الكلمة الأخرية
تناقلت الصحف واملواقع عبارة «بعد خراب املوصل» تعبيرا عما حصل من انسحاب الجيش ودخول الجماعات املسلحة، وبينهم «دولة اإلسالم في العراق والشام» (داعش) .سمعنا بالدولة املتخيلة ،وها هي بعد خراب املوصل تقترب من فرض الواقع ،ولو على قرية من القرى ،لكن «داعش» حتى هذه الساعة لم تتحدث عن عاصمة دولتها هل :بغداد أم دمشق؟ َ ما حدث ليس باألمر املفاجئ ،ملن بح صوته ونضب مداد قلمه ،في التحذير من السلوك الطائفي لألحزاب والجماعات ُ التي ارتقت ناصية السلطة مع اجتياح األميركان العراق (أبريل «نيسان» .)2003إن وجود قانون باسم «االجتثاث» ،ثم لطف باسم «املساءلة والعدالة» ،يعني أن حزب البعث الحاكم سابقا سيحصر في زاوية ،وال يجد أعضاؤه املجتثون بهذا القانون أمامهم سوى إعادة التنظيم ،وحمل السالح ،وهذا ما حصل بالفعل. كذلك ،إن إذالل كبار وصغار ضباط الجيش السابق ،ممن لم يستدعوا للعودة إلى الخدمة ،وقطع أرزاقهم ،ووقوفهم لساعات تحت الشمس يطالبون ولو بعشرين دوالرا ،ولم يسمع لهم نداء -قاد ذلك إلى التحاقهم بالجماعات املسلحة ،ويفعلها أي إنسان يطارد في رزقه. حذرنا ،ومنذ اليوم األول ،من حماقة السلوك الطائفي ،فإن الطائفة التي يوجه ضدها الخطاب يصعب عليها إطالة السكوت، وملا اعتصموا تحت خيام بمدن املنطقة الغربية لم ينفذ لهم مطلب ،وكان من مطالبهم العمل على دراسة مادة ( )4إرهاب، إما اإللغاء وإما التعامل وفقها بعدالة ،ولم يحصل ذلك. إن أي بلد مشحون بالطوائف واألديان يحتاج إلى سياسة ميزان الذهب ،فعندما تفرض في الدستور مادة خاصة بالشعائر، وفتحها على مصراعيها ،من املؤكد أنها ستثير الطرف اآلخر .وعندما تسخر الجامعات ودوائر الدولةمن مناسبة دينية خاصة بطائفة يثير أهل الطائفة األخرى ،وعلى وجه الخصوص في ظرف حساس جدا.
بقلم :ر�شيد اخل ُّيون
صرخنا من أعماقنا أن محاكمات النظام السابق يجب أال تأخذ شكال طائفيا ،لكن أول محاكمة كانت على قضية طائفية، ثم أعدم صدام حسني ( ،)2006وهو محسوب على الطائفة السنية واملنطقة الغربية ،بطريقة تثير االشمئزاز ،حتى قيل في وقتها« :اعدم صدام السني» ،وكان الحريصون يناشدون أنه إذا كان ال بد من السرعة في املحاكمات ،فلتكن على قضايا تجمع ال تفرق ،وأولى تلك القضايا اإلعدامات التي مارسها صدام ضد رفاقه ،وبينهم السنة والشيعة.
العراق ..بعد خراب املوصل
إن مواجهة اإلرهاب ،وقوته بفعل ما ذكرنا من أسباب وغيرها الكثير ،ال تتم بالتهييج الطائفي ،مثلما يحصل اآلن ،فإن هذه الجموع التي يراد لها خوض املعركة ستكون حطبا لها ،وكم تذكر املشاهد بصوالت النظام السابق ،وتحشيد العراقيني في املعارك، واالحتفال بانتصارات كاذبة.
لقد أغفل القائمون على أمر البالد أهم عامل من عوامل مكافحة اإلرهاب؛ وهو املصالحة الوطنية ،أسسوا دائرة لها ،ووضعوا على رأسها َمن تشم من فيه رائحة االنتقام ،وعشر سنوات ودائرة املصالحة تصدر بياناتها الكاذبة ،لذر الرماد في العيون .إنها ليست مصالحة حقيقية ،ألن القائمني عليها في األصل هم خصوم ملن يراد املصالحة معهم .فانتهى األمر إلى الفشل الذريع ،ويوما بعد يوم يتعمق العداء بفعل روح االنتقام. ليس هذا فقط ،بل إن االستحواذ على مؤسسات الدولة ،بهذا املد الطائفي الحزبي ،لم يترك مجاال للسلم االجتماعي ،حتى إنهم جعلوا الحسني مقابل يزيد ،وهذه العبارة جاءت على لسان رئيس الوزراء نفسه .كنا نعلم أن رئيس الوزراء واملسؤول عن األمن الداخلي اآلن (كان بقاال بالدانمارك) ،وكل إدارة رئاسة الوزراء املتنفذة بالشأن اليومي ،جاءت من أصول حزبية طائفية ،يمكن أن تكون نافعة في التمرد والثورة ،لكنها ليست نافعة على اإلطالق في بناء الدولة وتحقيق السلم االجتماعي. ترى هذه األحزاب والجماعات الدينية كافة أن عالقتها بالخارج أكثر من صالتها بني بعضها البعض بالداخل ،وهذا ما جعل البالد مرهونة ألمر الخارج الدولي واإلقليمي ،ومعلوم أن أكثر الدول حضورا بالتأثير في السياسة العراقية هي دولة إيران، والشاهد على هذا أن أميركا عندما تريد التفاوض في شأن عراقي ال تتفاوض إال مع إيران. إن العالقة بالخارج أمر طبيعي أيام املعارضة ،فكل معارضة بحاجة لسند خارجي ،لكنه يصبح مؤذيا ونشازا عندما ترتهن للحاضن القديم وهي في السلطة ،وهذا ما حصل ،تربعت قوى على السلطة لم تميز ،حتى هذه اللحظة ،بني كونها زمن معارضة ويحتاج للهدم ،وزمن سلطة ومتطلباته للبناء. يبقى التوضيح أن «خراب املوصل» كان كناية تخص البصرة ،وذلك خالل املعارك أثناء ثورة الزنج (270 - 255هـ) وسيطرتهم عليها ،وقد دامت خمس عشرة سنة ،تحولت فيها البصرة إلى أرض يباب ،وأكل فيها الناس كل شيء ،حتى الكالب والقطط، هكذا أخبرنا عنها املسعودي في مروجه ،والطبري في تاريخه ،وكل َمن كتب عن تلك الفترة ،حتى قيل «بعد خراب البصرة». ما زال الوقت غير متأخر ،للوقوف في مواجهة خرابات املدن العراقية األخرى ،بمراجعة سياسية أمينة صادقة ،ملا ارتكبه اإلسالم السياسي خالل األحد عشر عاما .ونحن نكتب هذه السطور والنقاش يعلو إلزالة حزب الدعوة من قيادة البالد، فهذا الحزب مبني على فكرة ال تنفع املجتمعات املختلطة طائفيا ،مثل العراق. 66
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
الرتابط العاملي :العالم بعد 1945 حرره إكريا إري جون إكنربي
ينظر معظم كتاب التاريخ العاملي لعصر ما بعد 1945إلى كل من الحرب الباردة وبزوغ القوة األميركية باعتبارهما جوهر القصة. وفي هذا العمل الجديد الباهر ،يركز إيري ومن ساعدوه في إعداد الكتاب على االتجاهات األعمق التي هزت النظام العاملي املعاصر وأعادت تشكيله. فوفقا للخطاب السائد ،يبرز معدو الكتاب األساليب األصيلة التي قامت عبرها القوى العابرة للقوميات – التجارة ،االستثمار ،الهجرة، االتصاالت ،وغيرها -بالربط بني مناطق سياسية منفصلة وحولت وعي اإلنسان .مما ال شك فيه أن العوملة كانت موجودة من قبل ،1945حيث بدأت تظهر مبكرا منذ سبعينات القرن التاسع عشر. ولكن إيري يالحظ أنه قبل الفترة املعاصرة ،كانت القوى الغربية هي التي تحرك العوملة متأثرة بقوى املستعمرين والرأسماليني ومن اعتبروا أنفسهم أصحاب حضارة ،وخصوم القوة العظمى ،بينما يعتقد إي��ري أنه بالنسبة لألوقات األح��دث ،أصبحت تلك العملية تحركها الشعوب غير الغربية التي تسعى لصنع تاريخها والتي في املقابل منحت العالم املعاصر إحساسا بكونه مجتمعا معاصرا وباملصير اإلنساني املشترك. وبالطبع ،ل��م تختف القومية وسياسة الحماية وره��اب األجانب والصراع بني القوى العظمى تماما .ولكن وفقا لرؤية إيري التاريخية امللهمة ،ساعدت الحدود الوطنية على بداية عالم أكثر استقرارا وسلمية.
في هذا العرض التاريخي الساحر والثري، يركز ستار على املساهمات الباهرة لعلماء آس �ي��ا ال��وس �ط��ى وم �ه �ن��دس �ي �ه��ا وف�ن��ان�ي�ه��ا ومؤرخيها خالل القرون األربعة التي بدأت مباشرة ق �ب��ل ال �غ ��زو ال �ع��رب��ي ف ��ي ال �ق ��رن ال �ث��ام��ن واس �ت �م��رت ح �ت��ى ال �ح �ص��ار امل �غ��ول��ي ف ��ي ال� �ق ��رن ال �ث��ال��ث عشر وه��ي الفترة التي كانت فيها تلك املنطقة املجهولة اآلن ه��ي «امل��رك��ز الثقافي ل�ل�ع��ال��م» .فمن ه��ذا املكان ال�خ�لاق ،حدثت ط�ف��رات ف��ي علم الفلك س��وف تقود الح�ق��ا كريستوفر ك��ول��وم�ب��وس (ت�ل��ك االك�ت�ش��اف��ات التي تنبأت بوجود األميركتني قبل سبعة قرون من رحلته) ،والتطورات الطبية التي سوف تشكل الطب في عصر النهضة األوروبية بل وحتى أحد أشكال الطب الذى ما زال يمارس حتى اليوم الحالي في الهند؛ وإنجازات مميزة في علم البصريات وعلم اإلنسان والرياضيات والجيولوجيا .ويركز ستار على العلماء متعددي املعارف الذين هيمنوا على العصر ،مشيرا إل��ى أصولهم املتنوعة التي كانت ترجع إل��ى الثقافة الفارسية والتركية بقدر ما كانت تعود إلى الثقافة العربية .وف��ي ه��ذا اإلط��ار ،يبرز ستار أهمية جذور آسيا الوسطى التي دائما ما كان يغفلها املؤرخون. ويقدم الكتاب عملية استكشاف واضحة للجداالت الفلسفية والدينية املعقدة بهذا العصر ،ونبذة موجزة حول أشعارها وفنونها معززة بالعديد من الرسوم التوضيحية.
التنوير املفقود: العصر الذهيب آلسيا الوسطى من الغزو العربي إلى تيمورلنك فردريك ستار روبرت ليغفولد
,,
يقدم كتاب «التنوير املفقود» عرضًا تاريخيا ساحرًا ملساهمات علماء وفناني آسيا الوسطى حني كانت يومًا «املركز الثقافي للعالم»
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
65
مراجعات
امللكية النووية احلرارية: االختيار بني الدميقراطية واملوت إلني سكاري لورانس فريدمان
,,
تعد مذكرات وزير الدفاع األميركي ً غيتس مدخال مهمًا لفهم القيم العليا التي تدار بها السياسية األميركية
,,
64
يعالج هذا الكتاب املثير لالهتمام ما ت�ص�ف��ه س �ك ��اري ب �ع��دم ال �ت��واف��ق بني األسلحة النووية والديمقراطية .ولكن معرفة سكاري بالشؤون النووية سطحية ،كما أنها ال تقدم سوى القليل من املعلومات حول األسلحة ،بخالف إلقاء الضوء على بشاعتها والبنية الهشة وغ�ي��ر الشرعية وال�خ�ط��رة التي تحكم ملكيتها واستخداماتها املحتملة .ويعد الكتاب أساسا فرضية حول العقد االجتماعي بني األفراد والحكومات تتضمن بعض التأمالت املثيرة لالهتمام حول مصادر اإلجماع والسلوك اإلنساني في الطوارئ .وحتى في تلك القضايا املجردة ،يمكن قراءة سكاري باستمتاع .وعلى ال��رغ��م م��ن أن س�ك��اري أب��رزت سخافة الوضع ال�ن��ووي ،ال��ذي يمكن اإلنسان الضعيف من أن يتسبب في دمار رهيب خالل دقائق معدودة، فإنها لم تقدم س��وى حل هش للقضية ،فهي تقترح تعزيز مواد الدستور األميركي التي توزع مسؤولية صناعة الحرب على الشعب بدال من اقتصارها على التنفيذيني .ولكنها ال توضح كيف يشترك األشخاص العاديون في الواليات املتحدة والدول النووية األخرى معها في رؤيتها أو يتصرفون من خاللها.
الفعل ورد الفعل يف النظام العاملي: ديناميات القوة االقتصادية والسياسية تيريي دي مونتربيال ريتشار كوبر أخ� �ي ��را ،ظ �ه��ر ه ��ذا ال�ك�ت��اب ال��رائ��ع ب��ال�ل�غ��ة اإلن�ج�ل�ي��زي��ة ب �ع��د 12ع��ام��ا م��ن ن�ش��ره للمرة األولى في فرنسا ،وهو يعد نموذجا أصيال للعلوم الفرنسية ال ��راق� �ي ��ة :م �ج��رد وم �ن �ط �ق��ي ول�ك�ن��ه م� ��رص� ��ع ب ��ال� �ع ��دي ��د م � ��ن األم� �ث� �ل ��ة. ك �م��ا ي �ت �ح��دث امل ��ؤل ��ف ل �ل �ق��راء عن آرائ��ه بشأن املشكالت ف��ي النظام ال �س �ي��اس��ي واالق� �ت� �ص ��ادي ال��دول��ي ول�ك�ن��ه ال ي�خ�ب��ره��م م��ا ال ��ذي يجب عليهم فعله حيالها .وعلى الرغم من أنه منبهر بتعقيد النظام فإنه يؤمن بأنه غير مستقر وهش نظرا ألن االضطرابات الصغيرة نسبيا يمكنها (ولكن ليس بالضرورة) أن تؤدي إلى تغيرات كبرى ومزعجة في عالقات الدول بعضها ببعض وبني تلك الدول والكيانات األخرى التي تتزايد أهميتها .مما ال شك فيه أن هذا الكتاب مكثف وعميق ويحث على التفكير.
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
الواجب :مذكرات وزير يف احلرب روبرت غيتس والرت راسل ميد
ف��ي ه��ذه امل��ذك��رات ال�ج��ذاب��ة والصريحة ح��ول ف�ت��رت��ه ك��وزي��ر ال��دف��اع األم�ي��رك��ي في إدارتي بوش وأوباما ،يقدم غيتس ق��درا م��ن االن�ت�ق��ادات ال�ح��ادة للطريقة التي عالج بها صناع السياسة التنفيذيون والتشريعيون مشكالت السنوات الثماني املاضية .ويلقي غيتس ب�م�ع�ظ��م غ�ض�ب��ه ع�ل��ى ب �ي��روق��راط �ي��ة ال�ك��ون�غ��رس والبنتاغون .فمن وجهة نظر غيتس ،أخفقت كلتا املؤسستني في التعامل مع حروب العقد املاضي بالطاقة والرؤية الالزمتني .فقد استمر الكونغرس في التركيز على املشروعات الحكومية املوجهة لكسب ت��أي�ي��د ال�ج�م��اه�ي��ر وامل �ص��ال��ح السياسية الضيقة على حساب التخطيط االستخباراتي ال ��دف ��اع ��ي .وق ��اوم ��ت ب �ي��روق��راط �ي��ة ال �ب �ن �ت��اغ��ون الضغوط التي واجهتها لالنتقال إل��ى وضعية الحرب حيث كانت مترددة أمام تلبية االحتياجات العسكرية امللحة وتجاهلت تقديم الرعاية الكافية للمقاتلني امل �ص��اب�ين ،وه ��و م��ا دف��ع غ�ي�ت��س إل��ى اإلح �ب��اط حيث أص�ب��ح ي��رى أن مهمته الرئيسة ه��ي ال��دف��اع ع��ن ق��وات��ه ال�ت��ي ت�ق��ات��ل ع�ل��ى الجبهة في مواجهة البيروقراطية واألوض��اع السياسية الراهنة .ويعد هذا الكتاب مالئما للشباب الذين يرغبون في أن يفهموا ويتوصلوا إلى القيم العليا التي تدار بها السياسة األميركية ويجب عليهم قراءته بعناية حيث إن غيتس لديه الكثير الذي يمكنه أن يقدمه حول املثالية العملية التي تمثل أفضل نوع للقيادة األميركية.
أسطورة القائد القوي :القيادة السياسية يف العصر احلديث أركي براون روبرت ليغفولد
ي�ع��د ك�ت��اب جنسبرغ ت�ح��دي��ا مباشرا ل�ل�ت�ف��اؤل ال ��ذي ط��رح��ه ع��ال��م األع�ص��اب امل� �ع ��رف ��ي ال� �ش� �ه� �ي ��ر ،س �ت �ي �ف��ن ب �ن �ك��ر، ال ��ذي أف ��اد ك�ت��اب��ه ال �ص��ادر ف��ي « 2011أف�ض��ل مالئكة لطبيعتنا» بأن دور العنف في الشؤون اإلنسانية ي�ت��راج��ع ،حيث ي��رد عليه جنسبرغ قائال إن العنف له أهمية سواء بالنسبة للتغير أو ب��ال�ن�س�ب��ة ل�ل�ح�ف��اظ ع�ل��ى ال �ن �ظ��ام ال�س�ي��اس��ي واالج �ت �م��اع��ي .وي��ؤك��د ج�ن�س�ب��رغ ع �ل��ى أهمية املنظمة البيروقراطية للعنف الفعال ويفحص كيف يمكن للعمليات السلمية أن تعتمد على إم �ك��ان �ي��ة ال �ع �ن��ف – ع �ل��ى س�ب�ي��ل امل� �ث ��ال ،خطر أن ت�ه��اج��م ال �ق��وات األم �ن �ي��ة م �ظ��اه��رات سلمية مناهضة ل�ل�ح�ك��وم��ة .وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ع�ن��وان كتابه وسخريته ال�ب��ارع��ة ،ال ي�ق��ول جنسبرغ إن كافة أنواع العنف مهمة :فعلى سبيل املثال، فإنه يفند تجاوزات وكالة إنفاذ القانون وينتقد االعتماد املفرط للسياسة الخارجية األميركية على الحرب .ويشير جنسبرغ إلى أن األنشطة ال �ت��ي ت�ص�ف�ه��ا ال �ح �ك��وم��ات ب��اع �ت �ب��اره��ا ب��دائ��ل شرعية للعنف مثل ممارسة «القوى الناعمة»، تعمل ف��ي ال��واق��ع كعوامل م�ع��ززة للقوة .ولكن ذلك الزعم يقلل االختالفات النوعية بني العنف الفعلي وال�ت�ه��دي��دات ال�ت��ي تقتصر على وضع حدود للسلوك.
يحذر براون من مخاطر الزعماء الذين ،سواء ك��ان زعماء ديمقراطيات أو ديكتاتوريات، يسعون للهيمنة على السياسة وعلى جميع من حولهم؛ حيث ت��ؤدي الحقيقة أو الوهم املتعلقان بالسلطة غير القابلة للتحدي إل��ى سياسات خاطئة وس ��وء ح��ظ مل��ن يحكمونهم .وي�ص��ر ب ��راون ع�ل��ى أن األفضل هو أن يمتلك القائد «عقال نقديا ،واستعدادا لالستماع إلى وجهات نظر متباينة» ،باإلضافة إلى املرونة والشجاعة وعدد آخر من الخصائص .وعلى الرغم من أن حجته تبدو مباشرة ،فإنها ثرية ومتعددة األب�ع��اد حتى أن��ه يمكن دمجها ببساطة في النظرية ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة .وي�ع�ت�م��د ب ��راون ع�ل��ى ت��اري�خ��ه األك��ادي�م��ي الطويل ال��ذي أم�ض��اه ف��ي دراس��ة الزعماء خاصة في األنظمة الشيوعية الشمولية وفي بعض األحيان في الدول الديمقراطية ،لكي يستكشف عدد من العوامل التي تؤثر على القيادة بما في ذلك الثقافة السياسية، ومؤسسات القيادة ،وأشكال الحكم و«البعد النفسي». كما أنه يقسم القادة إلى ثالثة أنواع :الرئيس «املجدد» (الذين يتمكن من دفع «تغيير راديكالي للسياسة») والقائد النادر «املطور» (ال��ذي يغير النظام املحلي أو الدولي نفسه) ،والقائد «الثوري» (الذي عادة ما يصبح مشوشا عندما يصل إل��ى السلطة ويصبح نسخة مكلفة م��ن ال�ق��ائ��د امل �ح��ول) .وي�خ�ت�ت��م ب ��راون بتقييم النجاح واإلخ�ف��اق لقيادات محددة س��واء في األنظمة الديمقراطية ،أو السلطوية ،أو الهجني.
قيمة العنف بنيامني جنسربغ لورانس فريدمان
رمال متحركة :الواليات املتحدة يف الشرق األوسط جويل ميغدال جون ووتربري
يرتكز تحليل ميغدال املذهل على نظرية م��راج�ع��ة ال �ت��اري��خ ف��ي م�ع��ال�ج�ت��ه للمراحل الرئيسة للسياسة األميركية صوب الشرق األوسط وهو ما يجبر القراء على إعادة التفكير في بعض الحكم املتوارثة .حيث يؤكد ميغدال أن التحالف االستراتيجي للواليات املتحدة مع إسرائيل لم يبدأ خالل حرب األيام الستة في ،1967ولكنه بدأ في عام 1970عندما قدمت الواليات املتحدة الدعم إلسرائيل لتعزيز جيشها على الحدود مع األردن وهو ما ساعد على الحفاظ على االستقرار خالل النزاع اإلقليمي الذي اندلع في أعقاب ثورة سبتمبر (أيلول) األسود ض��د امللكية األردن �ي��ة .كما أن��ه ي��ؤم��ن ب��أن التحالف االس�ت��رات�ي�ج��ي ب�ين ال��والي��ات امل�ت�ح��دة وإس��رائ�ي��ل قد انتهى بالفعل ف��ي ح��رب الخليج 91-1990عندما منعت الواليات املتحدة إسرائيل من أن تلعب دورا ف��ي رد ال�ف�ع��ل ع�ل��ى غ��زو ال �ع��راق ل�ل�ك��وي��ت وأخ �ب��رت اإلسرائيليني بأن يلتزموا الصمت حتى وإن أمطرهم صدام حسني بالصواريخ .ومن جهة أخ��رى ،أخفق ال��رؤس��اء األميركيون رون��ال��د ري�غ��ان وج��ورج بوش وبيل كلينتون في تقدير أهمية تراجع القومية العربية وب��زوغ اإلس�لام السياسي والالعبني غير العرب – تحديدا إيران وتركيا -في العالم العربي .وخالل عهد كلينتون ،وحتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كانت استراتيجية واشنطن تجاه الشرق األوس��ط «غير موجهة» .وعلى النقيض من ذلك ،كان الرئيس ج��ورج بوش موجها ،ولكنه كان يدير دفة السفينة في االت�ج��اه الخاطئ .وعلى الرغم من أن فرضيات ميغدال تبدو معقولة وفي بعض األحيان مدهشة، يمكن استخدام نفس األدلة التي استخدمها للوصول إلى استنتاجات مختلفة تماما.
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
63
مراجعات
تقدم مجلة «املجلة» نخبة من أهم الكتب السياسية والثقافية الصادرة حديثا ،والتي تتناول أهم امللفات املفتوحة في املنطقة ،وجذورها التاريخية ،وتداعياتها الراهنة ،من الحرب الباردة والنظام العاملي ،حتى حروب تشرشل األولى ،وعالقة الواليات املتحدة مع الشرق األوسط ،مرورًا بطبيعة ونفسية القائد والسياسي في العصر الحديث ،فتعمقًا وتأمال في سيرة الزعيم الفرنسي فرانسو ميتران ،إضافة إلى مذكرات وزير الدفاع األميركي ،ثم حديث مفصل حول طبيعة الحروب النووية القائمة بني دول العالم الكبرى. كما نستعرض كتابًا يتناول التنوير املفقود عن «العصر الذهبي آلسيا الوسطى من الغزو العربي إلى تيمورلنك» في عرض تاريخي ساحر وثري ،يركز على املساهمات الباهرة لعلماء آسيا الوسطى ومهندسيها وفنانيها ومؤرخيها خالل القرون األربعة التي بدأت مباشرة قبل الغزو العربي في القرن الثامن واستمرت حتى الحصار املغولي في القرن الثالث عشر وهي الفترة التي كانت فيها تلك املنطقة املجهولة اآلن هي «املركز الثقافي للعالم».
الواليات املتحدة في الشرق األوسط ..وحروب تشرشل األولى
عشرة كتب حرب تشرشل األولى: ونستون الصغري يف حرب مع األفغان كون كوفلني روبرت لغفولد
ف��ي ع��ام ،1896ك��ان ون�س�ت��ون ت�ش��رش��ل ض��اب�ط��ا ش��اب��ا بسالح الفرسان يسعى وراء الشهرة واملجد .وبمجرد أن تخرج في الكلية العسكرية امللكية في ساندهيرست وهو ما زال في 21من عمره، ك��ان ق��د ب��دأ يرسم مستقبله السياسي ،فقد استغل صالته لكي يلتحق بأحد ميادين املعركة العديدة لإلمبراطورية البريطانية حيث تمكن من جمع امليداليات وصقل سمعته .وبعد ذلك بعام ،نجح في تحقيق أهدافه بعدما شارك في سلسلة من الغارات العسكرية التي امتدت لثالثة أسابيع ضد رجال القبائل األفغان فيما يطلق عليه حاليا محافظة خيبر بختون خوا وكاد أن يفقد حياته مرتني .ويظهر كوفلني براعة في تصوير خصائص تشرشل الشاب وعيوبه ونظرته للحياة وتباهيه الواضح بتطلعاته .كما أنه يبرز الحد الذي إليه كان البريطانيون يخشون امتداد الروس إلى جنوب آسيا حيث كان البريطانيون يعتقدون أنهم راغبون في نزع تاج اإلمبراطورية البريطانية. وقد حرك هذا الخوف عددا ال يحصى من الحمالت العسكرية البريطانية لتعزيز الحدود بني أفغانستان والهند خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر .ويعقد كوفلني مقارنة مخيفة بني محاربي البشتون الذين حاربهم البريطانيون ونزاع الواليات املتحدة وحلف شمال األطلسي مع أحفادهم.
62
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
املقاتلون األجانب: اهلوية العابرة للقوميات يف النزاعات املدنية ديفيد ماليت لورانس فريدمان
لقد كان النزاع في سوريا أحدث الحروب املدنية الحديثة التي كان فيها لوجود مقاتلني أجانب تأثير كبير على القتال. وفي إطار الفحص العميق الذي قدمه ماليت لألسباب والكيفية ال�ت��ي ي�ت��ورط بها املقاتلون األج��ان��ب ف��ي القتال ف��ي أم��اك��ن بعيدة عن أوطانهم ،فإنه ركز على أهمية الهوية العابرة للقوميات والحاجة لتقديم الدعم لزمالئهم في مجتمع يتعرض للتهديد .وتشتمل دراسات الحالة التي قدمها على نماذج لحرب االستقالل لوالية تكساس (وهو خيار م�ث��ال��ي) ،وال�ح��رب األهلية اإلس�ب��ان�ي��ة ،وح��رب االس�ت�ق�لال اإلسرائيلية وأفغانستان في الفترة من 1987إلى ،1992مقدما بعض االستنتاجات حول مشاركة اإلسالميني في العديد من النزاعات الحديثة في الشرق األوسط .وهناك ثالثة أنماط رئيسة تظهر في هذه الرواية .أولها :الدور الرئيس الذي لعبته املنظمات التي كانت تجند وتدرب وتوزع املتطوعني. وثانيا أهمية الكيفية التي يجري بها تأطير النزاعات لتحديد ما إذا كان املتطوعون يمكنهم أن يقبلوا معركة اآلخر باعتبارها معركتهم. وثالثا هو ميل املقاتلني املحليني أو األجانب لكي يقاتل بعضهم البعض في النهاية.
أصبحت عاملية بشأن حرية اإلنسان وقدسيتها .فكان الفرد ُيضطهد في أسرته ،ثم توضع له القوالب املحددة لكل نظام حياته في بيئته الصغيرة، وكذلك في مجتمعه الكبير .أما ما يخص رؤية الحقيقة ،فقد نتج عن تلك التصورات غير الفردية وغير الواقعية في كثير من األحيان ،أن أصبح في خصام مع العقل .وذلك ألن «املطلق» ليس قائما وفق قواعد العقل ومساءالته ،فالعقل ال يقني له على اإلطالق ،كما أن اليقني مضاد للعقل. وبالتالي ،فالعقل ال يقر إال بنسبية الحقيقة ،ال باليقينيات التي مجالها الذات والوجدان .وكان العقل دائما موجودا لدى البشر ،لكن ليس دائما بشكل عقالني؛ حيث تتناوبه على مر العصور ،وحتى عصرنا الحاضر، معادلة املنطق واألسطورة.
ثقافة املجاز ومن هنا يتضح أن الحقيقة في الشرق الحديث ترتبط دائما بنسق تصوري يتحدد في جزء كبير منه بواسطة املجاز؛ فهي دائما ال تكمن فيما يقال ،بل فيما يضمر في نظام الخطاب ،ال سيما إذا كان متصال باملجاز .وكثير من تصوراتنا املجازية استوطنت في ثقافتنا عبر مراحل زمنية طويلة ،لكي تصبح جزءا من تصور الحقيقة .واملشكلة العظمى في مثل هذا الوضع أنها تصبح مركز استقطاب ،فثم أناس يسعون إلى فرض تصوراتهم املجازية على الثقافة ،ليحددوا ما الذي يجب على الناس أن يعدوه حقيقة موضوعية ومطلقة. لهذا السبب على املرء أن ينظر بشك إلى أسطورة املوضوعية عند التعامل مع قضايا الحقيقة ،ناهيك بمسألة اإلطالق التي تستلزم اإلحاطة بكل العوامل التي تنسب إليها الحقيقة من أجل تصور كامل للحقيقة بكل أبعادها ،وهو أمر مستحيل .وحيث إن الحقيقة قائمة على الفهم ،وجميع التصورات املجازية التي تدخل في ثقافة كل مجتمع هي العربة األساسية للفهم ،فإن التفكير بأن ذلك املجاز سيكون حقيقة هو السبيل لجعل الحقيقة تعتمد على املجاز؛ فتصبح بالتالي حقيقة أي جملة متناسبة مع الطريقة املعتادة لفهم العالم من خالل هذا الكيان البنيوي الذي ينظر منه إلى الواقع. وفي املنهج الغربي ،كانت النتائج مزلزلة لفرضية تناسب قفزات البشر في مجال الفكر التطوري ،فقد سيطر هذا الفكر الغربي على تصورات الشعوب الحديثةّ ، وكون معايير املنظمات الدولية ،وأصبحت جمعيات حقوق اإلنسان واملنظمات غير الحكومية فاعلة على أسس من تلك املعايير .فلم يعد مجال
الحرية أمرا خاصا بالفرد أو مجتمعه ،أو حتى الكيان املؤسسي الذي يعيش فيه ،بل أصبح كونيا يتعدى ح��دود املجتمعات وس�ي��ادة ال��دول .وم��ع نشأة املنظمات العاملية املعنية بهذا الشأن ،وإجراءات العوملة الشاملة في كل شؤون الحياة تقريبا ،وفي أغلب دول العالم املتقدم ،أصبحت قضية الحرية الفردية والحقوق اإلثنية والدينية على رأس أولويات تلك املطالبات. وبالنظر إلى تأثير تلك املتغيرات الكبيرة في أحداث التواصل ،فإن نظرية الفاعلية التواصلية بوصفها تجسيدا لجدل الحداثة املعيارية واألخالق التواصلية ،تؤكد على الحقيقة بأنها إنتاج عملية تبادل البراهني والحجج، وهي ،بالتالي ،تتويج التفاق ذي طبيعة جماعية ،وهذا ما يسميه هابرماس: «النظرية االجتماعية للحقيقة» .وهنا يكون مفهومها قائما على كونها نتيجة فكرية وليست واقعا .بالطبع كان لهذه التطورات جوانب سلبية مصاحبة ،تمثلت ف��ي تشظي الفكر الفلسفي الغربي املرتبط بمباحث الحقيقة .وهو من املتغيرات التي أصابت الدرس الفلسفي الغربي القديم ف��ي مقتل ،لكنه ب��دأ يتعافى ف��ي حقول بينية أخ��رى ،منها :الظاهراتية، والتأويلية ،والدراسات الحجاجية في أطرها املتعددة .وأصبحت مفاهيم «الحقيقة املجردة» ،التي هي مناط العقل املحض ،نسبية تقوم على إعادة النظر الدائمة ،فالعلوم اليوم تعتمد على البرهنة الدائمة على ما ينتقصها في سيرورة ال تنتهي في اكتناه حقائق الكون والعالم ،فقد غدا تاريخ العلم ليس تاريخ الحقائق التي توصل إليها ،بل تاريخ أخطائه. الخالصة ،أنه بسبب هذه الفروق الجوهرية في مفاهيم الشرق والغرب منتم لهذين املبدأين الرئيسني في ممارسات الفكر البشري ،نجد كل ٍ إلى أي من الثقافتني ال يفهم ،ملاذا تكون لواحدة من التجارب ،أو إلحدى املقوالت ،أهمية كبيرة عند املنتمي إلى الثقافة األخرى ،بينما ال تعني له شيئا ذا بال ،فعندما تحدث البابا السابق (ابن الثقافة الغربية الحديثة، حتى وإن كان يتبوأ مركزا دينيا على رأس الكنيسة الكاثوليكية) عن ثقافة الشرق اإلقصائية ،قامت الدنيا ولم تقعد في الشرق ،ألنهم يستدعون ال�ت��اري��خ ،وي�ت�ص��ورون أن منطلقاته صليبية ع��دوان�ي��ة ،واألم��ر كذلك في نظرة الغربيني إلى ما يراه الشرقيون حقا لكبار العائلة على صغارها ،أو لرجالها على نسائها ،في حني يراه الغربيون افتئاتا على حق الفرد في العيش على أساس خياراته .قد تصدق باستمرار املقولة القديمة :الشرق شرق ،والغرب غرب ،ولن يلتقيا! <
صورة اتخذت في 24فبراير عام 2012في معرض بمعهد العالم العربي في باريس للوحة تحمل اسم «حرية التعبير» للتشكيلي التونسي أحمد الهاجري
,,
النقلة التي قام بها فالسفة التنوير ساهمت في هيمنة الفرد على مبادئ التنظيم املجتمعي
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
61
ثقافة
توجد بالتأكيد تراكمات من تصورات مفهومي «الحرية» و«الحقيقة» املختلفة كليا في الشرق عنها في الغرب، وتطورت في ضوء ما توصلت إليه كل من الكتلتني بشأن تتبع مصادر االنعتاق من القيود من جهة ،واليقني عند اإلنسان املرتبط بتصور الكون وعالقاته به في كل األزمان ،ودوافع سلوك اإلنسان نحو بعض املسلمات اليقينية؛ انطالقا من العقل البدائي ،ثم امليتافيزيقي ،وأخيرا التجريبي.
في ممارسات الفكر البشري ..الفروق الجوهرية بني مفاهيم الشرق والغرب
ماهية احلرية بقلم: فالح بن شبيب العجمي
بالنسبة للشرق القديم كانت هناك محاوالت من مفكريه بالتزام كالم األنبياء والحكماء ،وكل ما يعتقد بأن امليتافيزيقا تفرضه بوصفه إطارا لحرية الفرد ،وبقيت تلك القيود مفروضة بشدة في كل الحقب املختلفة من حياة شعوب الشرق .كما أنهم ،فيما يخص أطر الحقيقة ،خائفون من تبني نظريات بأي شأن مهم من شؤون حياتهم ومستقبلهم؛ ومن أجل ذلك كانوا كلما تقادمت بهم العصور ،ونسوا تعليمات السماء ،أو تقادمت عليهم ،ولم تعد تلبي حاجات عصرهم ،التفوا حول نبي جديد ،أو حكيم يفسر لهم أمور الكون من جديد ،ويطمئنهم بأن مستقبلهم بخير.
,,
أما في الغرب ،الذي يمكن اعتبار أولى مراحله الفكرية املستقلة ما توصل إليه فالسفة العقل في مرحلة التنوير ،من أن حرية اإلنسان مطلب مستقل بحد ذاته ،وأن االنتقاص منها مثل االعتداء على جسد اإلنسان فيزيائيا؛ كما أن هناك عالقة وطيدة بني االهتمام باملعرفة وتطور آليات العقل البشري .فقد التزم كانط في «نقد العقل املحض» ببناء نظرية للمعرفة؛ تبني ما يجب أن تكون عليه بنية الشخص العارف وطبيعة الشيء املعروف ،حتى تأمن موضوعية املشروع الفيزيائي ،منذ كوبرنيكوس وغاليلي ،وصوال إلى نيوتن والفوازييه. هذه النظرية أدت – كما هو معروف – إلى إبراز شرعية املعرفة العلمية ،ووهم املعرفة امليتافيزيقية ،املعرفة التي تطمح في الوصول إلى املطلق .فقد حدد الوضع امليتافيزيقي للعلم ،والوضع العلمي للميتافيزيقا؛ وهو في هذا عرض مسألة ترتبط ارتباطا وثيقا باملنطق ،أي بمصداقية األحكام التركيبية ْ القبلية. فالحكم بأن لكل حدث سببا يحدث ،حكم ْقبلي ال يرتكز إلى التجربة .فنحن ال ن��درك األح��داث التي سوف نختبرها ،لكننا واثقون سلفا من خضوعها لقانون السببية الذي ال يستمد من تصور الحدث.
تصوراتنا املجازية استوطنت في ثقافتنا عبر مراحل زمنية طويلة فأصبحت جزءا من الحقيقة
,,
60
وق��د ك��ان كانط ينظر إل��ى العقل البشري املنظم للتجربة الحياتية واملشرع للطبيعة ،ليس على أساس املبادئ الفطرية التي أقرها ديكارت من قبل ،بل بوصفه هو نفسه جملة من القوالب ْ القبلية (صورتا الزمان واملكان واملقوالت) التي هي مكونة من قوالب فارغة تملؤها الحدوس الحسية ،فتحول إلى معرفة، هذه الحدوس التي تظل عمياء من دون تلك القوالب ،حسب تعبيره.
الشرق لم يقدم بلورة جديدة ملفهوم الحرية
اإلطالق ،سواء لعلو النسب ،أو الجتماع عدد من الفضائل ال تتوافر ملن ليسوا من األحرار .وإذا أريد مدح امرأة بأن أخالقها فاضلة قيلّ : «حرة»؛ بل إن بعض الصقور األصيلة يطلق عليه ّ «حر» .ليس هناك تنظير فكري ملبدأ «الحرية» الفردية أو الجمعية ،وحتى عندما طالبت شعوب الشرق باستقاللها ،فلم تكن الحرية من ضمن املطالب التي كانوا يسعون إليها ،بل تركزت رغباتهم في طرد املستعمر ،وأن يحكمهم مستبدون من أبناء جلدتهم .وفي شأن الحقيقة ،بقيت ُ أطر هيمنة املقوالت العامة التي أسسها األسالف هي الثقافة ،التي تقبل على أساسها أي نظرية أو رؤية كونية أو مجتمعية .فلم تدخل أي من املجتمعات الشرقية مرحلة الحقبة التجريبية ،إال إذا كان األمر ال يتجاوز جزئية علمية بحتة ،ال تمس عناصر الكون ،أو محددات الحياة البشرية .فكان كل ما يتعلق بتصورات الحقيقة منطلقا من الثابت ،ويوصف بأنه مطلق بالكامل ،وغالبا ال يتعرض إلى تعديالت أو مراجعة. أما في الغرب حديثا ،فإن تلك النقلة التي قام بها فالسفة التنوير قد استمرت، وتطورت في اتجاه هيمنة الفرد على مبادئ التنظيم املجتمعي؛ وهو ما يعني إعطاء مزيد من الحرية الفردية ،وعدم جواز االنتقاص منها بأي حال ،وتحت أي ظ��رف ك��ان .وه��و ما أصبح واح��دا من أرك��ان الدساتير الغربية الحديثة، بل ومبادئ حقوق اإلنسان التي أقرتها هيئة األمم املتحدة عام 1948م .كما ترسخت فلسفة أن ما أصبح اإلنسان يطلق عليه «الحقيقة» في مجال البحث املستمر ذاك ،ليس انعكاسا أو نسخة من منطوقات مبثوثة في بنية الواقع؛ واقع جرى تصوره بسذاجة بما هو وجود في ذاته خاص بالوقائع املنتظمة بحسب قوانني معينة .بل إن الحقيقة ،وعلى النقيض من ذلك ،تعني الكيفية التي ينتظم وفقها الواقع؛ الواقع كما نمارسه انطالقا من مصالحنا املتغيرة، وتلبية ه��ذه املصالح ول��و ظاهريا؛ يعني أنها ص��ارت ض��روري��ة اجتماعيا، ومفصلة حول ألعاب اللغة النوعية .وفي الواقع إن مجموع هذه القيم التعبيرية التي تشكل قوة اللغة تمثل في الوقت نفسه جزءا كبيرا من ثقافة املجتمع، وهو ما يسميه فوكو «منظومة الحقيقة»؛ حيث يرى أن الحقيقة ليست خارج القوة ،بل إنها جزء من هذا العالم ينتج بواسطة صيغ متعددة من اإلك��راه، ي��ؤدي إلى تحوالت منتظمة من القوة ،فكل مجتمع لديه منظومة للحقيقة، ما يشكل سياسته العامة إزاء الحقيقة .تتضمن هذه املنظومة أنواع الكالم املقبول ،والذي يصلح أن يصبح حقيقة ،كما تشتمل على اآلليات التي تمكن املرء من اختيار املقوالت الصائبة وتستبعد الخاطئة ،واألدوات التي يعاقب بها كل من يخالف تلك املعايير؛ بمعنى أن مهمة هذه املنظومة إبراز ما يصلح أن يعد حقيقة إلى الوجود.
وإذا أتينا إلى الشرق الحديث ،فإن عددا من التغيرات الهامشية قد حدثت؛ لكن األسس الجوهرية ملفهومي «الحرية» و«الحقيقة» بقيت كما هي .فال نجد في أي من بالد الشرق التقليدية (وليس الشرق الجغرافي) أي بلورة جديدة ملفهوم الحرية؛ إذ بقيت في الثقافة العربية ،على سبيل املثال ،تعني الخروج فما الذي نتج عن كل من املنهجني؟ من السجن أو املكان املحدود ،أو إذا وصف بها إنسان ،فتعني حالة اجتماعية في الواقع إن الشرق الحديث بقي رغم ادعاء بعض منظريه التزام الحداثة تقابل من يوصفون بالعبودية .ولذلك نجد أن الناس يمكن أن يوصفوا بها على واملعايير العاملية املعاصرة ،بعيدا عن التفاعل مع تلك التطورات الفكرية التي
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
في مقالة بعنوان «عقيم الجدل» نشرت في إحدى املجموعات البريدية على اإلن�ت��رن��ت ،واص�ف��ا رض��وان السيد بأنه يريد أن يشرعن إلس�لام مدجن ترعاه األنظمة املستبدة التي يخيفها زحف اإلس�لام السياسي والربيع العربي -حسب قوله -وأما املثقفون ال�ع��رب اآلخ ��رون أم�ث��ال عبد املجيد ال�ش��رف��ي ،محمد أرك��ون (عركون كما يسميه) فهؤالء مجرد أدوات للمستعمر وأتباع للثقافة الفرنكفونية ،فهذا الجدال معهم وفقا للمرزوقي، قد «يضفي عليها وهم الجدية على أطروحاتهم في حني أنها خالية الوطاب ..ويكفي أن نذكر بأن زعيمي هذا التيار املتأثر بالثقافة اليعقوبية الفرنسية عمليا وبتلفيق التأويليات األملانية في نسختها الفرنسية املشوهة يخلطان بني ترديد أسماء العلوم في كتاباتهم والتمكن من مسمياتها :قصدت عركون والشرفي ف�ك�لاه�م��ا ال ي �ت �ج��اوز ال �ش �ع��ارات وأس� �م ��اء ال �ك �ت��ب وامل��وض��ات الحداثوية م��ع العلم أنهما كالهما خريج آداب عربية وم��ن ثم فال صلة لكتاباته في الدين باختصاصه األكاديمي ،ما يعني أنه يعبر عن أحوال نفسه أكثر مما يعبر عن معرفة علمية بما يتكلم عليه إذا كان القصد بها تجاوز الشعارات وذكر أسماء االختصاصات .ثم إن التقويم العلمي للمعرفة العلمية ال يمكن أن يكون مجاله الكتابة الصحافية فضال عن اللمحات التويترية. وكالمي ه��ذا ال يقتصر على خصوم الدكتور رض��وان بل هو يشمله .ذل��ك أن اتهام الدكتور ملا يحصل في اإلس�لام السني من مخاض بوصفه انحرافا غير سوي فيه جزء ال يتجزأ من تحالف االنحطاطني ضد ه��ذا املخاض :االنحطاط الذاتي الذي يمثله إسالم الفقهاء األعزل والنخب املتعمشة من رضي عنهم اإلسالم الخادم لالستبداد والفساد كما يتبني من الحلف املشني ضد الربيع العربي وضد كل مقاومة لالستعمار املحافظ على شروط بقاء األمة تابعة بسبب تفتيت مكانها وتقطيع زمانها والحرب على حصانتها». يضع املرزوقي طرفي السجال من دعاة اإلسالم املدجن (رضوان السيد ن�م��وذج��ا) ،ودع ��اة ق�ش��ور ال�ح��داث��ة (ال�ش��رف��ي وأرك ��ون)، في سلة واح��دة ،فحسب قوله« :ه��ذا االنحطاط املستورد الذي يريد إسالم الصوفية األعزل الذي ال يتدخل في خيارات األمة التفكيكية التداولية التي حررت داللة النص من سلطة التأليف السياسية والروحية وخاصة في مقاومة الغزو األجنبي بوجهيه والتلقي في مصادره وسياقات قراءته مبينة اإلمكانات الخصبة املادي ممثال بالنخب السياسية واالقتصادية التابعة ،والرمزي وغير املتناهية التي يتضمنها في دالالته وهوامشه. ممثال بالنخب التربوية والثقافية التابعة التي ال تمثل إال قشور الحداثة ألن الحداثة بما هي تمكن من العلوم وتطبيقاتها انتقلت يختم ولد أباه مرافعته املتضامنة مع أطروحة رضوان السيد، إلى هذا اإلسالم السياسي الذي يخيف الغرب وعمالئه». بالقول« :م��ن املفارقات املثيرة أن��ه في الوقت ال��ذي تعرف اليوم الدراسات القرآنية في الغرب طفرة نوعية ببروز كتابات رصينة بقدر ما توحي هذه السجاالت بحراك ثقافي عربي ،فإنها تكشف حول البنيات النصية والبالغية والتركيبية والداللية في القرآن في الوقت ذات��ه عن طبيعة الحالة العربية التي تصل إل��ى آفاق الكريم ،تقف على النقيض م��ن أدب�ي��ات االس�ت�ش��راق التقليدي مسدودة حتى في حالتها الثقافية ،فبعد أن فشلت املشاريع واملراجعني الجدد (من أهمها أعمال جنفييف غوبيو وميشل السياسية وسقطت ال��دول��ة العربية ،ت�ه��اوت املشاريع الثقافية كويبرز وفرنسوا ديروش وآن سيلفي بواليفو ..إلخ) ،نلمس أن والنقدية التي كانت ترفع شعار التنوير ،وسقطت هي األخرى الوعود التي طاملا سمعناها من باحثني عرب مشهورين اقتحموا أمام امتحان الحالة العربية التي تمزقت بني النزاعات الطائفية حقل األبحاث القرآنية لم تتجاوز ما أشار إليه رضوان السيد والحروب األهلية. من هدم اإلسالم السني باسم تطبيق آيديولوجي غير علمي وال موفق ملناهج حديثة لم يجر استيعابها وال فهمها ،فهي بهذا لقد كانت مشاريع قراءة التراث ونقده ،غرقا مضنيا في املاضي، الوجه اآلخر لخصوم اإلسالم السني من املنشقني عليه الحاملني دون أي فاعلية مجدية في الحاضر ،وهذا يدل على أن الصراع السيف على مؤسساته األهلية وعلى الدولة». الثقافي والطائفي العربي هو في جذوره صراع حول تفسير هذا التراث ،وغرق عميق فيه ،وربما يستدعي ذلك الغرق أن نغرق في بحار الدم التي تسفحها الحروب الطائفية واألهلية والتي ترزح أبو يعرب املرزوقي يفتح النار على الجميع تحتها املنطقة بعد أن أصبحت متشحة بالسواد واألل��م والذي لم يتوقف األمر عند هذا الحد من االصطفاف بني الرأيني ،بل جاء يسود أغلب مناطقها التي تعيش تحت رهبة التفكك والتقسيم، املفكر التونسي أبو يعرب املرزوقي ،وفتح النار على الطرفني ،وغياب األمن وتهاوي الدولة <
,,
السيد ولد أباه :الجهد الهائل الذي بذله املثقفون العرب لتفكيك التراث اإلسالمي ونقده ،أفضى إلى نتائج كارثية
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
59
ثقافة
,,
طرابيشي :نعم هناك «حملة على اإلسالم» يقودها ويخوض غمارها كل من ِّ ويروج يتبنى لتقسيمنا إلى معسكرين متناحرين
,,
جديد» ،مدافعا بشدة عن أطروحات محمد أركون من أن تكون مسخرة لهدم اإلس�لام السني ،مؤكدا أن هذه التهمة ال يتجرأ أن يطلقها حتى القرضاوي ،فكيف يأتي السيد ويطلقها هكذا جزافا ،ملمحا إلى أن السيد ال يمتلك الجلد والصبر لقراءة فكر محمد أركون ،وال يعرف عنه إال عناوين الكتب والفصول التي يقرأها خالل فترات االستراحة في املؤتمرات. يضيف الهوني قائال موجها حديثه للسيدّ : «إن الفكر التكفيـري ال���ذي ت��داف��ع ع��ن��ه ه��و امل��ؤس��س وامل��ب��رر ال��ع��ق��دي ل�ل�إره���ابّ . وإن التكفيريني ّ السنة ال يقتلون أهل األديان والنحل وامللل واملذاهب ّ ّ داخل الطائفة السنية يقتلون السنة األخرى فقط ،بل هم طائفة ّ الصوفية ّ والسنة الشعبية ،وكل من اعتبروه فاسقا أو ملحدا أو كافرا .فهنيئا لك أنت والقرضاوي بهذه الصحبة الجديدة التي تخلط بني ّ الدين والسياسة ،وب�ين الدولة والطائفة ،وب�ين فكرة دول��ة املواطنة ودول��ة اإلي��م��ان» (صحيفة «الشرق األوس���ط»25 ، أبريل .)2014 أما الكاتب السوري عزيز العظمة فوافق الهوني في رده ،وكتب مقاال وص��ف فيه السيد بأنه «كثير االخ��ت�لاط ك��ال��ع��ادة وغير ّ متماسك في ّ تسرعه واستعجاله ،ويتعذر فيه على قارئه تمييز الخيط األبيض من الخيط األسود؛ هذا القارئ الذي يجد نفسه منقادا إلى أن يستشعر من خالل ما يقرؤه من سطور املقال، عصبية طائفية بدائية غير قادرة على التمييز بني األمور وعلى ّ لعصبية ما دون السياسة التعصب واالنتصار التعالي عن عماء َ ّ نْ ّ عصبية ال ترى حولها إال فسطاطي :فسطاط الذات وما فوقها، التي ال تحجم ،في غياب ملكة التمييز لديها ،عن املماهاة بني الوالء ّ للدم الطائفي والذهاب بهذا الوالء -على تقادمه وضرره إلى تأييد كل ما نطق باسمه من عاقل أو ناعق أو تكفيري،وفسطاط اآلخر الذي ليس على استعداد النتضاء لواء االقتتال ّ واتخاذ رضوان ّ السيد مناضال قدوة في هذا..».. الطائفي يتجاوز العظمة في رده ويصف كالم السيد بالخفة والحمق، وأن كالمه يستوجب إقامة حد القذف واإلفك عليه ،فيقول« :تلك تهمة يكيلها لي رضوان ولغيري أيضا ،باستسهال يدل ّإما على ّ الخفة بل الحمقّ ، وإما على تهتك في الكيان األخالقي واملعنوي. ّ هذه -وغيرها مما جاء فيما كتب رض��وان -بهتان صرف ال يستند إلى شذرة في الواقع ،وليس لديه عليه أي مستند في قول ّ أو ّ وتقول غريبان إذ إن رضوان ليس نص أو فعل .هذا اختالق ّ بجاهل بمواقفي ..ما فعله الرجل غير أخالقي غريبا عني وال هو ّ ومخالف للقانون ،ولعله يستذكر ّأن فقه أهل السنة يوجب إقامة ّ الحد على القدح والقذف واإلفك»( .صحيفة «الشرق األوسط»، 2مايو .)2014
رسام فلسطيني يرسم صورة للرئيس السوري بشار األسد والزعيم الشيعي اللبناني حسن نصر الله في أحد شوارع بيروت وفي الخلف تبدو صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسني
يقرر ولد أباه أنه ليس في هذه املالحظة ما يعني التعصب ورفض تطبيق املناهج النقدية على الخطاب الديني والنص التراثي« ،بل هو كشف لحيلة من الحيل اآليديولوجية املعروفة التي تتمثل ف��ي اس��ت��خ��دام أدوات التحليل وال��وص��ف والتشخيص كآليات للشحن التعبوي وتوجيه الوعي بذريعة موضوعيتها وحياديتها املعيارية.
فكيف يمكن أن نبرر منهجيا الجمع بني التاريخانية الفيللوجية في نقد النص الديني والنظريات البنيوية والتفكيكية التي قامت أساسا على رفض تلك املقاييس التي كانت سائدة في تاريخ األفكار؟ وكيف نحمل املقاربات الحفرية والتفكيكية والتداولية مشاريع نقد التراث عقيمة! شحنة تنويرية آيديولوجية ،وهي في عمقها ومنظورها نقيض من جانب آخر يعلق الكاتب املوريتاني السيد ولد أباه في صحيفة النزعات اإلنسانية والحداثية والتنويرية؟ «االت��ح��اد» اإلم��ارات��ي��ة على ال��ج��دل ال��ذي أح��دث��ه رض���وان السيد، متابعا له وموافقا في طرحه ،حيث يرى أن الجهد الهائل الذي بذل م��ن ال��واض��ح أن ه��ذه األدوات تستخدم بطريقة تلفيقية وغير في األعوام األخيرة لتفكيك التراث اإلسالمي ونقده ،لم يفض إلى دقيقة ف��ي التعامل م��ع النص الديني وال��ت��راث��ي ،دون أن تسلك نتائج علمية رصينة ،وإنما كانت نتائجه كارثية من حيث توظيفه أيا من املقاربات الثالث التي نجدها في السياق الغربي وهي: الواعي وغير الواعي أحيانا في هدم التقليد السني الذي يعاني من املقاربة الهرمينوطيقية (التأويلية) التي أع��ادت تفسير وفهم انشقاقات داخلية حادة من آثارها الحركات األصولية املتطرفة النصوص الدينية في مناح مبتكرة عززت مسلك اإلصالح الديني والسلفيات الجهادية وتيارات اإلسالم السياسي املؤدلجة ،في دون قطيعة راديكالية مع منابع اإليمان والتدين ،املقاربة النقدية الوقت الذي تقف املؤسسة التقليدية عاجزة عن امتصاص هذه التاريخية التي سمحت بالتحقيب للفكر وتتبعه في مكوناته البنيوية وتحوالته دون مصادرات آيديولوجية موجهة ،املقاربة الصدمات العنيفة.
58
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
املفكر السوري برهان غليون رئيس املجلس الوطني السوري املعارض سابقًا يلقي خطابا ،بجانب عمدة بلدية باريس ،برتران ديالنو في 15 مارس ،2012خالل تجمع حاشد لالحتجاج ضد نظام الرئيس بشار األسد
ممتدة ،إلى أنهم تمكنوا وباألخص من املحافظني وأبناء التيارات اإلسالمية باعتباره كتب ٍ السلفية واألشعرية ،والخروج بعد ٍ من تحطيم اإلسالم السني .وكانوا في زمن العسكريني واألمنيني انتصارا يؤازرهم ،مؤكدين أن مقال رضوان السيد لن يقف عند الطويل ،يحصلون على جوائز منهم بسبب العقالنية التي اشتهر هذا الحد ،فسوف تتوالى الردود املعارضة له بقوة. بها حافظ األسد وبشار األسد ومعمر القذافي .وهم يجدون اليوم املخاضات الفظيعة التي دخل فيها الجهاديون وسط الحزبيون وهذا ما حصل.. ً ُ ّ وصدام ف َرصا جمة لإلشادة من جديد بالتنوير الذي عليه األسد قبله ،وإيرانيو الخامنئي ونصر الله من بعد». جاءت ردود كثيرة على اتهامات وانتقادات رضوان السيد ،أولها عربي مفكر نحو سهام نقد السيد الالذعة لم تتوقف ،فأدارها وأبرزها رد املفكر السوري جورج طرابيشي ،في مقال نشرته وانزعاجه السني، اإلسالم كبير ،متهما إياه بتحامله الشديد على صحيفة «الشرق األوسط» في 23أبريل ،2014بعنوان «الحملة عن صامت اآلخر الجانب من فظائع األصوليني السنة ،لكنه في على اإلس�ل�ام ..ق��راءة مغايرة» ،ج��اء فيه رفيقا لطيفا في رده سوريا.. بالده بحق يفعله جرائم وبشائع نظام بشار األسد وما ملتزما أدب الخالف الرفيع بني املثقفني ،قال فيه« :ما دام السيد مثال طرابيشي �ورج � ج انزعاج يقول رض��وان« :م��ا العالقة بني قد اختار لبيانه االتهامي عنوان (الحملة على اإلسالم) ،فألعترف فظائع من وانزعاجه القديم، في من األرثوذكسية وأهل الحديث له أن هذه الحملة قائمة على قدم وساق فعال ،ولكنها بالضبط وأدونيس وهو وفظائعه؛ بشار من األصوليني ،وعدم انزعاجه ّتلك الحملة التي تجعل من اإلسالم إسالمني ،وزيادة في الطني مذابح ضد هم الذين املعارضني كل وعزيز العظمة وأشباههم! بلة :إسالمني متنابذين ومتناحرين حتى النفس األخير». بشار (بمن فيهم ميشيل كيلو املسيحي املاركسي) هم في نظر هؤالء :طائفيون! أما األسد ونصر الله فهم علمانيون تنويريون ،يضيف طرابيشي« :ليسمح ل��ي السيد رض��وان أن أس��أل��ه :إذا ّ َ َ وإال ف ِلم لم يحملوا عليهم كما حملوا على كل املعارضني لبشار كان اإلسالم هو الدين ُ الذي نزل به القرآن ،فهل القرآن سني أم ّ بالداخل والخارج إما بحجة اإلرهاب أو بحجة الطائفية!». شيعي؟ وإذا كان من أنزل عليه هذا القرآن هو الرسول محمد، على العرب وبكل وضوح يقرر رضوان السيد انقالب املثقفني فهل كان هذا الرسول سنيا أم شيعيا؟ ..إنها فعال إذن (حملة ِّ بعثيا أو قوميا هويتهم العربية ،قائال« :ال أعرف -إال فيما ندر - على اإلسالم) يقودها ويخوض غمارها كل من يتبنى ويروج ّ الله ونصر وخامنئي أو يساريا إال وهو اليوم مع بشار األسد لتلك الثنائية املانوية التي ال تريد أن تتصور الخير في معسكر، واملالكي». إال بقدر ما تنسب الشر إلى املعسكر اآلخر ،وذلك تبعا لالنتماء الطائفي الذي يلومني السيد رضوان السيد شخصيا على كوني بالغت في التحذير من وخامة عواقبه». هل القرآن سني أم شيعي؟
,,
أبو يعرب املرزوقي :أركون والشرفي مجرد أدوات للمستعمر أتباع للثقافة الفرنسية واألملانية بنسختها املشوهة
,,
أثار مقال السيد ،واتهاماته الصريحة املباشرة ألهواء املثقفني لم يتوقف األمر عند هذا القدر ،فجاء رد الكاتب الليبي محمد عبد ال �ع��رب ،ج��دال واس �ع��ا ،وردودا م�ت��وال�ي� ُ�ة ،ف��ي ال�س�ع��ودي��ة ،وعلى املطلب الهوني في الصحيفة ذاتها ،واصفا رضوان – بتهكم - صفحات مواقع التواصل االجتماعي استقبل املقال بحفاوة ،باملناضل السياسي ،قائال له« :نحن لسنا بحاجة إلى قرضاوي المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
57
ثقافة
لست أدري بالضبط ،متى بدأ تفكك الوعي العربي ،وتضاؤل اإلحساس باالنتماء إلى أمة واحدة؟ ..هكذا يتساءل املفكر العربي الدكتور رضوان السيد في سلسلة مقاالت فتح بها سجاال وجدال حول طائفية املثقفني العرب ،متوغال ومحلال دوافع املشاريع الثقافية العربية التي سعت إلى إعادة قراءة التراث العربي واإلسالمي من جديد ،مؤكدا أن هؤالء في مشاريعهم يسعون إلى تحطيم اإلسالم السني ،ويسكتون ويتوارون عن مواجهة التطرف الشيعي ،فهي باختصار «حملة على اإلسالم ،وحملة على العرب».
رضوان السيد يثير الجدل حول والءات املثقفني العرب ..والردود ال تتوقف
أهواء النخب بقلم: عبد الله الرشيد
,,
رضوان السيد: ال أعرف ـ ـ إال فيما ندر ـ ـ قوميا أو بعثيا ّ أو يساريا إال وهو اليوم مع بشار األسد وخامنئي ونصر الله واملالكي
,,
56
يوصف رضوان السيد حال النخب العربية قائال« :كانت طرابيشي وأركون والشرفي متهمون
النخب القومية العربية في الستينات مكونة من حزب البعث ،والناصريني ،وبعض الحزبيات الصغيرة التابعة ألحد الطرفني .ثم مات جمال عبد الناصر فتكأكأ الناصريون بني ليبيا وال�ع��راق .أما القوميون العرب املوالون لعبد الناصر، فقد اعتنقوا املاركسية -اللينينية واس�ت��راح��وا م��ن ال�ه��م .في حني انقسم (البعث) بسبب الصراع على السلطة إلى سوريني وعراقيني .وفي أواخر الثمانينات ،وبسبب سياسات الشخصنة ل��دى حافظ وص��دام ،ك��ان ح��زب البعث (أو األول��ى :عروبته) قد انتهى .أم��ا (البعث) ال�س��وري فقد تطيف ،وع��اد علويا وسنيا ودرزيا ومسيحيا ،وكنت أرى أناسا من بعث األسد ،وبعد حديث ش��رس ف��ي األح�ق��اد الطائفية ،يعتذرون بأنهم ف��ي الحقيقة ال يحترمون األدي��ان والطوائف ،وإنما هم شيوعيون أو قوميون سوريون! أما البعثيون العراقيون ،فإنهم اعتصموا بصدام على السطح ،وإذا وثقوا باملتحدث إليهم :إن كانوا شيعة أو مسيحيني، حاولوا إقناعك بعلمانية الدولة .وإن كانوا سنة حاولوا إقناعك بتدين ص��دام وصوفيته وانتسابه إل��ى آل ال�ب�ي��ت!»( .صحيفة «الشرق األوس��ط» 25أبريل ،2014مقال بعنوان «النواح على صدام واالشتغال عند إيران»). يلملم رضوان السيد أطراف املشهد الذي يصف تحوالت النخب العربية وتخليها عن ال��روح القومية إلى النزوح عن االنتماءات الطائفية ،مؤكدا أن ذلك حدث منذ عقدين وأكثر ،أي قبل سقوط دول «البعث» .وربما كان السبب في ذلك حسب رأيه أن أنظمة الدولة الوطنية في مرحلتها الثانية األمنية والعسكرية ،قد تنكرت للعروبة واإلسالم من ضمن تنكرها للجمهور العربي واملسلم. ولذا ،فإن النخب القومية العاملة مع األنظمة ،اتجه املثالي منها إل��ى ال�ي�س��ار ،واآلخ� ��رون إل��ى الطائفيات واإلث�ن�ي��ات واألم�ن�ي��ات. يضيف« :وال ننسى أنه في الوقت الذي مات فيه عبد الناصر، وتحول السادات إلى دولة العلم واإليمان (= دستور عام ،)1971 كان املثقفون العرب الكبار ،وعلى مدى الثالثني عاما الالحقة، يطورون أطروحات في نقض املوروث اإلسالمي ،ونقد القومية الفاشية .وقد أحسسنا جميعا بانهيار العروبة فكرة وممارسة، من واقعة أن املظاهرات الهائلة التي قامت ضد الغزو األميركي للعراق عام ،2003إنما قام بها اإلسالميون ،وما كان للقوميني ظ�ه��ور ب��ارز فيها -وه��و األم��ر نفسه ال��ذي ك��ان ق��د ظهر عام 1990أيضا».
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
لم يقتصر األمر عند التوصيف العام لحال النخب العربية املثقفة، فقد تجرأ السيد وأفصح عن مقصوده باألسماء ،حيث استعرض في مقال له بعنوان «الحملة على العرب ..الحملة على اإلسالم» نشر في صحيفة «الشرق األوسط» في 18أبريل ،2014داعيا إلى فحص الحمالت على اإلسالم ،التي ترفع تحت عنوان مكافحة التشدد واإلرهاب .مؤكدا ّأن معظم الحاملني عليهما ال يتعاطون ّ خاتمة مقاالتهم أو بحوثهم مع تصرفات هؤالء وأولئك إال في ُ العلمية العميقة جداّ . «أما جوهر هذه األطروحات الضخمة ،فهو ُ الحملة على إسالم العصر الوسيط ،أو األرثوذكسية السنية ،أو التقليد األسود والجامد ،أو بصراحة اإلسالم السني .وهذا ُّ الفن أو األدب اإلداني يزدهر اآلن». يؤكد رضوان السيد أن الراحل محمد أركون هو األب الشرعي لهذه الفكرة« ،فقد أراد أوال تحطيم ك��ل األرث��وذك�س�ي��ات ألنها حجبت عنا القرآن واإلسالم األول .ثم قرر ّأن املهمة التحريرية تنقضي أو تتحقق بضرب األرثوذكسية السنية ،كما قال .أما األرثوذكسية أو األرثوذكسيات األخ��رى املسيحية أو الشيعية فيجب تحطيمها أي�ض��اّ ، لكن املهمة معها َأس�ه��ل ،ث��م إن فيها خياالت وأساطير زاهية تبعث على البهجة ،وليست باطنية ًوفيها ً نصوصية قاتمة مثلما هي عند السنة .وفي النهاية ّ فإن حروفية األصوليات اإلسالمية الحاضرة تستند إلى تلك األرثوذكسية القديمة ال غير». ي��رى رض��وان السيد أن أرك��ون وتالميذه يسعون إل��ى تصفية القديم (من القرآن وإل��ى محمد حساباتهم مع اإلس�لام السني ُ عبده) بحجتني :التقليد املتجمد ،واألصوليات القائمة اليوم على ذلك التقليد« .ومن هؤالء على سبيل املثال عبد املجيد الشرفي، الذي نشر كتابا قبل ثالثة شهور ملناقضة اإلسالم السياسي، وإذا به يزعم ّأن اإلسالم السياسي فاسد ألنه يستند إلى التقليد الفاسد ،والتقليد (في الفقه والتفسير) فاسد في فهمه للقرآن، ففي النهاية :الكل فاسد! وظهر لدينا أيضا قبل الثورات وبعدها ٌ فريق تنويري يريد اجتراح إصالح ديني ،يشبه تماما ما فعله األوروبيون مع تراثهم الديني في القرنني الثامن عشر والتاسع ع�ش��ر .ول��ذل��ك ان �ص��رف ع �ش� ٌ �رات م��ن ه ��ؤالء الص�ط�ن��اع ق ��راءات تنويرية وتحريرية للقرآن والسنة ،والتيارات الفكرية والدينية
كان هناك انقالب مضاد ،حيث تحرك الشاه وفقا لصالحياته الدستورية بالتوقيع على قرار إقالة مصدق .ولكن لم يقبل الرجل بذلك واعتقل الرسول وجميع املتورطني الذين استطاع الوصول إليهم .علينا اآلن أن نلقي نظرة جديدة تماما على املوقف اإليراني وربما علينا أن نتقرب إلى مصدق إذا كنا نريد أن ننقذ أي شيء هناك» .اشترك البيت األبيض وقيادة االستخبارات األميركية والسفارة األميركية في طهران في االعتراف بأن الخطة فشلت ،وأنه حان وقت تجاوز ذلك .يبدو أن بعض عمالء «سي آي إيه» في طهران اعتقدوا أنه ما زالت هناك فرصة إلنجاح زاهدي ،إذا أثبت ذاته .ربما أيضا احتفظ هؤالء العمالء ببعض الصلة مع زاهدي :ليس من الواضح ما إذا كانوا قد فعلوا أم ال .ولكن الواضح أنه في تلك املرحلة ،كانت محاولة إنقاذ االنقالب بمبادرة إيرانية تماما.
شخصية مأساوية في أعقاب فشل االنقالب ،سادت الفوضى في طهران وتحولت الحظوظ السياسية سريعا. شعر حزب توده أن وقته قد حان أخيرا ،فانطلق أنصاره في الشوارع يلوحون بأعالم حمراء ويدمرون رموز امللكية .وانضم األعضاء املتطرفون في الجبهة الوطنية مثل وزير الخارجية حسني فاطمي إلى جموع الغاضبني املنددين بحكم الشاه .حتى أن افتتاحية صحيفة «بختار امروز» التي يسيطر عليها فاطمي خرجت تنتقد الديوان امللكي وتصفه بـ«املكان الداعر القذر «عطش لالنتقام الفاسد»؛ وحذرت افتتاحية أخرى في الصحيفة ذاتها الشاه من أن الشعب ِ ويرغب في رؤيته على املشانق» .أزعج مثل هذا الكالم ضباط الجيش ورجال الدين وأغضب كثيرا من اإليرانيني العاديني الذين كانوا ما زالوا يحترمون امللكية .بل ولم يدع مصدق إلى تشويه صورة امللكية .وعلى الرغم من محاوالت توسعة سلطاته على حساب الشاه ،ظل مصدق مخلصا ملوقفه من امللكية الدستورية .وكان من الشاه أن أصدر بيانا من املنفى أعلن فيه أنه لم يتخل عن العرش ،وأكد على عدم دستورية تمسك مصدق بالسلطة .في الوقت ذاته، استمر زاهدي ومشاركوه في املؤامرة في مقاومتهم .وتواصل زاهدي مع وحدات مسلحة للجيش في العاصمة واألقاليم ظلت مخلصة للشاه وأخبر قادتها أن يستعدوا للتعبئة .وسعى زاهدي أيضا إلى نشر قرار الشاه بإقالة مصدق وتعيني زاهدي رئيسا للوزراء على نطاق واسع .وبدا أن عمالء «سي آي إيه» في طهران ساعدوا على نشر الرسالة عبر وسائل اإلعالم املحلي واألجنبي .كانت مساعي نشر قرار الشاه وصمت مصدق املدروس مفيدة .وصفت روايات عديدة لالنقالب ،من بينها رواية روزفلت ،أن الشاه لم يكن يحظى بشعبية وأنه حاكم غير شرعي احتفظ بالعرش فقط بدعم سري من األجانب .ولكن إذا كان هذا هو الوضع، لم يكن زاهدي وحلفاؤه سيجتهدون من أجل نشر قرار الشاه .تشير حقيقة ما فعلوه إلى أن الشاه ظل يتمتع بقدر كبير من التأييد الشعبي واملؤسسي ،على األقل في أعقاب انقالب مصدق املضاد؛ وفي الواقع أثارت أخبار مغادرة الشاه انتفاضات في جميع أنحاء البالد .لم تغير تلك املظاهرات من آراء ممثلي أميركا في إيران .وكما ذكر هندرسون في وقت الحق، فهو لم يأخذ االضطرابات في البداية على محمل الجد وأرسل برقية إلى وزارة الخارجية األميركية بأنها «على األرجح ذات أهمية ضئيلة» .بيد أن القوة الدافعة اكتسبت زخما وتدخل رجال الدين في النزاع ،حيث هاجم املاللي مصدق والجبهة الوطنية. وحث كاشاني وشخصيات دينية أخرى بارزة مؤيديهم على الخروج إلى الشوارع .وعلى النقيض من املظاهرات التي حدثت في مطلع الصيف ،لم تكن تلك املظاهرات صنيعة عمالء االستخبارات األميركية والبريطانية .وأرسل مسؤول في السفارة األميركية بعد أن تفاجأ تقريرا يشير فيه إلى أن الحشود «تحت قيادة مدنيني وليس عسكريني .وأن املشاركني ليسوا من نوع رجال العصابات الذين كانوا يمثلون األغلبية في املظاهرات األخيرة عادة في طهران. وبدا أيضا أنهم ينحدرون من جميع الطبقات من عمال وموظفي وتجار وطالب وغيرهم». وأشار تقييم «سي آي إيه» أن «هروب الشاه أوضح للجماهير كثيرا إلى أي مدى ذهب مصدق، ودفعت بهم إلى أن يكونوا قوة غاضبة مؤيدة للشاه». كان مصدق عازما على وقف املوجة الصورية وأمر الجيش باستعادة األمن .ولكن بدال من ذلك انضم كثير من الجنود إلى املظاهرات ،وأصبح الهتاف« :يحيا الشاه!» يتردد في كافة أنحاء العاصمة .وفي 19أغسطس (آب) ،اتصل رئيس األركان الجنرال تقي رياحي ،الذي ظل مخلصا ملصدق حتى ذلك الحني ،هاتفيا برئيس الوزراء لالعتراف بأنه فقد السيطرة على كثير من قواته وعن العاصمة .وقامت وحدات الحراسة امللكية بالسيطرة على محطة إذاعة طهران الرئيسة والعديد من وزارات الحكومة .وبعد أن وجد مصدق أن خياراته تقل ،ذهب لالختباء في منزل أحد جيرانه .ولكن شخص رئيس الوزراء ينتمي ملؤسسة وال يمكنه البقاء مختبئا لفترة طويلة ،لذلك كشف عن مكانه سريعا.
وبعد عدة أشهر ،تمت إدانة مصدق بالخيانة ،وكانت عقوبتها اإلعدام .ولكن نظرا لسنه، وخدمته التي امتدت طويال في البالد ،ودوره في تأميم صناعة النفط ،خففت العقوبة إلى السجن ثالث سنوات .وفعليا كان عليه أن يمضي سجنا مدى الحياة ،حيث قضى 14عاما من حياته حبيسا في القرية التي ولد بها .كان مصدق سياسيا ذا مبادئ وحمل توقيرا عميقا للمؤسسات اإليرانية والنظام الدستوري ،وأمضى حياته العامة كلها مدافعا عن سيادة القانون والفصل بني السلطات .ولكن ضغوط الحكم أثناء األزمة أبرزت جوانب تثير القلق في شخصيته .لقد أعمته حاجته إلى تعزيز شعبيته عن التسويات التي كانت ستحل النزاع حول النفط مع اململكة املتحدة ،وبذلك حماية االقتصاد اإليراني .وكان األسوأ من ذلك أنه في عام ،1953تحول مصدق ،البرملاني الدستوري وبطل اإلصالح الديمقراطي إلى زعيم شعوبي ديماغوغيّ : يزور االستفتاءات ويمارس التخويف ضد خصومه ويحل البرملان ويطالب بسلطات خاصة .أصابت املعلومات السائدة في أمرين :أن مصدق كان بالفعل شخصية مأساوية ،وضحية .ولكن كانت مأساته في أنه لم يتمكن من الخروج من األزمة التي يتحمل بنفسه مسؤولية إثارتها .وقبل أن يكون ضحية ألي شخص آخر ،كان مصدق ضحية نفسه.
خرافة البصمات األميركية منذ عام ،1953وخاصة منذ أن أطاحت الثورة اإلسالمية في عام 1979بالشاه ،جرى التشويش على حقيقة االنقالب من خالل روايات تخدم أهداف ذاتية ،من تأليف أميركيني وإيرانيني على حد سواء .بذلت الجمهورية اإلسالمية جهدا كبيرا لنشر فكرة أن االنقالب واملؤامرة التي استهدفت مصدق أظهرت عداء أميركيا عنيدا تجاه إيران .ومما ساعد الثوار الدينيني في هذا التشويه الروايات األميركية التي بالغت كثيرا في حجم الدور األميركي بمصدق بعيدا عن السلطة .ومن أبرز تلك الروايات النسخة التي رواها روزفلت الذي دفع ّ في كتابه وعظم فيها من دوره وصدر عام 1979تحت عنوان« :انقالب مضاد :الصراع من أجل السيطرة على إيران» .ووفق روايته، ذهب روزفلت إلى طهران ومعه عدة حقائب تمتلئ بالنقود واستغل اإليرانيني الجاهلني بسهولة من أجل تنفيذ مخططات واشنطن.
بد�أت النخب املثقفة يف �إيران ال�شعور بالغ�ضب جتاه اال�ستبداد املتزايد من رئي�س الوزراء
على النقيض من رواية روزفلت ،يكشف فيلم وثائقي أن إدارة أيزنهاور لم تكن مسيطرة على األمر بل إنها في الواقع فوجئت بمسار األحداث .وفي عشية انتصار الشاه ،ذكر هندرسون في برقية إلى واشنطن أن السبب الحقيقي لنجاح معظم القوات املسلحة وأعدادا كبيرة من املدنيني اإليرانيني يخلصون االنقالب هو «أن ُ بالفطرة للشاه الذين لقنوا االعتقاد بأنه رمز للوحدة الوطنية واستقرار البالد» .وفي الوقت الذي كانت فيه إيران تمر بصراع داخلي هائل ،بدا أن «سي آي إيه» على دراية بأن مخططاتها أثبتت عدم أهميتها نسبيا .وفي 21أغسطس (آب) ،أرسل تشارلز كابل ،القائم بأعمال مدير الوكالة تقريرا إلى أيزنهاور بـ«خروج موجة قوية غير متوقعة من ردود األفعال الشعبية والعسكرية على حكومة رئيس الوزراء مصدق ،وفقا ألحدث البرقيات الواردة من طهران، في احتالل افتراضي للعاصمة من قبل القوات التي أعلنت والءها للشاه ورئيس وزرائه املعني زاهدي». باإلضافة إلى املبالغة في تقدير الدور األميركي والبريطاني في التخطيط إلسقاط مصدق وإعادة الشاه ،تتجاهل رواية االنقالب التقليدية حقيقة أن الشاه كان ما زال يتمتع بشعبيته في مطلع الخمسينات .فلم يكن أصيب بجنون العظمة الذي حل به في السبعينات ،ولكنه كان ما زال ملكا شابا مترددا يرجع إلى رجال الدولة األكبر سنا في إيران وكبار آيات الله ويحترم حدود سلطاته .ولكن ظلت النسخة األسطورية التي تروي أحداث عام 1953هي السائدة ،إلى حد ما ألنها منذ قيام الثورة اإلسالمية جعلت الواليات املتحدة شريرة ،وذلك يخدم مصالح قادة إيران.السبب الثاني الستمرار تلك الخرافة هو أنه في أعقاب األزمة في فيتنام وتحقيقات الكونغرس في منتصف السبعينات ،والتي كشفت عن تورط «سي آي إيه» في عمليات سرية إلحداث انقالبات في الخارج ،بدأ كثير من األميركيني يشككون في نزاهة مؤسساتهم ودوافع حكومتهم؛ وبدا من الصعب عدم االفتراض بأن االستخبارات األميركية كانت القوة الرئيسة التي تقف وراء االنقالب في إيران
فورن أفيرز /تموز /يوليو 55 - 2014
صحافة عالمية
املحتجون نهب مقر إقامة مصدق .فألغى الشاه رحلته استشعارا للمزاج العام .تتسم هذه القصة بأهمية خاصة ،ألنها وضحت عمق املعارضة اإليرانية األصيلة ملصدق؛ ال يوجد أي دليل على أن «سي آي إيه» دبرت هذه االحتجاجات .ساعدت املظاهرات أيضا التحالف املناهض ملصدق بأن يزداد قوة .وفي الواقع ،قد يكون هذا االئتالف نفسه ،مع مزيد من الدعم املقدم من القوات املسلحة ،هو الذي أدى إلى اإلطاحة بمصدق بعد ستة شهور الحقة.
عنيفة في الشوارع .كانت وكالة االستخبارات املركزية األميركية تلقي نظرة خافتة على هؤالء العمالء البريطانيني ،معتقدة أنهم يتسمون «بكثير من املبالغة» .ولكن في شهر مايو (أيار) ،تبنت الوكالة الخطوط األساسية في خطة بريطانية تهدف إلى اإلطاحة بمصدق .كانت السفارة األميركية في طهران أيضا مشاركة :ففي إحدى البرقيات املرسلة إلى واشنطن ،أكد هندرسون على إدارة أيزنهاور أن «معظم السياسيني اإليرانيني املتحالفني مع الغرب سوف يرحبون بتدخل أميركي سري من شأنه أن يساعدهم على تحقيق طموحاتهم السياسية الفردية أو الجماعية».
أعطت أحداث فبراير (شباط) انطباعا إلحدى مؤسسات واشنطن املحبطة .قدمت «سي آي إيه» تقريرا إلى الرئيس األميركي دوايت أيزنهاور ،الذي ورث املعضلة اإليرانية عندما تولى مهام منصبه قبل شهر من ذلك الوقت ،تشير فيه إلى أن «مؤسسة امللك قد يكون لها دعما شعبيا أكثر مما كنا نتوقع» .وبعث وزير الخارجية جون فوستر داالس ببرقية إلى السفارة األميركية في طهران مفادها« :يبدو أن هناك مجموعة معارضة شجاعة نسبيا ومهمة داخل وخارج املجلس (البرملان اإليراني) .لنجمع قادة الجيش والعديد من املدنيني الذين ما زالوا موالني للشاه وسيتحركون إذا قدم لهم قيادة إيجابية ،أو أذعن فقط لخطوة تنصيب حكومة جديدة» بعد املظاهرات أصبح املجلس املكان الرئيس إلثارة املعارضة ضد مصدق .ومنذ تولي مصدق رئاسة الوزراء ،تسبب أسلوبه املستبد في صناعة القرار ،وعجزه عن إنهاء أزمة النفط ،وتضييق دائرة مقربيه لتقتصر على عدد قليل من املساعدين املوثوق بهم في إبعاد تدريجي للعديد من البرملانيني .وردا على ذلك ،قرر رئيس الوزراء التخلص من التهديد بحل املجلس .بيد أن ذلك تطلب تنفيذ خطوة مشكوك في صحتها القانونية :في 14يوليو (تموز)، استقال جميع نواب الجبهة الوطنية املوالني ملصدق في الوقت ذاته ،مما منع املجلس من اكتمال النصاب الضروري لكي يؤدي مهامه .ثم دعا مصدق إلى إجراء استفتاء وطني لتقرير مصير املجلس التشريعي الذي أصيب بالشلل .ولكن لم تكن تلك لفتة ديمقراطية تحمل نوايا طيبة؛ شاب االستفتاء حمالت مقاطعة ومخالفات في التصويت وعنف من الجماهير، ولم تكن النتائج مفاجئة :جرى إقرار اقتراح مصدق بحل البرملان بنسبة 99في املائة من املصوتني .وفاز مصدق في انتخاباته املزورة ،ولكن كلفته هذه الخطوة ما تبقى من شرعية متهاوية.
حملت الخطة األميركية البريطانية املشتركة للعمل السري اسما كوديا هو أجاكس .TPAJAXوظهر زاهدي كمحور هذه الخطة ،حيث رأى فيه األميركيون والبريطانيون أكبر خصوم مصدق .تضمنت هذه الخطة أن تشن االستخبارات األميركية والبريطانية حملة دعائية تهدف إلى إثارة الشكوك حول مصدق ،ودفعت أمواال لصحافيني لكتابة موضوعات تنتقد رئيس الوزراء وتتهمه بالفساد والجشع للسلطة ،بل واالنحدار من أصول يهودية – في محاولة فجة الستغالل مشاعر معاداة السامية ،التي اعتقدت االستخبارات الغربية خطأ أنها كانت منتشرة في إيران في ذلك الوقت .في الوقت ذاته ،تنظم شبكة من العمالء اإليرانيني الذين يعملون لصالح األميركيني والبريطانيني مظاهرات واحتجاجات وتشجع عصابات الشوارع والزعماء القبليني على استفزاز أتباعهم إلى ارتكاب أحداث عنف ضد مؤسسات الدولة .كان من املفترض أن تؤدي تلك األمور إلى إشعال الوضع غير املستقر بالفعل ،وبذلك تمهد الطريق أمام الشاه إلقالة مصدق .وفي الحقيقة كان الشاه هو الالعب املحوري في الخطة ،حيث إنه يحتفظ بوالء القوات املسلحة وكان الوحيد الذي يملك سلطة إقالة مصدق .ذكر امللحق العسكري األميركي في تقرير أرسله من طهران في ربيع عام « :1953إذا كان الشاه سيصدر قراره ،فعلى األرجح أن أكثر من 99في املائة من الضباط سوف يلتزمون بأوامره بارتياح آملني في الحفاظ على حالة االستقرار».
تكثيف املخطط
كان م�صدق �سيا�سيا ذا مبادئ وحمل توقريا عميقا للم�ؤ�س�سات الإيرانية والنظام الد�ستوري
خطة االستخبارات األميركية والبريطانية
في 11يوليو (تموز) ،وافق أيزنهاور على الخطة ،وبدأت وكالة االستخبارات األميركية واالستخبارات البريطانية في العمل .وجدت االستخبارات الغربية بالتأكيد تربة خصبة من أجل تنفيذ مخططاتها ،حيث كانت االضطرابات تجتاح إيران مما عرض موقف مصدق للخطر .وبدا أن كل ما تبقى هو أن يقوم الشاه رسميا بإقالة رئيس الوزراء .ولكن كان تجنيد في الوقت ذاته ،بدا مصدق عازما على فعل ملك إيران أكثر صعوبة مما توقع األميركيون والبريطانيون في البداية .بدا ظاهريا أن الشاه كل شيء في وسعه لتأكيد أسوأ املخاوف التي متقبل للخطة ،حيث كان يشك في رئيس وزرائه بل ويحتقره .ولكن كان من الواضح أيضا أنه تنتاب واشنطن بشأنه .ظن رئيس الوزراء أنه متردد في فعل أي شيء قد يزيد من زعزعة استقرار بالده. يستطيع استغالل مخاوف أميركا بشأن إمكانية تعزيز النفوذ السوفياتي في إيران كان الشاه رجال مترددا بطبيعته ،ويطلب مزيدا من التأكيدات قبل الشروع في مسار للحصول على مساعدات أكبر من واشنطن .وفي أثناء أحد االجتماعات في يناير (كانون محفوف باملخاطر .استطاعت االستخبارات األميركية إقناع شقيقته التوأم ،األميرة أشرف الثاني) ،حذر مصدق لوي هندرسون ،السفير األميركي من أنه إذا لم تقدم له الواليات املتحدة من أجل الضغط عليه في هذا األمر .ومن بني من حثوا الشاه على التقدم الجنرال نورمان املساعدات املالية الكافية« ،سوف تكون هناك ثورة في إيران في غضون ثالثني يوما» .وهدد شواريسكوف الضابط في الجيش األميركي الذي ّدرب قوات الشرطة في إيران وتمتع بقدر مصدق أيضا ببيع النفط إلى دول الكتلة الشرقية ،والتقارب مع موسكو من أجل الحصول كبير من النفوذ في البالد؛ وكيرميت روزفلت مسؤول االستخبارات األميركية الذي ساعد على مساعدات إذا لم تستجب واشنطن .وصلت هذه التهديدات واملناشدات إلى ذروتها في على وضع الخطة .وأخيرا في 13أغسطس (آب) ،وقع الشاه مرسوما ملكيا بإقالة مصدق يونيو (حزيران) ،عندما كتب مصدق إلى ُأيزنهاور مباشرة يطلب منه زيادة املساعدات وتعيني زاهدي رئيسا جديدا للوزراء .أراد زاهدي ومؤيدوه التأكد من تسلم مصدق للمرسوم االقتصادية األميركية ،مؤكدا على أنها إذا لم تقدم مباشرة «فربما تكون أي خطوات يجري شخصيا ،لذلك انتظروا ألكثر من يومني قبل أن يرسل الشاه حرسه امللكي لتسليم القرار اتخاذها غدا لتعويض إهمال اليوم متأخرة للغاية» .استغرق أيزنهاور شهرا تقريبا للرد ثم إلى مقر إقامة رئيس الوزراء في الوقت الذي كان زاهدي متأكدا من وجود مصدق به .ولكن أخبر رئيس الوزراء اإليراني في صرامة بأن الطريق الوحيد للخروج من ورطته هو تسوية في ذلك الوقت ،أخبر شخص ما مصدق باألمر .فرفض تسلم القرار ،وبدال من ذلك أمر قوات النزاع على النفط مع اململكة املتحدة. تأمينه بالقبض على الرجال الذين أرسلهم الشاه .اختبأ زاهدي ،وهرب الشاه خارج البالد، فخرج أوال إلى العراق ثم إلى إيطاليا .وبدا أن الخطة فشلت .وخرج مصدق ليعلن عبر موجات ولكن عند هذه املرحلة ،كانت واشنطن تدرس بالفعل خطة وضعها البريطانيون إلبعاد اإلذاعة أنه أبطل محاولة انقالب ،في حني أنه تجاهل ذكر إقالة الشاه له من منصبه .وفي مصدق .تعرفت وكالة االستخبارات البريطانية السرية (إم آي )6على شبكة من الشخصيات الحقيقة مصدق هو الذي لم يلتزم بالدستور اإليراني وليس الشاه أو من دعموه من الخارج. البارزة املعارضة ملصدق املستعدة للتحرك ضد رئيس الوزراء بدعم سري أميركي وبريطاني. كان من بينهم الجنرال فضل الله زاهدي ،الضابط الذي يرتبط بصالت مع شخصيات مهمة بعد ما ظهر فشل االنقالب ،سادت حالة من االستسالم في واشنطن ولندن .ووفقا ملراجعة والذي خدم في مجلس الوزراء برئاسة مصدق ولكنه ترك منصبه بعد أن خاب أمله في أسلوب داخلية أجرتها وكالة االستخبارات األميركية في عام ،1954بعد رفض مصدق تنفيذ قرار قيادة رئيس الوزراء وانغمس في املعارضة السياسية .وفي ظل تاريخ تدخلها في شؤون الشاه ،قررت وزارة الخارجية األميركية أنه «تمت املحاولة وفشلت» ،وكذلك كان املوقف إيران ،كانت الحكومة البريطانية تملك مجموعة من املصادر االستخباراتية ،من بينها أعضاء البريطاني الرسمي« :يجب أن نأسف على أننا ال نستطيع االستمرار في املعركة» .وتولى في البرملان وصحافيون ،قامت برعايتهم وإعدادهم .كما استطاعت لندن االعتماد على عدد الجنرال والترب يدل سميث ،رئيس موظفي البيت األبيض وكاتم أسرار أيزنهاور مهمة ال من تجار البازار املؤثرين الذين بدورهم حشدوا رجال عصابات يمكنهم إثارة احتجاجات يحسد عليها بإبالغ الرئيس .في مذكرة إلى أيزنهاور ،كتب سميث« :فشلت الخطوة ..فعليا فورن أفيرز /تموز /يوليو 54 - 2014
في تقاربها مع الدولة اإلسالمية ،جعلت الواليات املتحدة من ذاتها مخطئة تسعى إلى التكفير عن ذنوبها السابقة .سمح هذا للنظام الديني اإليراني ،الذي أساءت استغالل التاريخ بآالف الطرق ،بسمو موقفه األخالقي ،مما أعطاه ميزة غير مستحقة يتفوق بها على واشنطن والغرب ،حتى في املواقف التي ال عالقة لها بانقالب عام .1953ومنها تلك املواقف التي يظل سلوك إيران هو السبب الوحيد إلثارة النزاع ،على سبيل املثال ،املفاوضات التي تجرى حول البرنامج النووي اإليراني .كل هذا يجعل الوصول إلى فهم أفضل وأكثر دقة للدور األميركي الحقيقي في ماضي إيران ذا أهمية كبيرة .إنه أبعد من مجرد تصحيح كتب التاريخ .سوف يساعد فهم األمور بشكل صحيح الواليات املتحدة في وضع طريقة أقل انهزاما للذات في تعاملها مع الجمهورية اإلسالمية وسوف يشجع اإليرانيني – خاصة نخبة رجال الدين داخل البالد – على استحقاق ملكية ماضيهم.
وسطاء أمناء في السنوات التي أعقبت الحرب العاملية الثانية ،كان الدمار قد لحق بإيران ،وكانت تحاول التعافي من الفقر واملجاعة التي خلفتها الحرب .وكانت أيضا دولة غنية؛ حيث كان احتياطي نفطها الوافر يشغل محركات اإلمبراطورية البريطانية .لكن لم تكن الحكومة اإليرانية تتحكم في هذا النفط؛ كانت شركة النفط األنجلو -إيرانية هي التي تسيطر على النفط ،وكان املساهم األكبر هو الحكومة البريطانية .في بداية الخمسينات ،عندما اجتاحت النزعة القومية الجازمة العالم النامي ،بدأ كثير من اإليرانيني في رؤية أن هذه الترتيبات التي ترجع إلى فترة االستعمار ظاملة وأمر من عصر بائد لم يعد مالئما .كانت هناك رغبة قوية في استعادة السيطرة على املوارد الوطنية اإليرانية إلى درجة التوحيد بني صفوف اإلصالحيني الليبراليني في البالد، ونخبة املثقفني ،وعناصر من مؤسستها الدينية ،واملهنيني من أبناء الطبقة املتوسطة داخل حركة سياسية متماسكة. وكان في منتصف هذه الحركة مصدق ،املحامي الذي انحدر من الطبقة العليا وانخرط في السياسة اإليرانية منذ سن مبكرة ،وقد عمل في وزارات عديدة وأصبح عضوا في البرملان. مع اقتراب نهاية الحرب العاملية الثانية ،ظهر مصدق مرة أخرى على الساحة السياسية كبطل مناهض لالستعمار ومدافع عن القومية ونجح في أن يجمع بني العديد من العناصر املختلفة في حزبه السياسي الجبهة الوطنية .لم يكن مصدق ثوريا ،بل كان يحترم تقاليد طبقته االجتماعية ودعم فكرة امللكية الدستورية .لكنه أيضا سعى إلى أن تكون إيران أكثر ديمقراطية وأكثر حداثة ،باإلضافة إلى تأميم نفط إيران .ودعا حزبه إلى تحسني التعليم العام، وحرية الصحافة ،وإجراء إصالحات قضائية ،وتشكيل حكومة تمثل كل األطياف .في أبريل (نيسان) عام ،1951صوت البرملان على تعيني مصدق رئيسا للوزراء .وفي خطوة ذكية، أصر مصدق أنه لن يتولى مهام منصبه إال إذا وافق البرملان أيضا على اقتراح قدمه يتعلق بتأميم صناعة النفط اإليرانية .وحصل مصدق على هذا االقتراح في تصويت باإلجماع، واستسلم الشاه بسهولة ملطالب البرملان .حينها دخلت إيران أزمة جديدة وخطيرة جدا. رأت اململكة املتحدة ،اإلمبراطورية املتهاوية التي تصارع من أجل التكيف مع انحسار نفوذها ،في شركة النفط األنجلو -إيرانية مصدرا مهما للطاقة والربح وكذلك رمزا للمكانة االستعمارية املحدودة التي نجحت الدولة في التمسك بها مع نهاية الحرب العاملية الثانية. لذلك كان رد فعل لندن على التأميم غاضبا .وطالبت الشركات األوروبية التي تعمل في إيران باالنسحاب أو مواجهة العقوبة ،وبدأت البحرية البريطانية التي ما زالت تتمتع بقوتها في اعتراض السفن التي تحمل النفط اإليراني على أساس أنها كانت تنقل شحنة مسروقة. تمكنت هذه التحركات -إلى جانب حقيقة أن شركات النفط الغربية العمالقة ،والتي كانت تقف إلى جانب لندن ،تمتلك ما يقرب من جميع الناقالت املوجودة آنذاك -من فرض حصار محكم على صادرات إيران النفطية. قبل نهاية عام .1952أجبرت مصفاة عبادان اإليرانية ،األكبر في العالم في ذلك الوقت ،على التوقف .منذ بداية أزمة التأميم ،سعى الرئيس األميركي هاري ترومان إلى تسوية املنازعات. ولم تنجح العالقات الوثيقة بني الواليات املتحدة واململكة املتحدة في أن تقف واشنطن بجانب حليفتها .وأبدى ترومان بالفعل احتراما لحكم إيران الذاتي واملصالح الوطنية .في عام ،1946 سعى رئيس الوزراء السوفياتي جوزيف ستالني إلى االستيالء على محافظات شمال إيران من خالل رفضه سحب القوات السوفياتية التي جرى نشرها هناك خالل الحرب .اعترض ترومان ،وأصر على الحفاظ على وحدة أراضي إيران حتى لو كان ذلك يعني تمزيق تحالف الواليات املتحدة املتوتر بالفعل مع السوفيات؛ وتراجع ستالني .كذلك عندما وصل األمر إلى
الصراع على السيطرة على النفط اإليراني ،لعب األميركيون دور الوسيط النزيه؛ حيث أرسل ترومان عددا من املبعوثني إلى طهران الذين حثوا البريطانيني على االعتراف بشرعية التأميم التي وافق عليها البرملان في حني ضغطوا أيضا على اإليرانيني لتقديم تعويض عادل لألصول البريطانية التي تمت مصادرتها. في الوقت ذاته ،واصلت واشنطن تقديم املساعدات االقتصادية إليران ،كما كانت تفعل منذ أن بدأت الحرب ،وهي املساعدات التي كانت تخفف آالم حصار النفط البريطاني .ونصح األميركيون البريطانيني بالعدول عن استخدام القوة العسكرية إلجبار إيران على اإلذعان، وأيضا رفضوا الدعوات البريطانية للقيام بعملية سرية مشتركة لإلطاحة بمصدق .لكن وساطة ترومان لم تكن كافية ،بسبب تعنت مصدق أكثر من كونها بسبب أخطاء أميركية. رأى مصدق ،فيما يبدو ،الثمن االقتصادي مرتفعا للغاية إلى درجة ال تحفظ استقاللية إيران وكرامتها الوطنية .وبعد فترة متوقعة ،رفض مصدق وحلفاؤه جميع االقتراحات األميركية التي تحافظ على أي نوع من املشاركة البريطانية في قطاع النفط اإليراني .واتضح أن تحديد مصالح النفط اإليرانية في شروط وجودية َّكبل رئيس الوزراء :كانت أي تسوية بمثابة تنازل عن سيادة الوطن.
ألوان طبيعية بحلول عام ،1952وضع الصراع االقتصاد اإليراني على حافة االنهيار .وفشلت طهران في إيجاد طرق إلخراج نفطها بااللتفاف على الحصار البريطانيُ ، وحرمت من املصدر الرئيس إليراداتها ،وكانت تعاني من تزايد عجز ميزانية ووجدت صعوبة في تسديد رواتب املوظفني. وبدأت واشنطن تخشى من أن مصدق في مواجهته مع البريطانيني ،قد سمح بتدهور االقتصاد إلى درجة أن استمراره في الحكم سوف يمهد الطريق لحزب توده ،الحزب الشيوعي اإليراني ،لكي يتحداه ويستولي على السلطة. وبالفعل ،مع استمرار النزاع ،واجه مصدق معارضة متزايدة داخل البالد .كانت قضية التأميم تحظى بشعبية ،ولكن كان الجمهور يزداد قلقا بسبب تعنت رئيس الوزراء ورفضه لقبول اتفاقيات عديدة تحمل حلوال وسطا. تعامل رئيس الوزراء مع االنتقادات بتوسيع نطاق سلطاته من خالل وسائل مشكوك فيها دستوريا ،مطالبا بسلطات خاصة من البرملان وساعيا إلى تولي مسؤولية القوات املسلحة ووزارة الحرب ،اللتني كانتا تحت سيطرة الشاه .وحتى قبل أن تدبر االستخبارات الغربية مؤامراتها ،تسبب سلوك بالفعل في إبعاد شركاء االئتالف الخاص به .وبدأت النخب املثقفة والنقابات املهنية في إيران في الشعور بالغضب بسبب االستبداد املتزايد من رئيس الوزراء .وبدأت الطبقات الوسطى التي تدعم مصدق ،التي شعرت باالنزعاج بسبب استمرار تراجع االقتصاد ،في البحث عن بديل وجنحت نحو املعارضة امللكية ،كما فعل الضباط ،الذين عانوا من عمليات تطهير عديدة.
حاول حكام �إيران الدينيون حجب احلقيقة غري املالئمة ب�أن املاليل وقفوا �إىل جانب ال�شاه
ومن جانبهم ،بدأ مؤيدو مصدق من رجال الدين ،الذين وافقوا على حملة التأميم والذين شجعوا الشاه على معارضة مخططات اململكة املتحدة اإلمبريالية ،في إعادة النظر .لم يكن رجال الدين مرتاحني مطلقا لولع مصدق بالحداثة وبدأوا يفقدون االحترام الذي كانوا يتلقونه من الشاه املحافظ .بعد مشاهدة انهيار االقتصاد اإليراني والشعور بالخوف ،مثل واشنطن، من أن تؤدي األزمة إلى استيالء الشيوعيني على الحكم ،بدأ القادة الدينيون مثل آية الله أبو القاسم كاشاني في تحويل والئهم( .منذ قيام الثورة اإلسالمية عام ،1979حاول حكام إيران الدينيون حجب الحقيقة غير املالئمة أن املاللي ،عند منعطف حاسم ،وقفوا إلى جانب الشاه). وصلت األزمة أخيرا إلى ذروتها في فبراير (شباط) ،1953عندما أعلنت املحكمة امللكية ،التي ضاقت ذرعا بمحاوالت مصدق لتقويض النظام امللكي ،فجأة أن الشاه ينوي مغادرة البالد ألسباب طبية لم يحددها ،علما بأن الرأي العام سوف يفسر هذه الخطوة كإشارة على شعور الشاه بعدم الرضا عن مصدق .أفلحت املناورة ،وتسبب خبر رحيل الشاه املزمع في مواجهة خطيرة بني مصدق والقائمة املتزايدة من املنتقدين. انضم كاشاني إلى ضباط الجيش الساخطني والسياسيني الذين جرى تطهيرهم وناشدوا الشاه علنا بالبقاء .اجتاحت االحتجاجات طهران والعديد من املدن اإلقليمية ،بل وحاول
فورن أفيرز /تموز /يوليو 53 - 2014
صحافة عالمية
وكالة االستخبارات األميركية (سي آي إيه) ..اإلطاحة بمصدق ..عودة الشاه
حقيقة ما حدث يف إيران
صورة من األرشيف لرئيس الوزراء اإليراني محمد مصدق يغادر الطائرة
بقلم :راي تقية *
في عام ،2009أثناء الخطاب املهم الذي ألقاه الرئيس األميركي باراك أوباما في القاهرة حول العالقات األميركية مع العالم اإلسالمي ،أشار بشكل عابر إلى أنه «في منتصف الحرب الباردة ،لعبت الواليات املتحدة دورا في اإلطاحة بالحكومة اإليرانية املنتخبة ديمقراطيا» .كان أوباما يشير إلى انقالب 1953الذي أطاح رئيس الوزراء اإليراني محمد مصدق ودعم حكم الشاه محمد رضا بهلوي .استمر أوباما في تذكير الجمهور أن إيران بدورها ارتكبت أيضا جرائم ضد األميركيني .لكنه أشار بوضوح إلى دور واشنطن في االنقالب كاعتراف علني بأن الواليات املتحدة يقع عليها بعض من اللوم في الصراع املستعر منذ فترة طويلة مع الجمهورية اإلسالمية. * زميل دراسات الشرق األوسط في مجلس العالقات الخارجية
لكن توجد مفارقة كبيرة في اعتراف أوباما .فربما يكون تاريخ الدور الذي أدته الواليات املتحدة األميركية في انقالب « 1953معروفا» ،كما أعلنه الرئيس في خطابه ،لكنه لم يقم على أسس سليمة .بل على العكس ،قام هذا الدور بشكل كبير على خرافتني متصلتني :كانت مؤامرات وكالة االستخبارات املركزية (سي آي إيه) أهم العوامل التي أدت إلى اإلطاحة بمصدق وأفسد تدخل الواليات املتحدة وبريطانيا بشكل أساسي الفاصل الديمقراطي القصير في إيران .على مدى عقود ،دعم املؤرخون والصحافيون والنقاد هاتني الخرافتني ،وأدخلوهما في الخطاب السياسي بل وأيضا الثقافة الشعبية :أحدثها فيلم «أرغو» في هوليوود الذي حصل على جائزة األوسكار لعام 2013ألفصل تصوير .يشير الفيلم إلى أن الثورة اإلسالمية
اإليرانية التي اندلعت عام 1979كانت ردا متأخرا على ظلم ارتكبته الواليات املتحدة قبل ربع قرن .يروج لهذه الرواية لألحداث أيضا قادة الدولة الدينية ،الذين استغلوها في تأجيج العداء ضد أميركا وإخفاء حقيقة أن رجال الدين أنفسهم قاموا بدور كبير في اإلطاحة بمصدق .في الحقيقة ،لم يكن تأثير وكالة «سي آي إيه» على أحداث 1953كبيرا في النهاية .وبغض النظر عن أي شيء فعلته الواليات املتحدة أو لم تفعله ،كان على مصدق أن يسقط ويحتفظ الشاه بعرشه ويوسع سلطاته .لكن أصبحت قصة اللوم األميركية راسخة حتى أصبحت تشكل جزءا من استيعاب عدد كبير من األميركيني لتاريخ العالقات األميركية اإليرانية وتؤثر في طريقة تفكير القادة األميركيني بشأن إيران.
فورن أفيرز /تموز /يوليو 52 - 2014
وتسعى الواليات املتحدة وإيران إلى الزج باألكراد في الصراع ،من خالل الزج بحكومة إقليم كردستان وقوات البشمركة املاهرة (والجاهزة) خاصة وأن الجيش الوحيد الذي لم يمس في العراق يتمركز بالساحة الكردية .و خالل لقاء في طهران ،بني رئيس الوزراء الكردستاني نيجيرفان بارزاني ،وعلي شمخاني ،األمني العام للمجلس األعلى لألمن القومي اإليراني ،طلب املسؤولون اإليرانيون ،بحسب تقارير ،من األكراد االشتراك في القتال ضد «داعش» .ويبدو أن املسؤولني األميركيني يأملون أيضا في أن يتدخل األكراد؛ إذ إنه إذا كانت واشنطن ترغب في قمع «داعش» ،تصبح البشمركة هي رهانها األفضل. لكن هل ستحقق الواليات املتحدة وإيران ما تسعيان إليه؟ البعض يظن ذلك؛ إذ يعتقد عدد من املديرين التنفيذيني لشركات النفط واملحللني املخضرمني في الشؤون العراقية أن األكراد يمكن أن تحركهم عائدات النفط ،وضمانات تدفق اإليرادات فقط .فقد كانت حكومة إقليم كردستان قد ضخت نحو ثالثة ماليني برميل من النفط إلى جيهان التركية ،ولكنها واجهت صعوبة في بيع منتجها في السوق العاملية لعدة أسباب من بينها تدخل بغداد .ويعتقد البعض أنه إذا توقفت املقاومة التي يواجهها األكراد فيما يتعلق بمبيعات النفط ،فسوف يصبحون أكثر ميال لدعم الواليات املتحدة وإيران ضد «داعش». وهناك أسباب وجيهة لكي تعمل حكومة إقليم كردستان على دحر «داعش»؛ ففي املاضي، استهدف مجاهدون سنة حكومة إقليم كردستان ،وقبل أسبوع واحد من سيطرة «داعش» على املوصل ،شنوا هجوما على مكتب االتحاد الوطني الكردستاني في ديالى ،مما أسفر عن مصرع 18شخصا .كما أن هناك صعوبة في التنبؤ بأفعال «داعش» وهو ما يمكن أن يجعلها تشكل في املستقبل القريب مخاطر أمنية بالنسبة للمنطقة التركية .وبالنسبة للحكومة الكردية التي اشتهرت بقدرتها على توفير األمن ،سيمثل هجوم «داعش» ضربة هائلة .عالوة على ذلك ،فعلى الرغم من أن «داعش» تركز اهتمامها على بغداد في الوقت الراهن ،يمكن أن يندلع صراع عسكري مع األكراد في عدة أماكن؛ حيث إن «داعش» تخوض معارك متقطعة مع البشمركة شمال ديالى التي يرغب األكراد في بسط سيطرتهم عليها بسبب قربها من مدينة خانقني ذات األغلبية الكردية .وفي كركوك أيضا ،يبدو الخط الفاصل بني البشمركة و«داعش» مطروقا على نحو خطر؛ حيث يسيطر األكراد على معظم أنحاء املحافظة ،بينما يسيطر املتمردون السنة على األجزاء الجنوبية ،بما في ذلك الحويجة ،حيث وقعت أعمال عنف دامية بني متظاهرين سنة والحكومة العراقية ،العام املاضي .وبحسب مصدر كردي ،تشاطر املنطقة حاليا ألف كيلومتر ( 620ميال) من حدودها ،مع املتمردين. لكن هؤالء الذين يتوقعون حماسة كردية للقتال سيخيب أملهم على األرجح؛ نظرا ألنهم أساءوا تقدير املوقف الكردي الراهن ،وكذلك أثر الجرح املمتد منذ عدة عقود ماضية ،حينما منح األكراد دعمهم للغرب ولم يحصلوا على شيء في املقابل .ففي الواقع ،رسم األكراد خطوط املعركة شمال املوصل ،عبر جنوب محافظة كركوك ،وحتى شمال محافظة ديالى، وطاملا احترمت «داعش» ذلك الخط ،فإن األكراد ،الذين يعتمدون على سمعتهم كمركز يتمتع باالستقرار وجاذب للقطاع الخاص في منطقة محفوفة بالصراعات الطائفية ،لن يكون لديهم أسباب كافية الستدعاء الحرب .على أية حال ،قضى األكراد عقدا من الزمان لتنمية هذه السمعة ،وأسس االتحاد الوطني الكردستاني جيشا قويا بدعم شعبي ،وأدارت الحكومة ببراعة عالقتها مع تركيا وإيران .وبينما عاش العراقيون في أنحاء البالد في صراع دائم، شهدت العاصمة الكردية حالة من البناء املستمر .ويعتمد استمرار هذا النجاح ،الذي بني إلى حد بعيد على الثروة النفطية ،أساسا على الحفاظ على األمن. ومن جهة أخرى ،يمثل التاريخ إشكالية أيضا ،فإذا ما ذكرت ببساطة عام 1975أمام أي كردي ،سوف تسمع عن «خيانة» وزير الخارجية األميركي هنري كسينجر ،واتفاق الجزائر، الذي أنهى مؤقتا الصراع العراقي اإليراني؛ وترك أكراد العراق ،الذين دعموا شاه إيران ،يعانون على أيدي البعثيني .فقد اكتوت الذاكرة الجمعية لألكراد بهذه الخيانة التي بقيت شاهدة على مخاطر أن تترك أمرك تحت رحمة القوى الراسخة. وبالنسبة لألكراد ليس عام 1975هو املشكلة الوحيدة؛ ففي األيام األولى لحرب العراق حاربت القوات الخاصة األميركية جنبا إلى جنب مع البشمركة الكردية ،ضد تمرد أنصار اإلسالم. واعتقد األكراد أنهم أثبتوا أنفسهم كحلفاء أقوياء للواليات املتحدة ،لكن حينها سعى بول بريمر ،رئيس الحكومة املؤقتة للتحالف في العراق ،إلى نزع سالحهم .وعقب اجتياح كركوك عام ،2003اضطر األكراد إلى التراجع تحت وطأة الضغط األميركي ،وهي اللحظة التي أسف عليها قادة التحالف الوطني الكردستاني لسنوات طويلة حتى تمكنوا من استعادة املدينة
األسبوع املاضي .باإلضافة إلى ذلك ،أربك قرار إدارة أوباما بانسحاب القوات من العراق القادة األكراد وتركهم دون مبرر لخوض املعركة نيابة عن الواليات املتحدة. على أية حال ،ليست الواليات املتحدة هي الالعب الوحيد الذي يثير ريبة األكراد ،فهم غير متحمسني أيضا للجيش العراقي ،الذي ربما يكون عليهم التنسيق معه أيضا .ففي مدينة الغوالء أطلقت املدفعية العراقية مؤخرا نيرانها على القوات الكردية بدال من متمردي «داعش»، وقتلت ستة من البشمركة مما زاد مرارة املواطنني األكراد وأجج االستياء من الجيش العراقي. ومع ذلك ،تظل القوات الكردية هي أفضل أمل أمام الراغبني في وقف «داعش» في العراق ومن املرجح أن تعمل إدارة أوباما على إقناعهم باملشاركة في الهجوم ،أو على األقل توفير دعم لوجستي واستخباراتي ملموس للجيش العراقي .وهناك عدة أشياء على إدارة أوباما أن تقوم بها إذا ما كانت ترغب في مشاركة كردية .أوال عليها أن تكف عن أي حديث عن دعم رئيس الوزراء العراقي نوري املالكي؛ الدموي مثير املشاكل الذي تدعمه إيران إلى أقصى درجة؛ حيث إن اإلشارات األميركية املستمرة بشأن دعمه ،لن تؤدي إال إلى حشد املعارضة السنية ،وهو ما يمكن أن ينعكس على االتحاد الوطني الكردستاني .بدال من ذلك ،يجب على واشنطن (وطهران) أن تصر على أن يضع املالكي حدا للخطاب التحريضي ألعضاء حزبه ووسائل اإلعالم الرسمية .فهذا الخطاب الذي يلمح ملؤامرة كردية – داعشية على وجه الخصوص ينفر سريعا الرأي العام الكردي. ثانيا :يجب على الواليات املتحدة أن تقدم شيئا ملموسا لألكراد اآلن ،وهو ما يمكن أن يتضمن مثال تيسير طرق بيع النفط الكردي ،فقد أرسل االتحاد الوطني الكردستاني ناقالت النفط مرارا إلى املياه الدولية بحثا عن مشترين ولكنها كانت تعود خاوية الوفاض .كما يجب على الواليات املتحدة أن تتخلى بهدوء عن اعتراضاتها على مبيعات النفط الكردية املستقلة ،وتعمل على تسهيل العثور على مشترين ،وتدعم وجود تدفق مستقل للعائدات لحكومة إقليم كردستان .ثالثا :على الواليات املتحدة تسليح البشمركة؛ فقبل شهور فقط ،وافق الرئيس األميركي باراك أوباما على مد املالكي بشحنة أخرى من األسلحة األميركية املتطورة ،وها هم مقاتلو «داعش» يلوحون بالعديد من األسلحة أميركية الصنع ،فقد كانت هذه هي تكلفة دعم واشنطن الراسخ لقوات األمن العراقية .وإذا كان الغرب ينشد مساعدة كردية الستئصال «داعش» ،عليه أن يظهر التزاما مماثال عبر تسليح القوات الكردستانية ،مع تقديم الدعم عبر ضربات جوية عند الضرورة.
يجب �أن تلتزم وا�شنطن جتاه حكومة �إقليم كرد�ستان دعم مطالبها لفر�ض �سيطرتها على املناطق املتنازع عليها
وأخيرا :يجب أن تلتزم الواليات املتحدة تجاه حكومة إقليم كردستان بدعم مطالبها بفرض سيطرتها على املناطق املتنازع عليها والتي استعادتها األسبوع املاضي .وبالنسبة للواليات املتحدة سيكون من الحماقة أن تعد حكومة إقليم كردستان بكركوك ،وهو وعد يعرف األكراد أن الواليات املتحدة ال يمكنها الوفاء به .لكن الوعد بقبول ضمني باملطالب الكردية مسألة أخرى ،فهذه الطمأنة ،يجب أيضا ،أن تمرر بهدوء ،وفي صيغة أن حل الوضع النهائي لكركوك هو قضية عربية – كردية – تركمانستية .ما من أحد يمكنه أن يشك في أن حكومة إقليم كردستان لديها شكوك في مثل ذلك الوعد ،ومع ذلك ،يمكن لدعم أميركي جريء ،بطرق أخرى ،أن يقنع حكومة إقليم كردستان بإخالص الواليات املتحدة. إن ما يجعل كلفة املشاركة الكردية مرتفعة جدا اليوم هي القناعة الكردية ،وهي قناعة معقولة بأن الواليات املتحدة كانت شريكا غير موثوق الجانب .باإلضافة إلى أن األكراد يتمتعون بوضع مهيمن في العراق؛ حيث إنهم موحدون ومتفوقون عسكريا ولم يطالهم تأثير الصراعات العربية العنيفة ،وكون أن كل شيء قابل للتغير أمام عدو ،ال يمكن التنبؤ به كـ«داعش» ،أمر .والسعي للقتال أمر مختلف بالكلية .وإلقناع حكومة إقليم كردستان للقيام بهذه املهمة ،يجب على الواليات املتحدة أن تنخرط بفعالية في القضية الكردية ،وإلى أن يحدث ذلك ،ربما تنأى حكومة كردستان العراق بنفسها عن املعركة إال إذا وضعت مصالحها على املحك ،وال أحد يمكنه أن يلومها في هذه الحالة .وكما هو الحال في كثير من األحيان ،فإن التاريخ هو الذي يطرح أكبر العقبات أمام مكافحة «داعش»
فورن أفيرز /تموز /يوليو 51 - 2014
صحافة عالمية
كيف يجري الدفع بحكومة إقليم كردستان ملواجهة «داعش»؟
خالص األكراد
جندي من البيشمركة الكردية (رويترز)
بقلم :دوف فريدمان ـ كيل صالح *
يحتل تنظيم «الدولة اإلسالمية في العراق والشام» (داعش) في الوقت الراهن مساحة بحجم األردن ،تمتد من تخوم حلب إلى ضواحي بغداد ،مما يجعلها تمثل ،من هذا املوقع الجديد ،تهديدا خطيرا للمصالح األمنية اإلقليمية وكذلك للواليات املتحدة .وإلى اآلن ،ال يملك الساعون إلى إيقافه سوى القليل من الخيارات؛ فقد تغلب تنظيم «داعش» بسهولة على قوات األمن العراقية التي يفوق عددها املجموعات الجهادية بنسبة مائة إلى واحد ،وتكرر األمر نفسه مع الحرس الثوري اإليراني الذي تدفق عبر الحدود لدعم القوات العراقية؛ خاصة أن مقاتلي النخبة اإليرانية تتشتت جهودهم بني الجبهات في سوريا والعراق .وفي الوقت نفسه ،تبدو الواليات املتحدة غير راغبة على اإلطالق في إعادة القوات األميركية إلى ساحة القتال مجددا. * دوف فريدمان :طالب دراسات عليا بمعهد جاكسون للشؤون الدولية بجامعة ييل * كيل صالح :باحثة متخصصة في العراق وسوريا ولبنان
فورن أفيرز /تموز /يوليو 50 - 2014
كيف يجري الدفع بحكومة إقليم كردستان ملواجهة «داعش»؟
خالص األكراد بقلم :دوف فريدمان ـ كيل صالح
وكالة االستخبارات األميركية (سي آي إيه) ..اإلطاحة بمصدق ..عودة الشاه
حقيقة ما حدث يف إيران بقلم :راي تقية
فورن أفيرز /تموز /يوليو 49 - 2014
facebook google+
The Arab world has a rich history of scientific breakthroughs. Ensure youâ&#x20AC;&#x2122;re part of the scientific and medical community gaining access to the latest research in the region. From the latest news, in-depth features, expert commentaries and research highlights to regional jobs, event listings and alerts direct to your inbox â&#x20AC;&#x201C; Nature Middle East is your free comprehensive portal keeping you at the centre of science in the Arabic speaking Middle East.
nature.com/nmiddleeast Sponsored by
Get the free mobile app at
Download the free app for your / gettag.mobi phone athttp:/ http://gettag.mobi
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
www.majalla.com
العدد 1597تموز -يوليو 2014
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
اشرتك اآلن واحصل على نسختك الورقية
تأسست في لندن عام 1980
لورنزو فيدينو :مابعد القاعدة� ..سيا�سة التنظيمات االرهابية باأوروبا فالح العجمي :ماهية احلرية ..والفروق بني مفاهيم ال�سرق والغرب جوزيف برادوي :م�ساريع وليدة لتاأ�سي�س الفكر النقدي العربي
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 07
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
Issue 1597 - July 2014
فورن أفيرز /أيار /مايو 57 - 2014
www.majalla.com
أرشيف
دور بال بطل
,,
تفجير السفارة األميركية في بيروت مؤامرة دولية إلقامة «حكومات دينية متعصبة»
,,
46
> ولكن جرى سحب مشاة البحرية بالفعل ،وحتى إذا قبلنا ما تقوله عن أن الهجوم على هدف عسكري عمل إرهابي وليس عملية قتالية عادية، ف��إن وزي��ر الخارجية ج��ورج شولتز وآخ��ري��ن ص��رح��وا بأنه ليس هناك احتمال إلرسال القوات األميركية مرة أخرى إلى لبنان في املرحلة الحالية للقيام بواجبات حفظ السالم .وقد فهمت أن وجهة نظر اإلدارة األميركية بشأن حماية الحدود اإلسرائيلية تعتمد أساسا على استخدام الجيش اللبناني وقوات األمم املتحدة لهذا الغرض .وقد أشرت أنت نفسك من قبل إلى جهود قامت بها اإلدارة الحالية .وأدت إلى وقف أعمال العنف على الحدود اإلسرائيلية ،وتمثلت في اتفاق وقف إطالق النار الذي توسط فيه فيليب حبيب واحترمه الفلسطينيون .ويمثل هذا االتفاق سابقة تسمح بعدم استخدام ميليشيا اللواء أنطوان لحد التي تشرف عليها إسرائيل في جنوب لبنان .هل ما زالت الواليات املتحدة ّ تعد مهمة املحافظة على أمن الحدود اللبنانية يجب أن تقوم بها وح��دات الجيش اللبناني وقوت األمم املتحدة ،وليس (كما تطلب إسرائيل) ميليشيات اللواء أنطوان لحد؟ املتطلبات األساسية ما زالت قائمة دون تغيير منذ سنتني أو حتى منذثماني سنوات ،وهي تأمني حدود إسرائيل من أعمال العنف اإلرهابية. ويمكن أن تشمل ترتيبات األم��ن ف��ي لبنان دورا ل�ق��وات األم��م املتحدة، ونحن نعتقد بضرورة ذلك .وال يمكن أن تنجح الترتيبات املساعدة ،إلى جانب استخدام قوات األمم املتحدة ،إال إذا جرى االتفاق عليها بني لبنان وإسرائيل .وإنني أعتقد أن باإلمكان وضع هذه الترتيبات.
لبنان .إن إسرائيل لم تتعرض ألي صاروخ أو هجوم فلسطيني من األراضي السورية على مدى 17عاما ،ومرتفعات الجوالن هادئة .وفي عام 1973دخلت مصر وسوريا الحرب الستعادة بعض أراضيهما املحتلة ،ولكنهما تجنبتا اإلغارة على قلب إسرائيل .وإذا أخذنا في اعتبارنا أيضا أن مناحيم بيغن نفسه صرح بأن السوريني يحافظون على ما يتفقون عليه ،فهل يمكن أن تمثل القوات السورية عامال مفيدا في مراقبة الحدود اللبنانية -اإلسرائيلية؟ إن إسرائيل تقدر السيطرة السورية الحازمة على الفلسطينيني ،ولكن هل يمكن أن يكون لدى الواليات املتحدة أي اعتراض على اتفاق مباشر بني سوريا وإسرائيل؟ ما زال��ت الواليات املتحدة تؤمن باستقالل لبنان ووح��دة أراضيه،ولهذا تؤمن أيضا بضرورة انسحاب القوات األجنبية كلها من لبنان. ومن ناحية أخرى كانت الواليات املتحدة ،وما زالت ترغب في إجراء مباحثات مستقرة مع الحكومة السورية حتى يمكن إنشاء عالقات ثنائية مستقرة بني البلدين ،ومن أجل تشجيع عملية السالم على نطاق أوس��ع .وإذا ك��ان هناك رد فعل إيجابي على ذل��ك م��ن جانب سوريا ،فإنه يمكن (في رأيي) تحقيق تقدم كبير في هذا اإلطار.
> في أي إطار؟ في إطار العالقات األميركية -السورية.> ه��ل يمكنك الحديث بتفصيل أكثر ع��ن دور ق��وات األم��م املتحدة وحجمها وتشكيلها؟ أعتقد أن الواليات املتحدة ترغب في توسيع نطاق املهمة التي تقوم بها ه��ذه ال�ق��وات ،كما أنها ترغب في زي��ادة حجمها .كيف سيكون حجم قوات األمم املتحدة ،وما املنطقة التي > أليس صحيحا أن الواليات املتحدة تفضل أن تتولى هذا ال��دور قوات ستشرف عليها؟ األمم املتحدة ووحدات الجيش اللبناني بعد تدريبها بصورة كافية ،وليس ميليشيات ثانوية يجري تجنيد أفرادها على أساس أنهم مرتزقة؟ يبدو لي أن قوات األمم املتحدة ساهمت بصورة مفيدة للغاية في ال تفضل الواليات املتحدة أي جهة على جهة أخرى .إن الواليات املتحدةالحفاظ على استقرار جنوب لبنان في املاضي ،وعلى هذا األساس تتطلع إلى األطراف املعنية نفسها ،ألن هذه األطراف هي التي ستنفذ أي تستطيع ه��ذه ال�ق��وات عمل امل��زي��د إذا ج��رى توسيع نطاق مهمتها. شيء يجري االتفاق عليه. وبرغم أنني أعلم أن الوقت املتاح ،من أجل التوصل إلى إجماع على ذل��ك ،قصير للغاية ،فإنني م��ا زل��ت آم��ل ف��ي أن ي��درك ك��ل ط��رف من «لن يتغير موقفنا من منظمة التحرير!» األطراف املعنية مدى فائدة هذه القوات ،وأن توافق هذه األطراف على تحديد مهمة جديدة لقوات األمم املتحدة ،تسمح لها بتولي قدر أكبر > سأعود إلى سؤالي األول اآلن .يبدو أن الدور الذي تلعبه الواليات املتحدة من املسؤولية من الناحية الجغرافية ومن ناحية املهمة التي تتوالها. قد تقلص كثيرا. > ه��ل تعني زي ��ادة حجم ه��ذه ال �ق��وات وزي ��ادة منطقة مسؤوليتها هذا صحيح.فحسب ،أم تعني أيضا إعطاءها مهام أكبر؟ في السالم موضوع إلى أيضا يمتد وإنما لبنان، على هذا > ال يقتصر إنني أعني الناحية الجغرافية أساسا ،ولكن ربما يتضمن ذلك حجماملنطقة. هذه القوات وتشكيلها أيضا. زال ما السالم عملية بتحقيق األساسي اهتمامنا أن أعتقد إنني كال،> ولكن هل ستتغير مهمتها؟ هل ستتمتع هذه القوات بحرية أكبر الواليات على ويجب مضى. وقت أي في عليها كان التي بالدرجة واضحا في فرض وجودها ،كما فعلت قوات األمم املتحدة في الكونغو (زائير املتحدة أن تضع في اعتبارها الجو السائد في املنطقة عند تحديد درجة اآلن)؟ وأسلوب مشاركتها .ويبدو لي أن عددا من األحداث في كل من إسرائيل -من الواضح أنه يتعني الحصول على موافقة جميع األطراف املعنية والدول املجاورة لها قد أدت إلى تغيير الجو السائد في املنطقة ،كما يبدو على ذلك .وأنا ال أرجح احتمال وقوع ذلك أو أستبعده .وال أعتقد أن لي أنه سيمر بعض الوقت قبل أن نتصور أنه سيكون هناك دور ملموس األمر هنا يرجع إلى الواليات املتحدة ،فليس هذا موضوعا يتحكم فيه ملبادرة كبيرة جديدة .وفي الوقت ذاته يمكن أن تنمو في هذا الجو الحقائق النفوذ األميركي .وسوف يتعني علينا تبني موقف األط��راف املعنية الواقعية للمصالح اإلنسانية والعناصر الضرورية للسالم ،ومنها ضرورة من هذا املوضوع. وجود قدر أكبر من الثقة بني األط��راف املعنية .وأعتقد أن الفترة املقبلة > هل يعارض أي طرف زيادة دور قوات األمم املتحدة؟ إن املشكلة ستشهد بالتأكيد مزيدا من التحسن في تحقيق هذه الشروط األساسية األساسية في املاضي كانت تتمثل في رف��ض إسرائيل باستمرار أكثر مما حدث في الفترة املاضية .وأعتقد أن هذا شيء مشجع للغاية .التعاون مع األم��م املتحدة .واآلن يتوسل بيريس إل��ى األم��م املتحدة لكي ترسل قواتها محل القوات اإلسرائيلية في جنوب لبنان ،ويطالب بزيادة دور قوات األمم املتحدة. واشنطن ودمشق أعتقد أن األم��ر سيقتصر على بعض التحفظات .وأن��ا ال أعتقد> ما رأي��ك في مستقبل العالقات األميركية -السورية ،وم��ا رأيك في الوقت ذاته أن هناك اتفاقا كامال بني لبنان وسوريا على طبيعة في دور سوريا في املستقبل في هذه املنطقة؟ يبدو أنه من املقبول مهمة قوات األمم املتحدة ،ولكن يبدو لي أيضا أنه يمكن التغلب على حاليا (حتى من جانب إسرائيل) أن يكون لسوريا دور أساسي في هذه العقبات <
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
> يبدو املوقف اآلن من بعض النواحي أصعب مما كان عليه قبل عام أو عامني .لقد رفض الكونغرس املوافقة على طلب األردن تزويده بأسلحة معينة ،ويتجه األردن اآلن إلى موسكو للحصول على املعدات العسكرية. وقد تحدث الرئيس ريغان في مبادرته عن ثالثة أطراف؛ إسرائيل ،واألردن، والفلسطينيني ،أال يعني ذلك أن األمر أصبح أكثر صعوبة بالنسبة إلى الواليات املتحدة في تشجيع األردن على التفاوض؟ لقد كانت ال��والي��ات املتحدة تساند باستمرار أم��ن األردن ،وستجرياملحافظة على ه��ذه السياسة ف��ي املستقبل .ويتعني على امل�ل��ك حسني أن يتخذ بنفسه اإلج��راءات التي يعتقد أنها تخدم مصالح ب�لاده ،ولكن ال��والي��ات املتحدة ستظل على استعدادها لتقديم املساعدة ،تماما كما كانت مستعدة لذلك في املاضي .وفي الواقع ،ال تؤدي قرارات األردن بعدم قبول العروض التي قدمت إليه في املاضي إلى إلغاء القيمة املترتبة على تقديم هذه العروض. > هل تقوم الواليات املتحدة بأي مجهود إلقناع الجناح الرئيس املعتدل في منظمة التحرير الفلسطينية (وهي الحليف الرئيس لألردن) باتخاذ إجراء يمكن واشنطن من إشراكه في الحوار؟ إن هذا الجناح لم يعترف قط بالقرارين 242و 338الصادرين عن مجلساألمن .وهذان القراران يشيران إلى حدود .1967أو بتعبير آخر خطوط الهدنة في عام .1949إن السفارة األميركية وسفارات معظم الدول األخرى لدى إسرائيل موجودة في تل أبيب ،وهذا يعني أن الواليات املتحدة لم تذهب إلى مدى أبعد من قرار مجلس األمن الصادر في ،1947الذي ينص على تقسيم فلسطني إلى دولة يهودية وأخرى عربية .هل يكفي أن تعلن «فتح» أو أي حركة فلسطينية رئيسة أخرى ،استعدادها لالعتراف بقرار التقسيم الصادر في ،1947لكي تدخل الواليات املتحدة في مفاوضات معها؟ تتخذ الواليات املتحدة موقفا واضحا .وهذا يعني أننا لن نغير موقفناحتى تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود، وحتى توافق على قراري مجلس األمن 242و .338ولم تتغير هذه الشروط قط. > هل من املرجح أن تتغير في املستقبل؟ كال.> حتى إذا كان ذلك يعني مطالبة منظمة التحرير الفلسطينية باالعتراف بأكثر مما تعترف به الواليات املتحدة والدول الحليفة لها ،وهو أن القدس الغربية عاصمة إلسرائيل؟ لم يتغير موقف الواليات املتحدة ،وليس هناك أي احتمال في تغييره.> هل هناك أي شيء آخر تستطيع الواليات املتحدة عمله لتشجيع القادة الفلسطينيني املعتدلني ،من أمثال ياسر عرفات ،على التعاون مع امللك حسني ،في التفاوض مع إسرائيل ،بعد أن أوضح امللك حسني أنه لن يقدم على هذا اإلجراء منفردا؟ أعتقد أنه يتعني على ال��دول العربية نفسها تقرير الترتيبات املتعلقةبتمثيل الفلسطينيني .والواليات املتحدة تتطلع إلى الدول العربية التخاذ املبادرة في هذا الشأن .وأنا أعتقد أن الدول العربية أكثر قدرة منا على التأثير على الفلسطينيني.
تفجير القيادة > فلنتحدث اآلن عن لبنان .لقد وافق يوم الثالثاء األسبق الذكرى السنوية لتفجير مقر قيادة مشاة البحرية األميركية في بيروت ..هل تعتقد أن بعض عناصر السياسة األميركية في لبنان كانت خاطئة أو غير مناسبة على مدى العامني املاضيني؟ كال ،إال إذا رأينا أن من الخطأ رفع مستوى فهم الرأي العام للسياسةاألميركية .لقد جرى إرسال القوات األميركية إلى لبنان لهدفني أساسيني، أول�ه�م��ا منع ق�ي��ام ح��رب س��ادس��ة ف��ي ال�ش��رق األوس ��ط ،وال�ث��ان��ي محاولة ع�لاج األس�ب��اب الجذرية ملوجة العنف األخ�ي��رة ،التي نتجت عن الوجود
الفلسطيني في جنوب لبنان! وقد حققنا هذين الهدفني .وع�لاوة على ذلك كانت الواليات املتحدة ترغب في إقامة حكومة مستقرة وقوية في لبنان ،وبذلك تصبح حدود لبنان مع الدول املجاورة أكثر استقرارا .وكان هناك بعض األمل في تحقيق هذا الهدف .ألن سوريا أعلنت في بداية هذا النزاع موافقتها من ناحية املبدأ على االنسحاب من لبنان .وعندما اتضح في نوفمبر (تشرين الثاني) 1983أن سوريا ال ترغب في االنسحاب من لبنان ،أصبح من املتعذر تحقيق هذا الهدف في السياسة األميركية .وفي تلك املرحلة ،قمنا بإعادة تقييم سياستنا ،وغيرنا اتجاهها .ومع ذلك، فإن عوامل اإلنسانية واملصلحة الذاتية تملي علينا منح السالم فرصة، عندما يتعذر على أي دولتني حل خالفاتهما إال عن طريق العنف ،سواء ك��ان ذل��ك ف��ي ال�ش��رق األوس��ط أو ف��ي أي ج��زء آخ��ر م��ن العالم توجد فيه مصالح أميركية مهمة .وقد فعلنا ذلك بناء على اعتقادنا الراسخ بأن هذا هو اإلجراء الصائب في ذلك الوقت ،ولكن سوريا تسببت في تغيير هذا االعتقاد ،وكان ذلك هو ما جعلنا نغير سياستنا. > معنى كالمك أن جميع اإلجراءات التي اتخذتها الواليات املتحدة كانت سليمة تماما ،بالنظر إلى طبيعة األحداث. سوف يفهم القراء من سؤالك أنك تشير إلى تفجير مقر قيادة مشاةالبحرية .وال بد أن نتذكر هنا أن الذين قاموا بهذا الهجوم كانوا إرهابيني تدعمهم إيران ،وأن أهدافهم تتعدى حدود لبنان وتمتد إلى الشرق األوسط بأكله .وهدفهم هو إقامة حكومات دينية متعصبة في كل مكان .وسوف يصبح تنفيذ هدفهم أكثر سهولة إذا انسحبت القوات األجنبية ،سواء كانت أميركية أو فرنسية أو بريطانية ،أو من أي دولة أخرى .وباختصار ،كان اإلرهاب في الشرق األوسط ،وال يزال ،موضوعا منفصال عن السياسة األميركية تجاه لبنان ،ألن املوضوعني مختلطان إلى حد ما في أذهان الناس .والدرس الذي يجب أن نتعلمه من ذلك هو أن نقلل من التركيز على سياستنا في لبنان ،وأن نزيد في مقابل ذلك التركيز على جعل الرأي العام األميركي يدرك مفهوم اإلرهاب بصورة عامة ،وسبل مكافحته .وفي هذا اإلطار يجب أن نبذل جهودنا اليوم من أجل التوصل إلى اتفاق دولي على اتباع سياسة ملكافحة اإلرهاب ،كما حدث بالنسبة إلى مسألة اختطاف الطائرات في الستينات ،وذلك على أن يكون الهدف الرئيس من هذا االتفاق هو حرمان اإلرهابيني من القواعد اآلمنة التي يعتمدون عليها. > كنت أعتقد أن ج�ن��ود م�ش��اة البحرية ُي��درب��ون على أن��واع معينة من الحروب .أال تعتقد (بصفتك ضابطا سابقا في مشاة البحرية) أن مهمة تلك ال��وح��دات ف��ي ب�ي��روت كانت غريبة للغاية؟ لقد ك��ان��وا ي��داف�ع��ون عن موقع معني ،وبذلك أصبحوا هدفا للهجوم دون أن تكون لديهم أي مهمة إيجابية .ألم تكن هذه الوحدات الخاصة تنفذ املهمة التي تكلف بها في العادة قوات األمم املتحدة؟ يبدو لي أن هذا الرأي فيه إغفال للهدف الحقيقي .ولو سألتني :هل كانمن الصواب أن ترسل الواليات املتحدة قوات حفظ سالم إلى لبنان ،سواء كانت هذه القوات من مشاة البحرية أو من الجيش ،ألجبتك قائال :نعم، كان هذا القرار صائبا.
روبرت ماكفرلني
,,
من املمكن تطوير عالقاتنا مع سوريا بشكل إيجابي
,,
> أال تعتقد أن ه��ذه ال�ق��وات لم تكن تصلح لهذه املهمة ،وأنها أصبحت عنصرا من عناصر الحرب األهلية بدال من أن تصبح عنصرا من عناصر الحل؟ ال أعتقد أن ه��ذا ه��و امل��وض��وع األس��اس��ي ،س��واء ف��ي أس�ل��وب ممارسةالسياسة أو في نتائج هذه السياسة .لقد كانت املشكلة اللبنانية تتطلب قوات خارجية لحفظ السالم ،ومن الواضح أن تدخل إرهابيني من خارج لبنان أدى إلى زيادة مخاطر وقوع أعمال إرهابية .ولكن العالج الصحيح لهذه املخاطر ال يتمثل في أن نقول إننا لن نتدخل ،أو في عدم محاولة إع�ط��اء ال�س�لام ف��رص��ة .وع�ل�اوة على ذل��ك ،فإننا عندما ن�ق��ول« :سنغير سياستنا عندما نتعرض للهجوم» ،ف��إن ذل��ك سيؤدي بالضرورة إلى تشجيع اإلرهاب في السنوات املقبلة .وليس هذا هو العالج الصحيح. المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
45
أرشيف
يعتقد روبرت ماكفرلني مستشار الرئيس ريغان لشؤون األمن القومي ،أن عام 1985سيشهد تحركا في اتجاه السالم في الشرق األوسط ،وأن هذا التحرك سينبع من العرب واإلسرائيليني أنفسهم ،مع ابتعاد الواليات املتحدة عن أداء دور رئيس ،وعدم محاولتها توجيه األحداث .وال يحب روبرت ماكفرلني الظهور كثيرا ،على عكس سلفيه هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجنسكي ،برغم أنه يستطيع مثلهما مقابلة الرئيس يوميا .وهذه املقابلة مع «املجلة» هي أول مقابلة صحافية مع ماكفرلني خالل العام الحالي .وملا كان ماكفرلني ضابطا سابقا برتبة ميجور في مشاة البحرية األميركية ،فإنه اقترح بنفسه توقيت املقابلة بحيث تتفق مع الذكرى السنوية لنسف مقر قيادة مشاة البحرية األميركية في بيروت يوم 23أكتوبر (تشرين األول) .1983وما زال ماكفرلني يرى املقاومة الفلسطينية «إرهابا»! ويرى أن نسف مقر قيادة مشاة البحرية في بيروت جرى في إطار مؤامرة دولية إلقامة «حكومات دينية متعصبة» في املنطقة ،وأنه لم تكن له صلة باألزمة اللبنانية .ويلتزم ماكفرلني الحرص في حديثه ،مثله في ذلك مثل معظم املوظفني الحكوميني الذين ال يتحدثون إطالقا إلى الصحافيني .وكان يزن في حديثه كل كلمة .ويتحدث ببطء شديد وكأنه يملي طابعا على اآللة الكاتبة .ومع ذلك ،كان حديث ماكفرلني ينم عن سلطة واسعة ،وركز في حديثه على أنه أصر على عدم قيام الواليات املتحدة بمبادرات مثيرة ،وعلى أن تترك «أطراف النزاع» تسوي معظم خالفاتها بنفسها .وقال إن ذلك تحقق بالفعل .وفيما يلي نص املقابلة مع روبرت ماكفرلني.
حوار خطير مع مستشار األمن القومي األميركي
ماكفرلني لـ«اجمللة» :ما زلنا نرى الفلسطينيني إرهابيني! املجلة -أرشيف
,,
لن نرسل مرتزقة من أجل أمننا في لبنان
,,
44
> ما االتجاه العام لعملية السالم في الشرق األوسط؟ هل تجمدت في الوقت الحالي؟ إن الحاجة األس��اس�ي��ة للسالم م��ا زال��ت ملحة كما كانت فياملاضي .وما زال��ت املبادئ األساسية في مبادرة الرئيس ريغان سارية املفعول حتى اآلن ،وم��ا زال هو نفسه ملتزما بهذه امل�ب��ادئ .وأعتقد أن اه�ت�م��ام ال��والي��ات بمنع وق��وع ح��رب س��ادس��ة ف��ي ال�ش��رق األوس ��ط يبرر حرصها على املفاوضات املباشرة بني األطراف املعنية ،وأعتقد أن الظروف الحالية توفر أساسا لألمل في التمكن من استئناف عملية السالم في وقت ما من العام املقبل. > تحدثت عن املفاوضات املباشرة بني األطراف املعنية ،ولكن هل هناك أي أمل في أن تتخلى إسرائيل عن رفضها للمبادرة التي تقدم بها الرئيس ريغان في 1982؟ هل هناك دالئل على تغيير في املوقف اإلسرائيلي؟ أعتقد أنه من السابق ألوانه التحدث عن ذلك في املرحلة الحالية .ولكناألم��ر ال��ذي ب��دا واضحا ،أثناء زي��ارة رئيس ال��وزراء اإلسرائيلي بيريس لواشنطن ،هو أن إسرائيل تشعر بمدى ضرورة السالم القائم على مبادئ كامب ديفيد ،واملبادئ التي تضمنها قرارا مجلس األمن الدولي 242و.338 اإلسرائيليون يدركون أن ذلك سيخدم مصالحهم الوطنية ،وهم ملتزمون بإيجاد الجو املناسب لتحقيق التقدم. > قال لي الرئيس السابق جيمي كارتر ،ووزير الخارجية السابق سايروس فانس ،في مقابالت نشرتها «املجلة» ،إن مناحيم بيغن تراجع عن تنفيذ الجزء الثاني من اتفاق كامب ديفيد ،عندما استأنف بناء املستوطنات في األراضي املحتلة دون انتظار قيام «الكيان الفلسطيني» هناك .وهذه مشكلة تعترض طريق إيجاد الجو املناسب للتقدم .هل هناك أي احتمال في أن تتغلب الحكومة اإلسرائيلية الحالية على هذه العقبة عن طريق وقف بناء املستوطنات؟ وهل يتمتع بيريس بهذا القدر من حرية الحركة السياسية؟
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
أعتقد أن أفضل وسيلة يسهم بها كل طرف من األط��راف املعنية فيتحسني الجو ،هي أن نترك ذلك لهذه األطراف نفسها ،وليس عن طريق رد هذه األطراف على مقترحات أميركية .ومع ذلك ،فإنه من الواضح أن هناك اهتماما أساسيا لدى كل من الطرفني بدعم عملية السالم .وأعتقد أن ب��اإلم�ك��ان أن يعمل ال�ط��رف��ان خ�لال األش�ه��ر املقبلة على ترجمة هذا االهتمام إلى إجراءات ملموسة وواضحة .والكل يعرف االحتماالت الكثيرة واملتشابكة امل��وج��ودة حاليا ،ولكنني أعتقد أن��ه يجب علينا ت��رك عملية االختيار لألطراف املعنية نفسها ،وأعتقد أن ذلك سيتحقق قبل مضي وقت طويل. > ولكن من املؤكد أن املستوطنات ستمثل عامال رئيسا في ذلك. املسائل املطروحة معروفة جيدا ،كما سبق أن ذكرت لك ،واملستوطناتم��ن ب�ين ه��ذه املسائل .ولكن ال يمكن ألي ط��رف خ��ارج��ي تحديد شكل وأسلوب معالجة هذه املسائل.
استعداد دائم > تحدثت عن اتفاق بني األطراف املعنية ،واتفاق كامب ديفيد ينص على أن الواليات املتحدة واحد من هذه األطراف .إن الواليات املتحدة تمثل الوسيط الذي تقبله األطراف كلها ،أال يعني ذلك أنه يجب على الواليات املتحدة أن تفعل شيئا ما لتشجيع امللك حسني ،على سبيل املثال ،على االنضمام إلى عملية السالم؟ إن�ن��ا على اس�ت�ع��داد دائ��م للمساهمة ف��ي ت�ط��ور ات�ج��اه��ات التفكير فياتصاالتنا مع كل من ال��دول العربية وإسرائيل .وأعتقد أنه من السابق ألوانه في هذه املرحلة الحالية تتطلب تحسني الجو بهدوء لكي نتبني ما يمكن أن ينتج عن ذلك.
,,
جورج بوش
روبرت ماكفرلني
لعدة سنوات .إننا لن نتفاوض مع املنظمة حتى تقبل قراري مجلس األمن 242و ،338اللذين يدعوان إلى انسحاب إسرائيل إلى خط الهدنة لسنة ،1949وتعترف بحق إسرائيل في الوجود. > ما موقفك بشأن مبيعات األسلحة األميركية لألردن والدول الصديقة في الخليج ومصر؟ إننا نعتقد أن هناك تهديدا حقيقيا للعرب املعتدلني من جانب العرباملتشددين وم��ن إي��ران .فمن ال��واض��ح أن��ه إذا ه��دد امل�ت�ش��ددون باألنظمة املعتدلة ،ف��إن ه��ذه األخ�ي��رة تصبح خ�ط��را يتهدد إس��رائ�ي��ل وأص��دق��اءن��ا وحلفاءنا ويتهدد الواليات املتحدة .ولهذا السبب ،وغيره من األسباب ،مثل صداقتنا الحقيقية مع الزعماء العرب املعتدلني ،نعتقد أن علينا مساعدة املعتدلني على الحصول على أسلحة «دف��اع�ي��ة» للحيلولة دون تحقيق املتشددين أي نجاح .ال يجب أن نخطئ في حق أصدقائنا العرب املعتدلني، فندفعهم إلى أحضان الروس ،بعدم مباالتنا باحتياجاتهم الحقيقية للدفاع عن النفس .إنه ألمر حيوي أن يكون العرب املعتدلون قادرين على حماية أنفسهم من تطرف أشخاص مثل الخميني.
وغيرها من القضايا األوسع .ولكن املسألة ليست سهلة ألننا نختلف على كثير من املسائل املهمة .سنتابع حوارنا معهم ،ونأمل في أن نحقق تحسنا في العالقات .ولكننا يجب أال نغفر قط لسوريا عدوانها على جيرانها وتنسيقها لإلرهاب ،أو نتغاضى عنه. > تصر اإلدارة الحالية ،كما أصرت غيرها من اإلدارات السابقة ،على أن الواليات املتحدة تسعى إلى أن تكون منصفة في تعاملها مع العرب واإلسرائيليني. كيف تفسر لنا مفهوم اإلنصاف؟ وما الذي ستفعله كرئيس لجعله واضحا؟ ب�ي�ن�م��ا سنستمر ث��اب�ت�ين ع�ل��ى ال�ق�ي��م األم�ي��رك�ي��ة األس��اس �ي��ة ،وه ��ي األم��نوالديمقراطية والحكم الذاتي ،سنحاول تشجيع الفرقاء املعنيني بالنزاع العربي اإلسرائيلي ،الذين قد يرون األشياء من زاوية مختلفة عن الزاوية التي نراهامن خاللها ،على االجتماع والتفاوض حول خالفاتهم .ونحن في الوقت الذي نعرب فيه دائما عن استعدادنا لسماع أفكار اآلخ��ري��ن ،ال نحاول أن نملي أفكارنا على آخ��ري��ن ،رغ��م أن لدينا وجهات نظرنا الخاصة وقناعتنا التي نتمسك بها .مبادرة ريغان هي تعبير عن فهمنا ألكثر األسس عدال من أجل تحقيق سالم عادل ودائم ،يكون منصفا للجميع. > ما السياسة التي يتعني على الواليات املتحدة انتهاجها تجاه جنوب أفريقيا؟ هل ينبغي أن تسعى إلى تحقيق ديمقراطية كاملة ،بمعنى صوت واحد لكل رجل ،أم أنكم ترون شيئا أقل؟ لسنا من الغرور بحيث نوصي بنظامنا الديمقراطي األميركي لكل دولة.هدفنا بالنسبة إلى جنوب أفريقيا وكل الدول األخرى ينبغي أن يكون تشكيل حكومة بموافقة املحكومني .نود أن نرى هذا املبدأ يمارس في أفريقيا كلها، بما في ذلك جنوب أفريقيا .فالتمييز العنصري بغيض لقيمنا ،ونحن نقوم بكل ما نستطيع للتشجيع على وضع التمييز العنصري بوسائل سلمية في املكان الالئق به ،أي في كتب التاريخ .لقد جرى تحقيق بعض التقدم في جنوب أفريقيا في هذا االتجاه ،ليس تقدما كافيا ،ولكنه أكثر من التقدم الذي كان يمكن أن يتم لو أننا استمعنا إلى نصيحة أولئك الذين كانوا يودون أن نقطع جميع اتصاالتنا بجنوب أفريقيا <
أوضاع لبنان > إذا افترضنا أن األوضاع في لبنان ستكون عندما تتسلم الرئاسة ،مثلما هي عليه اآلن ،ما األهداف التي ستسعى إلى تحقيقها هناك؟ أهدافنا الثالثة العريضة في لبنان كانت واضحة ولم تتغير منذ سنوات؛ أوال:تحقيق وحدة لبنان تحت قيادة حكومة لبنانية تامة السيادة .ثانيا :انسحاب جميع القوات األجنبية من لبنان (باستثناء قوات األمم املتحدة) .وثالثا :ضمان أمن شمال إسرائيل من الهجمات التي تشن من لبنان ،هدفنا إيجاد لبنان حر ومستقل يعيش بسالم مع جيرانه. > ما وجهة نظرك بشأن العالقات األميركية مع سوريا؟ -إننا نقوم بكل ما نستطيع للتحدث إليهم ،والتوصل إلى تفاهم حول لبنان
لن نغفر قط لسوريا عدوانها على جيرانها وتنسيقها لإلرهاب
,,
غالف املجلة العدد ()248
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
43
أرشيف
لدى صدور هذا العدد من «املجلة» ،تكون نتائج انتخابات الرئاسة األميركية تأكدت في صالح الرئيس ريغان والحزب الجمهوري في األغلب ،كما أكدت معظم استطالعات الرأي العام في الشهور األخيرة ،إال إذا حدثت «معجزة» ،ظل والتر مونديل يأمل في تبلورها حتى اللحظة األخيرة .وكان مونديل ركز في الشهر األخير من الحملة االنتخابية على قضية شيخوخة ريغان وصحته الجسمانية والعقلية .ولكن هذا التركيز الذي أثار قلق الحزب الجمهوري في البداية لم يسفر عن تحول ملموس في أغلبية الناخبني الذين يؤيدون إعادة انتخاب ريغان ،رغم قناعة كثيرين منهم بصحة جدل مونديل .ويرجع ذلك إلى أن التاريخ األميركي يحتوي على كثير من السوابق التي تولى فيها نائب الرئيس بنجاح مهام الرئاسة ،عندما يعجز الرئيس لسبب أو آلخر عن القيام بعمله .ولعل أوضح مثال ،نجاح نائب الرئيس ترومان في خالفة روزفلت بعد أن توفي األخير بسكتة قلبية سنة .1944من هذا املنطلق ،وعلى ضوء شيخوخة ريغان ،يبرز نائب الرئيس جورج بوش كرجل قد يصبح أقوى رجل في العالم في أي وقت إذا توفي الرئيس ريغان أو عجز عن القيام بمهام الرئاسة .ومن أجل هذا سعت «املجلة» إلى مقابلته ،للتعرف على آرائه ومواقفه التي قد تخالفه في كثير منها تجاه قضايا الشرق األوسط خاصة والقضايا العاملية بشكل عام .وبسبب انشغاله في حملة الرئاسة املحمومة في أسبوعها األخير ،رد جورج بوش على األسئلة التي أعدتها «املجلة» كتابيا.
خطة ريجان للشرق األوسط حديثان خاصان بـ «املجلة»
جورج بوش :يجب أن نقف بقوة خلف أصدقائنا العرب املجلة العدد ()248 1984/11/10 أجرى الحوار في واشنطن راسل هاوي
42
لقد عاش جورج بوش قاب قوسني أو أدنى من الرئاسة خالل السنوات األربع املاضية .وقد يصبح في أي لحظة اآلن أقوى رجل في العالم ،إذا أعيد انتخاب الرئيس ريغان ،كما هو متوقع .وفي املقابلة املكتوبة مع «املجلة» أوض��ح لنا ج��ورج ب��وش أن��ه يفضل مبادرة ريغان أساسا لحل القضية الفلسطينية ،ولكنه لن يسعى إلى فرضها على الفرقاء املعنيني إذا أصبح رئيسا .وقال لـ«املجلة» إنه يؤيد بشدة بيع األسلحة األميركية للدول العربية الصديقة .ولكنه اتهم سوريا بـ«العدوان» ضد لبنان وبـ«التنسيق» مع ما سماه بـ«اإلرهاب» .وكما كان متوقعا ،لم تبرز املقابلة أي دالالت كبيرة على أن جورج بوش سيتبع سياسة خارجية تختلف عن سياسة ريغان الحالية ،مؤكدا ذلك بقوله :إنه سيحتفظ بجورج شولتز وزيرا للخارجية ،إذا أصبح رئيسا للجمهورية .وفيما يلي نص املقابلة: ُ > إذا أعيد انتخابك نائبا لرئيس الجمهورية ،يمكن أن تستدعى لتسلم مهام الرئاسة ،كما استدعى نواب رؤساء آخرون في التاريخ األميركي الحديث ..ما الطابع الذي ستصبغ به عندئذ سياستك الخارجية؟ لقد قمت بعدد من املهام السياسية في الخارج نيابة عن الرئيس ريغان،وأحسست بارتياح وأنا أنفذ السياسة األميركية الخارجية .إنني أتفق مع الرئيس ريغان اتفاقا جوهريا على اتجاه سياستنا الخارجية وأهدافها، كما أنني أثق ثقة تامة بوزير الخارجية جورج شولتز. > وافقت إسرائيل في اتفاقات كامب ديفيد على إنشاء كيان فلسطيني تشريعي ذاتي الحكم في املناطق املحتلة .ولكن مبادرة ريغان سنة 1982تدعو إلى استقالل املناطق املحتلة باالرتباط مع األردن .فكيف يمكنك أن تسعى إلى تطبيع كامب
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
ماكفرلني :لن يتغري موقفنا من منظمة التحرير ديفيد ومبادرة ريغان؟ دعني أوال أت� ّ�م سؤالك ..اتفقت إسرائيل ومصر في «إط��ار السالم» الذيتمخض عن كامب ديفيد على أن فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ستبدأ عندما يجري تشكيل سلطة الحكم الذاتي .وعندئذ (أي بعد انقضاء السنوات الخمس) تبدأ املفاوضات لتقرير الوضع الشرعي النهائي للضفة الغربية وقطاع غزة ،وعالقاتهما مع جيرانهما .ومن الواضح أنه ال يوجد اتفاق بعد بني الفرقاء املعنيني على الشكل النهائي لهذا الوضع الشرعي .ولهذا السبب تدعو اتفاقات كامب ديفيد إلى التفاوض حوله .أما مبادرة ريغان ،املرتكزة على اتفاقات كامب ديفيد ،فإنها تقول بوضوح إنه ال «دولة فلسطينية مستقلة» وال «سيطرة إسرائيل الدائمة على املناطق املحتلة» ،هما الطريق إلى السالم واألمن .إننا نؤيد حكما ذاتيا في املناطق املحتلة يرتبط باالتحاد مع األردن، بوصفه يوفر أفضل فرصة لتحقيق سالم دائم وعادل .إن هذا هو موقفنا. ولكننا ن��درك أننا ال نستطيع أن نملي على دول املنطقة كيف تتعامل مع بعضها .إن هذه املسألة واضحة بالنسبة لنا ،ولكنها ليست بالوضوح ذاته في نظر اآلخرين .إننا ال نصر على أنه يتعني على اآلخرين القبول بموقفنا قبل الجلوس إلى مائدة املفاوضات .فالشيء املهم هو أن تبدأ املحادثات.
شروط التفاوض > هل أنت على استعداد للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية ،إذا اعترفت بقرار األمم املتحدة سنة 1947املتعلق بتقسيم فلسطني إلى دولة يهودية وأخرى عربية؟ -شروطنا للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية واضحة ،وظلت ثابتة
يقدمون األفكار حول التفكير النقدي على نحو مجرد ويتجنبون املناقشات الصريحة حول تداعيات ذلك على األوضاع الداخلية .فمن جهة ،ربما يكون الحفاظ على الخط الفاصل بني توضيح التفكير النقدي من جهة والقضايا الساخنة من جهة هو الحل األمثل بالنسبة لهذه املشروعات حيث إنها تتجاوز االنقسامات الطائفية وم��ن ثم تحمي نقاء رسالتها .وم��ن جهة أخ��رى ،عندما تسمع في األخبار تصريحا مهما أو نقاشا يفتقر تماما للتفكير النقدي ،يشعر هؤالء الشباب املدافعون عن املنطق بوجوب التدخل والدفاع عن اإلطار األخالقي الذي يروجون له .وبالطبع لن يجري تحقيق الهدف بعيد املدى املتمحور حول تطوير املجتمع من خالل تعزيز املعرفة والخطاب النقدي والطرائق العلمية دون أن يجري باستمرار تحديد العالقة بني النظرية والتطبيق .على أية حال ،فإن قيام هؤالء الشباب بذلك يمكنه أن يجعل املحتوى أقل تجريدا وأكثر حيوية في تنمية الجماهير من مجرد عشرات اآلالف أو مئات اآلالف إلى جماهير واسعة من عشرات املاليني. وتعد حقيقة أن «أصفار» و«التحرير» يجري منعهما بفعالية من تحقيق ذلك أحد املثالب الخطيرة على املدى الطويل. ولكن بغض النظر عن مدى كون الوضع بائسا ،تعد هذه املشروعات مبشرة للغاية؛ فمن خ�لال الفحص الدقيق لحججهم ،يمكنك أن تجد إمكانات محتملة للتغلب على املخاطر والعثور على فرص جديدة للنمو في السعودية باإلضافة إلى مصر ،والتي ربما نجده في أماكن غير متوقعة تماما .ففي مايو (أي ��ار) ،2014أق��ر وزي��ر التعليم ال�س�ع��ودي ،األم�ي��ر خالد الفيصل، بمشكلة وجود الراديكالية في النظام التعليمي للمملكة« .حيث إن املجال (التعليمي) ترك بالكامل لـ(الراديكاليني) ،حتى إنه ال توجد فرصة لألفكار املعتدلة أو لـ(تعليم) سبل الحياة املعتدلة .لقد تخلينا عن أبنائنا وبناتنا وتمكنوا هم من اختطافهم» .لقد صدمت تلك التصريحات الباهرة العديد من السعوديني وأرسلت إشارة مفادها أن السلطة ربما ترغب في التغيير الجذري للطريقة التي يتعلم بها الشباب السعودي .وينظر السعوديون الذين تحدثت إليهم إلى تلك التعليقات باعتبارها دعوة عامة للتطور وطرح مناهج تعليمية جديدة لكي تدرسها الوزارة. في الوقت نفسه ،فإن استراتيجية أكاديمية التحرير لدخول النظام التعليمي املصري ووسائل اإلعالم بدأت بمبدأ أن أيا منهما ليس وحدة متراصة وأنه من املمكن عقد تحالفات مع أناس نافذين يمكنهم أن يدافعوا عن املجموعة من داخل املؤسسة .وفي أبريل (نيسان) ،2014رحبت األكاديمية بمشاركة الدكتور فاروق الباز ملجلس إدارتها .وباعتباره أخا للراحل أسامة الباز، ال��ذي ك��ان يعمل كمستشار للرئيس األسبق حسني مبارك ،فإنه يتمتع بمصداقية بني أوساط الحكومة التي يقودها الجيش .ويحتل الباز مكانة في الساحة السياسية املصرية باعتباره أستاذا غير متفرع للجيولوجيا بجامعة عني شمس وكذلك في املجتمع العلمي األميركي حيث شارك في العمليات االستكشافية األولية للقمر التي قامت بها «ناسا» كما أنه يترأس الجمعية الجيولوجية في أميركا. وفي إحدى الفعاليات اإلعالمية احتفى الباز بحماسة بأكاديمية التحرير واصفا الجماعة بأنها «مشروع طموح ووطني ،حيث إن الطاقة والحماسة التي يتمتع بها الشبان املتطوعون في األكاديمية تكفي إلثبات أن هناك مستقبال أفضل ينتظر مصر» .وتوقع أن تنمو الجماعة و«تصبح نافذة خ�لال سنوات م�ح��دودة» .وق��د استغل غنيم ،مؤسس أكاديمية التحرير وراعيها املثير للجدل ،تلك املناسبة لكي يرفع غصن زيتون للمؤسسة املصرية داعيا« :إلقامة الصلة بني الطالب والشباب املصريني وبني كبار أكاديمييها واالس�ت�ف��ادة م��ن خبراتهم باعتبار أن ذل��ك ه��و أح��د األه��داف االستراتيجية للمؤسسة» .وبمعنى آخ��ر ،وعلى الرغم من التصريحات األولية القاسية لألكاديمية حول عقم النظام التعليمي املصري الذي يعتمد على الحفظ والصم ،يرغب حاليا غنيم أن يجري النظر إليه كأحد أفراد الفريق ال��ذي يرغب في املشاركة بشيء جديدة وأن يصبح بناء بالنسبة للنظام .وفي ظل دفاع رجال املؤسسة مثل فاروق الباز عن األكاديمية ،يمكن لغنيم أن يحظى بأنصار من داخل الحكومة وربما بقدر من الحرية ،سواء
فيما يتعلق بإمكانات األكاديمية للدفاع عن مبادئها في النقاشات العامة أو من حيث قدرتها على الوصول إلى داعمني أجانب محتملني. ومن املعقول أن نأمل أن تتمكن أكاديمية التحرير مع الوقت من ترسيخ وضعها ف��ي مصر بما يكفي لطلب وق�ب��ول ال��دع��م األجنبي بما ف��ي ذلك ال��دع��م األم�ي��رك��ي .ويمكن للدعم األميركي أن يأتي بأشكال متعددة وال يجب قصره على الدعم املادي الذي أصبح معيبا في عيون وسائل اإلعالم والساسة املصريني .كما تظهر رابطة الطالب املصريني التي تعتمد تماما على املتطوعني بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتي أسسها ويديرها إس�لام حسني املحاضر في التفكير النقدي أن مصريا مقيما بالخارج اكتسب خبرة في قوى عظمى خارجية يمكنه أن يحظى بالدعم في بالده فيما يجري إقصاء البعض اآلخر .ومن ثم فإن «النوادي» األميركية املصرية و«مجتمعات الصداقة» لها دور مهم يمكن أن تلعبه لحشد املواهب واملوارد سواء الفكرية أو املالية .وفي الوقت نفسه ،فإن املساعدات املثيرة للجدل والتي تخصصها الواليات املتحدة في كل األحوال للتعليم املصري يمكن أن تشق طريقها ألكاديمية التحرير إلى الحد الذي يمكن األكاديمية من تشكيل إجماع داخلي إلعادة ترتيب النظام التعليمي. ومن جهته ،فإن عمر العنزي أمامه طريق آخر محتمل لكي يحصل على تأييد واس��ع من الجمهور السعودي يتضمن استثمارات مالية ب��دال من التبرعات الخاصة .فيقول عنزي« :ال يوجد حاليا ما يقابل قناة (ديسكفري) أو (ناشيونال جيوغرافيك) باللغة العربية .يمكننا أن نصبح مثلهما إذا ما عملنا بجد واجتهاد .فنحن بالفعل لدينا امليكروفون ولدينا غرفة معزولة يمكننا التسجيل بها .نحن بحاجة إلى محررين ومصممني – لكي يخففوا قدرا من العبء عن كاهل راكان ألنه يقوم بمعظم العمل بنفسه» .ويضيف العنزي أن مساهمة مستثمر نبيل يمكنها أن تساعد الجماعة على تطوير بنيتها األساسية لكي تتمكن م��ن إن�ت��اج امل��زي��د م��ن املحتوى ال��راق��ي مما قد يشجع شركة إعالمية كبرى على الشراكة مع الجماعة لبناء شركة تجارية ربحية. مما ال شك فيه أن «أص�ف��ار» وأكاديمية التحرير وغيرهما من املبادرات املماثلة في املنطقة تواجه العديد من املعضالت في محاولة بناء جمهور وتغيير ثقافة الخطاب والتفكير في مجتمعاتهم .ولكن في إطار التغيرات املتالحقة في معظم الدول العربية ،يصبح الباب مفتوحا أمامهم .ويمكنهم االستفادة من الوضع إذا ما كان لديهم ما يكفي من البصيرة واإلصرار والدعم وحسن الطالع <
صورة ارشيفية للمبعوث السابق لألمم املتحدة والجامعة العربية في سوريا األخضر اإلبراهيمي ومديرة اليونسكو إيرينا بوكوفا ،خالل مؤتمر صحفي عقد في اليونسكو في 29أغسطس عام 2013
,,
تطوير املجتمع من خالل تعزيز املعرفة والخطاب النقدي والطرائق العلمية ال يتم إال عبر تحديد العالقة بني النظرية والتطبيق
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
41
تقرير
تحظ بأي دعم .ووفقا لحسني ،لم تمنح أي من الشبكات التلفزيونية بالدولة مساحة للمبادرة كما لم يعرب أي من الشخصيات السياسية املرموقة عن تبنيه لها .ومع ذلك حصل حسني على قدر من التشجيع ،عندما علم أن إحدى مدرسات االبتدائي ،املعجبة بتلك املحاضرات ،قد طلبت من أكاديمية التحرير اإلذن لتقديم تلك املحاضرات في فصولها. وعلى غرار حسني ،يؤمن العنزي ،الذي ساهم في تأسيس «أصفار» بأن األمل في أن يصبح لجهودهم تأثير ذو مغزى في مجتمعاتهم ينعقد على نجاحهم في التأثير على الشباب« .نحن نستهدف حاليا الشباب الذين سيصبحون مسؤولني عند مرحلة معينة في حياتهم املستقبلية .فهؤالء هم األشخاص الذين نستطيع تغييرهم وهؤالء هم من نرغب في تغييرهم». ومن جهة أخ��رى ،فعلى الرغم من التباين الحاد بني الظروف االجتماعية والسياسية في السعودية ومصر ،ففي كال البلدين ،يواجه املدافعون عن التفكير النقدي واملنطق العلمي تحديات مشابهة ،وتعكس تلك التحديات معضلة اجتماعية أكبر في شمال أفريقيا والشرق األوسط لها تداعيات على األشخاص واملؤسسات خارج املنطقة والتي ربما ترغب في مساندة جهود الشباب. املمثلة املصرية سفيرة النوايا الحسنة يسرا ،شاركت في الدعوة العاملية ملكافحة الفقر التي نظمتها االمم املتحدة بالقاهرة
,,
شباب سعوديون أنشأوا مشروعًا خالقًا يهدف إلى نشر األفكار حول املنطق والعلم باللهجة السعودية وبطريقة ساخرة تالئم الجمهور
,,
40
العائق املالي
النقدي ولكن القيم االجتماعية أكثر ليبرالية إلى حد بعيد .ففي عام ،2012 تبرع الناشط املصري وائ��ل غنيم – ال��ذي اعتبره الصحافيون الغربيون أحد املحركني الرئيسني للثورة املصرية - 2011بعائدات مذكراته إلنشاء مؤسسة إعالمية إلن�ت��اج فيديوهات تعليمية على اإلنترنت حملت اسم «أكاديمية التحرير» ويستهدف املشروع مواجهة «الوضع املتردي للثقافة املصرية والذي جاء نتاج النظام التعليمي العقيم الذي يعتمد على الحفظ والصم» .وبدعم من فريق اإلنتاج في القاهرة ،نشر املحاضرون املتطوعون نحو 600فيديو على «يوتيوب» وحصلوا على 2.5مليون مشاهدة .ومن بني الفيديوهات األكثر شعبية التي حصلت على أكثر من 100ألف مشاهدة هو سلسلة من املحاضرة تتكون من 11جزءا تعلم التفكير النقدي وتستكشف بهدوء تداعياته االجتماعية والسياسية ،كان املتحدث الرئيس بها هو إسالم حسني املقيم في الواليات املتحدة وهو باحث مصري في علم الفيروسات وعلى ال��رغ��م م��ن وج��ود م�ص��ادر محلية يمكنها تمويل تلك املشروعات بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وال��ذي أسس مجموعة من الطالب – فوفقا إلس�ل�ام حسني م��ن أكاديمية التحرير فإنها لديها حساباتها املصريني للمشاركة بفيديوهات حول موضوعات أخرى أيضا. الخاصة« .فأي من (األسماء الكبرى) التي يمكنها أن تمنحك تبرعا في مصر ،تلعب أدوارا أخرى في املجتمع لها توجهات سياسية .فإذا كان من ويوضح الجزء األول من السلسلة أن األشخاص الذين يفتقرون ملهارات يمولك هو رجل أعمال معروف بدعمه لهذا الفصيل أو ذاك ،سوف ينظر التفكير النقدي «يعتقدون أنهم هم فقط املصيبون» و«يرون نظريات املؤامرة إليك املصريون باعتبارك ضمن فريقه :فأنت ال تسعى وراء التعليم ولكنك في كل ش��يء في الحياة» ولكنك إذا دحضت تلك األفكار «يصبح عقلك تسعى لتحقيق أجندة راعيك». ملكك وح��دك ..ولن يتمكن أي شخص من السيطرة عليك أو التالعب بك لخدمة أهدافه ..كما أن ذلك سوف يؤثر على كافة مناحي حياتك :الشخصية فحتى التمويل األولي الذي قدمه وائل غنيم ألكاديمية التحرير كان يحمل واالجتماعية والسياسية ..وسوف يصبح (التفكير النقدي) هو خط دفاعك مزايا وعيوبا في الوقت نفسه :ففي عام ،2012أثار غنيم غضب اإلسالميني ضد األخبار املشوشة التي تنشرها وسائل اإلع�لام» .وفي الجزء الثاني عندما أعرب عن معارضته الصريحة لحكومة محمد مرسي ،فيما كانت ونح قيادة الجيش ومؤسسات الدولة تنظر له باستمرار بتشكك منذ أن بدأ «النزاهة الثقافية» قال إن العملية تبدأ بالنقد الذاتي «انظر في امل��رآةِ . جانبا هويتك العرقية والسياسية واالجتماعية وحاول أن تنظر إلى األشياء يناهض نظام مبارك في عام .2010وفي املناقشات العامة في مصر ،نعت على نحو غير منحاز». غنيم ،على نحو غير مدهش ،بأنه «عميل أميركي» ،و«عميل للصهيونية» بل وحتى جرى اتهامه بأنه ينتمي سرا للماسونية التي ينظر لها في مصر ويبدو أن نصيحة حسني تأتي كرد فعل على جهود وسائل اإلعالم التابعة باعتبارها مؤامرة قديمة ضد اإلس�لام .وفي هذا اإلط��ار ،فإن العديد من للدولة واألحزاب السياسية للتالعب بالشعب املصري ولكنه يقاوم إغراء النشطاء ضمن قطاع الشباب األوسع الذي يمثله غنيم – غير املنتمي التجاه إقامة أي��ة صلة مباشرة بني أفكاره وال�ش��ؤون الجارية .ويضيف حسني :معني ،والثوريون البارعون في وسائل اإلع�لام االجتماعي الذين أطلقوا «اقترح أحد أفراد فريقنا أن يضمن بعض النماذج من املناقشات السياسية شرارة املظاهرات في – 2011يواجهون أوضاعا مضطربة في بالدهم حيث والدينية بمصر والتي تفتقر إلى التفكير النقدي .ولكننا كنا قلقني من أنه إذا جرى إلقاء بعضهم في السجون وإقصاؤهم عن أروقة السلطة. ما بدت السلسلة وكأن لها توجها سياسيا ،ربما يحجم الجمهور عن الفكرة برمتها .ومن ثم فقد تجنبنا أية إشارات محددة على أمل أن يفسر الجمهور ومن ثم ،فإن الخوف من تحمل اإلهانة اللفظية -أو ما هو أسوأ منها – على امل��ادة بنفسه» .وعلى الرغم من أن القوى االجتماعية والسياسية النافذة يد النخب العريقة يعرقل نمو كيانات مثل أكاديمية التحرير و«أصفار» تشترك في رغبتها في منع املصريني من تنمية مهارات التفكير النقدي ،ليس فقط من خ�لال الحد من آف��اق جمع التمويل ال�لازم ولكن من خالل يقول حسني إن أكاديمية التحرير لم تتعرض بعد للهجوم .ولكنها كذلك لم الحد من قدرتهم على التواصل املباشر مع الجمهور .فعلى سبيل املثال،
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
بغض النظر عن الخيارات االستراتيجية التي يمكن أن تصبح مطروحة على «أصفار» و«تحرير» فإنها تعرقلها االعتبارات املالية .فبالنسبة ألكاديمية التحرير ،تقف القوانني الصارمة ضد التمويل األجنبي للمنظمات غير الحكومية مما يجعل قبول تلك املنظمات حتى ملنح بسيطة من الصندوق الوطني للديمقراطية مثال تحمل مخاطر أكبر من أن تستحق املغامرة. ففي فبراير (ش�ب��اط) ،2012وجهت الحكومة اتهامات جنائية ضد 43 ع�ض��وا باملنظمات غير الحكومية بمصر إث��ر ات�ه��ام��ات بأنهم يخدمون «أج�ن��دات أجنبية»( .م��ن أه��م املنظمات التي ل��م تطلها تلك الوصمة كانت منظمة اليونيسكو التي تتلقى منها أكاديمية التحرير منحة متواضعة).
األرب�ع��ة في محاضرة عبر اإلنترنت لرئيس جامعة ييل ،بيتر سالوفي، تفحص نظرية «مثلث الحب» :األلفة والشغف وااللتزام؛ فيوضح حمراني أنه على الرغم من أن الحب هو تجربة يمر بها املخ «فإنه ليس كالصداع» نظرا ألنه ال يمكن تفسيره على نحو دقيق على املستوى الكيماوي -العصبي. وهو ما يرجع في جانب منه ،وفقا ملداخلة عنزي ،إلى أنه مصطلح يتعلق بعلم النفس االجتماعي وهو علم غير دقيق ومنحاز نظرا للسياق الثقافي الغربي الذي نشأ به ذلك املجال العلمي .فيقول عنزي« :تبدأ صعوبة تفسير الحب بمشكلة اللغة .ففي اللغة اإلنجليزية هناك فارق بني «»I like you و« »I love youو« ،»I’m In love with youبينما لدينا في اللغة العربية فروق أخرى .وأوضح حمراني أن الحب بني شخصني يلعب دورا مختلفا في الثقافات الفردية مثل تلك التي ينحدر منها سالوفي عما يمكن أن يلعبه في مجتمعات تقليدية مثل اململكة العربية السعودية «والتي تقوم فيها الجماعات الكبرى مثل العائالت والعشائر بلعب دور أكبر في العالقات بني الحبيبني». والح�ق��ا انتقلت املناقشة م��ن محاضرة سالوفي إل��ى الكتب التي قرأتها املجموعة مثل كتاب «فن الكراهية» لجيرالد شوينولف .وأضاف مسعودي أن الحب والكراهية ليسا طرفي نقيض ولكنهما توأمان من حيث القوة كما أنهما على مسافة متساوية من الالمباالة .وأضاف ملقيا بمالحظة تحمل قدرا من التفاؤل« :ربما تندهش عندما تكتشف أن الكراهية تتحول بسهولة إلى الحب».
إنتاج تلك املقاطع عشرات الساعات وهو ما يعبر عن شغف تلك املجموعة بالعلم واملنطق. وحتى اآلن لم تثر «أصفار» غضب املحافظني ،وهو ما يعود بحسب عنزي، إلى أنها مجموعة صغيرة من املتطوعني الذين ليس لديهم سوى عدة آالف من املعجبني .ويضيف عنزي« :نحن نستأنف عملنا بحذر وحريصون على أن نجعل األمر مخففا ونتجنب املواجهات» ،فيتذكر عنزي أنهم «كانوا حريصني للغاية أثناء إعداد سلسلة مكونة من ثالث حلقات تعالج نظرية التطور ،ألنك عندما تطرح فكرة التطور ،ترفض بالضرورة فكرة «الخطط املسبقة» .وعندما أنتجنا الحلقات كنا قلقني للغاية بشأن إثارتها النتقادات مجتمعية حادة. ولكننا لم نتلق سوى عدد محدود ،اثنني أو ثالث ،من التعليقات املضطربة، فيما كانت معظم التعليقات متحمسة للقضية .فقد كانت بعضها تفيد «لم نكن نعرف ذلك من قبل ..نشكركم جزيال» .ومن ثم فإن املجتمع ،حاليا أكثر تنويرا مما كنا نعتقد» .وكانت الجماعة تحرص على تجنب تقديم مفاهيم علمية حول الله وال تعلق أبدا على السياسة.
مبادرات خجولة وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أن ت�ل��ك امل �ب��ادرة ليست إال نقطة ف��ي محيط املنتجات اإلعالمية اإلسالمية ،فإنها ليست وحدها في الدفاع عن تلك املثل .فهناك مجموعة أخ��رى متواضعة تحمل اس��م «ال�س�ع��ودي��ة العلمية» تعمل على ترجمة الفيديوهات العلمية األميركية دون أي تعليق .وهناك صفحة على «فيسبوك» مجهولة املصدر تدعى «أنا أؤمن بالعلم» وهي عبارة عن منتدى للنقاشات باللغة العربية حول أحدث االكتشافات في العالم .كما أن هناك ع��ددا من األف��راد املتحمسني مثل خالد الجودي من الرياض ال��ذي صور نفسه وهو يحث على التفكير النقدي ثم بث ذلك الفيديو على «يوتيوب». وعلى الرغم من أن بعض ه��ؤالء الشباب قد أق��ام��وا ص�لات بني بعضهم البعض ،هناك آخرون ممن التقيت بهم ينتجون املحتوى دون تشجيع أو دعم ويؤكدون أنهم يشعرون بعزلة ثقافية.
وأضاف عنزي أن تلك املنتجات «تستهدف جمهورا أكثر صبرا وثقافة» ،أما بالنسبة للجمهور الذين ليست لديهم القدرة على االنتباه لفترات طويلة ،تقدم الرسوم املتحركة لـ«أصفار» حلقة تعليمية مدتها ثالث دقائق .فهناك على سبيل املثال حلقة التفكير النقدي التي جرى نشرها على اإلنترنت مرفقة بترجمة إنجليزية ،وهي عبارة عن رسوم متحركة تشرح كتاب «األدوات السبع للتفكير النقدي» للفيلسوف دانييل دينيت؛ حيث أضافت «أصفار» إليهم أداة ثامنة باإلضافة إلى بعض التعديالت التي تتواءم مع الجمهور السعودي .وتوضح بعض الرسوم املتحركة األخرى الطرائق واملوضوعات العلمية املتعلقة بعدد من املجاالت العلمية مثل نظرية التطور وملاذا لم يعد أكاديمية التحرير يجري اعتبار بلوتو كوكبا .جرت كتابة سيناريوهات تلك الرسوم املتحركة بعناية فائقة وتزويدها بموسيقى تصويرية ورسوم أنيقة واستخدامات وكانت هناك مساع عربية أكثر قوة على غرار «أصفار» في مصر؛ حيث محدودة للنصوص وعدة فواصل من الضحك في كل دقيقة .واستغرق إن امل��دارس هناك تتمتع بسمعة مشابهة من اإلخفاق في تعليم التفكير
ناشطون لبنانيون يحملون الفتات كتب عليها باللغة العربية «صوت لنا نصوت لك» وذلك ضمن مسيرة حاشدة لحث البرملان اللبناني لتوقيع قانون ضد العنف األسري (ابريل املاضي)
,,
االستعانة بالخطاب املدني والنقاشات العقالنية هي السبيل اآلمن لحل املشكالت صغيرها وكبيرها
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
39
تقرير
من الخالفات الزوجية الصغيرة إلى الصراعات الطائفية املشتعلة ،كيف يمكن فض النزاع بني األطراف املتنازعة؟ يمكن ذلك من خالل االستعانة بالخطاب املدني والنقاشات العقالنية .فعلى سبيل املثال :تستطيع األطراف املتنازعة النقاش والتفاهم ،ومطالبة بعضها البعض بالتوقف عن املغالطات املنطقية .كما يمكنهم تحديد الخالفات الحادة بينهم وتقبل وجودها والتفاوض من أجل التوصل إلى تسوية .مما ال شك فيه فإن تحقيق ذلك ليس باملهمة السهلة في ظل األجواء الساخنة املحيطة باملواجهات ذات البعد العاطفي ويصبح أصعب في ظل تسلط الخطاب الديني أو في البيئة التي ال يجري تعليم الجدال العقالني بها أو التي ال يكون ذلك الخطاب متاحا للتدريس بلغتها املحلية.
مشاريع وليدة لتأسيس الفكر النقدي في الشرق األوسط
نزاهة ثقافية بقلم: جوزيف برادوي
,,
السعودية عبرت عن عزمها بوضوح على التغيير الجذري لطريقة التعليم نحو أفكار ومناهج أكثر انفتاحا ومدنية
,,
هناك العديد من األماكن التي ينطبق عليها ذلك مثل السعودية، فوفقا لعمر العنزي ( 23ع��ام��ا) ،طالب الطب بجامعة امللك عبد العزيز بمدينة ج��دة الساحلية فإنه «عندما يتحدث ال�ن��اس إلى بعضهم البعض هنا ،عادة ما يخوضون نقاشات حادة قائمة على مغالطات منطقية يستحيل حلها .وبالطبع فإن تركهم على هذا الحال يضر بالبالد». فمن وجهة نظره ،تمكنت «حركة جاهلة» ،يتقدمها رجال الدين املتطرفون ووس��ائ��ل اإلع�ل�ام الرجعية وم��درس��و امل ��دارس الخاضعون لنفوذهم ،من قمع االستعانة بالعقل واملنطق .وأضاف عمر أن القضاء على تلك الحركة يمكن أن يتحقق عبر نشر التفكير النقدي والطرائق العلمية وغرس الولع بالعديد من حقول العلم والتكنولوجيا التي ج��اءت كنتاج لتلك التقنيات على م��دار التاريخ .ففي يوليو (ت�م��وز) ،أنشأ العنزي بالتعاون مع ثالثة من أصدقائه مشروعا يستهدف تحقيق ذلك الهدف وهو مشروع إلنشاء منصة إعالمية تحمل اسم «أصفار» سميت تيمنا بالرقم الذي اخترع في بابل القديمة وساهم في تبديل وجه العالم .فمن خالل الوسائل السمعية والبصرية والنثر ،تحاول «أصفار» نشر األفكار حول املنطق والعلم باللهجة السعودية وبطريقة ساخرة جرى إعدادها على نحو خاص ملواءمة الجمهور املستهدف. وه �ن��اك ال�ع��دي��د م��ن امل �ش��روع��ات م�ث��ل «أص �ف��ار» ف��ي ال�ع��ال��م ال�ع��رب��ي ال�ي��وم باإلضافة إلى العديد من املشروعات التي تعتمد على نجاحهم أكثر من املتطوعني املشاركني ف��ي مشروعاتهم .فوسط إراق��ة ال��دم��اء ف��ي سوريا وال�ع��راق ولبنان ،واالستقطاب السياسي في دول ما بعد الربيع العربي وانتشار اآليديولوجيات الجهادية في شمال أفريقيا والشرق األوسط ،فإن حشد املجتمعات العربية للتفكير النقدي والتفاوض لحل نزاعاتهم الداخلية يمكنه املساعدة في تهميش الجماعات املتطرفة وتعزيز املصالحات الوطنية وب��ال�ض��رورة تعزيز االس�ت�ق��رار واألم ��ن .وتمثل م�ب��ادرة أص�ف��ار والنجاح النسبي ال��ذي حققته حتى اآلن ب��اإلض��اف��ة إل��ى التحديات التي واجهتها نموذجا على ما يمكن أن تحتاجه أي من املساعي العربية لتعزيز الخطاب املدني لكي تتمكن من اكتساب أرضية معقولة.
خطر لعبة البوكيمون!
الدين فتوى ضد ألعاب األطفال (بوكيمون وورق اللعب) زاعمني أنها تروج لـ«الصهيونية»؛ فيقول عمر إن الجميع كانوا يلقون بألعاب البوكيمون، مضيفا« :لقد كان لدي العديد من أوراق اللعب ولكنني لم أستوعب ملاذا ّ علي التخلص منها» .إثر تلك الفتوى ،ذهب عمر إلى اإلنترنت وبحث عن معنى تلك األس�م��اء وال��رم��وز امل��وج��ودة على البطاقات وال�ت��ي زع�م��وا أنها تحمل معاني خطرة ،مؤكدا أنه اكتشف أن كافة تلك البطاقات ال تحمل األذى ومن ثم قرر االحتفاظ بمجموعته .وأضاف عمر« :ولكنني الحظت أن العديد من أصدقائي لم يفكروا مثلي ،وم��ن ثم فقد احتفظت بآرائي لنفسي لسنوات طويلة». وأضاف عنزي أن السعوديني الذين يشاركونه ميله إلى تحدي التوجهات املحافظة عادة ما ينجذبون للعلوم ويكتسبون الشجاعة الكافية للتعبير عن آرائهم عندما يكتشفون أنهم ليسوا وحدهم .فلم يبدأ عنزي الحديث بحرية أكبر حول أفكاره بني أقرانه إال حينما التحق بكلية الطب بجامعة امللك عبد العزيز قبل عامني ،حيث يعد مشروع «أصفار» نتاجا لصداقته ببراء عرابي، طالب هندسة الحاسوب والفلسفة وراكان املسعودي الذي يصف نفسه بأنه «حقوقي ومدافع عن املساواة» واملولود في سوريا ويدرس في جدة ومحمد الحمراني ،طالب الطب الذي يهوى املوسيقى .ونظرا ألن جميعهم يتقن اللغة اإلنجليزية نتاج دراستهم لها في بلدهم حيث إن عنزي على سبيل املثال لم يقم من قبل بزيارة أي دولة ناطقة باإلنجليزية ،تمكن الشباب من تعزيز دراستهم بدورات على اإلنترنت مع جامعة أميركية حول املنطق العلماني وأحدث األبحاث في مجاالتهم كما أسسوا منتدى أسبوعيا غير رسمي للحديث حول ما تعلموه. وم��ن خ�لال امل�ق��االت التي كتبها عالم األح�ي��اء املطور ريتشارد دواكينز، اكتشفوا تشارلز دارون ونظرية التطور .كما منحهم استكشاف املوقع اإللكتروني « »yourlogicalfallacyis.comإطارا لتمييز أنماط الحوار في السعودية .وم��ن خ�لال االستماع من كثب إل��ى البرنامج الكوميدي الذي يذيعه جو روجان أسبوعيا على اإلنترنت تعلموا كيف يمكنهم أن يجعلوا البودكاست مسليا .وفي بداية العام املاضي ،اشتروا ميكروفون وأنشأوا استوديو مزودا بجدران تمتص صدى الصوت.
ويتذكر عمر العنزي أنه توصل إلى التفكير النقدي على نحو عفوي وهو ومن البودكاست التي قدمتها «أصفار» كانت حلقة بمناسبة عيد الحب في العاشرة من عمره وذلك في عام ،2001حينما أصدر عدد من رجال 2014حملت عنوان« :سيرة الحب :اإلعجاب وعلم النفس» ،ثم شارك الشباب 38
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
فؤاد عجمي
أرض النيل
الجدد الذي تولوا السلطة في العراق تشويه املذهب الشيعي بأفعالهم الشريرة ،نازعني منه الشعور بالرحمة التي كانت ضياءه املرشد». يختتم الروائي عبد الرحمن منيف روايته املحزنة «شرق املتوسط» بهذه السطور« :أريد أن أتبع طريقة رجب ذاتها ،أن أدفع األمور إلى نهاياتها.. لعل شيئا بعد ذلك يقع» .لم ينتظر فؤاد حتى يقع شيء ما بعد ذلك. وقف أم��ام املصير البائس للشعوب القاطنة في العالم العربي .وقف أمام الخسارة واألسى اللذين حال بشعبه .وقف شامخا وفي بعض األحيان كان يقف بمفرده.
ال ي��وج��د م�ك��ان ف��ي ال�ع��ال��م ال�ع��رب��ي خلص م��ن ن�ظ��رة ف��ؤاد الفاحصة ودراسته الناقدة ،ولكن لعل أكثر مكان حاز شغفه بعد وطنه األصلي هو أرض النيل .على أرض مصر كتب عجمي مقاله الرائع في «فورين آفيرز» عام ،1995حيث وصف الديكتاتور الراحل بـ«موظف عام بدرجة رئيس» ،وهو أفضل وصف ملحنة البلد وال يزال ينطبق عليها اليوم كما كان في ذلك الحني. ف��ي «أح��زان مصر» تأسف عجمي ألن «ف��ي صميم الحياة املصرية يقبع شعور مفزع باإلحباط .لقد كان شعور مصر الحديثة بالفخر معلمي وناصحي أكبر كثيرا من إنجازاتها» .ووصف ذاته في املقال بـ«الغريب الذي تابع منعطفات تاريخ البالد والذي يقترح عليها فقط بدافع من الرغبة في قابلت فؤاد ألول مرة في أكتوبر (تشرين األول) عام .2010كنت طالبا تمدنها وسط متاعب جسام». منزعجا من وضع دراسات الشرق األوسط في الجامعات األميركية، فأرسلت إليه عبر البريد اإللكتروني أطلب منه نصيحة في سعي إلى كانت املتاعب التي تمر بها البالد وكأنها خاصة به .في رسالة عبر الحصول على درجة الدكتوراه .تقابلنا بعد أسبوع وعلى مدار ثالث البريد اإللكتروني في سبتمبر (أيلول) عام ،2013كتب إلي قائال« :أعيد ساعات توثقت الصلة بيننا .أفضل االعتقاد بأنه رأى نسخة شابة منه، ما قاله يوسف القعيد بتصرف – ما الذي يحدث على أرض مصر؟ ما ولكنها أقل براعة ،في طالب يجلس أمامه ،إلى درجة أنه وجد تشابها الذي حدث ملصر التي نعرفها؟ ما الذي سيوقف تحول مسار مصر ب�ين تحولي اآليديولوجي بسبب أح��داث ال�ح��ادي عشر م��ن سبتمبر نحو الالمعقول والكارثة؟ هل أصبح من املخيف فعليا متابعة أخبار (أيلول) من القومية العربية إلى االتجاه املحافظ ،وتحوله اآليديولوجي. مصر واالستماع إليها وقراءتها .أمضيت أعواما كما تعلم وأنا أدرس على مدار األعوام األربعة التالية ،أصبح فؤاد معلمي وناصحي وكتب هذا البلد .لقد أصابني في مقتل في عام 1995بمشكلة في الجهاز مقدمة كتابني دعاني إلى تأليفهما. الهضمي ،وم��ع ذل��ك ظللت أح��ب املكان ،ولكن اآلن ه��ذه مصر التي ال أستطيع التعرف عليها». سوف ينعى العالم وفاة عالم بارع .ستحاول أخبار نعيه الحديث عن رجل موهوب ولكنها لن توفيه قدره .أما أنا ،فسوف أذكر عاملا جليال نشر آخر كتاب لفؤاد عجمي تحت عنوان «الصراع على السيادة في رعى شابا تحت جناحه ووجه له النصائح على مدار أربعة أعوام .سوف الهالل الخصيب» قبل وفاته بأيام .في الصفحات األخيرة من الكتاب ،أتذكر العطف والتشجيع والكرم الذي عاملني به. عاد إلى فكرة عزيزة على قلبه ،مصير الشيعة في العالم العربي .كانت وداعا يا معلمي .وداعا يا صديقي .وداعا يا فؤاد املعقد والفريد، الجملة األخيرة في الكتاب« :ستكون قصة فريدة تتحدث عن الخسارة األميركي الشيعي اللبناني ،وعلى الرغم من أن��ه لن يفضل ذلك، واألسى إذا استطاع حزب الله والحرس الثوري اإليراني وأرباب الحروب العربي أيضا <
,,
ال يوجد مكان في العالم العربي خلص من دراسته الناقدة وأكثر مكان حاز شغفه بعد وطنه هو مصر
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
37
قضايا
من بني جميع األساطير العربية في فترة ما قبل اإلسالم ،ربما تكون قصة زرقاء اليمامة أكثر مأساوية. كانت امرأة ذات موهبة حيث كانت خارقة البصر ،تحذر قومها من الهالك القادم في صورة جيش يستخدم األشجار كساتر له .وكانت اللعنة التي لحقت بها تشبه لعنة كاساندرا اإلغريقية التي لم يصدقها شعبها مطلقا .وكانت النتيجة أنهم دفعوا ثمنا باهظا.
فؤاد عجمي :مفكر عابر للثقافات تجاوز حدود اإلثنية والقومية
رجل بني عاملني بقلم: صامويل تادرس
,,
لم تكن كلماته تحظى بترحيب مطلقا في بيروت والقاهرة ..ولم تكن تواكب العصر في أروقة السلطة في واشنطن
,,
36
كان فؤاد عجمي رجال ينتمي إلى عاملني ،وكأنه جسر يربط ب�ين ثقافتني ،وك��ان ص��ادق��ا ف��ي حديثه إل��ى االث�ن�ين .ل��م تكن كلماته تحظى بترحيب مطلقا في الصالونات الثقافية في بيروت والقاهرة ،ولم تكن تواكب العصر في أروقة السلطة في واشنطن، كما هو الحال مع جميع كلمات النقد .إنه رجل قاطعه إخوته ،وارتكب أسوأ الخطايا .بدال من أن يسير وراء القطيع ،ويلقي باللوم في متاعب املنطقة على األجنبي ،كتب في الصفحات األول��ى من كتاب «املحنة العربية»« :إن الجراح ذات األهمية جراح من صنع الذات».
أصدقاء وأعداء
خالصة القضية..توجز في عبارة..لقد لبسنا قشرة الحضارة..والروح جاهلية. وبدأ املنحدر في الهبوط منذ ذلك الحني .كانت الحرب األهلية ثم مجزرة حماة ،ثم غزو صدام للكويت ،جميعا في االنتظار .إذا كان نزار قباني كتب« :أنعى لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة» ،فإن فؤاد عجمي كشف بيد حذرة عن اإلفالس األخالقي الذي نال من هذا الفكر ومن الطبقة السياسية بأسرها في العالم العربي. على عكس بعض املهاجرين العرب ،ك��ان ف��ؤاد بالفعل في وطنه في أميركا .تأقلم تماما مع البلد الذي استقبله ووقع في حبه ،وكان ممتنا للفرص التي منحها له وآمن بالفضيلة والخير الذي قد تجلبه قوته. ادع��ى مهاجموه أن��ه عندما ج��اء إل��ى أميركا ت��رك ج��ذوره وهويته ولم ينظر وراءه مطلقا ،بينما ق��ال آخ��رون إن��ه رج��ل متزعزع ممزق بني الشرق والغرب ،دائما ما يحاول االنتماء إليهما .عكست انتقاداتهم عن مخاوفهم وشكوكهم الخاصة أكثر من حديثهم عنه.
بالنسبة ملن استمر على الدرب ذاته ،يوجد تهديد خاص يمثله الرجل الذي ترك الجموع .فهو يعلم األساليب القديمة جيدا؛ وكان في املاضي يقدم البراهني ذاتها ،بل وأحيانا ما كان ُيدرسها آلخرين .ولكن األسوأ كان السؤال الذي يثيره تغيير قناعاته ،إذا طرأ عليه ،وإذا تساءل عن الحقائق الواضحة ،هل يضعفها ذلك أو يجعلها غير حقيقية؟ إنها أسئلة ملحة ،من األفضل لها االنتماء وبراعة أسلوبه ،ولم يكن أمامهم سوى توجيه الشتائم .وفي ظل عجزهم عن شرح قناعاته الجديدة ،والقوة التي دافع عنها بها ،سعوا إلى إجابات أسهل بدال من مناقشتها؛ قالوا إنه رجل يكره شعبه وإنه عنصري، وإنه متعطش للسلطة وإنه خائن .وكانت كلمات مثل «املخبر األصلي» تشيع بني رجال ال يستطيعون سوى الوقوف في ظله .لم يمكنهم مطلقا استيعاب السبب ال��ذي جعل رج�لا ش��رب من ينبوع القومية العربية يتخلى عنها ،ولم يغفروا له مطلقا خيانته. كانت لحظة الصدق التي وصل إليها عجمي في صباح يوم مصيري في يونيو (حزيران) عام .1967استغرق التخلي عن قناعاته القديمة وقتا وتفكيرا جادا في الذات ،ولكنه كان مسارا مرسوما إذ تحطمت أح�لام جيل كامل ومنطقة بأسرها على أرض ال��واق��ع على الرمال الساخنة ف��ي سيناء .انتشرت م��وج��ات الصدمة ف��ي جميع أنحاء العالم العربي على مدار عقود .كان عار الهزيمة السابقة في 1948 ق��د خلف أث��را ضئيال .وع��د جمال عبد ال�ن��اص��ر ،الشخصية التي تبحث عن مؤلف على طريقة لويجي بيرانديلو ،بالخالص ،ولكنه لم يجلب سوى األسى ،حتى إن الكاتب املصري الذكي توفيق الحكيم ألف كتاب «ع��ودة الوعي» بعد وفاة عبد الناصر ،ولكن امل��رارة التي خلفتها تلك املرحلة التقطها نزار ّقباني في قصيدته البارعة «هوامش على دفتر النكسة»:
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
لم يكن فؤاد مزعزعا قط ،وإذا كان االنتماء هو هدفه ،فكان من السهل أن يميل إلى الحكمة املقبولة بني أوساط األكاديميني واليساريني في نيويورك حيث يبدو االعتدال فضيلة وأن يتخذ منها وطنا له ،ليزداد نجمه الساطع بريقا أمام سطحيتهم الفكرية .ال يعرف من قال ذلك سوى القليل عن أميركا والقليل عن عجمي .وجد فؤاد تحررا وفرصة في العالم الجديد ،مثله في ذلك مثل املهاجرين األميركيني من أصول يهودية وبولندية وأيرلندية ،ولكن لم ينس أي منهم ،وال هو ،املكان الذي جاءوا منه .لقد انفصل عن الوسائل القديمة وعداءات املنطقة ،ولم يسمح لها مطلقا بأن تطارده في وطنه الجديد أو تستهلكه في ظالمها ،ولكنه احتفظ بحبه للمنطقة. لم يتوقف عجمي عن حب موقع وشعوب املنطقة .كان عجمي بارزا ألن��ه أصبح أميركيا بالكامل ،يحب ه��ذا البلد كما يمكن أن يحبه أي شخص ،ولكنه لم يفقد مطلقا شغفه بما تركه من خلفه .كان يعلم جيدا العلل التي حلت باملنطقة ،واآلالم التي يشعر بها من يحبونها، ويعلم الله أنها لم تقدم له شيئا سوى األلم ،ولكنه كان يعتقد دائما أن شعوب املنطقة تستحق األفضل .لم يكن يتحرج من مناصرة قضية شعوب املنطقة وتوقهم إلى الحرية .لم يكن هناك من يناصر هؤالء الذين أضعفهم الذعر في سجون صدام والذين هلكوا جراء وحشية بشار األسد ،كما فعل فؤاد عجمي.
وراء قضية ضيقة ملجموعة إثنية أو طائفية .فهذه التهمة الخبيثة طريقة قديمة التهام أقلية أو مجموعة ضغط إثنية بتوريط الواليات املتحدة في حرب خارجية نيابة عن هذه املجموعة .أي أنها ،في الصميم ،تهمة بأن أولويات عجمي ليست أميركية .وهو تماما عكس الواقع .فعجمي نظر إلى ضرورة التدخل األميركي في سوريا من نفس املنطلق الذي اعتمده في العراق ،واضعا إياه في نفس السياق مع التدخل األميركي في البوسنة. في مقابلة مع قناة سورية معارضة العام املاضي ،وض��ح عجمي هذه الفكرة« :ملا يقول إنسان هذا الكالم ،يقولون لك :آه ،أنت تؤمن باإلمبراطورية األميركية .ولكن ه��ذا ال��واق��ع .في كل ه��ذه الحمالت اإلنسانية ،الحروب اإلنسانية إلنقاذ شعوب هي في مأزق تاريخي ،بدءا بالكويت في ،1991 لو لم يكن هناك تدخل أميركي في الكويت لكانت أصبحت الكويت ،كما كان يقول أبو عدي (أي صدام حسني) ،جزءا من العراق .ثم نذهب إلى البوسنة ،في ،1995وكوسوفو في ،1999ثم نأتي إلى العراق في ،2003 وأفغانستان وليبيا .كل هذه الحروب اإلنسانية تتكل وتعتمد على الدور األميركي وإيمان الواليات املتحدة بمسؤوليتها التاريخية ...القضية ليست أن تكون شرطي العالم .القضية هي أن الواليات املتحدة هي التي تحمي مآس ومجازر النظام العاملي .إن لم تكن هناك هذه الحماية ،تكن هناك ٍ كالتي نراها اليوم في سوريا» .وربما علينا أن نلفت هنا إلى أن عددا من الناشطني واملثقفني السوريني الداعمني للثورة توجهوا بالشكر واالمتنان إلى عجمي عند صدور خبر وفاته لوقفته الثابتة إلى جانب الثورة السورية.
الحرية ولم ينبثق موقف عجمي وانتقاده للرئيس أوباما من تحزب للجمهوريني ضد الديمقراطيني ،رغم ارتباط اسمه بإدارة بوش .فمثال البوسنة الذي أشار إليه مرارا حصل تحت إدارة بيل كلينتون الديمقراطية .فهو رأى أن كلينتون مثل استمرارا للسياسة األميركية التقليدية ومبادئها التي اعتنقها الحزبان تاريخيا .وعلى عكس ذلك ،فهو وجد في أوباما قطيعة مع املبادئ األميركية التي آمن بها بعمق .وهذا ما ردده مرارا ،أنه «منذ ،2008
ملا ظهر باراك أوباما وكان تقريبا ظاهرة تاريخية ،كان عندي شك في باراك أوباما .على الرغم من الحماسة الكبيرة ،أنا لم أتحمس له» .فقد رأى عجمي في «ظاهرة» أوباما شيئا جديدا ،وغريبا ،في السياسة األميركية. فظاهرة «الجماهير» ال تلعب دورا في الحياة السياسية في الواليات املتحدة كالذي تلعبه في مجتمعات العالم الثالث .أعادت ظاهرة جماهير أوباما إلى ذهن عجمي ظاهرة مألوفة في العالم العربي ،خصوصا في حقبة عبد الناصر التي عاشها في شبابه .وهذا أساسا ما أثار شبهة عجمي في أوب��ام��ا ،إذ رأى فيه استحضارا لعلل املجتمعات العربية وأوهامها وانجذابها خلف شخص قائد مخلص .بكالم آخر ،رأى عجمي في ظاهرة شخص أوباما تجسيدا لكل ما انتقده في كتاباته ط��وال حياته املهنية عن األوه��ام العربية .وهكذا ،بتقديري أن عجمي وجد في هذه الظاهرة الشخصانية عودة إلى ما تركه وراءه عندما هاجر إلى أميركا .وقطيعة أوباما مع املبادئ األميركية التقليدية بررت ريبة عجمي. ال يمكن فهم عجمي خ��ارج سياق أميركيته .مواقفه منبثقة من رؤيته كمواطن أميركي ل��دور أميركا كقوة داعمة للحرية في العالم .وتفاؤله بإمكانية بناء نظام سياسي جديد جامع ومتعدد في العراق أتى ،ليس من نزعة شيعية مزعومة ،بل من تقليد أميركي محض بالتفاؤل في ق��درة الناس ،رغم أنه كتب بإسهاب عن اإلخفاقات املتعددة في التاريخ الحديث للعرب .فميزة كتابات وأسلوب عجمي ،الذي مزج األدب والشعر في تفسيره للتاريخ واملجتمعات العربية ،أنه ،ككل أديب جيد ،كتب عن حالة اإلنسان وتراجيديا نضال اإلنسان مع الحرية .شاءت الصدف أن يكون آخر مقال كتبه عجمي تعبيرا عن مرارته لفشل أوباما في العراق وسوريا .فرفض عجمي القبول بأن الفشل في العراق حتمي ،نابع من أميركيته ومجبول عليها .حتى النهاية ،آمن عجمي بأن أميركا وحدها قادرة على حفظ النظام والتوازن في العالم ضد االستبداد والوحشية .أي رحل كما عاش طوال حياته ،أميركيا أوال وأخيرا <
رئيس الوزراء العراقي نوري املالكي لدى استقباله الباحث والكاتب اللبناني فؤاد عجمي في املنطقة الخضراء ببغداد 17 -مارس 2007
,,
كانت مواقفه متسقة مع رؤيته كمواطن أميركي لدور أميركا كقوة داعمة للحرية في العالم
,,
* كاتب وباحث لبناني مقيم في نيويورك متخصص في شؤون الشرق األوسط
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
35
قضايا
يوم األحد الواقع فيه 22يونيو (حزيران) املاضي ،توفي املؤرخ والكاتب الكبير فؤاد عجمي عن عمر 68سنة. ولد عجمي في بلدة أرنون في جنوب لبنان في عام 1945وأتى إلى الواليات املتحدة وهو في الثامنة عشرة من العمر .اعتنق عجمي أميركا وحقق فيها أعلى درجات النجاح ،ضمنها الوسام الوطني للعلوم اإلنسانية الذي منحه إياه الرئيس جورج بوش عام .2006قصة عجمي ،إذن ،قصة أميركية كالسيكية .لذا أي محاولة لتقييم اإلرث الفكري للرجل يجب تنطلق من أن عجمي كان أميركيا أوال وأخيرا.
قراءة في اإلرث الفكري لفؤاد عجمي
معارك ضد االستبداد والوحشية بقلم: طوني بدران *
,,
لم ينبثق موقف عجمي وانتقاده للرئيس أوباما من تحزب للجمهوريني ضد الديمقراطيني رغم ارتباط اسمه بإدارة بوش
,,
34
إن أردنا أن نفهم عجمي علينا أن نفهم هذه الحقيقة األساسية. وه ��ذه الحقيقة ل��م يفهمها ن �ق��اده ،وح�ت��ى ب�ع��ض املعجبني ب��ه. فلسنوات ،قارب النقاد ،خصوصا اليساريني منهم ،عجمي من خالل عدسة سياسات الهوية التي تسود على نحو متزايد في بعض زوايا الحياة الفكرية األميركية .ووصف هؤالء عجمي بأنه «مخبر محلي» أو «العربي الصالح» الذي مهمته «بيع حروب أميركا» في الشرق األوسط .أي بكالم آخر ،ركز هؤالء الخصوم على «عروبة» عجمي ،واتهموه أنه استغل «عروبته» ليبني شهرته ،ورأوه بمثابة «العربي» الذي يخدم «اإلمبريالية األميركية» ضد «أه�ل��ه» ال�ع��رب .وك��ان األس�ت��اذ الجامعي ال��راح��ل إدوارد سعيد وأتباعه ق��ادة هذا النوع من الحمالت ضد عجمي ،إذ أطلق عليه سعيد صفة «العم عبده» ،أي النسخة العربية عن صفة «العم طوم» التي كانت تستعمل ضد األميركيني السود املحسوبني شديدي الخنوع والتبعية لألناس البيض وبالتالي الذين يشاركون في قهر «أهلهم» ،كما اتهمه بإعطاء توصيات عنصرية تجاه العرب .إذن ،بالنسبة إلى نقاد عجمي هؤالء ،فإن أصله العربي كان يجب أن يشكل هوية وحيدة طاغية ،على أن تتبع هذه الهوية العقيدة السياسية التي يحددونها هم والتي بنظرهم يجب أن يتبناها كل عربي بال استثناء .لذا ،فإن كتابات عجمي النقدية حول علل املجتمعات واألنظمة والخطاب السياسي العربي كانت بتصور خصومه مجرد غطاء يوفره مفكر عربي للغرب الذي يريد أذية العرب وإخضاعهم .بالنسبة إلى ه��ؤالء ،قدم عجمي منظومة فكرية تبرر ما يحسبونه عدوانا مستديما ضد العرب.
للعلويني أب�ن��اء ال�ج�ب��ل ...وي��رون أن ب�ي��روت ،التي كانت مغلقة ف��ي وجه ُ الشيعة قبل خمسني أو ستني عاما ،قد فقدت للشيعة نوعا ما .وثم أتى التغيير في بغداد ،تحت الرعاية األميركية ،وكان هذا التغيير صعبا على السنة أن يتقبلوه ...ورأوا أنه لن يأتي جيش عربي ليعكس هذا الترتيب الجديد» .لكن هذا التوصيف لم يتوقف عند هذه النقطة ،أي أن عجمي لم يكن يتباهى بهزيمة السنة .فدوما نظرته إلى حرب العراق كانت أنها شكلت فرصة للعراقيني لبناء صيغة سياسية جديدة بعيدة عن االستبداد والقمع .وهكذا أكمل حديثه عن رؤيته للدولة الجديدة في العراق مضيفا: «إن القول بأن الحرب أنجبت نظاما شيعيا هو تعنيف .فهذه ليست دولة شيعية في العراق .فالدولة التي لها رئيس ووزير خارجية كردي ،ونائب رئيس ورئيس مجلس نواب سني ،ال يمكن وصفها بالدولة الشيعية .نعم، إن الشيعة قد أتوا إلى موقع الصدارة في العراق ،لكن هذه دولة تعددية. السلطة متقاسمة».
املبادئ األميركية
لم يكن عجمي متغافال عن أن السنة لم ينظروا إلى مسؤوليهم في الحكومة على أنهم أصحاب ثقل تمثيلي ،بعكس املسؤولني األكراد مثال ،لكنه لم يكن منحازا ضد السنة .فهو عاد وكتب مرارا ،كما فعل في آخر مقالة كتبها في ال �ـ«وول ستريت ج��ورن��ال» قبل وفاته ،ووض��ع كل اللوم على رئيس الحكومة ن��وري املالكي لتبنيه سياسة طائفية «إلخضاع السنة وتهميش األكراد» وهو ،كما كتب ،ما لن يتقبله السنة أبدا ،وهو فعال ما يحصل اآلن في العراق .وأضاف بأن املالكي «استبدل بالوصاية األميركية اتهام بالطائفية الهيمنة اإليرانية» ،وأيضا ضرب «حلفا نجسا مع نظام األسد الوحشي وقام خصوم عجمي بمهاجمته من زاوي��ة أخ��رى ،غير مكتفني باتهامه في سوريا». بالحقد على العرب بشكل عام ،واتهموه بالطائفية واالنحياز إلى الشيعة ضد السنة ،خصوصا بسبب دوره في دعم الحرب األميركية في العراق .وربما أفضل برهان على أن عجمي لم ينطلق من دافع طائفي هو موقفه َ يتوان في مقالة بغيضة في مجلة «ذا نايشن» اليسارية في أبريل (نيسان) من الثورة السورية ،التي خصص لها آخر كتاب له قبل وفاته .فلم ،2003وصف صاحب املقالة -أحد أتباع سعيد ومتعاطف مع «حزب للحظة عن الهجوم على املالكي الصطفافه مع األسد ،كما أنه دافع بشغف الله» -كتابات عجمي بأنها «مشبعة بالعداوة تجاه العرب السنة عموما (ما عن البرامج اإلخبارية األميركية عن الثورة السورية ضد االتهامات بأن عدا عرب الخليج املوالني للغرب ،والذين يبدي تجاههم تساهال ملحوظا) الثوار هم إرهابيون أو «القاعدة» .وهنا صلب املوضوع ،فإن الدافع الرئيس وتجاه الفلسطينيني خصوصا» .هكذا لعب الخصوم على أصول عجمي ملواقف عجمي هو قناعته كأميركي بدور أميركا التقليدي في العالم .ولهذا الشيعية ،متهمني إياه بتبني «سياسة قبلية» .مما ال شك فيه أن عجمي السبب ،وجه عجمي انتقادات الذعة للرئيس باراك أوباما بسبب سياساته تحمس للتجربة األميركية في ال�ع��راق .ورأى البعض في خطابه نفسا في العراق وعلى وجه الخصوص في سوريا ،حيث وصف سياسة أوباما طائفيا شيعيا .مثال ،بعد زي��ارة ل��ه للعراق ع��ام ،2007تحدث عجمي بالفشل «أخالقيا وسياسيا» .ورأى عجمي أن أوباما «انعزالي ،ال يؤمن ع��ن كيف أن السنة «ق��د خ�س��روا معركة ب�غ��داد» وك�ي��ف أن�ه��م يعيشون بنشر املبادئ األميركية» .وهذا اإليمان بهذه هو املحرك األساسي لفكر «في صدمة» إذ «ينظرون إلى العالم العربي ويرون أنهم خسروا دمشق عجمي .فهو لم يكن ،كما اتهمه خصومه ،يسعى لتجيير القوة األميركية
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
في تقدير الرغبة األميركية في االلتزام على املدى البعيد بالوجود في أرض املعركة. في العراق ،سريعا ما خاب أمل فؤاد في أن يشهد «صعود نوع مختلف من الشيعة إلى السلطة» يمنح رجال الدين دورا سياسيا وثقافيا خاصا بهم مع إخضاعهم للسلطات العلمانية.
ويستجيبون للتكاليف والفوائد .وهذا ال يدفع إلى القول بأنها ليست دولة دينية تعتنق جميع األفكار التي أبغضها ،ولكنها ليست كوريا الشمالية .إنها دولة كبيرة قوية ترى أنها طرف مهم على الساحة العاملية ،وال أعتقد أن لها هدفا انتحاريا ،ويمكن أن تستجيب إلى الحوافز». لم تثبت أي بادرة من السلوك اإليراني ،سواء في سوريا أو لبنان أو العراق أو اليمن أو البحرين ،صحة آراء أوباما بشأن إيران. بل قدمت انتفاضة املوصل التي تدفع املنطقة إلى حافة حرب طائفية إقليمية دموية إثباتا واقعيا على خطأ فرضيات أوباما.
ووجد أن رئيس الوزراء العراقي الجديد استبدل بالنفوذ األميركي هيمنة إيرانية .ولكنه استمر في اعتقاده أن إدارة أوباما غير راغبة في التحرك في ش��أن ال�ع��راق أو حتى س��وري��ا .في رأي��ه، الرئيس األميركي غير مهتم باملنطقة ويريد سحب قواته منها، وال يريد أن «يستخدم القوة العسكرية إلنقاذ األطفال السوريني تغافل أوباما عن السياسات الطائفية التي اتبعها املالكي ،وأدت أو حتى انتشال العراق من حافة الحرب األهلية ،بل اختار قائد إلى ان��دالع الثورة السنية في العراق ،وتغافل عن جرائم األسد العالم الحر سابقا النظر في االتجاه اآلخر». في سوريا ،وأدت إلى صعود جماعة متطرفة تجند الشباب من جميع أنحاء العالم. كتب عجمي في شهر يونيو (حزيران) املاضي« :وصف السيد أوباما املالكي بالقائد املنتخب لدولة العراق الديمقراطية املستقلة ال يزال أوباما يصر على عدم اتخاذ إج��راء ،ويرفض التزحزح ذات السيادة .يشك املرء في أن السيد أوباما يعرف أفضل». عن موقفه ،بل ويشعر باالرتياح لرؤيته الوهمية« :إذا استطعت ولكن ،كان أوباما يعلم -كما أخبر جيفري غولدبيرغ في مارس أن تجعل إي��ران تعمل ف��ي إط��ار م��ن املسؤولية -بعدم تمويل (آذار) املاضي -أن هناك تحوالت تجري في املنطقة ،وأن تلك منظمات إرهابية وع��دم تطوير أسلحة نووية – يمكن أن تجد التحوالت تجعل من الالزم على الواليات املتحدة عدم إغضاب توازنا بني دول الخليج السنية ،أو ذات األغلبية السنية ،وإيران؛ قاسم سليماني ،القائد العسكري اإليراني املسؤول اليوم عن ستكون هناك منافسة ،وربما شكوك ،ولكن لن تكون هناك حرب فعلية أو بالوكالة». الدفاع عن بغداد ضد القبائل السنية املتمردة. لألسف ،لن يكون ف��ؤاد عجمي موجودا ليشهد ال�ك��وارث التي ل��م يكن عجمي يشك ف��ي أن أوب��ام��ا يسير وف��ق خطة شريرة :ستجلبها رؤية أوباما < تسليم املنطقة إل��ى اإلي��ران�ي�ين ،إذ يعتقد أن�ه��م «أص �ح��اب فكر * كاتب ومحلل سياسي وباحث أكاديمي، استراتيجي وليسوا مندفعني .ولديهم رؤية ويهتمون بمصالحهم مستشار في وسائل اإلعالم واالتصاالت اللبنانية
جورج بوش يتوسط رايس ورامسفيلد (ارشيفية)
,,
كافح من أجل إقامة نظام علماني حديث في العالم العربي
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
33
قضايا
اشتهر اسم البروفسور فؤاد عجمي بني العامة أثناء الحرب العراقية ،حيث كان مؤيدا صريحا للتدخل األميركي واإلطاحة بالرئيس العراقي صدام حسني .كان فؤاد عجمي يظهر بانتظام في برامج «تشارلي روز» و«نيوز أور» على شبكات «سي بي إس نيوز» و«سي إن إن» و«بي بي إس» ،ليوضح للشعب األميركي املنطق والسبب وراء شن الحرب التي ستكلف الواليات املتحدة ثالثة تريليونات دوالر ،وتحصد حياة اآلالف من القوات األميركية .وكان يظهر أيضا على شاشات عربية مثل قناتي «العربية» و«الجزيرة» ليوضح للشعوب العربية فوائد التدخل األميركي في أراضيهم املضطربة.
فؤاد عجمي ..اعتنق قيم الواليات املتحدة ولم يغب عن وطنه
ملهم اإلدارة األمريكية بقلم: إيلي فواز *
,,
كان فؤاد عجمي يقدم نصائحه لكوندوليزا رايس وبول وولفويتز
,,
في خطاب ألقاه نائب الرئيس األميركي ديك تشيني في أغسطس (آب) ع��ام 2002أم��ام املحاربني القدامى في الحروب الخارجية ،سعى إلى تهدئة املخاوف بشأن الغزو األميركي املرتقب للعراق ،قائال« :فيما يتعلق برد فعل (الشارع) العربي ،يتوقع خبير الشرق األوسط البروفسور فؤاد عجمي أنه بعد التحرير ،من املؤكد أن الشوارع في البصرة وبغداد سوف تعج بالبهجة ،بالطريقة ذاتها التي استقبلت بها الجماهير في كابل األميركيني». كذلك ،كان فؤاد عجمي يقدم نصائحه لكوندوليزا رايس عندما كانت مستشارة لألمن القومي في إدارة بوش ،وبول وولفيتز عندما كان نائبا لوزير الدفاع. وكما وصفه وولفيتز ،فإن عجمي «أصبح أميركيا باختياره. اعتنق قيم الدولة التي احتضنته ،الواليات املتحدة ،بشغف يكافئ تبنيه اللغة اإلنجليزية .ولكن ،لم يغب عن بصره املكان الذي جاء منه أو التعقيدات أو املأساة التي حلت بهذه املنطقة في العالم لفترة طويلة مقبلة».
«في النهاية ،إن املعركة من أجل إقامة نظام علماني حديث في العالم العربي محاولة يقوم بها العرب أنفسهم .ولكن القوة مهمة، وإرادة قوة عظمى ومكانتها قد تساعد على ضبط امليزان لصالح الحداثة والتغيير».
اعتقد عجمي أن العراق يمثل «قاعدة في العالم العربي خالية م��ن س �م��وم م �ع��اداة ال ��والي ��ات امل �ت �ح��دة األم �ي��رك �ي��ة .ف�ه��و ب�ل��د ال انتقل عجمي إلى الواليات املتحدة قبل أن يتم عامه الثامن عشر ،تحيط ب��ه امل �ح �ظ��ورات ال��دي�ن�ي��ة .ورب �م��ا يملك ال �ع��راق اس�ت�ع��دادا وظ��ل ط��وال حياته ي�ق��ارن دون وع��ي ب�ين وط�ن��ه ال�ج��دي��د وقيمه أكبر للديمقراطية من مصر ،على األقل ألنه أكثر ثراء وتحررا ونظامه السياسي والوطن الذي شهد ميالده .انعكس هذا على من الضغوط الديموغرافية التي تقع على مصر ،ومن التهديد املستمر بوجود حركة إسالمية بها». كتاباته من مقاالت وكتب. ك��ان ي�ح��اول ب��اس�ت�م��رار استيعاب سبب ال�ف��وض��ى السياسية العربية ..كان يحاول الوصول إلى أصل العنف الذي وسم العهد ال�س�ي��اس��ي ال ��ذي م��ر ب��ه ج�ي�ل��ه ،وال�س�ب��ب ف��ي وج ��ود «امل��ؤس�س��ة االجتماعية الرجعية» .كان يسعى إلى معرفة ملاذا أصبح العالم الذي جاء منه «تاريخا يحمل الوهم واليأس ،يتكرر فيه انزالق السياسة إلى إراقة الدماء». لقد وص��ل إل��ى اع�ت�ق��اد أن ال�ع��رب أنفسهم ه��م أص��ل الفوضى التي حلت بهم« ..إن ال�ج��راح ذات األهمية هي ج��راح من صنع الذات .يتدخل العالم الخارجي ،ولكن الدمار الذي نشاهده عكس منطق التاريخ العربي ،ومستوى قيادته ..لم يكن على الدخالء أن يمارسوا القمع والتشويه .كان السوط يضرب بفعل الذات». أحداث 11سبتمبر
32
بعد أح ��داث 11سبتمبر (أي �ل��ول) ،ح��ث على وج��ود دور أكثر تحديدا للقوة األميركية في الشؤون العربية. كتب عجمي« :فيما هو أكثر من إسقاط نظام ص��دام وتفكيك أسلحته القاتلة ،يجب أن يكون الدافع املحرك للمحاولة األميركية الجديدة في العراق وفي األراض��ي العربية املجاورة هو تحويل العالم العربي إل��ى ال�ح��داث��ة .أثمر اإلس ��راف ف��ي التسليم بطرق ومخاوف العرب عن نتائج مفزعة -للعرب أنفسهم وألميركا املشتركة ف��ي شؤونهم .ق��د يكون ذل��ك قاسيا وغير منصف، ولكنها الحقيقة :أصبح الصراع بني الحكام العرب واملتمردين محل اهتمام أميركا».
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
كان يرى أن «شبح ظهور دولة شيعية في العراق يمكن أن تصبح والية فارسية تابعة لحكم رجال الدين اإليرانيني – وهي املخاوف التي أصابت القوة األميركية بالشلل في عام – 1991يجب أن ينتهي .من الواضح أن وع��ود الثورة اإلسالمية انحسرت ،وأن رجال الدين ليسوا في موقف يسمح لهم بتصدير (سعادتهم الثورية) ،حيث إنهم لن يجدوا من يتقبلها في أي مكان .وهكذا، أيضا يجب أن ينظر إلى شيعة العراق بصفتهم عربا وعراقيني بكل معنى للكلمة». كان عجمي يأمل أن تريح اإلطاحة بنظام مريع في العراق يعتنق اإلرهاب العراقيني والعرب من عطايا االستبداد الكاذبة. الشيعة والسلطة ولكن ،من املؤسف أنه قلل من حجم القوة اآليديولوجية ،وبالغ
ربما راهن عجمي على بعض الشعوب العربية أكثر مما تحتمل .فهو عاد واتهم رئيس حكومة العراق نوري املالكي بالديكتاتورية في آخر مقالة له في «وول ستريت جورنال» قبل أسبوع من وفاته .ووج��ه املالكي أصابع اللوم في الفشل في العراق للرئيس ب��اراك أوباما لتقاعسه وتراجعه عن سياسات سلفه جورج بوش. لكن من أين أتى صدام؟ ومن أين أتى املالكي؟ ألم يكن الرجالن نتاج مجتمع تبنى العنف وسيلة لحل النزاعات على مدى القرن املاضي على األقل؟ ثم إن أوباما لم يبتكر سياسة جديدة في العراق ،وال حتى هو التزم بموعد سحب القوات األميركية في ستة أشهر من تسلمه الحكم في مطلع 2009 كما وعد في حملته االنتخابية للرئاسة ،بل التزم الجدول الذي كان حدده بوش لالنسحاب. ربما راهن عجمي أكثر من املعقول على مقدرة القوة العظمى في التغيير أو في املساهمة في صناعة مصير الشعوب .التجربة األميركية نفسها نجحت في دول كثيرة أخرى ،من اليابان وأملانيا إلى كوريا الجنوبية ودول يوغوسالفيا السابقة .لكن التجربة األميركية تعثرت في ال�ع��راق .األداء األميركي في العراق يتحمل ج��زءا من الفشل ،ولكن العراقيني يتحملون الجزء األكبر ،وفي هذا عودة إلى املبدأ األساسي الذي التزمه عجمي والقائل بضرورة «نقد الذات» كمقدمة ألي تغيير ،حتى لو بمساعدة أميركية. من عرفوا عجمي عن كثب يتذكرون أن الرجل كان مميزا في شخصيته وهندامه وآرائه وثقته بنفسه .أحبه طلبته في جامعة «جونز هوبكنز» ،حتى الذين اختلفوا معه في الرأي .كان يصادقهم ،ويسأل عنهم ،ويتابع تطورهم الفكري ،ويشاكسهم فكريا ،ويشاكسونه. قبل أعوام قليلة ،اشتكى عجمي من ألم في رقبته .اعتقد أنه ناتج عن جلساته الطويلة على جهاز آيباد وأجرى فحوصات طبية ،فتبني أنه كان يعاني من مرض خبيث انتشر في عظمه .كان العام الدراسي لم ينته بعد ،لكن عجمي أعلن تقاعده وحصر نشاطاته بالكتابات الصحافية واإلطالالت التلفزيونية. عجمي كان إنسانا متكتما على شؤونه الشخصية ،لكن أصدقاءه نقلوا عنه أنه أبدى تجاوبا مع العالج وتحسنا كثيرا .الشهر املاضي ،ردد مقربون من عجمي أن وضعه يسوء وأنه انتقل إلى بيت صيفي له في والية ماين الشمالية ليقضي فيها آخ��ر أي��ام��ه .بعد ذل��ك بقليل ،أص��در مركز أبحاث هوفر ،التابع لجامعة ستانفورد املرموقة ،بيانا أعلن فيه وفاة األكاديمي، الذي شغلت أعماله وآراؤه رجال القرار والسياسة والثقافة في العاصمة األميركية وعواصم أخرى. رحل ابن بلدة ارنون الجنوبية اللبنانية الذي كان يردد أن عائلته من أصول إي��ران�ي��ة انتقلت إل��ى لبنان بسبب أعمالها ف��ي زراع��ة وصناعة التبغ .مع ح�ل��ول الخمسينات ،انتقلت عائلته إل��ى ب�ي��روت حيث درس ف��ي مدرسة «إنترناشيونال كولدج» ،ولم يكد يتم الثامنة عشرة حتى انتقل إلى الواليات املتحدة حيث أتم دراسته الجامعية ،وتزوج األميركية ميشال وأنجب منها. ومنذ مطلع الثمانينات ،ألف عجمي أكثر من عشرة كتب ،جاءت باكورتها في العام 1981بعنوان «مأزق العرب» وتناول فيه «الفكر السياسي العربي بعد العام .»1967وفي العام .1986أصدر عجمي كتاب «اإلمام املختفي» الذي عرض فيه سيرة حياة رجل الدين اإليراني اللبناني موسى الصدر الذي اختفى في العام 1978في ظروف غامضة. وف��ي ال�ع��ام 1998أص��در عجمي كتابا شيقا آخ��ر حمل ع�ن��وان «قصر أحالم العرب» .أما آخر كتبه ،فصدر في العام 2012وحمل عنوان «الثورة السورية». وكان لعجمي عالقات وطيدة مع إدارة الرئيس جورج بوش االبن ،الذي كان يستقبله بشكل متواصل في البيت األبيض ،وظل على عالقة شخصية معه حتى بعد خروجه من الحكم ،فكان بوش يرسل لعجمي بطاقات املعايدة الشخصية بشكل دوري .وفي إدارة بوش االبن أيضا ،كان لعجمي عالقات وط�ي��دة بنائب الرئيس دي��ك تشيني ووزي��رة الخارجية كوندوليزا راي��س ومساعد وزير الدفاع ديك تشيني.
فؤاد عجمي
هكذا ،كان من الطبيعي أن تتكئ إدارة بوش االبن إلى أفكار عجمي وأقواله ومقاالته أثناء حملتها إلقناع ال��رأي العام األميركي بضرورة الذهاب إلى الحرب في العراق .وهكذا كان عجمي يطل ،في حرب العراق الثانية كما في األول��ى ،مدافعا عن ض��رورة الحرب من أجل املصالح األميركية ،ومن أجل نشر الديمقراطية وتحرير الشعب العراقي من نير االستبداد الذي كان يعيش في ظله. ومع أن عجمي تعرض لحمالت انتقاد كبيرة ملساندته حرب العراق ،إال أنه وجد نفسه فيما بعد صديقا لكثير من منتقديه أنفسهم الذين راحوا يطالبون اإلدارة األميركية بشن ضربة عسكرية ضد أهداف لقوات الرئيس السوري بشار األسد. على أن الحزبية األميركية سيطرت على م��واق��ف عجمي ،وه��و ثابر في مهاجمة الرئيس باراك أوباما منذ ما قبل انتخابه رئيسا في العام 2008 وحتى املقالة األخيرة التي كتبها في «صحيفة وول ستريت جورنال» في الثالث عشر من الشهر امل��اض��ي ،أي بعد ثالثة أي��ام على أح��داث املوصل العراقية ،ووجه فيها أصابع اللوم إلى أوباما ورئيس حكومة العراق نوري املالكي ،معتبرا أن عدم متابعة األول لسياسة بوش وسحبه القوات األميركية م��ن ال �ع��راق م��ن دون اإلب �ق��اء على ق��وة ص�غ�ي��رة ،مترافقا م��ع امل�م��ارس��ات الديكتاتورية للمالكي ،هي التي أطاحت باإلنجازات التي تعبت إدارة بوش من أجل التوصل إليها لتثبيت الوضع األمني في العراق مع حلول العام .2009 رحل عجمي ،لكن آراءه باقية ،والنقاش حولها سيستمر لسنوات كثيرة، أو هذه على األقل سنة املثقفني من أمثاله<
,,
كان فؤاد عجمي من أشد املؤيدين لتوجيه ضربة عسكرية أميركية لقوات نظام بشار األسد
,,
* صحافي وكاتب لبناني ،مقيم في الواليات املتحدة
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
31
قضايا
رحل فؤاد عجمي .رحل الرجل الذي طبعت أناقته اللغوية وغزارة أفكاره النقاش حول الشرق األوسط على مدى العقود الثالثة املاضية .رحل الرجل الذي لم يستح من املواجهات الفكرية ،ال في وجه ذاك الشاب اإلسرائيلي وخريج جامعة «إم آي تي» بن ناتاي الذي أصبح فيما بعد رئيس حكومة إسرائيل بنيامني نتنياهو ،وال في مواجهة األكاديمي الفلسطيني إدوار سعيد.
ما بعد فؤاد عجمي :ستظل آراؤه باقية والنقاش حلولها سيستمر
نقد الذات العربية بقلم: حسني عبدالحسني *
,,
منذ مطلع الثمانينات ألف عجمي أكثر من عشرة كتب ،جاءت باكورتها في العام 1981 بعنوان «مأزق العرب» ..أما آخر كتبه فصدر في العام 2012وحمل عنوان «الثورة السورية»
,,
30
فكر فؤاد عجمي لم يكن معقدا كتعابيره ،بل كان بسيطا كمحياه .املختلفة عن آراء الحزب الحاكم ،فابتعد عجمي ولم يزر الوطن األم لعقود ال�ه��دف ه��و رف��اه الشعوب العربية على غ��رار نظيرتها الغربية .قبل مماته. املشكلة كانت في مطلع شبابه سببها إسرائيل التي كانت تجتاح قناة السويس في العام 1956وتبتلع الضفة وغزة والجوالن في العام .1967على أن عجمي لم يتصرف يوما كعربي كاره لنفسه ،على ما يحلو لناقديه ال�ق��ول .إنجليزيته كانت دوم��ا جميلة ومعقدة ،لكنه ل��م يتخل ع��ن لكنته لكن الزمن تغير والعقل العربي بقي على حاله. كيف تصفي حركة حماس أكثر من 200عضو في فتح إبان انقالبها الذي العربية .في األشهر األولى التي تلت الثورات العربية في تونس وليبيا ومصر استولت فيه على قطاع غزة في العام .2007ويكون الحق على إسرائيل؟ وسوريا ،أطل بشكل شبه متواصل على القنوات األميركية .قدم عجمي كيف يقتل بشار األسد أكثر من 150ألف سوري في ثالث سنوات وتبقى صورة بهية عن الشعوب العربية وعن طموحاتها ،ووصفها بمحبة للسالم فلسطني القضية املركزية؟ هناك في فلسطني ،بالكاد يصل عدد القتلى والكرم وصديقة للشعوب األخرى ،بما فيها الغربية .أما املذنب الرئيسي، الفلسطينيني إلى 10آالف منذ العام ،1987أي بعد انتفاضتني فلسطينيتني في فكر عجمي ،فكان االستبداد ،إن في شخص صدام حسني في العراق وثالث حروب إسرائيلية ،واحدة على الضفة واثنتني على غزة؟ أو حافظ وبشار األسد في سوريا أو معمر القذافي في ليبيا .الحل ،برأي األكاديمي الراحل ،يكمن بالتخلص من املستبدين .بعد ذلك يصبح الطريق نقد ال��ذات العربية ك��ان في صلب تفكير عجمي ،وه��و أم��ر ك��ان يتناقض مفتوحا لغد أفضل يقدم فيه العرب طاقات مجتمعهم الشاب ويلتحقون مع سعيد وأمثاله الذين ألقوا بالالئمة في الشقاء العربي على الكولونيالية بركب العالم املتقدم. األوروبية أوال ،ثم اإلمبريالية األميركية ثانيا ،وكأن اإلمبريالية أمر طارئ على العرق البشري ،وكأن إسكندر املقدوني ،الذي ورد اسمه في القرآن على كان عجمي يستمتع بشعر نزار قباني وبموسيقى أم كلثوم ،ويكيل املديح أنه «ذو القرنني» ،لم يغز الشرق ،ولم يؤسس مدينة حملت اسمه في مصر ،أو للحضارة العربية أمام محدثيه ،وخصوصا من األميركيني .لم يكن عند كأن العرب لم يغزوا بالد فارس وبالد الروم وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا .عجمي مشكلة الدونية التي اتهمه بها البعض ،لكنه لم يعتقد أن الجذور قد تساهم اإلمبريالية في تعميق أزمة العرب ،ولكن قد يمكنها أن تساهم كانت تحتم على العرب أن ينطقوا بلسان واحد أو أن يتشاركوا برأي واحد، في حلها .سعيد وم��ؤي��دوه تبنوا الفكرة األول��ى .عجمي ت��درج من األول��ى وهو األمر الذي يبدو أنه فات معظم منتقديه ،من العرب كما من األميركيني. إلى الثانية. وع�ج�م��ي ك��ان ي ��ردد كلمة «ع ��رب» بشكل م�ت��واص��ل ،ح�ت��ى أث �ن��اء حديثه باإلنجليزية ،التزم بحرف العني ولم يلفظها «آراب» .اثنان من كتب عجمي حملت كلمة عرب في عناوينها« :مأزق العرب» و«قصر حلم العرب». معاداة اإلمبريالية ّ تصور عجمي أن العرب طيبون بفطرتهم .في الكويت ،سيسعدهم التخلص لكن مدرسة «معاداة اإلمبريالية» ال تؤمن بالتعددية في الرأي العربي .كل من قوات صدام التي احتلتهم ،وسينثرون الورود والحلوى على املحررين من اختلف معنا فهو «خائن» ومع اآلخرين ،يقول ه��ؤالء .عزز االنطباع األميركيني ،وهو ما حصل .وكما في الكويت ،اعتقد عجمي أن العراقيني حول «خيانة» عجمي للعرب وقضيتهم املزعومة أن األخير راح يتحدث عن سيستقبلون االجتياح األميركي بالورود والحلوى .ربما العبارة لم تكن األميركيني بصيغة «نحن» ،فكان أول من تصدى له بعض عرب أميركا .من صنع عجمي نفسه بل من صناعة صديقه العراقي كنعان مكية ،مؤلف لكن هؤالء ،مثل عجمي ،وفدوا من دولهم ،عاشوا في أميركا ،عملوا فيها كتاب «جمهورية ال�خ��وف» تحت اس��م سمير خليل .لكن عجمي آم��ن أن ودفعوا ضرائب لحكومتها ،أقسموا «يمني الوالء» للواليات املتحدة وحملوا الشعوب العربية ،مثل الشعوب األخرى ،تصبو للتحرر من الديكتاتوريات ج��وازه��ا .لكن لسبب م��ا ،ال يقدم ع��رب أميركا من «معاديي اإلمبريالية» الدموية مثل في العراق وسوريا. أنفسهم على أنهم أميركيون على غ��رار باقي املهاجرين ،بل يتصرفون كزوار أو كأن جوازاتهم األميركية هي بطاقات إقامة مؤقتة ،وهو ما يدفع لم ينظر عجمي إل��ى العرب كقبائل وط��وائ��ف متناحرة ،ول��م يعتبر أن ما جرى في العراق بعد صدام كان بسبب العراقيني ،فكتب كتابه عن «الثور األميركيني بدورهم إلى معاملتهم بالصورة نفسها. السورية» ،وصور فيها معاناة ،ال السوريني السنة فحسب ،بل العلويني لم يتصرف عجمي كأميركي مؤقتا ،فالرجل ال��ذي ول��د في قرية ارن��ون ك��ذل��ك ،م��ن حكم آل األس ��د .وم��ن نافلة ال �ق��ول :إن عجمي ،ك�ع��رب وع��رب الجنوبية اللبنانية في العام 1945وصل الواليات املتحدة في العام 1963أميركيني كثيرين ،كان من أشد املؤيدين لتوجيه ضربة أميركية لقوات وقضى فيها 50عاما حتى وف��ات��ه ،ما يعني أن��ه قضى فعليا عمره في نظام األس��د .الضربة لم تأت ،وهو ما ساهم في زي��ادة حنق عجمي ضد الواليات املتحدة أكثر من وطن منشئه لبنان ،الذي ضاق ذرعا به وبآرائه إدارة الرئيس باراك أوباما.
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
على املستوى الدولي: ال شك أن الواليات املتحدة األميركية بصدد إدخال تعديالت على سياستها الشرق أوسطية بعد انفتاحها على إيران وبعد امتناعها عن إرسال قوات برية إلى العراق ،وبقدر حسم الواليات املتحدة في مسألة مقاومة «داع��ش» واإلره��اب في العراق ،وهي مساندة ترتق إل��ى مساندة على سياسية في نظر الحكومة العراقية لم ِ امليدان ،فإنها تركت نوعا من املرارة لدى حكومة بغداد التي كانت ت��أم��ل ف��ي م�س��اع��دة على األرض ،لكن ذل��ك ال يعني أن ال��والي��ات املتحدة تنسحب م��ن املشهد ال�ع��راق��ي وال�ش��رق األوس��ط عموما نظرا لتشابك مصالحها باملنطقة عموما ،وه��ي مصالح أمنية جيواستراتجية واقتصادية ،لكن الذي ّ تغير هو طريقة الوصول إلى تحقيق هذه األهداف ،فهل ستتوصل الواليات املتحدة إلى تحقيق معادلة اإلبقاء على مصالحها بالتوصل إلى حلول بأقل التكاليف والخسائر في ظل مشهد دولي شديد الغموض؟ وهل أن تباطؤ الوصول إلى حل في امللف النووي اإليراني حاليا مرتبط باملتغيرات الجيواستراتيجية القادمة ف��ي املنطقة؟ وه��ل أن محادثة بوتني الهاتفية ي��وم 20يونيو 2014مع املالكي للتعبير عن مساندته املطلقة له في حربه على اإلرهاب ،يترجم عن تحول جزئي للمكون الشيعي في عالقاته بروسيا من خالل تمتني تحالفه مع روسيا، مثلما فعل السيسي عندما تضايق من خذالن أميركا له في حربه على اإلخوان. ويبدو أن أميركا وأوروبا تتحرك اليوم على رمال جد ساخنة ،ألنها تتخوف من صدمة بترولية جديدة تؤثر في ارتفاع أسعار النفط إذا اتخذت الحرب في العراق منحى حرب أهلية طويلة ،في حني ال يزال هذا الغرب يعيش على فوبيا إمكانية تعطل تمويله بالغاز األوكراني الذي يؤمن نحو 20في املائة من حاجات أوروبا.
متهمة من ط��رف بعض املعارضني الشيعة ب��أن لها مصلحة في وج��ود ع��راق ضعيف تتحكم في خيوطه ،ولذلك يمكن إلي��ران أن تعدل سياستها في هذا االتجاه. وت��ؤك��د النخب العراقية حاليا أن ال أم��ل ف��ي ال�ع��ودة مل��ا ك��ان عليه ال�ع��راق قبل 10يونيو ،وأن تعامل إي��ران مع ج��ار ق��وي ومستقل أفضل من التعامل مع جار تابع ،وبالتالي فاإليرانيون ال يعدمون ذكاء في التعامل مع املستجدات الراهنة بالعراق بالطرق التي تحفظ مصالحهم ومصالح بقية األطراف. وب �خ �ص��وص ت��رك �ي��ا ،ف ��إن م�ص��ال�ح�ه��ا ت �ف��رض ع�ل�ي�ه��ا تشجيع امل �ص��ال �ح��ة ال��وط �ن �ي��ة ح �م��اي��ة ل � ُه��ذه امل �ص��ال��ح ،وت �ع��رف ت��رك �ي��ا أن صفحة اإلس�ل�ام السياسي ط��وي��ت ،على األق��ل لسنوات طويلة، وأن البراغماتية السياسية تقتضي التحالف م��ع دول املنطقة لتطويق خطر اإلرهاب والحفاظ على مصالحها الحيوية القومية. ُ ويتوقع بعد هدوء عاصفة املعارك في العراق أن يجتمع مسؤولو كل من إي��ران وتركيا والسعودية للتباحث في مستقبل األمن باملنطقة ،وفي مقدمتها الوضع في سوريا وال ننسى أن دعوة وزي��ر الخارجية العراقي إلى الرياض تبقى مفتوحة في انتظار الظروف املالئمة ،كما جدد األمني العام لألمم املتحدة بان كي مون دعوته يوم 20يونيو 2014للسعودية وإيران للجلوس إلى مائدة التفاوض والتباحث في الخيارات التي تجنب املنطقة تداعيات الفوضى األمنية واإلرهاب.
أما الصني وروسيا فإنهما تعتبران أن ما حصل في العراق فشل للسياسة األميركية في املنطقة ،ويدعو ه��ذا البلدين إل��ى مقاومة اإلرهاب داخل العراق وخارجه واإلسراع بإنجاز املصالحة الوطنية. إن الخطر الذي يجدر االنتباه إليه هو أن أخطار الحرب األهلية في العراق تكمن في أن تيارات اإلرهاب ستصبح صناعة رائجة يجري إعدادها في مخابر متعددة تنتشر بسرعة إقليميا ودوليا. وإج�م��اال ف��إن ع��ودة ال�ه��دوء واألم��ن إل��ى ال�ع��راق تصبح ض��رورة عراقية وخليجية وعربية ودول�ي��ة ،ويبقى ه��ذا ال�ه��دوء مرهونا ب�ت�ن��ازالت ك��ل األط ��راف واالب�ت�ع��اد أكثر م��ا يمكن ع��ن خطابات التجييش التي ال تزال على أشدها في الوقت الحاضر .ورغم أن مخاطر التقسيم ال تزال حاضرة بقوة فإنها يمكن أن تؤدي إما إلى قيام دولة كردية مستقلة في أقصى الحاالت ،أو إلى االعتراف لألكراد بتوسيع صالحيات الحكم الذاتي واالعتراف لهم بضم ك��رك��وك وامل�ن��اط��ق ال�ت��ي س�ي�ط��روا عليها أخ�ي��را إل��ى حكومتهم الحالية ،مع تمكني ه��ذه الحكومة من حرية التعاقد الكامل مع ّ الخارج في ال�ث��روات النفطية ،وف��ي املقابل ف��إن استفادة السنة من الحراك األخير ليس واضحا وال مضمونا ،كما أن مشروع التقسيم مساوئه بالنسبة لهم أكثر م��ن محاسنه على امل��دى الطويل ،ولذلك فالعراق على مفترق ط��رق ول��ن يكون الحل إال ّ سياسيا كما أن سياسة الترضية تجاه السنة واألكراد ستزيد ُ ال�ع��راق ق��وة ،وستكون دول��ة املواطنة التي يمكن أن تنجز على مراحل ،هي الضامن الرئيس واألساس لعودة العراق دولة موحدة وقوة إقليمية مشعة بمدنيتها وديمقراطيتها وانفتاحها على األجوار وعلى العالم <
,,
أخطار الحرب األهلية في العراق تكمن في أن تيارات اإلرهاب ستصبح صناعة رائجة يجري إعدادها في مخابر متعددة تنتشر إقليميا ودوليا
,,
* باحث في التاريخ املعاصر بكلية اآلداب والفنون واإلنسانيات -جامعة منوبة
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
29
قصة الغالف
هل باإلمكان تفادي سايكس بيكو جديد؟ إن تغير كثير من املعطيات على األرض في املعارك الدائرة حاليا في العراق يفرض أن يكون الحل قائما على مرتكزات موضوعية لتفادي مشروع تقسيم العراق ،وأبرز هذه املرتكزات:
,,
اإلسراع باملصالحة الوطنية سينعكس حتما على الوضع اإلقليمي وعودة الدولة العراقية للسيطرة على حدودها ّ ستمكنها من تحجيم «داعش»
,,
تشكيل حكومة عراقية موسعة من دون رئاسة املالكي. وضع خارطة طريق تنظم العالقات بني مختلف الطوائف واملذاهبتبدأ بترضيات للسنة واألك��راد وتنتهي بإصدار تشريعات تعزز التوجه نحو دولة املواطنة الحقيقية. مقاومة ومنع ك��ل امليليشيات املسلحة خ��ارج إط��ار ال��دول��ة عندحصول االتفاق. منع أي تدخل خارجي في العراق سواء كان أميركيا أو إيرانيا،ألن أي تدخل خارجي يحمل تبعات وتكون له تداعيات. ُّتوحد كل األط�ي��اف السياسية في ال�ع��راق ح��ول مشروع واضح ملقاومة اإلرهاب يبدأ بالقضاء على جذوره االجتماعية والسياسية واأليديولوجية وينتهي بإقامة وفاق واسع حول أمهات القضايا. وف��ي ه��ذا اإلط��ار تصبح مقاومة إره��اب «داع ��ش» وم��ن ك��ان على شاكلتها ضرورة وطنية وإقليمية ،ألن تمدد هذه الفصائل داخل العراق وخارجه يهز استقرار املنطقة كاملة. اإلسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية ،ألن ذلك ُسيجنب العراقيني مآسي كثيرة .وهناك قيادات قادرة على تحمل رئاسة الحكومة في هذه الفترة مثل السيد عمار الحكيم أو إياد عالوي أو غيرهما ،وقد قابلت الحكيم منذ ثالثة أشهر وك��ان متحمسا ملشروع دمقرطة العراق ،وملست لديه رغبة أكثر في التعاون مع دول الخليج إلحداث توازن بني الشق القريب من إيران والشق القريب من دول الخليج. وأعتقد أن حكومة بها الحكيم وع�لاوي وأنصار املالكي وقيادات بارزة سنية وكردية ،تكون قادرة على امتصاص مخاطر التقسيم، ألن ه��ذا التقسيم سيكون كارثة ال على العراق فحسب ،بل على دول املنطقة أيضا .وأعتقد أن إيران لن تمانع مع مثل هذا الحل ،ألن مصلحتها على املدى املتوسط والبعيد لن تكون في دولة طائفية.
مآالت الحرب في العراق وطنيا وإقليميا ودوليا مائدة على املستوى الوطني:بقدر ما يقع اإلس��راع بالجلوس إل��ى ّ التفاوض بقدر ما تكون التداعيات أقل حدة ،وعراق الغد ُيسطره الحوار الوطني الذي ال يستثني أحدا ،سواء كان عراقا مركزيا أو فيدراليا أو شبه فيدرالي .لكن األهم هو النجاح في تشكيل حكومة يقبلها الجميع ويكون لها برنامج سياسي واقتصادي واعد يقضي تدريجيا على التهميش والفساد ،ويحقق فرصا أكبر للتشغيل، وه��ذا شرط ض��روري لعودة إشعاع ثقافة التعايش التي افتقدها العراقيون في السنوات األخيرة. ُ ويستحسن أن تتضمن الحكومة ك��وادر مقتدرة من التكنوقراط في وزارات التنمية الجهوية واالقتصاد الوطنيُ ، ويستحسن كذلك الشروع في ضبط استراتيجية أمنية جديدة تجعل األمن والجيش جمهوريا بحق في خدمة املجتمع ،ويجري انتقاء قياداته على أساس الحرفية غير املؤدلجة ،ألن ضمان بقاء أي دولة يكمن في وجود جيش قوي محترف والتفاف شعبي حول خيارات هذه الدولة عندما تكون قائمة على املواطنة الحقة. على املستوى اإلقليمي:إن اإلسراع باملصالحة الوطنية سينعكس حتما على ال��وض��ع اإلقليمي ،وبالتالي ف��إن ع��ودة ال��دول��ة العراقية ّ للسيطرة على ح��دوده��ا ،وخصوصا م��ع س��وري��ا ستمكنها من
28
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
مقاتلون ينتمون الى داعش يضعون الفتة كبيرة تحمل اسم التنظيم عند مدخل مدينة حلب بعد استيالء عناصر على شمال املدينة
تحجيم «داعش» وبقية التنظيمات الراديكالية في انتظار الوصول إلى حل سياسي للنزاع السوري بعد أن اتضح أن ال��دول الكبرى غير قادرة أو ال ترغب في الحسم العسكري في هذه الحرب .لكن بقاء الجرح السوري مفتوحا سيؤثر بشكل مباشر على العراق حتى لو ّأمن هذا األخير حدوده ،ألن القضاء على إرهاب «داعش» ومثيالتها يستغرق وقتا أطول. ّ إن العراقيني السنة الذين ساندوا املالكي في ح��رب الصحوات ال يريدون أن ُيخدعوا ثانية ،لذلك نجد أن مساندة الحكومة القادمة ستكون على أساس البرنامج ال على أساس الوعود ،وبالتالي فإن ّ ّ تحمس العراقيني السنة لطرد اإلرهابيني سيكون متزامنا مع ما يرونه من تغيير على أرض الواقع. أما دول الخليج وفي مقدمتها السعودية ،فإنها لن تمانع ال في قيام حكومة وح��دة وطنية وال في منح ترضيات حقيقية للمحافظات السنية .وترى السعودية وحلفاؤها كذلك أن من مصلحتها التعاون م��ن أج��ل منع تمدد ال�ت�ي��ارات املتشددة دينيا .وال يختلف موقف مصر مع موقف دول الخليج بما في ذلك قطر التي حاولت أخيرا التصالح مع مصر ،ولعل ذلك سيساعد في تطويق الظاهرة اإلرهابية باملنطقة (البعض اآلخر يرى أن قطر في طريقها إلى رفع يدها عن مساندة التيار اإلخواني بالعالم العربي) .وبخصوص إيران ،هناك مؤشرات على تغيير ستقدم عليه إيران مستقبال في العراق ،ألن النقد املوجه إليها يأتي من الطيف الشيعي قبل السني ،فإيران
في الفترة األخيرة بسبب االختالف حول مسألتني :مسألة إلحاق ما نراه اليوم .ولم تنفع الـ 41مليار دوالر التي خصصتها الحكومة كركوك بمناطق الحكم الذاتي الكردي ،ومسالة حق الحكومة الكردية العراقية خالل سنوات 2014 - 2011لدعم القوات املسلحة في رد في عقد صفقات مع الشركات البترولية دون الرجوع إلى موافقة خطر اإلره ��اب ،بل رأينا انسحابات مذهلة لقادة عسكريني يوم 10يونيو 2014اضطرت حكومة بغداد أن تحيلهم إلى القضاء حكومة بغداد. العسكري. إن سياسة اإلقصاء وغياب الحوكمة وارتفاع نسبة الفساد املالي واإلداري تشكل أرضية خصبة لراديكالية املعارضة. فاملتضررون هل يشهد العراق واملنطقة سايكس بيكو جديدا؟ كثيرون من كل الطوائف واملذاهب وفي مقدمتهم التيار السني. والجدير بالذكر أن العراق لم يتخلص في الحقيقة من ظاهرة الفساد منذ ع�ق��ود ،ففي الثمانينات م��ن ال�ق��رن ال �ـُ 20ب��ددت م��وارد البالد وإمكانياتها االقتصادية في حروب عبثية ال طائل من ورائها ،وفي التسعينات ازدادت نسبة الفساد مع وضعية الحصار الدولي الذي عاشه العراق فانخفض دخل الفرد وأصبح االرتشاء واملحسوبية عملة رائجة للتغلب على تكاليف املعيشة املرتفعة.
وثان ملنطقة الشرق تحدثت بعض الدراسات عن سايكس بيكو أول ٍ األوسط قبل 10يونيو .2014فاألول كما هو معلوم كان في 1921 عندما جرى اقتطاع لواء اإلسكندرونة من سوريا وأعطي لتركيا، يجر إنجازها، أما سايكس بيكو الثاني فكان فكرة ومشروعا لم ِ ارتبطت بالربيع العربي مع حكم اإلخوان املسلمني في تونس ومصر وليبيا ،وإمكانية تمدد حكمهم إلى دول أخرى .فكان هذا املشروع اإلخ��وان��ي يترجم حسب ه��ذه ال��دراس��ات عن «ام�ت��داد حكمهم من املغرب العربي إل��ى ح��دود ال�ع��راق؛ بحيث تشمل تونس – ليبيا – الجزائر – املغرب – مصر – األردن -سوريا بالتنسيق مع تركيا وقطر».
وب�ع��د تغيير ن�ظ��ام الحكم ف��ي 2003ك��ان األم��ل ق��وي��ا ف��ي تفادي أخطاء النظام السابق ،لكن ما حصل هو أن الدولة الجديدة ورثت أسلوب رجال الدولة القديمة في التصرف املالي واإلث��راء املشبوه؛ حيث كانت السيطرة على الثروات تجري دون مراقبة أحيانا ودون إصدار تشريعات تقضي في العمق على جذور الفسادُ ، وص ّنف وسقط هذا املشروع ،كما يقول أصحاب هذه الدراسات ،بسقوط ُ ُ العراق في السنوات األخيرة كثالث دولة في الفساد ،حسب «منظمة مرسي ال��ذي لو بقي لكانت ن��ذر الحرب األهلية في نظرهم ،تطال دوال عربية كثيرة .ومما ساعد في وأد هذا املشروع الدعم الخليجي، الشفافية الدولية». وخصوصا السعودي واإلماراتي والبحريني ،لنظام الحكم الجديد كل ه��ذه العوامل زادت من حالة الغليان واالحتقان ،ألن ع��راق ما في مصر .وبالتالي يرى ُم ّ عدو هذه البحوث أن مشروع تيار اإلسالم بعد صدام لم يدخل نادي البلدان الديمقراطية رغم تعدد العمليات السياسي بعد الربيع العربي كان يهدف إلى أبعد من مسألة الوصول االنتخابية ،ألن املنطلق كان خاطئا منذ البداية؛ إذ ال تزال العقلية إلى الحكم ،بل كان الهدف يتمثل في إحداث تغيرات جيواستراتجية الطائفية في الحكم متفوقة على عقلية دولة املواطنة فكانت النتيجة عميقة في املنطقة.
كردية من قوات البيشمركة في السليمانية تتأهب للقتال ضد «دولة العراق اإلسالمية وبالد الشام» (داعش) 25 -يونيو املاضي
,,
الصني وروسيا تعتبران أن ما حصل في العراق فشل للسياسة األميركية في املنطقة
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
27
قصة الغالف
«داعش» هذا التيار اإلرهابي القديم الجديد بالعراق تصدر األحداث في وسائل اإلعالم الوطنية والعربية والدولية ،فالعراقيون تآلفوا منذ مدة طويلة مع التفجيرات والعمليات اإلرهابية اليومية لكنهم لم يهضموا كيف تحولت من اعتداءات متفرقة ،إلى ما يسميه البعض شبه غزو للبالد ،وينعته البعض اآلخر بالثورة الداخلية. فالذي حصل أمر جلل ،والذي سيحصل ال يقل أهمية.
هل للعراق أن يختار بني التقسيم والدولة املدنية؟
فتوحات «داعش»! بقلم: د .أعلية عالني *
,,
تسارعت األحداث في العراق منذ يوم 10يونيو املاضي بشكل فاجأ البعض في الوقت الذي توقعه بعض الخبراء
,,
26
هل أصبح نظام الحكم في ال�ع��راق بعد رحيل األميركان غ�ي��ر ق ��ادر ع�ل��ى إش��اع��ة االس �ت �ق��رار واألم� ��ن؟ وه��ل أن ما حصل من تأزم أمني في األشهر األخيرة يعود إلى عوامل داخلية وخارجية أو االثنني معا؟ وهل أن ما حصل يوم 10يونيو (حزيران) 2014وما بعده يؤشر إلى خريطة جديدة في العراق؟ وخ��ري�ط��ة ج��دي��دة ف��ي ال�ش��رق األوس ��ط؟ وه��ل أن ت��داع�ي��ات الحرب السورية ستكون أحد أهم العوامل املهمة في التأثير على العراق سلبا أو إيجابا؟ ما هي أبرز مآالت الحرب الدائرة حاليا في العراق اإلرهاب في العراق بني عنف «داعش» وغياب الحوكمة وتداعياتها على الوضع الداخلي واإلقليمي؟ تزامن انسحاب آخر جندي أميركي من العراق في ديسمبر (كانون األول) 2011مع اندالع انتفاضات الربيع ّالعربي وبداية الحرب في إرهاب متعدد األلوان سوريا .وكان القليل من الباحثني من تفطن إلى حقيقة هذا الربيع العراق بسكانه الـ 33مليونا هو بلد الحضارات واألدي��ان واملذاهب العربي؟ ه��ل ج��اء فعال م��ن أج��ل االن�خ��راط الجماعي ف��ي مشروع وتعدد الثقافات وبلد النفط أيضا ،يجد نفسه اليوم أمام أخطر أزمة الديمقراطية ومنظومة ح�ق��وق اإلن�س��ان أم ك��ان مقدمة لتحوالت ال تقل حدة عن حرب ،2003بلد له كل مقومات اإلقالع االقتصادي إقليمية عميقة في منطقة شمال أفريقيا والشرق األوسط؟ والثقافي بحكم التنوع العرقي واملذهبي والثراء في امل��وارد ،لكنه غارق في الديون واالقتتال .ففي عهد صدام حسني لم يخرج من لم تكن الحكومة العراقية مرتاحة كذلك ،والحق يقال ،لهذا الربيع كالكل الحكم الفردي الذي أدى به إلى مغامرات حربية كلفته وكلفت العربي الذي انتقده نوري املالكي مرارا ،كما لم تترك الحرب السورية ألن ح��رب الخليج األول��ى والثانية أع��ادت العراق إلى أي إمكانية لبسط الحكومة العراقية نفوذها على املحافظات الثائرة، العراق غالياّ ُ ، مربع ال��دول امل��ول��ى عليها .لكن الحاكمني ال�ج��دد ل��م يستخلصوا وأصبحت التفجيرات شبه اليومية في بغداد واملدن األخرى مشهدا الدرس ،ألنهم لم يتوصلوا إلى اختيار الطريق األسلم نحو بناء عراق معتادا. ديمقراطي مدني وحداثي. وكانت أخبار «داعش» التي تقدر التقارير األجنبية عدد مقاتليها كانت التنظيمات اإلرهابية تسعى إلى تقويض االستقرار األمني بني 5آالف في سوريا و 6آالف في العراق ،تثير استغراب املتابعني ب��دع��وى م�ح��ارب��ة ال��وج��ود األم �ي��رك��ي ف��ي ال �ع��راق م��ن أب��و مصعب ل�ل�ش��ؤون األم�ن�ي��ة ف��ي ال�ش��رق األوس ��ط؛ حيث زاد نسق العمليات ال��زرق��اوي إل��ى ال�ق��اع��دة ف��ي ب�ل�اد ال��راف��دي��ن ون �ش��أة ج�م��اع��ة ال��دول��ة اإلرهابية بشكل يكاد يكون يوميا قبل 10يونيو ،2014وال شك أن اإلسالمية في ال�ع��راق في 10أكتوبر (تشرين األول) 2006إلى املسألة تتجاوز «داعش» .فالغاضبون كثيرون من غير «داعش» بدءا الدولة اإلسالمية في العراق والشام سنة 2013التي تزامنت مع بالعشائر الذين وقع تهميشهم ،ومرورا بجيش الطريقة النقشبندية تطور الحرب في سوريا ،لكن نشاط القاعدة لم يجد املسؤولون وانتهاء بجيش الراشدين وكتيبة العشرين وأنصار البعث ومختلف الفصائل السنية املسلحة. العراقيون له من حل سوى إنشاء الصحوات.
أو سوء الخدمات ،باإلضافة إلى اإلهانات التي يتعرض لها السكان والفاعلون السياسيون حسبما ورد في بعض التقارير ،فكان ذلك أحد الدوافع الرئيسة في ع��ودة التوتر بني سكان هذه املحافظات والحكومة املركزية ،وأخذ هذا التوتر أشكاال متعددة من االحتجاج. ولم تكن «القاعدة» بعيدة عن العنف والقتل وزرع الرعب بل وجدت بيئة حاضنة وظروفا مالئمة زادتها الحرب السورية اشتدادا.
واستفاد املالكي كثيرا منها؛ حيث أبلت الصحوات بالء حسنا في طرد القاعدة من العراق مقابل إغ��داق الدولة أم��واال عليها ووع��ودا ّ بتنمية املناطق السنية .لكن املالكي وما أن زال خطر القاعدة حتى تراجعت حكومته في التزاماتها نحو الصحوات وأوقفت األجور التي كانت تدفعها لهم ّ وغيرت من أسلوب معاملتها لسكان هذه املناطق اعتمادا على توجه يغلب عليه الطابع الطائفي .وازدادت الحالة سوءا في املحافظات السنية سواء في مجال ارتفاع نسبة البطالة
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
ه��ذه امل�ج�م��وع��ات ف��ي نظر املحللني اض�ط��ر بعضها للتحالف مع «داعش» في ظل انسداد أبواب الحوار بينها وبني الحكومة العراقية. لكن يجدر التذكير أن الطيف السني ليس كله متورطا في التعامل مع «داعش» مثلما أن الطيف الشيعي ليس كله متناغما مع سياسة املالكي ،وبالتالي فإن اندالع املعارك في 10يونيو 2014كان نتيجة متوقعة لسياسة األبواب املوصدة بني السلطة املركزية واملعارضة السنية .بل إن الخالف امتد كذلك إل��ى املجموعة الكردية خاصة
والعراق لن يكون بانتهاج استراتيجية شيعية .في الحقيقة ال يجب أن يكون التركيز على احتواء ودح��ر «داع��ش» ،بل يجب أن يمنع الشيعة وتحديدا القوات اإليرانية من العمل والتحرك بحرية بني البلدين.
العراق سوف يجعل واشنطن مدينة بالفضل لطهران ،مما يقلل من نفوذ الواليات املتحدة في املفاوضات .وفي الوقت ذاته ،سوف يضفي التعاون العسكري بشأن ال�ع��راق سمة «التطبيع» بني العالقات األميركية اإليرانية ،وهي خطوة كبيرة في سبيل تحقيق إحدى أولويات إيران بتقليص و /إنهاء نظام العقوبات الدولية املفروضة على الدولة املارقة. وكما يفعل «داعش» ،يمثل اإلرهابيون الشيعة في سوريا قوة مزعزعة لالستقرار تعمل على إط��ال��ة أم��د ال�ح��رب .لذلك يجب أن تكون هناك استراتيجيات مختلفة في سوريا والعراق .في التوزيع الديموغرافي في العراق سوريا ،يجب أن تساعد واشنطن السنة املعتدلني على السيطرة: ولعل الخطر األكبر الذي يحيط بتعاون واشنطن مع طهران ضد وفي العراق ،يجب أن يكون الهدف هو فصل املجتمع السني وعزل «داعش» ،هو املخاطرة بالجمع بني الحربني العراقية والسورية« .داعش» ومحاربته ،والتشجيع على وجود حكومة عراقية أكثر وفي حني يوجد «داعش» في كلتا الدولتني ويتخذ خطوات إلزالة شموال يقودها الشيعة في بغداد. الحدود بينهما -إذ يزيل الحدود الترابية بالجرافات على سبيل في كلتا الحالتني ،لم ولن تلعب إي��ران دورا إيجابيا يهدف إلى تعزيز االستقرار. املثال -فإن سوريا والعراق ال يمثالن نزاعا واحدا. إن نظام األسد في دمشق ديكتاتوري يتسم بالذكاء ،يستخدم وه �ك��ذا ي�ج��ب أال ي �ك��ون ال �ه��دف ال��رئ�ي��س ل��واش�ن�ط��ن وحلفائها اإلقليميني البحث عن طريق شيعي ،بل وضع استراتيجية سنية. أسلحة ال��دم��ار الشامل وينفذ سياسة التجويع ض��د السكان وبدال من التطلع إلى إيران ،يجب أن تعمل الواليات املتحدة على السنة الذين يشكلون األغلبية ،سعيا منه لالحتفاظ بالسلطة إشراك الدول العربية السنية في الحل. في سوريا .أما بالنسبة لحكومة املالكي ،فعلى الرغم من عدم مثاليتها ،فإنها حكومة جاءت عبر انتخابات ديمقراطية .يجب ربما تهدأ القوى الطائفية والعرقية التي تخرج عن املركزية إذا أن يرحل املالكي ،فهو لن يجري إصالحات .ولكن في ظل التوزيع انتهى وجود دولة موحدة في العراق .وبغض النظر عما سيحدث، الديموغرافي في ال�ع��راق ،من الواقعي أن يكون رئيس ال��وزراء س��وف يعيش الشعب ال��ذي ك��ان يسكن م��ا ع��رف باسم ال�ع��راق، شيعيا وإن كان غير مناسب. متقاربا لفترة ما مقبلة .وسوف يؤكد تدخل إيران املستمر على أن العنف سيستمر في بالد الرافدين بغض النظر عما سيؤول من جانب آخر ،يرى «داعش» أن العراق وسوريا يمثالن مسرحا إليه حال العراق ،إذ تكمن إيران في صميم املشكلة .وأيا كان الحل، واحدا للعمليات .ولكن الحل املنشود لألزمتني في كل من سوريا فال بد أن يتضمن تدخال إيرانيا أقل وليس أكبر <
عراقي يحمل سالحا اثناء مشاركته في موكب للمقاتلني الشيعة ببغداد وجنوب العراق في عرض يستهدف املسلحني من تنظيم داعش (يونيو املاضي)
,,
نشر القوات اإليرانية إلى جانب الجيش العراقي يدفع بالسنة إلى أحضان «داعش»
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
25
قصة الغالف
أثارت املكاسب العسكرية التي حققها تنظيم «داعش» مؤخرا في العراق تكهنات بأن الجماعة اإلرهابية سوف تدخل بغداد قريبا .بعد أسابيع من مالحقة «داعش» للجيش العراقي واالستيالء على املوصل ،لم تصل إدارة أوباما إلى صيغة سياسية لدحر امليليشيات اإلسالمية ،ولكنها قدمت تلميحات حول األسلوب الذي تنوي التعامل به مع األزمة .في 17يونيو (حزيران) املاضي ،صرح وزير الخارجية جون كيري بأن واشنطن «منفتحة على املباحثات» مع طهران من أجل بحث ما إذا كانت الدولة اإلسالمية تستطيع أن تساعد على إنهاء العنف الدائر في العراق.
في العراق مثلما في سوريا ..إيران مشكلة وليست حال
صنع يف طهران! بقلم: ديفيد شينكر
,,
كان تدخل الحكم الديني الشيعي في الشؤون السياسية العراقية ضارا مما أدى إلى تزايد انقسام العراق على أسس طائفية
,,
24
الله» ضد املسلحني السنة .واألسوأ من ذلك ما يحدث في سوريا، حيث أبدت واشنطن موقفا مرتبكا تجاه الثوار السنة ،وظهر أنها تفضل نظام األسد الشيعي /العلوي «الذي تعرفه» على البديل اإلسالمي السني غير املقبول في دمشق.
يحمل اقتراح كيري ،بأن اإلدارة األميركية على استعداد إلج��راء تنسيق عسكري -أو على األق��ل من أجل عدم تضارب العمليات -في هجوم مضاد على «داعش» مع إيران ،تناقضا مفاجئا مع السياسة األميركية التي استمرت منذ عقد في العراق .إنها استراتيجية لن تؤدي ،إذا جرى تنفيذها، سوى إلى مزيد من التدهور في الواقع ،وربما تسفر عن حرب وبالنظر إلى ميل اإلدارة الظاهري إلى الشيعة وتجنبها للتدخل أهلية عراقية شاملة. العسكري املباشر في املنطقة ،ليس من املفاجئ أن تظهر دعوة التعاون مع إيران ضد «داعش» .بيد أنه توجد مخاطر كبيرة في منذ الغزو األميركي في ع��ام ،2003عملت إي��ران على عرقلة إقامة واشنطن شراكة مع إيران ضد «داعش». االس�ت�ق��رار ف��ي ال �ع��راق .وأس�ف��ر ال��دع��م ال��ذي تقدمه ط�ه��ران إلى امليليشيات الشيعية في العراق -والذي تضمن توفير األسلحة على األقل ،سوف يؤكد التعاون مع إيران في العراق لكل من السنة والشحنات التفجيرية املميتة -عن مقتل أعداد هائلة من القوات والشيعة أن الواليات املتحدة تقف إلى جانب أحد الطرفني في األميركية أثناء فترة االحتالل .وكذلك كان تدخل الحكم الديني الصراع الطائفي اإلقليمي .ولن يتوقف هذا عن إثارة غضب السنة الشيعي في الشؤون السياسية العراقية ضارا ،مما أدى إلى تزايد السوريني والعراقيني وإضعاف معنوياتهم ،بل سيبعد أيضا حلفاء واشنطن السنة التقليديني في الخليج ،وأبرزهم السعودية. انقسام العراق بعد صدام على أسس طائفية. في إيجاز ،على مدار األعوام العشرة األخيرة ،كانت طهران تمثل جزءا كبيرا من املشكلة في العراق .لذلك من الصعب التصديق من املؤكد أن «داعش» ال يحظى بتأييد شعبي خاص بني السنة بأنه من املمكن أن تصبح إيران جزءا من الحل في الوقت الحالي .العراقيني .بعد مرور نحو سبعة أعوام من السياسات الطائفية الشيعية التي انتهجتها حكومة املالكي ،يبدو أن هناك مخزونا من التأييد أو على األقل التسامح مع التنظيم بني البعثيني السنة طهران تتحمل مسؤولية النمو السريع لـ«داعش» واملشاركني في حركات الصحوة سابقا .وإذا جرى نشر القوات من املؤكد أن إيران ليست قوة تدعو إلى االستقرار اإلقليمي .بل اإليرانية إلى جانب الجيش العراقي ،ال��ذي يشير إليه «داع��ش» تتحمل مسؤولية كبيرة في النمو السريع لـ«داعش» .تسبب نشر بالفعل بـ«الصفوي» – فسوف تدفع بالسنة ذوي جميع القناعات طهران لقوات من الحرس الثوري و«حزب الله» اللبناني ودعمها الفكرية إل��ى أحضان «داع��ش» ،مما يضاعف من االستقطاب لنظام بشار األس��د ال��ذي يمثل أقلية شيعية ويرتكب الفظائع ويزيد احتماالت إراقة مزيد من الدماء. في إثارة الجماعات املتطرفة السنية في سوريا .في الوقت ذاته في العراق ،تبنت حكومة نوري املالكي التي تحظى بتأييد من كما م��ن امل��رج��ح أن ي�ح��ول التغاضي ع��ن التدخل اإلي��ران��ي في إيران أجندة شيعية طائفية شرسة ،مما أثار استياء واسعا بني ال�ع��راق دون رحيل املالكي ،مما يعزز بالضرورة ال�ص��راع بني السنة والشيعة في العراق. املجتمع السني. في الفترة األخيرة ،أصبح من الواضح للغاية أن إدارة أوباما ترى في املسلحني اإلسالميني السنة تهديدا أكبر من الشيعة .نتيجة لذلك ،لم تعارض اإلدارة عالنية مطلقا التعاون بني القوات املسلحة اللبنانية التي تحصل على تمويل من الواليات املتحدة و«حزب
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
وفي إشكالية مماثلة ،سوف يقوض التعاون األميركي اإليراني في ال�ع��راق الفرص الضئيلة للغاية التي تسمح بالوصول إلى اتفاق ينهي برنامج السالح النووي اإليراني .وعلى الرغم مما يبدو من مفارقة ،فإن إشراك إيران في سياسة أميركية بشأن
النظام الجديد التقسيم القانوني ليس مسألة بسيطة .في هذا السياق ،علق املسؤول األميركي السابق فريدريك هوف ،الذي له باع طويل في العمل على مسائل النزاعات الحدودية في املنطقة ،أن «على الذين يدعون لحملة دبلوماسية إلقامة تقسيم وقائي أن يأخذوا سؤالني في االعتبار :من الذي ،في النهاية ،سيفرض التقسيم إن لم يرض بعض الالعبني املحليني بالترتيبات حول املوارد الطبيعية ،وتبادل السكان ،ومسائل حدودية أخ��رى شائكة .وه��ل مجرد اقتراح التقسيم الرسمي سيكون له تداعيات غير مقصودة بكب الزيت على النار املشتعلة أصال ،إذ يتصارع املتنافسون للتموضع في النظام الجديد؟». وال تقتصر املسألة على الالعبني املحليني .في الحقيقة ،املشكلة األكبر التي تفاقم العلل املوجودة في الدول العربية ،هي مشكلة الطموح اإلي��ران��ي .ف��إي��ران دول��ة ذات آيديولوجية رسمية أيضا عابرة للحدود .إنما ،وبعكس املجموعات السنية ،لدى طهران جهاز حكومي مهمته العمل خارج الحدود ،أي «فيلق القدس» في الحرس ال�ث��وري .والسياسة اإليرانية مبنية على استثمار ال �ف��وض��ى ،وأك� �ث ��ر ،ع �ل��ى غ ��رس ن�ف�س�ه��ا ف��ي ال � ��دول الضعيفة واملنقسمة .فبالنسبة إليران ،مفاقمة التشرذم املوجود تشكل استراتيجية لبسط نفوذها .ففي حالة الفوضى والصراع الدائم، تستغل إيران الثغرات املتاحة لزيادة مكاسبها. إنما االستراتيجية اإليرانية تسعى لبناء هيكليات طويلة املدى داخل الدول العربية .وتقوم هذه االستراتيجية على التغلغل داخل املؤسسات والتطفل على الدولة .لعل أوضح مثال هو حال «حزب ال�ل��ه» ف��ي لبنان .فبعد أن غرست إي��ران نفسها داخ��ل الطائفة الشيعية أثناء فوضى الحرب ،بنت مؤسسات موازية للدولة، وم��ن ث��م ،بعد أن عظمت بنى ال�ح��زب ،أدخلت إي��ران الحزب في ال��دول��ة اللبنانية حتى وص��ل األم��ر اآلن إل��ى ح��د السيطرة على مؤسسات الدولة ،خصوصا املؤسسات األمنية ،مع استمرار الوجود امل��وازي خارجها .فالحزب اآلن له الكلمة األخيرة حول التعيينات األمنية ،وحول عقيدة األجهزة األمنية والجيش ،وأماكن انتشارها ،وحدود سلطتها الفعلية.
من غير الواضح على أي حل ستستقر الصراعات التي تعصف في املنطقة. وقد يكون الحديث عن خريطة جديدة سابقا لوقته .فعلى الرغم م��ن ال�ه��وي��ات األه�ل�ي��ة ،العشائرية أو الدينية ق��ادرة على كسب والء وتجييش املجتمعات العربية في املشرق أكثر من الهويات الوطنية ،أقله ضمن حالة االحتراب القائم ،هذا ال يعني بالضرورة أن تغييرا دائ�م��ا سيطرأ على ح��دود صمدت لقرن أو أن هذه واألكثر إشكالية هي ظاهرة التكامل األمني بني الحزب والجيش الحدود لم تعد مهمة. واالنتشار املشترك في عمليات ضد أهداف ومناطق سنية ،حيث يصبح الجيش بمثابة القوة الضاربة للحزب وحامي ظهره .إنما وفيما يركز املراقبون على مستقبل الحدود ،تتفاقم أزمة ربما ه��ذه االستراتيجية اإليرانية مبنية على إبقاء ال�ح��دود الدولية أكثر أهمية ووقعا على املستقبل ،أال وهي حركة النزوح السكاني للبنان .وهي بذلك تمسك بالدولة رهينة ،فبدل أن تقيم كانتونا الرهيبة ،ضمن وعبر الحدود ،والتي قد تترك أثرا عميقا وربما طائفيا تستطيع إس��رائ�ي��ل أن ت��دم��ره دون أي اع�ت��راض دول��ي ،باقيا على التركيبات الديموغرافية في املشرق .أي بكالم آخر، قد تكون املسألة الفعلية هي ديموغرافية سايكس -بيكو ،أكثر يختبئ الحزب وراء الدولة ومواطنيها. من «حدود سايكس -بيكو».
الهويات األهلية وك�م��ا ه��و م �ع��روف ،نسخت إي ��ران االستراتيجية نفسها في ال�ع��راق ،وه��ا نحن نشاهد اليوم كيف أن امليليشيات الشيعية املدربة واملجهزة إيرانيا ،والتابعة عقائديا إليران ،تنتشر جنبا إلى جنب مع جيش حكومة الرئيس نوري املالكي .وهكذا تصبح املؤسسات الحكومية املركزية أداة ليس فقط لطائفة ،بل لسياسة إيران .وهذا ما يقوض املؤسسات ويدمر ثقة الطوائف األخرى فيها وفي فكرة الدولة املركزية نفسها .وهذا ما أدى إلى الوضع الحالي في العراق.
ف��ي ال�ن�ه��اي��ة ،م��ا زل�ن��ا ف��ي ح��ال��ة تقلب مستمر ،ديمومتها غير واض �ح��ة .وامل �س��أل �ت��ان ت�ن�ت�ظ��ران ح �ل��وال ،ق��د ال ت��أت��ي ل�س�ن��وات، ترسو عليها القوى املحلية ،واإلقليمية والدولية -حلوال لن تغير بالضرورة خريطة املنطقة .ولكن األرج��ح أال يكون هناك حل يضمن االستقرار طويال ما لم يتم فرض تغيير على الطموحات اإليرانية وهيكليات سياستها التوسعية داخل الدول واملجتمعات العربية املنقسمة < * باحثة يونانية مختصة بشؤون الشرق األوسط
األمني العام لألمم املتحدة بان كي مون والرئيس اإليراني حسن روحاني
,,
االستراتيجية اإليرانية تسعى لبناء هيكليات داخل الدول العربية تقوم على التغلغل داخل املؤسسات والتطفل على الدولة
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
23
قضايا
مع سقوط املوصل والكثير من املدن العراقية في يد تنظيم «الدولة اإلسالمية في العراق والشام» وتحالف العشائر وتنظيمات مسلحة أخرى ،كثر التركيز على النزعة نحو التفتت املستشرية في الدول العربية، خصوصا دول املشرق.
استراتيجية إيرانية لخلق الفوضى وتفكيك املنطقة العربية
تقسيم وقائي! بقلم: جوان مارولس *
,,
انعدام القدرة في املجتمعات العربية على إيجاد صيغة سياسية عادلة تلتقي حولها املجموعات املختلفة سبب أساسي في االنهيار الحاصل
,,
22
مع تصاعد الحديث حول تداعيات ما يبدو وكأنه حرب مذهبية تشمل املنطقة م��ن لبنان إل��ى س��وري��ا وال�ع��راق وحتى اليمن ،وصل األمر إلى أن البعض بدأ يتكلم عن مستقبل خريطة املنطقة واحتمال إعادة رسم حدود دولها .ومع أن هذه الحدود عمرها يناهز القرن ،فإن تفاقم الصراع الطائفي يطرح أسئلة حول استمرارية الدول ذات التعدد الطائفي أو القومي بشكلها الحالي. ال شك في أن انعدام القدرة في هذه املجتمعات على إيجاد صيغة سياسية عادلة تلتقي حولها املجموعات املختلفة سبب أساسي في االنهيار الحاصل في املشرق .كما أن صيغ الحكم الشاذة، مثل نظام عائلة األسد في سوريا ،وصلت إلى نهاية الطريق في قدرتها على فرض سيطرتها بالقوة.
وال�ف��وض��ى سيد امل��وق��ف ال�ي��وم ف��ي س��وري��ا وال �ع��راق .فالحروب األهلية ،تعريفا ،تخلق البيئة املثالية لحاالت التجييش األهلي والكانتونات وما شابه ،كما كان الحال ،مثال ،إبان الحرب األهلية في لبنان .إذا من السابق ألوان��ه تنبؤ ما ستؤول إليه خريطة املنطقة ،فالصورة غير واضحة اليوم ،إذ إننا في سياق حروب مستعرة لم تستقر على حلول أو تحالفات دائمة أو اصطفافات إقليمية ودولية تبلور شكل التسويات والصيغ السياسية التي ستنتهي إليها الصراعات الدائرة. قد تكون حالة تنظيم الدولة اإلسالمية في املحافظات السنية في العراق وسوريا ،حالة استثنائية تختلف عن السوابق املذكورة، لكن ليس هذه الخالصة بديهية .وقد يلفت البعض إلى أن املنطقة بني املوصل وحلب شكلت تاريخيا امتدادا واحدا .ولذا ففي الواقع املستجد اليوم عودة لهيكليات التاريخ بحيث إن املشرق بطبيعته هو األرض «ما بني» مراكز القوة األكبر ،أي مصر أو فارس أو األناضول /الروم ،قامت فيها مناطق أو دويالت عازلة يحكمها توابع للقوى األكبر.
إنما استمرار النظام أدى إلى ما يسمى بـ «التقسيم الناعم» ،أي إقامة كانتونات ومناطق نفوذ محددة إنما غير معترف بها. من جهة ثانية ،يشكل دور التنظيمات واآليديولوجيات العابرة للحدود ،إن كانت سنية وغير تابعة لدولة ما ،أو شيعية تابعة إليران ،الطابع اآلخر لالحتراب الطائفي القائم .هذه العناصر كلها طبعا ،يتوقف هذا على ما ستقرره املجموعات السنية املختلفة وراء األسئلة املطروحة حول إمكانية بقاء الحدود التي قامت بعد في العراق وسوريا ،وإن تحالف بعضها اليوم مع تنظيم الدولة اإلسالمية أو خضع ل��ه بالقوة .فهل فعال تريد غالبية القوى زوال اإلمبراطورية العثمانية. السنية العراقية أن تنحت دويلة جديدة تمتد خارج الحدود الحالية للعراق؟ أو ه��ل سيرضى أه��ل السنة ف��ي س��وري��ا ،املنقسمون اآليديولوجيا العربية مناطقيا أصال ،بهيمنة تنظيم مركز ثقله عراقي؟ على سبيل طبعا ليست ال�ح��رك��ات العربية اآلي��دي��ول��وج�ي��ة (وإن ك��ان��ت في امل �ث��ال ،ص ��رح ال�ش�ي��خ أح �م��د ال��دب��اش م��ؤس��س تنظيم الجيش الحقيقة أهلية) ،قومية كانت أم دينية ،والتي سعت ملحو «حدود اإلسالمي في العراق املتحالف حاليا مع تنظيم الدولة اإلسالمية سايكس -بيكو» ،شيئا جديدا في الحياة السياسية للعرب .بأن ما يسعى إليه هو إقامة ثالث مناطق حكم ذاتي في العراق، فهذه الحركات لم تفشل فحسب في تغيير واقع الحدود ،ال بل شيعية ،كردية ،وسنية ،تتقاسم املوارد بشكل متساو. انتهت بترسيخها .فالبعث في العراق وسوريا لم يوحدهما ،بل عزز الفرز بني الدولتني. إذا ،هذه الرؤية تعيد تنظيم الصيغة اإلدارية والسياسية داخل العراق ،إنما تفترض استمرار حدوده الدولية املوجودة حاليا. والجمهورية العربية املتحدة التي دمجت سوريا ومصر إبان كما أن كثرة الكالم عن احتمال إعالن األكراد استقاللهم ليس الحقبة الناصرية لم تعش طويال .تنسحب السابقة البعثية أيضا أمرا مفروغا منه ،إذ عليهم أخذ موقف القوى املجاورة األكبر على الصراع في سوريا بني تنظيم الدولة اإلسالمية من جهة ،بعني االعتبار. وجبهة النصرة والجبهة اإلسالمية من جهة ثانية حيث لم تنفع اآليديولوجيا الدينية العابرة للحدود في وأد الصراع بني تنظيم وهكذا ،هناك احتمال ،وإن يبدو ضعيفا اليوم ،أن يستقر الوضع أخيرا -ال ندري متى -على صيغة يتداخل فيها الحاضر مع «البغدادي» وجبهة «الجوالني». البنى التاريخية امل��ذك��ورة ،بحيث تقوم مناطق حكم ذات��ي هي طبعا ،تستطيع ه��ذه ال�ح��رك��ات ،القومية ف��ي السابق والدينية أيضا بمثابة مناطق عازلة بني القوى األكبر ،مثل تركيا وإيران حاليا ،خصوصا إن تولت الحكم ،أن تخلق أو أن تؤجج الفوضى .اليوم ،إنما تبقى ضمن الحدود الدولية املعروفة.
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
يوجد ما يوازي هذا اللغز العرقي الديني الذي يظهر في بالد الرافدين في سوريا امل�ج��اورة .في الحقيقة ،وفقا للتاريخ لم تكن هناك مطلقا هوية سياسية أو ثقافية تحدد ما هو «العراقي» على وجه الحصر ،قبل أن يخطط له البريطانيون ف��ي ع��ام ،1920وك��ذل��ك ل��م تكن هناك مطلقا هوية س��وري��ة قبل أن ينشئها الفرنسيون في حقبة الثالثينات .في الحقيقة واجهت ما سماها الفرنسيون «سوريا» في عام – 1936الدولة التي تكونت من الواليات العثمانية بيروت وح�ل��ب ودم�ش��ق – صعوبة كبيرة ف��ي االن�ت�ق��ال م��ن وح��دات إداري ��ة عثمانية متعددة العرقيات إلى دولة حديثة متماسكة لديها هوية واحدة وروابط قومية مشتركة .لخصت إيزابيل برتون ،زوجة املستكشف البريطاني الشهير سير ريتشارد فرانسيس برتون ،املعضلة العرقية في والية دمشق في السبعينات من القرن التاسع عشر ،حيث كانت واحدة من جماعات متعددة تعيش «معا على أي حال ،وتمارس عباداتها املتضاربة في تقارب شديد ولكن في قلوبهم كان سكان دمشق يكرهون بعضهم البعض. بعد ثالثني عاما كتب رحالة بريطاني آخر هو غيرترود بيل في االتجاه ذاته، مشيرا إلى أن سوريا «مجرد اسم جغرافي ال يكافئ أي مشاعر وطنية» .أكد على هذه املالحظة العديد من أهل الشام املعاصرين لبيل ،والذين ّادعوا أنه لم يكن هناك مطلقا كيان سوري مميز؛ وأن ما أشار إليها األوروبيون بسوريا لم تكن سوى عصبة من الجماعات املتفرقة والكيانات الجغرافية املهلهلة التي جمع بينها الغزاة وحكموها عنوة من خالل اإلرهاب والطغيان .لم تنته قصة سوريا فيما يخص تعدد الطوائف العرقية والدينية املختلفة« ،على حد وصف تي إيه لورنس في العقود األول��ى من القرن العشرين .حتى وإن كانت تعرف باسم واحد ،لم تكن سوريا التي خلفها األوروبيون من ورائهم تمثل كيانا واحدا بل كيانات متعددة ،وكتب لورنس« :كل منها له طبيعته واتجاهه ورأيه» ،وأحيانا ما تبدو «مثل توأمني يكره بعضهما اآلخر» .ولكن كان مصطلحا «سوريا» و«سوري» غريبني على من يطلقان عليهما ،كما أشار لورنس« :في العربية لم يكن هناك مثل هذا االسم ،أو أي اسم للبالد ككل ،مما يشير إلى أنها لم تكن موحدة بل وأيضا غير متماسكة سياسيا» .ويقول لورنس ،في املاضي «كانت سوريا ممرا بني البحر والصحراء ،تربط بني أفريقيا وآسيا وبني الجزيرة العربية وأوروب��ا .كانت حلبة منافسة تابعة لبالد األناضول واليونان وروما ومصر والجزيرة العربية وبالد فارس وبالد الرافدين .عندما حصلت على استقاللها لبعض الوقت من خالل ضعف جيرانها ،انقسمت على ذاتها بعنف إلى ممالك شمالية وجنوبية وشرقية وغربية .إذا كانت سوريا بالطبيعة دولة تابعة فسوف تكون بالطبيعة أيضا دولة تتسم بالهياج الدائم والثورة األبدية». وف��ي إن��ذار بتفكك سوريا التي كانت حينها في ط��ور التأسيس ،في الفترة التي كانت خريطة سايكس بيكو الراهنة قيد اإلعداد ،حذر لورنس من أن أي حكومة عربية تتولى أي كيان سوري في املستقبل «سوف تكون (مفروضة)
بالقدر الذي كانت عليه الحكومة التركية (العثمانية) ،أو الحماية األجنبية أو الخالفة (اإلسالمية) التاريخية» .من وجهة نظره ،كانت سوريا في ذلك الحني، ال تختلف كثيرا عن سوريا الحالية« ..تتكون من فسيفساء ديني وعرقي ينبض بالحيوية» ،وإن أي محاولة لتشكيل دول��ة موحدة بال مبرر «سوف تسفر ع��ن ش��يء معبأ ومغلف ،ال يشعر باالمتنان إل��ى أش�خ��اص تعيدهم فطرتهم إلى الحكم الضيق». ومما سبق يمكننا استنتاج أن التبشير بنهاية «سايكس بيكو» في عصرنا الحالي قد يكون وسيلة لإلصغاء إلى التاريخ؛ بل وربما يكون أيضا وسيلة أكثر عدال وإنسانية إلدارة التنوع العرقي الديني ،ليس فقط في سوريا والعراق، ولكن أيضا في جميع أنحاء الشرق األدنى املشرقي .إن أهم سبب للصراع الذي تدور رحاه اآلن في املنطقة ،إذا وضعنا في أبسط صورة ،يرجع إلى مفاهيم «عرقية» أو «عرقية -دينية» تتنافس أمام حدود «مدنية» ليبرالية أنانية ربما تصورتها «سايكس بيكو» .وفي حني قد يكون هذا التفرع في الهوية معيبا ومتجاوزا للنموذج املوضوع من وجهة نظر غربية تخطت االختالفات العرقية والدينية ،إال أنه ما زال لها تابعون يتمسكون بها في الشرق األوسط ،حيث يشكل الفهم العضوي والرجعي وأحيانا القسري للهوية تحديا أمام الوطنية الليبرالية املدنية التي تميز الدولة الغربية الحديثة. وبأسلوب أبسط ،يتكون الشرق األوسط – وتحديدا سوريا والعراق ألسباب راهنة – من شعوب وجماعات ذات انتماءات عرقية -دينيةّ ، عرفوا أنفسهم على مدار قرون ّ (وعرفهم آخ��رون) كآشوريني أو علويني أو موارنة أو يهود أو دروز أو شيعة أو أرمن أو يونانيني أرثوذكس وغيرهم .ومنعا لهذا التنوع طالبت األفكار «القومية» املوحدة التي أثارتها «سايكس بيكو» بأن تنسى هذه الشعوب ما كانت تظن أنها هويتها وتبدأ في اإلش��ارة إلى ذاتها بالسوريني والفلسطينيني والعراقيني واألردنيني والعرب وما إلى ذلك :وهي أسماء ومفاهيم عن الهوية من ابتكار الغرب وتعكس تصنيفاته وأساليب تفكيره في النظر إلى األراضي الواقعة على شرق البحر املتوسط .لذلك في تعاطف بالغ مع من قد يأسفون لنهاية «سايكس بيكو» ،يجب أن يدرك املرء أن نظام الدول الشرق أوسطية املتداعي حاليا ال يعكس قانون الطبيعة؛ بالفعل في ذلك خروج عن املسار لفترة ممتدة في تاريخ املنطقة ،ولكن ربما يثبت تفككها ،على الرغم من األلم الذي قد يسببه ،أنه يحمل الخير على املدى البعيد. رب�م��ا ل��م يكن م��ن امل�ق�ص��ود أن تتحقق «س��اي�ك��س ب�ي�ك��و»؛ رب�م��ا ح��ان الوقت إلصالحها واستبدالها .قد يشكل الوصول إلى هذا البديل تحديا ،وال شك في أنها مهمة شاقة .ولكن من األفضل في الوقت الحالي وجود معاهدة لوزان أخرى في حاضرنا ،من أن تمر مئات أعوام أخرى من الفشل في رسم الخرائط وما يليها من حروب وحمالت تطهير عرقي وانهيار وركود <
الجنود الفرنسيون يدخلون بيروت بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916ووضع لبنان تحت االنتداب الفرنسي (يناير )1919
,,
لورنس العرب سخر من فكرة «األمة العربية» وفرضية وجود «شعب عربي» متماسك، حيث وصفها باألمة «املصنوعة»
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
21
قصة الغالف
ربما يعرف اللبنانيون الذين ينتمون إلى جيل معني قوال مأثورا يرجع إلى عهد الحرب األهلية ،في عام ،1975 يؤكد أن «لبنان لن يتعرض مطلقا للتقسيم قبل أن تنقسم دول أخرى في الجوار ،وتحديدا سوريا ،إلى دويالت أصغر».
إعادة ترسيم خريطة املنطقة السياسية على أسس طائفية وعرقية جديدة
النبوءة اللبنانية! بقلم: فرانك سالمة
,,
الخريطة الراهنة للشرق األوسط لم تكن تعكس قانون الطبيعة أو تاريخ وتقاليد الشرق
,,
20
يمكن القول إن الجملة املذكورة لم يكن لها معنى آن��ذاك؛ بل جاءت كتعويذة أو تنفيس عن فترة تشهد حزنا وطنيا ،ونتيجة لثرثرة حرب فارغة متلهفة للخروج من عصر الفوضى تتوق إلى النظام في وقت األزمات .ولكن إذا استعدنا أحداث املاضي ،وفي ضوء مخاض الحرب الراهنة في املنطقة – وفي ضوء تقطيع أوصال الشرق األوسط الوشيك في عصرنا هذا – تبعث النبوءة التي ترجع إلى عصر الحرب اللبنانية ،على الرغم مما بدت عليه حينها من عدم براعة وافتقاد إلى املعرفة -برسالة تنذر بالخطر على وجه خاص اليوم ،حيث تتنبأ باقتراب فترات أكثر ظالما وفوضى .عالوة على ذلك، تعكس هذه النبوءة اللبنانية التي ترجع إلى أربعني عاما مضت استيعابا عميقا لتاريخ الشرق األوسط ،إذ توقعت رؤية للمستقبل يشبه كثيرا ماضي املنطقة. وفي مثال على هذه النقطة ،أثار وصول مقاتلي الدولة اإلسالمية في العراق والشام (داعش) مؤخرا إلى بالد الرافدين وسائل اإلعالم واملقاالت البحثية التي خرجت لتنذر بنهاية نظام سايكس بيكو وتفكيك نظام دولة الشرق األوسط الحديث ،وتتوقع إعادة ترسيم خريطة املنطقة السياسية على أسس طائفية وعرقية جديدة .ولكن هذه النغمة الجديدة من وجود تقسيمات جديدة أو إعادة رسم املنطقة ،التي بقدر ما يمكن أن تسعد البعض ربما تبدو نشازا آلخرين، ليست لعنة أو بدعة جديدة .إن إعادة تخطيط الخريطة فكرة تحدث عنها العديد من املتخصصني في شؤون الشرق األوسط ،ومن بينهم مجموعات معاصرة، وكتبوا عنها على نحو موسع في األيام األولى من «الربيع العربي» الذي أسيء تصويره وتعريفه وتسميته. على أي حال فإن الخريطة الراهنة للشرق األوس��ط ،والتي تقسم ال��دول ذات األسماء «القومية» وتتغنى بأناشيد «قومية» وتلوح بأعالم «قومية» ،وتقيم جيوشا «ق��وم�ي��ة» ،ل��م تكن تعكس ق��ان��ون الطبيعة أو ت��اري��خ وتقاليد الشرق األوس��ط .ب��ل ك��ان ه��ذا النموذج نتاجا للخيال األوروب ��ي ،وال�ت��اري��خ األوروب��ي والتسمية األوروبية ،واملفاهيم الرومانسية األوروبية للشرق األوسط كمنطقة يسكنها فقط (أو يغلب عليها) «العرب» و«املسلمون» .ولكن الشرق األوسط بطبيعته ،وتقيده بتاريخ أل��ف سنة مضت ،ليس ذل��ك «العالم العربي» ال��ذي يتصوره القوميون العرب ومناصروهم األوروبيون .كذلك لم تقم الفتوحات العربية ،التي بدأت مع مطلع القرن السابع ،بتحويل املنطقة إلى التعريب أو األسلمة بالكامل. في الحقيقة« :قاومت بعض شعوب الشرق األوسط قوات التعريب واألسلمة أو كلتيهما :بل وكان من بينهم من خضع لهاتني العمليتني ،ولكن لم يصاحب ذلك تخل كامل عن ثقافتها األولى .وهكذا ظلت هناك جيوب في جميع أنحاء العالم العربي تستخدم لغات أخرى غير العربية وتعتنق ديانات أخرى غير اإلسالم ،وما زالت هناك جماعات شرق أوسطية مقتنعة بأن أسالفها ينتمون إلى شعوب مختلفة عن (الشعوب اإلسالمية والعربية). في الواقع ،لم يكن هناك مطلقا «عالم عربي» موحد ،أو «أمة عربية» متماسكة قبل وجود نظام الدولة الحديث في الشرق األوسط في القرن العشرين الذي رغبت بريطانيا في تكوينه بعد انهيار اإلمبراطورية العثمانية .حتى إن تي
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
إي لورنس (لورنس العرب) ،أحد أكثر املدافعني املخلصني في العصر الحديث عن القومية العربية ،سخر من فكرة «األمة العربية» وفرضية وجود «شعب عربي» متماسك ،حيث وصفها باألمة «املصنوعة» .بل واعترف لورنس بأن اللغة العربية ذاتها سادت الشرق األوسط في املرحلة األخيرة فقط ،مؤكدا على أن سيادتها الظاهرية «ال تعني أن سوريا – مثل مصر – كانت دولة عربية». وكما أشار الكاتب املصري توفيق علوان في عام « :1929في مصر توجد لغة مصرية؛ وفي لبنان لغة لبنانية؛ وهكذا في كل دولة من دولنا لغة خاصة بها. ملاذا إذن ال نكتب (لغاتنا) كما نتحدث بها؟ حيث إن اللغة التي يتحدث بها الناس هي اللغة التي يكتبونها أيضا. ولكن كما أش��ار ب��رن��ارد لويس ،إذا أصبحت ه��ذه الحقيقة واق�ع��ا ،واستمع «املصريون والسوريون والعراقيون واآلخ��رون» إلى نصيحة علوان ،وحولوا «لهجاتهم العامية إلى لغات قومية ،كما فعل اإلسبان واإليطاليون وآخرون في أوروبا ،سوف تنتهي كل اآلمال في تحقيق وحدة عربية أكبر». ولكن يبدو أن محرك التاريخ يسير في هذا االتجاه .وهكذا بدال من أن يكون من الغريب ارتفاع نبرة الخطاب الراهن عن إلغاء «سايكس بيكو» للتعبير عن التنوع في تكوين الشرق األوسط ،يجب النظر إليه كقراءة مخلصة ومحايدة من الجانب اآليديولوجي ملاضي الشرق األوسط – أي املاضي الذي ُعرف بتعدد وتنوع الهويات واللغات والتراكمات الثقافية .باإلضافة إلى ذلك ،جدير بالذكر أنه في سوريا والعراق املنقسمني اليوم ،لم تكن هناك هوية سورية أو عراقية فريدة محددة ب��األرض ،بل مجرد إرادة سياسية عراقية أو سورية موحدة للعيش في دولة واحدة. ف��ي ال��واق��ع ،كانت مملكة ال�ع��راق التي خضعت لالنتداب البريطاني ف��ي عام 1920تمثل ثالث وحدات إدارية عثمانية منفصلة – أي ثالث واليات تختلف كل واحدة منها وتتباين عن األخريات – على سبيل املثال مثلما كانت براغ وفيينا وبودابست ستختلف في ظل وجود أي إمبراطورية نمساوية مجرية. في والية املوصل العثمانية في الشمال ،التي أصبحت اليوم عاصمة محافظة نينوى التي سقطت مؤخرا في قبضة داعش ،تتكون غالبية سكانها في املاضي من مزيج من األكراد والتركمان واآلشوريني واألرمن وغيرهم ،وكانت تربطهم صالت قرابة – باإلضافة إلى صالت تاريخية وثقافية وجغرافية – بسكان حلب ف��ي س��وري��ا الحالية ،ب��ل وح�ت��ى األت ��راك ف��ي األن��اض��ول واإلي��ران�ي�ين في الشمال ،أكثر من ارتباطهم بالسكان في الجنوب الذي أصبح العراق .وكذلك، تشترك والية بغداد ،التي يذكرنا اسمها بأصلها الفارسي أكثر من العربي، في تراث األكاديني والبابليني والفرس والعرب ،وحتى منتصف القرن العشرين، كانت تفخر بأن أغلبية سكانها من اليهود .تنطبق التعددية واملزيج ذاته في الهويات والتراكمات الثقافية على محافظة البصرة؛ وهي محافظة أخرى ذات تاريخ متعدد املراحل يجمع بني السومريني والعيالمني في العصور القديمة، واآلراميني والعرب والفرس في العصور األق��رب .وفي الوقت الحالي ،قد تعد محافظة البصرة ،ذات األغلبية الشيعية ،أكثر انتماء للفرس من العرب ،ربما يكون ذلك غير دقيق ولكنه ليس دون مبرر.
هو العقيد السير مارك سايكس البارون السادس من سيلدمير املولود في 16مارس (آذار) 1879املتوفى في 16فبراير (شباط) .1919االبن الوحيد للسير تاتون سايكس البارون الخامس من سيلدمير .عاش مارك حياته متنقال بني والدته التي أقامت في لندن ومزرعة والده في يوركشاير الشرقية ومنزله في قصر سيلدمير .سافر مارك كثيرا مع والده ملناطق الشرق األوسط ضمن الدولةّ العثمانية في صباه باإلضافة للهند ومصر والكاريبي واملكسيك وكندا والواليات املتحدة األميركية .وتلقى مارك تعليمه في موناكو وبروكسل ،كما درس في جامعة كمبردج العريقة .وبعمر الخامسة والعشرين نشر أربعة كتب عن العسكرية وعن رحالته للشرق األوسط.
وضع نواة «النظام اإلقليمي العربي»
سايكس املفرتى عليه بروفايل
,,
حافظ مارك سايكس على النسيج الوطني للوحدات السياسية التقليدية في املنطقة
,,
مارك سايكس
وبهذه املؤهالت ،فنحن أمام وجه من عالم كان في قمة الجموح السياسي والثقافي ،وكان على أعتاب تحول صناعي وتكنولوجي كانت بوادره واضحة .ينتمي ألسرة عريقة تعكسها األلقاب التي حملها ،وهو في هذا العمر القصير ( 39عاما) ترك صفحات في تواريخ: العسكرية والدبلوماسية والثقافة ،فضال عن أنه رحالة! كان مارك سايكس مع بدء العاملية األولى معروفا كمختص بشؤون الشرق األوسط وما عرف بـ«مناطق سوريا الطبيعية» .لكنه في العام 1916ارتبط اسمه بواحدة من أشهر االتفاقيات في التاريخ الحديث وعرفت اختصارا «سايكس – بيكو» ،وبيكو لقب جورج بيكو وزير خارجية فرنسا آنذاك، وكانت روسيا الطرف الثالث ممثلة بوزير خارجيتها سازونوف .وكان هدف االتفاقية تقسيم أمالك الدولة العثمانية فيما بينها بعد سقوطها، وذل��ك انتقاما من الدولة العثمانية التي وقفت بجانب أملانيا في الحرب (وكانت االتفاقية سرية إلى أن قام النظام الشيوعي في روسيا بكشفها). وقد شهد العام التالي لتوقيع االتفاقية التي ارتبطت باسمه ( )1917نشوب الثورة البلشفية في روسيا لتطيح بالقيصرية وتطيح معها بعصر من التفاهمات الروسية األوروبية ،فكشفت الحكومة الشيوعية الجديدة عن االتفاقية وانسحبت من الحرب العاملية األولى. ول��ك��ن أح���د أه���م رواف����د ت��ك��وي��ن شخصية م���ارك وث��ق��اف��ت��ه ك��ان��ت ثقافته العسكرية ،إذ جرى تجنيده عام 1897في السرية الثالثة ضمن كتيبة يوركشاير للمشاة .وق��د عمل في الجيش البريطاني بعض الوقت في جنوب أفريقيا ( .)1902وفي مشواره الدبلوماسيُ ،ع�ّي�نّ م��ارك ملحقا فخريا للسفارة البريطانية في إسطنبولُ . وعينّ بسبب خبرته الواسعة في ش��ؤون الشرق مساعدا ل���وزارة الحرب البريطانية ،وكانت وظيفته تزويد مجلس الوزراء باملعلومات واملشورة حول شؤون الشرق األوسط. ولم يكن سايكس من صانعي القرار إال أنه كان مؤثرا جدا فيهم بسبب شهرته كخبير في شؤون الشرق األوسط وحظوته لدى أصحاب السلطة. اشترك مارك سايكس ،بحكم منصبه ،في املباحثات التي جرت في لندن وكان يمثل فيها الجانب البريطاني .أما فرنسوا جورج بيكو ،القنصل الفرنسي السابق في بيروت ومستشار السفارة الفرنسية في لندن ،فكان ُيمثل الجانب الفرنسي فيما يتصل بما كان ُي ّ سمى «املسألة السورية»، أي مستقبل املنطقة العربية (وخ��ص��وص��ا ال��ش��ام) وتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية في آسيا .وقد انتهت هذه املباحثات ،بشكل مبدئي (عام )1916بتوقيع اتفاقية سايكس ـ بيكو الشهيرة لتقسيم مناطق النفوذ ب�ين إنجلترا وف��رن��س��ا .وق��د ُوض َ��ع��ت فلسطني بمقتضى االت��ف��اق تحت إشراف إدارة دولية.
كان سايكس في باريس عام 1919يفاوض من أجل اتفاق سالم بعد الحرب العاملية األول��ى وم��ات هناك بعمر 39سنة في غرفته بالفندق متأثرا بجائحة اإلنفلونزا اإلسبانية املنتشرة آن��ذاك .نقل رفاته لبيت عائلته في سيلدمير في يوركشير الشرقية ودفن هناك .فيما بعد ،في عام .2007أي بعد 90سنة من وفاته ،سمح أحفاده لألطباء بنبش جثته وفتح كفنه ألخذ عينات من بقاياه كونه ُدفن بتابوت من الرصاص إذ ُيعتقد أن ه��ذا سيحفظ فيروسات النزلة اإلسبانية بشكل مالئم للبحث العلمي. ويرى كاتب سيرة حياته أنه كان القوة املحركة للسياسة البريطانية الخاصة بفلسطني التي ّأدت إلى إصدار وعد ّبلفور ثم االنتداب البريطاني على فلسطني .وبعد هذا التوقيع املبدئي ،اطلع السير مارك سايكس على املذكرة التي وزعها هربرت صمويل على أعضاء الوزارة البريطانية ّ يقترح فيها أن تتبنى إنجلترا مشروع إيجاد وطن لليهود وقد اكتشف ّ سايكس على التو أنه لو تبنت إنجلترا املشروع ،فإن هذا سيوفر لها موطئ قدم راسخا في الشرق األوسط. ومن املفارقات التاريخية أن م��ارك سايكس ال��ذي ارتبط في الوجدان العربي باتفاقية سايكس بيكو وبدعمه إقامة دول��ة إلسرائيل ،وضع بهذه االتفاقية نواة ما يمكن أن نسميه «النظام اإلقليمي العربي» ،وهو ما استكملته الدبلوماسية البريطانية في األربعينات من القرن املاضي برعايتها إنشاء جامعة الدول العربية. حقيقة األم���ر أن ال��دب��ل��وم��اس��ي��ة البريطانية ك��ان��ت ج���زءا م��ن منظومة بريطانية واضحة املعالم لم تقم على مسخ الشخصية الوطنية للشعوب املستعمرة ،شأن املدارس الفرنسية واإلسبانية والبرتغالية ،التي ربطت الشعوب التي استعمرتها بخيوط م��ن التبعية السياسية والثقافية لسنوات طويلة ،وما زالت لغات هذه الدول هي السائدة في مستعمراتها السابقة .كما أن سايكس بيكو ل��م ت��م��زق النسيج الوطني للوحدات السياسية التقليدية التي كانت صاحبة مالمح ح��دود ثابتة أو شبه ثابتة .وهي أنشأت كيانات مختلفة عما كان موجودا قبلها وبخاصة في الهالل الخصيب دون أن تستجيب ألي مشاعر قومية لغير العرب املقيمني في هذا الحوض الجغرافي ،ولست هنا في معرض تبرير ما تعرضت له الجماعات القومية األخ��رى بسبب ه��ذه االتفاقية ،لكنني أقرر واقع أنها وضعت أساس نظام إقليمي – رعت بنفسها املرحلة الثانية منه – باملخالفة ملا يبدو أنه عمل تآمري قضى على مستقبل العرب بعده! < املحرر السياسي المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
19
قضايا
واسعة من النخبة السياسية العربية بوهم فرانكفوني مضلل هو «ديمقراطية العالقات الدولية» فمروجو الوهم أنفسهم هم من أكثر أمم الغرب على اإلطالق إيغاال في ممارسة الهيمنة ،والعالقات الدولية دائما كانت تقوم على الواقعية، ولعل من املفارقات املعبرة هنا أن النظم التي دفعت شعوبها للنظر إلى العالم وف��ق ه��ذه النظرة – وه��ي نظم شمولية غالبا – ك��ان��ت عالقتها بشعوبها استبدادية حتى النخاع ،وهو منطق مقلوب في التفكير ،فما يجب التعامل معه بواقعية – العالقات الدولية – جرى النظر إليه دائما في الخطاب املعلن بلغة «م�ب��دأي» ،وما كان يجب التعامل معه بمبدأي (الحاكم واملحكوم) تم التعامل معه بنفعية وواقعية تستلهم غرائز الذئاب! ويزيد الطني بلة حالة تقوقع شديد حول الذات واإليمان املفرط بأننا هدف استراتيجي أول – بل ربما وحيد – لكل القوى الدولية ،وأننا العالم ،أو على األقل «قلب العالم» ،وبالتالي فإن كل حركة وكل إشارة هي جزء من مؤامرة، وما يريده اآلخرون ال يمكن أن يكون «رؤية» نتفق أو نختلف معها!
,,
الخرائط التي يشار إليها كثيرة جدا وليس لها أي صفة رسمية فهي بالتالي إما جهد فرد أو مؤسسة بحثية وقد تكون في الحالتني مغرضة
,,
الدولة والهوية واألمة والقصة في سياقها الدولي باختصار شديد – حتى نصل إلى اللحظة الراهنة – أن نزاعات السيادة والحدود ليست طارئة ،بل عرفها العالم شماال وجنوبا وشرقا وغربا ،قبل أن يتبلور مفهوم «سيادة الدولة» وبعد تبلوره .والعالقات الدولية في العالم الحديث تأسست على «صلح وستفاليا» ( )1648الذي وضع بذرة «الدولة الحديثة» على مبادئ السيادة وعدم التدخل في شؤون اآلخرين. وعلى هذه األسس وضعت وستفاليا ركائز النظام الدولي وعالقاته املعاصرة. وتشهد الحربان العامليتان األولى والثانية وحروب أخرى سابقة والحقة على أن هذا املفهوم تعرض كثيرا لالنتهاك .وفي مرحلة تالية حدث ما يمكن اعتباره تجديدا للنظام الدولي :إنشاء األمم املتحدة .بعدها جاءت العوملة التي طغى معها التداخل على االستقالل ،لكن دون استباحته. تلغ «الهويات الدينية» (والحقا صعدت وأصل املشكلة ثقافيا أن «الدولة» لم ِ الهويات املذهبية وبخاصة في منطقتنا بعد الثورة اإليرانية) ،ومع استنساخ «الدولة الوطنية الحديثة» عربيا تم حجب «الهوية الدينية» مؤقتا بهوية وطنية بدت أوسع .والخطأ األول فيما حدث بالفعل في التجربة التاريخية العربية أن الدولة الحديثة فكرة مغرقة في التجريد بل ال أبالغ إذا قلت إنها غير ممكنة التطبيق إال في مجتمع متناغم على نحو خيالي ،أو عبر عمليات إبادة وقمع واسعني لكل املكونات املخالفة لـ«العنصر املؤسس» ،وهذا ما حدث بالفعل في مسقط رأسها :فرنسا! وقد تأزمت األمور أكثر – في التجربة العربية – بعد الحرب العاملية الثانية مع جنراالت االنقالبات العسكرية الذين أضافوا إلى األصول الفرانكفونية تأثيرات واضحة من الفكر القومي األملاني فأصبحنا أمام تجارب مثل جمال عبد الناصر وحافظ األسد وهواري بومدين وصدام حسني بكل خيباتها التي ما زلنا ندفع ثمنها ل�لآن .وف��ي إط��ار محاولتنا التفرقة التي نراها ضرورية بني «املؤامرات» و«الرؤى» نشير إلى تصور يرى أصحابه أنه أكثر اتساقا مع الواقع الثقافي في منطقتنا من التصور الذي جرى استيراده وتعميمه – دون تكييف – املسمى« :الدولة الوطنية الحديثة» (حسب التقليد األوروبي) .ففي يونيو (حزيران) 2006نشر مقال في دورية «القوات املسلحة» اعتبر تقديما نظريا الستراتيجية إعادة تشكيل منطقة الشرق األوسط على أساس االنتماءات الدينية والروابط العرقية (روابط الدم). ويقترح املقال إعادة تشكيل دول املنطقة ممثلة في السعودية واألردن وسوريا وإي��ران وأفغانستان والعراق على أس��اس رواب��ط ال��دم واالنتماءات املذهبية، ويقدم خريطة جديدة للمنطقة بدال عن الخريطة الحالية.
الحدود االعتباطية وي��رى كاتب املقال أن الحدود الدولية ال تبدو مرسومة بعدالة ،لكن درجة انعدام العدالة التي تفرضها على هؤالء الذين ترغمهم الحدود على أن يكونوا مجتمعني أو منفصلني تحدث فرقا هائال ،هو غالبا ما يكون فرقا بني الحرية والقمع بني التسامح والعنف بني سيادة القانون واإلرهاب أو حتى بني السلم 18
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
وال�ح��رب .و«ال�ح��دود األكثر اعتباطية واألك�ث��ر تشوها في العالم توجد في أفريقيا والشرق األوسط وهي التي رسمتها املصالح الخاصة لألوروبيني (الذين كانت لديهم اضطرابات كافية لتحديد حدودهم) إذ ال تزال الحدود في أفريقيا تسبب موت املاليني من السكان املحليني ،لكن الحدود غير العادلة في الشرق األوس��ط (واالستعارة هنا من رئيس وزراء بريطانيا ونستون ُ تشرشل) تولد مشاكل أكبر من أن ت َحل محليا». ويضيف كاتب املقال أنه ،بينما يعاني الشرق األوسط «مشاكل أكثر بكثير من موضوع الحدود وحدها ،مشاكل تمتد من الركود الثقافي الذي تتسبب فيه عدم املساواة إلى التطرف الديني القاتل فإن العقبة الكبرى التي تعيق محاولة فهم الفشل الشامل للمنطقة ليس اإلس�لام بل هو ال�ح��دود الدولية ّ املشوهة والتي تبدو مقدسة في نظر دبلوماسيينا» .و«بالطبع لن يؤدي أي تعديل في الحدود إلسعاد جميع األقليات في الشرق األوسط ففي بعض الحاالت تعيش الجماعات العرقية والدينية تداخال وتزاوجا وفي مكان آخر ربما ال يحقق االتحاد على أساس الدم أو املعتقد السعادة املرجوة كما يتوقعها املؤيدون».... «حتى أولئك الذين يكرهون موضوع تعديل الحدود سيستفيدون ج��دا من املشاركة في محاولة ّ نصف وإن كان ال يزال ناقصا للحدود تصور تعديل ُم ِ الوطنية بني البوسفور والهند» .وفي عبارة ال تخلو من دالالت مهمة يقول بيترز« :إن قبول فكرة ّأن التقاليد الدولية لم ّ تطور أدوات ّفعالة -سوى الحرب لتعديل الحدود الخاطئة سيجعل من مثل الجهد العقلي الذي نحن بصددهلفهم الحدود العضوية للشرق األوسط وسيلة تساعد على فهم مدى الصعوبات التي نواجهها والتي سنستمر في مواجهتها فنحن نتعامل مع تشوهات ضخمة صنعها اإلنسان ،وهي ال تكف عن توليد الكراهية والعنف إلى أن يتم تصحيحها .أما بالنسبة ألولئك الذين يرفضون التفكير في غير املفكر فيه ويقولون :إن الحدود يجب أن ال تتغير وأن الحال يجب أن يبقى على ما هو عليه ّ فإن عليهم أن يتذكروا أن الحدود ظلت تتغير عبر القرون لم تكن ثابتة أبدا، والكثير من الحدود من الكونغو وحتى كوسوفا والقوقاز تتغير حتى اآلن».
تفاهمات بوتني -أوباما ومن الناحية السياسية املباشرة ال يستطيع منصف تجاهل أن التغيرات في الحدود في مناطق أخرى من العالم تشير إلى «تفاهمات ضمنية» تستبق تغييرا في معنى السيادة وحدود الدولة ،وربما تمهد له عمدا ،فالخطوتان اللتان قامت بهما روسيا بضم القرم ،وقبلها في العام 2008القيام بعمل عسكري لضم أج��زاء من جورجيا يعكسان قبوال – لم يتم تقنينه بعد – لفكرة تطابق السيادة مع نطاق مصالح معني يحقق «األمن القومي» للدولة أو يتسق مع خريطة وجود مواطنيها أو الناطقني بلغتها .وهذا التحول يتم بقدر غير قليل من الحذر والتمهل ملا له في الذاكرة الغربية من تاريخ دموي. فالحروب القومية أوروبية نشبت في حاالت عدة بسبب التداخل السكاني، وتعد املشكالت الفرنسية األملانية ح��ول منطقتي اإلل��زاس واللورين مثاال كالسيكيا لهذا النوع من مشكالت الحدود املرتبطة بالخرائط السكانية. وإذا أقرت الواليات املتحدة األميركية وحلفاؤها األوروبيون «مبدأ مشروعية ضم األراضي» لتتطابق مع الخريطة السكانية فسيفتح هذا الباب واسعا أمام سيل من املطالبات التي قد تصل إلى حد الضم الفعلي بالقوة ألراضي الغير. وقد يصح أن صفقات مصالح كبرى جرى تبادلها بني واشنطون وموسكو بني البلطيق والبلقان والشرق األوسط ،وهي صفقات مصالح شواهدها واضحة لكنها ليست معلنة ،ومن األفضل لسالم العالم أال تتحول إلى «مبادئ» في العالقات الدولية .واألهم في هذه التفاهمات أنها تستند إلى مقومات يمكن أن تضمن لها االستمرار وتحقيق االستقرار ملن تمس أوضاعهم القانونية ،حتى ال تتحول هي بدورها إلى قنابل موقوتة تنفجر الحقا ،فالهوية وكل ما يمكن اعتباره مكونات «فوق مادية» تكتسب باستمرار تأثيرا ينافس املصالح ،وقد يساويها ،في أماكن كثيرة من العالم. فهل يقف الالحقون أمام أح��داث الربع األول من القرن الحادي والعشرين، مكررين مشهد الربع األول من القرن املاضي ،ليدونوا هجائياتهم الخاصة بحق «اتفاقية بوتني أوباما» غير املكتوبة؟!<
«ازدواجية املعايير» بشكل دائم ،فمن الطبيعي أن يتعاظم إحساس املواطن العربي بأنه ضحية مؤامرة.
استنساخ «سايكس بيكو» ...ولعنها! وفي كل مرة يعود العالم العربي إلى «حديث الخرائط» يتم اختصار كل شيء في «سايكس بيكو» ،وفضال عن هذا يجري استنساخها .....3 .2 .1 :والخطر في تحميل سايكس بيكو كل خيباتنا ليس تبرئة الغرب من املسؤولية عما ارتكب في حق شعوبنا ،بل الخطر أن تتحول إلى «تفسير سحري» يريحنا من عناء االعتراف بما ساهمنا به في الكارثة .وه��ذا املنهج االختزالي في تفسير التاريخ (والواقع) يشيع في الثقافات حال األزمة والعجز عن االعتراف بالواقع ،وكأنه «ديك غفران» سياسي يحمل عنا خطايانا ،كما هي عقيدة اليهود في «ديك الغفران اليهودي» الذي يتم تمريره فوق رأس كل يهودي ليأخذ خطاياه ،وبذبحه تغفر هذه الخطايا. وأول ما يجب أخذه في االعتبار عند التعامل مع خرائط ما يسمى «التقسيم الجديد» للعالم العربي أن العالم العربي لم يكن موحدا أبدا حتى يقسمه أحد. وأنه كان دائما وحدات سياسية تتمتع بدرجة استقالل ما ،حتى تحت الحكم العثماني ،وأن حدود هذه الوحدات السياسية كانت غالبا «رمادية» ،كما أنها انكمشت وتمددت عدة مرات.
وليس لها أي صفة رسمية ،فهي بالتالي إما جهد فرد أو مؤسسة بحثية، وقد تكون – في الحالتني – مغرضة ،لكن هذا ال يجعلها مخططا تنفيذيا له صفة رسمية على اإلطالق .وهي تنشر بال انقطاع – تقريبا – منذ منتصف الثمانينات عندما نشر الدكتور حامد ربيع سلسلة مقاالت في مجلة «األهرام االق�ت�ص��ادي» املصرية .وواح ��دة م��ن ه��ذه الخرائط أخبرني املفكر القومي الراحل الدكتور عصمت سيف الدولة أن مخابرات يوغوسالفيا سرقتها له من وزارة الخارجية اإلسرائيلية لتكون ضمن أوراق قضية «تنظيم ثورة مصر» الشهير. ومن األمور املثيرة – مثال – أن استقالل كوسوفا كان موضوع استهجان واس��ع من شرائح من النخبة العربية الرسمية وغير الرسمية ،بينما ضم ال�ق��رم لروسيا ل��م يشهد رد الفعل نفسه ،ف��ي إش��ارة واض�ح��ة إل��ى التأثير الكبير لعوامل :التحامل والتعاطف في صياغة مواقفنا .ففي املقابل كان هناك اهتمام غربي كبير بـ«الحالة القرم» ،ال بوصفها «ملف صراع» أميركي روسي ،وبالتالي حالة فردية ،بل بوصفها توجها عامليا في شأن «الدولة». خنا ب��اراغ خبير أميركي هندي املولد في الجغرافيا السياسية (يصدر له قريبا كتاب بعنوان« :تغيير خريطة العالم») يتنبأ بظهور «عالم دون حدود سياسية» ،وهو فرض يبدو مغرقا في التنظير ،لكنه – على األقل – يوفر منظورا أكثر موضوعية للنظر إلى التغيرات في الخريطة في منطقتنا بعيدا عن حديث املؤامرة الكونية .فهو يرى أن ضم القرم «سيرورة طبيعية» باتجاه تفكك ال��دول وإع��ادة إنشائها للمواءمة – حسب ت�ص��وره – ب�ين «السيادة السياسية» و«املعطيات السكانية واإلثنية» ،وهو لهذا السبب يرى أن ضم القرم لن يطلق شرارة حرب باردة وال ساخنة .وحسب باراغ فإن عددا كبيرا من دول الشرق األوسط مهدد عقدها باالنفراط ،فسوريا والعراق أو األردن لن يسعها الحفاظ على حدودها الحالية .وهذا التغير يمكن أن يحمل مستقبال واعدا إذا أمكن بناء وحدات مناطقية أكثر اندماجا.
والتعامل السائد مع قضية الخرائط في الحقيقة يغلب عليه تشاؤم الفت، أوال ألن��ه كاشف عن أننا نحتكم – أوال – إل��ى مشاعرنا ب��دال من املزاوجة املتزنة بني ما هو عقلي وما هو عاطفي .وهذا التشاؤم يكشف عن أننا – في أعماقنا – شاعرون بالعجز الشديد بل املهانة ،رغم علو صوت الحديث الشعاراتي عن اإلرادة ،فالعالم الذي يتغير باتجاه التفكك يشهد أيضا – ولو حالة واح��دة – باتجاه الوحدة هي وحدة شطري أملانيا ،ما يؤكد أن مسار التفكك ليس ثمرة تآمر اآلخرين بل ثمرة غياب األسباب املوضوعية ألن يكون مؤامرات أم رؤى؟ املسار العربي باتجاه «الوحدة».
شاشة كبيرة لبوتني وأوباما خالل حفل دولي اقيم على شاطئ أويسترا «نورماندي» في 6يونيو املاضي ،بمناسبة الذكرى السبعني للحرب العاملية الثانية
,,
العالم العربي لم يكن موحدا أبدا حتى يقسمه أحد وأنه كان دائما وحدات سياسية تتمتع بدرجة استقالل
,,
ومما يجب أخذه في االعتبار أيضا أن الخرائط التي يشار إليها كثيرة جدا ومن اآلفات التي تؤثر تأثيرا شديدا في تعاطينا مع التحوالت إيمان شرائح
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
17
قصة الغالف
مشهدان متزامنان يمكن أن يلخصا الكثير من الفروق بني عقليتني ورؤيتني األول تصريح رسمي أميركي خالصته أن الواليات املتحدة «تتمنى» أن يصوت األسكوتلنديون لصالح البقاء ضمن «بريطانيا العظمى» ،ما يعني أن رغبة األسكوتلنديني في االستقالل لم ينظر إليها أحد بوصفها مؤامرة أو خيانة أو عمالة أو ......هذا طبعا فضال عن آالف الشواهد من خطاب مؤيدي االنفصال ومعارضيه تؤكد أن «الخرائط» ليست «الدول».
املنطقة العربية من سايكس ـ ـ بيكو الى بوتني ـ ـ أوباما
حدود رمادية! بقلم: ممدوح الشيخ
,,
في كل مرة يعود العالم العربي إلى «حديث الخرائط» يتم اختصار كل شيء في «سايكس بيكو» ،وفضال عن هذا يجري استنساخها
,,
16
املشهد الثاني مشهد عاصفة عويل وسب وتهويل وتهديد بسبب تغيرات محتملة على خريطة ج��زء من املنطقة ،رغ��م أن خريطته تغيرت بالفعل منذ تم ف��رض حظر طيران على نظام حسني في املنطقة الكردية شمال العراق ،لكن ثقافة اإلنكار أسهمت في سعي الراغبني في تغيير الحدود إلى «الزحف على األرض» فعليا لتغيير الخرائط ،وبعضهم لجأ لهذا الخيار بعد أن تعذر عليهم – بالطرق السلمية – تغيير سلوك النظم الحاكمة!
الخريطة ...الدولة ....قيمة الدولة هذان املوقفان املتزامنان أكدا حقيقة مهمة هي أننا مشغولون دائما بـ«حدود الدولة» بأكثر مما نحن مشغولون بـ«القيمة السياسية للدولة» ،أي الكفاءة والقدرة على التأثير ،لكن هذا ليس الوجه الوحيد لعاصفة البكاء املرير في اإلعالم العربي على الخريطة التي تتغير. ومن يأخذ عينة من اإلعالم املقروء واملرئي ربما ال يلفت نظره هذا الكم الكبير من «السيناريوهات التآمرية» التي يجب علينا جميعا أن نحذر منها وجميعها – تقريبا – تستهدف تمزيق العالم العربي ،فمع كثرة هذه املخططات ألفناها ول��م نعد نشعر بأنها ظاهرة يجب رصدها .كما أن تداخلها – بل أحيانا تناقضها – ال يبقي للمواطن العربي إال عملة واحدة ذات وجهني :البكاء على الخرائط وتدبيج الهجائيات بحق الغرب! ومع الخوف املرضي من املؤامرات يبقى خيار واحد« :تثبيت كل األوضاع» مخافة أن يكون أي جديد نختاره ،حلقة معدة مسبقا من مؤامرة ،وبهذه األيدي املرتعشة أديرت ملفات عربية كثيرة – أولها التغيير الديمقراطي – حتى تغيرت الدنيا حولنا وأصبحت قائمة من تستهدفهم هجائياتنا تضم قوى إقليمية بل «أقليات»! ما يعني أننا صرنا نرى أنفسنا أضعف ،ولم يعد بعضنا يشعر بغضاضة في أن يتحدث عن مؤامرة إثيوبية أو مؤامرة تركية أو مؤامرة إيرانية أو مؤامرة كردية أو مؤامرة أمازيغية أو..... ومن األسباب الرئيسة للداء أننا ننظر إلى أنفسنا بإصرار عجيب كـ«استثناء»، وف��ي موضوع الخرائط ه��ذا بالتحديد ،يتم عمدا اقتطاع الحقائق املتصلة بالتغيرات املحتملة على خريطة املنطقة من كل سياق وتعليبها بخطاب خشبي يؤكد أن ما يحدث هو م��ؤام��رة اآلخ��ري��ن ضدنا ،فال سابقة له وال نظير ل��ه ،وال ه��دف ل��ه إال خريطتنا .وه��ذا املنظور أح��د أه��م أس�ب��اب «س��وء التفاهم التاريخي» بيننا وبني الغرب ،ومما يؤكد أنه (على األقل في جانب منه) «سوء تفاهم» أنه اآلن يعاد إنتاجه إقليميا مع كل القوى اإلقليمية تقريبا بسيناريوهات متفاوتة.
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
ومما يتم إخفاؤه عمدا – مثال – أن العالم يشهد ازديادا مطردا في عدد دوله التي أصبحت ت��راوح حول املائتني ،مقارنة ب�ـ 50دول��ة أسهمت في تأسيس األمم املتحدة عام 1945وعدد يقدر بما يزيد قليال عن 150دولة قبل عقود قليلة ،ويكفي أن نشير هنا إل��ى أن مصر وال�س��ودان كانا كيانا سياسيا واح��دا حتى خمسينات القرن العشرين ،وأن وحدتهما كانت من القضايا املجمع عليها وطنيا! وخالل السنوات التي تلت انهيار االتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن املاضي شهد العالم موجة تغيير كبيرة في الخرائط .فعلى سبيل املثال، كانت كل من :أستونيا والتفيا وليتوانيا ترتبط برابطة سياسية انحلت في هدوء ،وعاشت تشيكيا وسلوفاكيا ضمن وحدة استمرت قرابة نصف قرن وانتهت بـ«الطالق املخملي» ،وانحلت يوغوسالفيا بعد حرب أهلية دامية إلى عدة كيانات سياسية ،واستقلت إريتريا عن إثيوبيا وانفصلت تيمور عن إندونيسيا ،واستقلت كوسوفا عن صربيا .وف��ي املقابل ال يكاد الحديث يتوقف في بلجيكا عن احتمال انقسامها إلى دولتني ،ويحاول إقليم كيبك ذو الثقافة الفرنسية – منذ عقود – االنفصال عن كندا ذات الثقافة اإلنجلوفونية، وبني عامي 2008و 2014ضمت روسيا إلى أراضيها جزءا من جورجيا ثم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. بل إن العالم – بشكل عام – يسير باتجاه زيادة عدد دوله ،وثمة دراسات في فرع جديد من فروع دراسات الدولة في العلوم السياسية هو «»Mini State يتوقع زيادة دول العالم – في الحد األقصى – إلى أكثر من 3000دولة!! أما درس جنوب السودان فما زلنا عاجزين عن استيعاب دروسه من زاويتني: األولى أن السودان – قبل انفصال الجنوب – كانت مساحته تساوي مساحة أوروب��ا الغربية (أكثر من عشرين دول��ة) أما كفاءته وتأثيره فكانا أقل من أصغر دولة أوروبية .الدرس الثاني في تجربة انفصال الجنوب فهو أن التاريخ له مسار وأنه ال ينكسر أمام إرادة أحد ،وقد قتل بسبب هذا الصراع أكثر من مليوني مدني وفي النهاية انفصل الجنوب ،فاإلرادة واالستعداد للحرب الطويلة لم يعالجا فشل الدولة وال حققا التناغم بني مجموعات سكانية كلها ترى العالم من خالل «الهوية األحادية». وف��ي إش ��ارة مهمة إل��ى حقيقة أن ال��وق��ائ��ع ال يمكن فصلها ع��ن معايير التقييم يفرق ألكسندر هيغ وزير خارجية بريطانيا بني استفتاء استقالل أسكوتلندا واستفتاء انضمام القرم لروسيا قائال« :إن أسكوتلندا دخلت ضمن اململكة املتحدة مع املقاطعات واألقاليم البريطانية األخرى طواعية وإن االستفتاء هناك يجري بموافقة ورضا اململكة املتحدة نفسها وليس من جانب واحد ومن طرف جماعات انفصالية وبدعم من دولة أو قوة أجنبية كما ه��و ال�ح��ال ف��ي شبه ج��زي��رة ال�ق��رم» .وعندما يجري عمدا إغ�ف��ال هذه الفروق عند تناول املشكالت املماثلة في العالم العربي ،عبر إشاعة خطاب
إن مجرد قبول جماعات مستفزة ،جنسيا وعاطفيا ،لفكرة اللمس الجماعي لجسد امرأة ،وتحت أنظار الناس والكاميرات ،يتجاوز عتبة التوظيف السياسي ،ليدخل ف��ي مفهوم الحياة الجنسية بأكملها ،ويتصل بالقيم العامة والقانون الذي يمنح حق الحماية لألفراد من التعبير «الجنوني» والعشوائي بالجسد وتفاصيل اإلثارة. وأن تكون امرأة ما ،عرضة لتقاسم عشوائي ،وجماعي ،وقسري، وفي هذا الشكل املعلن ،ما يعكس قناعة املتقاسمني الجنونيني، بغياب أي حق دفاعي لدى الضحية ،حيث يغيب حقها الدفاعي كونها – أي الضحية – ممنوعة الحق بجسدها باعتباره «ملكية س��ائ�ب��ة» أو ملكية رخ ��وة ق��اب�ل��ة للنهب وال�ت�ق��اس��م .ع�ل��ى طريقة القراصنة القدماء الذين يحتلون شواطئ بحار بصفتها أرضا سائبة ال حق ملواطنيها األصليني بالدفاع عنها .هذا األمر سنجد ل��ه س�ن��دا ف��ي ثقافة التعامل م��ع امل ��رأة ،ف��ي األص ��ل ،حيث تكون الطرف الخاسر األول في أي تغيير اجتماعي أو سياسي أو في أي مشكلة تقع فيها الجماعة االجتماعية ،وبحيث تكون هي دائما دافع الضريبة .ومسألة سحب الحق من املرأة الضحية بالدفاع عن جسدها ،ال تعني إال أن هذا الحق ،قد سلب في األصل ،من الرجل، الذي هو سيكون األخ أو الزوج أو األب أو االبن ،للمرأة الضحية، َ املضمر. فيكون سلب حقها سلبا لحق الرجل أي أن الدائرة غير املفرغة تمر بالرجل ثم املرأة أو العكس :قضية مجتمع كامل وبكل تفاصيله .ولخطورة هذا األمر ،على مجتمع م�ح��اف��ظ بطبيعته ،كاملجتمع امل �ص��ري ،خ��اص��ة ،ف��إن الحكومة �ذت مجموعة إج� ��راءات م �ش��ددة ملالحقة امل�ص��ري��ة ال�ج��دي��دة ات �خ� ّ ومعاقبة املتحرشني ،ما خلف ارتياحا عاما في األوساط الحقوقية العاملة في حقل امل��رأة ،واألوس��اط االجتماعية العادية التي بدأت تتخوف من استفحال الظاهرة في هذا الشكل غير املسبوق. كما أن الرئيس املصري املنتخب عبد الفتاح السيسي ،وبزيارته
الهامة التي قام بها إلى ضحية من ضحايا التحرش الجماعي، في املستشفىّ ، وجه رسالة صارمة وعالية التركيز بأن الظاهرة باتت خطرا والدولة ستواجهها بكل حسم وحزم ،وكان العتذاره من الفتاة الضحية ،أثر بالغ التأثير في طبقات املجتمع من الناس ال�ع��ادي�ين وم��ن امل��ؤس�س��ات الحقوقية وامل�ث�ق�ف�ين والشخصيات الوطنية ال�ت��ي رأت ب�ب��ادرة الرئيس إع�لان��ا ملواجهة شاملة لهذه الظاهرة الغريبة على املجتمع املصري ،خاصة ،والعربي اإلسالمي، عامة .كما أن فكرة االعتذار نفسها ،كانت سابقة سياسية على درجة عالية من الشفافية وتحمل الكثير من العزم على املواجهة وحماية حقوق األفراد في املجتمع ،واملرأة من ضمنهم. ول�ع��ل أخ�ط��ر ج��زء ف��ي قصة «ف�ت��اة ال�ت�ح��ري��ر» ه��و التركيز على توظيفها السياسي ،بما يضلل أسس البحث األكاديمي الرصني، ويحولها إلى مجرد خناقة مفتعلة .وإشارة ويتاكر إلى اشتهاء الغير ف��ي األمكنة غير املتوقعة ،وال��زم��ن غير امل�ت��وق��ع ،ال يعني إال شيئا واح��دا إذا لم يتم تغيير النمط الثقافي ال��ذي كانت وال ت��زال تتم معالجة ال��داف��ع الجنسي ب��ه ،وه��و :ازدي��اد ع��دد األمكنة غير املتوقعة للتعبير عن فكرة اشتهاء الغير (كعيادات األطباء وصاالت التدريب الرياضي كما سبق وحصل منذ أسابيع) وكذلك الزمن غير املتوقع لهذا االشتهاء الذي بلغ حدا سيكون فيه تحديد األزمنة أمرا مستحيال. وف��ي السياق ذات��ه ،ف��إن قضية ع��زل الدافع الجنسي ،كما لو أنه مستقل في بنيته عن بقية الدوافع األخرى ،سيترتب عليه نتائج ج��ذري��ة حساسة للغاية ،ن�ظ��را ألن ال��داف��ع الجنسي ،أص�ب��ح في التفكير الحديث ،شبكة متراصة تجمع م��ا ب�ين بنيات متعددة ومستويات معرفية ونفسية متعددة ،بحيث يختلط االجتماعي بالجنسي ،والسياسي بالعاطفي ،والشخصي بالحقوقي. من هنا ،فإن قصة فتاة التحرير ،نسق ثقافي كامل ،ومتراص، وذو محتوى تاريخي واجتماعي وسياسي .وفهمه يحمي فكرة «اشتهاء الغير» من أن تتحول إلى فكرة قتل ..الغير!<
مصري يعترض مسيرة احتجاجية نظمتها ناشطات مصريات ضد التحرش الجنسي بالقرب من مسجد السيدة زينب ،في فبراير من العام املاضي
,,
أخطر جزء في قصة «فتاة التحرير» هو التركيز على توظيفها السياسي بما يضلل أسس البحث األكاديمي الرصني
,,
* كاتب وناقد سوري مقيم في القاهرة
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
15
شؤون سياسية
الضجة التي أثارتها واقعة التحرش الجماعي ،واملعروفة بـ«فتاة التحرير» ،جرى التركيز عليها سياسيا، أكثر مما جرى التركيز عليها اجتماعيا أو جنسيا .فقد حصلت «الواقعة» أثناء احتفال املصريني بتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا لجمهورية مصر العربية .وعلى الرغم من السياق السياسي الذي يمكن فيه فهم هذه الواقعة ،فإن مدلوالتها الجنسية هي السياق الواقعي الذي يجب التوقف عنده ،من حيث إنها، ٌ اشتباك مباشر مع قيم أوال ،تحرش جماعي علني ،وأمام عشرات اآلالف من الناس .وثانيا ،من حيث إنها املجتمع ،ورغبة صارخة بعدم االعتراف بهذه القيم.
ٌ ٌ ّ جنسي ظاهر سياسي وباطن التحرش الجماعي:
فعل فاضح بقلم: عهد فاضل *
وه��ن��ا ،يمكن التوقف عند كتاب ص��در ف��ي ال��ع��ام 2007 البريطاني ب��راي��ن ويتاكر، ع��ن دار الساقي ،للصحافي ْ واملوسوم بـ «الحب املمنوع -حياة املثليني واملثليات في الشرق األوسط» .حيث كشف هذا الكتاب االستقصائي عن العالم السري للخيارات الجنسية.
,,
ال��ع��ودة إل��ى كتاب الصحافي البريطاني ،بعد ه��ذه السنوات من صدوره ،وبعد شيء وأشياء من تجاهل تقاريره االستقصائية، في الصحافة العربية ،ليس سببها فقط أن الكتاب معني بالعالم السري للدوافع الجنسية عند املثليني ،بل ملستوى تحليلي مميز ورف��ي��عّ ، تنبأ ب��ه وي��ت��اك��ر ،بتلك ال��ح��االت م��ن ال��ت��ح��رش الجماعي وعلنية التعبير الجنسي ،وذلك في معرض إشارته املنقولة عن فريدريك الغرانج ،بأن «املثلية واإلباحية املثلية تسود األدب العربي الكالسيكي» ،بينما يلحظ املصدر ذاته تجنبها «إجماال في األدب الحديث».
املرأة في األصل تكون الطرف الخاسر األول في أي تغيير اجتماعي أو سياسي أو في أي مشكلة تقع فيها الجماعة االجتماعية
,,
14
فينتقل ويتاكر إلى القول« :برغم بيوريتانية (طهرانية) املجتمعات العربية ظاهريا ،فمن الصعب عدم مالحظة اإليروتيكية الكامنة تحت السطح» .وأهمية إش��ارة املؤلف إلى العالقة ما بني تعفف ظ��اه��ري وإب��اح��ي��ة ك��ام��ن��ة ،تنفع اآلن ف��ي ق���راءة ظ��اه��رة التحرش الجماعي العلني ،حيث إن العلنية هنا ،هي تجاوز للخط األحمر الذي كان ،في السابق ،طهرانياّ ، وعبر عن نفسه اآلن ،من دون كمون ،ومن دون رتوش ،فغدا علنيا وجماعيا ،في ظاهرة نادرة من ظواهر الحياة الجنسية لألفراد واملجتمعات. إال أن الكاتب ال يتوقف عند إشارته السريعة والخاطفة ،للمكبوت الجنسي ،بصفته دافعا محتجبا قابال للظهور ،بل بصفته دافعا قابال لالنفجار والتشظي الجماعي ،بالضبط ،كما حصل في واقعة «فتاة التحرير» ،علما بأن الكاتب طرح نماذج من الشرق األوس��ط برمته ،ليس من مصر فحسب ،بل من سوريا ولبنان وفلسطني وإسرائيل والسعودية ،لدراسة ظاهرة التعلق الجنسي ْ املثلي .وهي إن لم تكن محور اقتباسنا ،هنا ،فهي محور إفادتنا مما سيلي من تحليل ويتاكر النفجار الدافع الجنسي ،وبشكل علني ،هذه املرة. يربط ويتاكر ،ما بني حجب الدافع الجنسي ،في املجتمعات العربية،
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
والعجز عن «تقنني» التعبير عن هذا الدافع في أمكنة محددة أو ِ خاصة ،وتبعا لذلك ،فإن قابلية االنفجار العشوائي ،لهذا الدافع املكبوت ،قد تكون في أي مكان وفي أي زمن ،دون التوقف كثيرا عند تعارضها مع القيم العامة املتحفظة« :في املجتمعات العربية، يجب حجب الرغبة الجنسية تماما ،أكانت مشتهية للغير ،أم مثلية، أو غير محددة وال تريد أن تحدد ،وال يمكن هذه املجتمعات – وهنا املفارقة -حصرها في أماكن خاصة أو في مواقف خاصة. نتيجة ذلك تنتشر الرغبة في األماكن كلها وفي أي وق��ت ،وفي أقل املناسبات احتماال». وإش��ارة املؤلف الذكية إلى «األماكن كلها» و«في أي وقت» وأنها في «أقل املناسبات احتماال» تعيدنا على الفور إلى املثال الواقعي الجديد ،في واقعة «فتاة ميدان التحرير» ال��ذي تنطبق عليه كل املواصفات االستنتاجية الذكية التي سردها املؤلف .فمن جهة، ليس امليدان ،أبدا ،هو املكان األمثل للتعبير عن الدافع الجنسي، ومن جهة ،فإن التوقيت (االحتفال بمناسبة سياسية) لم يكن هو التوقيت املتناسب ،قطعا ،مع دوافع كتلك. وبعد كل ذلك ،فإن املؤلف ذكر أمثلة عن األمكنة التي تنتشر فيها تلك الرغبة ،وهي شبيهة إلى حد ما بما يحمله امليدان ،إال ْأنها تختلف في طبيعتها االستعمالية« :ثمة ميل إيروتيكي ومثلي إيروتيكي ،ملموس تقريبا ،يظهر جليا في مناسبات رسمية مثل املولد [ينقل املترجم أن املؤلف ذكر كلمة املولد كما هي بالعربية] كما في الحياة اليومية ،وفي الباصات ووسائل النقل املشترك األخرى وصاالت السينما والشوارع حتى حيث يتم تبادل نظرات سريعة ذات معنى». قصة «فتاة التحرير» وعلنية التحرش الجنسي الذي وصفته بعض وسائل اإلعالم باالغتصاب الجماعي ،ال يمكن التوقف عندها على أنها مجرد تعكير صفو املحتفلني بمناسبة سياسية .وهي وإن أدت إلى مثل هذا األمر ،فإنها بطبيعتها الجماعية والعلنية ،تتجاوز فكرة الدافع السياسي ،لتدخل على الفور باب الطبيعة الجنسية التي أشار إليها ويتاكر بصفتها ناتج منع قيمي من املجتمع ضد ما ّ سماه «اشتهاء الغير» ،بحيث يكون «أي مكان» وفي «أي وقت» مناسبة غير متوقعة للتعبير عن الفعل الجنسي ،حتى وإن كان في هذا الشكل الجماعي وتحت أنظار الناس وعدسات الكاميرا!
ش�ي��وع ال�ظ��اه��رة بعد ذل��ك ،لقد شكلت ح��االت التحرش وقتها م��ادة مضاربة إعالمية بدال من أن تشكل انتفاضة موحدة نحو سن قوانني وأنظمة تحمي الضحايا ،إن سذاجة التفسير وعدم دقة املعلومات ال تنفصل عن التاريخ الثقافي ففكرة حشد الدين أو الحس الوطني هي مسألة في ضمير الثقافة العربية ،ومع أن التدين أو األخ�لاق العامة واالنتماء الوطني عموما قد تشكل رادع��ا شخصيا لبعض األف��راد إال أنه من املستحيل عزو أسباب التحرش من عدمها إلى أي دين أو معتقد إطالقا. ك��ان��ت ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة اإلس�لام�ي��ة ك�ث�ي��را م��ا ت�ع��زو ل�ل�غ��رب االن�ح�لال األخ�لاق��ي ،وتفسر ه��ذا التصور املغلوط بما يمثله الدين اإلسالمي من قيم وأخالقيات تحفظ مجتمعاتنا من مثل ه��ذه العمليات غير األخالقية ،لكن واقعنا االجتماعي والسياسي تاريخيا وحتى اليوم ال يثبت شيئا م��ن ذل��ك ،فالتحرش كعملية وس�ل��وك متعدد الجذور وتفسيره بعامل واح��د مثل الديانة ه��و فشل ف��ي فهمه ،وأي توجه فكري يريد أن يصور العالم اإلسالمي بريئا من عمليات التحرش واالغتصاب لم يعد مقبوال ،فالتطرف الديني يمكن أن يشرع ما هو أسوأ من جريمة التحرش الفردية وغير املنظمة ،فالسيدة مختار ماي من باكستان تم الحكم عليها من قبل املجلس القبلي باالغتصاب الجماعي تحت مالبسات قضية عائلية في ،2002أي أن االغتصاب الجماعي تم تشريعه كجزاء قضائي في دولة إسالمية ،هذا بالطبع ال يثبت أن الدين هو املشرع لجرائم التحرش لكنه باملقابل يلغي التذرع به كمانع عملي عن ارتكاب هذه الجريمة بكافة أشكالها ،ينسحب هذا الرأي على كل الطروحات التي ال تنفك تخلق معادالت كيفية وكمية بني اإلحصائيات الغربية والعربية ،في محاولة بائسة للتطهر من حقيقة هذه الجرائم لدينا واعتبار النسب الغربية دليال على سوئهم وشهادة لسالمتنا ،هذا االلتفاف يؤكد سوء معالجة جذري للمشكلة ،فأوال نحن نكاد ال نعترف بوجودها ،فكيف يمكن لنا أن نعتمد اإلحصاءات الدقيقة في املجتمعات األخرى أمام إحصاءاتنا نحن الذين ال ندرس الجريمة وال نحصيها وال نتعامل معها كواقع حقيقي ،إن الشفافية التي ترصد بكل دقة الحاالت التي تحدث لديهم والتحليالت والدراسات املستفيضة حولها والواقعية العلمية والسياسية ف��ي ال�ت�ن��اول هي وحدها الفيصل في الحكم ،هذه الشفافية التي نحولها لسالح ننكر فيه واقعنا الذي يلفه الصمت واإلنكار والجهل واملكابرة ،واقعنا الذي ال تتم دراسته وال تحليله وال تشخص مشاكله ال يعني أنه واقع نظيف ال يعاني ،وه��و التصور ال��ذي عشنا فيه سنني طويلة حتى وصلنا اليوم لهذا االنفجار في الظاهرة بشكلها الصادم وال��رديء ،األخالق والتدين لم يمنعا تفشي ه��ذه الجرائم ،بل الصمت واإلن�ك��ار هو من أخفى الحقيقة حتى ظهرت اليوم عمالقة ومخيفة.
والفتاة التي تنفرد برجل ف��ي أي موعد خ��اص تصبح محل الذنب حتى لو تم اغتصابها وقتلها ،ألنها هي التي سمحت بذلك بمجرد قبولها بالتفرد برجل ،هذا التطرف هو ما جعل املرأة أي امرأة مباحة لكل رجل أيا كان ،في كل مكان وفي كل زمان ،لم يعد فرقا بني املرأة السافرة واملرأة املختفية بالسواد ،كلتاهما تتعرض للتحرش ،ألن كل النساء هن اليوم مباحات ملجرد خروجهن من البيوت وتواجدهن في الشوارع ،إن مجرد ظهور املرأة أصبح سببا كافيا للتحرش بها ،لقد ازدواجية ذكورية أصبح السؤال هل التحرش فعال جريمة يقع بها الرجل تحت سطوة توهمات نفسية وثقافية اجتماعية ذك��وري��ة تسوغ حقه كذكر في إن أحد أهم ما يمكن تشخصيه في ظاهرة التحرش التي انفجرت أخيرا التمتع بأي امرأة ،أم أنه أصبح نوعا من العقاب الذي يفرضه الرجال في مجتمعاتنا هو الطبيعة التي نتعامل بها مع هذه الجريمة ،فالكثير على النساء ملجرد ظهورهن في الفضاءات العامة ،هل التحرش نزعة جدا من الشرائح االجتماعية والقوانني في البلدان العربية ال تعترف نفسية شاذة أم هو سالح جريمة؟ باالغتصاب كجريمة ،واألسوأ أنها في مختلف الحاالت يمكن أن تضع اللوم على الضحية ال على الجاني ،وألن الضحايا غالبا هن من النساء في الحقيقة يمكن اعتبار ظاهرة التحرش في العالم العربي اليوم سيكون لعقدة الثقافة الذكورية العامل األهم في تحليل هذه الظاهرة .نتيجة تدهور أخالقي وقيمي في ثقافة املجتمع وفي دول محكومة كان ولم يزل التعامل مع جريمة االعتداء والتحرش على أنها بسبب باستبداد سياسي عاجزة عن توفير أبسط حقوق اإلنسان ملواطنيها، من سوء سلوك النساء وابتزازهن للرجال بالحضور السافر ،ضعف ظاهرة التحرش ليست تصرفا فرديا ال يتحمل الجميع مسؤوليته احتشام املرأة كان يعتبر السبب الرئيس في كل التفسيرات العربية ب��ل ه��و نتيجة لتخلف الجميع ع��ن مسؤولياتهم ب��دءا م��ن املتحرش لهذه الجريمة ،عدا عن أن التحرش واالعتداء يكاد ال يصبح جريمة وانتهاء بالضحية التي تستسلم لقدرها وتتكتم عن املجرم بدال من بل يصبح حقا طبيعيا للرجل ،فاألنثى متاعه على كل حال ،الزوجة التي يحرم عليها رفض العالقة الجنسية في أي وقت تعد هي املذنبة الثأر لنفسها منه < * كاتبة وناقدة اجتماعية سعودية إذا تمنعت عن زوجها وأخذت بالقوة ،في شرعنا ال يعد هذا اعتداء،
ناشطة مصرية تضع طالء أحمر لبصمات اليد على ذراعها ،تنديدا بظاهرة التحرش الجنسي في مصر وذلك ضمن وقفة احتجاجية جرت أمام دار األوبرا في العاصمة القاهرة يوم 14يونيو املاضي
,,
كثير من الشرائح االجتماعية العربية ال تعترف باالغتصاب كجريمة واألسوأ أنها يمكن أن تضع اللوم على الضحية
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
13
شؤون سياسية
سجلت الدول العربية في الفترة األخيرة حاالت صادمة ومخيفة من التحرش الجنسي ،كانت صدمة الحاالت على أكثر من مستوى فهي ،من حيث العدد كبيرة جدا ومتكررة ،وهي على مستوى آخر حدثت في ساحات عامة وداخل ميادين مليئة بالحشود ،أي أن الضحايا وقعن على مرأى ومسمع جماهير ليست قليلة وهذا أكثر ما يمكن أن يلفت النظر.
التحرش الجنسي في العالم العربي ..من سلوك منبوذ إلى مزاج عام
اغتصاب بقلم: ملياء السويلم *
,,
أصبحت حاالت التحرش مادة للمزايدة اإلعالمية بني الفرقاء بدال من أن تشكل انتفاضة موحدة نحو سن قوانني وأنظمة تحمي الضحايا
,,
التحرش بكل أشكاله الجسدية واللفظية والرمزية تم نبذه في املجتمعات العربية كعملية غير شريفة وتنقصها امل��روءة، لكنه ال �ي��وم يتكثف ك�ظ��اه��رة م��ؤذي��ة ف��ي ال�ف�ض��اء ال �ع��ام يتم تسجيلها بالصوت والصورة ويتم تداولها عبر كل قنوات االتصال واإلعالم ويقابلها حياد جماهيري لحظة الحدث ،ورغم هذا لن يكون التساؤل فقط عن معنى التحرش كسلوك مريض وال أخالقي أخذ مكانه كظاهرة ثابتة بيننا ،بل ستتنوع االستفهامات بحجم تعقيد عمليات التحرش وت��داخ��ل ك��ل األس�ب��اب السيكولوجية والسياسية واالقتصادية فيه.
غير طبيعية فإما مظاهرات كبرى وشبه عصيان كامل عطل الحياة املدنية كما حدث في مصر ،أو أنها أصبحت حالة حرب والتحرش فيها جزء من العملية العسكرية ،والتاريخ اإلنساني يعرف جيدا أن االغتصاب كان ولم يزل سالحا حربيا قذرا ،وهو تحديدا ما يحدث في سوريا وليبيا ،االغتصاب واالعتداء الجنسي هو الحد األقصى من التحرش ،لكن التلفظ بالكلمات ال يقل عن االغتصاب الكامل في املعايير ،فما يحدث على مستوى األيام العادية في الشوارع واألزقة الضيقة هو نبوءة االنفجار الذي حدث في أيام املناسبات الكبرى داخل أكبر امليادين وتحت كاميرات اإلعالم والصحافة ،إن تشكيل التحرش لظاهرة واضحة في املجتمعات العربية يفتح املجال لكل األسئلة ،ما الذي حول السلوك املستهجن أخالقيا إلى حالة مزاج عام ،فمن يتابع التحرشات يدرك كيف ينسجم في الحالة الواحدة مجموعة متفاوتة م��ن ال��ذك��ور ف��ي أعمارهم وتعليمهم وثقافتهم ،ف��ي مشهد جماعي غير فردي يزيد من تأكيد املالحظة أن ما يحدث أصبح مزاجا عاما وميال للتعدي واإلي��ذاء ،الظاهرة بشكلها هذا لم تخرج عن العوامل املعروفة لكنها دخلت إلى منطقة جديدة من االحتماالت ،وأقسى هذه االح�ت�م��االت أن يكون تأجج الظاهرة بسبب م��ن حمى اإلع�ل�ام ال��ذي صاحب األحداث املشتعلة في املنطقة منذ عامني.
ظاهرة التحرش يجب أن تدرس ضمن كل أبعادها والحلول التي يجب اتخاذها عليها أن تكون شاملة وال تتوقف على املبادرات العشوائية، ال��دول��ة أول املسؤولني عن ف��رض األم��ن ال��ذي تحتاجه كل ام��رأة كأي مواطن يحتاج للتنقل والحركة بأمان دون التعرض ألي أذى مهما كان شكله ،تماما كما من شأنها تشريع قوانني رادعة وقاسية ضد املتحرشني وضد كل عملية ترهب املرأة عن ممارسة نشاطاتها ،من واجب الدولة أن تحافظ على مستوى اقتصادي ي��وازن بني الطبقات االجتماعية املتفاوتة ،فالجماعات التي تعيش على هامش الحياة في حارات عشوائية تفتقد إحساسها باالنتماء للمجتمع وتنزع للتخريب لتلفت االنتباه لها ،تماما كما أن البطالة يمكن أن تكون من أخطر األسباب حيث تفصل شعور املواطن عن دولته وتكرس داخله انفعاالت الغضب والقهر التي يتم تفريغها بمثل هذه السلوكيات.
ف��ي ليبيا أول ح��ال��ة اع�ت��داء سجلت ض��د أح��د امل��ذي�ع��ات ذات الشهرة الواسعة ،وفي مصر تحديدا كانت القوة اإلعالمية قد لعبت دورها في املنعطف ال��ذي دخل فيه الحراك الشعبي ،فالثورة أخ��ذت اسمها األول من القنوات التلفزيونية املتفاوتة في توجهاتها ،وم��ا تال ذلك م��ن سقوط الحكومة السابقة ك��ان شكال م��ن ال�ح��رب اإلعالمية بني القنوات اإلعالمية بتوجهاتها الليبرالية واإلسالمية ،وتصدير مشاهد التحرش وإحصائياتها ك��ان يرتبط بتوجه القناة ،فأصبح ميدانا رابعة والتحرير ملعبني إلثبات س��وء سلوكيات كل ط��رف ،القنوات ذات التوجه املنفتح لم تنكر حاالت االعتداء التي حدثت في تجمعات التحرير املعارضة لحكومة اإلخوان املسلمني آنذاك ،ولم تصدر حاالت التحرش إال كسلوكيات ال أخالقية تخرج ع��ن قيم وثقافة الشعب املصري ،على الطرف اآلخر كانت القنوات املؤيدة للحكومة اإلخوانية قد ذهبت إلى اعتبارات متطرفة من أن ميدان رابعة حاضن أنصار الحزب اإلخواني لم يشهد أي حالة تحرش ألن هؤالء األنصار أكثر التزاما أخالقيا ودينيا من معارضي الحزب ،أما املحايدون أو أصحاب التوفيقية السياسية فقد ذهبوا إلى أن ميدان التحرير في أول 18يوما من الثورة لم يشهد أي حالة تحرش ،معتبرين وحدة الصف والهدف هي من كان يردع هذه الجرائم ،بمغزى أن الفرقة الوطنية هي سبب
سيكولوجيا يتم التفريق بني التحرش املرضي والتحرش العرضي، ف�ه�ن��اك م�ت�ح��رش��ون ع��رض�ي��ون ال ي�ت�ح��رش��ون إال ع�ن��دم��ا تتهيأ لهم الظروف ،بينما املتحرش املريض فهو يعاني من اضطراب جنسي يمكن تصنيفه كشخصيات أو ميول محددة ،التحرش املرضي يحتاج للعالج النفسي لكن ذلك ال يعني أنه لذاته ليس جريمة وال يعني أن املريض ليس مجرما ،تماما كما أن التحرش العرضي بالنظرة وبالكلمة وباللمسة وبما هو أقل من ذلك ليس إال جزءا من الحالة النفسية عموما، تفريغ اإلنسان لكبته وقهره في متعة لحظية وع��دم تحسب اإلهانة املترتبة على سلوك التحرش ينم عن االلتباس النفسي والتشويش الذهني الذي يدفع املتحرش لفعلته. انفالت دول الربيع العربي
تحول أخالقي! أوضح ما يمكن تدوينه عن هذه الظاهرة هو أنها أخذت تبرز تحت أثر االنفالت األمني الذي حدث داخل الدول العربية بعد أو خالل سقوط عدد من األنظمة السياسية ،فالفضاءات العامة أصبحت تشهد حركة
12
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
هو أيضا في معسكر التغيير» .وبحسب وزيرة خارجية الرئيس باراك أوباما في واليته األولى ،فإن ساركوزي أراد استلحاق الوقت الضائع والتعويض عن غياب فرنسا وأخطائها في التعاطي مع الثورتني التونسية واملصرية .وبالفعل، لعب ساركوزي دور «املحرك» ليس فقط على الصعيد العسكري ،حيث كان من أشد املتحمسني لهذا الخيار للتخلص من القذافي الذي جاء باريس زائرا رسميا ومحاطا بكل أنواع التكريم البروتوكولي ..بل أيضا سياسيا إذ كان أول من اعترف باملجلس الوطني الليبي ممثال شرعيا لليبيا وأعطاه السفارة الليبية ف��ي ب��اري��س ومكنه م��ن االس�ت�ف��ادة م��ن ال��ودائ��ع الحكومية .وبعد أي��ام قليلة على سقوط القذافي زار ساركوزي ليبيا زيارة الفاتحني بمعية رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون و«الفيلسوف» الفرنسي برنار هنري ليفي ليقطف ثمار انتصاره سياسيا .لكن صورة ليبيا اليوم وتهاوي بنى الدولة وشلل مؤسساتها وتقاتل ميليشياتها تبني بشكل صارخ صورة العمل «غير املكتمل» الذي قام به الغربيون في ليبيا وعلى رأسهم فرنسا. بيد أن العجز الفرنسي يظهر بأبرز تجلياته في األزمتني السورية والعراقية. وليس سرا أن الكثيرين داخل سوريا وخارجها يتساءلون عن األسباب التي جعلت باريس تقدم في أفريقيا وتحجم في سوريا وتتردد في العراق. السؤال مشروع إذا ما نظر إلى حجم املجزرة القائمة في سوريا منذ أكثر من ثالث سنوات .وإذا كانت الطائرات املقاتلة الفرنسية انطلقت صوب ليبيا قبل أن تصل إلى بنغازي دبابات العقيد القذافي ،فأين هي في سوريا؟ هل السبب غياب ق��رار من مجلس األم��ن ال��دول��ي بسبب استخدام روسيا املتكرر لحق النقض بصدد أي قرار تشتم منه رائحة تدخل عسكري أجنبي ضد النظام السوري بغطاء من األمم املتحدة؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟ كتب كثير حول عجز الغرب وعدم اكتراثه بالشعب السوري وعن الفروقات الكامنة بني ليبيا وسوريا لجهة التسليح والتجهيز والخوف من سقوط نظام األسد وتمدد اإلرهاب الذي يمثل تنظيم «داعش» صورته املفزعة .لكن حقيقة املوقف الفرنسي تقع في مكان آخر وخالصته أن األوراق التي تملكها باريس «إذا كانت تملك أوراقا» تبقى عديمة التأثير وأنها ال تلعب الدور األول وليست مؤهلة لذلك ،بل إنها طرف من بني مجموعة من الالعبني اإلقليميني والدوليني الكثير منهم أكبر وزنا وتأثيرا على األطراف الداخلية في الصراع.
الخطوط الحمراء العام املاضي ،بمناسبة االجتماع السنوي للسفراء الفرنسيني عبر العالم، ألقى الرئيس هوالند خطابا قال ما حرفيته« :إن فرنسا جاهزة ملعاقبة النظام السوري الستخدامه السالح الكيماوي على نطاق واسع» في إشارة إلى الهجوم
الكيماوي الذي استهدف صبيحة 21أغسطس (آب) 2013ضاحيتي دمشق الشرقية والغربية .وعلم الحقا أن القوات الفرنسية الجوية قد أعطيت األوامر باالستعداد للتوجه لضرب أهداف في سوريا .لكن تراجع الرئيس األميركي في آخر لحظة وضع الرئيس هوالند ومعه الدبلوماسية الفرنسية في موقع صعب وأظهر أن القرار ليس في باريس بل في واشنطن وموسكو .أوباما تراجع مرة أولى عندما قرر املرور بالكونغرس للحصول على ضوء أخضر للقيام بعملية «تأديبية» بحق النظام السوري الجتيازه «الخطوط الحمراء» «أي استخدام الكيماوي» .وأوباما تراجع مرة ثانية عندما انقض على املبادرة الدبلوماسية الروسية القائمة على االمتناع عن أي عمل عسكري مقابل تخلي دمشق عن أسلحتها الكيماوية .وقبل ذل��ك ،كان ديفيد كاميرون قد أصيب بانتكاسة في مجلس العموم الذي رفض التدخل العسكري في سوريا ،محطما بذلك «التحالف الثالثي» الفرنسي األميركي البريطاني. بينت هذه «الحادثة» أن باريس ليست الطرف ال��وازن وأن املقارنة بني وضع باريس في سوريا ووضعها في أفريقيا ال تستقيم ،فضال عن أن الوضع الشرق أوسطي أكثر تعقيدا بسبب تداخل عوامل مثل النزاع العربي اإلسرائيلي وال��دور الروسي والتركي واإليراني وبرنامج طهران النووي وانقسام العرب وق��درة النظام السوري على املقاومة وانقسام املعارضة السورية وتضارب الجهات الداعمة لها .وبسبب كل ذلك ،بدت باريس ومعها الغرب عاجزين عن التأثير الفعلي .لذا كان السعي وراء حل سياسي يتمثل في مؤتمر «جنيف ،»2 الذي فشل فشال ذريعا .وباملقابل ،فإن الغربيني الذين كرروا أن ال حل سياسيا إال مع تكافؤ القوى ميدانيا ،لم يلتزموا بوعودهم بتمكني املعارضة من مقارعة النظام بأسلحة فعالة بسبب الخوف من اإلره��اب ومن تسرب األسلحة إلى «األيدي الخطأ» .لذا ،حاولت باريس عبر مجلس األمن ومجلس حقوق اإلنسان والعمل اإلنساني التأثير في الوضع .ولكن ه��ذه الجهود بقيت دون النتائج املطلوبة .ولذا ،لم يكن مفاجئا أن تحمل باريس مباشرة وزر الوضع الحالي لواشنطن التي تمنعت في آخر لحظة ولو أنها فعلت ،فإن باريس سترى أن األمور كانت ستتغير وأن اإلرهاب الذي استقوى ما كان ليصل إلى هذا املستوى لو مكن السوريون املعارضون من الوسائل الكفيلة بتغيير الوضع لصالحهم. وما يصح على سوريا يصح اليوم على العراق ،حيث ال ترغب باريس بلعب األدوار األولى وتترك «الصدارة» لإلدارة األميركية وترهن أي مشاركة لها في عمل عسكري بطلب مباشر من السلطات العراقية وبقرار من مجلس األمن ال��دول��ي وقبل ك��ل ذل��ك بضمانات م��ن رئيس ال ��وزراء العراقي لجهة االنفتاح على كل املكونات العراقية وقيام حكومة وحدة وطنية ووضع حد لسياسات التمييز واإلقصاء<
استقبال شعبي للرئيس الفرنسي فرنسوا هوالند اثناء زيارة لجنوب أفريقيا بدعوة من نظيره الجنوب أفريقي جاكوب زوما -اكتوبر من العام املاضي
,,
ما يصح على سوريا يصح اليوم على العراق حيث ال ترغب باريس بلعب األدوار األولى وتترك «الصدارة» لإلدارة األميركية
,,
* كاتب لبناني ومراسل صحيفة «الشرق األوسط» في باريس ،منحه الرئيس الفرنسي فرنسوا هوالند وسام االستحقاق الوطني من درجة «فارس»
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
11
شؤون سياسية
خالل حملة االنتخابات التمهيدية التي حصلت داخل صفوف الحزب االشتراكي لتعيني مرشحه ملنافسة الرئيس املنتهية واليته نيكوال ساركوزي ،تعرض املرشح فرنسوا هوالند لحمالت شرسة من «رفاقه» االشتراكيني بسبب مزاجه «الرخو» وميله إلى التسويات وتالفي إغضاب أي أحد وحرصه الدائم على التوفيق بني املواقف األكثر تناقضا .وقيل وقتها إن مزاج هوالند «ال يالئم» دستور وروحية الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال ديغول في عام .1958ذلك أن «بطل» فرنسا الحرة فصل الدستور على مقاسه فجعل من رئيس الجمهورية «واسطة العقد» الذي تتجمع في يده كثير من السلطات.
باريس الفاعلة في القارة السوداء ..التائهة في الشرق األوسط
فرنسا ..شرطي أفريقيا بقلم: ميشال أبو نجم *
,,
املستعمرات األفريقية السابقة ما زالت ،بعد أكثر من 60عاما من انفصالها عن فرنسا مربوطة بها ربطا محكما عن طريق معاهدات دفاعية ثنائية
,,
10
رأس الدولة في فرنسا هو اآلمر الناهي .والقائد األعلى للقوات املسلحة واملؤهل للضغط على الزر النووي فضال عن كونه من يرسم السياسة الخارجية ويعني رئيس الحكومة والوزراء ويحل البرملان .ورغم هذه الصالحيات غير املتناهية ،فإنه ليس من يمثل أمام البرملان .وقيل في رئيس الجمهورية إنه يمتلك صالحيات تفوق ما كان يتمتع به ملوك فرنسا في أوج عزهم .واضح أن صالحيات بهذا االتساع تحتاج حقيقة لرجل حازم وقاطع خصوصا في ميدان السياسة الخارجية .والحال أن الجميع أصابوا في تقدير شخصية هوالند الذي دخل قصر اإلليزيه لخمس سنوات في مايو (أيار) 2012 في إدارة شؤون البالد الداخلية االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،حيث تبني سريعا طبعه الذي ينفر من الحسم والحزم .بيد أنهم أخطأوا في تقدير أدائه في السياسة الخارجية .هوالند أثبت أنه ال يتردد في اإلقدام واملبادرة ال بل املخاطرة عبر إرسال القوات الفرنسية إذا وجد في ذلك ضرورة .ففي عام 2013 وحده ،قام بـ«حربني» كالهما في أفريقيا :األولى في مالي ،في 11يناير (كانون الثاني) وهي عملية «سيرفال» والثانية في أفريقيا الوسطى «عملية سنغاريس» التي أطلقها في 5ديسمبر (كانون األول) من العام نفسه .ومع «سنغاريس» تكون باريس قد تدخلت عسكريا للمرة السابعة في أفريقيا الوسطى تحت حجج وذرائ��ع متنوعة وهي في امل��رة األخيرة ذهبت لوقف «امل��ج��ازر» .تطول الئحة الدول األفريقية التي أرسلت باريس قواتها إليها لسبب أو آلخر .وإذا عمدنا إلى تذكير سريع بالعمليات العسكرية «الرئيسية» التي نفذتها الفرقة األجنبية الفرنسية في بلدان القارة السوداء لوجدنا مدى انبساطها الجغرافي، إذ إنها حصلت في البلدان التالية :تونس «عام ،»1961زائير « ،»1978أفريقيا أوسطى « ،»1979تشاد « ،»1983زائير مجددا « ،»1993رواندا « ،»1994جزر القمر « ،»1995ساحل العاج « ،»2002ساحل العاج مجددا « ،»2004تشاد مرة ثانية « ،»2008ساحل العاج مرة ثالثة « ،»2011ليبيا « »2011ثم مالي وأفريقيا الوسطى « .»2013تشي هذه الالئحة بأمر أساسي قوامه أن ألفريقيا موقعا خاصا لدى القوة املستعمرة السابقة «فرنسا» أكان رؤساء جمهوريتها من اليمني أو اليسار .فاملستعمرات األفريقية السابقة ما زالت ،بعد أكثر من 60 عاما من انفصالها عن فرنسا ،مربوطة بها ربطا محكما عن طريق معاهدات دفاعية ثنائية مزدوجة األغراض :األول ،حماية األنظمة القائمة وتوفير مظلة دولية تقيها العقبات والعثرات على املستوى الدولي .والثاني ،مقايضة الرعاية بااللتزام باملحافظة على املصالح الفرنسية أكانت استراتيجية «اليورانيوم في النيجر والبترول في ساحل العاج ،والغابون ،وأنغوال ،والكاميرون ،وغينيا، وغانا ،ونيجيريا ،والسنغال .»..أو اقتصادية تجارية. لكن األعوام األخيرة أدخلت عامال إضافيا يدفع فرنسا لإلبقاء على قواتها املرابطة في أفريقيا ويتمثل في التهديدات اإلرهابية خصصوا فيما يسمى «بلدان الساحل» أو أجزاء واسعة من أراضيها وهي تمتد من جنوب موريتانيا
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
وحتى دارفور ووسط السودان وتشمل بعض مناطق السنغال ومالي والنيجر وأقصى الجنوب الجزائري والليبي وشمالي بوركينا فاسو ووسط تشاد .وتبني خريطة الوجود العسكري الفرنسي الدائم في عدد من البلدان األفريقية أولويات باريس في هذه املنطقة .ومؤخرا عمدت القيادة العسكرية الفرنسية إلى إعادة تنظيم انتشارها في أفريقيا وتوجيهه لغرض أساسي وهو محاربة اإلرهاب أكان متأتيا عن طريق القاعدة في بالد املغرب اإلسالمي أو املنظمات الرديفة أو الحديثة العهد التي نشأت بعد إسقاط نظام العقيد القذافي وتداعي أسس الدولة الليبية مع ما ترتب عنه من غياب الرقابة على الحدود وازدياد عمليات تهريب السالح واملخدرات وتنقل املسلحني. بداية العام الحالي ،كانت القوات الفرنسية املنتشرة في أفريقيا تتمركز في ت��ش��اد وال��س��ن��غ��ال وال��غ��اب��ون وجيبوتي وال��ك��ام��ي��رون وموريتانيا فضال عن وجودها في مالي وأفريقيا الوسطى .وقبل شهرين استضافت باريس قمة خاصة عن نيجيريا غير الفرنكفونية والتي لم تكن يوما تحت اإلدارة الفرنسية مما يعكس رغبة باريس في توسيع حضورها األفريقي .وجاءت هذه القمة املختصرة عقب قمة موسعة بداية العام الحالي خصصت لألمن في أفريقيا. وعمد القادة األفارقة ،تحت إشراف الرئيس الفرنسي إلى اتخاذ قرارات أبرزها تكوين قوة أفريقية مشتركة للتدخل وحماية االستقرار وتبادل املعلومات والتعاون األمني وتكوين قوات حفظ السالم األفريقية. يكشف هذا العرض عن األهمية الحيوية املطلقة التي تمثلها أفريقيا بالنسبة لفرنسا ألسباب تاريخية واستراتيجية وللعالقة الخاصة التي تربط باريس بالعواصم األفريقية الفرنكفونية التي تستدير صوب باريس كلما حل طارئ، وتوصف باريس بأنها «شرطي أفريقيا» .ومع ازدي��اد املنافسة االقتصادية وال��ت��ج��اري��ة ال��ق��ادم��ة م��ن ال��ص�ين وال����دول ال��ن��اش��ئ��ة ض��اع��ف��ت ب��اري��س جهودها للمحافظة على موقعها األفريقي الريادي الذي برز في األزمتني املالية والوسط أفريقية حيث كانت باريس سباقة في التدخل ،بينما الدول األوروبية األخرى والواليات املتحدة كانت تجر أرجلها جرا.
زمن القرارات ف��ي مذكراتها ال��ص��ادرة م��ؤخ��را تحت ع��ن��وان «زم��ن ال��ق��رارات» ،ت��روي وزي��رة الخارجية األميركية السابقة ه��ي�لاري كلينتون أن امل��ش��ارك�ين ف��ي اجتماع استضافه قصر اإلليزيه حول ليبيا في 19مارس (آذار) 2011استشاطوا غضبا عندما علموا أن الرئيس الفرنسي السابق نيكوال ساركوزي أمر طائرات امليراج الفرنسية بقصف أرتال الدبابات املتوجهة صوب مدينة بنغازي قبل انتهاء االجتماع ال��ذي رأس��ه .وتقول كلينتون عن ساركوزي« :ك��ان يرى في االنتفاضة الليبية الفرصة إلبراز حضوره في دوامة الربيع العربي وإلظهار أنه
وجود صالت مع مجموعات مسلحة لتقديمها أمام املحكمة ،وهو ما يصعب الحصول عليه .وفي ظل صعوبة القبض على هؤالء األش�خ��اص قبل سفرهم إل��ى س��وري��ا ،ف��إن العديد من البلدان قد وضعت «استراتيجيات اضطراب السفر» بحيث تتضمن اتخاذ تدابير مثل مصادرة وثائق السفر أو -في حالة القصر -الوضع تحت الوصاية القضائية .ال تؤدي تلك األساليب سوى إلى بعض النتائج ،وفي العديد من الحاالت ال يكون بمقدور السلطات فعل شيء سوى مراقبة األفراد بعجز وهم يسافرون إلى سوريا بنوايا واضحة لالنضمام إلى املسلحني. تواجه السلطات تحديات كبيرة باملثل أثناء التعامل مع األف��راد العائدين من س��وري��ا .تواجه السلطات التي تسعى إل��ى محاكمة العائدين من سوريا تحديا في تقديم األدل��ة املادية أم��ام املحكمة ُ التي تثبت أن الفرد املذكور قد ارتكب جريمة معينة ،وهي مهمة شاقة نظرا لصعوبة الحصول على دليل م��وث��وق ب��ه م��ن ساحة املعركة السورية ،إن وجد ذلك .وعلى جانب آخر ،تتخذ العديد من ال��دول األوروب�ي��ة تدابير مختلفة إلع��ادة دم��ج ه��ؤالء العائدين من سوريا .فدول مثل الدنمارك أو هولندا تعتمد على اإلرشاد النفسي والتوجيه من قبل مرشدين موثوق بهم ،وذل��ك من أج��ل اجتثاث تطرف العائدين .تأتي تلك التدابير السلسة مصاحبة بمراقبة العائدين من سوريا ،مما يمثل جهدا كبيرا يتطلب سعة موارد وكاالت االستخبارات األوروبية. ول�ك��ن م��ن وج�ه��ة ن�ظ��ر جيوسياسية ،ن�ج��د أن النتيجة الرئيسة مل�خ��اوف األوروب �ي�ين م��ن املقاتلني األوروب �ي�ين تتمثل ف��ي التقارب من النظام السوري واإليراني .فقد تضاءل دعم أوروبا للمعارضة السورية (تماما مثل دع��م أميركا) على األغلب ألن��ه من الواضح أن��ه ُيستغل م��ن قبل وح��ش متطرف يضع أن �ظ��اره على أوروب ��ا. وبناء عليه ،على مدار األشهر القليلة املاضية ،أعادت العديد من
وكاالت االستخبارات األوروبية فتح قنوات اتصالها مع نظائرها بسورياُ ،معتبرة أن مراقبة الوضع السوري على أرض الواقع أمر ض��روري ملواجهة تحدي املتطرفني العائدين إل��ى أوروب ��ا .بينما نجد أن القليل ممن هم في أروقة السلطة في جميع أنحاء أوروبا يشعرون بالشفقة حيال ذلك ،فإن املعظم في الوقت الحالي ينظر للنظام السوري باعتباره شريكا ضروريا يحمل مفاتيح األمن الداخلي األوروبي. وبدرجة أقل ،نجد أن ذلك التحول يمتد إلى طهران أيضا .فالتقدم الحالي ال��ذي ُيحدثه تنظيم ال��دول��ة اإلسالمية ف��ي ال�ع��راق والشام املعروف اختصارا باسم «داعش» أدى إلى تسارع عملية التصالح البطيء بني الغرب وإيران ،التي بدأت بعد انتخاب الرئيس اإليراني حسن روحاني .تعطي إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران خالل الشهر املاضي ،التي كانت ُمغلقة نتيجة للسطو عليها من قبل مجموعة من الغوغاء احتجاجا على العقوبات في عام ،2011 إشارة إلى أن أوروبا تمد يدها إلى إيران. وعلى ال��رغ��م م��ن أنهم يشعرون بالذعر حيال تقدم املجموعات السنية املتطرفة في كافة أنحاء املنطقة والتداعيات املحتملة على األمن الداخلي ،فإن الحكومات األوروبية تسعى لتجنب أي تدخل ع�س�ك��ري م�ب��اش��ر ف��ي امل�ن�ط�ق��ة ،ح�ي��ث إن�ه��ا ع�ل��ى دراي ��ة بقدراتها املحدودة وحالة الرفض التي سوف ُيحدثها أي تدخل بني الناخبني الذين يهابون الحرب .وبالتالي ،فإن تلك الحكومات ترى في النظام اإليراني الحالي ،الذي سعى على نحو مدروس إلبداء صورة أقل تشددا في مرحلة ما بعد عهد أحمدي نجاد ،حليفا محتمال من املمكن أن توكل إليه حفظ النظام باملنطقة .يوضح ه��ذا االتجاه النهج الغربي الخطير في املنطقة ،والذي تكررت رؤيته منذ بداية الربيع العربي ،حيث عمل على املدى القصير في الغالب على إجراء إصالحات غير مترابطة بدال من العمل على استراتيجية مترابطة طويلة املدى <
جهادي سوري يضع سالحه على رجليه ويقرأ القرآن في مسجد وسط حلب
,,
التقدم الحالي الذي ُيحدثه تنظيم «الدولة اإلسالمية في العراق والشام» أدى إلى تسارع عملية التصالح البطيء بني الغرب وإيران
,,
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
09
شؤون سياسية
يبدو أن املخاوف التي سيطرت على مسؤولي األمن األوروبيني وصانعي السياسة منذ بداية النزاع السوري، قد تحققت على نحو كبير في 24مايو (أيار) لعام ،2014عندما قام شاب فرنسي يبلغ من العمر 29 عاما من أصول جزائرية ُيدعى مهدي نموش ،بإطالق النار وقتل أربعة أشخاص داخل املتحف اليهودي في بروكسل .وحسبما ذكرت السلطات ،فإن نموش ،الذي أصبح متطرفا خالل الفترات التي قضاها في السجون الفرنسية ،قد عاد مؤخرا إلى أوروبا قادما من سوريا ،حيث ورد أنه حارب في سوريا ملدة عام لصالح تنظيم «الدولة اإلسالمية في العراق والشام».
ما هي سياسة التنظيمات اإلرهابية في أوروبا؟
ما بعد «القاعدة» بقلم: لورينزو فيدينو
,,
التقديرات تشير إلى أن عدد املواطنني واملقيمني بالدول األوروبية الذين يحاربون في سوريا يصل إلى 3000 شخص
,,
08
على مدار األشهر القليلة املاضية ،أحبطت العديد من الدول األوروبية العديد من الهجمات ذات األصول السورية .ففي شهر أكتوبر (تشرين األول) املاضي ،على سبيل املثال، فككت السلطات البريطانية خلية من العائدين من سوريا الذين كانوا يخططون لشن هجمات بوسط لندن على غ��رار تلك التي حدثت في مومباي .ونظرا لكبر حجم تلك القوات األوروبية التي ت�ح��ارب ف��ي ال��وق��ت ال�ح��ال��ي م��ع ال�ع��دي��د م��ن املتطرفني ف��ي سوريا (وبدرجة أقل في العراق) ،فإن السلطات األوروبية تخشى أن تكون بروكسل هي األولى ضمن سلسلة طويلة من الهجمات .ونتيجة لذلك الخوف ،فإنها غيرت مواقفها حيال النزاع السوري ،فأوقفت الدعم الذي تقدمه لقوى املعارضة ضد نظام األسد وبدأت تحسن من عالقاتها مع سوريا وإيران. وبينما يستحيل تحديد العدد بدقة ،فإن العديد من التقديرات تشير إلى أن عدد املواطنني واملقيمني بالدول األوروبية الذين يحاربون في سوريا يصل إل��ى 3000شخص ،وه��و ع��دد كبير لم يسبق الحالي .لدى الدول الكبرى نصيب له مثيل ومن شأنه إثارة القلق ُ األسد من تلك األعداد :حيث من املعتقد أن 600مقاتل جاءوا من كل من فرنسا وبريطانيا ،بينما جاء 300من أملانيا .وفي حني ُ ُ تعد تلك األعداد قليلة في حد ذاتها ،فإنها تؤدي إلى حدوث املزيد من املشكالت في بعض الدول األوروبية األصغر إذا ما نظر إليها ف��ي ض��وء ع��دد السكان القليل .وف��ي ال��واق��ع ،تذكر التقديرات أن هناك 250فردا من أصول بلجيكية و 100فرد من هولندا و80 فردا من الدنمارك.
تحولوا من عدم االهتمام بالدين والسياسة إلى القتال في سوريا في غضون أسابيع قليلة. وهناك سمة واح��دة لوحظت في معظم ال��دول األوروب�ي��ة وه��ي أن العديد من املقاتلني األوروبيني من الشباب الصغير في السن ،وفي بعض الحاالت يبلغ بعضهم 13عاما .والعديد منهم ،بنسبة تفوق 20في املائة في بعض البلدان ،ممن تحولوا إلى اعتناق اإلسالم. وهناك تطور آخر ملحوظ بكافة أنحاء أوروبا وهو العدد املتزايد من اإلناث الالتي قررن السفر إلى سوريا مع أزواجهن أو الزواج من مجاهدين تعرفن عليهم عبر اإلنترنت .ودليال على هذه التطورات، نجد حالة زابينه سليموفيتش وسمرا كزينوفيتش ،وهما فتاتان نمساويتان تبلغان من العمر 15و 16عاما ،حيث ذكرت التقارير أن الفتاتني قد تركتا منزلي والديهما ووصلتا إلى سوريا ،حيث تنشرن اآلن صورا لهما عبر موقع التواصل االجتماعي «فيسبوك» وهما تحمالن األسلحة.
في معظم البلدان األوروبية ،نجد أن تلك التعبئة ،التي تحدث على نطاق أوسع مقارنة بأي ظاهرة أخرى مماثلة في املاضي الحديث (مثل البوسنة أو العراق أو الصومال)ُ ،ينظر إليها باعتبارها التهديد األمني الرئيس للقارة بأكملها في املستقبل القريب .كما وصفت ُ السلطات البريطانية هذه الظاهرة بأنها «تغير قواعد اللعبة» وتمثل «أعمق تحول في التهديد الذي شهدناه منذ عام .»2003وفي شهر يناير (ك��ان��ون الثاني) ع��ام ،2014ذك��ر وزي��ر الداخلية الفرنسي مانويل فالس أن عودة هؤالء األفراد إلى فرنسا باعتبارهم نشطاء متشددين ستكون بمثابة «التهديد األكبر ال��ذي س��وف تواجهه البالد خالل األعوام املقبلة» .وال يمر يوم واحد من دون شن عملية وع �ل��ى ع�ك��س ال �ح��رك��ات ال �ت��ي ش��وه��دت ف��ي ال�ش�ب�ك��ات األوروب �ي��ة مكافحة إرهاب ذات صلة بسوريا ،أو انعقاد مؤتمر رفيع املستوى املتطرفة على م��دار العقد األخير ،ف��إن ق��وات املقاتلني األوروبيني أو حدوث تغطية إعالمية واسعة. ف��ي س��وري��ا تتسم بالتنوع الشديد ف��ي األص��ل والعمر والخلفية والظروف االجتماعية االقتصادية لألفراد املقاتلني هناك .فنجد أن ردت السلطات األوروبية على ذلك التحدي باتخاذ العديد من التدابير البعض منهم متشددون محنكون ،فهم أفراد ذوو سجل طويل من التي تهدف إلى الحد من ذلك التهديد .وتهدف العديد من املبادرات التشدد والخبرة القتالية ،بما في ذلك ُمعتقلون سابقون بمعتقل إلى منع املسلمني األوروبيني من السفر إلى سوريا في املقام األول. غوانتانامو .بينما يبدو البعض اآلخر شبابا طموحا متشددا ليست وبينما تختلف وجهات النظر من دولة إلى أخرى ،فإن معظم الدول لديه خبرة سابقة بتلك امل�ع��اركُ .يعرف العديد منهم بانتمائهم تتخذ مزيجا م��ن التدابير ال�ص��ارم��ة وامل��رن��ة لفعل ذل��ك .وتسعى لشبكات متشددة أو نشاطهم في املشهد السلفي بدولهم األصلية ،السلطات قدر اإلمكان إلى القبض على األفراد الذين يسعون للسفر ولكنهم لم يشتركوا من قبل بصورة مباشرة في أعمال عنف .إل��ى سوريا ومحاكمتهم محاكمة جنائية .وم��ن ال��واض��ح أن��ه من ُ ولكن سادت األنباء في كافة أنحاء أوروبا حول حاالت األفراد الذين أجل القيام بذلك ،تحتاج السلطات إلى حيازة أدل��ة مادية توضح
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
الكتــاب املســاهمـون يف هـذا العـدد فرانك سالمة :أستاذ مساعد لدراسات الشرق األدنى في كلية بوسطن .له عدد من الكتب من بينها «ذاكرة اللغة والهوية في الشرق األوسط قضية لبنان». صامويل تادرس :كبير زمالء في مركز الحرية الدينية في معهد هودسون ،و مساهم في مجموعة عمل «هربرت وجني دوايت» في مؤسسة هوفر .ومؤلف كتاب« :الوطن املفقود» وكتابه األحدث« :تأمالت في الثورة في مصر»، وكالهما من تقديم فؤاد عجمي. ديفيد شينكر :زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن .كان يعمل في السابق في مكتب وزير الدفاع لشؤون دول املشرق ،واملساعد األعلى في سياسة البنتاغون الخاصة بدول املشرق العربي. فالح بن شبيب العجمي :أكاديمي وكاتب سعودي ،أستاذ اللسانيات بقسم اللغة العربية بجامعة امللك سعود ،ورئيس مجلس إدارة جمعية اللهجات والتراث الشعبي ،صدرت له عدة مؤلفات منها« :جذور البراهيمية» ،و«دراسة في فقه اللغة العربية وعالقاتها ببقية اللغات السامية». لورنزو فيدينو :باحث وكاتب ايطالي ،خبير أكاديمي وأمني متخصص في اإلسالم والعنف السياسي في أوروبا وشمال أميركا .وهو يعمل حاليا باحثا في مركز الدراسات األمنية باملعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ .ألف عددا من الكتب وله العديد من املقاالت نشرت في كبريات الصحف األميركية واالوروبية. جوزيف براودي :كاتب ومحلل سياسي أميركي متخصص في شؤون املجتمعات العربية .آخر )The Honoredمن كتبه« ،املوتى الشرفاء» (ُ Dead اصدار «راندوم هاوس» للنشر .نشرت مقاالته في «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» وغيرها من الجرائد واملجالت األميركية. المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
7
المحتوى
ما هي سياسة التنظيمات اإلرهابية في أوروبا؟
ما بعد «القاعدة»
استراتيجية إيرانية لخلق الفوضى وتفكيك املنطقة العربية
تقسيم وقائي! التحرش الجنسي في العالم العربي ..من سلوك منبوذ إلى مزاج عام؟
أغتصاب
كيف يجري الدفع بحكومة إقليم كردستان ملواجهة «داعش»؟
خالص األكراد
ما بعد فؤاد عجمي :ستظل آراؤه باقية والنقاش حولها سيستمر
نقد الذات العربية
رضوان السيد يثير الجدل حول والءات املثقفني العرب.. والردود ال تتوقف
أهواء النخب 6
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
مجلة العرب الدولية 1980 تأسست في لندن عام
شهرية سياسية
www.majalla.com
للحصول على :املعلومات املفصلة
االفتتاحية
.. رساله المحرر هل أصبح نظام الحكم في العراق بعد رحيل األميركيني غير قادر على إشاعة االستقرار واألمن؟ وهل ما حصل من تأزم أمني في األشهر األخيرة يعود إلى عوامل داخلية وخارجية أو االثنني معا؟ أم أن ما حصل يوم 10يونيو (حزيران) 2014وما بعده يؤشر إلى خريطة جديدة في العراق؟ وخريطة جديدة في الشرق األوسط؟ وهل أن تداعيات الحرب السورية ستكون أحد أهم العوامل املهمة في التأثير على العراق سلبا أو إيجابا؟ ما هي أبرز مآالت الحرب الدائرة حاليا في العراق وتداعياتها على الوضع الداخلي واإلقليمي؟ أسئلة كثيرة وملحة يثيرها التمدد السريع واملخيف لحركة داعش داخل العراق وسوريا ،وسيطرتها على منافذ حدودية داخل املنطقة، إضافة إلى موقف القوى الغربية املتلكئ واملتردد ،واملتهم لدى بعض املحللني واملراقبني بأن له دورا ما فيما يجري. في هذا العدد تفتح مجلة «املجلة» ملف الخيارات املفتوحة أمام التداعيات الراهنة التي يثيرها االرتباك املحتدم في العراق وسوريا ،هل يعني هذا أننا أمام تقسيم جديد يواجهه الشرق األوسط بعد «سايكس -بيكو» ،لنشهد اليوم حقبة تقاسم مختلفة شعارها «بوتني - أوباما» ،ومن املستفيد منه ،وما عالقة الجماعات اإلرهابية املتكاثرة بهذا األمر؟ في هذا الشأن يكتب الباحث اللبناني فرانك سالمة مقاال بعنوان «النبوءة اللبنانية» يؤكد فيه أن خريطة سايكس -بيكو للمنطقة كانت مخالفة لقانون الطبيعة ،ومعاكسة لروح الشرق ولعاداته وتقاليده ،وأن أي فكرة جديدة لتقسيم جديد للمنطقة قد يكون فيها خير ولو على املدى البعيد. من جانب آخر يكتب الباحث األميركي ديفيد شينكر أن طهران تتحمل املسؤولية األكبر حول النمو السريع لداعش ،مؤكدا أن إيران ال تبغي االستقرار للمنطقة ،وتسعى بسياستها وتصرفات حرسها الثوري إلى خلق الفوضى واالضطراب املستمر. في قضية أخرى تفتح «املجلة» سيرة الراحل والباحث األميركي -اللبناني فؤاد عجمي ،وتقرأ في إرث أفكاره ،ومواقفه من قضايا الشرق األوسط ،والثقافة العربية. يكتب عنه الباحث األميركي طوني بدران قائال« :لقد اعتنق عجمي أميركا وحقق فيها أعلى درجات النجاح ،ضمنها الوسام الوطني للعلوم اإلنسانية الذي منحه إياه الرئيس جورج بوش عام .2006قصة عجمي قصة أميركية كالسيكية .لذا أي محاولة لتقييم اإلرث الفكري للرجل يجب أن تنطلق من أن عجمي كان أميركيا أوال وأخيرا». في حني كتب عنه الباحث اللبناني حسني عبد الحسني مقاال بعنوان (ما بعد فؤاد عجمي) ،قائال« :رحل عجمي ،لكن آراءه باقية، والنقاش حولها سيستمر لسنوات كثيرة ،أو هذه على األقل سنة املثقفني من أمثاله». وفي جانب آخر تناقش «املجلة» ظاهرة التحرش الجنسي في العالم العربي ،وانتشار الصور واملقاطع املصورة عنها ،وكيف تحولت من سلوك منبوذ إلى مزاج عام منتشر ،تناولتها بالتحليل الكاتبة السعودية ملياء السويلم ،والكاتب السوري عهد فاضل. أما األكاديمي السعودي فالح العجمي فكتب متتبعا الفروقات الجوهرية ملصطلحي الحرية والحقيقة بني الثقافة العربية ،والثقافة الغربية ،مؤكدا أن مصطلح الحرية تطور في الفكر الغربي حتى قاد إلى استقاللية الفرد ،في حني أنه بقي متجمدا على معناه في الفكر العربي. كما تقدم «املجلة» نخبة مختارة من أهم املقاالت املترجمة من مجلة «فورن أفيرز» األميركية ،التي تناقش شؤون ومستجدات الوضع اإلقليمي والعاملي ،إضافة إلى عرض ألهم الكتب واملؤلفات الصادرة في عام 2014وتتناول املشهد الثقافي والسياسي الراهن. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا majalla.comونرحب دائما بآرائك ،وتعليقاتك.
المحرر 4
المجلة /العدد 1597تموز -يوليو 2014
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM Acting CEO of NASHR Co.
Omar A. Alshaikh :مسؤول مكتب اخلليج ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ
الر�شيد عبد اهلل ^¤ 7yG* Ò* ^d<
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM :سكرتري التحرير اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﺳﻜﺮﺗﲑ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of NASHR.دCo. الد�سوقي م�صطفى Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
¥E¢ الفين6^G* £ }H اإلخراج
ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting CEO of NASHR عثمان عليCo.
ΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ ΪϳήΒϟ ϰϠϋ ΔϠγήϤϟ ϰΟήϳ ˯έ ϭ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ Omar A. Alshaikh
للمشاركة ȝƾżȚǍƄŵȚ
كلمة 800 جميع المقاالت يجب أال تزيد على: ملحوظةeditorial@majalla.com إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ ϲϓ ϙήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ ΔόΒτϟ ϲϓ ϙήΘηϼϟ
اشتراكات ϡΎψϧ ϱ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ ϭ ΔϠΠϤϟ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝϮΣϷ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ ΔϜϠϤϤϟ ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ ΔϠΠϤϟ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ ϕϮϘΣ www.issuu.com/majalla : لالشتراك في االلكترونيةsubscriptions@majalla.com : يرجى االتصال بـ،لالشتراك في الطبعة الرقمية ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϣ ϖΒδϣ ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ ΎϫήϳϮμΗ ϭ Δϴϟ ϭ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ ϭ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ ϲϋΎΟήΘγ ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ ϙήΘηϻ ΕέΎδϔΘγ
وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها أو تخزينها في أي نظام. التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة2009 حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة لتلقي.ً وتصدر المجلة شهريا.)استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة www.majalla.com يرجى زيارة،استفسارات االشتراك الرقمي
LVVXH
$XJXVW
Ώ βτδϏ ΩΪόϟ
++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG Issue 1597 - July 2014 $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ /RQGRQ :& 9 $3 HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd 7HO )D[ Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310
ϰμμΨΘϟ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ νΎϳήϟ ΎϬϟ κΧήϣ 2014 يوليو- تموز1597 العدد
$ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ
ZZZ PDMDOOD FRP HQJ
تقاطع التخصصى- طريق مكة- حي المؤتمرات- الرياض
مرخص لها
A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 : لندن- 4419933 هاتف:الرياض
www.majalla.com/eng KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ ϞΧΩ Ϧϣ
ϲϧϼϋϹ ϞϴϛϮϟ
hq@alkhaleejiah.com : بريد إلكتروني،www.alkhaleejiah.com :موقع إلكتروني +966 11 441 1444 : ومن مختلف الدول، +44 207 404 6950: لندن، +331 537 764 00: باريس،+9714 3 914440 : دبي،920 000 417 : من داخل المملكة
الوكيل اإلعالني
ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ
ΕΎϛήΘηϹ Ϟϴϛϭ
800-2440076 : هاتف مجاني،www.arabmediaco.com : موقع إلكتروني، info@arabmediaco.com :بريد إلكتروني
وكيل اإلشتراكات
ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ ΔϴΑήόϟ ΔϜϠϤϤϟ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ
ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ،+966 11 2121774 : فاكس+966 11 4419933 : هاتف،11585 الرياض- 62116 ب. ص- المؤتمرات وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي www.saudidistribution.com :موقع إلكتروني ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι
�شركات ن�شر شركات نشر
ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ
وكيل التوزيع
ΔϋΎΒτϟ ΰϛήϣ
ΔϋϮϤΠϤϟ ΕΎϛήη www.arabmediaco.com
Saudi Specialized Publishing املتخصص السعودية للنشر الشركةCompany www.sspc.com.sa
áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓd á«é«∏ÿG
www.srpc.com 6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\
حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة
»لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم
ΔχϮϔΤϣ ΕΎϋϮΒτϤϟ ϩάϬϟ ϊϳίϮΘϟ ϕϮϘΣ
©ϡϼϋϹ ΕΎϣΪΨϟ ϥϮϴΒϳήΗª Δϛήθϟ 8002440014 يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني،المعلومات للحصول على المزيد من
»حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة
العدد 1597تموز -يوليو 2014
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
لورنزو فيدينو :مابعد القاعدة� ..سيا�سة التنظيمات االرهابية ب�أوروبا فالح العجمي :ماهية احلرية ..والفروق بني مفاهيم ال�شرق والغرب جوزيف برادوي :م�شاريع وليدة لت�أ�سي�س الفكر النقدي العربي
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 07
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
Issue 1597 - July 2014
www.majalla.com