الكلمة الأخرية
عندما ُي َحن إلى املاضي ،القريب أو البعيد ،بما أشعر به ُ ويشعر غيري ،فقل :إن الحاضر فيه ِمن البؤس ما يكفي الرجوع َّ ُ تمني ُّ بالزمن إلى الخوالي ِمن األيام .معنى هذا ليس لدينا ما يعتشى به كي نتذكر املاضي لوقته ال نتمناه َّ ُ فمن املعلوم أن الزمن يجري إلى األمام ،لكنه كثيرا ما يتقهقر إلى الوراء وبقوة .صحيح أنه ينقل البديل. يكون أن ِ عن البابليني القدماء أن املاضي لديهم بمثابة املستقبل ،لكن ليس لدي تفسير ملا قرأته في ذلك التاريخ غير أنهم ُ ٌ تبرير مني ال أكثر. حريصون على ما شيدوه ِمن حضارة ،إلى درجة فهم أنهم حلوا املاضي محل املستقبل ،وهذا كنت مضطرا لهذه املقدمة ،كي ال يستغرب القارئ ِمن استعانتي باملاضي لحث شباب هذا الوقت على تقبل اآلخر ،والتشجيع على العيش بإنسانية خالية ،إلى ٍّ التمايز الديني واملذهبي ،وهذا ال يتحقق إال عن حد ماِ ،من َ ُْ ُ ُ َ ْ ين» .نقول هذا ألن هناك في طريق االعتراف باآلخر ،والتعامل على أساس األخوة في اإلنسانية «لكم ِدينكم و ِلي ِد ِ ماضينا البعيد ِمن ميز األخوة على أساس اإلنسانية ،قبل أن تعلن «وثيقة لندن الجماعية (1783م)» في قضية تحرير العبيد ،أو تحريم االتجار باألفارقة ُّ السود بأوروبا ،والتي ُعرفت بـ«قضية رفاقنا في الخليقة :األفارقة املقموعني» (ديلبيانو ،العبودية في العصر الحديث). الراشدي َّ قبل صدور هذه الوثيقة بنحو ألف عام ويزيد نجد الخليفة َّ الرابع علي بن أبي طالب (اغتيل 40هـ) ،أوردها في كتابه أو وصيته البن األشتر (اغتيل 37هـ) ،عندما بعث به واليا على مصر ،وعلى األرجح كتبها إما بالكوفة أو بصفني ،حيث املعركة الشهيرة في التاريخ اإلسالمي ،قال يوصيه باملصريني بال تحديد ،سيدهم وعبدهم ِّ «فإنهم صنفان :إما أخ لك في ِّ الدين وإما نظير لك في الخلق» (نهج البالغة ،شرح محمد عبده). قويهم وضعيفهم:
بقلم :ر�شيد اخل ُّيون
كانت التغريدة التي ذكرت فيها حكاية والدتي مع جيراننا الصابئة املندائيني ،وهم سكان املنطقة القدماء أيضا، عندما كانت ترسل بيدي طبقا ِمن فطورنا في رمضان إلى جيراننا املذكورين ،وكنت على حداثة سني ال أعرف َّ ِمن أي دين هم وال كيفية عبادتهم ،فالناس آنذاك ال تسأل هذا السؤال ،الكل يعيش على ما يشتهي .لكني تجرأت وسألتها عنهم في يوم ِمن األيام ،فردتني وبعدم ارتياح« :دينهم لهم». وجدت أن هذه التغريدة قد أعاد بثها أكثر ِمن 5آالف متابعِ ،من غير الذين تابعوا بتفضيلها ،وهم نحو ألفني ،وما زال بثها يتجدد ،يختلفون في املستويات الفكرية واالجتماعية ،ذكورا وإناثا ،ويجمعهمِ ،من األسماء ،دين واحد أال وهو َاإلسالم ،والواضح أنهم متفقون على الفكرة التي جسدتها اآلية ُْ ُ ُْ َ ين». الكريمة« :لكم ِدينكم و ِلي ِد ِ
التسامح ..دينيا وفطريا أيضا
كانت والدتي وما زالت ال تعرف القراءة والكتابة ،مع أنها حاولت كثيرا وحاولنا معها ،وهي اآلن تخطت الخامسة والثمانني ُّ وربما أكثر ،فليس َّ لدينا ما يؤكد دقة ميالدها ،كبقية الناس ِمن أهل األرياف ،وال أظنها كانت َّ حافظة اآلية عن ظهر قلب ،وإذا تليت عليها فليس لديها تلك الحافظة الشديدة ،فما تحفظ ِمن القرآن موجبات َّ الشر عنها وعن أبنائها ،لذا أحيل جوابها إلى الفطرة َّ السليمة ،وهي األخرى ليست بمعزل عن الصالة ،وما يرد قوامة دينية ،في حال ِمن األحوال. ناهيك عن أن أولئك َّ الصابئة املندائيني لم يخطئوا في حياتهم تجاه املحيط ،ولديهم مالك اسمه «ششالم ربه» أي مالك َّ السالم ،والكل يعرفهم أنهم يعبدون الله جل وعال بطريقتهم ،وحسب لغتهم« :الحي األزلي» أو «الحي القديم»، القدم ،على شواطئ األنهر ،ومنطقتنا منذ يسكنون، تجدهم لذا عبادتهم، في الحي املاء مع بعالقتهم يختلفون ِ كانت على حد وصف ابن بطوطة (ت 779هـ) منطقة كثيرة املاء «حتى اشتاقت إلى الظمأ» ِّ (الرحلة).
ال أقول :إن املاضي كان تسامحا تاما ،فهذا ال يصح إال على أرض ومجتمع مثاليني ،كجمهورية أفالطون أو مدينة الفارابي الفاضلة ،واألخيرة متأثرة باألولى ،وكالهما جاء لضرب املثل والحث على الحصول على َّ السعادة .كان ماضينا مملوءا شوائب شتى ،لكننا حني ننظر ِمن أعلى الجبل ال نرى الشوك واألحراش إال قطعا خضراء ،هكذا عندما يبتعد َّ الزمن نتوهم أننا قد خسرناه. مع ذلك إذا أجرينا مقارنة بني زمننا الذي يتصدره اإلسالم ِّ السياسي ،أحزابا ومنظمات ،وأوصلنا إلى «داعش» ُ ومن قبل طالبان وإمارتها ،ال ننظر ألشواك املاضي إال بمنظر الورود ،فإذا كنا نعاني والخالفة التي يدعيها ِ ، َّ التشدد والتعصبِ ،من ِقبل أشخاص ،فاآلن املعاناة ِمن جيوش مسلحة ،هتكت عذرية تلك الفطرة التسامحية التي كساها ِّ الدين بمسحة قدسية. َّ ُ فارقت والدتي ،ولم ألتق بها إال بعد نحو 30عاما ،وكلمتها «لهم دينهم» ظلت في الذاكرة ،ووجدتها ما زالت لقد ِّ َّ حية على لسانها ،ولكن حمى التعصب وسطوة اإلسالم السياسي العابث بالفطرة والدين ،بعد الثمانينات ،من ُ القرن املاضي ،لم يترك مسلما يشارك بفطوره ِمن أهل دين آخر ،إنما لم يبق لنا جيرانا ِمن غير دين أو مذهب. فلكم تصور حنيننا إلى ذلك املاضي ،يوم كان ِّ الدين يسند الوطن.
66
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
على الرغم من أن العبادي لم يختبر من قبل كقائد ،فإن تعيينه في البداية حاز قبوال واسعا على املستويني املحلي والدولي بسبب تعهده كشيعي بتحقيق توازن بني املصالح املتضاربة للجماعات العرقية الطائفية في العراق :السنة والشيعة واألك��راد .كما اشتهر العبادي أيضا في البرملان بكونه قائدا تصالحيا يبحث عن الحل .إنصافا للحق ،ربما جاءت بعض الشعبية األولية التي أحاطت بعبادي بالفعل نتيجة مشاعر باالرتياح الجماعي نتيجة رحيل سلفه املثير للخالفات نوري املالكي .في فترتيه األوليني ،أبعد املالكي السنة واألكراد باإلضافة إلى الدول الخليجية وتركيا ،من خالل خطته لتعزيز سلطة فصيله الشيعي. ولكن لم يخيب العبادي األمل في األي��ام ال�ـ 100األول��ى من فترته ،حتى وإن كان تعرض الختبارات قاسية في مواجهة التحديات املرهقة.
عمل متوازن أهم ما تعرف به الشهور األولى التي أمضاها العبادي رئيسا للوزراء هي تهدئة املواجهة القديمة بني بغداد وكردستان العراق بسبب املشاركة في الثروة النفطية، وأخيرا تقديم الدعم إلى القوات العسكرية الكردية (البيشمركة) والتي كانت تلقى إه�م��اال خطيرا ف��ي عهد املالكي .وف��ي ظ��ل ات�ف��اق جديد ت��م إب��رام��ه ف��ي منتصف شهر ديسمبر (كانون األول) ،سوف تسدد بغداد إلى حكومة إقليم كردستان نصف العائدات التي تأتي من حقول النفط الخاضعة لألكراد .وسوف تمول أيضا البيشمركة وتسمح للواليات املتحدة بتسليحها .وفي حني يعد هذا تنازال كبيرا يقدمه في مرحلة مبكرة من حكمه ،إال أن االتفاق يسمح للعبادي بتهدئة مطالب األكراد باالستقالل وأيضا لإلشارة إلى رغبته في التعاون مع الواليات املتحدة، التي توسطت في املفاوضات .عالوة على ذلك ،يترك توقيت االتفاق حرية لحكومة العبادي للتركيز على املصالحة مع السنة ،الذين تحول بعض منهم للقتال إلى جانب «داعش» بعد أعوام اإلبعاد في عهد املالكي. وعلى الرغم من أن السنة أسعدهم رحيل املالكي ،فإنهم ال يثقون تماما في العبادي. ويشار إلى أن عددا محدودا من القبائل السنية في األنبار ،التي يحتل معظمها «داعش» ،انضم إلى القوات الحكومية لهزيمة املسلحني .ولكن قد يخف تردد السنة مع مرور الوقت إذا استمر العبادي في مراعاة مطالبهم ،مثل إنهاء السياسات التي اتسمت بالتفرقة وتستهدف األعضاء السنة ،واإلفراج عن املعتقلني السنة ،ومنح مزيد من السلطات للحكومات املحلية السنية وغيرها .ويذكر أن حكومة العبادي خصصت مزيدا من املقاعد الوزارية لزعماء السنة – بإجمالي 7مقاعد – وألول مرة منذ عام ،2010وافق البرملان على تعيني وزيري الداخلية والدفاع بعد شهرين من الخالف الحاد. وتولى املنصب األخير خالد العبيدي السياسي السني البارز من املوصل .وفي نوفمبر (تشرين الثاني) ،عندما أصدر قاض معني في عهد املالكي حكما باإلعدام ضد أحمد العلواني القيادي السياسي السني ال��ذي تساعد قبيلته بغداد على محاربة «داعش» ،تواصل العبادي مع زعماء قبيلة العلواني وأوقف الحكم .اتهم العلواني بقتل جنديني أثناء حملة أمنية على مقر إقامته في ديسمبر عام .2013 وهو ينكر هذه االتهامات .وعلى الرغم من خطورة خسارة التأييد داخل صفوف تحالفه وناخبيه من الشيعة ،شرع العبادي في حملة للتخلص من املسؤولني وقادة الجيش الفاسدين الذين عينهم املالكي ،والذي يتلقى بعضهم رواتب لإلشراف على «جنود أشباح» ،أو القوات التي تحصل على أجر بال عمل وتكلف الدولة ماليني الدوالرات .وقد حدد العبادي وجود 50ألف جندي على األقل على هذه الشاكلة. يتجاوز الدافع الذي يملكه العبادي في إصالح الجيش مجرد تحقيق توازن في التوترات الطائفية .لقد نجحت الحملة الجوية التي تقودها الواليات املتحدة ضد «داعش» في احتواء تقدم املسلحني ،ولكن تتطلب هزيمة تنظيم داعش إعادة تأهيل القوات البرية العراقية التي فرت أمام تقدم «داعش» في املوصل في يونيو (حزيران) عام .2014ومن أجل البدء في هذه العملية ،استبدل العبادي بـ 36ضابطا فاسدا أغلبهم من الشيعة آخرين ذوي خلفيات عرقية ودينية متوازنة ،وبدأ يعمل مع مستشارين أميركيني وقوى أجنبية أخرى من أجل إعادة تدريب وتسليح وتجهيز وحدات منتقاة في الجيش العراقي .بالفعل تعهدت الواليات املتحدة ،في إشارة على مستوى جديد من الثقة في الحكومة العراقية ،بتقديم مليار ونصف دوالر لتدريب وتسليح هذه الوحدات واستكملت عملية بيع طائرات مقاتلة طراز «إف»16 والتي تم إيقافها بعد الغزو األميركي في عام .2003
وبعد أن أصدر آية الله العظمى علي السيستاني فتوى في يونيو بعد استيالء «داع��ش» على امل��وص��ل وإع��دام�ه��م ملئات املدنيني ،تمكنت ه��ذه ال�ق��وات املشتركة بالتعاون مع ميليشيات شيعية احتشدت لقتال «داعش» من استعادة بعض القرى والبلدات من التنظيم في األسابيع األخيرة .كذلك يجري العبادي مشاورات مع واشنطن وينسق معها عملية إحالل القوات األمنية التي يسودها الشيعة بوحدات حرس وطني سنية معينة محليا. وسوف يخضع أسلوبه ملزيد من االختبار بشأن كيفية تعامله مع امليليشيات الشيعية املدعومة من إيران بمجرد هزيمة «داعش» .وعلى الرغم من أهمية تلك امليليشيات في منع «داعش» من الوصول إلى بغداد ،فإن موقعهم في العراق داخل الجهاز األمني يعد تهديدا للسنة. وال تأتي تلبية مطالب األك��راد والسنة دون تكلفة ،حيث يمكن أن يفقد العبادي بعض التأييد من داخل دولة القانون ،وهي الكتلة الشيعية التي تضم حزب الدعوة ال��ذي كان تحت رئاسة املالكي ،ومن شيعة العراق على نطاق واس��ع .يشن أهل مدينة البصرة الثرية بالنفط – وهي جزء من املنطقة الشيعية الجنوبية التي تنتج 90في املائة من النفط العراقي – حملة شعبية تطالب بالحكم الذاتي إثر غضبهم من االتفاق الذي تم مع األكراد .ومن أجل إرضاء كل من الشيعة والسنة كان على العبادي اتخاذ مواقف علنية تدعم الشيعة وفي الوقت ذاته يسترضي السنة سرا. وعندما أعلن أن��ه لن يتدخل في الحكم بإعدام القيادي السني العلواني ،طمأن العبادي زعماء القبائل سرا بأنه لن يتم تنفيذ الحكم .وقد قام بزيارة إلى البصرة مؤخرا حيث ع��رض تفويض مزيد من ال �س �ل �ط��ات ل�ل�م�ح��اف�ظ��ة ك��وس �ي �ل��ة ل�ت�ه��دئ��ة املطالبة بالحكم الذاتي.
إزالة الحاجز
على الرغم من �أن �سنة العراق �أ�سعدهم رحيل املالكي ،ف�إنهم ال يثقون متاما يف بالعبادي
عندما يتعلق األمر بالسياسة الخارجية، ك��ان��ت أه��م مساعي ال�ع�ب��ادي ف��ي تلطيف العداء القديم بني العراق وال��دول العربية. على مدار األشهر الـ 3املاضية ،بعث العراق مسؤولني رفيعي املستوى إل��ى ك��ل من البحرين والكويت والسعودية واإلمارات في محاوالت لتهدئة التوترات وبناء الثقة وحشد الدعم في الحرب ضد «داع��ش» .تؤكد هذه الخطوات الدبلوماسية على وج��ود تغييرات مهمة في سياسة العراق الخارجية ،وتشير إل��ى معرفة أن أي فرصة للنجاح في هزيمة «داعش» والتصالح مع السنة في الداخل يتطلب دعما من العرب السنة في املنطقة. في املقابل ،استجاب القادة في جميع أنحاء املنطقة بحماس ملساعي بغداد .ورحبت السعودية بتعيني العبادي – الذي يحظى بقبول الشيعة والسنة واألكراد – وأبدت رغبة فورية في التعاون مع حكومته. وبعد زيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى اململكة إلبداء حسن النية في نوفمبر، استعدت السعودية إلعادة فتح سفارتها في بغداد بعد أن أغلقتها في عام 1990 في بداية حرب الخليج .وأعرب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أيضا عن أمنيته في زيارة العراق إذا سمحت الظروف .باإلضافة إلى ذلك زار العبادي مصر واألردن وتركيا ملناقشة استراتيجيات إقليمية ملحاربة املسلحني اإلسالميني. ولكن قبل تطبيع العالقات بالكامل سوف ترغب دول الخليج في رؤية بغداد تبذل جهودا أكبر لتلبية مطالب السنة العراقيني ولتقليل عالقاتها مع إيران .وهناك يظل العبادي مقيدا بانتماءاته الرسمية .وقد كانت أول زيارة دبلوماسية رسمية يقوم بها إلى طهران مما يشير إلى قوة النفوذ السياسي لهذه الدولة. ف��ي خ�لال 3أش�ه��ر ،أض��اف ال�ع�ب��ادي إل��ى سجله القصير ع��ددا م��ن اإلن �ج��ازات السياسية املثيرة ل�لإع�ج��اب :حيث نجح ف��ي إرض��اء األك ��راد املحبطني ،وإع��ادة بناء جيش فاسد ،وفتح حوار مع الدول العربية املجاورة ،وتجديد العالقات مع الواليات املتحدة. تعد هذه اإلجراءات قمة جبل الجليد؛ وهو يحتاج إلى الحفاظ على هذه اإلنجازات من أجل تحقيق نجاح حقيقي .ولكن يعد التزام العبادي بحل الصراع الطائفي في العراق – «حتى لو اغتالوني!» كما قالها صريحة – تغييرا مرحبا به عن أسلوب سلفه املثير لالنقسام
فورن أفيرز /فبراير ( -شباط ) 65 - 2014
صحافة عالمية
إصالح العراق يبدأ من تلبية مطالب السنة وتحجيم العالقات مع إيران
هل يتمكن العبادي من رأب الصدع الطائفي يف البالد؟
ديفيد كاميرون لدى استقباله حيدر العبادي في مقر رئاسة الوزراء البريطانية
بقلم :محمد املالكي *
خرج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ،الذي كان في السابق برملانيا مغمورا تعرض للنفي إلى اململكة املتحدة في عهد الرئيس صدام حسني ،من ظالل حزب الدعوة ليتجاوز ببالده أكبر أزمة سياسية وأمنية مهددة منذ عام .2003تم تعيينه في املنصب في 8سبتمبر (أيلول) ،ليرث بلدا كان بالضرورة منهارا، حيث سقط في قبضة مسلحي تنظيم داعش السني نحو ثلث أراضي العراق من بينها املوصل ثاني أكبر مدينة؛ وتحرك األكراد للسيطرة على كركوك الثرية بالنفط وهددوا باالنفصال؛ ويستعد الشيعة ملواجهة مزيد من التقدم الذي يحرزه «داعش». * زميل باحث في مركز ويذر هيد للشؤون الدولية بجامعة هارفارد ،وهو متخصص في الشؤون السياسية في العراق بعد ،2003باإلضافة إلى السياسات األمنية والخارجية فورن أفيرز /فبراير ( -شباط ) 64 - 2014
االعتماد هذه من املتوقع أن تنخفض إلى مستويات أقل من 90 في املائة خالل ميزانية 2015الفعلية ،في تطور جديد يعكس مدى حرص اململكة على تنويع قنوات اإليرادات املالية للبالد.
تدهور أسعار النفط ويعد تنويع مصادر الدخل خطوة استراتيجية تسعى السعودية إلى إتمامها خالل السنوات القليلة املقبلة ،خصوصا أن تقلبات أسعار النفط باتت تشكل هاجسا كبيرا لكثير من دول العالم خ�لال الفترة الحالية ،وه��و الهاجس ال��ذي نجحت اململكة ،في تجاوزه بفضل السياسة املالية املتحفظة التي كانت تنتهجها، وهي السياسة التي تغيرت إلى حد ما في موازنة ،2015حيث أصبحت السعودية أكثر واقعية في تقديراتها ألسعار النفط. ك�م��ا أن ��ه رغ ��م ت��ده��ور أس �ع��ار ال�ن�ف��ط خ�ل�ال األش �ه��ر امل��اض�ي��ة، ف��إن السعودية أعلنت ف��ي موازنتها األخ�ي��رة أنها ماضية في مشروعاتها التنموية ،مع استمرارية اإلنفاق لتغطية االحتياجات األمنية والعسكرية ،واإلنفاق على مشاريع الصحة ،والتعليم، واإلسكان. وتعليقا على امليزانية األخيرة للسعودية ،قال وزير املالية الدكتور إبراهيم العساف حينها «رغم أن امليزانية أعدت في ظل ظروف اقتصادية ومالية دولية تتسم بالتحدي ،فإن السعودية ومنذ سنوات طويلة اتبعت سياسة مالية واضحة تسير عكس الدورات االقتصادية بحيث يستفاد من الفوائض املالية املتحققة من ارتفاع اإليرادات العامة للدولة في بناء احتياطيات مالية وتخفيض الدين العام ،مما يعطي عمقا وخطوط دفاع يستفاد منها وقت ُّ الحاجة ،وقد نفذت هذه السياسة بنجاح كبير عندما تعرض
العالم لألزمة املالية في عام 2008وما تبعها من انخفاض كبير في اإليرادات في عام .2009حيث كانت اململكة في حينها من أقل الدول تأثرا بتلك األزمة». وأوضح وزير املالية السعودي حينها ،أن هذه السياسة ستستمر ّ ف��ي امل�ي��زان�ي��ة امل�ق�ب�ل��ة وم��ا ب�ع��ده��ا ،م�م��ا س�ي�م��ك��ن ال�ح�ك��وم��ة من االستمرار في تنفيذ مشروعات تنموية ضخمة واإلنفاق على البرامج التنموية ،خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات االجتماعية ،إضافة إلى تغطية االحتياجات األمنية والعسكرية، متوقعا تحقيق نمو اقتصادي إيجابي نتيجة لهذا اإلنفاق والدور الحيوي للقطاع الخاص السعودي. وفي الوقت ذاته ،تعد السعودية من أكثر دول العالم إنفاقا على ملفات التعليم ،والرعاية الصحية ،ومشروعات البنية التحتية، إضافة إلى إنفاقها الضخم على ملف «اإلسكان» ،جاء ذلك عقب أم��ر امللك ال��راح��ل عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله ،في وقت سابق ،بتخصيص نحو 250مليار ريال ( 66.6مليار دوالر) إلنشاء 500ألف وحدة سكنية وتوزيعها على املواطنني. وتأتي هذه التطورات بينما حققت السعودية فائضا في حدود 206مليارات ريال ( 549مليون دوالر) في ميزانية .2013الذي يعد الفائض العاشر في ميزانيات السعودية في آخر 31عاما منذ ،1983ذلك بعد أن سجلت امليزانية لعام 2012فائضا في ح��دود 386.5مليار ري��ال ( 103مليارات دوالر) ،لتحقق بذلك الفائض التاسع في ميزانياتها فعليا منذ ،1983وثاني أعلى فائض في تاريخها ،وبعد الفائض املحقق في عام ،2013يصل إجمالي فوائض اململكة في آخر 11عاما إلى 2.2تريليون ريال ( 586مليار دوالر) ،وذل��ك بفضل إي��رادات الدولة الضخمة من ارتفاع مستويات أسعار النفط خالل هذه الفترة <
أكد فهد املشاري الخبير االقتصادي أن التحول نحو اقتصاد املعرفة أصبح ضرورة ملحة في ظل التطور التقني واإلبداع العلمي
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
63
اقتصاد
أصبح االقتصاد السعودي مرشحا وبنسبة كبيرة على تقليل معدالت االعتماد على مبيعات النفط كمصدر دخل رئيسي في البالد ،من خالل االنتقال إلى مرحلة اقتصاد املعرفة ،باإلضافة إلى تنويع قنوات املساهمة في نمو الناتج املحلي ،عبر االستثمارات املالية اآلمنة ،والصناعات التحويلية بكافة أشكالها.
الرياض تمتلك أدوات قوية تستطيع من خاللها تقليل معدالت االعتماد على النفط
السعودية ..تتجه نحو «اقتصاد املعرفة» الرياض: شجاع البقمي
تعد السعودية من أكثر دول العالم إنفاقا على ملفات التعليم والرعاية الصحية ومشروعات البنية التحتية
62
تمثل الرؤية االقتصادية التي تنتهجها اململكة ،من خالل جميع قاداتها الراحلني ،وصوال إلى عهد خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز ،البوابة الرئيسية التي سيتم من خاللها العبور السلس واإليجابي ،نحو تقليل معدالت اعتماد البالد على النفط كمصدر دخ��ل رئيسي ،من خالل تنويع قاعدة اإلنتاج. وتتجلى مالمح هذه الرؤية االقتصادية وبشكل واضح ،من خالل انخفاض معدالت اعتماد امل��وازن��ة السعودية رغ��م تزايد حجم إنفاقها ،على النفط كمصدر دخل رئيسي ،من عند مستويات 94في املائة كما هو الحال قبل نحو 6سنوات ،وصوال إلى ما نسبته 89في املائة تقريبا خالل موازنة .2015 ويعتبر اقتصاد املعرفة ،محورا هاما ترتكز عليه معدالت النمو االقتصادي في كثير من دول العالم خالل السنوات األخيرة، فيما أظهرت تقارير اقتصادية عاملية أن معدالت مساهمة هذا النوع من االقتصاد في الناتج املحلي لتلك الدول تبلغ ما نسبته 10في املائة سنويا ،وهو االقتصاد الذي يعتمد في أساسه على االبتكار ،واإلبداع ،واإلنتاج العلمي ،باإلضافة إلى حسن استثمار التقنيات الحديثة ،والتعليم. ويمثل إطالق مؤسسة امللك عبد العزيز ورجالة للموهبة واإلبداع، باإلضافة إلى تدشني جامعة امللك عبد الله بن عبد العزيز للعلوم والتقنية ،خ �ط��وات مهمة نحو االن�ت�ق��ال اإلي�ج��اب��ي إل��ى مرحلة اقتصاد املعرفة ،وسط سعي السعودية وبشكل ملحوظ نحو تشجيع االبتكارات الجديدة ،ودعم التعليم ،باإلضافة إلى تحفيز الشباب على اإلبداع واإلنتاج. وت�ع�ل�ي�ق��ا ع�ل��ى ه ��ذه ال �ت �ط��ورات ،أك ��د ف�ض��ل ال�ب��وع�ي�ن�ين الخبير االقتصادي واملالي ،أن السعودية تمتلك أدوات قوية تستطيع من
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
خاللها تقليل معدالت االعتماد على النفط ،وزيادة معدالت اإلبداع واإلنتاج ،مضيفا« :أهم تلك األدوات هي القدرات املالية الضخمة التي تمتلكها البالد ،باإلضافة إلى البيئة املناسبة التي تشجع على تنويع مصادر اإلنتاج ،وفتح قنوات استثمارية جديدة».
اقتحام عالم اقتصاد املعرفة من جهة أخرى ،أكد فهد املشاري الخبير االقتصادي ،أن التحول نحو اقتصاد املعرفة أصبح ضرورة ملحة في ظل التطور التقني واإلبداع العلمي الذي تتميز به كثير من دول العالم ،مضيفا خالل حديثه «هنالك فرصة كبيرة أمام السعودية نحو اقتحام عالم اقتصاد املعرفة ،كما أنها مرشحة وبشكل كبير في أن تنجح في خفض معدالت اعتمادها على النفط إلى ما نسبته 60في املائة فقط خالل السنوات القليلة املقبلة». وف��ي ق��راءة للموازنة السعودية الجديدة للعام ال�ج��اري ،2015 رص ��دت ال �ب�لاد ن�ح��و 860م�ل�ي��ار ري ��ال ( 229.3م�ل�ي��ار دوالر) للعام الجديد ،2015مسجلة بذلك معدالت إنفاق متزايدة ،رغم تدهور أسعار النفط بنسبة تصل إلى 50في املائة خالل األشهر األخيرة ،مما يؤكد على متانة وقوة االقتصاد السعودي. كما أنه وفي ضوء هذه التطورات ،تسعى اململكة وبشكل ملحوظ إلى تقليل معدالت االعتماد على إيرادات النفط ،من خالل زيادة مساهمة القطاع الخاص في تحقيق معدالت نمو أكبر القتصاد البالد ،باإلضافة إلى رفع مساهمة اإليرادات املالية األخرى خالل الفترة املقبلة. واعتمدت امليزانية السعودية خالل السنوات املاضية في إنفاقها بنسبة 90إلى 94في املائة على إي��رادات «النفط» ،إال أن نسبة
عبد الجبار العكيدي «املجلة»
الرفاعي ،والشيخ إسماعيل البدري ،والشيخ عبد الرحيم العاني ،وهؤالء غالبا لهم عالقات بجمعيات ومؤسسات إسالمية شبه حكومية .والثاني :شيوخ العشائر والوجهاء واألعيان ممن لهم شفاعة مقبولة لدى قيادة (داعش) أمثال الشيخ رافع الجميلي ،شيخ قبيلة الجميلة في العراق ،والشيخ علي حماد املحمدي ،من وجهاء عشيرة املحامدة ..والثالث :من خالل وسطاء لهم عالقات مخابراتية وحكومية موثوق بهم ،وتمت تجربتهم ،وهؤالء عموما هم أعضاء برملانيني أو تجار كبار من السنة العراقيني أمثال النائب البرملاني السابق محمد الدايني والتاجر العراقي قاسم الراوي». وعن سؤالنا :هل ينطبق نفس الشيء على سوريا؟ يقول املؤرخ العراقي« :نعم ،هي نفس املنظومة يرأسها املدعو فاضل املشهداني أب��و عاصم ،ويساعده املدعو حسن املصري ومجموعة من املهاجرين العرب واألجانب ..لديهم خبرة كبيرة وتجارب متكررة في هذا امللف!!». وعما يميز «داع��ش» عن جبهة النصرة في االختطاف يرى أنه «ال فرق بينهما سوى أن االختطاف في (النصرة) غالبا ألغراض سياسية واستبدال األسرى والسجناء». تأت بالسلب تجاه املتعاطفني واملؤمنني بفكر ويختم حديثه مؤكدا ،أن «ظاهرة االختطاف لم ِ ّ املتطرفة ،بل جاءت في محل الثناء وامل��دح ..وهذه الفئة هي املقصودة من هده الجماعات رسائلهم اإلعالمية التي تتناول ملف االختطاف».
خليل ابو اري وابنه في مخيم للنازحني سروج «املجلة»
ضحايا سيمون ما زال يعيش في االختطاف ،ويقول« :إن أنا شعرت بالذل واإلهانة ،وما زال الشعور يالزمني ،هل هذه سوريا؟ وكيف سوف تتحمل كل هذا العنف؟ تلك التجربة لن تقويني ،بل أنا أضعف ألف مرة ،كما ّ علي أن أقبل أن أهلي ما زالوا هناك ،كل شخص خرج من سوريا يتوقع األسوأ ملن تركهم هناك». ويختم قائال« :كلنا مختطفون». خليل أبو آري يبدو عليه الحزن على ابنه البكر كلما يلمس ما تغير في آري وكيف تحول منزو عيناه تحلقان بعيدا ..يقول خليل ،إن «آري كان الطفل الحروك والنشط إلى شخص ٍ يحب العزف على البزق ،إضافة لعشقه نادي ريال مدريد ،كان كتلة حيوية تمأل َّ علي حياتي، أجده اليوم شخصا آخر ،كلما يسهو أشعر بأني أفقده وأنه عاد إليهم» .ويكشف عن محاولة آري التواصل مع أحدهم عن طريق عنوان بريد إلكتروني ،وعندما سأله خليل رد قائال: «هم طلبوا منا التواصل معهم ،وإن أحد أصدقائه رفض العودة وفضل البقاء معهم إال أن اشتياقه إلخوته جعلته يعود» ،بدا خليل أسير تجربة ومآالت اختطاف آري .أما آري فوعدنا أن يرسل لنا صورتني تم التقطهما في الخفاء من قبل صديقه ،بينما كانوا مختطفني ،أرسل واحدة ،إال أن الصورة التي يظهر فيها أمير داعشي لم يرسلها رغم أنه وعدنا ولدى سؤالي له عن خوفه من «داعش» يجيب فورا« :ليس هناك ما أخاف عليه»<
عناصر داعش لحظة اعتقال الطيار األردني معاذ الكساسبة «املجلة»
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
61
تحقيق
الشاب املسيحي سيمون «املجلة» اختطاف راهبات معلوال
املفاوضني الرسميني مع حزب الله ،وأن يدفعوا مبلغا ماديا مقابل أن يتولوا هم املفاوضات حول األس��رى ،ولكن في النهاية لم ينتج األم��ر» ،مشيرا إلى وج��ود «مفاوضات مع جبهة النصرة حول أسرى في سجن رومية بلبنان وأسرى لحزب الشيطان (حزب الله) في جبال القلمون الغربية عن طريق وسطاء لبنانيني مقربني من املعارضة واالتحاد اإلسالمي ألجناد الشام ،جمعية «البشائر» املوجودين في طرابلس ،وشخصيات أخرى يقومون بالوساطات».
الخطف املتطرف
الطفل اري «املجلة»
صورة الري ورفاقه بعد تحريرهم «املجلة»
60
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
رغ��م أن��ه م�ن��ذ ب��داي��ة ال �ث��ورة ال�س��وري��ة ت�م�ي��زت ع�ل��ى اع�ت�ب��اره��ا ث ��ورة شعبية م��دن�ي��ة مطالبة بالديمقراطية ودولة القانون عن الحراك املسلح الديني واختلفت عنه تماما ،فإنه في النهاية رك�ب��ت موجتها ت�ي��ارات دينية متشددة ن�ش��أت قبل ال�ث��ورة لها مرتكزاتها اآليديولوجية ّ وعقيدتها الفكرية ،وقد تقاطعت هذه التيارات مع الثورة في عدائها للنظام السياسي في ّ ّ سوريا فقط ،لكنها اختلفت في األهداف (إقامة ما سمي الدولة اإلسالمية) ،واملنهج ،ودعت التيارات في وقت مبكر إلى حمل ّالسالح في سوريا ،بذريعة ّأن «املظاهرات السلميةّ هذه ّ ّ ّ ّ الشام» الواجهة اإلعالميةّ ليست ق��ادرة على إسقاط النظام» ومثلت «جبهة النصرة ألهل األبرز للحركات الجهادية في سوريا وفق نموذج «القاعدة». لقد غ� ّ�دا العنف الحركي (املتطرف) وف��ق نموذج «داع��ش» تهدد ال�ث��ورة بحراكها السلمي ّ ّ أو املسلح ،وتنتشر حالة من الذعر االجتماعي والخوف النفسي ،بات يالحق املواطن في تفاصيل حياته اليومية ليس فقط في الداخل أو مناطق سيطرة النظام أو املعارضة ،بل ّ ّ العراقية تعدته إلى مخيمات النازحني واملنافي ،فنموذج «داعش» يذكره بكابوس املشاهد ّ التي أثرت كثيرا في املزاج ّالسياسي ّالسوري ومشاهد التفجيرات واملختطفني والرهائن كل هذا دفعه لنشدان عودة االستقرار واألمان والتخلي .املؤرخ عراقي والباحث في شؤون الجماعات اإلسالمية ،د .هشام الهاشمي يرى أن «االختطاف بالنسبة لـ(داعش) هو سلوك، بل نوع من العبادة التي يتقربون بها لله عز وجل ،والجماعات املتطرفة التي تعتبر عمق (داعش) التاريخي في العراق منذ بداية التغيير عام ،٢٠٠٣اعتمدت على عمليات االختطاف لجملة أسباب كان من أبرزها صناعة فوبيا للمجتمع املدني لتلك الدولة التي تشارك أميركا في قتال املتطرفني ،وجمع األموال ،وفرض املواقف السياسية ،والتنكيل بالعدو ،وصناعة أكثرية من املتعاطفني معهم» .ويوضح الهاشمي لـ«املجلة» ،قائال« :إن الخاليا التي تسند لها مهام االختطاف هي مركبة من الخاليا األمنية واالستخبارية والشرعية واإلعالمية ثم ّ املالية ..وهؤالء في الغالب من خواص هذه التنظيمات الذين يصعب الوصول إليهم باالختراق أو بالرشى». وعن دور الوسطاء أو املفاوضني في تحرير املختطفني لدى داعش يقول« :إنه هناك 3أنواع تم اعتمادها من قبل (داعش) منذ مايو ،٢٠١٣األول :هم قيادات الفصائل السلفية أمثال محمد يوسف عبد السالم الشهير بـ(أبو عبد العزيز القطري) و(أبو خالد السوري) ،والشيخ نظام
السهل التواصل معهم» ،مشيرا إلى أن «جبهة النصرة اختطفت حافلة ملدنني كان فيها 45 راكبا في دير الزور واحتجزوا الركاب مدة 24ساعة وتدخلنا واستطعنا أن نطلق سراح الركاب وأع��ادوا إليهم حافلتهم ،فهناك مصالح لجبهة النظرة تجبرها أن تكون لينة في بعض املواقف مع املواطنني لكسبهم وتكوين حاضنة شعبية لهم هناك» ،مستدركا« :لكن بعد سيطرة (داعش) على مناطق الجيش الحر أصبح التواصل صعبا ،خاصة أن الكثير من الكتائب بايعت (داع��ش) ،معروف أن (داعش) ملتوون ال يفون بالوعود ،وال يلتزمون باالتفاقات ،ما يجعل التعامل معهم صعبا جدا ،فهم مناورون ،وعادة ال يهتمون باملال، بل استعادة أسراهم» ،مشيرا إلى أنه «حاليا ،انحسر موضوع االختطاف لدى الفصائل األخرى مقتصرا على (داعش) وجبهة النصرة وميليشيات موالية للنظام وهناك تفاهمات وتنسيق بني هذه العصابات والنظام الختطاف أشخاص ثوريني أو حتى مدنيني لهم أقرباء في املعارضة لغايات الضغط وأخذ املعلومات واستبدالهم مع أسرى للنظام لدى املعارضة، وعادة تتم من تحت هذه الصفقات من تحت الطاولة». وفي ختام حديثه يذكر الناشط السياسي ،أن «اللجنة وبالتعاون مع فصائل من الجيش الحر ومن فصائل كردية استطاعت أن تساهم في تحرير الكثير من املختطفني األجانب ،ومنهم الصحافيان الفرنسيان وعشرات النرويجيني والفرنسيني ممن انضموا إلى (داعش) وقرروا االنشقاق عنه ،وأخيرا مساعدة األب ديمتري بونتنيك في استعادة ابنه من أيدي (داعش)».
الخطف السياسي غالبا ما ُيتخذ له شعار سياسي بعد حدوثه أو ُيغلف بأهداف سياسية ،ويستهدف رعايا ّ دول أو أحزاب تؤيد النظام الحاكم وتدعمه اقتصاديا ولوجستيا ،أو تتخذ موقفا سلبيا ّ مناوئا للثورة يصل إلى ّ حد مباركة النظام على نهجه وقمعه األمني ،كإيران وحزب الله، ّ والذي غالبا ما يختلط املوقف السياسي بالدوافع الطائفية ،والذي ساهمت فيه أجندات دول إقليمية ،وتحرير املختطفني يكون عبر وساطات دول إقليمية مؤثرة في الثورة السورية (تركيا -قطر) ومنظمات دولية. على سبيل املثال: قبل 36عاما ،وتحديدا في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979احتل طالب من الثوار اإليرانيني السفارة األميركية في طهران ،واحتجزوا 52أميركيا كرهائن على مدى 444يوما.وقد أيد املرشد األعلى الخميني ،عملية االحتجاز في حينها ،ونادى بأن يظل الرهائن محتجزين. وكانت الدوافع وراء احتجاز الرهائن ،املطالبة بعودة الشاه محمد رضا بهلوي ملحاكمته في إيران .لكن الشاه توفى في يوليو (تموز) ،1980واستمر احتجاز الرهائن بعد وفاته ألشهر ،إلى أن أفرج عنهم في يناير (كانون الثاني) .1981وقد اعتبر اإلمام الخميني هذه الحادثة ،من «املعجزات اإللهية» لتأييد الثورة اإلسالمية في إيران. وبعد أيام من االحتجاز ،نجح ستة من الدبلوماسيني األميركيني في الفرار ،واللجوء إلى منزل الدبلوماسي الكندي جون شيردوان ،املسؤول السابق عن القنصلية الكندية في إيران. وبعد ترتيبات سرية ومعقدة ،تمكن الدبلوماسيون الستة من مغادرة إيران في يناير ،1980 بفضل جوازات سفر كندية. أف��رج عن باقي الرهائن األميركيني في 20يناير 1981بعد اتفاق بني واشنطن وطهران بمساعدة ما عرف بمحادثات (الجزائر) وقامت الواليات املتحدة باملوافقة على طلب إيران باإلفراج عن 12مليار دوالر من أصولها املجمدة لديها ،في آخر يوم للرئيس جيمي كارتر في البيت األبيض ،وأول يوم في حكم الرئيس رونالد ريغان. > اختطاف 11لبنانيا شيعيا في ريف حلب الشمالي بتاريخ 22مايو .2012 > اختطاف 48إيرانيا في حافلة كانت ّمتجهة من منطقة ّ السيدة زينب إلى مطار دمشق الدولي بتاريخ ّ 5أغسطس (آب) ،2012وربطت جميع الجهات التي اختطفتهم ،مصير املختطفني بتوقف إيران وحزب الله عن دعم النظام السوري ومساندته ،وغالبا ما كان يتم اإلفراج عن املختطفني اإليرانيني وحزب الله بعد وساطات ّ ّ وقطرية. تركية أبو هشام القلموني من لواء النصر ومسؤول العالقات لكتائب الجيش الحر في النبك ،يؤكد أن «الجيش الحر لم يكن يختطف ،كان يعتقل عناصر الجيش النظام واملدنيني املتطوعني في الجيش الشعبي ،والذين يقفون على الحواجز مع النظام ويتم اإلفراج عنهم من خالل صفقات التبادل تبادل األسرى» ،ويضيف لـ«املجلة» متسائال« :هل يمكن أن نعتبر اعتقالنا ألشخاص يتعاونون مع النظام في الحواجز اختطافا ،على سبيل املثال علمنا أن أخطر شخصني منهم سوف يمرون من الطريق العام ،نصبنا كمينا لهم وتم اعتقالهم ،كانوا شخصني علويني، وأثناء التحقيق معهم وجدنا في هواتفهم الجوالة مقاطع تعذيب للمدنيني سوريني ،وعندما علم النظام قام باختطاف 90مدنيا ،دخل على خط التفاوض مستنفعون توسطوا بيننا
الفتاتان االيطاليتان اثناء احتجازهما من قبل جماعة مسلحة بعد ثالثة أيام من وصولهما لسوريا للمشاركة في مشروع إنساني (غيتي)
العاملتان اإلنسانيتان االيطاليتان اللتان خطفتا الصيف املاضي شمال سورية وأطلق سراحهما والصورة التقطت لحظة وصولهما الى مطار شيامبينو في روما (غيتي)
وبني مسؤول األمن العسكري في النبك مازن الكنج ،في البداية طالب بمبالغ نقدية مقابل إطالق سراح املدنيني ،وفاوضناهم على الشخصني العلويني ،وتمت الصفقة وتم فك أسر 90مدنيا مقابل علويني اثنني» .وفي جانب آخر ،يؤكد القلموني حرص الجيش الحر على حماية الصحافيني واإلعالميني الذين يقصدون س��وري��ا ،وأن��ه ل��دى اختطاف الصحافية األملانية استنفر الجيش الحر في القلمون وطالبوا بتحرير الصحافية ،األم��ر ال��ذي جعل الجهة املختطفة تمتنع عن أن تكشف نفسها وحتى اليوم ال نعرف املجموعة التي قامت باالختطاف» ،وعند سؤاله عن احتمال بيع الضحية للمتطرفني مثل «داعش» وجبهة النصرة أكد عدم علمه دون أن ينفي. ويكشف القلموني جانبا من االتصاالت التي كانت تجري لتحرير الراهبات ،ويقول بهذا الخصوص ،إن «شكيب الريس من مكتب األخضر اإلبراهيمي وسألني عن الراهبات ،ألنه كان هناك الكثير من الكتائب تدعي أنها من اختطفت الراهبات ،بدوري أكدت له أنهن أسيرات لدى جبهة النصرة وطلب مني أن أؤكد كالمي من خالل صورة أو مقطع فيديو يثبت كالمي، وتواصلت مع أبو عزام .عندها تواصلت مع محتجز الراهبات ،أبو عزام الكويتي ،نائب أمير التنظيم في منطقة القلمون ،الذي قتل الحقا في أطراف يبرود» ،مضيفا« :أبو عزام أرسل لي املقاطع وبدأت املفاوضات التي قام بها أبو عزام وأشرف شخصيا على سير عملية التبادل التي تم االتفاق عليها مع الجهة الدولية التي تولت الوساطة». ويتابع القلموني كاشفا جانبا آخر من عمليات االختطاف السياسي قائال« :في حادثة أخ��رى ك��ان هناك مختطفون من ح��زب الله وبشكل س��ري طالب االئ�ت�لاف أن يكونوا هم المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
59
تحقيق
مجموعة من الراهبات االرثوذكسيات اللواتي كن اختطفن من دير في بلدة معلوال السورية من قبل مسلحني واطلق سراحهن بعد وساطة لبنانية قطرية مارس ( 2014غيتي)
الطريق العام حلب -دمشق يمر من إدلب ،وفي بدايات الثورة كانت هناك عمليات اعتقال وليست عمليات خطف بمعنى الخطف ،وتستهدف كل املجندين في جيش النظام حتى ال يعاود القتال مع جيش النظام وتسهيل انشقاقهم عن جيش النظام ،وفيما بعد كانت هناك حوادث الختطاف ناشطني أو إعالميني من قبل عصابات سطو ،كانت تختبئ وراء مظلة الجيش الحر أو ستارة الكتائب اإلسالمية. ويقول العكيدي لـ«املجلة» من مقره في هاتاي التركية« :نحن ال ننكر وجود تجاوزات من قبل الحياني وغيره ،ولكن ال ننسى أن الثورة كانت شعبية غير منظمة ليس لها قيادة واحدة ،وليس لها رأس واحد ،وبالتالي كانت هناك بعض التجاوزات ،ونحن ال ننكر ذلك، ولكن أغلب من كان يتم اعتقالهم ،وليس خطفهم ،إما شبيحة وإما موالون للنظام ،ويتم طلب فدية من أهاليهم مقابل تحريرهم بالتأكيد كان يترافق ذلك مع أخطاء وتجاوزات وال ننسى أن شبيحة النظام أنفسهم كانوا يشكلون كتائب تحت اسم الجيش الحر» ،مضيفا: «تدخلنا أكثر من مرة لتحرير مختطفني عندما يتم إبالغنا عن معتقلني أبرياء ،وكانت تتم االستجابة لنا من منطلق السلطة األخالقية أكثر مما هي حقيقة أو سلطة فرض األمر، وشاهدنا حاالت من اختطاف صحافيني أجانب من قبل عصابات بهدف الكسب وتم بيعهم لألطراف املتشددة مثل (داعش)». ويشير القيادي العسكري البارز في الثورة السورية إل��ى أن «موضوع خطف الناشطني والصحافيني إثر سلبا على الثورة السورية ،وأن موضوع الخطف مقابل الفدية انتشر مع تمدد (داعش) التي بدأت تختطف أصحاب معامل وتجارا وناشطني وصحافيني» ،مستدركا أن «تمدد (داعش) كان خارج عن السيطرة تماما بالنسبة للجيش الحر وما زال» .وحول دور الهيئات الشرعية في شرعنة سيطرة «داعش» الحقا وفرض نظم إسالمية على املجتمع والحكم على املدنني وتشريع االختطاف يرى العكيدي الذي في فترات سابقة وصف «داعش» باإلخوة ،أن «الهيئات الشرعية هي تجربة من تجارب الثورة لربما كانت فاشلة في مراحل معينة ونجحت في مراحل أخرى ،ربما كانت هناك أخطاء بسبب تمدد (داعش) ،وشعبنا شعب بسيط لم يكن لديه الفكر الخبيث الذي يوجد لدى (داعش) ،ما كان يهمهم أن هؤالء لديهم أجندة ومشروع ،السوريون ظنوا أن هؤالء قدموا ليناصروا ثورتهم ويقدم املؤازرة واملساعدة لهم وإسقاط النظام فيما بعد ظهر وبات واضحا للسوريني العكس تماما».
خطف على االنتماء
فتاتان من أقرباء العسكري اللبناني علي العبد الذي قتل على يد مجموعة ارهابية في سوريا -ديسمبر ( 2014غيتي)
خالصة لصوص املنطقة ،ثم قام الحقا بتأسيس لواء شهداء بدر ،وبدأ يخطف كل صاحب معمل يأتي ليطمئن على معمله ويطالب بفدية إلطالق سراحه مع تهديده بإحراق معمله، وعندما استنفد هذه األمور بدأ بفك آالت املعامل وبيعها إلى تركيا. سلوكه دفع الناشطني إلطالق حملة على مواقع التواصل االجتماعي إلكترونية حملت اسم «معا ملحاسبة جزار حلب» وصفوها بأنها دعوة للمجالس العسكرية الثورية وقيادات الجيش السوري الحر إلى محاسبته ،مستنكرين قبول رئيس املجلس العسكري في محافظة حلب العقيد عبد الجباري العكيدي انضمام الحياني وعناصره للمجلس العسكري ،باإلضافة إلى كونه مطلوبا للهيئة الشرعية .ويعتبر احتجاز الرهائن جريمة حرب بموجب القانون اإلنساني الدولي (قوانني النزاع املسلح). وتعرف جريمة الحرب املتمثلة في التعذيب ،بموجب القانون اإلنساني الدولي ،بإلحاق ألم بدني أو عقلي شديد أو معاناة ألغراض مثل الحصول على معلومات أو على اعتراف أو العقاب أو التخويف أو اإلكراه.
مجرد تجاوزات القيادي في الجيش السوري الحر العقيد عبد الجبار العكيدي والرئيس السابق للمجلس العسكري للثورة في محافظة حلب نفى أن يكون احتجاز املدنني اختطافا ،موضحا أن 58
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
واختلطت الجرائم الجنائية بالعنف الطائفي الذي يمارس في املناطق املختلطة ،وال سيما في حمص والحسكة ،درع��ا ،إذ تكررت ح��االت اإلف��راج عن بعض املختطفني في املناطق السنية والعلوية ،الدرزية واملسيحية والكردية ..إلخ ،وذلك بعد دفع مبالغ وفدية مالية للجهات الخاطفة ،سواء كانت من كتائب املعارضة املسلحة أو مجموعات الشبيحة ،أو من سكان املنطقة .نائب رئيس اللجنة الوطنية لحماية السلم األهلي والثورة ،عبد الباري عثمان ،يؤكد على أن انتشار ظاهرة االختطاف هو أكبر تهديد السلم األهلي ،وأن تشكيل لجنتهم كانت استجابة لدواعي الوقوف في وجه تنامي خطر الصراع الطائفي والعرقي ،محاربة ظاهرة االختطاف كانت إحدى مهام اللجنة. ويكشف عثمان لـ«املجلة» من مقره في غازي عنتاب التركية عن أن «ح��االت الخطف في كثير من األوقات كادت تؤدي إلى قيام نزاع مسلح بني اإلخوة في الوطن في منطقة رأس العني (سري كانييه) التي عاشت آالف السنني في حالة توافق ووئام لم تعرف الطائفية وال العصبية العرقية عبر التاريخ إلى أن جاء هذا النظام الذي عبث بمكونات شعبنا ومنها العرقية والطائفية ،وتحديدا في املناطق التي تشهد تنوعا عرقيا ومذهبيا في محاولة خبيثة مجرمة تذكي الصراع وتفجره في املناطق السورية» ،مضيفا أن «النظام عمد ومن خالل الفئات الرخيصة على زرع فتنة في مناطق مختلطة من خالل إشعال حرب تمهد لنزاعات إقليمية ليس لشعبنا وثورتنا مصلحة فيها وتبقى حالة الصراع العسكري في املنطقة إلى ما ال نهاية بأجندات ال وطنية ،وبالنيابة عن أطراف إقليمية ودولية يهمها نقل معاركها إلى أرض تعتقد أنها مهيأة لذلك فراحت تذكيها بشكل خفي وخبيث وبما يتوافق مع أهداف النظام ويصب في مصلحته النهائية» .ويكشف عن أن «اللجنة قامت بوساطات في حوران بني كتائب الجيش الحر وجبهة النصرة والدروز واستطاعت اللجنة لعب دور الوسيط والتوصل إلى تفاهمات حول قضايا املخطوفني واألسرى من األطراف املتصارعة» ،مستأنفا« :وتوسطنا لتحرير مختطفني لدى مسلحني في حلب ،وتدخلت اللجنة للصلح في النبل والزهراء واملحاصرين فك الحصار ،ولكن بعض األطراف السياسية لم تقبل». ويؤكد أنه «كانت هناك دائما استجابة لبعض الدعوات لتحرير املدنيني ،حيث إننا كنا ندعو قيادات وشخصيات وطنية لها سلطة أخالقية على الكتائب في الجيش الحر ،وك��ان من
خامنئي يزور رهينة أميركيا عام 1980
من األغنياء» .ويكشف سيمون عن أنه علم فيما بعد ،أن «السائق الذي أقله وسائقني آخرين متعاونني مع مجموعة الحياني مقابل عمولة يحددها سعر الراكب الذي معهم ،وهم عادة من يخبرون الحاجز بوجود ركاب مسيحيني أو علويني أو كرد أبناء أثرياء أو طلبة ..إلخ».
مسلحني تابعني لـ«لواء شهداء بدر» بقي مختطفا لشهرين وحرر مقابل فدية نقدية. يروي سيمون تجربته املروعة لـ«املجلة» ،والتي تبدأ بعد أن يقرر السفر إلى إقليم كردستان العراق للعمل هناك ،ويقول سيمون «قصدت (كراج الحجز) في حي بستان القصر ،املعبر الذي يفصل بني القسم الشرقي من حلب الخاضع لسيطرة املعارضة املسلحة ،والقسم فإنه الغربي منها الذي ال يزال خاضعا لسيطرة النظام ،ورغم معرفتي املسبقة بخطورته وسطاء كان املعبر الوحيد ال��ذي بقي صالحا النتقال املدنني واملؤدية إلى الطريق السريع حلب - دمشق» ،مضيفا« :صعدنا مع أحد السائقني في املعبر ،والذي قصد ال��وس��ي��ط يعتبر رك��ن��ا أس��اس��ي��ا إلت��م��ام صفقة االخ��ت��ط��اف ،وه���و ع���ادة ما طريقا يحوم حوله املوت ،ألنه ال يمكننا االعتراض أو إظهار استيائنا، يكون معروفا لدى جميع األط��راف وعلى اختالف انتماءاتهم االجتماعية بدال األسلحة ت شهداء وبمجرد وصولنا لدوار الكاستيلو اعترضنا حاجز تابع لـ(لواء س ا والسياسية والطائفية ،ويفيد سيمون بهذا الخصوص قائال« :كان هناك ة ي ر ك س املدنني ��ع ب���در)( ،يتبع لخالد حياني) ،وكنت سمعت ع��ن تعاملهم م ع واملعدات ال شخص يطلقون عليه تسمية (الشيخ) وكانت مهمته تطميننا وجعلنا نثق الكاستيلو وعمليات السلب واالبتزاز مقابل السماح بالعبور ،وطريق به ،هو مرن جدا عكس اآلخرين ،وروي��دا روي��دا ،يقنعا بأن خالصنا هو لدى «داعش» الهوى، باب يعتبر من أهم الطرق التي يستخدمها القادمون من معبر دفع الفدية املطلوبة ،تبدأ االتصاالت مع األهل ،ويبدأ األهل برحلة البحث .. ن ئ ها دوار لطريق تحاشيا خصوصا وهو الطريق األسهل الذي يمر فيه الناس ر ال عن الوسطاء». ب ض واملسلحني الكتائب بني الليرمون األخطر ،وهذا يجعل الصراع محتدما «النصرة» ترف أض����اف« :أب���ي ات��ص��ل ب��أك��ث��ر م��ن 3وس��ط��اء ،وك���ان يختلف معهم عن و عليه الكاستيلو» ـ«حاجز واملتطرفني للسيطرة عليه ،فمن ال يريد املرور ب العمولة ،فمنهم من طلب 100ألف ليرة سورية ،وآخر 50ألف ليرة وآخر ملساومة باملال وشاق». طويل وهو بالطريق الذي يمر بالقرى والبلدات املحيطة، ا سعر مقابل أن يقوم بالوساطة .هم طالبوا بـ 15مليون سوري ،وبعد ل ب ق الغربية للمناطق التابعة الهويات ويتابع« :الحاجز كان يدقق بشكل كبير في ت و املفاوضات قبلوا بـ 800ألف سوري». والسالح املوكامبو.. – الشهباء املحافظة الخاضعة لسيطرة النظام ،الفرقان - ويبدأ فصل املفاوضات بطلب عدد معني من رشاش الكالشنيكوف، تبدال األسرى س با في وأعيش مسيحي أني وعلموا الشخصية إلخ ،وعندما أظهرت بطاقتي مقابل تحرير املخطوف ،وبالتأكيد أهل املخطوف يبدو األمر بالنسبة للسائق وسمحوا جانبا، وأقف أترجل أن طلبوا منطقة تحت سيطرة النظام لهم مستحيال ،فيتم طلب ثمن العدد املطلوب من السالح ،ليبدأ الفصل عن عبارة وهو الحياني، سجن إلى آخرين و4 أنا «اقتادونا باملرور» ،مضيفا: اآلخر من املفاوضات حول املبلغ ،وتنتهي فصول املسرحية بتسليم نحو وكانوا يختطفهم، من فيه يحتجز بدر، لواء مسلحو عليه معمل استولى املبلغ إلى الوسيط ،وهو بدوره يتكفل بإيصال املخطوف إلى نفس املكان الذي اختطف فيه. معهم، يحقق كان وهناك السنة، من وأيضا والكردي، واألرمني املسيحي بينهم 70شخصا، وحاليا ،نشر املدعو «حياني» حواجز في حيي األشرفية والشيخ مقصود ،وفرض إتاوات الكرسي الوحشية، التعذيب أساليب ملختلف «يعرض أنه إلى مشيرا التعذيب»، إضافة إلى على أصحاب املشاغل ،مهددا بحرقها حال رفضهم دفع املال ،حسب تنسيقيات معارضة. من كانوا الخاطفني «غالبية أن مضيفا والرافعات»، الهوا) (دوالب الريح وبساط الكهربائي وخالد سراج علي بن حج أحمد مواليد ،1979ولقب بخالد الحياني نسبة إلى مسقط رأسه حتى طبيعة يعرفون وال طرق قطاع األصل في وهم وأتارب، وحريتان حيان من األرياف حيان ،وهو متهم بجريمة جنائية ،التحق باملسلحني بعندان. ّ هو الفيالت منطقة في يقطن من كل وأن ثري، مسيحي كل أن يظنون هم الحلبي، املجتمع وشكل خالد حياني ما سمي «كتيبة املهام الخاصة» ،وض��م إليها نحو 50عنصرا هم المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
57
تحقيق
صارت عمليات اختطاف املدنيني من منازلهم ،على الحواجز أو في الطرقات ،من الظواهر الشائعة في سوريا ،ضمن دوامة العنف التي تدور رحاها منذ مارس (آذار) 2011؛ لدوافع سياسية أو إجرامية ،وغالبا خليط من االثنني، وممارستها مشتركة بني نظام بشار األسد ومعارضيه الذين يسعون إلى إسقاطه. وتنامت ظاهرة الخطف مقابل الفدية النقدية ،حيث وجد فيها بعض املجرمني الجنائيني الذين اتخذوا من الثورة تبريرا لجرائمهم تارة تحت اسم «تأييد النظام ودعمه» ،وتارة أخرى تحت اسم الداعمني للثورة واملؤيدين لها ،فكان األغنياء ،والتجار ،ورجال األعمال وعائالتهم ،هم الشريحة التي تستهدفها هذه الفئة ،ملبادلتهم بمبالغ نقدية عادة يهرع املستهدفون إلى دفعها مباشرة إلنقاذ املختطفني من القتل املهدد لهم في حال امتناعهم ،وتركزت هذه الظاهرة في املدن الكبرى بشكل عام ،ال سيما حلب ودمشق.
تفتح أخطر امللفات الدولية:
دول وعصابات وجماعات إرهابية قامت بشرعنة اخلطف واألسر كردستان :روشن قاسم كشفت خبيرة في األمم املتحدة ،عن حصيلة ما غنمته جماعة داعش االرهابية في العراق ما بني 35و 45مليون دوالر كفدى مالية اثر خطف رهائن خالل العام املاضي .وقالت يوتسنا الليي خ�لال اجتماع للجنة مكافحة اإلره��اب التابعة ملجلس األم��ن ح��ول عمليات الخطف اإلرهابية التي تنفذ للحصول على فدى مالية :إن الجماعات اإلرهابية حصلت على فدى مالية تقدر بنحو 120مليون دوالر ما بني 2004و.2012وأوضحت الليي ،أنه في السنوات األخيرة جعلت القاعدة واملجموعات االرهابية املنبثقة عنها من عمليات الخطف "األسلوب الجوهري في الحصول على إيرادات". وأشارت إلى تسجيل صوتي لزعيم القاعدة أيمن الظواهري في تشرين االول 2012يحرض فيه املتشددين في جميع أنحاء العالم على خطف الغربيني.وبينت الليي أن تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب ،والذي ينشط في اليمن حصل على 20مليون دوالر كفدى ما بني 2011و ،2013والقاعدة في املغرب والتي تنشط في شمال أفريقيا جنت 75مليون دوالر خالل السنوات األربع املاضية.أما جماعة بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال فقد "جمعتا املاليني من ال��دوالرات خالل السنوات املاضية".وحصلت جماعة أبو سياف الناشطة في الفلبني على " 1.5مليون دوالر" وفقا للخبيرة.
ضحايا (داعش) قضى آري ،البالغ من العمر 15عاما 4 ،أشهر تحت رحمة (داعش) أخطر تنظيم إرهابي في العالم ..نبرة صوته وتردده في اختيار كلماته خالل الحديث ،يظهران أنه ما زال أسير فظاعات وأفعال إجرامية ..لم تتح له طفولته إمكانية الحكم على تجربته والتحرر منها بسهولة .يختصر آري تجربته لـ«املجلة» قائال« :كنا نقضي اليوم في الصالة ودروس الفقه اإلسالمي ،وخضعنا المتحان بعد انتهاء الدورة الشرعية التي استمرت شهرين ،ولكن لم يتم إطالق سراحنا كما وعدونا ،وبقيت لـ 4أشهر إلى أن قالوا لنا يمكنكم الذهاب». وح��ول ظ��روف اختطافهم يقول« :ف��ي 2014 - 5 - 29انتهينا من أداء امتحانات الصف التاسع (شهادة التعليم األساسي) في مدينة حلب ،وفي طريق العودة إلى كوباني (عني العرب) ،في املنطقة الواقعة قبل جسر قوزاق (جسر يصل مدينة كوباني بمنبج) ،هاجمتنا مجموعة مسلحة من (داعش) ،كنا 250طالبا وطالبة ،وبعد ساعات من احتجازنا وسائقي الحافالت ،أم��روا سائقي حفالت اإلن��اث وعددهن 100طالبة ،بالعودة إلى حلب ،في حني 56
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
اقتادونا الذكور إلى مدينة منبج» ،متابعا« :احتجزونا فور وصولنا إلى منبج ،كنا نحو 150 طالبا ،في مسجد الفتح ،وفي اليوم التالي تم اقتيادنا إلى مدرسة في املدينة نفسها ،وهناك قضينا الـ 4األشهر ،إلى أن حررونا». وبعد محاوالت جاهدة من «املجلة» في جعل آري يبوح ببعض التفاصيل كشف قائال« :كان من يقوم بتدريسنا ،إضافة إلى السوريني ،أردنيني وتونسيني ،وكانوا يستخدمون الخراطيم والكابالت الكهربائية في ضربنا خاصة ملن كان ضعيفا في دروس الفقه» ،مستدركا: «الضرب والعقاب كانا مركزين في الشهر األول» ،مضيفا« :وك��ان علينا مشاهدة أفالم تتضمن مشاهد عن هجمات (داعش) على بعض املناطق وقطع الرؤوس والتعذيب وإعدام األسرى ،ومن يرفض املشاهدة كان يعاقب». ويكشف آري عن «مواساة بعض من املسلحني الدواعش لهم ،وتطمينهم بأنه سوف يتم تحريرهم عما قريب ،وإخبارهم أنه بمجرد تسليم القوات الكردية أسرى (داعش) سيتم اإلفراج عنهم ،وأن عدم تحريرهم مسؤولية جماعة ( /ypgقوات الحماية الشعبية) ،وكان بعضنا يحصل على زيارات ومكاملات هاتفية مع أهلنا ،وقد زارتني أمي مرتني» ،مضيفا: «كانوا يضعون لنا أفالما عن العبني في كرة القدم مشهورين أعلنوا مبايعتهم لـ(داعش)». َ وحول سؤالنا له عن خوفه في البوح عن املزيد من التفاصيل يختم حديثه لنا« :لم يبق شيء أخاف منه» .آري كان من بني 250طالبا كرديا الذين ُاختطفهم مسلحو «داعش» في 29 مايو (أيار) من العام املاضيّ ،فر نحو 50من األوالد أو أط ِلق سراحهم في الفترة بني يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) ،كما جرى تبادل نحو 15منهم مقابل مقاتلني من «داعش» تحتجزهم مجموعة وح��دات حماية الشعب الكردية ،وأطلق «داع��ش» أواخ��ر سبتمبر 75 من الصبية املتبقني ،بمن فيهم آري ،وقد أعطوهم 150ليرة سورية (دوالر أميركي واحد) وقرصا مدمجا (دي في دي) يحتوي على مواد دينية. تركه «داعش» في شوارع منبج ليعود إلى كوباني التي هجرها أهلها بمن فيهم والداه بسبب القتال ،ويشق طريقه إلى سروج على الحدود التركية في مخيم للنازحني.
خطف جنائي سيمون ت�ي��دوري ،مسيحي ( 27عاما) مصفف شعر من مدينة حلب ،اختطف من قبل
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
تأسست في لندن عام 1980
www.majalla.com
مجلة العرب الدولية شهرية سياسية
اشرتك اآلن واحصل على نسختك الورقية
تأسست في لندن عام 1980
العدد 1604فبراير ( -شباط ) 2015
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم 02
ISSN 1319-0873
9 771319 087013
Issue 1604 - February 2015
فورن أفيرز /أيار /مايو 57 - 2014
www.majalla.com
لسان الحال
بقلم :طوين بدران
تشكل فاجعة فرنسا فرصة لفريق إقليمي كي يحقق مكاسب سياسية .إثر جريمة «شارلي إيبدو» في باريس، هاجم أمني عام حزب الله حسن نصر الله املجموعات الجهادية السنية على أنها تمثل أخطر تهديد للدين اإلسالمي. رأى الكثير من املراقبني "السذج" خطاب نصر الله ،خطوة شجاعة ضد التطرف .في الواقع ،كان الهدف من تصريحات نصر الله توجيه السياسة الغربية تجاه املعسكر اإلقليمي الذي ينتمي إليه .بكالم آخر ،تماشيا مع سجلهم التاريخي، يسعى حزب الله وإيران ونظام األسد عالنية لالستفادة من الهجمات اإلرهابية في فرنسا. تأت تصريحات نصر الله من فراغ .فقد كانت جزءا من حملة دعائية ممنهجة تديرها إيران ونظام األسد مفادها: لم ِ لقد حذرناكم من أن املشكلة الحقيقية هي املتطرفون السنة .بينما املعسكر اإليراني ،على النقيض من ذلك ،هو الحل لتلك املشكلة .لم تضيع وسائل إعالم املعسكر اإليراني الوقت في تعميم هذه الرسالة .ففي اليوم التالي لهجمة «شارلي إيبدو» ،أوضحت الصحف اإليرانية ،أن باريس نالت ما تستحقه جراء دعمها للثورة ضد نظام األسد .ومن ثم قدمت املطلب الرسمي اإليراني :على أوروبا والواليات املتحدة «إعادة النظر في أسرع وقت ممكن» في سياستهم في املنطقة، أي في سوريا .ما معناه :على الغرب مراجعة موقفه تجاه بشار األسد وتجديد التنسيق األمني معه. اإلعالم اللبناني املوالي إليران واألسد كان أكثر تحديدا .في ليلة الجريمة نفسها ،طرحت مقدمة نشرة أخبار «إن بي إن» املطلب اإليراني -األسدي دون مواربة« :ضرورة التعاون العسكري االستخباراتي العملي مع جيوش املنطقة وفي املقدمة سوريا» .وهذا ما ردده األسد نفسه بعد بضعة أيام في مقابلة ،داعيا الغرب إلى تجديد التعاون االستخباراتي مع نظامه. على مدى السنني ،عندما تزايدت الضغوط الغربية على النظام في دمشق ،استعمل األسد ورقة التعاون االستخباراتي ليكسر عزلته .وعندما تعاظم الخوف في الغرب من خطر تنظيم داعش في السنة املاضية ،وجد األسد فرصته .بدأ مسؤولو النظام يتبجحون عن فائدة التعاون األوروبي مع سوريا في مكافحة اإلرهاب ،وأخذوا يتكلمون عن اصطفاف مسؤولي أجهزة األمن األوروبية للتحدث مع األسد .بالفعل ،في أواخر عام ٢٠١٣وأول العام املاضي. تواصلت أجهزة بعض الدول األوروبية مع دمشق ،على رأسها أملانيا ،التي أبقت أيضا على قنوات اتصال مع إيران َ وحزب الله .إنما لم يرق هذا الحوار إلى املستوى الذي أراده األسد وداعموه ُ في طهران. بدورهم ،فتح الفرنسيون قناة تجريبية مع دمشق في ربيع العام املاضي .وطلب من برنارد سكارسيني ،املدير السابق للمديرية العامة لألمن الداخلي ،والذي يدعم معاودة التواصل مع النظام ،تسهيل الحوار بني باريس ودمشق .إنما السوريون طالبوا ثمنا سياسيا ،وأرادوا من الفرنسيني إعادة فتح سفارتهم في دمشق وأن يكف الرئيس هوالند ووزير الخارجية فابيوس عن انتقاد النظام .هذه لعبة األسد القديمة التي سبق واستعملها مع إدارة أوباما في عام .٢٠١٠ إنما ،رفض «اإلليزيه» والـ«كي دورسي» ،وحتى مديرية األمن الخارجي ،هذه الشروط قطعا .وفي شهر أغسطس (آب) املاضي ،مع بداية الحملة العسكرية ضد «داعش» ،صرح الرئيس هوالند بوضوح بأن األسد ال يمكن أن يكون شريكا في الحرب على اإلرهاب .يضع هذا املوقف الفرنسي عراقيل في وجه أي اتجاه أوروبي للتطبيع مع األسد .ثم أتت جريمة «شارلي إيبدو» لتعطي األسد الثغرة التي طاملا انتظرها .وبدأ النظام محاولة اللعب على الخالفات بني املسؤولني الفرنسيني مثل سكارسيني املتحمسني إلعادة التواصل ،والقيادة السياسية ،مع التركيز على فابيوس ،الذي يكرهه اإليرانيون أيضا .في هذا السياق ،أبرزت الحملة اإلعالمية فشل القيادة الفرنسية في منع الهجمة ،ودعت إلى محاسبة املسؤولني لعدم أخذهم بمشورة دمشق وعرضها للتعاون -إحدى الصحف اللبنانية ذهبت إلى حد التحدث عن إقالة فابيوس - بينما أغدقت باملديح على سكارسيني .وأضافت الصحيفة اللبنانية ،أن النظام كان قد بعث برسالة إلى باريس في الصيف عبر وسيط لبناني يدعو فيها سكارسيني إلى دمشق دون أي شروط .باإلضافة إلى ذلك ،لوح النظام وحزب الله بتوفير معلومات مزعومة للفرنسيني عن هجمات إضافية يتم التخطيط لها. الرسالة واضحة ،وقد لخصها مقال على موقع «املنار» التابع لحزب الله« :عملية 7يناير (كانون الثاني) الحالي أتت مثل سلم يتيح للساسة الفرنسيني في قصر اإلليزيه وفي الخارجية الفرنسية النزول عن شجرة الحرب على سوريا التي صعدوا إليها وأصبح عليهم النزول عنها حفاظا على األمن الفرنسي الداخلي». سعي املعسكر اإليراني انتزاع إلى مكاسب سياسية من هجمات إرهابية في فرنسا يتماشى تماما مع تاريخه الحديث في ثمانينات القرن املاضي .فإليران ونظام األسد سجل حافل باالبتزاز العنفي ضد الفرنسيني .فقد نفذ النظامان عمليات كثيرة في فرنسا وضد مصالحها ،إما بطريقة مباشرة ،وإما عبر أدوات (والتي تشمل مواطنني فرنسيني من أصل شمال أفريقي). تاريخيا ،شكل العنف السياسي -في هذا السياق ،سفك الدماء الفرنسية -الوسيلة التي اعتمدتها أنظمة معينة في املنطقة ،تحديدا سوريا وإيران ،لقبض األثمان .العنف هو الوسيلة لتقديم الطلبات .املهم هو رؤية من سيتقدم للجباية. بغض النظر عمن تبنى املسؤولية عن هجمات فرنسا ،فإن الفريق الوحيد الذي اصطف لتحصيل املكاسب السياسية هو فريق إيران ،األسد وحزب الله .سوف تكشف األشهر املقبلة عن قبض هذا املعسكر مجددا ثمن اإلرهاب.
مكاسب حزب الله وإيران ونظام األسد من أحداث باريس
54
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
عدد القوات اآلن يصل إلى نحو 7000شرطي يمثلون كل األطياف فيالعراق ،وعملية تحرير املوصل بدأت جزئيا ،لكن هناك بالتأكيد ساعة صفر «قريبة» لعملية التطهير الشاملة .وتم بالفعل تحرير سنجار من «داعش» ،وقمنا باستئناف العمل في مراكز أمنية في منطقة «تل الشعير» التابعة لشرطة القيارة جنوب املوصل ومراكز الشرطة في الشمال التابعة لقطاع سنجار غرب املوصل. أما في ما يخص محافظة صالح الدين فتم تطهير الضلوعية والقرى املحيطة بها وسامراء ،وكل هذه املناطق حتى بيجي بيد القوات األمنية العراقية .ولكن ما زالت تكريت ومناطق أخرى محدودة تقع تحت سيطرة اإلرهابيني. > إذن ما هو حجم االستفادة من ضربات قوات التحالف ضد أهداف «داعش» باملوصل وصالح الدين ،وهل ستعجل تلك الضربات بـ«ساعة الصفر» التي تتحدث عنها؟
بالتأكيد هناك أكثر من عامل يشير إلى اقتراب «ساعة الصفر» ،منبينها الضربات الجوية املستمرة س��واء من التحالف الدولي أو من قبل القوات الجوية للطيران العراقي ،وهذه الضربات أصابت أهدافا مميتة لهم، وكثير من القيادات اإلرهابية في املوصل تم قتلهم .واآلن أصبح لدى تنظيم داعش تخوف كبير جدا من تجمعهم وأثناء تنقلهم ،وتراجع في حجم االشتباك .واستمرار عمليات القصف من شأنه إضعاف البنية التحتية للتنظيم اإلرهابي ،وبالتأكيد األيام املقبلة ستشهد التحرير الشامل. > استمرار تنظيم داعش في محافظة صالح الدين هل يشير من وجهة نظرك إلى وجود تعاون بني «البعث» و«داعش»؟
حقيقة هناك مؤشرات على وجود «البعث» ضمن هذه املنظومة اإلرهابيةبال شك .واملبدأ الذي يستند إليه هؤالء هو أن «عدو عدوي صديقي» ،رغم أن هناك ابتعادا في اآليديولوجية واألفكار بني الطرفني ،لكن االلتقاء في العداوة يمكن أن يؤدي إلى التعاون. > ال تمانع قيادة عمليات بغداد والداخلية العراقية في قبول تسليح امليليشيات الشيعية املوجهة من مرجعيات ومشاركة القوات األمنية في مكافحة إرهاب داعش ،في الوقت الذي ترفض فيه تسليح عشائر األنبار ..أرجو توضيح ذلك؟
حقيقة ،تعاملنا مع الحشد الشعبي هو ليس تعامال ميليشياويا ،فنحننلبي نداء مرجعيات دينية ،والعناصر املسلحة تأتي إلينا فرادى ،وهي تعمل تحت إم��رة ال�ق��وات األمنية العراقية ..وقسم م��ن الحشد الشعبي من السنة واألكراد واملسيحيني املوجودين في تلكم املناطق ،وليس ذلك محصورا بطائفة معينة ،بل هو حشد عراقي وطني. أما موضوع التسليح فهو تحت أنظار القوات األمنية العراقية ،وبالتأكيد هذا املوضوع مؤقت إلزالة حالة االحتالل ،ومن ثم ستتم إعادة النظر في كل هذه األم��ور .ورف��ض التسليح يأتي في بعض األحيان خوفا من أن تستخدم هذه األسلحة في أغراض أخرى ،أو أن تستولي عليها املجاميع اإلرهابية وتستخدمها لصالحها. > أكدت عائلة أحمد العلواني لـ«الشرق األوسط» تعرض النائب السابق في البرملان العراقي واملحكوم باإلعدام ،للتعذيب الجسدي والنفسي في محبسه وفقدانه أكثر من نصف وزنه .وشكك أنصاره في استخدام حامية النائب املناهض لسياسة رئيس الوزراء العراقي السابق العنف ضد القوات األمنية التي اعتقلته نهاية عام 2013في عملية أودت بحياة خمسة من حراسه وشقيقه .وأبلغ محامي املعارض السياسي العلواني املتهم بالقتل العمد لجنديني بأن موكله بريء من التهم املنسوبة إليه، معتبرا ما جرى ضده هو عملية كيدية وسياسية بامتياز .إذن ،صف
لنا حالة النائب السابق ال��ع��ل��وان��ي ..وم��ا ردك��م على االدع����اءات التي وجهها املتهم وأنصاره وعشيرته في األنبار لألمن والقضاء؟
أود بداية أن أسجل ثقتي الكاملة في القضاء العراقي العادل الشفاف مائةفي املائة ،وبصفتي متحدثا باسم جهة تنفيذية تحترم أحكام القضاء أؤكد لكم أن ما حدث للنائب العراقي السابق أحمد العلواني هو «جريمة مشهورة» واضحة مكتملة األرك��ان ال تحتاج لتأويل .والقانون العراقي صريح ،فأثناء عملية إلقاء القبض على الجاني فوجئت القوة األمنية بفتح نيران كثيفة من مختلف األسلحة من قبل أحمد العلواني ومن معه وحماياتهم الشخصية ،مما أدى إلى استشهاد وج��رح أف��راد من القوة املكلفة بالواجب .وبالتالي هذه القضية ال يمكن أن يكون فيها لبس ،ناهيك عن األمور واالهتمامات األخرى التي أدت إلى قرار إلقاء القبض عليه .وفي ما يخص معاملته بمحبسه فأدعوك لزيارة السجون وأماكن الحجز في العراق ،لترى أن عملية تطبيق توصيات حقوق اإلنسان الدولية اإلقليمية موجودة بصورة كبيرة جدا .وفي اعتقادي إن كان هناك تدهور في الحالة الصحية للعلواني فهو ناتج عن حالته النفسية واملعنوية بعد إلقاء القبض عليه ،أو ربما لشعوره بالندم على ما اقترفه في حق نفسه والوطن وعلى كثير من األمور التي قام بها في السابق <
العميد سعد معن في سطور ولد العميد شرطة سعد معن إبراهيم املوسوي عام 1972ألم سنية وأب شيعي ،ووال��ده كان محاميا وقتل على يد مجاميع إرهابية عام .2008 وعمل الناطق الرسمي لوزارة الداخلية واملتحدث باسم قيادة عمليات بغداد ضابطا للمرور والشرطة املحلية .ويحمل درجة البكالوريوس في األدب اإلنجليزي ،ودبلوم علوم األمن ،وبكالوريوس في اإلعالم ،وماجستير من جامعة بغداد حول «املراقبة اإلعالمية والتحول الديمقراطي في العراق». وحصل على الدكتوراه من جامعة بغداد .لديه مؤلفات وبحوث في اإلعالم األمني وحقوق اإلن�س��ان ،وبصدد إص��دار دراس��ة عن غسل الجماعات املتطرفة لألدمغة ودفعها للعمليات االنتحارية.
العميد سعد معن يتصفح مجلة (املجلة)
يسلح األمن العراقي عشائر األنبار بشكل محدود.. ورفض تسليح بعض العشائر يأتي خوفا من استخدام األسلحة في أغراض أخرى أو استيالء املجاميع اإلرهابية عليها
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
53
حوار
الناطق باسم الداخلية العراقية وقيادة عمليات بغداد: إعادة فتح سفارة الرياض لدى العراق محل اهتمام أمني وحكومي
العميد سعد معن لـ
:
«ساعة الصفر» باتت قريبة لتحرير العراق من «داعش» لندن: مصطفى الدسوقي
تعاملنا مع الحشد الشعبي ليس تعامال ميليشياويا فنحن نلبي نداء مرجعيات دينية.. والعناصر املسلحة تعمل تحت إمرة القوات األمنية
التقت «املجلة» العميد ركن سعد معن ،الناطق الرسمي لوزارة الداخلية العراقية ،الذي يزور بريطانيا على رأس وفد عراقي من الوزارة ورئاسة الوزراء للقاء مسؤولني إعالميني وأمنيني بريطانيني في إطار الجهود والتوصيات التي انبثقت عن مؤتمر التحالف الدولي لالتصال الذي انطلق في أكتوبر (تشرين األول) املاضي من دولة الكويت. ق��ال العميد سعد معن إن ال��وف��د ال�ع��راق��ي رك��ز مناقشاته مع مسؤولني بريطانيني رفيعي املستوى على ملف محاربة «داعش» واملجاميع اإلرهابية ،وتوحيد الرؤى بني البلدين الحليفني .وأكد معن ،ال��ذي يشغل أيضا منصب الناطق الرسمي باسم قيادة عمليات بغداد ،في حواره ،أن عملية تحرير املوصل واملناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش بدأت جزئيا ،وأن «ساعة الصفر» لعملية تطهير كامل العراق من التنظيم اإلرهابي باتت «قريبة». وبشأن االستعدادات األمنية إلعادة تشغيل السفارة السعودية لدى العراق بعد غياب ربع قرن ،قال املتحدث باسم الداخلية إن إعادة فتح السفارة هي بالتأكيد محل اهتمام أمني وحكومي ،وستزيد من التعاون في مكافحة اإلره��اب وضبط املنافذ الحدودية بني الدولتني ،وأنه «من دون أدنى شك سوف تكون سفارة الرياض وبعثتها الدبلوماسية في مأمن مائة في املائة». وتحدث العميد ركن سعد معن كذلك عن حالة النائب السابق أحمد العلواني في محبسه ،ورد على االدعاءات التي وجهها املتهم املحكوم عليه باإلعدام وأنصاره وعشيرته في األنبار للقضاء واألمن العراقي ،وسجل ثقته في أحكام القضاء ،مؤكدا أن القضية مكتملة األركان ال لبس فيها. وجهات النظر هذه وغيرها نقرأها في نص الحوار التالي: > ما سبب زيارتك إلى لندن اآلن ..وهل لها عالقة بقضية التحالف الدولي ضد اإلرهاب؟
اإلرهابية ،وتوحيد الرؤى بني البلدين الحليفني ،وكانت هناك إفادة كبيرة من خالل استماعهم إلى التجربة العراقية في هذا املجال ،وأخذنا الخبرات املوجودة في بريطانيا. وتأتي تلكم اللقاءات في إطار الجهود والتوصيات التي انبثقت عن مؤتمر التحالف الدولي لالتصال ال��ذي انطلق في أكتوبر املاضي من الشقيقة الكويت ،وشاركت فيه وفود من دول مجلس التعاون الخليجي واألردن ولبنان وم�ص��ر وتركيا وال �ع��راق وفرنسا وبريطانيا وأم�ي��رك��ا .وه��دف املؤتمر إلى توحيد الجهود الدولية املشتركة لوضع رؤية إيجابية تناقض آيديولوجية تنظيم داعش القائمة على الكراهية والعنف ،وتطوير الخطط األمنية للقضاء على آلية التنظيمات اإلرهابية اإلعالمية. > بعد إعالن السعودية إعادة فتح سفارتها لدى العراق وتسلم اململكة املقر الخاص بالسفارة في املجمع الدبلوماسي باملنطقة الخضراء، إض��اف��ة إل��ى مقر آخ��ر يتعلق بسكن امل��وظ�ف�ين ..م��ا ه��ي االس�ت�ع��دادات األم�ن�ي��ة إلع� ��ادة تشغيل ال �س �ف��ارة ب�ع��د غ �ي��اب رب��ع ق ��رن؟ وه��ل إع��ادة العالقات الطبيعية بني البلدين ستزيد من التعاون األمني في مكافحة اإلرهاب وضبط املنافذ الحدودية بني الدولتني؟
عملية إع��ادة فتح السفارة السعودية لدى العراق هي بالتأكيد محلاهتمام أمني وحكومي .ومن دون أدنى شك سوف تكون سفارة الرياض في مأمن مائة في املائة مثل بقية السفارات األجنبية على أرض العراق الذي أصبح اليوم مركزا لتوحيد الجهود الدولية والتحالف ضد اإلرهاب. لذلك ه��ذا االنفتاح مع السعودية مهم ألم��ن املنطقة وس��وف يكون لها م��ردود إيجابي ليس لصالح البلدين الشقيقني واملنطقة فحسب بل للعالم أجمع.
زيارتي إل��ى العاصمة البريطانية تندرج ضمن عملي كناطق رسميلوزارة الداخلية العراقية ،وباسم قيادة عمليات بغداد .وهذه الزيارة جاءت بناء على دعوة بريطانية لفريق من املختصني بوزارة الداخلية ورئاسة الوزراء لدفع التعاون في مجال االتصاالت العامة ،وتبادل الخبرات واآلراء حول دور القوات األمنية في إعطاء املساحات الحقيقية لوسائل اإلعالم > يعسكر حاليا عدة آالف من ضباط وأفراد الشرطة بالقرب من املناطق التي يسيطر عليها «داع��ش» شمال العراق استعدادا لتحريرها ..ما املختلفة. والتقى الوفد العراقي أيضا في لندن بمسؤولني أمنيني بريطانيني رفيعي هو حجم القوات ،ومتى باعتقادك ستبدأ معركة التحرير الحقيقية املستوى ،وركز مناقشاته معهم على ملف محاربة «داعش» واملجاميع للمناطق املحتلة في املوصل وصالح الدين؟ 52
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة». ويضيف عضو لجنة الحريات في حزب التجمع ،أن مبارك ترأس الحزب الوطني وتصور أنه حزب األغلبية الفعلي ،إال أن هذا الحزب اختفى في طرفة عني حني غضبت الجماهير وخرجت وقالت له ارحل ..وكذلك تخيل اإلخوان أنهم قادرون على إقصاء جميع القوى األخرى ،وأن الدنيا دانت لهم ،وفي لحظة خرج هذا الشعب وطردهم شر ط��ردة بجماعتهم وحزبهم ،و«لذلك ينبغي أن يكون السيسي رئيسا لكل املصريني أي أن يكون فوق األحزاب». وعن األولويات التشريعية في البرملان املقبل يتوقع محمود نفادي ،املتحدث اإلعالمي باسم «تحالف نواب الشعب» ،أن يجري تعديل الدستور ،وقال :إنه «أمر وارد ،لكن ليس في العام األول للبرملان .سيكون بعد فترة ..وسيكون في فترة الوالية األولى للسيسي». ويضيف عن شكل هذه التعديالت املتوقعة ،أنه «سيتم التعديل في مواد كثيرة خاصة تلك التي توصف بأنها مواد ملغمة ،مثل صالحيات البرملان.. وسيتم وضع ضوابط أكثر ملنع ظهور األحزاب الدينية ألن الدستور الحالي لم يمنعها بشكل حاسم. سيتم التعديل في الكثير من املواد وفقا ملتطلبات املرحلة املقبلة». وم��ن بني التعديالت الدستورية املرجحة التي سيتكفل بها البرملان ،كما يتوقع عدد من السياسيني ،إلغاء النص الدستوري الذي يمنع انتقال النائب من صفة حزبية أو مستقلة إلى أخرى ،وذلك حتى يمكن تحقيق األمل الذي ي��راود البعض في جمع مئات من النواب الذين سيفوزون في االنتخابات، في حزب واحد كبير يدعم مؤسسة الرئاسة .ويقول نفادي« :ربما سيكون من ضمن التعديالت التي ستتم في الدستور النص الخاص بانتقال النائب بني صفته املستقلة وصفته الحزبية ،وهذا النص ربما يكون من النصوص السريعة في التعديل ألن النواب املستقلني لن يستطيعوا تشكيل حزب من داخل البرملان في وجود هذا النص .وحني يتم إسقاط هذا النص سيظهر الحزب الجديد الذي ربما سيكون هو حزب السلطة لسنوات مقبلة». وي��رى نفادي أن العائالت املصرية التي تمثل العمود الفقري لالنتخابات
النيابية م��ا زال��ت ت��دع��م السيسي وت��وج�ه��ات��ه ،منذ أن ن��زل��ت ه��ذه العائالت للشارع في 30يونيو ضد اإلخوان ،ومنذ أن نزلت النتخابه للرئاسة وفي االستفتاء على الدستور .ويتوقع أيضا أن تتالشي عشرات األحزاب بعد االنتخابات النيابية املقبلة .ويقول« :كل األحزاب التي تراها اآلن على الساحة ستذوب وتنتهي وتتبخر .وكل حزب لن يكون له موضع قدم في البرملان املقبل سيكون كأنه كتب شهادة وفاته ..ومن لن يدخل في الحزب املزمع سينضم للحزب املعارض لكي تدخل مصر في مرحلة الحزبني الكبيرين». وم��ن جانبه ،يقول كامل عبد الله ،الباحث في مركز «األه��رام» للدراسات السياسية واالستراتيجية ،إن غالبية األح��زاب املوجودة في مصر ليست أحزابا في األس��اس ..أي حزب يفترض أن يعمل مع القواعد الشعبية من أجل السعي للوصول إلى السلطة عبر صناديق االق�ت��راع ،لكن في الحالة املصرية يبدو أن أكثر األح��زاب تقتصر على محاوالت إلرض��اء أصحاب املصالح وتحقيق املكاسب الوقتية دون األخذ في االعتبار الجانب املؤسسي والسياسي الذي يعتمد على الجماهير. ويضيف أن هذا األمر لألسف «غير موجود» ،مشيرا إلى أن الوحيد الذي كان يقدم نفسه للجماهير كحزب هم الجماعات الدينية املتشددة التي انخدع فيها الشعب بعد تجربة سنة في البرملان وحكم الدولة أيام مرسي. ويصف الباحث في مركز «األه��رام» الوضع على الساحة السياسية ،قبل أسابيع من فتح باب الترشح النتخابات البرملان ،بأنه يوجد فيه ارتباك كبير.. «ارتباك في التحالفات االنتخابية .لم نالحظ أي استقرار على أي تحالف حتى اآلن ،رغم أنه جرى اإلعالن عن تحالفات بالفعل ،إال أن معظمها عاد وتفكك م��ن جديد ليأخذ أش�ك��اال أخ��رى م��ن التحالفات امل�غ��اي��رة املرشحة لالنقسام مجددا». حتى اآلن األحزاب غير قادرة على االصطفاف في خندق واحد ،وذلك رغم دع��وة الرئيس السيسي لزعماء األح��زاب أخ�ي��را ب��أن يتحدوا م��ع بعضهم بعضا ،لكن الخالفات الكبيرة بينهم يبدو أنها تمنع وتحول دون تحقيق رغبة الرئيس ،كما يوضح الباحث عبد الله ،قائال إنه طاملا ظلت التكتالت االنتخابية غير قادرة على توحيد نفسها فإن أداءها بعد أن تفوز وتدخل البرملان لن يكون موحدا. كل منها له نظرة بشأن النموذج االقتصادي ال��ذي ينبغي أن تكون عليه الدولة مستقبال ..لدينا اشتراكيون وليبراليون ،وهم منقسمون على أنفسهم ويبدو أنهم لن يكونوا قادرين على خلق نموذج مصري لهذه املرحلة الهامة في تاريخ البالد. ويالحظ الباحث عبد الله ،أن «الشيء الوحيد الذي تتفق عليه كل هذه األحزاب هو تأييد الرئيس السيسي ،لكن ما يقومون به اآلن هو مجرد صراع على من يكون األقرب من الرئيس وليس الداعم للرئيس ،بينما لو كان الهدف هو دعم الرئيس لرأينا وجود تحالفات حقيقية .لكن ما هو موجود على الساحة اليوم تحالفات هشة ..كل يوم نسمع عن أن هذا الحزب خرج من تحالف الجنزوري وذهب لتحالف الوفد املصري أو تحالف االستقالل ،وهكذا». وفي الدلتا والصعيد أيضا هناك أحزاب تتصارع كذلك على الشخصيات ال�ع��ام��ة ..وق��ام��ت أح��زاب أخ��رى بعقد م��ؤت�م��رات أعلنت فيها ع��ن تحالفات سياسية لالنتخابات ،وأعلن البعض أنه قرر االنضمام إليها ،إال أن هؤالء انضموا إلى قوائم مزمعة مختلفة حني جاءتهم تكتالت مغايرة بتحالفات جديدة ،فأعلنوا أنهم سيقفون معها. ولم يستقر معظم املرشحني على قوائم بعينها بعد .ويقول عبد الله« :حتى الجنزوري يواجه هذه املشكلة .هو يريد أن يستقطب شخصيات معينة وهي نفس الشخصيات التي تتصارع عليها تكتالت أخرى». واملشكلة كما يراها عبد الله هي أن معادلة ،أن «الرئيس الذي لديه شعبية واألح ��زاب التي ليست لها تلك الشعبية ،يمكن أن ينتج عنها برملان ضعيف ،ولهذا أعتقد أن البرملان إذا لم يعضد الرئيس فإنه سيكون برملانا غير شعبي» ،مشيرا إلى أن الناس تدرك أن مجموعة األحزاب هذه ليست على ذلك املستوى ،وبالتالي أعني الناس معلقة على رئيس الدولة لكي يواصل إدارة الدفة وحماية السفينة من أي فوضى« ..إما أن يكون مجلس النواب شريكا للرئيس ومعاونا له ،وإما أن الجماهير ستلفظ هذا املجلس بنوابه» <
من أبرز األسماء التي تحاول جمع السياسيني في تكتل واحد: كمال الجنزوري والسيد البدوي وأحمد شفيق وعبد الجليل مصطفى
محمد سامي رئيس حزب الكرامة
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
51
شؤون سياسية
باحث بمركز «األهرام» للدراسات السياسية: غالبية األحزاب املوجودة في مصر تقتصر على محاوالت إلرضاء أصحاب املصالح وتحقيق املكاسب الوقتية
املحافظات املصرية من حيث عدد السكان ،وال يرى في التحالفات الحزبية القائمة قدرة على حسم املوقف في االنتخابات النيابية املقبلة بالطريقة التي يأملها املواطن املصري البسيط بعد أن انتظر انفراج األوضاع عقب سنوات االضطرابات منذ اإلطاحة بمبارك. وعن هذه املفارقة يقول املحامي محمود عبد الله ،عضو لجنة الحريات في حزب التجمع اليساري ،إن الناس بالفعل تتطلع إلى حياة أفضل ،لكنها ال ترى كيانا سياسيا تستشعر معه أن هذا الحزب أو ذلك يعرف الطريق إلى املستقبل ،إال فيما ندر .ال تجد في الوقت الحالي ،غالبا ،قوى سياسية منظمة أو واضحة أو موجودة في جسم املجتمع وقادرة على التعبير عن طموحاته وآماله ..الشعب كان محاصرا لفترة طويلة من تاريخه ..واألحزاب والقوى السياسية هي األخرى كانت مهمشة طوال العقود املاضية. وامل�ح��ام��ي عبد ال�ل��ه ،ص��اح��ب ش�ه��رة ف��ي األوس ��اط السياسية والقانونية املصرية ،ألنه صاحب الدعوى القضائية التي صدر بناء عليها حكم بحظر جماعة اإلخ��وان والتعامل معها كجماعة إرهابية العام املاضي .ويضيف وهو يشرح السبب في تفوق شعبية السيسي على شعبية األحزاب ،أنه «في آخر عهد مبارك كانت تشغلنا قضية اإلجابة عن سؤال محدد وهو الفجوة بني الجماهير والقوى السياسية ..كانت بالطبع توجد فجوة واسعة ،لكن لألسف الشديد ،رغم قدرة هذه األحزاب على استشراف املستقبل ،إال أنها كانت قد تعرضت للحصار منذ وقت مبكر. ويتابع قائال إنه لألسف أيضا ،ورغم ثورتي يناير 2011ويونيو 2013إال أن هذه القوى السياسية والحزبية لم تكن منظمة بالقدر الذي يعبئ الجماهير الغاضبة في اتجاه طريقها وفي اتجاه أن تبني مستقبلها .وبعد سقوط نظام مبارك قفز على حركة الجماهير وأحالمها جماعة اإلخوان املسلمني وغيرها من الكيانات الدينية التي ارتدت ثوب السياسة. في ذلك الوقت ،أي بعد مبارك ،استشعرت قطاعات من الجماهير أن الفصيل الذي يرفع الشعارات الدينية هو الذي يستطيع أن يحقق أحالمها .ويضيف: «رأي�ن��ا كلنا في انتخابات برملان 2012كيف تكتل الناس أم��ام صناديق االقتراع .وكان الناخبون يقولون عن مرشحي التيار اإلسالمي ،إنهم األقرب إلى الله ،وأنهم سيحققون العدل ويعملون على االهتمام بالفقراء ويمنحون الشعب الحرية ويحققون مطلب العيش بكرامة ،لكن لألسف ،وبعد مرور سنة ،تبني للجماهير أن هذا الفصيل رغم قدرته وتنظيمه إال أنه غير قادر على إدارة الدولة وال تشغيل االقتصاد». وفي ذلك الوقت أيضا ظهرت قوة صلبة أخرى ممثلة في القوات املسلحة املصرية ،والتي كان على رأسها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي .ويزيد عبد الله موضحا« :عندها كان غالبية املصريني قد أدركوا أن القوات املسلحة هي القوة التي تستطيع أن تحميهم وأن تحقق أمانيهم .وقتها كان الشعب قد فقد الثقة في كل الكيانات السياسية األخرى ،فتدافع في الشوارع وامليادين وأيد عزل مرسي واإلطاحة بحكم اإلخ��وان ،واختار هذا الشعب السيسي رئيسا للجمهورية ووافق على الدستور الجديد». أما اآلن ،كما يقول املحامي عبد الله ،فإن غالبية القوى السياسية تتخبط، فيما عدا بعض األحزاب التي تبدو متماسكة ،إال أن لديها مشاكل مالية وغير قادرة على تمويل مرشحيها في االنتخابات النيابية املقبلة ،مشيرا إلى أن الجماهير تراقب اآلن القوى السياسية ،لكنها لم تر بعد أي فصيل سياسي أو حزب ،يوحي لها بقدرته على التعبير عنها أو تحقيق طموحاتها .ولهذا ترى كل يوم تكتالت انتخابية تنشأ وتكتالت تحل ..ومرشحون يذهبون ألحزاب ثم يتركونها ويتجهون ألحزاب أخرى ،وهكذا.
شعبية الرئيس
لها مطالب ال بد من تحقيقها ..ولألسف الحكومة الحالية تتصرف تصرفات مناقضة لرغبة الرئيس ..إذا لم تكن هناك حكومة قادرة على تلبية مطالب الشعب فإن هذا سيؤثر بالسلب على السيسي». ويضيف أن الشعبية الكبيرة التي يحظى بها رئيس الدولة ليست «صكا على بياض» ،ألن الشعب اختاره من أجل تحقيق األمن واألمان واالستقرار وان�ت�ع��اش االق�ت�ص��اد ،بعد امل�ع��ان��اة ال�ت��ي م��ر بها خ�لال ال�س�ن��وات األخ�ي��رة. الجماهير اختارت السيسي ألنه وقف معها بجرأة وهو يواجه اإلخوان حني كان وزيرا للدفاع .وفي نفس الوقت هو ينتمي ملؤسسة عريقة ،هي الجيش، وه��ي مؤسسة ذات م��اض ض��ارب في قلب التاريخ املصري وتستطيع أن تحمي هذا الشعب ..لكن كيف يمكن للسيسي أن يستفيد من شعبيته؟.. هل يمكن أن يؤسس لكيان سياسي بشكل غير مباشر ،حتى ال يكون قد عارض الدستور برئاسته ألحد األحزاب؟ يجيب املحامي عبد الله محذرا من تكرار تجارب الرؤساء السابقني في تبني الكيانات السياسية أو األحزاب. وكان رؤساء مصر القادمون من خلفية عسكرية ،منذ مطلع النصف الثاني من القرن املاضي ،يترأسون األذرع املدنية للكيانات التي يعتمدون عليها في الحكم ،وفي املجلس التشريعي .ومعروف أن تجربة مصر تقول ،إن الرئيس عبد الناصر ترأس تنظيما سياسيا وكان له األغلبية ،وعندما توفي انتقل غالبية أعضاء تنظيمه السياسي لتدشني تنظيم جديد مع الرئيس السادات رغم أن هؤالء كانوا يقفون مع القوانني االشتراكية لعبد الناصر ثم وقفوا مع قوانني االنفتاح االقتصادي أيام السادات.
وعن الطريقة التي يمكن للرئيس السيسي أن يستفيد بها من شعبيته قبيل «الوطني الديمقراطي»
وزيرة اإلعالم السابقة درية شرف الدين
50
انتخابات البرملان ،يقول محمود عبد الله« :الرئيس ينبغي أن يتعلم من حركة التاريخ ..لديه شعبية نعم ،لكن إذا لم يتزامن مع هذه الشعبية تنفيذ برنامج اجتماعي يلبي متطلبات الشعب ،فرأيي هو أن املصير سيكون تراجع هذه الشعبية والفشل الذي ال يريده أحد». ويضيف أن الرئيس يدرك هذا األمر جيدا ،وهو سبق وقال« :إن الجماهير المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
وكان آخر هذه الكيانات املدنية «الحزب الوطني الديمقراطي» الذي ترأسه م �ب��ارك ،وش�غ��ل نجله ج�م��ال م��وق��ع األم�ي�ن ال�ع��ام امل�س��اع��د للحزب لشؤون السياسات .لكن الدستور الجديد ،حظر على رئيس الدولة في مادته رقم 140 االنخراط في أي من العمل الحزبي ،وقال :إنه «ال يجوز لرئيس الجمهورية
الرئيس السيسي يتحدث الى رؤساء بعض االحزاب املصرية وإلى جواره رئيس حزب الوفد السيد البدوي
مرشحا من بينهم محمد مرسي وأحمد شفيق وحصل صباحي فيها على 4.8مليون صوت بنسبة نحو 20.7في املائة .واملرة الثانية كانت في 2014 وكان املنافس الوحيد أمام السيسي ،وحصل صباحي فيها على أقل من مليون صوت بنسبة 3.9في املائة. وعما إذا كان تكتل «تحالف صحوة مصر» سيعتمد على ما تركه صباحي من رصيد شعبي في االنتخابات الرئاسية ،يقول رئيس ح��زب الكرامة: «نحن ،مع تقديرنا الكامل لحمدين صباحي ،نسعى ألن تكون هناك مؤسسة حزبية لها تقاليدها ولها برنامجها ولها وجودها على مستوى املحافظات بدرجة متوازنة ..املرحلة التي ب��دأت بمؤسسها األول ،حمدين صباحي، ينبغي أن تتجاوز هذا األم��ر ،وتكون تعبيرا عن مؤسسة وليست تعبيرا عن فرد». ويقول السيد البدوي ،رئيس حزب الوفد ،إن األح��زاب أصيبت بالتجريف طول الثالثني سنة املاضية ..وكانت ممنوعة من العمل ،وكانت تحارب ،لكن شعبية الرئيس السيسي جاءت في ظروف استثنائية. وعن معالجة ضعف األحزاب يوضح أن هذا يأتي من خالل البرامج السياسية وزيادة التوعية في الشارع والدعاية ..وأن يكون هناك تماس مع الجماهير أكثر من السابق.. ومن جانبه ،يقول ياسر حسان عضو الهيئة العليا لحزب الوفد« :مفروض أن شعبية الرئيس ال تتدخل في البرملان ،ألننا نحن أمام انتخابات برملانية ال رئاسية ..ولو استغل الرئيس هذه الشعبية لصالح تيار معني فهذا سيكون سابقة غير جيدة ..وستترك أثرا غير طيب». ويشير حسان إلى أن شعبية الرئيس جاءت في ظروف معينة« ..السيسي في 30يونيو (حزيران) 2013ارتبط برغبة الشعب في إيجاد نظام جديد بعد أن مل املصريون من حكم جماعة اإلخوان». ويجري التحضير لالنتخابات النيابية املقبلة على قدم وساق .وقدم املجلس القومي للمرأة مائتي اسم لقيادات نسائية من محافظات مختلفة لكي تختار األحزاب مرشحات من بينهن .ومن هذه األسماء ورد اسم الدكتورة درية شرف الدين ،وزيرة اإلعالم السابقة ،والتي قالت لـ«املجلة» إن «ورود اسمي في قوائم املجلس القومي للمرأة ال يعني أنه جرى إدراجنا في قوائم األحزاب االنتخابية بعد». وأجابت موضحة عن ضعف شعبية األحزاب ،بقولها إن هذا «ربما يكون ألنها غير موجودة في الشارع بشكل جدي ..أفرادها ال يقدمون أنفسهم للناس بشكل فيه الجدية املطلوبة ..كما أن األمر يرتبط بتفاعل ،وال أقول بتقديم خدمات ،بني املواطن واألحزاب».
وأع��رب��ت ال��دك�ت��ور ش��رف ال��دي��ن ع��ن اعتقادها ف��ي أن «ك�ث��رة ع��دد األح��زاب جعلت املواطن غير قادر على تحديد هذا من ذاك .ال يمكن خالل أقل من أربع سنوات أن يكون لديك نحو 85حزبا سياسيا .هذا كثير ،وكنا نأمل أن يتقلص العدد إلى أربعة أو خمسة أحزاب .وإذا كانت مصر تتطلع بالفعل لحياة حزبية جيدة ،فأعتقد أنها لن تحتمل أكثر من خمسة أو ستة أحزاب». وعما إذا كان ضعف األحزاب وعدم وجود تفاعل بينها وبني الشارع ،يمكن أن يؤثر بالسلب على البرملان املقبل ،قالت الدكتورة درية شرف الدين ،إن هذا مؤكد ،خاصة أن البرملان له سلطة كبيرة في التشريعات. ومن خالل املناقشات مع املواطنني العاديني ،يقول سائق سيارة األج��رة، ويدعى جمال ،في العقد الخامس ،ويعمل موظفا بإحدى املصالح الحكومية في أول النهار ،إن األح��زاب أصبح عددها أكبر من قدرته على تذكرها أو إحصائها .وهو يرى أن األحزاب وحدها ال تستطيع أن تتحالف للتأسيس لبرملان يستطيع أن يعضد الرئيس وال يعانده في ال�ق��رارات التي يريد أن يتخذها .ويتخوف هذا السائق من أن يتسبب اإلنفاق املالي للمرشحني في عودة النواب الذين كرههم الشعب في السنوات املاضية ،و«كانوا السبب في املشاكل التي حدثت سواء أيام الرئيس مبارك أو بعده».
تيار اإلسالم السياسي
«تحالف نواب الشعب» :تعديل البرملان لبعض مواد الدستور أمر وارد في فترة الوالية األولى للسيسي خاصة تلك التي توصف بأنها مواد ملغمة
ومن محافظة اإلسكندرية في شمال غربي البالد يقول ياسر فراويلة ،وهو شخصية قريبة مما يعرف بـ«تيار اإلسالم السياسي» وكان يعتزم الترشح في انتخابات الرئاسة عام ،2012إن املطلوب من البرملان املقبل القيام بعدة خطوات عاجلة .أوال إنهاء حالة الفوضى الحكومية« ..بمعنى ترتيب البيت من الداخل واالنتهاء من ملف العمليات األمنية وأج��ور العاملني في الدولة وتحقيق العدالة االجتماعية ،وإنهاء التهديد الخارجي ،سواء ما يتعلق باألمن املائي أو االقتصادي أو السياسي». ويضيف فراويلة أنه يتمنى من البرملان املقبل أن يتمكن من تحديد هدف للوطن «ألننا أم��ة تسعى بال ه��دف يجمعنا ..نريد أن نتمكن من تحديد مصالحنا وتحديد م��ن ه��م أع��داؤن��ا ،وك��ذل��ك م��ن ينبغي أن نعتمد عليهم. لدينا أولويات في امللف األمني والعسكري والحدود واالقتصاد والزراعة والصناعة». لكن يبدو أن مثل هذه الطموحات سابقة ألوانها ،ألن فراويلة نفسه يتخوف من التربيطات الجارية بني املرشحني في دائرته باإلسكندرية ثاني أكبر المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
رئيس الوزراء األسبق كمال الجنزوري
49
شؤون سياسية
املحاوالت الحثيثة التي يقوم بها الكثير من القوى السياسية املصرية مللء الفراغ وتشكيل تكتالت لخوض انتخابات مجلس النواب خالل األسابيع املقبلة ،كشفت عن وضع شائك في هذه الدولة التي عرفت العمل السياسي والبرملاني منذ أكثر من قرن من الزمان ..يتلخص هذا الحال اليوم في أنه أصبحت توجد أحزاب ،لكنها من دون قواعد شعبية تذكر، وفي املقابل هناك رئيس شعبي ،هو الرئيس عبد الفتاح السيسي ،لكنه بال حزب سياسي.
مصر :اإلعداد للتكتالت الحزبية التي ستتنافس على مقاعد البرملان املقبل
أحزاب من دون قواعد شعبية ..ورئيس شعيب بالحزب القاهرة: عبد الستار حتيتة
رئيس حزب الكرامة :مصر في مرحلة سيولة بعد فترة طويلة من التجريف للقوى السياسية واألحزاب في العقود املاضية
املرشح الرئاسي السابق احمد شفيق
48
يحظر الدستور املصري الجديد ،وال��ذي وافق عليه الشعب العام املاضي، انخراط رئيس الدولة في األح��زاب أو رئاسة أي حزب منها طاملا كان في موقعه في القصر الجمهوري .وأكد السيسي نفسه هذا األمر حني التقى رؤساء األحزاب قبل أسبوعني ،وطلب منهم التوقف عن الخالفات التي ظهرت على خلفية اإلعداد للتكتالت الحزبية التي ستتنافس على مقاعد البرملان، خالل شهرين من اآلن ،ودعاها إلى تشكيل تكتل واحد لخوض االنتخابات، إال أن التضارب في املصالح بني السياسيني عرقل مرة أخرى إيجاد قوة واضحة املعالم يمكن التعويل عليها في مجلس النواب املقبل. ومنذ ثورة 25يناير (كانون الثاني) .2011أصبح يوجد في مصر نحو 90حزبا ،شارك معظمها ،مع غالبية الشعب ،في الثورة ضد حكم جماعة اإلخوان في 30يونيو (حزيران) .2013لكن لم يتمكن إال عدد قليل منها أن يثبت هذه األيام على تكتل بعينه من أجل خوض االنتخابات املقبلة والتي تعد أول انتخابات نيابية في عهد الرئيس السيسي ،وهي الخطوة الثالثة واألخيرة في خطوات خارطة الطريق التي واف��ق عليها الشعب عقب عزل الرئيس األسبق محمد مرسي.
تحالف الجبهة املصرية ومن أبرز األسماء التي تحاول جمع السياسيني في تكتل واحد ومن أكثرها تداوال ،اسم رئيس وزراء مصر األسبق ،الدكتور كمال الجنزوري .وهناك أيضا تكتالت أخرى يظهر على رأسها أحيانا حزب الوفد بقيادة رئيسه السيد ال�ب��دوي ،وتحالف الجبهة املصرية ال��ذي يدعمه من الخارج املرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق ،وكان يضم معه تحالف الحركة الوطنية ،قبل أن يتفرقا بني تحالفات أخرى. ثم هناك أيضا تحالف قائمة املصريني األحرار ،وكذا التحالف الذي يقوده السياسي املعروف عبد الجليل مصطفى تحت اسم «تحالف صحوة مصر»، والذي يضم 6أحزاب هي «الكرامة» و«مصر الحرية» و«التحالف االشتراكي» و«الدستور» و«العدل» و«التيار الشعبي (تحت التأسيس)». ويقول محمد سامي رئيس حزب الكرامة ،عن نظرته للتكتالت الكثيرة التي ظلت على مدى أسابيع تراوح مكانها دون أن تحسم أمرها :أعتقد أن مصر في مرحلة سيولة بعد فترة طويلة من التجريف للقوى السياسية واألحزاب في العقود املاضية. ويتابع قائال« :وبالتالي أنت أم��ام اجتهادات (قد تصيب) ،وذل��ك في شكل أحزاب جديدة تعبر عن رؤية جديدة( ،أو تخيب) في شكل أحزاب وهمية أو كرتونية يمكن أن تخرج من معادلة الحضور الحزبي في االنتخابات املقبلة». ويضيف أن هذه املعادلة موجودة وتحمل االحتمالني ،إما النجاح أو الفشل.. «ألن الحالة الحزبية بمصر ل��م تتماسك بعد ،ول��م تتشكل ب�ع��د ..الساحة السياسية فيها ما يقرب من 90حزبا مرخصا له بالعمل رسميا (إضافة ألحزاب ما زالت تحت التأسيس) ،والفترة املقبلة ستكون مرحلة تصفية من
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
جانب ،واندماج بني أحزاب من جانب آخر». ومطلوب من كل تكتل أو تحالف حزبي ،أن يعد قائمة تضم 120مرشحا من بينهم مرشحون من الشخصيات العامة وممثلون لألقباط واملصريني ب��ال�خ��ارج وامل�ع��اق�ين وامل ��رأة ،ب��اإلض��اف��ة إل��ى 420مرشحا بنظام االنتخاب الفردي ..ويقول سامي« :ال مجال للدخول إال على القوائم بأكملها ،وليس بنصف قائمة أو ربع قائمة ..نحن نخوض االنتخابات على النظامني ،أي بالقوائم وبالفردي أيضا». ويبدو أن األح��زاب ال تتفق إال على ش��يء واح��د هو االلتفاف ح��ول رئيس الدولة بسبب شعبيته الكبيرة ،مقارنة بعشرات األحزاب التي ال يعرفها أحد، بمن في ذلك عائالت َم� ْ�ن لقوا حتفهم خالل أح��داث ثورتي يناير ويونيو، مثل السيدة فاطمة التي تدير محال صغيرا لبيع الخضراوات والدجاج في شارع العروبة ،خلف برج القانونيني قرب كورنيش املعادي ،بجنوب القاهرة. تعلق هذه املرأة صورة كبيرة البنها الشاب الذي قتل في اضطرابات سياسية شهدها ميدان التحرير قبل 3سنوات .وتقول السيدة فاطمة ،وهي تقف في واجهة املحل ،حيث تبدو صورة الرئيس السيسي معلقة على الباب ،إنها ال تستطيع أن تتذكر أسماء أكثر من 3أو 4أحزاب مثل حزب الوفد ،ربما بسبب كونه حزبا عريقا يعود اسمه إلى النصف األول من القرن املاضي. وال تشغل فاطمة بالها بموضوع االنتخابات النيابية املقبلة وهي تثق في رئيس الدولة فقط .وترى أن الرئيس لن يسمح بوجود برملان يمكن أن يعمل ضد رغبة الشعب أو العودة للسياسات التي ثار عليها في يناير ويونيه. وتعكس حالة فاطمة املقولة التي أصبحت شائعة في البالد هذه األيام وهي أن الرئيس السيسي له شعبية ،لكن ليس له حزب ،بينما األحزاب موجودة، لكن ليس لها شعبية.
التجربة الحزبية حديثة العهد ويعود رئيس حزب الكرامة ليعلق على هذه الواقعة قائال« :هذا صحيح ،ألن التجربة الحزبية في مصر حديثة العهد ،وال يمكن أن يكون هناك حزب شعبي أو غير شعبي إال برصيد يتوالى على مدى األداء في السنني املقبلة.. غالبية هذا النوع من األحزاب ،كلها تقريبا حصلت على تراخيص من لجنة شؤون األحزاب خالل السنوات الـ 3األخيرة ،أي بعد ثورة 25يناير ..وبالتالي لم يتح لها الفرصة ألن تكون أحزابا شعبية باملعنى الكامل ،مع وجود بعض االستثناءات بطبيعة الحال (تخص عددا من األحزاب القديمة)». ويضف محمد سامي« :نحن نزعم أن حزب الكرامة لديه قوام حزبي منتشر على مستوى الجمهورية ،وإال ما كنا قد أكملنا الشرط الخاص بترشيحنا لحمدين صباحي لرئاسة الجمهورية ،حيث كان الترشح يتطلب جمع 30 ألف توقيع من الناخبني». وخ��اض صباحي ،وه��و من مؤسسي ح��زب الكرامة ذي التوجه القومي، تجربة االنتخابات الرئاسية مرتني ..املرة األولى في 2012وكان ضمن 12
أكثر من ائتالف حكومي ،خصوصا مع األحزاب اليمينية ،وله حاليا 52مقعدا في البرملان .ويتقارب هذا الحزب مع العدالة والتنمية في قاعدته اليمينية املحافظة ،مع تشدد أكبر من جانبه في ناحية القومية التركية التي تحدد وجهة نظره من مختلف القضايا التي تواجهه. أما الحزب الثالث فهو حزب السالم والديمقراطية ،أو «ديمقراطية الشعوب» ،وهو حزب كردي خالص ،يشكل كتلته البرملانية في كل دورة انتخابية من خالل تجميع املستقلني وتشكيل حزب الحقا، خالفا ملنطق األمور الذي يقول إن الحزب يخوض االنتخابات كوحدة متكاملة .والسبب في هذا أن القانون التركي يفرض حاجزا نسبيا أمام األح��زاب لدخول البرملان ،هو حصولها على 10في املائة من أصوات الناخبني لكي يحق لها التمثل في البرملان ،وهو ما يعجز عنه األكراد حاليا ،ما يعني أن دخولهم كحزب إلى االنتخابات قد يحرمهم من أي مقاعد ،إذ توزع أصواتهم على األحزاب األخرى التي اخترقت الحاجز النسبي ،فيتحايلون على القانون من خالل الترشح كمستقلني منفردين ،ثم اإلعالن عن تجمعهم في كتلة برملانية بعد قسم اليمني الدستورية .ولدى الحزب اآلن 29مقعدا في البرملان. وب��اإلض��اف��ة إل��ى األح� ��زاب ال��رئ�ي�س�ي��ة ،ه�ن��اك مجموعة م��ن األح ��زاب الصغيرة التي لم تتمثل في البرملان ،ومنها: ح��زب العمل ال�ت��رك��ي :وه��و ي�س��اري علماني ،ت��أس��س ع��ام 1992على يد زعيمه الحالي دوغو برينتشك ،وهو يتبنى خطابا معاديا لـ «اإلمبريالية» وال�غ��رب ،كما يرفض تبني الدين أو العرق كأساس لبناء األحزاب. الحزب الشيوعي التركي :تأسس عام 2001ويتزعمه ياشار تشليك،وه��و م��ن األح ��زاب الناشطة ف��ي ال�ش��ارع ال�ت��رك��ي ،وي�ق��وم بنشاطات كثيرة مناوئة للحزب الحاكم من دون أي تقارب فعلي مع بقية أحزاب املعارضة. حزب تركيا املستقلة :من األحزاب حديثة النشأة في تركيا ،أسسهفي عام 2011حيدرباش ال��ذي يتزعمه حاليا .ويتبنى هذا الحزب خطابا يدعو إل��ى ال�ع��ودة إل��ى ال�ج��ذور الشرقية واإلس�لام�ي��ة «حيث منبع الحضارة التركية» ،وهو من أشد معارضي انضمام تركيا إلى حلف شمال األطلسي ،كما يعارض مساعي الحكومة إل��ى دخول االتحاد األوروبي. حزب السعادة :هو حزب إسالمي تأسس عام ،2001كبديل لحزبالفضيلة الذي حلته املحكمة الدستورية ،علما بأن إردوغ��ان وأغلب أعضاء حكومته كانوا ينتمون إليه قبل خروجهم منه وتأسيس حزب العدالة والتنمية .تولى رئاسته رجائي قوطان تحت توجيهات نجم الدين أرب�ك��ان ،ويترأسه حاليا مصطفى كماالك ،وتمثيله الشعبي ضعيف جدا. ال�ح��زب الديمقراطي ال�ي�س��اري :ح��زب علماني تأسس ع��ام 1985ودخل البرملان مرة وحيدة في عام .1997يتزعمه السياسي املعروف معصوم توركر. الحزب االشتراكي العمالي :حزب يساري متشدد تأسس عام 1974بتأثير املد الشيوعي ،وبقي حجمه التمثيلي غير معروف لعدم قدرته على اجتياز الحاجز النسبي ،وهو من األحزاب التي تميل إلى «العمل الثوري» على األرض. ال�ح��زب الديمقراطي (الطريق القويم سابقا) :تأسس ع��ام 1983بواسطة حسام الدين جيندروق ،نيابة عن زعيمه السياسي سليمان ديميريل الذي كان محروما من النشاط السياسي .وفي عام 1988 ع��اد ديميريل لرئاسة ال�ح��زب وتمكن م��ن ال�ف��وز بمقعد املعارضة البرملانية عام ،1989وفى عام 1991حقق املرتبة األولى متقدما على الوطن األم الحاكم آنذاك ،ومنها شكل ديميريل حكومة ائتالف بني ،1993 – 1991لكن تولي ديميريل رئاسة البالد عام 1993بعد وفاة تورجوت أوزال اضطره إلى االستقالة ،فترأسته طانسو شيالر التي فشلت حكومتها االئتالفية في قيادة البالد خالل األزمة االقتصادية عام ،1994ما أدى إلى سقوطه بعد ظهور حزب الرفاه<
تظاهرة ضد الفساد في حي كاديكوي في اسطنبول تحمل صور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ورجل الدين التركي فتح الله غولن تطالب بتعديالت وزارية (غيتي)
غولن ..بدأ حليفا إلردوغان وانتهى بالبطاقة الحمراء
حركة «خدمة» :مدارس ومؤسسات إعالم ..ونفوذ يف إدارة الدولة
تعتبر حركة «خدمة» من الوافدين الجدد إلى عالم املعارضة التركية ،بعد أن كانت في صلب النظام الذي بناه حزب العدالة والتنمية .يترأس الجمعية الداعية اإلسالمي املقيم في الواليات املتحدة الشيخ فتح الله غولن ،الذي غادر البالد في التسعينات بضغط من الجيش الذي كان يسيطر على مفاصل البالد .ويقال إن غولن كان عراب وصول إردوغان إلى السلطة في تركيا ،قبل أن يختلف معه في العام املاضي ويظهر الخالف إلى العلن. ال يوجد لحركة «خدمة» هيكلية تنظيمية واضحة ،لكنها تنشط في املجال اإلعالمي واالقتصادي بقوة ،وهي تسيطر على ثاني أكبر املجموعات التلفزيونية وتصدر أكثر الصحف انتشارا في البالد .ورغم ذلك ،تتعاطى الحكومة التركية مع هذه الحركة التي يعتقد أنها تمتلك نحو 7ماليني منتسب ،على أنها «العدو رقم واحد» ،ويبدو ذلك جليا من الحملة التي باشرتها الحكومة ضدها مواز داخل الشرطة والقضاء. بتهمة تشكيل كيان ٍ ويعتقد أن الحركة استطاعت التغلغل في مؤسسات الدولة التركية إلى حد كبير ،خصوصا في الشرطة والقضاء ،ما سهل عليها توجيه ضربة قوية للحكومة والحزب الحاكم في ديسمبر (كانون األول) ،2013عندما وجهت االتهامات إلى 3من أبناء الوزراء في حكومة إردوغان بتهمة الفساد ،وصوال إلى ابن رئيس الوزراء بالل إردوغان الذي تحدثت تسريبات كثيرة عن دور له في هذه العملية. وأبدى منتسبو هذه الحركة شجاعة كبيرة في مواجهة الحملة التي شنتها الحكومة ضدهم، فكان قضاة التحقيق يوجهون االتهامات ،والشرطة تدهم وتقبض على املقربني من الحزب الحاكم .وكان الفتا مثال قيام وحدة من الشرطة باالنتقال من محافظتها إلى محافظة أخرى لتنفيذ عمليات دهم استهدفت جمعية إنسانية تابعة للحزب الحاكم بتهمة دعم تنظيمات إرهابية ونقل سالح إلى سوريا. وبعد هذه العملية بدأت حكومة إردوغان حملة شرسة على منتسبي الجماعة ،يعتقد أنها طالت أكثر من 50ألف موظف حكومي ،تمت إقالتهم أو تغيير مكان عملهم إلى أماكن نائية. بعد ذلك ،صدرت عدة تسجيالت صوتية ،يعتقد أن مقربني من الحركة حصلوا عليها من خالل التنصت على مسؤولني كبار في الدولة ،بينهم رئيس الحكومة رجب طيب إردوغان نفسه ،الذي صدر تسجيل شهير منسوب إليه يحادث من يوحي التسجيل بأنه ابنه بالل طالبا منه إخفاء أموال. ُ لم تخض الحركة أية انتخابات واضحة ،لكن يقال إنها وقفت بكل قوتها وراء اختيار املرشح أكمل الدين إحسان أوغلو الذي تبنته أحزاب املعارضة الرئيسية كمرشح مشترك ،لكن نتائج هذا التحرك كلها لم تكن إيجابية بالنسبة إلى الحركة ،فقد فاز حزب إردوغان باالنتخابات البلدية رغم كل التسجيالت والتسريبات ،ثم فاز الحقا برئاسة البالد ،معلنا غولن عدوا للدولة وصوال إلى توجيه االتهام املباشر إليه والطلب من اإلنتربول القبض عليه وتسليمه إلى تركيا. وترتكز الحركة على قاعدة واسعة من املدارس الخاصة التي تنتشر في تركيا و 162دولة أخرى. ويقول خصومها إنها تختار من بني تالميذها أفضلهم لتوجيههم ،ودفعهم إلى مراكز عليا في الدولة بمساعدة أعضاء الجماعة النافذين كل في مجاله ،ما يخلق نوعا من الهالة حول هذه الجماعة الشديدة التنظيم والفعالية.
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
47
شؤون سياسية
متظاهرون اتراك يحملون الالفتات واألعالم قرب محكمة في وسط مدينة قيصري في 21يناير 2015بعد الحكم على اثنني من الشرطة التركية بالسجن ملدة 10سنوات بشأن مقتل متظاهر في سن املراهقة
حزب السالم والديمقراطية (الكردي): جميع أحزاب املعارضة في تركيا ال تختلف في املضمون عن حزب العدالة والتنمية الحاكم
رئيس تحرير جريدة (زمان) األكثر مبيعا في تركيا خالل مظاهرة ضد استهداف الحكومة التركية حرية اإلعالم (غيتي)
التركي» ،معتبرة أن هذه التصرفات األخيرة للحزب أثبت دون أي شك أن الحزب يتوجه يوما بعد يوم إلى اليمني. وأش ��ارت إل��ى أن ردود الفعل م��ن امل��ؤي��دي��ن للحزب م��ن اليساريني والديمقراطيني كانت عنيفة باألحرى من بعض أعضائه في البرملان، كما أن األغلبية م��ن م��ؤي��دي ال�ح��زب م��ن الجناح اليساري فضلوا التصويت لصالح مرشحنا صالح الدين دميرطاش بدال من إحسان أوغلو. وأكدت يوكسيك داغ أن الحزب يستعد لخوض االنتخابات التشريعية في عام 2015كحزب مستقل ،ولن يقوم بأي اتفاق مع أي حزب، وبهذه الخطوة سيكون للشعب بديل ثالث بدل الشعب الجمهوري والعدالة ،من دون أن تسقط احتمال التحالف في حال غير الشعب الجمهوري سياسته»
أحزاب املعارضة :علمانيون وقوميون وأكراد ..وخصم واحد ويوجد كثير من األحزاب التركية ،لكن أحزاب املعارضة الرئيسية 46
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
ه��ي ث�لاث��ة أح ��زاب ف�ق��ط ،أك�ب��ره��ا ه��و ح��زب ال�ش�ع��ب ال�ج�م�ه��وري، الذي أنشأه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال املعروف بـ «أتاتورك» عام ،1923وقاد من خالله البالد طوال فترة رئاسته، حيث كان الحزب املرخص الوحيد في البالد آنذاك ،قبل أن تنشأ أحزاب أخرى بدأت بامتصاص قوته رويدا رويدا ،لكنه يبقى ثاني األحزاب في البرملان التركي بـ 134مقعدا ،أي بأقل من نصف مقاعد العدالة والتنمية البالغة 317مقعدا .ويقوده اليوم كمال كيلتشدار أوغلو ،وهو من األقلية العلوية في البالد .وتتركز قوة هذا الحزب في املناطق الساحلية ،وتحديدا في إزمير وأنطالية ،حيث يسود الطابع الغربي على السكان ،خصوصا في الجزء األوروب��ي من البالد ،كإزمير التي تعتبر من أهم قالع الحزب .ويتميز الحزب بقاعدة شعبية يسارية علمانية ،تتعارض م��ع ق��واع��د األح��زاب اليمينية واملحافظة .لم يتمكن من تشكيل حكومة منفردة منذ أكثر من 40سنة ،لكنه ش��ارك بحكومات ائتالف مختلفة كان آخرها عام .1993 أم��ا ال�ح��زب الثاني فهو ح��زب الحركة القومية ،ال��ذي ي�ق��وده دول��ت بهجلي ،وه��و ح��زب ق��وم��ي م�ت�ش��دد ،أس�س��ه ال�ض��اب��ط ال�ت��رك��ي ألب أرصالن توركش ،أحد قادة االنقالب على املدنيني عام .1960ودخل
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعلى جانبيه 16جنديا يمثلون الدول التركية الـ 16التي تأسست في التاريخ خالل زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس له في 12يناير املاضي بقصر الرئاسة التركي في أنقرة (غيتي)
الحدود نالت تأييد حزب الحركة القومية» .ورأى أن أحزاب املعارضة لن تستطيع أن تحقق أي تقدم في نسبة األصوات التي تأخذها إذا استمر على ه��ذه الحال ،بل ستفقد أص��وات مؤيديها ،معربا عن اعتقاده بأن تركيا تحتاج إلى أن تغير املعارضة القومية والعلمانية أسلوبها وإال فلن تتغير الحال في انتخابات .2015 وت ��رى ف�ي�ج��ان ي��وك�س�ي��ك داغ ،ال��رئ�ي�س��ة امل �ش��ارك��ة ل �ح��زب ال�س�لام والديمقراطية (ال�ك��ردي) ،أن جميع أح��زاب املعارضة في تركيا ال تختلف في املضمون عن حزب العدالة والتنمية الحاكم رغم اختالف آيديولوجياتها .وتقول« :حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية ال يختلفان عن الحزب الحاكم في نظرتهم إلى الدولة التركية على وضعها الحالي ،وال يريدون تغيير أي شيء من هذا الوضع، ول�ه��ذا السبب تحتاج تركيا إل��ى معارضة ديمقراطية ح��رة تكون بالفعل لسان حال أكبر طبقات الشعب التي تأمل أن يكون هناك حزب يمثلها حقا وحقيقة ،ألن املعارضة املوجودة حاليا بالفعل ليست معارضة جادة وال تهدف إلى أن تكون معارضة لسلطة حزب العدالة ،ولهذا السبب لم يستطع كال الحزبني أن يكون بديال أمام الشارع التركي لغطرسة حزب العدالة والتنمية ،كما أن هذه املعارضة ال تتمتع ببعد نظر وق��راءة للتطورات سواء على صعيد الداخل أو الخارج ويكتفون بإطالق الشعارات والنعرات». وأش��ادت يوكسيك داغ بتجربة حزبها ال��ذي ش��ارك في انتخابات رئاسة الجمهورية وحظي بثقة ما يقرب من الـ 10في املائة من أصوات الناخبني ،معتبرة أن الحزب قد يكون بديال للمعارضة التقليدية التي لم تستطع تحقيق أي نجاح منذ 12عاما من حكم العدالة ،حيث دخلت هذه األحزاب 8انتخابات لم تستطع تحقيق أي نجاح يذكر. واعتبرت أن هذه النتيجة أتت مفاجئة للجميع ،حتى للحزب نفسه الذي حصل على أص��وات في مناطق البحر األس��ود ،وهذه مناطق معروف عنها بالقومية املحافظة ،كما حصل على نسبة كبيرة من األصوات في إزمير وأنقرة وإسطنبول كان لها نصيب األسد في
عدد األصوات التي حصل عليها. وردا على س��ؤال ح��ول ع��دم االس�ت�ج��اب��ة ل��دع��وات حزب الشعب الجمهوري ال��ذي ينادي برص صفوف اليسار واليسار الديمقراطي حوله ،قالت« :في الحقيقة منذ 90 عاما على تأسيس هذا الحزب يدعي بأنه يمثل اليسار في تركيا ،ولكن في الحقيقة دائما يقود حافلة الحزب على جهة اليمني في تركيا» .وأضافت« :ال ننسى أن حزب الشعب الجمهوري أسس مع تأسيس الجمهورية، أو باألحرى هو الحزب الذي أسس الجمهورية ،ولهذا يبقى هذا الحزب من أكثر األحزاب التي تدافع عن بقاء الوضع الحالي واستمراريته بكل قواه ،ولهذا السبب ال يمكن للقوى اليسارية التحررية الديمقراطية أن تدخل تحت راية الشعب الجمهوري». مساع بذلت لوضع برنامج انتخابي وكشفت عن ٍ موحد م��ع الشعب يحظى بقبول الجميع ،ويكون ع �ل��ى أس � ��اس دي �م �ق��راط��ي ح ��ر ي� �ن ��ادي ب��امل �س��اواة وامل��واط�ن��ة وح��ري��ة التعبير وح��ري��ة التعليم باللغة األم لجميع مكونات الشعب في تركيا ،لكنها أشارت إلى أن الشعب الجمهوري لم يوافق على املبادئ التي طرحناها للتحالف معه لدخول االنتخابات ألنهم في الحقيقة يخافون من إعادة تشكيل الدولة التركية على أساس ديمقراطي ُح ّر يضمن حقوق جميع امل��واط�ن�ين ف��ي ح��ري��ة التعبير ع��ن انتمائهم ال�ع��رق��ي والطائفي والديني» ،مشيرة في املقابل إلى أن حزب الشعب الجمهوري «جنح إلى ترشيح مرشحني للبلديات من أصول قومية فاشية في كثير من املدن ،مما أدى إلى قلق شديد بني مؤيدي وأعضاء الحزب ولم يتعلم من أخطائه في االنتخابات املحلية ،بل كرر نفس األخطاء في انتخابات الرئاسة ،ورش��ح أكمل الدين إحسان أوغلو الذي يعتبر من أصول اإلسالم السياسي المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
45
شؤون سياسية
خاضت أحزاب املعارضة التركية 8جوالت انتخابية في مواجهة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم خسرتها جميعا ،من دون أن يظهر في األفق ما يؤشر إلى أن تكون االنتخابات البرملانية هذا العام حالة شاذة ،حيث تشير التوقعات كلها إلى فوز الحزب الحاكم ...لكن السؤال الدائم هو :بأي قدر من األصوات سيفوز؟ وهل سيمتلك القدرة على تعديل الدستور منفردا ،أم أنه سيحتاج إلى أصوات بعض أحزاب املعارضة في مسعاه لتغيير النظام السياسي التركي من النظام البرملاني إلى النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي لتحقيق طموحات زعيم الحزب ورئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان؟
تتفق على العداء إلردوغان ..وتختلف على كل ما عداه
املعارضة الرتكية :اجتماع تكتيكي.. وخالف اسرتاتيجي إسطنبول: ثائر عباس
يرى الخبير في الشؤون السياسية تايومان عليلي أن الواقع االنتخابي في تركيا ال يجمل أية مشكالت للحزب الحاكم
44
ت�ق��ول األرق ��ام ال��ذي أف��رزت�ه��ا االن�ت�خ��اب��ات البلدية األخ�ي��رة في م��ارس (آذار) من العام امل��اض��ي ،باإلضافة إل��ى أرق��ام ال�ت�ص��وي��ت ف��ي ان�ت�خ��اب��ات ال��رئ��اس�ي��ة ال�ت��رك�ي��ة ف��ي الصيف املاضي ،إن هزيمة حزب العدالة والتنمية في االنتخابات البرملانية ممكنة التحقيق نظريا ،لكنها تبدو أقرب إلى االستحالة عمليا بسبب عجز قوى املعارضة عن صياغة خطاب موحد وبرنامج مشترك لحكم البالد ،في مقابل كتلة أص��وات وازن��ة للحزب الحاكم تجعله صاحب الكلمة الفصل في تحديد مصير ومسار البالد .فاملعارضة يجمعها عامل واحد هو العداء لرجل تركيا القوي ،ومن ثم تختلف في كل شيء آخر تقريبا. توضح لعبة األرقام أن أحزاب املعارضة التركية نالت في االنتخابات البلدية ما مجموعه 19مليونا و 200ألف صوت تقريبا ،وهو رقم ال يقل بكثير عن أرقام حزب العدالة الذي نال 19مليونا و 600ألف ص��وت تقريبا .أم��ا في االنتخابات الرئاسية فقد ارتفعت أص��وات إردوغان إلى نحو 20مليونا و 600ألف صوت ،مقابل 15مليونا و 600ألف ملنافسه الرئيسي إحسان أوغلو ،باإلضافة إلى 4ماليني صوت لرئيس حزب «السالم والديمقراطية» الكردي صالح الدين ديمرطاش ،ما يبقي املعادلة نفسها. لكن لعبة الوقائع تقول إن املعارضة فشلت ف��ي توحيد خطابها وبرنامجها ،فيبقى حزب إردوغ��ان املستفيد األول .ويرى الخبير في الشؤون السياسية تايومان عليلي أن الواقع االنتخابي في تركيا ال يجمل أية مشكالت للحزب الحاكم ،معتبرا أن امل��أزق الحقيقي الفعلي هو في املعارضة .ويشير إلى أن أح��زاب املعارضة ،الكبير منها الشعب الجمهوري أو املتوسط الحركة القومية أو الصغير كحزب السالم والديمقراطية ،ال يختلفون في برامجهم الداخلية سوى بالتسميات ،والفرق أن األول يقول أنا ديمقراطي اجتماعي، والثاني يقول أنا قومي ،والثالث يقول أنا إسالمي محافظ ،أما حزب السالم والديمقراطية فيدعي أنه اشتراكي ،ولكن ما يقوم به على أرض الواقع ال عالقة له باالشتراكية. ورأى عليلي أن املعارضة لم تستطع أن تكون مؤثرة في مجاالت أتيحت لها ،وكان يمكن أن تكون بديلة للعدالة لتسلم السلطة ،متهما حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية بأنهما «يلعبان دورا كبيرا
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
في تحجيم األحزاب الصغيرة لكي ال تكون منافسة لهم» .وأضاف: «الشعب الجمهوري يترأسه كمال كيلتشدار أوغلو» ،وحادثة درسيم كانت انتفاضة ملشايخ مدينة درسم (العلويني) على الجمهورية ،ومن ثم غير اسم املدينة إلى تنجلي ،اآلن كمال كيليجدار أوغلو يستخدم اسم درسيم قبل اسمه للتعبير عن انتمائه الطائفي ،ثم قام مع حزب الحركة القومية بترشيح إحسان أوغلو الذي ال عالقة له بالعلمانية أو بالقومية ،وهذه التصرفات من الحزبني أدت إلى عدم ذهاب 25 في املائة من الناخبني إلى صناديق االقتراع». ويشدد عليلي على أن من أهم األسباب التي تجعل «العدالة» يحقق انتصارات منذ 2002هو قانون االنتخابات والحاجز النسبي الذي يجبر األحزاب لدخول البرملان أن تحصل على نسبة 10في املائة من مجموع األص��وات في تركيا ،فيذهب الناس مجبورين إلدالء أصواتهم ألح��زاب ال تمثلهم .ويقول« :مثال نسبة كبيرة ج��دا من ناخبي الحزب الجمهوري أو الحركة القومية تصوت للحزبني ،فقط ملجرد منع العدالة والتنمية من تحقيق أرقام قياسية في االنتخابات». ويأخذ عليلي على األحزاب التركية أنه «ال يوجد بينها تجانس في األفكار» ،مؤكدا أنها لن تتحد وبالتالي لن تستطيع الوصول إلى سدة الحكم ،وسيبقى العدالة والتنمية على املسرح السياسي دون بديل. وي ��رى ال�ن��اش��ط ال �ي �س��اري ك�م��ال أوك �ي��ان أن أح ��زاب امل �ع��ارض��ة في آيديولوجيتها وسلوكها ال تختلف كثيرا عن حزب السلطة العدالة والتنمية ،فحزب الحركة القومية ال يوجد فرق كبير بينه وبني العدالة في أغلبية املواقف الدولية واملحلية ،فكالهما يتبنى الفكر التركي امل�ح��اف��ظ ،ب��ل ف��ي بعض األح�ي��ان ال ي �ت��رددون ف��ي وص��ف أنفسهم بالطورانية العرقية ،ويجد في صفوف العدالة العشرات من أعضاء البرملان الذين يؤمنون بالطورانية العرقية ،كما أن العثمانية الجديدة ليست من بنات أفكار العدالة ولكنها طرحت من قبل الحركة القومية في السبعينات من القرن املاضي ،ولكن لم تتح لهم الفرص لكي يعلنوها مثل العدالة والتنمية. وشدد أوكيان أن الغالبية العظمى من مؤيدي الحركة القومية يؤيدون حزب العدالة ،معطيا مثال على ذلك موضوع انتخاب الرئيس السابق عبد الله غل ،إذ صوتت الحركة القومية لصالحه ما أدى إلى وصوله من الدورة األولى ،كما أن جميع مذكرات إرسال الجيش التركي خارج
املسلمون الشيشان وسط غروزني خالل مظاهرة احتجاج ضد مجلة شارلي إيبدو
رئيس األساقفة األرثوذكس اليونانيني الفلسطيني عطا الله حنا يحمل ملصقا مشيدا بالنبي محمد (ص) خالل مسيرة احتجاجية الشهر املاضي في مدينة الخليل بالضفة الغربية
دوني بوشار خبير العالقات الدولية الفرنسي لـ
:
هذه رؤييت لسياسة فرنسا اخلارجية املستقبلية في حديثه لـ«املجلة» ،يعرض دوني بوشار، مستشار املعهد الفرنسي للعالقات الدولية، رؤيته لتبعات األعمال اإلرهابية في باريس على السياسة الخارجية لبالده. وف��ي إج��اب��ات��ه ع��ن األسئلة التي طرحت عليه ،يؤكد بوشار أن املشاغل األمنية ستكون على رأس أولويات سياسة فرنسا ودبلوماسيتها وأنها ستدفعها ملزيد م��ن التنسيق م��ع ب��ل��دان االت��ح��اد األوروب���ي وال��والي��ات امل��ت��ح��دة األم��ي��رك��ي��ة م��ع ال��ت��رك��ي��ز بشكل خ���اص على االس���ت���ق���رار ف���ي ال��ب��ح��ر األب���ي���ض امل��ت��وس��ط وال��ش��رق األوس����ط» .ك��ذل��ك ي��رى الباحث أن األع��م��ال اإلرهابية ستدفع باتجاه التعاون مع روسيا التي تعاني بدورها م��ن اإلره����اب ال��ق��ادم م��ن ال��ش��رق األوس����ط أو منطقة القوقاز. يقول بوشار« :إن العمليات اإلرهابية التي حصلت في فرنسا مؤخرا تخلق واقعا جديدا وهي في الوقت عينه تبني ات��س��اع م��دى التهديد اإلره��اب��ي م��ن جهة وق��وة التضامن ال��دول��ي ال��ذي حظيت به بالدنا حتى من قبل بعض الدول التي نقيم معها عالقات تتميز غالبا بالصعوبة .لكن على الجانب املقابل ،أظهرت
ردود األفعال الدولية أن العالم كله ال يتبنى شعار «أنا شارلي» .هذه هي حال غالبية الدول اإلسالمية .وما زاد األمور صعوبة أن معاودة صحيفة «شارلي إيبدو» ال��س��اخ��رة نشر رس���وم ك��اري��ك��ات��ي��ري��ة ،للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ،أثارت مظاهرات بالغة العنف وردود فعل عكست غضب الشارع والرأي العام وكذلك الصحافة املحلية .وتراكم االستياء املتأتي عن رسوم اعتبرت ف��ي الغالب مسيئة ل�لإس�لام م��ع االن��ت��ق��ادات ال��ح��ادة التي توجه ع��ادة لسياسة فرنسا الخارجية ولكن أيضا ضد البلدان الغربية». وتابع خبير العالقات الدولية الفرنسي»ومن الواضح أن االهتمامات األمنية ستهيمن أكثر فأكثر على أولويات السياسة الخارجية الفرنسية رغم أنها كانت موجودة (حتى اآلن) ف��ي عملنا الخارجي.أعتقد أن سياسة فرنسا الخارجية ستتميز باالستمرارية لجهة إعطاء الدور األول واملركزي لالتحاد األوروب��ي مع التشديد على إقامة عالقات قوية مع الواليات املتحدة األميركية بحيث يكون الهدف إعادة االستقرار إلى منطقة البحر املتوسط والشرق األوسط. بيد أن طابع االستمرارية لن يحول دون حدوث بعض
ال��ت��ح��والت ال��ت��ي أرى أن أول مظاهرها السعي نحو سياسة أوروب��ي��ة موحدة ولكن من دون التخلي عن العالقات الثنائية التي تقيمها بلدان االتحاد األوروبي في مواضيع الهجرة واألمن أو التعاون القضائي مع أطراف من خارج االتحاد. وأعتقد أن تعزيز دور جيل دو كيرشوف ،املنسق األوروب����ي ملسائل اإلره����اب ،ي��ن��درج ف��ي إط���ار املنطق ال���ج���دي���د .ف��ض�لا ع���ن ذل����ك ،س��ت��ك��ون إع�����ادة تنشيط العالقات مع عدد من ال��دول التي يربطنا بها تعاون في مجال األم��ن إح��دى معالم املرحلة الجديدة .هذه هي حال روسيا التي تواجه من جانبها أعماال إرهابية ذات منطلقات شرق أوسطية أو من بالد القوقاز .لذا، ليس من املستبعد أن تدفع األعمال اإلرهابية األخيرة نحو إيجاد حل لألزمة األوكرانية ما سيسهل تطبيع العالقات مع موسكو. نحن نرى أن هذه املنطلقات يمكن أن تكون نفسها التي ستدفع بقوة أكبر نحو البحث عن حل للخالف مع إيران بشأن ملفها النووي ،ومن أجل فتح الباب أمام التعاون األمني معها باعتبار أن باريس وطهران لهما الرغبة نفسها في محاربة اإلرهاب. المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
43
قصة الغالف
تستطلع آراء املختصني: تساؤالت ملا بعد 7يناير :ملاذا بات العنف بديال للحوار؟ ..وأي خيارات للمستقبل؟
رؤية للسياسة الفرنسية اخلارجية والداخلية سالم كواكيب :يتعني على الغرب إيقاف املقتلة السورية إلنقاذ نفسه من اإلرهاب س�ل�ام ك��واك �ب��ي ،ب��اح��ث ف��ي ال �ش��ؤون ال �س �ي ��اس �ي ��ة ون� ��ائ� ��ب م ��دي ��ر م � �ب ��ادرة اإلص �ل ��اح ال �ع ��رب ��ي ،ي� ��رى ف ��ي ح��دي�ث��ه ل�ـ«امل�ج�ل��ة» أن أح ��داث ب��اري��س اإلره��اب �ي��ة ستدفع بالدبلوماسية الفرنسية إل��ى «ت�ش��دي��د موقفها الداعي إلى استئصال اإلره��اب ومسبباته بعيدا عن التحليالت التي تربطه فقط بعوامل داخلية مثل االندماج والصعود االجتماعي» .ويرى الباحث أن تركيا ستكون الشريك املفترض أن تعتمد عليه فرنسا ،لكونها بوابة الدخول والخروج للمتشددين املتوجهني إلى سوريا والعراق أو العائدين منهما.
> كيف ستكون انعكاسات ما حصل في باريس على ت��وج�ه��ات السياسة الخارجية الفرنسية وتعاطيها مع موضوع اإلرهاب؟
إن ما وقع في باريس ،وال��ذي يمكن أن يتكرر،بلباس دي�ن� ٍ�ي ،أح��دث صدمة م��ن أع�م��ال إره��اب�ي��ة ٍ كبيرة ف��ي املجتمع ال�ف��رن�س��ي .وق��د انعكس ذلك م��ن خ�ل�ال امل �ش��ارك��ة ال�ج�م��اه�ي��ري��ة ال�ض�خ�م��ة في مسيرة التضامن مع حرية التعبير ،وذلك بمعزل عن وجود بعض مجرمي الحرب على هوامشها، مثل اإلس��رائ�ي�ل��ي نتنياهو ال��ذي ف��رض حضوره بكل صفاقة رغم الطلب الرسمي الفرنسي له أال يحضر .من جهة أخرى ،تأثر الجسم السياسي ّ ب�ق��وة ب�ه��ذا ال�ح��دث وت��وض�ح��ت الرغبة ف��ي إظهار لحمة وطنية بعيدا عن التجاذبات السياسية فور
وق ��وع ال �ح��دث ع�ل��ى األق ��ل .وب ��دا أن الدبلوماسية الفرنسية ّ عززت من موقفها الداعي إلى استئصال إرهاب ومسبباته بعيدا عن التحليالت السطحية التي تربطه فقط بعوامل داخلية متعلقة باالندماج وبالصعود االجتماعي.
> من هي الجهات التي يمكن أن تتعاون باريس م�ع�ه��ا ج��دي��ا ف��ي م��وض��وع م�لاح �ق��ة وم �ح��ارب��ة اإلره ��اب ول�ت�لاف��ي ت�ك��رار م��ا ش�ه��دت��ه العاصمة الفرنسية من مشاهد رعب لم تعتد عليها؟
ف��رن �س��ا ت�ن�ب�ه��ت إل ��ى أن �ه��ا س �ت��واج��ه اإلره � ��ابب��االع �ت �م��اد ع �ل��ى ذات �ه ��ا وع �ل��ى ب �ع��ض ح�ل�ف��ائ�ه��ا األوروب �ي�ين بمعزل ع��ن القطب األميركي املتردد واملنسحب واملستقيل ،إال من االستعراض .كما أنها تعرف بأن حليفها املوضوعي ملواجهة هذا اإلرهاب يكمن في أنقرة .وبالتالي ،فإنها ستتوجه غالبا إليه لتعزيز التعاون األمني االستراتيجي. وهذا يتطلب فهما وقبوال بالنظرة التركية ملآالت املنطقة التي ينطلق منها اإلره��اب�ي��ون أو تنطلق أفكارهم الظالمية من تاللها .والعمل مع تركيا على مراقبة عبور وتمويل وتسليح هذه الجماعات اإلره��اب�ي��ة كما مساعدة تركيا على ح��ل أزمتها ُ ال �ك��ردي��ة ب�ط��ري�ق��ة ت��رض��ي األط� ��راف ك��اف��ة وت�ح��ل ال�س�لام ب�ين طرفي امل�ع��ادل��ة .وأخ �ي��را ،فتح املجال أمام تعزيز الحوار في ما يتعلق بانضمام تركيا إلى االتحاد األوروبي.
سمري تويين :على السلطات الفرنسية وضع اسرتاتيجية جديدة للتعامل مع التطرف إن العمليات اإلرهابية التي تعرضت لها باريس خالل النصف األول م��ن شهر يناير (ك��ان��ون الثاني) الحالي س�ت��ؤدي إلى ردود فعل عليها في السياسة الداخلية والخارجية لفرنسا. غير أن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الفرنسية تجاه الشرق األوس��ط ودول شمال أفريقيا لن تشهد تغييرا ،فهي سياسة تقليدية ت�ع��ود إل��ى عهد الرئيس ش��ارل دي�غ��ول .وف��ي ه��ذا اإلط��ار زاد التصلب الفرنسي تجاه النظام السوري ،ومحاربة اإلرهاب هي أولوية في مقاربة أزمات املنطقة ،وباريس مصرة على عدم إعطاء بشار األسد أي فرصة لتحقيق تقدم لقواته في ظل عدم وجود حلول واضحة للصراعات الكبيرة في الشرق األوسط .فاملهم هو القضاء على الفراغ الذي مأله «داعش». ومن ناحية أخرى ،ستقوم تعزز الخارجية الفرنسية بتعزيز تعاونها مع دول الخليج وتركيا وفتح قنوات إضافية مع ال�ع��راق ،فيما عادت املياه إلى مجاريها مع مصر .وستكون باريس أكثر حرصا على حماية االستقرار الداخلي من تداعيات أزمات املنطقة واستجالب تبعاتها إلى شوارع مدنها. أما بعد هجمات باريس في 7يناير ،فيعود على السلطات الفرنسية وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع اإلرهاب محليا وأوروبيا ودوليا، وفي السياق نفسه يفترض بها أن تبلور سياسة جديدة للتعامل مع املسلمني األوروب�ي�ين الشباب املتجهني إلى مناطق الصراع في الشرق األوسط أو الذين عادوا منها بأفكار راديكالية. وأي استراتيجية جديدة ستعتمد على حماية الحدود األوروبية وجمع أكبر معلومات ممكنة بواسطة التعاون مع الدول اإلقليمية وأهمها تركيا التي يمر بها املتطرفون للدخول أو الخروج من سوريا بهدف مجابهة التهديد األمني الداخلي والخارجي.
حسناء الداودي :أظهرت هذه االعتداءات للرأي العام الفرنسي والدولي فراغا أمنيا واضح املعالم ت�ع�ت�ب��ر االع � �ت� ��داءات اإلره ��اب �ي ��ة ال �ت��ي ض��رب��ت باريس بمثابة محنة ما زلنا نعيش تداعياتها لوقت طويل .فعلى املستوى الشخصي ،كون مرتكبي ه��ذه ال�ج��رائ��م البشعة أعلنوا ت�ج��اوزا وع��دوان��ا انتماءهم لإلسالم كان صدمة كبيرة لي ،حيث تولدت لدي قناعة قوية بأن هذه األحداث ستخلف عواقب سلبية على صورة وواقع املسلمني في فرنسا .وما يزيد من قناعتي أن هذه األحداث األليمة وغير املسبوقة في تاريخ فرنسا الحديث وقعت في ظ��روف سياسية واجتماعية تتميز بتنامي اإلسالموفوبيا وتفشي االعتداءات العنصرية. على صعيد آخر ،ومن بني العبر التي استخلصتها من هذه األح��داث ،أن املجموعات اإلرهابية التي كانت تهدد 42
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
فرنسا عبر شبكات التواصل االجتماعي قد استطاعت تحقيق بعض أهدافها اإلرهابية عبر قتل صحافيني من مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة وأفراد من الجالية اليهودية الفرنسية وعناصر من الشرطة الفرنسية ،وبذلك نجحت في خلق جو من الخوف والترقب الذي ستكون له ،وفق ما أعتقد ،انعكاسات سلبية على التعايش السلمي داخل املجتمع الفرنسي .لقد بدا لي بوضوح أن هذه الشبكات تراهن على أنه كلما زادت حدة التوتر داخل املجتمع كثر املرشحون إلى االلتحاق بصفوفهم. م��ن ج�ه��ة أخ ��رى ،أظ �ه��رت ه��ذه االع� �ت ��داءات ل �ل��رأي ال�ع��ام الفرنسي والدولي فراغا أمنيا واضح املعالم بني مختلف أجهزة األم��ن األوروب�ي��ة ،كما أظهرت صعوبة في ترقب
وم �ت��اب �ع��ة ال �ع �ن��اص��ر امل�ش�ت�ب��ه ف ��ي ان �ت�م��ائ�ه��ا ل�ل�ش�ب�ك��ات اإلرهابية. بعد ه��ذه األح ��داث األل�ي�م��ة ب��دأت األس�ئ�ل��ة امللتهبة تطرح نفسها بجدية داخل املجتمع الفرنسي .ومنها على سبيل املثال :كيف يمكن لهذا املجتمع أن يحمي ويحصن نفسه ضد النزعة اإلرهابية التي أصبحت تطال شريحة من شبابه؟ كيف يمكن ل��ه أن يحافظ على وح��دت��ه وتناغم مكوناته وتعايشها بسالم تحت سقف واحد؟ ك ��ل ه ��ذه األس �ئ �ل��ة غ �ي��رت م ��ن م�ل�ام��ح اإلش �ك��ال �ي��ة ال�ت��ي تعيشها فرنسا وفرضت على واقعها مقاربة جديدة قد تؤثر بوضوح على الخيارات السياسة للفرنسيني في االستحقاقات االنتخابية املقبلة.
االخوان سعيد وشريف كواشي
في األسابيع األخيرة ،وعى الغرب أنه دخل «مرحلة جديدة» شعارها «الحرب غير املتوازنة» .وتقوم هذه الحرب بني الدولة وأجهزتها «الكالسيكية» من جهة، و«عدو» غير محدد من جهة أخرى. إذن هي ليست حربا باملعنى الكالسيكي للكلمة ،وال هي نزاع يتواجه فيه طرفان؛ بل إن الطرف املقابل يمكن أن يكون أي أحد .ولذا ،املخاوف كبيرة من تكرار العمليات اإلرهابية ،ومن أن تكون املجتمعات الغربية قد «فرخت» كثيرين من أمثال األخوين كواشي أو أحمدي كوليبالي.
3آالف مشروع ارهابي يقول املسؤولون الفرنسيون إنه يتعني عليهم مراقبة ما ال يقل عن 3آالف شخص يمكن ألي منهم أن يتحول غدا إلى مشروع إرهابي .ومن بني هؤالء 1400فرنسي أو مقيم على األراضي الفرنسية على عالقة بشكل أو بآخر بالتنظيمات املتطرفة في سوريا والعراق وبعضهم شارك في ذبح غربيني أو حاول القيام بعمليات انتحارية فضال عن املشاركة في املعارك .ولذا ،فإن أولوية األولويات متابعة هؤالء ووضع اليد على كل من يعود منهم إلى فرنسا بالتعاون مع بلدان االتحاد األوروبي وتركيا وغيرها ،إضافة إلى منع املزيد من التوجه إلى ميادين املعارك ،سواء أكانوا كبارا أم أحداثا. لكن املشكلة أن التعاون األمني ما زال قاصرا ،وأن الوسائل املادية واإلنسانية غير كافية ملواجهة هذا الكم الكبير جدا من األشخاص «الخطيرين» .لذا ،ثمة
إجماع اليوم على أن أعماال إرهابية ممكنة غدا أو بعد غد ،وأن هناك صعوبة بالغة لتحديد املكان الذي سيضرب فيه اإلرهاب .أبعد من العمليات اإلرهابية األخيرة ،يطرح سؤال أهم وأشمل ويتناول موقع اإلسالم والجاليات املسلمة في املجتمعات الغربية ،خصوصا في أزمنة األزم��ات االقتصادية .وليس من باب الصدفة أن كاتبني فرنسيني (أريك زمور وميشال هولبيك) أصدرا أخيرا كتابني محور كل منهما األساسي يدور حول اإلس�لام وتالؤمه مع القواعد الديمقراطية وقدرة املسلمني على التأقلم وتقبل القيم الغربية ومنها العلمانية والحريات الشخصية وعلى رأسها حرية املرأة .األول ،عنون كتابه «االنتحار الفرنسي» والثاني «الخضوع» .األول ،يبكي سلفا على ضياع «الهوية» الفرنسية ،والثاني يتصور ب�لاده وق��د أصبح على رأسها رئيس مسلم يطبق فيها الشريعة اإلسالمية. من نافلة القول إن العمليات اإلرهابية توفر الوقود لكل أصحاب النظريات العنصرية الذين ينظرون لإلسالم واملسلمني من فوق ،كما تغذيها االنطواءات الطائفية والبؤس االجتماعي الذي يصيب املهاجرين أو املنحدرين من أصول أجنبية أفريقية أو عربية ..لكن املسؤولية ليست في جانب واح��د؛ بل إنها تقع على الطرفني ،وفي نظرنا على النخب املثقفة ،وعلى األوساط االجتماعية امليسورة داخل الجاليات املسلمة أو املهاجرة .ذلك أن مسؤولية هؤالء مزدوجة؛ إذ إن عليهم أن يلعبوا دورا تثقيفيا تجاه الجاليات التي ينحدرون منها ،ومن جانب آخر ،تقع على كاهلهم مهمة أن يكونوا همزة الوصل بني املجتمعات التي يعيشون فيها والتي يعرفون حساسياتها ورم��وزه��ا ألن أكثريتهم الساحقة من الجيل الثاني أو الثالث ،وب�ين بيئتهم األول��ى .وال�ح��ال ،أن هذا الدور غائب ومغيب. لن يستهجن أحد أن يشعر املسلمون أنهم مستهدفون بالتشريعات والقوانني واإلجراءات التي ستتخذها العواصم الغربية في األسابيع املقبلة لدرء تكرار األعمال اإلرهابية .وما جرى في الواليات املتحدة األميركية عقب عمليات سبتمبر (أي�ل��ول) 2001أبلغ دليل على ذل��ك ،رغ��م أن املجتمعات األوروبية «غير جاهزة» للتخلي عن نمط عيشها والقبول بـ«أي شيء» .بيد أن املخاوف، رغم ذلك ،تكمن في أن تكون لإلجراءات الجديدة نتائج معكوسة؛ بحيث إنها ستغذي عقدة الشعور باالضطهاد وتدفع مزيدا من املهمشني إلى االنطواء أكثر فأكثر ،وربما إلى التماهي مع الذين التحقوا أو يلتحقون بالتنظيمات املتطرفة. لذا ،من واجب الحكومات أن تكون أكثر ح��ذرا ،وأن تحارب بالقوة نفسها، حملة الفكر العنصري كما تحارب حملة الفكر املتطرف<
رسام الكاريكاتير لوز خالل انعقاد اجتماع التحرير باملجلة الساخرة الفرنسية شارلي أبيدو
املسيرات «املليونية» في باريس خرجت للدفاع عن حرية التعبير وإبراز إرادة الوقوف بوجه التطرف
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
41
قصة الغالف
تراجع االحتقان الشعبي بدرجات بعد العمليات اإلرهابية التي شهدتها فرنسا فيما بني 7و 9يناير (كانون الثاني) ،2015ليفسح املجال أمام تساؤالت عميقة حول حقيقة ما جرى ودوافعه والتحوالت التي يشهدها املجتمع الفرنسي .ولعل أبسط سؤال وأعمقه هو ما طرحه مواطن عادي ال يدعي الخبرات االستراتيجية وال التحليل العسكري واألمني .السؤال :كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟ وتتمة سؤاله جاءت كالتالي :كيف أن شبابا ولدوا في فرنسا وتعلموا في مدارسها وعاشوا في مجتمعها وصلت بهم األمور إلى درجة ارتكاب أعمال إرهابية لم تعرف البالد مثيال لها منذ الحرب العاملية الثانية؟
باريس تنظر لـ 5ماليني مواطن مسلم بعني الريبة ..وتضع 3000منهم تحت املراقبة
أبعد من عملية «شارلي»
باريس: ميشال أبو نجم
يقول املسؤولون الفرنسيون إنه يتعني عليهم مراقبة ما ال يقل عن 3آالف شخص يمكن ألي منهم أن يتحول إلى مشروع إرهابي
املسيرات «املليونية» التي عرفتها باريس واملدن والقرى الفرنسية جاءت «تاريخية» إن لجهة وجود 50رئيس دولة وحكومة وعشرات ال��وزراء وممثلي ال��دول ،أو لجهة ن��زول جحافل املواطنني الجرارة إل��ى ال �ش��وارع م��ع رس��ال��ة واح ��دة« :أن��ا ش��ارل��ي» ،وم�ض�م��ون م ��زدوج :ال��دف��اع عن حرية الكلمة والحرية بشكل عام من جهة ،وإب��راز إرادة الوقوف بوجه اإلرهاب من جهة أخرى .لكن كل الضجيج اإلعالمي والسياسي الذي رافقها اضمحل كفقاعات الصابون ،ألنه لم يجب عن السؤال األساسي أو أجاب جزئيا .مشكلته أنه بقي عند القشور ولم يغص إلى الجذور .ثم كرت سبحة الترهات وعادت الحسابات السياسية إلى واجهة األح��داث :شعبية الرئيس فرنسوا هوالند ارتفعت ،فهل يعني أن أسهمه للبقاء في قصر اإلليزيه عقب االنتخابات الرئاسية املقبلة عام 2017قد ارتفعت أيضا؟ من الرابح ومن الخاسر؟ كيف سيتموضع اليمني الكالسيكي بني االشتراكيني واليسار من جهة واليمني املتطرف من جهة أخرى؟ هل ستتأثر سياسة فرنسا الخارجية بما حدث؟ وكيف ستتعامل مستقبال مع البلدان التي يقال إنها تدعم التشدد؟ ما بني القشور والجذور ،وقف رجل لم تعرف عنه ط��راوة العود أو ضعف الشكيمة .وم�ن��ذ أق��ل م��ن 3أع ��وام ،التصقت ب��ه ،رغ��م ان�ت�م��ائ��ه إل��ى ال�ح��زب االشتراكي ،صورة الرجل األقرب إلى اليمني منه إلى اليسار ألنه حمل دائما راية القانون والنظام ودافع عن ضرورة وجود الدولة بكل أجهزتها ومقوماتها على كل سنتيمتر من أراض��ي الجمهورية الفرنسية .لقد كان هذا الرجل، رئيس الحكومة الفرنسية الحالي ووزي��ر الداخلية السابق األكثر جرأة في وضع األصبع على الجرح الدامي والجهر بحقيقة يريد كثيرون إخفاءها وعدم االعتراف بوجودها والتستر عليها ..مانويل فالس كان يعي أن كالمه الفج سيحدث صدمة لدى كثيرين يمينا ويسارا ،لكنه لم يتردد ولم يراوغ؛ إذ قال فالس لدى استقباله الصحافيني ظهر 19يناير« :إن أحداث األيام األخيرة بينت الكثير من األوج��اع التي تضرب بلدنا والتحديات التي يتعني علينا مواجهتها .وإلى جانب كل ما نعرفه ،علينا أن نضيف االنقسامات والتوترات الكامنة منذ زمن طويل ،التي ال نأتي على ذكرها إال نادرا؛ ومنها دفع بعض الفئات إلى خارج املدن وقيام غيتوات وممارسات التمييز االجتماعي والعرقي واإلقليمي التي تصيب من ال يحمل اس��م العائلة املرغوب فيه أو ليست له السحنة (املطلوبة) أو لكون الشخص املعني امرأة».
تمييز عنصري كان لهذا الكالم األول من نوعه الصادر عن الشخص الثاني في هرم السلطة التنفيذية وق��ع القنبلة ،ألن��ه يعني أن فرنسا تعيش حالة تمييز عنصري وحكوماتها تمارس سياسة الفصل العنصري بني من هو قادم إليها من الخارج وبني مواطنيها بناء على الدين واللون واملوقع االجتماعي .وبالطبع 40
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
ث��ارت ثائرة من لم «يهضم» كالما من هذا النوع .لكن فائدة قوله أكبر من الضرر املترتب على إعالنه؛ إذ إنه يبني وبشكل ص��ارخ مكامن الخلل في املجتمع الفرنسي وبعض األسباب التي أفضت إلى ارتكاب أعمال إرهابية همجية في وضح النهار وفي عاصمة األنوار. مهما أراد املحللون أن ينحوا بالالئمة على األفكار والنزعات املتطرفة القادمة من وراء الحدود ،إال أنهم لن يستطيعوا طمس حقيقة أولية قوامها أن انجرار بعض الشباب إلى الحركات املتطرفة والتحاقهم بها في سوريا والعراق واليمن أو في بلدان الساحل األفريقي ،ال يمكن فصله عن فشل الدولة في دمجهم في املجتمع وتلقينهم القيم والقواعد التي يقوم عليها .والسبب الرئيسي لذلك ما أشار إليه رئيس الحكومة ،أي السياسات املتبعة للحكومات املتعاقبة في فرنسا يمينا ويسارا التي تخلت عن مسؤولياتها وسمحت بقيام «غيتوات» منغلقة على نفسها شكلت «بيئة حاضنة» لنوع جديد من املتشددين أو اإلرهابيني الذين يتجلببون برداء الدين الذي ال يعرفون عنه الكثير. املعلومات الوافية التي توافرت عن األخوين كواشي املنحدرين من عائلة جزائرية واللذين ارتكبا مقتلة مجلة «شارلي إيبدو» ،وعن أحمدي كوليبالي، املالي األص��ل ،ال��ذي قتل شرطية و 4أشخاص في املتجر اليهودي ،تبني أن جميعهم من الهامشيني وصغار الرعاع الذين مروا في السجون .وما يصح عليهم يصح على مهدي نموش ال��ذي ارت�ك��ب ف��ي الربيع املاضي مقتلة املتحف اليهودي في بروكسل وقبض عليه في مدينة مرسيليا، أو على محمد م��راح ال��ذي اغتال قبل عامني 4عسكرية وهاجم مدرسة يهودية في مدينة تولوز .كل ه��ؤالء وكثيرون غيرهم من الذين التحقوا بالتنظيمات املتطرفة ف��ي س��وري��ا ك��ان��وا يعيشون على ه��ام��ش املجتمع ال��ذي لم يساعدهم على االن�خ��راط .وما دفعهم إلى اختيار طريق العنف األعمى كرههم ملجتمعهم وشعورهم أنهم «غرباء» عنه؛ األمر الذي استغله دعاة التطرف على شبكة اإلنترنت ووسائل التواصل االجتماعي ،ناهيك بالسجون وف��ي بعض األح�ي��ان املساجد التي يشرف عليها متشددون يحملون أفكارا متطرفة. بالطبع ،هذا التوصيف غرضه فقط تشخيص الداء وليس البحث عن «أسباب تخفيفية» لعمليات إرهابية ي��راد إلصاقها بالديانة اإلسالمية .لكن وجه الخطورة ،إلى جانب ميل بعض األوساط إلى الخلط عمدا أو جهال بني الدين اإلس�لام��ي واألع�م��ال اإلرهابية ،أن ه��ذا النوع من التطرف يصعب احتواؤه والتغلب عليه ،فالحرب القائمة بني املتطرفني واملجتمعات الغربية هي من نوع جديد لم تتعود عليه املجتمعات الغربية املنفتحة وال تتوافق معه القوانني املرعية اإلجراء .ولذا ،ال يمكن حسمها ال سريعا وال أمنيا؛ بل تحتاج إلى وقت طويل وإلى خطط تربوية واجتماعية واقتصادية فضال عن إجراءات وتدابير أمنية وتشريعات جديدة تحافظ على نقطة ال�ت��وازن بني ال�ض��رورة األمنية والحاجة للمحافظة على الحريات والحياة الخاصة للمواطنني.
الدول الصناعية املنافسة على مستوى العالم وبحاجة إلى اليد العاملة ،كما أنها تعتمد على األسواق الخارجية ،وسياساتها قائمة على االنفتاح .أما فيما يتعلق بالحديث عن «أسلمة» أملانيا ،فهو أمر ال ينطبق على واق��ع هذا البلد الذي يبلغ عدد املسلمني فيه 5ماليني نسمة ،معظمهم من األتراك ،من أصل نحو 81مليونا ،ولكن بعد الفوضى التي عمت املنطقة العربية وظهور الفكر التكفيري ،أصبح هذا األمر ذريعة في يد هؤالء لتوظيفها من أجل شن حملة على املسلمني بشكل عام. ويبدو أن املسؤولني األملان يخشون تصاعد موجة تأييد «بيغيدا» ،التي وجهوا إليها انتقادات قاسية ،معتبرين أنها تعكس صورة خاطئة عن بالدهم وقيم التسامح والتنوع التي تقوم عليها .وتجد املستشارة األملانية أنغيال ميركل نفسها محرجة بني حلفائها وخصومها ،ولم يمنعها ذلك من دعوة األملانيني، ألن «ي��دي��روا ظهورهم لهذه الحركة وزعمائها» ،واصفة إياهم بـ«عنصريني تملؤهم الكراهية» ،منبهة إلى شعور عام بالقلق ،وشاركت ميركل وعدد من املسؤولني األملان ،على رأسهم الرئيس األملاني يواكيم غوك ،واملستشارة األملانية أنغيال ميركل ،ونائبها سيغمار غابريال ،ووزراء آخرون ،بينهم وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير ،في مظاهرة حاشدة مضادة لـ«بيغيدا» ،في 13يناير املاضي ،نظمتها جمعية «املجلس املركزي للمسلمني» و«رابطة الجالية التركية» في برلني« ،من أجل أملانيا منفتحة ومتسامحة ومع حرية الدين والرأي» أمام بوابة براندبورغ ،واعتبرتها الصحافة األملانية حدثا تاريخيا ،واصفة إياها بـ«تظاهرة برلني اإلسالمية» .وفي فرنسا وصفت زعيمة «الجبهة الوطنية» الفرنسية ،ماري لوبان ،جريمة باريس باعتبارها «آيديولوجيا قاتلة» ،ودعت إل��ى التوقف عن النفاق في التعامل مع اإلس�لام األص��ول��ي ،وقالت إن دوره��ا يتمثل بتجاوز حدود الخوف ،وأضافت أن هذا الحادث يجب أن يحرر الحديث والتعبير عن اإلسالم األصولي وعدم الوقوع في براثن الخوف ،والتزام الصمت، وداعية الفرنسيني أال يبقوا «مالئكة» ،حسب تعبيرها! ،ومعتبرة ما حدث عملية إرهابية باسم اإلسالم الراديكالي ،مطالبة بـ«أن تكون فرنسا في حرب ضد األصولية اإلسالمية» ،بل وداعية إلى إجراء استفتاء على العودة للعمل بعقوبة اإلعدام .وصرح نائبها فلوريان فيليبو إلذاعة «آر تي إل» ،أن «أي شخص يقول إن اإلسالم األصولي ال عالقة له بالهجرة ،يعيش على كوكب آخر» ،وتشير االستطالعات املبدئية إلى أن ماري لوبان قادرة على الحصول على 30في املائة من األصوات في االنتخابات الرئاسية عام 2017في فرنسا. وق��د يكون مصادفة ص��دور رواي��ة الكاتب ميشيل ويلبيك في ي��وم الجريمة نفسه ،ولكنها ليست مفصولة عن سياق ثقافي يسيطر على امليديا الفرنسية، فالرواية التي أطلق عليها اسم «استسالم» كتحوير سطحي لإلسالم تتحدث ع��ن وص��ول مسلم محمد ب��ن ع�ب��اس إل��ى رئ��اس��ة فرنسا ع��ام ،2022وه��ذا
الكاتب ال يكف عن تحقير املسلمني ووصفهم بـ«األغبياء» و«اإلس�لام أسوأ الديانات التوحيدية» .وقد سبقه الصيف املاضي «أريك زمور» اليهودي املغربي األصل ،الذي طالب عالنية بطرد املسلمني من فرنسا ،وجاءت مضامني كتابه «االنتحار الفرنسي» حافلة بشيطنة الوجود اإلسالمي في فرنسا ،حيث وجه الدعوة إلى وقف هجرة املسلمني وأطلق على تلك العناصر القادمة من أصول غير فرنسية بأنها «تسونامى ديموغرافى» ،مؤكدا أن 7ماليني مسلم في فرنسا يشكلون أكبر عدد من املسلمني في أوروب��ا يهددون النقاء العرقي، خصوصا في ظل اإلحصاءات التي أشارت إلى أن 30في املائة من الزيجات في فرنسا مختلطة .وتمتزج هذه الثورة الفكرية بقلق الجماهير بشأن تبني مئات املسلمني الفرنسيني لألفكار املتشددة ،وسفرهم لالنضمام إلى مقاتلي تنظيم داعش في العراق وسوريا ،ويخشى مسؤولو أمن من أن يعود هؤالء لشن هجمات في فرنسا. وفي بريطانيا أعلن زعيم حزب االستقالل اليميني املتطرف ( ،)UKIPنايجل فرج ،إن أوروبا تدفع ثمن التعددية الثقافية لعشرات السنني .وإن هذا التسامح سمح لألقليات املختلفة الحفاظ على ثقافتهم واإلح�ج��ام ع��ن االن��دم��اج في املجتمعات األوروبية ،وطالب برفع أدوات وآليات رقابة الالجئني واتخاذ سياسة حازمة بشأن سياسة اللجوء بشكل عام ،يذكر هنا أن استطالعا للرأي أجرته في اليوم املوالي شركة «يو -جوف» أظهر ارتفاعا في دعم الجمهور له حيث قفز من 4في املائة إل��ى 18في املائة في ظ��رف 4أي��ام بعد جريمة «شارلي إيبدو» .وصرح لشبكة «فوكس نيوز» األميركية أن املهاجرين أقاموا «غيتوز» (معازل) في كبريات املدن األوروبية ،تمارس فيها طقوس ومشاعر وقوانني دينية ،ال تقوى السلطات على منعها .وق��د سبق للزعيم اليميني أن حمل مسؤولية أح��داث باريس لـ«طابور خامس» من املسلمني الذين يعيشون في معازل اجتماعية ال يدخلها غير املسلمني ،وتمارس فيها كثير من الطقوس املخالفة للقوانني الوطنية من قبيل زواج القاصرات ،وختان اإلناث ،والتقاضي طبقا ألحكام الشريعة اإلسالمية ،وهو ما دفع البعض التهامه بانتهاج مواقف ال تراعي الحساسيات .وكانت منظمة «حملة أمل ال كراهية» البريطانية املناهضة للعنصرية ،قد ذكرت في تقرير صدر قبل أحداث باريس ،أن بريطانيا ،التي يبدو أنها تشهد انقساما في الحركات اليمينية التقليدية ،تشهد تناميا في صفوف النازية الجديدة بني الشباب .وق��ال أحد املشاركني في إع��داد تقرير «ال�ك��راه�ي��ة» ال�س�ن��وي ،ماثيو ك��ول�ن��ز ،إن مجموعة «ال�ع�م��ل ال��وط�ن��ي» اليمينية الصاعدة هي أول مجموعة بريطانية تصرح بهويتها وأهدافها النازية ،وتقوم ببث الدعاية املناهضة لليهود واملسلمني واملهاجرين .ومن املرجح أن توظف هذه املجموعة أحداث باريس الستنهاض الرأي العام البريطاني ضد اإلسالم واملسلمني أوال ،ومن ثم ضد اليهود وغيرهم من املهاجرين. وفي إسبانيا ،دعا مانويل كاندويال ،زعيم حزب الديمقراطية الوطنية اليميني املتشدد ،ال��ذي يعتبر هو املعادل اإلسباني للجبهة الوطنية في فرنسا ،في تدوينه على صفحته في «فيسبوك» إلى «سياسة ترحيل» جديدة ،مضيفا« :إن أوروبا لألوروبيني» ،وفي السويد تم إحراق 3مساجد في األسابيع األخيرة. وزعيم حزب السويد الديمقراطي ،يامي أكسون ،وصف اإلسالم ليس كالخطر األكبر على السويد منذ الحرب العاملية الثانية ،بل كخطر على دول��ة الرفاه السويدية .وفي هولندا قفز التأييد لـ«حزب الحرية» الهولندي اليميني املتطرف املناهض لإلسالم بزعامة غيرت فيلدرز ،إلى أعلى مستوياته في أكثر من عام بعد جريمة باريس .وقال فيلدرز ،إن الغرب في «حرب» مع اإلسالم ودعا إلى اتخاذ إج��راءات صارمة .وأظهر استطالع للرأي نشر في 11يناير الحالي، ونشرته صحيفة «دي هوند» أن 80في املائة من املشاركني يرون أن من غادروا هولندا «للجهاد» في سوريا يجب أن يجردوا من الجنسية ،بينما يجب أن يواجه من يعودون من القتال في سوريا أو العراق أحكاما بالسجن ملدد طويلة. ورغم حرص املسؤولني األوروبيني على التمييز بني العناصر اإلرهابية وبني العرب واملسلمني اآلخرين ،والحديث عن إسالم راديكالي وآخر معتدل ،فإن مزايدات اليمني املتطرف ،قد تدفع الحكومات األوروبية املتشكلة من توليفة من أحزاب الوسط يمينا ويسارا ،إلى تبني أطروحات اليمني العنصري وانتهاج مزيد من التشدد تجاه املهاجرين واملسلمني في أوروبا ،على صعيد اإلجراءات األمنية والسياسية ،خصوصا مسألة فرض قيود على اإلقامة والهجرة إلى البلدان األوروبية <
قال نصر الله: لو قام مسلم ونفذ فتوى اإلمام الخميني بإهدار دم سلمان رشدي ملا تجرأ اليوم أحد من هؤالء السفلة على أن ينالوا من الرسول
حسن نصر الله
المجلة /العدد 1603كانون الثاني -يناير 2015
39
قصة الغالف
إذا كانت جريمة «شارلي إيبدو» الفرنسية، كما وصفها نصر الله كفرا وتكفيرا ،فماذا يمكن اعتبار فتوى الخميني وما ترتب عليها من قتل بعشرات الناس
املستشارة انجيال ميركل
38
فقد شهدت باريس ومدن فرنسية عدة ،في 11يناير الحالي ،مسيرة رسمية وشعبية حاشدة تحت شعار «الوحدة من أجل الجمهورية» ،شارك فيها ما ال يقل عن 3.7مليون شخص وأكثر من 40من قادة وزعماء العالم ،للتنديد بهذه الجريمة النكراء ،في تعبئة «استثنائية» ومسيرة «تاريخية» ال مثيل لها في تاريخ فرنسا سوى مسيرة تحرير باريس من االحتالل النازي بزعامة الجنرال ديجول عام .1944 ويبدو من املؤكد أن تتصدر ق��وى وأح��زاب اليمني األوروب��ي املتطرف قائمة الرابحني من عملية «شارلي إيبدو» اإلجرامية ،إذ إن دعايته األساسية القائمة على العداء للمهاجرين على خلفية تباطؤ األداء االقتصادي ،تكتسب تبريرا لعنصريتها الزاعقة ،خصوصا بني الشرائح االجتماعية األدن��ى في أوروب��ا. ويمكن أن تكون الجريمة لحظة مفصلية بالنسبة لقوى اليمني املتطرف املعادية للمهاجرين واإلس�لام .فقد أخذت الحركات القومية والشعبوية تصعد عبر القارة ،وفي األيام التي أعقبت الهجوم ،سعى اليمني املتطرف من إسبانيا إلى أملانيا مرورا بفرنسا ،إلى استغالل جريمة «شارلي إيبدو» وركوب موجتها. وعلى الرغم من أن منفذي جريمة «شارلي إيبدو» كانا مواطنني فرنسيني ي�ن�ح��دران م��ن أص��ول ش�م��ال أفريقية ،ف��إن ال�ح��ادث استغل م��ن قبل البعض الذين سعوا إلى تصويره باعتباره مشكلة تعزى إلى الهجرة .ويبدو أن اليمني املتطرف يرى فرصة في تفشي مناخ الخوف والقلق الذي يمكن أن يعزز تحامله املزمن ضد املهاجرين املسلمني ودعواته إلى تشديد األمن ووضع حد للهجرة. وسيحاول اليمني املتطرف االصطياد في مياه حادث باريس اإلرهابي العكرة، فهذه األح��زاب تقتات وتكسب تأييدا متزايدا جراء تلك الحوادث التي تصب الزيت على النار ،وهي تدرك أنها فرصتها الستقطاب املؤيدين إلى خطابها اليميني املتطرف والنفخ في كير الكراهية والعنصرية ضد املهاجرين واملسلمني منهم تحديدا .وهذا ما يضع قرابة نحو 35مليون مسلم يعيشون في أوروبا في عني العاصفة ،فالقوى اليمينية املتطرفة في فرنسا ،مثال ،ترى أن العرب واملسلمني ليسوا فرنسيني بما فيه الكفاية ،ولن يكونوا كذلك ،وأنهم جسم غريب دخيل على النسيج االجتماعي الفرنسي ،برافده الديني والحضاري، وأنهم جماعة متطرفة تريد فرض معتقداتها الدينية على املجتمع الفرنسي، وصقل هويته على هواها. وفي كل أنحاء أوروب��ا ،يمكن أن تستفيد القوى واألح��زاب املعادية لإلسالم من االستنكار ال��ذي أثارته جريمة باريس لكسب مؤيدين ج��دد لها ،بعدما وجدت عنوانا جامعا هو تهديد «األسلمة» ،ويغذي هذه املوجة أيضا «اإللهام» الذي شكلته شعبية حركة « PEGIDAوطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب» «بيغيدا» في أملانيا ،بعدما رفعت شعار معاداة «أسلمة أوروب��ا» .بدأت حركة «بيغيدا» األملانية تحركاتها املعادية للمسلمني في خريف العام املاضي من مدينة دريسدن ،عاصمة والية ساكسونيا في شرق أملانيا .وجاءت جريمة «ش��ارل��ي إي�ب��دو» الفرنسية ،ليكون سببا إضافيا في تكثيف تحركات هذه الحركة ومحاولة زيادة عدد مؤيديها والتوسع نحو مناطق أملانية ودول أوروبية أخرى .واستطاعت هذه الحركة التي اعتادت التظاهر كل يوم اثنني ،أن تحشد في مظاهرتها الـ ،12في 12يناير املاضي ،نحو 20ألف مشارك ،وتثير أجواء قلق وخوف بني األقلية األملانية املسلمة التي تقدر بنحو 4.3ماليني نسمة. وي�ع��رف ع��ن م�ن��اص��ري «ب�ي�غ�ي��دا» أن�ه��م ينتمون بشكل أس��اس��ي إل��ى الطبقة الوسطى ومشاغبي كرة القدم اليمينيني املتطرفني والنازيني الجدد ،إضافة إلى مواطنني من مدن أملانية مختلفة ،ويشكل العداء للعرب واملسلمني قاسما مشتركا بينهم ،وبرز أخيرا تأييد أعضاء حزب «أي إف دي» (البديل ألملانيا) للحركة ،فقد وصف ألكسندر غاوالند ،أحد زعماء هذا الحزب ،مؤيدي «بيغيدا» بـ«الحلفاء الطبيعيني» .ويعرف «البديل األملاني» بأنه حزب يميني معارض لالتحاد األوروب��ي ،وتتقاطع مطالبه مع مطالب الحركة لجهة تشديد شروط الهجرة .ووفقا ملجلة «دير شبيغل» األملانية ،فإن الحركة اتبعت أسلوبا جديدا ملهاجمة أعدائها من األجانب واملسلمني ،مأخوذا من عبارات وأساليب دعائية اتبعها الزعيم النازي أدولف هتلر ملهاجمة أعدائه .وقالت املجلة إن «من املالحظ أن العبارات املستخدمة لذم األجانب مقتبسة من أقوال سابقة لهتلر ،وقريبة من دعايته». وتمثل «بيغيدا» جذبا كبيرا ومتزايدا في أملانيا ضد ما يعرف في أوس��اط الجمهور األملاني بـ«العجز» أو عدم رغبة السياسيني في كبح الهجرة اإلسالمية
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
احد عناصر اليمني املتطرف يصعد فوق إشارة مرور ضوئية وسط برلني ضمن احتاجات نظمتها مجموعة من أقصى اليمني برو دويتشالند تحت شعار «اإلسالم ال ينتمي إلى أملانيا» في شهر رمضان املاضي (غيتي)
إلى الدولة .وحسب استطالع أجرته مجلة «دير شبيغل» في ديسمبر (كانون األول) املاضي ،فإن ثلث األملان يؤمنون أن أملانيا تعيش حالة أسلمة ،وإن ثلثي املستطلعة آراؤهم يعتقدون أن الحكومة ال تقوم بما يكفي لتهدئة هذه املخاوف، فأملانيا هدف الهجرة الثاني الكبير في العالم بعد الواليات املتحدة ،وقد قبلت عددا كبيرا من طلبات اللجوء في 2014لنحو 200ألف شخص أغلبهم من العراق وسوريا ،وثمة شعور قوي لدى األملان بأن اإلسالم يشكل تهديدا .إذ أش��ارت دراس��ة أجرتها مؤسسة «برتلسمان» األملانية في نوفمبر (تشرين الثاني) املاضي ،إلى أن أكثر من نصف األملان ( 57في املائة) يعتبر اإلسالم تهديدا وأن 61في املائة يرون أنه غير منسجم مع العالم الغربي .وأكد معدو الدراسة أن حالة العداء ال تنتشر على هامش املجتمع ،بل في الطبقة الوسطى، وبني أحزاب اليسار واليمني الوسطي ،كما أن 46في املائة من طالب الجامعات عبروا عنها أيضا. وبعد حادث باريس صرحت «بيغيدا» أن مأساة باريس أثبتت استحالة قبول الالجئني مفاهيم الديمقراطية وقبول اآلخر املختلف عقائديا وفكريا ،وفشل مشروع التعددية الثقافية التي نادت بتطوير أسسته املستشارة أنغيال ميركل، وغيرها من القادة الديمقراطيني في أوروبا .وقالت الحركة على صفحتها في «فيسبوك» ،إن «اإلسالميني ،الذين ظلت (بيغيدا) تحذر منهم على مدار الـ12 أسبوعا املاضية ،أثبتوا اليوم في فرنسا أنهم غير قابلني للديمقراطية ،ولكنهم يعتمدون على العنف والقتل كخيار» .وتساءلت «بيغيدا»« :هل يجب أن ننتظر أن تحصل مثل هذه املأساة في أملانيا؟». وعلى الرغم من تأكيد «بيغيدا» أن هدفها هو الدفاع عن املبادئ «اليهودية - املسيحية» ،فإن شعاراتها ال تدعو فقط إلى عدم «أسلمة الغرب» بل تتعداها إلى رفض استقبال املهاجرين وطالبي اللجوء ،معتبرة أن األجانب يهيمنون على فرص العمل في البالد ويتسببون بفقدانهم لوظائفهم ،وبالتالي زيادة نسبة البطالة في أوس��اط الشعب األمل��ان��ي .ويطالب مؤيدو «بيغيدا» الشعب األملاني بـ«أن يستفيق للخطر الذي يمثله املتطرفون اإلسالميون» ،كما يدعون الحكومة لتقييد حركة الهجرة إلى البالد ،متهمني السلطات بالتقاعس في تطبيق القوانني .وما ساهم في زيادة هذه املخاوف ،انتشار ظاهرة اإلرهاب والتطرف في أوروبا ومغادرة أعداد من املواطنني للقتال في صفوف الجماعات املتطرفة في كل من سوريا والعراق ،وفق ما أكدته تقارير االستخبارات األملانية، مشيرة إلى مخاوف من عودتهم وتنفيذهم اعتداءات. وما يدحض أيضا كل ادعاءات «بيغيدا» ،أن املجتمع األملاني يصنف على أنه «هرم» إلى حد ما ،ومن املقدر أن ينخفض عدد السكان في عام 2050إلى 60 مليون نسمة ،مما يسمح ألملانيا باستقبال ما يزيد على 500ألف مهاجر سنويا ،وال سيما أنها تعتبر االقتصاد األكبر في القارة األوروبية ،وهي من
الكبرى غير مشمولة بهذا التعاون ،وهي :الجزائر ،ومصر ،ونيجيريا ،بسبب حرصها على اإلبقاء على نوع من االستقاللية وحرية القرار ،وألن أي مغامرة عسكرية جديدة ستؤدي ،كما قال رئيس الوزراء الفرنسي األسبق ،دومينيك دوفيلبان ،إلى مزيد من الكوارث .ففرنسا لن تستطيع االستمرار في حرب استنزاف طويلة ،ألن الوقت ليس في صالحها ،وألن مقاتلي الصحراء من الطوارق وغيرهم ال ينظرون إلى الزمن برؤية الغرب املدجج بالسالح نفسه .ومن هذا املنطلق ،فإن السياسة الفرنسية تتأرجح بني الحل العسكري الستئصال الحركات املسلحة في ليبيا ،وهو حل غير واقعي ،وبني الحل السياسي الذي تنادي به الجزائر التي ترعى مفاوضات طويلة وشاقة بني مختلف أطياف املشهد امل��ال��ي ،التي تشجع أيضا األط��راف الليبية املتناحرة على املصالحة الوطنية الشاملة من دون أي تدخل خارجي. وفي املشرق العربي تبنت فرنسا مقاربة مختلفة لإلرهاب والحركات الجهادية الفاعلة في املشرق العربي ،فرضتها ظروف املنطقة امللتهبة (خصوصا منذ اندالع الثورة السورية ،في مارس (آذار) ،)2011ومحددات املصلحة الوطنية الفرنسية .غداة انطالق الثورة السورية ،ترددت الواليات املتحدة والدول الغربية في اتخاذ مواقف تصعيدية ضد النظام ال�س��وري ،وراه�ن��ت ،بداية ،على من كانت تعتبره «رئيسا إصالحيا» ،ليستجيب للمطالب الشعبية وينهي األزمة السياسية .سارت فرنسا على هدي الغرب في أول شهرين من عمر الثورة السورية ،لكنها تمايزت عنه ،وعن الجميع أيضا ،مطلع مايو (أي��ار) ،2011 بسلسلة تصريحات تصعيدية ض��د األس ��د ،تحدثت ع��ن ج��رائ�م��ه وفقدانه الشرعية .نظرت فرنسا للثورة السورية مدخال إلعادة تعزيز حضورها في املشرق العربي عامة ،بعد أن ساهمت تفاهمات األس��د مع القوى اإلقليمية والدولية في تحييد دوره��ا وتحجيمه في ساحات ع��دة ،أب��رزه��ا لبنان .لكن فرنسا ك��ان��ت ت��درك التشابك الجيوستراتيجي ف��ي س��وري��ا ،فانضمت إلى املساعي الجماعية (املبادرات العربية والدولية ،جنيف )2لحل األزمة ،وإحداث التغيير في سوريا .وبخالف سياساتها في دول ومناطق أخرى ،سعت فرنسا ما أمكن ملنع األسد من استثمار تنامي نفوذ الحركات الجهادية في سوريا، إلعادة تأهيل نفسه طرفا مقبوال دوليا .ولتحقيق ذلك ،احتضنت باريس ،في 12يناير ،2014مؤتمرا ملجموعة أصدقاء سوريا ،قبل انطالق مؤتمر جنيف ،2وضغطت مع دول أخرى ،كالسعودية وقطر وتركيا ،ليؤكد بيانه الختامي على أن «النظام السوري هو الذي يغذي اإلرهاب ،ويجب أن ينتهي هذا النظام، حتى نتخلص من اإلرهاب». وبعد صعود تنظيم الدولة وسيطرته ،في 10يونيو ،2014على مدينة املوصل ال�ع��راق�ي��ة وم�س��اح��ات واس�ع��ة ف��ي ال �ع��راق وس��وري��ا ،نجح ال��رئ�ي��س الفرنسي،
فرنسوا هوالند« ،ظاهريا» ،في خلق دينامية إقليمية ودولية ملواجهة تنظيم «داعش» ،وفقا للوعد الذي قطعه أمام السفراء الفرنسيني ،منتصف أغسطس املاضي ،وردده مرارا منذ ذلك التاريخ ليكمل حلقة «عودة فرنسا» إلى ساحة الدبلوماسية الدولية .وإذا كانت الواليات املتحدة استبقت فرنسا في امليدان العسكري ،عبر تدخل الطيران األميركي في العراق وكردستان ،منذ مطلع أغسطس امل��اض��ي ،ف��إن ه��والن��د أخ��ذ زم��ام امل�ب��ادرة السياسية ب��إط�لاق فكرة تنظيم مؤتمر دولي حول األمن في العراق ،وجاءت الزيارة التي قام بها هوالند إلى العراق ،في 12سبتمبر املاضي ،وإعالن باريس ،في أول أكتوبر (تشرين األول) املاضي ،إرسال 3طائرات مقاتلة من طراز «رافال» إضافية ،في قاعدة «الظفرة» الفرنسية في دولة اإلمارات ،التي تنطلق منها املهام االستطالعية أو الضربات الجوية التي تستهدف مواقع تنظيم «داعش» في األراضي العراقية، ونشر فرقاطة مضادة للطائرات في الخليج ،في إطار تعزيز التدخل العسكري الفرنسي في العراق ،كخطوات مكملة للدور الذي تحاول فرنسا أن تؤديه داخل التحالف الجديد ،طامحة بذلك إلى فرض نفسها كشريك أساسي للواليات املتحدة بدل الشريك األوروبي التقليدي؛ أي بريطانيا ،التي أعلنت أنها لن تشارك في عمل عسكري في سوريا. ولم تنتظر السلطات الفرنسية طويال للتالقي مع دعوة أوباما لتشكيل تحالف دولي للقضاء على «داعش» ،ال بل كانت من أوائل الدول التي أبدت استعدادها لقيادة هذا التحالف إلى جانب واشنطن ،على الرغم من التحفظات الناجمة عن التجارب السابقة مع واشنطن ،ووفقا العتبارات داخلية تخص كل بلد، فالدوافع للمشاركة متعددة يعود بعضها إلى ضرورة عدم الوقوع ثانية في ما يراه خبراء «القرار الخطأ» ،الذي اتخذه الرئيس األسبق ،جاك شيراك ،والذي عارض الحرب على العراق في عام ،2003مع أن العالم يدرك جرأة وأهمية ذاك القرار في ذلك الوقت .إال أن قرار شيراك كلف فرنسا سنوات من العقوبة لم تنته آثارها وفصولها كليا حتى اليوم .وأدى القرار املذكور إلى استبعاد فرنسا عن الترتيبات السياسية التي حكمت العراق منذ الغزو األميركي عام ،2003 وبعضها حرم فرنسا من فرصة الدخول إلى السوق االقتصادية العراقية، وبالتالي م��ن عقود إع��ادة إع�م��ار ال�ب�لاد .وي�ع��ود الحماس الفرنسي ملواجهة «داعش» ،إلى الخوف من تمدد التنظيم ،وتهديد األمن اإلقليمي والدولي .كما قال هوالند إن «أوروبا غير بعيدة جغرافيا عما يحدث في الشرق األوسط»، وك��ون ب�لاده هي واح��دة من ال��دول الغربية التي ينطلق منها الجهاديون إلى سوريا والعراق. وعلى الرغم من احتضانها مؤتمرا للتحالف الدولي ،في 14سبتمبر ،2014 فإن باريس رفضت املشاركة في قصف «داعش» ضمن األراضي السورية، مخافة أن يستفيد نظام األسد من ضربات التحالف ،ويطرح نفسه شريكا واقعيا في محاربة «اإلره��اب» .ولكن العواصم الغربية التي أخذت العبرة من الحرب في أفغانستان ،بدعمها تنظيم «القاعدة» الذي انقلب عليها ،تعرف اآلن أن ض��رب «داع��ش» في العراق ال يكفي للقضاء عليه إذا لم يجر ضربه في سوريا ،ومن الصعب على فرنسا ،التي كانت في طليعة الدول املطالبة بإسقاط نظام األسد ،أن تقبل إشراكه بالتحالف .وردا على نداءات وجهها دبلوماسيون سابقون وخصوم سياسيون وحلفاء فرنسا إلع��ادة العالقات مع الرئيس ال�س��وري بشار األس��د ،خصوصا في مجال االستخبارات ،ق��ال هوالند إن «األسد وأعضاء (داعش) عدو واحد» ،مضيفا أن« :األسد مسؤول عن مأساة سوريا ،وال يعتقد أحد بأنه يستطيع توحيد شعبه بعد مذابح .وال يمكن أن يكون البديل :األسد أو اإلرهابيون» .وكانت فرنسا استبعدت توجيه ضربات إلى «داعش» في سوريا ،حيث تقدم باريس عتادا وتدرب جماعات املعارضة «املعتدلة» ،بحجة أن ضرب املتشددين سيكون في صالح الحكومة السورية.
في كل أنحاء أوروبا يمكن أن تستفيد القوى واألحزاب املعادية لإلسالم من االستنكار الذي أثارته جريمة باريس لكسب مؤيدين جدد له
اليمني املتطرف واختطاف جريمة «شارلي إيبدو» قد ال يكون في األم��ر مبالغة القول إن جريمة باريس اإلرهابية في 7يناير الحالي ،ضد مجلة «شارلي إيبدو» ،التي أودت بحياة 12من محرري املجلة ،هي بحق زلزال أمني وسياسي وثقافي ،سوف تظهر تداعياته تباعا ،على غرار ما عاش العالم من تداعيات بعد هجمات 11سبتمبر 2001في الواليات املتحدة،
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
رسام الكاريكاتير الدنماركي كورست فيسترجارد
37
قصة الغالف
وعليها -مع حلفائها وأشياعها -إثم تأسيسه وذنب تصديره ،فهم صانعوه بعالماته املميزة وماركاته املسجلة.
ملاذا فرنسا؟ ..التدخالت
وصفت زعيمة «الجبهة الوطنية» الفرنسية ماري لوبان جريمة باريس باعتبارها «آيديولوجيا قاتلة» ودعت إلى التوقف عن النفاق في التعامل مع اإلسالم املتشدد
محمد بويري املتهم بقتل املخرج الهولندي ثيو فان جوخ
36
قد يطرح البعض السؤال التالي :ملاذا فرنسا؟ واإلجابة ال تنصرف إلى تجاوزات مجلة «شارلي إيبدو» ورسوماتها االستفزازية وتطاولها البذيء على النبي محمد (ص) فحسب ،بل تنصرف إلى مجمل السياسات الفرنسية وتدخالتها العسكرية ،فعلى مدى السنوات الثالث املاضية ،احتل شعار «مكافحة اإلرهاب» أولويات السياسة الخارجية الفرنسية ،خصوصا في منطقة الساحل والصحراء األفريقية ومنطقة املشرق العربي ،إذ كان الحضور الفاعل في أفريقيا أولوية للحكومات الفرنسية على اختالف تصنيفاتها (يمينية أو يسارية) ،ولم تتوان لحظة عن استغالل كل الفرص املتاحة لتعزيز ه��ذا الحضور وتفعيله .ولم يقتصر ذلك على مستعمراتها السابقة فقط ،بل في كل الساحات املهمة جيو سياسيا .ولعل الثورة الليبية تعد أكثر األمثلة «الشارحة» هذا التدخل .فعلىالرغم من تحسن عالقاتها مع نظام القذافي ما قبل الثورة ،اتخذت باريس موقفا متقدما ضده ،ولعبت دورا محوريا تعدى املشاركة في التحالف الدولي إلى تزويد املعارضة الليبية وتسليحها ،ومساعدتها على حسم املعركة األخيرة في طرابلس .وبعيدا عن شعارات ومزاعم حماية املدنيني ودعم الثورة ضد نظام القذافي االستبدادي ،فإن املصالح الواقعية كانت وراء املواقف الفرنسية بالتدخل ،وهذا املصالح تتضمن في املقام األول التخلص من اإلرباك الذي سببه القذافي للسياسة الفرنسية في أفريقيا ،عبر مشاريع ومنح ومساعدات قدمها ألنظمة ودول فقيرة ،للحد من اعتمادها على فرنسا ،ولتنصيبه ملكا مللوك أفريقيا .وجرى التدخل الفرنسي تحت شعار «حماية املدنيني» ،واستنادا لقرار جامعة الدول العربية ومجلس األمن الدولي .لكن شعار «مكافحة اإلرهاب» عاد ليتصدر خطاب الدبلوماسية الفرنسية ،في التعامل مع األزمة الليبية وأزمات أخرى ،إذ اصطفت إلى جانب طرف بعينه في ليبيا ،وساندت قوى سياسية «علمانية» ف��ي ت��ون��س ض��د ق��وى اإلس�ل�ام السياسي وح��رك��ات متحالفة ،أو متصالحة ،معها ،كما كانت أولى الدول األوروبية التي تفهمت عزل الرئيس املصري السابق محمد مرسي بعد ثورة 30يونيو (حزيران) ،2013قادت فرنسا تدخال عسكريا دوليا في مالي وأفريقيا الوسطى ،بعد ق��رارات في مجلس األمن تحت الفصل السابع ،أجازته وشرعنته. وبعيدا عن تبريرات باريس وحججها (إع�لان إم��ارة إسالمية شمال مالي، وال�ف��وض��ى وال�ح��رب األهلية ف��ي أفريقيا ال��وس�ط��ى) ،ف��إن ع��وام��ل أخ��رى أكثر أهمية تفسر االنغماس واالن��دف��اع الفرنسي ،لتجديد تدخلها العسكري في أفريقيا؛ إذ كانت مصالح فرنسا االقتصادية حاضرة في تعاملها مع أزمة مالي ،خصوصا الستثماراتها في استخراج اليورانيوم ،وتمثل العامل األكثر أهمية في استعادة فرنسا نفوذها في مجالها الحيوي «االستعماري» ،بعد انحسار سببه اندفاع الواليات املتحدة في عهد جورج بوش االبن لالستثمارين، االقتصادي واألمني ،في القارة السمراء بهدف تنويع مصادر الطاقة ،وإقامة ق��واع��د عسكرية وق��وة تدخل سريع ملكافحة اإلره ��اب ،والقرصنة ،وحماية املمرات البحرية .في حني وجدت باريس في استراتيجية االنكفاء األميركية في عهد باراك أوباما فرصة سانحة لتعويض ما خسرته زمن بوش ،عالوة على ذلك ،أرق الحضور الصيني املتنامي ،وخصوصا في املجال االقتصادي واالستثماري ،صانع القرار الفرنسي طوال العقد املنصرم ،إذ عجزت الشركات الفرنسية الكبرى عن منافسة مثيالتها الصينية التي تقدم قروضا ومنحا للبلدان األفريقية ،ملساعدتها على استثمار ثرواتها ،بما يحقق منفعة متبادلة للطرفني ،بعد أن كانت الشركات الفرنسية تتعامل مع بلدان أفريقيا مصدرا للمواد الخام ،وسوقا للتصريف. ومن ثم ،انطلقت في سياسة هجومية تدخلية في أفريقيا ،ووظفت «مكافحة اإلره ��اب» وق ��رارات مجلس األم��ن ال��دول��ي إلع��ادة إح�ي��اء ن�ف��وذه��ا ،واستغالل حاجة األنظمة األفريقية إلرس��اء األم��ن واالستقرار وضمان بقائها ،بهدف إن�ع��اش اقتصادها ،عبر صفقات استثمارية طويلة األم��د .وعشية أح��داث «شارلي إيبدو» اإلرهابية في قلب باريس ،قرر وزير الدفاع الفرنسي ،جان إيف لودريان ،قضاء أعياد رأس السنة مع الجنود الفرنسيني في قاعدة عسكرية
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
رجل دين إيراني يشاهد توابيت وهمية تحمل العلم األميركي حيث حلت محل نجومها الجماجم والعلم اإلسرائيلي جنبا إلى جنب مع صور سلمان رشدي في معرض أقيم بمسجد اإلمام الخميني في طهران عام 2008
في إنجامينا ،في تشاد ،في بادرة رمزية قوية ،تثبت أن فرنسا عازمة على املضي قدما في انخراطها العميق باألزمات التي تعصف بالقارة األفريقية ،وفي محاربتها ملا تسميه باإلرهاب ،كما تؤكد أن السياسة الفرنسية في أفريقيا لم تتغير ،إذ ال تزال تحظى بإجماع سياسي داخلي منقطع النظير .وأمام 1100 جندي من بني 3000جندي تشملهم عملية «برخان» ،التي تستهدف «محاربة اإلرهاب» وكل أنواع التهريب والجريمة املنظمة ،كرر الوزير الفرنسي ما يطالب به كثير من القادة األفارقة ،بضرورة حصول تدخل دولي ملواجهة ما يسمى بالنشاط «الجهادي» في ليبيا ،الذي يرى فيه رئيس دولة النيجر ،محمد يوسف، تهديدا ملنطقة الساحل كلها .في حني يطالب الرئيس التشادي ،إدريس ديبي بشكل صريح ،من حلف شمال األطلسي التدخل في ليبيا «إلصالح ما دمره بعد إطاحته» بنظام القذافي .وقال لودريان إن «ما يجري في ليبيا ،في ظل الفوضى السياسية واألمنية ،ال يعني سوى إقامة مالذ إرهابي في املحيط املباشر للقارة األوروبية» ،مضيفا أن «املجتمع الدولي سيرتكب خطأ جسيما إذا ما بقي مكتوف األيدي أمام قيام مالذ لإلرهاب في قلب البحر املتوسط. هذا أمر ال يجب القبول به». لكن بعد أيام قليلة تحدث الرئيس الفرنسي فرنسوا هوالند ملدة ساعتني في إذاعة «فرانس إنتر» الفرنسية محددا موقف بالده من التدخل العسكري في األزمة الليبية وشروط التدخل املستقبلي .فقد استبعد هوالند فكرة أي تدخل عسكري فرنسي في ليبيا ،وقال إنه «يتعني أوال على املجتمع الدولي تحمل مسؤولياته والعمل على إطالق حوار سياسي مفتقد في ليبيا حتى اآلن ،وثانيا إع��ادة النظام» .وردا على إمكانية مشاركة فرنسا في تدخل محتمل لألمم املتحدة ،قال هوالند إن «مثل هذا التوجه ليس مطروحا في الوقت الحاضر». وأك��د ق��ادة اإلليزيه أن القوات الفرنسية املتمركزة في دول الساحل (تشاد، والنيجر ،ومالي) ستوجه ضربات ضد املسلحني وعصابات تهريب السالح في كل مرة يغادرون فيها مواقع اختبائهم (جنوب ليبيا) ،وهكذا استبعدت ب��اري��س سيناريو التدخل العسكري املباشر ف��ي ليبيا على امل��دى القصير مكتفية بمحاولة حصار امليليشيات املسلحة داخ��ل ليبيا .وتحاول فرنسا إظهار عملية «برخان» على أنها الجواب الحاسم على النشاط «الجهادي» ،وال تتوقف عن اإلشادة بمجموعة الخمسة (موريتانيا ،تشاد ،النيجر ،بوركينا فاسو ،مالي) ،التي تعتبرها نموذجا للتعاون لضبط حدودها .وفي هذا السياق، شرعت فرنسا في بناء قاعدة عسكرية كبيرة« ،ماداما» ،في شمال النيجر على بعد 100كلم من الحدود الليبية الجنوبية ،وقرب طريق رئيسي للتهريب إلى النيجر ومالي. لكن فرنسا تعرف محدودية دور هذه ال��دول ،خصوصا أن ال��دول اإلقليمية
لهذه املكونات ،أججت إيران الصراع املذهبي املوروث ،ولم يخف رئيس الوزراء العراقي السابق ،ن��وري املالكي ،القول إن «ال��ص��راع مع املكونات السنية في العراق مستمر منذ معركة كربالء ،وما يجري في العراق اليوم هو استمرار لهذه املعركة واالنتقام من املاضي» .هذه السياسة كانت العنصر األه��م في والدة التنظيمات اإلره��اب��ي��ة ف��ي ال��ع��راق ،خصوصا منها «داع���ش» التي ترد بخطاب مواز ،مساو له في القوة ومضاد له في كل االتجاهات ،وفي سوريا، دعمت إي��ران نظام بشار األسد العلوي ،وتعمدت إعطاء الحرب الدائرة فيها طابعا طائفيا ومذهبيا ،خصوصا من خالل إدخال «حزب الله» في املعارك واعتماده خطابا مذهبيا صافيا بأنه يدافع عن نظام ينتمي إلى األصل املذهبي نفسه .وفي اليمن ،ها هي إيران اليوم تنخرط في حرب أهلية بطابع مذهبي عبر دعمها لجماعة «أنصار الله» الحوثية (الزيدية) ،وقبل كل ذلك تمد إيران أذرع��ه��ا ف��ي البحرين وتستخدم املنطق الطائفي واملذهبي ف��ي مواقفها من األسرة السنية الحاكمة. وهكذا اجتمعت على بعض البلدان العربية أصوليتان محترفتان :الجهادية السنية التي تريد إقامة الخالفة ،ووالية الفقيه الشيعية التي تريد إقامة اإلمامة!، فوقع العرب ووق��ع اإلس�لام في قلب الصراع بني أسطورتني قاتلتني :واح��دة تريد إقامة دولة دينية متخيلة على النهج املذهبي السني ،وواحدة تستحضر اإلمامة الغائبة لتقديم زم��ان صنع السلطة املطلقة التي تستحضر عالمات القيامة ومالحمها.
مغالطات حسن نصر الله
صحف إيرانية تشير إلى فتوى الخميني باهدار دم رشدي
إلى عالقات أفضل». تنتهج إيران خطابا معقدا إلى حد ما ،يتوجه جانب منه إلى املنطقة وشعوبها بمفردات املظلومية واملؤامرة ومعاداة الغرب ،أما الجانب اآلخر فيستهدف الغرب وحكوماته تحت عنوان «املصالح املشتركة في مواجهة عدو واحد» .فالحديث املوارب ونصف املكشوف عن «اإلرهاب السني» سيستدعي لغويا وسياسيا مصالح مشتركة بني إيران والغرب ،فيما يخص محاربة «داعش» و«النصرة» في املشرق العربي ،مما يدفع التقارب اإليراني -الغربي عموما إلى األمام .هنا بالتحديد تتشابه حكومة خاتمي مع حكومة روحاني ،إذ ندد كالهما باألعمال اإلرهابية في 11سبتمبر 2001و 7يناير 2015نائيا ببالده عن فاعليها، ومذكرا الغرب بـ«العدو املشترك» الذي يواجهه الغرب وإيران. وفي الواقع ،فإن إيران تمارس خطابا مزيفا بادعائها محاربة اإلرهاب الناجم عن دور التيارات التكفيرية (السنية) .فهي تبالغ والتنظيمات الحليفة لها في الوحشية والهمجية التي يمارسها «داعش» وأشباهها .لكنها تتغافل عن دورها ودور حلفائها في ممارسة قتل ممنهج ال يقل وحشية عما تقوم به التنظيمات اإلرهابية .ليس مبالغة القول إن إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها هي الوجه اآلخر لـ«داعش» وأمثالها :في الخطاب اآليديولوجي وفي التحريض الطائفي واملذهبي وفي املمارسة العملية .ال تفيد الفجيعة على طرق القتل ،فالنتيجة لدى «داعش» وأشباهها ،وإيران وتنظيماتها ،هي واحدة :املوت. وتكشف السياسات واملمارسات اإليرانية أن لها ضلعا رئيسيا في انفجار اإلرهاب في املنطقة العربية راهنا ،سواء في تدخلها في العراق والهيمنة على مؤسساته السياسية واألمنية واملادية ،وممارستها عبر رجالها سياسة تمييز ضد املجموعات الطائفية األخرى والتصرف بطريقة إقصائية واستئصالية
في كلمة له خالل االحتفال بمناسبة ذكرى املولد النبوي الجمعة 9يناير ،2015 تعرض زعيم «حزب الله» حسن نصر الله فيها للهجوم الذي كان على مقر مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية ،وتسبب بقتل 12شخصا قبل يومني ،وقال ما مختصره :بسبب سلوك بعض الجماعات اإلرهابية والتكفيرية التي تنسب نفسها إلى اإلسالم وإلى رسوله ورايته ،والتي من خالل أقوالها وممارساتها الالإنسانية والوحشية ،أساءت إلى دين الله ورسوله وكتابه وإلى أمة املسلمني أكثر مما أساء إليه أولئك الذين اعتدوا على رسول الله من خالل كتبهم وأفالمهم ورسومهم ،بل أساءوا إليه كما لم يتم اإلساءة له طوال التاريخ .ومن ثم ،فقد دعا الدول اإلسالمية للتكاتف في مواجهة هذه الجماعات ،ألنها :تشكل تهديدا لشعوب املنطقة ولدولها وخريطتها ،وللدماء واألم��وال واألع��راض والكرامات واملصائر واملستقبل والحاضر. وإذا كانت جريمة «شارلي إيبدو» الفرنسية ،هي كما وصفها نصر الله كفرا وتكفيرا ،فماذا يمكن اعتبار فتوى الخميني وما ترتب عليها من قتل بعشرات الناس إال من هذا النوع ،إال إذا كان القتل واإلرهاب والتكفير بفتوى الخميني مرخصا ومرحبا به ومعتبرا سلوكا إنسانيا ،وما دون غيره إرهاب لألفراد والجماعات .فجريمة «شارلي إيبدو» ليست عملية إرهابية معزولة ومحدودة بإطار ردة فعل متشنجة دافعها حرص مزعوم على قيم الدين اإلسالمي ،بل إنها تندرج في إطار الحرب الجهادية العاملية ضد مراكز «االستكبار العاملي» وفقا ملصطلح الجهادية الشيعية اإليرانية ،أو «ب�لاد الكفر» وفقا للجهادية السنية. وإذا كانت إس���اءات من أس��اء للنبي محمد من كتب وأف�لام ورس��وم ال تبرر بالفعل ما فعله الشابان الفرنسيان من جريمة ،وخصوصا أن النبي ال يحتاج ملن ينتقم له كما أشارت التصريحات الرسمية اإليرانية ،فلماذا تكون مظنة االعتداء على قبر أو مقام من مقامات آل البيت الكرام في العراق وسوريا مثال مبررا لدخول امليليشيات الشيعية لقتل العراقيني والسوريني السنة واالعتداء على دمائهم وأعراضهم وأموالهم ،بزعم أن ذلك مقاومة وممانعة! بل وتهديد إيران نفسها بدخول قواتها العراق في حال اعتدت «داعش» على مقامات أئمة الشيعة هناك ،واعتبار ذلك «خطا أحمر» ال يمكنها السكوت عليه. إن من حيرة العقول واأللباب أن يتحول القتل واإلرهاب إلى مقاومة وممانعة عند السيد حسن نصر الله ،وعند اآلخرين إلى تكفير لإلنسان وتدمير لألوطان. وللتذكير وللتنبيه ،فإن التكفير ونغمته وفتاواه ومعه تصدير الثورة ،وتكفير حزب البعث العراقي ال السوري ،وتهديد شعوب املنطقة وخريطتها ليست شأنا جديدا ،بل هي قديمة كانت مع بدايات ثورة الخوميني ،وليس غيرها،
قبل ظهور نظرية صراع الحضارات وصعود أميركا كقوة عظمى وحيدة تم تعيني اإلسالم البديل الرئيسي للنظام الشيوعي كعدو للعالم الغربي والرأسمالية
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
صامويل هنتنجتون
35
قصة الغالف
زعم املستشار هيلموت شميت في أملانيا وروى جنكنز في بريطانيا أن من الخطأ االعتراف باملسلمني وقبول هجرتهم بأعداد كبيرة
املستشار هيلموت شميت
34
األم��ة بالشر ،ورغ��م ذل��ك يظل مصرا على ممارسة اإلن�ك��ار ،ويزعم أن��ه يريد باألمة الخير ويرغب في أن يجلب لها االنتصار ،وينتشلها من محنة الهزيمة واالنكسار .ال تدور اإلجابة بداية حول ماهية األدلة واألسانيد الفقهية إلصدار هذه الفتوى بقدر ما يدور حول ماهية األبعاد السياسية واآليديولوجية التي كانت تقف وراءها ،فمن الناحية الفقهية ،ال يوجد شيء اسمه فتوى صحيحة وفتوى خاطئة ،فالفتوى هي رأي فقيه بقضية ما .وفي العموم ،فإن الفتاوى غير ملزمة في اإلسالم ،لكن فتوى إهدار الدم في األصل موجودة عند الشيعة وليست موجودة عند السنة ،فعند الشيعة ،الفقهاء الكبار لهم مقلدون وكل فتوى عندهم تعتبر حكما .وبالتالي أتباع هذا الفقيه ،مثل أتباع الخامنئي أو السيستاني حاليا ،عليهم أن ينفذوا الفتوى التي يصدرها مهما كان نوعها، في حني أن الفتوى عند السنة غير ملزمة ،الحكم القضائي هو امللزم .بمعنى أن أي فتوى يصدرها أي عالم مهما بلغت أهميته عند السنة ،فاتباعها اختياري وال يستطيع أحد أن يلزم أحدا بفتوى معينة ،لكن في إطار «املزايدة» على ادعاء أئمة الشيعة «الغيرية» على اإلسالم عقيدة وشعوبا ،ظهر لدى السنة نوع آخر من أنواع التكفير وإراقة الدماء لدى السلفيني الجهاديني والسلفيني املتشددين، وهؤالء فتواهم ملزمة لهم. وفي الواقع لم تكن فتوى الخوميني ،بغض النظر عن صحتها من خطئها، دينية خالصة ،فثمة أبعاد سياسية وآيديولوجية في إصدارها ،فالخميني كان مستضعفا سياسيا وعسكريا -داخليا وخارجيا -وكان يريد التالعب بعواطف املسلمني لكسبهم إلى جانبه بعد هزيمته الكبيرة في الحرب ضد العراق ،التي قال عنها الخوميني إنه كان يفضل «تجرع السم» على أن يوقفها، لكن طيران العراق وصواريخه التي دكت املدن واملوانئ اإليرانية أجبرته على قبول وقف إطالق النار في 8أغسطس (آب) عام .1988وفي كل األحول ،فإن فتوى الخوميني لم تخدم اإلس�لام وقضاياه ،ألن��ه خلق ردود فعل عكسية وسلبية في املجتمعات األوروبية واألميركية والهندية ضد اإلسالم واملسلمني وش��وه��ت سمعة اإلس�ل�ام واملسلمني ف��ي العقد ال�ت��اس��ع م��ن ال�ق��رن امل��اض��ي، واستمرت هذه السمعة السيئة إلى يومنا هذا. لقد تلت إصدار الفتوة موجة كبيرة من العنف والتهديدات ضد أصحاب دور الطباعة والنشر واملترجمني في أنحاء مختلفة من العالم قامت بها جماعات إسالمية ،وقد تعرضت كثير من املكتبات ودور الطباعة إلى الحرق والتفجيرات، إذ لم تقتصر الفتوى على هدر دم الكاتب فحسب ،بل وكل مترجمي كتابه وناشريه مع تخصيص جائزة مليونية ملن يقتل الكاتب نفسه .وللتأكيد، فقد أعقب ذلك بشهور محاولة فاشلة الغتيال سلمان رشدي بواسطة كتاب مفخخ ،ح��اول تمريره عنصر من «ح��زب الله» يدعى مصطفى م��ازح ،وإنما انفجار الكتاب بشكل مبكر أدى إلى مقتل األخير وتدمير طابقني من الفندق الذي كان فيه .تبع ذلك قتل املترجم الياباني ،وفشل محاوالت عدة استهدفت املترجم اإليطالي والتركي والناشر النرويجي فيما بعد سواء بالطعن أو بإطالق الرصاص ،فضال عما رافق هذه الفتوى من موجة كبيرة من االحتجاجات والهجمات والتهديدات ل��دور الطباعة والنشر ،التي نتج عنها حرق وتفجير بعضها ومقتل العشرات بسبب ذلك .وقتل بعض املفكرين املسلمني وشرد بعضهم بسبب فتاوى املتشددين من السنة والشيعة ،ومن السنة أكثر من الشيعة ،فالكاتب املصري فرج فودة على سبيل املثال لم يمس بالنبي ،ولكنه كان مع القول بفصل الدين عن الدولة ،فهوجم كثيرا ،إلى أن استنتج واحد متطرف ،يقال إنه من اإلخوان املسلمني ،أن دمه مباح ،فقام بقتله في مصر في مطلع التسعينات املاضية ،إضافة إلى وجود عشرات الكتاب الذين أقيمت دعاوى عليهم ،مثل نصر حامد أبو زيد بدعوى أنه مرتد وينبغي تطليقه من امرأته .كما أدت الفتوى بهدر دم سلمان رشدي إلى أزمة بني لندن وطهران على مدى سنوات ،وفي محاولة للخروج من هذه األزمة ،تعهدت حكومة الرئيس اإليراني السابق محمد خاتمي 1998بعدم تنفيذ هذه الفتوى. وما يكاد سعير هذه الفتوى يخمد قليال حتى يعلو من جديد في مناسبات متتالية ،يتجدد معها التهديد والوعيد .فبمناسبة قيام صحيفة دنماركية بنشر رسوم ساخرة ومسيئة عن النبي عليه السالم أواخر عام ،2005أكد زعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في 31يناير (كانون الثاني) 2006 أمام اآلالف من أنصاره بمناسبة عاشوراء في الضاحية الجنوبية من بيروت: «لو قام مسلم ونفذ فتوى اإلمام الخميني الصادرة منذ 17عاما بإهدار دم
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
إيرانيات صغيرات يحملن الفتات تدعو لتنفيذ حكم اإلعدام الذي اصدره الخميني في حق رشدي
سلمان رشدي ملا تجرأ اليوم أحد من هؤالء السفلة على أن ينالوا من الرسول، ال في الدنمارك وال في النرويج وال في فرنسا» .قائال« :نحن مليار و400 مليون مسلم ال نتحمل أن يهني أحد نبينا ويقدمه بصورة كريهة كما قدمته هذه الصحف» .وفي فبراير 2007أعلنت حكومة الرئيس اإليراني محمود أحمدي نجاد أن «الفتوى ال تزال قائمة» .وقد تبع ذلك الحقا إعالن رجل الدين اإليراني أحمد خاتمي أن «فتوى اإلمام الخميني ال تزال سارية» .وفي منتصف سبتمبر (أيلول) ،2012رفعت املؤسسة الدينية اإليرانية «15خورداد» ،بحسب ما أعلن رئيسها حسن صانعي ،قيمة الجائزة املالية لقتل الكاتب البريطاني سلمان رشدي إلى 3.3مليون دوالر بعد األحداث التي أطلقها الفيلم املسيء لإلسالم .وكانت املؤسسة وضعت جائزة لقتل رشدي الذي أصدر قائد الثورة اإلسالمية في إيران آية الله الخميني في فبراير 1989فتوى أهدرت دمه ،داعية جميع املسلمني إلى قتل الكاتب بسبب كتابه «آيات شيطانية» الذي يعتبر رواية تجديفية .وقال صانعي« ،طاملا أن فتوى الخميني بهدر دم سلمان رشدي لم تنفذ ،فإن الهجمات (ضد اإلسالم) كما في هذا الفيلم املسيء للنبي ستستمر». ثم ،وبمناسبة نشر الفيلم الهولندي املسيء للرسول صلى الله عليه وسلم أيضا أواخر عام ،2012أكد املرشد األعلى للثورة اإلسالمية علي خامنئي مجددا على سريان الفتوى خالل مخاطبته حجاجا كانوا يستعدون للمغادرة إلى مكة املكرمة ،قائال إن «حكم اإلسالم حول مؤلف كتاب اآليات الشيطانية بحسب فتوى اإلمام الخميني التي قال فيها انه «حتى لو تاب وأصبح زاهد زمانه ،فإنه ثابت وال يمكن تغييره» .وأدى فيلم «براءة املسلمني» الذي صنع في الواليات املتحدة إلى مظاهرات عنيفة في عدة دول مسلمة ،من بينها اعتداء على قنصلية الواليات املتحدة في بنغازي قتل فيه السفير األميركي في 11سبتمبر .2012
الخداع اإليراني رغم هجوم وسائل اإلعالم القريبة من إيران على السياسات الغربية وسياسات الكيل بمكيالني و«الحرب الصليبية الجديدة» التي يتبناها الغرب ضد املسلمني، فقد كانت إيران من أوائل الدول التي أدانت جريمة «شارلي إيبدو» في باريس على لسان املتحدثة باسم وزارة الخارجیة اإليرانية ،مرضیة أفخم ،في يوم وقوعها .كما استغل «املجلس اإليراني -األميركي» ،وهو من مجموعات الضغط املؤيدة إليران فيأميركا ،الحادث اإلرهابي وأصدر بيانا بعده بساعات قليلة قال فيه حرفيا« :إن أميركا وإي��ران تواجهان ع��دوا واح��دا من (القاعدة) إلى (طالبان) إلى (داعش) وشبيهاتها من التنظيمات ،مما يتطلب العمل املشترك للقضاء عليها .إن أحداث يوم األربعاء (شارلي إيبدو) املأساوية هي تذكير إضافي لهذين البلدين (أميركا ،وإي��ران) للتفكير بصورة أكثر استراتيجية حول ضرورة التوصل إلى صفقة مربحة للطرفني لحل الخالف النووي وصوال
فالكرامة اإلنسانية ،واملساواة بني األفراد ،وعدم تمييز األعراق ،واألدب ودماثة الخلق ،كلها أمور يفرضها اإلسالم أو من املمكن قراءتها من خالله. لكن ثمة أمرين ثبت أنهما مثيران للنزاع بني املسلمني في أوروبا وغيرهم من األوروبيني ،وهما :مساواة النوع ،وحرية التعبير .فرغم اعتراض بعض املسلمني على مبدأ املساواة بني الرجل واملرأة ،نجد أن أغلبية املسلمني في أوروبا يؤيدون هذا املبدأ ،فهم يؤيدون تصويت املرأة في االنتخابات وشغلها للمناصب العامة دون معارضة من الذكور ،لكن القضايا املرتبطة بحرية التعبير أثارت غضب كثير من املسلمني ،وقوبلت برد فعل عنيف؛ إذ ال يسأل املسلمون عن قيمة حرية التعبير ،ولكن يسألون باألولى عن مجال هذا التعبير وحدوده ،وكثير من املسلمني يقيمون حرية الرأي والتعبير ليس على أسس آلية فحسب ،بل على أسس أخالقية أيضا.
الخميني يفجر الصراع بني اإلسالم والغرب قبل ظهور نظرية صراع الحضارات (صامويل هنتنجتون )1993على إثر
انهيار االتحاد السوفياتي عام ،1991وصعود الواليات املتحدة قوة عظمى وح�ي��دة ف��ي ال�ع��ال��م ،وتعيني اإلس�ل�ام أح��د ال�ب��دائ��ل أو البديل الرئيسي للنظام الشيوعي كعدو للعالم الغربي والرأسمالية األميركية ،أص��در املرشد العام األول للثورة اإليرانية آي��ة الله الخوميني فتوى في 14فبراير (ش�ب��اط) عام 1989ضد الكاتب البريطاني – الهندي األصل -سلمان رشدي ،الذي نشر رواية تحت عنوان «آيات شيطانية» ،والذي فيها استهزأ بآيات القرآن الحكيم وتعرض لشخص الرسول الكريم (ص) ،وقد أحدثت الرواية ضجة كبيرة في العالم العربي واإلسالمي ،وقد منع في وقتها ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية. إن التساؤل الذي يطرح نفسه اآلن ،وبعد مرور أكثر من ربع قرن على فتوى الخميني :هل كان حريصا على الذود عن اإلسالم حقا؟ وهل خدمت فتواه املسلمني أم أساءت إليهم؟! إن اإلجابة على هذا التساؤل ال تعني الرغبة في ادعاء الحكمة بأثر رجعي ،أو خلق تاريخ مواز أو بديل كنوع من الثرثرة األكاديمية على طريقة ماذا لو ،وإنما تعنى اإلجابة بالدرجة األولى بضرورة استخالص الدروس والعبر ،وكشف حقيقة املواقف واألدوار لتبيان من املتسبب في الخسائر واألضرار ،ومن أصاب
الفتاوى غير ملزمة في اإلسالم السني وعند الشيعة الفقهاء الكبار لهم مقلدون وكل فتوى تعتبر حكما
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
33
قصة الغالف
على عكس املتداول والشائع ليس هناك حضارتان تتوافر لديهما موجبات التقارب والتصالح أكثر من الغرب واإلسالم ،سواء بالقرب الجغرافي والتالقح الثقافي والحضاري أو في املشترك الديني التوحيدي ،أو في األصل الجنسي القوقازي ،أو في تكامل املصالح واملنافع ،لكن ،وربما لألسباب نفسها ،فإن الصدام بني الحضارتني كان هو ديدن وعنوان العالقات بينهما ،وقد ال يتسع املقام هنا لبحث الجذور التاريخية القديمة للعداء بني دول اإلسالم والبلدان األوروبية أثناء انتشار اإلسالم ،وأثناء الحروب والحمالت الصليبية واالستعمارية .لكن خالل الـ 30عاما املاضية زادت حدة الصدام والعداء على نحو ملحوظ ،ألسباب وموجبات مستجدة يتعلق بعضها بأوضاع وتطورات دولية ،وأخرى تتعلق بتطورات داخلية ومحلية ،داخل دول الغرب أو دول اإلسالم ،وهي وإن كانت تتسبب فيها تيارات هامشية ال تمثل التيار الرئيسي في كال الجانبني ،إال أنها باتت تعرقل إمكانية قيام عالقة إيجابية بينهما على نحو مستدام ،وبما يعكس روح العصر؛ حيث مجاالت التعاون على أرضية املصالح املشتركة هي السائدة، وقيم ومبادئ املشترك اإلنساني هي الغالبة.
فتوى الخميني بهدر دم مؤلف « آيات شيطانية » فجرت الصراع بني اإلسالم والغرب
دعاة اإلرهاب وحرية االستفزاز القاهرة:
أحمد دياب
خالل الـ 30عاما املاضية زادت حدة الصدام والعداء بني اإلسالم والغرب على نحو ملحوظ ،ألسباب وموجبات مستجدة
32
حتى العقد السابع والثامن من القرن الـ 20لم يكن ثمة عداء مفضوح ومفتوح ضد اإلسالم واملسلمني في املجتمعات الغربية مثلما يحدث اآلن بني الحني واآلخر .فعلى الرغم من أن املهاجرين بدءوا في التوافد على أوروب��ا منذ خمسينات القرن ال��ـ 20فصاعدا ليشغلوا الفراغ في سوق العمالة الصناعية ،فإنهم كانوا غير ظاهرين ثقافيا حتى سبعينات القرن الـ،20 وسياسيا حتى أواخ��ر ثمانينات القرن ال��ـ ،20وج��اء معظم ه��ؤالء املهاجرين بمفردهم ،قاصدين البقاء لسنوات عدة ثم الرجوع إلى وطنهم األصلي بمدخرات كافية تعطيهم بداية جيدة في الحياة ،لكن في اللحظة التي تخلى فيها هؤالء املهاجرون املسلمون عن خططهم وآمالهم في العودة إلى موطنهم األصلي، أح��ض��روا زوجاتهم وش��رع��وا في تكوين ع��ائ�لات ،وق��ام املهاجرون بتعريف هويتهم بوجه عام طبقا ملصطلحات «دينية – قومية» ،فكانوا مسلمني من باكستان والهند والجزائر واملغرب ،وليسوا مسلمني فحسب ،لكنهم اندمجوا في ثقافات أوطانهم األصلية .وشكل املهاجرون املسلمون مؤسسات ثقافية واجتماعية بجانب املؤسسات «الدينية – القومية» ،فقاموا ببناء املساجد التي تزايد عددها تزايدا كبيرا في سبعينات القرن الـ .20وأصبح املسلمون لهم وجود ثقافي ال ينكر وإن كان مصدر قلق عام في الدول األوروبية. لكن في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الـ 20وصاعدا ،أخذ املوقف منعطفا سياسيا .وذلك على خلفية بعض األحداث الدولية التي لعبت دورا هاما في تقوية اإلحساس بالهوية اإلسالمية مثل :الثورة اإليرانية عام 1979ضد حكم الشاة املدعوم من الغرب ،ومقاومة األفغان لالحتالل السوفياتي لبلدهم أواخ��ر عام ،1979تلك املقاومة التي وحدت املسلمني من مختلف القوميات، وصهرتهم في هوية مشتركة ،وأقنعت املسلمني في العالم أنهم استطاعوا أن يهزموا قوة عظمى .كما أن الغزو اإلسرائيلي للبنان عام ،1982وان��دالع االنتفاضة الفلسطينية األولى أواخر عام ،1987كلها أمور منحت املسلمني قضايا عاملية مشتركة وش��ح��ذت وع��ي األم��ة أو املجتمع اإلس�لام��ي العاملي، مما أدى إلى تشكيل الهوية اإلسالمية العاملية ،وقد أكد املسلمون في أوروبا أنهم جزء من املجتمع العاملي .وكانت حرب البوسنة في منتصف تسعينات القرن املاضي عالمة فارقة أخرى في تطور الوعي الذاتي للمسلمني وإدراكهم ألنفسهم .فقد كان للبوسنة سمتان متفردتان :فقد كانت البوسنة في الجزء الخلفي ألوروب��ا وتمثل لها أهمية خاصة ،فضال عن أن مسلمي البوسنة ال يختلفون عرقيا عن األوروبيني اآلخرين .ورغم التقارب الجغرافي والتشابه
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
العرقي واعتبارات املصلحة الذاتية ،لم تفعل الحكومات األوروبية شيئا يذكر لحماية املسلمني فحسب ،ولكنها أيضا منعتهم من الحصول على السالح من أي مكان آخر ،وقد اعتبر كثير من املسلمني أن هذا التصرف دليل على الالمباالة األوروبية ،والشعور بالنفور والكراهية تجاه املسلمني ،وكيف أن األوروبيني لم يكترثوا بحياتهم ،بل استحضر البعض اآلخر الكابوس املروع بأن األوروبيني بإمكانهم ارتكاب إبادة جماعية أخرى ضدهم إذا لم يأخذ املسلمون حذرهم. وفي الوقت الذي شرع فيه املسلمون في تعريف هويتهم سياسيا في إطار ديني منذ أواخر السبعينات فصاعدا ،أخذ األوروبيون يتساءلون عن كيفية إدماج املسلمني في املجتمع األوروبي وتحويلهم إلى مواطنني مخلصني ،اتخذ معظم الكتاب وبعض القادة األوروبيني وجهة النظر املتشائمة القائلة إن هذا االندماج مستحيل من الناحية العملية ،أو على األقل صعب للغاية .فقد زعم املستشار «هيلموت شميت» ف��ي أملانيا و«روي جنكنز» ف��ي بريطانيا ،أن من الخطأ االعتراف باملسلمني وقبول هجرتهم بأعداد كبيرة .فاإلسالم من وجهة نظرهم غير ديمقراطي على نحو متأصل ،واملسلمون في أوروب��ا ال يمكن أن يثقوا في املؤسسات الديمقراطية املحترمة ،هم يقدمون في أحسن األحوال إخالصا به كثير من التحفظات لهذه املؤسسات .وبما أن املسلمني ميزوا مصطلح «األمة» عن الدول الوطنية ،فإن اهتمامهم بالقضايا اإلسالمية العاملية أكثر من اهتمامهم بقضايا مواطنيهم املباشرين ،وال يمكن أن نثق بهم بصفتهم مواطنني صالحني. وفي حني توجد جماعة صغيرة من الشباب املسلم الساخط ،نجد أن األغلبية الكاسحة من املسلمني في أوروبا لديهم سجل جيد في املحافظة على القانون والوالء للبلد الذي استقروا فيه .وحتى عندما تعرض املسلمون لتمييز سافر، مثل :عدم السماح لهم ببناء املساجد في أجزاء من إيطاليا واليونان ،أو تجاهلت ال��دول��ة تمويل مدارسهم بنفس الطريقة التي تمول بها م���دارس املسيحيني واليهود في بريطانيا ،كان رد فعل املسلمني إما بالصبر على الضرر الذي يلحق بهم أو االحتجاج بطريقة سلمية ،لكنهم لم ينددوا بقانون البلد ،فضال عن أنهم يحافظون على كرامتهم وكبريائهم في البلد الذي استقروا فيه ،وفي العموم أظهر املسلمون احتراما للمؤسسات الديمقراطية ،فقد شاركوا في االنتخابات املحلية والوطنية ،ووقفوا كمرشحني في انتخابات كثيرة نزيهة ،والتحقوا باألحزاب السياسية القائمة ،ووافقوا على قرارات األغلبية .وال يجد املسلمون صعوبة في التعايش مع كثير من القيم وامل��م��ارس��ات األوروب��ي��ة األساسية،
أرشيف
صورة ارشيفية لغالف مجلة «املجلة» العدد رقم 338اغسطس سنة 1409 /1986هـ وكانت «املجلة» التقت امللك سلمان بن عبد العزيز أثناء زيارته إلى لندن بمناسبة افتتاح معرض «الرياض بني األمس واليوم» .وخص خادم الحرمني الشريفني (أمير الرياض آنذاك) «املجلة» بحديث مطول حول طموحاته املستقبلية.
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
31
من القلب
مملكة البحرين لن تنسى أبدا مآثر امللك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ،رحمه الله ،ليس فقط ملا بني البلدين الشقيقني وبني القيادتني الحكيمتني ،والشعبني في اململكة العربية السعودية وفي مملكة البحرين من عمق الروابط الروحية والتاريخية واألخوية ،وليس فقط لعمق اإلدراك املتبادل للمصير املشترك وللحاجة املتزايدة لتعزيز التضامن والتعاون والتنسيق ملواجهة التحديات التي تشهدها املنطقة فحسب ،ولكن أيضا ملا كان يمثله الراحل الكبير من رمزية كبيرة ومن ثقل سياسي ومعنوي في املنطقة، وملا تميزت به مواقفه من الشجاعة والحكمة ،سواء على صعيد العالقات الخليجية -الخليجية أو على صعيد العالقات العربية العربية ،أو على صعيد السياسة الدولية ،تلك املواقف التي جعلت من اململكة العربية السعودية الشقيقة رقما مهما في السياسة الدولية ،يحسب له ألف حساب. وبالنسبة إلينا في مملكة البحرين ،فإن مكانة الراحل الكبير ،طيب الله ثراه ،هي من مكانة اململكة العربية السعودية في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا ،على كافة األصعدة؛ ألن الشقيقة الكبرى بالنسبة إلينا ليست مجرد جار تربطنا به وشائج التاريخ والدين واملجتمع واللغة واملصير املشترك فحسب ،بل هي قاطرة املنطقة بأكملها ومركز ثقلها وصمام أمانها ،وبوصلة األمن واألمان واالستقرار والنماء واالزدهار.
بقلم: د .ماجد بن علي النعيمي *
ولذلك لم يكن رحيل امللك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ،رحمه الله ،سهال على قلوبنا ونفوسنا كبحرينيني ،لقد كان حدثا جلال ،ألنه -رحمه الله -لم يكن عنوانا لوطنه فقط ،وإنما كان عنوانا ملجلس وللعالم العربي بأسره ،ملا تميزت به مواقفه من وضوح وصدق ومن رؤية التعاون لدول الخليج العربيةِّ ، طريق يقود إلى منجزات حضارية ،وإلى معاني املحبة والسالم ،حيث رصينة ،ومن حب للخير في كل ٍ تمكن خالل أعوام حكمه من إضافة لبنات من اإلنجاز الحضاري للمملكة وللمنطقة بأسرها ،ولذلك سوف يبقى في القلوب والعقول ذكرى طيبة عطرة. وسوف تبقى اململكة العربية السعودية -بفضل حكمة قيادتها في ظل خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه -بلد العزة والكرامة واإلنجاز ،من خالل نهج االعتدال ال��ذي تمثله ،ومن خالل مواقفها املبدئية تجاه القضايا العربية واإلنسانية ،والتي رسختها املواقف املبدئية للقيادة السعودية الحكيمة على مدى العقود الطويلة من عمر الدولة السعودية ،حتى أصبحت اليوم بوابة االستقرار ،ومركز الثقل االستراتيجي في املنطقة ،بل ومركز الثقة واالطمئنان بالنسبة لألشقاء عامة وبالنسبة ململكة البحرين خاصة ..حيث ال يخفى أن اململكة العربية السعودية ،ومنذ تأسيسها قد أرست دعائم حكمها على الثوابت ،لم تحد عن هذا النهج ،حتى في األزمنة الصعبة ،بالهدوء السعودي املعروف، وبالتواضع السعودي املعروف وبالحكمة السعودية املعروفة ،في ظل الحكم القائم على الثوابت الراسخة واملبادئ القيمة والرؤية الواضحة.
السعودية في القلب دائما
إن العالقات البحرينية السعودية كانت دائما نموذجا للعالقات املتميزة بني األشقاء ،بفضل توجيهات امللك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البالد املفدى وأخيه امللك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه ،وسوف تبقى بإذن الله تعالى عالمة مضيئة ونموذجا حيا لألخوة واملحبة والتضامن والتكامل في شتى املجاالت ،ومنها مجال التربية والتعليم الذي شهد إنجازا متميزا على صعيد التعاون املشترك والتكامل من خالل الشراء املشترك لسالسل عاملية متطورة لكتب الرياضيات والعلوم ملختلف املراحل التعليمية للبلدين الشقيقني ،إضافة إلى الدور املتميز للبعثات التعليمية السعودية التي يتم ابتعاثها إلى مملكة البحرين ،وتبادل البعثات الدراسية ،واألعداد املتزايدة من الطلبة الدارسني في الجامعات في كال البلدين الشقيقني. رحم الله امللك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وأسكنه فسيح جنانه ،فقد كان رمزا للحكمة وللوحدة والشجاعة ،وكان ملكا حكيما ورجل خير ومحبة وسالم .سائال الله تعالى لخادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ،رعاه الله ،كل العون والتوفيق والسداد ملواصلة مسيرة البناء والعطاء ،وحفظ اململكة العربية السعودية من كل مكروه ،سندا وعزا للعرب واملسلمني. * وزير التربية والتعليم في مملكة البحرين
30
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
امللك عبد الله بن عبد العزيز يحمل التوأم أولغا وتبدو شقيقتها داريا وقد جاءتا مع والدتهما لتقديم الشكر للمغفور له بعد نجاح عملية فصل التوأمني بنجاح في مدينة امللك عبد العزيز الطبية في الرياض برعاية كريمة من املغفور له عام ( 2007غيتي)
داخل الوطن وبني األديان والحضارات اإلنسانية» ،سائال الله تعالى أن يوفق امللك سلمان بن عبد العزيز ،واألمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ،واألمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ،ملتابعة مسيرة التنمية واإلصالح وتحقيق التقدم واالزدهار للشعب والوطن. بينما نعى املفتي العام ألستراليا الدكتور إبراهيم أبو محمد ،امللك عبد الله بن عبد العزيز ،معربا عن تقديره للدور الكبير الذي قام به الراحل في خدمة بالده وقضايا أمته العربية واإلسالمية .وأضاف« :إننا على ثقة أن اململكة برصيدها اإليماني وعظمة قادتها وأبنائها قادرة على تجاوز حالة الشعور بالفقد» .أما في العاصمة الهندية نيودلهي ،فقد عبر نائب رئيس مجمع الفقه اإلسالمي في الهند الدكتور بدر الحسن القاسمي عن بالغ حزنه في وفاة امللك الراحل ،وقال إن شخصية امللك عبد الله بن عبد العزيز كانت مثالية في تاريخ بالده؛ ألنه قام بدور رائع في بناء السعودية على أسس التقدم والحداثة ،وأشار إلى أنه نجح وفاز ونال هدفه في إنجاح وإنجاز املشروعات الضخمة في مجال اإلصالح والتربية وتطوير األنظمة واإلدارات ،وفي مجال خدمة الحرمني الشريفني ،حيث ّأدى وتشرف آالف من املسلمني من كل أنحاء العالم بفريضة الحج وأداء العمرة على حسابه ،وعلى نفقته ،كما وفر لهم جميع التسهيالت. فيما قال األمني العام للمجمع خالد سيف الله الرحماني« :إن األمة اإلسالمية كلها تدعو له بالغفران والرضوان ،وبالرحمة واملغفرة ،ومجمع الفقه اإلسالمي بالهند يذكر دائما سخاء اململكة العربية السعودية وعطاءها وجودها وكرمها وتوجهها إل��ى مصالح األق�ل�ي��ات املسلمة ف��ي ال�ع��ال��م ،حيث أسهم ف��ي إنشاء وبناء آالف من املدارس واملساجد والجامعات واملعاهد واملستشفيات ،وقدم املساعدات واملعونات إلى املصابني والالجئني املسلمني واملتضررين ،ونشر العلم والدين عن طريق طبع الكتب الدينية واملصحف الشريف وتوزيعه في أقطار العالم» <
في اطار سعيه الدائم للحوار بني أتباع األديان والثقافات التقى امللك عبد الله بن عبد العزيز البابا بنديكتوس السادس في الفاتيكان – نوفمبر ( 2007غيتي)
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
29
قصة الغالف
امللك عبد الله بن عبد العزيز خالل مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة في العاصمة السعودية الرياض مارس( 2009غيتي)
امللك عبد الله بن عبد العزيز مع ولي عهد بريطانيا األمير تشارلز وزوجته (غيتي)
28
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله) ،معربا عن حزنه العميق لفقد هذا القائد اإلسالمي العظيم ،واستذكر املجلس بأسى وألم مآثر الفقيد الكبير ومنجزاته، وعلى رأسها التوسعة الكبرى والتاريخية لبيت الله الحرام الستيعاب أكبر عدد ممكن من حجاج البيت الحرام ،إلى جانب ما تحقق في عهده الزاهر من طفرة كبرى في املشاعر واألماكن املقدسة على مختلف األصعدة لخدمة قوافل الرحمن. ًّ ووصف املجلس امللك عبد الله بأنه كان قائدا فذا لألمة ،وعمودا من أعمدتها، ودرعا حصينة في وجه أعدائها ،مثمنا حرصه على اجتماع كلمة األمتني اإلسالمية والعربية ،ومبادراته لتنقية األجواء بني القادة األشقاء ،والتكامل بني الشعوب الشقيقة. وفي العاصمة املصرية القاهرة ،نعى مجلس حكماء املسلمني برئاسة الدكتور َ َ أحمد الطيب شيخ األزهر امللك الراحل ،مؤكدا أنه أفنى حياته في خدمة قضايا أمته مدافعا عنها ِمن كل ما يهدد سلمها واستقرارها. وقال املجلس في بيان« :إن األمة فقدت بوفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز رجال من رجاالت العرب القالئل املعدودينَ ،وم ْعلما شامخا من معالم التاريخ العربي الحديث ،تصدى للمخاطر التي كانت تحدق بأمته ،وتيقظ للمؤامرات التي كانت تدبر لها من قوى َالبغي والشر ،وعزز الحوار بني أتباع األديان َ املشاريع التي تؤسس للسالم العاملي ،فضال عن مسارع ِته والثقافاتَ ،ودعم َ َ َ َ أمتيهْ بمد ِيد َالع ْو ِن واملساعدة للمحتاجني واملتضررين واملنكوبني من أبناء العربية واإلسالمية». وأضاف أن العالم اإلسالمي سيذكر امللك عبد الله في شتى بقاع األرض ما ْ أسهمت أنجزه من توسعات في الحرمني الشريفني واملشاعر املقدسة التي بوضوح في تيسير أداء مناسك الحج ُ والع ْمرة. وأعرب مجلس حكماء املسلمني عن خالص تعازيه ومواساته لقيادة اململكة ّ العربية السعودية وحكومتها وشعبها في وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز ْ ُ َ ْ َ بواسع مغفر ِته ورحم ِته ،وأن يسكنه آل سعود ،سائال العلي القدير أن يتغمده فسيح جناتهْ ، ّ وأن َ َ عما ِ ّقدمه لشعبه ّ خير الجزاء ّ يجزيه َ واإلنسانية وأم ِته َجمعاء ،وش��دد على ثقته الكاملة في حكمة امللك سلمان بن عبد العزيز وقدرته على استكمال مسيرة التقدم والتنمية واالزدهار ومواصلة الجهود الكريمة في خدمة قضايا ُالعروبة واإلسل��ام ،وترسيخ قيم ّ والعدل املحبة ِ ُّ ّ والسالم في العالم كله. من جانبه ،قدم الشيخ حسن الصفار ،رجل الدين الشيعي ،عزاءه ومواساته للقيادة السعودية في وفاة امللك عبد الله ،داعيا له باملغفرة والرحمة ،وقال الصفار« :إن امللك عبد الله بن عبد العزيز سجل في صفحات التاريخ الوطني والعاملي إنجازات ومواقف مهمة كان في طليعتها إرساء وتعزيز قيمة الحوار
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
27
قصة الغالف
امللك عبد الله بن عبد العزيز .. تصدى لقضايا أمته وهمومها يف كل احملافل
مواقف وإنجازات ومآثر فقيد األمة لن تمحوها الذاكرة
26
توافد زعماء وملوك وقادة دول العالم على الرياض لتقديم واجب العزاء للملك سلمان بن عبد العزيز ،في وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز ،وهو األمر الذي عكس حجم وثقل اململكة العربية السعودية إسالميا وعربيا ودوليا. وبني أهم القادة الذين حضروا للرياض ،الرئيس األميركي باراك أوباما الذي قطع زيارته إلى الهند وتوجه للسعودية مباشرة ،إضافة إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هوالند ،والعاهل األردني امللك عبد الله الثاني ،والعاهل اإلسباني فيليب السادس ،وولي عهد بريطانيا األمير تشارلز ،ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ،والعاهل الهولندي امللك ويليام ألكسندر ،وعاهل السويد امللك كارل السادس عشر ،إلى جانب الرئيس املصري عبد الفتاح السيسي ،والرئيس الفلسطيني محمود عباس ،والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ،والرئيس األفغاني أش��رف غني ،واألمير فريدريك ولي عهد مملكة الدنمارك ،والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة اإلم��ارات العربية املتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ،والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد األعلى للقوات املسلحة في اإلمارات وأعرب عدد كبير من الشخصيات السياسية اإلسالمية والعربية والدولية ،عن بالغ الحزن واألسى لوفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله) ،مستذكرين منجزاته ومآثره ،ومواقفه وتصديه لقضايا وهموم أمته في كل املحافل ،وفي محاربة اإلره��اب والتطرف ،والتصدي لهما بكل قوة ،لحماية أبناء األمة من هذه األفكار ّ الهدامة ،إضافة إلى تعزيزه للخطاب املعتدل والوسطي ونشره في املجتمعات. وفي هذا السياق ،بعث الرئيس النمساوي هاينز فيشر ببرقية عزاء ومواساة إلى خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز ،أعرب فيها عن تعازيه في وفاة امللك عبد الله ،وأكد أنه كان رجل دولة كبيرا سيظل في الذاكرة ،مشيرا إلى إسهاماته في تطوير التنمية ببالده. وفي غزة ،قدم نائب رئيس املكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية تعازيه ومواساته الحارة لحكومة السعودية وشعبها في وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز ،وأشاد هنية في تصريح له باملواقف النبيلة للملك الراحل الذي كان وفيا للقضية الفلسطينية ومساندا لها في مختلف املحافل الدولية ،مشيرا إلى أن الوقائع كلها تشهد بحرصه الدائم على وحدة الصف والكلمة التي عقد ألجلها املؤتمرات واالجتماعات «ومن بينها خرج اتفاق مكة الذي تم بعنايته ورعايته الكريمة». وأش��ار هنية إلى الدعم امل��ادي السخي الذي كان يقدمه للقضية الفلسطينية سواء عبر دعم القدس وأهلها واملسجد األقصى املبارك أو دعم أصحاب البيوت املدمرة التي أعاد بناءها وساهم في إنهاء تشريدهم ولم شتات عائالت فرقها ع��دوان االحتالل وتدميره ،كما أش��اد بالدور التاريخي ال��ذي قامت وتقوم به السعودية منذ نشأتها في تبني القضية الفلسطينية ،بل وتبني قضايا األمة. وهنأ خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده وولي ولي العهد بتلقيهم البيعة إلكمال مسيرة البناء والعطاء في بالدهم. بينما أعرب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام بجمهورية إيران اإلسالمية الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني عن تعازيه ومواساته في وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز ،وجاء ذلك في برقية بعث بها لخادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز« :أع��زي الشعب واملسؤولني في البلد الشقيق اململكة العربية السعودية بوفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز ،وأبتهل إلى الله عز وجل
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويلهم ذويه واألسرة الكريمة الصبر والسلوان». كما أعرب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام عن تمنياته لخادم الحرمني الشريفني بالنجاح والتوفيق في تعزيز الوحدة بني العالم اإلسالمي والسعادة والتعايش واألخوة بني الشعبني السعودي واإليراني في ظل التعاليم اإلسالمية السامية. وأكد الدكتور عبد الله بن عبد املحسن التركي ،أمني عام رابطة العالم اإلسالمي أن امللك عبد الله واجه بشجاعة وحكمة ظاهرة اإلرهاب املتنامية حول العالم، حيث نجحت السعودية في تقديم األنموذج األفضل في التصدي لهذه الظاهرة، والقضاء على بؤر اإلرهاب ،وتجفيف منابعه ،وكشف فساد طريقته ،وتنكبه عن هدي شريعة اإلسالم السمحة ،فصان شباب املسلمني عن أوهامه وظنونه، وأبان لهم زيف دعواه. وتطرق إلى اتفاق املصالحة بني األط��راف الفلسطينية التي التأم شملها في جنبات ال�ح��رم الشريف ب�ن��اء على ج�ه��ود العاهل ال��راح��ل ،ودع��وت��ه الساسة العراقيني إلى التباحث في الرياض في حل مشكلة الشعب العراقي الشقيق، ودعمه جهود املصالحة في الصومال واليمن ،ودعوته إلى الحوار الحضاري بني أتباع األديان ،متوجا مبادرته بتأسيس مركز امللك عبد الله بن عبد العزيز العاملي للحوار بني أتباع األدي��ان والثقافات في فيينا ،ليكون مركزا جامعا الستثمار جهود عقالء العالم. وفي تونس ،نعى الدكتور محمد بن علي كومان األم�ين العام ملجلس وزراء الداخلية العرب ،فقيد األمة امللك عبد الله بن عبد العزيز ،وقال الدكتور كومان في بيان صادر عن املجلس الذي يتخذ من العاصمة التونسية مقرا له« :فجعنا برحيل قائد أمة ورمز من رموزها ،أفنى حياته في سبيل رقي وسمو وطنه وأمته ،وبذل جهودا مضنية لينعم الوطن واملواطن باألمن واألمان ،وترتفع راية اململكة خفاقة فوق كل مكان» ،واصفا هذه الخسارة باملصاب الجلل. وأكد كومان أن التاريخ سيذكر للملك عبد الله إنجازاته املضيئة التي شملت مجاالت الحياة كافة ،وانتشر بريقها في كل أنحاء العالم ،وأصبح بذلك واحدا من أبرز من صاغوا التاريخ ولعبوا أدوارا عظيمة في رفعة السعودية وتقدمها، وساهم في تحديث نظام الحكم ،وأحدث خططا تنموية طموحة هدفت كلها إلى الرفع من مكانة الوطن بني األمم ،وضمان حياة رغدة للمواطنني وتيسير العيش الكريم لهم ،وتحقيق األمن واالستقرار لكل من يعيش تحت سماء بالده الشامخة ،كما سيذكر حجاج بيت الله الحرام وزوار الحرم املدني الشريف مشاريع تطوير وتوسعة الحرمني الشريفني التي تعد األكبر في التاريخ ،ووضع حجر أساسها ووجه بإنجازها في أقرب اآلجال. وأشار الدكتور كومان إلى املواقف النبيلة والحكيمة للملك الراحل تجاه قضايا أمته العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية« :يتجلى في مبادرته الشهيرة في قمة بيروت 2002لحل هذه القضية» .وأض��اف« :وال ننسى مبادرته في إنشاء املركز الدولي ملكافحة اإلرهاب الذي يمثل خطوة مهمة لتعزيز منظومة األمن الدولي في مواجهة هذه اآلفة ،وجهوده املتواصلة واملخلصة في سبيل رأب الصدع بني األشقاء العرب واملسلمني ،ودعم التضامن العربي واإلسالمي والدفاع عن القضايا العربية واإلسالمية العادلة ،وخدمة اإلسالم واملسلمني في جميع أنحاء العالم ،ولعل أبرز شاهد على ذلك قمة التضامن اإلسالمي املنعقدة بمكة املكرمة تحت رعايته الكريمة في شهر رمضان املبارك من عام 1433هـ، التي تركت األثر البالغ في تعزيز لحمة األمة اإلسالمية». وفي املنامة ،نعى املجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بمملكة البحرين امللك
من الخصائص واملواهب ،كالذكاء املتوقد ،وسرعة البديهة ،وقوة اإليمان ،وقوة الذاكرة التي ال غنى عنها لكل قائد ناجح ،وموهبة االنتظام في العمل ،وتقدير الوقت إل��ى درج��ة أن موظفي اإلم��ارة ي�ض�ب�ط��ون س��اع��ات�ه��م ع�ل��ى وق��ت ال�ح�ض��ور ال�ي��وم��ي ل�ل�م�ل��ك ،وم��ن الخصائص املشتركة املهمة أيضا ،ذلك الشغف املعرفي والنزوع إلى تحقيق تنوع ثقافي متعدد املصادر ،فامللك سلمان يقرأ في الدين والتاريخ والسياسة واالقتصاد وعلم األنساب واالجتماع، وهو صديق صدوق للكتاب في السفر مثلما هو في املقام ،ولعل مكتبته املنزلية خير شاهد على مستوى اهتمامه بالجانب الثقافي؛ إذ تحتوي رفوفها على ما يزيد على 60ألف مجلد تغطي 18ألف عنوان متنوع تشمل مختلف حقول املعرفة وميادين الثقافة. وأوض��ح املؤلف زي��ن العابدين الركابي في مقدمة الكتاب أن هذا الكتاب ليس «سيرة ذاتية» لألمير (امللك) سلمان بن عبد العزيز.. «فللسير الذاتية خصائصها وطابعها وأدبياتها ولغتها ،إنما هذا الكتاب اكتشاف الجانب اآلخر من رجل قدر لي أن أقترب منه وأعرفه معرفة مباشرة موسعة ،وأن أتعامل معه في مستوى فكري راق، ملؤه الجد والحرية والتشاور والشفافية واالختالف الرفيع أحيانا، ملمحا إلى أن االختالف الرفيع يقصد به تنوع وجهات النظر -إلى آخر آماد التفكير الحر -في قضايا تحتمل وجهات نظر متنوعة. أما في األساسيات فهناك تطابق ووحدة» <
رقم قياسي يف وسائل التواصل االجتماعي سجلت تغريدة أطلقها العاهل السعودي خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز عبر حسابه في «تويتر» ،وجهها إلى الشعب السعودي يوم 23يناير املاضي ،يوم توليه الحكم ،أرقاما قياسية تعتبر األكبر على مستوى الشرق األوسط ،محققة 211ألف إعادة تغريد ،فيما سجلت في املفضلة للكثير من املتابعني أكثر من 57ألفا. وحملت تلك التغريدة خطابا وجهه العاهل السعودي إلى شعبه قائال: «أسأل الله أن يوفقني لخدمة شعبنا العزيز وتحقيق آماله وأن يحفظ لبالدنا وأمتنا األمن واالستقرار وأن يحميها من كل سوء ومكروه». وفيما حملت التغريدة األولى للعاهل السعودي نعيا لوفاة امللك عبد الله بن العزيز وتعزية الشعب السعودي في وفاته ،تضمنت 117 إعادة تغريد ،وحفظت في املفضلة 29ألف مرة ،وكان نصها «رحم الله عبد الله بن عبد العزيز وجزاه عن شعبه خير الجزاء وأحسن عزاء الشعب السعودي في فراقه». وكان الحساب الشخصي على «تويتر» لخادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيزُ ،دشن في يناير من عام ،2013حينما كان وليا للعهد ،في خطوة ّ عدها رغبة في التواصل مع املواطنني ،وسجل الحساب عددا كبيرا من املتابعني ،حيث اقترب في الساعات األولى من تدشينه إلى 200ألف متابع ،وسط سعادة غامرة أبداها كثير من املغردين بإنشاء هذا الحساب ،الذي ع� ّ�دوه خطوة مميزة تتسق مع ما اعتادوا عليه من خادم الحرمني الشريفني من تواصل مباشر مع املواطنني ،وتفاعل مستمر مع هموم ومشكالت املواطن أوال بأول. ويبلغ ع��دد ال�ت�غ��ري��دات امل�ن�ش��ورة على ال�ح�س��اب منذ إن�ش��ائ��ه 284 تغريدة ،وتأتي التهاني بني أبرز محتويات حساب امللك سلمان في «تويتر» ،حيث حملت ثالث تغريداته تهنئة الشعب السعودي باليوم الوطني ،حيث قال في تغريدته «غدا اليوم الوطني للمملكة ،وبهذه املناسبة أبعث بأصدق التهاني للشعب السعودي الكريم ،وأتمنى أن تعكس الفرحة وعينا وثقافتنا وآدابنا وأخالقنا» .وكانت آخر تغريدة حينما كان وليا للعهد خبر استقباله للرئيس املصري عبد الفتاح السيسي.
مواقف إنسانية وخيرية وإدارية وثقافية وتاريخية لخادم الحرمني امللك سلمان بن عبد العزيز المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
25
قصة الغالف
لعل من الصعوبة اإلحاطة بكل الجوانب الالفتة في شخصية امللك سلمان بن عبد العزيز ،الذي أصبح ملكا للبالد بعد وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز ،وتحديد املهارات واملالمح التي يتمتع بها ،من خالل حصيلة ستة عقود من التجارب واملواقف اإلنسانية والخيرية واإلدارية والثقافية والتاريخية؛ لكن يمكن القول إن شخصية امللك سلمان وحضوره الالفت في كل املجاالت دفعت الكتاب إلى التهافت للتأليف عنه وسبر أغوار شخصيته رغم رفضه الدائم الكتابة عنه .فنجح عدد من املؤلفني والكتاب واملفكرين في رصد جوانب من شخصية امللك سلمان بن عبد العزيز والوقوف على «الكاريزما» الخاصة التي يملكها؛ فقد رصد مفكر وكاتب عربي جوانب مجهولة في شخصية رجل كان أمير عاصمة دولة كبيرة لها وزنها وحضورها الديني والسياسي واالقتصادي إقليميا وعامليا ،وأصبح ملكا للبالد ،وقارن بني شخصية مؤسس هذا الكيان الكبير ،وبني نجله الخامس والعشرين الذي ورث عن والده املؤسس عددا من الخصائص واملواهب ،كما أبرز الكاتب جوانب مجهولة في شخصية امللك سلمان الذي سجل طيلة أكثر من نصف قرن حضورا إنسانيا وخيريا وإداريا .وقد سلط الكاتب أيضا الضوء على جوانب تتعلق بنجاحاته إداريا وإملامه بدبلوماسية وفن الحكم ،كما حدد املهارات السياسية واملالمح اإلنسانية التي يتمتع بها امللك سلمان بن عبد العزيز.
خادم الحرمني الشريفني ..ستة عقود من العمل السياسي واالجتماعي واإلنساني
شفافية امللك سلمان ..أحد فنونه يف احلكم الرياض: فهد الذيابي
شخصية امللك سلمان وحضوره الالفت في كل املجاالت دفعت الكتاب إلى التهافت للتأليف عنه
24
ويحمل امل�ل��ك سلمان ب��ن عبد ال�ع��زي��ز ،ال��ذي ول��د بمدينة الرياض في 31ديسمبر (كانون األول) ،1935وبالتحديد في قصر الحكم بالديرة ،قلب العاصمة السعودية ،الذي ك��ان م�ش�ي��دا ب��ال�ط�ين وال �ل�بن آن� ��ذاك ،ع ��ددا م��ن األوس �م��ة وال�ج��وائ��ز املختلفة ،من أهمها وشاح امللك عبد العزيز من الدرجة األولى ،الذي يعد أعلى وسام في السعودية ،كما حصل على وشاح العاصفة ووسامها ،وذل��ك تقديرا من حركة فتح الفلسطينية لألمير عام ،1969ووسام بمناسبة مرور 2000عام على إنشاء مدينة باريس، وقلده الوسام الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ،عندما كان عمدة باريس عام ،1985ووسام الكفاءة الفكرية ،الذي قلده إياه ملك املغرب الراحل الحسن الثاني في الدار البيضاء عام ،1989ووسام البوسنة والهرسك وقام بتقليده الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش في الرياض عام ،1997ودرع األمم املتحدة لتقليل آثار الفقر في العالم في العام ذاته ،ووسام القدس الذي قلده إياه الرئيس الفلسطيني ال��راح��ل ياسر ع��رف��ات ،في حفل أقيم بقصر الحكم بالرياض عام ،1997ووسام (سكتونا) الذي يعد أعلى وسام في الفلبني ،وقلده إياه الرئيس الفلبيني جوزيف استرادا ،أثناء زيارته للفلبني عام ،1999وذلك تقديرا ملساهمته الفعالة في النشاطات اإلنسانية ،كما منح امللك (األمير) الوسام األكبر في السنغال ،وقلده الرئيس السنغالي عبدو ضيوف أثناء زيارته للسنغال عام ،1999 كما قلده الرئيس اليمني علي عبد الله صالح -أثناء مرافقته للملك عبد الله عندما كان وليا للعهد -في زيارته لليمن عام ،2001وسام الوحدة اليمنية من الدرجة الثانية ،كما يحمل امللك سلمان «زمالة بادن باول الكشفية» من قبل ملك السويد كارل جوستاف السادس عشر عام ،2008وجائزة البحرين للعمل اإلنساني لدول مجلس التعاون الخليجي عام .2008 وأنجز املفكر والكاتب السعودي الراحل زين العابدين الركابي ،كتابا عنونه بـ«سلمان بن عبد العزيز ..الجانب اآلخر» ،ووصفه ناشره (مكتبة العبيكان) ،باملثير لالهتمام ،مرجعا ذلك إلى سببني ،أولهما:
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
صعوبة اإلتيان بجديد عندما يدور الحديث عن شخصية معروفة محليا وعربيا وعامليا ،إذا كانت في علو قامة األمير (امللك) ،والثاني جانبه التوثيقي امل��وض��وع��ي ف��ي الكشف ع��ن ال�ج��وان��ب املجهولة بالنسبة للكثيرين في شخصية امللك سلمان ،علما بأن الكتاب تم تأليفه عندما كان يشغل منصب أمير منطقة الرياض. وأورد الكتاب في سياق الحديث عن نهج امللك سلمان في الشفافية كأحد فنونه في الحكم ،حديثا لم ينشر من قبل لألمير سلمان مع مجموعة من طالب جامعة هارفارد أثناء زيارة الطالب للرياض مع أحد أساتذتهم قبل عدة سنوات ،كشف فيه عن جوانب تؤكد إملام امللك سلمان بقضايا العصر وامتالكه رؤى واضحة حولها، حيث أكد امللك عندما كان أميرا للرياض بصراحة أن السعوديني يؤمنون بأن كل إنسان حر في عقيدته ،ال ُيكره قط على عقيدة ال يريدها ،موردا نصوصا كثيرة حول هذه املسألة ،كما أوضح ألستاذ وطالب جامعة هارفارد أن هناك لبسا في فهم موضوع «اإلرهاب والتطرف» ،الذي يرتكب من قبل أشخاص ينتسبون إلى اإلس�لام ،مشددا على أن ذل��ك ليس نابعا من مشكلة أصلية في الدين نفسه ،وق��ال في ه��ذا ال�ص��دد« :املشكلة ليست في املصدر وال في املنهج ،إنما املشكلة في (املتطرفني) ،الذين يفهمون الدين خطأ ،ويطبقونه خطأ ،س��واء أك��ان ه��ؤالء املتطرفون مسلمني أو مسيحيني أو يهودا». وملح امللك سلمان إلى أن تأكيداته على تلك الحقائق ال يريد منها الدفاع عن متطرفني أو إرهابيني يصنفونه عدوا ،إنما للتنبيه على أنهم ال يمثلون اإلس�ل�ام ،موضحا بالقول «إنكم س��وف تعانون في يوم من األيام من املتطرفني في املسيحية واليهودية ،فهؤالء املتطرفون م��ن مسلمني وي�ه��ود ومسيحيني ي�ض��رون بالبشرية كلها من حيث إنهم يجعلون العالقة بني األدي��ان واألم��م عالقات توتر ومشاحنات وصراع وعنف ،بينما أرادها الله عالقات تعارف وتراحم وسالم». وورث امللك سلمان من امللك املؤسس شخصيته ،ونال حظا موفورا
قدمت الجامعة امللية اإلسالمية الهندية شهادة الدكتوراه الفخرية للملك سلمان بن عبد العزيز اعترافا بإسهاماته الخيرية ودوره كقائد سياسي ذي سمعة عاملية بحضور رئيسة حكومة والية دلهي شيال ديكشيت عام ( 2010غيتي)
امللك سلمان بن عبدالعزيز يقرأ أوراق قمة العشرين التي عقدت في بريسبان األسترالية نوفمبر املاضي(ا ف ب)
األمير فيصل بن أحمد بن سلمان يقدم لوحة تذكارية لجده امللك سلمان بن عبد العزيز خالل حفل األمير أحمد بن سلمان لإلعالم التطبيقي في العاصمة السعودية الرياض عام ( 2008غيتي)
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
23
قصة الغالف
امللك سلمان بن عبد العزيز يستمع لفتاة تتحدث عن لوحة في افتتاح معرض «فنون االطفال» الذي تم تنظيمه بالتعاون مع السفارة السويدية في الرياض عام ( 2008غيتي)
خير شاهد على اهتمام امللك سلمان بالجانب الثقافي مكتبته التي تحتوي رفوفها على ما يزيد على 60 ألف مجلد تغطي 18ألف عنوان متنوع يشمل مختلف حقول املعرفة وميادين الثقافة
22
صفة املثقف ،وليس األمير املسؤول والقيادي في الدولة ،فوقعها بصفته رئيس مجلس إدارة دارة امللك عبد العزيز. في تلك الرسالة أثبت امللك سلمان قراءته العميقة للتاريخ واطالعه على مختلف املصادر العاملية ،فقد أورد ما كتبه املؤرخ الفرنسي مانجان في كتابه «تاريخ مصر في عهد محمد علي» ،عام 1239هـ1823/م ،إثر سقوط الدرعية ،معربا عن توقعه عودة قيام الدولة السعودية قائال« :ولكن ذلك البلد ..يضم في جنباته بذور الحرية واالستقالل ،فما زالت املبادئ الدينية نفسها موجودة ،وقد ظهرت منها بعض البوادر ،ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت ،ومع أن الفوضى تعم بني الزعماء ،فما زال هناك ّأس خصب يمكن للزمن واألحداث أن تجعله يتفتح من جديد». علمه في األنساب جعل امللك سلمان يكتب قائال« :تناول بعضهم -في البرنامج -مسألة دهام بن دواس ونسبته إلى قبائل أخرى مثل مطير وعنزة بينما ذكر الشيخ حمد الجاسر أن دهام بن دواس من آل شعالن من الجالليل من بني حنيفة وأيده الشيخ عبد الله البسام استنادا إلى ما ورد لدى عدد من نساب نجد».. هو يقول كذلك موضحا« :تناول املتحدثون نسب أس��رة آل سعود ،وهناك من قال إنهم من تميم وذلك غير صحيح والذي يجمعهم مع تميم أنهم من نزار بن معد بن عدنان .وناقش بعضهم أن آل سعود من عنزة ،والحظت أن هناك فهما خاطئا حيال تحقيق نسب األسرة ،وأن القصد هو نفي نسبتها إلى عنزة أو التشكيك في وائلية عنزة ،وهذا غير صحيح .فآل سعود وفقا للمصادر املحققة هم في األصل من املردة من بني حنيفة من بكر بن وائل، وجدهم هو جديلة بن أسد أخو عنزة بن أسد الذي يجمعهم جد واحد هو ربيعة ،وبذلك فإن عنزة هم أبناء عمومتهم». ويكشف امللك سلمان في ختام الرسالة ،جانبا مهما من شخصيته على الصعيد الثقافي ،فهو ينسب جانبا مما ذكره من معلومات إلى دراسة أعدتها دارة امللك عبد العزيز حول نسب أسرة آل سعود ،ويقول ع��ن��ه��ا« :ه���ي دراس����ة ي��ش��ت��رك فيها مجموعة م��ن ال��ب��اح��ث�ين املختصني باألنساب ،الذين اجتمعت بهم وناقشتهم شخصيا ،وستوضح هذه ال��دراس��ة تحت إش��راف��ي جميع اآلراء ومصادرها من املنظور العلمي، وذلك بهدف التوثيق»<
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
امللك سلمان بن عبد العزيز يلقي خطابا بعد حصوله على الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة (واسيدا) إحدى أعرق الجامعات اليابانية ،تقديرًا السهاماته البارزة في اململكة والعالم -فبراير ( 2014غيتي)
يف الصحافة :عني الرقيب «الناعم» وقلب الناقد اخلبري > على الصعيد الصحافي ،يعرف الصحافيون العرب امللك س��ل��م��ان ،خ�ل�ال ف��ت��رة إم��ارت��ه ل��ل��ري��اض ،ف��ق��د ف��ت��ح ال��ب��اب على مصراعيه لرجال الصحافة واإلع�ل�ام ،وجعل مجلسه مكانا يلتقون فيه ،وخالل كل هذه اللقاءات كان يفتح الباب للنقاش وال��ح��وار في قضايا تمس املنطقة برمتها .لكن جميع الذين التقوه خرجوا بانطباع أنهم أمام رجل يتابع باهتمام وحرص أغلب ما ينشر في وسائل اإلعالم ،ولديه نظرة ثاقبة وبصيرة بما وراء السطور ،وهو ال يتردد مطلقا في محاورة أو مناقشة أو الرد على اآلراء التي يرى أنها خالفت املنطق أو قدمت معلومة ال يراها صحيحة. هنا يبرز جانب آخر من سيرة امللك سلمان ،فبمقدار صلته ب��اإلع�لام وم��ا ينشر لم يكن يمارس دور «الرقيب» باملفهوم ال��س��ائ��د ،فهو ال يتدخل ملنع أو حجب أو الحجر على ال��رأي املخالف ،لكن أي معلومة تمس تاريخ اململكة ،أو تتناول الرياض التي بناها وعرف تفاصيلها ،لن تفوته ،كما أن أي كاتب يجد أنه يستثير نعرات أو يحرض على العصبية سيجد أمامه ناقدا بصيرا هو سلمان بن عبد العزيز .ه��ذا ح��دث فعال في رده على مقال صحافي في جريدة محلية تحدث بلغة مناطقية لم يرتضها ،فكتب ردا نشره باسمه في صفحة الرأي. هو أيضا صاحب العبارة الشهيرة «أنا رئيس تحرير ما بعد النشر» ،وقوله« :أنا أجل وأحترم كل الصحافيني وأكن لهم كل االح��ت��رام وف��ي ال��وق��ت نفسه أشجعهم وأل��وم��ه��م .إذا أحسنوا شجعت وإن اعتقدت أنهم أساءوا ملت».
ي��روي كذلك ،عالقة امللك املؤسس بشقيقته الكبرى «ن��ورة» التي شاركته ش�ق��اء االغ �ت��راب وصعوبة الحياة وع�س��ر ال�ح��ال كما ك��ان��ت تشحذ همته وعزيمته السترداد بالده .يقول امللك سلمان ،عن والده امللك عبد العزيز «كان يزورها يوميا -رحمهما الله -ويستشيرها في مشكالت القصر الداخلية، وهي َمودع أسراره فال ينقطع عن صلتها إال بسفر أو لظرف طارئ ،ومن شدة حبه لها ووفائه لها وتقديره لشخصيتها كان -رحمه الله -يعتز بها فيقول :أنا أخو نورة».
مرجع للتاريخ وهو ال يتوانى في ّ رد الشبهات بأسلوب علمي رصني ،فمثال؛ حني ذكرت إحدى القنوات التلفزيونية العربية من خالل برنامج كانت تبثه في أبريل (نيسان) 2008معلومات رآه��ا امللك سلمان مغلوطة ،وتتعلق بنسب آل س�ع��ود ،بعث برسالة صيغت بعناية ودق��ة تحتوي على سيل ه��ائ��ل من املعلومات املوثقة عن نسب آل سعود ،كما صححت معلومات رآها خاطئة بشأن اعتماد الدولة السعودية في قيامها على السيف ،والعصبية القبلية. في تلك الرسالة« ،الوثيقة» ،حرص امللك سلمان أن يمهرها بتوقيع يحمل المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
21
قصة الغالف
ما يجمع بني امللك املؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ،ونجله الخامس والعشرين ،امللك السابع للمملكة السعودية ولعهما الشديد بقراءة التاريخ، والوقوف على أبرز محطاته ،واالهتمام بتوثيق أحداثه، ودراسة العناصر املؤثرة فيه.
خادم الحرمني في املشهد الثقافي السعودي والعربي
امللك سلمان على خطى أبيه.. مرجع يف تاريخ اجلزيرة العربية الرياض: ميرزا الخويلدي
غالبا ما كان يبادر بالدخول في حوارات عميقة وذات داللة مع العديد من رجال الفكر والثقافة واإلعالم
20
ك ��ان امل �ل��ك امل��ؤس��س ع�ب��د ال�ع��زي��ز ( 15ي�ن��اي��ر /ك��ان��ون ال�ث��ان��ي 9 – 1876نوفمبر /تشرين الثاني )1953ضليعا جدا بتاريخ الجزيرة العربية ،عارفا بأحوالها وعارفا خارطتها االجتماعية وال�س�ي��اس�ي��ة ،وك��ان��ت خ�ب��رت��ه ال��واس�ع��ة ف��ي أح ��وال ال�ق�ب��ائ��ل والجغرافيا السياسية ل�ه��ذه املنطقة ،سبيله ل�خ��وض معركة التوحيد بكل مهارة واقتدار .وفيما بعد أصبحت هذه الخبرة رصيده املكني في التعامل مع فسيفسائها القبلية بكثير من الحكمة واملهارة. وأصبح امللك عبد العزيز املصدر الرئيسي للكثير من األحداث املتسارعة ال�ت��ي شهدتها ال�ب�لاد منذ ع��ودت��ه م��ن انهيار ال��دول��ة السعودية الثانية، ومغادرة أسرته إلى الكويت ثم عودته منها وفتح الرياض ،وحروبه العديدة إلخضاع أج��زاء الجزيرة العربية ،ونقل عنه امل��ؤرخ��ون س��رده ألح��داث الحروب واملعارك بشكل تفصيلي يستحضر فيها أسماء األشخاص وألقابهم وصفاتهم .بالنسبة للملك سلمان فهو اآلخر يمثل مرجعا مهما وموثوقا لتاريخ شبه الجزيرة العربية ،والسعودية على نحو الخصوص، وهو مرجع في أنساب القبائل ،وكما أنه قارئ نهم للتاريخ ،هو أيضا متابع للدراسات والتحقيقات ،ويذكر زين العابدين الركابي ،في كتابه: «سلمان بن عبد العزيز ..الجانب اآلخر»( ،من إص��دارات العبيكان) ،أن
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
امللك سلمان بن عبد العزيز ورث عن أبيه «حظا موفورا من الخصائص واملواهب ،كالذكاء املتوقد وسرعة البديهة ،وقوة اإليمان ،وقوة الذاكرة التي ال غنى عنها لكل قائد ناجح»« .ومن الخصائص املشتركة املهمة أيضا، ذلك الشغف املعرفي والنزوع إلى تحقيق تنوع ثقافي متعدد املصادر ،فهو يقرأ في الدين والتاريخ والسياسة واالقتصاد وعلم األنساب واالجتماع»، كما أنه «صديق صدوق للكتاب ( )...ولعل مكتبته املنزلية خير شاهد على مستوى اهتمامه بالجانب الثقافي إذ تحتوي رفوفها على ما يزيد على 60ألف مجلد تغطي 18ألف عنوان متنوع يشمل مختلف حقول املعرفة وميادين الثقافة». اهتمامه بسرد األحداث التاريخية ،جعل خطابات امللك سلمان طوال فترة تسلمه إمارة الرياض ( )2011 -1954حافلة بسرد األحداث التاريخية التي شهدها ،أو تلك التي رويت له وتحقق منها ،فمثال محاضرته التي ألقاها في جامعة أم القرى ونشرتها «ال��دارة» في إص��دار خ��اص ،روى مجموعة من القصص منها ،ما قاله« :كان امللك عبد العزيز لم يقبل أن يطلق عليه لقب (اإلم��ام) في حياة وال��ده ،تأدبا ،وتوقيرا له .وكان يلقب بالسلطان ثم امللك إلى أن توفي اإلمام عبد الرحمن سنة 1346هـ ،وأصبح عبد العزيز يلقب باإلمام بعد ذلك إلى جانب كونه ملكا».
الروسية ،وحينما انتهى من هذه املهمة انطلق نحو قضية العرب الكبرى مجتمعا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس لبحث األزمة الفلسطينية، وليستمر على هذا النهج في مواصلة الذود والدفاع عن مصالح بالده واألمة العربية واإلسالمية وتقديم االستشارة إلخوته امللوك ،حتى تولى وزارة الدفاع عام ،2011لتستمر أداوره السياسية مستقبال ومجتمعا ومناقشا مع الوفود السياسة التي يستقبلها في قضايا األمة.
البيت األبيض يستقبل سلمان ف��ي ع��ام 2012ان�ط�ل��ق امل �ل��ك س�ل�م��ان ن�ح��و ال��والي��ات امل�ت�ح��دة األم�ي��رك�ي��ة ليلتقي الرئيس األميركي باراك أوباما في البيت األبيض وتم خالل اللقاء استعراض العالقات الثنائية بني البلدين باإلضافة إلى بحث جملة من املوضوعات الثنائية واإلقليمية محل االهتمام املشترك ،إضافة إلى وزير الدفاع األميركي ،ليجتمع بعدها باألمني العام لألمم املتحدة بان كي مون ليستعرضا آخر التطورات على الساحتني اإلقليمية والدولية ،استمرت مهام امللك سلمان السياسية ليتوجه إلى مدريد ليقابل امللك خوان كارلوس ملك مملكة إسبانيا في قصر زار زويال في مدريد. وحينما تولى مهام والية العهد عام 2012استمر امللك سلمان يقود مهام بالده السياسية مفتتحا أعمال القمة االقتصادية الثالثة نيابة عن أخيه امللك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ،ومن ثم مترأسا وفد بالده إلى أعمال مؤتمر القمة اإلسالمية الثانية عشرة بالقاهرة ،ومن ثم زائرا الرئيس عبد الله غول رئيس الجمهورية التركية ،ومن ثم ممثال لبالده في الدورة الرابعة والثالثني للمجلس األعلى ملجلس التعاون ل��دول الخليج العربية في دول��ة الكويت، لتستمر زيارات امللك سلمان أثناء واليته للعهد إلى الشرق بني باكستان واليابان والصني .أصبحت املهام السياسية التي توالها امللك سلمان بشكل يومي ما بني بحث الوضع السوري مع رئيس االئتالف الوطني السوري، أح�م��د ال�ج��رب��ا ،وامل�ش��ارك��ة ف��ي حفل تنصيب الرئيس امل�ص��ري املنتخب املشير عبد الفتاح السيسي ،إلى جانب عدد من القادة الخليجيني والعرب وممثلي الدول األجنبية ،وملتقيا وزير الخارجية اإليراني ليعلن الطرفان رغبة البلدين استقرار املنطقة ،ليتلقي بعدها الرئيس الفرنسي لبحث ملف اإلرهاب وأزمات املنطقة وصفقة األسلحة الفرنسية للجيش اللبناني. استمر امللك سلمان يقوم بواجبه ومهامه في املشهد السياسي بشكل يومي متابعا ومناقشا ومجتمعا وزائ��را للقيادات السياسية والتي كان آخرها تمثيل بالده في قمة العشرين بأستراليا نيابة عن امللك الراحل عبد الله ،والتقى من خاللها رئيس وزراء أستراليا توني آبوت ،واألمني العام لألمم املتحدة بان كي مون ورئيسة صندوق النقد الدولي كرستني الغارد ً ك�لا على ح��دة ،والرئيس فرنسوا هوالند رئيس الجمهورية الفرنسية، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ،ومستشارة أملانيا االتحادية، أنجيال ميركل .ورئيسة كوريا الجنوبية ،بارك كون هاي ،ورئيس الوزراء الهندي ،ناريندرا م��ودي ،ورئيس ال��وزراء السنغافوري ،لي هسني لونج، ً كال على حدة ولم يغفل امللك سلمان خالل اجتماعات املتعددة أن يناقش القضايا اإلقليمية والدولية مع زعماء تلك الدول املحورية. ما زال امللك سلمان يتحدث عن الحقبة املنصرمة عن الخمسني سنة املاضية ،وكأنه يقرأ من كتاب وقد رصد الوقائع بشخصياتها ورموزها وت��واري �خ �ه��ا رص ��د امل� ��ؤرخ امل�ح�ق��ق وامل �ث �ق��ف ال ��ذي ي�ح�م��ل ه �م��وم أم�ت��ه، والسياسي املسؤول والشاهد األمني واملحلل الذي يجمع بني رصد الحالة، وب�ين تحليلها بعقالنية ص��ارم��ة .وح�ين يأتي الشأن ال��دول��ي أو العاملي، يتحدث بعمق وإسهاب عن أوروب��ا وأميركا واليابان والصني وروسيا والبلقان وعن بقية دول العالم ،وكأنه متخصص بهذه (امللفات) بفكر منفتح على العالم ورؤية واقعية وأمانة تنصف اآلخرين وأمانة تعتز بما عند ال��ذات من مبادئ وقيم وانتماء حضاري عربي وإس�لام��ي ،وامللك سلمان ،شغوف بالتاريخ إلى درج��ة (العشق) س��واء التاريخ السعودي والعربي واإلسالمي واإلنساني العام ،ويقرأ الكثير في كل حقل ،بيد أنه يولي التاريخ اهتماما خاصا <
صورة تجمع امللك سلمان بن عبد العزيز وامللك فيصل بن عبد العزيز وامللك فهد بن عبد العزيز عام ( 1980غيتي)
امللك سلمان والرئيس الفرنسي األسبق نيكوال ساركوزي
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
19
قصة الغالف
امللك سلمان بن عبد العزيز يرعى معرضا حول مدينة الرياض في باريس ديسمبر ( 1986غيتي)
صداقة مع الرئيس الفرنسي شيراك
للملك سلمان دور كبير في نقل حضارة بالده ورسالتها االنسانية والسياسية وهو الذي قاد معرض اململكة بني األمس واليوم والذي دار حول أغلب دول العالم وأقيـم في عـدد من الدول العربية واألوروبية
18
كان للملك سلمان عالقات دولية ممتدة مع كافة زعماء العالم إال أنه له عالقة مميزة امتدت منذ سنني ،وفي عام ،1985أقام عمدة باريس في ذلك الوقت الرئيس السابق جاك شيراك حفل استقبال كبيرا في عمودية باريس تكريما للملك سلمان بن عبد العزيز ،حينما كان أميرا ملنطقة الرياض، وأقيم هذا الحفل بمناسبة مرور ألف عام على إنشاء مدينة باريس ،والحفل كان تكريما لجهود امللك سلمان في ذلك الوقت لتطوير منطقة الرياض وعلى الجهد الذي يبذله في تطوير وتوثيق العالقات بني البلدين الصديقني، كونه ارتبط بصداقة شخصية مع الرئيس شيراك ،وفي ديسمبر ،1986 أقيم معرض اململكة بني األمس واليوم في باريس في أكبر قاعة تقع على الشانزليزيه تسمى (غراند باليه). يقول عساف أب��و اثنني عضو مجلس ال�ش��ورى السعودي« :ك��ان األمير سلمان هو الرئيس األعلى للجنة املنظمة للمعرض ،وحضر إلى باريس ومعه وفد رسمي كبير ،من بينه وزي��ر البلديات في ذلك الوقت إبراهيم العنقري -رحمه الله -وأمناء مدن اململكة واإلعالميون الذين قاموا بإجراء كثير من املحاضرات واللقاءات اإلعالمية في وسائل اإلعالم الفرنسية. وفي يوم حفل افتتاح املعرض الذي رعاه الرئيس جاك شيراك بحكم أنه رئيس للوزراء وعمدة ملدينة باريس ،كنت في معية سموه الكريم (امللك سلمان) بحكم عملي املرتبط به كسكرتير خ��اص ،وكنت املسؤول عن برنامج الزيارة واملنسق لكل املهمات .وعند التحرك ملوقع الحفل أبلغنا املرافق العسكري لسمو األمير اللواء عبد الله الصحابي آل الشيخ بأن األمن الفرنسي املرافق طلب التريث» ويضيف أبو اثنني «نعلم دقة األمير ف��ي املواعيد ونلتزم بها ،وس��أل��ت م�ن��دوب امل��راس��م امل��راف��ق ،وأبلغني بأن التعليمات لديهم االنتظار حتى يتم إبالغهم بالتحرك .وبعد نحو ربع الساعة وردت اإلش��ارة بالتحرك من مقر إقامة األمير سلمان إلى مكان الحفل ،وتم التحرك ،وعند الوصول فوجئنا بالرئيس شيراك في استقباله، وهذا أدى إلى انزعاج األمير ،فكيف يتم تأخره عن موعد الوصول ..وكانت هذه املالمح ظاهرة على وجه سموه ،إال أن الرئيس شيراك بادر بالحديث
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
امللك سلمان بن عبد العزيز وملكة بريطانيا إليزابيث الثانية
مع األمير قائال «أنا يا سمو األمير الذي طلبت الحضور قبلكم الستقبالكم بحكم كوني عمدة ب��اري��س ،وطلبت منهم تأخير تحرك سموكم ألصل قبلكم ،وألشارك معكم افتتاح املعرض كرئيس للوزراء» («الشرق األوسط» 3سبتمبر (أيلول) )2014 بعد ذلك في عام ،1996دعا رئيس وزراء فرنسا امللك سلمان حينما كان أميرا ملنطقة الرياض لزيارتهم زيارة رسمية ،ولبى الدعوة ،وكان لها برنامج حافل وكبير زاد من أواصر هذه العالقات وتقويتها .وكان الرئيس جاك شيراك رئيس فرنسا في تلك الفترة ،واستقبل األمير سلمان في مقر إقامته .وبعد أن انتهت زيارته الرسمية لفرنسا قام بزيارة رسمية إلى جمهورية البوسنة ،مدينة سراييفو ،حيث وضع مع رئيس البوسنة علي عزت بيجوفيتش قواعد مركز امللك فهد الثقافي بسراييفو ،وعاد مرة ثانية إلى باريس ثم السعودية بعد ذلك. وللملك سلمان دور كبير في نقل حضارة ب�لاده ورسالتها اإلنسانية والسياسية وهو الذي قاد معرض «اململكة بني األمس واليوم» ،الذي دار حول أغلب دول العالم وأقيم في عدد من ال��دول العربية واألوروب�ي��ة وفي الواليات املتحدة وكندا بني عامي 1985وحتى ،1992وهنا يقول عساف أب��و اث�ن�ين عضو مجلس ال �ش��ورى ،وه��و م��ن راف��ق امل�ل��ك سلمان ب��ن عبد العزيز لنحو 30عاما كسكرتير خاص« :للملك سلمان جهود ال تحصى وال تعد ،يقوم بها منذ زمن طويل لخدمة اململكة في عالقاتها الخارجية، ويسخر صداقاته وعالقاته مع قادة هذه الدول ومسؤوليها لخدمة اململكة العربية السعودية».
روسيا ورسالة ملك حينما تولى امللك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم كان يعلم أن عضده امللك سلمان خير مؤتمن ليكون حاضرا يشد من عضد أخيه لينطلق في مهمة رسمية نحو موسكو عام 2006ليجري مباحثات مع الرئيس الروسي فالديمير بوتني ،وليسلمه رسالة من أخيه امللك عبد الله بن عبد العزيز تتناول تطورات الوضع في املنطقة والعالقات السعودية -
أقامته شركة الزيت بالرياض ،ولم يلبث أن بدأ مشواره املشاركة في اتخاذ القرار السياسي مع إخوته امللوك عبر لقاءاته املتعددة مع الزعماء والقادة والذين يفدون إلى الرياض ،وفي فترة حكم أخيه امللك فيصل كان حاضرا يقف خلف امللك يقدم املشورة واستقبال الوفد السياسية، والتي منها على سبيل املثال ال الحصر استقبال الرئيس اللبناني شارل حلو ،والوزير األميركي هنري كسنجر وغيره من القادة السياسية، ولعلك ذلك يأتي لسعة اطالعه وتنوع الخلفية الثقافية واملعرفية لدى امللك سلمان ،والتي تعد إحدى السمات البارزة في شخصية وبفضل ثقافته واحتكاكه باملثقفني واألدباء واملفكرين تجاوزت شهرته كمفكر املحلية إلى العاملية ،ويشير هنا الدكتور عبد الله العسكر إلى أن «امللك سلمان كان يحرص منذ الخمسينات على املجالت العربية والصحف، وذلك في عهد الرئيس املصري جمال عبد الناصر وكان لديه إملام تام بجميع األحزاب السياسية والثقافية في ذلك الوقت ،والذي يدعمه شغفه الكبير في تتبع الحركات والحقبات السياسية في العالم العربي ،مضيفا أن هذا التراكم املعرفي أوجد لديه دراية كبيرة بكل الحراك السياسي في املنطقة». ومل��ا يتمتع به امللك سلمان من الحنكة وال��دراي��ة الكافية برعاية املصالح وإنهاء املهام بكل جدارة واقتدار ،كونه شخصية قيادية فذة ،مشهود له ُببعد النظر والحكمة كان له دور ملموس عام 1981وفي عهد أخيه امللك خالد في إنهاء ملف طائرات «األواكس» بعد أن شارك في استقبال الوفد األميركي الذي قدم للعاصمة الرياض لحل الخالف السعودي مع الواليات املتحدة األميركية حول صفقة تلك الطائرات والتي انتهت بتسلم السعودية عام 1986عددا من طائرات األواك��س والتي تعتبر من أهم الطائرات في العالم لدورها في الحروب الجوية الحديثة ،يقول السفير األميركي السابق في ال��ري��اض ،روب��رت ج��وردان« :امللك سلمان رج��ل دبلوماسي وال يتبع ما تمليه عليه الواليات املتحدة األميركية ،لكنه يدرك أهمية الحفاظ على عالقات قوية مع واشنطن»« ،رويترز». امللك سلمان بن عبد العزيز يمتلك خلفية كبيرة عن واقع الحياة االجتماعية والثقافية في الداخل السعودي ،والعربي ،وملا يتمتع به من ذك��اء متقد،
أوكله امللك فهد بن عبد العزيز امللك الخامس للدولة السعودية بعدد من الزيارات الرسمية لكثير من الزعماء في العالم ممثال عن امللك فهد والتي تمثلت في زيارته للراحل الشيخ زاي��د بن سلطان آل نهيان رئيس دولة اإلمارات العربية املتحدة ،ومن ثم زيارته للراحل الشيخ جابر األحمد أمير البالد لبحث سبل دعم العالقات بني البلدين ومناقشة تطورات األوضاع في املنطقة ،وذلك قبل الغزو العراقي.
ركن القرار السياسي في حرب الخليج ولم تقف زيارات امللك سلمان ممثال عن امللك فهد داخل نطاق الخليج أو ال��دول العربية بل امتدت في عام 1989ليحل ضيفا على البيت األبيض في العاصمة واشنطن ملتقيا الرئيس األميركي ج��ورج بوش في البيت األبيض ووزير خارجيته جيمس بيكر ،وذلك قبل الغزو العراقي على دولة الكويت ،وف��ي أي��ام ح��رب الخليج ك��ان امللك سلمان حاضرا يتابع ويقدم االستشارة من قصر الحكم في الرياض وينقل رسائل امللك فهد لعدد من زعماء العالم وكان له دور في املباحثات مع قوات التحالف بوجود امللك فهد في ذلك الوقت ،وهنا يقول الدكتور عبد الله العسكر« :امللك سلمان لديه معرفة دقيقة بتفاصيل التاريخ العربي والسعودي خصوصا ويستقريء املستقبل إلملامه العالي بالتاريخ ،وأزعم أن امللك سلمان قد انخرط في العمل السياسي دون أن يكون في الواجهة كونه ك��ان يقدم ال��رأي واملقترحات للملوك» (صحيفة «الشرق األوسط»). زيارات امللك سلمان السياسية استمرت ،فتارة شرقا نحو اليابان ملتقيا ولي عهدها األمير ناروهيتو ورئيس مجلس النواب سويشيرو إيتو خالل زيارته لطوكيو ،وأخرى ملتقيا رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، وبعدها إلى الصني للتباحث حول العالقات الثنائية بني البلدين ،وبعده إلى كوريا الجنوبية والتي كانت عام ،1997وتارة غربا ملتقيا امللك خوان كارلوس ملك إسبانيا ،وبعدها زائ��را اململكة املتحدة البريطانية ملتقيا ولي عهدها ،لتجده بعدها مفتتحا مع مستشار أملانيا غيرهارد شرودر معرض العالقات السعودية -األملانية في الرياض ،عام .2005
امللك السابع للسعودية كان لصيقا لخمسة ملوك (سعود، فيصل ،خالد، فهد ،عبد الله)
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
17
قصة الغالف
ُّ تعد صيانة وحدة األسرة املالكة في السعودية واحدة من األسس وصمام األمان الستقرار األمن والرخاء في اململكة العربية السعودية ،لم تشهد السعودية في دولتها الثالثة أي فراغ سياسي منذ تأسيسها على يد املؤسس امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن وحتى اليوم ،ليتكرر املشهد يوم الجمعة 23يناير (كانون الثاني) 2015حينما تولى بكل سرعة وسالسة خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز عرش الحكم السعودي ،بعد وفاة أخيه الراحل امللك عبد الله بن عبد العزيز.
أحد أركان الحكم ..تطوع محاربا مع مصر ..وجمع األموال للجزائر
امللك سلمان ..العرش السياسي الرياض: زيد بن كمي
خادم الحرمني الشريفني نبغ فكره السياسي منذ صغره والذي جاء من حرص والده امللك املؤسس عبد العزيز على تعليمه لشتى العلوم وأولها حفظ القران الكريم
امللك سلمان أبن عائلة آل سعود األسرة العربية العريقة الضاربة في نجد ،كان حاضرا في املشهد السياسي منذ عام 1938حينما خرج والده املؤسس امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن ،ملقيا أحد خطبه الشهيرة وكان يجلس على كرسي وثير وخلفه حراسه ومستشاروه إال من كان مالصقا له على ذات الكرسي ابنه امللك سلمان ،حينما كان عمره ال يتجاوز 4سنوات ،وكأن املؤسس امللك عبد العزيز كان يقدم ابنه منذ ذلك الوقت إلى املشهد السياسي ،وهو الذي اكتسب من والده صفات كثيرة أهمها الحزم والفراسة ،والفطنة والحضور الذهني ،وهي من بني الصفات التي ورثها من والده املؤسس امللك عبد العزيز -رحمه الله -وهي صفات ال تجتمع إال في القائد الفذ ،.يقول زين العابدين الركابي في كتابه «سلمان بن عبد العزيز ..الجانب اآلخر» عن خادم الحرمني امللك سلمان بن عبد العزيز، حني كان وليا للعهد« :إذا تحدثت مع األمير سلمان في موضوع ما ،فال تكاد تنطق بالعبارة األولى ،حتى يدرك ما تريد ويستفيض فيه ،وكأنه قد أعد العدة له من قبل سواء أكان املوضوع سياسيا أم اجتماعيا أم إعالميا أم ثقافيا ..فأول الكالم لدى املصغي الذكي قدحا لذهنه ومفتاحا يستدعي مخزونه املكنون ،فالسرعة الفائقة في الجواب أو التعليق تختصر املقدمات وتختزل الوقت وتقطع حبال التكرار ومسلسل الحشو الذي يضيع الوقت ويهدر الطاقة الذهنية دون نفع». امللك سلمان بن عبد العزيز نبغ فكره السياسي منذ صغره والذي جاء من حرص والده امللك املؤسس عبد العزيز على تعليمه لشتى العلوم وأولها حفظ القران الكريم ليتم حفظه وهو في سن العاشرة «نشرت جريدة أم القرى في 3أغسطس (آب) 1945م العدد 1066وقائع حفل ختم امللك سلمان بن عبد العزيز للقرآن الكريم الذي أقامته مدرسة األمراء» ،وحينما بلغ األمير الشاب سلمان أشده وهو في التاسعة عشرة من عمره وتحديدا عام 1954عني أميرا ملنطقة الرياض ،وهي مدينة صنع القرار السياسي السعودي التي شهدت والدة تأسيس حكم والده وأج��داده ليدخل املعترك السياسي واإلداري في بالده حاكما لعاصمة الدولة الحديثة ،مشاركا في مشاريع التنمية والتطوير للمدينة الوادعة على ضفاف وادي حنيفة وصنع القرار السياسي مع إخوته امللوك انطالقا من امللك سعود وحتى امللك عبد الله.
املحارب مع مصر ضد العدوان الثالثي
وبتكليف من أخيه امللك سعود بن عبد العزيز رئاسة اللجنة الشعبية لجمع التبرعات لحرب الجزائر وقبلها جمع التبرعات ملنكوبي حرب السويس في عام ،1956وملقيا كلمته أمام حشد من أبناء الشعب السعودي وذلك في 21 ديسمبر (كانون األول) 1956لدعم مدينة بورسعيد عقب تعرضها للتخريب خالل العدوان الثالثي على مصر ،في الوقت الذي كانت تعاني فيه السعودية من شح في املواد املالية ،إال أنه لم يتخل عن واجبه تجاه أشقائه العرب. كانت تلك اللجان شعبية إال أنها أوكلت املهمة لسلمان ملعرفة أخيه امللك سعود بأخيه األمير الشاب سلمان ومدى قدرته في تنفذ تلك املهمة لتكون بداية عمله االستشاري مع إخوته امللوك بداية من أخيه امللك سعود وحتى امللك الراحل عبد الله وليكون أحد أهم أعمدة وأركان الحكم في السعودية، وأمني سر العائلة املالكة ،ورئيس مجلسها ،يقول اليانور غيليسبي من مركز أب�ح��اث متخصص بالشؤون الخليجية«ُ :ع��رف ع��ن امللك سلمان الحكمة واملعرفة وسعة االطالع والقدرة في املحاورة واالستماع ،ومعرفته الدقيقة بطباع مجتمعه ،ومؤسسات بالده». امللك السابع للسعودية خ��ادم الحرمني الشريفني امللك سلمان ب��ن عبد العزيز كان لصيقا لخمسة ملوك (سعود ،فيصل ،خالد ،فهد ،عبد الله) ومؤثرا في القرار الخارجي والداخلي برجاحة العقل وصواب الرأي ،يقول الدكتور عبد الله العسكر عضو مجلس الشورى« :قرب امللك سلمان من إخوته امللوك لدرجة أنه أصبح مؤتمن امللوك منذ عهد امللك سعود وحتى عهد امللك عبد الله رحمهم الله جميعا ،ويأتي ذلك ملا يتميز به امللك سلمان من ثقافة عالية سواء على املستوى املحلي أو في التاريخ أو الثقافة العامة أو الحركات السياسية والحزبية في الوطن العربي ،وفي عهد امللك فيصل كان للملك سلمان عالقات واسعة بالنخب العربية الثقافية والسياسية وخصوصا في لبنان وسوريا والعراق ومصر ،وهذا يأتي كونه قارئا من الطراز األول» (صحيفة «الشرق األوسط» 27يناير .)2015 السنوات الكثيرة التي قضاها امللك سلمان أميرا ملنطقة الرياض ،إضافة إلى مركزه الرئيسي في مفاصل الدولة وشؤون الحكم ،ونظرا ملكانته لدى امللوك واألمراء واملسؤولني في الدولة جعل منه مرجعية سياسية وتاريخية وإعالمية وإداري��ة يعتد بها ،ليسعى منذ نعومة أظفاره للنهوض ببالده داخليا وخارجيا ،ليقود مجهودات ضخمة لتكون بالده ضمن مجموعة ال�ك�ب��ار م��ن دول ال�ع��ال��م امل�ت�ق��دم صانعي ال �ق��رار االق�ت�ص��ادي والسياسي واالجتماعي.
وبعد سنتني من توليه حكم العاصمة الرياض هب األمير الشاب وتحديدا
1956متطوعا للمشاركة مع إخوته العرب ضمن قوات املقاومة الشعبية نبوغ سياسي مبكر انطلق مع ثاني ملوك السعودية
لدحر العدوان الثالثي على مصر ليعتمر البدلة العسكرية محاربا ومنافحا عن األم��ة العربية ضد ذل��ك ال�ع��دوان ،ول��م يتوقف عند ه��ذا الحد بل سارع في عام 1958أنابه أخوه امللك سعود ليفتتح معرض صناعة الزيت الذي 16
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
15
وداعا امللك الصالح
14
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
عرضت دولة الكويت صورة املغفور له امللك عبد الله بن عبد العزيز ولون العلم السعودي على ابراج الكويت الشهيرة في 24 يناير املاضي تقديرا للسعودية وملكها الراحل (غيتي)
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
13
وداعا امللك الصالح
حسن الجنابي وعباس الصفار نجما املنتخب السعودي لكرة اليد يعرضا الفتة تنعى فقيد األمة امللك عبد الله بن عبد العزيز في بطولة كأس العالم لكرة اليد في الدوحة (غيتي)
لوحة الكترونية في الرياض تعرض كلمات التعازي في وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز (غيتي)
12
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
الرئيس األميركي باراك أوباما قطع زيارته إلى الهند وتوجه للسعودية مباشرة لتقديم واجب العزاء (غيتي)
امللك سلمان بن عبد العزيز يتحدث إلى العاهل اإلسباني فيليب السادس (غيتي)
امللك سلمان بن عبد العزيز يتلقى العزاء من الرئيس فؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق (غيتي)
امللك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الفرنسي فرنسوا هوالند و العاهل األردني امللك عبد الله الثاني (غيتي)
امللك سلمان بن عبد العزيز والشيخ محمد بن راشد ال مكتوم نائب رئيس دولة االمارات (غيتي)
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
11
وداعا امللك الصالح
امللك سلمان بن عبد العزيز أثناء مشاركته في تشييع امللك عبد الله رحمه الله ويبدو األمير متعب بن عبد الله (واس)
امللك سلمان بن عبد العزيز وأمير الكويت الشيخ صباح األحمد جابر الصباح (غيتي)
امللك سلمان بن عبد العزيز و ولي عهد بريطانيا االمير تشالز (غيتي)
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتوسط جموع املعزين (غيتي)
سعد الحريري متأثرًا خالل تشييع الفقيد (غيتي)
10
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
خادم الحرمني والرئيس األميركي بحثا العالقات الثنائية بني البلدين وسبل تطويرها خ��ادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز الرئيس األميركي باراك أوباما في الرياض ي��وم الثالثاء 27يناير (كانون الثاني) املاضي، وقدم أوباما العزاء في وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله. وعبر امللك سلمان بن عبد العزيز عن شكره وتقديره للرئيس أوباما على تقديم التعازي وعلى قيامه بهذه الزيارة الرسمية ً استمرارا وهي األولى منذ توليه مقاليد الحكم ،والتي تعتبر الجتماعات القمة بني قادة البلدين منذ اجتماع امللك عبد العزيز والرئيس األميركي الراحل فرانكلني روزفلت في عام ،1945 والذي تأسست خالله العالقة التاريخية واالستراتيجية القائمة بني البلدين الصديقني. وفي غضون ذل��ك ،بحث خ��ادم الحرمني الشريفني والرئيس األميركي في اجتماع مطول تداعيات الوضع في اليمن وأهمية الجهود املشتركة في مكافحة اإلرهاب وامللف النووي اإليراني وم�ب��ادرة السالم العربية ،وذل��ك وفقا ملا أعلنه بيان للديوان امللكي. وق ��ال م �س��ؤول��ون أم�ي��رك�ي��ون راف �ق��وا ال��رئ�ي��س األم �ي��رك��ي في اجتماعه ،إن املباحثات مع امللك سلمان بن عبد العزيز تركزت حول القضايا امللحة في املنطقة وهي محاربة تنظيم داعش اإلرهابي واألزمة في اليمن. وأش��اروا إلى أن املباحثات تناولت املصالح املشتركة ،وكذلك املوضوعات التي تثير تباينات بني البلدين .وق��ال مسؤول أميركي ،إن املباحثات تطرقت إل��ى قضية استقرار السوق النفطية ،وإن ال��والي��ات املتحدة ال تتوقع أن تغير السعودية موقفها من اإلنتاج حاليا رغم انخفاض أسعار النفط. وقالت الناطقة باسم مجلس األمن القومي بيرناديت ميهان، إن «الرئيس أوباما وامللك سلمان بحثا إرث امللك عبد الله بن عبد العزيز واتفقا على الحفاظ على عالقة وثيقة وصريحة مستقبال». واختصر أوباما زيارته للهند ليتوجه إلى الرياض على رأس وفد كبير يضم 30عضوا من كبار املسؤولني والجمهوريني املخضرمني وألغى زيارة كانت مقررة إلى تاج محل في الهند. وراف� ��ق ال��رئ �ي��س األم �ي��رك��ي زوج �ت��ه ميشيل أوب ��ام ��ا ،ووزي ��ر ال�خ��ارج�ي��ة ج��ون ك�ي��ري ،وال�ج�م�ه��وري��ان جيمس بيكر وزي��ر الخارجية في إدارة ج��ورج بوش األب ،وبرنت سكوكروفت، مستشار األمن القومي للرئيسني جيرالد فورد وبوش األب. وحظي الرئيس أوباما الذي وصل إلى اململكة باستقبال حافل، حيث كان امللك سلمان بن عبد العزيز على رأس مستقبليه في املطار ،بينما كان على رأس مودعيه بعد انتهاء املباحثات ولي العهد السعودي األمير مقرن بن عبد العزيز.
التقى
األمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد السعودي:
األمة في حاجة إلى حنكة امللك سلمان وخبرته األمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء السعودي، على أن األم�ت�ين العربية واإلس�لام�ي��ة في هذا الوقت ،بحاجة إلى حنكة خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان ب��ن عبد العزيز وخبرته «التي استمدها من عمله السياسي الدؤوب الذي اضطلع به منذ نشأته في عهد الوالد املؤسس امللك عبد العزيز رحمه الله». وجاء في كلمة األمير مقرن التي القاها بعد رحيل امللك عبد الله بن عبد العزيز واستشهد في مقدمتها باآلية( :يا أيتها النفس املطمئنة ارجعي إلى ربك راض �ي��ة م��رض�ي��ة ف��ادخ �ل��ي ف��ي ع �ب��ادي وادخ �ل��ي جنتي)« :الحمد لله وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده ،شاءت إرادة املولى تعالى ،وانتقل إلى جوار ربه خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله بن عبد العزيز ،تغمده الله بواسع رحمته بعد حياة حافلة بطاعة املولى سبحانه وتعالى ونصرة قضايا األمتني العربية واإلسالمية في كل مكان
شدد
الحب وخدمة وطننا الغالي وشعبه الوفي الذي بادله ّ وال��وف��اء واإلخ�ل�اص بصورة منقطعة النظير قل مثيلها ب�ين ال�ق��ادة وشعوبها ،فنسأل الله العلي القدير أن يجزيه خير الجزاء على ما قدم. وإننا إذ ننعى إلى شعبنا الوفي رحيل الوالد القائد ل�ن�س��أل ال�ل��ه ت�ع��ال��ى أن يشمله برحمته ال��واس�ع��ة ومغفرته ،كما نسأله تعالى أن يوفق سيدي خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز أيده الله بنصره ،إلى ما فيه خير بالدنا العزيزة وشعبها النبيل ونصرة قضايا األمتني العربية واإلس�لام �ي��ة ف��ي ه��ذا ال��وق��ت ال �ح��رج ال��ذي ت�م��ر به األم��ة وال��ذي هو بأمس الحاجة إلى حنكة وخبرة مقامه الكريم حفظه الله ،التي استمدها من عمله السياسي الدؤوب الذي اضطلع به منذ نشأته في عهد الوالد املؤسس امللك عبد العزيز رحمه الله، راجيا املولى عز وجل أن يمتعه بالصحة والعافية ويمده بعونه وتوفيقه ،والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته».
األمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي ولي العهد السعودي:
خادم الحرمني الشريفني يتصف بعمق سياسي وسداد في الرأي وبعد في النظر األم � �ي ��ر م �ح �م��د ب ��ن ن ��اي ��ف ب ��ن ع�ب��د العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي عن بالغ الحزن وعميق األسى لفقد خادم الحرمني الشريفني امللك عبد الله ب��ن عبد العزيز، ووص �ف��ه ب��أن��ه «ف�ق�ي��د امل�م�ل�ك��ة ال�ع��رب�ي��ة ال�س�ع��ودي��ة واألمتني العربية واإلسالمية الكبير». قال األمير محمد «إن عزاء الشعب السعودي واألمتني واإلسالمية واملجتمع الدولي في هذا املصاب العربية ََ الجلل هو في خلفه سيدي خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بكل ما يتصف ب��ه ،حفظه الله ورع��اه ،من عمق سياسي ..وس��داد في الرأي ..وبعد في النظر وتجربة طويلة في مجال الحكم واإلدارة منذ زم��ن ط��وي��ل وال��ذي ش��رف��ه الله بحمل أمانة قيادة هذه البالد املباركة وبايعته األمة على كتاب الله الكريم وسنة رسوله األم�ين ليتولى بعون الله وتوفيقه إدارة الحكم في اململكة العربية
أعرب
السعودية ،يعاضده ويشد من أزره سيدي صاحب السمو امللكي األمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله ملواصلة السير على النهج اإلسالمي الرشيد الذيأق��ام عليه جاللة امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ،طيب الله ثراه ،كيانها ،واحتكمت إليه في كافة شؤونها ،وعملت من خالله قيادتها الرشيدة ب ��روح م�خ�ل�ص��ة م��ن ال �ت �ع��اون وال �ت �ض��ام��ن ال�ع��رب��ي واإلس�ل�ام ��ي واإلن �س��ان��ي ل�خ��دم��ة ق�ض��اي��ا وش ��ؤون املجتمع ال��دول��ي وتحقيق أمنه واس�ت�ق��راره وتعاون دوله وشعوبه ملا فيه صالح الجميع». وأع��رب ولي ولي العهد عن اعتزازه بالثقة السامية التي أواله إياها امللك سلمان بن عبد العزيز ،راجيا من الله العلي القدير العون والتوفيق والسداد في حمل هذه األمانة العظيمة وأداء هذه املسؤولية الجسيمة وفق ما يتطلع إليه خادم الحرمني الشريفني ،والشعب السعودي الكريم بكل تفان وإخالص.
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
09
األسبوع الخامس
امللك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد األمير مقرن بن عبد العزيز وولي ولي العهد األمير محمد بن نايف بن عبد العزيز يتلقون التعازي من األمراء وقادة الدول الشقيقة والصديقة والعلماء واملسؤولني واملواطنني (واس)
6أوامر ملكية لخادم الحرمني الشريفني
تأبني وبيعة
08
السعودية ،فجر يوم 23يناير املاضي ،وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز ،وتلقى ولي عهده األمير سلمان بن عبد العزيز البيعة ملكا على البالد، وفق النظام األساسي للحكم ،وبعد إتمام البيعة ،وبناء على البند ثانيا من األمر امللكي رقم (أ ) 86-بتاريخ 1435 /5 /26هـ الذي نص على أن يبايع األمير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد في حال خلو والية العهد ،دعا خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز ،ملبايعة األمير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد ،وقد تلقى األمير مقرن البيعة. وأصدر امللك سلمان بن عبد العزيز أمرا ملكيا ،بتعيني األمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ،في منصب ولي ولي العهد، وقد تلقى البيعة من املواطنني ،إلى جانب امللك سلمان بن عبد العزيز ،واألمير مقرن بن عبد العزيز ،في قصر الحكم والديوان امللكي ،الذي توافدت عليه جموع من املواطنني الذين أدوا البيعة بعد تقديمهم العزاء واملواساة في الفقيد الراحل. وقد ووري جثمان امللك عبد الله بن عبد العزيز ،ثرى مقبرة ال��ع��ود ف��ي العاصمة ال��ري��اض ،التي احتضنت س��ادس ملوك اململكة العربية السعودية ،وش��ارك في مراسم دفن الجثمان خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز. وأديت صالة امليت على امللك عبد الله في جامع اإلمام تركي بن عبد الله بالرياض ،وتقدم املصلني خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز ،إلى جانب حشد من قادة وزعماء الدول ،وهم امللك حمد بن عيسى آل خليفة ،ملك مملكة البحرين، والشيخ صباح األح��م��د الجابر الصباح ،أمير دول��ة الكويت، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني ،أمير دولة قطر ،والرئيس التركي رجب طيب إردوغ��ان ،والرئيس السوداني عمر حسن أحمد
أعلنت
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
البشير ،واألمير خليفة بن سلمان آل خليفة ،رئيس الوزراء بمملكة البحرين ،ورئيس مجلس ال��وزراء املصري املهندس إب��راه��ي��م محلب ،ورئ��ي��س ال����وزراء الباكستاني ن��واز شريف، ونائب رئيس ال��وزراء لشؤون مجلس ال��وزراء ُ العماني السيد فهد ب��ن محمود آل سعيد ،ورئ��ي��س مجلس األم��ة الجزائري عبد ال��ق��ادر ب��ن ص��ال��ح ،والشيخ ال��دك��ت��ور سلطان ب��ن محمد القاسمي ،عضو املجلس األعلى بدولة اإلمارات العربية املتحدة حاكم الشارقة ،والشيخ سعود بن صقر القاسمي ،حاكم رأس الخيمة ،والشيخ حميد بن راشد النعيمي ،عضو املجلس األعلى بدولة اإلمارات العربية املتحدة حاكم عجمان ،والشيخ عمار بن حميد النعيمي ،ولي عهد عجمان. وبناء على توجيه من امللك سلمان بن عبد العزيز ،أديت صالة الغائب على امللك عبد الله في جميع مناطق ومحافظات البالد، وتقبل كل أمراء املناطق ومحافظو املحافظات ورؤساء املراكز السعودية التعازي في فقيد األم��ة ،كما تقبل األم���راء البيعة لخادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز ،ملكا للبالد ،واألمير مقرن بن عبد العزيز ،وليا للعهد ،واألمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ،وليا لولي العهد ،من كل أبناء املناطق. وعبر الجميع عن أملهم وحزنهم العميق على فقيد األمة ،سائلني الله له املغفرة والرحمة وأن يجزيه خيرا عن شعبه واألمتني العربية واإلسالمية وما قدمه لإلسالم واملسلمني في مشارق األرض ومغاربها .كما قدموا البيعة لخادم الحرمني الشريفني ولعضديه ،داعني الله لهم العون والتوفيق والسداد ملا فيه عزة ه��ذه البالد املباركة التي قامت وتقوم على كتاب الله الكريم وسنة رسوله ،صلى الله عليه وسلم ،ورفعة شعبها وتقدمه وخدمة اإلسالم واملسلمني في كل مكان.
.. رساله المحرر أصاب نبأ وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز املجتمع العربي واإلسالمي والدولي ببالغ الحزن واألسى ،نظرا ملا يمثله الفقيد من ثقل سياسي وإنساني على املستويني املحلي والعاملي .وأعربت كل الشعوب العربية واإلسالمية عن عظيم حزنها لفقدان امللك الصالح ،فيما بادر بعضها بإعالن الحداد على وفاته ما بني ثالثة إلى أربعني يوما. ورغم هول الصدمة ،تلقى ولي عهده سلمان بن عبد العزيز البيعة ملكا على البالد ،وفور توليه الحكم مارس مهامه وسلطاته بسالسة ويسر. هذه السالسة في انتقال السلطة من ملك إلى آخر ،ووحدة األسرة املالكة في السعودية ،وحب الشعب السعودي لقادته ،وكيفية تعاطي امللوك الستة الراحلني وامللك السابع سلمان بن عبد العزيز مع شؤون اململكة الداخلية واألحداث املشتعلة في املنطقة وعامليا ،وما حققوه من إنجازات ،بداية من املؤسس املغفور له امللك عبد العزيز آل سعود إلى امللك الحالي ..كل ذلك يستدعي كثير التأمل. هذا ما تطرحه «املجلة» موضوعا للغالف في عدد هذا الشهر ،حيث يفتتح مدير تحرير الشقيقة «الشرق األوسط» في السعودية زيد بن كمي امللف ،مؤكدا أن «صيانة وحدة األسرة املالكة في السعودية واحد من األسس ،وصمام األمان ،الستقرار األمن والرخاء في اململكة العربية السعودية» ،وأن السعودية «لم تشهد في دولتها الثالثة أي فراغ سياسي منذ تأسيسها». وفي السياق ذاته ،يؤكد الصحافي السعودي ميرزا الخويلدي أن «ما يجمع بني امللك املؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ،ونجله الخامس والعشرين ،امللك السابع للمملكة السعودية ،ولعهما الشديد بقراءة التاريخ، والوقوف على أبرز محطاته ،واالهتمام بتوثيق أحداثه ،ودراسة العناصر املؤثرة فيه» .ويضيف الخويلدي «يمثل امللك سلمان مرجعا مهما وموثوقا لتاريخ شبه الجزيرة العربية ،والسعودية على نحو الخصوص، وهو مرجع في أنساب القبائل ،وكما أنه قارئ نهم للتاريخ ،فهو أيضا متابع للدراسات والتحقيقات». وتحت عنوان «شفافية امللك سلمان ..أحد فنونه في الحكم» ،كتب الصحافي السعودي فهد الذيابي يقول «لعل من الصعوبة اإلحاطة بكل الجوانب الالفتة في شخصية امللك سلمان بن عبد العزيز ،الذي أصبح ملكا للبالد بعد وفاة امللك عبد الله بن عبد العزيز ،وتحديد املهارات واملالمح التي يتمتع بها ،من خالل حصيلة ستة عقود من التجارب واملواقف اإلنسانية والخيرية واإلدارية والثقافية والتاريخية؛ لكن يمكن القول إن شخصية ُّ امللك سلمان وحضوره الالفت في كل املجاالت دفعا الكتاب إلى التهافت للتأليف عنه وسبر أغوار شخصيته، رغم رفضه الدائم الكتابة عنه .فنجح عدد من املؤلفني والكتاب واملفكرين في رصد جوانب من شخصية امللك سلمان بن عبد العزيز والوقوف على (الكاريزما) الخاصة التي يملكها». وفي ملف آخر ،يحلل كل من أحمد دياب ،مدير تحرير مجلة «الديمقراطية» الصادرة عن مؤسسة «األهرام» املصرية ،والصحافي اللبناني املقيم في فرنسا ميشال أبو نجم ،ما أسفرت عنه األحداث األخيرة غير املسبوقة من اهتزاز وضع املسلمني في أوروبا بعد الهجوم اإلرهابي على «شارلي إيبدو» ،مما ينذر بنشوب توترات خطيرة في العالقات بني اإلسالم املتشدد والغرب لفترة مقبلة بعد صعود اليمني املتطرف والحركات املناهضة للدين الحنيف في أوروبا. كما تناول العدد تطور املواجهة بني املعارضة التركية والرئيس رجب طيب إردوغان في تقرير كتبه من إسطنبول الصحافي اللبناني ثائر عباس .وكتب الصحافي املصري عبد الستار حتيتة تحت عنوان «أحزاب من دون قواعد شعبية ..ورئيس شعبي بال حزب» ،عن املحاوالت الحثيثة التي يقوم بها الكثير من القوى السياسية املصرية مللء الفراغ وتشكيل تكتالت لخوض انتخابات مجلس النواب خالل األسابيع املقبلة. وفي تحقيق ميداني ،كشفت الصحافية الكردية روشن قاسم عن دول وعصابات وجماعات إرهابية قامت بشرعنة الخطف مقابل الفدية .إضافة إلى ذلك تنشر «املجلة» مقاالت مترجمة من مجلة «فورن أفيرز» تتناول املستجدات القائمة على الساحتني العربية والدولية. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه املوضوعات وغيرها الكثير على موقعنا « ،»majalla.comونرحب دائما بآرائك ،وندعوك للتعليق على املوضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا. المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
7
المحتوى
فتوى الخميني فجرت الصراع بني اإلسالم والغرب
دعاة اإلرهاب وحرية االستفزاز
أحد أركان الحكم.. تطوع محاربا مع مصر ..وجمع األموال للجزائر
امللك سلمان.. العرش السياسي تتفق على العداء إلردوغان.. وتختلف على كل ما عداه
املعارضة الرتكية: اجتماع تكتيكي.. وخالف اسرتاتيجي
مصر :اإلعداد للتكتالت الحزبية التي ستتنافس على مقاعد البرملان املقبل
أحزاب من دون قواعد شعبية ..ورئيس شعيب بالحزب
إصالح العراق يبدأ من تلبية مطالب السنة وتحجيم العالقات مع إيران
هل يتمكن العبادي من رأب الصدع الطائفي يف البالد؟ 6
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
تفتح أخطر امللفات الدولية:
دول وعصابات وجماعات إرهابية قامت بشرعنة اخلطف واألسر
كلمة
بينما كانت ألسنة السعوديني تلهج ،وأيديهم ترتفع بالدعاء ملليكهم عبد الله بن عبد العزيز عند ً وانتهاء دخوله املستشفى نهاية ديسمبر (كانون األول) املاضي أمال في سالمته ،بدءا من ولي عهده، بأصغر طفل سعودي ،كانت التكهنات والتوقعات ،من خارج البالد ،في أوجها حول مستقبل بيت الحكم .تذهب التحليالت وتأتي األمنيات ،وتتداخل الرغبات وتغيب الوقائع في كيفية انتقال الحكم للجيل الثاني ،فلما كتب الله أمره ،وانتقل امللك الصالح عبد الله بن عبد العزيز إلى ذمة الله ،جاء االنتقال السلس للحكم ،كعادة انتقاله بني ملوك السعودية منذ تأسيسها. رحل امللك عبد الله بعد أن رسخ مكانة بالده على املستويني اإلقليمي والدولي .رحل بعد أن مر ببالده بسالم من عاصفة ما يعرف بـ «الربيع العربي» ،ال��ذي بلغ أط��راف ح��دود اململكة .رحل بعد أن قام بعملية إصالح داخلي توافقت مع ظروف مجتمعه ،ولم يقبل بأن تفرض أي إصالحات مستوردة من الخارج .رحل بعد أن حول حلم االبتعاث الخارجي من طبقة األغنياء إلى أفقر األسر التي أصبح متاحا لها ذلك .باختصار ،رحل امللك عبد الله بعد أن حقق الحد األقصى مما ينتظره منه شعبه، سواء كان ذلك داخليا أو خارجيا.
بقلم: �سلمان الدو�سري
خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز ،وبعد سويعات قليلة من توليه الحكم ،مارس مهامه كملك للبالد ،وه��و الحاكم اب��ن الحاكم أخ��و الحكام ،وأص��در أم��را ملكيا بتعيني ول��ي العهد األمير مقرن بن عبد العزيز نائبا لرئيس مجلس الوزراء ،كما سارع الستكمال ترتيب انتقال الحكم مستقبال ،متخذا قرارا تاريخيا بنقل الحكم وللمرة األولى في تاريخ الدولة السعودية للجيل الثاني من أسرة آل سعود ،عندما نّ عي األمير محمد بن نايف وليا لولي العهد ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ،هذه الخطوة الكبيرة التي كان الجميع ،داخليا وخارجيا ،ينتظر موعدها ،فلما أتى حينها، اتخذها امللك سلمان بشكل انسيابي وسلس ،يتفق مع الظروف املحيطة وحاجة الدولة لها في هذه املرحلة .من يعرف سلمان بن عبد العزيز ،يعرف أن للقرارات التاريخية رجالها ،وهكذا هو خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان.
رحل ملك وحضر ملك.. االستقرار صناعة سعودية
ليس جديدا هذا اللغط املتعمد الذي يثار في كل مرة عن مستقبل الحكم في السعودية ،وليس جديدا أن عملية االنتقال كانت طبيعية أيضا ،وليس فيها ما هو مستغرب ،يرحل ملك عظيم ويحزن السعوديون حزنا عظيما ،لكنهم يعلمون أن بالدهم ماضية في استقرارها.
قبل سنوات قليلة فقدت السعودية اثنني من أعظم قادتها في عام واحد ،وهما وليا العهد السابقان األم�ي��ر سلطان ب��ن عبد العزيز ،واألم�ي��ر نايف ب��ن عبد العزيز ،وعلى قدر الفقد الكبير لقامتني كبيرتني ،وعلى قدر أن السعودية ال تنسى قادتها الراحلني ،مع ذلك فاململكة تعي أن عقارب الساعة ال تتوقف أبدا، وأن هذه البالد تفقد رجاال وتنجب رجاال .األشخاص متغيرون واململكة باقية.
أمس وفي أكثر من قناة فضائية كان السؤال الذي يتردد عن عملية انتقال الحكم ،كيف تمت بهذه السهولة؟ ما مستقبل الحكم في السعودية؟ فكانت إجابتي أن من ال يعرف طبيعة املجتمع السعودي، يردد مثل هذه التكهنات عن غموض عملية االنتقال هذه ،على الرغم من أن كل الشواهد تؤكد أن هناك حسما ليس بمستغرب أو جديد ،وكلما أمعن اآلخرون في التشكيك في قوة مؤسسة الحكم السعودية ،أثبتت هذه املؤسسة صالبتها وحنكتها واستمراريتها. ظل كثيرون يرددون بال دراية أو معرفة ّ عما يصفونه بالضبابية في مؤسسة الحكم السعودية ،فلما غاب ملك حضر ملك ،واستمرت الدولة كما هي راسية مستقرة ،أو كما قال العاهل السعودي أمس: «سنظل بحول الله وقوته متمسكني بالنهج القويم ،الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد امللك املؤسس عبد العزيز (رحمه الله) ،وعلى أيدي أبنائه من بعده (رحمهم الله) ،ولن نحيد عنه أبدا». الدولة السعودية من القوة واالستقرار بحيث تضرب مثال في كل مرة تصيبها مصيبة. نام الناس مساء الخميس وامللك عبد الله ملك للبالد ،وصحوا من نومهم وامللك سلمان مليكها .كم أنت أيتها السعودية. كانت الرسالة قوية وواضحة للعالم أجمع .عظيمة ِ 4
المجلة /العدد 1604فبراير ( -شباط) 2015
رئيس التحرير
�سلمان بن يو�سف الدو�سري Salman Aldossary Editor-in-Chief
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
:سكرتري التحرير
الد�سوقي م�صطفى Omar A. Alshaikh
Acting CEO of NASHR Co.
ﻣﺴﺆول ﻣﻜﺘﺐ اﳋﻠﻴﺞ
ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē للمشاركة كلمة800 جميع المقاالت يجب أال تزيد على:ملحوظة editorial@majalla.com إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على البريد اإللكتروني +y:a ` 3x3Na - M k 1fM
^¤ 7yG* Ò* ^d<
اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ĴĽŬ ĚŠĴĽŤ ŚťšũŤē źIJżřŭĝŤē ĺżĐĴŤē Acting CEO of ﺳﻜﺮﺗﲑ NASHR Co. اشتراكات Omar A. Alshaikh +y:a ` 3x3Na - M k 1fM www.issuu.com/majalla :لالشتراك في االلكترونية subscriptions@majalla.com : يرجى االتصال بـ،لالشتراك في الطبعة الرقمية
¥E¢ 6^G* £ }H
ǀżȤƾƪƵƴŽ Acting CEO of NASHR Co.
أي جزء منها أو تخزينها في أي نظامΔϤϠϛ ϰϠϋ ΪϳΰΗ ϻ ΐΠϳ ΕϻΎϘϤϟ ϊϴϤΟ ΔχϮΤϠϣ HGLWRULDO#PDMDOOD FRP ϲϧϭήΘϜϟϹ ΪϳήΒϟ ϰϠϋ ΔϠγήϤϟ ϰΟήϳ ˯έ ϭ ΕϻΎϘϣ ϝΎγέϹ وال يجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو. التي تصدر عن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (المملكة المتحدة) شركة محدودة2009 حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة Omar A. Alshaikh لتلقي.ً وتصدر المجلة شهريا.)على تصريح مسبق من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق (شركة محدودة استرجاعي أو نقلها بأي صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول ȝƾżȚǍƄŵȚ www.majalla.com يرجى زيارة،استفسارات االشتراك الرقمي
ZZZ LVVXX FRP PDMDOOD ΔϴϧϭήΘϜϟϻ ϲϓ ϙήΘηϼϟ VXEVFULSWLRQV#PDMDOOD FRP ˰Α ϝΎμΗϻ ϰΟήϳ ˬΔϴϤϗήϟ ΔόΒτϟ ϲϓ ϙήΘηϼϟ
ϡΎψϧ ϱ ϲϓ ΎϬϨϳΰΨΗ ϭ ΎϬϨϣ ˯ΰΟ ϱ ϭ ΔϠΠϤϟ ΔϋΎΒσ ΓΩΎϋ· ϝϮΣϷ Ϧϣ ϝΎΣ ϱ΄Α ίϮΠϳ ϻϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ΓΪΤΘϤϟ ΔϜϠϤϤϟ ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϋ έΪμΗ ϲΘϟ ΔϠΠϤϟ ΔϠΠϤϟ ΔχϮϔΤϣ ήθϨϟ ϕϮϘΣ Issue 1604 - February 2015 2015 ) ( شباط- فبراير1604 العدد ϲϘϠΘϟ ˱ΎϳήϬη ΔϠΠϤϟ έΪμΗϭ ΓΩϭΪΤϣ Δϛήη ϖϳϮδΘϟϭ ΙΎΤΑϸϟ ΔϳΩϮόδϟ Δϛήθϟ Ϧϣ ϖΒδϣ ϳήμΗ ϰϠϋ ϝϮμΤϟ ϥϭΩ ϪΑΎη Ύϣ ϭ ΎϬϠϴΠδΗ ϭ ΎϫήϳϮμΗ ϭ Δϴϟ ϭ ΔϴϧϭήΘϜϟ· ΔϠϴγϭ ϱ ϭ ΓέϮλ ϱ΄Α ΎϬϠϘϧ ϭ ϲϋΎΟήΘγ HH Saudi Research and Marketing (UK) Ltd ZZZ PDMDOOD FRP ΓέΎϳί ϰΟήϳ ˬϲϤϗήϟ ϙήΘηϻ ΕέΎδϔΘγ تقاطع التخصصى- طريق مكة- حي المؤتمرات- الرياض مرخص لها
Arab Press House, 184 High Holborn, London WC1V 7AP$XJXVW LVVXH Tel: +44 207 831 8181 - Fax: +44 207 831 2310
A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 : لندن- 4419933 هاتف:الرياض
Ώ βτδϏ ΩΪόϟ
www.majalla.com/eng
++ 6DXGL 5HVHDUFK DQG 0DUNHWLQJ 8. /WG ϰμμΨΘϟ ϊσΎϘΗ ΔϜϣ ϖϳήσ ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ νΎϳήϟ ΎϬϟ κΧήϣ hq@alkhaleejiah.com : بريد إلكتروني،www.alkhaleejiah.com :موقع إلكتروني $UDE 3UHVV +RXVH +LJK +ROERUQ الوكيل اإلعالني ϥΪϨϟ ϒΗΎϫ νΎϳήϟ $ 0RQWKO\ 3ROLWLFDO 1HZV 0DJD]LQH +966 11 441 1444 : الدول مختلف ومن ، +44 207 404 6950 :لندن ، +331 537 764 00 :باريس ، +9714 3 914440 :دبي ،920 000 417 : من داخل المملكة /RQGRQ :& 9 $3 ZZZ PDMDOOD FRP HQJ 7HO )D[ 800-2440076 : هاتف مجاني،www.arabmediaco.com : موقع إلكتروني، info@arabmediaco.com :بريد إلكتروني
KT#DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ ˬZZZ DONKDOHHMLDK FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ϝϭΪϟ ϒϠΘΨϣ Ϧϣϭ ˬ ϥΪϨϟ ˬ βϳέΎΑ ˬ ϲΑΩ ˬ ΔϜϠϤϤϟ ϞΧΩ Ϧϣ
،+966 11 2121774 : فاكس+966 11 4419933 : هاتف،11585 الرياض- 62116 ب. ص- وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات www.saudidistribution.com :موقع إلكتروني
ϲϧΎΠϣ ϒΗΎϫ ˬZZZ DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ LQIR#DUDEPHGLDFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ΪϳήΑ
شركات نشر
وكيل اإلشتراكات
ϲϧϼϋϹ ϞϴϛϮϟ وكيل التوزيع
ΕΎϛήΘηϹ Ϟϴϛϭ
ˬ βϛΎϓ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι ΕήϤΗΆϤϟ ϲΣ ΔϳΩϮόδϟ ΔϴΑήόϟ ΔϜϠϤϤϟ ϲϓ ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ ZZZ VDXGLGLVWULEXWLRQ FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ Saudi Specialized Publishing املتخصص السعودية للنشر الشركةCompany
ZZZ KDODSULQWFR FRP ϲϧϭήΘϜϟ· ϊϗϮϣ ˬ βϛΎϓ ˬ ϒΗΎϫ ˬ νΎϳήϟ Ώ ι
�شركات ن�شر
ϊϳίϮΘϟ Ϟϴϛϭ ΔϋΎΒτϟ ΰϛήϣ
حقوق التوزيع لهذه المطبوعات محفوظة
ΔϋϮϤΠϤϟ ΕΎϛήη
»لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم
8002440014 يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني،للحصول على المزيد من المعلومات www.arabmediaco.com
www.sspc.com.sa
áeÉ©dG äÉbÓ©dGh ¿ÓYEÓ»«المجلة d á«é«∏ÿGحقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة www.srpc.com
6DXGL 6SHFLDOL]HG 3XEOLVKLQJ &RPSDQ\
مجلة العرب الدولية 1980 تأسست في لندن عام
شهرية سياسية 2015 ) ( شباط- فبراير1604 العدد
للحصول على العدد اسـتخـدم هاتفــك ال ــذكي لـمــسح هـ ـ ــذا الـ ــرقـ ـ ـ ــم ISSN 1319-0873
02
9 771319 087013
www.majalla.com
Issue 1604 - February 2015