن لن تكون هناك حرب‬ ‫فعلية أو بالوكالة»‪.‬‬ ‫الدفاع عن بغداد ضد القبائل السنية املتمردة‪.‬‬ ‫لألسف‪ ،‬لن يكون ف��ؤاد عجمي موجودا ليشهد ال�ك��وارث التي‬ ‫ل��م يكن عجمي يشك ف��ي أن أوب��ام��ا يسير وف��ق خطة شريرة‪ :‬ستجلبها رؤية أوباما <‬ ‫تسليم املنطقة إل��ى اإلي��ران�ي�ين‪ ،‬إذ يعتقد أن�ه��م «أص �ح��اب فكر‬ ‫* كاتب ومحلل سياسي وباحث أكاديمي‪،‬‬ ‫استراتيجي وليسوا مندفعني‪ .‬ولديهم رؤية ويهتمون بمصالحهم‬ ‫مستشار في وسائل اإلعالم واالتصاالت اللبنانية‬

‫جورج بوش يتوسط رايس‬ ‫ورامسفيلد (ارشيفية)‬

‫‪,,‬‬

‫كافح من أجل‬ ‫إقامة نظام‬ ‫علماني حديث‬ ‫في العالم‬ ‫العربي‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪33‬‬


‫قضايا‬

‫اشتهر اسم البروفسور فؤاد عجمي بني العامة أثناء الحرب العراقية‪ ،‬حيث كان مؤيدا صريحا للتدخل‬ ‫األميركي واإلطاحة بالرئيس العراقي صدام حسني‪ .‬كان فؤاد عجمي يظهر بانتظام في برامج «تشارلي روز»‬ ‫و«نيوز أور» على شبكات «سي بي إس نيوز» و«سي إن إن» و«بي بي إس»‪ ،‬ليوضح للشعب األميركي املنطق‬ ‫والسبب وراء شن الحرب التي ستكلف الواليات املتحدة ثالثة تريليونات دوالر‪ ،‬وتحصد حياة اآلالف من‬ ‫القوات األميركية‪ .‬وكان يظهر أيضا على شاشات عربية مثل قناتي «العربية» و«الجزيرة» ليوضح للشعوب‬ ‫العربية فوائد التدخل األميركي في أراضيهم املضطربة‪.‬‬

‫فؤاد عجمي‪ ..‬اعتنق قيم الواليات املتحدة ولم يغب عن وطنه‬

‫ملهم اإلدارة األمريكية‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫إيلي فواز *‬

‫‪,,‬‬

‫كان فؤاد‬ ‫عجمي يقدم‬ ‫نصائحه‬ ‫لكوندوليزا‬ ‫رايس وبول‬ ‫وولفويتز‬

‫‪,,‬‬

‫في خطاب ألقاه نائب الرئيس األميركي ديك تشيني في‬ ‫أغسطس (آب) ع��ام ‪ 2002‬أم��ام املحاربني القدامى في‬ ‫الحروب الخارجية‪ ،‬سعى إلى تهدئة املخاوف بشأن الغزو‬ ‫األميركي املرتقب للعراق‪ ،‬قائال‪« :‬فيما يتعلق برد فعل (الشارع)‬ ‫العربي‪ ،‬يتوقع خبير الشرق األوسط البروفسور فؤاد عجمي أنه‬ ‫بعد التحرير‪ ،‬من املؤكد أن الشوارع في البصرة وبغداد سوف‬ ‫تعج بالبهجة‪ ،‬بالطريقة ذاتها التي استقبلت بها الجماهير في‬ ‫كابل األميركيني»‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬كان فؤاد عجمي يقدم نصائحه لكوندوليزا رايس عندما‬ ‫كانت مستشارة لألمن القومي في إدارة بوش‪ ،‬وبول وولفيتز‬ ‫عندما كان نائبا لوزير الدفاع‪.‬‬ ‫وكما وصفه وولفيتز‪ ،‬فإن عجمي «أصبح أميركيا باختياره‪.‬‬ ‫اعتنق قيم الدولة التي احتضنته‪ ،‬الواليات املتحدة‪ ،‬بشغف يكافئ‬ ‫تبنيه اللغة اإلنجليزية‪ .‬ولكن‪ ،‬لم يغب عن بصره املكان الذي جاء‬ ‫منه أو التعقيدات أو املأساة التي حلت بهذه املنطقة في العالم‬ ‫لفترة طويلة مقبلة»‪.‬‬

‫«في النهاية‪ ،‬إن املعركة من أجل إقامة نظام علماني حديث في‬ ‫العالم العربي محاولة يقوم بها العرب أنفسهم‪ .‬ولكن القوة مهمة‪،‬‬ ‫وإرادة قوة عظمى ومكانتها قد تساعد على ضبط امليزان لصالح‬ ‫الحداثة والتغيير»‪.‬‬

‫اعتقد عجمي أن العراق يمثل «قاعدة في العالم العربي خالية‬ ‫م��ن س �م��وم م �ع��اداة ال ��والي ��ات امل �ت �ح��دة األم �ي��رك �ي��ة‪ .‬ف�ه��و ب�ل��د ال‬ ‫انتقل عجمي إلى الواليات املتحدة قبل أن يتم عامه الثامن عشر‪ ،‬تحيط ب��ه امل �ح �ظ��ورات ال��دي�ن�ي��ة‪ .‬ورب �م��ا يملك ال �ع��راق اس�ت�ع��دادا‬ ‫وظ��ل ط��وال حياته ي�ق��ارن دون وع��ي ب�ين وط�ن��ه ال�ج��دي��د وقيمه أكبر للديمقراطية من مصر‪ ،‬على األقل ألنه أكثر ثراء وتحررا‬ ‫ونظامه السياسي والوطن الذي شهد ميالده‪ .‬انعكس هذا على من الضغوط الديموغرافية التي تقع على مصر‪ ،‬ومن التهديد‬ ‫املستمر بوجود حركة إسالمية بها»‪.‬‬ ‫كتاباته من مقاالت وكتب‪.‬‬ ‫ك��ان ي�ح��اول ب��اس�ت�م��رار استيعاب سبب ال�ف��وض��ى السياسية‬ ‫العربية‪ ..‬كان يحاول الوصول إلى أصل العنف الذي وسم العهد‬ ‫ال�س�ي��اس��ي ال ��ذي م��ر ب��ه ج�ي�ل��ه‪ ،‬وال�س�ب��ب ف��ي وج ��ود «امل��ؤس�س��ة‬ ‫االجتماعية الرجعية»‪ .‬كان يسعى إلى معرفة ملاذا أصبح العالم‬ ‫الذي جاء منه «تاريخا يحمل الوهم واليأس‪ ،‬يتكرر فيه انزالق‬ ‫السياسة إلى إراقة الدماء»‪.‬‬ ‫لقد وص��ل إل��ى اع�ت�ق��اد أن ال�ع��رب أنفسهم ه��م أص��ل الفوضى‬ ‫التي حلت بهم‪« ..‬إن ال�ج��راح ذات األهمية هي ج��راح من صنع‬ ‫الذات‪ .‬يتدخل العالم الخارجي‪ ،‬ولكن الدمار الذي نشاهده عكس‬ ‫منطق التاريخ العربي‪ ،‬ومستوى قيادته‪ ..‬لم يكن على الدخالء‬ ‫أن يمارسوا القمع والتشويه‪ .‬كان السوط يضرب بفعل الذات»‪.‬‬ ‫أحداث ‪ 11‬سبتمبر‬

‫‪32‬‬

‫بعد أح ��داث ‪ 11‬سبتمبر (أي �ل��ول)‪ ،‬ح��ث على وج��ود دور أكثر‬ ‫تحديدا للقوة األميركية في الشؤون العربية‪.‬‬ ‫كتب عجمي‪« :‬فيما هو أكثر من إسقاط نظام ص��دام وتفكيك‬ ‫أسلحته القاتلة‪ ،‬يجب أن يكون الدافع املحرك للمحاولة األميركية‬ ‫الجديدة في العراق وفي األراض��ي العربية املجاورة هو تحويل‬ ‫العالم العربي إل��ى ال�ح��داث��ة‪ .‬أثمر اإلس ��راف ف��ي التسليم بطرق‬ ‫ومخاوف العرب عن نتائج مفزعة ‪ -‬للعرب أنفسهم وألميركا‬ ‫املشتركة ف��ي شؤونهم‪ .‬ق��د يكون ذل��ك قاسيا وغير منصف‪،‬‬ ‫ولكنها الحقيقة‪ :‬أصبح الصراع بني الحكام العرب واملتمردين‬ ‫محل اهتمام أميركا»‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫كان يرى أن «شبح ظهور دولة شيعية في العراق يمكن أن تصبح‬ ‫والية فارسية تابعة لحكم رجال الدين اإليرانيني – وهي املخاوف‬ ‫التي أصابت القوة األميركية بالشلل في عام ‪ – 1991‬يجب أن‬ ‫ينتهي‪ .‬من الواضح أن وع��ود الثورة اإلسالمية انحسرت‪ ،‬وأن‬ ‫رجال الدين ليسوا في موقف يسمح لهم بتصدير (سعادتهم‬ ‫الثورية)‪ ،‬حيث إنهم لن يجدوا من يتقبلها في أي مكان‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫أيضا يجب أن ينظر إلى شيعة العراق بصفتهم عربا وعراقيني‬ ‫بكل معنى للكلمة»‪.‬‬ ‫كان عجمي يأمل أن تريح اإلطاحة بنظام مريع في العراق يعتنق‬ ‫اإلرهاب العراقيني والعرب من عطايا االستبداد الكاذبة‪.‬‬ ‫الشيعة والسلطة‬ ‫ولكن‪ ،‬من املؤسف أنه قلل من حجم القوة اآليديولوجية‪ ،‬وبالغ‬


‫ربما راهن عجمي على بعض الشعوب العربية أكثر مما تحتمل‪ .‬فهو عاد‬ ‫واتهم رئيس حكومة العراق نوري املالكي بالديكتاتورية في آخر مقالة له‬ ‫في «وول ستريت جورنال» قبل أسبوع من وفاته‪ .‬ووج��ه املالكي أصابع‬ ‫اللوم في الفشل في العراق للرئيس ب��اراك أوباما لتقاعسه وتراجعه عن‬ ‫سياسات سلفه جورج بوش‪.‬‬ ‫لكن من أين أتى صدام؟ ومن أين أتى املالكي؟ ألم يكن الرجالن نتاج مجتمع‬ ‫تبنى العنف وسيلة لحل النزاعات على مدى القرن املاضي على األقل؟ ثم‬ ‫إن أوباما لم يبتكر سياسة جديدة في العراق‪ ،‬وال حتى هو التزم بموعد‬ ‫سحب القوات األميركية في ستة أشهر من تسلمه الحكم في مطلع ‪2009‬‬ ‫كما وعد في حملته االنتخابية للرئاسة‪ ،‬بل التزم الجدول الذي كان حدده‬ ‫بوش لالنسحاب‪.‬‬ ‫ربما راهن عجمي أكثر من املعقول على مقدرة القوة العظمى في التغيير‬ ‫أو في املساهمة في صناعة مصير الشعوب‪ .‬التجربة األميركية نفسها‬ ‫نجحت في دول كثيرة أخرى‪ ،‬من اليابان وأملانيا إلى كوريا الجنوبية ودول‬ ‫يوغوسالفيا السابقة‪ .‬لكن التجربة األميركية تعثرت في ال�ع��راق‪ .‬األداء‬ ‫األميركي في العراق يتحمل ج��زءا من الفشل‪ ،‬ولكن العراقيني يتحملون‬ ‫الجزء األكبر‪ ،‬وفي هذا عودة إلى املبدأ األساسي الذي التزمه عجمي والقائل‬ ‫بضرورة «نقد الذات» كمقدمة ألي تغيير‪ ،‬حتى لو بمساعدة أميركية‪.‬‬ ‫من عرفوا عجمي عن كثب يتذكرون أن الرجل كان مميزا في شخصيته‬ ‫وهندامه وآرائه وثقته بنفسه‪ .‬أحبه طلبته في جامعة «جونز هوبكنز»‪ ،‬حتى‬ ‫الذين اختلفوا معه في الرأي‪ .‬كان يصادقهم‪ ،‬ويسأل عنهم‪ ،‬ويتابع تطورهم‬ ‫الفكري‪ ،‬ويشاكسهم فكريا‪ ،‬ويشاكسونه‪.‬‬ ‫قبل أعوام قليلة‪ ،‬اشتكى عجمي من ألم في رقبته‪ .‬اعتقد أنه ناتج عن جلساته‬ ‫الطويلة على جهاز آيباد وأجرى فحوصات طبية‪ ،‬فتبني أنه كان يعاني من‬ ‫مرض خبيث انتشر في عظمه‪ .‬كان العام الدراسي لم ينته بعد‪ ،‬لكن عجمي‬ ‫أعلن تقاعده وحصر نشاطاته بالكتابات الصحافية واإلطالالت التلفزيونية‪.‬‬ ‫عجمي كان إنسانا متكتما على شؤونه الشخصية‪ ،‬لكن أصدقاءه نقلوا‬ ‫عنه أنه أبدى تجاوبا مع العالج وتحسنا كثيرا‪ .‬الشهر املاضي‪ ،‬ردد مقربون‬ ‫من عجمي أن وضعه يسوء وأنه انتقل إلى بيت صيفي له في والية ماين‬ ‫الشمالية ليقضي فيها آخ��ر أي��ام��ه‪ .‬بعد ذل��ك بقليل‪ ،‬أص��در مركز أبحاث‬ ‫هوفر‪ ،‬التابع لجامعة ستانفورد املرموقة‪ ،‬بيانا أعلن فيه وفاة األكاديمي‪،‬‬ ‫الذي شغلت أعماله وآراؤه رجال القرار والسياسة والثقافة في العاصمة‬ ‫األميركية وعواصم أخرى‪.‬‬ ‫رحل ابن بلدة ارنون الجنوبية اللبنانية الذي كان يردد أن عائلته من أصول‬ ‫إي��ران�ي��ة انتقلت إل��ى لبنان بسبب أعمالها ف��ي زراع��ة وصناعة التبغ‪ .‬مع‬ ‫ح�ل��ول الخمسينات‪ ،‬انتقلت عائلته إل��ى ب�ي��روت حيث درس ف��ي مدرسة‬ ‫«إنترناشيونال كولدج»‪ ،‬ولم يكد يتم الثامنة عشرة حتى انتقل إلى الواليات‬ ‫املتحدة حيث أتم دراسته الجامعية‪ ،‬وتزوج األميركية ميشال وأنجب منها‪.‬‬ ‫ومنذ مطلع الثمانينات‪ ،‬ألف عجمي أكثر من عشرة كتب‪ ،‬جاءت باكورتها‬ ‫في العام ‪ 1981‬بعنوان «مأزق العرب» وتناول فيه «الفكر السياسي العربي‬ ‫بعد العام ‪ .»1967‬وفي العام ‪ .1986‬أصدر عجمي كتاب «اإلمام املختفي»‬ ‫الذي عرض فيه سيرة حياة رجل الدين اإليراني اللبناني موسى الصدر‬ ‫الذي اختفى في العام ‪ 1978‬في ظروف غامضة‪.‬‬ ‫وف��ي ال�ع��ام ‪ 1998‬أص��در عجمي كتابا شيقا آخ��ر حمل ع�ن��وان «قصر‬ ‫أحالم العرب»‪ .‬أما آخر كتبه‪ ،‬فصدر في العام ‪ 2012‬وحمل عنوان «الثورة‬ ‫السورية»‪.‬‬ ‫وكان لعجمي عالقات وطيدة مع إدارة الرئيس جورج بوش االبن‪ ،‬الذي كان‬ ‫يستقبله بشكل متواصل في البيت األبيض‪ ،‬وظل على عالقة شخصية معه‬ ‫حتى بعد خروجه من الحكم‪ ،‬فكان بوش يرسل لعجمي بطاقات املعايدة‬ ‫الشخصية بشكل دوري‪ .‬وفي إدارة بوش االبن أيضا‪ ،‬كان لعجمي عالقات‬ ‫وط�ي��دة بنائب الرئيس دي��ك تشيني ووزي��رة الخارجية كوندوليزا راي��س‬ ‫ومساعد وزير الدفاع ديك تشيني‪.‬‬

‫فؤاد عجمي‬

‫هكذا‪ ،‬كان من الطبيعي أن تتكئ إدارة بوش االبن إلى أفكار عجمي وأقواله‬ ‫ومقاالته أثناء حملتها إلقناع ال��رأي العام األميركي بضرورة الذهاب إلى‬ ‫الحرب في العراق‪ .‬وهكذا كان عجمي يطل‪ ،‬في حرب العراق الثانية كما‬ ‫في األول��ى‪ ،‬مدافعا عن ض��رورة الحرب من أجل املصالح األميركية‪ ،‬ومن‬ ‫أجل نشر الديمقراطية وتحرير الشعب العراقي من نير االستبداد الذي‬ ‫كان يعيش في ظله‪.‬‬ ‫ومع أن عجمي تعرض لحمالت انتقاد كبيرة ملساندته حرب العراق‪ ،‬إال‬ ‫أنه وجد نفسه فيما بعد صديقا لكثير من منتقديه أنفسهم الذين راحوا‬ ‫يطالبون اإلدارة األميركية بشن ضربة عسكرية ضد أهداف لقوات الرئيس‬ ‫السوري بشار األسد‪.‬‬ ‫على أن الحزبية األميركية سيطرت على م��واق��ف عجمي‪ ،‬وه��و ثابر في‬ ‫مهاجمة الرئيس باراك أوباما منذ ما قبل انتخابه رئيسا في العام ‪2008‬‬ ‫وحتى املقالة األخيرة التي كتبها في «صحيفة وول ستريت جورنال» في‬ ‫الثالث عشر من الشهر امل��اض��ي‪ ،‬أي بعد ثالثة أي��ام على أح��داث املوصل‬ ‫العراقية‪ ،‬ووجه فيها أصابع اللوم إلى أوباما ورئيس حكومة العراق نوري‬ ‫املالكي‪ ،‬معتبرا أن عدم متابعة األول لسياسة بوش وسحبه القوات األميركية‬ ‫م��ن ال �ع��راق م��ن دون اإلب �ق��اء على ق��وة ص�غ�ي��رة‪ ،‬مترافقا م��ع امل�م��ارس��ات‬ ‫الديكتاتورية للمالكي‪ ،‬هي التي أطاحت باإلنجازات التي تعبت إدارة بوش من‬ ‫أجل التوصل إليها لتثبيت الوضع األمني في العراق مع حلول العام ‪.2009‬‬ ‫رحل عجمي‪ ،‬لكن آراءه باقية‪ ،‬والنقاش حولها سيستمر لسنوات كثيرة‪،‬‬ ‫أو هذه على األقل سنة املثقفني من أمثاله<‬

‫‪,,‬‬

‫كان فؤاد‬ ‫عجمي من‬ ‫أشد املؤيدين‬ ‫لتوجيه ضربة‬ ‫عسكرية‬ ‫أميركية لقوات‬ ‫نظام بشار‬ ‫األسد‬

‫‪,,‬‬

‫* صحافي وكاتب لبناني‪ ،‬مقيم في الواليات املتحدة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪31‬‬


‫قضايا‬

‫رحل فؤاد عجمي‪ .‬رحل الرجل الذي طبعت أناقته اللغوية وغزارة أفكاره النقاش حول الشرق األوسط‬ ‫على مدى العقود الثالثة املاضية‪ .‬رحل الرجل الذي لم يستح من املواجهات الفكرية‪ ،‬ال في وجه ذاك الشاب‬ ‫اإلسرائيلي وخريج جامعة «إم آي تي» بن ناتاي الذي أصبح فيما بعد رئيس حكومة إسرائيل بنيامني‬ ‫نتنياهو‪ ،‬وال في مواجهة األكاديمي الفلسطيني إدوار سعيد‪.‬‬

‫ما بعد فؤاد عجمي‪ :‬ستظل آراؤه باقية والنقاش حلولها سيستمر‬

‫نقد الذات العربية‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫حسني عبدالحسني *‬

‫‪,,‬‬

‫منذ مطلع‬ ‫الثمانينات‬ ‫ألف عجمي‬ ‫أكثر من عشرة‬ ‫كتب‪ ،‬جاءت‬ ‫باكورتها في‬ ‫العام ‪1981‬‬ ‫بعنوان «مأزق‬ ‫العرب»‪ ..‬أما‬ ‫آخر كتبه‬ ‫فصدر في العام‬ ‫‪ 2012‬وحمل‬ ‫عنوان «الثورة‬ ‫السورية»‬

‫‪,,‬‬

‫‪30‬‬

‫فكر فؤاد عجمي لم يكن معقدا كتعابيره‪ ،‬بل كان بسيطا كمحياه‪ .‬املختلفة عن آراء الحزب الحاكم‪ ،‬فابتعد عجمي ولم يزر الوطن األم لعقود‬ ‫ال�ه��دف ه��و رف��اه الشعوب العربية على غ��رار نظيرتها الغربية‪ .‬قبل مماته‪.‬‬ ‫املشكلة كانت في مطلع شبابه سببها إسرائيل التي كانت تجتاح‬ ‫قناة السويس في العام ‪ 1956‬وتبتلع الضفة وغزة والجوالن في العام ‪ .1967‬على أن عجمي لم يتصرف يوما كعربي كاره لنفسه‪ ،‬على ما يحلو لناقديه‬ ‫ال�ق��ول‪ .‬إنجليزيته كانت دوم��ا جميلة ومعقدة‪ ،‬لكنه ل��م يتخل ع��ن لكنته‬ ‫لكن الزمن تغير والعقل العربي بقي على حاله‪.‬‬ ‫كيف تصفي حركة حماس أكثر من ‪ 200‬عضو في فتح إبان انقالبها الذي العربية‪ .‬في األشهر األولى التي تلت الثورات العربية في تونس وليبيا ومصر‬ ‫استولت فيه على قطاع غزة في العام ‪ .2007‬ويكون الحق على إسرائيل؟ وسوريا‪ ،‬أطل بشكل شبه متواصل على القنوات األميركية‪ .‬قدم عجمي‬ ‫كيف يقتل بشار األسد أكثر من ‪ 150‬ألف سوري في ثالث سنوات وتبقى صورة بهية عن الشعوب العربية وعن طموحاتها‪ ،‬ووصفها بمحبة للسالم‬ ‫فلسطني القضية املركزية؟ هناك في فلسطني‪ ،‬بالكاد يصل عدد القتلى والكرم وصديقة للشعوب األخرى‪ ،‬بما فيها الغربية‪ .‬أما املذنب الرئيسي‪،‬‬ ‫الفلسطينيني إلى ‪ 10‬آالف منذ العام ‪ ،1987‬أي بعد انتفاضتني فلسطينيتني في فكر عجمي‪ ،‬فكان االستبداد‪ ،‬إن في شخص صدام حسني في العراق‬ ‫وثالث حروب إسرائيلية‪ ،‬واحدة على الضفة واثنتني على غزة؟‬ ‫أو حافظ وبشار األسد في سوريا أو معمر القذافي في ليبيا‪ .‬الحل‪ ،‬برأي‬ ‫األكاديمي الراحل‪ ،‬يكمن بالتخلص من املستبدين‪ .‬بعد ذلك يصبح الطريق‬ ‫نقد ال��ذات العربية ك��ان في صلب تفكير عجمي‪ ،‬وه��و أم��ر ك��ان يتناقض مفتوحا لغد أفضل يقدم فيه العرب طاقات مجتمعهم الشاب ويلتحقون‬ ‫مع سعيد وأمثاله الذين ألقوا بالالئمة في الشقاء العربي على الكولونيالية بركب العالم املتقدم‪.‬‬ ‫األوروبية أوال‪ ،‬ثم اإلمبريالية األميركية ثانيا‪ ،‬وكأن اإلمبريالية أمر طارئ‬ ‫على العرق البشري‪ ،‬وكأن إسكندر املقدوني‪ ،‬الذي ورد اسمه في القرآن على كان عجمي يستمتع بشعر نزار قباني وبموسيقى أم كلثوم‪ ،‬ويكيل املديح‬ ‫أنه «ذو القرنني»‪ ،‬لم يغز الشرق‪ ،‬ولم يؤسس مدينة حملت اسمه في مصر‪ ،‬أو للحضارة العربية أمام محدثيه‪ ،‬وخصوصا من األميركيني‪ .‬لم يكن عند‬ ‫كأن العرب لم يغزوا بالد فارس وبالد الروم وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا‪ .‬عجمي مشكلة الدونية التي اتهمه بها البعض‪ ،‬لكنه لم يعتقد أن الجذور‬ ‫قد تساهم اإلمبريالية في تعميق أزمة العرب‪ ،‬ولكن قد يمكنها أن تساهم كانت تحتم على العرب أن ينطقوا بلسان واحد أو أن يتشاركوا برأي واحد‪،‬‬ ‫في حلها‪ .‬سعيد وم��ؤي��دوه تبنوا الفكرة األول��ى‪ .‬عجمي ت��درج من األول��ى وهو األمر الذي يبدو أنه فات معظم منتقديه‪ ،‬من العرب كما من األميركيني‪.‬‬ ‫إلى الثانية‪.‬‬ ‫وع�ج�م��ي ك��ان ي ��ردد كلمة «ع ��رب» بشكل م�ت��واص��ل‪ ،‬ح�ت��ى أث �ن��اء حديثه‬ ‫باإلنجليزية‪ ،‬التزم بحرف العني ولم يلفظها «آراب»‪ .‬اثنان من كتب عجمي‬ ‫حملت كلمة عرب في عناوينها‪« :‬مأزق العرب» و«قصر حلم العرب»‪.‬‬ ‫معاداة اإلمبريالية‬ ‫ّ تصور عجمي أن العرب طيبون بفطرتهم‪ .‬في الكويت‪ ،‬سيسعدهم التخلص‬ ‫لكن مدرسة «معاداة اإلمبريالية» ال تؤمن بالتعددية في الرأي العربي‪ .‬كل من قوات صدام التي احتلتهم‪ ،‬وسينثرون الورود والحلوى على املحررين‬ ‫من اختلف معنا فهو «خائن» ومع اآلخرين‪ ،‬يقول ه��ؤالء‪ .‬عزز االنطباع األميركيني‪ ،‬وهو ما حصل‪ .‬وكما في الكويت‪ ،‬اعتقد عجمي أن العراقيني‬ ‫حول «خيانة» عجمي للعرب وقضيتهم املزعومة أن األخير راح يتحدث عن سيستقبلون االجتياح األميركي بالورود والحلوى‪ .‬ربما العبارة لم تكن‬ ‫األميركيني بصيغة «نحن»‪ ،‬فكان أول من تصدى له بعض عرب أميركا‪ .‬من صنع عجمي نفسه بل من صناعة صديقه العراقي كنعان مكية‪ ،‬مؤلف‬ ‫لكن هؤالء‪ ،‬مثل عجمي‪ ،‬وفدوا من دولهم‪ ،‬عاشوا في أميركا‪ ،‬عملوا فيها كتاب «جمهورية ال�خ��وف» تحت اس��م سمير خليل‪ .‬لكن عجمي آم��ن أن‬ ‫ودفعوا ضرائب لحكومتها‪ ،‬أقسموا «يمني الوالء» للواليات املتحدة وحملوا الشعوب العربية‪ ،‬مثل الشعوب األخرى‪ ،‬تصبو للتحرر من الديكتاتوريات‬ ‫ج��وازه��ا‪ .‬لكن لسبب م��ا‪ ،‬ال يقدم ع��رب أميركا من «معاديي اإلمبريالية» الدموية مثل في العراق وسوريا‪.‬‬ ‫أنفسهم على أنهم أميركيون على غ��رار باقي املهاجرين‪ ،‬بل يتصرفون‬ ‫كزوار أو كأن جوازاتهم األميركية هي بطاقات إقامة مؤقتة‪ ،‬وهو ما يدفع لم ينظر عجمي إل��ى العرب كقبائل وط��وائ��ف متناحرة‪ ،‬ول��م يعتبر أن ما‬ ‫جرى في العراق بعد صدام كان بسبب العراقيني‪ ،‬فكتب كتابه عن «الثور‬ ‫األميركيني بدورهم إلى معاملتهم بالصورة نفسها‪.‬‬ ‫السورية»‪ ،‬وصور فيها معاناة‪ ،‬ال السوريني السنة فحسب‪ ،‬بل العلويني‬ ‫لم يتصرف عجمي كأميركي مؤقتا‪ ،‬فالرجل ال��ذي ول��د في قرية ارن��ون ك��ذل��ك‪ ،‬م��ن حكم آل األس ��د‪ .‬وم��ن نافلة ال �ق��ول‪ :‬إن عجمي‪ ،‬ك�ع��رب وع��رب‬ ‫الجنوبية اللبنانية في العام ‪ 1945‬وصل الواليات املتحدة في العام ‪ 1963‬أميركيني كثيرين‪ ،‬كان من أشد املؤيدين لتوجيه ضربة أميركية لقوات‬ ‫وقضى فيها ‪ 50‬عاما حتى وف��ات��ه‪ ،‬ما يعني أن��ه قضى فعليا عمره في نظام األس��د‪ .‬الضربة لم تأت‪ ،‬وهو ما ساهم في زي��ادة حنق عجمي ضد‬ ‫الواليات املتحدة أكثر من وطن منشئه لبنان‪ ،‬الذي ضاق ذرعا به وبآرائه إدارة الرئيس باراك أوباما‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫على املستوى الدولي‪:‬‬ ‫ال شك أن الواليات املتحدة األميركية بصدد إدخال تعديالت على‬ ‫سياستها الشرق أوسطية بعد انفتاحها على إيران وبعد امتناعها‬ ‫عن إرسال قوات برية إلى العراق‪ ،‬وبقدر حسم الواليات املتحدة‬ ‫في مسألة مقاومة «داع��ش» واإلره��اب في العراق‪ ،‬وهي مساندة‬ ‫ترتق إل��ى مساندة على‬ ‫سياسية في نظر الحكومة العراقية لم‬ ‫ِ‬ ‫امليدان‪ ،‬فإنها تركت نوعا من املرارة لدى حكومة بغداد التي كانت‬ ‫ت��أم��ل ف��ي م�س��اع��دة على األرض‪ ،‬لكن ذل��ك ال يعني أن ال��والي��ات‬ ‫املتحدة تنسحب م��ن املشهد ال�ع��راق��ي وال�ش��رق األوس��ط عموما‬ ‫نظرا لتشابك مصالحها باملنطقة عموما‪ ،‬وه��ي مصالح أمنية‬ ‫جيواستراتجية واقتصادية‪ ،‬لكن الذي ّ‬ ‫تغير هو طريقة الوصول إلى‬ ‫تحقيق هذه األهداف‪ ،‬فهل ستتوصل الواليات املتحدة إلى تحقيق‬ ‫معادلة اإلبقاء على مصالحها بالتوصل إلى حلول بأقل التكاليف‬ ‫والخسائر في ظل مشهد دولي شديد الغموض؟ وهل أن تباطؤ‬ ‫الوصول إلى حل في امللف النووي اإليراني حاليا مرتبط باملتغيرات‬ ‫الجيواستراتيجية القادمة ف��ي املنطقة؟ وه��ل أن محادثة بوتني‬ ‫الهاتفية ي��وم ‪ 20‬يونيو ‪ 2014‬مع املالكي للتعبير عن مساندته‬ ‫املطلقة له في حربه على اإلرهاب‪ ،‬يترجم عن تحول جزئي للمكون‬ ‫الشيعي في عالقاته بروسيا من خالل تمتني تحالفه مع روسيا‪،‬‬ ‫مثلما فعل السيسي عندما تضايق من خذالن أميركا له في حربه‬ ‫على اإلخوان‪.‬‬ ‫ويبدو أن أميركا وأوروبا تتحرك اليوم على رمال جد ساخنة‪ ،‬ألنها‬ ‫تتخوف من صدمة بترولية جديدة تؤثر في ارتفاع أسعار النفط إذا‬ ‫اتخذت الحرب في العراق منحى حرب أهلية طويلة‪ ،‬في حني ال يزال‬ ‫هذا الغرب يعيش على فوبيا إمكانية تعطل تمويله بالغاز األوكراني‬ ‫الذي يؤمن نحو ‪ 20‬في املائة من حاجات أوروبا‪.‬‬

‫متهمة من ط��رف بعض املعارضني الشيعة ب��أن لها مصلحة في‬ ‫وج��ود ع��راق ضعيف تتحكم في خيوطه‪ ،‬ولذلك يمكن إلي��ران أن‬ ‫تعدل سياستها في هذا االتجاه‪.‬‬ ‫وت��ؤك��د النخب العراقية حاليا أن ال أم��ل ف��ي ال�ع��ودة مل��ا ك��ان عليه‬ ‫ال�ع��راق قبل ‪ 10‬يونيو‪ ،‬وأن تعامل إي��ران مع ج��ار ق��وي ومستقل‬ ‫أفضل من التعامل مع جار تابع‪ ،‬وبالتالي فاإليرانيون ال يعدمون‬ ‫ذكاء في التعامل مع املستجدات الراهنة بالعراق بالطرق التي تحفظ‬ ‫مصالحهم ومصالح بقية األطراف‪.‬‬ ‫وب �خ �ص��وص ت��رك �ي��ا‪ ،‬ف ��إن م�ص��ال�ح�ه��ا ت �ف��رض ع�ل�ي�ه��ا تشجيع‬ ‫امل �ص��ال �ح��ة ال��وط �ن �ي��ة ح �م��اي��ة ل � ُه��ذه امل �ص��ال��ح‪ ،‬وت �ع��رف ت��رك �ي��ا أن‬ ‫صفحة اإلس�ل�ام السياسي ط��وي��ت‪ ،‬على األق��ل لسنوات طويلة‪،‬‬ ‫وأن البراغماتية السياسية تقتضي التحالف م��ع دول املنطقة‬ ‫لتطويق خطر اإلرهاب والحفاظ على مصالحها الحيوية القومية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ويتوقع بعد هدوء عاصفة املعارك في العراق أن يجتمع مسؤولو‬ ‫كل من إي��ران وتركيا والسعودية للتباحث في مستقبل األمن‬ ‫باملنطقة‪ ،‬وفي مقدمتها الوضع في سوريا وال ننسى أن دعوة‬ ‫وزي��ر الخارجية العراقي إلى الرياض تبقى مفتوحة في انتظار‬ ‫الظروف املالئمة‪ ،‬كما جدد األمني العام لألمم املتحدة بان كي مون‬ ‫دعوته يوم ‪ 20‬يونيو ‪ 2014‬للسعودية وإيران للجلوس إلى مائدة‬ ‫التفاوض والتباحث في الخيارات التي تجنب املنطقة تداعيات‬ ‫الفوضى األمنية واإلرهاب‪.‬‬

‫أما الصني وروسيا فإنهما تعتبران أن ما حصل في العراق فشل‬ ‫للسياسة األميركية في املنطقة‪ ،‬ويدعو ه��ذا البلدين إل��ى مقاومة‬ ‫اإلرهاب داخل العراق وخارجه واإلسراع بإنجاز املصالحة الوطنية‪.‬‬ ‫إن الخطر الذي يجدر االنتباه إليه هو أن أخطار الحرب األهلية في‬ ‫العراق تكمن في أن تيارات اإلرهاب ستصبح صناعة رائجة يجري‬ ‫إعدادها في مخابر متعددة تنتشر بسرعة إقليميا ودوليا‪.‬‬ ‫وإج�م��اال ف��إن ع��ودة ال�ه��دوء واألم��ن إل��ى ال�ع��راق تصبح ض��رورة‬ ‫عراقية وخليجية وعربية ودول�ي��ة‪ ،‬ويبقى ه��ذا ال�ه��دوء مرهونا‬ ‫ب�ت�ن��ازالت ك��ل األط ��راف واالب�ت�ع��اد أكثر م��ا يمكن ع��ن خطابات‬ ‫التجييش التي ال تزال على أشدها في الوقت الحاضر‪ .‬ورغم أن‬ ‫مخاطر التقسيم ال تزال حاضرة بقوة فإنها يمكن أن تؤدي إما‬ ‫إلى قيام دولة كردية مستقلة في أقصى الحاالت‪ ،‬أو إلى االعتراف‬ ‫لألكراد بتوسيع صالحيات الحكم الذاتي واالعتراف لهم بضم‬ ‫ك��رك��وك وامل�ن��اط��ق ال�ت��ي س�ي�ط��روا عليها أخ�ي��را إل��ى حكومتهم‬ ‫الحالية‪ ،‬مع تمكني ه��ذه الحكومة من حرية التعاقد الكامل مع‬ ‫ّ‬ ‫الخارج في ال�ث��روات النفطية‪ ،‬وف��ي املقابل ف��إن استفادة السنة‬ ‫من الحراك األخير ليس واضحا وال مضمونا‪ ،‬كما أن مشروع‬ ‫التقسيم مساوئه بالنسبة لهم أكثر م��ن محاسنه على امل��دى‬ ‫الطويل‪ ،‬ولذلك فالعراق على مفترق ط��رق ول��ن يكون الحل إال‬ ‫ّ‬ ‫سياسيا كما أن سياسة الترضية تجاه السنة واألكراد ستزيد‬ ‫ُ‬ ‫ال�ع��راق ق��وة‪ ،‬وستكون دول��ة املواطنة التي يمكن أن تنجز على‬ ‫مراحل‪ ،‬هي الضامن الرئيس واألساس لعودة العراق دولة موحدة‬ ‫وقوة إقليمية مشعة بمدنيتها وديمقراطيتها وانفتاحها على‬ ‫األجوار وعلى العالم <‬

‫‪,,‬‬

‫أخطار الحرب‬ ‫األهلية في‬ ‫العراق تكمن‬ ‫في أن تيارات‬ ‫اإلرهاب‬ ‫ستصبح‬ ‫صناعة رائجة‬ ‫يجري إعدادها‬ ‫في مخابر‬ ‫متعددة تنتشر‬ ‫إقليميا ودوليا‬

‫‪,,‬‬

‫* باحث في التاريخ املعاصر بكلية اآلداب والفنون واإلنسانيات ‪ -‬جامعة منوبة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪29‬‬


‫قصة الغالف‬

‫هل باإلمكان تفادي سايكس بيكو جديد؟‬ ‫إن تغير كثير من املعطيات على األرض في املعارك الدائرة حاليا‬ ‫في العراق يفرض أن يكون الحل قائما على مرتكزات موضوعية‬ ‫لتفادي مشروع تقسيم العراق‪ ،‬وأبرز هذه املرتكزات‪:‬‬

‫‪,,‬‬

‫اإلسراع‬ ‫باملصالحة‬ ‫الوطنية‬ ‫سينعكس حتما‬ ‫على الوضع‬ ‫اإلقليمي وعودة‬ ‫الدولة العراقية‬ ‫للسيطرة‬ ‫على حدودها‬ ‫ّ‬ ‫ستمكنها من‬ ‫تحجيم «داعش»‬

‫‪,,‬‬

‫ تشكيل حكومة عراقية موسعة من دون رئاسة املالكي‪.‬‬‫ وضع خارطة طريق تنظم العالقات بني مختلف الطوائف واملذاهب‬‫تبدأ بترضيات للسنة واألك��راد وتنتهي بإصدار تشريعات تعزز‬ ‫التوجه نحو دولة املواطنة الحقيقية‪.‬‬ ‫ مقاومة ومنع ك��ل امليليشيات املسلحة خ��ارج إط��ار ال��دول��ة عند‬‫حصول االتفاق‪.‬‬ ‫ منع أي تدخل خارجي في العراق سواء كان أميركيا أو إيرانيا‪،‬‬‫ألن أي تدخل خارجي يحمل تبعات وتكون له تداعيات‪.‬‬ ‫ ُّ‬‫توحد كل األط�ي��اف السياسية في ال�ع��راق ح��ول مشروع واضح‬ ‫ملقاومة اإلرهاب يبدأ بالقضاء على جذوره االجتماعية والسياسية‬ ‫واأليديولوجية وينتهي بإقامة وفاق واسع حول أمهات القضايا‪.‬‬ ‫وف��ي ه��ذا اإلط��ار تصبح مقاومة إره��اب «داع ��ش» وم��ن ك��ان على‬ ‫شاكلتها ضرورة وطنية وإقليمية‪ ،‬ألن تمدد هذه الفصائل داخل‬ ‫العراق وخارجه يهز استقرار املنطقة كاملة‪.‬‬ ‫ اإلسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية‪ ،‬ألن ذلك ُ‬‫سيجنب العراقيني‬ ‫مآسي كثيرة‪ .‬وهناك قيادات قادرة على تحمل رئاسة الحكومة في‬ ‫هذه الفترة مثل السيد عمار الحكيم أو إياد عالوي أو غيرهما‪ ،‬وقد‬ ‫قابلت الحكيم منذ ثالثة أشهر وك��ان متحمسا ملشروع دمقرطة‬ ‫العراق‪ ،‬وملست لديه رغبة أكثر في التعاون مع دول الخليج إلحداث‬ ‫توازن بني الشق القريب من إيران والشق القريب من دول الخليج‪.‬‬ ‫وأعتقد أن حكومة بها الحكيم وع�لاوي وأنصار املالكي وقيادات‬ ‫بارزة سنية وكردية‪ ،‬تكون قادرة على امتصاص مخاطر التقسيم‪،‬‬ ‫ألن ه��ذا التقسيم سيكون كارثة ال على العراق فحسب‪ ،‬بل على‬ ‫دول املنطقة أيضا‪ .‬وأعتقد أن إيران لن تمانع مع مثل هذا الحل‪ ،‬ألن‬ ‫مصلحتها على املدى املتوسط والبعيد لن تكون في دولة طائفية‪.‬‬

‫مآالت الحرب في العراق وطنيا وإقليميا ودوليا‬ ‫مائدة‬ ‫على املستوى الوطني‪:‬بقدر ما يقع اإلس��راع بالجلوس إل��ى ّ‬ ‫التفاوض بقدر ما تكون التداعيات أقل حدة‪ ،‬وعراق الغد ُيسطره‬ ‫الحوار الوطني الذي ال يستثني أحدا‪ ،‬سواء كان عراقا مركزيا أو‬ ‫فيدراليا أو شبه فيدرالي‪ .‬لكن األهم هو النجاح في تشكيل حكومة‬ ‫يقبلها الجميع ويكون لها برنامج سياسي واقتصادي واعد يقضي‬ ‫تدريجيا على التهميش والفساد‪ ،‬ويحقق فرصا أكبر للتشغيل‪،‬‬ ‫وه��ذا شرط ض��روري لعودة إشعاع ثقافة التعايش التي افتقدها‬ ‫العراقيون في السنوات األخيرة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ويستحسن أن تتضمن الحكومة ك��وادر مقتدرة من التكنوقراط‬ ‫في وزارات التنمية الجهوية واالقتصاد الوطني‪ُ ،‬‬ ‫ويستحسن كذلك‬ ‫الشروع في ضبط استراتيجية أمنية جديدة تجعل األمن والجيش‬ ‫جمهوريا بحق في خدمة املجتمع‪ ،‬ويجري انتقاء قياداته على أساس‬ ‫الحرفية غير املؤدلجة‪ ،‬ألن ضمان بقاء أي دولة يكمن في وجود‬ ‫جيش قوي محترف والتفاف شعبي حول خيارات هذه الدولة عندما‬ ‫تكون قائمة على املواطنة الحقة‪.‬‬ ‫على املستوى اإلقليمي‪:‬إن اإلسراع باملصالحة الوطنية سينعكس‬ ‫حتما على ال��وض��ع اإلقليمي‪ ،‬وبالتالي ف��إن ع��ودة ال��دول��ة العراقية‬ ‫ّ‬ ‫للسيطرة على ح��دوده��ا‪ ،‬وخصوصا م��ع س��وري��ا ستمكنها من‬

‫‪28‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫مقاتلون ينتمون الى داعش يضعون الفتة‬ ‫كبيرة تحمل اسم التنظيم عند مدخل مدينة‬ ‫حلب بعد استيالء عناصر على شمال املدينة‬

‫تحجيم «داعش» وبقية التنظيمات الراديكالية في انتظار الوصول‬ ‫إلى حل سياسي للنزاع السوري بعد أن اتضح أن ال��دول الكبرى‬ ‫غير قادرة أو ال ترغب في الحسم العسكري في هذه الحرب‪ .‬لكن‬ ‫بقاء الجرح السوري مفتوحا سيؤثر بشكل مباشر على العراق‬ ‫حتى لو ّأمن هذا األخير حدوده‪ ،‬ألن القضاء على إرهاب «داعش»‬ ‫ومثيالتها يستغرق وقتا أطول‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن العراقيني السنة الذين ساندوا املالكي في ح��رب الصحوات ال‬ ‫يريدون أن ُيخدعوا ثانية‪ ،‬لذلك نجد أن مساندة الحكومة القادمة‬ ‫ستكون على أساس البرنامج ال على أساس الوعود‪ ،‬وبالتالي فإن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحمس العراقيني السنة لطرد اإلرهابيني سيكون متزامنا مع ما‬ ‫يرونه من تغيير على أرض الواقع‪.‬‬ ‫أما دول الخليج وفي مقدمتها السعودية‪ ،‬فإنها لن تمانع ال في قيام‬ ‫حكومة وح��دة وطنية وال في منح ترضيات حقيقية للمحافظات‬ ‫السنية‪ .‬وترى السعودية وحلفاؤها كذلك أن من مصلحتها التعاون‬ ‫م��ن أج��ل منع تمدد ال�ت�ي��ارات املتشددة دينيا‪ .‬وال يختلف موقف‬ ‫مصر مع موقف دول الخليج بما في ذلك قطر التي حاولت أخيرا‬ ‫التصالح مع مصر‪ ،‬ولعل ذلك سيساعد في تطويق الظاهرة اإلرهابية‬ ‫باملنطقة (البعض اآلخر يرى أن قطر في طريقها إلى رفع يدها عن‬ ‫مساندة التيار اإلخواني بالعالم العربي)‪ .‬وبخصوص إيران‪ ،‬هناك‬ ‫مؤشرات على تغيير ستقدم عليه إيران مستقبال في العراق‪ ،‬ألن‬ ‫النقد املوجه إليها يأتي من الطيف الشيعي قبل السني‪ ،‬فإيران‬


‫في الفترة األخيرة بسبب االختالف حول مسألتني‪ :‬مسألة إلحاق ما نراه اليوم‪ .‬ولم تنفع الـ‪ 41‬مليار دوالر التي خصصتها الحكومة‬ ‫كركوك بمناطق الحكم الذاتي الكردي‪ ،‬ومسالة حق الحكومة الكردية العراقية خالل سنوات ‪ 2014 - 2011‬لدعم القوات املسلحة في رد‬ ‫في عقد صفقات مع الشركات البترولية دون الرجوع إلى موافقة خطر اإلره ��اب‪ ،‬بل رأينا انسحابات مذهلة لقادة عسكريني يوم‬ ‫‪ 10‬يونيو ‪ 2014‬اضطرت حكومة بغداد أن تحيلهم إلى القضاء‬ ‫حكومة بغداد‪.‬‬ ‫العسكري‪.‬‬ ‫إن سياسة اإلقصاء وغياب الحوكمة وارتفاع نسبة الفساد املالي‬ ‫واإلداري تشكل أرضية خصبة لراديكالية املعارضة‪.‬‬ ‫فاملتضررون هل يشهد العراق واملنطقة سايكس بيكو جديدا؟‬ ‫كثيرون من كل الطوائف واملذاهب وفي مقدمتهم التيار السني‪.‬‬ ‫والجدير بالذكر أن العراق لم يتخلص في الحقيقة من ظاهرة الفساد‬ ‫منذ ع�ق��ود‪ ،‬ففي الثمانينات م��ن ال�ق��رن ال �ـ‪ُ 20‬ب��ددت م��وارد البالد‬ ‫وإمكانياتها االقتصادية في حروب عبثية ال طائل من ورائها‪ ،‬وفي‬ ‫التسعينات ازدادت نسبة الفساد مع وضعية الحصار الدولي الذي‬ ‫عاشه العراق فانخفض دخل الفرد وأصبح االرتشاء واملحسوبية‬ ‫عملة رائجة للتغلب على تكاليف املعيشة املرتفعة‪.‬‬

‫وثان ملنطقة الشرق‬ ‫تحدثت بعض الدراسات عن سايكس بيكو أول ٍ‬ ‫األوسط قبل ‪ 10‬يونيو ‪ .2014‬فاألول كما هو معلوم كان في ‪1921‬‬ ‫عندما جرى اقتطاع لواء اإلسكندرونة من سوريا وأعطي لتركيا‪،‬‬ ‫يجر إنجازها‪،‬‬ ‫أما سايكس بيكو الثاني فكان فكرة ومشروعا لم ِ‬ ‫ارتبطت بالربيع العربي مع حكم اإلخوان املسلمني في تونس ومصر‬ ‫وليبيا‪ ،‬وإمكانية تمدد حكمهم إلى دول أخرى‪ .‬فكان هذا املشروع‬ ‫اإلخ��وان��ي يترجم حسب ه��ذه ال��دراس��ات عن «ام�ت��داد حكمهم من‬ ‫املغرب العربي إل��ى ح��دود ال�ع��راق؛ بحيث تشمل تونس – ليبيا –‬ ‫الجزائر – املغرب – مصر – األردن ‪ -‬سوريا بالتنسيق مع تركيا‬ ‫وقطر»‪.‬‬

‫وب�ع��د تغيير ن�ظ��ام الحكم ف��ي ‪ 2003‬ك��ان األم��ل ق��وي��ا ف��ي تفادي‬ ‫أخطاء النظام السابق‪ ،‬لكن ما حصل هو أن الدولة الجديدة ورثت‬ ‫أسلوب رجال الدولة القديمة في التصرف املالي واإلث��راء املشبوه؛‬ ‫حيث كانت السيطرة على الثروات تجري دون مراقبة أحيانا ودون‬ ‫إصدار تشريعات تقضي في العمق على جذور الفساد‪ُ ،‬‬ ‫وص ّنف وسقط هذا املشروع‪ ،‬كما يقول أصحاب هذه الدراسات‪ ،‬بسقوط‬ ‫ُ ُ‬ ‫العراق في السنوات األخيرة كثالث دولة في الفساد‪ ،‬حسب «منظمة مرسي ال��ذي لو بقي لكانت ن��ذر الحرب األهلية في نظرهم‪ ،‬تطال‬ ‫دوال عربية كثيرة‪ .‬ومما ساعد في وأد هذا املشروع الدعم الخليجي‪،‬‬ ‫الشفافية الدولية»‪.‬‬ ‫وخصوصا السعودي واإلماراتي والبحريني‪ ،‬لنظام الحكم الجديد‬ ‫كل ه��ذه العوامل زادت من حالة الغليان واالحتقان‪ ،‬ألن ع��راق ما في مصر‪ .‬وبالتالي يرى ُم ّ‬ ‫عدو هذه البحوث أن مشروع تيار اإلسالم‬ ‫بعد صدام لم يدخل نادي البلدان الديمقراطية رغم تعدد العمليات السياسي بعد الربيع العربي كان يهدف إلى أبعد من مسألة الوصول‬ ‫االنتخابية‪ ،‬ألن املنطلق كان خاطئا منذ البداية؛ إذ ال تزال العقلية إلى الحكم‪ ،‬بل كان الهدف يتمثل في إحداث تغيرات جيواستراتجية‬ ‫الطائفية في الحكم متفوقة على عقلية دولة املواطنة فكانت النتيجة عميقة في املنطقة‪.‬‬

‫كردية من قوات البيشمركة في‬ ‫السليمانية تتأهب للقتال ضد «دولة‬ ‫العراق اإلسالمية وبالد الشام»‬ ‫(داعش) ‪ 25 -‬يونيو املاضي‬

‫‪,,‬‬

‫الصني‬ ‫وروسيا‬ ‫تعتبران أن‬ ‫ما حصل في‬ ‫العراق فشل‬ ‫للسياسة‬ ‫األميركية‬ ‫في املنطقة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪27‬‬


‫قصة الغالف‬

‫«داعش» هذا التيار اإلرهابي القديم الجديد بالعراق تصدر األحداث في وسائل اإلعالم الوطنية والعربية‬ ‫والدولية‪ ،‬فالعراقيون تآلفوا منذ مدة طويلة مع التفجيرات والعمليات اإلرهابية اليومية لكنهم لم يهضموا كيف‬ ‫تحولت من اعتداءات متفرقة‪ ،‬إلى ما يسميه البعض شبه غزو للبالد‪ ،‬وينعته البعض اآلخر بالثورة الداخلية‪.‬‬ ‫فالذي حصل أمر جلل‪ ،‬والذي سيحصل ال يقل أهمية‪.‬‬

‫هل للعراق أن يختار بني التقسيم والدولة املدنية؟‬

‫فتوحات «داعش»!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫د‪ .‬أعلية عالني *‬

‫‪,,‬‬

‫تسارعت‬ ‫األحداث في‬ ‫العراق منذ‬ ‫يوم ‪ 10‬يونيو‬ ‫املاضي بشكل‬ ‫فاجأ البعض‬ ‫في الوقت الذي‬ ‫توقعه بعض‬ ‫الخبراء‬

‫‪,,‬‬

‫‪26‬‬

‫هل أصبح نظام الحكم في ال�ع��راق بعد رحيل األميركان‬ ‫غ�ي��ر ق ��ادر ع�ل��ى إش��اع��ة االس �ت �ق��رار واألم� ��ن؟ وه��ل أن ما‬ ‫حصل من تأزم أمني في األشهر األخيرة يعود إلى عوامل‬ ‫داخلية وخارجية أو االثنني معا؟ وهل أن ما حصل يوم ‪ 10‬يونيو‬ ‫(حزيران) ‪ 2014‬وما بعده يؤشر إلى خريطة جديدة في العراق؟‬ ‫وخ��ري�ط��ة ج��دي��دة ف��ي ال�ش��رق األوس ��ط؟ وه��ل أن ت��داع�ي��ات الحرب‬ ‫السورية ستكون أحد أهم العوامل املهمة في التأثير على العراق‬ ‫سلبا أو إيجابا؟ ما هي أبرز مآالت الحرب الدائرة حاليا في العراق اإلرهاب في العراق بني عنف «داعش» وغياب الحوكمة‬ ‫وتداعياتها على الوضع الداخلي واإلقليمي؟‬ ‫تزامن انسحاب آخر جندي أميركي من العراق في ديسمبر (كانون‬ ‫األول) ‪ 2011‬مع اندالع انتفاضات الربيع ّالعربي وبداية الحرب في‬ ‫إرهاب متعدد األلوان‬ ‫سوريا‪ .‬وكان القليل من الباحثني من تفطن إلى حقيقة هذا الربيع‬ ‫العراق بسكانه الـ‪ 33‬مليونا هو بلد الحضارات واألدي��ان واملذاهب العربي؟ ه��ل ج��اء فعال م��ن أج��ل االن�خ��راط الجماعي ف��ي مشروع‬ ‫وتعدد الثقافات وبلد النفط أيضا‪ ،‬يجد نفسه اليوم أمام أخطر أزمة الديمقراطية ومنظومة ح�ق��وق اإلن�س��ان أم ك��ان مقدمة لتحوالت‬ ‫ال تقل حدة عن حرب ‪ ،2003‬بلد له كل مقومات اإلقالع االقتصادي إقليمية عميقة في منطقة شمال أفريقيا والشرق األوسط؟‬ ‫والثقافي بحكم التنوع العرقي واملذهبي والثراء في امل��وارد‪ ،‬لكنه‬ ‫غارق في الديون واالقتتال‪ .‬ففي عهد صدام حسني لم يخرج من لم تكن الحكومة العراقية مرتاحة كذلك‪ ،‬والحق يقال‪ ،‬لهذا الربيع‬ ‫كالكل الحكم الفردي الذي أدى به إلى مغامرات حربية كلفته وكلفت العربي الذي انتقده نوري املالكي مرارا‪ ،‬كما لم تترك الحرب السورية‬ ‫ألن ح��رب الخليج األول��ى والثانية أع��ادت العراق إلى أي إمكانية لبسط الحكومة العراقية نفوذها على املحافظات الثائرة‪،‬‬ ‫العراق غاليا‪ّ ُ ،‬‬ ‫مربع ال��دول امل��ول��ى عليها‪ .‬لكن الحاكمني ال�ج��دد ل��م يستخلصوا وأصبحت التفجيرات شبه اليومية في بغداد واملدن األخرى مشهدا‬ ‫الدرس‪ ،‬ألنهم لم يتوصلوا إلى اختيار الطريق األسلم نحو بناء عراق معتادا‪.‬‬ ‫ديمقراطي مدني وحداثي‪.‬‬ ‫وكانت أخبار «داعش» التي تقدر التقارير األجنبية عدد مقاتليها‬ ‫كانت التنظيمات اإلرهابية تسعى إلى تقويض االستقرار األمني بني ‪ 5‬آالف في سوريا و‪ 6‬آالف في العراق‪ ،‬تثير استغراب املتابعني‬ ‫ب��دع��وى م�ح��ارب��ة ال��وج��ود األم �ي��رك��ي ف��ي ال �ع��راق م��ن أب��و مصعب ل�ل�ش��ؤون األم�ن�ي��ة ف��ي ال�ش��رق األوس ��ط؛ حيث زاد نسق العمليات‬ ‫ال��زرق��اوي إل��ى ال�ق��اع��دة ف��ي ب�ل�اد ال��راف��دي��ن ون �ش��أة ج�م��اع��ة ال��دول��ة اإلرهابية بشكل يكاد يكون يوميا قبل ‪ 10‬يونيو ‪ ،2014‬وال شك أن‬ ‫اإلسالمية في ال�ع��راق في ‪ 10‬أكتوبر (تشرين األول) ‪ 2006‬إلى املسألة تتجاوز «داعش»‪ .‬فالغاضبون كثيرون من غير «داعش» بدءا‬ ‫الدولة اإلسالمية في العراق والشام سنة ‪ 2013‬التي تزامنت مع بالعشائر الذين وقع تهميشهم‪ ،‬ومرورا بجيش الطريقة النقشبندية‬ ‫تطور الحرب في سوريا‪ ،‬لكن نشاط القاعدة لم يجد املسؤولون وانتهاء بجيش الراشدين وكتيبة العشرين وأنصار البعث ومختلف‬ ‫الفصائل السنية املسلحة‪.‬‬ ‫العراقيون له من حل سوى إنشاء الصحوات‪.‬‬

‫أو سوء الخدمات‪ ،‬باإلضافة إلى اإلهانات التي يتعرض لها السكان‬ ‫والفاعلون السياسيون حسبما ورد في بعض التقارير‪ ،‬فكان ذلك‬ ‫أحد الدوافع الرئيسة في ع��ودة التوتر بني سكان هذه املحافظات‬ ‫والحكومة املركزية‪ ،‬وأخذ هذا التوتر أشكاال متعددة من االحتجاج‪.‬‬ ‫ولم تكن «القاعدة» بعيدة عن العنف والقتل وزرع الرعب بل وجدت‬ ‫بيئة حاضنة وظروفا مالئمة زادتها الحرب السورية اشتدادا‪.‬‬

‫واستفاد املالكي كثيرا منها؛ حيث أبلت الصحوات بالء حسنا في‬ ‫طرد القاعدة من العراق مقابل إغ��داق الدولة أم��واال عليها ووع��ودا‬ ‫ّ‬ ‫بتنمية املناطق السنية‪ .‬لكن املالكي وما أن زال خطر القاعدة حتى‬ ‫تراجعت حكومته في التزاماتها نحو الصحوات وأوقفت األجور‬ ‫التي كانت تدفعها لهم ّ‬ ‫وغيرت من أسلوب معاملتها لسكان هذه‬ ‫املناطق اعتمادا على توجه يغلب عليه الطابع الطائفي‪ .‬وازدادت الحالة‬ ‫سوءا في املحافظات السنية سواء في مجال ارتفاع نسبة البطالة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫ه��ذه امل�ج�م��وع��ات ف��ي نظر املحللني اض�ط��ر بعضها للتحالف مع‬ ‫«داعش» في ظل انسداد أبواب الحوار بينها وبني الحكومة العراقية‪.‬‬ ‫لكن يجدر التذكير أن الطيف السني ليس كله متورطا في التعامل‬ ‫مع «داعش» مثلما أن الطيف الشيعي ليس كله متناغما مع سياسة‬ ‫املالكي‪ ،‬وبالتالي فإن اندالع املعارك في ‪ 10‬يونيو ‪ 2014‬كان نتيجة‬ ‫متوقعة لسياسة األبواب املوصدة بني السلطة املركزية واملعارضة‬ ‫السنية‪ .‬بل إن الخالف امتد كذلك إل��ى املجموعة الكردية خاصة‬


‫والعراق لن يكون بانتهاج استراتيجية شيعية‪ .‬في الحقيقة ال‬ ‫يجب أن يكون التركيز على احتواء ودح��ر «داع��ش»‪ ،‬بل يجب‬ ‫أن يمنع الشيعة وتحديدا القوات اإليرانية من العمل والتحرك‬ ‫بحرية بني البلدين‪.‬‬

‫العراق سوف يجعل واشنطن مدينة بالفضل لطهران‪ ،‬مما يقلل‬ ‫من نفوذ الواليات املتحدة في املفاوضات‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬سوف‬ ‫يضفي التعاون العسكري بشأن ال�ع��راق سمة «التطبيع» بني‬ ‫العالقات األميركية اإليرانية‪ ،‬وهي خطوة كبيرة في سبيل تحقيق‬ ‫إحدى أولويات إيران بتقليص و‪ /‬إنهاء نظام العقوبات الدولية‬ ‫املفروضة على الدولة املارقة‪.‬‬ ‫وكما يفعل «داعش»‪ ،‬يمثل اإلرهابيون الشيعة في سوريا قوة‬ ‫مزعزعة لالستقرار تعمل على إط��ال��ة أم��د ال�ح��رب‪ .‬لذلك يجب‬ ‫أن تكون هناك استراتيجيات مختلفة في سوريا والعراق‪ .‬في‬ ‫التوزيع الديموغرافي في العراق‬ ‫سوريا‪ ،‬يجب أن تساعد واشنطن السنة املعتدلني على السيطرة‪:‬‬ ‫ولعل الخطر األكبر الذي يحيط بتعاون واشنطن مع طهران ضد وفي العراق‪ ،‬يجب أن يكون الهدف هو فصل املجتمع السني وعزل‬ ‫«داعش»‪ ،‬هو املخاطرة بالجمع بني الحربني العراقية والسورية‪« .‬داعش» ومحاربته‪ ،‬والتشجيع على وجود حكومة عراقية أكثر‬ ‫وفي حني يوجد «داعش» في كلتا الدولتني ويتخذ خطوات إلزالة شموال يقودها الشيعة في بغداد‪.‬‬ ‫الحدود بينهما ‪ -‬إذ يزيل الحدود الترابية بالجرافات على سبيل في كلتا الحالتني‪ ،‬لم ولن تلعب إي��ران دورا إيجابيا يهدف إلى‬ ‫تعزيز االستقرار‪.‬‬ ‫املثال ‪ -‬فإن سوريا والعراق ال يمثالن نزاعا واحدا‪.‬‬ ‫إن نظام األسد في دمشق ديكتاتوري يتسم بالذكاء‪ ،‬يستخدم وه �ك��ذا ي�ج��ب أال ي �ك��ون ال �ه��دف ال��رئ�ي��س ل��واش�ن�ط��ن وحلفائها‬ ‫اإلقليميني البحث عن طريق شيعي‪ ،‬بل وضع استراتيجية سنية‪.‬‬ ‫أسلحة ال��دم��ار الشامل وينفذ سياسة التجويع ض��د السكان وبدال من التطلع إلى إيران‪ ،‬يجب أن تعمل الواليات املتحدة على‬ ‫السنة الذين يشكلون األغلبية‪ ،‬سعيا منه لالحتفاظ بالسلطة إشراك الدول العربية السنية في الحل‪.‬‬ ‫في سوريا‪ .‬أما بالنسبة لحكومة املالكي‪ ،‬فعلى الرغم من عدم‬ ‫مثاليتها‪ ،‬فإنها حكومة جاءت عبر انتخابات ديمقراطية‪ .‬يجب ربما تهدأ القوى الطائفية والعرقية التي تخرج عن املركزية إذا‬ ‫أن يرحل املالكي‪ ،‬فهو لن يجري إصالحات‪ .‬ولكن في ظل التوزيع انتهى وجود دولة موحدة في العراق‪ .‬وبغض النظر عما سيحدث‪،‬‬ ‫الديموغرافي في ال�ع��راق‪ ،‬من الواقعي أن يكون رئيس ال��وزراء س��وف يعيش الشعب ال��ذي ك��ان يسكن م��ا ع��رف باسم ال�ع��راق‪،‬‬ ‫شيعيا وإن كان غير مناسب‪.‬‬ ‫متقاربا لفترة ما مقبلة‪ .‬وسوف يؤكد تدخل إيران املستمر على‬ ‫أن العنف سيستمر في بالد الرافدين بغض النظر عما سيؤول‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬يرى «داعش» أن العراق وسوريا يمثالن مسرحا إليه حال العراق‪ ،‬إذ تكمن إيران في صميم املشكلة‪ .‬وأيا كان الحل‪،‬‬ ‫واحدا للعمليات‪ .‬ولكن الحل املنشود لألزمتني في كل من سوريا فال بد أن يتضمن تدخال إيرانيا أقل وليس أكبر <‬

‫عراقي يحمل سالحا اثناء مشاركته‬ ‫في موكب للمقاتلني الشيعة ببغداد‬ ‫وجنوب العراق في عرض يستهدف‬ ‫املسلحني من تنظيم داعش‬ ‫(يونيو املاضي)‬

‫‪,,‬‬

‫نشر القوات‬ ‫اإليرانية إلى‬ ‫جانب الجيش‬ ‫العراقي‬ ‫يدفع بالسنة‬ ‫إلى أحضان‬ ‫«داعش»‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪25‬‬


‫قصة الغالف‬

‫أثارت املكاسب العسكرية التي حققها تنظيم «داعش» مؤخرا في العراق تكهنات بأن الجماعة اإلرهابية سوف‬ ‫تدخل بغداد قريبا‪ .‬بعد أسابيع من مالحقة «داعش» للجيش العراقي واالستيالء على املوصل‪ ،‬لم تصل‬ ‫إدارة أوباما إلى صيغة سياسية لدحر امليليشيات اإلسالمية‪ ،‬ولكنها قدمت تلميحات حول األسلوب الذي‬ ‫تنوي التعامل به مع األزمة‪ .‬في ‪ 17‬يونيو (حزيران) املاضي‪ ،‬صرح وزير الخارجية جون كيري بأن واشنطن‬ ‫«منفتحة على املباحثات» مع طهران من أجل بحث ما إذا كانت الدولة اإلسالمية تستطيع أن تساعد على‬ ‫إنهاء العنف الدائر في العراق‪.‬‬

‫في العراق مثلما في سوريا‪ ..‬إيران مشكلة وليست حال‬

‫صنع يف طهران!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ديفيد شينكر‬

‫‪,,‬‬

‫كان تدخل‬ ‫الحكم الديني‬ ‫الشيعي‬ ‫في الشؤون‬ ‫السياسية‬ ‫العراقية ضارا‬ ‫مما أدى إلى‬ ‫تزايد انقسام‬ ‫العراق على‬ ‫أسس طائفية‬

‫‪,,‬‬

‫‪24‬‬

‫الله» ضد املسلحني السنة‪ .‬واألسوأ من ذلك ما يحدث في سوريا‪،‬‬ ‫حيث أبدت واشنطن موقفا مرتبكا تجاه الثوار السنة‪ ،‬وظهر أنها‬ ‫تفضل نظام األسد الشيعي‪ /‬العلوي «الذي تعرفه» على البديل‬ ‫اإلسالمي السني غير املقبول في دمشق‪.‬‬

‫يحمل اقتراح كيري‪ ،‬بأن اإلدارة األميركية على استعداد‬ ‫إلج��راء تنسيق عسكري ‪ -‬أو على األق��ل من أجل عدم‬ ‫تضارب العمليات ‪ -‬في هجوم مضاد على «داعش» مع‬ ‫إيران‪ ،‬تناقضا مفاجئا مع السياسة األميركية التي استمرت منذ‬ ‫عقد في العراق‪ .‬إنها استراتيجية لن تؤدي‪ ،‬إذا جرى تنفيذها‪،‬‬ ‫سوى إلى مزيد من التدهور في الواقع‪ ،‬وربما تسفر عن حرب وبالنظر إلى ميل اإلدارة الظاهري إلى الشيعة وتجنبها للتدخل‬ ‫أهلية عراقية شاملة‪.‬‬ ‫العسكري املباشر في املنطقة‪ ،‬ليس من املفاجئ أن تظهر دعوة‬ ‫التعاون مع إيران ضد «داعش»‪ .‬بيد أنه توجد مخاطر كبيرة في‬ ‫منذ الغزو األميركي في ع��ام ‪ ،2003‬عملت إي��ران على عرقلة إقامة واشنطن شراكة مع إيران ضد «داعش»‪.‬‬ ‫االس�ت�ق��رار ف��ي ال �ع��راق‪ .‬وأس�ف��ر ال��دع��م ال��ذي تقدمه ط�ه��ران إلى‬ ‫امليليشيات الشيعية في العراق ‪ -‬والذي تضمن توفير األسلحة على األقل‪ ،‬سوف يؤكد التعاون مع إيران في العراق لكل من السنة‬ ‫والشحنات التفجيرية املميتة ‪ -‬عن مقتل أعداد هائلة من القوات والشيعة أن الواليات املتحدة تقف إلى جانب أحد الطرفني في‬ ‫األميركية أثناء فترة االحتالل‪ .‬وكذلك كان تدخل الحكم الديني الصراع الطائفي اإلقليمي‪ .‬ولن يتوقف هذا عن إثارة غضب السنة‬ ‫الشيعي في الشؤون السياسية العراقية ضارا‪ ،‬مما أدى إلى تزايد السوريني والعراقيني وإضعاف معنوياتهم‪ ،‬بل سيبعد أيضا‬ ‫حلفاء واشنطن السنة التقليديني في الخليج‪ ،‬وأبرزهم السعودية‪.‬‬ ‫انقسام العراق بعد صدام على أسس طائفية‪.‬‬ ‫في إيجاز‪ ،‬على مدار األعوام العشرة األخيرة‪ ،‬كانت طهران تمثل‬ ‫جزءا كبيرا من املشكلة في العراق‪ .‬لذلك من الصعب التصديق من املؤكد أن «داعش» ال يحظى بتأييد شعبي خاص بني السنة‬ ‫بأنه من املمكن أن تصبح إيران جزءا من الحل في الوقت الحالي‪ .‬العراقيني‪ .‬بعد مرور نحو سبعة أعوام من السياسات الطائفية‬ ‫الشيعية التي انتهجتها حكومة املالكي‪ ،‬يبدو أن هناك مخزونا‬ ‫من التأييد أو على األقل التسامح مع التنظيم بني البعثيني السنة‬ ‫طهران تتحمل مسؤولية النمو السريع لـ«داعش»‬ ‫واملشاركني في حركات الصحوة سابقا‪ .‬وإذا جرى نشر القوات‬ ‫من املؤكد أن إيران ليست قوة تدعو إلى االستقرار اإلقليمي‪ .‬بل اإليرانية إلى جانب الجيش العراقي‪ ،‬ال��ذي يشير إليه «داع��ش»‬ ‫تتحمل مسؤولية كبيرة في النمو السريع لـ«داعش»‪ .‬تسبب نشر بالفعل بـ«الصفوي» – فسوف تدفع بالسنة ذوي جميع القناعات‬ ‫طهران لقوات من الحرس الثوري و«حزب الله» اللبناني ودعمها الفكرية إل��ى أحضان «داع��ش»‪ ،‬مما يضاعف من االستقطاب‬ ‫لنظام بشار األس��د ال��ذي يمثل أقلية شيعية ويرتكب الفظائع ويزيد احتماالت إراقة مزيد من الدماء‪.‬‬ ‫في إثارة الجماعات املتطرفة السنية في سوريا‪ .‬في الوقت ذاته‬ ‫في العراق‪ ،‬تبنت حكومة نوري املالكي التي تحظى بتأييد من كما م��ن امل��رج��ح أن ي�ح��ول التغاضي ع��ن التدخل اإلي��ران��ي في‬ ‫إيران أجندة شيعية طائفية شرسة‪ ،‬مما أثار استياء واسعا بني ال�ع��راق دون رحيل املالكي‪ ،‬مما يعزز بالضرورة ال�ص��راع بني‬ ‫السنة والشيعة في العراق‪.‬‬ ‫املجتمع السني‪.‬‬ ‫في الفترة األخيرة‪ ،‬أصبح من الواضح للغاية أن إدارة أوباما ترى‬ ‫في املسلحني اإلسالميني السنة تهديدا أكبر من الشيعة‪ .‬نتيجة‬ ‫لذلك‪ ،‬لم تعارض اإلدارة عالنية مطلقا التعاون بني القوات املسلحة‬ ‫اللبنانية التي تحصل على تمويل من الواليات املتحدة و«حزب‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫وفي إشكالية مماثلة‪ ،‬سوف يقوض التعاون األميركي اإليراني‬ ‫في ال�ع��راق الفرص الضئيلة للغاية التي تسمح بالوصول إلى‬ ‫اتفاق ينهي برنامج السالح النووي اإليراني‪ .‬وعلى الرغم مما‬ ‫يبدو من مفارقة‪ ،‬فإن إشراك إيران في سياسة أميركية بشأن‬


‫النظام الجديد‬ ‫التقسيم القانوني ليس مسألة بسيطة‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬علق‬ ‫املسؤول األميركي السابق فريدريك هوف‪ ،‬الذي له باع طويل في‬ ‫العمل على مسائل النزاعات الحدودية في املنطقة‪ ،‬أن «على الذين‬ ‫يدعون لحملة دبلوماسية إلقامة تقسيم وقائي أن يأخذوا سؤالني‬ ‫في االعتبار‪ :‬من الذي‪ ،‬في النهاية‪ ،‬سيفرض التقسيم إن لم يرض‬ ‫بعض الالعبني املحليني بالترتيبات حول املوارد الطبيعية‪ ،‬وتبادل‬ ‫السكان‪ ،‬ومسائل حدودية أخ��رى شائكة‪ .‬وه��ل مجرد اقتراح‬ ‫التقسيم الرسمي سيكون له تداعيات غير مقصودة بكب الزيت‬ ‫على النار املشتعلة أصال‪ ،‬إذ يتصارع املتنافسون للتموضع في‬ ‫النظام الجديد؟»‪.‬‬ ‫وال تقتصر املسألة على الالعبني املحليني‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬املشكلة‬ ‫األكبر التي تفاقم العلل املوجودة في الدول العربية‪ ،‬هي مشكلة‬ ‫الطموح اإلي��ران��ي‪ .‬ف��إي��ران دول��ة ذات آيديولوجية رسمية أيضا‬ ‫عابرة للحدود‪ .‬إنما‪ ،‬وبعكس املجموعات السنية‪ ،‬لدى طهران‬ ‫جهاز حكومي مهمته العمل خارج الحدود‪ ،‬أي «فيلق القدس»‬ ‫في الحرس ال�ث��وري‪ .‬والسياسة اإليرانية مبنية على استثمار‬ ‫ال �ف��وض��ى‪ ،‬وأك� �ث ��ر‪ ،‬ع �ل��ى غ ��رس ن�ف�س�ه��ا ف��ي ال � ��دول الضعيفة‬ ‫واملنقسمة‪ .‬فبالنسبة إليران‪ ،‬مفاقمة التشرذم املوجود تشكل‬ ‫استراتيجية لبسط نفوذها‪ .‬ففي حالة الفوضى والصراع الدائم‪،‬‬ ‫تستغل إيران الثغرات املتاحة لزيادة مكاسبها‪.‬‬ ‫إنما االستراتيجية اإليرانية تسعى لبناء هيكليات طويلة املدى‬ ‫داخل الدول العربية‪ .‬وتقوم هذه االستراتيجية على التغلغل داخل‬ ‫املؤسسات والتطفل على الدولة‪ .‬لعل أوضح مثال هو حال «حزب‬ ‫ال�ل��ه» ف��ي لبنان‪ .‬فبعد أن غرست إي��ران نفسها داخ��ل الطائفة‬ ‫الشيعية أثناء فوضى الحرب‪ ،‬بنت مؤسسات موازية للدولة‪،‬‬ ‫وم��ن ث��م‪ ،‬بعد أن عظمت بنى ال�ح��زب‪ ،‬أدخلت إي��ران الحزب في‬ ‫ال��دول��ة اللبنانية حتى وص��ل األم��ر اآلن إل��ى ح��د السيطرة على‬ ‫مؤسسات الدولة‪ ،‬خصوصا املؤسسات األمنية‪ ،‬مع استمرار‬ ‫الوجود امل��وازي خارجها‪ .‬فالحزب اآلن له الكلمة األخيرة حول‬ ‫التعيينات األمنية‪ ،‬وحول عقيدة األجهزة األمنية والجيش‪ ،‬وأماكن‬ ‫انتشارها‪ ،‬وحدود سلطتها الفعلية‪.‬‬

‫من غير الواضح على أي حل ستستقر الصراعات التي تعصف‬ ‫في املنطقة‪.‬‬ ‫وقد يكون الحديث عن خريطة جديدة سابقا لوقته‪ .‬فعلى الرغم‬ ‫م��ن ال�ه��وي��ات األه�ل�ي��ة‪ ،‬العشائرية أو الدينية ق��ادرة على كسب‬ ‫والء وتجييش املجتمعات العربية في املشرق أكثر من الهويات‬ ‫الوطنية‪ ،‬أقله ضمن حالة االحتراب القائم‪ ،‬هذا ال يعني بالضرورة‬ ‫أن تغييرا دائ�م��ا سيطرأ على ح��دود صمدت لقرن أو أن هذه‬ ‫واألكثر إشكالية هي ظاهرة التكامل األمني بني الحزب والجيش الحدود لم تعد مهمة‪.‬‬ ‫واالنتشار املشترك في عمليات ضد أهداف ومناطق سنية‪ ،‬حيث‬ ‫يصبح الجيش بمثابة القوة الضاربة للحزب وحامي ظهره‪ .‬إنما وفيما يركز املراقبون على مستقبل الحدود‪ ،‬تتفاقم أزمة ربما‬ ‫ه��ذه االستراتيجية اإليرانية مبنية على إبقاء ال�ح��دود الدولية أكثر أهمية ووقعا على املستقبل‪ ،‬أال وهي حركة النزوح السكاني‬ ‫للبنان‪ .‬وهي بذلك تمسك بالدولة رهينة‪ ،‬فبدل أن تقيم كانتونا الرهيبة‪ ،‬ضمن وعبر الحدود‪ ،‬والتي قد تترك أثرا عميقا وربما‬ ‫طائفيا تستطيع إس��رائ�ي��ل أن ت��دم��ره دون أي اع�ت��راض دول��ي‪ ،‬باقيا على التركيبات الديموغرافية في املشرق‪ .‬أي بكالم آخر‪،‬‬ ‫قد تكون املسألة الفعلية هي ديموغرافية سايكس ‪ -‬بيكو‪ ،‬أكثر‬ ‫يختبئ الحزب وراء الدولة ومواطنيها‪.‬‬ ‫من «حدود سايكس ‪ -‬بيكو»‪.‬‬

‫الهويات األهلية‬ ‫وك�م��ا ه��و م �ع��روف‪ ،‬نسخت إي ��ران االستراتيجية نفسها في‬ ‫ال�ع��راق‪ ،‬وه��ا نحن نشاهد اليوم كيف أن امليليشيات الشيعية‬ ‫املدربة واملجهزة إيرانيا‪ ،‬والتابعة عقائديا إليران‪ ،‬تنتشر جنبا‬ ‫إلى جنب مع جيش حكومة الرئيس نوري املالكي‪ .‬وهكذا تصبح‬ ‫املؤسسات الحكومية املركزية أداة ليس فقط لطائفة‪ ،‬بل لسياسة‬ ‫إيران‪ .‬وهذا ما يقوض املؤسسات ويدمر ثقة الطوائف األخرى‬ ‫فيها وفي فكرة الدولة املركزية نفسها‪ .‬وهذا ما أدى إلى الوضع‬ ‫الحالي في العراق‪.‬‬

‫ف��ي ال�ن�ه��اي��ة‪ ،‬م��ا زل�ن��ا ف��ي ح��ال��ة تقلب مستمر‪ ،‬ديمومتها غير‬ ‫واض �ح��ة‪ .‬وامل �س��أل �ت��ان ت�ن�ت�ظ��ران ح �ل��وال‪ ،‬ق��د ال ت��أت��ي ل�س�ن��وات‪،‬‬ ‫ترسو عليها القوى املحلية‪ ،‬واإلقليمية والدولية ‪ -‬حلوال لن تغير‬ ‫بالضرورة خريطة املنطقة‪ .‬ولكن األرج��ح أال يكون هناك حل‬ ‫يضمن االستقرار طويال ما لم يتم فرض تغيير على الطموحات‬ ‫اإليرانية وهيكليات سياستها التوسعية داخل الدول واملجتمعات‬ ‫العربية املنقسمة <‬ ‫* باحثة يونانية مختصة بشؤون الشرق األوسط‬

‫األمني العام لألمم املتحدة‬ ‫بان كي مون والرئيس اإليراني‬ ‫حسن روحاني‬

‫‪,,‬‬

‫االستراتيجية‬ ‫اإليرانية تسعى‬ ‫لبناء هيكليات‬ ‫داخل الدول‬ ‫العربية تقوم‬ ‫على التغلغل‬ ‫داخل املؤسسات‬ ‫والتطفل على‬ ‫الدولة‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪23‬‬


‫قضايا‬

‫مع سقوط املوصل والكثير من املدن العراقية في يد تنظيم «الدولة اإلسالمية في العراق والشام» وتحالف‬ ‫العشائر وتنظيمات مسلحة أخرى‪ ،‬كثر التركيز على النزعة نحو التفتت املستشرية في الدول العربية‪،‬‬ ‫خصوصا دول املشرق‪.‬‬

‫استراتيجية إيرانية لخلق الفوضى وتفكيك املنطقة العربية‬

‫تقسيم وقائي!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫جوان مارولس *‬

‫‪,,‬‬

‫انعدام القدرة‬ ‫في املجتمعات‬ ‫العربية على‬ ‫إيجاد صيغة‬ ‫سياسية عادلة‬ ‫تلتقي حولها‬ ‫املجموعات‬ ‫املختلفة‬ ‫سبب أساسي‬ ‫في االنهيار‬ ‫الحاصل‬

‫‪,,‬‬

‫‪22‬‬

‫مع تصاعد الحديث حول تداعيات ما يبدو وكأنه حرب‬ ‫مذهبية تشمل املنطقة م��ن لبنان إل��ى س��وري��ا وال�ع��راق‬ ‫وحتى اليمن‪ ،‬وصل األمر إلى أن البعض بدأ يتكلم عن‬ ‫مستقبل خريطة املنطقة واحتمال إعادة رسم حدود دولها‪ .‬ومع‬ ‫أن هذه الحدود عمرها يناهز القرن‪ ،‬فإن تفاقم الصراع الطائفي‬ ‫يطرح أسئلة حول استمرارية الدول ذات التعدد الطائفي أو القومي‬ ‫بشكلها الحالي‪.‬‬ ‫ال شك في أن انعدام القدرة في هذه املجتمعات على إيجاد صيغة‬ ‫سياسية عادلة تلتقي حولها املجموعات املختلفة سبب أساسي‬ ‫في االنهيار الحاصل في املشرق‪ .‬كما أن صيغ الحكم الشاذة‪،‬‬ ‫مثل نظام عائلة األسد في سوريا‪ ،‬وصلت إلى نهاية الطريق في‬ ‫قدرتها على فرض سيطرتها بالقوة‪.‬‬

‫وال�ف��وض��ى سيد امل��وق��ف ال�ي��وم ف��ي س��وري��ا وال �ع��راق‪ .‬فالحروب‬ ‫األهلية‪ ،‬تعريفا‪ ،‬تخلق البيئة املثالية لحاالت التجييش األهلي‬ ‫والكانتونات وما شابه‪ ،‬كما كان الحال‪ ،‬مثال‪ ،‬إبان الحرب األهلية‬ ‫في لبنان‪ .‬إذا من السابق ألوان��ه تنبؤ ما ستؤول إليه خريطة‬ ‫املنطقة‪ ،‬فالصورة غير واضحة اليوم‪ ،‬إذ إننا في سياق حروب‬ ‫مستعرة لم تستقر على حلول أو تحالفات دائمة أو اصطفافات‬ ‫إقليمية ودولية تبلور شكل التسويات والصيغ السياسية التي‬ ‫ستنتهي إليها الصراعات الدائرة‪.‬‬ ‫قد تكون حالة تنظيم الدولة اإلسالمية في املحافظات السنية في‬ ‫العراق وسوريا‪ ،‬حالة استثنائية تختلف عن السوابق املذكورة‪،‬‬ ‫لكن ليس هذه الخالصة بديهية‪ .‬وقد يلفت البعض إلى أن املنطقة‬ ‫بني املوصل وحلب شكلت تاريخيا امتدادا واحدا‪ .‬ولذا ففي الواقع‬ ‫املستجد اليوم عودة لهيكليات التاريخ بحيث إن املشرق بطبيعته‬ ‫هو األرض «ما بني» مراكز القوة األكبر‪ ،‬أي مصر أو فارس أو‬ ‫األناضول‪ /‬الروم‪ ،‬قامت فيها مناطق أو دويالت عازلة يحكمها‬ ‫توابع للقوى األكبر‪.‬‬

‫إنما استمرار النظام أدى إلى ما يسمى بـ «التقسيم الناعم»‪ ،‬أي‬ ‫إقامة كانتونات ومناطق نفوذ محددة إنما غير معترف بها‪.‬‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬يشكل دور التنظيمات واآليديولوجيات العابرة‬ ‫للحدود‪ ،‬إن كانت سنية وغير تابعة لدولة ما‪ ،‬أو شيعية تابعة‬ ‫إليران‪ ،‬الطابع اآلخر لالحتراب الطائفي القائم‪ .‬هذه العناصر كلها طبعا‪ ،‬يتوقف هذا على ما ستقرره املجموعات السنية املختلفة‬ ‫وراء األسئلة املطروحة حول إمكانية بقاء الحدود التي قامت بعد في العراق وسوريا‪ ،‬وإن تحالف بعضها اليوم مع تنظيم الدولة‬ ‫اإلسالمية أو خضع ل��ه بالقوة‪ .‬فهل فعال تريد غالبية القوى‬ ‫زوال اإلمبراطورية العثمانية‪.‬‬ ‫السنية العراقية أن تنحت دويلة جديدة تمتد خارج الحدود الحالية‬ ‫للعراق؟ أو ه��ل سيرضى أه��ل السنة ف��ي س��وري��ا‪ ،‬املنقسمون‬ ‫اآليديولوجيا العربية‬ ‫مناطقيا أصال‪ ،‬بهيمنة تنظيم مركز ثقله عراقي؟ على سبيل‬ ‫طبعا ليست ال�ح��رك��ات العربية اآلي��دي��ول��وج�ي��ة (وإن ك��ان��ت في امل �ث��ال‪ ،‬ص ��رح ال�ش�ي��خ أح �م��د ال��دب��اش م��ؤس��س تنظيم الجيش‬ ‫الحقيقة أهلية)‪ ،‬قومية كانت أم دينية‪ ،‬والتي سعت ملحو «حدود اإلسالمي في العراق املتحالف حاليا مع تنظيم الدولة اإلسالمية‬ ‫سايكس ‪ -‬بيكو»‪ ،‬شيئا جديدا في الحياة السياسية للعرب‪ .‬بأن ما يسعى إليه هو إقامة ثالث مناطق حكم ذاتي في العراق‪،‬‬ ‫فهذه الحركات لم تفشل فحسب في تغيير واقع الحدود‪ ،‬ال بل شيعية‪ ،‬كردية‪ ،‬وسنية‪ ،‬تتقاسم املوارد بشكل متساو‪.‬‬ ‫انتهت بترسيخها‪ .‬فالبعث في العراق وسوريا لم يوحدهما‪ ،‬بل‬ ‫عزز الفرز بني الدولتني‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬هذه الرؤية تعيد تنظيم الصيغة اإلدارية والسياسية داخل‬ ‫العراق‪ ،‬إنما تفترض استمرار حدوده الدولية املوجودة حاليا‪.‬‬ ‫والجمهورية العربية املتحدة التي دمجت سوريا ومصر إبان كما أن كثرة الكالم عن احتمال إعالن األكراد استقاللهم ليس‬ ‫الحقبة الناصرية لم تعش طويال‪ .‬تنسحب السابقة البعثية أيضا أمرا مفروغا منه‪ ،‬إذ عليهم أخذ موقف القوى املجاورة األكبر‬ ‫على الصراع في سوريا بني تنظيم الدولة اإلسالمية من جهة‪ ،‬بعني االعتبار‪.‬‬ ‫وجبهة النصرة والجبهة اإلسالمية من جهة ثانية حيث لم تنفع‬ ‫اآليديولوجيا الدينية العابرة للحدود في وأد الصراع بني تنظيم وهكذا‪ ،‬هناك احتمال‪ ،‬وإن يبدو ضعيفا اليوم‪ ،‬أن يستقر الوضع‬ ‫أخيرا ‪ -‬ال ندري متى ‪ -‬على صيغة يتداخل فيها الحاضر مع‬ ‫«البغدادي» وجبهة «الجوالني»‪.‬‬ ‫البنى التاريخية امل��ذك��ورة‪ ،‬بحيث تقوم مناطق حكم ذات��ي هي‬ ‫طبعا‪ ،‬تستطيع ه��ذه ال�ح��رك��ات‪ ،‬القومية ف��ي السابق والدينية أيضا بمثابة مناطق عازلة بني القوى األكبر‪ ،‬مثل تركيا وإيران‬ ‫حاليا‪ ،‬خصوصا إن تولت الحكم‪ ،‬أن تخلق أو أن تؤجج الفوضى‪ .‬اليوم‪ ،‬إنما تبقى ضمن الحدود الدولية املعروفة‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫يوجد ما يوازي هذا اللغز العرقي الديني الذي يظهر في بالد الرافدين في سوريا‬ ‫امل�ج��اورة‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬وفقا للتاريخ لم تكن هناك مطلقا هوية سياسية أو‬ ‫ثقافية تحدد ما هو «العراقي» على وجه الحصر‪ ،‬قبل أن يخطط له البريطانيون‬ ‫ف��ي ع��ام ‪ ،1920‬وك��ذل��ك ل��م تكن هناك مطلقا هوية س��وري��ة قبل أن ينشئها‬ ‫الفرنسيون في حقبة الثالثينات‪ .‬في الحقيقة واجهت ما سماها الفرنسيون‬ ‫«سوريا» في عام ‪ – 1936‬الدولة التي تكونت من الواليات العثمانية بيروت‬ ‫وح�ل��ب ودم�ش��ق – صعوبة كبيرة ف��ي االن�ت�ق��ال م��ن وح��دات إداري ��ة عثمانية‬ ‫متعددة العرقيات إلى دولة حديثة متماسكة لديها هوية واحدة وروابط قومية‬ ‫مشتركة‪ .‬لخصت إيزابيل برتون‪ ،‬زوجة املستكشف البريطاني الشهير سير‬ ‫ريتشارد فرانسيس برتون‪ ،‬املعضلة العرقية في والية دمشق في السبعينات‬ ‫من القرن التاسع عشر‪ ،‬حيث كانت واحدة من جماعات متعددة تعيش «معا‬ ‫على أي حال‪ ،‬وتمارس عباداتها املتضاربة في تقارب شديد ولكن في قلوبهم‬ ‫كان سكان دمشق يكرهون بعضهم البعض‪.‬‬ ‫بعد ثالثني عاما كتب رحالة بريطاني آخر هو غيرترود بيل في االتجاه ذاته‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أن سوريا «مجرد اسم جغرافي ال يكافئ أي مشاعر وطنية»‪ .‬أكد‬ ‫على هذه املالحظة العديد من أهل الشام املعاصرين لبيل‪ ،‬والذين ّادعوا أنه لم‬ ‫يكن هناك مطلقا كيان سوري مميز؛ وأن ما أشار إليها األوروبيون بسوريا لم‬ ‫تكن سوى عصبة من الجماعات املتفرقة والكيانات الجغرافية املهلهلة التي جمع‬ ‫بينها الغزاة وحكموها عنوة من خالل اإلرهاب والطغيان‪ .‬لم تنته قصة سوريا‬ ‫فيما يخص تعدد الطوائف العرقية والدينية املختلفة‪« ،‬على حد وصف تي إيه‬ ‫لورنس في العقود األول��ى من القرن العشرين‪ .‬حتى وإن كانت تعرف باسم‬ ‫واحد‪ ،‬لم تكن سوريا التي خلفها األوروبيون من ورائهم تمثل كيانا واحدا بل‬ ‫كيانات متعددة‪ ،‬وكتب لورنس‪« :‬كل منها له طبيعته واتجاهه ورأيه»‪ ،‬وأحيانا‬ ‫ما تبدو «مثل توأمني يكره بعضهما اآلخر»‪ .‬ولكن كان مصطلحا «سوريا»‬ ‫و«سوري» غريبني على من يطلقان عليهما‪ ،‬كما أشار لورنس‪« :‬في العربية لم‬ ‫يكن هناك مثل هذا االسم‪ ،‬أو أي اسم للبالد ككل‪ ،‬مما يشير إلى أنها لم تكن‬ ‫موحدة بل وأيضا غير متماسكة سياسيا»‪ .‬ويقول لورنس‪ ،‬في املاضي «كانت‬ ‫سوريا ممرا بني البحر والصحراء‪ ،‬تربط بني أفريقيا وآسيا وبني الجزيرة‬ ‫العربية وأوروب��ا‪ .‬كانت حلبة منافسة تابعة لبالد األناضول واليونان وروما‬ ‫ومصر والجزيرة العربية وبالد فارس وبالد الرافدين‪ .‬عندما حصلت على‬ ‫استقاللها لبعض الوقت من خالل ضعف جيرانها‪ ،‬انقسمت على ذاتها بعنف‬ ‫إلى ممالك شمالية وجنوبية وشرقية وغربية‪ .‬إذا كانت سوريا بالطبيعة دولة‬ ‫تابعة فسوف تكون بالطبيعة أيضا دولة تتسم بالهياج الدائم والثورة األبدية»‪.‬‬ ‫وف��ي إن��ذار بتفكك سوريا التي كانت حينها في ط��ور التأسيس‪ ،‬في الفترة‬ ‫التي كانت خريطة سايكس بيكو الراهنة قيد اإلعداد‪ ،‬حذر لورنس من أن أي‬ ‫حكومة عربية تتولى أي كيان سوري في املستقبل «سوف تكون (مفروضة)‬

‫بالقدر الذي كانت عليه الحكومة التركية (العثمانية)‪ ،‬أو الحماية األجنبية أو‬ ‫الخالفة (اإلسالمية) التاريخية»‪ .‬من وجهة نظره‪ ،‬كانت سوريا في ذلك الحني‪،‬‬ ‫ال تختلف كثيرا عن سوريا الحالية‪« ..‬تتكون من فسيفساء ديني وعرقي‬ ‫ينبض بالحيوية»‪ ،‬وإن أي محاولة لتشكيل دول��ة موحدة بال مبرر «سوف‬ ‫تسفر ع��ن ش��يء معبأ ومغلف‪ ،‬ال يشعر باالمتنان إل��ى أش�خ��اص تعيدهم‬ ‫فطرتهم إلى الحكم الضيق»‪.‬‬ ‫ومما سبق يمكننا استنتاج أن التبشير بنهاية «سايكس بيكو» في عصرنا‬ ‫الحالي قد يكون وسيلة لإلصغاء إلى التاريخ؛ بل وربما يكون أيضا وسيلة‬ ‫أكثر عدال وإنسانية إلدارة التنوع العرقي الديني‪ ،‬ليس فقط في سوريا والعراق‪،‬‬ ‫ولكن أيضا في جميع أنحاء الشرق األدنى املشرقي‪ .‬إن أهم سبب للصراع الذي‬ ‫تدور رحاه اآلن في املنطقة‪ ،‬إذا وضعنا في أبسط صورة‪ ،‬يرجع إلى مفاهيم‬ ‫«عرقية» أو «عرقية ‪ -‬دينية» تتنافس أمام حدود «مدنية» ليبرالية أنانية ربما‬ ‫تصورتها «سايكس بيكو»‪ .‬وفي حني قد يكون هذا التفرع في الهوية معيبا‬ ‫ومتجاوزا للنموذج املوضوع من وجهة نظر غربية تخطت االختالفات العرقية‬ ‫والدينية‪ ،‬إال أنه ما زال لها تابعون يتمسكون بها في الشرق األوسط‪ ،‬حيث‬ ‫يشكل الفهم العضوي والرجعي وأحيانا القسري للهوية تحديا أمام الوطنية‬ ‫الليبرالية املدنية التي تميز الدولة الغربية الحديثة‪.‬‬ ‫وبأسلوب أبسط‪ ،‬يتكون الشرق األوسط – وتحديدا سوريا والعراق ألسباب‬ ‫راهنة – من شعوب وجماعات ذات انتماءات عرقية ‪ -‬دينية‪ّ ،‬‬ ‫عرفوا أنفسهم‬ ‫على مدار قرون ّ‬ ‫(وعرفهم آخ��رون) كآشوريني أو علويني أو موارنة أو يهود‬ ‫أو دروز أو شيعة أو أرمن أو يونانيني أرثوذكس وغيرهم‪ .‬ومنعا لهذا التنوع‬ ‫طالبت األفكار «القومية» املوحدة التي أثارتها «سايكس بيكو» بأن تنسى هذه‬ ‫الشعوب ما كانت تظن أنها هويتها وتبدأ في اإلش��ارة إلى ذاتها بالسوريني‬ ‫والفلسطينيني والعراقيني واألردنيني والعرب وما إلى ذلك‪ :‬وهي أسماء ومفاهيم‬ ‫عن الهوية من ابتكار الغرب وتعكس تصنيفاته وأساليب تفكيره في النظر‬ ‫إلى األراضي الواقعة على شرق البحر املتوسط‪ .‬لذلك في تعاطف بالغ مع من‬ ‫قد يأسفون لنهاية «سايكس بيكو»‪ ،‬يجب أن يدرك املرء أن نظام الدول الشرق‬ ‫أوسطية املتداعي حاليا ال يعكس قانون الطبيعة؛ بالفعل في ذلك خروج عن‬ ‫املسار لفترة ممتدة في تاريخ املنطقة‪ ،‬ولكن ربما يثبت تفككها‪ ،‬على الرغم‬ ‫من األلم الذي قد يسببه‪ ،‬أنه يحمل الخير على املدى البعيد‪.‬‬ ‫رب�م��ا ل��م يكن م��ن امل�ق�ص��ود أن تتحقق «س��اي�ك��س ب�ي�ك��و»؛ رب�م��ا ح��ان الوقت‬ ‫إلصالحها واستبدالها‪ .‬قد يشكل الوصول إلى هذا البديل تحديا‪ ،‬وال شك‬ ‫في أنها مهمة شاقة‪ .‬ولكن من األفضل في الوقت الحالي وجود معاهدة لوزان‬ ‫أخرى في حاضرنا‪ ،‬من أن تمر مئات أعوام أخرى من الفشل في رسم الخرائط‬ ‫وما يليها من حروب وحمالت تطهير عرقي وانهيار وركود <‬

‫الجنود الفرنسيون يدخلون‬ ‫بيروت بعد اتفاقية سايكس بيكو‬ ‫عام ‪ 1916‬ووضع لبنان تحت‬ ‫االنتداب الفرنسي (يناير ‪)1919‬‬

‫‪,,‬‬

‫لورنس العرب‬ ‫سخر من‬ ‫فكرة «األمة‬ ‫العربية»‬ ‫وفرضية‬ ‫وجود‬ ‫«شعب عربي»‬ ‫متماسك‪،‬‬ ‫حيث وصفها‬ ‫باألمة‬ ‫«املصنوعة»‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪21‬‬


‫قصة الغالف‬

‫ربما يعرف اللبنانيون الذين ينتمون إلى جيل معني قوال مأثورا يرجع إلى عهد الحرب األهلية‪ ،‬في عام ‪،1975‬‬ ‫يؤكد أن «لبنان لن يتعرض مطلقا للتقسيم قبل أن تنقسم دول أخرى في الجوار‪ ،‬وتحديدا سوريا‪ ،‬إلى‬ ‫دويالت أصغر»‪.‬‬

‫إعادة ترسيم خريطة املنطقة السياسية على أسس طائفية وعرقية جديدة‬

‫النبوءة اللبنانية!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫فرانك سالمة‬

‫‪,,‬‬

‫الخريطة‬ ‫الراهنة للشرق‬ ‫األوسط لم‬ ‫تكن تعكس‬ ‫قانون‬ ‫الطبيعة أو‬ ‫تاريخ وتقاليد‬ ‫الشرق‬

‫‪,,‬‬

‫‪20‬‬

‫يمكن القول إن الجملة املذكورة لم يكن لها معنى آن��ذاك؛ بل جاءت‬ ‫كتعويذة أو تنفيس عن فترة تشهد حزنا وطنيا‪ ،‬ونتيجة لثرثرة حرب‬ ‫فارغة متلهفة للخروج من عصر الفوضى تتوق إلى النظام في وقت‬ ‫األزمات‪ .‬ولكن إذا استعدنا أحداث املاضي‪ ،‬وفي ضوء مخاض الحرب الراهنة‬ ‫في املنطقة – وفي ضوء تقطيع أوصال الشرق األوسط الوشيك في عصرنا‬ ‫هذا – تبعث النبوءة التي ترجع إلى عصر الحرب اللبنانية‪ ،‬على الرغم مما بدت‬ ‫عليه حينها من عدم براعة وافتقاد إلى املعرفة ‪ -‬برسالة تنذر بالخطر على وجه‬ ‫خاص اليوم‪ ،‬حيث تتنبأ باقتراب فترات أكثر ظالما وفوضى‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬ ‫تعكس هذه النبوءة اللبنانية التي ترجع إلى أربعني عاما مضت استيعابا عميقا‬ ‫لتاريخ الشرق األوسط‪ ،‬إذ توقعت رؤية للمستقبل يشبه كثيرا ماضي املنطقة‪.‬‬ ‫وفي مثال على هذه النقطة‪ ،‬أثار وصول مقاتلي الدولة اإلسالمية في العراق‬ ‫والشام (داعش) مؤخرا إلى بالد الرافدين وسائل اإلعالم واملقاالت البحثية التي‬ ‫خرجت لتنذر بنهاية نظام سايكس بيكو وتفكيك نظام دولة الشرق األوسط‬ ‫الحديث‪ ،‬وتتوقع إعادة ترسيم خريطة املنطقة السياسية على أسس طائفية‬ ‫وعرقية جديدة‪ .‬ولكن هذه النغمة الجديدة من وجود تقسيمات جديدة أو إعادة‬ ‫رسم املنطقة‪ ،‬التي بقدر ما يمكن أن تسعد البعض ربما تبدو نشازا آلخرين‪،‬‬ ‫ليست لعنة أو بدعة جديدة‪ .‬إن إعادة تخطيط الخريطة فكرة تحدث عنها العديد‬ ‫من املتخصصني في شؤون الشرق األوسط‪ ،‬ومن بينهم مجموعات معاصرة‪،‬‬ ‫وكتبوا عنها على نحو موسع في األيام األولى من «الربيع العربي» الذي أسيء‬ ‫تصويره وتعريفه وتسميته‪.‬‬ ‫على أي حال فإن الخريطة الراهنة للشرق األوس��ط‪ ،‬والتي تقسم ال��دول ذات‬ ‫األسماء «القومية» وتتغنى بأناشيد «قومية» وتلوح بأعالم «قومية»‪ ،‬وتقيم‬ ‫جيوشا «ق��وم�ي��ة»‪ ،‬ل��م تكن تعكس ق��ان��ون الطبيعة أو ت��اري��خ وتقاليد الشرق‬ ‫األوس��ط‪ .‬ب��ل ك��ان ه��ذا النموذج نتاجا للخيال األوروب ��ي‪ ،‬وال�ت��اري��خ األوروب��ي‬ ‫والتسمية األوروبية‪ ،‬واملفاهيم الرومانسية األوروبية للشرق األوسط كمنطقة‬ ‫يسكنها فقط (أو يغلب عليها) «العرب» و«املسلمون»‪ .‬ولكن الشرق األوسط‬ ‫بطبيعته‪ ،‬وتقيده بتاريخ أل��ف سنة مضت‪ ،‬ليس ذل��ك «العالم العربي» ال��ذي‬ ‫يتصوره القوميون العرب ومناصروهم األوروبيون‪ .‬كذلك لم تقم الفتوحات‬ ‫العربية‪ ،‬التي بدأت مع مطلع القرن السابع ‪ ،‬بتحويل املنطقة إلى التعريب أو‬ ‫األسلمة بالكامل‪.‬‬ ‫في الحقيقة‪« :‬قاومت بعض شعوب الشرق األوسط قوات التعريب واألسلمة‬ ‫أو كلتيهما‪ :‬بل وكان من بينهم من خضع لهاتني العمليتني‪ ،‬ولكن لم يصاحب‬ ‫ذلك تخل كامل عن ثقافتها األولى‪ .‬وهكذا ظلت هناك جيوب في جميع أنحاء‬ ‫العالم العربي تستخدم لغات أخرى غير العربية وتعتنق ديانات أخرى غير‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وما زالت هناك جماعات شرق أوسطية مقتنعة بأن أسالفها ينتمون‬ ‫إلى شعوب مختلفة عن (الشعوب اإلسالمية والعربية)‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬لم يكن هناك مطلقا «عالم عربي» موحد‪ ،‬أو «أمة عربية» متماسكة‬ ‫قبل وجود نظام الدولة الحديث في الشرق األوسط في القرن العشرين الذي‬ ‫رغبت بريطانيا في تكوينه بعد انهيار اإلمبراطورية العثمانية‪ .‬حتى إن تي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫إي لورنس (لورنس العرب)‪ ،‬أحد أكثر املدافعني املخلصني في العصر الحديث‬ ‫عن القومية العربية‪ ،‬سخر من فكرة «األمة العربية» وفرضية وجود «شعب‬ ‫عربي» متماسك‪ ،‬حيث وصفها باألمة «املصنوعة»‪ .‬بل واعترف لورنس بأن‬ ‫اللغة العربية ذاتها سادت الشرق األوسط في املرحلة األخيرة فقط‪ ،‬مؤكدا على‬ ‫أن سيادتها الظاهرية «ال تعني أن سوريا – مثل مصر – كانت دولة عربية»‪.‬‬ ‫وكما أشار الكاتب املصري توفيق علوان في عام ‪« :1929‬في مصر توجد لغة‬ ‫مصرية؛ وفي لبنان لغة لبنانية؛ وهكذا في كل دولة من دولنا لغة خاصة بها‪.‬‬ ‫ملاذا إذن ال نكتب (لغاتنا) كما نتحدث بها؟ حيث إن اللغة التي يتحدث بها‬ ‫الناس هي اللغة التي يكتبونها أيضا‪.‬‬ ‫ولكن كما أش��ار ب��رن��ارد لويس‪ ،‬إذا أصبحت ه��ذه الحقيقة واق�ع��ا‪ ،‬واستمع‬ ‫«املصريون والسوريون والعراقيون واآلخ��رون» إلى نصيحة علوان‪ ،‬وحولوا‬ ‫«لهجاتهم العامية إلى لغات قومية‪ ،‬كما فعل اإلسبان واإليطاليون وآخرون في‬ ‫أوروبا‪ ،‬سوف تنتهي كل اآلمال في تحقيق وحدة عربية أكبر»‪.‬‬ ‫ولكن يبدو أن محرك التاريخ يسير في هذا االتجاه‪ .‬وهكذا بدال من أن يكون‬ ‫من الغريب ارتفاع نبرة الخطاب الراهن عن إلغاء «سايكس بيكو» للتعبير عن‬ ‫التنوع في تكوين الشرق األوسط‪ ،‬يجب النظر إليه كقراءة مخلصة ومحايدة‬ ‫من الجانب اآليديولوجي ملاضي الشرق األوسط – أي املاضي الذي ُعرف بتعدد‬ ‫وتنوع الهويات واللغات والتراكمات الثقافية‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬جدير بالذكر‬ ‫أنه في سوريا والعراق املنقسمني اليوم‪ ،‬لم تكن هناك هوية سورية أو عراقية‬ ‫فريدة محددة ب��األرض‪ ،‬بل مجرد إرادة سياسية عراقية أو سورية موحدة‬ ‫للعيش في دولة واحدة‪.‬‬ ‫ف��ي ال��واق��ع‪ ،‬كانت مملكة ال�ع��راق التي خضعت لالنتداب البريطاني ف��ي عام‬ ‫‪ 1920‬تمثل ثالث وحدات إدارية عثمانية منفصلة – أي ثالث واليات تختلف‬ ‫كل واحدة منها وتتباين عن األخريات – على سبيل املثال مثلما كانت براغ‬ ‫وفيينا وبودابست ستختلف في ظل وجود أي إمبراطورية نمساوية مجرية‪.‬‬ ‫في والية املوصل العثمانية في الشمال‪ ،‬التي أصبحت اليوم عاصمة محافظة‬ ‫نينوى التي سقطت مؤخرا في قبضة داعش‪ ،‬تتكون غالبية سكانها في املاضي‬ ‫من مزيج من األكراد والتركمان واآلشوريني واألرمن وغيرهم‪ ،‬وكانت تربطهم‬ ‫صالت قرابة – باإلضافة إلى صالت تاريخية وثقافية وجغرافية – بسكان‬ ‫حلب ف��ي س��وري��ا الحالية‪ ،‬ب��ل وح�ت��ى األت ��راك ف��ي األن��اض��ول واإلي��ران�ي�ين في‬ ‫الشمال‪ ،‬أكثر من ارتباطهم بالسكان في الجنوب الذي أصبح العراق‪ .‬وكذلك‪،‬‬ ‫تشترك والية بغداد‪ ،‬التي يذكرنا اسمها بأصلها الفارسي أكثر من العربي‪،‬‬ ‫في تراث األكاديني والبابليني والفرس والعرب‪ ،‬وحتى منتصف القرن العشرين‪،‬‬ ‫كانت تفخر بأن أغلبية سكانها من اليهود‪ .‬تنطبق التعددية واملزيج ذاته في‬ ‫الهويات والتراكمات الثقافية على محافظة البصرة؛ وهي محافظة أخرى ذات‬ ‫تاريخ متعدد املراحل يجمع بني السومريني والعيالمني في العصور القديمة‪،‬‬ ‫واآلراميني والعرب والفرس في العصور األق��رب‪ .‬وفي الوقت الحالي‪ ،‬قد تعد‬ ‫محافظة البصرة‪ ،‬ذات األغلبية الشيعية‪ ،‬أكثر انتماء للفرس من العرب‪ ،‬ربما‬ ‫يكون ذلك غير دقيق ولكنه ليس دون مبرر‪.‬‬


‫هو العقيد السير مارك سايكس البارون السادس من سيلدمير املولود في ‪ 16‬مارس (آذار) ‪ 1879‬املتوفى‬ ‫في ‪ 16‬فبراير (شباط) ‪ .1919‬االبن الوحيد للسير تاتون سايكس البارون الخامس من سيلدمير‪ .‬عاش‬ ‫مارك حياته متنقال بني والدته التي أقامت في لندن ومزرعة والده في يوركشاير الشرقية ومنزله في قصر‬ ‫سيلدمير‪ .‬سافر مارك كثيرا مع والده ملناطق الشرق األوسط ضمن الدولةّ العثمانية في صباه باإلضافة‬ ‫للهند ومصر والكاريبي واملكسيك وكندا والواليات املتحدة األميركية‪ .‬وتلقى مارك تعليمه في موناكو‬ ‫وبروكسل‪ ،‬كما درس في جامعة كمبردج العريقة‪ .‬وبعمر الخامسة والعشرين نشر أربعة كتب عن العسكرية‬ ‫وعن رحالته للشرق األوسط‪.‬‬

‫وضع نواة «النظام اإلقليمي العربي»‬

‫سايكس املفرتى عليه‬ ‫بروفايل‬

‫‪,,‬‬

‫حافظ مارك‬ ‫سايكس على‬ ‫النسيج الوطني‬ ‫للوحدات‬ ‫السياسية‬ ‫التقليدية‬ ‫في املنطقة‬

‫‪,,‬‬

‫مارك‬ ‫سايكس‬

‫وبهذه املؤهالت‪ ،‬فنحن أمام وجه من عالم كان في قمة الجموح‬ ‫السياسي والثقافي‪ ،‬وكان على أعتاب تحول صناعي وتكنولوجي‬ ‫كانت بوادره واضحة‪ .‬ينتمي ألسرة عريقة تعكسها األلقاب التي‬ ‫حملها‪ ،‬وهو في هذا العمر القصير (‪ 39‬عاما) ترك صفحات في تواريخ‪:‬‬ ‫العسكرية والدبلوماسية والثقافة‪ ،‬فضال عن أنه رحالة!‬ ‫كان مارك سايكس مع بدء العاملية األولى معروفا كمختص بشؤون الشرق‬ ‫األوسط وما عرف بـ«مناطق سوريا الطبيعية»‪ .‬لكنه في العام ‪ 1916‬ارتبط‬ ‫اسمه بواحدة من أشهر االتفاقيات في التاريخ الحديث وعرفت اختصارا‬ ‫«سايكس – بيكو»‪ ،‬وبيكو لقب جورج بيكو وزير خارجية فرنسا آنذاك‪،‬‬ ‫وكانت روسيا الطرف الثالث ممثلة بوزير خارجيتها سازونوف‪ .‬وكان‬ ‫هدف االتفاقية تقسيم أمالك الدولة العثمانية فيما بينها بعد سقوطها‪،‬‬ ‫وذل��ك انتقاما من الدولة العثمانية التي وقفت بجانب أملانيا في الحرب‬ ‫(وكانت االتفاقية سرية إلى أن قام النظام الشيوعي في روسيا بكشفها)‪.‬‬ ‫وقد شهد العام التالي لتوقيع االتفاقية التي ارتبطت باسمه (‪ )1917‬نشوب‬ ‫الثورة البلشفية في روسيا لتطيح بالقيصرية وتطيح معها بعصر من‬ ‫التفاهمات الروسية األوروبية‪ ،‬فكشفت الحكومة الشيوعية الجديدة عن‬ ‫االتفاقية وانسحبت من الحرب العاملية األولى‪.‬‬ ‫ول��ك��ن أح���د أه���م رواف����د ت��ك��وي��ن شخصية م���ارك وث��ق��اف��ت��ه ك��ان��ت ثقافته‬ ‫العسكرية‪ ،‬إذ جرى تجنيده عام ‪ 1897‬في السرية الثالثة ضمن كتيبة‬ ‫يوركشاير للمشاة‪ .‬وق��د عمل في الجيش البريطاني بعض الوقت في‬ ‫جنوب أفريقيا (‪ .)1902‬وفي مشواره الدبلوماسي‪ُ ،‬ع�ّي�نّ م��ارك ملحقا‬ ‫فخريا للسفارة البريطانية في إسطنبول‪ُ .‬‬ ‫وعينّ بسبب خبرته الواسعة‬ ‫في ش��ؤون الشرق مساعدا ل���وزارة الحرب البريطانية‪ ،‬وكانت وظيفته‬ ‫تزويد مجلس الوزراء باملعلومات واملشورة حول شؤون الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ولم يكن سايكس من صانعي القرار إال أنه كان مؤثرا جدا فيهم بسبب‬ ‫شهرته كخبير في شؤون الشرق األوسط وحظوته لدى أصحاب السلطة‪.‬‬ ‫اشترك مارك سايكس‪ ،‬بحكم منصبه‪ ،‬في املباحثات التي جرت في لندن‬ ‫وكان يمثل فيها الجانب البريطاني‪ .‬أما فرنسوا جورج بيكو‪ ،‬القنصل‬ ‫الفرنسي السابق في بيروت ومستشار السفارة الفرنسية في لندن‪ ،‬فكان‬ ‫ُيمثل الجانب الفرنسي فيما يتصل بما كان ُي ّ‬ ‫سمى «املسألة السورية»‪،‬‬ ‫أي مستقبل املنطقة العربية (وخ��ص��وص��ا ال��ش��ام) وتقسيم ممتلكات‬ ‫الدولة العثمانية في آسيا‪ .‬وقد انتهت هذه املباحثات‪ ،‬بشكل مبدئي (عام‬ ‫‪ )1916‬بتوقيع اتفاقية سايكس ـ بيكو الشهيرة لتقسيم مناطق النفوذ‬ ‫ب�ين إنجلترا وف��رن��س��ا‪ .‬وق��د ُوض َ��ع��ت فلسطني بمقتضى االت��ف��اق تحت‬ ‫إشراف إدارة دولية‪.‬‬

‫كان سايكس في باريس عام ‪ 1919‬يفاوض من أجل اتفاق سالم بعد‬ ‫الحرب العاملية األول��ى وم��ات هناك بعمر ‪ 39‬سنة في غرفته بالفندق‬ ‫متأثرا بجائحة اإلنفلونزا اإلسبانية املنتشرة آن��ذاك‪ .‬نقل رفاته لبيت‬ ‫عائلته في سيلدمير في يوركشير الشرقية ودفن هناك‪ .‬فيما بعد‪ ،‬في‬ ‫عام ‪ .2007‬أي بعد ‪ 90‬سنة من وفاته‪ ،‬سمح أحفاده لألطباء بنبش‬ ‫جثته وفتح كفنه ألخذ عينات من بقاياه كونه ُدفن بتابوت من الرصاص‬ ‫إذ ُيعتقد أن ه��ذا سيحفظ فيروسات النزلة اإلسبانية بشكل مالئم‬ ‫للبحث العلمي‪.‬‬ ‫ويرى كاتب سيرة حياته أنه كان القوة املحركة للسياسة البريطانية‬ ‫الخاصة بفلسطني التي ّأدت إلى إصدار وعد ّبلفور ثم االنتداب البريطاني‬ ‫على فلسطني‪ .‬وبعد هذا التوقيع املبدئي‪ ،‬اطلع السير مارك سايكس‬ ‫على املذكرة التي وزعها هربرت صمويل على أعضاء الوزارة البريطانية‬ ‫ّ‬ ‫يقترح فيها أن تتبنى إنجلترا مشروع إيجاد وطن لليهود وقد اكتشف‬ ‫ّ‬ ‫سايكس على التو أنه لو تبنت إنجلترا املشروع‪ ،‬فإن هذا سيوفر لها‬ ‫موطئ قدم راسخا في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ومن املفارقات التاريخية أن م��ارك سايكس ال��ذي ارتبط في الوجدان‬ ‫العربي باتفاقية سايكس بيكو وبدعمه إقامة دول��ة إلسرائيل‪ ،‬وضع‬ ‫بهذه االتفاقية نواة ما يمكن أن نسميه «النظام اإلقليمي العربي»‪ ،‬وهو‬ ‫ما استكملته الدبلوماسية البريطانية في األربعينات من القرن املاضي‬ ‫برعايتها إنشاء جامعة الدول العربية‪.‬‬ ‫حقيقة األم���ر أن ال��دب��ل��وم��اس��ي��ة البريطانية ك��ان��ت ج���زءا م��ن منظومة‬ ‫بريطانية واضحة املعالم لم تقم على مسخ الشخصية الوطنية للشعوب‬ ‫املستعمرة‪ ،‬شأن املدارس الفرنسية واإلسبانية والبرتغالية‪ ،‬التي ربطت‬ ‫الشعوب التي استعمرتها بخيوط م��ن التبعية السياسية والثقافية‬ ‫لسنوات طويلة‪ ،‬وما زالت لغات هذه الدول هي السائدة في مستعمراتها‬ ‫السابقة‪ .‬كما أن سايكس بيكو ل��م ت��م��زق النسيج الوطني للوحدات‬ ‫السياسية التقليدية التي كانت صاحبة مالمح ح��دود ثابتة أو شبه‬ ‫ثابتة‪ .‬وهي أنشأت كيانات مختلفة عما كان موجودا قبلها وبخاصة‬ ‫في الهالل الخصيب دون أن تستجيب ألي مشاعر قومية لغير العرب‬ ‫املقيمني في هذا الحوض الجغرافي‪ ،‬ولست هنا في معرض تبرير ما‬ ‫تعرضت له الجماعات القومية األخ��رى بسبب ه��ذه االتفاقية‪ ،‬لكنني‬ ‫أقرر واقع أنها وضعت أساس نظام إقليمي – رعت بنفسها املرحلة‬ ‫الثانية منه – باملخالفة ملا يبدو أنه عمل تآمري قضى على مستقبل‬ ‫العرب بعده! <‬ ‫املحرر السياسي‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪19‬‬


‫قضايا‬

‫واسعة من النخبة السياسية العربية بوهم فرانكفوني مضلل هو «ديمقراطية‬ ‫العالقات الدولية» فمروجو الوهم أنفسهم هم من أكثر أمم الغرب على اإلطالق‬ ‫إيغاال في ممارسة الهيمنة‪ ،‬والعالقات الدولية دائما كانت تقوم على الواقعية‪،‬‬ ‫ولعل من املفارقات املعبرة هنا أن النظم التي دفعت شعوبها للنظر إلى العالم‬ ‫وف��ق ه��ذه النظرة – وه��ي نظم شمولية غالبا – ك��ان��ت عالقتها بشعوبها‬ ‫استبدادية حتى النخاع‪ ،‬وهو منطق مقلوب في التفكير‪ ،‬فما يجب التعامل‬ ‫معه بواقعية – العالقات الدولية – جرى النظر إليه دائما في الخطاب املعلن‬ ‫بلغة «م�ب��دأي»‪ ،‬وما كان يجب التعامل معه بمبدأي (الحاكم واملحكوم) تم‬ ‫التعامل معه بنفعية وواقعية تستلهم غرائز الذئاب!‬ ‫ويزيد الطني بلة حالة تقوقع شديد حول الذات واإليمان املفرط بأننا هدف‬ ‫استراتيجي أول – بل ربما وحيد – لكل القوى الدولية‪ ،‬وأننا العالم‪ ،‬أو على‬ ‫األقل «قلب العالم»‪ ،‬وبالتالي فإن كل حركة وكل إشارة هي جزء من مؤامرة‪،‬‬ ‫وما يريده اآلخرون ال يمكن أن يكون «رؤية» نتفق أو نختلف معها!‬

‫‪,,‬‬

‫الخرائط التي‬ ‫يشار إليها‬ ‫كثيرة جدا‬ ‫وليس لها أي‬ ‫صفة رسمية‬ ‫فهي بالتالي‬ ‫إما جهد فرد‬ ‫أو مؤسسة‬ ‫بحثية وقد‬ ‫تكون في‬ ‫الحالتني‬ ‫مغرضة‬

‫‪,,‬‬

‫الدولة والهوية واألمة‬ ‫والقصة في سياقها الدولي باختصار شديد – حتى نصل إلى اللحظة الراهنة‬ ‫– أن نزاعات السيادة والحدود ليست طارئة‪ ،‬بل عرفها العالم شماال وجنوبا‬ ‫وشرقا وغربا‪ ،‬قبل أن يتبلور مفهوم «سيادة الدولة» وبعد تبلوره‪ .‬والعالقات‬ ‫الدولية في العالم الحديث تأسست على «صلح وستفاليا» (‪ )1648‬الذي وضع‬ ‫بذرة «الدولة الحديثة» على مبادئ السيادة وعدم التدخل في شؤون اآلخرين‪.‬‬ ‫وعلى هذه األسس وضعت وستفاليا ركائز النظام الدولي وعالقاته املعاصرة‪.‬‬ ‫وتشهد الحربان العامليتان األولى والثانية وحروب أخرى سابقة والحقة على أن‬ ‫هذا املفهوم تعرض كثيرا لالنتهاك‪ .‬وفي مرحلة تالية حدث ما يمكن اعتباره‬ ‫تجديدا للنظام الدولي‪ :‬إنشاء األمم املتحدة‪ .‬بعدها جاءت العوملة التي طغى معها‬ ‫التداخل على االستقالل‪ ،‬لكن دون استباحته‪.‬‬ ‫تلغ «الهويات الدينية» (والحقا صعدت‬ ‫وأصل املشكلة ثقافيا أن «الدولة» لم ِ‬ ‫الهويات املذهبية وبخاصة في منطقتنا بعد الثورة اإليرانية)‪ ،‬ومع استنساخ‬ ‫«الدولة الوطنية الحديثة» عربيا تم حجب «الهوية الدينية» مؤقتا بهوية وطنية‬ ‫بدت أوسع‪ .‬والخطأ األول فيما حدث بالفعل في التجربة التاريخية العربية أن‬ ‫الدولة الحديثة فكرة مغرقة في التجريد بل ال أبالغ إذا قلت إنها غير ممكنة‬ ‫التطبيق إال في مجتمع متناغم على نحو خيالي‪ ،‬أو عبر عمليات إبادة وقمع‬ ‫واسعني لكل املكونات املخالفة لـ«العنصر املؤسس»‪ ،‬وهذا ما حدث بالفعل في‬ ‫مسقط رأسها‪ :‬فرنسا! وقد تأزمت األمور أكثر – في التجربة العربية – بعد‬ ‫الحرب العاملية الثانية مع جنراالت االنقالبات العسكرية الذين أضافوا إلى‬ ‫األصول الفرانكفونية تأثيرات واضحة من الفكر القومي األملاني فأصبحنا‬ ‫أمام تجارب مثل جمال عبد الناصر وحافظ األسد وهواري بومدين وصدام‬ ‫حسني بكل خيباتها التي ما زلنا ندفع ثمنها ل�لآن‪ .‬وف��ي إط��ار محاولتنا‬ ‫التفرقة التي نراها ضرورية بني «املؤامرات» و«الرؤى» نشير إلى تصور يرى‬ ‫أصحابه أنه أكثر اتساقا مع الواقع الثقافي في منطقتنا من التصور الذي‬ ‫جرى استيراده وتعميمه – دون تكييف – املسمى‪« :‬الدولة الوطنية الحديثة»‬ ‫(حسب التقليد األوروبي)‪ .‬ففي يونيو (حزيران) ‪ 2006‬نشر مقال في دورية‬ ‫«القوات املسلحة» اعتبر تقديما نظريا الستراتيجية إعادة تشكيل منطقة‬ ‫الشرق األوسط على أساس االنتماءات الدينية والروابط العرقية (روابط الدم)‪.‬‬ ‫ويقترح املقال إعادة تشكيل دول املنطقة ممثلة في السعودية واألردن وسوريا‬ ‫وإي��ران وأفغانستان والعراق على أس��اس رواب��ط ال��دم واالنتماءات املذهبية‪،‬‬ ‫ويقدم خريطة جديدة للمنطقة بدال عن الخريطة الحالية‪.‬‬

‫الحدود االعتباطية‬ ‫وي��رى كاتب املقال أن الحدود الدولية ال تبدو مرسومة بعدالة‪ ،‬لكن درجة‬ ‫انعدام العدالة التي تفرضها على هؤالء الذين ترغمهم الحدود على أن يكونوا‬ ‫مجتمعني أو منفصلني تحدث فرقا هائال‪ ،‬هو غالبا ما يكون فرقا بني الحرية‬ ‫والقمع بني التسامح والعنف بني سيادة القانون واإلرهاب أو حتى بني السلم‬ ‫‪18‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫وال�ح��رب‪ .‬و«ال�ح��دود األكثر اعتباطية واألك�ث��ر تشوها في العالم توجد في‬ ‫أفريقيا والشرق األوسط وهي التي رسمتها املصالح الخاصة لألوروبيني‬ ‫(الذين كانت لديهم اضطرابات كافية لتحديد حدودهم) إذ ال تزال الحدود في‬ ‫أفريقيا تسبب موت املاليني من السكان املحليني‪ ،‬لكن الحدود غير العادلة‬ ‫في الشرق األوس��ط (واالستعارة هنا من رئيس وزراء بريطانيا ونستون‬ ‫ُ‬ ‫تشرشل) تولد مشاكل أكبر من أن ت َحل محليا»‪.‬‬ ‫ويضيف كاتب املقال أنه‪ ،‬بينما يعاني الشرق األوسط «مشاكل أكثر بكثير من‬ ‫موضوع الحدود وحدها‪ ،‬مشاكل تمتد من الركود الثقافي الذي تتسبب فيه‬ ‫عدم املساواة إلى التطرف الديني القاتل فإن العقبة الكبرى التي تعيق محاولة‬ ‫فهم الفشل الشامل للمنطقة ليس اإلس�لام بل هو ال�ح��دود الدولية ّ‬ ‫املشوهة‬ ‫والتي تبدو مقدسة في نظر دبلوماسيينا»‪ .‬و«بالطبع لن يؤدي أي تعديل في‬ ‫الحدود إلسعاد جميع األقليات في الشرق األوسط ففي بعض الحاالت تعيش‬ ‫الجماعات العرقية والدينية تداخال وتزاوجا وفي مكان آخر ربما ال يحقق‬ ‫االتحاد على أساس الدم أو املعتقد السعادة املرجوة كما يتوقعها املؤيدون»‪....‬‬ ‫«حتى أولئك الذين يكرهون موضوع تعديل الحدود سيستفيدون ج��دا من‬ ‫املشاركة في محاولة ّ‬ ‫نصف وإن كان ال يزال ناقصا للحدود‬ ‫تصور تعديل ُم ِ‬ ‫الوطنية بني البوسفور والهند»‪ .‬وفي عبارة ال تخلو من دالالت مهمة يقول‬ ‫بيترز‪« :‬إن قبول فكرة ّأن التقاليد الدولية لم ّ‬ ‫تطور أدوات ّفعالة ‪ -‬سوى الحرب‬ ‫ لتعديل الحدود الخاطئة سيجعل من مثل الجهد العقلي الذي نحن بصدده‬‫لفهم الحدود العضوية للشرق األوسط وسيلة تساعد على فهم مدى الصعوبات‬ ‫التي نواجهها والتي سنستمر في مواجهتها فنحن نتعامل مع تشوهات‬ ‫ضخمة صنعها اإلنسان‪ ،‬وهي ال تكف عن توليد الكراهية والعنف إلى أن يتم‬ ‫تصحيحها‪ .‬أما بالنسبة ألولئك الذين يرفضون التفكير في غير املفكر فيه‬ ‫ويقولون‪ :‬إن الحدود يجب أن ال تتغير وأن الحال يجب أن يبقى على ما هو عليه‬ ‫ّ‬ ‫فإن عليهم أن يتذكروا أن الحدود ظلت تتغير عبر القرون لم تكن ثابتة أبدا‪،‬‬ ‫والكثير من الحدود من الكونغو وحتى كوسوفا والقوقاز تتغير حتى اآلن»‪.‬‬

‫تفاهمات بوتني ‪ -‬أوباما‬ ‫ومن الناحية السياسية املباشرة ال يستطيع منصف تجاهل أن التغيرات في‬ ‫الحدود في مناطق أخرى من العالم تشير إلى «تفاهمات ضمنية» تستبق‬ ‫تغييرا في معنى السيادة وحدود الدولة‪ ،‬وربما تمهد له عمدا‪ ،‬فالخطوتان‬ ‫اللتان قامت بهما روسيا بضم القرم‪ ،‬وقبلها في العام ‪ 2008‬القيام بعمل‬ ‫عسكري لضم أج��زاء من جورجيا يعكسان قبوال – لم يتم تقنينه بعد –‬ ‫لفكرة تطابق السيادة مع نطاق مصالح معني يحقق «األمن القومي» للدولة‬ ‫أو يتسق مع خريطة وجود مواطنيها أو الناطقني بلغتها‪ .‬وهذا التحول يتم‬ ‫بقدر غير قليل من الحذر والتمهل ملا له في الذاكرة الغربية من تاريخ دموي‪.‬‬ ‫فالحروب القومية أوروبية نشبت في حاالت عدة بسبب التداخل السكاني‪،‬‬ ‫وتعد املشكالت الفرنسية األملانية ح��ول منطقتي اإلل��زاس واللورين مثاال‬ ‫كالسيكيا لهذا النوع من مشكالت الحدود املرتبطة بالخرائط السكانية‪.‬‬ ‫وإذا أقرت الواليات املتحدة األميركية وحلفاؤها األوروبيون «مبدأ مشروعية‬ ‫ضم األراضي» لتتطابق مع الخريطة السكانية فسيفتح هذا الباب واسعا أمام‬ ‫سيل من املطالبات التي قد تصل إلى حد الضم الفعلي بالقوة ألراضي الغير‪.‬‬ ‫وقد يصح أن صفقات مصالح كبرى جرى تبادلها بني واشنطون وموسكو بني‬ ‫البلطيق والبلقان والشرق األوسط‪ ،‬وهي صفقات مصالح شواهدها واضحة‬ ‫لكنها ليست معلنة‪ ،‬ومن األفضل لسالم العالم أال تتحول إلى «مبادئ» في‬ ‫العالقات الدولية‪ .‬واألهم في هذه التفاهمات أنها تستند إلى مقومات يمكن أن‬ ‫تضمن لها االستمرار وتحقيق االستقرار ملن تمس أوضاعهم القانونية‪ ،‬حتى‬ ‫ال تتحول هي بدورها إلى قنابل موقوتة تنفجر الحقا‪ ،‬فالهوية وكل ما يمكن‬ ‫اعتباره مكونات «فوق مادية» تكتسب باستمرار تأثيرا ينافس املصالح‪ ،‬وقد‬ ‫يساويها‪ ،‬في أماكن كثيرة من العالم‪.‬‬ ‫فهل يقف الالحقون أمام أح��داث الربع األول من القرن الحادي والعشرين‪،‬‬ ‫مكررين مشهد الربع األول من القرن املاضي‪ ،‬ليدونوا هجائياتهم الخاصة‬ ‫بحق «اتفاقية بوتني أوباما» غير املكتوبة؟!<‬


‫«ازدواجية املعايير» بشكل دائم‪ ،‬فمن الطبيعي أن يتعاظم إحساس املواطن‬ ‫العربي بأنه ضحية مؤامرة‪.‬‬

‫استنساخ «سايكس بيكو»‪ ...‬ولعنها!‬ ‫وفي كل مرة يعود العالم العربي إلى «حديث الخرائط» يتم اختصار كل شيء‬ ‫في «سايكس بيكو»‪ ،‬وفضال عن هذا يجري استنساخها‪ .....3 .2 .1 :‬والخطر‬ ‫في تحميل سايكس بيكو كل خيباتنا ليس تبرئة الغرب من املسؤولية عما‬ ‫ارتكب في حق شعوبنا‪ ،‬بل الخطر أن تتحول إلى «تفسير سحري» يريحنا‬ ‫من عناء االعتراف بما ساهمنا به في الكارثة‪ .‬وه��ذا املنهج االختزالي في‬ ‫تفسير التاريخ (والواقع) يشيع في الثقافات حال األزمة والعجز عن االعتراف‬ ‫بالواقع‪ ،‬وكأنه «ديك غفران» سياسي يحمل عنا خطايانا‪ ،‬كما هي عقيدة‬ ‫اليهود في «ديك الغفران اليهودي» الذي يتم تمريره فوق رأس كل يهودي‬ ‫ليأخذ خطاياه‪ ،‬وبذبحه تغفر هذه الخطايا‪.‬‬ ‫وأول ما يجب أخذه في االعتبار عند التعامل مع خرائط ما يسمى «التقسيم‬ ‫الجديد» للعالم العربي أن العالم العربي لم يكن موحدا أبدا حتى يقسمه أحد‪.‬‬ ‫وأنه كان دائما وحدات سياسية تتمتع بدرجة استقالل ما‪ ،‬حتى تحت الحكم‬ ‫العثماني‪ ،‬وأن حدود هذه الوحدات السياسية كانت غالبا «رمادية»‪ ،‬كما أنها‬ ‫انكمشت وتمددت عدة مرات‪.‬‬

‫وليس لها أي صفة رسمية‪ ،‬فهي بالتالي إما جهد فرد أو مؤسسة بحثية‪،‬‬ ‫وقد تكون – في الحالتني – مغرضة‪ ،‬لكن هذا ال يجعلها مخططا تنفيذيا له‬ ‫صفة رسمية على اإلطالق‪ .‬وهي تنشر بال انقطاع – تقريبا – منذ منتصف‬ ‫الثمانينات عندما نشر الدكتور حامد ربيع سلسلة مقاالت في مجلة «األهرام‬ ‫االق�ت�ص��ادي» املصرية‪ .‬وواح ��دة م��ن ه��ذه الخرائط أخبرني املفكر القومي‬ ‫الراحل الدكتور عصمت سيف الدولة أن مخابرات يوغوسالفيا سرقتها‬ ‫له من وزارة الخارجية اإلسرائيلية لتكون ضمن أوراق قضية «تنظيم ثورة‬ ‫مصر» الشهير‪.‬‬ ‫ومن األمور املثيرة – مثال – أن استقالل كوسوفا كان موضوع استهجان‬ ‫واس��ع من شرائح من النخبة العربية الرسمية وغير الرسمية‪ ،‬بينما ضم‬ ‫ال�ق��رم لروسيا ل��م يشهد رد الفعل نفسه‪ ،‬ف��ي إش��ارة واض�ح��ة إل��ى التأثير‬ ‫الكبير لعوامل‪ :‬التحامل والتعاطف في صياغة مواقفنا‪ .‬ففي املقابل كان‬ ‫هناك اهتمام غربي كبير بـ«الحالة القرم»‪ ،‬ال بوصفها «ملف صراع» أميركي‬ ‫روسي‪ ،‬وبالتالي حالة فردية‪ ،‬بل بوصفها توجها عامليا في شأن «الدولة»‪.‬‬ ‫خنا ب��اراغ خبير أميركي هندي املولد في الجغرافيا السياسية (يصدر له‬ ‫قريبا كتاب بعنوان‪« :‬تغيير خريطة العالم») يتنبأ بظهور «عالم دون حدود‬ ‫سياسية»‪ ،‬وهو فرض يبدو مغرقا في التنظير‪ ،‬لكنه – على األقل – يوفر‬ ‫منظورا أكثر موضوعية للنظر إلى التغيرات في الخريطة في منطقتنا بعيدا‬ ‫عن حديث املؤامرة الكونية‪ .‬فهو يرى أن ضم القرم «سيرورة طبيعية» باتجاه‬ ‫تفكك ال��دول وإع��ادة إنشائها للمواءمة – حسب ت�ص��وره – ب�ين «السيادة‬ ‫السياسية» و«املعطيات السكانية واإلثنية»‪ ،‬وهو لهذا السبب يرى أن ضم‬ ‫القرم لن يطلق شرارة حرب باردة وال ساخنة‪ .‬وحسب باراغ فإن عددا كبيرا‬ ‫من دول الشرق األوسط مهدد عقدها باالنفراط‪ ،‬فسوريا والعراق أو األردن لن‬ ‫يسعها الحفاظ على حدودها الحالية‪ .‬وهذا التغير يمكن أن يحمل مستقبال‬ ‫واعدا إذا أمكن بناء وحدات مناطقية أكثر اندماجا‪.‬‬

‫والتعامل السائد مع قضية الخرائط في الحقيقة يغلب عليه تشاؤم الفت‪،‬‬ ‫أوال ألن��ه كاشف عن أننا نحتكم – أوال – إل��ى مشاعرنا ب��دال من املزاوجة‬ ‫املتزنة بني ما هو عقلي وما هو عاطفي‪ .‬وهذا التشاؤم يكشف عن أننا –‬ ‫في أعماقنا – شاعرون بالعجز الشديد بل املهانة‪ ،‬رغم علو صوت الحديث‬ ‫الشعاراتي عن اإلرادة‪ ،‬فالعالم الذي يتغير باتجاه التفكك يشهد أيضا – ولو‬ ‫حالة واح��دة – باتجاه الوحدة هي وحدة شطري أملانيا‪ ،‬ما يؤكد أن مسار‬ ‫التفكك ليس ثمرة تآمر اآلخرين بل ثمرة غياب األسباب املوضوعية ألن يكون‬ ‫مؤامرات أم رؤى؟‬ ‫املسار العربي باتجاه «الوحدة»‪.‬‬

‫شاشة كبيرة لبوتني وأوباما‬ ‫خالل حفل دولي اقيم على شاطئ‬ ‫أويسترا «نورماندي» في ‪ 6‬يونيو‬ ‫املاضي‪ ،‬بمناسبة الذكرى السبعني‬ ‫للحرب العاملية الثانية‬

‫‪,,‬‬

‫العالم العربي‬ ‫لم يكن موحدا‬ ‫أبدا حتى‬ ‫يقسمه أحد‬ ‫وأنه كان‬ ‫دائما وحدات‬ ‫سياسية‬ ‫تتمتع بدرجة‬ ‫استقالل‬

‫‪,,‬‬

‫ومما يجب أخذه في االعتبار أيضا أن الخرائط التي يشار إليها كثيرة جدا ومن اآلفات التي تؤثر تأثيرا شديدا في تعاطينا مع التحوالت إيمان شرائح‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪17‬‬


‫قصة الغالف‬

‫مشهدان متزامنان يمكن أن يلخصا الكثير من الفروق بني عقليتني ورؤيتني األول تصريح رسمي أميركي‬ ‫خالصته أن الواليات املتحدة «تتمنى» أن يصوت األسكوتلنديون لصالح البقاء ضمن «بريطانيا العظمى»‪ ،‬ما‬ ‫يعني أن رغبة األسكوتلنديني في االستقالل لم ينظر إليها أحد بوصفها مؤامرة أو خيانة أو عمالة أو‪ ......‬هذا‬ ‫طبعا فضال عن آالف الشواهد من خطاب مؤيدي االنفصال ومعارضيه تؤكد أن «الخرائط» ليست «الدول»‪.‬‬

‫املنطقة العربية من سايكس ـ ـ بيكو الى بوتني ـ ـ أوباما‬

‫حدود رمادية!‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ممدوح الشيخ‬

‫‪,,‬‬

‫في كل مرة‬ ‫يعود العالم‬ ‫العربي إلى‬ ‫«حديث‬ ‫الخرائط»‬ ‫يتم اختصار‬ ‫كل شيء في‬ ‫«سايكس‬ ‫بيكو»‪ ،‬وفضال‬ ‫عن هذا يجري‬ ‫استنساخها‬

‫‪,,‬‬

‫‪16‬‬

‫املشهد الثاني مشهد عاصفة عويل وسب وتهويل وتهديد بسبب‬ ‫تغيرات محتملة على خريطة ج��زء من املنطقة‪ ،‬رغ��م أن خريطته‬ ‫تغيرت بالفعل منذ تم ف��رض حظر طيران على نظام حسني في‬ ‫املنطقة الكردية شمال العراق‪ ،‬لكن ثقافة اإلنكار أسهمت في سعي الراغبني‬ ‫في تغيير الحدود إلى «الزحف على األرض» فعليا لتغيير الخرائط‪ ،‬وبعضهم‬ ‫لجأ لهذا الخيار بعد أن تعذر عليهم – بالطرق السلمية – تغيير سلوك النظم‬ ‫الحاكمة!‬

‫الخريطة‪ ...‬الدولة‪ ....‬قيمة الدولة‬ ‫هذان املوقفان املتزامنان أكدا حقيقة مهمة هي أننا مشغولون دائما بـ«حدود‬ ‫الدولة» بأكثر مما نحن مشغولون بـ«القيمة السياسية للدولة»‪ ،‬أي الكفاءة‬ ‫والقدرة على التأثير‪ ،‬لكن هذا ليس الوجه الوحيد لعاصفة البكاء املرير في‬ ‫اإلعالم العربي على الخريطة التي تتغير‪.‬‬ ‫ومن يأخذ عينة من اإلعالم املقروء واملرئي ربما ال يلفت نظره هذا الكم الكبير‬ ‫من «السيناريوهات التآمرية» التي يجب علينا جميعا أن نحذر منها وجميعها‬ ‫– تقريبا – تستهدف تمزيق العالم العربي‪ ،‬فمع كثرة هذه املخططات ألفناها‬ ‫ول��م نعد نشعر بأنها ظاهرة يجب رصدها‪ .‬كما أن تداخلها – بل أحيانا‬ ‫تناقضها – ال يبقي للمواطن العربي إال عملة واحدة ذات وجهني‪ :‬البكاء على‬ ‫الخرائط وتدبيج الهجائيات بحق الغرب!‬ ‫ومع الخوف املرضي من املؤامرات يبقى خيار واحد‪« :‬تثبيت كل األوضاع»‬ ‫مخافة أن يكون أي جديد نختاره‪ ،‬حلقة معدة مسبقا من مؤامرة‪ ،‬وبهذه‬ ‫األيدي املرتعشة أديرت ملفات عربية كثيرة – أولها التغيير الديمقراطي –‬ ‫حتى تغيرت الدنيا حولنا وأصبحت قائمة من تستهدفهم هجائياتنا تضم‬ ‫قوى إقليمية بل «أقليات»!‬ ‫ما يعني أننا صرنا نرى أنفسنا أضعف‪ ،‬ولم يعد بعضنا يشعر بغضاضة‬ ‫في أن يتحدث عن مؤامرة إثيوبية أو مؤامرة تركية أو مؤامرة إيرانية أو مؤامرة‬ ‫كردية أو مؤامرة أمازيغية أو‪.....‬‬ ‫ومن األسباب الرئيسة للداء أننا ننظر إلى أنفسنا بإصرار عجيب كـ«استثناء»‪،‬‬ ‫وف��ي موضوع الخرائط ه��ذا بالتحديد‪ ،‬يتم عمدا اقتطاع الحقائق املتصلة‬ ‫بالتغيرات املحتملة على خريطة املنطقة من كل سياق وتعليبها بخطاب‬ ‫خشبي يؤكد أن ما يحدث هو م��ؤام��رة اآلخ��ري��ن ضدنا‪ ،‬فال سابقة له وال‬ ‫نظير ل��ه‪ ،‬وال ه��دف ل��ه إال خريطتنا‪ .‬وه��ذا املنظور أح��د أه��م أس�ب��اب «س��وء‬ ‫التفاهم التاريخي» بيننا وبني الغرب‪ ،‬ومما يؤكد أنه (على األقل في جانب‬ ‫منه) «سوء تفاهم» أنه اآلن يعاد إنتاجه إقليميا مع كل القوى اإلقليمية تقريبا‬ ‫بسيناريوهات متفاوتة‪.‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫ومما يتم إخفاؤه عمدا – مثال – أن العالم يشهد ازديادا مطردا في عدد دوله‬ ‫التي أصبحت ت��راوح حول املائتني‪ ،‬مقارنة ب�ـ‪ 50‬دول��ة أسهمت في تأسيس‬ ‫األمم املتحدة عام ‪ 1945‬وعدد يقدر بما يزيد قليال عن ‪ 150‬دولة قبل عقود‬ ‫قليلة‪ ،‬ويكفي أن نشير هنا إل��ى أن مصر وال�س��ودان كانا كيانا سياسيا‬ ‫واح��دا حتى خمسينات القرن العشرين‪ ،‬وأن وحدتهما كانت من القضايا‬ ‫املجمع عليها وطنيا!‬ ‫وخالل السنوات التي تلت انهيار االتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن‬ ‫املاضي شهد العالم موجة تغيير كبيرة في الخرائط‪ .‬فعلى سبيل املثال‪،‬‬ ‫كانت كل من‪ :‬أستونيا والتفيا وليتوانيا ترتبط برابطة سياسية انحلت في‬ ‫هدوء‪ ،‬وعاشت تشيكيا وسلوفاكيا ضمن وحدة استمرت قرابة نصف قرن‬ ‫وانتهت بـ«الطالق املخملي»‪ ،‬وانحلت يوغوسالفيا بعد حرب أهلية دامية إلى‬ ‫عدة كيانات سياسية‪ ،‬واستقلت إريتريا عن إثيوبيا وانفصلت تيمور عن‬ ‫إندونيسيا‪ ،‬واستقلت كوسوفا عن صربيا‪ .‬وف��ي املقابل ال يكاد الحديث‬ ‫يتوقف في بلجيكا عن احتمال انقسامها إلى دولتني‪ ،‬ويحاول إقليم كيبك ذو‬ ‫الثقافة الفرنسية – منذ عقود – االنفصال عن كندا ذات الثقافة اإلنجلوفونية‪،‬‬ ‫وبني عامي ‪ 2008‬و‪ 2014‬ضمت روسيا إلى أراضيها جزءا من جورجيا ثم‬ ‫شبه جزيرة القرم من أوكرانيا‪.‬‬ ‫بل إن العالم – بشكل عام – يسير باتجاه زيادة عدد دوله‪ ،‬وثمة دراسات في‬ ‫فرع جديد من فروع دراسات الدولة في العلوم السياسية هو «‪»Mini State‬‬ ‫يتوقع زيادة دول العالم – في الحد األقصى – إلى أكثر من ‪ 3000‬دولة!!‬ ‫أما درس جنوب السودان فما زلنا عاجزين عن استيعاب دروسه من زاويتني‪:‬‬ ‫األولى أن السودان – قبل انفصال الجنوب – كانت مساحته تساوي مساحة‬ ‫أوروب��ا الغربية (أكثر من عشرين دول��ة) أما كفاءته وتأثيره فكانا أقل من‬ ‫أصغر دولة أوروبية‪ .‬الدرس الثاني في تجربة انفصال الجنوب فهو أن التاريخ‬ ‫له مسار وأنه ال ينكسر أمام إرادة أحد‪ ،‬وقد قتل بسبب هذا الصراع أكثر‬ ‫من مليوني مدني وفي النهاية انفصل الجنوب‪ ،‬فاإلرادة واالستعداد للحرب‬ ‫الطويلة لم يعالجا فشل الدولة وال حققا التناغم بني مجموعات سكانية كلها‬ ‫ترى العالم من خالل «الهوية األحادية»‪.‬‬ ‫وف��ي إش ��ارة مهمة إل��ى حقيقة أن ال��وق��ائ��ع ال يمكن فصلها ع��ن معايير‬ ‫التقييم يفرق ألكسندر هيغ وزير خارجية بريطانيا بني استفتاء استقالل‬ ‫أسكوتلندا واستفتاء انضمام القرم لروسيا قائال‪« :‬إن أسكوتلندا دخلت‬ ‫ضمن اململكة املتحدة مع املقاطعات واألقاليم البريطانية األخرى طواعية وإن‬ ‫االستفتاء هناك يجري بموافقة ورضا اململكة املتحدة نفسها وليس من‬ ‫جانب واحد ومن طرف جماعات انفصالية وبدعم من دولة أو قوة أجنبية‬ ‫كما ه��و ال�ح��ال ف��ي شبه ج��زي��رة ال�ق��رم»‪ .‬وعندما يجري عمدا إغ�ف��ال هذه‬ ‫الفروق عند تناول املشكالت املماثلة في العالم العربي‪ ،‬عبر إشاعة خطاب‬


‫إن مجرد قبول جماعات مستفزة‪ ،‬جنسيا وعاطفيا‪ ،‬لفكرة اللمس‬ ‫الجماعي لجسد امرأة‪ ،‬وتحت أنظار الناس والكاميرات‪ ،‬يتجاوز‬ ‫عتبة التوظيف السياسي‪ ،‬ليدخل ف��ي مفهوم الحياة الجنسية‬ ‫بأكملها‪ ،‬ويتصل بالقيم العامة والقانون الذي يمنح حق الحماية‬ ‫لألفراد من التعبير «الجنوني» والعشوائي بالجسد وتفاصيل‬ ‫اإلثارة‪.‬‬ ‫وأن تكون امرأة ما‪ ،‬عرضة لتقاسم عشوائي‪ ،‬وجماعي‪ ،‬وقسري‪،‬‬ ‫وفي هذا الشكل املعلن‪ ،‬ما يعكس قناعة املتقاسمني الجنونيني‪،‬‬ ‫بغياب أي حق دفاعي لدى الضحية‪ ،‬حيث يغيب حقها الدفاعي‬ ‫كونها – أي الضحية – ممنوعة الحق بجسدها باعتباره «ملكية‬ ‫س��ائ�ب��ة» أو ملكية رخ ��وة ق��اب�ل��ة للنهب وال�ت�ق��اس��م‪ .‬ع�ل��ى طريقة‬ ‫القراصنة القدماء الذين يحتلون شواطئ بحار بصفتها أرضا‬ ‫سائبة ال حق ملواطنيها األصليني بالدفاع عنها‪ .‬هذا األمر سنجد‬ ‫ل��ه س�ن��دا ف��ي ثقافة التعامل م��ع امل ��رأة‪ ،‬ف��ي األص ��ل‪ ،‬حيث تكون‬ ‫الطرف الخاسر األول في أي تغيير اجتماعي أو سياسي أو في‬ ‫أي مشكلة تقع فيها الجماعة االجتماعية‪ ،‬وبحيث تكون هي دائما‬ ‫دافع الضريبة‪ .‬ومسألة سحب الحق من املرأة الضحية بالدفاع عن‬ ‫جسدها‪ ،‬ال تعني إال أن هذا الحق‪ ،‬قد سلب في األصل‪ ،‬من الرجل‪،‬‬ ‫الذي هو سيكون األخ أو الزوج أو األب أو االبن‪ ،‬للمرأة الضحية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫املضمر‪.‬‬ ‫فيكون سلب حقها سلبا لحق الرجل‬ ‫أي أن الدائرة غير املفرغة تمر بالرجل ثم املرأة أو العكس‪ :‬قضية‬ ‫مجتمع كامل وبكل تفاصيله‪ .‬ولخطورة هذا األمر‪ ،‬على مجتمع‬ ‫م�ح��اف��ظ بطبيعته‪ ،‬كاملجتمع امل �ص��ري‪ ،‬خ��اص��ة‪ ،‬ف��إن الحكومة‬ ‫�ذت مجموعة إج� ��راءات م �ش��ددة ملالحقة‬ ‫امل�ص��ري��ة ال�ج��دي��دة ات �خ� ّ‬ ‫ومعاقبة املتحرشني‪ ،‬ما خلف ارتياحا عاما في األوساط الحقوقية‬ ‫العاملة في حقل امل��رأة‪ ،‬واألوس��اط االجتماعية العادية التي بدأت‬ ‫تتخوف من استفحال الظاهرة في هذا الشكل غير املسبوق‪.‬‬ ‫كما أن الرئيس املصري املنتخب عبد الفتاح السيسي‪ ،‬وبزيارته‬

‫الهامة التي قام بها إلى ضحية من ضحايا التحرش الجماعي‪،‬‬ ‫في املستشفى‪ّ ،‬‬ ‫وجه رسالة صارمة وعالية التركيز بأن الظاهرة‬ ‫باتت خطرا والدولة ستواجهها بكل حسم وحزم‪ ،‬وكان العتذاره‬ ‫من الفتاة الضحية‪ ،‬أثر بالغ التأثير في طبقات املجتمع من الناس‬ ‫ال�ع��ادي�ين وم��ن امل��ؤس�س��ات الحقوقية وامل�ث�ق�ف�ين والشخصيات‬ ‫الوطنية ال�ت��ي رأت ب�ب��ادرة الرئيس إع�لان��ا ملواجهة شاملة لهذه‬ ‫الظاهرة الغريبة على املجتمع املصري‪ ،‬خاصة‪ ،‬والعربي اإلسالمي‪،‬‬ ‫عامة‪ .‬كما أن فكرة االعتذار نفسها‪ ،‬كانت سابقة سياسية على‬ ‫درجة عالية من الشفافية وتحمل الكثير من العزم على املواجهة‬ ‫وحماية حقوق األفراد في املجتمع‪ ،‬واملرأة من ضمنهم‪.‬‬ ‫ول�ع��ل أخ�ط��ر ج��زء ف��ي قصة «ف�ت��اة ال�ت�ح��ري��ر» ه��و التركيز على‬ ‫توظيفها السياسي‪ ،‬بما يضلل أسس البحث األكاديمي الرصني‪،‬‬ ‫ويحولها إلى مجرد خناقة مفتعلة‪ .‬وإشارة ويتاكر إلى اشتهاء‬ ‫الغير ف��ي األمكنة غير املتوقعة‪ ،‬وال��زم��ن غير امل�ت��وق��ع‪ ،‬ال يعني‬ ‫إال شيئا واح��دا إذا لم يتم تغيير النمط الثقافي ال��ذي كانت وال‬ ‫ت��زال تتم معالجة ال��داف��ع الجنسي ب��ه‪ ،‬وه��و‪ :‬ازدي��اد ع��دد األمكنة‬ ‫غير املتوقعة للتعبير عن فكرة اشتهاء الغير (كعيادات األطباء‬ ‫وصاالت التدريب الرياضي كما سبق وحصل منذ أسابيع) وكذلك‬ ‫الزمن غير املتوقع لهذا االشتهاء الذي بلغ حدا سيكون فيه تحديد‬ ‫األزمنة أمرا مستحيال‪.‬‬ ‫وف��ي السياق ذات��ه‪ ،‬ف��إن قضية ع��زل الدافع الجنسي‪ ،‬كما لو أنه‬ ‫مستقل في بنيته عن بقية الدوافع األخرى‪ ،‬سيترتب عليه نتائج‬ ‫ج��ذري��ة حساسة للغاية‪ ،‬ن�ظ��را ألن ال��داف��ع الجنسي‪ ،‬أص�ب��ح في‬ ‫التفكير الحديث‪ ،‬شبكة متراصة تجمع م��ا ب�ين بنيات متعددة‬ ‫ومستويات معرفية ونفسية متعددة‪ ،‬بحيث يختلط االجتماعي‬ ‫بالجنسي‪ ،‬والسياسي بالعاطفي‪ ،‬والشخصي بالحقوقي‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬فإن قصة فتاة التحرير‪ ،‬نسق ثقافي كامل‪ ،‬ومتراص‪،‬‬ ‫وذو محتوى تاريخي واجتماعي وسياسي‪ .‬وفهمه يحمي فكرة‬ ‫«اشتهاء الغير» من أن تتحول إلى فكرة قتل‪ ..‬الغير!<‬

‫مصري يعترض مسيرة‬ ‫احتجاجية نظمتها ناشطات‬ ‫مصريات ضد التحرش الجنسي‬ ‫بالقرب من مسجد السيدة زينب‪ ،‬في‬ ‫فبراير من العام املاضي‬

‫‪,,‬‬

‫أخطر جزء في‬ ‫قصة «فتاة‬ ‫التحرير» هو‬ ‫التركيز على‬ ‫توظيفها‬ ‫السياسي‬ ‫بما يضلل‬ ‫أسس البحث‬ ‫األكاديمي‬ ‫الرصني‬

‫‪,,‬‬

‫* كاتب وناقد سوري مقيم في القاهرة‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪15‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫الضجة التي أثارتها واقعة التحرش الجماعي‪ ،‬واملعروفة بـ«فتاة التحرير»‪ ،‬جرى التركيز عليها سياسيا‪،‬‬ ‫أكثر مما جرى التركيز عليها اجتماعيا أو جنسيا‪ .‬فقد حصلت «الواقعة» أثناء احتفال املصريني بتنصيب‬ ‫الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا لجمهورية مصر العربية‪ .‬وعلى الرغم من السياق السياسي الذي يمكن‬ ‫فيه فهم هذه الواقعة‪ ،‬فإن مدلوالتها الجنسية هي السياق الواقعي الذي يجب التوقف عنده‪ ،‬من حيث إنها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫اشتباك مباشر مع قيم‬ ‫أوال‪ ،‬تحرش جماعي علني‪ ،‬وأمام عشرات اآلالف من الناس‪ .‬وثانيا‪ ،‬من حيث إنها‬ ‫املجتمع‪ ،‬ورغبة صارخة بعدم االعتراف بهذه القيم‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫جنسي‬ ‫ظاهر سياسي وباطن‬ ‫التحرش الجماعي‪:‬‬

‫فعل فاضح‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عهد فاضل *‬

‫وه��ن��ا‪ ،‬يمكن التوقف عند كتاب ص��در ف��ي ال��ع��ام ‪2007‬‬ ‫البريطاني ب��راي��ن ويتاكر‪،‬‬ ‫ع��ن دار الساقي‪ ،‬للصحافي‬ ‫ْ‬ ‫واملوسوم بـ «الحب املمنوع ‪ -‬حياة املثليني واملثليات في‬ ‫الشرق األوسط»‪ .‬حيث كشف هذا الكتاب االستقصائي عن العالم‬ ‫السري للخيارات الجنسية‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫ال��ع��ودة إل��ى كتاب الصحافي البريطاني‪ ،‬بعد ه��ذه السنوات من‬ ‫صدوره‪ ،‬وبعد شيء وأشياء من تجاهل تقاريره االستقصائية‪،‬‬ ‫في الصحافة العربية‪ ،‬ليس سببها فقط أن الكتاب معني بالعالم‬ ‫السري للدوافع الجنسية عند املثليني‪ ،‬بل ملستوى تحليلي مميز‬ ‫ورف��ي��ع‪ّ ،‬‬ ‫تنبأ ب��ه وي��ت��اك��ر‪ ،‬بتلك ال��ح��االت م��ن ال��ت��ح��رش الجماعي‬ ‫وعلنية التعبير الجنسي‪ ،‬وذلك في معرض إشارته املنقولة عن‬ ‫فريدريك الغرانج‪ ،‬بأن «املثلية واإلباحية املثلية تسود األدب العربي‬ ‫الكالسيكي»‪ ،‬بينما يلحظ املصدر ذاته تجنبها «إجماال في األدب‬ ‫الحديث»‪.‬‬

‫املرأة في‬ ‫األصل تكون‬ ‫الطرف‬ ‫الخاسر األول‬ ‫في أي تغيير‬ ‫اجتماعي‬ ‫أو سياسي‬ ‫أو في أي‬ ‫مشكلة تقع‬ ‫فيها الجماعة‬ ‫االجتماعية‬

‫‪,,‬‬

‫‪14‬‬

‫فينتقل ويتاكر إلى القول‪« :‬برغم بيوريتانية (طهرانية) املجتمعات‬ ‫العربية ظاهريا‪ ،‬فمن الصعب عدم مالحظة اإليروتيكية الكامنة‬ ‫تحت السطح»‪ .‬وأهمية إش��ارة املؤلف إلى العالقة ما بني تعفف‬ ‫ظ��اه��ري وإب��اح��ي��ة ك��ام��ن��ة‪ ،‬تنفع اآلن ف��ي ق���راءة ظ��اه��رة التحرش‬ ‫الجماعي العلني‪ ،‬حيث إن العلنية هنا‪ ،‬هي تجاوز للخط األحمر‬ ‫الذي كان‪ ،‬في السابق‪ ،‬طهرانيا‪ّ ،‬‬ ‫وعبر عن نفسه اآلن‪ ،‬من دون‬ ‫كمون‪ ،‬ومن دون رتوش‪ ،‬فغدا علنيا وجماعيا‪ ،‬في ظاهرة نادرة‬ ‫من ظواهر الحياة الجنسية لألفراد واملجتمعات‪.‬‬ ‫إال أن الكاتب ال يتوقف عند إشارته السريعة والخاطفة‪ ،‬للمكبوت‬ ‫الجنسي‪ ،‬بصفته دافعا محتجبا قابال للظهور‪ ،‬بل بصفته دافعا‬ ‫قابال لالنفجار والتشظي الجماعي‪ ،‬بالضبط‪ ،‬كما حصل في‬ ‫واقعة «فتاة التحرير»‪ ،‬علما بأن الكاتب طرح نماذج من الشرق‬ ‫األوس��ط برمته‪ ،‬ليس من مصر فحسب‪ ،‬بل من سوريا ولبنان‬ ‫وفلسطني وإسرائيل والسعودية‪ ،‬لدراسة ظاهرة التعلق الجنسي‬ ‫ْ‬ ‫املثلي‪ .‬وهي إن لم تكن محور اقتباسنا‪ ،‬هنا‪ ،‬فهي محور إفادتنا‬ ‫مما سيلي من تحليل ويتاكر النفجار الدافع الجنسي‪ ،‬وبشكل‬ ‫علني‪ ،‬هذه املرة‪.‬‬ ‫يربط ويتاكر‪ ،‬ما بني حجب الدافع الجنسي‪ ،‬في املجتمعات العربية‪،‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫والعجز عن «تقنني» التعبير عن هذا الدافع في أمكنة محددة أو‬ ‫ِ‬ ‫خاصة‪ ،‬وتبعا لذلك‪ ،‬فإن قابلية االنفجار العشوائي‪ ،‬لهذا الدافع‬ ‫املكبوت‪ ،‬قد تكون في أي مكان وفي أي زمن‪ ،‬دون التوقف كثيرا‬ ‫عند تعارضها مع القيم العامة املتحفظة‪« :‬في املجتمعات العربية‪،‬‬ ‫يجب حجب الرغبة الجنسية تماما‪ ،‬أكانت مشتهية للغير‪ ،‬أم مثلية‪،‬‬ ‫أو غير محددة وال تريد أن تحدد‪ ،‬وال يمكن هذه املجتمعات –‬ ‫وهنا املفارقة ‪ -‬حصرها في أماكن خاصة أو في مواقف خاصة‪.‬‬ ‫نتيجة ذلك تنتشر الرغبة في األماكن كلها وفي أي وق��ت‪ ،‬وفي‬ ‫أقل املناسبات احتماال»‪.‬‬ ‫وإش��ارة املؤلف الذكية إلى «األماكن كلها» و«في أي وقت» وأنها‬ ‫في «أقل املناسبات احتماال» تعيدنا على الفور إلى املثال الواقعي‬ ‫الجديد‪ ،‬في واقعة «فتاة ميدان التحرير» ال��ذي تنطبق عليه كل‬ ‫املواصفات االستنتاجية الذكية التي سردها املؤلف‪ .‬فمن جهة‪،‬‬ ‫ليس امليدان‪ ،‬أبدا‪ ،‬هو املكان األمثل للتعبير عن الدافع الجنسي‪،‬‬ ‫ومن جهة‪ ،‬فإن التوقيت (االحتفال بمناسبة سياسية) لم يكن هو‬ ‫التوقيت املتناسب‪ ،‬قطعا‪ ،‬مع دوافع كتلك‪.‬‬ ‫وبعد كل ذلك‪ ،‬فإن املؤلف ذكر أمثلة عن األمكنة التي تنتشر فيها‬ ‫تلك الرغبة‪ ،‬وهي شبيهة إلى حد ما بما يحمله امليدان‪ ،‬إال ْأنها‬ ‫تختلف في طبيعتها االستعمالية‪« :‬ثمة ميل إيروتيكي ومثلي‬ ‫إيروتيكي‪ ،‬ملموس تقريبا‪ ،‬يظهر جليا في مناسبات رسمية مثل‬ ‫املولد [ينقل املترجم أن املؤلف ذكر كلمة املولد كما هي بالعربية]‬ ‫كما في الحياة اليومية‪ ،‬وفي الباصات ووسائل النقل املشترك‬ ‫األخرى وصاالت السينما والشوارع حتى حيث يتم تبادل نظرات‬ ‫سريعة ذات معنى»‪.‬‬ ‫قصة «فتاة التحرير» وعلنية التحرش الجنسي الذي وصفته بعض‬ ‫وسائل اإلعالم باالغتصاب الجماعي‪ ،‬ال يمكن التوقف عندها على‬ ‫أنها مجرد تعكير صفو املحتفلني بمناسبة سياسية‪ .‬وهي وإن‬ ‫أدت إلى مثل هذا األمر‪ ،‬فإنها بطبيعتها الجماعية والعلنية‪ ،‬تتجاوز‬ ‫فكرة الدافع السياسي‪ ،‬لتدخل على الفور باب الطبيعة الجنسية‬ ‫التي أشار إليها ويتاكر بصفتها ناتج منع قيمي من املجتمع ضد‬ ‫ما ّ‬ ‫سماه «اشتهاء الغير»‪ ،‬بحيث يكون «أي مكان» وفي «أي وقت»‬ ‫مناسبة غير متوقعة للتعبير عن الفعل الجنسي‪ ،‬حتى وإن كان‬ ‫في هذا الشكل الجماعي وتحت أنظار الناس وعدسات الكاميرا!‬


‫ش�ي��وع ال�ظ��اه��رة بعد ذل��ك‪ ،‬لقد شكلت ح��االت التحرش وقتها م��ادة‬ ‫مضاربة إعالمية بدال من أن تشكل انتفاضة موحدة نحو سن قوانني‬ ‫وأنظمة تحمي الضحايا‪ ،‬إن سذاجة التفسير وعدم دقة املعلومات ال‬ ‫تنفصل عن التاريخ الثقافي ففكرة حشد الدين أو الحس الوطني هي‬ ‫مسألة في ضمير الثقافة العربية‪ ،‬ومع أن التدين أو األخ�لاق العامة‬ ‫واالنتماء الوطني عموما قد تشكل رادع��ا شخصيا لبعض األف��راد‬ ‫إال أنه من املستحيل عزو أسباب التحرش من عدمها إلى أي دين أو‬ ‫معتقد إطالقا‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة اإلس�لام�ي��ة ك�ث�ي��را م��ا ت�ع��زو ل�ل�غ��رب االن�ح�لال‬ ‫األخ�لاق��ي‪ ،‬وتفسر ه��ذا التصور املغلوط بما يمثله الدين اإلسالمي‬ ‫من قيم وأخالقيات تحفظ مجتمعاتنا من مثل ه��ذه العمليات غير‬ ‫األخالقية‪ ،‬لكن واقعنا االجتماعي والسياسي تاريخيا وحتى اليوم‬ ‫ال يثبت شيئا م��ن ذل��ك‪ ،‬فالتحرش كعملية وس�ل��وك متعدد الجذور‬ ‫وتفسيره بعامل واح��د مثل الديانة ه��و فشل ف��ي فهمه‪ ،‬وأي توجه‬ ‫فكري يريد أن يصور العالم اإلسالمي بريئا من عمليات التحرش‬ ‫واالغتصاب لم يعد مقبوال‪ ،‬فالتطرف الديني يمكن أن يشرع ما هو‬ ‫أسوأ من جريمة التحرش الفردية وغير املنظمة‪ ،‬فالسيدة مختار ماي‬ ‫من باكستان تم الحكم عليها من قبل املجلس القبلي باالغتصاب‬ ‫الجماعي تحت مالبسات قضية عائلية في ‪ ،2002‬أي أن االغتصاب‬ ‫الجماعي تم تشريعه كجزاء قضائي في دولة إسالمية‪ ،‬هذا بالطبع ال‬ ‫يثبت أن الدين هو املشرع لجرائم التحرش لكنه باملقابل يلغي التذرع‬ ‫به كمانع عملي عن ارتكاب هذه الجريمة بكافة أشكالها‪ ،‬ينسحب هذا‬ ‫الرأي على كل الطروحات التي ال تنفك تخلق معادالت كيفية وكمية بني‬ ‫اإلحصائيات الغربية والعربية‪ ،‬في محاولة بائسة للتطهر من حقيقة‬ ‫هذه الجرائم لدينا واعتبار النسب الغربية دليال على سوئهم وشهادة‬ ‫لسالمتنا‪ ،‬هذا االلتفاف يؤكد سوء معالجة جذري للمشكلة‪ ،‬فأوال‬ ‫نحن نكاد ال نعترف بوجودها‪ ،‬فكيف يمكن لنا أن نعتمد اإلحصاءات‬ ‫الدقيقة في املجتمعات األخرى أمام إحصاءاتنا نحن الذين ال ندرس‬ ‫الجريمة وال نحصيها وال نتعامل معها كواقع حقيقي‪ ،‬إن الشفافية‬ ‫التي ترصد بكل دقة الحاالت التي تحدث لديهم والتحليالت والدراسات‬ ‫املستفيضة حولها والواقعية العلمية والسياسية ف��ي ال�ت�ن��اول هي‬ ‫وحدها الفيصل في الحكم‪ ،‬هذه الشفافية التي نحولها لسالح ننكر‬ ‫فيه واقعنا الذي يلفه الصمت واإلنكار والجهل واملكابرة‪ ،‬واقعنا الذي‬ ‫ال تتم دراسته وال تحليله وال تشخص مشاكله ال يعني أنه واقع نظيف‬ ‫ال يعاني‪ ،‬وه��و التصور ال��ذي عشنا فيه سنني طويلة حتى وصلنا‬ ‫اليوم لهذا االنفجار في الظاهرة بشكلها الصادم وال��رديء‪ ،‬األخالق‬ ‫والتدين لم يمنعا تفشي ه��ذه الجرائم‪ ،‬بل الصمت واإلن�ك��ار هو من‬ ‫أخفى الحقيقة حتى ظهرت اليوم عمالقة ومخيفة‪.‬‬

‫والفتاة التي تنفرد برجل ف��ي أي موعد خ��اص تصبح محل الذنب‬ ‫حتى لو تم اغتصابها وقتلها‪ ،‬ألنها هي التي سمحت بذلك بمجرد‬ ‫قبولها بالتفرد برجل‪ ،‬هذا التطرف هو ما جعل املرأة أي امرأة مباحة‬ ‫لكل رجل أيا كان‪ ،‬في كل مكان وفي كل زمان‪ ،‬لم يعد فرقا بني املرأة‬ ‫السافرة واملرأة املختفية بالسواد‪ ،‬كلتاهما تتعرض للتحرش‪ ،‬ألن كل‬ ‫النساء هن اليوم مباحات ملجرد خروجهن من البيوت وتواجدهن في‬ ‫الشوارع‪ ،‬إن مجرد ظهور املرأة أصبح سببا كافيا للتحرش بها‪ ،‬لقد‬ ‫ازدواجية ذكورية‬ ‫أصبح السؤال هل التحرش فعال جريمة يقع بها الرجل تحت سطوة‬ ‫توهمات نفسية وثقافية اجتماعية ذك��وري��ة تسوغ حقه كذكر في‬ ‫إن أحد أهم ما يمكن تشخصيه في ظاهرة التحرش التي انفجرت أخيرا التمتع بأي امرأة‪ ،‬أم أنه أصبح نوعا من العقاب الذي يفرضه الرجال‬ ‫في مجتمعاتنا هو الطبيعة التي نتعامل بها مع هذه الجريمة‪ ،‬فالكثير على النساء ملجرد ظهورهن في الفضاءات العامة‪ ،‬هل التحرش نزعة‬ ‫جدا من الشرائح االجتماعية والقوانني في البلدان العربية ال تعترف نفسية شاذة أم هو سالح جريمة؟‬ ‫باالغتصاب كجريمة‪ ،‬واألسوأ أنها في مختلف الحاالت يمكن أن تضع‬ ‫اللوم على الضحية ال على الجاني‪ ،‬وألن الضحايا غالبا هن من النساء في الحقيقة يمكن اعتبار ظاهرة التحرش في العالم العربي اليوم‬ ‫سيكون لعقدة الثقافة الذكورية العامل األهم في تحليل هذه الظاهرة‪ .‬نتيجة تدهور أخالقي وقيمي في ثقافة املجتمع وفي دول محكومة‬ ‫كان ولم يزل التعامل مع جريمة االعتداء والتحرش على أنها بسبب باستبداد سياسي عاجزة عن توفير أبسط حقوق اإلنسان ملواطنيها‪،‬‬ ‫من سوء سلوك النساء وابتزازهن للرجال بالحضور السافر‪ ،‬ضعف ظاهرة التحرش ليست تصرفا فرديا ال يتحمل الجميع مسؤوليته‬ ‫احتشام املرأة كان يعتبر السبب الرئيس في كل التفسيرات العربية ب��ل ه��و نتيجة لتخلف الجميع ع��ن مسؤولياتهم ب��دءا م��ن املتحرش‬ ‫لهذه الجريمة‪ ،‬عدا عن أن التحرش واالعتداء يكاد ال يصبح جريمة وانتهاء بالضحية التي تستسلم لقدرها وتتكتم عن املجرم بدال من‬ ‫بل يصبح حقا طبيعيا للرجل‪ ،‬فاألنثى متاعه على كل حال‪ ،‬الزوجة‬ ‫التي يحرم عليها رفض العالقة الجنسية في أي وقت تعد هي املذنبة الثأر لنفسها منه <‬ ‫* كاتبة وناقدة اجتماعية سعودية‬ ‫إذا تمنعت عن زوجها وأخذت بالقوة‪ ،‬في شرعنا ال يعد هذا اعتداء‪،‬‬

‫ناشطة مصرية تضع طالء أحمر لبصمات‬ ‫اليد على ذراعها‪ ،‬تنديدا بظاهرة التحرش‬ ‫الجنسي في مصر وذلك ضمن وقفة‬ ‫احتجاجية جرت أمام دار األوبرا في‬ ‫العاصمة القاهرة يوم ‪ 14‬يونيو املاضي‬

‫‪,,‬‬

‫كثير من الشرائح‬ ‫االجتماعية‬ ‫العربية ال تعترف‬ ‫باالغتصاب‬ ‫كجريمة واألسوأ‬ ‫أنها يمكن أن تضع‬ ‫اللوم على الضحية‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪13‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫سجلت الدول العربية في الفترة األخيرة حاالت صادمة ومخيفة من التحرش الجنسي‪ ،‬كانت صدمة الحاالت‬ ‫على أكثر من مستوى فهي‪ ،‬من حيث العدد كبيرة جدا ومتكررة‪ ،‬وهي على مستوى آخر حدثت في ساحات‬ ‫عامة وداخل ميادين مليئة بالحشود‪ ،‬أي أن الضحايا وقعن على مرأى ومسمع جماهير ليست قليلة وهذا‬ ‫أكثر ما يمكن أن يلفت النظر‪.‬‬

‫التحرش الجنسي في العالم العربي‪ ..‬من سلوك منبوذ إلى مزاج عام‬

‫اغتصاب‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ملياء السويلم *‬

‫‪,,‬‬

‫أصبحت‬ ‫حاالت‬ ‫التحرش‬ ‫مادة للمزايدة‬ ‫اإلعالمية بني‬ ‫الفرقاء بدال‬ ‫من أن تشكل‬ ‫انتفاضة‬ ‫موحدة نحو‬ ‫سن قوانني‬ ‫وأنظمة تحمي‬ ‫الضحايا‬

‫‪,,‬‬

‫التحرش بكل أشكاله الجسدية واللفظية والرمزية تم نبذه في‬ ‫املجتمعات العربية كعملية غير شريفة وتنقصها امل��روءة‪،‬‬ ‫لكنه ال �ي��وم يتكثف ك�ظ��اه��رة م��ؤذي��ة ف��ي ال�ف�ض��اء ال �ع��ام يتم‬ ‫تسجيلها بالصوت والصورة ويتم تداولها عبر كل قنوات االتصال‬ ‫واإلعالم ويقابلها حياد جماهيري لحظة الحدث‪ ،‬ورغم هذا لن يكون‬ ‫التساؤل فقط عن معنى التحرش كسلوك مريض وال أخالقي أخذ‬ ‫مكانه كظاهرة ثابتة بيننا‪ ،‬بل ستتنوع االستفهامات بحجم تعقيد‬ ‫عمليات التحرش وت��داخ��ل ك��ل األس�ب��اب السيكولوجية والسياسية‬ ‫واالقتصادية فيه‪.‬‬

‫غير طبيعية فإما مظاهرات كبرى وشبه عصيان كامل عطل الحياة‬ ‫املدنية كما حدث في مصر‪ ،‬أو أنها أصبحت حالة حرب والتحرش‬ ‫فيها جزء من العملية العسكرية‪ ،‬والتاريخ اإلنساني يعرف جيدا أن‬ ‫االغتصاب كان ولم يزل سالحا حربيا قذرا‪ ،‬وهو تحديدا ما يحدث‬ ‫في سوريا وليبيا‪ ،‬االغتصاب واالعتداء الجنسي هو الحد األقصى‬ ‫من التحرش‪ ،‬لكن التلفظ بالكلمات ال يقل عن االغتصاب الكامل في‬ ‫املعايير‪ ،‬فما يحدث على مستوى األيام العادية في الشوارع واألزقة‬ ‫الضيقة هو نبوءة االنفجار الذي حدث في أيام املناسبات الكبرى داخل‬ ‫أكبر امليادين وتحت كاميرات اإلعالم والصحافة‪ ،‬إن تشكيل التحرش‬ ‫لظاهرة واضحة في املجتمعات العربية يفتح املجال لكل األسئلة‪ ،‬ما‬ ‫الذي حول السلوك املستهجن أخالقيا إلى حالة مزاج عام‪ ،‬فمن يتابع‬ ‫التحرشات يدرك كيف ينسجم في الحالة الواحدة مجموعة متفاوتة‬ ‫م��ن ال��ذك��ور ف��ي أعمارهم وتعليمهم وثقافتهم‪ ،‬ف��ي مشهد جماعي‬ ‫غير فردي يزيد من تأكيد املالحظة أن ما يحدث أصبح مزاجا عاما‬ ‫وميال للتعدي واإلي��ذاء‪ ،‬الظاهرة بشكلها هذا لم تخرج عن العوامل‬ ‫املعروفة لكنها دخلت إلى منطقة جديدة من االحتماالت‪ ،‬وأقسى هذه‬ ‫االح�ت�م��االت أن يكون تأجج الظاهرة بسبب م��ن حمى اإلع�ل�ام ال��ذي‬ ‫صاحب األحداث املشتعلة في املنطقة منذ عامني‪.‬‬

‫ظاهرة التحرش يجب أن تدرس ضمن كل أبعادها والحلول التي يجب‬ ‫اتخاذها عليها أن تكون شاملة وال تتوقف على املبادرات العشوائية‪،‬‬ ‫ال��دول��ة أول املسؤولني عن ف��رض األم��ن ال��ذي تحتاجه كل ام��رأة كأي‬ ‫مواطن يحتاج للتنقل والحركة بأمان دون التعرض ألي أذى مهما‬ ‫كان شكله‪ ،‬تماما كما من شأنها تشريع قوانني رادعة وقاسية ضد‬ ‫املتحرشني وضد كل عملية ترهب املرأة عن ممارسة نشاطاتها‪ ،‬من‬ ‫واجب الدولة أن تحافظ على مستوى اقتصادي ي��وازن بني الطبقات‬ ‫االجتماعية املتفاوتة‪ ،‬فالجماعات التي تعيش على هامش الحياة في‬ ‫حارات عشوائية تفتقد إحساسها باالنتماء للمجتمع وتنزع للتخريب‬ ‫لتلفت االنتباه لها‪ ،‬تماما كما أن البطالة يمكن أن تكون من أخطر‬ ‫األسباب حيث تفصل شعور املواطن عن دولته وتكرس داخله انفعاالت‬ ‫الغضب والقهر التي يتم تفريغها بمثل هذه السلوكيات‪.‬‬

‫ف��ي ليبيا أول ح��ال��ة اع�ت��داء سجلت ض��د أح��د امل��ذي�ع��ات ذات الشهرة‬ ‫الواسعة‪ ،‬وفي مصر تحديدا كانت القوة اإلعالمية قد لعبت دورها‬ ‫في املنعطف ال��ذي دخل فيه الحراك الشعبي‪ ،‬فالثورة أخ��ذت اسمها‬ ‫األول من القنوات التلفزيونية املتفاوتة في توجهاتها‪ ،‬وم��ا تال ذلك‬ ‫م��ن سقوط الحكومة السابقة ك��ان شكال م��ن ال�ح��رب اإلعالمية بني‬ ‫القنوات اإلعالمية بتوجهاتها الليبرالية واإلسالمية‪ ،‬وتصدير مشاهد‬ ‫التحرش وإحصائياتها ك��ان يرتبط بتوجه القناة‪ ،‬فأصبح ميدانا‬ ‫رابعة والتحرير ملعبني إلثبات س��وء سلوكيات كل ط��رف‪ ،‬القنوات‬ ‫ذات التوجه املنفتح لم تنكر حاالت االعتداء التي حدثت في تجمعات‬ ‫التحرير املعارضة لحكومة اإلخوان املسلمني آنذاك‪ ،‬ولم تصدر حاالت‬ ‫التحرش إال كسلوكيات ال أخالقية تخرج ع��ن قيم وثقافة الشعب‬ ‫املصري‪ ،‬على الطرف اآلخر كانت القنوات املؤيدة للحكومة اإلخوانية‬ ‫قد ذهبت إلى اعتبارات متطرفة من أن ميدان رابعة حاضن أنصار‬ ‫الحزب اإلخواني لم يشهد أي حالة تحرش ألن هؤالء األنصار أكثر‬ ‫التزاما أخالقيا ودينيا من معارضي الحزب‪ ،‬أما املحايدون أو أصحاب‬ ‫التوفيقية السياسية فقد ذهبوا إلى أن ميدان التحرير في أول ‪ 18‬يوما‬ ‫من الثورة لم يشهد أي حالة تحرش‪ ،‬معتبرين وحدة الصف والهدف‬ ‫هي من كان يردع هذه الجرائم‪ ،‬بمغزى أن الفرقة الوطنية هي سبب‬

‫سيكولوجيا يتم التفريق بني التحرش املرضي والتحرش العرضي‪،‬‬ ‫ف�ه�ن��اك م�ت�ح��رش��ون ع��رض�ي��ون ال ي�ت�ح��رش��ون إال ع�ن��دم��ا تتهيأ لهم‬ ‫الظروف‪ ،‬بينما املتحرش املريض فهو يعاني من اضطراب جنسي‬ ‫يمكن تصنيفه كشخصيات أو ميول محددة‪ ،‬التحرش املرضي يحتاج‬ ‫للعالج النفسي لكن ذلك ال يعني أنه لذاته ليس جريمة وال يعني أن‬ ‫املريض ليس مجرما‪ ،‬تماما كما أن التحرش العرضي بالنظرة وبالكلمة‬ ‫وباللمسة وبما هو أقل من ذلك ليس إال جزءا من الحالة النفسية عموما‪،‬‬ ‫تفريغ اإلنسان لكبته وقهره في متعة لحظية وع��دم تحسب اإلهانة‬ ‫املترتبة على سلوك التحرش ينم عن االلتباس النفسي والتشويش‬ ‫الذهني الذي يدفع املتحرش لفعلته‪.‬‬ ‫انفالت دول الربيع العربي‬

‫تحول أخالقي!‬ ‫أوضح ما يمكن تدوينه عن هذه الظاهرة هو أنها أخذت تبرز تحت أثر‬ ‫االنفالت األمني الذي حدث داخل الدول العربية بعد أو خالل سقوط‬ ‫عدد من األنظمة السياسية‪ ،‬فالفضاءات العامة أصبحت تشهد حركة‬

‫‪12‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫هو أيضا في معسكر التغيير»‪ .‬وبحسب وزيرة خارجية الرئيس باراك أوباما‬ ‫في واليته األولى‪ ،‬فإن ساركوزي أراد استلحاق الوقت الضائع والتعويض عن‬ ‫غياب فرنسا وأخطائها في التعاطي مع الثورتني التونسية واملصرية‪ .‬وبالفعل‪،‬‬ ‫لعب ساركوزي دور «املحرك» ليس فقط على الصعيد العسكري‪ ،‬حيث كان‬ ‫من أشد املتحمسني لهذا الخيار للتخلص من القذافي الذي جاء باريس زائرا‬ ‫رسميا ومحاطا بكل أنواع التكريم البروتوكولي‪ ..‬بل أيضا سياسيا إذ كان‬ ‫أول من اعترف باملجلس الوطني الليبي ممثال شرعيا لليبيا وأعطاه السفارة‬ ‫الليبية ف��ي ب��اري��س ومكنه م��ن االس�ت�ف��ادة م��ن ال��ودائ��ع الحكومية‪ .‬وبعد أي��ام‬ ‫قليلة على سقوط القذافي زار ساركوزي ليبيا زيارة الفاتحني بمعية رئيس‬ ‫الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون و«الفيلسوف» الفرنسي برنار هنري ليفي‬ ‫ليقطف ثمار انتصاره سياسيا‪ .‬لكن صورة ليبيا اليوم وتهاوي بنى الدولة‬ ‫وشلل مؤسساتها وتقاتل ميليشياتها تبني بشكل صارخ صورة العمل «غير‬ ‫املكتمل» الذي قام به الغربيون في ليبيا وعلى رأسهم فرنسا‪.‬‬ ‫بيد أن العجز الفرنسي يظهر بأبرز تجلياته في األزمتني السورية والعراقية‪.‬‬ ‫وليس سرا أن الكثيرين داخل سوريا وخارجها يتساءلون عن األسباب التي‬ ‫جعلت باريس تقدم في أفريقيا وتحجم في سوريا وتتردد في العراق‪.‬‬ ‫السؤال مشروع إذا ما نظر إلى حجم املجزرة القائمة في سوريا منذ أكثر من‬ ‫ثالث سنوات‪ .‬وإذا كانت الطائرات املقاتلة الفرنسية انطلقت صوب ليبيا قبل‬ ‫أن تصل إلى بنغازي دبابات العقيد القذافي‪ ،‬فأين هي في سوريا؟ هل السبب‬ ‫غياب ق��رار من مجلس األم��ن ال��دول��ي بسبب استخدام روسيا املتكرر لحق‬ ‫النقض بصدد أي قرار تشتم منه رائحة تدخل عسكري أجنبي ضد النظام‬ ‫السوري بغطاء من األمم املتحدة؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟‬ ‫كتب كثير حول عجز الغرب وعدم اكتراثه بالشعب السوري وعن الفروقات‬ ‫الكامنة بني ليبيا وسوريا لجهة التسليح والتجهيز والخوف من سقوط نظام‬ ‫األسد وتمدد اإلرهاب الذي يمثل تنظيم «داعش» صورته املفزعة‪ .‬لكن حقيقة‬ ‫املوقف الفرنسي تقع في مكان آخر وخالصته أن األوراق التي تملكها باريس‬ ‫«إذا كانت تملك أوراقا» تبقى عديمة التأثير وأنها ال تلعب الدور األول وليست‬ ‫مؤهلة لذلك‪ ،‬بل إنها طرف من بني مجموعة من الالعبني اإلقليميني والدوليني‬ ‫الكثير منهم أكبر وزنا وتأثيرا على األطراف الداخلية في الصراع‪.‬‬

‫الخطوط الحمراء‬ ‫العام املاضي‪ ،‬بمناسبة االجتماع السنوي للسفراء الفرنسيني عبر العالم‪،‬‬ ‫ألقى الرئيس هوالند خطابا قال ما حرفيته‪« :‬إن فرنسا جاهزة ملعاقبة النظام‬ ‫السوري الستخدامه السالح الكيماوي على نطاق واسع» في إشارة إلى الهجوم‬

‫الكيماوي الذي استهدف صبيحة ‪ 21‬أغسطس (آب) ‪ 2013‬ضاحيتي دمشق‬ ‫الشرقية والغربية‪ .‬وعلم الحقا أن القوات الفرنسية الجوية قد أعطيت األوامر‬ ‫باالستعداد للتوجه لضرب أهداف في سوريا‪ .‬لكن تراجع الرئيس األميركي‬ ‫في آخر لحظة وضع الرئيس هوالند ومعه الدبلوماسية الفرنسية في موقع‬ ‫صعب وأظهر أن القرار ليس في باريس بل في واشنطن وموسكو‪ .‬أوباما‬ ‫تراجع مرة أولى عندما قرر املرور بالكونغرس للحصول على ضوء أخضر‬ ‫للقيام بعملية «تأديبية» بحق النظام السوري الجتيازه «الخطوط الحمراء»‬ ‫«أي استخدام الكيماوي»‪ .‬وأوباما تراجع مرة ثانية عندما انقض على املبادرة‬ ‫الدبلوماسية الروسية القائمة على االمتناع عن أي عمل عسكري مقابل تخلي‬ ‫دمشق عن أسلحتها الكيماوية‪ .‬وقبل ذل��ك‪ ،‬كان ديفيد كاميرون قد أصيب‬ ‫بانتكاسة في مجلس العموم الذي رفض التدخل العسكري في سوريا‪ ،‬محطما‬ ‫بذلك «التحالف الثالثي» الفرنسي األميركي البريطاني‪.‬‬ ‫بينت هذه «الحادثة» أن باريس ليست الطرف ال��وازن وأن املقارنة بني وضع‬ ‫باريس في سوريا ووضعها في أفريقيا ال تستقيم‪ ،‬فضال عن أن الوضع‬ ‫الشرق أوسطي أكثر تعقيدا بسبب تداخل عوامل مثل النزاع العربي اإلسرائيلي‬ ‫وال��دور الروسي والتركي واإليراني وبرنامج طهران النووي وانقسام العرب‬ ‫وق��درة النظام السوري على املقاومة وانقسام املعارضة السورية وتضارب‬ ‫الجهات الداعمة لها‪ .‬وبسبب كل ذلك‪ ،‬بدت باريس ومعها الغرب عاجزين عن‬ ‫التأثير الفعلي‪ .‬لذا كان السعي وراء حل سياسي يتمثل في مؤتمر «جنيف ‪،»2‬‬ ‫الذي فشل فشال ذريعا‪ .‬وباملقابل‪ ،‬فإن الغربيني الذين كرروا أن ال حل سياسيا‬ ‫إال مع تكافؤ القوى ميدانيا‪ ،‬لم يلتزموا بوعودهم بتمكني املعارضة من مقارعة‬ ‫النظام بأسلحة فعالة بسبب الخوف من اإلره��اب ومن تسرب األسلحة إلى‬ ‫«األيدي الخطأ»‪ .‬لذا‪ ،‬حاولت باريس عبر مجلس األمن ومجلس حقوق اإلنسان‬ ‫والعمل اإلنساني التأثير في الوضع‪ .‬ولكن ه��ذه الجهود بقيت دون النتائج‬ ‫املطلوبة‪ .‬ولذا‪ ،‬لم يكن مفاجئا أن تحمل باريس مباشرة وزر الوضع الحالي‬ ‫لواشنطن التي تمنعت في آخر لحظة ولو أنها فعلت‪ ،‬فإن باريس سترى أن‬ ‫األمور كانت ستتغير وأن اإلرهاب الذي استقوى ما كان ليصل إلى هذا املستوى‬ ‫لو مكن السوريون املعارضون من الوسائل الكفيلة بتغيير الوضع لصالحهم‪.‬‬ ‫وما يصح على سوريا يصح اليوم على العراق‪ ،‬حيث ال ترغب باريس بلعب‬ ‫األدوار األولى وتترك «الصدارة» لإلدارة األميركية وترهن أي مشاركة لها في‬ ‫عمل عسكري بطلب مباشر من السلطات العراقية وبقرار من مجلس األمن‬ ‫ال��دول��ي وقبل ك��ل ذل��ك بضمانات م��ن رئيس ال ��وزراء العراقي لجهة االنفتاح‬ ‫على كل املكونات العراقية وقيام حكومة وحدة وطنية ووضع حد لسياسات‬ ‫التمييز واإلقصاء<‬

‫استقبال شعبي للرئيس الفرنسي‬ ‫فرنسوا هوالند اثناء زيارة لجنوب أفريقيا‬ ‫بدعوة من نظيره الجنوب أفريقي جاكوب‬ ‫زوما‪ -‬اكتوبر من العام املاضي‬

‫‪,,‬‬

‫ما يصح على‬ ‫سوريا يصح‬ ‫اليوم على‬ ‫العراق حيث ال‬ ‫ترغب باريس‬ ‫بلعب األدوار‬ ‫األولى وتترك‬ ‫«الصدارة»‬ ‫لإلدارة‬ ‫األميركية‬

‫‪,,‬‬

‫* كاتب لبناني ومراسل صحيفة «الشرق األوسط» في باريس‪ ،‬منحه الرئيس الفرنسي‬ ‫فرنسوا هوالند وسام االستحقاق الوطني من درجة «فارس»‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪11‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫خالل حملة االنتخابات التمهيدية التي حصلت داخل صفوف الحزب االشتراكي لتعيني مرشحه ملنافسة‬ ‫الرئيس املنتهية واليته نيكوال ساركوزي‪ ،‬تعرض املرشح فرنسوا هوالند لحمالت شرسة من «رفاقه»‬ ‫االشتراكيني بسبب مزاجه «الرخو» وميله إلى التسويات وتالفي إغضاب أي أحد وحرصه الدائم على التوفيق‬ ‫بني املواقف األكثر تناقضا‪ .‬وقيل وقتها إن مزاج هوالند «ال يالئم» دستور وروحية الجمهورية الخامسة التي‬ ‫أسسها الجنرال ديغول في عام ‪ .1958‬ذلك أن «بطل» فرنسا الحرة فصل الدستور على مقاسه فجعل من‬ ‫رئيس الجمهورية «واسطة العقد» الذي تتجمع في يده كثير من السلطات‪.‬‬

‫باريس الفاعلة في القارة السوداء‪ ..‬التائهة في الشرق األوسط‬

‫فرنسا ‪ ..‬شرطي أفريقيا‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫ميشال أبو نجم *‬

‫‪,,‬‬

‫املستعمرات‬ ‫األفريقية‬ ‫السابقة ما‬ ‫زالت‪ ،‬بعد أكثر‬ ‫من ‪ 60‬عاما‬ ‫من انفصالها‬ ‫عن فرنسا‬ ‫مربوطة بها‬ ‫ربطا محكما‬ ‫عن طريق‬ ‫معاهدات‬ ‫دفاعية ثنائية‬

‫‪,,‬‬

‫‪10‬‬

‫رأس الدولة في فرنسا هو اآلمر الناهي‪ .‬والقائد األعلى للقوات املسلحة‬ ‫واملؤهل للضغط على الزر النووي فضال عن كونه من يرسم السياسة‬ ‫الخارجية ويعني رئيس الحكومة والوزراء ويحل البرملان‪ .‬ورغم هذه‬ ‫الصالحيات غير املتناهية‪ ،‬فإنه ليس من يمثل أمام البرملان‪ .‬وقيل في رئيس‬ ‫الجمهورية إنه يمتلك صالحيات تفوق ما كان يتمتع به ملوك فرنسا في أوج‬ ‫عزهم‪ .‬واضح أن صالحيات بهذا االتساع تحتاج حقيقة لرجل حازم وقاطع‬ ‫خصوصا في ميدان السياسة الخارجية‪ .‬والحال أن الجميع أصابوا في تقدير‬ ‫شخصية هوالند الذي دخل قصر اإلليزيه لخمس سنوات في مايو (أيار) ‪2012‬‬ ‫في إدارة شؤون البالد الداخلية االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬حيث‬ ‫تبني سريعا طبعه الذي ينفر من الحسم والحزم‪ .‬بيد أنهم أخطأوا في تقدير‬ ‫أدائه في السياسة الخارجية‪ .‬هوالند أثبت أنه ال يتردد في اإلقدام واملبادرة ال بل‬ ‫املخاطرة عبر إرسال القوات الفرنسية إذا وجد في ذلك ضرورة‪ .‬ففي عام ‪2013‬‬ ‫وحده‪ ،‬قام بـ«حربني» كالهما في أفريقيا‪ :‬األولى في مالي‪ ،‬في ‪ 11‬يناير (كانون‬ ‫الثاني) وهي عملية «سيرفال» والثانية في أفريقيا الوسطى «عملية سنغاريس»‬ ‫التي أطلقها في ‪ 5‬ديسمبر (كانون األول) من العام نفسه‪ .‬ومع «سنغاريس»‬ ‫تكون باريس قد تدخلت عسكريا للمرة السابعة في أفريقيا الوسطى تحت‬ ‫حجج وذرائ��ع متنوعة وهي في امل��رة األخيرة ذهبت لوقف «امل��ج��ازر»‪ .‬تطول‬ ‫الئحة الدول األفريقية التي أرسلت باريس قواتها إليها لسبب أو آلخر‪ .‬وإذا‬ ‫عمدنا إلى تذكير سريع بالعمليات العسكرية «الرئيسية» التي نفذتها الفرقة‬ ‫األجنبية الفرنسية في بلدان القارة السوداء لوجدنا مدى انبساطها الجغرافي‪،‬‬ ‫إذ إنها حصلت في البلدان التالية‪ :‬تونس «عام ‪ ،»1961‬زائير «‪ ،»1978‬أفريقيا‬ ‫أوسطى «‪ ،»1979‬تشاد «‪ ،»1983‬زائير مجددا «‪ ،»1993‬رواندا «‪ ،»1994‬جزر‬ ‫القمر «‪ ،»1995‬ساحل العاج «‪ ،»2002‬ساحل العاج مجددا «‪ ،»2004‬تشاد مرة‬ ‫ثانية «‪ ،»2008‬ساحل العاج مرة ثالثة «‪ ،»2011‬ليبيا «‪ »2011‬ثم مالي وأفريقيا‬ ‫الوسطى «‪ .»2013‬تشي هذه الالئحة بأمر أساسي قوامه أن ألفريقيا موقعا‬ ‫خاصا لدى القوة املستعمرة السابقة «فرنسا» أكان رؤساء جمهوريتها من‬ ‫اليمني أو اليسار‪ .‬فاملستعمرات األفريقية السابقة ما زالت‪ ،‬بعد أكثر من ‪60‬‬ ‫عاما من انفصالها عن فرنسا‪ ،‬مربوطة بها ربطا محكما عن طريق معاهدات‬ ‫دفاعية ثنائية مزدوجة األغراض‪ :‬األول‪ ،‬حماية األنظمة القائمة وتوفير مظلة‬ ‫دولية تقيها العقبات والعثرات على املستوى الدولي‪ .‬والثاني‪ ،‬مقايضة الرعاية‬ ‫بااللتزام باملحافظة على املصالح الفرنسية أكانت استراتيجية «اليورانيوم في‬ ‫النيجر والبترول في ساحل العاج‪ ،‬والغابون‪ ،‬وأنغوال‪ ،‬والكاميرون‪ ،‬وغينيا‪،‬‬ ‫وغانا‪ ،‬ونيجيريا‪ ،‬والسنغال‪ .»..‬أو اقتصادية تجارية‪.‬‬ ‫لكن األعوام األخيرة أدخلت عامال إضافيا يدفع فرنسا لإلبقاء على قواتها‬ ‫املرابطة في أفريقيا ويتمثل في التهديدات اإلرهابية خصصوا فيما يسمى‬ ‫«بلدان الساحل» أو أجزاء واسعة من أراضيها وهي تمتد من جنوب موريتانيا‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫وحتى دارفور ووسط السودان وتشمل بعض مناطق السنغال ومالي والنيجر‬ ‫وأقصى الجنوب الجزائري والليبي وشمالي بوركينا فاسو ووسط تشاد‪ .‬وتبني‬ ‫خريطة الوجود العسكري الفرنسي الدائم في عدد من البلدان األفريقية أولويات‬ ‫باريس في هذه املنطقة‪ .‬ومؤخرا عمدت القيادة العسكرية الفرنسية إلى إعادة‬ ‫تنظيم انتشارها في أفريقيا وتوجيهه لغرض أساسي وهو محاربة اإلرهاب‬ ‫أكان متأتيا عن طريق القاعدة في بالد املغرب اإلسالمي أو املنظمات الرديفة‬ ‫أو الحديثة العهد التي نشأت بعد إسقاط نظام العقيد القذافي وتداعي أسس‬ ‫الدولة الليبية مع ما ترتب عنه من غياب الرقابة على الحدود وازدياد عمليات‬ ‫تهريب السالح واملخدرات وتنقل املسلحني‪.‬‬ ‫بداية العام الحالي‪ ،‬كانت القوات الفرنسية املنتشرة في أفريقيا تتمركز في‬ ‫ت��ش��اد وال��س��ن��غ��ال وال��غ��اب��ون وجيبوتي وال��ك��ام��ي��رون وموريتانيا فضال عن‬ ‫وجودها في مالي وأفريقيا الوسطى‪ .‬وقبل شهرين استضافت باريس قمة‬ ‫خاصة عن نيجيريا غير الفرنكفونية والتي لم تكن يوما تحت اإلدارة الفرنسية‬ ‫مما يعكس رغبة باريس في توسيع حضورها األفريقي‪ .‬وجاءت هذه القمة‬ ‫املختصرة عقب قمة موسعة بداية العام الحالي خصصت لألمن في أفريقيا‪.‬‬ ‫وعمد القادة األفارقة‪ ،‬تحت إشراف الرئيس الفرنسي إلى اتخاذ قرارات أبرزها‬ ‫تكوين قوة أفريقية مشتركة للتدخل وحماية االستقرار وتبادل املعلومات‬ ‫والتعاون األمني وتكوين قوات حفظ السالم األفريقية‪.‬‬ ‫يكشف هذا العرض عن األهمية الحيوية املطلقة التي تمثلها أفريقيا بالنسبة‬ ‫لفرنسا ألسباب تاريخية واستراتيجية وللعالقة الخاصة التي تربط باريس‬ ‫بالعواصم األفريقية الفرنكفونية التي تستدير صوب باريس كلما حل طارئ‪،‬‬ ‫وتوصف باريس بأنها «شرطي أفريقيا»‪ .‬ومع ازدي��اد املنافسة االقتصادية‬ ‫وال��ت��ج��اري��ة ال��ق��ادم��ة م��ن ال��ص�ين وال����دول ال��ن��اش��ئ��ة ض��اع��ف��ت ب��اري��س جهودها‬ ‫للمحافظة على موقعها األفريقي الريادي الذي برز في األزمتني املالية والوسط‬ ‫أفريقية حيث كانت باريس سباقة في التدخل‪ ،‬بينما الدول األوروبية األخرى‬ ‫والواليات املتحدة كانت تجر أرجلها جرا‪.‬‬

‫زمن القرارات‬ ‫ف��ي مذكراتها ال��ص��ادرة م��ؤخ��را تحت ع��ن��وان «زم��ن ال��ق��رارات»‪ ،‬ت��روي وزي��رة‬ ‫الخارجية األميركية السابقة ه��ي�لاري كلينتون أن امل��ش��ارك�ين ف��ي اجتماع‬ ‫استضافه قصر اإلليزيه حول ليبيا في ‪ 19‬مارس (آذار) ‪ 2011‬استشاطوا‬ ‫غضبا عندما علموا أن الرئيس الفرنسي السابق نيكوال ساركوزي أمر طائرات‬ ‫امليراج الفرنسية بقصف أرتال الدبابات املتوجهة صوب مدينة بنغازي قبل‬ ‫انتهاء االجتماع ال��ذي رأس��ه‪ .‬وتقول كلينتون عن ساركوزي‪« :‬ك��ان يرى في‬ ‫االنتفاضة الليبية الفرصة إلبراز حضوره في دوامة الربيع العربي وإلظهار أنه‬


‫وجود صالت مع مجموعات مسلحة لتقديمها أمام املحكمة‪ ،‬وهو‬ ‫ما يصعب الحصول عليه‪ .‬وفي ظل صعوبة القبض على هؤالء‬ ‫األش�خ��اص قبل سفرهم إل��ى س��وري��ا‪ ،‬ف��إن العديد من البلدان قد‬ ‫وضعت «استراتيجيات اضطراب السفر» بحيث تتضمن اتخاذ‬ ‫تدابير مثل مصادرة وثائق السفر أو ‪ -‬في حالة القصر ‪ -‬الوضع‬ ‫تحت الوصاية القضائية‪ .‬ال تؤدي تلك األساليب سوى إلى بعض‬ ‫النتائج‪ ،‬وفي العديد من الحاالت ال يكون بمقدور السلطات فعل‬ ‫شيء سوى مراقبة األفراد بعجز وهم يسافرون إلى سوريا بنوايا‬ ‫واضحة لالنضمام إلى املسلحني‪.‬‬ ‫تواجه السلطات تحديات كبيرة باملثل أثناء التعامل مع األف��راد‬ ‫العائدين من س��وري��ا‪ .‬تواجه السلطات التي تسعى إل��ى محاكمة‬ ‫العائدين من سوريا تحديا في تقديم األدل��ة املادية أم��ام املحكمة‬ ‫ُ‬ ‫التي تثبت أن الفرد املذكور قد ارتكب جريمة معينة‪ ،‬وهي مهمة‬ ‫شاقة نظرا لصعوبة الحصول على دليل م��وث��وق ب��ه م��ن ساحة‬ ‫املعركة السورية‪ ،‬إن وجد ذلك‪ .‬وعلى جانب آخر‪ ،‬تتخذ العديد من‬ ‫ال��دول األوروب�ي��ة تدابير مختلفة إلع��ادة دم��ج ه��ؤالء العائدين من‬ ‫سوريا‪ .‬فدول مثل الدنمارك أو هولندا تعتمد على اإلرشاد النفسي‬ ‫والتوجيه من قبل مرشدين موثوق بهم‪ ،‬وذل��ك من أج��ل اجتثاث‬ ‫تطرف العائدين‪ .‬تأتي تلك التدابير السلسة مصاحبة بمراقبة‬ ‫العائدين من سوريا‪ ،‬مما يمثل جهدا كبيرا يتطلب سعة موارد‬ ‫وكاالت االستخبارات األوروبية‪.‬‬ ‫ول�ك��ن م��ن وج�ه��ة ن�ظ��ر جيوسياسية‪ ،‬ن�ج��د أن النتيجة الرئيسة‬ ‫مل�خ��اوف األوروب �ي�ين م��ن املقاتلني األوروب �ي�ين تتمثل ف��ي التقارب‬ ‫من النظام السوري واإليراني‪ .‬فقد تضاءل دعم أوروبا للمعارضة‬ ‫السورية (تماما مثل دع��م أميركا) على األغلب ألن��ه من الواضح‬ ‫أن��ه ُيستغل م��ن قبل وح��ش متطرف يضع أن �ظ��اره على أوروب ��ا‪.‬‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬على مدار األشهر القليلة املاضية‪ ،‬أعادت العديد من‬

‫وكاالت االستخبارات األوروبية فتح قنوات اتصالها مع نظائرها‬ ‫بسوريا‪ُ ،‬معتبرة أن مراقبة الوضع السوري على أرض الواقع أمر‬ ‫ض��روري ملواجهة تحدي املتطرفني العائدين إل��ى أوروب ��ا‪ .‬بينما‬ ‫نجد أن القليل ممن هم في أروقة السلطة في جميع أنحاء أوروبا‬ ‫يشعرون بالشفقة حيال ذلك‪ ،‬فإن املعظم في الوقت الحالي ينظر‬ ‫للنظام السوري باعتباره شريكا ضروريا يحمل مفاتيح األمن‬ ‫الداخلي األوروبي‪.‬‬ ‫وبدرجة أقل‪ ،‬نجد أن ذلك التحول يمتد إلى طهران أيضا‪ .‬فالتقدم‬ ‫الحالي ال��ذي ُيحدثه تنظيم ال��دول��ة اإلسالمية ف��ي ال�ع��راق والشام‬ ‫املعروف اختصارا باسم «داعش» أدى إلى تسارع عملية التصالح‬ ‫البطيء بني الغرب وإيران‪ ،‬التي بدأت بعد انتخاب الرئيس اإليراني‬ ‫حسن روحاني‪ .‬تعطي إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران‬ ‫خالل الشهر املاضي‪ ،‬التي كانت ُمغلقة نتيجة للسطو عليها من‬ ‫قبل مجموعة من الغوغاء احتجاجا على العقوبات في عام ‪،2011‬‬ ‫إشارة إلى أن أوروبا تمد يدها إلى إيران‪.‬‬ ‫وعلى ال��رغ��م م��ن أنهم يشعرون بالذعر حيال تقدم املجموعات‬ ‫السنية املتطرفة في كافة أنحاء املنطقة والتداعيات املحتملة على‬ ‫األمن الداخلي‪ ،‬فإن الحكومات األوروبية تسعى لتجنب أي تدخل‬ ‫ع�س�ك��ري م�ب��اش��ر ف��ي امل�ن�ط�ق��ة‪ ،‬ح�ي��ث إن�ه��ا ع�ل��ى دراي ��ة بقدراتها‬ ‫املحدودة وحالة الرفض التي سوف ُيحدثها أي تدخل بني الناخبني‬ ‫الذين يهابون الحرب‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن تلك الحكومات ترى في النظام‬ ‫اإليراني الحالي‪ ،‬الذي سعى على نحو مدروس إلبداء صورة أقل‬ ‫تشددا في مرحلة ما بعد عهد أحمدي نجاد‪ ،‬حليفا محتمال من‬ ‫املمكن أن توكل إليه حفظ النظام باملنطقة‪ .‬يوضح ه��ذا االتجاه‬ ‫النهج الغربي الخطير في املنطقة‪ ،‬والذي تكررت رؤيته منذ بداية‬ ‫الربيع العربي‪ ،‬حيث عمل على املدى القصير في الغالب على إجراء‬ ‫إصالحات غير مترابطة بدال من العمل على استراتيجية مترابطة‬ ‫طويلة املدى <‬

‫جهادي سوري يضع سالحه‬ ‫على رجليه ويقرأ القرآن‬ ‫في مسجد وسط حلب‬

‫‪,,‬‬

‫التقدم الحالي‬ ‫الذي ُيحدثه‬ ‫تنظيم «الدولة‬ ‫اإلسالمية في‬ ‫العراق والشام»‬ ‫أدى إلى‬ ‫تسارع عملية‬ ‫التصالح‬ ‫البطيء بني‬ ‫الغرب وإيران‬

‫‪,,‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪09‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫يبدو أن املخاوف التي سيطرت على مسؤولي األمن األوروبيني وصانعي السياسة منذ بداية النزاع السوري‪،‬‬ ‫قد تحققت على نحو كبير في ‪ 24‬مايو (أيار) لعام ‪ ،2014‬عندما قام شاب فرنسي يبلغ من العمر ‪29‬‬ ‫عاما من أصول جزائرية ُيدعى مهدي نموش‪ ،‬بإطالق النار وقتل أربعة أشخاص داخل املتحف اليهودي في‬ ‫بروكسل‪ .‬وحسبما ذكرت السلطات‪ ،‬فإن نموش‪ ،‬الذي أصبح متطرفا خالل الفترات التي قضاها في السجون‬ ‫الفرنسية‪ ،‬قد عاد مؤخرا إلى أوروبا قادما من سوريا‪ ،‬حيث ورد أنه حارب في سوريا ملدة عام لصالح تنظيم‬ ‫«الدولة اإلسالمية في العراق والشام»‪.‬‬

‫ما هي سياسة التنظيمات اإلرهابية في أوروبا؟‬

‫ما بعد «القاعدة»‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫لورينزو فيدينو‬

‫‪,,‬‬

‫التقديرات‬ ‫تشير إلى أن‬ ‫عدد املواطنني‬ ‫واملقيمني‬ ‫بالدول‬ ‫األوروبية‬ ‫الذين‬ ‫يحاربون في‬ ‫سوريا يصل‬ ‫إلى ‪3000‬‬ ‫شخص‬

‫‪,,‬‬

‫‪08‬‬

‫على مدار األشهر القليلة املاضية‪ ،‬أحبطت العديد من الدول‬ ‫األوروبية العديد من الهجمات ذات األصول السورية‪ .‬ففي‬ ‫شهر أكتوبر (تشرين األول) املاضي‪ ،‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫فككت السلطات البريطانية خلية من العائدين من سوريا الذين‬ ‫كانوا يخططون لشن هجمات بوسط لندن على غ��رار تلك التي‬ ‫حدثت في مومباي‪ .‬ونظرا لكبر حجم تلك القوات األوروبية التي‬ ‫ت�ح��ارب ف��ي ال��وق��ت ال�ح��ال��ي م��ع ال�ع��دي��د م��ن املتطرفني ف��ي سوريا‬ ‫(وبدرجة أقل في العراق)‪ ،‬فإن السلطات األوروبية تخشى أن تكون‬ ‫بروكسل هي األولى ضمن سلسلة طويلة من الهجمات‪ .‬ونتيجة‬ ‫لذلك الخوف‪ ،‬فإنها غيرت مواقفها حيال النزاع السوري‪ ،‬فأوقفت‬ ‫الدعم الذي تقدمه لقوى املعارضة ضد نظام األسد وبدأت تحسن‬ ‫من عالقاتها مع سوريا وإيران‪.‬‬ ‫وبينما يستحيل تحديد العدد بدقة‪ ،‬فإن العديد من التقديرات تشير‬ ‫إلى أن عدد املواطنني واملقيمني بالدول األوروبية الذين يحاربون‬ ‫في سوريا يصل إل��ى ‪ 3000‬شخص‪ ،‬وه��و ع��دد كبير لم يسبق‬ ‫الحالي‪ .‬لدى الدول الكبرى نصيب‬ ‫له مثيل ومن شأنه إثارة القلق ُ‬ ‫األسد من تلك األعداد‪ :‬حيث من املعتقد أن ‪ 600‬مقاتل جاءوا من‬ ‫كل من فرنسا وبريطانيا‪ ،‬بينما جاء ‪ 300‬من أملانيا‪ .‬وفي حني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تعد تلك األعداد قليلة في حد ذاتها‪ ،‬فإنها تؤدي إلى حدوث املزيد‬ ‫من املشكالت في بعض الدول األوروبية األصغر إذا ما نظر إليها‬ ‫ف��ي ض��وء ع��دد السكان القليل‪ .‬وف��ي ال��واق��ع‪ ،‬تذكر التقديرات أن‬ ‫هناك ‪ 250‬فردا من أصول بلجيكية و‪ 100‬فرد من هولندا و‪80‬‬ ‫فردا من الدنمارك‪.‬‬

‫تحولوا من عدم االهتمام بالدين والسياسة إلى القتال في سوريا‬ ‫في غضون أسابيع قليلة‪.‬‬ ‫وهناك سمة واح��دة لوحظت في معظم ال��دول األوروب�ي��ة وه��ي أن‬ ‫العديد من املقاتلني األوروبيني من الشباب الصغير في السن‪ ،‬وفي‬ ‫بعض الحاالت يبلغ بعضهم ‪ 13‬عاما‪ .‬والعديد منهم‪ ،‬بنسبة تفوق‬ ‫‪ 20‬في املائة في بعض البلدان‪ ،‬ممن تحولوا إلى اعتناق اإلسالم‪.‬‬ ‫وهناك تطور آخر ملحوظ بكافة أنحاء أوروبا وهو العدد املتزايد‬ ‫من اإلناث الالتي قررن السفر إلى سوريا مع أزواجهن أو الزواج من‬ ‫مجاهدين تعرفن عليهم عبر اإلنترنت‪ .‬ودليال على هذه التطورات‪،‬‬ ‫نجد حالة زابينه سليموفيتش وسمرا كزينوفيتش‪ ،‬وهما فتاتان‬ ‫نمساويتان تبلغان من العمر ‪ 15‬و‪ 16‬عاما‪ ،‬حيث ذكرت التقارير‬ ‫أن الفتاتني قد تركتا منزلي والديهما ووصلتا إلى سوريا‪ ،‬حيث‬ ‫تنشرن اآلن صورا لهما عبر موقع التواصل االجتماعي «فيسبوك»‬ ‫وهما تحمالن األسلحة‪.‬‬

‫في معظم البلدان األوروبية‪ ،‬نجد أن تلك التعبئة‪ ،‬التي تحدث على‬ ‫نطاق أوسع مقارنة بأي ظاهرة أخرى مماثلة في املاضي الحديث‬ ‫(مثل البوسنة أو العراق أو الصومال)‪ُ ،‬ينظر إليها باعتبارها التهديد‬ ‫األمني الرئيس للقارة بأكملها في املستقبل القريب‪ .‬كما وصفت‬ ‫ُ‬ ‫السلطات البريطانية هذه الظاهرة بأنها «تغير قواعد اللعبة» وتمثل‬ ‫«أعمق تحول في التهديد الذي شهدناه منذ عام ‪ .»2003‬وفي شهر‬ ‫يناير (ك��ان��ون الثاني) ع��ام ‪ ،2014‬ذك��ر وزي��ر الداخلية الفرنسي‬ ‫مانويل فالس أن عودة هؤالء األفراد إلى فرنسا باعتبارهم نشطاء‬ ‫متشددين ستكون بمثابة «التهديد األكبر ال��ذي س��وف تواجهه‬ ‫البالد خالل األعوام املقبلة»‪ .‬وال يمر يوم واحد من دون شن عملية‬ ‫وع �ل��ى ع�ك��س ال �ح��رك��ات ال �ت��ي ش��وه��دت ف��ي ال�ش�ب�ك��ات األوروب �ي��ة مكافحة إرهاب ذات صلة بسوريا‪ ،‬أو انعقاد مؤتمر رفيع املستوى‬ ‫املتطرفة على م��دار العقد األخير‪ ،‬ف��إن ق��وات املقاتلني األوروبيني أو حدوث تغطية إعالمية واسعة‪.‬‬ ‫ف��ي س��وري��ا تتسم بالتنوع الشديد ف��ي األص��ل والعمر والخلفية‬ ‫والظروف االجتماعية االقتصادية لألفراد املقاتلني هناك‪ .‬فنجد أن ردت السلطات األوروبية على ذلك التحدي باتخاذ العديد من التدابير‬ ‫البعض منهم متشددون محنكون‪ ،‬فهم أفراد ذوو سجل طويل من التي تهدف إلى الحد من ذلك التهديد‪ .‬وتهدف العديد من املبادرات‬ ‫التشدد والخبرة القتالية‪ ،‬بما في ذلك ُمعتقلون سابقون بمعتقل إلى منع املسلمني األوروبيني من السفر إلى سوريا في املقام األول‪.‬‬ ‫غوانتانامو‪ .‬بينما يبدو البعض اآلخر شبابا طموحا متشددا ليست وبينما تختلف وجهات النظر من دولة إلى أخرى‪ ،‬فإن معظم الدول‬ ‫لديه خبرة سابقة بتلك امل�ع��ارك‪ُ .‬يعرف العديد منهم بانتمائهم تتخذ مزيجا م��ن التدابير ال�ص��ارم��ة وامل��رن��ة لفعل ذل��ك‪ .‬وتسعى‬ ‫لشبكات متشددة أو نشاطهم في املشهد السلفي بدولهم األصلية‪ ،‬السلطات قدر اإلمكان إلى القبض على األفراد الذين يسعون للسفر‬ ‫ولكنهم لم يشتركوا من قبل بصورة مباشرة في أعمال عنف‪ .‬إل��ى سوريا ومحاكمتهم محاكمة جنائية‪ .‬وم��ن ال��واض��ح أن��ه من‬ ‫ُ‬ ‫ولكن سادت األنباء في كافة أنحاء أوروبا حول حاالت األفراد الذين أجل القيام بذلك‪ ،‬تحتاج السلطات إلى حيازة أدل��ة مادية توضح‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد‬ ‫فرانك سالمة‪ :‬أستاذ مساعد لدراسات الشرق‬ ‫األدنى في كلية بوسطن‪ .‬له عدد من الكتب من‬ ‫بينها «ذاكرة اللغة والهوية في الشرق األوسط‬ ‫قضية لبنان»‪.‬‬ ‫صامويل تادرس‪ :‬كبير زمالء في مركز الحرية‬ ‫الدينية في معهد هودسون‪ ،‬و مساهم في‬ ‫مجموعة عمل «هربرت وجني دوايت» في‬ ‫مؤسسة هوفر‪ .‬ومؤلف كتاب‪« :‬الوطن املفقود»‬ ‫وكتابه األحدث‪« :‬تأمالت في الثورة في مصر»‪،‬‬ ‫وكالهما من تقديم فؤاد عجمي‪.‬‬ ‫ديفيد شينكر‪ :‬زميل أوفزين ومدير برنامج‬ ‫السياسة العربية في معهد واشنطن‪ .‬كان يعمل‬ ‫في السابق في مكتب وزير الدفاع لشؤون دول‬ ‫املشرق‪ ،‬واملساعد األعلى في سياسة البنتاغون‬ ‫الخاصة بدول املشرق العربي‪.‬‬ ‫فالح بن شبيب العجمي‪ :‬أكاديمي وكاتب‬ ‫سعودي‪ ،‬أستاذ اللسانيات بقسم اللغة العربية‬ ‫بجامعة امللك سعود‪ ،‬ورئيس مجلس إدارة‬ ‫جمعية اللهجات والتراث الشعبي‪ ،‬صدرت له‬ ‫عدة مؤلفات منها‪« :‬جذور البراهيمية»‪ ،‬و«دراسة‬ ‫في فقه اللغة العربية وعالقاتها ببقية اللغات‬ ‫السامية»‪.‬‬ ‫لورنزو فيدينو‪ :‬باحث وكاتب ايطالي‪ ،‬خبير‬ ‫أكاديمي وأمني متخصص في اإلسالم والعنف‬ ‫السياسي في أوروبا وشمال أميركا‪ .‬وهو يعمل‬ ‫حاليا باحثا في مركز الدراسات األمنية باملعهد‬ ‫الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ‪ .‬ألف عددا‬ ‫من الكتب وله العديد من املقاالت نشرت في‬ ‫كبريات الصحف األميركية واالوروبية‪.‬‬ ‫جوزيف براودي‪ :‬كاتب ومحلل سياسي أميركي‬ ‫متخصص في شؤون املجتمعات العربية‪ .‬آخر‬ ‫‪ )The Honored‬من‬ ‫كتبه‪« ،‬املوتى الشرفاء» (‪ُ Dead‬‬ ‫اصدار «راندوم هاوس» للنشر‪ .‬نشرت مقاالته‬ ‫في «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»‬ ‫وغيرها من الجرائد واملجالت األميركية‪.‬‬ ‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫‪7‬‬


‫المحتوى‬

‫ما هي سياسة التنظيمات‬ ‫اإلرهابية في أوروبا؟‬

‫ما بعد «القاعدة»‬

‫استراتيجية‬ ‫إيرانية لخلق‬ ‫الفوضى‬ ‫وتفكيك املنطقة‬ ‫العربية‬

‫تقسيم‬ ‫وقائي!‬ ‫التحرش الجنسي في العالم‬ ‫العربي‪ ..‬من سلوك منبوذ‬ ‫إلى مزاج عام؟‬

‫أغتصاب‬

‫كيف يجري الدفع بحكومة إقليم‬ ‫كردستان ملواجهة «داعش»؟‬

‫خالص األكراد‬

‫ما بعد فؤاد‬ ‫عجمي‪ :‬ستظل‬ ‫آراؤه باقية‬ ‫والنقاش حولها‬ ‫سيستمر‬

‫نقد الذات‬ ‫العربية‬

‫رضوان السيد يثير الجدل‬ ‫حول والءات املثقفني العرب‪..‬‬ ‫والردود ال تتوقف‬

‫أهواء النخب‬ ‫‪6‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


‫مجلة العرب الدولية‬ 1980 ‫تأسست في لندن عام‬

‫شهرية سياسية‬

www.majalla.com 

‫للحصول على‬ :‫املعلومات املفصلة‬




‫االفتتاحية‬

‫‪..‬‬ ‫رساله المحرر‬ ‫هل أصبح نظام الحكم في العراق بعد رحيل األميركيني غير قادر على إشاعة االستقرار واألمن؟ وهل ما حصل من تأزم أمني في‬ ‫األشهر األخيرة يعود إلى عوامل داخلية وخارجية أو االثنني معا؟ أم أن ما حصل يوم ‪ 10‬يونيو (حزيران) ‪ 2014‬وما بعده يؤشر‬ ‫إلى خريطة جديدة في العراق؟ وخريطة جديدة في الشرق األوسط؟ وهل أن تداعيات الحرب السورية ستكون أحد أهم العوامل املهمة‬ ‫في التأثير على العراق سلبا أو إيجابا؟ ما هي أبرز مآالت الحرب الدائرة حاليا في العراق وتداعياتها على الوضع الداخلي واإلقليمي؟‬ ‫أسئلة كثيرة وملحة يثيرها التمدد السريع واملخيف لحركة داعش داخل العراق وسوريا‪ ،‬وسيطرتها على منافذ حدودية داخل املنطقة‪،‬‬ ‫إضافة إلى موقف القوى الغربية املتلكئ واملتردد‪ ،‬واملتهم لدى بعض املحللني واملراقبني بأن له دورا ما فيما يجري‪.‬‬ ‫في هذا العدد تفتح مجلة «املجلة» ملف الخيارات املفتوحة أمام التداعيات الراهنة التي يثيرها االرتباك املحتدم في العراق وسوريا‪ ،‬هل‬ ‫يعني هذا أننا أمام تقسيم جديد يواجهه الشرق األوسط بعد «سايكس ‪ -‬بيكو»‪ ،‬لنشهد اليوم حقبة تقاسم مختلفة شعارها «بوتني ‪-‬‬ ‫أوباما»‪ ،‬ومن املستفيد منه‪ ،‬وما عالقة الجماعات اإلرهابية املتكاثرة بهذا األمر؟‬ ‫في هذا الشأن يكتب الباحث اللبناني فرانك سالمة مقاال بعنوان «النبوءة اللبنانية» يؤكد فيه أن خريطة سايكس ‪ -‬بيكو للمنطقة كانت‬ ‫مخالفة لقانون الطبيعة‪ ،‬ومعاكسة لروح الشرق ولعاداته وتقاليده‪ ،‬وأن أي فكرة جديدة لتقسيم جديد للمنطقة قد يكون فيها خير ولو‬ ‫على املدى البعيد‪.‬‬ ‫من جانب آخر يكتب الباحث األميركي ديفيد شينكر أن طهران تتحمل املسؤولية األكبر حول النمو السريع لداعش‪ ،‬مؤكدا أن إيران ال‬ ‫تبغي االستقرار للمنطقة‪ ،‬وتسعى بسياستها وتصرفات حرسها الثوري إلى خلق الفوضى واالضطراب املستمر‪.‬‬ ‫في قضية أخرى تفتح «املجلة» سيرة الراحل والباحث األميركي ‪ -‬اللبناني فؤاد عجمي‪ ،‬وتقرأ في إرث أفكاره‪ ،‬ومواقفه من قضايا‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬والثقافة العربية‪.‬‬ ‫يكتب عنه الباحث األميركي طوني بدران قائال‪« :‬لقد اعتنق عجمي أميركا وحقق فيها أعلى درجات النجاح‪ ،‬ضمنها الوسام الوطني‬ ‫للعلوم اإلنسانية الذي منحه إياه الرئيس جورج بوش عام ‪ .2006‬قصة عجمي قصة أميركية كالسيكية‪ .‬لذا أي محاولة لتقييم اإلرث‬ ‫الفكري للرجل يجب أن تنطلق من أن عجمي كان أميركيا أوال وأخيرا»‪.‬‬ ‫في حني كتب عنه الباحث اللبناني حسني عبد الحسني مقاال بعنوان (ما بعد فؤاد عجمي)‪ ،‬قائال‪« :‬رحل عجمي‪ ،‬لكن آراءه باقية‪،‬‬ ‫والنقاش حولها سيستمر لسنوات كثيرة‪ ،‬أو هذه على األقل سنة املثقفني من أمثاله»‪.‬‬ ‫وفي جانب آخر تناقش «املجلة» ظاهرة التحرش الجنسي في العالم العربي‪ ،‬وانتشار الصور واملقاطع املصورة عنها‪ ،‬وكيف تحولت من‬ ‫سلوك منبوذ إلى مزاج عام منتشر‪ ،‬تناولتها بالتحليل الكاتبة السعودية ملياء السويلم‪ ،‬والكاتب السوري عهد فاضل‪.‬‬ ‫أما األكاديمي السعودي فالح العجمي فكتب متتبعا الفروقات الجوهرية ملصطلحي الحرية والحقيقة بني الثقافة العربية‪ ،‬والثقافة‬ ‫الغربية‪ ،‬مؤكدا أن مصطلح الحرية تطور في الفكر الغربي حتى قاد إلى استقاللية الفرد‪ ،‬في حني أنه بقي متجمدا على معناه في الفكر‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫كما تقدم «املجلة» نخبة مختارة من أهم املقاالت املترجمة من مجلة «فورن أفيرز» األميركية‪ ،‬التي تناقش شؤون ومستجدات الوضع‬ ‫اإلقليمي والعاملي‪ ،‬إضافة إلى عرض ألهم الكتب واملؤلفات الصادرة في عام ‪ 2014‬وتتناول املشهد الثقافي والسياسي الراهن‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا ‪ majalla.com‬ونرحب دائما بآرائك‪ ،‬وتعليقاتك‪.‬‬

‫المحرر‬ ‫‪4‬‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1597‬تموز‪ -‬يوليو ‪2014‬‬


ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.

Omar A. Alshaikh :‫مسؤول مكتب اخلليج‬ ‫ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ‬

‫الر�شيد‬ ‫عبد اهلل‬ ^¤ 7yG* Ò* ^d<

ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM :‫سكرتري التحرير‬ ‫اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬ ‫ﺳﻜﺮﺗﲑ‬ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of NASHR.‫د‬Co. ‫الد�سوقي‬ ‫م�صطفى‬ Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM

¥E¢ ‫الفين‬6^G* £ }H ‫اإلخراج‬

ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting CEO of NASHR ‫عثمان‬ ‫ علي‬Co.

ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ΃ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ΍ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ΍ ΪϳήΒϟ΍ ϰϠϋ ΔϠγ΍ήϤϟ΍ ϰΟήϳ ˯΍έ΁ ϭ΃ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh

‫للمشاركة‬ ȝƾżȚǍƄŵȚ

‫كلمة‬ 800 ‫ جميع المقاالت يجب أال تزيد على‬:‫ ملحوظة‬editorial@majalla.com ‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني‬ ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ΍ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ΍ ΔόΒτϟ΍ ϲϓ ϙ΍ήΘηϼϟ

‫اشتراكات‬ ϡΎψϧ ϱ΃ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ΃ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ΃ ϭ΃ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝ΍ϮΣϷ΍ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ΍ ΔϠΠϤϟ΍ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ΍ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla :‫ لالشتراك في االلكترونية‬subscriptions@majalla.com :‫ يرجى االتصال بـ‬،‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‬ ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ΍ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟ΍ϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ΍ Δϛήθϟ΍ Ϧϣ ϖΒδϣ ΢ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ΍ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ΃ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ΃ ΎϫήϳϮμΗ ϭ΃ Δϴϟ΁ ϭ΃ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ΃ ϭ΃ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ΃ ϲϋΎΟήΘγ΍ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ΍ ϙ΍ήΘηϻ΍ Ε΍έΎδϔΘγ΍

‫ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام‬.‫ التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة‬2009 ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة‬ ‫ لتلقي‬.ً‫ وتصدر المجلة شهريا‬.)‫استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة‬ www.majalla.com ‫ يرجى زيارة‬،‫استفسارات االشتراك الرقمي‬

LVVXH

$XJXVW

Ώ΁ βτδϏ΃ ΩΪόϟ΍

++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1597 - July 2014 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310

ϰμμΨΘϟ΍ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ νΎϳήϟ΍ ΎϬϟ κΧήϣ 2014 ‫ يوليو‬-‫ تموز‬1597 ‫العدد‬

$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ΍

ZZZ PDMDOOD FRP HQJ

‫ تقاطع التخصصى‬- ‫ طريق مكة‬- ‫ حي المؤتمرات‬- ‫الرياض‬

‫مرخص لها‬

A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 :‫ لندن‬- 4419933 ‫ هاتف‬:‫الرياض‬

www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ΍ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϞΧ΍Ω Ϧϣ

ϲϧϼϋϹ΍ ϞϴϛϮϟ΍

hq@alkhaleejiah.com :‫ بريد إلكتروني‬،www.alkhaleejiah.com :‫موقع إلكتروني‬ +966 11 441 1444 : ‫ ومن مختلف الدول‬، +44 207 404 6950:‫ لندن‬، +331 537 764 00:‫ باريس‬،+9714 3 914440 :‫ دبي‬،920 000 417 : ‫من داخل المملكة‬

‫الوكيل اإلعالني‬

ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ

ΕΎϛ΍ήΘηϹ΍ Ϟϴϛϭ

800-2440076 :‫ هاتف مجاني‬،www.arabmediaco.com :‫ موقع إلكتروني‬، info@arabmediaco.com :‫بريد إلكتروني‬

‫وكيل اإلشتراكات‬

ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι Ε΍ήϤΗΆϤϟ΍ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ΍ ΔϴΑήόϟ΍ ΔϜϠϤϤϟ΍ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 11 2121774 :‫ فاكس‬+966 11 4419933 :‫ هاتف‬،11585 ‫ الرياض‬- 62116 ‫ب‬.‫ ص‬- ‫المؤتمرات‬ ‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي‬ www.saudidistribution.com :‫موقع إلكتروني‬ ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ΍ Ώ ι

‫�شركات ن�شر‬ ‫شركات نشر‬

ϊϳίϮΘϟ΍ Ϟϴϛϭ

‫وكيل التوزيع‬

ΔϋΎΒτϟ΍ ΰϛήϣ

ΔϋϮϤΠϤϟ΍ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com

Saudi Specialized Publishing ‫املتخصص‬ ‫السعودية للنشر‬ ‫ الشركة‬Company www.sspc.com.sa

áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG

www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\

‫حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة‬

»‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم‬

ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ΍ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ΍ ϕϮϘΣ

©ϡϼϋϹ΍ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 ‫ يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني‬،‫المعلومات‬ ‫للحصول على المزيد من‬

»‫حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة‬



‫العدد ‪ 1597‬تموز ‪ -‬يوليو ‪2014‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫شهرية سياسية‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫لورنزو فيدينو‪ :‬مابعد القاعدة‪� ..‬سيا�سة التنظيمات االرهابية ب�أوروبا‬ ‫فالح العجمي‪ :‬ماهية احلرية ‪..‬والفروق بني مفاهيم ال�شرق والغرب‬ ‫جوزيف برادوي‪ :‬م�شاريع وليدة لت�أ�سي�س الفكر النقدي العربي‬

‫‪‬‬

‫للحصول على العدد‬ ‫اسـتخـدم هاتفــك‬ ‫ال ــذكي لـمــسح‬ ‫هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم‬ ‫‪07‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪Issue 1597 - July 2014‬‬

‫‪www.majalla.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.