Fairy Tales for a Fairer World (Arabic)

Page 1

‫يك� ت ن‬ ‫س� ديل‬ ‫وكارولينا رودريغز‬ ‫الطبعة أ‬ ‫الوىل‬



‫لم�وع تغي� المفاهيم ف� مكتب أ‬ ‫ت‬ ‫تأ� فكرة هذا الكتاب وتأليفه وتصميمه ضمن جهود إعالمية مثابرة ش‬ ‫المم المتحدة بجنيف‪ ،‬وهو ليس إصداراً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫رسمياً للمم المتحدة‪.‬‬ ‫"كان يا مكان ف� أفضل أ‬ ‫الزمان" هو نتاج عمل فريق متعدد االختصاصات من دول عدة‪:‬‬ ‫ي‬ ‫فكرة‪ :‬كارولينا رودريغز (شيل‪/‬الأ‬ ‫رجنت�)ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫س� ديل (جنوب إفريقيا) وكارولينا رودريغز (شيل‪/‬ال ي ن‬ ‫تأليف‪ :‬يك� ت ن‬ ‫رجنت�)‬ ‫ي‬ ‫رسوم‪ :‬كويو دو (فييت‪ ‬نام‪/‬اليابان)‬

‫تصميم‪ :‬كارولينا رودريغز (شيل أ‬ ‫‪/‬ال ي ن‬ ‫رجنت�)‬ ‫ي‬ ‫إخراج ومراجعة وتصحيح مواضيعي‪ :‬تيودور ميهايلشكو (رومانيا) وجون مارك وولز (الواليات المتحدة)‬

‫الخراج الطباعي‪ :‬تيودور ميهايلشكو (رومانيا) وجون مارك وولز (الواليات المتحدة)‬ ‫إ‬ ‫وخافي� فرناندز (إسبانيا)‬ ‫موقع التواصل‪ :‬خوان مانويل أوليا (إسبانيا)‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال ي ز‬ ‫(للن� قريباً)‪ ،‬الفرنسية ش‬ ‫السبانية ش‬ ‫(للن� قريباً)‪ ،‬العربية‬ ‫نكل�ية‪ ،‬إ‬ ‫اللغة الصلية‪ :‬إ‬ ‫الخراج‪ :‬جمال الكحلوت‬ ‫وش�ين حيدر‪ ،‬وأسماء‪ ‬بلفالح‪ ،‬إ‬ ‫النسخة العربية‪ :‬ترجمة ومراجعة‪ :‬محمد بن سعيد‪ ،‬وخالد سمره‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫تس� إصدار هذا الكتاب بفضل دعم سخي من عدة ش�كاء ش‬ ‫تغي� المفاهيم ساعدوا ف ي� تصور الحكايات‪ .‬شكر خاص إىل الحكومة الفيدرالية‬ ‫لم�وع ي‬ ‫المال وإىل "غرايسالز" (‪ )Greycells‬عىل المساعدة عىل إتاحة إصدار الكتاب‬ ‫السويرسية ومؤسسة جنيف (‪ )Fondation de Genève‬عىل دعمهما ي‬ ‫بلغات أخرى‪.‬‬ ‫‪Printed by Phoenix Design Aid A/S, a CO2 neutral company accredited in the fields of quality‬‬ ‫™‪(ISO 9001), environment (ISO14001) and CSR (DS49001) and approved provider of FSC‬‬ ‫‪certified products.‬‬ ‫‪Printed on FSC™ certified paper without chlorine and with vegetable-based inks.‬‬ ‫‪The printed matter is recyclable.‬‬

‫‪iv‬‬


‫يك� ت ن‬ ‫س� ديل‬ ‫وكارولينا رودريغز‬ ‫الطبعة أ‬ ‫الوىل‬

‫‪v‬‬


‫اﳌﺪﻳﻨﺔاﻟﻌﺘﻴﻘﺔ‬ ‫اﻟﺼﻔﺤﺔ ‪١‬‬

‫ﻣﺪﻳﻨﺔ اﳋﻨﺎزﻳﺮ‬

‫اﻟﻔﻴﻞ واﻟﻐﻴﻠﻢ‬

‫اﻟﺼﻔﺤﺔ ‪١٧‬‬

‫اﻟﺼﻔﺤﺔ ‪٣٥‬‬

‫ﻟﻴﲆ ذات اﻟﺮداء اﻷﲪﺮ‬ ‫اﻟﺼﻔﺤﺔ ‪٥٣‬‬


‫اﻟﻄﻴﻒ‬

‫اﻟﺼﻔﺤﺔ ‪١٢٩‬‬

‫ﺧﻴﺰراﻧﺔ اﻷﻣﲑة‬ ‫اﻟﺼﻔﺤﺔ ‪٧١‬‬

‫ﻛﺎﻟﻴﻮﺗﴚ‬

‫اﻟﺼﻔﺤﺔ ‪٩٣‬‬

‫اﳌﺼﺒﺎح‬

‫اﻟﺼﻔﺤﺔ ‪١١٣‬‬ ‫أ‬ ‫نح�‬ ‫ليــس لنا إال‪ ‬هــذه الرض ي‬ ‫فيهــا‪ ،‬وعلينــا جميع ـاً أن نعمــل عــى أن‬ ‫تحـ يـى فيهــا أجيــال تلينــا‪ ،‬ولن‪ ‬يكــون لنــا‬ ‫هــذا ما‪ ‬لم‪ ‬نعمــل ســويّة‪ .‬هــذا الكتــاب‬ ‫يرســم الطريــق الــذي ينبغــي أن يُســلك‪،‬‬ ‫بــ� أ‬ ‫ت‬ ‫المشــرك ي ن‬ ‫الجيــال‬ ‫طريــق العمــل‬ ‫ُ‬ ‫والمناطــق‪ ،‬أولــم يحــن الوقــت إلعــادة‬ ‫تحديــد معالــم ش‬ ‫الــراكات إلنقــاذ هــذا‬ ‫العالــم؟!‬

‫‪www.sdgstories.com‬‬


‫العا مل‬

‫كلــه حكايــات‪ .‬حكايــات تطبــع‬ ‫تفك�نــا أ‬ ‫والفــكار تحكــم أعمالنــا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫حكايــات تكشــف عــن خبايــا أنفســنا‬ ‫ـاس حو َلنــا والعالـ ِـم الــذي نعيــش فيــه‪ .‬وللحكايــات‬ ‫والنـ ِ‬ ‫تنشــأ‬ ‫أن تأخذنــا مــن‬ ‫الواقــع إىل دنيــا الخيــال حيــث أ َ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ز‬ ‫الوهــن فـ ي ُـ� َر ُع المــل‬ ‫كشــف َ‬ ‫الفــكار‪ ،‬وتُشـ َـحذ الذهــان‪ ،‬ويُ َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫فعــر الحكايــات نرتبــط بمختلــف‬ ‫يــأ�‬ ‫التغيــر‪ .‬ب‬ ‫ي‬ ‫ي� أن ي‬ ‫الشــخصيات فنعيــش انتصاراتهــا ومحناتهــا‪ ،‬وبذلــك‬ ‫يتحــدد فهــم الحيــاة لمــن ســوانا‪ .‬فنتعاطــف مــع تجــارب‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫الــ� هــي كتجاربنــا نحــن‬ ‫الخريــن مــن ذاك أ وتلــك‪ ،‬ي‬ ‫ال‪ ‬تنتهــي دائمــاً بالفــراح والمــرات‪.‬‬ ‫تناقلــت أ‬ ‫اللســن الحكايــات عــى مــر القــرون‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ـا�‪ .‬فكأنمــا توحــد بيننــا‬ ‫حــى باتــت جــزءاً مــن تراثنــا الثقـ ي‬ ‫ت‬ ‫ـص قديمــة كثـ يـرة فيها‬ ‫ـ� ترعرعنــا عليهــا‪ .‬قصـ ٌ‬ ‫الحكايــات الـ ي‬ ‫الحبكــة القــدر نفســه وإن جــرى تكييفهــا بحســب‬ ‫مــن ِ‬ ‫ت‬ ‫ـ� هــي منهــا‪.‬‬ ‫المناطــق الـ ي‬ ‫فكــم مــن القصــص الـ تـ� يكــون فيهــا عــى أ‬ ‫المـ يـرة‬ ‫ي‬ ‫أال‪ ‬تـ ت ز‬ ‫ـ�وج إال‪ ‬مــن أمـ يـر ف ي� مقامهــا وإن اختلفــت الروايــات‪،‬‬ ‫فــإن لــب الحكايــة يبقــى هــو نفســه‪ .‬كلنــا تعلمنــا هــذه‬ ‫القصــص ت‬ ‫حــى أن بعضنــا قرأهــا لبنيــه وبناتــه‪ .‬ونحــن‬

‫أ‬ ‫العلــم بــأن البعــض مــن هــذه القصــص ولربمــا يكــون ف ي�‬ ‫حاجــة لتحيـ ي ن‬ ‫ـ�‪.‬‬ ‫أيلول‪/‬ســبتم�‬ ‫ونحــن اليــوم ف ي� ظــرف نــادر‪ :‬ف ي�‬ ‫ب‬ ‫مــن ‪ 2015‬وقــع زعمــاء العالــم عــى جــدول أعمــال التنميــة‬ ‫المســتدامة‪ .‬هــذا االتفــاق العالمــي غــر أ‬ ‫الدوار‪ .‬فنحــن‬ ‫يّ‬ ‫اليــوم بلغنــا مرحلــة مــن التنميــة ش‬ ‫الب�يــة لم‪ ‬تعــد فيهــا‬ ‫أ‬ ‫الســاليب التقليديــة للنظــر للعالــم خيــاراً قائمـاً‪ .‬فحمايــة‬ ‫الكوكــب وضمــان بقــاء الجنــس البـ شـري لم‪ ‬يعــد مســألة‬ ‫دولــة ثريــة تمــد يــد العــون لــدول فقـ يـرة وال‪ ‬مســألة تنمية‬ ‫لقطــاع صناعــي بتكاليــف عاليــة لحمايــة البيئــة‪ .‬ولم‪ ‬يعــد‬ ‫حـ تـى مســألة تركـ ي ز‬ ‫ـ� عــى مشــكلة بعينهــا كالفقــر ومراضــة‬ ‫أ‬ ‫الم وصــب االهتمــام بأمــر دون ســواه ف ي� آن‪.‬‬ ‫فمــن الجــ� أكــرث حاجتنــا لنهــج تكــون أكــرث‬ ‫ي‬ ‫تماســكاً ووعــي أك ـرث رســوخاً بأننــا جميع ـاً نتقاســم هــذا‬ ‫التدبــر باســتدامة‪ ،‬فإننــا‬ ‫الكوكــب وأننــا‪ ،‬إن أحســنا‬ ‫ي‬ ‫ســننعم أ‬ ‫والجيــال المقبلــة بمســتقبل ش‬ ‫مــرق‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫هــذا الكتــاب يســعى للجمــع ي ن‬ ‫بــ� حكايــات‬ ‫عرفناهــا ضمــن حكايــة واحــدة ومــن منظــور جديــد‪.‬‬

‫‪viii‬‬


‫حكايــات هــي مــن شـ تـى أنحــاء العالــم‪ ،‬فــإذا بهــا متصلــة‬ ‫ف‬ ‫و�‪ ‬هــذا‬ ‫تم�ابطــة بعنــارص ِب‬ ‫خ�ناهــا مــن حكايــات أخــرى‪ .‬ي‬ ‫ت‬ ‫ـ� عرفنــا‬ ‫الجمــع المشـ ِّـوق‪ ،‬تتحــول الحبكــة المعتــادة الـ ي‬ ‫بهــا هــذه الحكايــات لـ ت ز‬ ‫ـ�داد بعنــارص وتحديــات حديثــة‪.‬‬ ‫النتيجــة هــي حكايــة مشــوقة جديــدة تجمــع بـ ي ن‬ ‫ـ�‬ ‫عنــارص هــي جــزء مــن عالمنــا اليــوم وتســلط أ‬ ‫الضــواء‬ ‫ت‬ ‫الــ�‬ ‫عليهــا‪،‬‬ ‫عنــارص هــي مالزمــة للتحديــات العالميــة ي‬ ‫ُ‬ ‫نواج ُههــا اليــوم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تحيلنــا هــذه الحكايــات إىل أهــداف التنميــة‬ ‫ـ� عىل الشــبكة‬ ‫المســتدامة فتفتــح بوابــات للنقــاش التفاعـ ي‬ ‫ـ� قـراء‪ ،‬وخـ بـراء‪ ،‬ومتخصصـ ي ن‬ ‫بـ ي ن‬ ‫ـ�‪ ،‬وشــخصيات معروفــة‪.‬‬ ‫والغايــة هــي أن نرتقــي بهــذه المســائل إىل صــدارة‬ ‫االهتمــام وأن يشــارك الجميــع وإن تفاوتــت أ‬ ‫العمــار ف ي�‬ ‫مناقشــة ما‪ ‬يشــغل بالنــا جميعــاً‪.‬‬

‫‪ix‬‬

‫وعلينــا آ‬ ‫الن ونحــن ننطلــق ف ي� الســعي لبلــوغ‬ ‫أهــداف أ‬ ‫اللفيــة للتنميــة أن نعيــد تحديــد أســاليب العمــل‬ ‫مــع بعضنــا‪.‬‬ ‫هــذا الكتــاب ال‪ ‬يعــدو أن يكــون محاولــة مبتكــرة‬ ‫تعــول عــى القصــص والروايــات لجلــب اهتمــام النــاس‬ ‫لتحديــات التنميــة العالميــة والجمــع بينــه للتطــرق إليهــا‪.‬‬ ‫ونحــن إن التقينــا جميعــاً ف ي� هــذ الجهــد‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ـ� ال‪ ‬تعبــأ‬ ‫الجماعــي لنفــخ الــروح ي� هــذه الحكايــات الـ ي‬ ‫بالزمــن وفيهــا الكثـ يـر مــن العـ بـر حــول طريقــة حمايــة هــذ‬ ‫الكوكــب وإنقــاذه‪ ،‬فلنــا أن نطمـئن بأننــا خطونــا فعـا ً أوىل‬ ‫الخطــى نحــو بلــوغ هــذه أ‬ ‫الهــداف‪.‬‬ ‫مايكل مولر‬

‫المدير العام لمكتب أ‬ ‫المم المتحدة بجنيف‬ ‫أ‬ ‫ول‪/‬ديسم� ‪2016‬‬ ‫كانون ال‬ ‫ب‬


‫ق�ا ن�ي ل� ة�‬

‫جال� ةد� الك�برى حمراء حمراء‬

‫ي�ا ق� تو� ة�‬

‫أ� �جر ن‬ ‫وا�‬

‫ج� ةد� حمراء حمراء‬

‫أ�م يل�لى �ذ تا� الرداء ال�أحمر‬

‫لي�لى �ذ تا�الرداء ال�أحمر‬

‫خ� ن��ز ي�رالحك ي م�‬

‫خ� ن��ز ي� ارل �جع و�ز‬

‫خ� ن��ز ي�رالطاع ن�‬

‫ش‬ ‫�ذ تا�ال�عرالمسدل‬

‫أ� ب�و علاء‬

‫عفلاءال يد� ن�‬

‫ق‬ ‫م�ط ب� ل قالحا ج�ب�� ني�‬

‫ق‬ ‫ف �م قط ب�‬ ‫ح� �ط الح ج��� ن‬

‫جال�د ا أل�ك�بر لعلاء ال يد� ن�‬

‫ح�ي�د أ�ب� ي� علاء‬

‫‪x‬‬

‫جال�د ا أل�ك�بر �ط ب�‬

‫ي�د ب� ا ب ي�‬


‫خل� ي��ز را ن�ل خ ة� الملك ة أ�‬

‫جال� ةد� ا ك�برى � ي��ز را ن� ة� ال�م� ةير�‬

‫خ� ي� ف�ز را ن� خ ة� ا أل� لم� ةير�‬

‫خ�رطوم‬

‫ح�ي� ةد� � ي��ز را ن� ة� ا ملك ة�‬

‫ج�د ي�ذ� ال�أ�ذ ن�� ني�‬

‫ي�ذ� ا أل��ذ ن�� ني�‬ ‫س يل�ل خ�رطوم‬

‫خ ن �ز ال ش‬ ‫�غ‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫ص‬ ‫�‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫�� ي�ر ر ل� ر‬

‫خ� ن��ز ي�رالح ف�را أل�ص�غ ر‬

‫خ� ن��ز ي�ر الوحل ا أل�ص�غ ر‬

‫ب�ا ب�ا ي�ا�غ ا‬

‫ش� ِّ ي�رر‬

‫ب�عو ض� ة�‬

‫�ذ ئ� ب�‬

‫طي� ف�‬

‫‪xi‬‬


‫أ�م�ير ال ث ج� �ل‬

‫حالم‬

‫ف� ن‬ ‫لا�‬

‫�ن‬ ‫يب��ك يو�ا‬

‫ا أل�م�ير الب�ال ي�‬

‫ض‬ ‫ال� ف�دع ا أل�م�ير‬

‫�غ�ز ال ة�‬

‫ِه ُّ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫و�‬

‫ن‬ ‫�مر‬

‫ن‬ ‫هو� ش�ولا‬

‫لي� ث�‬

‫جال�ر�ذ الم ق�دام‬

‫‪xii‬‬


xiii



‫أ‬ ‫الفصل الول‬


‫كا�ن‬

‫ف‬ ‫ف‬ ‫صغ�ة اش ُتهرت بالشوكوالتة عائلة فريدة‪ .‬ولم‪ ‬تكن تلك‬ ‫يا ما‪ ‬كان ي� قديم الزمان ي� مدينة ي‬ ‫ف أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تجمع ي ن‬ ‫ب� أفرادها‪.‬‬ ‫العائلة من أم‪ ‬واحدة‪ ،‬ومع ذلك لم‪ ‬يكن لها من يضاهيها ي� اللفة ي‬ ‫فقد كانوا جميعاً أبطاال ً وبطالت ف ي� أيامهم‪ :‬إذ‪ ‬نجوا من أنياب الذئب‪ ،‬ومن تعويذات‬ ‫الساحرات‪ ،‬ومن بطش العمالقة وآل بهم المآل بأن عاشوا ف ي� هناء ومرسات بقية العمر فقضوا أيامهم سوية‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫المواطن�‬ ‫الطاعن� ف ي� السن‪.‬‬ ‫تجمعهم الدار القديمة‪ :‬دار‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تقع ف ي� سفوح‬ ‫كانت دارهم ي� المدينة العتيقة ي‬ ‫كب�ة تحيط بها الجبال‪ ،‬وقد كان منظرها خالباً‪.‬‬ ‫بح�ة ي‬ ‫تطل عىل ي‬ ‫وال‪ � ‬أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫الحالم‪ .‬كانت حياتهم قد‬ ‫�ء ي‬ ‫كانت‪ ‬آمنة وليس ي� مثلها ي‬ ‫ف‬ ‫وال‪ � ‬الحكايات‪ .‬ولكن‬ ‫تك ّللت بأفضل نهاية بما‪ ‬ال‪ ‬يخطر عىل بال ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�‬ ‫دوام الحال من المحال‪ ،‬إذ‪ ‬ورد عليهم ي� يوم من اليام ب ٌ‬ ‫الصغ�ة‬ ‫أن الذئب َط َر َد مجدداً الخنازير الثالثة‬ ‫ي‬ ‫عاجل مفاده ّ‬ ‫من بيوتهم متو ّعداً إياهم فخافوا عىل أنفسهم‪ .‬فكانت‬ ‫هذه البداية لسلسلة من أ‬ ‫الحداث ف ي�‬ ‫تغ�‪.‬‬ ‫عالم كان قد ي ّ‬

‫‪2‬‬


‫ت‬ ‫ال� أتت عىل نصفها قائلة لجميع أصدقائها القدامى‪" :‬لقد ضقت ذرعاً"‪ ،‬هي لم‪ ‬تكن‬ ‫رمت قانية اللمجة ي‬ ‫تتحدث قطعاً عن غدائها‪.‬‬ ‫ال ثك� نحافةً ‪ ،‬ورشاقةً أ‬ ‫كانت قانية أ‬ ‫ب� جميع أصدقائها‪ .‬كانت معروفة ث‬ ‫والصغر سناً ي ن‬ ‫أك� باسم الجدة‬ ‫الحمر‪ ،‬ولكن مذ غسلت معطفها أ‬ ‫الك�ى لليىل ذات الرداء أ‬ ‫ال�تقالية‬ ‫الحمر‬ ‫ّ‬ ‫المفضل لها والوحيد مع تنورتها ب‬ ‫ب‬ ‫الوهاجة استحال لون المعطف أحمر قانياً‪ .‬كان أصدقاؤها يداعبونها ساخرين من ِفعلتها‪ ،‬وبذلك أُطلق عليها‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫الك�ى لليىل ذات الرداء الحمر أو‪ ‬قانية‪.‬‬ ‫اسمها الجديد‪ :‬قانية الجدة ب‬ ‫خ� ي ئ‬ ‫س� جديد "أرى التاريخ ال‪ ‬يعيد نفسه فحسب بل هو يزداد‬ ‫تحمل أي ب‬ ‫قالت قانية‪" :‬ال أستطيع ّ‬ ‫ف‬ ‫الجدات الضعيفات‬ ‫سوءاً‪ .‬فالذئب ما‪ ‬زال ّ‬ ‫يقض مضاجع الخنازير‪ ،‬كما‪ ‬أنّه يطوي المسافات ي� الغابة َليل َت ِهم ّ‬ ‫الحال حيث ترعرعن‪ ،‬وال‪ ‬بد آ‬ ‫الن من وضع ّ ئ‬ ‫ينض ّم يإل؟"‬ ‫نها� له‪ .‬علينا أن نقبض عليه‪ .‬من َ‬ ‫حد ي‬ ‫ال ثك� حكمة أ‬ ‫الخ�ير أ‬ ‫وال ثك� إقباال ً عىل الحياة ي ن‬ ‫الخ�ير الحكيم منتصباً وقال‪" :‬أنا معك"‪ .‬كان نز‬ ‫قفز نز‬ ‫ب�‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أما‪ ‬الخ�يران آ‬ ‫الخ�ير العجوز نز‬ ‫الخران نز‬ ‫نز‬ ‫والخ�ير الطاعن‬ ‫الخنازير الثالثة‪ .‬كان دائماً يجد الحلول لكل المشاكل‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يز‬ ‫فقد كانا ي ن‬ ‫الكب�ة‪.‬‬ ‫توأم� ال‪ ‬يضاهيهما أحد يبدعان ف ي� إيجاد العيوب ي� كل الفكار‬ ‫المتم�ة وكل الحالم ي‬ ‫كفّت باباياغا فوراً عن نهش فخذ الدجاج بأسنانها الحادة أول ما‪ ‬سمعت قول نز‬ ‫الخ�ير الحكيم ف ي� مثل‬ ‫الخ�ير الحكيم‪ :‬يحرص أحدهما عىل آ‬ ‫القدام‪ .‬كانت باباياغا المفضلة لدى نز‬ ‫الخر ويعتنيان ببعضهما‬ ‫ذلك إ‬ ‫ح� تكلم استمعت إليه‪ .‬كانت باباياغا قد لقيت نز‬ ‫البعض‪ .‬ي ن‬ ‫الخ�ير الحكيم ف ي� الغابة حيث كانا يقيمان طوال عقود‬ ‫تقاربُ ُهما‪ .‬عندما غادرت باباياغا‬ ‫خلت‪ .‬جمعتهما صداقة وطيدة وكلما طال الوقت الذي يقضيانه معاً ازدادا ُ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫كوخها‪ ،‬فهي كانت تحتفظ‬ ‫ال� كانت ِق َو َام ِ‬ ‫كوخها ي� الغابة لتبدأ حياة جديدة لم‪ ‬تأخذ معها سوى أفخاذ الدجاج ي‬ ‫بها تحت رسيرها‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫ت‬ ‫ال� كانت قد فقدت برصها بمرور ي ن ش‬ ‫"�ء ما‪ ‬يجول بخاطرك يا قانية‪ .‬لقد‬ ‫السن�‪ :‬ي‬ ‫أجابت بياض الثلج ي‬ ‫أحد‬ ‫صلح شأنُه‪ ،"... ‬وكانت تومئ إىل صحيفة كانت بيدها‪ .‬ولم‪ ‬يفقه ٌ‬ ‫أت لتوي ب‬ ‫قر ُ‬ ‫خ�اً عن المصباح السحري وقد أُ ِ‬ ‫ين‬ ‫للمكفوف�‪ ،‬إال‪ ‬أنّهم كانوا عىل علم بما‪ ‬كانت تتحدث عنه‪.‬‬ ‫الخ� بنظام بريل‬ ‫إىل ما‪ ‬كانت تومئ‪ :‬فقد ُرقن ذلك ب‬ ‫الصغ�ة الجالسة عىل كتف بياض الثلج‪.‬‬ ‫"إنّه ألمر شائن" قالت صغرونة‬ ‫ي‬ ‫كان أبو عالء يطأطئ رأسه شاعراً بالخجل وهو أ‬ ‫العلم بما‪ ‬أباله بأخبار المصباح السحري المتقلبة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� حاولت‬ ‫انزلقت قانية حول الطاولة باتجاه هانسل وغريتيل‪" .‬هل تريدان الوقوف ي� وجه الساحرة ي‬ ‫علفكما علفاً لك تأكلكما‪ .‬رفّت ي ن‬ ‫ع� هانسل للذكرى‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫أعال‬ ‫نظرت إىل ي‬ ‫سم� وهو يجلس ي� الطرف المقابل سائلة‪" :‬هل تريد من العمالق الذي ي�بّص عند ي‬ ‫بعدك؟"‬ ‫ينصب لحياة‬ ‫أحفادك وأحفاد أحفادك من ِ‬ ‫ِ‬ ‫نبتة الفاصولياء أن ِ‬ ‫كانت عروس البحر ف ي� بركة السمك المنتفخة الواقعة عىل مقربة من ش‬ ‫ال�فة‪ .‬قالت لها قانية‪" :‬أما كانت‬ ‫ت‬ ‫ساقيك إال‪ ‬إذا فديتهما بلسانك؟" كان ذاك‬ ‫ال� أبَت أن تعيد لك‬ ‫ِ‬ ‫حياتك لتكون أفضل من يغ� ساحرة البحر‪ ،‬هي ي‬ ‫تأكيداً ث‬ ‫أك� مما‪ ‬كان سؤاالً‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تجلس عىل كرسيها المتأرجح ووضعت يدها عىل كتفها‪.‬‬ ‫مضت قانية نحو ذات الشعر المسدل ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال�ج‬ ‫ال� احتفظت بك سجينة ي� ب‬ ‫ي‬ ‫ال� سلبتك إياها ال�ير ُة ي‬ ‫"عزيز� ذات الشعر المسدل‪ ،‬ماذا عن السنوات ي‬ ‫ف‬ ‫"أي ساحرة؟ أي برج؟"‬ ‫الم َ‬ ‫ِّ‬ ‫المروع ي� عزلة عن العالم؟"‪ .‬تمتمت ذات الشعر ُ‬ ‫سدل وهي ترفع نظرها نحو قانية‪ّ :‬‬ ‫أك� ث‬ ‫كانت ذاكرتها تضعف ث‬ ‫فأك�‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫أ‬ ‫واصل نز‬ ‫رهن بنا سواء استمر الوضع عىل حاله أم‪ ‬لم‪ ‬يستمر‪ .‬من الذي يريد أن‬ ‫الخ�ير الحكيم قائال ً "المر ٌ‬ ‫يحول دون أن يكرر التاريخ نفسه؟ من يريد أن يخرج ليغ� مجرى أ‬ ‫المور؟"‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نض َّم إليك أيّها نز‬ ‫الخ�ير لو كان ذلك ف ي� المستطاع" ورفرفت بذيلها ف ي� الماء‬ ‫قالت عروس البحر‪" :‬كنت ل َ‬ ‫أ‬ ‫تس� عىل اليابسة‪.‬‬ ‫للع ْوم‪ ،‬ما‪ ‬كان بوسعها أن ي‬ ‫مذكر ًة أصدقا َءها بأنّه‪ ،‬ولنّها ُخلقت َ‬ ‫يجر‬ ‫وقف هانسل قائال ً "ال جدوى من ذلك فك ّلنا طاعنون جداً بالسن"‪ ،‬وما‪ ‬لبث أن غادر الغرفة وهو ُّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫�ء فقد تبعته خارجة من الغرفة‪.‬‬ ‫ال� كانت تحذو ِحذو أخيها ي� كل ي‬ ‫القس َط َر والجهزة الطبية خلفه‪ .‬أما‪ ‬غريتيل ي‬ ‫ن‬ ‫أس�؟ هذا لن‪ ‬يحل المسألة‪."... ‬‬ ‫ورصخ هانسل وقد بلغ منتصف‬ ‫نج� من ذئب ي‬ ‫ّ‬ ‫الممر‪ ..." :‬ثم ما‪ ‬عسانا ي‬ ‫"صحيح‪ .‬لن‪ ‬نكتفي بأرس الذئب‪ .‬سنشيد بيوتاً ث‬ ‫أك� صالبة للخنازير ف ي� مدينة الخنازير‪ .‬وسنع ّلم جدة ليىل‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ذات الرداء أ‬ ‫الحمر كيف تحافظ عىل ق ُّوتها وصحتها‪ .‬وسنحول دون أن تتكرر مساوئ التاريخ بعد اليوم إىل البد"‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ب� نز‬ ‫محاصاً ي ن‬ ‫التوأم�‪ .‬حاول أن يتملص مبتعداً عن الطاولة لكنه بقي عالقاً‪" .‬لم‬ ‫الخ�يرين‬ ‫كان ُخرطوم َ‬ ‫ال� جئت منها كنت أنا المشكلة‪ ،‬فقد كنت ألقي أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫المسبقة‬ ‫بالحكام‬ ‫أع َهد ف ي�‬ ‫طفول� ذئباً ش�يراً قط‪ .‬ففي ب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال�اري ي‬ ‫ي‬ ‫أ ئ‬ ‫ن‬ ‫ت ن‬ ‫بنا�‬ ‫ع�‪ .‬لم‪ ‬يكن ذلك عدالً‪ .‬لقد أور ُ‬ ‫ثت هذه ِّ‬ ‫الس َمة ل ي‬ ‫جزافاً ح� أنّ ي� لم‪ ‬أكن أتقاسم الماء مع أي أحد يختلف ي‬ ‫ولك� أريد أن أغ� هذا‪ .‬أريد من في َلة المستقبل أن يعاملوا آ‬ ‫ن‬ ‫الخرين بإنصاف"‪ .‬ما‪ ‬لبث خرطوم أن رفع خرطومه‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫ّي‬ ‫ف ي� الهواء "لذا سأنضم إليك يا قانية" قالها وهو يمضغ أوراقاً خ�ض اء‪.‬‬ ‫استدار نز‬ ‫الخ�ير العجوز إىل خرطوم وتذمر قائال ً "هال توقفت عن ال ّلحس وال ّلعق بكل هذه الجلبة!"‬ ‫خ�رانة وكانت أف َطنهم جميعاً "أنا أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫قالت الملكة ي ز‬ ‫وال‪ ‬ح�‬ ‫مدين� ذئب ش�ير‪،‬‬ ‫الخرى ال‪ ‬أذكر أنه كان ف ي�‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ال‪ ‬بد من أن أتزوج زيجة مرتّبة‬ ‫ساحرة ش�يرة أو‪ ‬غول‪ .‬كنت مجرد فتاة ُولدت من غصن البان ووفقاً للتقاليد كان ّ‬

‫‪5‬‬




‫ولو لم‪ ‬أفعل لخابت آمال ت‬ ‫دت وناضلت‬ ‫تمر ُ‬ ‫عائل�‪ّ .‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫عائل� َّ ن‬ ‫ولكن ت‬ ‫م�‪ .‬وحيث‬ ‫لتعلم ّ‬ ‫ت� ب ّ‬ ‫وت�أت ّ ي‬ ‫صد ي‬ ‫ي‬ ‫الكث�ات‬ ‫الصد إ‬ ‫والفراد َس َلكَت ي‬ ‫لقيت‪ ‬ما‪ ‬لقيت من ّ‬ ‫أ‬ ‫سهل ت ز‬ ‫الدرب ال َ‬ ‫ف� ّوجن بتعليمات‬ ‫من بنات البان‬ ‫َ‬ ‫آبائهن‪ .‬وأنا ال‪ ‬أطيق أن أرى مزيداً من الفتيات‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫وهن يُ ْج ب َ�ن عىل عقد زيجات مدبّرة‪ .‬سأنضم إليك‬ ‫ّ‬ ‫يا‪ ‬قانية"‪.‬‬

‫أال يزعجك أن تنىس اسم شخص‬ ‫ما‪ ،‬أو‪ ‬موعداً لدى طبيب أ‬ ‫السنان‪ ،‬أو‪ ‬المكان‬ ‫الذي تركت فيه كتاباً؟ تصور حالك إن عانيت‬ ‫من فقدان الذاكرة طوال الوقت‪ ،‬ت‬ ‫ح� يؤول‬ ‫بك أ‬ ‫المر إىل أن تنىس سلوكاً تعلمته مثال ً كأن‬ ‫ترتدي ثيابك‪ .‬ذات الشعر المسدل قد ضاقت‬ ‫ذرعاً بذلك وتو ّد أن تعرف لم‪ ‬يصعب عليها أن‬ ‫تتذكر بعض أ‬ ‫المور‪ .‬وهي تتحدث عن مرض‬ ‫المراض أ‬ ‫الزهايمر‪ ،‬وعن بعض أ‬ ‫الخرى مع‬ ‫قراء آخرين‪.‬‬ ‫ب‬ ‫الخ�اء ومع ّ‬

‫ين‬ ‫الحاجب�‪.‬‬ ‫"وأنا أيضاً" قال مقطب‬ ‫وكان الجميع يعلم أن قصته كانت مأساوية‪.‬‬ ‫فقد قضت أخته الصغرى نحبها عىل يد‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫الكث�‬ ‫�ير‪ .‬كانت أخته ي� عداد ي‬ ‫ساحر اسمه ّ‬ ‫من الفتيات ت‬ ‫اللوا� ت ُ ز‬ ‫ان�عن من أرسهن‪ .‬عرفت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أن رحلتهن ت ز‬ ‫س�داد صعوبة‬ ‫الخريات بدورهن ّ‬ ‫عليهن جميعاً أن يتوجهن مع مقطب‬ ‫فقد كان‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫كث�ون‬ ‫�ير حيث حاول ي‬ ‫الحاجب� إىل جزيرة ّ‬ ‫إنقاذ أطفالهم الذين سلبوا منهم دون ِرجعة"‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫تنهد نز‬ ‫تقدم بهم العمر أن يقبضا عىل ذئب‬ ‫الخ�يران التوأمان ملء صدريهما‪" :‬هل يمكن لخنازير ثالثة ّ‬ ‫خفيف رشيق؟ إال‪ ‬أنّك يا نز‬ ‫سننضم إليك بدورنا"‪.‬‬ ‫أفض َلنا ف ي� اتخاذ القرارات‪ ،‬لذا‬ ‫خ�يرنا الحكيم كنت دائماً َ‬ ‫ّ‬ ‫بدا أبو عالء مفعماً أ‬ ‫ش‬ ‫�ء ما‪ ‬كان ُليقدم عليه من قبل‪" .‬أنا معكم!"‪.‬‬ ‫بالمل‬ ‫ومستعداً إ‬ ‫ّ‬ ‫للقدام عىل ي‬ ‫معي"‪.‬‬

‫قالت قانية‪" :‬لن تقدر عىل ذلك‪ ،‬ألم تر حال رئتيك؟"‪ .‬فأجابها أبو عالء‪" :‬سأحمل قارورة أ‬ ‫ين‬ ‫وكسج�‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫َ‬

‫ربما كانت سيدة حبة الباز ّلء قادرة عىل ز أ‬ ‫إال‪ ‬أن ثقافتها ال‪ ‬تتعدى ذلك‪ .‬قالت‪" :‬يا أبا‬ ‫الوث�ة‬ ‫رسة ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫تمي� ال ّ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫ال� ع�ت فيها‬ ‫العالء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‪ ‬تصدق ََّن ّ‬ ‫أن المصباح قد عادت إليه الحياة‪ .‬أنت من ّ‬ ‫دمرتَه‪ .‬ألم تُ ِلق به ي� نفس الحفرة ي‬ ‫ول عهد المصباح ض‬ ‫ض‬ ‫ش‬ ‫�ء‪ّ .‬‬ ‫وم�"‪.‬‬ ‫عليه‪ .‬لقد انق� كل ي‬ ‫قال أبو العالء بدون ن‬ ‫أد� تردد‪" :‬ال تتكلمي بكل هذه الثقة‪ ،‬فالبعض يؤمن بأن عالء الدين ت‬ ‫الف� يسعى‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫والج�!"‪.‬‬ ‫بج� المصباح‪ .‬كيف له ذلك من يغ� المصباح السحري‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫لتدم� أم ّته بأرسها متحكماً ي ّ‬ ‫"وإن كان الحال كذلك فما الذي ينوي فعله للقضاء عىل الجميع؟ فال‪ ‬يمكن للمصابيح أن تقتل ش‬ ‫الب�‬ ‫هكذا!" قالت السيدة بازالء واثقة من نفسها‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫الب�‪ ،‬بل من خالل سلبهم أشياء �ض ورية للحياة"‪ .‬قالت الملكة ي ز‬ ‫"ليس بال�ض ورة بع� قتل ش‬ ‫خ�رانة‬ ‫ال� طالعتها‪" ،‬يلفظ الناس آخر أ‬ ‫ال� راحت تتلو عليهم ما‪ ‬قرأته ف� أحد الكتب ي ت‬ ‫ت‬ ‫النفاس إن ُه ُموا ُسلبت‬ ‫ي‬ ‫الكث�ة ي‬ ‫ي‬ ‫وحرموا منها"‪.‬‬ ‫حاجاتهم ُ‬ ‫"مثل ماذا؟"‪ .‬لم‪ ‬تكن السيدة بازالء قادرة عىل متابعة تتابع أ‬ ‫الفكار‪.‬‬ ‫"مثال من خالل سلب الغذاء‪ ،‬والماء‪ ،‬والمسكن الالئق‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والرزق‪ ،‬أ‬ ‫والمل‪ ... ‬كل ما‪ ‬قد نحتاج‬ ‫ً‬ ‫إليه لنعيش عيشةً رغداء"‪.‬‬ ‫أضافت صغرونة عىل ما‪ ‬كان يقوله أبو العالء قائلة‪" :‬تناهى إىل مسامعنا كذلك أن أ‬ ‫ال يم� عالء الدين قد‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫أك�‪ ،‬وهو قرص اش ُتهر بأنّه العىل والجمل من ي ن‬ ‫ب�‬ ‫تملكته الرغبة ي� أن يصبح الثرى ي� العالم‪ .‬فقد اش�ى قرصاً ب َ‬ ‫ح� أنّه ت‬ ‫واش�ى جزراً‪ ،‬وطائرات ومحميات طبيعية‪ ،‬ت‬ ‫القصور‪ .‬ت‬ ‫اش�ى لنفسه أسداً أليفاً! من أين له كل هذا لوال‬ ‫قوة المصباح"‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أو‪ ‬ال�‪ ّ .‬ن‬ ‫ش‬ ‫أما�‬ ‫الخ�‬ ‫"إن المصباح السحري لداة قوية قد تستخدم لفعل ي‬ ‫أضاف أبو العالء قائالً‪ّ :‬‬ ‫إن ي‬ ‫أ‬ ‫عل أن أعود يا بازالء"‪.‬‬ ‫ال يم� عالء الدين أنانية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وم ِّ‬ ‫وقص�ة النظر‪ُ ،‬‬ ‫دمرة‪ .‬لذا ي ّ‬ ‫"ما عساكم تنتظرون؟" قالت عروس البحر‪.‬‬ ‫ال‪ ‬بد من أن نرجع‪ .‬فل َنقُم بذلك معاً"‪ .‬قال نز‬ ‫الخ�ير الحكيم يبعث الحماس ف ي� قلوبهم‪.‬‬ ‫"صحيح‪ّ .‬‬

‫‪10‬‬


‫ت‬ ‫ورفعت عن مائدة الغداء‪ .‬ورسمت قانية‪،‬‬ ‫ال�‬ ‫لم‪ ‬تمسها ٌيد قد ذابت ُ‬ ‫ّ‬ ‫كانت حلوى َم ّن ّ‬ ‫السماء والمثلجات ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫وخرطوم‪ ،‬والملكة ي ز‬ ‫و�‪ ‬زاوية‬ ‫خ�رانة‪ ،‬ومقطب‬ ‫الحاجب�‪ ،‬وأبو العالء‪ ،‬والخنازير الثالثة العجائز مخطط الرحلة‪ .‬ي‬ ‫أخرى مجانبة كانت ذات الشعر المسدل تعطي قانية هديّة ف ي� هدوء عربون مو ّدة وتذكاراً لمغامرتهم‪ .‬تأثرت قانية‬ ‫بسخائها ش‬ ‫وح�ت الهدية ف ي� عباءتها الحمراء الباهتة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫التال بزغ النور قبل الشمس وقبل صياح الديك المجلجل‪ .‬كان هذا لحن كل صباح‬ ‫ي� صباح اليوم ي‬ ‫ت‬ ‫يعولون عىل‬ ‫ال� كان يُغبط فيها أولئك الذين ّ‬ ‫تصدح له الدار القديمة‪ ،‬وكانت تلك اللحظة الوحيدة من النهار ي‬ ‫آالت السمع‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫ف‬ ‫وشحنت الدراجات الكهربائية‪،‬‬ ‫المك�ة ي� الجيوب‪ُ ،‬‬ ‫ُحزمت الحقائب‪ُ .‬‬ ‫وح ش�ت الخرائط والعدسات ب ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� غ َّطتها‪ .‬كانوا عىل أتم االستعداد‪.‬‬ ‫ونُظفت شاحنة ب يأ� العالء الطائرة من خيوط العنكبوت ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الوف�‪ .‬ض‬ ‫والمس ّنون عند‬ ‫بأما� الحظ ي‬ ‫وم� الصدقاء الثمانية الشجعان ِ‬ ‫َتي ّمموا بتحيات الوداع وتحزموا ي‬ ‫طلوع الشمس‪.‬‬ ‫قادوا الشاحنة طويال‪ ،‬وطار أبو العالء طويال إىل أن باتت المدينة العتيقة أصغر ف� أ‬ ‫الفق وأطلت مدينة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� عاشوا‬ ‫الخنازير ب‬ ‫أك�‪ .‬عندما وصلوا إىل أبواب مدينة الخنازير اكتشفوا أن ألسنة اللهب كانت تلتهم الغابة ي‬ ‫فيها طفو َلتهم‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫حان وقت الطاقة النظيفة! لن‪ ‬نحقق شيئاً إن لم‪ ‬نجد حلوال ً أفضل نابعة من‬ ‫مصادر الطاقة المتجددة‪ .‬فالطاقة المستدامة قضية حاسمة‪ ،‬والحفاظ عليها‬ ‫ينطلق منكم فهل لخياراتكم من قيمة؟ كيف عسانا نحدث فارقاً؟ ولم‪ ‬عىل‬ ‫ما‪ ‬نقوم به أن يكون مستداماً عىل أي حال؟‬

‫‪13‬‬





‫الفصل ن‬ ‫الثا�‬ ‫ي‬


‫كا�ن‬

‫الخنازير الصغار الثالثة يعيشون ف ي� مدينة الخنازير‪ .‬كان أجدادهم قد ع ّلموهم أال‪ ‬يشيدوا‬ ‫ت‬ ‫أو‪ ‬ح� من القرميد إن أرادوا فعال ً أن يقفوا ف ي� وجه الذئب‪.‬‬ ‫منازلهم من القش‪ ،‬أو‪ ‬الحطب‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� كانوا يستخدمونها لبناء منازلهم بل كان من المهم‬ ‫لم‪ ‬تكن المسألة محصورة ي� المواد ي‬ ‫كذلك إيجاد موقع آمن‪ .‬وكنتيجة لذلك صمموا منازل ث‬ ‫أك� استدامة ف ي� مواقع أفضل‪ .‬يغ� أنّه ومن سوء طالع‬ ‫التيان عليهم وأكلهم‪.‬‬ ‫الخنازير الثالثة لم‪ ‬يكن ذلك كافياً ليحول دون أن يتجارس الذئب ويحاول إ‬ ‫اعت� نز‬ ‫خ�ير الوحل‬ ‫كانت لدى الخنازير الصغار الثالثة أفكار متباينة حول البيوت ودرجات أمانها‪ .‬فقد ب‬ ‫أ‬ ‫خ�ير الشجر أ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫البح�ة أل ّن الذئاب تكره الماء‪ .‬فيما رأى نز‬ ‫الصغر أنّه من السلم‬ ‫الصغر أنّه من المن االنتقال إىل ي‬ ‫أ‬ ‫أن يقيم فوق أ‬ ‫نز‬ ‫اعت� أنّه من‬ ‫الرض أعىل الشجر حيث ال‪ ‬يمكن للذئب أن يصل‪.‬‬ ‫أما‪ ‬خ�ير الحفر الصغر فقد ب‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫عاص� أن تطا َلهم‪ .‬لم‪ ‬يكن الخنازير قد عرفوا‬ ‫المن نقل مدينة الخنازير تحت الرض حيث ال‪ ‬يمكن للذئاب وال‪ ‬ال ي‬ ‫الصغر كان ش أ‬ ‫خ�ير الحفر أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫إال‪ ‬أن نز‬ ‫عاص�‬ ‫عاص�‬ ‫يخ� ال ي‬ ‫إعصاراً يوماً‪ ،‬ولم‪ ‬يكونوا يعيشون ي� منطقة ت�ض بها ال ي‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫ش‬ ‫ما‪ ‬يخ� ويرتعد ِلذ ِكرها‪ .‬بذلك ّبدل الخنازير الصغار الثالثة طريقتهم ف ي� تشييد البيوت ف ي� مدينة الخنازير‬ ‫أك�‬ ‫ألن كال منهم كانت لديه رؤيته الخاصة حول تعليمات السالمة ث أ‬ ‫للقامة فيه‪.‬‬ ‫وأك� الماكن أمناً إ‬ ‫ّ ً‬ ‫ُ‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫كان ذاك اليوم أ‬ ‫الصغر عىل ت ن‬ ‫الول الذي يقضيه نز‬ ‫م� بيته العائم‪ .‬كان بيتاً بسيطاً‬ ‫وتس�ه مراوح تعمل عىل الهواء‪ ،‬ف ُتو ّلد الكهرباء والطاقة الالزمة للمحرك‪ .‬كان يحب بيته الجديد‬ ‫من‪ ‬الخشب ي ّ‬ ‫أ‬ ‫يحد من حركته‪ .‬لم‪ ‬يكن قادراً عىل تنظيف النوافذ من الخارج لنّه لم‪ ‬يكن يستطيع أن يقف‬ ‫وإن‪ ‬وجده ضيقاً ّ‬ ‫عىل‪ ‬أي ش�ء للقيام بذلك ت‬ ‫ح� أنه لم‪ ‬يكن له أن يقيم حفال ً لعيد ميالده فيه‪ .‬ولكنه كان يشعر عىل ذلك كله‬ ‫ي‬ ‫أنّه‪ ‬بمأمن من الذئب‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫ال ش‬ ‫إال‪ ‬أن استدامة المنازل ال‪ ‬تُحرص‬ ‫تخ� أغلبية الناس عىل سالمة منازلها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� السالمة‪ .‬فالمسكن يقوم عىل التصميم‪ ،‬والمواد‪ ،‬وفعالية الطاقة‪ ،‬وبناء‬ ‫ن‬ ‫نب� منازلنا لنجعلها‬ ‫الجماعات ما‪ ‬يجعل المدن أماكن يطيب العيش فيها‪ .‬كيف ي‬ ‫آمنة علينا ورفيقة بكوكبنا؟‬

‫‪19‬‬


‫م�له‪ .‬استلقى عىل رسيره آ‬ ‫أ‬ ‫لتوه من طالء داخل نز‬ ‫كان نز‬ ‫المن الذي كان يمتد‬ ‫خ�ير الوحل الصغر قد فرغ ّ‬ ‫الم�ل للطرف آ‬ ‫من طرف نز‬ ‫الخر وهو يلقي بالكرة عىل الحائط‪ .‬رسعان ما‪ ‬خرجت الكرة من النافذة ففُقدت وح ّطت‬ ‫طاشة ف� الماء‪ .‬يقارع المصباح إىل جانب الرسير ت‬ ‫ح� تدحرج فوقع وتكرس زجاجه‪ .‬نهض عند ذلك‪ ،‬وكانت قدماه‬ ‫ّ ي‬ ‫أ‬ ‫صغ�اً جداً نز‬ ‫تقرعان الرض الخشبية‪ .‬تقرعانها‪ ،‬مراراً وتكراراً‪ .‬ربما كان هذا نز‬ ‫كث� الحركة مثله‪ .‬عندئذ‬ ‫لخ�ير ي‬ ‫الم�ل ي‬ ‫سمع رصخة مروعة صادرة من الضفة‪... ‬‬ ‫الصغ�‪ ،‬أيها نز‬ ‫"أيها نز‬ ‫الصغ� َ‬ ‫تعال إىل اليابسة ألتمكن من الدخول"‪ .‬قال الذئب‪.‬‬ ‫الخ�ير‬ ‫الخ�ير‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫بي�‪."... ‬‬ ‫أجابه خ�ير الوحل الصغر‪" :‬ال! أبداً! وإن كان هذا آخر يوم ي� ي‬ ‫حيا� ال‪ ‬أتركن ي‬ ‫فيط�"‪.‬‬ ‫ي‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫عاص� عىل بيتك‬ ‫يث� أشد ال ي‬ ‫رص َخ ّن بأعىل صوت وارغي وأزبد‪ ،‬وأرفس وأردس‪ ،‬وأنفخ نفخاً ي‬ ‫"حسناً‪ ،‬ل ُ‬

‫ت‬ ‫ت‬ ‫وال‪ ‬ح� ماج الماء بينهما‪.‬‬ ‫ولم‪ ‬ي�اجع قيد أنملة‪،‬‬ ‫ورصخ الذئب‪ ،‬ونفخ‪ ،‬ونفخ‪ ... ‬فلم يحرك للبيت ساكناً‪،‬‬ ‫آ‬ ‫ورفع نز‬ ‫شقيقي الخرين بهذا"‪.‬‬ ‫سأخ�‬ ‫خ�ير الوحل ُخفَّيه منتشياً‪" :‬رائع‪ ،‬كنت أعلم ن يّأ� بأمان‪ ،‬ب‬ ‫َّ‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫أن نز‬ ‫إال‪ ‬أن الذئب‬ ‫الصغر كان ذكياً ومبدعاً جداً ف ي� بناء بيته العائم الجديد‬ ‫ّ‬ ‫عىل الرغم من ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫أن الوقت‬ ‫بأن الجفاف‬ ‫وأن رقعته كانت ت ّتسع ي� الرض‪ .‬كان يعلم ّ‬ ‫سيحل قريباً ّ‬ ‫كان أحد ذكاء‪ .‬كان الذئب يعلم ّ‬ ‫الخ�ير‪ .‬انتظر الذئب بتؤدة وتريث عىل الضفة‪ .‬وك ّلما مر يوم جفّت أ‬ ‫الرض ث‬ ‫يجف الماء من حول نز‬ ‫أك�‬ ‫كفيل بأن َّ‬ ‫َُ​َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ح� حل الجفاف فلم يبق ولم‪ ‬يذر‪ .‬و� ت‬ ‫ت‬ ‫‪ ‬ف�ة لم‪ ‬ي َطل بات بيت نز‬ ‫خ�ير الوحل الصغر يستقر عىل أرض جافة‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ومشققة‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫عند ذاك كان الذئب يتضور جوعاً فهرع باتجاه نز‬ ‫خ�ير‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫الوحل أ‬ ‫الصغر ليل َتهم وجبته التالية‪ .‬قفز نز‬ ‫الصغر‬ ‫ِ‬ ‫من النافذة وجرى يطوي المسافات قدر ما‪ ‬تطوي قصار أقدامه‬ ‫خ�ير الشجر أ‬ ‫ت‬ ‫م�ل نز‬ ‫ح� بلغ نز‬ ‫الصغر الذي كان قد آىل عىل نفسه‬ ‫البح�ة‪.‬‬ ‫مقراً شجرة أبعد ما‪ ‬يكون عن ي‬ ‫خ�ير الشجر أ‬ ‫الصغر يقف تحت بيته الشجرة ي ن‬ ‫كان نز‬ ‫ب�‬ ‫شجرات الصنوبر السامقة وشجرة س َو ٍل‪ .‬وهو ينظر إىل نز‬ ‫م�له‬ ‫َْ‬ ‫ف� أ‬ ‫العال تراءت له ورقة تتساقط ببطء تتأرجح يمنة ويرسة ت‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫متعبة‪ .‬ع ًلكها ثم رماها ي� النفايات ي� دورة حياة جديدة‪.‬‬ ‫استقرت َ‬ ‫راحت ورقة ثانية تتساقط لكنه التقطها قبل أن تح ّط ورماها‪ .‬شعر بالنرص لقدرته عىل أن يتلقف أ‬ ‫الوراق قبل‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫سقوطها ثم يضعها ف� مستقر لها‪ .‬أو‪ ‬ليس هذا هو الهوس بعينه الذي عناه نز‬ ‫خ�ير الوحل الصغر عنه‪ .‬راح يبعد‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫سلة المهمالت فإذا بالوراق ث‬ ‫تتبع�‪ .‬قاوم الرغبة ي� أن يلتقط الوراق مرة جديدة وتسلق صاعداً نحو بيته الشجرة‬ ‫نز‬ ‫ش‬ ‫عل يتحرى‬ ‫حيث ّ‬ ‫أعد مكاناً الستقبال ال ّنحل ّ‬ ‫�ء من ٍ‬ ‫أعز أصدقائه‪ .‬من فوق كان خ�ير الشجر االصغر ينظر لكل ي‬ ‫ف� أي خطر داهم‪ .‬لم‪ ‬يلحظ شيئاً قط‪ ... ‬ت‬ ‫ح� تلك اللحظة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫الذئب يطار ُد شيئاً ما‪ .‬أيُعقل أن يكون نز‬ ‫الصغر؟ رمى بس ّلمه المصنوع من الحبال إىل‬ ‫رأى‬ ‫َ‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تمسك نز‬ ‫السفل وانتظر نز‬ ‫الصغر بالس ّلم‬ ‫الصغر الذي جاء راكضاً بكل‬ ‫ما‪ ‬أو� من قوة‪ّ .‬‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫وتسلقه‪ ،‬وسحبا الس ّلم قبل ف� الوقت المناسب قبل أن يتسلقَّه الذئب‪ .‬هما آ‬ ‫الن ف ي� أمان!‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬

‫‪21‬‬


22


‫استبد بالذئب‪ ،‬فه ّز جذع‬ ‫كان الغضب قد‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫تشبث‬ ‫م�"‪ّ .‬‬ ‫الشجرة‪" .‬ال تظ ّنا أنّكما ستنجوان ي‬ ‫أ‬ ‫نز‬ ‫ته�‪ .‬وقعت‬ ‫الخ�يران بالغصان فيما كانت الشجرة ت ز ّ‬ ‫خلية النحل أعالهما عن الغصن ونزلت ت‬ ‫ح� ارتطمت‬ ‫أ‬ ‫بالرض‪ .‬فتح الذئب سلته والتقط الخلية بنحلها‬ ‫الهائج وأغلقها‪.‬‬ ‫أن ش‬ ‫تعول عىل‬ ‫هل كنت تعلم ّ‬ ‫الب�ية ّ‬ ‫النحل للحصول عىل غذائها اليومي؟ أ‬ ‫للسف‪،‬‬ ‫جراء المبيدات‬ ‫ينفق آالف النحل سنوياً ّ‬ ‫ش‬ ‫المعدة لحماية المحاصيل من‬ ‫الح�ية‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ح�ات أخرى‪ .‬عندما يموت النحل ال‪ ‬تُلقّح‬ ‫آ ت‬ ‫ال� ي ن‬ ‫يتع�‬ ‫النباتات‪ .‬وهذه حلقة من الثار ي‬ ‫علينا أن نتدبر أمرها‪ .‬ويناقش نز‬ ‫خ�ير الشجر‬ ‫أ‬ ‫الصغر كيف تت�ابط الكائنات الحية والكوكب‪،‬‬ ‫وكيف عسانا نحول دون نفوق النحل‪.‬‬

‫خ�ير الشجر أ‬ ‫رصخ نز‬ ‫الصغر‪" :‬رويدك!‬ ‫نحل"‪.‬‬ ‫رويدك! هذا ي‬ ‫أن الذئب لم‪ ‬يعبأ به‪ .‬ابتسم ابتسامة‬ ‫يغ� ّ‬ ‫أ‬ ‫ال ش�ار‪ ،‬ثم صاح فيهما قائالً‪" :‬أيها نز‬ ‫الخ�يران‬ ‫ن‬ ‫الصغ�ان‪ ،‬أيها نز‬ ‫دعا� أصعد‬ ‫الخ�يران‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الصغ�ان ي‬ ‫أ‬ ‫وإال‪ ‬لرصخن بأعىل صوت وأرغي وأزبد‪ ،‬وأرفس‬ ‫أ‬ ‫عاص� عىل بيتكما‬ ‫يث� أشد ال ي‬ ‫وأردس‪ ،‬وأنفخ نفخاً ي‬ ‫فيط�"‪.‬‬ ‫ي‬ ‫قال نز‬ ‫الخ�يران‪" :‬ال! محال! "ال! أبداً! وإن كان‬ ‫هذ آخر يوم ف� حياتنا ت‬ ‫كن بيتنا‪."... ‬‬ ‫ال‪ ‬ن� ّ‬ ‫ي‬

‫‪23‬‬


24


‫مك� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الخ�يران ي ن‬ ‫كان نز‬ ‫ذكي�‬ ‫ت� وركّز أشعةَ الشمس عىل‬ ‫إال‪ ‬أن الذئب فاقهما ذكاء‪ .‬فاستخدم‬ ‫عدست� ب‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫أخ�ة نفثت الحياة ف ي�‬ ‫و�‪ ‬لهثة ي‬ ‫َ‬ ‫عيدان يابسة كانت قد سقطت فإذا بخيط من الدخان يرتفع فراح ينفخ وينفخ ي‬ ‫نز‬ ‫وفرا من الشجرة ومن الغاب‪ .‬وركضا‬ ‫الدخان ّ‬ ‫فتأجج حريقاً متوهجاً‪ ،‬استعر فخرج عن السيطرة‪ .‬رصخ الخ�يران ّ‬ ‫أ‬ ‫هارب� من الذئب باتجاه نز‬ ‫عىل رأس حوافرهما يخرقان الدخان الكثيف ي ن‬ ‫خ�ير الحفر الصغر‪.‬‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫من تحت أ‬ ‫الخ�يرين ي ن‬ ‫الصغر رصاخ نز‬ ‫الرض سمع نز‬ ‫ب� هسيس الحريق وفحيح ألسنة اللهب‪.‬‬ ‫والغريب أنّه فتح بابه الذي يقود إىل العالم الخطر وتلصص من فوق الك َُّو ِة فرأى نز‬ ‫الصغ�ين وهما‬ ‫الخ�يرين‬ ‫ي‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫قاصدين باب بيته‪ .‬رأى نز‬ ‫الصغر شجرة سامقة‬ ‫يحاوالن الفرار من الحريق والذئب يتعقب آثارهما‬ ‫َ‬ ‫تح�ق وبدا وكأنها تسقط شيئاً فشيئاً‪ .‬رصخ منبهاً‪" :‬حذار!"‪ .‬ح ّطت الشجرة مرتطمة أ‬ ‫ت‬ ‫بالرض‪ .‬لم‪ ‬يسلم نز‬ ‫الخ�يران‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫اح�ق وبر عىل ذيليهما‪ ،‬هذا كل ف أ‬ ‫منها تماماً فقد ت‬ ‫إن الشجرة أفلحت عند سقوطها ف ي� إبعاد الذئب‬ ‫ما‪ � ‬المر‪ .‬ثم ّ‬ ‫ي‬ ‫عنهما‪.‬‬ ‫ن‬ ‫"أوف" تنفسا الصعداء "ك ّنا عىل قاب ي ن‬ ‫قوس�‬ ‫أو‪ ‬أد� من الوقوع ف ي� براثنه"‪.‬‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫الخ�يران الصغ�ان تحت أ‬ ‫ض‬ ‫الرض عند نز‬ ‫م� نز‬ ‫الصغر وقد احتبست أنفاسهما‪ .‬لقد زال‬ ‫ي‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫الخطر‪ .‬كان نز‬ ‫الصغر يبتسم فقد صمد بيته أمام الجفاف ومن الحريق‪.‬‬ ‫ت‬ ‫المح�قة كان الخنازير الحكيم والعجوز والطاعن ما‪ ‬يزالون يقفون فاغرين‬ ‫أمام أبواب مدينة الخنازير‬ ‫أفواههم وقد تق ّطعت بهم السبل‪ .‬كانوا قد خ ّططوا إلنقاذ الخنازير من الذئب ش‬ ‫ال�ير يغ� أنّهم‪ ،‬عوضاً عن ذلك‪،‬‬ ‫أك� وأقوى منهم ومن الذئب‪ .‬قال‬ ‫ألفوا أنفسهم أمام حريق‪ .‬فكيف لهم أن ينقذوا الخنازير‬ ‫الصغ�ة مما‪ ‬هو ب‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫فهلموا بنا ننقذهم"‪.‬‬ ‫مقطب‬ ‫الحاجب� بهدوء‪" :‬جئنا هنا إلنقاذ الخنازير‪ّ ،‬‬

‫‪25‬‬


‫ت‬ ‫الن�ان‪ .‬ووراء ستار الضباب رأوا ي ن‬ ‫ن‬ ‫ظل�‬ ‫ال� لم‪ ‬تطلها ي‬ ‫شقّت المجموعة طريقها بحذر يب� بقاع الغابة ي‬ ‫ين‬ ‫الكهربائيت�‪.‬‬ ‫يشحنان أعىل مكنستيهما‬ ‫"ها هما!" قال نز‬ ‫الخ�ير الحكيم‪.‬‬ ‫"الدخان يجعل الرؤية صعبة" قال أبو العالء‪.‬‬ ‫الصغرين وكانت دراجاتهم النارية تسحق العيدان أ‬ ‫الخ�يرين أ‬ ‫مشوا وراء نز‬ ‫والوراق اليابسة‪ .‬وما‪ ‬لبثوا أن‬ ‫ضغطوا عىل مكابح الدراجات بقوة بمجرد ما‪ ‬رأوا الذئب يقف عند الباب‪.‬‬ ‫عندما رأى نز‬ ‫الكب� ش‬ ‫وال�ير تبخرت الشجاعة وخارت القوى‪ .‬بدأ يشكّ ف ي� نفسه‪.‬‬ ‫الخ�ير الحكيم‬ ‫الذئب ي‬ ‫َ‬ ‫الصغ�ة فهلموا بنا لننقذهم!"‪ .‬نظر إليها وأومأ برأسه‪ .‬أومأ‬ ‫رأت قانية فزعه فقالت‪" :‬لقد جئنا إلنقاذ الخنازير‬ ‫ي‬ ‫الجميع برؤوسهم‪ ،‬وعند الرسعة أ‬ ‫الوىل أداروا دراجاتهم النارية ليواجهوا المشكلة بجرأة‪ .‬حارصوا الذئب من‬ ‫الجهات كافة‪ .‬قال نز‬ ‫الخ�ير العجوز‪" :‬ال يمكنك الهرب أيها الذئب"‪ .‬يغ� أن الذئب قفز من فوق رؤوسهم وتوارى‬ ‫عن أ‬ ‫النظار ف ي� الغابة الملتهبة‪.‬‬ ‫ين‬ ‫إال‪ ‬أن خرطوم الذي كان رسعان ما‪ ‬يتملكه القلق رصخ‪:‬‬ ‫الط�‪،‬‬ ‫ساد صمت‬ ‫المشدوه� وكأن عىل رؤوسهم ي‬ ‫ّ‬ ‫آ‬ ‫"يا إلهي‪ ،‬كان من ت‬ ‫المف�ض أن نقبض عليه! ما‪ ‬عسانا نفعل الن؟"‪.‬‬

‫عليه"‪.‬‬

‫الحاجب� "صحيح إن الذئب فر آ‬ ‫ين‬ ‫الن إال‪ ‬أنّه سيعود‪ .‬علينا أن نقبض‬ ‫"نفعل ما‪ ‬جئنا لفعله" قال مقطب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪26‬‬


‫الصغر تحت أ‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫م�ل نز‬ ‫تش� إىل نز‬ ‫الرض‪" ،‬هيا بنا‪،‬‬ ‫"يحسن بنا أن ندخل" قالت قانية وهي ي‬ ‫تحركوا"‪.‬‬ ‫ش‬ ‫و�عوه‪.‬‬ ‫دلفوا بع� الباب ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫�ع الباب عىل‬ ‫كان الخنازير الصغار الثالثة ي�شفون الشاي السود ي� االسفل ويأكلون الحلوى عندما ُ ّ‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫ضخم‪ .‬أمسك نز‬ ‫الصغر عبوة طارد ش‬ ‫الح�ات بيد‬ ‫فيل‬ ‫ٌ‬ ‫مرصاعيه‪ .‬برزت سبعة وجوه غريبة‪ ... ‬ورأس ٍ‬ ‫ووالعة باليد أ‬ ‫الخرى‪" .‬لن أتردد ف ي� استخدام هذا الرذاذ رسيع االشتعال إن لم‪ ‬ترحلوا"‪.‬‬ ‫لم يكن الخنازير الصغار الثالثة قد التقوا يوماً بأجدادهم الخنازير الثالثة‪ ،‬لذا استغرقهم أ‬ ‫المر بعض‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫الوقت قبل أن يفقهوا قول هؤالء الوافدين‪ .‬عند ذلك فقط وضع نز‬ ‫الصغر جانباً طارد ش‬ ‫الح�ات‬ ‫وقدم لهم قطعة من كعكة الغابة السوداء بل الشوكوالتة السوداء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وسأل نز‬ ‫ح�‬ ‫تعز عليكم أرواحنا ت ّ‬ ‫خ�ير الوحل الصغر وقد استغرب لطف الخنازير الجداد الثالثة‪" :‬لماذا ّ‬ ‫تجازفوا بحياتكم لتنقذونا من الذئب؟"‪.‬‬ ‫ن‬ ‫س�ى القمر‬ ‫"نحن نعرف الخوف حق المعرفة‪ ،‬ونعرف‬ ‫ما‪ ‬مع� أن يعيش المرء وهو يتساءل إن كان ي‬ ‫ف ي� كماله مجدداً أم‪ ‬ال‪ .‬يجب أن ينعم الجميع بالسالمة والحماية‪ .‬يجب أن يتحرر الجميع من الخوف‪ .‬يجب أن‬ ‫يكون لكل م ّنا بيت آمن يعيش فيه‪ .‬ف ي� زمننا لم‪ ‬يكن أحد يدرك ذلك ليعيننا عليه‪ .‬أما‪ ‬اليوم فالعالم أدرك حجم‬ ‫مشاكله"‪ .‬قال نز‬ ‫الخ�ير الحكيم‪.‬‬

‫‪27‬‬




‫يح� عنقه ث‬ ‫حاول خرطوم أن ش‬ ‫أك� ف ي� الباب‬ ‫يغ� أنّه لم‪ ‬يفلح ف� ذلك‪ .‬قال له نز‬ ‫خ�ير الوحل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫نزل عىل مقاسات‬ ‫الصغر "يا صديقي‬ ‫ِ‬ ‫لم‪ ‬أبن م� ي‬ ‫الفيلة" فضحك الجميع‪.‬‬

‫الهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر‬ ‫أحدثت ثورة ف ي� العالم‪ .‬ستضطلع هذه‬ ‫التكنولوجيا المبتكرة بدور مهم ف ي� جعل‬ ‫السل�‬ ‫العالم مكاناً أفضل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إال‪ ‬أن الجانب ب ي‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪ .‬ومستوى‬ ‫لذلك هو تنامي النفايات إ‬ ‫ت‬ ‫النفايات إ ت‬ ‫ال� ننتجها يخرج‬ ‫اللك�ونية السامة ي‬ ‫عن السيطرة‪ .‬وبعد أن علمت الملكة ي ز‬ ‫خ�رانة‬ ‫تحدث الناس عن‬ ‫بذلك‪ ،‬أخذت عىل عاتقها أن ّ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪.‬‬ ‫طرق التخلص من النفايات إ‬

‫تناولت الملكة ي ز‬ ‫خ�رانة هاتفها المحمول‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫وشاحنه سائلة نز‬ ‫الصغر إن كان بوسعها‬ ‫تستع� شاحنه‪ .‬ناولها إياه يغ� أنه لم‪ ‬يكن عىل‬ ‫أن‬ ‫ي‬ ‫قاب ِس هاتفها‪ ،‬ولم‪ ‬يكن لدى أي شخص آخر‬ ‫مقاس ِ‬ ‫شاحن يالئمها لذا ومن فرط يأسها رمت بهاتفها‬ ‫إال‪ ‬أن تلك لم‪ ‬تكن السلة‬ ‫المطفأ ف ي� سلة النفايات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المالئمة‪ ،‬فهرع نز‬ ‫خ�ير الشجر ليضعه ف ي� سلة تدوير‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪.‬‬ ‫النفايات إ‬ ‫و� هذه أ‬ ‫ف‬ ‫آنانس من‬ ‫الثناء سقط العنكبوت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أما‪ ‬خ�ير الوحل أ‬ ‫نز‬ ‫الصغر الذي كان ينقر‬ ‫السقف‪.‬‬ ‫بأصابعه عىل الطاولة فقد قفز من مكانه وتناول‬ ‫طارد ش‬ ‫آنانس قائالً‪" :‬أنا أكره‬ ‫الح�ات موجهاً إياه إىل‬ ‫ي‬ ‫العناكب!"‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫الخ�ير الحكيم حامياً العنكبوت بذراعيه المجعدين‪ .‬ت‬ ‫"أجننت؟" قال نز‬ ‫"ح� لهذه حياة ذات قيمة! قد‬ ‫ُ‬ ‫يبدو مؤذياً بالنسبة لك‪ ،‬أتدري أن لها دوراً عىل هذا الكوكب"‪.‬‬ ‫ابتسم آنانس وجلس عىل كتف نز‬ ‫الخ�ير العجوز‪.‬‬ ‫ي‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫وضع نز‬ ‫الصغر عبوة الرذاذ جانباً وبدأ يقرع بشوكته‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫ع� نز‬ ‫كانت ي ن‬ ‫الخ�ير العجوز تنتفض من النقر المستمر ف ي� دليل واضح عىل أنّه عىل وشك االنفجار‪" :‬كفى‪،‬‬ ‫توقف عن التململ"‪.‬‬ ‫ساد صمت مرتبك غ� أنه لم‪ ‬ي ُطل ألن يد الذئب المشعرة شقّت بطن أ‬ ‫الرض ت ز‬ ‫وان�عت الخنازير العجائز‬ ‫ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫بما‪ � ‬ذلك خرطوم الذي علق رأسه‪.‬‬ ‫الثالثة‪ .‬راح الجميع يرصخ ي‬ ‫الخنازير العجائز ف ي� الغاب وهم يطاردون الذئب عىل يغ� هدى‪.‬‬ ‫الخنازير الثالثة الصغار‬ ‫ترك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نز‬ ‫نكمل" قالت قانية‪.‬‬ ‫"الخ�ير الحكيم يريد م ّنا أن ِّ‬ ‫المس�ة"‪ .‬قال خرطوم‪.‬‬ ‫"أنت محقة يا قانية‪ ،‬قودي‬ ‫ي‬

‫‪32‬‬


33



‫الفصل الثالث‬


‫ق‬ ‫�‬ ‫ال‬

‫أ‬ ‫ال ن أ‬ ‫ف ن‬ ‫غ�‬ ‫الفيل‬ ‫الصغ� ذو ي‬ ‫ي‬ ‫ذن� للمطار أنه ي� ي‬ ‫عنها وال‪ ‬يريدها؛ ومنذ ذلك ي ن‬ ‫الح�‪ ،‬غادرت‬ ‫المطار ولم‪ ‬تعد‪ ،‬ومن غ�ها أ‬ ‫أ‬ ‫المطار‪ ،‬تحولت‬ ‫ي‬ ‫مساحات واسعة إىل أرض جدباء قاحلة‪ .‬بدأت النباتات تذبل‪،‬‬ ‫و�‪ ‬منطقة ذي أ‬ ‫والبح�ات ّ ف‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن�‪ ،‬لم‪ ‬يتبق سوى غدير‬ ‫ي‬ ‫تجف‪ .‬ي‬ ‫لغ�ه من‬ ‫ماء واحد فقط‬ ‫ّ‬ ‫لم‪ ‬يجف‪ .‬فاستأثر به لنفسه‪ ،‬ولم‪ ‬يسمح ي‬ ‫الحيوانات المختلفة عنه أن تشاركه فيه‪.‬‬ ‫و� يوم من أ‬ ‫اليام‪ ،‬اضطر ذو أ‬ ‫ف‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن� ألن تي�ك الغدير‬ ‫ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫غي َلم أن يحرس الغدير‪ ،‬وترك‬ ‫ليبحث عن الطعام‪ ،‬فطلب من ْ‬ ‫منع عىل أي حيوان آخر أن شي�ب من غديري‪،‬‬ ‫له أمراً صارماً‪" :‬يُ ُ‬ ‫بما‪ ‬فيهم أنت!"‬ ‫غي َلم عىل صخرة يحرس الغدير‪ ،‬نافخاً صدره‬ ‫جلس ْ‬ ‫كضفدع ضخم‪ ،‬ولم‪ ‬ال؟ فهو من وقع عليه االختيار لحراسة الماء‪.‬‬

‫‪36‬‬


37


‫الشجار "عندما ير نا� ذو أ‬ ‫قال غي َلم للطيور الساكنة عىل أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن� أؤدي مهامي جيداً‪ ،‬فسيدرك ن يأ� ال‪ ‬أختلف عنه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫غيلم يدرك ما‪ ‬سيحدث"!‬ ‫كث�اً‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وسيكافئو� حينها بالماء"‪ .‬واحرستاه! لم‪ ‬يكن ْ‬ ‫ي‬ ‫تحت الشمس الحارقة‪ ،‬تصاعد البخار من سطح الماء‪ .‬ومن ُعباب سحابة البخار الغائمة ظهرت‬ ‫بملك الماء‪... ‬‬ ‫تحسب نفسك؟ أنت لست ِ‬ ‫بعوضة‪ ...‬كانت بعوضةٌ حاملةً للمالريا‪ .‬قالت البعوضة ْ‬ ‫لغي َلم "من َ‬ ‫أما‪ ‬أنا‪ ،‬فبىل‪ ،‬أنا هي"‪.‬‬ ‫كان غي َلم بطيئاً ف� كل ش�ء تقريباً‪ ... ‬بطيئاً ف� كالمه‪ ،‬وبطيئاً ت‬ ‫ح� ف ي� انطوائه إىل داخل صدفته احتماء من‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫غي َلم باللدغة وبحكتها ش‬ ‫وانت�ت‬ ‫لدغة البعوضة‪ ،‬فقد أغارت عليه‪ .‬لدغته البعوضة حاملة المالريا ي� رقبته‪ .‬شعر ْ‬ ‫ف‬ ‫جسده‬ ‫الو َهن‪.‬‬ ‫العدوى ف ي� جسده‬ ‫لم‪ ‬يقو ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫الصغ� انتشار النار ي� الهشيم‪ ،‬فأخذ تي�نّح من الحمى وأصابه َ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الضعيف عىل مقاومة العدوى‪ ،‬فأدخل ساقيه ي� صدفته مستسلماً‪ ،‬إىل أن لفظ أنفاسه ال ي‬ ‫ت‬ ‫غي َلم‪ ،‬توقف العصفور الشادي عن تغريد ألحانه الطربة‪.‬‬ ‫ال� كانت تظ َّلل ْ‬ ‫وفوق الشجرة ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫كث�ة أخرى تهاجر من المناطق الجافة المجاورة‪ ،‬لقد‬ ‫ي� تلك الثناء‪ ،‬كان السد والزرافة وحيوانات ي‬ ‫اق�ب القطيع من غدير ذي أ‬ ‫الس� واشتاقت إىل ش�بة ماء‪ .‬ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن�‪ ،‬متل ِّهفاً شل� ِبة‬ ‫قطعت مسافات طويلة وأنهكها ي‬ ‫الغي َلم خارت قواه بعد قطع مسافات طويلة‬ ‫الغي َلم مقلوباً عىل صدفته‪ ،‬بال‪ ‬حراك‪ .‬فاستنتجوا أن ْ‬ ‫ماء‪ ،‬فرأوا ْ‬ ‫ت‬ ‫خر ميتاً من العطش والتعب‪ .‬حزنت الحيوانات حزناً شديداً عىل هذا‬ ‫للوصول إىل المياه‪ ،‬وما‪ ‬أن وصل إليها ح� ّ‬ ‫ين‬ ‫المسك�‪.‬‬ ‫الغي َلم‬ ‫ْ‬ ‫وفجأة‪ ،‬سمعت الحيوانات المرتحلة صوتاً عميقاً ينبعث من سحابة البخار‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫أساس من العالم الذي نعيش فيه‪ .‬فالكائنات البحرية والنباتات‬ ‫المياه جزء‬ ‫ي‬ ‫تحتاج إىل المياه للبقاء‪ ،‬أ‬ ‫والرض تحتاج إىل المياه إلنتاج المحاصيل‪ ،‬والناس تحتاج‬ ‫آ‬ ‫تهدد حياة ش‬ ‫إىل المياه النظيفة والصحية ش‬ ‫الب�‬ ‫لل�ب والنظافة‪ .‬والمياه يغ� المنة ِّ‬ ‫ال�ية والبحرية إن لم‪ ‬تتم معالجتها‪ .‬هل تعلم أن المياه العادمة‬ ‫كما‪ ‬تهدد الحيوانات ب‬ ‫ِّ‬ ‫يمكن تنقيتها واستخدامها كمياه ش�ب نظيفة وصحية؟‬

‫‪39‬‬




‫ش‬ ‫لن‪ ‬ت�بوا من هذه المياه!"‬ ‫"قفوا مكانكم‪.‬‬ ‫فاق�بوا خطو ًة إىل أ‬ ‫تساءلت الحيوانات‪ :‬من هذا الذي يتكلم؟ ت‬ ‫المام‪.‬‬ ‫"قلت قفوا مكانكم!"‬ ‫ش‬ ‫العط� ونفضت‬ ‫ثم سمعوا طنيناً عالياً مزعجاً عرفوا منه من المتك ِّلم‪ .‬إنها البعوضة‪ .‬توترت الحيوانات‬ ‫آذانها لت ُه ّش البعوضة عنها‪.‬‬ ‫تجارس وحيد القرن أ‬ ‫البيض الشمال ت‬ ‫واق�ب نحو الماء‪ ،‬وقال‪" :‬آنسة بعوضة‪ ،‬جميعنا ش‬ ‫عط� ومنهكون‪،‬‬ ‫ي‬ ‫كث�اً علينا فدعينا نرتشف رشفة واحدة؟"‬ ‫أرجوك اسمحي لنا أن نشاركك بعض الماء‪ .‬وإن كان هذا ي‬ ‫ِ‬ ‫تجاهلت البعوضة وحيد القرن ولم‪ ‬تر ّد عليه‪.‬‬ ‫ين‬ ‫لم‪ ‬ترفض� أن شأ�ب بعض الماء؟ هل أل نن� أبيض ش‬ ‫الب�ة؟"‬ ‫فسألها وحيد القرن مجدداً "آنسة بعوضة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫"نعم‪ ،‬هو ذاك"‪ ،‬قالت البعوضة‪.‬‬ ‫المكت� وأجهش بالبكاء‪" .‬لم يتبق منا نحن ساللة وحيد القرن أ‬ ‫نز‬ ‫الشمال‬ ‫البيض‬ ‫أرخى وحيد القرن ع ُنقَه‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫كركدن آخر"‪.‬‬ ‫إال‪ ‬قالئل‪ .‬ولن‪ ‬أطيق انقراض‬ ‫ّ‬ ‫بثقة ت‬ ‫اق�ب طائر ش‬ ‫الب�وش من البعوضة مزهواً بريشه الوردي‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫‪42‬‬


‫ئ‬ ‫"يمنع عىل أي شب�وش ت‬ ‫االق�اب ش‬ ‫ما�!"‪ ،‬قالت البعوضة‪.‬‬ ‫وال�ب من ي‬ ‫كان طائر اللقلق أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الزرق يقف بجوار ش‬ ‫الطويلت�‪ ،‬فلما رأى ما‪ ‬حدث تنصل من‬ ‫المثلت�‬ ‫الب�وش بساقيه‬ ‫صحبته وتراجع عنه برزخاً‪.‬‬ ‫ال�ء بالنسبة لك أيها اللقلق أ‬ ‫ش‬ ‫الزرق!"‬ ‫الحظت البعوضة ذلك فقالت "نفس ي‬ ‫فتقدمت الجاموسة وقالت "آنسة بعوضة‪ ،‬لم‪ ‬ال‪ ‬أستطيع أنا أن شأ�ب من الماء؟"‬ ‫أ‬ ‫"لنك فتاة!"‬ ‫"هذا ليس عدالً‪ ،‬هذا ظلم!"‪ ،‬ناحت الجاموسة‪.‬‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫أر�‪.‬‬ ‫اله ّلوف عىل ِّ‬ ‫كرسيه المتحرك‪ .‬وكانت ساقاه قد تعرضتا للب� من ّ‬ ‫وجاء ِ‬ ‫جراء انفجار لغم ي‬ ‫ال�ي ت‬ ‫ح� قبل أن ينبس ببنت شفة‪.‬‬ ‫اله ّلوف ب‬ ‫"ويمنع عىل قارصي الحركة أيضاً"‪ ،‬استبقت البعوضة ِ‬ ‫"ولكن‪"... ‬‬ ‫"صه‪"!... ‬‬ ‫ٍ‬

‫‪43‬‬


‫ف‬ ‫الجمع كان أسدان التف ذيل‬ ‫و� ْ‬ ‫ي‬ ‫أحدهما بذيل آ‬ ‫الخر‪ ،‬فتقدما سوياً‪.‬‬ ‫قالت البعوضة "أغربا عن وجهي‪ .‬ليس‬ ‫لكما ماء عندي!"‬ ‫أ‬ ‫تمشط فراءها‬ ‫تقدمت الغزالة الم ّ‬ ‫ّ‬ ‫المسدل عىل ظهرها لتبدو ث‬ ‫أك� غنجاً ودالالً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ين‬ ‫ما‪ ‬تحاول� فعله‪،‬‬ ‫قالت البعوضة "ال أفهم‬ ‫ين‬ ‫ما‪ ‬تفعل� لن‪ ‬يجديك نفعاً‪.‬‬ ‫ولكن أياً كان‬ ‫ن‬ ‫خرجت من‬ ‫م� عىل ماء وإن‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫لن‪ ‬تحصل ي‬ ‫جلدك!"‬

‫القصاء‪.‬‬ ‫طفح الكيل بالحيوانات من هذا إ‬ ‫القصاء ف ي� عالمنا‪.‬‬ ‫يجب أال‪ ‬نتسامح مع مثل هذا إ‬ ‫يجب أال‪ ‬يكون هناك ي ز‬ ‫تمي� ضد أحد بسبب أصله‬ ‫يز‬ ‫ش‬ ‫المنت�ة؟‬ ‫التمي�‬ ‫أو‪ ‬جنسه أو‪ ‬شكله‪ .‬فما هي أنواع‬ ‫النسان للجميع؟ وكيف لنا‬ ‫وكيف لنا أن نحمي حقوق إ‬ ‫أن نضع حداً لعدم المساواة؟‬

‫السود إىل أ‬ ‫ببطء تقدم الفهد أ‬ ‫المام‬ ‫ٍ ّ‬ ‫منهكاً من عناء السفر بحثاً عن الماء‪ .‬فرأته‬ ‫البعوضة ت‬ ‫يق�ب فقالت "أنت أصال ً غريب عن‬ ‫هذه الديار‪ .‬أنت من أ‬ ‫المازون! ما‪ ‬الذي تأ�‬ ‫بك؟ لم‪ ‬تطرق الباب‪ ،‬امض من هنا هيا!"‪.‬‬ ‫تف�اجع الفهد أ‬ ‫السود يستظل الشجر حزيناً‬ ‫ليلتقط أنفاسه َل َهثاً‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫الثناء‪ ،‬عاد ذو أ‬ ‫ف� هذه أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن� من رحلة البحث عن الطعام وشاهد ما‪ ‬يحدث‪ .‬فاستشاط غضباً‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫بما‪ � ‬ذلك أنت أيتها‬ ‫ّلوح ذو ال ي‬ ‫ذن� بخرطومه وقال لكل الحيوانات بصوت غليظ "لن ي�ب ٌ‬ ‫أحد من ي‬ ‫ما�! ي‬ ‫البعوضة"‪.‬‬ ‫ح� صارت وجهاً لوجه أمام ذي أ‬ ‫ضحكت البعوضة ضحكةً تر ّدد طنينها ف� أرجاء المكان‪ ،‬وح ّلقت ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن�‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ذن� تهديدها‪.‬‬ ‫غي َلم المقلوب عىل ظهره وقدماه معلقتان ي� الهواء‪ ،‬ففهم ذو ال ي‬ ‫نظرت بطرف عينها إىل ْ‬ ‫ال ن آ‬ ‫أ‬ ‫نصوت عىل ذلك"‪ ،‬والتفت إىل‬ ‫أدرك ذو ي‬ ‫ذن� الن أن حجمه ي‬ ‫الكب� ليس فضالً‪ ،‬فقال "علينا أن ّ‬ ‫آ‬ ‫الخرين من حوله طالباً موافقتهم‪.‬‬ ‫بن�ة آمرة‪.‬‬ ‫"عن أي تصويت تتحدث‪ ،‬فقدت الصواب؟ لن‪ ‬يكون هناك أي تصويت!" ط ّنت البعوضة ب‬ ‫بدون الخنازير الثالثة المس ّنة‪ ،‬تضاءل حجم مجموعة المس ّن ي ن� إىل خمسة من أصل ثمانية‪ .‬كان جميع‬ ‫المس ّن ي ن� يقودون دراجاتهم الكهربائية عىل طرق وعرة للوصول إىل غدير الماء الوحيدة المتبقية‪ ،‬باستثناء ب يأ�‬ ‫أما‪ ‬خ�رانة أ‬ ‫العالء‪ ... ‬هذا المرفّه الذي كان يط� ف� الدرجة أ‬ ‫يز‬ ‫الوىل عىل ت ن‬ ‫ال يم�ة فكانت ش‬ ‫تخ�‬ ‫م� صندوقه الطائر‪.‬‬ ‫ي ي‬ ‫آ‬ ‫عىل طاقم أسنانها المستعار من الوقوع‪ .‬فضغطت عىل المكابح وقالت "لن أقود عىل هذه الطرق الوعرة بعد الن!"‬ ‫والدالء بالرأي مهم؟ أن يكون لك رأي‬ ‫هل تعتقد أن التصويت إ‬ ‫ف ي� كيفية إدارة حياتك هو أمر مهم بكل تأكيد‪ .‬ولذلك ترتبط الديمقراطية‬ ‫التعب� ت‬ ‫بالسالم ت‬ ‫ح� اختيار‬ ‫النسان‪ ،‬بدءاً من حرية‬ ‫واح�ام حقوق إ‬ ‫ي‬ ‫أسلوب الحكم ف ي� بلدك‪ .‬كلها جوانب مهمة لتحقيق السالم والعدل‪ .‬فكل‬ ‫من لديه الفرصة للتصويت ينبغي أن يأخذ هذه العملية عىل محمل الجد‬ ‫كب�‪.‬‬ ‫وبحس المسؤولية‪ ،‬فلصوتك أثر ي‬

‫‪45‬‬


‫والنسيم يداعب تحت أذنيه‬ ‫وافق الجميع باستثناء الفيل خرطوم‪ ،‬الذي كان يستمتع بانطالقة دراجته‬ ‫ُ‬ ‫آ‬ ‫ين‬ ‫وصف‬ ‫المتعرقت�‪ .‬ولكن للحفاظ عىل السالم واالنسجام داخل المجموعة‪ ،‬نزل خرطوم عند رغبة الخرين ّ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫يعا� من ضيق التنفس دوماً‪ ،‬فقد قفز من‬ ‫دراجته الكهربائية بجوار الدراجات الخرى‪ .‬أما‪ ‬أبو العالء‪ ،‬الذي كان ي‬ ‫عىل صندوقه يحمل عىل ظهره أسطوانة أ‬ ‫ين‬ ‫وكسج� الخاصة به وجلس متكئاً عىل خرطوم الفيل خرطوم‪ .‬قطع‬ ‫ال‬ ‫س�اً عىل الطريق ت‬ ‫ال�ابية‪ ،‬والحر يلفح أجسادهم‪.‬‬ ‫الجميع المسافة المتبقية ي‬ ‫ك ّلما تقدموا ف� الس�‪ ،‬علت أ‬ ‫أك� وضوحاً إىل أن ت‬ ‫الصوات وأصبحت ث‬ ‫اق�بوا بما‪ ‬يكفي لسماع الحوار‬ ‫ّ ي ي‬ ‫لتقص الوضع‪ ،‬ي ن‬ ‫متكئ� عىل ركبهم الصناعية البالستيكية‪.‬‬ ‫الدائر‪ .‬اختبأوا خلف‬ ‫ي‬ ‫الشج�ات الجافة الجرداء ّ ي‬ ‫كب� من الحيوانات يحيط بغدير ماء‪ ،‬بينهم حيوانات غريبة عن المنطقة‪ ،‬وبدا‬ ‫فأصابهم الذهول مما‪ ‬رأوا‪ :‬عدد ي‬ ‫ف‬ ‫الجمع‪ .‬لم‪ ‬يذكر الفيل خرطوم أي بعوض ذي سلطة عىل أيامه‪ .‬حك صلعته بخرطومه‬ ‫كأن بعوضة تتحكّم ي� ْ‬ ‫اليام‪ ،‬كان دائماً هو من يث� المشاكل‪ .‬كان هو من يصول ويجول ويأمر الحيوانات أ‬ ‫محاوال التذكر‪ .‬ف� تلك أ‬ ‫الخرى‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫تغ� الحال وأصبح بيد بعوضة‪ ،‬ال‪ ‬وزن لها‪ ،‬المر‬ ‫أن شت�ب من غدير آخر عند اختفاء المطار‪ ،‬أما‪ ‬الن فقد ي‬ ‫ال�ية الواقفة عند غدير الماء قد جفّت عروقها من العطش وأصبحت‬ ‫والنهي والحل والعقد‪ .‬كانت الحيوانات ب‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ترصف‪ ،‬افعل شيئاً!"‬ ‫حياتها مهددة‪ .‬فنخز أبو العالء الفيل خرطوم ي� جانبه وقال "أنت أضخم من ي� الجمع! َّ‬ ‫أ‬ ‫وعدل من وقفته‪.‬‬ ‫تقدم خرطوم إىل المام وقال "كفى!" قالها ثم أصابه دوار مفاجئ‪ ،‬فتوقف قليال ً َّ‬ ‫ّ‬ ‫التفت البعوضة والحيوانات أ‬ ‫الخرى ناحية مصدر الصوت‪.‬‬ ‫"شخص مرموق طالب ذات مرة بأن يحصل الجميع عىل حقوق متساوية وأال‪ ‬يحصل أي أحد عىل مزايا‬ ‫خاصة"‪ .‬ف� الحقيقة‪ ،‬لم‪ ‬يكن لخرطوم ن‬ ‫ال‪ ‬يغ� من الحقيقة شيئاً‬ ‫أد� فكرة عن صاحب هذه المقولة‪ ،‬ولكن ذلك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عىل أي حال‪ .‬ش‬ ‫"فلت�ب كل الحيوانات!"‬

‫‪46‬‬


‫ال�ية رؤوسها‬ ‫رفعت الحيوانات‬ ‫الصغ�ة ب‬ ‫ي‬ ‫مفعمة أ‬ ‫بالمل‪ .‬استشاطت البعوضة غضباً بعدما شعرت‬ ‫َ​َ‬ ‫والهانة من جرأة الفيل خرطوم الذي تطاول‬ ‫بالتحدي إ‬ ‫وع� عما يخامر ذهنه بحريّة‪ ،‬فانطلقت نحوه وغرست‬ ‫بّ‬ ‫ف‬ ‫أنفها الطويل الملوث بجرثومة المالريا ي� منتصف جبهته‬ ‫العريضة‪ .‬فظهر أثر اللدغة عىل الفور ث‬ ‫كب�ة حمراء‬ ‫متورمة‪ .‬تراجع خرطوم ذو النابَ ي ْ ن� برسعة بجوار المس ّن ي ن�‬ ‫المرتعدين‪ .‬وبدأ مفعول اللدغة يظهر محدثاً حكة تحت‬ ‫جلده‪.‬‬ ‫استشاطت قانية غضباً‪ ،‬وصاحت "هذا جنون!"‪.‬‬ ‫خ�ير الشجر أ‬ ‫والتقطت قنينة نز‬ ‫الصغر الفارغة وبرسعة‬ ‫حاولت إحكام غطائها عىل البعوضة‪.‬‬

‫يرتحل عدد ت ز‬ ‫م�ايد من الناس من‬ ‫يفر من الحروب‪،‬‬ ‫مكان إىل آخر‪ .‬ي‬ ‫كث� منهم ّ‬ ‫ف� ي ن‬ ‫ح� يهاجر آخرون سعياً لحياة أفضل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وقد ثبت أن أغلب المهاجرين يسهمون �ف‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ينتقلون إليها اقتصادياً‪.‬‬ ‫تنمية البلدان ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تسهم‬ ‫إذ‪ ‬يأتون بمهاراتهم وتقاليدهم ي‬ ‫ف ي� إثراء الثقافات حول العالم‪.‬‬ ‫وهذا موضوع مهم للغاية ألسباب‬ ‫عدة من بينها مناهضة التصورات الخاطئة‬ ‫عن أ‬ ‫الثر االقتصادي للهجرة‪.‬‬

‫رصخ نز‬ ‫خ�ير الشجر "هل أمسكتها؟"‬ ‫الج ّرة‪.‬‬ ‫قربّوا رؤوسهم لرؤية ما‪ ‬تحت ِ‬ ‫"ال‪ .‬لقد أفلتت!" صاح نز‬ ‫الخ�يران العجوز‬ ‫والغضبان‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫أفلتت البعوضة‪ .‬ومن قبلها أفلت الذئب ف ي� مدينة الخنازير‪ .‬ولكن تلك السحابة الغائمة فوق الماء‬ ‫تبددت‪ .‬وبدا الجو هادئاً ولم‪ ‬تظهر أي عالمات ّ‬ ‫فتقدمت جميع الحيوانات المرتحلة نحو الماء‬ ‫تدل عىل الخطر‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫لت�ب‪.‬‬ ‫البطول الذي كانوا يأملونه‪ ،‬ولكنهم احتفلوا بتمكّ نهم من الوصول إىل المياه عىل‬ ‫لم يكن ذلك بالنرص‬ ‫ي‬ ‫أي حال‪ .‬رقصوا وغ ّنوا مع العصفور الشادي‪ ،‬شفوا غليلهم من الماء‪ .‬ولكن فجأة‪ ،‬وبينما هم يحتفلون‪ ،‬سقط‬ ‫أ‬ ‫وي�‬ ‫يتلوى ئن ّ‬ ‫تيبست عضالته وشعر بالغثيان‪ ،‬وأخذ ّ‬ ‫الفيل خرطوم عىل الرض‪ .‬كان يتصبب عرقاً وجسده يرتجف‪ّ .‬‬ ‫ويرصخ من شدة أ‬ ‫اللم‪ .‬فتح ّلقت حوله جميع الحيوانات‪.‬‬ ‫بف�وس الزيكا!" صاحت الجاموسة‪.‬‬ ‫"إنه مصاب ي‬ ‫"ال! بل هي أعراض المالريا‪ .‬علينا أن نصب عليه الماء لتخفيف الحمى ثم نرسل إىل طبيب أ‬ ‫الحراج"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫"وهل هناك طبيب أ‬ ‫للحراج؟" سأل أبو العالء‪.‬‬ ‫"تقصد المتطبب بالشعوذة"‪ ،‬فقالت الزرافة‪" ،‬ذلك الذي يداوي بالشطحات"‪.‬‬ ‫هرولوا جميعاً نحو غدير الماء لجمع أك� ما‪ ‬يمكن جمعه من مياه لخرطوم‪ .‬سحب ذو أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن� قدر‬ ‫ب‬ ‫آ‬ ‫ما‪ ‬أمكنه من المياه وخزنه ف� خرطومه‪ ،‬أ‬ ‫ف‬ ‫وملت قانية جرة نز‬ ‫خ�ير الشجر بالماء‪ .‬وحمل الخرون الماء ي� أيديهم‪،‬‬ ‫ّ ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ب� حوافرهم‪ .‬وفشلت الزرافة فشال ً ذريعاً � كل محاوالتها لالحتفاظ بالماء ي ن‬ ‫فسال معظمه من ي ن‬ ‫ب� حوافرها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫يرشونه بما‪ ‬جمعوه من مياه‪ ،‬ولكن‪ ... ‬استسلم البطل خرطوم وارتفعت روحه إىل‬ ‫توجهوا نحو الفيل خرطوم ُّ‬ ‫ّ‬ ‫السماء‪ .‬فارق الحياة بعدما خ ّلصهم من البعوضة وأصابته آفتها‪.‬‬

‫‪48‬‬


49


‫"ال‪ ،‬مهالً!"‬

‫ناداه أصحابه‪ .‬ولكنهم كانوا يعرفون أن الوقت قد فات‪.‬‬

‫أ‬ ‫ق‬ ‫تقص‬ ‫الس�! سأركب‬ ‫ركّز أبو العالء انتباهه عىل كبار السن‪ ،‬وقال "علينا أن نواصل ي‬ ‫صندو� الطائر ل َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الس� ت‬ ‫ح� محطتكم التالية‪ :‬المدينة الحمراء"‪.‬‬ ‫ما‪ ‬يحدث بالعىل‪ .‬وأنتم واصلوا ي‬ ‫ت‬ ‫اع�ضت قانية قائلةً ‪" :‬ال! لقد اختطف الذئب ش‬ ‫ال�ير أصدقاءنا الثالثة المس ّن ي ن� ف ي� مدينة الخنازير‪ .‬وها‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫بلد�‪ .‬لقد حان الوقت لنعود‬ ‫هو الفيل خرطوم قد مات بعيداً عن أرضه‪ .‬أرفض أن‬ ‫يأخذ� الذئب بعيداً عن ي‬ ‫ي‬ ‫كب�"‪ .‬ورمقت أبا العالء بنظرة حادة وامتقع وجهها من الغضب‪.‬‬ ‫أدراجنا! فنحن نعرض أنفسنا لخطر ي‬ ‫ّ‬ ‫لم‪ ‬نتحل نحن بالشجاعة‬ ‫ر ّد أبو العالء بهدوء "كيف لنا أن نتوقع أن يتوقّف التاريخ عن تكرار نفسه إن‬ ‫أمر كان ينبغي أن‬ ‫تشجعت‬ ‫أنت من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكافية للخروج بروجنا العاجية المريحة؟ ِ‬ ‫وبدأت هذه الرحلة‪ ... ‬وهذا ٌ‬ ‫آ‬ ‫نفعله نحن منذ ي ن‬ ‫سن�‪ .‬ال‪ ‬يمكننا االستسالم الن‪ .‬لنتذكر من أجل من نقوم بذلك‪ .‬هل نحن معاً ف ي� ذلك؟"‬ ‫دراجاتهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصمت‪ ،‬عادوا إىل ّ‬

‫‪50‬‬




‫الفصل الرابع‬


‫��ف‬ ‫ي‬

‫الجدة‬ ‫أعماق الغابة‪ ،‬انتصب كوخ ّ‬ ‫الخش�‬ ‫أشجار‬ ‫الصغ�‪ ،‬تُحيط به‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫بي‬ ‫كث�اً من أشعة الشمس من‬ ‫باسقات تمنع ي‬ ‫ٌ‬ ‫التس ُّلل إليه‪ .‬وبخالف ذلك‪ ،‬كانت الغابة معتمةً باردةً‪.‬‬ ‫الجدة أرجوان ما‪ ‬كانت تعبأ بذلك‪ .‬فالغابة هي‬ ‫إال‪ ‬أن ّ‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫تق� معظم وقتها داخل‬ ‫كل ما‪ ‬تعرف ي� حياتها‪ .‬كانت ي‬ ‫الكوخ‪ ،‬وخاصةً آ‬ ‫الن بعد أن أصيبت بداء السكَّري من‬ ‫ن‬ ‫الثا�‪.‬‬ ‫النوع ي‬ ‫الجدة‬ ‫وعىل مسافة ليست بالبعيدة من ّ‬ ‫المحببة‪ ،‬ليىل‪،‬‬ ‫أرجوان‪ ،‬كانت تعيش حفيدتها الوحيدة‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ذات الرداء أ‬ ‫الحمر‪ .‬عاشت ليىل ذات الرداء الحمر‬ ‫وأمها‪ ،‬ياقوتة‪ ،‬ف� نفس هذا نز‬ ‫الم�ل طيلة حياتهما‪ ،‬وهو‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫نز‬ ‫تغ�ت‬ ‫الجدة أرجوان‪ .‬ولكن ي‬ ‫الذي كان ي� يوم ما‪ ‬م�ل ّ‬ ‫أ‬ ‫الشياء المحيطة نز‬ ‫كث�اً بمرور الزمن‪ .‬فقد ق ُِّسمت‬ ‫بالم�ل ي‬ ‫أرض المنطقة إىل ي ن‬ ‫قسم�‪ :‬الغابة الحمراء القديمة‬ ‫والبلدة الحمراء الحديثة‪ .‬ف ي� البلدة الحمراء‪ُ ،‬ق ِّطعت‬ ‫مبان عالية صنعت طرقاً‬ ‫أشجار الغابة وأقيمت مكانها ٍ‬ ‫أفعوانية ملتوية فوق بعضها وتحت بعضها وحول‬ ‫بعضها‪ ،‬مضاء ًة بخيط طويل من أعمدة الشوارع‪.‬‬ ‫وكانت ذات الرداء أ‬ ‫الحمر بنت مدينة عن حق‪.‬‬

‫‪54‬‬


55


‫الجدة أرجوان تعتمد عىل حفيدتها ذات‬ ‫كانت ّ‬ ‫الرداء أ‬ ‫الحمر ف ي� تنظيف شعرها وإحضار غذائها إىل‬ ‫صحيح لم‪ ‬يكن الطعام صحياً للغاية‬ ‫الغابة كل يوم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫كث�ة‪.‬‬ ‫ولكن ما‪ ‬باليد حيلة‪ ،‬فلم تكن هناك خيارات ي‬ ‫ف‬ ‫و� ٍكل يوم‪ ،‬عندما كانت ليىل ذات الرداء‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الحمر تهم ض ف‬ ‫جدتها بع� الغابة‬ ‫لتم� ي� رحلتها إىل كوخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫تكرر عليها نفس التعليمات‬ ‫المظلمة‪ ،‬كانت ياقوتة ِّ‬ ‫الحمر تحفظها آ‬ ‫ال� باتت ذات الرداء أ‬ ‫ت‬ ‫الن عن‬ ‫الصارمة ي‬ ‫ين‬ ‫تضع� قدمك‪ .‬ال‪ ‬تخرجي عن‬ ‫ظهر قلب‪" ،‬حاذري أين‬ ‫ث‬ ‫لتتحد� مع أي غريب"‪.‬‬ ‫المسار المعتاد وال‪ ‬تتوقفي‬ ‫ي‬ ‫باسمها‪.‬‬

‫"حا�ض يا ياقوتة"‪ .‬اعتادت ليىل أن تنادي أمها‬

‫لم يكن أبداً ف ي� الجوار أغراب‪ .‬بل كانت المخاطر‬ ‫تكمن دوماً تحت أ‬ ‫الرض بسبب ما‪ ‬تبقّى من ألغام غرستها‬ ‫الذئاب ت‬ ‫المف�سة منذ تف�ة طويلة عندما كانت ترتع ف ي�‬ ‫تهدد سكانها‪ .‬ومنذ أن ُح ّلت مشكلة الذئاب‪ ،‬أُزيل‬ ‫الغابة ّ‬ ‫معظم هذه أ‬ ‫اللغام‪ ،‬وإن لم‪ ‬يُ ث‬ ‫ع� عليها جميعاً‪ .‬ولعل‬ ‫ذلك هو السبب ف ي� اقتناء معظم سكان البلدة لفأر من‬ ‫نوع الجرذ المقدام كاشف أ‬ ‫اللغام‪ .‬فقد ُد ِّربت هذه‬

‫‪56‬‬

‫ف‬ ‫كث� من البلدان‬ ‫هل تعلم أن ي� ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و�‪ ‬كل‬ ‫ال‪ ‬تزال هناك ألغام مخبأة تحت الرض؟ ي‬ ‫يوم‪ ،‬يفقد أناس حياتهم عندما تطأ أقدامهم‬ ‫أ‬ ‫نصف‬ ‫بالخطأ ألغاماً أرضية‪ .‬وللسف‪ ،‬تقريباً ْ‬ ‫هؤالء الضحايا من أ‬ ‫الطفال‪ .‬وضعت تلك‬ ‫اللغام تحت أ‬ ‫أ‬ ‫الرض أثناء الحروب‪ .‬وقد اتفقت‬ ‫الن عىل أال‪ ‬تعود الستخدام أ‬ ‫البلدان آ‬ ‫اللغام‬ ‫الرضية‪ ،‬ولكن أ‬ ‫أ‬ ‫للسف سيستغرق التخلص من‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و�‪ ‬أفريقيا‪ ،‬تُستخدم‬ ‫جميع اللغام وقتاً طويالً‪ .‬ي‬ ‫بعض المنظمات نوعاً من ئ‬ ‫الف�ان وزنه خفيف‬ ‫بما‪ ‬يكفي ليتشمم مواقع أ‬ ‫اللغام دون أن يطلق‬ ‫مفجراتها‪.‬‬ ‫ِّ‬


57


‫كث�ين يقتنون هذا النوع من ئ‬ ‫ئ‬ ‫الف�ان الذي أثبت أنه‬ ‫الف�ان عىل اكتشاف هذه‬ ‫المتفجرات‪ ،‬وكانت ليىل من ضمن ي‬ ‫ّ‬ ‫ح� آ‬ ‫ث‬ ‫للس� ف� الغابة ت‬ ‫الن‪.‬‬ ‫أك� الوسائل أماناً وأضمنها ي ي‬ ‫ذات مساء‪ ،‬عندما كانت الجدة أرجوان تجلس ف� انتظار وصول ذات الرداء أ‬ ‫الحمر‪ ،‬فتحت صندوق‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ستمر عىل‬ ‫حلوى لتأكل بعضاً منها‪" .‬سآكل واحدة فقط" قالت لنفسها‪ .‬كانت ّ‬ ‫الجدة تعرف أن ذات الرداء الحمر ّ‬ ‫الجدة عما بداخل هذا الطرد‪ ،‬وأخذت تفكِّر وتفكِّر‬ ‫مهم‪ ،‬وأنها ستتأخر قليالً‪ .‬تساءلت ّ‬ ‫مكتب ب‬ ‫ال�يد الستالم ٍ‬ ‫طرد ّ‬ ‫وتأكُل وتأكُل ت‬ ‫ح� أتت عىل صندوق الحلوى بأكمله‪ .‬ثم بدأت تفكِّر ف ي� الطعام الذي ستح�ض ه إليها ذات الرداء‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫الجدة بالجوع إىل شعور‬ ‫تبدل شعور ّ‬ ‫مر الوقت ولم‪ ‬تقرع ليىل الباب‪ّ ،‬‬ ‫الحمر‪ ،‬فشعرت بالجوع أك�‪ .‬ولكن عندما ّ‬ ‫بالقلق‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫رن جرس الهاتف‪.‬‬ ‫لحم ن ي�ء عندما ّ‬ ‫ي� الناحية الخرى‪ ،‬كانت ياقوتة تضع بقايا اللحم المطهو ي� ِقدر بها ٌ‬ ‫كانت الجدة أرجوان هي المتصلة‪ ،‬سألتها عن سبب عدم إحضار ذات الرداء أ‬ ‫الحمر طعامها‪ .‬فزعت ياقوتة وسقط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫يدب ي� نفسها‬ ‫اليأس ّ‬ ‫الهاتف من يدها‪ ،‬وأخذت تجري ي� شوارع المدينة تسأل َكل من تقابله عن ابنتها‪ .‬بدأ ُ‬ ‫أ‬ ‫ج�انها‪.‬‬ ‫قرعة‬ ‫ملهوفة تقرعها عىل أبواب ي‬ ‫ٍ‬ ‫والمل يتضاءل مع كل ٍ‬ ‫الحمر وظل أ‬ ‫مر يومان عىل اختفاء ليىل ذات الرداء أ‬ ‫الثر الوحيد المتبقي لها هو تلك الملصقات المع ّلقة‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫يوم�‪ ،‬لم‪ ‬تستقبل ياقوتة من أتوا‬ ‫ي� كل أنحاء البلدة تحمل صورتها وتحت الصورة ك ُِتب "مفقودة"! ي� أول ي‬ ‫ئن‬ ‫للوقوف بجوارها ف� محنتها هذه ولم‪ ‬تغادر نز‬ ‫لتطم� عليها وتذكِّرها بلطف‬ ‫الجدة أرجوان بياقوتة‬ ‫م�لها‪ .‬اتصلت ّ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫أنها ال‪ ‬تزال بحاجة إىل بعض الطعام‪ .‬لم‪ ‬تكن ياقوتة تقوى عىل الذهاب إىل السوق ل�اء مستلزمات البقالة‪،‬‬ ‫بغ�ها هو‬ ‫الجدة أرجوان ال‪ ‬تستطيع أن تعتمد عىل نفسها‪ .‬كما‪ ‬كانت تعرف أن االهتمام ي‬ ‫ولكنها كانت تعلم أن ّ‬ ‫واحد منها‪ .‬كان نفس‬ ‫شارع ٍ‬ ‫أفضل إلهاء ّ‬ ‫عما هي فيه‪ ،‬فتحاملت عىل نفسها وسارت إىل أقرب متجر عىل بعد ٍ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫�ء يحتاجونه‪.‬‬ ‫المتجر الذي اعتادت ليىل ذات الرداء الحمر أن تبتاع منه البقالة‪ .‬متجر ي‬ ‫صغ�‪ ،‬ولكن به كل ي‬

‫‪58‬‬


‫طريق تنظر ف ي� الظالم بع� نافذة المتجر‬ ‫عابر‬ ‫وصلت ياقوتة إىل المتجر‪ ،‬ولكنها وجدته مغلقاً‪ .‬رآها ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫تعا� من‬ ‫المغلق‪ ،‬فاق�ب منها قائال ً "أُ ِغلق المتجر أمس بعد أن نفدت من أصحابه المؤن‪ .‬وكل المتاجر القريبة ي‬ ‫نفس المشكلة‪ .‬ستضطرين إىل الذهاب إىل البلدة المجاورة"‪.‬‬ ‫"ماذا؟ َلم؟"‬

‫‪59‬‬


‫ف أ‬ ‫ف‬ ‫عامرة مثل بلدتنا؟"‬ ‫"ال َ‬ ‫بلدة ٍ‬ ‫نقص ي� الغذية ي� ٍ‬ ‫أحد يعرف‪ .‬من كان يتوقع أن يحدث ٌ‬ ‫ين‬ ‫أخ�اً إىل أحد المتاجر بعد أن استق ّلت قطاراً‬ ‫وحافلت�‪ .‬كان هذا المتجر يحتوي عىل‬ ‫وصلت ياقوتة ي‬ ‫أك� مما‪ ‬اعتادت عليه‪ ،‬فأخذت تبحث ي ن‬ ‫ب� الممرات واستغرقت وقتاً أطول مما‪ ‬كانت ترغب‬ ‫تشكيلة من المنتجات ب‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫فيه‪ .‬أخذت ياقوتة تقرأ المكتوب عىل العالمات التجارية المختلفة تارةً‪ ،‬وتقارن ي ن‬ ‫ب� السعار تار ًة أخرى‪ .‬كان‬ ‫بند عىل قائمة ت‬ ‫كث�ة ومختلفة من البيض إن كان جميعه يبدو‬ ‫الجدة‪" .‬لماذا توجد أنواع ي‬ ‫مش�يات ّ‬ ‫البيض أول ٍ‬ ‫مثل بعضه؟"‪ ،‬تساءلت ياقوتة‪" .‬عبق المزارع"‪" ... ‬المزرعة المفتوحة" ‪" ...‬المرج الفسيح" ‪" ...‬البيض العضوي"‬ ‫‪ ...‬أنواع كث�ة من البيض وكل منها يدعي أنه أ‬ ‫ال ثك� صحية‪ .‬ت‬ ‫ين‬ ‫ح� أن ياقوتة رأت من ي ن‬ ‫ب� ما‪ ‬رأت بيضاً‬ ‫للنباتي�!‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ولكن هذا البيض لم‪ ‬يكن يبدو كالبيض مطلقاً‪ ،‬بل كعرجون موز‪ .‬اختارت ياقوتة البيض العضوي إىل أن نظرت‬ ‫إىل سعره‪ .‬فبدلته أ‬ ‫بالقل غالء بقليل وتجاهلت العالمة التجارية هذه المرة‪ .‬كانت ياقوتة دائماً ما‪ ‬تظن أن أعىل‬ ‫ّ‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫المنتجات سعراً هو أفضلها جودة‪ ،‬ولكنها اقتنعت الن أن أعىل المنتجات سعراً مجرد نصب ورسقة ي� وضح‬ ‫المش�يات وقررت أنه من أ‬ ‫ت‬ ‫الفضل أن ترسع‪ .‬فهي تعرف‬ ‫النهار‪ .‬ألقت ياقوتة نظرة عىل قائمتها الطويلة من‬ ‫ّ‬ ‫الجدة عندما يقرصها الجوع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫و� طريقها إىل كوخ الجدة‪ ،‬سارت ياقوتة خلف الجرذ المقدام صديق ذات الرداء أ‬ ‫ف‬ ‫الحمر‪ .‬وكل خطوة‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫أنفاسها؛ ومع ِكل توقُّف يبدأ الجرذ المقدام ف ي� قرض‬ ‫أو‪ ‬خطوت� كانت تتوقف وتضع عنها ما‪ ‬كانت تحمله لتلتق َط َ‬ ‫ين‬ ‫صديق� عند باب‬ ‫أسنانه بقوة وإن لم‪ ‬يكن ف ي� فمه طعام‪ .‬من‬ ‫الجدة أرجوان تقف مع‬ ‫مسافة بعيدة‪ ،‬رأت ياقوتة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الجدة أرجوان‬ ‫كوخها المامي‪" .‬تبدو أمي ي� صحة جيدة فارعة القوام" قالت لنفسها‪ .‬وعندما وصلت ياقوتة عند ّ‬ ‫وصديقيها‪ ،‬س ّلمت عليها وطبعت عىل وجنتها قبلة‪" .‬ما أنعم شب�تك يا أماه!" قالت متعجبة‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫ألول مرة ف� التاريخ يشهد العالم عدداً غ� متناسب من أ‬ ‫الشخاص الذين‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫كب�ة من الشخاص الذين يعانون‬ ‫يعانون من سوء التغذية من جانب‪ ،‬وأعداداً ي‬ ‫من السمنة والسمنة المفرطة من جانب آخر‪ .‬وهذا ما‪ ‬تطلق عليه منظمة الصحة‬ ‫العالمية العبء المزدوج الناجم عن سوء التغذية‪ .‬ففي عام‪ ،2015 ‬بلغ عدد أ‬ ‫الشخاص‬ ‫البالغ� الذين يعانون من السمنة ث‬ ‫ين‬ ‫أك� من ‪ 1.9‬مليار شخص حول العالم‪ .‬وبلغ عدد‬ ‫الذين يعانون من السمنة المفرطة ث‬ ‫أك� من ‪ 600‬مليون شخص‪ .‬فكيف وصلنا إىل تلك‬ ‫المرحلة؟ هل أ‬ ‫الغذية المص ّنعة دائماً سيئة؟ وهل يمكن لنا أن نثق ف ي� جميع البيانات‬ ‫الغذية؟ وكيف لنا أن نعرف أي أ‬ ‫المكتوبة عىل أ‬ ‫الغذية صحي ومغذٍّ فعالً؟‬

‫‪61‬‬


62


‫ت‬ ‫أن‬ ‫عزيز�"‪.‬‬ ‫ن� أحمي شب� ت ي� من الشمس يا‬ ‫ي‬ ‫"ذلك ل ي‬ ‫"وما أجمل قوامك!" قالت ياقوتة‪.‬‬ ‫أن‬ ‫ن� أمارس اليوغا يومياً"‪.‬‬ ‫"ذلك ل ي‬ ‫جداً يا أمي"‪.‬‬ ‫الح� ُة من ياقوتة‪ ،‬لم‪ ‬تع َه ْد َّأمها هكذا‪ .‬ثم قالت "تبدين قوية ّ‬ ‫تم َّلكت ي‬ ‫"ذلك أل ن ي� آكل جيداً"‪.‬‬ ‫"أنت لست أمي‪ ،‬أليس كذلك؟"‬ ‫جدتُك وهذان صديقاي‪ :‬الملكة ي ز‬ ‫خ�رانة وصديقي‬ ‫ه ّزت قانية رأسها وقالت "أنت لم‪ ‬تلق َْي ن ي� من قبل‪ .‬أنا ّ‬ ‫ين‬ ‫الحاجب�"‪.‬‬ ‫مقطب‬ ‫دخل الجميع إىل نز‬ ‫الجدة‪ ،‬ش‬ ‫ما‪ ‬مروا به من‬ ‫م�ل ّ‬ ‫و�حت قانية لياقوتة سبب رحلتهم ّ‬ ‫وقصت عليها ّكل ّ‬ ‫والشك ف ي� جهودنا‪ .‬لقد ك ّنا من الحماقة أنّا اعتقدنا أن الحياة ستكون تماماً‬ ‫أحداث‪" .‬بدأنا نشعر باالنهز ِام‬ ‫ِ‬ ‫كما‪ ‬عهدناها‪ .‬أول محطة توقفنا عندها‪ ،‬ليست ببعيدة من هنا‪ ،‬كانت مدينة الخنازير‪"... ‬‬ ‫ِ‬ ‫أومأت ياقوتة برأسها قائلةً "نعم‪ ،‬أعرف الخنازير الصغار الثالثة"‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫واصلت قانية "كنا نخطط إلنقاذ الخنازير الصغار قبل أن يأكلهم الذئب‪ ،‬ولكن بدال ً من ذلك أخذ الذئب‬ ‫تسمرت ياقوتة ف ي� مكانها واحتبست أنفاسها من الصدمة‪.‬‬ ‫أصدقاءنا الخنازير الثالثة ِ‬ ‫المس ّن ي ن�"‪ّ .‬‬ ‫"الن فهمت لماذا نحن آ‬ ‫حكت لها قانية عن محطتهم الثانية ف� ال�ية مسقط رأس خرطوم الفيل‪ .‬آ‬ ‫الن ف ي�‬ ‫ي ب‬ ‫ِ‬ ‫الجدة‬ ‫الجدات الضعيفات المريضات‪ .‬ولذلك أتينا إىل هنا لمساعدة ّ‬ ‫الغابة الحمراء‪ .‬فالذئب اعتاد عىل أن يأكل ّ‬ ‫ح� ت‬ ‫ت‬ ‫تس�جع قوتها وصحتها فال‪ ‬يستطيع الذئب أن يأكلها هي أيضاً"‪.‬‬ ‫ع�ات ي ن‬ ‫ضحكت ياقوتة وقالت "الذئب؟ نحن لم‪ ‬نواجه أي مشكالت مع الذئاب منذ ش‬ ‫السن�‪ ،‬منذ أن‬ ‫اللغام تحت أ‬ ‫زرعت أ‬ ‫الرض"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رفعت قانية حاجبها متعجبة "ألغام؟"‬ ‫"نعم‪ ،‬غُرست ف� أ‬ ‫الرض لطرد الذئاب"‪ ،‬قالت ياقوتة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الحمر آ‬ ‫الحاجب� "وأين ذات الرداء أ‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫وانح� رأسها وقالت‬ ‫الن؟" شعرت ياقوتة بثقل كتفيها‬ ‫سألها مقطب‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫اح� يديها عىل قلبها الذي يعترصه اللم "ليىل‪ ،‬ذات الرداء الحمر‪ ،‬مفقودة!"‬ ‫وهي تضع ر ي‬ ‫بعد لحظات‪ ،‬دق الباب أ‬ ‫المامي‪... ‬‬ ‫ّ‬

‫طق طق طق‬

‫ببطء انفتح الباب‬ ‫اختبأ الجميع خلف الباب‪ ،‬وتس ّلح كل منهم بما‪ ‬تيرس من أدوات المطبخ و ُعكّاز ّ‬ ‫الجدة‪ٍ .‬‬ ‫ت‬ ‫صغ�ين يطآن عتبة‬ ‫ال� كانت أقربهم إىل فتحة الباب‪ ،‬فإذا بها ترى حافرين ي‬ ‫مطلقاً رصيراً حاداً‪ .‬نظرت ياقوتة‪ ،‬ي‬ ‫الباب‪.‬‬

‫‪64‬‬


65


‫الزعاج‪ .‬أنا نز‬ ‫أيت أي نحل ف ي�‬ ‫"آسف عىل إ‬ ‫كنت ر ِ‬ ‫خ�ير الشجر‪ ،‬أعيش ليس ببعيد عن هنا‪ .‬كنت أتساءل إن ِ‬ ‫الجوار؟" قالها نز‬ ‫ورج ِج ّرته الفارغة‪.‬‬ ‫خ�ير الشجر ّ‬ ‫نز‬ ‫تس� ف ي� الغابة وحيداً؟" سألته ياقوتة‪.‬‬ ‫"خ�ير الشجر! لماذا ي‬ ‫أدرك آ‬ ‫عال‪.‬‬ ‫الخران أنهما ال‪ ‬يزاالن يحبسان أنفاسهما‪ ،‬فتن ّهدا‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫الص� حسب تعليمات ياقوتة بأال يعود إىل نز‬ ‫خ�ير الشجر إىل نز‬ ‫دلف نز‬ ‫م�له‬ ‫الم�ل وجعل ينتظر بفارغ ب‬ ‫خ�ير الشجر إىل نز‬ ‫للجدة أرجوان أوال ً وبعدها ستصطحب نز‬ ‫م�له‪ .‬بدأت‬ ‫لوحده‪ .‬كان عىل ياقوتة أن تطهو الطعام ّ‬ ‫ف‬ ‫ياقوتة تقل رقائق البطاطا ثم أسقطت السمك ف ي� الزيت‪ ،‬ش‬ ‫الجدة أرجوان ترى‬ ‫الدهن ي� كل مكان‪ .‬كانت ّ‬ ‫فانت� ُ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت ترقب ياقوتة وهي‬ ‫أن الوجبة‪ ،‬مهما كان نوعها‪ ،‬ال‪ ‬تكتمل إن لم‪ ‬تُضف المرقة عىل سطحها‪ .‬أما‪ ‬قانية‪ ،‬ي‬ ‫بالدهن‪ ،‬فرأت أن بإمكانها أن تساعدها عىل تع ّلم الطهي الصحي‪ .‬ولكنها فكّرت‬ ‫تح�ض ِّ تلك الوجبة‬ ‫المشبعة ُ‬ ‫ّ‬ ‫أيضاً فيما عانته ياقوتة بالسفر مسافات طويلة لحضار الطعام‪ ،‬لذا رأت أنه من أ‬ ‫الصوب أن تبدأ ف ي� زراعة‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫الذا� أوالً‪.‬‬ ‫الخ�ض وات ي� حديقة ّ‬ ‫الجدة أرجوان أمام باب الكوخ ح� تحقق االكتفاء ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫كانت الملكة ي ز‬ ‫ال� كان يفحصها بعناية‪ .‬اتخذا‬ ‫خ�رانة تقف بجوار مقطب‬ ‫الحاجب� ّ‬ ‫تحدق ي� خريطتهم ي‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫الن قرارهما‪ :‬محطتهم التالية ستكون بلدة ي ز‬ ‫يهمان باالنرصاف‪ ،‬قالت قانية‬ ‫صل‪ .‬وإذ‪ ‬هما ّ‬ ‫خ�رانة وموطنها ال ي‬ ‫ف‬ ‫الجدة أرجوان‪ .‬أراكما الحقاً يا‪ ‬صديقاي"‪.‬‬ ‫"سأبقى لمساعدة ياقوتة ي� رعاية ّ‬ ‫ملوحاً بخريطته ف� الهواء‪ .‬نظر إىل ي ز‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫خ�رانة وقال "بعد أن‬ ‫"تعرف� أين تجدينا" قال مقطب‬ ‫الحاجب�‪ِّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫الحاجب�‪ ،‬وشد معطفه أ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫كنا ثمانية‪ ،‬أمسينا ي ن‬ ‫الحمر عىل وجهه‬ ‫عزيز�"‪ .‬ابتسم مقطب‬ ‫اثن� فقط‪ :‬أنت وأنا فقط يا‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ن أ‬ ‫ف‬ ‫قبل أن يخرج مع الملكة ي ز‬ ‫الجدة أرجوان ف ئ‬ ‫الدا�‪.‬‬ ‫تارك� الخريات ي� كوخ ّ‬ ‫خ�رانة من الكوخ إىل الغابة الباردة‪ ،‬ي ْ‬

‫‪66‬‬


‫الجدة من طعامها لك يعود إىل نز‬ ‫كان نز‬ ‫م�له‪ .‬كان فقط‬ ‫الص� أن تنتهي ّ‬ ‫خ�ير الشجر ال‪ ‬يزال ينتظر بفارغ ب‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ولم‪ ‬ت�ك من‬ ‫الجدة التهمت الطبق بالكامل‬ ‫الجدة اللذيذة‪ .‬ولكن ّ‬ ‫يم� نفسه أن يحصل عىل ما‪ ‬تبقّى من وجبة ّ‬ ‫ِّ ي‬ ‫الجدة كانت تلك الطبقة الدهنية‬ ‫الوجبة قطعةً واحدةً‪ .‬الحقيقة أن الدليل الوحيد عىل الطعام الذي التهمته ّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫لقل كمية أخرى من‬ ‫ال� أحاطت بشفتيها من أثر ُ‬ ‫الدهن الكثيف‪ ،‬ولكن عىل القل تبقّى ما‪ ‬يكفي من الزيت ي‬ ‫ي‬ ‫البطاطا‪.‬‬ ‫الخ�يرين الصغ�ين آ‬ ‫ف� هذه أ‬ ‫يْ ن‬ ‫الخرين يجريان نحو نز‬ ‫خ�ير الشجر نز‬ ‫الثناء‪ ،‬سمع نز‬ ‫صائح�‪.‬‬ ‫الجدة‬ ‫م�ل ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫نز‬ ‫نز‬ ‫فتح نز‬ ‫الوحل يعدوان ي� الغابة ويحمالن ي� أيديهما قصاصةً من‬ ‫الحفَر وخ�ير ْ‬ ‫خ�ير الشجر الباب ورأى خ�ير ُ‬ ‫الورق‪.‬‬ ‫واضع� يديهما عىل ركبتيهما‪ .‬كان نز‬ ‫يْ ن‬ ‫الحفَر يحمل‬ ‫الصغ�ان إىل الكوخ يلهثان من فرط التعب‬ ‫وصل‬ ‫ي‬ ‫خ�ير ُ‬ ‫ف� يده الملصق الذي يعلن عن اختفاء ليىل ذات الرداء أ‬ ‫الحمر‪ .‬فأشار إىل الملصق وقال "لقد رأينا ذات الرداء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الحمر للتو! إنها ي� الجانب الخر من الغابة"‪.‬‬ ‫وهمت بالخروج‪.‬‬ ‫برسعة سحبت ياقوتة معطفها ّ‬ ‫تنس أن تأخذي معك الجرذ المقدام"‪.‬‬ ‫"انتظري"‪ ،‬قالت قانية "ال ِ‬ ‫"ألن ي ن‬ ‫تأت�؟"‬ ‫الثالثة"‪.‬‬

‫أنت مع الصغار‬ ‫"سأتوىل أنا رعاية ّ‬ ‫اذه� ِ‬ ‫الجدة‪ .‬كما‪ ‬أن لدي أعمال بستنة ينبغي أن أقوم بها هنا‪ .‬ب ي‬

‫‪67‬‬


‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫شعرت ياقوتة باالمتنان الشديد لقانية عىل بقائها معها لتساعدها‪ ،‬وإن لم‪ ‬تفهم مع� "البستنة" ي‬ ‫تحدثت عنها‪ .‬عىل كل‪ ،‬لم‪ ‬يكن لديها وقت لتسأل عن معناها‪ .‬مرسعةً انطلقت ياقوتةُ من الباب أ‬ ‫المامي‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫انطلقت ياقوتة من الغرفة ومعها الصغار الثالثة والجرذ المقدام‪ ،‬وصفعوا الباب خلفهم‪.‬‬

‫طاك!‬

‫‪68‬‬




‫الفصل الخامس‬


‫كا�ن‬

‫الخ�ران يعيش حياة هانئة مع زوجته ف� وسط حقول فسيحة من ي ز‬ ‫جامع ي ز‬ ‫الخ�ران‪ ،‬وبالرغم‬ ‫ي‬ ‫مما‪ ‬كانا ينعمان فيه من زينة المال ت‬ ‫وال�ف لم‪ ‬تغنهما عن الرغبة ف� ي ن‬ ‫إذ‪ ‬ح ِرما من‬ ‫البن�‪ُ ،‬‬ ‫ي‬ ‫و�‪ ‬يوم من أ‬ ‫ف‬ ‫اليام‪ ،‬كان المزارع ف ي� الحقل إذ‪ ‬لمح بريقاً يشع من غصن بان‪ .‬كلما‬ ‫إ‬ ‫النجاب‪ .‬ي‬ ‫ت‬ ‫ال�يق‪ .‬فتح الورق الملفوف ي ن‬ ‫ببنية‬ ‫اق�ب منه زاد ب‬ ‫لتب� مصدر الضوء‪ ،‬وحينها تف ّتح الضوء تف ُّتح الزهور فإذا ّ‬ ‫تجلس ف ي� وسط اللفافة‪.‬‬ ‫كان جامع ي ز‬ ‫الخ�ران قد سمع بصغرونة تولد ف ي� الزهور‪ ،‬ولكن لم‪ ‬يكن قد سمع قط أن أحداً ولد ف ي� غصن‬ ‫بان‪ .‬أخذ البنية ف ي� راحتيه ونظر إليها وقد أخذه سحرها‪ .‬أخذها معه وقدمها لزوجته‪ .‬اعتنيا بها وأحباها كما‪ ‬لو‬ ‫أ‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫ال يم�ة‪ .‬وأبقيا لفافة ورقة ي ز‬ ‫كانت ابنتهما وقد سمياها ي ز‬ ‫كث�اً‬ ‫الخ�ران الذي وجداها فيه تذكاراً لن السعادة ي‬ ‫ما‪ ‬تكمن ف� أصغر أ‬ ‫الشياء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أم�ة ما‪ ‬أحالها‪ ... ‬وباتت صلتها بأبيها أشد من صلتها بكل ي ز‬ ‫ترعرعت ي ز‬ ‫الخ�ران‬ ‫خ�رانة ال يم�ة وأضحت ي‬ ‫متالزم� طوال الوقت ال ت‬ ‫يف�قان‪ .‬وكان يكرسان الوقت كله للعناية بحقول ي ز‬ ‫ين‬ ‫الخ�ران‪ .‬أما‪ ‬أوقات‬ ‫المحيط بهما فكان‬ ‫للت�ه بدبها الباندا أ‬ ‫والتدرب عىل رياضة قتالية بالعص وكذلك المطالعة ي ن‬ ‫ح� تنأى‬ ‫الليف‬ ‫راحتها فكانت مسخرة نز ُ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬ ‫بنفسها ت‬ ‫ح� غدت ماهرة ف ي� كل ما‪ ‬تقوم به‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الخ�ران ت‬ ‫حصاد ي ز‬ ‫الم�فة‪ ،‬وأن‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإنها لم‪ ‬تعرف بمهاراتها هذه ي� القرية بقدر ما‪ ‬عرفت بأنها ابنة ّ‬ ‫من سيفوز بقلبها سينعم بعيشة هانئة‪.‬‬

‫‪72‬‬


73


‫ين‬ ‫مالي� النساء ف ي� العالم يحرمن من‬ ‫احتالل مناصب قيادية ف� الوسط ن‬ ‫المه�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ويتأثر مسار التخصص بالثقافة والدين والعرق‬ ‫ج� فتيات عىل‬ ‫والوسط المجتمعي‪ .‬وقد تُ ب َ‬ ‫ش‬ ‫أو‪ ‬العمل‪ ‬بما‪ ‬يتما� مع أنماط مجتمع‬ ‫الزواج‬ ‫ن‬ ‫وإن‪ ‬تس� للمرأة أن تف ّتق مواهبها‬ ‫ذكوري‪.‬‬ ‫ف‬ ‫كاملة‪ ،‬ل َت َس ن ّ�‪ ‬االرتقاء باالقتصاد ي� كنف المساواة‬ ‫بغض‪ ‬النظر عن الجنس‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫خ�رانة أ‬ ‫وح� بلغت ي ز‬ ‫ين‬ ‫ال يم�ة الخامسة‬ ‫حصاد ي ز‬ ‫ش‬ ‫الخ�ران إىل خمسة من أثرى‬ ‫ع�ة ارسل ّ‬ ‫أ‬ ‫المراء دعوات ليح�ض كل منهم حفل عشاء ف ي� ليال‬ ‫متتالية‪ .‬فكانت فرصة العمر لخطب و ّدها ونيل‬ ‫أ‬ ‫هم‪ .‬فلوالدها تعود الكلمة‬ ‫ضر� والدها‪ ‬وهذا هو ال ّ‬ ‫الخ�ة ف� نهاية أ‬ ‫أ‬ ‫المر‪.‬‬ ‫ي ي‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫كانت ي ز‬ ‫ال يم�ة تدرك وفقاً ُلعرف‬ ‫ف‬ ‫سن مبكرة ض‬ ‫فيق� هذا‬ ‫العائلة أنها قد تُ َز ّف ي� ّ‬ ‫ي‬ ‫عىل فرص تع ُّل ِمها‪ .‬وكلما تقدمت ف ي� العمر كلما‬ ‫ازداد خوفها من الوقوع ف ي� ش�اك هذه التقاليد‪.‬‬ ‫من ت‬ ‫المف�ض أن يكون الزواج مسألة اختيار‬ ‫للوقت ش‬ ‫صغ�ة! كانت‬ ‫ول�يك العمر‪ .‬هي ما‪ ‬زالت ي‬ ‫أ‬ ‫تص� عالمة‬ ‫تحلم بالسفار والدراسة‪ ،‬تحلم أن ي‬ ‫أو‪ ‬متخصصة ف ي� المعلوماتية‪ .‬هي تحب تطوير‬ ‫التطبيقات وتقضية وقت عىل الشبكات االجتماعية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫�ء حديث‬ ‫لكن أباها ي� المقابل‪ ،‬كان يخ� كل ي‬ ‫وال‪ ‬سيما ما‪ ‬يسميه "وسائل اتصال يغ� آمن" كالشبكة‬ ‫أو‪ ‬ال تن�نت‪ .‬لقد منع التلفزة والهواتف‬ ‫العنكبوتية إ‬ ‫الم�ل‪ ... ‬ت‬ ‫النقالة والحواسيب ف� نز‬ ‫ح� أن زوجته قالت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫بكث� مذ‬ ‫له يوماً أن الجوار باتوا أفضل حاال ً منهم ي‬ ‫أصبح لهم تلفزة وهواتف نقالة‪ .‬ف� نهاية أ‬ ‫المر كان‬ ‫ي‬

‫‪75‬‬


‫يز‬ ‫لخ�رانة الهاتف الذي تريد ولكن من يغ� نقود ُم َح َّم َلة عليه وال‪ ‬حزمة‬ ‫ال تن�نت العمومية ولم‪ ‬يكن ذلك‬ ‫تعول عىل شبكة إ‬ ‫بيانات كافية‪ .‬كانت ّ‬ ‫متي ّساً دائماً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫أم�‬ ‫الليال الخمس المزمعة للسهر‪ .‬جاء ي‬ ‫حل اليوم الول من ي‬ ‫الثلج عىل دراجة ذات مقعدين بيضاء والمقعد الخلفي فارغ‪ .‬ولكم‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫أم� الثلج عىل عكس ما‪ ‬توقعت ي ز‬ ‫ال يم�ة ش‬ ‫فب�ته‬ ‫تفاجأت إذ‪ ‬كان ي‬ ‫لم‪ ‬تكن ناصعة ش‬ ‫كب�ة جدته‪.‬‬ ‫أم� الثلج ي ز‬ ‫خ�رانة عن هواياتها‪،‬‬ ‫وعىل مائدة العشاء سأل ي‬ ‫فحدثته عن فضولها وتعطشها لمعرفة أصل الكون الذي جعلها تطمح‬ ‫ّ‬ ‫لدراسة ي ز‬ ‫الف�ياء وتكون عالمة‪ .‬وأطلعته أيضاً عن شغفها بالشيفرة‬ ‫وأخ�ها أن مكان المرأة هو المطبخ‬ ‫أم� الثلج ب‬ ‫والهندسة‪ .‬اندهش ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫تعت�‬ ‫وليس ي� مقاعد الدراسة‪ .‬هكذا تثبت المرأة محاسنها‪ .‬الجدر أن ي‬ ‫بزوجها‪.‬‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫ح� ت‬ ‫ال يم�ة محاولة تمالك أعصابها ف� ي ن‬ ‫تنفست ي ز‬ ‫اس�سل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫جد� بياض الثلج‬ ‫ي‬ ‫أم� الثلج ي� ش�ح تصوراته لدور المرأة وحدثها‪" :‬هي ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� هامت ي� الغابة إىل أن وجدت بيت القزام السبعة‪ ،‬فوجدت فيه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال�‪."... ‬‬ ‫المالذ الذي حفظها ي� مأمن من أ�ار ملكة الثلج ي‬ ‫"كانت ترغب ف� أن تصبح أ‬ ‫الجمل ف� المملكة‪ "... ‬أردفت ي ز‬ ‫خ�رانة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال يم�ة ف ي� ملل‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫أ‬ ‫ف‬ ‫سة‪ ،‬كانت هي من يخيط‬ ‫ي‬ ‫"ولك تمكُث ي� البيت كانت بياض الثلج هي من ينظف ويمسح‪ ،‬ويفرش ال ِ ّ‬ ‫أ‬ ‫ز‬ ‫خ�رانة ال يم�ة كانت تتفرج من النافذة وتقرع‬ ‫أم� الثلج أن ي‬ ‫ويطبخ‪ ،‬كانت هي مثال ً لكل النساء‪ - "... ‬لم‪ ‬يلحظ ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫جد�‪ ،‬فقد‬ ‫فإ� أرغب ي� أن أنجب سبعاً أسميهم بأسماء القزام السبع‪ ،‬تخليداً لذكرى ي‬ ‫الطاولة بأصابعها ‪ -‬ولذلك ي‬ ‫كانت معجبة بهم أيما إعجاب"‪.‬‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫ال يم�ة وانتصبت واقفة وأحكمت قبضتها عىل الطاولة ت‬ ‫اه�ت ي ز‬ ‫ابيضت كر ِاس ُعها‪.‬‬ ‫ح� ّ‬ ‫ت زّ‬ ‫كان أبوها يرقب الوضع عن كثب‪ .‬أحس أن اللقاء لم‪ ‬يكن عىل ما‪ ‬يُرام‪ .‬لذا‪ ،‬وقبل أن تحرج ابن ُته الضيف‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫ث‬ ‫أم� الثلج ي ز‬ ‫ال يم�ة عىل الوجبة وغادر عىل‬ ‫كمل َع َشاء واستودعه هللا‪ .‬شكر ي‬ ‫أك�‪ ،‬بادر إىل ي‬ ‫أم� الثلج ولم‪ ‬يُ ِّ‬ ‫ت‬ ‫كما‪ ‬أ�‪.‬‬ ‫نفس دراجته والمقعد الخلفي شاغر‬ ‫االم�اطور الذي كانت حكاياته عىل كل لسان‪.‬‬ ‫هل يمكن لليلة الثانية أن تكون أسوأ؟ فالن قادم‪ ،‬وهو ابن ب‬ ‫آ‬ ‫خمن أبو ي ز‬ ‫خ�رانة أن فالناً‬ ‫فهو عىل غرار جده ب‬ ‫االم�اطور‪ ،‬شغوف بتقليعات الموضة وطبقت شهرتُهما الفاق‪ّ .‬‬ ‫وابنته قد يتجاذبان أطراف الحديث حول الحرير المطبوع وآخر ما‪ ‬ظهر وندر‪ .‬كانت ي ز‬ ‫ظف�تها‬ ‫خ�رانة تكمل ترتيب ي‬ ‫بعون خادمتها ف� غرفتها ي ن‬ ‫ح� رن الجرس‪ ،‬تماماً ف ي� موعده‪.‬‬ ‫ي‬ ‫خ�رانة نحو الباب ت‬ ‫أرسعت ي ز‬ ‫ح� كادت تسبق ال ّنادل وكانت معاونتها تتعقب خطاها نافشة كل ما‪ ‬قد‬ ‫يتجعد من فستان السهرة‪ .‬تصور أبوها أن أجفانها أثقلها النعس لوهلة يغ� أنه رسعان ما‪ ‬أدرك أن كُحل العيون‬ ‫ّ‬ ‫فرط فيه‪ .‬فُتح الباب‪ ،‬فإذا بها تنتفض من هول ما‪ ‬رأت‪ ،‬حاولت التقاط أنفاسها‪ .‬كادت تختنق‪ .‬دخل‬ ‫ربّما كان قد أُ ِ‬ ‫فالن وراح يربت عىل كتفيها وكأنه يحاول أن يهدأ من روعها‪ ،‬لكن ذلك زاد أ‬ ‫المر سوءاً فابتعدت عنه‪ .‬فالن جال‬ ‫شكل؟"‬ ‫بنظره ولم‪ ‬يفهم شيئاً وقال متعجباً‪" :‬ما بالها؟ ألم يعجبها ي‬

‫‪77‬‬


‫الخ�ران ت‬ ‫يس�ق السمع مع زوجته‪ ،‬دون علم من ي ز‬ ‫حصاد ي ز‬ ‫خ�رانة من الطابق العلوي‪.‬‬ ‫وكالعادة‪ ،‬كان ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫عار تماماً!!"‪.‬‬ ‫وما‪ ‬هي إال‪ ‬لحظات ح� أدركا ي‬ ‫ما‪ � ‬المر‪ ،‬فشهقا‪" :‬إنه ٍ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫المش� عن نظر ابنته‪ .‬حاول‬ ‫ليحجب هذا المنظر‬ ‫أرسع الب إىل السفل والتقط ما‪ ‬سقطت عليه يداه ُ‬ ‫فالن ش‬ ‫تحا� الحجاب إال أن أباها ألح عليه الرتدائه إن كان مرصاً عىل البقاء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الكث� إال‪ ‬أن ي ز‬ ‫خ�رانة لم‪ ‬تستفق بعد من هول الصدمة‪ .‬كان‬ ‫مرت المقبالت وتلتها الطباق وما‪ ‬زال منها ي‬ ‫الول هو ما‪ ‬يرسخ ف� الذهن آ‬ ‫أبوها ينبهها دائماً ألن االنطباع أ‬ ‫والن باتت تدرك تماماً ن‬ ‫مع� ذلك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫دخول فالن ف� حلة آدم هو قطعاً ث‬ ‫أك� ي ّ ز‬ ‫ما‪ ‬م� هذه الليلة‪ .‬ثم إن قناعته بمالءمة مظهره ذاك كان جلياً‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫لخ�رانة بما‪ ‬ال‪ ‬يجعل مجاال ً للشك‪ .‬ي ن‬ ‫يز‬ ‫ال� يحب‬ ‫وح� سألته عن كتبها المفضلة ارتبك‪ ،‬فسألته عن الفالم ي‬ ‫يتم� زيارته‪ ،‬ارتبك‪ ،‬ثم ارتبك مجدداً ورص كتفيه ت‬ ‫أو‪ ‬ح� ما‪ ‬البلد الذي ن‬ ‫ت‬ ‫ح� أنه‬ ‫مشاهدتها أو‪ ‬ميوله الموسيقية‬ ‫انرصف تاركاً ما‪ ‬غ ّطاه به أبوها فإذا بها ترصف نظرها وإن كانت قد رأت ما‪ ‬رأت‪ .‬ي ن‬ ‫وح� سألها إن كان سيقابلها مرة‬ ‫رصت كتفيها كما‪ ‬فعل‪.‬‬ ‫أخرى ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أم�اً‪ .‬كانت رقبته مرتخية‬ ‫ها هي ي� سهرتها الثالثة وضيف الليلة هو الضفدع ال يم� وإن لم‪ ‬يكن يبدو ي‬ ‫تم� ِّهلة وقد شابت الذوائب منه وأضاءت صلعته الليلة‪ .‬الضفدع المرافق له لم‪ ‬يكن أفضل ت‬ ‫ح� أن هر ي ز‬ ‫خ�رانة‬ ‫ّ‬ ‫لم‪ ‬يخف امتعاضه‪ .‬ن ّط القط ذو الحذاء عىل الطاولة ض‬ ‫وم� يموء نحو الضفدع ت‬ ‫الم�بع عىل كتف‬ ‫صاحب الحذاء‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الثا� ف ي� حياتك‪ ،‬اعلمي أنه‬ ‫ال يم� فإذا بال يم� يرصف القط بخشونة‪" :‬أكره القطط‪ ،‬أعرف أن هذا القطط هو ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫تزوجت�"‪.‬‬ ‫خ� إن‬ ‫سيكون ال ي‬ ‫ي‬ ‫خ�رانة أنها أبلغته بأن قطها أ‬ ‫ال تذكر ي ز‬ ‫الول قد لفظ روحه السابعة‪ ،‬فهي لم‪ ‬تتحدث ف ي� ذلك إال‪ ‬عىل‬ ‫الشبكات االجتماعية ف ي� صفحة ال‪ ‬يطلع عليها إال‪ ‬من كان من أصدقائها الذين تقبل بهم‪ .‬فكيف استعرض‬

‫‪78‬‬


‫وتحرش بها‪.‬‬ ‫صفحتها؟ كانت عىل ثقة بأنه قد قرصن حسابها ّ‬ ‫ت‬ ‫وصف‬ ‫صف من البيت ُ ِ‬ ‫ما‪ ‬لبث أن فرغ من طبقه ح� ُ ِ‬ ‫عنه النظر‪.‬‬ ‫باتت ي ز‬ ‫خ�رانة عقب السهرة تكفكف‬ ‫دموعها بسبب حظها العاثر‪ .‬فقد فاض‬ ‫بها الكيل‪" :‬لن أطيق تحمل خمس أيام‬ ‫متتابعة لتسلية ‪ -‬أمراء الزمان ‪ -‬فكيف يل‬ ‫أن أتحمل العيش مع واحد منهم؟"‪.‬‬ ‫ف‬ ‫التال كان‬ ‫ي� صبيحة اليوم ي‬ ‫يز‬ ‫لخ�رانة شؤون تقضيها ف ي� البلدة‪.‬‬ ‫استغلت الفرصة للتطفل عىل شبكات‬ ‫ال تن�نت المتاحة ذلك أن سهرتها‬ ‫بث إ‬ ‫أ‬ ‫السابقة مع الضفدع ال يم� جعلتها تفكر‬ ‫ف� االستطالع عن شأن أ‬ ‫الموال الذي‬ ‫ال يم�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫سيلتحق بالركب ليلتها‪ .‬ولكنها لن‪ ‬تسطو عىل‬ ‫حسابه كما فعل آخرون! فهي ستكتفي باالطالع‬ ‫عىل ما‪ ‬هو ف ي� الشأن العام من صفحاته‪ ،‬وهي إىل‬ ‫ذلك ستتوخى الحذر ي ن‬ ‫ح� تتجاذب أطراف الحديث‬ ‫معه‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫خ�رانة تبحث عن أ‬ ‫ف� المقهى المفضل ِلق ٍّط‪ ،‬راحت ي ز‬ ‫ال يم� الحالم عىل شبكات التواصل االجتماعي‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫ان�حت إذ‪ ‬تبينت أن صوره معروضة للمل‪ .‬استعرضت الصور الواحدة بعد الخرى وأعجبت بما‪ ‬رأت‪ :‬يبدو‬ ‫وسيماً‪ ،‬يحب أرسته‪ ،‬وكان يتطوع ف ي� مرفق لمساعدة القطط‪ .‬إنه الشخص المناسب‪ ،‬ال‪ ‬شك ف ي� ذلك‪... ‬‬ ‫والخرى كان أ‬ ‫ب� المضغة أ‬ ‫حل الليل وحل معه أ‬ ‫ال يم� الحالم‪ .‬ي ن‬ ‫ال يم� يروي الحكايات عن أرسته بالتفصيل‬ ‫ال� شاهدتها ك َّلها عىل صفحة حسابه‪ .‬وكانت الحكاية تحيل إىل أخرى ت‬ ‫ت‬ ‫ح� كاد الليل‬ ‫الممل ويرفق ذلك بالصور ي‬ ‫ض‬ ‫يمر‪ .‬أصبح صوتها يخفت شيئاً فشيئاً وباتت تتلذذ المثلجات‪ :‬أنت حلوة‪ .‬ال‪ ‬بد أن‬ ‫ينق� دون أن ّ‬ ‫تحس بالوقت ّ‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الطباخ� عىل براعتهم‪.‬‬ ‫تشكر‬

‫أن يستوىل عىل المعلومات الخاصة بك أو‪ ‬يُقتحم‬ ‫أمر مزعج وفيه تَ َع ٍّد‪ .‬الحق ف ي� حماية‬ ‫حسابك دون ٍ‬ ‫إذن ٌ‬ ‫ف‬ ‫النسان‪.‬‬ ‫قمن حق من حقوق إ‬ ‫المر َ‬ ‫الخصوصية ي� عالم اليوم َ‬ ‫فال تن�نت وشبكات التواصل االجتماعي أدخلت ثورة عىل‬ ‫إ‬ ‫االتصاالت‪ ،‬ولكنها إن لم‪ ‬تستخدم برصانة قد تمس بحق الناس‬ ‫التعب�‪.‬‬ ‫ف ي� الخصوصية وحرية‬ ‫ي‬

‫‪80‬‬


81


82


‫"هذا أنا‪ ،‬دون أن أطيل عليك‪ ،... ‬فماذا عنك؟ يا خز؟" قال أ‬ ‫ال يم� الحالم‪.‬‬ ‫ِ ّ‬ ‫خ�ران هائمة ف� عالم آخر‪ ،‬لم‪ ‬تدرك فوراً أن أ‬ ‫كانت ي ز‬ ‫ال يم� كان يطرح سؤاال ً عليها‪ .‬ال‪ ،‬بل وكان يداعبها‬ ‫ي‬ ‫إذ‪ ‬سماها بذاك االسم الغريب‪ .‬كانت ستبدأ الحديث لو لم‪ ‬يقاطعها ف� ي ن‬ ‫الح�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫"يا ويل! حان وقت النعاس‪ ،‬كيف أكون أ‬ ‫ين‬ ‫ال يم� الحالم لو لم‪ ‬أنم ف ي� موعدي‪.‬‬ ‫أم� ت ي�‬ ‫خ� ي‬ ‫تصبح� عىل ي‬ ‫ي‬ ‫النائمة"!‬ ‫سا� الخيبة‪ .‬وكان أبوها يحاول أن يهون عليها أ‬ ‫ق‬ ‫دقت الساعة الرابعة ي ن‬ ‫المر‬ ‫ّ‬ ‫ح� كانت تأوي إىل غرفتها تجر ي‬ ‫فسألها كيف كانت السهرة‪ ،‬فردت عليه بأن أوصدت الباب ف ي� وجهه‪.‬‬ ‫ف‬ ‫تز‬ ‫الليال‬ ‫لما‪ ‬ال�ين‬ ‫ف ي� الليلة الخامسة وقد طغت عليه الخيبة‪،‬‬ ‫والتحل؟ لن‪ ‬أفعل شيئاً مما‪ ‬فعلت ي� ي‬ ‫ي‬ ‫السابقة‪ .‬صعقت أمها ي ن‬ ‫ح� رأتها ترتدي رسواالً‪" :‬البنات ال‪ ‬يلبسن الرساويل!" ومضت تتقفى أثرها من غرفة ألخرى‬ ‫وتعط�ها بأفخر العطور‪.‬‬ ‫محاولة ترسيح سدائلها‪ ،‬وترطيب شب�تها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫تعت� بشكلها ث‬ ‫ن‬ ‫أك�‪ .‬لكنها أبت أن نز‬ ‫ت�ل عند طلبات‬ ‫رن الجرس فوخزها ي‬ ‫ضم�ها‪ ،‬ربما كان من الفضل أن ي‬ ‫أم�‬ ‫بكث�‪ .‬نظرها لم‪ ‬يقع عىل وجه ي‬ ‫عال‪ ،‬ي‬ ‫عال ٍ‬ ‫عال ٍ‬ ‫أمها فبقيت مرتدية الرسوال وذهبت لفتح الباب والرأس ٍ‬ ‫أ‬ ‫الحالم وإنما عىل سيارة فاخرة طويلة عريضة هي أشبه إىل شاحنة عسكرية منها إىل عربة نقل رفيقة بالبيئة‪ .‬كان‬ ‫عادم السيارة ينفث الدخان وكأنها مدخنة فحم‪ .‬أ‬ ‫وال يم� لم‪ ‬يكن داخلها أصالً‪ ،‬فقد كان دون مجال برصها‪ ،‬فكان‬ ‫يلوي الركبة ف ي� ألبسة المعة ويمد لها ف ي� راحتيه حذاء تقيسها عىل قدمها‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫مكحلتان‪ ،‬وابتسامة‬ ‫وجنتان َ‬ ‫محم ّرتان‪ ،‬وعينان ّ‬ ‫تسمرت دون حراك لهذا المشهد إىل أن‬ ‫عريضة‪ ... ‬لقد ّ‬ ‫أعادها ألرض الواقع حمحمة أ‬ ‫ال يم� يبحث عن خامة صوته‪.‬‬ ‫نظرت ي ز‬ ‫خ�رانة لفردة الحذاء الممدودة‪ .‬كانت‬ ‫مصنوعة من جلد أ‬ ‫الفاعي تماماً كالحذاء المربوط ف ي� قدميه‬ ‫بخيوط هي مصنوعة من شعر شنب الفقمة‪ .‬كانت تحاول‬ ‫استيعاب كل جوانب المشهد المعروض أمامها‪ :‬عىل كتفه‬ ‫ف‬ ‫أم�‬ ‫ع ّلق سهماً ي� رأسه سمكة فقأ عينها‪ .‬كانت عضالت ي‬ ‫الجزمة المفتولة تُف ّتق قميصاً ضيقاً عاري الساعدين يبدو‬ ‫الس ّنور‪ .‬حزام من جلد التمساح يشد الوثاق‬ ‫مصنوعاً من جلد َ‬ ‫حول أسفل البطن وقد دك ف ي� الحزام شيئاً‪" :‬مسدس؟ أيعقل‬ ‫أم�؟"‪.‬‬ ‫هذا من ي‬ ‫أم� الجزمة يتصور أن جميع الفتيات معجبات‬ ‫كان ي‬ ‫تعجبهن الحيوانات‪ .‬ي ز‬ ‫خ�رانة ف ي� المقابل‬ ‫بشكله‪ ،‬فالفتيات‬ ‫ّ‬ ‫رأت فيه عدواً للطبيعة وهو يرتدي مالبس من حيوانات عىل‬ ‫وشك االنقراض‪ .‬أوصدت الباب ف ي� وجهه وسارعت لغرفتها‬

‫‪84‬‬


‫حيا� لن‪ ‬يكون لها ن أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ليت� أعود من حيث‬ ‫مع� لب ي� إن لم‪ ‬يفز ب ي� ي‬ ‫باكية‪ .‬ما‪ ‬الجدوى؟ ال‪ ‬أجد شخصاً مناسباً‪ .‬ي‬ ‫أم�‪ .‬يا ي‬ ‫أتيت‪.‬‬ ‫الخ�ران‪ ،‬اختبآ ف� ضوء القمر ف� ضالل ي ز‬ ‫والخ�رانة الملكة إىل حقول ي ز‬ ‫الحاجب� ي ز‬ ‫ين‬ ‫خ�ران فارع‬ ‫وصل مقطب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫ثم ت‬ ‫اق�با من بيت ي ز‬ ‫ي ش‬ ‫�ء مذ كانت صبية‪ :‬البيت نفسه بسقفه المذبّب والقنطرة الحجرية‬ ‫ال يم�ة‪.‬‬ ‫لم‪ ‬يتغ� ي‬ ‫النبا� الذي بات كثيفاً يتدىل من أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫الشجار‬ ‫ال� بنتها مع أبيها هي ذاتها تمتد عىل الغدير‪ .‬كل‬ ‫ي‬ ‫ما‪ ‬تغ� هو الغطاء ي‬ ‫ي‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫فوق خرير المياه‪ .‬تنهدت ي ز‬ ‫ال يم�ة تستذكر أيامها السوالف‪ ،‬حيث ترعرعت‪ .‬لكن ذكرياتها لم‪ ‬تنته لسوء‬ ‫حظها نهاية سعيدة‪.‬‬

‫كث�ة مهددة باالنقراض بسبب أعمال شب�ية‬ ‫حيوانات ي‬ ‫الم�وع والتنمية ت ض‬ ‫كالقتل واالتجار يغ� ش‬ ‫تق� عىل الحياة‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫السهام ف ي� وقف ذلك من خالل االمتناع عن‬ ‫ال�ية‪ .‬يمكن إ‬ ‫ب‬ ‫ش�اء منتجات من أنواع نادرة أو‪ ‬مهددة باالنقراض والعمل‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪ .‬ومن المهم أن نبدأ بسائر‬ ‫عىل إعادة تدوير المواد إ‬ ‫أ‬ ‫المور فذلك كله يسهم ف ي� إنقاذ أجناس الحيوانات والنباتات‪.‬‬ ‫هذا ما‪ ‬تحقق لدب الباندا إذ‪ ‬لم‪ ‬يعد مهدداً باالنقراض‪.‬‬

‫‪85‬‬




‫فضلت ي ز‬ ‫خ�رانة الملكة ف ي� صباها الدراسة عىل الزواج‪ .‬فما كان من أبيها إال‪ ‬أن كشف ظهرها عىل‬ ‫لقد ّ‬ ‫اعتبار أن ذلك ش‬ ‫يتما� مع العرف السائد‪ ،‬لم‪ ‬يكن يدرك الجدوى من التعلم بل رأى ف ي� ذلك تمرداً وخذالناً‪ .‬فقطع‬ ‫كل عالقة له بها مرة واحدة كما‪ ‬يقطع ي ز‬ ‫الخ�ران‪ ،‬فآلمها ذلك‪ .‬هو لم‪ ‬يلتق بمن تزوجت بعد التخرج قط‪ .‬ولما‪ ‬فرح‬ ‫ح� ض‬ ‫ق� بسبب مرض مداري‪ .‬ضاعت ي ن‬ ‫ح� ارتقى زوجها وبات ملكاً ف� مملكته ولم‪ ‬يحزن لحزنها ي ن‬ ‫لفرحها ي ن‬ ‫السن�‬ ‫ي‬ ‫وخ�رانة الملكة من يغ� أب‪ .‬لم‪ ‬تكن ترغب ف� أن يحدث البنتها ما‪ ‬حدث لها‪ .‬كانت ن‬ ‫يز‬ ‫تتم� البنتها أن تمتلك ناصية‬ ‫ي‬ ‫أمرها وأن تختار سبيلها بنفسها وبمباركة أبيها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ح� سمعت ي ز‬ ‫ين‬ ‫تسمرا دون حراك‪ .‬عندئذ‬ ‫مقربَة عادت من دنيا الخيال‪ّ .‬‬ ‫خ�رانة ال يم�ة جلبة وحركة عىل ُ‬ ‫ظهرت باباياغا‪" .‬باباياغا! هذا أنت! لقد ُعدت‪ ،‬يا إالهي! كدت أموت"‪ .‬قالت ي ز‬ ‫خ�رانة الملكة‪ .‬فردت باباياغا قائلة‪:‬‬ ‫ين‬ ‫محقّة فقد كانوا ف ي� حاجة للمسعدة فعالً‪.‬‬ ‫"تصورت أنّك قد‬ ‫تستخدم� بعض الحيل السحرية" وكانت ِ‬ ‫ّ‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫الحاجب� بإصبعه ورصخ‪" :‬إنها هناك"‪ .‬إنها ي ز‬ ‫ين‬ ‫ال يم�ة تجلس أمام لوح مشتعل وتنظر‬ ‫أشار مقطب‬ ‫إىل اللهب ودموعها تسيل‪.‬‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫ين‬ ‫الحاجب� إىل ي ز‬ ‫ين‬ ‫السيدت� أن تذهبا إليها‪ .‬هو لم‪ ‬يكن قط حسن‬ ‫ال يم�ة وأشار عىل‬ ‫نظر مقطب‬ ‫التعامل ف� كل ما‪ ‬له صلة بالمشاعر‪ ،‬لذا ارتأى أنه من أ‬ ‫الفضل له أن يحسن استغالل الوقت المتاح بأن يبدأ ف ي�‬ ‫ي‬ ‫تع� بهم إىل جزيرة ش‬ ‫ال�ير‪.‬‬ ‫بناء بارجة ب‬

‫‪88‬‬


‫أ‬ ‫يز‬ ‫تح ِدق ف ي� ألسنة اللهب‬ ‫خ�رانة ال يم�ة َ‬ ‫فيم يجعل الناس يهيمون بالنظر‬ ‫متسائلة َ‬ ‫للن�ان المشتعلة‪ .‬فخطر عىل بالها ما‪ ‬دار من‬ ‫ي‬ ‫حديث بينها وأبيها بعد أن كان الخطاب قد‬ ‫غادروا‪" .‬خمس ُتهم يناسبونك تماماً‪ ،‬فأنا وأمك‬ ‫اخ�نا لك أفضل أ‬ ‫ت‬ ‫لم‪ ‬تختار أنت‪،‬‬ ‫المراء‪ ،‬وإن‬ ‫ِ‬ ‫نحن سنختار لك"‪ .‬قال ذلك وهو يوقد النار‬ ‫وهي تلقي برسائل القبول الواردة إليها من‬ ‫مختلف المدارس ف ي� ألسنة اللهب‪ .‬بدأت تفكر‬ ‫يحدث إن هي هربت‪ .‬قد يكون ف ي�‬ ‫فيما قد ُ‬ ‫هذا خطر عليها ولكنها أمام خيارين أحالهما‬ ‫مر‪.‬‬ ‫ّ‬

‫المالي� من أ‬ ‫ين‬ ‫الطفال‪ ،‬والبنات منهم‬ ‫بالخصوص‪ ،‬ال‪ ‬يرتادون المدارس لعدة أسباب منها‬ ‫ضيق الحال‪ ،‬أو‪ ‬العيش ف ي� مناطق نائية بعيداً عن‬ ‫ملزمون بالمساعدة عىل قضاء‬ ‫المدارس‪ ،‬أو‪ ‬أنهم َ‬ ‫أ‬ ‫شؤون البيت أو‪ ‬االعتناء بأفراد الرسة‪ ،‬أو‪ ‬الزراعة‬ ‫أو‪ ‬الماشية‪ .‬وإن تمكن البعض من مزاولة التعليم‬ ‫ين‬ ‫المدرس�‬ ‫فإنهم ال‪ ‬يتلقّون تدريساً حسناً نظراً الفتقار‬ ‫أ‬ ‫تس�‬ ‫للتدريب المالئم‪ .‬وإذا أتيح للطفال التعلم ن ّ‬ ‫لهم أن يساعدوا أطفاال ً آخرين ف ي� نفس الوضع‬ ‫بفضل ما‪ ‬يكتسبونه من وسائل ومهارات‪.‬‬

‫حمحمت ي ز‬ ‫خ�رانة الملكة محاولة‬ ‫ترسيح حنجرتها‪.‬‬

‫هناك‪.‬‬

‫خ�رانة أ‬ ‫استدارت ي ز‬ ‫ال يم�ة تل�ى من‬

‫‪89‬‬


‫أ‬ ‫حصاد ي ز‬ ‫وخ�رانة الملكة وباباياغا يحدثان ي ز‬ ‫مر الوقت ي ز‬ ‫الخ�ران‬ ‫خ�رانة ال يم�ة ويواسيانها‪ّ .‬‬ ‫وتحدثتا إىل ّ‬ ‫وزوجته عن مستقبل الفتيات وما‪ ‬عساه يكون‪ .‬كان الحصاد محافظاً متشبثاً بعاداته‪ .‬وما‪ ‬هي إال‪ ‬إشارة ساحرة‬ ‫ال�ر وتصاعد الدخان‪ .‬وبعدها رجع أ‬ ‫من إصبع باباياغا نحو الوالدين ت‬ ‫الب إىل ابنته وقال‪ :‬ي ز‬ ‫ح� تطاير ش‬ ‫"خ�رانة‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ي ت‬ ‫كث�ة!"‪ .‬صاحت ي ز‬ ‫ين‬ ‫فر َدي جناحيك‪.‬‬ ‫اذه� وانظري فيما‬ ‫خ�رانة‬ ‫تصنع� بنفسك‪ .‬أمامك فرص ي‬ ‫يب‬ ‫أم� ي�‪ ،‬آن الوان ل َت ُ‬ ‫أ‬ ‫ال يم�ة وصفّقت وقفزت مرحاً واحتضنت أباها‪ .‬غمزت باباياغا ي ز‬ ‫خ�رانة الملكة‪.‬‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫إيجا�‪ .‬كانت ي ز‬ ‫ش‬ ‫ال يم�ة تدرك تماماً أين ترغب ف ي� الدراسة‪ .‬معهد‬ ‫ي‬ ‫�ء ب ي‬ ‫وأخ�اً أفضت الرحلة إىل ي‬ ‫الف�ياء العريق ف� المدينة العتيقة‪ .‬علمت أنه سيكون عليها أن تغادر مع باباياغا ي ز‬ ‫يز‬ ‫وخ�رانة الملكة الذَ ين قد‬ ‫ي‬ ‫المس�ة‪ ،‬فالمعهد عىل مرمى حجر من البيت القديم‪ .‬رأى حصاد ي ز‬ ‫الخ�ران ف ي� ذلك فكرة‬ ‫يُر ِافقاها عند انتهاء‬ ‫ي‬ ‫ستع� َن إىل جزيرة ش‬ ‫ال�ير ُلي ِق ّل مق ّطب‬ ‫ع�ن‬ ‫وعر َض مركَب الصيد‬ ‫ّ‬ ‫البحر بَه‪ .‬لك ّنهن لسوء الحظ ب ُ‬ ‫عليهن َلي ب ُ‬ ‫َ‬ ‫رائعة َ‬ ‫ين‬ ‫يح ّطوا الرحال ف ي� مسقط رأس عالء الدين‪.‬‬ ‫الحاجب� قبل أن ُ‬

‫‪90‬‬




‫الفصل السادس‬


‫��ف‬ ‫ي‬

‫جزيرة النوارس الواقعة ف ي� جنوب المعمورة‪ ،‬كانت تعيش العائلة‬ ‫المالكة للبحار‪ .‬كان مياللوبو ملكاً‪ .‬وكان له جسد أسد البحر ورأسه‬ ‫ين‬ ‫النسان والسمكة‪ .‬وكان يحكم جميع الكائنات الحية البحرية‪.‬‬ ‫ب� إ‬ ‫أما زوجته ملكة المحيط هونشوال‪ ،‬فقد كان نصفها إنساناً ونصفها آ‬ ‫الخر فرس‬ ‫بحر‪ ،‬إذ كانت سليلة فرس وحيدة القرن وحطاب مفتول العضالت‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ال� حيث‬ ‫والتقت هونشوال بمياللوبو أول مرة عندما كانت تعيش ي� ب‬ ‫ض‬ ‫تق� فصل الشتاء‪ .‬كانت تجلب الماء من ئب�‪ .‬وعندما نظرت داخل ئ‬ ‫الب� لم‬ ‫ي‬ ‫محدقاً فيها‪ .‬كان‬ ‫تر انعكاس صورتها عىل سطح الماء وإنما رأت وجه مياللوبو ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� كللت بالزواج‪ .‬وذهبت‬ ‫حبهما ح ّقاً ّ‬ ‫حباً من أول نظرة‪ .‬هناك بدأت عالقتهما ي‬ ‫هونشوال للعيش مع مياللوبو ف ي� قاع البحر‪ ،‬لكنها كانت تخرج لزيارة والديها‬ ‫والستنشاق الهواء‪ .‬وأنجب الزوجان ثالثة أبناء ف ي� غاية الجمال‪ :‬بينكوي‪ ،‬فارس‬ ‫وأم� ي ن‬ ‫وس�ينا‪.‬‬ ‫ت� من الحوريات هما بينكويا ي‬ ‫وأم� الحياة النباتية البحرية‪ ،‬ي‬ ‫البحر ي‬ ‫ف‬ ‫وكان ثالثتهم يعينون أبويهم ي� االعتناء بالبحار‪.‬‬ ‫وكان محور اهتمام هونشوال أ‬ ‫الول جزيرة النوارس‪ ،‬حيث ولدت‬ ‫وترعرعت‪ .‬وكان والداها‪ ،‬السيدة الفرس وحيدة القرن والسيد الحطاب‪ ،‬أول‬ ‫أرسة تسكن الجزيرة بعد الفيضان العظيم‪ ،‬الذي اجتاحت مياهه ما كان مدينة‬ ‫تنبض بالحياة وتعج بالسكان‪ .‬ولم ينج من الفيضان أحد‪ .‬ولما انخفض مستوى‬ ‫المياه وظهر سطح اليابس من جديد‪ ،‬لم يعد إىل الجزيرة سوى النوارس ‪ ...‬إىل‬ ‫أن اكتشف السيدة الفرس وحيدة القرن والسيد الحطاب الجزيرة وهما يبحران‪.‬‬ ‫كانت الجزيرة فاتنة بغاباتها الوارفة‪ ،‬فقررا البقاء‪.‬‬

‫‪94‬‬


95


‫إن صيد أ‬ ‫السماك المفرط مشكلة‬ ‫خط�ة ال تشكل خطراً عىل أ‬ ‫السماك وحدها‬ ‫ي‬ ‫وإنما عىل ي ن‬ ‫مالي� ش‬ ‫الب� الذين يعتمدون عىل‬ ‫الصيد والسمك للعيش‪ .‬والعالم ف ي� حاجة‬ ‫إىل محيطات صحية بنظم إيكولوجية متوازنة‬ ‫للحفاظ عىل الحياة ف ي� الكوكب‪ .‬هل تعلم عدد‬ ‫ال� تعرضت لصيد أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫السماك المفرط؟‬ ‫النواع ي‬

‫وشيد السيد الحطاب عوامات‪ ،‬هي بيوت‬ ‫خشبية زاهية أ‬ ‫اللوان تقف عىل الخواء فوق المياه‬ ‫ال�‪ ،‬فرسعان ما‬ ‫الغدارة‪ .‬وإذ كان بيتهما بارزاً من ب‬ ‫انتقل سكان القرى الساحلية إىل جزيرة النوارس‪،‬‬ ‫وبنوا أيضاً بيوتهم عىل الخواء‪ ،‬فنشأت بذلك قرية‬ ‫صغ�ة مفعمة بالنشاط‪ .‬وتجسدت جهود السيدة‬ ‫ي‬ ‫الفرس وحيدة القرن من أجل بناء مجتمع أقوى �ف‬ ‫ي‬ ‫قدرة سكان الجزيرة عىل الشعور ت‬ ‫بال�ابط والحفاظ‬ ‫ف‬ ‫عىل هذا ت‬ ‫ال�‪.‬‬ ‫ال�ابط ي� قطعة أرض مفصولة عن ب‬ ‫وبعد إنجاز كل ذلك‪ ،‬شعر الزوجان بالحاجة‬ ‫إىل تكوين أرستهما الخاصة‪ ،‬فأنجبا ابنتهما البكر‬ ‫والوحيدة هونشوال‪.‬‬ ‫ودأبت هونشوال منذ نعومة أظفارها عىل‬ ‫حب البحر وإجالله‪ .‬وعندما أصبحت ملكة البحار‪،‬‬ ‫زاد استثمارها ف ي� المحافظة عىل البحر‪ .‬وكانت دائمة‬ ‫الحرص عىل استدامة المحيطات من أجل بقاء‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� ي ن‬ ‫ح� كانت تعشق خوض البحر‪ ،‬كانت‬ ‫الفراد‪ .‬ي‬ ‫تؤدب بشدة كل من يخالف قاعدتها الوحيدة‪ ،‬أال‬ ‫وهي االمتناع عن أخذ ما يفوق احتياجات االستهالك‬ ‫اليومي من أ‬ ‫السماك‪ .‬فإذا أفرط الصيادون ف ي� الصيد‪،‬‬

‫‪96‬‬


97


‫ف‬ ‫و� المقابل‪ ،‬كانت تعد من ت‬ ‫يح�مون المحيطات بأن تكون رحلة صيدهم المقبلة‬ ‫كانت هونشوال ّ‬ ‫تقيد إمداداتهم‪ .‬ي‬ ‫سخية‪.‬‬ ‫وكانت ابنتا هونشوال أ‬ ‫ت‬ ‫ال يم� ي ن‬ ‫رسول� أمهما إىل الصيادين‪ .‬وكانتا تسبحان إىل الساحل‬ ‫وس�ينا‬ ‫ت� بينكويا ي‬ ‫ي‬ ‫وتخ�ان الصيادين بما إذا كان الصيد سيكون ضئيال ً أم غزيراً‪ .‬وكان بينكوي يصطحب أختيه دائماً وهو يراقب‬ ‫ب‬ ‫المزارع البحرية‪.‬‬ ‫وذات صباح تأخر فيه طلوع الشمس قليال ً عن اليوم السابق‪ ،‬نظرت هونشوال إىل البحر فراعها منظر‬ ‫الماء بحمرته القانية كالدماء‪ .‬لم يكن ذلك انعكاس أشعة الشمس عىل صفحة الماء‪ .‬ورصخت هونشوال‪:‬‬ ‫"السماك تذبح!"‪ .‬لكنها كانت تجهل أن ما يحدث ليس من فعل أفراد قساة هووا عىل أ‬ ‫أ‬ ‫السماك يذبّحونها وإنما‬ ‫ُ ّ‬ ‫بكث�‪.‬‬ ‫شيئاً أخطر ي‬ ‫هب أ‬ ‫ئ‬ ‫أخصا� الحياة النباتية البحرية‪،‬‬ ‫الطفال الثالثة نحو أمهم لمعرفة سبب الرصاخ‪ .‬فشهق بينكوي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المد الحمر!"‪.‬‬ ‫قائالً‪" :‬إنه ّ‬ ‫كانت هونشوال تستشيط غضباً‪ ،‬بل إنها شعرت بفقدان السيطرة‪ .‬كانت تعلم كيف تنظم الحياة البحرية‬ ‫الب�ي إىل حد ما‪ ،‬لكنها لم تكن تتحكم ف� مزاج الشمس والعنارص أ‬ ‫والنشاط ش‬ ‫الخرى‪ .‬كانت حرارة البحر أعىل من‬ ‫ي‬ ‫المعتاد‪ ،‬ما حث نمو أ‬ ‫العشاب البحرية فأفرزت تكسينات ضارة‪ .‬وهذا ما جعل لون المياه بنياً مائال ً إىل الحمرة‪.‬‬ ‫وتسمم الكائنات البحرية وهالكها لم يكن من فعل الصيادين بل من تأث� المد أ‬ ‫الحمر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬

‫‪98‬‬


‫كان المحيط الملوث آ‬ ‫الخط�‪ :‬كائنات بحرية ميتة ملقاة هنا وهناك عىل‬ ‫الن يبدي أعراض اعتالله‬ ‫ي‬ ‫صغ� فكان الصيادون ينقضون عليه لبيعه‪ ،‬رغم التسمم‪ .‬ودون تردد‪ ،‬سبح‬ ‫الشاطئ‪ .‬أما ما تبقى من سمك ي‬ ‫وس�ينا وبينكوي نحو الساحل‪.‬‬ ‫بينكويا ي‬ ‫أ‬ ‫واج� منعكم من بيع أسماككم ف ي�‬ ‫المد الحمر‪ ،‬لكن عليكم إ‬ ‫"أفهم انزعاجكم من هذا ّ‬ ‫الصغاء إلينا‪ .‬من ب ي‬ ‫ف‬ ‫الغ�"‪.‬‬ ‫السوق ي� الوقت الحا�ض ‪ .‬ففي استهالكها خطر جسيم عىل حياة ي‬ ‫أومأ قطب برأسه نافياً‪" :‬ليست أ‬ ‫ت‬ ‫شقيق� الوحيدة ي ن‬ ‫ساك�‪ .‬لقد خطفها ش�ير الساحر‬ ‫السماك‪ .‬إنها‬ ‫ي‬ ‫الماكر!"‪.‬‬ ‫الخبار المفزعة‪ .‬المد أ‬ ‫لم تكن بينكويا تدري إن كان ف� وسعها سماع المزيد من أ‬ ‫الحمر أوالً‪ ،‬ثم شبح‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫كث�ين‪ ،‬كـان معظمهم من البنات‪ .‬كان يعيش ي� عتمة‬ ‫ش�ير الن! لقـد خطـف ش�ير عىل مدى عقود أطفـاال ً ي‬ ‫جزيرته الغامضة المسماة "جزيرة ش�ير"‪ .‬ولم يكن للمرء أن يلمح جزيرته من جزيرة النوارس ي ن‬ ‫بالع� المجردة أو‬ ‫ت‬ ‫المك�‪ ،‬لكنها كانت هناك‪ .‬كان يُعتقد أن ش�ير يعيش ف ي� مغارة عىل الساحل تحرس مدخلها‬ ‫ح� بأقوى عدسات ب ّ‬ ‫اثنت�‪ ،‬وكانت تتغذى من ب ن‬ ‫تس� عىل ساق واحدة ويدين ي ن‬ ‫ل� القطط‬ ‫وحوش كثيفة الشعر‪ .‬وكانت الوحوش ي‬ ‫أ‬ ‫القليم القاري بعد أن‬ ‫السوداء ولحم الماعز‪ .‬ويُحىك أن هذه الوحوش لم تكن سوى الطفال المفقودين من إ‬ ‫تبدلت سماتهم‪.‬‬ ‫كان ش�ير يرتدي مالءة سحرية‪ .‬لم تكن المالءة تغطي سوى بطنه‪ ،‬وكانت مشدودة بأحزمة تتقاطع عىل‬ ‫ظهره العاري‪ .‬وكان ارتداء المالءة يمنح ش�ير قوى خارقة كان يسخرها لالنتقام لطفولته التعيسة‪ ،‬فقد تعرض‬ ‫أ‬ ‫للذى ف ي� صغره‪ ،‬وإن لم يكن أحد عىل علم بذلك‪ .‬وكان باستطاعته عمل خلطات سامة لصبها ف ي� المحيط والفتك‬ ‫الط�ان بارتداء‬ ‫بالكائنات البحرية‪ .‬وكان باستطاعته تنويم الناس والتحكم فيهم بقواه الخارقة‪ .‬وكان باستطاعته ي‬

‫‪99‬‬


‫المعطف‪ .‬وكان باستطاعته تحويل أ‬ ‫الطفال الصغار‬ ‫إىل وحوش‪.‬‬

‫بينكويا‪.‬‬ ‫نجم تغ� المناخ ف� ت أ‬ ‫خ�ة عن‬ ‫الف�ة ال ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تجاوز الحرارة درجاتها المعتادة‪ .‬ويتسبب ذلك‬ ‫ف� تسارع نمو أ‬ ‫العشاب البحرية الذي يفرز‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الب� المائل‬ ‫تكسينات ي� المياه ي‬ ‫تغ� لونها نحو ي‬ ‫إىل أ‬ ‫الحمر وتشكل أيضاً خطراً عىل الصحة‪.‬‬

‫"علينا الرساع بعمل ش�ء"‪ ،‬قالت أ‬ ‫ال يم�ة‬ ‫إ‬ ‫ي‬

‫فر ّد عليها بينكوي بقوله‪" :‬ابقي هنا لمساعدة‬ ‫با� الصيادين بمشكلة أ‬ ‫ق‬ ‫العشاب‬ ‫قطب‬ ‫ب‬ ‫وسأخ� ي‬ ‫س�ينا تاركاً بينكويا صحبة‬ ‫البحرية"‪ .‬وانطلق مع ي‬ ‫قطب‪.‬‬ ‫"علينا إنقاذ أختك! ليس لدينا خيار آخر!"‬ ‫قالت بينكويا‪.‬‬ ‫دفن قطب رأسه ي ن‬ ‫ب� كفيه‪ .‬كان خائفاً‪ .‬لقد‬ ‫ين‬ ‫اليائس� الذين لحقا ش�ير إلنقاذ‬ ‫سمع عن الوالدين‬ ‫التفك�‪،‬‬ ‫أبنائهما ولم يعودا قط‪ .‬وبعد برهة من‬ ‫ي‬ ‫سحب قطب المرساة من البحر وألقى بعبئها ف ي� قاربه‬ ‫قائالً‪" :‬حسناً‪ .‬هيا بنا!"‪.‬‬

‫‪100‬‬


101


‫جرت بينكويا قارب قطب وراءها‪ ،‬وانطلقت تمخر عباب البحر بخيولها الزبدية البيضاء عىل امتداد‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫طريقها إىل جزيرة �ير‪.‬‬ ‫ش‬ ‫الرمل لجزيرة ش�ير‪ .‬كان الشاطئ مليئاً بحيتان "الساي" النافقة‪.‬‬ ‫سحبت بينكويا القارب عىل ال�يط ي‬ ‫فارتمت بينكويا عىل أحد الحيتان وفاضت عيناها دمعاً‪ .‬كانت تدرك أن هذا الدمار ناجم عما يعمد ش�ير إىل‬ ‫سكبه من نفط وعن خططه الجهنمية أ‬ ‫الخرى من أجل إتالف المحيط وإفناء كل ما فيه من الكائنات الحية‪" .‬كيف‬ ‫ألحد أن يكون بهذه القسوة وهذا الحقد؟ وما الغاية؟"‪.‬‬ ‫ت‬ ‫اق�ب قطب من بينكويا لكنها أشارت إليه بالذهاب إىل إنقاذ ي ن‬ ‫ساك�‪.‬‬ ‫الساحل تفصل‬ ‫الج ُرف الصخرية الشاهقة الممتدة عىل الخط‬ ‫كان قطب منبهراً بجمال الجزيرة‪ .‬كانت ُ‬ ‫ي‬ ‫اليابس عن مياه بزرقة الجليد‪ .‬ش‬ ‫الساحل بينما بقيت بينكويا ف ي� المياه تنتظر‬ ‫م� قطب بشجاعة عىل الخط‬ ‫ي‬ ‫عودته‪ .‬ولم يكن باستطاعته رؤية مغارة ش�ير‪ .‬بيد أنه لمح قرب المنعطف‪ ،‬وراء الصخور‪ ،‬حطام سفينة‪ ،‬فقال ف ي�‬ ‫كاليوت� ‪ ...‬سفينة أ‬ ‫ش‬ ‫الشباح"‪ .‬كانت تبدو مهجورة‪ .‬ففكر ف ي� الصعود إىل أعالها الستطالع المكان ع ّله‬ ‫نفسه‪" :‬إنها‬ ‫ي‬ ‫يهتدي إىل مخبأ شقيقته‪.‬‬ ‫وجد قطب حبال ً متدلياً فتسلقه ت‬ ‫الجو‬ ‫ح� وصل إىل ظهر السفينة‪ .‬كان يقف هناك وسط جو مخيف‪ .‬كان ّ‬ ‫أبرد‪ .‬ش�ء ما جلب انتباهه عىل الدرج المؤدي إىل الحجرة السفىل‪ ،‬فقرر أن يتحرى أ‬ ‫المر بحذر‪ .‬تحسس طريقه‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫بع� الممرات المظلمة ح� وصل إىل غرفة مغلقة‪ .‬وحدثته نفسه باستكشاف ما بداخلها ففتح الباب بتأن‪ .‬ال‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الكث�ة ت‬ ‫فانح� إىل أقرب تابوت‬ ‫الم�اكمة‪.‬‬ ‫حراك ي� الداخل‪ .‬تكيف برصه مع العتمة فاستطاع أن يلمح التوابيت ي‬ ‫أك� من أن تكون رفات شب�ية‪ .‬راعه ما رآه‪ ،‬فسارع إىل إغالق‬ ‫وفكّ القفل وفتحه‪ .‬كان مليئاً بالعظام الجافة‪ .‬كانت ب‬ ‫الصندوق‪ ،‬قبل أن يقع برصه عىل عبارة "الماموت" منقوشة عىل الغطاء‪ .‬فنظر إىل التوابيت واحداً تلو آ‬ ‫الخر قارئاً‬

‫‪102‬‬


103


104


‫السود غرب أ‬ ‫جميع العناوين المنقوشة عليها‪ :‬الدودو‪ .‬وحيد القرن أ‬ ‫الفريقي‪ .‬الضفدع‬ ‫مق�ة‬ ‫الذه�‪ .‬هذه إذن ب‬ ‫بي‬ ‫لجميع الحيوانات المنقرضة من أقاص أ‬ ‫الرض وأدانيها! ال يمكن‪ ،‬قال ف ي� نفسه‪ .‬كان خائفاً وكان عليه المغادرة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� طريقه إىل الخروج رأى صندوق عظام آخر كتب عليه‪ :‬سكان من جزيرة النوارس‪ .‬كان قطب يتصبب عرقاً‬ ‫ي‬ ‫يف� أ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫النواع الحيوانية‬ ‫وقد تملكه الرعب الن‪ .‬إن �ير هذا لم يكن يكتفي بخطف الطفال وتلويث المياه‪ .‬فهو ي‬ ‫تغ�ات مناخية شديدة‪.‬‬ ‫ويمحق الجماعات السكانية بما يسببه من ي‬ ‫هرول قطب إىل الخارج بأقىص رسعته‪ .‬فلمح من السطح برجاً يكاد يتوسط الجزيرة وتنبعث منه إشارات‬ ‫ف‬ ‫ال�ج ناظراً حوله باستمرار تحسباً ألي خطر ممكن‪.‬‬ ‫الس� ي� اتجاه ب‬ ‫الحياة‪ .‬فحث ي‬ ‫لل�ج مئات النوافذ ت‬ ‫الم�اصفة حوله من أسفله إىل أعاله‪ ،‬لكل غرفة نافذتها‪ .‬كان بعض النوافذ‬ ‫كان ب‬ ‫آ‬ ‫ال�ج يتعقب صوت فتاة‬ ‫مفتوحاً عىل مرصاعيه والبعض الخر موصداً ومسدل الستائر‪ .‬سار قطب حول ب‬ ‫ن‬ ‫قص� جداً ال يمكن ظفره‪.‬‬ ‫تغ�‪ .‬كانت تسدل شعرها خارج النافذة‪ ،‬وكان مربوطاً كذيل الفرس لكنه ي‬ ‫ي‬ ‫لقد سمعنا جميعاً عن أشهر حاالت انقراض أ‬ ‫النواع‪ ،‬كطائر الدودو أو ديناصور‬ ‫الت�انوصور ريكس‪ .‬لكن هل تعلم أن تقديرات الصندوق العالمي للطبيعة تفيد‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫تغ� المناخ‪ ،‬أو الصيد المفرط‪،‬‬ ‫بانقر‬ ‫اض‪ ‬ع�ة آالف نوع يومياً؟ وقد يكون ذلك ناتجاً عن ي‬ ‫أ‬ ‫ال� ي ن‬ ‫اك�‪.‬‬ ‫أو‪ ‬الصيد الممنوع‪ ،‬أو نقص الموئل أو الغذاء‪ ،‬أو الحداث الجيولوجية كثوران ب‬ ‫وينبغي لنا جميعاً أن نعرف أي الحيوانات مهدد باالنقراض وأن ندرك ما علينا فعله‬ ‫لحمايتها‪ .‬فلم يفت أ‬ ‫الوان بعد‪.‬‬

‫‪105‬‬


106


‫ت‬ ‫ال� اختفت قبل أسابيع قليلة من اختطاف‬ ‫عندما‪ ‬التفتت نحوه‪ ،‬رأى قطب أنها صديقته ذات الشعر المسدل ي‬ ‫ف‬ ‫القص� خارج‬ ‫كث�ات يسدلن شعرهن‬ ‫ي‬ ‫فصعق لمرآها‪ .‬وإذ دقق النظر ي� النوافذ المفتوحة‪ ،‬لمح بنات ي‬ ‫أخته‪ُ ،‬‬ ‫النوافذ لكنه لم يلمح أخته‪ .‬كان قطب يرقب المشهد وبداخله من أ‬ ‫السئلة ما يفوق عدد النوافذ‪ ،‬عندما سمع‬ ‫صوتاً يناديه من خلف‪" :‬قطب!"‪ .‬إنه جده أ‬ ‫ين‬ ‫الحاجب�‪.‬‬ ‫ال بك� مقطب‬ ‫وكم كان رسوره عظيماً لرؤية شخص يعرفه‪ ،‬ال سيما جده أ‬ ‫ت‬ ‫شقيق�‬ ‫ال بك�‪" .‬كنت أظن أن ش�ير اختطف‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫لكن� ال أرى لها أثراً"‪ ،‬قال قطب حزيناً‪.‬‬ ‫ساك�‪ ،‬ي‬ ‫عندها سمع قطب أحدهم يناديه مرة أخرى‪ .‬رفع رأسه فإذا هي ي ن‬ ‫ساك� تطل من نافذة كانت قبل ذلك‬ ‫"ساعد�!" قالت باكية‪ .‬هم قطب بالركض نحوها لكن جده أ‬ ‫ن‬ ‫ال بك� أمسك ذراعه! "احذر! فالمكان خطر‬ ‫مغلقة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يا‪ ‬ب� ‪."...‬‬ ‫ي‬ ‫كانت تلك آخر أ‬ ‫اللفاظ قبل أن تقذفهما موجة مدية عاتية‪.‬‬ ‫و� البحر ذاته‪ ،‬ف� مكان غ� بعيد‪ ،‬كانت الخنازير الصغار الثالثة وياقوتة وذو أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي� الوقت ذاته‪ ،‬ي‬ ‫الصغر بحثاً عن ليىل ذات الرداء أ‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫يركبون عوامة نز‬ ‫الحمر‪.‬‬ ‫كان الخنازير الصغار الثالثة وياقوتة قد وجدوا ذا أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن� باكياً بعد أن سمع انفجار اللغم ف ي� الغابة‬ ‫الحمراء‪ .‬فأخ�هم أن اسمه ذو أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫مك�ة منه‪.‬‬ ‫ذن� وأنه يبحث عن خرطوم الذي كان نسخة ب‬ ‫ب‬

‫‪107‬‬


‫"تعال معنا يا ذا أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫مرصة‪" ،‬إننا نبحث عن ليىل والخنازير الكبار المفقودين أيضاً!‬ ‫ذن�" قالت ياقوتة ّ‬ ‫سنبحث عن خرطوم أيضاً"‪.‬‬ ‫هكذا كان ذو أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن� جالساً إىل الخلف ومقدمة العوامة مصوبة إىل السماء‪ .‬وكان الجميع يحملون‬ ‫مصابيح وينادون بصوت واحد‪" :‬ليىل ‪ ...‬أيتها الخنازير ‪ ...‬خرطوم"‪ ،‬لكن ال حياة لمن تنادي‪.‬‬

‫هل تعلم أن اليونسكو أعدت تطبيقاً مسلياً إلذكاء وعي‬ ‫الطفال بالحد من مخاطر الكوارث؟ فما هي الطرق أ‬ ‫أ‬ ‫الخرى‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� تطرأ فجأة‬ ‫لتحس� استعدادنا لمواجهة الحداث القصوى ي‬ ‫ويكون أثرها بالغاً‪ ،‬بما ف ي� ذلك الموجات المدية ونوبات الجفاف‬ ‫أ‬ ‫عاص� وحرائق الغابات والزالزل؟‬ ‫وال ي‬

‫‪108‬‬


109


‫مداً عارماً‪،‬‬ ‫صغ�ة بل ّ‬ ‫كانوا يتقدمون ببطء عندما باغتهم موج المحيط‪ ،‬ليدركوا برسعة أنها لم تكن موجة ي‬ ‫فأغمضوا أعينهم وصاحوا‪:‬‬

‫"الاااااااااااااااااااااا!"‬

‫المد جزيرة ش�ير ف� لحظات ثم تراجع من دونهم بعد أن ث‬ ‫بع�هم عىل الجزيرة وسط الخراب‪:‬‬ ‫اجتاح ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ثن‬ ‫ش‬ ‫�ء‬ ‫اج ُتثت الشجار من جذورها‪ ،‬وانحنت مصابيح الشوارع‪ ،‬وتعاىل عويل بنات ي‬ ‫صغ�ات كن يبح� يائسات عن ي‬ ‫أو أحد ما تحت ركام الدمار‪.‬‬ ‫الصغر‪ ،‬الذي كان ش أ‬ ‫خ�ير الحفر أ‬ ‫قفز نز‬ ‫عاص�‪ ،‬من المركب صارخاً ودفن رأسه ف ي� الرمال تاركاً ذيله‬ ‫يخ� ال ي‬ ‫ين‬ ‫الخلفيت� ف ي� الهواء‪.‬‬ ‫وقائمتيه‬ ‫الصغر رأسه ناسياً خوفه أ‬ ‫خ�ير الحفر أ‬ ‫"ها هي! إنها ليىل"‪ ،‬قالت ياقوتة‪ .‬رفع نز‬ ‫ال بك�‪ .‬ركضت ياقوتة‬ ‫أخري� عىل إزاحة بعض الحطام‪ .‬وعندما التفتت ذات الرداء أ‬ ‫ت‬ ‫بنت� ي ن‬ ‫ال� كانت تساعد ي ن‬ ‫الحمر ف ي� اتجاه‬ ‫نحو ابنتها ي‬ ‫الحاجب� بمعطفه أ‬ ‫ياقوتة‪ ،‬ت ز أ‬ ‫ين‬ ‫الحمر يغطي‬ ‫خ�ة قبل أن تقف بال حراك‪ .‬لم تكن تلك ليىل بل كان مقطب‬ ‫اه�ت ال ي‬ ‫ن‬ ‫عي� ياقوتة غزيراً‪.‬‬ ‫رأسه‪ .‬وفاض الدمع من ي‬ ‫ين‬ ‫الحاجب� متحرساً حقاً عىل خيبة أملها‪.‬‬ ‫"آسف!" قال مقطب‬ ‫أتحرق إىل رؤيته!"‬ ‫"ليست غلطتك" قالت ياقوتة‪" ،‬لقد رأيت ما كنت ّ‬

‫‪110‬‬


‫ين‬ ‫الحاجب� قبل أن يردف‬ ‫"ليىل ليست هنا‪ .‬عليكم جميعاً مغادرة المكان‪ ،‬إنه خطر جداً"‪ ،‬قال مقطب‬ ‫الصغ�ة ‑وخذوا كل البنات إىل العوامة‪ .‬سأجمع من تبقى منهن وأح�ض أختك معي‪.‬‬ ‫"قطب‪ ،‬اذهب مع الخنازير‬ ‫ي‬ ‫الن قبل فوات أ‬ ‫هيا‪ ،‬اذهبوا آ‬ ‫الوان!"‪.‬‬ ‫كان قطب يعلم أن جده سيفي بوعده فحضنه وغادر‪.‬‬ ‫آ‬ ‫ين‬ ‫وغ� آمن‪ ،‬لكنه‬ ‫كان مقطب‬ ‫الحاجب� يرقب صعود قطب والخرين عىل ظهر المركب‪ .‬كان المركب مكتظاً ي‬ ‫كان أأمن من البقاء ف ي� الجزيرة‪.‬‬ ‫ين‬ ‫صغ�ة عىل سطح المحيط الشاسع‪.‬‬ ‫شيع مقطب‬ ‫الحاجب� رفاقه بالتحية وهم يبحرون إىل أن باتوا نقطة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫عندها لمح قارباً آخر � الفق ظن أنه يعرفه‪ .‬ن‬ ‫ين‬ ‫المك�‪ .‬ولم‬ ‫تم� مقطب‬ ‫الحاجب� أن يخيب ظنه‪ ،‬فسارع إىل أخذ ب ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫كاليوت� ‪ ...‬سفينة الشباح‪ .‬ولم يكن ربانها سوى ش�ير"‪.‬‬ ‫يخب ظنه‪" .‬إنها‬ ‫ي‬ ‫خ�رانة وابنتها ي ن‬ ‫ف� ذلك الوقت‪ ،‬كانت الملكة ي ز‬ ‫تائهت� ف ي� المحيط‪ .‬أين اليابس؟ هل من مغيث؟ والهاتف‬ ‫ي‬ ‫المحمول معطل‪ .‬جلستا عىل سطح القارب وقد نال منهما التعب واليأس‪ .‬ومرت عليهما الساعات ورسح بهما‬ ‫القارب‪ .‬وفجأة سمعت الملكة ي ز‬ ‫خ�رانة أحدهم يناديها‪ .‬فقفزت واقفة ودارت يمنة ويرسة لتلمح الخنازير الصغار‬ ‫ين‬ ‫مبتهج� لرؤية بعضهم بعضاً‪ .‬واتفقوا عىل تبادل‬ ‫الثالثة وياقوتة وقلة أخرى من الوجوه المألوفة‪ .‬كان الجميع‬ ‫ف‬ ‫البحار ف ي� الوقت الحا�ض ‪ .‬لقد كان عليهم أن يجدوا رفاقهم‪.‬‬ ‫قصصهم ي� الطريق‪ ،‬إذ كان عليهم جميعاً مواصلة إ‬

‫‪111‬‬



‫الفصل السابع‬


‫مل‬

‫أ‬ ‫ن‬ ‫وغ� عن‬ ‫تكن بلدة ب يأ� عالء البعد فحسب‪ ،‬بل إنه واجه أيضاً مشاكل مع صندوقه الطائر‪ .‬ي‬ ‫القول إنه وجد متسعاً من الوقت للتفكّر ف� حياته عندما كان يح ّلق بمفرده فوق المدن ت‬ ‫الم�امية‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫صغ� إىل حياة ميسورة؛ بيد أنه لم‪ ‬يكن‬ ‫عىل طريقه‪ :‬لقد ُولد أبو عالء ي� الفقر‪ .‬وقد تطلع وهو ي‬ ‫اليام‪ ،‬اصطحب ساحر خبيث محتال أبا عالء إىل فتحة ف� أ‬ ‫و�‪ ‬يوم من أ‬ ‫ف‬ ‫الرض‬ ‫ي‬ ‫مستعداً ليك ّلف نفسه عناء ذلك‪ .‬ي‬ ‫ف�ل أبو عالء إىل الحفرة وجلب المصباح‪ ،‬لكن أ‬ ‫وطلب منه إحضار المصباح من الحفرة‪ .‬نز‬ ‫الرض انغلقت عليه‬ ‫قبل أن يصعد ويسلم المصباح للساحر‪ ،‬فعلق ف ي� داخل الحفرة ومعه المصباح‪ .‬عند ذلك اكتشف أبو عالء أمر‬ ‫ن‬ ‫الج�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الج� السحرية‪ ،‬عاد أبو عالء إىل بلدته حيث نشأ ميسور الحال‪ .‬وكان له كل ما‪ ‬تمناه ف ي�‬ ‫وبفضل قوى ي‬ ‫أم�ة‪ ،‬والجلوس إىل ُسفرة الملك كل مساء‪ .‬لكن أبا عالء الحظ‬ ‫الصغر‪ :‬القرص‪ ،‬وتاج إ‬ ‫المارة‪ ،‬والزواج بأجمل ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� يتمناها والمصباح عىل طاولة حذوه‪ .‬فعندما كان‬ ‫ال� يتمناها والمصباح ي� يديه وتلك ي‬ ‫فرقاً يب� أمنياته ي‬

‫يتصدر القضاء عىل الفقر قائمة أ‬ ‫الهداف العالمية ويظل‬ ‫ال� نواجهها‪ .‬ورغم تحسن أ‬ ‫ت‬ ‫الوضاع المادية‬ ‫أحد ب‬ ‫أك� التحديات ي‬ ‫مالي� أ‬ ‫للكث�ين عن ذي قبل‪ ،‬ال‪ ‬يزال مئات ي ن‬ ‫الشخاص يعيشون ف ي�‬ ‫ي‬ ‫فقر مدقع‪ .‬والعالم ت ز‬ ‫مل�م باستئصال الفقر بحلول عام‪ .2030 ‬ولكل‬ ‫منا دور عليه أداؤه ف ي� هذا الصدد‪.‬‬

‫‪114‬‬


115


‫المصباح ف ي� يديه‪ ،‬كانت أمنياته أنانية ش‬ ‫و�يرة نوعاً ما‪ .‬ولم‪ ‬يكن أبو عالء يريد أن تكون أمنياته أنانية أو‪ ‬قاسية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫التال‪ .‬ونشأ أبو عالء ف ي�‬ ‫فوضع المصباح ي� علبة من زجاج وعاهد نفسه عىل أن ينقلها عىل تلك الحال إىل الجيل ي‬ ‫بحبوحة‪ ،‬لكنه حرص أيضاً عىل نماء مجتمعه معه‪ .‬وقد ازدهر اقتصاد بلدته وشعبها ف ي� ظل حكمه‪.‬‬ ‫وبعد سنوات قليلة‪ ،‬وجد الساحر قرص أ� عالء‪ .‬فاغتنم فرصة وجود أ‬ ‫ال يم�ة ف ي� البيت وحدها ليتحايل‬ ‫بي‬ ‫عليها ويستأثر بالمصباح‪ .‬وكان وقع ذلك عىل المجتمع رسيعاً‪ .‬فقد أخرج الساحر المصباح من العلبة وحمله‬ ‫وان�ع ث‬ ‫وان�ع منهم السلطة‪ .‬ت ز‬ ‫ال�وة من الناس‪ .‬ت ز‬ ‫بيديه‪ .‬ت ز‬ ‫وان�ع السعادة‪ .‬وطغى نفوذه عىل البلدة وسكانها كافة‪ .‬بل‬ ‫إنه طغى عليه‪ .‬والحق أبو عالء الساحر والمصباح لتحطيمه‪ .‬فكان له ذلك‪... ‬‬ ‫و�‪ ‬الدار القديمة‪ ،‬سمع أبو عالء آ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫والخرون وقرأوا حكاوى مرعبة‬ ‫‪ ...‬أو‪ ‬ذاك ما‪ ‬حسبه‪ ،‬ح� ماض قريب‪ .‬ي‬ ‫عن انتكاس بلدة أ� عالء من جراء المصباح‪ .‬ونقل مراسلو أ‬ ‫الخبار أنباء عما أصبحت عليه أحوال البلدة ف ي� زمن‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال يم� عالء الدين الساعي ي� خرابها‪ .‬ولم‪ ‬يستطع أبو عالء أن يفهم كيف يمكن أن يوافق سلوك عالء الدين سلوك‬ ‫الساحر‪ .‬ما‪ ‬الذي يدفعه إىل نهب ملك آ‬ ‫الخرين؟ أما‪ ‬وإن صح ذلك‪ ،‬فلن يكون الشاب عالء الدين بصدد استخدام‬ ‫المصباح لتخريب بلدته فحسب‪ ،‬وإنما أيضاً المناطق المحيطة بها‪ ،‬وربما العالم بأرسه‪ .‬لقد صدقت قانية‬ ‫إذ‪ ‬قالت إن التاريخ ال‪ ‬يعيد نفسه فحسب‪ ،‬بل إنه يزداد سوءاً‪.‬‬ ‫اق�ب أبو عالء من بلده‪ .‬لقد راعه منظر أ‬ ‫الر ضا� المتدهورة‪ .‬لم‪ ‬تكن ت‬ ‫وأخ�اً‪ ،‬ت‬ ‫ال�بة مالئمة للغرس؛ لقد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫مما‪ � ‬الصور‪ .‬وأعد أبو عالء ذهنه لمشهد القرص البهيج للشاب عالء الدين المناقض لمشهد‬ ‫كان حالها أسوأ‬ ‫ي‬ ‫الخراب الممتد أمام ناظريه‪.‬‬ ‫وعندما وصل أبو عالء أمام قرص عالء الدين‪ ،‬راعه ما‪ ‬رأى‪ .‬لقد زال القرص‪.‬‬

‫‪116‬‬


‫كان أ‬ ‫ال يم� الشاب عالء الدين طريح‬ ‫أ‬ ‫الرض الجافة ووجهه معفر ف ي� تربتها الحارة‪.‬‬ ‫كان ينام تحت الشمس الحارقة بعد أن ض‬ ‫ق�‬ ‫يومه يرعى أ‬ ‫الغنام‪ .‬كان يعمل لدى مزارع‬ ‫كث�اً عن قرصه القديم‪ .‬كان‬ ‫ال‪ ‬يبعد حقله ي‬ ‫مستلقياً هناك ف ي� قنوط ال‪ ‬يريد أن يستيقظ‪.‬‬ ‫وكان وهنا خاوي البطن منذ أيام‪ .‬وفجأة ش�ع‬ ‫أحدهم ف ي� خضه بقوة‪.‬‬

‫مالي� أ‬ ‫الواقع أن ي ن‬ ‫الشخاص حول العالم‬ ‫عاطلون عن العمل ألنهم يفتقرون ف ي� الغالب إىل‬ ‫ين‬ ‫العامل� مستغلون‬ ‫والكث�ون من‬ ‫التعليم أو‪ ‬المهارة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أو‪ ‬يعملون ف ي� ظروف يغ� سليمة كعمال المناجم‬ ‫الذين يصابون ف� الكث� من أ‬ ‫الحيان بأمراض رئوية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫أو‪ ‬يفقدون السمع‪ .‬وسيكفل الحد من الفقر ي� جميع‬ ‫أنحاء العالم زيادة عدد أ‬ ‫ين‬ ‫الشخاص‬ ‫المؤهل� تأهيال ً‬ ‫أفضل للعثور عىل وظائف الئقة‪ .‬وزيادة كم الوظائف‬ ‫الالئقة سيساعد عىل الحد من الفقر‪.‬‬

‫"ما أ‬ ‫المر؟ أين قرصك؟ أين المصباح؟"‬ ‫صاح رجل عجوز غاضباً‪ .‬مرت بضع ثوان قبل‬ ‫أن يدرك أ‬ ‫ال يم� عالء الدين أن الرجل العجوز‬ ‫ليس سوى جد والده ب يأ� عالء‪.‬‬ ‫الدين‪.‬‬

‫"جدي! ماذا تفعل هنا؟" سأل عالء‬

‫‪117‬‬


118


‫"جئت هنا ألضع حداً لهذا البالء يا عالء الدين‪ ... ‬ال‪ ‬بد من وضع حد للفجوة المتنامية ي ن‬ ‫ب� ثروتك وفقر‬ ‫آ‬ ‫لكن� توقعت أن أراك تلعب الصولجان ف� حديقتك الغ ّناء فإذا ب� أجدك نائماً ف� ت‬ ‫ن‬ ‫ال�اب‪ .‬أين‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الخرين الشديد‪ ،‬ي‬ ‫مش�اً بالبنان إىل مقال االفتتاحية الذي كان قد احتفظ به ف ي� جيبه‪.‬‬ ‫المصباح؟" سأل أبو عالء‪ ،‬ي‬ ‫"مصباح؟ إن كنت تقصد إناء المرق فقد بعته‪ .‬لقد بعت كل ما‪ ‬كنت أملك عدا قرصي وأسدي أ‬ ‫الليف"‪،‬‬ ‫قال عالء الدين‪.‬‬ ‫"بعت المصباح؟"‬ ‫الم� عالء الدين نظرة أ� عالء البغيضة‪ ،‬كما‪ ‬لم‪ ‬يفهم ما‪ ‬قصده بالمصباح‪ .‬قال أ‬ ‫أ‬ ‫ال يم� عالء‬ ‫لم يفهم ي‬ ‫بي‬ ‫الدين شارحاً‪" :‬لقد أنفقت آخر فلس من إرث والدي ث‬ ‫ال�ي‪ .‬أنفقته عىل العقارات والعدة والقمار وعىل أسد‬ ‫تدر عل المزيد من المال‪ .‬لم‪ ‬أظن يوماً أن هذه ث‬ ‫ال�وة ستنفد‪ ،‬لكنها نفدت‪ .‬عندها وصل ب ي�‬ ‫أليف يقدم عروضاً ّ ي ّ‬ ‫اليأس إىل بيع كل ما‪ ‬أملك ألعيش‪ .‬ومن سوء الحظ بعت فيما بعت إناء المرق الذي أعطانيه والدي ف ي� علبة من‬ ‫ن‬ ‫نصح� بأال أخرجه أبداً من العلبة وأن أستخدمه بحكمة‪ .‬لكن كيف يل أن أستخدمه دون إخراجه‬ ‫زجاج‪ .‬كان قد‬ ‫ي‬ ‫المر مع ذلك‪ .‬لست مولعاً بالمرق عىل أي حال‪ .‬وضعت علبة الزجاج ف� الدرج أ‬ ‫لم‪ ‬يزعج� أ‬ ‫ن‬ ‫السفل‬ ‫من العلبة؟‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الغرب‪ .‬فقد اختفى قرصي ومعه أ‬ ‫ولم‪ ‬أخرجها إىل يوم بعتها كما‪ ‬استلمتها‪ .‬وحالما بعتها‪ ،‬حدث أ‬ ‫السد‪ ،‬الذي كان‬ ‫دخل الوحيد"‪.‬‬ ‫مصدر ي‬ ‫ن‬ ‫كان أبو عالء مذهوالً‪ .‬نطق ببطء وتأن‪ ،‬فقال‪ :‬ن‬ ‫الج� الذي يعيش داخل‬ ‫"أتع� أنك ال‪ ‬تدري عن ي‬ ‫ي‬ ‫المصباح ‪ -‬الذي تسميه إناء المرق ‪ -‬ويحقق أ‬ ‫المنيات؟"‬

‫‪119‬‬


‫انفجر أ‬ ‫ال يم� عالء الدين ضاحكاً‪.‬‬ ‫كان أبو عالء سيتنهد لوال ضيق الوقت‪.‬‬ ‫"لمن بعت المصباح؟" سأل أبو عالء‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال تن�نت‪ .‬وكلما كان الزبائن يعربون عن اهتمامهم‬ ‫"عرضت‬ ‫ويحولون المال‪ ،‬كنت أشحن‬ ‫بضاع� عىل إ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫البضاعة إىل عناوين مختلفة"‪.‬‬ ‫الم� عالء الدين يملك المصباح ويسلب آ‬ ‫أ‬ ‫لقد جعلت‬ ‫الخرين من ّثم كل‬ ‫ُ‬ ‫الصحف الناس يعتقدون أن ي‬ ‫سبل البقاء‪ .‬لكن المصباح كان ف� حوزة شخص آخر وكان أبو عالء يعلم بالضبط من تحايل عىل أ‬ ‫ال يم� عالء الدين‬ ‫ي‬ ‫أم� مرتبك‪.‬‬ ‫ليجرده منه‪ .‬اندفع أبو عالء راكضاً وعىل خطاه ي‬ ‫ماض� ف� طريقهم‪ ،‬لكن ليس الثمانية الذين بدأوا الرحلة‪ ،‬فيما عدا الملكة ي ز‬ ‫ن‬ ‫خ�رانة‪.‬‬ ‫كان ثمانية مسافرين ي ي‬ ‫وخ�رانة أ‬ ‫أما‪ ‬البقية فكانوا الخنازير الصغار الثالثة وكلهم حيوية ونشاط‪ ،‬وياقوتة‪ ،‬وذا أ‬ ‫ذن�‪ ،‬وقطب ي ز‬ ‫ال ي ن‬ ‫ال يم�ة‪.‬‬ ‫وخ�رانة أ‬ ‫وكانوا ت‬ ‫يس�شدون بتطبيق المالحة الجوال للجرذ المقدام ي ز‬ ‫ال يم�ة‪ .‬وسأل قطب الخنازير الصغار الثالثة‬ ‫الذين أنهكهم التعب إن كانوا يودون امتطاء ظهره‪ ،‬فركب ثالثتهم عىل الفور‪ .‬وقطع الجميع أمياال ً ف ي� صمت‪ ،‬قبل‬ ‫مالقاة أ� عالء أ‬ ‫وال يم� عالء الدين‪ ،‬اللذين كانا يهبطان نحوهم عىل ت ن‬ ‫م� الصندوق الطائر‪.‬‬ ‫بي‬

‫‪120‬‬



‫عي� ذي أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ذن�‪ ،‬ي ن‬ ‫ال ي ن‬ ‫اللت� احو ّلتا عندما داعب الصندوق‬ ‫توقف الصندوق عىل بعد سنتيم�ات قليلة من ي‬ ‫الم�ة‪ .‬فأزاح أ‬ ‫أ‬ ‫جفنيه‪ .‬وتقاطعت نظرات أ‬ ‫ال يم� عالء الدين ي ز‬ ‫ال يم� ُطرته المتدلية عن محياه بينما لفت‬ ‫وخ�رانة ي‬ ‫أ‬ ‫ال يم�ة حول إصبعها خصلة طويلة من شعرها‪ .‬والحظ الجميع التفاعل‪.‬‬ ‫"لقد باع أ‬ ‫ال يم� عالء الدين المصباح!" صاح أبو عالء بفظاظة‪.‬‬ ‫خ�ير الحفر أ‬ ‫"ماذا؟" سأل نز‬ ‫الصغر‪.‬‬

‫إذن؟"‬

‫الصغر مستفرساً‪" :‬لكن إذا لم‪ ‬يكن أ‬ ‫خ�ير الوحل أ‬ ‫فأردف نز‬ ‫ال يم� عالء الدين يملك المصباح‪ ،‬فمن يملكه‬

‫"أياً كان من يملكه ال‪ ‬بد لنا من إيجاده ثم تحطيم المصباح"‪ ،‬ر ّد أبو عالء‪.‬‬ ‫بل� الجميع نداء الواجب دون تساؤل وانطلقوا وراء الصندوق الطائر يرددون "المصباح‪ .‬المصباح"‪.‬‬ ‫كان الجرذ المقدام يقود الركب ف ي� خروجه من المدينة بع� الكثبان المموجة‪ .‬وكان الصندوق الطائر يقتفي‬ ‫ترص عىل‬ ‫خطى الجرذ والبقية يتبعون عن كثب‪ .‬وكانت ياقوتة تقتفي الركب وقد انقطعت أنفاسها لكنها ما‪ ‬لبثت ّ‬ ‫مواكبة الجمع‪.‬‬

‫‪122‬‬


‫خ�رانة أ‬ ‫ال يم�ة ياقوتة قائلة‪" :‬لقد تحليت بالشجاعة ي ن‬ ‫خاطبت ي ز‬ ‫الس� ف ي� الغابة مع سماع‬ ‫ح� واصلت ي‬ ‫اللغم ينفجر"‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ابن� الضائعة هي ف ي� خطر أشد‪ .‬ثم إن الجرذ المقدام يتقدمنا"‪.‬‬ ‫"إن ي‬ ‫"آه لو أعرف من وطأ اللغم ف� الغابة" قالت أ‬ ‫ال يم�ة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أقض مضجعنا طيلة أعوام"‪.‬‬ ‫"آمل أن يكون الذئب" ر ّدت ياقوتة‪" ،‬لقد ّ‬ ‫ث‬ ‫تحول المشهد الطبيعي من كثبان رملية إىل أرض صخرية‪ .‬عندها بدأ الصندوق الطائر ت ز‬ ‫ويتع� قبل‬ ‫يه�‬ ‫لم‪ ‬يكف هذا الصندوق عن‬ ‫يتسمر ف ي� مكانه رافضاً التقدم قيد أنملة‪ .‬قال أبو عالء "لقد فعلها مرة أخرى!‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫الس�"‪ .‬ونزل أبو عالء عن الصندوق‪.‬‬ ‫إزعاجي! وعىل أي حال‪ ،‬علينا أن نواصل ي‬ ‫الم� يا أبا عالء! رئتاك ال‪ ‬تطيقانه!" قالت الملكة ي ز‬ ‫"ال يمكنك ش‬ ‫خ�رانة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫بخ�‪ ،‬لقد ت‬ ‫اق�بنا‪ .‬هيا بنا!"‬ ‫"أنا ي‬ ‫جر أبو عالء خزان أ‬ ‫الم� ورفع يده ن‬ ‫ين‬ ‫س�ه‪ .‬وفجأة توقف عن ش‬ ‫مش�اً عىل‬ ‫ال‬ ‫اليم� ي‬ ‫كسيج� إليه وتابع ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫الخرين بالوقوف وراء ‪ .‬ووجدت ياقوتة ف ي� ذلك فرصة سانحة اللتقاط أنفاسها‪ .‬كانت تحاول التنفس بهدوء‬

‫‪123‬‬


124


‫ين‬ ‫المرح�‪ ،‬لكنها لم‪ ‬تقو عىل إخفاء لهيثها المتصاعد‪ .‬ياقوتة ‪ -‬وكل من معها ‪ -‬شخصت‬ ‫بالقرب من الصغار‬ ‫أبصارهم لهول ما‪ ‬رأوا قبالتهم‪.‬‬ ‫لقد كانوا يقفون عىل شفا أخدود شاسع‪ .‬وكانت ف ي� الضفة المقابلة فوهة‪ .‬لقد بدا لهم كما‪ ‬لو أن كوكباً‬ ‫هوى من النظام الشمس ليح ّط قبالتهم‪ ،‬محدثاً ف� أ‬ ‫الرض نقر ًة ضخمة كاملة االستدارة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫"إالم ينظرون؟" سأل أ‬ ‫ال يم� عالء الدين‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫أن� حطمته فيها"‪.‬‬ ‫ال� وجدت فيها المصباح أول مرة ثم ظننت ي‬ ‫رد أبو عالء قائالً‪" :‬هذه هي الفتحة ي‬ ‫حدق قطب من خالل نظارته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫العدست� وصاح‬ ‫"هناك قفص فيه‪ ... ‬مستحيل!" نظر قطب فوق النظارة ثم أعاد النظر من خالل‬ ‫"خرطوم!"‬ ‫طفق ذو أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن� يهز أذنيه بانفعال‪.‬‬ ‫"وهذا قفص آخر فيه أسد!"‬ ‫"هذا أسدي!" صاح أ‬ ‫ال يم�‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫"وهناك قفص آخر فيه‪ ... ‬يا للهول! إنها الخنازير!"‬ ‫"وماذا عن ليىل؟" رصخت ياقوتة‪.‬‬ ‫جال قطب ببرصه بإنعام ثم هز رأسه نافياً‪ ،‬فسالت دموع ياقوتة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ما‪ ‬يسع� رؤيته طيف ضخم ينعكس عىل الجدار‪.‬‬ ‫"انتظروا‪ ... ‬ثمة كهف صخري يرفرف منه النور‪ .‬كل‬ ‫ي‬ ‫إنه يقف!"‬

‫‪126‬‬




‫الفصل الثامن‬


‫أ‬ ‫ت‬ ‫ب�د��‬

‫قانية ف‬ ‫تتعا� وتستعيد قواها‪ ،‬فارتأت أرجوان أن الوقت قد حان لتذهب إىل حيث‬ ‫ف‬ ‫أمس الحاجة إليها‪ :‬بيت عالء الدين‪ .‬كانت تشق طريقها ي ن‬ ‫ب�‬ ‫توجد غاية هي ي� ّ‬ ‫أ‬ ‫السواق العربية الصاخبة عندما ربَّ َت أحدهم عىل كتفها‪ .‬ففوجئت لمرأى قطب*‬ ‫العزيز عىل قلبها‪ ،‬الذي وصل لتوه من جزيرة المشعوذ عىل ظهر عوامته‪" .‬حد نث� قل� نأ� من دون كل أ‬ ‫الماكن‬ ‫ّ ي بي ي‬ ‫السواق"‪ ،‬قال قطب‪ .‬فضحكا ثم ش�عا معاً ف� البحث عن آ‬ ‫ف� بلدة أ� عالء لن‪ ‬أجدك إال‪ ‬هنا ف� أ‬ ‫الخرين‪.‬‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والخرون يقفون عىل حافة أ‬ ‫كان أبو عالء آ‬ ‫الخدود‪" .‬ال يسعنا العبور‪ .‬إنه شاسع جداً"‪ ،‬قال أبو عالء‪.‬‬ ‫"احم!" بلغ صوت من خلفهم‪.‬‬ ‫التفت جميعهم نحو أرجوان وقطب‪" .‬لقد بدأنا هذه الرحلة معكم وها قد أتينا لنكملها معكم"‪ ،‬قالت‬ ‫ن‬ ‫وهبت� ذات الشعر المسدل هدية قبل أن نغادر البيت القديم ولقد حان الوقت الستخدامها"‪.‬‬ ‫أرجوان‪" .‬لقد‬ ‫ي‬ ‫ضف�ة ذات الشعر المسدل أمام أعينهم‪ ،‬فه ّلل الجميع‬ ‫مشد شعرها تل�خي ي‬ ‫ثم نزعت قلنسوتها الحمراء‪ ،‬وفكت ّ‬ ‫فرحاً‪ ،‬وقد فهموا أنه بات باستطاعتهم عبور أ‬ ‫الخدود‪.‬‬ ‫ما‪ ‬أو� من قوة‪ ،‬ألقى الضف�ة نحو ضفة أ‬ ‫ت‬ ‫الخدود‬ ‫الضف�ة فوق رأسه ثالث مرات‪ ،‬وبكل‬ ‫أدار قطب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫بشد وثاقها حول صخرة ف ي� ضفتهم‪" .‬علينا‬ ‫الخرى حيث التفّت حول عقب جذع مقطوع‪ ،‬فجعلوا منها حبال ً متيناً ّ‬ ‫ين‬ ‫المسن� منهم قائالً‪" :‬إن استطعتم‬ ‫جميع‬ ‫العبور بالتناوب ثم االختباء وراء تلك الصخور" قال قطب‪ .‬ثم خاطب‬ ‫َ‬ ‫إلهاء ش‬ ‫فسينقض عليه بقيتنا من الخلف وهو ف ي� غفلة من أمره"‪.‬‬ ‫ال�ير‪،‬‬ ‫ّ‬

‫‪130‬‬


‫وإذ لم‪ ‬يوفَّق أحد لحل أفضل‪ ،‬أيدوا جميعاً هذه الفكرة‪ .‬وبتأن وثبات ع�وا الهو َة واحداً تلو آ‬ ‫الخر عىل‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ضف�ة ذات الشعر المسدل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫كان قطب يتقدم فريق الشباب‪ .‬وعندما ت‬ ‫صف�اً ينبعث من قاع المغارة‪.‬‬ ‫اق�ب من الضفة الخرى‪ ،‬سمع ي‬ ‫كان لحناً عذباً ومرحاً‪ ،‬وقد سمعه آ‬ ‫الخرون أيضاً وهم ت‬ ‫يق�بون من الحافة‪.‬‬ ‫نهض الطيف فبدا ضخم الج ّثة طويل القامة‪.‬‬ ‫"أتراه الساحر الشه�؟" صاح أ‬ ‫ال يم� عالء الدين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫يم� عىل ساق‬ ‫زحف الطيف عىل جدار المغارة نحو الخارج ح� انتصب واقفاً تحت نور الشمس‪ .‬كان ي‬ ‫خشبية حامال ً س ّلة وجاراً خلفه تابوتاً مليئاً بالعظام‪.‬‬ ‫"إنه ليس الساحر‪ ،‬إنه المشعوذ!" قال قطب بارتباك‪.‬‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫"انظروا إىل ساقه! لقد كان هو إذن من دعس اللغم فانفجر فيه" قالت ي ز‬ ‫ال يم�ة‪.‬‬ ‫"ال أفهم شيئاً" قال قطب‪" .‬ما الذي تأ� به إىل الغابة الحمراء؟"‬

‫‪131‬‬


‫أدخل المشعوذ يده ف ي� جيب معطفه وأخرج منه المصباح‪ .‬لم‪ ‬يكن ف ي� العلبة الزجاجية‪ .‬بدأ المشعوذ‬ ‫ن‬ ‫الج� وظهرت معه سحابة من دخان أحاطت بالمشعوذ‬ ‫يفرك المصباح هامساً إليه كالماً يغ� مسموع‪ .‬فظهر ي‬ ‫ح� حجبته عن أ‬ ‫وظلت تتكاثف من حوله ت‬ ‫البصار‪.‬‬

‫وفجأة‪... ‬‬ ‫ف‬ ‫انفجرت السحابة ش‬ ‫وثبت ليىل‬ ‫وتال� بخارها ي� الهواء لتظهر ليىل بوجه مغاير حيثما كان يقف المشعوذ‪ّ .‬‬ ‫وهي تعرج عىل ساقها الخشبية ف� اتجاه أ‬ ‫الخدود شادية بمرح‪ .‬وكان قطب أ‬ ‫وال يم� عالء الدين أول من رآها فعقد‬ ‫ي‬ ‫لسانيهما هول الصدمة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الج� قائلة‪:‬‬ ‫وضعت ليىل سلتها عىل الرض بالقرب من القفص الذي كان يحتجز خرطوماً‪ .‬ونظرت إىل ي‬ ‫"حسناً‪ ،‬أنا جاهزة"‪.‬‬

‫‪132‬‬


133




‫ن‬ ‫الج� وقال‪" :‬فليكن ما‪ ‬تريدين"‪ .‬ثم صمت لوهلة قبل أن يتابع بحزم‪" :‬بعظمة سحرك تتحقق‬ ‫تنهد ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫"إلق‬ ‫رغبتك ي� أن تلفظ الحياة نفسها ال ي‬ ‫خ� بزوال كل مقتضيات البقاء عىل هذه الرض"‪ .‬وصمت ي‬ ‫الج� ثم قال‪ِ .‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ف ي� الهاوية رمزاً ّ‬ ‫ال� أعطيتك"‪.‬‬ ‫ال� ّ‬ ‫جمعتها وفقاً للوصفة ي‬ ‫لكل من مقتضيات الحياة الب�ية ي‬ ‫"وهل ن‬ ‫سيف� هذا الكوكب بعد ذلك؟" سألت ليىل بمكر‪.‬‬ ‫سيف� كل من عىل هذه أ‬ ‫"نعم‪ ،‬ن‬ ‫الرض عداك أنت‪ .‬أنت من سيحكم العالم الجديد"‪.‬‬ ‫فركت ليىل كفيها بحماس‪ .‬وفتحت سلتها ل ُتخرج منها كل ما‪ ‬جمعته من مقتضيات بقاء ش‬ ‫الب�ية عىل‬ ‫الرض الواحدة تلو أ‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫"مملكة النحل‪ ... ‬فال‪ ‬تلقيح من دون نحل‪ .‬وال‪ ‬غذاء من دون تلقيح"‪ .‬سحبت ليىل خلية النحل ي‬ ‫أخذتها من نز‬ ‫خ�ير الشجر‪ ،‬قائلة‪" :‬أُ ِنجز"‪ .‬وألقت الخلية ف ي� الحفرة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫"ال�بة الخصبة" قالت ليىل وهي تتابع رسد قائمة مقتضيات الحياة ش‬ ‫الب�ية‪ .‬ثم أخذت حفنة من رمل‬ ‫جاف قذر لم‪ ‬يطأه المطر من أيام ورمته ف ي� الهاوية‪.‬‬ ‫"المسكَن"‪ .‬ثم اتجهت نحو الخنازير‪ .‬فتعاىل ِقبا ُعها ت‬ ‫باق�اب ليىل منها‪ .‬ولم‪ ‬تستطع ليىل إحكام القبض‬ ‫ف‬ ‫التال ف ي� القائمة‪.‬‬ ‫عليها إذ‪ ‬كانت الخنازير تدور وتتلوى فقررت العودة إليها ي� النهاية واالنتقال إىل البند ي‬

‫‪136‬‬


‫فرغ كل ما‪ ‬جمعته من عظام‬ ‫"استقرار المناخ"‪ .‬دفعت ليىل التابوت إىل حافة الهاوية ورفعت الغطاء ل ُت ِ‬ ‫فوق الخليط‪" .‬لقد تط ّلب إغراق سكان جزيرة ال ّنورس جميعهم فيضاناً عارماً"‪.‬‬ ‫"التعليم"‪ .‬ألقت ليىل ف� الهوة مكتبة من دفاتر ي ز‬ ‫الف�ياء المحروقة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الج� القاعد‬ ‫تنح� لفركه "أيها ي‬ ‫"الهواء النقي"‪ .‬كان المصباح مطروحاً عىل الرض أمامها‪ .‬فتمتمت وهي ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الج� من المصباح ونفث من الهواء الملوث كميات جعلت عينيها تدمع‪.‬‬ ‫ي� كنانك اغمرنا جميعاً بدخانك"‪ .‬فخرج ي‬ ‫والحيوانات الحبيسةَ سعال شديد‪.‬‬ ‫وانتاب ليىل‬ ‫ِ‬ ‫"وأخ�اً‪ ،‬الدخل"‪ .‬نظرت ليىل إىل أ‬ ‫السد ثم إىل أنياب خرطوم وخاطبتهما بالقول‪" :‬لقد حان الوقت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ساعد� عليهم!"‬ ‫الج�‪... ‬‬ ‫ي‬ ‫إللقائكما والخنازير ي� الهاوية‪ ... ‬أيها ي‬ ‫أ‬ ‫ضف�ة ذات الشعر المسدل‪ .‬وكان البقية ينتظرونه ف ي�‬ ‫يع� الخدود ِوب ُعرس عىل ي‬ ‫مسن ب‬ ‫كان أبو عالء آخر ّ‬ ‫الضفة أ‬ ‫الخرى ي ن‬ ‫شجع‪ .‬ولم‪ ‬تكن تفصله عنهم سوى مسافة ذراع ونيف عندما أخذ ف ي� السعال من جراء‬ ‫ب� ِقلق ُ‬ ‫وم ِّ‬ ‫التلوث الخانق‪ .‬وقد حاول كتم سعاله تف�نح قليال‪" .‬ال تنظر إىل أ‬ ‫السفل"‪ ،‬هتفت ياقوتة بارتباك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫"ألق إل خزان أ‬ ‫ين‬ ‫كسيج� برسعة"‪ ،‬قال قطب‪.‬‬ ‫ال‬ ‫يّ‬

‫‪137‬‬


‫ألقى أبو عالء خزان أ‬ ‫ين‬ ‫وكسج�‪ ،‬الذي ما‪ ‬كان ليحيد عن يدي قطب لوال ضعف برصه الشديد‪ ،‬لكن‬ ‫ال‬ ‫الخزان هوى عىل سطح الصخرة فكان ارتطامه بها مدوياً‪.‬‬

‫كلنغ كالنغ بانغ‬

‫ومدت أذنيها إىل مصدر الصوت قائلة‪" :‬من فعل هذا؟"‬ ‫ألوت ليىل برأسها ّ‬ ‫َ‬ ‫ين‬ ‫بالضف�ة وقد بدأت يداه ورجاله ترتعش‪.‬‬ ‫وتمسك أبو عالء‬ ‫تص ّلبت أجساد‬ ‫ي‬ ‫المسن�‪ّ .‬‬ ‫ف‬ ‫و�‪ ‬لمح‬ ‫"ماذا لدينا هنا؟ قلة من المنقذين جاؤوا ليخ ّلصوا رفاقهم من الموت؟"‪ .‬ضحكت ليىل بمكر‪ ،‬ي‬ ‫الخدود متوارياً عن أ‬ ‫البرص قطعت الضف�ة بمطواة‪ ،‬فهوى أبو عالء ف� فوهة أ‬ ‫النظار‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫"الااااااااااااااااا!" رصخ أ‬ ‫ال يم� عالء الدين من وراء صخرة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الج�‬ ‫الج�؟"‪ّ .‬‬ ‫طوق ي‬ ‫التفتت ليىل نحوه ودمدمت بحنق "أهناك المزيد منكم؟ احبسهم جميعاً أيها ي‬ ‫ين‬ ‫هم بالشباب‪.‬‬ ‫المسن� بحبال ّ‬ ‫وشد وثاقهم ثم ّ‬

‫‪138‬‬


‫الج� إليهم‪ ،‬اندفع أ‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫حد‬ ‫ال يم� عالء الدين نحو خزان‬ ‫أوكسج� ب يأ� عالء فخبطه عىل ّ‬ ‫وقبل أن يصل ي‬ ‫الصخرة لينفتح ودفعه عىل أ‬ ‫الرض ف ي� اتجاه المصباح المتصاعد دخانُه‪ .‬وتوقّف الخزان بالقرب من المصباح‪،‬‬ ‫فغطى أ‬ ‫ين‬ ‫وكسج� المنبعث منه عىل الهواء الملوث‪ .‬ورسعان ما‪ ‬بدأ الدخان ينقشع‪.‬‬ ‫ال‬ ‫كانت ليىل أشد احمراراً من ذي قبل‪ ،‬وقد غدت شأ�س من حريق يشب ف ي� غاب وال‪ ‬يُطفأ عىل الفور‪ .‬وقد‬ ‫أدرك آ‬ ‫الخرون أن عليهم التحرك برسعة‪.‬‬ ‫خ�رانة أ‬ ‫أمسكت ي ز‬ ‫ال يم�ة عصاها المحظوظة ش‬ ‫و�عت تهزها فوق رأسها كسيف الساموراي القاطع‪ ،‬وهي‬ ‫ال� طارت من حذائها أ‬ ‫�ض‬ ‫ت‬ ‫الحمر لتسقط عىل‬ ‫حركة تعلمتها من أحد ُك ُتبها‪ ،‬وب بة واحدة‪ ،‬هوت بها عىل ليىل ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الرض ووجهها معفر ف� ت‬ ‫العجاب‪.‬‬ ‫ال�اب‪ .‬كان ال يم� عالء الدين ي� قمة إ‬ ‫ي‬ ‫خ�ير الشجر أ‬ ‫ف‬ ‫و� أثناء ذلك‪ ،‬ركض نز‬ ‫الصغر نحو خلية النحل صارخاً "إن حياة النحل مهمة أيضاً!"‪ .‬وبينما‬ ‫ي‬ ‫الخران يحاوالن تخليص الخنازير أ‬ ‫الخ�يران آ‬ ‫كان يحاول لملمة خلية النحل الجريح‪ ،‬كان نز‬ ‫ال بك� سناً‪ ،‬لكن ليىل‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫والق بها ف ي� القدر!"‬ ‫كانت أرسع منهم‪" .‬أيها ي‬ ‫الج�‪ ،‬احبس هذه الخنازير كلها ي� القفص ِ‬ ‫أ‬ ‫و�ع ن ف‬ ‫بدأ الدخان يتصاعد من المصباح‪ ،‬ش‬ ‫القدر الفوارة‪.‬‬ ‫الج� ي� دفع قفص خرطوم والسد نحو ِ‬ ‫ي‬ ‫كان قطب* ال‪ ‬يزال مختبئاً وراء الصخرة يرقُب المشهد وقد ارتعدت فرائصه‪ .‬كان يريد أن يبقى مختفياً‬ ‫نفسه الذي انتابه عندما أرادت بينكويا اصطحابه إىل جزيرة المشعوذ للعثور‬ ‫أو‪ ‬يهرب‪ .‬وكان شعور الخوف هذا ُ‬

‫‪139‬‬


‫أ‬ ‫ما‪ ‬فع َله‪.‬‬ ‫عىل أخته‪ .‬كان يدرك ما‪ ‬بداخله من شجاعة ولم‪ ‬يكن عليه سوى إ‬ ‫القدام عىل الخطوة الوىل‪ ،‬وهذا َ‬ ‫ين‬ ‫القفص�‪ ،‬لكنهما كانا يدفعانه شيئاً فشيئاً إىل الهاوية‪.‬‬ ‫فاندفع راكضاً ليمنع سقوط‬ ‫"ماذا تفعل؟ تحرك!" صاح قطب*‪.‬‬ ‫ن‬ ‫الج�‪ .‬لم‪ ‬يبق سوى القليل"‪.‬‬ ‫قهقهت ليىل بلؤم‪" .‬أحسنت أيها ي‬ ‫اندفع ذو أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫الصغ� ألقى المصباح ف ي� الفضاء ليسقط‬ ‫ذن� نحوهم صارخاً "كفى!"‪ِ .‬وب َنقرة من خرطومه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫خ� ف ي� الخليط الفوار‪.‬‬ ‫ال ي‬ ‫تسمر الجميع ف ي� أماكنهم!‬ ‫ّ‬ ‫و�ار‪ .‬ولوهلة خمدت كل أ‬ ‫كان صوت الغليان ينبعث من الخليط مع أزيز ش‬ ‫الصوات ليعقب ذلك دوي‬ ‫االنفجار‪ .‬تصاعدت عىل الفور سحابة كونية ف ي� شكل فطر وتجمدت ف ي� الفضاء قبل أن تبتلعها الهاوية من جديد‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ج� المصباح‪.‬‬ ‫ساحبة ي� خوائها ي‬ ‫خر الجميع‪ ،‬شيباً وشباباً‪ ،‬عىل حافة أ‬ ‫الخدود ينظرون من عل إىل كثبان الصحراء العربية ت‬ ‫الم�امية‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أمامهم‪ .‬وكزت ي ز‬ ‫خ�رانة ال يم�ة ال يم� عالء الدين وأشارت إىل السماء‪ .‬كان أبو عالء يح ّلق نحوهم عىل ظهر‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الب ش�ى‪" :‬لقد ُد ّمر المصباح!"‪.‬‬ ‫صندوقه‪ .‬فركض ال يم� عالء الدين إليه‪ ،‬وقبل أن ُ‬ ‫م� ُ‬ ‫يح ّط أبو عالء‪ّ ،‬زف إليه ال ي ُ‬ ‫فرفع أبو عالء كفيه إىل السماء حمداً‪.‬‬

‫‪140‬‬


141


‫المدمر؟ بدأت القصة عندما أردت ش�اء هدية ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫لجد�‬ ‫ال�‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫طمرت ليىل رأسها يب� يديها‪" .‬من أين يل هذا ُّ‬ ‫ت‬ ‫وجد� قانية تحب المرق ف ي� الطعام‪ .‬فعندما وقع برصي عىل إعالن لبيع إناء مرق عىل الشبكة‪ ،‬لم‪ ‬أقاوم‬ ‫قانية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫رغب� ف� الحصول عليه‪ .‬ت‬ ‫ت‬ ‫التال‪ .‬كان معروضاً ف ي� هذه العلبة‬ ‫فاش�يته وذهبت إلحضاره من مكتب ب‬ ‫ي ي‬ ‫ال�يد ي� اليوم ي‬ ‫الزجاجية أ‬ ‫ن‬ ‫فسحر� منظره‪ .‬وأنا ف ي� طريقي إىل بيت الجدة‪ ،‬أخرجته من العلبة أللمعه رسيعاً بطرف‬ ‫النيقة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫معطفي" ‪ -‬وبينما كان آ‬ ‫الخرون يتابعون بشغف كل كلمة من الرواية‪ ،‬قالت ليىل‪" :‬وهذا آخر ما‪ ‬أتذكره"‪.‬‬ ‫قال أبو عالء‪" :‬إنها لعنة المصباح التعيسة‪ .‬فحالما يلمسه حامله بيديه‪ ،‬تجتاحه رغبات أنانية ش‬ ‫و�يرة‪.‬‬ ‫المر‪ ،‬ولهذا س ّلم إىل أ‬ ‫ما‪ � ‬أ‬ ‫ف‬ ‫ال يم� عالء الدين ف ي� علبة الزجاج"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هذا كل ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫أعطا� المصباح‪.‬‬ ‫بوالدي عندما‬ ‫أردف ال يم� عالء الدين قائالً‪َ " :‬لكَم كنت مغفالً! لقد ّ‬ ‫اشتد المرض ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫خ�ة وكان يكابد لنطق عبارة مفهومة‪ .‬قال إن المصباح أداة قوية إن هو‬ ‫صا� الذهن ي� ساعاته ال ي‬ ‫لم‪ ‬يكن ي َ‬ ‫ف‬ ‫فخلت أنه فقد صوابه أل ن‬ ‫استخدم برشاد‪ ،‬وإنه ي ن‬ ‫ن� طالما ظننت المصباح‬ ‫يتع� إبقاؤه ي� العلبة لمصلحة الجميع‪ِ .‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫�ض ف‬ ‫ن‬ ‫لم‪ ‬أخرجه ق ّط من‬ ‫ن�‬ ‫إناء للمرق"‪ .‬فكّر ال يم� لوهلة ثم أفصح بالقول‪" :‬لم َ‬ ‫ِ‬ ‫يلحقنا منه أي ر ي� ظل حكمي أنا ل ي‬ ‫جهل"‪.‬‬ ‫نفع أيضاً بسبب ي‬ ‫العلبة الواقية‪ .‬ولم‪ ‬يأتنا منه أي ٍ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫تابعت الملكة ي ز‬ ‫ش‬ ‫الج� لتظهر‬ ‫ال� تملكتها �ور لمس المصباح‪ ،‬فقد استخدمت ي‬ ‫خ�رانة قائلة‪" :‬أما ليىل‪ ،‬ي‬ ‫المة وحكم العالم‪ .‬لقد صدقت أ‬ ‫يتس� لها إبادة أ‬ ‫بمظهر أ‬ ‫المختلف� بحيث ن‬ ‫ين‬ ‫السطورة إذن‪ .‬فما من شك ف ي�‬ ‫ال ش�ار‬ ‫أن المصباح أجج ين�ان التمرد‪ .‬وكان مصدر الدمار كله"‪.‬‬ ‫ف‬ ‫تفك� عميق وتحليل دقيق‪ .‬وطال الصمت المطبق‪.‬‬ ‫كان الجميع مستغرقاً ي� ي‬

‫‪142‬‬


143


‫ع ّلقت الخنازير الستة خلية النحل إىل غصن الشجرة المتدل‪ .‬آ‬ ‫"الن يمكنك العيش بحرية وبال خوف أيها‬ ‫ي‬ ‫الصغ�"‪ ،‬قال نز‬ ‫الصغ�‪.‬‬ ‫خ�ير الشجر‬ ‫النحل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كان نز‬ ‫شع�ات ذقنه قبل أن يخاطب الجميع قائالً‪" :‬قبل بضعة أيام عزمنا عىل‬ ‫الخ�ير الحكيم بي�م ي‬ ‫ن‬ ‫ت�ف ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ال‪ ‬تزال جراحها نز‬ ‫ح� اليوم‪ .‬أدركنا أننا إذا أردنا‬ ‫أداء مهمة‪ .‬قررنا أن زمننا عا� ما‪ ‬يكفي من الكوارث ي‬ ‫أك� شإ�اقاً فحري بنا أن نشمر عن سواعدنا آ‬ ‫ألحفادنا وأحفاد أحفادنا من بعدنا أن يعرفوا زمناً ث‬ ‫الن‪ ،‬ذلك أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخ لم‪ ‬يكن يعيد نفسه فحسب وإنما كان الوضع يزداد سوءاً‪ .‬وقد تخلل رحلتنا هذه من التجارب المرعبة‬ ‫ف‬ ‫كث�ة‪ .‬لكن عندما عقدنا العزم معاً نحن‬ ‫ما‪ ‬لم‪ ‬نتوقّعه‪ .‬وقد فشلت معظم ُخططنا وكدنا نستسلم ي� أحيان ي‬ ‫آت� لنقاذ حياة الشباب وإغاثة أ‬ ‫أ‬ ‫الجيال‬ ‫الكبار‪ِ ،‬خلنا أنفسنا أبطاال ً"‪ .‬ثم رمق الحفاد الصغار كافة وقال‪" :‬كنا ي ن إ‬ ‫المقبلة‪ ،‬فها أنتم ف ي� نهاية المطاف تنقذون حياتنا"‪.‬‬ ‫تعاىل تصفيق الكبار وتهليلهم‪ .‬لقد انتهت المعركة‪ .‬لقد ُد ّمر المصباح ي ن‬ ‫بخ�‪ .‬وبينما‬ ‫اللع� وبات الجميع ي‬ ‫كانوا يحتفلون بنرصهم‪ ،‬تط ّلع خرطوم وذو أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ذن� إىل السماء وأطلقا نغماً بلغتهما‪ .‬لم‪ ‬يكن البقية يفهمون‬ ‫الوىل عىل أ‬ ‫ما‪ ‬يقوالنه‪ .‬وفجأة تكاثفت الغيوم‪ ،‬واكفهر وجه السماء‪ .‬وسقطت قطرة المطر أ‬ ‫الرض‪ .‬وأعقبتها قطرة‬ ‫ّ‬ ‫ثم أخرى ت‬ ‫ح� بدأ الغيث ينهمر‪.‬‬ ‫ش‬ ‫وسوا أيما رسور‪ .‬وقطع الفيلة عىل أنفسهم عهداً بأال‬ ‫استب� الجميع كباراً وصغاراً بعودة المطر ُ ّ‬ ‫يأخذهم الغرور مجدداً ليظنوا أن بإمكانهم العيش بال‪ ‬مطر‪ .‬سال الغيث النافع عىل أ‬ ‫الرض‪ .‬وتعالت الضحكات‪.‬‬ ‫وسالت دموع الفرح عىل الخدود‪.‬‬

‫‪144‬‬


‫خطبت باباياغا ف� الجمع قائلة‪" :‬لقد نجحنا! وإنه لنرص تاريخي‪ .‬اليوم تكتب الصفحة أ‬ ‫الوىل لمستقبل‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫المشيد عىل سيقان الدجاج يركض نحوهم‪" .‬ها قد وصلت‬ ‫جديد"‪ .‬وحالما أشارت بأصابعها كان البيت القديم‬ ‫ّ‬ ‫مركبة العودة إىل الديار"‪ .‬ركب الجميع داخل البيت القديم بشوق إىل مالقاة رفاقهم وبدأت رحلة العودة إىل‬ ‫البلدة القديمة‬ ‫الصغ�ة‪.‬‬ ‫ي‬

‫تؤسس خطة التنمية المستدامة لعام‪ 2030 ‬لمستقبل واقعي مشع أ‬ ‫بالمل‪ .‬آ‬ ‫والن‬ ‫ّ‬ ‫وقد ِبتنا عىل ِعلم بأهداف التنمية المستدامة السبعة ش‬ ‫ع�‪ ،‬أصبح من واجبنا‬ ‫درسينا فحسب وإنما أن نُ ي ِّ ن‬ ‫ب� لهم أيضاً ما‪ ‬يمكنهم‬ ‫ب‬ ‫سنا ُ‬ ‫وم ّ‬ ‫أال‪ ‬نخ� بها أصحابنا وأُ َ َ‬ ‫فعله لتغي� أ‬ ‫الوضاع بحيث ن‬ ‫يتس� لنا أن نعيش مستقبلنا عىل كوكب مزدهر‬ ‫ي‬ ‫غ�ه‪.‬‬ ‫وصحي وآمن‪ .‬فهذا بيتنا ليس لنا ي ُ‬

‫‪http://www.un.org/sustainabledevelopment/ar‬‬ ‫‪www.sdgstories.com‬‬

‫‪145‬‬






‫الم�وع ف� بداية ‪ 2014‬تحت سامي شإ�اف المدير العام لمكتب أ‬ ‫انطلق ش‬ ‫المم المتحدة بجنيف السيد مايكل مولر‪ .‬ويرمي‬ ‫ي‬ ‫الضواء عىل وقع العمل الذي تنجزه أ‬ ‫الم�وع لتسليط أ‬ ‫ش‬ ‫المم المتحدة والمنظمات الدولية والمنظمات يغ� الحكومية وما‪ ‬سواها من‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫النسانية وحفظ‬ ‫الجل لجنيف الدولية ليس فقط ي� مجال المساعدات إ‬ ‫الهيئات المقيمة ي� جنيف‪ .‬وتتمثل غايته ي� إشاعة إ‬ ‫اللمام بالدور ي‬ ‫السالم والصحة العامة وحسب‪ ،‬ولكن أيضاً فيما نعيشه كل يوم‪.‬‬ ‫ف‬ ‫العالم العام الذي ض‬ ‫يقت� ش�اكات مبتكرة وتشاوراً ي ن‬ ‫ش‬ ‫فالكث� من النشاطات الجارية‬ ‫ب� المنظمات‪.‬‬ ‫والم�وع ضالع ي� جهود إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ضمن ش‬ ‫الم�وع تركز عىل تواصل أفضل لالضطالع بما‪ ‬تقوم به جنيف الدولية لمساعدة العالم عىل تحقيق أهداف التنمية المستدامة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ويعمل ش‬ ‫الم�وع ي� محاور‪ ‬ثالثة‪:‬‬ ‫ ‪y‬إشاعة المعلومات بشكل مبتكر مع إعادة النظر ف ي� الروابط مع وسائل التفاعل؛‬ ‫الكاديمية للنظر ف� أ‬ ‫الوساط أ‬ ‫ال�اكات مع أ‬ ‫ ‪ y‬ش‬ ‫الثر الجماعي للمنظومة الدولية؛‬ ‫ي‬ ‫الحاسيس وقص أ‬ ‫الفراد بربطها بجمهور أوسع من خالل تحريك أ‬ ‫تغي� تجارب أ‬ ‫القاصيص‪.‬‬ ‫ ‪ y‬ي‬ ‫ّ‬ ‫الول‪/‬ديسم� ‪ 2016‬كان من بينها وكاالت ومكاتب أ‬ ‫الم�وع ما‪ ‬يناهز ‪ 95‬ش�يكاً ف� مو ف َّ� كانون أ‬ ‫وقد جمع ش‬ ‫للمم المتحدة‪ ،‬ومنظمات‬ ‫ب‬ ‫ي َُ‬ ‫وغ� حكومية‪.‬‬ ‫دولية ومنظمات حكومية ي‬

‫‪150‬‬


‫إبداء آ‬ ‫الفكار أو‬ ‫شارك ف� إثرائه بطرح أ‬ ‫ أو‬،‫مراجعته‬ ‫ وأسهم ف� ترجمته أو‬،‫جزيل الشكر لكل من شارك ف� إعداد هذا العمل فآمن به‬ .‫الراء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ وجمال الكحلوت إخراجاً (مكتب‬، ً‫بلفالح ترجمةً ومر َاج َعة‬ ‫ وأسماء‬،‫وش�ين حيدر‬ ‫ ي‬،‫ وخالد سمره‬،‫أسهم ي� إعداد النسخة العربية كل من محمد بن سعيد‬ ‫أ‬ .)‫ جنيف‬،‫المم المتحدة‬

Louise Agersnap (World Health Organization), Abdulaziz Almuzaini (United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization), Charles Avis (Basel, Rotterdam and Stockholm Secretariat), Salman Bal (United Nations Office in Geneva), Sarah Bel (United Nations Development Programme), Christophe Barrull (United Nations Office in Geneva), Jana Bauerova (United Nations Office in Geneva), Jurgen Baumhoff (Intercontinental Hotel, Geneva), Alejandro Bonilla (Greycells), Alison Bellwood (The World’s Largest Lesson/Project Everyone), Mark Boerrigter and team (Saxion University of Art and Technology (Netherlands), Flore-Anne Bourgeois Prieur (Plan International), Daniella Bostrom (UN Water), Esther Cappelli (United Nations Office in Geneva), Paola Cerecetti (Mission of Switzerland to the UN and other international organizations in Geneva), David Chikvaidze (United Nations Office in Geneva), Xavier Cornut (Action pour la Genève Internationale et son rayonnement), Olivier Coutau (State and Canton of Geneva), Tatjana Darany (Fondation pour Genève), Ahmad Fawzi (United Nations Office in Geneva), Kim Florence (International Organisation for Migration), Raushana Garcia-Wickett (United Nations Office in Geneva), Marie-Rose Gerard (United Nations Office in Geneva), Valentina Goutet (student), Fabio Goutet (student), Gabriele Goutet (student), Marina Goutet (student), Natacha Guyot (Action pour la Genève Internationale et son rayonnement), Keith M. Harper (United States Permanent Representative to the United Nations Human Rights Council in Geneva), Barbara Hayden (U.S. Mission Geneva), Tereza Horejsova (Diplo Foundation), Sylvie Jacque (Greycells), René Kirszbaum (Greycells), Kira Kruglikova (United Nations Office in Geneva), Luca Lamorte (Kofi Annan Foundation), Sarah Landelle (United Nations Office for Disaster Risk Reduction), Brigitte Leoni (United Nations Office for Disaster Risk Reduction), Rhéal LeBlanc (United Nations Information Service), Anne-Sophie Lois (Plan International), Viviane Lowe (Translation Communication), Daniela Morris (Proofreader), Shannon O’Shea (United Nations Children’s Fund New York), Jemini Pandya (Inter-Parliamentary Union), Sarah McConville (Student), Irena Mihova (United Nations Office in Geneva), Céline Molinière (Greycells), Corinne Momal-Vanian (United Nations Office in Geneva), Beatrice Montesi (Global Alliance for Improved Nutrition), Naïs Mouret (World Federation of United Nations Associations), Gareth Paul (Proofreader), Francesco Pisano (United Nations Office in Geneva), Tom Peyre-Costa (Interpeace), Rachel Phillips (United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization), Natalie Pierce (former Intern at United Nations Office in Geneva), Aziyadé Poltier-Mutal (United Nations Development Programme), Roxana Radu (Diplo Foundation), Céline Reyboubet (Basel, Rotterdam and Stockholm Convention), Jean Rodriguez (United Nations Economic Commission for Europe), Mirta Roses Periago (former Director of Pan American Health Organization), Ségolène Samouiller (University of Geneva), John Scott (Centre for Public Service Communications), Edwin Schupman (Smithsonian National Museum of the American Indian), Laura Schmid (State and Canton of Geneva), Markus Schmidt (United Nations Office in Geneva), Xavier Seigneurin (United Nations Economic Commision for Europe), Alina Silborn (student), Lila Silborn (student), Mikael Simble (United Nations Children’s Fund), Pierre Sob (Greycells), Gabrielle Tayac (Smithsonian National Museum of the American Indian), Marina Tejerina Ortega (United Nations Economic Commission for Europe), Manuela Tortora (Greycells), Sandrine Tranchard (International Standards Organizations), Bobir Tukhtabayev (United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization), Hester van der Ent (Saxion School of Art and Technology), Alessandra Vellucci (United Nations Office in Geneva), Besa Veselaj (United Nations Children’s Fund), Marilena Viviani (United Nations Children’s Fund Geneva), Maria-Sabina Yeterian-Parisi (Greycells), Michele Zaccheo (United Nationsl Office in Geneva).

151


‫جمــع هــذا الكتــاب مقتطفــات مــن الـ تـراث أ‬ ‫ وقــد حبكــت الحكايــات بشــكل يخلــق‬.‫والقاصيــص مــن شـ تـى البقــاع‬ ‫ واقتبســت شــخصيات مــن حكايــات معروفــة‬.‫ســيما أهــداف التنميــة المســتدامة‬ ‫مدخ ـا ً لنقــاش تحديــات العــر وال‬ ‫و ُطوعــت أ‬ .‫الحــداث‬ ّ :‫اق ُتبست من الروايات التالية‬ ‫استلهمت فصول من هذا الكتاب أو‬ ‫ تراث ي ز‬،‫الخنازير الثالثة‬ ‫انجل�ي‬ ‫ تراث من جنوب إفريقيا‬،‫الفيل والغيلم‬ ‫ن‬ �‫ألما‬ ‫ تراث ي‬،‫ليىل والذئب‬ ‫ن‬ ‫يز‬ �‫يابا‬ ‫ تراث ي‬،‫خ�رانة‬ ‫ش‬ ‫شيل‬ ‫ تراث من ي‬،�‫كاليوت‬ ‫ي‬ ‫ ألف ليلة وليلة‬،‫عالء الدين والمصباح السحري‬ ‫مع تلميحات لشخصيات أخرى من ت‬ ‫ال�اث العالمي‬ • The Story of the Three Little Pigs by Joseph Jacobs, English Fairy Tales, 1890 • Elephant and Tortoise by James Honeÿ, South African Folk Tales, 1910 • Little Red Cap by Jacob and Wilhelm Grimm, Grimm’s Fairy Tales, 1812 (More commonly known as Little Red Riding Hood, a title given by Charles Perrault in the XVII Century.) • The Bamboo Cutter and the Moon-Child by Yei Theodora Ozaki, (also known as The Tale of Princess Kaguya), in Japanese Fairy Tales, 1908 • Caleuche, Chilean Oral Folklore with legends, beliefs, mythological elements and characters from the Island of Chiloe and Southern Chile • Aladdin’s Wonderful Lamp by Antoine Galland, The Book of One Thousand and One Nights, The Arabian Nights, 1704.

152


• • • • • • • • • • • • •

Snow White and the Seven Dwarves by Brothers Grimm, 1812 Thumbelina by Hans Christian Andersen, 1835 The Princess and the Pea by Hans Christian Andersen, 1835 Rapunzel by Brothers Grimm, 1812 Baba Yaga, from Slavic tradition with first references of her dating back as far as 1755 The Frog Prince by Brothers Grimm, 1812 The Bird of Popular Song by Hans Christian Andersen, 1865 The Shadow by Hans Christian Andersen, 1847 The Emperors New Clothes by Hans Christian Andersen, 1837 Hansel and Gretel by Brothers Grimm, 1812 Jack and the Bean stalk by Joseph Jacobs, 1890 The Little Mermaid by Hans Christian Andersen, 1837 Anansi the Spider by William H Barker, 1917

153


‫ضمن صفحات الكتاب مربعات تحيل إىل مواضيع بعينها ذات صلة بأهداف التنمية المستدامة‪ .‬تلك المربعات‬ ‫ين‬ ‫مبا� ي ن‬ ‫هي إحاالت لبدء نقاش ش‬ ‫جرا ‪...‬‬ ‫والخ�اء‪،‬‬ ‫ب� الق ُّراء‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والجامعي�‪ ،‬ب‬ ‫والمشاه�‪ ،‬وسفراء النوايا الحسنة‪ ،‬هلم َّ‬ ‫وللقراء مسح المربع لاللتحاق بالموقع والمشاركة ف ي� الحديث الدائر‪ .‬للمشاركة ف ي� النقاش‪ُ ،‬ز ْر الموقع‪:‬‬ ‫‪www.sdgstories.com‬‬

‫حوار مع ن ز‬ ‫خ�ير الحكيم‬ ‫حــان وقــت الطاقــة النظيفــة! لن‪ ‬نحقــق شــيئاً إن لم‪ ‬نجــد‬ ‫حلــوال ً أفضــل نابعــة مــن مصــادر الطاقــة المتجــددة‪.‬‬ ‫فالطاقــة المســتدامة قضيــة حاســمة‪ ،‬والحفــاظ عليهــا‬ ‫ينطلــق منكــم فهــل لخياراتكــم مــن قيمــة؟ كيــف عســانا‬ ‫نحــدث فارق ـاً؟ ولم‪ ‬عــى ما‪ ‬نقــوم بــه أن يكــون مســتداماً‬ ‫عــى أي حــال؟‬

‫‪154‬‬


‫تغي� المفاهيم مناسبةً ف� مقتبل ‪ 2017‬للجمع ي ن‬ ‫كان ش‬ ‫وخ�اء ضمن مناقشات مفتوحة‬ ‫ب�‬ ‫مشاه� وزعماء ب‬ ‫ي‬ ‫م�وع ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫تتمحور حول أهداف التنمية المستدامة‪ .‬ويجمع النقاش ي ن‬ ‫موجه لجميع الفئات شيباً وشباباً‬ ‫ب� مختلف الجيال وهو ّ‬ ‫طلبةً وتالميذ‪ .‬ومن المزمع أن تركِّز المحادثات أ‬ ‫النا� ت‬ ‫ح� ن‬ ‫الوىل عىل فئة الشباب ش ئ‬ ‫اللمام بأهمية التحديات‬ ‫يتس� لهم إ‬ ‫ت‬ ‫يتم الجمع فيها ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ال� يواجهها المجتمع‬ ‫الدول عندما يتقدم بهم العمر ويصبحون أرباب بيت‪ .‬إنها لتجربة جريئة ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والخ�اء‬ ‫والمشاه� حول شخصيات لحكايات وخرافات‪ .‬وأملنا أن‬ ‫الزعامات والسفراء ومديري المؤسسات‬ ‫ينضم الزعماء ب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫إلينا لخوض غمار هذه المغامرة والمساعدة عىل شحذ أذهان الناس كباراً وصغاراً‪.‬‬

‫آ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫البان‪،‬‬ ‫بتغ�‬ ‫المشارك� فيه من يوم لخر‪ .‬وقد ال‪ ‬تكون هذه الوسائط متاحة ي� إ‬ ‫يتغ� ي‬ ‫الحوار الدائر عىل الموقع ي‬ ‫أ‬ ‫النجاز عند طباعة هذه الصفحات‪ .‬وقد تتيح الطبعات المقبلة التحول لحاديث محددة بحسب كل‬ ‫فهي ما‪ ‬زالت طور إ‬ ‫لتيس� مشاركة الجميع‪.‬‬ ‫قصة فتكون ف ي� متناول القراء‬ ‫وتمس مدخال ً ي‬ ‫ي‬ ‫لالطالع عىل نسخة من هذا الكتاب من الموقع ش‬ ‫مبا�ة‪ ،‬زر الموقع‪www.sdgstorybook.com :‬‬

‫‪155‬‬


156


157


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.