أﺷﻮاك ﺳﯿﺪ ﻗﻄـﺐ دار ﺳﻌﺪ …١٩٤٧
إھﺪاء :
إﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺳـﺎرت ﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻷﺷﻮاك ،ﻓﺪﻣﯿﺖ ودﻣﯿَﺖ ، وﺷﻘﯿﺖُ وﺷﻘﯿَﺖ .ﺛﻢّ ﺳـﺎرت ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ وﺳﺮتُ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ : ﺟﺮﯾﺤﯿﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ .ﻻ ﻧﻔﺴﮭﺎ إﻟﻰ ﻗﺮار .وﻻ ﻧﻔﺴﻲ إﻟﻰ اﺳﺘﻘﺮار . . .
......................................ﺳﯿﺪ ﻗﻄﺐ .........
..أﺷﻮاﻛـ ..
ﺣﯿﻨﻤﺎ أﻣﺴﻚ ﺑﯿﺪھﺎ ﻟﯿﻠﺒﺴﮭﺎ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ ،ﻓﻲ ﺣﻔﻞ ﻣﻦ اﻷھﻞ واﻷﺻﺪﻗــﺎء ،وﻓﻲ ﺿﻮء اﻷﻧﻮار اﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ،وﻋﻠﻰ أﻧﻐﺎم اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﻤﺠﺎورة ...أﺣﺲ ﺑﯿﺪھﺎ ﺗﺮﺗﻌﺶ ﻣﺘﻘﻠّﺼﺔ ﻓﻲ ﯾﺪه ، وﻧﻈﺮ ﻓﺈذا دﻣﻌﺔ ﺗﻨﺪ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ . ﺷﻌﺮَ ﺑﺸﻮﻛﺔ ﺣﺎدة ﺗﻨﻐﺮز ﻓﻲ ﻓﺆاده ،وﻏﺎﻣﺖ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫ ،وﺗﻮﻗّﻊ ﺷﺮاً ﻏﺎﻣﻀﺎً ﯾﻮﺷﻚ أن ﯾﻨﻘﺾّ ، ﺑﻞ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻜﺎرﺛﺔ ﺗﻈﻠﻠﮫ ،وﺗﻐﺸﻰ ﺣﯿﺎﺗﮫ .وﻟﻜﻨﮫ ﺗﻤﺎﺳﻚ ،وأﺳﺮع ﯾﺪﻋﻮھﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻘﺼﻒ اﻟﻤﻌﺪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ،ﻏﯿﺮ ﻣﻠﺘﻔﺖ ﻟﺪﻋﻮة اﻟﻤﺪﻋﻮﯾﻦ ! وھﻨـﺎك – ﻗﺒﻞ أن ﯾﺤﻀﺮ أﺣﺪ – ﻧﻈﺮَ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ اﻟﻤﻐﺮورﻗﺘﯿﻦ ،ﻓﺈذا ھﻲ ﺗﺤﺎول ﺑﺸﺪّة أن ﺗﺒﺘﺴﻢ ، وﺗﺤﺎول أن ﺗﺒﺪو ﺧﻔﯿﻔﺔ رﺷﯿﻘﺔ ﻛﻌﮭﺪھﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺐ اﻷﺣﯿﺎن .
أﻣﺴﻚ ﺑﯿﺪﯾﮭﺎ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ،وﺣﺪق ﻓﻲ وﺟﮭﮭﺎ ،وھﻮ ﯾﻘﻮل : = ﻣﺎذا ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻻ ﺷﻲء ! ﻗﺎل : = ﺑﻞ ھﻨﺎك أﺷﯿﺎء ..وﯾﺠﺐ أن أﻋﻠﻢ ھﺬه اﻷﺷﯿﺎء . ﻗﺎﻟﺖ : = أوه ! ﻗﻠﺖ ﻻ ﺷﻲء .ﺛﻢ اﺳﻜﺖ ﻟﻘﺪ ﺑﺪأوا ﯾﺤﻀﺮون ! ﻗﺎل : = أﺳﻜﺖ ..ﻋﻠﻰ أن ﺗﻌﺪﯾﻨﻲ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﺑﻌﺪ اﻧﺼﺮاﻓﮭﻢ ﻗﺎﻟﺖ : = وھﻮ ﻛﺬﻟﻚ ! وﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ أﻗﺒﻠﻮا ﯾﺘﻐﺎﻣﺰون ،ﻓﺴﺤﺒﺖ ﯾﺪھﺎ ﻣﻦ ﯾﺪه ،ﻣﺘﻈﺎھﺮة ﺑﺎﻟﺪﻻل واﻟﺨﻔﺔ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﯾﺘﻨﺎﺟﯿﺎن وﯾﺘﻌﺎﺑﺜﺎن ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﯿﻮن اﻟﺮﻗﺒﺎء .
*** ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﻣﻨﺎورة : = وﻟﻤﺎذا ﺗﺼﺮ ﻋﻠﻰ أن ھﻨﺎك ﺷﯿﺌﺎً ؟ أﻻ ﺗﺘﺄﺛﺮ اﻟﻔﺘﺎة ،وھﻲ ﺗﻘﻒ ﻓﻲ ﻣﻔﺘﺮق اﻟﻄﺮﯾﻖ ﺑﯿﻦ ﻋﮭﺪﯾﻦ ؟ ﻗﺎل ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﺟﺎدة : = اﺳﻤﻌﻲ ﯾﺎ ﺳﻤﯿﺮة ،إﻧﻨﻲ أﻋﺮﻓﻚ ﺟﯿﺪاً ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺧﺎﻓﯿﺔ ﻣﻨﻚ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻲّ ،وﻟﻘﺪ ﻻﺣﻈﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺠﺆك وأﻧﺖ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ أﺑﮭﺞ اﻟﻠﺤﻈﺎت ،وھﻲ ﻋﻼﻣﺔ ﻻ ﺗﺨﻄﻲء ﻋﻠﻰ أن ھﻨﺎك ﺷﯿﺌﺎً .ﺛﻢ إﻧﻨﻲ أﺣﺒﻚ ذﻟﻚ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﺗﻌﺮﻓﯿﻨﮫ ،وإن ﺑﯿﻦ ﻗﻠﺒﻲ وﻗﻠﺒﻚ ﺗﻠﻚ " اﻟﺸﯿﻔﺮة " اﻟﺨﻔﯿﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻟﻜﻞ دﻗﺔ ﻓﻲ ﻓﺆادك ﺻﺪاھﺎ اﻟﻘﻮي ﻓﻲ ﻓﺆادي ،ﻓﻼ ﺗﺤﺎوﻟﻲ أن ﺗﻐﺎﻟﻄﯿﻨﻲ أو ﺗﻐﺎﻟﻄﻲ ﻧﻔﺴﻚ ،ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم . ﻓﺎرﻗﺘﮭﺎ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﮭﺎ ،وﺧﺬﻟﮭﺎ ﺗﻤﺎﺳﻜﮭﺎ ،وﻏﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮭﺎ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﻰ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺻﻮتٍ ﻏﺎﺋﺮ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﻨﺒﻌﺚُ ﻣﻦ أﻋﻤﺎق ھﺎوﯾﺔ : = أﻋﻠﻢ أﻧﻚ ﺗﺤﺒﻨﻲ ﻓﻮق ﻣﻘﺪور اﻹﻧﺴﺎن ،وھﺬا ﻣﺎ ﯾﻌﺬب ﺿﻤﯿﺮي . ﺛﻢ ﺳﻜﺘﺖ ﺳﻜﺘﮫ رھﯿﺒﺔ ﻓﺘﻨﺎول ﯾﺪھﺎ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،وھﻮ ﯾﺤﺲ ھﻮل اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﺗﺠﺘﺎح ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﺘﺤﻄﻤﮭﺎ وﺗﻮﺷﻚ أن ﺗﺠﺘﺎح ﺣﯿﺎﺗﮭﻤﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ،وﺣﺪّق ﺑﺸﺪة ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ وﻧﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﻣﺴﺘﺰﯾﺪاً ! ﻗﺎﻟﺖ : = اﻏﻔﺮ ﻟﻲ أن أﻗﻮل ﻟﻚ ﻛﻞ ﺷﻲء .إﻧﻨﻲ أﺛﻖ ﺑﻚ ﺛﻘﺔ ﻋﻤﯿﻘﺔ ،وأﺷﻌﺮ ﺑﻤﻘﺪار ﺣﺒﻚ ﻟﻲ ،وﻟﻮ ﻓﺘﺸﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻮﺟﺪت ﻟﻚ ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻟﺸﻌﻮر ﻓﯿﮫ .وﻟﻜﻦ ھﻨﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺿﻤﯿﺮي أﺷﻮاﻛﺎً ﺳﺄﺿﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﯾﺪك ،وأﺗﺮك ﻟﻚ اﻟﺘﺼﺮف ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﯾﺪ ... ﻗﺎل :
= ﻗﻮﻟﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء وﻻ ﺗﺨـﺎﻓﻲ ! ﻗﺎﻟﺖ : = ﻟﻘﺪ ﻋﺰﻣﺖ أن أﻗﻮل ....................
*** .......ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻗﺼﺘﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل ،وھﻲ ﺗﮭﺘﺰ وﺗﺨﺘﻠﺞ )) :وھﺬه اﻟﺪﻣﻌﺔ اﻟﺘﻲ رأﯾﺘﮭﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺪ . ﻛﻨﺖُ أﺷﯿّﻊ ﺑﮭﺎ ﻋﮭﺪاً ﻋﺰﯾﺰاً .ﻛﺎن اﻟﻠﺤﻦ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻲ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ھﻮ ﻟﺤﻦ اﻟﺠﻨﺎزة ،أﺷﯿﻊ ﺑﮫ ﻧﻌﺸﮫ ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧﯿﺮة .....واﻵن ﻟﻘﺪ اﻧﺘﮭﻰ ! (( ............. وﺣﯿﻨﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻘﺼﺔ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ ﻛﺎن ﻗﺪ اﻋﺘﺰم ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ أﻣﺮاً ،ﻻ ﯾﺪري ﻛﯿﻒ اﻋﺘﺰﻣﮫ ،وﻻ ﺑﺄي ﺷﻌﻮر اﺗﺠﮫ إﻟﯿﮫ .ﻛﺎن اﻟﻔﺎرق ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ ﻓﺘﺎﺗﮫ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ،وﻟﻜﻨﮫ أﺣﺲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﻘﺼﺎر أﻧﮫ ﯾﺸﯿﺦ .وﻛﺎن ﯾﺤﺒﮭﺎ ﺣﺒﺎ ﻋﻨﯿﻔﺎً ﻣﺠﻨﻮﻧﺎ ،وﻟﻜﻨﮫ أﺣﺲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﻘﺼﺎر أﻧﮫ ﯾﺤﺒﮭﺎ ﺣﺒﺎ ﺳﻤﺎوﯾﺎ ﺷﻔﯿﻔﺎً .وﻛﺎن ﺷﺪﯾﺪ اﻟﻐﯿﺮة ﻣﺘﻮﻓﺰ اﻹﺣﺴﺎس .وﻟﻜﻨﮫ أﺣﺲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﻘﺼـﺎر أﻧﮫ ﻓﻮق اﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ،وﻓﻮق ﻏﺮاﺋﺰ اﻹﻧﺴﺎن . ﻗﺎل ﻓﻲ ﺻـﻮت ﺧﻔﯿﺾ رﺗﯿﺐ رھﯿﺐ : = ﯾﺎ ﺑﻨﯿﺘﻲ .إﻧﻨﻲ أﻋﻄﻒ ﻋﻠﯿﻜﻤﺎ ،ﻓﺎﻋﺘﻤﺪي ﻋﻠﻲ وﺳﺄﺳﺎﻋﺪﻛﻤـﺎ ! ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ دھﺸﺔ : = ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ؟ وﻛﯿﻒ ؟ ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﻮﻛﯿﺪ : = ﺳﺘﻜﻮﻧﯿﻦ ﻟﮫ ! ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ذﻋﺮ : = وأﻧﺖ ؟ ﻗﺎل : = ﺳﺄﻛﻮن ﻟﻚ ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم أﺧﺎ وﺻﺪﯾﻘﺎً ! ﻗﺎﻟﺖ : = وﺗﻀﺤﻲ ﺣﺒﻚ ﻟﻲ ﻛﻠﮫ ،وﻣﺎﺿﯿﻚ ﻣﻌﻲ ﻛﻠﮫ ،وﺟﮭﺪك ﻣﻦ أﺟﻠﻲ ﻛﻠﮫ ؟ ﻗﺎل : = ﻧﻌﻢ أﺿﺤﯿﮫ .وﻻ زﻟﺖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻐﯿﺮه ﻣﻦ اﻟﺘﻀﺤﯿﺎت .أﺿﺤﯿﮫ وأﻧﺎ أﻋﻠﻢ أﻧﻨﻲ ﺿﺤﯿﺖ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة ! ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺒﮭﻮرة : = ﯾﺎ اﷲ :إﻧﻚ ﻧﺒﯿﻞ .ﺑﻞ أﻧﺖ أﻧﺒﻞ ﻣﻦ إﻧﺴﺎن .....
وﺣﯿﻨﻤﺎ آوى إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﮫ ! اﻧﺠﻠﻰ ﻋﻨﮫ ھﺬا اﻟﺨُـﻤﺎر اﻟﻤﺮﯾﺢ ،وﺗﻨﺒّﮭﺖ أﻋﺼـﺎﺑﮫ ،وواﺟﮫ ﻛﺄﻧﻤﺎ ھﻮّة ﺗﻨﻔﺘﺢ ﺑﯿﻦ ﻗﺪﻣﯿﮫ ،وﻓﺠﻮة ﺗﻔﺼـﻞ ﺷﻄﺮي ﺣﯿﺎﺗﮫ ،وﻣﺪى ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﻻ ﯾﻘﺎس ﺑﺎﻵﺑﺎد ! ﻟﻘﺪ ﺑﻨﻰ ﻓﻲ أﺣﻼﻣﮫ ﻋﺸﮭﻤﺎ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ ،وﻟﻘﺪ ﻣﻀﻰ ﺑﺨﯿﺎﻟﮫ ﯾﻄﻮي اﻷﯾﺎم ،وﻟﻘﺪ ﻋﺎش ھﺬه اﻷﺣﻼم ﻋﯿﺸﺔ اﻟﻮاﻗﻊ ،واﺳﺘﻐﺮق ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺨﯿﺎل ،ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻔﺮق ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ! ﻓﺄﯾﻦ ھﻮ اﻵن ﻣﻦ ھﺬه اﻷﺣﻼم ؟ ﻟﻘﺪ أﺣﺲّ ﺑﺎﻟﻄﻌﻨﺔ ،وﻋﺮف اﻧﮫ ﻓﻘﺪ اﻟﺤﻠﻢ اﻟﻘﺪﯾﻢ :ﺣﻠﻢ اﻟﺤﻮرﯾﺔ اﻟﮭﺎرﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﯿﻘﻮدھﺎ ﻣﻐﻤﻀﺔ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﺶ اﻟﻤﺴﺤﻮر .ﺑﻌﺪ أن ﻋﺎش ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺤﻠﻢ ﻋﺎﻣﯿﻦ ﻛﺎﻣﻠﯿﻦ ،وﺑﻌﺪ أن ﺳﺤﺮ ﺑﮭﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻠﻘﺎء اﻷول ، وأﻋﺪّ ﻧﻔﺴﮫ وأﺣﺎﺳﯿﺴﮫ ﻛﻠﮭﺎ ﻻرﺗﻘﺎب اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد . وﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫُ ﯾﺒﻜﻲ .. ﺛﻢ أدرﻛﺘﮫ رﺣﻤﺔ اﷲ ﻓﻨـــــــﺎم .
..وﻛﺎن اﻟﺼﺒـﺎح ..
وﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﮫِ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح – وﻻ ﯾﺪري ﻛﯿﻒ وﺻﻞ – ،ﻟﻢ ﯾﻠﻖ ﺑﺎﻟﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم إﻟﻰ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ .ﺗﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻢ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻵﻟﯿﺔ . وﻛﺎن ﯾﺒﺪو ﻋﻠﻰ ﻣﻈﮭﺮه اﻟﺴﻜﻮن واﻻﺳﺘﺴﻼم واﻻﻧﻘﯿﺎد ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﮫ رأي وﻻ ھﺪف وﻻ اﺗﺠﺎه .ﺻﺤﺎ ﻓﺬھﺐ إﻟﻰ ﻣﺮاﻓﻖ اﻟﻤﯿﺎه ،وﻟﺒﺲ ﻣﻼﺑﺴﮫ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،واﻧﻄﻠﻖ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻓﺮﻛﺐ اﻟﻘﻄﺎر ،وﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﻣﻘﻌﺪه ،ووﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﺪﯾﻮان !..
وﻗﺎل أﺣﺪ زﻣﻼﺋﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺐ : = ﺧﯿﺮ إن ﺷﺎء اﷲ .ﻣﺎﻟﻚ ﯾﺎ ﻓﻼن ؟ ﻓﺎﻓﺘﺮت ﺷﻔﺘﺎه ﻋﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﻐﺘﺼﺒﺔ ذاﺑﻠﺔ وﻗﺎل : = ﺧﯿﺮ ! ﻻﺷﻲء ! أﺗﺮى ﺷﯿﺌﺎً ؟ ﻗﺎل زﻣﯿﻠﮫ : = أﻟﻤﺢ ﻋﻠﯿﻚ اﻹﺟﮭﺎد .ﻻ ﺑﺪ أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺳﮭﺮان ! ﻗﺎل : = أي واﷲ ! ﻛﻨﺖُ ﺳﮭﺮان ! ﺛﻢ اﻧﺼﺮف اﻟﺰﻣﻼء إﻟﻰ أﺣﺎدﯾﺜﮭﻢ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ اﻟﺘﺎﻓﮭﺔ ،واﻧﺼﺮف ھﻮ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻻ ﯾﺤﺎول ﺣﺘﻰ أن ﯾﺘﻜﻠﻒ ﻓﯿﺘﺠﻤﻞ أﻣﺎم اﻟﺰﻣﻼء . ﻛﺎن ﻻ ﯾﺤﺲ ﺑﺄي أﺣﺪ ،ﺑﻞ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺤﺲ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن ! ودق ﺟﺮس اﻟﺘﻠﯿﻔﻮن .ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻤﻮﻇﻒ اﻟﻘﺮﯾﺐ ﯾﻨﺎدﯾﮫ .وﺻﺤﺎ ﻓﺠﺄة ﻓﺎﺧﺘﻞ ﺗﻮازﻧﮫ ،وھﻮ ﯾﻠﺒﻲ اﻟﻨﺪاء وأﻣﺴﻚ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎﻋﺔ ،وﻓﻲ ﯾﺪه ﺑﻘﯿﺔ ﻣﻦ اﺿﻄﺮاب . ﻗﺎل :آﻟـﻮ !... ﻗﺎﻟﺖ : = آﻟﻮ .أﻧﺖ ﺳﺎﻣﻲ ؟ ﻗﺎل وﻟﻢ ﯾﺪرك ﺑﻌﺪ ﺷﯿﺌﺎً : = ﻧﻌﻢ ﯾﺎ ﺳﯿﺪﺗﻲ ! ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﻣﺮﺣﺔ ﻣﺴﺘﺨﻔّﺔ : = أﺗﻌﺮف ﻣﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻠﻤﻚ ؟ وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺪري ﺻﻮﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﯿﻔﻮن ،وﻟﻜﻨﮫ وﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﻌﺾ اﻻﻧﺘﻌﺎش ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل . ﻗﺎل : = ﻻ .ﻣﻦ أﻧﺖ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﺳﻤﯿﺮة ! ﻧﺴﻲ أﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة ﺑﯿﻦ زﻣﻼﺋﮫ .وأﺣﺲ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪة واﻻﻧﻔﺮاد ،ﺑﻞ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﮫ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﻜﺎن واﻟﺰﻣﺎن ! وارﺗﺠﻔﺖ ﻛﻞ ذرة ﻓﻲ ﻛﯿﺎﻧﮫ وﺣﺎول أن ﯾﻘﻮل أﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة ﻻ ﯾﺪرﯾﮭﺎ ،ﻓﺎﺿﻄﺮﺑﺖ ﻓﻲ دﻣﮫ اﻟﻜﻠﻤﺎت . وأﺧﯿﺮاً ﻓﺘﺢ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﺗﺎﻓﮭﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﻀﻲ ﻟﺤﻈﺎت : = ﺻﺤﯿﺢ ؟ أﻧﺖ ﺳﻤﯿﺮة ! ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ ﺟﻠﺠﻞ ﺻﻮﺗﮭﺎ ﺑﻀﺤﻜﺔ ﻋﺬﺑﺔ ،ﻧﻔﺬت إﻟﻰ ذرات ﺟﺴﻤﮫ وﺣﻨﺎﯾﺎه : = واﷲ أﻧﺎ ! أﻻ ﺗﺼﺪق ؟ ﻗﺎل وﻗﺪ اﺳﺘﺮدّ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ إرادﺗﮫ وﻧﻔﺴﮫ : = إن ﺻﻮﺗﻚ راﺋﻊ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﯿﻔﻮن ! ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺸﺮﻗﺔ ﻣﺒﺘﮭﺠﺔ : = ﺻﺤﯿﺢ ؟ ﻗﺎل :
= واﷲ ! وﺧﺎف أﻻ ﯾﺠﺪ أﻟﻔﺎﻇﺎً ،وأﻻ ﯾﮭﺘﺪي إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮع ﯾﻄﯿﻞ ﺑﮫ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،ﻓﻘﺎل : = وأﯾﻦ أﻧﺖِ اﻵن ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = أﺗﻜﻠﻢ ﻣﻦ ﺻﯿﺪﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺘﺒﺔ . ﻓﺎﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﺘﺎﻓﮫ اﻟﺬي ھﻮ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﻋﻤﺎ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻘﻮل : = وإﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺳﺘﻤﻜﺜﯿﻦ ھﻨﺎك ؟! ﻗﺎﻟﺖ : = إﻧﻨﻲ ﻋﺎﺋﺪة إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ اﻵن . وأﻏﻠﻖ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺤﺪﯾﺚ .ﻓﺼﻤﺖ ﻟﺤﻈﺔ .وﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻮع ﺟﺪﯾﺪ ،أو ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻹﻧﮭﺎء اﻟﻤﺤﺎدﺛﺔ ، ﻓﻠﻢ ﯾﻔﺘﺢ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺸﻲء .ﻓﻤﺎ أﻧﻘﺬه إﻻ ﺻﻮﺗﮭﺎ ھﻲ ،ﺗﺮاﺟﻊ اﻟﺤﺪﯾﺚ : = ....وﺳﺘﺄﺗﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ ؟! ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﻮﻛﯿﺪ ﻇﺎھﺮ : = ﻃﺒﻌﺎً ! ﻣﺘﻰ ﯾﺤﺴﻦ أن أﺟﻲء ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻓﻲ أي وﻗﺖ .وﻟﻜﻦ ﺣـﺬار أﻻ ﺗﺄﺗﻲ ! ﻗﺎل ﻓﻲ ﻧﺸﻮة وﺧﻔﺔ : = ﻻ آﺗﻲ ؟ وﻛﯿﻒ ؟ ﺳﺄﻛﻮن ﻋﻨﺪﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ . وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺗﻨﺒﮫ إﻟﻰ أﻧﮫ ﺑﯿﻦ زﻣﻼﺋﮫ .ﻓﺄراد ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺳﺎذﺟﺔ أن ﯾﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺮﯾﺐ ،وﻋﻨﮭﺎ ھﻲ أوﻻ! وإن ﻟﻢ ﯾﻌﻠﻢ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺗﻜﻮن ! ﻗﺎل : = أﺧﺒﺮي )) ﺑﺎﺑﺎ (( أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺣﻀﺮ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ! ﻗﺎﻟﺖ : = ھﻮ ﺑﻄﺒﯿﻌﺘﮫ ﯾﻜﻮن ﻣﻮﺟﻮداً ...ﺳﻌﯿﺪة ! ﻗﺎل : = ﺳﻌﯿﺪة ..إﻟﻰ اﻟﻠﻘــﺎء .
*** ووﺿﻊ اﻟﺴﻤﺎﻋﺔ ،وھﻮ ﻓﻲ ﻧﺸﻮة ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ ﻛﺎﻟﺘﻲ ﯾﺤﺪﺛﮭﺎ اﻟﺸﺮاب .ﻛﺎن ﯾﺤﺲ أن وﺟﮭﮫ ﯾﻠﺘﮭﺐ وأﻧﻔﺎﺳﮫ ﺗﻔﻮر ! وﻛﺎن ﯾﺤﺲ أن ﻛﯿﺎﻧﮫ ﯾﺨﺘﻠﺞ ،وأﻧﮫ ﻟﻮ ﺳﺎر ﻟﺘﻠﺠﻠﺠﺖ ﺧﻄﺎه . وﻗﺎل زﻣﯿﻠﮫ اﻟﺬي ﻟﻘﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح : = ﯾﺒﺪو أﻧﮭﺎ ﻣﺤﺎدﺛﺔ ﺳﺎرة .ﻟﻘﺪ أﺷﺮق ﻣﺤﯿﺎك ! ﻗﺎل وھﻮ ﯾﺘﻠﻌﺜﻢ وﯾﻀﺤﻚ وﯾﻀﺒﻂ ﺷﻔﺘﯿﮫ ﻓﻲ آن : = ﻧﻌﻢ ) وﺑﻼ ﺳﺎﺑﻖ إﻧﺬار ( ....إﻧﮭﺎ ﺧﻄﯿﺒﺘﻲ !
وأﺛﺎر ھﺬا اﻟﺘﺼﺮﯾﺢ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺰﻣﻼء :ﻗﺎل أﺣﺪھﻢ :ﻣﺒﺮوك ! .وﻗﺎل اﻵﺧﺮ :ﻟﻢ ﺗﺪﻋﻨـﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﻔﻠﺔ ! .وﻗﺎل اﻟﺜﺎﻟﺚ :وﻻ أﺧﺬﻧﺎ )) اﻟﻤﻠﺒﺲ (( ! وﻗﺎل أﺣﺪھﻢ :واﷲ وﻗﻌﺖ ﯾﺎ أﺧﺎﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ، وﺟﺎءت رﺟﻠﻚ ! .ﻓﺮد ﻋﻠﯿﮫ زﻣﯿﻠﮫ :اﺳﻜﺖ ..اﻟﻤﮭﻢ أن ﻻ ﺗﻔﻮﺗﻨﺎ اﻟﺤﻔﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ وﻻ )) اﻟﻤﻠﺒّﺲ (( ! ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺑﺔ وﺑﺸﺮ واﻧﻄﻼق : = اﻃﻤﺌﻨﻮا ..ﻓﻠﻦ ﯾﻔﻮﺗﻜﻢ ﺷﻲء إن ﺷﺎء اﷲ . وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة وﺗﻠﻚ اﻟﻀﺠﺔ ،ﻛﻔﯿﻠﺘﯿﻦ ﺑﺎﺳﺘﺮﺟﺎع اﺗﺰاﻧﮫ .ﻓﺘﺤﺮك ﯾﻐﺎدر اﻟﺤﺠﺮة ﻻ ﯾﺪري إﻟﻰ أي اﺗﺠﺎه .وﻟﻜﻨﮫ ﯾﺴﯿﺮ ﺑﺨﻄﻮات ﺳﺮﯾﻌﺔ ﻗﺎﻓﺰة ﻧﺸﯿﻄﺔ ،ﯾﻘﻄﻊ اﻟﻤﺸﻲ اﻟﻄﻮﯾﻞ أﻣﺎم اﻟﺤﺠﺮ ﺣﯿﺚ ﻻ ﯾﺘﺒﯿّﻦ ﻟﮫ ﻗﺼـﺪا ،ﻓﯿﺮﺗﺪ ﯾﻘﻄﻌﮫ ﻛﺮة أﺧﺮى !
*** وﺛﻘﻠﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﺪﯾﻮان – وإن ﻛﺎن ﻏﯿﺮ ﻣﻘﯿﺪ ﺑﺎﻟﻤﻮاﻋﯿﺪ – ﻓﻈﻞ ﯾﻐﺎﻟﺐ رﻏﺒﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج – وإن ﻛﺎن ﻻ ﯾﺪري إﻟﻰ أﯾﻦ ﯾﺨﺮج – ﺣﺘﻰ ﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﻋﺪ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع اﻟﺴﺎﻋﺔ .وھﻨﺎ أﻓﺘﺖ ﻣﻨﮫ أﻋﺼﺎﺑﮫ ،واﺳﺘﻌﺼﻰ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺒﻘﺎء .ﻓﺨﺮج إﻟﻰ اﻟﻔﻀــﺎء ! وﺣﯿﻨﻤﺎ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﺧﺎرج اﻟﺪﯾﻮان ،واﺟﮭﺘﮫ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻻﺗﺠﺎه :أﯾﻦ ﯾﺬھﺐ اﻵن ؟ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﮫ ﻟﯿﺘﻨﺎول اﻟﻐﺪاء ،ﺛﻢ ﯾﻌﻮد ﻓﻲ اﻟﻤﯿﻌﺎد ! وﺳﺎر ﺑﻀﻊ ﺧﻄﻮات ،وﻟﻜﻦ ﺟـﺎذﺑﺎ ﻗﻮﯾﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﺸﺪه ﻋﻦ اﻟﻤﺴﯿﺮ ،ﻓﻌﺎد أدراﺟﮫ ﺣﺘﻰ وﻗﻒ أﻣﺎم اﻟﺪﯾﻮان ... وﻟﻢ ﻻ ﯾﺘﻐﺪى ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﯾﺴﺘﺮﯾﺢ ﻓﻲ ﻣﻘﮭﻰ ،ﺣﺘﻰ ﯾﺄﺗﻲ اﻟﻤﯿﻌﺎد ؟ واﻧﺪﻓﻊ ﻓﻲ ھﺬا اﻻﺗﺠﺎه ..وﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﮫ اﺳﺘﺮاح إﻟﯿﮫ ! إﻧﮫ ھﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﯾﻜﻮن ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ اﻟﺪار ! وأﺣﺲ اﻧﮫ ﺳﻌﯿﺪ ..وﻏﺎﺑﺖ ﻋﻦ ﺣﺴﮫ اﻷﺷﻮاك .وﺳـﺎر ﻓﻲ ﺧﻄﻮات ﺧﻔﯿﻔﺔ ،ﻣﺸﺮق اﻟﻨﻔﺲ ،ﻧﺸﯿﻂ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻣﻔﺘﺢ اﻟﺤﻮاس . وﻓﻲ ﻣﻄﻌﻢ ﯾﻌﺘﺎده ﺣﯿﻦ ﯾﺘﺨﻠﻒ ﻓﻲ اﻟﻘﺎھﺮة ،ﺗﻨﺎول ﻏﺪاءه ﺑﻨﮭﻢ ،وإن ﻟﻢ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﻤﺎ ﯾﺬوق .ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ ﻣﺸﺮب ھـﺎديء ﯾﺴﺘﺮﯾﺢ إﻟﻰ ھﺪوﺋﮫ .وﺟﻠﺲ ﯾﺮﺗﻘﺐ اﻟﻤﯿﻌﺎد . وﻟﻜﻦ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻻ ﺗﺰال اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ .وأﻣﺎﻣﮫ ﺳﺎﻋﺘﺎن ﻃﻮﯾﻠﺘﺎن .ﻓﺄﯾﻦ ﯾﻨﻔﻖ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻄﻮﯾﻞ ؟ وﺛﻘﻞ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺰﻣﻦ – ﻛﻤﺎ ﺛﻘﻞ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻄﻌﺎم – وﻓﺎرﻗﮫ ﻧﺸﺎﻃﮫ وﺧﻔﺘﮫ ،وﺑﺪأ ﯾﺠﺜﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻜﺂﺑﺔ ﺗﺴﺮب إﻟﻰ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﻻ ﯾﺪري .وﻓﻲ ھﺬا اﻟﺠﻮ اﻟﺬي اﺳﺘﺤﺎل ﻛﺎﻣﺪاً ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ،أﺧﺬت ﺗﺘﻮارد ﻋﻠﻰ ﺧﻮاﻃﺮه ﺻﻮر اﻷﻣﺲ اﻟﻘﺮﯾﺐ :ﯾﺪاھﺎ وھﻲ ﺗﺮﺗﻌﺶ ﻓﻲ ﯾﺪه ،ودﻣﻌﺘﮭﺎ ﺗﻨﺪّ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ،وﺧﻠﻮﺗﮭﺎ ﺑﻌﺪ اﻧﺼﺮاف اﻟﻤﺪﻋﻮﯾﻦ ،واﻋﺘﺮاﻓﮭﺎ ﻟﮫ ﺑﺎﻷﺷﻮاك ،ﻓﯿﺸﻌﺮ ﺑﮭﻮة ﻋﻤﯿﻘﺔ ﺗﻔﺼﻞ ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻨﮭﺎ .وھﻨﺎ ﯾﺤﺲ ﺑﯿﺪ ﺗﻘﺒﺾ أﻋﺼﺎﺑﮫ وﺗﻀﻐﻄﮭﺎ ،ﻓﯿﻨﺘﻔﺾ ﻛﻤﻦ ﯾﺮﯾﺪ اﻟﺨﻼص .
وﯾﺜﻘﻞ ﻋﻠﯿﮫ ﺟﻮ اﻟﻤﻜﺎن وھﺪوؤه ،واﻟﻈﻼل اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺜﮭﺎ اﻷﻧﻮار اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ اﻟﻤﻀﺎءة ﻧﮭﺎراً ﻓﻲ اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺬي آوى إﻟﯿﮫ ،وﯾﺤﺲ اﻧﮫ ﯾﻠﺘﻘﻂ أﻧﻔﺎﺳﮫ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﻓﯿﻨﺘﻔﺾ واﻗﻔﺎً ﻛﻤﺎ ﯾﻔﺎﺟﺄ ﺑﺨﻄﺮ ،وﯾﺘﻨﺎول أوراﻗﮫ وﺟﺮاﺋﺪه ،ﺛﻢ ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﺴﺮﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع ،ﻛﺎﻟﺬي ﯾﻔﺮ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻣﺨﯿﻒ ! ﺛﻢ ﯾﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﺧﻄﻮات ﺳﺮﯾﻌﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،ﺛﻢ ﯾﮭﺪيء ﺳﺮﻋﺘﮫ ﻗﻠﯿﻼً ،وھﻮ ﯾﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ واﺟﮭﺎت اﻟﻤﺘﺎﺟﺮ اﻟﺰﺟﺎﺟﯿﺔ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ اﻧﺘﺒﺎه . وﻓﺠﺄة ﯾﻘﻒ أﻣﺎم دﻛﺎﻧﺔ رواﺋﺢ ﻋﻄﺮﯾﺔ ،وﯾﺘﻔﺤﺺ اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت اﻷﻧﯿﻘﺔ ،ﻓﺘﻌﺠﺒﮫ إﺣﺪاھﺎ .وﻓﺠﺄة ﺗﮭﺘﻒ ﺑﮫ ﺧﻮاﻃﺮه ﺑﺄن ﯾﺨﺘﺎر واﺣﺪة ﻣﻨﮭﺎ ھﺪﯾﺔ ،ﻓﯿﺪب ﻓﻲ ﻛﯿﺎﻧﮫ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻤﺮح ،وﺗﻨﺠﻠﻲ ﻋﻨﮫ اﻟﻐﻤﺮة اﻟﺜﻘﯿﻠﺔ ، وﯾﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺟﺴﺪه ﺑﺎﻟﺨﻔﺔ واﻻﻧﺘﻌﺎش . وﻟﻢ ﯾﻄﻞ ﻟﺤﺪﯾﺚ ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻟﺒﺎﺋﻊ .ﻓﻘﺪ اﺧﺘﺎر زﺟﺎﺟﺔ ﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ ﻗﻠﺐ ،ﻣﻦ ﻋﻄﺮ ﻓﺮﻧﺴﻲ ﻗﺪﯾﻢ اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ ) ﻛﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﺟﺎﺟﺔ ( وﻧﻘﺪه اﻟﺜﻤﻦ اﻟﻤﺮﺗﻔﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،وأﺧﺬھﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﺒﺘﮭﺎ اﻷﻧﯿﻘﺔ وﺧﺮج .... ﺧﺮج ﻓﺮﺣﺎن ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ ﺑﺎﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة .وﺳﺎر وﻓﻲ ﯾﺪه اﻟﺰﺟﺎﺟﺔ ﯾﻤﺴﻜﮭﺎ ﺑﺤﺮص واﺣﺘﺮاس .واﻧﺪﻓﻌﺖ ﺧﻄﻮاﺗﺘﮫ ﻣﺮﺣﮫ ﻧﺸﯿﻄﺔ ﻗﺎﻓﺰة .وﻟﻜﻦ إﻟﻰ ﻏﯿﺮ اﺗﺠﺎه ... ﻛﺎن ﺳﺎﺋﺮاً ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع وھﻮ ﻧﺸﻮان ،ﻓﻜﺎن ﻛﺎﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ﻟﮫ أن ﯾﻨﻈﺮ ﻓﯿﺮى اﻟﺘﺮام اﻟﺬي ﯾﺮﻛﺒﮫ إﻟﻰ ھﻨﺎك ، وﻛﺎد ﯾﻘﻔﺰ ﻟﻮﻻ أﻧﮫ اﺳﺘﯿﻘﻆ إﻟﻰ أن اﻟﻤﻮﻋﺪ ﺑﻌﯿﺪ .ﻓﺘﺮك اﻟﺘﺮام ﯾﻤﻀﻲ وﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺷﻮق ﻣﻠﮭﻮف !
*** وﺑﻌﺪ ﺧﻄﻮات وﺟﺪ ﻣﻘﮭﻰ ﻣﻄﺮوﻗﺎً ،ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﻣﻘﻌﺪ ﻓﯿﮫ ،ﻛﺎﻟﺬي ﻃﺎل ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﺮى ﻓﺄﻟﻘﻰ ﺑﺠﺴﻤﮫ ﻟﯿﺴﺘﺮﯾﺢ .وﻃﻠﺐ ﺷﺎﯾﺎ ،ﻓﺄﺣﺲ ﺑﻌﺪ ﺗﻨﺎوﻟﮫ ﺑﺎﻟﻨﺸﺎط واﻟﯿﻘﻈﺔ ..وﻧﻈﺮ ﺳﺎﻋﺘﮫ ﻓﺈذا ھﻲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ إﻻ رﺑﻌﺎً .ﺑﻘﯿﺖ ﺳﺎﻋﺔ ورﺑﻊ ..واﻟﻄﺮﯾﻖ ﻻ ﯾﺴﺘﻐﺮق أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ .واﺳﺘﺜﻘﻞ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺒﺎﻗﻲ .ﻓﻘﺎم ﯾﻤﺸﻲ . وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ أن ﯾﻐﺎﻟﺐ ﺟﺎذﺑﯿﺔ اﻟﺘﺮام ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺟﺎء ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻓﻘﻔﺰ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻤﺤﻄﺘﯿﻦ ، وآوى إﻟﻰ ﻣﻘﺎﻋﺪ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺨﺎﻟﯿﺔ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺤﺲ داﺋﻤﺎ وھﻮ ذاھﺐ إﻟﻰ ھﻨﺎك أﻧﮫ أﻋﺰ ﻣﻦ أن ﯾﻨﺪس ﻓﻲ ﻏﻤﺎر اﻟﺠﻤﺎھﯿﺮ ! وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﻤﻨﺰل ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺮﺑﻊ .وﻛﺎن ﯾﺤﺮص ﻋﻠﻰ أن ﯾﺒﺪو ھﺎدﺋﺎً ﻣﻀﺒﻮﻃﺎً ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﮫ وأﻗﻮاﻟﮫ .ﯾﺪاري ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻈﮭﺮ ﻣﺎ ﯾﻀﻄﺮب ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﻧﻮازع وھﻮاﺗﻒ واﻧﺪﻓﺎﻋﺎت ،ﻓﻌﺰ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺨﻠﻒ ﻣﯿﻌﺎده ،وأن ﯾﺰﻋﺠﮭﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﯿﻌﺎد ،ﻓﺮاح ﯾﺘﻤﺸﻰ ! وﻛﺎن ﻗﺮﯾﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺰل ﻓﻀﺎء ﻓﺴﯿﺢ ،ﯾﺤﻤﻞ ﻟﮫ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺴﻜﻦ ھﻨﺎ ﻗﺒﻞ ﻋﺸﺮة اﻋﻮام ،وﻛﺎن ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻓﺘﻰ ﯾﺎﻓﻌﺎ ،ﻛﺎن ھﺬا اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻔﺴﯿﺢ ﯾﻌﺠﺒﮫ ﻓﯿﺠﻮل ﻓﯿﮫ ،ﺣﯿﺚ ﯾﺨﻠﻮ إﻟﻰ اﻟﮭﻮاء واﻟﻔﻀﺎء ...واﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن !
راح ﯾﻨﻘﻞ ﺧﻄﻮه ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻔﻀﺎء وﯾﺠﻮس ﺧﻼﻟﮫ ،وﺧﻼل اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ . وﺣﯿﻨﻤﺎ اﻧﺘﺒﮫ .وﺟﺪ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ إﻻ دﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪودات .ﻓﺄﺑﮭﺠﮫ ھﺬا وﻧﺸﻄﮫ ،واﻧﻄﻠﻖ ﯾﻐﺬ اﻟﺴﯿﺮ وﯾﺴﺮع اﻟﺨﻄﻮات ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﺪار !
..ﺻﺮاع ..
اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﮫ ﻣﺸﺮﻗﺔ ﻣﺘﮭﻠﻠﺔ ﻛﺄن ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﺷﻲء ،واﺳﺘﻘﺒﻠﮫ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻲ اﺑﺘﮭﺎج ،وﻗﺪم ﻟﮭﺎ زﺟﺎﺟﺔ اﻟﻌﻄﺮ اﻟﺜﻤﯿﻨﺔ .وﺑﺪﻻً ﻣﻦ أن ﯾﺰﯾﺪ ھﺬا ﻓﻲ إﺷﺮاﻗﮭﺎ وﺗﮭﻠﻠﮭﺎ .ﻻﺣﻆ ﻓﻲ ﯾﺪھﺎ رﺟﻔﺔ وھﻲ ﺗﺘﻨﺎول اﻟﮭﺪﯾﺔ ! ﻓﺎﻧﻘﺒﻀﺖ ﻧﻔﺴﮫ ،وﺗﺬﻛﺮ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ ! وﻏﺎض اﻟﺒﺸﺮ ﻓﻲ وﺟﮭﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻈﺎھﺮه ﺑﺎﻟﺒﺸﺎﺷﺔ . وﻟﻢ ﯾﻠﺤﻆ أﺣﺪ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻤﻨﺰل ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻤﺎ ﺣﺪث .ﺑﻞ ﺑﺪا ﻋﻠﯿﮭﻢ وﻋﻠﻰ اﻷم ﺧﺎﺻﺔ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺒﺸﺎر اﻟﻤﺘﺨﻔﻒ اﻟﻄﻠﯿﻖ .ﻛﺎﻧﻮا ﻗﻮﻣﺎً ﻃﯿﺒﯿﻦ ،ﻻ ﺗﻨﻄﻮي ﻧﻔﻮﺳﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺮﻛﯿﺐ واﻟﺘﻌﻘﯿﺪ .وﻛﺎﻧﻮا ﻣﻐﺮﻗﯿﻦ ﻓﻲ ﺛﻘﺔ ﻣﺮﯾﺤﺔ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﺑﻨﺘﮭﻢ اﻟﺴﻌﯿﺪ ،ﻣﻊ ھﺬا اﻟﺸﺎب اﻟﻮدود .وﻛﺎﻧﺖ أﻟﻔﺘﮫ ﺑﮭﻢ ﻗﺪ ﺗﻮﺛﻘﺖ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ ،ﻓﻌﺎد ﻓﺮداً ﻣﻦ اﻷﺳﺮة ،ﻣﻮﺛﻮﻗﺎ ﺑﮫ ﻛﻞ اﻟﻮﺛﻮق ،ﻣﺤﺒﻮﺑﺎً ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ، ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻛﻠﺒﮭﻢ اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺒﺼﺒﺺ ﻟﮫ ﺑﺬﻧﺒﮫ ،وﯾﺘﻮاﺛﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﯿﮫ ،ﯾﺸﺎرﻛﮫ ﻓﻲ ذﻟﻚ أﺧﻮاھﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮان ! واﻧﻄﻠﻖ اﻟﺠﻤﯿﻊ إﻟﻰ ﻟﻮن ﻣﻦ أﻟﻮان اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻤﺮح اﻟﻠﻄﯿﻒ ،ﯾﻨﺎﺳﺐ ﺟﻮ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ اﻟﺴﻌﯿﺪة ! ﺛﻢ أﺧﺬ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﻨﺴﺤﺒﻮن واﺣﺪاً إﺛﺮ واﺣﺪ ،ﻟﯿﺨﻠﻮ اﻟﺠﻮ ﻟﻠﺨﻄﯿﺒﯿﻦ اﻟﺴﻌﯿﺪﯾﻦ !
*** ﻗﺎﻟﺖ – ﺑﻌﺪ أن ﺧﻼ ﺑﮭﻤﺎ اﻟﻤﻜﺎن – وﻗﺪ ﻋﻼ وﺟﮭﮭﺎ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺠﺪ واﻟﻜﺂﺑﺔ : = اﺳﻤﻊ ﯾﺎ ﺳﺎﻣﻲ ...أرﺟﻮ أن ﻻ ﺗﺤﻀﺮ ﻟﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﮭﺪاﯾﺎ ! وأﺣﺲ ﻟﮭﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ ﺑﻮﻗﻊ اﻟﺸﻮك اﻟﻤﺴﻤﻮم ،ﻓﻘﺎل ﻓﻲ أﻟﻢ ﯾﺨﻔﯿﮫ : = وﻟﻤﺎذا ﯾﺎ ﺳﻤﯿﺮة ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻻ أﺳﺘﺤﻖ ! ﻗﺎﻟﺘﮭﺎ ﻓﻲ وﺟﻮم ﺛﻘﯿﻞ ،وﻓﻲ ھﻤﻮد ﺣﺴﯿﺮ .وﻃﺄﻃﺄت رأﺳﮭﺎ إﻟﻰ اﻷرض ﻛﺄﻧﻤﺎ ھﻲ آﺧﺮ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻘﺎل ! ﻗﺎل : = اﺳﻤﻌﻲ .إﻧﻨﻲ ﻻ أﺳﺘﺮﯾﺢ ﻟﻤﺜﻞ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت .ﻓﮭﻞ ﻟﺪﯾﻚ ﺣﺪﯾﺚ آﺧﺮ ؟ ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻚ أﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺰﯾﺪ . وﻟﻤﺤﺖ ﻓﻲ وﺟﮭﮫ ﻣﺮارة ،وﻓﻲ ﻗﺴﻤﺎﺗﮫ وﺟﻮﻣﺎً .ﻓﺤﺎوﻟﺖ أن ﺗﻐﯿﺮ اﻟﺠﻮ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﻐﺘﺼﺒﺔ .وﻟﻜﻨﮭﺎ راﺣﺖ ﺗﻘﻮل : = ﺻﺤﯿﺢ ! أﻧﺎ ﻻ أﺳﺘﺤﻖ ﻣﻨﻚ ﻛﻞ ھﺬا اﻻھﺘﻤﺎم .إﻧﻚ إﻧﺴﺎن ﻃﯿﺐ اﻟﻘﻠﺐ ،ﺧﺎﻟﺺ اﻟﻨﯿﺔ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺒﻨﺖ ﺷﺮﯾﺮة ﻣﻦ اﻟﺬي ﯾﺮى ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻨﺒﻞ ﺛﻢ ﻻ ﯾﺨﻠﺺ ﻟﻚ .وﻟﻜﻦ أﻧﺎ .أﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻲء إﻟﯿﻚ ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﺧﻄﻮﺑﺘﻚ ! وأرﺑﺪ وﺟﮭﮭﺎ وﺗﻐﯿّﺮ ،وھﻲ ﺗﻠﻘﻲ إﻟﯿﮫ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت اﻷﺧﯿﺮة .وھﻨﺎ واﺟﮭﺘﮫ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻛﻠﮭﺎ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻗﺪ رﻛﻨﮭﺎ ﺟﺎﻧﺒﺎ ،ووﺧﺰﺗﮫ اﻷﺷﻮاك ﺑﺤﺪة ،ﻓﺒﺪت ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮫ أﻣﺎرات اﻷﻟﻢ اﻟﺤﺎد .وأدرﻛﺖ ﺑﻐﺮﯾﺰﺗﮭﺎ اﻟﻔﻄﻨﺔ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻷﻟﻢ وﻋﻤﻘﮫ ،ﻓﺎرﺗﺪت ﺑﺴﺮﻋﺔ إﻟﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ . ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﻮدد ﻣﻐﺮ ،وﻓﻲ اﺳﺘﺴﻼم ودﯾﻊ : = وﻟﻜﻨﻨﻲ أرﺟﻮ أم ﺗﻜﻮن ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ .وأﻻ ﺗﺪﻋﻨﻲ وﺣﯿﺪة .إﻧﻨﻲ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻗﺎوم اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وأن أﻧﺘﺰع اﻷﺷﻮاك ﺣﯿﻦ أراك ﻣﻌﻲ ،أﺳﺘﻤﺪ ﻣﻨﻚ اﻟﺜﻘﺔ واﻟﺤﺮارة .وإﻧﻚ ﻟﺼﺎﺣﺐ ﺣﻖ ﻓﻲ أن ﺗﻤﺘﻠﻲء ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺎﻟﺸﻮك ،وﻓﻲ أن ﺗﻘﻄﻊ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻛﻠﮫ ،وأن ﺗﻔﺼﻢ ھﺬه اﻟﺨﻄﺒﺔ اﻟﻤﻌﻘﻮدة ،وأن ﺗﺴﺘﺮد )) ﺷﺒﻜﺘﻚ (( أو ﺗﻄﻮح ﺑﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء .وﻟﻜﻦ ﻟﺘﺬﻛﺮ ﻣﻊ ذﻟﻚ أﻧﻨﻲ ﻛﺸﻔﺖ ﻟﻚ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء راﻏﺒﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﻀﻄﺮة . وأﻧﻨﻲ أﺛﻖ ﺑﻚ ﺛﻘﺔ ﻻ ﺣﺪ ﻟﮭﺎ ،وأن أﺣﺪاً ﻣﻦ اھﻠﻲ – ﺣﺘﻰ أﻣﻲ – ﻻ ﯾﻌﻠﻢ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻤﺎ ﺣﺪﺛﺘﻚ ﻋﻨﮫ ، واﻋﺘﺮﻓﺖ ﻟﻚ ﺑﮫ ......إﻧﻚ اﻵن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي أﻋﻮذ ﺑﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ وأﻟﻮذ ﺑﮫ ﻣﻦ اﻷﺷﻮاك !!! وﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﺟﺒﯿﻨﮭﺎ اﻟﻤﻄﺮق ،وإﻟﻰ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ اﻟﺬاﺑﻠﺘﯿﻦ ﻓﺈذا ﻛﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻻﺳﺘﺴﻼم )) :إﻧﻚ اﻵن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻮﺣﯿﺪ ،اﻟﺬي أﻋﻮذ ﺑﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وأﻟﻮذ ﺑﮫ ﻣﻦ اﻷﺷﻮاك (( ! ﻗﺎل : = وھﻮ ؟ ﻣﺎ رأﯾﮫ ؟ وﻣﺎ ﻣﻮﻗﻔﮫ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻔﻚ اﻵن ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻟﺴﺖ أدري .ﻓﺈﻧﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أراه .ﻟﻘﺪ رﻓﻀﻮه ﻛﻞ اﻟﺮﻓﺾ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻟﺨﻄﺒﺘﻲ ﻗﺒﻞ ﻋﺎم .
ﻗﺎل : = ﻣﺎ رأﯾﻚ ﻓﻲ أﻧﻨﻲ أﺣﺐ أن أراه ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﺗﺮاه ؟ وﻣﺎذا ﺗﺼﻨﻊ ﺑﮫ ؟ ) وﺑﺪا ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻻﺿﻄﺮاب ( . ﻗﺎل : = ﻟﺴﺖ أدري ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻲ أن أراه ! ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﻮﺳﻠﺔ : = ﻟﺴﺖ أﻓﮭﻢ ﻣﻌﻨﻰ ھﺬا اﻹﺻﺮار ،ﻧﻔﺴﻲ ﺗﺤﺪﺛﻨﻲ أن اﻟﺨﯿﺮ ﻓﻲ أﻻ ﺗﺮاه ! وﻛﺎن ھﺬا وﺣﺪه ﻛﻔﯿﻼً ﺑﺄن ﯾﺰﯾﺪه إﺻﺮاراً .ﻓﺎرﺗﻔﻌﺖ ﻧﺒﺮة ﺻﻮﺗﮫ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﺟﺎزﻣﺔ : = ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﻛﻠﮭﺎ ﻣﺘﻮﻗﻔﺔ ﻋﻠﻰ أن أراه .ﻓﺄﻋﻄﻨﻲ ﻋﻨﻮاﻧﮫ ،وﻻ ﻋﻠﯿﻚ ﻣﻤﺎ ﯾﺤﺪث ﺑﻌﺪ اﻵن ! ﻗﺎﻟﺖ : = ﺗﮭﺪد ! إذن ﻓﺈﻟﯿﻚ ﻋﻨﻮاﻧﮫ ) ...وﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫ ﻧﻈﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎء واﻟﺘﻮﺳﻞ واﻻﺳﺘﻔﺴﺎر ( !
*** ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺪري – ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ – ﻟﻤﺎذا ﯾﻮد أن ﯾﺮاه .إﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺴﺄل ﻧﻔﺴﮫ ھﺬا اﻟﺴﺆال ..أ ﻟﻌﻠﮫ ﯾﻮد أن ﯾﻘﯿﺲ ﻧﻔﺴﮫ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﺣﻮﻣﺔ اﻟﺼﺮاع ! ﻋﻠﻰ أﯾﮫ ﺣﺎل ﻟﻘﺪ اﻧﺪﻓﻊ ﯾﺼﻔﻖ ﻓﻲ ﻓﻨﺎء ﻣﻨﺰﻟﮫ اﻟﻘﺮﯾﺐ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﮭﺎ ،وھﻮ ﯾﺴﺄل ﻋﻦ اﻟﺸﺎب اﻟﻀﺎﺑﻂ )) ﺿﯿﺎء (( ! وﺧﺮج ﻟﮫ ﺷﺎب أﺑﯿﺾ اﻟﺒﺸﺮة ﻗﺼﯿﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺗﮫ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺒﺮود ،وأﺣﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ واﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻻ ﯾﺪري ﻣﺄﺗﺎه ! ﻗﺎل ﻟﮫ : = ﺣﻀﺮﺗﻚ ﺿﯿﺎء أﻓﻨﺪي ﻗﺎل : = ﻧﻌﻢ ﻗﺎل : = أﻧﺎ ﺳﺎﻣﻲ ...وأرﻏﺐ ﻓﻲ أن أﺣﺎدﺛﻚ ﻓﻲ أﻣﺮ ﺧﺎص . وﻟﻮ أﻧﻚ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ! ،ﻗﺎل اﻟﺸﺎب : = آه ..ﺳﺎﻣﻲ ...ﻻ ..أﻧﺎ أﻋﺮﻓﻚ ..ﺳﺄرﺗﺪي ﻣﻼﺑﺴﻲ ﺣﺎﻻ ..وأﺧﺮج إﻟﯿﻚ ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺰل ... ﺗﻔﻀﻞ !!!... ﻗﺎل : = ﻻ ..ﻻ داﻋﻲ ﻟﻠﺪﺧﻮل ..أﻧﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرك ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﺘﺮام .
***
ووﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﺘﺮام ﯾﻘﻄﻌﮭﺎ ﺟﯿﺌﺔ وذھﻮﺑﺎ ،وﻓﻲ ﺧﻄﻮاﺗﮫ آﻟﯿﺔ ،وﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ اﺿﻄﺮاب :ﻟﻤﺎذا ﻗﺎﺑﻠﮫ ؟ وﻣﺎﻟﺬي ﺳﯿﺤﺪﺛﮫ ﺑﮫ ؟ ... وأﺣﺲ ﻓﻲ رأﺳﮫ ﺑﻐﻠﯿﺎن ! وﻟﻢ ﺗﻤﺾ دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﺸﺎب ﺑﻤﻼﺑﺴﮫ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ! ﻓﻘﻄﻊ ﻋﻠﯿﮫ اﺿﻄﺮاﺑﮫ . ﻗﺎل اﻟﺸﺎب : = أﯾﻦ ﻧﺠﻠﺲ ؟ ﻗﺎل : = ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن .ﻟﯿﺲ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع إﻻ ﻗﮭﻮة )) ﻧﺼﻒ ﺑﻠﺪﯾﺔ (( وﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺄس ﺑﮭﺎ .ﻓﮭﻲ أﻗﺮب ﻣﻦ ﻣﻘﺎھﻲ اﻟﻘﺎھﺮة . ھﺎ ھﻮ ذا اﻟﺘﺮام ،ﻓﻠﻨﺮﻛﺐ ھﺎﺗﯿﻦ اﻟﻤﺤﻄﺘﯿﻦ . وﻗﻔﺰا ﻓﺄدرﻛﺎ اﻟﺘﺮام .
***
ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺪري ﻛﯿﻒ ﯾﺒﺪأ اﻟﺤﺪﯾﺚ ..ﻓﺼﻔﻖ ﻟﻠﻨﺎدل وﻛﻠﻔﮫ إﺣﻀﺎر )) اﻟﻄﻠﺒﯿﻦ (( وﻛﺎن ﻓﻲ ھﺬا ﻣﮭﻠﺔ ﻋﻠﮫ ﯾﺠﺪ ﻣﻔﺘﺎح اﻟﺤﺪﯾﺚ ..وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺎدل ﻣﻀﻰ ﺛﻢ ﻋﺎد ،دون أن ﯾﻔﺘﺢ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺗﻘﺎل .. وأﺧﯿﺮاً زاﻟﺖ اﻟﺤﺒﺴﺔ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﮫ ،ﻓﺘﺤﺮك ،ودار اﻟﺤﻮار . = ﻟﻘﺪ أﺧﺬت ﻋﻨﻮاﻧﻚ ﻣﻦ ﺳﻤﯿﺮة ! = آه ..إﻧﮭﺎ ﺑﻨﺖ ﻃﯿﺒﺔ ،ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ أﻧﻚ ﺧﻄﯿﺒﮭﺎ .وھﻲ ﺑﻨﺖ ﺣﻼل ! = ﻟﻘﺪ ﺧﻄﺒﺘﮭﺎ ﻗﺒﻞ أن أﻋﻠﻢ ﻗﺼﺘﻜﻤﺎ .أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ ﺗﺘﻐﯿﺮ اﻷﺣﻮال . = إذن ھﻲ ﻗﺼﺖ ﻋﻠﯿﻚ ﻛﻞ ﺷﻲء ؟ = ﻧﻌﻢ وﺑﺎﻟﺘﻔﺼﯿﻞ ..وإﻧﻲ ﻷﺣﺐ أن أﻋﺮف :ﻣﺎ إذا ﻛﻨﺘﻤﺎ اﻟﯿﻮم راﻏﺒﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﺎ أﺧﻔﻘﺘﻤﺎ ﻓﯿﮫ ﻗﺒﻞ ﻋﺎم ،إﻧﻨﻲ أﺿﻊ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻜﻤﺎ ﻧﻔﻮذي ﻟﺪى أھﻠﮭﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﺪوﻧﻨﻲ واﺣﺪاً ﻣﻨﮭﻢ ،وﻧﻘﻮدي اﻟﺘﻲ أﻋﺪدﺗﮭﺎ إذا ﻛﺎن ھﺬا ﻋﺎﺋﻘﺎً أﯾﻀﺎً . ﻟﻢ ﯾﺪرك ﻛﯿﻒ اﻧﺪﻓﻌﺖ ﻣﻦ ﻓﯿﮫ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ..أھﻲ رﻏﺒﺘﮫ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻨﮭﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻇﮭﺮ ﻟﮫ ﻣﺎ ﻇﮭﺮ ؟ أم ھﻮ إﯾﺜﺎره ﻟﺴﻌﺎدﺗﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺰﻋﻢ ﻟﻨﻔﺴﮫ ؟ أم ھﻮ اﺳﺘﻄﻼع ﻣﺎ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻣﻦ ﺗﻤﺎﺳﻚ واﺗﺼﺎل ؟ وﻟﻜﻦ اﻟﺸﺎب ﻟﻢ ﯾﺘﺤﻤﺲ ﻟﮭﺬا اﻟﻌﺮض – ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻨﺘﻈﺮ – ﺑﻞ راح ﯾﻘﻮل ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﺑﺎردة ﻓﯿﮭﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻄﺮاوة وﻣﻂ اﻷﻟﻔﺎظ : = وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻧﺼﻨﻊ ﻷھﻠﮭﺎ ..ﻟﻘﺪ ﻗﺎﺑﻠﻮﻧﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺳﯿﺌﺔ ﺟﺪاً ﺣﯿﻨﻤﺎ ذھﺒﺖ أﺧﻄﺒﮭﺎ ..ﺛﻢ إن أھﻠﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﯾﻤﺎﻧﻌﻮن ﻓﻲ زواﺟﻲ ﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ ﺣﺪ ﺗﮭﺪﯾﺪي ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ إذا أﻧﺎ أﺧﺬﺗﮭﺎ ..إن أﻣﻲ ﺗﺮﯾﺪ ﻟﻲ ﺑﻨﺘﺎ ﻏﻨﯿﺔ ..ﺑﻨﺖ ﺻﺎدق ﺑﺎﺷﺎ ..وھﻢ ﯾﻌﺮﻓﻮن اﺳﻤﻚ وﺻﻠﺘﻚ ﺑﺴﻤﯿﺮة ..وﻟﺬا ﻟﻢ أرد أن أﺳﺘﻘﺒﻠﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل !
ﺛﻢ زاﯾﻠﮫ اﻟﺒﺮود ،وﻋﻠﺖ ﻧﺒﺮة ﺻﻮﺗﮫ ،وﺑﺪا ﻓﯿﮭﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﺪق واﻹﺧﻼص وھﻮ ﯾﻘﻮل :ﻟﻦ أﺗﺰوج ﻣﺎ داﻣﺖ ﺳﻤﯿﺮة ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺒﻲ ! ﻗﺎل ،وﻗﺪ ﺗﻐﯿﺮت ﻧﻔﺴﮫ ،وﺑﺪا ﻓﯿﮭﺎ ﻏﯿﻆ ﻣﻜﺘﻮم : = ﻗﻠﺖ ﻟﻚ :إﻧﻨﻲ ﺳﺄﻣﮭﺪ ﻟﻜﻤﺎ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،ﺳﺄﺟﻌﻞ أھﻠﮭﺎ ﯾﻘﺒﻠﻮﻧﻚ ،أﻣﺎ أھﻠﻚ أﻧﺖ ﻓﻌﻠﯿﻚ إﻗﻨﺎﻋﮭﻢ ،وإن ﻟﻢ ﯾﻘﺘﻨﻌﻮا ..أﻓﻠﺴﺖ ﯾﺎ أﺧﻲ رﺟﻼً ؟ ) ﻗﺎﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﻏﯿﻆ وازدراء ( ! ﻗﺎل اﻟﺸﺎب – وﻗﺪ ذھﺒﺖ ﻋﻨﮫ ﺣﻤﺎﺳﺘﮫ اﻟﻮﻗﺘﯿﺔ : - = وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻣﺴﺎﻓﺮ ﻟﻠﺴﻮدان ﺑﻌﺪ أﯾﺎم ! ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﺣﺘﻰ أﻋﻮد ..ﻓﺴﺄﺗﻘﺪم إﻟﯿﮭﺎ ! وﻛﺎد ﯾﺼﻔﻌﮫ ،وﻟﻜﻨﮫ ﺗﻤﺎﻟﻚ ..ﺛﻢ اﻧﺪﻓﻊ ﯾﻘﻮل : = ھﺬا ﻟﯿﺲ ﻛﻼﻣﺎً ،ﻓﺈن ﻛﻨﺖ ﺗﺮﯾﺪ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻓﺘﻘﺪم اﻟﯿﻮم ،وﻗﺪم ﻣﮭﺮاً ،إذا ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻜﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﻚ ! ﻗﺎل : = إذا رﺿﻰ أھﻠﮭﺎ ﻓﺄﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد . ﻋﻨﺪﺋﺬ أﺣﺲ أن ﻃﻌﻨﺔ أﺻﺎﺑﺘﮫ ،وأن اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺗﻈﻠﻢ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫ ،واﻧﻘﻄﻊ ﺣﺒﻞ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﺎب ﻋﺎود اﻟﻜﻼم ﻓﻲ رﺧﺎوة ﻋﺠﯿﺒﺔ : = أﻧﺎ ﻻ أﻋﺮف ﻟﻤﺎذا ﺗﻜﺮھﮭﺎ أﻣﻲ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻜﺮاھﯿﺔ ؟ إن أھﻠﻲ ﯾﻌﺘﻘﺪون أﻧﮭﺎ ﺳﺘﺄﺧﺬﻧﻲ ﻣﻨﮭﻢ ،ﻣﻊ أﻧﮭﺎ ھﻲ اﻟﺘﻲ ردﺗﻨﻲ إﻟﯿﮭﻢ ﺣﯿﻦ ﻏﻀﺒﺖ ﻣﻨﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﺑﻘﯿﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻻ أدﺧﻞ ﺑﯿﺘﮭﻢ ﻋﺪة أﯾﺎم ؟ ﻗﺎل ﻓﻲ اﺳﺘﻔﺴﺎر ﻣﻐﯿﻆ : = وﻛﯿﻒ ردﺗﻚ إﻟﯿﮭﻢ ؟ ﻗﺎل اﻟﺸﺎب : = ﺟﺎءت إﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﮭﺮم ،وھﺪدﺗﻨﻲ ﺑﻘﻄﻊ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ ﺑﻲ إذا أﻧﺎ ﻟﻢ أﻋﺪ ﻟﻠﻤﻨﺰل ،ﻓﻌﺪت ﻣﻌﮭﺎ ... ﺟﺎءت إﻟﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﮭﺮم ! ھﻨﺎ أﺣﺲ ﺑﺎﻟﺪوار ،ھﻨﺎ ﺗﺮاﻗﺼﺖ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﮫ ﻋﺸﺮات ﻣﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﻤﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ،ﻛﺎن ﯾﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺻﻮرة ﻣﻨﮭﺎ ﺛﻢ ﯾﻄﯿﻞ اﻟﻮﻗﻮف .ﺻﻮرة )) ﺧﯿﻤﺔ (( ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ .وھﻤﺎ ﻣﻨﻔﺮدان .وھﻮ ھﺬا اﻟﺸﺎب )) اﻟﻤﺎﺋﻊ (( وھﻲ ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﻌﺶ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺮاه – ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺮاف – واﻟﺘﻲ ودﻋﺘﮫ ﺑﺪﻣﻮﻋﮭﺎ ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ )) اﻟﺸﺒﻜﺔ (( وﻗﺎﻟﺖ :إن اﻟﻠﺤﻦ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮭﺎ ﻛﺎن ﻟﺤﻦ اﻟﺠﻨﺎزة ﺗﺸﯿﻌﮫ ﺑﮫ إﻟﻰ ﻣﻘﺮه اﻷﺧﯿﺮ .ﻣﻘﺮه اﻷﺧﯿﺮ ؟ ھﺎ ھﺎ ھﺎ ! ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻘﻒ ﻟﻼﻧﺼﺮاف .ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻘﻮل ﻓﻲ ﺣﻤﺎﺳﺔ : = اﻧﺘﮭﯿﻨﺎ ،ﺳﺘﺘﻘﺪم ﻷھﻠﮭﺎ ﻏﺪاً ،وﺳﺄﻧﺴﺤﺐ أﻧﺎ اﻟﻠﯿﻠﺔ ،وﺳﺄﻣﮭﺪ ﻟﻜﻤﺎ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻨﺬ اﻵن ! *** ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺪور ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ – وھﻮ ﻋﺎﺋﺪ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﮭﺎ – إﻻ ﺧﺎﻃﺮ واﺣﺪ :ﺧﺎﻃﺮ اﻻﻧﺴﺤﺎب ..وإﻻ ﺻﻮرة واﺣﺪة :ﺻﻮرة )) اﻟﺨﯿﻤﺔ (( ،وﻟﻜﻨﮫ ﯾﻜﺬب ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ وﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻟﻮ ﻗﺎل :إن ﻧﻔﺴﮫ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺷﻌﻠﺔ ﻣﻦ
اﻟﺠﺤﯿﻢ ،وإن دﻣﺎءه ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻐﻠﻲ ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﮫ .وإﻧﮫ ﻟﻢ ﺗﺪر ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﺣﺴﮫ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﯿﻦ ﺷﺘﻰ اﻻﺗﺠﺎھﺎت ،وأﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﺴﮭﻞ ﺣﻤﺎﻗﺔ اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ ﻋﻠﻰ وﺿﻊ ﻣﻦ اﻷوﺿﺎع ! ودﺧﻞ اﻟﻤﻨﺰل ،ﻓﺒﺎدرت إﻟﯿﮫ ،وﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ﻧﻈﺮة اﺳﺘﻔﮭﺎم ﻣﺘﻮﺳﻠﺔ .ﻓﺎﺗﺴﻌﺖ ﺣﺪﻗﺘﺎھﺎ – وھﻲ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫ – وﻋﻼ ﺻﺪرھﺎ وھﺒﻂ ،وﻣﺎﺗﺖ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﮭﺎ اﻟﻜﻠﻤﺎت ! واﻧﻘﻀﺖ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺠﺪ ﻟﺴﺎﻧﮫ ﯾﺘﻜﻠﻢ . ﻗﺎل وھﻮ ﯾﺘﻜﻠﻒ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ وﻋﺪم اﻟﻤﺒﺎﻻة : = اﻧﺘﮭﯿﻨﺎ ﯾﺎ ﺳﺘﻲ ..اﺳﺘﻌﺪي ﻟﻠﻌﻮدة إﻟﻰ ﺿﯿﺎء ! ﻓﺪﻧﺖ ﻣﻨﮫ ووﺿﻌﺖ ﯾﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫ ﻓﻲ ﺧﻮف اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﻤﺘﻮﺳﻠﺔ وﻗﺎﻟﺖ : = ﺿﯿﺎء ! ﻛﯿﻒ ؟ ﻗﺎل وﻗﺪ زاﯾﻠﮫ ھﺪوءه اﻟﻤﺘﺼﻨﻊ : = ﺿﯿﺎء ﺻﺎﺣﺐ )) اﻟﺨﯿﻤﺔ (( ﻓﻲ ﻣﻌﺴﻜﺮ اﻟﮭﺮم ! ﺑﺪا ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮭﺎ اﻟﺬﻋﺮ ،وﻋﻠﻰ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ اﻻﺿﻄﺮاب ،وﺗﻠﻌﺜﻢ ﻟﺴﺎﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎل : = أي )) ﺧﯿﻤﺔ (( ھﻮ ﻗﺎل ﻟﻚ إﻧﻨﻲ ذھﺒﺖ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ )) ﺧﯿﻤﺔ (( ؟ ) ..ﺛﻢ ﺟﺰت أﺳﻨﺎﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻏﯿﻆ ( ... اﻟﻜﺬاب ! ﻻ ﯾﺪري ﻟﻢ اﺳﺘﺮاح وھﻲ ﺗﻠﻔﻆ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ،وإن ﻟﻢ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ... ﻗﺎل : = أﻟﻢ ﺗﺬھﺒﻲ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ،ﻟﺘﺮدﯾﮫ إﻟﻰ أھﻠﮫ ﺣﯿﻦ ﻏﻀﺐ ﻣﻨﮭﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻧﻌﻢ ذھﺒﺖ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﻗﺎﺑﻠﮫ ﻓﻲ )) ﺧﯿﻤﺔ (( ﻟﻘﺪ ﺗﻤﺸﯿﻨﺎ ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل ! آه ..اﻟﺮﻣﺎل ..وھﺬه ﻛﺎرﺛﺔ أﺧﺮى ..ﻓﻤﺎ اﻟﻔﺎرق ﺑﯿﻦ اﻟﺨﯿﻤﺔ واﻟﺮﻣﺎل ؟ ﻗﺎل : = ﻋﻠﻰ أﯾﮫ ﺣﺎل ﻟﻘﺪ اﻧﺘﮭﯿﻨﺎ .ﺳﺘﻜﻮﻧﯿﻦ ﻟﮫ .وﺳﯿﺄﺗﻲ ھﻨﺎ ﻏﺪاً .وﺳﺄﺧﺒﺮ أھﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺑﺎﻧﺴﺤﺎﺑﻲ ،دون إﺑﺪاء اﻷﺳﺒﺎب ،وإن ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﻌﮭﺪت ﺑﺄن أﻣﮭﺪ ﻟﻜﻤﺎ اﻟﻄﺮﯾﻖ .ﻷﻧﮫ ھﻮ ﻣﺘﺨﻮف ﻣﻦ ﻣﻌﺎرﺿﺔ أھﻠﻚ وأھﻠﮫ . ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻨﻔﻌﻠﺔ : = ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﻟﻚ أن ﺗﻨﺴﺤﺐ إذا ﺷﺌﺖ ،وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ﻟﻚ أن ﺗﻘﮭﺮﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻻ أرﯾﺪه ..إﻧﻨﻲ أﻛﺮھﮫ .. ﻟﻢ أﻋﺪ أﺗﺼﻮر أن أراه .. ﻗﺎل وھﻮ ﯾﺘﺼﻨﻊ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ واﻟﮭﺪوء : = ﯾﺎ )) ﺳﺘﻲ (( إﻧﻚ ﺗﻐﺎﻟﻄﯿﻦ ﻧﻔﺴﻚ .ﻓﺪﻋﯿﻨﻲ أؤدي واﺟﺒﻲ ! ﻗﺎﻟﺖ ،وﻗﺪ ﺷﺮﻗﺖ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ ،واﺧﺘﻨﻖ ﺻﻮﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت : = ﺗﺆدي واﺟﺒﻚ ! واﺟﺒﻚ ﻓﻲ أن ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺮﻓﺖ ﻟﻚ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء .اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺮد أن ﺗﻐﺸﻚ أو ﺗﻐﺶ ﺿﻤﯿﺮھﺎ ،اﻟﺘﻲ وﺛﻘﺖ ﺑﻚ ﻓﻄﻠﺒﺖ ﻣﻌﻮﻧﺘﻚ .ﺗﺆدي واﺟﺒﻚ ! وﻟﻢ ﻟﻢ ﯾﺆد ھﻮ واﺟﺒﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻷﻣﺪ اﻟﻄﻮﯾﻞ .أﻟﯿﺲ رﺟﻼً .ﻟﻢ ﻻ ﯾﺬﻟﻞ ﻋﻘﺒﺎت ﻧﻔﺴﮫ ﻓﯿﺪع ﻟﻚ أﻧﺖ أن ﺗﺬﻟﻠﮭﺎ ﻟﮫ ...اﻟﺠﺒﺎن !
ﻧﻄﻘﺖ ﺑﮭﺬه اﻟﻌﺒﺎرة ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺧﺎﻃﻔﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﻨﺘﮭﻲ ﻣﻨﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ أﻋﻠﻰ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻨﺸﯿﺞ ، وأﺧﺬ ﺟﺴﻤﮭﺎ ﻛﻠﮫ ﯾﺮﺗﺠﻒ وﯾﮭﺘﺰ ...وﺑﻼ ﺷﻌﻮر وﻻ ﻗﺼﺪ ،وﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻘﺘﺮب ﻣﻨﮭﺎ ،ﺛﻢ ﯾﻀﻤﮭﺎ إﻟﯿﮫ ، ﻓﺘﺠﺎوﺑﮫ ﻓﻲ اﺳﺘﺴﻼم ،وﺗﺪﻓﻦ وﺟﮭﮭﺎ ﻓﻲ ﺻﺪره ﺑﻌﻨﻒ ،ﺛﻢ إذا ھﻮ ﯾﺮﻓﻊ وﺟﮭﮭﺎ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ،وﻋﯿﻨﺎھﺎ ﻣﻐﺮورﻗﺘﺎن ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ،وﻓﻲ وﺟﮭﮭﺎ ﺑﺮاءة ﻣﻌﺬﺑﺔ .ﺛﻢ ﻻ ﯾﺪري ﻛﯿﻒ ﻗﺪ ﻧﺴﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﻓﺈذا ﺷﻔﺘﺎه ﺗﮭﻮﯾﺎن ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﮭﺎ ،ﻓﺘﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﮫ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﮭﺎ ..ﺛﻢ ﯾﺴﺘﻤﻌﺎن إﻟﻰ وﻗﻊ أﻗﺪام ،ﻓﯿﻨﺘﺒﮭﺎن !
*** ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ – وﻗﺪ أﻣﻨﺖ واﻃﻤﺄﻧﺖ ،وﻋﺎودﺗﮭﺎ روح اﻟﺪﻋﺎﺑﺔ واﻟﺸﯿﻄﻨﺔ : = ﻛﯿﻒ وﺟﺪﺗﮫ ﺑﺎﷲ ؟ ﻗﺎل : = أﺗﺮﯾﺪﯾﻦ أن أﺻﺪﻗﻚ ؟ أم ﺗﺮاﻧﻲ أﺟﺎﻣﻞ ذوﻗﻚ ؟ ﻗﺎﻟﺖ – وﻗﺪ ﻓﺎرﻗﺘﮭﺎ روح اﻟﺪﻋﺎﺑﺔ ،وﺑﺪا ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮭﺎ اﻟﺠﺪ واﻻھﺘﻤﺎم : = ﻻ ..ﻻ ﺗﻘﻞ ﻟﻲ ﻋﻨﮫ ﺷﯿﺌﺎً .إﻧﻨﻲ أﻋﺮف ﻋﯿﻮﺑﮫ ،وأﺣﺐ أن أﻗﻮﻟﮭﺎ أﻧﺎ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ أﻃﯿﻖ أن ﯾﻘﻮﻟﮭﺎ ﻟﻲ أﺣﺪ ..وﺑﺨﺎﺻﺔ أﻧﺖ ! ..إﻧﮫ ﺗﺎﻓﮫ ،وﺳﺎذج و )) ﺑﻠﺪي (( ﻓﻲ أﻟﻔﺎﻇﮫ وﺣﺮﻛﺎﺗﮫ ...وﻟﻜﻨﮫ ﻃﯿﺐ .ﻃﯿﺐ ﺟﺪا وﻣﺨﻠﺺ .وﻓﻲ ﺧﻼل ﻋﺎﻣﯿﻦ ﻛﺎﻣﻠﯿﻦ ،ﻟﻢ ﯾﺮد أن ﯾﻀﻊ ﯾﺪه ﻋﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﺮات ! وأﺣﺲ ﻟﮭﺬه اﻟﻌﺒﺎرة اﻷﺧﯿﺮة ﺑﻮﺧﺰة ﻓﻲ ﺷﻌﻮره .ﻟﻤﺎذا ھﺬه اﻹﺷﺎرة ؟ ﻟﺘﻨﻔﻲ رﯾﺒﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ؟ وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻗﺎل :إن ھﺬا ﯾﺰﯾﻞ رﯾﺒﺘﮫ وﻻ ﯾﻘﻮﯾﮭﺎ ؟ ﺛﻢ ﻟﻢ ﻻ ﺗﻄﯿﻖ ﺣﺘﻰ اﻟﯿﻮم أم ﺗﺴﻤﻊ ﻓﯿﮫ ﻗﺪﺣﺎً ؟ ....وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﻌﺮف ﺣﻘﯿﻘﺘﮫ ،وﺗﺼﻔﮫ ﺑﺎﻟﺘﻔﺎھﺔ واﻟﺴﺬاﺟﺔ ،وإن وﺻﻔﺘﮫ ﺑﺎﻟﻄﯿﺒﺔ واﻹﺧﻼص ! واﻧﻄﻠﻖ اﻟﻤﺎرد .وﻗﺎم ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺼﺮاع ... وأدرﻛﺖ ھﻲ ﻣﺎ ﯾﺠﻮل ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮه – وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺷﻲء ﻣﻤﺎ ﯾﺪور ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﺨﻔﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ – ﻓﺄرادت أن ﺗﺄﺗﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮف ﺿﻌﻔﮫ ﻓﯿﮭﺎ :ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ ﻣﺮوءﺗﮫ وﻧﺎﺣﯿﺔ ﺣﺒﮫ . ﻗﺎﻟﺖ : = أﻋﺮف أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺜﻖ ﺑﻲ .ﻣﻌﻚ ﺣﻖ .وﻟﻜﻦ أﻟﻢ أﺻﺎرﺣﻚ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء .ﺛﻖ أﻧﮫ ﻟﻮ ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺷﻲء ﻣﺎ أﺣﺠﻤﺖ ﻋﻦ ذﻛﺮه ﻟﻚ .إﻧﻨﻲ واﺛﻘﺔ ﺑﻚ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻻ ﺗﺘﺼﻮره .ﻓﻠﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﺮﯾﺢ ، وﻟﺴﺖ أﺧﻔﻲ ﻋﻠﯿﻚ أﻧﻨﻲ أﺻﺎرع ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ،وأﻧﻨﻲ أﺣﺲ ﻟﮭﺬا اﻟﻤﺨﻠﻮق اﻟﺘﺎﻓﮫ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ اﻹﻋﺰاز .ﻻ ﺗﻨﺲ أﻧﻨﻲ أﺣﺒﺒﺘﮫ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﻦ اﻷﯾﺎم إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﻌﺒﺎدة ...ﻛﻨﺖ ﻃﻔﻠﺔ ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ وﻛﺎن ﻃﻔﻼ ﺳﺎذﺟﺎً ! وﻻ ﯾﺰال ! ﺛﻢ إﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﺻﺎدﻓﺖ رﺟﻼً ...ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺘﻚ ! وﺗﻄﻠﻌﺖ إﻟﯿﮫ ﺑﻨﻈﺮة ﻛﻠﮭﺎ ﻧﺪاء ...واﺳﺘﻄﺎع أن ﯾﻨﺴﻰ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ھﻮاﺟﺴﮫ ﻛﻠﮭﺎ ﻟﯿﺴﺘﺠﯿﺐ .وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻔﺾ ﻣﺬﻋﻮرة ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﻣﺴﺖ ﻣﻦ ﺷﯿﻄﺎن .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻔﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﺴﺮﯾﺮ ﻓﺘﺪﻓﻦ وﺟﮭﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش ...وﺗﺴﺘﻠﻢ ﻟﻠﺒﻜﺎء ! إﻧﮫ اﻟﺼﺮاع .....
*** ﻟﻢ ﯾﻨﺴﺤﺐ ،وﻟﻢ ﯾﻨﺒﺊ أھﻠﮭﺎ ﺑﺸﻲء ،وﻟﻢ ﯾﺤﻀﺮ اﻟﺸﺎب ﻛﺬﻟﻚ .واﻧﻘﻀﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم .وﻛﺎن ھﻨﺎك . وﻋﻠﻢ أﻧﮭﺎ ذھﺒﺖ إﻟﻰ ﻋﯿﺎدة اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻟﺘﺄﺧﺬ ﺣﻘﻨﺔ )) اﻟﻜﻠﺴﯿﻮم (( ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﺎدﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل اﻟﻤﺠﺎور ﺑﺎﻟﺬات ،ﻓﻠﻢ ﯾﺮاﻓﻘﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﯿﺎدة اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ . ﺛﻢ ﺣﻀﺮت ...دﺧﻠﺖ ﺷﺎﺣﺒﺔ اﻟﻮﺟﮫ ،ﺗﻐﺮورق ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع .ﺛﻢ اﻧﻔﻠﺘﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﻨﻮم ﻓﺄﻏﻠﻘﺘﮭﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،دون أن ﺗﻌﺮج ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮة اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﺑﻌﺾ اﻟﺰاﺋﺮات . وﻟﻤﺤﮭﺎ ﺗﺪﺧﻞ ،ﻓﺘﺒﻌﮭﺎ دون أن ﯾُﺨﻄﺮ أﻣﮭﺎ وزاﺋﺮاﺗﮭﺎ .وﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﺣﺘﻰ وﻗﻊ ﻧﻈﺮه ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻈﺮ ﻣﺆذ ﺟﺪاً :اﻟﻔﺘﺎة ﻣﻨﺤﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮﯾﺮ ﻓﻲ اﺿﻄﺮاب ،وﺟﺴﺪھﺎ ﻛﻠﮫ ﯾﺘﻘﻠﺺ ﻛﺎﻟﻤﻠﺪوغ . ﻗﺎل : = ھﻞ أدﺧﻞ ؟ ﻓﺄوﻣﺄت إﻟﯿﮫ أن ﯾﺠﻲء .وﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾﺤﺎذﯾﮭﺎ .ﺣﺘﻰ اﻧﺘﺼﺒﺖ اﻧﺤﺎﺋﮭﺎ ،ﻓﺄﻟﻘﺖ ﺑﻨﻔﺴﮭﺎ ﻋﻠﯿﮫ ،ودﻓﻨﺖ وﺟﮭﮭﺎ ﻓﻲ ﺻﺪره وﻃﻮﻗﺘﮫ ﺑﺬراﻋﯿﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﻨﻒ ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﺒﻜﻲ ... وﻗﻒ ﺣﺎﺋﺮاً ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ،وﺗﺮﻛﮭﺎ ﺗﮭﺪأ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ..ﺛﻢ ﻟﻤﻊ ﻓﻲ ذھﻨﮫ ﺧﺎﻃﺮ ﻏﺮﯾﺐ .ﻗﺎل : = ھﻞ ﻗﺎﺑﻠﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ؟ وﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﻜﺸﻒ ﺳﺮھﺎ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ اﻟﯿﺴﯿﺮ .وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺳﺘﺮاﺣﺖ ﻟﮭﺬا اﻟﻜﺸﻒ أﯾﻀﺎً دون أن ﺗﻘﻮل . ﻓﻘﺎﻟﺖ ،ووﺟﮭﮭﺎ ﻓﻲ ﺻﺪره : = ﻧﻌﻢ ﻗﺎﺑﻠﺘﮫ اﻵن ؟ ﻗﺎل : = وﻣﺎذا ﻗﺎل ﻟﻚ ؟ وﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻜﯿﻦ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻟﻘﺪ ﻃﻠﺐ إﻟﻲ أن أرد ﻟﮫ ﺻﻮره ورﺳﺎﺋﻠﮫ ،ﻣﺎ دﻣﺖ ﻗﺪ ﺻﺮت إﻟﻰ رﺟﻞ آﺧﺮ ،واﻧﺘﮭﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ! وھﻨﺎ ﻋﻼ ﻧﺸﯿﺠﮭﺎ وزاد اﺿﻄﺮاﺑﮭﺎ ﻓﺄﺣﻨﻘﮫ ھﺬا .وﻟﻜﻦ أدرﻛﺘﮫ رﻗﺘﮫ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﻧﺒﺮة ﺗﻤﺰج ﺑﯿﻦ اﻟﻐﯿﻆ واﻟﺮﻗﺔ ،وﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﻣﺮﯾﺮة ﻣﻐﻠﻔﺔ ﺑﻘﻠﺔ اﻟﻼﻣﺒﺎﻻة : = أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ ﯾﺎ ﺑﻨﯿﺔ :إﻧﻚ ﺗﻐﺎﻟﻄﯿﻦ ﻧﻔﺴﻚ ،وإن اﻷﻓﻀﻞ ھﻮ اﻟﺘﺴﻠﯿﻢ واﻻﻋﺘﺮاف ؟ ﻓﺴﻜﺘﺖ ﻓﺠﺄة ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء ،ورﻓﻌﺖ وﺟﮭﮭﺎ إﻟﯿﮫ ،وﻗﺪ ﻋﻠﺘﮫ ﻣﺴﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺪ اﻟﺼﺎرم وﻗﺎﻟﺖ ،وھﻲ ﺗﻤﺴﺢ دﻣﻮﻋﮭﺎ ﺑﺎﻟﻤﻨﺪﯾﻞ : = ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﯾﺤﺴﻦ ﻣﻨﻚ ھﺬا اﻟﻜﻼم ! وﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﺴﻜﺖ أو ﯾﺜﻮر .وﻟﻜﻨﮫ وﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺧﻔﺔ واﻧﻄﻼﻗﺎ .ﻗﺎل : = إﻧﻨﻲ ﻷﻋﺠﺐ ﻟﻚ ﯾﺎ ﺑﻨﯿﺔ :أﻓﻲ ﺣﻀﻨﻲ أﻧﺎ ﺗﻨﺸﺠﯿﻦ ﻋﻠﯿﮫ ؟ ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ ﺧﻔﺖ ھﻲ اﻷﺧﺮى واﻧﺘﻌﺸﺖ :
= ﻣﻌﻚ ﺣﻖ .وﻟﻜﻨﻨﻲ واﷲ ﻟﺴﺖ أﻓﮭﻢ .إﻧﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎ وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺿﯿﻘﺔ ﺗﻄﻠﻌﺖ إﻟﯿﻚ أﻧﺖ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺧﻔﺖ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻟﺠﺄت إﻟﯿﻚ أﻧﺖ ،وﻟﻢ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ أن أﻟﺠﺄ إﻟﻰ أﺣﺪ آﺧﺮ :ﻻ واﻟﺪﺗﻲ ،وﻻ واﻟﺪي ،وﻻ ھﺬا اﻟﺬي أﺑﻜﻲ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻨﺬ ﻟﺤﻈﺔ ! .أﻗﻮل ﻟﻚ اﻟﺤﻖ :إﻧﻨﻲ ﺑﻨﺖ ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ ..إﻧﻨﻲ ﻻ أﻋﺮف ﺣﻘﯿﻘﺔ اﺗﺠﺎھﻲ ،ﻻ ﺗﻀﺤﻚ إذا ﻗﻠﺖ ﻟﻚ :إﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻠﺤﻈﺎت أﺗﻤﻨﻰ أن ﯾﺒﺎح ﻟﻲ زواﺟﻜﻤﺎ ﻣﻌﺎً ..أﻧﺖ وھﻮ ..ﻟﯿﺖ ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨﺎً ! إﻧﻨﻲ أﺣﺒﮫ ﻓﻘﻂ ﺣﯿﻨﻤﺎ أﺣﺲ أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺳﯿﻨﺘﮭﻲ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،وأﺣﺒﻚ أﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺣﺲ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺣﺮم ﻣﻨﻚ . وﻣﻊ أن ھﺬا اﻟﺘﺼﺮﯾﺢ آذاه ،ﻓﺈﻧﮫ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻔﻜﺮ ،ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻌﻄﻒ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﯾﺘﺼﺎرع اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻟﺼﺮاع .ﻓﻘﺎل ﻓﻲ دﻋﺎﺑﺔ : = وھﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﯾﺎ ﺑﻨﯿﺘﻲ ،أﻧﺎ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﮭﺬا اﻟﺤﻞ اﻷﺧﯿﺮ !!! ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ ﻋﺎودھﺎ اﻟﺠﺪ : = ﻻ .إﻧﻨﻲ ﻟﻚ .وﻟﯿﺴﺖ ھﺬه إﻻ ﺟﺬوراً ﻟﻤﺎض ﺳﺨﯿﻒ .ﺳﺎﻋﺪﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻗﺘﻼﻋﮭﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ .ﻗﻞ إﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻨﻲ ..ﻗﻞ ) ..وأﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪه ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮭﺎ ﻓﻲ إﻋﺰاز ﻇﺎھﺮ ( ..........ﻓﻘﺎل !
..ﺳِـﺨﺮﯾﺎت ..
أذن ﻟﮭﻤﺎ أﺑﻮھﺎ ﻓﻲ أن ﯾﺮاﻓﻘﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﻔﻠﺔ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺮﺑﻊ ،ﺑﻌﺪ أن ﯾﺘﻨﺎول ﻓﻲ دراھﻢ ﻃﻌﺎم اﻟﻐﺪاء . وﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻮان ﻣﺒﻜﺮاً ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ،ﻟﯿﺼﻞ ﻓﻲ ﻣﯿﻌﺎد ﻣﻨﺎﺳﺐ .ووﺟﺪھﺎ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻀﯿﺮ اﻟﻤﺎﺋﺪة ﻓﻲ ﺧﻔﺔ وﻧﺸﺎط واﺟﺘﻤﻊ أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة ﺣﻮﻟﮫ ،ﯾﺤﺘﻔﻠﻮن ﺑﮫ /وھﻢ ﻓﻲ اﺑﺘﮭﺎج ﻇﺎھﺮ وﻓﺮح واﺳﺘﺒﺸﺎر ، وﺗﻨﺎوﺑﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺗﻘﺪﯾﻢ أﻃﺎﯾﺐ اﻟﻤﺎﺋﺪة ﻟﮫ – ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﻋﻦ ﻃﯿﺒﺔ اﻟﻘﻠﺐ وﺻﻔﺎء اﻟﺴﺮﯾﺮة ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﺎﯾﻖ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن – واﺷﺘﺮﻛﺖ ھﻲ ﻣﻌﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻛﺮام ،ﺑﻌﺪ إﺣﺮاﺟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﻜﺎھﺎت واﻟﻨﻜﺎت ﻣﻦ أﻣﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻻ ﺗﺴﻌﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح ! ..إﻧﮭﺎ ﺳﯿﺪة ﻃﯿﺒﺔ ﻋﺼﺒﯿﺔ اﻟﻤﺰاج ، ﻣﺼﺎﺑﺔ ﺑﺪاء اﻟﻜﺒﺪ ،وﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻔﺮح ،وأن ﺗﻘﺸﻊ اﻟﮭﻢ ،ﻷن اﻟﻜﺪر ﯾﺜﯿﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺪاء ،وھﺬه ﺑﻨﺘﮭﺎ اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ﺧﻄﯿﺒﺔ ﺷﺎب ﺗﺜﻖ ﻓﻲ أﺧﻼﻗﮫ ،وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﮫ ﻃﯿﺐ ،وھﻮ ﻣﻠﺤﻮظ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﻓﻲ اﻷوﺳﺎط اﻷدﺑﯿﺔ واﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ، ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس .واﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﺗﺤﺴﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ .ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﯾﻌﻮﻗﮭﺎ ﻋﻦ اﻟﻔﺮح واﻟﺒﮭﺠﺔ واﻻﺳﺘﺒﺸﺎر ؟!
واﻧﻔﻀﺖ اﻟﻤﺄدﺑﺔ ،وﺗﻨﺎول اﻟﺠﻤﯿﻊ اﻟﺸﺎي واﻟﻘﮭﻮة ،ﺣﺴﺐ أﻣﺰﺟﺘﮭﻢ وﻋﺎداﺗﮭﻢ .واﻗﺘﺮب ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ﻓﺘﮭﯿﺄت ﻟﻠﺨﺮوج .و ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺣﺠﺮة اﻟﺰﯾﻨﺔ ﺑﺪت وﻛﺄﻧﮭﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺗﺘﺤﺮك ،ﻓﺄﺣﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ إﺣﺴﺎس اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻤﻮﻓﻮر اﻟﺜﺮاء ،وھﻮ ﯾﻄﺎﻟﻊ رﺻﯿﺪه اﻟﻀﺨﻢ ...أھﺬه ﻛﻠﮭﺎ ﻟﮫ ؟ واﻧﺘﻌﺸﺖ ﻛﻞ ذرة ﻓﯿﮫ . وﻧﺰﻻ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﯾﻨﺘﻈﺮان اﻟﺘﺮام .وﻓﻲ اﻟﻤﺤﻄﺔ ﻟﻤﺢ ﺿﺎﺑﻄﺎ ﺷﺎﺑﺎ ﯾﺤﻮم ﺣﻮﻟﮭﻤﺎ ،ﻓﺒﺪا ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺘﻀﺎﯾﻖ ،وﺗﺤﺮﻛﺖ ﻏﯿﺮﺗﮫ اﻟﻌﻨﯿﻔﺔ ،وﻟﺤﻈﺖ ھﻲ ﺗﻐﯿﺮ وﺟﮭﮫ ،ﻓﺄدرﻛﺘﮭﺎ ﺧﻔﺘﮭﺎ اﻟﺸﯿﻄﺎﻧﯿﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺑﺜﺔ : = واﺣﺪ ﺛﺎن ! وﻟﻢ ﯾﺤﺲ ﻟﮭﺬه اﻹﺷﺎرة ﺑﺄﯾﺔ وﺧﺰة .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ وﻧﺒﺮاﺗﮭﺎ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻟﮫ وﺣﺪه ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ، وأن اﻷﻧﺜﻰ اﻟﻤﺘﺒﺎھﯿﺔ ﺑﻔﺘﻨﺘﮭﺎ ھﻲ وﺣﺪھﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻓﯿﮭﺎ ! ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ أﺳﺎرﯾﺮه ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،وﻗﺎل ﻣﻌﺎﺑﺜﺎ ھﻮ اﻵﺧﺮ : = ﻣﻦ ﯾﺪري ؟ ! وأﻗﺒﻞ اﻟﺘﺮام ،ﻓﺮﻛﺒﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻋﺪ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ،وﻛﺎﻧﺎ وﺣﺪھﻤﺎ .وأﺣﺲ اﻧﮫ ﯾﻤﻠﻚ ﺟﻮھﺮة ﺛﻤﯿﻨﺔ وأﻧﮫ ﺣﺎرﺳﮭﺎ .وﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺪرﺟﺘﯿﻦ ،ودﺧﻞ ﻛﻤﺴﺎرى اﻟﺘﺮام .وھﻮ رﺟﻞ ﻋﺠﻮز ﻣﺘﮭﺪم ﯾﺘﺤﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺠﮭﺪ .دﺧﻞ ﻣﻄﺮق اﻟﺮأس ﻓﻨﻈﺮ – ﻛﺄﻧﻤﺎ إﻟﻰ أﻗﺪاﻣﮭﻤﺎ وﺣﺪھﺎ – وﻗﻄﻊ ﺗﺬﻛﺮﺗﯿﻦ وﻣﺪ ﯾﺪه ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﻓﺘﻮر .وﻓﺠﺄة رﻓﻊ رأﺳﮫ واﻧﺘﻔﺾ ﻛﺎﻟﻤﺄﺧﻮذ وھﻮ ﯾﺤﺪق ﻓﻲ وﺟﮭﮭﺎ ﺑﺸﺪة ،ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﻨﺘﺒﮫ إﻟﻰ اﻟﯿﺪ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺪ ﻟﮫ اﻟﻨﻘﻮد ،وﺗﻨﺎول ﺗﺬﻛﺮﺗﻲ اﻟﺘﺮام .ﺛﻢ ﺗﻨﺒﮫ إﻟﻰ ﻣﻮﻗﻔﮫ ﻓﺎﻧﺴﺤﺐ ﻣﺴﺮﻋﺎً وأﻏﻠﻖ ﺧﻠﻔﮫ اﻟﺒﺎب ! ..وﻧﻈﺮ ھﻮ إﻟﯿﮭﺎ ،ﻓﺈذا ھﻲ ﺗﻐﺎﻟﺐ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ ،وﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺗﺪﻣﻌﺎن ، وﯾﺨﺘﻠﺞ ﺟﺴﻤﮭﺎ ﻛﻠﮫ ﻓﻲ اھﺘﺰاز .ﻓﻘﺎل : = ﻣﺎﻟﻚ ؟ ﻗﺎﻟﺖ – ﻓﻲ ﺗﺨﺎﺑﺚ ﻓﺎﺗﻦ : = ﻋﺎﺷﻖ آﺧﺮ ! أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ ؟ وﻛﺎﻧﺖ ﻧﻜﺘﺔ ﺑﺎرﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮﺗﮫ اﻟﺸﺪﯾﺪة ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ زھﻮ اﻷﻧﺜﻰ ﺑﻔﺘﻨﺘﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺬھﻞ ﺣﺘﻰ اﻟﺸﯿﻮخ اﻟﻔﺎﻧﯿﻦ .وﻛﺎﻧﺖ ﻟﮭﺎ ھﺬه اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ ﺣﻘﺎً .اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎد ﺗﺘﺠﺮد ﻋﻦ اﻟﺠﻨﺲ ..ﻷن اﻟﻜﻞ ﯾﺸﺘﺮﻛﻮن ﻓﯿﮭﺎ :اﻟﺸﯿﺦ واﻟﺸﺎب ،واﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ..ﺣﺘﻰ اﻷﻃﻔﺎل ! وﻃﺎﻟﻤﺎ ﻟﺤﻆ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﮭﺰة اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺎﺑﺖ اﻟﻜﻤﺴﺎرى اﻟﺸﯿﺦ ،ﺗﻨﺘﺎب اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ واﻟﻜﺜﯿﺮات ﻣﻤﻦ ﯾﻠﻘﻮﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن . ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻤﻦ ﯾﺤﺴﺒﮭﻦ اﻟﻌﺮف ﺟﻤﯿﻼت .ﻛﺎن ﺗﻜﻮﯾﻨﮭﺎ اﻟﺠﺴﺪي – إذا اﺳﺘﺜﻨﯿﻨﺎ ﺻﺪرھﺎ اﻟﻔﺎﺗﻦ – ﻟﯿﺲ ﻣﻤﺘﺎزاً .وﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﻓﻲ وﺟﮭﮭﺎ ﺟﺎذﺑﯿﺔ ﺳﺎﺣﺮة .ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻤﺮﯾﺔ اﻟﻠﻮن واﺿﺤﺔ اﻟﺠﺒﯿﻦ ،وﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ وھﺞ ﻏﺮﯾﺐ ﺗﻄﻞ ﻣﻨﮫ إﺷﺮاﻗﺔ ﻣﺴﺤﻮرة .وﻛﺎن ھﺬا اﻟﻮھﺞ أﺷﺒﮫ ﺷﻲء ﺑﺎﻹﺷﻌﺎع اﻟﻜﮭﺮﺑﺎﺋﻲ اﻟﻤﻐﻨﻄﯿﺴﻲ .ﯾﻨﺒﻌﺚ ﻟﺤﻈﺔ ﺣﯿﻦ ﺗﺸﺮق وﺗﺘﻮھﺞ ،وﯾﻨﻄﻔﻲء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮ ﺣﯿﻦ ﺗﺬﺑﻞ وﺗﻨﻄﻔﻲء .وﻗﺪ ﻻ ﯾﻤﻀﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﻠﺤﻈﺘﯿﻦ إﻻ ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﺗﺪﯾﺮ زر اﻟﻜﮭﺮﺑﺎء ! وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻄﻮاﺗﮭﺎ اﻟﻘﺎﻓﺰة اﻟﺮﺷﯿﻘﺔ اﻟﺨﻔﯿﻔﺔ ،وﺻﺪرھﺎ اﻟﺒﺎرز اﻟﻔﺎﺗﻦ ،وھﺬا اﻹﺷﻌﺎع اﻟﺴﺤﺮي اﻟﻐﺮﯾﺐ ، ﻻ ﺗﺪع ﻣﺠﺎﻻ ﻟﻠﻔﺤﺺ ﻋﻦ ﺑﻘﯿﺔ ﺗﻜﻮﯾﻨﮭﺎ ،وﻻ ﺗﻤﮭﻞ اﻹﺣﺴﺎس ﻟﻠﺘﺪﻗﯿﻖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻨﮭﺎ . وﻛﺎن ﯾﺤﺴﺐ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﺮاھﺎ ھﻜﺬا ﻷﻧﮫ ﯾﺤﺐ ،ﺛﻢ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﻘﻔﻮن ﺗﺠﺎھﮭﺎ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن .
***
وﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ازدﺣﻤﺖ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ ﺑﺎﻟﺮﻛﺎب .وأﻗﺒﻠﺖ ﻓﺘﺎة ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﮭﺎ ﻣﻜﺎﻧﺎً ،ﻓﻮﻗﻔﺖ ﺗﺘﺮﻧﺢ وﺗﮭﺘﺰ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﺮ اﻟﻀﯿﻖ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ ،ﻓﺮأى ھﻮ أن ﯾﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻣﻜﺎﻧﮫ ﻟﻠﻔﺘﺎة .وﺑﻌﺪ ﺑﺮھﺔ ﻟﺤﻆ ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮭﺎ ﺗﻐﯿﺮاً ،ﻓﻄﺄﻃﺄ ﯾﺴﺄﻟﮭﺎ :ﻣﺎذا ؟ ﻗﺎﻟﺖ ھﺎﻣﺴﺔ : = ﻻ ﺷﻲء ،إﻧﮭﺎ ﺟﻤﯿﻠﺔ ! ﻗﺎل – وأدرك ﻣﺎ ﺗﻌﻨﻲ وأﺣﺲ ﻟﮫ ﺑﺮاﺣﺔ ﻟﺬﯾﺬة : = ﻣﻦ ھﻲ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻻ اﻋﺮف ) ،وھﺰت ﻛﺘﻔﯿﮭﺎ ﻓﻲ دﻻل زادھﺎ ﻓﺘﻨﺔ ( . ﻗﺎل ﻣﺪاﻋﺒﺎ ﻓﻲ ﻧﺸﻮة ﻋﻤﯿﻘﺔ : = ھﺬه .وإﻻ اﻟﻜﻤﺴﺎرى اﻟﻌﺠﻮز ؟! وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻐﺎﻟﺐ اﻟﻀﺤﻚ ،ﻓﻈﻞ ﺟﺴﺪھﺎ ﻛﻠﮫ ﯾﺘﺮﻧﺞ ،وھﻲ ﺗﺨﺘﻠﺲ إﻟﯿﮫ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻀﺎﺣﻜﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﻦ واﻟﺤﯿﻦ !
*** ودﺧﻼ دار اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ،وﺟﻠﺴﺎ ﻣﺘﺠﺎورﯾﻦ ،وھﻮ ﯾﺤﺲ ﺑﺴﻌﺎدة ﺗﻔﯿﺾ ﺑﮭﺎ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻓﯿﻮد ﻟﻮ ﯾﻌﺎﻧﻖ اﻟﻜﻮن ﻛﻠﮫ ،وﺗﺤﺮﻛﺖ ذراﻋﮫ اﻟﯿﻤﻨﻰ ﻓﻄﻮﻗﺖ ﻇﮭﺮ اﻟﻤﻘﻌﺪ ،واﻧﺰﻟﻘﺖ ﻋﻨﮫ ﻗﻠﯿﻼً ﻓﻠﻤﺴﺖ ﻇﮭﺮھﺎ ،واﺧﺘﻠﺠﺖ ھﻲ اﺧﺘﻼﺟﺔ ﺧﻔﯿﻔﺔ ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺮت ،وﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫ ﻣﺘﻮردة راﺿﯿﺔ ،ﺗﻤﺎزﺟﮭﺎ اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻹﻏﺮاء .وﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻨﻮر ﻣﻄﻔﺄ ﻟﺼﻨﻊ ﺷﯿﺌﺎً آﺧﺮ ،وﻟﻜﻦ آداﺑﮫ اﻟﺘﻘﻠﯿﺪﯾﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﮫ إﻻ ﺑﻨﻈﺮة أودﻋﮭﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﮫ ﻣﻦ أﺷﻮاق . ﺛﻢ أﻃﻔﺌﺖ اﻷﻧﻮار ،وﺑﺪأت )) اﻟﺠﺮﯾﺪة (( وﺗﺤﺮﻛﺖ ذراﻋﮫ ﻗﻠﯿﻼً ،ﻓﺴﺮت ﻓﻲ ﺟﺴﺪه ھﺰة ،وﻣﺎﻟﺖ ھﻲ إﻟﯿﮫ ﻗﻠﯿﻼً ﻓﺼﺎﻓﺢ ﺷﻌﺮھﺎ ﺧﺪه ،وأﺣﺲ ﺑﺎﻟﻨﺸﻮة ﻓﺜﻤﻞ ،وﻃﺎﻓﺖ ﺑﺮأﺳﮫ اﻟﺮؤى اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺮدوس اﻟﻨﻌﺴﺎن ! واﻧﺘﮭﺖ اﻟﺠﺮﯾﺪة ،وأﻋﻘﺒﺘﮭﺎ اﻟﺮﺳﻮم اﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ﺑﻤﻮاﻗﻔﮭﺎ اﻟﻤﻀﺤﻜﺔ ،ﻓﺎﻧﺘﻔﻀﺖ ﺿﺎﺣﻜﻰ ﻛﺎﻟﻄﻔﻠﺔ ،وھﻲ ﺗﺘﺎﺑﻊ اﻟﻘﺼﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﻓﺰ ﻇﺎھﺮ ،رده ﻣﻦ ﺣﻠﻤﮫ اﻟﻤﮭﻮّم إﻟﻰ ﯾﻘﻈﺔ ﻃﺎﻓﺮة ﺗﺮﻗﺺ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﯿﺎة .وأﻋﯿﺪت اﻷﻧﻮار ﻓﺄﺣﺲ ﻧﻘﻠﺔ ﻋﻨﯿﻔﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ،وﻓﺮك ﻋﯿﻨﯿﮫ – ﻻ ﯾﺪري أﻣﻦ اﻟﻨﻮر اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ أم ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻠﺔ اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ – ﺛﻢ أﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﺑﯿﺪﯾﮫ واﺳﺘﻐﺮق ﻓﻲ أﺣﻼم ! ﺛﻢ ﺑﺪأت اﻟﺮواﯾﺔ !
ﺑﺪأت ﻋﺎدﯾﺔ ﻓﻲ أول اﻷﻣﺮ ،ﻓﻌﺎد ھﻮ ﯾﻀﻊ ذراﻋﮫ ﻓﻮق ﻇﮭﺮ اﻟﻤﻘﻌﺪ ،ﺛﻢ ﯾﺤﺮﻛﮭﺎ روﯾﺪا روﯾﺪاً ،ﺛﻢ ﯾﻀﻐﻂ ﺑﮭﺎ ﺿﻐﻄﺎً ﺧﻔﯿﻔﺎً ،ﻓﺘﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﮫ ﻓﻲ ﺑﻂء ،ﯾﻨﺘﮭﻲ ﺑﮭﻤﺎ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺮدوس اﻟﻨﻌﺴﺎن ! وﻟﻜﻦ ﯾﺎ ﻟﻠﺸﯿﻄﺎن ! إن اﻟﻘﺼﺔ ﻟﺘﺄﺧﺬ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﮭﺎ ،ﻓﺘﺠﺮي ﺣﯿﺚ ﺗﺠﺮي ﻗﺼﺘﮭﺎ ﺑﺎﻟﺬات ! إﻧﮭﺎ ﻗﺼﺘﮭﺎ ذاﺗﮭﺎ ﻣﻌﺮوﺿﺔ ﻓﻲ ﺷﺮﯾﻂ! وأﺟﻔﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻄﻮات اﻷوﻟﻰ ،وﻟﻜﻦ ذراﻋﮫ ﺗﺤﺮﻛﺖ ﺣﺮﻛﺔ ﻏﯿﺮ إرادﯾﺔ ﻓﻀﻤﺘﮭﺎ إﻟﯿﮫ ﺑﺸﺪه .وﯾﺒﺪو أﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺤﻈﺖ ﺑﻌﺪ ﺳﺒﺐ رﺟﻔﺘﮫ ،ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺑﺖ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﻟﯿﻦ وإﻏﺮاء .وﻟﻮ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻻرﺗﻜﺐ اﻟﺤﻤﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺸﻤﺌﺰ ﻣﻨﮭﺎ ﻃﺒﻌﮫ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻋﯿﻨﮫ ﻓﻲ دور اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ﺧﺎﺻﺔ ! أﻣﺎ اﻵن ﻓﮭﻮ ﯾﺼﺤﻮ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﻮاك ! وﻟﻢ ﺗﻜﻦ إﻻ دﻗﺎﺋﻖ ﺣﺘﻰ ﺗﻮاﻟﺖ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ واﻟﺸﻮاھﺪ واﻟﻠﻔﺘﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ ،ﻓﺈذا ھﻤﺎ وﺟﮭﺎً ﻟﻮﺟﮫ أﻣﺎم ﻗﺼﺘﮭﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻤﯿﻢ ! ﻗﺼﺘﮭﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ دروب وﻣﻨﺤﻨﯿﺎت وﻣﺨﺎوف وﺷﻜﻮك .ﻗﺼﺘﮭﻤﺎ .وھﺎ ھﻲ ذي اﻟﺸﺎﺷﺔ ﺗﻮاﺟﮭﮭﻤﺎ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﮭﻮاﺟﺲ واﻟﻤﺸﺎھﺪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺎ ﯾﮭﺮﺑﺎن ﻣﻦ ﻣﻮاﺟﮭﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة! وﻟﻢ ﯾﺤﺎول ﻓﻲ أول اﻷﻣﺮ أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ وﺟﮭﮭﺎ ،وﻟﻜﻨﮫ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﺧﺘﻠﺲ ﻧﻈﺮة ﻟﯿﺮي ﻗﺴﻤﺎﺗﮭﺎ أﻣﺎم ھﺬه اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻘﺎﺳﯿﺔ ،ﻓﺈذا ھﻲ ﺗﺨﺘﻠﺲ إﻟﯿﮫ ﻧﻈﺮة ھﻲ اﻷﺧﺮى ،ﻓﺘﻘﺎﺑﻠﺖ اﻟﻨﻈﺮﺗﺎن ،ﺛﻢ ارﺗﺪﺗﺎ ﺳﺮﯾﻌﺎً إﻟﻰ اﻟﺨﻔﺾ واﻻﻧﻜﺴﺎر .وأﺣﺲ ﻛﻼھﻤﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺟﺎش ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺻﺎﺣﺒﮫ ،ﻓﺄدرﻛﮫ اﻟﺪوار ! وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ وﺟﺪ ذراﻋﮫ ﺗﺘﺮاﺧﻰ ﻗﻠﯿﻼً ﻓﺘﺮﺗﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮ اﻟﻤﻘﻌﺪ ،وﻧﻈﺮ ﻓﺈذا رأﺳﮭﺎ اﻟﻤﺸﺮﺋﺐ اﻟﻤﺘﻄﻠﻊ ﯾﮭﻮى وﯾﺴﻘﻂ ،وﯾﺘﺨﺎذل ﻣﺘﻨﮭﺎ اﻟﻤﻨﺘﺼﺐ ،ﻓﯿﺘﻘﻮس ﻓﻲ اﻧﺤﻨﺎء ! وھﻢ ّ أن ﯾﺪﻋﻮھﺎ إﻟﻰ ﻣﻐﺎدرة اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ،وﻟﻜﻦ رﯾﻘﮫ ﻗﺪ ﺟﻒ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺪر ﻟﺴﺎﻧﮫ ﺑﻜﻠﻤﺔ ،واﺳﺘﻤﺮ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ ،وھﻮ ﯾﺤﺲ اﻻﺧﺘﻨﺎق ! وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﺔ ﺗﺴﯿﺮ ﻛﺎﻧﺎ ﯾﺤﺴﺎن ﺷﯿﺌﺎً ﻓﺸﯿﺌﺎ ﺑﺎﻧﻔﺮاج اﻟﮭﻮة ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ،وﺗﻘﻄﻊ اﻷواﺻﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻄﮭﻤﺎ ،وﻓﻲ ﻛﻞ ﺧﻄﻮة ﻛﺎن ﯾﺘﻜﺸﻒ ﻟﮭﻤﺎ اﻟﻤﺼﯿﺮ اﻟﻤﺤﺘﻮم ،وﯾﺸﻌﺮان أن ﻋﻼﻗﺘﮭﻤﺎ ﻣﻨﺨﻮﺑﺔ ،وأن اﻟﺴﻮس ﯾﻨﺨﺮ ﻓﻲ ﺻﻤﯿﻤﮭﺎ .وﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺮواﯾﺔ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻄﻠﺔ ﻗﺪ ﻋﺎدت إﻟﻰ ﺣﺒﯿﺒﮭﺎ اﻷول .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻗﺪ اﻧﺘﮭﺖ ﻛﺬﻟﻚ . ﻟﻘﺪ أﺣﺴﺎ أن ﻣﺎ ﺗﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ ھﻮ اﻟﺬي ﺗﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﯿـﺎة !
وأﺿﯿﺌﺖ اﻷﻧﻮار ﻓﺄﺣﺲ ﺑﺎﻟﺪوار ،ووﻗﻒ ﯾﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ اﻟﻨﺸﯿﺪ اﻟﻤﻠﻜﻲ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﺟﺎﻟﺴﺔ ﻓﻲ ﺧﻮر ،ﻓﻨﺒﮭﮭﺎ ﺑﻐﻤﺰة ﻓﻮﻗﻔﺖ ،ﺛﻢ ﺗﺤﺮﻛﺖ اﻟﺠﻤﻮع ﻟﻠﺨﺮوج ﻓﺎﻧﺪﺳﺎ ﻓﻲ ﻏﻤﺎر اﻟﺠﻤﺎھﯿﺮ ،وﻧﺴﯿﺎ أﻧﻔﺴﮭﻤﺎ ﻟﺤﻈﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﺎب ،وﺧﺮﺟﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ﺻﺎﻣﺘﯿﻦ ،ورﻛﺒﺎ اﻟﺘﺮام ﺻﺎﻣﺘﯿﻦ .وﻋﺎدا إﻟﻰ اﻟﺪار ﻓﻲ ھﻤﻮد . ﻛﺎن ﻛﻼھﻤﺎ ﯾﺤﺲ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺠﺪ ﻧﻔﺴﮫ وﻻ ﯾﺠﺪ ﺻﺎﺣﺒﮫ ،وأن ﻛﻞ ﺳﺒﺐ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻗﺪ اﻧﺒﺖّ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻧﻘﻄﺔ اﺗﺼﺎل . وﻛﺎن ﻛﻼھﻤﺎ ﻻ ﯾﺠﺪ ﻣﺎ ﯾﻘﻮﻟﮫ ،وﻣﻊ ھﺬا ﻛﺎن ﯾﻮد أن ﺑﻘﻮل ﺷﯿﺌﺎً ﯾﻘﻄﻊ ﺑﮫ ھﺬا اﻟﺼﻤﺖ اﻟﺒﻐﯿﺾ ،اﻟﺬي ﯾﺜﻘﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،وﯾﺨﻨﻖ أﻧﻔﺎﺳﮭﻤﺎ ﻛﺎﻟﺘﻨﯿﻦ .وﻟﻜﻨﮭﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻟﻢ ﯾﺠﺪا ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻘﺎل . ﻛﺎن ﺧﻄﯿﺒﮭﺎ أﻣﺎم أھﻠﮭﺎ وأﻣﺎم اﻟﻨﺎس ،وﻛﺎن أھﻠﮭﺎ ﻻ ﯾﻌﻠﻤﻮن ﻣﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﺷﯿﺌﺎً ،وﻻ ﯾﺠﺮؤ ھﻮ وﻻ ھﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﺷﻔﺘﮭﻢ ﺑﺸﻲء ،ﻓﻜﺎﻧﺎ ﯾﺼﺎرﻋﺎن اﻟﻜﺎرﺛﺔ وﺣﺪھﻤﺎ ،وﯾﺘﻈﺎھﺮان ﺑﺎﻟﻤﺮح واﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﺣﻮال ! أﻣﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻓﻘﺪ أﻋﯿﺎھﻤﺎ أن ﯾﺘﻈﺎھﺮا ﺑﺸﻲء ،ﺑﻞ أﻋﯿﺎھﻤﺎ أن ﯾﺘﻜﻠﻔﺎ اﻻﺑﺘﺴﺎم اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺴﻌﻔﮭﻤﺎ ﺣﯿﻦ ﯾﻔﺠﺆھﻤﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ وھﻤﺎ ﻓﻲ زﺣﻤﺔ اﻟﺼﺮاع . ودﺧﻼ ﺻﺎﻣﺘﯿﻦ ھﺎﻣﺪﯾﻦ ،ﯾﺘﺠﺴﻢ ﻓﻲ ﻣﺤﯿﺎھﻤﺎ اﻟﮭﻢ واﻟﻘﻨﻮط . ﻗﺎﻟﺖ أﻣﮭﺎ : = أﻋﻮذ ﺑﺎﷲ ! ﻣﺎ ﻟﻜﻤﺎ ھﻜﺬا ﻣﻜﺸﺮﯾﻦ ؟ وھﻨﺎ ﻓﻘﻂ وﺟﺪ ﻛﻠﻤﺔ ﯾﻘﻮﻟﮭﺎ : = ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻔﯿﻠﻢ ﻋﻨﯿﻔﺎً ﺟﺪاً ﻗﺎﻟﺖ : = وﻟﻤﺎذا ﺗﺸﺎھﺪان ھﺬه اﻷﻓﻼم اﻟﺮدﯾﺌﺔ ،ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺤﻠﻮة ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻜﻤﺎ ؟!
***
اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺤﻠﻮة !
ھﻨﺎ ﻟﻢ ﯾﻄﻖ ﺻﺒﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ،وﺧﺎف أن ﺗﺨﻮﻧﮫ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وأن ﺗﻔﻀﺤﮫ اﻟﺴﻤﺎت ،ﻓﺎﻧﻔﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﻨﻮم .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﺑﺄس ﻓﻲ أن ﯾﺮﺗﺎد ﻣﻦ ﺣﺠﺮ اﻟﺪار ﻣﺎ ﯾﺸﺎء .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻷن ﯾﺴﺘﻠﻘﻲ وﯾﺴﺘﺮﯾﺢ ،ﻛﺎﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺠﮭﺪ اﻟﻤﻜﺪود ﻓﻲ ﺳﻔﺮ ﻃﻮﯾﻞ . ﻟﻢ ﯾﺨﻠﻊ ﻣﻼﺑﺴﮫ ،وﻟﻢ ﯾﺨﻠﻊ ﺣﺬاءه ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﮫ ﺑﻘﯿﺔ ﻣﻦ ﻗﻮة ﯾﺆدي ﺑﮭﺎ ھﺬه اﻟﺤﺮﻛﺎت .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﺣﺴﺒﮫ أن ﯾﻠﻤﺢ اﻟﺴﺮﯾﺮ ﻟﯿﻨﺤﻂ ﻋﻠﯿﮫ ﻛﺎﻟﺠﺪار اﻟﻤﻨﮭﺎر . واﻧﻘﻀﺖ دﻗﺎﺋﻖ ،وﻣﻨﺎﻇﺮ اﻟﺮواﯾﺔ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﮫ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﺮن ﻓﻲ أذﻧﮫ ﻛﻠﻤﺎت اﻷم اﻟﻄﯿﺒﺔ اﻟﻘﻠﺐ ،ﻋﻦ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺤﻠﻮة ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة .وﯾﻨﻔﻠﺖ زﻣﺎم أﻋﺼﺎﺑﮫ ،ﻓﻼ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻀﺒﻄﮭﺎ ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ھﺬه اﻟﻤﻔﺎرﻗﺎت . وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﺳﻤﻌﮫ ﻣﻦ ﺣﺠﺮة اﻟﺠﻠﻮس ﻧﻐﻤﺔ اﻟﺒﯿﺎﻧﻮ .إﻧﮭﺎ ﺗﻌﺰف ،إﻧﮫ ﻟﺤﻨﮫ اﻟﻤﺤﺒﻮب ، ﻟﺤﻨﮫ اﻟﻤﺴﺤﻮر . ﻟﻘﺪ ﺳﻤﻊ ھﺬا اﻟﻠﺤﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﺳﻤﻌﮫ ﻛﺜﯿﺮا ،ﺳﻤﻌﮫ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ﺳﻤﻌﮭﺎ ﺗﻌﺰﻓﮫ ﻓﺎﺳﺘﻌﺎده واﺳﺘﻌﺎده ،وﻇﻞ ﯾﺴﺘﻌﯿﺪه ﻓﻲ ﻧﺸﻮة ﻋﺠﯿﺒﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ ﻓﻲ دﻋﺎﺑﺔ ﺳﺎﺣﺮة :ﻟﻦ أﻋﯿﺪه ﻣﺮة أﺧﺮى إﻻ ﻟﻘﺎء أﺟﺮ ﻣﻌﻠﻮم ! ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﺮف اﺳﻢ اﻟﻠﺤﻦ وﻻ ﻋﻨﻮاﻧﮫ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺮﻓﮫ ھﻲ ﻛﺬﻟﻚ .ﻛﺎن أﺳﺘﺎذ اﻟﺒﯿﺎﻧﻮ ﻗﺪ ﺣﻔﻈﮭﺎ إﯾﺎه ، دون أن ﯾﺬﻛﺮ ﻟﮭﺎ ﻋﻨﻮاﻧﮫ .ﻓﻤﺎ ﻗﯿﻤﺔ اﻻﺳﻢ واﻟﻌﻨﻮان ؟ إن ھﺬا اﻟﻠﺤﻦ اﻟﻤﺠﮭﻮل ﻛﺎن ﯾﺴﺘﺠﯿﺶ ﺿﻤﺎﺋﺮه وﯾﺤﺮك ﺧﻮاﻃﺮه وﯾﺜﯿﺮ ﻓﻲ ﺣﺴﮫ اﻟﻨﺸﻮة واﻟﺤﻠﻢ واﻟﻠﮭﻔﺔ واﻻﻧﺴﯿﺎب .ﻛﺎن ﯾﺼﻮر ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﯿﺶ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺤﺲ إﻻ أن اﻟﺤﯿﺎة ﺣﻠﻢ ﻇﺎﻓﺮ ﺳﻌﯿﺪ . ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺤﺐ .ﯾﺤﺐ ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺰف ذﻟﻚ اﻟﻠﺤﻦ وإﻧﮭﺎ ﻟﺘﻌﺰﻓﮫ ﺑﯿﺪھﺎ وﻗﻠﺒﮭﺎ ،وﺑﺄﻋﺼﺎﺑﮭﺎ وﻣﻼﻣﺤﮭﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ھﻲ اﻟﻠﺤﻦ ذاﺗﮫ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻣﺠﺴﻤﺔ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ ﺑﺮزت ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻮاك .. ﺛﻢ ھﺎ ھﻲ ذي ﺗﻌﺰﻓﮫ ﻣﺮة أﺧﺮى .... وإﻧﮫ ﻟﯿﺴﺮي إﻟﻰ ﻧﻔﺴﮫ روﯾﺪا روﯾﺪا ،وﯾﻨﺴﻜﺐ ﻓﻲ أﻋﺼﺎﺑﮫ رﻓﯿﻘﺎ رﻓﯿﻘﺎ ،وإن ﻧﻔﺴﮫ ﻟﺘﮭﺪأ وﺗﻄﻤﺌﻦ ، وإن أﻋﺼﺎﺑﮫ ﻟﺘﺴﻜﻦ وﺗﺴﺘﺮﯾﺢ ،وإﻧﮫ ﻟﯿﺜﻤﻞ ،ﺛﻢ ﯾﻨﺘﺸﻲ ،ﺛﻢ ﯾﺮف ﻓﻲ ﺟﻮ ﺷﺎﻋﺮي ﺷﻔﯿﻒ ،وإﻧﮫ ﻟﯿﻨﺘﻔﺾ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ ﺧﻔﯿﻔﺎً ﻧﺸﯿﻄﺎ ،وإﻧﮫ ﻟﯿﻨﻔﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻠﮭﻮﻓﺎ ﻣﺸﺘﺎﻗﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا اﻗﺘﺮب اﺳﺘﺮق اﻟﺴﻤﻊ واﻟﻨﻈﺮ ،ﻓﺈذا ھﻲ ،ھﻲ ﺣﻠﻤﮫ اﻟﺠﻤﯿﻞ ،ھﻲ ﺣﻮرﯾﺘﮫ اﻟﮭﺎرﺑﺔ ،ھﻲ ،.وﻻ ﺷﻲء ﺳﻮى
اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻌﺰﯾﺰ ،واﻟﺜﻘﺔ اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ،واﻟﺤﺐ اﻟﻤﻔﺘﻮن ...ھﻲ ..وإﻧﮫ ﻟﯿﻄﻮﻗﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ ﻓﻲ ﻟﮭﻔﺔ ،ﻓﺘﺒﺪو ﻛﺄﻧﻤﺎ ذﻋﺮت ﻟﻠﻤﻔﺎﺟﺄة .اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮھﺎ وﻻ ﺷﻚ ﺑﻐﺮﯾﺰﺗﮭﺎ اﻟﻌﺒﻘﺮﯾﺔ ،ﻏﺮﯾﺰﺗﮭﺎ اﻟﻔﻄﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺣﻲ إﻟﯿﮭﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت ﺑﺎﻟﺬات ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﻔﺮد اﻟﻮﺣﯿﺪ ،اﻟﺬي ﯾﺠﺪي ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻷوان . ھﻲ .وﻗﺪ وﺟﺪھﺎ .ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ،ووﺟﺪ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﻘﺎل . وإن اﻟﺤﺐ ﻟﯿﻌﻮد اﻟﻠﺤﻈﺔ ﯾﺤﻠﻢ ،وإن اﻟﺤﯿﺎة ﻟﮭﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺤﻠﻢ اﻟﻈﺎﻓﺮ اﻟﺴﻌﯿﺪ !
..اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ..
ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ وﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺷﻌﻮر آﺧﺮ .ﻟﻘﺪ ﺣﺪث أﻣﺮ ﺟﺪﯾﺪ .ﻟﻘﯿﮫ ﺻﺎﺣﺐ ﻟﮫ ،وھﻮ زﻣﯿﻞ ﻟﻠﻀﺎﺑﻂ اﻟﺸﺎب ،ﻓﻘﺎل :إﻧﻨﻲ ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﻓﻲ ﺷﺄن ﯾﮭﻤﻚ واﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﺗﻄﻔﻠﻲ ﻋﻠﯿﻚ ،ﻓﺄﻧﺎ أؤدي واﺟﺒﻲ اﻟﺬي أراه . وﻟﻔﺘﺘﮫ ھﺬه اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ،وﺗﻮﻗﻊ ﺷﯿﺌﺎُ .ﻗﺎل : = ﻣﺘﺸﻜﺮ .ﻗﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪ . ﻗﺎل : = ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ أﻧﻚ ﺧﻄﺒﺖ ﻓﺘﺎة ﻣﻦ اﻟﺮوﺿﺔ ؟ ﻗﺎل : = ﻧﻌﻢ ! وأﺣﺲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺒﺎض . ﻗﺎل : = إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﺘﺒﺖ ﻛﺘﺎﺑﻚ ،ﻓﺄﺣﺐ أن أﻃﻠﻌﻚ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ! وﺷﻌﺮ ﺑﻤﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻌﺮق اﻟﺒﺎرد .وﻗﺎل : = ﻻ .ﻟﻢ أﻛﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﻲ .ﻓﻘﻞ ﻣﺎ ﺗﺸﺎء ! ﻗﺎل :أﻧﺎ أﻋﺮف أن ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة ﺻﺪﯾﻘﺔ زﻣﯿﻞ ﻟﻲ اﺳﻤﮫ )) ﺿﯿﺎء (( .. وﺗﻜﻠﻒ ﻗﻠﺔ اﻟﻤﺒﺎﻻة ﻓﻘﺎل :
= ﻛﯿﻒ ﻋﻠﻤﺖ أن ھﺬه ھﻲ ﺗﻠﻚ ؟ ﻗﺎل : = ﻟﻘﺪ رأﯾﺘﮭﺎ ﻣﻌﻚ أﻣﺲ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ،وﻛﻨﺖ ﻗﺪ رأﯾﺘﮭﺎ ﻣﻌﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﺄﻟﺘﮫ ﻋﻨﮭﺎ اﻟﯿﻮم ﻗﺎل :إﻧﻚ ﺧﻄﺒﺘﮭﺎ ،وﻷن ﻟﻲ ﺑﻚ ﺻﻠﺔ ،رأﯾﺖ ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻲ أن أﺧﺒﺮك ! ﻗﺎل ﺑﺒﺮود ﻇﺎھﺮ : = ﻣﺘﺸﻜﺮ .... وﺗﺮﻛﮫ ....وﻣﻀﻰ !
*** اﻟﻌﺠﯿﺐ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺸﻌﺮ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﺎﻷﻟﻢ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ ﻟﻤﺜﻞ ھﺬا اﻟﺒﻼغ ! ﻟﻘﺪ ﺧﯿﻞ إﻟﯿﮫ أن اﻷﻣﺮ اﻧﺘﮭﻰ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻨﮭﺎ .أﺣﺲ أن ﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﺮﺑﻄﮫ ﺑﮭﺎ .ﻧﺴﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﻠﮫ ﻓﻲ ﻟﻤﺤﺔ ،وﻗﺮر أن ﺗﻘﻒ ﺻﻼﺗﮫ ﺑﮭﺎ ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،وﻟﻢ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺄﺳﻒ ﻛﺒﯿﺮ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻘﺮار . ﻗﺎل :اﻧﮭﺎ رﺧﯿﺼﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞ ھﺬا اﻻھﺘﻤﺎم ،وإﻧﮭﺎ إﺣﺪى ﻓﺘﯿﺎت اﻟﺠﯿﻞ اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﯾﻌﺮﻓﻦ ھﺬا اﻟﺸﺎب وذاك ،وﯾﻌﺒﺜﻦ ھﻨﺎ وھﻨﺎك ،ﻋﺒﺜﺎً ﺑﺮﯾﺌﺎً أو ﻏﯿﺮ ﺑﺮيء ،ﺛﻢ ﯾﺠﺪن ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ اﻟﺰوج اﻟﻤﻄﻠﻮب ! إﻧﮭﺎ ﻓﺎﺗﻨﺔ – وﻻ ﺷﻚ – وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﯾﻌﻨﯿﮫ ھﻮ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ ،وھﻮ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ اﻟﻌﺒﺚ ﺑﮭﺎ ؟ ﻟﻘﺪ أرادھﺎ ﻟﮫ زوﺟﺎ ،ﻷﻧﮫ ﺣﺴﺒﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎ ﺛﻤﯿﻨﺎ ﻋﺰﯾﺰاً ،ﻻ ﺗﺘﺪاوﻟﮫ اﻷﯾﺪي ،وﻻ ﯾُﺤﺼﻞ ﻋﻠﯿﮫ إﻻ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻄﺮﯾﻖ ،ﻓﻘﺮر أن ﯾﻐﺎﻟﺐ ﻇﺮوﻓﮫ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وأن ﯾﺤﻈﻰ ﺑﺎﻟﻜﺜﯿﺮ ﻟﯿﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺸﻲء اﻟﺜﻤﯿﻦ . أﻣﺎ اﻵن !...... ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﺄﺧﺬ اﻟﺘﺮام إﻟﻰ ھﻨﺎك ،ﻟﯿُـﻨﮭﻲ اﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﯾﺴﺮ وﺳﮭﻮﻟﺔ ،وﺑﻼ ﻛﺒﯿﺮ اھﺘﻤﺎم ..وﻇﻞ ھﺬا اﻟﻌﺰم ﻗﻮﯾﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺣﺘﻰ واﺟﮫ اﻟﺪار .وھﻨﺎ أﺣﺲ ﺑﺎﻟﺼﺮاع ! وﻟﻮ واﺟﮭﺘﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ﻛﻤﺎ واﺟﮭﺘﮫ ﺻﺒﺎح ﯾﻮم اﻻﻋﺘﺮاف ،وﻟﻮ ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻘﯿﺘﮫ ﻧﻈﺮة اﻷﻣﻦ واﻻﺳﺘﺴﻼم ..ﻟﻮﺿﻌﺖ ﺣﺪا ﺣﺎﺳﻤﺎ ﻟﮭﺬا اﻟﺼﺮاع ،وﻟﻌﺎدت إﻟﯿﮫ ﺛﻘﺘﮫ اﻟﻤﻔﻘﻮدة ،وإﻋﺰازه اﻟﻌﻤﯿﻖ . وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﻘﯿﺘﮫُ ﺟﺎﻣﺪة ،واﺑﺘﺴﻤﺖ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺳﻄﺤﯿﺔ ،وأﺟﻠﺴﺘﮫ ﻓﻲ ﺣﺠﺮة اﻟﺠﻠﻮس ،ﺛﻢ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ،وﺟﺎءت أﻣﮭﺎ ﻓﺴﻠﻤﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺘﮭﻠﻠﺔ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺒﺎدﻟﮭﺎ اﻟﺘﮭﻠﻞ إﻻ ﺑﺘﻜﻠﻒ وﻋﻨﺎء .ﺛﻢ ﺟﺎءت ھﻲ أﺧﯿﺮاً ،وﻣﻌﮭﺎ اﻟﺸﺎي ،وﻋﺮف أن ﻏﯿﺒﺘﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﮭﺬا اﻟﻐﺮض ،إﻻ أن ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﺴﻜﺐ اﻟﺮﺿﻰ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ،وﻟﻢ ﯾﺸﻌﺮه اﻻرﺗﯿﺎح . وﺧﯿﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺟﻮ ﻣﻦ اﻟﻜﻤﺪ ،ﻟﻢ ﯾﺨﻔﻒ ﻣﻨﮫ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺎوﻟﮫ اﻷم ﻣﻦ ﺗﺮﺣﯿﺐ ﺑﮫ واھﺘﻤﺎم .
وأﺣﺲ أﻧﮫ ﻣﻄﻌﻮن ﻓﻲ ﻛﺮاﻣﺘﮫ ،وﺟﺎل ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮه إﺣﺴﺎس اﻟﺘﻌﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﻗﻒ ،وﻧﻔﺾ ﯾﺪه ﻣﻨﮭﺎ ، ﻛﺮد ﺣﺎﺳﻢ ﻋﻠﻰ اﺗﺠﺎھﮭﺎ ﻣﺮة ﻟﺴﻮاه ! وﻛﺎﻧﺖ اﻷم ﻗﺪ اﻧﺼﺮﻓﺖ ﻟﺸﺌﻮن اﻟﻤﻨﺰل ،ﻓﻘﺎده ھﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ اﻟﺸﺮﯾﺮ أن ﯾﻘﺺ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻗﺼﺔ اﻟﺼﺒﺎح ... وﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺘﮭﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻟﺘﻤﺜﺎل اﻟﺸﺎﺧﺺ .ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ آﻟﯿﺔ : = واﻵن ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﺗﺸﻘﻰ ﺑﻲ ،وأن ﺗﮭﺎن ﻣﻦ أﺟﻠﻲ ) وﺧﻠﻌﺖ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ ووﺿﻌﺘﮫ ﺑﺮﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﻏﻄﺎء اﻟﺒﯿﺎﻧﻮ ( ﻗﺎل ،وﻗﺪ ﻋﺎوده اﻹﺷﻔﺎق واﻹﯾﺜﺎر : = ھﻞ ﺗﻮاﻓﻘﯿﻦ اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﺮﺿﺘﮫ ﻋﻠﯿﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ :أن أﺧﺒﺮھﻢ ﺑﻤﺎ ﯾﺮﯾﺪ ﺧﻄﯿﺒﻚ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،وأن أﻣﮭﺪ ﻟﮫ اﻟﻄﺮﯾﻖ ؟ ﻗﺎﻟﺖ ..ﻓﻲ اﺳﺘﺴﻼم : = اﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﺗﺮاه ....ﻛﻠﮫ ﻋﻨﺪي ﺳﻮاء !
*** وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺣﻀﺮ اﻟﻮاﻟﺪ ،ﻓﺄﺣﺲ أن ھﻨﺎك ﺷﯿﺌﺎً .وﺳﺄل :ﻣﺎ اﻟﺨﺒﺮ ؟ ...وﻣﻊ أﻧﮫ ﻗﺪ ﻗﺮر ﻛﻞ ﺷﻲء ،إﻻ أﻧﮫ أﺣﺲ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﻣﺼﺎرﺣﺘﮭﻢ ﺑﺎﻟﻤﻮﻗﻒ ھﻜﺬا ﻓﺠﺄة .ﻓﺮاح ﯾﺤﺎول ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ..... وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﺬﻛﺮ إﻻ أن ھﻨﺎك ﻇﺮوﻓﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻻ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﯾﺮﺗﺒﻄﺎ ،وأﻧﮫ ﻗﺪ ﺗﻔﺎھﻢ ﻣﻊ )) ﺳﻤﯿﺮة (( ﻋﻠﻰ إﻧﮭﺎء ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ ﺳﻜﻮن ،وأﻧﮫ وﺣﺪه ﯾﺤﺘﻤﻞ ﺗﺒﻌﺔ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ،وھﻲ ﺑﺮﯾﺌﺔ ﻣﻤﺎ ﺻﺎرت إﻟﯿﮫ اﻷﻣﻮر ! وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﺬا اﻹﺟﻤﺎل ﻟﯿﺮﺿﻲ أﺣﺪاً ،ﻓﺎﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺟﺪ ،واﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا ،وﻣﻮﻋﺪ اﻟﻌﻘﺪ ﻗﺮﯾﺐ .وﺛﺎرت اﻷم ﺛﻮرة ﻋﺼﺒﯿﺔ ﻋﻨﯿﻔﺔ ..ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺎﻟﻚ ﻓﯿﮭﺎ أﻋﺼﺎﺑﮭﺎ وﻻ ﻟﺴﺎﻧﮭﺎ .واﻧﻘﻠﺒﺖ ھﺬه اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻄﯿﺒﺔ اﻟﻮدﯾﻌﺔ ﻣﻦ ﺣﺎل إﻟﻰ ﺣﺎل .ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ :ﻟﻘﺪ ﻗﺎل اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻨﻚ أﻧﻚ ﻟﺴﺖ ﺟﺎداً ﻓﻲ رﻏﺒﺔ اﻟﺰواج ،وأن ﻇﺮوﻓﻚ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ﺗﻤﻨﻌﻚ ،وﻟﻜﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺼﺪق .وھﺎ أﻧﺖ ذا ﺗﺴﺒﺐ ﻟﻨﺎ ﻓﻀﯿﺤﺔ ! وأﺣﺲ ﻟﮭﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﻮﺧﺰ اﻟﻄﻌﻨﺎت ،وﻟﻢ ﯾﺨﻔﻒ ﻣﻦ وﻗﻌﮭﺎ .ﻣﺎ ﺣﺎوﻟﮫ أﺑﻮھﺎ ﻣﻦ اﻟﮭﺪوء وﺿﺒﻂ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺘﺠﻤﻞ واﻻﻋﺘﺬار ﻋﻦ زوﺟﺘﮫ ﺑﻤﺮﺿﮭﺎ وﻋﺼﺒﯿﺘﮭﺎ . وﺣﺎول ھﻮ أن ﯾﺪاﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻓﯿﻔﺸﻲ اﻟﺴﺮ اﻟﺬي أودﻋﺘﮫ اﻟﻔﺘﺎة ﺻﺪره ،وﻟﻜﻨﮫ ﺗﺮاﺟﻊ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺳﻤﻌﮭﺎ ﺗﻨﺸﺞ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﻤﺠﺎورة ،وﺗﺬﻛﺮ اﺳﺘﺴﻼﻣﮭﺎ وﺗﮭﺎﻟﻜﮭﺎ .وﻓﺠﺄة ﺑﺮزت ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺤﺠﺮة ﻓﻲ اﻧﺪﻓﺎع ﺟﺮيء ﺗﻘﻮل : = ﯾﺎ ﻣﺎﻣﺎ .اﻟﺬﻧﺐ ﻋﻠﻲ أﻧﺎ ،وھﻮ ﻻ ذﻧﺐ ﻟﮫ ،ﻓﻼ ﺗﺸﺘﻤﯿﮫ ! وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺻُﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﯾﻖ اﻟﮭﺎﺋﻞ ﻣﺎء ﺑﺎرد .ﻓﺘﺨﺎذﻟﺖ اﻷم ﻟﺤﻈﺔ ،وﺑﮭﺖ اﻟﻮاﻟﺪ وﺣﻤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺎة .
أﻣﺎ ھﻮ ﻓﺎرﺗﺠﺖ ﻧﻔﺴﮫ ﻛﻠﮭﺎ ارﺗﺠﺎﺟﺎً ،واﻧﺪﻓﻊ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﺳﺔ ﯾﻘﻮل : = ﻻ ..ﻻ ..ﻻ ﺗﺼﺪﻗﻮھﺎ .إﻧﮭﺎ ﺑﺮﯾﺌﺔ .وأﻧﺎ وﺣﺪي اﻟﻤﺴﺌﻮل ! وھﻨﺎ ﺿﺤﻚ اﻟﻮاﻟﺪ ﺿﺤﻜﺔ ﻣﺮﯾﺮة ﺳﺎﺧﺮة وﻗﺎل : = ﻣﺎ ھﻲ اﻟﺤﻜﺎﯾﺔ ؟ ﻗﻮﻟﻮا ﻟﻨﺎ .ھﻞ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻣﺴﺮح ﺗﻤﺜﯿﻞ ؟ ﻗﺎل ھﻮ : = دﻋﻮﻧﺎ ﻧﻨﻔﺮد ،ﻟﻨﻨﮭﻲ أﻣﺮﻧﺎ ﻣﻌﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ . وﻟﻢ ﯾﻨﺘﻈﺮ إذﻧﺎ ﻣﻨﮭﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻣﺬھﻮﻟﯿﻦ .واﻧﺪﻓﻊ إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﮭﺎ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻜﻔﺖ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻓﻮﺟﺪھﺎ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺒﻜﻲ ،ووﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺗﻐﯿﺮا ﻇﺎھﺮا ،ﻓﺤﺎول أن ﯾﺮﺑﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وأن ﯾﺸﻤﻠﮭﺎ ﺑﻌﻄﻔﮫ اﻟﺬي ﺗﺠﺪه ﻣﻨﮫ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﻈﺮوف .وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺮﯾﺤﺔ .ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ : = ﻻ ﺗﺤﺎول ﺷﯿﺌﺎً .ﻟﻘﺪ اﻧﺘﮭﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء .ﻗﻞ ﻟﮭﻢ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻟﻘﺪ ﺿﻘﺖ ﺻﺪراً ﺑﮭﺬا اﻟﻨﻔﺎق اﻟﺬي ﻧﺤﺎوﻟﮫ ، وﻣﻦ ﺣﻘﮭﻢ أن ﯾﻌﻠﻤﻮا ..وﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﺪدت رﺳﺎﻟﺔ أﻃﻠﻌﻚ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻨﻲ ﻻ أﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ،وﻻ أﺗﺒﯿﻦ اﺗﺠﺎھﻲ ،وأﻧﻨﻲ أﺣﺲ ﺑﺜﻘﻞ ﺳﺎﺣﻖ ﻋﻠﻰ ﺿﻤﯿﺮي ،وأﻧﺎ أﻗﻔﻚ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ،دون أن أﺧﻠُـﺺ ﻟﻚ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﺮاع .وﻷﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻗﻮ ﻋﻠﻰ أن أﻗﻮل ﻟﻚ ھﺬا ﻛﺘﺒﺘﮫ ﻟﻚ ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ ! وﻟﻜﻨﮫ ﺗﻤﺎﻟﻚ ﻓﻘﺎل : = وأﯾﻦ ھﻲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻟﻘﺪ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﮭﺎ . ﻗﺎل : = أﺣﺐ أن أراھﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ . ﻓﺘﺮددت ھﻨﯿﮭﺔ ،ﺛﻢ دﻓﻌﺖ إﻟﯿﮫ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻄﻮﯾﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﺻﺪرھﺎ ،وﺟﻠﺴﺖ ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻨﮫ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ راح ﯾﻔﺾ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ وﯾﻘﺮؤھﺎ ،وﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺳﯿﻤﺎه أﺷﺘﺎت ﻣﻦ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت ﺣﺘﻰ أﺗﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ .ﺛﻢ دﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﺟﯿﺒﮫ دون أن ﺗﻌﺎرض ﻓﻲ إﺑﻘﺎﺋﮭﺎ ﻟﮫ .
*** ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ھﻲ اﻋﺘﺮاﻓﮭﺎ اﻷول ﻣﻜﺮرا ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﺟﺪﯾﺪ .وﻟﻜﻨﮫ أﺣﺲ ﺑﻨﻜﺄة ﻓﻲ اﻟﺠﺮح ،رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﺮح ﻧﻔﺴﮫ )) :إﻧﻚ ﺑﺮيء وﻧﺒﯿﻞ ،رﺟﻞ ﺗﺸﺮف أي ﻓﺘﺎة ﺑﺄن ﯾﻜﻮن ﺗﺎﺟﺎً ﻟﺤﯿﺎﺗﮭﺎ ، وﻟﻜﻨﻨﻲ أﻧﺎ .أﻧﺎ ﺑﻨﺖ ﺷﺮﯾﺮة )) ﻣﻠﻮﺛﺔ (( ،وأﻧﺖ ﻣﺨﺪوع ﻓﻲ ﻗﯿﻤﺘﻲ ،ﻓﯿﺠﺐ أن أﻧﺒﮭﻚ إﻟﻰ أﻧﻚ ﻣﺨﺪوع ...اﻟﺦ (( . وﺟﺮﺣﺘﮫ ﻛﻠﻤﺔ )) ﻣﻠﻮﺛﺔ (( ﺟﺮﺣﺎً ﺷﺪﯾﺪا .وﻣﻊ أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻌﻠﻢ ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ ﺑﮭﺎ ،إﻻ أن ﻣﻌﻨﺎھﺎ اﻟﺮديء ﻗﻔﺰ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ إﻟﻰ ﺧﺎﻃﺮه ﻓﺄﺣﺲ ﺑﺎﻟﻄﻌﻨﺔ اﻟﺮﺟﯿﻌﺔ .
ﻗﺎل : = واﻵن ..ﯾﺎ ﻓﺘﺎﺗﻲ اﻟﻌﺰﯾﺰة ..ﻣﺎذا ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻻ أرى إﻻ رأﯾﺎ واﺣﺪا .ﻗﻞ ﻟﮭﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء ...وﻟﯿﻜﻦ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ! ﻗﺎل : = وﻟﻜﻨﻨﻲ أﺧﺸﻰ اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ،وﻻ ﺗﻄﺎوﻋﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻠﻰ أن أﻓﺸﻲ ﻟﻚ ﺳﺮاً . ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ اﻧﺪﻓﺎع : = إﻧﻨﻲ اﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﯾﺪ وﺧﯿﻞ إﻟﯿﮫ أﻧﮭﺎ ﺗﺮﯾﺪ ﺑﮭﺬه اﻟﻔﺮﻗﻌﺔ أن ﺗﺮﺗﺪ إﻟﻰ ﺣﺒﯿﺒﮭﺎ اﻷول .وأن ﺗﻨﯿﺒﮫ ھﻮ ﻋﻨﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺎرﺣﺔ أھﻠﮭﺎ ﺑﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺤﺎل ،وأﻧﮭﺎ ﻗﺮرت ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ أﻣﺮا .وھﻨﺎ ﺛﺎرت ﻛﻮاﻣﻨﮫ ،وارﺗﺪ إﻟﯿﮫ ﺷﻌﻮر اﻟﺼﺒﺎح ،وﻓﻘﺪ ﻛﻞ ﺗﺴﺎﻣﺢ ورﺣﺎﺑﺔ .وﻛﺎن ﻣﻈﮭﺮھﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻷﺧﯿﺮة ﯾﺸﺒﮫ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺘﮭﻠﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷﺧﯿﺮ ، ﻓﻜﺎن ﻛﻞ أوﻟﺌﻚ ﻣﺪﻋﺎة ﻷن ﯾﻐﺎدر اﻟﺤﺠﺮة إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﯾﻨﺘﻈﺮه اﻟﺠﻤﯿﻊ .
*** وﻣﻊ أﻧﮫ ﺗﺮﻓﻖ ﻓﻲ ﻛﺸﻒ اﻟﻤﻮﻗﻒ ،وﺗﺠﻨﺐ ﻣﻮاﺿﻌﮫ اﻟﻤﺤﺮﺟﺔ ،وﺟﺎء ﻟﻠﻤﻮﺿﻮع ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﮫ اﻟﺒﺮيء : ﺟﺎﻧﺐ ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻟﻠﻔﺘﺎة ،ﺛﻢ ﺗﺤﻤﺲ ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻒ ﺷﺎب وﺷﺎﺑﺔ ﯾﺘﺤﺎﺑﺎن .... إﻻ أن اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ﻛﺎﻧﺖ أﺷﺪ ﻣﻤﺎ ﺗﺤﺘﻤﻠﮫ أﻋﺼﺎب اﻟﺠﻤﯿﻊ . ﺛﺎرت اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،واﻧﻘﻠﺐ اﻟﺒﯿﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﺎة واﻧﺘﺒﺬت ھﻲ ﻣﻦ وﺟﻮھﮭﻢ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻗﺼﯿﺎً . أﺣﺲ اﻟﻮاﻟﺪ أﻧﮫ ﻃﻌﻦ ﻓﻲ ﺷﺮﻓﮫ وﻛﺮاﻣﺘﮫ ،وأﺣﺴﺖ اﻷم أﻧﮭﺎ ﺗﻮاﺟﮫ اﻟﻔﻀﯿﺤﺔ ،وﺗﺨﺴﺮ راﺑﻄﺔ وﺷﯿﻜﺔ . وران ﻋﻠﻰ اﻷﻃﻔﺎل ذﻋﺮ ﺻﺎﻣﺖ وھﻢ ﯾﺮون وﻻ ﯾﻌﻠﻤﻮن ! وﻟﻢ ﯾﺒﻖ إﻻ ھﻮ ،ﯾﺪاﻓﻊ ﻋﻨﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺮارة ، وﯾﻨﻔﻲ ﻣﺎ ﻋﻠﻖ ﺑﺬھﻨﮭﻢ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﻦ اﻧﺤﺮاف ! ﺛﻢ ﺧﯿﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﺻﻤﺖ ﻛﺼﻤﺖ اﻟﻘﺒﻮر ،واﻧﺰوى ﻛﻞ ﻓﻲ رﻛﻦ ﻻ ﯾﻨﺒﺲ ﺑﺤﺪﯾﺚ . وﺗﻘﺪم اﻟﻠﯿﻞ ،وھﻢ ﺑﺎﻟﺮواح ﻛﺎﻟﻤﻌﺘﺎد ،ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﺑﮫ وﺟﻠﺔ ،وﺗﻮﺳﻠﺖ إﻟﯿﮫ أن ﯾﺒﻘﻰ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح .ﻗﺎﻟﺖ : ﻟﻤﻦ ﺗﺘﺮﻛﻨﻲ ھﻨﺎ ؟ إﻧﻨﻲ ﻣﻨﺒﻮذة ﻏﺮﯾﺒﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ،وﻟﯿﺲ ﻟﻲ أﺣﺪ ﺳﻮاك .ﻻ ھﻨﺎ ..وﻻ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻛﻠﮭﺎ ....ﻗﻞ :إﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﺘﺮﻛﻨﻲ وﻟﻦ ﺗﺮوح ! وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻜﻞ ھﺬا اﻟﺘﻮﻛﯿﺪ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ھﻮ أﺷﻮق ﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ ﺗﻤﻀﯿﺔ ﻛﻞ دﻗﯿﻘﺔ ﺑﺠﺎﻧﺒﮭﺎ .ﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻏﺮﯾﺒﺔ :ﺷﻌﻮر اﻟﻌﻄﻒ واﻹﺷﻔﺎق ،وﺷﻌﻮر اﻟﻠﮭﻔﺔ واﻟﺤﺮﻣﺎن ،وﺷﻌﻮر اﻟﻐﯿﺮة واﻟﻐﻠﯿﺎن ، وﺷﻌﻮر اﻟﺘﺴﺎﻣﻲ واﻹﯾﺜﺎر ،وﻣﺎ ﻻ ﯾﺤﺼﻰ ﻣﻦ ھﺬه اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت .
وﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﺴﺘﺮﯾﺤﺎ ﻷن ﯾﻘﻀﻲ ﻟﯿﻠﺘﮫ ھﻨﺎك .ﻛﺎن ھﻮ اﻟﺼﻠﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﺑﯿﻦ ﻧﻔﻮﺳﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎً ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﻄﻌﺖ اﻟﺼﺪﻣﺔ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﻼت .
*** ﺑﺎت ﯾﺴﻤﻊ أﻧﻔﺎﺳﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﻤﺠﺎورة ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﺳﻮى ﺣﺎﺋﻂ رﻗﯿﻖ ﻓﯿﮫ ﺑﺎب ﻣﻔﺘﻮح ،وﻛﺎن ﯾﺴﻤﻊ ﺗﻨﮭﺪاﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﻠﯿﻞ ،وﯾﻜﺎد ﯾﺴﻤﻊ وﻗﻊ دﻣﻮﻋﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﻜﻮن اﻟﻈﻼم ! وﻛﺎن ﯾﺮاھﺎ ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻣﻨﮫ ﺟﺪاً ،ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻨﮫ ﺟﺪا .ﻛﺎن ﯾﺮاھﺎ ﻣﻞء ﯾﺪﯾﮫ ،ﺛﻢ ﯾﻨﻈﺮ ﻓﺈذا ﯾﺪاه ﻣﻨﮭﺎ ﻓﺎرﻏﺘﺎن ! وأوﻗﺪ اﻟﻤﺼﺒﺎح ﻓﻲ ﺟﻮف اﻟﻠﯿﻞ ،وراح ﯾﻜﺘﺐ ﺷﻌﺮاً : ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﻚ ﺧﻄﻮة ::::ﻟﻜﻦ ﻋﻮاﻟﻤﻨـﺎ ﺑﻌﯿﺪ وﯾﺪاي ﻓﺎرﻏﺘﺎن ﻣﻦ ::::ﻛﻨﺰ ﺑﮫ ﻏﻨﻲَ اﻟﻮﺟﻮد ﺛﻢ ﺗﻐﺎﻟﺒﮫ دﻣﻮع ﻗﺎھﺮة ،ﻓﯿﻄﻔﻲء اﻟﻨﻮر وﯾﻨﻜﻔﻲء ﻓﻲ ﺳﺮﯾﺮه ﯾﻐﺎﻟﺐ اﻟﺪﻣﻊ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع . وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﺋﺮة اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ،ﺻﻔﺮاء ﻏﺒﺮاء ،ﻛﺄﻧﻤﺎ اﻧﺴﻠﺖ ﻣﻦ ﻣﻘﺒﺮة .وﻛﺎن ﻣﺴﺘﺮﺧﻲ اﻟﺠﺴﻢ ﻣﮭﺪودا ..ﻣﻜﺪود اﻷﻋﺼﺎب . ﻗﺎﻟﺖ : = ﻛﯿﻒ ﻗﻀﯿﺖ ﻟﯿﻠﺘﻚ ؟ ﻗﺎل : = ﻛﻤﺎ ﻗﻀﯿﺖ ﻟﯿﻠﺘﻚ ! ﻗﺎﻟﺖ : = ﯾﺮﺣﻤﻨﺎ اﷲ ! ﺛﻢ اﺗﺠﮭﺖ إﻟﻰ ﻣﺮاﻓﻖ اﻟﺒﯿﺖ ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺟﺎءت ﺗﺪﻋﻮه .ﻗﺎﻟﺖ : = ﻟﻘﺪ ﺳﺨﻨﺖ ﻟﻚ ﻣﺎء ﻟﺘﻐﺴﻞ وﺟﮭﻚ ورأﺳﻚ ،ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻤﺠﮭﺪ ،واﻟﺠﻮ ﺷﺘﺎء ،وﻟﻠﻤﺎء اﻟﺪاﻓﻲء ﻗﯿﻤﺘﮫ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻷﺣﻮال ...اﻗﺘﺮب أﺻﺐ ﻟﻚ اﻟﻤﺎء ! وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﺪﻋﮫ ﯾﻐﺴﻞ وﺟﮭﮫ ورأﺳﮫ .ﻟﻘﺪ دﺑﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﯿﻮﯾﺘﮭﺎ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺬﺑﻮل ،ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﺪﻋﻚ ﻟﮫ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﺑﺎﻟﺼﺎﺑﻮن ،وﺗﺪس أﺻﺎﺑﻌﮭﺎ ﻓﻲ ﺷﻌﺮه ﺗﺨﻠﻠﮫ ،وإﻧﮭﺎ ﻟﺘﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺑﺔ ﺳﺎﺣﺮة : = ﻟﺘﻜﻦ اﻧﺖ اﺑﻨﻲ اﻟﯿﻮم ،ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺑﻨﺘﻚ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﯾﺎ أﺑﺘﺎه !
ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﻹﻗﻨﺎع أھﻠﮭﺎ ﺑﺎﻟﺮأي اﻟﺬي ارﺗﺂه ،وھﻮ ﯾﺴﺘﺮوح ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻔﺸﻞ رﯾﺢ اﻻﻧﺘﺼﺎر ،وﻓﺸﻞ ﻓﻲ إﻗﻨﺎﻋﮭﻢ ﺑﺒﺮاءﺗﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻋﺎدت ﻟﮫ ﻓﯿﮭﺎ ،وﻓﺸﻞ ﻓﻲ اﺳﺘﻌﺎدة اﻟﺮﺿﻰ ﻋﻨﮭﺎ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل ،واﺳﺘﻤﺮت ﺗﻠﻘﻰ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻮﺧﺰ واﻹﻋﺮاض ،وﺗﺴﻤﻊ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻐﻤﺰ واﻹﯾﻼم ،وﺗﺠﺪ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻓﻲ ﻏﺮﺑﺔ وإذﻻل .. ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ : = ﻟﻘﺪ وﻗﻊ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ،وﻟﺴﺖ ﺻﻠﺢ ﻟﻚ اﻵن رﻓﯿﻘﺔ ﺣﯿﺎة .أﺣﺲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺴﻲ أﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮاك .وﻟﻦ أﻟﺤﻖ ﺑﺬﻟﻚ اﻵﺧﺮ ﻷن ﻛﺮاﻣﺘﻲ ﺗﺄﺑﻰ ﻋﻠﻲ ھﺬا ،ﻛﻤﺎ ﯾﺄﺑﺎه ﺷﺮف ھﺆﻻء اﻟﺴﺎﺧﻄﯿﻦ ! وﻟﻦ أﻧﺘﺤﺮ ﻷن اﻻﻧﺘﺤﺎر ﺟﺒﻦ وﻋﺎر .وﻟﻦ أﻃﯿﻖ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻌﺪ اﻵن ! ﻗﺎل : = وﻣﺎذا اﻋﺘﺰﻣﺖ إذن ﯾﺎ ﺑﻨﯿﺘﻲ ؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﺄﻟﻤﺔ : = ﻟﻦ اﻋﺪم وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﺤﯿﺎة اﻟﺸﺮﯾﻔﺔ .ﺳﺄﺷﺘﻐﻞ ﺧﺎدﻣﺔ ﻓﻲ اﺣﺪ اﻟﺒﯿﻮت .وإﻧﻨﻲ ﻟﻤﺎھﺮة ﻓﻲ اﻟﺘﺪﺑﯿﺮ اﻟﻤﻨﺰﻟﻲ ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻠﻢ ! وأﺣﺲ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﺗﺘﺬاوب ﻋﻄﻔﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وأﻟﻤﺎ ﻟﮭﺎ ،ووﺟﺪا ﺑﮭﺎ . وﻗﺎل : = ﻟﻘﺪ ﻧﺴﯿﺖ أن ﻟﻚ ﺑﯿﺘﺎ آﺧﺮ ،ﯾﺮﺣﺐ ﺑﻚ ﺿﯿﻔﺔ ﻻ ﺧﺎدﻣﺔ ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﮭﺘﺰ ﻣﻦ اﻻﻧﻔﻌﺎل : = ﻛﻼ ! ..إن ﻗﺒﻠﺘﻨﻲ ﺧﺎدﻣﺔ ،ﻓﺨﺬﻧﻲ إﻟﯿﻚ ﻣﻨﺬ اﻵن ! ﺿﻤﮭﺎ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ رﻓﻖ ،ورﺑﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﻄﻒ ،وﻗﺒﻞ ﺟﺒﯿﻨﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن ،وﻗﺎل : = ﻛﻼ ﯾﺎ ﺑﻨﯿﺘﻲ ..ﺑﻞ – إذا ﺳﻤﺤﺖ – رﻓﯿﻘﺔ ﺣﯿﺎة . ﻗﺎﻟﺖ ﻣﻐﺎﻟﺒﺔ اﻟﻨﺸﯿﺞ اﻟﻤﻜﺘﻮم : = أ و ﺗﻘﺒﻠﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ؟ ) واﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻠﺒﻜﺎء (
*** ﻟﺒﺲ ﻣﻼﺑﺴﮫ وﺧﺮج ﻣﻊ واﻟﺪھﺎ . وﻗﺎل ﻟﮫ اﻟﻮاﻟﺪ ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎدرا اﻟﺪار .وﻛﺄن ﺣﺎدث اﻷﻣﺲ ﻛﺎن ﻛﺎﺑﻮﺳﺎ اﻧﺘﮭﻰ ،ﻓﻌﺎد ﻛﻞ ﺷﻲء ﺟﺪﯾﺪاً : = دع ﻛﻞ ھﺬا اﻟﮭﺮاء اﻟﺬي ﺗﻘﻮﻟﮫ )) ﺳﻤﯿﺮة (( واﻟﺬي ﺗﻘﻮﻟﮫ أﻧﺖ أﯾﻀﺎً .إﻧﻨﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮك ﻓﻲ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﻐﺪاء ! ﻗﺎل : = ﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ اﻟﻐﺪاء ،ﻓﻼ ﺑﺪ أن أﻋﻮد إﻟﻰ اﻟﺪار ،ﻓﺎﻟﺒﯿﺖ ﻣﺸﻐﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﺒﯿﺘﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺗﻌﻮده .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺄﺣﻀﺮ آﺧﺮ اﻟﻨﮭﺎر .
وﻋﺎد ﻓﻮﺟﺪ اﺗﻔﺎﻗﺎً ﺑﯿﻦ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﺳﻲ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،وﻋﻠﻰ أن ﺗﺴﯿﺮ اﻟﻘﺼﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺗﺴﯿﺮ . وﻋﺎد ﻟﻠﻔﺘﺎة إﺷﺮاﻗﮭﺎ ،وﺑﺪت ﻛﺎﻟﻨﺎﻗﮭﺔ ﻣﻦ وﻋﻜﺔ ،ﺗﺴﺘﻨﺸﻖ ﻧﺴﯿﻢ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ﻟﮭﻔﺔ وارﺗﯿﺎح .وأﺣﺲ اﻧﮭﺎ ﺧﻠﺼﺖ ﻟﮫ ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻹﻋﺼﺎر ،وأن ﺟﺮﺣﮫ اﻟﺬي أدﻣﺘﮫ اﻷﺷﻮاك ﻗﺪ اﻧﺪﻣﻞ وﻃﺎب .وﺧﯿﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻮد اﻟﻌﻄﻮف واﻟﻄﯿﺒﺔ اﻟﻨﻘﯿﺔ واﻟﺴﻠﻢ واﻟﻮﺋﺎم ! .
أﻧﺜﻰ ...
ﺑﺎﺗﺖ ﺳﮭﺮاﺗﮫ ﻟﯿﻠﯿﺔ ﻓﻲ دارھﻢ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻹﻏﺮاء اﻟﺬي ﯾﻘﻮد ﻗﺪﻣﯿﮫ ﻛﻞ ﯾﻮم إﻟﻰ ھﻨﺎك . وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﻞ أوﯾﻘﺎﺗﮭﻢ ﺻﻔﻮاً ،ﻣﻨﺬ أن ﺑﺮزت ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮭﻤﺎ اﻷﺷﻮاك ،وﻟﻜﻦ ﺷﯿﺌﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻘﻒ ھﺬا اﻟﺘﯿﺎر اﻟﺠﺬاب . ﻛﺎن ﯾﻨﺘﻈﺮ اﻟﻤﻮﻋﺪ اﻟﯿﻮﻣﻲ ﻣﻠﮭﻮﻓﺎً ،وﯾﺬھﺐ إﻟﻰ ھﻨﺎك ﻓﯿﺠﺪھﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻠﮭﻮﻓﺔ .وﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ ﻓﻲ ﯾﻮم ﺗﺄﺧﺮ ﻋﻦ ﻣﻮﻋﺪه )) :ﻛﻢ ﺧﻔﺖ أﻻ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ .إﻧﻨﻲ ھﻨﺎ ﻏﺮﯾﺒﺔ ﺑﯿﻦ أھﻠﻲ ،ﺑﻞ ﻏﺮﯾﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﻛﻠﮭﺎ ﺣﯿﻦ ﻻ أراك (( وﻛﺎﻧﺖ ﻏﺮﯾﺒﺔ ﺣﻘﺎ .ﻓﺄھﻠﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻃﯿﺒﻮن ﻧﻔﻮﺳﮭﻢ ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻦ اﻟﺘﻌﻘﺪ واﻟﺘﺮﻛﯿﺐ ،وھﻲ ﻋﻘّﺪﺗﮭﺎ اﻷزﻣﺎت اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ واﻷﺷﻮاك ،وﻋﻘﺪﺗﮭﺎ ﺻﺤﺒﺘﮫ وﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺗﮫ ،وﻋﻘﺪﺗﮭﺎ اﻟﻘﺮاءات اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺰودھﺎ ﺑﮭﺎ وﯾﺤﻀﮭﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﻋﻘﺪﺗﮭﺎ اﻟﺘﻮﺟﯿﮭﺎت اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻠﻘﺎھﺎ ﻋﻨﮫ وھﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ أو ﻓﻲ ﻏﯿﺮ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ . وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ھﻲ اﻟﻐﺮﯾﺒﺔ وﺣﺪھﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺪار ،ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن ھﻮ أﯾﻀﺎً ﻏﺮﯾﺒﺎ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻓﺈذا ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻦ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻟﺤﻈﺔ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻔﺮاغ ،وﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﻛﺎن ھﻮ وإﯾﺎھﺎ ﯾﺸﻌﺮان ﺑﺎﻟﻮﺣﺸﺔ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة ھﺆﻻء اﻟﻨﺎس اﻟﻄﯿﺒﯿﻦ ﻓﯿﻨﺴﺤﺒﺎن إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﯾﻨﻔﺮدان! . واﻓﺘﻘﺪھﺎ ﻟﯿﻠﺔ ﻓﻘﺎم ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻨﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﺮات اﻟﺪار .ودﺧﻞ ﺣﺠﺮة اﻟﻨﻮم ...وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺎﺟﺄة .
ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻟﻦ ﯾﺘﮭﯿﺄ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺑﺪاً .
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻣﻘﻤﺮة ،وﻟﻠﺤﺠﺮة ﻧﺎﻓﺬة ﯾﻄﻞ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻘﻤﺮ ،ﻓﯿﻀﯿﺌﮭﺎ ذﻟﻚ اﻟﻀﻮء اﻟﻘﻤﺮي اﻟﺸﻔﯿﻒ .وﻛﺎﻧﺖ واﻗﻔﺔ دون أن ﺗﻮﻗﺪ اﻟﻤﺼﺒﺎح اﻛﺘﻔﺎء ﺑﮭﺬا اﻟﻀﻮء اﻟﻔﻀﻲ اﻟﺸﻔﯿﻒ .ﻛﺎﻧﺖ واﻗﻔﺔ ﺑﺠﻮار اﻟﺴﺮﯾﺮ ﺗﺒﺪل ﻓﺴﺘﺎﻧﮭﺎ وﺣﯿﻨﻤﺎ دﺧﻞ اﻟﺤﺠﺮة ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺧﻠﻌﺖ وﻟﻢ ﺗﻠﺒﺲ ...ووﻗﻊ ﻧﻈﺮه ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ...وﻛﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺔ رھﯿﺒﺔ ! . ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﯿﺘﮫ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺑﯿﺌﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻣﺘﻄﮭﺮة ،وﻛﺎن ﻗﺪ اﻧﺼﺮف ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ إﻟﻰ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺠﺪ ﻻ ﯾﺴﻤﺢ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻌﺒﺚ ،وﻛﺎن اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻔﻦ ﻗﺪ ﺻﺎﻧﺎ ﺧﯿﺎﻟﮫ ﻣﻦ اﻟﺘﻠﻮث ...وﻛﺎن ھﺬا ﻛﻠﮫ ﯾﺒﻌﺪه ﻋﻦ اﻟﻤﺮأة ،وﯾﺼﯿﺒﮫ ﺑﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﺮﺑﻜﺔ واﻻﺿﻄﺮاب ﺣﯿﻦ ﯾﻠﻘﺎھﺎ وﺟﮭﺎ ﻟﻮﺟﮫ أﯾﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﻘﺘﮭﺎ وﺳﻨﮭﺎ . ﻓﻠﻤﺎ وُوْﺟﮫ ﺑﺎﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺒﮭﺎ ،ﺷﺒﮫ ﻋﺎرﯾﺔ ،ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻀـﺎﻋﻔﺎً ﻟﺨﺠﻠﮫ وارﺗﺒﺎﻛﮫ .وﻟﻜﻦ ﻋﯿﻨﮫ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻈﺮ ﻓﺎﺗﻦ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺸﻔﯿﻒ ،وﻟﻠﯿﻞ اﻟﻤﻘﻤﺮ وﺟﻮه ،وﻟﻠﻮﺣﺪة اﻟﻤﻐﺮﯾﺔ ﺟﻮھﺎ .إﻧﻤﺎ ھﻮ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﮫ ﯾﺸﻌﺮ ﻟﮭﺬه اﻟﻔﺘﺎة ﺑﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﻘﺪاﺳﺔ ،وھﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻏﯿﺮ ﻣﺴﺘﻌﺠﻞ وﻻ ﻣﺘﺴﺮع ،ﻓﮭﻲ ﻟﮫ ، وﺳﺘﺼﯿﺮ ﻛﻠﮭﺎ إﻟﯿﮫ . ....ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻨﻮازع اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ واﺣﺪة ﺟﻌﻠﺘﮫ ﯾﻘﻒ ﺑﺮھﺔ ﻣﺴﻤﺮاً .أﻟﻒ ﺟﺎذب ﯾﺠﺬﺑﮫ إﻟﻰ اﻹﻗﺪام ،وأﻟﻒ داﻓﻊ ﯾﺪﻓﻌﮫ إﻟﻰ اﻹﺣﺠﺎم .وﺑﻮﻏﺘﺖ ھﻲ ﻓﺎرﺗﺒﻜﺖ ﻛﺬﻟﻚ ،وﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﺗﻠﺒﺲ اﻟﻔﺴﺘﺎن اﻟﺜﺎﻧﻲ ،اﻧﻜﻔﺄت ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،وﻃﺄﻃﺄت رأﺳﮭﺎ ،وﺣﻨﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﺻﺪرھﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ وﺿﻌﮭﺎ اﻟﺠﺪﯾﺪ أﺷﺒﮫ ﺑﺘﻤﺜﺎل ﻓﺎﺗﻦ ﻓﻲ وﺿﻌﮫ اﻟﻔﻨﻲ اﻟﺠﻤﯿﻞ ! وأﺧﯿﺮاً ﻏﻠﺒﮫ ﻣﺎﺿﯿﮫ ﻛﻠﮫ ﻓﺘﺮاﺟﻊ ،وھﻮ ﯾﺘﻤﺘﻢ :ﻻ ﻣﺆاﺧﺬة !...
*** وﻣﻀﺖ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺠﻠﺲ ،وﻗﺪم ﺑﻌﺾ اﻟﺰاﺋﺮﯾﻦ واﻟﺰاﺋﺮات ﻣﻦ أﻗﺎرﺑﮭﻢ ،وھﻢ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺤﻀﺮون ھﺬه اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ ،اﺳﺘﻄﻼﻋﺎ ﻟﺤﺎل اﻟﺨﻄﯿﺒﯿﻦ ! ..ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺤﺴﺪ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ واﻟﻔﻀﻮل اﻟﻨﺴﻮي ﯾﺪﻓﻌﺎﻧﮭﻢ ﻟﻠﺤﻀﻮر .ﻓﺘﻀﯿﻊ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﻜﻠﻔﺎت ﺳﺨﯿﻔﺔ وأﺣﺎدﯾﺚ ﺗﺎﻓﮭﺔ ...ﺛﻢ ﯾﻨﺼﺮﻓﻮن . ﺣﻀﺮوا ،ﻓﺴﺎد اﻟﻤﻨﺰل ﺟﻮ ﻏﯿﺮ ﺟﻮه .وأﺣﺴﺖ ھﻲ أﻧﮭﻢ ﻗﺪ ﺣﻀﺮوا ﻓﻘﺪﻣﺖ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﺑﺎھﺘﺔ ﻣﻨﻄﻔﺌﺔ ،ﯾﻐﺸﺎھﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻻﻧﻜﺴﺎر .
وﻋﺠﺐ ھﻮ ﻟﮭﺬه اﻟﻈﺎھﺮة ،وﻋﺰاھﺎ إﻟﻰ أﻧﮭﺎ ﺧﺠﻠﺔ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ! ..وﺟﻠﺲ ﻣﺘﻀﺎﯾﻘﺎً ،ﻓﺴﺮى اﻟﻀﯿﻖ ﻣﻨﮫ إﻟﻰ اﻵﺧﺮﯾﻦ .وﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ھﻢّ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف ﺗﺨﻠﺼﺎً ﻣﻦ ﺛﻘﻞ اﻟﺠﻮ ،ﻓﺒﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﺰاﺋﺮﯾﻦ اﻻرﺗﯿﺎح ،ﻟﻤﺎ أﺣﺴﻮه ﻣﻦ ﺿﯿﻖ ﻻ ﯾﺒﺸﺮ ﺑﺨﯿﺮ ! وأﻣﺴﻚ ﺑﮫ أﺑﻮھﺎ وأﺧﻮھﺎ ،وﺗﺸﺪدت أﻣﮭﺎ ﻓﻲ دﻋﻮﺗﮫ ﻟﻠﺒﻘﺎء .وﻧﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ھﻲ ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺪھﺎ ﺗﺪﻋﻮه ﻟﯿﺒﻘﻰ ، ﻓﻠﻢ ﯾﺴﺘﺠﺐ ﻟﻠﺪﻋﻮة ! ..وﻋﻨﺪﻣﺎ وﺿﻌﺖ ﯾﺪھﺎ ﻓﻲ ﯾﺪه وھﻮ ﯾﻨﺼﺮف أﺣﺲ ﺑﺒﺮودة روﺣﮭﺎ وﻓﻲ أﻧﺎﻣﻠﮭﺎ أﯾﻀﺎً ..ﻓﺨﺮج ﺿﯿﻖ اﻟﺼﺪر ﻣﻐﻤﻮﻣﺎً !
*** وﻣﻀﻰ ﯾﻮم ﻟﻢ ﯾﺠﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻧﺸﺎﻃﺎ وﻟﻢ ﯾﺬھﺐ ﻟﻠﺰﯾﺎرة ﻛﺎﻟﻤﻌﺘﺎد .وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎن ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﮫ ﻛﺎﻟﻌﺎدة ،ﺣﯿﻦ رن ﺟﺮس اﻟﺘﻠﯿﻔﻮن ودﻋﻰ ﻟﻠﻜﻼم . ﻗﺎﻟﺖ : = أﻧﺖ اﻟﯿﻮم ﺗﻌﺮف ﺻﻮﺗﻲ وﻻ ﺑﺪ ! وﺗﮭﻠﻞ وﺟﮭﮫ ،واﻧﺘﻔﻀﺖ ﻛﻞ ذرة ﻓﯿﮫ ،وأﺟﺎب : = ﻃﺒﻌﺎً ،ﻟﻘﺪ ﺣﻔﻈﺘﮫ ! ﻗﺎﻟﺖ : = أﻻ ﺗﺤﻀﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﺪﻋﻰ ﺑﺎﻟﺘﻠﯿﻔﻮن ؟ وارﺗﺒﻚ ﻟﺤﻈﺔ ﺛﻢ أﺟﺎب : = ﻻ ..ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻌﺒﺎ ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ اﻷﻣﺲ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻣﺘﻌﺐ أو ﻏﻀﺒﺎن ؟ أﻇﻨﻚ ﺳﺘﺄﺗﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل ! ﻗﺎل : = ﻃﺒﻌﺎ ﺳﺄﺣﻀﺮ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻛﻌﺎدﺗﻲ ! وﺳﻠﻤﺖ وﺳﻠﻢ ،واﻧﻘﻄﻊ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﻛﯿﺎﻧﮫ ﻣﻮﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط .
*** وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻛﺎن ﯾﻘﺼﺪ إﻟﻰ اﻟﺪار ،وﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﮫ إﻻ ﺻﻮرﺗﮭﺎ اﻟﻤﺮﺣﺔ اﻟﻮﺛﺎﺑﺔ ،وإﻻ ﺻﻮﺗﮭﺎ اﻟﺸﺠﻲ اﻟﻄﺮوب .واﺳﺘﻘﺒﻠﺘﮫ ﻣﺘﮭﻠﻠﺔ ،وﻗﺒﻞ أن ﯾﺠﺘﺎز اﻟﻤﻤﺮ وراء اﻟﺒﺎب – وﻛﺎﻧﺖ ﯾﺪھﺎ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ ﯾﺪه – ﻗﺎﻟﺖ : = ﻛﻨﺖ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺧﺎﺋﻔﺔ ...وﻟﻜﻢ ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ﺗﺠﻲء ﻓﻲ اﻟﻈﻼم !
وأﺣﺲ أن اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻻ ﺗﺴﻌﮫ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح ،ﻓﻀﻐﻂ ﯾﺪھﺎ ﺑﺤﺮاره ،ﻓﺘﺄودت وھﻲ ﯾﺸﺪ ﯾﺪھﺎ ﻓﻲ ﯾﺪه ،وﺑﺪت ﻓﺘﻨﺔ ﺟﺎرﻓﺔ ﻻ ﺗﺤﺘﻤﻠﮭﺎ اﻷﻋﺼﺎب ! واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺎﻧﻮ ﺗﻮﻗﻊ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻠﺤﻦ اﻟﻤﺴﺤﻮر ،ﻓﻐﻤﺮت روﺣﮫ ﻧﺸﻮة ﻋﺠﯿﺒﺔ ،واﻧﺴﺮﺑﺖ ﺧﻮاﻃﺮه ﺗﺮاود أﺣﻼﻣﺎ ذھﺒﯿﺔ ،وأﺣﺲ ﺑﺴﻌﺎدة ﺗﻀﻲء روﺣﮫ ﺑﻨﻮر وھﺎج ،وﺗﺤﻠﻖ ﺑﮫ ﻓﻲ واد ﻣﻦ اﻟﺘﯿﮫ ﺑﻌﯿﺪ . وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻌﺎدھﺎ ﻣﺮة وﻣﺮة ،ﻋﻠﻰ ﻋﺎدﺗﮫ ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﻠﺤﻦ اﻟﻤﺴﺤﻮر ،أﻋﻠﻨﺖ ﻓﻲ دﻋﺎﺑﺔ ﺳﺎﺣﺮة أﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﯿﺪ اﻟﻌﺰف ،وﻧﮭﻀﺖ واﻗﻔﺔ واﻧﻔﻠﺘﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮة ﻛﺎﻟﺤﻮرﯾﺔ اﻟﮭﺎرﺑﺔ .أو ﻛﺎﻟﻐﺰال اﻟﺸﺮود .وﻛﺎن ﻣﻌﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة أﺑﻮھﺎ وأﻣﮭﺎ وأﺧﻮھﺎ اﻟﺸﺎب ،ورآھﺎ ﺗﺬھﺐ ﻧﺤﻮ ﻣﺮاﻓﻖ اﻟﻤﯿﺎه ،ﻓﺘﻈﺎھﺮ ﺑﻌﺪ ﺑﺮھﺔ ﺑﺄﻧﮫ ذاھﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﺮاﻓﻖ – وﻛﺎﻧﺖ ﻟﮫ اﻟﺤﺮﯾﺔ ﻓﻲ أن ﯾﺬھﺐ وﯾﺮوح ﺣﯿﺜﻤﺎ ﯾﺸﺎء – وﻛﺎن ﯾﻔﺼﻞ اﻟﻤﺮاﻓﻖ ﻋﻦ اﻟﺤﺠﺮات ﻣﻤﺮ ﻃﻮﯾﻞ ﺿﯿﻖ ... وﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻤﻤﺮ ﻗﺎﺑﮭﺎ راﺟﻌﺔ .وﻻ ﯾﺬﻛﺮ أﻧﮫ رآھﺎ ﻛﻤﺎ رآھﺎ ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻮھﺠﺔ ﯾﺨﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺮاﺋﻲ أﻧﮭﺎ ﺗﺘﻮﻗﺪ ،ﻛﻤﺎ ﯾﺨﯿﻞ إﻟﯿﮫ أن ﻛﻞ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻨﺎﻓﺬ ،ﺗﺘﻠﻘﻰ ﻣﻨﮭﺎ اﻷﺿﻮاء واﻷﺻﺪاء ،وﺗﺸﻊ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻄﺎﻗﺔ واﻟﺤﺮارة ! . وﻧﺴﻲ اﻟﻤﻨﺰل وﻣﻦ ﻓﯿﮫ – وھﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﮭﻤﺎ – وراح ﯾﻀﻤﮭﺎ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﺷﻮق ﻋﺎرم ،وﯾﮭﻮى ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﮭﺎ ﻓﻲ ﻟﮭﻒ ﺣﺮور ،وأﺣﺲ اﻧﮭﺎ ﺗﺘﺬاوب ﻓﯿﮫ ،وﺗﺘﻔﺎﻧﻰ ﺑﻜﺎﻣﻠﮭﺎ ،وأﻧﮭﺎ ﺗﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﮫ ﺑﻜﻞ ذرة ﻓﯿﮭﺎ ، وأﻧﮭﺎ ﺗﺘﻼﺷﻰ وﺗﺘﺪاﺧﻞ وﺗﺘﮭﺎوى . وﻣﻀﺖ ﻓﺘﺮة ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً ،وﻟﻜﻨﮫ ﻻ ﯾﻨﺴﺎھﺎ أﺑﺪاً !!! ﻣﻀﺖ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة ،وإذا ھﻲ ﺗﺜﻨﻲ ﺟﯿﺪھﺎ إﻟﻰ اﻟﻮراء وﻗﻮاﻣﮭﺎ ﻓﻲ ﯾﺪﯾﮫ ،ﻓﺘﻮاﺟﮭﮫ ﺑﻨﻈﺮاﺗﮭﺎ اﻟﺠﺎھﺮة ،وﺗﻘﻮل ﻓﻲ دﻋﺎﺑﺔ ﺳﺎﺣﺮة : = اﻟﺮﺟﻞ وراءﻧﺎ ! واﷲ أﻧﺎدﯾﮫ ! وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻤﻠﻚ إﻻ أن ﯾﻀﻤﮭﺎ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﻋﻨﻒ ،وھﻲ ﺗﺴﻜﺐ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ أﺣﻠﻰ رﺣﯿﻘﮭﺎ اﻟﻤﺬﺧﻮر ﺑﮭﺬه اﻟﻨﻈﺮة وﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻨﺔ ..ﺛﻢ ﺗﻤﻠﺼﺖ ﻣﻨﮫ ،واﻧﻔﻠﺘﺖ ﺗﺠﺮي ...وﻋﺎد ھﻮ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة ﻧﺸﻮان وﻟﻜﻨﮫ ﺗﻌﺒﺎن ! ﻋﺎد ﻓﺠﻠﺲ ،وﻟﻢ ﯾﻠﺤﻆ أﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﺷﯿﺌﺎً ،وﻟﻮ ﺗﻨﺒﮫ أﺣﺪھﻢ إﻟﻰ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻟﺮآھﻤﺎ ﺗﻘﻄﺮان ﻧﺸﻮة وﺳﻜﺮا .
*** وﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﮭﻢ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ ،ﺛﻢ ﻋﺎدت وﻗﺪ ھﺪأ ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻨﺸﺎط ،وﺳﻜﻨﺖ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻔﻮرة ،وﺑﺪت ﻣﻄﻔﺄة ﺧﺎﺑﯿﺔ . وﺻﺪﻣﮫ ھﺬا اﻻﻧﻘﻼب ﺻﺪﻣﺔ ﻋﻨﯿﻔﺔ .وﺧﯿﻠﺖ ﻟﮫ أوھﺎﻣﮫ أن ھﺬا ﻧﺪم ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ وھﺒﺖ ﻟﮫ ،وأﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻌﺪ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻟﺤﺒﯿﺒﮭﺎ اﻷول ...ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻣﻦ اﻷوراق !!!....
ووﺟﻢ ،وﺛﻘﻞ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺠﻮ ،ﻓﺸﺎع ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻛﻠﮫ اﻟﻮﺟﻮم ،وﺑﺨﺎﺻﺔ وﻗﺪ ﺗﻘﺪم اﻟﻠﯿﻞ ،وداﻋﺐ ﻋﯿﻮﻧﮭﻢ اﻟﻨﻌﺎس . واﻧﺘﮭﺰ ﻓﺮﺻﺔ اﻧﻔﺮادھﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﺮ ،ﻓﺮاح ﯾﻔﺴﺪ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺎل ﻟﮭﺎ : = ﯾﺒﺪو اﻧﻚ ﻧﺎدﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻋﻄﯿﺖ وھﺰت رأﺳﮭﺎ :أن ﻧﻌﻢ . ﻓﻠﻢ ﯾﺤﺎول أن ﯾﻔﮭﻢ إﻻ أﻧﮭﺎ ﺗﻌﻨﻲ ﻣﺎ ﺗﻘﻮل ! ﻗﺎل : = ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻟﮫ ﺧﺎﻟﺼﺔ ! وﺟﺮح ھﺬا ﻛﺮاﻣﺘﮭﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺮد أن ﺗﺘﻘﮭﻘﺮ . ﻗﺎﻟﺖ : = أي ﻧﻌﻢ ! وﻏﺎﻇﮫ ذﻟﻚ ﺟﺪاً .وﻟﻢ ﯾﺤﺎول أن ﯾﻔﮭﻢ ﻏﻠﻄﺘﮫ ﻓﻲ ﺳﻮق ھﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﯿﮭﺎ اﻵن . ﻗﺎل: = ﻟﻦ أﻋﯿﺪھﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ....اﻃﻤﺌﻨﻲ ! ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺑﺮود : = ﺗﺤﺴﻦ ﺻﻨﻌﺎً ! وأﻓﻠﺖ ﻣﻨﮫ ﻗﯿﺎد ﻧﻔﺴﮫ ،وﻟﻢ ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﺪﯾﺮ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﻗﺎل : = ﻻ ﯾﺰال أﻣﺎﻣﻚ أن ﺗﺨﺘﺎري .ﻓﺎﻟﻔﺮﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﻟﻢ ﺗﻀﻊ ! وﺗﻈﺎھﺮت ﺑﻌﺪم اﻟﻤﺒﺎﻻت .وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎدﺗﮭﺎ ﺣﯿﻦ ﺗﺠﺮح ﻛﺒﺮﯾﺎﺋﮭﺎ .وﻗﺎﻟﺖ : = واﻟﻔﺮﺻﺔ أﻣﺎﻣﻚ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﻀﻊ ،وﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﺘﺼﺮف ﺑﻜﺎﻣﻞ ﺣﺮﯾﺘﻚ ! وھﻨﺎ ﻓﻘﻂ أﺣﺲ أﻧﮫ أﺧﻄﺄ ﻓﻲ إدارة اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﻦ أوﻟﮫ ،وأﻧﮫ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﮭﻮاﺟﺴﮫ اﻟﺘﻲ ﻻ زاﻟﺖ ﺗﺨﺘﻠﺞ ﻓﻲ ﺿﻤﯿﺮه ،وأﻧﮫ دﻓﻊ ﺑﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﺑﺮة ﻻ ﻣﻔﺮ ﻟﮭﺎ ﻣﻨﮭﺎ . ﻓﻘﺎل : = ﻟﻨﺪع اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻵن .. وﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة ﯾﺴﺘﺄذن ﻟﻠﺨﺮوج .وﻟﻢ ﺗﺤﻀﺮ ھﻲ ﻟﺘﺴﻠﻢ ﻋﻠﯿﮫ ..ﻓﺪﻋﺘﮭﺎ أﻣﮭﺎ ،ﻓﺤﻀﺮت ﻣﺘﺜﺎﻗﻠﺔ ، وﻣﺪت إﻟﯿﮫ ﯾﺪھﺎ ﺑﺎردة ﻓﺴﻠﻢ واﻧﺼﺮف وﻣﻞء ﻧﻔﺴﮫ ﻇﻼم .
..اﻟﻌﺬراء اﻷم ...
....ﻋﺎد إﻟﻰ داره ﻣﻮﺣﺶ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻈﻠﻤﺎ ﻛﺌﯿﺒﺎً ،ﺗﺠﺜﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره اﻟﻜﺂﺑﺔ ،وﯾﻐﺸﻰ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﻮﺟﻮم ...وﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﮫ ﺳﺆال ﻏﺎﻣﺾ ﻻ ﯾﺴﻤﺢ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻈﮭﻮر واﻟﻮﺿﻮح :ﺗﺮاه أﺧﻄﺄ ﻃﺮﯾﻘﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻛﻠﮫ ؟ وأن ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة ﻟﯿﺴﺖ ﻟﮫ ،ﻻ ھﻲ وﻻ ﻓﺘﯿﺎت اﻟﻘﺎھﺮة ﺟﻤﯿﻌﺎ ؟ إﻧﮫ ﯾﺘﻄﻠﺐ ﻓﻲ ﻓﺘﺎة أﺣﻼﻣﮫ ﻣﻔﺎرﻗﺎت ﻻ ﺗﺠﻮد ﺑﮭﺎ اﻟﺤﯿﺎة .ﯾﺘﻄﻠﺐ اﻟﺤﻮرﯾﺔ اﻟﻘﺎھﺮﯾﺔ اﻟﻤﻐﻤﻀﺔ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ .ﯾﺘﻄﻠﺐ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﻌﺬراء اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺠﺴﺪ ،ﻓﻲ زي ﻗﺎھﺮي ،وﯾﺘﻄﻠﺐ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﺴﺎﺳﯿﺔ اﻟﻤﺮھﻔﺔ واﻟﺸﺎﻋﺮﯾﺔ اﻟﻤﺘﻮھﺠﺔ ... وﻣﻊ ھﺬا ﻛﻠﮫ ﻃﯿﺒﺔ اﻟﻘﻠﺐ وﺻﻔﺎء اﻟﺮوح !،. ﺗﺮاه أﺧﻄﺄ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻓﻄﻠﺐ اﻟﺤﻮرﯾﺔ اﻟﻌﺬراء ﻓﻲ ﺑﻨﺖ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻟﻘﺎھﺮة .أم ﺗﺮاه أﺧﻄﺄ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻣﻦ أوﻟﮫ ،ﻓﻄﻠﺐ ﺣﯿﺎة زوﺟﯿﺔ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﮫ ﺑﺤﺎل ؟ وﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﮭﻮاﺟﺲ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺼﺎﺣﺒﮭﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ..ھﻢ ﺛﻘﯿﻞ وھﻤﻮد ﻛﺌﯿﺐ . ﻗﻄﻊ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻄﻮﯾﻞ ﺑﯿﻦ دارھﺎ وداره ،ﺣﺘﻰ إذا وﺻﻞ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﯿﮫ ﺑﻘﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط ﻟﻠﺼﺮاع واﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﺎﺳﺘﻠﻘﻰ ﻣﮭﺪودا ﻓﻨﺎم ! . وأﺻﺒﺢ اﻟﺼﺒﺎح ﻓﺈذا ھﻮ ﯾﺠﺪ ﻟﮫ ﻧﻔﺴﺎ ﺟﺪﯾﺪة ﻏﯿﺮ اﻟﺘﻲ ﻧﺎم ﺑﮭﺎ .ﻟﻘﺪ ﺻﺤـﺎ وﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺻﻔﺎء ھﺎديء وﺻﻮﻓﯿﺔ ﺷﻔﯿﻔﺔ ...إﻧﮫ ﯾﻌﻄﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﺎة ﻋﻄﻔﺎ ھﺎدﺋﺎ رﻓﯿﻘﺎ .ﻟﻘﺪ ﺻﺎرﻋﺖ أﺷﻮاﻛﮭﺎ وﻗﺎوﻣﺖ ﻣﺎﺿﯿﮭﺎ ، وﻟﻘﺪ أﻟﻘﺖ ﺑﻨﻔﺴﮭﺎ ﺑﻌﺪ ھﺬا ﻛﻠﮫ إﻟﯿﮫ ،ﻣﺠﺮدة ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﺘﺎر ،ﻋﺎرﯾﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ رداء .وﺑﺎﻷﻣﺲ أﻟﻘﺖ ﺑﻨﻔﺴﮭﺎ ﻛﻠﮭﺎ إﻟﯿﮫ ،واﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻷﺣﻀﺎﻧﮫ ..أﻧﺜﻰ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺗﺨﺘﺎره ،ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﮫ ﻻ ﯾﺰال ﺑﻌﺪ ھﺬا ﻛﻠﮫ ﯾﺬﻛﺮھﺎ ﺑﺎﻷﺷﻮاك ،وﯾﺤﯿﻄﮭﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﻮك ،وﯾﺤﺮﺟﮭﺎ ﺑﺎﻻﺗﮭﺎم ؟ ﻟﮭﺎ اﷲ ! . وأﺣﺲ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺑﺎﻟﺼﻔﺎء اﻟﮭﺎدئ ﯾﻔﺎرﻗﮫ ،وﺑﺎﻟﺼﻮﻓﯿﺔ اﻟﺸﻔﯿﻔﺔ ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻨﮫ ،وأﺟﺪّت ﻟﮫ ھﺬه اﻟﺨﻮاﻃﺮ ﺷﻮﻗﺎ ﺟﺎرﻓﺎ ﺷﺪﯾﺪا ،ورأى ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻦ ھﺬا اﻟﺸﻮق ﺑﺸﻌﺮ ﺣﺎر ﻣﻠﮭﻮف وﺣﯿﻨﻤﺎ ﺟﺎء ﻣﻮﻋﺪه اﻟﯿﻮﻣﻲ ﻛﺎن ﻗﺪ أﻧﻔﻖ ﻛﻞ رﺻﯿﺪه ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ إﻟﻰ اﻟﺪار ﺗﺮف ﻛﻞ ﺟﻮارﺣﮫ ھﻮى إﻟﯿﮭﺎ ،وﺻﻌﺪ اﻟﺴﻠﻢ ﻗﺎﻓﺰا ﻻھﺜﺎ .ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن أﻣﺎم اﻟﺒﺎب وﻗﻒ ﯾﻠﺘﻘﻂ أﻧﻔﺎﺳﮫ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻀﻐﻂ زر اﻟﺠﺮس .... وﺟﺎءت اﻟﺨﺎدم ﻓﻔﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب ،وﺑﯿﺪھﺎ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺼﻐﯿﺮ – أﺧﻮ اﻟﻔﺘﺎة – وﻛﺎن ﯾﺤﺒﮫ ﺣﺒﺎ ﺟﻤﺎ ﻟﺨﻔﺔ دﻣﮫ ، ورﺷﺎﻗﺔ ﺣﺮﻛﺘﮫ ،وﺣﻼوة ﺣﺪﯾﺜﮫ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﺎدم ﺧﺎرﺟﺔ ﺑﮫ ﻟﻠﺮﯾﺎﺿﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺰه ﻗﺮﯾﺐ ..ﻓﺘﻨﺎوﻟﮫ ﺑﻜﻠﺘﺎ ﯾﺪﯾﮫ ،وﻗﺒﻠﮫ ﻗﺒﻠﺔ ﺣﺎرة ﻋﻨﯿﻔﺔ ! ﺛﻢ ﺳﺄﻟﮫ ﻋﻦ )) ﺳﻤﯿﺮة (( ،
ﻓﻘﺎل اﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺨﺎﺑﺚ : = ﻋﺎﯾﺰھﺎ ؟ = أﯾﻮه ﻗﺎل : = ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻜﻲ ... وﻻ ﯾﺪري ﻛﯿﻒ اﺳﺘﻘﺒﻞ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ؟ ﺗﺄﻟﻢ ﻟﮭﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ھﺬا ﺷﻚ .وﻟﻜﻨﮫ ﺷﻌﺮ ﺑﺎرﺗﯿﺎح ﻏﺎﻣﺾ ....ﺗﺒﻜﻲ ؟ إذن ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ اﻷﻣﺲ ﺑﻘﯿﺔ .وإن ﺑﻜﺎءھﺎ ﻟﯿﺆﻟﻤﮫ ،وﻟﻜﻦ أوَﻻ ﯾﺪل ھﺬا ﻋﻠﻰ أن اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺑﺎﺗﺖ ﺟﺪاً ،وأﻧﮫ ﯾﺆذﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺜﻮر ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺣﻮﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﺷﻜﻮك ؟ وﺗﻨﺒﮫ ﻟﮭﺬا اﻟﺸﻌﻮر ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻌﺪه ﺷﻌﻮرا أﺛﯿﻤﺎ ! ..أوَ ﯾﺮﯾﺤﮫ أن ﺗﺘﺄﻟﻢ اﻟﻔﺘﺎة ﻟﻤﺠﺮد اﺳﺘﯿﺜﺎﻗﮫ أن اﻷﻣﺮ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻗﺪ ﺻﺎر ﺟﺪا ؟! ﺛﻢ ﯾﺰﻋﻢ أﻧﮫ ﯾﺤﺒﮭﺎ ؟ ﯾﺤﺒﮭﺎ أو ﯾﺤﺐ ﻧﻔﺴﮫ ؟ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﯾﺼﻒ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺎﻹﯾﺜﺎر ! وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺨﻮاﻃﺮ ﺗﺠﻮل ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻛﺎن ﯾﻨﺪﻓﻊ ﻓﻲ اﻟﺪار ﻣﻨﺎدﯾﺎً : = ﺳﻤﯿﺮة ..ﺳﻤﯿﺮة ..أﯾﻦ اﻧﺖ ﯾﺎ ﺳﻤﯿﺮة ؟ وﻟﻘﯿﺘﮫ أﻣﮭﺎ ﻓﺴﻠﻤﺖ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻓﻲ ﻗﺴﻤﺎﺗﮭﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻻﻧﻜﺴﺎر ،وﻧﺎدت ﺑﺪورھﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ : = ﺳﻤﯿﺮة ..ﺗﻌﺎﻟﻲ ..إﻧﮫ ﺟﺎء ! وأﺣﺲ ﻣﻦ ھﺬا أن ﻋﺪم ﻣﺠﯿﺌﮫ اﻟﯿﻮم ﻛﺎن ﻣﺘﻮﻗﻌﺎً ،وأﻧﮫ ﻗﺪ دار ﺑﺸﺄﻧﮫ ﺣﺪﯾﺚ .وﻋـﺎوده اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻤﺒﮭﻢ اﻟﻤﺨﺘﻠﻂ ....وأﻗﺒﻠﺖ ﺳﻤﯿﺮة . وﻧﻈﺮ ﻓﺈذا ھﻲ ﻣﻜﺪودة ،ﺗﻐﯿﻢ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﻰ .وﻟﻜﻨﮫ ﻗﺪ ﺣﻀﺮ ﺑﺮﺻﯿﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﺿﺨﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ واﻟﻄﻼﻗﺔ .ﻓﺮاح ﯾﺠﻠﻮ ھﺬه اﻟﻐﺎﺷﯿﺔ ﺑﻨﺸﺎﻃﮫ وﻃﺮﯾﻘﺔ ﺣﺪﯾﺜﮫ واﻟﺘﻔﺎﺗﺎﺗﮫ وﺣﺮﻛﺎﺗﮫ ،واﺳﺘﺠﺎﺑﺖ اﻷم ﻟﮭﺬا ﻓﺒﺪا ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻻﻧﺸﺮاح .أﻣﺎ ھﻲ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺑﻘﯿﺔ ﻻ ﺗﺰال ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﯿﺮا ﻣﻤﺎ ﻟﻘﯿﮭﺎ أول ﻣﺮة ... وﻃﻠﺐ ﻣﻨﮭﺎ أن ﺗﻌﺰف ﻟﮫ دوره اﻟﻤﺤﺒﻮب ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﻤﻨﻌﺖ ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت أﻣﮭﺎ ﺗﻐﻀﺐ ،ﻓﺎﺳﺘﺠﺎﺑﺖ ﻟﮭﺎ ، وﻛﺎن ﻋﺰف ھﺬا اﻟﺪور ﯾﻜﻔﻲ ﻹﺣﺪاث ﺟﻮ آﺧﺮ . وﺧﺮﺟﺖ اﻷم – وﻗﺪ راﻗﮭﺎ اﻟﺠﻮ اﻟﺠﺪﯾﺪ – ﻟﺘﺸﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎي واﻟﻔﺎﻛﮭﺔ ! وﻟﻤﺎ اﺧﺘﻠﻰ ﺑﮭﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ ﻓﻲ رزاﻧﺔ : = ﯾﺎ ﺳﺎﻣﻲ .إﻧﻚ ﻣﻈﻠﻮم ﻣﻌﻲ .وﻣﻦ واﺟﺒﻚ أن ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻘﻲ .إﻧﮫ ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻷﺷﻮاك ! وﺣﺎول أن ﯾﻄﻤﺌﻨﮭﺎ ﺑﺸﺪة ،ﻓﺄﺧﺬ ﯾﺪھﺎ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ وﺿﻐﻄﮭﺎ ﻣﺮﺑﺘﺎ وﻗﺎل : = أرﺟﻮ ﯾﺎ ﺳﻤﯿﺮة أن ﺗﻐﻔﺮي ﻟﻲ اﻧﺪﻓﺎﻋﺎﺗﻲ ،ﻓﺄﻧﺎ رﺟﻞ ﺟﺮح ﻣﺮة ،ﻓﺪﻋﻲ ﻟﻲ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﻨﺪﻣﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﺟﺮوﺣﻲ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻚ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﻨﺘﺰﻋﯿﻦ ﻓﯿﮭﺎ أﺷﻮاﻛﻚ . وأدرﻛﺖ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺘﮫ ﻣﻦ ﺻﺪق وﻋﻤﻖ ﻓﻘﺎﻟﺖ : = ﻣﻌﻚ ﺣﻖ ..ﻣﻌﻚ ﺣﻖ ..وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻣﻊ ھﺬا ﺑﺪأت أﺧﺎف ! ﻗﺎل ﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﻛﯿﺪ ﻇﺎھﺮ :
= ﻻ ..ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻲ ..ﺛﻘﻲ أﻧﻨﻲ أﺛﻖ ﺑﻚ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ..وإﻻ ﻣﺎ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﺑﺠﺎﻧﺒﻚ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ . ﻗﺎﻟﺖ : = ﺳﺄﻗﻮل ﻟﻚ اﻟﺤﻖ :أﻧﺎ ﻣﺠﺮﻣﺔ . ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻓﺎﺿﺖ ﻧﻔﺴﮫ رﻗﺔ ﻟﮭﺎ وﻋﻄﻔﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وراح ﯾﻄﻤﺌﻨﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺘﮫ ﺑﮭﺎ ،وﯾﺒﺮﺋﮭﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﺮﻣﻲ ﺑﮫ ﻧﻔﺴﮭﺎ .وﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻮﺗﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،ﻋﺎد إﻟﯿﮭﺎ اﻃﻤﺌﻨﺎﻧﮭﺎ ،وارﺗﺪت إﻟﯿﮭﺎ ﺑﺸﺎﺷﺘﮭﺎ ، وﺗﻮھﺠﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺒﺮﯾﻖ اﻟﺠﺬاب اﻟﻌﺠﯿﺐ ،وﺧﯿﻞ إﻟﯿﮫ أﻧﮫ ﻏﺴﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ وﻏﺴﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ،وأﻧﮭﻤﺎ ﯾﺮﻓﺎن ﻃﻠﯿﻘﯿﻦ ﻓﻲ ﺳﻤﺎء اﻟﺤﯿﺎة . وﻛﺎن اﻟﻠﯿﻞ ﻗﺪ أﻗﺒﻞ ،وﺧﯿﻢ اﻟﻈﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻲ – ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻈﻼم اﻟﺘﺎم أﯾﺎم اﻟﻐﺎرات – وﻟﻢ ﺗﺤﻀﺮ اﻟﺨﺎدﻣﺔ ﺑﺎﻟﺼﺒﻲ . وﺑﺪأ ﻗﻠﺐ اﻷم ﯾﻘﻠﻖ ﺛﻢ أﺧﺬت ﺗﺘﺴﺎءل ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻏﯿﺒﺔ اﻟﺼﺒﻲ واﻟﺨﺎدﻣﺔ ...وﻟﻢ ﯾﻤﺾ وﻗﺖ ﻃﻮﯾﻞ ﺣﺘﻰ اﻧﻘﻠﺐ اﻟﺘﺴﺎؤل ﺣﯿﺮة ..وﺗﻄﻮرت اﻟﺤﯿﺮة ﻟﮭﻔﺔ ،ﺷﻤﻠﺖ اﻷم واﻟﻔﺘﺎة ،وﺷﻤﻠﺘﮫ ﻣﻌﮭﻤﺎ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل . وﺣﯿﻦ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ وﻟﻢ ﯾﻌﻮدا اﻧﻘﻠﺐ اﻟﺠﻮ إﻟﻰ ﻗﻠﻖ ﻻ ﯾﻄﺎق ،وﺳﯿﻄﺮت اﻟﻤﺨﺎوف ﻟﺴﻮداء ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻮب اﻟﺜﻼﺛﺔ ،وﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﺷﻚ ﻓﻲ أن ﺣﺎدﺛﺎ ﺳﯿﺌﺎ وﻗﻊ ﻟﻠﺼﺒﻲ واﻟﺨﺎدﻣﺔ ،أو ﻟﻠﺼﺒﻲ وﺣﺪه ،ﻓﺨﺎﻓﺖ اﻟﺨﺎدﻣﺔ أن ﺗﻌﻮد . وﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت ﺗﺼﻨﻊ اﻟﻤﺨﯿﻠﺔ أوھﺎﻣﺎ ﻣﺘﻼﺣﻘﺔ ﺗﺨﻠﺨﻞ اﻷﻋﺼﺎب . وﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ ھﻮ أن ﯾﺘﻤﺎﺳﻚ ﻟﯿﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻤﺮأﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ،وﻟﻜﻨﮫ ﻓﻲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﮫ ﻛﺎن ﯾﺤﺲ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ ﻓﻘﺎل : =ﺳﺄﺧﺮج ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻤﺘﻨﺰه ....... ووﺟﺪ ﻣﻦ أﻋﯿﻨﮭﻤﺎ ﺗﺼﺪﯾﻘﺎ ﺣﺎرا ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺮاح ،ﻓﺨﺮج ،وراح ﺑﻘﻄﻊ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻤﺘﻨﺰه ﻣﺘﻠﻔﺘﺎ ﻣﺤﺪﻗﺎ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،ﻣﺘﻤﻨﯿﺎ أن ﯾﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺒﻲ اﻟﺬي ﯾﺤﺒﮫ ،واﻟﺬي ﺗﺤﺒﮫ ﻓﺘﺎﺗﮫ ﻛﺄﻣﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء ..وﻟﻜﻨﮫ ﻋﺎد ﺑﻌﺪ أن ﻗﻄﻊ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻣﺮﺗﯿﻦ دون أن ﯾﻌﺜﺮ ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ . وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻮدﺗﮫ ﻧﺬﯾﺮا ﺑﺎﻧﻄﻼق اﻷوھﺎم اﻟﺴﻮد اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﺪھﺎ اﻷم ،وﻻ ﺗﻌﺘﺮف ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮد . ﻗﺎﻟﺖ : = اﻧﺘﮭﻰ وﻟﺪي .اﺳﻢ اﷲ ﻋﻠﯿﻚ ﯾﺎ ﺳﻮﺳﻮ ! ..واﻧﮭﻞ دﻣﻌﮭﺎ اﻟﻤﻜﺒﻮت ،ﻓﺸﺮﻗﺖ ﻣﺜﻠﮭﺎ اﻟﻔﺘﺎة ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ، وﺑﺪا ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ أﻟﻢ ﺟﺎزع ﻣﻔﺰوع . ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻘﻮل : = ﻻ ﻻ ..ﻻ ﻗﺪر اﷲ .وﻣﻊ ذﻟﻚ – ﻓﻤﻦ ﺑﺎب اﻻﺣﺘﯿﺎط – ﺳﺄذھﺐ إﻟﻰ ﻗﺴﻢ اﻟﺒﻮﻟﯿﺲ ﻟﻠﺴﺆال ! وﻛﺎن ﻣﺠﺮد ذﻛﺮه ﻟﻠﺴﺆال ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻢ ﻛﺎﻓﯿﺎ ﻟﺘﺜﺒﯿﺖ ﻣﺨﺎوف اﻷم وﺗﺄﻛﯿﺪھﺎ ،ﻓﺼﺮﺧﺖ ﺻﺮﺧﺔ ﺧﺎﻓﺘﮫ : = وﻟﺪي ...... وﻗﺎﻟﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﻓﻲ وﻟﮫ ﺟﺎزع : = أروح ﻣﻌﻚ !
وﺗﺠﺎذﺑﺘﮫ – ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ – ﻋﻮاﻣﻞ ﺷﺘﻰ :ﺧﻮﻓﮫ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج وھﻲ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺤﺎل ،وﺧﺸﯿﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﺪﻣﺔ ﻟﻮ ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺷﻲء ،ورﻏﺒﺘﮫ اﻟﺠﺎرﻓﺔ ﻓﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻌﮫ ،وﺷﻌﻮره اﻟﻌﻤﯿﻖ ﺑﻠﺬة ھﺬه اﻟﺼﺤﺒﺔ أﯾﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺣﻮال ! وﻗﺎل : = اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻇﻼم ..وأﻧﺎ أﻗﻮم ﺑﻤﺎ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ . ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻟﮭﻔﺔ ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ : = ﻻ ﻻ ..أروح ﻣﻌﻚ .. واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻌﮫ ﺑﻤﻼﺑﺴﮭﺎ اﻟﻤﻨﺰﻟﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻐﯿﺮ ﺷﯿﺌﺎ ،واﻧﻄﻠﻘﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع ﯾﺠﻮﺳﺎن ﺧﻼﻟﮫ ﻓﻲ ﺧﻄﻮات ﻣﺘﻌﺜﺮة ،وﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ أﻛﻮام ﻣﻦ ﺣﺠﺎرة اﻟﺮﺻﻒ ھﻨﺎ وھﻨﺎك ،ﯾﺘﻌﺜﺮ ﺑﮭﺎ اﻟﻤﺎرة ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،وﺑﯿﻦ ﺧﻄﻮة وﺧﻄﻮة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺜﺮ ،ﻓﺘﻀﻊ ﻛﻔﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫ اﺗﻘﺎء ﻟﻠﺴﻘﻮط ،ﻓﯿﺤﺲ ﻟﮭﺬا ﺑﻠﺬة ﺧﻔﯿﺔ ﻻ ﯾﺤﺠﺒﮭﺎ ﻗﻠﻘﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﯿﺮ اﻟﺼﺒﻲ ! ..ﺛﻢ ﺗﻘﻮم ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻛﻠﻤﺎ أﺣﺲ ھﺬه اﻟﻠﺬة اﻟﺨﻔﯿﺔ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻵﻻم اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺸﻌﺮھﺎ اﻟﻔﺘﺎة ! وﻗﻄﻌﺎ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻓﻲ ﺧﻂ ﻣﺘﻌﺮج ﺑﯿﻦ ﻃﻮارى اﻟﺸﺎرع ،ﯾﺘﻔﺮﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮه واﻷﺟﺴﺎم ،ﻛﻠﻤﺎ رأﯾﺎ أﺷﺒﺎﺣﺎ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،وﻛﻞ ﺧﻄﻮة ﺗﻘﻮدھﻤﺎ ﻣﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﯿﺄس ،وﺗﺜﯿﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻔﺘﺎة اﻷﻟﻢ وﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﻘﻠﻖ ، ﺣﺘﻰ وﺻﻼ إﻟﻰ ﻗﺴﻢ اﻟﺒﻮﻟﯿﺲ . ووﺟﺪ ھﻨﺎﻟﻚ ﺿﺎﺑﻄﺎ ﺷﺎﺑﺎ ﻓﻲ دور اﻟﺘﻤﺮﯾﻦ ﺑﺎﻟﻘﺴﻢ ،ﻓﺘﻘﺪم ھﻮ إﻟﯿﮫ ﯾﺴﺄل ،وﺗﺨﻠﻔﺖ ﻋﻨﮫ ﻗﻠﯿﻼ .وأﺧﺬ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﯾﺮاﺟﻊ دﻓﺘﺮ اﻷﺣﻮال .وﻛﺎﻧﺖ ھﻲ ﻗﺪ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻓﻮﻗﻔﺖ ﺑﺠﺎﻧﺒﮫ ﻣﻌﺘﻤﺪة ﺑﺬراﻋﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫ ﻓﻲ ﺗﮭﺎﻟﻚ .وﻗﻠﺐ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻔﺤﺎت ﺛﻢ ﻗﺎل : = ﺳﻌﯿﺪ .... وﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾﺘﻢ ﺣﺘﻰ ﺷﮭﻘﺖ ﺷﮭﻘﺔ واﻟﮭﺔ ﻣﻜﺘﻮﻣﺔ ،وﻛﺎدت ﺗﺴﻘﻂ ،ﻓﺄﻟﻘﺖ ﺑﻨﻔﺴﮭﺎ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻌﺘﻤﺪة ﺑﻜﻠﺘﺎ ﯾﺪﯾﮭﺎ . وأﺗﻢ اﻟﻀﺎﺑﻂ اﻻﺳﻢ ،ﻓﺎﺗﻀﺢ أﻧﮫ ﻟﯿﺲ أﺧﺎھﺎ .وﻟﺰﯾﺎدة اﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﺳﺄل ھﻮ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ھﺬا اﻟﻤﺬﻛﻮر ﻓﻲ )) اﻟﻤﺤﻀﺮ (( .ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺪ ھﻨﺎك ﺷﻚ ﻓﻲ أﻧﮫ ﻟﯿﺲ اﻟﺼﺒﻲ اﻟﻤﻔﻘﻮد . وﻧﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﻀﺎﺑﻂ اﻟﺸﺎب ﻓﺎﺗﻘﺪت ﻋﯿﻨﺎه .ﺛﻢ أراد أن ﯾﻌﺎﺑﺚ – دون ﺗﻘﺪﯾﺮ ﻟﻠﻤﻮﻗﻒ – ﻓﻘﺎل : = اﻃﻤﺌﻨﻲ .ﯾﻈﮭﺮ أﻧﻚ ﺗﺤﺒﯿﻨﮫ ! ..وﺿﺤﻚ ﺿﺤﻜﺔ ﻓﺎﺗﺮة ﺳﻤﺠﺔ ،ﺛﻢ أﺧﺮج ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﮫ ﻋﻠﺒﺔ وﻗﺪم ﻟﮭﻤﺎ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻮى .ﻓﺎﻋﺘﺬر ھﻮ ﺷﺎﻛﺮا ﻓﻲ ﺑﺮود : وﺳﺄﻟﮫ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻋﻦ اﺳﻤﮫ وﻋﻼﻗﺘﮫ ﺑﺎﻟﺼﺒﻲ . ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﺳﻤﮫ ﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫ اھﺘﻤﺎم ﺧﺎص ،وﻗﺎل :ﺣﻀﺮﺗﻚ اﻟﺬي ﺗﻜﺘﺐ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻒ ؟ أﻧﺎ أﻋﺮف ھﺬا اﻻﺳﻢ ﻗﺎل ،وأﺣﺲ ﺑﻠﺬة ﻋﻤﯿﻘﺔ : = ﻧﻌﻢ ! وﻗﺎل اﻟﻀﺎﺑﻂ ﺑﺎھﺘﻤﺎم ﻇﺎھﺮ : = ﻧﺴﺄل ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ،ﻓﻔﯿﮭﺎ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﺣﻮادث اﻷﻗﺴﺎم .وﻗﺎم ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻟﯿﻜﻠﻒ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺘﻠﯿﻔﻮن اﻟﺴﺆال ، وﻋﺮض ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ أن ﯾﺴﺘﺮﯾﺤﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﯿﯿﻦ .
وﻟﻜﻨﮭﻤﺎ ﺷﻜﺮاه ،وﺗﺎﺑﻌﺎ ﺧﻄﻮاﺗﮫ إﻟﻰ اﻟﺘﻠﯿﻔﻮن ،وﺟﺎءت اﻻﺳﺘﻌﻼﻣﺎت ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﺮاﺣﺎ إﻟﯿﮭﺎ .ﺛﻢ اﺳﺘﺄذن ﻣﻦ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﺷﺎﻛﺮا ،ﻓﺼﺎﻓﺤﮫ ھﺬا ﺑﺤﺮارة ،وھﻮ ﯾﻘﻮل : = ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﺘﻠﯿﻔﻮن ،أو أﻋﻄﻨﻲ اﻟﻌﻨﻮان وأﻧﺎ أﺧﺒﺮك إن وﺟﺪﻧﺎ ﺷﯿﺌﺎ .وﺧﺮﺟﺎ ﻣﻌﺎ ﺑﮭﺬا اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن اﻟﺴﻠﺒﻲ .وﻟﻜﻨﮫ ﺧﺮج ﻣﺴﺘﺮﯾﺤﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن !
*** وﻋﺎدا إﻟﻰ اﻟﺪار وھﻲ ﻣﺘﻌﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺮ واﻟﻘﻠﻖ ،وﻟﻜﻨﮭﻤﺎ وﺟﺪا اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ھﻨﺎك ....ﻟﻘﺪ ﻋﺎد اﻟﺼﺒﻲ واﻟﺨﺎدﻣﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺪﯾﺜﺔ ﻋﮭﺪ ﻋﻨﺪھﻢ ،ﻓﻀﻠﺖ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻌﻮدة ،ﺛﻢ اھﺘﺪت أﺧﯿﺮا إﻟﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ !.. وﻓﻲ اﻧﺪﻓﺎﻋﺔ ﺟﺎرﻓﺔ راﺣﺖ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺼﺒﻲ ﺑﯿﺪﯾﮭﺎ ،وﺗﻀﻤﮫ إﻟﯿﮭﺎ ﻓﻲ ﻟﮭﻒ ﺣﺎر ،وﺗﻤﻄﺮه ﺑﺎﻟﻘﺒﻼت ﻛﺎﻟﺴﯿﻞ اﻟﻤﻨﮭﻤﺮ ،وﺗﺴﺘﺮﯾﺢ ھﻨﯿﮭﺔ ﺛﻢ ﺗﻌﻮد ...ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎدت ﺗﺸﺒﻊ ﻗﺎل ھﻮ ﻣﻌﺎﺑﺜﺎً : = ﻛﻔﻰ ! ﻟﻘﺪ ﺑﺪأت أﻏﺎر ! ﻗﺎﻟﺖ : = ﺗﻐﺎر ؟ وأﻧﺖ ﻣﺎﻟﻚ ؟ ھﺬا ﺣﺒﯿﺒﻲ ﺳﻮﺳﻮ ! ﻗﺎل وذھﻨﮫ ﺧﺎل ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﻜﺮة ﺳﺎﺑﻘﺔ : = وھﻞ أﻏﺎر إﻻ ﻷﻧﮫ ﺣﺒﯿﺒﻚ ؟ وﻓﺠﺄة ﺗﻐﯿﺮ وﺟﮭﮭﺎ ﻟﮭﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ،واﻧﻄﻔﺌﺖ اﻟﺸﻌﻠﺔ اﻟﻤﺘﻮھﺠﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﻨﻄﻔﺊ اﻟﻤﺼﺒﺎح ،وﺑﺪا ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﻜﻤﺪ واﻹﺟﮭﺎد .وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻧﺒﺮة ﻛﺴﯿﺮة ﺧﺎﻓﺘﺔ : = ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ ؟ وﻛﺎن ﻻ ﯾﻌﻨﻲ ﺷﯿﺌﺎ .وﻟﻜﻨﮫ أدرك ﻣﺎ ﺟﺎل ﺑﺨﺎﻃﺮھﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻓﻘﺎل : = ﻻ أﻋﻨﻲ ﺷﯿﺌﺎً ..إﻧﻚ ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ ..ﺧﺬي ﻛﻼﻣﻲ ﺑﺒﺮاءة ..وﻻ ﺗﺤﻮﺟﯿﻨﻲ ﻟﻠﺸﺮح أو ﻟﻠﺘﺤﻔﻆ ..ﻓﺄﻧﺎ أﻛﺮه اﻟﺘﺤﻔﻆ واﻟﺘﻜﻠﻒ ... وﻋﻠﺖ ﻧﺒﺮة ﺻﻮﺗﮫ وھﻮ ﯾﻘﻮل : = ﯾﺎ ﺳﻤﯿﺮة ..ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم دﻋﯿﻨﺎ ﻧﻌﯿﺶ ﺑﻼ ﺗﺤﻔﻆ ..ﻛﻤﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎ اﷲ ! وردت إﻟﯿﮭﺎ ھﺬه اﻟﻠﮭﺠﺔ اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻃﻤﺄﻧﯿﻨﺘﮭﺎ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﺮد إﻟﯿﮭﺎ ﺗﻮھﺠﮭﺎ ،ﻓﻈﻠﺖ ﺳﺎﻛﺘﮫ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ .
***
وذھﺒﺖ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻌﺸﺎء اﻟﺼﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻦ واﻟﻔﺎﻛﮭﺔ ،وﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ إﻻ ﻗﻠﯿﻼ ﺣﺘﻰ رﻧﻖ اﻟﻜﺮى ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻓﻨﺎم .
ﻧﺎم ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮭﺎ ﻓﺎﻧﺤﻨﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺤﻨﺎن ﻇﺎھﺮ ،ورﻓﻌﺘﮫ إﻟﻰ ﻛﺘﻔﮭﺎ ﻓﻲ رﻓﻖ ،ورﺑﺘﺖ ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮه ﻓﻲ ﺣﻨﻮ ، وﺗﺤﺮﻛﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﺮﯾﺮ ﺑﺒﻂء . وﻧﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ وھﻲ ﺗﻨﯿﻤﮫ .ﻓﺈذا ﻣﺸﮭﺪ ﻓﺎﺗﻦ ،ﻟﻢ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﯿﮫ ﻋﯿﻨﺎه :ھﺬه اﻟﻘﺴﻤﺎت اﻟﺤﺎﻧﯿﺔ ذات اﻟﻮﺟﮫ اﻟﺠﻤﯿﻞ ،وھﺬه اﻟﻨﻈﺮات اﻟﺮﺣﯿﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﯿﻨﻚ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ اﻟﺴﺎﺣﺮﺗﯿﻦ ..وھﺬه اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﻮاﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﺟﻮارح اﻟﺠﻨﯿﺔ اﻟﮭﺎرﺑﺔ ،وھﺬه اﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﻤﺪﯾﺪة ﻣﻦ ﺗﯿﻨﻚ اﻟﺸﻔﺘﯿﻦ اﻟﻔﺎﺗﻨﺘﯿﻦ ..إﻧﮭﺎ اﻷﻣﻮﻣﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺤﻮرﯾﺔ اﻟﻌﺬراء ،ﺣﻮرﯾﺔ وأم . ھﺬه ھﻲ اﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺠﺘﻤﻊ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺎل ،ﺗﺘﺤﻘﻖ أﻣﺎﻣﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﯿﺎن ! وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻛﺎن ﯾﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﻌﺶ اﻟﻤﺴﺤﻮر .وﻛﺎن ﻟﮫ ﻃﻔﻞ ﺗﻨﯿﻤﮫ اﻟﺤﻮرﯾﺔ اﻟﮭﺎرﺑﺔ ،ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺶ اﻟﻤﺴﺤﻮر !........
..اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺤﻲ ..
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰوره ﻓﻲ اﻟﺪار ﻣﻊ أﺧﺘﮭﺎ وأﺧﯿﮭﺎ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻮ وﺣﯿﺪاً ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻌﯿﺶ ﻣﻊ ﺷﻘﯿﻘﺘﯿﮫ اﻟﻔﺘﺎﺗﯿﻦ . وﻗﺪ اﻧﻌﻘﺪت أواﺻﺮ اﻟﺼﺪاﻗﺔ اﻟﻘﻮﯾﺔ ﺑﯿﻨﮭﺎ وﺑﯿﻨﮭﻤﺎ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻨﺎك ﺣﻮاﺟﺰ ﺗﺤﻮل دون زﯾﺎرﺗﮭﺎ . ودﺧﻠﺖ ﺣﺠﺮة ﻣﻜﺘﺒﮫ ،وأﺧﺬت ﺗﺘﻔﺮس ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺘﺒﮫ ،وﺗﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻔﺤﺎت ،ﺛﻢ اﺗﺠﮭﺖ إﻟﯿﮫ وھﻲ ﺗﺮﻓﻊ رأﺳﮭﺎ ﻓﺘﺒﺪو ﻓﺎﺗﻨﺔ راﺋﻌﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻤﺘﻮدد :اﺧﺘﺮ ﻟﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎ أﻗﺮؤه ﻣﻦ ﻛﺘﺒﻚ . ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﻏﺮاﻣﮫ ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ ،وﺣﺒﮫ ﻟﻠﻘﺮاءة ،ورأﯾﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﺮأ .وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﮫ ﻣﻮﻟﻌﺔ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎﯾﺪة ﺗُﻔﺘﻦ ﻓﯿﮭﺎ اﻓﺘﺘﺎﻧﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣﺮﯾﺼﺔ ﻋﻠﻰ أن ﺗﺒﺪو ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﯿﺎن وھﻲ ﺗﻐﯿﻈﮫ ﺑﺎرﺗﻜﺎب ﻣﺎ ﯾﻜﺮه واﺟﺘﻨﺎب ﻣﺎ ﯾﺤﺐ .وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺴﻰ ھﺬه اﻟﻤﻜﺎﯾﺪة ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ﻓﺘﺒﺪو ﻋﻠﻰ
ﻃﺒﯿﻌﺘﮭﺎ ،ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻌﺠﺒﮫ وﺗﺮوﻗﮫ ،وﺗﺼﻮغ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺐ .وﻛﺎن ﻃﻠﺒﮭﺎ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺗﻘﺮه ﺗﻮددا ﻣﻨﮭﺎ ﺗﻘﺼﺪه ،وﯾﻔﻄﻦ ھﻮ إﻟﻰ ﻣﻐﺰاه . واﺗﺠﮫ إﻟﻰ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﻘﺼﺼﻲ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺘﮫ ،ﻓﮭﻮ أوﻟﻰ اﻷﻗﺴﺎم ﺑﺄن ﯾﺠﺘﺬب ﻓﺘﺎة إﻟﻰ اﻟﻘﺮاءة ،وﻛﺎن ﻗﺪ أھﺪى إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺼﺺ ﻓﺎدﻋﺖ أﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺮأھﺎ .وﻟﻜﻦ ﻟﺴﺎﻧﮭﺎ ﻛﺎن ﯾﺨﻮﻧﮭﺎ ﻓﺘﺸﯿﺮ ﻓﻲ أﺣﺎدﯾﺜﮭﺎ ﻣﻌﮫ إﻟﻰ ﻣﺎ ورد ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻘﺼﺺ .ﻓﯿﻀﺤﻚ ﻣﺮة ﻣﻦ ھﺬا ﻓﻲ ﺳﺮه ،وﯾﻀﺤﻚ ﻣﺮة ﻣﻨﮫ ﻓﻲ ﺟﮭﺮه ،ﻓﺘﺤﺎول اﻹﻧﻜﺎر ﺑﻌﺪ ﻓﻮات اﻷوان ! . وﻻ ﯾﺪري إﻻ اﻟﺸﯿﻄﺎن ،ﻟﻤﺎذا وﻗﻌﺖ ﯾﺪه ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺔ )) اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺤﻲ (( اﻟﻤﻨﻘﻮﻟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻋﻦ )) ﺟﻲ دي ﻣﻮﺑﺎﺳﺎن (( ...ﻛﻞ ﻗﺼﺔ إﻻ ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻛﺎن ﻣﻌﻘﻮﻻ أن ﯾﻮﺟﮫ إﻟﯿﮭﺎ ﻧﻈﺮه ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ . وﻟﻜﻦ ھﺬا ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ! أﺗﺮاھﺎ ﻗﻮة ﺷﯿﻄﺎﻧﯿﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺖ ﺑﯿﺪه إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ؟ أﺗﺮاھﺎ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ زاﻟﺖ إﻟﻰ اﻟﯿﻮم ﺗﺮﺗﺎب ؟ أﯾﺎ ﻛﺎن اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻓﻘﺪ اﺿﻄﺮﺑﺖ ﯾﺪه ﺣﯿﻨﻤﺎ وﻗﻊ ﻧﻈﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﻮان ! ..ووﻗﻊ ﻧﻈﺮھﺎ ﻋﻠﯿﮫ أﯾﻀﺎً ! ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺮدد : = ﻻ ..ﺧﺬي ﻏﯿﺮ ھﺬا ) وھﻢ أن ﯾﻌﯿﺪه إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻌﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ( ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ أﺛﺎر اﻟﻌﻨﻮان أوﻻ وﺗﺮدده ﺛﺎﻧﯿﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻦ اﺳﺘﻄﻼع : = وﻟﻤﺎذا ؟ ھﺎت ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ! ﻗﺎل ﻓﻲ إﺻﺮار ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء : = ﻻ ...ﻏﯿﺮه ﺧﯿﺮ ﻣﻨﮫ ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ زاد ﺗﺸﺒﺜﮭﺎ ﺑﮫ : = ﻟﻢ أﻗﺮأ إﻻ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ! وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺑﺪ ﻣﻦ أن ﯾﺴﻠﻤﮫ إﻟﯿﮭﺎ ..وﻗﺪ أﺣﺲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺴﮫ ﺑﻐﻢ ﻋﻈﯿﻢ وﻗﻠﻖ دﻓﯿﻦ !
***
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﺔ ﻗﺼﺔ ﺳﯿﺪة أﺧﻄﺄت .ﻛﺎن ﻟﮭﺎ وﻟﺪان ﻟﮭﻤﺎ وﻟﺪان ! وﻟﻜﻨﮭﻤﺎ ﯾﺤﻤﻼن اﺳﻢ أﺣﺪھﻤﺎ وﺣﺪه . وﻗﺪ ﺣﺴﺒﺖ أن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻗﺪ ﻣﺎت ،وﺣﺴﺐ اﻟﻨﺎس أن )) ﺑﯿﯿﺮ وﺟﺎن (( ﺷﻘﯿﻘﺎن ! ﻛﺎﻧﺖ ﺳﯿﺪة ﻣﺤﺘﺮﻣﺔ ،ﺑﺮﯾﺌﺔ ! ﻓﻮق ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺸﺒﮭﺎت ! ........... أﻣﺎ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺳﺮا ﻻ ﯾﻌﻠﻤﮫ أﺣﺪ .وﻣﻦ أﯾﻦ ﻷﺣﺪ أن ﯾﻌﻠﻤﮫ ،وﺻﺎﺣﺒﮫ اﻵﺧﺮ ﻗﺪ ﻣﺎت ..وھﻲ ﻟﻦ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻨﮫ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل ؟
ﻟﻘﺪ اﺳﺘﺮاح ﺿﻤﯿﺮھﺎ ﻟﮭﺬا ﻛﻠﮫ ،ﺑﻌﺪ أن ﻏﯿﺐ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻨﺴﯿﺎن ،وﻋﺎﺷﺖ ﻣﻊ زوﺟﮭﺎ ووﻟﺪﯾﮭﺎ وﻛﺄن ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺎ ﻛﺎن ! وﻟﻜﻦ ھﺬا اﻟﻤﺎﺿﻲ ﯾُﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﻦ اﻷﯾﺎم .إﻧﮫ ﺣﻲ ﻟﻢ ﯾﻤﺖ ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﻋﺎﻣﺎ أو ﺗﺰﯾﺪ .. إن )) ﺑﯿﯿﺮ (( ﯾﻜﺸﻒ ﻓﺠﺄة أن )) ﺟﺎن (( ﻟﯿﺲ أﺧﺎه اﻟﺸﻘﯿﻖ .إﻧﮫ اﺑﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي ﻋﺎش ﺻﺪﯾﻖ اﻷﺳﺮة ،وﻣﺎت ﻓﺄوﺻﻰ ﺑﺜﺮوﺗﮫ ﻛﻠﮭﺎ ﻟﻠﻮﻟﺪ اﻷﺻﻐﺮ )) ﺟﺎن (( ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﯾﺴﺄل أﺣﺪ ﯾﻮﻣﮭﺎ :ﻟﻢ ھﺬا اﻹﯾﺜﺎر ؟ وﯾﻌﻨﻒ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻛﻞ اﻟﻌﻨﻒ – وھﻮ ﯾﻜﺸﻒ ھﺬا اﻟﺴﺮ ﻟﻼﺑﻦ اﻷﻛﺒﺮ – ﻓﯿﻤﺰق ﻣﺎ ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ أﻣﮫ ﻣﻦ رﺑﺎط . إن ھﺬه اﻟﻤﺮأة اﻟﺒﺮﯾﺌﺔ اﻟﻤﻈﮭﺮ ﻗﺪ ﺧﺎﻧﺖ أﺑﺎه .إﻧﮭﺎ أﻣﮫ ،وھﺬه ھﻲ اﻟﻘﺴﻮة اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﻤﺄﺳﺎة ! وإﻧﮫ وﻟﺪھﺎ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﺤﺲ وﻗﻊ ﻧﻈﺮاﺗﮫ وﺷﺒﮭﺎﺗﮫ – اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﯾﻘﯿﻦ – ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺲ ﺑﺎﻷﺷﻮاك اﻟﻤﺴﻤﻮﻣﺔ . إﻧﮫ وﻟﺪھﺎ ،وھﺬه ھﻲ اﻟﻘﺴﻮة اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﻤﺄﺳﺎة !
***
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻋﻨﺪ أول ﻟﻘﺎء : = ﻟﻘﺪ ﻗﺮأت اﻟﻘﺼﺔ ! وأﺣﺲ أن ﻛﻠﻤﺎﺗﮭﺎ ﺗﻘﻄﺮ ﻣﺮارة ،وأﻧﮭﺎ ﺗﺘﻤﺎﺳﻚ وﻛﯿﺎﻧﮭﺎ ﯾﺮﺗﺠﻒ وﯾﻨﮭﺎر . ﻗﺎل : = إﻧﮭﺎ ﻗﺼﺔ ﻋﻨﯿﻔﺔ ...ﻟﻘﺪ أﺷﻔﻘﺖ أن أﻗﺮأھﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻷﻧﮭﺎ ﻣﺆذﯾﺔ ! ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺴﺘﻄﻠﻌﺔ : = وﻟﻤﺎذا ﺗﺆذﯾﻚ ؟ ﻗﺎل وﻗﺪ أراد أن ﯾﺘﺠﺎھﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء : = إن اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻗﺪ رﺳﻢ ﻣﻮﻗﻔﺎ أﻟﯿﻤﺎ ﺑﯿﻦ اﻷم واﻻﺑﻦ ﯾﮭﺰ اﻷﻋﺼﺎب . ﻗﺎﻟﺖ : = أوﺗﺤﺴﺐ ان ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﻘﺮؤھﺎ ﯾﺤﺲ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺎ أﺣﺴﺴﺖ ! وﻓﮭﻢ أﻧﮭﺎ ﺗﻀﺮب ﻋﻠﻰ وﺗﺮ ﺧﺎص ،ﻓﻘﺎل : = ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ ھﺬا وإن ﺗﻔﺎوﺗﺖ أﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﻨﺎس ﻗﺎﻟﺖ وﻗﺪ ﺑﺪت ﻓﻲ ﺻﻮﺗﮭﺎ رﻋﺸﺔ ﺗﻐﺎﻟﺒﮭﺎ : = ﻟﻤﺎذا أﻋﻄﯿﺘﻨﻲ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ؟ ﻗﺎل : = ﻷﻧﻚ أﺻﺮرت ﻋﻠﻰ أﺧﺬه ﻗﺎﻟﺖ : = وﻟﻜﻨﻚ اﺧﺘﺮﺗﮫ ﻣﻦ أول اﻷﻣﺮ ! ﻗﺎل :
= ﻟﻢ اﺧﺘﺮه ..ﻟﻘﺪ وﻗﻊ ﻓﻲ ﯾﺪي ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،ﻓﺄﺷﻔﻘﺖ ﻣﻨﮫ ﻋﻠﻰ أﻋﺼﺎﺑﻚ ،ﻷﻧﻨﻲ ﺟﺮﺑﺘﮫ ﻓﻲ أﻋﺼﺎﺑﻲ ... ) ﺛﻢ أﺿﺎف ( :ﻣﻨﺬ أﻋﻮام ! ﺗﻄﻠﻌﺖ إﻟﯿﮫ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻣﺘﻰ ﻗﺮأﺗﮫ ؟ ووﺟﺪھﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﯾﺒﻌﺪ ﺑﮭﺎ اﻟﺸﺒﮭﺔ ﻓﻘﺎل : = أﻗﻮل ﻟﻚ ﻣﻨﺬ أﻋﻮام ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺘﺨﺎﺑﺜﺔ : = أوﻟﻢ ﺗﻌﺪ إﻟﯿﮫ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﻲ ھﺬه اﻷﯾﺎم ؟ ﻗﺎل : = ﻛﻼ ..ﻟﻢ أﻃﻖ أن أﻋﻮد إﻟﯿﮫ ﻣﺮة أﺧﺮى ..ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر ﺗﻄﺒﻊ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﺘﺤﺎول اﻟﮭﺮوب ﻣﻨﮭﺎ ، وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﺘﺮاءى ﻟﮭﺎ ﻛﻠﻤﺎ أﺑﻌﺪت ﻋﻨﮭﺎ ..ﻓﻼ ﯾﺤﺘﺎج اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ اﻷﺻﻞ أﺑﺪا . ووﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻨﺪﻓﻊ ﻓﻲ وﺻﻒ ﺗﺄﺛﯿﺮ اﻟﻘﺼﺔ ﻓﻲ أﻋﺼﺎﺑﮫ ،وھﻲ ﺗﺼﻐﻲ إﻟﯿﮫ ﺑﺸﺪة ،وﺗﺘﺮاﻗﺺ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ﻇﻼل ﻣﻌﺮﻛﺔ .ﻓﺄﻣﺴﻚ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ،وأﻣﺴﻜﺖ ھﻲ ﻛﺬﻟﻚ ،وﺳﺎدھﻤﺎ ﺻﻤﺖ ﺛﻘﯿﻞ .
*** دﺧﻠﺖ ﻛﻠﻤﺘﺎ )) اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺤﻲ (( ﻓﻲ ﻗﺎﻣﻮﺳﮭﻤﺎ ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﯿﻮم .ﻓﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻛﻠﻤﺔ )) اﻟﻤﺎﺿﻲ (( ﺣﺘﻰ ﺗﻠﺤﻖ ﺑﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر )) اﻟﺤﻲ (( وﺣﺘﻰ ﺗﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﮭﻤﺎ ﺻﻮرة ﺧﺎﺻﺔ .وﺗﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮭﻤﺎ ﺟﻮا ﺧﺎﺻﺎ .وﻟﻢ ﯾﻔﻠﺢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻲ أن ﯾﻌﯿﺪ اﻟﺜﻘﺔ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﺎرع وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻟﮫ .....وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﺨﺸﺎه !
..اﻟﻘﻄﯿﻌﺔ ..
ﻣﺮت اﻷﯾﺎم .واﻗﺘﺮب اﻟﻤﻮﻋﺪ اﻟﻤﺤﺪد ﻟﻠﻌﻘﺪ ،وأﺧﺬ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﺴﺘﻌﺪون ﻟﮫ ﺑﺎھﺘﻤﺎم ،واﺳﺘﻘﺮ اﻟﺮأي ﻋﻠﻰ أن ﺗﻘﺎم ﺣﻔﻠﺔ اﻟﺸﺎي ﺑﺪل اﻟﻤﻘﺼﻒ ،وﻧﺰل ﻣﻊ أﺧﯿﮭﺎ ﻓﺎﺗﻔﻘﺎ ﻣﻊ ﻣﺸﺮب ﻣﻦ ﻣﺸﺎرب اﻟﺸﺎي ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻔﻠﺔ ، ودﻓﻊ ھﻮ )) اﻟﻌﺮﺑﻮن (( ﻛﻤﺎ راح ﯾﻨﺘﻘﻲ ﻋﻠﺒﺔ اﻟﻤﻠﺒﺲ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮوس .وﺟﻠﺴﻮا ﻟﯿﻠﺔ ﯾﺨﺘﺎرون أﺳﻤﺎء اﻟﻤﺪﻋﻮﯾﻦ ،وﺷﺎرﻛﺖ ھﻲ ﻓﻲ إﻋﺪاد اﻟﺒﯿﺎن ،وأﻣﻠﺖ أﺳﻤﺎء ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﮭﺎ ﻟﯿﺤﻀﺮن اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد . وﻧﺰﻟﺖ ﻣﻊ أﻣﮭﺎ ﻓﺎﺷﺘﺮت ﻋﺪدا ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎﺗﯿﻦ – ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮭﺎ ﻓﺴﺘﺎن اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺨﺎص – وﻛﺎﻧﺖ ﺷﻘﯿﻘﺘﺎه وﺷﻘﯿﻘﺘﮭﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻗﺪ اﺷﺘﺮﯾﻦ اﻟﻔﺴﺘﺎن اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﺴﮭﺮة ﻣﻦ ﻟﻮن واﺣﺪ ،وذھﺒﻦ إﻟﻰ ﺧﯿﺎﻃﺔ واﺣﺪة ﻟﻠﺘﻔﺼﯿﻞ ... ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﻈﺎھﺮ ﯾﻨﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم .وﻟﻜﻦ ﺗﯿﺎرا آﺧﺮ ﻣﻀﺎدا ﻛﺎن ﯾﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺨﻔﺎء .ﻛﺎن ﺷﻌﻮره ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺻﺎرت ﻟﮫ ،وأن ﺣﯿﺎﺗﮭﺎ ﺳﺘﺮﺗﺒﻂ ﺑﺤﯿﺎﺗﮫ ﯾﻮﻗﻆ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮه اﻟﻮﺳﻮاس واﻟﮭﻮاﺟﺲ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻷﺷﻮاك اﻟﺘﻲ ﺧﯿﻞ إﻟﯿﮫ أﻧﮭﺎ اﻗﺘﻠﻌﺖ أﻋﻤﻖ ﻣﻤﺎ ﻗﺪر ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻀﻤﯿﺮ . وﻛﺎن ﺷﻌﻮرھﺎ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺻﺎرت ﻟﮫ وأن ﺣﯿﺎﺗﮭﺎ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺤﯿﺎﺗﮫ ﯾﻮﻗﻆ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮھﺎ اﻟﻤﺨﺎوف واﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ، ﺑﻌﺪ أن ﻛﺸﻔﺖ ﻟﮫ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻔﮭﺎ وﺟﺮدت ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻼح . ﻛﺎن اﻟﺸﻚ ﯾﻮﻏﻞ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﺤﺐ ،أو ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺐ ،ﻓﻜﺎن ﺣﺮﯾﺼﺎ ﻣﻠﮭﻮﻓﺎ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺘﺄﻛﺪ أﻧﮭﺎ ﺧﻠﺼﺖ ﻟﮫ إﻟﻰ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ . وﻛﺎﻧﺖ ﻛﺒﺮﯾﺎؤھﺎ ﻗﺪ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻓﮭﻲ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺎده ﻣﺮﻛﺰھﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ وﻣﻦ اﻧﺘﮭﺎء ﺷﻜﻮﻛﮫ ﻓﯿﮭﺎ . وﻛﺎن ﻛﻼھﻤﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﯿﻘﯿﻦ ﯾﺮﺗﻜﺐ ﻓﻲ ﻛﻞ ﯾﻮم ﺣﻤﺎﻗﺎت ﺻﻐﯿﺮة ،أﺧﺬت ﺗﺤﯿﻞ اﻟﺤﯿﺎة إﻟﻰ ﺟﺤﯿﻢ .
***
ﻛﺎن ﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﻟﮭﺎ ﻋﻠﺒﺔ ﻣﻠﺒﺲ ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ،وأﻗﺒﻞ ﺑﮭﺎ ﻓﺮﺣﺎ ﺑﺤﺲ اﻧﺘﻘﺎﺋﮭﺎ ,وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﮭﺶ ﻟﻠﻌﻠﺒﺔ ،وﻟﻢ ﯾﺒﺪ ﻋﻠﯿﮭﺎ أﻧﮭﺎ ﺗﺴﺘﻘﺒﻠﮭﺎ اﺳﺘﻘﺒﺎﻻ ﻃﯿﺒﺎ ،وﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ ان ﻧﻮع اﻟﻌﻠﺒﺔ ﻗﺪ ﻻ ﯾﻜﻮن أﻋﺠﺒﮭﺎ ،ﻓﻜﺮ ﻓﻲ أن اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﻻ ﺗﻔﺮﺣﮭﺎ !
واﻏﺘﻤﺖ ﻧﻔﺴﮫ ﻟﮭﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ ،وأوّﻟﮫ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﺮف ﻟﮫ ﺑﮫ ﻓﻲ إﺑﺎن اﻟﺼﺮاع :إﻧﮭﺎ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺤﺲ ﻓﻘﺪان أﺣﺪھﻤﺎ ﯾﻜﻮن ھﻮ اﻟﻌﺰﯾﺰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻓﺮاح ﯾﺮﻗﺐ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎﺗﮭﺎ وﯾﺆوﻟﮭﺎ ھﺬا اﻟﺘﺄوﯾﻞ ،وﺗﻔﻠﺖ ﻣﻨﮫ ﺗﻠﻤﯿﺤﺎت وﻧﻈﺮات ﻻ ﯾﻔﻮت ﻣﻐﺰاھﺎ ﻓﺘﺰداد اﻧﻘﺒﺎﺿﺎ ،وﺗﻮﺟﺲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺧﯿﻔﺔ ،وﺗﺤﺎول أن ﺗﺘﺄﻛﺪ ﺑﺘﺠﺮﺑﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﺗﺰﯾﺪ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺳﻮءا وﺗﻌﻘﯿﺪا ! . وﻗﺪم ﯾﻮﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﺪار ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﮭﯿﺄ ﻣﻊ ﺟﺎرة ﻟﮭﻢ ﻟﺰﯾﺎرة ﺻﺪﯾﻘﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت ﺗﺘﺨﻠﻒ ﻓﻼ ﺗﺨﺮج ،أﻣﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻓﺤﺎوﻟﺘﮭﺎ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻟﺘﻌﺮف ﻣﺪى اﺣﺘﻤﺎﻟﮫ ﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮭﻤﺎ . وﻣﻀﺖ ﻓﻲ زﯾﺎرﺗﮭﺎ ....... وﻓﺴﺮ ﺧﺮوﺟﮭﺎ وﺗﺮﻛﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﮫ ،ﻓﺂﻟﻤﮫ ھﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ أﻟﻤﺎ ﺷﺪﯾﺪا ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ ﻣﻌﮫ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺪار ..ﻓﻠﻤﺎ ﻋﺎدت ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻗﺼﯿﺮة ﻟﻢ ﺗﺠﺪه ،واﻧﮭﺎﻟﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ أﻣﮭﺎ ﺗﺄﻧﯿﺒﺎ ،ﻓﺰادھﺎ ھﺬا اﻟﺘﺄﻧﯿﺐ ﺷﻤﺎﺳﺎ وﻧﻔﻮراً . وﻟﻜﻦ اﻻﺳﺘﻌﺪادات ﻟﻠﯿﻮم اﻟﻤﺤﺪد ﺳﺎرت ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﮭﺎ اﻟﻤﺮﺳﻮم ! ..وﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ وﻧﻔﺴﮫ ﻣﺤﻤﻠﺔ ، وﺣﯿﻨﻤﺎ اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﮫ ﻟﻤﺤﺖ ﻣﺎ ﯾﺨﺘﻠﺞ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻓﺰادھﺎ ذﻟﻚ ھﻤﺎ وذﺑﻮﻻ . ﺛﻢ اﻧﻔﺮد ﺑﮭﺎ وراح ﯾﻌﺎﺗﺒﮭﺎ ﻓﻲ ﺧﺸﻮﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﺘﮭﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺘﺮاﺟﻊ ،وﻟﻢ ﺗﺪرﻛﮭﺎ ﻏﺮﯾﺰﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﻞ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺴﻮة اﻟﺘﺄﻧﯿﺐ اﻟﺬي ﻟﻘﯿﺘﮫ ﻣﻦ أﻣﮭﺎ اﻟﻌﺼﺒﯿﺔ ﺗﻤﻸ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﺮارة ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺨﺎوﻓﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة ﻣﻊ رﺟﻞ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻣﺎﺿﯿﮭﺎ ﯾﮭﯿﺊ ﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ اﺣﺘﺮاﻣﺎ ،وزادھﺎ ﻋﺘﺎﺑﮫ اﻟﺨﺸﻦ ﺧﺸﯿﺔ وﻣﺮارة ، ﻓﻌﺎﻧﺪت ﻋﻨﺎدا ﺷﺪﯾﺪا . أﻣﺎ ھﻮ ﻓﻜﺎن ﯾﺤﺲ أﻧﮫ ﺿﺤﻰ ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮫ اﻟﻜﻔﺎﯾﺔ ،وأﻧﮫ اﺣﺘﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ اﻟﻜﻔﺎﯾﺔ ،وأﻧﮫ أﻧﻔﻖ رﺻﯿﺪه ﻛﻠﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﻄﻒ واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻹﯾﺜﺎر ﻓﻲ أﯾﺎم اﻟﺼﺮاع واﻟﻌﻼج ،وأن ﻟﮫ اﻵن – وﻗﺪ ﺻﺎر زوﺟﺎ – أن ﯾﺘﻠﻘﻰ اﻟﺠﺰاء ﺗﻘﺪﯾﺮا ﻟﻤﻮﻗﻔﮫ وﻋﺮﻓﺎﻧﺎ ﺑﺴﻤﺎﺣﺘﮫ ،وﻛﺎن ھﺬا اﻟﺠﺰاء اﻟﺬي ﯾﺮﺗﺠﯿﮫ ،أن ﯾﺠﺪ ﺑﺠﺎﻧﺒﮫ ﺷﺮﯾﻜﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻟﮫ ﻣﺘﻮددة إﻟﯿﮫ . وأﻣﺎ ھﻲ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺨﺸﻰ أن ﺗﺘﻮدد ﻛﻤﺎ ﯾﺮﯾﺪ ،ﻓﯿﺤﻤﻞ ذﻟﻚ ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﺔ اﻻﻋﺘﺮاف ،وﻣﮭﺎﻧﺔ اﻻﻧﻜﺸﺎف ، وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﯿﺲ ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ ﻋﻨﺪه ﺑﺎﺣﺘﻤﺎﻟﮫ ﻟﺘﺪﻟﻠﮭﺎ ،ﻓﻲ وﻗﺖ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻟﮫ ﻃﺎﻗﺔ ﻻﺣﺘﻤﺎل اﻟﺪﻻل ! ﻓﻠﻤﺎ اﺷﺘﺪت اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ إﻟﯿﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺑﺪاً ،ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺪار ﻣﻐﻀﺒﺎ ،وﺳﺎر ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﺛﺎﺋﺮا ...وﻛﺎﻧﺖ ذﻗﻨﮫ ﻃﻮﯾﻠﺔ ،وﺷﻌﻮره ﺑﻄﻮﻟﮭﺎ ﯾﺴﺒﺐ ﻟﮫ ﻋﺎدة ﻣﻀﺎﯾﻘﺔ ،وﯾﻔﺴﺪ ﻣﺰاﺟﮫ ﻛﺜﯿﺮا ، ﻓﺪﺧﻞ دﻛﺎن ﺣﻼق ،وھﻮ ﻻ ﯾﺪري ﺗﻘﺮﯾﺒﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﻗﻀﺎھﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻼﻗﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴﮫ ﺗﺼﻔﻮ ، وﻛﺎن ﺗﺴﺎﻣﺤﮫ ﯾﻌﺎوده ،وأﺣﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﻘﯿﺔ ﻣﻦ رﺻﯿﺪ ،ﻓﺮأى أن ﯾﺒﺬﻟﮫ ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧﯿﺮة .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ ھﺬه اﻟﻤﺸﺎدات ﻗﺪ أﻇﮭﺮت رﻏﺒﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﺎھﺪة أﺣﺪ اﻷﻓﻼم اﻟﺠﺪﯾﺪة ...ورأى ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻨﺴﺎق ﻣﺴﺮورا إﻟﻰ دار اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ﻓﯿﻘﻄﻊ ﺛﻼث ﺗﺬاﻛﺮ ،ﻟﮫ وﻟﮭﺎ وﻷﺧﯿﮭﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺼﺎﺣﺒﮭﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺤﻔﻼت ، ﻟﺤﻔﻆ اﻟﻤﻈﺎھﺮ ﻓﻲ أﻧﮭﻤﺎ ﻻ ﯾﺨﺘﻠﯿﺎن ﺑﻌﯿﺪاً ! .
وأﺣﺲ وھﻮ ﯾﻤﺴﻚ ﺑﮭﺬه اﻟﺘﺬاﻛﺮ اﻟﺜﻼث أن ﻛﻮة ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎء ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮه ،وﻗﺪر أن ھﺬه اﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻠﻄﯿﻔﺔ ﺳﺘﺮد إﻟﻰ اﻟﺠﻮ ﺻﻔﺎءه ﻷﻧﮭﺎ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻻ ﺗﻨﺘﻈﺮھﺎ ،وﻗﺪ ﺧﺮج ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺸﺎدة ﻏﺎﺿﺒﺎ !....... ودﺧﻞ اﻟﺪار ﻣﺘﮭﻠﻼ ﻧﺸﯿﻄﺎ ﻓﻮﺟﺪھﺎ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻨﺰوﯾﺔ ﻛﺌﯿﺒﺔ .وﻗﺪ ﻗﺎﻃﻌﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺎﻧﻘﺒﺎﺿﮭﺎ ،واﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل ﻟﮭﺎ : = ﺗﻌﺎﻟﻲ أﺣﺪﺛﻚ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد ﻗﺎﻟﺖ : = ﻟﻘﺪ ﺷﺒﻌﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد ! وﺻﺪﻣﺘﮫ ھﺬه اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ .وﻟﻜﻨﮫ وﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺳﻌﺔ ﻟﻌﺮض اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة! وﻛﺎﻧﺎ ﻗﺪ وﺻﻼ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﺠﻠﻮس ،ﻓﺄﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﯿﺒﮫ اﻷوراق اﻟﺜﻼث ﻓﻲ ﺗﻤﮭﻞ ،ﺛﻢ أﺳﺮع وھﻮ ﯾﺒﺴﻄﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮ اﻟﺒﯿﺎﻧﻮ ،وﻗﺎل ﻓﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ودود : = ھﺬه ﺗﺬاﻛﺮ اﻟﺮواﯾﺔ وﺳﻨﺸﺎھﺪھﺎ ﻏﺪاً ! وﻟﻮ ﺗﻠﻘﺖ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ﻛﻤﺎ اﻧﺘﻈﺮ ﻻﻧﺘﮭﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻷن ﯾﻐﻔﺮ ﻟﮭﺎ ﻣﺸﺎداﺗﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ .وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﺪرك اﻟﻐﺮض ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﻲ اﺳﺘﺨﻔﺎف : = ﺗﺤﺴﺒﻮﻧﻨﻲ ﻃﻔﻠﺔ ،ﺗﻐﻀﺒﻮﻧﮭﺎ وﺗﻮﺑﺨﻮﻧﮭﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺮﺿﻮﻧﮭﺎ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻜﻮﻻﺗﮫ ؟ واﻧﺼﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺎء ﺑﺎرد ،وﺻﻐﺮت ﻓﻲ ﻋﯿﻨﮫ ﺟﺪا ،وﺗﻠﻔﺖ ﻓﺈذا آﺧﺮ ﺷﻌﺎع ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﺨﺒﻮ ،وآﺧﺮ ﻓﺴﺤﺔ ﻓﻲ ﺻﺪره ﺗﻀﯿﻖ ،وﻗﺎل ﻓﻲ ﺧﺸﻮﻧﺔ : = ﻟﻢ ﺗﻔﮭﻤﻲ ﻗﺼﺪي ..إﻧﻚ ﺻﻐﯿﺮة . وﺳﻤﻌﺖ أﻧﮫ ﯾﻘﻮل ﻟﮭﺎ )) ﺣﻘﯿﺮة (( ،ﻓﺎﺗﺎﻋﺖ ،ورﻓﻌﺖ ﺻﻮﺗﮭﺎ ﻣﻨﻔﻌﻠﺔ :أي ﻧﻌﻢ ﺣﻘﯿﺮة ! ..ﺣﻘﯿﺮة .. ھﺬا ﻣﺎﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ..ﻣﻌﻚ ﺣﻖ ..ھﺬا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺣﺲ .إﻧﻚ ﺗﺤﺘﻘﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﺿﻤﯿﺮك ،اﻧﻜﺸﻔﺖ اﻵﺧﺮة وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﺨﺒﻮءا ... واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮة ﻏﺎﺿﺒﺔ وھﻲ ﺗﺒﻜﻲ ﻓﻲ ﺷﺒﮫ ﻧﺸﯿﺞ ،وأﻗﺒﻠﺖ أﻣﮭﺎ ﻓﺄدرﻛﺘﮭﺎ رﻗﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ اﻧﺒﺘﮭﺎ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﺗﺄﻧﯿﺒﺎ ﺷﺪﯾﺪا ،وﺣﺴﺒﺖ أﻧﮫ ھﻮ اﻻﺧﺮ ﯾﻘﺴﻮ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺣﺘﻤﻠﺖ ﻣﻨﮭﺎ ﻛﻞ ﻗﺴﻮة ،وﻏﻠﺒﮭﺎ ﺣﻨﺎن اﻷم ،وراﻋﮭﺎ ﻣﺸﮭﺪ اﺑﻨﺘﮭﺎ ﺗﺘﻌﺬب ﻋﺬاﺑﺎ ﻇﺎھﺮا ،ﻓﺄدرﻛﺘﮭﺎ ﻋﺼﺒﯿﺘﮭﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﻮﺟﮫ إﻟﯿﮫ اﻟﻠﻮم ﻓﻲ ﻋﻨﻒ ﺷﺪﯾﺪ .. ﻗﺎﻟﺖ : = إﻧﮫ ﻻ ﯾﻜﻮن ھﻜﺬا ﯾﺎ اﺑﻨﻲ ! ..إن اﻟﺤﯿﺎة ﻻ ﺗﺴﺘﻘﯿﻢ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ .وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎرﯾﺔ ﯾﻌﺬﺑﮭﺎ ﺳﯿﺪھﺎ ﻣﺎ اﺣﺘﻤﻠﺖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ھﺬا ،ﻛﻞ ﯾﻮم ﻋﺘﺎب ،وﻛﻞ ﯾﻮم ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ،وﻛﻞ ﯾﻮم ﺗﺄﻧﯿﺐ ،أﻧﺎ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ وأﻧﺖ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ .ﯾﺎ رﺣﻤﺔ ﻟﻠﺒﻨﺖ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ ! ..ﺳﺄﻧﺘﻈﺮ ﺣﯿﻦ ﯾﺠﻲء أﺑﻮھﺎ ..إن ھﺬا اﻟﺤﺎل ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻄﺎق ! وﻓﻮﺟﺊ ھﻮ ﺑﮭﺬه اﻟﺜﻮرة ﻣﻦ ھﻨﺎ وﻣﻦ ھﻨﺎك ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻟﮫ ﻓﯿﮭﺎ رﺻﯿﺪ ﻟﻼﺣﺘﻤﺎل وأﺣﺲ إﺣﺴﺎﺳﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ أﻛﯿﺪا ﻋﻤﯿﻘﺎ أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪ اﻧﺘﮭﻰ ،وأﻧﮫ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺻﻠﺔ ﺗﺮﺑﻄﮫ ﺑﮭﺎ ! وﻏﻼ دﻣﮫ واﺷﺘﺪ اﻧﻔﻌﺎﻟﮫ ،واﻧﻄﻠﻖ ﻟﺴﺎﻧﮫ : = وھﻮ ﻛﺬﻟﻚ ..ﻓﺄﻧﺎ اﻵﺧﺮ ﻟﻢ أﻋﺪ اﺣﺘﻤﻞ ﺷﯿﺌﺎ ..ﻛﻞ ﺷﻲء ﯾﺤﺴﻦ أن ﯾﻨﺘﮭﻲ !
وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻛﻔﯿﻠﺔ ﺑﺄن ﺗﺸﻌﺮ اﻷم أن اﻟﺼﻠﺔ ﺗﺘﻘﻄﻊ ،ﻓﺰادھﺎ ھﺬا ﺛﻮرة وھﯿﺎﺟﺎ ،وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻘﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺷﯿﺌﺎ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺘﻘﻲ .وﻛﺬﻟﻚ اﺳﺘﻤﻌﺖ اﻟﻔﺘﺎة إﻟﻰ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫ وأﺣﺴﺖ ﻣﻦ ﻟﮭﺠﺘﮭﺎ أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪ اﻧﺘﮭﻰ ..ﻓﻨﺪت ﻣﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻠﻤﺎت ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﻌﻨﺔ اﻟﻤﺠﮭﺰة اﻷﺧﯿﺮة .ﻗﺎﻟﺖ : = اﻟﺤﻖ ﻋﻠﻲ أﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﺘﻚ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﺬرﻧﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ! وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ھﻨﺎك ﻣﺠﺎل ﻟﺸﻲء ..ﻓﮭﺬه ﺑﺎﻟﺬات ﻟﻦ ﺗﻜﻮن اﻣﺮأﺗﮫ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﻦ اﻷﯾﺎم !....
***
وﺟﺎء اﻟﻮاﻟﺪ ..وﻋﺮﺿﺖ أﻣﮭﺎ اﻷﻣﺮ ..وﺑﺪت ﻟﮫ ﺟﻔﻮة ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺚ واﻟﺪھﺎ وأﺧﯿﮭﺎ اﻷﻛﺒﺮ ﯾﺤﺎوﻻن ﺳﺘﺮھﺎ ﻓﺘﺒﺪو ،وﻷول ﻣﺮة ﺳﻤﻊ أﺧﺎھﺎ ﯾﺘﮭﻤﮫ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﺟﺎﻓﺔ ﺑﺄﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺟﺎدا ﻓﻲ ﻣﺸﺮوﻋﮫ ،وأﻧﮫ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺜﯿﺮ اﻟﺸﻜﻮك واﻟﻤﺨﺎوف إﻟﻰ درﺟﺔ ﻻ ﺗﻄﺎق ! وأدرﻛﺘﮫ روح اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮﻗﻒ ﻛﻠﮫ ،ﻓﺄﻋﻔﺘﮫ ﻣﻦ اﻟﺮدود اﻟﻌﻨﯿﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﯿﺶ ﺑﮭﺎ ﻧﻔﺴﮫ ،وأﺣﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺎﺷﻤﺌﺰاز ﻣﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ وﻣﻦ أھﻞ اﻟﻘﺎھﺮة ﺧﺎﺻﺔ ..وﻛﺎﻧﺖ ﻧﺸﺄﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺮﯾﻒ ﺗﺨﯿﻞ ﻟﮫ أن اﻟﻨﺎس ھﻨﺎك أﺣﺴﻦ أﺻﻼ ،وأﻛﺜﺮ ﻣﺮوءة ،وأﻧﻘﻰ ﺿﻤﯿﺮاً . وﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل ﻓﻘﺪ اﺗﻔﻖ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﯿﺄس ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮوع ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﻋﺪ إﻻ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم . وﻛﺎن اﻷﻟﻢ ﯾﺤﺰ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮاﻟﺪ ،وﻻ ﺑﺪ أﻧﮫ ﻛﺎن أﻋﻨﻒ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮاﻟﺪة . وﻟﻜﻦ اﻷﺳﺮة ردت إﻟﯿﮫ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ واﻟﺸﺒﻜﺔ )) وﻋﻠﺒﺔ اﻟﻤﻠﺒﺲ (( ﻓﻜﺎﻧﺖ أﺷﺒﮫ ﺷﻲء ﻓﻲ ﺣﺴﮫ ﺑﻤﺨﻠﻔﺎت اﻟﻤﯿﺖ ﺑﻌﺪ درﺟﮫ ﻓﻲ اﻷﻛﻔﺎن ! وﻗﺎم ھﻮ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﮫ ﯾﺮد ﺻﻮرھﺎ وأوراﻗﮭﺎ إﻟﯿﮭﺎ وإن ﻟﻢ ﺗﻄﻠﺐ إﻟﯿﮫ ردھﺎ ،ﻓﺘﻠﻚ ﻣﺨﻠﻔﺎت اﻟﻤﯿﺖ ﺑﻌﺪ درﺟﮫ ﻓﻲ اﻷﻛﻔﺎن ! ﺗﻢ ھﺬا ﻛﻠﮫ ﻓﻲ ﺷﺒﮫ ذھﻮل .ﻓﺨﯿﻞ إﻟﯿﮫ ﻓﺘﺮة أن ﻛﻞ ﺷﻲء ھﯿﻦ ،وأن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪ اﻧﺘﮭﻰ .وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ )) ﺳﺮﻗﺔ اﻟﺴﻜﯿﻦ (( ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮل اﻟﻌﻮام ! ..ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺒﮫ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻓﺈذا ھﻮ ﻻ ﯾﺠﺪ ﻧﻔﺴﮫ وﻻ ﯾﺠﺪ ﻣﺎﺿﯿﮫ وﻻ ﯾﺠﺪ ﺣﺎﺿﺮه ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ھﻮ ﻓﻲ ﺑَﺤَﺮان !
..اﻟﺘﺮام اﻟﻤﺴﺤﻮر ..
ﻣﻀﺖ أﯾﺎم ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺴﺘﻌﯿﺪ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﺻﻼﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة .وﻗﺒﻞ أن ﯾﺴﺘﯿﻘﻦ أن رﻛﺐ اﻟﺤﯿﺎة ﯾﺴﯿﺮ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﯾﺴﯿﺮ ،وأن ﻋﺠﻠﺔ اﻟﺰﻣﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺪور ،وأن ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻜﻮن وﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺎھﺮة ﻻ ﺗﺰال ! . ﻣﺮت ﻋﻠﯿﮫ ھﺬه اﻷﯾﺎم وھﻮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻧﻔﺴﯿﺔ ﻏﺮﯾﺒﺔ ،ﻟﯿﺴﺖ ﻋﻘﻼ وﻻ ﺟﻨﻮﻧﺎ ،وﻟﯿﺴﺖ ﺻﺤﻮا وﻻ ذھﻮﻻ .ﻛﺎن ﯾﺤﺲ ﺑﺎﻟﺪھﺸﺔ ﺗﺨﺎﻟﺠﮫ ﻛﻠﻤﺎ رأى ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺮاھﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻜﺎرﺛﺔ ! .. وﻛﺎن ﻗﺪ اﺣﺘﺠﺐ ﻓﻲ داره أﯾﺎﻣﺎ ﻣﻦ اﻹﻋﯿﺎء ،واﺳﺘﻐﺮق ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ وأﻏﻠﻖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻨﺎﻓﺬھﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ أدھﺸﮫ أن ﯾﺠﺪھﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ! وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎدﺗﮫ ﻗﺪﻣﺎه إﻟﻰ اﻟﻤﺤﻄﺔ ﺑﮭﺖ ﺑﮭﺘﺔ ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ وھﻮ ﯾﺮى اﻟﻘﻄﺎر اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮﻛﺒﮫ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .....أوﻻ ﯾﺰال اﻟﻘﻄﺎر ﯾﺴﯿﺮ ؟ وإﻟﻰ أﯾﻦ ﯾﺬھﺐ ﺑﺎﻟﻨﺎس ؟ ووﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﺴﺎر ﻓﻲ ﻃﺮﻗﺎﺗﮭﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺸﻌﻮر ...وﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻤﻜﻨﺎ – ﻣﻊ ذﻟﻚ – إﻻ أن ﺗﻘﻮده ﻗﺪﻣﺎه إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع اﻟﺬي ﯾﺴﯿﺮ ﻓﯿﮫ اﻟﺘﺮام ..وﺗﺮاﻣﮭﺎ ھﻲ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﺧـﺎص ! ورآه ﻣﻘﺒﻼ ﻓﺤﺪق ﻓﯿﮫ ﺑﺒﻼھﺔ ،وﻛﺎن وﻋﯿﮫ ﻏﺎﺋﺒﺎ ..وﻣﺮت ﻟﺤﻈﺔ وﻧﻔﺴﮫ ﺗﺤﺪﺛﮫ ذاھﻠﺔ :إﻧﮫ ﻻ ﯾﺬھﺐ إﻟﻰ ھﻨﺎك ،ﻓﻠﻤﺎذا ﯾﺴﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﺘﺮام ؟! ﺛﻢ أﻓﺎق ﻓﺮوّﻋﮫ أن ﯾﻜﻮن وﺻﻞ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﺤـﺎل !
****
ودارت ﻋﺠﻠﺔ اﻟﺰﻣﻦ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ ﯾﻘﯿﻨﺎ ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﯿﻘﯿﻦ ..وﻋﻮّده ﻛﺮ اﻟﻐﺪاة وﻣﺮ اﻟﻌﺸﻲ أن اﻟﻜﻮن ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻜﻮن دون أن ﯾﻜﻮن ﺣﺒﮫ اﻟﻜﺒﯿﺮ ! ..وأن اﻟﺤﯿﺎة ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﻤﻀﻲ وإن وﻗﻒ ﺣﺒﮫ إﻟﻰ ﺣﺪود وأن اﻟﻘﻄﺎر واﻟﺘﺮام ﯾﺴﯿﺮان وإن ﻟﻢ ﯾﻨﻘﻼه إﻟﻰ ھﻨﺎك ! وﻟﻜﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ أن ﯾﻨﺴﯿﮫ أن ﻟﮭﺬا اﻟﺘﺮام اﻟﺨﺎص ﺳﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻤﯿﺰه ﻣﻦ ﻛﻞ ﺗﺮام ،إﻧﮫ ﺗﺮام ﻣﻘﺪس أو ﻣﺴﺤﻮر .وﯾﻜﻔﻲ أن ﯾﻠﻤﺢ رﻗﻤﮫ وھﻮ ﯾﺴﯿﺮ ﻟﯿﺪق ﻗﻠﺒﮫ دﻗﺎت ﻋﻨﯿﻔﺔ ،وﻟﺘﺘﺤﺮك ﺧﻄﺎه وﯾﮭﻢ ﺑﺎﻟﺮﻛﻮب .ﺛﻢ ﯾﺼﺤﻮ ﻓﯿﺴﺨﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﮫ ،وﯾﻘﻒ ﻟﺤﻈﺎت ﯾﺴﺘﺮد ﻓﯿﮭﺎ ھﺪوءه ﺛﻢ ﯾﺴﯿﺮ .
وﻇﻠﺖ ھﺬه اﻟﺮﻏﺒﺔ إﻟﻰ رﻛﻮب ھﺬا اﻟﺘﺮام ﺗﺮاوده ﻓﯿﺼﺪھﺎ ﻋﻦ ﺧﺎﻃﺮه ،وﺗﻌﺰ ﻋﻠﯿﮫ ﻛﺮاﻣﺘﮫ ،وﯾﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﮫ ﺗﺎرة ،وﺑﺎﻟﺘﺼﻤﯿﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻐﺎﻟﺒﺘﮭﺎ ﺗﺎرة ،وﺑﺎﻟﺤﺠﺔ ﯾﺤﺎور ﺑﮭﺎ رﻏﺒﺘﮫ ﺗﺎرة : ﻟﻤﺎذا ﺗﺮﻛﺐ ؟ وإﻟﻰ أﯾﻦ ﺗﺬھﺐ ؟ إﻧﮫ ﻟﺴﺨﻒ ﺗﻔﻜﯿﺮك ذاك ! وذات ﯾﻮم ﯾﻘﺎﺑﻠﮫ زﻣﯿﻞ ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻷوﻟﻰ ،أﯾﺎم اﻟﻤﺮاھﻘﺔ ،ﻓﯿﺴﻠﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﺷﺘﯿﺎق اﻟﺰﻣﻼء اﻟﻐﯿّﺎب ، وﯾﺠﻠﺴﺎن ﻓﺘﺮة ﯾﺘﺬاﻛﺮان أﯾﺎم اﻟﺼﺒﺎ ﻗﯿﻠﺘﻘﻲ ﺷﻌﻮرھﻤﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﺛﻢ ﯾﻤﺘﺪ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻓﯿﺸﻌﺮ أن ھﻮة ﺗﻔﺮﻗﮫ ﻋﻦ زﻣﯿﻠﮫ ..ﻟﻘﺪ وﻗﻒ ﺗﻌﻠﯿﻢ اﻟﺰﻣﯿﻞ وﺛﻘﺎﻓﺘﮫ ﻋﻨﺪ ﺣﺪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻣﻀﻰ ھﻮ ﯾﺘﻌﻠﻢ وﯾﺘﺜﻘﻒ وﯾﻮﺳﻊ ﻣﻌﺎرﻓﮫ وﺗﺠﺎرﯾﺒﮫ ...ﻓﻠﻤﺎ اﻟﺘﻘﻰ ﺑﮫ ﻛﺎن ﻓﻲ واد وزﻣﯿﻠﮫ ﻓﻲ واد ... وﯾﺒﺮد اﻟﺤﺪﯾﺚ وﯾﺠﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻓﺮاﻏﺎ ﻣﻨﮫ ،وﯾﻌﺘﺰم أن ﯾﺴﺘﺄذن ..وﺣﺴﺒﮫ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت ..وﻟﻜﻦ زﻣﯿﻠﮫ ﯾﺴﺄﻟﮫ ﻋﻦ ﻋﻨﻮاﻧﮫ ﻓﯿﺬﻛﺮ ﻟﮫ رﻗﻢ ﻣﺴﻜﻨﮫ ﻓﻲ اﻟﻀـﺎﺣﯿﺔ ! ﺛﻢ ﯾﺘﻘﺪم إﻟﯿﮫ اﻟﺰﻣﯿﻞ ﺑﺒﻄﺎﻗﺘﮫ وﻓﯿﮭﺎ اﻟﻌﻨﻮان .. ﻣﺎذا ؟ إﻧﮫ ﯾﺴﻜﻦ ھﻨﺎك ! ﺑﻞ إن داره ﻻ ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ دارھﺎ إﻻ ﺑﻤﺤﻄﺘﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺘﺮام ...وھﻨﺎ ﯾﻌﻮد زﻣﯿﻠﮫ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﺟﺪﯾﺪا ﻓﻲ ﻧﻈﺮه .ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ آﺧﺮ ﻏﯿﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ..ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﻣﺴﺤﻮرا ﺗﺤﻒ ﺑﮫ اﻷﺳﺮار وﺗﺤﯿﻂ ﺑﮫ اﻟﮭﺎﻻت . وﺗﺮاوده ﻧﻔﺴﮫ ﻋﻠﻰ أن ﯾﻤﺪ اﻟﺠﻠﺴﺔ ..ﻓﯿﺼﺪه ﻋﻦ ذﻟﻚ أﻧﮫ اﺳﺘﺄذن ﻣﻦ زﻣﯿﻠﮫ ﻓﻌﻼ ..وﻟﻜﻨﮫ ﯾﻘﻮل ﻓﻲ ﺣﺮاراة واﺿﺤﺔ ،وﻟﮭﺠﺔ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ،ﻻ ﯾﺰن ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻜﻠﻤﺎت واﻹﺷﺎرات : = آه ..أﻧﺖ ھﻨﺎك ؟ ﺳﺄزورك إذن ،ﺳﺄزورك ﻗﺮﯾﺒﺎً ! وﯾﺘﻠﻘﻰ زﻣﯿﻠﮫ ھﺬه اﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮﺣﯿﺐ واﻻﺳﺘﺒﺸﺎر ،وﻻ ﯾﻠﻤﺢ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻤﺎ وراءھﺎ ،وﻻ ﯾﺠﻮل ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮه إﻻ اﻧﮫ إﻋﺰاز اﻟﺰﻣﯿﻞ اﻟﻘﺪﯾﻢ وﺷﻮﻗﮫ إﻟﻰ ﻟﻘﯿﺎه !
***
وﻟﻢ ﯾﻤﺾ ﯾﻮﻣﺎن ﯾﻮﻣﺎن ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﮫ إﻟﻰ زﯾﺎرﺗﮫ .ﻟﻘﺪ وﺟﺪ اﻟﻤﺒﺮر .ﻓﻤﺎ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ﻧﻔﺴﮫ أن ﺗﺤﺎﺟﮫ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ رﻛﻮب ھﺬا اﻟﺘﺮام ! ..ﻣﺎذا ؟ إﻧﮫ ذاھﺐ ﻟﺰﯾﺎرة زﻣﯿﻠﮫ اﻟﻘﺪﯾﻢ اﻟﻌﺰﯾﺰ ! ... وﯾﺘﺤﻤﺲ ﻟﮭﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ ﺣﺘﻰ ﻟﯿﻀﺤﻚ ﻟﺤﻤﺎﺳﺘﮫ ﺣﯿﻦ ﯾﻔﯿﻖ ،وﻛﺄن أﻣﺎﻣﮫ ﻣﻦ ﯾﺤﺎﺟﮫ وﯾﺸﺘﺪ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﺤِﺠﺎج ! وﺣﯿﻦ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻲ اﻟﺘﺮام ..ﺗﻨﻔﺲ ﻧﻔﺴﺎ ﻋﻤﯿﻘﺎً ﻃﻮﯾﻼ ،وﻣﺪ ﻗﺪﻣﯿﮫ ﻓﻲ ﺣﺠﺮة اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ، وارﺗﻜﻦ ﺑﻤﻨﻜﺒﯿﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﺑﻀﻊ ﻟﺤﻈﺎت . وﻣﻀﻰ اﻟﺘﺮام ﻣﺤﻄﺔ وﻣﺤﻄﺔ وﻣﺤﻄﺔ ..ﺛﻢ اﻓﺎق ..إﻟﻰ أﯾﻦ ھﻮ ذاھﺐ ؟ أﻣﺎض ھﻮ إﻟﻰ زﻣﯿﻠﮫ ﺣﻘﺎً ،أم ان ھﻨﺎﻟﻚ ﻏﺮﺿـﺎً دﺧﯿﻼً ؟
وھﺘﻔﺖ ﺑﮫ ﻛﻞ ذرة ﻓﻲ ﻛﯿﺎﻧﮫ :آه ﻟﻮ ﯾﻠﻘﺎھﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻄﺔ أو ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻌﺎم ! إﻧﮫ ﺳﯿﻜﻮن ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﮭﺎ اﻟﻘﺮﯾﺐ ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻊ ﻣﺤﻄﺎت ! وﺗﻮاﻟﺖ اﻟﻤﺤﻄﺎت ..وﻛﻠﻤﺎ ﻗﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻄﺔ اﻟﻤﺴﺤﻮرة زاد ﻗﻠﺒﮫ ﺧﻔﻘﺎﻧﺎ ،وزادت اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ اﺣﺘﺪاﻣﺎ ،وﺳﺎورﺗﮫ ﺧﯿﺎﻻت ﺻﺒﯿﺎﻧﯿﺔ ﺳﺎذﺟﺔ ،ودار ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺣﺪﯾﺚ ﻃﻔﻠﻲ ﻏﺮﯾﺐ : = وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ورأﺗﻚ ،ﻓﻤﺎذا ﻋﺴﺎھﺎ ﺗﻘﻮل ؟ = ﻣﺎذا ﻋﺴﺎھﺎ ﺗﻘﻮل ؟ إﻧﻨﻲ ذاھﺐ إﻟﻰ زﯾﺎرة اﻟﺰﻣﯿﻞ ! = وﻣﻦ ﯾﺪرﯾﮭﺎ ھﻲ أﻧﻚ ذاھﺐ إﻟﻰ زﻣﯿﻠﻚ ؟ وﻟﻢ ﻻ ﺗﺆول ﻣﺮورك ھﻨﺎ ﺑﺎﻧﻚ ﺗﻘﺼﺪ رؤﯾﺘﮭﺎ ؟ = ﻣﻦ ﯾﺪرﯾﮭﺎ ؟ وﻣﺎ ذﻧﺒﻲ أﻧﺎ ؟ وھﻞ ھﻮ ﻃﺮﯾﻘﮭﺎ اﻟﺨﺎص ؟ = وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻻ ﺗﻜﻮن ھﻨﺎك ! وھﻨﺎ ﯾﺤﺲ ﺑﺎﻧﻄﻔﺎء ﻓﻲ روﺣﮫ وﺑﺎﻛﺘﺌﺎب ﯾﻐﺸﺎه ......ﺛﻢ .....ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ أﻻ ﺗﻜﻮن ھﻨﺎك .ﻓﻘﺪ ﺗﺘﻮھﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل أﻧﻨﻲ ﻻزﻟﺖ أھﻔﻮ إﻟﯿﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ! وﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﺪور ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻛﺎن اﻟﺘﺮام ﯾﻘﺘﺮب ،وھﻨﺎ ﺗﺰاﺣﻤﺖ ﺧﻮاﻃﺮه ،وﻓﻘﺪت ﻧﻈﺎﻣﮭﺎ واﺗﺴﺎﻗﮭﺎ : ﻟﯿﺘﮭﺎ ﺗﻜﻮن .ﻟﯿﺘﮭﺎ ﻻ ﺗﻜﻮن .آه ﻟﻮ رآھﺎ .إﻧﻨﻲ أﺧﺸﻰ ﻟﻘﯿﺎھﺎ .ﻟﺴﺖ ذاھﺒﺎ إﻟﯿﮭﺎ ،أﻧﺎ ذاھﺐ إﻟﻰ ﺻﺪﯾﻖ ! ھﮫ ! ھﺬه ھﻲ ﻣﺤﻄﺘﮭﺎ ! ...وﻛﺎﻧﺖ أﻧﻔﺎﺳﮫ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻻھﺜﺔ ،وﻋﯿﻨﺎه زاﺋﻐﺘﺎن .وﺧﺒﺄ رأﺳﮫ ﻗﻠﯿﻼ ﺛﻢ أﻃﻞ ﺑﻌﻨﻒ ،ودار ﺑﻌﯿﻨﮫ دورة ﺳﺮﯾﻌﺔ .وﺗﺤﺮك اﻟﺘﺮام ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻄﺔ ...اﻟﺤﻤﺪ ﷲ .إﻧﮭﺎ ﻟﯿﺴﺖ ھﻨﺎك ،وﻟﻜﻨﮫ ﯾﺨﻤﺪ وﯾﺨﺒﻮ وﺗﺮﻛﺪ أﻧﻔﺎﺳﮫ ،وﯾﻐﺸﻰ ﺧﻮاﻃﺮه اﻟﻈﻼم !
***
واﺳﺘﻘﺒﻠﮫ زﻣﯿﻠﮫ ! – أو ﺻﺪﯾﻘﮫ ﻛﻤﺎ راح ﯾﺴﻤﯿﮫ – ﺑﺤﻔﺎوة وﺑﺸﺮ واﺑﺘﮭﺎج ،وﻻﻗﺎه ھﻮ ﺑﮭﻤﻮد وﺑﻼدة واﻛﺘﺌﺎب ،وﻋﺰا ﻣﺎ ﺑﮫ إﻟﻰ ﺗﻌﺐ اﻟﺴﻠﻢ ،وﻏﺎص ﻓﻲ ﻛﺮﺳﯿﮫ ﯾﺴﺘﺮﯾﺢ . واﻧﻘﻀﺖ اﻟﺰورة ،وھﻢ ﺑﺎﻻﺳﺘﺌﺬان ..وإذا زﻣﯿﻠﮫ ﯾﻨﺰل ﻣﻌﮫ ﻟﯿﻮدﻋﮫ وﯾﻌﺮض ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺘﻤﺸﯿﺎ ﻣﺤﻄﺘﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﯾﻔﺮغ زﺣﺎم اﻟﺘﺮام ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ﻷن ﻓﺮﯾﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻛﺎب ﯾﻨﺰل ﻋﺎدة ھﻨﺎك . وأﺣﺲ ﺑﺎﻧﺘﻌﺎش ﻗﻮي ﻟﮭﺬا اﻻﻗﺘﺮاح .ﻣﺤﻄﺘﺎن .أي اﻧﮫ ﺳﯿﺮﻛﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻄﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺪار ..وزﻣﯿﻠﮫ ﻣﻌﮫ ،ﻓﮭﻮ ﺣﺠﺘﮫ ﻓﻲ زﯾﺎرة اﻟﺤﻲ واﻟﺮﻛﻮب ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﺤﻄﺔ ! وﻛﺄﻧﻤﺎ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺳﯿﺴﺄﻟﮫ :ﻟﻤﺎذا ﺟﺎء إﻟﻰ ھﻨﺎ ؟ وﻟﻤﺎذا ﯾﺮﻛﺐ ﻣﻦ ھﻨﺎك ! وﺳﺎر ﻓﻲ ﻧﺸﻮة وﻓﻲ ﻗﻠﻖ ﻛﺬﻟﻚ ..ﺳﺎر ﯾﺘﻠﻔﺖ ھﻨﺎ وھﻨﺎك ﻋﺴﻰ أن ﺗﻘﻊ ﻋﯿﻨﮫ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ أو ﻓﻲ اﻟﺸﺮﻓﺔ إو ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن .وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﺮھﺎ ،وﺑﺪأ ﯾﺨﻤﺪ ﻣﺮة أﺧﺮى .وﻓﺠﺄة ﯾﺮى أﻣﺎﻣﮫ وﺟﮭﺎ ﻟﻮﺟﮫ .. ﺑﻮاب اﻟﺪار ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻌﺎم
= ﻋﻢ ﺳﻠﯿﻤﺎن ؟ أھﻼ وﺳﮭﻼ ﻋﻢ ﺳﻠﯿﻤﺎن ! وﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻠﮭﺠﺘﮫ اﻟﻨﻮﺑﯿﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ : = أوه ..إﯾﮫ ﺣﺎﻟﻚ ﯾﺎ ﺑﯿﮫ ؟ واﷲ زﻣﺎن ! = اﻟﺤﻤﺪ ﷲ ﯾﺎ ﻋﻢ ﺳﻠﯿﻤﺎن ! وأﻓﻌﻤﺖ اﻟﻠﮭﻔﺔ ﻧﻔﺴﮫ أن ﯾﺴﺄل ﻋﻦ أھﻞ اﻟﺪار ..ﻣﺎذا ﺟﺮى ھﻢ ؟ ﻣﺎ اﺧﺒﺎرھﻢ ؟ ھﻞ ﺗﺰوﺟﺖ ! وأﻟﻒ ﺳﺆال وﺳﺆال .....وﻟﻜﻦ ﻛﺒﺮﯾﺎؤه وﻗﻔﺖ ﺑﮫ ﻻ ﯾﻠﻘﻲ أي ﺳﺆال . وﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﯾﺨﺎﻣﺮھﺎ اﻷﺳﻒ واﻷﺳﻰ : = ﻓﯿﻦ أﯾﺎﻣﻚ اﻟﺤﻠﻮة ﯾﺎ ﺑﯿﮫ ) ...وﺳﻜﺖ ﺑﺮھﺔ ( ..ھﻢ ﻛﻤﺎن ﻋﺰﻟﻮا ﻣﻦ زﻣﺎن ! واﻧﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮاﻋﯿﮫ .وﻟﻜﻨﮫ ﻇﻞ ﻣﺘﺤﻔﻈﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﺣﺬر ﯾﻨﻔﻲ ﻋﻨﮫ اﻟﺮﯾﺒﺔ : = ﻧﻘﻠﻮا ؟ ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻜﻮﻧﻮا ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ اﻟﺤﻲ ! وﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ :إﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﺒﻌﺪوا ﻛﺜﯿﺮا ﻓﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ اﻟﻤﺠﺎور .. وﻟﻜﻦ ﺑﻘﯿﺖ أﻣﺎﻣﮫ ﻣﺸﻜﻠﺔ أﺧﺮى :أن ﯾﻌﺮف ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻋﻨﻮاﻧﮭﻢ اﻟﺠﺪﯾﺪ . وﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا ﯾﻌﺮف ﻋﻨﻮاﻧﮭﻢ اﻟﺠﺪﯾﺪ ؟ ﻣﺎ ﻋﻼﻗﺘﮫ ﺑﮭﻢ ؟ وھﺐ ﻟﮫ ﺑﮭﻢ ﻋﻼﻗﺔ ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﺮف رﻗﻢ ﺗﻠﯿﻔﻮن أﺑﯿﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﮫ وھﺬا ﯾﻜﻔﻲ ! وﻟﻜﻦ ﺷﻌﻮرا ﻏﺎﻣﻀﺎ ﯾﺴﺎوره :إﻧﮫ ﯾﺤﺐ أن ﯾﻌﺮف اﻟﻤﻨﺰل اﻟﺠﺪﯾﺪ ،إﻧﮫ ﯾﺤﺘﻔﻆ ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻠﺘﮫ ﺑﺼﻮر اﻟﻤﻨﺰل اﻟﻘﺪﯾﻢ ،وﯾﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺼﻮر ﺣﺮﻛﺎﺗﮭﺎ وﺗﻨﻘﻼﺗﮭﺎ . ھﻲ ﻣﺮة ﻓﻲ ﺣﺠﺮة اﻟﺠﻠﻮس ﺗﻮﻗﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﺎﻧﻮ ،وھﻲ ﻣﺮة ﺗﺴﺘﻘﺒﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب ،وھﻲ ﻣﺮة ﻓﻲ ﻣﺮاﻓﻖ اﻟﻤﻨﺰل ،وھﻲ ﻣﺮة ﺗﻨﺎم ﻓﻲ ﺳﺮﯾﺮھﺎ اﻟﺨﺎص ،وھﻲ ﻣﺮة ﺗﻘﻔﺰ وھﻲ ﺗﻘﻄﻊ اﻟﻤﻤﺮ اﻟﻘﺼﯿﺮ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺧﻄﻮات ....ﻓﮭﻮ ﯾﻤﻠﻚ ﻣﻨﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎ ﻛﺜﯿﺮا ،وﻟﺪﯾﮫ ﻣﻨﮭﺎ رﺻﯿﺪ ﻣﺬﺧﻮر .وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻨﺰل اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻛﯿﻒ ﯾﺘﺨﯿﻠﮭﺎ ؟ إن ﺻﻮرھﺎ ﻣﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﮫ ،ﺑﻞ ﻻ ﺻﻮر ﻟﮭﺎ إﻻ ﻣﺎ ﯾﺤﺎول اﻟﺨﯿﺎل أن ﯾﺮﻛﺒﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﺪم ﻓﻼ ﯾﺴﯿﻄﯿﻊ . ﻣﺮت ھﺬه اﻟﺨﻮاﻃﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺳﺮاﻋﺎ واﻟﺒﻮاب أﻣﺎﻣﮫ ،ﺛﻢ ھﺪﺗﮫ اﻟﺤﯿﻠﺔ ،ﻓﻘﺎل : = واﷲ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻗﺎﺑﻞ أﺧﺎھﺎ ﻷﻣﺮ ھﺎم ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻋﺮف اﻟﻌﻨﻮان ! وھﻨﺎ أﺳﺮع اﻟﺒﻮاب ﻓﺬﻛﺮ ﻟﮫ اﺳﻢ اﻟﺸﺎرع ورﻗﻢ اﻟﻤﻨﺰل وھﻮ ﯾﻘﻮل : = )) واﷲ ﻧﺎس ﻃﯿﺒﯿﻦ زﯾﻚ ﯾﺎ ﺑﯿﮫ ..ﻣﯿﻦ ﯾﻌﺮف ؟ ﯾﻤﻜﻦ ﺑﺮﺿﮫ ﯾﻜﻮن ﻟﻜﻢ ﻧﺼﯿﺐ ! (( واﺳﺘﺮوﺣﺖ ﻧﻔﺴﮫ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت اﺳﺘﺮواح اﻟﻈﻼل ﻓﻲ اﻟﮭﺠﯿﺮ .إذن ھﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺰوج ﺑﻌﺪ ،و ﻣﻦ ﯾﺪري ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن ھﻨﺎﻟﻚ ﺑﻘﯿﺔ ..أﻻ ﯾﻘﻮل ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﻮاب ؟! وارﺗﺪ إﻟﯿﮫ ﻧﺸﺎﻃﮫ ،ووﺛﺒﺖ ﺧﻄﻮاﺗﮫ ،ووﻗﻒ ﯾﻨﺘﻈﺮ اﻟﺘﺮام ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﻄﺔ ﻣﻊ ﺻﺪﯾﻘﮫ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ﻓﺮﻛﺒﮫ وﻣﻀﻰ ﻓﻲ ﻧﺸﻮة واﻧﻄﻼق .
***
وﻏﺎﻟﺒﮫ اﻟﺸﻮق اﻟﺠﺎرف ﻷن ﯾﺘﻌﺮف اﻟﺪار اﻟﺠﺪﯾﺪة .وﻟﻜﻦ إرادﺗﮫ ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻮى ،ﻓﻠﻢ ﯾﺤﺎول ذﻟﻚ أﯾﺎﻣﺎ ﻃﻮﯾﻠﺔ ،إﻻ أن زﯾﺎراﺗﮫ ﻟﺼﺪﯾﻘﮫ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ،ﻓﺎﻟﺤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺤﻲ اﻟﻘﺪﯾﻢ ! وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪور اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ذاﺗﮭﺎ ،وﺗﻨﺘﮭﻲ اﻟﺰﯾﺎرة ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺘﮭﻲ إﻻ اﻧﮫ ﻓﻲ ﻣﺮة ﺗﺸﺠﻊ ﻓﻄﻠﺐ إﻟﻰ زﻣﯿﻠﮫ أن ﯾﺮاﻓﻘﮫ ﻟﯿﺘﻤﺸﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ اﻟﺬي ذﻛﺮه اﻟﺒﻮاب ،ﻷﻧﮫ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺴﺄل ﻋﻦ ﺷﺄن ﻟﮫ ھﻨﺎك ! وﻛﺎن وﺟﻮد زﻣﯿﻠﮫ ﻣﻌﮫ ھﻮ اﻟﻤﺒﺮر اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻮﺟﻮده وﺳﺎرا ﺣﺘﻰ وﺻﻼ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع اﻟﻤﻄﻠﻮب ،وﻇﻞ ﯾﺘﺼﻔﺢ أرﻗﺎم اﻟﺒﯿﻮت دون أن ﯾﻠﻔﺖ زﻣﯿﻠﮫ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻗﺮب ﻣﻦ اﻟﺪار ارﺗﻔﻌﺖ دﻗﺎت ﻗﻠﺒﮫ وﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫ اﻻﺿﻄﺮاب . وﺣﻤﯿﺖ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ دارت ﻓﻲ أول ﻣﺮة ،وزاد اﻹﺣﺮاج أﻧﮫ ﯾﺴﯿﺮ ھﻨﺎ وﻻ ﯾﺮﻛﺐ اﻟﺘﺮام ،وازدﺣﻤﺖ اﻟﮭﻮاﺗﻒ واﻟﺮﻏﺎﺋﺐ واﻟﻤﺨﺎوف ﺣﯿﻦ ﺻﺎر أﻣﺎم اﻟﻤﻨﺰل ...وﻟﻜﻦ ھﺎھﻲ ذي ﻧﻮاﻓﺬه ﻣﻐﻠﻘﺔ وﻻ ﺷﻲء ھﻨﺎك ! . وﻛﺎن اﻟﺠﮭﺪ ﻗﺪ ﻧﺎل ﻣﻨﮫ ،وﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫ اﻹﻋﯿﺎء ،ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺪ ﻣﺸﻘﺔ ﻓﻲ إﻗﻨﺎع ﺻﺪﯾﻘﮫ أﻧﮫ ﻣﺘﻌﺐ ،وأﻧﮫ ﯾﺤﺴﻦ أن ﯾﻌﻮد ﻓﯿﺄﺧﺬ اﻟﺘﺮام .
*** وﻟﻢ ﯾﺤﺎول ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺑﺪا أن ﯾﻤﺮ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺤﻲ ،ﻟﻘﺪ اﻃﻤﺄن إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺪار ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ھﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ھﻨﺎﻟﻚ , وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﺨﻠﻒ ﻋﻦ زﯾﺎرة ﺻﺪﯾﻘﮫ واﻟﻤﺮور ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎرع اﻟﺬي ﺑﮫ اﻟﺪار ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ﻓﻲ اﻟﺘﺮام ! وﻓﻲ ﯾﻮم ﯾﻠﻘﻰ زﻣﯿﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﻘﺎھﺮة ،ﻓﯿﺴﺮع إﻟﯿﮫ ﻟﯿﺨﺒﺮه أﻧﮫ ﺗﺮك داره اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ إﻟﻰ ﻋﻨﻮان ﺟﺪﯾﺪ ،وﯾﺨﺮج ﻣﻦ ﺟﯿﺒﮫ ورﻗﺔ ﻟﯿﻜﺘﺐ ﻟﮫ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻌﻨﻮان اﻟﺠﺪﯾﺪ ! وأﺧﺬ أﺧﺬة ﺷﺪﯾﺪة ،وﺧﯿﻞ إﻟﯿﮫ ﻟﺤﻈﺔ أﻧﮭﺎ ﻋﻤﻠﺔ ﺳﺨﯿﻔﺔ ﺟﺪاً ! ..وﻛﺎد ﻟﺴﺎﻧﮫ ﯾﻔﻠﺖ ﻓﯿﺆﻧﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﯿﮭﺎ ! ..وﻟﻜﻨﮫ ﯾﺘﺪارك ﻧﻔﺴﮫ ..وﯾﺨﻔﻲ ﺗﺠﮭﻢ وﺟﮭﮫ وﻣﻼﻣﺤﮫ ،وﯾﺘﻨﺎول اﻟﻮرﻗﺔ ﻓﻲ ﺑﺮود ﻓﺎﺗﺮ :ﻟﻘﺪ ﺳﻘﻄﺖ ﺣﺠﺘﮫ ﻓﻲ أن ﯾﺬھﺐ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ ھﻨﺎك ! وﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺑﺮاءة :ﺳﺘﺰورﻧﻲ ﻃﺒﻌﺎ ﻓﻲ ﻋﻨﻮاﻧﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ! ..ﻗﺎل ﻓﻲ ﺑﺮود وﺷﺮود :إن ﺷﺎء اﷲ .. إن ﺷﺎء اﷲ .
..اﻟﺼﻮرة اﻟﮭﺎرﺑﺔ ..
ﺗﺨﻠﻔﺖ ﻋﻨﺪه ﺻﻮرة ﻟﻢ ﯾﺮدھﺎ إﻟﯿﮭﺎ ...ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻋﻤﺪ .ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺼﻮرة أﻛﺒﺮ ﺣﺠﻤﺎ ﻣﻦ أﺧﻮاﺗﮭﺎ .وﻛﻦ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻓﻲ ﻇﺮف ﺻﻐﯿﺮ ،أﻣﺎ ھﻲ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻇﺮف آﺧﺮ ﻛﺒﯿﺮ ،وﻛﺎن ﻗﺪ أھﻤﻠﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ ﻷﻧﮭﺎ ﺻﻮرة )) ﻣﮭﺰوزة (( ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺮاھﺎ ﻛﺜﯿﺮا ..ﻷن اﻟﺼﻮر اﻷﺧﺮى أوﺿﺢ وأدق وأﺟﻤﻞ . وﻟﻜﻨﮫ أراد أن ﯾﺮدھﺎ إﻟﯿﮭﺎ ﻛﻤﺎ رد رﻓﯿﻘﺎﺗﮭﺎ ،وﺑﺤﺚ ﻋﻨﮭﺎ ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺪھﺎ ،ﻓﺄﺿﻤﺮ أن ﯾﺮدھﺎ ﺣﯿﻦ ﯾﻌﺜﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ . وﺣﯿﻨﻤﺎ ھﺪأت اﻟﺜﻮرة اﻟﺘﻲ ﻃﻐﺖ ﻋﻠﻰ أﺣﺎﺳﯿﺴﮫ ،وﺗﻜﺸﻔﺖ اﻟﻐﻤﺮة اﻟﺘﻲ أﻏﺮﻗﺖ ﻋﻮاﻃﻔﮫ ،وﺳﺎر اﻟﺤﻨﯿﻦ إﻟﻰ ﺣﻮرﯾﺘﮫ اﻟﮭﺎرﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪت أﺳﻄﻮرة ﺧﺎﻟﺪة ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ ....ﻋﻨﺪﺋﺬ أﺣﺲ ﺑﺎﻟﻠﮭﻔﺔ واﻟﺸﻮق إﻟﻰ ﻛﻞ أﺛﺮ ﻣﻦ آﺛﺎرھﺎ ،وﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﻨﯿﻦ اﻟﻤﺘﺮﻗﺮق ﯾﮭﻤﺲ ﻓﻲ ﺟﻮاﻧﺠﮫ ؟ ﯾﺎ ﻟﯿﺖ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ أﺷﯿﺎﺋﮭﺎ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎوﻟﮫ ! وﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﯾﺘﺼﻞ ﺑﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﯾﺐ أو ﺑﻌﯿﺪ ﻗﺪ ﺑﺎت ﺣﺒﯿﺒﺎ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﮫ ،ﺗﺮف ﻋﻠﯿﮫ روﺣﮫ وﯾﺘﺮﻗﺮق اﻟﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺣﻨﺎﯾﺎه وﺗﺤﻒ ﺑﮫ ھﺎﻻت ﻣﺴﺤﻮرة ﺗﺘﺮاءى ﺧﻼﻟﮭﺎ اﻟﻄﯿﻮف واﻷﺣﻼم ! ودب اﻟﻨﺪم واﻟﺘﻤﻨﻲ إﻟﻰ أﺣﺎﺳﯿﺴﮫ ﻓﻲ ﻓﺘﺮات ﻛﺜﯿﺮة :ﻟﻮ أﺑﻘﯿﺖ ﺻﻮرھﺎ ! إﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻄﻠﺒﮭﺎ ﻣﻨﻲ ! ﻟﻮ أﺑﻘﯿﺖ رﺳﺎﻟﺘﮭﺎ إﻟﻲّ ،وھﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﻨﯿﻞ ﺿﻤﯿﺮھﺎ ،ودﻗﺔ ﺣﺴﺎﺳﯿﺘﮭﺎ ،وﺗﺼﻮر ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻣﻌﺪﻧﮭﺎ ،وﯾﻘﻈﺔ ﺷﻌﻮرھﺎ ! ..ﻟﻮ أﺑﻘﯿﺖ )) اﻟﺸﺒﻜﺔ (( وﺧﺎﺗﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ وھﻤﺎ ﯾﺴﺎوﯾﺎن – ﻓﻲ اﻟﺬﻛﺮى – أﺿﻌﺎف أﺿﻌﺎف ﺛﻤﻨﮭﻤﺎ ! ..ﻟﻮ أﺑﻘﯿﺖ )) ﻋﻠﺒﺔ اﻟﻤﻠﺒﺲ (( إﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل أﺛﺮ ﻣﻨﮭﺎ ! .ﻟﻮ ﻋﻤﻠﺖ ،ﻟﻮ أﺑﻘﯿﺖ ..... وﺗﻘﻠﺐ ﯾﺪه ذات ﯾﻮم ﻓﻲ أوراﻗﮫ ،ﻓﺈذا ھﻮ ﯾﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮرة . ...ﻗﻔﺰ ﻗﻠﺒﮫ ﻗﻔﺰة ﺷﺪﯾﺪة ﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﮫ ، وﺑﻘﻰ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﯾﺪق دﻗﺎ ﻣﺘﻮاﺻﻼ ﻋﻨﯿﻔﺎ ،وارﺗﺠﻔﺖ ﯾﺪه وھﻲ ﺗﺘﻨﺎول ﻓﻲ ﻗﺪاﺳﺔ وروﻋﺔ ،ﻓﺘﻘﺮﺑﮭﺎ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﮫ ،ﻓﯿﺘﻄﻠﻊ إﻟﯿﮭﺎ ھﻨﯿﮭﺔ ﻓﻲ ﺷﻐﻒ واﻏﻞ وﻓﻲ ﺻﻮﻓﯿﺔ ﻣﺸﺮﻗﺔ ،ﺛﻢ ﯾﻘﺮﺑﮭﺎ ﻣﻦ ﻓﻤﮫ ﻓﯿﻘﺒﻠﮭﺎ ﻗﺒﻠﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻋﻤﯿﻘﺔ ،ﺗﺸﺘﺮك ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﺧﺎﻟﺠﺔ وﻛﻞ ذرة ﻓﯿﮫ ،وﺗﺴﺘﻨﻔﺪ ﻣﻨﮫ ﻃﺎﻗﺔ ﯾﺤﺲ ﺑﻌﺪھﺎ ﺑﺎﻟﮭﻤﻮد واﻻﺳﺘﺮﺧﺎء ... وﺗﺘﺮﻗﺮق ﻓﻲ ﻋﯿﻨﮫ دﻣﻮع دﻣﻮع ﺣــﺎرة ،ﻓﯿﺴﺘﺴﻠﻢ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ راﺣﺔ ﻟﺬﯾﺬة ،وﺗﻨﻘﻀﻲ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ وھﻮ ﻓﻲ ﺷﺒﮫ ﻏﯿﺒﻮﺑﺔ .
وﯾﻔﯿﻖ ،ﻓﻼ ﯾﺤﺎول اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺼﻮرة ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﺑﻞ ﯾﺪﺳﮭﺎ ﺑﺮﻓﻖ ﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ اﻟﻈﺮف ،وﯾﻐﻠﻘﮫ ﺑﺤﻨﺎن ! ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﯾﻠﻒ وﻟﯿﺪاً ﻟﯿﻨﺎم ! ..وﯾﻀﻊ اﻟﻈﺮف ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ ﻓﻲ درج ﻣﻜﺘﺒﮫ وﯾﻐﻠﻘﮫ ﺑﮭـﺪوء ،وﯾﻘﻮم ﻓﯿﻤﺸﻲ ﺑﺎﺣﺘﺮاس ﺣﺘﻰ ﯾﻐﺎدر اﻟﺤﺠﺮة ،وﯾﻐﻠﻖ اﻟﺒﺎب ﻓﻲ ﺳﻜﻮن . ..إن ھﻨﺎك وﻟﯿـﺪاً ﻧﺎﺋﻤﺎً ﯾﺨﺸﻰ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻀﻮﺿﺎء !!!
*** وﻣﻀﺖ أﯾﺎم ﻛﺜﯿﺮة ﯾﺤﺎول أن ﯾﺮى اﻟﺼﻮرة ﻓﯿﮭﺎ .ﻛﺎن ﻣﻄﻤﺌﻨﺎ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﺬﺧﯿﺮة ﻋﻨﺪه ،وﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﺷﻌﻮر ﻏﺮﯾﺐ آﺧﺮ :إﻧﮫ ﯾﺸﻔﻖ ﻣﻦ رؤﯾﺔ ھﺬه اﻟﺼﻮرة ،وإﻧﮫ ﻟﯿﺮﺗﻌﺶ ﺣﯿﻦ ﯾﻔﺘﺢ درج اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﻟﯿﺘﻨﺎول ﻣﻨﮫ ﺷﯿﺌﺎ ،ﺛﻢ ھﻮ ﯾﺤﺲ ﺑﺸﻌﻮر اﻟﻌﺎﺑﺪ اﻟﻮرع ﺣﯿﻨﻤﺎ ﯾﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﮭﯿﻜﻞ ﻟﯿﻨﺎﺟﻲ اﻟﻤﻌﺒﻮد اﻟﻤﻘﺪس .وﻛﻞ ھﺬه اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﺪه ﻋﻦ اﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم اﻟﻄﻮال . وذات ﯾﻮم ﯾﺠﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻟﮭﻔﺔ ﺗﺘﯿﻘﻆ ﻟﻠﺼﻮرة ،وﯾﻔﺘﺢ اﻟﺪرج ﻓﻲ ﻋﺠﻞ ،ﯾﺘﻠﻤﺲ اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ ﻓﻼ ﯾﻠﻘﺎھﺎ . وأﺣﺲ ﺑﻔﺰع ،ﻓﺮاح ﯾﻌﯿﺪ اﻟﻔﺤﺺ ﺑﯿﻦ اﻷوراق ﻓﻲ ھـﺪوء وﻧﻈﺎم أول اﻷﻣﺮ ،ﺛﻢ ﻓﻲ ﻋﺠﻠﺔ واﺿﻄﺮاب ﺑﻌﺪ ﺛﻮان . وﻋﺒﺜﺎ ﯾﺤﺎول أن ﯾﻌﺜﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ ..ﻟﻘﺪ ﻗﻠﺐ اﻷوراق رأﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ ،ﺛﻢ ﺗﺮك اﻟﺪرج وراح ﯾﻘﻠﺐ ﻓﻲ اﻷوراق ﻓﻮﻗﮫ ،ﺛﻢ ﺗﺮك اﻟﻤﻜﺘﺐ وراح ﯾﻔﺤﺺ ﻓﻲ أدراك اﻟﻜﺘﺐ ،وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﺟﺪوى ! ..ﯾﺎ ﻟﻠﺸﯿﻄﺎن ! ..أﯾﻦ ذھﺒﺖ اﻟﺼﻮرة ؟ راح ﯾﺴﺄل أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة واﺣﺪا واﺣﺪا ،وراح ﯾﻘﻠﺐ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ وﯾﺒﺤﺚ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻈﺎن .. وﻟﻜﻦ ﺟﮭﻮده ﻛﻠﮭﺎ ﺿﺎﻋﺖ ﺳﺪى .. وﺟﻠﺲ ﺣﺎﺋﺮاً ﻣﻜﺪوداً .أﯾﻦ ذھﺒﺖ اﻟﺼﻮرة ؟ وﻗﺎم ﯾﻌﺎود اﻟﺒﺤﺚ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ! وﺗﻜﺮر ھﺬا اﻟﺒﺤﺚ أﯾﺎﻣﺎ ﻛﺜﯿﺮة ،ﺣﺘﻰ ﯾﺌﺲ ﻣﻦ وﺟﻮدھﺎ ،وﻓﺮض اﻟﻔﺮوض اﻟﻜﺜﯿﺮة ﻟﻀﯿﺎﻋﮭﺎ ...وھﻨﺎ أﺣﺲ ﻣﺎ ﯾﺤﺴﮫ اﻟﻮاﻟﺪ ﯾﻔﺘﻘﺪ اﻟﻮﻟﯿﺪ ،ﯾﻔﺘﻘﺪه ﺗﺎﺋﮭﺎ ﺧﺮج وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﻠﺪار .وﯾﺤﺰ اﻷﻟﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ،وﺗﺘﻐﺸﺎه ﻟﻮﻋﺔ ﻋﻤﯿﻘﺔ وﯾﻌﺘﺎده ﻟﮭـﻒ ﺷﺪﯾﺪ ...وﻟﻜﻨﮭﺎ ذھﺒﺖ ﺿﯿﺎﻋﺎً !
***
ﺛﻢ ﺗﻤﻀﻲ اﻷﯾﺎم ،وﯾﺤﺲ ذات ﯾﻮم ﻟﮭﻔﺔ ﻟﻠﺤﻮرﯾﺔ اﻟﮭﺎرﺑﺔ ﻣﻦ ﻧﻮع ﺟﺪﯾﺪ ،ﻟﮭﻔﺔ ﯾﺠﺪ ﻟﮭﺎ ﻓﻲ روﺣﮫ رھﻘﺎً ،وﻓﻲ ﺣﻨﺎﯾﺎه اﻟﺘﯿﺎﻋﺎ ،وﯾﺸﻌﺮ أﻧﮫ ﻧﻔﺴﮫ ﺗﺘﺬاوب ﺣﻨﯿﻨﺎ .وأﻧﮫ ﻛﻠﮫ ذوب ﻣﺘﮭﺎﻓﺖ إﻟﯿﮭﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ أﻗﺴﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﺳﻮاھﺎ ،ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺸﻔﻲ ﻟﮭﻔﺔ ،وﻗﺪ اﻧﻘﻄﻊ آﺧﺮ ﺧﯿﻮط اﻟﺮﺟﺎء اﻟﻀﺌﯿﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻮدة . وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﯾﺘﻨﺎول ﻛﺘﺎﺑﺎ ﯾﺤﺎول أن ﯾﮭﺮب إﻟﯿﮫ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﮫ ،وﯾﻘﻠﺐ ﺻﻔﺤﺎﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ اھﺘﻤﺎم .وھﻨﺎ ﺗﺒﻐﺘﮫ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ :اﻟﺼﻮرة ھﻨﺎ ﺑﯿﻦ ﻃﯿﺎت ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب ! وﺧﺎﻧﺘﮫ ﻗﻮاه ،وأﻓﻠﺘﺖ ﻣﻨﮫ إرادﺗﮫ ،وﺑﺪا ﻓﻲ ھﯿﺌﺔ ﻣﻀﺤﻜﺔ ﺳﺎذﺟﺔ ﻏﺮﯾﺒﺔ :ﺣﺪﻗﺘﺎه ﻣﺘﺴﻌﺘﺎن ،وﻧﻔﺴﮫ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ،وﺻﺪره ﯾﻌﻠﻮ وﯾﮭﺒﻂ ،واﻟﺼﻮرة أﻣﺎﻣﮫ ﺿﺎﺣﻜﺔ ﻻ ﺗﻤﺘﺪ إﻟﯿﮭﺎ ﯾﺪاه ! وﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ھﺪأ اﺿﻄﺮاﺑﮫ ،وﺳﻜﻦ ﺟﺄﺷﮫ ،وﻋﺎد إﻟﯿﮫ ھﺪوؤه ،ﻓﺘﻨﺎوﻟﮭﺎ وﺿﻤﮭﺎ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﻓﺮح ﺿﻤﺔ اﻟﻮﻟﯿﺪ اﻟﻌﺎﺋﺪ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﺄس واﻟﻘﻨﻮط ،وراح ﯾﺮﺑﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ..ﻓﻠﻮ رآه أﺣﺪ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻟﻈﻦ ﺑﻌﻘﻠﮫ اﻟﻈﻨﻮن ! وﻟﻢ ﺗﺤﺎول اﻟﺼﻮرة ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن ﺗﮭﺮب ! وﻗﺪ أﻟﻔﺘﮫ ! واﻃﻤﺄن ﻗﻠﺒﮫ إﻟﻰ أن ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ﻣﻨﮭﺎ أﺛﺮاً .وﻟﻢ ﺗﻄﺎوﻋﮫ ﻧﻔﺴﮫ أن ﯾﺮد إﻟﯿﮭﺎ ﺻﻮرﺗﮭﺎ اﻷﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ھﺘﻔﺎت ﺿﻤﯿﺮه أن ﯾﺮدھﺎ إﻟﯿﮭﺎ . ووﺟﺪ اﻟﻤﻌﺎذﯾﺮ ﻟﻨﻔﺴﮫ أﻣﺎم إﻟﺤﺎح ھﺬا اﻟﻀﻤﯿﺮ :إﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﮫ ﺻﻮرھﺎ أﺑﺪاً ،وإﻧﮭﺎ ﻟﺘﺜﻖ أن ﺻﻮرﺗﮭﺎ ﻋﻨﺪه ﻛﺮﯾﻤﺔ ،وأﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﺴﻲء إﻟﯿﮭﺎ ﺑﮭﺬه اﻟﺼﻮرة أﺑﺪاً ،وإﻧﮫ ﻟﯿﺘﻮﺟﮫ إﻟﻰ اﻟﺼﻮرة ﺑﺈﺣﺴﺎس ﻣﻘﺪس ..وﺷﻌﻮر ﻣﻄﮭﺮ .......... وﻟﻮ أﻧﺼﻒ ﻧﻔﺴﮫ ﻟﻘﺎل :إﻧﮫ ﻻ ﯾﻘﻮى ﻋﻠﻰ ﻓﺮاق ﺻﻮرﺗﮭﺎ ،ﻓﺈﻧﮭﺎ آﺧﺮ ﺧﯿﻂ ﻣﻨﮭﺎ ،وإﻧﮭﺎ وﺣﺪھﺎ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﺧﻮاﻃﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻌﺰﯾﺰ ،وﻛﻞ ﺻﻮره وأﻃﯿﺎﻓﮫ ورؤاه !
..اﻷﺳﻄﻮرة اﻟﺨـﺎﻟﺪة ..
ﻟﻢ ﯾﺨﺎﻟﺞ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﺷﻚ ﻓﻲ أﻧﮫ ﯾﮭﺬي أو ﯾﻤﺰح ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺿﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﯾﺪه ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﻄﺮﯾﻖ وﻧﺎداه : = أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ :إﻧﻨﻲ ﺳﺄﻟﻘﺎھﺎ اﻵن ؟ ھﺎ ھﻲ ذي ﯾﺎ ﺳﯿﺪي أﻣﺎﻣﻚ ﻟﺘﺼﺪﻗﻨﻲ ! وﻧﻈﺮ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﻓﺈذا ﻓﺘﺎة ﻣﺒﮭﻮﺗﺔ ﻣﻘﯿﺪة اﻟﺨﻄﻮات ،ﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺳﯿﻤﺎھﺎ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺷﺘﻰ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت . أﻣﺎ ھﻮ ﻓﻘﺪ ﺗﺎﺑﻊ ﺳﯿﺮه وﯾﺪه ﻓﻲ ﯾﺪ ﺻﺎﺣﺒﮫ ،ﯾﻀﻐﻂ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﺿﻐﻂ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﺿﻐﻂ أول ﻣﺮة .وإﻧﮫ ﻟﯿﺘﺮﻧﺢ ﻓﯿﺘﻈﺎھﺮ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ،وﺗﺘﻼﺣﻖ أﻧﻔﺎﺳﮫ ﻓﯿﺘﻈﺎھﺮ ﺑﺎﻻﺑﺘﺴﺎم ،ﺣﺘﻰ ﯾﺼﻼ إﻟﻰ ﻣﻔﺮق اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻓﺈذا ھﻤﺎ ﯾﻘﻔﺎن ! ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪھﻤﺎ ﺑﺄﻗﺪر ﻣﻦ اﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻻﺗﺠﺎه .ﻓﺄﻣﺎ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﻓﻜﺎن ﻣﺎ ﯾﺰال ﻓﻲ دھﺸﺔ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة : اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻨﺒﻮءة ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻌﮭﺪ إﻻ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻷﺳﺎﻃﯿﺮ .وأﻣﺎ ھﻮ ﻓﻜﺎن ﻣﺎ ﯾﺰال ﻓﻲ ھﺰة اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة :اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﺄ ﺑﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﻟﺤﻈﺔ ،ﺛﻢ ھﻮ ﯾﺘﻠﻘﺎھﺎ ﻛﻤﻦ ﻻ ﯾﻨﺘﻈﺮھﺎ ﺑﺤﺎل ! وﺣﯿﻨﻤﺎ ﻃﺎل ﺑﮭﻤﺎ اﻻﻧﺘﻈﺎر ،ﺻﺤﺎ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﻗﺒﻠﮫ ﻣﻦ دھﺸﺘﮫ ،وﺣﺴﺐ أﻧﮫ ﯾﺴﺪي إﻟﯿﮫ ﺧﯿﺮاً إذا ھﻮ ﻋﺎد ﺑﮫ أدراﺟﮭﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻟﯿﻮاﺟﮭﮭﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ! وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻮ زاھﺪا ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ھﺬا اﻟﻠﻘﺎء ،وﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻮاﺟﮫ اﻟﺸﯿﻄﺎن ،وﻻ ﯾﻮاﺟﮫ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﺗﮭﺘﻒ ﺑﮫ ﻛﻞ ذرة ﻓﻲ ﻛﯿﺎﻧﮫ أن ﯾﻠﻘﺎھﺎ اﻵن ! ﻟﻘﺪ ﺗﻨﺒﮭﺖ ﻓﯿﮫ ﻏﺮﯾﺰة اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺮ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأى ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻜﺎد ﯾﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ ﺻﺎﺣﺒﮫ ،ﻓﯿﻤﺜﻞ دور اﻟﻔﺮاﺷﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﮭﺎﻓﺖ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺘﺮق ﻋﻠﻰ ﻧﻮر اﻟﻤﺼﺒﺎح .ﻓﺈذا ھﻮ ﯾﻤﺮق ﺑﺼﺎﺣﺒﮫ إﻟﻰ ﻣﻤﺮ ﯾﺆدي إﻟﻰ ﺷﺎرع آﺧﺮ ﻧﻮاز ﻟﻠﺸﺎرع اﻟﺨﻄﺮ ،وھﻮ ﯾﺰﻋﻢ ﻟﺼﺎﺣﺒﮫ أﻧﮫ ﯾﻘﺼﺪ إﻟﻰ ﻣﺸﺮب ھﻨﺎﻟﻚ ﺧﺎص ،ﺣﺘﻰ إذا ﺻﺎرا ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع اﻷﺧﯿﺮ ،أﺣﺲ اﻧﮫ ﯾﻠﺘﻘﻂ أﻧﻔﺎﺳﮫ ،وأﻧﮫ ﻓﻲ ﻣﺄﻣﻦ ﻣﻦ ﺟﺎذﺑﯿﺔ اﻟﺘﯿﺎر ....ﻓﻮﻗﻔﺎ ﯾﺴﺘﺮﯾﺤﺎن .
***
ﻛﺎن ﺻﺎﺣﺒﮫ ﯾﻌﻠﻢ ﻗﺼﺘﮫ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﮭﺎ .ﺑﻞ ﻛﺎن ﯾﻌﯿﺶ ﻣﻌﮫ اﻟﻘﺼﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺼﻮﻟﮭﺎ ،وﻛﺎن ﯾﻌﻠﻢ أﻧﮫ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﻋﻠﻰ آﺧﺮ ﻟﻘﺎء ﻟﮭﻤﺎ ﻋﺎم ﻛﺎﻣﻞ ﺑﻌﺪ أن وﻗﻊ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻣﺎ وﻗﻊ ،ﻣﻤﺎ ﯾﺆذن ﺑﺎﻧﻔﺼﺎل ﻻ رﺟﻌﺔ ﻓﯿﮫ ، وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﮭﻰ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻛﻞ ﺷﻲء وﻟﻢ ﯾﺒﻖ إﻻ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت . وﻛﺎن ﺻﺎﺣﺒﮫ ﯾﻌﻠﻢ ﻣﺮارة اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت وﺣﻼوﺗﮭﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮارة وھﺬه اﻟﺤﻼوة اﻟﻠﺘﺎن ﯾﻤﺰﺟﮭﻤﺎ ﻓﻲ ﻛﺄس واﺣﺪة ،ﯾﺨﺸﺎھﺎ أﺑﺪا ،وﯾﺤﻦ إﻟﯿﮭﺎ أﺑﺪا ،وﻻ ﯾﻔﺘﺄ ﯾﺘﺸﮭﺎھﺎ ﻣﺮة ،وﯾﺠﻔﻞ ﻣﻦ ﻣﺴﮭﺎ ﻣﺮة ،وﯾﺼﻮغ ذﻟﻚ ﻛﻠﮫ ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪه وأﻏﺎﻧﯿﮫ ،ﺑﻞ ﯾﺘﺨﺬ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﻠﮫ ﻣﺎدة ﺣﯿﺎة . ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪ اﻧﺘﮭﻰ ،واﻧﺘﮭﻰ ﺑﺎﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﯾﻌﯿﯿﮫ أن ﯾﺤﺎول ﺑﻌﺪھﺎ وﺻﻞ ﻣﺎ اﻧﻘﻄﻊ ،أو رﺟﻊ ﻣﺎ ﻓﺎت ،ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺒﺮﯾﺎؤه ﺗﺄﺑﻰ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﻌﻮد ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮارة اﻟﺬﻛﺮى ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﻼوﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﯿﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﺑﺘﮫ ﺗﺬﻛﺮه داﺋﻤﺎً ﺑﺎﻵﻻم . وﻟﻜﻦ ھﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ وﺗﻠﻚ اﻟﻜﺒﺮﯾﺎء ﻟﻢ ﺗﻜﻦ واﺣﺪة ﻣﻨﮭﺎ ﺑﻤﺴﺘﻄﯿﻌﺔ أن ﺗﺼﺮف ﻃﯿﻔﮭﺎ ﻋﻨﮫ ،أو ﺗﻤﺤﻮ ﺻﻮرﺗﮭﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﮫ ،أو ﺗﺼﺮﻓﮫ إﻟﻰ ﺣﯿﺎة أﺧﺮى ﻏﯿﺮ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺘﻲ رﺳﻤﮭﺎ ﺧﯿﺎﻟﮫ ﻣﻌﮭﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ إﻟﻰ أﺳﻄﻮرة ﺧﺮاﻓﯿﺔ ﺗﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺤﯿﺎة . وﻛﺎن ﯾﺰﻋﻢ ﻟﻨﻔﺴﮫ أو ﺗﺰﻋﻢ ﻟﮫ ﻧﻔﺴﮫ – ﺣﯿﻨﻤﺎ ﯾﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﺮارة اﻟﻜﺄس اﻟﻤﺴﻤﻮﻣﺔ – أﻧﮫ ﻗﺪ اﻧﺼﺮف ﻋﻨﮭﺎ ،وأن اﻷﺳﻄﻮرة اﻟﺨﺮاﻓﯿﺔ ﻗﺪ ﺗﻨﺤﺖ ﻋﻦ ﻣﺠﺮى ﺣﯿﺎﺗﮫ ،ﻓﮭﻮ ﯾﺼﺮف ھﺬه اﻟﺤﯿﺎة ﻛﯿﻔﻤﺎ ﯾﺸﺎء ! وﺗﺤﺪث ﺑﮭﺬا اﻟﺰﻋﻢ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻣﺮة ،وﺗﺤﺪث ﺑﮫ ﻟﺼﺎﺣﺒﮫ ﻣﺮات .وﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﯾﺤﺲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﮫ ،وھﻦ ھﺬا اﻟﺰﻋﻢ وﺗﮭﺎﻟﻜﮫ ،ﻓﯿﺰﯾﺪه ھﺬا اﻹﺣﺴﺎس ﺗﻮﻛﯿﺪاً ﻟﻤﺎ ﯾﺰﻋﻢ ،وﻣﺠﺎھﺮة ﺑﻤﺎ ﯾﺪﻋﻲ ! ،ﻛﺎﻟﺨﺎﺋﻒ ﯾﮭﺘﻒ ﺑﺎﻟﻘﻮة واﻟﺘﺤﺪي ﻟﯿﺘﺸﺠﻊ ﻓﻲ وﺟﮫ أﺷﺒﺎح اﻟﻈﻼم ! وﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ راوده ﺻﺎﺣﺒﮫ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺤﺎول اﻟﻌﻮدة واﻻﺗﺼﺎل – وھﻮ ﯾﻌﻠﻢ ﻣﻦ دﺧﯿﻠﺔ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﺎ ﯾﻌﻠﻢ – ﻓﻜﺎن ھﺬا ﯾﺰﯾﺪه إﺻﺮارا ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺮﯾﺎﺋﮫ ،واﺳﺘﻌﺎدة ﻟﻤﺮارة اﻟﺬﻛﺮى ،وادﻋﺎء ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ . وإن ﻛﺎن ﯾﺘﺨﺎذل ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ،ﻓﯿﻌﺘﺮف ﻟﮫ ﺑﺄﻧﮭﺎ أﻋﻤﻖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ھﺬا اﻻدﻋﺎء وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺒﺮﯾﺎء ،وأن اﻟﺬي ﯾﻌﺼﻤﮫ ﻣﻦ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻌﻮدة إﻧﻤﺎ ھﻮ ﻣﺮارة اﻟﺬﻛﺮى ووﺧﺰ اﻷﺷﻜﻮاك . ﺛﻢ ﺗﻠﺖ ذﻟﻚ ﻓﺘﺮة أﺣﺲ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﺑﺄن ﻋﺎﻟﻤﮫ ﻗﺪ ﺧﻼ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻻﺳﻄﻮرة اﻟﻠﻌﯿﻨﺔ ،وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﺮح ﻟﮭﺬا اﻹﺣﺴﺎس . ﻟﻘﺪ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻔﺮاغ واﻟﺠﻔﺎف ،واﻧﺘﺎﺑﮫ ﻣﺎ ﯾﻨﺘﺎب اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻹﻟﺤﺎد ،وﻣﺎ ﯾﺼﯿﺐ اﻟﺼﻮﻓﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﻀﻼل ! ﻟﻘﺪ ﺧﻼ اﻟﮭﯿﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﻢ اﻟﻤﻌﺒﻮد ،واﺳﺘﻮﺣﺶ اﻟﺼﻮﻓﻲ ﻣﻦ ﺳﺒﺤﺎت اﻟﺸﮭﻮد ،وران ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ وﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﮫ ﻇﻼم وﺧﻤﻮد
ﻟﻘﺪ ﻋﺎدت اﻟﺤﯿﺎة ﺗﻜﻠﻔﺎ ﻻ ﯾﻄﺎق ،وراح ﯾﻘﻄﻌﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻄﻊ اﻷﺟﯿﺮ اﻟﻤﺴﺨﺮ أﯾﺎﻣﮫ وﻟﯿﺎﻟﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺠﮭﺪ اﻟﻜﺮﯾﮫ ،وﻟﯿﺲ ﻟﮫ ﻣﻨﮫ إﻻ أﺟﺮه اﻟﺰھﯿﺪ ! أﻻ ﻣﺎ أﺷﻘﻰ اﻟﻤﻠﺤﺪﯾﻦ اﻟﺤﯿﺎرى اﻟﺸﺎردﯾﻦ ﻋﻦ اﻟﮭﯿﻜﻞ ،وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻤﺮه اﻷﺻﻨﺎم !
***
واﻟﯿﻮم – ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻧﻘﻀﻰ ﻋﺎم ﻛﺎﻣﻞ – ﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﻨﺎول اﻟﻐﺪاء ﻣﻊ ﺻﺎﺣﺒﮫ ھﺬا وﺻﺪﯾﻖ ﺛﺎﻟﺚ ﻟﮭﻤﺎ .وھﻢ ﺛﻼﺛﺘﮭﻢ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎء اﻟﺼﺒﺎ ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﻗﺼﺔ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ ﺗﻨﺘﮭﻲ ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺎن ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻦ اﻷﻧﺤﺎء ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﻣﻮﺳﻢ ﯾﺘﺤﺪث ﻓﯿﮫ ﻋﻦ ﻗﺼﺘﮫ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﺗﺒﺪع ﯾﺪ اﻟﻘﺪر ﻓﯿﮭﺎ ﻓﺼﻼ ﺟﺪﯾﺪاً ،ﻓﺤﯿﺜﻤﺎ ﺿﻤﮭﻢ ﻣﺠﻠﺲ ﺗﺴﻠﻠﺖ إﻟﻰ أﺣﺎدﯾﺜﮭﻢ ﻗﺼﺔ ﻣﻦ ﻗﺼﺼﮭﻢ اﻟﺜﻼث ! وﺑﻌﺪ اﻟﻐﺪاء ذھﺐ اﻟﺼﺪﯾﻖ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﺒﻌﺾ ﺷﺄﻧﮫ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﺺ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﯾﻘﯿﮫ ﻓﺼﻼ ﻣﻦ ﻓﺼﻮﻟﮫ ،ھﺎج ﺻﺎﺣﺒﮫ ﻷن ﯾﻘﺺ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺪوره ﻓﺼﻼ ﻣﻦ ﻗﺼﺘﮫ :وﻣﺎ ﯾﻜﺎد ﺻﺎﺣﺒﮫ ﯾﻨﺘﮭﻲ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻔﺼﻞ اﻷﺧﯿﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺒﺾ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻟﮭﻔﺔ ﺧﺎﻃﻔﺔ ،وﺣﺘﻰ ﯾﻨﺴﻰ ﻛﺒﺮﯾﺎءه وادﻋﺎءه ،وﯾﻨﺴﻰ ﻣﺮارة ﺗﺠﺎرﺑﮫ وذﻛﺮﯾﺎﺗﮫ ، وﺣﺘﻰ ﯾﻔﻀﻲ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﺑﮭﺬه اﻟﻠﮭﻔﺔ اﻟﻌﺎرﻣﺔ : = ﻛﻢ أﻧﺎ ﻣﺸﺘﺎق إﻟﯿﮭﺎ ! إن اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﯿﺢ ﻟﻲ ﻟﻘﺎءھﺎ ﻣﺮة وﻣﺮة – أﯾﺎم أن ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻘﺎؤﻧﺎ رھﻦ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت – ﻋﺎدت ﺗﻀﻦ ﺑﮭﺎ اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﻌﺎم ! ﻗﺎل ﻟﮫ ﺻﺎﺣﺒﮫ : = إن اﻷﻗﺪار ﻟﺤﺮﯾﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻜﺔ اﻟﺮواﯾﺔ ! ﻓﻤﻀﻰ ھﻮ ﻓﻲ ﻟﮭﻔﺔ ﺣﺪﯾﺜﮫ :ﺗﺮى ﻛﯿﻒ ھﻲ اﻵن ؟ أرﯾﺪ أن أﻋﻠﻢ أي ﺧﺒﺮ ﻋﻨﮭﺎ ،ﺑﻞ أرﯾﺪ ﻓﻘﻂ أن أﻟﻤﺤﮭﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ .ﺗﺮى ﺗﻐﯿﺮت ؟ أم ﻣﺎﺗﺰال ﻛﻌﮭﺪي ﺑﮭﺎ ﻣﻨﺬ آﺧﺮ ﻟﻘﺎء ؟ ﺛﻢ ﯾﻨﺘﻔﺾ واﻗﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﮭﻰ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺎ ﯾﺴﺘﺮﯾﺤﺎن ﻓﯿﮫ ،وﯾﺄﺧﺬ ﺑﯿﺪ ﺻﺎﺣﺒﮫ ،وإﻧﮫ ﻟﯿﻜﺎد ﯾﺪﻓﻌﮫ دﻓﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻌﺎم . وﻗﺎل ﻟﮫ ﺻﺎﺣﺒﮫ – ﺑﻌﺪ ﻣﺴﯿﺮة ﺧﻄﻮات : = إﻧﻨﻲ اھﻢ أن أﻓﺘﺮق ﻋﻨﻚ ﻟﺸﺄن ﺧﺎص ﻓﺘﻤﺴﻚ ﺑﮫ وھﻮ ﯾﻘﻮل : = ﻛﻼ ! ﻟﻦ ﺗﺘﺮﻛﻨﻲ .ﻓﺴﻨﺘﺴﻜﻊ ھﻨﺎ ! وﯾﺴﻜﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﻟﯿﻘﻮل – وﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﺴﺘﺸﺮف ﻟﺮؤﯾﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ : = أﺣﺲ اﻧﻨﻲ ﺳﺄﻟﻘﺎھﺎ اﻵن . ﻓﯿﺘﮭﻜﻢ ﺻﺎﺣﺒﮫ وﯾﺠﯿﺒﮫ ﻣﺪاﻋﺒﺎ : = إذن أﺗﺮﻛﻚ ﺗﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﮭﺬا اﻟﻠﻘﺎء ! وإﻧﮫ ﻟﯿﺨﺸﻰ أن ﯾﻨﻔﺬ ﺻﺎﺣﺒﮫ وﻋﯿﺪه ،وأﻧﮫ ﻟﯿﺤﺲ ﺑﺮﻋﺸﺔ ﻓﻲ ﻛﯿﺎﻧﮫ ﻛﻤﻦ ﯾﻮاﺟﮫ اﻟﺨﻄﺮ ،ﻓﯿﻘﻮل :
= ﻛﻼ ! ﻟﻦ ﺗﺘﺮﻛﻨﻲ .ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻷﻓﻀﻞ إذا ﻟﻘﯿﺘﮭﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻌﻲ ،ﻛﻤﺎ ﯾﺤﺴﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻌﻲ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺪﻣﺔ ﻗﻄﺎر أو ﺻﻌﻘﺔ ﺗﯿﺎر ،ﺛﻢ ﯾﺘﻠﻮ أﺑﯿﺎﺗﺎ ﻣﻦ إﺣﺪى ﻗﺼﺎﺋﺪه ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﯿﺎق . وإﻧﮫ ﻟﯿﻤﺪ ﺑﺼﺮه ،ﻓﺈذا اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة اﻟﻤﻨﻈﻮرة ،وإذا اﻟﺨﻄﺮ اﻟﻤﺮﺗﻘﺐ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺧﻄﻮات . ﯾﺎ ﻟﻠﺴﻤﺎء ! ﺑﻞ ﯾﺎ ﻟﻠﺸﯿﻄﺎن ! إﻧﮭﺎ اﻷﺳﻄﻮرة اﻟﺨﺎﻟﺪة ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻣﻦ ﺻﻮرھﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮة .وھﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﺔ ﻛﻠﮭﺎ إﻻ أﺳﻄﻮرة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﺮاﻓﺎت .
***
ﺣﯿﻨﻤﺎ ھﺪأ روﻋﮫ ،واﺳﺘﻘﺮت ﻗﺪﻣﺎه ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع اﻟﻤﻮازي ﻟﻠﺸﺎرع اﻟﺨﻄﺮ ،ﻛﺎن ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ إﻟﻰ اﻟﻮﺣﺪة واﻻﻧﻔﺮاد ،ﻛﺎن ﯾﺤﻤﻞ ﻓﻲ وﻃﺎﺑﮫ ﺛﺮوة ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ،ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺴﺘﻌﺮﺿﮭﺎ وﺣﺪه ﻓﻲ ﺧﻔﯿﺔ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر ! ﻗﺎل ﻟﮫ ﺻﺎﺣﺒﮫ : = واﻵن إﻟﻰ أﯾﻦ ؟ ﻗﺎل : = إﻟﻰ اﻟﻀﺎﺣﯿﺔ ﻗﺎل اﻟﺼﺎﺣﺐ : = وھﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﺘﺴﺘﺮﯾﺢ ! وﺳﺎر ﺑﮫ ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع ﻟﯿﺮﻛﺒﮫ اﻟﺘﺮام ،ﻓﻠﻢ ﯾﺤﺲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺑﺎﻟﺮھﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺎرع اﻟﺨﻄﺮ ،وﻟﻢ ﯾﺤﺲ ﺑﺎﻟﻠﮭﻔﺔ ﻋﻠﯿﮫ أﯾﻀﺎ . ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ وﻃﺎﺑﮫ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة ﻣﺎ ﺑﺸﻐﻠﮫ ﻋﻦ اﻟﺮھﺒﺔ واﻟﻠﮭﻔﺔ ﺟﻤﯿﻌﺎً . وﺣﯿﻨﻤﺎ اﻧﻔﺮد ﻓﻲ اﻟﺘﺮام ﻛﺎن ﻓﻲ ﻏﯿﺒﻮﺑﺔ ﺣﺎﻟﻤﺔ .ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺷﯿﺎء واﻟﻤﻨﺎﻇﺮ واﻷﺷﺨﺎص ﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﯿﻨﮫ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻮاﻟﻰ اﻷﻃﯿﺎف اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ واﻟﺮؤى اﻟﻠﻄﯿﻔﺔ ،ﻓﻼ ﺗﺘﺮك ﻓﻲ ﺣﺴﮫ إﻻ ﻇﻼﻻ ﺧﻔﯿﻔﺔ .وﻣﻊ ھﺬا ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻮد اﻟﺨﻼص ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻈﻼل .ﻛﺎن ﯾﻀﻢ ﺟﻮاﻧﺤﮫ ﻓﻲ رﻓﻖ ﻋﻠﻰ وﻣﻀﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﻠﻮد ، ﻻ ﯾﺠﻮز أن ﺗﺨﺸﺎھﺎ ﻇﻼل اﻟﺰﺣﻤﺔ اﻟﻔﺎرﻏﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﮭﺎﻟﻜﯿﻦ . ﺛﻢ رﻛﺐ ﻗﻄﺎر اﻟﻀﺎﺣﯿﺔ ،وإﻧﮫ ﻟﯿﺮﻛﺒﮫ ﻛﻞ ﯾﻮم ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح واﻟﻤﺴﺎء ،وإﻧﮫ ﻟﯿﻀﯿﻖ ﺑﮫ ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة وﺑﻤﺎ ﯾﺜﯿﺮه ﻣﻦ اﻟﻀﺠﯿﺞ واﻟﻐﺒﺎر ،وﻟﻜﻨﮫ اﻟﯿﻮم ﻻ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﮭﺬا اﻟﻀﺠﯿﺞ ،وﻻ ﯾﻠﺘﻔﺖ ﻟﮭﺬا اﻟﻐﺒﺎر . << وإن اﻟﻘﻄﺎر ﻟﯿﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎر إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺎرى ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻐﺮوب ،وإﻧﮫ ﻟﯿﺮﺳﻞ ﺑﺒﺼﺮه ﻛﺎﻟﺤﺎﻟﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺠﻤﯿﻞ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﺮاه أول ﻣﺮة ﻓﻲ ھﺬا اﻷوان !
***
ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺴﺎء ﻛﺎن ﻛﺎﻟﺤﺎﻟﻢ اﻟﻤﺨﺪور ،ﻓﺈذا ﺻﺤﺎ ﻓﻠﯿﺴﺘﻌﯿﺪ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﮫ ﻣﻮﻛﺐ اﻟﺼﻮر اﻟﻤﺘﺰاﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﻤﻠﯿﺌﺔ ،وﻟﯿﺤﺎول أن ﯾﺘﺨﯿﻞ ﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺤﻨﺘﮫ وﻣﻼﻣﺤﮫ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻟﻤﺢ ﻛﺎﻟﺒﺮق ﺳﺤﻨﺘﮭﺎ وﻣﻼﻣﺤﮭﺎ وﻟﯿﺴﺄل ﻧﻔﺴﮫ ﻛﺎﻷﻃﻔﺎل : أﻛﺎن ﯾﺒﺪو ﻋﻠﻲ اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ وﻋﺪم اﻟﻤﺒﺎﻻة ؟ أم ﻛﻨﺖ ﺧﺎﺋﺮاً ﻣﻀﻌﻀﻊ اﻟﻘﻮى ؟ أﻛﻨﺖ ﻣﻨﻔﺮج اﻟﻤﻼﻣﺢ ﺑﺎش اﻟﺴﻤﺎت ؟ أم ﻛﻨﺖ ﻣﻘﻄﺐ اﻟﻮﺟﮫ ﻣﻐﻀﻦ اﻟﺠﺒﯿﻦ ؟ ﺗﺮى أﺳﺄت إﻟﯿﮭﺎ ﺑﺠﻤﻮدي وﻗﻠﺔ ﻣﺒﺎﻻﺗﻲ ؟ أم ﺗﺮى اﺳﺘﺸﻔﺖ ﺧﻮاﻃﺮي واﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻲ ؟ ﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻠﮫ ﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻌﻲ ﺻﺎﺣﺒﻲ ؟ ﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻓﻌﻞ ﻟﻮ ﻻﻗﯿﺘﮭﺎ ﻣﻨﻔﺮداً ؟ وھﻜﺬا وھﻜﺬا ﻣﻦ ھﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﻄﻔﻮﻟﯿﺔ اﻟﺴﺎذﺟﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻄﻤﺌﻦ ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﺟﻮاب ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﻄﺮ ﻟﮫ ﺑﺒﺎل ،ﻟﻮﻻ اﻷﺳﻄﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻠﻞ ﺣﯿﺎﺗﮫ ،وﺗﺮده ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﯿﺎن إﻟﻰ ﺧﻮاﻃﺮ اﻷﻃﻔﺎل ،وﻟﻜﻨﮫ ﻣﻊ ھﺬا ﻛﻠﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﻠﻘﺎ وﻻ ﻣﮭﺘﺎﺟﺎ ،ﻛﺎن ھﺎدئ اﻟﻘﻠﺐ ،رﺿﻲ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻧﺸﻮان اﻟﺨﯿﺎل .ﻟﻘﺪ أرﺿﺎه أﻧﮭﺎ ﻻﺗﺰال ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﻌﮭﺪ اﻟﻄﻮﯾﻞ ﺗﻀﻄﺮب ھﺬا اﻻﺿﻄﺮاب ﺣﯿﻦ ﺗﻠﻘﺎه ،وأﻧﮫ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺘﻈﺎھﺮ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ﻓﻲ وﺟﮫ ھﺬا اﻻﺿﻄﺮاب ! وﻟﻘﺪ أرﺿﺎه أﻧﮫ ﻻ ﯾﺰال ﯾﺤﻤﻞ اﻟﺸﻌﻠﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﯿﻦ ﺟﻨﺒﯿﮫ ،وﯾﻤﻠﻚ ھﺬا اﻟﺴﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺤﺴﺒﮫ ﻗﺪ ﺗﺎه : ﺳﺮ اﻟﺘﻮﺟﮫ إﻟﻰ اﻟﺼﻨﻢ ﺑﻤﺜﻞ ھﺬه اﻟﺤﺮارة وﻣﺜﻞ ھﺬا اﻻﺧﺘﻼج ! وﻟﻘﺪ ﻃﻤﺄﻧﮫ أن ﺻﺎﺣﺒﮫ ﯾﻘﺮر – وﻗﺪ رأى ﻣﻨﮭﻤﺎ ﻣﺎ راى – أن اﻟﺴﺘﺎر ﻟﻢ ﯾﺴﺪل ﺑﻌﺪ ،وأن اﻟﺮواﯾﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﻢ ﻓﺼﻮﻻ ،وأن ﻓﻲ اﻟﺠﻌﺒﺔ ﻣﺨﺒﺂت .ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻧﺒﻮءة ﺻﺎﺣﺒﮫ ھﺬه ﻓﻲ ﻟﮭﻔﺔ واﺷﺘﯿﺎق ﻛﻤﺎ ﯾﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ أﺳﻌﺪ اﻟﺒﺸﺮﯾﺎت !
***
وﻛﺎن ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة ﻗﺪ ﺿﺎق ﺑﺎﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﺮ اﻟﺼﯿﻒ ،وﺑﺮم ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ وﻗﺪة اﻟﺤﺮ ،وﺗﺠﺎوز اﻟﻀﯿﻖ داﺋﺮة اﻟﻌﻤﻞ وداﺋﺮة اﻟﻘﺎھﺮة ،ﻓﺸﻤﻞ اﻟﺤﯿﺎة ﻛﻠﮭﺎ ،وﺷﻤﻞ اﻟﻨﺎس واﻷﺷﯿﺎء ،وﻛﺎن ﻗﺪ اﻋﺘﺰم أن
ﯾﺮﺣﻞ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻜﺮﯾﮭﺔ إﻟﻰ ﺟﮭﺔ ﻣﺎ ،وأن ﯾﻨﺠﻮ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻀﯿﻖ اﻟﻤﺤﻄﻢ ﻟﻸﻋﺼﺎب .وﻟﻮ ﻟﺒﻀﻌﺔ أﯾﺎم . ﻓﺄﯾﻦ ﺻﺎرت ﻣﻨﮫ اﻟﻌﺰﯾﻤﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت ؟ إن اﻟﻘﺎھﺮة ﻟﺤﺒﯿﺒﺔ ،وإن اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ،وإن ﻓﻲ اﻟﻜﻮن اﻟﻮاﺳﻊ ﻟﻔﺴﺤﺔ ﻟﻶﻣﺎل ،وإﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﺒﺮح اﻟﻘﺎھﺮة ،وﻟﻮ ﻟﺒﻀﻌﺔ أﯾﺎم . أﺑﯿﺲ ﻓﻲ اﻟﻘﺎھﺮة ھﺬا اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻌﺎم ؟ أوﻟﻢ ﯾﻠﻘﮭﺎ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻌﺎم ؟! ...............
..ﻋــــﺎرﯾﺔ ..
ﺑﻌﺪ ﻋﺎم وﻧﺼﻒ ﻋﺎم ﻻﻗﺎه اﻟﻀﺎﺑﻂ اﻟﺸﺎب – ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺤﻲ – ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻌﺎم وﻣﻌﮫ ﻓﺘﺎة ! ..ﻟﻘﺪ دھﺶ أول اﻷﻣﺮ ودﻓﻌﮫ ﺣﺐ اﻻﺳﺘﻄﻼع ﻷن ﯾﻌﺮف ﻣﻦ ﺗﻜﻮن اﻟﻔﺘﺎة ..ﻟﻌﻠﮭﺎ أﺧﺘﮫ أو ﻗﺮﯾﺒﺘﮫ .إﻻ أن ھﺎﺟﺴﺎ ﻛﺎن ﯾﮭﺘﻒ ﻓﻲ اﻋﻤﺎﻗﮫ :ﻛﻼ ﻛﻼ إﻧﮭﺎ ﺷﻲء آﺧﺮ ﻓﻲ ﺣﯿﺎة ھﺬا اﻟﺸﺎب . ﻛﯿﻒ ﯾﻌﺮف ؟ ﻟﯿﺘﮫ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺴﺄل ﻛﺎﺋﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﺎن وﻟﻢ ﺗﻄﻞ ﺑﮫ اﻷﯾﺎم ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﻚ واﻟﻘﻠﻖ ،ﻓﻠﻘﺪ ﻟﻘﻰ اﻟﺸﺎب ﻣﺮة أﺧﺮى وﺣﯿﺪاً .ﻟﻘﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﺘﺮام ﻓﻤﺎ ﻟﺒﺚ أن ﺳﻠﻢ ﻋﻠﯿﮫ ،وأﺧﺬ ﻣﻌﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ . ﻗﺎل : = ﻟﻘﺪ ﻋﺪتَ ﻣﻦ اﻟﺴﻮدان ! = ﻧﻌﻢ ﻣﻦ ﻣﺪة ! = وﻛﯿﻒ اﻟﺤﺎل اﻵن ؟ = اﻟﺤﻤﺪ ﷲ .
= أﻻ ﺗﺰال ﺗﺴﻜﻦ ھﻨﺎك ! = ﻧﻌﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻨﺰل . وﺧﺎف أن ﯾﺴﺘﻤﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ ھﻜﺬا ﺣﺘﻰ ﯾﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﺘﺮام ،ﻓﻌﺮج ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﺮب ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ . = ﻟﻘﺪ ﺷﺎھﺪﺗﻚ ﻣﻨﺬ اﯾﺎم ﻓﻲ ﺷﺎرع ﻓﺆاد ﻓﻠﻢ أﺳﻠﻢ ﻋﻠﯿﻚ ﻷﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ وﺣﺪك . = آه ..ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻲ ﺧﻄﯿﺒﺘﻲ ! = ﺧﻄﯿﺒﺘﻚ ؟ وھﻞ ﺧﻄﺒﺖ ﻏﯿﺮ ....؟ = ﻣﺎذا أﺻﻨﻊ ،إن أﻣﻲ ﻟﻢ ﺗﻘﺒﻞ أﺑﺪاً ،ﺛﻢ ھﻲ .ﻟﻘﺪ ﻗﺎﺑﻠﺘﮭﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﺴﻠﻢ ﻋﻠﻲ ّ ! = ﻣﻌﮭﺎ ﺣﻖ ! ) ﻗﺎﻟﮭﺎ ﻓﻲ راﺣﺔ وﻓﻲ ﺣﻨﻖ ﻣﻜﺘﻮم ( . = إن أھﻠﻲ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﺷﺪﯾﺪو اﻟﺤﻨﻖ ﻋﻠﯿﮭﺎ .إﻧﮭﻢ ﯾﺸﯿﻌﻮن ﻋﻨﮭﺎ إﺷﺎﻋﺎت ﻛﺜﯿﺮة ،وﯾﺸﻮھﻮن ﺳﻤﻌﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﯾﻘﻮﻟﻮن ﻋﻨﻚ أﻧﺖ :إﻧﻚ ﺗﺮﻛﺘﮭﺎ ﻟﺴﻮء ﺳﻠﻮﻛﮭﺎ ،وﻗﺪ ﺳﺎءت ﺳﻤﻌﺘﮭﺎ ﻓﻌﻼ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ﻛﻠﮫ ! ﻓﺘﺮﻛﻮه إﻟﻰ ﺣﻲ ﺟﺪﯾﺪ . ھﻢّ أن ﯾﺼﻔﻌﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ .وﻟﻜﻨﮫ أﻣﺴﻚ ﻧﻔﺴﮫ وھﻮ ﯾﻘﻮل : = أﻧﺎ ؟ أﻧﺎ ﺗﺮﻛﺘﮭﺎ ﻟﺴﻮء ﺳﻠﻮﻛﮭﺎ ؟ ﻣﻦ ﻗﺎل ذﻟﻚ ؟ إن اﻟﺬي ﯾﻘﻮل ھﺬا ﻛﺬاب .إﻧﮭﺎ ﻣﺴﻜﯿﻨﺔ .إﻧﮭﺎ ﺿﺤﯿﺔ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ اﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﻓﻲ ﺷﺒﺎن اﻟﺠﯿﻞ ! وﻛﺎن اﻟﺘﺮام ﻗﺪ وﻗﻒ ،ﻓﺎﺳﺘﺄذن اﻟﺸﺎب وﻧﺰل ،ﻗﺒﻞ أن ﯾﺴﻤﻊ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﺸﺘﺎﺋﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺘﻨﻔﺠﺮ ﻟﻮ ﻃﺎل اﻟﺤﺪﯾﺚ !
***
ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ ان ﯾﻨﺎم ﻟﯿﻠﺘﮫ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺴﺎوره اﻟﻘﻠﻖ وﯾﺨﺰ ﺿﻤﯿﺮه اﻟﻨﺪم .ﻣﻦ ﯾﺪري أن ﻟﮫ ﯾﺪاً ﻓﻲ ﺗﻌﻄﯿﻠﮭﺎ ﻋﻦ اﻟﺰواج ؟ إن ﺧﻄﺒﺘﮫ ﻟﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﻓﻲ وﺳﻄﮭﺎ ﻛﻠﮫ ،ﻓﻤﻦ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻌﺮف اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ؟ ﻣﻦ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻈﻦ أن ﻓﺼﻢ اﻟﺨﻄﺒﺔ ﻛﺎن ﻟﺸﻲء ﻋﻠﻤﮫ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﻤﺎ ﯾﺴﻲء ؟ وھﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﺴﺘﻌﺪون أن ﯾﻘﺪروا ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ ؟ وھﻞ ﻟﺪﯾﮭﻢ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻜﺎﻓﻲ ﻟﻠﺒﺤﺚ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ؟ إﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺴﻮدة ﻓﻲ أﺳﺮﺗﮭﺎ ﻟﺠﻤﺎﻟﮭﺎ وذﻛﺎﺋﮭﺎ وزواﺟﮭﺎ ،وإﻧﮭﻢ ﺳﯿﺠﺪون ﻓﻲ ﻓﺼﻢ اﻟﺨﻄﺒﺔ ﺑﻌﺪ ﻋﻘﺪھﺎ ﻣﺎدة ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﺸﻔﺎء أﻧﻔﺴﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﺪ اﻟﻜﻈﯿﻢ .ﺛﻢ أﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻮ اﻟﺬي ﻣﻨﻌﮭﺎ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺸﺎب ؟ ﺣﻘﯿﻘﺔ إﻧﮭﻢ رﻓﻀﻮه أول ﻣﺮة ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﯾﺪري أﻧﮫ ﻟﻮﻻ وﺟﻮده ﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ..ﻟﻘﺒﻠﻮه .....ﻣﺴﻜﯿﻨﺔ . ﻣﺴﻜﯿﻨﺔ .ﻟﯿﺘﮫ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﯿﻮم أن ﯾﺼﻠﺢ ھﺬه اﻷﺧﻄﺎء ! وأدرﻛﺘﮫ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮم ،ﻓﻮﺟﺪھﺎ .وﺟﺪھﺎ ﻋﺎرﯾﺔ ﺗﺘﻮارى ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻓﻲ اﻧﺰواء .ودار ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﺣﻮار : ھﻮ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻠﻘﻲ ﻋﻠﯿﮭﺎ رداءه ﻟﯿﺴﺘﺮھﺎ ،وھﻲ ﺗﻤﺘﻨﻊ وﺗﺘﻮارى ...ﺛﻢ ...ﺛﻢ ﺗﻌﺘﺬر ﻟﮫ ﻣﻦ دﻋﻮﺗﮭﺎ ﻟﻤﺮاﻓﻘﺘﮫ : = إﻧﻨﻲ ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ﻋﺎرﯾﺔ ،ﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ اﻟﺘﻌﺮض ﻟﻸﻧﻈﺎر ! .......ﺛﻢ إﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ .........ﻋﺬراء !......
***
ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺤﻠﻢ ﻣﻦ وﺣﻲ اﻟﻮﺳﺎوس اﻟﺘﻲ ﺳﺎورﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﯿﻘﻈﺔ ،وﻟﻜﻨﮫ ﺗﺮك ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ أﺛﺮاً ﻋﻤﯿﻘﺎً .ﻟﻘﺪ ﻃﺒﻊ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﮫ ﺣﻘﯿﻘﺔ واﺿﺤﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﺘﺤﺲ .ﺣﻘﯿﻘﺔ أﻟﯿﻤﺔ ﻣﺆذﯾﺔ ،ﻻ ﯾﻘﺮ ﻟﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪھﺎ ﻗﺮار :أﺗﻜﻮن ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻢ ؟ أﯾﻜﻮن اﻣﺘﻨﺎﻋﮭﺎ ﻋﻠﯿﮫ ﻟﮭﺬا اﻟﺴﺒﺐ .....؟ ھﻲ ؟ ھﻲ ﺣﻮرﯾﺘﮫ اﻟﮭﺎرﺑﺔ ؟ ھﻲ ﻋﺬراؤه اﻟﻄﮭﻮر ؟ ھﻲ ...ھﻲ ؟ وﻓﻲ ﻣﺴﺎء اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ اﻧﺘﻈﺎر . ﻟﻘﺪ دھﺸﺖ ﺣﯿﻨﻤﺎ رأﺗﮫ دھﺸﺔ ﺷﺪﯾﺪة ،ودھﺶ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ أﯾﻀﺎً .إن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪ اﻧﺘﮭﻰ إﻟﻰ ﻏﯿﺮ رﺟﻌﺔ ،ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﯾﺮﺟﻌﮫ اﻵن ؟ وﻗﺎل ﻟﮭﻢ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﻋﻤﯿﻘﺔ ﺻﺎدﻗﺔ : = ھﻞ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺳﺘﺄذﻧﻜﻢ ﻓﻲ أن أﺧﻠﻮ ﺑﺴﻤﯿﺮة دﻗﺎﺋﻖ ﻗﻠﯿﻠﺔ ؟ إن ﻟﻲ ﻣﻌﮭﺎ ﺣﺪﯾﺜﺎً ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧﯿﺮة ! .. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻮاﺟﺰ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻣﻌﺪوﻣﺔ – ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ وﻗﻊ – ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺪ ﻣﻤﺎﻧﻌﺔ ﻣﻦ أﺣﺪ ،ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮭﺎ ﯾﺘﻤﻨﻮن رﺟﻊ ﻣﺎ ﻓﺎت . وﺟﻠﺲ ﺑﺠﻮارھﺎ ﻋﻠﻰ أرﯾﻜﺔ واﺣﺪة ،وأﺧﺬ ﯾﺪھﺎ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ﻓﻲ اﺿﻄﺮاب ،وﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ﺑﺸﺪة ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺴﺘﺠﻠﻲ ﺳﺮ اﻟﺤﻠﻢ اﻟﺮھﯿﺐ .إﻧﮫ ﻟﯿﮭﺐ ﻧﺼﻒ ﻋﻤﺮه ﻟﻤﻦ ﯾﻨﺒﺌﮫ ﺑﺎﻟﺴﺮ اﻟﻤﺮھﻮب . ﻗﺎل : = اﺳﻤﻌﻲ ﯾﺎ ﺳﻤﯿﺮة .ﻟﻌﻠﻚ ﺗﺴﺘﻐﺮﺑﯿﻦ ﻋﻮدﺗﻲ اﻵن ... ﻗﺎﻟﺖ : = ﻛﻼ .ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ اﺗﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﻛﻞ ﯾﻮم أن ﺗﻌﻮد ! ﻗﺎل : = ﻧﻌﻢ ھﺬا ﺻﺤﯿﺢ .أﺗﺬﻛﺮﯾﻦ ﯾﻮم أن ﻟﻘﯿﺘﻚ ﺑﻐﺘﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﻘﻄﺎع ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻨﻈﺮﻧﺎ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻏﺮﯾﺒﺎً ! ﻗﺎل : = واﻵن .ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر .أرﯾﺪ أن أﻗﻮل ﻟﻚ :إﻧﻨﻲ ﻟﻘﯿﺖ )) ﺿﯿﺎء (( وﻋﻠﻤﺖ ﻣﻨﮫ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻣﻮﻗﻔﻚ . ﻗﺎﻟﺖ وھﺰت ﻛﺘﻔﮭﺎ ﺳﺎﺧﺮة : = ﺿﯿﺎء ! أﻻ ﺗﺰاﻻن ﺗﻠﺘﻘﯿﺎن ؟ ﻗﺎل : = ﻻ .ﻟﻘﺪ ﻗﺎﺑﻠﺘﮫ ﻣﺼﺎدﻓﺔ وﻣﻌﮫ ﺧﻄﯿﺒﺘﮫ ! ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻠﮭﺠﺔ : = ﻟﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ !
ﻗﺎل : = وﻟﻘﺪ رأﯾﺖ ﺣﻠﻤﺎً أزﻋﺠﻨﻲ ﻓﺠﺌﺖ ﻷﺳﺘﻮﺛﻖ ! ﻗﺎﻟﺖ : = ﻣﺘﺸﻜﺮة .وﻟﻜﻦ ﻟﻨﺪع ھﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ ،ﻓﻤﺎ ﻋﺎد ﯾﺠﺪي ﺑﻌﺪ اﻵن . ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣﺮارة : = إﻧﻚ ﻻ ﺗﺪرﯾﻦ ﺣﻠﻤﻲ اﻟﺮھﯿﺐ .إﻧﮫ رھﯿﺐ ﺣﻘﺎً .إﻧﻨﻲ أﻛﺎد أﺟﻦ ! ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ دھﺸﺔ : = وﻣﺎ ﺣﻠﻤﻚ ذاك ؟ ھﻨﺎ ﺗﻠﻌﺜﻢ وﺑﺪا ﻋﻠﯿﮫ اﻻﺿﻄﺮاب .ﺑﺄي ﺣﻖ ﯾﻮاﺟﮭﮭﺎ ﺑﮭﺬه اﻟﺘﮭﻤﺔ اﻟﻜﺒﯿﺮة ؟ أﻟﻤﺠﺮد أﻧﮫ رأى ﺣﻠﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﻼم ؟ وأﺣﺲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ أﻧﮫ ﻇﺎﻟﻢ ﻟﮭﺎ ،وﻧﻈﺮ ﻓﺈذا ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺗﻄﻞ ﻣﻨﮭﻤﺎ اﻟﺒﺮاءة ،ﻓﻌﺎدت إﻟﯿﮫ ﺛﻘﺘﮫ اﻟﻮﺛﯿﻘﺔ . ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﻠﻌﺜﻢ : = ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل ھﺒﻲ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺣﻠﻤﺖ ﺑﮫ ﺻﺤﯿﺤﺎً ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻣﺴﺘﻌﺪ أن أﻏﻔﺮ ﻛﻞ ﺷﻲء .إﻧﻨﻲ أﻗﺒﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ وﺿﻊ ﻣﻦ اﻷوﺿﺎع ! .. ﻗﺎﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻋﻤﯿﻖ اﻟﻨﺒﺮات وﻟﻢ ﯾﺪر إن ﻛﺎﻧﺖ ﻓﮭﻤﺖ .وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ھﺪوء : = ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ أن ﻧﺒﻘﻰ ھﻜﺬا أﺻﺪﻗﺎء .ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ ﻟﻲ وﻟﻚ ،إﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻷن أﺣﺲ أن ھﻨﺎك ﺻﺪﯾﻘﺎً ، وأﻧﺖ رﺟﻞ ﺷﺎﻋﺮ ﻓﻠﺘﻤﺾ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻚ اﻷدﺑﻲ ﻛﻔﻨﺎن ! ﻗﺎل ،وﻗﺪ ﺣﺴﺐ اﻧﮭﺎ ﺗﺘﺠﻤﻞ وﻻ ﺗﻨﻮي ﻣﺎ ﺗﻘﻮل : = ﻻ ﯾﺎ ﺳﯿﺪﺗﻲ .إن ﻛﺎن اﻟﺸﻌﺮ ﻻ ﯾﻨﻀﺠﮫ إﻻ اﻟﺤﺮﻣﺎن ،ﻓﺄﻧﺎ ﺳﺄﻃﻠﻖ ھﺬا اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ اﻵن ! ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺔ ﺟﺎزﻣﺔ : = ﻛﻼ ﯾﺎ ﺳﺎﻣﻲ ..إن ﻋﻤﻠﻚ اﻷدﺑﻲ أدوم وأﺧﻠﺪ .إﻧﻚ ﻻ ﺗﺰال ﻣﺨﺪوﻋﺎ ﻓﻲ ﻗﯿﻤﺘﻲ ،إﻧﻨﻲ ﻻ أﺳﺎوي ﺷﯿﺌﺎً ،وﻟﻜﻦ ﻟﺘﻈﻞ ھﻜﺬا ﻣﺨﺪوﻋﺎً ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ﻟﺘﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﻨﺸﻲء ﺷﻌﺮاً وﻗﺼﺼﺎ .ﻟﻘﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻗﺼﺼﻚ اﻷﺧﯿﺮة ﻓﻲ )) اﻟﺮادﯾﻮ (( وھﻲ ﻗﺼﺺ ﻣﺆﺛﺮة وﺟﻤﯿﻠﺔ ،إﻧﻚ ﺗﺘﺤﺪث ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻦ )) اﻟﺤﻮرﯾﺔ اﻟﮭﺎرﺑﺔ (( ﻓﻠﺘﺘﺤﺪث ﻋﻦ ھﺬه اﻟﺤﻮرﯾﺔ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ .ﻓﻠﻮ أﻧﻚ ﻋﺮﻓﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺘﮭﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﺑﻌﺪ اﻵن ! وأﺣﺲ ﻓﻲ ﺗﻌﺒﯿﺮھﺎ ﻧﻀﻮﺟﺎ ﻛﺎﻣﻼ ﻟﻢ ﯾﻌﮭﺪه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﻧﻌﻢ إﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﮭﺬا اﻟﻨﻀﻮج ، وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻮادره ﺗﻠﻮح ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﮭﺎ وﺑﻌﺾ ﺗﻌﺒﯿﺮاﺗﮭﺎ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺑﺪاً اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﻤﺮﺣﺔ اﻟﻌﺎﺑﺜﺔ ، ﺗﻔﺘﻦ ﻓﻲ وﺟﻮه اﻟﺸﯿﻄﻨﺔ ﻟﺘﻐﯿﻈﮫ وﺗﺤﻨﻘﮫ ،ﺛﻢ ﺗﻨﻔﺠﺮ ﺿﺎﺣﻜﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺳﻤﺎھﺎ )) اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﺸﻘﯿﺔ (( ﻣﻊ ﻣﺎ ﯾﺒﺪر ﻣﻨﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ﻣﻦ ﺑﻮاﻛﯿﺮ اﻟﻨﻀﺞ واﻻﺳﺘﻮاء . ﻓﻘﺎل : = أراك ﯾﺎ ﺳﻤﯿﺮة ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ ﺑﻠﻐﺔ اﻟﺮواﯾﺎت ،وأﺧﺸﻰ ان ﺗﺨﻠﻄﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ واﻟﺨﯿﺎﻻت ،ھﺬا اﻟﺬي ﺗﻘﻮﻟﯿﻨﮫ ﯾﺼﻠﺢ ﻟﻠﻘﺼﺺ ،وﻟﻜﻨﮫ ﻻ ﯾﺼﻠﺢ ﻟﻠﺤﯿﺎة ! ﻗﺎﻟﺖ : = ﻛﻼ! إﻧﻨﻲ أﻋﺮف اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وأﻋﯿﺶ ﻓﯿﮭﺎ ،إﻧﻤﺎ أﻧﺖ اﻟﻐﺎرق ﻓﻲ اﻷﺣﻼم واﻟﺨﯿﺎﻻت ،وإﻧﮫ ﻟﻤﻦ اﻟﺨﯿﺮ ﻟﻚ أﻻ ﺗﻌﯿﺶ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وأن ﺗﺒﻘﻰ ھﻜﺬا ﻓﻲ اﻷﺣﻼم ! وارﺗﻔﻌﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﮫ درﺟﺎت وھﻲ ﺗﻘﻮل ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻷﺧﯿﺮة ،وزاد ﺣﺮﺻﮫ ﻋﻠﯿﮭﺎ وﺷﻐﻔﮫ ﺑﮭﺎ ،وﻟﻢ ﯾﺒﺎل اﻷﺷﻮاك واﻷﺣﻼم ! ﻗﺎل :
= وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻦ أﺗﺮك ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺜﺮوة ﺗﻔﻠﺖ ﻣﻦ ﯾﺪي ﺑﻌﺪ اﻵن ! ﻗﺎﻟﺖ : = ﯾﺎ ﻟﻚ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻃﯿﺐ ﻣﺨﺪوع ..ﻟﻘﺪ ﻏﺮك اﻟﺒﺮﯾﻖ ! ﻗﺎل : = ﻓﻠﯿﻜﻦ ،وﻻ ﺑﺪ أن ﻧﻨﺘﮭﻲ إﻟﻰ ﻗﺮار ،ﻓﻘﺪ ﻃﺎل اﻟﺤﺪﯾﺚ .وھﻢ ﯾﻨﺘﻈﺮوﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﻤﺠﺎورة . ﺧﻔﻀﺖ ﺑﺼﺮھﺎ ،وأﻟﻘﺖ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ﻛﺄﻧﮭﺎ ﺻﺎدرة ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ : = اﺳﻤﻊ ﯾﺎ أﺧﻲ ،إﻧﻨﻲ ﻻ أﺻﻠﺢ ﻟﻚ .إن ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻘﯿﻢ .إﻧﻨﻲ ﻋﺎرﯾﺔ ،ﻋﺎرﯾﺔ أﻣﺎﻣﻚ ،وﻟﻦ أﻗﻒ ﻋﺎرﯾﺔ أﻣﺎم إﻧﺴﺎن ! )) ﻋﺎرﯾﺔ ؟ (( ﻗﺎﻟﺘﮭﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻠﮭﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻢ ،واﻧﺘﻈﺮ أن ﺗﻜﻤﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺖ ...وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﻞ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻓﻈﻞ ﯾﺤﺪق ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺸﺪه وھﻮ ﻣﻨﺼﺮف إﻟﻰ ﺻﻮرﺗﮭﺎ اﻷﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎم ! ﻗﺎﻟﺖ : = ﻣﺎﻟﻚ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻲ ھﻜﺬا ! ﻗﺎل : = أﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪك ﻣﺎ ﺗﺰﯾﺪﯾﻦ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻛﻼ ! ﻓﮭﺬا ھﻮ ﻗﺮاري اﻷﺧﯿﺮ . ﻗﺎل ﯾﻐﻤﻐﻢ : = واﻟﺤﻠﻢ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = أي ﺣﻠﻢ ﺗﺮﯾﺪ ؟ ﺣﻠﻤﻚ ! إﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻔﺼﺢ ﻟﻲ ﻋﻨﮫ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﯿﻞ . ھﻨﺎ ﻋﺎوده اﺿﻄﺮاﺑﮫ ...أﯾﻔﻀﻲ إﻟﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ اﻟﻔﻈﯿﻊ ؟ ﻗﺎل : = اﺳﻤﻌﻲ ﯾﺎ ﺳﻤﯿﺮة ) وﺿﻐﻂ ﯾﺪھﺎ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ( ﻟﻘﺪ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ إﻧﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻷن أﻏﻔﺮ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﻛﻞ ﺷﻲء ،أﯾﺎ ﻛﺎن !!! ﺣﺪﻗﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﺑﺸﺪة ،واﻧﻔﺠﺮت ﺗﺒﻜﻲ ! رﺑﺎه ! ﻣﺎ دﻻﻟﺔ ھﺬا اﻟﺒﻜﺎء ؟ أھﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﻔﺰﻋﺔ ﺗﻮاﺟﮭﮭﺎ ﻓﺘﺒﻜﻲ ؟ أم ھﻲ اﻟﺘﮭﻤﺔ اﻷﻟﯿﻤﺔ ﺗﺼﯿﺒﮭﺎ ﻓﺘﺘﻠﻮى ؟ ﻣﻦ ذا ﯾﻌﻄﯿﮫ اﻟﯿﻘﯿﻦ وﯾﺴﻠﺒﮫ اﻟﺤﯿﺎة ؟ ﺛﻢ اﻓﺎﻗﺖ ﻟﺘﻘﻮل : = أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ إن ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ﻟﻦ ﺗﺼﻠﺢ ﺑﻌﺪ اﻵن ؟ ﻗﺎل : = وﻟﻢ ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ؟ وﻣﺎذا ﺟﺪ اﻵن ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻻ ﺗﻐﺎﻟﻂ ﻧﻔﺴﻚ ،إﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﺜﻖ ﺑﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻻ ﯾﺨﺪﻋﻨﻚ أﻧﻚ ﺗﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﻜﺒﯿﺮ . إن ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺳﺘﺰول ،ﺳﺘﺰول ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻀﻤﻨﺎ ﺑﯿﺖ واﺣﺪ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻄﻠﺐ ﻛﻼ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﺗﺒﻌﺎت اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ...ﺑﺮﺑﻚ ﺗﺼﻮر أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺳﺎﺋﺮة ﻣﻌﻚ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻓﻠﻘﯿﻨﺎ ﺿﯿﺎء ! أﻻ ﺗﺜﻮر ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ
اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ؟ أﻻ ﺗﺘﺰاﺣﻢ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮك اﻟﺼﻮر ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ؟ أﻻ ﺗﮭﺠﻢ ﻋﻠﯿﻚ ھﻮاﺟﺴﻚ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ؟ أﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﺘﻘﯿﻢ ﺑﻌﺪھﺎ ﺣﯿﺎة ؟ .........واﻷﺣﻼم ؟ ﻣﻦ ذا ﯾﻌﺼﻤﻚ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻣﻦ ھﺬه اﻷﺣﻼم ؟ ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻤﺖ وﺑﺪا ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮭﺎ ﺣﻨﺎن اﻷم ﻟﻠﻄﻔﻞ اﻟﻤﺨﺪوع ! وﻗﺎل ھﻮ ﻓﻲ ذھﻮل : = وأﻧﺖ ..ﻣﺎ ﺧﻂ ﺳﯿﺮك ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﻗﺎﻟﺖ : = ﺳﺄﻋﯿﺶ راھﺒﺔ . ﻗﺎل : = ھﺬا ﯾﺨﯿﻔﻨﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ﻗﺎﻟﺖ : = اﻃﻤﺌﻦ إذن ..ﻓﺴﺄﻗﺒﻞ أول ﻃﺎرق ﻣﻦ ﻋﺮض اﻟﻄﺮﯾﻖ دون ﺳﺆال أو اﺳﺘﻔﮭﺎم ! وأﺣﺲ ﺑﺄن اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻗﺪ اﻧﺘﮭﻰ ،وأﻧﮫ ﻻ ﺳﺒﯿﻞ إﻟﻰ زﯾﺎدة ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة . ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻨﮭﺾ وﺗﺸﺪّ ﯾﺪه : = ﻟﻨﻜﻦ أﺻﺪﻗﺎء ! ﻓﺄﺟﺎب ﻓﻲ ﺻﻮت ﺧﺎﻓﺖ : = وھﻮ ﻛﺬﻟﻚ .ﻓﻠﻨﻜﻦ أﺻﺪﻗﺎء !
...أﺣــﻼم . ..
ﻛﺎن ﯾﻘﻮل ﻟﮭﺎ – أﯾﺎم ﻛﺎﻧﺎ ﯾﻠﻘﯿﺎن – إﻧﻨﻲ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺷﻢ راﺋﺤﺘﻚ وأﻣﯿﺰھﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ أﻟﻒ ﻓﺘﺎة ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ! وﻛﺎن ھﺬا ﯾﺴﺮھﺎ وﯾﺴﺘﺨﻔﮭﺎ ،ﻓﺘﺤﺎول أن ﺗﺨﻔﻲ ﺳﺮورھﺎ وﺧﻔﺘﮭﺎ ﺑﺎﻟﺘﮭﻜﻢ وﺑﺎﻟﺪﻋﺎﺑﺔ ،ﻓﺘﻘﻮل )) :إن ﺣﺎﺳﺔ اﻟﺸﻢ ﻗﻮﯾﺔ ﺟﺪاً ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت (( ﻓﯿﻀﺮﺑﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺪھﺎ وﯾﺘﻀﺎﺣﻜﺎن .
***
وﻟﻢ ﯾﺪر ﻓﻲ ذات ﯾﻮم – وھﻮ ﯾﺴﯿﺮ ﻓﻲ ﺷﺎرع ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﺎﺷﺎ ﻧﺤﻮ ﺷﺎرع ﻓﺆاد – ﻣﺎ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ ھﺬه اﻟﺬﻛﺮى ﺗﻘﻔﺰ إﻟﻰ ﺧﺎﻃﺮه ﺑﻌﺪ اﻋﻮام .. وﻟﻜﻨﮫ ﯾﺪري أﻧﮫ اﻧﺪﻓﻊ ﻋﻠﻰ اﻷﺛﺮ ﯾﺸﻖ زﺣﺎم اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ وھﻮ ﯾﻔﺘﺶ ﻓﻲ اﻟﺰﺣﺎم ﻋﻦ ﺷﻲء ﻻ ﯾﺘﺒﯿﻨﮫ ﻓﻲ ذھﻨﮫ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺘﺤﻘﯿﻖ ..ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﺪار اﺣﺪ ھﺬه اﻟﻮﺟﻮه ،وﺣﯿﻦ ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫ – ﻛﻤﺎ ﻧﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ – وﻓﻤﮭﺎ ﻣﻔﻐﻮر وﺣﺪﻗﺘﺎھﺎ ﻣﺘﺴﻌﺘﺎن ،وھﻲ ﺗﻘﻮل ﻓﻲ دھﺸﺔ : = اوه ..أھﺬا أﻧﺖ ﯾﺎ ﺳﺎﻣﻲ ! ﻗﺎل ﻓﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺑﻠﮭﺎء : = ﻧﻌﻢ أﻧﺎ ! وﻣﺪت إﻟﯿﮫ ﯾﺪھﺎ ﻓﻲ اﻧﺪﻓﺎع وﺻﺎﻓﺤﺘﮫ ﺑﺤﺮارة ،وھﻮ ﻣﺴﺘﺴﻠﻢ ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﺤﺮك أﺻﺎﺑﻌﮫ ،وﺣﺎﻧﺖ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﺘﻔﺎﺗﺔ ﺧﺎﻃﻔﺔ إﻟﻰ أﺻﺎﺑﻌﮫ ﻓﻲ ﻛﻔﮭﺎ ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﻘﻮل : = أﻻ ﺗﺰال وﺣﯿﺪاً ﻛﻤﺎ أﻧﺖ ؟ ﻗﺎل : = ھﺬا ﻻ ﯾﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل ..وأﻧﺖ ؟ ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﯾﻤﺴﻚ ﺑﻄﺮف ﺛﻮﺑﮭﺎ وﯾﻨﻂ وھﻮ ﯾﺴﯿﺮ ﺑﺨﻄﻮات ﻗﺎﻓﺰة ﺻﻐﯿﺮة ، وﻗﺎل : = أھﺬا اﺑﻨﻚ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻧﻌﻢ !
وﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﻄﻖ ﻟﻔﻈﺘﮭﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ اﻧﺤﻨﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻔﻞ ﻓﺮﻓﻌﮫ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ وﺗﻔﺮس ﻓﻲ وﺟﮭﮫ ،ﺛﻢ أھﻮى ﻋﻠﯿﮫ ﺑﻘﺒﻠﺔ ﻓﻲ أﻧﺲ وأﻟﻔﺔ ،وﻓﻲ ﺣﻨﺎن وﻟﮭﻔﺔ ..إﻧﮫ ﯾﻌﺮف ھﺬا اﻟﻮﺟﮫ ،ﯾﻌﺮﻓﮫ ﺟﯿﺪا ،وإن ﻟﻢ ﯾﻜﻦ رآه ﻗﺒﻞ اﻵن وﺗﺎﺑﻊ ﺣﺪﯾﺜﮫ ﻣﻌﮭﺎ : = أھﻮ وﺣﯿﺪ ؟ ﻗﺎﻟﺖ : = ﻧﻌﻢ ﻟﻢ ﯾﺄت ﺳﻮاه وﻣﺎ اﺳﻤﮫ ؟ ﻗﺎﻟﺖ ) :ﺳﻤﯿﺮ ( ﻛﺎد ﯾﺼﯿﺢ ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ وﻟﻜﻨﮫ ﺗﻤﺎﺳﻚ ،وﺗﻈﺎھﺮ ﺑﺎﻟﺴﻜﻮن ورددت ﺷﻔﺘﺎه ﻓﻲ ﺷﺒﮫ ھﻤﺲ : = ﺳﻤﯿﺮ ؟ ﻏﺮﯾﺒﺔ ! ﻗﺎﻟﺖ : = أﻟﯿﺲ ھﻮ ھﺬا اﺳﻤﻚ اﻟﻤﺨﺘﺎر ﻗﺎل : = أي ﻧﻌﻢ ،وﻟﻜﻦ .... ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﻓﺈذا ھﻲ ﺗﻨﻜﺲ ﺑﺼﺮھﺎ ،وﺗﺒﺪو ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ﻇﻼل ﻣﻌﺮﻛﺔ ،ﻓﻤﺎﺗﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﮫ اﻟﻜﻠﻤﺎت ، وﻣﺪ ﯾﺪه ﻓﺄﺧﺬ ﺑﯿﺪ اﻟﻄﻔﻞ اﻷﺧﺮى ..وﺳﺎروا ﺛﻼﺛﺘﮭﻢ ،ﻻ ﯾﺸﻚ أﺣﺪ ﻣﻤﻦ ﯾﺮاھﻢ ﻓﻲ أﻧﮭﻢ ﻃﻔﻞ وواﻟﺪان .
***
ﻛﺎن ﻗﺪ ﺟﺮب ﻣﺮة وﻣﺮة – ﻓﻲ أﯾﺎم اﻟﻔﺮاغ – أن ﺑﻌﺾ اﻟﻮﺟﻮه ﺗﻠﻔﺘﮫ إﻟﯿﮭﺎ .ﺛﻢ ﻛﺸﻒ ﻣﺮة أن ﻓﻲ ﻛﻞ وﺟﮫ ﯾﻠﻔﺘﮫ ﺷﺒﮭﺎ ﻗﺮﯾﺒﺎ أو ﺑﻌﯿﺪا ﺑﺎﻟﻮﺟﮫ اﻟﺨﺎﻟﺪ ﻓﻲ ﺿﻤﯿﺮه ،ﻓﻌﺮف ﺳﺮ ھﺬا اﻻﻟﺘﻔﺎت ! وﻛﺎن ﻗﺪ اﺳﺘﯿﻘﻆ ﻟﻨﻔﺴﮫ وﻣﯿﻮﻟﮫ ،ﻓﻌﺮف أﻧﮫ ﯾﺤﺐ ﻣﻦ اﻷﻟﻮان ﻣﺎ رآه ﯾﻮﻣﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﯾﺤﺐ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎت ﻣﺎ ﯾﻘﺮب ﻣﻦ ﺳﻤﺎﺗﮭﺎ ،وﯾﺤﺐ ﻣﻦ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﻣﺎ ﺳﺎرت ﻣﺮة ﻓﯿﮫ ،وﯾﺤﺐ ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻣﺎ اﻟﺘﻘﯿﺎ ﻣﺮة ھﻨﺎك ،ﻓﺂﻣﻦ أﻧﮫ ﻣﻘﯿﺪ ﻣﻘﻮد ،وأﻧﮫ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺘﺠﮫ إﻟﻰ وﺟﮫ ﺟﺪﯾﺪ . وﻟﻢ ﯾﺤﺎول ﻓﻲ أول اﻷﻣﺮ أن ﯾﻌﺮف ﻣﻦ اﺧﺒﺎرھﺎ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻓﺎﻟﻠﻘﺎء اﻷﺧﯿﺮ ﻛﺎن ﯾﻨﺬر ﺑﺎﻟﻨﮭﺎﯾﺔ اﻷﺧﯿﺮة . وﻛﺎن ﯾﺮى ﻓﻲ اھﺘﻤﺎﻣﮫ ﺑﮭﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ ﯾﺴﺘﻜﺒﺮ ﻋﻠﯿﮫ وﻻ ﯾﺮﺿﺎه . ﺛﻢ اﻧﻘﻀﺖ ﻓﺘﺮة أﺧﺮى ،ﻓﺎﻧﻘﻠﺐ ھﺬا اﻟﺸﻌﻮر ،وﺑﺎت ﻣﻠﮭﻮﻓﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﺒﺮ ﻣﻦ أﺧﺒﺎرھﺎ ،أو أﺛﺮ ﻣﻦ آﺛﺎرھﺎ ،وﻛﻢ ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻣﺮة داﻓﻌﺘﮫ ﯾﺪه إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻢ ﻟﯿﻜﺘﺐ إﻟﯿﮭﺎ أو ﻷﺣﺪ ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ . وﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﯾﻤﺴﻚ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﺗﻠﺒﯿﮫ ھﺬا اﻟﺨﻄﺮ اﻟﺪاھﻢ ﺣﺘﻰ ﯾﺜﻮب إﻟﯿﮫ ھﺪوؤه ،وﺣﺘﻰ ﺗﺬھﺐ ﻋﻨﮫ ﺳﻮرﺗﮫ ، ﻓﺒﺴﻜﻦ إﻟﻰ أن ﯾﻌﺘﺎده ھﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ ﺑﻌﺪ أﯾﺎم .
ﺛﻢ اﻧﻘﻀﺖ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة أﯾﻀﺎً .وﻋﺎد ﻻ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻌﻠﻢ ﻣﻦ أﺧﺒﺎرھﺎ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻻ ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻌﻠﻢ ،وﻻ ﻷﻧﮫ ﯾﺴﺘﻜﺒﺮ ﻋﻠﻰ أن ﯾﻌﻠﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻷﻧﮫ ﯾﺸﻔﻖ ﻣﻦ ﺷﻲء ﯾﺘﻮﻗﻌﮫ .وﻻ ﯾﺘﺼﻮر ﻛﯿﻒ ﯾﻜﻮن وﻗﻌﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ إذا ﻛﺎن ! وﻛﺎن ﻟﮫ ﻓﻲ ﻛﻞ ﯾﻮم ﻟﻘﺎء ﻣﻌﮭﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺎل ،وﺣﻮار ﯾﺪور ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺎل .وﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ اﺳﺘﯿﻘﻆ ﻟﻨﻔﺴﮫ ،وھﻮ ﯾﺒﺴﻢ أو ﯾﺘﺠﮭﻢ ،وﯾﺸﯿﺮ ﺑﯿﺪﯾﮫ وﻗﺴﻤﺎﺗﮫ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ھﻮ ﻣﻨﻔﺮد ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ أو ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ! ﻛﺎن ﯾﺤﺲ أﻧﮭﺎ ﻟﮫ وﺣﺪه ،وﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻷﺣﺪ ﺳﻮاه .وﻛﺎن ﯾﺸﻌﺮ أﻧﮭﺎ اﻋﻄﺘﮫ وﺣﺪه ﻣﺎﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﻌﻄﯿﮫ أﺣﺪا ﺳﻮاه .وﻛﺎن ﯾﺘﺼﻮر أﻧﮫ ﺗﺮك ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻇﻠﮫ ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺼﻠﺢ ﻷﺣﺪ ﺳﻮاه .وﻛﺎن ﯾﻌﺘﻘﺪ أﻧﮭﺎ ﻣﻠﻜﮫ وﺣﺪه ،وﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﺎ رﻓﯿﻘﻲ ﺣﯿﺎة , ﻟﻘﺪ ﺑﻨﻰ ﻓﻲ أﺣﻼﻣﮫ ﻋﺸﮭﺎ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ ،وﻟﻘﺪ ﻣﻀﻰ ﺑﺨﯿﺎﻟﮫ ﯾﻄﻮي اﻷﯾﺎم ،وﻟﻘﺪ ﻋﺎش ﻓﻲ ھﺬه اﻷﺣﻼم ﻋﯿﺸﺔ اﻟﻮاﻗﻊ ،واﺳﺘﻐﺮق ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺨﯿﺎل ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻔﺮق ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ! وﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺨﯿﺎل واﻟﻮاﻗﻊ ،إذا ﻛﺎن ﻛﻼھﻤﺎ ﯾﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﮫ اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺬھﻦ ،وﯾﺘﺮك آﺛﺎره ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺤﯿﺎة ؟ وﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻠﻢ واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،وﻛﻼھﻤﺎ ﻃﯿﻒ ﻋﺎﺑﺮ ،ﯾﻠﻘﻲ ﻇﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ ﺛﻢ ﯾﺨﺘﻔﻲ ﻣﻨﮫ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺤﺲ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ؟ ﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل ،ﻟﻘﺪ ﻋﺎش أﺣﻼﻣﮫ ،وﺟﺴﻢ ﺧﯿﺎﻟﮫ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺔ رﻓﯿﻘﺔ ﺣﯿﺎﺗﮫ ،وﻣﻌﮭﺎ ﻋﺎش ﻓﻲ اﻟﻌﺶ اﻟﺪاﻓﺊ ،وﻣﻨﮭﺎ ﺑﻼ ﺷﻚ ﻛﺎن ﻟﮫ ﻃﻔﻞ ! ﻃﻔﻞ وﺣﯿﺪ ....ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﺼﻮر أن ﺗﻠﺪ ﻟﮫ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﻔﻞ واﺳﻤﮫ )) ﺳﻤﯿﺮ (( ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﺼﻮر أن ﯾﻜﻮن اﺳﻤﮫ ﻏﯿﺮ ﺳﻤﯿﺮ .وھﻮ ﻃﻔﻞ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ ودم ،ﺣﺪﺛﮭﺎ ﻋﻦ ﺷﻜﻠﮫ وﺳﻤﺘﮫ ،ﻓﮭﻮ ﻃﻔﻞ ﻣﻌﺮوف اﻟﺴﺤﻨﺔ واﺿﺢ اﻟﺴﻤﺎت ! ھﻮ ﺳﻤﯿﺮ ..ھﺬا ﺑﻌﯿﻨﮫ اﻟﺬي ﯾﺮاه اﻵن !
***
ﻣﺮ ھﺬا اﻟﺸﺮﯾﻂ ﻛﻠﮫ ﻓﻲ ذھﻨﮫ ،وھﻤﺎ ﯾﺪﻟﻔﺎن إﻟﻰ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﺘﺮام ،ﻓﻲ ﻏﯿﺮ اﻧﺘﺒﺎه .وﺟﺎء اﻟﺘﺮام ، ﻓﺼﻌﺪت إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ آﻟﯿﺔ ،وھﻮ ﯾﺴﺎﻋﺪھﺎ ،وﯾُﺼﻌﺪ إﻟﯿﮭﺎ )) ﺳﻤﯿﺮ ((
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤﺮك اﻟﺘﺮام أدرﻛﺘﮫ ﺻﺤﻮة ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ،وﻧﻈﺮ ﻓﺈذا ھﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻠﻮح ﻟﮫ ﺑﻤﻨﺪﯾﻠﮭﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺠﻔﻒ ﺑﮫ ﻗﻄﺮات ﻣﻦ اﻟﺪﻣﻮع ! وﻓﯿﻤﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﺬھﻮل وﺟﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﻌﺪو ﺧﻠﻒ اﻟﺘﺮام ..ﺛﻢ ﺛﻘﻒ ﻓﺠﺄة ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺳﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﮫ : = ﻣﺎذا ؟ إﻟﻰ أﯾﻦ ؟ إﻧﮭﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﻟﻚ اﻵن ! إﻧﮭﺎ ذاھﺒﺔ إﻟﻰ ھﻨﺎك ! وأﺣﺲ ﺑﺎﻟﺪوار .. وﻟﻜﻨﮫ أﻓﺎق : = ﺳﻤﯿﺮ ؟ ﻏﺮﯾﺒﺔ ! ...أﻟﯿﺲ ھﺬا ھﻮ اﺳﻤﻚ اﻟﻤﺨﺘﺎر ؟ = ﻛﻼ ! إﻧﮭﺎ ﻟﻚ .ﻟﻚ أﻧﺖ وﺣﺪك ﺑﺮﻏﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن .ﻟﻘﺪ أﻟﻘﯿﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻇﻠﻚ ،ﻟﻘﺪ ﻃﺒﻌﺘﮭﺎ ﺑﻄﺎﺑﻌﻚ ،ﻟﻘﺪ وﺳﻤﺖ ﻃﻔﻠﮭﺎ ﺑﺎﺳﻤﻚ اﻟﺬي اﺧﺘﺮﺗﮫ ،إﻧﮭﺎ ﻟﻚ ،وﻟﻦ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﺤﺪ ﺳﻮاك ! = أﺣﻼم ! = أﺣﻼم ؟ وﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻠﻢ واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ إذا ﻛﺎن ﻛﻼھﻤﺎ ﯾﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﮫ اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺬھﻦ وﯾﺘﺮك آﺛﺎره ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺤﯿﺎة ؟ = ﺧﯿﺎﻻت ! = ﺧﯿﺎﻻت ! وﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺨﯿﺎل واﻟﻮاﻗﻊ ،وﻛﻼھﻤﺎ ﻃﯿﻒ ﻋﺎﺑﺮ ﯾﻠﻘﻲ ﻇﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ ﺛﻢ ﯾﺨﺘﻔﻲ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺤﺲ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ؟ .............
ﺗﻤﺖ
ﻣﻨﺘﺪى ﺣﺪﯾﺚ اﻟﻤﻄﺎﺑﻊ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺴﺎﺧﺮ www.alsakher.com