كتاب كيف نبنى الوطن : تشخيص حالة وعلاج

Page 1


‫كيف نبني الوطن‬ ‫تشخيص حالة وعالج‬



‫ممدوح حمزة‬

‫كيف نبني الوطن‬ ‫تشخيص حالة وعالج‬


‫لمزيد من المعلومات عن الكرمة‪facebook.com/alkarmabooks :‬‬


‫المحتويات‬ ‫مقدمة ‪7................................................................................................................‬‬ ‫التشخيص ‪11........................................................................................................‬‬ ‫بسرعة‪ ..‬للخلف ‪13..........................................................................................‬‬

‫من شابه أمه‪17..................................................................................................‬‬ ‫تفاعالت ‪29............................................................................................................‬‬ ‫حوار الـ«‪31........................................................................................... »BOT‬‬

‫كنوزنا المنهوبة ‪35............................................................................................‬‬ ‫إوعى تصحى ‪41...............................................................................................‬‬

‫أساسيات‪47...........................................................................................................‬‬ ‫لحمنا الحي‪49..................................................................................................‬‬ ‫شرايين الوطن ‪53..............................................................................................‬‬

‫بشر‪63....................................................................................................................‬‬ ‫المصري ًّ‬ ‫حل ‪65...............................................................................................‬‬ ‫البناء بالتعليم‪81................................................................................................‬‬

‫الحياة‪ ..‬بالصحة ‪95..........................................................................................‬‬

‫ستر الغالبة‪١٠٩...................................................................................................‬‬


‫موارد ‪١١٧.................................................................................................................‬‬ ‫مرض وعرض‪١١٩..............................................................................................‬‬ ‫ً‬ ‫أهل بالمعارك ‪١٢٩..............................................................................................‬‬ ‫استثمار إيجابي ‪١٤١............................................................................................‬‬ ‫استيراد أو تصدير ‪١٤٧.........................................................................................‬‬

‫ُنظم‪١٥١...................................................................................................................‬‬ ‫دولة قانون‪١٥٣....................................................................................................‬‬ ‫كفاية وعدل‪١٦٣..................................................................................................‬‬ ‫بيئة مبدعة‪١٧١.....................................................................................................‬‬ ‫عدالة انتقالية ‪177................................................................................................‬‬


‫مقدمـة‬ ‫على هذه األرض‪ ،‬ال غيرها‪ُ ،‬خلقت المؤسسية والدولة المبدعة‪ ..‬على هذه األرض‪،‬‬ ‫ال غيرها‪ ،‬تبلورت قواعد احترام العقل والعلم وتوظيفهما‪ ،‬لتورثنا حضارة هي أصل‬ ‫كل البدايات‪ ،‬أو وفق نحت صاحب نوبل لآلداب‪ ،‬نجيب محفوظ‪« :‬مصر ليست دولة‬ ‫تاريخية‪ ،‬مصر جاءت ً‬ ‫أول ثم جاء التاريخ»‪.‬‬ ‫تاريخ نتباهى به‪ ،‬ونحلم باستعادة رحيقه‪ ،‬ولهذا يتطلع المصريون إلى حكم قائم‬ ‫على أسس علمية وخطط تنمية وتنوير‪ ،‬تتضمن أهدا ًفا واضحة لصالحهم عامة‪،‬‬ ‫وللكادحين خاصة‪ ،‬يضمن لهم السيطرة على مقدراتهم وإرادتهم ومواردهم‪..‬‬ ‫يحقق العدالة االجتماعية‪ ،‬والتنمية الشاملة المستقلة‪ ،‬ويمنع التمييز بأنواعه كافة‪..‬‬ ‫ينشر المعرفة ومناخ اإلبداع‪ ،‬ويخطط الستجالء هوية مصر الحضارية وتراثها‬ ‫الثقافي العريق‪.‬‬ ‫يتطلع المصريون إلى نظام حكم يضمن الحريات ويضبط منظومة العدالة‪ ،‬واستقالل‬ ‫القرار الوطني وسيادة الشعب‪ ،‬وسالمة أمن الوطن وحدوده بجيش قوي‪ ..‬والؤه ً‬ ‫أول‬ ‫وأخيرا للشعب‪ ،‬مالكه وفق الدساتير المتعاقبة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هنا رؤيتي‪ ،‬التي يبحث ـ خاللها ـ هذا المصنَّف عن رؤية متكاملة إلنقاذ الوطن‪،‬‬ ‫اعتمدت فيها على خبرات متراكمة طوال ‪ 50‬عا ًما في األنشطة التنموية والعمل العام‪،‬‬ ‫الذي بدأته في مقتبل الشباب‪ .‬وهي‪ ،‬في مجملها‪ ،‬تتمحور حول المبادئ التالية‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ إعادة تنظيم جهاز الدولة‪ ،‬وفق أحدث التطورات اإلدارية والتكنولوجية‪ ،‬وبناء‬ ‫القدرة الذاتية المصرية للمواطنين والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ إنشاء منظومة وطنية لمحاربة الفساد‪ ،‬وبلورة قواعد تحجم تجدده‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪ 3‬ـ تطبيق العدالة االنتقالية كما نص عليها الدستور‪ ،‬واستعادة ال ُّلحمة المجتمعية‪،‬‬ ‫واالنتقال إلى الدستور الدائم وتطبيقه‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ القضاء على األمية التعليمية والمعرفية‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ تعزيز رأس المال االجتماعي بمحاوره‪ :‬الثقة في المجتمع‪ ،‬ونشر ثقافة التطوع‪،‬‬ ‫وترسيخ روح التكاتف المجتمعي أفق ًّيا ورأس ًّيا‪ ،‬وتمكين المجتمع المدني‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ وضع خطة قومية للتحكم في الزيادة السكانية‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ تفعيل وتطوير شبكات الريادة الثقافية إقليم ًّيا وقار ًّيا‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ وضع خطة لتحديث اإلنتاج الصناعي والزراعي والتقني وتطويره وزيادته‬ ‫واللحاق بالثورة التقنية‪.‬‬ ‫والكتاب مقسم إلى‪:‬‬ ‫«تشخيصا» لمحنة الوطن‪ .‬في «بسرعة‪ ..‬للخلف»‪ ،‬نرصد‬ ‫فصل تمهيدي‪ ،‬به ما أراه‬ ‫ً‬ ‫دوائر التردي التي تحيط بنا‪ .‬وفي «من شابه أمه»‪ ،‬نرصد انعكاسات سلبية لسياسات‬ ‫الحكومات المتعاقبة على الشعب وسلم قيمه‪.‬‬ ‫وفي فصل «تفاعالت» نعرض ألمثلة من قرارات اتخذت‪ ،‬أو كان يجب اتخاذها‪،‬‬ ‫وكان من الممكن أن تحسن من المحنة‪ ،‬فنشتبك مع جدل مشروعات الـ«‪،»BOT‬‬ ‫وسبل توظيف «كنوزنا» األثرية المنهوبة‪ ..‬حيث هي‪ ،‬ونحذر عبد الناصر‪« :‬إوعى‬ ‫ُ‬ ‫تصحى»‪ ..‬فقد تآكل حلم التنمية المستقلة‪ ،‬الذي دفعنا مقابله ثمنًا غال ًيا هو جزء من‬ ‫حريتنا‪ ،‬وتبخرت التنمية المستقلة وبقي النظام السلطوي من دون مقابل‪ ،‬منذ منتصف‬ ‫السبعينيات حتى اآلن‪.‬‬ ‫وفي فصل «أساسيات» نتمسك بحماية ملكية «لحمنا الحي»‪ ،‬ونرسم «ماذر بورد»‬ ‫لمنظومة النقل والطاقة‪« ..‬شرايين الوطن»‪.‬‬ ‫لحاملي جينات الحضارة‪ ،‬خصصنا «بشر»‪ ،‬فيه يقين‪« :‬المصري ًّ‬ ‫حل»‪ ،‬في تجويد‬ ‫معرفته «البناء بالتعليم»‪ ،‬وفي «الحياة‪ ..‬بالصحة» سالمة جسده‪ ،‬وفي «ستر الغالبة»‬ ‫ضمان سكنه‪.‬‬ ‫ال تنمية‪ ،‬وال دول ً‬ ‫أصل‪ ،‬من دون «موارد»‪ ..‬وفي هذا الفصل نرصد «مرض وعرض»‬ ‫‪8‬‬


‫أزماتنا االقتصادية‪ ،‬وندعو في ً‬ ‫«أهل بالمعارك» إلى ترسيخ ثقافة اإلنتاج‪ ،‬ونفضل أي‬ ‫«استثمار إيجابي» على أن نختار بين «استيراد أو تصدير»‪.‬‬ ‫في «السوفت وير»‪« ..‬نُظم»‪ ،‬ننحاز لـ«دولة قانون»‪ ،‬يتساوى فيها الكافة وتُطمئن‬ ‫المستثمرين‪ ،‬ونقترح منظومة «كفاية وعدل» لضبط رؤى األجور والضرائب والتجارة‬ ‫والصناعة وآلياتها‪ ،‬ونستشرف «بيئة مبدعة»‪ ،‬تستعيد قوس قزح قوانا الناعمة‪ ،‬غير‬ ‫أن ما سبق كله يجب أن تحوطه «عدالة انتقالية»‪ ،‬تضمن «كشف الحقيقة‪)...( ،‬‬ ‫واقتراح أطر المصالحة الوطنية‪ ،‬وتعويض الضحايا‪ ،‬وذلك وف ًقا للمعايير الدولية»‪،‬‬ ‫كما نص دستورنا‪.‬‬

‫‪9‬‬



‫الت�شخي�ص‬



‫ب�سرعة‪ ..‬للخلف‬ ‫لن نتوقف عند أعماق الماضي لنبحث عن أول دولة في التاريخ‪ ،‬ولكن نركز على‬ ‫محيطنا في العصر الحديث‪ :‬مصر أول من عرفت الدستور والمجلس النيابي‪ ،‬وأول‬ ‫من أنشأت سكك حديدية في المنطقة‪ ،‬وأهم جامعة دراسية‪ ،‬وأول دار عرض سينمائي‪،‬‬ ‫وأول استاد رياضي‪ ..‬فحققت لها الريادة السياسية واألدبية والفنية والرياضية‪ ..‬وحافظت‬ ‫عليها لعقود طويلة‪ ..‬فما الذي اختلف في العقود األخيرة؟! ما الذي حول الصحة إلى‬ ‫مرض والعافية إلى معاناة؟! ما الذي أودى بمصر صاحبة الريادة الفعلية‪ ،‬ال ادعاء‪ ،‬إلى‬ ‫ذيل الدول في التقارير الدولية على األصعدة كافة؟!‬ ‫أجمعت تقارير التنمية البشرية‪ ،‬منذ سنة ‪ 2003-2002‬حتى ‪ ،2017-2016‬على‬ ‫خروج مصر من المنافسة التنموية في الشرق األوسط‪ ،‬لتتقدمها دول كتونس والمغرب‬ ‫واألردن‪ ،‬ضمن أفضل الدول التي حققت أعلى معدالت تنمية في التعليم والصحة‬ ‫والطاقة والتكنولوجيا واالتصاالت واالستثمار والتجارة الخارجية والتنمية السكانية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الحدث يبدو مفاجأة لكثيرين‪ ،‬كما و َّثقت في مقال لي‪ ،‬جرى‬ ‫تداوله على شكل واسع‪ ،‬نُشر بجريدة «الوفد» ‪ 5‬يونيو ‪ ،2003‬ومجلة «الديمقراطية»‬ ‫‪ 11‬يوليو ‪ ،2003‬و«األهالي» ‪ 16‬يوليو ‪ ،2003‬و«صوت األمة» ‪ 4‬أغسطس ‪،2003‬‬ ‫فإنه كان متوق ًعا ممن ينغمسون في الهم العام‪ ،‬ويحتكون بالمعايير العالمية لضبط األداء‬ ‫وقياس درجات الجودة؛ فالتنمية هي محصلة مجموع القدرات الذاتية للمصريين‪،‬‬ ‫أفرا ًدا وشركات ومؤسسات‪ .‬والنعدام فرص المنافسة الشريفة بينهم في التعيينات‬ ‫والمناقصات والمسابقات‪ ،‬وتغييب قياسات األداء والجودة‪ ،‬تراجعت قدراتنا التنموية‬ ‫داخل ًّيا‪ ،‬وخرجنا من المنافسة اإلقليمية حسب دالئل ومؤشرات داخلية وخارجية‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫تراجعت رياداتنا‪ ..‬فأكبر شركة مقاوالت في الشرق األوسط هي شركة فلسطينية‬ ‫تعمل من اليونان‪ ،‬وتنافسها شركتان‪ ،‬واحدة كويتية واألخرى سعودية‪ .‬وأكبر مكتب‬ ‫استشاري هندسي لبناني‪-‬فلسطيني‪ ،‬يعمل من مصر والبحرين‪ ،‬وينافسه مكتب لبناني‪.‬‬ ‫وأكبر شركة لتنظيم المؤتمرات والمعارض لبنانية‪ ،‬وأكبر بنكين أحدهما أردني والثاني‬ ‫سعودي‪ ،‬ويليهما بنكان خليجيان‪ .‬وأكبر مكتب للمحاسبة والدراسات المالية فلسطيني‪-‬‬ ‫أردني‪ ،‬وأنشط مركز تدريب للموارد البشرية في دبي‪ ،‬حيث أكثر نشاط تسويقي وتجاري‬ ‫رواجا في المنطقة‪ .‬وأكبر معدل لتدفق السياحة يصب في اإلمارات‪ ،‬واألردن األكثر‬ ‫ً‬ ‫جذ ًبا للسياحة العالجية‪ .‬وتراجع إقبال الطالب العرب واألفارقة على جامعاتنا‪ ،‬وتدنى‬ ‫الطلب على العمالة المصرية‪ ،‬لصالح العمالة القادمة من آسيا‪ ،‬في مجاالت تطبيقات‬ ‫علوم الكمبيوتر‪ ،‬والطيران‪ ،‬والنقل البحري والجوي‪ ،‬والمحاسبة‪ ،‬والبنوك‪ ،‬وإدارة‬ ‫شؤون المنازل‪ ،‬والمزارع‪ ،‬والمحالت‪ ،‬والتمريض‪ ،‬وقيادة السيارات‪.‬‬ ‫وإعالم ًّيا‪ ..‬فإن أكبر جريدة عربية مقروءة خارج حدودها هي جريدة «الحياة»‬ ‫السعودية‪ ،‬تنافسها مواطنتها «الشرق األوسط»‪ .‬وأكبر فضائية «مؤثرة» خارج حدودها‬ ‫«الجزيرة» القطرية‪ ،‬تنافسها «العربية» السعودية‪ ،‬و«سكاي نيوز العربية» اإلماراتية‪،‬‬ ‫وأكبر عاصمة لطباعة الكتب العربية والمترجمة بيروت‪.‬‬ ‫تراجع الخارج انعكاس ألداء الداخل منذ نكسة ‪ :1967‬إذ تدهورت المنظومة‬ ‫الصناعية‪ ،‬وأصبحت في عديد من مواقعها أجنبية‪ ،‬من حيث االستشاريين وخطوط‬ ‫اإلنتاج وقطع الغيار‪ .‬تآكلت قدراتنا على تصميم مشروعاتنا القومية وتنفيذها‪ ،‬وغزتها‬ ‫الخبرات األجنبية؛ فجاءت دار األوبرا بخبرات يابانية‪ ،‬ومستشفى قصر العيني الجديد‬ ‫ومترو األنفاق بخبرات فرنسية‪ ،‬ومركز القاهرة الدولي للمؤتمرات بخبرات صينية‪،‬‬ ‫وقطارات السكك الحديد إما فرنسية أو إسبانية أو مجرية‪ ،‬وكذا مشروعات الكورنيش‬ ‫والسدود والقناطر والمعونة وحق االنتفاع (‪ ،)BOT‬وامتد ذلك إلى مشروعات تحلية‬ ‫المياه‪.‬‬ ‫وفي الزراعة‪ ،‬حيث نبتت حضارتنا ونمت‪ ،‬أحجم طالب الثانوية العامة عن االلتحاق‬ ‫بكلياتها‪ ،‬لقناعتهم بأن عملهم بعد التخرج‪ ،‬إن توافر‪ ،‬غير ُم ْج ٍد‪ ،‬ويفتقر إلى االبتكار‪،‬‬ ‫بعدما أصبحت البذور‪ ،‬والشتالت‪ ،‬والتقاوي‪ ،‬واألسمدة‪ ،‬والمبيدات‪ ،‬والميكنة‪،‬‬ ‫‪14‬‬


‫وأدوات الري‪ ،‬مستوردة‪ .‬وتُرك البحث العلمي للعشوائية‪ ،‬وتقيدت مجاالت عديدة‬ ‫منه ببرامج التمويل األجنبي‪ ،‬وانقطعت عالقتها بالتقدم العلمي‪ .‬واعتمدت تعيينات‬ ‫وترقيات منظومة التعليم‪ ،‬معايير غير موضوعية‪ .‬وأصبحت الجامعات معامل لتخريج‬ ‫موارد بشرية غير مهيأة للعطاء في تخصصاتها المختلفة‪ ،‬بمناهج تقليدية‪ ،‬تعتد بالحفظ‬ ‫واالسترجاع دون تنمية ملكات االبتكار واإلبداع‪.‬‬ ‫تأثيرا في المنطقة‪،‬‬ ‫فن ًّيا‪ ،‬لم تعد السينما‪ ،‬والمسرح‪ ،‬والدراما‪ ،‬والغناء‪ ..‬إلخ‪ ،‬األكثر ً‬ ‫وهبط الذوق العام وأصبحت القدرات اإلبداعية تقاس بقدر التعري والجرأة على‬ ‫خدش الحياء‪ ،‬عدا أعمال وليدة جهود فردية‪ ،‬كاستثناء يثبت القاعدة‪ ،‬ويؤكد األمل‬ ‫في أن مصر لم تزل تزخر بالكفاءات‪.‬‬ ‫وفي الرياضة واللياقة البدنية‪ ،‬لم نحقق ميداليات أوليمبية منذ عام ‪ 1964‬حتى عام‬ ‫‪ ،2003‬أي على مدار ‪ 40‬عا ًما‪ ،‬باستثناء فضية محمد رشوان عام ‪ .1984‬وبعد ذلك بدأ‬ ‫األهالي في رعاية أبنائهم واإلنفاق على تدريبهم‪ ،‬فكانت النتائج أكثر إيجابية‪ ،‬وحصلنا‬ ‫على ثالث عشرة ميدالية متنوعة من ‪ 2004‬حتى عام ‪ ،2016‬في الوقت الذي حصلت‬ ‫فيه دول عربية‪ ،‬لم يكن لها باع في هذا المجال‪ ،‬على ميداليات أوليمبية‪.‬‬ ‫وتوضح اإلحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬سنة‬ ‫‪ ،2015‬انخفاض عدد الفرق الرياضية في مراكز الشباب بالمدن والقرى من ‪101‬‬ ‫ألف عام ‪ 2002‬إلى ‪ 79‬أل ًفا عام ‪ ،2014‬وكذا انخفاض عدد األندية الرياضية على‬ ‫مستوى الجمهورية في الفترة نفسها من ‪ 948‬إلى ‪ 792‬ناد ًيا‪ .‬والالفت أن عدد المقاهي‬ ‫والكافيتريات زاد بشكل ملحوظ ومقلق‪.‬‬ ‫عرضا لتحجيم القدرة الذاتية للمجتمع‪ ،‬عبر سياسات أغفلت جوهر‬ ‫كل ذلك يشكل ً‬ ‫التنمية‪ ،‬وعطلت استمرارها الزمني والتقني‪ ،‬وقلصت النشاط االبتكاري‪ ،‬بحرمان كفاءاته‬ ‫من فرص المنافسة العادلة‪ ،‬وحجبت الفرصة عن األجيال الجديدة ألن تتبوأ مقاعد‬ ‫القيادة في مجاالت التنمية‪ .‬بالتوازي‪ ،‬تراجع اهتمام الدولة بالعلماء والنابغين والفنيين‪،‬‬ ‫وتركزت األضواء على نماذج وقيم نجاح‪ ،‬تتنافى والمفهوم الحقيقي للتنمية‪ ،‬وسادت‬ ‫النظرة األحادية‪ ،‬وأصبحت محاوالت اإلصالح تجري بأسلوب الجزر المنعزلة؛ لتفرز‬ ‫ً‬ ‫حلول مجزأة ال رابط بينها‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫إن العودة لحلبة المنافسة اإلقليمية‪ ،‬وبالتبعية المكانة الدولية‪ ،‬تتطلب‪ً ،‬‬ ‫أول‪ ،‬االعتراف‬ ‫بحقيقة المشكلة ووضعها نصب أعيننا‪ ،‬والتخلي عن أسلوب المسكنات لصالح األخذ‬ ‫ً‬ ‫حلول مبتكرة‪ ،‬وإعادة االعتبار‬ ‫بزمام المبادرة‪ ،‬مع التركيز على العلوم التطبيقية التي تفرز‬ ‫لدور العقل وقيم التقدم واإلنتاج‪ ،‬وتمكين العلماء والمفكرين والمخترعين والفنيين‬ ‫والنابغين من قيادة منظومة التنمية في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا واإلدارة‪.‬‬ ‫التنمية هي تمكين القدرة الذاتية من توليد النجاح بحلول محلية االبتكار‪،‬‬ ‫عالمية األداء‪ ،‬ضمن منظومة قومية متكاملة غير تقليدية‪ ،‬تُعنى باستثمار العقول‪،‬‬ ‫وتعظيم الفائدة من أقل قدر متاح من اإلمكانات التنموية‪ ،‬في مجاالت نمتلك‬ ‫فيها تفو ًقا نوع ًّيا‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫من �شابه �أمه‬ ‫في يونيو ‪ ،2003‬كتبت مقالة بعنوان‪« :‬قدراتنا الذاتية‪ ..‬خطوات متسارعة‬ ‫للخلف»‪ ،‬أثارت موجات نقاشية واسعة‪ ،‬فالدكتور فوزي حماد‪ ،‬رئيس هيئة الطاقة‬ ‫الذرية ساب ًقا‪ ،‬قال‪« :‬لو كان هناك مخطط لتحطيم مصر‪ ،‬لما حقق نتيجة أسوأ مما‬ ‫نحن عليه»‪ .‬واعتبرت الدكتورة سهير الشبراوي‪ ،‬خبيرة الصيدلة‪ ،‬أن المجتمع‬ ‫أصبح كالماء الراكد العفن‪ ،‬نمت فيه طحالب وفطريات‪ ،‬وفي مسيس الحاجة‬ ‫إلى مياه متجددة‪.‬‬ ‫طرحا‪ :‬هل يكمن سبب التراجع في سياسات الحكومة أم سلوكيات‬ ‫السؤال األكثر ً‬ ‫الشعب؟ وعلى الرغم من صعوبة اإلجابة‪ ،‬فقد حاولت االجتهاد‪ ،‬راصدً ا واقعنا المعاش‬ ‫متلمسا مسؤولية تراجعه‪ ،‬وداع ًيا إلى مشاركة جهات االختصاص لوقف‬ ‫بتفاعالته وحراكه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نزيف التراجع القومي‪ ،‬الذي أدى إلى الخنوع والتسليم بأدنى المستويات‪ ،‬وفقدان الثقة‬ ‫في كل ما هو مصري‪ ،‬لنصبح على حافة اإلفالس‪.‬‬ ‫مقال ٍ‬ ‫وفي ٍ‬ ‫تال‪ ،‬نُشر بـ«الوفد» ‪ 17‬سبتمبر ‪ ،2003‬وبـ«صوت األمة» ‪ 29‬سبتمبر‬ ‫‪ ،2003‬وبـ«األهرام ويكلي» بعنوان «?‪ 18 »what went wrong‬ديسمبر ‪ ،2003‬قدمت‬ ‫إجاباتي‪ .‬وبعد مرور كل هذه السنوات‪ ،‬ومع أن المصريين حركوا المياه الراكدة‪ ،‬وثاروا‬ ‫على تلك األوضاع‪ ،‬وخرجوا آملين في الوصول إلى الوضع األفضل اقتصاد ًّيا وسياس ًّيا‬ ‫واجتماع ًّيا‪ ،‬إال أن األمر يبدو وكأن عجلة الزمن تدور للخلف‪ ،‬وكأن شي ًئا من ذلك لم‬ ‫ألطور‪ ،‬وبتكثيف أكبر‪.‬‬ ‫علي أن أعود‬ ‫ِّ‬ ‫يحدث‪ ،‬لذا أجد لزا ًما َّ‬ ‫الحكومة والشعب يشكالن واقع التراجع المعاش‪ ،‬بغض النظر عن مسؤولية‬ ‫المتسبب فيه؛ ألنهما جسد واحد من عقل وأعضاء‪« .‬الحكومة» اغتصبت دور العقل‪،‬‬ ‫‪17‬‬


‫و«الشعب» لم يعد يمثل إال بقية األعضاء‪ .‬ومعيار نجاح (العقل) الحكومة أو فشلها‬ ‫يتوقف على قدرتها على تحويل بقية «الجسم» إلى شعب عالي القدرة؛ فالمشكلة‬ ‫ليست في كثرة تعداد الشعب‪ ،‬قدر ما هي في القدرة الذاتية للفرد‪ ،‬والتي تشكل في‬ ‫مجموعها القدرة الذاتية للمجتمع‪ .‬وإذا كانت الحكومة الديمقراطية هي «ابنة»‬ ‫الشعب‪ ،‬التي تجيء باختياره‪ ،‬فإنها في دول العالم الثالث‪ ،‬بسبب طريقة تكوينها‪،‬‬ ‫تلعب دور «أم» الشعب‪ ،‬نصبت نفسها مسؤولة عن تربيته وسلوكياته وشخصيته‪،‬‬ ‫فهي قدوته في الصواب والخطأ‪ ،‬وتأتي تصرفات االبن كرد فعل منطقي لما غرسته‬ ‫فيه األم‪ً ،‬‬ ‫نجاحا‪.‬‬ ‫فشل أو‬ ‫ً‬ ‫وقائع التاريخ تؤكد هذه المقولة‪ ..‬ففي العصر الحديث‪ ،‬قويت الحكومة في عهد‬ ‫محمد علي‪ ،‬فتقدمت الصناعة والزراعة‪ ،‬واستحدثت محاصيل جديدة‪ ،‬وأرسلت‬ ‫البعثات العلمية إلى أوروبا‪ .‬وانطلقت الجيوش المصرية لتهزم اإلمبراطورية العثمانية‪،‬‬ ‫وتصل إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا‪ .‬وقويت الحكومة في بداية عصر إسماعيل وحدث‬ ‫تقدم آخر بجانب التقدم الصناعي والزراعي؛ حيث ازدهرت الترجمة والتمصير‪ ،‬وانتشر‬ ‫المسرح‪ ،‬وزادت حركة الكشوف الجغرافية‪ ،‬والحمالت العسكرية‪.‬‬ ‫منذ عام ‪ ،1967‬بدأت األم‪-‬الحكومة تفقد اللياقة والقدرة على مواجهة مسؤولياتها‪،‬‬ ‫فقلدها االبن‪-‬الشعب‪ ،‬وتحايل عليها بأخطاء يتفادى بها ضرر أخطائها عليه‪ ،‬وتحولت‬ ‫العالقة من أمومة وبنوة إلى ما يشبه «صراعات توم وجيري»‪.‬‬ ‫الحكومة تدفع مرتبات غير عادلة‪ ..‬فال يعمل الشعب‪ ،‬أو يعمل فقط على قدر‬ ‫مرتبه‪ .‬تفرض نظام ضرائب غير متوازن‪ ..‬فيتهرب منها‪ ،‬وتفرض نظا ًما جمرك ًّيا معقدً ا‬ ‫فيتحايل عليه‪ ..‬تقدم خدمات تعليمية ضعيفة فيدفع مليارات الجنيهات في الدروس‬ ‫الخصوصية‪ ،‬وتؤكد حق التعليم وتعجز عن توفير المدارس‪ ،‬فيلتحق الصغار بها في‬ ‫سن السابعة أو الثامنة‪ ،‬أو يلجأون إلى المدارس الخاصة‪ ،‬التي تقبل بالسن األصغر‬ ‫وبمصروفات باهظة؛ فيبدأ التمييز وعدم اإلنصاف منذ الصغر‪.‬‬ ‫الحكومة تختار خدمات إدارية معقدة‪ ،‬فيلجأ الشعب للرشوة‪ ،‬فيزيد تعقيدَ ها‬ ‫صغار الموظفين للفوز برشاوى أكبر‪ ،‬أسوة ببعض رؤسائهم ووزرائهم‪ ..‬الحكومة‬ ‫تصدر قرارات وقوانين يلغيها القضاء‪ ،‬فيفقد الشعب ثقته فيها وفي قراراتها‪ .‬والقضاء‬ ‫‪18‬‬


‫يصدر أحكا ًما تتقاعس الحكومة عن تنفيذها‪ ،‬فيفقد الشعب ثقته في العدالة‪ .‬وعلى‬ ‫غرار ميزانية الدولة‪ ،‬التي أكد خبراء المالية والمحاسبة تزويرها وعدم واقعيتها‪ ،‬لجأ‬ ‫الشعب إلى تزوير ميزانيات الشركات وحسابات الذمة المالية‪.‬‬ ‫منحازا يروج قصص اإلثارة والفضائح‪ ،‬واستراق‬ ‫الحكومة تقدم إعال ًما ضعي ًفا‬ ‫ً‬ ‫السمع‪ ،‬وتمجيد الحكام‪ ،‬فيلجأ الشعب إلى الفضائيات العربية واألجنبية والسوشيال‬ ‫ميديا‪ .‬الحكومة أهملت البحث العلمي ورعاية العلماء‪ ،‬فتجاهلوا األبحاث‪ ،‬وانشغلوا‬ ‫بالدرجات المالية واإلدارية والعمل لدى الوحدات ذات الطابع الخاص‪ ،‬جر ًيا وراء‬ ‫رزق أكبر‪ ،‬بعد أن حاصرهم التعارض بين عملهم في خدمة البحث العلمي وسعيهم‬ ‫لتوفير متطلبات الحياة الكريمة ألسرهم‪ ،‬ففقدنا ميزة بحثية من ناحية‪ ،‬وعزف الطالب‬ ‫عن القسم العلمي‪ ،‬وكليات العلوم والزراعة من ناحية أخرى‪ ،‬فكانت الخسارة مزدوجة‪.‬‬ ‫الحكومة أصدرت قوانين الطوارئ والبلطجة‪ ،‬فزادت جرائم األسرة واالغتصاب‬ ‫واإلدمان‪ ،‬وساد العنف أكثر وأكثر‪ .‬الحكومة تدخلت في نتائج االنتخابات لتحقيق‬ ‫األغلبية لحزبها‪ ،‬فقاطع الشعب االنتخابات‪ ،‬بعدما فقد الثقة في نتائجها‪ .‬الحكومة‬ ‫منعت الجامعات والنقابات من ممارسة دورها السياسي‪ ،‬فسادت األمية والسلبية‬ ‫السياسية؛ ألن المواطن لن يتعلم السياسة بين يوم وليلة‪ ،‬ولن يكون سياس ًّيا مشاركًا‬ ‫في قضايا بلده‪ ،‬فجأة عند تخرجه‪.‬‬ ‫الحكومة أنفقت الماليين في بناء المالعب والمجمعات الرياضية‪ ،‬وأهملت التربية‬ ‫الرياضية واللياقة البدنية‪ ،‬وبرامج صناعة البطل الرياضي‪ ،‬وتطوير النواحي الفنية‪،‬‬ ‫فتراجعت قدراتنا الرياضية إقليم ًّيا وعالم ًّيا‪.‬‬ ‫الحكومة أنشأت مستشفيات واشترت أجهزة طبية‪ ،‬وأهملت تدريب الفنيين وهيئات‬ ‫التمريض عليها‪ ،‬وتجاهلت منظومة الصحة العامة وبرامج الوقاية التي تمنع المرض‬ ‫من أساسه‪ ،‬ولم تراقب األغذية والمشروبات والمبيدات التي تسبب األمراض‪ .‬ولم‬ ‫تتدخل لمكافحة التدخين (بل تتربح من ضرائبه‪ 54 :‬مليار جنيه طب ًقا لميزانية ‪-2017‬‬ ‫‪ ،)2018‬وقد ارتفعت معدالت استهالكه إلى ‪ 85‬مليار جنيه‪ ،‬وخسائره إلى ‪ 50‬ألف‬ ‫ضحية سنو ًّيا؛ طب ًقا لدراسة تمت سنة ‪ ،2007‬وقد فاق هذا ‪ 4‬أضعاف ما حصلت عليه‬ ‫الموازنة العامة للدولة من قناة السويس‪ ،‬واقترب من عشرة أضعاف بند الصحة العامة‬ ‫‪19‬‬


‫في موازنة الدولة في العام نفسه‪ ،‬لتصبح مصر من أكثر الدول في تدخين النشء‪ ،‬ومن‬ ‫أكثر أطفال العالم إصابة بالسرطان‪.‬‬ ‫ويوضح الرسم البياني‪ ،‬شكل (‪ ،)1‬تطور حجم استهالك مصر من السجائر من‬ ‫‪ 1990‬إلى ‪ ،2006‬الذي تم حساب تكلفة التدخين على أساسه‪ ،‬والذي أعده د‪ .‬خالد‬ ‫حنفي‪ ،‬وزير التموين السابق‪ ،‬عندما كان أستا ًذا باألكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا‬ ‫والنقل البحري (مع خمسة أساتذة آخرين)‪.‬‬

‫شكل (‪ :)1‬تطور االستهالك السنوي للسجائر في مصر‪2006-1990 ،‬‬

‫المصدر‪ :‬دراسة منشورة بموقع «حملة أطفال خالين من التبغ»‬

‫‪http://global.tobaccofreekids.org/files/pdfs/ar/Egypt_Tobacco_Economics_ar.pdf‬‬

‫فشلت الحكومة في تحقيق وعودها للشباب بتوفير العمل والمسكن والحياة‬ ‫الكريمة‪ ،‬فهربوا من مرارة الواقع إلى المخدرات‪ ،‬وأنفقوا عليها ‪ 400‬مليار جنيه‪،‬‬ ‫طب ًقا ألول عدد صدر من مجلة «البرنامج الرئاسي للشباب» ‪ ،2017‬ومليون ضحية‬ ‫خسارة بشرية سنو ًّيا‪ .‬وتقدمنا على مؤشر األمم المتحدة في استهالك «القنب»‬ ‫ممرا دول ًّيا لمسارات تهريب المخدرات في الشرق‬ ‫(خريطة ‪ ،)1‬كما أصبحنا ًّ‬ ‫األوسط (خريطة ‪.)2‬‬ ‫‪20‬‬


‫خريطة (‪ :)1‬استهالك مخدر القنب وكيف أصبحت مصر من الدول كثيفة االستهالك له‬

‫المصدر‪« :‬تقرير المخدرات العالمي»‪ ،‬مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ـ ‪2016‬‬

‫خريطة (‪ :)2‬مسارات عمليات تهريب المخدرات التي ضبطت في الشرق األوسط بين مارس‬ ‫‪ 2014‬ونوفمبر ‪ 2015‬وموقع السواحل المصرية من هذه المسارات‬

‫المصدر‪« :‬تقرير المخدرات العالمي»‪ ،‬مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ـ ‪2016‬‬

‫‪21‬‬


‫الحكومة فرضت إجراءات رقابية كثيرة‪ ،‬فزاد الغش والفساد‪ ،‬والتربح غير الشرعي‪،‬‬ ‫ونهب األموال العامة‪ ،‬ولم ت ُْج ِد ‪ 18‬جهة رقابية‪ ،‬حيث تضاربت اختصاصاتها وتداخلت‬ ‫مع بعضها البعض‪ ،‬وأصبح عيارها ال يصيب لوجود دروع حماية للفساد والمفسدين‪..‬‬ ‫الحكومة تجاهلت تقارير الجهات الرقابية عن مراكز الفساد المنظم‪ ،‬فقبعت هذه‬

‫التقارير في المكاتب‪ ،‬بل إن أحدها تسبب في حكم بالسجن لرئيس أهم جهاز رقابي‪،‬‬ ‫وفي فصل كريمته عن العمل بقرار رئاسي‪ ..‬الحكومة أعلنت الحرب على الفساد في‬

‫قطاعات وأماكن بعينها‪ ،‬تاركة الفساد نفسه في أماكن أخرى‪ ،‬فأدرك الشعب أن الحرب‬

‫على الفساد من قبيل تصفية الحسابات‪ ،‬وتعارض مصالح الكبار‪ ،‬أو تقديم كبش فداء؛‬

‫فلم يصدق دعاوى مواجهة الفساد‪ .‬وتقاعست الحكومات المتعاقبة عن تفعيل بعض‬

‫أهم بنود اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد‪ ،‬المتمثل في حماية المبلغين والشهود‬ ‫في قضايا الفساد‪.‬‬

‫الحكومة أهملت برامج المتابعة والصيانة‪ ،‬فتفاقمت حوادث القطارات والطائرات‬

‫والسفن والكباري والطرق‪ ،‬وانهارت المباني على سكانها‪ ..‬الحكومة أهملت برامج‬

‫تدريب الموارد البشرية وتطويرها‪ ،‬فظهرت مشكالت األمية الوظيفية والرسوب‬ ‫الوظيفي ألكثر من ‪ 500‬ألف مستخدم‪ .‬الحكومة استأثرت بالمشروعات اإلنشائية‬

‫في معظم المواقع‪ ،‬وأصبحت هي المالك والمهندس االستشاري والمقاول المنفذ‪،‬‬

‫فخرجت المشروعات القومية؛ خاصة في قطاع المرافق العامة والبنية األساسية‬

‫واإلسكان منخفض التكاليف‪ ،‬نماذج واحدة متكررة بكل عيوبها‪ ،‬ول ُيقتل في‬ ‫مياها‬ ‫حوادث الطرق والمرور حوالي ‪ 12000‬مواطن سنو ًّيا‪ ،‬ويشرب الشعب ً‬

‫ملوثة بالمجاري‪ ،‬بينما كثير من محطات المياه والصرف الصحي مغلقة‪ ،‬أو ال تعمل‬ ‫بالكفاءة التصميمية الالزمة‪ ،‬منذ أنشئت قبل ‪ 25‬سنة‪ ،‬مثل محطة معالجة مياه الصرف‬

‫الصحي بأبو رواش‪ ،‬التي تُلقي ‪ 1.2‬مليون متر مكعب غير معالج في مصارف وزارة‬ ‫الري يوم ًّيا (عام ‪.)2014‬‬

‫الحكومة اعتمدت على قيادات عتيقة‪ ،‬استمرت في أماكنها لسنوات طويلة‪،‬‬

‫أو قيادات تتولى الوظيفة كمكافأة نهاية الخدمة في مؤسسة أخرى غير مرتبطة‬ ‫‪22‬‬


‫بالتخصص‪ ،‬ومن دون سابق خبرة‪ .‬وبعد ثورتَي يناير ويونيو‪ ،‬عادت لالستعانة‬ ‫بخندق النظام المخلوع نفسه‪ ،‬فيئس الشباب من التغيير والمشاركة في قيادة التنمية‬ ‫في بلده‪ ،‬وأصابته الالمباالة والسلبية واالكتئاب‪ ..‬الحكومة أهملت الكفاءات‬ ‫الوطنية‪ ،‬ولم توفر لها مناخ المنافسة العادل للعمل واإلبداع‪ ،‬فانزوت أو لجأت‬ ‫إلى الخارج‪ ،‬لنجد أكثر من ‪ 50‬ألف عالِم وخبير مصري في التخصصات الحيوية‪،‬‬ ‫يعملون في أكبر الجامعات ومراكز األبحاث والشركات العالمية؛ خاصة في أمريكا‬ ‫وغرب ووسط أوروبا‪ ،‬بخالف الخبرات التقليدية المهاجرة‪ ،‬التي قدرت بـ‪ 2‬مليون‬ ‫مصري مهني (شكل (‪ )2‬يبين ترتيب مصر في نزيف العقول)‪ ،‬وتنازل عدد كبير‬ ‫منهم عن الجنسية المصرية‪ ،‬نظير االحتفاظ باألجنبية‪ ،‬وهو ما رصده آخر تقارير‬ ‫التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى االقتصادي العالمي سنة ‪ ،2012‬على مؤشر‬ ‫نزيف العقول‪ ،‬وترتيب مصر فيه ‪ 122‬من ‪( 142‬وهو العام األخير الذي صدر به‬ ‫هذا المؤشر الفرعي بهذا االسم ضمن تقارير التنافسية العالمية)‪.‬‬

‫شكل (‪ :)2‬ترتيب مصر في مؤشر نزيف العقول‬

‫المصدر‪« :‬تقرير التنافسية العالمي»‪ ،‬المنتدى االقتصادي العالمي ـ ‪2012‬‬ ‫(آخر مؤشر صدر بهذا االسم في تقرير التنافسية)‬

‫‪23‬‬


‫الحكومة صعبت فرص االستثمار على المصريين فهربوا إلى الخارج‪ ،‬وفشلت في‬ ‫ً‬ ‫أموال مصرية‪ ،‬تستثمر بعيدً ا عن أراضينا حتى عام‬ ‫جذب أكثر من ‪ 250‬مليار دوالر‬

‫مليارا سنة ‪.)2011‬‬ ‫‪( 2017‬كانت مقدرة بـ‪ً 160‬‬

‫الحكومة تسند بعض المشروعات القومية المهمة إلى شركات ومكاتب أجنبية‪ ،‬غير‬

‫مؤهلة أحيانًا؛ بحجة شروط القروض والمعونات‪ ،‬وتحرم نظيراتها الوطنية المتميزة؛‬ ‫بحجة عدم وجود سابقة خبرة‪ .‬كما أنها أسندت إلى مصريين أهل حظوة‪ ،‬ثق ًة أو فسا ًدا‪،‬‬

‫مشروعات جاء تنفيذها سي ًئا‪ ،‬مستبعدة أصحاب الخبرة والتميز‪ .‬وتدريج ًّيا تفشى‬

‫اعتقاد بعدم قدرة المصريين (عمو ًما) على اإلنجاز المتقن‪ ،‬حتى إن أحد المفكرين‬ ‫(رحمه الله) صرح لي بأنه ال ينبغي إهدار األموال في تجريب المصريين بالمشروعات‬

‫القومية‪ ،‬مستشهدً ا بسوء تنفيذ الكباري الحديثة على النيل مثل المنيب والوراق‪ .‬لقد‬

‫شعر المتميزون باليأس واإلحباط‪ ،‬وهرب بعضهم‪ ،‬وأحجم البعض اآلخر عن العمل‬ ‫في مشروعات الدولة‪.‬‬

‫الحكومة تجاهلت قواعد الشفافية والرقابة على المال العام‪ ،‬فتواطأ موظفو بنوك‬

‫مع مكاتب تقييم المشروعات ومستثمرين لفبركة دراسات جدوى‪ ،‬ليحصل ‪ % 5‬من‬ ‫المقترضين على ‪ % 85‬من وعاء القروض‪ ،‬وحين عجزت عن استردادها‪ ،‬انقلبت‬ ‫على قروض مشروعات الخريجين والحرفيين‪ ،‬فع َّقدت إجراءاتها أحيانًا‪ ،‬وأصابت‬

‫المشروعات بالتعثر أحيانًا أخرى‪.‬‬

‫الحكومة بدأت بقرية «مراقيا» ثم أغرت المستثمرين بإقامة منتجعات سياحية في‬

‫شهرا واحدً ا في السنة‪ ،‬فتبعها المشترون‪ ..‬وضاع‬ ‫الساحل الشمالي‪ ،‬ال تُستغل إال ً‬ ‫ٍ‬ ‫وأراض مميزة‪،‬‬ ‫عليهم‪ ،‬وعلى الدولة‪ ،‬أكثر من ‪ 130‬مليار جنيه من مدخرات شعبها‬ ‫وفقد قطاع اإلسكان‪ ،‬األَولى بالرعاية‪ ،‬ماليين األطنان من مواد البناء‪ ،‬وفقد قطاعا‬ ‫فرصا ضخمة‪ ،‬كان يمكن أن تنميه وتوفر لنا‬ ‫الصناعة والزراعة‪ ،‬األَولى باالستثمار‪ً ،‬‬ ‫آال ًفا من فرص العمل المستمر‪ .‬وليتنا استفدنا من خبرة آبائنا‪ ،‬الذين جعلوا من رأس‬

‫نموذجا لمصيف جميل‪ ،‬ال تلوثه غابات األسمنت والخرسانة‪ ،‬مو ِّظفين خامات‬ ‫البر‬ ‫ً‬ ‫بيئته في بناء عشش وكبائن المصطافين‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫ما حدث ويحدث في الساحل الشمالي في مصر‪ ،‬هو من أكبر جرائم التنمية‪ ،‬التي‬

‫تمت في العقود الثالثة المنتهية عام ‪ ،2014‬ونقارن بين سواحل تونس العامرة بالفنادق‪،‬‬ ‫لجذب السياحة الخارجية على مدار السنة‪ ،‬وشواطئ الساحل الشمالي المزروعة فيالت‬

‫مهجورة‪ ،‬باستثناء شهرين في السنة‪.‬‬

‫الحكومة أهدرت أموال الشعب‪ ،‬عندما استغل البعض تدينه وعدم ثقته في البنوك‪،‬‬ ‫عبر شركات توظيف األموال‪ً ،‬‬ ‫فبدل من أن تتدخل إلنقاذ أمواله‪ ،‬وتعديل مسار هذه‬

‫الشركات‪ ،‬صفتها مباشرة فضاعت أموال المودعين‪.‬‬

‫الحكومة باعت أراضي رمال الصحراء للمواطنين بأسعار باهظة‪ ،‬ضمنها تكلفة‬

‫المرافق والخدمات‪ ،‬وتسلموها من دونها‪ ،‬على الرغم من أن كلفة متر المرافق فيها‬

‫أقل من ‪ 200‬جنيه‪/‬متر مربع‪ ،‬وكان عليها تحمله؛ مساهمة منها في إسكان متوسطي‬

‫الدخل‪ .‬وأقامت ما سمته «مجتمعات عمرانية» بال رؤية وال دراسة‪ ،‬وال فرص عمل‪،‬‬ ‫فعف عنها الشعب‪ ،‬فأصبحت لدينا مدن مهجورة لسنوات‪ ،‬بينما الماليين يسكنون‬ ‫َّ‬ ‫العشوائيات والمقابر‪.‬‬

‫الحكومة لم تتدخل لمنع انتشار العشوائيات‪ ،‬التي رسخت اجتماع ًّيا ثقافاتها‬ ‫وسلوكياتها‪ ،‬فظهرت جرائم شاذة أخطرها زنى المحارم‪ً .‬‬ ‫وبدل من أن تحتذي بسياسات‬ ‫قسمت األراضي‪ ،‬وباعتها‬ ‫شركات المعادي ومصر الجديدة ـ قبل ‪ 65‬سنة‪ ،‬عندما َّ‬

‫للمواطنين بهامش ربح بسيط ـ وزعتها على السماسرة بأسعار زهيدة؛ ليتربحوا منها‬ ‫بعشرات أضعاف ثمنها‪ ،‬ومن البناء عليها بضع َفي أو ثالثة أضعاف التكلفة‪.‬‬ ‫كان ال بد أن تتأثر سلوكيات الشعب بالسياسات الخاطئة‪ ،‬كرد فعل مباشر‪ ..‬هكذا‬

‫تفشت مظاهر االنفالت واإلهمال والتكاسل والعنف؛ لنتحول من مجتمع اإلنتاج الذاتي‬

‫إلى استهالكي وأحيانًا ترفيهي‪ ،‬فليس بيننا اليوم على مستوى القرية أو المدينة تلك‬

‫تتقوت من عمل يدها‪ ،‬ومن عنايتها بالحرف والصناعات‬ ‫األسرة المنتجة‪ ،‬التي كانت َّ‬

‫المنزلية‪.‬‬

‫سياسات الحكومة‪ ،‬وإخفاقها لعقود طويلة‪ ،‬هي محك التراجع الذي نعاني منه؛ ألنها‬

‫التي تصدر القرارات والقوانين التي تحكم حركة الشعب‪ ،‬والتي تعين القيادات التي‬ ‫‪25‬‬


‫مرورا بعمداء الكليات ورؤساء الجامعات‬ ‫تقود الشعب‪ ،‬من مشايخ الحارة والعمد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بمجلسي الوزراء والمحافظين‪ ،‬بل تدخلت‬ ‫والمراكز البحثية والمجالس القومية‪ ،‬ونهاية‬ ‫َ‬ ‫في تكوين المجالس الشعبية‪ ،‬وفي اختيار قيادات القضاء‪ ..‬هؤالء جمي ًعا وأقرانهم‬ ‫يصرف شؤون الشعب في شتى القطاعات‪ ،‬ويتحملون‬ ‫هم ممثلو الحكومة‪ ،‬وهم من ِّ‬ ‫مسؤولية التراجع والتردي‪.‬‬ ‫وضوحا‪ :‬تضخم عجز الموازنة‬ ‫تداعيات الكارثة واضحة وكثيرة‪ ،‬وأكثرها‬ ‫ً‬ ‫واختالل ميزان المدفوعات‪ ،‬وتدني قيمة الجنيه‪ ،‬وتضاعف الدين الداخلي‬ ‫والخارجي‪ ،‬وزيادة نسبة التضخم إلى ‪ ،%34‬وتفاقم البطالة‪ ،‬والتزايد السكاني‬ ‫الكبير على الرغم من قلة اإلنتاج وسوء إدارة الموارد‪ .‬واستمر استيراد ‪ %75‬من‬ ‫غذاء المصريين؛ حتى إننا نستورد ‪ %90‬من مكونات طبق الفول‪ ،‬الوجبة الرئيسية‬ ‫للمصريين‪ ،‬وتحذر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪( ،‬شكل ‪،)3‬‬ ‫من انهيار نصيب الفرد من المساحة المنزرعة بالمحاصيل‪ ،‬من ‪ 0.70‬فدان للفرد‬ ‫إلى ‪ 0.21‬فدان خالل ‪ 120‬عا ًما‪.‬‬

‫شكل (‪ :)3‬تطور نصيب الفرد من المساحة المحصولية بالفدان ‪2006-1897‬‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬النتائج األولية للتعداد العام للسكان واإلسكان‬ ‫والمنشآت ‪ ،2006‬مارس ‪2007‬‬

‫‪26‬‬


‫وأصدر الجهاز نفسه بيانًا يوضح كيف تناقص نصيب الفرد من إنتاج الحبوب من‬ ‫‪ 315‬كيلوجرا ًما سنو ًّيا في ‪ 2001‬ليصبح ‪ 239‬كيلوجرا ًما في ‪( 2013‬شكل (‪))4‬؛‬ ‫أي إن نصيب الفرد من إنتاج الحبوب قد انخفض بنسبة تقترب من الربع خالل ‪12‬‬ ‫عا ًما فقط‪.‬‬

‫شكل (‪ :)4‬ما يخص الفرد من صافي الغذاء من الحبوب في السنة بالكيلوجرام‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ تجميع المؤلف من عدة سنوات‬

‫وال تتوقف التبعات السلبية لهذه السياسات على غذاء المصريين‪ ،‬بل إنها تمتد‬ ‫لتدمر صناعات إستراتيجية مثل المنسوجات من القطن المصري‪ ،‬ففي الربع األخير‬ ‫من عام ‪ ،2015‬لم تتعدَّ الكمية المستخدمة من القطن ‪ 109‬أطنان‪ ،‬مقابل ‪ 415‬طنًّا‬ ‫في الربع الثاني من عام ‪ ،2013‬كما يوضح الرسم البياني التالي الصادر عن الجهاز‬ ‫المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬شكل (‪.)5‬‬

‫‪27‬‬


‫شكل (‪ :)5‬كميات األقطان التي قامت المغازل المحلية بصرفها لوحدات التشغيل‪ ،‬مستب َعدً ا منها‬ ‫الكميات التي تعاد من دون إجراء التشغيل عليها‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ تجميع المؤلف من عدة سنوات‬

‫ويستدعي تراجع قدراتنا الذاتية وخروجنا من المنافسة اإلقليمية دراسة وفهم‬ ‫سيكولوجية الشعب‪ ،‬والحوافز التي تنهض بقدراته والمؤثرات التي تحبطه‪ ،‬وإعادة‬ ‫جسور الثقة مع حكومته‪ ،‬ورده إلى تقاليده وقيمه اإليجابية التي كانت تحكم سلوكياته‪.‬‬ ‫ال بد أن ُيعهد بمنظومة الحل‪ ،‬نوعيته وإستراتيجيته وتنفيذه‪ ،‬إلى مجموعة إنقاذ‬ ‫مؤهلة‪ ،‬من بين الخبرات والكفاءات المصرية‪ ،‬يفرزها نقاش مفتوح في القطاعات‬ ‫المختلفة‪ ،‬تلتزم بتوصياته القيادة السياسية‪.‬‬ ‫لن ُي ْجدي سوى االعتماد على القدرة الذاتية للمصريين المتميزين األكفاء‪ ،‬وهذا‬ ‫ما فعلته سنغافورة‪ ،‬أصغر بالد العالم المتقدم‪ ،‬والصين أكبر شعوب العالم‪ ،‬والهند‬ ‫نموا‪ ،‬ولنا فيها قدوة االعتماد على القدرة الذاتية‪ ،‬سر تقدم الدول‪ ،‬كما أقر‬ ‫أكثر الدول ًّ‬ ‫وأوصى أحد التقارير البحثية لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي (‪.)UNDP‬‬

‫‪28‬‬


‫تفاعالت‬



‫حوار الـ«‪»BOT‬‬ ‫كانت مصر من أوليات الدول التي أدخلت الكهرباء‪ ،‬أواخر القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫واستخدمتها بداية في اإلنارة وتشغيل ترام العاصمة‪ .‬ومن الطبيعي أن ترتبط تنمية‬ ‫المجتمع بتطور منظومة الكهرباء وإداراتها‪ ،‬بداية بـ«شركة ليبون» األجنبية في ظل‬ ‫وأخيرا وزارة‪ ،‬تتبعها أجهزة إشرافية‬ ‫ومرورا بمصلحة وطنية‪،‬‬ ‫االستعمار اإلنجليزي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتنفيذية‪ ،‬تتسع مسؤولياتها لتشمل مناطق خارج حدود مصر‪.‬‬ ‫اكتسبت األجهزة الوطنية خبرة تراكمية تعود إلى عقود‪ ،‬بداية من محطة توليد‬ ‫السبتية‪-‬القاهرة‪ ،‬عام ‪ ،1892‬ثم محطة ثانية بمنطقة كرموز‪-‬اإلسكندرية‪ ،‬عام ‪.1895‬‬ ‫وثالثة كهرومائية بمنطقة العزب‪-‬الفيوم‪ ،1926 ،‬ثم أول شبكة كهربائية بالدلتا‪،1932 ،‬‬ ‫ً‬ ‫وصول إلى تنفيذ مشروعات الربط الكبرى داخل وخارج مصر‪ ،‬وإنشاء محطات توليد‬

‫عمالقة بالكريمات وسيدي كرير الوطنية وعيون موسى وأسيوط‪.‬‬ ‫وفي بداية الثمانينيات‪ ،‬شهد قطاع الكهرباء الوطني طفرات هائلة‪ ،‬بقدرات ذاتية‪،‬‬ ‫لم تتحقق لنظير له في الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬من الخطة الخمسية األولى‪،‬‬ ‫‪ ،1987-1982‬حتى نهاية الخطة الثالثة‪ ،1997-1992 ،‬ليراكم رصيدً ا من اإلنجازات‬ ‫الفنية والمالية واإلستراتيجية‪ ،‬وخاللها تمكن من تحويل أكثر من ‪ 90‬محطة كهرباء‬ ‫وتجديدها وتوسيعها‪ ،‬بإجمالي طاقة ‪ 14‬ألف ميجاوات‪ ،‬بخبرات مصرية تتجاوز ‪.%95‬‬ ‫وانصياعا للتوجه العالمي لبناء المشروعات الكبرى وإدارتها‪ ،‬بواسطة القطاع‬ ‫ً‬ ‫الخاص‪ ،‬وضع جهاز الكهرباء المصري إستراتيجية شاملة‪ ،‬تنفذ عبر خطط خمسية‪،‬‬ ‫يتولى بمقتضاها القطاع الخاص المحلي واألجنبي والمشترك إنشاء ‪ 16‬محطة توليد‬ ‫حتى سنة ‪ 2017‬بنظام حق االنتفاع (‪ ،)BOT‬مع التزام هيئة كهرباء مصر بشراء إنتاجها‪،‬‬ ‫‪31‬‬


‫‪ 9650‬ميجاوات‪ .‬ولتنفيذ هذه اإلستراتيجية‪ ،‬عُدِّ ل قانون الهيئة (التي أصبحت شركة‬ ‫قابضة)؛ ليسمح لها بشراء إنتاج محطات التوليد‪ ،‬التي تصرح الهيئة لمستثمرين محليين‬ ‫وأجانب بإنشائها‪.‬‬ ‫وفي أول تطبيق‪ ،‬منحت الحكومة التزام إنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة وإعادة ملكية‬ ‫لمحطة كهرباء سيدي كرير البخارية‪ ،‬بقدرة ‪ 325 × 2‬ميجاوات‪ ،‬لـ«شركة إنترجن‪ .‬جي‬ ‫بي ليمتد»‪ ،‬من جزر الكايمان‪ ،‬المؤسسة طب ًقا للقانون بإدارة أجنبية‪ 22 ،‬يوليو ‪،1998‬‬ ‫ليبدأ تشغيلها في ‪ 31‬ديسمبر ‪ ،2001‬مع االلتزام بشراء ناتج الكهرباء‪ ،‬أكثر من ‪110‬‬ ‫ماليين دوالر سنو ًّيا لمدة ‪ 20‬سنة‪.‬‬ ‫في الخطة الخمسية الثالثة نفسها‪ ،‬والتي بلغت استثماراتها ‪ 1.2‬مليار دوالر‪،‬‬ ‫وبالمخالفة لقوانين هيئة كهرباء مصر‪ُ ،‬منحت هيئة كهرباء فرنسا‪ ،»EDF« ،‬المملوكة‬ ‫لحكومة باريس‪ ،‬امتياز إنشاء محطتي شرق بورسعيد‪ ،‬وشمال غرب خليج السويس‪،‬‬ ‫وتشغيلهما‪ ،‬بقدرة ‪ 325 × 2‬ميجاوات لكل منهما‪ ،‬بعد طرح مناقصة‪ ،‬وتقدمها‬ ‫بعرض يقل ‪ %20‬عن المنافسين‪ ،‬كـ«تطبيق عملي» لـ«اإلغراق الدولي»‪ ،‬مع التزام‬ ‫الهيئة المصرية بشراء إنتاجها؛ مما ُيعد تزكية رسمية من البنك المركزي المصري‬ ‫لحصول المؤسسة الفرنسية الحكومية على قروض محلية وأجنبية لتمويل إنشاء‬ ‫المحطتين‪.‬‬ ‫مع أهمية قطاع الطاقة القصوى‪ ،‬تلح عدة أسئلة‪ ..‬كيف نزعنا ملكية محطات كهرباء‬ ‫من الحكومة المصرية وم َّلكْناها بالمخالفة للقانون لحكومة فرنسا؟ هل تخضع هذه‬ ‫التعاقدات لقوانيننا في االستثمار؟ ما ضمانات تشغيل العمالة والخبرة المحلية‪،‬‬ ‫واستخدام المكون الوطني‪ ،‬واستمرار برامج تدريب كوادر وتطويرهم‪ ،‬تدير هذه‬ ‫المشروعات بعد انتهاء مدة حق االنتفاع؟‬ ‫ال تحكمنا هنا نظرة تعصبية‪ ،‬ولكنها قضية إستراتيجيات وسيادة دولة‪ ،‬فقد نشرت‬ ‫تقريرا عن رفض نواب الحزب‬ ‫جريدة «الفاينانشال تايمز» البريطانية‪ 24 ،‬يوليو ‪ً ،1999‬‬ ‫الديمقراطي األمريكي لصفقة بيع شركة «فويس ستريم» األمريكية لالتصاالت لنظيرتها‬ ‫«دويتشه تليكوم» األلمانية؛ ألن حكومة برلين تساهم بحصة في رأس مالها‪ .‬وأعقب‬ ‫ذلك تقدم «إرنست هولنجز»‪ ،‬العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ‪ ،‬بمشروع قانون‬ ‫‪32‬‬


‫يمنع المؤسسات األجنبية‪ ،‬التي تمتلك فيها حكوماتها أكثر من ‪ ،%25‬من شراء شركات‬ ‫كبيرا في أسواق المال األمريكية‪ .‬ورفض «فالدييمير‬ ‫أمريكية‪ ،‬ووجدت مبادرته صدى ً‬ ‫بابليك»‪ ،‬رئيس وزراء بولندا‪ ،‬سنة ‪ ،1994‬ضغو ًطا أمريكية لخصخصة ‪ 40‬شركة‪،‬‬ ‫وقال‪« :‬لن أبيع بولندا‪ ،‬ليس ألنها قطاع عام‪ ،‬ولكن ألنها صناعات إستراتيجية‪ ،‬وال‬ ‫يمكن أن يمتلكها أجنبي‪ ..‬بل بولندي»‪.‬‬ ‫منذ عام ‪ ،1980‬ولمدة ‪ 20‬سنة‪ ،‬وكاتب هذه السطور ينشط كخبير استشاري في‬ ‫جميع محطات الكهرباء التي أنشأتها الدولة‪ .‬بدأنا بتصميم مكوناتها الصغيرة‪ ،‬لنصل‬ ‫إلى كامل المحطة كمنظومة‪ .‬وتؤكد لنا خبراتنا الطويلة‪ ،‬المعضدة بالمستندات‪ ،‬أن‬ ‫الحكومات األجنبية لن تسمح بنمو خبراتنا الوطنية‪ .‬ما الموقف لو استمرت هيئة كهرباء‬ ‫مصر في هذا النهج‪ ،‬واحتكرت حكومات أجنبية معظم ما تنتجه مصر من الكهرباء‪،‬‬ ‫الموزعة على مشروعاتنا القومية بنسبة ‪ ،%50‬والقطاع األهلي ‪ ،%35‬والجهاز اإلداري‬ ‫وتسعيرا؟‬ ‫توفيرا‬ ‫‪،%15‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومن األضرار التي أصابت اقتصادنا الوطني التباع سياسة الـ«‪ »BOT‬في المرافق‬ ‫وآثارها الممتدة حتى اآلن‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ألزمت اتفاقيات إنشاء محطات كهرباء بأسلوب الـ«‪ »BOT‬الحكومة المصرية‬ ‫كبيرا على االحتياطي األجنبي‪،‬‬ ‫بشراء ناتج الكهرباء بالدوالر؛ ما يمثل عب ًئا ً‬ ‫الالزم لتوفير السلع اإلستراتيجية‪ ،‬مع الزيادة المطردة في سعر صرف الدوالر‪.‬‬ ‫وضمنت البنوك المحلية شراء الكهرباء من شركات الـ«‪ ،»BOT‬بما يعادل ‪108‬‬ ‫ماليين دوالر لكل محطة سنو ًّيا‪ ،‬لمدة ‪ 20‬سنة‪ ،‬بإجمالي يزيد على ملياري‬ ‫دوالر لمحطة‪ ،‬ال تزيد تكلفة إنشائها عن ‪ 330‬مليون دوالر‪ ،‬توازي ‪ %15‬من‬ ‫التزام مصر تجاه شركة حق االنتفاع‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ قيام البنوك المحلية بإقراض شركات حق االنتفاع األجنبية إلنشاء هذه المحطات‬ ‫من ناحية‪ ،‬وإتمام هذا اإلقراض بالعملة الصعبة‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬يمثل عب ًئا‬ ‫كبيرا على االئتمان واالستثمار الوطنيين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 3‬ـ ضمان البنوك المحلية شراء الكهرباء من هذه المشروعات يعني مديونية‬ ‫إضافية على االقتصاد المصري‪ ،‬الذي يئن من الديون الداخلية والخارجية‬ ‫‪33‬‬


‫التي تراكمت عليه‪ .‬وإذا كان رأي بعض االستشاريين أن الـ«‪ »BOT‬يبعدنا عن‬ ‫الديون الخارجية‪ ،‬فإن هذه الضمانات تقودنا إلى المديونيات الخارجية من‬ ‫أوسع األبواب‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ شراء شركات حق االنتفاع (‪ )BOT‬الخدمات‪ ،‬ودفع قيمة المكون المحلي‪ ،‬إذا‬ ‫وجد‪ ،‬وأجور العاملين المصريين بالعملة المحلية‪ ،‬وليس الصعبة؛ ما يجعلها‬ ‫مستفيدة مرة أخرى من أي زيادة في سعر صرف الدوالر‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ أغفلت هذه التعاقدات تحديد أي نسبة لمشاركة المكون المحلي‪ ،‬أو الكوادر‬ ‫الوطنية‪ ،‬في التصميم والتنفيذ واإلشراف والتشغيل‪ ،‬وهي أمور الزمة إليجاد‬ ‫كوادر مصرية قادرة على القيادة واالبتكار‪ ،‬وضمان تحديث التكنولوجيا في‬ ‫المستقبل‪ ،‬واستمرار التنمية التكنولوجية ذات ًّيا‪ ،‬بل وتصديرها إلى بالد الشرق‬ ‫األوسط وأفريقيا‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ يقلل شراء شركات حق االنتفاع وقو ًدا لتشغيل المحطات من الدولة بالسعر‬ ‫والعملة المحليين من العائد االستثماري لمصر لهذه المشروعات؛ ألن السعر‬ ‫المحلي للوقود مدعم لخدمة الكيانات المصرية‪ ،‬ومن الواجب أن تكون بعملة‬ ‫التعاقد نفسها‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ ما يمكن أن يطرأ من خالفات سوف يكون أحد طرفيه جهة حكومية أجنبية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من طرحنا للقضية في سلسلة مقاالت ـ «األهرام» ‪ 28‬يناير ‪2001‬‬ ‫و‪ 24‬مارس و‪ 18‬يونيو ‪ ،2001‬وبـ«مجلة الكهرباء العربية»‪ ،‬عدد ‪ ،72‬يونيو ‪ 2003‬ـ‬ ‫واصلت الحكومة تسريع الخصخصة‪ ،‬واستمرار طرح مناقصة محطتين ألكثر من ثالث‬ ‫سنوات‪ً ،‬‬ ‫بدل من توفير قروض ومنح إلنشائهما‪ ،‬مثلما فعلت مع محطة عيون موسى‪،‬‬ ‫بقدرة ‪ 320 × 2‬ميجاوات‪ ،‬بتمويل من البنك األفريقي للتنمية وصندوق التنمية األفريقي‬ ‫والبنوك المحلية والصندوق العربي‪ ،‬بجملة قروض ومنح بلغت ‪ 300‬مليون دوالر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بدل من االلتزام بشراء الكهرباء بدفع ملياري دوالر على مدار عشرين عا ًما لكل محطة‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫كنوزنا المنهوبة‬ ‫زاخرا من شواهد الحضارات‬ ‫منح المصريون وطنهم‪ ،‬عبر العصور‪ ،‬رصيدً ا‬ ‫ً‬ ‫المتعاقبة‪ ،‬فاض عبر حدوده‪ ،‬ليستفيد منه‪ ،‬معنو ًّيا وماد ًّيا‪ ،‬أكثر من ‪ 700‬موقع بأنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬الغربي خاصة‪ ،‬فيما بين متحف ومعرض وميدان وقاعة وجامعة‪ .‬وتتفاوت‬ ‫تقديرات اآلثار‪« ،‬المنهوبة» في غالبيتها الساحقة‪ ،‬ما بين ‪ 120‬ألف قطعة وفق مجلة‬ ‫«بزنس ترافل» البلجيكية‪ ،‬و‪ 220‬أل ًفا حسب تقرير المتحف القومي في «بافاريا»‬ ‫األلمانية‪ ،‬عام ‪.2000‬‬ ‫وال تكاد تخلو دولة غربية من آثارنا‪ ،‬يتقدمها متحف «اللوفر» بباريس‪ ،‬بين ‪ 27‬و‪30‬‬ ‫ألف قطعة منوعة‪ ،‬تشكل ‪ %26‬من معروضاته‪ ،‬و‪ %76‬من مقتنياته الشرقية التي تحتل‬ ‫‪ 7‬أقسام رئيسية‪ ،‬وأشهرها‪ :‬تماثيل سنوسرت الثالث‪ ،‬وأمنمحات الثالث‪ ،‬وأمنمحات‬ ‫الرابع‪ ،‬وتحتمس الثالث‪ ،‬ورمسيس الثاني‪ ،‬وعشرات المومياوات والحيوانات‬ ‫والتوابيت‪ ،‬ومئات القطع األثرية كاألوعية والفازات والحلي واألسلحة واأللواح‬ ‫والشواهد‪ ،‬التي يعود بعضها للعصور البطلمية والقبطية والرومانية واإلسالمية‪ .‬واعتبر‬ ‫مدير المتحف‪« ،‬هنري لويرات»‪ ،‬في ندوة بباريس‪ ،‬اآلثار المصرية «عامل الجذب‬ ‫الرئيسي ألكثر من ‪ 75‬مليون أجنبي ومحلي يزورون المتحف سنو ًّيا»‪ .‬ويجيء المتحف‬ ‫البريطاني في مرتبة مقاربة بعشرات آالف القطع تشكل ‪ %18‬من معروضاته‪ ،‬أغلبها‬ ‫فرعونية‪ ،‬وجزء مهم روماني وبطلمي‪ ،‬منه تماثيل نادرة لكليوباترا وأخرى لبطليموس‬ ‫الخامس عشر‪ ،‬الذي يعتقد أنه ابنها من يوليوس قيصر‪ .‬وفي مقدمة المتاحف المتخمة‬ ‫أيضا‪ ،‬متحف «المتروبوليتان» في نيويورك‪ ،‬والمتحف المصري في برلين‪،‬‬ ‫بآثارنا ً‬ ‫والمتحف المصري في «تورينو» بإيطاليا‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫ورصد باحثون استيالء إسرائيل على عشرات اآلالف من القطع األثرية خالل‬

‫احتاللها لسيناء‪ ،‬بمساعدة أجهزة استشعار وأقمار أمريكية‪ ،‬أقام بها وزير دفاعها‬ ‫األسبق «موشيه ديان» وأوالده متاحف خاصة في فلسطين المحتلة‪ .‬وقبلها‪ ،‬عشرات‬

‫آالف أخرى من وثائق معابد ومقابر اليهود المصريين‪ ،‬سرقها ناشطون في الحركة‬

‫الصهيونية أشهرهم «سلمون شختر»‪ 1847 ،‬ـ ‪ ،1915‬الذي نقل ‪ 100‬ألف وثيقة‬ ‫تاريخية إلى «جامعة كمبريدج» بلندن‪ ،‬من بينها أشهر ثالث وثائق للنبي إرميا‪ ،‬وفق‬ ‫موسوعة «التاريخ اليهودي لشعب إسرائيل في العصر الحديث»‪.‬‬

‫أيضا قطع كثيرة‪،‬‬ ‫وال تقتصر آثارنا في الخارج على المتاحف الكبرى‪ ،‬بل توجد ً‬

‫ال تقل أهمية في ندرتها وقيمتها التاريخية‪ ،‬في متاحف ومعارض وجامعات صغيرة‬

‫ومتوسطة‪.‬‬

‫إيطاليا بها ‪ 17‬مسلة فرعونية ال مثيل لها في مصر‪ ،‬وبمتحف «بولونيا» اإليطالي‬

‫أكثر من ‪ 2000‬مقتنى‪ ،‬مومياوات ورسومات لحيوانات وأدوات الحياة المصرية‬ ‫القديمة‪ ،‬وتماثيل برونزية‪ ..‬منها ‪ 100‬مقتنى يعود إلى حكم توت عنخ آمون‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬أكثر من‪ 150‬مقتنى من تاريخ‬ ‫ويضم متحف «ديل كارنيجي»‪ ،‬اإليطالي ً‬

‫الفراعنة االجتماعي والديني واالقتصادي‪ .‬وبمتحف «هنتريان»‪« ،‬جامعة جالسجو»‬ ‫االسكتلندية‪ ،‬مئات التماثيل والقطع األثرية‪ ،‬منها‪ :‬مجموعة تماثيل نادرة من البرونز‬

‫إليزيس وأوزوريس وطفلهما حورس‪ .‬ويضم متحف «كارلوس»‪« ،‬جامعة إيموري»‬

‫األمريكية‪ ،‬عشرات المومياوات والقطع األثرية‪ .‬وينفرد متحف «سيدني» بقطاعات‬

‫كاملة من معبدَ ي سرابيوم وسرابيت الخادم‪ ،‬ضمن مجموعة منوعة‪ .‬والحال نفسه‬ ‫في متحف فيينا‪ ،‬الذي يتباهى بأن ضمن مقتنياته تمثال تحتمس الثالث ورأس‬

‫تمثال سنوسرت الثالث‪ .‬وليس أدل على ذلك من تأكيد مدير متحف «برلين»‬

‫بأن إعادة رأس نفرتيتي لمصر يعني إلغاء وجود المتحف‪ ..‬وتتوزع آالف القطع‬ ‫بين متاحف‪« :‬كيلفالند»‪ ،‬و«إلينوي»‪ ،‬و«هارفارد»‪ ..‬بأمريكا‪ .‬و«بافاريا»‪ ،‬و«الفن‬ ‫البيزنطي»‪ ،‬و«الدراسات المصرية» و«رومر‪-‬بيليزيوس»‪ ..‬بألمانيا‪ .‬و«سوانسي»‬ ‫ببريطانيا‪ .‬و«المتحف القومي»‪ ،‬و«كورفو»‪ ..‬باليونان‪ .‬و«طوكيو»‪ ،‬و«أوزاكا»‪..‬‬ ‫‪36‬‬


‫باليابان‪ .‬و«بوشيكن» في موسكو‪ ،‬و«األرميتاج» في «سان بطرسبرج»‪ ..‬بروسيا‪.‬‬

‫و«روما» و«بولونيا» بإيطاليا‪ .‬و«الجامعة العبرية» بالقدس المحتلة‪ ،‬وغيرها من‬

‫عشرات المتاحف‪.‬‬

‫ويندر أن تقف دولة موقف المتفرج من آثارها المنهوبة‪ .‬فقد كونت اليونان ـ على‬

‫سبيل المثال ـ ضمن منظومة متاحفها القومية‪ ،‬شبكة لجان للرصد وإلثبات الملكية‬

‫وللمالحقة الدبلوماسية والقانونية‪ ،‬ورتبت حمالت إعالمية ال تتوقف لحث الشعوب‬

‫والمؤسسات الثقافية األوروبية على الضغط على حكوماتها إلعادة اآلثار اليونانية إلى‬ ‫موطنها‪.‬‬

‫ونجحت جواتيماال‪ 25 ،‬يناير ‪ ،2017‬في استعادة ‪ 20‬قطعة تعود لحضارة المايا‬

‫الهندية‪ ،‬بعد عقود من تهريبها وتفرقها بين أنحاء العالم‪ ،‬معتمدة على حمالت إعالمية‬ ‫وقانونية ومفاوضات دبلوماسية‪.‬‬

‫على نهج أجدى سارت إثيوبيا‪ ،‬الستعادة مسلة شهيرة‪ ،‬تجاوز عمرها ‪ 2500‬عام‪،‬‬

‫خلعها االحتالل اإليطالي عام ‪ 1937‬من مدينة «أكسوم»‪ ،‬شمال إثيوبيا‪ ،‬ووضعت‬

‫مقرا لمنظمة‬ ‫بميدان «تشيركو ماسيمو»‪ ،‬أمام مقر وزارة المستعمرات‪ ،‬الذي أصبح ًّ‬ ‫األغذية والزراعة «فاو»‪ .‬وبعد صراع طويل‪ ،‬وقعت الدولتان عام ‪ 1997‬اتفا ًقا‬

‫بردها‪ ،‬عرقلت تنفيذه حملة معاكسة من جماعات ثقافية إيطالية رسمية وأهلية؛‬

‫بحجة مخاطر التفكيك والنقل وتكلفتهما العالية‪ .‬وأمام حملة دولية مدعومة من‬ ‫اليونسكو‪ ،‬عادت المسلة في ‪ 4‬سبتمبر ‪ 2004‬إلى مكان اكتشافها‪ ،‬وسط احتفاالت‬ ‫شعبية حافلة‪ .‬وما فعلته إثيوبيا من أجل قطعة واحدة‪ ،‬لم نفعله نحن لثروات خلفها‬

‫األجداد‪ ،‬ال نملك جر ًدا بأماكن تواجدها‪ ،‬وال خطة الستعادتها‪ ،‬أو لالستفادة منها‬

‫حيث هي‪ .‬في المقابل‪ ،‬تجني المؤسسات الغربية من ورائها المليارات سنو ًّيا‪ ،‬فاألمر‬

‫لم يتوقف عند كون «المسروقات» عماد جاذبيتها‪ ،‬بل صيغت حولها منظومة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫طبع تسجيالت إلكترونية وأفالم توثيقية وبوسترات‪ ،‬وتسويقها‪ ،‬وتوظيفها على ما‬ ‫يمكن لصقها عليه‪ ..‬من األكواب إلى المالبس واألكسسوارات‪ ،‬من دون احترام‬

‫لحق الملكية الفكرية‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫أمثلة من أبسط المنتجات المعروضة للبيع في المتحف البريطاني توضح التربح من تاريخنا من دون‬ ‫عائد لمصر (منشفة مطبخ ووعاء قهوة)‬

‫ولن تجد متح ًفا أو جامعة لم يستفد من ممتلكاتنا لديه؛ ً‬ ‫فمثل‪ ،‬أنتج متحف «بولونيا»‬ ‫اإليطالي سلسلة أفالم توثيقية‪ُ ،‬ص ِّورت بمنطقة سقارة‪ ،‬عن شخصيات فرعونية ـ‬ ‫أبرزها القائد ثم الفرعون حور محب‪ ،‬الذي جاء بانقالب عسكري وحكم مصر في‬ ‫نهاية األسرة الـ‪ ،18‬ولم يكن من ساللة الملوك‪ .‬وبالطبع حصد متحف «بولونيا» منها‬ ‫ماليين الدوالرات خالل عامين‪ .‬ويبلغ حجم تجارة الهدايا والقطع المقلدة من اآلثار‬ ‫المصرية‪ ،‬حول متحف لندن‪ 6 ،‬ماليين جنيه إسترليني سنو ًّيا‪ ،‬موزعة على ‪ 5‬وكاالت‬ ‫كبرى متخصصة‪ ،‬نجحت في تصدير منتجاتها إلى كل أنحاء العالم‪ ،‬حتى إلى مصر‪.‬‬ ‫نموذجا لتمثال رأس نفرتيتي بـ‪ 8900‬يورو‪ ،‬بينما ال تزيد تكلفته‬ ‫ويبيع متحف برلين‬ ‫ً‬ ‫على ‪ 250‬يورو‪ .‬ورسخت متاحف جامعات «جالسجو» و«إلينوي» و«آثار سيدني»‬ ‫منظومات تصوير أفالم وتسويقها لما لديها من آثارنا‪ ،‬تباع األسطوانة منها بما يعادل‬ ‫‪ 5‬دوالرات في أوروبا‪ ،‬و‪ 7‬في أمريكا وأستراليا‪.‬‬ ‫إن آثارنا بالخارج وتجارة تقليدها هي الدجاجة التي تبيض ذه ًبا لهذه المتاحف‬ ‫والمعارض والشركات‪ .‬ويمكننا توقع حجم العائد الضائع برصد ضخامة مبالغ‬ ‫التأمين على آثارنا‪ ،‬لتتجاوز ‪ 100‬مليون دوالر على ‪ 44‬قطعة في معرض «كليوباترا‪..‬‬ ‫‪38‬‬


‫من التاريخ إلى األسطورة» الذي طاف بإيطاليا وإنجلترا والواليات المتحدة‪ ،‬و‪170‬‬ ‫مليون دوالر للقطع الذهبية الفرعونية المشاركة في معرض دولي‪ ،‬رتبته النمسا في‬ ‫متحف تاريخ الفنون‪ ،‬بمشاركة مصر وأمريكا ودول أوروبية‪.‬‬ ‫مقصورا على تراثنا المسروق‪،‬‬ ‫الربح الذي يصب خارج جيوب المصريين ليس‬ ‫ً‬ ‫فمنه ما يطال ما لم يخرج من حدودنا‪ .‬كنموذج‪ ..‬تصوير شركة فرنسية و«المعهد‬ ‫األوروبي لآلثار البحرية» عمليات انتشال آثار غارقة باإلسكندرية‪ ،‬وبيعها لألفراد‬ ‫والجهات البحثية والمتاحف واإلعالم‪ ،‬وجمعت منها ‪ 40‬مليون فرنك فرنسي‪ ،‬ولم‬ ‫يحصل المجلس األعلى لآلثار حتى على نسخة مما أنتجته الشركة‪ ،‬التي منعت بعد‬ ‫ذلك أصحاب مراكز الغطس بمصر من النزول إلى المواقع التي اكتشفتها البعثة‪،‬‬ ‫وطالبت بمقاضاتهم طب ًقا لقوانين الملكية الفكرية وقوانين حقوق النشر؛ لقيام أحدهم‬ ‫بنشر صور آلثارنا الغارقة‪ ،‬التي اكتشفتها البعثة‪ ،‬على شبكة اإلنترنت! وبعدها تقدمت‬ ‫الشركة نفسها بطلبات مماثلة لمناطق أثرية وطنية!‬ ‫كثيرا مع بعثة «واسيدا» اليابانية‪ ،‬التي أجرت حزمة أبحاث على‬ ‫الوضع ليس أفضل ً‬ ‫مقبرة توت عنخ آمون وموميائه‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2000‬وسجلتها على وسائط إلكترونية‪،‬‬ ‫ولم تحصل وزارة الثقافة إال على نصف مليون جنيه‪ ،‬مقابل خسائر إغالق المقبرة أثناء‬ ‫فترة األبحاث والتصوير‪ .‬وفيما بعد مدت طلبها إلى المقابر األثرية والمومياوات‪ ،‬منها‬ ‫أمنحتب الثالث‪ ،‬ولم تحصل مصر على أي مقابل عما ُص ِّور وما ُس ِّوق‪.‬‬ ‫في الذاكرة محاوالت بذلت السترداد هذه الكنوز التي ُسرقت‪ ،‬بال جدوى‪ ،‬على‬ ‫الرغم من توقيع معظم الدول التي تحتفظ بآثارنا على «اتفاقية الهاي لحماية الملكية‬ ‫الثقافية»‪ ،‬عام‪ ،1954‬التي تلزمها برد اآلثار المسروقة إلى أوطانها‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫المطالبات المصرية لدول مثل‪ :‬إنجلترا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬والواليات المتحدة‪،‬‬ ‫وألمانيا‪ ،‬وأستراليا‪ ،‬واليونان‪.‬‬ ‫فماذا فعلنا لالستفادة من االتفاقيات الدولية‪ ،‬وباألخص اتفاقيات الملكية الثقافية‬ ‫والفكرية‪ ،‬بما يحمي آثارنا من االستغالل غير المرخص سواء بالعرض أو الطبع أو‬ ‫النسخ أو التقليد أو التصوير‪ ،‬أو غير ذلك مما يدر الماليين على المتاحف والمعارض‬ ‫والشركات األجنبية؟!‬ ‫‪39‬‬


‫إننا لم نفعل شي ًئا‪ ..‬وحتى اآلن لم نطالب بحقوقنا في االستغالل االقتصادي‬ ‫والسياحي لهذه اآلثار‪ ،‬ولم يناقش أي مجلس من المجالس النيابية المتتالية أية‬ ‫مشروعات أو مسودات قوانين في هذا الصدد إلقرارها وعرضها على منظمة «الويبو»‬ ‫المختصة باتفاقية الملكية الفكرية‪.‬‬ ‫رغم تذكيرنا بحقوقنا وفق «الهاي» في «األهرام» ‪ 8‬سبتمبر ‪« ،2001‬األخبار» ‪22‬‬ ‫يناير ‪« ،2002‬األهرام» ‪ 31‬مارس ‪« ،2002‬األخبار» ‪ 19‬مارس ‪ ،2003‬لم يتحرك‬ ‫أحد‪ ،‬وإلى حين تنفيذها‪ ،‬فإن علينا أن نحاول‪ ،‬على األقل‪ ،‬الحصول على نصيب عادل‬ ‫من عوائد استغالل آثارنا في الخارج‪ ،‬وهو أسهل من استردادها‪ ،‬وتفعيل األحكام‬ ‫والقوانين الدولية للملكية الثقافية والفكرية‪ .‬ويمكن المطالبة‪ ،‬مبدئ ًّيا‪ ،‬بما «قيمته»‬ ‫مئات الماليين من الدوالرات سنو ًّيا‪ .‬نقول «قيمته»‪ ،‬ألن اللقطة هنا أن نُعلي من قيمة‬ ‫ما يخصنا‪ .‬ولتسهيل اإلجابة عن طلبنا‪ ،‬يجب أن يرتبط بمصادر إنفاق ذات صلة‪،‬‬ ‫مثل أنشطة مكتبة اإلسكندرية‪ ،‬التي ترتبط بها ‪ 18‬جمعية صديقة لها عابرة للحدود‪،‬‬ ‫وأنشطة تنموية ثقافية‪ ،‬ومنح دراسات عليا ألبنائنا في كبرى جامعات الدول الحاضنة‬ ‫آلثارنا‪ ،‬ومساهمات دورية علمية وأكاديمية وتكنولوجية‪ ،‬وبرامج تدريب وبعثات‬ ‫علمية‪ ،‬ومساهمات في ترميم آثارنا وتنسيق متاحفنا وإعادة تأهيلها‪ ،‬إلخ‪ .‬مستندين في‬ ‫حمالتنا‪ ،‬التي يجب أن تكون قومية‪ ،‬إلى مزيج وا ٍع من العالقات السياسية واعتبارات‬ ‫الصداقة‪ ،‬وضغوط الرأي العام هنا وفي الدولة «الحاضنة» أو «السارقة آلثارنا» وعالم ًّيا‪،‬‬ ‫والمعاهدات الدولية ذات الشأن‪ ،‬والمنظمات والتجمعات الثقافية‪ ،‬سواء في الجدال‬ ‫الدبلوماسي‪ ،‬أو أمام قضاء البلدان ذاتها‪ ،‬ومن بعده المحاكم الدولية عند الحاجة‪.‬‬ ‫وبالتوازي مع المجهودات المبذولة بالخارج‪ ،‬علينا االهتمام بتدريس اآلثار والتراث‬ ‫القديم كمادة تعليمية في المدارس‪ ،‬ألن إهمالها هو السبب الرئيسي في عدم اهتمام‬ ‫الشعب ـ وبالتالي عدم اهتمام الدولة ـ بآثارنا في الداخل والخارج‪ .‬ونؤكد على أن‬ ‫المدارس في أوروبا تقدم أنشطة لتعريف األطفال باللغة المصرية القديمة ونمط الحياة‬ ‫والملبس واآللهة المصرية‪ ،‬ما ينتج عنه شغف ثقافي يضمن للمتاحف روا ًدا متجددين‬ ‫وعائدً ا مطر ًدا‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫�إوعى ت�صحى‬ ‫في صباح ‪ ٢٨‬سبتمبر ‪ ،2010‬تركت سريري بمالءته القطنية البيضاء من إنتاج غزل‬ ‫المحلة‪ ،‬وخلعت بيجامتي «جورج»‪ ،‬وغسلت وجهي بصابونة «شم النسيم»‪ ،‬وتبعت‬ ‫هذا بدش لطيف مستخد ًما صابونة «نابلسي»‪ .‬كنت أرجو أن تكون حالقة ذقني بموسى‬ ‫«ناسيت»‪ ،‬ولكن مصنعه أغلق‪ .‬ارتديت مالبسي الداخلية ماركة «جيل»‪ ،‬وشرا ًبا من‬ ‫وأخيرا البدلة «الستيا»‪ ،‬ثم كولونيا‬ ‫«الشوربجي»‪ ،‬وقميص «سويلم» لينو «مصر البيضا»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الشبراويشي «الثالث خمسات»‪ ،‬ووضعت قدمي في حذاء من «باتا»‪.‬‬ ‫كل ما المس جسدي صنعته أيادي أوالد بلدي‪ ،‬قطاع عام أو خاص‪ ..‬ربما ليست‬ ‫األشيك وال األرق‪ ،‬لكنها األقرب إلى قلبي واألكثر ً‬ ‫قبول لعقلي‪ ،‬فهي تجعلني شريكًا‬ ‫في منظومة تنمية ذاتية‪ ،‬ترفع بالتبعية القدرة الذاتية‪ ،‬وتجعلني شريكًا في الحفاظ على‬ ‫توازن الميزان التجاري‪ ،‬فكل مليم دفعته يعود إلى أبناء بلدي‪.‬‬ ‫لم أجد شقة بلدي فول أو طعمية في محل «نجف»‪ ،‬ولم أجد زجاجة لبن «مصر‬ ‫لأللبان» وال شوكوالتة «بيمبو»‪ ،‬فقد ُأغلق محل «أسترا» بميدان التحرير واحتل مكانه‬ ‫«أمريكانا»‪ ،‬ولكني في طريقي إلى «الضريح»‪ ،‬ومعي ال ُق َرص والبرتقال‪.‬‬ ‫مع وصولي إلى «الضريح» تهادت الذكريات‪ ،‬كان صاحبه يعي أولوية التنمية عن‬ ‫أي سياق آخر‪ ،‬أ ًّيا كان؛ ألن كل نجاح ممكن هو نتيجة لها‪ .‬في زيارة لوفد أمريكي‬ ‫للقاهرة عند بداية الثورة‪ُ ،‬سئل جمال عبد الناصر عن نواياه تجاه فلسطين المحتلة‬ ‫وإسرائيل‪ ،‬وكان رد عبد الناصر‪« :‬نحن نركز على التنمية وليس هناك مجال اآلن للتفكير‬ ‫في إسرائيل»‪ .‬نقلت اإلجابة حرف ًّيا إلى «بن جوريون»‪ ،‬فأصيب بصدمة‪ ،‬وأخذ يردد‪:‬‬ ‫«هذا أسوأ ما سمعت»‪ .‬كان تقييمه صائ ًبا من زاوية صهيونية‪ ،‬فعبد الناصر خلف تنمية‬ ‫‪41‬‬


‫شاملة مستقلة‪ ،‬لم ترها مصر منذ أربعة آالف سنة‪ ،‬وتوقفت بعد عام ‪ ،١٩٦٧‬ويجري‬ ‫تدميرها بشكل ممنهج منذ عام ‪.١٩٧٤‬‬ ‫أتأمل في موروث الرجل‪ ،‬فأجد التنمية الوطنية الشاملة المستقلة هي «تركة»‬ ‫جمال التي بدأها ‪ ١٨‬أكتوبر ‪ ،١٩٥٢‬معتمدً ا على جيل تعلم وتأهل في زمن إبداع‬ ‫وحرية وقيم على الرغم من االحتالل‪ ،‬فقبل انقضاء مائة يوم على قيام حركة‬ ‫الضباط األحرار‪ ،‬والتفاف الشعب حولها‪ ،‬كان يقرأ دراسة جدوى أولية عن مشروع‬ ‫السد العالي‪ ،‬ثم كلف فري ًقا من مهندسي الجيش والري وأساتذة الجامعات‪ ،‬من‬ ‫مختلف التخصصات‪ ،‬باستكمالها‪ ..‬لم يكلف بيت خبرة «ماكينزي» أو «بوز آلن»‪،‬‬ ‫أو أسندها للجيش فقط‪ ،‬كما يحدث اآلن‪ .‬وما ُبني بأفكار وتخطيط ذاتي‪ ،‬اعتبرته‬ ‫«الهيئة الدولية للسدود والخزانات الكبرى» مشروع القرن العشرين األهم‪ ،‬واألكثر‬ ‫خدمة للبشرية‪.‬‬ ‫المتابع لحركة الثورات وتطورها‪ ،‬يرصد غال ًبا تفرغها خالل السنوات األولى‬ ‫لترسيخ قواعد الحكم والسيطرة‪ ،‬وتأجيل مشروعات التنمية‪ .‬ومخال ًفا للقاعدة‪،‬‬ ‫كان إصرار عبد الناصر على بناء السد العالي‪ ،‬كقاطرة للتنمية الزراعية‪ ،‬والصناعية‪،‬‬ ‫والبشرية‪ ،‬ساب ًقا للتخطيط لترسيخ السلطة‪ ،‬على الرغم من كل ما تبعه من عواقب‬ ‫مصيرية‪ ،‬ونتائج إستراتيجية‪ ،‬كان من أبرزها التوجه نحو الشرق‪ ،‬وتأميم قناة‬ ‫السويس‪ ،‬والعدوان الثالثي ‪ ..١٩٥٦‬كان يعلم جيدً ا أن فشل المشروع هو هزيمة‬ ‫لنظامه بالكامل‪ ،‬ومع ذلك آثر المضي فيه وفي التنمية‪ ..‬قدَّ م‪ ،‬بحسم‪ ،‬مصلحة‬ ‫الشعب على مصلحة الضباط األحرار‪.‬‬ ‫ماذا قدم السد العالي لمصر؟ كان مدرسة تخرج فيها أكفأ المهندسين‪ ،‬الذين‬ ‫خدموا البالد ثالثين عا ًما الحقة‪ ،‬وفرسان التنمية في أفريقيا والبالد العربية‪ ،‬ونشأت‬ ‫ألجله شركة «المقاولون العرب»‪ ،‬بالتزاوج الذي حققه عبد الناصر بين شركتَي‬ ‫«مصر لألسمنت المسلح» و«شركة المشروعات الهندسية» (عثمان أحمد عثمان)‪،‬‬ ‫كما ُولدت له شركات «هايدليكو» و«كهروميكا» و«إليجيكت»‪ ..‬لم يكن خزانًا فقط‪،‬‬ ‫مشروعا لتحويل مجرى النهر‪ ،‬وإنشاء أكبر بحيرة صناعية في العالم‪ ،‬وتوليد‬ ‫أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معمل لتفريخ الكفاءات الهندسية‪ ،‬التي‬ ‫الطاقة وزيادة الرقعة الزراعية‪ ،‬وإنما كان‬ ‫‪42‬‬


‫تمكنت من حرفة صناعة اإلنشاءات والسدود والمعدات الكهروميكانيكية‪ ،‬فصار‬ ‫فرخ هذا‬ ‫لدينا جيل هندسي رفيع المستوى‪ ،‬ولألسف بموت التنمية المستقلة‪ ،‬لم ُي ِّ‬ ‫الرعيل األول من يخلفه‪.‬‬ ‫وليست هناك مقارنة بين السد العالي (‪ )١٩٧٠‬وسدود إسنا (‪ )١٩٩٠‬ونجع حمادي‬ ‫(‪ )٢٠٠٨‬وأسيوط (‪ ،)2017‬فهي ال تصل‪ ،‬م ًعا‪ ،‬إلى أكثر من ‪ %15‬من حجم أعماله‬ ‫أو صعوبتها‪ ،‬ومع ذلك ُع ِهد إلى شركة إيطالية بإنشاء األول‪ ،‬وفرنسية‪-‬ألمانية بالثاني‬ ‫وس ِّجلت‬ ‫والثالث‪ ،‬وكنا «فواعلية» فيها‪ .‬فلم تثمر أية خبرة وطنية‪ ..‬هندسية أو مؤسسية‪ُ ،‬‬ ‫كـ«خبرة سابقة» لمكاتب استشارية وشركات مقاوالت أجنبية‪.‬‬ ‫سألت نفسي‪ :‬هل كان عبد الناصر سيفرح بمطار القاهرة الجديد‪ ،‬الذي بناه‬ ‫األتراك‪ ،‬وصممه الهولنديون‪ ،‬وأشرف على تنفيذه اللبنانيون‪ ،‬وبأن نكتفي نحن‬ ‫المصريين بأن نكون ركا ًبا في صاالت السفر والوصول؟ هل كان سيفرح بأن مترو‬ ‫أنفاق القاهرة بمراحله األربع‪ ،‬الذي بدأت دراسته على يد الدكتور علي صبري‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫«المستخدم»‪ ،‬وبأن‬ ‫أستاذ ميكانيكا التربة واألساسات عام ‪ ،١٩٥٧‬عالقتنا به هي‬ ‫ٍ‬ ‫بأياد أوروبية‪ ،‬ومعظم تمويله من الخارج‪،‬‬ ‫تصميم مراحله الثالث وتنفيذها كان‬ ‫كـ« ُطعم» القتناص عقوده؟!‬ ‫أرضا للمعارض‪ً ،‬‬ ‫بديل عن‬ ‫بنى عبد الناصر على أطراف القاهرة‪ ،‬سنة ‪ً ،١٩٦١‬‬ ‫معارض الجزيرة‪ ،‬عبر مسابقة معمارية‪ ،‬فاز بها الدكتور عبد الباقي إبراهيم والدكتور‬ ‫يحيى الزيني والدكتور فؤاد الفرماوي‪ .‬اليوم‪ُ ،‬ض َّم هذا المشروع إلى قاعة المؤتمرات‬ ‫التي شيدها الصينيون‪ ،‬عبر مسابقة سرية‪ ،‬أدارتها الجهة المسؤولة عن التنافسية ومحاربة‬ ‫االحتكار والشفافية‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،١٩٥٤‬أنشئ «معهد بحوث البناء» برئاسة األستاذ الدكتور عزيز يس‪،‬‬ ‫وفي ‪ ١٩٥٦‬بدأت أبحاث مشروع دراسة القرية المصرية‪ ،‬الذي خططته ورعته وزارة‬ ‫الشؤون البلدية والقروية بقيادة الدكتور شفيق الصدر‪ ،‬وعين لهذا الغرض الثالثة‬ ‫األوائل من خريجي أقسام «عمارة ومدني» من كليات الهندسة الثالث بالجامعات‬ ‫المصرية‪ ،‬أعرف منهم صالح حجاب‪ ،‬شيخ المعماريين‪ ،‬وحامل مفاتيح الهندسة في‬ ‫مصر والمنطقة وذاكرتها‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫وذهب الخريجون إلى عمل مسح شامل للقرى موضوع البحث‪ ،‬وكان المهندسون‬ ‫الشباب يقيمون في كل قرية‪ ،‬بالمركز االجتماعي التابع للمجلس القومي للخدمات‪،‬‬ ‫الذي رأسه الدكتور عزيز صدقي‪ .‬وتم إعداد المشروع الذي أقرته األمم المتحدة‪،‬‬ ‫وبدأ تنفيذه ‪ ،١٩٦١‬بميزانية سنوية تصاعدية‪ ٩٠ ،‬مليون جنيه‪ ،‬خالل ‪ ٣٠‬سنة‪ ،‬ولكنه‬ ‫توقف عقب حرب ‪.١٩٦٧‬‬ ‫ومشروع مديرية التحرير الزراعي العمالق‪ ،‬مدت له مياه النيل ً‬ ‫بدل من أن تُهدر في‬ ‫البحر‪ ،‬بينما اعتمد الوادي الجديد على المياه الجوفية‪ .‬وبهدوء‪ ،‬بدأت الهيئة العامة لتعمير‬ ‫الصحاري‪ ،‬التي أنشئت عام ‪ ،١٩٥٧‬العمل في الوادي الجديد‪ ،‬بوصلتها الدكتور أحمد‬ ‫أمين مختار‪ ،‬رئيس قسم التخطيط بجامعة األزهر‪ .‬وكان سالح المهندسين السواعد التي‬ ‫مؤخرا الجيولوجي القدير‬ ‫بنت مجموعة كبيرة من القرى في الوادي الجديد‪ ،‬وتوفي‬ ‫ً‬ ‫حسين إدريس‪ ،‬الذي قضى شبابه شاهدً ا على هذه الملحمة‪ ،‬وحفر أول بئر جوفية سنة‬ ‫‪ 1958‬لبدء مشروع الوادي الجديد‪ ،‬مستخد ًما شيكًا بـ‪ 6‬ماليين جنيه بإمضاء زكريا‬ ‫وأيضا أنشئت مجموعات من القرى‪ ،‬في عدة محافظات‪ ،‬أتذكر منها قرية‬ ‫محيي الدين‪ً .‬‬ ‫أبيس جنوب اإلسكندرية‪ ،‬وقرية كوتا على طريق الفيوم‪ ..‬وغيرهما‪.‬‬ ‫كانت أمامه حقيقة أن ‪ %٧٠‬من سكان مصر هم أهل ريف‪ ،‬ويجب االهتمام بهم‪،‬‬ ‫قبل تشييد مدن جديدة‪ .‬لو استمر مشروع تنمية القرى وبنائها هذا‪ ،‬لكانت مدن مصر‬ ‫اليوم من دون عشوائيات يسكنها النازحون نتيجة إهمال الريف‪.‬‬ ‫وبالتوازي‪ ،‬بدأ عبد الناصر في إنشاء «شركة التعمير والمساكن الشعبية»‪ ،‬برئاسة‬ ‫الدكتور المهندس علي نور الدين نصار‪ ،‬لتوفير سكن مناسب لمحدودي الدخل‪ ،‬كما‬ ‫أنشأ مطار القاهرة عام ‪ ١٩٥٨‬بمسابقة معمارية علنية‪ ،‬فاز بها المعماريان المصريان‬ ‫صالح زيتون ومصطفى شوقي‪ ،‬وهو المشروع الذي يحق لنا أن نفخر به‪ ،‬على العكس‬ ‫من مباني المطار الجديد التي قامت بتشييدها شركات هولندية وتركية بعد نصف قرن‬ ‫من مشروعنا األصلي‪ ،‬ومشروع مطار القاهرة رقم ‪ ،2‬الذي أنشأه الفرنسيون‪ ،‬وتم هدمه‬ ‫لعدم صالحيته بعد ‪ 20‬سنة فقط من إنشائه‪ ،‬بينما المطار رقم ‪ ،1‬الذي أنشأه المصريون‬ ‫قائما ويخدم االقتصاد المصري‪.‬‬ ‫في الخمسينيات‪ ،‬ما زال ً‬ ‫أنشئت عدة مشروعات لبناء مساكن للعمال بالمناطق الصناعية‪ ،‬ومنها إسكان‬ ‫‪44‬‬


‫العمال في إمبابة‪ ،‬وإسكان العمال في حلوان‪ ،‬وإسكان «شركة كيما» بأسوان‪ ،‬ومساكن‬ ‫العمال بالمحلة الكبرى وكفر الدوار‪ ،‬والمناطق العمالية كافة‪ ،‬وإسكان الطبقات‬ ‫الوسطى‪ ،‬مثل‪ :‬إسكان زينهم‪ ،‬والبالون‪ ،‬وجسر السويس (األلف مسكن)‪ .‬وكانت‬ ‫أيضا مشروعات تنمية عمرانية سكنية في مدينة نصر والمقطم والمعادي والمنتزه‬ ‫هناك ً‬ ‫والمعمورة‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬بدأ عبد الناصر مشروع الطاقة النووية في إنشاص عام‬ ‫وعلى طريق التنمية ً‬ ‫‪ ،١٩٥٨‬وبعد نحو عام كان مشروع الصواريخ والطائرة الحربية المصرية قد بدأ على‬ ‫يد علماء وخبراء وعمال مصريين (باالستعانة بالخبرة األلمانية)‪ .‬وكان المركز القومي‬ ‫قسما للطاقة الشمسية‪ ،‬وأحد مشروعاته إنتاج «راديو»‬ ‫للبحوث‪ ،‬سنة ‪ ،١٩٥٦‬يضم ً‬ ‫يعمل بها‪ ،‬ليصل صوت اإلذاعة إلى كل بقعة من المحيط للخليج‪ .‬وبالتوازي‪ ،‬شيدت‬ ‫مصانع الترانزستور والتلفزيون‪ ،‬فبدأ بث ماسبيرو عام ‪ ١٩٦٠‬في كل بيت قادر على‬ ‫اقتناء جهاز‪ ..‬صناعة مصرية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متكامل يضم ‪ ١٠٠٠‬مهندس‬ ‫شرع في برنامج الصواريخ‪ ،‬وكان محوره مصن ًعا‬ ‫وعالم وفني‪ ،‬وأنشأ برنامج تصنيع الطائرات بين مصر والهند‪ ،‬وكان نصيبنا تصنيع‬ ‫الموتور (الجزء األصعب)‪ ،‬وأمكن تصنيع أول طائرة تصل سرعتها إلى ضعف سرعة‬ ‫الصوت‪ ،‬وكانت أفضل من مثيالتها في أوروبا في ذلك الوقت‪ ،‬ود َّعم أقسام هندسة‬ ‫الطيران والطاقة النووية في الجامعات المصرية‪.‬‬ ‫وزيرا للنقل‪ ،‬وهو في‬ ‫كان جمال يستعين بأهل الخبرة‪ ،‬فلم يكن مصطفى خليل ً‬ ‫كفؤا لهذا المنصب‪ ،‬لم يكن عسكر ًّيا ولم يكن من‬ ‫الثالثينيات من عمره‪ ،‬إال ألنه كان ً‬ ‫الضباط األحرار‪ ،‬وكذلك الدكتور عزيز صدقي‪ ،‬والمهندس صدقي سليمان‪ ،‬وحلمي‬ ‫السعيد‪ ،‬وعزيز يس‪ ،‬ومحمود أمين عبد الحافظ‪ ،‬وحسن عباس زكي‪ ..‬كلهم كانوا من‬ ‫األكفاء الدارسين‪ .‬على المنوال ذاته‪ ،‬كان وقوفه ‪ ١٠‬ساعات متصلة في كل عيد للعلم‪،‬‬ ‫مصافحا باليد واحدً ا تلو اآلخر‪ ،‬احترا ًما للعلم والعلماء‪،‬‬ ‫لتكريم المتفوقين والمبدعين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ورسالة لنظامه بالكامل‪.‬‬ ‫ناصرا للحركات الوطنية التحررية بالعالم كله‪ ،‬ومنارة‬ ‫وسط هذا الزخم‪ ،‬كان جمال ً‬ ‫للتنمية والتقدم في القارات الثالث‪ .‬وإضافة لصوت العرب‪ ،‬احتضن ماسبيرو ‪ ٤٥‬إذاعة‬ ‫‪45‬‬


‫ينس عبد الناصر األهمية اإلستراتيجية لحوض‬ ‫موجهة ألفريقيا باللغات المحلية‪ .‬ولم َ‬ ‫النيل؛ حيث واصل دعم دوله بمختلف األشكال‪ ،‬ضمن منظومات‪ ،‬أبرزها «شركة النصر‬ ‫لالستيراد والتصدير»‪ ،‬التي توسعت تدريج ًّيا إلى ‪ ٢٥‬فر ًعا في خدمة القارة السمراء‪.‬‬ ‫يؤكد المعماري البارع رمزي عمر‪ ،‬أحد جنود تنمية أفريقيا‪ ،‬أن «أعلى مبنى في كل‬ ‫عم َرها «كان بالضرورة مصري البناء»‪ .‬ومن هذه الخدمات ذهاب‬ ‫عاصمة أفريقية» َّ‬ ‫مسلحا بخبرة مطار القاهرة‪ ،‬ليشيد أكبر وأعلى مبنى في‬ ‫المعماري مصطفى شوقي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الجزائر العاصمة‪ ،‬أهم فندق‪ ،‬بعد االستقالل مباشرة‪ .‬والجامعة الوحيدة في كوناكري‪،‬‬ ‫عاصمة غينيا‪ ،‬باسم جمال عبد الناصر‪.‬‬ ‫المساندة للحركات التحررية األفريقية‪ ،‬وباألخص لدول حوض وادي النيل‪ ،‬لم‬ ‫تُستثمر اقتصاد ًّيا منذ رحيل عبد الناصر؛ لغياب الرؤية السياسية ولتحول غير حميد‬ ‫لبوصلة السياسة الخارجية منذ تولى السادات الحكم‪ .‬وعلى الرغم من السياق التنموي‬ ‫العظيم‪ ،‬الذي أقر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بأنه األفضل عالم ًّيا سنة ‪1965‬‬ ‫عند إنهاء الخطة الخمسية األولى‪ ،‬إال أن عبد الناصر خذلنا في جوانب التعددية الحزبية‬ ‫والحريات الشخصية‪.‬‬ ‫ذكريات مرت أمامي وأنا وسط المحتشدين بالضريح‪ ،‬أغلبيتهم ولدَ ت بعد رحيله‪..‬‬ ‫ولمحت ً‬ ‫رجل أربعين ًّيا جلس القرفصاء أمام القبر‪ ،‬يرجوه‪« :‬إصحى يا عبد الناصر»‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫�أ�سا�سيات‬



‫لحمنا الحي‬ ‫ُيقاس نجاح التنمية بمدى تعظيم عائد القيمة التي يضيفها اإلنسان (المصري) إلى‬

‫األصول الثابتة التي يتمتع بها الوطن‪ ،‬وتُقاس هذه القيمة بالعائد السنوي المتجدد‬

‫والقابل للزيادة لكل كيلومتر مربع في مصر‪ ،‬التي تنتظر خارطة بعائد «اإلضافة»‬

‫وجوا‪.‬‬ ‫ألصولها‪ًّ ،‬برا‬ ‫وبحرا ًّ‬ ‫ً‬

‫وكقاعدة «اقتصادية» محضة‪ ..‬فإن بيع أي أصل هو حرف ًّيا قطع من «لحمنا الحي»‪..‬‬

‫هو جريمة ال تتوقف عند حدود البيع‪ ،‬ويماثله جر ًما إدخال المقابل النقدي لهذا البيع‬ ‫كعائد في ميزانية الدولة‪ ،‬وهو جرم اقترفته نظم سابقة؛ حيث إن عملية البيع تحول ً‬ ‫أصل‬ ‫ذا قيمة ثابتة‪ ،‬يمكن أن تدر ً‬ ‫دخل دور ًّيا يمكن زيادة قيمته ـ وبالتبعية عائده المتجدد ـ‬

‫إلى سيولة نقدية‪ ،‬تتآكل قيمتها وتنتهي‪ ،‬مهما كانت سبل استثمارها‪ ،‬وال يمكن استعادته‬ ‫بسعر بيعه نفسه‪ ،‬بل بأضعاف متضاعفة‪.‬‬

‫فقناة السويس‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬مساحتها ‪70‬كم‪ ،2‬وتحقق عائدً ا سنو ًّيا حوالي‬

‫‪ 5.537‬مليار دوالر (إحصائية سنة ‪ .)2011‬هكذا‪ ،‬يبلغ عائد القيمة المضافة ‪80‬‬

‫مليون دوالر سنو ًّيا لكل كيلومتر مربع‪ ..‬ويمكن عمل الحسابات نفسها لمساحة موقع‬

‫السد العالي بأسوان ومربع معبدي األقصر والكرنك‪ ،‬وإذا حاولنا أن نكرر «الحسبة»‬

‫نفسها منذ السبعينيات من القرن الماضي‪ ،‬لن نجد شي ًئا ُيذكر‪ ،‬يمكن حسابه كعائد‬

‫للقيمة المضافة ألصول مصر‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫أراض ومؤسسات‪ ،‬مثل الجامعات والمستشفيات‬ ‫ال يجوز بيع الدولة ألصولها من‬

‫والمرافق والبنوك‪ ،‬بالبخس والفساد‪ ،‬تحت ضغط مؤسسات التمويل مثل صندوق‬ ‫‪49‬‬


‫النقد الدولي‪ ،‬واالتفاقيات الدولية مثل الشراكة المصرية‪-‬األوروبية‪ .‬وال مانع من بيع‬ ‫بعض شركات القطاع العام بشرط الشفافية‪ ،‬ليس إللغاء إنتاجها ونشاطها ـ مثل شركة‬ ‫المراجل البخارية ـ بل لتحسين أوضاعها ولزيادة وتطوير إنتاجها والتصدير‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬عند إقرار أي مشروع‪ ،‬يجب دراسة فرص قيمته المضافة‪ ،‬والعائد المستمر‬ ‫المتجدد القابل للزيادة منها‪ ،‬كإحدى طرق التفضيل بين المشروعات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أراض مصرية‪ ،‬أي األصل‬ ‫ويوضح الجدول (‪ )1‬كيفية التعامل على نماذج‬ ‫الجوهري‪ ،‬منذ عام ‪ 1856‬إلى ‪ ،2006‬مع مالحظة أن تحويل األصل الثابت إلى‬ ‫سيولة نقدية ال يمثل عائدً ا لميزانية الدولة‪ ،‬بل إنه تحويل من صفة إلى أخرى‪ ،‬وأن‬ ‫العائد غير المباشر‪ ،‬من ضرائب وعوائد ورسوم‪ ،‬تطبق في جميع األحوال‪ ،‬ولذلك‬ ‫ال تدخل في المقارنة‪.‬‬

‫إن البيع ُيفقد خزانة الدولة ً‬ ‫متكررا ومتجد ًدا‪ ،‬يتزايد كل عام في حالة‬ ‫دخل مستقبل ًّيا‬ ‫ً‬ ‫تنمية األصل واإلبداع في تخطيط القيمة المضافة له‪.‬‬ ‫سلمنا هذا الجدول ليد الراحل اللواء عمر سليمان‪ ،‬في سبتمبر ‪ ،2007‬عند اإلعالن‬ ‫عن بيع أرض سيدي عبد الرحمن لشركة إماراتية‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫األصل‬

‫أرض قناة السويس‬

‫أرض رأس البر‬

‫المنطقة الحرة‬ ‫بمدينة نصر‬

‫أرض سيدي‬ ‫عبد الرحمن‬

‫تاريخ التأسيس‬

‫‪1856‬‬

‫‪1902‬‬

‫‪1977‬‬

‫‪2006‬‬

‫الموقع‬

‫ساحلي‬

‫ساحلي‬

‫صحراوي‬

‫ساحلي‬

‫مساحة األصل‬

‫‪70‬كم‬

‫نوع القيمة المضافة‬ ‫لألصل‬

‫القناة المالحية‬

‫‪2‬‬

‫حوالي ‪18‬كم‬

‫‪2‬‬

‫فيالت ‪ /‬شقق‬ ‫‪ +‬فنادق وتجاري‬

‫حوالي ‪1‬كم‬

‫‪2‬‬

‫مخازن ومصانع‬

‫‪7‬كم‬

‫‪2‬‬

‫فيالت ‪ /‬شقق‬ ‫‪ +‬فنادق وتجاري‬

‫الملكية للدولة منذ‬ ‫فقدت نظير ‪25‬‬ ‫ماذا حدث ويحدث بداية المشروع وإلى الملكية للدولة منذ الملكية للدولة منذ‬ ‫مليون دوالر لكل‬ ‫في ملكية األرض اآلن («ديليسبس» بداية المشروع وإلى بداية المشروع وإلى‬ ‫كم‪ 2‬دفعت مرة‬ ‫اآلن‬ ‫اآلن‬ ‫فقط كان له حق‬ ‫(األصل)؟‬ ‫واحدة‬ ‫االنتفاع)‬ ‫‪ %15‬من الدخل‬ ‫(حق االنتفاع)‬ ‫عائد إيجار لألراضي‬ ‫= ‪ × %15‬ثالثة‬ ‫عائد إيجار األرض‬ ‫نظير حق االنتفاع ‪ 7‬صفر وكل سنة أقل‬ ‫العائد السنوي على مليارات دوالر‬ ‫نظير حق االنتفاع‬ ‫‪2‬‬ ‫من الصفر‬ ‫دوالرات لكل م‬ ‫= ‪ 4.6‬مليون دوالر‬ ‫األصل‬ ‫وقابل للزيادة‬ ‫‪2‬‬ ‫وقابلة للزيادة‬ ‫لكل كم وقابلة‬ ‫للزيادة (حتى من‬ ‫دون تأميم)‬ ‫‪ %85‬من الدخل بعد‬ ‫التأميم‬ ‫إيجارات تجارية‬ ‫عائد إيجارات‬ ‫= ‪× %85‬‬ ‫العائد السنوي‬ ‫وعائد على الملكية‬ ‫دوالرا صفر وكل سنة أقل‬ ‫للمباني ‪25‬‬ ‫ثالثة مليارات‬ ‫المباشر للدولة‬ ‫ً‬ ‫العامة والطرق‬ ‫‪2‬‬ ‫من الصفر‬ ‫لكل م‪( 2‬عائد قابل‬ ‫دوالر‪ 70/‬كم‬ ‫للقيمة المضافة‬ ‫ورسم دخول (عائد‬ ‫للزيادة)‬ ‫= ‪ 4.36‬مليون‬ ‫لألصل‬ ‫قابل للزيادة)‬ ‫‪2‬‬ ‫دوالر لكل كم قابلة‬ ‫للزيادة‬

‫ٍ‬ ‫أراض مصرية منذ عام ‪ 1856‬حتى ‪2006‬‬ ‫جدول (‪ :)1‬دراسة مقارنة لنماذج التعامل مع‬

‫المصدر‪ :‬إعداد المؤلف ‪2007‬‬

‫‪51‬‬



‫�شرايين الوطن‬ ‫شبكات النقل والطاقة هي شرايين حياة أي اقتصاد‪ ،‬عليها تُبنى اإلمبراطوريات‪،‬‬

‫وعليها تتصارع‪ .‬وهي «ماذر بورد» أي مجتمع‪ ،‬الجامعة والرابطة بين مكوناته‪ ،‬والمغذية‬ ‫لعناصر اإلنتاج من الطاقة المستمرة‪.‬‬ ‫النقل‬

‫من يقرأ تاريخنا‪ ،‬سيالحظ بسهولة أن فترات قوة الدولة‪ ،‬في العصور المتعاقبة‪،‬‬

‫ارتبطت بتأمين شبكة النقل «اللوجستية» بين طرق المالحة العالمية وتسييرها‪ ،‬وبتعبيد‬ ‫الطرق داخل ًّيا وتأمينها‪ .‬ويكاد تاريخنا المعاصر ينحصر في الصراع حولها؛ ففرنسا‬

‫خططت وضغطت لحفر قناة السويس‪ ،‬وبريطانيا خططت وضغطت لبدء خط سكك‬

‫حديدية مصرية يربط بين اإلسكندرية والسويس الستكمال خط النقل من بريطانيا إلى‬

‫الهند في ذلك الوقت‪ ،‬وكلتاهما كانت لخدمة مشروعيهما‪.‬‬

‫مركزا لتسويقها دول ًّيا‪ ،‬وكذا منتجات‬ ‫لم تكن مصر تزرع التوابل‪ ،‬ولكنها كانت‬ ‫ً‬

‫كثيرة ذات ثقل في أسواق العالم‪ .‬وحتى مع انضباط شبكة المواصالت الدولية أكثر‪،‬‬

‫ما زالت الحاجة قائمة إلى الطرق القديمة ذاتها‪ ،‬وإن تطورت أدواتها‪ ،‬ونظل نحن في‬

‫وأيضا‬ ‫حاجة أكبر إلى ربط أنحاء الوطن كافة؛ خاصة أحوزته المهجورة‪ ،‬بعضها ببعض‪ً ،‬‬ ‫بدول المحيط الحيوي والجوار‪.‬‬

‫البروفة األولى للدولة األحدث َّ‬ ‫دشنها محمد علي‪ ،‬بتمهيد الطرق لربط المديريات‪،‬‬

‫وتأمين مروحة الطرق الدولية واإلقليمية التي تتمحور حولها‪ .‬ومع البروفة الثانية‪..‬‬ ‫‪53‬‬


‫بلورت ثورة يوليو مشرو ًعا قوم ًّيا‪ ،‬وزاد طول الطرق المرصوفة من ‪ 3.887‬كم إلى‬

‫‪ 6.500‬كم سنة ‪ ،1960‬مع تحديث القديم‪ ،‬وبناء أسطول بحري‪ ،‬وتطويع النيل أكثر‬ ‫أمام المالحة‪ .‬وتدريج ًّيا‪ ،‬زادت الطرق إلى ‪ 46.9‬ألف كم عام ‪ ،2006‬أي ثلث الطرق‬

‫الممهدة ـ ‪ 137.430‬كم ـ لتحتل مصر‪ ،‬وفق تصنيف عام ‪ ،2012‬المرتبة ‪ 38‬دول ًّيا‪،‬‬ ‫بعد جنوب أفريقيا ‪ ،10‬تركيا ‪ ،16‬السعودية ‪ ،22‬وتتقدمنا دول‪ ،‬مثل‪ :‬الفلبين وكينيا‬

‫والكونغو وكولومبيا وبيرو‪.‬‬

‫وعلى الرغم من إقرارنا بأهمية إخراج شبكة الطرق البرية‪ ،‬التي تنفذ اآلن‪ ،‬إلى‬

‫النور‪ ،‬إال أن من خططوا لها لم يلتفتوا إلى «اقتصاديات بناء الطرق»‪ ،‬خاصة في الدول‬

‫النامية‪ ،‬فهم طبقوها بتكلفة أضعاف ما تحتاج إليه في بداياتها‪ .‬فقد كان األنسب أن‬

‫تنطلق بـ«حارة أو اثنتين»‪ ،‬وبخامات أقل استهالكًا‪ ،‬مع وضع فرص توسعها في االعتبار‪.‬‬ ‫كما كان يجب االكتفاء ببديل واحد للطريق في بداية التنمية‪ً ،‬‬ ‫فمثل كان من الممكن‬

‫االكتفاء بطريق وادي النطرون القائم ً‬ ‫بدل من إنشاء محور الضبعة‪ ،‬وكذلك االكتفاء‬ ‫بطريق السويس‪-‬بورسعيد ً‬ ‫بدل من إنشاء محور ‪ 30‬يونيو وفي الوقت نفسه إهمال‬

‫طرق الوادي والدلتا‪ ،‬التي تخدم أكثر من ‪ 80‬مليون مواطن‪.‬‬

‫وتنتظر «ماذر بورد مصر» وشرايين اقتصادها خطوات عديدة‪ ،‬أكثر من هذه الخطوات‬

‫فصلناه في كتابنا «االنفتاح‬ ‫الجزئية‪ .‬وباإلضافة إلى مشروع «سفن الجو»‪/‬المناطيد‪ ،‬الذي َّ‬ ‫على مصر»‪ ،‬المالئمة لطبيعة تضاريس بالدنا بما تضمه من صحراء شاسعة ٍ‬ ‫وواد ضيق‪،‬‬

‫وتسهيلها التصدير إلى البالد األفريقية المجاورة‪ ،‬وعدم احتياجها إلى مطارات أو طرق‪،‬‬ ‫وقلة تكلفتها‪ ،‬نحتاج إلى‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ رسم منظومة تتكامل فيها وسائل النقل كافة‪ ،‬مع شبكات دول الجوار وحوض‬ ‫النيل إن أمكن‪ ،‬على أن تكون قادرة على التطور مع الداخل والجوار م ًعا‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ وضع خطة عملية لتحويل وسائل النقل من مسببة للتلوث إلى صديقة‬ ‫للبيئة‪ ،‬باستخدام الكهرباء والطاقة الخضراء‪ ،‬وفتح باب اإلبداع أمام العلماء‬ ‫والمهندسين؛ لجعلها أكثر جاذبية للمستخدمين‪ ،‬نظير مكافآت مجزية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ ربط رخصة السيارات الخاصة بتوفير مكان محدد النتظار تلك السيارات‪ ،‬ويكون‬ ‫‪54‬‬


‫ذلك بالتدريج وبعد إعداد الترتيبات الالزمة‪ ،‬حيث إن معظم السيارات تشغل‬ ‫حيزا من الطرق‪ ،‬وتظل في حالة توقف لفترات طويلة أكثر مما تكون في حالة‬ ‫ً‬ ‫حركة‪ %80 :‬من الوقت تكون السيارات الخاصة في حالة انتظار‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ضبط شبكة السكة الحديدية‪ ،‬لتصبح العمود الفقري لنقل األفراد والبضائع‪،‬‬ ‫ولربط المطارات والموانئ واألحوزة المهجورة (أي المناطق النائية والمحرومة)‬ ‫بعموم الجمهورية‪ .‬وفتح المحطات المغلقة‪ ،‬ومد مزيد من الخطوط الفرعية بين‬ ‫المدن والمحافظات‪ ،‬بعربات خفيفة غير نمطية تصنع محل ًّيا بالكامل‪ ،‬ليضمها‬ ‫جمي ًعا خط دائري عموم مصر‪ ،‬كما في خريطة (‪.)3‬‬

‫خريطة (‪ :)3‬خط سكك حديدية دائري مصر لربط األحوزة المهجورة والمأهولة ودول الجوار‬

‫المصدر‪ :‬إعداد المؤلف‬

‫‪55‬‬


‫‪ 5‬ـ بلورة منظومة لتصنيع جرارات وعربات السكك الحديدية‪ ،‬بتدرجاتها‪ ،‬وخدماتها‬ ‫المكملة‪ ،‬تكون قاطرة للصناعات المتوسطة والثقيلة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ 6‬ـ تحويل ورش هيئة السكك الحديدية ومراكز تدريبها إلى معاهد فنية‪ ،‬ودراسة‬ ‫إنشاء جامعة النقل‪ ،‬تشمل كليات متخصصة للنقل وما يتقاطع معه‪ ،‬كالمرور‬ ‫واللوجستيات‪ ،‬وتكثيف بعثات الدراسات العليا والتدريب‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ فتح باب اإلبداع‪ ،‬مقابل مكافآت مجزية‪ ،‬أمام أفكار ورؤى‪ ،‬تجعل شبكات‬ ‫السكك الحديدية في المقام األول والنقل العام لألماكن التي ال تتمتع بسكك‬ ‫حديدية أكثر جذ ًبا للمستخدمين؛ إذ تحذر أرقام جهاز اإلحصاء من انخفاض‬ ‫أعداد مستخدميها من ‪ 450‬مليون راكب في ‪ 2001‬إلى ‪ 292‬مليونًا في‬ ‫‪ ،2009‬وفق الشكل (‪ ،)6‬والبضائع من ‪ 12‬مليون طن إلى أقل من ‪ 8‬ماليين‪،‬‬ ‫كما في الشكل (‪)7‬؛ وهو مؤشر خطير عن تدهور السكك الحديدية‪ ،‬واضطرار‬ ‫الماليين إلى استخدام النقل البري؛ ما أدى إلى مزيد من التلوث‪ ،‬واالزدحام‪،‬‬ ‫والحوادث‪ ،‬واستيراد السيارات والوقود‪.‬‬

‫شكل (‪ :)6‬تطور أعداد ركاب السكك الحديدية‬

‫‪56‬‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‬ ‫(آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)‬


‫شكل (‪ :)7‬تطور وزن البضائع المنقولة بالسكك الحديدية المصرية‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‬ ‫(آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)‬

‫وهي األوضاع التي أدت إلى مزيد من االعتماد على سيارات النقل‬ ‫والمقطورات على الرغم من خطورتها وتأثيرها السالب على استهالك‬ ‫الطرق والوقود‪ ،‬وعلى الرغم من وضع خطة لتقليل االعتماد عليها‪ .‬والرسم‬ ‫البياني التالي‪ ،‬شكل (‪ ،)8‬يوضح كيف تجاوزت أعداد سيارات النقل‬ ‫والمقطورات المليون سيارة في ‪ 2013‬ووصلت إلى مليون ومائة وخمسة‬ ‫وستين ألف سيارة في ‪.2015‬‬

‫‪57‬‬


‫شكل (‪ :)8‬إجمالي عدد سيارات النقل والمقطورات المرخصة على مستوى الجمهورية‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‬

‫‪ 8‬ـ صيانة الطرق البرية في الدلتا والصعيد‪ ،‬ورفع كفاءتها‪ ،‬وإعادة رسم خريطتها‬ ‫ً‬ ‫وشمال إن أمكن بما‬ ‫لالنفتاح على األحوزة المهجورة شر ًقا وغر ًبا وجنو ًبا‪..‬‬ ‫يتفادى األراضي المحتلة‪.‬‬ ‫ويجب تحديد عدد الحارات وعدد طبقات الرصف لكل طريق‪ ،‬بناء على‬ ‫دراسة مرورية؛ حتى يكون اإلنفاق الحكومي متماش ًيا مع االحتياج الشعبي‬ ‫واالقتصادي‪ ،‬وال يشكل عب ًئا مال ًّيا‪ ،‬وعندما يزيد العمران ويزداد المرور‪ ،‬يتم‬ ‫استكمال بقية طبقات الرصف‪ ،‬وزيادة عدد الحارات المرورية‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ الوصول إلى متوسط سرعة للرحلة بين المدن ونظيراتها‪ ،‬وبين المدن والقرى‪،‬‬ ‫يوازن المعدالت الدولية‪ ،‬واالنحياز ألساليب إنشاء طرق تجمع بين الفعالية‬ ‫وانخفاض التكلفة‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ إنشاء شبكة خطوط نقل نهرية‪ ،‬لألفراد والبضائع‪ ،‬بطول النيل وفرعيه‪ ،‬وما‬ ‫أمكن من الترع الرئيسية‪ ،‬وربطها بدول حوض النيل‪ ،‬وهذا يساعد على إنشاء‬ ‫صناعة الوحدات النهرية وصيانتها في الترسانات النيلية‪ ،‬ويجب ربط خطوط‬ ‫النقل النهري بالموانئ البحرية والجافة بالسكك الحديدية‪ ،‬كلما أمكن ذلك‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ إحياء األسطول التجاري المصري بما يتناسب مع امتداد سواحلها‪٢٩٦٣ ،‬‬ ‫‪58‬‬


‫كيلومترا‪ ،‬على البحرين األحمر والمتوسط‪ ،‬وبما يكمل المكانة البحرية المميزة‬ ‫ً‬ ‫يتبق سوى سفينة واحدة صالحة للعمل‬ ‫عالم ًّيا‪ .‬فمن بين ‪ 80‬سفينة عام ‪ ،1971‬لم َّ‬ ‫وست سفن بورش الصيانة‪ ،‬وف ًقا لجريدة «المصري اليوم» ‪ 13‬يناير ‪.2016‬‬ ‫‪ 12‬ـ تعظيم عوائد شبكات النقل والمواصالت كافة‪ ،‬سواء عبر توظيفها إعالن ًّيا وتسويق ًّيا‪،‬‬ ‫أو استغاللها كنقاط تمركز لتقديم‪/‬بيع الخدمات المختلفة‪ ..‬حكومية أو خاصة‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ ضبط منظومة المرور وإنشاءات الجراجات تحت األرض‪ ،‬آليات وثقافة‪ ،‬بما‬ ‫يوفر الوقت والجهد‪ ،‬ويقلل استيراد مواد الوقود بما يصل لـ‪ ،%30‬التي نستورد‬ ‫منها شهر ًّيا ما كلفته ‪ 600‬مليون دوالر‪ ،‬تمثل ثلث احتياجاتنا؛ مما يعني إمكانية‬ ‫التخفيض الحاد لوارداتنا منها‪ ،‬وتوفير ما يعادل ‪ 2400‬مليون دوالر سنو ًّيا‪.‬‬ ‫الطاقة‬

‫مع النقل تأتي الطاقة‪ ،‬وخال ًفا للتطور الحضاري في توظيفها‪ ،‬تفاقمت مخاطر‬ ‫التلوث؛ إذ تضاعف نصيب المواطن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من ‪1.35‬‬ ‫طن عام ‪ 1990‬إلى ‪ 2.64‬طن عام ‪ ،2011‬بما له من انعكاسات خطرة على الصحة‬ ‫العامة‪ ،‬كما في الشكل (‪.)9‬‬

‫شكل (‪ :)9‬تطور نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مصر‬ ‫‪59‬‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي ـ ‪2014‬‬


‫والحل المنطقي هو تعظيم استخدام الطاقة النظيفة‪ ،‬مثل الرياح‪ ،‬ولكن على ارتفاعات‬ ‫مترا فوق سطح البحر‪،‬‬ ‫أعلى من ‪ 300‬متر فوق سطح األرض‪ ،‬وارتفاع ‪ً 150-120‬‬ ‫بعيدً ا عن الشواطئ‪ ،‬واستخدام حرارة الشمس قبل ضوئها‪ ،‬وأمواج البحر ورياحه‬ ‫ومركزا‬ ‫وتياراته‪ ..‬إلخ‪ ،‬والتخطيط لتكون مصر قائدة تطويرها وتكنولوجياتها عالم ًّيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دول ًّيا لتصديرها‪ ،‬مع تأكيد أن االتجاه الرسمي للدولة في اختيار نوعية طاقة الرياح‬ ‫والطاقة الشمسية غير مناسب في تكنولوجيته‪ ،‬بل هو نقل غير حكيم لما يحدث في‬ ‫الغرب‪ ،‬ال يناسب البيئة المحلية‪.‬‬ ‫وكمثال بسيط‪ ،‬فإن تحويل سخانات المياه الكهربائية والغازية‪ ،‬في مجاالت الحياة‬ ‫المختلفة‪ ،‬إلى شمسية يوفر طاقة تعادل إنتاج محطتين نوويتين بقدرة ‪ 2.4‬جيجاوات‪،‬‬ ‫وكذلك تحويل تقنية طلمبات الري السطحي‪ ،‬التي تروي حوالي ‪ 4‬ماليين فدان‪ ،‬لتعمل‬ ‫قدرا ً‬ ‫هائل من الديزل‪.‬‬ ‫بالطاقة الشمسية فنوفر ً‬ ‫تجربة أول مضخة ري شمسية سنة ‪ 2013‬منطقة عرب الحصار‬

‫مصدر الطاقة الشمسية لتغذية المضخة‬

‫‪60‬‬


‫المضخة تعمل بالطاقة الشمسية‬

‫المياه المتدفقة من الطلمبات بواسطة الطاقة الشمسية‬

‫وهذه التجربة تساعد على تشجيع القدرات الفردية عامة على إنتاج طاقة لالستخدام‬ ‫وأيضا للمشروعات‪ ،‬من دون ربطها بالشبكة القومية‪.‬‬ ‫الذاتي للمعيشة ً‬ ‫وفي الطاقة النووية‪ ،‬علينا إنتاج وقودها‪ ،‬معتمدين على مواردنا الطبيعية؛ خاصة ما‬ ‫يعرف بـ«الكعكة الصفراء» من رسوبيات الفوسفات في أبو طرطور‪ ،‬و«المياه الثقيلة»‬ ‫من مصانع «كيما» بأسوان‪.‬‬ ‫وبشكل عام‪ ،‬منحتنا الطبيعة هبات يمكن تضمينها ما أراه مشرو ًعا قوم ًّيا ً‬ ‫هائل‪،‬‬ ‫تتناغم فيه المصادر المتنوعة باستخدام السوريوم والطاقات الشمسية (‪،)Solar/Sorium‬‬ ‫وتصدير ناتجها عبر كابالت بالزما «‪ »DC‬إلى أوروبا وأفريقيا‪.‬‬ ‫‪61‬‬



‫ب�شر‬



‫الم�صري ًّ‬ ‫حل‬ ‫طوال تاريخ مصر‪ ،‬الذي تبدأ به قصة الحضارة‪ ،‬لم تبح أرضها بثرواتها كما‬ ‫يجب‪ ،‬ولم تخصها السماء بحصة من مائها‪ .‬بالتوازي مع النيل‪ ،‬جرت األنهار‬ ‫ً‬ ‫وشمال‪ ،‬وعلى ضفافه‪ ،‬فقط‪ ،‬أينعت الحضارة‪ ،‬فهو والفرعونية‬ ‫شر ًقا وغر ًبا وجنو ًبا‬ ‫هبة المصريين‪.‬‬ ‫على أكتافهم‪ ،‬وبتراثهم الحضاري‪ُ ،‬بنيت دول عربية وأفريقية‪ ،‬ولن تجد مؤسسة‬ ‫علمية غربية أو دولية ليس بها قيادي منهم‪ .‬أين اختفى صانع الحضارة طوال نصف‬ ‫قرن؟ هو ُمقيد في بلده!‬ ‫المصري‪ ،‬إذن‪ ،‬يسهل أن يكون ًّ‬ ‫حل‪ ،‬هكذا يجب أن يفكر من يدير المحروسة‪،‬‬ ‫بأن يوضع المصري كمستفيد أول من جميع اإلستراتيجيات والسياسات‪،‬‬ ‫ومخططها ومنفذها‪ ،‬وأن تكون جودة حياته هدفها األسمى‪ .‬ولن يتحقق ذلك إال‬ ‫بربط اإلستراتيجيات والسياسات‪ ،‬بتنوعاتها‪ ،‬بمبدأ مشاركة المواطنين والمنظمات‬ ‫األهلية‪ ،‬والثقة في الخبراء الوطنيين‪ ،‬واالستثناء أن يطلبوا هم خبرة خارجية في‬ ‫تخصصهم‪ .‬وقد أثبتت التجربة أن االستعانة بالمكاتب أو المؤسسات األجنبية لحل‬ ‫مشكالت الحكومة اإلدارية واالقتصادية لم ِ‬ ‫تأت بأية فائدة‪ ،‬بل بالعكس زادت من‬ ‫سوء األحوال‪.‬‬ ‫جودة الحياة هي أحدث تجليات التنمية البشرية‪ .‬وكهدف أسمى‪ ،‬تتمركز في‬ ‫قلبه الطبقة الوسطى‪ ،‬قاطرة تقدم أي مجتمع‪ .‬وبتفجير طاقاتها وتمكينها‪ ،‬ستجذب‬ ‫معها من هم حول دوائر الفقر وتحتها‪ ،‬وتفتح باب إنقاذ سجناء األمية واألمراض‬ ‫المزمنة‪ .‬ويجب إعادة النظر في معايير تعريف الطبقة الوسطى‪ ،‬حيث تجاوز ذلك‬ ‫‪65‬‬


‫التعريف أرقام متوسط الدخل وحجم الممتلكات إلى مستوى التعليم والمهنة‬ ‫ونوعيتهما‪.‬‬ ‫ً‬ ‫المعاش والدراسات المتتالية‪ ،‬تحذرنا إحصائيات عام ‪ ،2015‬للجهاز‬ ‫وفضل عن الواقع ُ‬ ‫المركزي للتعبئة واإلحصاء‪ ،‬من تردي أوضاع بقايا الطبقة الوسطى‪ :‬من يملكون سيارة‬ ‫ركوب خاصة ‪ ،%8‬و‪ %22‬من األسر تمتلك أجهزة كمبيوتر‪ ،‬و‪ %11‬تمتلك جهاز تكييف‪،‬‬ ‫كما تحذرنا اإلحصائيات من اتساع فروق اإلنفاق والدخل بين أهل الحضر وأهل الريف‪،‬‬ ‫المجمل‪ ،‬وضع‬ ‫ومن أن ‪ %40‬من المصريين لم تصلهم خدمات الصرف الصحي بعد‪ .‬وفي ُ‬ ‫«تقرير التنمية البشرية» لألمم المتحدة مصر في المرتبة ‪ 108‬من ‪ 174‬دولة‪ ،‬مقارنة بكوريا‬ ‫الجنوبية ‪ ،17‬وإسرائيل ‪ ،18‬وماليزيا ‪ ،62‬وتركيا ‪ ،72‬كما في الشكل (‪.)10‬‬

‫شكل (‪ :)10‬ترتيب مصر في مؤشر التنمية البشرية‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪« :‬تقرير التنمية البشرية»‪ ،‬األمم المتحدة ـ ‪2014‬‬

‫وتستوجب جودة حياة المصري‪ ،‬ليصبح ًّ‬ ‫حل‪ ،‬إعادة النظر في نسبة النمو والناتج‬ ‫القومي العام ‪ GDP‬ومتوسط دخل الفرد كمؤشر للتنمية؛ فتجربة العشرينية األولى من‬ ‫‪66‬‬


‫القرن الحالي تنبهنا إلى أنها لم تعد كافية‪ ،‬ولدينا كذلك أهداف التنمية كما أعلنتها األمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬كمؤشرات أكثر فاعلية ومصداقية‪ ،‬كما في الشكل (‪:)11‬‬ ‫‪ 1‬ـ القضاء على الفقر بجميع أشكاله‪ ،‬وفي كل الدولة‪.‬‬ ‫المحسنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ القضاء على الجوع‪ ،‬وضمان األمن الغذائي والتغذية‬ ‫َّ‬ ‫‪ 3‬ـ الصحة الجيدة والرفاه‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل‪ ،‬وتعزيز فرص التع ُّلم مدى الحياة‬ ‫للجميع‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ تحقيق المساواة بين الجنسين في مجاالت الحياة كافة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ ضمان توافر المياه وشبكات الصرف الصحي وجودتها للجميع‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ ضمان حصول الجميع‪ ،‬بتكلفة ميسورة‪ ،‬على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ تعزيز النمو االقتصادي الم َّطرد للجميع‪ ،‬والعمالة الكاملة والمنتجة‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ تكوين بنية تحتية قادرة على الصمود‪ ،‬وتحفيز التصنيع الشامل والمستدام‪،‬‬ ‫وتشجيع االبتكار‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ الحد من عدم اإلنصاف داخل المدن‪ ،‬وفيما بينها‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع‪ ،‬وآمنة وقادرة على التطور‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ توازن االستهالك واإلنتاج‪ ،‬على مستوى المسؤولين‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ اتخاذ إجراءات فعالة للتصدي لتغير المناخ وآثاره‪.‬‬ ‫وحسن استخدامها على نحو مستدام‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ الحفاظ على الموارد البحرية‪ُ ،‬‬ ‫‪ 15‬ـ حماية النظم اإليكولوجية البرية‪ ،‬وترميمها‪ ،‬وتعزيز فرص استغاللها على‬ ‫نحو مستدام‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ ترسيخ ثقافة السالم والعدل والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ تنشيط الشراكات العالمية لتحقيق هذه األهداف‪.‬‬ ‫وإذا كان الهدفان األول والثاني يتحدثان عن القضاء على الفقر والجوع‪ ،‬فإن‬ ‫العاشر انشغل بتحقيق اإلنصاف داخل المدن بين األغنياء والفقراء من ناحية‪ ،‬وبينها‬ ‫وبين المناطق المختلفة من ناحية أخرى‪ ،‬برفع مستوى الدخل‪ ،‬والخدمات المقدمة‬ ‫للمواطنين الفقراء‪ ،‬بنسبة أكبر من النسبة العامة للنمو االقتصادي‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫شكل (‪ :)11‬أهداف التنمية السبعة عشر‪ ،‬كما حددتها منظمة األمم المتحدة ـ ‪2017‬‬

‫علمي‬ ‫ويتطلب ضبط هذه األهداف مؤشرات قياس لنجاح التنمية‪ ،‬تناسب تطورات َ‬ ‫المالية العامة واالقتصاد‪ ،‬إضافة إلى المؤشرات السائدة‪ :‬متوسط دخل الفرد‪ ،‬والدخل‬ ‫القومي العام‪ ،‬ومعدل النمو؛ فاالقتصار عليها‪ ،‬لقياس التنمية‪ ،‬حرمنا من كشف خلل عدم‬ ‫اإلنصاف‪ ،‬الذي أدى إلى تآكل الطبقة الوسطى‪ .‬ولعل التجربة المصرية‪ ،‬خالل العقدين‬ ‫األخيرين‪ ،‬تُبرز خطورة االقتصار على المؤشرات السطحية مثل معدل النمو‪ ،‬ومتوسط‬ ‫نصيب الفرد من الناتج القومي‪ ،‬وتجاهل مؤشرات توزيع عائد هذا النمو وذلك الناتج‬ ‫القومي‪ ،‬ولعل خير مثال ما أدلى به وزير سابق‪ ،‬أن التنمية من أعلى تشبه إغراق طابق‬ ‫مرتفع في مبنى كبير بالمياه‪ ،‬وأنه بعد أن يتشرب الطابق تما ًما بالمياه‪ ،‬سيبدأ «بالتنقيط»‬ ‫على الطابق األسفل‪ ،‬الذي بدوره سيتشبع بالمياه‪ ،‬ثم يبدأ بالتنقيط على الطابق الذي‬ ‫يسبقه وهكذا دواليك‪ ،‬حتى تصل المياه إلى األدوار السفلى‪ .‬ولم ينتبه إلى أن البناء كله‬ ‫سيصبح ً‬ ‫آيل للسقوط‪ ،‬قبل أن تتحقق نظريته‪ .‬وخرج هذا الوزير بعد قضايا فساد القمح‪.‬‬ ‫ال شك أن السياسات المطبقة لتحقيق النمو هي التي ستحدد كيفية توزيع عوائد‬ ‫اختيارا بين التنمية من أسفل‬ ‫ذلك النمو‪ ،‬وبالتالي سيكون اختيار السياسات في الواقع‬ ‫ً‬ ‫لكي تؤثر إيجاب ًّيا في حياة القطاعات العريضة من أبناء الشعب‪ ،‬والتنمية من أعلى لتقدم‬ ‫المزايا لفئات قليلة من المجتمع‪ ،‬سواء كانت في فترة من التاريخ تعبر عن أصحاب‬ ‫‪68‬‬


‫اإلقطاعيات‪ ،‬أو تعبر في فترة أخرى عن رأسمالية المحاسيب‪ .‬وهنا ال بد أن نستفيد‬ ‫من التجارب السابقة‪ ،‬وإال سيكون غري ًبا للغاية أن نتبع المنهج نفسه‪ ،‬الذي أوصلنا‬ ‫إلى ما نحن فيه‪ ،‬ونتوقع نتائج مختلفة‪.‬‬ ‫ولعل أبسط مثال على أهمية اإلفصاح عن السياسات التفصيلية للوصول إلى‬ ‫اإلستراتيجيات المعلنة‪ ،‬وتوسيع نطاق المشاركة في اختيار هذه السياسات‪ ،‬هو ما ورد‬ ‫بمشروع موازنة الدولة لعام ‪ 2018-2017‬من زيادة حصيلة الضرائب بمبلغ ‪170‬‬ ‫مليار جنيه‪ ،‬وهو ما يقارب حوالي ‪ %40‬من حصيلة العام السابق‪ .‬وتتضح أهمية هذا‬ ‫المثال‪ ،‬عندما نكتشف أن أكثر من نصف هذه الزيادة في حصيلة الضرائب (‪ 90‬مليار‬ ‫جنيه) تأتي من ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المبيعات ساب ًقا)‪ ،‬وهي الضريبة التي‬ ‫تصيب المواطنين ال الشركات‪ .‬يأتي هذا في الوقت نفسه الذي ال يخضع فيه نشاط‬ ‫علما بأنه نشاط يشمل مئات الماليين من األمتار‬ ‫مثل «تسقيع األراضي» ألي ضريبة؛ ً‬ ‫المربعة في طول مصر وعرضها! ليس هذا فقط‪ ...‬بل وفي الوقت نفسه يتم تأجيل‬ ‫فرض الضريبة على أرباح مضاربات البورصة!‬ ‫كذلك‪ ،‬عندما تضطر الدولة إلى نشر مئات السيارات لتكون منافذ متنقلة للسلع‬ ‫والبضائع (غير المدعومة) في طول البالد وعرضها‪ ،‬وإلى إنشاء عشرات منافذ التوزيع‬ ‫المؤقتة في صورة أكشاك للغرض نفسه‪ ،‬بعد عقود من رفع شعارات تحفيز االستثمار‬ ‫وتقديم التسهيالت إلنشاء كل أنواع الهايبرماركت وبورصات السلع المختلفة‪،‬‬ ‫والتخلص من القطاع العام‪ ،‬والقضاء على القطاع التعاوني‪ ،‬فإن ذلك ال يعكس سوى‬ ‫فشل النظام التجاري واالقتصادي في الوصول إلى فئات واسعة من المستهلكين‪ ،‬وتلبية‬ ‫احتياجاتهم األساسية بأسعار وهوامش أرباح ال تتدخل فيها الدولة من قريب أو بعيد!‬ ‫ويكشف الرسم البياني التالي (الشكل (‪ ))12‬عن أن الدخل القومي العام ال يكفي‬ ‫مؤشرا نهائ ًّيا للتنمية؛ إذ تحتل أمريكا ترتي ًبا سي ًئا في مؤشر عدم اإلنصاف في‬ ‫وحده‬ ‫ً‬ ‫توزيع الدخول‪ ،‬رغم أنها صاحبة مرتبة متفوقة في الدخل القومي العام‪ ..‬بينما تأتي‬ ‫الدنمارك وجمهورية السلوفاك وسلوفينيا والنرويج في المراكز األربعة األولى لمؤشر‬ ‫اإلنصاف والمساواة‪ ،‬على الرغم من انخفاض الدخل القومي العام بها عن نظيره في‬ ‫الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫شكل (‪ :)12‬مؤشر عدم اإلنصاف في توزيع الدخل ببعض الدول‬ ‫(الرقم األصغر هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ـ ‪2012‬‬

‫وفي قضية تغييب اإلنصاف‪ ،‬فقد خصص لها البنك الدولي «مؤشر جيني» للقياس‬ ‫مقصسما إلى ‪ 100‬نقطة‪ ،‬يمثل الصفر فيه حالته المثالية‪ ،‬ورقم ‪1‬‬ ‫عليه بموقعه الرسمي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حالته األسوأ‪ ،‬وطبقه على أمريكا وبلغاريا كنموذجين سلبيين‪ ،‬كما في الشكلين (‪)13‬‬ ‫و(‪ ،)14‬والبرازيل كنموذج إيجابي كما في الشكل (‪.)15‬‬

‫‪70‬‬


‫شكل (‪ :)13‬تطور حالة اإلنصاف في الواليات المتحدة وف ًقا لـ«مؤشر جيني»‬ ‫(الرقم األصغر هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي ـ ‪2014‬‬

‫شكل (‪ :)14‬تطور حالة اإلنصاف في بلغاريا وف ًقا لـ«مؤشر جيني»‬ ‫(الرقم األصغر هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬ ‫‪71‬‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي ـ ‪2014‬‬


‫شكل (‪ :)15‬تطور حالة اإلنصاف في البرازيل وف ًقا لـ«مؤشر جيني»‬ ‫(الرقم األصغر هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي ـ ‪2014‬‬

‫وفي مصر‪ ،‬يكشف تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬عام ‪،2016‬‬ ‫أن إنفاق ‪ %20‬من أصحاب الدخول األعلى يعادل إنفاق ‪ %60‬من الشرائح الفقيرة‪،‬‬ ‫كما في الشكل (‪)16‬؛ ما يشكل ً‬ ‫واضحا لمشكلة عدم اإلنصاف داخل المجتمع‬ ‫مثال‬ ‫ً‬ ‫المصري‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫شكل (‪ :)16‬نصيب كل شريحة في المجتمع‪ ،‬تمثل ‪ %10‬من السكان‪ ،‬من إجمالي االستهالك‬ ‫الفعلي‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2015‬‬

‫ويوضح الشكل (‪ )17‬تفاوت المصروفات المعتمدة للمحافظات في موازنة‬ ‫‪ ،2012-2011‬مقارنة بنسب سكانها‪ ،‬من دون االحتكام إلى ضوابط محددة أو‬ ‫ثوابت للعالقة بين هذين العاملين (المصروفات وعدد السكان)‪ .‬ومن ثم‪ ،‬نجد أن‬ ‫محافظات الدقهلية واإلسماعيلية وبورسعيد وأسيوط تزيد فيها نسبة المصروفات‬ ‫على نسبة السكان‪ ،‬على العكس من محافظات القاهرة والجيزة والمنيا‪ ،‬التي تعاني‬ ‫نقص نسبة المصروفات عن نسبة السكان‪.‬‬ ‫والحل األمثل ليس في نقل المخصصات‪ ،‬قدر ما هو في إعادة التوزيع الجغرافي‬ ‫للسكان‪ ،‬لتقليل التكدس والكثافة السكانية في القاهرة الكبرى وبعض عواصم‬ ‫المحافظات‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫شكل (‪ :)17‬مقارنة نسب المصروفات المخصصة للمحافظات من إجمالي المصروفات مع‬ ‫نسبتها من إجمالي السكان‬

‫المصدر‪ :‬موازنة اإلدارة المحلية ‪2012-2011‬‬

‫ولكي يكون المصري ًّ‬ ‫حل‪ ،‬على الدولة أن ت ِّ‬ ‫ُسخر السياسة والدبلوماسية والبنوك‬ ‫واالقتصاد والسياسة النقدية لخدمة التنمية‪ ،‬ونرشح هنا تسعة محاور للبناء عليها‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫األول‪ :‬وضع رؤى وإستراتيجيات وخطط تنموية‪ ،‬مرتبطة بجداول زمنية‬ ‫وأيضا لتنمية القدرة‬ ‫محددة لتنمية المجاالت اإلنتاجية والخدمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الذاتية البشرية للمجتمع المصري‪ .‬ويجب تحديد التوازن بين اإلنفاق‬ ‫للخدمات واالستثمار لإلنتاج‪ ،‬مع التركيز ً‬ ‫أول على خدمات التعليم‬ ‫وعلى اإلنتاج للتصدير‪ .‬والخطوة األولى تكمن في تفعيل المجلس‬ ‫األعلى للتخطيط القومي‪ ،‬الذي يجب أن يتصدره العلماء والمبتكرون‬ ‫والمبدعون والمفكرون المصريون‪ ،‬وليس فقط خبراء السياسة النقدية‬ ‫والمالية واالقتصاد والتعمير؛ بحيث ال تقتصر المشروعات التنموية على‬ ‫أيضا قاطرة لدفع القدرة الذاتية المصرية إلى‬ ‫تنمية مصر فقط‪ ،‬ولكن تكون ً‬ ‫األمام وبنائها في المجاالت المختلفة‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬دعم تكوين ظهير سياسي مهتم بالعمل العام‪ ،‬ال سيما ثقافة التنمية واإلنتاج‬ ‫بتكثيف العمل الحزبي‪ ،‬وأسوة بالدول المتقدمة‪ ،‬فإن عدد األحزاب العاملة‬ ‫‪74‬‬


‫الفعالة القوية يكون إما حزبين أو ثالثة أحزاب‪ ،‬مثل‪ :‬أمريكا وألمانيا وفرنسا‬ ‫وبريطانيا‪ ،‬ويمكن الوصول إلى هذا التكثيف بغرض زيادة الفاعلية وتعظيم‬ ‫المشاركة في العمل السياسي‪ ،‬عبر دعوة الدولة لدعم ‪ 3‬أحزاب فقط في حالة‬ ‫دمج األحزاب الحالية في ثالثة كيانات‪ :‬يسار ويمين ووسط‪ ،‬ويشمل هذا‬ ‫الدعم الشق المالي لمدة من ‪ 3‬إلى ‪ 5‬سنوات متتالية‪ ،‬طب ًقا لروابط محددة‪،‬‬ ‫لتفي بغرض توسيع المشاركة الشعبية في العمل السياسي‪ ،‬وتستمر هذه‬ ‫األحزاب‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬اعتما ًدا على اشتراكات أعضائها‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬تحفيز حق التنظيم للمجتمع المدني بأشكاله كافة‪ ،‬لكي تكون الحكومة‬ ‫خاضعة لرقابة الرأي العام‪ ،‬مثل‪ :‬رقابة أصحاب الودائع في البنوك ورقابة‬ ‫على الشركات التي اقترضت من البنوك‪ ،‬ورقابة دافعي الضرائب‪ ،‬ومراقبة‬ ‫حتما‪ ،‬ستؤدي إلى‬ ‫فواتير المرافق وضمان حقوق المستهلك‪ ..‬مراقبة‪ً ،‬‬ ‫الحكم الرشيد‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬تفعيل المواد الدستورية التي نصت على التوسع في قواعد الحكم المحلي‪،‬‬ ‫علما بما يحتاجه محيطه‪ ،‬وأكثر قدر ًة على تنفيذه ورقابته‪،‬‬ ‫فالمواطن أكثر ً‬ ‫على أن نستفيد هنا من األنسب لنا في المدارس المتنوعة لتطبيقات الحكم‬ ‫المحلي‪ ،‬خاصة الفرنسية والبريطانية‪ ،‬مع‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ إدراك أن مسؤولية اإلشراف على تنفيذ برامج التنمية تخص الوحدات‬ ‫المحلية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تأكيد ديمقراطية الحكم المحلي‪ ،‬وقدرته على سحب الثقة من المحافظين‬ ‫ورؤساء األحياء‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ وجود مكتب للنيابة اإلدارية في كل مجلس محلي‪ ،‬ليكون قبلة المواطن‬ ‫الذي يرغب في مواجهة الفساد‪.‬‬ ‫‪ ٤‬ـ مساهمة الحكم المحلي في إعداد الموازنة‪.‬‬ ‫الخامس‪ :‬تحفيز اإلبداع واالختراعات في المجاالت التي ترتقي بالمجتمع؛ طب ًقا‬ ‫لخطة قومية‪ ،‬هدفها أن نحقق ‪ 12‬براءة اختراع مسجلة عالم ًّيا لكل مليون‬ ‫مصري سنو ًّيا كحد أدنى‪ ،‬لنصنف دولة تكنولوجية‪ .‬وتصدمنا مقارنة‬ ‫‪75‬‬


‫أجرتها منظمة اليونسكو‪ ،‬بين تطورات العاملين في سياقات البحث العلمي‬ ‫بمصر وكوريا الجنوبية وتركيا من ‪ 2007‬إلى ‪ ،2013‬ويكشف الشكل‬ ‫(‪ )18‬حجم الفجوة التي تفصلنا عن عصرنا‪.‬‬

‫شكل (‪ :)18‬تطور أعداد العاملين بمجاالت البحث العلمي في كل من مصر وكوريا الجنوبية وتركيا‬

‫المصدر‪ :‬منظمة اليونسكو‬

‫حتى في مجاالت البحث العلمي‪ ،‬يجب االهتمام بإيجاد مؤشرات أكثر‬ ‫عم ًقا وتنو ًعا لتوضح اتجاهاتها وضمان تغطيتها الحتياجات المجتمع‪،‬‬ ‫ويرصد الشكل التالي (‪ )19‬الذي نشرته منظمة الصحة العالمية ضمن‬ ‫دراسة حديثة عن استثمارات القطاعين العام والخاص في مجال البحوث‬ ‫الصحية‪ ،‬كيف توزعت البحوث بين بحوث أساسية وأخرى تطبيقية‪،‬‬ ‫وثالثة تجريبية في دول أفريقية هي‪ :‬ماالوي وموزمبيق وأوغندا وتنزانيا‬ ‫ونيجيريا وجنوب أفريقيا‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫شكل (‪ :)19‬توزيع االستثمارات في مجال التغطية الصحية الشاملة‬

‫المصدر‪ :‬منظمة الصحة العالمية ـ ‪2015‬‬

‫السادس‪ :‬التطبيق الصارم للتنافس الشريف في توزيع الوظائف والمناصب القيادية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ففضل عن أن إهدار هذا التطبيق «سوس» ينخر في اإلدارة واالقتصاد‪،‬‬ ‫فإنه يهز مشاعر االنتماء لدى المواطن وقدرته على العطاء‪ .‬وقد أدت‬ ‫الشللية وتصعيد أهل الثقة إلى تدني ترتيبنا‪ ،‬عام ‪ ،2016-2015‬إلى‬ ‫الـ‪ 133‬من ‪ 148‬دولة على سلم اإلدارة المحترفة والمتخصصة‪ ،‬كما‬ ‫في الشكل (‪.)20‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬يجب شغل الوظائف المؤثرة والقيادية باإلعالن والمسابقة؛‬ ‫الختبار مدى المعرفة والمصداقية والنزاهة‪ ،‬لضمان تولي أفضل الكفاءات‬ ‫لها‪ .‬وهنا نتذكر قصة الموظف الروسي‪ ،‬الذي عمل لحساب المخابرات‬ ‫األمريكية‪ ،‬وكان تكليفه الوحيد هو اختيار أسوأ فرد للوظائف العامة‪ ،‬كأداة‬ ‫حرب إلسقاط االتحاد السوفيتي من الداخل‪ ،‬ومن دون قتال‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫شكل (‪ :)20‬مؤشر االعتماد على اإلدارة المحترفة‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬المنتدى االقتصادي العالمي ـ ‪2016-2015‬‬

‫السابع‪ :‬تكافؤ الفرص بمعنى االلتزام بمبادئ التنافس الشريف غير المنحاز لتوزيع‬ ‫األعمال على األفراد والشركات والمؤسسات المصرية‪ ،‬واالبتعاد عن‬ ‫أيضا‪ ،‬قبل‬ ‫الشبهات واألمر المباشر وعمل دراسة كافية ومناقشة مجتمعية ً‬ ‫تنفيذ برامج أو مشروعات قومية كبرى‪.‬‬ ‫الثامن‪ :‬إلغاء النظرة السلعية والتجارية للعناصر األساسية لحياة المواطن‪ ،‬من‬ ‫المرافق وخدمات الصحة والنقل والتعليم والثقافة والسكن‪ ،‬ليحصل عليها‬ ‫إما بالمجان‪ ..‬كالتعليم للجميع والسكن لمعدومي الدخل‪ ،‬أو بسعر التكلفة‬ ‫أو مدعمة‪ ،‬حتى حد استهالك معين‪ .‬من دون حرمان القطاع الخاص من‬ ‫تقديمها لمن يرغب في تلقيها كسلعة‪.‬‬ ‫التاسع‪ :‬بناء مجتمع المعرفة الذي يوفر مستويات متقدمة من البحث العلمي والتنمية‬ ‫التكنولوجية‪ ،‬لتوصيل المادة المعرفية إلى جميع أفراد المجتمع من دون‬ ‫تمييز‪ ،‬بحيث يتم حث المواطنين على تعلم كيفية تحقيق االستفادة الشاملة‬ ‫‪78‬‬


‫من المواد المعرفية وتوظيفها واستثمارها وإدارتها بشكل مناسب‪ ،‬إذ إن‬ ‫المعرفة هي التي تميز المجتمع وتحدد قدرته على االستمرار والصمود‬ ‫والتقدم والتفوق في المنافسة‪.‬‬ ‫والمعرفة هي القاعدة األساسية الالزمة إلنجاز مشروعات التنمية اإلنسانية في‬ ‫شتى المجاالت‪ ،‬ألنها وسيلة ضرورية لتيسير الخيارات المتاحة أمام األفراد‬ ‫وتنويعها‪ ،‬لتنمية قدراتهم وطاقاتهم وإمكانياتهم والسمو بأوضاعهم‪ .‬ويتوقف‬ ‫الفرق بين مجتمع معرفي في دولة ما والمجتمع المعرفي في دولة أخرى‪،‬‬ ‫على مستويات النشاطات المعرفية الموجودة في ٍّ‬ ‫كل منهما‪ ،‬ومعدالتها‪،‬‬ ‫وإمكانيات الحصول على المعلومات‪ ،‬والقدرة على استخدامها بكفاءة‪،‬‬ ‫وتسخيرها في تحقيق أهداف محددة‪.‬‬ ‫ويتسم مجتمع المعرفة بعدد من السمات منها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ االنفجار المعرفي بتوفر مستوى ٍ‬ ‫عال من التعليم‪ ،‬ونمو متزايد في قوى‬ ‫العمل التي تملك المعرفة وتحقق سرعة االبتكار والتجديد والتطوير‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ االحتفاظ بأشكال المعرفة المختلفة في بنوك للمعلومات وإمكانية إعادة‬ ‫صياغتها وتشكيلها‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ سرعة االستجابة للتغيير بتحول مؤسسات المجتمع‪ ،‬الخاصة والحكومية‪،‬‬ ‫ومنظمات المجتمع المدني‪ ،‬بعيدً ا عن أدوارها التقليدية‪ ،‬بحيث تمارس‬ ‫دور الهيئات الذكية التي تحقق السرعة والدقة في اكتشاف التيارات‬ ‫واالتجاهات السلبية التي تهدد المجتمع بالفشل‪ ،‬وقد تحوله بعيدً ا‬ ‫عن أهدافه‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ تغير طبيعة العمل‪ ،‬مثل الجامعة االفتراضية‪ ،‬والعيادة التي تقدم‬ ‫االستشارات والعالج عن ُبعد‪ ،‬والتجارة اإللكترونية‪ ،‬والعمل من‬ ‫المنزل‪ ،‬على أن تكون أكثر جودة وكفاءة‪.‬‬ ‫فرصا متنوعة إلشراك الجماهير في‬ ‫يتيح البعد السياسي لمجتمع المعرفة ً‬ ‫عملية اتخاذ القرارات‪ ،‬كما يتيح حرية تداول المعلومات‪ ،‬ويوفر ً‬ ‫مناخا‬ ‫قائما على الديمقراطية والعدالة والمساواة والمشاركة السياسية‬ ‫سياس ًّيا ً‬ ‫‪79‬‬


‫الفعالة‪ .‬وتساهم منظمات المجتمع المدني ومؤسساته بشكل كبير في التمهيد‬ ‫للمجتمع المعرفي‪ ،‬بتوفير اإلرشاد‪ ،‬وتيسير الحوار وتبادل الخبرات‪ .‬ويمكنها‬ ‫أيضا أن تقدم المساعدة التقنية في تصميم اإلستراتيجية اإللكترونية‪ ،‬وفي‬ ‫ً‬ ‫بعض الحاالت‪ ،‬يمكنها إكمال دور الحكومة‪.‬‬ ‫أيضا الحامي لمكتسباته التنموية أقترح دراسة نظام التجنيد‬ ‫ولكي يكون الشعب هو ً‬ ‫والجيش المتبع في سويسرا‪ ،‬والذي يؤدي إلى تدريب الشعب السويسري بالكامل‪،‬‬ ‫منذ بداية سن التجنيد وحتى سن ‪ 60‬سنة‪ ،‬على حمل السالح والدفاع عن األرض‪،‬‬ ‫موز ًعا على األسلحة المختلفة‪ ،‬ومعرفة جغرافيتها وتضاريس حدودها‪ ،‬ولكل فرد‬ ‫َّ‬ ‫من الشعب حوالي شهر تدريب‪ ،‬وأداء خدمة وطنية سنوية‪ ،‬وفي حالة الحرب يكون‬ ‫ً‬ ‫رجال ونسا ًء‪ٌّ ،‬‬ ‫الشعب بكامله ً‬ ‫كل وفق إمكاناته وطاقته‪ .‬وبهذه الطريقة ال‬ ‫جيشا مدر ًبا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وجيشا‪ ،‬مستعد وف ًقا لحاجة‬ ‫يكون عندنا تصنيف جيش وشعب ولكن الجميع‪ ،‬شع ًبا‬ ‫الوطن وظروفه‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫البناء بالتعليم‬ ‫خالل انتخابات مجلس النواب‪ ،‬انشغلت قطاعات من اإلعالم ومواقع التواصل‬ ‫االجتماعي بمشهد لنقيب جيش‪ُ ،‬يصلح «دكك» المدرسة التي يتولى حمايتها‪.‬‬ ‫تصرف محترم‪ ،‬ولكنه لم يشغلنا عن أن لدينا منظومة‪ ،‬يفترض أنها كاملة لم تقم‬ ‫شخصا معينًا في كل إدارة تعليمية يقوم‬ ‫بعملها‪ .‬فما فعله الضابط‪ ،‬يفترض أن هناك‬ ‫ً‬ ‫به‪ ،‬وتتوفر له األدوات الالزمة‪ ،‬واحتفاء السوشيال ميديا بتصرف الضابط نبهنا إلى أن‬ ‫منظومة الحكم ال تدرك أهمية إنقاذ التعليم من ترديه‪ ،‬إلحداث تقدم في أي مجال‪.‬‬ ‫كما أدرك من قبل الفالح المصري العبقري علي مبارك‪ ،‬والتركي «كمال أتاتورك»‪،‬‬ ‫والدكتور طه حسين‪ ،‬وجمال عبد الناصر‪ ،‬والسنغافوري «لي كوان يو»‪ ،‬والماليزي‬ ‫«مهاتير محمد»‪ ،‬والبرازيلي «لوال دا سيلفا»‪ ،‬واآلن‪ ..‬إثيوبيا‪.‬‬ ‫والتعليم «إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها»‪ ،‬و«حق لكل مواطن‪،‬‬ ‫هدفه بناء الشخصية المصرية‪ ،‬والحفاظ على الهوية الوطنية‪ ،‬وتأصيل المنهج‬ ‫العلمي في التفكير (‪ )...‬وترسيخ القيم الحضارية والروحية‪ ،‬وإرساء مفاهيم‬ ‫المواطنة والتسامح وعدم التمييز»‪ ،‬وهو مجاني في مدارس الدولة ومعاهدها‪،‬‬ ‫وتلتزم الدولة بـ«توفيره وف ًقا لمعايير الجودة العالمية»‪ .‬هكذا رسم دستورنا قواعد‬ ‫منظومة بناء المستقبل‪.‬‬ ‫المستقبل لن ُيبنى على ما أقر به وزير التعليم السابق‪ ،‬بداية ‪ ،2015‬من أن مليونًا‬ ‫ومائتي ألف تلميذ يغادرون التعليم االبتدائي وهم ال يجيدون القراءة والكتابة‪ ،‬ومعهم‬ ‫‪ %40‬من طلبة التعليم الفني‪ .‬إننا نتحدث عن بدهية القراءة والكتابة‪ ،‬فقط‪ .‬بينما يحذرنا‬ ‫«تقرير التنمية البشرية» لعام ‪ 2013‬من أن ‪ %27‬ممن بين ‪ 18‬و‪ 29‬سنة لم يكملوا‬ ‫‪81‬‬


‫التعليم األساسي‪ %17 ،‬تسربوا‪ %10 ،‬لم يلتحقوا ً‬ ‫أصل بالمدارس‪ ،‬ويعمل ثالثة ماليين‬ ‫منهم بمهن شاقة‪ .‬ووفق المركز القومي للبحوث االجتماعية والجنائية‪ ،‬يمثل األطفال‬ ‫‪ %41.46‬من العاملين في ورش الميكانيكا‪ ،‬و‪ %38.21‬في ورش الكيماويات‪،‬‬ ‫و‪ %73.18‬في ورش النسيج‪.‬‬ ‫ويبدأ انهيار جودة التعليم من التعليم األساسي‪ :‬االبتدائي واإلعدادي؛ لهذا كان‬ ‫منطق ًّيا أن يضعنا المنتدى االقتصادي العالمي في المرتبة األخيرة من بين ‪ 148‬دولة‪،‬‬ ‫مباشرة بعد تشاد واليمن‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪:)21‬‬

‫شكل (‪ :)21‬مؤشر جودة التعليم األساسي‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬المنتدى االقتصادي العالمي ‪2014-2013‬‬

‫وتكشف أرقام الموازنة العامة كيف انخفض اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي‬ ‫الناتج المحلي‪ ،‬كما في الشكل (‪ ،)22‬من ‪ %4.9‬أوائل األلفية الثالثة ليصبح ‪%3.6‬‬ ‫فقط في نهاية العقد األول‪ ،‬بينما حددها الدستور بـ‪ ،%6‬غير أنه وضعها كنقطة انطالق‪،‬‬ ‫ملز ًما الحكومة بالوصول بها إلى المتوسط العالمي‪ ،‬وهو وفق تجارب ماليزيا وسنغافورة‬ ‫والبرازيل ونيوزيلندا وتونس وجنوب أفريقيا يتجاوز الـ‪ ،%20‬وقد وصل المغرب إلى‬ ‫‪82‬‬


‫‪ %25.8‬عام ‪ ،2011‬وإثيوبيا ‪ %30.5‬عام ‪ ،2012‬وغانا ‪ %37.7‬عام ‪ ..2012‬وفق‬ ‫مجموعة البنك الدولي‪.‬‬

‫مقدرا بالنسبة المئوية من إجمالي الناتج المحلي‬ ‫شكل (‪ :)22‬تطور اإلنفاق على التعليم‪،‬‬ ‫ً‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‬

‫الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء قد نهج أسلو ًبا مختل ًفا في عرض مؤشرات‬ ‫اإلنفاق على التعليم‪ ،‬وهو ما ترتب عليه عدم ظهور نسبة اإلنفاق على التعليم كنسبة‬ ‫من إجمالي الناتج المحلي في األعوام ‪ 2013‬و‪ 2014‬و‪ ،2015‬كما تجنب الجهاز‪،‬‬ ‫ألسباب غير معروفة‪ ،‬إتاحة المقارنات لسالسل زمنية طويلة‪.‬‬ ‫المدهش أن نسبة إنفاقنا على التعليم كنسبة من اإلنفاق العام ـ اللون األحمر في‬ ‫الشكل (‪ )23‬ـ عام ‪( ،2003‬قبل وصول وزارة رجال األعمال للحكم)‪ ،‬تتجاوز نظيرتها‬ ‫في إندونيسيا‪ ،‬اللون األزرق‪ ،‬وتقترب من شيلي‪ ،‬اللون األصفر‪ .‬إال أنهما عمدتا إلى‬ ‫زيادتها‪ ،‬بينما تراجعت مصر حتى تفوقتا علينا عام ‪ 2007‬بنسبة النصف تقري ًبا‪ ،‬كما‬ ‫رصدتها اليونسكو‪:‬‬

‫‪83‬‬


‫مقدرا بالنسبة المئوية من اإلنفاق العام‪ :‬مصر‪،‬‬ ‫شكل (‪ :)23‬تطور نسبة اإلنفاق على التعليم‬ ‫ً‬ ‫إندونيسيا‪ ،‬شيلي‬

‫المصدر‪ :‬منظمة اليونسكو‬

‫الشكل (‪ )24‬يوضح مؤشر اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي‬ ‫في الدول نفسها ـ مصر وإندونيسيا وتشيلي ـ وتبين المقارنة أن مصر اختارت السير‬ ‫في طريق تقليص اإلنفاق على التعليم (بعد تولي وزارة رجال األعمال سنة ‪)2005‬‬ ‫في الفترة الزمنية نفسها التي قررت فيها دول مثل إندونيسيا وشيلي زيادة نسبة اإلنفاق‬ ‫على التعليم‪ ،‬وهو اختيار كانت له تأثيرات شديدة األهمية في السنوات التالية على‬ ‫تربية أجيال عديدة وثقافتها ووعيها‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫شكل (‪ :)24‬مؤشر اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في مصر وإندونيسيا وشيلي‬ ‫المصدر‪ :‬منظمة اليونسكو‬

‫وعلى الرغم من اإلجماع‪ ،‬نظر ًّيا‪ ،‬على أنه المشروع القومي األول‪ ..‬واجب التنفيذ‬ ‫فورا‪ ،‬وعلى أنه جسرنا لتجاوز آثار نصف قرن من التشوهات الثقافية واالجتماعية‪..‬‬ ‫ً‬ ‫فإن الواقع يكشف عن غياب إرادة حقيقية إلزالة آثار العدوان على منظومتنا التعليمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متجاهل نصوص الدستور وخطوات أساسية‪ ،‬قسمناها على أربعة محاور‪:‬‬ ‫� ً‬ ‫أول‪ :‬ما قبل التعليم الجامعي‬

‫‪ 1‬ـ جعل رفع مستوى التعليم عمو ًما هد ًفا أساس ًّيا للحكم‪ ،‬لخدمة التنمية ورفاهية‬ ‫اإلنسان وسعادته‪ .‬ويتحقق ذلك جزئ ًّيا بتوفير الفصول والمدارس الجديدة‪،‬‬ ‫واالعتماد على ُمدرسين مؤهلين‪ .‬وتصدير ذلك للفضاء العام‪ ،‬عبر خطوات‬ ‫دالة‪ ،‬كإعادة االحتفاء بعيد العلم في حضور رئيس الجمهورية وقيادات الدولة‪،‬‬ ‫وإعادة االعتبار لخريجي الكليات والمعاهد التربوية‪ ،‬وتنشيط برنامج أوائل‬ ‫الطلبة في الفضائيات العامة والخاصة‪ ،‬لتكون للتعليم قيمة اجتماعية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ يقاس تقدم أي مجتمع بمدى تفهم الرياضيات والطبيعة والكيمياء وانتشارها‪،‬‬ ‫‪85‬‬


‫وعلينا مواكبة أحدث تطورات مناهجها دول ًّيا‪ ،‬وتغيير خريطة توزيع طلبة الثانوية‬ ‫العامة من ‪ %75‬أدبي و‪ %25‬علمي‪ ،‬إلى العكس‪ .‬وألهمية مناهج الرياضيات‬ ‫خاصا بها على‬ ‫والطبيعة والكيمياء وضع المنتدى االقتصادي العالمي‬ ‫مؤشرا ًّ‬ ‫ً‬ ‫سلم التنافسية الدولية‪ ،‬تحتل مصر فيه المركز ‪ 145‬من ‪ 148‬دولة‪ ،‬كما يظهر‬ ‫في الشكل (‪.)25‬‬

‫شكل (‪ :)25‬ترتيب مصر حسب مؤشر تدريس الرياضيات والعلوم‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬المنتدى االقتصادي العالمي‬

‫‪ 3‬ـ اعتبار التعليم جز ًءا ال يتجزأ من المعرفة‪ ..‬األوسع منه‪ ،‬التي أهملنا نشرها طوال‬ ‫‪ 40‬عا ًما‪ .‬ولن تُحل مشكلة التعليم المتفاقمة بالطرق التقليدية‪ ،‬لضخامتها‬ ‫وقلة الموارد وضيق الوقت‪ .‬فمع التركيز على أن يكون كل طالب متمكنًا‬ ‫من لغة أجنبية واحدة على األقل‪ ،‬ومن إحدى لغات الكمبيوتر‪ ،‬وليس مجرد‬ ‫إدخال معلومات أو استنباطها‪ ،‬أو التواصل االجتماعي‪ .‬إننا نحتاج إلى خطة‬ ‫‪86‬‬


‫موازية عاجلة بجدول زمني دقيق‪ ،‬لتوصيل برامج المعرفة والمناهج التعليمية‬

‫إلى المواطنين عبر شبكة اإلنترنت‪ ،‬وتوفير جهاز للمعرفة بمبلغ رمزي‪ ،‬لمن‬

‫ال يستطيع الدخول إلى اإلنترنت‪ ،‬يعمل على الشاشات كافة‪ ،‬التلفزيون أو‬ ‫الكمبيوتر‪ ،‬وبه برامج المعرفة ومناهج التعليم‪ ،‬وتقنين استخدام قاعات‬

‫المحاضرات والندوات واالحتفاالت الحكومية‪ ،‬بما فيها القوات المسلحة‪،‬‬

‫وكذا الخاصة في فترات عدم استخدامها‪ ،‬كقاعات تدريس مجهزة بشاشة كبيرة‬ ‫وجهاز المعرفة واتصال باإلنترنت‪ ،‬لخدمة سكان المنطقة المحيطة بكل منها؛‬ ‫طب ًقا لبرنامج معلن‪ .‬ولدينا هنا تجربة مشروع ‪ Flood Light‬البريطاني‪ ،‬لنشر‬ ‫التعليم المستمر والمعرفة لالستدالل‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ إنشاء كليات إلعداد المدرسين والموجهين من خريجي الجامعات من‬ ‫التخصصات كافة‪ ،)Teacher Training College( ،‬كما في النظام البريطاني‪،‬‬

‫شهرا‪ ،‬لتأهيلهم ليكونوا مدرسين وموجهين‬ ‫وتكون مدة الدراسة بها ‪ً 18‬‬ ‫ومراقبين ومعدِّ ي برامج معرفية ومناهج دراسية للمراحل الثالث‪ .‬هكذا نقلل‬

‫البطالة بين خريجي الجامعات‪ ،‬ونرفع كفاءة المنظومة المعرفية‪ ،‬وربما نعود‬ ‫مصدرين للمدرسين للبالد العربية واألفريقية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ضبط منظومة اإلدارة المدرسية؛ إذ إن أعداد العاملين بوزارة التعليم تكشف عن‬ ‫وجود خلل بين نسبة اإلداريين مقارنة بالفنيين (المدرسين ومعدي المناهج)‪،‬‬ ‫مع أن وزارة التعليم فنية‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬جئنا متأخرين في «تقرير التنافسية‬

‫العالمي» للمنتدى االقتصادي العالمي عن جودة اإلدارة المدرسية‪ ،‬كما في‬

‫الشكل (‪ )26‬الذي يوضح أننا نسير من السيئ إلى األسوأ‪.‬‬

‫‪87‬‬


‫شكل (‪ :)26‬مؤشر جودة اإلدارة المدرسية‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬المنتدى االقتصادي العالمي‬

‫‪ 6‬ـ إعداد إستراتيجية الكتشاف الموهوبين في نظامنا التعليمي‪ ،‬بجميع مراحله‪،‬‬ ‫ضمنها برامج تأهيل لهم‪ ،‬وتفعيل مدارس وفصول المتفوقين‪ ،‬بما فيها‬

‫المجاالت الرياضية والفنية اإلبداعية‪ ..‬والتوسع فيها جغراف ًّيا‪ ،‬ليكون الموهوبون‬ ‫والمتفوقون قاطرة التقدم‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ إنشاء مدرسة (أو مدارس) داخلية مجانية إلعداد موظفي الدولة‪ ،‬كالتي‬ ‫أنشأها الملك «هنري السادس» سنة ‪ 1440‬في إنجلترا‪ ،‬مدرسة «إيتون»‪،‬‬ ‫يكون معيار االلتحاق بها التفوق والقدرة الذاتية للتلميذ‪ ،‬مع االلتزام‬ ‫بالتنويع الجغرافي‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫ثان ًيا‪ :‬التعليم الجامعي‬

‫رصد البنك الدولي تذبذب اعتمادات التعليمين الجامعي وما قبله من سنة إلى‬ ‫وأيضا عام ‪ ،2010-2009‬كما يظهر‬ ‫أخرى‪ ،‬منها عام ‪ 2006-2005‬عما سبقه‪ً ،‬‬ ‫في الشكل (‪.)27‬‬

‫شكل (‪ :)27‬تطور اإلنفاق على التعليم الجامعي وقبل الجامعي‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي‬

‫ولم يكن من السهل تحديث بيانات الشكل (‪ )27‬بسبب نقص المعلومات‬ ‫المتاحة حتى في مواقع المؤسسات الدولية‪ .‬وتبدو المشكلة بوضوح في الشكل‬ ‫(‪ ،)28‬الذي يوضح عدم انتظام المعلومات المتاحة حتى على موقع البنك الدولي‬ ‫من ‪ 1970‬إلى ‪.2016‬‬

‫‪89‬‬


‫شكل (‪ :)28‬اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي‬

‫ُعرف الجامعة بأنها أستاذ وطالب‪ ،‬ويضاف أحيانًا الكتاب كعنصر ثالث‪ ،‬وهذه‬ ‫وت َّ‬ ‫العناصر الثالثة هي محور أي تطوير للتعليم الجامعي‪ ،‬من دون تجاهل العناصر‬ ‫المكملة كالمعامل والورش بمفهومها األوسع‪ .‬كما يجب أن يكون تعيين األساتذة‬ ‫في الجامعات باإلعالن والمسابقة وليس تصعيدً ا تلقائ ًّيا‪ .‬تستلزم الوظائف األكاديمية‬ ‫مثل عميد كلية أو رئيس قسم التفرغ الكامل‪ ،‬ويجب أن يكون الكتاب الجامعي من‬ ‫ً‬ ‫منقول منه‪ ،‬وعلينا‪:‬‬ ‫أمهات الكتب في مجاله دول ًّيا‪ ..‬وليس‬

‫‪ 1‬ـ إنشاء الجامعات وتجهيزها على أساس القسم العلمي وليس الكلية‪ ،‬لعدم‬ ‫ازدواج القاعات والمعامل والورش داخل الجامعة الواحدة أو بين الجامعات‬ ‫المتقاربة‪ ،‬بغرض االقتصاد واالرتقاء باألداء وتركيز المتخصصين‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ يجب أن تكون األبحاث التي ُيعتد بها للحصول على الدرجة العلمية لألستاذ‬ ‫ُراجع‪،‬‬ ‫المساعد واألستاذ تلك المنشورة في المجالت العلمية العالمية‪ ،‬والتي ت َ‬ ‫أي ُم َحك َ​َّمة (‪ ،)Refereed‬للمادة موضوع الترقية‪ ،‬وال ُيعتد باألبحاث المنشورة‬ ‫‪90‬‬


‫في المؤتمرات‪ ،‬إال كإضافة خارج الحد األدنى لألبحاث التي يجب نشرها‬ ‫للحصول على الدرجة العلمية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ تحويل الجامعات الخاصة إلى أهلية ال تستهدف الربح‪ ،‬كاألمريكية والنيل‪،‬‬

‫مع منحها مهلة خمس سنوات لتوفيق أوضاعها‪ ،‬وضبط آليات عملها وهياكلها‬

‫الفنية واإلدارية واإلشرافية المستقلة‪ ،‬وفق النظم العالمية؛ بحيث ال تشكل عب ًئا‬ ‫على نظيراتها الحكومية في التدريس والمستشفيات‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ تنشيط البعثات الخارجية في الرياضيات والطبيعة والكيمياء والصناعات‬ ‫الهندسية والعسكرية والغذائية والكيماوية والبترولية‪ ،‬مع ضمانات بعودة‬

‫المبتعثين للوطن‪ ،‬بعد فرصة بقاء في الخارج بحد أقصى‪ ،‬سنتين للتدريب‬ ‫وألبحاث ما بعد الدكتوراه‪ .‬على أن تتحمل الشركات التي يزيد دخلها على حد‬

‫معين تكلفة ابتعاث باحثين منها سنو ًّيا‪ ،‬حسب حجم الدخل‪ ،‬مقابل إعفاءات‬ ‫ضريبية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ إنشاء كلية أو معهد ٍ‬ ‫عال إلعداد كبار موظفي الدولة وقياداتها‪ ،‬مثل‪« :‬المعهد‬ ‫القومي لإلدارة» (‪ )ENA‬الفرنسي‪ ،‬الذي ما زال يعمل منذ عام ‪ ،1945‬وتصل‬

‫أعداد المتقدمين لاللتحاق به ‪ 16‬ضعف األماكن المتاحة‪ ،‬وهذا المعهد تخرج‬

‫فيه الرؤساء الفرنسيون «فاليري جيسكار دستان» و«جاك شيراك» و«فرانسوا‬ ‫هوالند» والرئيس الجديد «إمانويل ماكرون»‪.‬‬

‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬المعاهد الفنية‬

‫هي مفرخة فنيين وخبراء أي اقتصاد ناضج‪ ،‬بتنوعاته‪ ،‬ويرصد الجهاز المركزي‬

‫للتعبئة العامة واإلحصاء انخفاض عدد طلبة المعاهد الفنية‪ ،‬مقارنة بالكليات النظرية‬ ‫والعلمية‪ ،‬ألقل من ‪ 100‬ألف طالب‪ ،‬بعد أن كان ‪ 117‬أل ًفا خالل الحقبة األولى‬ ‫من األلفية الثالثة‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪ ،)29‬ما ينفي وجود أي سياسة جادة لتلبية‬

‫احتياجات سوق العمل من العمالة الماهرة‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫شكل (‪ :)29‬تطور أعداد طلبة الكليات النظرية والعملية والمعاهد الفنية‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‬ ‫(آخر إحصائية تمكنَّا من الحصول عليها)‬

‫ويخلق تطوير شبكة التعليم الفني فرص عمل حقيقية‪ ،‬ويرتقي بسمعة العامل الفني‬ ‫المصري‪ ،‬ويوسع إمكانية تصديره كثروة بشرية‪ ،‬سواء عرب ًّيا أو أفريق ًّيا أو دول ًّيا‪ ،‬كما أنه‬ ‫يرفع مستوى المنتج الوطني النهائي‪ ،‬ويدعمه أمام نظيره المستورد‪.‬‬ ‫يمكن اعتبار مدرسة «الدون بوسكو»‪ ،‬التابعة إلشراف السفارة اإليطالية‪ ،‬النموذج‬ ‫األفضل (حتى اآلن) لتخريج فني على مستوى ٍ‬ ‫عال‪ ،‬يخدم الصناعات المختلفة‪ .‬يجب‬ ‫محاولة عمل المثيل لها في المحافظات وفي المدارس الصناعية جميعها‪ ،‬ولتفعيل‬ ‫ذلك‪ ،‬علينا‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ربط المدارس الصناعية والمعاهد الفنية بالشركات العاملة في مصر‪ ،‬في مجاالت‬ ‫معدات وأجهزة اإلنشاء والمضخات والمولدات والتكييف والروافع والسيارات‬ ‫والصناعات الهندسية والبترولية والكيماوية‪ ..‬إلخ‪ ،‬ومشاركتها في دعم البرامج‬ ‫التدريبية والتأهيلية والمدرسين‪ ،‬نظير منحها أفضلية الفوز بالخريجين‪ ،‬للعمل‬ ‫في شركاتهم بمصر أو الخارج‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫‪ 2‬ـ استحداث أقسام خاصة داخل المدارس الفنية ألوائل السنة األولى‪ ،‬وتكثيف‬ ‫جداول دراسة السنوات الباقية؛ ليكونوا تحت رعاية الشركات العالمية في‬ ‫المجاالت المختلفة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ حوافز تشجيعية لألسر والطلبة‪ ،‬لإلقبال على التعليم الفني‪ً ،‬‬ ‫مثل‪ :‬منح دراسية‬ ‫لألوائل وكارنيهات مترو وسكك حديدية وتذاكر لدخول مسارح الدولة‪،‬‬ ‫وهدايا (عدد وآالت ومالبس وأحذية عمل)‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ خطة إعالمية محترفة الستعادة نظرة االحترام للعمالة الفنية‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬التعليم الأزهري‬

‫يجب الحفاظ على األزهر ومكانته التي حققها عبر تاريخه‪ ،‬وعلى استقالله‪ ،‬باعتباره‬ ‫من أبرز عناصر القوة الناعمة التي حافظت لمصر على سمتها الوسطية المستنيرة؛‬ ‫فجذبت إليها قلوب مئات الماليين حول العالم‪.‬‬ ‫وألنه مؤسسة تعليمية في المقام األول‪ ،‬توسع بشكل غير منطقي حتى أصبح‬ ‫تضخما‬ ‫يستوعب ‪ %16‬من المصريين الذين يلتحقون بالتعليم العام؛ ما يعني أن لدينا‬ ‫ً‬ ‫تعليما دين ًّيا ال يحتاجهم سوق العمل أو المجتمع؛ ً‬ ‫فضل عن‬ ‫حا ًّدا في عدد من يتلقون‬ ‫ً‬ ‫خطورة االزدواج التعليمي على وحدة النسيج المجتمعي والفضاء العام؛ خاصة مع‬ ‫انحراف منظومة األزهر التعليمية عن الطريق التي ترسمتها منذ نشأتها‪ ،‬وتأثرها بتيارات‬ ‫متطرفة غزت الفضاء الديني الوطني منذ بداية السبعينيات‪ ،‬ومن بعده الفضاء العام‪،‬‬ ‫ضمن التحالف الشهير بين رئيس المخابرات السعودية كمال أدهم‪ ،‬وقتها‪ ،‬والرئيس‬ ‫األسبق أنور السادات‪.‬‬ ‫وحتى يمكننا استعادته كمؤسسة دينية علمية تعليمية حديثة‪ ،‬عبر منظومة تتحرك‬ ‫في اتجاهات متعددة في ٍ‬ ‫آن واحد‪ ،‬فإن علينا‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ضم جميع معاهده إلى وزارة التربية والتعليم‪ ،‬مع مرحلة انتقالية‪ ،‬تتكامل فيها‬ ‫مناهج اللغة والدين مع السياق العام لمناهج الوزارة في مراحل التعليم ما قبل‬ ‫الجامعي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ضم جميع كلياته إلى وزارة التعليم العالي‪ ،‬باستثناء عدد من كليات الشريعة واللغة‬ ‫‪93‬‬


‫العربية وأصول الدين‪ ،‬تخصص كل منها لتجمع إقليمي من عدة محافظات؛‬ ‫لتخريج ما نحتاجه مجتمع ًّيا‪ ،‬وما تتطلبه تقوية المؤسسة كذراع ناعمة حول‬ ‫العالم‪ ،‬من دعاة ووعاظ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ تنقية مناهج المنظومة الجديدة مما ُأدخل على المناهج القديمة من مذاهب أو‬ ‫اتجاهات فكرية‪ ،‬منحرفة عن طبيعتها الوسطية‪ ،‬خاصة الوهابية‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ حظر تلقيه تبرعات‪ ،‬أ ًّيا كانت‪ ،‬من جهات خارجية ال تتبع المنهج الوسطي‪.‬‬

‫‪94‬‬


‫الحياة‪ ..‬بال�صحة‬ ‫كعادتها‪ ..‬لمصر السبق الحضاري في مأسسة الرعاية الصحية‪ ،‬بما فيها ثقافة‬

‫التغذية السليمة‪ ،‬ومنها خرجت أول وزيرة في التاريخ‪ ،‬لتحمل لقب «الطبيبة الملكية‬ ‫العظيمة»‪ 3300 ،‬قبل الميالد‪ ،‬كما رصد الباحث الكندي «سيمسون نايوفتس» في‬

‫كتابه «مصر أصل الشجرة»‪ .‬وفي عصور الحقة‪ ،‬حين أرادت الدولة الفرنسية تطوير‬ ‫فلسفتها الصحية‪ ،‬اهتدت بتجربة السلطان المنصور قالوون‪ ،‬الذي حكم المحروسة عام‬

‫‪ ،1279‬فمستشفاه الذي ما زالت أجزاء منه قائمة في شارع المعز لدين الله الفاطمي‪،‬‬ ‫مفتوحا لعالج المرضى من جميع األديان واألجناس‪ ،‬مجانًا‪ .‬كان‬ ‫وفق حجته‪ ،‬كان‬ ‫ً‬

‫المستشفى مكونًا من عدة أجنحة‪ ،‬حسب األمراض‪ ،‬وبه قسم للنساء‪ ،‬وآخر لألمراض‬ ‫العقلية‪ ،‬وثالث لتدريس الطب‪ ،‬فكان أول مستشفى جامعي‪ ،‬كما كان يضم غرفة مطالعة‬

‫ومعامل كيميائية وصيدلية‪ ،‬وفرقة موسيقية تعزف للمرضى‪ .‬وأنشئت أول كلية طب‬ ‫حديثة عام ‪.1827‬‬

‫في أكثر من شهادة‪ ،‬منها كتاب «من القرية إلى الوزارة» للدكتورة حكمت أبو زيد‪ ،‬أول‬

‫وزيرة مصرية في دولة مصر الحديثة‪ ،‬وكتاب صالح جالل «أطباء مصر كما عرفتهم»‪،‬‬

‫ُروي أن الرئيس جمال عبد الناصر تلقى هدية أمريكية‪ ،‬في منتصف الخمسينيات‪ ،‬هي‬

‫مصل شلل األطفال لتطعيم وليده عبد الحكيم‪ ،‬فسأل‪« :‬هل يمكن توفير هذا المصل‬ ‫لكل األطفال المصريين؟»‪ ،‬فرد حامل الهدية‪« :‬ال»‪ ،‬فرفض عبد الناصر ً‬ ‫قائل‪« :‬حين‬ ‫ُيتاح ال ُّطعم لهم‪ ،‬سيستفيد منه أوالدي»‪.‬‬

‫هكذا يفكر‪ ،‬ويتصرف‪ ،‬من يخطط لبناء المستقبل‪ ،‬للكل وليس للقادر فقط‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫وهكذا‪ ،‬حين «تصادم» عبد الناصر مع د‪ .‬النبوي المهندس‪ ،‬أستاذ طب األطفال‬

‫احتجاجا على سوء‬ ‫بجامعة القاهرة‪ ،‬خالل لقاء جماعي على هامش إضراب لألطباء‬ ‫ً‬ ‫الخدمات الصحية نهاية عام ‪ ،1957‬التقط عبد الناصر أن النبوي يملك «فلسفة»‬

‫للرعاية الصحية‪ ،‬أعمدتها الوقاية‪ ،‬والمزج بين االنتشار األفقي والتخصصي‪،‬‬ ‫والمؤسسية‪ ،‬فوضعه تحت عينه‪ ،‬وحين أتى تغيير وزاري‪ ،‬واله المنصب ‪ 18‬أكتوبر‬

‫‪ 1961‬حتى وفاته ‪ 27‬أكتوبر ‪ .1968‬وخالل السنوات السبع التي أمضاها الدكتور‬ ‫وزيرا‪ ،‬أسس مشروع تنظيم األسرة‪ ،‬ورسخ ذهنية التطعيم المبكر‬ ‫النبوي المهندس ً‬ ‫ضد األمراض‪ ،‬والمستشفيات المتخصصة‪ ،‬والتأمين الصحي للعمال وللطلبة‪،‬‬

‫ومركزا لألبحاث والرقابة الدوائية‪ ،‬ومأسسة‬ ‫وأنشأ معهدَ ي القلب والسمع والكالم‪،‬‬ ‫ً‬

‫المستشفيات ليكون كل منها وحدة متكاملة مهن ًّيا وخدم ًّيا‪ ،‬ضمن شبكة مدت إلى كل‬

‫وحول اإلسعاف إلى منظومة مستقلة‬ ‫المدن‪ ،‬و‪ 1100‬وحدة صحية قروية وشعبية‪َّ ،‬‬

‫تغطي الجمهورية‪ .‬كان الدكتور النبوي المهندس يسعى إلى سجل صحي منضبط‬ ‫لكل مواطن‪ ،‬بدأه بإلزام الدولة بوضع فصيلة الدم ضمن بيانات البطاقة الشخصية‪.‬‬

‫وحين رحل‪ ،‬نعاه عبد الناصر في اجتماع رسمي على الهواء‪.‬‬

‫طوال ‪ 55‬عا ًما وحتى اآلن‪ ،‬اختلت المنظومة الصحية بفداحة‪ ،‬منها‪ ،‬كمؤشر‬

‫خطير‪ ،‬تحذير الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء من أن السياسات المطبقة‬ ‫قلصت ِ‬ ‫أس َّرة مستشفيات القطاعين الحكومي والخاص إلى أقل من ‪ 130‬ألف سرير‬ ‫في ‪ ،2014‬بعد أن كانت أكثر من ‪ 140‬أل ًفا عام ‪ ،2002‬كما يظهر في الشكل (‪،)30‬‬

‫وتستأثر القاهرة الكبرى بنصفها‪ ،‬ويوزع النصف اآلخر على بقية الجمهورية‪ ،‬في‬

‫إهدار واضح لقواعد العدالة واإلنصاف بين المواطنين وبين المناطق‪ .‬أي أنه لكل‬

‫علما‬ ‫‪ 1000‬مواطن يوجد ‪ 1.4‬سرير فقط‪ ،‬منها ‪ 1.1‬حكومي و‪ 0.3‬قطاع خاص‪ً ،‬‬

‫بأن المعدل العالمي هو ‪ 2.9‬سرير لكل ‪ 1000‬مواطن‪ ،‬وبأن مصر في الستينيات كان‬

‫لديها ‪ 2.2‬أي ضعف المعدل الحالي‪ ،‬وأن آخر مستشفى حكومي عام جرى افتتاحه‬

‫هو مستشفى الزيتون سنة ‪ ،2009‬بينما عدد األسرة لكل ألف مواطن يبلغ ‪ 13.4‬في‬ ‫اليابان‪ 8.2 ،‬في ألمانيا‪ 2.5 ،‬في تركيا‪.‬‬

‫‪96‬‬


‫شكل (‪ :)30‬تطور أعداد ِ‬ ‫أس َّرة المستشفيات في مصر‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2015‬‬

‫ثمة مؤشر ال يقل خطورة‪ ،‬رصدته منظمة الصحة العالمية‪ ،‬هو أن المعدل المهني‬ ‫ِ‬ ‫نقصا شديدً ا‪ ،‬والذي ُيقاس بنسبتهم‬ ‫لنسبة األطباء والوظائف‬ ‫المعاونة في مصر يعاني ً‬ ‫مقابل ‪ 10‬آالف مواطن‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪.)31‬‬ ‫ولألسف‪ ،‬يبدو أنه لم يحدث ثمة تطور في أوضاع قوة العمل بالرعاية الصحية‬ ‫في مصر مقارنة بدول العالم‪ ،‬خالل الفترة من ‪ 2010‬إلى ‪ ،2016‬كما يتضح في‬ ‫الشكل (‪.)32‬‬

‫‪97‬‬


‫شكل (‪ :)31‬عدد العاملين بالرعاية الطبية لكل عشرة آالف نسمة في مصر وبعض الدول األخرى‬

‫المصدر‪ :‬إحصاءات منظمة الصحة العالمية ـ ‪2010‬‬

‫شكل (‪ :)32‬إجمالي عدد العاملين بالرعاية الطبية لكل عشرة آالف نسمة في مصر وبعض الدول األخرى‬ ‫المصدر‪ :‬إحصاءات منظمة الصحة العالمية ـ ‪2016‬‬

‫‪98‬‬


‫وهناك مؤشر ثالث‪ ،‬يتمثل في اختالل نسب اإلنفاق على الصحة بين‬

‫الدولة والمواطن‪ ،‬الذي يتحمل في مصر ‪ %60‬من ماله الخاص‪ ،‬بدرجة‬ ‫كثيرا من أقرانه في دول أخرى‪ ،‬شرقية وغربية‪ ،‬فيتحمل ً‬ ‫مثل المواطن‬ ‫أعلى ً‬ ‫التشيكي فقط ‪ %12‬والكوبي ‪ ،%1‬كما يظهر في الشكل (‪ ،)33‬والبرتقالي‬

‫هو نسبة المواطن‪.‬‬

‫شكل (‪ :)33‬توزيع عبء اإلنفاق على الرعاية الصحية في مصر وبعض الدول‬

‫المصدر‪ :‬منظمة الصحة العالمية ـ ‪2010‬‬ ‫(آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)‬

‫وما زالت تقارير منظمة الصحة العالمية الصادرة في ‪ 2013‬تضع مصر ضمن‬

‫الدول التي يتحمل المرضى فيها نس ًبا عالية من تكاليف الرعاية الصحية‪ ،‬كما توضح‬

‫الخريطة (‪:)4‬‬

‫‪99‬‬


‫خريطة (‪ :)4‬ما يتحمله المرضى كنسبة من اإلنفاق الصحي في ‪2013‬‬

‫المصدر‪« :‬التقرير الخاص بالصحة في العالم»‪ ،‬منظمة الصحة العالمية ـ ‪2013‬‬ ‫(آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)‬

‫ومن المؤشرات خطيرة الداللة لحالة الصحة العامة في مصر‪ ،‬إحصائية الجهاز‬

‫المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء عن عدد وفيات األطفال دون عمر الخامسة‪،‬‬ ‫المولودين أحياء‪ ،‬التي توضح تزايد النسبة بشكل يدعو للفزع؛ حيث وصلت هذه‬

‫النسبة في ‪ 2015‬إلى ‪ 20‬حالة وفاة لكل ‪ 1000‬مولود حي‪ ،‬بعد أن كانت أقل من‬

‫‪ً 16‬‬ ‫طفل في ‪ !2009‬أي بزيادة ‪ %25‬وفيات خالل ست سنوات فقط‪ ،‬كما يظهر‬ ‫في الشكل (‪.)34‬‬

‫بينما تشير إحصائيات الصحة الدولية‪ ،‬الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في‬

‫‪ ،2016‬إلى أن عدد الوفيات دون الخامسة لكل ‪ 1000‬طفل مولود ح ًّيا يبلغ ‪24‬‬

‫طفل‪ ،‬وليس ‪ً 20‬‬ ‫ً‬ ‫طفل كما رصدها الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬كما‬

‫يظهر في الشكل (‪.)35‬‬

‫‪100‬‬


‫شكل (‪ :)34‬عدد الوفيات السنوية من األطفال دون سن الخامسة لكل ألف طفل مولود ح ًّيا‬ ‫في مصر في الفترة ما بين عامي ‪ 2009‬و‪2015‬‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2016‬‬

‫شكل (‪ :)35‬عدد الوفيات السنوية من األطفال دون سن الخامسة لكل ألف طفل مولود ح ًّيا‪،‬‬ ‫مقارن ًة بين عدد من الدول‬ ‫‪101‬‬

‫المصدر‪ :‬منظمة الصحة العالمية ـ ‪2016‬‬


‫ومن ينجو من الموت من أطفالنا دون الخامسة يواجه التقزم‪ ،‬الذي وصل في مصر‬ ‫إلى ‪ %21‬طب ًقا إلحصائية وزارة الصحة ‪ ،2014‬بينما معدله العالمي ال يزيد على ‪،%5‬‬ ‫والتقزم هو مرض ناتج عن سوء التغذية والتعرض للتلوث‪ ،‬وأمهاتهم يواجهن أمراض‬ ‫لين العظام لعدم تعرضهن للشمس نتيجة نمط الحياة والحجاب والنقاب‪ .‬كيف نواجه‬ ‫بناء المستقبل بشباب حوالي ربعه إما توفي أو يعاني من التقزم‪ ،‬وتربيهم أمهات نسبة‬ ‫عالية منهن مريضات بلين العظام؟‬ ‫لقد حدد الدستور الخطوط العامة للمنظومة الصحية المتزنة‪« :‬لكل مواطن الحق‬ ‫في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وف ًقا لمعايير الجودة‪ ،‬وتكفل الدولة الحفاظ‬ ‫على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على‬ ‫رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل‪ .‬وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من اإلنفاق‬ ‫الحكومي للصحة ال تقل عن ‪ %3‬من الناتج القومي اإلجمالي تتصاعد تدريج ًّيا حتى‬ ‫تتفق مع المعدالت العالمية‪ .‬وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع‬ ‫المصريين يغطي كل األمراض‪ ،‬وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو‬ ‫إعفاءهم منها طب ًقا لمعدالت دخولهم‪ .‬و ُيجرم االمتناع عن تقديم العالج بأشكاله‬ ‫المختلفة لكل إنسان في حاالت الطوارئ‪ ،‬أو الخطر على الحياة‪ .‬وتلتزم الدولة‬ ‫بتحسين أوضاع األطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي‪ .‬وتخضع‬ ‫جميع المنشآت الصحية‪ ،‬والمنتجات والمواد‪ ،‬ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة‬ ‫لرقابة الدولة‪ ،‬وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص واألهلي في خدمات الرعاية‬ ‫الصحية وف ًقا للقانون»‪.‬‬ ‫تفاصيل المنظومة يضعها ويراقبها أهل الخبرة‪ ،‬ولكننا نقترح عدة أساسيات لضبطها‬ ‫من المنبع‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ وضع إستراتيجية «الصحة ً‬ ‫بديل للعالج»‪ ،‬وتتضمن وقف الهدم اإلعالني‪ ،‬الذي‬ ‫يروج لمواد غذائية وطبية لم تجزها المرجعيات الصحية‪ .‬وابتكار وجبات نمطية‬ ‫صحية واقتصادية‪ ،‬قليلة استهالك المياه؛ ً‬ ‫فمثل السعر الحراري من اللحوم‬ ‫يستهلك ‪ 25‬ضع ًفا من المياه إلنتاجه‪ ..‬مقارنة بنظيره في الفول‪ ،‬كما يظهر في‬ ‫ضررا على صحة اإلنسان‪ ،‬كما أثبتت‬ ‫الشكل (‪ ،)36‬بينما اللحوم الحمراء أكثر ً‬ ‫‪102‬‬


‫جميع األبحاث العلمية‪ ،‬وباألخص لمن هم فوق سن األربعين‪ ،‬لما تحتويه‬ ‫من دهون مشبعة وضررها على األوعية الدموية‪.‬‬ ‫ونستقي من الحضارة الصينية القديمة جوهر مدلول أن الصحة تمنع الحاجة إلى‬ ‫العالج‪ ،‬إذ كان يتم وقف مرتب الطبيب في حالة مرض من يشرف عليه صح ًّيا‪.‬‬

‫شكل (‪ :)36‬كميات المياه الالزمة إلنتاج سعر حراري واحد لبعض المواد الغذائية‬

‫المصدر‪ :‬تجميع المؤلف‬

‫‪ 2‬ـ وضع برنامج للتحول التدريجي الواعي من اللحوم الحمراء إلى قرينتها البيضاء‪..‬‬ ‫األسماك ً‬ ‫أول ثم الدواجن‪ ،‬مع تطوير ساللتها المحلية ً‬ ‫بديل عن السالالت‬ ‫األجنبية‪ ،‬ومنها النعام؛ تمهيدً ا لتحول الطعام المصري عامة إلى منتجات توفر‬ ‫البروتين عبر النباتات مباشرة‪ ،‬من دون وسيط اللحوم‪ ،‬وتشجيع تناول أطعمة‬ ‫تعتمد على منتج األرض‪ً ،‬‬ ‫بدل من منتج المصنع‪ .‬ولدينا هنا الوجبة النمطية‬ ‫الهندية‪ ،‬التي تستهلك ثلث مياه الوجبة النمطية األمريكية‪ ،‬كما يظهر في الشكل‬ ‫(‪ ،)37‬على الرغم من أن صحة المواطن في الوجبة األولى أكثر فاعلية في‬ ‫مقاومة األمراض من صحته في الوجبة الثانية‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫شكل (‪ :)37‬التكلفة المائية لألنظمة الغذائية المختلفة للفرد مقاسة باللتر‪/‬اليوم‬

‫المصدر‪ :‬تجميع المؤلف‬

‫ملحوظة مهمة‪ :‬الجسم ال يمتص البروتين في صورته التي يأكلها بل يفتتها إلى‬ ‫يكون البروتين‬ ‫يكون البروتين منها تما ًما مثل البقر‪ ،‬الذي ِّ‬ ‫أحماض أمينية‪ ،‬ثم ِّ‬ ‫من البرسيم‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإنه يمكن الحصول على البروتين من األحماض األمينية‬ ‫أساسا في الخضروات ذات اللون األخضر الداكن‪ ،‬وبعض البقوليات‬ ‫الموجودة ً‬ ‫تعرضا ألمراض الدهون المشبعة‬ ‫مباشرةً‪ ،‬وهذا أفضل للجهاز الهضمي‪ ،‬وأقل ً‬ ‫الكائنة في اللحوم الحيوانية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ وضع معايير وجبة نمطية محلية اإلنتاج‪ ،‬مرنة‪ ..‬وفق طبيعة المناطق المختلفة‬ ‫ومتوسطات الدخل فيها‪ ،‬وتعميم الوجبة المدرسية‪ ،‬تحت إشراف خبراء تغذية؛‬ ‫لضمان توازن «عدالة التغذية»‪ ،‬خاصة في المناطق الفقيرة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ إعادة النظر في األعمال الصناعية الدخيلة‪ ،‬غير الصحية‪ ،‬على األرز والقمح والزيوت‬ ‫النباتية والغالت األخرى ألغراض تجارية بحتة‪ .‬ويوضح الشكل (‪ )38‬الضرر‬ ‫الذي يحل بالقمح حين يتم فصل عناصره الغذائية أثناء إنتاج الدقيق األبيض‪.‬‬ ‫‪104‬‬


‫شكل (‪ :)38‬دقيق القمح األسمر (الكامل)‪ ،‬مقارنة بدقيق القمح األبيض‬

‫المصدر‪ :‬محاضرة «مركز «بريتيكن» للصحة» بميامي‪ ،‬فلوريدا ـ ‪2015‬‬

‫وألغراض تجارية بحتة‪ ،‬تضاف اآلن زيوت مهدرجة إلى الجبن األبيض‪ ،‬أثبتت‬ ‫األبحاث ضررها على صحة اإلنسان (األوعية الدموية وباألخص الدماغية‬ ‫والقلبية)‪ ،‬وفي عدة واليات أمريكية يجرم استخدام الزيوت المهدرجة‪ ،‬بينما‬ ‫تُلزم واليات أخرى المنتج في حالة استخدامها أن يوضح طبيعة االستخدام‬ ‫ويكتب كميته في البضاعة المعروضة في المحالت‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ فرض ضريبة متدرجة على المصانع التي تنتج مواد غذائية بها عناصر السكر أو‬ ‫الملح أو الدهون الحيوانية المشبعة أو الزيوت المهدرجة تتعدى حدود األمان‬ ‫الطبي‪ ،‬وتوجه هذه الضريبة إلى دعم عالج األمراض الناتجة عن تناول هذه‬ ‫المواد الغذائية غير اآلمنة‪ ،‬ودعم غير القادرين من خالل التأمين الصحي الشامل‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تشجيع ثقافة المشي‪ ،‬والترجل‪ ،‬واستخدام الدراجات في الحركة داخل المدن‪،‬‬ ‫وبين األحياء المختلفة‪ .‬وبالتوازي‪ ..‬تأهيل الطرق والمشايات‪ ،‬وإحياء صناعة‬ ‫الدراجات‪ ،‬والمكهربة منها‪ ،‬التي تراجعت الثالثين سنة الماضية‪.‬‬ ‫‪105‬‬


‫وضمان أن تكون لكل مواطن إجازة سنوية ترفيهية؛ لرفع مستوى السعادة‪،‬‬ ‫وتفادي األمراض الناتجة عن تردي الحالة النفسية‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ وضع مخطط وطني للقضاء على مظاهر تلوث البيئة كافة‪ ..‬الهواء واألرض‬ ‫والنيل والبحيرات والمياه الجوفية‪ ،‬وتفادي تكرارها‪ ،‬إذ إن زيادة هذا‬ ‫التلوث (وباألخص التلوث بالرصاص) هي السبب الرئيسي النتشار‬ ‫أمراض الكبد والكلى والجهاز التنفسي والسرطان والتخلف الذهني‬ ‫لدى األطفال‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ عمل دراسة قومية لألمراض األكثر تكلفة للعالج‪ ،‬تتبعها خطة عاجلة للحد‬ ‫تأثيرا سلب ًّيا على تكلفة العالج في‬ ‫منها‪ ،‬وأثبتت الدراسات أن األمراض األكثر ً‬ ‫الميزانية العامة اإليطالية‪ ،‬هي‪ :‬السمنة والسمنة المفرطة لذاتها‪ ،‬وتداعياتها‪ ،‬مثل‬ ‫أمراض ‪ ،Metabolic Syndrome‬كما يظهر في الشكل (‪.)39‬‬

‫شكل (‪ :)39‬عالقة مباشرة بين متوسط تكلفة الفرد السنوية من الرعاية الصحية ومقياس‬ ‫السمنة في إيطاليا‬

‫المصدر‪ :‬بحث منشور ـ ‪2013‬‬

‫‪Fontana L. Atella V and Kammen DM. Energy efficiency as a unifying principle for‬‬ ‫‪human. environmental. and global health: https://f1000research.com/articles/2-101/v1‬‬

‫‪106‬‬


‫كما أثبتت دراسات أمريكية وجود عالقة مباشرة بين احتمالية خطورة الموت‪،‬‬ ‫ومؤشر السمنة لألصحاء‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪.)40‬‬

‫شكل (‪ :)40‬عالقة احتمالية خطورة الموت ومقياس السمنة في أمريكا‬

‫المصدر‪ :‬بحث منشور ـ ‪2010‬‬

‫‪Adapted form Willett et al. N Engl J Med 2010:363:2211-9‬‬

‫‪ 9‬ـ إعداد قانون تأمين صحي شامل تضمنه الحكومة‪ ،‬تتعاقد فيه مؤسسة عامة‪،‬‬ ‫كطرف وحيد‪ ،‬نيابة عن الشعب‪ ،‬مع مقدمي الخدمة الصحية‪ ،‬عامة أو خاصة‬ ‫أو تعاونية‪ .‬ويكون االشتراك فيه إجبار ًّيا‪ ،‬وتتفاوت قيمته طب ًقا للدخول‪ ،‬وتتولى‬ ‫ُجرم أي جهة طبية ترفض عالج‬ ‫الدولة الدعم جزئ ًّيا أو كل ًّيا لغير القادرين‪ ،‬وت َّ‬ ‫الحاالت العاجلة أو الطارئة‪ ،‬مقابل ضمان حصولها على التكلفة من الدولة‪،‬‬ ‫على أن تضبط المنظومة بطاقة إلكترونية لكل مواطن‪ ،‬تبين حالته وتاريخه‬ ‫الصحي‪ ،‬وتتوافر بياناتها عبر شبكة مركزية متاحة لمقدمي الخدمة العالجية‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد‪ ،‬ال بد أن يستفيد الوطن من أفكار علمائه الدكاترة سمير فياض‬ ‫وطارق الغزالي ومحمد حسن خليل‪ ،‬المتخصصين في التأمين الصحي‪ ،‬ومن‬ ‫‪107‬‬


‫كتاباتهم ومقاالتهم ومؤلفاتهم‪ ،‬فإن هذه الثروة تمثل مشروع تأمين صحي‬ ‫متكامل األركان‪.‬‬ ‫وأيضا للمتاجرة بالطب‬ ‫‪ 10‬ـ تفعيل قوانين المحاسبة لإلهمال والتقصير الطبيين‪ً ،‬‬ ‫واللعب بعواطف المواطنين بغرض التربح‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ وضع خطة لصناعة األدوية‪ ،‬تقتدي بالتجربة الهندية‪ ..‬األدوية المكافئة‬ ‫(‪ ،)Generic‬وتعتمد‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬على النباتات الطبية والعشبية؛ لتلبية‬ ‫االحتياجات المحلية والتصدير‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ الحفاظ على ملكية الوحدات والمؤسسات العالجية المملوكة للدولة وهيئاتها‬ ‫ومؤسساتها والجامعات‪ ،‬ويجوز التعاقد على إدارة مستقلة‪ ،‬تلتزم بمنظومة‬ ‫التأمين الصحي الشامل‪ ،‬أي يمكن فصل اإلدارة عن الملكية‪ ،‬وفي جميع‬ ‫األحوال يجب عدم التصرف بالبيع في ما يملكه الشعب من مؤسسات عالجية‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ االستمرار في بناء المستشفيات والوحدات العالجية على نفقة الدولة من‬ ‫حصيلة الضرائب‪ ،‬والحفاظ على نسبة ِ‬ ‫األس َّرة الحالية المملوكة للشعب‪،‬‬ ‫والعمل على زيادتها بما يعادل نسبة زيادة السكان‪ .‬ولألسف الشديد لم تقم‬ ‫الدولة ببناء مستشفيات عامة منذ ‪ .2009‬ويجب فتح الباب والتسهيل للقطاع‬ ‫الخاص والتعاوني إلنشاء مستشفيات ووحدات عالجية‪ ،‬مع التركيز على‬ ‫التحفيز في الريف وخارج المدن الكبرى‪.‬‬ ‫يجب وضع آليات لتشجيع األهالي على بناء المستشفيات الخيرية‪ ،‬بأن توفر‬ ‫الدولة األراضي والمرافق مجانًا‪ ،‬واالسترشاد بالمستشفيات األهلية القائمة‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬مبرة العجوزة ومستشفى سيد جالل‪ ،‬والمستشفى القبطي واليوناني‬ ‫واإلسرائيلي ساب ًقا بالقاهرة‪.‬‬ ‫مع تحفظي على نموذج مستشفى سرطان األطفال؛ الفتقاره الواضح إلى الحكمة‬ ‫في أسلوب توجيه التبرعات وتحقيق االستفادة المثلى منها‪ ،‬بما يخدم اكتمال‬ ‫النموذج وتحقيقه ألهدافه‪ ،‬وكذلك في أسلوب قبول المرضى‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ إن الرعاية الصحية ليست ً‬ ‫مجال لالستثمار والمساومة واالحتكار‪ ،‬وإن االتجاه‬ ‫لالقتصاد الحر ال ينبغي أن يسلب حق المواطن في الرعاية الصحية عن طريق الدولة‪،‬‬ ‫ومن القواعد أال تتخلى الدولة عن دورها في الخدمات االجتماعية أو الصحية‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫�ستر الغالبة‬ ‫مع قرب إقرار قانون جديد ينهي تراث «اإليجار القديم»‪ ،‬تتزايد مخاوف المستفيدين‬ ‫منه ومتابعي الشأن العام من تفاقم أزمة اإلسكان‪.‬‬ ‫وأزمة اإلسكان عامة لن تُحل إال إذا وعينا أنها ليست كاشفة عن «نقص»‪ ،‬بقدر‬ ‫ما تدل على غياب دور الدولة عن ضبط عناصرها؛ ما خلف تفاوتًا حا ًّدا بينها‪ .‬فوفق‬ ‫«معهد الشرق األوسط» األمريكي‪ ،‬يناير ‪ ،2015‬هناك «أكثر من ‪ 6‬ماليين شقة فارغة‬ ‫ذات مستوى ٍ‬ ‫راق‪ ،‬مقابل ‪ %18‬من العائالت تعيش في مساكن من غرفة واحدة‪ .‬ومقابل‬ ‫وحدات اإلسكان االجتماعي بين ‪ 2012‬و‪ 50 ،2014‬أل ًفا‪ ،‬زادت الشقق السكنية بـ‪2‬‬ ‫مليون من ‪ 2011‬إلى ‪.»2014‬‬ ‫كنموذج للنمو السريع لعدد السكان‪ ،‬الذين يحتاجون بالتبعية مساكن بذات درجة‬ ‫النمو‪ ،‬قفز عدد سكان القاهرة الكبرى من ‪ 6‬ماليين سنة ‪ 1970‬إلى ‪ 16‬مليونًا سنة ‪2006‬‬ ‫آخر تعداد للسكان‪ ،‬بزيادة ‪ ،%270‬ونتوقع أن يصل العدد إلى ‪ 28‬مليونًا عام ‪.2020‬‬ ‫لن يخفف األزمة تعهد الحكومة ببناء مليون أو اثنين من الوحدات السكنية‪،‬‬ ‫فمشروعها األبرز‪ ،‬اإلسكان االجتماعي‪ ،‬الذي دعمه البنك الدولي بـ‪ 500‬مليون‬ ‫دوالر‪ ،‬بال خطة واضحة‪ ،‬وتحرم شروطه نصف الشعب من تملك وحداته ألن دخله‬ ‫جنيها‪ ،‬ومن تأجير المطروح منها لإليجار ألن دخل المخاطبين‬ ‫الشهري أقل من ‪ً 1925‬‬ ‫به الشهري أقل من ‪ 1500‬جنيه؛ غير أن الموضوعية تقتضي اإلشادة بمحاوالت الدولة‬ ‫لمواجهة العشوائيات‪ ،‬بمساهمة كبرى من المجتمع المدني‪ ،‬كما في «األسمرات»‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬و«غيط العنب» باإلسكندرية‪.‬‬ ‫إنه لمما يثير الدهشة‪ً ،‬‬ ‫أصل‪ ،‬أن تعاني المحروسة من أزمة إسكان؛ ألنها من أوائل من‬ ‫‪109‬‬


‫ٍ‬ ‫أراض شاسعة وخامات ومصانع مواد بناء ومهندسون‬ ‫بنى بيوتًا في التاريخ البشري‪ ،‬ولديها‬ ‫أكفاء وشركات مقاوالت‪ .‬ويؤكد تقرير «معهد الشرق األوسط»‪ ،‬المذكور أعاله‪ ،‬الرؤية‬ ‫دائما‪ ،‬من أن المشكلة الرئيسة هي نُدرة اإلسكان منخفض التكاليف‪ ،‬المهم‬ ‫التي طرحناها ً‬ ‫لـ«ستر الغالبة»‪ ،‬من محدودي الدخل ومعدوميه‪« .‬ستر الغالبة» هو المبرر الوحيد لمد يد‬ ‫الدولة في مجال اإلسكان‪ ،‬فمنذ رفعت الدولة يدها‪ ،‬في بداية السبعينيات‪ ،‬تفشت المناطق‬ ‫العشوائية‪ ،‬وهو األمر نفسه الذي توقف عنده الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪،‬‬ ‫كاش ًفا عن متوسط الوحدات التي تبنيها الدولة‪ ،‬على مدى عشرة أعوام‪ ،‬بـ‪ 1250‬وحدة‬ ‫سنو ًّيا؛ لتتزايد تدريج ًّيا إلى ‪ 17‬أل ًفا في بداية األلفية الثالثة‪.‬‬ ‫ويكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء تذبذب السياسات اإلسكانية‪،‬‬ ‫وفق الرسم البياني التالي‪ ،‬منذ عام ‪ 2000‬حتى ‪ ،2011‬حسب المستوى‪ ،‬بما يعكس‬ ‫فشلها في تحديد احتياجات المجتمع‪ ،‬وضياع البوصلة االجتماعية لشركات المال‬ ‫العام‪ ،‬كما يظهر في الشكلين (‪ )41‬و(‪.)42‬‬

‫شكل (‪ :)41‬تطور أعداد الوحدات السكنية التي حققتها شركات القطاع العام حسب المستوى‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‬ ‫(آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)‬

‫‪110‬‬


‫شكل (‪ :)42‬تطور عدد الوحدات السكنية منخفضة التكاليف المحققة‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2015‬‬

‫ودائما‪ ،‬يعود فشل حل المشكلة إلى تكليف المهندسين بها‪ ،‬على الرغم من‬ ‫ً‬ ‫أنها مهمة منظومة‪ ،‬تضم ديموجرافيين وخبراء اجتماع واقتصاد ومالية‪ ،‬ويأتي‬ ‫المهندس في النهاية لتنفيذ رؤيتهم‪ .‬والجهة التي يجب أن تكلف بالحل هي وزارة‬ ‫التضامن االجتماعي‪ ،‬وليست اإلسكان‪ ،‬التي ُح ِّملت بمهام متضاربة المصالح‪..‬‬ ‫والمستلم‪ ،‬لتضيع المسؤولية‪.‬‬ ‫فهي المخطط والمصمم والمنفذ والمراقب ُ‬ ‫ولكي نضمن حدًّ ا أدنى من الحياة الكريمة لكل مواطن‪ ،‬وتنفيذ المادة ‪ 78‬من‬ ‫الدستور‪ ،‬التي ألزمت الدولة بضمان مسكن «مالئم» لكل مصري‪ ،‬يجب أن يعي‬ ‫كل حاكم أن السكن منخفض التكاليف هو حرف ًّيا‪« ..‬ستر» للمواطن محدود الدخل‬ ‫أو معدومه‪ ،‬ولكنه للدولة أداة إنتاج؛ فال تُخطط ألي تجمع سكني‪ ،‬إال بجوار فرص‬ ‫عمل بمناطق صناعية أو حرفية أو زراعية جديدة أو تعدينية‪ .‬وتوافره هنا‪ ...‬عامل‬ ‫جذب إضافي للمستثمر‪ .‬وأن يستهدف الحل‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬الخروج من الوادي‬ ‫واالنفتاح على أحوزة مصر المهجورة‪ ،‬مثل‪ :‬الصحراء الغربية والشرقية وسيناء‬ ‫‪111‬‬


‫وجنوب الوادي‪ ،‬واستعادة اإلسكان الريفي‪ ،‬الذي أهمل منذ منتصف السبعينيات‪،‬‬ ‫عبر إنشاء تجمعات أو قرى‪ ،‬تعتمد باألساس على اإلنتاج الزراعي وصناعاته‪ ،‬من‬ ‫دون أن تغيب بقية الصناعات والتعدين والخدمات السياحية‪.‬‬ ‫وكقواعد عامة‪ ،‬يجب‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ مواجهة البناء من دون ترخيص‪ ،‬عبر دراسات جادة لتبسيط اإلجراءات‪،‬‬ ‫وخفض مددها‪ ،‬التي تفوق بكثير مثيالتها في دول أخرى‪ ،‬كما يتضح من‬ ‫الشكلين (‪ )43‬و(‪.)44‬‬

‫شكل (‪ :)43‬عدد اإلجراءات الستخراج تراخيص البناء في مصر وبعض الدول‬

‫المصدر‪« :‬تقرير ممارسة األعمال»‪ ،‬مجموعة البنك الدولي ـ ‪2015‬‬

‫‪112‬‬


‫شكل (‪ :)44‬الوقت الالزم الستخراج ترخيص البناء في مصر وبعض الدول‬

‫المصدر‪« :‬تقرير ممارسة األعمال»‪ ،‬مجموعة البنك الدولي ـ ‪2015‬‬

‫‪ 2‬ـ األفضل أن يكون اإلسكان وما يتبعه من تنمية بعيدً ا عن الوادي والدلتا بمسافة‬ ‫كيلومترا على األقل‪ ،‬ومصمم بطريقة مرنة ليخدم ثالثة أجيال متتابعة‪،‬‬ ‫‪150‬‬ ‫ً‬ ‫وليكون امتداده أفق ًّيا ال رأس ًّيا‪ ،‬بنظام الحوائط الحاملة التقليدي‪ ،‬ومرفق به‬ ‫فناء (حوش) إلنتاج احتياجات المعيشة‪ ،‬وأال تستخدم فيه مواد إستراتيجية‬ ‫مثل الخرسانة وحديد التسليح‪ .‬وما يحدث في العاصمة اإلدارية الجديدة هو‬ ‫عكس متطلبات التنمية العمرانية العلمية تما ًما‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ أال تزيد التكاليف الشهرية له عن ثلث قيمة الحد األدنى ألجر الزوجين م ًعا‪ ،‬ويفضل‬ ‫مؤجرا ال ُمملكًا‪ ،‬وأن تتنوع مساحاته ليلبي احتياجات تطورات األسرة‪ :‬حديثو‬ ‫ً‬ ‫الزواج‪ ،‬أسرة كاملة‪ ،‬زوجان بالمعاش بعد استقالل األوالد عنهما‪ .‬ونشر ثقافة‬ ‫التنقل بين وحدات سكن مختلفة المساحات طب ًقا لحجم األسرة‪ ،‬والتوسع في‬ ‫إنشاء بيوت مسنين‪ ،‬توفر الرعاية الكاملة لهم‪ ،‬وربطها بدور األيتام للفائدة المشتركة‪.‬‬ ‫‪113‬‬


‫‪ 4‬ـ حزمة قوانين وخدمات تحفز المواطن الذي هجر الريف على العودة إليه‪ ،‬ومثلها‬ ‫لتشجيع االستقرار في التجمعات الحضرية والريفية باألحوزة المهجورة‪ ،‬ضمن‬ ‫مخطط قومي‪ ،‬هدفه توازن التوزيع السكاني جغراف ًّيا‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ مراجعة منظومة عمل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة‪ ،‬التي تستحوذ على‬ ‫جزء أكبر من أراضي مصر الصحراوية المتميزة‪ ،‬الستعادة الدور الذي أسست‬ ‫من أجله‪« ..‬التنمية العمرانية»‪ ،‬ال «التسويق العقاري»‪ ،‬ومحاربة الفساد‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تشجيع البناء لغرض التأجير بحزمة حوافز‪ ،‬خاصة للوحدات التي متوسط‬ ‫مساحتها ‪75‬م‪ ،2‬مثل‪ :‬اإلعفاء من ضريبة الدخل والضريبة العقارية‪ ،‬وتوريد‬ ‫مواد البناء من دون رسوم حكومية وال ضرائب إنتاج‪ ،‬وبسعر المصنع‪ ،‬بعيدً ا‬ ‫عن التجار‪ ،‬ومنح صغار المستثمرين ومتوسطيهم األرض بثمن رمزي وبكامل‬ ‫المرافق‪ ،‬والسماح لهم بجمع مقدمات‪ ،‬ال تزيد على نصف القيمة اإليجارية‬ ‫لسبع سنوات‪ ،‬وبأن يخصص الدور األرضي لغرض تجاري‪ ،‬وإلغاء هذه‬ ‫الحوافز واستعادة قيمتها من المتالعبين‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ تدارك تعدي القطاعين اإلداري والتجاري على الوحدات السكنية‪ ،‬فوفق‬ ‫إحصاء عام ‪ ،2006‬تحولت عمارات سكنية بالكامل إلى مكاتب مهنية ومقار‬ ‫شركات‪ ،‬على الرغم من قدرات تلك الشركات المفترضة لدفع مقابل إيجار‬ ‫أعلى‪ ،‬أو تملك في مناطق مخصصة للوحدات اإلدارية؛ فعدد الوحدات العقارية‬ ‫المستغلة إدار ًّيا في مناطق السكن يقترب من مليوني وحدة‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ حظر شراء األجانب للعقارات السكنية‪ ،‬داخل كردونات المدن والقرى‪ ،‬لحماية‬ ‫المواطنين من المنافسة‪ .‬وتستثنى مباني الوحدات السكنية السياحية‪ ،‬من دون‬ ‫األرض‪ ،‬في المناطق السياحية‪ ،‬عدا سيناء‪ .‬وفرض ضريبة على عقود تملك‬ ‫األجانب‪ ،‬توجه لإلسكان منخفض التكاليف‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ حظر دخول األجانب في االستثمار العقاري السكني والشركات‪ ،‬التي تتجاوز‬ ‫مساهماتهم في رأس مالها حصة األسد‪ ،‬مع إعطاء مهلة ‪ 7‬سنوات لتوفيق األوضاع‪،‬‬ ‫ليبقى عائده داخل البالد‪ ،‬بما ال يخل بالميزان التجاري والمدفوعات‪ .‬وتستثنى فنادق‬ ‫السياحة الخارجية‪ ،‬والمنشآت التجارية التي تسوق للمنتجات المصرية (الموالت)‪.‬‬ ‫‪114‬‬


‫‪ 10‬ـ حظر التراخيص ألي منشآت‪ ،‬حكومية وأهلية‪ ،‬على األراضي الزراعية أو‬ ‫البور‪ ،‬أو التي تبور في الوادي والدلتا‪ ،‬ولظهيرهما الصحراوي‪ .‬وتفعيل قوانين‬

‫تجريم البناء على األرض الزراعية‪ ،‬وإزالة ما يمكن من مخالفات عقود مضت‪،‬‬ ‫وإعادة تخطيط القرى وفق االمتداد الرأسي المتوسط للوحدات السكنية‪ً ،‬‬ ‫بدل‬ ‫من االمتداد األفقي‪.‬‬

‫‪ 11‬ـ وباإلضافة إلى ما توفره الدولة لإلسكان منخفض التكاليف‪ ،‬فإن التمويل الالزم‬

‫لتحجيم مشكلة اإلسكان يستدعي التزامات‪ ،‬يتحملها األغنياء واألجانب‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫(أ) ضريبة على المسطحات الخضراء (الخاصة) غير المنتجة للغذاء‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫مالعب الجولف والحدائق والمتنزهات المملوكة لألفراد أو الشركات‬

‫أو القطاع الخاص عمو ًما‪ ،‬وتزيد على ‪ 100‬متر مربع‪.‬‬

‫(ب) ضريبة على الشواطئ الخاصة للبحار والبحيرات‪ ،‬وجانبي نهر النيل‬ ‫داخل كردون المدن‪.‬‬

‫(جـ) ضريبة «قيمة مفقودة» على الوحدات العقارية الشاغرة‪ ،‬مغلقة أو خالية‪،‬‬

‫قدرها الجهاز المركزي لإلحصاء بـ‪ 10‬ماليين شقة‪ ،‬كما أعلن في ‪20‬‬ ‫مارس ‪.2017‬‬

‫(د) ضرائب على األجانب الحائزين وحدات سكنية (ضريبة المثل)‪.‬‬

‫(هـ) ضريبة على كل ليلة سياحية على جميع الفنادق‪.‬‬

‫(و) فرض رسوم على السلع المستوردة المرتبطة باإلسكان‪ ،‬مثل‪ :‬الرخام‪،‬‬ ‫الدهانات‪ ،‬األلومنيوم والشبابيك واألبواب‪ ،‬أدوات المطبخ‪ ،‬األثاث‪،‬‬ ‫األدوات الكهربائية‪.‬‬

‫(ز) ضريبة على الجامعات الخاصة‪ ،‬التي تزيد رسومها على ‪ 30000‬جنيه سنو ًّيا‪.‬‬

‫‪ 12‬ـ للحفاظ على الثروة العقارية‪ ،‬وما يلزم ذلك من إصالحات وصيانات دورية‬

‫وضرورية‪ ،‬يجب إنشاء محاكم خاصة للتعامل مع اتحادات الشاغلين والمالك‪،‬‬

‫والعالقة بين المالك والمستأجر فيما يخص اإلصالحات والصيانات؛ لردع‬

‫المخالف الذي ال يقوم بأداء ما عليه من التزامات‪.‬‬ ‫‪115‬‬



‫موارد‬



‫مر�ض وعر�ض‬ ‫تقارير التنافسية االقتصادية العالمية ترصد تدهور الترتيب العام لتنافسية مصر‬ ‫االقتصادية؛ إذ جاءت مصر في المركز ‪ 116‬من بين ‪ 138‬دولة في عام ‪2017-2016‬‬ ‫بعد دول مثل أوغندا وإثيوبيا والجابون وغيرها‪ ،‬كما يوضح الشكل (‪:)45‬‬

‫شكل (‪ :)45‬ترتيب مصر في سلم التنافسية العالمية‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪« :‬تقرير التنافسية العالمي»‪ ،‬المنتدى االقتصادي العالمي ـ ‪2017‬‬

‫‪119‬‬


‫جسدت األزمة االقتصادية التي تفاقمت في األعوام األخيرة جوهر ما تعانيه‬

‫مصر من خلط شديد بين أسباب مشكالتها االقتصادية والنقدية من جهة‪،‬‬ ‫وتداعياتها من جهة أخرى؛ أي خلط بين المرض وأعراضه‪ .‬وإذا لم تُحل‬

‫المشكلة‪ ،‬فسوف تتفاقم تداعياتها‪ ،‬مهما كانت تدخالت البنك المركزي‬ ‫والحكومة ورئيس الدولة‪.‬‬

‫والقضية ليست «تعويم الجنيه»‪ ،‬الذي صدر له قرار إداري (في ‪)2016/3/14‬‬

‫بتخفيض قيمته إلى النصف‪ ،‬قبل التعويم الفعلي بقرار البنك المركزي في ‪2016/3/16‬‬

‫(ما ضاعف األزمة)‪ ،‬بل القضية هي ببساطة‪ :‬زيادة ما نستورده عما نصدره‪ ،‬وعدم كفاية‬

‫الموارد المالية لتغطية هذه الفجوة‪ .‬فتكون النتيجة‪ :‬ارتفاع الطلب‪ ،‬وسعر العملة‬

‫األجنبية‪ ،‬وزيادة أثمان جميع السلع؛ ما يفاقم عجز الموازنة وميزان المدفوعات‬

‫والتضخم والدين العام؛ حتى تصل م ًعا إلى قيمة‪ ،‬يصعب معها إيجاد حلول من دون‬ ‫خسائر خطيرة طويلة األجل‪.‬‬

‫عالجا جذر ًّيا ألساس المرض‪ ،‬وهو زيادة‬ ‫والحل‪ ،‬بداهة‪ ،‬وضع سياسات تبلور‬ ‫ً‬

‫االستيراد عن التصدير‪ ،‬والتي تعدت عام ‪ 2016‬الـ‪ 50‬مليار دوالر؛ حتى ننجو من‬

‫هوة تفاقم الفقر التي «قد» تجرنا إلى اإلفالس‪.‬‬

‫وترصد بيانات البنك الدولي تدني نسبة الصادرات من الناتج المحلي منذ عام‬

‫‪ ،1990‬وهبوطها من ‪ %33‬عام ‪ 2008‬لتصبح ‪ %14‬عام ‪ ،2014‬وأن الصادرات لم‬

‫تتوازن مع الواردات في أي سنة‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪.)46‬‬

‫‪120‬‬


‫شكل (‪ :)46‬تطور الصادرات والواردات كنسبة مئوية من الناتج المحلي‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي‬

‫وال حل جذر ًّيا من دون رؤية اقتصادية واضحة ومنضبطة‪ .‬وهي ليست بيانًا للحكومة‬

‫وال موازنة بها توقعات موارد وتخطيط إنفاق‪ ،‬وال وثيقة ‪ 2030‬كالتي أعدتها وزارة‬ ‫التخطيط بمستهدفات التنمية‪ .‬ومحاور الرؤية هي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ تحرير القرار االقتصادي واستقالله‪ ،‬عبر إستراتيجية مستقرة‪/‬مرنة‪ ،‬تضبط‬

‫العالقات والتقاطعات الدولية بتنوعاتها ـ دول ومؤسسات غربية وكيانات‬ ‫وتحالفات اقتصادية‪ .‬تدير هذه اإلستراتيجية لجنة‪/‬مجلس أمناء‪ ،‬من خبراء‬

‫المجاالت االقتصادية المختلفة‪ ،‬مع االستعانة بتجارب دول مماثلة‪ ،‬نجحت‬

‫في بناء اقتصاداتها القومية المستقلة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ تحديد مجاالت السياسة التوسعية للضرائب (التصاعدية ً‬ ‫مثل) وزيادة اإلنفاق‬ ‫العام (كالصحة والتعليم)‪ ،‬ودراسة تطبيق ضرائب الثروة بشكل جاد‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ تحديد قطاعات ترشيد اإلنفاق‪ ،‬كالمدن الجديدة والمشروعات الكبرى‪ ،‬التي‬ ‫ليس لها عائد مباشر‪.‬‬

‫‪121‬‬


‫‪ 4‬ـ استكمال منظومة الحماية االجتماعية لتشمل التعليم والصحة وفرص‬

‫العمل‪ ،‬وال ُيكت َفى بضبط توزيع الخبز وإطالق مسكنات كـ«كرامة»‬

‫و«تكافل»‪ ،‬يجب أال يحمل محدودو الدخل هم العالج والتعليم والحصول‬ ‫على عمل‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ الوعي بأن تشجيع الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة هو أساس‬ ‫النمو االقتصادي الشامل المستقل‪ ،‬وتأسيس بنك خاص لتمويلها‪ ،‬ودراسات‬

‫الجدوى والتدريب والتسويق لها‪ .‬وبالتوازي‪ ..‬يتم ربط المزايا الممنوحة‬ ‫للصناعات الكبيرة بزيادة التصدير‪ ،‬ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة‬

‫كمغذية لها‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ تحديد القطاعات االقتصادية األَولى ببرامج الجذب والتسهيل‪ ،‬األهم‬ ‫الحتياجاتنا؛ فمحاوالت إنهاض كل القطاعات‪ ،‬في توقيت واحد‪ ،‬تربك‬ ‫الجهود والمستثمرين‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ الحد من فجوة عدم اإلنصاف بين أبناء الوطن ومناطقه‪ ،‬لحماية السلم‬ ‫االجتماعي‪ .‬ويكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء في تقريره‬

‫لعام ‪ 2015‬عن أن الـ‪ %10‬األغنى ينفقون أكثر من الـ‪ %40‬األقل ً‬ ‫دخل‪ ،‬وأن‬ ‫ما ينفقه الـ‪ %20‬األغنى يكاد يعادل ما ينفقه ‪ %60‬األفقر منهم‪ ،‬كما يظهر في‬

‫أساسا لتقدير‬ ‫الشكل (‪ ،)47‬ومن المفهوم أن معدالت اإلنفاق يمكن اتخاذها ً‬ ‫اإليرادات والدخول‪.‬‬

‫‪122‬‬


‫شكل (‪ :)47‬نسبة إنفاق كل شريحة تمثل ‪ %10‬بالمجتمع‬

‫المصدر‪« :‬تقرير الدخل واإلنفاق»‪ ،‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2015‬‬

‫‪ 8‬ـ تنفيذ مشروعات قومية إنتاجية كبرى متنوعة المجاالت و«الجغرافيا» بواسطة‬ ‫الدولة‪ ،‬بعد نقاش عام مع خبراء القطاعات المتداخلة‪ ،‬لتكون قاطرة لنظيراتها‬

‫الصغيرة والمتوسطة‪ ،‬ثم طرحها بأسلوب االكتتاب العام ليتملكها الشعب‬

‫وتسترد الدولة ما أنفقته‪ ،‬ويعاد تدويره باآللية ذاتها‪ ،‬على أال تتجاوز حصة‬ ‫الفرد ‪ ،%5‬وأال يصل إجمالي مساهمات األجانب إلى حصة األسد‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ ضبط منظومة مكافحة االحتكار‪ ،‬التي يضع المنتدى االقتصادي العالمي مدى‬ ‫فاعلية قوانينها في قلب تقاريره عن التنافسية االقتصادية؛ باعتبارها ضمانة سالمة‬

‫المنافسة في أي اقتصاد حر‪ ،‬ترتيبنا على مؤشره كشف عن خلل مرعب‪132 ..‬‬ ‫‪123‬‬


‫من بين ‪ 148‬دولة‪ ،‬بينما سنغافورة ‪ ،4‬وجنوب أفريقيا ‪ ،8‬وماليزيا ‪ ،23‬وغانا‬ ‫‪ ،63‬كما يظهر في الشكل (‪.)48‬‬

‫شكل (‪ :)48‬ترتيب فاعلية قوانين مكافحة االحتكار في مصر وبعض الدول‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪« :‬تقرير التنافسية العالمي»‪ ،‬المنتدى االقتصادي العالمي ـ ‪2014‬‬

‫‪ 10‬ـ تملك الدولة أو الشعب عبر األسهم والسندات حجم اإلنتاج الحاكم‪ ،‬والمؤثر‬

‫في تحديد األسعار بآليات السوق للصناعات اإلستراتيجية (مثل‪ :‬أسمنت‪ ،‬حديد‪،‬‬ ‫أسمدة‪ ،‬مبيدات)‪ ،‬ويحظر تصدير منتجاتها قبل اكتفاء السوق المحلية منها‪.‬‬

‫‪ 11‬ـ بلورة مخطط قومي لتمكين االستثمار الوطني‪ ،‬مع شرط دائم هو‪ ..‬كفاءة‬

‫تنافس النظير األجنبي‪ .‬منها تحمل القطاع الخاص المصري في مشروعات‬

‫التنمية نصي ًبا‪ ،‬يناسب أقصى إمكاناته‪ ،‬في إطار إستراتيجيات الدولة وأولوياتها؛‬

‫ومنها مركز استشاري ألعمال العائلة (‪)Family Business‬؛ حتى ال تهتز مع‬ ‫رحيل اآلباء‪ ،‬ولتفادي آثار ذلك‪ ،‬السلبية اقتصاد ًّيا‪ ،‬وكذا للمساعدة في تعويم‬ ‫‪124‬‬


‫المشروعات المتعثرة‪ ،‬ومنها تسهيل االئتمان البنكي بضمان دراسة جدوى‬

‫المشروعات‪.‬‬

‫‪ 12‬ـ نظام ضريبي عادل على األرباح الرأسمالية؛ لتقليل تحويالت األرباح واألموال‬ ‫الساخنة العابرة للحدود‪.‬‬

‫‪ 13‬ـ سياسة البنوك المصرية داعمة لالنكماش االقتصادي واالقتراض االستهالكي‪،‬‬

‫ويجب إصالحها لتكون إحدى قاطرات التنمية الشاملة‪ ،‬ولجذب القطاع‬

‫الخاص للمجاالت اإلنتاجية‪ ،‬بعيدً ا عن بالونة االستثمار العقاري‪ ،‬الذي «نُفح»‬ ‫َّ‬ ‫والفيلت‬ ‫بكميات هائلة من فوائض المصريين المالية‪ُ ،‬جمدت في األراضي‬ ‫والشاليهات السياحية؛ لغياب بدائل استثمارية ديناميكية‪ ،‬تدر ً‬ ‫دخل متجد ًدا‬

‫ومتزايدً ا‪.‬‬

‫‪ 14‬ـ ضبط آلية منع ترخيص قطاع من المشروعات بحجة «متطلبات األمن والدفاع»؛‬

‫فالجملة «مطاطة» وبال قواعد محددة‪ ،‬وتعطل عديدً ا من المشروعات المهمة‬

‫والحيوية‪ .‬والتخلص من فكرة «المصري كعدو محتمل ويجب االحتياط منه»‪،‬‬

‫فكل المصريين وطنيون حتى يثبت العكس‪ ،‬ويجب أن يستخدم هذا العائق في‬ ‫أضيق الحدود عند الحاجة الفعلية‪.‬‬

‫‪ 15‬ـ الموازنة العامة للدولة تعكس السياسة التنفيذية لتحقيق األهداف االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬ومن البديهي اهتمام الدولة بجودة البيانات ودقتها‪ ،‬التي تبني‬

‫على أساسها موازنتها‪.‬‬

‫والمقارنة البسيطة لألرقام التقديرية الواردة بالموازنة عن المصروفات‪ ،‬مع‬ ‫األرقام الفعلية للسنة نفسها‪ ،‬تكشف فرو ًقا كبيرة بينهما‪ ،‬قد تتجاوز مائة مليار‬ ‫جنيه‪ ..‬حجم الرقم يبعدنا عن احتمالية تقبل «الخطأ‪/‬التقدير وارد»‪ ،‬كما يظهر‬ ‫في الشكل (‪ ،)49‬عن خمس سنوات‪.‬‬

‫وال تقتصر الفجوة الكبيرة في تقديرات الموازنة العامة واألرقام الفعلية المحققة‬

‫على المصروفات‪ ،‬ولكنها تشمل اإليرادات‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪ ،)50‬ولكن‬ ‫االنحراف يبقى أكبر في المصروفات‪.‬‬ ‫‪125‬‬


‫شكل (‪ :)49‬المصروفات المتوقعة كما جاءت بالموازنة والمصروفات الفعلية للسنة نفسها‪ ،‬كما‬ ‫أعلنتها وزارة المالية الح ًقا‬

‫المصدر‪ :‬الموازنة العامة للدولة ـ سنوات مختلفة‬

‫شكل (‪ :)50‬مقارنة تقديرات اإليرادات بالموازنة العامة للدولة باألرقام الفعلية المحققة‬

‫المصدر‪ :‬الموازنة العامة للدولة ـ سنوات مختلفة‬

‫‪126‬‬


‫تأثيرا في المجتمع وكل تفاصيل‬ ‫وزارة المالية هي الجهة الحكومية األكثر ً‬ ‫الدولة‪ ،‬وصحيح أن هناك ً‬ ‫خلل في آليات الفرز الوظيفي‪ ،‬في كل المجاالت‬ ‫تقري ًبا‪ ،‬إال أنها تستحق عناية خاصة في اختيار عناصرها؛ لذا وجب إعادة‬ ‫هيكلتها‪ ،‬مع تفرعاتها‪ ،‬وتدريب موظفيها وتأهيلهم‪ ،‬وتجنيب غير القادر على‬ ‫التطور‪ ،‬ووضع آلية لجذب المتميزين في المجاالت المالية‪ ،‬وفي التخصصات‬ ‫التي تتقاطع معها؛ لضمان جودة نظم المراجعة والرقابة ومعاييرهما‪ ،‬حتى نغادر‬ ‫ترتيب الـ‪ 84‬من بين ‪ 138‬دولة كما نظهر في الشكل (‪ ،)51‬ويمكننا االستفادة‬ ‫من تجربة جنوب أفريقيا‪ ،‬األولى عالم ًّيا‪.‬‬

‫شكل (‪ :)51‬قوة معايير المراجعة وإعداد التقارير‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬المنتدى االقتصادي العالمي ‪2017-2016‬‬

‫ونكرر التحذير من خطورة سياسة االعتماد على االقتراض لتمويل الموازنة العامة‪،‬‬ ‫خاصة االقتراض الخارجي‪ ،‬والذي توضح التقارير الرسمية أنه يتجه إلى أبعاد خطرة‪،‬‬ ‫سواء على استقالل الدولة أو حتى على األداء االقتصادي ذاته في األجلين المتوسط‬ ‫‪127‬‬


‫والطويل‪ .‬ووف ًقا لتقرير للبنك الدولي (‪ ،)2017‬فإن الديون الخارجية عام ‪2015‬‬ ‫تمثل ‪ %123‬من حصيلة الصادرات‪ ،‬بعد أن كانت ‪ %88‬فقط في ‪ ،2014‬وإن خدمة‬ ‫الدين الخارجي تمثل ‪ %13.3‬من الصادرات‪ ،‬بعد أن كانت ‪ %6.1‬في ‪ .2010‬كما‬ ‫توقع مشروع الموازنة العامة أن تصل فوائد الدين العام المحلي إلى ‪ 380‬مليار جنيه‬ ‫في العام المالي ‪ ،2018-2017‬بمتوسط يومي يزيد على مليار جنيه‪ ،‬للفوائد فقط‬ ‫من دون قيمة أقساط للدين نفسه‪ ،‬وذلك قبل قرار البنك المركزي بزيادة سعر الفائدة‬ ‫بمائتي نقطة أساس (‪ )%2‬في منتصف يونيو ‪.2017‬‬

‫‪128‬‬


‫� ً‬ ‫أهل بالمعارك‬ ‫بس نضاعف إنتاجنا‪ ..‬أضعاف أضعاف أضعاف‬ ‫وندبر مهما احتجنا‪ ..‬ونحارب اإلسراف‬ ‫لم تكن كلمات الراحل صالح جاهين‪ ،‬عبر صوت عبد الحليم حافظ ونغم كمال‬ ‫ً‬ ‫تعبيرا عن منظومة شغلت الفضاء العام الستيني‪ ..‬خرجت‬ ‫مفتعل‪ ،‬بل‬ ‫الطويل‪ ،‬نبتًا‬ ‫ً‬ ‫أغنية «يا ً‬ ‫أهل بالمعارك» للنور يوليو ‪ ،1965‬بعد أن أتمت مصر خطتها الخمسية‬

‫األولى‪ ،‬وقتها‪ ،‬التي أشاد بها خصوم التجربة الناصرية الذين نجحوا في التمييز بين‬

‫الحكم الناصري السلطوي الشمولي ذي المردود السالب والتنمية الشاملة الناصرية‬

‫أقر البنك وصندوق النقد الدوليان بأنها التنمية األنجع في العالم‪ .‬هكذا‬ ‫اإليجابية‪ ،‬كما َّ‬ ‫تميزت أبرز إنجازات الستينيات‪ ..‬بـ«اإلنتاج»‪.‬‬

‫حول طلعت حرب‬ ‫وقبل ذلك‪ ،‬ومنذ عشرينيات القرن الماضي‪ ،‬في عهد االحتالل‪َّ ،‬‬

‫إمكانات المصريين إلى إنتاج في جميع المجاالت‪ ،‬وقدَّ م محمد علي باشا‪ ،‬قطاع دولة‪،‬‬

‫خاصا‪ ،‬نموذجين ناجحين لصناعة السكر في عمق الصعيد‬ ‫ثم قدَّ م عبود باشا‪ ،‬قطا ًعا ًّ‬ ‫وعلى طوله‪ ،‬كما قدَّ م أبو رجيلة ًّ‬ ‫حل من القطاع الخاص لمشكلة النقل والمواصالت‪،‬‬

‫ومن قبلهما‪ ،‬قدم «سوارس» البلجيكي خدمة مهمة للنقل واالنتقال داخل حقول في‬ ‫عمق الدلتا كخدمات لنقل الفالحين واإلنتاج الزراعي‪.‬‬

‫اإلنتاج هو أساس أي تنمية‪ ،‬والبداية تكون اإلنتاج المبني على المزايا النوعية‬

‫لمصر‪ ،‬مثل‪ :‬الشهرة العالمية كما في حالة القطن‪ ،‬وتوافر المواد الخام بأنواعها‪،‬‬ ‫‪129‬‬


‫والطاقة المتجددة والغاز‪ ،‬والمناخ‪ ،‬والقرب من أسواق أفريقيا‪ ،‬والمنطقة العربية‬ ‫واالتحاد األوروبي‪.‬‬

‫ليس من المعقول أن تستورد مصر جلباب الحج ومالبسه وفوانيس رمضان‬

‫من الصين‪ ،‬والبذور والشتالت والتقاوي من أوروبا وإسرائيل‪ ،‬مع أنها أول من‬

‫نسج المالبس‪ ،‬وأول من ط َّبق الزراعة المنظمة‪ ،‬وكانت لنا سمعة دولية كمنتجين‬

‫لكال السياقين‪ ،‬حتى نهاية السبعينيات‪ .‬بينما يعاني الماليين من أوالدنا البطالة‪،‬‬ ‫وفي بنوكنا ودائع عاطلة تقترب من ‪ 2.8‬تريليون جنيه‪ ،‬منها ‪ 375.1‬مليار جنيه‬ ‫فقط ودائع حكومية‪ ،‬والباقي أهالي (أفرا ًدا وشركات)‪ ،‬وقوة استثمارية مبددة في‬

‫العقارات المستخدمة كوعاء ادخاري ضار اقتصاد ًّيا ومال ًّيا‪ ،‬تصل إلى ‪ 400‬مليار‬ ‫جنيه مبددة في الساحل الشمالي والبحر األحمر والمنتجعات الصحراوية‪.‬‬

‫صدرا‪ ،‬معركته األولى اإلنتاج‪ ،‬علينا إعالء قيمة‬ ‫ولكي نستعيد فضاء عا ًّما ً‬ ‫منتجا و ُم ً‬

‫العمل وثقافته بين جميع الفئات‪ ،‬ونتذكر نشيد « َمكَن‪َ ..‬مكَن‪َ ..‬مكَن» لصالح جاهين‬

‫وسيد مكاوي‪ ،‬وأغنية «من صوت المكن الداير» عبد الحليم حافظ‪« ،‬عايزك تكبر‬ ‫يا ولدي» سيد إسماعيل‪« ،‬عايزينها تبقى خضرا» محمد ثروت‪ ،‬وكلها تحفز اإلنتاج‬

‫وتعلي من قيمة العمل‪ ،‬وعلينا توجيه القوانين واللوائح نحو تشجيع االبتكار واإلنتاج؛‬ ‫خاصة في مجاالت تستخدم العمالة الكثيفة‪ ،‬وال تستخدم المياه بكثرة‪ ،‬وتقلل الفجوة‬

‫الغذائية؛ والتركيز على األحوزة المهجورة‪ .‬ولنتذكر أن ترسيخ ثقافة اإلنتاج عامل‬ ‫جذب إضافي للمستثمرين‪.‬‬

‫نضجا هي إنشاء مجلس قومي للتنمية البشرية‪ ،‬يضع خطة‬ ‫والخطوة األكثر‬ ‫ً‬

‫وطنية ويراقب تنفيذها؛ لرصد الطاقات كافة وتوجيهها‪ ،‬كل حسب قدراته‪ ،‬وضمان‬

‫آليات الفرز الطبيعي للكفاءات حسب سياقها‪ ،‬فال إنتاج صناع ًّيا أو زراع ًّيا أو تقن ًّيا‬

‫أو سياح ًّيا‪ ،‬من دون طاقة بشرية فنية وإدارية مدربة وماهرة موزعة جغراف ًّيا بعدالة‪.‬‬ ‫نحتاج إلى تشريعات‪ ،‬تُجبِر وحدات اإلنتاج على إنشاء مراكز تدريب ومعاهد فنية‬

‫بداخل الوحدة اإلنتاجية‪ ،‬أو مرتبطة بالمدارس الصناعية والزراعية والسياحية القريبة‬ ‫منها إلعداد الفنيين واإلداريين‪ٌّ ،‬‬ ‫كل في تخصصه‪ ،‬تكفي لتشغيل الوحدة اإلنتاجية‬ ‫‪130‬‬


‫وأيضا للصناعات الصغرى المغذية لها‪ .‬ولدينا تجربة «شركة‬ ‫بجودة عالية وكفاءة‪ً ،‬‬ ‫النصر للبترول»؛ التي أنشأت معهدً ا إلعداد الفنيين‪ ،‬لفترة ‪ 5‬سنوات دراسة وتدري ًبا‪،‬‬ ‫بعد المرحلة اإلعدادية‪ ،‬واآلن جميع كوادرها الوسيطة من خريجيه‪ ،‬وبعد إغالقه‬ ‫ستجد الشركة فجوة في الكفاءات‪.‬‬ ‫ولضرورة إقامة عالقات عمل عادلة بين العمال وأصحاب األعمال‪ ،‬نرجع إلى‬ ‫بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪ ،‬التي توضح إنتاجية العامل في كل‬ ‫من القطاع الخاص وقطاع األعمال في الشكلين التاليين‪ )52( ،‬و(‪ ،)53‬لالستدالل‬ ‫على كفاءة المشروعات والعمالة في المشروعات اإلنتاجية‪ ،‬مقاسة بإنتاجية العامل‬ ‫(نصيب العامل من القيمة المضافة)‪.‬‬

‫شكل (‪ :)52‬متوسط أجر العامل من القيمة المضافة في السنة ـ قطاع خاص استثماري‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2015‬‬

‫‪131‬‬


‫شكل (‪ :)53‬متوسط أجر العامل من القيمة المضافة في السنة ـ قطاع عام‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2015‬‬

‫وبهذا يكشف الجهاز الحكومي في هذين البيانين بعاليه أنه بقسمة إجمالي القيمة‬ ‫المضافة على عدد العاملين في القطاع العام تقترب إنتاجية العامل من ‪ 100‬ألف جنيه‪،‬‬ ‫بينما تشير بيانات القطاع الخاص إلى أنها ال تتجاوز ‪ 56‬ألف جنيه‪ ،‬وهي بيانات تثير‬ ‫أسئلة كثيرة حول كفاءة كل من القطاعين وما قد يتعرض له العامل المصري من ظروف‬ ‫تحتاج إلى تمحيص دقيق‪.‬‬ ‫وفي سياقات محددة‪ ،‬علينا‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ إعادة التوازن لخريطة مساهمة األنشطة االقتصادية الرئيسية في الناتج المحلي‪:‬‬ ‫الصناعة‪ ،‬الزراعة‪ ،‬والخدمات؛ فخالل العقود الماضية‪ ،‬انخفضت مساهمة القيمة‬ ‫الزراعية المضافة في الناتج المحلي من ‪ %19‬عام ‪ 1990‬إلى ‪ %11‬عام ‪،2014‬‬ ‫مع توقف تطوير عجلة إنتاجها‪ ،‬من الري حتى التسويق‪ ،‬كما يظهر في الشكل‬ ‫(‪)54‬؛ لتزداد الفجوة الغذائية‪ ،‬ونستورد ‪ %75‬من طعامنا‪ ،‬وتتفاقم أحوال ماليين‬ ‫العاملين بالزراعة‪ ،‬لدرجة أنه في إحدى سنوات العقد األول من القرن الحالي‪،‬‬ ‫لم يتقدم أحد لاللتحاق بكليات الزراعة أثناء فترة التنسيق بالمرحلة األولى‪.‬‬ ‫‪132‬‬


‫شكل (‪ :)54‬مساهمة األنشطة االقتصادية الرئيسية في الناتج المحلي‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي ـ ‪2015‬‬

‫بالنسبة لألراضي القديمة (الوادي والدلتا)‪ ،‬يجب تجميع الملكيات الصغيرة‬ ‫في حيازات ذات مساحات اقتصادية‪ ،‬والعودة إلى الدورة الزراعية‪ ،‬والتحول‬ ‫التدريجي من الري بالغمر إلى الري بالرش أو بالتنقيط أو بالرذاذ للزراعات‬ ‫المحمية؛ ما يوفر مياه الري‪ ،‬ف ُيستخدم فائض المياه للتوسع في استصالح‬ ‫األراضي البور في الظهير الصحراوي المالصق لنهايات الترع والمساقي‬ ‫واألرض الزراعية الحالية‪ ،‬ورفع إنتاجيتها؛ لذا يجب الحفاظ على الظهير‬ ‫الصحراوي خال ًيا من اإلنشاءات؛ ليتحقق االمتداد األفقي الزراعي بأقل تكلفة‬ ‫على أرضه‪.‬‬ ‫ولتعظيم العائد الزراعي لكل نقطة مياه‪ ،‬يجب التوسع في الزراعات المحمية‬ ‫أيضا بالمكافحة والتغذية النظيفة أو العضوية في‬ ‫ذات التحكم البيئي‪ ،‬والقيام ً‬ ‫الظروف والمحاصيل المناسبة لذلك‪.‬‬ ‫وعلى الجهات البحثية التركيز على أمهات الزراعة‪ ،‬باستنباط البذور والشتالت‬ ‫والتقاوي المقاومة للملوحة‪ ،‬وكثيفة اإلنتاج وقليلة استخدام مياه الري والمقاومة‬ ‫‪133‬‬


‫وأيضا‬ ‫للتغير المناخي‪ ،‬ويدخل ضمن أمهات الزراعات إنتاج الزريعة السمكية ً‬ ‫الكتاكيت للتربية الداجنة والنعام من السالالت المصرية األصيلة‪ ،‬أو السالالت‬ ‫المصرية المهجنة‪.‬‬ ‫ويوضح الشكل (‪ )55‬العالقة بين نوعيات شتالت األرز مختلفة المصدر‬ ‫وكمية المياه الالزمة لريها‪.‬‬

‫شكل (‪ :)55‬كمية المياه المستهلكة لزراعة األرز في بعض الدول‬

‫المصدر‪ :‬تجميع المؤلف‬

‫تصمم وتنتَج شتالت أرز تصل في استهالكها إلى مستوى‬ ‫ولذلك يجب أن َّ‬ ‫شتالت أستراليا واليابان‪ ،‬حيث إن الشتالت المصرية تستهلك مقدار الضعف‬ ‫اآلن‪ ،‬ويطبق المسار نفسه على بقية زراعاتنا كثيفة االستهالك للمياه مثل قصب‬ ‫السكر والموز‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يجب اختيار نوعية الزراعات التي يعظم عائدها الغذائي‬ ‫ويقل استهالكها للمياه‪ً ،‬‬ ‫فمثل يوضح الشكل (‪ )56‬كمية السعرات الحرارية‬ ‫المنتجة من عدة محاصيل للتر مياه واحد‪ ،‬ويوضح أن لتر مياه واحدً ا ينتج ‪5.5‬‬ ‫‪134‬‬


‫سعر حراري في حالة زراعة البطاطا‪ ،‬بينما ينتج هذا اللتر نفسه ‪ 2‬سعر حراري‬ ‫فقط في حالة زراعة القمح واألرز باستخدام الشتالت الحالية‪.‬‬

‫شكل (‪ :)56‬السعرات الحرارية المنتجة من كل لتر ماء مستخدم في الزراعة‬

‫المصدر‪ :‬تجميع المؤلف‬

‫كما يتعين على المخططين البحث عن البدائل‪ ،‬حتى إذا كانت من بالد‬ ‫أخرى‪ .‬فالبطاطا النشوية (‪ً )Starchy Sweet Potato‬‬ ‫مثل تعطي دقي ًقا أبيض‪،‬‬ ‫من الكربوهيدرات‪ ،‬مثل ما نحصل عليه من القمح أو األذرة أو األرز أو الميليت‬ ‫(الدُّ خن)‪ ،‬ولكن البطاطا تنتج غذاء أكثر مما ينتجه أي محصول رئيسي آخر‬ ‫مياها يعطي ‪ 7.5‬كجم مادة نشوية‪ ،‬بينما القمح‬ ‫من وحدة المياه‪ ،‬فكل ‪1‬م‪ً 3‬‬ ‫مياها يعطي ‪ 2‬كجم‪ .‬وهذه المقارنة‬ ‫مياها يعطي ‪ 1‬كجم‪ ،‬وفي األذرة ‪1‬م‪ً 3‬‬ ‫‪1‬م‪ً 3‬‬ ‫خبزا من‬ ‫ليست نظرية‪ ،‬فقد أنتجت أقسام علمية في كليات الزراعة جامعة القاهرة ً‬ ‫دقيق البطاطا النشوية بيضاء القلب‪ ،‬ويتم خلطه بنسب متفاوتة اآلن في الواليات‬ ‫المتحدة األمريكية (التي حصلت على سالالت من البطاطا الحلوة من مصر‪،‬‬ ‫من خالل المشاريع العلمية التي كانت تمولها في فترات سابقة‪ ،‬واستطاعت‬ ‫‪135‬‬


‫االستفادة منها)‪ ،‬واتباع هذا النهج يقلل من استيراد القمح‪ ،‬ويرفع من القيمة‬ ‫الغذائية للخبز في الوقت نفسه‪ ،‬كما تقلل من فاتورة عالج أمراض سوء التغذية‬ ‫التي أدت إلى زيادة نسبة التقزم عند األطفال لتصل إلى نسبة خطر هي ‪.%21‬‬ ‫وأيضا‪ ،‬يعادل إنتاج كمية من البطاطس حوالي ‪ 10‬أضعاف كمية القمح المنتج‬ ‫ً‬ ‫أيضا أكثر في قيمتها الغذائية‪ ،‬ولذا يخطط‬ ‫للفدان‪ ،‬وبكمية المياه نفسها‪ ،‬وهي ً‬ ‫الستخدام البطاطس ً‬ ‫بدل من الخبز (القمح) في وجبة واحدة يوم ًّيا على األقل؛‬ ‫حسن من صحة اإلنسان وميزان المدفوعات‪ ،‬ويوفر مياه الري‪.‬‬ ‫ألن ذلك ُي ِّ‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬يجب الحد من الزراعات الكثيفة في استخدام المياه‪ ،‬مثل‬ ‫الموز خاصة في األراضي الصحراوية التي تُروى بالمياه الجوفية‪ ،‬وقصب السكر‬ ‫في أراضي الوادي‪ ،‬واعتماد زراعات قليلة استخدام المياه وتؤدي الغرض نفسه‬ ‫ً‬ ‫بدل منها‪ ،‬وتجريم االستخدام المفرط للمياه‪ ،‬وترشيد استغاللها‪ ،‬وتحجيم‬ ‫إهدارها خارج احتياجات اإلنسان األساسية‪ ،‬ومعالجة مياه الصرف الصحي‬ ‫الستخدامها في ري األشجار الخشبية والمسطحات الخضراء لغرض الزينة‪،‬‬ ‫في أضيق الحدود‪ ،‬وتنسيق المواقع وتشجير الطرق‪.‬‬ ‫وبدراسة حجم مالعب الجولف والمنتزهات الخضراء في مشروعات التنمية‬ ‫عظيما للمياه‪ ،‬التي يجب أن نوجهها إلى اإلنتاج الزراعي‬ ‫إهدارا‬ ‫العقارية‪ ،‬نجد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لغرض الغذاء‪.‬‬ ‫يتعين على الزراعة أن تحقق زيادة ملموسة في حجم العائد المادي من وحدة‬ ‫المياه التي تستخدمها‪ ،‬واألفضل أن يكون هذا العائد بالدوالر من التصدير‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فمثل متر مكعب مياه يكفي إلنتاج ‪ 2‬كيلو بصل بدوالر واحد‪ ،‬أو ‪ 10‬نباتات‬

‫دوالرا‪ ،‬و‪ 200‬زهرة قرنفل بـ‪30‬‬ ‫دوالرا‪ ،‬أو ‪ 200‬زهرة ورد بـ‪60‬‬ ‫أوركيد بـ‪27‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دوالرا (حسب أسعار سنة ‪.)2012‬‬ ‫ً‬ ‫وبإيجاز‪ ،‬علينا أن نتعامل مع المياه كمادة ذات ندرة‪ ،‬فال نسيء استخدامها‪،‬‬ ‫ونعظم العائد الزراعي والغذائي والمادي لها‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ الحفاظ على العائد من منتجات البصمة المصرية وتطويره وتعظيمه‪ ،‬في‬ ‫المجاالت الغذائية والمعدنية والنباتية والحيوانية وتاريخ مصر وثقافتها‪.‬‬ ‫‪136‬‬


‫واستعادة «نسبة» بعض «الخصوصيات» وبناء صناعات تصديرية عليها‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫الطعمية التي تسوقها إسرائيل اآلن‪ ،‬والملوخية التي تسوقها اليابان‪ ،‬وسمك‬ ‫وتسوقه‪ ،‬ومنتجات ألبان البقر الصفراء مثل الجبن‬ ‫طورته الصين‬ ‫ِّ‬ ‫البلطي الذي َّ‬ ‫الدمياطي الذي تسوقه الدنمارك‪ ،‬والحالوة الطحينية العسلية (من العسل‬ ‫وأيضا المالبس من‬ ‫األسود وليس السكر) التي تسوقها تركيا (السكري منها)‪ً ،‬‬ ‫القطن والكتان التي تسوقها الهند‪ ،‬ومنتجات جرانيت أسوان األحمر‪ .‬ويجب‬ ‫أيضا من تاريخنا الذي تستفيد منه «هوليوود» عاصمة السينما‪ ،‬مثل‬ ‫االستفادة ً‬ ‫أفالم «كليوباترا» و«أمير مصر»‪ ،‬ودعم قطاع الحرف التقليدية واليدوية وإحياؤه‪،‬‬ ‫والخدمات البيئية‪ ..‬كل منطقة وفق تنوعها‪ ،‬ونشر ثقافاتها داخل ًّيا وترويجها‬ ‫خارج ًّيا‪ ،‬عن طريق المعارض والمؤتمرات‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ تشجيع سياحة تعتمد على معدل اإلنفاق األعلى ال عدد الليالي األكثر‪ ،‬و«الكيف»‬ ‫وليس «الكم»؛ حفا ًظا على البيئة‪ ،‬وعلى مصالح أهالي المناطق السياحية‪ .‬وإلغاء‬ ‫نظا َمي البيع السياحي بأسلوب «‪ »All Inclusive/Package Holiday‬تدريج ًّيا‪،‬‬ ‫حتى تصل إلى درجة أعلى لتوزيع إنفاق السياح األجانب على أكبر عدد من‬ ‫المواطنين مباشرة (من السائح إلى المواطن)‪ ،‬من دون أن يقتصر الدخل على‬ ‫الشركات السياحية األجنبية الجالبة للسياح‪ ،‬وإلزام المنشآت بالطابع المصري‬ ‫والخامات المصرية‪ .‬كما يجب التعاون مع منظمي الرحالت الثقافية والعلمية‬ ‫مثل المتاحف والمعارض والمجالت التخصصية والجامعات والجمعيات‬ ‫المتخصصة؛ لما لذلك من عائد يفوق تأثير عدد السياح الوافدين‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ إقامة مشروعات لتدوير المخلفات المنزلية والزراعية والصناعية والصحية؛‬ ‫إلنتاج األسمدة أو الطاقة (‪ ،)Waste to Energy‬ووضع خطط للوصول إلى‬ ‫مجتمع من دون مخلفات (‪ .)ZeroWaste Society‬ويكون هذا المجال أحد‬ ‫أهم أعمال وزارة البيئة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ تعتبر الصناعات العسكرية‪ ،‬من معدات ومركبات وذخيرة ومستلزمات‬ ‫الدفاع األشمل‪ ،‬قاطرة التقدم التكنولوجي‪ ،‬وهي احتياطي (رديف) لتطور‬ ‫الصناعات المدنية‪ ،‬التي يجب أن تترك للقطاعات العامة والخاصة والتعاونية‪،‬‬ ‫‪137‬‬


‫وفق خطة قومية‪ ،‬يلتزم بها الجميع‪ ،‬ويتكامل فيها نوعا القطاعات (العسكرية‬ ‫والمدنية)؛ لتغطية احتياجات الدولة كافة ثم التصدير‪ ،‬وفتح باب األبحاث‬ ‫والدراسات والتصميمات والتصنيع للقطاع الخاص في مجال الدفاع تحت‬ ‫إشراف الجهات المعنية‪ ،‬ألنه الطريق الوحيد لالبتكار‪ ،‬وهذا متبع في جميع‬ ‫بالد الشرق والغرب‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ وضع سياسات إصالحية للبنوك؛ لتكون إحدى قاطرات التنمية الشاملة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بدل من أن تدعم االنكماش االقتصادي واالقتراض االستهالكي والسوق‬

‫العقارية المتوحشة‪ .‬ولنا في الواليات المتحدة أسوة؛ إذ سنت قانونًا عام ‪1977‬‬ ‫يسمى «‪ُ ،»Reinvestment Community Act‬يلزم البنوك بتوظيف جزء من‬ ‫محافظها المالية لإلقراض في األحوزة المهجورة‪ .‬ويجب إعادة هيكلة البنوك‬ ‫التخصصية كـ«التنمية» و«االئتمان الزراعي» و«التنمية الصناعية والعقارية»‬ ‫و«ناصر االجتماعي»‪ ،‬وتأسيس بنك متخصص في تمويل المشروعات الصغيرة‬ ‫ومتناهية الصغر‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ صرامة تطبيق شروط الجودة العالمية على جميع المنتجات والخدمات المصرية‪،‬‬ ‫لكل من االستهالك المحلي والتصدير بدون تفرقة‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ اعتبار االهتمام بالمياه والسكن في المرتبة الثانية من حيث األهمية‪ ،‬بعد القدرة‬ ‫البشرية‪ ،‬في سياق دعم اإلنتاج‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ إنشاء إدارة التحول الصناعي‪ .‬مع تقدم العلم والدراسات من ناحية‪ ،‬وتعدد‬ ‫االحتياجات من ناحية أخرى‪ ،‬تنتهي الحاجة إلى بعض الصناعات القائمة‪،‬‬ ‫بينما تنشأ الحاجة إلى صناعات أخرى‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬يجب إنشاء إدارة‬ ‫للتحول الصناعي الحتمي؛ إذ يجب‪:‬‬ ‫(أ) االستفادة من الماكينات وتوصيالت الكهرباء ومرافق المصنع‪.‬‬ ‫(ب) االستفادة من الموقع والمباني‪.‬‬ ‫(ج) االستفادة من العمالة وتطويرها‪ ،‬وإعادة تأهيلها إلى صناعات أخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فمثل‪ ،‬يجب أن تتحول صناعة السكر من قصب السكر إلى البنجر؛ ألنه أقل‬ ‫وأيضا تخرج منه مواد ثانوية ذات فائدة‪ ،‬بخالف السكر‪ ،‬مثل‬ ‫استهالكًا للمياه ً‬ ‫‪138‬‬


‫أيضا استخدام العدد الهائل من العمالة الفائضة في‬ ‫علف الحيوان‪ .‬ويمكن ً‬ ‫صناعات أخرى‪ ،‬مثل بدء صناعات مكونات معدات وأجهزة الطاقة الشمسية‬ ‫الحرارية وطاقة الرياح المرتفعة (أكثر من ‪ 300‬متر فوق سطح األرض)‪،‬‬ ‫مترا فوق سطح‬ ‫والعائمة في البحار وبعيدة عن الشواطئ (أعلى من ‪ً 120‬‬ ‫البحر) ألنها أكثر كفاءة‪.‬‬ ‫إن هذه اإلدارة مسؤولة عن التحول السلس من صناعة إلى صناعات أخرى‪،‬‬ ‫مع الحفاظ على‪ ،‬واالستفادة من األرض (الموقع)‪ ،‬والماكينات واألفراد‪.‬‬

‫‪139‬‬



‫ا�ستثمار �إيجابي‬ ‫بوجه عام‪ ..‬االستثمار األمثل هو الذي يظل عائده بالكامل داخل مصر‪ ،‬وال يعرض قيمة‬ ‫العملة والميزان التجاري واالحتياطي النقدي للخلل‪ ،‬نظير الطلب على تحويل عملة أجنبية‬ ‫للخارج‪ ،‬وهو الذي يدر لمالكيه ً‬ ‫دخل كاف ًيا بالعملة األجنبية‪ ،‬ويعيد تدوير أرباحه على أرضنا‪.‬‬ ‫وقبل «االستثمار األجنبي»‪ ،‬علينا مراجعة بيئة االستثمار لتحفيز الملكية التعاونية‪،‬‬ ‫كما القطاع الخاص‪ ،‬أفرا ًدا وشركات؛ لحشد كل الطاقات للتنمية المستقلة‪ ،‬حيث تنبهنا‬ ‫خريطة توزيع أكبر ‪ 300‬مؤسسة تعاونية في العالم‪ ،‬كما في الشكل (‪ ،)57‬أن معظمها‬ ‫نشأ ونما في دول االقتصاد الحر‪ ،‬مثل‪ :‬الواليات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان‪.‬‬

‫شكل (‪ :)57‬توزيع حجم أعمال أكبر ‪ 300‬مؤسسة تعاونية حسب الدول‬

‫المصدر‪ :‬الحلف التعاوني الدولي ـ ‪2015‬‬

‫‪141‬‬


‫توضح دراسة المشروعات التعاونية الكبرى في العالم اآلتي‪:‬‬

‫صحيحا أن انتشار التعاونيات يرتبط بفكر اقتصادي شمولي؛ بدليل أن‬ ‫‪ 1‬ـ ليس‬ ‫ً‬ ‫الواليات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان وسويسرا تحظى بالنصيب األكبر‬ ‫من هذه المشروعات التعاونية الكبيرة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ إن انتشار التعاونيات يمثل حشدً ا للقدرات الذاتية الكامنة في المجتمع المصري‪،‬‬

‫وهو ما يتفق مع مبادئ التنمية المستقلة‪ ،‬وأنه لن تُبنى مصر التي نحلم بها‪،‬‬

‫إال بعقول وسواعد أبنائها‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ تضمن المشروعات التعاونية إعادة تدوير األرباح داخل االقتصاد المصري‪،‬‬

‫وتجنب ما يمثله معظم االستثمار األجنبي من احتماالت نزوح الثروات‬ ‫ً‬ ‫أموال‪ ،‬أكثر مما‬ ‫للخارج؛ حيث إنه من البديهي أن يخرج المستثمر األجنبي‬ ‫أدخله ألي بلد‪.‬‬

‫ولذا يجب إعطاء اهتمام للمشروعات التعاونية الكبرى‪ ،‬مثلما نعطي اهتما ًما‬

‫لالستثمار األجنبي‪ ،‬مع ضرورة حشد قدرات المجتمع الذاتية نحو التنمية‬ ‫المستقلة‪.‬‬

‫وينبهنا الشكل التالي (‪ )58‬إلى أن أنشطة أكبر ‪ 300‬مؤسسة تعاونية في العالم‪،‬‬

‫التي يتجاوز رأس مالها ‪ 2300‬مليار دوالر سنو ًّيا‪ ،‬تتوزع بين ‪ %25‬في قطاع الزراعة‬

‫والغذاء‪ ،‬و‪ %20‬في تجارة الجملة والتجزئة؛ أي توفير الغذاء واالحتياجات األسرية‬

‫للشعوب‪.‬‬

‫‪142‬‬


‫شكل (‪ :)58‬توزيع أعمال أكبر ‪ 300‬مؤسسة تعاونية في العالم حسب النشاط‬

‫المصدر‪ :‬الحلف التعاوني الدولي ـ ‪2015‬‬

‫علينا أن ندق ناقوس التحفيز لدعم القطاع التعاوني وإحيائه‪ ،‬لإلنتاج والخدمات‬ ‫والحرف التقليدية واليدوية والتنمية البشرية‪ ،‬بجوار القطاعين العام والخاص‪،‬‬ ‫واالستثمار األجنبي‪ ،‬عبر منظومة تشمل إعادة صياغة قانون التعاونيات بما يدعم‬ ‫مجاله ويحفز طاقات فئات المجتمع كافة‪ ،‬ونشر ثقافة مشروعات الزراعة التعاونية‬ ‫وتشجيعها‪ ،‬وفق مبدأ المزارع المالك أو الحائز‪ ،‬بعيدً ا عن األجانب؛ لضمان عدم‬ ‫تفتيت ثروة األراضي الزراعية الجديدة وإهدارها‪ ،‬من خالل تحديد المساحة‬ ‫الحرجة القتصاديات الزراعة‪ ،‬وخاصة الصحراوية‪ ،‬والسعي إلى تجميع الملكيات‬ ‫الصغيرة‪ ،‬في الوادي والدلتا‪ ،‬ضمن حيازات اقتصادية تسمح بعودة الدورة الزراعية‬ ‫وتطوير الري‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬ولعدم توافر الخبرات والتكنولوجيا أحيانًا‪ ،‬وغياب التمويل واإلدارة‬ ‫الحكيمة والتسويق العالمي‪ ،‬تلجأ جميع الدول لجذب االستثمار األجنبي‪ ،‬فيأتي بما‬ ‫‪143‬‬


‫يحول كل ما يمكنه من أرباحه‬ ‫تحتاجه من إمكانات وكفاءات‪ .‬ولكنه‪ ،‬وهذا منطقي‪ِّ ،‬‬ ‫إلى الخارج بالعملة األجنبية‪.‬‬ ‫والهدف األساسي من جذب االستثمار األجنبي‪ ،‬هو تعظيم احتياطي العملة األجنبية‬ ‫للدولة المضيفة‪ ،‬تليه إتاحة فرص العمل ونقل التكنولوجيا واالرتقاء بالصناعة‪ .‬ونظير‬ ‫ذلك تقدم الدول ميزات جاذبة‪ ،‬تنازالت مثل‪ :‬أرض مجانية أو بمقابل رمزي أو إعفاءات‬ ‫ضريبية‪ ،‬أو دعم للطاقة‪ ،‬لسنوات محددة‪.‬‬ ‫حول العملة‬ ‫أثبتت الخبرة العالمية أن االستثمار األجنبي يضر االقتصاد المحلي‪ ،‬إذا َّ‬ ‫المحلية إلى أجنبية تمرر للخارج‪ ،‬إما الستيراد مدخالت نشاطه‪ ،‬أو لتصدير أرباحه‬ ‫المحققة بالجنيه‪ ..‬في حالتنا‪.‬‬ ‫كقاعدة‪ ،‬يظل اإلنفاق على أعمال التنقيب‪ ،‬بتنوعاته‪ ،‬خارج التصنيف االستثماري‪،‬‬ ‫فهي استغالل لمواردنا الطبيعية وتحويل أصل ثابت مملوك للشعب‪ ،‬في باطن األرض‪،‬‬ ‫أيضا إلى أن‬ ‫إلى سيولة نقدية‪ ،‬نحصل فقط على حد أقصى ‪ %50‬منها‪ ،‬ويجب االنتباه ً‬ ‫استثمارا‪ ،‬كما يصفها اإلعالم‪،‬‬ ‫عقود المقاوالت األجنبية مؤجلة الدفع لسنوات ليست‬ ‫ً‬ ‫وإنما عبء على خزانة الدولة‪ ،‬يؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة المستقبلية؛ لذا ال يجب‬ ‫عند تحديد حجم االستثمار األجنبي أن نضيف إليها قيمة أعمال التنقيب واستغالل‬ ‫ً‬ ‫تفاؤل زائ ًفا‪،‬‬ ‫مواردنا الطبيعية وقيمة أعمال المقاوالت مؤجلة الدفع ألن إضافتها تظهر‬ ‫ً‬ ‫تضليل‪.‬‬ ‫ويجوز اعتباره‬ ‫وكأولوية‪ ،‬يجب مراجعة قوانين االستثمار الصادرة في األعوام الثالثين األخيرة‪،‬‬ ‫وإعادة صياغتها بما يناسب االستثمار اإلنتاجي السلعي المصدر؛ فقد استثمرت «جنرال‬ ‫موتورز» في كوريا الجنوبية‪ ،‬و«رينو» في المغرب‪ ،‬وأصبحت كلتا الدولتين من أكبر‬ ‫مصدري السيارات‪ ،‬بينما مصر ال تصدرها على الرغم من وجود ‪ 13‬شركة عالمية‬ ‫لتجميع السيارات‪ ،‬منها «جنرال موتورز»‪.‬‬ ‫ولكي يكون االستثمار األجنبي إيجاب ًّيا‪ ،‬يجب أن نلتزم بـ‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أن يشمل عائد نشاطه العملة األجنبية الالزمة والكافية؛ لتوفير مدخالت‬ ‫النشاط‪ ،‬ولتحويل أرباحه للخارج‪ ،‬وأال يعتمد على تحويل الجنيه إلى عملة‬ ‫أجنبية تصدر للخارج‪.‬‬ ‫‪144‬‬


‫‪ 2‬ـ التصنيع للتصدير‪ ،‬والفنادق لجذب السياحة الخارجية‪ ،‬والموالت التجارية‬ ‫لتسويق الصناعات المصرية وليس المستوردة‪ ،‬والموانئ والمطارات‪ ،‬أمثلة‬ ‫لألنشطة االستثمارية األجنبية‪ ،‬التي تفيد االقتصاد القومي‪ .‬في المقابل‪ ،‬يجب‬ ‫قصر االستثمار العقاري السكني واإلنتاج الزراعي على القطاع الخاص والعام‬ ‫والتعاوني الوطني؛ حفا ًظا على سالمة النظام النقدي‪ ،‬ولضمان توفير احتياجات‬ ‫تحول إلى الخارج بالعملة‬ ‫المواطن المصري بأسعار ال تدخل فيها أرباح َّ‬ ‫األجنبية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ أن يأتي المستثمر األجنبي بكامل رأس ماله وتكلفته االستثمارية «من» الخارج‬ ‫بالعملة األجنبية‪ ،‬ويمكن للبنوك المصرية إقراضه مصاريف التشغيل األولية‬ ‫فقط بالجنيه‪ ،‬لفترة محددة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ منع جلب العمالة من الخارج عدا الخبرات النادرة‪ ،‬وعند الضرورة جلب‬ ‫رؤساء الورديات ومديري اإلنتاج لبعض الوقت‪ ،‬مع إلزام كل مصنع ُيرخص‬ ‫له‪ ،‬بإنشاء مركز تدريب لتخريج فنيين ومشغلين مصريين‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ أال يكون الهدف من االستثمار األجنبي أو تقييمه هو التحويل األول لرأس المال‬ ‫األجنبي فقط (ما يسمى في اإلعالم «االستثمار األجنبي المباشر» ‪ ،)FDI‬ويجب‬ ‫دراسة مستقبل نشاطه‪ ،‬وما قد يضيفه أو ينقصه من العملة األجنبية‪ ،‬على األقل‬ ‫لعشر سنوات تالية‪ .‬والحكم عليه بحصيلة ما يدخله‪ ،‬ليس فقط رأس المال‬ ‫أيضا أثناء ممارسة النشاط‪ .‬وإذا كانت حصيلة الشركة‬ ‫عند التأسيس‪ ،‬وإنما ً‬ ‫النهائية بالجنيه‪ ،‬فإن الرخصة تُمنح على أساس إعادة استثمار الجنيه داخل‬ ‫البالد‪ ،‬مثل تشريعات غينيا‪ .‬و ُيلغى تما ًما التزام الحكومة بتحويل الجنيه إلى‬ ‫عملة أجنبية؛ لتصدير األرباح أو الستيراد مدخالت النشاط‪ .‬وعلى المستثمر‬ ‫األجنبي تغطية احتياجاته من العملة األجنبية من نشاطه التصديري‪ ،‬وليس من‬ ‫شراء العملة المحلية‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ منح الفرصة كاملة للقطاع الخاص الوطني‪ ،‬للمشاركة مع المستثمر األجنبي في‬ ‫التنمية االقتصادية‪ ،‬وفي حالة امتناعه‪ ،‬تتدخل الصناديق السيادية للمشاركة ً‬ ‫بدل‬ ‫من القطاع الخاص‪ ،‬ويكون حد المشاركة المصرية األدنى هو حصة التكلفة‬ ‫‪145‬‬


‫الرأسمالية بالجنيه‪ ،‬ويحدد فريق من خبراء االقتصاد والسياسة النقدية نسبة‬ ‫المشاركة التي قد تختلف طب ًقا لنوعية النشاط وطبيعته‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ قياس القيمة المضافة للصادرات المصرية‪ ،‬ومقارنتها بسعر العملة األجنبية‪،‬‬ ‫عند تقديم طلب استثمار أجنبي‪.‬‬ ‫وحكوم ًّيا‪ ،‬تجاه االستثمار عمو ًما‪ ،‬واألجنبي خاصة‪ ،‬يجب‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ االلتزام باإلفصاح والشفافية على المستويات كافة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ محاربة الفساد بجدية وحزم وعالنية تامة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ توفير نظم النقل والطاقة والمواد الخام والعمالة المدربة المستقرة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ تحقيق استقرار اجتماعي عبر عدالة‪ ،‬تمكن الكل من المشاركة في التنمية‪،‬‬ ‫واالشتراك في عائدها‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ اعتماد سياسة نقدية واضحة ومستقرة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ مظلة قانونية عادلة ناجزة ومستقلة تشمل التخارج وإنهاء النشاط‪.‬‬

‫‪146‬‬


‫ا�ستيراد �أو ت�صدير‬ ‫«استيراد وتصدير»‪ ..‬منذ السبعينيات‪ ،‬كانت هذه هي الالفتة‪ ،‬التي عادة ما تُلصق على‬ ‫«مقر» عمل شخصية ثرية‪ ،‬واحتار سيناريست الفيلم في تحديد عمل لها‪ ،‬أو شخصية‬ ‫«ناهبة» معبرة عن انفتاح «السداح مداح»‪ ،‬كما وصفه الراحل أحمد بهاء الدين‪.‬‬ ‫واالستيراد‪ ..‬ال التصدير‪ ،‬جعلته منظومة حكم السادات‪ ،‬وبعده تابعه مبارك‪ ،‬محور‬ ‫رأسماليتهما‪ ..‬أو قل «التشوه الرأسمالي» الذي طبقاه‪ ،‬ليقودنا إلى ما نحن فيه‪.‬‬ ‫وكي تصبح منظومتنا االقتصادية‪ ،‬أ ًّيا كان توصيفها النظري‪ ،‬استيرا ًدا لما نحتاجه‬ ‫وتصديرا لكل ما يمكننا إنتاجه‪ ،‬يجب‪:‬‬ ‫فقط‪ ،‬وفي أضيق الحدود‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 1‬ـ إعادة دراسة دعم المصدِّ رين‪ ،‬ومدى تطابقه مع آليات السوق الحر «االجتماعي»‪.‬‬ ‫وإعداد برنامج دعم نقدي للمزارعين وللمصنعين الذين تُصدَّ ر منتجاتهم‪،‬‬ ‫يوزع مشاركة بين المنتج والمصدر‪ .‬فقد تبين‪ ،‬عبر ‪ 40‬عا ًما‪ ،‬أن هناك مصدرين‬ ‫يحصلون على الدعم‪ ،‬استغلوا وجود مشروعاتهم في المناطق الحرة الخاصة‬ ‫لبيع منتجاتهم إلى السوق المحلية‪ ،‬وآخرين اقتصر «تصنيعهم» على استيراد‬ ‫كل المكونات والتجميع أو التعبئة‪ ،‬من دون أي مكون محلي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ فصل السجالت التجارية لشركات االستيراد عن التصدير‪ ،‬وحظر جمعهما‬ ‫في كيان واحد؛ لالختالف الجوهري في تأثير العكس لكل من النشاطين على‬ ‫االقتصاد القومي واالحتياطي النقدي والبطالة‪.‬‬ ‫المصدر‬ ‫‪ 3‬ـ إصدار حزمة قوانين لتحفيز الصادرات‪ ،‬بداية من تسهيل إجراءاتها؛ إذ يحتاج ُ‬ ‫المصري ‪ 88‬ساعة إلتمام عمليته‪ ،‬بينما يستغرق نظيره األردني دقائق للمهمة‬ ‫نفسها‪ ،‬واإلسباني ساعة واحدة‪ ،‬والياباني ‪ 3‬ساعات‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪.)59‬‬ ‫‪147‬‬


‫شكل (‪ :)59‬الوقت الالزم لالمتثال لشروط التصدير ومتطلباته (بالساعات)‬

‫المصدر‪« :‬تقرير ممارسة األعمال»‪ ،‬مجموعة البنك الدولي ـ ‪2015‬‬

‫‪ 4‬ـ حظر تصدير المواد الخام‪ ،‬ومن ضمنها حصتنا من الغاز الطبيعي‪ ،‬قبل تصنيعها‪،‬‬ ‫ولو جزئ ًّيا؛ إلدخال قيمة مضافة إليها‪ ،‬لزيادة العائد‪ .‬ومراجعة قائمة الصادرات‬ ‫الغذائية؛ لضمان توفير احتياجات السوق المحلية ً‬ ‫أول‪ ،‬وثان ًيا لمراعاة قيمة‬ ‫المكون المائي للمنتج الزراعي المصدَّ ر عند تسعيره‪ ،‬على أساس تكلفة تحلية‬ ‫مياه البحر‪ ،‬بفرض أنها الفرصة البديلة لمياه الري؛ فتصدير كجم أرز يعادل‬ ‫تصدير ‪ 4000‬لتر مياه‪ ،‬واستيراد كجم لحم يوفر ‪ 16000‬لتر مياه‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ مراجعة حاجات االستيراد‪ ،‬وفرض رسوم إضافية على الواردات التي لها بديل‬ ‫خصوصا كثيفة العمالة‪ ،‬مثل المالبس الجاهزة وصناعة األحذية‪ ،‬لفترة‬ ‫وطني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫من ‪ 5‬إلى ‪ 8‬سنوات‪ ،‬مع تنشيط آليات مراقبة الجودة‪ ،‬وحظر استيراد السلع‬ ‫االستفزازية التي لها بديل محلي‪ ،‬وزيادة رسوم السلع التي ال بديل لها‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ إعفاءات جمركية وضرائبية‪ ،‬بما فيها المبيعات أو القيمة المضافة‪ ،‬على استيراد‬ ‫ماكينات الصناعة ومعداتها (‪ )Capital Equipments‬التي ال يمكن تصنيعها في‬ ‫‪148‬‬


‫مصر‪ ،‬بالتوازي مع إنشاء مركز قومي تكنولوجي للدعم الفني والمالي‪ ،‬إلنتاج‬ ‫الماكينات والمعدات لخدمة قطاع الصناعة (خاص ًة الصناعات الهندسية)‪،‬‬ ‫وتصنيع قطع الغيار شاملة المعدات العسكرية؛ ً‬ ‫أمل في تحقيق تقليص تدريجي‬ ‫لالستيراد‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ إلغاء الوكالة التجارية للشركات العالمية في مصر‪ ،‬واستحداث شراكة فنية مع‬ ‫شركات مصرية ً‬ ‫بدل منها‪ ،‬كل في تخصصه‪ ،‬هدفها تطوير القدرة الفنية الذاتية‬ ‫للمصريين‪ ،‬ودعم األبحاث واالبتكار؛ لضمان تنمية شاملة مستقلة‪ .‬وعند‬ ‫المفاضلة بين الشركات األجنبية في أي مشروعات‪ ،‬يجب إعطاء الوزن الكافي‬ ‫لقدرات الشريك الفني المصري المتخصص؛ حتى ال تكون المشاركة صورية‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ مراجعة المنظومة القانونية االقتصادية؛ خاصة المتعلقة بالمناقصات والمزايدات‬ ‫(مثل المادة ‪ 22‬مكرر‪ ،‬التي أدخلت على القانون عام ‪ ،)2005‬وغيرها من‬ ‫المواد والقوانين‪ ،‬التي قد تكون بها ثغرات تسمح بتمرير الفساد‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ تحديد هامش ربح لجميع السلع المستوردة‪ ،‬والمحددة فاتورة استيرادها في‬ ‫مصلحة الجمارك‪ ،‬لزيادة حصيلة الضرائب والجمارك؛ ودعم الصناعات‬ ‫المحلية‪ ،‬عبر ربط سعر المنتج المستورد بقيمة الفاتورة (المحاسب عليها‬ ‫جمرك ًّيا)‪ ،‬وهذا سيوقف أعمال تزوير الفواتير التي تتم اآلن بغرض خفض‬ ‫قيمة الضرائب والرسوم‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ تفعيل آليات مراقبة المواصفات القياسية ألي سلعة مستوردة‪ ،‬بالتوازي‬ ‫مع تنشيط نظيرتها للسلع المصدرة من مصر؛ الكتساب مصداقية تفتح أمام‬ ‫منتجاتنا أسوا ًقا جديدة‪.‬‬

‫‪149‬‬



‫ُنظم‬



‫دولة قانون‬ ‫أساس دولة القانون‪ :‬استقالل القضاء ‪ +‬جودة التشريعات ‪ +‬القضاء الناجز ‪ +‬تنفيذ األحكام‪.‬‬ ‫يجب أن يكون االرتقاء بسمعة دولة القانون الهدف األول واألسمى ألي نظام حكم‬ ‫يحترم المواطن ويرغب في جذب االستثمار والسياح‪ ،‬إذ إن أي اهتزاز في سمعة دولة‬ ‫القانون يؤثر سل ًبا على صورة الدولة‪ ،‬في الداخل والخارج‪.‬‬ ‫هذا ما يجب أن يعيه «رجل الدولة» الذي يسعى‪ً ،‬‬ ‫فعل‪ ،‬لبناء مجتمعه وتنميته؛‬ ‫فأهمية ترسيخ دولة القانون تتجاوز حدود الوطن إلى صورته دول ًّيا‪ ،‬وتؤثر بالتبعية‬ ‫في صورة مناخ االستثمار واالقتصاد عمو ًما‪ .‬ولهذا خصص المنتدى االقتصادي‬ ‫مؤشرا لكفاءة اإلطار القانوني في تسوية النزاعات‪ ،‬ضمن مؤشرات تنافسية‬ ‫العالمي‬ ‫ً‬ ‫االقتصادات العالمية‪ ،‬احتلت فيه مصر مرتبة متدنية عام ‪ ،2017-2016‬المركز‬ ‫‪ 81‬من بين ‪ 138‬دولة‪ ،‬لتسبقها دول مثل رواندا والسنغال وجنوب أفريقيا‪ ،‬كما‬ ‫يظهر في الشكل (‪)60‬؛ ما يعني جاذبية أقل لالستثمارات األجنبية‪.‬‬ ‫داخل ًّيا‪ ،‬يبدو الحديث عن محورية دولة القانون لبناء المجتمع‪ ،‬بسياقاته ومجاالته‬ ‫كافة‪ ،‬بد ًءا من االقتصاد وانضباط دوالب الدولة إلى الشعور باالنتماء واألمان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مبتذل؛ فالقانون يضمن رفع المظالم ورد الحقوق إلى أصحابها في مدة‬ ‫حدي ًثا‬ ‫زمنية مناسبة‪ ،‬وهو ما ُيعرف بـ«العدالة الناجزة»‪ ،‬التي أجمع علماء االجتماع على‬ ‫أن إهدارها هو الخطر األول الذي يهدد السالم االجتماعي‪ .‬وتدق إحصائيات‬ ‫الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ناقوس الخطر‪ ،‬منبهة إلى أن نسبة الفصل‬ ‫في القضايا مثيرة للقلق‪ ،‬وتتجه بصفة عامة إلى االنخفاض‪ ،‬راصدة أن نسبة الفصل‬ ‫‪153‬‬


‫شكل (‪ :)60‬كفاءة اإلطار القانوني في تسوية النزاعات‬ ‫(الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)‬

‫المصدر‪ :‬المنتدى االقتصادي العالمي ‪2017-2016‬‬

‫مرورا بعا َمي‬ ‫في القضايا المدنية تراجعت من ‪ %62‬عام ‪ 2002‬لتصبح ‪ %44‬عام ‪ً ،2011‬‬ ‫‪ 2009‬و‪ ،2010‬اللذين لم تتجاوز في أي منهما ‪ ،%48‬كما يظهر في الشكل (‪.)61‬‬

‫شكل (‪ :)61‬تطور نسبة الفصل في القضايا بالمحاكم المصرية‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‬

‫‪154‬‬


‫وال يقتصر ضبط آليات تحقيق العدالة على سرعة الفصل في القضايا‪ ،‬فهي تشمل‬

‫ما أصبح ُيسمى «جودة التشريعات»‪« ،‬قوانين» و«لوائح»‪ .‬وبنظرة سريعة على مقياس‬

‫جودة التشريعات في الدول العربية‪ ،‬الصادر عن البنك الدولي‪ ،‬سيصدمنا أن ترتيب‬

‫مصر متأخر عن تونس والمغرب ولبنان والكويت وقطر والسعودية واألردن وفلسطين‬

‫وعمان والبحرين واإلمارات‪ ..‬وجيبوتي‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪.)62‬‬

‫شكل (‪ :)62‬مقياس جودة التشريعات في المنطقة العربية‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي ـ ‪2013‬‬ ‫(آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)‬

‫ولن تتحقق دولة القانون إال بالقدرة على تنفيذ األحكام؛ ما يتطلب احترام جهات‬

‫الدولة كافة لـ«حجيتها»‪ ،‬وااللتزام بها؛ حتى ال تفقد منظومة العدالة‪ ،‬قانونًا وقضا ًء‪،‬‬ ‫ثقة الشعب‪ ..‬وتثير مخاوف المستثمرين القادمين من خارج الحدود‪ .‬ويجوز دراسة‬ ‫تنفيذ فكرة الشرطة القضائية‪ ،‬المطبقة في دول أخرى‪.‬‬

‫كثيرا عند الحديث عن سيادة القانون؛ حيث يشير «تقرير التنمية‬ ‫وال يختلف الوضع ً‬

‫البشرية» إلى تردي وضعية مصر فيها‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪.)63‬‬ ‫‪155‬‬


‫شكل (‪ :)63‬مقياس سيادة القانون في المنطقة العربية‬

‫المصدر‪« :‬تقرير التنمية البشرية»‪ ،‬األمم المتحدة ـ ‪2014‬‬

‫واهتزاز مبدأ سيادة القانون يتجاوز دائرة المعامالت الخاصة إلى فعالية الحكومة ذاتها‪،‬‬ ‫وقدرتها على وضع السياسات واإلستراتيجيات وتنفيذها‪ ،‬في ظل وجود أصحاب المصالح‪،‬‬ ‫ومراكز الضغط المتعددة‪ ،‬والتحديات الكبيرة التي تواجه الوطن‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪.)64‬‬

‫شكل (‪ :)64‬مؤشر فعالية الحكومات في المنطقة العربية‬

‫المصدر‪« :‬تقرير التنمية البشرية»‪ ،‬األمم المتحدة ـ ‪2014‬‬

‫‪156‬‬


‫ولضمان حماية دولة القانون‪ ،‬نحتاج إلى تفعيل هيئة عليا مستقلة للتنسيق‬ ‫بين الجهات الرقابية لزيادة كفاءتها‪ ،‬وتوفير الشفافية والمساءلة‪ .‬كما نحتاج‬ ‫إلى تطبيق اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد؛ خاصة قانون حماية الشهود‬ ‫والمبلغين؛ إذ تحذرنا تقارير المنظمة الدولية من تدني ترتيب مصر عرب ًّيا‬ ‫على مؤشر السيطرة على الفساد‪ ،‬لتسبقنا الجزائر وجيبوتي والمغرب وتونس‬ ‫والكويت والسعودية وعمان واألردن والبحرين وقطر واإلمارات‪ ،‬كما يظهر‬ ‫في الشكل (‪.)65‬‬

‫شكل (‪ :)65‬مؤشر السيطرة على الفساد في الدول العربية‬

‫المصدر‪« :‬تقرير التنمية البشرية»‪ ،‬األمم المتحدة ـ ‪2014‬‬

‫ويتطلب ترسيخ قاعدة سيادة القانون إعادة تقييم تشريعات مطبقة‪ ،‬لتقييم أثرها‬ ‫على تحقيق العدالة الناجزة‪ ،‬سل ًبا أو إيجا ًبا‪ ،‬مثل القانون رقم ‪ 7‬لسنة ‪ ،2000‬المؤسس‬ ‫للجان التوفيق في المنازعات‪ ،‬والذي يتيح للسلطة التنفيذية أن تقدم لرجال القضاء ما‬ ‫يثير شبهة التأثير على حيادهم‪.‬‬

‫‪157‬‬


‫الجريدة الرسمية ـ العدد ‪( 13‬مكرر) في ‪ 4‬أبريل سنة ‪2000‬‬ ‫قانون رقم ‪ 7‬لسنة ‪2000‬‬ ‫بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات‬ ‫التي تكون الوزارات واألشخاص االعتبارية العامة طر ًفا فيها‬ ‫(المادة الثالثة)‬ ‫يكون اختيار رؤساء لجان التوفيق من رجال القضاء أو أعضاء الهيئات القضائية‬ ‫السابقين من المقيدين في الجداول التي تُعد لهذا الغرض‪ ،‬بعد موافقة المجلس‬ ‫األعلى للهيئات القضائية‪.‬‬ ‫وينشئ وزير العدل بقرار منه الجهة التي تتولى ـ في وزارة العدل ـ إعداد الجداول‬ ‫المشار إليها في الفقرة السابقة‪ ،‬ويحدد القرار شروط وإجراءات القيد فيها ـ‬ ‫ومراجعتها‪.‬‬ ‫وأيضا قانون تنمية التصدير‪ ،‬رقم ‪ 155‬لسنة ‪ ،2002‬الذي يمنع النيابة العامة من‬ ‫ً‬

‫تحريك الدعوى الجنائية‪ ،‬أو اتخاذ أي إجراء فيها إال بـ«إذن» من وزير بالسلطة التنفيذية‪،‬‬

‫وهذا يمثل إعاقة لتحقيق العدالة‪.‬‬

‫‪158‬‬


‫الجريدة الرسمية ـ العدد ‪( 24‬مكرر) في ‪ 18‬يونيو سنة ‪2002‬‬ ‫قانون ‪ 155‬لسنة ‪2002‬‬ ‫بشأن تنمية التصدير‬ ‫(المادة السابعة)‬ ‫(‪ )...‬وال يجوز تحريك الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء فيها‪ ،‬إال بناء على إذن‬ ‫من الوزير المختص بالتجارة الخارجية‪.‬‬ ‫وقد تكرر القيد نفسه في القانون رقم ‪ 3‬لسنة ‪ ،2005‬الخاص بحماية المنافسة ومنع‬ ‫الممارسات االحتكارية‪ ،‬وفي قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد‪ ،‬رقم ‪88‬‬ ‫لسنة ‪.2003‬‬ ‫الجريدة الرسمية ـ العدد ‪( 24‬مكرر) في ‪ 15‬يونيو سنة ‪2003‬‬ ‫قانون ‪ 88‬لسنة ‪2003‬‬ ‫الخاص بالجهاز المصرفي والنقد‬ ‫(المادة ‪)131‬‬ ‫ال يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراءات من إجراءات التحقيق في الجرائم‬ ‫المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات الصادرة ً‬ ‫تنفيذا له‪ ،‬وفي المادتين ‪116‬‬ ‫مكررا (أ) من قانون العقوبات في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون‪،‬‬ ‫مكررا و‪116‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إال بناء على طلب من محافظ البنك المركزي أو طلب من رئيس مجلس الوزراء‪.‬‬ ‫‪159‬‬


‫وبصفة عامة‪ ،‬ال يمكن أن نغفل أوجه القصور التي تشوب التشريعات المصرية‪،‬‬ ‫مقارن ًة باتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد‪ ،‬كما حددتها دراسة لمركز العقد‬ ‫االجتماعي‪ ،‬شكل (‪ ،)66‬وتتلخص في‪:‬‬ ‫مواطن القصور الرئيسية في القانون المصري مقارنة باالتفاقية الدولية هي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ عدم الشفافية والقيود على تقارير األجهزة الرقابية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ نظم التعيين والترقية وقياس الكفاءة والتباين الكبير في المرتبات‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ التداخل في االختصاصات بين الجهات الرقابية وحاجتها إلى استقاللية أكبر‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ عدم وجود نظام ف َّعال لحماية المبلغين والشهود‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ عدم وجود نظام قانوني شامل لمكافحة الفساد في القطاع الخاص‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ عدم وجود نظام قانوني واضح لمنع تعارض المصالح‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ الجوانب اإلجرائية المتعلقة بالتعاون الدولي في تسليم المجرمين وإرجاع‬ ‫الموجودات‪.‬‬ ‫شكل (‪ :)66‬ملخص دراسة لمركز العقد االجتماعي‬ ‫المصدر‪ :‬اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد‬ ‫(دراسة غير متكررة صدرت مرة واحدة)‬

‫صدر قانون منع تضارب المصالح‪ ،‬واقتصر تطبيقه على كبار المسؤولين الحكوميين‪،‬‬ ‫دون أن يطبق‪ً ،‬‬ ‫مثل‪ ،‬على قيادات البرلمان‪ ،‬الذين يملكون بحكم مناصبهم التأثير على‬ ‫التشريعات والقوانين لتخدم أهدافهم ومصالحهم‪.‬‬ ‫وحتى ال نكرر ما هو مستقر عليه‪ ،‬فإن لدينا توصيات مؤتمر العدالة‪ ،‬الذي نظمه‬ ‫نادي القضاة عام ‪ ،1986‬ولم تط َّبق‪ ،‬وما زالت تصلح للبناء عليها‪ ،‬منها‪ :‬إلغاء ندب‬ ‫نص عليه دستورنا الجديد‪ ،‬ونقل تبعية التفتيش‬ ‫القضاة إلى جهات تنفيذية‪ ،‬وهو ما َّ‬ ‫القضائي للمجلس األعلى للقضاء‪ً ،‬‬ ‫بدل من وزارة العدل‪ ،‬وأال تكون اإلعارة إلى‬ ‫‪160‬‬


‫الخارج أداة لتطويع القضاة للسلطة التنفيذية‪ .‬كما يجب تجريم استخدام القضاء في‬ ‫الخصومات السياسية‪ ،‬وبلورة سياق تقني‪ ،‬يجمع بين شفافية الشكاوى ضد العاملين‬ ‫في منظومة العدالة ومحاسبتهم‪ ،‬وضمان احترامهم في القضاء العام‪ .‬واألهم‪ ..‬إلغاء‬ ‫سابقة التدخل في المنظومة العدلية‪ ،‬التي تسمح لرئيس السلطة التنفيذية باختيار رؤساء‬ ‫مؤسسات السلطة القضائية‪ ،‬وأقرتها السلطة التشريعية نهاية أبريل ‪ ،2017‬بالمخالفة‬ ‫للمبادئ الدستورية المستقرة‪.‬‬ ‫ومن واقع معاناتنا العملية‪ ،‬نحن وماليين المصريين‪ ،‬نتوقف عند المنظومة المعاونة‬ ‫للجهاز القضائي؛ خاصة التحريات والخبراء‪ .‬ويرى شيوخ القضاء ضرورة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ إعادة بناء مصلحة الخبراء بوزارة العدل‪ ،‬وفق قواعد عالمية‪ ،‬تضمن تطهيرها‬ ‫من الفساد‪ ،‬والبدء بتكليف خبيرين أو أكثر بإجراء تقارير منفردة للموضوع‬ ‫نفسه؛ لضمان حسن األداء‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تخصيص هيئة للتحريات والمعلومات مستقلة عن وزارة الداخلية‪ ،‬بالتنسيق‬ ‫معها‪ ،‬ونشير هنا إلى البرتغال‪ ،‬التي حققت استقالل التحريات والمعلومات‬ ‫عن وزارة داخليتها‪ ،‬في تجربة فريدة أشادت بها األمم المتحدة‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ..‬عودة نظام الفصل بين جهة توجيه االتهام‪ ،‬وهو أصل مجال عمل النيابة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وإجراء التحقيقات‪ ،‬التي يجب أن تسند إلى قاضي تحقيق وليس للنيابة كما يحدث‬ ‫اآلن‪ .‬والفصل بين جهة االتهام وجهة التحقيق إجراء معمول به في النظام الفرنسي‪،‬‬ ‫وكان متب ًعا في مصر قبل ثورة يوليو ‪.1952‬‬

‫‪161‬‬



‫كفاية وعدل‬ ‫كلمتان تلخصان رؤيتنا في إشكالية العدالة االجتماعية‪ ،‬بين الحقوق وااللتزامات‪..‬‬ ‫األجور والضرائب‪.‬‬ ‫الكفاية والعدل ال يرتبطان بأيديولوجية بعينها‪ ،‬بل هما جزء أساسي من أي عقد‬ ‫اجتماعي ألي مجتمع يبحث عن السالم الداخلي‪ .‬ويقاس نجاح أي نظام اقتصادي‬ ‫أو اجتماعي بقدرته على توفير الحد األدنى المعقول من متطلبات الحياة لمواطنيه‪.‬‬ ‫كنقطة جوهرية‪ ،‬يجب أن يكون الحد األدنى للدخل مرتب ًطا مباشرة بتكلفة سلة غذاء‬ ‫محدودي الدخل‪ ،‬باإلضافة إلى تكلفة السكن‪ ،‬واالنتقاالت‪ ،‬بافتراض أن التعليم الجيد‬ ‫بالمجان والعالج المناسب بمظلة التأمين الصحي متوفران‪.‬‬ ‫وإذا كانت هناك فجوة بين الحد األدنى لألجور المرتبط باإلنتاج وآليات السوق‪،‬‬ ‫والحد األدنى للدخل المرتبط بالحياة الكريمة؛ فالفارق تتحمله الدولة عين ًّيا عبر‬ ‫بطاقات تموينية في صورة كوبونات‪ ،‬كما في أمريكا الرأسمالية‪ ،‬لعناصر السلة الغذائية‬ ‫كافة‪ ،‬وبطاقات سفر ومالبس مدارس وإعفاءات من رسوم المدارس‪ ،‬على أن يتولى‬ ‫خبراء التغذية‪ ،‬بالمركز القومي للبحوث‪ ،‬إعداد فكرة الوجبات الغذائية اليومية النمطية‬ ‫خصيصا لمحدودي الدخل‬ ‫الشاملة لجميع العناصر الغذائية ونشرها‪ ،‬وأن يوجه ذلك‬ ‫ً‬ ‫ولتالميذ المدارس‪.‬‬ ‫يطبق هذا على كل العاملين (دولة‪ ،‬قطاع أعمال‪ ،‬قطاع خاص‪ ..‬باستثناء االستثماري‬ ‫األجنبي)‪.‬‬ ‫الفارق الذي نقصده هنا‪ ،‬هو بين الحد األدنى لألجور المرتبط باإلنتاج وآليات‬ ‫السوق‪ ،‬والحد األدنى للدخل‪ ،‬الذي يوفر حياة كريمة لألسرة‪ .‬ويكون الحد األقصى‬ ‫‪163‬‬


‫للدخل حوالي ‪ 40‬ضع ًفا لألدنى‪ ،‬لتحقيق اإلنصاف الذي هو أساس التنمية والتقدم‬ ‫ألي مجتمع‪.‬‬ ‫وكقاعدة‪ ،‬يجب ربط األجور في الوحدات اإلنتاجية بالدخل العام للوحدة‪،‬‬ ‫وتخصيص نسبة من إجماليه لها‪ ،‬تتجاوز النسب الحالية المتدنية‪ ،%5-%3 ،‬لتقترب‬ ‫من النسب العالمية‪ ،‬ما بين ‪ %15‬و‪ ،%20‬وال يقف األمر هنا عند شرط «العدالة»‪ ،‬ولكنه‬ ‫يتحول إلى حافز لمزيد من اإلنتاج‪ .‬وصحيح أن تدني نسبة األجور من قيمة دخل‬ ‫المؤسسة هو سرقة للعمال‪ ،‬ولكننا نقول‪« :‬تقترب للمعدل العالمي»‪ ..‬ال «تصل»؛‬ ‫لتظل مصر جاذبة لمشروعات اإلنتاج المعتمدة على العمالة‪ ،‬كأن تدور بين ‪ 10‬و‪%12‬‬ ‫من الدخل العام للوحدة اإلنتاجية‪.‬‬ ‫أيضا تفعيل توزيع جزء من األرباح‪ ،‬بقرار من الجمعية العمومية‪ ،‬على جميع‬ ‫يجب ً‬ ‫العاملين وليس فقط المناصب العليا؛ فهذه النسبة تحل جز ًءا من مشكلة الحد األدنى‬ ‫ذات ًّيا‪ ،‬بما يفوق الحد األدنى للدخل الالزم لحياة كريمة‪.‬‬ ‫في المقابل‪ ،‬تشهد بعض وحدات إنتاجية بالقطاع العام زيادة نسبة األجور للدخل‬ ‫العام عن المتوسط العالمي‪ ،‬ويسهل الضبط هنا بزيادة اإلنتاج‪ ،‬وحسن اإلدارة‪.‬‬ ‫الوجه اآلخر لـ«كفاية وعدل»‪ ،‬هو الضرائب‪ .‬وليس جديدً ا أن القدر األكبر من‬ ‫ضرائب الدخل يدفعه موظفو الدولة‪ ،‬ثم تليهم الشركات الكبيرة (عام وخاص) ذات‬ ‫الدفاتر المنتظمة‪ ،‬والعاملون لديها‪ ،‬وخارج هذه المجموعات الثالث مساحة هائلة‬ ‫للتهرب‪ ،‬ومن ثم يمكن التوسع في حجم الضرائب وحصيلتها‪ ،‬كمظهر سيادي للدولة‪،‬‬ ‫ووسيلة لتحقيق العدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫وليس أدل على اختالل المنظومة الضريبية من أن حصيلتها‪ ،‬حين تضاعفت حوالي ثماني‬ ‫مرات‪ ،‬من ‪ 51‬مليار جنيه عام ‪ 2002‬إلى ‪ 400‬مليار جنيه عام ‪ ،2016‬كما يظهر في الشكل‬ ‫(‪ ،)67‬جاء الجزء األكبر منها من الضرائب غير المباشرة التي يتحملها المواطن والمستهلك‬ ‫العادي‪ ،‬مثل‪ :‬ضريبة المبيعات (القيمة المضافة)‪ ،‬والرسوم الجمركية‪ ،‬أو الضرائب على‬ ‫التوظف التي يدفعها العمال والموظفون‪ ،‬وما يلي ذلك من ضرائب الدخل التي تتحملها‬ ‫الهيئات المملوكة للمال العام‪ ،‬كهيئة البترول وهيئة قناة السويس والبنك المركزي‪ ،‬ولم‬ ‫تساهم الشركات في هذه الحصيلة بالقدر الكافي الذي يتناسب مع دخولها‪.‬‬ ‫‪164‬‬


‫شكل (‪ :)67‬تطور حصيلة الضرائب‬

‫المصدر‪ :‬الموازنة العامة للدولة عن أعوام مختلفة‬

‫تدعي بعض المجتمعات عدم وجود الموارد التي تستطيع تقديمها ألبنائها‪ ،‬حتى‬ ‫لو أرادت‪ ،‬وبالتالي تنتفي إمكانية تطبيق عدالة توزيع الموارد‪ .‬ولو قبلنا بهذا المنطق‪،‬‬ ‫سيبقى العدل ضرور ًّيا في عدالة توزيع األعباء‪ ،‬وأهمها الضرائب‪.‬‬ ‫كيف نحقق العدالة الضريبية؟ هذا هو محور تقرير سنوي‪ ،‬يصدر عن مجموعة‬ ‫البنك الدولي بالمشاركة مع واحدة من أكبر مؤسسات المحاسبة والمراجعة في العالم‪،‬‬ ‫ويهتم بتحليل توزيع العبء النهائي للضرائب في كل بلد‪ ،‬على أسس علمية واقتصادية‬ ‫موحدة‪ ،‬ليصل إلى إجمالي سعر الضرائب التي يتحملها كل من الشركات والعاملين‪،‬‬ ‫باعتبارهما من يتحمل العبء النهائي لها‪ .‬ويجب مالحظة أن العاملين يتحملون العبء‬ ‫النهائي للضرائب والرسوم الجمركية وضرائب المبيعات والقيمة المضافة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى الضرائب والرسوم على األجور والمرتبات‪ ،‬حتى لو كانت الشركات هي المكلفة‬ ‫بتحصيلها وتوريدها لمصلحة الضرائب‪.‬‬ ‫وفي الطريق إلى الحل‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ يتحمل العامل المصري حال ًّيا ‪ %29‬من دخله لتسديد الضرائب المختلفة‪،‬‬ ‫وتتحمل الشركات ‪ %13‬عن أنواع الضرائب كافة‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪.)68‬‬ ‫‪165‬‬


‫ويالحظ أن هذا البيان قد ُأعد قبل صدور قانون التحول الكامل لضريبة القيمة‬ ‫المضافة‪ ،‬الذي يزيد العبء على العامل‪ ،‬وكذلك قبل صدور قانون االستثمار‬ ‫الجديد‪ ،‬الذي يمنح خصومات ضريبية للشركات‪.‬‬

‫شكل (‪ :)68‬توزيع العبء النهائي للضرائب بين الشركات والعمال في مصر وبعض الدول‪،‬‬ ‫موضحا إجمالي سعر الضرائب لكل طرف‬ ‫ً‬

‫المصدر‪« :‬تقرير دفع الضرائب في العالم»‪ ،‬مجموعة البنك الدولي ومؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبر» ـ ‪2010‬‬ ‫(آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)‬

‫وفي األشكال من (‪ )69‬إلى (‪ ،)74‬نظرة عن قرب لتوزيع العبء النهائي‬ ‫للضرائب بين العمال والشركات في بعض الدول النامية أو المتقدمة‪.‬‬ ‫ويحتم الوضع الحالي ضرورة إعادة توزيع األعباء الضريبية في مصر؛ ليس فقط‬ ‫أيضا لضمان السلم االجتماعي‪.‬‬ ‫من أجل تحقيق شيء من العدالة الضريبية‪ ،‬بل ً‬ ‫وال يمكن االدعاء بأن تخفيض الضرائب على الشركات يتم من أجل تحفيز‬ ‫االستثمار‪ ،‬فال أحد يرضى بتحول مصر إلى جنة للتهرب الضريبي ولغسيل‬ ‫األموال‪ ،‬وهي صفة تتبرأ منها الدول المتقدمة والنامية على السواء‪.‬‬ ‫‪166‬‬


‫شكل (‪)69‬‬

‫شكل (‪)70‬‬

‫شكل (‪)71‬‬

‫شكل (‪)72‬‬

‫شكل (‪)73‬‬

‫شكل (‪)74‬‬

‫األشكال من (‪ )69‬إلى (‪ :)74‬توزيع العبء النهائي للضرائب في بعض الدول‬

‫المصدر‪« :‬تقرير دفع الضرائب في العالم»‪ ،‬مجموعة البنك الدولي ومؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبر» ـ ‪2011‬‬ ‫(آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)‬

‫إن ضريبة القيمة المضافة تزيد العبء على المواطن‪ ،‬بينما قانون االستثمار يخفف‬ ‫العبء عن الشركات؛ وهذا يوضح مدى تجاهل العدالة الضريبية في مصر‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ فصل الضرائب التجارية عن الضرائب الصناعية؛ حيث تتم المحاسبة الضريبية‬ ‫اآلن على كل من النشا َطين التجاري والصناعي بالفئة نفسها‪ .‬ويجب أن نضع‬ ‫برامج‪ ،‬وأن يكون هناك تحفيز وميزة للضرائب على النشاط الصناعي‪ ،‬وتحفيز‬ ‫أكبر للنشاط الصناعي في األحوزة المهجورة والصناعات التصديرية؛ أي أن تكون‬ ‫الضرائب على األرباح الصناعية محفزة‪ ،‬وأقل من الضرائب على األرباح التجارية‪.‬‬ ‫‪167‬‬


‫‪ 3‬ـ تبدأ الضرائب تصاعدية بحد إعفاء مناسب ألصحاب الدخل المنخفض‪ ،‬ثم‬ ‫‪ %10‬فقط على محدودي الدخل‪ ،‬ثم تتصاعد تدريج ًّيا طب ًقا للدخل‪ ،‬ويتم حساب‬ ‫التدرج والحد األقصى عبر متخصصين بإشراك دافعي الضرائب‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ إعفاء ضريبي لألرباح الصناعية التي يعاد استثمارها في نشاط إنتاجي أو‬ ‫وأيضا على األرباح التجارية التي‬ ‫تكنولوجي إضافي ويوفر فرص عمل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫توجه إلى نشاط صناعي؛ شريطة أن توفر فرص عمل جديدة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ فرض ضريبة على األرباح الرأسمالية‪ ،‬ليس فقط على التداول في البورصة‬ ‫أيضا على صفقات االستحواذ واالندماج‪.‬‬ ‫وفوائد الودائع االدخارية‪ ،‬بل ً‬ ‫‪ 6‬ـ ضبط التشريعات بما يمنع تهرب أنشطة ما من الضرائب للقضاء على‬ ‫االقتصاد غير الرسمي‪ ،‬ورفع نسبة تحصيل الضرائب كنسبة من الناتج‬ ‫المحلي‪ ،‬لتتماشى مع الدول المشابهة لنا؛ إذ تؤكد بيانات البنك الدولي‬ ‫أن نسبة المحصل منها عام ‪ 2012‬أقل منها عام ‪ ،1990‬وأن مسلسل‬ ‫انخفاض آخر بدأ عام ‪ ،2006‬في ظل حكومة رجال األعمال‪ ،‬كما يظهر‬ ‫في الشكل (‪ ،)75‬حيث انخفضت نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي من‬ ‫‪ %15.8‬إلى ‪ %12.2‬عام ‪.2014‬‬

‫شكل (‪ :)75‬اتجاه نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي لالنخفاض في مصر‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي ـ ‪2015‬‬

‫‪168‬‬


‫وتكمن إحدى إيجابيات تحقق الكفاية والعدل في استعادة ثقافة االدخار شعب ًّيا‬

‫ومعنو ًّيا‪ ،‬حين كانت األسرة تهدي ابنها المتفوق شهادات ادخار كـ«جائزة» مادية‬

‫ومعنوية م ًعا؛ إذ تكشف بيانات البنك الدولي كيف توازنت نسبته إلى الناتج المحلي‬ ‫مصر ًّيا‪ ،‬مع نسبته في ماليزيا والصين وكوريا الجنوبية حتى السبعينيات‪ ،‬لتبدأ في‬

‫التذبذب في الثمانينيات واالنخفاض في التسعينيات‪ ،‬بينما اهتمت الدول الثالث‬ ‫ً‬ ‫ممول أساس ًّيا؛ لتحولها إلى أقطاب اقتصادية عالمية‪ ،‬كما‬ ‫األخرى بزيادتها؛ لتكون‬

‫يظهر في الشكل (‪.)76‬‬

‫شكل (‪ :)76‬مقارنة نسبة االدخار من الناتج المحلي في مصر والصين وماليزيا وكوريا الجنوبية‬

‫المصدر‪ :‬البنك الدولي‬

‫انخفاضا شديدً ا يصل‬ ‫وبدراسة حركة المبالغ المودعة في صندوق التوفير‪ ،‬نجد‬ ‫ً‬

‫إلى درجة الخطر على الصندوق في الفترة من ‪ 2014/6/30‬إلى ‪،2015/6/30‬‬

‫كما يظهر في الشكل (‪)77‬؛ إذ انخفضت اإليداعات من حوالي ‪ 88‬مليار جنيه إلى‬ ‫‪169‬‬


‫شهرا‪ ،‬وهذا يثير تساؤالت عديدة وهامة حول كيفية إدارة‬ ‫‪ 10‬مليارات جنيه في ‪ً 12‬‬ ‫االقتصاد والسياسة النقدية في مصر‪.‬‬

‫شكل (‪ :)77‬قيمة المبالغ المودعة في صندوق التوفير‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2017‬‬

‫‪170‬‬


‫بيئة مبدعة‬ ‫يو ًما ما‪ ،‬كانت المنطقة العربية والقارة األفريقية تضبطان أمزجتهما ومشاغل أدمغتهما‬

‫وقضاياهما الفكرية والمعيشية على أطروحات «بوتقة» القاهرة وتفاعالتها‪ ،‬فنونًا وأد ًبا‬ ‫وعلما وسيا ًقا اجتماع ًّيا‪ ،‬ومنظومة سياسية تشي بدولة مدنية حديثة‪ .‬كان هذا قوس قزح‬ ‫ً‬

‫القوى الناعمة المصرية‪.‬‬

‫عاقرا‪ ،‬فليس بيننا‬ ‫واآلن‪ ،‬وفي مجال إنجاب القدرات الرائدة‪ ،‬أصبحنا مجتم ًعا ً‬

‫اليوم من يخلف مصطفى مشرفة أو سميرة موسى أو المشد في البحث العلمي‪،‬‬ ‫وليس لدينا من يخلف سيد نصير وعبد اللطيف أبو هيف وخضر التوني في‬

‫المسابقات الرياضية‪ ..‬ليس لدينا اليوم من يخلف طه حسين والعقاد وسالمة‬

‫موسى وتوفيق الحكيم في األدب والثقافة‪ ..‬ليس لدينا من يخلف طلعت حرب‬

‫وعبود وأبو رجيلة وعثمان محرم ومحمد محمود باشا في اإلنتاج واالقتصاد‪..‬‬ ‫ليس بيننا من يخلف محمد عبده وقاسم أمين في التنوير‪ ..‬ليس لدينا اليوم من‬

‫يخلف فطاحل نواب مجلس األمة‪ ،‬أمثال شريف باشا أبو الدستور ومكرم‬ ‫باشا عبيد والنحاس باشا وأحمد حسن باشا وفؤاد سراج الدين‪ ..‬ليس لدينا‬

‫من يخلف أجيال العمالقة في السينما والمسرح والموسيقى والشعر والفنون‬

‫أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم‪ ..‬ويوسف وهبي والريحاني وأم كلثوم‬

‫وعبد الحليم‪ ..‬ليس لدينا من يخلف محمود رضا وعلي رضا وفريدة فهمي‬ ‫في الفنون الشعبية الراقية‪.‬‬

‫‪171‬‬


‫لكن البعض يقصر داللة القوى الناعمة على السياقات اإلبداعية‪ ،‬وفيها‬

‫تدهورا عما كنا عليه حتى بداية السبعينيات‪ .‬قارن إنتاجك الفني‬ ‫نلحظ بسهولة‬ ‫ً‬

‫واألدبي والترجمة والتفاعل مع تراثك الثقافي المادي وغير المادي‪ ..‬والخدمات‬

‫اللوجستية لكل منها‪ ،‬واألهم رؤية الدولة؛ لترى إلى أي حد تر َّدت؛ إذ اختفت‬

‫‪ %70‬من دور العرض‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪ ،)78‬وانخفضت عروض مسرح‬ ‫الدولة للنصف خالل عشر سنوات‪ ،‬كما يظهر في الشكل (‪ ،)79‬وتقلص دور‬

‫منظومة قصور الثقافة‪ ،‬التي أحضر جمال عبد الناصر صاحب فكرتها‪ ،‬سعد‬ ‫كامل‪ ،‬من المعتقل‪ ،‬ليتولى تأسيسها بتزكية من وزير الثقافة األبرز في تاريخنا‬

‫الحديث‪ ،‬ثروت عكاشة‪ .‬وتردي بيئة اإلبداع هو أحد أسباب انتشار السلوكيات‬

‫الشاذة والمتطرفة‪.‬‬

‫شكل (‪ :)78‬تطور أعداد دور العرض السينمائي‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2015‬‬

‫‪172‬‬


‫شكل (‪ :)79‬تراجع عدد حفالت الفرق المسرحية العامة‬

‫المصدر‪ :‬الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ ‪2015‬‬

‫ولكي نسترد القدرة على اإلنتاج اإلبداعي‪ ،‬وعلى تصديره‪ ،‬يجب أن تدرك الدولة‪،‬‬ ‫أول‪ ،‬أهميته ضمن شبكة أمنها القومي‪ ،‬وأنه ليس ً‬ ‫ً‬ ‫أموال تنفق بال عائد؛ ألن عائده ـ على‬ ‫ِ‬ ‫ولنقتد ببريطانيا‬ ‫دائما في سياقات أخرى‪.‬‬ ‫الرغم من ثقله وأهميته ـ غير مرئي‪ ،‬وينعكس ً‬ ‫التي تتلقى على كل جنيه إسترليني تنفقه على أنشطة مبدعيها‪ ،‬أكثر من الضعفين‪ ،‬ولكن‬ ‫عبر عوائد غير مباشرة‪.‬‬ ‫وفي التفاصيل‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ التركيز على إنتاج اإلبداعات الثقافية النابعة من تراثنا الشعبي وحضارتنا‬ ‫وتاريخنا‪ ،‬ونشرها‪ ،‬وهذا سيكون له مردود اقتصادي مباشر ممتاز‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ التخطيط إلى عودة الريادة الثقافية المصرية في المنطقة‪ ،‬ودعم المبدعين على‬

‫ً‬ ‫ففضل عن إطالق طاقاتهم‪،‬‬ ‫تنوعاتهم‪ ،‬للوصول إلى البيوت العربية واألفريقية‪.‬‬ ‫‪173‬‬


‫سيرتد إبداعهم بتقريب قلوب ُمتلقيهم وعقولهم‪ ،‬بما ينعكس اقتصاد ًّيا في‬ ‫الترويج لمنتجاتنا‪ ،‬بعفوية‪ ،‬وللسياحة عامة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ اإلعالم أبرز أدوات المعرفة في المجاالت كافة‪ ،‬وهو حامي «دماغ» الشعوب‬ ‫(وعيها) من االختراقات‪ ،‬كما أنه أبرز أدوات التسلية؛ لذا تضعه الدول المتقدمة‬ ‫كت ًفا بكتف مع جيوشها في األهمية‪ ،‬وتخطط لتطوير دائم له والنتشاره خارج‬ ‫حدودها‪ ،‬وبمحيطها الحيوي‪ .‬ولدينا في الدستور ما يضمن إعادة بناء منظومتنا‬ ‫اإلعالمية التي كانت مهيمنة حتى منتصف السبعينيات‪ ،‬وتمكينها من أداء دورها‬ ‫الوطني‪ ،‬وضمان استقالليتها‪ ،‬وتطهيرها مما شابها من فوضى وتردي الكفاءة‪،‬‬ ‫خاصا‪ ،‬بتغليظ عقوبة الخبر‬ ‫ومعاقبة ما يتجاوز منها‪ ،‬سواء كان قطا ًعا عا ًّما أو ًّ‬ ‫الكاذب على المؤسسة اإلعالمية‪ ،‬وليس األفراد اإلعالميين‪ ،‬وقصرها على‬ ‫غرامة يقدر قيمتها أهل االختصاص‪ ،‬وعلى العقوبات النقابية‪ ،‬التي تتفاوت‬ ‫بين اإلنذار وسحب الرخصة المهنية من الصحفي‪.‬‬ ‫وحيث إن هدف القطاع الخاص الربح‪ ،‬فإن الشركة اإلعالمية في القطاع‬ ‫الخاص (صحيفة أو قناة تلفزيونية أو إذاعة) تُغ َلق في حالة تحقيق خسارة‬ ‫لمدة سنتين؛ ألنها تكون ممولة لغرض خاص خالف أهداف اإلعالم‪ ،‬وفي‬ ‫هذه الحالة ينتفي استقالل المؤسسة اإلعالمية‪ ،‬وهذا االستقالل أهم ما يجب‬ ‫أن يتميز‪ ،‬بل يلتزم به اإلعالم‪.‬‬ ‫ويجب أن يكون اإلشراف على اإلعالم واستقالليته بمشتقاته (صحافة‪ ،‬تلفزيون‪،‬‬ ‫إذاعة)؛ للتأكد من عدم الخروج عن الهدف‪ ،‬من قبل مجلس مستقل‪ ،‬يشكله‬ ‫المجلس األعلى للثقافة والمجلس األعلى للصحافة مشتركين‪ ،‬ويعلن تشكيله‬ ‫للحوار المجتمعي قبل إقراره رسم ًّيا‪.‬‬ ‫وهنا علينا االقتداء بتجارب غربية و«عالمثالثية»‪ ،‬وضعت منظومة لدعم آلتها‬ ‫اإلعالمية‪ ،‬بعضها عبر ضريبة دمغة ‪ %10‬كـ«كردستان» العراق‪ ،‬وبعضها عبر‬ ‫هيئة مستقلة‪ ،‬تقدم الدعم لكل مؤسسة تستحق ما دامت تلتزم بالقواعد المهنية‪..‬‬ ‫وأيضا‬ ‫كألمانيا والنرويج‪ ،‬وبعضها يربط الدعم بمدى االنتشار داخل ًّيا وخارج ًّيا‪ً ،‬‬ ‫بضمان حماية التنوع‪ ..‬كفرنسا‪ ،‬وبعضها بمدى االستقرار والجدية‪ ..‬كموريتانيا‪.‬‬ ‫‪174‬‬


‫‪ 4‬ـ الوعي بأهمية أدوات مخاطبتنا لمن هم خارج الحدود‪ ،‬وتفعيل جوهر‬ ‫منظومة الستينيات اإلعالمية‪ ،‬منها‪ :‬إحياء اإلذاعات الموجهة إلى أفريقيا‬ ‫(‪ 40‬إذاعة ناطقة بـ‪ 25‬لغة أفريقية)‪ ،‬وتحويل «ماسبيرو» من ديناصور‬ ‫مجمد إلى مركز إشعاع للمنطقة والقارة‪ ،‬يمتد إلى العالم كله بعدة لغات‪،‬‬ ‫ضمن رؤية قومية‪ ،‬يتناغم فيها مع الفضائيات الخاصة‪ ،‬وتعتمد القواعد‬ ‫المهنية المتوافق عليها‪ ،‬وفق أحدث نظم اإلعالم الحديث‪ ،‬وتقديم حوافز‬ ‫غير مباشرة‪ ،‬كاإلعفاءات الضريبية‪ ،‬لمن يحقق درجة أعلى من المشاهدة‬ ‫داخل ًّيا أو خارج ًّيا‪ ،‬إلخ‪ ،‬أو تحمل جزء من تكاليف الطباعة للصحف الورقية‪،‬‬ ‫لألكثر توزي ًعا داخل ًّيا وخارج ًّيا‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ضبط خريطة المهرجانات والمعارض والمؤتمرات الثقافية والفنية؛ بحيث‬ ‫تتكامل أدوارها‪ ،‬محل ًّيا وإقليم ًّيا ودول ًّيا‪ ،‬وضمان استقالليتها وشفافية منظومة‬ ‫عملها‪ ،‬لتكتسب مصداقية داخلية وخارجية‪ .‬كما يجب التنسيق بينها وبين‬ ‫الفعاليات واالحتفاالت والمعارض التي ال تدخل ضمن مفهوم اإلبداع‬ ‫الضيق‪ ،‬عبر غرفة عمليات تضم وزارات كـ«الثقافة» و«اآلثار» و«السياحة»‬ ‫و«التجارة الخارجية والتعاون الدولي»‪ ،‬ومؤسسات كـ«مشيخة الطرق‬ ‫الصوفية» و«الكنيسة القبطية»‪ ،‬والعمل لوضع الفعاليات الدورية المصرية‬ ‫ضمن األجندة العالمية‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تفعيل االهتمام بتراثنا غير المادي‪ ،‬مثل‪ :‬المسيحي والصوفي والفرعوني‪،‬‬ ‫والسعي إلى تجسيد مردوده ماد ًّيا‪ ،‬كإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة‪ ،‬وطريق‬ ‫حورس والفتح العربي‪ ،‬وسير الشخصيات الفاعلة تاريخ ًّيا‪ ،‬إلخ‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ رفع التسييس عن جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية‪ ،‬وأي جوائز أخرى‪ ،‬وأن‬ ‫تكون منحازة لإلبداع والمهنية فقط‪ ،‬بغض النظر عن االنتماءات أو اآلراء‬ ‫السياسية‪ ،‬وأن يفتح باب الترشيحات ألي من مؤسسات المجتمع المدني‪،‬‬ ‫وال تكون مقصورة على الجهات الحكومية الحالية فقط‪ ،‬ويكون الحكم على‬ ‫مقصورا على لجنة التحكيم‪ ،‬وأن يتم اختيار لجنة التحكيم بالقرعة‬ ‫تميز المرشح‬ ‫ً‬ ‫بين عدد كبير‪ ،‬مرشح من الجهات الحكومية وغير الحكومية‪.‬‬ ‫‪175‬‬


‫‪ 8‬ـ و ُيح َّفز تنظيم مسابقات دورية في معظم المجاالت الثقافية والعلمية والفنية‪ ،‬التي‬ ‫نبغ فيها المصريون ويمكن أن ينبغوا فيها‪ ،‬على مستوى الجمهورية والمحافظات‬ ‫والمراكز‪ ،‬وتحفز شركات قطاع األعمال والقطاع الخاص والدولة على الرعاية‬ ‫الدائمة‪ ،‬وتوفير جوائز مجزية تشجع المواطنين‪ ،‬وخاصة الشباب‪ ،‬على المشاركة‬ ‫الجادة‪ ،‬مع االلتزام بحيادية لجان التحكيم ونشر المنتجات الفائزة‪ ،‬والتركيز‬ ‫اإلعالمي على المتميز منها‪ ،‬وتحويله إلى منتج ذي مردود اقتصادي‪.‬‬

‫‪176‬‬


‫عدالة انتقالية‬ ‫هي وسيلة الدول التي مرت بمراحل توتر كبيرة‪ ،‬أو عنف واقتتال داخليين‪ ،‬أو‬

‫ديكتاتوريات واسعة البطش‪ ،‬خلفت دوائر من الضحايا‪ ،‬وأرى أن الهدف هنا هو‬

‫تعويض الضحايا وليس االنتقام من الظالمين‪.‬‬

‫لقد أدركت ثورتا ‪ 25‬يناير و‪ 30‬يونيو أن العدالة االنتقالية هي الحل‪ ،‬ألن االنتقام‬

‫جراحا من مصلحة التجانس الوطني غلقها‪ ،‬والتغاضي عن أن إغالقها سيكون‬ ‫يفتح‬ ‫ً‬

‫على ما بها من قيح‪ .‬لذا توافق أطراف التحالف في بيان ‪ 3‬يوليو ‪ ،2013‬الذي أنهى‬

‫رسم ًّيا عام حكم اإلخوان لمصر‪ ،‬في بنده السادس‪ ،‬على «تشكيل لجنة عليا للمصالحة‬ ‫الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف‬

‫التوجهات»‪ .‬وتأكيدً ا للنهج نفسه‪ ،‬نص دستورنا‪ ،‬في مادته الـ‪ 241‬على أن «يلتزم مجلس‬ ‫النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة االنتقالية‬

‫يكفل كشف الحقيقة‪ )...( ،‬واقتراح أطر المصالحة الوطنية‪ ،‬وتعويض الضحايا‪ ،‬وذلك‬ ‫وف ًقا للمعايير الدولية»‪.‬‬

‫والمفاهيم األساسية لتحقيق العدالة االنتقالية‪ ،‬كما وردت في النص الدستوري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تداول‬ ‫واحدة‪ ،‬ولكن تطبيقها خضع تاريخ ًّيا لظروف كل دولة؛ فبعضها ضمن‬

‫للسلطة ودمقرطة نظام حكمها‪ ،‬ولو نسب ًّيا‪ ،‬كجنوب أفريقيا وتونس‪ ،‬وأخرى‬

‫أنصفت الضحايا معنو ًّيا وردت حقوقهم‪ ،‬وعوضتهم ماد ًّيا‪ ،‬ولكنها لم تحاسب من‬ ‫ظلموهم‪ ،‬ولم تنجز ديمقراطية‪ ،‬كالمغرب‪ .‬وثالثة أجرت إصالحات هيكلية على‬

‫مؤسسات بعينها‪ ،‬كالداخلية أو القضاء أو اإلعالم أو جميعها‪ ،‬ولكنها لم تعوض‬ ‫‪177‬‬


‫المضارين‪ ،‬ولم تضمن ديمقراطية‪ ،‬ورابعة جمعت بين القطاعات السابقة الثالثة‪،‬‬

‫كدول أوروبا الشرقية‪.‬‬

‫والهدف األسمى للعدالة االنتقالية هو نزع فتيل االحتقان الداخلي الذي خلفه‬

‫اضطهاد لفئة ما‪ ،‬أو ممارسات ديكتاتورية واسعة‪ ،‬ضمنها اعتقاالت وتعذيب واختفاء‬

‫قسري واغتياالت‪ ،‬لتحقيق السلم االجتماعي الذي يستحيل من دونه تنمية المجتمع‪،‬‬ ‫أو تأسيس الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة‪.‬‬

‫وتستخدم العدالة االنتقالية أدوات‪ ،‬مثل‪ :‬جبر الضرر للضحايا‪ ،‬ماد ًّيا ومعنو ًّيا‪ ،‬بما‬

‫يناسب حجم الظلم‪ ،‬والمصارحة‪ ،‬عبر جلسات علنية يقر فيها «المتهمون» بجرائمهم‬ ‫السياسية‪ ،‬ويعتذرون للضحايا‪ ،‬الذين ينفسون عن مشاعرهم في الجلسات ذاتها‪،‬‬

‫ويعلنون عفوهم عمن ظلمهم‪ ،‬وبدء عهد جديد بين الجميع‪.‬‬

‫وإحدى ركائز العدالة االنتقالية إصالح المؤسسات؛ خاصة اإلعالم والداخلية‬

‫والقضاء‪ ،‬بوصفها قواعد أساسية لضمان تمهيد الطريق للديمقراطية وتداول السلطة‪.‬‬

‫مع ما سبق تناغم أول توصيف لوزارة العدالة االنتقالية‪ ،‬التي توالها في أول‬

‫حكومة بعد ثورة ‪ 30‬يونيو المستشار أمين المهدي‪ ،‬يوليو ‪ 2013‬ـ يونيو ‪2014‬؛ فهي‬

‫«المسؤولة عن اإلدارة السياسية للمرحلة االنتقالية‪ ،‬بعد أحداث يونيو ‪ ،2013‬وضمان‬ ‫تنفيذ خارطة طريق بيان ‪ 3‬يوليو»‪ ،‬وأهدافها‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ضمان العبور اآلمن للمرحلة االنتقالية‪ ،‬بأقل تكلفة وأكبر عائد‪ ،‬على نحو يدعم‬ ‫الوحدة الوطنية‪ ،‬ويحقق المصالحة الوطنية الشاملة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ تحديد المسائل والموضوعات التي تؤثر في وحدة نسيج المجتمع‪ ،‬ووضع‬ ‫حلول جذرية لها وآليات تنفيذها‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ ترسيخ قواعد المساءلة ومعنى العدالة (مع البعد عن مفهوم ممارسة االنتقام أو‬ ‫التنكيل)‪ .‬ويكون الهدف هو االعتراف واالعتذار والتسامح‪ ،‬مع عدم التفريط‬

‫في حق الدولة المالي‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ دعم احترام حقوق اإلنسان‪ ،‬وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني‪ ،‬والمنظمات‬ ‫الحقوقية‪ ،‬ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك‪.‬‬ ‫‪178‬‬


‫‪ 5‬ـ تكريم المضارين في الفترات السابقة‪ ،‬والعمل على جبر األضرار ماد ًّيا ومعنو ًّيا‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ اإلصالح والتطوير المؤسسي الكامل‪ ،‬بما يضمن بناء نظام ديمقراطي‪ ،‬يرسخ‬ ‫لقيم الديمقراطية القائمة على المشاركة واإلدارة الرشيدة‪.‬‬

‫ولتمكين الوزارة من تحقيق األهداف التي تعد ركنًا أساس ًّيا‪ُ ،‬مغي ًّبا‪ ،‬من دولة ما بعد‬

‫‪ 30‬يونيو‪ُ ،‬منحت اختصاصات‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ وضع الخطط الكفيلة بتحقيق هذه األهداف‪ ،‬بالتنسيق مع أجهزة الدولة المختلفة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ متابعة تنفيذ هذه الخطط وتقييم نتائجها‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ دراسة مشروعات القوانين ذات الصلة بشؤون العدالة االنتقالية والمصالحة‬ ‫الوطنية‪ ،‬وإعدادها‪ ،‬ومتابعة تنفيذ أحكامها‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ تنظيم سبل كشف الحقائق‪ ،‬عن طريق المصارحة والمصالحة الوطنية‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ اقتراح آليات وتشريعات تضمن ترسيخ أنظمة تحترم حقوق المواطن‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ وضع ضمانات فاعلة لترضية من انتهكت حقوقه‪ ،‬وف ًقا لقانون خاص‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ تنمية الحقوق العامة للمواطن وتدعيمها على جميع المستويات‪ ،‬وتفعيل‬ ‫البناء المؤسسي للعدالة االنتقالية والمصالحة الوطنية وتطويره وما يستلزمه‬

‫من أجهزة ولجان‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ اتخاذ قرارات وتوصيات وتصرفات الزمة لتحقيق أهدافها‪ ،‬واالتصال واالجتماع‬

‫بجميع األطراف المعنية بالعمل األهلي‪ ،‬والمختصين بسائر أجهزة الدولة‬

‫المعنية‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ اقتراح عقد اتفاقيات التعاون المشترك مع المنظمات اإلقليمية والدولية‪،‬‬ ‫الحكومية وغير الحكومية‪ ،‬المعنية بشؤون العدالة االنتقالية والمصالحة‬

‫الوطنية‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ تنفيذ برامج إعداد وتأهيل وتدريب كوادر متخصصة‪ ،‬عبر تنظيم مؤتمرات‬

‫وورش عمل محلية ودولية‪ ،‬بما يخدم خطة الدولة في تحقيق العدالة االنتقالية‬

‫والمصالحة الوطنية‪.‬‬

‫‪ 11‬ـ إعداد دراسات لتحليل أسباب المشكالت التي تؤثر على وحدة المجتمع‬ ‫‪179‬‬


‫وترابطه‪ ،‬ووضع الحلول الجذرية لها‪ ،‬والعمل على توعية المواطنين بها بجميع‬

‫الوسائل‪ ،‬خاصة األبحاث واإلصدارات والنشرات الدورية‪ ،‬ونشرها بالتنسيق‬

‫مع أجهزة الدولة‪.‬‬

‫‪ 12‬ـ تقدير قبول المنح والهبات المقدمة من الدول والمؤسسات الدولية‪ ،‬في مجال‬ ‫العدالة االنتقالية والمصالحة الوطنية‪.‬‬

‫‪ 13‬ـ التعاون مع الجهات المختصة‪ ،‬بهدف االرتقاء بمنظومة العدالة‪ ،‬وتحقيق‬ ‫معايير «اإلدارة الرشيدة»‪.‬‬

‫بناء نظري ممتاز‪ ..‬لم ير النور‪ ،‬فبعد رحيل المهدي مع الرئيس السابق عدلي منصور‪،‬‬

‫تاله المستشار إبراهيم الهنيدي يونيو ‪ 2014‬ـ ‪ 20‬سبتمبر ‪ ،2015‬لتختفي الوزارة من‬ ‫دون أي توضيح‪.‬‬

‫خالل دور االنعقاد األول للبرلمان‪ ،‬تقدم نواب‪ ،‬منهم محمد أنور السادات‪ ،‬رئيس‬

‫لجنة حقوق اإلنسان السابق‪ ،‬وفرج عامر‪ ،‬رئيس لجنة الشباب‪ ،‬بمشروعات قوانين‬

‫للعدالة االنتقالية‪ .‬وفي اجتماع لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية‪ ،‬يوليو ‪،2016‬‬ ‫ً‬ ‫متكامل‪ ،‬وسترسله للبرلمان لتناقش‬ ‫أعلن ممثل وزارة العدل أن الحكومة تعد مشرو ًعا‬ ‫المشاريع كلها معه‪ .‬وحين لم ينفذ تعهده‪ ،‬تقدمت الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمشروع‬

‫من ‪ 66‬مادة‪ ،‬وما زال مجمدً ا بأدراج المجلس‪ ،‬مع أن رئيس الهيئة هو نفسه رئيس لجنة‬ ‫الشؤون الدستورية والتشريعية‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن واضعي المشاريع الثالثة نفوا أي نية للمصالحة مع اإلخوان‪،‬‬

‫فإن الجماعة حاولت ركوب الموجة لتستفيد منها‪ ،‬بينما حشدت بقايا ما قبل ‪ 25‬يناير‬

‫للتخويف منها؛ بحجة أنها تفتح الباب لعودة اإلخوان‪ ،‬أو للعفو عن عناصرها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفضل عن َّفزاعة الجماعة اإلرهابية التي يصدِّ رها رجال النظام‪ ،‬تأتي حجة خالفات‬ ‫حول الفئات التي تندرج تحت مظلة هذا القانون‪ ،‬والمدة التي يغطيها‪ ..‬المدهش أن‬ ‫بعضهم‪ ،‬بح ًثا عن مزيد من التشتت‪ ،‬اقترح أن تبدأ هذه المدة بثورة يوليو ‪،1952‬‬ ‫واقترح آخر بعد ‪ 30‬يونيو!‬

‫الخالفات حول أي شيء قانون طبيعي‪ ،‬وتحل بالحوار المجتمعي‪ ..‬فتح مشروع‬ ‫‪180‬‬


‫الوفد قائمة الفئات لتغطي االنتهاكات كافة‪ ،‬وحدد المدة بداية من ‪ 25‬يناير‪ .‬القضية‬ ‫ليست إذن الفئات وال المدة وال فزاعة اإلخوان‪ ..‬القضية هي البنود‪ ،‬التي تنص على‬ ‫المحاسبة‪ ،‬وتعزيز حقوق اإلنسان‪ ،‬وإصالح المؤسسات‪« ،‬بما يضمن بناء نظام‬ ‫ديمقراطي‪ ،‬يرسخ لقيم الديمقراطية القائمة على المشاركة واإلدارة الرشيدة»‪.‬‬ ‫من س ُيحاسب من؟‬ ‫من س ُيصلح من؟‬

‫‪181‬‬





Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.