السياحة واالضطرابات في بلدان جنوب المتوسط
تدوين :انييس لوفالوا* لقد واجهت المنطقة األوروبية المتوسطية تقلبات كبيرة في السنوات األخيرة ،تمثلت في أزمة اقتصادية ومالية في الشمال وحركات احتجاج في الجنوب .وتموج مجتمعات البحر األبيض المتوسط باالضطرابات؛ فهي تريد ألصواتها أن تٌسمع وتطالب بدور فاعل في تحديد السياسات االقتصادية واالجتماعية لمواكبة التحوالت السياسية. وتلقي هذه الصحوة ،التي تجلت في شكل ثورات ،بآثارها على القطاع السياحي .وفي الواقع ،فإن االنخفاض في النشاط السياحي الناشئ عن عدم اليقين يمثل مصدر قلق في تونس ومصر ،والى حد أقل ،في المغرب ،حيث يدر هذا القطاع جزءاً كبي اًر من عائدات هذه البلدان. ووفقا لبيانات منظمة السياحة العالمية ،وخالل النصف األول من عام " ،4102زاد عدد السائحين الدوليين بنسبة 2.4في المائة ،أي بنسبة تساوي الزيادة في عام 4102بأكمله" .وقد تلقت الوجهات السياحية على مستوى العالم 705مليون سائح دولي في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران .4102وتعد أرقام السياحة
لمنطقة البحر المتوسط جيدة ،رغم ما بها من صعود وهبوط ،وعلى وجه الخصوص بالنسبة لجنوب أوروبا المطل على المتوسط حيث بلغ النمو في قطاع السياحة نسبة 5في المائة ،وكذلك في شمال أفريقيا ( 2في المائة) .وبالتالي ،فإن هذا القطاع يشهد حاليا زيادة كبيرة. ومع ذلك ،ونظ ار لعدم االستقرار في بلدان منطقة الشرق األوسط ،نوهت منظمة السياحة العالمية إلى تراجع بنسبة 2في المائة في حركة السياحة خالل هذه الفترة ،مشيرة رغم ذلك إلى "أن هذا الرقم ينبغي أن ُيؤخذ بحذر، حيث إنه يعتمد على بيانات محدودة متاحة عن المنطقة". وربما يمثل األداء الجيد لقطاع السياحة في شمال أفريقيا مفاجأة ،على ضوء الصور التي غالباً ما تبثها وسائل
اإلعالم عن المنطقة والتي تشير إلى أنها تعاني من عدم االستقرار والعنف .وفي حين أن السياحة تراجعت في
عامي 4100و ،4104في أعقاب حركات االحتجاجات ،فقد تحسن الوضع بمجرد استعادة االستقرار .ووفقا ألرقام منظمة السياحة العالمية ،فقد نمت السياحة في شمال أفريقيا بنسبة 4في المائة في عام 4102وأصبح المغرب الوجهة األولى في أفريقيا ،متجاو اًز حد 01ماليين سائح دولي .ودون أدنى شك ،فقد تعزز هذا الوضع
بفضل السياسات التسويقية القوية التي طبقتها حكومات تونس والمغرب ومصر.
ولكن األهم هو االنتباه إلى أن هذا النموذج المطبق حالياً ينتمي إلى حد بعيد إلى حقبة ماضية وأنه يجب أخذ مطالب السائحين للتجارب المسؤولة اجتماعيا بعين االعتبار .ويتطلب تغيير تجارب السائحين رؤية متوسطة
وطويلة األجل واعداد خطط للتنمية من قبل أطراف جديدة ،وقبول هذه الخطط من قبل المواطنين حتى يتمكنوا من جني الفوائد الناتجة عنها.
وعلى سبيل المثال ،فإن احتكار الفنادق الكبيرة لجميع الموارد المائية ،وذلك على حساب إمدادات المياه إلى البلدات والقرى المجاورة ،لم يعد مقبوال من جانب المواطنين .وقد برزت اآلن القضايا المتعلقة بتوزيع الثروات الطبيعية والبيئية لتصبح في صدارة المناقشات التي تدور بالقطاع. وعالوة على ذلك ،وقبل الثورات ،فقد تمتعت األطراف الرئيسية في قطاع السياحة بمزايا مستمدة من عالقاتها مع
النخب الحكومية .أما اآلن ،فإن المسؤولين المنتخبين حديثا ،وهم أكثر انفتاحا من سابقيهم ،يخضعون بناء على ذلك للمساءلة عن أفعالهم أمام الجماهير التي تطالب بالمزيد في مجال الرقابة ونظم اإلدارة العامة .وبالتالي، فمن المتوقع أن تتسم اإلجراءات بمزيد من الشفافية ،وأن يعتمد الحصول على األراضي على قواعد صارمة وأال
يخضع بعد اآلن خضوعا تاما ألهواء النخبة .وربما تتطور العالقات االجتماعية جنباً إلى جنب مع المطالب المطروحة على الطاولة.
وهذه كلها عوامل تدفع الرغبة والحاجة نحو نموذج جديد للسياحة ،وفقاً لما تنادي به الجمعيات الناشطة في
منطقة المتوسط ،والتي تضع تعزيز التراث وعدم الربحية واالقتصاد القائم على العمل التعاوني في قلب مشاريعها بحيث يمكن للجميع أن يكون لهم نصيب في هذا النشاط.
* انييس لوفالوا استشارية ومتخصصة في قضايا العالم العربي والقضايا المتوسطية.