]
رسالة يف أحكام احلبــوة
تأليف
سيد محمد سيد صباح شبر
رسالـة في أحگام احلبــوة
د الطبعة األولى 1435هـ 2014 -م
4
رسالـة في أحگام احلبــوة
5
و L احلم��د لل��ه رب العامل�ين ،ب��اريء اخلالئ��ق أجمع�ين ،باع��ث األنبي��اء واملرسلني.
ثم الصالة والس�لام على أشرف األنبياء وسيد املرسلني ,سيدنا محمد وآله الطاهرين. وبع��دُ ،ف��إن من املس��ائل التي تعتبر مح��ل ابتالء عامة الناس ،املس��ائل املرتبطة باإلرث. ومن ضمن املسائل التي تبحث في كتاب اإلرث مسألة (احلبوة) وهي اختصاص أحد الورثة بأجناس معينة يخ ّلفها امليت.
وتعد مسألة احلبوة من املسائل التي فيها فروع كثيرة ولها ارتباط بالعديد من املسائل الشرعية.
حاولت في هذه الرس��الة ،أن أذكر مس��ائل احلب��وة بتفاصيلها ،مع وقد ُ ذكر آراء جمع من كبار العلماء فيها. إضاف ًة إلى ذكر ما يأتي بالذهن في بعض املوارد. السيد الوالد حفظه علي سماحة ّ وفي ختام الرسالة ،أذكر كلم ًة أمالها َّ الله ،ذكر فيها ما توصل إليه في هذه املسألة.
رسالـة في أحگام احلبــوة
6
أس��أل الله عزوجل أن يتقبل هذا اليس��ير بأحس��ن قبوله وأن يجعل فيه النفع والفائدة للمؤمنني ...بحق محمد وآله الطيبني الطاهرين.
محمـــد شبــــر 1435هـ
رسالـة في أحگام احلبــوة
7
املعنى اللغوي للحبوة فس��رت هذه الكلم��ة باللغ��ة بأكثر من معن��ى ،وإن كانت ه��ذه املعاني تصب في خانة واحدة. فقد فسرها البعض بـ (العطية) وبـ (اإلعطاء بال جزاء)(.)1
من وال جزاء)(.)2 وفسرها بعض آخر بـ (اإلعطاء) وبـ (العطاء بال ٍّ
وفسرها آخرون بـ (إعطاء الشيء بغير عوض)(.)3
والظاهر أن احلبوة ُيقصد بها اإلعطاء املجاني الذي فيه نوع من التكرمي للشخص املعطى. يعبر عنها بالهبة أو الهدية. يعبر عنها باحلبوة ،بل ّ فما ُك ُّل عطية ّ
أ ّما احلبوة ،فهي العطية التي تختص بشخص دون غيره تكرمي ًا له ،كمن يعطي س��لعة ثمينة لطالب في املدرسة بس��بب تفوقه بالدراسة ومتيزه عن سائر الطالب. ومن هنا قال الشاعر في حق اإلمام احلسني \:
ُحــــبي بثـــالث ما أحـــاط مبثلها
( )1املنجد -حرف احلاء. ( )2لسان العرب -حرف احلاء. ( )3مجمع البحرين -حرف احلاء.
لي فمن زيد هناك ومن عمـرو َو ٌّ
رسالـة في أحگام احلبــوة
له تربــــة فيـــها الشــــفاء وقــــــبة وذريـــــــة دريـــــة منـــــــه تسعــــة
8
ُيجاب بها الداعي إذا مسه الضر
عشـــــر أئمــة حــــق ال ثمان وال ُ فه��ذه ميزات وكرامات ،خص الله تعالى اإلمام احلس�ين \بها ،من دون سائر األولياء والصاحلني ،ولذا عبر عنها باحلبوة.
وعل��ى كل ح��ال ،فإن ما يهمنا هو املعنى الش��رعي له��ذه الكلمة ،ألنه الذي يترتب عليه احلكم الشرعي.
رسالـة في أحگام احلبــوة
9
املعنى ال�شرعي للحبوة املقصود باحلبوة شرع ًا ،هو اختصاص الولد الذكر األكبر ببعض األعيان التي تركها األب ،بحيث ال يشاركه فيها أحد من الورثة اآلخرين. وهذه األعيان هي :الثياب واخلامت والسيف واملصحف.
وهذا احلكم من األحكام التي انفرد بها الشيعة اإلمامية ،خالف ًا لغيرهم من املذاهب اإلسالمية األخرى. ويعتبر هذا احلكم مخالف ًا لألصل األولي ،إذ املفروض أن التركة تقسم
عل��ى الورثة بالتقس��يم الش��رعي احمل��دد وال يختص الولد األكبر بش��يء منها.
إال أننا نلتزم بهذا احلكم لوجود روايات وردت عن أهل البيت عليهم السالم دلت على ذلك.
رسالـة في أحگام احلبــوة
روايات الحبوة
10
رسالـة في أحگام احلبــوة
11
الرواية األولى
رواها الشيخ الكليني في الكافي:
«ع��ن عدة من أصحابن��ا ،عن أحمد بن محمد بن خال��د ،عن أبيه ،عن حم��اد بن عيس��ى ،عن ربعي ب��ن عبدالله ،عن أبي عبدالل��ه \ قال :إذا م��ات الرجل فس��يفه وخامت��ه ومصحفه وكتب��ه ورحله وراحلته وكس��وته ألكبر ولده ،فإن كان األكبر ابنة ،فلألكبر من الذكور»(.)1 وهذه الرواية صحيحة من حيث السند.
وقد رواها الش��يخ الطوس��ي في التهذيب واالس��تبصار بس��ند صحيح أيض ًا( .)2ورواها الش��يخ الص��دوق في الفقيه أيض ًا بس��ند صحيح .إال أن رواية الصدوق تخلو من كلمة (وراحلته)(.)3
الرواية الثانيـــة
رواها الشيخ الكليني في الكافي:
«عن محمد بن إس��ماعيل ،عن الفضل بن ش��اذان ،عن ابن أبي عمير، عن ربعي بن عبدالله ،عن أبي عبدالله \ قال :إذا مات الرجل فلألكبر من ولده سيفه ومصحفه وخامته ودرعه»(.)4 ( )1الكافي ،اجلزء ( )7صفحة ( )95باب 52حديث.4 ( )2التهذيب ،اجلزء ( )9صفحة ( )236حديث .997 االستبصار ،اجلزء ( )4صفحة ( )152حديث .541 ( )3من ال يحضره الفقيه ،اجلزء ( )4صفحة ( .)238حديث .805 ( )4الكافي ،اجلزء ( )7صفحة ( )94باب 52حديث .3
رسالـة في أحگام احلبــوة
12
وهذه الرواية معتبرة من حيث الس��ند .وقد رواها الش��يخ الطوسي في التهذيب واالستبصار بسند صحيح(.)1
الرواية الثالثة
رواها الشيخ الكليني في الكافي:
«ع��ن عل��ي بن إيراهيم ،عن أبيه ،عن حماد بن عيس��ى ،عن حريز ،عن أبي عبدالله \ قال :إذا هلك الرجل فترك بنني فلألكبر السيف والدرع واخلامت واملصحف ،فإن حدث به حدث فلألكبر منهم »(.)2
الس��يد اخلوئي ،بل على مبنى وهذه الرواية صحيحة الس��ند على مبنى ّ أكثرية الفقهاء.
الس��يد السيس��تاني أن��ه يعتبر الرواي��ات التي يرويها ولكن املنقول عن ّ حريز مباش��رة عن اإلمام الصادق \ فيها شبهة اإلرسال ،والسبب في ذل��ك أن يونس بن عبدالرحمن وهو تلمي��ذ حريز ،ذكر أن حريز ًا لم يرو ع��ن اإلمام الصادق \ إال حديثني ،ألن��ه كان ال يحضر مجلس اإلمام الص��ادق \ مهاب��ة منه \ ،وإمن��ا كان ينقل عن اإلمام مع الواس��طة، وعلي��ه ف��كل ما يرويه حريز مباش��رة ع��ن اإلمام الصادق \ فيه ش��بهة اإلرسال ،ألننا ال نعلم من الذي نقل الرواية حلريز. وبالتالي ال تكون هذه الرواية صحيح ًة على مبنى السيد السيستاني.
( )1التهذيب ،اجلزء ( )9صفحة ( )235حديث .996 االستبصار ،اجلزء ( )4صفحة ( )152حديث .540 ( )2الكافي ،اجلزء ( )7صفحة ( )94باب 52حديث .1
رسالـة في أحگام احلبــوة
13
الرواية الرابعة
رواها الشيخ الكليني في الكافي:
« ع��ن عل��ي ب��ن إبراهيم ،عن أبي��ه ،عن ابن أب��ي عمير ،عن اب��ن أذينة، عن بعض أصحابه ،عن أحدهما عليهما الس�لام :أن الرجل إذا ترك سيف ًا وسالح ًا فهو البنه ،وإن كان له بنون فهو ألكبرهم »(.)1 وهذه الرواية ضعيفة ألنها مرسلة.
الرواية اخلامسة
رواها الشيخ الصدوق في الفقيه:
« بإس��ناده عن حماد بن عيسى ،عن شعيب بن يعقوب ،عن أبي بصير، عن أبي عبدالله \ قال :امليت إذا مات فإن البنه األكبر السيف والرحل والثياب :ثياب جلده »(.)2 وهذه الرواية صحيحة من حيث السند.
الرواية السادسة
رواها الشيخ الطوسي في التهذيب واالستبصار:
« بإس��ناده ع��ن علي بن احلس��ن ب��ن ّ فضال ،ع��ن علي بن أس��باط ،عن محم��د ب��ن زياد بن عيس��ى ،عن ابن أذين��ة ،عن زرارة ومحمد بن مس��لم ( )1الكافي ،اجلزء ( )7صفحة ( )94باب 52حديث.2 ( )2من ال يحضره الفقيه ،اجلزء ( )4صفحة ( )238حديث .806
رسالـة في أحگام احلبــوة
14
وبكير وفضيل بن يس��ار ،عن أحدهما عليهما الس�لام :إن الرجل إذا ترك سيف ًا أو سالح ًا فهو البنه ،فإن كانوا اثنني فهو ألكبرهما »(.)1 وهذه الرواية موثقة من حيث السند.
الرواية السابعة
رواها الشيخ الطوسي في التهذيب واالستبصار:
«ع��ن علي بن احلس��ن بن ّ فضال ،عن أحمد بن احلس��ن ،ع��ن أبيه ،عن حماد بن عيس��ى ،عن ش��عيب العقرقوفي ،قال :س��ألت أب��ا عبدالله \ ع��ن الرج��ل ميوت ماله من متاع بيته؟ قال :الس��يف وق��ال :امليت إذا مات فإن البنه السيف والرحل والثياب :ثياب جلده »(.)2 وهذه الرواية موثقة من حيث السند.
وتوجد روايات أخرى ،ولكن نكتفي بذكر هذا املقدار.
( )1التهذيب ،اجلزء ( )9صفحة ( )236حديث .998 االستبصار ،اجلزء ( )4صفحة ( )152حديث .542 ( )2التهذيب ،اجلزء ( )9صفحة ( )236حديث .999 االستبصار ،اجلزء ( )4صفحة ( )153حديث .544
رسالـة في أحگام احلبــوة
15
الإجماع على الأجنا�س الأربعة الذي يالحظ الروايات يجد أنها ذكرت أمور ًا عديدة يختص بها الولد األكبر. إ ّ ال أن الفقهاء قدمي ًا وحديث ًا قالوا :يحبى الولد األكبر بأربعة أشياء فقط ال غير ،وهي :الثياب ،اخلامت ،السيف ،املصحف. فاإلجماع قام على هذه األربعة ال غير.
نع��م ،ظاهر الش��يخ الصدوق أنه ي��رى احلبوة في س��تة أجناس ،وهي: الثياب ،اخلامت ،السيف ،املصحف ،الكتب ،الرحل.
فإنه ذكر في كتابه من ال يحضره الفقيه ،الرواية التي تذكر هذه األجناس الستة ،وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه ال يروي إال ما يعمل به. وبعض الفقهاء يحتاط وجوب ًا في دخول الكتب والراحلة والرحل في
احلب��وة إضافة إلى األجناس األربعة املجمع عليها ،فتكون أجناس احلبوة سبعة. وهذا رأي الشيخ الوحيد اخلراساني(.)1
وهنا قد يطرح سؤال وهو:
مل��اذا ال نعمم احلبوة لهذه األجناس الس��بعة ونقتصر عل��ى أربعة فقط، خصوص ًا وأن األجناس الس��بعة ذكرت مجتمعة في الرواية األولى ،وهي رواية صحيحة من حيث السند؟ ( )1الشيخ الوحيد -منهاج الصاحلني ،جزء ( )3صفحة (.)412
رسالـة في أحگام احلبــوة
16
وفي اجلواب عن هذا السؤال نقول:
املف��روض أن نعمم احلبوة لهذه األجن��اس ،إ ّ ال أن إجماع الفقهاء على االقتصار على األجناس األربعة مينعنا من التعدي إلى غيرها. إن قل��ت :اإلجماع ال يقبله الفقهاء -خصوص ًا املتأخرين -في أغلب األحيان ،ألنه ال يكشف عاد ًة عن رأي اإلمام املعصوم \. قلت :هناك بعض اإلجماعات -وهي قليلة -تكشف عن رأي اإلمام املعصوم \ ،وهذا منها ،وذلك ألن هذا اإلجماع مخالف ملا دلت عليه الرواي��ات م��ن تعمي��م احلبوة ألكث��ر من األجن��اس األربع��ة ،ومع صحة الروايات س��ند ًا ووضوحها دالل ًة ،ال نرى س��بب ًا لإلجم��اع على خالفها، إ ّ ال وجود دليل عند املجمعني ولكن لم يصل إلينا.
وعلي��ه نق��ول باقتص��ار احلب��وة عل��ى األجن��اس األربعة فق��ط ،وذلك لإلجماع الكاشف عن رأي املعصوم \. وعل��ى كل ح��ال ،فلنب��دأ بالتكل��م ع��ن واح��د واح��د م��ن األجن��اس األربعة.
رسالـة في أحگام احلبــوة
17
-1الثيـــــاب اختلف الفقهاء في مقدار ما يحبى به الولد األكبر من الثياب.
فبعض الفقهاء اقتصر على الثياب التي كان يدمي األب لبسها ،وبعضهم اقتصر على الثياب التي كان يصلي فيها.
إال أن أكث��ر الفقه��اء قالوا بأنه ُيحبى بجميع الثي��اب ،وإن كانت كثيرة، لظه��ور كلم��ة الثياب ف��ي املجموع ،وتش��مل الثي��اب الصيفية والش��توية والصغيرة والكبيرة والقطن واجللد والصوف وغيرها. وتش��مل أيض ًا الثياب التي لبس��ها األب ،والثياب التي أعدها ليلبس��ها وإن لم يلبسها.
نع��م ظاهر الدليل -خصوص�� ًا مع مالحظة عبارة (ثي��اب جلده) التي وردت ف��ي أكثر م��ن رواية -أنه يحبى بالثياب التي أعدها األب لنفس��ه، فال يش��مل الثياب التي اش��تراها ليهديها لآلخرين ،كما ال يش��مل الثياب التي اشتراها ألجل التجارة بها.
ث��م إنه حصل اخلالف في بعض األش��ياء التي ُيش��ك ف��ي إطالق لفظ الثياب أو الكس��وة عليه��ا ،مثل العمامة واحلزام واجل��ورب والنعل ،فهل يحبى بها الولد األكبر؟
اخت��ار جم��ع م��ن الفقهاء دخ��ول هذه األعي��ان حتت عنوان الكس��وة، وبالتالي يحبى بها الولد األكبر.
رسالـة في أحگام احلبــوة
18
السيد اخلوئي رحمه الله: قال ّ
«ال فرق بني الكسوة الشتائية والصيفية وال بني القطن واجللد وغيرهما وال ب�ين الصغي��رة والكبيرة فيدخل فيه��ا مثل القلنس��وة( ،)1وفي اجلورب واحل��زام والنعل تردد أظهره الدخ��ول ،وال يتوقف صدق الثياب ونحوها عل��ى اللبس ،بل يكفي إعدادها لذلك ،نعم إذا أعدها للتجارة أو لكس��وة غيره من أهل بيته وأوالده وخدامه لم تكن من احلبوة»( .)2انتهى. وفرق بعض الفقهاء بني هذه األشياء فأدخل بعضها في احلبوة وأخرج بعضها. فالش��هيد الثاني رحمه الله في الروضة البهية اعتبر العمامة من احلبوة، واستشكل في احلزام ،واعتبر النعل غير داخل في احلبوة ،فقال: «واألقوى أن العمامة منها ،وفي دخول شد الوسط إشكال، للر ْجل فـال»( .)3انتهى. أما احلذاء ونحوه مما يتخذ ِّ
مسألة:
م��ن املعلوم حرمة لبس احلرير للرجال ،فلو كان لألب ثوب من احلرير فهل ُيحبى به الولد األكبر أم ال؟ الس��يد اخلوئي رحمه الله احتياط ًا وجوبي ًا بعدم دخول مثل هذا احتاط ّ الثوب في احلبوة(.)4 ( )1القلنسوة :غطاء يوضع على الرأس يعبر عنه بـ الطاقية أو القحفية أو العرقچني. السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)413 (ّ )2 ( )3الشهيد الثاني -الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ،كتاب اإلرث. السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)413 (ّ )4
رسالـة في أحگام احلبــوة
19
الس��يد محمد صادق الروحاني دخول ث��وب احلرير في احلبوة، ويرى ّ باعتب��ار أن حرمة لبس��ه ال تؤثر على اختصاصه بالول��د األكبر ،ألنه ثوب ودلت الروايات على أن الثياب من احلبوة. وإليك نص عبارته في فقه الصادق:
«وال ف��رق بني أن يكون الثوب مما يحرم عليه لبس��ه كالثوب من احلرير وغيره لعدم املالزمة بني احلرمة واحلرمان»( .)1انتهى. وقد يقــال:
ذكر العلماء بأن الثوب الذي يكون حبوة ،هو الثوب الذي لبسه األب أو أع��ده للب��س ،ومبا أن احلرير يحرم لبس��ه فال يصح لألب أن يلبس��ه أو يعده للبس بس��بب حترمي الش��رع لذلك ،وعليه فهذا الثوب بحكم الشرع غير صالح لالنتفاع به باللبس وإن عصى األب ولبس��ه ،وعليه فال يكون ثوب احلرير من احلبوة.
ولك��ن يرد عليه :بأن األب ل��و عصى ولبس هذا الثوب ،فقد صار هذا الثوب واقع ًا من الثياب التي لبس��ها األب ،وبالتالي صار مش��مو ً ال لدليل احلبوة. تتمـــــة:
ذك��ر بعض الفقهاء أن الثي��اب التي يحبى بها الول��د األكبر هي الثياب التي لبس��ها األب بعد أن أعدها للبس ول��م ُيعرض عنها ،فمع فقد واحد من هذه الشروط الثالثة ال تكون الثياب حبوة ،فلو لبس األب ثوب ًا صدفة السيد محمد صادق الروحاني -فقه الصادق ،اجلزء ( )37صفحة (.)122 (ّ )1
رسالـة في أحگام احلبــوة
20
من غير أن يعده للبس ال يصير حبوة ،ولو أعد ثوب ًا للبس ولكنه لم يلبسه فال يصير حبوة ،ولو أعده للبس ولبسه ثم أعرض عنه فال يعتبر حبوة. للسيد محمد سعيد احلكيم(.)1 وهذا الرأي ّ
ولع��ل ه��ذا ال��رأي مبني عل��ى اس��تظهار هذا املعن��ى من كلم��ة (ثياب جلده).
السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)239 (ّ )1
رسالـة في أحگام احلبــوة
21
-2اخلاتــم اتف��ق الفقه��اء عل��ى أن الولد األكبر يحب��ى بخامت أبيه إجم��ا ً ال ،ولكن حصل اخلالف في بعض التفاصيل.
فق��ال بعضه��م :إنه ال يحبى إال باخلامت الذي أعده األب للبس ولبس��ه ولم ُيعرض عنه ،فمع فقد أحد هذه الشروط ال يصير اخلامت حبوة(.)1
ولك��ن أكث��ر الفقهاء قالوا بكفاي��ة أن يعد األب اخلامت للبس أو يلبس��ه وإن لم يعده للبس ليكون من احلبوة. وال يدخ��ل ف��ي احلب��وة اخلامت ال��ذي أع��ده األب للتج��ارة أو إلهدائه لآلخرين. مسألة:
ل��و كان ل�لأب أكثر م��ن خامت واحد ،فه��ل يحبى االب��ن األكبر بخامت واحد فقط أم يحبى بها كلها؟ قد يقــال:
املفروض أن خوامت األب توزع بني الورثة وال يختص بها الولد األكبر، ولكن مبا أن الروايات دلت على أن للولد األكبر خامت أبيه ،فنقتصر على الق��در املتيقن ،فيحبى بخامت واحد ال أكثر ،خصوص ًا مع مالحظة قضية، وهي أن أغلب الناس في زمن النبي ڤ واألئمة عليهم السالم ،كان ميلك السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)239 (ّ )1
رسالـة في أحگام احلبــوة
22
كل شخص خامت ًا واحد ًا عاد ًة ،فالنظر في الدليل إلى أن هذا اخلامت يكون للولد األكبر ،وأ ّما مع التعدد فباقي اخلوامت تقسم بني الورثة. وم��ن ناحية أخرى قد يقال :إن كلمة (اخلامت) التي وردت في الرواية، تقتضي أن اخلامت وإن تعدد فهو من نصيب الولد األكبر ومن مختصاته.
الس��يد محمد س��عيد احلكي��م ،بأن الولد األكب��ر يحبى بكل ولذا أفتى ّ اخلوامت عند التعدد(.)1
إال أن الش��هيد الثان��ي رحمه الله ذك��ر في الروضة البهي��ة ،أن أجناس احلب��وة لو تعددت ،فم��ا كان منها بلفظ اجلمع مث��ل (الثياب) تدخل كلها باحلبوة ،وما كان منها بلفظ املفرد يأخذ الولد األكبر واحد ًا ال أكثر ،ومنها اخلامت ،حيث إنه ذكر بلفظ املفرد(.)2 وق��د احتاط بعض الفقهاء باملصاحلة ب�ين الولد األكبر وبني بقية الورثة في حالة تعدد اخلوامت. السيد اخلوئي رحمه الله: قال ّ «وإذا تعدد الثوب ُأعطي اجلميع ،وال يترك االحتياط عند تعدد غيره من
املذكورات باملصاحلة مع سائر الورثة في الزائد على الواحد»( .)3انتهى.
السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)239 (ّ )1 ( )2الشهيد الثاني -الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ،كتاب اإلرث. السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)412 (ّ )3
رسالـة في أحگام احلبــوة
23
مسألة:
ل��و تعدد اخلامت وقلنا بأن للولد األكب��ر خامت ًا واحد ًا ال أكثر ،فهل هناك خامت معني ُيلزم بأخذه ،أم له أن يختار أي خامت يشاء؟
يحتم��ل الق��ول بإلزام��ه بأخذ اخل��امت ال��ذي كان يس��تعمله األب أكثر م��ن اس��تعماله لبقية اخل��وامت ،بحيث صار ينس��ب إليه أكثر م��ن غيره من اخلوامت.
وه��ذا ه��و اختيار الش��هيد الثان��ي رحمه الل��ه ،حيث قال ف��ي الروضة البهية« :ويختص ما كان يغلب نسبته إليه»(.)1 وهذا القول موافق لالحتياط ،ألنه قدر متيقن.
وهنا يأتي سؤال آخر وهو:
أنه لو كان هناك أكثر من خامت يس��تعمله األب باس��تمرار وبالتساوي، فما هو احلل؟
يحتم��ل الق��ول بتخيير احملب��و بأخذ اخل��امت الذي يري��د ،ألنه صاحب احلق. السيد محمد صادق الروحاني(.)2 وإلى هذا القول مال ّ
وهناك احتمال آخر وهو القرعة ،ألن القرعة لكل أمر مشكل. ( )1الشهيد الثاني -الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ،كتاب اإلرث. السيد محمد صادق الروحاني -فقه الصادق ،جزء ( )37صفحة (.)122 (ّ )2
رسالـة في أحگام احلبــوة
24
مسألة:
من املعلوم حرمة لبس الذهب للرجل ،فلو كان لألب خامت من الذهب، فهل يحبى به الولد األكبر أم ال؟ وجوبي ًا بعدم دخول خامت السيدان اخلوئي والسيستاني احتياط ًا ّ احتاط ّ الذهب في احلبوة(.)1
الس��يد محمد صادق الروحاني دخوله في احلبوة ،وذلك لعدم واختار ّ املالزمة بني حرمة اللبس وحرمان الولد األكبر(.)2 وقد يقال:
إن ظاه��ر دلي��ل احلب��وة اختصاصه باخلامت ال��ذي لبس��ه األب أو أعده للبس ،وعليه إذا كان الشرع قد حرم لبس خامت ّما كخامت الذهب ،فدليل احلبوة غير شامل له ،وبالتالي يكون للورثة ،وال يحبى به الولد األكبر. ولكن يرد عليه :أن األب لو عصى ولبس هذا اخلامت ،فإن عنوان اخلامت الذي لبسه األب قد انطبق عليه ،وبالتالي شمله دليل احلبوة.
السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)413 (ّ )1 السيد السيستاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)335 ّ السيد محمد صادق الروحاني -فقه الصادق ،جزء ( )37صفحة (.)122 (ّ )2
رسالـة في أحگام احلبــوة
25
-3ال�سيـــــــف ذك��رت الرواي��ات املعتبرة أن الس��يف م��ن ضمن أجناس احلب��وة التي يخت��ص به��ا الول��د األكبر ،وهذا ال خ�لاف فيه ،وإمنا اخل�لاف في بعض التفاصيل. مسألة:
إذا كان األب مقطوع اليدين ،فهل يكون سيفه من ضمن احلبوة أو ال؟
الس��يدان اخلوئي والسيس��تاني أنه ال يكون من احلبوة ،على اعتبار ذكر ّ أن الس��يف الذي جعله الشرع للولد األكبر ،هو السيف الذي أعده األب للقتال (.)1 فإذا كان األب مقطوع اليدين ال توجد فيه قابلية القتال ،فسيفه ال يكون من احلبوة. نعم لو أعد السيف للقتال وكان سليم اليدين ،ثم صار مقطوع اليدين، فالسيف داخل في احلبوة. أقـول:
الذي يظهر من هذا الكالم ،أنه في مثل زماننا هذا ،الذي ال يعد السيف في��ه آلة ح��رب وقتال ،تكون الس��يوف التي يخلفها اآلب��اء غير داخلة في احلبوة ،بل تقسم على الورثة. السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)413 (ّ )1 السيد السيستاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)335 ّ
رسالـة في أحگام احلبــوة
26
ولكن الش��يخ الوحيد اخلراس��اني يحت��اط وجوب ًا باملصاحل��ة بني الولد األكب��ر وب�ين بقية الورثة عل��ى الس��يف إذا كان األب مقط��وع اليدين(.)1 وهذا أيض ًا رأي السيد محمد الروحاني رحمه الله(.)2
ورمبا يس��تندان ف��ي كالهمها ،على أن الدليل الدال على كون الس��يف من احلبوة مطلق ،وغير مقيد بكون األب قد أعده للحرب. مسألة:
لو كان لإلنس��ان س��يف ثمني جد ًا ألنه مصنوع م��ن الذهب مث ً ال أو فيه شيء من املاس ،فهل يحبى به الولد األكبر؟ في اجلواب عن السؤال نقول:
إذا كان مثل هذا الس��يف ُيقتنى للزينة أو كنوع من ادخار األموال ،فال يكون من احلبوة ،ألنه لم يعد كسالح. وأما إذا كان مع صناعته هذه يعد صاحل ًا للحرب والقتال ،واقتناه األب وأعده كسالح ،ففي هذه احلالة يكون من احلبوة. مسألة:
هل يدخل غمد السيف وقبضته وحمائله ضمن احلبوة أم ال؟
اس��تقرب العلماء دخولها ضمن احلبوة ،عل��ى الرغم من أن الروايات ذكرت الس��يف ولم تذكر الغمد والقبضة واحلمائل ،ولكن هذه األش��ياء تعتبر من التوابع للسيف ،وبالتالي تدخل ضمن احلبوة. ( )1الشيخ الوحيد -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)413 السيد محمد الروحاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )2صفحة (.)395 (ّ )2
رسالـة في أحگام احلبــوة
27
مسألة:
ل��و كان لألب أكثر من س��يف واح��د ،فهل يحبى الولد األكبر بس��يف واحد فقط أم يحبى بها كلها؟
وفي اجلواب نقول نفس الكالم الذي قلناه في تعدد اخلامت ،فمن جهة نقتص��ر فيما خالف األص��ل على القدر املتيقن فنعطي الولد األكبر س��يف ًا واحد ًا ال أكثر. وم��ن جه��ة أخرى فإن كلمة (الس��يف) الواردة ف��ي الرواية تقتضي أن يحبى الولد األكبر بالسيف وإن تعدد فيأخذها كلها. ويأت��ي هن��ا كالم الش��هيد الثاني ،حيث ذكر أن كل م��ا ورد في الرواية بلف��ظ املفرد ف�لا يحبى الول��د األكبر إال بواح��د فقط ،والس��يف ورد في الروايات بلفظ املفرد(.)1 وهن��ا أيض�� ًا يأتي التس��اؤل فيما لو قلن��ا بأنه ُيحبى بس��يف واحد ،فهل يعطى سيف ًا معين ًا أم يكون له االختيار؟ اختار الشهيد الثاني رحمه الله أنه يعطى السيف الذي ينسب إلى األب أكثر من السيوف األخرى(.)2
ولو كانت كلها تنسب إليه مبستوى واحد ،فإ ّما أن نقول بأن للمحبو أن يختار واحد ًا حسب ما يشاء ،أو نقول بالقرعة ألنها لكل أمر مشكل.
( )1الشهيد الثاني -الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ،كتاب اإلرث. ( )2الشهيد الثاني -الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ،كتاب اإلرث.
رسالـة في أحگام احلبــوة
28
تتمــــة: هل يدخل غير السيف من أنواع السالح مثل اخلنجر والبندقية واملسدس في احلبوة أو ال؟ إذا التزمن��ا بظاهر لفظ الس��يف ،فاملف��روض أن ال نتعدى عنه إلى غيره من أنواع السالح. إ ّ ال أن املتأمل في الروايات قد يطمئن بأن مقصود الشرع هو أن يخص الول��د األكب��ر بس�لاح األب ،خصوص�� ًا م��ع مالحظ��ة الروايت�ين الرابعة والسادس��ة حي��ث ذكر فيهم��ا لفظ الس�لاح ،وإذا كان��ت الرواي��ة الرابعة مرس��لة فإن السادس��ة موثق��ة ،وعلي��ه فالخصوصية للس��يف وإمنا ذكرته الروايات ألنه السالح املتعارف في ذلك الزمان. ولوج��ود هذي��ن االحتمالني ،احتاط جم��ع من الفقه��اء باملصاحلة بني الولد األكبر وبني بقية الورثة على غير السيف من السالح. السيد اخلوئي رحمه الله: قال ّ «األح��وط ف��ي البندقية واخلنجر ونحوهما من آالت الس�لاح التصالح مع سائر الورثة»( .)1انتهى. مسألة: ه��ل يدخ��ل بقية م��ا يحتاجه احملارب ف��ي احلرب مثل الط��اس واملغفر والدرع في احلبوة؟ الظاه��ر أنه��ا ال تدخل في احلبوة ،ألنها ليس��ت بس�لاح ،فنقتصر فيما خالف األصل على القدر املتيقن. السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)413 (ّ )1
رسالـة في أحگام احلبــوة
29
-4امل�صحــف اتف��ق العلم��اء عل��ى أن املصحف م��ن ضمن أجن��اس احلب��وة ،لداللة األخبار على ذلك.
ونقصد باملصحف القرآن الكرمي ،فال تشمل هذه الكلمة سائر الكتب الدينية. وقد وقع اخلالف بني الفقهاء في بعض التفاصيل.
مسألة:
لو كان األب أعمى فهل يكون مصحفه ضمن احلبوة؟
السيدان اخلوئي والسيستاني عدم كون املصحف في هذه الصورة اختار ّ من احلبوة ،وأضافا بأنه لو لم يكن أعمى وأعده للقراءة ،ثم عمي قبل أن يقرأ فيه ،فإنه يكون من احلبوة(.)1
والظاهر أن نظرهما إلى أن ظاهر الدليل هو أن املصحف الذي قرأ فيه األب أو أعده للقراءة وإن لم يقرأ فيه هو الذي يكون حبوة ،أما املصحف الذي ال يكون معدّ ًا للقراءة فيه فال تشمله الروايات ،فيبقى مندرج ًا حتت القاعدة األولية من أن األموال توزع بني الورثة حس��ب التقسيم الشرعي وال يختص الولد األكبر بش��يء منها ،ومب��ا أن األعمى ال توجد فيه قابلية للق��راءة في املصحف ،فال ميكن ل��ه أن يعد املصحف للقراءة ،وبالتالي ال يكون مصحفه ضمن احلبوة.
السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)413 (ّ )1 السيد السيستاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)335 ّ
رسالـة في أحگام احلبــوة
30
ولكن الش��يخ الوحيد اخلراس��اني يحت��اط وجوب ًا باملصاحل��ة بني الولد األكب��ر وب�ين بقية الورث��ة على املصحف ف��ي حالة ك��ون األب أعمى(.)1 السيد محمد الروحاني رحمه الله أيض ًا(.)2 وهذا رأي ّ
ولعلهما استش��كال ،بس��بب كون الروايات مطلقة في استحقاق الولد األكبر ملصحف أبيه ،ولم تقيده بصورة كون األب قد أعده للقراءة فيه. السيد محمد سعيد احلكيم ثالثة شروط لكون املصحف من واش��ترط ّ احلب��وة ،وه��ي أن يك��ون األب قد قرأ في��ه وقد أعده للق��راءة ولم يعرض عن��ه ،فلو أع��ده للقراءة ولم يقرأ فيه ،أو قرأ في��ه صدفة ولم يكن قد أعده للق��راءة ،أو أع��ده للقراءة وقرأ فيه ولكنه أعرض عن��ه ،فإنه ال يكون من احلبوة(.)3 مسألة:
هل يدخل بيت املصحف في احلبوة أم ال؟
لو متس��كنا بحاق اللفظ ،فاملفروض القول بعدم دخول بيت املصحف في احلبوة ،ألنه لم يذكر في الروايات. ولك��ن مبا أن��ه يعتبر من تواب��ع املصحف ،اعتبره العلم��اء داخ ً ال ضمن احلبوة.
( )1الشيخ الوحيد -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)413 السيد محمد الروحاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )2صفحة (.)395 (ّ )2 السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)239 (ّ )3
رسالـة في أحگام احلبــوة
31
مسألة:
ل��و تع��دد املصحف فه��ل يحبى الولد األكب��ر بواحد فق��ط أم يحبى بها كلها؟
قد يقال :يحبى بواحد فقط ،ألنه القدر املتيقن ،فال نتعدى فيما خالف األصل على أكثر من القدر املتيقن. وقد اختار الشهيد الثاني ذلك ،باعتبار أن لفظ (املصحف) في روايات احلبوة جاء بلفظ املفرد وليس بلفظ اجلمع.
ثم ذكر أنه لو كان أحد املصاحف ينسب إلى األب أكثر من املصاحف األخرى فهو الذي يكون حبوة ،وإذا تساوت بالنسبة فإ ّما أن نقول بتخيير احملبو باختيار املصحف الذي يريده أو نقول بالقرعة(.)1
وق��د يقال :مع التعدد يحبى الولد األكبر ب��كل املصاحف ،على اعتبار أن هذا ظاهر الروايات .وقد اختار بعض العلماء هذا القول(.)2
الس��يدان اخلوئي والسيس��تاني ولعل��ه ألجل هذين االحتمالني ،ذهب ّ إلى االحتياط الوجوبي باملصاحلة بني الولد األكبر وبني سائر الورثة على املصاحف املتعددة(.)3
( )1الشيهد الثاني -الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ،كتاب اإلرث. السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)239 (ّ )2 السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)412 (ّ )3 السيد السيستاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)333 ّ
رسالـة في أحگام احلبــوة
32
معنى الرحل والراحلة والكتب ما املقصود بالرحل والراحلة والكتب في الروايات وما حدودها؟
م��ا يهون اخلطب ف��ي اإلجابة عن هذا الس��ؤال ،أن األغلبية الس��احقة م��ن الفقه��اء ال يرون هذه األجناس من احلب��وة ،وعلى كل حال ،ال بأس بالبح��ث ع��ن معناه��ا وحدوده��ا ،خصوص�� ًا وأن بع��ض الفقه��اء قالوا: ()1 السيد يستحب للورثة أن يعطوا هذه األجناس للولد األكبر ،بل احتاط ّ وجوبي ًا باملصاحلة بني الولد األكبر وبني س��ائر الورثة السيس��تاني احتياط ًا ّ على الرحل(.)2 -1الكتب
أما الكتب ،فظاهر الرواية شمولها لكل كتاب ،سواء أكان كتاب ًا ديني ًا أم كان كتاب ًا قصصي ًا أم غير ذلك من الكتب. ولكن بعض العلماء فسرها بكتب العلم(.)3
ورمبا يكون الس��بب في هذا التفسير ،أن الش��رع مبا أن الشيء الرئيسي الذي يأتينا منه هو العلم وبيان األحكام الش��رعية ،فتنصرف كلمة الكتب إذا صدرت من الشرع إلى كتب العلم. وفي فرض عد الكتب من احلبوة -وجوب ًا أو اس��تحباب ًا -يأتي الكالم ال��ذي ذكرناه في الثياب ،من أن الكتب التي تكون حبوة هي الكتب التي
السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)237 (ّ )1 السيد السيستاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)335 (ّ )2 السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)237 (ّ )3
رسالـة في أحگام احلبــوة
33
ق��رأ فيه��ا األب أو أعده��ا للق��راءة ،وأما ل��و أعدها للتج��ارة أو إلعطائها لبعض األشخاص فال تكون من احلبوة. -2الراحلة
وأ ّما الراحلة ،فظاهرها كل ما ينتقل عليه اإلنسان من بلد آلخر ،فتشمل -إضافة للدواب -السيارات والطائرات والدراجات النارية وغيرها.
إال أن بع��ض الفقه��اء ذك��ر أنه��ا تخت��ص بالبعي��ر ال��ذي أع��ده األب للسفر(.)1
ولعل الس��ر ف��ي هذا التخصيص ،هو أن الراحل��ة التي كانت في عصر صدور نصوص احلبوة هي البعير املعد للس��فر ،فال نتعدى إلى غيره ،ألن ما خالف األصل ُيقتصر فيه على القدر املتيقن. -3الرحـــل
ُيطل��ق الرح��ل على أكث��ر من معن��ى ،فالبي��ت املتنقل يس��مى بالرحل، واملت��اع الذي يؤخد في الس��فر يطلق عليه الرحل ،والش��يء الذي يوضع على ظهر البعير يس��مى بالرحل ،ورمبا بس��بب هذا االختالف في املعنى، اقتصر بعض العلماء على ما يوضع على ظهر البعير. حيث قال:
«والرحل وهو ما يجعل على ظهر البعير حني الركوب» )2(.انتهى.
السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)237 (ّ )1 السيد محمد سعيد احلكيم -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)237 (ّ )2
رسالـة في أحگام احلبــوة
34
القيمة ال�سوقية لأجنا�س احلبوة أجناس احلبوة التي ذكرناها ،قد تكون لها قيمة سوقية عالية ،وقد تكون قيمتها السوقية متوسطة ،وقد تكون قيمتها السوقية منخفضة. فبع��ض اخل��وامت له ثم��ن مرتفع ج��د ًا كخ��امت املاس ،وبع��ض اخلوامت رخيص الثمن.
وهك��ذا ال��كالم في الثي��اب ،فهناك ثي��اب ثمينة ،وهناك ثياب ليس��ت ثمينة. ونفس الكالم يأتي في السيف واملصحف. وهنا يطرح سؤال وهو:
هل يس��تحق الولد األكب��ر أجناس احلبوة في جمي��ع الفروض حتى لو كان ثمنها باهظ ًا ،أم يستحقها فقط إذا كان ثمنها متوسط ًا أو رخيص ًا؟ في اجلواب عن السؤال نقول:
إط�لاق دليل احلبوة يقتضي اس��تحقاق الولد األكبر له��ذه األعيان في جميع الفروض ،حتى لو كان ثمنها مرتفع ًا جد ًا.
إن قل��ت :اختص��اص الول��د األكب��ر بأجناس احلب��وة إذا كان��ت باهظة الثمن ،فيه ضرر على بقية الورثة. قلت :ال ضرر في ذلك على بقية الورثة ،فإن كل شخص يأخذ نصيبه وفق ما حدده الشرع ،فأين الضرر في ذلك.
رسالـة في أحگام احلبــوة
35
إن قل��ت :دليل احلب��وة منصرف عن فرض كون ه��ذه األجناس باهظة الثمن. قلت :دليل احلبوة مطلق ،واالنصراف عهدته على مدعيه.
وعلي��ه فالول��د األكب��ر يس��تحق أجن��اس احلب��وة ،مهم��ا كان��ت قيمتها السوقية ،وال يحق ألحد من الورثة أن يعترض. تتمـــة:
بعد ذكرنا ألجناس احلبوة التي نصت عليها الروايات ،يتضح أن غيرها من األجناس توزع على الورثة وفق التقسيم الشرعي احملدد ،وال يختص الولد األكبر بشيء منها. فس��اعة األب اليدوي��ة ونظارت��ه وعط��ره وقلم��ه وأي ش��يء آخ��ر من مختصات��ه ،ال يأخذها الولد األكبر ،بل تقس��م عل��ى الورثة وفق ما حدده الشرع.
رسالـة في أحگام احلبــوة
36
اخت�صا�ص احلبوة بالولد الأكرب عند وفــــاة الأب تخت��ص احلب��وة بالولد األكبر حني وف��اة األب ،وهذا ال��كالم يحتوي على عدة أمور: -1لو كان للميت بنات ولم يكن له ولد ذكر ،فال حبوة ألحد.
-2ل��و كان للمي��ت ولد ذكر واح��د كانت له احلبوة ،م��ع أنه ال يطلق علي��ه لفظ األكبر ألنه ال يوج��د أصغر منه ،وذلك ألن املقصود في الرواي��ات واض��ح ،وهو أن الول��د الذكر لو تع��دد فاحلبوة لألكبر، وإن احتد فاحلبوة لهذا الواحد. -3لو كان للميت بنت كبيرة وولد أصغر منها فإن احلبوة تكون للولد، وال يضر وجود بنت أكبر منه. -4ل��و كان للميت عدة أوالد ،وم��ات الولد األكبر في حياة أبيه ،فإن احلب��وة بع��د وفاة األب تك��ون ألكبر األحياء ،وال يض��ر كونه ليس بأكبر قبل موت أخيه ،فإن املهم أنه األكبر حني وفاة األب ،والرواية الثالثة صريحة بهذا املعنى.
رسالـة في أحگام احلبــوة
37
الأكرب هو الأ�سبق والدة ال علوقاً مسألة:
ل��و كان ل�لأب زوجتان فحمل��ت إحداهما ثم حمل��ت األخرى ولكن أو ًال ،فأي الولدي��ن يعتبر املتأخ��رة ف��ي احلمل ول��دت قبل الت��ي حمل��ت ّ األكبر؟ م��ن الواضح جد ًا أن األكبر املقص��ود بدليل احلبوة هو الذي ُولد أو ً ال، ال الذي انعقدت نطفته أو ً ال ،وهذا أمر بديهي يفهمه كل أحد. وك��ذا ال��كالم لو حمل��ت امل��رأة بتوأمني ،ف��إن األس��بق والد ًة واألول خروج ًا هو األكبر. إشكـــال ودفــــع:
وردت رواية في الكافي هذا نصها:
« محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن علي بن أحمد بن أش��يم ،ع��ن بعض أصحابه قال :أصاب رجل غالم�ين في بطن ،فهنأه أب��و عبدالل��ه \ ثم ق��ال :أيهما األكبر؟ فق��ال :الذي خ��رج أو ًال ،فقال أبوعبدالل��ه \ :ال��ذي خرج آخر ًا هو أكبر ،أما تعل��م أنها حملت بذاك أو ًال ،وإن هذا دخل على ذاك فلم ميكنه أن يخرج حتى خرج هذا ،فالذي يخرج آخر ًا هو أكبرهما »(.)1 ( )1الكافي ،اجلزء ( )6صفحة ( )56باب 38حديث .8
رسالـة في أحگام احلبــوة
فهذه الرواية تدل على أن املتأخر خروج ًا من التوأمني هو األكبر.
38
إال أن هذه الرواية ال ُيؤخذ بها ،لضعف س��ندها ألنها مرس��لة ،إضافة إلى جهالة املرسل وهو علي بن أحمد بن أشيم.
رسالـة في أحگام احلبــوة
39
تعــدد الولد الأكـــرب مسألة:
لو تعدد الولد األكبر بأن تساوا ذكران بالسن بأن ُولــدا في حلظة واحدة فلمن تكون احلبوة؟ االحتماالت ثالثة في جواب هذا السؤال:
-1سقوط احلبوة في الفرض ،لعدم شمول الروايات له. -2اللجوء للقرعة ،ألنها لكل أمر مشكل.
-3تقسيم احلبوة بينهما.
قد يس��تدل لألول :بأن ظاهر الدليل أنه يتحدث عن صورة وجود ولد واحد هو أكبر من غيره ،وغير ناظر إلى صورة التعدد التي ينـدر حصولها جدّ ًا. السيد تقي القمي في مباني منهاج الصاحلني هذا القول(.)1 واستقرب ّ
ويرد عليه :أن دليل احلبوة مطلق فيشمل هذه الصورة.
وق��د يس��تدل للثاني :بأن األمر مش��كل وغير واض��ح ،والقرعة جعلها الشرع لكل أمر مشكل.
وي��رد علي��ه :بأننا ال نش��ك في من هو األكبر حتى نلج��أ للقرعة ونحل به��ا املش��كلة ،بل األم��ر واضح عندنا وه��و أن هذين الذكرين متس��اويان السيد تقي القمي -مباني منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )10صفحة (.)832 (ّ )1
رسالـة في أحگام احلبــوة
40
ف��ي العمر وهم��ا أكبر من غيرهما ،وإمنا نش��ك في حكم الش��رع في هذه الصورة ،وهذا ليس مورد القرعة.
وق��د يس��تدل الثالث :بأن هذي��ن الولدين ميث�لان عنوان أكب��ر األوالد بالنسبة ألبيهما ،بحيث لو ُسئل األب من هو أكبر أوالدك ألجاب :هاذان أكبر أوالدي ،فتكون احلبوة لهما يتقاسمانها بالسوية ،ألن تقدمي أحدهما على اآلخر ترجيح بال مرجح. وهذا االحتمال الثالث هو اختيار األغلبية الساحقة من الفقهاء.
رسالـة في أحگام احلبــوة
41
عدم ارتباط احلبوة بق�ضاء �صالة الأب ال ارتباط أص ً ال بني مس��ألة احلبوة وهي اختصاص الولد األكبر ببعض ترك��ة أبيه ،وبني مس��ألة وجوب قضاء الولد األكب��ر ما فات أباه من صالة وصيام.
فل��و ُوج��دت أعيان احلبوة ول��م يكن على األب قضاء ،اس��تحق الولد األكبر احلبوة. ول��و لم يخلف األب أعيان احلبوة وكان عليه قضاء ،وجب على الولد األكبر أن يقضي. ب��ل لو عصى الولد األكب��ر وقرر عدم قضاء ما فات أباه ،فإنه يس��تحق احلبوة أيض ًا. وكل ذلك لعدم ارتباط هذين احلكمني ببعض أص ً ال.
ورمبا يكون س��بب نش��وء التصور عند كثيرين بوجود ارتباط بني هذين احلكمني ،هو أن بعض العلماء بعد ذكرهم ملسألة احلبوة ذكروا مباشرة أن على الولد األكبر أن يقضي ما فات أباه من الصالة ،مما يوهم وجود ترابط بني هذين احلكمني.
ومم��ن ذك��ر املس��ألة به��ذه الطريق��ة احملق��ق احلل��ي ف��ي كتاب��ه ش��رائع اإلسالم(.)1 ( )1احملقق احللي -شرائع اإلسالم ،اجلزء ( )2صفحة (.)277
رسالـة في أحگام احلبــوة
42
حكم احلبوة مع عدم وجود مال غريها مسأله:
هل يش��ترط في اس��تحقاق الولد األكبر للحبوة وجود م��ال آخر خ ّلفه الـميت غير أجناس احلبوة لكي يقسم على الورثة ،أم ال يشترط ذلك؟ اختل��ف الفقهاء ف��ي هذه الـمس��ألة ،فمنهم من ي��رى اختصاص الولد األكب��ر باحلب��وة حتى لو لم يخلف األب ما ً ال غي��ر أجناس احلبوة ،وذلك إلطالق دليل احلبوة .الشامل لهذه الصورة. ومـمن يرى هذا الرأي السيد تقي القمي (.)1
وم��ن الفقه��اء من يش��ترط وج��ود مال آخر ق��د خلف��ه األب ،وإ ّ ال فال يس��تحق الول��د األكبر أجناس احلبوة ،بل توزع عل��ى الورثة ،وهذا الرأي مشهور في الفقه. ومـم��ن يرى هذا الرأي م��ن فقهائنا املتأخرين الـمي��رزا جواد التبريزي رحمه الله (.)2 ورمبا يستدل أصحاب هذا الرأي بأمور:
األول :إن إعط��اء أجن��اس احلب��وة للول��د األكب��ر في هذا الف��رض فيه إجحاف وإضرار بحق الورثة اآلخرين. الثاني :انصراف دليل احلبوة عن مثل هذا الفرض.
السيد تقي القمي -مباني منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )10صفحة (.)833 (ّ )1 ( )2الشيخ جواد التبريزي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )2صفحة (.)460
رسالـة في أحگام احلبــوة
43
الثال��ث :إن لف��ظ احلبوة ال��ذي معناه اختصاص الول��د األكبر بأجناس معينة ،متضمن لوجود مال آخر غير مختص بالولد األكبر. وهذه األمور كلها قابلة للـمناقشة:
أما األول :فال إجحاف وال إضرار بحق الورثة في ذلك ،ولو كان هناك إجحاف فال مانع من االلتزام به بعد أن دل الدليل عليه.
وأما الثاني :فإن دليل احلبوة مطلق وش��امل لهذا الفرض ،واالنصراف عهدته على مدعيه. وأما الثالث :فإن لفظ احلبوة لم يذكر في الروايات ،وعلى فرض ذكره ٍ شيء آخر ال يختص به. فإن اختصاص شخص بشيء ال يعني وجود وعليه فالذي يتبادر للذهن هو اختصاص الولد األكبر باحلبوة حتى لو لم يخلف األب ما ً ال غير أجناس احلبوة. وقد تأمل السيد اخلوئي رحمه الله في املسألة فقال: «وقيل يشترط أن يخلف الـميت ً ماال غيرها ،وفيه تأمل» (.)1
السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)414 (ّ )1
رسالـة في أحگام احلبــوة
44
البلوغ والعقل والر�شد وارتباطها باحلبوة مسألة:
هل يش��ترط في اس��تحقاق احلبوة أن يك��ون الولد األكب��ر بالغ ًا وعاق ً ال ورشيد ًا عند موت األب أم ال يشترط ذلك؟
إطالق أدلة احلبوة يقتضي أن يستحقها الصبي واملجنون والسفيه ،فإن الصبا واجلنون والس��فه ال تسلب عنه وصف أنه الولد األكبر .ولذا اختار أكثر الفقهاء استحقاقه للحبوة في هذه الفروض. واش��ترط بعض الفقهاء في اس��تحقاق احلبوة أن ال يكون الولد األكبر سفيه ًا أو مجنون ًا.
ورمبا يكون الس��ر في اش��تراطهم ه��ذا ،هو أن احلبوة ن��وع من التكرمي للولد األكبر باعتبار قيامه مقام أبيه بعد موت األب ،وهذا التكرمي يحتاج إلى محل قابل ألن يكرم ،وهو غير متوفر في املجنون والسفيه. ويرد عليه ً أوال :أننا ال نعلم علل األحكام ،ولم تذكر الروايات أن علة
احلبوة هي التكرمي ،وعليه نتمسك باإلطالق ،ونقول بأن احلبوة يستحقها حتى املجنون والسفيه. وثاني ًا :إن املجنون والس��فيه يقبالن التكرمي ،والعرف يش��هد بذلك ،فلو
قال شخص أريد أن أكرم هذا املجنون ،ثم جاء له بثياب ثمينة وألبسها إياه، فإن العرف يرون ذلك الفعل إكرام ًا للمجنون ،وكذلك الكالم في السفيه. وعليه فتكرمي املجنون والسفيه بإعطائهما مختصات األب أمر ممكن.
رسالـة في أحگام احلبــوة
45
ا�ستحقاق الولد الأكرب للحبوة لـو كـان حمـ ًال حيـن مـــوت الأب مسألة: هل يش��ترط في اس��تحقاق احلبوة أن يك��ون الولد األكب��ر مولود ًا حني موت األب ،أم يكفي كونه حم ً ال؟ اخت��ار جم��ع من كبار الفقهاء عدم اش��تراط ذلك ،فيكف��ي كونه حم ً ال حني موت األب في استحقاقه ألجناس احلبوة. والدلي��ل عل��ى ذلك ،هو أن الش��رع جع��ل احلبوة للولد األكب��ر واقع ًا، ال الول��د األكب��ر بقيد كونه مولود ًا حني م��وت األب ،وهذا الـمعنى يظهر م��ن إطالق دليل احلبوة ،واحلمل بعد أن يول��د يتضح أنه هو الولد األكبر الواقعي لألب املتوفى ،وعليه يستحق أجناس احلبوة. هذا إضافة إلى أن احلمل يعزل له نصيبه من اإلرث ،واحلبوة تعتبر من اإلرث ،فكما يعزل للحمل نصيبه من اإلرث ،فكذلك يعزل للولد األكبر إذا كان حم ً ال نصيبه وهو أجناس احلبوة. واخت��ار بعض العلماء لزوم كون الولد األكبر مولود ًا حني موت األب ليستحق احلبوة ،فلو كان حم ً ال حني موت أبيه فال يستحق احلبوة. وقد يستدلون على ذلك :بأن احلبوة في الروايات ُجعلت للولد األكبر، واحلم��ل ال ينطبق عليه هذا الوصف ،فال يقول ش��خص عندي ولد حني ك��ون زوجته حام ً ال ،بل يقول ذلك بعد والدتها ،وعليه فدليل احلبوة غير شامل للحمل ،بل هو مختص بالولد األكبر الـمولود حني موت األب.
رسالـة في أحگام احلبــوة
46
وي��رد عليه��م ً أوال :أن احلم��ل يص��ح إطالق لف��ظ الولد علي��ه ،فيقول اإلنسان عندي ولد في رحم زوجتي ،وهذا شيء عرفي. وثاني�� ًا :لو قلنا بأن احلمل ال يطلق عليه لفظ الولد ،فهذا ال يضر أيض ًا،
ألن��ه بعد الوالدة يصدق عليه لفظ الولد األكبر وبالتالي يس��تحق احلبوة، وق��د بين��ا أن احلب��وة ُجعلت للولد األكب��ر واقع ًا ،وبع��د والدة هذا احلمل اتضح أنه هو الولد األكبر في الواقع. وثالث�� ًا :أن العلم��اء اتفقوا عل��ى أن احلمل يعزل ل��ه نصيبه من اإلرث، واحلبوة من اإلرث ،فكما أن اإلرث يعزل للحمل فكذلك احلبوة.
وفص��ل بع��ض العلم��اء فقال��وا :إذا كان احلمل قد أكمل ف��ي رحم أمه ّ أربعة أشهر فإنه يستحق احلبوة ،وإذا لم يكن قد أكمل أربعة أشهر فإنه ال يستحقها. وقد يستدلون على ذلك :بأن احلبوة جعلت للولد الذكر األكبر ،واجلنني بعد إكماله أربعة أشهر في الرحم يكون بدنه متكام ً ال فيصح إطالق لفظ الولد الذكر األكبر عليه ،أ ّما قبل إكماله ألربعة أش��هر فال يطلق عليه هذا اللفظ ألنه ال يكون متكامل البدن ،فال يستحق احلبوة.
وي��رد على ه��ذا القول :م��ا ورد عل��ى القائلني بعدم اس��تحقاق احلمل للحبوة.
وعلي��ه فال��ذي يظهر من أدل��ة احلبوة أنها تش��مل احلم��ل ،وال تختص بالولد األكبر الـمولود حني موت األب.
رسالـة في أحگام احلبــوة
47
املق�صود بالولد الولد لل�صلب مسألة:
ل��و ل��م يكن للميت ول��د ُصلبي ،فصار إرث��ه للبطن الثان��ي أعني أوالد األوالد ،فهل أكبر واحد من أوالد األوالد له احلبوة أم ال؟
ظاهر الدليل أن الـمقصود بالولد هو الولد الصلبي الـمباشر فال يشمل ولد الولد ،وعليه ال تكون له احلبوة. إن قل��ت :إن ول��د الول��د يعتبر من أوالد اإلنس��ان ،فلـماذا ال يس��تحق احلبوة؟
قلت :وإن كان ولد الولد حقيقة من أوالد اإلنس��ان ،إال أن ظاهر لفظ الولد في الدليل هو الولد للصلب وغير شامل لولد الولد.
رسالـة في أحگام احلبــوة
48
حكم احلبوة على نحو الوجوب ال اال�ستحباب مسألة:
هل استحقاق الولد األكبر للحبوة على نحو الوجوب واللزوم ،بحيث ال مج��ال لبقية الورثة باالعتراض ومنع الول��د األكبر من أخذها ،أم على نحو االس��تحباب ،مبعنى أن الورثة اآلخرين يس��تحب له��م إعطاء احلبوة للولد األكبر ،فلو قرروا أن ال يعطوه جاز لهم ذلك؟ قال األغلبية الس��احقة من العلماء بأن اس��تحقاق الولد األكبر للحبوة عل��ى نح��و الوج��وب والل��زوم ،ويظه��ر ذلك م��ن (ال�لام) ال��واردة في الرواي��ات ،كقول��ه \ « فلألكبر من ولده س��يفه ...إلخ» ،وكقوله \ «فإن البنه الس��يف ...إلخ» فإن (الالم) تستعمل في اللزوم كما جاء ذلك ()1 ف��ي آي��ات اإلرث ،كقوله تعال��ى {ﮭﮮﮯﮰﮱ} وقوله عز وجل {ﭡﭢﭣ ﭤﭥ}(.)2 وفي أبواب أخرى من الفقه مثل باب ُ اجلعالة والوصية ،متى ما جاءت (الالم) فإنها تدل على اللزوم.
وق��ال قل��ة من العلم��اء بأن اس��تحقاق احلب��وة ليس على وج��ه اللزوم والوجوب ،بل هو على وجه االستحباب. ( )1سورة النساء ،آية.)11( : ( )2سورة النساء ،آية.)12( :
رسالـة في أحگام احلبــوة
49
ورمبا يستدلون على قولهم بأمرين:
األول:بأن القرآن الكرمي ذكر أن اإلرث يقسم بني الورثة بتقسيم معني ول��م يذك��ر احلبوة ،والروايات الش��ريفة ذك��رت أن الولد األكبر يس��تحق احلب��وة ،فوجه اجلمع ب�ين هذين الدليلني هو القول باس��تحباب أن يعطي الورثة أجناس احلبوة للولد األكبر. الثاني :بأن احلبوة ثبتت بأخبار اآلحاد ،وتقسيم التركة على الورثة ثبت بن��ص الق��رآن الكرمي ،وأخبار اآلحاد ال تصل��ح لتخصيص ما ثبت بنص القرآن الكرمي. وكال األمرين مردود عليه:
أم��ا األول :فبأن دليل احلبوة خاص ،وهو ظاهر في الوجوب واللزوم، ودليل تقس��يم التركة ب�ين الورثة عام ،فال تنافي ب�ين الدليلني أص ً ال حتى نلجأ للقول باالستحباب ،بل روايات احلبوة تخصص اآليات الكرميات، ألن اخلاص يتقدم على العام. وأما الثاني :فقد حقق في األصول أن أخبار اآلحاد إذا كانت صحيحة السند ،فإنها تخصص آيات القرآن الكرمي. وعليه فثبوت احلبوة للولد األكبر على نحو الوجوب واللزوم.
رسالـة في أحگام احلبــوة
50
احلبوة جمانيــــــة مسألة:
ه��ل احلب��وة مجانية مبعن��ى أن الولد األكبر يأخذها من غي��ر دفع قيمتها ويتشارك مع بقية الورثة في باقي اإلرث ،أم غير مجانية مبعنى أنه يستحقها ولكن عليه أن يدفع قيمتها لباقي الورثة أو يأخذها ويخصم عليه بـمقدار قيمتها من باقي اإلرث؟ أغل��ب العلماء ي��رون احلبوة عل��ى نح��و الـمجانية ،وأن الول��د األكبر يأخذها ويتش��ارك مع بقية الورثة ف��ي باقي اإلرث ،من غير أن ينقص من نصيبه شيء. والس��بب في ذلك هو أن أدلة احلبوة ظاهرة باملجانية ،فإنها على نس��ق أدل��ة اإلرث ،وم��ن الواض��ح والـمتف��ق علي��ه أن الورثة عندم��ا يأخذون نصيبهم من اإلرث ،يأخذونه مجان ًا وال يدفعون في مقابله شيئ ًا ،فكذلك األمر في احلبوة.
إن قلت :النصوص دلت على اختصاص الولد األكبر باحلبوة ،ولكنها ل��م تذكر أن هذا االختصاص مجاني أم بـمقاب��ل ،فجمع ًا بني ما ّ دل على تقس��يم التركة بني الورثة وبني دليل احلبوة ،نقول باستحقاق الولد األكبر للحبوة ولكن مبقابل وليس مجان ًا.
قلت :إن احلكم باختصاص شخص بشيء مع عدم ذكر العوض ظاهر ف��ي الـمجانية ،فلو أعطى ش��خص لش��خص ش��يئ ًا وقال له :هذا الش��يء
رسالـة في أحگام احلبــوة
51
ل��ك وأن��ت مختص به ،ول��م يذكر الع��وض ،يفهم العرف أن��ه على نحو
الـمجانية.
وم��ن الواض��ح أن دلي��ل احلب��وة أخص م��ن أدلة تقس��يم الترك��ة على
الورثة.
ف�لا تناف��ي ب�ين الدليلني حت��ى نلج��أ للقول بحم��ل دليل احلب��وة على
االس��تحقاق مع دفع املقابل ،بل دليل احلبوة خاص وأدلة تقس��يم اإلرث عامة ،وقد حقق في األصول تقدم اخلاص على العام. وعليه فاستحقاق الولد األكبر للحبوة مجاني.
رسالـة في أحگام احلبــوة
52
النزاع يح�سمه احلاكم ال�شرعي مسألة:
لو تنازع الولد األكبر مع بقية الورثة حول احلبوة ،فما هو احلل؟
في اجلواب نقول :النزاع يتصور على نوعني: ال ،فمث� ً فت��ارة :يكون أحد الطرف�ين مح ّق ًا واآلخر مبط ً لا لو أراد الولد
األكبر أن يأخذ س��اعة أبيه أو نظارته على أس��اس أنها من احلبوة ،ورفض الورث��ة اآلخ��رون ذل��ك فحصل الن��زاع ،فهنا احل��ق مع بقي��ة الورثة ،ألن العلماء اتفقوا على أن الس��اعة والنظارة ليستا من أجناس احلبوة ،وأحيان ًا يك��ون احلق مع الول��د األكبر ،كما لو أراد أن يأخذ ثي��اب أبيه الثابت أنها من احلبوة ،ورفض بقية الورثة ذلك ،فحصل النزاع. ففي مثل هكذا وضع ،يضع احلاكم الش��رعي حدّ ًا لغير صاحب احلق، ومينعه من التعدي على صاحب احلق.
وت��ارة أخرى :يكون كال الطرفني مح ّق ًا ،وإمن��ا حصل اخلالف والنزاع بس��بب اختالفهم في التقليد ،فالولد األكبر يقل��د مرجع ًا يرى كل خوامت األب تكون حبوة ،وبقية الورثة يقلدون مرجع ًا يرى أن خامت ًا واحد ًا فقط يكون حبوة وبقية اخلوامت تقسم بني الورثة ،فحصل النزاع بينهم لذلك.
فف��ي هذا الفرض ،يكون احلل باتفاق اجلميع على التحاكم عند حاكم ش��رعي جامع للش��رائط ،فيعرضون عليه مش��كلتهم ،وهو الذي يحس��م النزاع بينهم.
رسالـة في أحگام احلبــوة
53
احلبوة وقاعدة الإلزام مسألة:
ذكرنا أن مسألة احلبوة من مختصات اإلمامية ،وال يقول بها الـمخالفون، فلو فرضنا أن شخص ًا إمامي ًا توفي ،وكان أكبر أوالده مخالف ًا وباقي األوالد إماميني ،فهل يستحق الولد األكبر الـمخالف احلبوة أم ال؟
ف��ي اجل��واب عن هذا الس��ؤال نق��ول :إن إط�لاق أدلة احلب��وة يقتضي الشمول لهذه الصورة أيض ًا ،فيستحق الولد األكبر الـمخالف احلبوة. إ ّ ال أن عندنا قاعدة اس��مها قاعدة اإلل��زام ،قد وردت عن أئمتنا عليهم
السالم وهي «ألزموهم مبا ألزموا به أنفسهم» وهذه القاعدة تتيح لإلمامي
أن ُيل��زم الـمخالف مبا يلتزم ب��ه الـمخالف في دينه ومذهبه ،وإن كان هذا احلكم غير نافذ في مذهب اإلمامية. ولتوضيح الـمسألة نذكر مثالني:
الـمث��ال األول :ل��و ط ّلق الـمخال��ف زوجته الـمخالفة من دون ش��هود
يس��معون صيغ��ة الط�لاق ،فإن ه��ذا الط�لاق صحي��ح عن��د الـمخالفني وباطل عند اإلمامية ،الشتراطهم سماع شاهدين عادلني لصيغة الطالق، وعليه فلو أن ش��خص ًا إمامي�� ًا أراد أن يتزوج هذه املرأة التي طلقها زوجها
الـمخالف بدون شهود ،فالـمفروض عدم جواز ذلك له ،ألن مذهبه يرى ه��ذا الطالق باط ً ال ،وبالتالي هذه املرأة ال زالت زوجة لذلك الـمخالف،
رسالـة في أحگام احلبــوة
54
ولك��ن مع وجود قاع��دة اإللزام الواردة عن أئمتنا عليهم الس�لام ،يجوز لإلمامي الزواج بهذه املرأة ،إلزام ًا للـمخالف مبا يراه في مذهبه. الـمث��ال الثاني :لو مات ش��خص مخالف وخ ّلف بنت�� ًا واحدة مخالفة، وكان للمي��ت أخ إمامي ،فالـمفروض أن هذا األخ اإلمامي ال يحق له أن يأخذ ش��يئ ًا من تركة أخيه الـميت ،ألن الـمذهب اإلمامي يرى أن اإلرث ف��ي هذه الص��ورة بأجمعه من نصيب البنت ،ولك��ن الـمخالفني يرون أن نص��ف التركة للبنت والنصف اآلخر لألخ ،وه��ذا ما ُيع ِّبر عنه في كتاب اإلرث بالتعصيب.
ومب��ا أنهم يقول��ون ذلك ،يجوز لألخ اإلمامي بقاع��دة اإللزام أن يأخذ نصف تركة أخيه الـميت.
وبع��د كل هذا نق��ول :مبا أن الـمخالفني ال يقول��ون باحلبوة ،فإنه يجوز لبقية ورثة الـميت أن يتقاسموا التركة وفق التقسيم الشرعي ،مبا في ذلك أجن��اس احلبوة ،إذا كان الولد األكبر مخالف ًا ،وذلك بإلزامه مبا يعتقده في مذهبه من عدم استحقاقه للحبوة. تنبيـــــــه:
قاع��دة اإللزام ثابت��ة عند األغلبية الس��احقة من علمائنا ،إ ّ ال أن الس��يد السيستاني لم تثبت عنده هذه القاعدة ،ومع ذلك يرتب السيد السيستاني نفس اآلثار الـمترتبة عل��ى قاعدة اإللزام ،وذلك بإجراء قاعدتني أخريني ثابتت�ين عنده ،إحداهم��ا قاعدة الـمقاصة النوعية وه��ي «خذوا منهم كما يأخ��ذون منك��م» واألخرى قاعدة اإلقرار وهي «إق��رار غير اإلمامي على مذهبه ومعاملته مبوجب أحكامه».
رسالـة في أحگام احلبــوة
55
وإليك نص عبارته بعد أن ذكر أن هناك مسائل تختلف فيها آراء علماء اإلمامية عن آراء الـمخالفني قال: «وقد تعارف لدى فقهائنا الـمتأخرين تخريج هذه الـمسائل على قاعدة اإللزام ،أي إلزام غير اإلمامي بأحكام نحلته.
ولك��ن حي��ث إن ه��ذه القاع��دة لم تثب��ت عندن��ا بطريق معتب��ر ،فال بد م��ن تطبيق تلك الـمس��ائل على القواع��د البديلة لقاعدة اإلل��زام ،كقاعدة الـمقاصة النوعية (خذوا منهم كما يأخذون منكم في سننهم وقضاياهم) وقاع��دة اإلق��رار (أي إقرار غي��ر اإلمامي عل��ى مذهب��ه ومعاملته مبوجب أحكامه)( .)1انتهى.
وعليه ففي مثال الطالق الذي ذكرناه ،يجيز السيد السيستاني لإلمامي ال��زواج بالـمرأة بنا ًء عل��ى قاعدة اإلقرار ،وفي مثال التعصيب يجيز لألخ اإلمامي أخذ نصف التركة بنا ًء على قاعدة الـمقاصة النوعية. وفي مس��ألة احلبوة ،يجيز لباقي الورثة غير الولد األكبر تقاسم أجناس احلبوة بنا ًء على قاعدة املقاصة النوعية.
وإليك عبارته في فصل احلبوة من كتاب اإلرث: «ال يش��ترط في احملبو كونه عاق ً ال رش��يد ًا ،كما ال يش��ترط فيه أن يكون إمامي ًا يعتقد ثبوت احلبوة للولد األكبر ،نعم إذا كان مخالف ًا ال يرى ثبوتها وكان مذهبه هو القانون النافذ على اجلميع بحيث مينع اإلمامي منها أيض ًا
أمكن إلزامه بعدم ثبوت احلبوة له»( .)2انتهى.
السيد السيستاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )1صفحة (.)455 (ّ )1 السيد السيستاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)337 (ّ )2
رسالـة في أحگام احلبــوة
56
فرع:
ل��و كان الول��د األكبركاف��ر ًا ،فم��ن الـمؤكد أن��ه ال يختص بحب��وة أبيه الـمؤم��ن ،وذل��ك ألن الـمتف��ق علي��ه بني العلم��اء أن الكاف��ر ال يرث من الـمسلم ال احلبوة وال غير احلبوة من الـمال. وقد استند العلماء في هذا احلكم ،على عدة روايات.
منها :ما رواه الشيخ الكليني في الكافي:
«عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن جميل وهشام، ع��ن أبي عبدالله \ أنه قال :فيم��ا روى الناس عن النبي ڤ أنه قال :ال يتوارث أهل ملتني ،فقال :نرثهم وال يرثونا ،ألن اإلسالم لم يزده في حقه إ ّال شدّ ة»(.)1 ومنها :ما رواه الشيخ الكليني في الكافي أيض ًا: «ع��ن عل��ي ب��ن إبراهيم ،ع��ن أبيه ،عن اب��ن أبي جنران ،ع��ن عاصم بن حمي��د ،عن محمد بن قيس قال :س��معت أبا جعف��ر \ يقول :ال يرث اليهودي وال النصراني املسلم ،ويرث املسلم اليهودي والنصراني»(.)2
وهاتان الروايتان حس��نتان من حيث الس��ند .ونقصد باحلسنة ،الرواية الت��ي جميع من في سلس��لة س��ندها إمامي��ون ثقات ،ولك��ن فيهم من لم يوصف بالعدالة. وتعتبر الرواية احلسنة حج ًة في مقام االستدالل. ( )1الكافي ،اجلزء ( )7صفحة ( )152باب 78حديث .1 ( )2الكافي ،اجلزء ( )7صفحة ( )152باب 78حديث .2
رسالـة في أحگام احلبــوة
57
الديْن الـم�ستغرق واحلبوة لو ترك الـميت ما ً ال بـمقدار مائة دينار مث ً ال وترك أجناس احلبوة وكانت تس��اوي عش��رين دينار ًا مث ً ال فمجموع تركة امليت مائة وعش��رون دينار ًا، وكان على الـميت دين بهذا الـمقدار أو أكثر ،فإن احلكم الشرعي في هذه الص��ورة هو تقدمي أداء الدي��ن ،فال يحصل الورثة على ش��يء من الـمال وال يأخ��ذ الولد األكبر أجناس احلبوة ،والظاهر أن هذا احلكم متفق عليه بني العلماء. والس��بب في ذلك ه��و أن الدين مقدم عل��ى اإلرث ،واحلبوة تعتبر من اإلرث ،فالدين مقدم عليها. قال تعالى بعد ذكر تقسيم اإلرث:
{ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ }
()1
{ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭ}
()2
{ﮁﮂﮃﮄﮅ ﮆ ﮇ}
()3
{ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭭ}
()4
مسألة:
لو كان الدين مستغرق ًا للتركة ،فهل يحق للولد األكبر أن يأخذ أجناس احلبوة مع دفع قيمتها للديان أم ال ؟ ( )1سورة النساء ،اآلية.)11( : ( )2و ( )3و ( )4سورة النساء ،اآلية (.)12
رسالـة في أحگام احلبــوة
58
اخت��ار جمع من الفقهاء بأن ذلك جائ��ز له ،فإن له حق افتكاك أجناس احلبوة بدفع قيمتها للديان. السيدان اخلوئي والسيستاني(.)1 ومـمن قال بذلك ّ
ورمبا يكون س��بب الق��ول بذلك ،هو أن اجلمع ب�ين أدلة صرف التركة بالدين وبني أدلة احلبوة يقتضي ذلك. فإن عدم القول باستحقاق الولد األكبر للحبوة مجان ًا في صورة وجود دي��ن مس��تغرق للتركة ،ال مينع م��ن القول بأن للولد األكب��ر احلق بافتكاك هذه األجناس مع دفع قيمتها للديان.
السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)412 (ّ )1 السيد السيستاني -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)336 ّ
رسالـة في أحگام احلبــوة
59
نفوذ الو�صية ب�أجنا�س احلبوة مسألة:
لو أوص��ى األب بإعطاء أجن��اس احلبوة لبعض األش��خاص فهل تنفذ وصيته وتعطى هذه األجناس لـمن أوصى لهم األب أم ال تنفذ؟ الظاه��ر أن الوصي��ة نافذة ،وبالتالي تعطى األجن��اس لـمن أوصى لهم الـميت ،وال ُتعطى للولد األكبر.
والس��بب في ذلك ه��و أن الوصي��ة مقدمة على اإلرث كم��ا ذكر ذلك القرآن الكرمي. قال تعالى { :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ}(.)1
وإط�لاق أدلة الوصية يقتضي جواز اإليص��اء بكل عني من األعيان مبا ف��ي ذل��ك أجناس احلبوة ،بش��رط أن ال تك��ون الوصية بأكثر م��ن ثلث ما ميتلك اإلنسان. فقد روى الشيخ الطوسي في التهديب:
«عن احلس��ن بن محمد بن س��ماعة ،عن ابن أبي عمير ،عن مرازم ،عن عمار الس��اباطي ،عن أبي عبد الل��ه \ قال :الـميت أحق مباله ما دام فيه الروح يبني به ،فإن قال :بعدي ،فليس له إال الثلث»(.)2 ( )1سورة النساء ،اآلية.)11( : ( )2التهذيب ،اجلزء ( )9صفحة ( )163حديث (.)756
رسالـة في أحگام احلبــوة
60
وعلي��ه تكون الوصي��ة باحلبوة نافذة ما دامت ل��م تتجاوز ثلث ما ميلك األب.
ف��إن جتاوزت احلب��وة ثلث الـم��ال الذي خلف��ه األب ،نف��ذت الوصية مبق��دار الثل��ث ،وما جتاوز الثلث ال يعطى لـم��ن أوصي له به ،إال إذا أجاز الولد األكبر.
رسالـة في أحگام احلبــوة
61
الدين غري امل�ستغرق واحلبوة مسألة:
ل��و كان األب مديون�� ًا ،ولم يكن الدين مس��تغرق ًا للترك��ة ،وأمكن أداء الدي��ن ودفع احلبوة للولد األكبر ،فهل نؤدي الدين من غير أجناس احلبوة لكي نعطي أجناس احلبوة كاملة للولد األكبر أم نؤدي الدين من مجموع التركة مبا فيها أجناس احلبوة فنعطي للولد األكبر بعض أجناس احلبوة ال كلها؟ وقبل اجلواب عن هذا الس��ؤال أذكر لكم ثالثة أمثلة من أجل توضيح املسألة. املثـــال األول
لو خلف األب ( )100دينار )80( ،منها نقد و( )20منها قيمة أجناس احلب��وة ،وكان مديون ًا بـ( )50دينار ًا يعن��ي نصف التركة ،فهناك تصورات ثالثة لتسديد الدين. التص��ور األول :أن ندفع للديان احلبوة التي قيمتها ( )20دينار ًا إضافة إلى دفع ( )30دينار ًا من الـ ( )80النقد ،فيبقى عندنا ( )50دينار ًا تقس��م
بني الورثة ،وال يحصل الولد األكبر على شيء من أجناس احلبوة. التص��ور الثاني :أن ندفع للديان ( )50دينار ًا من الـ ( )80النقد ،فيبقى عندنا ( )30دينار ًا إضافة إلى أجناس احلبوة ،فنعطي أجناس احلبوة كاملة للولد األكبر ،ونقسم الـ ( )30دينار ًا بني الورثة.
رسالـة في أحگام احلبــوة
62
التصور الثالث :أن ندفع للديان نصف احلبوة يعني ما قيمته ( )10دنانير منه��ا وندفع نصف الـ ( )80النقد يعني ( )40دين��ار ًا ،فيبقى عندنا ()40 دينار ًا تقسم بني الورثة ،ونصف احلبوة املتبقي نعطيه للولد األكبر. املثــال الثاني
ل��و خلف األب ( )1000دينار )900( ،منها نقد ،و( )100منها قيمة أجن��اس احلب��وة ،وكان مديون ًا ب��ـ ( )250دينار ًا يعني رب��ع التركة ،فهناك تصورات ثالثة لتسديد الدين.
التص��ور األول :أن ندف��ع للدي��ان احلب��وة الت��ي قيمته��ا ( )100دين��ار إضاف��ة إلى دفع ( )150دينار ًا من ال��ـ ( )900النقد ،فيبقى عندنا ()750 دينار ًا تقس��م بني الورثة ،وال يحصل الولد األكبر على ش��يء من أجناس احلبوة. التص��ور الثان��ي :أن ندفع للدي��ان ( )250دينار ًا من ال��ـ ( )900النقد، فيبق��ى عندن��ا ( )650دينار ًا إضافة إل��ى أجناس احلب��وة ،فنعطي أجناس احلبوة كامل ًة للولد األكبر ،ونقسم الـ ( )650دينار ًا بني الورثة. التص��ور الثالث :أن ندفع للديان ربع احلبوة يعني ما قيمته ( )25دينار ًا منها وندفع ربع الـ ( )900النقد يعني ( )225دينار ًا ،فيبقى عندنا ()675 دينار ًا تقسم بني الورثة ،وثالثة أرباع احلبوة املتبقي نعطيه للولد األكبر. املثال الثالث
ل��و خل��ف األب ( )3000دينار )2850( ،دينار ًا منه��ا نقد ،و()150
رسالـة في أحگام احلبــوة
63
دينار ًا منها قيمة أجناس احلبوة ،وكان مديون ًا بـ ( )1000دينار يعني ثلث التركة ،فهناك تصورات ثالثة لتسديد الدين. التصور األول :أن ندفع للديان احلبوة التي قيمتها ( )150دينار ًا إضافة إل��ى دف��ع ( )850دين��ار ًا من ال��ـ ( )2850النقد ،فيبق��ى عندنا ()2000 دينار تقس��م بني الورثة ،وال يحصل الولد األكبر على ش��يء من أجناس احلبوة.
التص��ور الثاني :أن ندفع للديان ( )1000دينار من الـ ( )2850النقد، فيبق��ى عندنا ( )1850دين��ار إضافة إلى أجناس احلب��وة ،فنعطي أجناس احلبوة كاملة للولد األكبر ،ونقسم الـ ( )1850دينار ًا بني الورثة. التصور الثالث :أن ندفع للديان ثلث احلبوة يعني ما قيمته ( )50دينار ًا منها وندفع ثلث الـ ( )2850يعني ( )950دينار ًا ،فيبقى عندنا ()1900 دينار تقسم بني الورثة ،وثلثا احلبوة املتبقي نعطيه للولد األكبر.
وقد تعمدت اإلتيان بثالثة أمثلة مختلفة في األرقام والنسب من أجل التنويع وتنمية الذهن. وعلى هذه األمثلة الثالثة قس ما سواها من األمثلة.
وبعد توضيح املسألة نتس��اءل ،أي تصور من التصورات الثالثة منضيه في سداد الدين والتوريث؟
ق��د يق��ال :إن التصور الثاني هو األقوى -وهو تس��ديد الدين من غير أجن��اس احلب��وة -باعتب��ار أنن��ا جنمع بني س��داد الدين وبني إعط��اء الولد األكبر احلبوة كاملة.
رسالـة في أحگام احلبــوة
64
ولك��ن ي��رد عليه :أنن��ا فرضنا احلبوة إرث�� ًا ،واإلرث متأخ��ر عن الدين، وتس��ديد الدي��ن م��ن غير أجن��اس احلبوة ترجي��ح بال مرج��ح ،ألن الدين متعلق بالتركة الشاملة ألجناس احلبوة وغيرها.
وكما يرد إش��كال الترجيح بال مرجح على التصور الثاني ،كذلك يرد عل��ى التص��ور األول -وهو تس��ديد الدين ب��كل احلبوة ثم إكمال��ه بالنقد املوج��ود -فإن تس��ديد الدين بدف��ع كل أجناس احلب��وة وإكماله من النقد ترجيح ب�لا مرجح ،ألن الدين متعلق بالتركة التي تش��مل أجناس احلبوة وغيرها.
وعليه فبعد استبعاد هذين االحتمالني ،ال يبقى لنا إال القول والتمسك بالتص��ور الثالث ،وه��و أن الد ْين يؤدى من مجموع التركة بالنس��بة ،فإذا كان الدين ُي َشكل نصف التركة أخذنا نصف أجناس احلبوة ونصف باقي الترك��ة لنؤدي به الدين (الحظ املثال األول) وإذا كان الدين ُي َش��كل ربع التركة أخذنا ربع أجناس احلبوة وربع باقي التركة لنؤدي به الدين (الحظ املثال الثاني) وإذا كان الدين ُي َشكل ثلث التركة أخذنا ثلث أجناس احلبوة وثلث باقي التركة لنؤدي به الدين (الحظ املثال الثالث) وهكذا. ويح��ق للولد األكبر افتكاك أجناس احلبوة في كل هذه األمثلة ،وذلك ب��أن يدف��ع للديان قيم��ة ما يلزم أن ندفع��ه لهم من أجن��اس احلبوة ويأخذ احلبوة كاملة له.
والتص��ور الثالث -أعني تأدية الدين من مجموع التركة بالنس��بة -هو رأي عدة من كبار علمائنا ،ومنهم الس��يد اخلوئي رحمه الله ،وإليك نص
رسالـة في أحگام احلبــوة
65
عبارت��ه بع��د أن ذكر أن الدي��ن إذا كان مس��تغرق ًا للترك��ة ال يحصل الولد األكبر على شيء من احلبوة قال: «وإذا لم يكن مس��تغرق ًا لها جاز له فكها بالنس��بة ،فإذا كان دينه عش��رة
دراه��م وكان م��ا زاد على احلبوة من التركة يس��اوي ثماني��ة ،وقيمة احلبوة أربعة ،فكها احملبو بثالثة دراهم وثلث درهم ،وإذا كان الدين في الفرض املذك��ور ثماني��ة دراهم فكها احملب��و بدرهمني وثلثي دره��م ،وهكذا»(.)1 انتهى.
السيد اخلوئي -منهاج الصاحلني ،اجلزء ( )3صفحة (.)412 (ّ )1
رسالـة في أحگام احلبــوة
66
م�صارف التجهيز والو�صية واحلج وارتباطها باحلبوة ذكرعلماؤنا بنا ًء على ما اس��تنبطوه من آيات القرآن الكرمي والروايات الش��ريفة ،أن هن��اك أربع��ة مصارف ال بدّ م��ن تأديتها من ترك��ة امليت قبل توزيع اإلرث ،وهي: -1مصارف جتهيز الـميت. -2أداء ديون الـميت.
-3تأجير من يحج عن الـميت إذا كان قد استطاع احلج في حياته ولم يحج. -4تنفيذ وصايا الـميت مبا ال يزيد عن ثلث التركة.
فه��ذه الـمصارف األربع��ة مقدمة على اإلرث ،ومبا أننا ذكرنا أن احلبوة إرث ،فتكون هذه الـمصارف األربعة مقدمة على احلبوة. فإذا كانت الثالثة ُ األول من هذه الـمصارف األربعة مستغرفة للتركة فال
حبوة للولد األكبر ،لوجوب صرف أجناس احلبوة في هذه الـمصارف.
وتقييد االس��تغراق بالثالثة األول دون الرابع -وهو الوصية -باعتبار أن الوصية ال ميكن أن تستغرق التركة ،ألنها ال تنفذ في أكثر من الثلث. وإذا لم تس��تغرق هذه الـمصارف التركة ،فقد ذكرنا -في الكالم حول عدم استغراق الدين للتركة -أن الرأي الذي اختارة العلماء هو دفع الدين من مجموع التركة الشاملة ألجناس احلبوة وغيرها بالنسبة.
رسالـة في أحگام احلبــوة
67
ونفس الكالم الذي ذكرناه في الدين غير املس��تغرق يأتي في مصارف التجهيز وفي الوصية وفي تأجير نائب للحج. وألج��ل إيضاح املس��ألة أكث��ر ،أذكر مث��ا ً ال واحد ًا لكل واح��د من هذه
العناوين الثالثة (مصارف التجهيز -االستئجار للحج -الوصية).
رسالـة في أحگام احلبــوة
68
-1م�صارف جتهيز الـميت جتهيز الـميت بالتغس��يل والتكفني والدف��ن يحتاج إلى صرف مبلغ من امل��ال ،وفي بعض األحيان يكون الـمبلغ املطلوب في هذا الـمجال كبير ًا،
لالضطرار إلى شراء قبر بـمبلغ كبير كما يحصل في بعض البلدان.
وه��ذه األم��وال تؤخذ من ترك��ة الـميت قب��ل توزي��ع اإلرث ،وطريقة
األخذ تكون من مجموع التركة الشاملة ألجناس احلبوة وغيرها بالنسبة. ونذكر مثا ً ال للتوضيح.
مثال :لو خلف الـميت ( )500دينار )450( ،دينار ًا منها نقد ،و()50 دين��ار ًا منها قيمة أجناس احلب��وة ،ومصارف التجهيز تكلف ( )100دينار يعني ُخمس التركة.
فطريقة الدفع تك��ون بأخذ ُخمس أجناس احلبوة يعني ما يعادل ()10 دناني��ر منه��ا وأخذ ُخمس باق��ي التركة يعني ( )90دين��ار ًا ،فندفع هذه الـ
( )100ف��ي مص��ارف التجهي��ز ،ويبق��ى عندن��ا ( )360دينار ًا تقس��م بني الورثة ،ونعطي أربعة أخماس احلبوة الـمتبقية للولد األكبر.
والس��بب ف��ي األخذ بهذه الطريقة ،هو ما ذكرناه س��ابق ًا م��ن أننا إن لم
نأخذ الـمال من مجموع التركة فسيلزم الترجيح بال مرجح.
رسالـة في أحگام احلبــوة
69
-2اال�ستئجار للحج إذا اس��تطاع اإلنس��ان أن يحج في حياته ولكنه عص��ى الله ولـم يحج، وجب إخراج حجة له من تركته ،وذلك بأن يؤخذ من تركته مال ويستؤجر له من يحج عنه. وقد أفتى العلماء بذلك لوجود دليل خاص في الـمسألة ،وإ ّ ال فالقاعدة األولية تقتضي عدم وجوب استئجار من يحج عنه.
والدليل في هذا احلكم عدة روايات وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السالم. منها :ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب:
«عن موس��ى بن القاس��م ،عن عثمان بن عيس��ى وزرعة بن محمد ،عن سماعة بن مهران قال :سألت أبا عبد الله \ عن الرجل ميوت ولم يحج حجة اإلسالم ولم يوص بها وهو موسر؟ فقال :يحج عنه من صلب ماله، ال يجوز غير ذلك»(.)1 وهذه الرواية موثقة من حيث الس��ند .ونقص��د بالـموثقة ،الرواية التي جميع من في سلسلة سندها أناس ثقات ال يكذبون ،ولكن فيهم شخص ًا أو أكثر غير إمامي. وتعتبر الرواية الـموثقة حجة ويعتمد عليها في االستدالل. ومنها :ما رواه الشيخ الطوسي أيض ًا:
( )1التهذيب ،اجلزء ( )5صفحة ( )16حديث (.)41
رسالـة في أحگام احلبــوة
70
«بإس��ناده عن أحمد ،عن احلس�ين ،عن النضر ،عن عاصم ،عن محمد بن مس��لم ،قال :س��ألت أبا جعف��ر \ عن رجل مات ول��م يحج حجة اإلسالم ،ولم يوص بها ،أتقضى عنه؟ قال :نعم»(.)1 وه��ذه الرواية صحيحة من حيث الس��ند .ونقصد بالصحيحة ،الرواية التي جميع من في سلسلة سندها إماميون عدول.
وهن��اك رواي��ات أخ��رى تدل عل��ى هذا احلك��م ،ولكن نكتف��ي بهاتني الروايتني. وكيفي��ة إخراج مبلغ احلج م��ن التركة ،تكون بأخذ الـمبلغ من مجموع التركة الشاملة ألجناس احلبوة وغيرها بالنسبة. ونذكر مثا ً ال للتوضيح.
مثال :لو خلف الـميت ( )1000دينار )950( ،دينار ًا منها نقد ،و()50 دينار ًا قيمة أجناس احلبوة ،وتكلفة استئجار شخص للحج ( )100دينار يعني ُعشر التركة.
فطريق��ة أخذ هذه الـ ( )100أن نأخذ ُعش��ر احلبوة يعن��ي ما قيمته ()5 دنانير منها ونأخذ ُعش��ر باقي التركة يعني ( )95دينار ًا ،فنس��تأجر بهذه الـ ( )100شخص ًا ليحج عن الـميت ،ويبقى عندنا ( )855دينار ًا تقسم بني الورثة ،ونعطي تسعة أعشار احلبوة الـمتبقية للولد األكبر. والس��بب في أخذ مال احل��ج من مجموع التركة ،هو ع��دم الوقوع في الترجيح بال مرجح.
( )1التهذيب ،اجلزء ( )5صفحة ( )449حديث (.)1769
رسالـة في أحگام احلبــوة
71
-3الو�صيــــــة لكل إنس��ان احلق باإليصاء بصرف أمواله في أي مورد يشاء بعد موته،
بش��رط عدم التجاوز ع��ن ثلث التركة ،وتنفيذ الوصية مقدم على تقس��يم اإلرث.
وعلي��ه فلو أوصى ش��خص بصرف ثلث أمواله ف��ي اخليرات ،فإن هذا
الثل��ث يؤخ��ذ من مجم��وع التركة بالنس��بة ،ب�لا فرق بني أجن��اس احلبوة
وغيرها.
ونذكر مثا ً ال للتوضيح.
مثال :لو خلف الـميت ( )300دينار )240( ،دينار ًا منها نقد ،و()60 دينار ًا قيمة أجناس احلبوة ،وكان قد أوصى بصرف ثلث أمواله باخليرات، يعني في مثالنا علينا استخراج ( )100دينار لتنفيذ الوصية.
فإن طريقة األخذ تكون بأخذ ثلث أجناس احلبوة يعني ما يعادل ()20 دين��ار ًا منها وأخذ ثلث باقي التركة يعني ( )80دينار ًا ،فتكتمل الـ ()100 دين��ار وتنفذ به��ا الوصية ،ويبقى عندن��ا ( )160دينار ًا تقس��م بني الورثة، ونعطي الولد األكبر ثلثا أجناس احلبوة التي بقيت.
وك��ذا الكالم لو لم يوص بنس��بة معينة كالثل��ث ،بل أوصى مببلغ معني
من املال ،كما لو أوصى بصرف ( )100دينار باخليرات.
مثال :لو خ ّلف الـميت ( )600دينار )480( ،دينار ًا منها نقد ،و()120
رسالـة في أحگام احلبــوة
72
دينار ًا منها قيمة أجناس احلبوة ،وكان قد أوصى بصرف ( )100دينار من تركته باخليرات.
فنالحظ في الـمثال أن الـ ( )100دينار بالنسبة للـ ( )600تعادل ُسدس الترك��ة ،وعليه نأخذ الــ ( )100دينار من مجموع التركة بالنس��بة ،وذلك بأخذ سدس أجناس احلبوة يعني ما يعادل ( )20دينار ًا منها وأخذ سدس باقي التركة يعن��ي ( )80دينار ًا ،فنصرف هذه الــ ( )100باخليرات تنفيذ ًا للوصي��ة ،ويبقى عندن��ا ( )400دينار تقس��م على الورث��ة ،ونعطي الولد األكبر خمسة أسداد احلبوة التي بقيت. والس��ر في األخذ بهذه الكيفية ،هو ما ذكرناه س��ابق ًا م��ن أننا إذا أخذنا بطريقة أخرى فسنقع بالترجيح بال مرجح.
رسالـة في أحگام احلبــوة
73
كلمة �سماحة ال�سيد الوالد في ما يرتبط بـمسألة احلبوة أفاد سماحة السيد الوالد مبا يلي:
L
الـمس��تفاد من مجموع روايات احلبوة أن الشارع الـمقدس اعتبر الولد األكبر قائم ًا مقام أبيه ،وليس ذكر أفراد معينة من الـملك الـمختص باألب إال أمثلة يراد بها اإلشارة إلى الـمختصات كلها.
ومما يرشد إلى ذلك ،اختالف الروايات في تعداد ما يدفع للولد األكبر، ب��ل إن بعضها يذكر واحد ًا أو اثن�ين ،وبعضها اآلخر يذكر واحد ًا أو اثنني آخرين ،وبعضها يذكر سبعة.
فلو كانت احلبوة معينة في أمور خاصة ال تزيد وال تنقص لكان الالزم ذكرها مبجموعها دون التفريق بينها. وه��ذا املعنى عرفي ،بحيث ل��و أعطيت هذه الروايات إلىالعرف العام لرأوها تصب في هذا املعنى الواحد. وعليه فقد تكون الـمختصات أكثر من سبعة وقد تكون أقل.
أما اإلجماع على األربع فغير تام ،لـمخالفة الصدوق في ذلك هذا إن كان هناك اتفاق واقع ًا بني كل العلماء اآلخرين على خالف ذلك.
وبعبارة أخرى :الـمحصل من اإلجماع غير حاصل ،وعلى فرضه فال كاشفية له ،الحتمال استناده إلى قاعدة االحتياط في األموال ،التي يراها كثير من الفقهاء.
رسالـة في أحگام احلبــوة
74
بن��ا ًء على ه��ذا ،فتعدد بعض هذه األمور كاخلامت والس��يف ال يغير من األمر ش��يئ ًا ،ما دام يص��دق عليها أنها من مختص��ات األب ،فتعطى كلها للول��د األكب��ر ،وما ال يعد م��ن املختصات كاخل��وامت املش��تراة لالقتناء أو للهواية ال يعد من احلبوة ،ومما يؤيد هذا املعنى التعبير في الرواية بـ (ثياب جلده) مما يفهم االختصاص. وعليه فإنه يرثها الولد ولو لم يكن منفص ً ال بالوالدة حني موت األب، سواء أقلنا بتسميته ولد ًا أم لم نقل ألمرين:
األول :وج��ود ه��ذا الـمناط فيه ،فإنه إذا ُولد وكبر يش��ار إليه بأنه الذي خلف أباه. والثاني :أنه بعد أن يولد يصدق عليه عنوان الولد قطع ًا وبالتالي يترتب
احلكم عليه كترتب كل حكم على موضوعه. وأيض ًا يتضح من هذا أن الولد األكبر يختص باحلبوة ولو لم يكن لألب ش��يء غيرها ،ألن قيامه مقامه يعني كأنه هو ،فكما لو كان األب موجود ًا كانت هذه األموال ملكه فالولد مبثابته. أما إذا كان الولد األكبر مخالف ًا ،فإن قلنا بأن قاعدة اإللزام تعني مجرد احلكم التكليفي ال الوضعي ،مبعنى أن الـمال الذي هو احلبوة يكون ملك ًا للول��د األكبر ويجوز للورث��ة اآلخرين املوالني أخذه من��ه فواضح ،إذ هو ملكه ،فإن أخذوا منه فبها ،وإن لم يأخذوا فهو له. أما إذا قلنا أن القاعدة تس��تدعي احلكم الوضعي أيض ًا أي أن احلبوة ال
تدخ��ل في ملك الولد األكبر وحده ،وإمنا ه��ي إرث للكل اللتزامه بعدم
رسالـة في أحگام احلبــوة
75
ملكيت��ه لها -كما ميك��ن أن يؤيد ذلك بجواز الزواج من زوجة الـمخالف الت��ي طلقه��ا م��ن دون الش��رائط الـمطلوبة عندن��ا ،حيث نلت��زم بحصول الطالق واقع ًا بإمضاء الش��ارع له ،وإال لزم من عدم حصوله جواز تزوج الـموال��ي له��ا وهي ذات بع��ل ،وهذا ال ميك��ن االلتزام به ،ومب��ا أن ما دل عل��ى اإللزام جاء على نس��ق واحد ف��ي كل موارده -فليت��زم بعدم ملكية الـمخالف أساس ًا لهذا الـمال ،ويكون إرث ًا للكل .انتهى. إلى هنا تنتهي هذه الرسالة
سائ ً ال الـمولى جل وعال أن يتقبلها مني وأن يجعل فيها النفع والفائدة. وآخر دعوانا أن احلمد لله رب العاملني وصلى ال ّله على محمد وآله الطاهرين.
رسالـة في أحگام احلبــوة
)
76
رسالـة في أحگام احلبــوة
املصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر < القرآن الكرمي
< الكافي -الشيخ الكليني.
< االستبصار في ما اختلف من األخبار -الشيخ الطوسي. < تهذيب األحكام -الشيخ الطوسي.
< من ال يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق.
< مباني منهاج الصاحلني -السيد تقي القمي.
< فقه الصادق -السيد محمد صادق الروحاني.
< الزبدة الفقهية في شرح اللمعة الدمشقية -الشهيد الثاني. < شرائع اإلسالم -احملقق احللي.
< منهاج الصاحلني -السيد أبو القاسم اخلوئي. < منهاج الصاحلني -السيد محمد الروحاني. < منهاج الصاحلني -الشيخ جواد التبريزي.
< منهاج الصاحلني -السيد علي السيستاني.
< منهاج الصاحلني -السيد محمد سعيد احلكيم. < منهاج الصاحلني -الشيخ الوحيد اخلراساني. < لسان العرب -ابن منظور.
< مجمع البحرين -الشيخ الطريحي. < املنجد.
77
رسالـة في أحگام احلبــوة
ر
79
املقدمة5............................................................ املعنى اللغوي للحبوة7............................................. املعنى الشرعي للحبوة9............................................. روايات احلبوة10.................................................... اإلجماع على األجناس األربعة15................................... 17 الثياب............................................................. اخلامت21............................................................ 25 السيف............................................................ املصحف29......................................................... معنى الرحل والراحلة والكتب32.................................. القيمة السوقية ألجناس احلبوة34................................... 36 اختصاص احلبوة بالولد األكبر عند موت األب.................... 37 األكبر هو األسبق والدة ال علوق ًا.................................. تعدد الولد األكبر39................................................. عدم ارتباط احلبوة بقضاء صالة األب41............................. 42 حكم احلبوة مع عدم وجود مال غيرها............................. 44 البلوغ والعقل والرشد وارتباطها باحلبوة........................... حكم الولد األكبر لو كان حم ً 45 ال عند موت األب...................
رسالـة في أحگام احلبــوة
ر املقصود بالولد الولد للصلب...................................... 47 حكم احلبوة على نحو الوجوب ال االستحباب..................... 48 احلبوة مجانية...................................................... 50 النزاع يحسمه احلاكم الشرعي..................................... 52 احلبوة وقاعدة االلزام.............................................. 53 الدين املستغرق واحلبوة............................................ 57 نفوذ الوصية بأجناس احلبوة....................................... 59 الدين غير املستغرق واحلبوة61 .................................... مصارف التجهيز والوصية واحلج وارتباطها باحلبوة................ 66 مصارف جتهيز امليت............................................... 68 االستئجار للحج.................................................. 69 الوصية............................................................ 71 السيد الوالد......................................... 73 كلمة سماحة ّ مصادر الكتاب77................................................... الفهرس........................................................... 79
أ
80