اللوحة-قصة قصيرة

Page 1

‫‪.‬‬

‫اللوحة‬

‫قبل ثالث ليال‬ ‫لم تأت الفاجرة هذه الليلة مرة أخرى‪ ,‬ال أعلم أي عذر ستختلق هذه المرة‪ .‬تبدوا لي الحجرة في الفجوة بين‬ ‫النور و الظالم راقية كحجرات القصور‪ .‬آخ من النساء المخادعات ‪ ,‬قلت لها في نشوة السكران اجعلي‬ ‫من الشقة قصرا و صدقتني ‪ .‬وقعت دون أن أنظر إلى األصفار ‪ ,‬كل ما كان يهمني تلك اللحظة هو أن‬ ‫تكون صفرا بين يدي‪ ..‬أرفع تلك التنورة الوردية التي لطالما هتكت سترها بعيني المشتعلتين ‪ ..‬و أموت‬ ‫في حضنها الدافئ‪.‬‬ ‫ثمة لوحة زيتية معلقة على الجدار الرخامي ‪ .‬جوانبها المزخرفة بمهارة تشع كأنها طليت بماء الذهب ‪.‬ال‬ ‫بد أنها ثمينة ‪.‬تظهر فيها امرأة حسناء عارية تغطي نهديها بيديها الداميتين ‪ ,‬و يتحلق حولها رجال تغطي‬ ‫نظراتهم الشهوانية و أنيابهم المكشرة على وجوهم الشاحبة ‪.‬أياديهم ممدودة إليها في توق و لهفة قاتلة ‪.‬‬ ‫تعجبت حقا من مهارة الفنان في تصوير نظرات الرجال و نظرة المرأة ‪ ,‬كانت نظراتهم ساخنة و‬ ‫مشحونة بالرغبة و الباه و واضحة المراد‪ .‬أما نظرتها هي فكانت غريبة إال حد ما ‪ ,‬باردة و تخفي الكثير‬ ‫‪ ,‬كأنما يعجبها تهافت الرجال عليها ‪ ,‬كأنها بإخفائها لثدييها تتصنع التمنع و تأسرهم بسحرها األنثوي ‪,‬‬ ‫فيستحيلون بين يديها كالبا الهثة مقززة‪.‬‬ ‫كان الدم المتدفق من بين يديها هو ما لم أستطع فهمه‪ ,‬ماذا يعني به الفنان‪ ,‬أيشير به إلى الموت‪ ,‬إلى‬ ‫الشرف الضائع‪ ,‬أم إلى شيء آخر لن أستطيع فهمه أبدا‪ .‬هل للوحة دالالت فلسفية و أسرار تجريدية ثاوية‬ ‫في خفاياها المظلمة ‪ ,‬ال يهم ‪ ..‬ال بل يهمني أن أعلم ‪ .‬أنا حتما رجل من رجال اللوحة‪ ,‬يزعجني هذا‬ ‫اإلحساس المقيت‪ .‬أرغب في تهشيمها لكن ال أستطيع ‪ ,‬شيء ما يشل يدي ‪ .‬أنغمس فيها كلما أمعنت النظر‬ ‫إليها ‪ ,‬استحوذت علي ‪ ..‬ال إنها ملكي ‪ ,‬هي لي و لست لها و لست منها و لن أكون أبدا ‪ ..‬ال وال و الالت‬ ‫‪ ..‬أشحت بنظري عن اللوحة و أغمضت عيني لهنيهة ‪ ,‬فتحت عيني ‪ ,‬كانت نفس المرأة واقفة في الوضع‬ ‫ذاته فوق سريري ‪ ,‬ضجت الغرفة فجأة ‪ ,‬رجال عراة ال يسترهم إال القليل يحبون إال السرير ‪ ,‬استقمت‬ ‫جالسا ‪ ,‬لم أذهل و لم أخف كأنني واحد منهم ‪ ,‬شعرت بمالبسي تختفي شيئا فشيئا ‪ ,‬جسدي لم يعد ملكي‬ ‫كأنما تلبسني جن كريه ‪.‬وجدتني أتحرك مشدوها مثلهم و المرأة وسط الجمع تخفي ثدييها‪ .‬كنت على حق‪,‬‬ ‫لم تكن خائفة‪ ,‬لم تنكمش و لم تحاول الدفاع أو الهرب‪ ,‬كانت تتحرك بسالسة كعارضات المالبس الداخلية‪,‬‬ ‫و هي بالكاد تنجح في إخفاء بسمتها بنظرة ساهمة مغتربة‪ .‬كانت ضربات قلبي تتصاعد كلما اقتربت منها‪,‬‬ ‫العرق ينهمر من جسدي المرتعش و‪ ..‬و ‪ ..‬أقترب ‪ ..‬فتحت عيني ‪ ..‬كان حلما إذا ‪ ..‬ال بل كان واقعيا إلى‬ ‫حد الجنون ‪ ..‬ال كان حلما ‪ ..‬اصمت ‪...‬ال بل كان حلما ‪ ..‬اصمت ‪ ..‬أنا رجل من رجال اللوحة ‪.‬‬


‫قبل ليلتين‬

‫اه اه كم تمنعت الساقطة علي و أرق ليالي التفكير فيها ‪ .‬قالت أنها بنت ناس و ال يمكن أن تفكر في الحرام‬ ‫‪ .‬قلت لها أني مربوط ببيت و أسرة و ال يسعني إال التفكير في الحرام‪ .‬قالت الشرع حلل لك أربعة‪ .‬قلت‬ ‫لها و أنا أداري ابتسامة شريرة 'ال أستطيع' و أضمرت في نفسي 'و لو أحل لي عشرين‪ ,‬فلن أتزوج‬ ‫بساقطة مثلك'‪.‬‬ ‫لم تأت هذه الليلة أيضا‪ ,‬ال أعلم ما الذي حل بها حتى تقاطعني بهذه القسوة‪ .‬ال تجيب على هاتفها أيضا ‪ .‬و‬ ‫ال أحد من صديقاتها يعلم عنها خبرا ‪ .‬أين اختفيت يا عاهرة ‪ ,‬أتلعبين معي لعبة القط و الفأر مرة ثانية‬ ‫‪.‬ههه‪ .‬لن تنجحي‪ ,‬و اعلمي أنك ستندمين‪ .‬في استطاعتي أن أخرج اآلن و أحضر معي عشر فتيات أجمل‬ ‫منك ‪ .‬ال أحتاج إال لكف ذرة أنثره على األرض فتتجمعن حوله كالدجاج‪.‬ال بل الدجاج أشرف منكن يا‬ ‫***‪.‬‬ ‫جلست وحيدا على السرير و أنا أتحاشى النظر إلى اللوحة ‪ .‬خفت أن تجتاحني أخيلتها مرة أخرى ‪ .‬كنت‬ ‫أردد في نفسي 'الغائب حجته معه ' و أنا أتميز غضبا‪ .‬أي فقيه ألمعي هذا الذي أحكم وثاقي و جعلني‬ ‫خاتما في أنملها‪ .‬الملعونة حتما أكلتني شيئا و أنا أضحك ‪ ,‬ربما كسكست لي بيد الميت لتجعلني أموت فيها‬ ‫‪ .‬تذكرت المرحومة أمي التي سمعتها غير ما مرة تقول ' وكالتو جلدة باخا ‪ ,‬ديما يكول واخا ' ‪ .‬ال بد أن‬ ‫مفعول هذا الباخا قوي لدرجة أنه يجبرني على انتظارها ‪ .‬واخا ‪ ..‬واخا ‪ ..‬واخا ‪ ..‬واخا و هللا ال بقات‬

‫فيك يا هاذ الملكوطة‪.‬‬ ‫فجأة سمعت صوتا غريبا ‪ ,‬كان أقرب إلى األنين و التأوه منه إلى البكاء ‪ .‬سرت القشعريرة في بدني ‪ ,‬و‬ ‫انسالت على جبهتي قطرات عرق باردة ‪ .‬اشتدت ضربات قلبي حتى كاد يتوقف من الفزع ‪ .‬نعم ‪ ,‬كان‬ ‫الصوت منبعثا من الحجرة ‪ .‬لكنني كنت وحدي ‪ .‬رفعت رأسي في تردد و وجل إلى اللوحة‪ ,‬شيء ما‬ ‫تغير‪ ,‬مهال‪..‬ال يمكن ‪.‬كانت نظرة المرأة مختلفة و تعبير فمها متغيرا هو اآلخر‪ .‬في نظرتها اآلن مزيج‬ ‫من التحدي و الغضب والحنق ‪ ,‬فمها منكمش و شفتيها مزمومتين في حدة ‪ .‬أغمضت عيني لوهلة ‪..‬شهيق‬ ‫‪..‬زفير‪..‬شهيق‪..‬زفير‪..‬شه ‪ ..‬ما هذا ‪..‬السرير يهتز ‪ ..‬الغوغاء تجتاح الغرفة كضربة إعصار ‪ .‬فتحت‬ ‫عيني و إذا بي أجد المرأة منتصبة فوق السرير‪ ,‬يصطخب حولها جمع الرجال العراة‪ .‬تمسكت بمالبسي‬ ‫بقوة لكن لم أستطع ‪ .‬تملكني العفريت المنحرف مرة ثانية‪ ,‬اختفت مالبسي‪ ,‬آخر ما أتذكره هو أنني كنت‬ ‫أبعد من المرأة من ذي قبل‪ ,‬و كان الدم المتدفق من بين يديها أكثر غزارة‪ ..‬فتحت عيني ‪ .‬اختفت المرأة ‪,‬‬ ‫و اختفى الرجال إخوتي و بقيت وحدي خائفا و مشدوها فاغرا فاي‪.‬‬


‫قبل ليلة‬ ‫أخشى من الحب و أخشى عليها إذا اجتمعنا عليها أنا و الحب معا‪ .‬تكفي اللذة الحامية و الحرب الضروس‬ ‫على سرير البدايات و النهايات في إخماد مشاعر الشوق و الحنين الشعواء التي تزحف إلى كوامني و‬ ‫تعلي رايتها في حرب باردة‪.‬‬ ‫كان الصمت حديثنا أليام قبل أن تنطلق في جنون و لهوجة عاصفة الكالم‪ .‬نتحدث لساعات طوال كأنما‬ ‫غبنا عن بعضنا أليام و نحن نلتقي كل ليلة إلحياء شعائرنا في سوق العسل و السكات ‪.‬‬ ‫كانت أيامنا الصامتة أهم من أيام اللسانيات ‪ .‬أكد موزار أن كمال موسيقاه يكمن في مواضع الصمت‬ ‫الموسيقي قبل النوتة الموسيقية ‪ ,‬ما أسميه أنا بالضجيج السمعي ‪ .‬الصمت فن ال يتقنه إال العباقرة و‬ ‫المجانين‪ .‬و كذلك كان صمتنا معا ‪ ,‬جميل و ممتلئ و دافئ‪.‬‬ ‫دام غيابها عني ‪ .‬لماذا لم تأت ‪ .‬أملت مني أم لم تعد فحولتي قادرة على إشباع نهمها ‪ .‬يؤلمني هذا القول‬ ‫و يجرح كبريائي ‪ ,‬لكن غيابها أقسى و أوجع‪.‬‬ ‫كنت قد قررت البارحة في لحظة غضب و خوف أنني لن أعود إلى هذه الغرفة أبدا‪ ,‬لكن ها أنا ذا جالس‬ ‫على نفس السرير أفكر فيها دون نساء العالمين‪ .‬حتى أنني نسيت لوهلة أمر اللوحة ‪ .‬الصمت الكثيف‬ ‫المخيم على الغرفة رماني في كآبة ال تريم‪ .‬أرغب في الذهاب إلى البار و السكر مع الشيخات حتى‬ ‫الموت ‪ ,‬لكن وجودها يربكني و يشل قدمي و يجمد الدم في عروقي ‪ .‬أخوف ما أخاف منه هو إغماض‬ ‫عيني ‪ ,‬أفتح جفني على مشرعيهما حتى ال تحمل علي اللوحة بجنودها‪-‬إخوتي على حين غرة‪ .‬متيقظ أنا‬ ‫كالوافد الجديد في سجن الرجال‪ .‬أخاف أن أنتهك‪ ,‬أخاف أن تختفي مالبسي‪ ,‬أخاف أن يركبني العفريت‬ ‫اللعين‪ ,‬أخاف من هزة السرير‪ ..‬مهال ‪ ..‬السرير يهتز ‪..‬الااا‪ ..‬تضج الغرفة بالرجال العراة ‪ ..‬تنتصب‬ ‫المرأة واقفة فوق السرير ‪ ..‬تتدفق الروح الشريرة بين ضلوعي كموجة برد قارسة ‪ .‬أخاف ‪ ..‬أرغب في‬ ‫االستسالم ‪..‬أرتعش ‪ ..‬خذيني يا لوحة‪ ..‬أنا لك و منك و إليك‪ ..‬أنا رجل من رجالك ‪ ..‬أتوق إلى البكاء‬ ‫لكن ال دمع يأتي ‪ ..‬و ألول مرة ‪ ,‬ألول مرة تنطلق مني صرخة مدوية مهما كاتمتها ال تنكتم ‪ .‬انفلتت‬ ‫مني كالبكاء األول للوليد ‪ ,‬مختنقة و منهمرة و شاردة ‪ ,‬و األهم حية ‪ .‬كانت صرخة الحياة ‪ .‬أنا حي إذن‬ ‫أنا موجود‪ .‬التفت إلي الرجال العراة مشدوهين كأنما أيقظتهم صرختي من تنويم أبدي‪.‬‬ ‫اختفت معالم الشرور المرتسمة على وجوههم و حلت محلها تعابير حية و إنسانية ‪ .‬ظهرت عليهم أمارات‬ ‫الخوف من المرأة العارية ‪ .‬ازداد تدفق الدم من بين يديها حتى صار كالشالل ‪ ..‬ينهمر دون توقف ‪..‬‬ ‫يصب في عنف و عدوانية ‪ .‬أرادوا الهرب ‪ ..‬حاولوا‪ ..‬و حاولوا ‪ ..‬لكن الخوف تملكهم و سيطر عليهم ‪.‬‬ ‫و استحالوا فجأة إلى تماثيل من الحجارة ‪ .‬كانت أعين الجميع موجهة إليها ‪ ,‬هربوا منها و إليها ‪ .‬كان‬ ‫انهمار الدم قد توقف‪ ,‬و غذت هي ميدوسا مخيفة ‪ ,‬استحالت خصالت شعرها إلى أفاعي تزحف في‬ ‫الفضاء و لف جسدها العاري ضباب أسود ‪ .‬أغمضت عيني في جزع ‪ .‬و تهافتت من حلقي الصرخات‬ ‫متالحقات كتعديد الثكالى ‪ ..‬أصرخ ‪ ..‬و تـصرخ هي أيضا ‪ ..‬أصرخ ‪ ..‬و تصرخ هي ‪ ..‬أص‪ ..‬و‬ ‫تص‪..‬أص ‪ ..‬و تص ‪..‬‬


‫حين فتحت عيني كانت الشمس قد احتلت جوف السماء‪ .‬أجلت النظر في فضاء الغرفة ‪ .‬هربت حدقتي‬ ‫إلى الجدار األوسط حيث اللوحة معلقة ‪.‬‬ ‫ماذا ‪ ..‬ال يمكن ‪ ..‬مستحيل ‪ ..‬أهذا عمل سارق ‪ ..‬لكن البزطام ‪..‬و السا ‪ ..‬ال يمكن ‪.‬‬ ‫قرصت يدي و لم يتغير شيء‪ .‬صفعت وجهي و لم يتغير شيء‪ .‬غسلت وجهي بالماء البارد و الحال نفسه‪.‬‬ ‫لكن‪..‬لك‪ ..‬الكادر نفسه‪..‬و الح‪..‬جم هو هو‪.‬‬ ‫اختفت المرأة و الرجال‪-‬إخوتي من اللوحة ‪ ,‬و عم الضباب صفحتها ‪ .‬كان ضبابا حادا و كثيفا و كأن‬ ‫أشباحا سوداء تستتر في لجته ‪.‬‬

‫طار ليه ال ْف َريْخ‬ ‫الليلة التي‪ْ ..‬‬ ‫ألهذا لم تأت ؟ أهذه حجتك ؟ غاية الذكاء‪ .‬غيابك أبدي إذن ‪ ,‬ههه ‪ ,‬يوم القيامة نلتقي ‪ ,‬أنا و أنت و اللهب ‪.‬‬ ‫كيف استسلمت إلى ظالم الموت دون وداع ‪ ,‬دون رهبة ‪ ,‬و دون عودة ‪ .‬من أين واتتك الشجاعة و القسوة‬ ‫كي تقطعي حبل الحياة بيديك ‪.‬‬ ‫نظرت في وجه الرجل الذي جاءني اليوم يسألني عنك نظرة اليتيم المقهور‪ .‬ضحكت لما أخبرني ببرود و‬ ‫جمود أنهم وجدوك منتحرة في نفس الغرفة التي أخرجتك منها كي تحيي ‪ ,‬كي تحبي الحياة ‪ ,‬كي أعيش‬ ‫فيك و أعشعش في عقلك و كيانك ‪ .‬قطعت رسغيك إذن و أنهيت حياتك ‪ .‬ميعادنا يوم القيامة‪ ,‬أنا و أنت و‬ ‫اللهب‪.‬‬ ‫موتك لغز يخنقني ‪ ,‬ال أستطيع التفكير في سبب ‪ .‬كنا سعداء نعيش اللحظة ‪ ,‬و نرتشف رحيق اللذة في‬ ‫صمتنا اللذيذ على جناح الزمن البطيء‪.‬‬ ‫ال ال لم نكن سعداء‪ ,‬كنا ندعي السعادة‪ .‬كانت كذبة جميلة صدقناها‪ .‬كانت حلما دافئا كليلة ربيعية استطبنا‬ ‫التحليق في سمائها بجوار النجوم و القمر‪.‬‬ ‫لكنه السواد ‪ ,‬أليس كذلك ‪ .‬ال زلت أتذكر اليوم الذي سألتني فيه أن أهديك ورودا سوداء‪ .‬قلت لك ال وجود‬ ‫لهذا اللون في الورود ‪ .‬قلت أنك سبق و رأيت الورود سوداء ‪ .‬قلت أين ‪ .‬لكنك أصريت أنها موجودة في‬ ‫مكان ما ‪ .‬ال تتذكرين إال الضباب الذي غطى األرجاء حين أردت قطافها‪.‬‬ ‫كانت الورود سوداء ‪ ..‬وكان الضباب ‪ ..‬و كنت أنا في المشهد ‪.‬‬ ‫يخامرني شعور مبهم أنني أنا ايضا رأيت ورودا سوداء في مكان ما ‪ .‬شعور قوي وغريب هذا الذي‬ ‫يشوشني ‪ .‬أحس برغبة قوية في الصراخ ‪ .‬صرخات كإنذار الحريق‪.‬‬ ‫رعشة مخيفة تسري في جسدي كالنمل ‪ ..‬أرى شيئا أو أشياء تتحرك ‪ ..‬ال بد أن الضباب يختبئ وسط‬ ‫خيوط الظالم ‪ ..‬أرى ‪ ..‬أشباحا ‪ ..‬مهال ‪ ..‬أعادت المرأة العارية ‪ ..‬ال إنها أنت ‪ ..‬أ ورود سوداء‬ ‫تلك ‪ ..‬ها ها ها ‪ ..‬الااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ‪ ..‬ها ها ‪ .‬هي هي هي ‪ .‬هو هو ها‪.‬‬


‫سما‬ ‫صيا ْد الحوت فال ْ‬ ‫انتهت أيام صاحبنا مجنونا يجوب الشوارع و األسواق و المواسم بحثا عن الورود السوداء و هو يحكي‬ ‫قصته مع اللوحة والضباب المخيف‪ .‬لكن ال يصدقه أحد‪ ,‬ليموت في األخير وحيدا من العطش و الجوع و‬ ‫البرد‪.‬‬ ‫ذات يوم ‪ ,‬وجد أحد الرعاة لوحة طافية على الماء ‪ .‬كانت جميلة و جوانبها مزخرفة و زاهية كأنها طليت‬ ‫بماء الذهب ‪ .‬يظهر في اللوحة قطيع أغنام يرعى في حقل شاسع تجتاح الخضرة مساحاته و يعانقه الدفء‬ ‫و الظل و الحنين‪ .‬و في الجهة األخرى من الوادي المترامي األطراف حقول تبدوا أشسع و أجمل ‪ ,‬ترنوا‬ ‫إليها الخراف في توق و لهفة ‪.‬‬ ‫أغمض الراعي عينيه ‪ ...‬ظهرت الذئاب من كل جانب ‪ ...‬و غرق القطيع‪ ...‬و انتشر الضباب ‪.‬‬


‫نبذة عن الكاتب‬ ‫دمحم الوهابي ‪ 91,‬سنة ‪ ,‬من مدينة الدروة (قرب برشيد) ‪ .‬طالب بالمدرسة الوطنية للتجارة و‬ ‫التسيير بسطات ‪.‬‬ ‫خريج البرنامج العالمي للكتابة اإلبداعية 'بين السطور' بجامعة أيوا بالواليات المتحدة‬ ‫األمريكية ‪.‬‬ ‫البريد اإللكتروني ‪wahabi1996@gmail.com‬‬ ‫‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.