روايات في أحكام الحبوة

Page 1


]


‫رسالة‬ ‫يف أحكام احلبــوة‬

‫تأليف‬

‫سيد محمد سيد صباح شبر‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫د‬ ‫الطبعة األولى‬ ‫‪ 1435‬هـ ‪ 2014 -‬م‬

‫‪4‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪5‬‬

‫و‬ ‫‪L‬‬ ‫احلم��د لل��ه رب العامل�ين‪ ،‬ب��اريء اخلالئ��ق أجمع�ين‪ ،‬باع��ث األنبي��اء‬ ‫واملرسلني‪.‬‬

‫ثم الصالة والس�لام على أشرف األنبياء وسيد املرسلني‪ ,‬سيدنا محمد‬ ‫وآله الطاهرين‪.‬‬ ‫وبع��دُ ‪ ،‬ف��إن من املس��ائل التي تعتبر مح��ل ابتالء عامة الناس‪ ،‬املس��ائل‬ ‫املرتبطة باإلرث‪.‬‬ ‫ومن ضمن املسائل التي تبحث في كتاب اإلرث مسألة (احلبوة) وهي‬ ‫اختصاص أحد الورثة بأجناس معينة يخ ّلفها امليت‪.‬‬

‫وتعد مسألة احلبوة من املسائل التي فيها فروع كثيرة ولها ارتباط بالعديد‬ ‫من املسائل الشرعية‪.‬‬

‫حاولت في هذه الرس��الة‪ ،‬أن أذكر مس��ائل احلب��وة بتفاصيلها‪ ،‬مع‬ ‫وقد‬ ‫ُ‬ ‫ذكر آراء جمع من كبار العلماء فيها‪.‬‬ ‫إضاف ًة إلى ذكر ما يأتي بالذهن في بعض املوارد‪.‬‬ ‫السيد الوالد حفظه‬ ‫علي سماحة ّ‬ ‫وفي ختام الرسالة‪ ،‬أذكر كلم ًة أمالها َّ‬ ‫الله‪ ،‬ذكر فيها ما توصل إليه في هذه املسألة‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪6‬‬

‫أس��أل الله عزوجل أن يتقبل هذا اليس��ير بأحس��ن قبوله وأن يجعل فيه‬ ‫النفع والفائدة للمؤمنني‪ ...‬بحق محمد وآله الطيبني الطاهرين‪.‬‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫محمـــد شبــــر‬ ‫‪1435‬هـ‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪7‬‬

‫املعنى اللغوي للحبوة‬ ‫فس��رت هذه الكلم��ة باللغ��ة بأكثر من معن��ى‪ ،‬وإن كانت ه��ذه املعاني‬ ‫تصب في خانة واحدة‪.‬‬ ‫فقد فسرها البعض بـ (العطية) وبـ (اإلعطاء بال جزاء)(‪.)1‬‬

‫من وال جزاء)(‪.)2‬‬ ‫وفسرها بعض آخر بـ (اإلعطاء) وبـ (العطاء بال ٍّ‬

‫وفسرها آخرون بـ (إعطاء الشيء بغير عوض)(‪.)3‬‬

‫والظاهر أن احلبوة ُيقصد بها اإلعطاء املجاني الذي فيه نوع من التكرمي‬ ‫للشخص املعطى‪.‬‬ ‫يعبر عنها بالهبة أو الهدية‪.‬‬ ‫يعبر عنها باحلبوة‪ ،‬بل ّ‬ ‫فما ُك ُّل عطية ّ‬

‫أ ّما احلبوة‪ ،‬فهي العطية التي تختص بشخص دون غيره تكرمي ًا له‪ ،‬كمن‬ ‫يعطي س��لعة ثمينة لطالب في املدرسة بس��بب تفوقه بالدراسة ومتيزه عن‬ ‫سائر الطالب‪.‬‬ ‫ومن هنا قال الشاعر في حق اإلمام احلسني \‪:‬‬

‫ُحــــبي بثـــالث ما أحـــاط مبثلها‬

‫(‪ )1‬املنجد ‪ -‬حرف احلاء‪.‬‬ ‫(‪ )2‬لسان العرب ‪ -‬حرف احلاء‪.‬‬ ‫(‪ )3‬مجمع البحرين ‪ -‬حرف احلاء‪.‬‬

‫لي فمن زيد هناك ومن عمـرو‬ ‫َو ٌّ‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫له تربــــة فيـــها الشــــفاء وقــــــبة‬ ‫وذريـــــــة دريـــــة منـــــــه تسعــــة‬

‫‪8‬‬

‫ُيجاب بها الداعي إذا مسه الضر‬

‫عشـــــر‬ ‫أئمــة حــــق ال ثمان وال‬ ‫ُ‬ ‫فه��ذه ميزات وكرامات‪ ،‬خص الله تعالى اإلمام احلس�ين \بها‪ ،‬من‬ ‫دون سائر األولياء والصاحلني‪ ،‬ولذا عبر عنها باحلبوة‪.‬‬

‫وعل��ى كل ح��ال‪ ،‬فإن ما يهمنا هو املعنى الش��رعي له��ذه الكلمة‪ ،‬ألنه‬ ‫الذي يترتب عليه احلكم الشرعي‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪9‬‬

‫املعنى ال�شرعي للحبوة‬ ‫املقصود باحلبوة شرع ًا‪ ،‬هو اختصاص الولد الذكر األكبر ببعض األعيان‬ ‫التي تركها األب‪ ،‬بحيث ال يشاركه فيها أحد من الورثة اآلخرين‪.‬‬ ‫وهذه األعيان هي‪ :‬الثياب واخلامت والسيف واملصحف‪.‬‬

‫وهذا احلكم من األحكام التي انفرد بها الشيعة اإلمامية‪ ،‬خالف ًا لغيرهم‬ ‫من املذاهب اإلسالمية األخرى‪.‬‬ ‫ويعتبر هذا احلكم مخالف ًا لألصل األولي‪ ،‬إذ املفروض أن التركة تقسم‬

‫عل��ى الورثة بالتقس��يم الش��رعي احمل��دد وال يختص الولد األكبر بش��يء‬ ‫منها‪.‬‬

‫إال أننا نلتزم بهذا احلكم لوجود روايات وردت عن أهل البيت عليهم‬ ‫السالم دلت على ذلك‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫روايات‬ ‫الحبوة‬

‫‪10‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪11‬‬

‫الرواية األولى‬

‫رواها الشيخ الكليني في الكافي‪:‬‬

‫«ع��ن عدة من أصحابن��ا‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن خال��د‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬ ‫حم��اد بن عيس��ى‪ ،‬عن ربعي ب��ن عبدالله‪ ،‬عن أبي عبدالل��ه \ قال‪ :‬إذا‬ ‫م��ات الرجل فس��يفه وخامت��ه ومصحفه وكتب��ه ورحله وراحلته وكس��وته‬ ‫ألكبر ولده‪ ،‬فإن كان األكبر ابنة‪ ،‬فلألكبر من الذكور»(‪.)1‬‬ ‫وهذه الرواية صحيحة من حيث السند‪.‬‬

‫وقد رواها الش��يخ الطوس��ي في التهذيب واالس��تبصار بس��ند صحيح‬ ‫أيض ًا(‪ .)2‬ورواها الش��يخ الص��دوق في الفقيه أيض ًا بس��ند صحيح‪ .‬إال أن‬ ‫رواية الصدوق تخلو من كلمة (وراحلته)(‪.)3‬‬

‫الرواية الثانيـــة‬

‫رواها الشيخ الكليني في الكافي‪:‬‬

‫«عن محمد بن إس��ماعيل‪ ،‬عن الفضل بن ش��اذان‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪،‬‬ ‫عن ربعي بن عبدالله‪ ،‬عن أبي عبدالله \ قال‪ :‬إذا مات الرجل فلألكبر‬ ‫من ولده سيفه ومصحفه وخامته ودرعه»(‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬الكافي‪ ،‬اجلزء (‪ )7‬صفحة (‪ )95‬باب ‪ 52‬حديث‪.4‬‬ ‫(‪ )2‬التهذيب‪ ،‬اجلزء (‪ )9‬صفحة (‪ )236‬حديث ‪.997‬‬ ‫ االستبصار‪ ،‬اجلزء (‪ )4‬صفحة (‪ )152‬حديث ‪.541‬‬ ‫(‪ )3‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬اجلزء (‪ )4‬صفحة (‪ .)238‬حديث ‪.805‬‬ ‫(‪ )4‬الكافي‪ ،‬اجلزء (‪ )7‬صفحة (‪ )94‬باب ‪ 52‬حديث ‪.3‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪12‬‬

‫وهذه الرواية معتبرة من حيث الس��ند‪ .‬وقد رواها الش��يخ الطوسي في‬ ‫التهذيب واالستبصار بسند صحيح(‪.)1‬‬

‫الرواية الثالثة‬

‫رواها الشيخ الكليني في الكافي‪:‬‬

‫«ع��ن عل��ي بن إيراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن حماد بن عيس��ى‪ ،‬عن حريز‪ ،‬عن‬ ‫أبي عبدالله \ قال‪ :‬إذا هلك الرجل فترك بنني فلألكبر السيف والدرع‬ ‫واخلامت واملصحف‪ ،‬فإن حدث به حدث فلألكبر منهم »(‪.)2‬‬

‫الس��يد اخلوئي‪ ،‬بل على مبنى‬ ‫وهذه الرواية صحيحة الس��ند على مبنى‬ ‫ّ‬ ‫أكثرية الفقهاء‪.‬‬

‫الس��يد السيس��تاني أن��ه يعتبر الرواي��ات التي يرويها‬ ‫ولكن املنقول عن‬ ‫ّ‬ ‫حريز مباش��رة عن اإلمام الصادق \ فيها شبهة اإلرسال‪ ،‬والسبب في‬ ‫ذل��ك أن يونس بن عبدالرحمن وهو تلمي��ذ حريز‪ ،‬ذكر أن حريز ًا لم يرو‬ ‫ع��ن اإلمام الصادق \ إال حديثني‪ ،‬ألن��ه كان ال يحضر مجلس اإلمام‬ ‫الص��ادق \ مهاب��ة منه \‪ ،‬وإمن��ا كان ينقل عن اإلمام مع الواس��طة‪،‬‬ ‫وعلي��ه ف��كل ما يرويه حريز مباش��رة ع��ن اإلمام الصادق \ فيه ش��بهة‬ ‫اإلرسال‪ ،‬ألننا ال نعلم من الذي نقل الرواية حلريز‪.‬‬ ‫وبالتالي ال تكون هذه الرواية صحيح ًة على مبنى السيد السيستاني‪.‬‬

‫(‪ )1‬التهذيب‪ ،‬اجلزء (‪ )9‬صفحة (‪ )235‬حديث ‪.996‬‬ ‫ االستبصار‪ ،‬اجلزء (‪ )4‬صفحة (‪ )152‬حديث ‪.540‬‬ ‫(‪ )2‬الكافي‪ ،‬اجلزء (‪ )7‬صفحة (‪ )94‬باب ‪ 52‬حديث ‪.1‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪13‬‬

‫الرواية الرابعة‬

‫رواها الشيخ الكليني في الكافي‪:‬‬

‫« ع��ن عل��ي ب��ن إبراهيم‪ ،‬عن أبي��ه‪ ،‬عن ابن أب��ي عمير‪ ،‬عن اب��ن أذينة‪،‬‬ ‫عن بعض أصحابه‪ ،‬عن أحدهما عليهما الس�لام‪ :‬أن الرجل إذا ترك سيف ًا‬ ‫وسالح ًا فهو البنه‪ ،‬وإن كان له بنون فهو ألكبرهم »(‪.)1‬‬ ‫وهذه الرواية ضعيفة ألنها مرسلة‪.‬‬

‫الرواية اخلامسة‬

‫رواها الشيخ الصدوق في الفقيه‪:‬‬

‫« بإس��ناده عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن شعيب بن يعقوب‪ ،‬عن أبي بصير‪،‬‬ ‫عن أبي عبدالله \ قال‪ :‬امليت إذا مات فإن البنه األكبر السيف والرحل‬ ‫والثياب‪ :‬ثياب جلده »(‪.)2‬‬ ‫وهذه الرواية صحيحة من حيث السند‪.‬‬

‫الرواية السادسة‬

‫رواها الشيخ الطوسي في التهذيب واالستبصار‪:‬‬

‫« بإس��ناده ع��ن علي بن احلس��ن ب��ن ّ‬ ‫فضال‪ ،‬ع��ن علي بن أس��باط‪ ،‬عن‬ ‫محم��د ب��ن زياد بن عيس��ى‪ ،‬عن ابن أذين��ة‪ ،‬عن زرارة ومحمد بن مس��لم‬ ‫(‪ )1‬الكافي‪ ،‬اجلزء (‪ )7‬صفحة (‪ )94‬باب ‪ 52‬حديث‪.2‬‬ ‫(‪ )2‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬اجلزء (‪ )4‬صفحة (‪ )238‬حديث ‪.806‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪14‬‬

‫وبكير وفضيل بن يس��ار‪ ،‬عن أحدهما عليهما الس�لام‪ :‬إن الرجل إذا ترك‬ ‫سيف ًا أو سالح ًا فهو البنه‪ ،‬فإن كانوا اثنني فهو ألكبرهما »(‪.)1‬‬ ‫وهذه الرواية موثقة من حيث السند‪.‬‬

‫الرواية السابعة‬

‫رواها الشيخ الطوسي في التهذيب واالستبصار‪:‬‬

‫«ع��ن علي بن احلس��ن بن ّ‬ ‫فضال‪ ،‬عن أحمد بن احلس��ن‪ ،‬ع��ن أبيه‪ ،‬عن‬ ‫حماد بن عيس��ى‪ ،‬عن ش��عيب العقرقوفي‪ ،‬قال‪ :‬س��ألت أب��ا عبدالله \‬ ‫ع��ن الرج��ل ميوت ماله من متاع بيته؟ قال‪ :‬الس��يف وق��ال‪ :‬امليت إذا مات‬ ‫فإن البنه السيف والرحل والثياب‪ :‬ثياب جلده »(‪.)2‬‬ ‫وهذه الرواية موثقة من حيث السند‪.‬‬

‫وتوجد روايات أخرى‪ ،‬ولكن نكتفي بذكر هذا املقدار‪.‬‬

‫(‪ )1‬التهذيب‪ ،‬اجلزء (‪ )9‬صفحة (‪ )236‬حديث ‪.998‬‬ ‫ االستبصار‪ ،‬اجلزء (‪ )4‬صفحة (‪ )152‬حديث ‪.542‬‬ ‫(‪ )2‬التهذيب‪ ،‬اجلزء (‪ )9‬صفحة (‪ )236‬حديث ‪.999‬‬ ‫ االستبصار‪ ،‬اجلزء (‪ )4‬صفحة (‪ )153‬حديث ‪.544‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪15‬‬

‫الإجماع على الأجنا�س الأربعة‬ ‫الذي يالحظ الروايات يجد أنها ذكرت أمور ًا عديدة يختص بها الولد‬ ‫األكبر‪.‬‬ ‫إ ّ‬ ‫ال أن الفقهاء قدمي ًا وحديث ًا قالوا‪ :‬يحبى الولد األكبر بأربعة أشياء فقط‬ ‫ال غير‪ ،‬وهي‪ :‬الثياب‪ ،‬اخلامت‪ ،‬السيف‪ ،‬املصحف‪.‬‬ ‫فاإلجماع قام على هذه األربعة ال غير‪.‬‬

‫نع��م‪ ،‬ظاهر الش��يخ الصدوق أنه ي��رى احلبوة في س��تة أجناس‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫الثياب‪ ،‬اخلامت‪ ،‬السيف‪ ،‬املصحف‪ ،‬الكتب‪ ،‬الرحل‪.‬‬

‫فإنه ذكر في كتابه من ال يحضره الفقيه‪ ،‬الرواية التي تذكر هذه األجناس‬ ‫الستة‪ ،‬وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه ال يروي إال ما يعمل به‪.‬‬ ‫وبعض الفقهاء يحتاط وجوب ًا في دخول الكتب والراحلة والرحل في‬

‫احلب��وة إضافة إلى األجناس األربعة املجمع عليها‪ ،‬فتكون أجناس احلبوة‬ ‫سبعة‪.‬‬ ‫وهذا رأي الشيخ الوحيد اخلراساني(‪.)1‬‬

‫وهنا قد يطرح سؤال وهو‪:‬‬

‫مل��اذا ال نعمم احلبوة لهذه األجناس الس��بعة ونقتصر عل��ى أربعة فقط‪،‬‬ ‫خصوص ًا وأن األجناس الس��بعة ذكرت مجتمعة في الرواية األولى‪ ،‬وهي‬ ‫رواية صحيحة من حيث السند؟‬ ‫(‪ )1‬الشيخ الوحيد ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬جزء (‪ )3‬صفحة (‪.)412‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪16‬‬

‫وفي اجلواب عن هذا السؤال نقول‪:‬‬

‫املف��روض أن نعمم احلبوة لهذه األجن��اس‪ ،‬إ ّ‬ ‫ال أن إجماع الفقهاء على‬ ‫االقتصار على األجناس األربعة مينعنا من التعدي إلى غيرها‪.‬‬ ‫إن قل��ت‪ :‬اإلجماع ال يقبله الفقهاء ‪ -‬خصوص ًا املتأخرين ‪ -‬في أغلب‬ ‫األحيان‪ ،‬ألنه ال يكشف عاد ًة عن رأي اإلمام املعصوم \‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬هناك بعض اإلجماعات ‪ -‬وهي قليلة ‪ -‬تكشف عن رأي اإلمام‬ ‫املعصوم \‪ ،‬وهذا منها‪ ،‬وذلك ألن هذا اإلجماع مخالف ملا دلت عليه‬ ‫الرواي��ات م��ن تعمي��م احلبوة ألكث��ر من األجن��اس األربع��ة‪ ،‬ومع صحة‬ ‫الروايات س��ند ًا ووضوحها دالل ًة‪ ،‬ال نرى س��بب ًا لإلجم��اع على خالفها‪،‬‬ ‫إ ّ‬ ‫ال وجود دليل عند املجمعني ولكن لم يصل إلينا‪.‬‬

‫وعلي��ه نق��ول باقتص��ار احلب��وة عل��ى األجن��اس األربعة فق��ط‪ ،‬وذلك‬ ‫لإلجماع الكاشف عن رأي املعصوم \‪.‬‬ ‫وعل��ى كل ح��ال‪ ،‬فلنب��دأ بالتكل��م ع��ن واح��د واح��د م��ن األجن��اس‬ ‫األربعة‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪17‬‬

‫‪ -1‬الثيـــــاب‬ ‫اختلف الفقهاء في مقدار ما يحبى به الولد األكبر من الثياب‪.‬‬

‫فبعض الفقهاء اقتصر على الثياب التي كان يدمي األب لبسها‪ ،‬وبعضهم‬ ‫اقتصر على الثياب التي كان يصلي فيها‪.‬‬

‫إال أن أكث��ر الفقه��اء قالوا بأنه ُيحبى بجميع الثي��اب‪ ،‬وإن كانت كثيرة‪،‬‬ ‫لظه��ور كلم��ة الثياب ف��ي املجموع‪ ،‬وتش��مل الثي��اب الصيفية والش��توية‬ ‫والصغيرة والكبيرة والقطن واجللد والصوف وغيرها‪.‬‬ ‫وتش��مل أيض ًا الثياب التي لبس��ها األب‪ ،‬والثياب التي أعدها ليلبس��ها‬ ‫وإن لم يلبسها‪.‬‬

‫نع��م ظاهر الدليل ‪ -‬خصوص�� ًا مع مالحظة عبارة (ثي��اب جلده) التي‬ ‫وردت ف��ي أكثر م��ن رواية ‪ -‬أنه يحبى بالثياب التي أعدها األب لنفس��ه‪،‬‬ ‫فال يش��مل الثياب التي اش��تراها ليهديها لآلخرين‪ ،‬كما ال يش��مل الثياب‬ ‫التي اشتراها ألجل التجارة بها‪.‬‬

‫ث��م إنه حصل اخلالف في بعض األش��ياء التي ُيش��ك ف��ي إطالق لفظ‬ ‫الثياب أو الكس��وة عليه��ا‪ ،‬مثل العمامة واحلزام واجل��ورب والنعل‪ ،‬فهل‬ ‫يحبى بها الولد األكبر؟‬

‫اخت��ار جم��ع م��ن الفقهاء دخ��ول هذه األعي��ان حتت عنوان الكس��وة‪،‬‬ ‫وبالتالي يحبى بها الولد األكبر‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪18‬‬

‫السيد اخلوئي رحمه الله‪:‬‬ ‫قال ّ‬

‫«ال فرق بني الكسوة الشتائية والصيفية وال بني القطن واجللد وغيرهما‬ ‫وال ب�ين الصغي��رة والكبيرة فيدخل فيه��ا مثل القلنس��وة(‪ ،)1‬وفي اجلورب‬ ‫واحل��زام والنعل تردد أظهره الدخ��ول‪ ،‬وال يتوقف صدق الثياب ونحوها‬ ‫عل��ى اللبس‪ ،‬بل يكفي إعدادها لذلك‪ ،‬نعم إذا أعدها للتجارة أو لكس��وة‬ ‫غيره من أهل بيته وأوالده وخدامه لم تكن من احلبوة»(‪ .)2‬انتهى‪.‬‬ ‫وفرق بعض الفقهاء بني هذه األشياء فأدخل بعضها في احلبوة وأخرج‬ ‫بعضها‪.‬‬ ‫فالش��هيد الثاني رحمه الله في الروضة البهية اعتبر العمامة من احلبوة‪،‬‬ ‫واستشكل في احلزام‪ ،‬واعتبر النعل غير داخل في احلبوة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«واألقوى أن العمامة منها‪ ،‬وفي دخول شد الوسط إشكال‪،‬‬ ‫للر ْجل فـال»(‪ .)3‬انتهى‪.‬‬ ‫أما احلذاء ونحوه مما يتخذ ِّ‬

‫مسألة‪:‬‬

‫م��ن املعلوم حرمة لبس احلرير للرجال‪ ،‬فلو كان لألب ثوب من احلرير‬ ‫فهل ُيحبى به الولد األكبر أم ال؟‬ ‫الس��يد اخلوئي رحمه الله احتياط ًا وجوبي ًا بعدم دخول مثل هذا‬ ‫احتاط‬ ‫ّ‬ ‫الثوب في احلبوة(‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬القلنسوة‪ :‬غطاء يوضع على الرأس يعبر عنه بـ الطاقية أو القحفية أو العرقچني‪.‬‬ ‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)413‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬ ‫(‪ )3‬الشهيد الثاني ‪ -‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية‪ ،‬كتاب اإلرث‪.‬‬ ‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)413‬‬ ‫(‪ّ )4‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪19‬‬

‫الس��يد محمد صادق الروحاني دخول ث��وب احلرير في احلبوة‪،‬‬ ‫ويرى‬ ‫ّ‬ ‫باعتب��ار أن حرمة لبس��ه ال تؤثر على اختصاصه بالول��د األكبر‪ ،‬ألنه ثوب‬ ‫ودلت الروايات على أن الثياب من احلبوة‪.‬‬ ‫وإليك نص عبارته في فقه الصادق‪:‬‬

‫«وال ف��رق بني أن يكون الثوب مما يحرم عليه لبس��ه كالثوب من احلرير‬ ‫وغيره لعدم املالزمة بني احلرمة واحلرمان»(‪ .)1‬انتهى‪.‬‬ ‫وقد يقــال‪:‬‬

‫ذكر العلماء بأن الثوب الذي يكون حبوة‪ ،‬هو الثوب الذي لبسه األب‬ ‫أو أع��ده للب��س‪ ،‬ومبا أن احلرير يحرم لبس��ه فال يصح لألب أن يلبس��ه أو‬ ‫يعده للبس بس��بب حترمي الش��رع لذلك‪ ،‬وعليه فهذا الثوب بحكم الشرع‬ ‫غير صالح لالنتفاع به باللبس وإن عصى األب ولبس��ه‪ ،‬وعليه فال يكون‬ ‫ثوب احلرير من احلبوة‪.‬‬

‫ولك��ن يرد عليه‪ :‬بأن األب ل��و عصى ولبس هذا الثوب‪ ،‬فقد صار هذا‬ ‫الثوب واقع ًا من الثياب التي لبس��ها األب‪ ،‬وبالتالي صار مش��مو ً‬ ‫ال لدليل‬ ‫احلبوة‪.‬‬ ‫تتمـــــة‪:‬‬

‫ذك��ر بعض الفقهاء أن الثي��اب التي يحبى بها الول��د األكبر هي الثياب‬ ‫التي لبس��ها األب بعد أن أعدها للبس ول��م ُيعرض عنها‪ ،‬فمع فقد واحد‬ ‫من هذه الشروط الثالثة ال تكون الثياب حبوة‪ ،‬فلو لبس األب ثوب ًا صدفة‬ ‫السيد محمد صادق الروحاني ‪ -‬فقه الصادق‪ ،‬اجلزء (‪ )37‬صفحة (‪.)122‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪20‬‬

‫من غير أن يعده للبس ال يصير حبوة‪ ،‬ولو أعد ثوب ًا للبس ولكنه لم يلبسه‬ ‫فال يصير حبوة‪ ،‬ولو أعده للبس ولبسه ثم أعرض عنه فال يعتبر حبوة‪.‬‬ ‫للسيد محمد سعيد احلكيم(‪.)1‬‬ ‫وهذا الرأي ّ‬

‫ولع��ل ه��ذا ال��رأي مبني عل��ى اس��تظهار هذا املعن��ى من كلم��ة (ثياب‬ ‫جلده)‪.‬‬

‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)239‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪21‬‬

‫‪ -2‬اخلاتــم‬ ‫اتف��ق الفقه��اء عل��ى أن الولد األكبر يحب��ى بخامت أبيه إجم��ا ً‬ ‫ال‪ ،‬ولكن‬ ‫حصل اخلالف في بعض التفاصيل‪.‬‬

‫فق��ال بعضه��م‪ :‬إنه ال يحبى إال باخلامت الذي أعده األب للبس ولبس��ه‬ ‫ولم ُيعرض عنه‪ ،‬فمع فقد أحد هذه الشروط ال يصير اخلامت حبوة(‪.)1‬‬

‫ولك��ن أكث��ر الفقهاء قالوا بكفاي��ة أن يعد األب اخلامت للبس أو يلبس��ه‬ ‫وإن لم يعده للبس ليكون من احلبوة‪.‬‬ ‫وال يدخ��ل ف��ي احلب��وة اخلامت ال��ذي أع��ده األب للتج��ارة أو إلهدائه‬ ‫لآلخرين‪.‬‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫ل��و كان ل�لأب أكثر م��ن خامت واحد‪ ،‬فه��ل يحبى االب��ن األكبر بخامت‬ ‫واحد فقط أم يحبى بها كلها؟‬ ‫قد يقــال‪:‬‬

‫املفروض أن خوامت األب توزع بني الورثة وال يختص بها الولد األكبر‪،‬‬ ‫ولكن مبا أن الروايات دلت على أن للولد األكبر خامت أبيه‪ ،‬فنقتصر على‬ ‫الق��در املتيقن‪ ،‬فيحبى بخامت واحد ال أكثر‪ ،‬خصوص ًا مع مالحظة قضية‪،‬‬ ‫وهي أن أغلب الناس في زمن النبي ڤ واألئمة عليهم السالم‪ ،‬كان ميلك‬ ‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)239‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪22‬‬

‫كل شخص خامت ًا واحد ًا عاد ًة‪ ،‬فالنظر في الدليل إلى أن هذا اخلامت يكون‬ ‫للولد األكبر‪ ،‬وأ ّما مع التعدد فباقي اخلوامت تقسم بني الورثة‪.‬‬ ‫وم��ن ناحية أخرى قد يقال‪ :‬إن كلمة (اخلامت) التي وردت في الرواية‪،‬‬ ‫تقتضي أن اخلامت وإن تعدد فهو من نصيب الولد األكبر ومن مختصاته‪.‬‬

‫الس��يد محمد س��عيد احلكي��م‪ ،‬بأن الولد األكب��ر يحبى بكل‬ ‫ولذا أفتى‬ ‫ّ‬ ‫اخلوامت عند التعدد(‪.)1‬‬

‫إال أن الش��هيد الثان��ي رحمه الله ذك��ر في الروضة البهي��ة‪ ،‬أن أجناس‬ ‫احلب��وة لو تعددت‪ ،‬فم��ا كان منها بلفظ اجلمع مث��ل (الثياب) تدخل كلها‬ ‫باحلبوة‪ ،‬وما كان منها بلفظ املفرد يأخذ الولد األكبر واحد ًا ال أكثر‪ ،‬ومنها‬ ‫اخلامت‪ ،‬حيث إنه ذكر بلفظ املفرد(‪.)2‬‬ ‫وق��د احتاط بعض الفقهاء باملصاحلة ب�ين الولد األكبر وبني بقية الورثة‬ ‫في حالة تعدد اخلوامت‪.‬‬ ‫السيد اخلوئي رحمه الله‪:‬‬ ‫قال ّ‬ ‫«وإذا تعدد الثوب ُأعطي اجلميع‪ ،‬وال يترك االحتياط عند تعدد غيره من‬

‫املذكورات باملصاحلة مع سائر الورثة في الزائد على الواحد»(‪ .)3‬انتهى‪.‬‬

‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)239‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫(‪ )2‬الشهيد الثاني ‪ -‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية‪ ،‬كتاب اإلرث‪.‬‬ ‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)412‬‬ ‫(‪ّ )3‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪23‬‬

‫مسألة‪:‬‬

‫ل��و تعدد اخلامت وقلنا بأن للولد األكب��ر خامت ًا واحد ًا ال أكثر‪ ،‬فهل هناك‬ ‫خامت معني ُيلزم بأخذه‪ ،‬أم له أن يختار أي خامت يشاء؟‬

‫يحتم��ل الق��ول بإلزام��ه بأخذ اخل��امت ال��ذي كان يس��تعمله األب أكثر‬ ‫م��ن اس��تعماله لبقية اخل��وامت‪ ،‬بحيث صار ينس��ب إليه أكثر م��ن غيره من‬ ‫اخلوامت‪.‬‬

‫وه��ذا ه��و اختيار الش��هيد الثان��ي رحمه الل��ه‪ ،‬حيث قال ف��ي الروضة‬ ‫البهية‪« :‬ويختص ما كان يغلب نسبته إليه»(‪.)1‬‬ ‫وهذا القول موافق لالحتياط‪ ،‬ألنه قدر متيقن‪.‬‬

‫وهنا يأتي سؤال آخر وهو‪:‬‬

‫أنه لو كان هناك أكثر من خامت يس��تعمله األب باس��تمرار وبالتساوي‪،‬‬ ‫فما هو احلل؟‬

‫يحتم��ل الق��ول بتخيير احملب��و بأخذ اخل��امت الذي يري��د‪ ،‬ألنه صاحب‬ ‫احلق‪.‬‬ ‫السيد محمد صادق الروحاني(‪.)2‬‬ ‫وإلى هذا القول مال ّ‬

‫وهناك احتمال آخر وهو القرعة‪ ،‬ألن القرعة لكل أمر مشكل‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الشهيد الثاني ‪ -‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية‪ ،‬كتاب اإلرث‪.‬‬ ‫السيد محمد صادق الروحاني ‪ -‬فقه الصادق‪ ،‬جزء (‪ )37‬صفحة (‪.)122‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪24‬‬

‫مسألة‪:‬‬

‫من املعلوم حرمة لبس الذهب للرجل‪ ،‬فلو كان لألب خامت من الذهب‪،‬‬ ‫فهل يحبى به الولد األكبر أم ال؟‬ ‫وجوبي ًا بعدم دخول خامت‬ ‫السيدان اخلوئي والسيستاني احتياط ًا‬ ‫ّ‬ ‫احتاط ّ‬ ‫الذهب في احلبوة(‪.)1‬‬

‫الس��يد محمد صادق الروحاني دخوله في احلبوة‪ ،‬وذلك لعدم‬ ‫واختار‬ ‫ّ‬ ‫املالزمة بني حرمة اللبس وحرمان الولد األكبر(‪.)2‬‬ ‫وقد يقال‪:‬‬

‫إن ظاه��ر دلي��ل احلب��وة اختصاصه باخلامت ال��ذي لبس��ه األب أو أعده‬ ‫للبس‪ ،‬وعليه إذا كان الشرع قد حرم لبس خامت ّما كخامت الذهب‪ ،‬فدليل‬ ‫احلبوة غير شامل له‪ ،‬وبالتالي يكون للورثة‪ ،‬وال يحبى به الولد األكبر‪.‬‬ ‫ولكن يرد عليه‪ :‬أن األب لو عصى ولبس هذا اخلامت‪ ،‬فإن عنوان اخلامت‬ ‫الذي لبسه األب قد انطبق عليه‪ ،‬وبالتالي شمله دليل احلبوة‪.‬‬

‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)413‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫السيد السيستاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)335‬‬ ‫ ‬ ‫ّ‬ ‫السيد محمد صادق الروحاني ‪ -‬فقه الصادق‪ ،‬جزء (‪ )37‬صفحة (‪.)122‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪25‬‬

‫‪ -3‬ال�سيـــــــف‬ ‫ذك��رت الرواي��ات املعتبرة أن الس��يف م��ن ضمن أجناس احلب��وة التي‬ ‫يخت��ص به��ا الول��د األكبر‪ ،‬وهذا ال خ�لاف فيه‪ ،‬وإمنا اخل�لاف في بعض‬ ‫التفاصيل‪.‬‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫إذا كان األب مقطوع اليدين‪ ،‬فهل يكون سيفه من ضمن احلبوة أو ال؟‬

‫الس��يدان اخلوئي والسيس��تاني أنه ال يكون من احلبوة‪ ،‬على اعتبار‬ ‫ذكر‬ ‫ّ‬ ‫أن الس��يف الذي جعله الشرع للولد األكبر‪ ،‬هو السيف الذي أعده األب‬ ‫للقتال (‪.)1‬‬ ‫فإذا كان األب مقطوع اليدين ال توجد فيه قابلية القتال‪ ،‬فسيفه ال يكون‬ ‫من احلبوة‪.‬‬ ‫نعم لو أعد السيف للقتال وكان سليم اليدين‪ ،‬ثم صار مقطوع اليدين‪،‬‬ ‫فالسيف داخل في احلبوة‪.‬‬ ‫أقـول‪:‬‬

‫الذي يظهر من هذا الكالم‪ ،‬أنه في مثل زماننا هذا‪ ،‬الذي ال يعد السيف‬ ‫في��ه آلة ح��رب وقتال‪ ،‬تكون الس��يوف التي يخلفها اآلب��اء غير داخلة في‬ ‫احلبوة‪ ،‬بل تقسم على الورثة‪.‬‬ ‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)413‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫السيد السيستاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)335‬‬ ‫ ‬ ‫ّ‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪26‬‬

‫ولكن الش��يخ الوحيد اخلراس��اني يحت��اط وجوب ًا باملصاحل��ة بني الولد‬ ‫األكب��ر وب�ين بقية الورثة عل��ى الس��يف إذا كان األب مقط��وع اليدين(‪.)1‬‬ ‫وهذا أيض ًا رأي السيد محمد الروحاني رحمه الله(‪.)2‬‬

‫ورمبا يس��تندان ف��ي كالهمها‪ ،‬على أن الدليل الدال على كون الس��يف‬ ‫من احلبوة مطلق‪ ،‬وغير مقيد بكون األب قد أعده للحرب‪.‬‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫لو كان لإلنس��ان س��يف ثمني جد ًا ألنه مصنوع م��ن الذهب مث ً‬ ‫ال أو فيه‬ ‫شيء من املاس‪ ،‬فهل يحبى به الولد األكبر؟‬ ‫في اجلواب عن السؤال نقول‪:‬‬

‫إذا كان مثل هذا الس��يف ُيقتنى للزينة أو كنوع من ادخار األموال‪ ،‬فال‬ ‫يكون من احلبوة‪ ،‬ألنه لم يعد كسالح‪.‬‬ ‫وأما إذا كان مع صناعته هذه يعد صاحل ًا للحرب والقتال‪ ،‬واقتناه األب‬ ‫وأعده كسالح‪ ،‬ففي هذه احلالة يكون من احلبوة‪.‬‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫هل يدخل غمد السيف وقبضته وحمائله ضمن احلبوة أم ال؟‬

‫اس��تقرب العلماء دخولها ضمن احلبوة‪ ،‬عل��ى الرغم من أن الروايات‬ ‫ذكرت الس��يف ولم تذكر الغمد والقبضة واحلمائل‪ ،‬ولكن هذه األش��ياء‬ ‫تعتبر من التوابع للسيف‪ ،‬وبالتالي تدخل ضمن احلبوة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الشيخ الوحيد ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)413‬‬ ‫السيد محمد الروحاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )2‬صفحة (‪.)395‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪27‬‬

‫مسألة‪:‬‬

‫ل��و كان لألب أكثر من س��يف واح��د‪ ،‬فهل يحبى الولد األكبر بس��يف‬ ‫واحد فقط أم يحبى بها كلها؟‬

‫وفي اجلواب نقول نفس الكالم الذي قلناه في تعدد اخلامت‪ ،‬فمن جهة‬ ‫نقتص��ر فيما خالف األص��ل على القدر املتيقن فنعطي الولد األكبر س��يف ًا‬ ‫واحد ًا ال أكثر‪.‬‬ ‫وم��ن جه��ة أخرى فإن كلمة (الس��يف) الواردة ف��ي الرواية تقتضي أن‬ ‫يحبى الولد األكبر بالسيف وإن تعدد فيأخذها كلها‪.‬‬ ‫ويأت��ي هن��ا كالم الش��هيد الثاني‪ ،‬حيث ذكر أن كل م��ا ورد في الرواية‬ ‫بلف��ظ املفرد ف�لا يحبى الول��د األكبر إال بواح��د فقط‪ ،‬والس��يف ورد في‬ ‫الروايات بلفظ املفرد(‪.)1‬‬ ‫وهن��ا أيض�� ًا يأتي التس��اؤل فيما لو قلن��ا بأنه ُيحبى بس��يف واحد‪ ،‬فهل‬ ‫يعطى سيف ًا معين ًا أم يكون له االختيار؟‬ ‫اختار الشهيد الثاني رحمه الله أنه يعطى السيف الذي ينسب إلى األب‬ ‫أكثر من السيوف األخرى(‪.)2‬‬

‫ولو كانت كلها تنسب إليه مبستوى واحد‪ ،‬فإ ّما أن نقول بأن للمحبو أن‬ ‫يختار واحد ًا حسب ما يشاء‪ ،‬أو نقول بالقرعة ألنها لكل أمر مشكل‪.‬‬

‫(‪ )1‬الشهيد الثاني ‪ -‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية‪ ،‬كتاب اإلرث‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الشهيد الثاني ‪ -‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية‪ ،‬كتاب اإلرث‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪28‬‬

‫تتمــــة‪:‬‬ ‫هل يدخل غير السيف من أنواع السالح مثل اخلنجر والبندقية واملسدس‬ ‫في احلبوة أو ال؟‬ ‫إذا التزمن��ا بظاهر لفظ الس��يف‪ ،‬فاملف��روض أن ال نتعدى عنه إلى غيره‬ ‫من أنواع السالح‪.‬‬ ‫إ ّ‬ ‫ال أن املتأمل في الروايات قد يطمئن بأن مقصود الشرع هو أن يخص‬ ‫الول��د األكب��ر بس�لاح األب‪ ،‬خصوص�� ًا م��ع مالحظ��ة الروايت�ين الرابعة‬ ‫والسادس��ة حي��ث ذكر فيهم��ا لفظ الس�لاح‪ ،‬وإذا كان��ت الرواي��ة الرابعة‬ ‫مرس��لة فإن السادس��ة موثق��ة‪ ،‬وعلي��ه فالخصوصية للس��يف وإمنا ذكرته‬ ‫الروايات ألنه السالح املتعارف في ذلك الزمان‪.‬‬ ‫ولوج��ود هذي��ن االحتمالني‪ ،‬احتاط جم��ع من الفقه��اء باملصاحلة بني‬ ‫الولد األكبر وبني بقية الورثة على غير السيف من السالح‪.‬‬ ‫السيد اخلوئي رحمه الله‪:‬‬ ‫قال ّ‬ ‫«األح��وط ف��ي البندقية واخلنجر ونحوهما من آالت الس�لاح التصالح‬ ‫مع سائر الورثة»(‪ .)1‬انتهى‪.‬‬ ‫مسألة‪:‬‬ ‫ه��ل يدخ��ل بقية م��ا يحتاجه احملارب ف��ي احلرب مثل الط��اس واملغفر‬ ‫والدرع في احلبوة؟‬ ‫الظاه��ر أنه��ا ال تدخل في احلبوة‪ ،‬ألنها ليس��ت بس�لاح‪ ،‬فنقتصر فيما‬ ‫خالف األصل على القدر املتيقن‪.‬‬ ‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)413‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪29‬‬

‫‪ -4‬امل�صحــف‬ ‫اتف��ق العلم��اء عل��ى أن املصحف م��ن ضمن أجن��اس احلب��وة‪ ،‬لداللة‬ ‫األخبار على ذلك‪.‬‬

‫ونقصد باملصحف القرآن الكرمي‪ ،‬فال تشمل هذه الكلمة سائر الكتب‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫وقد وقع اخلالف بني الفقهاء في بعض التفاصيل‪.‬‬

‫مسألة‪:‬‬

‫لو كان األب أعمى فهل يكون مصحفه ضمن احلبوة؟‬

‫السيدان اخلوئي والسيستاني عدم كون املصحف في هذه الصورة‬ ‫اختار ّ‬ ‫من احلبوة‪ ،‬وأضافا بأنه لو لم يكن أعمى وأعده للقراءة‪ ،‬ثم عمي قبل أن‬ ‫يقرأ فيه‪ ،‬فإنه يكون من احلبوة(‪.)1‬‬

‫والظاهر أن نظرهما إلى أن ظاهر الدليل هو أن املصحف الذي قرأ فيه‬ ‫األب أو أعده للقراءة وإن لم يقرأ فيه هو الذي يكون حبوة‪ ،‬أما املصحف‬ ‫الذي ال يكون معدّ ًا للقراءة فيه فال تشمله الروايات‪ ،‬فيبقى مندرج ًا حتت‬ ‫القاعدة األولية من أن األموال توزع بني الورثة حس��ب التقسيم الشرعي‬ ‫وال يختص الولد األكبر بش��يء منها‪ ،‬ومب��ا أن األعمى ال توجد فيه قابلية‬ ‫للق��راءة في املصحف‪ ،‬فال ميكن ل��ه أن يعد املصحف للقراءة‪ ،‬وبالتالي ال‬ ‫يكون مصحفه ضمن احلبوة‪.‬‬

‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)413‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫السيد السيستاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)335‬‬ ‫ ‬ ‫ّ‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪30‬‬

‫ولكن الش��يخ الوحيد اخلراس��اني يحت��اط وجوب ًا باملصاحل��ة بني الولد‬ ‫األكب��ر وب�ين بقية الورث��ة على املصحف ف��ي حالة ك��ون األب أعمى(‪.)1‬‬ ‫السيد محمد الروحاني رحمه الله أيض ًا(‪.)2‬‬ ‫وهذا رأي ّ‬

‫ولعلهما استش��كال‪ ،‬بس��بب كون الروايات مطلقة في استحقاق الولد‬ ‫األكبر ملصحف أبيه‪ ،‬ولم تقيده بصورة كون األب قد أعده للقراءة فيه‪.‬‬ ‫السيد محمد سعيد احلكيم ثالثة شروط لكون املصحف من‬ ‫واش��ترط ّ‬ ‫احلب��وة‪ ،‬وه��ي أن يك��ون األب قد قرأ في��ه وقد أعده للق��راءة ولم يعرض‬ ‫عن��ه‪ ،‬فلو أع��ده للقراءة ولم يقرأ فيه‪ ،‬أو قرأ في��ه صدفة ولم يكن قد أعده‬ ‫للق��راءة ‪ ،‬أو أع��ده للقراءة وقرأ فيه ولكنه أعرض عن��ه‪ ،‬فإنه ال يكون من‬ ‫احلبوة(‪.)3‬‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫هل يدخل بيت املصحف في احلبوة أم ال؟‬

‫لو متس��كنا بحاق اللفظ‪ ،‬فاملفروض القول بعدم دخول بيت املصحف‬ ‫في احلبوة‪ ،‬ألنه لم يذكر في الروايات‪.‬‬ ‫ولك��ن مبا أن��ه يعتبر من تواب��ع املصحف‪ ،‬اعتبره العلم��اء داخ ً‬ ‫ال ضمن‬ ‫احلبوة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الشيخ الوحيد ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)413‬‬ ‫السيد محمد الروحاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )2‬صفحة (‪.)395‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬ ‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)239‬‬ ‫(‪ّ )3‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪31‬‬

‫مسألة‪:‬‬

‫ل��و تع��دد املصحف فه��ل يحبى الولد األكب��ر بواحد فق��ط أم يحبى بها‬ ‫كلها؟‬

‫قد يقال‪ :‬يحبى بواحد فقط‪ ،‬ألنه القدر املتيقن‪ ،‬فال نتعدى فيما خالف‬ ‫األصل على أكثر من القدر املتيقن‪.‬‬ ‫وقد اختار الشهيد الثاني ذلك‪ ،‬باعتبار أن لفظ (املصحف) في روايات‬ ‫احلبوة جاء بلفظ املفرد وليس بلفظ اجلمع‪.‬‬

‫ثم ذكر أنه لو كان أحد املصاحف ينسب إلى األب أكثر من املصاحف‬ ‫األخرى فهو الذي يكون حبوة‪ ،‬وإذا تساوت بالنسبة فإ ّما أن نقول بتخيير‬ ‫احملبو باختيار املصحف الذي يريده أو نقول بالقرعة(‪.)1‬‬

‫وق��د يقال‪ :‬مع التعدد يحبى الولد األكبر ب��كل املصاحف‪ ،‬على اعتبار‬ ‫أن هذا ظاهر الروايات‪ .‬وقد اختار بعض العلماء هذا القول(‪.)2‬‬

‫الس��يدان اخلوئي والسيس��تاني‬ ‫ولعل��ه ألجل هذين االحتمالني‪ ،‬ذهب‬ ‫ّ‬ ‫إلى االحتياط الوجوبي باملصاحلة بني الولد األكبر وبني سائر الورثة على‬ ‫املصاحف املتعددة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬الشيهد الثاني ‪ -‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية‪ ،‬كتاب اإلرث‪.‬‬ ‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)239‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬ ‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)412‬‬ ‫(‪ّ )3‬‬ ‫السيد السيستاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)333‬‬ ‫ ‬ ‫ّ‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪32‬‬

‫معنى الرحل والراحلة والكتب‬ ‫ما املقصود بالرحل والراحلة والكتب في الروايات وما حدودها؟‬

‫م��ا يهون اخلطب ف��ي اإلجابة عن هذا الس��ؤال‪ ،‬أن األغلبية الس��احقة‬ ‫م��ن الفقه��اء ال يرون هذه األجناس من احلب��وة‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬ال بأس‬ ‫بالبح��ث ع��ن معناه��ا وحدوده��ا‪ ،‬خصوص�� ًا وأن بع��ض الفقه��اء قالوا‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫السيد‬ ‫يستحب للورثة أن يعطوا هذه األجناس للولد األكبر ‪ ،‬بل احتاط ّ‬ ‫وجوبي ًا باملصاحلة بني الولد األكبر وبني س��ائر الورثة‬ ‫السيس��تاني احتياط ًا‬ ‫ّ‬ ‫على الرحل(‪.)2‬‬ ‫‪ -1‬الكتب‬

‫أما الكتب‪ ،‬فظاهر الرواية شمولها لكل كتاب‪ ،‬سواء أكان كتاب ًا ديني ًا أم‬ ‫كان كتاب ًا قصصي ًا أم غير ذلك من الكتب‪.‬‬ ‫ولكن بعض العلماء فسرها بكتب العلم(‪.)3‬‬

‫ورمبا يكون الس��بب في هذا التفسير‪ ،‬أن الش��رع مبا أن الشيء الرئيسي‬ ‫الذي يأتينا منه هو العلم وبيان األحكام الش��رعية‪ ،‬فتنصرف كلمة الكتب‬ ‫إذا صدرت من الشرع إلى كتب العلم‪.‬‬ ‫وفي فرض عد الكتب من احلبوة ‪ -‬وجوب ًا أو اس��تحباب ًا ‪ -‬يأتي الكالم‬ ‫ال��ذي ذكرناه في الثياب‪ ،‬من أن الكتب التي تكون حبوة هي الكتب التي‬

‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)237‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫السيد السيستاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)335‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬ ‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)237‬‬ ‫(‪ّ )3‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪33‬‬

‫ق��رأ فيه��ا األب أو أعده��ا للق��راءة‪ ،‬وأما ل��و أعدها للتج��ارة أو إلعطائها‬ ‫لبعض األشخاص فال تكون من احلبوة‪.‬‬ ‫‪ -2‬الراحلة‬

‫وأ ّما الراحلة‪ ،‬فظاهرها كل ما ينتقل عليه اإلنسان من بلد آلخر‪ ،‬فتشمل‬ ‫‪ -‬إضافة للدواب ‪ -‬السيارات والطائرات والدراجات النارية وغيرها‪.‬‬

‫إال أن بع��ض الفقه��اء ذك��ر أنه��ا تخت��ص بالبعي��ر ال��ذي أع��ده األب‬ ‫للسفر(‪.)1‬‬

‫ولعل الس��ر ف��ي هذا التخصيص‪ ،‬هو أن الراحل��ة التي كانت في عصر‬ ‫صدور نصوص احلبوة هي البعير املعد للس��فر‪ ،‬فال نتعدى إلى غيره‪ ،‬ألن‬ ‫ما خالف األصل ُيقتصر فيه على القدر املتيقن‪.‬‬ ‫‪ -3‬الرحـــل‬

‫ُيطل��ق الرح��ل على أكث��ر من معن��ى‪ ،‬فالبي��ت املتنقل يس��مى بالرحل‪،‬‬ ‫واملت��اع الذي يؤخد في الس��فر يطلق عليه الرحل‪ ،‬والش��يء الذي يوضع‬ ‫على ظهر البعير يس��مى بالرحل‪ ،‬ورمبا بس��بب هذا االختالف في املعنى‪،‬‬ ‫اقتصر بعض العلماء على ما يوضع على ظهر البعير‪.‬‬ ‫حيث قال‪:‬‬

‫«والرحل وهو ما يجعل على ظهر البعير حني الركوب»‪ )2(.‬انتهى‪.‬‬

‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)237‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫السيد محمد سعيد احلكيم ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)237‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪34‬‬

‫القيمة ال�سوقية لأجنا�س احلبوة‬ ‫أجناس احلبوة التي ذكرناها‪ ،‬قد تكون لها قيمة سوقية عالية‪ ،‬وقد تكون‬ ‫قيمتها السوقية متوسطة‪ ،‬وقد تكون قيمتها السوقية منخفضة‪.‬‬ ‫فبع��ض اخل��وامت له ثم��ن مرتفع ج��د ًا كخ��امت املاس‪ ،‬وبع��ض اخلوامت‬ ‫رخيص الثمن‪.‬‬

‫وهك��ذا ال��كالم في الثي��اب‪ ،‬فهناك ثي��اب ثمينة‪ ،‬وهناك ثياب ليس��ت‬ ‫ثمينة‪.‬‬ ‫ونفس الكالم يأتي في السيف واملصحف‪.‬‬ ‫وهنا يطرح سؤال وهو‪:‬‬

‫هل يس��تحق الولد األكب��ر أجناس احلبوة في جمي��ع الفروض حتى لو‬ ‫كان ثمنها باهظ ًا‪ ،‬أم يستحقها فقط إذا كان ثمنها متوسط ًا أو رخيص ًا؟‬ ‫في اجلواب عن السؤال نقول‪:‬‬

‫إط�لاق دليل احلبوة يقتضي اس��تحقاق الولد األكبر له��ذه األعيان في‬ ‫جميع الفروض‪ ،‬حتى لو كان ثمنها مرتفع ًا جد ًا‪.‬‬

‫إن قل��ت‪ :‬اختص��اص الول��د األكب��ر بأجناس احلب��وة إذا كان��ت باهظة‬ ‫الثمن‪ ،‬فيه ضرر على بقية الورثة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ال ضرر في ذلك على بقية الورثة‪ ،‬فإن كل شخص يأخذ نصيبه‬ ‫وفق ما حدده الشرع‪ ،‬فأين الضرر في ذلك‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪35‬‬

‫إن قل��ت‪ :‬دليل احلب��وة منصرف عن فرض كون ه��ذه األجناس باهظة‬ ‫الثمن‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬دليل احلبوة مطلق‪ ،‬واالنصراف عهدته على مدعيه‪.‬‬

‫وعلي��ه فالول��د األكب��ر يس��تحق أجن��اس احلب��وة‪ ،‬مهم��ا كان��ت قيمتها‬ ‫السوقية‪ ،‬وال يحق ألحد من الورثة أن يعترض‪.‬‬ ‫تتمـــة‪:‬‬

‫بعد ذكرنا ألجناس احلبوة التي نصت عليها الروايات‪ ،‬يتضح أن غيرها‬ ‫من األجناس توزع على الورثة وفق التقسيم الشرعي احملدد‪ ،‬وال يختص‬ ‫الولد األكبر بشيء منها‪.‬‬ ‫فس��اعة األب اليدوي��ة ونظارت��ه وعط��ره وقلم��ه وأي ش��يء آخ��ر من‬ ‫مختصات��ه‪ ،‬ال يأخذها الولد األكبر‪ ،‬بل تقس��م عل��ى الورثة وفق ما حدده‬ ‫الشرع‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪36‬‬

‫اخت�صا�ص احلبوة بالولد الأكرب‬ ‫عند وفــــاة الأب‬ ‫تخت��ص احلب��وة بالولد األكبر حني وف��اة األب‪ ،‬وهذا ال��كالم يحتوي‬ ‫على عدة أمور‪:‬‬ ‫‪ -1‬لو كان للميت بنات ولم يكن له ولد ذكر‪ ،‬فال حبوة ألحد‪.‬‬

‫‪ -2‬ل��و كان للمي��ت ولد ذكر واح��د كانت له احلبوة‪ ،‬م��ع أنه ال يطلق‬ ‫علي��ه لفظ األكبر ألنه ال يوج��د أصغر منه‪ ،‬وذلك ألن املقصود في‬ ‫الرواي��ات واض��ح‪ ،‬وهو أن الول��د الذكر لو تع��دد فاحلبوة لألكبر‪،‬‬ ‫وإن احتد فاحلبوة لهذا الواحد‪.‬‬ ‫‪ -3‬لو كان للميت بنت كبيرة وولد أصغر منها فإن احلبوة تكون للولد‪،‬‬ ‫وال يضر وجود بنت أكبر منه‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل��و كان للميت عدة أوالد‪ ،‬وم��ات الولد األكبر في حياة أبيه‪ ،‬فإن‬ ‫احلب��وة بع��د وفاة األب تك��ون ألكبر األحياء‪ ،‬وال يض��ر كونه ليس‬ ‫بأكبر قبل موت أخيه‪ ،‬فإن املهم أنه األكبر حني وفاة األب‪ ،‬والرواية‬ ‫الثالثة صريحة بهذا املعنى‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪37‬‬

‫الأكرب هو الأ�سبق والدة ال علوقاً‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫ل��و كان ل�لأب زوجتان فحمل��ت إحداهما ثم حمل��ت األخرى ولكن‬ ‫أو ًال‪ ،‬فأي الولدي��ن يعتبر‬ ‫املتأخ��رة ف��ي احلمل ول��دت قبل الت��ي حمل��ت ّ‬ ‫األكبر؟‬ ‫م��ن الواضح جد ًا أن األكبر املقص��ود بدليل احلبوة هو الذي ُولد أو ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ال الذي انعقدت نطفته أو ً‬ ‫ال‪ ،‬وهذا أمر بديهي يفهمه كل أحد‪.‬‬ ‫وك��ذا ال��كالم لو حمل��ت امل��رأة بتوأمني‪ ،‬ف��إن األس��بق والد ًة واألول‬ ‫خروج ًا هو األكبر‪.‬‬ ‫إشكـــال ودفــــع‪:‬‬

‫وردت رواية في الكافي هذا نصها‪:‬‬

‫« محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن أحمد‬ ‫بن أش��يم‪ ،‬ع��ن بعض أصحابه قال‪ :‬أصاب رجل غالم�ين في بطن‪ ،‬فهنأه‬ ‫أب��و عبدالل��ه \ ثم ق��ال‪ :‬أيهما األكبر؟ فق��ال‪ :‬الذي خ��رج أو ًال‪ ،‬فقال‬ ‫أبوعبدالل��ه \‪ :‬ال��ذي خرج آخر ًا هو أكبر‪ ،‬أما تعل��م أنها حملت بذاك‬ ‫أو ًال‪ ،‬وإن هذا دخل على ذاك فلم ميكنه أن يخرج حتى خرج هذا‪ ،‬فالذي‬ ‫يخرج آخر ًا هو أكبرهما »(‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬الكافي‪ ،‬اجلزء (‪ )6‬صفحة (‪ )56‬باب ‪ 38‬حديث ‪.8‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫فهذه الرواية تدل على أن املتأخر خروج ًا من التوأمني هو األكبر‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫إال أن هذه الرواية ال ُيؤخذ بها‪ ،‬لضعف س��ندها ألنها مرس��لة‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى جهالة املرسل وهو علي بن أحمد بن أشيم‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪39‬‬

‫تعــدد الولد الأكـــرب‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫لو تعدد الولد األكبر بأن تساوا ذكران بالسن بأن ُولــدا في حلظة واحدة‬ ‫فلمن تكون احلبوة؟‬ ‫االحتماالت ثالثة في جواب هذا السؤال‪:‬‬

‫‪ -1‬سقوط احلبوة في الفرض‪ ،‬لعدم شمول الروايات له‪.‬‬ ‫‪ -2‬اللجوء للقرعة‪ ،‬ألنها لكل أمر مشكل‪.‬‬

‫‪ -3‬تقسيم احلبوة بينهما‪.‬‬

‫قد يس��تدل لألول‪ :‬بأن ظاهر الدليل أنه يتحدث عن صورة وجود ولد‬ ‫واحد هو أكبر من غيره‪ ،‬وغير ناظر إلى صورة التعدد التي ينـدر حصولها‬ ‫جدّ ًا‪.‬‬ ‫السيد تقي القمي في مباني منهاج الصاحلني هذا القول(‪.)1‬‬ ‫واستقرب ّ‬

‫ويرد عليه‪ :‬أن دليل احلبوة مطلق فيشمل هذه الصورة‪.‬‬

‫وق��د يس��تدل للثاني‪ :‬بأن األمر مش��كل وغير واض��ح‪ ،‬والقرعة جعلها‬ ‫الشرع لكل أمر مشكل‪.‬‬

‫وي��رد علي��ه‪ :‬بأننا ال نش��ك في من هو األكبر حتى نلج��أ للقرعة ونحل‬ ‫به��ا املش��كلة‪ ،‬بل األم��ر واضح عندنا وه��و أن هذين الذكرين متس��اويان‬ ‫السيد تقي القمي ‪ -‬مباني منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )10‬صفحة (‪.)832‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪40‬‬

‫ف��ي العمر وهم��ا أكبر من غيرهما‪ ،‬وإمنا نش��ك في حكم الش��رع في هذه‬ ‫الصورة‪ ،‬وهذا ليس مورد القرعة‪.‬‬

‫وق��د يس��تدل الثالث‪ :‬بأن هذي��ن الولدين ميث�لان عنوان أكب��ر األوالد‬ ‫بالنسبة ألبيهما‪ ،‬بحيث لو ُسئل األب من هو أكبر أوالدك ألجاب‪ :‬هاذان‬ ‫أكبر أوالدي‪ ،‬فتكون احلبوة لهما يتقاسمانها بالسوية‪ ،‬ألن تقدمي أحدهما‬ ‫على اآلخر ترجيح بال مرجح‪.‬‬ ‫وهذا االحتمال الثالث هو اختيار األغلبية الساحقة من الفقهاء‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪41‬‬

‫عدم ارتباط احلبوة بق�ضاء �صالة الأب‬ ‫ال ارتباط أص ً‬ ‫ال بني مس��ألة احلبوة وهي اختصاص الولد األكبر ببعض‬ ‫ترك��ة أبيه‪ ،‬وبني مس��ألة وجوب قضاء الولد األكب��ر ما فات أباه من صالة‬ ‫وصيام‪.‬‬

‫فل��و ُوج��دت أعيان احلبوة ول��م يكن على األب قضاء‪ ،‬اس��تحق الولد‬ ‫األكبر احلبوة‪.‬‬ ‫ول��و لم يخلف األب أعيان احلبوة وكان عليه قضاء‪ ،‬وجب على الولد‬ ‫األكبر أن يقضي‪.‬‬ ‫ب��ل لو عصى الولد األكب��ر وقرر عدم قضاء ما فات أباه‪ ،‬فإنه يس��تحق‬ ‫احلبوة أيض ًا‪.‬‬ ‫وكل ذلك لعدم ارتباط هذين احلكمني ببعض أص ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫ورمبا يكون س��بب نش��وء التصور عند كثيرين بوجود ارتباط بني هذين‬ ‫احلكمني‪ ،‬هو أن بعض العلماء بعد ذكرهم ملسألة احلبوة ذكروا مباشرة أن‬ ‫على الولد األكبر أن يقضي ما فات أباه من الصالة‪ ،‬مما يوهم وجود ترابط‬ ‫بني هذين احلكمني‪.‬‬

‫ومم��ن ذك��ر املس��ألة به��ذه الطريق��ة احملق��ق احلل��ي ف��ي كتاب��ه ش��رائع‬ ‫اإلسالم(‪.)1‬‬ ‫(‪ )1‬احملقق احللي ‪ -‬شرائع اإلسالم‪ ،‬اجلزء (‪ )2‬صفحة (‪.)277‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪42‬‬

‫حكم احلبوة مع عدم وجود مال غريها‬ ‫مسأله‪:‬‬

‫هل يش��ترط في اس��تحقاق الولد األكبر للحبوة وجود م��ال آخر خ ّلفه‬ ‫الـميت غير أجناس احلبوة لكي يقسم على الورثة‪ ،‬أم ال يشترط ذلك؟‬ ‫اختل��ف الفقهاء ف��ي هذه الـمس��ألة‪ ،‬فمنهم من ي��رى اختصاص الولد‬ ‫األكب��ر باحلب��وة حتى لو لم يخلف األب ما ً‬ ‫ال غي��ر أجناس احلبوة‪ ،‬وذلك‬ ‫إلطالق دليل احلبوة‪ .‬الشامل لهذه الصورة‪.‬‬ ‫ومـمن يرى هذا الرأي السيد تقي القمي (‪.)1‬‬

‫وم��ن الفقه��اء من يش��ترط وج��ود مال آخر ق��د خلف��ه األب‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ال فال‬ ‫يس��تحق الول��د األكبر أجناس احلبوة‪ ،‬بل توزع عل��ى الورثة‪ ،‬وهذا الرأي‬ ‫مشهور في الفقه‪.‬‬ ‫ومـم��ن يرى هذا الرأي م��ن فقهائنا املتأخرين الـمي��رزا جواد التبريزي‬ ‫رحمه الله (‪.)2‬‬ ‫ورمبا يستدل أصحاب هذا الرأي بأمور‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن إعط��اء أجن��اس احلب��وة للول��د األكب��ر في هذا الف��رض فيه‬ ‫إجحاف وإضرار بحق الورثة اآلخرين‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬انصراف دليل احلبوة عن مثل هذا الفرض‪.‬‬

‫السيد تقي القمي ‪ -‬مباني منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )10‬صفحة (‪.)833‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫(‪ )2‬الشيخ جواد التبريزي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )2‬صفحة (‪.)460‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪43‬‬

‫الثال��ث‪ :‬إن لف��ظ احلبوة ال��ذي معناه اختصاص الول��د األكبر بأجناس‬ ‫معينة‪ ،‬متضمن لوجود مال آخر غير مختص بالولد األكبر‪.‬‬ ‫وهذه األمور كلها قابلة للـمناقشة‪:‬‬

‫أما األول‪ :‬فال إجحاف وال إضرار بحق الورثة في ذلك‪ ،‬ولو كان هناك‬ ‫إجحاف فال مانع من االلتزام به بعد أن دل الدليل عليه‪.‬‬

‫وأما الثاني‪ :‬فإن دليل احلبوة مطلق وش��امل لهذا الفرض‪ ،‬واالنصراف‬ ‫عهدته على مدعيه‪.‬‬ ‫وأما الثالث‪ :‬فإن لفظ احلبوة لم يذكر في الروايات‪ ،‬وعلى فرض ذكره‬ ‫ٍ‬ ‫شيء آخر ال يختص به‪.‬‬ ‫فإن اختصاص شخص بشيء ال يعني وجود‬ ‫وعليه فالذي يتبادر للذهن هو اختصاص الولد األكبر باحلبوة حتى لو‬ ‫لم يخلف األب ما ً‬ ‫ال غير أجناس احلبوة‪.‬‬ ‫وقد تأمل السيد اخلوئي رحمه الله في املسألة فقال‪:‬‬ ‫«وقيل يشترط أن يخلف الـميت ً‬ ‫ماال غيرها‪ ،‬وفيه تأمل» (‪.)1‬‬

‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)414‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪44‬‬

‫البلوغ والعقل والر�شد وارتباطها باحلبوة‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫هل يش��ترط في اس��تحقاق احلبوة أن يك��ون الولد األكب��ر بالغ ًا وعاق ً‬ ‫ال‬ ‫ورشيد ًا عند موت األب أم ال يشترط ذلك؟‬

‫إطالق أدلة احلبوة يقتضي أن يستحقها الصبي واملجنون والسفيه‪ ،‬فإن‬ ‫الصبا واجلنون والس��فه ال تسلب عنه وصف أنه الولد األكبر‪ .‬ولذا اختار‬ ‫أكثر الفقهاء استحقاقه للحبوة في هذه الفروض‪.‬‬ ‫واش��ترط بعض الفقهاء في اس��تحقاق احلبوة أن ال يكون الولد األكبر‬ ‫سفيه ًا أو مجنون ًا‪.‬‬

‫ورمبا يكون الس��ر في اش��تراطهم ه��ذا‪ ،‬هو أن احلبوة ن��وع من التكرمي‬ ‫للولد األكبر باعتبار قيامه مقام أبيه بعد موت األب‪ ،‬وهذا التكرمي يحتاج‬ ‫إلى محل قابل ألن يكرم‪ ،‬وهو غير متوفر في املجنون والسفيه‪.‬‬ ‫ويرد عليه ً‬ ‫أوال‪ :‬أننا ال نعلم علل األحكام‪ ،‬ولم تذكر الروايات أن علة‬

‫احلبوة هي التكرمي‪ ،‬وعليه نتمسك باإلطالق‪ ،‬ونقول بأن احلبوة يستحقها‬ ‫حتى املجنون والسفيه‪.‬‬ ‫وثاني ًا‪ :‬إن املجنون والس��فيه يقبالن التكرمي‪ ،‬والعرف يش��هد بذلك‪ ،‬فلو‬

‫قال شخص أريد أن أكرم هذا املجنون‪ ،‬ثم جاء له بثياب ثمينة وألبسها إياه‪،‬‬ ‫فإن العرف يرون ذلك الفعل إكرام ًا للمجنون‪ ،‬وكذلك الكالم في السفيه‪.‬‬ ‫وعليه فتكرمي املجنون والسفيه بإعطائهما مختصات األب أمر ممكن‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪45‬‬

‫ا�ستحقاق الولد الأكرب للحبوة‬ ‫لـو كـان حمـ ًال حيـن مـــوت الأب‬ ‫مسألة‪:‬‬ ‫هل يش��ترط في اس��تحقاق احلبوة أن يك��ون الولد األكب��ر مولود ًا حني‬ ‫موت األب‪ ،‬أم يكفي كونه حم ً‬ ‫ال؟‬ ‫اخت��ار جم��ع من كبار الفقهاء عدم اش��تراط ذلك‪ ،‬فيكف��ي كونه حم ً‬ ‫ال‬ ‫حني موت األب في استحقاقه ألجناس احلبوة‪.‬‬ ‫والدلي��ل عل��ى ذلك‪ ،‬هو أن الش��رع جع��ل احلبوة للولد األكب��ر واقع ًا‪،‬‬ ‫ال الول��د األكب��ر بقيد كونه مولود ًا حني م��وت األب‪ ،‬وهذا الـمعنى يظهر‬ ‫م��ن إطالق دليل احلبوة‪ ،‬واحلمل بعد أن يول��د يتضح أنه هو الولد األكبر‬ ‫الواقعي لألب املتوفى‪ ،‬وعليه يستحق أجناس احلبوة‪.‬‬ ‫هذا إضافة إلى أن احلمل يعزل له نصيبه من اإلرث‪ ،‬واحلبوة تعتبر من‬ ‫اإلرث‪ ،‬فكما يعزل للحمل نصيبه من اإلرث‪ ،‬فكذلك يعزل للولد األكبر‬ ‫إذا كان حم ً‬ ‫ال نصيبه وهو أجناس احلبوة‪.‬‬ ‫واخت��ار بعض العلماء لزوم كون الولد األكبر مولود ًا حني موت األب‬ ‫ليستحق احلبوة‪ ،‬فلو كان حم ً‬ ‫ال حني موت أبيه فال يستحق احلبوة‪.‬‬ ‫وقد يستدلون على ذلك‪ :‬بأن احلبوة في الروايات ُجعلت للولد األكبر‪،‬‬ ‫واحلم��ل ال ينطبق عليه هذا الوصف‪ ،‬فال يقول ش��خص عندي ولد حني‬ ‫ك��ون زوجته حام ً‬ ‫ال‪ ،‬بل يقول ذلك بعد والدتها‪ ،‬وعليه فدليل احلبوة غير‬ ‫شامل للحمل‪ ،‬بل هو مختص بالولد األكبر الـمولود حني موت األب‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪46‬‬

‫وي��رد عليه��م ً‬ ‫أوال‪ :‬أن احلم��ل يص��ح إطالق لف��ظ الولد علي��ه‪ ،‬فيقول‬ ‫اإلنسان عندي ولد في رحم زوجتي‪ ،‬وهذا شيء عرفي‪.‬‬ ‫وثاني�� ًا‪ :‬لو قلنا بأن احلمل ال يطلق عليه لفظ الولد‪ ،‬فهذا ال يضر أيض ًا‪،‬‬

‫ألن��ه بعد الوالدة يصدق عليه لفظ الولد األكبر وبالتالي يس��تحق احلبوة‪،‬‬ ‫وق��د بين��ا أن احلب��وة ُجعلت للولد األكب��ر واقع ًا‪ ،‬وبع��د والدة هذا احلمل‬ ‫اتضح أنه هو الولد األكبر في الواقع‪.‬‬ ‫وثالث�� ًا‪ :‬أن العلم��اء اتفقوا عل��ى أن احلمل يعزل ل��ه نصيبه من اإلرث‪،‬‬ ‫واحلبوة من اإلرث‪ ،‬فكما أن اإلرث يعزل للحمل فكذلك احلبوة‪.‬‬

‫وفص��ل بع��ض العلم��اء فقال��وا‪ :‬إذا كان احلمل قد أكمل ف��ي رحم أمه‬ ‫ّ‬ ‫أربعة أشهر فإنه يستحق احلبوة‪ ،‬وإذا لم يكن قد أكمل أربعة أشهر فإنه ال‬ ‫يستحقها‪.‬‬ ‫وقد يستدلون على ذلك‪ :‬بأن احلبوة جعلت للولد الذكر األكبر‪ ،‬واجلنني‬ ‫بعد إكماله أربعة أشهر في الرحم يكون بدنه متكام ً‬ ‫ال فيصح إطالق لفظ‬ ‫الولد الذكر األكبر عليه‪ ،‬أ ّما قبل إكماله ألربعة أش��هر فال يطلق عليه هذا‬ ‫اللفظ ألنه ال يكون متكامل البدن‪ ،‬فال يستحق احلبوة‪.‬‬

‫وي��رد على ه��ذا القول‪ :‬م��ا ورد عل��ى القائلني بعدم اس��تحقاق احلمل‬ ‫للحبوة‪.‬‬

‫وعلي��ه فال��ذي يظهر من أدل��ة احلبوة أنها تش��مل احلم��ل‪ ،‬وال تختص‬ ‫بالولد األكبر الـمولود حني موت األب‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪47‬‬

‫املق�صود بالولد الولد لل�صلب‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫ل��و ل��م يكن للميت ول��د ُصلبي‪ ،‬فصار إرث��ه للبطن الثان��ي أعني أوالد‬ ‫األوالد‪ ،‬فهل أكبر واحد من أوالد األوالد له احلبوة أم ال؟‬

‫ظاهر الدليل أن الـمقصود بالولد هو الولد الصلبي الـمباشر فال يشمل‬ ‫ولد الولد‪ ،‬وعليه ال تكون له احلبوة‪.‬‬ ‫إن قل��ت‪ :‬إن ول��د الول��د يعتبر من أوالد اإلنس��ان‪ ،‬فلـماذا ال يس��تحق‬ ‫احلبوة؟‬

‫قلت‪ :‬وإن كان ولد الولد حقيقة من أوالد اإلنس��ان‪ ،‬إال أن ظاهر لفظ‬ ‫الولد في الدليل هو الولد للصلب وغير شامل لولد الولد‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪48‬‬

‫حكم احلبوة على نحو الوجوب ال اال�ستحباب‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫هل استحقاق الولد األكبر للحبوة على نحو الوجوب واللزوم‪ ،‬بحيث‬ ‫ال مج��ال لبقية الورثة باالعتراض ومنع الول��د األكبر من أخذها‪ ،‬أم على‬ ‫نحو االس��تحباب‪ ،‬مبعنى أن الورثة اآلخرين يس��تحب له��م إعطاء احلبوة‬ ‫للولد األكبر‪ ،‬فلو قرروا أن ال يعطوه جاز لهم ذلك؟‬ ‫قال األغلبية الس��احقة من العلماء بأن اس��تحقاق الولد األكبر للحبوة‬ ‫عل��ى نح��و الوج��وب والل��زوم‪ ،‬ويظه��ر ذلك م��ن (ال�لام) ال��واردة في‬ ‫الرواي��ات‪ ،‬كقول��ه \ « فلألكبر من ولده س��يفه‪ ...‬إلخ»‪ ،‬وكقوله \‬ ‫«فإن البنه الس��يف‪ ...‬إلخ» فإن (الالم) تستعمل في اللزوم كما جاء ذلك‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ف��ي آي��ات اإلرث‪ ،‬كقوله تعال��ى {ﮭﮮﮯﮰﮱ}‬ ‫وقوله عز وجل {ﭡﭢﭣ ﭤﭥ}(‪.)2‬‬ ‫وفي أبواب أخرى من الفقه مثل باب ُ‬ ‫اجلعالة والوصية‪ ،‬متى ما جاءت‬ ‫(الالم) فإنها تدل على اللزوم‪.‬‬

‫وق��ال قل��ة من العلم��اء بأن اس��تحقاق احلب��وة ليس على وج��ه اللزوم‬ ‫والوجوب‪ ،‬بل هو على وجه االستحباب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ ،‬آية‪.)11( :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة النساء‪ ،‬آية‪.)12( :‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪49‬‬

‫ورمبا يستدلون على قولهم بأمرين‪:‬‬

‫األول‪:‬بأن القرآن الكرمي ذكر أن اإلرث يقسم بني الورثة بتقسيم معني‬ ‫ول��م يذك��ر احلبوة‪ ،‬والروايات الش��ريفة ذك��رت أن الولد األكبر يس��تحق‬ ‫احلب��وة‪ ،‬فوجه اجلمع ب�ين هذين الدليلني هو القول باس��تحباب أن يعطي‬ ‫الورثة أجناس احلبوة للولد األكبر‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬بأن احلبوة ثبتت بأخبار اآلحاد‪ ،‬وتقسيم التركة على الورثة ثبت‬ ‫بن��ص الق��رآن الكرمي‪ ،‬وأخبار اآلحاد ال تصل��ح لتخصيص ما ثبت بنص‬ ‫القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫وكال األمرين مردود عليه‪:‬‬

‫أم��ا األول‪ :‬فبأن دليل احلبوة خاص‪ ،‬وهو ظاهر في الوجوب واللزوم‪،‬‬ ‫ودليل تقس��يم التركة ب�ين الورثة عام‪ ،‬فال تنافي ب�ين الدليلني أص ً‬ ‫ال حتى‬ ‫نلجأ للقول باالستحباب‪ ،‬بل روايات احلبوة تخصص اآليات الكرميات‪،‬‬ ‫ألن اخلاص يتقدم على العام‪.‬‬ ‫وأما الثاني‪ :‬فقد حقق في األصول أن أخبار اآلحاد إذا كانت صحيحة‬ ‫السند‪ ،‬فإنها تخصص آيات القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫وعليه فثبوت احلبوة للولد األكبر على نحو الوجوب واللزوم‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪50‬‬

‫احلبوة جمانيــــــة‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫ه��ل احلب��وة مجانية مبعن��ى أن الولد األكبر يأخذها من غي��ر دفع قيمتها‬ ‫ويتشارك مع بقية الورثة في باقي اإلرث‪ ،‬أم غير مجانية مبعنى أنه يستحقها‬ ‫ولكن عليه أن يدفع قيمتها لباقي الورثة أو يأخذها ويخصم عليه بـمقدار‬ ‫قيمتها من باقي اإلرث؟‬ ‫أغل��ب العلماء ي��رون احلبوة عل��ى نح��و الـمجانية‪ ،‬وأن الول��د األكبر‬ ‫يأخذها ويتش��ارك مع بقية الورثة ف��ي باقي اإلرث‪ ،‬من غير أن ينقص من‬ ‫نصيبه شيء‪.‬‬ ‫والس��بب في ذلك هو أن أدلة احلبوة ظاهرة باملجانية‪ ،‬فإنها على نس��ق‬ ‫أدل��ة اإلرث‪ ،‬وم��ن الواض��ح والـمتف��ق علي��ه أن الورثة عندم��ا يأخذون‬ ‫نصيبهم من اإلرث‪ ،‬يأخذونه مجان ًا وال يدفعون في مقابله شيئ ًا‪ ،‬فكذلك‬ ‫األمر في احلبوة‪.‬‬

‫إن قلت‪ :‬النصوص دلت على اختصاص الولد األكبر باحلبوة‪ ،‬ولكنها‬ ‫ل��م تذكر أن هذا االختصاص مجاني أم بـمقاب��ل‪ ،‬فجمع ًا بني ما ّ‬ ‫دل على‬ ‫تقس��يم التركة بني الورثة وبني دليل احلبوة‪ ،‬نقول باستحقاق الولد األكبر‬ ‫للحبوة ولكن مبقابل وليس مجان ًا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إن احلكم باختصاص شخص بشيء مع عدم ذكر العوض ظاهر‬ ‫ف��ي الـمجانية‪ ،‬فلو أعطى ش��خص لش��خص ش��يئ ًا وقال له‪ :‬هذا الش��يء‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪51‬‬

‫ل��ك وأن��ت مختص به‪ ،‬ول��م يذكر الع��وض‪ ،‬يفهم العرف أن��ه على نحو‬

‫الـمجانية‪.‬‬

‫وم��ن الواض��ح أن دلي��ل احلب��وة أخص م��ن أدلة تقس��يم الترك��ة على‬

‫الورثة‪.‬‬

‫ف�لا تناف��ي ب�ين الدليلني حت��ى نلج��أ للقول بحم��ل دليل احلب��وة على‬

‫االس��تحقاق مع دفع املقابل‪ ،‬بل دليل احلبوة خاص وأدلة تقس��يم اإلرث‬ ‫عامة‪ ،‬وقد حقق في األصول تقدم اخلاص على العام‪.‬‬ ‫وعليه فاستحقاق الولد األكبر للحبوة مجاني‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪52‬‬

‫النزاع يح�سمه احلاكم ال�شرعي‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫لو تنازع الولد األكبر مع بقية الورثة حول احلبوة‪ ،‬فما هو احلل؟‬

‫في اجلواب نقول‪ :‬النزاع يتصور على نوعني‪:‬‬ ‫ال‪ ،‬فمث� ً‬ ‫فت��ارة‪ :‬يكون أحد الطرف�ين مح ّق ًا واآلخر مبط ً‬ ‫لا لو أراد الولد‬

‫األكبر أن يأخذ س��اعة أبيه أو نظارته على أس��اس أنها من احلبوة‪ ،‬ورفض‬ ‫الورث��ة اآلخ��رون ذل��ك فحصل الن��زاع‪ ،‬فهنا احل��ق مع بقي��ة الورثة‪ ،‬ألن‬ ‫العلماء اتفقوا على أن الس��اعة والنظارة ليستا من أجناس احلبوة‪ ،‬وأحيان ًا‬ ‫يك��ون احلق مع الول��د األكبر‪ ،‬كما لو أراد أن يأخذ ثي��اب أبيه الثابت أنها‬ ‫من احلبوة‪ ،‬ورفض بقية الورثة ذلك‪ ،‬فحصل النزاع‪.‬‬ ‫ففي مثل هكذا وضع‪ ،‬يضع احلاكم الش��رعي حدّ ًا لغير صاحب احلق‪،‬‬ ‫ومينعه من التعدي على صاحب احلق‪.‬‬

‫وت��ارة أخرى‪ :‬يكون كال الطرفني مح ّق ًا‪ ،‬وإمن��ا حصل اخلالف والنزاع‬ ‫بس��بب اختالفهم في التقليد‪ ،‬فالولد األكبر يقل��د مرجع ًا يرى كل خوامت‬ ‫األب تكون حبوة‪ ،‬وبقية الورثة يقلدون مرجع ًا يرى أن خامت ًا واحد ًا فقط‬ ‫يكون حبوة وبقية اخلوامت تقسم بني الورثة‪ ،‬فحصل النزاع بينهم لذلك‪.‬‬

‫فف��ي هذا الفرض‪ ،‬يكون احلل باتفاق اجلميع على التحاكم عند حاكم‬ ‫ش��رعي جامع للش��رائط‪ ،‬فيعرضون عليه مش��كلتهم‪ ،‬وهو الذي يحس��م‬ ‫النزاع بينهم‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪53‬‬

‫احلبوة وقاعدة الإلزام‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫ذكرنا أن مسألة احلبوة من مختصات اإلمامية‪ ،‬وال يقول بها الـمخالفون‪،‬‬ ‫فلو فرضنا أن شخص ًا إمامي ًا توفي‪ ،‬وكان أكبر أوالده مخالف ًا وباقي األوالد‬ ‫إماميني‪ ،‬فهل يستحق الولد األكبر الـمخالف احلبوة أم ال؟‬

‫ف��ي اجل��واب عن هذا الس��ؤال نق��ول‪ :‬إن إط�لاق أدلة احلب��وة يقتضي‬ ‫الشمول لهذه الصورة أيض ًا‪ ،‬فيستحق الولد األكبر الـمخالف احلبوة‪.‬‬ ‫إ ّ‬ ‫ال أن عندنا قاعدة اس��مها قاعدة اإلل��زام‪ ،‬قد وردت عن أئمتنا عليهم‬

‫السالم وهي «ألزموهم مبا ألزموا به أنفسهم» وهذه القاعدة تتيح لإلمامي‬

‫أن ُيل��زم الـمخالف مبا يلتزم ب��ه الـمخالف في دينه ومذهبه‪ ،‬وإن كان هذا‬ ‫احلكم غير نافذ في مذهب اإلمامية‪.‬‬ ‫ولتوضيح الـمسألة نذكر مثالني‪:‬‬

‫الـمث��ال األول‪ :‬ل��و ط ّلق الـمخال��ف زوجته الـمخالفة من دون ش��هود‬

‫يس��معون صيغ��ة الط�لاق‪ ،‬فإن ه��ذا الط�لاق صحي��ح عن��د الـمخالفني‬ ‫وباطل عند اإلمامية‪ ،‬الشتراطهم سماع شاهدين عادلني لصيغة الطالق‪،‬‬ ‫وعليه فلو أن ش��خص ًا إمامي�� ًا أراد أن يتزوج هذه املرأة التي طلقها زوجها‬

‫الـمخالف بدون شهود‪ ،‬فالـمفروض عدم جواز ذلك له‪ ،‬ألن مذهبه يرى‬ ‫ه��ذا الطالق باط ً‬ ‫ال‪ ،‬وبالتالي هذه املرأة ال زالت زوجة لذلك الـمخالف‪،‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪54‬‬

‫ولك��ن مع وجود قاع��دة اإللزام الواردة عن أئمتنا عليهم الس�لام‪ ،‬يجوز‬ ‫لإلمامي الزواج بهذه املرأة‪ ،‬إلزام ًا للـمخالف مبا يراه في مذهبه‪.‬‬ ‫الـمث��ال الثاني‪ :‬لو مات ش��خص مخالف وخ ّلف بنت�� ًا واحدة مخالفة‪،‬‬ ‫وكان للمي��ت أخ إمامي‪ ،‬فالـمفروض أن هذا األخ اإلمامي ال يحق له أن‬ ‫يأخذ ش��يئ ًا من تركة أخيه الـميت‪ ،‬ألن الـمذهب اإلمامي يرى أن اإلرث‬ ‫ف��ي هذه الص��ورة بأجمعه من نصيب البنت‪ ،‬ولك��ن الـمخالفني يرون أن‬ ‫نص��ف التركة للبنت والنصف اآلخر لألخ‪ ،‬وه��ذا ما ُيع ِّبر عنه في كتاب‬ ‫اإلرث بالتعصيب‪.‬‬

‫ومب��ا أنهم يقول��ون ذلك‪ ،‬يجوز لألخ اإلمامي بقاع��دة اإللزام أن يأخذ‬ ‫نصف تركة أخيه الـميت‪.‬‬

‫وبع��د كل هذا نق��ول‪ :‬مبا أن الـمخالفني ال يقول��ون باحلبوة‪ ،‬فإنه يجوز‬ ‫لبقية ورثة الـميت أن يتقاسموا التركة وفق التقسيم الشرعي‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫أجن��اس احلبوة‪ ،‬إذا كان الولد األكبر مخالف ًا‪ ،‬وذلك بإلزامه مبا يعتقده في‬ ‫مذهبه من عدم استحقاقه للحبوة‪.‬‬ ‫تنبيـــــــه‪:‬‬

‫قاع��دة اإللزام ثابت��ة عند األغلبية الس��احقة من علمائنا‪ ،‬إ ّ‬ ‫ال أن الس��يد‬ ‫السيستاني لم تثبت عنده هذه القاعدة‪ ،‬ومع ذلك يرتب السيد السيستاني‬ ‫نفس اآلثار الـمترتبة عل��ى قاعدة اإللزام‪ ،‬وذلك بإجراء قاعدتني أخريني‬ ‫ثابتت�ين عنده‪ ،‬إحداهم��ا قاعدة الـمقاصة النوعية وه��ي «خذوا منهم كما‬ ‫يأخ��ذون منك��م» واألخرى قاعدة اإلقرار وهي «إق��رار غير اإلمامي على‬ ‫مذهبه ومعاملته مبوجب أحكامه»‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪55‬‬

‫وإليك نص عبارته بعد أن ذكر أن هناك مسائل تختلف فيها آراء علماء‬ ‫اإلمامية عن آراء الـمخالفني قال‪:‬‬ ‫«وقد تعارف لدى فقهائنا الـمتأخرين تخريج هذه الـمسائل على قاعدة‬ ‫اإللزام‪ ،‬أي إلزام غير اإلمامي بأحكام نحلته‪.‬‬

‫ولك��ن حي��ث إن ه��ذه القاع��دة لم تثب��ت عندن��ا بطريق معتب��ر‪ ،‬فال بد‬ ‫م��ن تطبيق تلك الـمس��ائل على القواع��د البديلة لقاعدة اإلل��زام‪ ،‬كقاعدة‬ ‫الـمقاصة النوعية (خذوا منهم كما يأخذون منكم في سننهم وقضاياهم)‬ ‫وقاع��دة اإلق��رار (أي إقرار غي��ر اإلمامي عل��ى مذهب��ه ومعاملته مبوجب‬ ‫أحكامه)(‪ .)1‬انتهى‪.‬‬

‫وعليه ففي مثال الطالق الذي ذكرناه‪ ،‬يجيز السيد السيستاني لإلمامي‬ ‫ال��زواج بالـمرأة بنا ًء عل��ى قاعدة اإلقرار‪ ،‬وفي مثال التعصيب يجيز لألخ‬ ‫اإلمامي أخذ نصف التركة بنا ًء على قاعدة الـمقاصة النوعية‪.‬‬ ‫وفي مس��ألة احلبوة‪ ،‬يجيز لباقي الورثة غير الولد األكبر تقاسم أجناس‬ ‫احلبوة بنا ًء على قاعدة املقاصة النوعية‪.‬‬

‫وإليك عبارته في فصل احلبوة من كتاب اإلرث‪:‬‬ ‫«ال يش��ترط في احملبو كونه عاق ً‬ ‫ال رش��يد ًا‪ ،‬كما ال يش��ترط فيه أن يكون‬ ‫إمامي ًا يعتقد ثبوت احلبوة للولد األكبر‪ ،‬نعم إذا كان مخالف ًا ال يرى ثبوتها‬ ‫وكان مذهبه هو القانون النافذ على اجلميع بحيث مينع اإلمامي منها أيض ًا‬

‫أمكن إلزامه بعدم ثبوت احلبوة له»(‪ .)2‬انتهى‪.‬‬

‫السيد السيستاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )1‬صفحة (‪.)455‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫السيد السيستاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)337‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪56‬‬

‫فرع‪:‬‬

‫ل��و كان الول��د األكبركاف��ر ًا‪ ،‬فم��ن الـمؤكد أن��ه ال يختص بحب��وة أبيه‬ ‫الـمؤم��ن‪ ،‬وذل��ك ألن الـمتف��ق علي��ه بني العلم��اء أن الكاف��ر ال يرث من‬ ‫الـمسلم ال احلبوة وال غير احلبوة من الـمال‪.‬‬ ‫وقد استند العلماء في هذا احلكم‪ ،‬على عدة روايات‪.‬‬

‫منها‪ :‬ما رواه الشيخ الكليني في الكافي‪:‬‬

‫«عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن جميل وهشام‪،‬‬ ‫ع��ن أبي عبدالله \ أنه قال‪ :‬فيم��ا روى الناس عن النبي ڤ أنه قال‪ :‬ال‬ ‫يتوارث أهل ملتني‪ ،‬فقال‪ :‬نرثهم وال يرثونا‪ ،‬ألن اإلسالم لم يزده في حقه‬ ‫إ ّال شدّ ة»(‪.)1‬‬ ‫ومنها‪ :‬ما رواه الشيخ الكليني في الكافي أيض ًا‪:‬‬ ‫«ع��ن عل��ي ب��ن إبراهيم‪ ،‬ع��ن أبيه‪ ،‬عن اب��ن أبي جنران‪ ،‬ع��ن عاصم بن‬ ‫حمي��د‪ ،‬عن محمد بن قيس قال‪ :‬س��معت أبا جعف��ر \ يقول‪ :‬ال يرث‬ ‫اليهودي وال النصراني املسلم‪ ،‬ويرث املسلم اليهودي والنصراني»(‪.)2‬‬

‫وهاتان الروايتان حس��نتان من حيث الس��ند‪ .‬ونقصد باحلسنة‪ ،‬الرواية‬ ‫الت��ي جميع من في سلس��لة س��ندها إمامي��ون ثقات‪ ،‬ولك��ن فيهم من لم‬ ‫يوصف بالعدالة‪.‬‬ ‫وتعتبر الرواية احلسنة حج ًة في مقام االستدالل‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الكافي‪ ،‬اجلزء (‪ )7‬صفحة (‪ )152‬باب ‪ 78‬حديث ‪.1‬‬ ‫(‪ )2‬الكافي‪ ،‬اجلزء (‪ )7‬صفحة (‪ )152‬باب ‪ 78‬حديث ‪.2‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪57‬‬

‫الديْن الـم�ستغرق واحلبوة‬ ‫لو ترك الـميت ما ً‬ ‫ال بـمقدار مائة دينار مث ً‬ ‫ال وترك أجناس احلبوة وكانت‬ ‫تس��اوي عش��رين دينار ًا مث ً‬ ‫ال فمجموع تركة امليت مائة وعش��رون دينار ًا‪،‬‬ ‫وكان على الـميت دين بهذا الـمقدار أو أكثر‪ ،‬فإن احلكم الشرعي في هذه‬ ‫الص��ورة هو تقدمي أداء الدي��ن‪ ،‬فال يحصل الورثة على ش��يء من الـمال‬ ‫وال يأخ��ذ الولد األكبر أجناس احلبوة‪ ،‬والظاهر أن هذا احلكم متفق عليه‬ ‫بني العلماء‪.‬‬ ‫والس��بب في ذلك ه��و أن الدين مقدم عل��ى اإلرث‪ ،‬واحلبوة تعتبر من‬ ‫اإلرث‪ ،‬فالدين مقدم عليها‪.‬‬ ‫قال تعالى بعد ذكر تقسيم اإلرث‪:‬‬

‫{ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ }‬

‫(‪)1‬‬

‫{ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭ}‬

‫(‪)2‬‬

‫{ﮁﮂﮃﮄﮅ ﮆ ﮇ}‬

‫(‪)3‬‬

‫{ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭭ}‬

‫(‪)4‬‬

‫مسألة‪:‬‬

‫لو كان الدين مستغرق ًا للتركة‪ ،‬فهل يحق للولد األكبر أن يأخذ أجناس‬ ‫احلبوة مع دفع قيمتها للديان أم ال ؟‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.)11( :‬‬ ‫(‪ )2‬و (‪ )3‬و (‪ )4‬سورة النساء‪ ،‬اآلية (‪.)12‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪58‬‬

‫اخت��ار جمع من الفقهاء بأن ذلك جائ��ز له‪ ،‬فإن له حق افتكاك أجناس‬ ‫احلبوة بدفع قيمتها للديان‪.‬‬ ‫السيدان اخلوئي والسيستاني(‪.)1‬‬ ‫ومـمن قال بذلك ّ‬

‫ورمبا يكون س��بب الق��ول بذلك‪ ،‬هو أن اجلمع ب�ين أدلة صرف التركة‬ ‫بالدين وبني أدلة احلبوة يقتضي ذلك‪.‬‬ ‫فإن عدم القول باستحقاق الولد األكبر للحبوة مجان ًا في صورة وجود‬ ‫دي��ن مس��تغرق للتركة‪ ،‬ال مينع م��ن القول بأن للولد األكب��ر احلق بافتكاك‬ ‫هذه األجناس مع دفع قيمتها للديان‪.‬‬

‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)412‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬ ‫السيد السيستاني ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)336‬‬ ‫ ‬ ‫ّ‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪59‬‬

‫نفوذ الو�صية ب�أجنا�س احلبوة‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫لو أوص��ى األب بإعطاء أجن��اس احلبوة لبعض األش��خاص فهل تنفذ‬ ‫وصيته وتعطى هذه األجناس لـمن أوصى لهم األب أم ال تنفذ؟‬ ‫الظاه��ر أن الوصي��ة نافذة‪ ،‬وبالتالي تعطى األجن��اس لـمن أوصى لهم‬ ‫الـميت‪ ،‬وال ُتعطى للولد األكبر‪.‬‬

‫والس��بب في ذلك ه��و أن الوصي��ة مقدمة على اإلرث كم��ا ذكر ذلك‬ ‫القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ { :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ}(‪.)1‬‬

‫وإط�لاق أدلة الوصية يقتضي جواز اإليص��اء بكل عني من األعيان مبا‬ ‫ف��ي ذل��ك أجناس احلبوة‪ ،‬بش��رط أن ال تك��ون الوصية بأكثر م��ن ثلث ما‬ ‫ميتلك اإلنسان‪.‬‬ ‫فقد روى الشيخ الطوسي في التهديب‪:‬‬

‫«عن احلس��ن بن محمد بن س��ماعة‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن مرازم‪ ،‬عن‬ ‫عمار الس��اباطي‪ ،‬عن أبي عبد الل��ه \ قال‪ :‬الـميت أحق مباله ما دام فيه‬ ‫الروح يبني به‪ ،‬فإن قال‪ :‬بعدي‪ ،‬فليس له إال الثلث»(‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.)11( :‬‬ ‫(‪ )2‬التهذيب‪ ،‬اجلزء (‪ )9‬صفحة (‪ )163‬حديث (‪.)756‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪60‬‬

‫وعلي��ه تكون الوصي��ة باحلبوة نافذة ما دامت ل��م تتجاوز ثلث ما ميلك‬ ‫األب‪.‬‬

‫ف��إن جتاوزت احلب��وة ثلث الـم��ال الذي خلف��ه األب‪ ،‬نف��ذت الوصية‬ ‫مبق��دار الثل��ث‪ ،‬وما جتاوز الثلث ال يعطى لـم��ن أوصي له به‪ ،‬إال إذا أجاز‬ ‫الولد األكبر‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪61‬‬

‫الدين غري امل�ستغرق واحلبوة‬ ‫مسألة‪:‬‬

‫ل��و كان األب مديون�� ًا‪ ،‬ولم يكن الدين مس��تغرق ًا للترك��ة‪ ،‬وأمكن أداء‬ ‫الدي��ن ودفع احلبوة للولد األكبر‪ ،‬فهل نؤدي الدين من غير أجناس احلبوة‬ ‫لكي نعطي أجناس احلبوة كاملة للولد األكبر أم نؤدي الدين من مجموع‬ ‫التركة مبا فيها أجناس احلبوة فنعطي للولد األكبر بعض أجناس احلبوة ال‬ ‫كلها؟‬ ‫وقبل اجلواب عن هذا الس��ؤال أذكر لكم ثالثة أمثلة من أجل توضيح‬ ‫املسألة‪.‬‬ ‫املثـــال األول‬

‫لو خلف األب (‪ )100‬دينار‪ )80( ،‬منها نقد و(‪ )20‬منها قيمة أجناس‬ ‫احلب��وة‪ ،‬وكان مديون ًا بـ(‪ )50‬دينار ًا يعن��ي نصف التركة‪ ،‬فهناك تصورات‬ ‫ثالثة لتسديد الدين‪.‬‬ ‫التص��ور األول‪ :‬أن ندفع للديان احلبوة التي قيمتها (‪ )20‬دينار ًا إضافة‬ ‫إلى دفع (‪ )30‬دينار ًا من الـ (‪ )80‬النقد‪ ،‬فيبقى عندنا (‪ )50‬دينار ًا تقس��م‬

‫بني الورثة‪ ،‬وال يحصل الولد األكبر على شيء من أجناس احلبوة‪.‬‬ ‫التص��ور الثاني‪ :‬أن ندفع للديان (‪ )50‬دينار ًا من الـ (‪ )80‬النقد‪ ،‬فيبقى‬ ‫عندنا (‪ )30‬دينار ًا إضافة إلى أجناس احلبوة‪ ،‬فنعطي أجناس احلبوة كاملة‬ ‫للولد األكبر‪ ،‬ونقسم الـ (‪ )30‬دينار ًا بني الورثة‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪62‬‬

‫التصور الثالث‪ :‬أن ندفع للديان نصف احلبوة يعني ما قيمته (‪ )10‬دنانير‬ ‫منه��ا وندفع نصف الـ (‪ )80‬النقد يعني (‪ )40‬دين��ار ًا‪ ،‬فيبقى عندنا (‪)40‬‬ ‫دينار ًا تقسم بني الورثة‪ ،‬ونصف احلبوة املتبقي نعطيه للولد األكبر‪.‬‬ ‫املثــال الثاني‬

‫ل��و خلف األب (‪ )1000‬دينار‪ )900( ،‬منها نقد‪ ،‬و(‪ )100‬منها قيمة‬ ‫أجن��اس احلب��وة‪ ،‬وكان مديون ًا ب��ـ (‪ )250‬دينار ًا يعني رب��ع التركة‪ ،‬فهناك‬ ‫تصورات ثالثة لتسديد الدين‪.‬‬

‫التص��ور األول‪ :‬أن ندف��ع للدي��ان احلب��وة الت��ي قيمته��ا (‪ )100‬دين��ار‬ ‫إضاف��ة إلى دفع (‪ )150‬دينار ًا من ال��ـ (‪ )900‬النقد‪ ،‬فيبقى عندنا (‪)750‬‬ ‫دينار ًا تقس��م بني الورثة‪ ،‬وال يحصل الولد األكبر على ش��يء من أجناس‬ ‫احلبوة‪.‬‬ ‫التص��ور الثان��ي‪ :‬أن ندفع للدي��ان (‪ )250‬دينار ًا من ال��ـ (‪ )900‬النقد‪،‬‬ ‫فيبق��ى عندن��ا (‪ )650‬دينار ًا إضافة إل��ى أجناس احلب��وة‪ ،‬فنعطي أجناس‬ ‫احلبوة كامل ًة للولد األكبر‪ ،‬ونقسم الـ (‪ )650‬دينار ًا بني الورثة‪.‬‬ ‫التص��ور الثالث‪ :‬أن ندفع للديان ربع احلبوة يعني ما قيمته (‪ )25‬دينار ًا‬ ‫منها وندفع ربع الـ (‪ )900‬النقد يعني (‪ )225‬دينار ًا‪ ،‬فيبقى عندنا (‪)675‬‬ ‫دينار ًا تقسم بني الورثة‪ ،‬وثالثة أرباع احلبوة املتبقي نعطيه للولد األكبر‪.‬‬ ‫املثال الثالث‬

‫ل��و خل��ف األب (‪ )3000‬دينار‪ )2850( ،‬دينار ًا منه��ا نقد‪ ،‬و(‪)150‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪63‬‬

‫دينار ًا منها قيمة أجناس احلبوة‪ ،‬وكان مديون ًا بـ (‪ )1000‬دينار يعني ثلث‬ ‫التركة‪ ،‬فهناك تصورات ثالثة لتسديد الدين‪.‬‬ ‫التصور األول‪ :‬أن ندفع للديان احلبوة التي قيمتها (‪ )150‬دينار ًا إضافة‬ ‫إل��ى دف��ع (‪ )850‬دين��ار ًا من ال��ـ (‪ )2850‬النقد‪ ،‬فيبق��ى عندنا (‪)2000‬‬ ‫دينار تقس��م بني الورثة‪ ،‬وال يحصل الولد األكبر على ش��يء من أجناس‬ ‫احلبوة‪.‬‬

‫التص��ور الثاني‪ :‬أن ندفع للديان (‪ )1000‬دينار من الـ (‪ )2850‬النقد‪،‬‬ ‫فيبق��ى عندنا (‪ )1850‬دين��ار إضافة إلى أجناس احلب��وة‪ ،‬فنعطي أجناس‬ ‫احلبوة كاملة للولد األكبر‪ ،‬ونقسم الـ (‪ )1850‬دينار ًا بني الورثة‪.‬‬ ‫التصور الثالث‪ :‬أن ندفع للديان ثلث احلبوة يعني ما قيمته (‪ )50‬دينار ًا‬ ‫منها وندفع ثلث الـ (‪ )2850‬يعني (‪ )950‬دينار ًا‪ ،‬فيبقى عندنا (‪)1900‬‬ ‫دينار تقسم بني الورثة‪ ،‬وثلثا احلبوة املتبقي نعطيه للولد األكبر‪.‬‬

‫وقد تعمدت اإلتيان بثالثة أمثلة مختلفة في األرقام والنسب من أجل‬ ‫التنويع وتنمية الذهن‪.‬‬ ‫وعلى هذه األمثلة الثالثة قس ما سواها من األمثلة‪.‬‬

‫وبعد توضيح املسألة نتس��اءل‪ ،‬أي تصور من التصورات الثالثة منضيه‬ ‫في سداد الدين والتوريث؟‬

‫ق��د يق��ال‪ :‬إن التصور الثاني هو األقوى ‪ -‬وهو تس��ديد الدين من غير‬ ‫أجن��اس احلب��وة ‪ -‬باعتب��ار أنن��ا جنمع بني س��داد الدين وبني إعط��اء الولد‬ ‫األكبر احلبوة كاملة‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪64‬‬

‫ولك��ن ي��رد عليه‪ :‬أنن��ا فرضنا احلبوة إرث�� ًا‪ ،‬واإلرث متأخ��ر عن الدين‪،‬‬ ‫وتس��ديد الدي��ن م��ن غير أجن��اس احلبوة ترجي��ح بال مرج��ح‪ ،‬ألن الدين‬ ‫متعلق بالتركة الشاملة ألجناس احلبوة وغيرها‪.‬‬

‫وكما يرد إش��كال الترجيح بال مرجح على التصور الثاني‪ ،‬كذلك يرد‬ ‫عل��ى التص��ور األول ‪-‬وهو تس��ديد الدين ب��كل احلبوة ثم إكمال��ه بالنقد‬ ‫املوج��ود‪ -‬فإن تس��ديد الدين بدف��ع كل أجناس احلب��وة وإكماله من النقد‬ ‫ترجيح ب�لا مرجح‪ ،‬ألن الدين متعلق بالتركة التي تش��مل أجناس احلبوة‬ ‫وغيرها‪.‬‬

‫وعليه فبعد استبعاد هذين االحتمالني‪ ،‬ال يبقى لنا إال القول والتمسك‬ ‫بالتص��ور الثالث‪ ،‬وه��و أن الد ْين يؤدى من مجموع التركة بالنس��بة‪ ،‬فإذا‬ ‫كان الدين ُي َشكل نصف التركة أخذنا نصف أجناس احلبوة ونصف باقي‬ ‫الترك��ة لنؤدي به الدين (الحظ املثال األول) وإذا كان الدين ُي َش��كل ربع‬ ‫التركة أخذنا ربع أجناس احلبوة وربع باقي التركة لنؤدي به الدين (الحظ‬ ‫املثال الثاني) وإذا كان الدين ُي َشكل ثلث التركة أخذنا ثلث أجناس احلبوة‬ ‫وثلث باقي التركة لنؤدي به الدين (الحظ املثال الثالث) وهكذا‪.‬‬ ‫ويح��ق للولد األكبر افتكاك أجناس احلبوة في كل هذه األمثلة‪ ،‬وذلك‬ ‫ب��أن يدف��ع للديان قيم��ة ما يلزم أن ندفع��ه لهم من أجن��اس احلبوة ويأخذ‬ ‫احلبوة كاملة له‪.‬‬

‫والتص��ور الثالث ‪ -‬أعني تأدية الدين من مجموع التركة بالنس��بة ‪-‬هو‬ ‫رأي عدة من كبار علمائنا‪ ،‬ومنهم الس��يد اخلوئي رحمه الله‪ ،‬وإليك نص‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪65‬‬

‫عبارت��ه بع��د أن ذكر أن الدي��ن إذا كان مس��تغرق ًا للترك��ة ال يحصل الولد‬ ‫األكبر على شيء من احلبوة قال‪:‬‬ ‫«وإذا لم يكن مس��تغرق ًا لها جاز له فكها بالنس��بة‪ ،‬فإذا كان دينه عش��رة‬

‫دراه��م وكان م��ا زاد على احلبوة من التركة يس��اوي ثماني��ة‪ ،‬وقيمة احلبوة‬ ‫أربعة‪ ،‬فكها احملبو بثالثة دراهم وثلث درهم‪ ،‬وإذا كان الدين في الفرض‬ ‫املذك��ور ثماني��ة دراهم فكها احملب��و بدرهمني وثلثي دره��م‪ ،‬وهكذا»(‪.)1‬‬ ‫انتهى‪.‬‬

‫السيد اخلوئي ‪ -‬منهاج الصاحلني‪ ،‬اجلزء (‪ )3‬صفحة (‪.)412‬‬ ‫(‪ّ )1‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪66‬‬

‫م�صارف التجهيز والو�صية واحلج‬ ‫وارتباطها باحلبوة‬ ‫ذكرعلماؤنا بنا ًء على ما اس��تنبطوه من آيات القرآن الكرمي والروايات‬ ‫الش��ريفة‪ ،‬أن هن��اك أربع��ة مصارف ال بدّ م��ن تأديتها من ترك��ة امليت قبل‬ ‫توزيع اإلرث‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ -1‬مصارف جتهيز الـميت‪.‬‬ ‫‪ -2‬أداء ديون الـميت‪.‬‬

‫‪ -3‬تأجير من يحج عن الـميت إذا كان قد استطاع احلج في حياته ولم‬ ‫يحج‪.‬‬ ‫‪ -4‬تنفيذ وصايا الـميت مبا ال يزيد عن ثلث التركة‪.‬‬

‫فه��ذه الـمصارف األربع��ة مقدمة على اإلرث‪ ،‬ومبا أننا ذكرنا أن احلبوة‬ ‫إرث‪ ،‬فتكون هذه الـمصارف األربعة مقدمة على احلبوة‪.‬‬ ‫فإذا كانت الثالثة ُ‬ ‫األول من هذه الـمصارف األربعة مستغرفة للتركة فال‬

‫حبوة للولد األكبر‪ ،‬لوجوب صرف أجناس احلبوة في هذه الـمصارف‪.‬‬

‫وتقييد االس��تغراق بالثالثة األول دون الرابع ‪ -‬وهو الوصية ‪ -‬باعتبار‬ ‫أن الوصية ال ميكن أن تستغرق التركة‪ ،‬ألنها ال تنفذ في أكثر من الثلث‪.‬‬ ‫وإذا لم تس��تغرق هذه الـمصارف التركة‪ ،‬فقد ذكرنا ‪-‬في الكالم حول‬ ‫عدم استغراق الدين للتركة‪ -‬أن الرأي الذي اختارة العلماء هو دفع الدين‬ ‫من مجموع التركة الشاملة ألجناس احلبوة وغيرها بالنسبة‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪67‬‬

‫ونفس الكالم الذي ذكرناه في الدين غير املس��تغرق يأتي في مصارف‬ ‫التجهيز وفي الوصية وفي تأجير نائب للحج‪.‬‬ ‫وألج��ل إيضاح املس��ألة أكث��ر‪ ،‬أذكر مث��ا ً‬ ‫ال واحد ًا لكل واح��د من هذه‬

‫العناوين الثالثة (مصارف التجهيز ‪ -‬االستئجار للحج ‪ -‬الوصية)‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪68‬‬

‫‪ -1‬م�صارف جتهيز الـميت‬ ‫جتهيز الـميت بالتغس��يل والتكفني والدف��ن يحتاج إلى صرف مبلغ من‬ ‫امل��ال‪ ،‬وفي بعض األحيان يكون الـمبلغ املطلوب في هذا الـمجال كبير ًا‪،‬‬

‫لالضطرار إلى شراء قبر بـمبلغ كبير كما يحصل في بعض البلدان‪.‬‬

‫وه��ذه األم��وال تؤخذ من ترك��ة الـميت قب��ل توزي��ع اإلرث‪ ،‬وطريقة‬

‫األخذ تكون من مجموع التركة الشاملة ألجناس احلبوة وغيرها بالنسبة‪.‬‬ ‫ونذكر مثا ً‬ ‫ال للتوضيح‪.‬‬

‫مثال‪ :‬لو خلف الـميت (‪ )500‬دينار‪ )450( ،‬دينار ًا منها نقد‪ ،‬و(‪)50‬‬ ‫دين��ار ًا منها قيمة أجناس احلب��وة‪ ،‬ومصارف التجهيز تكلف (‪ )100‬دينار‬ ‫يعني ُخمس التركة‪.‬‬

‫فطريقة الدفع تك��ون بأخذ ُخمس أجناس احلبوة يعني ما يعادل (‪)10‬‬ ‫دناني��ر منه��ا وأخذ ُخمس باق��ي التركة يعني (‪ )90‬دين��ار ًا‪ ،‬فندفع هذه الـ‬

‫(‪ )100‬ف��ي مص��ارف التجهي��ز‪ ،‬ويبق��ى عندن��ا (‪ )360‬دينار ًا تقس��م بني‬ ‫الورثة‪ ،‬ونعطي أربعة أخماس احلبوة الـمتبقية للولد األكبر‪.‬‬

‫والس��بب ف��ي األخذ بهذه الطريقة‪ ،‬هو ما ذكرناه س��ابق ًا م��ن أننا إن لم‬

‫نأخذ الـمال من مجموع التركة فسيلزم الترجيح بال مرجح‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪69‬‬

‫‪ -2‬اال�ستئجار للحج‬ ‫إذا اس��تطاع اإلنس��ان أن يحج في حياته ولكنه عص��ى الله ولـم يحج‪،‬‬ ‫وجب إخراج حجة له من تركته‪ ،‬وذلك بأن يؤخذ من تركته مال ويستؤجر‬ ‫له من يحج عنه‪.‬‬ ‫وقد أفتى العلماء بذلك لوجود دليل خاص في الـمسألة‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ال فالقاعدة‬ ‫األولية تقتضي عدم وجوب استئجار من يحج عنه‪.‬‬

‫والدليل في هذا احلكم عدة روايات وردت عن أئمة أهل البيت عليهم‬ ‫السالم‪.‬‬ ‫منها‪ :‬ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب‪:‬‬

‫«عن موس��ى بن القاس��م‪ ،‬عن عثمان بن عيس��ى وزرعة بن محمد‪ ،‬عن‬ ‫سماعة بن مهران قال‪ :‬سألت أبا عبد الله \ عن الرجل ميوت ولم يحج‬ ‫حجة اإلسالم ولم يوص بها وهو موسر؟ فقال‪ :‬يحج عنه من صلب ماله‪،‬‬ ‫ال يجوز غير ذلك»(‪.)1‬‬ ‫وهذه الرواية موثقة من حيث الس��ند‪ .‬ونقص��د بالـموثقة‪ ،‬الرواية التي‬ ‫جميع من في سلسلة سندها أناس ثقات ال يكذبون‪ ،‬ولكن فيهم شخص ًا‬ ‫أو أكثر غير إمامي‪.‬‬ ‫وتعتبر الرواية الـموثقة حجة ويعتمد عليها في االستدالل‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬ما رواه الشيخ الطوسي أيض ًا‪:‬‬

‫(‪ )1‬التهذيب‪ ،‬اجلزء (‪ )5‬صفحة (‪ )16‬حديث (‪.)41‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪70‬‬

‫«بإس��ناده عن أحمد‪ ،‬عن احلس�ين‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن محمد‬ ‫بن مس��لم‪ ،‬قال‪ :‬س��ألت أبا جعف��ر \ عن رجل مات ول��م يحج حجة‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ولم يوص بها‪ ،‬أتقضى عنه؟ قال‪ :‬نعم»(‪.)1‬‬ ‫وه��ذه الرواية صحيحة من حيث الس��ند‪ .‬ونقصد بالصحيحة‪ ،‬الرواية‬ ‫التي جميع من في سلسلة سندها إماميون عدول‪.‬‬

‫وهن��اك رواي��ات أخ��رى تدل عل��ى هذا احلك��م‪ ،‬ولكن نكتف��ي بهاتني‬ ‫الروايتني‪.‬‬ ‫وكيفي��ة إخراج مبلغ احلج م��ن التركة‪ ،‬تكون بأخذ الـمبلغ من مجموع‬ ‫التركة الشاملة ألجناس احلبوة وغيرها بالنسبة‪.‬‬ ‫ونذكر مثا ً‬ ‫ال للتوضيح‪.‬‬

‫مثال‪ :‬لو خلف الـميت (‪ )1000‬دينار‪ )950( ،‬دينار ًا منها نقد‪ ،‬و(‪)50‬‬ ‫دينار ًا قيمة أجناس احلبوة‪ ،‬وتكلفة استئجار شخص للحج (‪ )100‬دينار‬ ‫يعني ُعشر التركة‪.‬‬

‫فطريق��ة أخذ هذه الـ (‪ )100‬أن نأخذ ُعش��ر احلبوة يعن��ي ما قيمته (‪)5‬‬ ‫دنانير منها ونأخذ ُعش��ر باقي التركة يعني (‪ )95‬دينار ًا‪ ،‬فنس��تأجر بهذه الـ‬ ‫(‪ )100‬شخص ًا ليحج عن الـميت‪ ،‬ويبقى عندنا (‪ )855‬دينار ًا تقسم بني‬ ‫الورثة‪ ،‬ونعطي تسعة أعشار احلبوة الـمتبقية للولد األكبر‪.‬‬ ‫والس��بب في أخذ مال احل��ج من مجموع التركة‪ ،‬هو ع��دم الوقوع في‬ ‫الترجيح بال مرجح‪.‬‬

‫(‪ )1‬التهذيب‪ ،‬اجلزء (‪ )5‬صفحة (‪ )449‬حديث (‪.)1769‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪71‬‬

‫‪ -3‬الو�صيــــــة‬ ‫لكل إنس��ان احلق باإليصاء بصرف أمواله في أي مورد يشاء بعد موته‪،‬‬

‫بش��رط عدم التجاوز ع��ن ثلث التركة‪ ،‬وتنفيذ الوصية مقدم على تقس��يم‬ ‫اإلرث‪.‬‬

‫وعلي��ه فلو أوصى ش��خص بصرف ثلث أمواله ف��ي اخليرات‪ ،‬فإن هذا‬

‫الثل��ث يؤخ��ذ من مجم��وع التركة بالنس��بة‪ ،‬ب�لا فرق بني أجن��اس احلبوة‬

‫وغيرها‪.‬‬

‫ونذكر مثا ً‬ ‫ال للتوضيح‪.‬‬

‫مثال‪ :‬لو خلف الـميت (‪ )300‬دينار‪ )240( ،‬دينار ًا منها نقد‪ ،‬و(‪)60‬‬ ‫دينار ًا قيمة أجناس احلبوة‪ ،‬وكان قد أوصى بصرف ثلث أمواله باخليرات‪،‬‬ ‫يعني في مثالنا علينا استخراج (‪ )100‬دينار لتنفيذ الوصية‪.‬‬

‫فإن طريقة األخذ تكون بأخذ ثلث أجناس احلبوة يعني ما يعادل (‪)20‬‬ ‫دين��ار ًا منها وأخذ ثلث باقي التركة يعني (‪ )80‬دينار ًا‪ ،‬فتكتمل الـ (‪)100‬‬ ‫دين��ار وتنفذ به��ا الوصية‪ ،‬ويبقى عندن��ا (‪ )160‬دينار ًا تقس��م بني الورثة‪،‬‬ ‫ونعطي الولد األكبر ثلثا أجناس احلبوة التي بقيت‪.‬‬

‫وك��ذا الكالم لو لم يوص بنس��بة معينة كالثل��ث‪ ،‬بل أوصى مببلغ معني‬

‫من املال‪ ،‬كما لو أوصى بصرف (‪ )100‬دينار باخليرات‪.‬‬

‫مثال‪ :‬لو خ ّلف الـميت (‪ )600‬دينار‪ )480( ،‬دينار ًا منها نقد‪ ،‬و(‪)120‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪72‬‬

‫دينار ًا منها قيمة أجناس احلبوة‪ ،‬وكان قد أوصى بصرف (‪ )100‬دينار من‬ ‫تركته باخليرات‪.‬‬

‫فنالحظ في الـمثال أن الـ (‪ )100‬دينار بالنسبة للـ (‪ )600‬تعادل ُسدس‬ ‫الترك��ة‪ ،‬وعليه نأخذ الــ (‪ )100‬دينار من مجموع التركة بالنس��بة‪ ،‬وذلك‬ ‫بأخذ سدس أجناس احلبوة يعني ما يعادل (‪ )20‬دينار ًا منها وأخذ سدس‬ ‫باقي التركة يعن��ي (‪ )80‬دينار ًا‪ ،‬فنصرف هذه الــ (‪ )100‬باخليرات تنفيذ ًا‬ ‫للوصي��ة‪ ،‬ويبقى عندن��ا (‪ )400‬دينار تقس��م على الورث��ة‪ ،‬ونعطي الولد‬ ‫األكبر خمسة أسداد احلبوة التي بقيت‪.‬‬ ‫والس��ر في األخذ بهذه الكيفية‪ ،‬هو ما ذكرناه س��ابق ًا م��ن أننا إذا أخذنا‬ ‫بطريقة أخرى فسنقع بالترجيح بال مرجح‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪73‬‬

‫كلمة �سماحة ال�سيد الوالد‬ ‫في ما يرتبط بـمسألة احلبوة أفاد سماحة السيد الوالد مبا يلي‪:‬‬

‫‪L‬‬

‫الـمس��تفاد من مجموع روايات احلبوة أن الشارع الـمقدس اعتبر الولد‬ ‫األكبر قائم ًا مقام أبيه‪ ،‬وليس ذكر أفراد معينة من الـملك الـمختص باألب‬ ‫إال أمثلة يراد بها اإلشارة إلى الـمختصات كلها‪.‬‬

‫ومما يرشد إلى ذلك‪ ،‬اختالف الروايات في تعداد ما يدفع للولد األكبر‪،‬‬ ‫ب��ل إن بعضها يذكر واحد ًا أو اثن�ين‪ ،‬وبعضها اآلخر يذكر واحد ًا أو اثنني‬ ‫آخرين‪ ،‬وبعضها يذكر سبعة‪.‬‬

‫فلو كانت احلبوة معينة في أمور خاصة ال تزيد وال تنقص لكان الالزم‬ ‫ذكرها مبجموعها دون التفريق بينها‪.‬‬ ‫وه��ذا املعنى عرفي‪ ،‬بحيث ل��و أعطيت هذه الروايات إلىالعرف العام‬ ‫لرأوها تصب في هذا املعنى الواحد‪.‬‬ ‫وعليه فقد تكون الـمختصات أكثر من سبعة وقد تكون أقل‪.‬‬

‫أما اإلجماع على األربع فغير تام‪ ،‬لـمخالفة الصدوق في ذلك هذا إن‬ ‫كان هناك اتفاق واقع ًا بني كل العلماء اآلخرين على خالف ذلك‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ :‬الـمحصل من اإلجماع غير حاصل‪ ،‬وعلى فرضه فال‬ ‫كاشفية له‪ ،‬الحتمال استناده إلى قاعدة االحتياط في األموال‪ ،‬التي يراها‬ ‫كثير من الفقهاء‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪74‬‬

‫بن��ا ًء على ه��ذا‪ ،‬فتعدد بعض هذه األمور كاخلامت والس��يف ال يغير من‬ ‫األمر ش��يئ ًا‪ ،‬ما دام يص��دق عليها أنها من مختص��ات األب‪ ،‬فتعطى كلها‬ ‫للول��د األكب��ر‪ ،‬وما ال يعد م��ن املختصات كاخل��وامت املش��تراة لالقتناء أو‬ ‫للهواية ال يعد من احلبوة‪ ،‬ومما يؤيد هذا املعنى التعبير في الرواية بـ (ثياب‬ ‫جلده) مما يفهم االختصاص‪.‬‬ ‫وعليه فإنه يرثها الولد ولو لم يكن منفص ً‬ ‫ال بالوالدة حني موت األب‪،‬‬ ‫سواء أقلنا بتسميته ولد ًا أم لم نقل ألمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬وج��ود ه��ذا الـمناط فيه‪ ،‬فإنه إذا ُولد وكبر يش��ار إليه بأنه الذي‬ ‫خلف أباه‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬أنه بعد أن يولد يصدق عليه عنوان الولد قطع ًا وبالتالي يترتب‬

‫احلكم عليه كترتب كل حكم على موضوعه‪.‬‬ ‫وأيض ًا يتضح من هذا أن الولد األكبر يختص باحلبوة ولو لم يكن لألب‬ ‫ش��يء غيرها‪ ،‬ألن قيامه مقامه يعني كأنه هو‪ ،‬فكما لو كان األب موجود ًا‬ ‫كانت هذه األموال ملكه فالولد مبثابته‪.‬‬ ‫أما إذا كان الولد األكبر مخالف ًا‪ ،‬فإن قلنا بأن قاعدة اإللزام تعني مجرد‬ ‫احلكم التكليفي ال الوضعي‪ ،‬مبعنى أن الـمال الذي هو احلبوة يكون ملك ًا‬ ‫للول��د األكبر ويجوز للورث��ة اآلخرين املوالني أخذه من��ه فواضح‪ ،‬إذ هو‬ ‫ملكه‪ ،‬فإن أخذوا منه فبها‪ ،‬وإن لم يأخذوا فهو له‪.‬‬ ‫أما إذا قلنا أن القاعدة تس��تدعي احلكم الوضعي أيض ًا أي أن احلبوة ال‬

‫تدخ��ل في ملك الولد األكبر وحده‪ ،‬وإمنا ه��ي إرث للكل اللتزامه بعدم‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫‪75‬‬

‫ملكيت��ه لها‪ -‬كما ميك��ن أن يؤيد ذلك بجواز الزواج من زوجة الـمخالف‬ ‫الت��ي طلقه��ا م��ن دون الش��رائط الـمطلوبة عندن��ا‪ ،‬حيث نلت��زم بحصول‬ ‫الطالق واقع ًا بإمضاء الش��ارع له‪ ،‬وإال لزم من عدم حصوله جواز تزوج‬ ‫الـموال��ي له��ا وهي ذات بع��ل‪ ،‬وهذا ال ميك��ن االلتزام به‪ ،‬ومب��ا أن ما دل‬ ‫عل��ى اإللزام جاء على نس��ق واحد ف��ي كل موارده ‪-‬فليت��زم بعدم ملكية‬ ‫الـمخالف أساس ًا لهذا الـمال‪ ،‬ويكون إرث ًا للكل‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫إلى هنا تنتهي هذه الرسالة‬

‫سائ ً‬ ‫ال الـمولى جل وعال أن يتقبلها مني وأن يجعل فيها النفع والفائدة‪.‬‬ ‫وآخر دعوانا أن احلمد لله رب العاملني‬ ‫وصلى ال ّله على محمد وآله الطاهرين‪.‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫)‬

‫‪76‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫املصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر‬ ‫< القرآن الكرمي‬

‫< الكافي‪ -‬الشيخ الكليني‪.‬‬

‫< االستبصار في ما اختلف من األخبار ‪ -‬الشيخ الطوسي‪.‬‬ ‫< تهذيب األحكام ‪ -‬الشيخ الطوسي‪.‬‬

‫< من ال يحضره الفقيه ‪ -‬الشيخ الصدوق‪.‬‬

‫< مباني منهاج الصاحلني ‪ -‬السيد تقي القمي‪.‬‬

‫< فقه الصادق ‪ -‬السيد محمد صادق الروحاني‪.‬‬

‫< الزبدة الفقهية في شرح اللمعة الدمشقية ‪ -‬الشهيد الثاني‪.‬‬ ‫< شرائع اإلسالم ‪ -‬احملقق احللي‪.‬‬

‫< منهاج الصاحلني ‪ -‬السيد أبو القاسم اخلوئي‪.‬‬ ‫< منهاج الصاحلني ‪ -‬السيد محمد الروحاني‪.‬‬ ‫< منهاج الصاحلني ‪ -‬الشيخ جواد التبريزي‪.‬‬

‫< منهاج الصاحلني ‪ -‬السيد علي السيستاني‪.‬‬

‫< منهاج الصاحلني ‪-‬السيد محمد سعيد احلكيم‪.‬‬ ‫< منهاج الصاحلني ‪ -‬الشيخ الوحيد اخلراساني‪.‬‬ ‫< لسان العرب ‪ -‬ابن منظور‪.‬‬

‫< مجمع البحرين ‪ -‬الشيخ الطريحي‪.‬‬ ‫< املنجد‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫ر‬

‫‪79‬‬

‫املقدمة‪5............................................................‬‬ ‫املعنى اللغوي للحبوة‪7.............................................‬‬ ‫املعنى الشرعي للحبوة‪9.............................................‬‬ ‫روايات احلبوة‪10....................................................‬‬ ‫اإلجماع على األجناس األربعة‪15...................................‬‬ ‫‪17‬‬ ‫الثياب‪.............................................................‬‬ ‫اخلامت‪21............................................................‬‬ ‫‪25‬‬ ‫السيف‪............................................................‬‬ ‫املصحف‪29.........................................................‬‬ ‫معنى الرحل والراحلة والكتب‪32..................................‬‬ ‫القيمة السوقية ألجناس احلبوة‪34...................................‬‬ ‫‪36‬‬ ‫اختصاص احلبوة بالولد األكبر عند موت األب‪....................‬‬ ‫‪37‬‬ ‫األكبر هو األسبق والدة ال علوق ًا‪..................................‬‬ ‫تعدد الولد األكبر‪39.................................................‬‬ ‫عدم ارتباط احلبوة بقضاء صالة األب‪41.............................‬‬ ‫‪42‬‬ ‫حكم احلبوة مع عدم وجود مال غيرها‪.............................‬‬ ‫‪44‬‬ ‫البلوغ والعقل والرشد وارتباطها باحلبوة‪...........................‬‬ ‫حكم الولد األكبر لو كان حم ً‬ ‫‪45‬‬ ‫ال عند موت األب‪...................‬‬


‫رسالـة في أحگام احلبــوة‬

‫ر‬ ‫املقصود بالولد الولد للصلب‪......................................‬‬ ‫‪47‬‬ ‫حكم احلبوة على نحو الوجوب ال االستحباب‪.....................‬‬ ‫‪48‬‬ ‫احلبوة مجانية‪......................................................‬‬ ‫‪50‬‬ ‫النزاع يحسمه احلاكم الشرعي‪.....................................‬‬ ‫‪52‬‬ ‫احلبوة وقاعدة االلزام‪..............................................‬‬ ‫‪53‬‬ ‫الدين املستغرق واحلبوة‪............................................‬‬ ‫‪57‬‬ ‫نفوذ الوصية بأجناس احلبوة‪.......................................‬‬ ‫‪59‬‬ ‫الدين غير املستغرق واحلبوة‪61 ....................................‬‬ ‫مصارف التجهيز والوصية واحلج وارتباطها باحلبوة‪................‬‬ ‫‪66‬‬ ‫مصارف جتهيز امليت‪...............................................‬‬ ‫‪68‬‬ ‫االستئجار للحج‪..................................................‬‬ ‫‪69‬‬ ‫الوصية‪............................................................‬‬ ‫‪71‬‬ ‫السيد الوالد‪.........................................‬‬ ‫‪73‬‬ ‫كلمة سماحة ّ‬ ‫مصادر الكتاب‪77...................................................‬‬ ‫الفهرس‪...........................................................‬‬ ‫‪79‬‬

‫أ‬

‫‪80‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.