اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا
ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺳﺘﻴﻔﻦ ﺟﺮوزﺑﻲ
ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺤﻤﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺠﻨﺪي ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻋﻼ ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح ﻳﺲ
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
Nationalism
ﺳﺘﻴﻔﻦ ﺟﺮوزﺑﻲ
Steven Grosby
اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﱃ ٢٠١٥م رﻗﻢ إﻳﺪاع ٢٠١٤ / ١٧٦٥١ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ٨٨٦٢ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ ٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org : ﺟﺮوزﺑﻲ ،ﺳﺘﻴﻔﻦ. اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ :ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا/ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺳﺘﻴﻔﻦ ﺟﺮوزﺑﻲ. ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٧٦٨ ١١٩ ٣ : -١اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ أ -اﻟﻌﻨﻮان ٩٢٠٫٥٤ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :إﻳﻬﺎب ﺳﺎﻟﻢ. ﻳُﻤﻨَﻊ ﻧﺴﺦ أو اﺳﺘﻌﻤﺎل أي ﺟﺰء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺄﻳﺔ وﺳﻴﻠﺔ ﺗﺼﻮﻳﺮﻳﺔ أو إﻟﻜﱰوﻧﻴﺔ أو ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ، وﻳﺸﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ واﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻋﲆ أﴍﻃﺔ أو أﻗﺮاص ﻣﻀﻐﻮﻃﺔ أو اﺳﺘﺨﺪام أﻳﺔ وﺳﻴﻠﺔ ﻧﴩ أﺧﺮى ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﻔﻆ املﻌﻠﻮﻣﺎت واﺳﱰﺟﺎﻋﻬﺎ ،دون إذن ﺧﻄﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﴍ. ﻧُﴩ ﻛﺘﺎب اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ً أوﻻ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻋﺎم .٢٠٠٥ﻧُﴩت ﻫﺬه اﻟﱰﺟﻤﺔ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ اﻟﻨﺎﴍ اﻷﺻﲇ. Arabic Language Translation Copyright © 2015 Hindawi Foundation for Education and Culture. Nationalism Copyright © Steven Grosby 2005. Nationalism was originally published in English in 2005. This translation is published by arrangement with Oxford University Press. All rights reserved.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
ﺷﻜﺮ وﺗﻘﺪﻳﺮ -١املﺸﻜﻠﺔ -٢ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟ -٣اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ -٤اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء وأرض اﻟﻮﻃﻦ -٥اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ -٦اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ -٧أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ -٨اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ املﺮاﺟﻊ ﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ ﻣﺼﺎدر اﻟﺼﻮر
7 9 15 33 47 59 79 95 111 115 127 131
ﺷﻜﺮ وﺗﻘﺪﻳﺮ
ِﻣﻦ ﺑني اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜني اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ أﻋﻤﺎ ٌل ﺣﻮل اﻷُﻣﻢ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻟﻬﻢ أﻛﱪ ﱡ ٌ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن أن أذﻛﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﺛﻼﺛﺔ اﻷﺛﺮ ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻔﻜريي ﰲ ﻫﺬﻳﻦ املﻔﻬﻮﻣني ،ﻫﻨﺎك ُ اﻛﺘﺴﺒﺖ ﻣﻦ واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻫﻨﺎ؛ وﻫﻢ :ﺟﻮن ﻫﺎﺗﺸﻴﻨﺴﻮن ،وأﻧﺘﻮﻧﻲ ﺳﻤﻴﺚ ،وإدوارد ﺷﻴﻠﺰ .ﻟﻘﺪ ﺟﻮن ﻫﺎﺗﺸﻴﻨﺴﻮن ﺗﻘﺪﻳ ًﺮا أﻋﻈﻢ ﻟﻌﻨﴫ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﺔ .وﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻬﺎﻣﺔ ﻷﻧﺘﻮﻧﻲ ﺳﻤﻴﺚ ﻫﻲ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻟﻜ ﱢﻞ ﻣَ ﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ ﻓﻬﻢ ﻣﻔﻬﻮﻣَ ﻲ اﻷُﻣﱠ ﺔ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ؛ ﺣﻴﺚ أوﺿﺢ ﺳﻤﻴﺚ ﻣﺸﻜﻼت ﻫﺬا املﺠﺎل اﻟﺒﺤﺜﻲ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ .وﻟﻘﺪ ﻋُ ﺪ ُ ْت ﻣﺮا ًرا ﱢ ﻣﺤﻘ ًﻘﺎ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺮ ٍة ﻓﻬﻤً ﺎ أﻓﻀﻞ ﻟﺮؤﻳﺘﻪ وﺗﻜﺮا ًرا ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺴﻨني إﱃ ﻛﺘﺎﺑﺎت إدوارد ﺷﻴﻠﺰ، ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻣﺴﺘﻤ ﱟﺮ ﺑني اﻹﺑﺪاع ،واﻟﻨﻈﺎم ،واﻟﻘﺒﻮل، اﻟﺘﻲ ﺗﻘﴤ ﺑﺄن ﻛ ﱠﻞ املﺠﺘﻤﻌﺎت ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ ٍ ﻣﺘﻐري ﻣﻦ املﺴﺎﻋﻲ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .وأﺷﻌﺮ ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎن واﻟﺮﻓﺾ ،ﻋﲆ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻣﺸﻬ ٍﺪ ﱢٍ ُ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ إﻳﺮﻫﺎرت ﻓﺎوﻧﺪﻳﺸﻦ اﻟﺘﻲ أﺗﺎﺣﺖ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﻨﺤﺔ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﱄ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻼزم ﻹﻛﻤﺎل ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب.
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﳌﺸﻜﻠﺔ ٍ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﻦ أﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﲆ ﻣﺎ ﴐورة وﺟﻮد اﻷﻣﻢ؟ ﺷ ﱠﻜﻞ اﻟﺒﴩ ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻌﺎﻳري ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﺘﺨﺪم ﰲ ﺗﻤﻴﻴﺰ »ﻧﺤﻦ« ﻋﻦ »ﻫﻢ« ،وإﺣﺪى ﻫﺬه اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ﺗﺴﻤﱠ ﻰ »اﻷُﻣﱠ ﺔ«. وﻗﺪ ﻟﻘﻲ ُ ﺣﺮوب اﻧﺪﻟﻌﺖ دﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻦ آﻻف اﻟﺒﴩ — ﺑﻞ ﻣﻼﻳني ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ — ﺣﺘﻔﻬﻢ ﰲ ٍ أُﻣﻤﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ اﻟﺤﺮﺑني اﻟﻌﺎملﻴﱠﺘني اﻷوﱃ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،اﻟﺬي رﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﻛﺜ َﺮ اﻟﻘﺮون ﻗﺴﻮ ًة ووﺣﺸﻴ ًﱠﺔ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻫﺬا ﻫﻮ أﺣﺪ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ املﻬﻢ ﻓﻬﻢ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﻣﺔ؛ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺰﻋﺔ ﻟﺪى اﻟﺒﴩ ﻧﺤﻮ ﺗﻘﺴﻴﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ إﱃ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﺘﻤﺎﻳﺰة، وﻣﺘﺼﺎرﻋﺔ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن. ُ ٍ ملﺠﺘﻤﻌﺎت إﻗﻠﻴﻤﻴﱠ ٍﺔ ﻛﺒري ٍة وﻣﺘﻤﺎﻳﺰ ٍة ﰲ أواﺋﻞ ﻣﻼﺣﻈﺔ اﻷد ﱠﻟﺔ ﻋﲆ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺒﴩ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ٌ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﺗﻌﻮد إﱃ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺴﻮﻣﺮﻳﱠﺔ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺴﺠﻼت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ؛ ﻓﺘُ َﺴﺠﱢ ُﻞ ٍ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﱢﺰ »إﺧﻮة أﺑﻨﺎء ﻧﻬ َﺮيْ دﺟﻠﺔ واﻟﻔﺮات ،ﻣﻨﺬ ﻧﺤﻮ ٢٥٠٠ﻋﺎم ﻗﺒﻞ املﻴﻼد، ﺳﻮﻣﺮ« — أوﻟﺌﻚ أﺻﺤﺎب اﻷﺻﻮل اﻟﺴﻮﻣﺮﻳﺔ — ﻋﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ .وﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،ﻛﺎن املﴫﻳﻮن اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻳﻌﺘﱪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔني ﻋﻦ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ »اﻵﺳﻴﻮﻳني« اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻴﺸﻮن ﴍق ﺑﻼدﻫﻢ ،و»اﻟﻨﻮﺑﻴني« اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻴﺸﻮن ﰲ اﻟﺠﻨﻮب. أرﻳﺪ أﻧﺎ اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻛﺎﻣﻮس أن أﻋﺮف ﻣﺎ اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻲ … ﻓﺄﻧﺎ أﺟﻠﺲ ﻫﻨﺎ ﰲ ﻃﻴﺒﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳ ِ َﻘﺘﻄﻊ ﻧﻮﺑﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺟﺰءًا ﻣﻦ أرض ﻣﴫ … ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﺴﺘﻘ ﱠﺮ ﰲ أرﺿﻪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ آﺳﻴﻮيﱞ وآﺧ ُﺮ ﱞ ﻣﻼﺋﻢ ﰲ ﺣني ﺗُﺴ َﻠﺐ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﴐاﺋﺐ ﻳﻔﺮﺿﻬﺎ اﻟﻬﻤﺞ .ﺳﻮف أﺻﺎرع ﻫﺬا اﻵﺳﻴﻮي وأﺑﻘﺮ ﺑﻄﻨﻪ ،وأﺗﻤﻨﻰ أن أﻧﻘﺬ ﻣﴫ وأﺳﺤﻖ اﻵﺳﻴﻮﻳني. ﻣﻦ ﺧﻄﺎب ﻟﻠﻔﺮﻋﻮن ﻛﺎﻣﻮس
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
وﰲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ املﺒﻜﺮة ﰲ ﻓﱰة اﻟﺪول املﺘﺤﺎرﺑﺔ ) ٢٢١–٤٨١ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( ً وﺻﻮﻻ إﱃ ﻓﱰة ﺣﻜﻢ أﴎﺗَﻲ ﺗﺸني وﻫﺎن ) ٢٢١ﻗﺒﻞ املﻴﻼد إﱃ ٢٢٠ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﻮارق ﺗُﺤﺪﱢد ﺑني اﻟﺼﻴﻨﻴني املﺘﻔﻮﻗني ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻔﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﺑني أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﱪوﻧﻬﻢ أﺟﺎﻧﺐَ وﰲ أدﻧﻰ ﻣﺮﺗﺒ ٍﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ؛ وﻳُﺴﻤﱠ ﻮن اﻟ »داي« واﻟ »رون« .وﰲ اﻹﺻﺤﺎح ٌ اﻋﱰاف ﺑﺎﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ واﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻟﻠﺒﴩﻳﺔ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ١٠ﻣﻦ ِﺳ ْﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،ﻫﻨﺎك ﺑﻨﻮ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻣﺎء »اﻟﻐﻮﻳﻴﻢ« أو اﻷﻏﻴﺎر. ﻫﺆﻻء ﺑﻨﻮ ﺳﺎم ﺣﺴﺐ ﻗﺒﺎﺋﻠﻬﻢ ﻛﺄﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﺑﺄراﺿﻴﻬﻢ ﺣﺴﺐ أﻣﻤﻬﻢ )اﻟﻐﻮﻳﻴﻢ( .ﻫﺆﻻء ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺑﻨﻲ ﻧﻮح ﺣﺴﺐ ﻣﻮاﻟﻴﺪﻫﻢ ﺑﺄﻣﻤﻬﻢ )اﻟﻐﻮﻳﻴﻢ(. ﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ٣٢-٣١ :١٠ ،
إﻏﺮﻳﻘﻲ ﻣﺸﱰكٍ ﺑني ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،أ ﱠﻛﺪ املﺆرخ ﻫريودوت ﻋﲆ ﻋِ ْﺮ ٍق ﱟ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني. ﺛﻢ ﻫﻨﺎك ﻋِ ْﺮﻗﻨﺎ اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ املﺸﱰك؛ ﻧﺤﻦ ﻣﺸﱰﻛﻮن ﰲ اﻟﺪم وﻣﺸﱰﻛﻮن ﰲ اﻟﻠﻐﺔ؛ وﺗﻠﻚ اﻷﴐﺣﺔ ﻟﻶﻟﻬﺔ ِﻣ ْﻠ ٌﻚ ﻟﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ؛ اﻹﺳﱪﻃﻴني واﻷﺛﻴﻨﻴني ،وﻫﻨﺎك ً أﻳﻀﺎ ﺗﻀﺤﻴﺎﺗﻨﺎ املﺸﱰﻛﺔ ،وﻋﺎداﺗﻨﺎ ،وﺗﻨﺸﺌﺘﻨﺎ املﺸﱰﻛﺔ. ﻫريودوت» ،اﻟﺘﺎرﻳﺦ«
ﱠ وﻗﺴﻢ أﻓﻼﻃﻮن وأرﺳﻄﻮ اﻟﺒﴩَ إﱃ ﻳﻮﻧﺎﻧﻴني وﺑﺮﺑﺮ؛ واﻟﱪﺑﺮ ﻫﻢ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﱪﺑﺮﻳﺔ ﻧﻮع املﻨﺤﺪرة ﻣﻦ آﺳﻴﺎ اﻟﺼﻐﺮى .ورﺑﻤﺎ ﻳﻌﻮد أﺻﻞ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ »ﺑﺮﺑﺮ« إﱃ ٍ ﻣﻦ املﺤﺎﻛﺎة اﻟﺼﻮﺗﻴﺔ ِﻟ ﱡﻠﻐﺔ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮب املﻨﺤﺪرة ﻣﻦ آﺳﻴﺎ اﻟﺼﻐﺮى ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻏري ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﻟﻠﻴﻮﻧﺎﻧﻴني .ﻏري أﻧﻪ ﰲ أﻋﻘﺎب اﻟﺤﺮوب اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﻣﻊ ﺑﻼد ﻓﺎرس، ُ ً ِ ﻟﺼﻴﻘﺔ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ﰲ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻨﺎ ملﺼﻄﻠﺢ اﺣﺘﻘﺎر ﻻ ﺗﺰال اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻧﱪ َة اﻛﺘﺴﺒﺖ ٍ »ﺑﺮﺑﺮي« .وﻋﻼوة ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وﺻﻒ أﻓﻼﻃﻮن ﰲ وﺻﻔﻪ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ املﺜﺎﻟﻴﺔ ً أﻟﻔﺔ ﻣﻌﻴ ًﱠﻨﺔ ﺗﺮﺑﻂ ﺑني ﺟﻤﻴﻊ ﻣَ ﻦ ُو ِﻟﺪوا ﻳﻮﻧﺎﻧﻴني ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻳﻨﺤﺪرون ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ .وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﱪﺑﺮ ﻟﻴﺴﻮا ﻓﻘﻂ ﻣﺠﺮد أﺟﺎﻧﺐ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻢ ً أﻳﻀﺎ أﻋﺪاؤﻫﻢ ﺑ »اﻟﻔﻄﺮة«. 10
املﺸﻜﻠﺔ أؤﻛﺪ أن اﻟﺠﻨﺲ اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ — ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺬاﺗﻪ — ﻫﻮ ذاﺗﻪ )ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻨﺘﻤﻮن ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ( ﻣﺘﺠﺎﻧﺲ وﻣﺘﻤﺎﺛﻞ ،وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻟﱪﺑﺮ ،ﻫﻮ أﺟﻨﺒﻲ وﻏﺮﻳﺐ؛ ﻟﺬا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﺎﺗﻞ اﻹﻏﺮﻳﻖ اﻟﱪﺑﺮ ﺣﺮب ،وأﻧﻬﻢ أﻋﺪاء ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة. وﻳﻘﺎﺗﻞ اﻟﱪﺑﺮ اﻹﻏﺮﻳﻖ ،ﻧﺆﻛﺪ أﻧﻬﻢ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ٍ أﻓﻼﻃﻮن» ،اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ«
اﺳﺘﺨﺪم أﻓﻼﻃﻮن ﻣﺼﻄﻠﺢ ،génosاﻟﺬي ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺠﻨﺲ ،ﻟﻺﺷﺎرة إﱃ ﻫﺬه اﻷُﻟﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ﻣﻌً ﺎ ﺟﻤﻴ َﻊ ﻣﻦ وُﻟﺪوا ﻳﻮﻧﺎﻧﻴني .ﻓﻤﺎ ﺳﻤﺔ ﺗﻠﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت املﻮﺻﻮﻓﺔ ﺑﻤﺼﻄﻠﺤﺎت ﻣﺜﻞ املﺼﻄﻠﺢ اﻟﻌﱪي اﻟﺘﻮراﺗﻲ ] gôyوﻳﻌﻨﻲ »أﻣﺔ«[ واملﺼﻄﻠﺢ اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ génos؟ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎملﻴﻼد ﰲ إﻗﻠﻴ ٍﻢ ﻣﺎ ،وﻫﻨﺎك ارﺗﺒﺎط ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ﺑني أﻓﺮادﻫﺎ ،ﺑﺄي ﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻘﺮاﺑﺔ .ﻓﻬﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ »أﻣﻤً ﺎ«؟ ٌ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ أﺧﺮى ﻻ ﺗﺰال ﻫﺬه اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت — ﺣﻴﺚ ﺗُﻤﻴﱢﺰ وﺗُﻌﺎرﺿﻬﺎ — ﻣﺴﺘﻤ ﱠﺮ ًة ﺣﺘﻰ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﴩﻳﻦ؛ ﻓﻜ ﱞﻞ ِﻣﻦ اﻟﺸﻴﺸﺎﻧﻴني واﻷوﻛﺮاﻧﻴني ﻳﻌﺘﱪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔني ﻋﻦ اﻟﺮوس؛ واﻷﻛﺮاد ﻳُﻤﻴﱢﺰون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻦ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ً ﻣﻨﻔﺼﻼ ﻋﻦ اﻟﺼني؛ واﻧﻔﺼﻞ اﻟﺴﻠﻮﻓﺎﻛﻴﻮن اﻟﻌﺮاﻗﻴني واﻷﺗﺮاك؛ وﻳﻠﺘﻤﺲ اﻟﺘﺎﻳﻮاﻧﻴﻮن ﻛﻴﺎﻧًﺎ ِ ﻣﻨﻔﺼ َﻠﺘَ ْني؛ وﻳﻌﺘﱪ اﻟﺒﻌﺾ أن ﺑﻌﺾ ،ﻣﻜﻮﱢﻧني دوﻟﺘَ ْني ﻗﻮﻣﻴﱠﺘَ ْني واﻟﺘﺸﻴﻜﻴﻮن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻦ ٍ ﻛﺸﻤري ﻟﻴﺴﺖ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﻬﻨﺪ؛ وﻏري ذﻟﻚ .وﻳﻬﺪف ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب إﱃ دراﺳﺔ ﻧﺰﻋﺔ اﻟﺒﴩ ﻫﺬه ﺑﻌﺾ وﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﺘﻤﺎﻳﺰة ﻧُﺴﻤﱢ ﻴﻬﺎ أﻣﻤً ﺎ. إﱃ ﻓﺼﻞ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻦ ٍ ً وﺑﻌﺪ أن أدرﻛﻨﺎ ﻫﺬا ،ﻻ ﺑﺪ أن ﻧُﻘِ ﱠﺮ ً ﻧﺰﻋﺔ أﺧﺮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ُﻈﻬﺮون أﻳﻀﺎ ﺑﺄن اﻟﺒﴩ ﻳ ِ ﻳﻨﺨﺮﻃﻮن ﰲ أﻧﺸﻄﺔ ﻻ ﻳﻬ ﱡﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﺎن آﺑﺎؤﻫﻢ ،أو أﻳﻦ وُﻟﺪوا ،أو ﻣﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻧﻬﺎ. ﻫﺬه اﻷﻧﺸﻄﺔً ، ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﺗﺆ ﱢﻛﺪ ﻋﲆ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت واﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت ﺑني اﻟﺒﴩ ،ﺗﺠﻤﻊ ﺑني اﻟﻨﺎس وﺗﻘ ﱢﺮﺑﻬﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻳﻨﺸﻐﻞ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﻔﻬﻢ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻜﻮن؛ ﻣﺜﻞ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻀﻮء .ﻓﺎﻟﻀﻮء ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻴﺲ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳٍّﺎ أو ﻓﺮﻧﺴﻴٍّﺎ أو أملﺎﻧﻴٍّﺎ؛ وﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﻣﻨﻬﺞٌ ﻋﻠﻤﻲ إﻧﺠﻠﻴﺰي أو ﻓﺮﻧﴘ أو أملﺎﻧﻲ؛ ﻫﻨﺎك ﻋﻠﻢ ﻓﺤﺴﺐ .واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﻋﻠﻤﻲ ﱞ ﻋِ ْﺮﻗﻲ أو ﻗﻮﻣﻲ ﻣﻔﱰض — ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻋﻨﺪﻣﺎ أﴏﱠ اﻟﻨﺎزﻳﻮن ﻋﲆ وﺟﻮد »ﻋﻠﻢ آري« — ﻫﻮ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إدﺧﺎل اﻋﺘﺒﺎرات ﻻ ﻣﻜﺎن ﻟﻬﺎ ﰲ ﻓﻬﻢ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻜﻮن .وﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺒﺎرزة اﻷﺧﺮى ﻋﲆ اﻷﻧﺸﻄﺔ واملﻔﺎﻫﻴﻢ املﺘﻤﺎﺛﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﺒﴩ ﻣﻌً ﺎ ُ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ واﻟﺘﺠﺎرة .وﻓﻮق ﻫﺬا ،ﻓﻌﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﺳﻌﺖ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺎت اﻟﻜﱪى، ﻣﺜﻞ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ واﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،إﱃ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﻬﺎ 11
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻛﺒﺪﻳﻞ ﺳﻴﺎﳼ ﻟﻸﻣﻢ .وﻫﻜﺬا ،ﰲ ﺣني ﻳﻌﺘﱪ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﻓﺮدًا ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻷﻣﱠ ﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻌﺘﱪ ﻧﻔﺴﻪ ً أﻳﻀﺎ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ. َ ﻧﺰوع اﻟﺒﴩ إﱃ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ دراﺳﺔ إذا ﻛﺎن اﻟﻔﺤﺺ اﻟﻮاﺟﺐ ﻟﺴﺆال »ﻣﺎ اﻷﻣﺔ؟« ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ ِ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ،ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﻔﺤﺺ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳَﻨﻈﺮ ﺑﻌني اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻸﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻮَﺣﱢ ﺪ اﻟﺒﴩﻳﺔ. واﻹﺧﻔﺎق ﰲ ﻫﺬا ﻟﻦ ﻳﺆدي إﻻ إﱃ إﺳﺎءة ﻓﻬﻢ أﻫﻤﻴﺔ اﻷﻣﻢ ﰲ اﻟﺸﺌﻮن اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .ودراﺳﺔ ﻫﺬه اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻟﻸﻣﻢ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺤﻮر ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب .إﻧﻨﺎ ﻣَ ﻌْ ِﻨﻴﱡﻮن ﻫﻨﺎ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء ﺑﺎﻟﺴﺆال »ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺨﱪﻧﺎ ﺑﻪ وﺟﻮد اﻷﻣﻢ ﻋﻦ اﻟﺒﴩ؟« ﻗﺒﻞ أي ﳾء آﺧﺮ .وﻟﻜﻦ ﻣﺎ اﻷﻣﺔ؟ وﻣﺎ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ؟ ٍ ﻛﻤﺮادف ملﺼﻄﻠﺢ »أُﻣﱠ ﺔ«؛ ﺧﺎﻃﺊ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻛﺜريون ﻣﺼﻄﻠﺢَ »ﻗﻮﻣﻴﺔ« ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ٍ ﻓﺎﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺗﺸري إﱃ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻌﺘﻘﺪات ﺑﺸﺄن اﻷﻣﺔ ،وأيﱡ أُﻣﱠ ٍﺔ ﺗﻀﻢ آراءً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺸﺄن ٌ ٌ ٌ وﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺔ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ، ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﺷﺨﺼﻴﺘﻬﺎ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ،ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك داﺋﻤً ﺎ ﻷي أﻣﺔ وﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﱢ ﺗﻌﱪ ﺗﻠﻚ املﻌﺘﻘﺪات ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ ﺻﻮرة اﺧﺘﻼﻓﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ .ﻓﺎﻟﺒﻌﺾ ﻗﺪ ﻳﺮون أن أُﻣﱠ ﺘﻬﻢ ﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ،ﰲ ﺣني ﻗﺪ ﻳﻜﻮن آﺧﺮون ﻣﺴﺘﻌﺪﻳﻦ ﻟﻠﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻷﻣﻦ .اﻟﺒﻌﺾ ﻗﺪ ﻳﺮﺣﱢ ﺐ ﺑﺎملﻬﺎﺟﺮﻳﻦ وﻳﺆﻳﺪ ﺳﻴﺎﺳﺎت ﺗﺴﻬﱢ ﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﺤﻮﱡﻟﻬﻢ إﱃ ﻣﻮاﻃﻨني ،ﰲ ﺣني ﻗﺪ ﻳﻜﻮن آﺧﺮون ﻣﻌﺎدﻳﻦ ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻬﺠﺮة .وﻟﻨﺄﺧﺬْ ً ﻣﺜﺎﻻ آﺧﺮ: ﱢ ﻣﺘﻌﺼﺒﺔ ﺗﺄﻣﱠ ﻞ اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﺪاﺋﺮة اﻵن ﰲ اﻟﻬﻨﺪ؛ ﻓﺒﻌﺾ أﻓﺮاد ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ رؤﻳﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﻟﺒﻼدﻫﻢ ﺑﺈﴏارﻫﻢ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن ﺑﻬﺎ دﻳﺎﻧﺔ واﺣﺪة ﻓﻘﻂ ﻫﻲ اﻟﻬﻨﺪوﺳﻴﺔ؛ ﰲ ﺣني ﻳﻈﻦ آﺧﺮون أﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺣﺮﻳﺔ اﻋﺘﻘﺎد ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮن ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني واﻟﺴﻴﺦ ٌ ٌ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﻢ أﻓﺮادًا ﻳﻨﺘﻤﻮن ﻟﻸﻣﺔ. ﺣﻘﻮق واملﺴﻴﺤﻴني ﻣﺎ ﻳُﻤﻴﱢﺰ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻫﻮ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻷﻣﺔ ﻫﻲ اﻟﻬﺪف اﻷوﺣﺪ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺴﻌﻲ وراء ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ؛ وﻫﻮ ﺗﺄﻛﻴ ٌﺪ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﺆدﱢي إﱃ اﻻﻋﺘﻘﺎدِ ﺑﺄن اﻷُﻣﱠ ﺔ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ وﻻءٍ ﻣﻄﻠﻖ ﻻ ﻧﻘﺎش ﻓﻴﻪ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳ َُﺴﻮد ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺸﺄن اﻷﻣﺔ ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻬﺪﱢد اﻟﺤﺮﻳﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ. وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻓﺈن اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﺗﺆ ﱢﻛﺪ ﻋﲆ أن اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى أﻋﺪاءٌ أ ِﻟﺪﱠاءُ ﻟﻸﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ املﺮء؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺰرع اﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ ﺗﺠﺎه ﻛ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻳ َ ُﻌﺘﱪ أﺟﻨﺒﻴٍّﺎ؛ ﺳﻮاء أﻛﺎن أﻣﺔ أﺧﺮى ،أو ﺷﺨﺼﺎ ﻳﺪﻳﻦ ﺑﺪﻳﺎﻧﺔ أﺧﺮى أو ﻳﺘﺤﺪث ً ً ﻟﻐﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﴬورة ﻣﻬﺎﺟ ًﺮا ،أو أن ﻳﻨﻈﺮ املﺮء إﱃ أﻣﺘﻪ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ. ﻋﲆ ﻧﻘﻴﺾ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ،ﻓﺈن اﻷﻣﺔ ﻫﻲ ﻧﻮع ﻣﻌني ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت .وﻟﻜﻦ أيﱡ ﻧﻮع ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت؟ ﺳﻨﺤﺎول اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﱄ. 12
املﺸﻜﻠﺔ
ﻏري أن ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻣﺎ ﻧﻌﻨﻴﻪ ﺑﻤﺼﻄﻠﺤَ ﻲ »اﻷﻣﺔ« و»اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ« ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أوﺳﻊ ،وﺗﻨﺎوُل املﺴﺎﺋﻞ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ أﺛﺮﻧﺎﻫﺎ ﺑﺈﻳﺠﺎز ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ،أﻣ ٌﺮ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﻣﺸﻜﻼت أﺧﺮى ذات ﺻﻠﺔ؛ ﻣﺜﻞ :ﻣﺎ اﻟﻌَ ﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؟ ﻣﺎ اﻹﻗﻠﻴﻢ؟ ﻣﺎ اﻟﻘﺮاﺑﺔ؟ ﻫﻨﺎك ً أﻳﻀﺎ املﺴﺎﺋﻞ املﺘﻌ ﱢﻠﻘﺔ ﺑﻈﻬﻮر اﻷﻣﻢ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻋﻼﻗﺔ اﻷﻣﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ ،وﻧﺰﻋﺔ اﻟﺒﴩ إﱃ ﺗﻘﺴﻴﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ إﱃ أﻣﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وﺳﻮف ﻧﺘﻨﺎول ﻛﻞ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺴﺎﺋﻞ ﰲ اﻟﻔﺼﻮل اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ.
13
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻣﺎ ا ُﻷ ﱠﻣﺔ؟
إﻗﻠﻴﻤﻲ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﺤﻞ املﻴﻼد«؛ ﻓﺎملﺮءُ ﻳُﻮﻟﺪ ﺟﺰءًا ﻣﻦ أُﻣﱠ ﺔ .واﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌ َﺰى »اﻷُﻣﱠ ﺔ ﻫﻲ ﻣﺠﺘﻤ ٌﻊ ﱞ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ املﺘﻌ ﱢﻠﻘﺔ ﺑﺎملﻴﻼد ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻨﺎء اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ املﺘﻄﻮﱢر ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ملﺠﺘﻤﻊ اﻷﻣﺔ اﻟﺜﻘﺎﰲ ،ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ اﻷﻣﺔ أﺣﺪ اﻷﺷﻜﺎل املﺘﻌﺪﱢدة ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻘﺮاﺑﺔ .وﻫﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻣﺜﻞ اﻷﴎة ،ﺑﺴﺒﺐ املﺮﻛﺰﻳﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ .وﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻷﺧﺮى، ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ أو اﻟﺪول املﺪن أو اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﰲ اﻻﺗﺴﺎع اﻷﻛﱪ ﻷراﺿﻴﻬﺎ، وﻟﻜﻦ ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ املﻮﺣﱠ ﺪة ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻬﺎ اﻻﺳﺘﻘﺮار؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ.
دراﺳﺔ ﻣﺘﺄﻧ ﱢ ً ً ﻴﺔ. ﻫﻨﺎك ﻋﺪ ٌد ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻟﻸﻣﺔ ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ اﻟﺰﻣﻦ واﻟﺬﻛﺮﻳﺎت واﻹﻗﻠﻴﻢ ً ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ ﻟﺬا ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻦ ﻏري ﺗﻈﻬﺮ اﻷﻣﻢ ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ ٍ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺤﺪﱠد ٍة ﻟﻈﻬﻮر أيﱢ أُﻣﱠ ﺔ إﱃ اﻟﻮﺟﻮد ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻠﻌﺔ ا ُملﺠْ ﺪي أن ﻧﺤﺎول ﺗﻌﻴني ً ٌ أﺳﻼف ﻛﺎﻓﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﺼﻨﱠﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﻤﻴﻢ أﺣﺪ املﻬﻨﺪﺳني .دﻋﻮﻧﺎ ﻧﺒﺤﺚ أﺳﺒﺎب ﻫﺬا .اﻷﻣﻢ ﻣﺪن أو ﻣﻤﺎﻟ َﻚ .وﺗﻠﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺳﺒﻖ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ﻫﻲ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﺎﺋ َﻞ أو دو َل ٍ ﻋﻨﺎﴏ ﻣﻬﻤﺔ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﻢ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻧﺸﺄت اﻷﻣﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺴﺎﻛﺴﻮن واﻷﻧﺠﻞ واﻟﻨﻮرﻣﺎن اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ،ﻏري أن ﻫﺬه اﻷﺳﻼف اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻗ ﱡ ﻂ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻣﺠﺮدة؛ ﻷن أﺳﺎس وﺟﻮد اﻷﻣﺔ ﻫﻮ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺸﺎرﻛﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ ﻋﻦ ﻣﺎﴈ أﻣﺘﻬﻢ ،وﻋﻦ ﺗﻠﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ.
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﺔ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ِﻟﺘُﻮﺟَ ﺪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎك ذﻛﺮﻳﺎت ﻋﻦ املﺎﴈ؛ ﻣﺜﻞ ذﻛﺮﻳﺎت اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻣﴫ ،واﻟﻨﺒﻲ ﻣﻮﳻ وﺛﻌﺒﺎﻧﻪ اﻟﱪوﻧﺰي )اﻟﺬي ﺣُ ﻔِ ﻆ ﰲ ﻣﻌﺒﺪ اﻟﻘﺪس ﺣﺘﻰ ﻋﻬﺪ املﻠﻚ ﺣﺰﻗﻴﺎ ) ٦٨٦–٧١٤ﻗﺒﻞ املﻴﻼد(( ،وذﻛﺮﻳﺎت ﺣُ ﻜﻢ اﻟﻨﺒﻲ داود واﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎن .وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻣﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻟﺘُﻮﺟَ ﺪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎك ذﻛﺮﻳﺎت ﻋﻦ املﻠﻚ أﻟﻔﺮﻳﺪ اﻟﺴﺎﻛﺴﻮﻧﻲ ) ٨٩٩–٨٤٩ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( و»اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺼﺎﻟﺢ«. وﺑﺎملﺜﻞ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻋﻦ أﴎة اﻟﺒﻴﺎﺳﺖ وﻣﻤﻠﻜﺘﻬﻢ )ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺎﴍ ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ املﻴﻼدي( ﻣﻦ املﻜﻮﱢﻧﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ وراء ﻇﻬﻮر اﻷﻣﺔ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻋﻦ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻳﺎﻣﺎﺗﻮ )ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﺣﺘﻰ اﻟﺴﺎﺑﻊ املﻴﻼدي( وﻋﺒﺎدﺗﻬﻢ ﻹﻟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺲ »أﻣﺎﺗرياﺳﻮ« ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﻳﺴﻪ ،ﻣﻦ ﻣﻜﻮﱢﻧﺎت اﻷﻣﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ. ً ُ دﻗﻴﻘﺔ ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ؛ وﻣﺜﺎل ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻔﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻗﺪ ﻻ ﺗﻜﻮن ُ اﻟﻠﻌﻨﺎت اﻟﻌَ ْﴩ اﻟﻮاردة ﰲ رواﻳﺔ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ﻋﻦ ﺧﺮوﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﴫ ،أو أن اﻹﻣﱪاﻃﻮر َ َ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺳﻠﻴﻞ أﻣﺎﺗرياﺳﻮ .وﻟﻜ ﱢﻞ أﻣﺔ ﻓﻬْ ﻤُﻬﺎ اﻟﺨﺎص ملﺎﺿﻴﻬﺎ املﻤﻴﺰ ،وﻫﻮ ﻓﻬْ ٌﻢ ﻳُﻨﻘﻞ ﻣﻦ ً ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺧﻼل اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻟﺨﺮاﻓﺎت واﻟﺘﺎرﻳﺦ .وﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أم ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗُﺴﻬﻢ ﰲ ﻓﻬﻢ اﻟﺤﺎﴐ اﻟﺬي ﻳﻤﻴﺰ أﻣﺔ ﻋﻦ أﺧﺮى .ﻫﺬا اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺰﻣﻨﻲ — ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸ ﱢﻜﻞ ﻓﻬﻢ املﺎﴈ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﺤﺎﴐ — ﻫﻮ ﻃﺎﺑﻊ ﻳﻤﻴﱢﺰ اﻷﻣﻢ وﻳﺴﻤﱠ ﻰ »اﻟﻌﻤﻖ اﻟﺰﻣﻨﻲ«. ﻫﺬه اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﺗﺸ ﱢﻜﻞ ً أﻳﻀﺎ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮم املﺮء ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ .ﻓﻤﻊ ﺗﻄﻮﱡر ﻋﻘﻞ اﻟﻔﺮد ﰲ إﻃﺎر ﺳﻴﺎﻗﺎت ﻋﺪﻳﺪة ،ﻣﺜﻞ اﻷﴎة أو املﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻓﻤﺜﻼ ،ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻢ اﻟﻄﻔﻞ أن ﻳﺘﻜ ﱠﻠﻢ َ ً ﻟﻐﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻌﺪﻳﺪة املﺘﻘ ﱢﻠﺒﺔ »املﺘﺎﺣﺔ« أﻣﺎﻣﻪ. أُﻣﱠ ﺘ ِِﻪ وﻳﺘﻌ ﱠﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻴﻪ اﻧﺘﻤﺎؤه ﻟﻬﺬه اﻷﻣﺔ ً وﻓﻘﺎ ملﺎ ﺗﻤﻠﻴﻪ ﻋﺎداﺗﻬﺎ وﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ .ﺗﻨﺪﻣﺞ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدات ﰲ ﻓﻬﻢ اﻟﻔﺮد ﻟﺬاﺗﻪ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدات اﻟﺘﻲ ﺗﺸ ﱢﻜﻞ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮم ً ﻣﺸﱰﻛﺔ ﺑني أﻓﺮاد آﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻣﻬﻢ ﻋﻦ ذاﺗﻬﻢ ،ﻳﺼﺒﺢ املﺮء ﻋﻦ ذاﺗﻪ اﻟﻔﺮد ﻣﺮﺗ ِﺒ ً وﻣﺪر ًﻛﺎ ﻟﺬﻟﻚ اﻻرﺗﺒﺎط ،وﺗﺼﺒﺢ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ — ﻣﺜﻞ ﻄﺎ ﺑﻬﺆﻻء اﻵﺧﺮﻳﻦ، ِ اﻟﻌﻴﺶ ﰲ ﻧﻔﺲ املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ أو اﻟﺘﺤﺪﱡث ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻠﻐﺔ — ﻫﻲ املﻘﺼﻮدة ﺑﻤﺼﻄﻠﺢ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ ﺟﻤﺎﻋﻲ أو ﺣﺎل وﺟﻮ َد ٍ »اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ« .وﻫﺬا املﺼﻄﻠﺢ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺄي ٍ ٍ ٍ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻐﺮاﺋﺰ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،وﻛﺄن اﻟﺒﴩ ﻋﺒﺎر ٌة ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮ ٍة ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻞ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺸري إﱃ ْ ٍ ﻧﺘﺠﺖ ﻋﻦ اﺷﱰاك ﻫﺆﻻء اﻷﻓﺮاد ﰲ ﻧﻔﺲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﱠ ٍﺔ ﻟﻜ ﱢﻞ ﻓﺮ ٍد ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ. 16
ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟
ﺷﻜﻞ :1-2اﻟﴬﻳﺢ اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻹﻟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ أﻣﺎﺗرياﺳﻮ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﻳﺴﻪ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﱰك ﻫﺆﻻء اﻷﻓﺮاد ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،وﻳﻌﺘﱪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ً أﻳﻀﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔني ﻋﻤﱠ ﻦ َ ﻣﻌﺘﻘ ٌﺪ ﻣﺸﱰك ﻣﺤﺪد ذاﺗﻴٍّﺎ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »وﻋﻴًﺎ ﻻ ﻳﺸﱰﻛﻮن ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻳﺼﺒﺢ ﻫﻨﺎك ذاﺗﻴٍّﺎ ﺟﻤﻌﻴٍّﺎ«؛ أي ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻤﻴﺰة .ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ أو اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﺗُﻤﻴﱢﺰ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻋﻦ أي ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ أﺧﺮى؛ وﺗﻠﻚ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﻫﻲ ﺣﺪود اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺄن ﻧُﻤﻴﱢﺰ »ﻧﺤﻦ« ﻋﻦ »ﻫﻢ« .وﺑﺎﻟﻌﻮدة إﱃ أﻣﺜﻠﺘﻨﺎ ،ﻓﺈن أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺒﻠﻮن ﺗﻘﻠﻴﺪ ﺧﺮوج ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ﻣﻦ ﻣﴫ — وﺑﻘﺒﻮﻟﻬﻢ ﻫﺬا ﻳﺸﱰﻛﻮن ﻓﻴﻪ — ﻳﻤﻴﺰون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻦ ﻏريﻫﻢ ﻣﻤﻦ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮن ﻫﺬا .وأوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺒﺪون إﻟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ أﻣﺎﺗرياﺳﻮ ﻳﻤﻴﺰون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻤﱠ ﻦ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ .وأوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻜ ﱠﻠﻤﻮن ً ﻟﻐﺔ ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ ﻳﻌﺘﱪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ً ﻣﺨﺘﻠﻔني ﻋﻤﻦ ﻳﺘﻜ ﱠﻠﻤﻮن ً ذاﺗﻲ وﻋﻲ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ» .اﻷﻣﺔ إذن ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻟﻐﺔ ﱞ ٌ ﺟﻤﻌﻲ«. ﱞ ﻫﺬا اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ املﺸﱰك املﻤﻴﺰ ﻳﺘﻢ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻨﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎت اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻟﻸﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻮن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻬﺬه اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎت؛ وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ُ املﻼﺑﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ املﺮء ،أو اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﻳُﻐﻨﱢﻴﻬﺎ ،أو اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺪﱠث ﺑﻬﺎ ،أو ﻫﺬا 17
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ٌ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻋﺪﻳﺪة؛ ﻣﺜﻞ ﻣﻌﺒﺪ اﻟﻘﺪس ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺪﱢﻳﻦ اﻟﺬي ﻳﺪﻳﻦ ﺑﻪ .وﺗﺪﻋﻢ ﻫﺬا َ إﴎاﺋﻴﻞ ،أو ﴐﻳﺢ إﻟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻴﺎﺑﺎن ،أو اﻟﱪملﺎن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ إﻧﺠﻠﱰا. ﱢ وﺗﻮﻓﺮ وﻫﺬه املﺆﺳﺴﺎت ﺗﺤﻤﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ، ً ﻫﻴﻜﻼ ﻟﻸﻣﺔ .وﻫﻜﺬا ،ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ اﻷﻣﺔ ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﻣﺸﱰﻛﺔ ﻣﺤﺪﱠدة ﺗﻠﻚ املﺆﺳﺴﺎت ذاﺗﻴٍّﺎ ،ﻟﻬﺎ ﻫﻴﻜ ٌﻞ ﻛﻬﺬا. ﺑﻤﺎض ﻣﻤﻴﺰ ،ﺑﻞ ﺑﻤﺎﴈ ﻏري أن اﻷﻣﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﻻ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﻓﻘﻂ ٍ املﻮﻗﻊ املﻜﺎﻧﻲ .ﻓﺤﻴﺜﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺗﺮﻛﻴ ٌﺰ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻷﻓﺮاد ،ﻳﺼﺒﺢ املﻜﺎ ُن َ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ﻳﻌﺘﱪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﺮﺗﺒﻄني ﺑﺎﻷﻓﺮاد أﺳﺎس اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني ﺷﺨﺺ وآﺧﺮ .ﻓﻘﺎﻃﻨﻮ ٍ ً ﻣﺮﺟﻌﻴﺔ ﻟﺬﻟﻚ املﻜﺎن .ﻫﻜﺬا ﻻ ﻳﺼﺒﺢ املﻜﺎن ﻣﺠﺮد ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳ َﺮوْن ﰲ ﻓﻬﻤﻬﻢ ﻟﺬاﺗﻬﻢ ﰲ اﻟﻔﻀﺎء ،ﺑﻞ ﻳﺼﺒﺢ ذا ﻣﻌﻨًﻰ؛ ﻳﺼﺒﺢ إﻗﻠﻴﻤً ﺎ .ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﺪور ﻫﺬا اﻟﻔﻬﻢ ﻟﻠﺬات ﺣﻮل ﻄﺎ ﺑﺄوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ُو ِﻟﺪوا ً ﻧﻔﺴ ُﻪ ﻣﺮﺗﺒ ً املﻴﻼد ﰲ إﻗﻠﻴ ٍﻢ ﻣﺎ ،وﺑﻬﺬا ﻳﻌﺘﱪ املﺮءُ َ أﻳﻀﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﺲ اﻷرض ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا وُﻟﺪوا ﻗﺒﻞ زﻣﻨﻪ .وﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻬﺬه ،ﺗﻮﺟﺪ ﺷﻌﻮب ﺗﺸ ﱠﻜﻠﺖ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ وﻳُﻌﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ و ُِﺟ ْ ﺪت ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ؛ وﻫﺬا ﻫﻮ املﻘﺼﻮد ﺑﻤﺼﻄﻠﺢ ُ ملﺼﻄﻠﺢ ﻳﺸري إﱃ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻹﻗﻠﻴﻢ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻐﻴري ٍ »اﻷﻣﱠ ﺔ« .ﻳﺘﻢ ﻧﻘﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ٍ وﺳﻜﺎﻧﻪ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﻣﺜﻞ إﻧﺠﻠﱰا :إﻧﺠﻠﻴﺰي ،ﻓﺮﻧﺴﺎ :ﻓﺮﻧﴘ ،أملﺎﻧﻴﺎ :أملﺎﻧﻲ ،ﻛﻨﺪا: ﻛﻨﺪي ،ﻛﺮدﺳﺘﺎن )اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺣﺮﻓﻴٍّﺎ »أرض اﻷﻛﺮاد«( :ﻛﺮدي ،وﻫﻜﺬا .وﻫﺬا اﻟﺘﻐﻴري ﻳﺸري إﱃ املﻔﻬﻮم اﻟﺘﺎﱄ :ﺷﻌﺐٌ ﻟﻪ ُ ٌ وأرض ﻟﻬﺎ ﺷﻌﺒُﻬَ ﺎ .واﻷُﻣﱠ ﺔ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻬﺎ أرﺿﻪُ، ٌ ٌ وأرض ذات ﺣﺪود. ﻋﻤﻖ زﻣﻨﻲ، وﻓﻌﻞ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ املﺎﴈ وادﱢﻋﺎء ﺣﻖ ﻣﻠﻜﻴﺘﻪ ﻫﻮ وﻣﻜﺎﻧﻪ ،ﻫﻮ ﻣﺎ ﱢ ﻳﺆﺳﺲ ﻟﻼﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﺑني املﺎﴈ وﻣﻮﻗﻌﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ،واﻟﺤﺎﴐ وﻣﻮﻗﻌﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ .وﻫﺬه اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﺗُﻌﺘﱪ ﺗﱪﻳ ًﺮا ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﺤﺎﱄ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗُﺮى ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺗﺤﺘﻮي ﺑﺎﻟﴬورة ﻋﲆ ذﻟﻚ املﺎﴈ. ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺧﻼل ﺑﻮاﻛري اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻛﺎن اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد ﻳﻌﺘﻘﺪون أن دوﻟﺔ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻬﺎ وﺟﻮ ٌد إﻻ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﴍق اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ؛ ﻷن ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ و ُِﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎﺿﻴﻬﻢ؛ أي دوﻟﺔ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .واﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﻳﻘﺪﱢم ﻓﻬﻤً ﺎ ﻟﻠﺬات وﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮل املﺮء» :أﻧﺎ إﻧﺠﻠﻴﺰي«، ﻓﺈﻧﻪ ﻳُ ِﻘ ﱡﺮ ،رﺑﻤﺎ ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻮال ،ﺑﺎﻣﺘﻼك اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ املﺮء إﻧﺠﻠﻴﺰﻳٍّﺎ؛ ﻣﺜﻞ أﻧﻪ ُو ِﻟﺪ ﰲ إﻗﻠﻴﻢ إﻧﺠﻠﱰا. 18
ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟
ﺴﻬﻢ ﰲ ﺧﻠﻖ ﺻﻮرة اﻟﻔﺮد ﻋﻦ ﻏري أن اﻟﺴﻤﺎت — واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ — اﻟﺘﻲ ﺗُ ِ ذاﺗﻪ ﻛﺜري ٌة وﻣﺘﻨﻮﻋﺔ .ﻓﺒﺎﻟﻄﺒﻊ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺬات ،واﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻬﺎ املﺮء ،ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﻜﻮﻧﻪ ﻓﺮدًا ﰲ أﻣﺔ؛ ﻓﺈذا ﻛﺎن املﺮءُ ﻋﺎﻟِﻤً ﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺮى ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻳﺸﺎرك ﰲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻋﺎملﻲ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎء ﻳﺴﻌﻰ وراء ﻓﻬﻢ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ أو اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ أو اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ،وإذا ﻛﺎن ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺪﻳﺎﻧﺔ ﺗﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻋﺎملﻴﺔ ﻣﺜﻞ املﺴﻴﺤﻴﺔ أو اﻹﺳﻼم ،ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ُ اﻟﺒﴩ ﻧﺰﻋﺔ ﻳﺮى ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺮدًا ﰲ أﺧﻮة ﻋﺎملﻴﺔ .ﻏري أﻧﻪ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻟﻮﺟﻮد اﻷﻣﺔ، ِ إﱃ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﺘﻤﺎﻳﺰة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ،وﻛﻞ واﺣ ٍﺪ ﻣﻦ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻳﻘﻮم ﻋﲆ أﺳﺎس ﻟﻮﻋﻲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪه اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﻠﺼﻠﺔ ﺑني املﺎﴈ واﻟﺤﺎﴐ؛ »ﻓﺎﻷُﻣﱠ ﺔ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ٍ ﺟﻤﻌﻲ ﻟﻔﱰة زﻣﻨﻴﺔ ﻓﻌﻠﻴﺔ وﺗﺨﻴﱡﻠﻴﺔ«. ذاﺗﻲ ﱟ ﱟ اﻷﻣﺔ واﻟﻘﺮاﺑﺔ واملﺠﺘﻤﻊ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻷُﻣﱠ ﺔ ﺗﺪﻋﻢ اﻻﻋﺘﻘﺎ َد ﰲ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺘﻬﺎ؛ ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك أﺷﻜﺎ ٌل أُﺧﺮى ﻟﻔﻬ ِﻢ ٍ ﻓﻤﻦ املﻤﻜﻦ ﻓﻬ ُﻢ اﻷﻣﺔ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﻨﻈﺎم اﻟﻜﻮن اﻷﺑﺪي ،واملﺴﺘﻤﺮ ﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر ٌ أرض ﻣﻘﺪﱠﺳﺔ ذﻟﻚ ﻋﺎد ًة ﻣﻦ ﻓﻌﻞ اﻵﻟﻬﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺴﻨﻬﺎﱄ ﺑﺄن ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ﻫﻲ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﻔ ﱢﺮ ٍد ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ً أرﺿﺎ ﺑﻮذﻳﺔ؛ وذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ أﻓﻌﺎل ﺑﻮذا ﻋﲆ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،أو أن ﻋﲆ ٍ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﱢ ﺗﺠﺴﺪ ﻧﻈﺎم اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌ َﻠ ٌﻦ ﰲ إﻋﻼن اﻻﺳﺘﻘﻼل َ ﻻﻧﺤﺪار ﻣﻔﱰ ٍَض ﻣﻦ َﺳﻠ ٍﻒ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ .ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﻌﺘﻘﺪ أن اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻷﻣﺔ ﻫﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ٍ ﻣﺸﱰك؛ وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ذﻟﻚ اﻋﺘﻘﺎد ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ أﻧﻬﻢ ﻳﻨﺤﺪرون ﻣﻦ ﻧﺴﻞ اﻟﻨﺒﻲ إﺑﺮاﻫﻴﻢ، واﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ﻣﻦ ﻧﺴﻞ اﻹﻣﱪاﻃﻮر اﻷول ،واﻋﺘﻘﺎد اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴني أﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﺴﻞ َ َ ﺟﻨﺲ ﻫﺎن .ﻣﺜﻞ ﻫﺬه داﻗﻴﺔ اﻟﻘﺪﻣﺎء ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺼني ،اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن ﻫﻨﺎك ﺷﻌﺐ ِ املﻌﺘﻘﺪات ﺑﻮﺟﻮد أﺻﻞ ﻣﺸﱰك ﻣﻔﱰض ﺗﻔﺘﻘﺮ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻷي أﺳﺎس واﻗﻌﻲ، ﻏري أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻜ ﱠﺮر ﻛﺜريًا ﺟﺪٍّا ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﱢ ﻳﻔﴪ ﺑﻘﺎءﻫﺎ؟ وﻛﻴﻒ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه املﻌﺘﻘﺪات ﻋﲆ ﻓﻬﻢ ُﻛﻨ ْ ِﻪ اﻷﻣﺔ؟ اﻟﺒﴩُ ﻣﻬﺘﻤﱡ ﻮن ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ؛ أي ﻣﻬﺘﻤﱡ ﻮن ﺑﺎﻟﺘﻮاﻟﺪ واﻻﻧﺘﻘﺎل واﻹﻋﺎﺷﺔ وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺤﻴﺎة ذاﺗﻬﺎ .واﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﴎة .ﻏري أن اﻷُﴎ املﻨﻔﺮدة اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗُ َﺸ ﱢﻜﻞ اﻷﻣﺔ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻣﺠﺮد اﻷ ُ ْ َ أﴎ ﻣﻨﻔﺮدة؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن اﺳﺘﻤﺮار اﻷﻣﺔ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﺴﺘﻠﺰم اﺳﺘﻤﺮار اﻷ ُ َﴎ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ. 19
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
وﻣﻦ واﻗﻊ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺒﴩ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ داﺋﻤً ﺎ ٍ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻛﺒري ًة ﻛﺎﻧﺖ اﻷ ُ َﴎ ﺟﺰءًا ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻘﺘﴫوا ﻓﻘﻂ ﻋﲆ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﴎ؛ ﻣﺎ ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻮن ﻓﺎﻵﺑﺎء ﻻ ﻳﻨﻘﻠﻮن إﱃ ذُ ﱢرﻳﺘﻬﻢ »اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ واﻟﺠﻴﻨﻴﺔ« ﻓﺤﺴﺐ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻨﻘﻠﻮن إﻟﻴﻬﻢ ً أﻳﻀﺎ ﻣرياﺛﻬﻢ اﻟﺜﻘﺎﰲ؛ ﻟﻐﺘﻬﻢ وﻋﺎداﺗﻬﻢ وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ورﺛﻮه ﻋﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻷﻛﱪ؛ أي ٌ ﻣرياث ﻏﺎﻳﺔ ﰲ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻟﻮﺟﻮدﻫﻢ. اﻷﻣﺔ .وﻫﺬا اﻹرث اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﻳَﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ اﻵﺑﺎءُ ﻋﲆ أﻧﻪ وﻫﺬا اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔﺮد ﻋﱪ اﻷﺟﻴﺎل ﻗﺪ ﻳﻜﻮن واﺣﺪًا ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب وراء املﻴﻞ ﻻﻋﺘﺒﺎر ً ﺷﻜﻼ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻘﺮاﺑﺔ؛ ﻷن ﻣﺎ ﻳﻨﻘﻠﻪ اﻟﻔﺮد ﻟﻨﺴﻠﻪ ﻳﺸ ﱢﻜﻞ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذات ﻫﺬا اﻟﻔﺮد. اﻷُﻣﱠ ﺔ ﻏري أن ﻫﻨﺎك ﺳﺒﺒًﺎ آﺧﺮ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻨﺰﻋﺔ. ﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﺈن املﻴﻼد داﺧ َﻞ اﻹﻗﻠﻴﻢ ً أﻳﻀﺎ ﻳُﻌﺘﱪ ﻣﻌﻴﺎ ًرا ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻳري اﻻﻧﺘﻤﺎء ﻟﻸﻣﺔ ،وﻫﻜﺬا ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك إﻗﺮا ٌر ﻣﺨﺘﻠِﻂ ﺑﺨ ﱠ ﻄ ْني ﻣﻦ ﺧﻄﻮط اﻟﻨﺴﺐ؛ اﻻﻧﺘﺴﺎب ﻹﻗﻠﻴﻢ اﻷﻣﺔ، واﻻﻧﺘﺴﺎب ﻷﺑﻮﻳﻦ ﻳﻨﺘﻤﻴﺎن ﻟﺘﻠﻚ اﻷﻣﺔ .ﻣﻌﻴﺎر املﻴﻼد ﻫﺬا ،واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﱡ ﺗﻌﻘﺐ ً ً ﺷﻜﻼ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻘﺮاﺑﺔ. ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻫﻤﺎ اﻟﺴﺒﺐ وراء اﻋﺘﺒﺎر اﻷﻣﺔ أﺻﻠﻬﺎ واملﺘﺸ ﱢﻜﻠﺔ ﺗﺸري اﻟﻘﺮاﺑﺔ إﱃ ﺧﻄﻮط اﻧﺘﺴﺎب ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﱡ ﺗﻌﻘﺒﻬﺎ ،أو ﻋﻼﻗﺎت اﻧﺘﺴﺎب ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ؛ ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻟﻄﻔﻞ ﺑﻮاﻟ َﺪﻳْﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻨﺘﺴﺐ إﻟﻴﻬﻤﺎ ﺑﺎملﻴﻼد .وﻳﻤﻜﻦ ً أﻳﻀﺎ رؤﻳﺔ ﻋﻼﻗﺎت اﻧﺘﺴﺎب أوﺳﻊ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،إﱃ اﻻﻋﱰاف ﺑﺎﻟﻌﻤﱠ ﺎت واﻷﻋﻤﺎم وأﺑﻨﺎء اﻟﻌﻤﻮﻣﺔ.
ٍ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﻣﺜﻞ أن اﻷملﺎن ﻳﻨﺤﺪرون ﻫﺬه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺗُﻀﻔﻲ املﺼﺪاﻗﻴﺔ ﺑﺎﻟﴬورة ﻋﲆ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺠﺮﻣﺎن اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،أو أن اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ﻳﻨﺤﺪرون ﻣﻦ اﻹﻣﱪاﻃﻮر اﻷول ،أو أن ﺟﻨﺲ اﻟﻬﺎن ﻣﻮﺟﻮد ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .ﻓﺠﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺰﻣﻦ ﻣﻦ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن ﻣﺨﺘﻠﻔني، وﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻬﺎﺟﺮون؛ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﻫﺆﻻء املﻬﺎﺟﺮون أﻓﺮادًا ﻳﻨﺘﻤﻮن ﻟﻸﻣﺔ ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﺎد ًة اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺠﻨﻴﺲ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ؛ أي ﻳﺠﺐ ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﻢ ﻟﻴﺼﺒﺤﻮا ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أﻧﻬﻢ ﻗﺪ وُﻟﺪوا ﰲ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻸﻣﺔ. ٍ ٍ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻋﲆ املﻴﻼد داﺧﻞ اﻹﻗﻠﻴﻢ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻀﻊ اﻷﻣﺔ ﰲ إﻃﺎر ُ ﺻﻠﺔ اﻟﻘﺮاﺑﺔ .وﻋﻨﴫ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺬي ﺳﻌﻰ اﻟﺒﺎﺣﺚ أﻧﺘﻮﻧﻲ ﺳﻤﻴﺚ ،اﻟﻐﺰﻳﺮ ﺗﺮﺑﻄﻬﺎ ٍّ ﻣﺤﻘﺎ ،ﻟﻠﺘﻌﺒري ﻋﻨﻪ ﰲ ادﻋﺎﺋﻪ ﺣﻮل اﻹﻧﺘﺎج ﰲ ﻣﺠﺎل اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻣﻢ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ، وﺟﻮد ﻣﺎ وﺻﻔﻪ ﺑﺎﻟﻌﻨﴫ »اﻟﻌِ ﺮﻗﻲ« ﰲ اﻷﻣﺔ. 20
ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟ ﻧﺤﻮ ﻣﺸﺎﺑ ٍﻪ ﻟﻸﻣﺔ ،ﻳُﻮﻟﺪ املﺮءُ ﺿﻤﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻋﺮﻗﻴﺔ ،وﺑﺴﺒﺐ ﺳﻤﺔ املﻴﻼد ﻫﺬه ،ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﻨ َ ﻈﺮ ﻋﲆ ٍ ﱢ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ واﻷﻣﺔ ﻋﲆ أﻧﻬﻤﺎ ﻳﻤﺜﻼن ﻋﻼﻗﺎت »ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ« .وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا املﻨﻈﻮر، ﻓﺈن ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﻜﻠني ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻳﺸﺘﻤﻼن ﻋﲆ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ أﺧﺮى — ﻣﺜﻞ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺪﻳﻦ ﺑﻮﺿﻮح ﺑني — ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺣﺪودًا ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻳﺼﻌﺐ أﺣﻴﺎﻧًﺎ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ٍ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻌِ ﺮﻗﻴﺔ وﺑني اﻷﻣﺔ ،ﻓﺈن اﻟﻌِ ﺮﻗﻴﺔ ﺗﻤﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻻﻧﺤﺪار ﻣﻦ َﺳ َﻠ ٍﻒ أو أﺳﻼف ﻣﺸﱰﻛني ﻣﻔﱰَﺿني ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ أﴎة ﻛﺒرية ﻣﻤﺘﺪة ،ﰲ ﺣني ﻳﻜﻮن ﺗﺮﻛﻴﺰ اﻷﻣﺔ ﻣﻨﺼﺒٍّﺎ ﻋﲆ اﻷﺻﻞ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ؛ أي اﻷرض .وﻣﻦ املﻬﻢ أن ﻧﺪرك أن اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻫﻲ ً ﻋﻼﻗﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻹدراك املﺮء ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺼﻠﺔٍ ﻣﻊ آﺧﺮﻳﻦ .وﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﺗﺤﺘﻮي أيﱡ أﻣﺔ ﰲ داﺧﻠﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ.
ُ ﺻﻠﺔ ﻗﺮاﺑ ٍﺔ ،وﺗﺤﺪﻳﺪًا ﻫﻲ ﻣﺠﺘﻤ ٌﻊ أﻓﺮا ُد ُه ﻣﻮﻟﻮدون ﰲ »اﻷﻣﺔ ﻫﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺗﺮﺑﻄﻪ ٌ إﻗﻠﻴ ٍﻢ ﻣﺎ ﻟﻪ ﺣﺪودٌ ،ﻣﻤﺘ ﱟﺪ ﺟﻐﺮاﻓﻴٍّﺎ ،وﻟﻪ ٌ ﻋﻤﻴﻖ «.وﻳﺸري ﻣﺼﻄﻠﺢُ »ﻣﺠﺘﻤﻊ« إﱃ زﻣﻨﻲ ﻋﻤﻖ ﱞ ﻣﺴﺘﻮًى ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ ﻟﻠﻔﺮد ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳَﻌﺘﱪ املﺮء ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺮﺗﺒ ً ﻄﺎ ﺑﺎﻟﴬورة وﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻣﻦ ﺧﻼل املﻴﻼد ً ﻣﺜﻼ .واملﺜﺎل اﻟﻮاﺿﺢ ﻋﲆ املﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮ اﻷ ُ ْﴎة؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺮﺗﺒﻂ املﺮء داﺋﻤً ﺎ ﺑﺒﺎﻗﻲ أﻓﺮاد اﻷﴎةِ ،ﺑ َﻐ ﱢﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺎت ﺑني ﻫﺆﻻء اﻷﻓﺮاد .وﻣﻦ املﻬﻢ ﻟﻔﻬﻢ اﻷﻣﺔ أن ﻧﺪرك أن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﻳُﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺗﺮﺑﻂ اﻷﻓﺮاد ﺑﻌﻀﻬﻢ ٌ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﰲ إﻃﺎر اﻷﴎة اﻟﻮاﺣﺪة ،وﻟﻜﻦ ً أﻳﻀﺎ ﰲ إﻃﺎر ﺑﺒﻌﺾ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ داﺋﻢ؛ اﻷﻣﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ املﻤﺘﺪة ﻋﲆ ﻧﻄﺎق إﻗﻠﻴﻤﻲ واﺳﻊ. ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ٌ أﻧﺎس ﻇﻨﱡﻮا — ﺑﺴﺒﺐ ﻋﻼﻗﺎت اﻻرﺗﺒﺎط اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﺗﻠﻚ — أن اﻷﻣﺔ ﺗﺸري إﱃ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﴫاﻋﺎت .ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺮوﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ أﻋﻤﺎل ﻳﻮﻫﺎن ﺟﻮﺗﻔﺮﻳﺪ ﻓﻮن ﻫريدر ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ، ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ وﻳﻮﻫﺎن ﺟﻮﺗﻠﻴﺐ ﻓﻴﺸﺘﻪ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ .ﻏري أﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ ٍ أﻳﻀﺎ داﺧﻞ اﻷﴎة اﻟﻮاﺣﺪة ،ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺸﺎﻋﺮ َ اﻟﴫاﻋﺎت ،ﺑﻞ إﻧﻪ ً ﱡ واﻟﺴﺨﻂ .ﻓﻔﻲ اﻟﻐ ْرية اﻟﻘﺮﻳﺔ — اﻟﺘﻲ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﻛﻤﺜﺎل روﻣﺎﻧﴘ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ — ﺛﻤﺔ أﻧﻮا ٌع ﻋﺪﻳﺪ ٌة ﻣﻦ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﺒﱢﺐ اﻟﴫاﻋﺎت .ﺗﻮﺟﺪ ﺻﺪاﻗﺎت وﻋﺪاوات ،وﺗﺠﻤﱡ ﻌﺎت ﺗﺘﻤﻴﱠﺰ ﺑﺎﻷﻧﺸﻄﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واملﺼﺎﻟﺢ املﺼﺎﺣِ ﺒﺔ ﻟﻬﺎ؛ ﻣﺜﻞ املﺰارﻋني واﻟﺘﺠﺎر ،واﻷﴎ املﺘﻨﺎﻓﺴﺔ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن. 21
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻋﲆ ﻧﻘﻴﺾ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺮوﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ ،ﺗﺘﻀﻤﱠ ﻦ أﻓﻌﺎ ُل أﻓﺮادِ اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺪﻳ َﺪ ﻣﻦ املﺴﺎﻋﻲ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﻞ واملﺘﻀﺎرﺑﺔ .ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻧﻈﺮﻳﺔ املﺸﺎﻋﺮ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ« ) ،(١٧٥٩ﱠ ﻋﱪ آدم ﺳﻤﻴﺚ ﺟﻴﺪًا ﻋﻦ ﺗﻠﻚ املﺴﺎﻋﻲ املﺘﻀﺎرﺑﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋ ﱠﻠﻖ ً ﻗﺎﺋﻼ: ﻫﻨﺎك اﻟﻌﺪﻳ ُﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ املﺨﻠﺼني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﺰﻋﺠﻮا ﺑﺸﺪة — ﰲ ﻋﺰﻟﺘﻬﻢ — إذا ﻣﺎ ﺧﴪوا ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ ﺟﻨﻴﻬً ﺎ واﺣﺪًا ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﺴﺘﻌﺪون ﻟﻠﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺄرواﺣﻬﻢ أﻟﻒ ﻣﺮة ،ﻟﻮ ﻛﺎن ﺑﻤﻘﺪورﻫﻢ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺣﺼﻦ ﻣﻴﻨﻮرﻛﺎ؛ ﻟﻜﻴﻼ ﻳﻘﻊ ﰲ أﻳﺪي اﻷﻋﺪاء ﺑﺴﺒﺐ ﺑﻌﺾ أﺧﻄﺎﺋﻬﻢ. واملﺸﻜﻠﺔ ﻫﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻔﺴري ﻣﺰﻳﺞ املﺸﺎﻋﺮ املﺘﻀﺎرﺑﺔ ﺑني املﺼﻠﺤﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ. ﻳﺒﺪو أن ﻫﻨﺎك ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻷﻫﺪاف اﻟﻔﺮﻳﺪة ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،أو ﺣﺘﻰ ﻣﺠﺎﻻت ﻓﻬ ٍﻢ ﻻ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻔﻬﻮم املﻨﻔﻌﺔ؛ ﻣﺜﻞ »اﻟﺠﻤﺎل« .ﻏري أﻧﻪ ﻣﺎ زال ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ اﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ أرﺳﻄﻮ ٍ ﴍاﻛﺔ ﺗﻘﻮم ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﺎ«؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﺤﺪﱢد اﻟﻬﺪف املﻤﻴﱢﺰ ﻟﻸﻣﺔ. ﰲ أن »ﻛ ﱠﻞ ﻏري أن ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﻬﺪف املﻤﻴﺰ ﻫﻮ ﺗﺠﺮﻳ ٌﺪ ﻳُﺨﻔﻲ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺤﺘﻤﻲ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺪاﺧﻠﺔ ﰲ ﺗﻜﻮﻳﻦ أي ﻋﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،واملﺴﺎﻋﺪة ﻋﲆ اﺳﺘﻤﺮار وﺟﻮدﻫﺎ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻌﻲ ﻟﻠﺘﺴ ﱡﻠﻂ ﻋﲆ اﻵﺧﺮﻳﻦ .أﻣَ ﺎ وﻗﺪ أﴍﻧﺎ إﱃ ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺔ ،ﻓﺈن ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻷﻣﺔ ﺗﺘﻤﺤﻮر ﺣﻮل اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺘﺼﻨﻴﻔﻲ ﻟ »ﻧﺤﻦ« ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ »ﻫﻢ« ،واﻟﻨﺎﺑﻊ ﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌ َﺰى إﱃ ﻇﺮوف املﻴﻼد؛ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﱠﻧﺖ ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻤﻴﻼد ﰲ أراﴈ اﻷﻣﺔ .وﻫﻜﺬا ﻓﺈن ﻛﻠﻤﺔ َ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﺸﱰك ﺑﺎﻟﺘﻮاﻟﺪ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻼﻗﺔ ﻗﺮاﺑ ٍﺔ ﺗﺸري إﱃ اﻫﺘﻤﺎ ٍم »ﻧﺤﻦ« ﻗﺪ أﺿﻔﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﱟ ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎة ،واﻧﺘﻘﺎل ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻋﱪ اﻟﺰﻣﻦ. اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻮد أو اﻟﺤﺪود ﻷﻧﻮاع أﻧﻮاع ﻳﺸﺘﻤﻞ اﻫﺘﻤﺎ ُم اﻟﺒﴩ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻋﲆ إﻗﺎﻣﺔ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﱄ .ﻓﺎﻟﺒﴩ ﻳﻀﻌﻮن ﺣﺪودًا ﺗﻤﻴﱢﺰ أﺑﻨﺎءﻫﻢ ﻋﻦ أﺑﻨﺎء اﻵﺧﺮﻳﻦ؛ ﻓﺎملﺮء ﻋﺎد ًة ﻻ ﻳُﺤﺐ أﺑﻨﺎء ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺐ أﺑﻨﺎءه؛ وﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺐ ﻋﺎد ًة أﻣﱠ ًﺔ أﺧﺮى ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﺘﻪ .وﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﻴﺪ ﻋﲆ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺘﻘﺪﻳﺮ واﻟﺤﺐ ملﺎ ﻳﻌﺘﱪه املﺮء ِﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻟﺬات؛ ﺑﻤﻜﻮﱢﻧﺎﺗﻬﺎ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ. واﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻳُ ِﻜﻨﱡﻪ املﺮءُ ﻷﻣﺘﻪ ﻳ ﱠ ُﻌﱪ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺼﻄﻠﺢ »اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ«. 22
ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟
ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻟﺤﺐ« املﺴﺘﺨﺪَم ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﺗﻌﺒريًا ﻋﻦ ارﺗﺒﺎط اﻟﻔﺮد ﺑﺄﻣﺘﻪ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﺨﺪم ﻧﻔﺲ املﺼﻄﻠﺢ ً أﻳﻀﺎ ﰲ وﺻﻒ ارﺗﺒﺎط املﺮء ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﻪ، ﺑﺼﺪق وأﻃﻔﺎﻟﻪ ،وأﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ،وﺑﺈﻟﻬﻪ اﻟﺬي ﻳﻌﺒﺪه .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﺈن ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد أﺣﺒﻮا ٍ َ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﺟﻤﻌﺎء .وﻣﺎ ﻳﺸري إﻟﻴﻪ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﻮاﺳﻊ ﻟﻠﻤﺼﻄﻠﺢ ﻫﻮ أن اﻟﻔﺮد — ﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻻت — ﻳُﻨَﺤﱢ ﻲ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ،أو »ﻳﺴﻤﻮ ﻓﻮق« ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻵﺧﺮﻳﻦ .ﻏري أن اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﺴﻤﺔ ﻫﺬه اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت ﻳﻨﺒﻐﻲ ﱠأﻻ ﻳﺄﺧﺬ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻓﻘﻂ ﻓﻌ َﻞ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺬاﺗﻲ املﺸﱰك ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت ،ﺑﻞ ً ِ اﻟﻐﺎﻳﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ أﻳﻀﺎ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت .وﻫﻜﺬا ،ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻔﻴﺪًا أﻛﺜﺮ أن ﻧﻤﻴﱢﺰ ﺑني ﺣﺐ املﺮء ملﻌﺸﻮﻗﻪ أو ﻷﺑﻨﺎﺋﻪ وﺣﺒﱢﻪ ﻷﻣﺘﻪ ﺑﺄن ﻧﻔﻬﻢ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر أﻧﻬﺎ ﺗﺸري إﱃ ارﺗﺒﺎﻃﺎت اﻟﻮﻻء ملﺠﺘﻤﻊ إﻗﻠﻴﻤﻲ .وﻛﺜريًا ﻣﺎ ٌ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺟﻮاﻧﺐُ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻬﺎ املﺮء ﻷﻣﺘﻪ ،ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻌﻮاﻣﻞ ً ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻷﻣﺘﻪ ﺑﺴﺒﺐ املﺸﺎرﻛﺔ ﰲ اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻷﻣﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ .ﻗﺪ ﻳﻜﻮن املﺮء املﺨﺘﻠﻔﺔ ِ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ ً ﻣﺜﻼ ،أو ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ وأﻋﺮاﻓﻬﺎ ،أو ﺑﺴﺒﺐ دﻳﻨﻬﺎ .وﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺮؤى املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﻞ واملﺘﻀﺎرﺑﺔ ،ﻟﻸﻣﺔ ،وﻫﻲ ر ًؤى ﺗﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻮاﻣﻞ املﺨﺘﻠﻔﺔ. ً ِ ﺗﻔﻀﻴﻼ ﻹﺧﻮاﻧﻪ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء وﻃﻨﻪ. ﺣﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﻔﺮد ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳُﻈﻬﺮ ﻏري أﻧﻪ ﻻ ﻣﻔ ﱠﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﻀﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﴬورة أن ﻳﺄﺧﺬ ﺷﻜ َﻞ ﺗﺤﻴ ٍﱡﺰ ﺿﺪ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻨﺘﻤﻮن ُ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻋﲆ أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ ﻷﻣﺔ املﺮء ،أو ﺷﻜ َﻞ ﻛﺮاﻫﻴ ٍﺔ ﻟﻬﻢ ،وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﴬورة أن ﺗُﻨﻜِﺮ َ َ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻸﻣﺔ اﺧﺘﻼف وﺗﻨ ﱡﻮ َع ﻣﺴﺎﻋﻴﻬﻢ وأﻫﺪاﻓﻬﻢ ،وﻻ ﺑﺎﻟﴬورة أن ﺗﺮﻓﺾ املﻔﺎﻫﻴ َﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻨﻘﻬﺎ أﻓﺮا ُد اﻷﻣﺔ اﻵﺧﺮون ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﱠ ﻨﻪ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺰام ﺑﺼﺎﻟﺢ اﻟﺒﻼد ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﱢ ﺗﻮﻓﺮ اﻷﺳﺎس اﻟﻼزم ﻟﺘﺴﻮﻳﺔ اﻟﺨﻼﻓﺎت ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺣﻠﻮل وﺳﻂ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﺑني أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ وﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻬﻢ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﻮل ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﻷﻣﺔ ﺑﺪاﻓﻊ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺘﻌﺰﻳﺰ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺒﻼد .واﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﺗﺴﻮﻳﺔ اﻟﺨﻼﻓﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺤﻠﻮل اﻟﻮﺳﻂ ﻫﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ .واﻟﺤﺮص ﻋﲆ ﺻﺎﻟﺢ اﻷﻣﺔ اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺘﻨﺎزل واﻟﺘﻮﺻﻞ ﻟﺤﻞ وﺳﻂ ،أﻣ ٌﺮ ﴐوريﱞ وﻻ ﻏﻨَﻰ ﻋﻨﻪ؛ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻄﻴﺒﺔ ﺑني أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أﻣ ًﺮا ﻣﻤﻜﻨًﺎ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﱢ ﻣﺘﺤﺎرﺑ َْني ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ؛ أُﻣﱠ ﺘﻪ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻳﻘﺴﻢ املﺮءُ اﻟﻌﺎﻟ َﻢ إﱃ ﻣﻌﺴﻜ َﺮﻳْﻦ ِ ﻛﻞ اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻢ ﻫﻲ اﻷﻋﺪاء اﻷﻟﺪﱠاء ﻟﻪ ،ﺗﻈﻬﺮ ﻫﻨﺎ ،ﻋﲆ ﻧﻘﻴﺾ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ،
23
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ »اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ« .واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺗﻨﻜﺮ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻮدﻳﺔ واﺣﺘﻤﺎل اﻻﺧﺘﻼف ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ وﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ واملﺼﺎﻟﺢ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﺤﺴﺎب رؤﻳﺔ واﺣﺪة ملﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﻣﺔ وﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ً ﻓﻤﺜﻼ ،ﻗﺪ ﺗﺸﺘﻤﻞ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻋﲆ اﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮن املﺮء ﻓﺮدًا ﺻﺎﻟﺤً ﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ. ﰲ اﻷﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻜﺮه ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ إﻧﺠﻠﻴﺰي وأملﺎﻧﻲ ،وأي ﺷﺨﺺ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﻮن ً ﻣﺨﻠﺼﺎ »ﺑﺤﻖ«. ﻓﺮﻧﺴﻴٍّﺎ
ﺣﻠﻮﻻ وﺳ ً ً ً ﻄﺎ؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺴﻌﻰ إﱃ اﻛﺘﺴﺎح اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات اﻟﻌﺪﻳﺪة ﺗﻨﺎزﻻ أو اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻻ ﺗﻌﺮف َ وﺟﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ .ﻇﻬﺮت أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ — ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻧﻈﺮ ﻣﻨﻬﺠﻴ ًﱠﺔ ﻣﺘﻌﻨ ﱢ ً ﺘﺔ وﻏريَ واﻗﻌﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ — ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ؛ ﺣﻴﺚ ﻇﻬﺮت ً ﻣﺜﻼ ﰲ ﻋﻤﻞ ٍ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷملﺎﻧﻲ ﻳﻮﻫﺎن ﺟﻮﺗﻠﻴﺐ ﻓﻴﺸﺘﻪ »ﺧﻄﺎﺑﺎت إﱃ اﻷﻣﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ« ) ،(١٨٠٨وﻇﻬﺮت ً ﻻﺣﻘﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻣﺆ ﱢﻟﻔني ﻣﺜﻞ املﺆرخ اﻷملﺎﻧﻲ ﻫﺎﻳﻨﺮﻳﺶ ﻓﻮن ﺗﺮاﻳﺘﺸﻜﻪ )(١٨٩٦–١٨٣٤ واﻟﺼﺤﻔﻲ اﻟﻔﺮﻧﴘ ﺷﺎرل ﻣﻮرس ) .(١٩٥٢–١٨٦٨وﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﺮى إرﻫﺎﺻﺎت ﻟﻬﺎ ﰲ ﻓﱰات ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا ﺑﻮﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ،ﻛﻤﺎ ﰲ ﻛﺮاﻫﻴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﻛﻴﺘﻮ اﻟﻜﺒري )١٤٩–٢٣٤ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( ﻟﻜ ﱢﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻳﻮﻧﺎﻧﻲ. ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﺔ ﻳﺸري اﻻﻣﺘﺪاد اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ اﻷﻛﱪ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﻟﻸﻣﺔ إﱃ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ٍ ﺣﺎﻟﺔ َ وﺳ ٍﻂ وﺗﺄﺳﻴﺴﻬﺎ ﺑني اﻟﻌﺰﻟﺔ املﺘﻘﻠﻘﻠﺔ ﻏري املﺴﺘﻘﺮة ﻟﻠﻘﺒﻴﻠﺔ أو اﻟﺪوﻟﺔ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺠﺘﻤ ٌﻊ أﻛﱪ ،واﻟﺤﻜﻢ اﻹﻣﱪﻳﺎﱄ ﻟﻺﻣﱪاﻃﻮرﻳﺎت ،اﻟﺬي ﻳﻨﻄﻮي ﺣﺘﻤً ﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻋﲆ ﻃﻐﻴﺎن ﻣﺴﺎﺣﺔ أ ُ ٍ ِ ﻟﻔﺔ اﺳﺘﺒﺪادي ﺑريوﻗﺮاﻃﻲ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى .ﻓﺎملﺠﺘﻤﻊ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻟﻸﻣﺔ ﻳﺸري إﱃ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ووﻻء ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺒﺪﻳﻠني .وﻳﺸري وﺟﻮد اﻷﻣﺔ — ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ﻟﺴﻜﺎن إرﻧﺴﺖ رﻳﻨﺎن ﰲ ﻣﻘﺎل ﻟﻪ ﺑﻌﻨﻮان »ﻣﺎ اﻷﻣﺔ؟« — إﱃ ﺗﺠﻤﱡ ٍﻊ ﻳﺤﺪث ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺰﻣﻦ ٍ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻟﺪﻳﻬﻢ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﺸﱰﻛﺔ؛ إﻧﻪ ﻳﺸري ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻨﻔﺼﻠني ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻦ ٍ إﻗﻠﻴﻤﻲ ﻟﻪ ﺣﺪو ٌد ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ وﻋﺎدات وﻗﻮاﻧني. ﻣﺠﺘﻤﻊ إﱃ ﱟ ٍ ذﻛﺮت ﻋﺎﻟ ُ ْ ِﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع وﻫﻜﺬا ،ﻓﺈن اﻷﻣﺔ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻻزدواﺟﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ دوﻣﻴﻨﻴﻚ ﺷﻨﺎﺑﺮ .ﻓﻤﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،ﻫﻨﺎك اﻟﺘﺠﺎءٌ إﱃ اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﻟﻺﻗﻠﻴﻢ َ ٌ وأﻫﻤﻴﺔ ﺗُﻌ َﺰى إﱃ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ املﻴﻼد ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﱢ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻷﻣﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻳﻔﴪ ﻣﺠﺘﻤ َﻊ ﻗﺮاﺑ ٍﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ .وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺼﻴﻎ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻻزدواﺟﻴﺔ ﻋﲆ أﻧﻪ َ اﻟﻘﺒﻮل ﺑﺘﻘﻠﻴ ٍﺪ 24
ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟
ﻣُﻘﻴﱠ ٍﺪ ﻳُﻤﻴﱢﺰ أﻣﱠ ًﺔ ﻋﻦ أﺧﺮى .وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،ﻫﻨﺎك اﻟﺘﺠﻤﱡ ﻊ املﺘﻔﺎوت ملﻨﺎﻃﻖ ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ً ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻟﺘﺸ ﱢﻜﻞ إﻗﻠﻴﻤً ﺎ ﻗﻮﻣﻴٍّﺎ ،وﻣﺎ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺳﻜﺎن ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ وﻣﺘﻤﺎﻳﺰة ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻃﻖ ﻷُﻣﱠ ٍﺔ ﺗﺪﻋﻤﻬﺎ وﺗﺸﺠﱢ ﻌﻬﺎ ﻋﻮاﻣ ُﻞ ﻋﺪﻳﺪة؛ ﻣﺜﻞَ :ﻓﻬْ ﻢ ذاﺗﻲ ﻣﺘﻄﻮﱢر ﻣﻨﻘﻮل ﻋﱪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻗﺎﻧﻮن ﻟﻠﺒﻼد ،دﻳﻦ ﻣﺸﱰك ،وﻟﻐﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﻋﺎدة ،وﻣﺮﻛﺰ ُﺳﻠﻄﻮي ﻣﺴﻴﻄﺮ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﲆ اﻷﻣﺔ ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺰﻣﻦ )ﻣﺜﻞ ﻟﻨﺪن ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﺮﻛ ًﺰا ﱡ وﺗﻮﺳﻌﻴﺔ ﻹﻧﺠﻠﱰا ﺑﺎﺣﺘﻮاﺋﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﱪملﺎن( .ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻻزدواﺟﻴﺔ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻧﺰﻋﺎت ﻣﺒﺘﻜﺮة ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺪث ٌ ﻧﺤﻮ ﻧﺎد ًرا ﻧﺴﺦ ﻟﻠﻌﺎدات واﻷﻋﺮاف املﺤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ — ﻋﲆ ٍ ً ٍ وﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﻮﻻء — اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ — وﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ، ﻗﺎﻧﻮن ﻟﻠﺒﻼد، ﻛﺎﻣﻼ — ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ٍ ٍ ﻟﻸﻣﺔ ﺑﺈﻗﻠﻴﻤﻬﺎ اﻟﻘﻮﻣﻲ .ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻷﻣﺔ ﺗﻮازﻧًﺎ ﻏري ﻣﺴﺘﻘ ﱟﺮ ﺑني اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻻﺑﺘﻜﺎر. ﺗﺸﺘﻤﻞ اﻷُﻣﱠ ُﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻋﺪدٍ ﻣﻦ املﻨﺎﻃﻖ املﺤﻠﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﺳﺘﻤﺮار ُﺪرﻛﻮن أﻧﻬﺎ ﺗﺸ ﱢﻜﻞ وﺟﻮد أﺻﻐﺮ اﻟﻘﺮى واملﺪن واملﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ املﺴﺎﺣﺔ ،ﻓﺈن ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻳ ِ أﺟﺰاءً ﻣﻦ اﻷﻣﺔ .وﻫﻜﺬا ﺗﻜﻮن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ املﺸﱰﻛﺔ ﻟﻸﻣﺔ »ﻧﺴﺒﻴ ًﱠﺔ« ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻓﻬﻲ ﻧﺎد ًرا ﻣﺎ ً ﻛﺎﻣﻠﺔ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ واملﺪﻳﻨﺔ واملﻨﻄﻘﺔ داﺧﻞ اﻷﻣﺔ ﻋﻦ اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺗﻜﻮن ﺳﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻬﺬه املﻨﺎﻃﻖ املﺤﻠﻴﺔ .ﻏري أﻧﻪ ﺧﻼل ﻓﱰات اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة — ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮوب — ﻳﺼﺒﺢ ارﺗﺒﺎ ُ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ واملﺪﻳﻨﺔ واملﻨﻄﻘﺔ ﺑﺎﻷﻣﺔ ﻣﻬﻴﻤﻨًﺎ ط ِ ً ﻋﺎرﺿﺔ ﻓﺤﺴﺐ. ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻻت ﺗﻜﻮن وﻷن اﻷﻣﺔ ﺗُﺒﺪي َﻗ ْﺪ ًرا ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،ﻓﻜﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺗﻤﻴﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ أﺧﺮى .وﻣﻦ املﻐﺮي ﺗﺠﻨﱡﺐ ﻫﺬه اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﺼﻴﺎﻏﺔ ٍ ﻓﺌﺎت ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ درﺟﺎت ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني أﺷﻜﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل» ،اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﻌِ ْﺮﻗﻴﺔ« اﻟﺘﻲ ٍ ِ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﺗﻮﺣﻴ ٍﺪ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ؛ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ،وﺗﻔﺘﻘﺮ إﱃ ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻠﻄﻮي أو ﺗﺒﺪو ﻏري ﻣﺜﻞ اﻵراﻣﻴني ﰲ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،أو اﻟﻮﻧﺪال ،واﻵﻓﺎر ،واﻟﺒﻴﻜﺘﺲ ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﺣﺘﻰ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻤﺎﺳ ًﻜﺎ ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني اﻟﻘﺪﻣﺎء أو اﻟﺴﻮﻣﺮﻳني؛ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗﻤﻴﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ اﻷﻣﺔ املﻮﺣﱠ ﺪة ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻴﺰ ًة ﻟﻬﺬه َ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺴﻌﻲ وراءﻫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ؛ ﻷن اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻲ اﻟﻔﻮارق ،ﻓﻌﲆ املﺮء أن ﻳﺤﺎول ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﻢ داﺋﻤً ﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﱠ ﻣﻌﻘﺪ ًة ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻔﻮارق ً ﻓﻤﺜﻼ ،ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﻔﻬﻤﻪ املﺮءُ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﻌﻈﻤﻰ ،اﻟﺘﻲ ﰲ أي ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺤﺪﱠد ٍة أﻣ ًﺮا ﺻﻌﺒًﺎ. 25
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﺗﻀﻢ ٍّ ﻛﻼ ﻣﻦ إﻧﺠﻠﱰا واﺳﻜﺘﻠﻨﺪا ووﻳﻠﺰ وأﻳﺮﻟﻨﺪا اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ؟ وﻫﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻋﺘﺒﺎر ﻛﺮدﺳﺘﺎن أو ﻛﺸﻤري أو ﻛﻴﺒﻴﻚ ﻣﻨﻄﻘﺔ أو ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻋِ ْﺮﻗﻴﺔ ،أو أُﻣﱠ ﺔ أوﱠﻟﻴﺔ أو أﻣﱠ ﺔ؟ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮﺣﻬﺎ ﻣﺜ ُﻞ ﻫﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﺸري إﱃ أﻧﻨﺎ ﻧﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ِ داﺋﻤﺔ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﻓﻬﻢ ذاﺗﻲ ﻏري ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬات اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ﻋﻤﻠﻴ ٍﺔ ﻣﺸﱰك؛ أي وﻋﻲ ذاﺗﻲ ﺟﻤﻌﻲ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻨﺎ ملﺼﻄﻠﺢ اﻷﻣﺔ ﻳﻌﻨﻲ ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ اﻻﺳﺘﻤﺮار اﻟﺰﻣﻨﻲ ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﻮﺣﱠ ﺪة ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ .وﻫﻜﺬا ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ ﻋﺪدٍ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻤﺮار وﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .إن وﺟﻮد اﻷﻣﺔ ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ إﻗﻠﻴﻤً ﺎ ﻣﻤﺘﺪٍّا ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ وﻟﻪ ﺣﺪود ،أو ﺻﻮر ًة ملﺜﻞ ﻫﺬا اﻹﻗﻠﻴﻢ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ ﻣﺎ ﻳﲇ :اﺳﻤً ﺎ ﻗﻮﻣﻴٍّﺎ ،ﻣﺮﻛ ًﺰا ً ﱢ وﻳﻌﱪ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ،وﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻮﺣﱠ ﺪة ﺗﺎرﻳﺨﺎ ﻳﺆ ﱢﻛﺪ ﺳﻠﻄﻮﻳٍّﺎ )ﻟﻪ ﻣﺆﺳﺴﺎت(، ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﺗﻘﻮم ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﲆ ٍ وﻗﺎﻧﻮن .ﻏري أﻧﻪ ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎف ودﻳﻦ ﻣﺸﱰك ﻟﻐﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ٍ ٍ ً ً ﻟﻸدﻟﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أن ﻧﺪرك أن ٍّ ﻛﺎﻣﻠﺔ؛ ﻣﻄﻠﻘﺔ أو ﻛﻼ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺴﻤﺎت ﻧﺎد ًرا ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ٌ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﰲ ﺗﻄﻮﱡر املﺼﺎﻟﺢ واملﻤﺎرﺳﺎت واملﺆﺳﺴﺎت ،وﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻳﻜﺘﻨﻔﻪ وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﺎﻷﺣﺮى اﻟﻐﻤﻮض واﻟﺘﻮﺗﺮات. اﻷﻣﺔ واﻟﺪوﻟﺔ واﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ إن إﻗﺮار اﻟﻔﺮد ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻨﺘﻤﻲ ٍ ﻷﻣﺔ ﻫﻮ ﻣﺠﺮد ﺟﺰءٍ ﻣﻦ ﺑني ﻋﺪدٍ ﻣﻦ أﺟﺰاء ﺻﻮر ِة املﺮء ﻋﻦ ذاﺗﻪ .وإذا ﱠ ﻋﱪﻧﺎ ﻋﻦ ﻫﺬا ﺑﻴﺎﻧﻴٍّﺎ ،ﻓﻴﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﻘﻮل إﻧﻪ ﻣﺠﺮد ﻃﺒﻘﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ وﻋﻲ ذاﺗﻲ ﻣﺘﻌﺪد اﻟﻄﺒﻘﺎت .واﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﱢﻞ إﻗﺮا ًرا ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎء ﻟﻌﻼﻗﺔ ﻗﺮاﺑﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﺘﻮاﻓﻖ أو ﻻ ﺗﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ إﻗﺮار املﺮء ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻮاﻃ ٌﻦ ﻣﻦ ﻣﻮاﻃﻨﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ. ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﻴﺎن ﻳﻤﺎرس — ﻣﻦ ﺧﻼل املﺆﺳﺴﺎت — ﺳﻠﻄﺘﻪ ﻋﲆ إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻗﻮاﻧني ﺗﺮﺑﻂ ﺑني اﻷﻓﺮاد داﺧﻞ ذﻟﻚ اﻹﻗﻠﻴﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﻢ أﻓﺮادًا ﻳﻨﺘﻤﻮن ﻟﻠﺪوﻟﺔ.
ﺗﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﺗﺤﻠﻴﻠﻴٍّﺎ ﻋﻦ املﺠﺘﻤﻊ اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ؛ أي اﻷُﻣﱠ ﺔ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺿﻤﱠ ﺖ اﻟﺪول اﻹﻣﱪﻳﺎﻟﻴﺔ ﻟﻺﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳﺔ املﺠﺮﻳﺔ واﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻲ اﻟﻌﺪﻳ َﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ املﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻋﻼوة ﻋﲆ ذﻟﻚ ،و ُِﺟﺪت 26
ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟
ﺑﺤﺮ ﻗﺰوﻳﻦ
اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺳﻮد ﺟﻮرﺟﻴﺎ ﺗﺒﻠﻴﴘ
أذرﺑﻴﺠﺎن أرﻣﻴﻨﻴﺎ ﺑﺎﻛﻮ ﻳﺮﻳﻔﺎن
أﻧﻘﺮة ﻛﺮدﺳﺘﺎن
ﻓﺎن
ات ﻟﻔﺮ ﺣﻠﺐ ﺮا ﻧﻬ اﻟﻼذﻗﻴﺔ ﻣ ﺳﻮرﻳﺎ ﺮ ﺗﻔﻌﺎت اﻟ دﻣﺸﻖ ﺠ ﻮﻻن
ﻧ
ﻬﺮ د
ﺟﻠﺔ
ﻃﻬﺮان إﻳﺮان
ﺗﺮﻛﻴﺎ
ﺑﻐﺪاد اﻟﻌﺮاق
ﺑريوت ﻟﺒﻨﺎن ﺣﻴﻔﺎ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪس ﻋﻤﱠ ﺎن اﻟﺒﺤﺮ املﻴﺖ اﻷردن
ﺷﻜﻞ :2-2ﻛﺮدﺳﺘﺎن ،ﻣﺤﺪﱠدة ﺑﺎملﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ أﻏﻠﺒﻴﺔ ﻛﺮدﻳﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻤﺘﺪ ﻋﱪ أﺟﺰاء ﻣﻦ إﻳﺮان واﻟﻌﺮاق وﺗﺮﻛﻴﺎ.
اﻷﻣﻢ ﰲ ﻏﻴﺎب اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎل ﺑﻮﻟﻨﺪا ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،وﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎل ﻛﺮدﺳﺘﺎن اﻟﻴﻮم. ﱠ إن ﴐورة اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني اﻷﻣﺔ واﻟﺪوﻟﺔ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ راﺑ ٌ ﻂ ﻣﻌﻘ ٌﺪ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﻜﻠني ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﻓﻤﻦ ﻧﺎﺣﻴ ٍﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻣﻢ ﺗَ ْﻘﻮَى ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻤﺎرﺳﺔ ً ﻓﻤﺜﻼ ،اﻟﺘﻮﺳﻊ اﻟﺬي ﺣﺪث ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺪوﻟﺔ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ وﺑﺴﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺎدة ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺰﻣﻦ؛ ﻳُﻌﺮف ﺑﺎﻷﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺧﻼل اﻟﻔﱰة املﻤﺘﺪة ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ وﺣﺘﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﺜﱠﻞ ﻓﻘﻂ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ إﻳﻞ دي ﻓﺮاﻧﺲ اﻟﻜﺎﺑﺘﻴﺔ ﻟﺘﺸﻤﻞ اﻟﻴﻮم أراﴈ ﻓﺮﻧﺴﺎ املﻤﺘﺪة ﻣﻦ املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﴘ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺪود اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،إﱃ ﺟﺒﺎل اﻟﱪاﻧﺲ ﻋﲆ اﻟﺤﺪود 27
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﻣﻊ ﺗﺬﺑﺬب اﻟﺤﺪود اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﴩﻗﻴﺔ ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺴﻨني ﺣﺴﺐ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺤﺮوب، ً ﻋﺎﻣﻼ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻷﻣﺔ واﻟﺪوﻟﺔ. ﻣﻊ ﻛﻮن ﻫﺬه اﻟﺤﺮوب ُ وﻻ ﻳﻄﻐﻰ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻗﻮاﻋﺪ اﻷﻣﺔ — وﻫﻲ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻷﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ — ﻋﲆ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ املﺘﻨﻮﻋﺔ ،واﻟﻮاﺿﺤﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎدر ٌ دوﻟﺔ وﺗﻜﻮن ﻟﻠﺪوﻟﺔ أﻣﱠ ٌﺔ؛ ﻓﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﻘﺴﻤﺔ ﺑﺸﺪة ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻸﻣﱠ ﺔ إﱃ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺗﺒﺪو أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛﺄﻣﻢ أوﻟﻴﺔ؛ ﻣﺜﻞ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻛﻴﺒﻴﻚ ﰲ ﻛﻨﺪا ،أو ﻣﻨﻄﻘﺔ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺒﺎﺳﻚ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ.
ﺷﻤﺎل ﺑﻴﻜﺎردي ﺷﻤﺎل ﴍق ﺷﺎﻣﺒﺎن أﻟﺰاس-ﻟﻮرﻳﻦ
ﻧﻮرﻣﺎﻧﺪي
إﻳﻞ دو ﻓﺮاﻧﺲ
ﺑﻮرﺟﻮﻧﻲ ﻓﺮاﻧﺶ-ﻛﻮﻣﺘﻴﻪ
وﺳﻂ وادي اﻟﻠﻮار
آﻛﻴﺘني ﺑﺮوﻓﻨﺲ-أﻟﺐ-ﻛﻮت دازور
ﻣﻴﺪي-ﺑريﻳﻨﻴﻪ
ﻣﻴﺪي-ﺑﺎرﺗﻴﻨري
ﻻﻧﺠﺪوك-روﺳﻴﻮن
ﺷﻜﻞ :3-2ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻓﺮﻧﺴﺎ.
وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻴﺎدة ﺗﺘﻄ ﱠﻠﺐ إﻋﻼن اﻟﻘﻮاﻧني ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﻬﺎ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺿﻢ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ داﺧﻞ اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻟﻠﺪوﻟﺔ .ﻋﻼوة ﻋﲆ 28
ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟
ذﻟﻚ ،ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ،واﻟﻠﻐﺔ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء املﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺗﺤﺖ ﻫﻴﻤﻨﺔ اﻟﺪوﻟﺔ .وﻫﻜﺬا ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻳﻜﻮن ﻣﻦ املﺆﻛﺪ أن أﺣﺪ اﻟﻌﻮاﻣﻞ املﻬﻤﺔ ﰲ ﺑﺴﻂ اﻟﻬﻴﻤﻨﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﻋﲆ دوﻟﺔ اﻟﺼني املﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ — ﺑﻤﻨﺎﻃﻘﻬﺎ املﺨﺘﻠﻔﺔ — ﻛﺎن ﻫﻮ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء املﻨﺎﻃﻖ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﰲ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ﺟﺪٍّا ،ﻧﺤﻮ ﻋﺎم ٢٢١ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،ﺗﺤﺖ إﴍاف املﺴﺘﺸﺎر ﱄ ﳼ .وﺑﺎملﺜﻞ ،اﺑﺘُﻜﺮت اﻟﻠﻐﺔ اﻷرﻣﻴﻨﻴﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ ﻧﺤﻮ ﻋﺎم ٤٠٥ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ.
ﺷﻜﻞ :4-2اﻟﺤﺮوف اﻟ ٣٦ﻟﻸﺑﺠﺪﻳﺔ اﻷرﻣﻴﻨﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ اﺑﺘﻜﺮﻫﺎ ﻣﻴﴪوب ﻣﺎﺷﺘﻮﺗﺲ ﻧﺤﻮ ﻋﺎم ٤٠٥ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ.
وﻗﺪ أﺳﻬﻤﺖ ﺑﻘﻮة ً ٌ ﺳﻴﺎﺳﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴ ٌﱠﺔ أﺧﺮى ملﺮﻛﺰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﺎﻛﻢ؛ ﻣﺜﻞ اﻋﺘﻨﺎق أﻳﻀﺎ دﻳﻦ ﻣﻌني وﻧﴩه ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ ،ﰲ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﻹﻗﻠﻴﻢ ﻣﺎ .وﻳﺘﻀﺢ ﻫﺬا ﰲ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺪ ﺗﻘﻠﻴ َﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻜ ﱢﻞ ٌ ٍ ٌ وﻛﻨﻴﺴﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺳﺎﻓﺎ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ اﻟﴫﺑﻴﺔ. ﻗﺪﻳﺲ أﻣﺔ ﻏري أن ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻗﻮاﻋﺪ إﻗﻠﻴﻢ وﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﻮﻣﻲ ﻣﻮﺣﱠ َﺪﻳْﻦ ﻧﺴﺒﻴًﺎ ﻧﺎد ًرا ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﻮ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ أو ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت ﻳﺘﺒﻨﺎﻫﺎ وﻳﺮوﱢﺟﻬﺎ املﺮﻛﺰ ً ﺷﻜﻼ ﻣﺤﺪدًا ،ﺑﻞ ﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ،ﻓﺈن ﻗﺒﻮل اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﺑني ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ﻟﻢ ﺗﺘﺨﺬ 29
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ ﻟﺠﻮءَ املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ إﱃ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وأﻋﺮاف ﻣﻮﺟﻮدة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﺳﻮاء ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﰲ اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﺪﻳﻦ أو اﻟﻘﻮاﻧني واﻷﻋﺮاف .وﻫﻜﺬا ﻓﺈن اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ املﺤﺪدة اﻟﺘﻲ ﻳﺨﺘﺎر املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺗﺮوﻳﺠﻬﺎ ﻧﺎد ًرا ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﺨﺘﺎرة ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻫﻮج وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺑﺘُﻜﺮت ﻣﻦ اﻟﻌﺪم ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺗﻤﺜﱢﻞ ﺗﺤﻮ ًﱡﻻ ﺟﺮﻳﺌًﺎ ﻋﻦ ﺗﻘﻠﻴ ٍﺪ ﻣﻮﺟﻮ ٍد ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﰲ ﻋﺎم ١٥٠١ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ﻟﺠﺄ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ اﻟﺼﻔﻮي إﱃ املﺬﻫﺐ اﻟﺸﻴﻌﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮدًا ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ؛ ﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻼد ﻓﺎرس ﻋﻦ ُ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻨﻖ املﺬﻫﺐَ ﱡ ﺗﺎرﻳﺦ ﻛ ﱢﻞ دوﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻨ ﱢ ﱠﻲ .وﻳﻜﺸﻒ اﻟﺘﻮﻃﻴﺪ واﻟﻮﺟﻮد املﺴﺘﻘﺮ ﻋﱪ اﻟﺰﻣﻦ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻻﻟﺘﺠﺎء إﱃ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ وﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ ﰲ املﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎدة ﻋﲆ إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺎ .وﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى :ﻓﺈن اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﺧﺘﻼﻓﻬﺎ ﻋﻦ اﻷﻣﺔ ،ﺗﺨﻠﻖ ﻣﺠﺘﻤ َﻊ ﻗﺮاﺑ ٍﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮن ﻣﺎ ﻳﻨﺒﺜﻖ ﻋﻨﻪ ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺰﻣﻦ ﻫﻮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ. َ واﻻﺳﺘﺜﻨﺎء ﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﺘﻘﺎرب ﻫﺬه ﺑني ﺷﻜﻠ ْني ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ — وأﻗﺼﺪ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﺪوﻟﺔ واﻷﻣﺔ — ﻫﻮ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ .ورﺑﻤﺎ ﻧﺸﻬﺪ اﻟﻴﻮم ﺑﺰوغ إﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ. ٌ واﺿﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﲆ ﱡ ﺗﻮﺳﻊ إﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﻣﺎ؛ ﻓﺤﺪود ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻗﻴﻮ ٌد اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﺗﻨﺸﺄ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻋﻦ ﻣﺨﺎوف ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻨﺎء ﺳﻮر اﻟﺼني اﻟﻌﻈﻴﻢ ً ﻣﺜﻼ ،اﻟﺬي ﺑﺪأ ﺗﺤﺖ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻟﺠﻨﺮال ﻣﻴﻨﺞ ﺗﻴﺎن ﻋﺎم ٢٢١ﻗﺒﻞ املﻴﻼد؛ وﺟﺪار ﻫﺎدرﻳﺎن ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺗﺮﺳﻴﻤً ﺎ ﻟﻠﺤﺪود اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻺﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،أو ﻫﺰﻳﻤﺔ اﻟﻘﻮات املﺴﻠﻤﺔ ﺑﻘﻴﺎدة اﻷﻣري ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺷﺎرل ﻣﺎرﺗﻞ ﻋﺎم ٧٣٢ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺗﻮر ،وﻫﻲ اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ أوﻗﻔﺖ اﻟﺘﻮﺳﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ .واﻻﻋﱰاض ﻋﲆ ﻫﺬا املﺪ اﻟﺬي ﻻ ﺣﺪود ﻟﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻟﻬﻴﻤﻨﺔ إﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ اﻟﺘﻤﺎﻳﺰ اﻟﺜﻘﺎﰲ واﻻﺳﺘﻘﻼل ٍ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪة ذات ﻗﺮاﺑﺎت إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﺗﻀﻤﻬﺎ ،أو ﺗﻬﺪدﻫﺎ، اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﺗﻠﻚ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ؛ ﻣﺜﻞ ﺗﻤﺮد ﺳﻜﺎن ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻳﻬﻮدا ،ﻣﻦ ﻋﺎم ٦٦إﱃ ﻋﺎم ٧٢ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ، وﻣﺮة أﺧﺮى ﻣﻦ ﻋﺎم ١٣٢إﱃ ﻋﺎم ١٣٥ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ﺿﺪ ﺣﻜﻢ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،وﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،اﻋﱰاض اﻟﻬﻨﺪ ﻋﲆ ﺣﻜﻢ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﻌﻈﻤﻰ .وﻗﺪ ﻛﺎن اﻻﻋﱰاض اﻟﺴﻴﺎﳼ اﻟﴫﻳﺢ ﻋﲆ ﺣﻜﻢ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺎت ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ أﻧﻬﺎ ﺗَﺤْ ِﺮم اﻷﻣﻢ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﴫف ﰲ ﺷﺌﻮﻧﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﻖ ﺗﻘﺮﻳﺮ املﺼري اﻟﺬاﺗﻲ .ﻏري أن ﻃﺒﻴﻌﺔ »اﻟﺬات« اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻟﻼﺳﺘﻘﻼل ً واﺿﺤﺔ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ داﺋﻢ؛ ﻷن ﻫﺬه اﻟﺬات ﺗﻜﻮن ﰲ ﻃﻮر اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻳﺤﺪث اﻟﻴﻮم ﰲ أﻳﺮﻟﻨﺪا اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﻛﺸﻤري ،وﻣﻘﺪوﻧﻴﺎ ،وﺗﺮﻛﺴﺘﺎن اﻟﴩﻗﻴﺔ. 30
ﻣﺎ اﻷُﻣﱠ ﺔ؟
إن ﺗﻄﻮﱡر اﻟﺘﻤﺎﻳﺰ اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻳﻘﻮدﻧﺎ إﱃ اﻟﻨﻈﺮ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﺪوﻟﺔ واﻷﻣﺔ ﻣﻦ اﻻﺗﺠﺎه املﻌﺎﻛﺲ؛ أي ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﻌﻰ اﻷﻣﺔ ﻷن ﺗﻜﻮن دوﻟﺔ. ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻮل ﻣﻦ أﻣﺔ إﱃ دوﻟﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ؟ واﻷﻫﻢ ،ملﺎذا ﻳﺤﺪث ﻫﺬا ﻋﺎد ًة؟ ً دوﻟﺔ ﺑﺪاﻓﻊ ﺣﻤﺎﻳﺔ أرواح أﻓﺮادﻫﺎ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ أي ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻌﻰ اﻷﻣﺔ ﻷن ﺗﻜﻮن ﻳﺘﺴﻨﱠﻰ ﻟﻸﻣﺔ — ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻤﺜﻠﻴﻬﺎ وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ — اﻟﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺿﻤﺎن ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﲆ وﺟﻮدﻫﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .وإذا ﻓﺸﻠﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﰲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬا اﻟﻐﺮض )ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺰﻳﻤﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ أو وﺳﻴﻠﺔ أﺧﺮى( ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺨﺎﻃﺮ ﺑﺎﺣﺘﻤﺎل اﻟﺘﻔﻜﻚ؛ ﻷن ارﺗﺒﺎﻃﺎت أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻷﻣﺔ ﻗﺪ ﺗﻨﻬﺎر؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻗﺪ ﺗﻈﻬﺮ وﻻءات ﺟﺪﻳﺪة؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻮﱢض وﺟﻮد اﻷﻣﺔ. وﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ اﻷﻣﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺸ ﱢﻜﻞ اﻟﺪوﻟﺔ أو ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺸ ﱢﻜﻞ اﻷﻣﺔ ،ﻓﺘﻠﻚ ﱠ املﻌﻘﺪﺗَ ْني ﺗَﺤﺪﺛﺎن ،ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ، ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻀﻴﺔ؛ ﻷن ﻛﻠﺘﺎ اﻟﻌﻤﻠﻴﺘَ ْني ﺣﺴﺐ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﻣﺔ ا َملﻌْ ﻨِﻴﺔ. ٍ دوﻟﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ،ﺳﻮاء أﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺘﺸ ﱡﻜﻞ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺗﻄﻮر اﻟﺪوﻟﺔ إن ﺗﺸ ﱡﻜﻞ إﱃ أﻣﺔ أو ﺗﻄﻮر اﻷﻣﺔ إﱃ دوﻟﺔَ ،ﻟﻬُ ﻮ أﻣ ٌﺮ ﻳﺤﻤﻞ ﰲ ﻃﻴﺎﺗﻪ ﺗﻌﻘﻴﺪات ارﺗﺒﺎﻃﺎت وﻋﻤﻠﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻻ ﺣﴫ ﻟﻬﺎ .وﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﺈن إﺣﺪى ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات ﻫﻲ أن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻳﺘﻀﻤﱠ ﻦ ارﺗﺒﺎﻃﺎت إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ واﺿﺤﺔ ،أو ﺣﺘﻰ أﻣﻤً ﺎ أﺧﺮى .وﻣﺮة أﺧﺮى ﻧﻘﻮل إن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻮﺣﱠ ﺪة ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻧﺴﺒﻲ ﻓﺤﺴﺐ. ً ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. وﺗﻮﺿﻴﺢ أﺳﺒﺎب ﻫﺬا ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ
31
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﲈﻋﻴﺔ
اﻷﻣﻢ اﺑﺘﻜﺎرات إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻏري أن اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻸُﻣﱠ ﺔ ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ ﺗﻤﻴﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻻﺑﺘﻜﺎرات اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .ﺗﺘﺨﺬ اﻷﻣﺔ ﺷﻜ َﻞ »ﻋﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ« .وﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻨﱠﻰ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺛَﻢ ﻧﺤﻘﻖ ﻓﻬﻤً ﺎ أﻓﻀﻞ ﻟﻸﻣﺔ ،ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻦ املﻔﻴﺪ أن ﻧﻘﺎرن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ آﺧﺮ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻻﺑﺘﻜﺎر اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ :أﻻ وﻫﻮ اﻷداة. اﻷداة — املﻄﺮﻗﺔ ً ﻣﺜﻼ — ﻫﻲ ﳾءٌ ﻣﺎديﱞ اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻪ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره اﻣﺘﺪادًا ﻟﻠﻴﺪ ،ﻫﻮ ﺟﻌﻞ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺒﴩي أﻛﺜﺮ ﻛﻔﺎء ًة ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ .ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء ﻓﻬ ُﻢ اﻷﻣﺔ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ أدا ٌة ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ اﻟﺤﻴﺎة؛ ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻳﺰﻋﻢ ﺑﻌﺾ ﻋﻠﻤﺎء اﻷﺣﻴﺎء اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ أن اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻫﻲ آﻟﻴﺔ ﻹﻳﺠﺎد وﺳﻴﻠﺔ ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻟﺘﺒﺎدل املﻨﺎﻓﻊ؛ ﻷن ﻫﺬا اﻟﺘﺒﺎدل ﻳﺤﺪث ﺑني أﻓﺮادٍ ﻳﺜﻖ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ؛ وذﻟﻚ ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ أﻗﺮﺑﺎء .ﻏري أن وﺻﻒ اﻷﻣﺔ ﺑﺎﻷداة — أﻳٍّﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﻴﺰاﺗﻪ ً ً ٍ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أﺧﺮى ،وﻫﻲ ﻋﺎد ُة ﻋﻼﻗﺔ اﺧﺘﻼﻓﺎت ﻣﻬﻤﺔ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﻜﻠني .ﻟﻨﺄﺧﺬ — ﻳﺤﺠﺐ ﺗﺒﺎد ُِل اﻟﺘﺤﻴﱠﺔ ﺑني ﻓﺮدﻳﻦ ،ﺑﻐﺮض ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﻜﻠني :اﻷداة واﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻃﺎﺑﻊ اﻷﻣﺔ ﻛﻤﺜﺎل ﻋﲆ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ً ﻣﺼﺎدﻓﺔ .ﻣﺎ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻳﺴﻌﻰ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ وراء ﻣﺼﺎﻟﺤﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻳﻠﺘﻘﻴﺎن ً ﻣﺼﺎدﻓﺔ؛ ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺔ ﻳﺤﺪث ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﺨﺼني ﻫﻮ ﻣﺠﺮد »ﺗﻔﺎﻋﻞ«؛ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﺗﻘﺎﺑﻼ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﺪ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﺪه إﱃ اﻵﺧﺮ ،ﻻ ﻳﻌﻮد ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﺠﺮد ﺗﻔﺎﻋﻞ ٌ ﻋﻼﻗﺔ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻓﻬﻤﺎ اﻵن »ﻳﺘﺸﺎرﻛﺎن« ﰲ ﻋﺎدة اﻟﺘﺤﻴﺔ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ املﺼﺎﻓﺤﺔ .ﺛﻤﺔ ٌ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻵن ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﺨﺼني؛ وﻫﻲ ﻋﺎد ُة اﻟﺘﺤﻴﺔ وأداﺋﻬﻤﺎ ﻟﻬﺎ .ﻣﺎ ﻣﻜﻮﻧﺎت ﻫﺬه
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؟ ً ٍ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ أوﻻ :ﻫﻨﺎك ﻣﻌﻨًﻰ ﻟﻌﺎدة اﻟﺘﺤﻴﺔ ﺗﻠﻚ .وﻫﺬان اﻟﺸﺨﺼﺎن ﻳﺠﺪان ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدة .ﻓﺄﻳﻦ ﻳﻤﻜﻦ إﻳﺠﺎد ﻫﺬا املﻌﻨﻰ؟ إﻧﻪ ﻣﻮﺟﻮ ٌد داﺧﻞ وﻋﻲ ﻛ ﱢﻞ ﻓﺮ ٍد ﻣﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪرﻛﻮن وﻳﻘﺒﻠﻮن ﻣﻌﻨﻰ املﺼﺎﻓﺤﺔ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺗﻘﻠﻴﺪًا ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ املﺘﺒﺎدَل ﺑني ﺷﺨﺼني .ﺛﺎﻧﻴًﺎ :ﻣﺎ املﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻌﺎدة املﺼﺎﻓﺤﺔ؟ إﻧﻬﺎ ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ ﺑﴩ أﺣﻴﺎء ﻳﺠﻌﻠﻮن اﻟﻌﺎدة واﻗﻌً ﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أداﺋﻬﻢ ﻟﻬﺎ. ﻳﺠﺐ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﺎدة ﺷﻜﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻠﻚ ،وﻫﻲ اﻟﺒﴩ اﻷﺣﻴﺎء ،ﺑﻤﺎدة اﻷداة. واملﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ اﻷداة ﻫﻲ ﻣﺎد ٌة ﻏري ﺣﻴﺔ .ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻚ ﻣﻄﺮﻗﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﺗﻈﻞ أداة؛ ﻷﻧﻬﺎ ُ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﺎدﻳٍّﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﺨﺸﺐ .ﻓﺎﻷداة ﺗﻈﻞ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻛﻌﻨﴫ ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻬﺎ .وﻋﲆ ﻋﻜﺲ اﻷداة ،ﻓﺈن وﺟﻮد اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻌﺎدة املﺼﺎﻓﺤﺔ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ أداء اﻟﺒﴩ ﻟﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﴤ ﺑﺪوره اﻹﻗﺮار ﺑﻤﻌﻨﻰ املﺼﺎﻓﺤﺔ واﻟﻘﺒﻮل ﺑﻪ .ﻛﻤﺎ أن ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ وﺟﻮ ٌد ﻣﺎديﱞ ﻣﻨﻔﺼ ٌﻞ ﻋﻦ اﻷﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺎرﺳﻮن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻮﻧﻬﺎ .وﻫﻜﺬا ﻓﺈن ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ً ً ﻣﺰدوﺟﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﺗُﻤﺎ َرس ﺑني اﻷﻓﺮاد — وﻫﻤﺎ اﻟﺸﺨﺼﺎن اﻟﻠﺬان ﻳﺆدﻳﺎن املﺼﺎﻓﺤﺔ ﺳﻤﺔ وﻳﺠﻌﻼﻧﻬﺎ واﻗﻌً ﺎ — وﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻫﻲ ﻋﺎد ٌة ﺗﺘﺨﻄﻰ اﻷﻓﺮاد؛ أي ﻣﻌﻨﻰ ﻋﺎدة املﺼﺎﻓﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺆدﻳﻬﺎ ﺷﺨﺼﺎن ﻳُﻘﺮان ﺑﻬﺬا املﻌﻨﻰ. وﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﺈن املﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻣﻨﻬﺎ اﻷﻣﺔ ً ﻣﻨﻔﺼﻼ ﻋﻦ اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻲ اﻟﺒﴩ اﻷﺣﻴﺎء .ﻓﻌﲆ ﻋﻜﺲ اﻷداة ،ﻓﺈن اﻷﻣﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳُﺸ ﱢﻜﻠﻮﻧﻬﺎ .وﻣﺜﻞ ﻋﺎدة املﺼﺎﻓﺤﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺠﺪ اﻷﻓﺮاد ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدة وﻳُﺒﻘﻮﻧﻪ ﺣﻴٍّﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل أداء ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدة ،ﻓﺈن اﻷﻣﺔ ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ أﻓﺮاد ﻳُﺒﻘﻮﻧﻬﺎ وﻳﺤﺎﻓﻈﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻳﺘﺸﺎرﻛﻮن ﰲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ذات ﺣﺪود ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ ،وﻫﻢ ﺑﻔﻌﻠﻬﻢ ﻫﺬا ﻳﺆ ﱢﻛﺪون ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ .وﺗﻮﺟﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﰲ اﻷﺳﺎس داﺧﻞ إدراك ﻛﻞ ﻓﺮ ٍد ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد اﻟﻌﺪﻳﺪﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻮن اﻷﻣﺔ ،ﻟﺬاﺗﻪ؛ ً ﺷﻜﻼ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻮﻋﻲ ﻣﺜﻞ إدراﻛﻬﻢ أﻧﻬﻢ ُو ِﻟﺪوا ﰲ إﻗﻠﻴﻢ ﻣﻌني .وﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﺗُﻌﺘﱪ اﻷﻣﺔ اﻟﺬاﺗﻲ املﺸﱰك؛ أو اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ،ﻛﻤﺎ أوﺿﺤﻨﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ .ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺗﻮﺟﺪ ً أﻳﻀﺎ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻣﻦ أﻧﻮاع ﻋﺪﻳﺪة؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ واملﺤﺎﻛﻢ ،اﻟﺘﻲ ﺗُ ﱢ ﺠﺴﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ وﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﻨﴩﻫﺎ .ﻏري أن ﺗﻠﻚ املﺆﺳﺴﺎت ﺗﻘﻮم ً أﻳﻀﺎ ﻋﲆ اﻟﻘﺒﻮل املﺴﺘﻤﺮ واملﻤﺎرﺳﺔ املﺴﺘﻤﺮة ﻟﻬﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ .ﻓﺎﻷﻣﺔ ﻟﻬﺎ ﻫﻴﻜ ٌﻞ ﺑني اﻷﻓﺮاد وﻫﻴﻜ ٌﻞ ﻳﺘﺨﻄﻰ اﻷﻓﺮاد ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﻮﻟﺪ اﻟﻔﺮد ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻜﻴﱢﻒ ﻧﻔﺴﻪ داﺧﻞ اﻷﻣﺔ املﻮﺟﻮدة ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻤﺮ وﺟﻮدﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت ذﻟﻚ اﻟﻔﺮد .ﻫﺬا اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺰﻣﻨﻲ ﻟﻸﻣﺔ »املﻮﺟﻮدة ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ« 34
اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
و»املﺴﺘﻤﺮة ﰲ اﻟﻮﺟﻮد« ﻳﺸري إﱃ أن اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ،ﺗﺘﺨ ﱠ ﻄﻰ اﻷﻓﺮاد؛ أي إن وﺟﻮدﻫﺎ ﻻ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ أي ﻓﺮد؛ وﺑﻬﺬا املﻌﻨﻰ، ﻓﻬﻲ »ذات وﺟﻮد ﺣﻘﻴﻘﻲ« .واﺳﺘﺨﺪام ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ« ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﴬورة ﱢ ﻣﺘﺠﺴﺪ ًة أﺷﻴﺎءَ ﻣﺎدﻳﺔ ،ﻣﻊ أن اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺘﺨﻄﻴﺔ ﻟﻸﻓﺮاد ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﰲ ﻋﻨﺎﴏ ﻣﺎدﻳﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺘﺐ ،واﻟﺮﻣﻮز اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،واﻵﺛﺎر ،واﻷﻋﻼم. ً ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ،وﻣﻦ ﺛَﻢ ﻻ ﺗﻌﻴﺪ اﻷﺟﻴﺎل املﺘﻌﺎﻗﺒﺔ اﻟﺘﺄﻛﻴ َﺪ ﻏري أﻧﻪ إذا ﻟﻢ ﺗَﻌُ ﺪ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﻮﻣﻲ أو اﻵﺛﺎر أو اﻟﺸﻌﺎرات ﺗﻘﺘﴫ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺠﺮد وﺟﻮدﻫﺎ ﻻ أﻛﺜﺮ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺣﻮﻟﻴﺎت املﻠﻚ ﺗﺠﻼت ﺑﻼﴎ اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻣﻠﻚ آﺷﻮر )٧٢٧–٧٤٤ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( ،أو ﺣﻮﻟﻴﺎت املﻠﻚ اﻟﺤﻴﺜﻲ ﻫﺎﺗﻮﺷﻴﲇ اﻷول ) ١٦٢٠–١٦٥٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( ،ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻮى ﻣﺠﺮد ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺗﺜري اﻫﺘﻤﺎم ﻣﺆرﺧﻲ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘﺪﻳﻢ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﻴﻮم أﻣﺔ آﺷﻮرﻳﺔ أو ﺣﻴﺜﻴﺔ .واﻟﺸﻌﺎر اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ — SPQRوﻫﻮ اﺧﺘﺼﺎر ﻳﺸري إﱃ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻴﻮخ واﻟﺸﻌﺐ واﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ — ﻻ ﻳﺜري اﻫﺘﻤﺎم أﺣ ٍﺪ ﺳﻮى املﺆرﺧني املﻬﺘﻤني ﺑﺘﺎرﻳﺦ روﻣﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،أو زوﱠار املﺘﺤﻒ اﻟﺬﻳﻦ ﻳَﻌُ ﺪﱡون اﻟﺸﻌﺎ َر ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ُ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻟﻢ ﻳَﻌُ ْﺪ ﻟﻪ ﺻﻨﻊ ٍ وﺟﻮد .وﺑﺎملﺜﻞ ،ﻓﺈن اﻟﻠﻐﺎت اﻵﺷﻮرﻳﺔ واﻟﺤﻴﺜﻴﺔ واﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻫﻲ ﻟﻐﺎت ﻏري ﺣﻴﱠﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳَﻌُ ﺪ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻬﺎ. وﻋﲆ ﻧﻘﻴﺾ ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ ،ﻓﺈن وﺛﺎﺋﻖ ﻣﺜﻞ إﻋﻼن اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ،أو آﺛﺎ ًرا ﻣﺜﻞ ﻧُﺼﺐ ﻟﻴﻨﻜﻮﻟﻦ اﻟﺘﺬﻛﺎري ﰲ واﺷﻨﻄﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ،أو ﻗﻮس اﻟﻨﴫ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ،أو ﻗﴫ ﺑﺎﻛﻴﻨﺠﻬﺎم ﰲ ﻟﻨﺪن ،ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد أﺷﻴﺎء ُ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﻦ املﺎﴈ. ٌ ﱢ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ؛ ﻷن اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﺳﺘﻤﺮار إﻧﻬﺎ آﺛﺎ ٌر »ﺣﻴﱠﺔ« ﻋﲆ ٍ ٌ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ ،ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ إﻋﺎدة اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ اﻻﻋﱰاف ﺑﻬﺎ .وﻷن ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺗﻨﻘﻠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻷﺟﻴﺎل املﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﻤﺮ وﺟﻮد اﻷﻣﺔ .ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ املﺘﺠﺪد — ﺑﺮﻏﻢ ﻛﻮﻧﻪ ﻋﺎﺑ ًﺮا وﺟﺰﺋﻴٍّﺎ — ﻣﻦ أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ أو ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺸري إﱃ أن ﺷﻜﻞ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ وﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ ﻣﻌ ﱠﺮﺿﺎن ﻟﻠﺘﻐﻴري .ﻓﻌﲆ ﻧﻘﻴﺾ املﻄﺮﻗﺔ ،ﻓﺈن ﺷﻜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ وﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﻣﺴﺘﻘ ﱠﺮﻳ ِْﻦ أو ﺛﺎﺑﺘَ ْني ﺗﻤﺎﻣً ﺎ؛ ﻟﺬا ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮد ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﻓﺤﺴﺐ. ﺗﻌﺪﻳﻞ واﺑﺘﻜﺎر اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻌﺎدات ﱠ ﺗﺘﻐري ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺘﻼﳽ وﻳﻄﻮﻳﻬﺎ اﻟﻨﺴﻴﺎن إذا ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﻨﺎس ﰲ ﻣﺮاﻋﺎﺗﻬﺎ وأداﺋﻬﺎ ،أو ﻗﺪ ﻳﻨﺒﺬوﻧﻬﺎ ﻋﻤﺪًا .وﺑﺎملﺜﻞ ﻓﺈن ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨ ﱠ ﻄﻰ اﻷﻓﺮاد واملﺆﺳﺴﺎت 35
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻐري ُ ﺗﺠﺴﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻠﺘﻐﻴري .ﻓﻘﺪ ﺗُ ﱢ اﻟﺘﻲ ﱢ اﻷﻣﺔ ﺗﻘﺎﻟﻴ َﺪ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﺴﻴﺎﳼ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﺎم املﻠﻜﻴﺔ إﱃ املﻠﻜﻴﺔ اﻟﺪﺳﺘﻮرﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ .ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﺮﻓﺾ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ .وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻷﺧرية ،ﱠملﺎ ً ﻣﻌﱰﻓﺎ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻓﻘﺪت ﴍﻋﻴﺘﻬﺎ .ﰲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ املﻠﻜﻴﺔ واملﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﻳُﻌﺮف ﻓﻘﺪان اﻟﴩﻋﻴﺔ ﻫﺬا ﺑﺎﺳﻢ »ﺳﺤﺐ اﻟﺜﻘﺔ« .وإذا ﺣﺪث ﻫﺬا ،ﻓﺈن اﻷﻣﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﻋُ ً ﺮﺿﺔ ﻟﺨﻄﺮ اﻻﻧﻘﺴﺎم ،ﻟﻴﺲ ﻷن ﻣﺎدة اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ — وﻧﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ اﻷﺷﺨﺎص — ﻟﻢ ﺗَﻌُ ﺪ ﻣﻮﺟﻮدة ،ﺑﻞ ﻷن إرادة ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻦ أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ ﰲ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﰲ اﻋﺘﺒﺎر ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺮدًا ﰲ اﻷﻣﺔ ﻟﻢ ﺗَﻌُ ﺪ ﻣﻮﺟﻮدة.
ﺷﻜﻞ :1-3ﻗﻮس اﻟﻨﴫ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ.
َ ٍ ﺛﺎﺑﺖ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜري ﻜﺮار إن إﻋﺎدة اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻟﻴﺴﺖ أﺑﺪًا ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗَ ٍ واﻟﺘﻐﻴري ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدات اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﻃﻨﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ ﻧﻮﻋﻴﺔ املﻼﺑﺲ ﻧﺤﻮ ﻳﺒﺪو وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺤﺪث اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ املﺮء أو اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﻐﻨﻴﻬﺎ ،ﻗﺪ ﺗﺆدﱠى أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻋﲆ ٍ 36
اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﺑﻼ ﺗﻔﻜري .إن إﻋﺎد َة اﻟﺘﺄﻛﻴ ِﺪ ﻋﲆ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴ ِﺪ واﻧﺘﻘﺎﻟِﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻴﻞ إﱃ ﺟﻴﻞ ﺗﺘﻀﻤﱠ ﻦ ﺑﺎﻟﴬورة ﺗﻌﺪﻳ َﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ .وﺗﺨﻀﻊ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻟﻠﺘﻌﺪﻳﻞ؛ ﻷن اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻳﺠﺪ اﻟﺠﻴ ُﻞ اﻟﺤﺎﱄ ﱡ ﻧﻔﺴﻪ ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻦ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﻴﻪ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ؛ إذ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﺸﻜﻼت ﻓﻴﻪ داﺋﻤً ﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻣﺼﺎﺣِ ﺒﺔ ﻟﻬﺎ .وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺪﻳﻞ اﻟﺬي ﻻ ﻣﻔ ﱠﺮ ﻣﻨﻪ ﻏري ﻣﺤﺴﻮس ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﺪرﻳﺠﻲ ﻟ ﱡﻠﻐﺔ؛ وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﺤﻮل ﺟﺬرﻳٍّﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺪﻟﻊ اﻟﺜﻮرات .وﰲ ﻛﻠﺘﺎ اﻟﺤﺎﻟﺘني ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺸري إﱃ أﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ أُﻣﱠ ٍﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺘﻘﺮة ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ،ﻣﺜﻞ اﻷداة ،ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﻣﻦ ﻣﺎدة ﻫﺎﻣﺪة ﻻ ﺣﻴﺎة ﻓﻴﻬﺎ. َ إن ﺑﻌﺾ اﻟﺪارﺳني ﻟﻸﻣﻢ وﻟﻠﻘﻮﻣﻴﺔ ﻳُﻘﺪﱢرون ﻛﺜريًا ﺣﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﺘﻌﺪﻳﻞ، ٍ أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﻮﻻت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺟﺬرﻳﺔ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻻﻓﺘني اﻷﻧﻈﺎر إﱃ ﻻﺑﺘﻜﺎر ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻟﻠﻤﺎﴈ اﺧﺘﻴﺎرﻳٍّﺎ ،إﱃ ﺣ ﱢﺪ أﻧﻬﻢ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ »اﺑﺘﻜﺎر« اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ .وﻛﻤﺜﺎل ﻣﻦ ٍ ٍ ﻗﻤﺎش ﺑﻨﻘﺸﺔ اﻟﱰﺗﺎن )املﺮﺑﻌﺎت ﻛﻬﺬا ﻧﺠﺪ اﻟﺘﻨﱡﻮرة اﻻﺳﻜﺘﻠﻨﺪﻳﺔ اﻟﻘﺼرية املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ٍ ً ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻗﻤﺎش املﺮﺑﻌﺎت اﻟﻄﻮﻳﻞ ،اﻟﺬي اﻻﺳﻜﺘﻠﻨﺪﻳﺔ(؛ ﻓﺒﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ َ ُ ﺣني ﻳ َُﺸ ﱡﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺰام ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺴﺎﻗ ْني ،ﻓﻘﺪ اﺑﺘﻜﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻨﻮرة ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ .وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﻈﻬﺮﻫﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ُ ﺻﻮﱢرت ﻛﺮﻣﺰ ﻻﺳﺘﻤﺮار اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻬﻀﺎب اﺳﻜﺘﻠﻨﺪا إﱃ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ .وﺑﺎملﺜﻞ ،ﻓﺈن ﻗﻤﺎش ﻧﻘﺸﺔ اﻟﱰﺗﺎن اﻟﺬي ﻳﻤﻴﱢﺰ ﻛ ﱠﻞ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻫﻀﺎب اﺳﻜﺘﻠﻨﺪا — رﻏﻢ أﻧﻪ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﻔﱰض أﻧﻪ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻘِ ﺪَم — ﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﺧﻼل ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ .وﻫﺬه اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺗﻔﻴﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﺗﻮﺿﺢ أن اﻷﻣﻢ )وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ( ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻴﺎﻧﺎت وَﺣْ ﺪَوﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮدة داﺋﻤً ﺎ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن ﻣﺤﺎوﻻت ادﻋﺎء وﺟﻮد أﻣﺔ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻣﺘﺤﺪة ،أو ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﰲ أزﻣﻨﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻌﻮد إﱃ ﻋﴫ املﻠﻚ آرﺛﺮ اﻟﻜﻴﻠﺘﻲ )ﰲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس املﻴﻼدي( ،ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻬﺎ ﻏري ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺗﺮﻛﻴﺰ املﺮء اﻫﺘﻤﺎﻣَ ﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »اﺑﺘﻜﺎر« اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﻣﻌﻨﺎه ﺗﺠﺎﻫﻞ املﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﻬﺎ وﺟﻮد اﻷﻣﻢ أﺛﻨﺎء ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻓﻬﻢ اﻟﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻓﻀﻞ. ورﻏﻢ وﺟﻮد ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻻﺑﺘﻜﺎر اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻣﻦ وﻗﺖ ﻵﺧﺮ ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ اﻟﺘﺨﺼﻴﺺ اﻻﻧﺘﻘﺎﺋﻲ ﻟﻠﻤﺎﴈ ﻟﻴﺨﺪم اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﺤﺎﴐ )ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل :اﺳﺘﻐﻼل ﻫﻮﻟﻨﺪﻳني ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ ملﺎ رواه املﺆرخ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺗﺎﺳﻴﺘﻮس ﻣﻦ ﺗﻤﺮد اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺒﺎﺗﺎﻓﻴﺔ )ﻓﻴﻤﺎ ﻳُﻌﺮف اﻵن ﺑﻬﻮﻟﻨﺪا( ﺿﺪ روﻣﺎ ﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﱰﺳﻴﺦ أﺳﺲ اﻟﱰاث اﻟﻘﺪﻳﻢ واﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ 37
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﻟﺠﻤﻌﻲ اﻟﻬﻮﻟﻨﺪي( ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻣﺎ زﻟﻨﺎ ﻧﻮاﺟﻪ ﻣﺠﻬﻮدات ملﺤﺎوﻟﺔ ﻓﻬﻢ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮ اﻟﺒﴩ إﱃ اﻟﺴﻌﻲ وراء اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،أو ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻐﻴريﻫﺎ ﺟﺬرﻳٍّﺎ ﻟﺘﱪﻳﺮ أوﺿﺎع اﻟﺤﺎﴐ ،وملﺎذا ﺗُﻘﺪﱠم ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أدا َة ﺗﺄﻛﻴﺪٍ ،أو اﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل ً اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﱢﺰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﴩﻳ ًﱠﺔ ﻋﻦ اﻷﺧﺮى. املﻔﻬﻮﻣﺎن اﻟﻌﺮﻗﻲ واملﺪﻧﻲ ﻟﻸﻣﺔ ﻛﻤﺎ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ﻓﺈن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻘ ﱡﻠﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﱢﺰ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ َ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻌﺎﻳري ﻣﺤﺪﱠدة ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻷﻣﺔ ،وﺣﺘﻰ ﻣﻌﺎﻳري اﻻﻧﺘﻤﺎء ﻷﻣﺔ ﻣﺎ أو ﻧﻘﻠﻪ ﺗﺆ ﱢﻛﺪ ﻣﻦ أﻣﺔ ﻷﺧﺮى ،ﺗﺨﻀﻊ ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ ﻟﺪرﺟﺎت ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺪﻳﻞ؛ ﻣﺜﻞ ﺗﻐﻴري ﻗﻮاﻧني اﻟﻬﺠﺮة ً ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻤﻴﻼد ﻷﺑﻮﻳﻦ ﻳُﻌﺘﱪان ﻣﻦ واملﻮاﻃﻨﺔ .وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻻﻧﺘﻤﺎء إﱃ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ً ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻤﻴﻼد ﰲ إﻗﻠﻴﻢ ﻳُﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ أﺑﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺔ ،وإن ﻛﺎن ﻫﺬا اﻻﻧﺘﻤﺎء ﰲ اﻟﻌﺎدة ﻳﻜﻮن ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره َ أرض اﻷﻣﺔ .ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﲆ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻷوﱃ اﺳﻢ املﻔﻬﻮم »اﻟﻌِ ﺮﻗﻲ« ﻟﻸﻣﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ٌ ﺗﺒﻌﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﱠﺔ ﻳﻄ َﻠﻖ ﻋﲆ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ املﻔﻬﻮم »املﺪﻧﻲ« ﻟﻸﻣﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻟﻬﺬه اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﻣﻬﻤﺔ. وﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أن ﻳﺆدﱢي املﻌﻴﺎ ُر »املﺪﻧﻲ« ﻟﻠﻤﻴﻼد ﰲ اﻹﻗﻠﻴﻢ إﱃ ﺗﺴﻬﻴﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ املﺴﺎواة أﻣﺎم اﻟﻘﺎﻧﻮن؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺴﻬﻴﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ؛ ﻷن ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻳُﻮﻟﺪون ﰲ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﻨﺘﻤني ﻟﻸﻣﺔ ،وﻣﻦ ﻫﺬا املﻨﻄﻠﻖ ﻳﻨﺎﻟﻮن ﺻﻔﺔ املﻮاﻃﻨﺔ ﱢ ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ أﺻﻮﻟﻬﻢ أو ﻟﻐﺎﺗﻬﻢ أو ﻣﻌﺘﻘﺪات آﺑﺎﺋﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ .ﻏري أﻧﻨﺎ ﻳﺠﺐ أﻻ ﻧﺒﺎﻟﻎ ﻛﺜريًا ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﺑني املﻔﻬﻮﻣَ ْني »اﻟﻌﺮﻗﻲ« و»املﺪﻧﻲ« ﻟﻸﻣﺔ؛ ﻷن اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ ﻳﺘﻀﻤﱠ ﻦ ﺧﻠﻴ ً ﻄﺎ ﻣﻦ ِﻛﻼ املﻌﻴﺎرﻳﻦ .وﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إن ﻣﻌﺎﻳري ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻧﺘﻤﺎء اﻟﺸﺨﺺ إﱃ اﻷﻣﺔ ﻗﺪ ﺗﺤﻮﱠﻟﺖ ﻟﻜﻮن اﻷﻣﺔ ﻣﺼﺪﱢر ًة ﻟﻠﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ أو ﻣﺴﺘﻘ ِﺒ ًﻠﺔ ﻟﻬﻢ ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ زﻣﻨﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ .واﻟﻨﻘﻄﺔ ﺗﺒﻌً ﺎ ِ املﻬﻤﺔ ﻫﻨﺎ ﻫﻲ إدراك أن ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ ﺗﺨﻀﻊ ،ﺑﺪرﺟﺔ ﻣﺎ أو ﺑﺄﺧﺮى ،ﻟﻠﺘﻐﻴري. إن ﺧﺎﺻﻴﱠﺔ اﻟﺜﺒﺎت اﻟﻨﺴﺒﻲ ﻫﺬه — أي اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺰﻣﺎن — اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﱢﺰ َ ِ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺤﺎﱄ ملﻬﺎم ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ ﻻ ﺗﻘﺘﴫ ﻋﲆ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮاﺟﻬﻪ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ .وﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺸ ﱢﻜﻞ اﻟﺠﻮﻫﺮ املﻔﻬﻮﻣﻲ — أي املﻌﻨﻰ اﻟﺬي ﻳﺘﺨ ﱠ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ — اﻟﺬي ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺣﻮﻟﻪ ﻄﻰ اﻷﻓﺮاد ،واﻟﺬي ﻳﻜﻮن ذا وﺟﻮ ٍد ﱟ ً ﻓﻔﻀﻼ ﻋﻦ وﺟﻮد اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ واﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ ،ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻮﺣﱠ ﺪ ًة؛ ﻳﻮﺟﺪ ً إﻃﺎر ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﺣﺮ أﻳﻀﺎ اﻟﺘﺒﺎدل اﻻﻗﺘﺼﺎدي واملﻌﺘﻘﺪات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻠﺬان ﻗﺪ ﻳُﻮﺟَ ﺪان ﰲ ٍ 38
اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ٌ أوﻗﺎت ﰲ املﺎﴈ ،ﺣني ﻛﺎن ﻣﻊ ذﻟﻚ اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ واﻟﺘﺠﺎرة .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻣ ﱠﺮت َ ﻓﺮض ﻗﻴﻮ ٍد ﻋﲆ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺤﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻌﺮﻳﻔﺎت ﻣﻦ املﻌﺘﻘﺪ أن رﻓﺎﻫﻴﺔ اﻷﻣﺔ ﺗﺘﻄ ﱠﻠﺐ ﺟﻤﺮﻛﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻊ املﺴﺘﻮردة ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي املﺴﻤﻰ ﺑ »املﺮﻛﻨﺘﻠﻴﺔ« ﰲ أوروﺑﺎ ﺧﻼل اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ،وﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻴﻤﺎ ُ املﻌﺘﻘﺪات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷوﻗﺎت إﱃ ﺑني اﻟﺤﺮﺑني اﻟﻌﺎملﻴﺘني اﻷوﱃ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ .وﻗﺪ ﺗﺤﻮﱠﻟﺖ ُ َ ﻋﻮاﺋﻖ دون اﻟﻨﺸﺎط اﻻﻗﺘﺼﺎدي ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺣ ﱠﺮ ِ ﻣﺖ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﺗﻘﺎﴈ ﻓﻮاﺋﺪ رﺑﻮﻳﺔ ﻋﻦ اﻷﻣﻮال املﻘﱰﺿﺔ .وأﻗﻮل إن ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻬﺎ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺘﺠﻤﱠ ﻊ ﻣﻌً ﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻏري ﻣﻨﺘﻈﻢ ﻟﺘﺸ ﱢﻜﻞ ﺟﻮﻫ َﺮ اﻷﻣﺔ املﲇءَ ﺑﺎﻟﺘﻮﺗﺮ ،اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﺘﻘﺮ إﻻ ﺑﺸﻜﻞ ﻧﺴﺒﻲ. ٍ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺨﺘﻠﻔﺔ داﺧﻞ ﻣﺮﻛﺰ اﻷﻣﺔ ﺗﺘﻌ ﱠﺮض ً أﻳﻀﺎ ﻟﻠﺘﻐﻴري؛ ً ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺪث أن ﻳﺼﺒﺢ أﺣ ُﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﰲ ٍ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﺧﺮى؛ وﻗﺖ ﺑﻌﻴﻨﻪ أﻛﺜ َﺮ ﺣﺮب ﻣﺎ ،ﻗﺪ ﻳﺘﺴﺒﱠﺐ ﺗﻔﺠﱡ ﺮ روح اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﰲ ﺗﻬﺪﻳﺪ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،أﺛﻨﺎء ٍ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﰲ اﻷﺧﻮة ﰲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. َ ﻻﺣﻈﺖ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ أن ﻫﻨﺎك ازدواﺟﻴﺔ ﰲ اﻷﻣﺔ؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ وﺟﻮد ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﻟﻌﻠﻚ أﺛﺮ ﻣﻘﻴﱢﺪ ،وﺗُﺤَ ﻮﱠل ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻌﻤﱠ ً ٍ ِ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺧﺪﻣﺔ َﺧ ْﻠ ِﻖ ﻤﺔ ﰲ ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ ذات ٍ أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ .وﻗﺪ ﺗﺴﻬﻢ ﻋﻮاﻣﻞ ﻣﺘﻌﺪدة؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺮب ،واﻟﺪﻳﻦ ،واﻟﺘﺒﺎدل اﻻﻗﺘﺼﺎدي ،ﰲ ً ﻣﺤﻠﻴﺔ ﰲ اﻟﺴﺎﺑﻖ — ﺑﺎﻟﻘﺮﻳﺔ أو املﻨﻄﻘﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺮواﺑﻂ ﺗﻘﻮﻳﺾ اﻟﺮواﺑﻂ — اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻷﻣﺔ اﻷﻛﱪ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ .وﺛﻤﺔ ﻋﺎﻣ ٌﻞ آﺧﺮ ﻫﻮ اﻟﻘﺎﻧﻮن ،اﻟﺬي ﻳﻨﴩه ﻣﺮﻛ ٌﺰ ﺳﻠﻄﻮي رﺳﻤﻲ؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻨﺒﺜﻖ »ﻗﺎﻧﻮ ٌن ﻟﻠﺒﻼد« ﻳﺸﻤﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﺎﻛﻦ ،وﻣﻬﻤﺘﻨﺎ ﻫﻨﺎ أن ﻧﻔﺤﺺ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن ً ﻋﺎﻣﻼ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ أُﻣﱠ ٍﺔ ﻣﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ. اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻘﺎﻧﻮن واﻷﻣﺔ ﻗﻮﻣﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻘ ﱠﺮ أو ًﱠﻻ ﺑﺄن ﺗﻄﻮﱡر اﻟﻘﻮاﻧني املﻜﺘﻮﺑﺔ ﻟﻢ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال ﻗﺎﻧﻮ ٌن ﱞ ُ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻛﻬﺬا ﻟﻔﱰة ﻟﻠﺒﻼد ،ﻣﻤﺘ ﱞﺪ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ .ﻓﻠﻢ ﺗَﺴﺘﺤﺪث ﻛﺒرية ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﻃﻮال ﺣﻜﻢ »اﻷُﻣﱠ ﺔ« اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻹﻣﱪﻳﺎﻟﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ ُ أرﺑﻌﺔ ﻧﻈ ٍﻢ أو ﻣﺬاﻫﺐ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن — اﻟﺤﻨﻔﻲ واملﺎﻟﻜﻲ واﻟﺸﺎﻓﻌﻲ واﻟﺤﻨﺒﲇ — وﻛﻠﻬﺎ ٌ ﺗﺄوﻳﻞ ﻣﺤﺪﱠد ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن اﻹﺳﻼﻣﻲ ،أو ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﺑﺎﻟﴩﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻗﺪ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ٍ ﻳﻜﻮن أﺣ ُﺪ املﺬاﻫﺐ أﻛﺜﺮ اﻧﺘﺸﺎ ًرا ﰲ إﺣﺪى املﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ املﺬاﻫﺐ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻓﺈن املﺴﻠﻢ ﻻ ﻳﺰال ﺑﻮﺳﻌﻪ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑﻴﻨﻬﺎ .وﻫﺬا اﻟﻮﺟﻮد املﺘﺰاﻣﻦ ﻟﻬﺬه اﻟﻨﻈﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻗﺪ 39
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ً ﺑﻘﺎﻧﻮن ﻣﺎ ﻟﻠﺒﻼد ﻋﺎﺋﻘﺎ دون ﺗﺸﻜﻴﻞ إﻗﻠﻴ ٍﻢ ﻣﻮﺣﱠ ﺪ ﰲ اﻷﻣﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳﻮﺣﱢ ﺪﻫﺎ اﻻﻟﺘﺰام ﻳﻜﻮن ٍ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﺎﻟﺴﻴﻄﺮة .وﻣﻦ ﺛﻢ ،ﰲ ﺟﺰء ﻛﺒري ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺪث اﺟﺘﺬابٌ ﻟﻠﻮﻻءات ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻣﺎ ﺑني اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳُﻮﻟﺪ ﻓﻴﻬﺎ املﺮء ﺗﺎرة ،واﻷﻣﺔ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ ﺗﺎر ًة أﺧﺮى ،وﻇﻬﺮت اﻟﻄﺮق اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ،ﰲ ﻣﻮﻗﻊ وﺳﻂ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻜﻴﺎﻧني اﻟﺠﺎذﺑني. ُ اﺑﺘﻜﺎر ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﰲ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻻ أﻧﻪ ﺣﺪﺛﺖ ٍ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻘﻄﺒني؛ اﻟﻘﺮﻳﺔ واﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،اﺳﺘُﺤﺪِﺛﺖ ﺣﻴ ٌﻞ )أي وﺳﺎﺋﻞ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ( ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﴍﻛﺎت ﻟﻸﻋﻤﺎل وﻟﻠﺪﺧﻮل ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﺠﺎرة ﺑني اﻷﻣﺎﻛﻦ واملﻨﺎﻃﻖ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻫﻲ وﺳﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﺗَ ِﺮ ْد ﻣﺒﺎﴍ ًة ﰲ اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا، ٌ ﻛﻴﺎﻧﺎت ﻣﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺮزت ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺑﺎﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ،وﻛﻤﺜﺎﻟني ﻟﻬﻤﺎ ،أذﻛﺮ اﻟﻜﻴﺎن اﻹﻳﺮاﻧﻲ وﻛﻴﺎن املﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻳﺴﻮده اﻟﱪﺑﺮ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻣﺮاﻛﺶ .وﻟﻌﻞ اﻟﴫاﻋﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺒﺖ ﺑني اﻷﺗﺮاك اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴني واملﻤﺎﻟﻴﻚ املﴫﻳني ) ١٥١٧–١٢٥٠ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( ﺗﺸري ً ٍ درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ أﻳﻀﺎ إﱃ وﺟﻮد ﺑني اﻟﻜﻴﺎﻧﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ املﺘﻀﺎﻣﻨﺔ داﺧﻞ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻟﻘﻮاﻧني املﺨﺘﻠﻔﺔ ﱢ املﺘﺤﻔﻆ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﲆ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ )أو اﻻﻧﺼﻴﺎع اﻟﺘﻲ ﺗﺨ ﱠﻠﻠﺖ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واملﺒﺪأ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ً ﻋﻘﺒﺔ أﻣﺎم ﺗﻀﺎﻣﻦ اﻷﻣﻢ واﻧﺪﻣﺎﺟﻬﺎ؛ ﻓﻜ ﱡﻞ أُﻣﱠ ٍﺔ ﻟﻬﺎ »ﻗﺎﻧﻮن ﻟﻠﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ( ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻟﺒﻼد« اﻟﺨﺎص ﺑﻬﺎ. وﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل ،ﺗﺠﺐ ﻣﻼﺣﻈﺔ اﻷﻧﻤﺎط اﻷﺧﺮى ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ .ﻓﻌﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﴫ ﻋﲆ وﺟﻮد ﻓﺎﺻﻞ ﻣﻦ اﻻﻧﻄﺒﺎع اﻟﺬي ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ املﺮء ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻠﻴﻼت اﻟﻜﺜرية اﻟﺘﻲ ﺗُ ِ ﱡ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﺣﺎ ﱟد ﺑني املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واملﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﻋﺪة ً وﺣﻘﻴﻘﺔ ﻛﻤﺎ أﺷﺎر ﻗﻮاﻋﺪ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﲆ ﻣﺪى اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ. املﺆرخ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ آر ﳼ ﻓﺎن ﻛﺎﻧﻴﺠﻢ ﻋﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﻓﻠﻌﻠﻪ ﻛﺎن ﻳﻮﺟﺪ اﻟﻜﺜري ﻣﻨﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗَ َﻠﻘﻰ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ واﻻﻫﺘﻤﺎم .ﻛﻤﺎ أﻧﺘﺠﺖ أوروﺑﺎ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ املﻜﺘﻮﺑﺔ ،وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ »أﻃﺮوﺣﺔ ﻋﻦ ﻗﻮاﻧني إﻧﺠﻠﱰا وﻋﺎداﺗﻬﺎ« ) (١١٨٧ﻟﺮاﻓﻮﻟﻒ ﺟﻼﻧﻔﻴﻞ و»اﻷﻃﺮوﺣﺔ« ) (١٢٦٠ﻟﻬﻨﺮي ﻣﻦ ﺑﺮاﺗﻮن )ﺑﺮاﻛﺘﻮن( .وﺗﺒﺪو ﱠ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻣﺎدﻳٍّﺎ — وﰲ ﺣﺎﻟﺘﻨﺎ ﻫﺬه ﺟﺎء اﻟﺘﺠﺴﻴﺪ ﰲ ﺻﻮرة ﺗﺪوﻳﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﰲ اﻟﻜﺘﺐ — ﰲ أﻧﻬﺎ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﺣﺘﻤﺎل ﺗﺮﺳﻴﺦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ اﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ ً ﻓﻤﺜﻼ ،ﺗﺼﺒﺢ ﻋﱪ اﻟﺰﻣﻦ .وﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺨﺬ اﻟﺘﻌﺒري املﺎدي ﻋﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺻﻮ ًرا ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ 40
اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
اﻟﻠﻐﺎت ﻣﺴﺘﻘﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل أﺑﺠﺪﻳﺎت ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،وﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس إﱃ ﻟﻐﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺒﻄﻴﺔ )ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ املﻴﻼدي( واﻷرﻣﻴﻨﻴﺔ )ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ املﻴﻼدي( ،واﻟﺴﻼﻓﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ )ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ املﻴﻼدي(، واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ )ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ املﻴﻼدي( .ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﺨﺬ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴ ُﺪ ﺻﻮر ًة ﻣﺎدﻳﺔ ﰲ ﺷﻜﻞ اﻷﺑﻨﻴﺔ؛ ﻣﺜﻞ ﻣﻌﺒﺪ اﻟﻘﺪس ﰲ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻛﺎﻧﱰﺑﺮي ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ُ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ .وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻫﺬا ،ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك اﺣﺘﻤﺎل أﻛﱪ أن ﱢ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺗﺤﻘﻖ َ ﱢ اﻟﺜﺒﺎت اﻟﴬوري اﻟﻼزم ﻟﻨﺸﺄة املﺘﺠﺴﺪ ﻣﺎدﻳٍّﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﱠﻧﺖ ﺣﻮل ذﻟﻚ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ. وﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ وﺟﻮد ﻃﻴﻒ ﻣﺘﻨﻮﱢع ،وإن ﻛﺎن ﻣﻘﺘﻀﺒًﺎ ،ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﻬﻤﺖ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺒﻨﻰ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﰲ أوروﺑﺎ ﺧﻼل اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ. وأوﻟﻬﺎ ،ﻧﺠﺪ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟ َﻜﻨَﴘ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﺎوز ﺣﺪود ﻫﺬا اﻟﻄﻴﻒ؛ إذ إن اﺧﺘﺼﺎﺻﻪ ﻛﻘﺎﻧﻮن ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني ﺑﻴﺴﻮع ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره اﻟﺮب واملﺨﻠﺺ ،ﻳﺘﺠﺎوز اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ .وﻻ ً ﻣﺆﺳﺴﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﰲ ﻧﻨﻜﺮ اﻻﻧﺨﺮاط اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺤﺘﱠﻤً ﺎ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﻮر ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺷﺌﻮن اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﺟﻠﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﰲ ﴏاع املﻨﺎﺻﺐ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ املﻴﻼدي ،اﻟﺬي ﻧﺸﺄ ﺑني اﻟﺒﺎﺑﺎ واملﻠﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ أﺣﻘﻴﱠﺔ ﺗﻌﻴني اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ واملﻄﺎرﻧﺔ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈﻧﻨﻲ أُﻧَﺤﱢ ﻲ ﺟﺎﻧﺒًﺎ دراﺳﺔ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻜﻨﴘ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا اﻹﺷﺎدة ﺑﺈﺳﻬﺎﻣﻪ ﰲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ أوروﺑﺎ اﻹﻣﱪﻳﺎﻟﻴﺔ. وﻋﻨﺪ إﺣﺪى ﻧﻬﺎﻳﺎت ذﻟﻚ اﻟﻄﻴﻒ ﻳﺠﺪ املﺮء إﻣﺎرات ﻣﺪﻧﻴﺔ ﻣﻤﻴﺰة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﰲ ﺷﻤﺎل إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،ووﻻﻳﺎت إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ .وﰲ ﺣني أن ﺛﻤﺔ ﻗﻮاﻧني ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻣﺘﻄﻮرة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮدة ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻣﺮﻛ ٌﺰ ﻣﻮﺣﱠ ﺪ ﺑﻤﺆﺳﺴﺎﺗﻪ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻋﻠﻴﺎ رﺳﻤﻴﺔ أو ﻫﻴﺌﺔ ﺗﴩﻳﻌﻴﺔ( ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻟﻬﺬه اﻹﻣﺎرات واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﻤﻴﺰة ﰲ أﻣﺔ واﺣﺪة .وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻧﺠﺪ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ — ﺑﻌﺪ ﻋﻮدة ﻇﻬﻮر ﻣَ َﻠﻜِﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ — ﻣﺮﻛ ٌﺰ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﲆ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻣَ َﻠﻜِﻴﺔ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﺘﻄﻮرات اﻷﺧﺮى؛ ﻣﺜﻞ ﻧﺸﻮء وﺑﺮملﺎن ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ .وﻛﺎن ﻟﻬﺬه اﻟﺘﻄﻮرات — ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﺗُﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ »اﻟﺠﺎﻟﻴﻜﺎﻧﻴﺔ« — ﺗﺄﺛريات ﻣﻬﻤﺔ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﺔ ُ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻋﻤﻠﻴ ِﺔ ﻧﺸﻮء أﻣﺔ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻗﺮب ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ املﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ .وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ ﻋﻨﺪ ﻣﻘﺎرﻧﺘﻬﺎ ﺑﺎﻹﻣﺎرات املﺪﻧﻴﺔ ﰲ ﺷﻤﺎل إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺎت اﻷملﺎﻧﻴﺔ املﺴﺘﻘﻠﺔ، ٌ ً ﺣﺎﻟﺔ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﻧﻌﺎش ،اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ ،وﻫﻲ إﻻ أن املﻤﻠﻜﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺑﻘﻴﺖ 41
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ً ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ،ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ اﻹﻣﱪﻳﺎﱄ ﰲ ﺟﻨﻮب ﻓﺮﻧﺴﺎ ٌ اﻟﺸﻤﺎل .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻇﻬﺮ ﻧﻤ ٌ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﺒﻜ ًﺮا ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻣﻊ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻂ َ ﻗﺎﻧﻮن ﻗﻮﻣﻲ ﻟﻠﺒﻼد ﻓﻴﻬﺎ. ﺑﺰوغ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ،ﻟﺪرﺟﺔ أن املﺮء ﻳﻼﺣﻆ ٍ وﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑني املﻠﻚ وأﻗﺎرﺑﻪ أو ﺣﺎﺷﻴﺘﻪ ،أو اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺑني اﻟﻠﻮرد املﺤﲇ وﺗﺎﺑﻌﻪ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻹﻗﻄﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﺈن ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت ٍ ﻋﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﱠ ٍﺔ أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ ﱠ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻣﻦ ﺗﻘﻮﱠﺿﺖ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ؛ ﺑﻔﻌﻞ ﺧﻼل ﻗﺎﻧﻮن ﻟﻠﺒﻼد .وﻳﺪﻋﻢ ﻫﺬه املﻼﺣﻈﺔ ٌ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ أﺛﻨﺎء ﻋﴫ املﻠﻚ ٌ ﻣﺤﻜﻤﺔ داﺋﻤﺔ ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻧﻲ ) (١١٨٩–١١٣٣وﺧﻼل اﻟﻔﱰة اﻟﻼﺣﻘﺔ ﻟﻪ؛ ﺣﻴﺚ ﻧﺸﺄت ﻟﻠﻘﻀﺎة اﻟﻜﺒﺎر ﰲ املﺮﻛﺰ )املﺤﻜﻤﺔ املﻠﻜﻴﺔ( ،وﺑ ﱠُﺖ ﰲ اﻟﻨﺰاﻋﺎت املﺤﻠﻴﺔ ﰲ املﺤﺎﻛﻢ املﺤﻠﻴﺔ ﱢ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺰاﻳﺪ ً املﺘﻨﻘﻠني .وﻛﺬﻟﻚ وﻓﻘﺎ ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺒﻼد ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺰﻳﺎرات املﺘﻜﺮرة ﻟﻠﻘﻀﺎة ﻋﲆ املﺴﺘﻮى املﺤﲇ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء إﻧﺠﻠﱰا ،ﰲ ﻋﻬﺪ ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻇﻬﺮت ﻫﻴﺌﺔ ا ُملﺤَ ﱢﻠﻔني، وﺻﺎرت ﺷﻴﺌًﺎ ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ )وﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﰲ ﻋﺪدٍ ﻣﻦ اﻟﺠريان ﻳﺘﻢ دﻋﻮﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻌﺾ املﻮﻇﻔني اﻟﺮﺳﻤﻴني اﻟﻌﻤﻮﻣﻴني ﻟﺤﻠﻒ اﻟﻴﻤني ،ﺛﻢ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﺑﺼﺪق ﻋﻦ ﺑﻌﺾ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻮﺟﱢ ﻬﻬﺎ اﻟﻘﺎﴈ ،وﻟﻜﻦ ﰲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ ﺻﺎرت ﻫﻲ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ اﻟﺸﺨﺺ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻗﺮاﻧﻪ(؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺷﻤﻠﺖ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺸﻌﺐ ﰲ اﻹﺟﺮاءات اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ .وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﺘﻄﻮرات وﺑﻌﺾ اﻟﺘﻄﻮرات اﻷﺧﺮى ،ﻛﺎن املﻠﻚ ﱢ املﺘﻨﻘﻠني( ﻳُﻌَ ﺪﱡون ﺣُ ﻤﺎ ًة ﻟﻠﻤﻤﺘﻠﻜﺎت ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻤﺜ ﱢ ًﻼ ﻟﻸﻣﺔ وﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ ،ووﻛﻼؤه )ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎة وﻟﺤﻘﻮق اﻟﻔﺮد وﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎم ،أو ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ »ﺣﻤﺎﻳﺔ املﻠﻚ« ،ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أرﺟﺎء أراﴈ اﻟﺪوﻟﺔ. ٍ َ ﻋﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﱠ ٍﺔ ﻟﻸﻣﺔ ﺗﺸﻜﻴ َﻞ ﺗﺄﺳﻴﺲ وﺗﺸﻤﻞ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻢ ﺟﻴﺶ ﻗﻮﻣﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﻓﻴﻤﺎ أﺻﺪره املﻠﻚ ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺎم ١١٨١ﻣﻦ ﻣﺮﺳﻮم ُﺳﻤﱢ ﻲ ٍ »ﻗﺎﻧﻮن ﻓﺮض اﻣﺘﻼك اﻷﺳﻠﺤﺔ« ،اﻟﺬي ﺷﻤﻞ اﻟﺮﺟﺎل اﻷﺛﺮﻳﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﻳﻤﺘﻠﻜﻮا اﻟﺨﻴﻮل واﻟﺪروع ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ املﻠﻚ واﻷﻣﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻔﻘﺮاء »اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻔﻴﻬﻢ اﻷﻗﻮاس واﻟﺴﻬﺎم« .وﻗﺪ ﻣﺜﱠﻞ اﺳﺘﺪﻋﺎء اﻟﻔﻘﺮاء إﱃ اﻟﺠﻴﺶ إﻗﺤﺎﻣً ﺎ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ آﺧﺮ ﻟﻸﻣﺔ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﱢ املﺤﲇ واملﺴﺘﺄﺟﺮ ،وﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ واﻟﻌﺴﻜﺮي اﻷﺧري ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺑني اﻟﻠﻮرد اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺄن اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎملﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺒﻠﺪ ،وﻧﺘﺞ ﻋﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ اﻟﺤﺮب ُ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮاء واﻷﻏﻨﻴﺎء ،ﻟﻴﺴﻮا ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ املﺤﻠﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻣﻦ أﻣﺘﻬﻢ أﻳﻀﺎ ،وﻟﻌﺒﺖ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ً ً أﻳﻀﺎ دو ًرا ﰲ زﻳﺎدة ارﺗﺒﺎط ﺟﻨﻮد املﺸﺎة اﻟﻔﻘﺮاء ﺑﺎﻷﻣﺔ. ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ ﺗﻢ إدﺧﺎل اﻷﻗﻮاس اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ املﺨﱰﻗﺔ ﻟﻠﺪروع ،اﻟﺘﻲ ﱠ وﻓﺮت اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﺠﻨﺪي املﺸﺎة اﻟﻔﻘري ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻔﻮﱠق ﻋﺴﻜﺮﻳٍّﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﺎرس. 42
اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﺷﻜﻞ :2-3اﻟﻘﻮس اﻟﻄﻮﻳﻞ املﺨﱰق ﻟﻠﺪروع.
وﰲ ﻋﺎم ١٢١٥ﺻﺪر املﻴﺜﺎق اﻷﻋﻈﻢ )املﺎﺟﻨﺎ ﻛﺎرﺗﺎ( ﺑﻤﺎدﺗﻪ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﴩة ،اﻟﺘﻲ ﺗﴩﻳﻌﻲ ،ﻳﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ ﻣﻤﺜﻠني ﻋﻦ املﻘﺎﻃﻌﺎت ﺑﺮملﺎن ﺑﻠﻐﺖ ذروﺗﻬﺎ ﻋﺎم ١٢٩٥ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ ﱟ ٍ واملﺪن ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء إﻧﺠﻠﱰا )ﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ اﻟﱪملﺎن اﻟﻔﺮﻧﴘ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻣﻘ ٍّﺮا ﻟﻠﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ،وﻣﺠﻠﺲ ﻃﺒﻘﺎت اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺎم ،اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻤﺎ ﺑني ﻋﺎﻣَ ﻲ ١٦١٤و.(١٧٨٩ وﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻧﺸﻮء ﻋﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن املﻠﻚ ﻣﻠﺘﺰﻣً ﺎ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮن .وﻣﻦ املﺆﻛﺪ أن ﺛﻤﺔ إرﻫﺎﺻﺎت ﺑﺤﺪوث ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر ﰲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت أﺧﺮى ﰲ أوﻗﺎت أﺧﺮى .وﻛﻤﺎ ﻗﺎل املﺆرخ ﻓﺮﻳﺘﺰ ﻛرين ،ﻓﻘﺪ ﱠ ِ ﻣﻌﺎرﺿﺔ املﻠﻚ ،ﻛﻤﺎ اﻟﺤﻖ ﰲ ﻛﺎن ﰲ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷملﺎﻧﻲ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻣﺎ ﻳُﻌﻄﻲ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻛﺄﻧﻪ ﺧﻀﻮ ٌع ﻟﻠﻤﻠﻚ اﻹﴎاﺋﻴﲇ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن ﺑﻤﻘﺘﴣ 43
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ِﺳ ْﻔﺮ اﻟﺘﺜﻨﻴﺔ ،اﻹﺻﺤﺎح .١٧وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات أﻛﺜﺮ وﺿﻮﺣً ﺎ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ. ً ﻏﻤﻮﺿﺎ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﰲ أﻗﺎﻟﻴﻢ وﻳﻠﺰ وﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻋﺪ ٌد ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات اﻟﺘﻲ ﺳﺒﱠﺒﺖ َ وﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺄﺣﻘﻴﱠﺘﻪ ﰲ ﺿﻢ أﻧﺠﻮ وﻧﻮرﻣﺎﻧﺪي ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ. واﺳﻜﺘﻠﻨﺪا وأﻳﺮﻟﻨﺪا، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﺗﻌﻘﻴﺪات أﺧﺮى ﰲ ﺧﻠﻖ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﻮﻣﻲ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل :اﻟﺨﻼﻓﺎت ﻋﲆ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺘﻲ أدﱠت إﱃ ﺗﻨﻔﻴﺬ أﺣﻜﺎم اﻹﻋﺪام ً ﻃﺒﻘﺎ ﻷواﻣﺮ املﻠﻚ ﻋﲆ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﺗﻮﻣﺎس ﺑﻴﻜﻴﺖ )ﻋﺎم (١١٧٠وﺗﻮﻣﺎس ﻛﺮاﻧﻤﺮ )ﻋﺎم ،(١٥٥٦وﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ رﺋﻴﺲ ﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ﻛﺎﻧﱰﺑﺮي، واﻟﴫاﻋﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ أدﱠت إﱃ إﻋﺪام رﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻠﻮردات ﰲ إﻧﺠﻠﱰا اﻟﺴري ﺗﻮﻣﺎس ﻣﻮر )ﻋﺎم (١٥٣٥واﻟﺜﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻋﱠ ﻤﻬﺎ ﻛﺮوﻣﻮﻳﻞ .وﻣﺮة أﺧﺮى ﻧﺠﺪ أن ﻃﺒﻴﻌﺔ ً ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ،وﻣﺎ ﻳﻬﻢ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ أﻧﻪ ﻛﺎن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻟﺘﻘﻠﻴ ٍﺪ ﺑﻘﺎﻧﻮن ﻋﺎم وﻣﻮﺣﱠ ﺪ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ )ﻗﺎﻧﻮن ﻟﻠﺒﻼد( ﰲ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ﻟﻺﻧﺠﻠﻴﺰ ،وﻣﺆﺳﺴﺎت ﻋﻤﻠﺖ ﻋﲆ دﻋﻢ ذﻟﻚ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ واﺳﺘﻤﺮاره ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺗﻌ ﱠﺮﺿﺖ ﻟﻠﻤﻀﺎﻳﻘﺎت ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن. ﻗﺎﻧﻮن وﺗﻤﺜﱢﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻧﺸﺄ َة ٍ ً ُ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻃﺒﱢﻖ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم ﻋﲆ ﻣﺪار اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻌﺐ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﻬﺎ )ﻣﺜﻞ املﻠﻮك اﻟﻄﻤﻮﺣني اﻷﻗﻮﻳﺎء ،اﻟﺬﻳﻦ رﻏﺒﻮا ﰲ ﻣ ﱢﺪ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﻢ( أﺛﱠﺮت ﰲ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﻜﻴﺎن اﻟﻘﻮﻣﻲ املﺘﻤﺜﱢﻞ ﰲ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ .وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻓﺈن اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺒﻊ ﻣﺴﺎرات ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ،ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ً ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻛﺎن ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑ »اﻟﻘﺎﻧﻮن ﺗﺒﺪو اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺼﺎﻟﺢ« ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،اﻟﺬي ﻧﻘﻠﻪ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻌﺎم اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي )وﻫﻮ »ﻋﺎم« ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻄﺒ ًﱠﻘﺎ ﰲ أﻧﺤﺎء إﻧﺠﻠﱰا ﻋﺎﻣﺔ( ﻗﺪ أﻗ ﱠﺮه وأ ﱠﻛﺪه املﻴﺜﺎق اﻷﻋﻈﻢ .وﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﺘﻜﻬﱠ ﻦ ﻓﻘﻂ ﻛﻴﻒ ﻛﺎن اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ واﻟﻘﻮﻣﻲ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺳﻴﺼﺒﺢ ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻋﺎدة إﺣﻴﺎء اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ اﻹﻣﱪﻳﺎﱄ ﰲ اﻟﻘﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ ﻗﺪ أﺣﻜﻤﺖ ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﺎ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ املﺴﻤﱠ ﻰ »اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻌﺎم« ووﺿﻌﻪ ﰲ ﻧﺴﻖ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ .واملﻬﻢ ﰲ إﻃﻼق اﻟﻌِ ﻨﺎن ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻜﻬﱡ ﻦ ﻫﻮ اﻹﺷﺎرة إﱃ أن ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺒﺪو ﻛﻤﺼﺎدﻓﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﺴﻬﻢ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر؛ وﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ أن ﻳﴫ املﺮء ﻋﲆ وﺟﻮد ﺳﺒﺐ أﺳﺎﳼ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻟﺘﻄﻮر اﻷﻣﺔ. 44
اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
وﻳﻌﻤﻞ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺒﻼد ﻋﲆ ﻣ ﱢﺪ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إن ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ املﻨﺘﻈﻢ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ اﻟﺘﺤﺎ ُم املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺴﻜﺎﻧﻴﺔ — اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ ﰲ اﻟﺴﺎﺑﻖ — ﺿﻤﻦ أﻣﺔ واﺣﺪة .إﻻ أن ﻫﺬا املﺪ ﻳَﺤُ ﱡﺪ ﻣﻨﻪ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ ٌ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻤﺘ ﱠﺪ ٌة ﻣﻜﺎﻧﻴٍّﺎ وﻟﻜﻨﻬﺎ اﻻزدواﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﱢﺰ اﻷﻣﺔ؛ وﻫﻲ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻬﺎ ﻣﺤﺪﱠد ٌة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ .وأﺣﺪ أﺳﺒﺎب إﻋﺎﻗﺔ اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ املﻨﺘﻈﻢ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن ﻫﻮ وﺿﻊ اﻟﻔﺮد؛ وﻻ ﻳﻌﻨﻲ ذﻟﻚ إذا ﻣﺎ ﻛﺎن املﺮء ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻼء أو ﻓﻼﺣً ﺎ ﺗﺎﺑﻌً ﺎ ﻹﻗﻄﺎﻋﻲ ،ﺑﻞ إذا ﻣﺎ ﻛﺎن املﺮء إﻧﺠﻠﻴﺰﻳٍّﺎ ً وﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ وﺣﺘﻰ ﻋﺎم ،١٨٧٠ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻮﺳﻊ أي أﺟﻨﺒﻲ اﻣﺘﻼك أم ﻻ. ﻋﻘﺎر ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺤﻖ ﻷﺟﻨﺒﻲ أن ﻳﻠﺠﺄ إﱃ املﺤﺎﻛﻢ املﺤﻠﻴﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد؛ إذ ﻛﺎن ﻣﻦ َ املﻌﺘﻘﺪ أن اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺘﱪ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ،ﻫﻲ ﻟﻺﻧﺠﻠﻴﺰ ﻓﻘﻂ. ﻟﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷﻣﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻋﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،ﻣﻤﺘﺪة ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻤﺎء ﺑﺎملﻴﻼد ،وﻟﻘﺪ ً ﻗﺪﱠﻣﻨﺎ ً ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻟﻠﻐﺮض ﻣﻦ اﻷﻣﺔ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻋﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ أﻳﻀﺎ ً دوﻟﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻣﺤﺪدة ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻮاﻟﺪ ،واﻻﻧﺘﻘﺎل واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎة .وﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن اﻷﻣﺔ أﻳﻀﺎ ٌ ﻓﻬﻲ ً ﺑﻨﻴﺔ وﻫﻴﻜ ٌﻞ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎة .وﺑﻼ ﺷﻚ ،ﻓﺈن اﻟﻘﻠﻴﻞ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ — ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮن اﻟﻐﺮض اﻷﺳﺎﳼ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻮ وﺟﻮد اﻟﺤﻴﺎة ذاﺗﻬﺎ — أﺳﺎﺳﺎ ﰲ إﻃﺎر ﻫﺬا اﻟﻐﺮض .ﱠ ً ﻟﻜﻦ اﻷﻣﺮ ﺻﺤﻴﺢٌ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻷﻣﺔ وﻳﻨﻄﺒﻖ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻤﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻛﺬﻟﻚ ً أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ذات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ؛ وﻫﻲ اﻷﴎة ،اﻟﺘﻲ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻫﻲ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻻﻧﺘﻘﺎل اﻟﺜﺮوات واﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ﺑني اﻷﺟﻴﺎل ،وأﻗﻮل ﻫﺬا ﻟﻠﺘﺄﻛﻴﺪ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻋﲆ أن ﻣﺴﺎﻋِ ﻲ اﻟﺒﴩ ﺗﺘﻨ ﱠﻮع ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ،وﺗﻌﺘﱪ املﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﴩ )ﻣﺜﻞ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻮاﺟﻬﺔ املﻮت ،وﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻟﻠﺨﻼﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺐ ﺑني اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ،وﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﻔﺮد وﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻓﻬﻢ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺒﴩي ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻜﻮن اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ( ﻣﺘﻌﺪد َة اﻷوﺟﻪ ﻛﺬﻟﻚ .وﻫﺬه املﺸﻜﻼت ،وﻣﺸﻜﻼت أﺧﺮى ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺸﻌﱡ ٍﺐ ﻟﻠﺘﻘﺎﻟﻴﺪ؛ ﺗﺘﻘﺎرب ﻣﻌً ﺎ ٌ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻀﻄﺮب ﰲ ﻣﺮﻛﺰ ﻣﺘﻨﻮع ﻓﻜﺮﻳٍّﺎ ،ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺣﻮﻟﻪ ﺧﺎص؛ ﺣﻴﺚ ﺗُﻈﻬﺮ ﻛ ﱡﻞ أﻣﺔ ﻋﲆ ﺣﺪ ٍة ر ﱠد ﻓﻌﻠﻬﺎ اﻟﺨﺎص ﺣﻴﺎل ﻫﺬه املﺸﻜﻼت املﻌﻘﺪة. ٌ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﴎﻳﺔ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻒ اﻷﻣﺔ ﺑﺼﻴﻐﺔ ﻣﺠﺎزﻳﺔ وﻛﺄﻧﻬﺎ اﻋﺘُﱪت ٍّ ﺣﻘﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﻤﺘﺪة ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﻬﻤﻪ؛ ﻷن ٍّ ﻛﻼ ﻣﻦ اﻷﻣﺔ واﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻋﻼﻗﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ .إﻻ أن ﻫﻨﺎك ً ﻓﺎرﻗﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ،وﻟﻔﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﻔﺎرق ً ً ﺗﻔﺼﻴﻼ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻹﻗﻠﻴﻢ واﻟﻘﺮاﺑﺔ. ﻓﺤﺼﺎ أﻛﺜﺮ ﺳﻴﺘﻄ ﱠﻠﺐ اﻷﻣﺮ 45
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء وأرض اﻟﻮﻃﻦ
َ أﻫﻤﻴﺔ ﺑﻌﺾ إن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻬﺘﻤﻮن ﺑﻔﻬﻢ اﻷﻣﻢ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻀﻌﻮا ﻧُﺼﺐ أﻋﻴﻨﻬﻢ املﺼﻄﻠﺤﺎت املﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻲ ،وﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ :اﻟﻮﻃﻦ اﻷم، ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء ،وأرض اﻟﻮﻃﻦ .وﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه املﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻫﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ ﻟﻔﻈني، وﻳﻀﻢ املﺼﻄﻠﺤﺎن اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﱄ ،ﻟﻔ َ ﻈﻲ »اﻷم« و»اﻵﺑﺎء« ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻳﺸري إﱃ ً َ وﺻﻔﺎ اﻟﺸﺨﺼ ْني املﺴﺌﻮ َﻟ ْني ﻣﺒﺎﴍ ًة ﻋﻦ ﺗﻮ ﱡﻟﺪه اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ، اﻻﻧﺤﺪار اﻻرﺗﺒﺎﻃﻲ ﻟﻠﻄﻔﻞ ﻣﻦ ً ﻣﻀﺎﻓﺎ إﱃ ﻟﻔﻆ »وﻃﻦ« اﻟﺬي ﻳﻨﻘﻞ ﺻﻮرة إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺤﺪﱠد وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻤﺘﺪ املﺴﺎﺣﺔ ،وأﻣﺎ أو املﺼﻄﻠﺢ اﻟﺜﺎﻟﺚ :وﻫﻮ »أرض اﻟﻮﻃﻦ« ،ﻓﻴﺠﻤﻊ ﺑني اﻹﺷﺎرة إﱃ اﻟﺴﻜﻦ اﻟﻌﺎﺋﲇ وﻣﻨﻄﻘﺔ ﻫﺬا اﻟﺴﻜﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻄﻔﻞ وﺗﺮﺑﻴﺘﻪ ووﺻﻮﻟﻪ إﱃ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨﻀﺞ ،ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﻈﻬﺮ إﻗﻠﻴﻤً ﺎ أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋً ﺎ .وﻫﺬه املﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﺼﻄﻠﺤﺎت ﺗﺸري إﱃ وﺟﻮد اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗُ ِ ٍ ﻓﺌﺔ ﻣﺤﺪﱠدة ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺷﻜ ٌﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻳﺪور ﺣﻮل ﺻﻮرة إﻗﻠﻴﻢ ذي ﺣﺪود. واﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺸﱰك ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬه املﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻌً ﺎ ﻫﻲ ﻣﻔﻬﻮم »اﻟﻮﻃﻦ« اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ املﺮء ،وﻳﻮﺟﺪ ﻫﺬا املﻔﻬﻮم ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻓﱰات اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻋﲆ ﻣﺪار ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻀﺎرات؛ ﺑﺪءًا ﻣﻦ اﻟﻠﻔﻆ اﻟﻌﱪي اﻟﺘﻮراﺗﻲ ) ezrach ha’aretsأي املﻮاﻃﻦ( ،وﺣﺘﻰ اﻟﻠﻔﻆ اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،patrísواﻟﻠﻔﻆ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ ) patriaأي وﻃﻦ اﻵﺑﺎء( .وﻗﺪ ﻳﺪل ﻇﻬﻮر ﻫﺬه املﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺜﻼﺛﺔ ﰲ أي ﻓﱰة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ،أو ﻻ ﻳﺪل ،ﻋﲆ وﺟﻮد ٍ أﻣﺔ ﻣﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﺗﺸري إﱃ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻳُﻮﻟﺪ ﻓﻴﻬﺎ املﺮء؛ ﺑﺪءًا ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺛﻢ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﻘﺒﲇ ،واﻧﺘﻬﺎءً ﺑﺎﻷﻣﺔ .وﻳﺪل اﻻﺳﺘﺨﺪام املﺴﺘﻤﺮ ﻟﻬﺬه املﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻋﲆ أن ﺻﻮرة ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺤﺪﱠدة ﻣﺎ ﻣﻦ اﻷرض ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﻓﻬﻢ اﻟﻔﺮد ﻟﺬاﺗﻪ ،اﻟﺬي ﻳﺪرك ﺑﺪوره أﻧﻪ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﱪون ذﻟﻚ اﻹﻗﻠﻴﻢ وﻃﻨًﺎ ﻟﻬﻢ ً أﻳﻀﺎ .وﻫﻜﺬا ،ﻓﺈن ﻧﻮع اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻳﺠﺐ أن
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻳﻤﺘﺪ ﻟﻴﺸﻤﻞ ﺗﺼﻨﻴﻒ اﻟﺬات وﺗﻘﻴﻴﻤﻬﺎ ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻹدراك اﻻﻧﺘﺴﺎب اﻷُﴎي ،وﻛﺬﻟﻚ اﻻﻧﺘﺴﺎب داﺧﻞ إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺤﺪد. وﺣﺘﻰ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺒﺪوﻳﺔ املﺘﻨﻘﻠﺔ ﰲ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘﺪﻳﻢ رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱢ ﻲ أوﻟﺌﻚ اﻟﺮﻋﺎة ﻗﺒﺎﺋﻠﻬﻢ ﺗﺒﻌً ﺎ ﻻﺳﻢ ﺑﻠﺪة أو ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ .وﻣﻦ ﺑني اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻷﺧﺮى ٌ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ »ﺑﻴﺖ اﻷﺟﺪاد«؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺤﺪﱢد ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﺤﻀﺎرات ً ٌ َ »ﺑﻴﺖ« ﻣَ ﻦ أﺳﺴﻬﺎ؛ واﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ-اﻟﻌِ ﺮﻗﻴﺔ املﺴﻤﺎة »ﺟﺎﻳﻮم« ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻤﻠﻜﺔ ٌ أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﺴﺐ إﻟﻴﻬﺎ ﺷﻌﺐ املﺎري اﻟﻘﺪﻳﻢ )ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( .وﺛﻤﺔ ﺣﻀﺎرات وﻓﱰات ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ أﺧﺮى ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺪول املﺪن اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،واﻟﺒﻠﺪات اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ واﻷﻣﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. ﱞ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ اﻻﺳﻢ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ ،natio املﻘﺎﺑﻞ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻟﻜﻠﻤﺔ أﻣﺔ — وﻫﻮ — nation املﺸﺘﻖ ﺑﺪوره ﻣﻦ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ ،nasciوﻣﻌﻨﺎه »ﻳﻮﻟﺪ ﰲ« )واملﺸﺘﻖ ﻣﻨﻪ ً أﻳﻀﺎ اﻻﺳﻢ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ nativusﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﻮاﻃﻦ( .وﻫﻜﺬا ﻓﺈن ﻛﻠﻤﺘَﻲ natioو nativusاﻟﻼﺗﻴﻨﻴﱠﺘَ ْني، ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺔ ezrachاﻟﻌﱪﻳﺔ )ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﻮاﻃﻦ( ،ﺗﺸري ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ إﱃ اﻷﺻﻮل اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻲ ْ وﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﳾء ﻣﻦ اﻟﻐﻤﻮض ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﻣﺎ ﺗﻌﻨﻴﻪ ﻫﺬه اﻷﺻﻮل .وﻫﺬا إﻟﻴﻬﺎ املﺮء، ﱠ ِ ﺣﻘﻴﻘﺔ أﻧﻪ رﻏﻢ أن اﻟﻨ َﺴﺐ اﻟﻌﺎﺋﲇ اﻟﺬي ﻳﺘﻢ اﻗﺘﻔﺎؤه إﻣﺎ ﻣﻦ اﻷم أو اﻟﻐﻤﻮض ﻧﺎﺟﻢ ﻋﻦ ﻣﻦ اﻷب ،ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻟﻨﺴﺐ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ،ﻓﺈن ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺸﻜﻠني ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻻ ﻳﻨﻔﻲ أﺣﺪﻫﻤﺎ اﻵﺧﺮ ،وﻟﻴﺲ ﻟﻬﻤﺎ إﻃﺎر ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻳﺤﺪدﻫﻤﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺎ ﺧ ﱠ ﻄني ﻣﻦ اﻟﻨ ﱠ َﺴﺐ ﻣﺘﺪاﺧ َﻠ ْني ﻋﲆ ﻣﺪار ً ﻋﺎﻣﻼ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻘﺮاﺑﺔ؟ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮن اﻹﻗﻠﻴﻢ إذن ﻳﻜﻤﻦ اﻟﻜﺜري ﻣﻤﺎ ﻳﺸري إﻟﻴﻪ ﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎط ﺑني اﻟﻨ ﱠ َﺴﺐ اﻟﻌﺎﺋﲇ واﻟﻨ ﱠ َﺴﺐ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﰲ اﻧﺘﻘﺎل ﻟﻠﱰاث اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻣﻦ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ،ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء ،وأرض اﻟﻮﻃﻦ ،ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ٍ أﺣﺪ اﻷﺟﻴﺎل إﱃ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ؛ اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻨﺴﺐ ﰲ إﻃﺎر إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺎ .إﻻ أن ً أﺳﺎﺳﺎ آﺧﺮ واﻗﻌﻴٍّﺎ ،ﺑﻞ وﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴٍّﺎ ﻟﻬﺬا اﻻرﺗﺒﺎط املﺠﺎزي ﺑني اﻷﻣﻮﻣﺔ أو اﻷﺑﻮة وﺑني ﻫﻨﺎك إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺎ؛ إذ إن اﻟﻘﺪرة اﻷﺑﻮﻳﺔ ﻋﲆ ﺗﻮﻟﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة وﻧﻘﻠﻬﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻣﻘﺪار اﻹﻋﺎﻟﺔ وﺗﻮﻓري اﻟﻘﻮت اﻟﺬي ﺗﻘﺪﱢﻣﻪ اﻷرض ﰲ ﺷﻜﻞ ﺛﻤﺎر وﻣﻨﺘﺠﺎت زراﻋﻴﺔ وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ .وﻳﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ َ اﻷرض ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﻲ ﻣﺼﺪر اﻟﺤﻴﺎة ،ﻛﻤﺎ أﺷﺎر أﻓﻼﻃﻮن ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎط إدرا ُك أن »ﻣﺤﺎورة ِﻣ ِﻨ ْﻜﺴﻴﻨﻮس« ﻋﻨﺪﻣﺎ ﴎد ﺧﻄﺒﺔ أﺳﺒﺎزﻳﺎ ﻋﻦ »أﻣﻮﻣﺔ اﻟﺒﻠﺪ«؛ ﻓﻬﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻷم اﻟﺘﻲ ﺗُﻌﻴﻞ أﺑﻨﺎءﻫﺎ إﻋﺎﻟﺔ ﻣﺎدﻳﺔ. 48
اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء وأرض اﻟﻮﻃﻦ
إﻧﻬﻢ أﺑﻨﺎء اﻟﱰاب ،ﻳﺴﻜﻨﻮن وﻳﻌﻴﺸﻮن ﰲ أرﺿﻬﻢ … وﻣﻦ اﻟﺤﻖ أﻧﻨﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺒﺪأ ﺑﺈﻃﺮاء اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻣﻬﻢ … ﻓﻜﻤﺎ ﺗُﺜﺒﺖ املﺮأة أﻣﻮﻣﺘﻬﺎ ﺑﺈرﺿﺎع ﺻﻐﺎرﻫﺎ ،ﻓﻜﺬﻟﻚ أﺛﺒﺘﺖ أرﺿﻨﺎ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أ ﱠم اﻟﺮﺟﺎل؛ ﻷﻧﻬﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ ،ﺑﺎدئ ذي ﺑﺪء ،ﺗﻨﺘﺞ اﻟﻘﻤﺢ واﻟﺸﻌري ﻟﻄﻌﺎم اﻟﺒﴩ. أﻓﻼﻃﻮن» ،ﻣﺤﺎورة ِﻣ ِﻨ ْﻜﺴﻴﻨﻮس«
ٌ اﻋﱰاف ﺑﻘﺪرﺗﻬﺎ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ،وﻣﻦ إن وﺻﻒ اﻷرض ﺑﺄﻧﻬﺎ أمﱞ ،أو إﺿﺎﻓﺘﻬﺎ ﻟﻸب ،ﻫﻮ املﺆ ﱠﻛﺪ أن اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﻫﺬا اﻻﻋﱰاف ﻗﺪ ﺗﻔﺎوت ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ وﺣﻀﺎرﻳٍّﺎ؛ ﻓﻔﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﺗﺨﺬ ﺷﻜﻞ ﺗﻮﻗري ﻣﺎ أﺳﻤﻮه ﺑﺈﻟﻪ )أو آﻟﻬﺔ( اﻷرض .وﻟﻜﻦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ — ﻣﻦ ﺻﻮر ﻟﻠﻮﻃﻦ اﻷم أو اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻷﺧﺮى — ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ،وﻻ ﺗﺰال ،ﺗﺮﻓﺾ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﺗﻄﻮﻳﺮ ٍ ﻟﻮﻃﻦ اﻵﺑﺎء؛ وﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ املﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﱢي ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﻋﱰاف ﺻﻮر ُة أرض إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أرض اﻟﻠﺒﻦ واﻟﻌﺴﻞ .وﺣﺘﻰ ﰲ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ﻧﺠﺪ إدرا ًﻛﺎ ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﻘﺪرة ﻳﺘﻢ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻨﻪ ﰲ اﺳﺘﺨﺪام ﻛﻠﻤﺘَﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ. اﻟﺒﻴﺖ واﻟﻮﻃﻦ ِ ﺻﻔﺎت اﻷﺑﻮة أو اﻷﻣﻮﻣﺔ إﱃ ﳾءٍ ﻻ روح ﻓﻴﻪ )وﻫﻮ اﻟﻮﻃﻦ( ﰲ ﻋﺰو ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺠﺪ ﻇﺎﻫﺮ َة ِ ﻣﺜﺎل آﺧﺮ ﻧﺴﺘﻘﻴﻪ ﻣﻦ أﺣﺎدﻳﺜﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻔﻬﻤﻨﺎ ﻟﻸﻣﺔ؛ وﻫﻮ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني ﻛﻠﻤﺘَﻲ »ﻣﻨﺰل« و»ﺑﻴﺖ« .ﻓﻜﻠﻤﺔ »ﻣﻨﺰل« ﻧﻌﻨﻲ ﺑﻬﺎ ،ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،ذﻟﻚ اﻟﺒﻨﺎءَ املﺎدي املﻜﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳُﻌﺘﱪ ﺑﻴﺘًﺎ ،وﻟﻜﻦ ﰲ اﻹﻣﻜﺎن أن ﻳُﺼﺒﺢ واﺣﺪًا .وأﻣﺎ ﻟﻔﻆ »ﺑﻴﺖ« ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﻪ ﻋﺎد ًة أن ذﻟﻚ اﻟﺒﻨﺎء املﺎدي ﻟﻠﻤﻨﺰل ﻗﺪ دﺑﱠﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ واﻟﻘﻮى اﻟﺮوﺣﻴﺔ أو ﺣﺘﻰ املﻌﻨﻮﻳﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻟﺴﺎﻛﻨﻴﻪ ،وﻛﺄن املﻨﺰل ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺼري ﺑﻴﺘًﺎ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺻﺎر ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ. وﻳﻨﻈﺮ أﺑﻨﺎء اﻷﻣﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮد ﻣﺤﻴﻂ ﻣﻜﺎﻧﻲ )أي ﻣﻨﺰل( ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻲ ﺑني اﻷﻓﺮاد؛ إذ ﻳَﻌُ ﺪﱡوﻧﻬﺎ ﺑﻴﺘًﺎ ﻣﻸت أرﺟﺎءه »روحُ « اﻷﺟﻴﺎل املﺎﺿﻴﺔ واﻟﺤﺎﻟﻴﺔ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ وﻃﻨًﺎ ،أو إﻗﻠﻴﻤً ﺎ .وﺗُﻌﺘﱪ روح اﻷﺟﻴﺎل املﺎﺿﻴﺔ واﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻫﺬه ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻬﻢ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺎ ﻟﺘﺘﺤﻮﱠل إﱃ إﻗﻠﻴﻢ ،وﻫﻲ ﺑﻬﺬا ﺗﻘﺪﱢم املﻌﻨﻰ اﻟﺬي ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ .وﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ 49
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺳﻠﻮك املﺸﺎرﻛني ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ وإﺿﻔﺎء املﻌﻨﻰ ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﺴﻠﻮك .إذا ﻣﺎ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل إﱃ اﻟﺴﻨﻬﺎﻟﻴني ﻓﺴﻨﺠﺪ أﻧﻬﻢ ﻳﻨﻈﺮون إﱃ إﻗﻠﻴﻤﻬﻢ ﻛﺄرض ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ً ﻣﺜﺎﻻ آﺧﺮ ،ﻓﺴﻨﻼﺣﻆ ﻛﻴﻒ وﺻﻒ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ .وإذا ﻣﺎ أﺧﺬﻧﺎ ً ﻣﻴﺜﺎق، ﴍﻳﻜﺔ ﰲ ﻋﻬ ٍﺪ أو ﻟﻴﻨﺪن ﺑﻲ ﺟﻮﻧﺴﻮن أرض اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ٍ ٌ ﺷﺨﺺ ﻟﻪ آﻣﺎل ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ. وﻛﺄﻧﻬﺎ املﻨﻔﻲ ﻣﻨﻬﻢ واﻟﻐﺮﻳﺐ ،وﻛﺎﻧﻮا ﺷﺠﻌﺎﻧًﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻣﻔﺰوﻋﻮن ،ﻛﺎﻧﻮا ﻟﻘﺪ ﺟﺎء اﻟﺒﻴﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﻮن إﱃ ﻫﻨﺎ، ﱡ ً ﻳﻠﺘﻤﺴﻮن ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﻓﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄﻧﻪ إﻧﺴﺎن .وﻟﻘﺪ ﻋﻘﺪوا ﻣﻴﺜﺎﻗﺎ ﻣﻊ ﻫﺬه اﻷرض؛ ﻣﺮ ﱠﻛ ًﺰا ﻋﲆ ﻗﻴﻢ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ،وﻣﻜﺘﻮﺑًﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ،وﻣﻠﺘﺰﻣً ﺎ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪة ،وﻛﺎن املﻘﺼﻮد ﻣﻨﻪ أن ﻳﻜﻮن ﰲ ﻳﻮم ﻣﺎ ﻣﺼﺪ َر إﻟﻬﺎ ٍم ﻟﻠﺒﴩﻳﺔ ﻛﺎﻓﺔ .وﻫﻮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰال ﻳﺠﻤﻌﻨﺎ ﻣﻌً ﺎ .ﻓﺈذا ﺣﺎﻓﻈﻨﺎ ﻋﲆ ﺑﻨﻮده ،ﻓﺴﻮف ﻳﻌﻤﱡ ﻨﺎ اﻟﺮﺧﺎء. ﻟﻴﻨﺪن ﺑﻲ ﺟﻮﻧﺴﻮن» ،وﻗﺖ اﻟﻌﻤﻞ«
إن ﺣﺪود أي إﻗﻠﻴﻢ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أﺑﺪًا أن ﺗﻜﻮن ﻣﺠﺮد ﺣﺪو ٍد ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ ،ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ﺗﺸري إﱃ اﻟﺤﺪود املﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻜﺜري ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﺟﻴﻞ إﱃ ﺟﻴﻞ .ﻓﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﺗﺤﺪﻳ ُﺪ اﻟﺤﺪود اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻠﺪول املﺪن ﰲ اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﲆ أﺳﺎس ﻣﻌﺎﻗﻞ اﻵﻟﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺒﺪوﻧﻬﺎ .وﻫﻜﺬا ،ﻓﺈن اﻷﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻜﻨﻮن ﰲ إﻗﻠﻴ ٍﻢ ﻣﺎ ﻻ ﺑﻌﺾ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻬﻢ ﻳﺘﺸﺎرﻛﻮن ﰲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ،وﻫﺬه ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻊ ٍ ﺑﺪورﻫﺎ ﺗﺆﺛﱢﺮ ﰲ ﺳﻠﻮﻛﻬﻢ؛ ﻣﺎ ﻳﻌﺒﺪون ﻣﻦ إﻟﻪ أو آﻟﻬﺔ ،أو ﻣﺎ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻣﻦ ﻟﻐﺔ ،أو ﻣﺎ ﻳﺘﱠﺒﻌﻮن ﻣﻦ ﻗﻮاﻧني. وﺗﻈﻬﺮ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻋﲆ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺰﻣﺎن؛ إذ ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﺪﻋﱠ ﻤﺖ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ املﺆﺳﺴﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واملﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻔﺎوت ﻣﻦ ﻧﻮادي اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ إﱃ ٌ ٍ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﲆ وﺟﻮد ﻋﻼﻗﺔ ﻷﺣﺪاث ﻳُﻔﻬَ ﻢ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪ أﻳﺎ ٍم ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل أو إﺣﻴﺎء اﻟﺬﻛﺮى إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﺑﺎﻷﻣﺔ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻳﻮم اﻻﺳﺘﻘﻼل ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﻳﻮم اﻟﺒﺎﺳﺘﻴﻞ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،واﺣﺘﻔﺎل اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،وﻳﻮم ذﻛﺮى اﻟﻬﻮﻟﻮﻛﻮﺳﺖ ﰲ إﴎاﺋﻴﻞ .وﻳﺠﺐ أﻻ ﻳُﻨ َ ﺧﺎرﺟﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻔﺮد؛ ﻣﺜﻞ ﻣﻌﻄﻒ ﻳﺮﺗﺪﻳﻪ ﻈﺮ إﱃ ﻫﺬا اﻟﱰاث اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻋﲆ أﻧﻪ ﳾءٌ ﱞ ﺛﻢ ﻳﺨﻠﻌﻪ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺸ ﱢﻜﻞ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳُﻜﻮﱢﻧﻬﺎ املﺮء ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ ﻟﻸﻓﺮاد اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺼﻞ املﺮء ﺑﻬﻢ ﺑﻌﻼﻗﺔ؛ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻷﻗﺎﻟﻴﻢ. 50
اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء وأرض اﻟﻮﻃﻦ
ً ﻧﻘﻄﺔ ﻣﺮﺟﻌﻴ ًﱠﺔ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻴ ًﱠﺔ وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ﺗﺼﺒﺢ ﺻﻮر ُة إﻗﻠﻴ ٍﻢ ﻣﺎ ملﻌﻨﻰ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺬي ﻳﺘﺨ ﱠ ﻄﻰ اﻷﻓﺮاد ،واﻟﺬي ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺣﻮﻟﻪ اﻷﻧﺸﻄﺔ ﺑني اﻷﻓﺮاد. وﻫﺬه اﻟﺼﻮرة ﻟﻴﺴﺖ اﻣﺘﺪادﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ املﻜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻣﻦ ٌ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺎ ﻣﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ .إن اﻟﻔﺮد املﺸﺎرك ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻳﺪرك أﻧﻪ ﺛﻤﺔ ﻳﻤﺎرﺳﻮن ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ وﻳﺘﺸﺎرﻛﻮن ﻓﻴﻬﺎ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﺎﴐ ،وﻟﻜﻦ ً أﻧﺸﻄﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻹﻗﻠﻴﻢ .وﻟﻨﴬب ً ً ﻣﺜﺎﻻ أﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻌﻴﺶ ﰲ املﺎﴈ ،وﻳﻤﺎرﺳﻮن ﻟﻬﺬا ﺑﺎملﻠﻜﺔ إﻟﻴﺰاﺑﻴﺚ اﻷوﱃ ،اﻟﺘﻲ ﻳَﻌُ ﺪﱡﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳ ًﱠﺔ رﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﻋﺎﺷﺖ ﻣﻨﺬ ٤٠٠ﺳﻨﺔ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳُﻨﻈﺮ إﱃ اﻹﻗﻠﻴﻢ وﻣﺎﺿﻴﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﻔﺮد وﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ ،وﻳﻨﺘﻤﻲ ﻛﺬﻟﻚ ملﻦ ﻟﻬﻢ ﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮد ﻟﺘﺸﺎ ُرﻛِﻬﻢ ﰲ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻴﻪ.
ﺷﻜﻞ :1-4اﻟﻨﺼﺐ اﻟﺘﺬﻛﺎري ﰲ ﻳﺎد ﻓﺎﺷﻴﻢ ﺑﺎﻟﻘﺪس ﻟﺘﺨﻠﻴﺪ ذﻛﺮى املﻼﻳني ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد اﻟﺬﻳﻦ أُﺣﺮﻗﻮا ﰲ ﻣﻌﺴﻜﺮات املﻮت اﻟﻨﺎزﻳﺔ.
ً وأﻳﻀﺎ ملﺴﺎﺣﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﻣﻦ اﻷرض ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺪﱠدة ملﺎض، ﻳُﻌﺘﱪ اﻣﺘﻼ ُك املﺮء ٍ ﺗﺸﻜﻴﻞ ِ ﺑﺤﺪود ،ﻫﻮ ﻣﻔﺘﺎحَ اﻷﻣﺔ ﻛﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﻨﺘﺴﺐ ﻹﻗﻠﻴﻢ ﻣﺎ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ ِ 51
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ِ ﻟﺪرﺟﺔ أن ﺗﺘﺤﻮﱠل إﱃ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻳُﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار؛ وﻣﻦ أﻧﺸﻄﺔ املﺎﴈ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﺷﺪﻳﺪ َة اﻷﻫﻤﻴﺔ ﺛَﻢ ﺗﺴﻬﻢ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﺎﴐ ،إﻻ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واملﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻤﻬﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻳُﻔﻬﻢ ﻋﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ أﺳﻬﻤﺖ ﰲ ﺗﻘﺮﻳﺮ وﺟﻮد املﺮء؛ ﺗﺒﻘﻰ »ﺣﻴ ًﱠﺔ« ﻋﲆ ﻳﺪ ً أﻣﺜﻠﺔ ﻟﻬﺬا ،ﻧﺬﻛﺮ أن ﺟﻴﻞ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﰲ اﻻﺣﺘﻔﺎء ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ذات أﻫﻤﻴﺔ .وإذا ﴐﺑﻨﺎ ﻛ ﱢﻞ ٍ اﻧﺘﺼﺎر إﻧﺠﻠﱰا ﻋﲆ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ أﺛﻨﺎء ﺣﻜﻢ املﻠﻜﺔ إﻟﻴﺰاﺑﻴﺚ اﻷوﱃ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﺑﺴﺒﺐ إدراكِ أن إﻧﺠﻠﱰا ﺗُﻮﺟَ ﺪ اﻟﻴﻮم ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﴫ ،ﻛﻤﺎ ﻳُﺤﺘﻔﻰ ﺑﺬﻛﺮى اﻟﻬﻮﻟﻮﻛﻮﺳﺖ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﰲ إﴎاﺋﻴﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻳﻮ ٍم ﻹﺣﻴﺎء اﻟﺬﻛﺮى؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺪرﻛﻮن أن إﴎاﺋﻴﻞ ﻣﻮﺟﻮدة اﻟﻴﻮم ﺠﺴﺪ اﻷﻋﻤﺎل اﻷﺛﺮﻳﺔ أو اﻟﻨ ﱡ ُ ﻛﻮﻃﻦ ﻟﻠﻴﻬﻮد .وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗُ ﱢ ﺼﺐ اﻟﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ أﺣﺪاث املﺎﴈ املﻬﻤﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻧﻘﺎ ً ﻃﺎ ﻣﺮﺟﻌﻴﺔ ذات ﻣﻐ ًﺰى ﰲ اﻟﺤﺎﴐ؛ وﻣﺜﺎل ذﻟﻚ اﻟﻨ ﱡ ُ ﺼﺐُ اﻟﺘﺬﻛﺎري ﰲ ﻳﺎد ﻓﺎﺷﻴﻢ ﰲ اﻟﻘﺪس ﰲ إﴎاﺋﻴﻞ. وﻷن املﺮء ﻳﺪرك أن ﺣﻴﺎﺗﻪ — ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺳﺎﻛﻦ اﻹﻗﻠﻴﻢ ،وﻋﻀﻮًا ﰲ اﻷﻣﺔ — ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ٌ ﻗﺮاﺑﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺸﻄﺔ املﺎﺿﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻹﻗﻠﻴﻢ )اﻟﺬي ﻫﻮ وﻃﻨﻪ( ﻣُﻤﻜﻨًﺎ ،ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺗﺘﺨﻄﻰ اﻷﺟﻴﺎل وﺗﺨﺺ ذﻟﻚ اﻹﻗﻠﻴﻢ ،ﻟﻬﺎ ﻣﺮﺟﻌﻴﺎت ﻟﻠﻤﺎﴈ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻤﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﰲ اﻟﺤﺎﴐ. اﻻﻧﺘﻤﺎء ﺑﺎﻟﺪم إﱃ اﻹﻗﻠﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ زﻣﻨﻴٍّﺎ ﻳﻤﻜﻦ رؤﻳﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﺠﻮء إﱃ اﻟﻌﺒﺎرة اﻻﺻﻄﻼﺣﻴﺔ »اﻵﺑﺎء املﺆﺳﺴﻮن ﻟﻸﻣﺔ«؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻨﺸﺄ »ارﺗﺒﺎط ﺑﺎﻟﺪم ﻟﻺﻗﻠﻴﻢ«؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ إدراك ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ ﻟﻌﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،ذﻟﻚ اﻻﻧﺘﻤﺎء ﺑﺎﻟﺪم ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ أﻟﻔﺎظ »اﻟﻮﻃﻦ اﻷم« و»وﻃﻦ اﻵﺑﺎء« و»أرض اﻟﻮﻃﻦ« ،وﻓﻜﺮة أرض املﻮﻃﻦ ﰲ ﺣﺪ ذاﺗﻬﺎ .وﻫﺬا اﻟﻐﺮس املﺠﺎزي ﻟﻠﻨ ﱠ َﺴﺐ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﰲ ﻗﻠﺐ املﻮﻗﻊ املﻜﺎﻧﻲ ﻳﻜﻮن ﻣﺪﻋﻮﻣً ﺎ؛ ﻷن ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺘﻮارﺛﺔ املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻳﺘﻢ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺟﺰءًا ﻣﻤﻴ ًﺰا ﻣﻦ ﻛﻴﺎﻧﻚ .وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ وﺟﻮدك ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرك ﻋﻀﻮًا ﻳﻨﺘﺴﺐ ﻷﻣﺔ ﻣﺎ )وﻣﻦ ﺛﻢ ﻋﻨﺎﴏ ﻓﻬﻤﻚ ﻟﻨﻔﺴﻚ( ،واﻟﺬي ﻳﻌﺘﻤﺪ ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ َ ﻣﺎرﺳﺘْﻬﺎ اﻷﺟﻴﺎل املﺎﺿﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﲆ ﺳﻼﻣﺔ اﻷرض اﻟﴬورﻳﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻠﺤﻴﺎة ،ﻓﺈن ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﻫﺬا املﺠﺎز ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد أﻣﺮ ﻣﺠﺎزي! إن ﻣﻴﻞ اﻟﺒﴩ إﱃ ﺗﺸﻜﻴﻞ ارﺗﺒﺎﻃﺎت ﺑﺼﻮرة أرض املﻮﻃﻦ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ إدراك اﻟﻘﺪرة اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻟﻸرض )وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺼﻔﺔ ﺿﻤﻨﻴﺔ( ،ﻳﻮﺣﻲ ﺑﴚء أﺳﺎﳼ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻮك 52
اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء وأرض اﻟﻮﻃﻦ
اﻟﺒﴩي .وﻻ أﻋﻨﻲ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩي أن أﺷري إﱃ أن ﺟﻤﻴﻊ ﺳﻠﻮﻛﻴﺎت اﻟﺒﴩ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻛﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﻫﺬا املﻴﻞ؛ إذ ﺗﻔﻴﺪ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﻴﺔ واﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﻌﺎملﻴﺔ أن ﻫﻨﺎك ﻣﺴﺎﻋﻲ ﻏري ﻣﻬﺘﻤﺔ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﺑﺎﻻرﺗﺒﺎط ﺑﺄرض املﻮﻃﻦ .وﻻ أﻋﻨﻲ ً أﻳﻀﺎ أن أﻓﱰض أن اﻟﻌﻼﻗﺔ َ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ املﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﻟﻴﺴﺖ اﺑﺘﻜﺎ ًرا ﺑﴩﻳٍّﺎ أﺻﺒﺢ ﻣﻤﻜﻨًﺎ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ املﻌﻘﺪة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﴫ ﻟﻬﺎ ،وﺳﻮف ﻧﻮﺿﺢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﱄ .وﻟﻜﻨﻲ أﻋﻨﻲ أن أﺷري إﱃ اﺳﺘﻤﺮار واﺣ ٍﺪ ﻣﻦ ﺑني ﻋﺪدٍ ﻣﻦ اﻻﻧﺸﻐﺎﻻت املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﻌﻘﻞ اﻟﺒﴩي، اﻟﺬي ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻨﻬﺎ ﻋﱪ اﻷزﻣﻨﺔ واﻟﺤﻀﺎرات. ً ٍ ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺄرض املﻮﻃﻦ ﺗﺴﺘﻠﺰم ﻣﻜﻮﻧﺎت وﻣﻦ املﺮﺟﱠ ﺢ أن ﻫﻨﺎك ني ﻟﻠﻤﻮارد املﺤﺪودة اﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻟﺘﺄﻣني اﻻﺳﺘﺨﺪام واﻟﺘﺨﺼﻴﺺ اﻟﻔﻌﺎ َﻟ ْ ِ ﰲ ﻧﴩ اﻟﺤﻴﺎة وﻧﻘﻠﻬﺎ وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ،وﻫﻲ أﻣﻮر ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺑﺪورﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ اﻷرض ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻮارد .وﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌ َﺰى إﱃ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑﺎملﻮﻗﻊ املﻜﺎﻧﻲ ﻟﻠﺒﻴﺖ ﻟﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻜﻮ ٌن ﺳﻠﻮﻛﻲ؛ إذ ﺗﻮﻓﺮ اﻟﺤﺪود املﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺒﻴﺖ اﻟﺒﻨﻴﺔ املﺤﺪدة اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﴐورﻳﺔ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻟﻔﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺒﻴﺖ. ٌ ﻳﻠﺘﻤﺲ اﻟﺒﴩ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻟﻔﺔ؛ ﻷن ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺄﻟﻮف ﻳﻜﻮن ﻣﻌﺘﺎدًا ﻛﺬﻟﻚ ،وﻫﻜﺬا ﻓﺈن ﻗﺪر ﻛﺒري ﻣﺴﺒﱢﺐ ﻟﻠﻘﻠﻖ اﻷﻟﻔﺔ اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﺒﻴﺖ ﺗﻮﻓﺮ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻻرﺗﻴﺎح؛ إذ ﺗَﺤُ ﱡﺪ ﻣﻦ ﻇﻬﻮر ٍ ﻣﻦ اﺣﺘﻤﺎﻻت اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺘﻲ ﺗُ ِﻄﻞ ﺑﺮءوﺳﻬﺎ إﱃ اﻟﺒﴩ ﻟﻴﺪرﺳﻮﻫﺎ .وﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ،ﻳﻤﻜﻦ رﺳﻢ ﺧ ﱟ ﻣﺘﻮاز ﺑني املﻜﻮﱢن اﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺒﻴﺌﺔ املﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﺤﻴﻮان ﻣﺎ وﺑني اﻷﻟﻔﺔ ﻂ ٍ ْ وﻟﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﻓﺎرق ﻣﻬﻢ ﺑني اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺒﴩي واﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ؛ ﻓﺎﻟﺒﻴﺖ اﻟﺒﴩي اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﺒﻴﺖ، ﻻ ﻳﺘﻘ ﱠﺮر ﺑﺎﻟﻐﺮﻳﺰة ﻣﺜﻞ ﻗﻔري اﻟﻨﺤﻞ ،وﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﺤﺪودًا ﺑﺒﻴﺌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﺜﻞ املﻨﺎﻃﻖ اﻟﻘﻄﺒﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺪﺑﺒﺔ اﻟﻘﻄﺒﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻳﻌﻴﺶ اﻟﺒﴩ ﰲ ﺑﻴﺌﺎت ﻛﺜرية ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻳُﻨﺸﺌﻮن ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ .وﻣﻦ ﺛﻢ ،ﻓﺤﺘﻰ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻣﻜﻮﱢﻧﺎت ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ ﰲ ﻣﻴﻞ اﻟﺒﴩ إﱃ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺑﻨﻴﺎت ﱡ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﺤﺪﱠدة ﻣﻜﺎﻧﻴٍّﺎ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺔ ،ﻓﺈن ﻣﺠﺮد ﺗﻔﺎوت ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻨﻴﺎت وﻣﻮاﻗﻌﻬﺎ ﻳﺸري إﱃ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺒﴩي ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ،وﻳﻜﻮن دور اﻟﺨﻴﺎل ﰲ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت املﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﻣﺎديﱟ اﻟﺒﴩ واﺿﺤً ﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻤﺘﺪ ﺗﻠﻚ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت إﱃ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻟﻢ ﻳﻌﻬﺪﻫﺎ اﻟﻔﺮ ُد ﻋﲆ ٍ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗُﻌﺘﱪ ﺟﺰءًا ﻣﻦ وﻃﻨﻪ. وﻫﺬا ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ أرض اﻟﻮﻃﻦ املﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ واﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻣﺔ؛ ﱢ أﻳﻀﺎ ﻛﺒﻴﺖ ،وﻫﻲ ً إذ ﻳُﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ً املﺨﻔﻔﺔ ﻟﻠﻘﻠﻖ .ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﺗﻌﻮد إﱃ أﻳﻀﺎ ﺑﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺔ أرض وﻃﻨﻚ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ أﺟﻨﺒﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻻرﺗﻴﺎح ،وﺗﻐﻤﺲ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﺠﺪدًا ﰲ أُﻟﻔﺘﻚ 53
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﺑﻠﻐﺘﻚ وﻋﺎداﺗﻚ ،وﻫﺬا ﻫﻮ أﺣﺪ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﻤﺎط املﺄﻟﻮﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط — َ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻟﻠﻔﺮد. أي اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﻮروﺛﺔ — اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻨﻲ ﺳﻠﻮﻛﻨﺎ واﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ »اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ« اﻻﻣﺘﻼك إن املﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﺑﻔﻌﻞ وﺟﻮد اﻷﻣﻢ ﻻ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﻓﻘﻂ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﺒﴩ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻄﺮق ﺗﻘﺴﻴﻤﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻓﺮدًا ﻣﺎ ﻳَﻌﺘﱪ اﻷﻣﱠ َﺔ املﻤﺘﺪة ٍ ً ِ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﻣﻠﻜﺎ ﻟﻪ .ﻓﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﴚء اﻟﺬي ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﻧﻄﺎق ﻇﺎﻫﺮة اﻻﻣﺘﻼك وﻳﺠﻌﻞ اﻟﻔﺮ َد ﻳَﻌﺘﱪ ً ً ٍّ ﻋﺎﻣﻼ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻪ ،وﻫﻮ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻳُﻌﺪ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﻣﻦ اﻷرض وﻣﺎﺿﻴًﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ِﻣﻠ ًﻜﺎ ُ وراﺛﺔ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺤﺪدة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ،وﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﻘﺮاﺑﺔ؟ ﺗُﻌﺘﱪ ﻫﻨﺎك املﺰﻳﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن .رﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ دﻓﻊ ﺟﻮن ﻟﻮك ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻷﻃﺮوﺣﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ« ) (١٦٩٠أﻧﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﺪث املﺮء ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺎدﻳٍّﺎ أو ﻳﻘﺘﻨﻴﻪ ،ﻓﺈن ذﻟﻚ اﻟﴚء ﻳُﻌﺘﱪ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻷﻓﻌﺎل وﺿﻊ املﺮء ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذاﺗﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﴚء. ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻟﻮك ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ ﺗﺨﺼﻴﺺ املﺮء ﻟﺠﺰءٍ ﻣﻦ ﺟﻬﺪه وﻋﻤﻠﻪ ﰲ ﳾءٍ ﻣﺎ؛ ﻳُﱪﱢر ﻟﻪ ٍّ ﺣﻘﺎ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻮك ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ .إﻻ أن اﻫﺘﻤﺎﻣﻨﺎ ﺑﻬﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة — ﻇﺎﻫﺮة اﻻﻣﺘﻼك — ﻳﻜﻤﻦ ﰲ اﺗﺠﺎ ٍه ﻟﻢ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﻟﻮك؛ أﻻ وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺘﺒﻊ ً ﻋﺎﻣﻼ ﰲ ﻓﻜﺮة أن ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﺪﺛﻪ املﺮء ﻣﻦ ﳾء ﻣﺎدي ﻳُﻌﺘﱪ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذاﺗﻪ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻘﺮاﺑﺔ. ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻀﻊ املﺮء ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذاﺗﻪ ﰲ ﳾء ﻣﺎدي ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺠﻌﻞ ذﻟﻚ اﻟﴚء ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ ،ﺑﻞ ٍ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذاﺗﻪ ،ﻓﺈن ﺧﱪات املﺮء ﺗﻤﺘﺪ ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ اﻟﴚء وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳُﻌَ ﱡﺪ املﺎدي ،وﻫﺬا اﻻﻣﺘﺪاد ﻟﻠﺬات إﱃ ﳾء ﻣﺎدي ﻳﺤﺪث ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮﻳ َْني؛ أوﻟﻬﻤﺎ :ﻫﻮ اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ اﻟﻮاﻗﻌﻲ ﻟﻠﴚء املﺎدي؛ وﻣﺜﺎل ذﻟﻚ ﺑﻨﺎء ﺑﻴﺖ أو إﻋﺪاد ﻗﻄﻌﺔ أرض واﺳﺘﺼﻼﺣﻬﺎ ﻟﻠﺰراﻋﺔ. وﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ :ﻫﻮ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﻫﺬا اﻟﴚء ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌ َﺰى إﻟﻴﻪ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺤﺘﻮي ذﻛﺮﻳﺎﺗﻚ ﻋﲆ ﻣﺮﺟﻌﻴﺎت ﻋﻨﻪ ،إﱃ درﺟﺔ أن ﺗﻤﺘﺪ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻫﺎ ﻋﻦ ذاﺗﻚ ﻟﺘﺸﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﴚء املﺎدي. وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺠﻬﻮدات ﺷﺨﺺ ﻣﺎ — وﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﺻﻨﻊ أداة ﻣﺎ — ﺗُﺼﺒﺢ ﻋﻮاﻣ َﻞ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻤﻞ اﻟﺤﻴﺎة وﻳُﻨ َ ﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻗﺪ ﺗﺼري ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﻞ. ُ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻷﺑﻮﻳﻦ وﻃﻔﻠﻬﻤﺎ؛ ﻓﻬﺬا اﻟﻄﻔﻞ إذ ﻳﺤﺘﻮي وأوﺿﺢ ﻣﺜﺎل ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ 54
اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء وأرض اﻟﻮﻃﻦ
ﻋﲆ ﺟﺰء ﻣﻦ أﺑﻮﻳﻪ ﻳﻌﺘﱪه اﻷﺑﻮان اﻣﺘﺪادًا ﻟﺬاﺗﻴﻬﻤﺎ ،وﻋﲆ ﻫﺬا اﻷﺳﺎس ﻳﻜﻮن ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻬﻤﺎ. وﻫﺬا املﺜﺎل ﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،وﻫﻲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،ﻳُﻌﺘﱪ ﻣﺒﺎﴍًا ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻧﻘﻞ اﻟﺤﻴﺎة ذاﺗﻬﺎ ﻟﺨﻠﻖ ﺣﻴﺎة أﺧﺮى .وﺗﻠﻚ اﻷﺷﻜﺎل املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﻣﺘﺪاد اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻠﺬات اﻟﺘﻲ ﺗﱰاوح ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻣﻦ اﻟﻨ ﱠ َﺴﺐ اﻷﻣﻮﻣﻲ إﱃ اﻟﻨﺴﺐ اﻷﺑﻮي ،ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗُﻔﻬﻢ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﻘﺮاﺑﺔ .وﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻮ ًرا ﰲ ﻫﺬا اﻻﻣﺘﺪاد؛ ﻷن اﻷﺑﻮﻳﻦ ﻻ ﻳُﻜﺴﺒﺎن ﻃﻔﻠﻬﻤﺎ ﻣرياﺛًﺎ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴٍّﺎ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إن اﻟﻄﻔﻞ ً أﻳﻀﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﱪ وﻧﻀﺞ اﻛﺘﺴﺐ ﻣرياﺛًﺎ ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﺑﻮﻳﻦ .وﻳﺘﻴﺢ إدﺧﺎ ُل ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ إﱃ اﻟﺼﻮرة ً َ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﺄوﻟﺌﻚ اﻟﺒﴩ اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺪوث اﻣﺘﺪاد ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ؛ إذ ﻳﺪرك املﺮءُ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻟﻠﻄﻔﻞ ً أﺳﺎﺳﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺸﻤﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻳﺸﺎرﻛﻮﻧﻪ أو ﺷﺎرﻛﻮه ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ .وﻫﺬا اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ادﱢﻋﺎءً ﺑﻮﺟﻮد ﻧﺴﺐ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ واﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ واﻷرﻣﻴﻨﻴﺔ. وﻳُﻌﺘﱪ وﺟ ُﻪ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ ﰲ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺿﻬﺎ اﻷﻣﺔ أن اﻟﴚء اﻟﺬي وﺿﻊ ﻓﻴﻪ املﺮءُ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذاﺗﻪ ،واﻟﺬي ﻳﻌﺘﱪه ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ ،ﻟﻴﺲ ﺑﴩً ا آﺧﺮ ﻋﲆ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة، أﻳﻀﺎ ﻳُﻨ َ أرض ﺟﻤﺎدﻳﺔ .إﻻ أن اﻷرض ﻫﻲ ً وﻟﻜﻨﻪ ٌ ﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣُﻜﻤﱢ ﻠﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة؛ ﻟﺤﻴﺎة اﻟﻔﺮد وﻟﺤﻴﺎة أﴎﺗﻪ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻮﺟﺪ ﻟﻬﻢ ﺑﻴﺖ ،وﻣُﻜﻤﱢ ﻠﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻛﱪ اﻟﺬي ﻳُﻌﺘﱪ اﻟﻔﺮد ً ﻣﻨﺰﻻ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻀﻊ ﺟﻬﺪه وﻋﻤﻠﻪ ﰲ ﳾء ﻣﺎدي؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻋﻀﻮًا ﻓﻴﻪ .ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﻨﻲ املﺮء ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ ،وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳُﻌِ ﱡﺪ املﺮءُ ً أرﺿﺎ ﻟﻠﺰراﻋﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ ﻗﺎدرة ﻋﲆ إﻧﺘﺎج املﺤﺎﺻﻴﻞ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﺗﻠﻚ اﻷرض ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ .وﰲ ﻛﻠﺘﺎ ﻫﺎﺗني اﻟﺤﺎﻟﺘني ،وﻣﻦ ﺧﻼل أﻧﺸﻄﺔ املﺮء ﻳﺤﺪث اﻣﺘﺪا ٌد ﻟﻠﺬات إﱃ ﻫﺬه اﻷﺷﻴﺎء املﺎدﻳﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺄي أﺷﻴﺎء ﻣﺎدﻳﺔ ،إﻧﻬﺎ أﺷﻴﺎء ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎة املﺮء وﺣﻴﺎة أﴎﺗﻪ؛ إذ ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻟﺒﻴﺖ ﻫﻮ املﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻓﻴﻪ اﻟﺘﻮاﻟﺪ وﻧﻘﻞ ﺣﻴﺎة اﻷﴎة ،ﻛﻤﺎ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ً ﺑﻨﻴﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﺎة ،واﻷرض املﺰروﻋﺔ ﺗﺪﻋﻢ اﻟﺤﻴﺎة .وﻫﺬا ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺰوﻫﺎ اﻟﺒﴩ إﱃ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ وإﱃ أرﺿﻬﻢ املﺒﺎﴍة ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ َ ٍ أﺿﻔﻴﺖ ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﻦ ﺑﺼﻠﺔ إﻟﻴﻚ؛ ﺣﻴﺚ اﻟﺒﻨﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎﺗﻚ وﺣﻴﺎة ﻣَ ﻦ ﻳَ ُﻤﺘﱡﻮن ﺑﻄﺮق ﻟﻢ ﻳﺘ ﱠﻢ إﺿﻔﺎؤﻫﺎ ﻋﲆ ِﺑﻨًﻰ أﺧﺮى؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ذﻟﻚ إدرا ُك ذاﺗﻚ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺒﻨﻰ ٍ ٍ ﻣﻔﺎﺿﻠﺔ ﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ،أو ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »اﻟﺤﺪود املﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻸﻫﻤﻴﺔ«. وﺟﻮ ِد ﻫﻨﺎك ﻋﺎﻣﻞ واﺿﺢ ﻣﺤﺪﱠد ﻟﻸﻫﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺒﴩي ،ﻫﻮ إدراك ﺧﻄﻮط اﻟﻨﺴﺐ ﻣﻦ اﻷم أو اﻷب إﱃ ﻃﻔﻠﻬﻤﺎ ،وﻫﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺤﻴﻮﻳﺔ اﻟﺬات واﻣﺘﺪادﻫﺎ أو ﻧﻘﻠﻬﺎ .واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ا ُمل ﱠﺮة ﻫﻲ أن املﺮءَ ﱢ ﻳﻔﻀﻞ ﻧﺴ َﻠ ُﻪ ﻫﻮ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻧﺴﻞ اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وﻟﻜﻦ 55
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ً ﻗﺪ ﺗﻜﻮن اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت املﻜﺎﻧﻴﺔ ً ﻋﺎﻣﻼ ﻣﺤﺪدًا ﻟﻸﻫﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺒﴩي .وﻗﺪ ﺗﺸري أﻳﻀﺎ ﺗﻠﻚ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ إﱃ ﻣﺪًى ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺔ ،وﺑﻬﺬا ﻗﺪ ﺗُﻤﻴﺰ ﺧﱪة ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺤﺪدة ﻣﺎ ﻋﻦ اﻷﺧﺮى؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﺧﺘﻼﻓﺎت ﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻌﺰوه إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻷﻟﻔﺔ ﻳَﻌُ ﺪﱡﻫﺎ املﺮء ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ ﻋﻮاﻣﻞ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ املﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ أﺿﻔﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﺮءُ ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻔﻬﻢ أﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ وأﻧﻬﺎ ً ﻣُﻜﻤﱢ ﻠﺔ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ وﻻﻣﺘﺪادﻫﺎ — ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺑﻴﺖ املﺮء أو وﻃﻨﻪ — ﺗﻤﺜﻞ ً اﻧﺸﻐﺎﻻ أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ،وإن ﻛﺎن اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺪ ﺟﺎء ﻫﻨﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻜﺎﻧﻲ. ﻫﺬه اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت املﻜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺒﻴﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ُﻗ ِﺼﺪ ﺑﻬﺎ اﻹﺳﻬﺎم ﰲ ﻓﻬ ٍﻢ أﻓﻀ َﻞ ﻟﻠﻄﺮق اﻟﺘﻲ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻫﺎ ﺗﻜﻮن اﻷﻣﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ إﻗﻠﻴﻤﻬﺎ املﻤﺘﺪ ،وﻃﻨًﺎ أو َ أرض املﻮﻟﺪ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ أن اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﻘﻮﻣﻲ؛ ﻣﺜﻠﻪ ﻣﺜﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﺒﺎﴍ ًة، ﻳُﻌَ ﱡﺪ ً ﺑﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺔ ،وأن ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷُﻟﻔﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻳﺘﻢ ﻏﺮﺳﻪ ﰲ اﻟﻔﺮد — ﻛﻌﻀﻮ ﰲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﻛﻌﻀﻮ ﰲ اﻷﻣﺔ — أﺛﻨﺎء ﺗﻄﻮره ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ إﱃ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺒﻠﻮغ .وﺗﺸﻤﻞ ً ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺗﱰاوح ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺬي ﻳﺄﻛﻠﻪ املﺮءُ إﱃ ﻧﻮع ﻋﺎدات ﻋﻨﺎﴏ ﻫﺬه اﻷﻟﻔﺔ املﻼﺑﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ ،واﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻬﺎ ،وﻗﺎﻧﻮن اﻟﺒﻼد اﻟﺬي ﻳﺘﺒﻌﻪ ،واﻟﺬي ﻳﺤﻮﱢل اﻷرض إﱃ إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺘﺠﺎﻧﺲ ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ .وﻳﻤﻜﻦ ﺗﻮﺿﻴﺢ أﺛﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻋﲆ ارﺗﺒﺎط املﺮء ﺑﺎﻷرض ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أرﺿﻪ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ﺗﻐﻴري ﰲ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﰲ أوروﺑﺎ، املﺴﺘﺄﺟﺮ أن ﻳﺮث اﻹﻗﻄﺎﻋﺔ )أي ﻗﻄﻌﺔ اﻷرض اﻟﺬي أﺗﺎح ﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻔﻼح اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻺﻗﻄﺎﻋﻲ أو ِ ً ﻣﺴﺘﻘﺒﻼ أﻛﺜﺮ أﻣﺎﻧًﺎ ﻟﺬرﻳﺎﺗﻪ .وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا ،ﻓﺈن اﻻرﺗﺒﺎط اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ(؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻮﻓﺮ ﺑﺎﻹﻗﻄﺎﻋﺔ املﻮروﺛﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ ،واﻻرﺗﺒﺎط ﺑﺄرض اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺨﺘﻠﻄﺎ ﻣﻌً ﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻗﺎﻧﻮن ﻟﻠﺒﻼد ﻳﻔﺮﺿﻪ املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻘﻮﻣﻲ )املﺤﺎﻛﻢ املﻠﻜﻴﺔ( اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻲ املرياث؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺸﺠﻊ اﻟﻮﻻء واﻻﻧﺘﻤﺎء — أي روح اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ — ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ. ﻫﻨﺎك أوﺟﻪ ﺷﺒﻪ واﺧﺘﻼﻓﺎت ﻳﺠﺐ ﻣﻼﺣﻈﺘﻬﺎ ﺑني ارﺗﺒﺎﻃﺎت املﺮء ﺑﺒﻴﺘﻪ اﻟﻌﺎﺋﲇ وارﺗﺒﺎﻃﺎﺗﻪ ﺑﻮﻃﻨﻪ اﻟﻘﻮﻣﻲ؛ ﻓﻔﻲ ﺣني أﻧﻪ ﰲ ﻛﻠﺘﺎ اﻟﺤﺎﻟﺘني ﻳﻜﻮن ﺟﺰءٌ ﻣﻦ ذات املﺮء ﻗﺪ وُﺿﻊ ﰲ ﻫﺎﺗني اﻟ ِﺒﻨﻴَﺘَ ْني املﻜﺎﻧﻴﱠﺘَ ْني اﻟﺨﺎﺻﺘَ ْني اﻟﻠﺘني ﺗُﻌﺘﱪان ﺑﻨﻴﺘَ ْني ﻣﻮﺿﻌﻴﺘَ ْني ﻟﻠﺘﻮاﻟﺪ وﻧﻘﻞ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺈﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻳﻜﻮن اﻷﺑﻮان ﻫﻤﺎ املﺮﻛﺰ اﻷﺳﺎﳼ ،وﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻷُﻣﱠ ﺔ ﻳﻜﻮن اﻹﻗﻠﻴﻢ ﻫﻮ ذﻟﻚ املﺮﻛﺰ .وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ؛ ﻓﻬﻨﺎك ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ارﺗﺒﺎﻃﺎت ٍّ ﺆوي أﻓﺮاد ﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳُﺮى ﰲ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺒﻴﺖ ﻟﻠﻌﺎﺋﻠﺔ، وﺣﻘﺎ إن ﺟﺪران اﻟﺒﻴﺖ ﺗُ ِ 56
اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء وأرض اﻟﻮﻃﻦ
اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﺗﺤﻤﻲ أرواﺣﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺧﻄﺎر اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ .وﰲ ﻓﱰات ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ وﺑني ﴍاﺋﺢ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﱢ ﻧﺒني اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت املﻜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ اﻟﻌﺎﺋﲇ ﺑﻮﺿﻮح ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪث ٌ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻋﺎﺷﺖ ﰲ ﻧﻔﺲ املﻨﺰل أو اﻟﺒﻠﺪة ﻋﲆ ﻣﺪى ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن أﺟﻴﺎل ،وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن واﻟﺪا املﺮء ﻗﺪ ﻣﺎﺗﺎ ودُﻓﻨﺎ ﰲ ﻧﻔﺲ أرض اﻟﺒﻴﺖ .وﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻷﺧرية، ﻳﻜﻮن ﺟﺰءٌ ﻣﻦ ذات املﺮء — أي اﻟﺠﺎﻧﺒﺎن اﻟﻠﺬان ﻗﺪ أﻛﺴﺒﺎك اﻟﺤﻴﺎة — ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻞ إﱃ اﻷرض اﻟﺠﺎﻣﺪة؛ وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﻬﻤﺎ وﺻﻠﺖ أﻫﻤﻴﺔ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت املﻜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، ﻮرﻧﺖ ﺑﺘﻘﺪﻳﺮ اﻷﺑﻮﻳﻦ ﻛﻤﺼﺪر ﻟﻠﺤﻴﺎة ﰲ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻛﺸﻜﻞ ﻓﺈﻧﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﺛﺎﻧﻮﻳﺔ إذا ﻣﺎ ُﻗ ِ ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ. وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻷﻣﺔ ،ﻓﻔﻲ ﺣني أن ﻫﻨﺎك ً أﻳﻀﺎ ارﺗﺒﺎﻃﺎت ﺑﺎﻷﺳﻼف ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ارﺗﺒﺎﻃﺎت ﺑﻤَ ﻦ ﻫﻢ ﺳﺎﺑﻘﻮن ﻟﻚ زﻣﻨﻴٍّﺎ ،ﻷﺟﻴﺎل ﻣﻀﺖ ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ،وﻋﺎﺷﻮا ﰲ إﻗﻠﻴﻢ اﻷﻣﺔ ،وﻫﻢ ﻣَ ﻦ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧَﻌُ ﺪﱠﻫﻢ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ وﺟﻮد اﻹﻗﻠﻴﻢ ﻛﺄرض ﻟﻠﻮﻃﻦ ﻳﺪﻋﻢ ﺣﻴﺎة اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺤﺎﴐ .إﻧﻬﻢ ﻣَ ﻦ ﻃﻬﱠ ﺮوا اﻷرض وزرﻋﻮﻫﺎ ،وﻣﻦ ﺷﻴﱠﺪوا اﻟﺒﻠﺪان واملﺪن ،وأدﺧﻠﻮا وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻷﺧﺮى ،وﻫﻢ ﻣَ ﻦ داﻓﻌﻮا ﻋﻦ ﻫﺬه اﻷرض ﰲ املﺎﴈ .وﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺸﻜﻴﻞ أرض اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،ﻓﺈن اﻟﺬﻳﻦ وﺿﻌﻮا ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذواﺗﻬﻢ ﰲ اﻷرض ،ﺟﺎﻋﻠني ﻣﻨﻬﺎ إﻗﻠﻴﻤً ﺎ؛ ﻣﺮﺗﺒﻄﻮن ﺑﻚ ﻟﻠﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻚ ﺗﻨﺤﺪر ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻔﻀﻞ َﺳ َﻜﻨﻚ ﰲ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﺬي ﺗﻄ ﱠﻮ َر ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ،واﻟﺬي أﻧﺸﺄه أوﻟﺌﻚ اﻟﺴﻠﻒ وداﻓﻌﻮا ﻋﻨﻪ .وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﺈن ذﻟﻚ اﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﺬات اﻟﺬي وﺿﻌﻪ ﻣَ ﻦ ﺳﺒﻘﻮك ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﻮروﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﺗَﻌُ ﺪﱡﻫﺎ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﻣﻌﱪ ًة ﻋﻨﻚ .وﻣﻤﺎ ﻳﻤﻴﺰ اﻷﻣﺔ ﺑﺮو ُز ﻫﺬه اﻟﻘﺮاﺑﺔ املﻌﺘﱪة واملﺤﺪﱠدة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب ﻧﻈﺮة ﺷﺎﻣﻠﺔ ،ﻣﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﻟﺤﻴﺎة ﻣﺘﺤﴬة ،ﺗﻨﺸﺄ ﻣﻊ ﻧﺸﺄة اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺎت، ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﻊ ﻧﺸﺄة اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺻﺪور ﻣﺮﺳﻮم ﻣﻦ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻛﺎراﻛﺎﻻ )ﻋﺎم ٢١٣ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( ،ﺑﻤﻨﺢ ﺣﻖ املﻮاﻃﻨﺔ ﻟﻜﺜريﻳﻦ ﻣﻤﻦ أﻗﺎﻣﻮا ﰲ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ. إن ﻋﻨﴫ اﻟﻌﻤﻖ اﻟﺰﻣﻨﻲ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻷرض اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،اﻟﺬي ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ وَﺿﻊ ﻣَ ﻦ ﺗَﻌُ ﺪﱡﻫﻢ أﺳﻼﻓﻚ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴني ﺟﺰءًا ﻣﻦ ذاﺗﻚ إﱃ أرض اﻟﻮﻃﻦ ،ﱢ ﺗﻌﱪ ﻋﻨﻪ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺰوﻫﺎ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ وﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺴﺌﻮﻟني ﻋﻨﻬﺎ أﺛﻨﺎء ﻧﺸﺄة اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﺬي ٌ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﻋﺎﺷﻮا وﺗﻌﻴﺶ أﻧﺖ ﻓﻴﻪ ،واﻟﺬي أﺑﻘﻰ ﻋﲆ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وﺣﻴﺎﺗﻚ .وﻣﻦ ﺛﻢ ،ﻓﻬﻨﺎك ٌ وﻗﺮاﺑﺔ ﻣﻌﺘﱪة ﺑني اﻷﻋﻀﺎء زﻣﻨﻴﺔ وإﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺆ ﱠﻛﺪة ﺑني ﻣﺠﺘﻤﻌﻚ وﺗﻠﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، اﻟﺤﺎﻟﻴني ﻟﻸﻣﺔ وأﻋﻀﺎء املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ .وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أن أوﻟﺌﻚ اﻷﺳﻼف اﻹﻗﻠﻴﻤﻴني وﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺨﺘﻠﻔني ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﺣﻲ املﻬﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺤﺎﱄ 57
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
وﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻧني اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌﻬﺎ أوﻟﺌﻚ اﻷﺳﻼف اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﻮن ً ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ دﻳﺎﻧﺘﻬﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ،ﻛﺎن اﻟﻨﻄﺎق اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ملﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ ﻛﺬﻟﻚ ،ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أوﻟﺌﻚ اﻷﺳﻼف ﻳﻌﺘﱪون أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻋﻀﺎءً ﰲ اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗَﻌﺘﱪ أﻧﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻀﻮًا ﻓﻴﻬﺎ .وﻫﻨﺎك ﻋﺎﻣ ٌﻞ ﴐوري ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺴﻠﻒ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ؛ ﻫﻮ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻧﺤﻮ ﺧﺎﻃﺊ «.ﻓﻤﺎذا إرﻧﺴﺖ رﻳﻨﺎن ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم» :أن ﻳﻔﻬﻢ املﺮءُ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻋﲆ ٍ ﺗﻌﻨﻲ ﻫﺬه املﻘﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﻓﻬﻢ املﺮء ﻟﺘﺎرﻳﺨﻪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺧﺎﻃﺊ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻓﻬﻢ املﻮا َ ﻃﻨﺔ؟ وﻣﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻷﻣﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ؟ وﻛﻴﻒ ﻳﻘﻴﱢﻢ املﺮءُ ﺷﻜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؟ ﺗﻠﻚ ﻫﻲ املﻮاﺿﻴﻊ اﻟﺘﻲ ﺳﻨﻨﺎﻗﺸﻬﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﱄ.
58
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺒﺪأ اﻟﺪراﺳﺎت ﻋﻦ اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺈﻧﺠﻠﱰا ﰲ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ واﻟﺴﺎﺑﻊ ً ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ، ﻋﴩ ،أو ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة وﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗُﻌَ ﱡﺪ اﻷﻣﺔ ً ﻛﻨﺎﺗﺞ ملﻔﺎﻫﻴﻢ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎملﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،واﻟﺤِ ﺮاك ﺷﻜﻼ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ اﺗﺨﺬت ٍ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ وﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﻘﺪم اﻟﺘﻘﻨﻲ ﰲ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ واﻻﺗﺼﺎل. وﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜري ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج. ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ،إن املﻔﻬﻮم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻟﻠﻤﻮا َ ﻃﻨﺔ ،واﻟﺴﻮق املﻤﺘﺪة ﻟﻠﺴﻠﻊ املﺼﻨﱠﻌﺔ واﻟﺨﺪﻣﺎت ،وﺻﻮر اﻟﺘﻘﺪم ﰲ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل؛ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﺴﻬﻢ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ً ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﰲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﻤﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن ﺿﻤﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﻮﻣﻲ واﺣﺪ .وﺗﻌ ﱢﺰز اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻔﻜﺮة املﺴﺎواة ﺑني أﻓﺮاد اﻷﻣﺔ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺴﻬﻢ ﺑﻘﻮة ﰲ إﻇﻬﺎر اﻷﻣﺔ ﻛﻜﻴﺎن ﻣﺠﺘﻤﻌﻲ .ﻛﻤﺎ أن وﺟﻮد ﺳﻮق ﻣﻤﺘﺪة ﻟﻠﺴﻠﻊ املﺼﻨﱠﻌﺔ واﻟﺨﺪﻣﺎت ،وﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﻘﺪم ﰲ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠﺒﻬﺎ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻟﻪ ﻧﻔﺲ اﻷﺛﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﺤﺮاك اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺴﻜﺎن ،اﻟﴬوري ﻟﻠﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﰲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺤﺪﻳﺚ .وﻳﱰك اﻟﻨﺎس اﻟﺮﻳﻒ ﺑﺎﺣﺜني ﻋﻦ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ وﻋﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻳﺘﺠﻤﱠ ﻌﻮن ﰲ املﺪن اﻟﻜﺒرية ﰲ اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ أ ُ ِ ﻧﺸﺌﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت واملﺪارس املﻬﻨﻴﺔ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﺗﺪرﻳﺐ ﻫﺆﻻء اﻷﻓﺮاد؛ ﺗﻌﻠﻴﻤً ﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻷﻣﺔ. وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ﺗﻘﺪﱡم ﰲ أﺷﻜﺎل اﻻﺗﺼﺎﻻت ﻋﲆ ﻣﺪى اﻟﻘﺮون اﻷرﺑﻌﺔ اﻷﺧرية )ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ وﺻﺤﻒ وإذاﻋﺔ وﺗﻠﻴﻔﺰﻳﻮن وﻫﺎﺗﻒ وأﻓﻼم( ﻗﺪ ﻧﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺎن ﱠ ﻣﺜﻘﻔني .ﻓﻠﻘﺪ ﻋﻤﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻄﻮرات ﻋﲆ ﺗﺮﺳﻴﺦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻔﻬﻴﺔ ﰲ ﺳ ﱠﻜ ٍ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،وﻟﻐﺘِﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻧﴩت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ ﺧﻼل إﻗﻠﻴﻢ اﻷﻣﺔ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻋ ﱠﺰزت ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ .وﺗﺘﻢ ﺗﻘﻮﻳﺔ املﺠﺘﻤﻊ اﻟﻠﻐﻮي املﺤﺪﱠد إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺼري اﻟﻠﻐﺔ
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
»ﻋﻼﻣﺔ« ﻋﲆ اﻻﻧﺘﻤﺎء إﱃ اﻷﻣﺔ ،وﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﻞ ﺗﺴﻬﻢ ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺬات ﺿﻤﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ﻟﻸﻣﺔ. وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﺤﻠﻴﻼت ﺗﺘﻮاﺻﻞ ﺑﺎﻧﺘﻘﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻻﺋﻞ ﻓﻘﻂ ،اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﺗﺆ ﱢﻛﺪ اﻟﺮأي اﻟﻘﺎﺋﻞ إن اﻷﻣﻢ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ .ﻓﺈذا ﺗﻘﺪﱠﻣﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج، ﻗﺎﻧﻮن ﻗﻮﻣﻲ ﻟﻠﺒﻼد ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻓﺈن ذﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ أن ﻧﺘﺠﺎﻫﻞ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ؛ ﻣﺜﻞ ﺻﺪور ٍ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﻛﻤﺎ ﻧﺎﻗﺸﻨﺎ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ .وﻻ ﻣﺠﺎل ﻟﻠﻤُﴤ ُﻗﺪُﻣً ﺎ ﻫﻨﺎ؛ إذ ﻳﺠﺐ أن ﻧُﻘِ ﱠﺮ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﺬي ﺗﺴﺒﱠﺐ ﰲ ﺗﻌﻘﻴﺪات ﺣﻴﺎل ﻓﻬﻢ اﻷﻣﺔ ﻋﱪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ. ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﻼﺣَ ﻆ أن اﻟﺘﻌﺒري اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻋﻦ اﻷﻣﺔ ﻳﻜﻮن ﻣﺘﻔﺎوﺗًﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻏري ﻋﺎدي؛ وﻫﻮ ٍّ ﺣﻘﺎ ﻛﺬﻟﻚ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ أي أﻣﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل: اﻵراء املﺨﺘ َﻠﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻮل ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻷﻣﺔ وﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ )وﻣﻦ ﺛﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ( ﰲ اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ .ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜريًا ﻣﻦ أﻣﺔ إﱃ أﺧﺮى؛ ﻣﺜﻞ ﺳﻮﻳﴪا املﺘﺸﻌﱢ ﺒﺔ ﻟُﻐﻮﻳٍّﺎ ،ﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ إﻧﺠﻠﱰا .ﻻ ﻳُﻌﺘﱪ ﻇﻬﻮر اﻷﻣﺔ واﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ ً ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻮﺣﱠ ﺪة ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻌﺰوﻫﺎ إﱃ ﺳﺒﺐ واﺣﺪ؛ ﻣﺜﻞ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﺘﴫ ﻋﲆ ﻓﱰة واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺮون اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻷﺧرية. ﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ اﻟﺪﻻﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﱢ ﺗﻌﻘﺪ ﻓﻬﻢ اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻣﻊ ذﻛﺮ ﻟﻨﺒﺪأ ﺑﺪراﺳﺔ ﻣﺨﺘﴫة ٍ ٍ أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻟﻔﱰات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﺣﻀﺎرات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ وﻫﻲ :ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ﻣﻦ ﻋﴫ املﻠﻚ داﺛﺎﺟﺎﻣﺎﻧﻲ ،إﱃ ﺑﺪاﻳﺔ ﻓﱰة أﻧﻮراداﺑﻮرا )ﻣﻦ ﻋﺎم ١٦١ﻗﺒﻞ املﻴﻼد إﱃ ﻋﺎم ٧١٨ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ(؛ وإﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻗﺒﻞ ﻋﺎم ٥٨٦ﻗﺒﻞ املﻴﻼد؛ واﻟﻴﺎﺑﺎن ﻣﻦ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ إﱃ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ املﻴﻼدي ﺑﻤﺎ ﻳﺸﻤﻞ ﻓﱰة ﻧﺎرا )املﺪﻳﻨﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ(؛ وﺑﻮﻟﻨﺪا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ املﻴﻼدي. اﻷﻣﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻫﻨﺎك ﻣﻜ ﱢﻮ ٌن ﻣﻬ ﱞﻢ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﺴﻨﻬﺎﻟﻴﺔ؛ وﻫﻮ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺬي وُﺟﺪ ﰲ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻨﻬﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻘﺮﻧني اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﺨﺎﻣﺲ املﻴﻼدﻳ ْﱠني )»دﻳﺒﺎﻓﺎﻣﺴﺎ« وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ً ﻧﺘﻴﺠﺔ ملﺎ ﻫﻮ ﻣﻔﱰض ﻣﻦ أﻧﻪ زار ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ﺛﻼث ﻣﺮات وﺣ ﱠﺮرﻫﺎ »ﻣﺎﻫﺎﻓﺎﻣﺴﺎ«( ﺑﺄن ﺑﻮذا، ﻣﻦ ﺳﺎﻛﻨﻴﻬﺎ اﻷﴍار ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻘﻮى ﻏري اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ )اﻟﻴﺎ ﱠﻛﺎ( ،ﻗﺪ ﻃﻬﱠ ﺮ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻛﻠﻬﺎ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺣﻮﱠﻟﻬﺎ إﱃ إﻗﻠﻴﻢ ﺑﻮذي .وﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺗﺄﻛﻴ ٌﺪ ﻟﻌﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﺑني ﻛﻮن املﺮء 60
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
ﺳﻨﻬﺎﻟﻴٍّﺎ وﺑني اﻟﺒﻮذﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳُﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺑُﻨﻴﺖ ﻋﲆ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻜﻮﻧﻲ؛ أي ﺣﺴﺐ أﻓﻌﺎل ﺑﻮذا ﻋﲆ ﺣ ﱢﺪ اﻋﺘﻘﺎدﻫﻢ .واﻟﻴﻮم ،ﻛﺘﺄﻛﻴﺪ ﻟﺘﻮاﺟﺪ ﺑﻮذا ﰲ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ؛ ﺳﻮاء ﰲ املﺎﴈ أو ﰲ اﻟﺤﺎﴐ ،ﺗﻮﺟﺪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﺰارات املﻘﺪﱠﺳﺔ ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﺰﻳﺮة؛ ﰲ ﻣﺎﻫﻴﺎن ﺟﺎﻧﺎ؛ ﺣﻴﺚ ﺗُﺤﻔﻆ ﻋ ْ ﻈﻤﺔ ﺗُ ْﺮ ُﻗﻮَة ﺑﻮذا ،وﻋﻨﺪ ﺟﺒﻞ ﺳﻤﺎﻧﺘﺎ ﻛﻮﺗﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪة أﺛﺮ ﻗﺪم ﺑﻮذا ﻛﺤﻔﺮﻳﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،وأﻫﻤﻬﺎ املﺰار املﻘﺪس ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻧﺪي اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ آﺛﺎر ﻹﺣﺪى أﺳﻨﺎن ﺑﻮذا. وﰲ املﺜﺎل اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻳﺠﺪ املﺮء ﺑني اﻋﺘﻘﺎدات ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻣﺎء ،اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ﺣﻴﺎزة أرض ﻛﻨﻌﺎن — أرض اﻟﻠﺒﻦ واﻟﻌﺴﻞ — ﻷن أﻫﻠﻬﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻣَ ﻦ ٌ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻐﺎة )اﻟﻨﻔﻠﻴﻢ( ِ )ﺳ ْﻔﺮ اﻟﻌﺪد ،اﻹﺻﺤﺎح :١٣ ﻳُﺴﻤﱠ ﻮن ﺑﺎﻟﻌﻨﺎﻗﻴني؛ وﻫﻢ ﻗﻮ ٌم ِ ،٣٣-٣٢ﺳ ْﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،اﻹﺻﺤﺎح .(٤ :٦وﻟﻜﻦ ﻣﻮﳻ َ ﻃﻤْ ﺄن ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ﺑﺄن اﻷرض ﻛﻠﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮن ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻬﻢ؛ ﻷن ﻳَﻬْ ﻮه اﻹﻟﻪ ﺳﻴﻜﻮن إﱃ ﺟﻮارﻫﻢ وﻳﺮﺷﺪﻫﻢ ﰲ املﻌﺮﻛﺔ ِ )ﺳ ْﻔﺮ اﻟﺘﺜﻨﻴﺔ ،اﻹﺻﺤﺎح ،٣٠–٢٨ :١واﻹﺻﺤﺎح (٣-٢ :٩ﻣﻤﺎ ﻳﻔﻲ ﺑﻮﻋﺪ إﻟﻬﻬﻢ إﱃ ﺟ ﱢﺪ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ،اﻟﻨﺒﻲ إﺑﺮاﻫﻴﻢ. وﰲ املﺜﺎل اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻳﺆﻛﺪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎن اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺎن اﻟﻠﺬان ﻇﻬﺮا ﰲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ املﻴﻼدي )»ﻛﻮﺟﻴﻜﻲ« و»ﻧﻴﻬﻮن ﺷﻮﻛﻲ«( أن اﻹﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ ﻛﺎن ﺳﻠﻴ َﻞ ﻣﺎ أﺳﻤﻮﻫﺎ إﻟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺲ أﻣﺎﺗرياﺳﻮ ،وأن اﻟﻴﺎﺑﺎن ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺻﻨﻴﻊ آﺑﺎء إﻟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺲ. وأﺧريًا ،ﻳﺮوي ﻛﺘﺎب اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪي اﻟﺬي ﻇﻬﺮ ﰲ ﻣﺴﺘﻬ ﱢﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ املﻴﻼدي واﻟﺬي أ ﱠﻟﻔﻪ املﺆرخ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪي ﻓﻴﻨﺴﻨﺘﻴﻪ ،ﻗﺼﺔ ﺗﺬ ُﻛﺮ ﻛﻴﻒ ُﻗﻄﻌﺖ أوﺻﺎل ﺟﺜﻤﺎن اﻷﺳﻘﻒ ﺳﺘﺎﻧﻴﺴﻮاف ،وﺑُﻌﺜﺮت ﰲ أﻧﺤﺎء ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳُﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻋﲆ أﻧﻪ إﻗﻠﻴﻢ ﺑﻮﻟﻨﺪا ،ﻓﺘﺠﻤﱠ ﻌﺖ اﻷﺟﺰاء ﺑﺸﻜﻞ إﻋﺠﺎزي؛ وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﺔ ،ﻋﻨﺪ ﺗﻮﺣﻴﺪ إﻗﻠﻴﻤﻬﺎ ،ﺳﻴﺘﻢ ﺑﻌﺜُﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ. وﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ ،ﻳﻼﺣﻆ املﺮء وﺟﻮد أﺳﺎﻃري ﺗﺴﻬﻢ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺻﻮرة ﻋﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺤﺪﱠدة ﻟﻬﺎ ﻣﺪة زﻣﻨﻴﺔ .وﻫﺬه اﻷﺳﺎﻃري؛ أي املﻌﺘﻘﺪات اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﻋﲆ أﺳﺲ ﺗﺠﺮﻳﺒﻴﺔ ،ﺗُ ﱢ ٍ ِ راﺑﻄﺔ ﺑني املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ﺑﺼﻴﺎﻏﺔ ﺤﻘﻖ ﻫﺬا ،ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، وﺑني ﻧﻈﺎم اﻟﻜﻮن املﺘﺼﻮﱠر )أو ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ ﻓﻌﻞ اﻵﻟﻬﺔ( .وﺑﻔﻌﻞ ﻫﺬا ﻳﺘﻢ ﺗﱪﻳﺮ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻔﺮﻳﺪ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻴﺰه ﻋﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل: إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﻦ ﻣﴫ ،أو ﺑﻮﻟﻨﺪا ﻋﻦ أملﺎﻧﻴﺎ .وﻛﻤﺎ ﺳﻨﺮى ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺈن ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻋﲆ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت املﺎﴈ اﻟﺒﻌﻴﺪ؛ وإﻧﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﺗﻜﻮﱡن اﻷﻣﻢ ﻣﻦ املﻌﺘﻘﺪات ﻻ ﺗﻘﺘﴫ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ً أﻳﻀﺎ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻼﺣﻆ املﺮء ﰲ ﺗﻜﻮﱡن اﻷﻣﻢ ﻋﱪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺎ وﺻﻔﻪ املﺆرخ دملﺮ ﺑﺮاون ﺑﺄﻧﻪ ﺟَ ﻌْ ُﻞ اﻷﺳﺎﻃري أﻛﺜ َﺮ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ،وﺟَ ﻌْ ﻞ اﻷﺣﺪاث اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ أﻛﺜﺮ أﺳﻄﻮرﻳﺔ. 61
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
إن ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺎرﻳﺦ — اﻟﺬي ﻳُﻔﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ واﺳﻊ ﻫﻨﺎ ً أﻳﻀﺎ أﻧﻪ ﻳﻀﻢ اﻷﺳﺎﻃري اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﱢﺐ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﺿﺒﺎﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﻔﺮﻗﺔ ﺑني اﻟﻮاﻗﻊ واﻟﺨﻴﺎل ذي املﻌﻨﻰ — ﺗﻔﻬﻢ ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺧﺎﻟﻴًﺎ اﻷﻣﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗُ َﻜﻮﱢن ﻧﻔﺴﻬﺎ .ﻏري أن ﻫﺬا اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻐﻤﻮض ،ملﺎذا؟ داﺋﻤً ﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻣﺸﺎﻛﻞ ﰲ اﻟﺤﺎﴐ أﺛﻨﺎء ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻌﻘﺪ ذﻟﻚ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ،و َﻛ َﺮ ﱢد ﻓﻌﻞ ﻟﺘﻠﻚ املﺸﻜﻼت ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﺗﻨﻘﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ ً اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺗُ ﱢ ﻫﺪﻓﺎ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻻﺣﺘﻜﺎم إﱃ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻬﻢ ﻟﻠﻤﺎﴈ دﻋﻤً ﺎ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻬﺪف .ﺗﻨﻘﻞ ﻛﺘﺐُ ﺗﺎرﻳﺦ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ وإﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﻴﺎﺑﺎن وﺑﻮﻟﻨﺪا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﻄﺮق ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ﻣﺜ َﻞ ذﻟﻚ اﻟﻬﺪف. ﺗﺮوي ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻨﻬﺎﱄ املﺒﻜﺮة ﻛﻴﻒ ﻗﺎد املﻠﻚ اﻟﺒﻮذي املﻘﺎﺗﻞ داﺛﺎﺟﺎﻣﺎﻧﻲ )ﰲ َ اﻟﺮﻫﺒﺎن اﻟﺒﻮذﻳني ﻧﺤﻮ ﻫﺰﻳﻤﺔ اﻟﺘﺎﻣﻴﻞ اﻟﻬﻨﺪوس؛ اﻟﻔﱰة ﻣﺎ ﺑني ١٣٧–١٦١ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( ﻣﻤﺎ أدﱠى إﱃ ﺑﺴﻂ اﻟﺤﻜﻢ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ اﻟﺒﻮذي ﻋﲆ أﻧﺤﺎء ﺟﺰﻳﺮة ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﻀﺢ اﻟﴪد اﻷﺳﻄﻮري ﻟﻠﻴﺎﻛﺎ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ اﻧﻬﺰﻣﻮا ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺑﻮذا ،ﻛﺎن املﻘﺼﻮد أن ﱠ ْ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻟﻠﺘﺎﻣﻴﻞ؛ وﻣﻦ ﻗﻬﺮ ﱟ ﺑﻪ إﺿﻔﺎء اﻟﴩﻋﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺑﻌﺪﻫﺎ داﺛﺎﺟﺎﻣﺎﻧﻲ ﻣﻦ ٍ ﺛﻢ ﺗﱪﻳﺮ ﺑﺴﻂ ﺳﻠﻄﺎن املﻠﻚ اﻟﺒﻮذي ﻋﲆ أﻧﺤﺎء ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻔﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ املﺒﻜﺮة ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺮة املﻮﺣﱠ ﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ودﻳﻨﻴٍّﺎ .وﻟﻜﻦ املﻮﻗﻒ ﺑﻌﺪ ٥٠٠ﻋﺎم ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺑﺪأت ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﺗﻌﻘﻴﺪًا ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﻔﱰﺿﻪ ﻫﺬه املﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎرﻳﺮ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻦ ﻗﺮاﺑ ٍﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﱠ ٍﺔ ﺗﴩﱠﺑﺖ ﺑﺎﻟﻌﻘﻴﺪة ﻟﺘﺨﺪم ﻗﻮة ﻣﻮﺣﺪة .ﻟﻘﺪ ﺷ ﱠﻜﻠﺖ ﻓﻜﺮة اﻟﺠﺰﻳﺮة املﻮﺣﺪة املﺜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﻮﱠرﺗﻬﺎ اﻻﻧﺘﺼﺎرات اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎدﻫﺎ املﻠﻚ اﻟﺒﻮذي داﺛﺎﺟﺎﻣﺎﻧﻲ ً ﻫﺪﻓﺎ ﻳُﺴﻌﻰ إﱃ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ،ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻓﱰات ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﺪم اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﴫاﻋﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﺧﻼل ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒري ﻣﻦ ﻓﱰة أﻧﻮراداﺑﻮرا املﺒﻜﺮة ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻨﻬﺎﱄ )ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٣٧ﻗﺒﻞ املﻴﻼد إﱃ ٧١٨ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( ﺑني اﻟﺠﺰء اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺮة املﺴﻤﻰ روﻫﺎﻧﺎ ،وﻣﻤﻠﻜﺔ أﻧﻮراداﺑﻮرا .وﻗﺪ ﺗﻔﺎﻗﻢ ﻫﺬا اﻻﺿﻄﺮاب ﺑﻔﻌﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪ اﻟﻐﺰو اﻷﺟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﺟﻨﻮب اﻟﻬﻨﺪ ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻨﻬﻮض اﻟﻬﻨﺪوس. وأﻣﺎ ﺑﺨﺼﻮص إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﱪﻳﺮ ﺻﻮرة اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ املﻮﺣﺪة ٍ ﻷﺣﺪاث أﺳﻄﻮرﻳﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﺎﺿﻴﺔ، اﻟﺘﻤﺎس ﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ ودﻳﻨﻴٍّﺎ ﻹﴎاﺋﻴﻞ املﻮﺣﺪة ﻣﻦ ﺧﻼل ٍ وﻫﻲ ﻋﲆ اﻟﱰﺗﻴﺐ :اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻣﴫ ،واﻟﺤﺮب ﻣﻊ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴني .إﻻ أن ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة أﻳﻀﺎ ً ﻣﺜﱠﻠﺖ ً ٍ أﺣﺪاث ُﻛﺘِﺐ أﺛﻨﺎءﻫﺎ ﻗﺪ ٌر ﻛﺒريٌ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻫﺪﻓﺎ ﻳُﺴﻌﻰ إﻟﻴﻪ ،ﰲ ﻇﻞ وﺗﺤﺪﻳﺪًا إﺧﻀﺎع اﻵﺷﻮرﻳني ملﻤﻠﻜﺔ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ )ﻋﺎم ٧٢٢ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( وﺗﺪﻣري 62
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
اﻟﺒﺎﺑﻠﻴني ﻟﻠﻘﺪس )ﻋﺎم ٥٨٦ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( .ﻛﻤﺎ ﺧﺪﻣﺖ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ﻋﻦ ﺑﻌﺚ ﺟﺜﻤﺎن ﺳﺘﺎﻧﻴﺴﻮاف املﻤﺰق ً ﻫﺪﻓﺎ ﻛﻬﺬا؛ إذ ﻛﺎن ﺗﺸﺘﻴﺖ أﺟﺰاء ﺟﺜﻤﺎﻧﻪ ﻳُﻌَ ﺪ رﻣ ًﺰا ﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺑﻴﺎﺳﺖ ﺧﻼل أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ وﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺟﺰاءٌ وﻳﻌﱪ ُ ﱢ ﺑﻌﺚ اﻟﺠﺜﻤﺎن ﻋﻦ إﻋﺎدة إﺣﻴﺎء ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﺘﻴﻮﺗﻮﻧﻴني واﻟﺘﺸﻴﻚ، إﻗﻠﻴﻢ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺑﻴﺎﺳﺖ ﻛﺄﻣﺔ ﺑﻮﻟﻨﺪﻳﺔ. ﻈﻬﺮ اﻟﺘﺠﺎءً اﻧﺘﻘﺎﺋﻴٍّﺎ إﱃ ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﻦ املﺎﴈ وﰲ ﺣني أن ﻫﺬه اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺗُ ِ ٍ ﻫﺪف ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌني ﻟﻠﺤﺎﴐ ووﺿﻊ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﻓﻬ ٍﻢ ﱠ ٍ ﺗﻌﻘﻴﺪات ﻟﻬﺬا اﻟﻔﻬﻢ .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺑﻘﻲ ﺷﻌﺐ اﻟﺘﺎﻣﻴﻞ وإﻗﻠﻴﻢ اﻟﺘﺎﻣﻴﻞ — ﻣﺘﻀﻤﻨًﺎ ﻋﲆ ﻣﺪى ﻗﺮون ﻋﺪة ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺘﺎﻣﻴﻞ — ﻣﻮﺟﻮدﻳﻦ داﺋﻤً ﺎ ﻋﲆ ﻣﺪار ﺗﺎرﻳﺦ ﺟﺰﻳﺮة ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ﺑﻄﺮق ﺗﺸري إﱃ اﺧﺘﻼط اﻟﺘﺎﻣﻴﻞ ﺑﺎﻟﺴﻨﻬﺎﻟﻴني ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ. وﺗﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺮاءة املﺘﺄﻧﻴﺔ ﻟﻠﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻋﻦ وﺟﻮد ﺗﻘﻠﻴ َﺪﻳْﻦ اﺛﻨ َ ْني ﻋﻦ اﺣﺘﻼل »أرض ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ وﺟﻮد املﻴﻌﺎد«، أﺷﻜﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻔﻬﻢ ﺣﺪودﻫﺎ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﺛﻤﱠ ﺔ ﺗﺼﻮﻳ ٌﺮ ﻣﺜﺎﱄ ﱞ ٍ ﻟﺒﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة ﻳﻮﺷﻊ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﺘﻞ اﻷرض ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﺣﺪودﻫﺎ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ إﱃ ﻧﻬﺮ اﻟﻔﺮات ِ )ﺳ ْﻔﺮ اﻟﺘﺜﻨﻴﺔ ،اﻹﺻﺤﺎح ،٢٤ :١١ وﺳ ْﻔﺮ ﻳﻮﺷﻊ ،اﻹﺻﺤﺎح .(٤–٢ :١وﻫﻨﺎك رواﻳﺔ ﻳُﻔﱰض أﻧﻬﺎ أﻛﺜﺮ دﻗﺔ وواﻗﻌﻴﺔ ِ ِ )ﺳﻔﺮ اﻟﻘﻀﺎة (١ ،ﺗﺸري إﱃ اﺣﺘﻼل ﺗﺪرﻳﺠﻲ ﻟﻸرض )ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﺷﻌﺐ رﺑﻤﺎ ﻳﺘﺼﻒ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴني :ﺑﻨﻮ ﻛﺎﻟِﺐ ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل( ،اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﱢد ﺣﺪودُﻫﺎ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ إﻗﻠﻴﻤً ﺎ أﺻﻐﺮ ﻣﺴﺎﺣﺔ أو أﻛﺜﺮ ﺗﺤﺪﻳﺪًا )ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﰲ ِﺳﻔﺮ اﻟﻌﺪد ،اﻹﺻﺤﺎح .(١٠–١ :٣٤ وﻟﻴﺴﺖ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺤﺎﴐ وﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻊ إﱃ إﻋﺎدة ﺗﺄوﻳﻞ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،ﺑﻞ ﺗﻔﻌﻞ ﻫﺬا ً أﻳﻀﺎ اﻟﺘﻮﺗﺮات اﻟﻨﺎﺷﺒﺔ ﺑني أﺻﺤﺎب اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ داﺧﻞ أي أﻣﺔ .ﻓﻔﻲ ﻣﺜﺎل املﻠﻚ اﻟﺒﻮذي املﻘﺎﺗﻞ داﺛﺎﺟﺎﻣﺎﻧﻲ ﻓﺈن اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﱡ ﺗﺨﺺ ذﺑﺤﻪ ﻟﻠﺘﺎﻣﻴﻞ ﺗﺨﺎﻟﻒ املﺒﺎدئ اﻟﺒﻮذﻳﺔ ﻋﻦ اﺟﺘﻨﺎب اﻟﻌﻨﻒ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﻘﻮﻳﺾ املﻔﻬﻮم اﻟﺒﻮذي ﻋﻦ اﻟﺨﻼص .ﻓﻬﻨﺎ ﻳﺘﻀﺢ اﻟﺘﻮﺗﺮ ﺑني اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺪﻳﻦ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗُﺒﺬل ﻣﺤﺎوﻻت ﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻀﺎرﺑﺎت ﺑني املﺬﻫﺐ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ؛ وﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل وﺻﻒ ﻛﺘﺎب »ﻣﺎﻫﺎﻓﺎﻣﺴﺎ« ﻟﻠﺘﺎﻣﻴﻞ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏري أﺧﻼﻗﻲ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺣﻴﻮاﻧﺎت دون ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﴩ. وﰲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻛﺎن ﻫﻨﺎك اﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن إﴎاﺋﻴﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻌﺒًﺎ اﺧﺘﺎره ﻳﻬﻮه اﻹﻟﻪ وﻣﻴﱠﺰه ﻟﻴﺴﻜﻦ ً ﱠ ﺗﺠﺴﺪ ذﻟﻚ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﰲ ﻓﻜﺮة املﻴﺜﺎق، أرﺿﺎ وَﻋَ ﺪَه إﻳﺎﻫﺎ .وﻗﺪ 63
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ٍ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻷﺳﻄﻮرة واﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﰲ رواﻳﺔ ِﺳﻔﺮ اﻟﺨﺮوج .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ وﻇﻬﺮ ﰲ املﺴﻤﱠ ﻰ »اﻟﺸﻌﺐ املﺨﺘﺎر« دﻋﻢ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ﻷﻣﺔ إﴎاﺋﻴﻞ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻤﻴﺰة ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻣﻢ .إﻻ أن اﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﺗﻌﺪﻳﻞ ذﻟﻚ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ﺑﺮزت ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻋﺎﻧﻰ ﻫﺬا »اﻟﺸﻌﺐ املﺨﺘﺎر« ﻣﻦ اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ واﻻﺣﺘﻼل اﻷﺟﻨﺒﻲ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻵﺷﻮرﻳني ً أوﻻ ﺛﻢ اﻟﺒﺎﺑﻠﻴني؛ وﻣﻦ ﺛﻢ، ﻓﻔﻲ ِﺳﻔﺮ ﻋﺎﻣﻮس ،ﻫﻨﺎك ﺗﺄﻛﻴﺪ ﺑﺄن إﴎاﺋﻴﻞ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺣﺴﺐ املﻌﺎﻳري اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ِ )ﺳﻔﺮ ﻋﺎﻣﻮس ،اﻹﺻﺤﺎح ،(٢ :٣وﻫﺬا ﻣﺎ أوﺿﺢ أن ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪة ﺑﻴﻬﻮه ﻏري ﻣﻄﻠﻘﺔ» :أﻟﺴﺘﻢ ﱄ َﻛﺒَﻨِﻲ اﻟﻜﻮﺷﻴني ﻳﺎ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ،ﻳﻘﻮل اﻟﺮب؟ أ َ َﻟ ْﻢ أ ُ ْ ﺻﻌِ ْﺪ إﴎاﺋﻴ َﻞ ﻣﻦ أرض ﻣﴫ ،واﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴني ﻣﻦ ﻛﻔﺘﻮر ،واﻵراﻣﻴني ﻣﻦ ﻗري؟« ِ )ﺳﻔﺮ ﻋﺎﻣﻮس، اﻹﺻﺤﺎح .(٧ :٩ ٍ ﺗﻮﺗﺮات داﺧﻞ ﺗﻘﻠﻴ ٍﺪ ﻣﻌني ،وﻓﻴﻤﺎ ﺑني اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸ ﱢﻜﻞ أُﻣﱠ ًﺔ إن وﺟﻮ َد ﻣﺎ ،وﻛﻴﻒ ﺗُﺴﺘﻐﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻟﻔﻬﻢ اﻟﺤﺎﴐ ،ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺘﻌ ﱢﻠﻘﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻷﻣﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﻣﺴﺎع ﺑﴩﻳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺪﻳﺚ؛ ﻓﻬﺬه اﻟﺘﻮﺗﺮات ﻻ ﻣﻔ ﱠﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﺴﺒﺒ َْني؛ أَوﱠﻟﻬﻤﺎ :أﻧﻬﺎ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎد ،واﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﻘﺮاﺑﺔ. وﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ :ﻇﻬﻮر ﻣﺸﻜﻼت واﺣﺘﻴﺎﺟﺎت ﺟﺪﻳﺪة .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﺧﻼل اﻟ ٢٥ﺳﻨﺔ اﻷﺧرية ٍ ﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻠﺐ ،وﻫﻢ ﺗﻌ ﱠﺮض اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ﻟﺸﻌﺐ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻛﻴﺒﻴﻚ املﺘﺤﺪث ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻳﺘﺴﺎءﻟﻮن إذا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻛﻨﺪﻳني أم ﻻ .وأﺛﻨﺎء ﻫﺬه اﻟﻔﱰة ﻳﺠﺮي اﻟﱰﻛﻴﺰ ﻋﲆ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب اﻷﺧﺮى ،وﺗُﻜﺘﺐ ﺗﻮارﻳﺦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻳﺮﻛﺰ اﻟﺒﻌﺾ ﻋﲆ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت ﻣﻊ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ آﺧﺮون ﻫﺬا .ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﻮﺗ ٌﺮ ﺑني اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﰲ اﻷﻣﻢ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،درﺟﺔ اﻋﺘﺒﺎر اﻷﻣﺔ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴ ًﱠﺔ روﻣﺎﻧﻴ ًﱠﺔ ﺑﺎﻟﴬورة أو اﻟﻬﻨﺪ ﻫﻨﺪوﺳﻴ ًﱠﺔ ﺑﺎﻟﴬورة. ﺗﻜﻤﻦ املﺸﻜﻠﺔ ﻓﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ املﺒﻜﺮة ،وإﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، واﻟﻴﺎﺑﺎن ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ املﻴﻼدي ،وﺑﻮﻟﻨﺪا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺧﻼل اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺮاﺑﻊ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ آﺧﺮﻳﻦ؛ ﻣﺜﻞ ﻛﻮرﻳﺎ ﺑﺪءًا ﻣﻦ ﻋﴫ ﻛﻮرﻳﻮ )ﻣﻦ اﻟﻘﺮن ﻋﴩ واﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ، اﻟﻌﺎﴍ إﱃ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ املﻴﻼدي( ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗُﻌﺘﱪ أﻣﻤً ﺎ .وﺳﻮف ﺗﻘ ﱢﺮر اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺴﺎؤل ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻓﻬﻢ املﺮء ﻟﻘﻀﻴﺔ ﺗﻮﻗﻴﺖ ﻇﻬﻮر اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .ﻓﻔﻲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻳﻼﺣﻆ املﺮءُ ﻣﻈﺎﻫ َﺮ ملﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،وﻫﻨﺎك ﻓﻬ ٌﻢ ٌ وﻋﻤﻴﻖ زﻣﻨﻴٍّﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺟﺮى ﻧﻘﻠﻪ ﺟﻤﻌﻲ ﻣﻮﺟﱠ ٌﻪ ﻣﻜﺎﻧﻴٍّﺎ وﻣﺤ ﱠﺪ ٌد إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ، ذاﺗﻲ ووﻋﻲ ذاﺗﻲ، ﱞ ﱞ ﱞ ٌ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺎرﻳﺦ املﻜﺘﻮب ﻟﻜﻞ واﺣﺪ ٍة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. 64
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
اﻋﱰاﺿﺎت ٍ ﻋﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﱠ ٍﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﱰف ﺑﻌﺾ اﻟﺪارﺳني ﺑﻬﺬه املﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻦ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻳﻤﺘﻨﻌﻮن ﻋﻦ اﻋﺘﺒﺎر ﺗﻠﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت أﻣﻤً ﺎ .واﻻﻋﱰاض اﻷﺳﺎﳼ ﰲ ﻫﺬا املﺠﺎل ﻫﻮ اﻹﴏار ﻋﲆ أن اﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ ﺷﻌﻮب ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﺸﺎرﻛﺖ ﰲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ،وﻳﺠﺎدل املﻌﱰﺿﻮن ﺑﺄن ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺘﱠ ً ﺘﺔ رأﺳﻴٍّﺎ وأﻓﻘﻴٍّﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻮاء؛ رأﺳﻴٍّﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑني املﺘﻌﻠﻤني واﻷﻣﻴني ،وأﻓﻘﻴٍّﺎ ﻷن اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت ﺑني اﻷﻣﻴني اﺧﺘﻠﻔﺖ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻠﺤﻮظ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﻵﺧﺮ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت — اﻣﺘﺪادًا ﻟﻬﺬا اﻟﺠﺪل — أﻇﻬﺮت ﺗﺒﺎﻳﻨﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺣﺎدة )ﺑﺴﺒﺐ ﻏﻴﺎب املﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻋﻦ املﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل املﻮاﻃﻨﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ( ﺑني املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ وﻫﺬه املﻮاﻗﻊ املﻨﻌﺰﻟﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ ﻋﻨﺪ اﻷﻃﺮاف. ٍ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت وﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬه اﻟﺘﺒﺎﻳﻨﺎت ،ﻳُﺴﺘﻨﺘَﺞ أن ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﻮﻣﻴ ًﱠﺔ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ،ﻫﻨﺎك إﴏار ﻋﲆ أن املﺠﺘﻤﻊ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻟﻸﻣﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺒﻨﻴٍّﺎ ﻋﲆ إﻧﺸﺎء ﻋﻮاﻣﻞ ﻣﻮﺣﱢ ﺪة ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ؛ ﻣﺜﻞ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎم ،واﻟﻘﺎﻧﻮن املﻮﺣﱠ ﺪ واملﻨﺘﴩ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ،واملﻮاﻃﻨﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ. ً درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﰲ ﻫﺬا اﻟﺠﺪل .ﻓﻤﻦ املﺮﺟﱠ ﺢ أن ﺗُﻈﻬﺮ وﻛﻤﺎ ﻟﻮﺣﻆ ،ﻓﺈن ﻫﻨﺎك اﻷﻣﺔ ﻗﺪ ًرا أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻟﺜﻘﺎﰲ واﻻﺳﺘﻘﺮار ﰲ ﻇﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .وﻳﺒﺪو أن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻨﺎ ﻟﻠﻔﻈﺔ »أُﻣﱠ ﺔ« ﻳَﻔﱰض وﺟﻮد ﻫﺬا اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ واﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻤﻴﺰان اﻷﻣﻢ ﻋﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻏري ﻣﺘﺒﻠﻮرة ﻣﺜﻞ اﻵراﻣﻴني ﰲ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﻮﻧﺪال واﻵﻓﺎرﻳني واﻟﺒﺎﺗﺎﻓﻴني ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ املﺒﻜﺮة ،اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪ ﻳُﺼﻨﱠﻔﻮن ﻋﲆ أﻧﻬﻢ »ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻋِ ﺮﻗﻴﺔ«. إﻻ أن ﻫﻨﺎك ﺻﻌﻮﺑﺘَ ْني ﺗُ ﱢ ﻌﻘﺪان ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﻋﻦ ﻇﻬﻮر اﻷﻣﺔ اﻟﺬي ﻳﺒﺪو ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ وأوﻻﻫﻤﺎ ﻫﻲ أن ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺗﺴﻬﻢ ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﺗﺪﻋﻴﻢ ُ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ واﺳﺘﻤﺮار ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﺗُﻘﻮﱢض املﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﻮﻣﻲ .وﺗﺤﺪث ﻫﺬه اﻷوﱃ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮﻳ َْني؛ أﺣﺪﻫﻤﺎ »ﺗﺤﺖ« اﻷﻣﺔ ،واﻵﺧﺮ »ﻓﻮق« اﻷﻣﺔ .ﻓﻮﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎم ،اﻟﻠﺬان ﻳُﻌَ ﺪﱠان ﺑﻜﻞ وﺿﻮح ﻣﻦ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﺸﻌﺐ ﻣﺘﺒﺎﻳﻦ ﻟﻴُ َﻜﻮﱢن ﺑﻌﺪﻫﺎ أﻣﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ،ﻗﺪ أﺳﻬﻤﺎ ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﺗﺜﺒﻴﺖ وﺗﻘﻮﻳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت املﺤﻠﻴﺔ؛ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﺘﻲ ﺑﺮوز أﻣ ٍﻢ ﺟﺪﻳﺪةٍ .وﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻫﺬا ﻟﻬﺎ ﻟﻐﺎت ﺧﺎﺻﺔ ،وﻫﺬه »املﺤﻠﻴﺔ« ﻗﺪ ﺗﺆدﱢي إﱃ ِ اﻻﺣﺘﻤﺎل ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ ﻣﺴﺘﻬ ﱢﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﴩﻳﻦ ﰲ أوروﺑﺎ ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻣﻦ 65
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﺳﺘﻘﻼل ﺳﻠﻮﻓﺎﻛﻴﺎ ﻋﻦ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺘﺸﻴﻚ ،وﰲ املﻄﺎﻟﺒﺎت اﻟﻜﺜرية واملﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬاﺗﻲ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ؛ ﻣﺜﻞ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎت اﺳﻜﺘﻠﻨﺪا ﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،وﻣﻨﻄﻘﺔ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺒﺎﺳﻚ وﻣﻨﻄﻘﺔ ﻛﺎﺗﺎﻟﻮﻧﻴﺎ ﰲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وﻋﻼﻗﺔ ﺟﺰﻳﺮة ﻛﻮرﺳﻴﻜﺎ ﺑﻔﺮﻧﺴﺎ .وﻟﻘﺪ أدﱠت ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ املﻮﺣﱢ ﺪة ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ إﱃ ﺗﻄﻮرات »ﻓﻮق« اﻷﻣﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻘﻮﱢض وﺟﻮدﻫﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ أﻋﺎدت إﻧﻌﺎش ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل :اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ اﻟﻨﺎﺷﺊ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻋﺎﺑﺮة ﻟﻠﻘﻮﻣﻴﺔ ﻣﺜﻞ املﺤﻜﻤﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن. ﺗﺘﻀﻤﱠ ﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻘﻴﻴﻤً ﺎ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺑﻪ ﻓﺎرق دﻗﻴﻖ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻬﻮ أﻛﺜﺮ ﱠ دﻗ ًﺔ .ﻣﻦ املﺆﻛﺪ أن اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﺒﻮذﻳﺔ واملﺴﻴﺤﻴﺔ، ً ﺗﺴﺎؤﻻ ﻋﻦ ﻣﺪى اﻟﻌﺰﻟﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ا ُملﻔﱰَﺿﺔ ﻟﻠﺴﻜﺎن اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻔﱰَض أﻧﻬﻢ ﺛﻢ اﻹﺳﻼم ،ﻳﺜري أُﻣﱢ ﻴﻮن إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺑﻌﻴﺪ .وأﻗﻮل »املﻔﱰَﺿﺔ«؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك درﺟﺔ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﰲ ﻋﺪدٍ ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮن ً ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ﻣﺠﺘﻤﻌً ﺎ ﻣﺘﻌ ﱢﻠﻤً ﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺑﻌﻴﺪ .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻛﺘﺸﻒ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر ٍ ِ ً ﺣﺮوف ﺷﺨﺼﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻤ ﱠﺮن ﻋﲆ ﻛﺘﺎﺑ ِﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ أن اﻟﺨﺰف ﻣﻦ ﻗﺮﻳ ٍﺔ رﻳﻔﻴ ٍﺔ أﺑﺠﺪﻳﱠ ِﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﱪﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﰲ ﻓﱰ ٍة ﻣﺒ ﱢﻜﺮة ﺗﺮﺟﻊ إﱃ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد.
ً ﺣﺮﻓﺎ ﻣﻦ أﺑﺠﺪﻳﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﱪﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ )ﺣﻮاﱄ ﻋﺎم ١١٠٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( ﺷﻜﻞ :1-5ﺛﻤﺎﻧﻮن ﻋﲆ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺰف ،اﻛﺘُﺸﻔﺖ ﰲ ﻋﺎم ١٩٧٦ﰲ ﻋﺰﺑﺔ ﴎﻃﺔ.
66
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
وﻳﺪل اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﻌﺎملﻴﺔ ﰲ اﻟﻘِ ﺪَم ﻋﲆ أن اﻟﻌﻼﻗﺎت املﻤﺘﺪة ﻋﱪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺳﻜﺎﻧﻴﺔ ﻛﺒرية وﻣﺴﺎﺣﺎت ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻳﻤﻜﻦ ٍّ ﺣﻘﺎ أن ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﰲ ﻏﻴﺎب اﻟﻜﺘﺐ واﻟﺼﺤﻒ املﻨﺘﺠَ ﺔ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺧﻄﻮط اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ،وأﺳﻮاق اﻟﺴﻠﻊ املﺼﻨﻌﺔ .وﻋﻼوة ﻋﲆ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻫﺬا ،ﺛﻤﺔ ﻧﺼﻮص ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻋﱪ اﻷزﻣﺎن اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ،وﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ، ً وﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﺤﺎد ﺑني اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﻦ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ذات اﻟﺤﺪود اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ. واﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻓﻬﻨﺎك ﰲ ﻛﻠﺘﺎ اﻟﻔﱰﺗني ﺗﺸﺎﺑ ٌﻚ ﻣﻦ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت أﻛﺜﺮ ﺗﻌﻘﻴﺪًا ،وﻳﺘﺴﺒﱠﺐ ذﻟﻚ ً ﻏﺎﻣﻀﺎ، اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﰲ اﻟﺘﺒﺎس اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻟﻬﺎ .وﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺠﺪ ﺗﻄﻮ ًرا ،وإن ﻛﺎن ﰲ املﻈﺎﻫﺮ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﰲ ﻋﺪدٍ ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،وﻟﻨﺪرس ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ إﺿﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ أﻣﺜﻠﺘﻨﺎ اﻷرﺑﻌﺔ ﺗﺸري إﱃ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر. اﻟﻌﻮاﻣﻞ املﺸ ﱢﻜﻠﺔ ﻟﻸﻣﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ً ﻋﺎﻣﻼ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ إﻗﻠﻴﻢ ﻣﻤﺘﺪ وﻣﻮﺣﱠ ﺪ ﻛﻤﺎ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻳُﻌَ ﺪ اﻟﻘﺎﻧﻮن ً ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ،وإذا ﻛﺎن ِﺳﻔ َﺮا أﺧﺒﺎر اﻷﻳﺎم اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ — ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻣﺤﺘﻤﻼ — ﻳﺤﺘﻮﻳﺎن ﻋﲆ ٍ درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻻﺋﻞ املﻘﺒﻮﻟﺔ واﻗﻌﻴٍّﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﰲ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ )ﻟﺪى ﺳﺒﻂ اﻟﻼوﻳني( ﻣﻮ ﱠ ﻇﻔﻮن ﺣﻜﻮﻣﻴﻮن ﻣُﻌَ ﻴﱠﻨﻮن ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧ َ ْني :املﺪﻧﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ ،وﻟﺠﺒﺎﻳﺔ اﻟﴬاﺋﺐ ِ )ﺳﻔﺮ أﺧﺒﺎر اﻷﻳﺎم اﻟﺜﺎﻧﻲ ،اﻹﺻﺤﺎح ،٩–٧ :١٧واﻹﺻﺤﺎح ،٢٤ ،١١–٤ :١٩ واﻧﻈﺮ ً ْ ُ ﻧﺼﻮص رﺳﻤﺖ أﻳﻀﺎ ِﺳﻔﺮ اﻟﺘﺜﻨﻴﺔ ،اﻹﺻﺤﺎح .(٩ :١٧وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻓﻘﺪ ً ﻓﺎﺻﻼ ﻣﻤﻴ ًﺰا ﺑني املﻮاﻃﻦ اﻷﺻﲇ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻹﴎاﺋﻴﲇ ،ﻛﻤﺎ وﺟﺪﻧﺎﻫﺎ ،ﰲ ِﺳﻔﺮ اﻟﻼوﻳني ﻟﻸرض )ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ( اﻟﺬي ﻳُﻄﺒﱠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﺎﻧﻮن ،وﺑني اﻷﺟﻨﺒﻲ .وﻣﻦ املﻬﻢ ﻣﻼﺣﻈﺔ َ ﻳﻮﺻﻒ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺒﻼد أن اﻷﺟﻨﺒﻲ اﻟﺬي أﻗﺎم ﰲ اﻷرض ﺑﺼﻔﺔ داﺋﻤﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻛﺄﻧﻪ ُوﻟِﺪ ﻫﻨﺎك .وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻳﺒﺪو أن اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴني َ أﻧﺸﺌُﻮا ﻫﻴﺌﺔ ﻗﻀﺎﺋﻴﱠﺔ ﻣﺘﺪ ﱢرﺟﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻮﺻﻴﻞ املﻨﺎزﻋﺎت املﺤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳُﺒ ﱠَﺖ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ ﻣﺤﻜﻤﺔ املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻹﺻﺪار ﺣﻜﻢ ﻗﻀﺎﺋﻲ ﻧﻬﺎﺋﻲ ِ )ﺳﻔﺮ اﻟﺘﺜﻨﻴﺔ ،اﻹﺻﺤﺎح .(٨ :١٧ وﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن ،ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ وﺣﺘﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻓﻮارق ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻣﻌ َﻠﻨَﺔ ﺑني اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ .وﻣﻦ دﻻﺋﻞ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ﺣﺮب أﻫﻠﻴﺔ ﻋﺎم ٦٧٢ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ .وازدادت أﻫﻤﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻮارق ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ إﱃ أن ﺗﻢ ﺗﻘﻮﻳﻀﻬﺎ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .وإذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا ﻗﺪ ﺣﺪث ﻋﲆ ﻳﺪ ﻧﻈﺎم ﺗﻮﻛﻮﺟﺎوا ﺷﻮﺟﻮﻧﺎت املﺮﻛﺰي )ﻋﺎم ١٦٠٣ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ(، ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺛﻮرة ﻣﻴﺠﻲ )ﻋﺎم ١٨٦٨ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( .ورﻏﻢ ﻫﺬه اﻟﻔﺮوق املﺤﻠﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ 67
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﺑﻘﻲ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻛﺮﻣﺰ ﻣﺎدي ﻟﻠﺘﺒﺠﻴﻞ ﻻ ﺧﻼف ﻋﻠﻴﻪ ،ﻳﺘﺠﺎوز ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻻءات اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،رﻏﻢ أن اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﺑﺘﺪاءً ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﰲ ﻳﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮر ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﺳﺘﻘ ﱠﺮت ﰲ ﻳﺪ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮي »ﻣ ِ ُﺨﻀﻊ اﻟﻬﻤﺠﻴني« ،أو ﻣﺎ ﻳُﻌﺮف ﺑﺎﻟﺸﻮﺟﻦ ،وﻫﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ ﺑﺎﻛﻮﻓﻮ .وﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ وﺟﻮد وﻋﻲ ذاﺗﻲ ﺟﻤﻌﻲ ﻗﻮﻣﻲ أﻧﻪ أﺛﻨﺎء ﻋﴫ ﺗﻮﻛﻮﺟﺎوا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﺰجٌ ﻟﺸﻌﺎ َري اﻟﺴﺎﻣﻮراي »و ﱢَﻗ ِﺮ اﻹﻣﱪاﻃﻮر« ،و»اﻃ ُﺮ ِد ُ أﺳﺎس ﻫﺬا املﺰج ﺧﻼل اﻟﻘﺮﻧ َ ْني اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﺜﺎﻣﻦ املﻴﻼدﻳ ْﱠني ﺣﻴﻨﻤﺎ اﻟﻬﻤﺠﻲ« .وﻗﺪ وُﺿﻊ ﺿﻌﻒ ﻧﻔﻮذ اﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺴﻠﻄﺔ املﺮﻛﺰﻳﺔ ﻟﻺﻣﱪاﻃﻮر ﻣﻦ ﺧﻼل ﺟﻤﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒرية ﱠ وﺗﻤﺨﺾ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺎ أﺳﻤﺎه ﻣﻦ ﻧﺼﻮص اﻟﻘﻮاﻧني وﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ ﻟﺘُﻄﺒﱠﻖ ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد ﻛﺎﻓﺔ، املﺆرﺧﻮن »اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ« ﱠ ﺑﺸﻘﻴْﻪ اﻟﺠﻨﺎﺋﻲ واﻹداري .وﻗﺪ ﱠ ﻗﺴﻤﺖ ﻫﺬه اﻟﻘﻮاﻧني اﻟﺒﻠﺪ ً ً ﻣﺴﺌﻮﻻ ﻋﻦ ﺗﺴﺠﻴﻞ اﻷُﴎ ،واﻟﴬاﺋﺐ، ﻣﺘﺨﺼﺼﺎ إﱃ ﻣﻘﺎﻃﻌﺎت ،وأﺳﺴﺖ ﺟﻬﺎ ًزا وزارﻳٍّﺎ وﺗﺨﺼﻴﺺ ﺣﻘﻮل اﻷرز ﻟﻠﻤﺰارﻋني )ﺑﻤﻦ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻨﺴﺎء( ،واﻟﺘﺠﻨﻴﺪ اﻟﻌﺴﻜﺮي اﻹﻟﺰاﻣﻲ واﻟﺪﻳﻦ .وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮاك اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﲆ أﺳﺎس اﻹﻧﺠﺎز وﻟﻴﺲ ﻋﲆ أﺳﺎس املﻴﻼد ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻳﺘﺒﻊ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺼﻴﻨﻲ ،أو ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻧﻈﺎم »اﻟﻘﺒﻌﺎت ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت وﻇﻴﻔﻴ ٌﱠﺔ ﺗُﺨﺎﻟﻒ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ً ٌ وﻓﻘﺎ ﻟﻠﻌﺸرية؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ واملﺮاﺗﺐ« .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﱢ وﻣﺘﺨﺼﺼﻮ اﻟﺮي. املﺜﺎل :اﻟﻌﺎﻣﻠﻮن ﺑﺎﻟﺤﺪادة واﻟ َﻜﺘَﺒَﺔ ً ﻋﺎﻣﻼ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﻧﺸﻮء ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ وﻛﺎن اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .ﻛﺎن رب إﴎاﺋﻴﻞ ،اﻹﻟﻪ اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻫﻮ ﻳﻬﻮه ،أﻣﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗَﺤُ ﺪ إﴎاﺋﻴﻞ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻌﺒﺪ آﻟﻬﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ :ﻓﻔﻲ آرام ﰲ اﻟﺸﻤﺎل ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺒﺪون اﻹﻟﻪ »ﺣﺪد«، وﰲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻋﻤﻮن ﰲ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﴩﻗﻲ ﻳﻌﺒﺪون اﻹﻟﻪ »ﻣﻮﻟﻮخ« ،وﰲ ﻣﺆاب ﰲ اﻟﴩق ﻣﺒﺎﴍة ﻳﻌﺒﺪون اﻹﻟﻪ »ﻛﻴﻤﻮش« ،وﰲ ﻣﴫ ﰲ اﻟﺠﻨﻮب ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺒﺪون »ﺣﻮرس-ﺳﺖ« )أو آﻣﻮن-رع( .ﺳﻌﺖ ﺳﻴﺎﺳﺎت املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻹﴎاﺋﻴﲇ أﺛﻨﺎء ﺣﻜﻢ املﻠﻚ ﻳﻮﺷﻴﺎ )ﻣﻦ ٦٤٠إﱃ ٦٠٩ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( إﱃ دﻋﻢ ﻋﺒﺎدة ﻳﻬﻮه ﰲ أﻧﺤﺎء إﴎاﺋﻴﻞ ً ﻛﺎﻓﺔ ﻣﻊ ﻋﺪم اﻟﺴﻤﺎح ﺑﺎﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ اﻟﻴﻬﻮدي وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻷﺿﺎﺣﻲ إﻻ ﻋﻨﺪ املﻌﺒﺪ ﰲ اﻟﻘﺪس .وﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن ،ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ املﻴﻼدي اﺗﺨﺬت اﻷﴎة اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ً إﻟﻬﺔ ﻟﻠﺸﻤﺲ أﺳﻤﻮﻫﺎ »أﻣﺎﺗرياﺳﻮ«، ً أﺻﻼ ﻣﻘﺪ ًﱠﺳﺎ ﻟﻬﻢ وﻓﻮق ﺟﻤﻴﻊ اﻵﻟﻬﺔ اﻟﻌﺸﺎﺋﺮﻳﺔ املﺤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺪﻋﻰ »ﻛﺎﻣﻲ«. واﻋﺘﱪوﻫﺎ وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻛﺎن ﻳﺤﻜﻢ املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل إدارة ﻣﺠﻠﺲ ﺷﺌﻮن آﻟﻬﺔ ِ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻵﻟﻬﺔ »ﻛﺎﻣﻲ« ﰲ دﻳﺎﻧﺔ اﻟﺸﻨﺘﻮ ،ﺳﻮاء ﰲ اﻟﻘﴫ اﻹﻣﱪاﻃﻮري اﻟﻜﺎﻣﻲ ﻋﺒﺎد َة )ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ إﻳﴚ :ﻣﻮﻗﻊ ﻣﺰار أﻣﺎﺗرياﺳﻮ املﻘﺪس( أو ﻋﲆ املﺴﺘﻮﻳﺎت املﺤﻠﻴﺔ. 68
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
ﻣﺰارات ﻣﻘﺪ ً ٍ ﱠﺳﺔ ﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺸﻨﺘﻮ وﻣﻌﺎﺑﺪ ﺑﻮذﻳﺔ؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻮذﻳﺔ ﻛﻤﺎ أﻧﺸﺄ ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﻴﺎﺑﺎن ً أﻳﻀﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺴﻴﻄﺮة اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ أﺛﻨﺎء ﻫﺬه اﻟﻔﱰة. وﰲ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ،ﺑﺪءًا ﻣﻦ املﻠﻚ داﺛﺎﺟﺎﻣﺎﻧﻲ واﺳﺘﻤﺮا ًرا ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻋﴫ أﻧﻮراداﺑﻮرا، ﺑﻨﻰ املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻣﺰارات ﺑﻮذﻳﺔ ﻣﻘﺪﱠﺳﺔ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ »اﻟﺴﺘﻮﺑﺎت« ﺑﺸﻜﻠﻬﺎ املﺆﺛﺮ ،ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﺰﻳﺮة. وﺗﺘﻀﺢ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﰲ دﻋﻢ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﺒﻮﻟﻨﺪا ،ﺑﻤﺠﺮد أن ﻳﺪرك املﺮء أن أملﺎﻧﻴﺎ إﱃ اﻟﻐﺮب ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻮﺛﺮﻳﺔ )ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ( وروﺳﻴﺎ إﱃ اﻟﴩق ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك أﻗﻠﻴﺎت دﻳﻨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ،ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ وﻳﻬﻮدﻳﺔ ﺧﻼل ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻮﻟﻨﺪا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،واملﻮﺣﱠ ﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮب ً ﻋﺎﻣﻼ آﺧﺮ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰة .ﻓﻔﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺴﻨﻬﺎﱄ املﺒﻜﺮ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﴏاع ﻣﻊ اﻟﺘﺎﻣﻴﻞ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻊ اﻟﻘﻮات اﻟﻬﻨﺪوﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﻮﺑَﻲ اﻟﻬﻨﺪ .وأﻣﺎ ﻋﻦ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك اﻟﺤﺮب ﻣﻊ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴني واﻟﻌﻤﻮﻧﻴني وآﺧﺮﻳﻦ .وﰲ ﻋﺎم ٦٦٣ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ اﻧﺨﺮﻃﺖ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﰲ ﴏاع ﻋﺴﻜﺮي ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺗﺎﻧﺞ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ )وإن ﻛﺎن ﻗﺪ وﻗﻊ ﰲ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻜﻮرﻳﺔ ﺣﺴﺐ اﻟﺴﺠﻼت اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ً وﺧﻮﻓﺎ ﻓﻌﻞ ﺣﻴﺎل اﻻﻧﺘﺼﺎر اﻟﺼﻴﻨﻲ واﻟﻜﻮرﻳﺔ واﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ( واﻧﺘﻬﻰ ﺑﻬﺰﻳﻤﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني .و َﻛ َﺮ ﱢد ٍ ً ﺧﻄﺔ ﻣﺤﻤﻮﻣﺔ وﺷﺎﻣﻠﺔ ﻹﻧﺸﺎء ﻏﺰو وﺷﻴﻚٍ ﻣﻦ ﻗﻮات ﺻﻴﻨﻴﺔ ،اﺗﺨﺬ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﻣﻦ ﺣﺪوث ٍ دﻓﺎﻋﺎت ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ .وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﺑﻮﻟﻨﺪا ،ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻄ ﱠﻠﺐ اﺳﱰداد ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳُﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره إﻗﻠﻴﻤً ﺎ ﺑﻮﻟﻨﺪﻳٍّﺎ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ املﻠﻚ ﻓﻮادﻳﺴﻮاف اﻷول واﺑﻨﻪ ﻛﺎزﻳﻤري ﱠ ﺷﻦ ﺣﻤﻼت ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﺿﺪ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﺘﻴﻮﺗﻮﻧﻴني واﻟﺘﺸﻴﻚ .وﻗﺪ ً ً ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺸﻌﺐ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ أﻟﺰﻣﺖ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺗﻌﺒﺌﺔ ﺗﻄ ﱠﻠﺒﺖ ﻫﺬه اﻟﺤﺮوب ﻛﻠﻬﺎ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ﺑﺄن ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﺘﻬﺎ املﻘﺎﻃﻌﺎت ﻣﻦ رﺟﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻛﻞ ٍ ﺑﻴﺖ ﺑﻮﻟﻨﺪيﱟ .ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ ﻛﺎزﻳﻤري ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺻﺎرت اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ إﺟﺒﺎرﻳﺔ ﺑﻤﻘﺘﴣ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎﻟﻜﻲ اﻷراﴈ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺣني، ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ املﻌﺮﻛﺔ اﻷﺧرية ﻣﻊ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﺘﻴﻮﺗﻮﻧﻴني ﰲ ﻋﺎم .١٤٣١وﺗُﺬ ﱢﻛﺮﻧﺎ ﻫﺬه اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﺑﻘﺎﻧﻮن ﻫﻨﺮي اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻔﺮض اﻣﺘﻼك اﻷﺳﻠﺤﺔ )ﻋﺎم (١١٨١اﻟﺬي ﻧﺎﻗﺸﻨﺎه ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻓﻤﺎذا ﻛﺎن ﺗﺄﺛري ﻫﺬه اﻟﺘﻌﺒﺌﺎت ﰲ اﻟﺪﻓﺎع واﻟﺤﺮب ﻋﲆ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ﻋﻨﺪ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﺸﻌﺐ؟ 69
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻘﻠﺔ اﻟﺪﻻﺋﻞ أو اﻧﻌﺪاﻣﻬﺎ ﺣﻮل ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻌﺎﻣُﻞ اﻟﻔﻼﺣني ﻣﻊ ﻫﺬه اﻟﺤﺮوب ُ ﺑﻌﺾ اﻟﺪارﺳني أن اﻟﻔﻼﺣني ﻟﻢ ﻳﻨﻈﺮوا إﱃ ﻫﺬه اﻟﴫاﻋﺎت وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻓﻬﻤﻬﻢ ﻟﻬﺎ ،ﻳﻔﱰض ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺣﺮوﺑًﺎ ﺑني اﻷﻣﻢ .وإذا وﺿﻌﻨﺎ ﰲ اﻋﺘﺒﺎرﻧﺎ ﻣﺎ ﻧﺎﻗﺸﻨﺎه ﺗﻮٍّا ،ﻓﻤﺎ ﻣﺪى اﺣﺘﻤﺎل ﻫﺬا اﻻﻓﱰاض؟ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺗﺠﻨﱡﺐ اﻻﺷﺘﺒﺎه ﰲ أﻧﻪ — ﰲ ﻇﻞ ﺗﻄﻮرات ﻣﺜﻞ اﻟﺪﱢﻳﻦ املﻮﺣﱠ ﺪ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ واﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻧﴩه املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ ،واملﻮﺟﻮد ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ﰲ ٌ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت — ﻻ ﺑﺪ ْ درﺟﺔ ﻣﺎ ﻣﻦ اﻹدراك ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻔﻼﺣني أن ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﱠ َﺔ ﺑﺄن ﻫﻨﺎك ﻣﺮﻛ ًﺰا ﺣﺎﻛﻤً ﺎ ﻣﺤﺪدًا ملﺠﺘﻤﻌﻬﻢ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﺣﱰاﻣﻬﻢ ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن ﻫﺬا املﺮﻛﺰ ﻣﺼﺪ َر ﻣﻌﺎﻧﺎ ٍة ﻟﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻛﺜريًا ﰲ اﻷﻣﻢ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ )ﺑﻔﺮض اﻟﴬاﺋﺐ املﺮﻫﻘﺔ رﺳﻤﻲ: ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل( .وﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ،ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﺮﻛ ٌﺰ ﺳﻠﻄﻮيﱞ ﱞ أﻧﻮراداﺑﻮرا ﰲ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ،واﻟﻘﺪس ﰲ إﴎاﺋﻴﻞ ،وﻧﺎرا ﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن ،وﻛﺮاﻛﻮف ﰲ ﺑﻮﻟﻨﺪا .وﻋﲆ ً ﻣﻄﻠﻘﺎ إﱃ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺳﺒﺐٌ ﺟﻌﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﻄﻮﱠر أُﻣﱠ ﺔ؛ ﻫﻮ أﻧﻪ رﻏﻢ اﻟﺪﻻﺋﻞ املﺘﻌﺪدة ﻋﲆ وﺟﻮد وﻋﻲ ذاﺗﻲ ﻳﻮﻧﺎﻧﻲ ﺷﺎﻣﻞ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮوب ﻣﻊ ﺑﻼد ﻓﺎرس ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﻜﻮﱠن ﻣﺮﻛ ٌﺰ ﺳﻠﻄﻮي ﻗﺎدر ﻋﲆ ﻧﻘﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ ودﻋﻤﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل وﺟﻮد ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ،ﻋﲆ ﺣﺴﺎب اﻟﻮﻻء ﻟﻠﺪول املﺪن ﰲ اﻷﺳﺎس .وﻳﺒﺪو ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ أﻧﻪ ﰲ أوﻗﺎت اﻟﺤﺮوب ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﰲ أﻣﺜﻠﺘﻨﺎ اﻷرﺑﻌﺔ ﺗﻨﻈﺮ إﱃ ﴏاﻋﺎﺗﻬﻢ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺑني »وﻃﻨﻲ« و»أﺟﻨﺒﻲ«. وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ أن ﻣﺎ ﺗﻼ ﻫﺬا ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻣﻦ اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺒﺖ ﺿﺪ روﻣﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﺎم ٦٦إﱃ ٧٢ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ،وﻣﻦ ١٣٢إﱃ ١٣٥ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺷﻤﻠﺖ اﻟﺸﻌﺐ ﻛﻠﻪ؛ ﻳﱪﱢر ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻤﺎل. ً وﻋﻼوة ﻋﲆ اﻟﺪﱢﻳﻦ واﻟﻘﺎﻧﻮن ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻐﺔ ً ﻋﺎﻣﻼ أﺳﻬﻢ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻫﺬه أﻳﻀﺎ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﻓﻔﻲ اﻟﱰاث اﻹﴎاﺋﻴﲇ ﺛﻤﺔ ٌ أدﻟﺔ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺄن اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﰲ اﻟﻠﻐﺔ رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻌَ ﺪ إﺷﺎر ًة إﱃ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴني اﻷﺻﻠﻴني واﻷﺟﺎﻧﺐ ِ )ﺳﻔﺮ املﻠﻮك اﻟﺜﺎﻧﻲ ،اﻹﺻﺤﺎح ،٢٦ :١٨واﻧﻈﺮ ً أﻳﻀﺎ ﺳﻔﺮ اﻟﻘﻀﺎة ،اﻹﺻﺤﺎح ،٦ :١٢وﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،اﻹﺻﺤﺎح .(٢٠ ،٤ :١٠وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻜﻮن أﻛﺜﺮ ً ﺛﻘﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﰲ ً ﻓﺮوﻗﺎ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻮﻟﻨﺪا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻔﻬَ ﻢ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺗﻤﺜﱢﻞ ﻧﺸﺄت ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻋﺪاء ﻗﻮﻳﺔ ﺗﺠﺎه اﻷملﺎن .ﻓﺒﻌﺪ إﺣﺒﺎط اﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻛﺮاﻛﻮف اﻟﺘﻲ اﻓﱰض أﻧﻬﺎ ﺑﻘﻴﺎدة أملﺎﻧﻴﺎ ﺿﺪ املﻠﻚ ﻓﻮادﻳﺴﻮاف اﻷول ﰲ ﻋﺎم ،١٣١٢ﻛﺎن اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ ﻣﻦ ﺣ ﱠﺮﺿﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻹداﻧﺔ ﻋﲆ أﺳﺎس ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ﻧﻄﻖ ﻛﻠﻤﺎت ﺑﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ً ﻧﻄﻘﺎ ﺻﺤﻴﺤً ﺎ أم 70
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
ﻻ؛ ﻣﺜﻞ) soczewica :ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻋﺪس( و) kołoﺑﻤﻌﻨﻰ ﻋﺠﻠﺔ( و) młynﺑﻤﻌﻨﻰ ﻃﺎﺣﻮﻧﺔ(. وﻛﺎن ﻳُﺤ َﻜﻢ ﻋﲆ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﻫﺬا ﺑﺄﻧﻪ إﻣﺎ أملﺎﻧﻲ أو ﺗﺸﻴﻜﻲ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳُﻌﺘﱪ ﻣﺬﻧﺒًﺎ. اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات ﻏﺎﻣﻀﺔ وﻣﺸﻮ ً ً ﱠﺷﺔ وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻔﻲ أﻣﺜﻠﺘﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﻮﻃﻨﻲ واﻷﺟﻨﺒﻲ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷوﻗﺎت .ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻌﺮف ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل أﻧﻪ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ املﻴﻼدي ﰲ أﻋﻘﺎب اﻻﻧﺘﺼﺎرات اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﺿﺪ املﻤﺎﻟﻚ اﻟﻜﻮرﻳﺔ ،ﻫﺮب ﻛﺜريٌ ﻣﻦ اﻟﻜﻮرﻳني إﱃ اﻟﻴﺎﺑﺎن .ورﻏﻢ ذﻟﻚ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﱄ اﻧﺪﻣﺞ أوﻟﺌﻚ املﻬﺎﺟﺮون — اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻛﺜريٌ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻮذﻳني — ﰲ إﻃﺎر اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ ﻣﻊ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺴﺠﻞ اﻹﻣﱪاﻃﻮري ﻟﻠﻌﺎﺋﻼت .وﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺗﻌﻘﻴﺪات ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﰲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .ﻓﺮﻏﻢ ﺻﻮرة اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ املﺤﺪودة املﻮﺟﻮدة ﰲ ِﺳﻔ َﺮي ﻋﺰرا وﻧﺤﻤﻴﺎ اﻟﻠﺬﻳﻦ ذﻫﺒﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺮﻳﻢ اﻟﺰواج اﻟﺒﻴﻨﻲ )ﺑني اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴني وﻏريﻫﻢ( ،ﺻﺎر اﻹدوﻣﻴﱡﻮن ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻷﻣﺔ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻏﺰا اﻟﺰﻋﻴﻢ اﻟﻴﻬﻮدي ﻫريﻛﺎﻧﻮس اﻷول ) ١٢٥ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( إدوﻣﻴﺎ )إدوم(.
ﻟﻘﺪ ﻗﻬﺮ ﻫريﻛﺎﻧﻮس ﺟﻤﻴﻊ اﻹدوﻣﻴني ،وﺳﻤﺢ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ واﻹﻓﺎدة ﻣﻦ ﻗﻮاﻧني اﻟﻴﻬﻮد، ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﲆ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﺨﺘﺎن أﻋﻀﺎﺋﻬﻢ اﻟﺘﻨﺎﺳﻠﻴﺔ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا راﻏﺒني ﺑﺸﺪة ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ﰲ ﺑﻠﺪ أﺟﺪادﻫﻢ ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻬﻢ اﻣﺘﺜﻠﻮا ﻟﻠﺨﺘﺎن ،وﻟﺒﻘﻴﺔ ﻃﺮق اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ .وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤني ،اﻟﺬي ﺣﺪث ﻓﻴﻪ ﻫﺬا ﻟﻬﻢ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺳﻮى ﻳﻬﻮد. ﺟﻮزﻳﻔﻮس» ،ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻴﻬﻮد«
ً ﻋﺎﻣﻼ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ وﰲ ﻛﻠﺘﺎ ﻫﺎﺗني اﻟﺤﺎﻟﺘني ،ﻳﻼﺣﻆ املﺮء ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺤﺮب ﻗﺮاﺑﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﻜﻮن اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﻌﺰوﻟﺔ ﺟﻐﺮاﻓﻴٍّﺎ ،ﻛﻤﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ »اﻷﻣﻢ اﻟﺠُ ُﺰر« ﻣﺜﻞ اﻟﻴﺎﺑﺎن وﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ،ﻳﻜﻮن ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺣﺎﻟﺔ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻗﺮاﺑﺔ اﻷﻣﺔ، ﻣﺴﺄﻟﺔ ﱠ ً ﻣﻌﻘﺪة ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺧﺎص ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺤﺪود؛ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ ﺑﻮﻟﻨﺪا، ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺳﻴﻠﻴﺴﻴﺎ؛ ﺣﻴﺚ اﻟﺴﻜﺎن ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن اﻷملﺎﻧﻴﺔ. 71
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ورﻏﻢ ﻫﺬه اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات ،ﻓﻠﺪى ﻛ ﱢﻞ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺑﺪرﺟﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ،اﻟﺘﻲ ﺗﱪر اﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أﻣﻤً ﺎ: )(١ )(٢ )(٣ )(٤ )(٥ )(٦
اﺳﻢ ﻗﻮﻣﻲ. ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻜﺘﻮب. درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺪﱢﻳﻦ وﺑﺪﻋ ٍﻢ ﻣﻨﻪ. ﻧﺼﻮص ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ. ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻠﻄﻮي. ﻣﻔﻬﻮم واﺿﺢ ﻹﻗﻠﻴﻢ ﻟﻪ ﺣﺪود.
وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﺗﺸري اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﻲ أُﺟﺮﻳﺖ ﻟﻜﻞ ﻫﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت إﱃ ﺣﺪوث ﺗﻄﻮرات ﻏري ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﻲ ﺗﺸ ﱢﻜﻞ اﻷﻣﺔ .ﻓﺤﺘﻰ أﻛﺜﺮ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ أوﻟﻴﺔ ﻟﻮﺟﻮد وﻋﻲ ذاﺗﻲ ﺟﻤﻌﻲ ﻷﻣﺔ ﻣﺎ ،وﻫﻮ اﺳﻤﻬﺎ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺒﻬﻤﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺤﺎل ﰲ أﻛﺜﺮ اﻷﻣﺜﻠﺔ وﺿﻮﺣً ﺎ ﻋﲆ اﻷﻣﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،وﻫﻲ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻷوﻗﺎت ﻛﺎن ﻟﻔﻆ إﴎاﺋﻴﻞ ﱠ املﻌني ﻳُﻘﺼﺪ ﺑﻪ :ﻣﻤﻠﻜﺔ داود وﺳﻠﻴﻤﺎن؛ وﻫﻲ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ »إﴎاﺋﻴﻞ«؛ ﻟﺘﻤﻴﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ »ﻳﻬﻮدا« .وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﻌﺘﱪ ﻫﺬا اﻻﺳﻢ ً ﻫﺪﻓﺎ ﻳﺠﺐ إدراﻛﻪ. وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻓﺨﻼل ﻓﱰة ﻛﺒرية ﻣﻦ ﻋﴫ املﻌﺒﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ٥٣٨ﻗﺒﻞ املﻴﻼد إﱃ ٧٠ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( ﻧﺸﺄت ﻓﻜﺮة إﴎاﺋﻴﻞ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ املﺠﺘﻤﻊ املﺴﻤﱠ ﻰ »ﻳﻬﻮدا« .إن ﻏﻤﻮض ٍ ﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺔ ﺑﺸﺪة ﻟﻬُ ﻮﻳﺔ اﻷﻣﺔ اﻻﺳﻢ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻸﻣﺔ ﻳﺪل ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﲆ وﺟﻮد ر ًؤى وﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺠﺪه ً ﻣﺜﻼ ﰲ ﻣﺴﻤﱠ ﻰ »اﻟﻬﻨﺪ اﻷم« ،واﻟﺬي ﻗﺪ ﻳُﻔﻬَ ﻢ أو ﻻ ﻳُﻔﻬﻢ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻳﺸﻤﻞ املﺴﻴﺤﻴني واملﺴﻠﻤني واﻟﺴﻴﺦ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﻬﻨﺪ اﻟﻴﻮم — املﺘﺸﻌﱢ ﺒﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴٍّﺎ ودﻳﻨﻴٍّﺎ وﻟﻐﻮﻳٍّﺎ — ﻟﻴﺴﺖ أﻣﺔ .ﻓﺈذا ﻣﺎ وﺿﻌﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﺘﻌﺒريات وﻏريﻫﺎ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر ،ﻓﺈن ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺠﺘﻤﻊ إﻗﻠﻴﻤﻲ ﻣﺤﺪﱠد ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﰲ ﻋﺼﻮر ﺳﺎﺑﻘﺔ؛ ﻳﺠﺐ ﻋﺪم إﻧﻜﺎرﻫﺎ. ﻣﻌﻴﺎر املﻮاﻃﻨﺔ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل إن ﻣﻌﻴﺎر وﺟﻮد ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﻮﻣﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻫﻮ املﻮاﻃﻨﺔ .وﻟﻨﻔﻜ ْﺮ ﰲ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻤﺎل ﺑﺄن ﻧﻌﻮد ﺑﺎﻟﺬاﻛﺮة إﱃ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻮﻟﻨﺪا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ .ﻓﺈذا أﴏﱠ املﺮء ﻋﲆ 72
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
أن املﻮاﻃﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﻟﺘﺸﻤﻞ اﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻫﻲ املﻌﻴﺎر اﻟﺤﺎﺳﻢ ﻟﻮﺟﻮد أﻣﺔ ﻣﺎ ،ﻓﺈن ﺑﻮﻟﻨﺪا ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺗﻠﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أُﻣﱠ ﺔ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ اﻷﻛﺜﺮ »أُﻣﱠ ﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻼء«؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﻘﺔ اﻟﻨﺒﻼء ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﱢد اﻟﺸﺌﻮن اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﺒﻮﻟﻨﺪا ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﻮر ﺑﺪءًا ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﱪملﺎن .إﻻ أن ﻣﻌﻴﺎر املﻮاﻃﻨﺔ ﻫﺬا ﻳﺴﺒﱢﺐ ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات ﻟﻠﻤﺆرخ ﻟﻜﻲ ﻳﻔﻬﻢ أوﺿﺎع أُﻣَ ٍﻢ ﺣﺪﻳﺜﺔ؛ ﻣﺜﻞ إﻧﺠﻠﱰا وﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ. ﻓﺈذا ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﺗﺮ ﱡد ٌد ﰲ ﺗﻮﺻﻴﻒ ﺑﻮﻟﻨﺪا ﺧﻼل اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أﻣﺔ؛ ﻷن املﺸﺎرﻛﺔ املﺪﻧﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺼﻮرة ﻋﲆ اﻟﻨﺒﻼء ،أﻓﻼ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ املﻨﻄﻘﻲ ﱡ اﻟﺘﺤﻔﻈﺎت ﻋﲆ إﻧﺠﻠﱰا وﻓﺮﻧﺴﺎ؟ ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ١٨٣٢ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ ﻳﺤﻖ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻧﻔﺲ ﻟﻬﻢ اﻟﺘﺼﻮﻳﺖ ﻟﻠﱪملﺎن ٪٣٫٢ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،وﻧﺴﺒﺔ ٪١٫٥ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﻬﻢ ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا ،إذا أﴏﱠ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﻋﲆ أن اﻷﻣﺔ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻘﻂ ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن ﺣﻖ اﻻﻗﱰاع. ﻫﻨﺎك ﺣﻘﻮق وواﺟﺒﺎت ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﻌﱰف ﺑﻬﺎ ﻳﺸﺎرك ﻓﻴﻬﺎ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﺴﻜﺎن ،ﻓﺈن املﺮء ﻳﻘﻊ ﰲ ﺣرية ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﺤﺪﻳﺪ ﺻﻔﺔ ﺑﻮﻟﻨﺪا اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ اﺗﺨﺬت ﺻﻔﺔ اﻟﺪوﻟﺔ أﺛﻨﺎء اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن إﻗﻠﻴﻤﻬﺎ ﱠ ﻣﻘﺴﻤً ﺎ ﺑني ﺑﺮوﺳﻴﺎ واﻟﻨﻤﺴﺎ وروﺳﻴﺎ .ﻓﻔﻲ ﺧﻼل ذﻟﻚ اﻟﻌﴫ اﺳﺘﻤﺮ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ وﺟﻮد وﻋﻲ ذاﺗﻲ ﺟﻤﻌﻲ ﰲ ﺑﻮﻟﻨﺪا. ً ﺷﻜﻼ ﻟﻠﺤﻜﻢ وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻘﺮارات ،ﺗﺴﻬﱢ ﻞ اﺳﺘﻘﺮار ﻻ ﺷﻚ أن اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ اﻷﻣﺔ ﻛﻤﺠﺘﻤﻊ إﻗﻠﻴﻤﻲ؛ وﻫﺬا ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪًا ﺗﻌﱰف ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﴩﻋﻴﺔ وﺑﺎملﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﺴﻜﺎن .وﻟﻜﻦ أن ﺗﺮﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮى املﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﺔ ﻛﻤﻌﻴﺎر ﻟﻮﺟﻮد أﻣﺔ ﻣﺎ؛ ً ﺷﻜﻼ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻘﺮارات ﻓﻬﺬا ﻳﺨﺘﺰل اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻟﺘﺼﺒﺢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن املﺆرخ اﻟﺬي ﻳﴫﱡ ﻋﲆ ﴐورة ﻣﻌﻴﺎر املﻮاﻃﻨﺔ ﻟﻮﺟﻮد أﻣﺔ ﻣﺎ، واﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻋﲆ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻷﻣﻢ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﻳﻜﻮن ﻫﻜﺬا ﻣﻀﻄ ٍّﺮا إﱃ: ) (١أن ﻳﻘﻠﻞ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ املﻈﺎﻫﺮ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ واملﺴﺘﻤﺮة ﻋﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. ) (٢أن ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. ) (٣أن ﻳﻘﻊ ﰲ ﺣرية ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﰲ ﺿﻮء ﺗﻄﻮرات؛ ﻣﺜﻞ وﺟﻮد أﻣﻢ ﺑﻼ دوﻟﺔ ،أو وﺟﻮد ﻧﺰﻋﺔ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺤﻠﻴﺔ. 73
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ٍ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ أن ﻳﺘﻘﺒﱠﻞ املﺤ ﱢﻠﻞ وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ،ﻓﺈن اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ أﻣ ٌﻢ ﻗﺒ ُﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ أوﺟﻪ اﻟﻐﻤﻮض ،وﺗﻄﻮرات ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،إن اﻷﻣﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻜﻮن داﺋﻤً ﺎ ﻣﺰﻳﺠً ﺎ ً ﺳﻠﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت املﺘﻌﺪدة املﺘﺸﺎﺑﻜﺔ واملﺘﻄﻮرة .وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ً أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮن ﻣﺠﺮد ﺗﻘﺮﻳﺮ اﻻﻧﺘﻤﺎء ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﻋُ ً ﺮﺿﺔ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻣﻦ إﻋﺎدة اﻟﺘﻔﺴري ،ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺮى ﰲ اﻟﻘﻮاﻧني املﺘﻐرية ﻟﻠﻬﺠﺮة واملﻮاﻃﻨﺔ )ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل :ﻗﻮاﻧني اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﰲ املﻤﻠﻜﺔ املﺘﺤﺪة ﻟﻌﺎﻣَ ﻲ ،١٩٨١ ،١٩٧١ وﻗﺎﻧﻮن اﻟﻬﺠﺮة ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻟﻌﺎم .(١٩٩٠ وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻫﻨﺎك ﻓﺮوق ﺗﺠﺐ ﻣﻼﺣﻈﺘﻬﺎ ﺑني ﺗﺮاﻛﻴﺐ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .وﻗﺪ أ ﱠﻛﺪ ﻋﺎﻟِﻤﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎع إدوارد ﺷﻴﻠﺰ وإس إن أﻳﺰﻧﺸﺘﺎت ﻋﲆ ٍ ﺳﻠﻴﻢ أن املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺗﺘﻤﻴﱠﺰ ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ أﻛﱪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﻄﺮﻓﻴﺔ ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻊ ﰲ أﻧﺸﻄﺔ املﺮﻛﺰ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺸري إﱃ ا ْﻟﺘِﺤﺎ ٍم ﺛﻘﺎﰲ ﱟ أﻛﱪَ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ .وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ﻫﺬه املﺸﺎرﻛﺔ ﻧﺠﺪ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ — ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن اﻟﺴﻴﺎدة ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﺴﻜﺎن — واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎم ،وزﻳﺎدة اﻟﺤﺮاك اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻺﻧﺠﺎزات اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻻ اﻟﻄﺒﻘﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﺘﺼ ﱢﻠﺒﺔ املﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ أﺳﺎس املﻜﺎﻧﺔ اﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻇﺮوف املﻴﻼد .إﻻ أن اﻟﻔﺮوق اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني أﻃﺮاف املﺠﺘﻤﻊ وﻣﺮﻛﺰه ﻓﻴﻤﺎ ﺑني اﻷﻣﻢ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ وأﻣﺜﻠﺘﻨﺎ اﻷرﺑﻌﺔ ﱠ ٍ ٍ ِ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺑﺴﺒﺐ وﺟﻮد ﻧﺼﻮص ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﰲ ﻣﻨﺰﻟﺔ أو ﻛﻤﺴﺄﻟﺔ ﻳﻔﻀﻞ أن ﻧﻔﻬﻤﻬﺎ ً ﻣﺴﺌﻮﻻ ﻋﻦ املﺠﺘﻤﻊ )ﺑﺎﻟﺤﻔﺎظ ﻋﲆ أﻧﻈﻤﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﺧرية ،وﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺗﺪل ﻋﲆ أن املﻠﻚ ﻛﺎن اﻟﺮي واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﲆ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﺣﻔﻆ اﻟﺴﻼم( واﻟﺘﺰاﻣﺎت ﻛﺜرية ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ املﺮﻛﺰ ﺗﺠﺎه اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ؛ ﻣﺜﻞ إﻧﺸﺎء املﺰارات املﻘﺪﱠﺳﺔ واملﻌﺎﺑﺪ واﻟﻜﻨﺎﺋﺲ. وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن اﻟﻔﺮق ﺑني رﺋﻴﺲ وزراء أو رﺋﻴﺲ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﻨﺘﺨﺐ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ وﺑني املﻠﻚ؛ ﳾء ﻣﻬﻢ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن املﻠﻚ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻮﺿﻊ اﺣﱰام؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻛﺎن ً ﻧﻘﻄﺔ ﻣﺮﺟﻌﻴ ًﱠﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ،ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ؛ وﻣﺜﺎل ذﻟﻚ :اﻹﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ أو املﻠﻚ اﻟﻔﺮﻧﴘ ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻪ املﺆرخ ﻣﺎرك ﺑﻠﻮك ﺑﺄﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐ املﻌﺠﺰات ﰲ ﺷﻔﺎء املﺮﴇ .وﺑﻼ ﺷﻚ ،إن ﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أن ﺻﻼﺑﺔ وﺑﺮوز اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﱢ ﺗﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﺎﻃﻔﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،ﻳﻜﻮﻧﺎن أﻛﱪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني أﻃﺮاف املﺠﺘﻤﻊ وﻣﺮﻛﺰه ﺣﺎدٍّا .وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﻮﻋﻲ املﺘﻌ ﱢﻠﻖ ﺑﺎﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﺘ ﱠﺪ إﱃ ﻣﺎ وراء ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻟﻴﺸﻤﻞ أرض اﻟﻮﻃﻦ ﰲ املﺠﺘﻤﻊ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻓﻬﺬا اﻻﻣﺘﺪاد واملﺠﺘﻤﻊ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ اﻟﺬي ﻳﻔﱰﺿﻪ أﺻﺒﺢ ﻣﻤﻜﻨًﺎ ﻋﱪ اﻻﻋﱰاف ﺑﺎملﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ )املﻠﻚ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل( 74
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
ﻛﻤﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﺳﻼم اﻟﺒﻼد ،واﻟﻌﺎدات املﺸﱰﻛﺔ )ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ واﻟﻠﻐﺔ( واﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻮت ﻋﻨﺎﴏ أﺳﻄﻮرﻳﺔ. وﻧﺨﺘﺘﻢ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ﻟﺘﺴﻠﻴﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﲆ دور اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ أﺳﺎس ﺗﻌﺎﻗﺪي ﻣﺤﺾ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺔ .ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺤﺪﱠد ﻋﲆ ٍ ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﺣﺘﻰ اﻵن .وﻟﻴﺲ ﻫﺬا إﻧﻜﺎ ًرا ﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ اﻟﺪﺳﺘﻮري اﻷوروﺑﻲ ﻟﻼﺗﻔﺎق ﺑني اﻟﺤﺎﻛﻢ واملﺤﻜﻮم ،وﺧﺎﺻﺔ أن ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻔﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﺎض ﺑﻌﻴﺪ ،ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻗﺪ ﻧﺠﺪ ﻟﺠﻮءًا ﻳﺘﻜ ﱠﺮر ﺑﺼﻔﺔ داﺋﻤﺔ إﱃ ٍ ﱡ ﻟﻠﺘﺤﻘﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺠﺮﻳﺒﻴٍّﺎ ﻟﺘﱪﻳﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪة أﺳﻄﻮرﻳٍّﺎ ،أو ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺎ ﻣﺆﻛﺪة وﻏري ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻌﻼﻗﺎت. ً وﺳﻴﻠﺔ ﻻﺳﺘﻐﻼل ﺗﻮﺗﺮات ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ؛ ﻓﻔﻲ اﻟﻬﻨﺪ ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻠﺠﻮء ﻗﺪ ﻳﻜﻮن املﺜﺎل ،ﺷﻨﱠﺖ إﺣﺪى املﻨﻈﻤﺎت اﻟﻬﻨﺪوﺳﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ،ﺗُﺪﻋﻰ راﺷﱰﻳﺎ ﺳﻮاﻳﺎﻣﺴﻴﻔﺎك ﺳﺎﻧﺞ، ً ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮات ﻟﻬﺪم ﻣﺴﺠﺪ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻋﻤﺮه ٤٧٥ ﺣﻤﻠﺔ داﻣﺖ وﺣﺰب ﺑﻬﺎراﺗﻴﺎ ﺟﺎﻧﺎﺗﺎ، َ ﻋﺎﻣً ﺎ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ أﻳﻮدﻳﺎ؛ ﻣﻤﺎ أدﱠى إﱃ ﺗﺪﻣريه ﰲ ٦دﻳﺴﻤﱪ ١٩٩٢؛ ﻷﻧﻬﻢ ادﱠﻋَ ﻮا أﻧﻪ ﻣﻜﺎ ُن ﻣﻴﻼدِ رام ،اﻟﺬي ﻫﻮ ﺗﺠﺴﻴﺪ ﻹﻟﻪ اﻟﻬﻨﺪوس ﻓﻴﺸﻨﻮ ،املﺬﻛﻮر ﰲ ﻣﻠﺤﻤﺔ »راﻣﺎﻳﺎﻧﺎ« ،اﻟﺘﻲ ُﻛﺘِﺐ ﻛﺜري ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٢٠٠٠ﻋﺎم .وﻗﺪ ﻳﺘﺨﺬ اﻟﻠﺠﻮء إﱃ املﺎﴈ ﺻﻮرة اﺧﺘﻼق أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن ﺗﻜﻮن اﺳﺘﻌﺎد ًة ﻟﻠﻤﺎﴈ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل :إﻋﺎدة إﺣﻴﺎء دﻳﺎﻧﺔ اﻟﺸﻨﺘﻮ ٍ ُ ﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﺑﺪءًا ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻮﱢﺟﺖ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﻴﺎﺑﺎن ﰲ ﻇﻞ ﺛﻮرة ﻣﻴﺠﻲ )ﻋﺎم .(١٨٦٨وﰲ ﻛﻠﺘﺎ ﻫﺎﺗني اﻟﺤﺎﻟﺘني ﺗﻢ اﺳﺘﻐﻼل اﻟﺨﺮاﻓﺎت ﰲ ﺧﺪﻣﺔ ﱢ ﺑﺚ رؤﻳﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ؛ ﻓﻔﻲ اﻟﻬﻨﺪ ﺗﻤﺜﱠﻠﺖ ﰲ ﻓﻜﺮة اﻟﻬﻨﺪوﺗﻔﺎ )اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪوﺳﻴﺔ( ،وﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﺗﻤﺜﱠﻠﺖ ﰲ ﻓﻜﺮة اﻟﻜﻮﻛﻮﺗﺎي )ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ(. و ََﺳﻌَ ﺖ ﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ إﱃ إﻧﻜﺎر اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﺤﻤﱠ ﻠﻬﺎ ﻓﻜﺮ ٌة ﻣﺪﻧﻴﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ :ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻬﻨﺪ ﻫﻨﺎك ﻃﺎﺋﻔﺔ اﻟﺴﻴﺦ ﰲ اﻟﺒﻨﺠﺎب ،واملﺴﻴﺤﻴني ﰲ ﻛرياﻻ ،واملﺴﻠﻤني ﰲ ﻛﺸﻤري ،وﻫﻢ ﻳﻌﺎرﺿﻮن رؤﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻫﻨﺪوﺳﻴﺔ ﺑﺎﻟﴬورة؛ وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻴﺎﺑﺎن :ﻫﻨﺎك ﺗﺎرﻳﺦ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ١٤٠٠ﻋﺎم ﻣﻦ اﻟﺒﻮذﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺎرض رؤﻳﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﺛري اﻷﺟﻨﺒﻲ. ً ﻏﺎﻣﻀﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء؛ ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻫﻨﺎك وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻻﺣﺘﻜﺎم إﱃ املﺎﴈ أﻣ ًﺮا ﻧُ ُ ﺼﺐ ﺗﺬﻛﺎري أﺛﺮي ﻳﺴﻤﱠ ﻰ »ﻫريﻣﺎﻧﺴﺪﻧﻜﻤﺎل«ُ ،ﺷﻴﱢﺪ ﰲ ﻋﺎم ١٨٧٥ﰲ ﻏﺎﺑﺔ ﺗﻮﻳﺘﻮﺑﺮﺟﺮ ﻗﺮب دﺗﻤﻮﻟﺪ ﰲ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﺷﻤﺎل اﻟﺮاﻳﻦ-وﺳﺘﻔﺎﻟﻴﺎ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ؛ ﺗﺨﻠﻴﺪًا ﻟﺬﻛﺮى اﻧﺘﺼﺎر ﺣﺪث 75
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﰲ ﻋﺎم ٩ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ﻷرﻣﻴﻨﻴﻮس )أو ﻫريﻣﺎن( اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺤﺮﺑﻲ ﻟﻠﺸريوﺳﻜﻴﻮن ﻋﲆ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة ﻛﻮﻳﻨﻜﺘﻴﻠﻴﻮس ﻓﺎروسُ . وﻗﺼﺪ ﺑﻬﺬا اﻟﺘﻤﺜﺎل أن ﻳﻤﺜﱢﻞ اﺳﺘﻘﻼل اﻷﻣﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ؛ ﺗﺄﻛﻴﺪًا ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ املﺸﻜﻮك ﻓﻴﻬﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﺑﻌﻴﺪ ﺑني ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺸريوﺳﻜﻲ اﻟﻘﺪﻣﺎء واﻷملﺎن ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺪﻳﺚ.
ﺷﻜﻞ :2-5ﺗﻤﺜﺎل ﻫريﻣﺎﻧﺴﺪﻧﻜﻤﺎل.
وﻗﺪ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻻﺣﺘﻜﺎم إﱃ ﻧﻔﺲ املﺎﴈ اﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﲆ اﻟﻈﺮوف اﻟﺤﺎﴐة؛ ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،١٩٨٩ﻣﻊ ﺗﺰاﻳﺪ اﻟﺘﻮﺗﺮات ﺑني اﻟﴫب واﻟﻜﺮوات ،اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺘﺤﻮل ﴎﻳﻌً ﺎ إﱃ ﺣﺮب إﺑﺎدة ﻋِ ﺮﻗﻴﺔ ،اﺣﺘﻔﻞ اﻟﴫب ﺑﺎﻟﺬﻛﺮى اﻟ ٦٠٠ملﻌﺮﻛﺔ ﻛﻮﺳﻮﻓﻮ اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﻋﺎم ١٣٨٩ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة اﻷﻣري ﻻزار؛ إذ ﻫﺰﻣﺘﻬﻢ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٣٩ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ 76
اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
اﺣﺘﻤﺎل اﻟﻐﺰو اﻷملﺎﻧﻲ اﻟﻨﺎزي ،ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﺔ ﻣﺤﺎوﻻت ﻟﺘﺼﻮﻳﺮ املﻌﺮﻛﺔ ﻛﺮﻣﺰ ﻻﺳﺘﻘﻼل ﻳﻮﻏﻮﺳﻼﻓﻴﺎ ﻻ ﴏﺑﻴﺎ.
أﻻﺳﻜﺎ )روﺳﻴﺎ(
ﻋﺮض ﺮة داﺋ ٤٠°٥ ٤
ﺟﺰﻳﺮة
ﻓﺎﻧ ﻜﻮﻓﺮ
اﻟ ﻔ ﺎ ﺻﻞ
اﻟﻘﺎ ري
ﻣﻌﺎﻫﺪة ﻋﺎم ١٨٢٥
أورﻳﺠﻮن ﻣﻌﺎﻫﺪة ﻋﺎم ١٨٤٦
ة ﻋﺮض داﺋﺮ
اﻟﺪوﻟﺔ أراض ﻣﺘﻨﺎ َز ٌع ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑني اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ٍ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﻋﺎم ١٨١٨إﱃ ١٨٤٦ ﻧﻬﺮ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ وادي وﻳﻠﻴﺎﻣﻴﺖ اﻷراﴈ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻴﻄﺎن اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻣﻌﺎﻫﺪة آدﻣﺰ-أوﻧﻴﺲ ﻋﺎم ١٨١٩ املﻜﺴﻴﻚ
°٤ﺷﻤﺎ ًﻻ ٩
ﺧﻠﻴﺞ ﺑﻴﻮﺟﺖ
املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدئ
داﺋﺮة
ض °٤٢ ﻋﺮ
ﺷﻜﻞ :3-5أراﴈ إﻗﻠﻴﻢ أورﻳﺠﻮن ﻗﺒﻞ ﻋﺎم ،١٨٤٦ﺗﺸري إﱃ ﻋﺪم اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺪود اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ.
77
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ وﺟﻮد ﻋﻨﺎﴏ ﻟﻸﺳﺎﻃري ﰲ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ، وﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺿﻤﻦ اﻓﱰاﺿﺎت إﻋﻼن اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ »اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ ﺑﺮاﻫني« ﺑﺄن »ﻛﻞ اﻟﺒﴩ ُﺧﻠﻘﻮا ﻣﺘﺴﺎوﻳﻦ« و»ﻣﺘﻤﺘﻌني ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻘﻬﻢ ﺑﺤﻘﻮق ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻏري ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﴫف ﻓﻴﻬﺎ« ،وﻫﻲ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﱰاث اﻟﻴﻬﻮدي-املﺴﻴﺤﻲ .ﻓﻤﻊ ﻧﺸﻮء اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،ﻧﺸﺄت أﺳﻄﻮرة ﻋﻦ اﻵﺑﺎء املﺆﺳﺴني ﻟﻸﻣﺔ ،ﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻣﺤﻮ أي اﺧﺘﻼﻓﺎت ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺸﺄن اﻵﺛﺎر املﱰﺗﺒﺔ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﺒﺎرات اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎملﺴﺎواة واﻟﺤﻘﻮق؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺷﻜﻞ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬاﺗﻲ أﻳﻜﻮن ﻓﻴﺪراﻟﻴٍّﺎ أم ﻗﻮﻣﻴٍّﺎ؟ وﻗﺪ ﺗﻤﱠ ﺖ ﺗﺴﻮﻳﺔ ﺑﻌﺾ أوﺟﻪ اﻟﺨﻼف ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻀﻄﺮب ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻐﻤﻮض املﻠﺘﺒﺲ ﺑﻌﺪ ﻧﺸﻮب اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ،وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ﻧﺸﻮب اﻟﺤﺮوب .إﻻ أﻧﻪ ﺑﺮزت أﺳﺎﻃري ﺟﺪﻳﺪة؛ ﻣﺜﻞ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﰲ »املﺼري اﻟﺠﲇﱢ« ﻟﻠﺸﻌﺐ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺑﺄن ﻳﺆﺳﺴﻮا ﺣﺪود اﻷﻣﺔ ﻣﻦ املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﴘ إﱃ املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدئ .وﻟﻘﺪ ﻗﻴﻞ إن ﻫﺬه اﻟﺤﺪود ﺣﺪﱠدﻫﺎ اﻟﺮب ،رﻏﻢ وﺟﻮد ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻋﺪم اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ وﺗﺤﺪﻳﺪًا ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺪود اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻨﺪ داﺋﺮة ﻋﺮض ◦ ٤٩أم إﱃ اﻟﺸﻤﺎل أﻛﺜﺮ ﻋﻨﺪ داﺋﺮة ﻋﺮض .′ ٤٠ ،◦ ٥٤ وﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻻت اﻷﺧرية ﻋﻦ اﻟﻬﻨﺪ واﻟﻴﺎﺑﺎن وأملﺎﻧﻴﺎ وﴏﺑﻴﺎ واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺳﻮى أﻣﺜﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﺪة أﻣﺜﻠﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻄﺮﺣﻬﺎ ،ﺗﺸري إﱃ أن ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺸﻜﻴﻞ واﺳﺘﻤﺮار ُ ﺣﺎﻻت اﺣﺘﻜﺎ ٍم ﻟﻸﻓﻜﺎر؛ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺗَﺤﺪُث ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻋﱪ اﻷﺟﻴﺎل أو »اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ« ،أو »اﻟﺤﻘﻮق ﻏري اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﴫف ﻓﻴﻬﺎ«. ﱡ ﻧﺤﻮ ﺗﺠﺮﻳﺒﻲ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ورﻏﻢ أن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻏري ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺤﻘﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ٍ ﺗﻘﺪﱢم ﺗﱪﻳ ًﺮا ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ذي اﻟﺤﺪود .وأوﺿﺢ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﲆ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﱡ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺻﺤﱠ ﺘﻬﺎ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت .وﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،ﺳﻮاء ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ أو ً ﻋﺎﻣﻼ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ووﺟﻮدﻫﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ ﻣﻨﺎﻗﺸﺘﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ٍ ﺑﺪراﺳﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻷﻣﺔ واﻟﺪﻳﻦ. املﺴﺘﻤﺮ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺳﻨﻀﻄﻠﻊ اﻵن
78
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس
واﻟﺪﻳﻦ اﻷﻣﺔ ﱢ ﺗُﻌﺘﱪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ ﻋﻼﻗﺔ ﱠ ﻣﻌﻘﺪة ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ وﻓﻜﺮﻳٍّﺎ .وﻟﻘﺪ أدﱠى اﻟﺪﱢﻳﻦ دو ًرا ﻧﺰاع ﻣﻊ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ .وﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ أﺳﺎﺳﻴٍّﺎ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﻢ واﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ ٍ ً ﺗﺤﻠﻴﻼ دﻳﻦ إﱃ آﺧﺮ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﺘﺒﻊ ﻓﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺗﻘﺮﻳ َﺮ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﺧﺘﻼف ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ٍ ﱠ املﻌﻘﺪة ﺑﺎﻟﻌﻮدة إﱃ اﻟﺤﺎﻻت اﻷرﺑﻊ املﺬﻛﻮرة ﰲ ﻣﻘﺎرﻧًﺎ .ودﻋﻨﺎ ﻧﺒﺪأ دراﺳﺔ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺪور أﺳﺎﳼ ﰲ وﺟﻮد اﻷﻣﺔ. اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم اﻟﺪﻳﻦ ﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ ٍ ً ﻏﺎﻣﻀﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ أﻣ ٍﻢ أﺧﺮى ،ﻓﻤﻦ رﻏﻢ أن أﺻﻞ أﻣﺔ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎن ٌ املﺮﺟﱠ ﺢ أن أﺣﺪ اﻟﻌﻨﺎﴏ املﻬﻤﺔ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﻫﻮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺤﺮﺑﻲ .وﺛﻤﺔ ٌ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﻦ أدﻟﺔ ً ﻓﻤﺜﻼ ﻧﺠﺪ أن أﺣﺪ آﺛﺎر اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻣﺮﻧﺒﺘﺎح ) ١٢٠٧ﻗﺒﻞ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ املﺒ ﱢﻜﺮ ﺗﻔﻴﺪ اﻟﴚء ﻧﻔﺴﻪ؛ ﺷﻌﺐ ﻧُﺴﺐ إﻟﻴﻪ اﺳﻢ »إﴎاﺋﻴﻞ« ،أو ﻣﺎ وُﺻﻒ ﰲ ِﺳﻔﺮ املﻴﻼد( ﻗﺪ ﺳﺠﱠ ﻞ اﻧﺘﺼﺎ َر ﻣﴫ ﻋﲆ ٍ اﻟﻘﻀﺎة ،اﻹﺻﺤﺎح ،٥ﺑﺘﺤﺎﻟﻔﺎت ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﺒﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ اﻷواﺋﻞ .وﻳﺰداد ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻤﺎل إذا ﺻﺢﱠ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻣﻦ أن ﻣﻌﻨﻰ ﻛﻠﻤﺔ إﴎاﺋﻴﻞ ﻫﻮ »ﻏﻠﺐ إﻳﻞ« ،وﻟﻔﻆ »إﻳﻞ« ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻣﻌﻨﺎه اﻹﻟﻪ أو اﻟﺮب. ﺻﺤﻴﺢ أن املﺮء ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻘﻮل ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻋﺒﺎدة ﻳﻬﻮه ﺳﺎﺋﺪ ًة ﻋﲆ املﻌﺒﻮدات اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻋﺒﺪﻫﺎ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي ﺻﺎر اﺳﻤﻪ إﴎاﺋﻴﻞ ،إﻻ أﻧﻪ ﻣﻦ املﺮﺟﱠ ﺢ ﱠ أن ﻳﻬﻮه ﻛﺎن اﻟﺮب اﻟﺬي ﻋﺒﺪه ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ داود وﺳﻠﻴﻤﺎن .وﻣﻦ املﺆﻛﺪ أﻧﻪ ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﴎاﺋﻴﲇ ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﱪون أن املﺮء ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮن إﴎاﺋﻴﻠﻴٍّﺎ )أو ﻳﻬﻮدﻳٍّﺎ( ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻌﺒﺪ ﻳﻬﻮه؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻬﻢ ﻳﻤﻴﱢﺰون ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻮﻧﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺒﺪوا اﻹﻟﻪ ً وﻓﻀﻼ ﻣﻮﻟﻮخ ،واملﻮآﺑﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺒﺪوا اﻹﻟﻪ ﻛﻴﻤﻮش ،واﻵراﻣﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺒﺪوا اﻹﻟﻪ ﺣﺪد.
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﺷﻜﻞ :1-6أﺛﺮ ﻟﻠﻔﺮﻋﻮن ﻣﺮﻧﺒﺘﺎح ،ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺑﺄن »ﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ﻗﺪ ﺻﺎروا ﻫﺒﺎءً وﺣﺒﻮﺑﻬﻢ ﺑﻘﻴﺖ« ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻨﴫ اﻟﻌﺴﻜﺮي ملﴫ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ ﺣﻮاﱄ ﻋﺎم ١٢٠٧ﻗﺒﻞ املﻴﻼد.
ﻋﻦ ﻫﺬا ،ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻋﺒﺎدة ﻳﻬﻮه دﻋﻤﺖ وﺟﻮد واﺳﺘﻤﺮار اﻷﻣﺔ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ ﺧﻼل ﻋﺼﻮر اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺒﺎﺑﲇ واﻟﻔﺎرﳼ واﻟﺴﻠﻮﻗﻲ واﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ. وﺗُﻤَ ﺜﱢﻞ ﻋﺒﺎد ُة ٍ إﻟﻪ واﺣ ٍﺪ ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺎﳼ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ واﺣﺪ — ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻋﺒﺎدة »ﻳﻬﻮه« ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴني أو اﻹﻟﻪ ﻛﻴﻤﻮش ﻣﻦ املﻮآﺑﻴني؛ وﻣﻦ ﺛﻢ اﺳﺘﺒﻌﺎد ﻋﺒﺎدة ٍ إﻟﻪ آﺧﺮ ﻟﺪى ﻣﺠﺘﻤﻊ آﺧﺮ دون إﻧﻜﺎر وﺟﻮده — ﺗﻄﻮ ًرا ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ وﺟﻮد أﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ. ﻣﻌني وﺑﺎﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي ﻳﺴﻜﻦ ذﻟﻚ وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن ﻋﺒﺎدة اﻹﻟﻪ ﻣﺤﺪﱠدة ﺑﺈﻗﻠﻴ ٍﻢ ﱠ ٍ ٌ ﺗﻮاﻓﻖ أو اﺗﱢﺤﺎ ٌد ﺑني اﻟﺪﱢﻳﻦ واﻷﻣﺔ؛ إذ ﻳﺪﻋﻢ ذﻟﻚ اﻟﺪﱢﻳ ُﻦ اﻷُﻣﱠ ﺔ؛ ﻷن ﻋﺒﺎدة اﻹﻗﻠﻴﻢ ،ﻳﻜﻮن ﺛﻤﺔ اﻹﻟﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺑﻮﺻﻔﻪ إﻟﻬً ﺎ ﻟﻠﺒﻼد ﺗﻮﺣﱢ ﺪ اﻟﺒﻼد وﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﰲ ﻣﺠﺘﻤﻊ إﻗﻠﻴﻤﻲ ﻟﻸﻣﺔ ﻣﻮﺣﱠ ٍﺪ ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ 80
اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ
ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ .وإﻧﻪ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻓﻘﻂ )أي اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺈﻟﻪ واﺣﺪ( ،ﻳﻜﻮن ﺛﻤﺔ إﻧﻜﺎر ﻟﻮﺟﻮد آﻟﻬﺔ أﺧﺮى ،ﻋﻘﺎﺋﺪﻳٍّﺎ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ؛ إذ ﺗُﻌﺘﱪ ﺣﻴﻨﺌﺬ أوﺛﺎﻧًﺎ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺤﺘﻰ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺻﺎر اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﻮن اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻣﻮﺣﱢ ﺪﻳﻦ ﻟﻺﻟﻪ ،اﺳﺘﻤﺮت ﻋﺒﺎدة »ﻳﻬﻮه« ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴني اﻟﻘﺪﻣﺎء، ﺛﻢ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﻴﻬﻮد ﺑﻌﺪﻫﻢ ،ﺗﺤﻮي أﻓﻜﺎ َر اﻟﺸﻌﺐ املﺨﺘﺎر وأرض املﻴﻌﺎد وﻣﺎ ﻳﻔﱰض ﻣﻦ ﻧ َ َﺴ ِﺒﻬﻢ ﻹﺑﺮاﻫﻴﻢ وﻣﻦ ﺑﻌﺪه إﺳﺤﺎق وﻳﻌﻘﻮب ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻣﻴﱠﺰ أوﻟﺌﻚ املﻮﺣﱢ ﺪﻳﻦ ﻛﺄﻣﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺎد اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﻠﺮب اﻟﻮاﺣﺪ. وﻛﻤﺎ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓﻔﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻨﻬﺎﱄ وأﺛﻨﺎﺋﻪ ،ﻛﺎن اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﻧﴩ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺒﻮذﻳﺔ ﰲ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﺰﻳﺮة .وﻳﻌﺘﻤﺪ ﻏري اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﴪﻳﻼﻧﻜﺎ ﻏريَ ٍ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻴﺎﺑﺎن املﺴﺘﻤﺮ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻟﻴﺲ ﺑﻘﻠﻴﻞ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻨﺎء اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ،ﻋﲆ ﻋﺒﺎدة ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻵﻟﻬﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ املﺴﻤﺎة »ﻛﺎﻣﻲ«؛ وﻫﻲ اﻵﻟﻬﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻠﻌﺸﺎﺋﺮ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ ،وﺗﺤﻮﻳﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎدة إﱃ دﻳﺎﻧﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺒﺎدة ﻣﺎ أﺳﻤﻮﻫﺎ إﻟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺲ أﻣﺎﺗرياﺳﻮ .وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ اﺗﺨﺬت املﻤﺎﻟﻚ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ ﻓﻮادﻳﺴﻮاف اﻷول واﺑﻨﻪ ﻛﺎزﻳﻤري ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ املﻴﻼدي ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺎدة ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺑﻴﺎﺳﺖ ﻣﺮﺟﻌً ﺎ ﻟﻬﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ً ﻋﺎﻣﻼ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﺳﺘﻌﺎدة ﺗﻠﻚ ،وﺑﺪأ اﻷﻣﺮ ﰲ ﺷﻜﻞ ﻣﺤﻤﻴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﺗﺸ ﱢﻜﻞ ﺑﺎﺑﻮﻳﺔ ،ﺛﻢ ﺑﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻮﻟﻨﺪا ﻋﻦ أملﺎﻧﻴﺎ اﻟﻠﻮﺛﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻨﺪ ﺣﺪودﻫﺎ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وروﺳﻴﺎ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺣﺪودﻫﺎ اﻟﴩﻗﻴﺔ. وﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻻت ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺣﺎﻻت أﺧﺮى؛ ﻣﺜﻞ ﺗﺤﻮﱡل أرﻣﻴﻨﻴﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ إﱃ ٍ ﻛﻌﺎﻣﻞ ﰲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﻦ اﻷرﺛﻮذﻛﺲ اﻟﴩﻗﻴني ،ﻧﺠﺪ أن دور اﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻴﺔ وﺗﺸﻜﻴﻞ ٍ ً ﻧﺸﻮء اﻻﻟﺘﺤﺎم اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ اﻟﻨﺴﺒﻲ ﻟﻬﺬه املﺠﺘﻤﻌﺎت — اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻣﺠ ﱠﺰأة ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ ﻟﺘﺘﺤﻮ َل إﱃ أﻣﻢ — وﰲ اﺳﺘﻤﺮار ذﻟﻚ اﻻﻟﺘﺤﺎم ،ﻗﺪ ﺳﺎﻋﺪﺗﻪ اﻻﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌﺘﻬﺎ املﺮاﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت رﺳﻤﻴﺔ وﻣﻬﻴﻤﻨﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ .وﻣﻊ ذﻟﻚ، ٌ ﺗﻌﻘﻴﺪات ﺑﺨﺼﻮص إﺳﻬﺎم اﻟﺪﻳﻦ ﰲ اﻟﺘﺤﺎم ﻫﺬه اﻷﻣﻢ؛ ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل، ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ إﴎاﺋﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎن ﻫﻨﺎﻟﻚ اﻟﺴﺎﻣﺮﻳﻮن ﻣﻤﱠ ﻦ ﻳﻌﺒﺪون ﻳﻬﻮه أﺛﻨﺎء ﻋﴫ املﻌﺒﺪ ً ري ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺜﺎﻧﻲ .وﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن ،اﻋﺘُﱪت اﻟﺒﻮذﻳﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﺧﻼل ﺟﺰءٍ ﻛﺒ ٍ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺒﻮذﻳﺔ ،ﻛﺎن ﻫﻨﺎك اﻟﺘﺎﻣﻴﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺎرﺳﻮن اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﻬﻨﺪوﺳﻴﺔ، وﻫﻨﺎك ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﻬﻨﺪوﺳﻴﺔ أُدﺧِ ﻠﺖ ﺿﻤﻦ اﻟﺒﻮذﻳﺔ اﻟﺴﻨﻬﺎﻟﻴﺔ .وأﻣﺎ ﻋﻦ ٌ أﻗﻠﻴﺎت ﻳﻬﻮدﻳ ٌﱠﺔ وﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ. ﺑﻮﻟﻨﺪا اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك 81
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﻷﻣﺔ وﺗﻮﺣﻴﺪ اﻹﻟﻪ َ اﻟﻬﺪف ﻣﻦ وﺟﻮده ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة؛ ﻫﻨﺎك ﻣَ ﻴ ٌﻞ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻷن ﻳﺼﻮغ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﻋﺎد ًة ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ﺑﺴﺎﺋﺮ املﺠﺘﻤﻌﺎت؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻣﻮﻗﻊ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن وﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ﱠ ﺗﺘﻌﻘﺪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻷﻣﺔ ﰲ اﻟﻨﻈﺎم املﺘﺼﻮﱠر ﻟﻠﻜﻮن .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻌﻨﺪ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻫﺬا اﻟﻬﺪف، واﻟﺪﻳﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﺪﻳﻦ ﺗﻮﺣﻴﺪﻳٍّﺎ )أي ﻗﺎﺋﻤً ﺎ ﻋﲆ ﻋﺒﺎدة إﻟﻪ واﺣﺪ(؛ وﻫﺬا ﻷن اﻹﻳﻤﺎن ٍ ﺑﺈﻟﻪ واﺣ ٍﺪ ﻳﺆ ﱢﻛﺪ وﺣﺪة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻻ ﺗﻤﺎﻳﺰ اﻷﻣﺔ ﻛﻜﻴﺎن ﻣﺴﺘﻘﻞ. واﺿﺢ ﺑﺸﻜﻞ وﺗﺘﺼﻒ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ﻟﻺﴎاﺋﻴﻠﻴني اﻟﻘﺪﻣﺎء واﻟﻴﻬﻮد ٍ ٍ ﺑﻮﺟﻮد ﻓﻜﺮﺗَ ْني؛ ﻫﻤﺎ »اﻟﺸﻌﺐ املﺨﺘﺎر« و»أرض املﻴﻌﺎد« .وﺗﺮﺑﻂ ﻫﺎﺗﺎن اﻟﻔﻜﺮﺗﺎن ﻣﻌً ﺎ ﻫﺪﻓني ﻳﺨﺘﺼﺎن ﺑﻮﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎن؛ وﻫﻤﺎ: ) (١اﺳﺘﻤﺮار اﻷﻣﺔ ﻋﲆ أﺳﺎس اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ )ﺳﻔﺮ اﻟﺘﺜﻨﻴﺔ ،اﻹﺻﺤﺎح :٣٠ » :٢٠-١٩ﻓﺎﺧﱰ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻜﻲ ﺗﺤﻴﺎ أﻧﺖ وﻧﺴﻠﻚ … ﻋﲆ اﻷرض«(. ) (٢اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ ﻧﻈﺎ ٍم ﺳﻠﻴ ٍﻢ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﻳﻜﻮن ﻋﺎملﻴٍّﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﱠﻀﺢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻹﻟﻪ اﻟﻮاﺣﺪ. ً واﺿﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ املﻔﺎﻫﻴﻤﻴﺔ؛ وﻻ ﺗﺤﺘﺎج ﺻﻔﺔ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﺗﻠﻚ إﱃ أن ﺗﻜﻮن ً ﻓﻤﺜﻼ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳُﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ واﻟﺒﻮذﻳﺔ ،املﻮﺣﱢ َﺪﻳْﻦ ﻟﻠﻤﻌﺒﻮد ،ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر اﻟﺘﺎرﻳﺦ املﻘﺎﺑﻞ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ ﺑﻮﻟﻨﺪا وﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﺗُﻌَ ﺪﱠان ً أﻳﻀﺎ ﺣﺎﻟﺘَ ْني ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻬﻤﺎ املﻌﺘﻘﺪات اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻣﺘﻀﺎﻓﺮ ًة ﻣﻊ ﻣﻔﻬﻮم اﻷﻣﺔ .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ،إن اﻟﺒﻮذﻳني اﻟﺴﻨﻬﺎﻟﻴني اﻟﻴﻮم ً ﺣﺎﻣﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ. ﻳﻌﺒﺪون ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ »اﻵﻟﻬﺔ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﻀﺎﻣﻨﺔ« اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﱠ َ وإذا وﺿﻌﻨﺎ ﰲ اﻋﺘﺒﺎرﻧﺎ ً أدﻟﺔ إﺿﺎﻓﻴ ًﱠﺔ ﻓﺴﻮف ﱢ ﻳﻮﺿﺢ ﻫﺬا اﻟﻌﻼﻗﺔ املﻌﻘﺪة ﺑني اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ واﻷﻣﺔ .ﺗﺘﻀﻤﱠ ﻦ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ أن ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﰲ أﺛﻨﺎء ﺣﺼﺎر ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻵﻓﺎرﻳني واﻟﻔﺮس ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس وأواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ املﻴﻼدي ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎﺗﻞ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ املﺪاﻓﻌني ﻋﻦ املﺪﻳﻨﺔ أﻣﺎم أﺳﻮار ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺑﻼﺷريﻧﻲ؛ ﺣﻴﺚ ﻳُﻔﱰض أن ﻛﻔﻨﻬﺎ ﻗﺪ و ُِﺿﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ وﻗﺖ ﺳﺎﺑﻖ .وﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﻬﺬا ﻧﺒﻌﺖ اﻟﻔﻜﺮ ُة ﺑﺄن ﻣﺮﻳﻢ »أم املﺴﻴﺢ« ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ اﻟﺤﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ .ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ﱢ ﺗﺠﲇ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻋﺎم ١٦٥٥ﻋﲆ ﺟﺪران دﻳﺮ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﺸﻴﺴﺘﻮﺧﻮﻓﺎ ﻟﺘﻬﺰم ﻏﺰاة ﺑﻮﻟﻨﺪا ﻣﻦ اﻟﺴﻮﻳﺪﻳني؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﺸﺄ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن ﻣﺮﻳﻢ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎﻣﻴﺔ ﻟﺴﻼﻣﺔ ﺑﻮﻟﻨﺪا اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ. 82
اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ
ٌ ملﺠﺘﻤﻊ إﻗﻠﻴﻤﻲ. أﻣﺜﻠﺔ ﻛﺜري ٌة ملﻌﺒﻮد أو ﻣﻌﺒﻮدة ﻳُﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺣﺎﻣﻴًﺎ وﻫﻨﺎك ٍ ً ُﺤﺴ ً ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﻛﺜﺮﻫﺎ ﺷﻬﺮ ًة ﻫﻮ اﻋﺘﺒﺎر اﻹﻟﻬﺔ أﺛﻴﻨﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴني ﻣ ِ وﺣﺎﻣﻴﺔ ﻷﺛﻴﻨﺎ ﻨﺔ ً ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻋﲆ ﺗﻌﺪﱡد اﻵﻟﻬﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ُ اﻻﻋﺘﻘﺎدات ﰲ اﻷﻓﻌﺎل املﻔﱰَﺿﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﰲ ﺗﺸﻴﺴﺘﻮﺧﻮﻓﺎ ،أو ﺗُﻌَ ﱡﺪ ً أﻣﺜﻠﺔ ﻹﺳﻬﺎﻣﺎت دﻳﺎﻧﺎت ﺗﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﰲ ﺗﻘﻮﻳﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﺑﻮذا ﰲ اﻷﺳﺎﻃري اﻟﺴﻨﻬﺎﻟﻴﺔ، واﺳﺘﻤﺮار اﻟﺤﺪود املﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ؛ أي اﻹﻗﻠﻴﻢ املﺤﺪﱠد ﻟﺘﻠﻚ اﻷﻣﺔ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ .ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﴩﻛﻴﺔ ﻟﻠﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ؟ ﻓﻠﻤﺎذا ﻓﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻹﺳﻬﺎﻣﺎت ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺗﻬﺪﻳﺪًا ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ﱢ ْ ﺗُﺒﺪي اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء »أم املﺴﻴﺢ« أي ﺗﻔﻀﻴﻞ ﻟﺒﻮﻟﻨﺪا ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ اﻹﻟﻬﺔ أﺛﻴﻨﺎ ﻣﻊ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺛﻴﻨﺎ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ؟
ﺷﻜﻞ :2-6ﻟﻮﺣﺔ ملﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﰲ دﻳﺮ ﺗﺸﻴﺴﺘﻮﺧﻮﻓﺎ )اﻟﻌﺬراء اﻟﺴﻮداء( .وﰲ ﻋﺎم ١٧١٧ أﻋﻠﻦ املﻠﻚ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪي ﻛﺎزﻳﻤري اﻋﺘﺒﺎر ﻣﺮﻳﻢ ﻣﻠﻜﺔ ﻟﺒﻮﻟﻨﺪا.
ﻟﻨﺴﺘﻌﺮض اﻵن اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺿﻬﺎ اﻷﻣﺔ ﺗﺠﺎه اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻣﻦ زاوﻳﺔ ٍ ٍ ٍ وﺗﻀﺤﻴﺎت ﺑﻄﻮﻟﻴ ٍﺔ ﺣﺮﺟﺔ ﻟﺤﻈﺎت أﺧﺮى .ﻓﺒﻌﺾ اﻷﻣﻢ ﺗﺤﺘﻔﻲ ﺑﺎملﺎﴈ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ 83
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﺑﻮﺿﻊ »ﻗ ٍﱪ ﻟﻠﺠﻨﺪي املﺠﻬﻮل« ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ إﻧﺠﻠﱰا ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻋﻨﺪ دﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻦ اﻷﻣﺔ ِ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ وﺳﺘﻤﻨﺴﱰ ﰲ ﻟﻨﺪن ،وﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﻮس اﻟﻨﴫ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ،واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻋﻨﺪ ﻣﻘﱪة أرﻟﻨﺠﺘﻮن اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻗﺮب واﺷﻨﻄﻦ ،واﻟﻴﺎﺑﺎن ﻋﻨﺪ ﴐﻳﺢ ﻳﺎﺳﻮﻛﻮﻧﻲ ﰲ وأﺑﻄﺎل اﻷﻣﺔ املﺠﻬﻮﻟني ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻌﺘﻘﺪ أﻧﻬﻢ ﻃﻮﻛﻴﻮ .إذ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻫﺬه املﻘﺎﺑﺮ ﻣﻌﺎﻟ َﻢ ﻟﻸﺳﻼف ِ ﱡ ً ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻟﻸﻣﺔ ﰲ اﻟﺤﺮوب. ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن اﻟﺘﺒﺠﻴﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﺑﺬﻟﻬﻢ أرواﺣﻬﻢ
ً ﺗﺤﻴﺔ ﻟﻸرواح املﻘﺪﺳﺔ ﺷﻜﻞ :3-6ﴐﻳﺢ ﻳﺎﺳﻮﻛﻮﻧﻲ ﰲ ﻃﻮﻛﻴﻮ ،اﻟﺬي ﺑﻨﻲ ﰲ ﻋﺎم ١٨٦٩ ملﻦ ﺿﺤﻮا ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﰲ اﻟﺤﺮب.
وﺿﻤﻦ اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ،ﻻ ﻳُﻌَ ﺪ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻘﻄﻮا ﰲ ﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻟﻘﺘﺎل وﺗُﺨ ﱠﻠﺪ ذﻛﺮاﻫﻢ ﺑﻘﺒﻮر اﻟﺠﻨﺪي املﺠﻬﻮل ،ﻣﻦ اﻵﻟﻬﺔ؛ إذ ﻛﺎﻧﻮا ﻳُﻌَ ﺪون ﻣﻦ اﻟﺒﴩ اﻟﻌﺎدﻳني ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗُﻌﺘﱪ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﺟﱠ ﻪ اﻟﻜﺜريُ ﻣﻦ املﺴﻴﺤﻴني إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻼة ذات ﻗﻮة ﻏﻴﺒﻴﺔ .وﺛﻤﺔ ٌ أﻫﻤﻴﺔ ملﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ؛ ﻷﻧﻪ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺮﻳﻢ ﻓﻨﺤﻦ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ املﻔﺎﻫﻴﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ،إﻻ أﻧﻪ ﺛﻤﺔ ﻫﺎﻟﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻘﱪ اﻟﺠﻨﺪي املﺠﻬﻮل؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺸﻮﱢش ﻫﺬا اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ. ﱠ إن ﺟﻮﻫﺮ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻳﺴﻤﻮ ﻓﻮق ﻣﺴﺘﻮى ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ؛ ﻓﻬﻮ إﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻮﺟﻮ ٍد ﻏﻴﺒﻲ ﻣﺜﻞ اﻟﺠﻨﺔ أو اﻟﻨريﻓﺎﻧﺎ ،أو ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺰﻣﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺼري اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻏري اﻟﺪﻧﻴﺎ ،أو ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﱟ ُ ً ﺑﻘﻮة ﻏﻴﺒﻴﺔ .وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻫﻨﺎك أﻳﻀﺎ ﻋﻨﺎﴏ ﺗﺨﻴﱡﻠﻴﺔ ﰲ اﻷﻣﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗ ﱢ ﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ 84
اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ
وﺗﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ً ﱢ أﻳﻀﺎ اﻟﻘﺮاﺑﺔ املﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ،وﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ املﺆﻛﺪة ﺑني اﻟﺤﺎﴐ واملﺎﴈ، ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﺨﱪة اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻷي إﻧﺴﺎن .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﻣﻮﺿﻮع ﻫﺬا اﻟﺴﻤﻮ؛ أي ً أﻣﺜﻠﺔ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻴﻬﺎ املﺠﺘﻤﻌﺎت املﺠﺘﻤﻊ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻟﻸﻣﺔ ،ﻫﻮ أﻣ ٌﺮ دﻧﻴﻮي ،إﻻ أﻧﻨﺎ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ املﻨﺘﻤﻴﺔ إﱃ دﻳﺎﻧﺎت ﺗﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﱢ ﺑﺒﺚ اﻟﻐﻤﻮض ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ واﻟﺪﻧﻴﺎ؛ إذ ﻋﻤﻠﻮا ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻜ ﱢﺮ ٍر ﻋﲆ ﺗﻜﻴﻴﻒ أﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، وﺳﻮف ﻧﺘﺤﻮﱠل ﺑﺎملﻨﺎﻗﺸﺔ ملﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻜﻴﱡﻒ اﻟﺬي ﻳﺸﻤﻞ ً أﻳﻀﺎ ﻗﺒﻮ َر اﻷﺑﻄﺎل. ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﺪﱢﻳﺴني ُ املﺴﻴﺤﻴﺔ املﺒ ﱢﻜﺮة ﺗﺴﺨﺮ ﱟ ﺑﺤﻖ ﻣﻦ ﻋﺒﺎدة ﻗﻴﺎﴏة ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻜﻴﱡﻔﺎت ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮوﻣﺎن واﻋﺘﺒﺎرﻫﻢ ً آﻟﻬﺔ؛ إذ اﻋﱰﺿﺖ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎول رﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻜﺎﺋﻦ ٌ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻌﻞ ،وﻫﻲ ﻋﺒﺎدة اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ اﻟﺒﴩي ﺑﺘﺄﻟﻴﻬﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك املﻴﺖ .إﻻ أﻧﻪ ﺧﻼل ﺗﺎرﻳﺦ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻋﴫﻫﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻇﻬﻮر ﺻﻮرة ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻹﻋﻼء ﰲ ﺷﻜﻞ »ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﺪﻳﺴني« .وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎن ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﺪﻳﺴني ﻳُﻤﺜﱢﻞ ﺗﻜﻴ ًﱡﻔﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻣﻊ اﻷﻣﺔ .ﻓﻜﻴﻒ ذﻟﻚ؟ ً ٍّ ﺳﺒﻴﻼ إﱃ اﻟﺮب؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺧﺎﺻﺎ ﻳَﻠﺘﻤﺲ ﻋﻨﺪه اﻟﻌﺎﺑﺪ ﻳُﻌﺘﱪ املﺬﺑﺢ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻋﻼﻗﺔ رأﺳﻴ ٌﱠﺔ ﺑني اﻟﻌﺎﺑﺪ ُ ٌ وﻗﺪﱡوس اﻟﺴﻤﺎء ،إﻻ أﻧﻪ ﰲ ﻇﻞ ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﺪﻳﺴني ﻳﺘﺤﻮل ﻗﱪُ ً وﺻﻮﻻ إﱃ اﻹﻟﻪ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺤﺪث ارﺗﺒﺎط ﻋﲆ ﻣﻮﻗﻊ آﺧﺮ ﻳَﻠﺘﻤﺲ ﻋﻨﺪه اﻟﻌُ ﺒﱠﺎد اﻟﻘﺪﻳﺲ إﱃ ٍ ﻣﻤﺜﻼ ﺑﻄﻮﻟﻴٍّﺎ ً ً أﻳﻀﺎ ﻟﻸﻣﺔ ،ﻓﺈن اﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﺑني اﻟﻘﱪ واملﺬﺑﺢ .وﻟﻜﻦ إذا ﻛﺎن اﻟﻘﺪﻳﺲ ٍ ﻻ ﺗﻘﺘﴫ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻋﲆ إﻟﻪ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻻ ﺗﻈﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﻌﺎﺑﺪ واﻟﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،ﻣﻦ ﻫﺬا املﻨﻄﻠﻖ ،رأﺳﻴ ًﱠﺔ ،ﺑﻞ ﻫﻲ أﻓﻘﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ؛ ﻷن ﻗﺪﺳﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ املﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء ﻳُﻌﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻀﻤﱠ ﻦ ﻣﺮﺟﻌﻴ ًﱠﺔ ﻟﻸﻣﺔ .وﻳُﻨﻈﺮ إﱃ ﻗﺪﺳﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﺨ ﱠﻠﻞ إﻗﻠﻴ َﻢ اﻷﻣﺔ؛ وﻫﻲ اﻟﻘﺪﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﱠﺒﺘﻬﺎ أﻓﻌﺎل ذﻟﻚ اﻟﻘﺪﻳﺲ. ﻟﻨﺄﺧﺬ ً ﻣﺜﻼ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺘﺎﺳﻊ ) ١٢٧٠–١٢٢٦ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( اﻟﺬي ﺟﺮى ﺗﻄﻮﻳﺒﻪ )إدراﺟﻪ ﰲ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻘِ ﺪﱢﻳﺴني( ﰲ ﻋﺎم ١٢٩٧ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ .ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﺑﺘﻄﻮﻳﺐ ذﻟﻚ املﻠﻚ ً ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء؛ ﻣﻤﺎ أﺿﻔﻰ ﺑﻌﺪ رﺣﻴﻠﻪ ،اﻋﺘُﱪت اﻷﴎة اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ )اﻟﻜﺎﺑﺘﻴﻮن( ً ﴍﻋﻴﺔ دﻳﻨﻴ ًﱠﺔ ﻋﲆ ﺣُ ﻜﻢ ﺗﻠﻚ ﱡ اﻟﺴﻼﻟﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ .ووُﺿﻊ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ رﻓﺎت ذﻟﻚ املﻠﻚ ﰲ أدﻳﺮة ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﰲ ﺷﺘﻰ أﻧﺤﺎء اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﻔﺮﻧﴘ؛ ﻣﻤﺎ أﺿﻔﻰ دﻋﻤً ﺎ دﻳﻨﻴٍّﺎ ﻟﻠﻮﺣﺪة اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻠﻤﻤﻠﻜﺔ. 85
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
وﻫﺬا ﻳﺬ ﱢﻛﺮﻧﺎ ﺑﻤﻮﺿﻮع ﻧﺜﺮ رﻓﺎت ﺟﺜﻤﺎن اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺳﺘﺎﻧﻴﺴﻮاف ﰲ أﻧﺤﺎء إﻗﻠﻴﻢ ﺑﻮﻟﻨﺪا، ورﻓﺎت ﺑﻮذا اﻟﺬي ُو ﱢزع ﻋﲆ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﴐﺣﺔ ﰲ ﺷﺘﻰ أﻧﺤﺎء ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ. وأﻗﻮل إن ﻧﻄﺎق اﻟﻘﻮة املﺘﺼﻮﱠرة ﻟﻠﺒﻄﻞ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ املﻴﺖ ،اﻟﺬي ﺻﻌﺪ ﻋﲆ ﺟﺒﻞ اﻷوﻟﻴﻤﺐ، ﻛﺎن ﰲ أرض اﻟﺪوﻟﺔ املﺪﻳﻨﺔ؛ ﺣﻴﺚ دُﻓﻨﺖ ﻋﻈﺎﻣﻪ .وﻫﺬا اﻹﺿﻔﺎء ﻟﺼﻔﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﻮ ٍة اﻋﺘُﱪت ﻓﻮق ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ؛ ﻣﺸﺎﺑ ٌﻪ ﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﻮﻣﻲ املﺴﻴﺤﻲ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا أن اﻷرض ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻫﻲ أرض اﻷﻣﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮن ملﺪاﻫﺎ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ اﻵن ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﺜﺮ أﺟﺰاء ﻣﻦ ﺟﺜﻤﺎن املﻴﺖ ﰲ أﻧﺤﺎء اﻷرض واﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ رﻓﺎﺗًﺎ دﻳﻨﻴٍّﺎ .ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺤﻮل ﻣﻠﻚ اﻷﻣﺔ أو ﺑﻄﻠﻬﺎ إﱃ ﻗﺪﻳﺲ ،ﻓﺈن اﻷﻣﺔ ﻗﺪ ارﺗﺒﻄﺖ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺑﻨﻈﺎم اﻟﻜﻮن اﻟﺨﺎﻟﺪ؛ ﻣﻤﺎ ﻳُﺴﻬﻢ ﰲ ﺗﱪﻳﺮ ﺗﻤﻴﱡﺰﻫﺎ اﻟﺜﻘﺎﰲ املﺤﺪﱠد إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ. اﻷﻣﺔ واﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ٍ أﻣﺜﻠﺔ ﻋﲆ اﻋﺘﺒﺎر ﻣﺮﻳﻢ إن ﺗﻜﻴﱡﻒ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻣﻊ اﻷﻣﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ً ﺣﺎﻣﻴﺔ ﻟﺒﻮﻟﻨﺪا ،وﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻫﺎ ٍة ﻟﻌﻼﻗﺔ إﻟﻬﺔ أﺛﻴﻨﺎ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ أﺛﻴﻨﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، واﻟﺼﻮرة اﻷﺧﺮى ﻟﻠﺮﻓﻊ اﻟﻮﺛﻨﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن إﱃ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺳﻤﺎوﻳﺔ ﺑﺘﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﺪﻳﺴني ،ﻳﺆدﻳﺎن إﱃ ﺳﺆال ﻣﺴﺘﻔﺰ :ﻫﻞ ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻷﻣﺔ اﻟﻴﻮم اﺳﺘﻤﺮا ًرا ﻟﻠﻮﺛﻨﻴﺔ ﺿﻤﻦ ﺣﻀﺎرات زﻣﻨﻨﺎ اﻟﺤﺎﱄ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﻴﱠﻔﺖ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ؟! ﺗﻌﺘﻤﺪ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﻋﲆ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻓﻬﻢ املﻘﺎﺑﻞ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻟﻠﻔﻆ وﺛﻨﻲ ،وﻫﻮ pagan؛ ﺣﻴﺚ ﺗُﺸﺘﻖ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻔﻆ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ paganusاﻟﺬي ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺮوﻣﺎن اﻻﻧﺘﻤﺎء إﱃ اﻟﺮﻳﻒ أو إﱃ اﻟﻘﺮﻳﺔ؛ أي أن ﻳﻜﻮن املﺮء رﻳﻔﻴٍّﺎ أو ﻓﻼﺣً ﺎ .وﺣﻴﺚ إن املﺴﻴﺤﻴني اﻷواﺋﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﻴﻠﻮن ﻟﻠﻌﻴﺶ ﰲ املﺪن ،ﻓﺈن ﻟﻔﻆ ً ﺷﺨﺼﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﺴﻴﺤﻴٍّﺎ ،ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻌﻴﺸﺘﻪ ﰲ اﻟﺮﻳﻒ ،وﻳُﺤﺘَﻤﻞ أن ﺳﻜﺎن paganﺻﺎر ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﱠ ٍﺔ أﻛﺜ َﺮ وﻓﺎءً ﻵﻟﻬﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﰲ دﻳﺎﻧﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﺬ ً ٍ آﻟﻬﺔ ﻣﺘﻌﺪﱢد ًة اﻟﺮﻳﻒ ﺑ َُﻘﻮا )وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻼﺣﻆ املﺮء ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻟﺮﺑﻂ ﺑني اﻟﻔﻼﺣني وﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ آﻟﻬﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺧﺼﻮﺑﺔ اﻷرض؛ وﻫﻮ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ اﻟﺬي ﻇﻬﺮ ﰲ أﻗﻮى ﺻﻮره ﻟﺪى أﺻﺤﺎب املﺪرﺳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻋﺘﻘﺪوا أن اﻷﻣﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻟﺪى اﻟﻔﻼﺣني(. وﻣﻤﱠ ﺎ ﻳﻤﻴﺰ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﻣﺎ ورد ﰲ ﻛﻠﻤﺎت ﺳﻴﻤﺎﻛﻮس اﻟﻮﺛﻨﻲ ،ﺣﺎﻛﻢ روﻣﺎ )ﻋﺎم ٣٨٤ ﺷﻌﺐ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ ٍ إﻟﻪ أو ﻗ ﱠﻮ ٍة ﺳﻤﺎوﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻟﺘﻌﺘﻨﻲ ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ(» :ﻳﺤﺼﻞ ﻛ ﱡﻞ ٍ ﺑﻤﺼريه« ،ﻛﻤﺎ اﺗﺨﺬ اﻷﺛﻴﻨﻴﻮن رﺑﱠﺘﻬﻢ أﺛﻴﻨﺎ .وﺑﻌﺪ اﻹﻣﱪاﻃﻮر أﻏﺴﻄﺲ ،ﺻﺎرت ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮة ﻓﻮق اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗُﻌ َﺰى إﱃ اﻹﻣﱪاﻃﻮر اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره املﺴﺌﻮل ﻋﻦ ﻣﺼري اﻟﺸﻌﺐ 86
اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ
ﱠ املﺘﻮﻗﻌﺔ ﰲ إﻋﻼء اﻹﻣﱪاﻃﻮر ْ ﱢ ﻣﺼﺎف ورﻓﻌِ ﻪ إﱃ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ .ووﺻﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر إﱃ ﻧﺘﻴﺠﺘﻪ اﻵﻟﻬﺔ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ اﻋﺘﱪوا اﻹﻣﱪاﻃﻮر ،ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺣﺎﻛﻤً ﺎ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﻣﻘﺪ ًﱠﺳﺎ ،اﻋﺘﱪوا اﻟﺪوﻟﺔ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻘﺪﱠﺳﺔ .وﰲ أﻋﻘﺎب اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ واﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﻛﺎن ﻟﻔﻆ »وﺛﻨﻴﺔ« ﻳُﺴﺘﻌﻤﻞ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻟﻮﺻﻒ َ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ .وﻫﻮ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﺗﻌﻈﻴﻢ اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺒﺎدة؛ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻔﻮق أيﱡ ﳾءٍ ﰲ أﻫﻤﻴﺘﻪ ﻣﻨﻄﻘﻲ ،ﻳﺪل ﻋﲆ املﺨﺎوف اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﰲ وﺟﻪ اﻟﺒﴩ ﻋﻨﺪﻣﺎ أُﻧﻜِﺮت اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ — ﻻ ﺳﻴﻤﺎ أن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﴩ ﻗﺪ ُﺧﻠِﻘﻮا ،وﻗﺪ واﻓﻘﺖ ﻗﻴﻤُﻬُ ﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ وﻗﺪراﺗﻬﻢ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻣﺎ ارﺗﻀﺎه ﻟﻬﻢ اﻹﻟﻪ — ﺑﻌﺪ أن ُرﻓﻊ ﺷﺄن اﻷﻣﺔ ﻓﻮق ﻛﻞ اﻻﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻷﺧﺮى؛ وﻣﻦ ﺛﻢ أﺻﺒﺤﺖ ﺗُﻌﺒَﺪ وﻛﺄﻧﻬﺎ إﻟﻪ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،أرﻏﺐ ﰲ أن أُﻧﺤﱢ ﻲ ﻛﻞ ﻫﺬا ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻷر ﱢﻛﺰ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﺎدر إﱃ اﻷذﻫﺎن ً أﻳﻀﺎ ُ ﻣﻦ ﻟﻔﻆ »وﺛﻨﻴﺔ« ﱢ َ اﻻﻋﱰاف ﺑﺂﻟﻬﺔ ﻣﺘﻌﺪدة ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻷﺳﻼف اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﻷﺣﻘﻖ ﻏﺎﻳﺘﻲ .وﺗﻌﻨﻲ وﻟﻠﺒﻠﺪ .ﻓﻬﺬه اﻵﻟﻬﺔ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﻫﻲ ﺗﻌﺒري رﻣﺰي ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺔ املﻴﻼد اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ .إﻧﻬﻢ ٌ آﻟﻬﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﺤﻴﻮﻳﺔ املﻨﺘﻘﻠﺔ ﻋﱪ اﻷﺟﻴﺎل؛ اﺧﺘﺼﺎﺻﺎﺗﻬﺎ — ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﻮﻣﻲ — ﻣﺤﺪﱠدة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ، ِ ﺳﻠﻄﺎت اﻹﻟﻪ ﰲ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ .وﻣﻦ املﺆﻛﺪ وﻫﺬا ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ﻋﺎملﻴﱠ ِﺔ أو ﻛﻮﻧﻴﱠ ِﺔ ً ْ ٍ وﻟﻜﻦ ﴏاﺣﺔ ﺿﻤﻦ ﺣﻀﺎراﺗﻨﺎ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ، ﻣﻌﱰف ﺑﻬﺎ اﻟﻴﻮم أن ﺗﻠﻚ اﻵﻟﻬﺔ املﺰﻋﻮﻣﺔ ﻏري َأﻻ ﺗﺪﺧ ُﻞ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﻋﻦ آﻟﻬﺔ اﻟﺒﻠﺪ واﻷﺳﻼف ﺿﻤﻨﻴٍّﺎ ﰲ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻴﻮم ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ اﻷم ووﻃﻦ اﻵﺑﺎء؟ وﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﻷﻣﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌً ﺎ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ وﻃﻨﻴٍّﺎ ﻣﺤﺪدًا ﻟﻠﻤﻴﻼد ،أﻻ ﺗﺤﻤﻞ اﻷﻣﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ داﺧﻞ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ؟ ﻓﺮﻏﻢ ﻛﻞ ﳾء ،ﻓﺈن ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻛﺒريًا ً ﺗﺎرﻳﺨﺎ ﻷﻣﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ وﻗﻌﺖ ﰲ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷوروﺑﻲ ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩون ،ﻛﺎن ﺣﺮب ﻣﻊ أﻣﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ أﺧﺮى ،وﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻤﺎ ﺗﺮى أﻧﻬﺎ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ اﻟﻔﺮﻳﺪة ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء ٍ ﱢﻳﺴ َ ﻳﺨﺼﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺪ ِ ﱡ ني ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺼﻮﱠرﻫﺎ .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ،إن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺒﻼد املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﻮﻣﻴﱢ َ ني .وﻳﻤﺜﱢﻞ اﻻﻋﱰاف ﺑﺎﻟﻘﺪﱢﻳﺴني اﻟﻘﻮﻣﻴني ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ املﺒﺎﻳﻌﺔ وإﻇﻬﺎر اﻟﻮﻻء ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ﱡ ﺗﺨﺺ اﻷﻣﺔ. اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ُ ﻻﺣﻈﺖ أﻧﻪ ،ﰲ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺸﻜﻴﻞ أي ﻋﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ ،ﺗﺘﻀﺎﻓﺮ وﻟﻘﺪ ٌ ٌ واﻫﺘﻤﺎﻣﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻌً ﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻓﺈن أﺣﺪ ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﻜﻴﱡﻒ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻣﻊ ﻣﺴﺎع ٍ ً اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ )ﻣﻤﺎ ﻳُﻌﺘﱪ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ وﻓﻘﺎ ﻟﻠﺘﺼﻨﻴﻒ اﻟﺪﻳﻨﻲ( ﻛﺎن اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻤﻨﺢ ﺑﻮﺿﻮح ﰲ اﻟﺪﻋﻢ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺪﻳﻦ .وﻗﺪ ﺣﺪث ﻫﺬا ٍ ﱠ )املﻠﻘﺐ ﺑﻔﻴﻠﻴﺐ اﻟﻮﺳﻴﻢ( اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﺎﺳﺘﻐﻼل ﻣﺎ ﺣَ ِﻈ َﻲ ﻋﻬﺪ املﻠﻚ اﻟﻔﺮﻧﴘ ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺮاﺑﻊ 87
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﺗﻘﺪﻳﺲ ﰲ ﻧﺸﻮءِ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻛﺄُﻣﱠ ٍﺔ .وﻇﻬﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﰲ ﺟَ ﻌْ ِﻞ املﻠﻚ ﺑﻪ ﺟﺪﱡه ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻣﻦ ٍ اﻹﴎاﺋﻴﲇ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﻮﺷﻴﺎ ﻋﺒﺎد َة ﻳﻬﻮه ﰲ املﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ؛ ﻣﻤﺎ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﺟﻌﻞ اﻟﻘﺪس املﺮﻛ َﺰ اﻟﺴﻴﺎﳼ ﻟﻸﻣﺔ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ .ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮ ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﻧﴩ املﻠﻚ داﺛﺎﺟﺎﻣﺎﻧﻲ ﻟﻠﺒﻮذﻳﺔ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب ﱠ ﻣﺬﻫﺐ واﺣ ٍﺪ اﻟﺘﺎﻣﻴﻞ اﻟﻬﻨﺪوس ،وﰲ إﺿﻔﺎء اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻋﲆ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺒﺪأ »ﻧﴩ ٍ ﻓﻘﻂ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﰲ اﻹﻗﻠﻴﻢ ﺣﺴﺐ املﺬﻫﺐ اﻟﺬي ﻳﻌﺘﻨﻘﻪ ﺣﺎﻛﻢ ذﻟﻚ اﻹﻗﻠﻴﻢ« ،وﻗﺪ ورد ﻫﺬا املﺒﺪأ ﰲ اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ أوﺟﺰﺑﻮرج ﻋﺎم ١٥٥٥ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ،وﰲ ﺗﻮﻗري املﻐﺎرﺑﺔ ﻣﻤﺜﱠﻠِني ﰲ املﺮﻳﻨﻴني ﻟﻸﴍاف اﻷدارﺳﺔ ﰲ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ املﻴﻼدﻳ ْﱠني ﻟﺘﻘﻮﻳﺔ ﺻﻮرة املﻐﺮب ُ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب اﻟﻮﻻءات َ ٍ أﻗﻠﻤﺔ ﻟﻠﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻘﺒَﻠﻴﺔ .وﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ ﺟﺮت ﻟﺘﺨﺪم وﺣﺪة اﻷﻣﻢ وﺗُ ﱢ ﺮﺳﺨﻬﺎ. ً وﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻹﴏار ﻋﲆ رﺳﻢ ﺻﻮر ٍة ﻟﻠﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﺤﺎد ﺑني اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ واﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ،ﻗﺪ ﻳﻜﻮن أﻛﺜ َﺮ ﱠ دﻗ ًﺔ أن ﻧﻌﱰف ﺑﻮﺟﻮد ﻧﻤ َ ﻄ ْني دﻳﻨﻴ ْﱠني ﻣﺴﺘﻤ ﱠﺮﻳْﻦ ﻟﻠﺘﻮﺟﱡ ﻪ ﻳﺠﺘﻤﻌﺎن ﻣﻌً ﺎ ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ ﺑﺎﻟﺘﻮﺗﺮ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺣني ﱠ ً ﺗﺤﻘﻖ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﺑني اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ واﻷﻣﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺪر ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﺪﻻﺋﻞ املﻌﻘﺪة ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ،ﺗﺼري املﺸﻜﻠﺔ ﻫﻲ ﺗﻮﺿﻴﺢ واﻟﺪوﻟﺔ .وﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ٍ اﺧﺘﻼف اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻷﻣﺔ واﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﻀﺎرة ﻷﺧﺮى. املﻘﺎرﻧﺔ ﺑني اﻟﺤﻀﺎرات ﱡ ﺗﺨﻒ ﺣ ﱠﺪ ُة اﻟﺘﻮﺗﺮ ﺑني اﻷﻣﺔ واﻟﺪﻳﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﺪودًا إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ؛ أي ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك »إﻟ ٌﻪ ﻟﻠﺒﻼد« ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ املﺘﻌﺪدة اﻵﻟﻬﺔ .وﻫﻨﺎك ﻣﻼﺣﻈﺎت ﻋﺪة ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘِ ﺪَم ﻧﻮ ﱡد أن ﻧﺬﻛﺮﻫﺎ. ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﺎﺋﻊ أن ﻳﻘﻮم ﻋﺎﺑﺪو ﺗﻠﻚ اﻵﻟﻬﺔ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ اﻟﻘﺮاﺑني ﻟﻬﺎ ﺑﻬﺪف اﺳﱰﺿﺎﺋﻬﺎ، آﻣﻠني أن ﺗ ُﺮ ﱠد ﻟﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﻴﻊ ﺑﺈﻧﺰال اﻟﺨري ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ املﻘﺎﺑﻞ .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮاﺑني ﺗﻘﺪﱠم ﻵﻟﻬﺔ اﻟﺨﺼﻮﺑﺔ؛ ﻣﺜﻞ إﻟﻪ املﻄﺮ ﺑﻌﻞ ﻟﺪى ﻣﻤﻠﻜﺔ أوﺟﺎرﻳﺖ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻟﻺﻟﻪ ﺣﺪد ﻋﻨﺪ اﻵراﻣﻴني ،وﺗﻠﻴﺒﻴﻨﻮ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﻴﺜﻴني ،آﻣﻠني أﻧﻬﺎ ﺳﺘﺠﻠﺐ ﻟﻬﻢ املﻄﺮ ﻟﻴﺤﺼﻠﻮا ﻋﲆ ﻣﺤﺼﻮل وﻓري .ﻓﺈذا أﺻﺎﺑﻬﻢ ﻗﺤﻂ أو ﺟﻔﺎف اﻋﺘﻘﺪوا أﻧﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺴﺤﺐ اﻵﻟﻬﺔ ﺗﺄﻳﻴﺪﻫﺎ ﻟﻬﻢ ،أو ﻟﻌﺪم وﺟﻮدﻫﺎ ً أﺻﻼ. وﺣﻴﻨﻤﺎ أﺻﺒﺢ إﻟﻪ املﻄﺮ ﻫﻮ إﻟﻪ اﻟﺤﺮب ،ﺣﺪث ﺗﻄ ﱡﻮ ٌر دﻳﻨﻲ؛ إذ ﻳﺸري اﻟﺠﻤﻊ ﺑني اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ )وﻫﻲ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ املﻄﺮ واﻟﺤﺮب( إﱃ ﺣﺪوث اﻟﺘﺤﺎم أﻛﱪ ﰲ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ؛ 88
اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ
إذ ﻗ ﱠﻠ ْﺖ ﺣ ﱠﺪ ُة اﻟﻔﻮﴇ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ وﺟﻮد آﻟﻬﺔ ﻛﺜرية ،وﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻪ وﻇﺎﺋﻔﻪ ﰲ اﻋﺘﻘﺎدﻫﻢ .وﻳﻼﺣﻆ املﺮء ﱡ ﺗﻮﻗﻊ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر ﰲ ﻗﺼﺔ اﻟﺨﻠﻖ اﻟﺒﺎﺑﻠﻴﺔ »إﻧﻮﻣﺎ إﻟﻴﺶ« ،اﻟﺘﻲ أ ﱠﻛﺪت أﻧﻪ رﻏﻢ وﺟﻮد ﺧﻤﺴني إﻟﻬً ﺎ ،وﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻪ اﺳﻢ ووﻇﻴﻔﺔ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ إﻟ ٌﻪ واﺣ ٌﺪ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﺮدوك .وﻫﺬا اﻻﻟﺘﺤﺎم ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻣﻦ اﻵﻟﻬﺔ ً ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﺗﻄﻮ ًرا ﻧﺤﻮ ﺗﻮﺣﱡ ﺪ ﺛﻘﺎﰲ ﻧﺴﺒﻲ ،وﻫﻮ ﺗﻄ ﱡﻮ ٌر ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﰲ اﻷﺳﺎﻃري ﺣﺮب ﺑني اﻵﻟﻬﺔ اﻷﺻﻐﺮ ﺳﻨٍّﺎ ﺿﺪ اﻷﻛﱪ ﺳﻨٍّﺎ ﻛﻤﺎ ﰲ ﻣﻌﺘﻘﺪات اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﻨﺸﻮب ٍ وﺑﻼد ﻣﺎ ﺑني اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ .وﻻ ﻳﺪل ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺣﱡ ﺪ اﻟﺜﻘﺎﰲ اﻟﻨﺴﺒﻲ ﺑﺎﻟﴬورة ﻋﲆ وﺟﻮد أﻣﺔ؛ ﻓﻜ ﱞﻞ ﻣﻦ ﺳﻮﻣﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻓﺘﻘﺪ وﺟﻮد ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻠﻄﻮي ﻗﺎدر ﻋﲆ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻮﻻءات ﻣﻦ اﻟﻮﻻء ﻟﻠﺪول املﺪن إﱃ اﻟﻮﻻء ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ ﺳﻮﻣﺮ واﻟﻴﻮﻧﺎن ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﱄ ﻛﺄﻣﱠ ﺘَ ْني .إﻻ أن ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺣﱡ ﺪ اﻟﺜﻘﺎﰲ اﻟﻨﺴﺒﻲ املﺤﺪود ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻋﺘﺒﺎره ﺗﻄﻮ ًرا ﻧﺤﻮ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷﻣﺔ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ اﻷﻛﱪ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﰲ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ ﺑﺴﻴﺎدة إﻟﻪ اﻟﺒﻼد ﻧﺤﻮ واﺿﺢ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل، ﻋﲆ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻵﻟﻬﺔ ،ﻳﻜﻮن ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺘﻮﺣﱡ ﺪ اﻟﺜﻘﺎﰲ إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﻋﲆ ٍ ﻗﺪ ﺗﺸري ﻋﺒﺎدة املﴫﻳني ﻟﻺﻟﻪ ﺣﻮرس )املﻘﺪس ﰲ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺒﺤﺮي( ،واﻹﻟﻪ ﺳﺖ )املﻘﺪس ﰲ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﻘﺒﲇ( ،وﺑﻌﺪه اﻹﻟﻪ آﻣﻮن-رع )املﻘﺪس ﰲ ﻃﻴﺒﺔ( ،إﱃ وﺟﻮد أﻣﺔ ﻣﺎ .وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن إﻟ ُﻪ اﻟﺒﻼد ﻫﻮ اﻹﻟﻪ اﻷﺳﺎﳼ اﻟﺬي ﻳُﻌﺒَﺪ ﻫﻨﺎك ،ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻳﺮﺟﱠ ﺢ أن ﺗﺪل ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻘﻴﺪة ﺟﻤﻌﻲ ﺑﺄن ﺷﻌﺒًﺎ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ أرض ،وأن ﺗﻠﻚ اﻷرض ذاﺗﻲ وﻋﻲ ﱞ ﱞ ﻋﲆ وﺟﻮد أﻣﺔ ﻣﺎ .ﻓﻬﻨﺎﻟﻚ ٌ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺷﻌﺐ ،وأن ٍّ ﻛﻼ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺐ وﺗﻠﻚ اﻷرض اﺗﺤﺪا ﰲ أﻣﺔ وﰲ إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺒﺎدة إﻟﻪ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺐ وﺗﻠﻚ اﻷرض. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﺔ ﻃﻘﻮس أﺟﻨﺒﻴﺔ ﻳﻤﺎرﺳﻬﺎ أﻫﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﻮﻧﻮس ،وﻟﻜﻨﻬﻢ اﻧﻘﻠﺒﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻗ ﱠﺮروا أن ﻳﺘﱠﺒﻌﻮا آﻟﻬﺘﻬﻢ ﻫﻢ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻓﺎرﺗﺪى ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺴﻜﺎن دروﻋﻬﻢ )أي ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻫﻢ ﰲ ﺳﻦ اﻟﺠﻨﺪﻳﺔ(، وﺗﻘﺪﱠﻣﻮا َ ﺻﻮْب ﺣﺪود ﺑﻠﺪﻫﻢ ،ﺿﺎرﺑني اﻟﻬﻮاء ﺑﺮﻣﺎﺣﻬﻢ ،وﻗﺎﺋﻠني إﻧﻬﻢ ﺑﺼﺪد ﻃﺮد آﻟﻬﺔ اﻷﺟﺎﻧﺐ. ﻫريودوت» ،اﻟﺘﺎرﻳﺦ«
إﻻ أن ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات ﰲ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻊ ذﻟﻚ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺪ اﺗﺒﻌﺖ ﻣﺴﺎرات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﱢ ٍ ﻳﻌﻘﺪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻷﻣﺔ واﻟﺪﻳﻦ .وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻛﺘﺴﺒﺖ ﺻﻮرة ً ﻋﺎﻣﻼ ﰲ ﺗﻮﻛﻴﺪ اﻟﺘﻤﻴﺰ اﻟﺜﻘﺎﰲ ملﺠﺘﻤﻊ ﻣﺤﺪﱠد إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ — اﻹﻟﻪ — اﻟﺘﻲ اﻋﺘُﱪت ﺣﺘﻰ اﻵن 89
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ٌ ٍ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت أﺧﺮى )وﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗُﻌ َﺮف ﺑﺎﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑني ﺻﻔﺎت ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺂﻟﻬﺔ أﺧﺮى ﻋﺒﺪﺗﻬﺎ املﻌﺘﻘﺪات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ( ،ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻳﻘﺎل إن ذﻟﻚ اﻟﺘﻤﻴﺰ ﻗﺪ ﺗﻘﻮﱠض .وﻛﻤﺜﺎل ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻫﺬه ﻋﺒﺎد ُة إﻳﺰﻳﺲ ﻟﺪى املﴫﻳني اﻟﺘﻲ اﻧﺘﴩت ﰲ أﻧﺤﺎء ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ. ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا ،ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛري ﻓﻠﺴﻔﺎت اﻟﺮواﻗﻴﺔ واﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻴﺔ املﺤﺪﺛﺔ ،ﻧﺸﺄت ﻋﻘﺎﺋﺪ رﺑﻤﺎ اﺗﱠﺼﻔﺖ ﺑﻤﺎ أﺳﻤﻮه »اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻮﺛﻨﻲ« .واملﺜﺎل اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻫﻮ ﻋﺒﺎدة اﻹﻣﱪاﻃﻮر ً وﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺴﺎﻋﺪ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑني اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ واﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻮﺛﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺟﻮﻟﻴﺎن ﻟﻠﺸﻤﺲ. دﻋﻢ أﻣﺔ ﻣﺎ واﺳﺘﻤﺮار وﺟﻮدﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ أﺳﻬﻤﺎ ﰲ وﺟﻮد إﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ. ﱡ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ؛ ﻣﺜﻞ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ ﺑﺎﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ أن وﻓﻴﻤﺎ ﻧﺎﻗﺸﻨﺎﻫﺎ ،ﻫﻨﺎك ﺗﻌﻠﻴﻘﺎت إﺿﺎﻓﻴﺔ أﺳﻮﻗﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن أﺗﺤﻮﱠل ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ املﺴﻴﺤﻴﺔ واﻹﺳﻼم. ً ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻮﺟﱡ ﻪ اﻟﻌﺎملﻲ ﻟﻼﻋﺘﻘﺎد، ﺗُﻌﺘﱪ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﻟﻠﻴﻬﻮدﻳﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﺑﺎﻷﻣﺔ وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ »ﺧﺘﺎن اﻟﻘﻠﺐ« ِ )ﺳﻔﺮ اﻟﺘﺜﻨﻴﺔ ،اﻹﺻﺤﺎح (٦ :٣٠ﺗﺠﺎه اﻹﻟﻪ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺬي َ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﲆ ﺻﻮرﺗﻪ ِ )ﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،اﻹﺻﺤﺎح ،(٢٧ :١وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺧﻠﻖ وأرض ﻣﻮﻋﻮدة .وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺨﺘﺎر ﺷﻌﺐ ﺑﺠﻼءٍ ﺑﺘﻮﻛﻴﺪ اﻟﺘﻤﻴﺰ اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻟﻠﻤﻌﺘﻘﺪات ﺑﺸﺄن ٍ ٍ ٍ ﻟﻠﺘﻄﻮر اﻟﻔﻜﺮي اﻟﻴﻬﻮدي ﻋﻦ اﻟﺮب اﻟﻮاﺣﺪ إﻟﻪ اﻟﻜﻮن — اﻟﺬي ﱠ ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ٌ ﻋﻤﻴﻖ ﻋﲆ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻳﺘﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛري ﺑﺘﺸﻜﻴﻞ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ أﻣﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ — ﺗﺄﺛريٌ ﻣﻤﺎ ﻳﲇ: ) (١ﻣﻌﺘﻘﺪات ﰲ أﻣﻢ أﺧﺮى؛ ﻣﺜﻞ اﻷﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﺧﻼل اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﺑﺄﻧﻬﺎ أﻣﺔ ﻣﺨﺘﺎرة. ) (٢ﻓﻜﺮة أو ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺄﻧﻪ ﺗﻮﺟﻴﻬﻲ ،ﻳﺘﻘﺪم ﻟﻸﻣﺎم ،إﻻ أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﰲ ﺗﻀﻤﱡ ﻦ ﻋﻮد ٍة ﻟﻠﺤﻈﺎت ﻣﻦ املﺎﴈ اﻋﺘُﱪت أﻧﻬﺎ ﺷ ﱠﻜﻠﺖ ﺻﻮ ًرا ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﻴﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،اﻟﺬي ً وﺻﻮﻻ إﱃ ﻫﺠﺮة ﻳﱰاوح ﻣﻦ املﻴﺜﺎق اﻟﺬي ﻋُ ﻘِ ﺪ ﺑني ﻳﻬﻮه وﺑﻨﻲ إﴎاﺋﻴﻞ ﻋﻨﺪ ﺟﺒﻞ ﺳﻴﻨﺎء، اﻟﺒﻴﻮرﻳﺘﺎﻧﻴني إﱃ اﻷرض املﻮﻋﻮدة ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﺑﻮﻟﻨﺪا ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﺨ ﱢﻠ ً ﺼﺎ ﻗﺮﺑﺎﻧﻴٍّﺎ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ. ) (٣ﻣﻔﻬﻮم ﻋﻦ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺰﻣﺎن ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻢ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ »اﻻﻧﻔﺼﺎل« ﺑني ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻋﺎﻟﻢ اﻟﻐﻴﺐ ،ﻓﺘﻌﻮد ﺟﻨﺔ ﻋﺪن ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ. ﺟﻤﻊ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺪﻳﻨﻲ — وإن ﻛﺎن ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ — ﺑني اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺑﻤﻌﻨﺎه اﻟﻜﲇ واﻷﻣﺔ ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ )أو ﻣﺨﺘﺎرة( ﺗﺤﺪﻳﺪًا؛ ﻷن وﺟﻮدﻫﺎ ﻛﺎن ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺟﻌﻠﺖ أﺑﻨﺎء أﻣﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻳُﻌﺪﱡوﻧﻬﺎ ﻳُﻔﻬَ ﻢ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻣﺘﻌ ﱢﻠﻖ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﺮﻳﺪ ﺑﺎﻟﻐﺮض اﻟﻌﺎم ﻣﻦ اﻟﺮب ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﴩ .وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺬا، 90
اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ
ً ﻣﺪﻋﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ﰲ اﻟﻘﺪس، ﻳﺠﺪ املﺮء ﰲ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ اﻋﺘﻘﺎدًا ﺑﺄن إﴎاﺋﻴﻞ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا ،أن اﻟﻘﺪس ﻫﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻌﺎﻟﻢ )ﺳﻔﺮ ﺣﺰﻗﻴﺎل ،اﻹﺻﺤﺎح ،٥ :٥ﺳﻔﺮ اﻟﻴﻮﺑﻴﻼت ،اﻹﺻﺤﺎح (١٩ :٨؛ ﻷن ﻫﻨﺎك ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﺮب .وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ً ﻓﻤﺜﻼ ﰲ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﻧﺸﺄ اﻟﻨﻮع ﻣﻦ املﻔﺎﻫﻴﻢ ،ﻣﻊ اﻻﺧﺘﻼف ،ﰲ ﺣﻀﺎرات أﺧﺮى؛ اﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن ﻣﻮﺳﻜﻮ ﻫﻲ »روﻣﺎ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ« ،وﻋﲆ ﻫﺬا ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗﻜﻮن ﻣﺮﻛ ًﺰا ﻟﺮوﺳﻴﺎ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ً أﻳﻀﺎ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﺸﺄ ﻣﻔﻬﻮم ﺑﺄن اﻷﻣﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻬﻤﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﰲ ﺗﻐﻴري اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺗﻮﻛﻴﺪ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮﻛﺰ اﻟﺤﺎﻛﻢ — ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺪس أو ﻣﻮﺳﻜﻮ — ً ﻋﺎﺋﻘﺎ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ. ﻳﺤﻤﻞ ﰲ ﻃﻴﺎﺗﻪ اﺣﺘﻤﺎ َل ﻛﴪ اﻟﺘﻤﻴﺰ اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻟﻸﻣﺔ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺜﺎل ﻟﻬﺬا اﻻﺣﺘﻤﺎل ﰲ اﻟﺼني اﻟﻜﻮﻧﻔﻮﺷﻴﻮﺳﻴﺔ ﻟﺪى إﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ ﻫﺎن وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ٍ )ﻣﻦ ﻋﺎم ٢٠٢ﻗﺒﻞ املﻴﻼد إﱃ ٢٢٠ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳُﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺼني اﻟﺤﺎﻛﻢ ﱢ املﺘﺤﴬ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻟﻠﺤﻴﺎة ،وﻳﺴﻤﱠ ﻰ »ﱄ«، »ﺗﺸﻮﻧﺠﻬﻮا« ﻋﲆ أﻧﻪ ﻣﺴﺌﻮ ٌل ﻋﻦ ﻧﴩ اﻷﺳﻠﻮب اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺒﺪﺋﻴٍّﺎ أن ﻳﺘﻘﺒﱠﻠﻪ أي إﻧﺴﺎن .ﻓﺜﻤﺔ اﻋﺘﻘﺎ ٌد ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻹﻣﱪاﻃﻮر ﻳﻜﻮن ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻘﻂ ﻟﻮ أﻧﻪ ﺟﻤﻊ اﻷﺳﻠﻮب »ﱄ« ﺑﻘﻠﺐ ﺳﻠﻴﻢ ﻣﻠﺘﺰم ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﻜﻤﻪ ٍ دﻳﻨﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﻮﺟﱡ ﻪ اﻟﻜﲇ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب ري ﱟ اﻷداء اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻠﻄﻘﻮس .وأﻗﻮل إن أوﺿﺢ ﺗﻌﺒ ٍ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ أﺟﺪه ﰲ اﻹﺳﻼم وﰲ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﻣﻊ وﺟﻮد ﻣﺮﻛﺰﻳﻬﻤﺎ ﰲ ﻣﻜﺔ وروﻣﺎ ﻋﲆ اﻟﱰﺗﻴﺐ. وﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ املﻌﺘﻘﺪات اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ واﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﻦ اﻧﺘﺴﺎﺑﻬﻢ ﻹﺑﺮاﻫﻴﻢ وﻣﻦ ﺑﻌﺪه إﺳﺤﺎق ﺛﻢ ﻳﻌﻘﻮب ،وﻋﻦ إﻗﻠﻴﻢ أرض املﻴﻌﺎد ،ﻓﻘﺪ رﻓﺾ ﺑﻮﻟﺲ اﻟﺮﺳﻮل ﻫﺬه اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت.
ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﻮن أو ﻳﻬﻮد ﻣﺨﺘﺘﻨﻮن أو ﻏري ﻣﺨﺘﺘﻨني ،وﻻ ﺑﺮاﺑﺮة ،وﻻ ﺳﻜﻮﺛﻴﻮن ،ﻻ ﻋﺒﻴﺪًا وﻻ أﺣﺮا ًرا ،وﻟﻜﻦ ﻟﺪﻳﻨﺎ املﺴﻴﺢ ﻓﺤﺴﺐ. ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﱃ أﻫﻞ ﻛﻮﻟﻮﳼ١١ :٣ ،
ﺗُﻌﺘﱪ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ دﻳﻨًﺎ ﻋﺎملﻴٍّﺎ ،ﻻ ﺗﻘﻊ أرﺿﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﻮﻗﻊ املﺮء أن ﺗﻜﻮن ﰲ ﺧﺼﺎم ﻣﻊ اﻷﻣﺔٍّ . ﻓﺎرق ﺑني ﻫﺬا وﺣﻘﺎ ،ﺗﻘ ﱡﺮ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﻮﺟﻮد ٍ 91
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻋﺎﻟﻢ ﻗﻴﴫ ،وﺑني اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ؛ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮب .وﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺟﺎء ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻳﺴﻮع ً ﻏﺎﻣﻀﺎ ،وزاد ﻏﻤﻮﺿﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗُﺮﺟﻢ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻌﺎ َﻟﻤَ ْني )إﻧﺠﻴﻞ ﻣﺘﱠﻰ ،اﻹﺻﺤﺎح (٢١ :٢٢ ُ ﺑﺪاع ﻣﻦ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت أﺣﺪاث ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ. وﻓ ﱢﴪ ٍ وﻟﻜﻦ ﻷن املﺴﻴﺤﻴﺔ أﻗ ﱠﺮت ﺑﻬﺬا اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑني »ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﻧﺴﺎن« و»ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮب« ،ﻓﻘﺪ و ُِﺟﺪت ﺳﺎﺣﺔ ،ﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻟﻨﺸﻮء ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻟﻸﻣﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺗﺒﻘﻰ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻜﻠﻴﺔ َ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻌﺎملني. املﻌﺎرﺿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻨﱠﺎﻫﺎ ﺑﻮﻟﺲ اﻟﺮﺳﻮل؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻔﺮض ِ وإذا ﻣﺎ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر اﻷﻣﺔ ،ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﻨﴫ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪي ،ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ املﻴﻼدي ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ أواﺋﻞ ﻋﻬﺪﻫﺎ ﻋﲆ ﻣﺮﻗﻴﻮن اﻟﻐﻨﻮﴆ )اﻟﺬي اﻋﱰض ﻋﲆ إﺿﺎﻓﺔ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻌﱪﻳﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﻓﻜﺎر ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺐ املﺨﺘﺎر وأرض املﻴﻌﺎد ،ﻛﺠﺰء ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ املﺴﻴﺤﻲ( ﻛﺎن ﺳﻴﺒﻴﺢ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﺣﺔ ،وﻟﻮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺻﻌﺒﺔ وﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻇﺎﻫﺮﻳٍّﺎ؛ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺸﺄ ارﺗﺒﺎﻃﺎت ﻗﻮﻣﻴﺔ .وﻣﻦ ﺛﻢ اﻧﺴﺤﺒﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني املﺴﻴﺤﻴﺔ واﻷﻣﺔ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة املﺴﻴﺤﻴﺔ إﱃ ﻗﻄﺒ َْني: ) (١ﺗﻼﻗﺖ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﻊ اﻷﻣﺔ ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل :اﻟﻜﻨﻴﺴﺘﺎن اﻟﻘﻮﻣﻴﺘﺎن ﱢﻳﺴ َ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ واﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ،واﻹﻗﺮار ﺑﻮﺟﻮد ﻗﺪ ِ ني ﻗﻮﻣﻴﱢني ،واﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻢ املﺴﻴﺤﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗُﻌَ ﺪ »ﻣﺨﺘﺎرة«. ) (٢وﺟﻮد ﺗﺮاث إﻣﱪاﻃﻮري؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ، واﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ املﻘﺪﺳﺔ ﻷوروﺑﺎ ﰲ ﻋﴫَ ﻳْﻬﺎ املﺒﻜﺮ واﻷوﺳﻂ ،وﻣﻮﺳﻜﻮ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ »روﻣﺎ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ«. وأﻗﻮل إن اﻹﺳﻼم ﻗﺪ أﻗ ﱠﺮ ،ﻛﻤﺎ ﰲ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ واملﺴﻴﺤﻴﺔ ،ﺑﻮﺟﻮد ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺑني ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ ،إﻻ أن املﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﰲ أﻧﻪ ﻣﻠﺘﺰ ٌم ﺑﺄن ﻳﺤﻮﱢل ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﺗﺼﻮﱡره اﻟﺸﺎﻣﻞ واﻟﻜﲇ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ .وﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد، ﻓﺈن املﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻪ املﻘﺪﱠس؛ وﻫﻮ اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻗﺪ اﺗﺒﻊ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻴﻬﻮد »ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻛﻬﻨﺔ وأﻣﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ« )ﺳﻔﺮ اﻟﺨﺮوج (٦ :١٩ ،ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ .واﻟﻔﺎرق املﻬﻢ ﺑني اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ واﻹﺳﻼم ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻷﻣﺔ، ﻫﻮ أن اﻟﻴﻬﻮد ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻮن أﻣﺔ ﻣﻘﺪﺳﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳُﻨﻈﺮ إﱃ املﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺬي ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ« ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻋﺎملﻴٍّﺎ .ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ ﺗﻜﻮن اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت ﺑﺎﻟﻘﺮاﺑﺔ وﺑﺎﻹﻗﻠﻴﻢ واﺿﺤﺔ ،رﻏﻢ أن ﻫﺬه اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت ﺗﺘﻌﺎﻳﺶ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻣﻊ إﻳﻤﺎن اﻟﻴﻬﻮد ﺑﺮبﱟ ﻳﻌﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ 92
اﻷﻣﺔ واﻟﺪﱢﻳﻦ
ٌ ﺳﺎﺣﺔ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻴﺔ ﻟﻮﺟﻮد ﺗﻠﻚ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت؛ إذ ﻳﻘ ﱡﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ .وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻫﻨﺎك املﺴﻴﺤﻴﻮن ﺑﻤﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﻧﺴﺎن« ،وﻟﻜﻦ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻛﺬﻟﻚ .وأﻣﺎ ﰲ اﻹﺳﻼم ،ﻣﻊ ذﻟﻚ، ٌ ٌ ﴏﻳﺤﺔ ﻟﻼﻋﱰاف ﺑﻬﺬه اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت واﻹﻗﺮار ﺑﴩﻋﻴﺘﻬﺎ. ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻓﻬﻨﺎك ً إن اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﻫﺬه املﻘﺎرﻧﺔ ﻫﻮ أن ﻧﻌﺮف ﻓﻘﻂ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻴﻼ ﻟﻼﺧﺘﻼف ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻧﺸﻮء اﻷﻣﻢ واﺳﺘﻤﺮار وﺟﻮدﻫﺎ ﰲ اﻟﺤﻀﺎرات املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻳﺘﻢ ﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﺛﻤﺔ ﻋﻮاﻣﻞ ﻋﺪة ﺑﺨﻼف اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛري ﻋﲆ وﺟﻮد اﻷﻣﻢ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﻌﺰﻟﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن وﴎﻳﻼﻧﻜﺎ .وﻟﻜﻦ ﻣﻬﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﻫﻲ أن ﻳُﻌﺰل اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻌﺎﻣﻞ ﰲ ﻧﺸﻮء اﻷﻣﻢ واﺳﺘﻤﺮار وﺟﻮدﻫﺎ ،وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﺘﻰ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ واﻟﻌﴩﻳﻦ — ً ﺗﺎرﻳﺨﺎ ﻟﻌﺪدٍ ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ. ﻋﻨﺪ ﻣﻘﺎرﻧﺘﻪ ﺑﺎﻟﺤﻀﺎرة املﺴﻴﺤﻴﺔ — ﻻ ﻳُﻌَ ﺪ ً ً ﻣﻄﻠﻘﺎ؛ ﻷن اﻟﺤﻀﺎرة املﺴﻴﺤﻴﺔ أﻳﻀﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺗﺮاث إﻣﱪاﻃﻮري .إذ إﻻ أن اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻟﻴﺲ ﻳﺼﻄﺪم املﺮء ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ املﺆرخ اﻟﺸﻬري ﻟﺤﻀﺎرة اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر املﺒﻜﺮة واﻟﻮﺳﻄﻰ »اﺑﻦ ﺧﻠﺪون« ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪا ٍم ﻣﺘﻜ ﱢﺮر ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »املﻘﺪﻣﺔ« — اﻟﺬي أ ﱠﻟﻔﻪ ﰲ ﻋﺎم ١٣٧٧ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ — ملﻔﻬﻮم »اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ« أو »اﻟﺘﻜﺎﻓﻞ واﻟﺘﻀﺎﻣﻦ« )أو ﻣﺎ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ( ،اﻟﺬي ﻳﺪل ﻋﲆ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ﻟﻠﻘﺮاﺑﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺠﺎوز ﻣﺮﺟﻌﻴﺘﻪ اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎﺋﻠﺔ ﻟﻴﺸﻤﻞ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﺑني املﺮء وﺟرياﻧﻪ وﺣﻠﻔﺎﺋﻪ واﻟﺪوﻟﺔ ذاﺗﻬﺎ )أو اﻷﴎة اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ( .وﻣﻤﺎ ﻳﱪﱢر اﺳﺘﺨﺪام اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ﻟﻬﺬا املﻔﻬﻮم ﻟﻺﺷﺎرة إﱃ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻣﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ ﺿﻤﻦ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻧﺠﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻹﻳﺮان ،ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻳُﻼﺣﻆ املﺮء ﻣﺎ ﻳﲇ: ) (١ﻣﺮوﻧﺔ ﻟﻔﻆ »إﻳﺮاﻧﻴﺎت« )أي أن ﺗﻜﻮن ﻓﺎرﺳﻴٍّﺎ( ،ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ. ) (٢ﻣﻌﺎرﺿﺔ »ﺑﻨﻲ ﺑُ َﻮﻳْﻪ« اﻟﻔﺮس ) ١٠٦٠–٩٤٥ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ( ﻟﻠﺤﻜﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻌﺒﺎﳼ، اﻟﺬي ﺗﺄ ﱠﻛﺪ ﺑﺈﻋﺎدة أوﻟﺌﻚ اﻟﻔﺮس ﻟﻠﻘﺐ »اﻟﺸﺎه« اﻹﻳﺮاﻧﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ. ) (٣اﺗﺒﺎع إﻳﺮان ،ﺑﺪءًا ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ اﻟﺼﻔﻮﻳني ،ﻟﻠﻤﺬﻫﺐ اﻟﺸﻴﻌﻲ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﺗﱢﺒﺎع اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﺘﻘﺪات ﱡ اﻟﺴﻨﱢﻴﱠﺔ. ٌ ﴏاﻋﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وﻗﺪ ﻧﺸﺒﺖ ﰲ اﻟﺠﺰء اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑني املﻐﺮب ﰲ ﺷﻤﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ وﺑني إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ )اﻷﻧﺪﻟﺲ( ،وﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ املﻴﻼدي وﻗﻌﺖ ﺻﺪاﻣﺎت ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺑني املﻐﺮب اﻹﺳﻼﻣﻲ واﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴني املﺴﻠﻤني. 93
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،أﻗﻮل إن ﰲ اﻹﺳﻼم ﺗﻮﻗريًا ﻟﻸوﻟﻴﺎء ،رﻏﻢ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﻌﱰَض ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻣﻦ املﺆﻛﺪ أن ﻫﺬه »اﻟﺴﻤﺔ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ« اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﰲ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﱰﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﺛﺎ ٌر إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﰲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺷﺠﱠ ﻌﺖ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺎﻻت ﻋﲆ وﺟﻮد ﺣﺎﻻت اﺗﺤﺎد وﺗﻀﺎﻣﻦ إﻗﻠﻴﻤﻲ داﺧﻞ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﺆﻻء اﻷوﻟﻴﺎء ﻳﻨﺘﻤﻮن إﱃ أﴎة ﺣﺎﻛﻤﺔ ﻣﺤﻠﻴﺔ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ إﺿﻔﺎء اﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﻋﲆ اﻷﴍاف املﻐﺎرﺑﺔ )واﻷﴍاف ﻫﻢ ذرﻳﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪ( ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻹدرﻳﺴﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ املﻴﻼدي .وﻗﺪ ﻃﺎﻟﺐ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ املﺮﻳﻨﻴني ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﻌﻠﻮﻳني )ﰲ اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ واﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ املﻴﻼدﻳ ْﱠني( ،ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﴍاف؛ ﻣﻤﺎ ﺳﺎﻋﺪ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ املﻐﺮب اﻹﺳﻼﻣﻲ املﻮﺣﱠ ﺪ ،ﺑﻌﻜﺲ اﻟﻮﻻءات ً ﻋﻘﺒﺔ إزاء دﻋﻢ اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ املﺤﻠﻴﺔ .إﻻ أن ﻫﺬه اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻟﻺﺳﻼم ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﻞ إﱃ ﻛﻮﻧﻬﺎ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت املﺤﻠﻴﺔ ﺑﺎﻷﻣﻢ وﻣﺪﱢﻫﺎ ﻟﺘﺼﺒﺢ أﻣﻤً ﺎ ﺧﻼل ﺟﺰء ﻛﺒري ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ اﻹﺳﻼﻣﻲ.
94
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ
أﻧﻔﺴﻬﻢ وﻧ ﱠ َ ﻈﻤﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻋﲆ ﻣﺪار اﻟﺘﺎرﻳﺦَ ،ﻓ ِﻬﻢ اﻟﺒﴩ دﻳﺎﻧﺎت ﺗﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻋﺎملﻴﺔ ،اﻋﺘُﱪت اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ واﺣﺪًا .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك إﻣﱪاﻃﻮرﻳﺎت ﻋﺎملﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ املﻮا َ ﻃﻨﺔ ﻣﺸﺎﻋً ﺎ ﻟﻠﻜﺜريﻳﻦ ﱢ املﺤري أﺧﻼﻗﻴٍّﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك أﻣﻢ .إن اﻟﻠﻐﺰ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ واﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻲ أن اﻟﺒﴩ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻨ ﱢ ﻈﻤﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ اﻧﻘﺴﺎﻣﻲ ﰲ ﺻﻮر ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،ﺗﻜﻮن اﻷﻣﺔ أﺣﺪ أﻣﺜﻠﺘﻬﺎ .ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺼﻨﱢﻒ اﻟﺒﴩ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ﻓﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت املﺤﺪودة ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌﺎملﻴﺔ؟ إن ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩي اﻟﺘﻲ ﻳﻄﺮﺣﻬﺎ وﺟﻮد اﻷﻣﻢ ﰲ ذاﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻣﻮﺿﻮع ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ. ً ﱠ ﻋﺎﻣﻼ »ﻓﻄﺮﻳٍّﺎ« أو »ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ« ﰲ ﻫﺬه اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت. ﻇﻦ ﺑﻌﺾ املﺤﻠﻠني أن ﻫﻨﺎك ً ﻋﺎﻣﻼ ﻓﻄﺮﻳٍّﺎ وراء وﺟﻮد أﻣﺘﻬﻢ، وﻋﻼوة ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻛﺜريون ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻷﻣﻢ أن ﻫﻨﺎك وﻧﻔﺲ اﻷﻣﺮ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ وﺟﻮد أﻣﻢ أﺧﺮى ﻟﻴﺴﻮا ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ )وإن ﻛﺎن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ اﻷﺧري أﻗﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻬﻢ( .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻋﺒﺎرة »اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻔﻄﺮي« ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻐﻤﻮض، ﱢ ﻳﻮﺿﺤﻮا ﻏﻤﻮض ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد، وﻣﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ ﻓﻬﻢ اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ أن وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻬﻢ ً أﻳﻀﺎ أن ﻳﺤﺎوﻟﻮا ﻓﻬﻢ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻛﻮن ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ذا أﻫﻤﻴﺔ إﱃ ﻫﺬه اﻟﺪرﺟﺔ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ. أﻫﻮ اﻟﻌِ ْﺮق؟ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ واﻟﻨﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻣَ ﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄن اﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺒﴩ ﻫﻲ أﻣ ٌﺮ »ﻓﻄﺮي«؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﺗﺎﺑ ٌﻊ ﻻ ﻣﻔ ﱠﺮ ﻣﻨﻪ ﻟﻠﻔﻮارق اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ.
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ً ﻓﻤﺜﻼ زﻋﻢ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﳼ اﻟﻔﺮﻧﴘ آرﺗﻮر دو ﺟﻮﺑﻴﻨﻮ ) (١٨٨٢–١٨١٦أن اﻟﺒﴩﻳﺔ اﻧﻘﺴﻤﺖ ً ِ ﺛﻘﺎﻓﺔ إﺣﺪى ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أن ﻫﺬه اﻷﻋﺮاق ﺣﺪﱠدت ﺗﻤﻴﱡﺰ إﱃ أﻋﺮاق أو أﺟﻨﺎس ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، اﻟﺤﻀﺎرات ﻋﻦ اﻷﺧﺮى .وﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻫﺬه املﺰاﻋﻢ اﻷﺧﻮان ﺟﻮﻫﺎﻧﺲ وأوﻻوس ﻣﺎﺟﻨﻮس ﺑﺂراﺋﻬﻤﺎ اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ )ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ( ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﻘﻮﻃﻴني، وآراء رﻳﺘﺸﺎرد ﻓريﺳﺘﻴﺠﺎن ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ )ﻋﺎم ،(١٦٠٥وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﺟﻮﺑﻴﻨﻮ ﻫﻮ ً ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻻ ﻣﻔ ﱠﺮ اﻟﺬي ﻗﺪﱠم ﺑﺸﻜﻞ أوﺿﺢ اﻟﺮأي اﻟﺬي ﻳﻘﻮل إن أُﻓﻮ َل ﺣﻀﺎر ٍة ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﻻﺧﺘﻼط أﺣﺪ اﻷﺟﻨﺎس ﺑﺂﺧﺮ .ﺛﻢ اﻣﺘﺪت ﻫﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﻋﲆ ﻳﺪ أﺣﺪ اﻟﻜﺘﱠﺎب ا ُملﻌﺎدﻳﻦ ﻧﻘﻲ. ﻟﻠﺴﺎﻣﻴﺔ ،وﻳُﺪﻋﻰ ﻫﻴﻮﺳﺘﻮن ﺳﺘﻴﻮارت ﺗﺸﺎﻣﱪﻟني؛ إذ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻮﺟﻮد ﺟﻨﺲ آريﱟ ﱟ ً ﺷﻨﺎﻋﺔ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ ﻣﺎ ورد ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ وﻟﻜﻦ أﺷﺪ اﻟﺘﻌﺒريات اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ املﻌﺎدﻳﺔ ﻟﻠﺴﺎﻣﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ أ ﱠﻛﺪت أن »دﻣﺎء« اﻟﻴﻬﻮد دﻧﱠﺴﺖ دﻣﺎء اﻟﺠﻨﺲ اﻵري اﻟﻨﻘﻲ واملﺘﻔﻮق .وﻗﺪ ﱠ ﺗﺒني أن ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر واﻵراء اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻘﺴﻴﻤﺎت »اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ« ﻟﻠﺒﴩﻳﺔ إﱃ أﻧﻮاع ﻣﺎدﻳﺔ داﺋﻤﺔ ﻻ أﺳﺎس ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻤﻴٍّﺎ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق؛ إذ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻔﺮوق اﻟﺠﻴﻨﻴﺔ داﺧﻞ ﻧﻄﺎق أﺣﺪ اﻷﺟﻨﺎس أﻛﱪ ﻣﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑني اﻷﺟﻨﺎس املﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻗﺪ ُرﻓﻀﺖ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺸﺎﺋﻨﺔ ﻋﻦ ﱟ ﺣﻖ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﺟﻤﻴﻊ املﺤﻠﻠني اﻟﺠﺎدﻳﻦ. اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻛﺘﻔﺴري ً ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻼدﻋﺎءات ﻋﻦ اﻧﻘﺴﺎﻣﺎت إﻻ أن رﻓﺾ اﻟﺪارﺳني ﻟﻬﺬه اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ ﻟﻢ ﻳﻀﻊ اﻟﺒﴩ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻫﺬه اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﻮﺟﻮدة ،وﻣﻦ اﻟﴬوري أن ﻧﻔ ﱢﻜﺮ ﰲ ﺳﺒﺐ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ .ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ وأواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻇﻬﺮت آراء ﻣﺆ ﱢرخ أملﺎﻧﻲ ﻳُﺪﻋﻰ ﻫﺎﻳﻨﺮﻳﺶ ﻓﻮن ﺗﺮاﻳﺘﺸﻜﻪ ،وﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﻘﻮﻣﻴني اﻷملﺎن ﻣﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻀﻌﻮا ﻗﻴﻮدًا ﻛﺜرية ،وﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺘﻀﺎد ﺑني اﻷﺟﻨﺎس ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺑﺎﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﺒﴩﻳﺔ إﱃ دول؛ إذ اﻋﺘﻘﺪ ﺗﺮاﻳﺘﺸﻜﻪ — وﺟﺎء رأﻳﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ﻣﺸﺎﺑﻬً ﺎ ﻟﺮأي اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف ٍ ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮﺟﻊ إﱃ أﺳﺒﺎب ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،ﺑﻞ اﻟﻔﺮﻧﴘ إرﻧﺴﺖ رﻳﻨﺎن — أن وﺟﻮد أﻣ ٍﻢ إﱃ أﺳﺒﺎب ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ .وﺗﺸري ﻫﺬه اﻟﻔﻜﺮة إﱃ أن اﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺒﴩ ﻫﻲ ﻣﻦ اﺧﱰاع اﻟﺒﴩ، ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ املﻨﺸﺄ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ »ﻓﻄﺮﻳﺔ« .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ً أﻳﻀﺎ ﻫﻲ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺻﺎﺣﺐ اﻵراء املﺆﺛﺮة ﻳﻮﻫﺎن ﺟﻮﺗﻔﺮﻳﺪ ﻫريدر ،اﻟﺬي ﻋﺎش ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ،ﻋﻦ اﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺒﴩ. 96
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ
إﺣﺪى املﻨﺎﻗﺸﺎت املﺜرية ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﻋﻦ اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩﻳﺔ ،اﻟﺘﻲ ر ﱠﻛﺰت ﻋﲆ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻗﺒﻞ ﻧﺸﻮب اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﺑﻌﺪﻫﺎَ ، ﻃ َﺮﺣَ ﻬﺎ أﺣﺪ املﺘﺨﺼﺼني ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﻬﻨﺪو-أوروﺑﻴﺔ ،وﻫﻮ ﺟﻮرج دوﻣﻴﺰﻳﻞ .دﻓﻊ دوﻣﻴﺰﻳﻞ ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﺘﻔ ﱠﺮد ﺑﻬﺎ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪو-أوروﺑﻴﺔ ﻳُﻔﱰض أﻧﻬﺎ ﻣﺸﱰﻛﺔ ،ورأى دوﻣﻴﺰﻳﻞ أن ﺑﻨﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻬﻨﺪو-أوروﺑﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ،ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ وﻇﻴﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ؛ ﻓﻮﻇﻴﻔﺔ املﺴﺘﻮى اﻷول ﻫﻲ اﻟﺤﻜﻢ وإدارة اﻟﺸﺌﻮن املﻘﺪﺳﺔ ،وﻳﻤﺜﱢﻠﻪ املﻠﻚ واﻟﻜﺎﻫﻦ ،ووﻇﻴﻔﺔ املﺴﺘﻮى اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻲ اﻟﻘﻮة ،وﻳﻤﺜﱢﻠﻪ املﺤﺎرب ،واﻟﺜﺎﻟﺚ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﻮى اﻹﻧﺘﺎج وﻳﻤﺜﱢﻠﻪ املﺰارﻋﻮن واﻟﻌﻤﺎل .ﻛﻤﺎ أﺿﺎف ً ُ ﱢ اﻟﻠﻐﺎت وﺗﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼ إن ﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻬﻨﺪو-أوروﺑﻴﺔ ﺗﻨﻔﺮد ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺠﺴﺪﻫﺎ ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﴬورة ﻋﻦ اﻟﻬﻨﺪو-أوروﺑﻴﺔ .وﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﻬﺬا ﻓﻘﺪ اﻋﺘﻘﺪ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻘﺎﻓﺎت املﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻷﺧﺮى. ً وﺗُﻌَ ﺪ أﻃﺮوﺣﺎت دوﻣﻴﺰﻳﻞ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﺘﻘﺼﺎء؛ ﻷن أﺑﻨﺎء أﻣﺔ ﻣﺎ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ً ﻋﺎﻣﻼ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﺗﻤﻴﻴﺰ أﻣﺘﻬﻢ ﻋﻦ اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى .وﻫﺬا املﻨﻈﻮر ﻋﻦ اﻟﱰاث ﻳﻌﺘﱪون اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺜﻘﺎﰲ ،اﻟﺬي ﺗﺒﻨﱠﺎه ً أﻳﻀﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻻﺧﺘﻼف ،ﻫريدر ورﻳﻨﺎن وﺗﺮاﻳﺘﺸﻜﻪ ،ﻳﺮﻓﺾ اﻻﻋﱰاف ﺑﺪور اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ )اﻟﺬي ﻳُﻔﱰض اﻵن أﻧﻪ ﻋﺎم ﰲ اﻟﻨﻮع اﻟﺒﴩي( ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻻﻋﱰاف ﺑﺪور اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﰲ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺒﴩﻳﺔ ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻀﺎرة أو ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻷﻣﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن وﺟﻮد ﺗﻠﻚ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻳﻄﺮح ﻋﺪدًا ﻣﻦ املﺸﻜﻼت .ﻓﻤﺎ ﻣﺪى ﻣﺮوﻧﺔ ﺗﻠﻚ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت؟ وﻓﻮق ﻫﺬا ،ﻛﻴﻒ ﻳﻔﻬﻢ املﺮء ﻣﻴﻞ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﱃ ٌ وﻟﻐﺔ ِ ﺗﺤﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﱰاث؟ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ،ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺮاﺛﻪ اﻟﺜﻘﺎﰲ اﻟﺨﺎص ﺗﺸري ﻫﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ إﱃ ﻣﺸﻜﻼت ﺗﺸ ﱢﻜﻞ اﻷﺳﺎس ﻟﻠﺨﻼف اﻟﺤﺎﱄ ملﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »ﺻﺪام اﻟﺤﻀﺎرات« ،ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺮاث ﺛﻘﺎﰲ ﻣﻤﻴﺰ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺑني اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ-املﺴﻴﺤﻴﺔ ،واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،واﻟﻜﻮﻧﻔﻮﺷﻴﻮﺳﻴﺔ؛ ﺣﻴﺚ رﺑﻤﺎ ﱢ ﺗﻔﴪ أﻃﺮوﺣﺎت دوﻣﻴﺰﻳﻞ اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ اﻟﻔﻮارق اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ﺑني املﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮب ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ ٍ ﺣﻀﺎرات أو أﻣﻤً ﺎ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن أوﺟﻪ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ واملﺆﺳﺴﻴﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻘﺪ ً دوﻣﻴﺰﻳﻞ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﺑني ﻋﺪد ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻬﻨﺪو-أوروﺑﻴﺔ املﺒﻜﺮة وأﺳﺎﻃريﻫﺎ، واﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﺗﻤﻴﺰ ﺗﻠﻚ املﺠﺘﻤﻌﺎت ﻋﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﱃ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻟﻐﻮﻳﺔ أﺧﺮى ،أو ﺣﺘﻰ ﺣﻀﺎرات أﺧﺮى ،رﺑﻤﺎ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻣﻤﻴﺰة وﻻ ﻣﺘﺼﻠﺒﺔ .وإن ﺗﻤﻴﱡﺰ ﺗﻠﻚ ً ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻷﺷﻜﺎل املﺆﺳﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺰاﻫﺎ إﱃ اﻟﻬﻨﺪو-أوروﺑﻴني اﻷواﺋﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا، أﺻﻞ ﻟﻐﻮي ﻣﺸﱰك. ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻻ ﻋﻦ ٍ 97
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ً ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ املﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﴬورﻳﺔ ﻓﺈن اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ املﻜﻮﱠﻧﺔ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻟﻮﺟﻮد أي ﻣﺠﺘﻤﻊ؛ وﺗﺤﺪﻳﺪًا ،اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻟﻮﺟﻮد ﻧﻈﺎم )ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺗﱪﻳﺮ ذﻟﻚ اﻟﻨﻈﺎم( واﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﺪﻳﺪات اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،وﺗﻮﻓري اﻟﺴﻠﻊ املﻄﻠﻮﺑﺔ ﻻﺳﺘﻤﺮار اﻟﺤﻴﺎة. وإذا ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻟﺘﻤﻴﱡﺰ املﻔﱰض اﻟﺬي ﻳﻔﺼﻞ ﺑني ﺛﻘﺎﻓﺔ وأﺧﺮى إﻣﺎ أن ﻳﻜﻮن ﺗﺎرﻳﺨﻲ آﺧ َﺮ — أن ﻳﻤ ﱠﺮ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﻌﺪﻳﻞ .وﻟﻌﻞ ﻣﺒﺎ َﻟ ًﻐﺎ ﻓﻴﻪ ،وإﻣﺎ — ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺣﺪوث ﺗﻄﻮ ٍﱡر ﱟ أﻓﻜﺎر ﻛﺎﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻌﻤﻼن ﻋﲆ ﺗﻘﻮﻳﺾ زﻳﺎدة اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﻴﺔ واﻧﺘﻌﺎش ٍ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت ﺑني أﻣﺔ أو ﺣﻀﺎرة ،وأﺧﺮى. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺤﺘﻰ ﻣَ ﻦ ﻳﺘﻤﻨﱠﻮن اﻟﺨري ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﺸ ﱠﻜﻜﻮا ﰲ املﺪى اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻄﻮرات ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﻘﻮﻳﺾ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺒﴩﻳﺔ؛ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﺣﺘﻰ اﻵن، ﻟﻢ ﺗﺆ ﱢد اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ،واﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﻴﺔ ،ووﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻤﺘﺪ ﺑني ﺟﻮاﻧﺐ اﻷرض إﱃ ﺗﻘﻮﻳﺾ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت ﺑني اﻟﺒﴩ ﺑﺄي ﺻﻮرة ﻛﺎﻧﺖ ،ﺑﻞ إن ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺆ ﱢد ﺣﺘﻰ إﱃ ﺗﻘﻮﻳﺾ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ،ﺳﻮاء اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ أو ﻏريﻫﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ داﺧﻞ ﺣﻀﺎرة ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرات. ﱠ وﻳﺘﺠﲆ ﻫﺬا ﰲ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﻫﺎ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩون .ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ-املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻫﻨﺎك اﻟﺤﺮﺑﺎن اﻟﻌﺎملﻴﺘﺎن واﻟﻔﺎﺷﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﺣﻀﺎرات اﻟﴩق اﻷﻗﴡ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ﻋﺴﻜﺮ ٍة ﻋﻨﴫﻳﺔ ﻟﻠﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ،واﻧﺘﺸﺎر اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺑني اﻟﻬﻨﺪوس ،واﻟﺼﺪاﻣﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺑني اﻟﺼني وﻓﻴﺘﻨﺎم ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﺮب ﺑني اﻟﻌﺮاق وإﻳﺮان. ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ٍ وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ؛ إن اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ املﺎﴈ ﻗﺪ أدﱠت إﱃ ﺗﻘﻮﻳﺾ ً ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺧﻠﻖ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت إﻳﻤﺎﻧﻴﺔ واﺳﻌﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮد ًة ﰲ ﺣﺎﻻت ﻛﺜرية ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻞ ﻫﺬا ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﺳﻬﺎم ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ دﻣﺞ ﻫﺬه املﺠﻤﻮﻋﺎت املﺤﻠﻴﺔ ﺿﻤﻦ أﻣﻢ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ دﻣﺞ اﻟﻔﺮﻧﻜﻴني ﰲ أوروﺑﺎ ﰲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﰲ ﺷﻜﻞ أﻣﺔ ،اﻋﺘﻘﺎدﻫﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺷﻌﺐٌ اﺧﺘﺎره اﻟﺮب ﻟﻴﺪاﻓﻌﻮا ﻋﻦ املﺴﻴﺤﻴﺔ، وﻗﺪ ﻓﻌﻠﻮا ﻫﺬا ،وﻟﻜﻦ ﺿﺪ إﺧﻮاﻧﻬﻢ ﻣﻦ املﺴﻴﺤﻴني .وﺑﺎملﺜﻞ ﻓﻘﺪ اﻧﺼﻬﺮ اﻷرﻣﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺑني اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﺜﺎﻣﻦ املﻴﻼدﻳ ْﱠني ﰲ ﺷﻜﻞ أﻣﺔ أرﻣﻴﻨﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻋﺘﻨﺎﻗﻬﻢ املﺴﻴﺤﻴﺔ .وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻬﻢ ﰲ دﻣﺞ اﻷﻣﻢ أو ﺗﻌﺰﻳﺰﻫﺎ ﻣﺎ ﻻﺣﻈﻨﺎه ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ ً ٍ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ املﻴﻼدي اﻋﺘﱪوا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺣﻀﺎرات أﺧﺮى .ﻓﺎﻟﺴﻨﻬﺎﻟﻴﻮن ﻟﺪى ً أﻣﺔ ﺑﻮذﻳﺔ ﰲ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﻬﻨﺪوﺳﻴﺔ )واﻟﺘﺎﻣﻴﻞ( .وﻗﺪ ﻋ ﱠﺰز اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻟﺪى 98
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ
اﻹﻳﺮاﻧﻴني ﺑﺄن إﻳﺮان أﻣﺔ ﺷﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ وﺣﺪة إﻳﺮان ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ املﻴﻼدي ﰲ ﺷﻜﻞ أﻣﺔ ،وذﻟﻚ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ املﻌﺘﻘﺪات ﱡ اﻟﺴﻨﻴﺔ ﻟﻠﻌﺜﻤﺎﻧﻴني. وﻫﻜﺬا ،ﻳﺘﺒني أن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻋﺎملﻴﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ، ﻋﻼﻗﺔ ﱠ ٌ ﻣﻌﻘﺪة؛ ﻷن ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻗﺪ واﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﻴﺔ ،وﺑني ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ املﻘﻴﺪة؛ َ ﻧﻮع ﻣﻦ ﺗﺴﺘﻤﺮ رﻏﻢ وﺟﻮد ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات .ﺧﺬ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻣﺮوﻧﺔ ﺗﻠﻚ املﻌﺘﻘﺪات ﰲ ٍ ﺗﻔ ﱡﺮد اﻷﻣﺔ ،اﻟﺘﻲ ﱠ ٍ ﺣﺮﻛﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ »اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ« .وﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺎت ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻷوﻟﻴﺔ ﻻ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﺤﺴﺐ ﰲ املﻨﺎﻃﻖ اﻷﻗﻞ ﺗﻘﺪﻣً ﺎ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﰲ آﺳﻴﺎ ﻣﺜﻞ ﻛﺸﻤري ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻈﻬﺮ ً ٍ ﻗﻨﻮات أﻳﻀﺎ ﰲ ﻣﻨﺎﻃﻖ أﻛﺜﺮ ﺗﻘﺪﻣً ﺎ اﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ ،وﺗﻤﺜﱢﻞ رﺋﻴﺴﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻣﻊ ﺗﺮﻛﻴﺰﻫﺎ ﻋﲆ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ،ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺒﴩ؛ ﻣﺜﻞ ﻛﻴﺒﻴﻚ واﺳﻜﺘﻠﻨﺪا وﻣﻨﻄﻘﺔ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺒﺎﺳﻚ .وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﻇﻮاﻫﺮ املﺎﴈ ،ﻟﻜﺎﻧﺖ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﺗﻜﻔﻲ ملﺤﻮﻫﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺗﺸري إﱃ ﻋﻜﺲ ذﻟﻚ ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ. إن إدراك أن اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ املﻔﱰَض ﻟﺘﻜﻮﱡن اﻷﻣﺔ ،اﻟﺬي ﻳُﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﻳﻤﻴﺰ أﻣﺔ ﻋﻦ اﻷﺧﺮى ،ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻧﺎﺗﺠً ﺎ ﻋﻦ أيﱢ ﻋﺪدٍ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ ﻗﺪ ﻳﺜري ﻣﺸﻜﻼت أﺧﺮى ،وﰲ ﺣني أن اﻷﺳﺎس اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻟﻬﺬه اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﻗﺪ ﻳﻜﻮن إﺷﺎر ًة إﱃ إﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺒﴩي، ﺑﺤﻴﺚ إن اﻷﻣﻢ أو أيﱠ ﻋﺪدٍ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻷﺧﺮى ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺎﻣﻞ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ )وﻳﻮﺣﻲ اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ اﻟﻮاﺳﻊ ﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ املﺠﺎل واﻟﻐﺮض ،ﻟﻬﺬه اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ(، ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا ،ملﺎذا ﻳﺠﺐ أن ﺗُﻮﺟَ ﺪ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻔﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﻘﺪرة اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ؟ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق؟ ملﺎذا ﺗﺒﺪو ﻣﻨﺘﴩة وﻣﺴﺘﻤﺮة ﻋﲆ ﻣﺪى اﻟﺘﺎرﻳﺦ؟ وملﺎذا ﺗﻜ ﱠﺮر إﺑﺪاﻋﻲ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻘﺮاﺑﺔ؟ ﻫﻞ ﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ ،ﰲ ﺣني أن اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﴩي ﱞ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ ،أن ﺗﻜﻮن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺸ ﱢﻜﻠﻬﺎ »اﺻﻄﻨﺎﻋﻴﺔ« ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ؟ ﻓﺈذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ ،ﻓﻬﻞ ﻳﺸ ﱢﻜﻞ اﻟﺒﴩ أﻣﻤً ﺎ ﺑﺪاﻓﻊ اﻟﴬورة ،أو ﺣﺘﻰ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻴﻞ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻼﻧﻘﺴﺎم؟ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﺮؤﻳﺔ »ﻧﺤﻦ« ﺿﺪ »ﻫﻢ« ﻫﻨﺎك ﻋﺪة ﺗﻔﺴريات ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻮﺟﻮد اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺒﴩﻳﺔ إﱃ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﺘﻤﺎﻳﺰة واﺳﺘﻤﺮار ﺗﻠﻚ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت ،اﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺪ اﻷﻣﺔ إﺣﺪاﻫﺎ .وﻣﻦ ﺑني ﻫﺬه اﻟﺘﻔﺴريات اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ،وﺗﺤﺪﻳﺪًا أن ﻧﺪرة املﻮارد اﻟﻼزﻣﺔ ﻹﺷﺒﺎع اﻟﺮﻏﺒﺎت اﻟﺒﴩﻳﺔ املﻤﺘﺪة 99
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
داﺋﻤً ﺎ واملﺘﺼﺎرﻋﺔ ﻛﺜريًا ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو )وﻻ ﻳﺘﻀﻤﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻹﺷﺒﺎع اﻟﺒﺪﻧﻲ املﺒﺎﴍ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺠﻮع ،ﺑﻞ ً أﻳﻀﺎ اﻷﻫﺪاف اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻌﻘﻴﺪًا ﻣﺜﻞ اﻋﺘﺒﺎرات املﻜﺎﻧﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ( ﻗﺪ أدﱠت إﱃ ﺣﺸﺪ اﻟﺒﴩ ﻣﻌً ﺎ ﰲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ،وﻫﻲ ﺑﺪورﻫﺎ ﺗﺘﻨﺎﻓﺲ ُ ﺑﻌﺾ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ٍ ﻣﻌني ﻟﻠﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ املﻮارد .وﻳﻨﺒﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺴري — وإن ﻛﺎن ﺑﺸﻜﻞ ﻏري ﻣﺒﺎﴍ — ﻋﲆ ﻓﻬ ٍﻢ ﱠ ٍ اﻟﺒﴩﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺗﻔﺴري آﺧﺮ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﺪوﻟﺔ ،روﱠج ﻟﻪ ﺗﻮﻣﺎس ﻫﻮﺑﺰ ،وﻫﻮ أن املﻴﻞ ﻟﺘﺠﻤﱡ ﻊ ُ ٍ ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﻬﺪف ﻣﻨﻪ أن ﺗﻜﻮن ﺣﻴﺎ ُة اﻟﻔﺮد أﻛﺜﺮ أﻣﺎﻧًﺎ .وﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻫﺬه اﻟﺘﻔﺴريات اﻟﺒﴩ ﻣﻌً ﺎ ً ﻟﺘﻮﺿﻴﺢ اﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻟﺘﻜﻴﱡﻒ ﻟﺤﻔﻆ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻓﻘﺎ ملﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ. وﻗﺪ ﱠ ﻓﴪ ﺑﻌﺾ أﺗﺒﺎع اﻟﺪاروﻳﻨﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،وﻋﻠﻤﺎءُ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻄﻮرﻳﻮن ﺗﻜﻮ َﱡن املﺠﻤﻮﻋﺎت املﺘﻨﺎﻓﺴﺔ ﻛﺎﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﺗﻜﻴﱡﻔﻴﺔ »ﻟﻠﻤﻼءﻣﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ«؛ أي اﻟﺤﺚ ﻋﲆ ﻧﻘﻞ ﺟﻴﻨﺎت املﺮء وﺟﻴﻨﺎت أﻗﺮﺑﺎﺋﻪ ملﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻨﺪرة أو أي ﻋﺪدٍ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﺪﻳﺪات )ﻣﺜﻞ وﺟﻮد ﻣﻔﱰﺳﺎت أو ﻏﺮﺑﺎء( اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪﱢد ذﻟﻚ اﻟﻨﻘﻞ .وإذا ﻛﺎن اﻟﺒﴩ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ »ﻣﱪﻣَ ﺠني ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ« ﻟﺰﻳﺎدة اﺣﺘﻤﺎﻟﻴﺔ اﻧﺘﻘﺎل ﺟﻴﻨﺎﺗﻬﻢ ،ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ — ً وﻓﻘﺎ ملﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻫﺬا اﻟﻄﺮح — َ املﺘﻨﺎﻓﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻟﻠﺤﻤﺎﻳﺔ ،ﻣﺒﺪﺋﻴٍّﺎ ﻟﺪﻋﻢ املﺮء ﻟﺘﺄﻣني املﻮارد املﺤﺪودة ﺳﻴﺘﻄﻠﺐ اﻟﺘﻌﺎو ُن ِ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻪ )وﻫﻮ ﺗﻌﺒري ﻣ ً ﺻﻮر ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ُﺴﺘﻘﻰ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﻴﺎز اﻟﺠﻴﻨﻲ( ،ﺗﺸﻜﻴ َﻞ ٍ أﻛﱪ .وﻫﺬه املﺠﻤﻮﻋﺎت ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ أﻋﻀﺎؤﻫﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ؛ ﻷن ذﻟﻚ اﻟﻔﻬﻢ ﺳﻴﻌﻤﻞ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻋﲆ ﻣ ﱢﺪ »املﻼءﻣﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ« اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎل اﻟﺠﻴﻨﻲ إﱃ ﻣَ ﻦ ﻳﺘﻌﺎون ﻣﻌﻬﻢ املﺮء؛ ً راﺳﺨﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻜﻮن املﻌﺘﻘﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﺼﻮر املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﱠ ﻣﺸﺘﻘ ًﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ،وﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ﺗﻴﺴريه. ري ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎت اﻟﺒﴩﻳﺔ؛ وﻳﻮاﺟﻪ ﻣﺘﺒﻨﱡﻮ اﻟﺪاروﻳﻨﻴﺔ إﻏﺮاءَ ﺗﻘﺪﻳ ِﻢ ﺗﻔﺴ ٍ ﻷﻧﻪ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺘﻔﺴريات اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﻻ ٌ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺑني اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ؛ إذ ﻳﺠﺐ ﻋﲆ اﻷﺧرية أن ﺗﺨﺪم اﻷوﱃ .وﻣﻦ ﺛﻢ، ﻳﻮﺟﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻔﺴريات اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﻳﺠﺐ أن ﻳﺨﺪم وﺟﻮ ُد ً ٍ ﻏﺮﺿﺎ ﺗﻜﻴﱡﻔﻴٍّﺎ ﻣﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﺑﻐري ذﻟﻚ ﻟﻦ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﻤﻴﺰة وﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺔ ﻣﻦ أﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﻠﻚ املﺠﻤﻮﻋﺎت. َ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﻣﻦ ﺗﻀﻤني اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم ﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن ﻫﻨﺎك اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻬﻨﺎ ً ً اﻟﺘﺒﺎﺳﺎ أﻳﻀﺎ ﺗﻨﺸﺄ املﺸﻜﻼت؛ وأوﻟﻬﺎ أن ﻫﻨﺎك ﰲ ﻣﻌﻨﻰ أن ﻳﻜﻮن املﺮء »ﻣﱪﻣَ ﺠً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ« .ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ املﺮء ﰲ ﻧﺘﺎﺋﺞ 100
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ
ً ٍ ُ ﻓﺮص ﻋﺪم اﻹﻧﺠﺎب درﺟﺔ ﺟﺎﻣﻌﻴ ًﱠﺔ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻟﺪﻳﻬﻦ دراﺳﺎت ﺗﻘﻮل إن اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻳﺤﻤﻠﻦ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﻨﺴﺒﺔ ،٪٥٠أو ﱠ ٍ ﻋﺎل ﻟﺪﻳﻬﻢ إن ﺳﻜﺎن اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺴﺘﻮى ﻣﻌﻴﺸﺔ ٍ أﻃﻔﺎل أﻗﻞ ،ﻟﺪرﺟﺔ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺼﻔﺮ ﰲ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﺴﻜﺎﻧﻲ أو ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺎﻗﺺ ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن ،ﻓﺈن املﺮء ﻳﺘﺴﺎءل ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ أن ﻳﻜﻮن املﺮء »ﻣﱪﻣﺠً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ« ملﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺠﻴﻨﻴﺔ .ملﺎذا ﻳﺨﺘﺎر ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ،ﺳﻮاء ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮًى ﻓﺮدي أو ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮًى ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻗﻮﻣﻲ ،ﻋﺪ َم إﻧﺠﺎب اﻷﻃﻔﺎل ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﱰاﺟﻊ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻨﺪرة وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﺪﻳﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎﺑﻪ وﺟﻮد املﺮء؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺒﺪون وﻛﺄﻧﻬﻢ ﻳﻘﻮﱢﺿﻮن »املﻼءﻣﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ«؟ وﺛﺎﻧﻴًﺎ :ﻫﻨﺎك ﺻﻌﻮﺑﺔ ،ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،ﰲ ﺗﻔﺴري اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن ﻳﻜﻮن املﺮء ﻣﺮﺗﺒ ً ﻄﺎ ﺑﺄﻧﺎس ﻣﻌﻴﻨني دون أن ﻳﻜﻮن ﻫﺬا واﻗﻌﻴٍّﺎ .وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﻫﺬا ،ﺻﺤﻴﺢ أن اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﺟﻴﻨﻴٍّﺎ ٍ اﻟﺜﻘﺎﰲ ملﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗﺮﺑﻄﻬﺎ ﺻﻠﺔ اﻟﻘﺮاﺑﺔ وﺗﻜﻮن أﻛﱪ ﺑﺪرﺟﺔ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ ﻣﻦ ﺣﺠﻢ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ؛ ﻗﺪ ﻳﻘﺪﱢم ً ﺑﻨﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎون اﻟﻔﻌﱠ ﺎل ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺴﻌﻲ إﱃ املﻮارد وﺗﺨﺼﻴﺼﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﻴﺎﻏﺔ املﻌﺎﻳري — وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ ﻛﻌﻼﻣﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻟﻠﺤﻀﺎرة — ﻣﻤﺎ ﻳﺸري إﱃ ﻣَ ﻦ ﻳﻤﻜﻦ أو ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻮﺛﻮق ﺑﻪ .ﻓﻬﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺑﺎب ﺣُ ﺴﻦ اﻟﺘﻜﻴﱡﻒ أم ﺳﻮء اﻟﺘﻜﻴﱡﻒ؟ َ وﺑﻴﺎن اﻟﻈﺮوف ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﴪ املﺮء أﻧﻮاﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك ﺗﺒﺪو وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﺎرض املﺒﺪﺋﻴﺔ ﻟﺘﻌﻀﻴﺪ اﻻﻧﺘﻘﺎل اﻟﺠﻴﻨﻲ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﴫاع اﻻﻧﺘﺤﺎري ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻬﻴﺒﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ أو ﺣﺮوب اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺸﺎﻣﻞ ﺑني اﻷﻣﻢ؟ ﻗﺪ ﻳﺠﻴﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺪاروﻳﻨﻴني ﺑﺄن ﻫﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻫﻲ ﺗﻌﺒريات ﻋﻦ ﺳﻮء اﻟﺘﻜﻴﱡﻒ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﺒﴩ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻋﻘﻮ ٌل ﺗﺮﺟﻊ إﱃ اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺠﺮي داﺧﻞ ﺟﻤﺎﺟﻢ ﺣﺪﻳﺜﺔ؛ أي إن آﻟﻴﺎت اﻟﺘﻜﻴﱡﻒ ﻟﻼﻧﺘﻘﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻟﺠﻨﴘ ﺗﺘﺨ ﱠﻠﻒ ﺑﺎﻟﴬورة وراء اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﴎﻳﻌﺔ ٌ ﱡ اﻋﱰاف ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻨﺪ أي ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻗﺪ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺘﻐري .إﻻ أن ﻫﺬه اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻫﻲ ري ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺒريات اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،أو إذا ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺒﺎﴍة ﺑني اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﻛﺜ ٍ وﺟﻮد ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻟﺴﻨﺎ ﰲ وﺿﻊ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺄن ﻧﺤﺪﱢد ﻣﺎﻫﻴﱠﺘﻬﺎ؛ إذ ﻳﻌﻮزﻧﺎ ﻣﻨﻈﻮر آﻻف اﻟﺴﻨني ﻟﻜﻲ ﻧﻘﻮم ﺑﻬﺬا اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ. ﺗﻨﻮع اﻟﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﱠ املﻌﻘﺪ ﻟﻠﺘﻔﺴريات اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻫﻮ أن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻴﺌًﺎ إن اﻟﻌﺎﻣﻞ ري ﻣﻦ اﻷﻧﺸﻄﺔ املﺘﻨﻮﻋﺔ؛ ﺳﻌﻴًﺎ وراء أﻫﺪاف ﻻ وﺟﻪ ﻣﻮﺣﱠ ﺪًا؛ إذ ﻳﻨﺨﺮط اﻟﺒﴩ ﰲ ﻋﺪدٍ ﻛﺒ ٍ ﻟﻠﻤﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺗﻜﻮن ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ؛ ﻣﺜﻞ املﻴﻞ ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت 101
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻣﻤﻴﺰة وﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺔ )ﻣﺜﻞ اﻷﻣﻢ( إﱃ ﺟﺎﻧﺐ املﻴﻞ إﱃ ﺗﺄﻛﻴﺪ وﺣﺪة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﰲ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ٌ ﻣﺘﻨﺎﻗﺾ ﻫﻨﺎ ﻫﻮ اﻵﺗﻲ :ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﻬﻢ املﺮءُ اﻟﻘﺪر َة اﻟﺒﴩﻳﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ .ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﺗﺒﺪو ﺑﻼ وﺟﻪ ﻟﻠﻤﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺬﻫﺎب اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻋﲆ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑني ﺑﺪاﺋ َﻞ إﱃ اﻟﺤﺮب دﻓﺎﻋً ﺎ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ املﺮء ،أو ْ رﻓﺾ اﻹﻧﺴﺎن ﻷن ﻳَﻘﺘﻞ إﻧﺴﺎﻧًﺎ آﺧﺮ؟ أﻳﺪل وﺟﻮد ﻫﺬه اﻟﺒﺪاﺋﻞ واﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻋﲆ »اﻧﻔﺘﺎح اﻟﻌﻘﻞ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ« أو »اﻟﺤﺮﻳﺔ«؟ ﻗﺪ ﻳﻌﱰض أﺻﺤﺎب املﺬﻫﺐ اﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ،ﻣﻤﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪون أن اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩي ﺗﻮﺟﱢ ﻬﻪ دواﻓﻊ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻤﺎل ﺑﺄن ﻳُﴫﱡ وا ﻋﲆ أن »اﻻﺧﺘﻴﺎر« ﻫﻮ ﻣﺠﺮد ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻷﺣﺪ أﻣﺮﻳﻦ :إﻣﺎ ﺗﺨ ﱡﻠﻒ اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ اﻟﺘﻄﻮري أو اﻟﺘﻜﻠﻔﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ أﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮًى ﻟﺴﻌﺎدة املﺮء أو درﺟﺔ اﺧﺘﻴﺎره ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻌﱠ ﺎل .إﻻ أن ﻫﺬه اﻻﻋﱰاﺿﺎت ﻗﺪ ً اﻓﱰاﺿﻴﺔ ﺗﺨﺪم ﻫﺪف اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﲆ ﺣﴫﻳﺔ اﻵﻟﻴﺔ اﻟﺘﻔﺴريﻳﺔ ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ اﻷوﻟﻴﺔ املﺆﻛﺪة، ﺗﺒﺪو وﻫﻲ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺪواﻓﻊ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﱢد اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩي. إن اﻻﻋﱰاف ﺑﺘﻨﻮع اﻷﻫﺪاف اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻻ ﻳﺪﺣﺾ ﻣﻴﺰ َة أيﱟ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺴريَﻳْﻦ اﻟﺪاروﻳﻨﻲ أو اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ؛ إذ إن املﺴﺎﻋﻲ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺒﴩﻳﺔ ،وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﺼﺎﺣﺒﺔ )ﻣﺜﻞ اﻷﻣﺔ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ( ،واﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑﻴﻨﻬﺎ؛ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ٌ أﺳﺲ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ، إﻻ أﻧﻬﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﺗَﺤُ ﱡﺪ ﻣﻦ ﻣﻴﺰﺗﻬﺎ اﻟﺘﻔﺴريﻳﺔ .واﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﻨﺴﺠﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻊ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻫﻮ :ﻛﻴﻒ ﺗﻔﻬﻢ اﻷﻏﺮاض اﻟﺒﴩﻳﺔ املﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﺑﻞ واملﺘﻌﺎرﺿﺔ؟ ﺗﺆدﱢي ﻫﺬه ُ املﻼﺣﻈﺎت إﱃ إدراكٍ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﻄﺮق املﺘﻨﻮﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨ ﱢ اﻟﺒﴩﻳﺔ َ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،واﻷﻣﻮر ﻈﻢ ﺑﻬﺎ ُ ﻏﻤﻮض ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﻮﺿﻴﺢ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ،أو اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺔ ﻟﻠﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ .إﻧﻬﺎ ٍ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »ﻓﻄﺮﻳﺔ« اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩي ،اﻟﺘﻲ ﻳُﻌَ ﺪ وﺟﻮد اﻷﻣﺔ ً ﻣﺜﺎﻻ ﻟﻬﺎ ،وﺳﻴﻜﻮن اﻟﻬﺪف ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﺘﻮاﺿﻌً ﺎ؛ وﻫﻮ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺪاﺧﻠﺔ ﺿﻤﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬا اﻟﻐﻤﻮض ،وﺑﻬﺬا ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪات ً ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ إﺟﺎﺑﺎت ﺣﺎﺳﻤﺔ .وﺳﻴﻜﻮن ﻣﻦ املﻔﻴﺪ ذِ ﻛ ُﺮ ﺑﻌﺾ املﻼﺣﻈﺎت اﻟﺘﻲ أﺑﺪاﻫﺎ أرﺳﻄﻮ ﻋﻨﺪ ﺗﺮﻛﻴﺰ اﻧﺘﺒﺎﻫﻨﺎ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت. ﻓﻘﺪ ﻻﺣﻆ أرﺳﻄﻮ أن اﻟﺒﴩ ﺣﻴﻮاﻧﺎت ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؛ ﺑﺴﺒﺐ داﻓﻌﻬﻢ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻠﺘﻜﺎﺛﺮ وﺣﻔﻆ اﻟﺬات .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻻﺣﻆ ً ٍ ﺻﻔﺎت أﺧﺮى ﺗﻤﻴﺰ اﻟﺒﴩ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﻳﻀﺎ أن ﻫﻨﺎك املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ؛ وﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﻜﻼم .وﺻﺤﻴﺢٌ أن ﻣﺎ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺎت ﻏري اﻟﺒﴩﻳﺔ ﺗﺘﻮاﺻﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻄﻊ ﻻ ﺗُﻈﻬﺮ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ ﻓﻌﻞ ﻫﺬا إﱃ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒﴩ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻓﺤﺘﻰ إذا ﺣﺪﱠد املﺮء اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﺗُﻤﻴﺰ اﻟﺒﴩ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ،ﻓﺈن وﺟﻮدﻫﺎ ﻟﻪ أﺳﻼف ﰲ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ؛ إن ﻣﻨ ﱢ ﻈﺮي 102
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ
اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ ﻋﲆ ﱟ ﺣﻖ ﰲ ﺗﺘﺒﱡﻊ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﻼف ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻓﱰاض وﺟﻮد ﺗﻜﻴﱡﻔﺎت ﻣﺤﺘﻤَ ﻠﺔ ﻟﻠﺼﻮرة اﻟﺒﴩﻳﺔ املﺘﻄﻮرة ﻟﺒﻴﺌﺎت ﺗﺼﻞ إﱃ ﻣﺌﺎت اﻵﻻف ،ﺑﻞ ﻣﻼﻳني اﻟﺴﻨني اﻟﺘﻲ ً ﻣﻤﻜﻨﺔ .وﺗﺸﻤﻞ ﻫﺬه ﻣﻀﺖ ﺧﻼل اﻟﻌﴫ اﻟﺒﻼﻳﺴﺘﻮﺳﻴﻨﻲ ،واﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﺎت َ ِ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ اﻟﺠﺴﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻮﻗﻮف ،وإﺑﻬﺎ َم اﻟﻴﺪ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ إﺻﺒﻊ اﻟﺴﺒﺎﺑﺔ اﻟﺬي وﺿﻌﻴﺔ اﻟﺘﻜﻴﱡﻔﺎت ٍّ وﻣﺨﺎ ﻛﺒري اﻟﺤﺠﻢ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺘﻌﻘﻴﺪ ،ﻳﻨﻤﻮ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒري ﺑﻌﺪ املﻴﻼد؛ ﻳُﺴﻬﱢ ﻞ اﺑﺘﻜﺎر اﻷدوات؛ ً واملﺰﻳﺞ املﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ املﺮء ﻓﺮدًا ﻣﻨﻌﺰﻻ ،وﻣﺸﺎر ًﻛﺎ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺘﺒﻊ رﻏﺒﺔ املﺮء ﰲ إﺧﻔﺎء ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ )واﻟﺬي ﻳﺸﻤﻞ ﺧﺪاع اﻟﺬات( وﰲ أن ﻳﻜﺸﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷﻣﻞ ﰲ ﻧﻴﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﻢ واﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻬﻢ؛ واﻟﻐﺮاﺋﺰ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺪﱢد اﻟﺴﻠﻮك ﺑﺪﻗﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺤﺘﻤﻞ أن ﻳﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ اﻧﻔﺘﺎح اﻟﺬﻫﻦ ﻋﲆ ﺑﻴﺌﺎت أﺧﺮى ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺘﻜﺮﻫﺎ اﻟﺒﴩ ،واﻟﺘﻲ ﺣﺎملﺎ ﺗﻨﺸﺄ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﺪﱢم ﺑﺆ ًرا ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم — وﻫﻲ ﺗﺮاﻛﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﺟﱠ ﻪ ﻧﺤﻮﻫﺎ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩي .وﻟﻜﻲ ﻧﻌﻴﺪ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﺸﻜﻠﺘﻨﺎ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ُ اﻟﺒﻴﺌﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻹﺑﺪاع اﻟﺒﴩي — واﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﺪ اﻷﻣﺔ ﻧﺘﺴﺎءل إﱃ أي ﻣﺪًى ﺗُﻌﺘﱪ ﻫﺬه واﺣﺪ ًة ﻣﻨﻬﺎ — ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﻄﺮﻳٍّﺎ؟ ﻛﻤﺎ ﻻﺣﻆ أرﺳﻄﻮ ً أﻳﻀﺎ أن اﻟﺒﴩ ﻟﺪﻳﻬﻢ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ »اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﻘﻞ« .وﻫﺬا ﺻﻮر ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، اﻟﺘﻮﺟﱡ ﻪ إﱃ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﺒﴩ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ٍ ً ﻣﺤﺎوﻟﺔ ملﻮاﺟﻬﺔ ﻣﺸﻜﻼت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﰲ َ ٍ ﻃﻮْر ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻧﻮﻋﻴٍّﺎ ﰲ ﺗﺒﺪو اﻟﻨﺸﺄة .وﻫﻜﺬا ﻛﺎن أرﺳﻄﻮ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄن اﻷﴎة واملﺪﻳﻨﺔ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻦ اﻷﺧﺮى ﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﻸﻏﺮاض املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺮ ﱢد ﻓﻌﻞ ﻟﻠﻤﺸﻜﻼت املﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،املﺸﻜﻠﺔ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﻮ ﱡﻟﺪ اﻟﺤﻴﺎة واﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،املﺸﻜﻠﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ املﺘﻌ ﱢﻠﻘﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺠﺮد ﺑﻘﺎء اﻟﻨﺎس ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻴﻮن ﺑﻬﺎ ﺣﻴﺎة أﻓﻀﻞ ،أو رﺧﺎء اﻟﺤﻴﺎة. ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻧﻮﻋﻴٍّﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺑﺪورﻫﺎ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ ﺗﻮﺟﻬﺎت وﻫﺬا اﻹدراك ﻟﻠﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك أﺛﺎرﻫﺎ آدم ﺳﻤﻴﺚ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺟﺬب اﻻﻧﺘﺒﺎه ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻧﻈﺮﻳﺔ املﺸﺎﻋﺮ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ« إﱃ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺒﴩي ﺑني ﻣﺎ ﻫﻮ ﻧﺎﻓﻊ وﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﻠﻴﻢ. ِ ملﺸﻜﻠﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﻠﻴ ٌﻢ — أي ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻮﺟﻮد — اﻟﺘﻲ ﺗﺆدﱢي ﻓﻬﻞ إدﺧﺎل اﻟﺒﴩﻳﺔ ً ﻣﺘﺼﺎرﻋﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷوﻗﺎت )ﻣﺜﻞ إﱃ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ واملﺪﻳﻨﺔ واﻷﻣﺔ واﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ ،وﻫﻜﺬا( ﻳﺪل ﻋﲆ أن ﻫﻨﺎك ﻓﻘﻂ ً ﻋﻼﻗﺔ ﻏريَ ﻣﺒﺎﴍة ﺑني ﺗﻠﻚ املﺆﺳﺴﺎت واﻟﱰﻛﻴﺒﺔ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻟﻠﺒﴩ؟ وﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺘﻔﺎوت ﰲ أﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ،اﻟﺬي ﻳﺪ ﱡل ﻋﲆ أن املﻔﻬﻮم ﻳﺸري إﱃ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﳾءٍ واﺣ ٍﺪ 103
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ٍ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ، )ﻳﱰاوح ﻣﺎ ﺑني اﻟﺮاﺑﻄﺔ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺑني اﻷم واﻟﻄﻔﻞ إﱃ وﺣﺘﻰ إﱃ اﻟﺘﺤﺪﱡث ﺑﻠﻐﺔ واﺣﺪة( ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻛﺜريًا ﻣﻦ املﺤﻠﻠني ﻳُﴫﱡ ون ﻋﲆ وﺟﻮد ﻋﻼﻗﺔ ﻏري ﻣﺒﺎﴍة ﻓﻘﻂ ﺑني ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮﱢﻧﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن وﺗﻨﺸﺄ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴٍّﺎ. وإذا ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺈن املﻴﺰة اﻟﺘﻔﺴريﻳﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻷﻣﺔ ً وﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻫﺬا ﺗﻜﻮن املﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ املﺤ ﱢﻠﻞ ﻫﻲ أن واﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﺤﺪود ًة. ﻳﺪرس اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك ،واﻟﺘﻌﺒري املﺆﺳﴘ ﻋﻨﻬﺎ ،واﻟﺘﻌﺪﻳﻼت اﻟﺘﻲ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻬﺎ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ ،واﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني ﺗﻘﻠﻴﺪ وآﺧﺮ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﻀﺢ ﻏﻤﻮض اﻻﻋﺘﻘﺎد ﰲ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺗﻜﻮﱡن اﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل إدراك وﺟﻮد ﻣﺮوﻧﺔ واﺳﻌﺔ املﺪى ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺒﴩي، ً ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺑﺮزت ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻄﻮري ﺑﻤﺮور ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﺮوﻧﺔ اﻟﺰﻣﻦ .وﻻ ﺗﺰال املﺸﻜﻠﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ،وﻫﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻓﻬﻢ اﻻﺳﺘﻤﺮار اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ً أﺷﻜﺎﻻ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،رﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﺗﺨﺬت َودَﻋْ ﻨﺎ ﻧُﻌِ ْﺪ ﺗﺘﺒﱡ َﻊ ﺑﻌﺾ ﺧﻄﻮات ﻫﺬا اﻟﻨﻘﺎش ،وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻠﻐﺰ اﻟﺬي ﻳﺠﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ ﻓﻬﻢ اﻷﻣﺔ :رﻏﻢ أن اﻟﺒﴩﻳﺔ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻤﻴﱠﺰ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻓﺎﻋﻞ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻮاﺣﻲ ،ﻛﻴﻒ ﻫﺬا؟ ﻣﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﺒﴩﻳﺔ اﻟﻘﺪر ُة ﻋﲆ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﱃ ٍ وﻣﻔﻌﻮل ﺑﻪ؛ أي أن ﻳﻔﻜﺮ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ،وأن ﻳﻔﻜﺮ ﻣﻠﻴٍّﺎ ﰲ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻘﺪ ﴏاع ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﺟﻮد .وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺜري ﻳﺆدﱢي ﻫﺬا إﱃ أن ﻳﻨﺨﺮط املﺮء ﰲ ٍ ً ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﻮل ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﻟﻠﻌﻴﺶ ،وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺬاﺗﻲ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﻔﻜﺮ ﰲ اﻟﺬات )أي »اﻧﻔﺘﺎح اﻟﻌﻘﻞ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ« ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﺑﺪاﺧﻞ اﻹﻧﺴﺎن( ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﻬﺎ إدرا ًﻛﺎ ﻷوﺟﻪ اﻟﻨﻘﺺ اﻟﺒﴩي — وﻋﲆ رأﺳﻬﺎ املﻌﺎﻧﺎة واملﻮت — ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺒﻴﺌﺘني اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ واملﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ .وﰲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺗﻌﺘﱪ اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ملﺤﻨﺔ اﻹدراك اﻟﺬاﺗﻲ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻘﺺ ﻫﻲ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻵدم وﺣﻮاء ﻣﻦ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺎر، »ﺗﻔﺘﱡﺢ أﻋﻴﻨﻬﻤﺎ« وﻣﺎ ﺗﺒﻌﻪ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﻤﺎ ﻟﻌُ ْﺮﻳﻬﻤﺎ وﻣﺎ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ ٍ ﻛﻤﺎ ورد ﰲ ِﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،اﻹﺻﺤﺎح .٣ ﻓﻌﻞ ﻟﻬﺬا اﻻﻧﻔﺘﺎح وﻣﺎ ﻳﺜريه ﻣﻦ ﻗﻠﻖ ،ﻳﻠﺘﻤﺲ اﻟﻌﻘﻞ أﻧﻮاﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺎم وﻛﺮ ﱢد ٍ وﻳﺆﺳﺴﻬﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟ ِﺒﻨ ْ َ ﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺔ .وأﻧﻮاع اﻟﻨﻈﺎم ﻫﺬه — أو اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ — ﱠ ﻳﻌﱪ ﻣﻌﺎن ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﺻﻮر ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت ،وﻫﺬه ﺑﺪورﻫﺎ ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﺣﻮل ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ٍ ٍ ﻓﻌﻞ ملﻌﻨﻰ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺬي ﻳﺮ ﱢﻛﺰ ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﻟﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ ﰲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ .وﻣﻦ ﺛﻢ ،ﻛﺮ ﱢد ٍ ﺑﻬﺎ واﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ ،ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ واﻟﻌﺸرية واﻷﻣﺔ ،وﻳﺠﺮي اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ 104
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ
ﻣﻌﻨًﻰ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﻳﺪور ﺣﻮل اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ ﻋﻼﻗﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ اﻟﺬاﺗﻲ؛ ﻣﺜﻞ ﱡ واﻟﺘﺨﻔﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺻﻮرة ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ .وﺗﺘﻀﺢ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﻤﻌﺎﻧﺎة اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ. وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺻﻔﺎت ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺘﻜﻮﻳﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺎت واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﺣﻮﻟﻬﺎ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﺗﺨﻔﻴﻒ اﻟﻘﻠﻖ )أو اﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻟﺘﻜﻴﱡﻒ ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺮي ﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ( اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻦ إدراك أوﺟﻪ اﻟﻨﻘﺺ أو ﻋﺪم اﻟﻴﻘني املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻮﺟﻮدﻧﺎ. ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﺘﻜﻮﱢﻧﺔ ﻛﺎﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻬﺬا اﻹدراك اﻟﺬاﺗﻲ ﻫﻲ املﻜﺎﻓﺊ اﻟﺒﴩي ﻟﻠﻐﺮاﺋﺰ املﻤﻨﻮﺣﺔ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴٍّﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺳﻠﻮك ﺳﺎﺋﺮ أﻧﻮاع املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ. ﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى ،ﻓﺈﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻐﺮاﺋﺰي املﺘﻄﻮر اﻟﺬي ﻳﻮﺟﺪ ﰲ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ،واﻟﺬي ﻳﺤﺪﱢد ﻧﺸﺎط اﻟﺤﻴﻮان ﺑﺪﻗﺔ )ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ أﻳﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺣﻴﻮان آﺧﺮ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻨﺤﻞ ﰲ ﺧﻠﻴﺔ اﻟﻨﺤﻞ( ﻓﺈن اﻟﺒﴩ ﻳﻜﻮﱢﻧﻮن ﻋﻼﻗﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﺳﻌﺔ املﺪى ،ﺗﺸ ﱢﻜﻞ ﺳﻠﻮﻛﻴﺎﺗﻬﻢ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻠﻞ ﻣﻦ ﻗﻠﻖ اﻟﺸﻚ املﺘﻌﻠﻖ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﴫف ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻨﻘﺺ ﰲ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻐﺮاﺋﺰي املﺤﺪﱢد ﻟﻠﺴﻠﻮك. ﻃﺎ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺔ ،وﻫﻲ ً وﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﺸ ﱢﻜﻠﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮك ﺗﻘﺪﱢم أﻧﻤﺎ ً أﻳﻀﺎ ُ وﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻄﻮ ِﱡر اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﴩي ﺑﻌﺪ املﻴﻼد ﻣﺘﻮا َرﺛﺔ ،ﻟﻴﺲ ﺟﻴﻨﻴٍّﺎ ،ﺑﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮاث ﺛﻘﺎﰲ. ً ﻫﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻔﺘﺤً ﺎ ﻋﲆ ﺗﺮاث ﺛﻘﺎﰲ ﻣﻌني )أو ﻛﻤﺎ ﻳﺼﺎغ وﻓﻘﺎ ملﺼﻄﻠﺤﺎت ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻄﻮري واﻟﻌﻠﻮم اﻹدراﻛﻴﺔ ،ﻓﺈن وﺣﺪة ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ﻻ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏﺮﻳﺰة ﻣﻌﻴﻨﺔ(. َ ِ اﻟﻠﻐﺔ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ املﺠﺘﻤﻊ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﻄﻮﱡره ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻢ ﻋﻘ ُﻞ اﻟﻄﻔﻞ ﰲ اﻟﺬي ﻳﱰﺑﱠﻰ ﻓﻴﻪ اﻟﻄﻔﻞ؛ وﺑﻬﺬا ﻳﺼري املرياث اﻟﺜﻘﺎﰲ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮﱢﻧﻬﺎ املﺮء ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﴬب اﻷُﻟﻔﺔ ﺑﺠﺬورﻫﺎ ﰲ ﻧﻔﺲ املﺮء وﻋﺎداﺗﻪ ،وﻫﻲ أُﻟﻔﺔ ﱢ ﺗﺤﻘﻘﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻳُﻮ َﻟﺪ املﺮء ﰲ إﻃﺎرﻫﺎ وﻳﺘﻄﻮﱠر .وﻳﻜﻮن وﺳﻴﻂ اﻟﻨﻘﻞ اﻷوﱠﱄ ﻟﻬﺬا املرياث اﻟﺜﻘﺎﰲ ﻫﻮ اﻟﻠﻐﺔ؛ أي إﻧﻚ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﺘﺴﺐ ً ﻟﻐﺔ ﻣﺎ ﻓﺈﻧﻚ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﻣﺤﺘﻮاﻫﺎ ﻋﲆ ﺣﺪ ﻗﻮل دوﻣﻴﺰﻳﻞ. وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا ،ﻓﺈن ﻣﻦ ﻳﻌﺮف أﻧﻬﻢ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ً ﻟﻐﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﻳﻌﺮف ﻋﻨﻬﻢ ً ً أﻳﻀﺎ أﻧﻬﻢ ﻳﺘﺸﺎرﻛﻮن ﰲ ﻫﺬه اﻷُﻟﻔﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻷُﻟﻔﺔ املﺘﻮا َرﺛﺔ ﻓﺮدﻳٍّﺎ وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻖ ﺗﻘﻮﻣﺎن ﺑﺪور ﻣﺎ ﰲ ﺗﻔﺴري اﺳﺘﻤﺮار اﻻﻋﺘﻘﺎد ﰲ اﻻرﺗﺒﺎﻃﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﱢﺰ اﻷﻣﺔ .وﻳﺒﺪو ﻣﺮﺟﱠ ﺤً ﺎ أن ﻛﻮن اﻷﻣﺔ ِﺑﻨْﻴ ًَﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺔ ﻳﺸ ﱢﻜﻞ ﺟﺰءًا ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ .وإذا ﻛﺎن ً اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﻀﺢ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ أن ً ﻣﺸﱰﻛﺔ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗُﻔﻬﻢ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ أﺣ ُﺪ اﻟﻌﻮاﻣﻞ ﻟﻐﺔ ﻣﺎ 105
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
املﻤﻴﺰة ﻟﻸﻣﺔ ،وﺳﺒﺐُ أن ﺣﻔﻆ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ — ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟﱰاث ﺛﻘﺎﰲ ﻓﺮﻳﺪ — ﻳُﻌَ ﱡﺪ أﻣ ًﺮا ﺷﺪﻳﺪ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ أﺑﻨﺎء اﻷﻣﺔ. ورﻏﻢ اﺣﺘﻤﺎل وﺟﻮد ﻫﺬا املﻜﻮﱢن اﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ﰲ ﺗﺮاث ﺛﻘﺎﰲ ﻣﺎ ،ﻓﺈن ﺑﺈﻣﻜﺎن اﻟﺒﴩ ً ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻧﺎﻗﺪًا ﺗﺠﺎه ﻫﺬا اﻟﱰاث ﻋﱪ إﺛﺎرة ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻷﺳﻠﻮب اﻷﻣﺜﻞ ﻟﻠﺤﻴﺎة .ﻓﺈذا أن ﻳﺘﺨﺬوا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ٍّ ﺳﻠﻮﻛﻲ ﻣﺎ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻣﺔ ﺣﻘﺎ ﻋﻨﴫٌ ﱞ )وﻛﻴﻒ ﻻ واﻟﺒﴩ ﺟﺰء ﻣﻦ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ؟( ﻓﺈن ﻗﺪرة اﻹﻧﺴﺎن ﻋﲆ اﻟﺘﻔ ﱡﻜﺮ اﻟﺬاﺗﻲ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ أﺷﻴﺎء أﺧﺮى ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﺑني اﻟﺸﺨﺺ وﺑﻴﺌﺘﻪ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ املﻮروﺛﺔ .وﻫﻜﺬا ﺗﺼري اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑني اﻟﺸﺨﺺ واﻟﺒﻴﺌﺔ ،وﺑني ﺷﺨﺺ وآﺧﺮ ﻣﺎد ًة ﻟﻠﺘﺄﻣﻞ واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ .ودﻋﻨﺎ ﻧﺪرس ﻛﻤﺜﺎل ﻟﻬﺬا ،ارﺗﺒﺎط رﺟﻞ واﻣﺮأة ﺑﻐﺮض اﻟﺘﻨﺎﺳﻞ. ُ درﺟﺔ اﻟﻐﺮﻳﺰة اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﲆ دﻓﻊ اﻟﺒﴩ ﻟﻠﺘﻨﺎﺳﻞ ،وﻟﺘﻜﻮﻳﻦ أﻳٍّﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺎت ﺑﻐﺮض اﻟﺘﻨﺎﺳﻞ ،ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻳﺰة ﻫﻲ ﻣﺎدة ﻟﻠﺘﻔ ﱡﻜﺮ ،وﻷن اﻟﺒﴩ ﻳ ِ ُﺨﻀﻌﻮن اﻟﺪاﻓ َﻊ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻠﺘﻨﺎﺳﻞ ﻟﻠﺘﻘﻴﻴﻢ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺼري ﻋُ ً ﺮﺿﺔ ﻟﻠﺘﻨﻮع ،ﻛﻤﺎ ﱢ ﺗﻌﱪ ﻋﻨﻪ اﻟﺼﻮر املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﻜﺜرية ﻣﻦ اﻟﺘﺰاوج اﻟﺒﴩي ،ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺰواج اﻷﺣﺎدي ﻓﺤﺴﺐ ،وإﻧﻤﺎ ً أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﺰواج املﺘﻌﺪد، واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻏري اﻟﴩﻋﻴﺔ )ﻣﺜﻞ اﻟﺪﻋﺎرة أو اﻟﺰﻧﺎ( ،واﻧﻔﺼﺎل اﻟﺬﻛﺮ ﻋﻦ اﻷﻧﺜﻰ ﺑﻌﺪ ﺗﺰاوﺟﻬﻤﺎ )ﻛﻤﺎ ﰲ اﻟﻄﻼق( .وﻫﺬا اﻟﺘﻨﻮع — ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎن ﻣﻘﺘﴫًا ﻋﲆ ﻋﻼﻗﺎت ﺟﻨﺴﻴﺔ ٍّ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﺎﻟﻨﻮع ﺟﱪﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ — ﻓﺈﻧﻪ ﰲ ﻧﻄﺎق اﻟﻨﻮع اﻟﺤﻴﻮاﻧﻲ ﻳُﻌَ ﺪ ﻧﻮاح أﺧﺮى اﻟﺒﴩي ﻓﻘﻂ .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﺈن اﻟﺒﴩ ﻗﺪ ﻳﺮﻓﻀﻮن ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ٍ إﻣﺎ ﻛﺪاﻓﻊ ﺳﻠﻮﻛﻲ ﻟﻠﺘﻨﺎﺳﻞ ،أو اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺪاﻓﻊ؛ أي اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ. ٍ ﻣﺨﺘﻠﻒ ملﻌﻨﻰ أن وﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﺮار ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻴﻪ املﺮء ﻷﻓﻌﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ اﻋﺘﺒﺎره ﻟﻔﻬ ٍﻢ ﻳﻌﻴﺶ املﺮءُ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ؛ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻧﺠﺪ ً ﻣﺜﺎﻻ ﻟﻪ ﰲ إﻧﺠﻴﻞ ﻣﺘﱠﻰ ،اﻹﺻﺤﺎح :١٢ :١٩ ﺼﻴَﺎن َﺧ َ »وﻳﻮﺟﺪ ﺧِ ْ ﺼﻮْا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻷﺟﻞ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎوات«. اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻫﻨﺎك ﻗﺪرات أﺧﺮى ﺗﻤﻴﱢﺰ اﻟﺒﴩ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺎت؛ ﻓﺄﻣﺎﻛﻦ ﻣﻌﻴﺸﺔ اﻟﺒﴩ ﻻ ﺗﺒﺪو ً ﺧﺎﺿﻌﺔ ملﻨﻄﻖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﻟﺪى اﻟﺒﴩ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺎت ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ. ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا ،ﻓﺈن ﻟﺪﻳﻬﻢ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻋﻼﻗﺎت ﺗﺘﺠﺎوز ﻫﺬه اﻟﺒﻴﺌﺎت املﺘﻨﻮﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﴍ؛ أي ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺠﺎوز املﻨﻄﻘﺔ املﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻶﻟﻴﺎت اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺔ ﻟﺤﻮاس اﻟﺸﻢ ﻣُﻨﺤﺖ ﻟﻬﻢ ٍ 106
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ
واﻟﻠﻤﺲ واﻟﺒﴫ ،وﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ إدراكٍ ﻳﺘﺠﺎوز اﻷﻓﻖ اﻟﺰﻣﻨﻲ ملﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮد .وﺗﺘﻀﺢ ﻫﺬه اﻟﻘﺪرة ﰲ ﻋﻼﻗﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺗﺠﺎرة اﻟﺴﻠﻊ ﻋﱪ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﰲ ﻋﻘﺎﺋﺪ ﻛﺜرية؛ ٌ ﺣﺪث ﻣﻨﻬﺎ ﺟﺮى ﰲ املﺎﴈ اﻟﺒﻌﻴﺪ؛ ﻣﺜﻞ ﺣﺎدﺛﺔ ﺻﻠﺐ املﺴﻴﺢ ،اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﺪ ذات إذ ﻳﻜﻮن ﺗﺄﺛري ﻋﲆ ﺳﻠﻮك املﺮء ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﴐ .وﺗﺘﻀﺢ ﻫﺬه اﻟﻘﺪرة ً أﻳﻀﺎ ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻣﺔ، اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮن اﻣﺘﺪادﻫﺎ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻣﺘﺠﺎو ًزا ﻟﻠﻤﺴﺎﺣﺔ املﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﺤﻮاس اﻟﺸﻢ واﻟﻠﻤﺲ واﻟﺒﴫ ﻷي ﻓﺮ ٍد ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ املﺼﻮﱠرة ﻟﻸﻣﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﺨﺮاﺋﻂ ،ﱢ ﺗﻮﺳﻊ ﻣﻦ رؤﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺗﺨﻴﱡﻠﻴٍّﺎ .وﺗﺪل اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻋﲆ أن ﻋﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻪ ﻗﺪرات ٍ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻪ ،وأن ﺗﺨﻴﱡﻠﻴﺔ ﺗﻤ ﱢﻜﻨﻪ ﻣﻦ أن ﻳﺮﻧﻮ إﱃ ﻣﻮاﻗ َﻊ ﺑﻌﻴﺪ ٍة ﻣﻜﺎﻧﻴٍّﺎ ،وﻳﻌﺘﱪﻫﺎ ٍ أﺣﺪاث ﻣﻦ املﺎﴈ وﻳﻌﺘﱪﻫﺎ ذات ﺻﻠﺔ ﺑﺤﺎﴐه ،وأن ﻳﺮﻧﻮ إﱃ رؤﻳ ٍﺔ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﺮﻧﻮ إﱃ ﺻﻮر ﻣﻦ املﺎﴈ واﻟﺤﺎﴐ واملﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻌﺘﱪًا إﻳﺎﻫﺎ ﻣﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﺤﺎﴐ ،وأن ﻳﺮﻧﻮ إﱃ ٍ ً ﺷﺨﺼﺎ آﺧﺮ ﻣﻌﺘﱪًا إﻳﺎﻫﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺨﺼﻪ ﻫﻮ .وﻗﺪ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﻌﻼﻗﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺨﺺ ﺑﻌﺾ — وﻧﺤﻦ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟ ﱡ ﻄﺮق اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ اﻷﻣﺔ — ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻨﻮع ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ٍ املﻌﺎﻳري املﺬﻛﻮرة أﻋﻼه ﻋﻦ املﻜﺎن واﻟﺰﻣﺎن ،وﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻣﻌﻴﺎ ٌر ﺗﻤﻴﻴﺰي آﺧﺮ؛ أﻻ وﻫﻮ ﻏﺮض اﻟﻌﻼﻗﺔ. ً ﺷﺨﺼﺎ آﺧﺮ ﰲ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ ﰲ ذﻫﻨﻪ ﻋﻦ أﺷﻴﺎء ﰲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺸﺎرك املﺮء املﺎﴈ أو اﻟﺤﺎﴐ أو ﻳﺘﻮﻗﻊ ﺣﺪوﺛﻬﺎ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺼري ﻫﻲ املﻌﺎﻳري اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﻘﻴﱢﻢ ً ﺑﻌﻀﺎ .وﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ املﺮء ﰲ ذﻫﻨﻪ ﻋﻦ ﺷﺨﺺ ﺑﻬﺎ اﻷﺷﺨﺎص ﺑﻌﻀﻬﻢ آﺧﺮ ﺗﻔﱰض ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻣﺎ — وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﺎدﻳٍّﺎ أو ﻏري ذﻟﻚ — ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺸﺨﺺ ُ ٌ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ إﻣﺎ ﻣﺸﺎﺑﻬً ﺎ ﻵﺧﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ؛ وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ اﻟﺘﻘﻴﻴﻤﻲ أن ﻳُﻌﺘَﱪ اﻵﺧﺮ. ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻨﻪ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺘﺄ ﱠﻛﺪ ﻛﻠﻤﺔ »ﻫﻢ« .وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ﺗﺸ ﱡﻜﻞ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻨﺸﺄ ﻛﻠﻤﺔ »ﻧﺤﻦ« ،وإﻣﺎ ﻛﻠﻤﺔ »ﻧﺤﻦ« اﻷُﻣﱠ ُﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ املﻔﻬﻮﻣﺔ ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ﻣﺤﻞ املﻴﻼد ،واملﺴﻴﺤﻴ ُﱠﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮن اﻷﻣﺮ املﻔﻬﻮم ﻫﻨﺎ ﻫﻮ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﰲ ﻳﺴﻮع املﺴﻴﺢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره اﻟﺮب واملﺨﻠﺺ .وﺗﺘﻔﺎوت درﺟﺔ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ أو اﻻﺧﺘﻼف ﺣﺴﺐ املﻌﺎﻳري املﻔﻬﻮﻣﺔ واملﺆ ﱠﻛﺪة ﻋﻦ اﻟﺸﺨﺺ اﻵﺧﺮ ،وﻫﻲ ﺗﺘﻔﺎوت ﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﻠﻐﺮض ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﱢﺮ ﺑﺪورﻫﺎ ﻋﲆ اﺧﺘﻴﺎر وأﻫﻤﻴﺔ ﺗﻠﻚ املﻌﺎﻳري اﻟﺘﻘﻴﻴﻤﻴﺔ أو ﻧﻘﺼﻬﺎ. ً ً ﻗﺪ ﺗﻜﻮن اﻟﻌﻼﻗﺔ املﺘﻜﻮﱢﻧﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻮﺟﻮد ﺳﻤﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ،أو ﻧﻘﺼﻬﺎ ،ﻣﺘﻘ ﱢ ﻄﻌﺔ زﻣﻨﻴٍّﺎ؛ ﻣﺸﱰ ،ﻓﻬﻨﺎك ﻋﻨﺎﴏ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ أﺣ ُﺪ ﻣﻨﺘﺠﻲ اﻟﺤﺒﻮب ﰲ ﻋﻘ ٍﺪ ﻣﻊ ٍ زﻣﻨﻴﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت؛ إذ ﻳﻜﻮن ﻗﺮار ﻣﻨﺘِﺞ اﻟﺤﺒﻮب ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻌﺎﻗﺪﻳﺔ 107
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﱡ واﻟﺘﻮﻗﻊ املﺴﺘﻘﺒﲇ ﻟﻠﺮﺑﺢ .ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ً أﻳﻀﺎ ﻣﻊ املﺸﱰي ﻣﺒﻨﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ املﺎﺿﻴﺔ ﻋﻨﺎﴏ ﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻘﻒ اﻷﻃﺮاف املﺘﻌﺎﻗﺪة وﺟﻬً ﺎ ﻟﻮﺟﻪ؛ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺤﺪث ٌ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺑﻌﻴﺪة ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﺘﻘﺎﺑﻞ أﺑﺪًا؛ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﰲ ﰲ ﺳﻮق اﻟﻘﺮﻳﺔ ،أو ﻗﺪ ﺗﻔﺼﻠﻬﺎ ﱠ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻛﻠﻤﺔ »ﻧﺤﻦ« اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻌﺎﻗﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﻴﺔ .وﻟﻮ ﻟﻢ ُ ﺣﺎﻟﺔ »ﻫﻢ« ﺑني اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻟﻜﻼ اﻟﻄﺮﻓني ،ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ ﻗﺪ ﺗﻮﺟﺪ ﻄ ً ﻣﺘﻨﺎﻓﺴ ْني .وﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺗﻜﻮن ﻣﺘﻘ ﱢ َ ﻌﺔ زﻣﻨﻴٍّﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﺷﺨﺼني ﺻﺎرا اﻵن ﻓﻘﻂ ﻣﺎ اﺳﺘﻤ ﱠﺮ ﺗﺨﺼﻴﺺ اﻟﻌﻘﺪ. وﻣﺎ ﻳﻤﻴﱢﺰ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﺒﺎدل اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت ﰲ اﻟﺴﻮق اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ املﻤﺘﺪة ﻣﻜﺎﻧﻴٍّﺎ ﻫﻮ ﻋﺪم ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑني اﻷﺷﺨﺎص املﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ .وﰲ ﻫﺬا َ ﻃﺮﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻌﺎﻗﺪﻳﺔ ﻳُﻌ ﱢ ﻄﻞ أو ﻳﺘﺠﺎﻫﻞ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ اﻟﻜﺜري املﺜﺎل ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺪ ﻳﺤﺪث أن أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺪﻫﺎ ﰲ اﻟﺸﺨﺺ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي دﺧﻞ ﻣﻌﻪ ﰲ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻌﺎﻗﺪﻳﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺴﻌﻰ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ إﱃ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ ،إﻻ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﱡ ﺗﻮﻗ ٍﻊ ﺗﺴﺘﺘﺒﻊ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺄن ﻳﻔﻲ اﻟﻄﺮﻓﺎن ﱠ ٍ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻋﻼﻗﺎت اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻌﺎﻟﺔ، ﺑﺄﻣﺎﻧﺔ ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﻓِ ﻌْ ﻠُﻪ ﺑﻤﻘﺘﴣ اﻟﻌﻘﺪ .وﻫﻜﺬا ،ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗﺘﺪﺧﻞ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ أو اﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆ ﱢﻛﺪ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ أو اﻻﺧﺘﻼف ﰲ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻟﺸﺨﺺ اﻵﺧﺮ ﻛﻤﻌﺎﻳري ﺗَﺤُ ﻮل دون إﺗﻤﺎم اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺘﻌﺎﻗﺪي ﻟﻠﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت .ﻓﻌﺪم ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻫﺬا ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ املﺜﺎﻟﻴﺔ ً درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺤﺪث إﻏﻔﺎل أو ﻋﺪم إﻗﺤﺎم ﻟﻠﻤﻌﺎﻳري اﻟﺘﻘﻴﻴﻤﻴﺔ ﻳﻔﱰض اﻷﺧﺮى ﺑﻐﺮض ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ .ﻓﺎﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺤﺮة — ﻋﲆ ﺣﺪ ﻗﻮل اﻟﺨﺒري اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﻔﻴﻠﺴﻮف ﻓﺮاﻧﻚ ﻧﺎﻳﺖ — ﺗﺘﺒﻊ ﻣﺬﻫﺐ »ﻋِ ْﺶ و َد ْع ﻏريك ﻳَﻌِ ﺶ«. إن ﺧﺎﺻﻴﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺎملﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺗُﻌﺘﱪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ أﻛﺜﺮ اﺳﺘﻘﺮا ًرا ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ اﻟﺘﺒﺎدل اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺴﻮﻗﻲ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻌﻜﺲ اﻷﺧرية ،ﺗﺪﺧﻞ أﺳﺎﳼ ﰲ وﺟﻮد اﻟﻔﺮد .وﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﺘﺄ ﱠﻛﺪ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻌﺎﻳري ﺗﻘﻴﻴﻤﻴﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﲆ ﳾء ﱟ ﻣﺎض اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﺑني اﺛﻨني ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺘﺸﺎرﻛﺎن ﻓﻴﻪ ﻣﻦ إدراكٍ ﻟﻜ ﱟﻞ ِﻣ ْﻦ ﺣَ ﺪ ٍَث ٍ ﻳﺤﺪﱢد ﺣﺎﻟﺘﻬﻤﺎ اﻟﺤﺎﴐة؛ ﻣﺜﻞ اﻟﻮﻗﻮع ﰲ اﻹﺛﻢ ،وﺣﺪث ﻳُﺘﻮﻗﻊ ﺣﺪوﺛﻪ ،وﺳﻴﺤﺪﱢد ﺣﺎﻟﺘﻬﻤﺎ املﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺨﻼص .واﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺘﺸﺎرﻛﻮن ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة ،ﻋﻦ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻟﺘَ ْني املﺎﺿﻴ ِﺔ واملﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ — وﻫﻢ ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻨ ﱢ ﻈﻤﻮن أﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﺬﻟﻚ — ﻳُﻌﺘﱪون ﺧﺎرج ﻫﺬه املﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ .وﻫﺆﻻء ﻏري املﻨﺘﻤني ﻟﺘﻠﻚ املﻨﻈﻮﻣﺔ ﻗﺪ ﻳَﻌُ ﺪﱡﻫﻢ أﻋﻀﺎءُ ﻫﺬه املﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﺤﻜﻮﻣً ﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻬﻼك اﻷﺑﺪي .وﰲ ﺧﺎﺻﻴﺔ املﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻻ ﻳﺤﺪث ﺗﺠﺎﻫﻞ 108
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ
ٍ اﻋﱰاف ملﻌﺎﻳري ﺗﻘﻴﻴﻤﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗﺪل ﻋﲆ اﻟﻐﺮض ﻣﻦ اﻻرﺗﺒﺎط؛ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﰲ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﻦ ٍ اﻋﱰاف ﺑﻤﺤﻤﺪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺧﺎﺗ َﻢ اﻟﻨﺒﻴني، ﺑﻴﺴﻮع ﺑﻮﺻﻔﻪ اﻟﺮب واملﺨ ﱢﻠﺺ ،أو ﰲ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﺑﻞ ﻳﺤﺪث ﺗﻌﻴ ٌ ني ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ .وﰲ ﻫﺬﻳﻦ املﺜﺎﻟني ﻣﻦ املﺴﻴﺤﻴﺔ واﻹﺳﻼم ،ﻻ ﺗﻠﻌﺐ املﻌﺎﻳري املﻜﺎﻧﻴﺔ دو ًرا ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﺗﻘﻴﻴﻢ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﻟﺪى اﻵﺧﺮ. وإذا ﺗﺤﻮﱠﻟﻨﺎ إﱃ اﻷﻣﺔ ،ﻓﺈن ﻫﻨﺎك ﻣﻜ ﱢﻮﻧًﺎ ﺗﻘﻴﻴﻤﻴٍّﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ،وﻫﻮ أن اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﻲ ﻳﺮاﻫﺎ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﰲ اﻵﺧﺮ ،واﻟﻌﻜﺲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ — ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺠﻨﻴﺲ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ — ﺗﻌ ﱢﺮف ﻛ َِﻼ اﻟﺸﺨﺼني ﻟﺤﻴﺎﺗﻬﻤﺎ ﻛﻠﻬﺎ .وأﻫﻤﻴﺔ املﻌﺎﻳري اﻟﺘﻘﻴﻴﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻀﻌﻬﺎ اﻟﺒﴩ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ اﻷﻣﻢ ﻋﲆ أﺳﺎﺳﻬﺎ — وﻫﻲ ﻣﻌﺎﻳري ﺗﺆ ﱢﻛﺪ ﻋﲆ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت داﺧﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ — ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻤﺎ ﺗﻌﻠﻴﻖ ﻟﻬﺬه اﻷﻫﻤﻴﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺒﴩ ﰲ ﻋﻼﻗﺎت اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻳﻜﻮن ﻏﻴﺎب أو ﻳﺤﺪث ﻣﻦ ٍ ٍ ﻓﻴﻬﺎ — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺑﺼﻮرة ﻧﻤﻮذﺟﻴﺔ — ﺗﺴﺎﻣﺢٌ ﺑني اﻷﻓﺮاد .ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﺗﻤﻴﻴﺰﻫﺎ ً أﻳﻀﺎ ﻋﻦ املﺴﻴﺤﻴﺔ واﻹﺳﻼم واﻟﺒﻮذﻳﺔ؛ ﻓﻔﻴﻬﺎ — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻣﺒﺪﺋﻴٍّﺎ — إﻗﺮا ٌر ﺑﻤﻌﺎﻳري ﺗﺮﻓﺾ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﺒﴩﻳﺔ؛ إذ إﻧﻬﺎ ﺗﺆ ﱢﻛﺪ ﻋﲆ اﻷُﺧﻮة اﻟﻌﺎملﻴﺔ. ٌ دﻳﺎﻧﺎت إﻳﻤﺎﻧﻴﺔ؛ إذ ﻳﻜﻮن املﺮءُ ﻣﺴﻴﺤﻴٍّﺎ أو ﻣﺴﻠﻤً ﺎ أو ﺑﻮذﻳٍّﺎ ﺑﻘﺒﻮﻟﻪ إن دﻳﺎﻧﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ املﺒﺎدئ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ أﻳٍّﺎ ﻣﻨﻬﺎ .وﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﻫﺬا ،ﻓﺈن اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ اﻹﻗﺮار ﺑﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ أﺣﺪ أﻋﻀﺎء ٍ أﻣﺔ ﻣﺎ ﺗﺮ ﱢﻛﺰ ﻋﲆ ﻣﻴﻼده؛ أي ﻣﻴﻼده داﺧﻞ إﻗﻠﻴﻤﻪ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ،وﻫﺬا ُ ﻋﻼﻗﺎت ﻗﺮاﺑ ٍﺔ ﺗﱰاوح ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ إﱃ اﻷﻣﺔ ﻛﻜ ﱟﻞ؛ ﻳﻘﻴﱢﺪ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﱰﻛﻴﺰ اﻟﺬي ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻨﻪ اﺗﺴﺎع اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .إﻻ أن ﻫﻨﺎك ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل اﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ووﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل واﻟﺪﻳﻦ؛ ﻳﻤﻜﻦ أن ﱢ ﺗﻮﺳﻊ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﻣﻤﺘﺪة إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ .إن ﻟﻔﻈﺔ »ﻧﺤﻦ« اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎملﺠﺘﻤﻊ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻟﻸﻣﺔ ﻫﻲ أﻛﱪ ﻣﻦ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻠﻌﺸرية أو اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ أو اﻟﺪوﻟﺔ املﺪﻳﻨﺔ .وﻫﻜﺬا ،ﻓﺈن اﻣﺘﺪاد ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻳﻜﻮن ﻣﻤﻜﻨًﺎ ﺑﻮﺿﻮح ،ورﺑﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﺎ أن ﺗﺨﺘﻔﻲ ُ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻘﻴﻴﻤﻴﺔ واﻟﺘﻤﻴﻴﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌ َﺰى إﱃ ﻣﺤﻞ ﻣﻴﻼد املﺮء ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺒﴩي ً ٌ اﻋﺘﺒﺎرات أﺧﺮى ﻟﺘُ َﻘﻴﱢﺪ ﻣﺪى ﻫﺬا اﻻﻣﺘﺪاد؛ وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا ،ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻫﺬا ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﺣﺘﻰ اﻵن. ﻣﺜﻞ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬاﺗﻲ .وأﻳٍّﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﺒﺎب ،ﻳﺴﺘﻤﺮ اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩ إﱃ أﻣﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.
109
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ
اﳋﺎﲤﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺴﺘﻬ ﱢﻞ ﻫﺬه اﻷﻟﻔﻴﺔ ،ﺑﻘﻴﺖ اﻷﻣﻢ إﺣﺪى اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻧ ﱠ ﻈﻤﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا ،ﺗﺴﺘﻤﺮ أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻔ ﱠ ً ﻈﺔ — وﻣﻦ ﺛﻢ ﻗﺴﻤﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ وﻗﻴﻤﺘﻬﺎ. وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺄﺳﺎوي — ﰲ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﲆ ﻣﺨﻴﻠﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ. وﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬا اﻻﻓﺘﺘﺎن اﻟﻘﻮﻣﻲ — وﻣﻨﻪ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻞ املﺪﻧﻴني ﺑﺄﻓﻜﺎر ﻻ اﻷﺑﺮﻳﺎء ﰲ اﻟﺒﻠﻘﺎن ،وﰲ ﻛﺸﻤري ،وﰲ ﻛﺮدﺳﺘﺎن ،ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺴﻤﱠ ﻤﺖ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ٍ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮل اﻟﻮُﺳﻄﻰ — ﺗﺪﻣريُ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻤﺒﺎﻫﺞ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ وﺻﻒ ﻫﻮﻣريوس ﺧﻄﺮ ﺣﻮرﻳﺎت اﻟﺒﺤﺮ ﻋﲆ أودﻳﺴﻴﻮس وﻃﺎﻗﻤﻪ اﻟﺒﺤﺮي ﰲ ﻣﻠﺤﻤﺔ »اﻷودﻳﺴﺔ«. إن اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻮﺻﻒ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ﻫﻮﻣريوس ﻟﻮﺻﻒ اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﺪﻣريﻳﺔ ﻟﻼﻓﺘﺘﺎن ا ُملﺤْ ﺪق ﺑﺄﻓﻜﺎر ﻣﺬﻫﺐ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺗﺸري إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ إﱃ أن املﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻟﻢ ٍّ ﱠ وﺣﻘﺎ إن ﻫﺪف ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻫﻮ أن ﺗﺘﻐري ﻋﲆ ﻣﺪار اﻷﻟﻔﻴﺔ إﻻ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺨﻴﻞ املﺮء. ُ ﱢ ْ ﻗﺼﺔ ﺑﺮج ﺑﺎﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد إﱃ ٣٠٠٠ﻋﺎم ﻣﻀﺖ ﻋﻦ إﺣﺪى ﺣﺎوﻟﺖ أن ﺗﴩﺣﻪ ﻳﻮﺿﺢ ﻣﺎ ﻫﺬه املﺸﻜﻼت؛ وﻫﻲ اﻧﺸﻘﺎق اﻟﺒﴩﻳﺔ واﻧﻘﺴﺎﻣﻬﺎ إﱃ أﻣﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺗﺘﺸ ﱠﻜﻞ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻮل ﻣﻌﺘﻘﺪات داﺧﻞ إﻗﻠﻴﻤﻬﺎ وﻟﻐﺘﻬﺎ وﻣﺎ ﻳﻔﱰض أﻧﻬﺎ ﻗﺮاﺑﺔ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻓﺮﻳﺪة .وﻫﺬه اﻟﺴﻤﺎت ً ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ﻋﻦ أﺧﺮى ﺗﻮﺟﺪ ً أﻳﻀﺎ ﰲ اﻹﺻﺤﺎح ١٠ﻣﻦ ِﺳﻔﺮ اﻟﺘﻲ ﻳُﻌﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ ﺗﻤﻴﱢﺰ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ؛ ﺣﻴﺚ ﺗُﺮﺟﻢ اﻟﻠﻔﻆ اﻟﻌﱪي gôyﰲ اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس ﰲ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻨﺴﺦ املﱰﺟﻤﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ إﱃ »أﻣﺔ«. ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﻳﺔ ﻇﻬﻮر اﻟﺪراﺳﺎت املﻨﺘﻈﻤﺔ ﻋﻦ اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺒﴩﻳﺔ إﱃ أﻣ ٍﻢ ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷﺧري ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ،وﺑﺤﻠﻮل اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﺗﻨﺎﻣﻰ ﻋﺪد ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻠﺤﻮظ. ُ ِ ﻣﻮاﺟﻬﺔ وﺣﺸﻴﺔ ﻣﺤﺎوﻟﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك أﺳﺒﺎب ﻋﺪة ﻟﻬﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﺒﺤﺜﻲ اﻟﺰاﺋﺪ ،وﻣﻨﻬﺎ
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻷوﱃ ،اﻟﺘﻲ ُﻗﺘﻞ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻼﻳني ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أﺛﻨﺎء اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ أﻣﺔ ﺿﺪ أﺧﺮى ،وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي اﻋﺘﻘﺪ اﻟﻜﺜريون ﺑﺴﺬاﺟﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻵوﻧﺔ أﻧﻪ ﺳﻴﻀﻊ ﺣﺪٍّا ً ﻛﺎﻓﺔ .وﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻷﺧﺮى ﻇﻬﻮر ﻣﺒﺪأ ﺣﻖ ﺗﻘﺮﻳﺮ املﺼري اﻟﺬي وﺿﻌﻪ وودرو ﻟﻠﺤﺮوب ﻓﻌﻞ ملﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ﺗﻤ ﱡﺰ ٍق وﻳﻠﺴﻮن رﺋﻴﺲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٩١٨ﻛﺮ ﱢد ٍ ﻷوﺻﺎل اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺘني اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳﺔ-املﺠﺮﻳﺔ واﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﺗﺄﺳﻴﺲ ﻋُ ﺼﺒﺔ اﻷﻣﻢ ﰲ أﻋﻘﺎب ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب. أﻋﻤﺎل ﻋﻦ اﻷﻣﺔ وأﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ؛ وﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺑﺮزت أﺳﺒﺎب أﺧﺮى ﻟﻈﻬﻮر ٍ وﻫﻲ :اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ واﻷملﺎﻧﻴﺔ ،وﻧﺸﻮب اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،وﺑﺮوز ﺣﺮﻛﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ آﺳﻴﺎ وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻛﺎن ﻫﺪﻓﻬﺎ — ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺤﻖ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﺘﻘﺮﻳﺮ املﺼري — ﻫﻮ ﺗﺨﻠﻴﺺ ﺗﻠﻚ َ ﺗﻨﻘﻴﺔ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ،ﺑﻤﺎ املﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻷوروﺑﻲ .وﻗﺪ ﺗﻄ ﱠﻠﺐ ﻇﻬﻮر اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ ﻳﺪل ﻋﲆ ﴐورة ﺗﻤﻴﻴﺰ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻔ ﱠ ﻈﺔ ﻛﺄﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،واملﻈﻬﺮ اﻷﺷﺪ ﴐ ًرا ﻟﻬﺬه اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ وﻫﻲ اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ ،ﻋﻦ اﻷﻣﺔ .وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺸﻔﺖ اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ أﻋﻘﺎب اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﻘﺮﻳﺮ املﺼري اﻟﻘﻮﻣﻲ ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻦ رﻏﺒﺔ اﻷﻣﺔ ﰲ ﺣﺮﻳﺔ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺷﺌﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻛﻴﺎﻧﻬﺎ ﺿﻤﻦ دوﻟﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ. وداﺋﻤً ﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﺧﻼﻓﺎت ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺣﻮل ﻣﻔﻬﻮم اﻷﻣﺔ .وﻳﻤﻜﻦ اﺧﺘﺼﺎر ﻫﺬه اﻟﺨﻼﻓﺎت ،دون ﺗﺒﺴﻴﻂ زاﺋﺪ ،إﱃ اﺛﻨني؛ أوﻟﻬﻤﺎ :أن ﻫﻨﺎك ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺣﻮل اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ ً ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻣﺎ )واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ً ﻋﺎﻣﻼ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ أﻳﻀﺎ ﻣﺎد ًة ﻟﻠﺨﻼف( ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻔﺮد؛ إذ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﻬﻢ اﻟﻔﺮد ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻛﻌﻀﻮ ﰲ ﻋﺎﺋﻠﺔ أو أﻣﺔ أو دﻳﻦ ﻋﺎملﻲ؛ ﻓﻤﺎ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻲ ﻟﻠﻔﺮد ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻋﻀﻮًا ﰲ أﻣﺔ ﻣﺎ؟ وملﺎذا ﻳﺤﺪث أﺣﻴﺎﻧًﺎ أن ﻳﻄﻐﻰ ﻫﺬا اﻟﻔﻬﻢ ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ ﺻﻮر ﻓﻬﻢ اﻟﺬات؟ وﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ اﻟﺨﻼف اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺎملﺪى اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن ﻳُﻌﺘﱪ ﻋﻨﺪه ﻇﻬﻮر اﻷﻣﻢ أﻣ ًﺮا ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ إذ ﻳﻌﺘﻘﺪ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳني واﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺴﻴﺎﺳﻴني واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴني أن ﻋﻮاﻣﻞ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎملﺴﺎواة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻸﻓﺮاد )ﻛﻤﺎ ﻳﻌﱪ ﻋﻨﻪ ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ وأﺷﻜﺎل املﻮاﻃﻨﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ( واﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ )واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺳﻜﺎﻧًﺎ ﻛﺜريي اﻟﻌﺪد إﻗﻠﻴﻤﻴٍّﺎ وﻣﻮﺣﱠ ﺪﻳﻦ ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ( ووﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﻗﺪ أدت إﱃ وﺟﻮد اﻷﻣﻢ .وﻫﻢ ﻳﺼﻔﻮن ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات ﻗﺪﻣﺖ ً ُ دﻟﻴﻼ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻳﻠﻘﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻮر »اﻟﺘﺤﺪﻳﺚ« .وﻗﺪ ٌ ً ً وﻓﻀﻼ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ. ﻇﻼﻻ ﻣﻦ اﻟﺸﻚ ﺣﻮل ﺟﺪارة ﻫﺬه املﻘﻮﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻋﻢ أن اﻷﻣﻢ ﻋﻦ ﻫﺬا ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮت ﺗﻜﻬﻨﺎت ﺑﺄﻧﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺘﺤﺪﻳﺚ — ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻣﻦ 112
اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ
ﺗﺰاﻳﺪ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻟﻠﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﺪوﱄ ﻟﻠﻌﻤﻞ وﻇﻬﻮر ﻛﻴﺎﻧﺎت ﻣﺜﻞ اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ — ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺳﺘﺨﺘﻔﻲ اﻷﻣﻢ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺜﻤﺔ أﺣﺪاث وﻗﻌﺖ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﱄ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺨﻼﻓﺎت وﺗﺼﻨﻊ ﺧﻼﻓﺎت أﺧﺮى .ﻓﻌﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﻬﻨﺎت ﺑﺎﺧﺘﻔﺎء اﻷﻣﻢ ،ﻓﻤﺎ وﻗﻊ ﺑﻌﺪ اﻧﻬﻴﺎر اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻲ وإﻋﺎدة ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺷﻄ َﺮي أملﺎﻧﻴﺎ ،ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺳﻮى ﺗﻌﻤﻴﻖ اﺳﺘﻤﺮار اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ،وزﻳﺎدة اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﺪوﱄ ﻟﻠﻌﻤﻞ .وﺧﻼل اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻋﺎﻣً ﺎ اﻷﺧرية ،ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﺗﻌﺒريٌ ﺣﻤﺎﳼ وﻣﺄﺳﺎوي ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷوﻗﺎت ﻋﻦ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻤﺮار ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﰲ اﻟﺒﻠﻘﺎن؛ ﺣﻴﺚ ﺳﺤﺮت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻘﺪوا اﻟﻌﺰم ﻋﲆ ﺣﺮﻣﺎن ﻏريﻫﻢ ،ﺑﻞ ً وﺣﺮﻣﺎن أﻧﻔﺴﻬﻢ ً وﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻫﺬا ،ﻓﺈﻧﻪ ﰲ إﻃﺎر ﻣﻨﺎﻃﻖ أﻳﻀﺎ ،ﻣﻦ ﻣﺒﺎﻫﺞ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﱰ ﱠﻛﺰ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮر اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﺜﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ واملﻤﻠﻜﺔ املﺘﺤﺪة؛ ﻧﺸﺄت ٌ ٌ اﻟﺘﺒﺎس ﺣﺮﻛﺎت اﻧﻔﺼﺎﻟﻴﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ وإﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ،وﻗﻌﺖ ﰲ ﻛﻴﺒﻴﻚ واﺳﻜﺘﻠﻨﺪا ﻋﲆ اﻟﱰﺗﻴﺐ ،وﺣﺪث ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺤﻠﻴﻼت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺚ .وﻫﺬه اﻷﺣﺪاث وﻏريﻫﺎ؛ ﻣﺜﻞ اﻟﴫاع املﺴﺘﻤﺮ ﺑني اﻟﻬﻨﺪ وﺑﺎﻛﺴﺘﺎن ،واﻟﺤﺮوب اﻟﻌِ ﺮﻗﻴﺔ ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،واﻷﻫﻤﻴﺔ املﺴﺘﻤﺮة ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻛﻌﺎﻣﻞ ﰲ ِ وﺛﺒﺎت اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﰲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ املﺬاﻫﺐ )ﺑﻤﺎ ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف؛ ﺗﺸري إﱃ اﺳﺘﻤﺮارﻳ ِﺔ ﻓﻴﻬﺎ اﻻﺷﱰاﻛﻴﺔ وﻏريﻫﺎ( اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻀﺎدة ﻟﻠﻘﻮﻣﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ واﺿﺢ .وﻗﺪ اﻋﱰف ﺑﻌﺾ اﻻﺷﱰاﻛﻴني ﺑﻬﺬه اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ،ﻓﻌﺪﱠﻟﻮا ﻣﻦ وﺟﻬﺎت ﻧﻈﺮﻫﻢ ﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﺬﻟﻚ .وﺗﺘﻄ ﱠﻠﺐ أﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻔﺴري ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﻌﻘﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎج اﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺴﻠﻴﻢ ً ﻓﺮدﻳﺔ وﻧﻔﻌﻴ ًﱠﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻔﺮط .ﻟﻘﺪ ﰲ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ،وﺗﺤﺪﻳﺪًا ﻓﻬﻢ أﻓﻌﺎل اﻟﺒﴩ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﺪ ً ﺷﻮﻛﺔ ﰲ ﺣﻠﻖ أي رﺟﻞ رﺷﻴﺪ. ﺻﺎرت اﻷﻣﺔ اﻵن ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي وﻗﺖ ﻣﴣ، ً ً أﻫﻤﻴﺔ ُﻣﻠِﺤﱠ ﺔ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ ﻓﻬﻢ اﻷﻣﻢ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ. إن ﻷﺣﺪاث اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ُ ﺗﺄوﻳﻼت ﻫﺬه اﻷﺣﺪاث ،واملﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ أﺛﺎرﺗﻬﺎ وﺗُﻌﺘﱪ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث — ﻣﺜﻞ ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻣﻢ ﻇﺎﻫﺮة ﺣﺪﻳﺜﺔ أم ﻻ ،وﻃﺒﻴﻌﺔ اﻻرﺗﺒﺎﻃﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮﱢﻧﻬﺎ اﻟﻔﺮد ﺑﺼﻮرة اﻷﻣﺔ وﺑﻐريه ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺎرﻛﻮﻧﻪ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة — ﻫﻲ ﺣﺎﻟﻴٍّﺎ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ َ ﺗﻨﺎﻗﺶ ﰲ اﻟﺪواﺋﺮ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﺳﺒﺐ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻫﺬا ً ً إﺿﺎﻓﻴﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﺨﻼﻓﺎت؛ إذ إﻧﻨﻲ ً ﺑﺪﻻ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ أﺧﺮى اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻳﺘﺠﺎوز ﻛﻮﻧﻪ ً ً ﻣﺴﺄﻟﺔ ذات ﺻﻠﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﺨﻼﻓﺎت ،إﻻ أن ﻟﻬﺎ ﺗﻮﺟﻬً ﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ،وﻛﺎن ﺗﺮﻛﻴﺰ ﻣﻦ ﻫﺬا اﺗﺒﻌﺖ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻋﲆ ﱢ ﺗﻘﴢ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال :ﻣﺎذا ﻳﻘﻮل وﺟﻮد اﻷﻣﻢ ﻋﻦ اﻟﺒﴩ؟ وﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺘﺒﻊ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال أن ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ُ ﻛﻨﺖ أﺣﺪ املﺸﺎرﻛني ﻓﻴﻬﺎ ،ﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﺠﺎﻫﻠﻬﺎ، وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﰲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻨﻘﺎش. 113
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
وﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺤﻞ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ،ﻳﺠﺐ ً أﻳﻀﺎ أن ﻧﺘﻔ ﱠﻜﺮ ﰲ ﺳﺒﺐ وﺟﻮد اﻷﻣﻢ .ﻓﻜﺜريًا ﺟﺪٍّا ﻣﺎ ﻳﺘﺤﺎﳽ اﻟﺪارﺳﻮن ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺟﻪ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ ﺗﺠﻨﱡﺐ أي ﻋﻨﴫ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﺮ، وﺑﺮﻓﻀﻬﻢ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﻋﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺨﱪﻧﺎ ﺑﻪ اﻷﻣﻢ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ ،ﻓﺈن ً ﻫﺆﻻء اﻟﺪارﺳني ﻳﺘﺠﻨﺒﻮن ﻣﺨﻄﺌني إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺣﻮل ﺳﺒﺐ ﻛﻮن اﻷﻣﺔ ﻣﺼﺪ ًرا ﻛﺒريًا ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم وﻣﻄﻠﺒًﺎ ُﻣﻠِﺤٍّ ﺎ ﻟﺪى اﻟﺒﴩ. وﻣﻦ ﺑني أﺳﺒﺎب اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻷﻣﻢ وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ — وﻗﺪ ذﻛﺮﻧﺎه ﰲ اﻟﻔﺼﻮل اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ — ﻫﻮ أن اﻟﺒﴩ ﻣﺸﻐﻮﻟﻮن ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ،وﻓﻮق ذﻟﻚ ،ﺑﺄﺻﻮﻟﻬﺎ .وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺬا اﻻﻧﺸﻐﺎل، ﻳﻜﻮﱢﻧﻮن ﻋﻼﻗﺎت ﺣﻮل ﺗﻠﻚ اﻷﺻﻮل ،اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ أوﺿﺢ ﻣﺜﺎل ﻟﻬﺎ ،وﺗﺘﻤﺮﻛﺰ ﺣﻮل اﻷم واﻷب ﻛﻤﺼﺪرﻳﻦ ﻟﻠﺤﻴﺎة .وﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن ذﻟﻚ اﻻﻧﺸﻐﺎل ﻳﻔﴪ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺗﺮاﻛﻴﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،وإن ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺘﻨﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ .وﻳﻌﺘﱪ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ اﻟﺬي ﺗﻔﺮﺿﻪ اﻷﻣﺔ ﻋﲆ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺗﺮاﻛﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ،ﻫﻮ أن اﻷﻣﺔ ﺗُﺪﺧِ ﻞ إﻗﻠﻴﻤً ﺎ ﻣﻤﺘﺪٍّا، وإن ﻛﺎن ﻣﺤﺪودًا ،ﻛﻌﻨﴫ إﺿﺎﰲ ﰲ ﻫﺬا اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ .وﻳﺠﺐ ﺗﺄﻣﱡ ﻞ أﻫﻤﻴﺔ املﻴﻼد ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻷﴎة واﻷﻣﺔ؛ إذ ﻳﻀﻊ اﻵﺑﺎء رﻓﺎﻫﻴﺔ أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﻗﺒﻞ رﻓﺎﻫﻴﺘﻬﻢ ﻫﻢ ِ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻳﻀﺤﱢ ﻲ أﺑﻨﺎء اﻷﻣﺔ ﺑﺄرواﺣﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ رﻓﺎﻫﻴﺔ أﻣﺘﻬﻢ ،وﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺜﺮ ﺣﺪوﺛﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﺗﺘﻄ ﱠﻠﺐ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ واﻹﺷﺎدة. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻠﻴﺲ ﻫﺬا ﻫﻮ املﻌﻨﻰ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻨ ﱢ ﻈﻢ اﻟﺒﴩ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺣﻮﻟﻪ ،ﺑﻞ ﻫﻨﺎك ﻋﻼﻗﺎت ﺗﺴﻤﻮ ﻋﲆ اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﺎﻟﺤﻴﻮﻳﺔ؛ إذ إﻧﻬﺎ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺄﺳﻠﻮب اﻟﺤﻴﺎة اﻷﻣﺜﻞ ،وﰲ اﻟﺘﺼﻨﻴﻔﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﺒﺎﻳ ُﻦ ﺑني ﻫﺎﺗني اﻟﻌﻼﻗﺘني ﻫﻮ ﺗﺒﺎﻳﻨًﺎ ﺑني اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ واﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، وﻳﺒﺪو أن ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﻣﺴﺘﻤ ﱞﺮ ﰲ ﺷﺌﻮن اﻟﺒﴩ. وﻟﻴﺴﺖ ﻣﻬﻤﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أن ﺗﻨﻜﺮ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺘﻮﺟﱡ ﻬني املﺨﺘﻠﻔني ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. ﺑﺈدﺧﺎل ﻓﺈن ﻣﺆازرة أﺣﺪ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺘﻮﺟﻬني ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﻌﻨﱢﺖ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب اﻵﺧﺮ ﻻ ﺗﺘﺴﺒﱠﺐ إﻻ ِ اﻓﺘﺘﺎن ﺷﻤﻮﱄ ﺑﺄﺣﺪ ﺗﻌﺒرياﺗﻬﻤﺎ اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ؛ ﺳﻮاء اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ أو اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ .وﻣﻬﻤﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ٍ ﻫﻲ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﱪاﻋﺔ ﺑني اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻌﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺘﻮﺟﻬﺎت ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﴩﻳﺔ ،ﻣﻦ ﱢ املﺘﻌﻘﻠﺔ ﻟﻔﻀﻴﻠﺔ املﺪﻧﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺢ املﺸﱰك ملﺠﺘﻤﻊ ﺧﻼل املﻤﺎرﺳﺔ ً املﺮء اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻏﺎﻣﻀﺎ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ.
114
اﳌﺮاﺟﻊ
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول For an example of the term ‘Sumerian seed’, see the ‘Letter from IbbiSin to Puzur-Numushda’ in Samuel Noah Kramer, The Sumerians (Chicago, 1963). For the ancient Egyptian contrast to the Nubians and ‘Asiatics’, see A. Kirk Grayson and Donald B. Redford (eds.), Papyrus and Tablet (Englewood, NJ, 1973), p. 22; and John A. Wilson, The Burden of Egypt (Chicago, 1951), p. 164. Herodotus, The History, tr. David Grene (Chicago, 1987), Bk. 8.144. For the Chinese characterization of the Di and Rohn, see Michael Loewe and Edward L. Shaughnessy (eds.), The Cambridge History of Ancient China (Cambridge, 1999). For the contempt implied by bárbaros, see Frank Walbank, ‘The Problem of Greek Nationality’, in Selected Papers (Cambridge, 1985). Plato, The Republic, tr. Allan Bloom (New York, 1968), Bk. 5, 469a–471b; see also The Menexenus, tr. B. Jowett, The Collected Dialogues of Plato, ed. Edith Hamilton and Huntington Cairns (Princeton, 1961), 245d. For the existence of pre-modern nations, see Steven Grosby, Biblical Ideas of Nationality: Ancient and Modern (Winona Lake, IN, 2002); Anthony D. Smith, The Antiquity of Nations (Cambridge, 2004).
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ For vitality and the nation, see Steven Grosby, ‘Primordiality’ in Encyclopaedia of Nationalism, ed. Athena S. Leoussi (New Brunswick, 2001); Donald L. Horowitz, ‘The Primordialists’ in Ethnonationalism in the Contemporary World, ed. Daniele Conversi (London, 2002); Anthony D. Smith, Nationalism and Modernism (London, 1998). Anthony D. Smith, The Ethnic Origin of Nations (Oxford, 1986). Adam Smith, The Theory of Moral Sentiments, eds. D. D. Raphael and A. L. Macfie (Indianapolis, 1982), p. 192. Aristotle, The Politics, tr. Carnes Lord (Chicago, 1984), 1252a1. For civility as a mode of conduct, see The Virtue of Civility: Selected Essays of Edward Shils on Liberalism, Tradition, and Civil Society, ed. Steven Grosby (Indianapolis, 1997); Michael Oakeshott, On Human Conduct (Oxford, 1975). For Cato the Elder, see Plutarch, The Lives of the Noble Grecians and Romans, tr. John Dryden (New York, nd). On the nation as a medium between the empire and anarchy, see Yoram Hazony, ‘The Case for the National State’, Azure 12: 27–70. Ernest Renan, ‘What is a Nation?’ in The Poetry of the Celtic Races and Other Studies (London, 1896). On the dual nature of the nation, see Dominique Schnapper, Community of Citizens, tr. Séverine Rosée (New Brunswick, 1998). For the defining characteristics of a nation, see Anthony D. Smith, ‘When is a Nation?’, Geopolitics 7/2 (2002): 5–32; The Antiquity of Nations (Cambridge, 2004), pp. 16–19.
116
املﺮاﺟﻊ
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ For the distinction between social relation and tool, see Hans Freyer, Theory of Objective Mind: An Introduction to the Philosophy of Culture, tr. Steven Grosby (Athens, 1998). For the invention of tradition, see Eric Hobsbawm, ‘Introduction: Inventing Traditions’ in The Invention of Tradition, ed. Eric Hobsbawm and Terence Ranger (Cambridge, 1983). For the history of the tartan kilt, see Hugh Trevor-Roper, ‘The Invention of Tradition: The Highland Tradition of Scotland’ in The Invention of Tradition, ed. Eric Hobsbawm and Terence Ranger (Cambridge, 1983). On the relation of the Dutch to the Batavians, see Simon Schama, The Embarrassment of Riches: An Interpretation of Dutch Culture in the Golden Age (New York, 1987). On emigration, immigration, and the civic-ethnic distinction, see Patrick Weil, ‘Access to Citizenship’ in Citizenship Today, ed. T. Alexander Aleinikoff and Douglas Klusmeyer (Washington, DC, 2001). On the hiyal, see Joseph Schacht, ‘The Law’ in Unity and Variety in Muslim Civilization, ed. Gustave E. von Grunebaum (Chicago, 1955); Abraham L. Udovitch, Partnership and Profit in Medieval Islam (New Haven, 1979). R. C. van Caenegem, Legal History (London, 1991), p. 119. On the vassal and the ambiguities of the category feudalism, see Susan Reynolds, Fiefs and Vassals (Oxford, 1994). On the legal developments in England during the 12th to 13th centuries, still indispensable are Frederick Pollock and Frederic William Maitland, The History of English Law before the Time of Edward I (Cambridge, 1923); Maitland’s The Constitutional History of England (Cambridge, 1920); and William Stubbs, The Constitutional History of England (Chicago, 1979).
117
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ For this definition of the jury, see Frederick Pollock and Frederic William Maitland, The History of English Law, vol. 1, p. 138. On the contribution of the medieval army and the longbow to the development of the English nation, see Barnaby C. Keeney, ‘Military Service and the Development of Nationalism in England, 1272–1327’, Speculum XXII/4 (October 1947): 534–49. Fritz Kern, Kingship and Law in the Middle Ages (Oxford, 1939).
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ For these ancient Near Eastern tribes, see M. B. Rowton, ‘Enclosed Nomadism’, Journal of the Economic and Social History of the Orient 17 (1974): 1–30; ‘Dimorphic Structure and the Parasocial Element’, Journal of Near Eastern Studies 36 (1977): 181–98. On the historical ubiquity of the territorial tie, see Robert Lowie, The State (New York, 1927). On gayum, see Abraham Malamat, Mari and the Early Israelite Experience (Oxford, 1989). Plato, The Menexenus, tr. B. Jowett, The Collected Dialogues of Plato, ed. Edith Hamilton and Huntington Cairns (Princeton, 1961), 237b-238b. On the influence of the ancient Israelite conception of the promised land for the formation of nations in European history, see Adrian Hastings, The Construction of Nationhood (Cambridge, 1997). Lyndon Baines Johnson, A Time for Action (New York, 1964). For temples as boundary markers for the ancient Greek city-states, see François de Polignac, Cults, Territory and the Origins of the Greek City-State (Chicago, 1995). John Locke, Second Treatise of Government, ed. Peter Laslett (Cambridge, 1960), ch. v.
118
املﺮاﺟﻊ Ernest Renan, ‘What is a Nation?’ in The Poetry of the Celtic Races and Other Studies (London, 1896).
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ For analyses of nationality as exclusively modern, see, for example, Ernest Gellner, Nations and Nationalism (Ithaca, 1983); E. J. Hobsbawm, Nations and Nationalism since 1780 (Cambridge, 1990); Liah Greenfeld, Nationalism: Five Roads to Modernity (Cambridge 1992). On early Sinhalese history, see Bardwell L. Smith (ed.), Religion and Legitimation of Power in Sri Lanka (Chambersburg, 1978); K. M. de Silva, A History of Sri Lanka (Berkeley, 1981). On nationality in ancient Israelite history, see Steven Grosby, Biblical Ideas of Nationality; Ancient and Modern (Winona Lake, IN, 2002). On early Japanese history, see Delmer M. Brown (ed.), The Cambridge History of Japan, vol. 1 (Cambridge, 1993); Joseph Kitagawa, ‘The Japanese Kokutai (National Community): History and Myth’, History of Religions 13/3 (1974): 209–26. On medieval Polish history, see Paul W. Knoll, The Rise of the Polish Monarchy (Chicago, 1972); Norman Davies, God’s Playground, vol. 1 (New York, 1982). Delmer M. Brown, ‘The Early Evolution of Historical Consciousness’ in The Cambridge History of Japan, vol. 1, p. 506. On European trans-national institutions and human rights, see David Jacobson, Rights Across Borders (Baltimore, 1996). On the possibility of Levites as government officials, see G. W. Ahlström, Royal Administration and National Religion in Ancient Palestine (Leiden, 1982).
119
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ On these samurai’s slogans and an overview of Tokugawa Japan, see E. H. Norman, Origins of the Modern Japanese State (New York, 1975); W. G. Beasley, The Japanese Experience (Berkeley, 1999). On the account of the pronunciation of Polish words, see Paul W. Knoll, The Rise of the Polish Monarchy, p. 33; Norman Davies, God’s Playground, p. 94. Josephus, The Antiquities of the Jews, in The Works of Josephus, tr. William Whiston (Peabody, MA, 1987), 13.9.1. For these characteristics of nationality, see Anthony D. Smith, ‘When is a Nation?’, Geopolitics 7/2 (2002): 5–32; The Antiquity of Nations (Cambridge, 2004), pp. 16–19. For the percentages of voting population in 1832, see Andrzej Walicki, The Enlightenment and the Birth of Modern Nationhood (Notre Dame, 1989), p. 6. Edward Shils, ‘Center and Periphery’ in Center and Periphery (Chicago, 1975); S. N. Eisenstadt, Comparative Civilizations and Multiple Modernities (Leiden, 2003). Marc Bloch, The Royal Touch, tr. J. E. Anderson (London, 1973). On the Hermannsdenkmal, see George L. Mosse, The Nationalization of the Masses (Ithaca, 1975). For the different interpretations of the Battle of Kosovo, see Vjekoslav Perica, Balkan Idols (Oxford, 2002). On disputes over self-rule in the interpretation of the American Constitution, see Steven D. Ealy, ‘The Federalist Papers and the Meaning of the Constitution’, Inquiries 4/2-3 (Winter/Spring 2004): 1–10. On the American conception of manifest destiny, see Albert K. Weinberg, Manifest Destiny (Baltimore, 1935).
120
املﺮاﺟﻊ
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس For the war camp as the origin of ancient Israel, see Julius Wellhausen, Israelitische und Jüdische Geschichte (Berlin, 1905), p. 24. See also Alexander Joffe, ‘The Rise of Secondary States in the Iron Age Levant’, Journal of the Economic and Social History of the Orient 45/4 (2002): 425–67. For religion and ancient Israelite nationality, see Steven Grosby, Biblical Ideas of Nationality: Ancient and Modern (Winona Lake, IN, 2002). For religion in early Japan, Joseph Kitagawa, ‘The Japanese Kokutai (National Community): History and Myth’; Matsumae Takeshi, ‘Early Kami Worship’ in The Cambridge History of Japan, ed. Delmer Brown (Cambridge, 1993), vol. I. For the worship of the Sinhalese ‘Four Warrant Gods’, see Richard Gombrich and Gananath Obeyesekere, Buddhism Transformed: Religious Change in Sri Lanka (Princeton, 1988). For the Virgin Mary at Blachernae, see N. Baynes, ‘The Supernatural Defenders of Constantinople’ in Byzantine Studies (London, 1955); Averil Cameron, ‘The Theotokos in Sixth-Century Constantinople’, Journal of Theological Studies, n.s., 29 (April 1978): 79–108; and Vasiliki Limberis, Divine Heiress: The Virgin Mary and the Creation of Christian Constantinople (London, 1994). For the Virgin Mary at Częstochowa, see Norman Davies, God’s Playground: A History of Poland, vol. 1. For the tomb of the unknown soldier and other monuments to fallen soldiers, see George Mosse, Fallen Soldiers: Reshaping the Memory of the World Wars (New York, 1990); Jay Winter, Sites of Memory, Sites of Mourning (Cambridge, 1995). For the conceptual distinction between nation and religion, see Steven Grosby, ‘Nationality and Religion’ in Understanding Nationalism, ed.
121
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ M. Guibernau and J. Hutchinson (Cambridge, 2001), pp. 97–119. For the distinction between the other-worldly axial religions of the book and the this-worldly primordial religions, see Max Weber, ‘The Sociology of Religion’ in Economy and Society (Berkeley, 1978); Karl Jaspers, The Origin and Goal of History (New Haven, 1953); and S. N. Eisenstadt (ed.), The Origins and Diversity of the Axial Age Civilizations (Albany, 1986). For the pagan elevation of the human to the divine, see E. Bickerman, ‘Die Römische Kaiserapotheose’, Archiv für Religionswissenschaft 27 (1929): 1–34; Arnaldo Momigliano, ‘How Roman Emperors Became Gods’, in On Pagans, Jews, and Christians (Middletown, Conn., 1987). On the Greek hero, see Arthur Darby Nock, ‘The Cult of the Heroes’ in Essays on Religion and the Ancient World, ed. Zeph Stewart (Oxford, 1972). On the cult of the saints, see Peter Brown, The Cult of the Saints (Chicago, 1981). On the cult of Louis, see Elizabeth M. Hallam, ‘Philip the Fair and the Cult of Saint Louis’, in Religion and National Identity, ed. Stewart Mews (Oxford, 1982). For Symmachus’ statement, see Prefect and Emperor: The Relationes of Symmachus A. D. 384, tr. R. H. Barrow (Oxford, 1973), no. 3. Herodotus, The History, tr. David Grene (Chicago, 1987), Bk. 1.172. On pagan monotheism, see Polymnia Athanassiadi and Michael Frede, Pagan Monotheism in Late Antiquity (Oxford, 1999). On Marcion, still necessary is Adolph Harnack, History of Dogma (London, 1894). For a succinct overview of the relation between religion and nation in Iranian history, see Charles F. Gallagher, ‘The Plateau of Particularism:
122
املﺮاﺟﻊ Problems of Religion and Nationalism in Iran’, in Churches and States, ed. Kalman H. Silvert (New York, 1967). For ‘asabiyya, see the Encyclopedia of Islam (Brill, 1960). On the cult of Idris and the sharifs, see Jamil M. Abun-Nasr, A History of the Maghrib (Cambridge, 1975); Abdallah Laroui, The History of the Maghrib (Princeton, 1977).
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ Arthur de Gobineau, The Inequality of the Human Races, tr. Adrian Collins (London, 1915). Olaus Magnus, A Compendius History of the Goths, Swedes and Vandals (London, 1658). Richard Verstegan, A Restitution of Decayed Intelligence (Antwerp, 1605). H. S. Chamberlain, Foundations of the Nineteenth Century (New York, 1968). Heinrich von Treitschke, Politics, tr. Blanche Dugdale and Torben de Bille (London, 1916). For Herder’s view of the nation, see Steven Grosby, ‘Herder’s Theory of the Nation’ in Encyclopaedia of Nationalism, ed. A. Leoussi (New Brunswick, 2001). Georges Dumézil, L’idéologie tripartite des Indo-Européens (Brussels, 1958); also by the same author, The Destiny of the Warrior (Chicago, 1970) and The Destiny of a King (Chicago, 1973), both translated into English by Alf Hiltebeitel. For the ‘clash of civilizations’, see S. Huntington, The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order (New York, 1996). For criticisms of Dumézil’s argument, see Colin Renfrew, Archaeology and Language (Cambridge 1988); Arnaldo Momigliano, ‘Georges Dumézil
123
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ and the Trifunctional Approach to Roman Civilization’ in On Pagans, Jews, and Christians (Middletown, Conn., 1987). Thomas Hobbes, The Leviathan, ed. Michael Oakeshott (London, 1962). The literature of neo-Darwinism, evolutionary biology, and cognitive psychology is extensive. Useful overviews are John Cartwright, Evolution and Human Behavior (Cambridge, 2000); Peter J. Wilson, Man, the Promising Primate (New Haven, 1980); Paul R. Ehrlich, Human Natures (Washington, DC, 2000); J. H. Barkow, L. Cosmides, and J. Tooby (eds.), The Adapted Mind (Oxford, 1992); Dan Sperber, Explaining Culture (Oxford, 1996). For the statistics on self-imposed female infertility, see ‘Women Graduates Find Cost of Having Children Too Great’, The Times (London), 25 April 2003; Michael S. Rendall and Steve Smallwood, ‘Higher Qualifications, First Birth Timing, and Further Childbearing in England and Wales’, Population Trends 111 (Spring 2003): 18–26. On the ‘openness of the mind’, see the literature of ‘philosophical anthropology’, for example Max Scheler, Man’s Place in Nature, tr. Hans Meyerhoff (Boston, 1961); Arnold Gehlen, Man: His Nature and Place in the World, tr. Clare McMillan and Karl Pillemer (New York, 1988); Helmuth Plessner, Die Frage nach der Conditio humana (Appl, 1976); Mit anderen Augen (Stuttgart, 1982). Aristotle, The Politics, tr. Carnes Lord (Chicago, 1984), 1252a1. Adam Smith, The Theory of Moral Sentiments, ed. D. D. Raphael and A. L. Macfie (Indianapolis, 1982), p. 117. Frank Knight, ‘Economic Theory and Nationalism’ in The Ethics of Competition (New York, 1935), pp. 325, 282.
124
املﺮاﺟﻊ
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ For the account of the Sirens, see Homer, The Odyssey, tr. Richard Lattimore (New York, 1975), Book XII, lines 39–200. The noteworthy works on the emergence of the nation as a result of modernization are Karl W. Deutsch, Nationalism and Social Communication (Cambridge, 1953); John Breuilly, Nationalism and the State (Chicago, 1982); Ernest Gellner, Nations and Nationalism (Ithaca, 1983); Benedict Anderson, Imagined Communities (London, 1983); and Liah Greenfeld, Nationalism: Five Roads to Modernity (Cambridge, 1992). For the prediction that nations would soon disappear, see E. J. Hobsbawm, Nations and Nationalism since 1780 (Cambridge, 1990). For an example of a socialist modifying his views on the nation, see Tom Nairn, The Break-up of Britain (London, 1977).
125
ﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ
There are many books on the subjects of nations and nationalism; and, indeed, new ones appear almost daily. As a consequence, it is difficult to draw attention to even the more important ones without overlooking a number of others worthy of careful consideration, especially covering subjects that are so controversial. Thus, in addition to the works listed in the references to each chapter, I have, in what follows, provided a brief overview of a few of the more important books on nations and nationalism. Historical works on a particular nation are almost as old as our first written records; certainly, there are examples from antiquity such as Josephus’s The Antiquities of the Jews. Nevertheless, one can say that the scholarly study of the nation, as a problem to be explained, began in the latter half of the 18th century with two works by Johann Gottfried von Herder, Yet Another Philosophy of History for the Education of Mankind (New York, 1968) and Reflections on the Philosophy of the History of Mankind (Chicago, 1968). For a critical evaluation of these works, see Freidrich Meinecke, Historism (London, 1972); and Steven Grosby, ‘Herder’s Theory of the Nation’ in Encyclopaedia of Nationalism, ed. Athena S. Leoussi (New Brunswick, 2001).
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ Discussions of the nation appeared with greater frequency in the 19th century. Some of the more noteworthy were Johann Gottlieb Fichte, Addresses to the German Nation (New York, 1968); Georg Wilhelm Friedrich Hegel, The Philosophy of History (New York, 1956); John Emerich Edward Dalberg-Acton, ‘Nationality’ in Essays in the History of Liberty (Indianapolis, 1986); and especially Ernest Renan, ‘What is a Nation?’ in The Poetry of the Celtic Races and Other Studies (London, 1896). Among the many works on the nation written in the aftermath of World War I, important were Freidrich Meinecke, Cosmopolitanism and the National State (Princeton, 1970); Johan Huizinga, ‘Patriotism and Nationalism in European History’ in Men and Ideas (Princeton, 1984); Carlton Hayes, Essays on Nationalism (New York, 1926); and The Historical Evolution of Modern Nationalism (New York, 1931). It was during this period that works by the most prolific, until recently, writer on nationalism, Hans Kohn, began to appear. During and immediately following World War II, attempts to understand the nation, nationalism, fascism, and the political movements for national independence resulted in numerous works. Significant contributions during this period would include Hans Kohn, The Idea of Nationalism (New York, 1943); The Age of Nationalism (New York, 1962); Frederick Hertz, Nationality in History and Politics (London, 1944); Louis Snyder, The Meaning of Nationalism (New Brunswick, 1954); Karl Deutsch, Nationalism and Social Communication (Cambridge, 1953); Elie Kedourie, Nationalism (London, 1960); Nationalism in Asia and Africa (New York, 1970); and Hugh Seton-Watson, Nations and States (London, 1977). Sophisticated analyses of nations now appeared by ancient and medieval historians, for example Frank Walbank, ‘The Problem of Greek Nationality’ and ‘Nationality as a Factor in Roman History’, in Selected Papers (Cambridge, 1985);
128
ﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ Ernest Kantorowicz, ‘Pro Patria Mori in Medieval Political Thought’, The American Historical Review LVI/3 (April 1951): 472–92; Gaines Post, ‘Two Notes on Nationalism in the Middle Ages’, Traditio IX (1953): 281–320; and Joseph Strayer, ‘France: The Holy Land, the Chosen People, and the Most Christian King’, in Medieval Statecraft and the Perspectives of History (Princeton, 1971). Furthermore, during this period there appeared a number of important works on the ideology of nationalism by intellectual historians such as George Mosse, The Crisis of German Ideology (New York, 1964). In the last 25 years, significant works on the nation have included John Armstrong, Nations Before Nationalism (Chapel Hill, 1982); Dominique Schnapper, Community of Citizens (New Brunswick, 1998); Adrian Hastings, The Constitution of Nationhood (Cambridge, 1997); Steven Grosby, Biblical Ideas of Nationality: Ancient and Modern (Winona Lake, 2002); John Hutchinson, Nations as Zones of Conflict (London, 2005). Worthy of careful attention are the books by the most prolific and thoughtful writer on this subject during this period, Anthony D. Smith, The Ethnic Origin of Nations (Oxford, 1986); Nationalism and Modernism (London, 1998); Myths and Memories of the Nation (Oxford, 1999); The Nation in History (Hanover, 2000); Chosen Peoples (Oxford, 2004); and The Antiquity of Nations (Cambridge, 2004). Other influential, recent books would include Benedict Anderson, Imagined Communities (London, 1983); Ernest Gellner, Nations and Nationalism (Ithaca, 1983); John Breuilly, Nationalism and the State (Chicago, 1982); and Liah Greenfeld, Nationalism: Five Roads to Modernity (Cambridge, 1992). There are also numerous case studies of high quality, such as John Hutchinson, The Dynamics of Cultural Nationalism: The Gaelic Revival and the Creation of the Irish National State (London, 1987);
129
اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ and works on the relation of nations and nationalism to other human activities, such as George Mosse, Nationalism and Sexuality (Madison, 1985); Athena Leoussi, Nationalism and Classicism (New York, 1998); and to philosophy, David Miller, On Nationality (Oxford, 1995).
130
ﻣﺼﺎدر اﻟﺼﻮر
(2-1) © Ancient Art and Architecture Collection. (3-1) © Richard Glover/Corbis. (3-2) © Bibliothèque Nationale, Paris/www.bridgeman.co.uk. (4-1) © World Religions Photo Library/Osborne. (5-1) Journal of the Institute of Archaeology of Tel Aviv University, Tel Aviv. (5-2) © Martin Leissl/Visum/Panos Pictures. (6-1) Egyptian Museum, Cairo. © Ancient Egypt Picture Library. (6-2) © akg-images. (6-3) © Ancient Art and Architecture Collection.