كيف نبني الوطن تشخيص حالة وعالج
ممدوح حمزة
كيف نبني الوطن تشخيص حالة وعالج
لمزيد من المعلومات عن الكرمةfacebook.com/alkarmabooks :
المحتويات مقدمة 7................................................................................................................ التشخيص 11........................................................................................................ بسرعة ..للخلف 13..........................................................................................
من شابه أمه17.................................................................................................. تفاعالت 29............................................................................................................ حوار الـ«31........................................................................................... »BOT
كنوزنا المنهوبة 35............................................................................................ إوعى تصحى 41...............................................................................................
أساسيات47........................................................................................................... لحمنا الحي49.................................................................................................. شرايين الوطن 53..............................................................................................
بشر63.................................................................................................................... المصري ًّ حل 65............................................................................................... البناء بالتعليم81................................................................................................
الحياة ..بالصحة 95..........................................................................................
ستر الغالبة١٠٩...................................................................................................
موارد ١١٧................................................................................................................. مرض وعرض١١٩.............................................................................................. ً أهل بالمعارك ١٢٩.............................................................................................. استثمار إيجابي ١٤١............................................................................................ استيراد أو تصدير ١٤٧.........................................................................................
ُنظم١٥١................................................................................................................... دولة قانون١٥٣.................................................................................................... كفاية وعدل١٦٣.................................................................................................. بيئة مبدعة١٧١..................................................................................................... عدالة انتقالية 177................................................................................................
مقدمـة على هذه األرض ،ال غيرهاُ ،خلقت المؤسسية والدولة المبدعة ..على هذه األرض، ال غيرها ،تبلورت قواعد احترام العقل والعلم وتوظيفهما ،لتورثنا حضارة هي أصل كل البدايات ،أو وفق نحت صاحب نوبل لآلداب ،نجيب محفوظ« :مصر ليست دولة تاريخية ،مصر جاءت ً أول ثم جاء التاريخ». تاريخ نتباهى به ،ونحلم باستعادة رحيقه ،ولهذا يتطلع المصريون إلى حكم قائم على أسس علمية وخطط تنمية وتنوير ،تتضمن أهدا ًفا واضحة لصالحهم عامة، وللكادحين خاصة ،يضمن لهم السيطرة على مقدراتهم وإرادتهم ومواردهم.. يحقق العدالة االجتماعية ،والتنمية الشاملة المستقلة ،ويمنع التمييز بأنواعه كافة.. ينشر المعرفة ومناخ اإلبداع ،ويخطط الستجالء هوية مصر الحضارية وتراثها الثقافي العريق. يتطلع المصريون إلى نظام حكم يضمن الحريات ويضبط منظومة العدالة ،واستقالل القرار الوطني وسيادة الشعب ،وسالمة أمن الوطن وحدوده بجيش قوي ..والؤه ً أول وأخيرا للشعب ،مالكه وفق الدساتير المتعاقبة. ً هنا رؤيتي ،التي يبحث ـ خاللها ـ هذا المصنَّف عن رؤية متكاملة إلنقاذ الوطن، اعتمدت فيها على خبرات متراكمة طوال 50عا ًما في األنشطة التنموية والعمل العام، الذي بدأته في مقتبل الشباب .وهي ،في مجملها ،تتمحور حول المبادئ التالية: 1ـ إعادة تنظيم جهاز الدولة ،وفق أحدث التطورات اإلدارية والتكنولوجية ،وبناء القدرة الذاتية المصرية للمواطنين والمؤسسات. 2ـ إنشاء منظومة وطنية لمحاربة الفساد ،وبلورة قواعد تحجم تجدده. 7
3ـ تطبيق العدالة االنتقالية كما نص عليها الدستور ،واستعادة ال ُّلحمة المجتمعية، واالنتقال إلى الدستور الدائم وتطبيقه. 4ـ القضاء على األمية التعليمية والمعرفية. 5ـ تعزيز رأس المال االجتماعي بمحاوره :الثقة في المجتمع ،ونشر ثقافة التطوع، وترسيخ روح التكاتف المجتمعي أفق ًّيا ورأس ًّيا ،وتمكين المجتمع المدني. 6ـ وضع خطة قومية للتحكم في الزيادة السكانية. 7ـ تفعيل وتطوير شبكات الريادة الثقافية إقليم ًّيا وقار ًّيا. 8ـ وضع خطة لتحديث اإلنتاج الصناعي والزراعي والتقني وتطويره وزيادته واللحاق بالثورة التقنية. والكتاب مقسم إلى: «تشخيصا» لمحنة الوطن .في «بسرعة ..للخلف» ،نرصد فصل تمهيدي ،به ما أراه ً دوائر التردي التي تحيط بنا .وفي «من شابه أمه» ،نرصد انعكاسات سلبية لسياسات الحكومات المتعاقبة على الشعب وسلم قيمه. وفي فصل «تفاعالت» نعرض ألمثلة من قرارات اتخذت ،أو كان يجب اتخاذها، وكان من الممكن أن تحسن من المحنة ،فنشتبك مع جدل مشروعات الـ«،»BOT وسبل توظيف «كنوزنا» األثرية المنهوبة ..حيث هي ،ونحذر عبد الناصر« :إوعى ُ تصحى» ..فقد تآكل حلم التنمية المستقلة ،الذي دفعنا مقابله ثمنًا غال ًيا هو جزء من حريتنا ،وتبخرت التنمية المستقلة وبقي النظام السلطوي من دون مقابل ،منذ منتصف السبعينيات حتى اآلن. وفي فصل «أساسيات» نتمسك بحماية ملكية «لحمنا الحي» ،ونرسم «ماذر بورد» لمنظومة النقل والطاقة« ..شرايين الوطن». لحاملي جينات الحضارة ،خصصنا «بشر» ،فيه يقين« :المصري ًّ حل» ،في تجويد معرفته «البناء بالتعليم» ،وفي «الحياة ..بالصحة» سالمة جسده ،وفي «ستر الغالبة» ضمان سكنه. ال تنمية ،وال دول ً أصل ،من دون «موارد» ..وفي هذا الفصل نرصد «مرض وعرض» 8
أزماتنا االقتصادية ،وندعو في ً «أهل بالمعارك» إلى ترسيخ ثقافة اإلنتاج ،ونفضل أي «استثمار إيجابي» على أن نختار بين «استيراد أو تصدير». في «السوفت وير»« ..نُظم» ،ننحاز لـ«دولة قانون» ،يتساوى فيها الكافة وتُطمئن المستثمرين ،ونقترح منظومة «كفاية وعدل» لضبط رؤى األجور والضرائب والتجارة والصناعة وآلياتها ،ونستشرف «بيئة مبدعة» ،تستعيد قوس قزح قوانا الناعمة ،غير أن ما سبق كله يجب أن تحوطه «عدالة انتقالية» ،تضمن «كشف الحقيقة)...( ، واقتراح أطر المصالحة الوطنية ،وتعويض الضحايا ،وذلك وف ًقا للمعايير الدولية»، كما نص دستورنا.
9
الت�شخي�ص
ب�سرعة ..للخلف لن نتوقف عند أعماق الماضي لنبحث عن أول دولة في التاريخ ،ولكن نركز على محيطنا في العصر الحديث :مصر أول من عرفت الدستور والمجلس النيابي ،وأول من أنشأت سكك حديدية في المنطقة ،وأهم جامعة دراسية ،وأول دار عرض سينمائي، وأول استاد رياضي ..فحققت لها الريادة السياسية واألدبية والفنية والرياضية ..وحافظت عليها لعقود طويلة ..فما الذي اختلف في العقود األخيرة؟! ما الذي حول الصحة إلى مرض والعافية إلى معاناة؟! ما الذي أودى بمصر صاحبة الريادة الفعلية ،ال ادعاء ،إلى ذيل الدول في التقارير الدولية على األصعدة كافة؟! أجمعت تقارير التنمية البشرية ،منذ سنة 2003-2002حتى ،2017-2016على خروج مصر من المنافسة التنموية في الشرق األوسط ،لتتقدمها دول كتونس والمغرب واألردن ،ضمن أفضل الدول التي حققت أعلى معدالت تنمية في التعليم والصحة والطاقة والتكنولوجيا واالتصاالت واالستثمار والتجارة الخارجية والتنمية السكانية. وعلى الرغم من أن الحدث يبدو مفاجأة لكثيرين ،كما و َّثقت في مقال لي ،جرى تداوله على شكل واسع ،نُشر بجريدة «الوفد» 5يونيو ،2003ومجلة «الديمقراطية» 11يوليو ،2003و«األهالي» 16يوليو ،2003و«صوت األمة» 4أغسطس ،2003 فإنه كان متوق ًعا ممن ينغمسون في الهم العام ،ويحتكون بالمعايير العالمية لضبط األداء وقياس درجات الجودة؛ فالتنمية هي محصلة مجموع القدرات الذاتية للمصريين، أفرا ًدا وشركات ومؤسسات .والنعدام فرص المنافسة الشريفة بينهم في التعيينات والمناقصات والمسابقات ،وتغييب قياسات األداء والجودة ،تراجعت قدراتنا التنموية داخل ًّيا ،وخرجنا من المنافسة اإلقليمية حسب دالئل ومؤشرات داخلية وخارجية. 13
تراجعت رياداتنا ..فأكبر شركة مقاوالت في الشرق األوسط هي شركة فلسطينية تعمل من اليونان ،وتنافسها شركتان ،واحدة كويتية واألخرى سعودية .وأكبر مكتب استشاري هندسي لبناني-فلسطيني ،يعمل من مصر والبحرين ،وينافسه مكتب لبناني. وأكبر شركة لتنظيم المؤتمرات والمعارض لبنانية ،وأكبر بنكين أحدهما أردني والثاني سعودي ،ويليهما بنكان خليجيان .وأكبر مكتب للمحاسبة والدراسات المالية فلسطيني- أردني ،وأنشط مركز تدريب للموارد البشرية في دبي ،حيث أكثر نشاط تسويقي وتجاري رواجا في المنطقة .وأكبر معدل لتدفق السياحة يصب في اإلمارات ،واألردن األكثر ً جذ ًبا للسياحة العالجية .وتراجع إقبال الطالب العرب واألفارقة على جامعاتنا ،وتدنى الطلب على العمالة المصرية ،لصالح العمالة القادمة من آسيا ،في مجاالت تطبيقات علوم الكمبيوتر ،والطيران ،والنقل البحري والجوي ،والمحاسبة ،والبنوك ،وإدارة شؤون المنازل ،والمزارع ،والمحالت ،والتمريض ،وقيادة السيارات. وإعالم ًّيا ..فإن أكبر جريدة عربية مقروءة خارج حدودها هي جريدة «الحياة» السعودية ،تنافسها مواطنتها «الشرق األوسط» .وأكبر فضائية «مؤثرة» خارج حدودها «الجزيرة» القطرية ،تنافسها «العربية» السعودية ،و«سكاي نيوز العربية» اإلماراتية، وأكبر عاصمة لطباعة الكتب العربية والمترجمة بيروت. تراجع الخارج انعكاس ألداء الداخل منذ نكسة :1967إذ تدهورت المنظومة الصناعية ،وأصبحت في عديد من مواقعها أجنبية ،من حيث االستشاريين وخطوط اإلنتاج وقطع الغيار .تآكلت قدراتنا على تصميم مشروعاتنا القومية وتنفيذها ،وغزتها الخبرات األجنبية؛ فجاءت دار األوبرا بخبرات يابانية ،ومستشفى قصر العيني الجديد ومترو األنفاق بخبرات فرنسية ،ومركز القاهرة الدولي للمؤتمرات بخبرات صينية، وقطارات السكك الحديد إما فرنسية أو إسبانية أو مجرية ،وكذا مشروعات الكورنيش والسدود والقناطر والمعونة وحق االنتفاع ( ،)BOTوامتد ذلك إلى مشروعات تحلية المياه. وفي الزراعة ،حيث نبتت حضارتنا ونمت ،أحجم طالب الثانوية العامة عن االلتحاق بكلياتها ،لقناعتهم بأن عملهم بعد التخرج ،إن توافر ،غير ُم ْج ٍد ،ويفتقر إلى االبتكار، بعدما أصبحت البذور ،والشتالت ،والتقاوي ،واألسمدة ،والمبيدات ،والميكنة، 14
وأدوات الري ،مستوردة .وتُرك البحث العلمي للعشوائية ،وتقيدت مجاالت عديدة منه ببرامج التمويل األجنبي ،وانقطعت عالقتها بالتقدم العلمي .واعتمدت تعيينات وترقيات منظومة التعليم ،معايير غير موضوعية .وأصبحت الجامعات معامل لتخريج موارد بشرية غير مهيأة للعطاء في تخصصاتها المختلفة ،بمناهج تقليدية ،تعتد بالحفظ واالسترجاع دون تنمية ملكات االبتكار واإلبداع. تأثيرا في المنطقة، فن ًّيا ،لم تعد السينما ،والمسرح ،والدراما ،والغناء ..إلخ ،األكثر ً وهبط الذوق العام وأصبحت القدرات اإلبداعية تقاس بقدر التعري والجرأة على خدش الحياء ،عدا أعمال وليدة جهود فردية ،كاستثناء يثبت القاعدة ،ويؤكد األمل في أن مصر لم تزل تزخر بالكفاءات. وفي الرياضة واللياقة البدنية ،لم نحقق ميداليات أوليمبية منذ عام 1964حتى عام ،2003أي على مدار 40عا ًما ،باستثناء فضية محمد رشوان عام .1984وبعد ذلك بدأ األهالي في رعاية أبنائهم واإلنفاق على تدريبهم ،فكانت النتائج أكثر إيجابية ،وحصلنا على ثالث عشرة ميدالية متنوعة من 2004حتى عام ،2016في الوقت الذي حصلت فيه دول عربية ،لم يكن لها باع في هذا المجال ،على ميداليات أوليمبية. وتوضح اإلحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ،سنة ،2015انخفاض عدد الفرق الرياضية في مراكز الشباب بالمدن والقرى من 101 ألف عام 2002إلى 79أل ًفا عام ،2014وكذا انخفاض عدد األندية الرياضية على مستوى الجمهورية في الفترة نفسها من 948إلى 792ناد ًيا .والالفت أن عدد المقاهي والكافيتريات زاد بشكل ملحوظ ومقلق. عرضا لتحجيم القدرة الذاتية للمجتمع ،عبر سياسات أغفلت جوهر كل ذلك يشكل ً التنمية ،وعطلت استمرارها الزمني والتقني ،وقلصت النشاط االبتكاري ،بحرمان كفاءاته من فرص المنافسة العادلة ،وحجبت الفرصة عن األجيال الجديدة ألن تتبوأ مقاعد القيادة في مجاالت التنمية .بالتوازي ،تراجع اهتمام الدولة بالعلماء والنابغين والفنيين، وتركزت األضواء على نماذج وقيم نجاح ،تتنافى والمفهوم الحقيقي للتنمية ،وسادت النظرة األحادية ،وأصبحت محاوالت اإلصالح تجري بأسلوب الجزر المنعزلة؛ لتفرز ً حلول مجزأة ال رابط بينها. 15
إن العودة لحلبة المنافسة اإلقليمية ،وبالتبعية المكانة الدولية ،تتطلبً ، أول ،االعتراف بحقيقة المشكلة ووضعها نصب أعيننا ،والتخلي عن أسلوب المسكنات لصالح األخذ ً حلول مبتكرة ،وإعادة االعتبار بزمام المبادرة ،مع التركيز على العلوم التطبيقية التي تفرز لدور العقل وقيم التقدم واإلنتاج ،وتمكين العلماء والمفكرين والمخترعين والفنيين والنابغين من قيادة منظومة التنمية في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا واإلدارة. التنمية هي تمكين القدرة الذاتية من توليد النجاح بحلول محلية االبتكار، عالمية األداء ،ضمن منظومة قومية متكاملة غير تقليدية ،تُعنى باستثمار العقول، وتعظيم الفائدة من أقل قدر متاح من اإلمكانات التنموية ،في مجاالت نمتلك فيها تفو ًقا نوع ًّيا.
16
من �شابه �أمه في يونيو ،2003كتبت مقالة بعنوان« :قدراتنا الذاتية ..خطوات متسارعة للخلف» ،أثارت موجات نقاشية واسعة ،فالدكتور فوزي حماد ،رئيس هيئة الطاقة الذرية ساب ًقا ،قال« :لو كان هناك مخطط لتحطيم مصر ،لما حقق نتيجة أسوأ مما نحن عليه» .واعتبرت الدكتورة سهير الشبراوي ،خبيرة الصيدلة ،أن المجتمع أصبح كالماء الراكد العفن ،نمت فيه طحالب وفطريات ،وفي مسيس الحاجة إلى مياه متجددة. طرحا :هل يكمن سبب التراجع في سياسات الحكومة أم سلوكيات السؤال األكثر ً الشعب؟ وعلى الرغم من صعوبة اإلجابة ،فقد حاولت االجتهاد ،راصدً ا واقعنا المعاش متلمسا مسؤولية تراجعه ،وداع ًيا إلى مشاركة جهات االختصاص لوقف بتفاعالته وحراكه، ً نزيف التراجع القومي ،الذي أدى إلى الخنوع والتسليم بأدنى المستويات ،وفقدان الثقة في كل ما هو مصري ،لنصبح على حافة اإلفالس. مقال ٍ وفي ٍ تال ،نُشر بـ«الوفد» 17سبتمبر ،2003وبـ«صوت األمة» 29سبتمبر ،2003وبـ«األهرام ويكلي» بعنوان «? 18 »what went wrongديسمبر ،2003قدمت إجاباتي .وبعد مرور كل هذه السنوات ،ومع أن المصريين حركوا المياه الراكدة ،وثاروا على تلك األوضاع ،وخرجوا آملين في الوصول إلى الوضع األفضل اقتصاد ًّيا وسياس ًّيا واجتماع ًّيا ،إال أن األمر يبدو وكأن عجلة الزمن تدور للخلف ،وكأن شي ًئا من ذلك لم ألطور ،وبتكثيف أكبر. علي أن أعود ِّ يحدث ،لذا أجد لزا ًما َّ الحكومة والشعب يشكالن واقع التراجع المعاش ،بغض النظر عن مسؤولية المتسبب فيه؛ ألنهما جسد واحد من عقل وأعضاء« .الحكومة» اغتصبت دور العقل، 17
و«الشعب» لم يعد يمثل إال بقية األعضاء .ومعيار نجاح (العقل) الحكومة أو فشلها يتوقف على قدرتها على تحويل بقية «الجسم» إلى شعب عالي القدرة؛ فالمشكلة ليست في كثرة تعداد الشعب ،قدر ما هي في القدرة الذاتية للفرد ،والتي تشكل في مجموعها القدرة الذاتية للمجتمع .وإذا كانت الحكومة الديمقراطية هي «ابنة» الشعب ،التي تجيء باختياره ،فإنها في دول العالم الثالث ،بسبب طريقة تكوينها، تلعب دور «أم» الشعب ،نصبت نفسها مسؤولة عن تربيته وسلوكياته وشخصيته، فهي قدوته في الصواب والخطأ ،وتأتي تصرفات االبن كرد فعل منطقي لما غرسته فيه األمً ، نجاحا. فشل أو ً وقائع التاريخ تؤكد هذه المقولة ..ففي العصر الحديث ،قويت الحكومة في عهد محمد علي ،فتقدمت الصناعة والزراعة ،واستحدثت محاصيل جديدة ،وأرسلت البعثات العلمية إلى أوروبا .وانطلقت الجيوش المصرية لتهزم اإلمبراطورية العثمانية، وتصل إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا .وقويت الحكومة في بداية عصر إسماعيل وحدث تقدم آخر بجانب التقدم الصناعي والزراعي؛ حيث ازدهرت الترجمة والتمصير ،وانتشر المسرح ،وزادت حركة الكشوف الجغرافية ،والحمالت العسكرية. منذ عام ،1967بدأت األم-الحكومة تفقد اللياقة والقدرة على مواجهة مسؤولياتها، فقلدها االبن-الشعب ،وتحايل عليها بأخطاء يتفادى بها ضرر أخطائها عليه ،وتحولت العالقة من أمومة وبنوة إلى ما يشبه «صراعات توم وجيري». الحكومة تدفع مرتبات غير عادلة ..فال يعمل الشعب ،أو يعمل فقط على قدر مرتبه .تفرض نظام ضرائب غير متوازن ..فيتهرب منها ،وتفرض نظا ًما جمرك ًّيا معقدً ا فيتحايل عليه ..تقدم خدمات تعليمية ضعيفة فيدفع مليارات الجنيهات في الدروس الخصوصية ،وتؤكد حق التعليم وتعجز عن توفير المدارس ،فيلتحق الصغار بها في سن السابعة أو الثامنة ،أو يلجأون إلى المدارس الخاصة ،التي تقبل بالسن األصغر وبمصروفات باهظة؛ فيبدأ التمييز وعدم اإلنصاف منذ الصغر. الحكومة تختار خدمات إدارية معقدة ،فيلجأ الشعب للرشوة ،فيزيد تعقيدَ ها صغار الموظفين للفوز برشاوى أكبر ،أسوة ببعض رؤسائهم ووزرائهم ..الحكومة تصدر قرارات وقوانين يلغيها القضاء ،فيفقد الشعب ثقته فيها وفي قراراتها .والقضاء 18
يصدر أحكا ًما تتقاعس الحكومة عن تنفيذها ،فيفقد الشعب ثقته في العدالة .وعلى غرار ميزانية الدولة ،التي أكد خبراء المالية والمحاسبة تزويرها وعدم واقعيتها ،لجأ الشعب إلى تزوير ميزانيات الشركات وحسابات الذمة المالية. منحازا يروج قصص اإلثارة والفضائح ،واستراق الحكومة تقدم إعال ًما ضعي ًفا ً السمع ،وتمجيد الحكام ،فيلجأ الشعب إلى الفضائيات العربية واألجنبية والسوشيال ميديا .الحكومة أهملت البحث العلمي ورعاية العلماء ،فتجاهلوا األبحاث ،وانشغلوا بالدرجات المالية واإلدارية والعمل لدى الوحدات ذات الطابع الخاص ،جر ًيا وراء رزق أكبر ،بعد أن حاصرهم التعارض بين عملهم في خدمة البحث العلمي وسعيهم لتوفير متطلبات الحياة الكريمة ألسرهم ،ففقدنا ميزة بحثية من ناحية ،وعزف الطالب عن القسم العلمي ،وكليات العلوم والزراعة من ناحية أخرى ،فكانت الخسارة مزدوجة. الحكومة أصدرت قوانين الطوارئ والبلطجة ،فزادت جرائم األسرة واالغتصاب واإلدمان ،وساد العنف أكثر وأكثر .الحكومة تدخلت في نتائج االنتخابات لتحقيق األغلبية لحزبها ،فقاطع الشعب االنتخابات ،بعدما فقد الثقة في نتائجها .الحكومة منعت الجامعات والنقابات من ممارسة دورها السياسي ،فسادت األمية والسلبية السياسية؛ ألن المواطن لن يتعلم السياسة بين يوم وليلة ،ولن يكون سياس ًّيا مشاركًا في قضايا بلده ،فجأة عند تخرجه. الحكومة أنفقت الماليين في بناء المالعب والمجمعات الرياضية ،وأهملت التربية الرياضية واللياقة البدنية ،وبرامج صناعة البطل الرياضي ،وتطوير النواحي الفنية، فتراجعت قدراتنا الرياضية إقليم ًّيا وعالم ًّيا. الحكومة أنشأت مستشفيات واشترت أجهزة طبية ،وأهملت تدريب الفنيين وهيئات التمريض عليها ،وتجاهلت منظومة الصحة العامة وبرامج الوقاية التي تمنع المرض من أساسه ،ولم تراقب األغذية والمشروبات والمبيدات التي تسبب األمراض .ولم تتدخل لمكافحة التدخين (بل تتربح من ضرائبه 54 :مليار جنيه طب ًقا لميزانية -2017 ،)2018وقد ارتفعت معدالت استهالكه إلى 85مليار جنيه ،وخسائره إلى 50ألف ضحية سنو ًّيا؛ طب ًقا لدراسة تمت سنة ،2007وقد فاق هذا 4أضعاف ما حصلت عليه الموازنة العامة للدولة من قناة السويس ،واقترب من عشرة أضعاف بند الصحة العامة 19
في موازنة الدولة في العام نفسه ،لتصبح مصر من أكثر الدول في تدخين النشء ،ومن أكثر أطفال العالم إصابة بالسرطان. ويوضح الرسم البياني ،شكل ( ،)1تطور حجم استهالك مصر من السجائر من 1990إلى ،2006الذي تم حساب تكلفة التدخين على أساسه ،والذي أعده د .خالد حنفي ،وزير التموين السابق ،عندما كان أستا ًذا باألكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري (مع خمسة أساتذة آخرين).
شكل ( :)1تطور االستهالك السنوي للسجائر في مصر2006-1990 ،
المصدر :دراسة منشورة بموقع «حملة أطفال خالين من التبغ»
http://global.tobaccofreekids.org/files/pdfs/ar/Egypt_Tobacco_Economics_ar.pdf
فشلت الحكومة في تحقيق وعودها للشباب بتوفير العمل والمسكن والحياة الكريمة ،فهربوا من مرارة الواقع إلى المخدرات ،وأنفقوا عليها 400مليار جنيه، طب ًقا ألول عدد صدر من مجلة «البرنامج الرئاسي للشباب» ،2017ومليون ضحية خسارة بشرية سنو ًّيا .وتقدمنا على مؤشر األمم المتحدة في استهالك «القنب» ممرا دول ًّيا لمسارات تهريب المخدرات في الشرق (خريطة ،)1كما أصبحنا ًّ األوسط (خريطة .)2 20
خريطة ( :)1استهالك مخدر القنب وكيف أصبحت مصر من الدول كثيفة االستهالك له
المصدر« :تقرير المخدرات العالمي» ،مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ـ 2016
خريطة ( :)2مسارات عمليات تهريب المخدرات التي ضبطت في الشرق األوسط بين مارس 2014ونوفمبر 2015وموقع السواحل المصرية من هذه المسارات
المصدر« :تقرير المخدرات العالمي» ،مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ـ 2016
21
الحكومة فرضت إجراءات رقابية كثيرة ،فزاد الغش والفساد ،والتربح غير الشرعي، ونهب األموال العامة ،ولم ت ُْج ِد 18جهة رقابية ،حيث تضاربت اختصاصاتها وتداخلت مع بعضها البعض ،وأصبح عيارها ال يصيب لوجود دروع حماية للفساد والمفسدين.. الحكومة تجاهلت تقارير الجهات الرقابية عن مراكز الفساد المنظم ،فقبعت هذه
التقارير في المكاتب ،بل إن أحدها تسبب في حكم بالسجن لرئيس أهم جهاز رقابي، وفي فصل كريمته عن العمل بقرار رئاسي ..الحكومة أعلنت الحرب على الفساد في
قطاعات وأماكن بعينها ،تاركة الفساد نفسه في أماكن أخرى ،فأدرك الشعب أن الحرب
على الفساد من قبيل تصفية الحسابات ،وتعارض مصالح الكبار ،أو تقديم كبش فداء؛
فلم يصدق دعاوى مواجهة الفساد .وتقاعست الحكومات المتعاقبة عن تفعيل بعض
أهم بنود اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد ،المتمثل في حماية المبلغين والشهود في قضايا الفساد.
الحكومة أهملت برامج المتابعة والصيانة ،فتفاقمت حوادث القطارات والطائرات
والسفن والكباري والطرق ،وانهارت المباني على سكانها ..الحكومة أهملت برامج
تدريب الموارد البشرية وتطويرها ،فظهرت مشكالت األمية الوظيفية والرسوب الوظيفي ألكثر من 500ألف مستخدم .الحكومة استأثرت بالمشروعات اإلنشائية
في معظم المواقع ،وأصبحت هي المالك والمهندس االستشاري والمقاول المنفذ،
فخرجت المشروعات القومية؛ خاصة في قطاع المرافق العامة والبنية األساسية
واإلسكان منخفض التكاليف ،نماذج واحدة متكررة بكل عيوبها ،ول ُيقتل في مياها حوادث الطرق والمرور حوالي 12000مواطن سنو ًّيا ،ويشرب الشعب ً
ملوثة بالمجاري ،بينما كثير من محطات المياه والصرف الصحي مغلقة ،أو ال تعمل بالكفاءة التصميمية الالزمة ،منذ أنشئت قبل 25سنة ،مثل محطة معالجة مياه الصرف
الصحي بأبو رواش ،التي تُلقي 1.2مليون متر مكعب غير معالج في مصارف وزارة الري يوم ًّيا (عام .)2014
الحكومة اعتمدت على قيادات عتيقة ،استمرت في أماكنها لسنوات طويلة،
أو قيادات تتولى الوظيفة كمكافأة نهاية الخدمة في مؤسسة أخرى غير مرتبطة 22
بالتخصص ،ومن دون سابق خبرة .وبعد ثورتَي يناير ويونيو ،عادت لالستعانة بخندق النظام المخلوع نفسه ،فيئس الشباب من التغيير والمشاركة في قيادة التنمية في بلده ،وأصابته الالمباالة والسلبية واالكتئاب ..الحكومة أهملت الكفاءات الوطنية ،ولم توفر لها مناخ المنافسة العادل للعمل واإلبداع ،فانزوت أو لجأت إلى الخارج ،لنجد أكثر من 50ألف عالِم وخبير مصري في التخصصات الحيوية، يعملون في أكبر الجامعات ومراكز األبحاث والشركات العالمية؛ خاصة في أمريكا وغرب ووسط أوروبا ،بخالف الخبرات التقليدية المهاجرة ،التي قدرت بـ 2مليون مصري مهني (شكل ( )2يبين ترتيب مصر في نزيف العقول) ،وتنازل عدد كبير منهم عن الجنسية المصرية ،نظير االحتفاظ باألجنبية ،وهو ما رصده آخر تقارير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى االقتصادي العالمي سنة ،2012على مؤشر نزيف العقول ،وترتيب مصر فيه 122من ( 142وهو العام األخير الذي صدر به هذا المؤشر الفرعي بهذا االسم ضمن تقارير التنافسية العالمية).
شكل ( :)2ترتيب مصر في مؤشر نزيف العقول
المصدر« :تقرير التنافسية العالمي» ،المنتدى االقتصادي العالمي ـ 2012 (آخر مؤشر صدر بهذا االسم في تقرير التنافسية)
23
الحكومة صعبت فرص االستثمار على المصريين فهربوا إلى الخارج ،وفشلت في ً أموال مصرية ،تستثمر بعيدً ا عن أراضينا حتى عام جذب أكثر من 250مليار دوالر
مليارا سنة .)2011 ( 2017كانت مقدرة بـً 160
الحكومة تسند بعض المشروعات القومية المهمة إلى شركات ومكاتب أجنبية ،غير
مؤهلة أحيانًا؛ بحجة شروط القروض والمعونات ،وتحرم نظيراتها الوطنية المتميزة؛ بحجة عدم وجود سابقة خبرة .كما أنها أسندت إلى مصريين أهل حظوة ،ثق ًة أو فسا ًدا،
مشروعات جاء تنفيذها سي ًئا ،مستبعدة أصحاب الخبرة والتميز .وتدريج ًّيا تفشى
اعتقاد بعدم قدرة المصريين (عمو ًما) على اإلنجاز المتقن ،حتى إن أحد المفكرين (رحمه الله) صرح لي بأنه ال ينبغي إهدار األموال في تجريب المصريين بالمشروعات
القومية ،مستشهدً ا بسوء تنفيذ الكباري الحديثة على النيل مثل المنيب والوراق .لقد
شعر المتميزون باليأس واإلحباط ،وهرب بعضهم ،وأحجم البعض اآلخر عن العمل في مشروعات الدولة.
الحكومة تجاهلت قواعد الشفافية والرقابة على المال العام ،فتواطأ موظفو بنوك
مع مكاتب تقييم المشروعات ومستثمرين لفبركة دراسات جدوى ،ليحصل % 5من المقترضين على % 85من وعاء القروض ،وحين عجزت عن استردادها ،انقلبت على قروض مشروعات الخريجين والحرفيين ،فع َّقدت إجراءاتها أحيانًا ،وأصابت
المشروعات بالتعثر أحيانًا أخرى.
الحكومة بدأت بقرية «مراقيا» ثم أغرت المستثمرين بإقامة منتجعات سياحية في
شهرا واحدً ا في السنة ،فتبعها المشترون ..وضاع الساحل الشمالي ،ال تُستغل إال ً ٍ وأراض مميزة، عليهم ،وعلى الدولة ،أكثر من 130مليار جنيه من مدخرات شعبها وفقد قطاع اإلسكان ،األَولى بالرعاية ،ماليين األطنان من مواد البناء ،وفقد قطاعا فرصا ضخمة ،كان يمكن أن تنميه وتوفر لنا الصناعة والزراعة ،األَولى باالستثمارً ، آال ًفا من فرص العمل المستمر .وليتنا استفدنا من خبرة آبائنا ،الذين جعلوا من رأس
نموذجا لمصيف جميل ،ال تلوثه غابات األسمنت والخرسانة ،مو ِّظفين خامات البر ً بيئته في بناء عشش وكبائن المصطافين.
24
ما حدث ويحدث في الساحل الشمالي في مصر ،هو من أكبر جرائم التنمية ،التي
تمت في العقود الثالثة المنتهية عام ،2014ونقارن بين سواحل تونس العامرة بالفنادق، لجذب السياحة الخارجية على مدار السنة ،وشواطئ الساحل الشمالي المزروعة فيالت
مهجورة ،باستثناء شهرين في السنة.
الحكومة أهدرت أموال الشعب ،عندما استغل البعض تدينه وعدم ثقته في البنوك، عبر شركات توظيف األموالً ، فبدل من أن تتدخل إلنقاذ أمواله ،وتعديل مسار هذه
الشركات ،صفتها مباشرة فضاعت أموال المودعين.
الحكومة باعت أراضي رمال الصحراء للمواطنين بأسعار باهظة ،ضمنها تكلفة
المرافق والخدمات ،وتسلموها من دونها ،على الرغم من أن كلفة متر المرافق فيها
أقل من 200جنيه/متر مربع ،وكان عليها تحمله؛ مساهمة منها في إسكان متوسطي
الدخل .وأقامت ما سمته «مجتمعات عمرانية» بال رؤية وال دراسة ،وال فرص عمل، فعف عنها الشعب ،فأصبحت لدينا مدن مهجورة لسنوات ،بينما الماليين يسكنون َّ العشوائيات والمقابر.
الحكومة لم تتدخل لمنع انتشار العشوائيات ،التي رسخت اجتماع ًّيا ثقافاتها وسلوكياتها ،فظهرت جرائم شاذة أخطرها زنى المحارمً . وبدل من أن تحتذي بسياسات قسمت األراضي ،وباعتها شركات المعادي ومصر الجديدة ـ قبل 65سنة ،عندما َّ
للمواطنين بهامش ربح بسيط ـ وزعتها على السماسرة بأسعار زهيدة؛ ليتربحوا منها بعشرات أضعاف ثمنها ،ومن البناء عليها بضع َفي أو ثالثة أضعاف التكلفة. كان ال بد أن تتأثر سلوكيات الشعب بالسياسات الخاطئة ،كرد فعل مباشر ..هكذا
تفشت مظاهر االنفالت واإلهمال والتكاسل والعنف؛ لنتحول من مجتمع اإلنتاج الذاتي
إلى استهالكي وأحيانًا ترفيهي ،فليس بيننا اليوم على مستوى القرية أو المدينة تلك
تتقوت من عمل يدها ،ومن عنايتها بالحرف والصناعات األسرة المنتجة ،التي كانت َّ
المنزلية.
سياسات الحكومة ،وإخفاقها لعقود طويلة ،هي محك التراجع الذي نعاني منه؛ ألنها
التي تصدر القرارات والقوانين التي تحكم حركة الشعب ،والتي تعين القيادات التي 25
مرورا بعمداء الكليات ورؤساء الجامعات تقود الشعب ،من مشايخ الحارة والعمد، ً بمجلسي الوزراء والمحافظين ،بل تدخلت والمراكز البحثية والمجالس القومية ،ونهاية َ في تكوين المجالس الشعبية ،وفي اختيار قيادات القضاء ..هؤالء جمي ًعا وأقرانهم يصرف شؤون الشعب في شتى القطاعات ،ويتحملون هم ممثلو الحكومة ،وهم من ِّ مسؤولية التراجع والتردي. وضوحا :تضخم عجز الموازنة تداعيات الكارثة واضحة وكثيرة ،وأكثرها ً واختالل ميزان المدفوعات ،وتدني قيمة الجنيه ،وتضاعف الدين الداخلي والخارجي ،وزيادة نسبة التضخم إلى ،%34وتفاقم البطالة ،والتزايد السكاني الكبير على الرغم من قلة اإلنتاج وسوء إدارة الموارد .واستمر استيراد %75من غذاء المصريين؛ حتى إننا نستورد %90من مكونات طبق الفول ،الوجبة الرئيسية للمصريين ،وتحذر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء( ،شكل ،)3 من انهيار نصيب الفرد من المساحة المنزرعة بالمحاصيل ،من 0.70فدان للفرد إلى 0.21فدان خالل 120عا ًما.
شكل ( :)3تطور نصيب الفرد من المساحة المحصولية بالفدان 2006-1897
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ،النتائج األولية للتعداد العام للسكان واإلسكان والمنشآت ،2006مارس 2007
26
وأصدر الجهاز نفسه بيانًا يوضح كيف تناقص نصيب الفرد من إنتاج الحبوب من 315كيلوجرا ًما سنو ًّيا في 2001ليصبح 239كيلوجرا ًما في ( 2013شكل ())4؛ أي إن نصيب الفرد من إنتاج الحبوب قد انخفض بنسبة تقترب من الربع خالل 12 عا ًما فقط.
شكل ( :)4ما يخص الفرد من صافي الغذاء من الحبوب في السنة بالكيلوجرام
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ تجميع المؤلف من عدة سنوات
وال تتوقف التبعات السلبية لهذه السياسات على غذاء المصريين ،بل إنها تمتد لتدمر صناعات إستراتيجية مثل المنسوجات من القطن المصري ،ففي الربع األخير من عام ،2015لم تتعدَّ الكمية المستخدمة من القطن 109أطنان ،مقابل 415طنًّا في الربع الثاني من عام ،2013كما يوضح الرسم البياني التالي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ،شكل (.)5
27
شكل ( :)5كميات األقطان التي قامت المغازل المحلية بصرفها لوحدات التشغيل ،مستب َعدً ا منها الكميات التي تعاد من دون إجراء التشغيل عليها
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ تجميع المؤلف من عدة سنوات
ويستدعي تراجع قدراتنا الذاتية وخروجنا من المنافسة اإلقليمية دراسة وفهم سيكولوجية الشعب ،والحوافز التي تنهض بقدراته والمؤثرات التي تحبطه ،وإعادة جسور الثقة مع حكومته ،ورده إلى تقاليده وقيمه اإليجابية التي كانت تحكم سلوكياته. ال بد أن ُيعهد بمنظومة الحل ،نوعيته وإستراتيجيته وتنفيذه ،إلى مجموعة إنقاذ مؤهلة ،من بين الخبرات والكفاءات المصرية ،يفرزها نقاش مفتوح في القطاعات المختلفة ،تلتزم بتوصياته القيادة السياسية. لن ُي ْجدي سوى االعتماد على القدرة الذاتية للمصريين المتميزين األكفاء ،وهذا ما فعلته سنغافورة ،أصغر بالد العالم المتقدم ،والصين أكبر شعوب العالم ،والهند نموا ،ولنا فيها قدوة االعتماد على القدرة الذاتية ،سر تقدم الدول ،كما أقر أكثر الدول ًّ وأوصى أحد التقارير البحثية لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي (.)UNDP
28
تفاعالت
حوار الـ«»BOT كانت مصر من أوليات الدول التي أدخلت الكهرباء ،أواخر القرن التاسع عشر، واستخدمتها بداية في اإلنارة وتشغيل ترام العاصمة .ومن الطبيعي أن ترتبط تنمية المجتمع بتطور منظومة الكهرباء وإداراتها ،بداية بـ«شركة ليبون» األجنبية في ظل وأخيرا وزارة ،تتبعها أجهزة إشرافية ومرورا بمصلحة وطنية، االستعمار اإلنجليزي، ً ً وتنفيذية ،تتسع مسؤولياتها لتشمل مناطق خارج حدود مصر. اكتسبت األجهزة الوطنية خبرة تراكمية تعود إلى عقود ،بداية من محطة توليد السبتية-القاهرة ،عام ،1892ثم محطة ثانية بمنطقة كرموز-اإلسكندرية ،عام .1895 وثالثة كهرومائية بمنطقة العزب-الفيوم ،1926 ،ثم أول شبكة كهربائية بالدلتا،1932 ، ً وصول إلى تنفيذ مشروعات الربط الكبرى داخل وخارج مصر ،وإنشاء محطات توليد
عمالقة بالكريمات وسيدي كرير الوطنية وعيون موسى وأسيوط. وفي بداية الثمانينيات ،شهد قطاع الكهرباء الوطني طفرات هائلة ،بقدرات ذاتية، لم تتحقق لنظير له في الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،من الخطة الخمسية األولى، ،1987-1982حتى نهاية الخطة الثالثة ،1997-1992 ،ليراكم رصيدً ا من اإلنجازات الفنية والمالية واإلستراتيجية ،وخاللها تمكن من تحويل أكثر من 90محطة كهرباء وتجديدها وتوسيعها ،بإجمالي طاقة 14ألف ميجاوات ،بخبرات مصرية تتجاوز .%95 وانصياعا للتوجه العالمي لبناء المشروعات الكبرى وإدارتها ،بواسطة القطاع ً الخاص ،وضع جهاز الكهرباء المصري إستراتيجية شاملة ،تنفذ عبر خطط خمسية، يتولى بمقتضاها القطاع الخاص المحلي واألجنبي والمشترك إنشاء 16محطة توليد حتى سنة 2017بنظام حق االنتفاع ( ،)BOTمع التزام هيئة كهرباء مصر بشراء إنتاجها، 31
9650ميجاوات .ولتنفيذ هذه اإلستراتيجية ،عُدِّ ل قانون الهيئة (التي أصبحت شركة قابضة)؛ ليسمح لها بشراء إنتاج محطات التوليد ،التي تصرح الهيئة لمستثمرين محليين وأجانب بإنشائها. وفي أول تطبيق ،منحت الحكومة التزام إنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة وإعادة ملكية لمحطة كهرباء سيدي كرير البخارية ،بقدرة 325 × 2ميجاوات ،لـ«شركة إنترجن .جي بي ليمتد» ،من جزر الكايمان ،المؤسسة طب ًقا للقانون بإدارة أجنبية 22 ،يوليو ،1998 ليبدأ تشغيلها في 31ديسمبر ،2001مع االلتزام بشراء ناتج الكهرباء ،أكثر من 110 ماليين دوالر سنو ًّيا لمدة 20سنة. في الخطة الخمسية الثالثة نفسها ،والتي بلغت استثماراتها 1.2مليار دوالر، وبالمخالفة لقوانين هيئة كهرباء مصرُ ،منحت هيئة كهرباء فرنسا ،»EDF« ،المملوكة لحكومة باريس ،امتياز إنشاء محطتي شرق بورسعيد ،وشمال غرب خليج السويس، وتشغيلهما ،بقدرة 325 × 2ميجاوات لكل منهما ،بعد طرح مناقصة ،وتقدمها بعرض يقل %20عن المنافسين ،كـ«تطبيق عملي» لـ«اإلغراق الدولي» ،مع التزام الهيئة المصرية بشراء إنتاجها؛ مما ُيعد تزكية رسمية من البنك المركزي المصري لحصول المؤسسة الفرنسية الحكومية على قروض محلية وأجنبية لتمويل إنشاء المحطتين. مع أهمية قطاع الطاقة القصوى ،تلح عدة أسئلة ..كيف نزعنا ملكية محطات كهرباء من الحكومة المصرية وم َّلكْناها بالمخالفة للقانون لحكومة فرنسا؟ هل تخضع هذه التعاقدات لقوانيننا في االستثمار؟ ما ضمانات تشغيل العمالة والخبرة المحلية، واستخدام المكون الوطني ،واستمرار برامج تدريب كوادر وتطويرهم ،تدير هذه المشروعات بعد انتهاء مدة حق االنتفاع؟ ال تحكمنا هنا نظرة تعصبية ،ولكنها قضية إستراتيجيات وسيادة دولة ،فقد نشرت تقريرا عن رفض نواب الحزب جريدة «الفاينانشال تايمز» البريطانية 24 ،يوليو ً ،1999 الديمقراطي األمريكي لصفقة بيع شركة «فويس ستريم» األمريكية لالتصاالت لنظيرتها «دويتشه تليكوم» األلمانية؛ ألن حكومة برلين تساهم بحصة في رأس مالها .وأعقب ذلك تقدم «إرنست هولنجز» ،العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ ،بمشروع قانون 32
يمنع المؤسسات األجنبية ،التي تمتلك فيها حكوماتها أكثر من ،%25من شراء شركات كبيرا في أسواق المال األمريكية .ورفض «فالدييمير أمريكية ،ووجدت مبادرته صدى ً بابليك» ،رئيس وزراء بولندا ،سنة ،1994ضغو ًطا أمريكية لخصخصة 40شركة، وقال« :لن أبيع بولندا ،ليس ألنها قطاع عام ،ولكن ألنها صناعات إستراتيجية ،وال يمكن أن يمتلكها أجنبي ..بل بولندي». منذ عام ،1980ولمدة 20سنة ،وكاتب هذه السطور ينشط كخبير استشاري في جميع محطات الكهرباء التي أنشأتها الدولة .بدأنا بتصميم مكوناتها الصغيرة ،لنصل إلى كامل المحطة كمنظومة .وتؤكد لنا خبراتنا الطويلة ،المعضدة بالمستندات ،أن الحكومات األجنبية لن تسمح بنمو خبراتنا الوطنية .ما الموقف لو استمرت هيئة كهرباء مصر في هذا النهج ،واحتكرت حكومات أجنبية معظم ما تنتجه مصر من الكهرباء، الموزعة على مشروعاتنا القومية بنسبة ،%50والقطاع األهلي ،%35والجهاز اإلداري وتسعيرا؟ توفيرا ،%15 ً ً ومن األضرار التي أصابت اقتصادنا الوطني التباع سياسة الـ« »BOTفي المرافق وآثارها الممتدة حتى اآلن: 1ـ ألزمت اتفاقيات إنشاء محطات كهرباء بأسلوب الـ« »BOTالحكومة المصرية كبيرا على االحتياطي األجنبي، بشراء ناتج الكهرباء بالدوالر؛ ما يمثل عب ًئا ً الالزم لتوفير السلع اإلستراتيجية ،مع الزيادة المطردة في سعر صرف الدوالر. وضمنت البنوك المحلية شراء الكهرباء من شركات الـ« ،»BOTبما يعادل 108 ماليين دوالر لكل محطة سنو ًّيا ،لمدة 20سنة ،بإجمالي يزيد على ملياري دوالر لمحطة ،ال تزيد تكلفة إنشائها عن 330مليون دوالر ،توازي %15من التزام مصر تجاه شركة حق االنتفاع. 2ـ قيام البنوك المحلية بإقراض شركات حق االنتفاع األجنبية إلنشاء هذه المحطات من ناحية ،وإتمام هذا اإلقراض بالعملة الصعبة ،من ناحية أخرى ،يمثل عب ًئا كبيرا على االئتمان واالستثمار الوطنيين. ً 3ـ ضمان البنوك المحلية شراء الكهرباء من هذه المشروعات يعني مديونية إضافية على االقتصاد المصري ،الذي يئن من الديون الداخلية والخارجية 33
التي تراكمت عليه .وإذا كان رأي بعض االستشاريين أن الـ« »BOTيبعدنا عن الديون الخارجية ،فإن هذه الضمانات تقودنا إلى المديونيات الخارجية من أوسع األبواب. 4ـ شراء شركات حق االنتفاع ( )BOTالخدمات ،ودفع قيمة المكون المحلي ،إذا وجد ،وأجور العاملين المصريين بالعملة المحلية ،وليس الصعبة؛ ما يجعلها مستفيدة مرة أخرى من أي زيادة في سعر صرف الدوالر. 5ـ أغفلت هذه التعاقدات تحديد أي نسبة لمشاركة المكون المحلي ،أو الكوادر الوطنية ،في التصميم والتنفيذ واإلشراف والتشغيل ،وهي أمور الزمة إليجاد كوادر مصرية قادرة على القيادة واالبتكار ،وضمان تحديث التكنولوجيا في المستقبل ،واستمرار التنمية التكنولوجية ذات ًّيا ،بل وتصديرها إلى بالد الشرق األوسط وأفريقيا. 6ـ يقلل شراء شركات حق االنتفاع وقو ًدا لتشغيل المحطات من الدولة بالسعر والعملة المحليين من العائد االستثماري لمصر لهذه المشروعات؛ ألن السعر المحلي للوقود مدعم لخدمة الكيانات المصرية ،ومن الواجب أن تكون بعملة التعاقد نفسها. 7ـ ما يمكن أن يطرأ من خالفات سوف يكون أحد طرفيه جهة حكومية أجنبية. وعلى الرغم من طرحنا للقضية في سلسلة مقاالت ـ «األهرام» 28يناير 2001 و 24مارس و 18يونيو ،2001وبـ«مجلة الكهرباء العربية» ،عدد ،72يونيو 2003ـ واصلت الحكومة تسريع الخصخصة ،واستمرار طرح مناقصة محطتين ألكثر من ثالث سنواتً ، بدل من توفير قروض ومنح إلنشائهما ،مثلما فعلت مع محطة عيون موسى، بقدرة 320 × 2ميجاوات ،بتمويل من البنك األفريقي للتنمية وصندوق التنمية األفريقي والبنوك المحلية والصندوق العربي ،بجملة قروض ومنح بلغت 300مليون دوالر، ً بدل من االلتزام بشراء الكهرباء بدفع ملياري دوالر على مدار عشرين عا ًما لكل محطة.
34
كنوزنا المنهوبة زاخرا من شواهد الحضارات منح المصريون وطنهم ،عبر العصور ،رصيدً ا ً المتعاقبة ،فاض عبر حدوده ،ليستفيد منه ،معنو ًّيا وماد ًّيا ،أكثر من 700موقع بأنحاء العالم ،الغربي خاصة ،فيما بين متحف ومعرض وميدان وقاعة وجامعة .وتتفاوت تقديرات اآلثار« ،المنهوبة» في غالبيتها الساحقة ،ما بين 120ألف قطعة وفق مجلة «بزنس ترافل» البلجيكية ،و 220أل ًفا حسب تقرير المتحف القومي في «بافاريا» األلمانية ،عام .2000 وال تكاد تخلو دولة غربية من آثارنا ،يتقدمها متحف «اللوفر» بباريس ،بين 27و30 ألف قطعة منوعة ،تشكل %26من معروضاته ،و %76من مقتنياته الشرقية التي تحتل 7أقسام رئيسية ،وأشهرها :تماثيل سنوسرت الثالث ،وأمنمحات الثالث ،وأمنمحات الرابع ،وتحتمس الثالث ،ورمسيس الثاني ،وعشرات المومياوات والحيوانات والتوابيت ،ومئات القطع األثرية كاألوعية والفازات والحلي واألسلحة واأللواح والشواهد ،التي يعود بعضها للعصور البطلمية والقبطية والرومانية واإلسالمية .واعتبر مدير المتحف« ،هنري لويرات» ،في ندوة بباريس ،اآلثار المصرية «عامل الجذب الرئيسي ألكثر من 75مليون أجنبي ومحلي يزورون المتحف سنو ًّيا» .ويجيء المتحف البريطاني في مرتبة مقاربة بعشرات آالف القطع تشكل %18من معروضاته ،أغلبها فرعونية ،وجزء مهم روماني وبطلمي ،منه تماثيل نادرة لكليوباترا وأخرى لبطليموس الخامس عشر ،الذي يعتقد أنه ابنها من يوليوس قيصر .وفي مقدمة المتاحف المتخمة أيضا ،متحف «المتروبوليتان» في نيويورك ،والمتحف المصري في برلين، بآثارنا ً والمتحف المصري في «تورينو» بإيطاليا. 35
ورصد باحثون استيالء إسرائيل على عشرات اآلالف من القطع األثرية خالل
احتاللها لسيناء ،بمساعدة أجهزة استشعار وأقمار أمريكية ،أقام بها وزير دفاعها األسبق «موشيه ديان» وأوالده متاحف خاصة في فلسطين المحتلة .وقبلها ،عشرات
آالف أخرى من وثائق معابد ومقابر اليهود المصريين ،سرقها ناشطون في الحركة
الصهيونية أشهرهم «سلمون شختر» 1847 ،ـ ،1915الذي نقل 100ألف وثيقة تاريخية إلى «جامعة كمبريدج» بلندن ،من بينها أشهر ثالث وثائق للنبي إرميا ،وفق موسوعة «التاريخ اليهودي لشعب إسرائيل في العصر الحديث».
أيضا قطع كثيرة، وال تقتصر آثارنا في الخارج على المتاحف الكبرى ،بل توجد ً
ال تقل أهمية في ندرتها وقيمتها التاريخية ،في متاحف ومعارض وجامعات صغيرة
ومتوسطة.
إيطاليا بها 17مسلة فرعونية ال مثيل لها في مصر ،وبمتحف «بولونيا» اإليطالي
أكثر من 2000مقتنى ،مومياوات ورسومات لحيوانات وأدوات الحياة المصرية القديمة ،وتماثيل برونزية ..منها 100مقتنى يعود إلى حكم توت عنخ آمون.
أيضا ،أكثر من 150مقتنى من تاريخ ويضم متحف «ديل كارنيجي» ،اإليطالي ً
الفراعنة االجتماعي والديني واالقتصادي .وبمتحف «هنتريان»« ،جامعة جالسجو» االسكتلندية ،مئات التماثيل والقطع األثرية ،منها :مجموعة تماثيل نادرة من البرونز
إليزيس وأوزوريس وطفلهما حورس .ويضم متحف «كارلوس»« ،جامعة إيموري»
األمريكية ،عشرات المومياوات والقطع األثرية .وينفرد متحف «سيدني» بقطاعات
كاملة من معبدَ ي سرابيوم وسرابيت الخادم ،ضمن مجموعة منوعة .والحال نفسه في متحف فيينا ،الذي يتباهى بأن ضمن مقتنياته تمثال تحتمس الثالث ورأس
تمثال سنوسرت الثالث .وليس أدل على ذلك من تأكيد مدير متحف «برلين»
بأن إعادة رأس نفرتيتي لمصر يعني إلغاء وجود المتحف ..وتتوزع آالف القطع بين متاحف« :كيلفالند» ،و«إلينوي» ،و«هارفارد» ..بأمريكا .و«بافاريا» ،و«الفن البيزنطي» ،و«الدراسات المصرية» و«رومر-بيليزيوس» ..بألمانيا .و«سوانسي» ببريطانيا .و«المتحف القومي» ،و«كورفو» ..باليونان .و«طوكيو» ،و«أوزاكا».. 36
باليابان .و«بوشيكن» في موسكو ،و«األرميتاج» في «سان بطرسبرج» ..بروسيا.
و«روما» و«بولونيا» بإيطاليا .و«الجامعة العبرية» بالقدس المحتلة ،وغيرها من
عشرات المتاحف.
ويندر أن تقف دولة موقف المتفرج من آثارها المنهوبة .فقد كونت اليونان ـ على
سبيل المثال ـ ضمن منظومة متاحفها القومية ،شبكة لجان للرصد وإلثبات الملكية
وللمالحقة الدبلوماسية والقانونية ،ورتبت حمالت إعالمية ال تتوقف لحث الشعوب
والمؤسسات الثقافية األوروبية على الضغط على حكوماتها إلعادة اآلثار اليونانية إلى موطنها.
ونجحت جواتيماال 25 ،يناير ،2017في استعادة 20قطعة تعود لحضارة المايا
الهندية ،بعد عقود من تهريبها وتفرقها بين أنحاء العالم ،معتمدة على حمالت إعالمية وقانونية ومفاوضات دبلوماسية.
على نهج أجدى سارت إثيوبيا ،الستعادة مسلة شهيرة ،تجاوز عمرها 2500عام،
خلعها االحتالل اإليطالي عام 1937من مدينة «أكسوم» ،شمال إثيوبيا ،ووضعت
مقرا لمنظمة بميدان «تشيركو ماسيمو» ،أمام مقر وزارة المستعمرات ،الذي أصبح ًّ األغذية والزراعة «فاو» .وبعد صراع طويل ،وقعت الدولتان عام 1997اتفا ًقا
بردها ،عرقلت تنفيذه حملة معاكسة من جماعات ثقافية إيطالية رسمية وأهلية؛
بحجة مخاطر التفكيك والنقل وتكلفتهما العالية .وأمام حملة دولية مدعومة من اليونسكو ،عادت المسلة في 4سبتمبر 2004إلى مكان اكتشافها ،وسط احتفاالت شعبية حافلة .وما فعلته إثيوبيا من أجل قطعة واحدة ،لم نفعله نحن لثروات خلفها
األجداد ،ال نملك جر ًدا بأماكن تواجدها ،وال خطة الستعادتها ،أو لالستفادة منها
حيث هي .في المقابل ،تجني المؤسسات الغربية من ورائها المليارات سنو ًّيا ،فاألمر
لم يتوقف عند كون «المسروقات» عماد جاذبيتها ،بل صيغت حولها منظومة ،منها: طبع تسجيالت إلكترونية وأفالم توثيقية وبوسترات ،وتسويقها ،وتوظيفها على ما يمكن لصقها عليه ..من األكواب إلى المالبس واألكسسوارات ،من دون احترام
لحق الملكية الفكرية.
37
أمثلة من أبسط المنتجات المعروضة للبيع في المتحف البريطاني توضح التربح من تاريخنا من دون عائد لمصر (منشفة مطبخ ووعاء قهوة)
ولن تجد متح ًفا أو جامعة لم يستفد من ممتلكاتنا لديه؛ ً فمثل ،أنتج متحف «بولونيا» اإليطالي سلسلة أفالم توثيقيةُ ،ص ِّورت بمنطقة سقارة ،عن شخصيات فرعونية ـ أبرزها القائد ثم الفرعون حور محب ،الذي جاء بانقالب عسكري وحكم مصر في نهاية األسرة الـ ،18ولم يكن من ساللة الملوك .وبالطبع حصد متحف «بولونيا» منها ماليين الدوالرات خالل عامين .ويبلغ حجم تجارة الهدايا والقطع المقلدة من اآلثار المصرية ،حول متحف لندن 6 ،ماليين جنيه إسترليني سنو ًّيا ،موزعة على 5وكاالت كبرى متخصصة ،نجحت في تصدير منتجاتها إلى كل أنحاء العالم ،حتى إلى مصر. نموذجا لتمثال رأس نفرتيتي بـ 8900يورو ،بينما ال تزيد تكلفته ويبيع متحف برلين ً على 250يورو .ورسخت متاحف جامعات «جالسجو» و«إلينوي» و«آثار سيدني» منظومات تصوير أفالم وتسويقها لما لديها من آثارنا ،تباع األسطوانة منها بما يعادل 5دوالرات في أوروبا ،و 7في أمريكا وأستراليا. إن آثارنا بالخارج وتجارة تقليدها هي الدجاجة التي تبيض ذه ًبا لهذه المتاحف والمعارض والشركات .ويمكننا توقع حجم العائد الضائع برصد ضخامة مبالغ التأمين على آثارنا ،لتتجاوز 100مليون دوالر على 44قطعة في معرض «كليوباترا.. 38
من التاريخ إلى األسطورة» الذي طاف بإيطاليا وإنجلترا والواليات المتحدة ،و170 مليون دوالر للقطع الذهبية الفرعونية المشاركة في معرض دولي ،رتبته النمسا في متحف تاريخ الفنون ،بمشاركة مصر وأمريكا ودول أوروبية. مقصورا على تراثنا المسروق، الربح الذي يصب خارج جيوب المصريين ليس ً فمنه ما يطال ما لم يخرج من حدودنا .كنموذج ..تصوير شركة فرنسية و«المعهد األوروبي لآلثار البحرية» عمليات انتشال آثار غارقة باإلسكندرية ،وبيعها لألفراد والجهات البحثية والمتاحف واإلعالم ،وجمعت منها 40مليون فرنك فرنسي ،ولم يحصل المجلس األعلى لآلثار حتى على نسخة مما أنتجته الشركة ،التي منعت بعد ذلك أصحاب مراكز الغطس بمصر من النزول إلى المواقع التي اكتشفتها البعثة، وطالبت بمقاضاتهم طب ًقا لقوانين الملكية الفكرية وقوانين حقوق النشر؛ لقيام أحدهم بنشر صور آلثارنا الغارقة ،التي اكتشفتها البعثة ،على شبكة اإلنترنت! وبعدها تقدمت الشركة نفسها بطلبات مماثلة لمناطق أثرية وطنية! كثيرا مع بعثة «واسيدا» اليابانية ،التي أجرت حزمة أبحاث على الوضع ليس أفضل ً مقبرة توت عنخ آمون وموميائه ،ديسمبر ،2000وسجلتها على وسائط إلكترونية، ولم تحصل وزارة الثقافة إال على نصف مليون جنيه ،مقابل خسائر إغالق المقبرة أثناء فترة األبحاث والتصوير .وفيما بعد مدت طلبها إلى المقابر األثرية والمومياوات ،منها أمنحتب الثالث ،ولم تحصل مصر على أي مقابل عما ُص ِّور وما ُس ِّوق. في الذاكرة محاوالت بذلت السترداد هذه الكنوز التي ُسرقت ،بال جدوى ،على الرغم من توقيع معظم الدول التي تحتفظ بآثارنا على «اتفاقية الهاي لحماية الملكية الثقافية» ،عام ،1954التي تلزمها برد اآلثار المسروقة إلى أوطانها ،وعلى الرغم من المطالبات المصرية لدول مثل :إنجلترا ،وفرنسا ،وإسرائيل ،والواليات المتحدة، وألمانيا ،وأستراليا ،واليونان. فماذا فعلنا لالستفادة من االتفاقيات الدولية ،وباألخص اتفاقيات الملكية الثقافية والفكرية ،بما يحمي آثارنا من االستغالل غير المرخص سواء بالعرض أو الطبع أو النسخ أو التقليد أو التصوير ،أو غير ذلك مما يدر الماليين على المتاحف والمعارض والشركات األجنبية؟! 39
إننا لم نفعل شي ًئا ..وحتى اآلن لم نطالب بحقوقنا في االستغالل االقتصادي والسياحي لهذه اآلثار ،ولم يناقش أي مجلس من المجالس النيابية المتتالية أية مشروعات أو مسودات قوانين في هذا الصدد إلقرارها وعرضها على منظمة «الويبو» المختصة باتفاقية الملكية الفكرية. رغم تذكيرنا بحقوقنا وفق «الهاي» في «األهرام» 8سبتمبر « ،2001األخبار» 22 يناير « ،2002األهرام» 31مارس « ،2002األخبار» 19مارس ،2003لم يتحرك أحد ،وإلى حين تنفيذها ،فإن علينا أن نحاول ،على األقل ،الحصول على نصيب عادل من عوائد استغالل آثارنا في الخارج ،وهو أسهل من استردادها ،وتفعيل األحكام والقوانين الدولية للملكية الثقافية والفكرية .ويمكن المطالبة ،مبدئ ًّيا ،بما «قيمته» مئات الماليين من الدوالرات سنو ًّيا .نقول «قيمته» ،ألن اللقطة هنا أن نُعلي من قيمة ما يخصنا .ولتسهيل اإلجابة عن طلبنا ،يجب أن يرتبط بمصادر إنفاق ذات صلة، مثل أنشطة مكتبة اإلسكندرية ،التي ترتبط بها 18جمعية صديقة لها عابرة للحدود، وأنشطة تنموية ثقافية ،ومنح دراسات عليا ألبنائنا في كبرى جامعات الدول الحاضنة آلثارنا ،ومساهمات دورية علمية وأكاديمية وتكنولوجية ،وبرامج تدريب وبعثات علمية ،ومساهمات في ترميم آثارنا وتنسيق متاحفنا وإعادة تأهيلها ،إلخ .مستندين في حمالتنا ،التي يجب أن تكون قومية ،إلى مزيج وا ٍع من العالقات السياسية واعتبارات الصداقة ،وضغوط الرأي العام هنا وفي الدولة «الحاضنة» أو «السارقة آلثارنا» وعالم ًّيا، والمعاهدات الدولية ذات الشأن ،والمنظمات والتجمعات الثقافية ،سواء في الجدال الدبلوماسي ،أو أمام قضاء البلدان ذاتها ،ومن بعده المحاكم الدولية عند الحاجة. وبالتوازي مع المجهودات المبذولة بالخارج ،علينا االهتمام بتدريس اآلثار والتراث القديم كمادة تعليمية في المدارس ،ألن إهمالها هو السبب الرئيسي في عدم اهتمام الشعب ـ وبالتالي عدم اهتمام الدولة ـ بآثارنا في الداخل والخارج .ونؤكد على أن المدارس في أوروبا تقدم أنشطة لتعريف األطفال باللغة المصرية القديمة ونمط الحياة والملبس واآللهة المصرية ،ما ينتج عنه شغف ثقافي يضمن للمتاحف روا ًدا متجددين وعائدً ا مطر ًدا.
40
�إوعى ت�صحى في صباح ٢٨سبتمبر ،2010تركت سريري بمالءته القطنية البيضاء من إنتاج غزل المحلة ،وخلعت بيجامتي «جورج» ،وغسلت وجهي بصابونة «شم النسيم» ،وتبعت هذا بدش لطيف مستخد ًما صابونة «نابلسي» .كنت أرجو أن تكون حالقة ذقني بموسى «ناسيت» ،ولكن مصنعه أغلق .ارتديت مالبسي الداخلية ماركة «جيل» ،وشرا ًبا من وأخيرا البدلة «الستيا» ،ثم كولونيا «الشوربجي» ،وقميص «سويلم» لينو «مصر البيضا»، ً الشبراويشي «الثالث خمسات» ،ووضعت قدمي في حذاء من «باتا». كل ما المس جسدي صنعته أيادي أوالد بلدي ،قطاع عام أو خاص ..ربما ليست األشيك وال األرق ،لكنها األقرب إلى قلبي واألكثر ً قبول لعقلي ،فهي تجعلني شريكًا في منظومة تنمية ذاتية ،ترفع بالتبعية القدرة الذاتية ،وتجعلني شريكًا في الحفاظ على توازن الميزان التجاري ،فكل مليم دفعته يعود إلى أبناء بلدي. لم أجد شقة بلدي فول أو طعمية في محل «نجف» ،ولم أجد زجاجة لبن «مصر لأللبان» وال شوكوالتة «بيمبو» ،فقد ُأغلق محل «أسترا» بميدان التحرير واحتل مكانه «أمريكانا» ،ولكني في طريقي إلى «الضريح» ،ومعي ال ُق َرص والبرتقال. مع وصولي إلى «الضريح» تهادت الذكريات ،كان صاحبه يعي أولوية التنمية عن أي سياق آخر ،أ ًّيا كان؛ ألن كل نجاح ممكن هو نتيجة لها .في زيارة لوفد أمريكي للقاهرة عند بداية الثورةُ ،سئل جمال عبد الناصر عن نواياه تجاه فلسطين المحتلة وإسرائيل ،وكان رد عبد الناصر« :نحن نركز على التنمية وليس هناك مجال اآلن للتفكير في إسرائيل» .نقلت اإلجابة حرف ًّيا إلى «بن جوريون» ،فأصيب بصدمة ،وأخذ يردد: «هذا أسوأ ما سمعت» .كان تقييمه صائ ًبا من زاوية صهيونية ،فعبد الناصر خلف تنمية 41
شاملة مستقلة ،لم ترها مصر منذ أربعة آالف سنة ،وتوقفت بعد عام ،١٩٦٧ويجري تدميرها بشكل ممنهج منذ عام .١٩٧٤ أتأمل في موروث الرجل ،فأجد التنمية الوطنية الشاملة المستقلة هي «تركة» جمال التي بدأها ١٨أكتوبر ،١٩٥٢معتمدً ا على جيل تعلم وتأهل في زمن إبداع وحرية وقيم على الرغم من االحتالل ،فقبل انقضاء مائة يوم على قيام حركة الضباط األحرار ،والتفاف الشعب حولها ،كان يقرأ دراسة جدوى أولية عن مشروع السد العالي ،ثم كلف فري ًقا من مهندسي الجيش والري وأساتذة الجامعات ،من مختلف التخصصات ،باستكمالها ..لم يكلف بيت خبرة «ماكينزي» أو «بوز آلن»، أو أسندها للجيش فقط ،كما يحدث اآلن .وما ُبني بأفكار وتخطيط ذاتي ،اعتبرته «الهيئة الدولية للسدود والخزانات الكبرى» مشروع القرن العشرين األهم ،واألكثر خدمة للبشرية. المتابع لحركة الثورات وتطورها ،يرصد غال ًبا تفرغها خالل السنوات األولى لترسيخ قواعد الحكم والسيطرة ،وتأجيل مشروعات التنمية .ومخال ًفا للقاعدة، كان إصرار عبد الناصر على بناء السد العالي ،كقاطرة للتنمية الزراعية ،والصناعية، والبشرية ،ساب ًقا للتخطيط لترسيخ السلطة ،على الرغم من كل ما تبعه من عواقب مصيرية ،ونتائج إستراتيجية ،كان من أبرزها التوجه نحو الشرق ،وتأميم قناة السويس ،والعدوان الثالثي ..١٩٥٦كان يعلم جيدً ا أن فشل المشروع هو هزيمة لنظامه بالكامل ،ومع ذلك آثر المضي فيه وفي التنمية ..قدَّ م ،بحسم ،مصلحة الشعب على مصلحة الضباط األحرار. ماذا قدم السد العالي لمصر؟ كان مدرسة تخرج فيها أكفأ المهندسين ،الذين خدموا البالد ثالثين عا ًما الحقة ،وفرسان التنمية في أفريقيا والبالد العربية ،ونشأت ألجله شركة «المقاولون العرب» ،بالتزاوج الذي حققه عبد الناصر بين شركتَي «مصر لألسمنت المسلح» و«شركة المشروعات الهندسية» (عثمان أحمد عثمان)، كما ُولدت له شركات «هايدليكو» و«كهروميكا» و«إليجيكت» ..لم يكن خزانًا فقط، مشروعا لتحويل مجرى النهر ،وإنشاء أكبر بحيرة صناعية في العالم ،وتوليد أو ً ً معمل لتفريخ الكفاءات الهندسية ،التي الطاقة وزيادة الرقعة الزراعية ،وإنما كان 42
تمكنت من حرفة صناعة اإلنشاءات والسدود والمعدات الكهروميكانيكية ،فصار فرخ هذا لدينا جيل هندسي رفيع المستوى ،ولألسف بموت التنمية المستقلة ،لم ُي ِّ الرعيل األول من يخلفه. وليست هناك مقارنة بين السد العالي ( )١٩٧٠وسدود إسنا ( )١٩٩٠ونجع حمادي ( )٢٠٠٨وأسيوط ( ،)2017فهي ال تصل ،م ًعا ،إلى أكثر من %15من حجم أعماله أو صعوبتها ،ومع ذلك ُع ِهد إلى شركة إيطالية بإنشاء األول ،وفرنسية-ألمانية بالثاني وس ِّجلت والثالث ،وكنا «فواعلية» فيها .فلم تثمر أية خبرة وطنية ..هندسية أو مؤسسيةُ ، كـ«خبرة سابقة» لمكاتب استشارية وشركات مقاوالت أجنبية. سألت نفسي :هل كان عبد الناصر سيفرح بمطار القاهرة الجديد ،الذي بناه األتراك ،وصممه الهولنديون ،وأشرف على تنفيذه اللبنانيون ،وبأن نكتفي نحن المصريين بأن نكون ركا ًبا في صاالت السفر والوصول؟ هل كان سيفرح بأن مترو أنفاق القاهرة بمراحله األربع ،الذي بدأت دراسته على يد الدكتور علي صبري، ِ «المستخدم» ،وبأن أستاذ ميكانيكا التربة واألساسات عام ،١٩٥٧عالقتنا به هي ٍ بأياد أوروبية ،ومعظم تمويله من الخارج، تصميم مراحله الثالث وتنفيذها كان كـ« ُطعم» القتناص عقوده؟! أرضا للمعارضً ، بديل عن بنى عبد الناصر على أطراف القاهرة ،سنة ً ،١٩٦١ معارض الجزيرة ،عبر مسابقة معمارية ،فاز بها الدكتور عبد الباقي إبراهيم والدكتور يحيى الزيني والدكتور فؤاد الفرماوي .اليومُ ،ض َّم هذا المشروع إلى قاعة المؤتمرات التي شيدها الصينيون ،عبر مسابقة سرية ،أدارتها الجهة المسؤولة عن التنافسية ومحاربة االحتكار والشفافية. في عام ،١٩٥٤أنشئ «معهد بحوث البناء» برئاسة األستاذ الدكتور عزيز يس، وفي ١٩٥٦بدأت أبحاث مشروع دراسة القرية المصرية ،الذي خططته ورعته وزارة الشؤون البلدية والقروية بقيادة الدكتور شفيق الصدر ،وعين لهذا الغرض الثالثة األوائل من خريجي أقسام «عمارة ومدني» من كليات الهندسة الثالث بالجامعات المصرية ،أعرف منهم صالح حجاب ،شيخ المعماريين ،وحامل مفاتيح الهندسة في مصر والمنطقة وذاكرتها. 43
وذهب الخريجون إلى عمل مسح شامل للقرى موضوع البحث ،وكان المهندسون الشباب يقيمون في كل قرية ،بالمركز االجتماعي التابع للمجلس القومي للخدمات، الذي رأسه الدكتور عزيز صدقي .وتم إعداد المشروع الذي أقرته األمم المتحدة، وبدأ تنفيذه ،١٩٦١بميزانية سنوية تصاعدية ٩٠ ،مليون جنيه ،خالل ٣٠سنة ،ولكنه توقف عقب حرب .١٩٦٧ ومشروع مديرية التحرير الزراعي العمالق ،مدت له مياه النيل ً بدل من أن تُهدر في البحر ،بينما اعتمد الوادي الجديد على المياه الجوفية .وبهدوء ،بدأت الهيئة العامة لتعمير الصحاري ،التي أنشئت عام ،١٩٥٧العمل في الوادي الجديد ،بوصلتها الدكتور أحمد أمين مختار ،رئيس قسم التخطيط بجامعة األزهر .وكان سالح المهندسين السواعد التي مؤخرا الجيولوجي القدير بنت مجموعة كبيرة من القرى في الوادي الجديد ،وتوفي ً حسين إدريس ،الذي قضى شبابه شاهدً ا على هذه الملحمة ،وحفر أول بئر جوفية سنة 1958لبدء مشروع الوادي الجديد ،مستخد ًما شيكًا بـ 6ماليين جنيه بإمضاء زكريا وأيضا أنشئت مجموعات من القرى ،في عدة محافظات ،أتذكر منها قرية محيي الدينً . أبيس جنوب اإلسكندرية ،وقرية كوتا على طريق الفيوم ..وغيرهما. كانت أمامه حقيقة أن %٧٠من سكان مصر هم أهل ريف ،ويجب االهتمام بهم، قبل تشييد مدن جديدة .لو استمر مشروع تنمية القرى وبنائها هذا ،لكانت مدن مصر اليوم من دون عشوائيات يسكنها النازحون نتيجة إهمال الريف. وبالتوازي ،بدأ عبد الناصر في إنشاء «شركة التعمير والمساكن الشعبية» ،برئاسة الدكتور المهندس علي نور الدين نصار ،لتوفير سكن مناسب لمحدودي الدخل ،كما أنشأ مطار القاهرة عام ١٩٥٨بمسابقة معمارية علنية ،فاز بها المعماريان المصريان صالح زيتون ومصطفى شوقي ،وهو المشروع الذي يحق لنا أن نفخر به ،على العكس من مباني المطار الجديد التي قامت بتشييدها شركات هولندية وتركية بعد نصف قرن من مشروعنا األصلي ،ومشروع مطار القاهرة رقم ،2الذي أنشأه الفرنسيون ،وتم هدمه لعدم صالحيته بعد 20سنة فقط من إنشائه ،بينما المطار رقم ،1الذي أنشأه المصريون قائما ويخدم االقتصاد المصري. في الخمسينيات ،ما زال ً أنشئت عدة مشروعات لبناء مساكن للعمال بالمناطق الصناعية ،ومنها إسكان 44
العمال في إمبابة ،وإسكان العمال في حلوان ،وإسكان «شركة كيما» بأسوان ،ومساكن العمال بالمحلة الكبرى وكفر الدوار ،والمناطق العمالية كافة ،وإسكان الطبقات الوسطى ،مثل :إسكان زينهم ،والبالون ،وجسر السويس (األلف مسكن) .وكانت أيضا مشروعات تنمية عمرانية سكنية في مدينة نصر والمقطم والمعادي والمنتزه هناك ً والمعمورة. أيضا ،بدأ عبد الناصر مشروع الطاقة النووية في إنشاص عام وعلى طريق التنمية ً ،١٩٥٨وبعد نحو عام كان مشروع الصواريخ والطائرة الحربية المصرية قد بدأ على يد علماء وخبراء وعمال مصريين (باالستعانة بالخبرة األلمانية) .وكان المركز القومي قسما للطاقة الشمسية ،وأحد مشروعاته إنتاج «راديو» للبحوث ،سنة ،١٩٥٦يضم ً يعمل بها ،ليصل صوت اإلذاعة إلى كل بقعة من المحيط للخليج .وبالتوازي ،شيدت مصانع الترانزستور والتلفزيون ،فبدأ بث ماسبيرو عام ١٩٦٠في كل بيت قادر على اقتناء جهاز ..صناعة مصرية. ً متكامل يضم ١٠٠٠مهندس شرع في برنامج الصواريخ ،وكان محوره مصن ًعا وعالم وفني ،وأنشأ برنامج تصنيع الطائرات بين مصر والهند ،وكان نصيبنا تصنيع الموتور (الجزء األصعب) ،وأمكن تصنيع أول طائرة تصل سرعتها إلى ضعف سرعة الصوت ،وكانت أفضل من مثيالتها في أوروبا في ذلك الوقت ،ود َّعم أقسام هندسة الطيران والطاقة النووية في الجامعات المصرية. وزيرا للنقل ،وهو في كان جمال يستعين بأهل الخبرة ،فلم يكن مصطفى خليل ً كفؤا لهذا المنصب ،لم يكن عسكر ًّيا ولم يكن من الثالثينيات من عمره ،إال ألنه كان ً الضباط األحرار ،وكذلك الدكتور عزيز صدقي ،والمهندس صدقي سليمان ،وحلمي السعيد ،وعزيز يس ،ومحمود أمين عبد الحافظ ،وحسن عباس زكي ..كلهم كانوا من األكفاء الدارسين .على المنوال ذاته ،كان وقوفه ١٠ساعات متصلة في كل عيد للعلم، مصافحا باليد واحدً ا تلو اآلخر ،احترا ًما للعلم والعلماء، لتكريم المتفوقين والمبدعين، ً ورسالة لنظامه بالكامل. ناصرا للحركات الوطنية التحررية بالعالم كله ،ومنارة وسط هذا الزخم ،كان جمال ً للتنمية والتقدم في القارات الثالث .وإضافة لصوت العرب ،احتضن ماسبيرو ٤٥إذاعة 45
ينس عبد الناصر األهمية اإلستراتيجية لحوض موجهة ألفريقيا باللغات المحلية .ولم َ النيل؛ حيث واصل دعم دوله بمختلف األشكال ،ضمن منظومات ،أبرزها «شركة النصر لالستيراد والتصدير» ،التي توسعت تدريج ًّيا إلى ٢٥فر ًعا في خدمة القارة السمراء. يؤكد المعماري البارع رمزي عمر ،أحد جنود تنمية أفريقيا ،أن «أعلى مبنى في كل عم َرها «كان بالضرورة مصري البناء» .ومن هذه الخدمات ذهاب عاصمة أفريقية» َّ مسلحا بخبرة مطار القاهرة ،ليشيد أكبر وأعلى مبنى في المعماري مصطفى شوقي، ً الجزائر العاصمة ،أهم فندق ،بعد االستقالل مباشرة .والجامعة الوحيدة في كوناكري، عاصمة غينيا ،باسم جمال عبد الناصر. المساندة للحركات التحررية األفريقية ،وباألخص لدول حوض وادي النيل ،لم تُستثمر اقتصاد ًّيا منذ رحيل عبد الناصر؛ لغياب الرؤية السياسية ولتحول غير حميد لبوصلة السياسة الخارجية منذ تولى السادات الحكم .وعلى الرغم من السياق التنموي العظيم ،الذي أقر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بأنه األفضل عالم ًّيا سنة 1965 عند إنهاء الخطة الخمسية األولى ،إال أن عبد الناصر خذلنا في جوانب التعددية الحزبية والحريات الشخصية. ذكريات مرت أمامي وأنا وسط المحتشدين بالضريح ،أغلبيتهم ولدَ ت بعد رحيله.. ولمحت ً رجل أربعين ًّيا جلس القرفصاء أمام القبر ،يرجوه« :إصحى يا عبد الناصر».
46
�أ�سا�سيات
لحمنا الحي ُيقاس نجاح التنمية بمدى تعظيم عائد القيمة التي يضيفها اإلنسان (المصري) إلى
األصول الثابتة التي يتمتع بها الوطن ،وتُقاس هذه القيمة بالعائد السنوي المتجدد
والقابل للزيادة لكل كيلومتر مربع في مصر ،التي تنتظر خارطة بعائد «اإلضافة»
وجوا. ألصولهاًّ ،برا وبحرا ًّ ً
وكقاعدة «اقتصادية» محضة ..فإن بيع أي أصل هو حرف ًّيا قطع من «لحمنا الحي»..
هو جريمة ال تتوقف عند حدود البيع ،ويماثله جر ًما إدخال المقابل النقدي لهذا البيع كعائد في ميزانية الدولة ،وهو جرم اقترفته نظم سابقة؛ حيث إن عملية البيع تحول ً أصل ذا قيمة ثابتة ،يمكن أن تدر ً دخل دور ًّيا يمكن زيادة قيمته ـ وبالتبعية عائده المتجدد ـ
إلى سيولة نقدية ،تتآكل قيمتها وتنتهي ،مهما كانت سبل استثمارها ،وال يمكن استعادته بسعر بيعه نفسه ،بل بأضعاف متضاعفة.
فقناة السويس ،على سبيل المثال ،مساحتها 70كم ،2وتحقق عائدً ا سنو ًّيا حوالي
5.537مليار دوالر (إحصائية سنة .)2011هكذا ،يبلغ عائد القيمة المضافة 80
مليون دوالر سنو ًّيا لكل كيلومتر مربع ..ويمكن عمل الحسابات نفسها لمساحة موقع
السد العالي بأسوان ومربع معبدي األقصر والكرنك ،وإذا حاولنا أن نكرر «الحسبة»
نفسها منذ السبعينيات من القرن الماضي ،لن نجد شي ًئا ُيذكر ،يمكن حسابه كعائد
للقيمة المضافة ألصول مصر.
ٍ أراض ومؤسسات ،مثل الجامعات والمستشفيات ال يجوز بيع الدولة ألصولها من
والمرافق والبنوك ،بالبخس والفساد ،تحت ضغط مؤسسات التمويل مثل صندوق 49
النقد الدولي ،واالتفاقيات الدولية مثل الشراكة المصرية-األوروبية .وال مانع من بيع بعض شركات القطاع العام بشرط الشفافية ،ليس إللغاء إنتاجها ونشاطها ـ مثل شركة المراجل البخارية ـ بل لتحسين أوضاعها ولزيادة وتطوير إنتاجها والتصدير. لهذا ،عند إقرار أي مشروع ،يجب دراسة فرص قيمته المضافة ،والعائد المستمر المتجدد القابل للزيادة منها ،كإحدى طرق التفضيل بين المشروعات. ٍ أراض مصرية ،أي األصل ويوضح الجدول ( )1كيفية التعامل على نماذج الجوهري ،منذ عام 1856إلى ،2006مع مالحظة أن تحويل األصل الثابت إلى سيولة نقدية ال يمثل عائدً ا لميزانية الدولة ،بل إنه تحويل من صفة إلى أخرى ،وأن العائد غير المباشر ،من ضرائب وعوائد ورسوم ،تطبق في جميع األحوال ،ولذلك ال تدخل في المقارنة.
إن البيع ُيفقد خزانة الدولة ً متكررا ومتجد ًدا ،يتزايد كل عام في حالة دخل مستقبل ًّيا ً تنمية األصل واإلبداع في تخطيط القيمة المضافة له. سلمنا هذا الجدول ليد الراحل اللواء عمر سليمان ،في سبتمبر ،2007عند اإلعالن عن بيع أرض سيدي عبد الرحمن لشركة إماراتية.
50
األصل
أرض قناة السويس
أرض رأس البر
المنطقة الحرة بمدينة نصر
أرض سيدي عبد الرحمن
تاريخ التأسيس
1856
1902
1977
2006
الموقع
ساحلي
ساحلي
صحراوي
ساحلي
مساحة األصل
70كم
نوع القيمة المضافة لألصل
القناة المالحية
2
حوالي 18كم
2
فيالت /شقق +فنادق وتجاري
حوالي 1كم
2
مخازن ومصانع
7كم
2
فيالت /شقق +فنادق وتجاري
الملكية للدولة منذ فقدت نظير 25 ماذا حدث ويحدث بداية المشروع وإلى الملكية للدولة منذ الملكية للدولة منذ مليون دوالر لكل في ملكية األرض اآلن («ديليسبس» بداية المشروع وإلى بداية المشروع وإلى كم 2دفعت مرة اآلن اآلن فقط كان له حق (األصل)؟ واحدة االنتفاع) %15من الدخل (حق االنتفاع) عائد إيجار لألراضي = × %15ثالثة عائد إيجار األرض نظير حق االنتفاع 7صفر وكل سنة أقل العائد السنوي على مليارات دوالر نظير حق االنتفاع 2 من الصفر دوالرات لكل م = 4.6مليون دوالر األصل وقابل للزيادة 2 وقابلة للزيادة لكل كم وقابلة للزيادة (حتى من دون تأميم) %85من الدخل بعد التأميم إيجارات تجارية عائد إيجارات = × %85 العائد السنوي وعائد على الملكية دوالرا صفر وكل سنة أقل للمباني 25 ثالثة مليارات المباشر للدولة ً العامة والطرق 2 من الصفر لكل م( 2عائد قابل دوالر 70/كم للقيمة المضافة ورسم دخول (عائد للزيادة) = 4.36مليون لألصل قابل للزيادة) 2 دوالر لكل كم قابلة للزيادة
ٍ أراض مصرية منذ عام 1856حتى 2006 جدول ( :)1دراسة مقارنة لنماذج التعامل مع
المصدر :إعداد المؤلف 2007
51
�شرايين الوطن شبكات النقل والطاقة هي شرايين حياة أي اقتصاد ،عليها تُبنى اإلمبراطوريات،
وعليها تتصارع .وهي «ماذر بورد» أي مجتمع ،الجامعة والرابطة بين مكوناته ،والمغذية لعناصر اإلنتاج من الطاقة المستمرة. النقل
من يقرأ تاريخنا ،سيالحظ بسهولة أن فترات قوة الدولة ،في العصور المتعاقبة،
ارتبطت بتأمين شبكة النقل «اللوجستية» بين طرق المالحة العالمية وتسييرها ،وبتعبيد الطرق داخل ًّيا وتأمينها .ويكاد تاريخنا المعاصر ينحصر في الصراع حولها؛ ففرنسا
خططت وضغطت لحفر قناة السويس ،وبريطانيا خططت وضغطت لبدء خط سكك
حديدية مصرية يربط بين اإلسكندرية والسويس الستكمال خط النقل من بريطانيا إلى
الهند في ذلك الوقت ،وكلتاهما كانت لخدمة مشروعيهما.
مركزا لتسويقها دول ًّيا ،وكذا منتجات لم تكن مصر تزرع التوابل ،ولكنها كانت ً
كثيرة ذات ثقل في أسواق العالم .وحتى مع انضباط شبكة المواصالت الدولية أكثر،
ما زالت الحاجة قائمة إلى الطرق القديمة ذاتها ،وإن تطورت أدواتها ،ونظل نحن في
وأيضا حاجة أكبر إلى ربط أنحاء الوطن كافة؛ خاصة أحوزته المهجورة ،بعضها ببعضً ، بدول المحيط الحيوي والجوار.
البروفة األولى للدولة األحدث َّ دشنها محمد علي ،بتمهيد الطرق لربط المديريات،
وتأمين مروحة الطرق الدولية واإلقليمية التي تتمحور حولها .ومع البروفة الثانية.. 53
بلورت ثورة يوليو مشرو ًعا قوم ًّيا ،وزاد طول الطرق المرصوفة من 3.887كم إلى
6.500كم سنة ،1960مع تحديث القديم ،وبناء أسطول بحري ،وتطويع النيل أكثر أمام المالحة .وتدريج ًّيا ،زادت الطرق إلى 46.9ألف كم عام ،2006أي ثلث الطرق
الممهدة ـ 137.430كم ـ لتحتل مصر ،وفق تصنيف عام ،2012المرتبة 38دول ًّيا، بعد جنوب أفريقيا ،10تركيا ،16السعودية ،22وتتقدمنا دول ،مثل :الفلبين وكينيا
والكونغو وكولومبيا وبيرو.
وعلى الرغم من إقرارنا بأهمية إخراج شبكة الطرق البرية ،التي تنفذ اآلن ،إلى
النور ،إال أن من خططوا لها لم يلتفتوا إلى «اقتصاديات بناء الطرق» ،خاصة في الدول
النامية ،فهم طبقوها بتكلفة أضعاف ما تحتاج إليه في بداياتها .فقد كان األنسب أن
تنطلق بـ«حارة أو اثنتين» ،وبخامات أقل استهالكًا ،مع وضع فرص توسعها في االعتبار. كما كان يجب االكتفاء ببديل واحد للطريق في بداية التنميةً ، فمثل كان من الممكن
االكتفاء بطريق وادي النطرون القائم ً بدل من إنشاء محور الضبعة ،وكذلك االكتفاء بطريق السويس-بورسعيد ً بدل من إنشاء محور 30يونيو وفي الوقت نفسه إهمال
طرق الوادي والدلتا ،التي تخدم أكثر من 80مليون مواطن.
وتنتظر «ماذر بورد مصر» وشرايين اقتصادها خطوات عديدة ،أكثر من هذه الخطوات
فصلناه في كتابنا «االنفتاح الجزئية .وباإلضافة إلى مشروع «سفن الجو»/المناطيد ،الذي َّ على مصر» ،المالئمة لطبيعة تضاريس بالدنا بما تضمه من صحراء شاسعة ٍ وواد ضيق،
وتسهيلها التصدير إلى البالد األفريقية المجاورة ،وعدم احتياجها إلى مطارات أو طرق، وقلة تكلفتها ،نحتاج إلى:
1ـ رسم منظومة تتكامل فيها وسائل النقل كافة ،مع شبكات دول الجوار وحوض النيل إن أمكن ،على أن تكون قادرة على التطور مع الداخل والجوار م ًعا.
2ـ وضع خطة عملية لتحويل وسائل النقل من مسببة للتلوث إلى صديقة للبيئة ،باستخدام الكهرباء والطاقة الخضراء ،وفتح باب اإلبداع أمام العلماء والمهندسين؛ لجعلها أكثر جاذبية للمستخدمين ،نظير مكافآت مجزية.
3ـ ربط رخصة السيارات الخاصة بتوفير مكان محدد النتظار تلك السيارات ،ويكون 54
ذلك بالتدريج وبعد إعداد الترتيبات الالزمة ،حيث إن معظم السيارات تشغل حيزا من الطرق ،وتظل في حالة توقف لفترات طويلة أكثر مما تكون في حالة ً حركة %80 :من الوقت تكون السيارات الخاصة في حالة انتظار. 4ـ ضبط شبكة السكة الحديدية ،لتصبح العمود الفقري لنقل األفراد والبضائع، ولربط المطارات والموانئ واألحوزة المهجورة (أي المناطق النائية والمحرومة) بعموم الجمهورية .وفتح المحطات المغلقة ،ومد مزيد من الخطوط الفرعية بين المدن والمحافظات ،بعربات خفيفة غير نمطية تصنع محل ًّيا بالكامل ،ليضمها جمي ًعا خط دائري عموم مصر ،كما في خريطة (.)3
خريطة ( :)3خط سكك حديدية دائري مصر لربط األحوزة المهجورة والمأهولة ودول الجوار
المصدر :إعداد المؤلف
55
5ـ بلورة منظومة لتصنيع جرارات وعربات السكك الحديدية ،بتدرجاتها ،وخدماتها المكملة ،تكون قاطرة للصناعات المتوسطة والثقيلة. ُ 6ـ تحويل ورش هيئة السكك الحديدية ومراكز تدريبها إلى معاهد فنية ،ودراسة إنشاء جامعة النقل ،تشمل كليات متخصصة للنقل وما يتقاطع معه ،كالمرور واللوجستيات ،وتكثيف بعثات الدراسات العليا والتدريب. 7ـ فتح باب اإلبداع ،مقابل مكافآت مجزية ،أمام أفكار ورؤى ،تجعل شبكات السكك الحديدية في المقام األول والنقل العام لألماكن التي ال تتمتع بسكك حديدية أكثر جذ ًبا للمستخدمين؛ إذ تحذر أرقام جهاز اإلحصاء من انخفاض أعداد مستخدميها من 450مليون راكب في 2001إلى 292مليونًا في ،2009وفق الشكل ( ،)6والبضائع من 12مليون طن إلى أقل من 8ماليين، كما في الشكل ()7؛ وهو مؤشر خطير عن تدهور السكك الحديدية ،واضطرار الماليين إلى استخدام النقل البري؛ ما أدى إلى مزيد من التلوث ،واالزدحام، والحوادث ،واستيراد السيارات والوقود.
شكل ( :)6تطور أعداد ركاب السكك الحديدية
56
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء (آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)
شكل ( :)7تطور وزن البضائع المنقولة بالسكك الحديدية المصرية
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء (آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)
وهي األوضاع التي أدت إلى مزيد من االعتماد على سيارات النقل والمقطورات على الرغم من خطورتها وتأثيرها السالب على استهالك الطرق والوقود ،وعلى الرغم من وضع خطة لتقليل االعتماد عليها .والرسم البياني التالي ،شكل ( ،)8يوضح كيف تجاوزت أعداد سيارات النقل والمقطورات المليون سيارة في 2013ووصلت إلى مليون ومائة وخمسة وستين ألف سيارة في .2015
57
شكل ( :)8إجمالي عدد سيارات النقل والمقطورات المرخصة على مستوى الجمهورية
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء
8ـ صيانة الطرق البرية في الدلتا والصعيد ،ورفع كفاءتها ،وإعادة رسم خريطتها ً وشمال إن أمكن بما لالنفتاح على األحوزة المهجورة شر ًقا وغر ًبا وجنو ًبا.. يتفادى األراضي المحتلة. ويجب تحديد عدد الحارات وعدد طبقات الرصف لكل طريق ،بناء على دراسة مرورية؛ حتى يكون اإلنفاق الحكومي متماش ًيا مع االحتياج الشعبي واالقتصادي ،وال يشكل عب ًئا مال ًّيا ،وعندما يزيد العمران ويزداد المرور ،يتم استكمال بقية طبقات الرصف ،وزيادة عدد الحارات المرورية. 9ـ الوصول إلى متوسط سرعة للرحلة بين المدن ونظيراتها ،وبين المدن والقرى، يوازن المعدالت الدولية ،واالنحياز ألساليب إنشاء طرق تجمع بين الفعالية وانخفاض التكلفة. 10ـ إنشاء شبكة خطوط نقل نهرية ،لألفراد والبضائع ،بطول النيل وفرعيه ،وما أمكن من الترع الرئيسية ،وربطها بدول حوض النيل ،وهذا يساعد على إنشاء صناعة الوحدات النهرية وصيانتها في الترسانات النيلية ،ويجب ربط خطوط النقل النهري بالموانئ البحرية والجافة بالسكك الحديدية ،كلما أمكن ذلك. 11ـ إحياء األسطول التجاري المصري بما يتناسب مع امتداد سواحلها٢٩٦٣ ، 58
كيلومترا ،على البحرين األحمر والمتوسط ،وبما يكمل المكانة البحرية المميزة ً يتبق سوى سفينة واحدة صالحة للعمل عالم ًّيا .فمن بين 80سفينة عام ،1971لم َّ وست سفن بورش الصيانة ،وف ًقا لجريدة «المصري اليوم» 13يناير .2016 12ـ تعظيم عوائد شبكات النقل والمواصالت كافة ،سواء عبر توظيفها إعالن ًّيا وتسويق ًّيا، أو استغاللها كنقاط تمركز لتقديم/بيع الخدمات المختلفة ..حكومية أو خاصة. 13ـ ضبط منظومة المرور وإنشاءات الجراجات تحت األرض ،آليات وثقافة ،بما يوفر الوقت والجهد ،ويقلل استيراد مواد الوقود بما يصل لـ ،%30التي نستورد منها شهر ًّيا ما كلفته 600مليون دوالر ،تمثل ثلث احتياجاتنا؛ مما يعني إمكانية التخفيض الحاد لوارداتنا منها ،وتوفير ما يعادل 2400مليون دوالر سنو ًّيا. الطاقة
مع النقل تأتي الطاقة ،وخال ًفا للتطور الحضاري في توظيفها ،تفاقمت مخاطر التلوث؛ إذ تضاعف نصيب المواطن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من 1.35 طن عام 1990إلى 2.64طن عام ،2011بما له من انعكاسات خطرة على الصحة العامة ،كما في الشكل (.)9
شكل ( :)9تطور نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مصر 59
المصدر :البنك الدولي ـ 2014
والحل المنطقي هو تعظيم استخدام الطاقة النظيفة ،مثل الرياح ،ولكن على ارتفاعات مترا فوق سطح البحر، أعلى من 300متر فوق سطح األرض ،وارتفاع ً 150-120 بعيدً ا عن الشواطئ ،واستخدام حرارة الشمس قبل ضوئها ،وأمواج البحر ورياحه ومركزا وتياراته ..إلخ ،والتخطيط لتكون مصر قائدة تطويرها وتكنولوجياتها عالم ًّيا، ً دول ًّيا لتصديرها ،مع تأكيد أن االتجاه الرسمي للدولة في اختيار نوعية طاقة الرياح والطاقة الشمسية غير مناسب في تكنولوجيته ،بل هو نقل غير حكيم لما يحدث في الغرب ،ال يناسب البيئة المحلية. وكمثال بسيط ،فإن تحويل سخانات المياه الكهربائية والغازية ،في مجاالت الحياة المختلفة ،إلى شمسية يوفر طاقة تعادل إنتاج محطتين نوويتين بقدرة 2.4جيجاوات، وكذلك تحويل تقنية طلمبات الري السطحي ،التي تروي حوالي 4ماليين فدان ،لتعمل قدرا ً هائل من الديزل. بالطاقة الشمسية فنوفر ً تجربة أول مضخة ري شمسية سنة 2013منطقة عرب الحصار
مصدر الطاقة الشمسية لتغذية المضخة
60
المضخة تعمل بالطاقة الشمسية
المياه المتدفقة من الطلمبات بواسطة الطاقة الشمسية
وهذه التجربة تساعد على تشجيع القدرات الفردية عامة على إنتاج طاقة لالستخدام وأيضا للمشروعات ،من دون ربطها بالشبكة القومية. الذاتي للمعيشة ً وفي الطاقة النووية ،علينا إنتاج وقودها ،معتمدين على مواردنا الطبيعية؛ خاصة ما يعرف بـ«الكعكة الصفراء» من رسوبيات الفوسفات في أبو طرطور ،و«المياه الثقيلة» من مصانع «كيما» بأسوان. وبشكل عام ،منحتنا الطبيعة هبات يمكن تضمينها ما أراه مشرو ًعا قوم ًّيا ً هائل، تتناغم فيه المصادر المتنوعة باستخدام السوريوم والطاقات الشمسية (،)Solar/Sorium وتصدير ناتجها عبر كابالت بالزما « »DCإلى أوروبا وأفريقيا. 61
ب�شر
الم�صري ًّ حل طوال تاريخ مصر ،الذي تبدأ به قصة الحضارة ،لم تبح أرضها بثرواتها كما يجب ،ولم تخصها السماء بحصة من مائها .بالتوازي مع النيل ،جرت األنهار ً وشمال ،وعلى ضفافه ،فقط ،أينعت الحضارة ،فهو والفرعونية شر ًقا وغر ًبا وجنو ًبا هبة المصريين. على أكتافهم ،وبتراثهم الحضاريُ ،بنيت دول عربية وأفريقية ،ولن تجد مؤسسة علمية غربية أو دولية ليس بها قيادي منهم .أين اختفى صانع الحضارة طوال نصف قرن؟ هو ُمقيد في بلده! المصري ،إذن ،يسهل أن يكون ًّ حل ،هكذا يجب أن يفكر من يدير المحروسة، بأن يوضع المصري كمستفيد أول من جميع اإلستراتيجيات والسياسات، ومخططها ومنفذها ،وأن تكون جودة حياته هدفها األسمى .ولن يتحقق ذلك إال بربط اإلستراتيجيات والسياسات ،بتنوعاتها ،بمبدأ مشاركة المواطنين والمنظمات األهلية ،والثقة في الخبراء الوطنيين ،واالستثناء أن يطلبوا هم خبرة خارجية في تخصصهم .وقد أثبتت التجربة أن االستعانة بالمكاتب أو المؤسسات األجنبية لحل مشكالت الحكومة اإلدارية واالقتصادية لم ِ تأت بأية فائدة ،بل بالعكس زادت من سوء األحوال. جودة الحياة هي أحدث تجليات التنمية البشرية .وكهدف أسمى ،تتمركز في قلبه الطبقة الوسطى ،قاطرة تقدم أي مجتمع .وبتفجير طاقاتها وتمكينها ،ستجذب معها من هم حول دوائر الفقر وتحتها ،وتفتح باب إنقاذ سجناء األمية واألمراض المزمنة .ويجب إعادة النظر في معايير تعريف الطبقة الوسطى ،حيث تجاوز ذلك 65
التعريف أرقام متوسط الدخل وحجم الممتلكات إلى مستوى التعليم والمهنة ونوعيتهما. ً المعاش والدراسات المتتالية ،تحذرنا إحصائيات عام ،2015للجهاز وفضل عن الواقع ُ المركزي للتعبئة واإلحصاء ،من تردي أوضاع بقايا الطبقة الوسطى :من يملكون سيارة ركوب خاصة ،%8و %22من األسر تمتلك أجهزة كمبيوتر ،و %11تمتلك جهاز تكييف، كما تحذرنا اإلحصائيات من اتساع فروق اإلنفاق والدخل بين أهل الحضر وأهل الريف، المجمل ،وضع ومن أن %40من المصريين لم تصلهم خدمات الصرف الصحي بعد .وفي ُ «تقرير التنمية البشرية» لألمم المتحدة مصر في المرتبة 108من 174دولة ،مقارنة بكوريا الجنوبية ،17وإسرائيل ،18وماليزيا ،62وتركيا ،72كما في الشكل (.)10
شكل ( :)10ترتيب مصر في مؤشر التنمية البشرية (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر« :تقرير التنمية البشرية» ،األمم المتحدة ـ 2014
وتستوجب جودة حياة المصري ،ليصبح ًّ حل ،إعادة النظر في نسبة النمو والناتج القومي العام GDPومتوسط دخل الفرد كمؤشر للتنمية؛ فتجربة العشرينية األولى من 66
القرن الحالي تنبهنا إلى أنها لم تعد كافية ،ولدينا كذلك أهداف التنمية كما أعلنتها األمم المتحدة ،كمؤشرات أكثر فاعلية ومصداقية ،كما في الشكل (:)11 1ـ القضاء على الفقر بجميع أشكاله ،وفي كل الدولة. المحسنة. 2ـ القضاء على الجوع ،وضمان األمن الغذائي والتغذية َّ 3ـ الصحة الجيدة والرفاه. 4ـ ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل ،وتعزيز فرص التع ُّلم مدى الحياة للجميع. 5ـ تحقيق المساواة بين الجنسين في مجاالت الحياة كافة. 6ـ ضمان توافر المياه وشبكات الصرف الصحي وجودتها للجميع. 7ـ ضمان حصول الجميع ،بتكلفة ميسورة ،على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة. 8ـ تعزيز النمو االقتصادي الم َّطرد للجميع ،والعمالة الكاملة والمنتجة. 9ـ تكوين بنية تحتية قادرة على الصمود ،وتحفيز التصنيع الشامل والمستدام، وتشجيع االبتكار. 10ـ الحد من عدم اإلنصاف داخل المدن ،وفيما بينها. 11ـ جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع ،وآمنة وقادرة على التطور. 12ـ توازن االستهالك واإلنتاج ،على مستوى المسؤولين. 13ـ اتخاذ إجراءات فعالة للتصدي لتغير المناخ وآثاره. وحسن استخدامها على نحو مستدام. 14ـ الحفاظ على الموارد البحريةُ ، 15ـ حماية النظم اإليكولوجية البرية ،وترميمها ،وتعزيز فرص استغاللها على نحو مستدام. 16ـ ترسيخ ثقافة السالم والعدل والمؤسسات. 17ـ تنشيط الشراكات العالمية لتحقيق هذه األهداف. وإذا كان الهدفان األول والثاني يتحدثان عن القضاء على الفقر والجوع ،فإن العاشر انشغل بتحقيق اإلنصاف داخل المدن بين األغنياء والفقراء من ناحية ،وبينها وبين المناطق المختلفة من ناحية أخرى ،برفع مستوى الدخل ،والخدمات المقدمة للمواطنين الفقراء ،بنسبة أكبر من النسبة العامة للنمو االقتصادي. 67
شكل ( :)11أهداف التنمية السبعة عشر ،كما حددتها منظمة األمم المتحدة ـ 2017
علمي ويتطلب ضبط هذه األهداف مؤشرات قياس لنجاح التنمية ،تناسب تطورات َ المالية العامة واالقتصاد ،إضافة إلى المؤشرات السائدة :متوسط دخل الفرد ،والدخل القومي العام ،ومعدل النمو؛ فاالقتصار عليها ،لقياس التنمية ،حرمنا من كشف خلل عدم اإلنصاف ،الذي أدى إلى تآكل الطبقة الوسطى .ولعل التجربة المصرية ،خالل العقدين األخيرين ،تُبرز خطورة االقتصار على المؤشرات السطحية مثل معدل النمو ،ومتوسط نصيب الفرد من الناتج القومي ،وتجاهل مؤشرات توزيع عائد هذا النمو وذلك الناتج القومي ،ولعل خير مثال ما أدلى به وزير سابق ،أن التنمية من أعلى تشبه إغراق طابق مرتفع في مبنى كبير بالمياه ،وأنه بعد أن يتشرب الطابق تما ًما بالمياه ،سيبدأ «بالتنقيط» على الطابق األسفل ،الذي بدوره سيتشبع بالمياه ،ثم يبدأ بالتنقيط على الطابق الذي يسبقه وهكذا دواليك ،حتى تصل المياه إلى األدوار السفلى .ولم ينتبه إلى أن البناء كله سيصبح ً آيل للسقوط ،قبل أن تتحقق نظريته .وخرج هذا الوزير بعد قضايا فساد القمح. ال شك أن السياسات المطبقة لتحقيق النمو هي التي ستحدد كيفية توزيع عوائد اختيارا بين التنمية من أسفل ذلك النمو ،وبالتالي سيكون اختيار السياسات في الواقع ً لكي تؤثر إيجاب ًّيا في حياة القطاعات العريضة من أبناء الشعب ،والتنمية من أعلى لتقدم المزايا لفئات قليلة من المجتمع ،سواء كانت في فترة من التاريخ تعبر عن أصحاب 68
اإلقطاعيات ،أو تعبر في فترة أخرى عن رأسمالية المحاسيب .وهنا ال بد أن نستفيد من التجارب السابقة ،وإال سيكون غري ًبا للغاية أن نتبع المنهج نفسه ،الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه ،ونتوقع نتائج مختلفة. ولعل أبسط مثال على أهمية اإلفصاح عن السياسات التفصيلية للوصول إلى اإلستراتيجيات المعلنة ،وتوسيع نطاق المشاركة في اختيار هذه السياسات ،هو ما ورد بمشروع موازنة الدولة لعام 2018-2017من زيادة حصيلة الضرائب بمبلغ 170 مليار جنيه ،وهو ما يقارب حوالي %40من حصيلة العام السابق .وتتضح أهمية هذا المثال ،عندما نكتشف أن أكثر من نصف هذه الزيادة في حصيلة الضرائب ( 90مليار جنيه) تأتي من ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المبيعات ساب ًقا) ،وهي الضريبة التي تصيب المواطنين ال الشركات .يأتي هذا في الوقت نفسه الذي ال يخضع فيه نشاط علما بأنه نشاط يشمل مئات الماليين من األمتار مثل «تسقيع األراضي» ألي ضريبة؛ ً المربعة في طول مصر وعرضها! ليس هذا فقط ...بل وفي الوقت نفسه يتم تأجيل فرض الضريبة على أرباح مضاربات البورصة! كذلك ،عندما تضطر الدولة إلى نشر مئات السيارات لتكون منافذ متنقلة للسلع والبضائع (غير المدعومة) في طول البالد وعرضها ،وإلى إنشاء عشرات منافذ التوزيع المؤقتة في صورة أكشاك للغرض نفسه ،بعد عقود من رفع شعارات تحفيز االستثمار وتقديم التسهيالت إلنشاء كل أنواع الهايبرماركت وبورصات السلع المختلفة، والتخلص من القطاع العام ،والقضاء على القطاع التعاوني ،فإن ذلك ال يعكس سوى فشل النظام التجاري واالقتصادي في الوصول إلى فئات واسعة من المستهلكين ،وتلبية احتياجاتهم األساسية بأسعار وهوامش أرباح ال تتدخل فيها الدولة من قريب أو بعيد! ويكشف الرسم البياني التالي (الشكل ( ))12عن أن الدخل القومي العام ال يكفي مؤشرا نهائ ًّيا للتنمية؛ إذ تحتل أمريكا ترتي ًبا سي ًئا في مؤشر عدم اإلنصاف في وحده ً توزيع الدخول ،رغم أنها صاحبة مرتبة متفوقة في الدخل القومي العام ..بينما تأتي الدنمارك وجمهورية السلوفاك وسلوفينيا والنرويج في المراكز األربعة األولى لمؤشر اإلنصاف والمساواة ،على الرغم من انخفاض الدخل القومي العام بها عن نظيره في الواليات المتحدة. 69
شكل ( :)12مؤشر عدم اإلنصاف في توزيع الدخل ببعض الدول (الرقم األصغر هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ـ 2012
وفي قضية تغييب اإلنصاف ،فقد خصص لها البنك الدولي «مؤشر جيني» للقياس مقصسما إلى 100نقطة ،يمثل الصفر فيه حالته المثالية ،ورقم 1 عليه بموقعه الرسمي، ً حالته األسوأ ،وطبقه على أمريكا وبلغاريا كنموذجين سلبيين ،كما في الشكلين ()13 و( ،)14والبرازيل كنموذج إيجابي كما في الشكل (.)15
70
شكل ( :)13تطور حالة اإلنصاف في الواليات المتحدة وف ًقا لـ«مؤشر جيني» (الرقم األصغر هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :البنك الدولي ـ 2014
شكل ( :)14تطور حالة اإلنصاف في بلغاريا وف ًقا لـ«مؤشر جيني» (الرقم األصغر هو األفضل واألكبر هو األسوأ) 71
المصدر :البنك الدولي ـ 2014
شكل ( :)15تطور حالة اإلنصاف في البرازيل وف ًقا لـ«مؤشر جيني» (الرقم األصغر هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :البنك الدولي ـ 2014
وفي مصر ،يكشف تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ،عام ،2016 أن إنفاق %20من أصحاب الدخول األعلى يعادل إنفاق %60من الشرائح الفقيرة، كما في الشكل ()16؛ ما يشكل ً واضحا لمشكلة عدم اإلنصاف داخل المجتمع مثال ً المصري.
72
شكل ( :)16نصيب كل شريحة في المجتمع ،تمثل %10من السكان ،من إجمالي االستهالك الفعلي
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2015
ويوضح الشكل ( )17تفاوت المصروفات المعتمدة للمحافظات في موازنة ،2012-2011مقارنة بنسب سكانها ،من دون االحتكام إلى ضوابط محددة أو ثوابت للعالقة بين هذين العاملين (المصروفات وعدد السكان) .ومن ثم ،نجد أن محافظات الدقهلية واإلسماعيلية وبورسعيد وأسيوط تزيد فيها نسبة المصروفات على نسبة السكان ،على العكس من محافظات القاهرة والجيزة والمنيا ،التي تعاني نقص نسبة المصروفات عن نسبة السكان. والحل األمثل ليس في نقل المخصصات ،قدر ما هو في إعادة التوزيع الجغرافي للسكان ،لتقليل التكدس والكثافة السكانية في القاهرة الكبرى وبعض عواصم المحافظات. 73
شكل ( :)17مقارنة نسب المصروفات المخصصة للمحافظات من إجمالي المصروفات مع نسبتها من إجمالي السكان
المصدر :موازنة اإلدارة المحلية 2012-2011
ولكي يكون المصري ًّ حل ،على الدولة أن ت ِّ ُسخر السياسة والدبلوماسية والبنوك واالقتصاد والسياسة النقدية لخدمة التنمية ،ونرشح هنا تسعة محاور للبناء عليها ،هي: األول :وضع رؤى وإستراتيجيات وخطط تنموية ،مرتبطة بجداول زمنية وأيضا لتنمية القدرة محددة لتنمية المجاالت اإلنتاجية والخدمية، ً الذاتية البشرية للمجتمع المصري .ويجب تحديد التوازن بين اإلنفاق للخدمات واالستثمار لإلنتاج ،مع التركيز ً أول على خدمات التعليم وعلى اإلنتاج للتصدير .والخطوة األولى تكمن في تفعيل المجلس األعلى للتخطيط القومي ،الذي يجب أن يتصدره العلماء والمبتكرون والمبدعون والمفكرون المصريون ،وليس فقط خبراء السياسة النقدية والمالية واالقتصاد والتعمير؛ بحيث ال تقتصر المشروعات التنموية على أيضا قاطرة لدفع القدرة الذاتية المصرية إلى تنمية مصر فقط ،ولكن تكون ً األمام وبنائها في المجاالت المختلفة. الثاني :دعم تكوين ظهير سياسي مهتم بالعمل العام ،ال سيما ثقافة التنمية واإلنتاج بتكثيف العمل الحزبي ،وأسوة بالدول المتقدمة ،فإن عدد األحزاب العاملة 74
الفعالة القوية يكون إما حزبين أو ثالثة أحزاب ،مثل :أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ،ويمكن الوصول إلى هذا التكثيف بغرض زيادة الفاعلية وتعظيم المشاركة في العمل السياسي ،عبر دعوة الدولة لدعم 3أحزاب فقط في حالة دمج األحزاب الحالية في ثالثة كيانات :يسار ويمين ووسط ،ويشمل هذا الدعم الشق المالي لمدة من 3إلى 5سنوات متتالية ،طب ًقا لروابط محددة، لتفي بغرض توسيع المشاركة الشعبية في العمل السياسي ،وتستمر هذه األحزاب ،بعد ذلك ،اعتما ًدا على اشتراكات أعضائها. الثالث :تحفيز حق التنظيم للمجتمع المدني بأشكاله كافة ،لكي تكون الحكومة خاضعة لرقابة الرأي العام ،مثل :رقابة أصحاب الودائع في البنوك ورقابة على الشركات التي اقترضت من البنوك ،ورقابة دافعي الضرائب ،ومراقبة حتما ،ستؤدي إلى فواتير المرافق وضمان حقوق المستهلك ..مراقبةً ، الحكم الرشيد. الرابع :تفعيل المواد الدستورية التي نصت على التوسع في قواعد الحكم المحلي، علما بما يحتاجه محيطه ،وأكثر قدر ًة على تنفيذه ورقابته، فالمواطن أكثر ً على أن نستفيد هنا من األنسب لنا في المدارس المتنوعة لتطبيقات الحكم المحلي ،خاصة الفرنسية والبريطانية ،مع: 1ـ إدراك أن مسؤولية اإلشراف على تنفيذ برامج التنمية تخص الوحدات المحلية. 2ـ تأكيد ديمقراطية الحكم المحلي ،وقدرته على سحب الثقة من المحافظين ورؤساء األحياء. 3ـ وجود مكتب للنيابة اإلدارية في كل مجلس محلي ،ليكون قبلة المواطن الذي يرغب في مواجهة الفساد. ٤ـ مساهمة الحكم المحلي في إعداد الموازنة. الخامس :تحفيز اإلبداع واالختراعات في المجاالت التي ترتقي بالمجتمع؛ طب ًقا لخطة قومية ،هدفها أن نحقق 12براءة اختراع مسجلة عالم ًّيا لكل مليون مصري سنو ًّيا كحد أدنى ،لنصنف دولة تكنولوجية .وتصدمنا مقارنة 75
أجرتها منظمة اليونسكو ،بين تطورات العاملين في سياقات البحث العلمي بمصر وكوريا الجنوبية وتركيا من 2007إلى ،2013ويكشف الشكل ( )18حجم الفجوة التي تفصلنا عن عصرنا.
شكل ( :)18تطور أعداد العاملين بمجاالت البحث العلمي في كل من مصر وكوريا الجنوبية وتركيا
المصدر :منظمة اليونسكو
حتى في مجاالت البحث العلمي ،يجب االهتمام بإيجاد مؤشرات أكثر عم ًقا وتنو ًعا لتوضح اتجاهاتها وضمان تغطيتها الحتياجات المجتمع، ويرصد الشكل التالي ( )19الذي نشرته منظمة الصحة العالمية ضمن دراسة حديثة عن استثمارات القطاعين العام والخاص في مجال البحوث الصحية ،كيف توزعت البحوث بين بحوث أساسية وأخرى تطبيقية، وثالثة تجريبية في دول أفريقية هي :ماالوي وموزمبيق وأوغندا وتنزانيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا.
76
شكل ( :)19توزيع االستثمارات في مجال التغطية الصحية الشاملة
المصدر :منظمة الصحة العالمية ـ 2015
السادس :التطبيق الصارم للتنافس الشريف في توزيع الوظائف والمناصب القيادية. ً ففضل عن أن إهدار هذا التطبيق «سوس» ينخر في اإلدارة واالقتصاد، فإنه يهز مشاعر االنتماء لدى المواطن وقدرته على العطاء .وقد أدت الشللية وتصعيد أهل الثقة إلى تدني ترتيبنا ،عام ،2016-2015إلى الـ 133من 148دولة على سلم اإلدارة المحترفة والمتخصصة ،كما في الشكل (.)20 ومن ثم ،يجب شغل الوظائف المؤثرة والقيادية باإلعالن والمسابقة؛ الختبار مدى المعرفة والمصداقية والنزاهة ،لضمان تولي أفضل الكفاءات لها .وهنا نتذكر قصة الموظف الروسي ،الذي عمل لحساب المخابرات األمريكية ،وكان تكليفه الوحيد هو اختيار أسوأ فرد للوظائف العامة ،كأداة حرب إلسقاط االتحاد السوفيتي من الداخل ،ومن دون قتال.
77
شكل ( :)20مؤشر االعتماد على اإلدارة المحترفة (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :المنتدى االقتصادي العالمي ـ 2016-2015
السابع :تكافؤ الفرص بمعنى االلتزام بمبادئ التنافس الشريف غير المنحاز لتوزيع األعمال على األفراد والشركات والمؤسسات المصرية ،واالبتعاد عن أيضا ،قبل الشبهات واألمر المباشر وعمل دراسة كافية ومناقشة مجتمعية ً تنفيذ برامج أو مشروعات قومية كبرى. الثامن :إلغاء النظرة السلعية والتجارية للعناصر األساسية لحياة المواطن ،من المرافق وخدمات الصحة والنقل والتعليم والثقافة والسكن ،ليحصل عليها إما بالمجان ..كالتعليم للجميع والسكن لمعدومي الدخل ،أو بسعر التكلفة أو مدعمة ،حتى حد استهالك معين .من دون حرمان القطاع الخاص من تقديمها لمن يرغب في تلقيها كسلعة. التاسع :بناء مجتمع المعرفة الذي يوفر مستويات متقدمة من البحث العلمي والتنمية التكنولوجية ،لتوصيل المادة المعرفية إلى جميع أفراد المجتمع من دون تمييز ،بحيث يتم حث المواطنين على تعلم كيفية تحقيق االستفادة الشاملة 78
من المواد المعرفية وتوظيفها واستثمارها وإدارتها بشكل مناسب ،إذ إن المعرفة هي التي تميز المجتمع وتحدد قدرته على االستمرار والصمود والتقدم والتفوق في المنافسة. والمعرفة هي القاعدة األساسية الالزمة إلنجاز مشروعات التنمية اإلنسانية في شتى المجاالت ،ألنها وسيلة ضرورية لتيسير الخيارات المتاحة أمام األفراد وتنويعها ،لتنمية قدراتهم وطاقاتهم وإمكانياتهم والسمو بأوضاعهم .ويتوقف الفرق بين مجتمع معرفي في دولة ما والمجتمع المعرفي في دولة أخرى، على مستويات النشاطات المعرفية الموجودة في ٍّ كل منهما ،ومعدالتها، وإمكانيات الحصول على المعلومات ،والقدرة على استخدامها بكفاءة، وتسخيرها في تحقيق أهداف محددة. ويتسم مجتمع المعرفة بعدد من السمات منها: 1ـ االنفجار المعرفي بتوفر مستوى ٍ عال من التعليم ،ونمو متزايد في قوى العمل التي تملك المعرفة وتحقق سرعة االبتكار والتجديد والتطوير. 2ـ االحتفاظ بأشكال المعرفة المختلفة في بنوك للمعلومات وإمكانية إعادة صياغتها وتشكيلها. 3ـ سرعة االستجابة للتغيير بتحول مؤسسات المجتمع ،الخاصة والحكومية، ومنظمات المجتمع المدني ،بعيدً ا عن أدوارها التقليدية ،بحيث تمارس دور الهيئات الذكية التي تحقق السرعة والدقة في اكتشاف التيارات واالتجاهات السلبية التي تهدد المجتمع بالفشل ،وقد تحوله بعيدً ا عن أهدافه. 4ـ تغير طبيعة العمل ،مثل الجامعة االفتراضية ،والعيادة التي تقدم االستشارات والعالج عن ُبعد ،والتجارة اإللكترونية ،والعمل من المنزل ،على أن تكون أكثر جودة وكفاءة. فرصا متنوعة إلشراك الجماهير في يتيح البعد السياسي لمجتمع المعرفة ً عملية اتخاذ القرارات ،كما يتيح حرية تداول المعلومات ،ويوفر ً مناخا قائما على الديمقراطية والعدالة والمساواة والمشاركة السياسية سياس ًّيا ً 79
الفعالة .وتساهم منظمات المجتمع المدني ومؤسساته بشكل كبير في التمهيد للمجتمع المعرفي ،بتوفير اإلرشاد ،وتيسير الحوار وتبادل الخبرات .ويمكنها أيضا أن تقدم المساعدة التقنية في تصميم اإلستراتيجية اإللكترونية ،وفي ً بعض الحاالت ،يمكنها إكمال دور الحكومة. أيضا الحامي لمكتسباته التنموية أقترح دراسة نظام التجنيد ولكي يكون الشعب هو ً والجيش المتبع في سويسرا ،والذي يؤدي إلى تدريب الشعب السويسري بالكامل، منذ بداية سن التجنيد وحتى سن 60سنة ،على حمل السالح والدفاع عن األرض، موز ًعا على األسلحة المختلفة ،ومعرفة جغرافيتها وتضاريس حدودها ،ولكل فرد َّ من الشعب حوالي شهر تدريب ،وأداء خدمة وطنية سنوية ،وفي حالة الحرب يكون ً رجال ونسا ًءٌّ ، الشعب بكامله ً كل وفق إمكاناته وطاقته .وبهذه الطريقة ال جيشا مدر ًبا، ً وجيشا ،مستعد وف ًقا لحاجة يكون عندنا تصنيف جيش وشعب ولكن الجميع ،شع ًبا الوطن وظروفه.
80
البناء بالتعليم خالل انتخابات مجلس النواب ،انشغلت قطاعات من اإلعالم ومواقع التواصل االجتماعي بمشهد لنقيب جيشُ ،يصلح «دكك» المدرسة التي يتولى حمايتها. تصرف محترم ،ولكنه لم يشغلنا عن أن لدينا منظومة ،يفترض أنها كاملة لم تقم شخصا معينًا في كل إدارة تعليمية يقوم بعملها .فما فعله الضابط ،يفترض أن هناك ً به ،وتتوفر له األدوات الالزمة ،واحتفاء السوشيال ميديا بتصرف الضابط نبهنا إلى أن منظومة الحكم ال تدرك أهمية إنقاذ التعليم من ترديه ،إلحداث تقدم في أي مجال. كما أدرك من قبل الفالح المصري العبقري علي مبارك ،والتركي «كمال أتاتورك»، والدكتور طه حسين ،وجمال عبد الناصر ،والسنغافوري «لي كوان يو» ،والماليزي «مهاتير محمد» ،والبرازيلي «لوال دا سيلفا» ،واآلن ..إثيوبيا. والتعليم «إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها» ،و«حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية ،والحفاظ على الهوية الوطنية ،وتأصيل المنهج العلمي في التفكير ( )...وترسيخ القيم الحضارية والروحية ،وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز» ،وهو مجاني في مدارس الدولة ومعاهدها، وتلتزم الدولة بـ«توفيره وف ًقا لمعايير الجودة العالمية» .هكذا رسم دستورنا قواعد منظومة بناء المستقبل. المستقبل لن ُيبنى على ما أقر به وزير التعليم السابق ،بداية ،2015من أن مليونًا ومائتي ألف تلميذ يغادرون التعليم االبتدائي وهم ال يجيدون القراءة والكتابة ،ومعهم %40من طلبة التعليم الفني .إننا نتحدث عن بدهية القراءة والكتابة ،فقط .بينما يحذرنا «تقرير التنمية البشرية» لعام 2013من أن %27ممن بين 18و 29سنة لم يكملوا 81
التعليم األساسي %17 ،تسربوا %10 ،لم يلتحقوا ً أصل بالمدارس ،ويعمل ثالثة ماليين منهم بمهن شاقة .ووفق المركز القومي للبحوث االجتماعية والجنائية ،يمثل األطفال %41.46من العاملين في ورش الميكانيكا ،و %38.21في ورش الكيماويات، و %73.18في ورش النسيج. ويبدأ انهيار جودة التعليم من التعليم األساسي :االبتدائي واإلعدادي؛ لهذا كان منطق ًّيا أن يضعنا المنتدى االقتصادي العالمي في المرتبة األخيرة من بين 148دولة، مباشرة بعد تشاد واليمن ،كما يظهر في الشكل (:)21
شكل ( :)21مؤشر جودة التعليم األساسي (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :المنتدى االقتصادي العالمي 2014-2013
وتكشف أرقام الموازنة العامة كيف انخفض اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي ،كما في الشكل ( ،)22من %4.9أوائل األلفية الثالثة ليصبح %3.6 فقط في نهاية العقد األول ،بينما حددها الدستور بـ ،%6غير أنه وضعها كنقطة انطالق، ملز ًما الحكومة بالوصول بها إلى المتوسط العالمي ،وهو وفق تجارب ماليزيا وسنغافورة والبرازيل ونيوزيلندا وتونس وجنوب أفريقيا يتجاوز الـ ،%20وقد وصل المغرب إلى 82
%25.8عام ،2011وإثيوبيا %30.5عام ،2012وغانا %37.7عام ..2012وفق مجموعة البنك الدولي.
مقدرا بالنسبة المئوية من إجمالي الناتج المحلي شكل ( :)22تطور اإلنفاق على التعليم، ً
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء
الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء قد نهج أسلو ًبا مختل ًفا في عرض مؤشرات اإلنفاق على التعليم ،وهو ما ترتب عليه عدم ظهور نسبة اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في األعوام 2013و 2014و ،2015كما تجنب الجهاز، ألسباب غير معروفة ،إتاحة المقارنات لسالسل زمنية طويلة. المدهش أن نسبة إنفاقنا على التعليم كنسبة من اإلنفاق العام ـ اللون األحمر في الشكل ( )23ـ عام ( ،2003قبل وصول وزارة رجال األعمال للحكم) ،تتجاوز نظيرتها في إندونيسيا ،اللون األزرق ،وتقترب من شيلي ،اللون األصفر .إال أنهما عمدتا إلى زيادتها ،بينما تراجعت مصر حتى تفوقتا علينا عام 2007بنسبة النصف تقري ًبا ،كما رصدتها اليونسكو:
83
مقدرا بالنسبة المئوية من اإلنفاق العام :مصر، شكل ( :)23تطور نسبة اإلنفاق على التعليم ً إندونيسيا ،شيلي
المصدر :منظمة اليونسكو
الشكل ( )24يوضح مؤشر اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في الدول نفسها ـ مصر وإندونيسيا وتشيلي ـ وتبين المقارنة أن مصر اختارت السير في طريق تقليص اإلنفاق على التعليم (بعد تولي وزارة رجال األعمال سنة )2005 في الفترة الزمنية نفسها التي قررت فيها دول مثل إندونيسيا وشيلي زيادة نسبة اإلنفاق على التعليم ،وهو اختيار كانت له تأثيرات شديدة األهمية في السنوات التالية على تربية أجيال عديدة وثقافتها ووعيها.
84
شكل ( :)24مؤشر اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في مصر وإندونيسيا وشيلي المصدر :منظمة اليونسكو
وعلى الرغم من اإلجماع ،نظر ًّيا ،على أنه المشروع القومي األول ..واجب التنفيذ فورا ،وعلى أنه جسرنا لتجاوز آثار نصف قرن من التشوهات الثقافية واالجتماعية.. ً فإن الواقع يكشف عن غياب إرادة حقيقية إلزالة آثار العدوان على منظومتنا التعليمية، ً متجاهل نصوص الدستور وخطوات أساسية ،قسمناها على أربعة محاور: � ً أول :ما قبل التعليم الجامعي
1ـ جعل رفع مستوى التعليم عمو ًما هد ًفا أساس ًّيا للحكم ،لخدمة التنمية ورفاهية اإلنسان وسعادته .ويتحقق ذلك جزئ ًّيا بتوفير الفصول والمدارس الجديدة، واالعتماد على ُمدرسين مؤهلين .وتصدير ذلك للفضاء العام ،عبر خطوات دالة ،كإعادة االحتفاء بعيد العلم في حضور رئيس الجمهورية وقيادات الدولة، وإعادة االعتبار لخريجي الكليات والمعاهد التربوية ،وتنشيط برنامج أوائل الطلبة في الفضائيات العامة والخاصة ،لتكون للتعليم قيمة اجتماعية. 2ـ يقاس تقدم أي مجتمع بمدى تفهم الرياضيات والطبيعة والكيمياء وانتشارها، 85
وعلينا مواكبة أحدث تطورات مناهجها دول ًّيا ،وتغيير خريطة توزيع طلبة الثانوية العامة من %75أدبي و %25علمي ،إلى العكس .وألهمية مناهج الرياضيات خاصا بها على والطبيعة والكيمياء وضع المنتدى االقتصادي العالمي مؤشرا ًّ ً سلم التنافسية الدولية ،تحتل مصر فيه المركز 145من 148دولة ،كما يظهر في الشكل (.)25
شكل ( :)25ترتيب مصر حسب مؤشر تدريس الرياضيات والعلوم (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :المنتدى االقتصادي العالمي
3ـ اعتبار التعليم جز ًءا ال يتجزأ من المعرفة ..األوسع منه ،التي أهملنا نشرها طوال 40عا ًما .ولن تُحل مشكلة التعليم المتفاقمة بالطرق التقليدية ،لضخامتها وقلة الموارد وضيق الوقت .فمع التركيز على أن يكون كل طالب متمكنًا من لغة أجنبية واحدة على األقل ،ومن إحدى لغات الكمبيوتر ،وليس مجرد إدخال معلومات أو استنباطها ،أو التواصل االجتماعي .إننا نحتاج إلى خطة 86
موازية عاجلة بجدول زمني دقيق ،لتوصيل برامج المعرفة والمناهج التعليمية
إلى المواطنين عبر شبكة اإلنترنت ،وتوفير جهاز للمعرفة بمبلغ رمزي ،لمن
ال يستطيع الدخول إلى اإلنترنت ،يعمل على الشاشات كافة ،التلفزيون أو الكمبيوتر ،وبه برامج المعرفة ومناهج التعليم ،وتقنين استخدام قاعات
المحاضرات والندوات واالحتفاالت الحكومية ،بما فيها القوات المسلحة،
وكذا الخاصة في فترات عدم استخدامها ،كقاعات تدريس مجهزة بشاشة كبيرة وجهاز المعرفة واتصال باإلنترنت ،لخدمة سكان المنطقة المحيطة بكل منها؛ طب ًقا لبرنامج معلن .ولدينا هنا تجربة مشروع Flood Lightالبريطاني ،لنشر التعليم المستمر والمعرفة لالستدالل.
4ـ إنشاء كليات إلعداد المدرسين والموجهين من خريجي الجامعات من التخصصات كافة ،)Teacher Training College( ،كما في النظام البريطاني،
شهرا ،لتأهيلهم ليكونوا مدرسين وموجهين وتكون مدة الدراسة بها ً 18 ومراقبين ومعدِّ ي برامج معرفية ومناهج دراسية للمراحل الثالث .هكذا نقلل
البطالة بين خريجي الجامعات ،ونرفع كفاءة المنظومة المعرفية ،وربما نعود مصدرين للمدرسين للبالد العربية واألفريقية.
5ـ ضبط منظومة اإلدارة المدرسية؛ إذ إن أعداد العاملين بوزارة التعليم تكشف عن وجود خلل بين نسبة اإلداريين مقارنة بالفنيين (المدرسين ومعدي المناهج)، مع أن وزارة التعليم فنية .ولهذا السبب ،جئنا متأخرين في «تقرير التنافسية
العالمي» للمنتدى االقتصادي العالمي عن جودة اإلدارة المدرسية ،كما في
الشكل ( )26الذي يوضح أننا نسير من السيئ إلى األسوأ.
87
شكل ( :)26مؤشر جودة اإلدارة المدرسية (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :المنتدى االقتصادي العالمي
6ـ إعداد إستراتيجية الكتشاف الموهوبين في نظامنا التعليمي ،بجميع مراحله، ضمنها برامج تأهيل لهم ،وتفعيل مدارس وفصول المتفوقين ،بما فيها
المجاالت الرياضية والفنية اإلبداعية ..والتوسع فيها جغراف ًّيا ،ليكون الموهوبون والمتفوقون قاطرة التقدم. 7ـ إنشاء مدرسة (أو مدارس) داخلية مجانية إلعداد موظفي الدولة ،كالتي أنشأها الملك «هنري السادس» سنة 1440في إنجلترا ،مدرسة «إيتون»، يكون معيار االلتحاق بها التفوق والقدرة الذاتية للتلميذ ،مع االلتزام بالتنويع الجغرافي.
88
ثان ًيا :التعليم الجامعي
رصد البنك الدولي تذبذب اعتمادات التعليمين الجامعي وما قبله من سنة إلى وأيضا عام ،2010-2009كما يظهر أخرى ،منها عام 2006-2005عما سبقهً ، في الشكل (.)27
شكل ( :)27تطور اإلنفاق على التعليم الجامعي وقبل الجامعي
المصدر :البنك الدولي
ولم يكن من السهل تحديث بيانات الشكل ( )27بسبب نقص المعلومات المتاحة حتى في مواقع المؤسسات الدولية .وتبدو المشكلة بوضوح في الشكل ( ،)28الذي يوضح عدم انتظام المعلومات المتاحة حتى على موقع البنك الدولي من 1970إلى .2016
89
شكل ( :)28اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي الناتج المحلي
المصدر :البنك الدولي
ُعرف الجامعة بأنها أستاذ وطالب ،ويضاف أحيانًا الكتاب كعنصر ثالث ،وهذه وت َّ العناصر الثالثة هي محور أي تطوير للتعليم الجامعي ،من دون تجاهل العناصر المكملة كالمعامل والورش بمفهومها األوسع .كما يجب أن يكون تعيين األساتذة في الجامعات باإلعالن والمسابقة وليس تصعيدً ا تلقائ ًّيا .تستلزم الوظائف األكاديمية مثل عميد كلية أو رئيس قسم التفرغ الكامل ،ويجب أن يكون الكتاب الجامعي من ً منقول منه ،وعلينا: أمهات الكتب في مجاله دول ًّيا ..وليس
1ـ إنشاء الجامعات وتجهيزها على أساس القسم العلمي وليس الكلية ،لعدم ازدواج القاعات والمعامل والورش داخل الجامعة الواحدة أو بين الجامعات المتقاربة ،بغرض االقتصاد واالرتقاء باألداء وتركيز المتخصصين. 2ـ يجب أن تكون األبحاث التي ُيعتد بها للحصول على الدرجة العلمية لألستاذ ُراجع، المساعد واألستاذ تلك المنشورة في المجالت العلمية العالمية ،والتي ت َ أي ُم َحك ََّمة ( ،)Refereedللمادة موضوع الترقية ،وال ُيعتد باألبحاث المنشورة 90
في المؤتمرات ،إال كإضافة خارج الحد األدنى لألبحاث التي يجب نشرها للحصول على الدرجة العلمية.
3ـ تحويل الجامعات الخاصة إلى أهلية ال تستهدف الربح ،كاألمريكية والنيل،
مع منحها مهلة خمس سنوات لتوفيق أوضاعها ،وضبط آليات عملها وهياكلها
الفنية واإلدارية واإلشرافية المستقلة ،وفق النظم العالمية؛ بحيث ال تشكل عب ًئا على نظيراتها الحكومية في التدريس والمستشفيات.
4ـ تنشيط البعثات الخارجية في الرياضيات والطبيعة والكيمياء والصناعات الهندسية والعسكرية والغذائية والكيماوية والبترولية ،مع ضمانات بعودة
المبتعثين للوطن ،بعد فرصة بقاء في الخارج بحد أقصى ،سنتين للتدريب وألبحاث ما بعد الدكتوراه .على أن تتحمل الشركات التي يزيد دخلها على حد
معين تكلفة ابتعاث باحثين منها سنو ًّيا ،حسب حجم الدخل ،مقابل إعفاءات ضريبية.
5ـ إنشاء كلية أو معهد ٍ عال إلعداد كبار موظفي الدولة وقياداتها ،مثل« :المعهد القومي لإلدارة» ( )ENAالفرنسي ،الذي ما زال يعمل منذ عام ،1945وتصل
أعداد المتقدمين لاللتحاق به 16ضعف األماكن المتاحة ،وهذا المعهد تخرج
فيه الرؤساء الفرنسيون «فاليري جيسكار دستان» و«جاك شيراك» و«فرانسوا هوالند» والرئيس الجديد «إمانويل ماكرون».
ً ثالثا :المعاهد الفنية
هي مفرخة فنيين وخبراء أي اقتصاد ناضج ،بتنوعاته ،ويرصد الجهاز المركزي
للتعبئة العامة واإلحصاء انخفاض عدد طلبة المعاهد الفنية ،مقارنة بالكليات النظرية والعلمية ،ألقل من 100ألف طالب ،بعد أن كان 117أل ًفا خالل الحقبة األولى من األلفية الثالثة ،كما يظهر في الشكل ( ،)29ما ينفي وجود أي سياسة جادة لتلبية
احتياجات سوق العمل من العمالة الماهرة. 91
شكل ( :)29تطور أعداد طلبة الكليات النظرية والعملية والمعاهد الفنية
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء (آخر إحصائية تمكنَّا من الحصول عليها)
ويخلق تطوير شبكة التعليم الفني فرص عمل حقيقية ،ويرتقي بسمعة العامل الفني المصري ،ويوسع إمكانية تصديره كثروة بشرية ،سواء عرب ًّيا أو أفريق ًّيا أو دول ًّيا ،كما أنه يرفع مستوى المنتج الوطني النهائي ،ويدعمه أمام نظيره المستورد. يمكن اعتبار مدرسة «الدون بوسكو» ،التابعة إلشراف السفارة اإليطالية ،النموذج األفضل (حتى اآلن) لتخريج فني على مستوى ٍ عال ،يخدم الصناعات المختلفة .يجب محاولة عمل المثيل لها في المحافظات وفي المدارس الصناعية جميعها ،ولتفعيل ذلك ،علينا: 1ـ ربط المدارس الصناعية والمعاهد الفنية بالشركات العاملة في مصر ،في مجاالت معدات وأجهزة اإلنشاء والمضخات والمولدات والتكييف والروافع والسيارات والصناعات الهندسية والبترولية والكيماوية ..إلخ ،ومشاركتها في دعم البرامج التدريبية والتأهيلية والمدرسين ،نظير منحها أفضلية الفوز بالخريجين ،للعمل في شركاتهم بمصر أو الخارج. 92
2ـ استحداث أقسام خاصة داخل المدارس الفنية ألوائل السنة األولى ،وتكثيف جداول دراسة السنوات الباقية؛ ليكونوا تحت رعاية الشركات العالمية في المجاالت المختلفة. 3ـ حوافز تشجيعية لألسر والطلبة ،لإلقبال على التعليم الفنيً ، مثل :منح دراسية لألوائل وكارنيهات مترو وسكك حديدية وتذاكر لدخول مسارح الدولة، وهدايا (عدد وآالت ومالبس وأحذية عمل). 4ـ خطة إعالمية محترفة الستعادة نظرة االحترام للعمالة الفنية. راب ًعا :التعليم الأزهري
يجب الحفاظ على األزهر ومكانته التي حققها عبر تاريخه ،وعلى استقالله ،باعتباره من أبرز عناصر القوة الناعمة التي حافظت لمصر على سمتها الوسطية المستنيرة؛ فجذبت إليها قلوب مئات الماليين حول العالم. وألنه مؤسسة تعليمية في المقام األول ،توسع بشكل غير منطقي حتى أصبح تضخما يستوعب %16من المصريين الذين يلتحقون بالتعليم العام؛ ما يعني أن لدينا ً تعليما دين ًّيا ال يحتاجهم سوق العمل أو المجتمع؛ ً فضل عن حا ًّدا في عدد من يتلقون ً خطورة االزدواج التعليمي على وحدة النسيج المجتمعي والفضاء العام؛ خاصة مع انحراف منظومة األزهر التعليمية عن الطريق التي ترسمتها منذ نشأتها ،وتأثرها بتيارات متطرفة غزت الفضاء الديني الوطني منذ بداية السبعينيات ،ومن بعده الفضاء العام، ضمن التحالف الشهير بين رئيس المخابرات السعودية كمال أدهم ،وقتها ،والرئيس األسبق أنور السادات. وحتى يمكننا استعادته كمؤسسة دينية علمية تعليمية حديثة ،عبر منظومة تتحرك في اتجاهات متعددة في ٍ آن واحد ،فإن علينا: 1ـ ضم جميع معاهده إلى وزارة التربية والتعليم ،مع مرحلة انتقالية ،تتكامل فيها مناهج اللغة والدين مع السياق العام لمناهج الوزارة في مراحل التعليم ما قبل الجامعي. 2ـ ضم جميع كلياته إلى وزارة التعليم العالي ،باستثناء عدد من كليات الشريعة واللغة 93
العربية وأصول الدين ،تخصص كل منها لتجمع إقليمي من عدة محافظات؛ لتخريج ما نحتاجه مجتمع ًّيا ،وما تتطلبه تقوية المؤسسة كذراع ناعمة حول العالم ،من دعاة ووعاظ. 3ـ تنقية مناهج المنظومة الجديدة مما ُأدخل على المناهج القديمة من مذاهب أو اتجاهات فكرية ،منحرفة عن طبيعتها الوسطية ،خاصة الوهابية. 4ـ حظر تلقيه تبرعات ،أ ًّيا كانت ،من جهات خارجية ال تتبع المنهج الوسطي.
94
الحياة ..بال�صحة كعادتها ..لمصر السبق الحضاري في مأسسة الرعاية الصحية ،بما فيها ثقافة
التغذية السليمة ،ومنها خرجت أول وزيرة في التاريخ ،لتحمل لقب «الطبيبة الملكية العظيمة» 3300 ،قبل الميالد ،كما رصد الباحث الكندي «سيمسون نايوفتس» في
كتابه «مصر أصل الشجرة» .وفي عصور الحقة ،حين أرادت الدولة الفرنسية تطوير فلسفتها الصحية ،اهتدت بتجربة السلطان المنصور قالوون ،الذي حكم المحروسة عام
،1279فمستشفاه الذي ما زالت أجزاء منه قائمة في شارع المعز لدين الله الفاطمي، مفتوحا لعالج المرضى من جميع األديان واألجناس ،مجانًا .كان وفق حجته ،كان ً
المستشفى مكونًا من عدة أجنحة ،حسب األمراض ،وبه قسم للنساء ،وآخر لألمراض العقلية ،وثالث لتدريس الطب ،فكان أول مستشفى جامعي ،كما كان يضم غرفة مطالعة
ومعامل كيميائية وصيدلية ،وفرقة موسيقية تعزف للمرضى .وأنشئت أول كلية طب حديثة عام .1827
في أكثر من شهادة ،منها كتاب «من القرية إلى الوزارة» للدكتورة حكمت أبو زيد ،أول
وزيرة مصرية في دولة مصر الحديثة ،وكتاب صالح جالل «أطباء مصر كما عرفتهم»،
ُروي أن الرئيس جمال عبد الناصر تلقى هدية أمريكية ،في منتصف الخمسينيات ،هي
مصل شلل األطفال لتطعيم وليده عبد الحكيم ،فسأل« :هل يمكن توفير هذا المصل لكل األطفال المصريين؟» ،فرد حامل الهدية« :ال» ،فرفض عبد الناصر ً قائل« :حين ُيتاح ال ُّطعم لهم ،سيستفيد منه أوالدي».
هكذا يفكر ،ويتصرف ،من يخطط لبناء المستقبل ،للكل وليس للقادر فقط. 95
وهكذا ،حين «تصادم» عبد الناصر مع د .النبوي المهندس ،أستاذ طب األطفال
احتجاجا على سوء بجامعة القاهرة ،خالل لقاء جماعي على هامش إضراب لألطباء ً الخدمات الصحية نهاية عام ،1957التقط عبد الناصر أن النبوي يملك «فلسفة»
للرعاية الصحية ،أعمدتها الوقاية ،والمزج بين االنتشار األفقي والتخصصي، والمؤسسية ،فوضعه تحت عينه ،وحين أتى تغيير وزاري ،واله المنصب 18أكتوبر
1961حتى وفاته 27أكتوبر .1968وخالل السنوات السبع التي أمضاها الدكتور وزيرا ،أسس مشروع تنظيم األسرة ،ورسخ ذهنية التطعيم المبكر النبوي المهندس ً ضد األمراض ،والمستشفيات المتخصصة ،والتأمين الصحي للعمال وللطلبة،
ومركزا لألبحاث والرقابة الدوائية ،ومأسسة وأنشأ معهدَ ي القلب والسمع والكالم، ً
المستشفيات ليكون كل منها وحدة متكاملة مهن ًّيا وخدم ًّيا ،ضمن شبكة مدت إلى كل
وحول اإلسعاف إلى منظومة مستقلة المدن ،و 1100وحدة صحية قروية وشعبيةَّ ،
تغطي الجمهورية .كان الدكتور النبوي المهندس يسعى إلى سجل صحي منضبط لكل مواطن ،بدأه بإلزام الدولة بوضع فصيلة الدم ضمن بيانات البطاقة الشخصية.
وحين رحل ،نعاه عبد الناصر في اجتماع رسمي على الهواء.
طوال 55عا ًما وحتى اآلن ،اختلت المنظومة الصحية بفداحة ،منها ،كمؤشر
خطير ،تحذير الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء من أن السياسات المطبقة قلصت ِ أس َّرة مستشفيات القطاعين الحكومي والخاص إلى أقل من 130ألف سرير في ،2014بعد أن كانت أكثر من 140أل ًفا عام ،2002كما يظهر في الشكل (،)30
وتستأثر القاهرة الكبرى بنصفها ،ويوزع النصف اآلخر على بقية الجمهورية ،في
إهدار واضح لقواعد العدالة واإلنصاف بين المواطنين وبين المناطق .أي أنه لكل
علما 1000مواطن يوجد 1.4سرير فقط ،منها 1.1حكومي و 0.3قطاع خاصً ،
بأن المعدل العالمي هو 2.9سرير لكل 1000مواطن ،وبأن مصر في الستينيات كان
لديها 2.2أي ضعف المعدل الحالي ،وأن آخر مستشفى حكومي عام جرى افتتاحه
هو مستشفى الزيتون سنة ،2009بينما عدد األسرة لكل ألف مواطن يبلغ 13.4في اليابان 8.2 ،في ألمانيا 2.5 ،في تركيا.
96
شكل ( :)30تطور أعداد ِ أس َّرة المستشفيات في مصر
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2015
ثمة مؤشر ال يقل خطورة ،رصدته منظمة الصحة العالمية ،هو أن المعدل المهني ِ نقصا شديدً ا ،والذي ُيقاس بنسبتهم لنسبة األطباء والوظائف المعاونة في مصر يعاني ً مقابل 10آالف مواطن ،كما يظهر في الشكل (.)31 ولألسف ،يبدو أنه لم يحدث ثمة تطور في أوضاع قوة العمل بالرعاية الصحية في مصر مقارنة بدول العالم ،خالل الفترة من 2010إلى ،2016كما يتضح في الشكل (.)32
97
شكل ( :)31عدد العاملين بالرعاية الطبية لكل عشرة آالف نسمة في مصر وبعض الدول األخرى
المصدر :إحصاءات منظمة الصحة العالمية ـ 2010
شكل ( :)32إجمالي عدد العاملين بالرعاية الطبية لكل عشرة آالف نسمة في مصر وبعض الدول األخرى المصدر :إحصاءات منظمة الصحة العالمية ـ 2016
98
وهناك مؤشر ثالث ،يتمثل في اختالل نسب اإلنفاق على الصحة بين
الدولة والمواطن ،الذي يتحمل في مصر %60من ماله الخاص ،بدرجة كثيرا من أقرانه في دول أخرى ،شرقية وغربية ،فيتحمل ً مثل المواطن أعلى ً التشيكي فقط %12والكوبي ،%1كما يظهر في الشكل ( ،)33والبرتقالي
هو نسبة المواطن.
شكل ( :)33توزيع عبء اإلنفاق على الرعاية الصحية في مصر وبعض الدول
المصدر :منظمة الصحة العالمية ـ 2010 (آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)
وما زالت تقارير منظمة الصحة العالمية الصادرة في 2013تضع مصر ضمن
الدول التي يتحمل المرضى فيها نس ًبا عالية من تكاليف الرعاية الصحية ،كما توضح
الخريطة (:)4
99
خريطة ( :)4ما يتحمله المرضى كنسبة من اإلنفاق الصحي في 2013
المصدر« :التقرير الخاص بالصحة في العالم» ،منظمة الصحة العالمية ـ 2013 (آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)
ومن المؤشرات خطيرة الداللة لحالة الصحة العامة في مصر ،إحصائية الجهاز
المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء عن عدد وفيات األطفال دون عمر الخامسة، المولودين أحياء ،التي توضح تزايد النسبة بشكل يدعو للفزع؛ حيث وصلت هذه
النسبة في 2015إلى 20حالة وفاة لكل 1000مولود حي ،بعد أن كانت أقل من
ً 16 طفل في !2009أي بزيادة %25وفيات خالل ست سنوات فقط ،كما يظهر في الشكل (.)34
بينما تشير إحصائيات الصحة الدولية ،الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في
،2016إلى أن عدد الوفيات دون الخامسة لكل 1000طفل مولود ح ًّيا يبلغ 24
طفل ،وليس ً 20 ً طفل كما رصدها الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ،كما
يظهر في الشكل (.)35
100
شكل ( :)34عدد الوفيات السنوية من األطفال دون سن الخامسة لكل ألف طفل مولود ح ًّيا في مصر في الفترة ما بين عامي 2009و2015
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2016
شكل ( :)35عدد الوفيات السنوية من األطفال دون سن الخامسة لكل ألف طفل مولود ح ًّيا، مقارن ًة بين عدد من الدول 101
المصدر :منظمة الصحة العالمية ـ 2016
ومن ينجو من الموت من أطفالنا دون الخامسة يواجه التقزم ،الذي وصل في مصر إلى %21طب ًقا إلحصائية وزارة الصحة ،2014بينما معدله العالمي ال يزيد على ،%5 والتقزم هو مرض ناتج عن سوء التغذية والتعرض للتلوث ،وأمهاتهم يواجهن أمراض لين العظام لعدم تعرضهن للشمس نتيجة نمط الحياة والحجاب والنقاب .كيف نواجه بناء المستقبل بشباب حوالي ربعه إما توفي أو يعاني من التقزم ،وتربيهم أمهات نسبة عالية منهن مريضات بلين العظام؟ لقد حدد الدستور الخطوط العامة للمنظومة الصحية المتزنة« :لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وف ًقا لمعايير الجودة ،وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل .وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من اإلنفاق الحكومي للصحة ال تقل عن %3من الناتج القومي اإلجمالي تتصاعد تدريج ًّيا حتى تتفق مع المعدالت العالمية .وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل األمراض ،وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طب ًقا لمعدالت دخولهم .و ُيجرم االمتناع عن تقديم العالج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حاالت الطوارئ ،أو الخطر على الحياة .وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع األطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي .وتخضع جميع المنشآت الصحية ،والمنتجات والمواد ،ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة ،وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص واألهلي في خدمات الرعاية الصحية وف ًقا للقانون». تفاصيل المنظومة يضعها ويراقبها أهل الخبرة ،ولكننا نقترح عدة أساسيات لضبطها من المنبع: 1ـ وضع إستراتيجية «الصحة ً بديل للعالج» ،وتتضمن وقف الهدم اإلعالني ،الذي يروج لمواد غذائية وطبية لم تجزها المرجعيات الصحية .وابتكار وجبات نمطية صحية واقتصادية ،قليلة استهالك المياه؛ ً فمثل السعر الحراري من اللحوم يستهلك 25ضع ًفا من المياه إلنتاجه ..مقارنة بنظيره في الفول ،كما يظهر في ضررا على صحة اإلنسان ،كما أثبتت الشكل ( ،)36بينما اللحوم الحمراء أكثر ً 102
جميع األبحاث العلمية ،وباألخص لمن هم فوق سن األربعين ،لما تحتويه من دهون مشبعة وضررها على األوعية الدموية. ونستقي من الحضارة الصينية القديمة جوهر مدلول أن الصحة تمنع الحاجة إلى العالج ،إذ كان يتم وقف مرتب الطبيب في حالة مرض من يشرف عليه صح ًّيا.
شكل ( :)36كميات المياه الالزمة إلنتاج سعر حراري واحد لبعض المواد الغذائية
المصدر :تجميع المؤلف
2ـ وضع برنامج للتحول التدريجي الواعي من اللحوم الحمراء إلى قرينتها البيضاء.. األسماك ً أول ثم الدواجن ،مع تطوير ساللتها المحلية ً بديل عن السالالت األجنبية ،ومنها النعام؛ تمهيدً ا لتحول الطعام المصري عامة إلى منتجات توفر البروتين عبر النباتات مباشرة ،من دون وسيط اللحوم ،وتشجيع تناول أطعمة تعتمد على منتج األرضً ، بدل من منتج المصنع .ولدينا هنا الوجبة النمطية الهندية ،التي تستهلك ثلث مياه الوجبة النمطية األمريكية ،كما يظهر في الشكل ( ،)37على الرغم من أن صحة المواطن في الوجبة األولى أكثر فاعلية في مقاومة األمراض من صحته في الوجبة الثانية. 103
شكل ( :)37التكلفة المائية لألنظمة الغذائية المختلفة للفرد مقاسة باللتر/اليوم
المصدر :تجميع المؤلف
ملحوظة مهمة :الجسم ال يمتص البروتين في صورته التي يأكلها بل يفتتها إلى يكون البروتين يكون البروتين منها تما ًما مثل البقر ،الذي ِّ أحماض أمينية ،ثم ِّ من البرسيم ،وعليه ،فإنه يمكن الحصول على البروتين من األحماض األمينية أساسا في الخضروات ذات اللون األخضر الداكن ،وبعض البقوليات الموجودة ً تعرضا ألمراض الدهون المشبعة مباشرةً ،وهذا أفضل للجهاز الهضمي ،وأقل ً الكائنة في اللحوم الحيوانية. 3ـ وضع معايير وجبة نمطية محلية اإلنتاج ،مرنة ..وفق طبيعة المناطق المختلفة ومتوسطات الدخل فيها ،وتعميم الوجبة المدرسية ،تحت إشراف خبراء تغذية؛ لضمان توازن «عدالة التغذية» ،خاصة في المناطق الفقيرة. 4ـ إعادة النظر في األعمال الصناعية الدخيلة ،غير الصحية ،على األرز والقمح والزيوت النباتية والغالت األخرى ألغراض تجارية بحتة .ويوضح الشكل ( )38الضرر الذي يحل بالقمح حين يتم فصل عناصره الغذائية أثناء إنتاج الدقيق األبيض. 104
شكل ( :)38دقيق القمح األسمر (الكامل) ،مقارنة بدقيق القمح األبيض
المصدر :محاضرة «مركز «بريتيكن» للصحة» بميامي ،فلوريدا ـ 2015
وألغراض تجارية بحتة ،تضاف اآلن زيوت مهدرجة إلى الجبن األبيض ،أثبتت األبحاث ضررها على صحة اإلنسان (األوعية الدموية وباألخص الدماغية والقلبية) ،وفي عدة واليات أمريكية يجرم استخدام الزيوت المهدرجة ،بينما تُلزم واليات أخرى المنتج في حالة استخدامها أن يوضح طبيعة االستخدام ويكتب كميته في البضاعة المعروضة في المحالت. 5ـ فرض ضريبة متدرجة على المصانع التي تنتج مواد غذائية بها عناصر السكر أو الملح أو الدهون الحيوانية المشبعة أو الزيوت المهدرجة تتعدى حدود األمان الطبي ،وتوجه هذه الضريبة إلى دعم عالج األمراض الناتجة عن تناول هذه المواد الغذائية غير اآلمنة ،ودعم غير القادرين من خالل التأمين الصحي الشامل. 6ـ تشجيع ثقافة المشي ،والترجل ،واستخدام الدراجات في الحركة داخل المدن، وبين األحياء المختلفة .وبالتوازي ..تأهيل الطرق والمشايات ،وإحياء صناعة الدراجات ،والمكهربة منها ،التي تراجعت الثالثين سنة الماضية. 105
وضمان أن تكون لكل مواطن إجازة سنوية ترفيهية؛ لرفع مستوى السعادة، وتفادي األمراض الناتجة عن تردي الحالة النفسية. 7ـ وضع مخطط وطني للقضاء على مظاهر تلوث البيئة كافة ..الهواء واألرض والنيل والبحيرات والمياه الجوفية ،وتفادي تكرارها ،إذ إن زيادة هذا التلوث (وباألخص التلوث بالرصاص) هي السبب الرئيسي النتشار أمراض الكبد والكلى والجهاز التنفسي والسرطان والتخلف الذهني لدى األطفال. 8ـ عمل دراسة قومية لألمراض األكثر تكلفة للعالج ،تتبعها خطة عاجلة للحد تأثيرا سلب ًّيا على تكلفة العالج في منها ،وأثبتت الدراسات أن األمراض األكثر ً الميزانية العامة اإليطالية ،هي :السمنة والسمنة المفرطة لذاتها ،وتداعياتها ،مثل أمراض ،Metabolic Syndromeكما يظهر في الشكل (.)39
شكل ( :)39عالقة مباشرة بين متوسط تكلفة الفرد السنوية من الرعاية الصحية ومقياس السمنة في إيطاليا
المصدر :بحث منشور ـ 2013
Fontana L. Atella V and Kammen DM. Energy efficiency as a unifying principle for human. environmental. and global health: https://f1000research.com/articles/2-101/v1
106
كما أثبتت دراسات أمريكية وجود عالقة مباشرة بين احتمالية خطورة الموت، ومؤشر السمنة لألصحاء ،كما يظهر في الشكل (.)40
شكل ( :)40عالقة احتمالية خطورة الموت ومقياس السمنة في أمريكا
المصدر :بحث منشور ـ 2010
Adapted form Willett et al. N Engl J Med 2010:363:2211-9
9ـ إعداد قانون تأمين صحي شامل تضمنه الحكومة ،تتعاقد فيه مؤسسة عامة، كطرف وحيد ،نيابة عن الشعب ،مع مقدمي الخدمة الصحية ،عامة أو خاصة أو تعاونية .ويكون االشتراك فيه إجبار ًّيا ،وتتفاوت قيمته طب ًقا للدخول ،وتتولى ُجرم أي جهة طبية ترفض عالج الدولة الدعم جزئ ًّيا أو كل ًّيا لغير القادرين ،وت َّ الحاالت العاجلة أو الطارئة ،مقابل ضمان حصولها على التكلفة من الدولة، على أن تضبط المنظومة بطاقة إلكترونية لكل مواطن ،تبين حالته وتاريخه الصحي ،وتتوافر بياناتها عبر شبكة مركزية متاحة لمقدمي الخدمة العالجية. وفي هذا الصدد ،ال بد أن يستفيد الوطن من أفكار علمائه الدكاترة سمير فياض وطارق الغزالي ومحمد حسن خليل ،المتخصصين في التأمين الصحي ،ومن 107
كتاباتهم ومقاالتهم ومؤلفاتهم ،فإن هذه الثروة تمثل مشروع تأمين صحي متكامل األركان. وأيضا للمتاجرة بالطب 10ـ تفعيل قوانين المحاسبة لإلهمال والتقصير الطبيينً ، واللعب بعواطف المواطنين بغرض التربح. 11ـ وضع خطة لصناعة األدوية ،تقتدي بالتجربة الهندية ..األدوية المكافئة ( ،)Genericوتعتمد ،قدر اإلمكان ،على النباتات الطبية والعشبية؛ لتلبية االحتياجات المحلية والتصدير. 12ـ الحفاظ على ملكية الوحدات والمؤسسات العالجية المملوكة للدولة وهيئاتها ومؤسساتها والجامعات ،ويجوز التعاقد على إدارة مستقلة ،تلتزم بمنظومة التأمين الصحي الشامل ،أي يمكن فصل اإلدارة عن الملكية ،وفي جميع األحوال يجب عدم التصرف بالبيع في ما يملكه الشعب من مؤسسات عالجية. 13ـ االستمرار في بناء المستشفيات والوحدات العالجية على نفقة الدولة من حصيلة الضرائب ،والحفاظ على نسبة ِ األس َّرة الحالية المملوكة للشعب، والعمل على زيادتها بما يعادل نسبة زيادة السكان .ولألسف الشديد لم تقم الدولة ببناء مستشفيات عامة منذ .2009ويجب فتح الباب والتسهيل للقطاع الخاص والتعاوني إلنشاء مستشفيات ووحدات عالجية ،مع التركيز على التحفيز في الريف وخارج المدن الكبرى. يجب وضع آليات لتشجيع األهالي على بناء المستشفيات الخيرية ،بأن توفر الدولة األراضي والمرافق مجانًا ،واالسترشاد بالمستشفيات األهلية القائمة، مثل :مبرة العجوزة ومستشفى سيد جالل ،والمستشفى القبطي واليوناني واإلسرائيلي ساب ًقا بالقاهرة. مع تحفظي على نموذج مستشفى سرطان األطفال؛ الفتقاره الواضح إلى الحكمة في أسلوب توجيه التبرعات وتحقيق االستفادة المثلى منها ،بما يخدم اكتمال النموذج وتحقيقه ألهدافه ،وكذلك في أسلوب قبول المرضى. 14ـ إن الرعاية الصحية ليست ً مجال لالستثمار والمساومة واالحتكار ،وإن االتجاه لالقتصاد الحر ال ينبغي أن يسلب حق المواطن في الرعاية الصحية عن طريق الدولة، ومن القواعد أال تتخلى الدولة عن دورها في الخدمات االجتماعية أو الصحية. 108
�ستر الغالبة مع قرب إقرار قانون جديد ينهي تراث «اإليجار القديم» ،تتزايد مخاوف المستفيدين منه ومتابعي الشأن العام من تفاقم أزمة اإلسكان. وأزمة اإلسكان عامة لن تُحل إال إذا وعينا أنها ليست كاشفة عن «نقص» ،بقدر ما تدل على غياب دور الدولة عن ضبط عناصرها؛ ما خلف تفاوتًا حا ًّدا بينها .فوفق «معهد الشرق األوسط» األمريكي ،يناير ،2015هناك «أكثر من 6ماليين شقة فارغة ذات مستوى ٍ راق ،مقابل %18من العائالت تعيش في مساكن من غرفة واحدة .ومقابل وحدات اإلسكان االجتماعي بين 2012و 50 ،2014أل ًفا ،زادت الشقق السكنية بـ2 مليون من 2011إلى .»2014 كنموذج للنمو السريع لعدد السكان ،الذين يحتاجون بالتبعية مساكن بذات درجة النمو ،قفز عدد سكان القاهرة الكبرى من 6ماليين سنة 1970إلى 16مليونًا سنة 2006 آخر تعداد للسكان ،بزيادة ،%270ونتوقع أن يصل العدد إلى 28مليونًا عام .2020 لن يخفف األزمة تعهد الحكومة ببناء مليون أو اثنين من الوحدات السكنية، فمشروعها األبرز ،اإلسكان االجتماعي ،الذي دعمه البنك الدولي بـ 500مليون دوالر ،بال خطة واضحة ،وتحرم شروطه نصف الشعب من تملك وحداته ألن دخله جنيها ،ومن تأجير المطروح منها لإليجار ألن دخل المخاطبين الشهري أقل من ً 1925 به الشهري أقل من 1500جنيه؛ غير أن الموضوعية تقتضي اإلشادة بمحاوالت الدولة لمواجهة العشوائيات ،بمساهمة كبرى من المجتمع المدني ،كما في «األسمرات» بالقاهرة ،و«غيط العنب» باإلسكندرية. إنه لمما يثير الدهشةً ، أصل ،أن تعاني المحروسة من أزمة إسكان؛ ألنها من أوائل من 109
ٍ أراض شاسعة وخامات ومصانع مواد بناء ومهندسون بنى بيوتًا في التاريخ البشري ،ولديها أكفاء وشركات مقاوالت .ويؤكد تقرير «معهد الشرق األوسط» ،المذكور أعاله ،الرؤية دائما ،من أن المشكلة الرئيسة هي نُدرة اإلسكان منخفض التكاليف ،المهم التي طرحناها ً لـ«ستر الغالبة» ،من محدودي الدخل ومعدوميه« .ستر الغالبة» هو المبرر الوحيد لمد يد الدولة في مجال اإلسكان ،فمنذ رفعت الدولة يدها ،في بداية السبعينيات ،تفشت المناطق العشوائية ،وهو األمر نفسه الذي توقف عنده الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء، كاش ًفا عن متوسط الوحدات التي تبنيها الدولة ،على مدى عشرة أعوام ،بـ 1250وحدة سنو ًّيا؛ لتتزايد تدريج ًّيا إلى 17أل ًفا في بداية األلفية الثالثة. ويكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء تذبذب السياسات اإلسكانية، وفق الرسم البياني التالي ،منذ عام 2000حتى ،2011حسب المستوى ،بما يعكس فشلها في تحديد احتياجات المجتمع ،وضياع البوصلة االجتماعية لشركات المال العام ،كما يظهر في الشكلين ( )41و(.)42
شكل ( :)41تطور أعداد الوحدات السكنية التي حققتها شركات القطاع العام حسب المستوى
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء (آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)
110
شكل ( :)42تطور عدد الوحدات السكنية منخفضة التكاليف المحققة
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2015
ودائما ،يعود فشل حل المشكلة إلى تكليف المهندسين بها ،على الرغم من ً أنها مهمة منظومة ،تضم ديموجرافيين وخبراء اجتماع واقتصاد ومالية ،ويأتي المهندس في النهاية لتنفيذ رؤيتهم .والجهة التي يجب أن تكلف بالحل هي وزارة التضامن االجتماعي ،وليست اإلسكان ،التي ُح ِّملت بمهام متضاربة المصالح.. والمستلم ،لتضيع المسؤولية. فهي المخطط والمصمم والمنفذ والمراقب ُ ولكي نضمن حدًّ ا أدنى من الحياة الكريمة لكل مواطن ،وتنفيذ المادة 78من الدستور ،التي ألزمت الدولة بضمان مسكن «مالئم» لكل مصري ،يجب أن يعي كل حاكم أن السكن منخفض التكاليف هو حرف ًّيا« ..ستر» للمواطن محدود الدخل أو معدومه ،ولكنه للدولة أداة إنتاج؛ فال تُخطط ألي تجمع سكني ،إال بجوار فرص عمل بمناطق صناعية أو حرفية أو زراعية جديدة أو تعدينية .وتوافره هنا ...عامل جذب إضافي للمستثمر .وأن يستهدف الحل ،قدر اإلمكان ،الخروج من الوادي واالنفتاح على أحوزة مصر المهجورة ،مثل :الصحراء الغربية والشرقية وسيناء 111
وجنوب الوادي ،واستعادة اإلسكان الريفي ،الذي أهمل منذ منتصف السبعينيات، عبر إنشاء تجمعات أو قرى ،تعتمد باألساس على اإلنتاج الزراعي وصناعاته ،من دون أن تغيب بقية الصناعات والتعدين والخدمات السياحية. وكقواعد عامة ،يجب: 1ـ مواجهة البناء من دون ترخيص ،عبر دراسات جادة لتبسيط اإلجراءات، وخفض مددها ،التي تفوق بكثير مثيالتها في دول أخرى ،كما يتضح من الشكلين ( )43و(.)44
شكل ( :)43عدد اإلجراءات الستخراج تراخيص البناء في مصر وبعض الدول
المصدر« :تقرير ممارسة األعمال» ،مجموعة البنك الدولي ـ 2015
112
شكل ( :)44الوقت الالزم الستخراج ترخيص البناء في مصر وبعض الدول
المصدر« :تقرير ممارسة األعمال» ،مجموعة البنك الدولي ـ 2015
2ـ األفضل أن يكون اإلسكان وما يتبعه من تنمية بعيدً ا عن الوادي والدلتا بمسافة كيلومترا على األقل ،ومصمم بطريقة مرنة ليخدم ثالثة أجيال متتابعة، 150 ً وليكون امتداده أفق ًّيا ال رأس ًّيا ،بنظام الحوائط الحاملة التقليدي ،ومرفق به فناء (حوش) إلنتاج احتياجات المعيشة ،وأال تستخدم فيه مواد إستراتيجية مثل الخرسانة وحديد التسليح .وما يحدث في العاصمة اإلدارية الجديدة هو عكس متطلبات التنمية العمرانية العلمية تما ًما. 3ـ أال تزيد التكاليف الشهرية له عن ثلث قيمة الحد األدنى ألجر الزوجين م ًعا ،ويفضل مؤجرا ال ُمملكًا ،وأن تتنوع مساحاته ليلبي احتياجات تطورات األسرة :حديثو ً الزواج ،أسرة كاملة ،زوجان بالمعاش بعد استقالل األوالد عنهما .ونشر ثقافة التنقل بين وحدات سكن مختلفة المساحات طب ًقا لحجم األسرة ،والتوسع في إنشاء بيوت مسنين ،توفر الرعاية الكاملة لهم ،وربطها بدور األيتام للفائدة المشتركة. 113
4ـ حزمة قوانين وخدمات تحفز المواطن الذي هجر الريف على العودة إليه ،ومثلها لتشجيع االستقرار في التجمعات الحضرية والريفية باألحوزة المهجورة ،ضمن مخطط قومي ،هدفه توازن التوزيع السكاني جغراف ًّيا. 5ـ مراجعة منظومة عمل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ،التي تستحوذ على جزء أكبر من أراضي مصر الصحراوية المتميزة ،الستعادة الدور الذي أسست من أجله« ..التنمية العمرانية» ،ال «التسويق العقاري» ،ومحاربة الفساد. 6ـ تشجيع البناء لغرض التأجير بحزمة حوافز ،خاصة للوحدات التي متوسط مساحتها 75م ،2مثل :اإلعفاء من ضريبة الدخل والضريبة العقارية ،وتوريد مواد البناء من دون رسوم حكومية وال ضرائب إنتاج ،وبسعر المصنع ،بعيدً ا عن التجار ،ومنح صغار المستثمرين ومتوسطيهم األرض بثمن رمزي وبكامل المرافق ،والسماح لهم بجمع مقدمات ،ال تزيد على نصف القيمة اإليجارية لسبع سنوات ،وبأن يخصص الدور األرضي لغرض تجاري ،وإلغاء هذه الحوافز واستعادة قيمتها من المتالعبين. 7ـ تدارك تعدي القطاعين اإلداري والتجاري على الوحدات السكنية ،فوفق إحصاء عام ،2006تحولت عمارات سكنية بالكامل إلى مكاتب مهنية ومقار شركات ،على الرغم من قدرات تلك الشركات المفترضة لدفع مقابل إيجار أعلى ،أو تملك في مناطق مخصصة للوحدات اإلدارية؛ فعدد الوحدات العقارية المستغلة إدار ًّيا في مناطق السكن يقترب من مليوني وحدة. 8ـ حظر شراء األجانب للعقارات السكنية ،داخل كردونات المدن والقرى ،لحماية المواطنين من المنافسة .وتستثنى مباني الوحدات السكنية السياحية ،من دون األرض ،في المناطق السياحية ،عدا سيناء .وفرض ضريبة على عقود تملك األجانب ،توجه لإلسكان منخفض التكاليف. 9ـ حظر دخول األجانب في االستثمار العقاري السكني والشركات ،التي تتجاوز مساهماتهم في رأس مالها حصة األسد ،مع إعطاء مهلة 7سنوات لتوفيق األوضاع، ليبقى عائده داخل البالد ،بما ال يخل بالميزان التجاري والمدفوعات .وتستثنى فنادق السياحة الخارجية ،والمنشآت التجارية التي تسوق للمنتجات المصرية (الموالت). 114
10ـ حظر التراخيص ألي منشآت ،حكومية وأهلية ،على األراضي الزراعية أو البور ،أو التي تبور في الوادي والدلتا ،ولظهيرهما الصحراوي .وتفعيل قوانين
تجريم البناء على األرض الزراعية ،وإزالة ما يمكن من مخالفات عقود مضت، وإعادة تخطيط القرى وفق االمتداد الرأسي المتوسط للوحدات السكنيةً ، بدل من االمتداد األفقي.
11ـ وباإلضافة إلى ما توفره الدولة لإلسكان منخفض التكاليف ،فإن التمويل الالزم
لتحجيم مشكلة اإلسكان يستدعي التزامات ،يتحملها األغنياء واألجانب ،منها: (أ) ضريبة على المسطحات الخضراء (الخاصة) غير المنتجة للغذاء ،مثل:
مالعب الجولف والحدائق والمتنزهات المملوكة لألفراد أو الشركات
أو القطاع الخاص عمو ًما ،وتزيد على 100متر مربع.
(ب) ضريبة على الشواطئ الخاصة للبحار والبحيرات ،وجانبي نهر النيل داخل كردون المدن.
(جـ) ضريبة «قيمة مفقودة» على الوحدات العقارية الشاغرة ،مغلقة أو خالية،
قدرها الجهاز المركزي لإلحصاء بـ 10ماليين شقة ،كما أعلن في 20 مارس .2017
(د) ضرائب على األجانب الحائزين وحدات سكنية (ضريبة المثل).
(هـ) ضريبة على كل ليلة سياحية على جميع الفنادق.
(و) فرض رسوم على السلع المستوردة المرتبطة باإلسكان ،مثل :الرخام، الدهانات ،األلومنيوم والشبابيك واألبواب ،أدوات المطبخ ،األثاث، األدوات الكهربائية.
(ز) ضريبة على الجامعات الخاصة ،التي تزيد رسومها على 30000جنيه سنو ًّيا.
12ـ للحفاظ على الثروة العقارية ،وما يلزم ذلك من إصالحات وصيانات دورية
وضرورية ،يجب إنشاء محاكم خاصة للتعامل مع اتحادات الشاغلين والمالك،
والعالقة بين المالك والمستأجر فيما يخص اإلصالحات والصيانات؛ لردع
المخالف الذي ال يقوم بأداء ما عليه من التزامات. 115
موارد
مر�ض وعر�ض تقارير التنافسية االقتصادية العالمية ترصد تدهور الترتيب العام لتنافسية مصر االقتصادية؛ إذ جاءت مصر في المركز 116من بين 138دولة في عام 2017-2016 بعد دول مثل أوغندا وإثيوبيا والجابون وغيرها ،كما يوضح الشكل (:)45
شكل ( :)45ترتيب مصر في سلم التنافسية العالمية (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر« :تقرير التنافسية العالمي» ،المنتدى االقتصادي العالمي ـ 2017
119
جسدت األزمة االقتصادية التي تفاقمت في األعوام األخيرة جوهر ما تعانيه
مصر من خلط شديد بين أسباب مشكالتها االقتصادية والنقدية من جهة، وتداعياتها من جهة أخرى؛ أي خلط بين المرض وأعراضه .وإذا لم تُحل
المشكلة ،فسوف تتفاقم تداعياتها ،مهما كانت تدخالت البنك المركزي والحكومة ورئيس الدولة.
والقضية ليست «تعويم الجنيه» ،الذي صدر له قرار إداري (في )2016/3/14
بتخفيض قيمته إلى النصف ،قبل التعويم الفعلي بقرار البنك المركزي في 2016/3/16
(ما ضاعف األزمة) ،بل القضية هي ببساطة :زيادة ما نستورده عما نصدره ،وعدم كفاية
الموارد المالية لتغطية هذه الفجوة .فتكون النتيجة :ارتفاع الطلب ،وسعر العملة
األجنبية ،وزيادة أثمان جميع السلع؛ ما يفاقم عجز الموازنة وميزان المدفوعات
والتضخم والدين العام؛ حتى تصل م ًعا إلى قيمة ،يصعب معها إيجاد حلول من دون خسائر خطيرة طويلة األجل.
عالجا جذر ًّيا ألساس المرض ،وهو زيادة والحل ،بداهة ،وضع سياسات تبلور ً
االستيراد عن التصدير ،والتي تعدت عام 2016الـ 50مليار دوالر؛ حتى ننجو من
هوة تفاقم الفقر التي «قد» تجرنا إلى اإلفالس.
وترصد بيانات البنك الدولي تدني نسبة الصادرات من الناتج المحلي منذ عام
،1990وهبوطها من %33عام 2008لتصبح %14عام ،2014وأن الصادرات لم
تتوازن مع الواردات في أي سنة ،كما يظهر في الشكل (.)46
120
شكل ( :)46تطور الصادرات والواردات كنسبة مئوية من الناتج المحلي
المصدر :البنك الدولي
وال حل جذر ًّيا من دون رؤية اقتصادية واضحة ومنضبطة .وهي ليست بيانًا للحكومة
وال موازنة بها توقعات موارد وتخطيط إنفاق ،وال وثيقة 2030كالتي أعدتها وزارة التخطيط بمستهدفات التنمية .ومحاور الرؤية هي:
1ـ تحرير القرار االقتصادي واستقالله ،عبر إستراتيجية مستقرة/مرنة ،تضبط
العالقات والتقاطعات الدولية بتنوعاتها ـ دول ومؤسسات غربية وكيانات وتحالفات اقتصادية .تدير هذه اإلستراتيجية لجنة/مجلس أمناء ،من خبراء
المجاالت االقتصادية المختلفة ،مع االستعانة بتجارب دول مماثلة ،نجحت
في بناء اقتصاداتها القومية المستقلة.
2ـ تحديد مجاالت السياسة التوسعية للضرائب (التصاعدية ً مثل) وزيادة اإلنفاق العام (كالصحة والتعليم) ،ودراسة تطبيق ضرائب الثروة بشكل جاد.
3ـ تحديد قطاعات ترشيد اإلنفاق ،كالمدن الجديدة والمشروعات الكبرى ،التي ليس لها عائد مباشر.
121
4ـ استكمال منظومة الحماية االجتماعية لتشمل التعليم والصحة وفرص
العمل ،وال ُيكت َفى بضبط توزيع الخبز وإطالق مسكنات كـ«كرامة»
و«تكافل» ،يجب أال يحمل محدودو الدخل هم العالج والتعليم والحصول على عمل.
5ـ الوعي بأن تشجيع الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة هو أساس النمو االقتصادي الشامل المستقل ،وتأسيس بنك خاص لتمويلها ،ودراسات
الجدوى والتدريب والتسويق لها .وبالتوازي ..يتم ربط المزايا الممنوحة للصناعات الكبيرة بزيادة التصدير ،ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة
كمغذية لها.
6ـ تحديد القطاعات االقتصادية األَولى ببرامج الجذب والتسهيل ،األهم الحتياجاتنا؛ فمحاوالت إنهاض كل القطاعات ،في توقيت واحد ،تربك الجهود والمستثمرين.
7ـ الحد من فجوة عدم اإلنصاف بين أبناء الوطن ومناطقه ،لحماية السلم االجتماعي .ويكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء في تقريره
لعام 2015عن أن الـ %10األغنى ينفقون أكثر من الـ %40األقل ً دخل ،وأن ما ينفقه الـ %20األغنى يكاد يعادل ما ينفقه %60األفقر منهم ،كما يظهر في
أساسا لتقدير الشكل ( ،)47ومن المفهوم أن معدالت اإلنفاق يمكن اتخاذها ً اإليرادات والدخول.
122
شكل ( :)47نسبة إنفاق كل شريحة تمثل %10بالمجتمع
المصدر« :تقرير الدخل واإلنفاق» ،الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2015
8ـ تنفيذ مشروعات قومية إنتاجية كبرى متنوعة المجاالت و«الجغرافيا» بواسطة الدولة ،بعد نقاش عام مع خبراء القطاعات المتداخلة ،لتكون قاطرة لنظيراتها
الصغيرة والمتوسطة ،ثم طرحها بأسلوب االكتتاب العام ليتملكها الشعب
وتسترد الدولة ما أنفقته ،ويعاد تدويره باآللية ذاتها ،على أال تتجاوز حصة الفرد ،%5وأال يصل إجمالي مساهمات األجانب إلى حصة األسد.
9ـ ضبط منظومة مكافحة االحتكار ،التي يضع المنتدى االقتصادي العالمي مدى فاعلية قوانينها في قلب تقاريره عن التنافسية االقتصادية؛ باعتبارها ضمانة سالمة
المنافسة في أي اقتصاد حر ،ترتيبنا على مؤشره كشف عن خلل مرعب132 .. 123
من بين 148دولة ،بينما سنغافورة ،4وجنوب أفريقيا ،8وماليزيا ،23وغانا ،63كما يظهر في الشكل (.)48
شكل ( :)48ترتيب فاعلية قوانين مكافحة االحتكار في مصر وبعض الدول (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر« :تقرير التنافسية العالمي» ،المنتدى االقتصادي العالمي ـ 2014
10ـ تملك الدولة أو الشعب عبر األسهم والسندات حجم اإلنتاج الحاكم ،والمؤثر
في تحديد األسعار بآليات السوق للصناعات اإلستراتيجية (مثل :أسمنت ،حديد، أسمدة ،مبيدات) ،ويحظر تصدير منتجاتها قبل اكتفاء السوق المحلية منها.
11ـ بلورة مخطط قومي لتمكين االستثمار الوطني ،مع شرط دائم هو ..كفاءة
تنافس النظير األجنبي .منها تحمل القطاع الخاص المصري في مشروعات
التنمية نصي ًبا ،يناسب أقصى إمكاناته ،في إطار إستراتيجيات الدولة وأولوياتها؛
ومنها مركز استشاري ألعمال العائلة ()Family Business؛ حتى ال تهتز مع رحيل اآلباء ،ولتفادي آثار ذلك ،السلبية اقتصاد ًّيا ،وكذا للمساعدة في تعويم 124
المشروعات المتعثرة ،ومنها تسهيل االئتمان البنكي بضمان دراسة جدوى
المشروعات.
12ـ نظام ضريبي عادل على األرباح الرأسمالية؛ لتقليل تحويالت األرباح واألموال الساخنة العابرة للحدود.
13ـ سياسة البنوك المصرية داعمة لالنكماش االقتصادي واالقتراض االستهالكي،
ويجب إصالحها لتكون إحدى قاطرات التنمية الشاملة ،ولجذب القطاع
الخاص للمجاالت اإلنتاجية ،بعيدً ا عن بالونة االستثمار العقاري ،الذي «نُفح» َّ والفيلت بكميات هائلة من فوائض المصريين الماليةُ ،جمدت في األراضي والشاليهات السياحية؛ لغياب بدائل استثمارية ديناميكية ،تدر ً دخل متجد ًدا
ومتزايدً ا.
14ـ ضبط آلية منع ترخيص قطاع من المشروعات بحجة «متطلبات األمن والدفاع»؛
فالجملة «مطاطة» وبال قواعد محددة ،وتعطل عديدً ا من المشروعات المهمة
والحيوية .والتخلص من فكرة «المصري كعدو محتمل ويجب االحتياط منه»،
فكل المصريين وطنيون حتى يثبت العكس ،ويجب أن يستخدم هذا العائق في أضيق الحدود عند الحاجة الفعلية.
15ـ الموازنة العامة للدولة تعكس السياسة التنفيذية لتحقيق األهداف االقتصادية واالجتماعية ،ومن البديهي اهتمام الدولة بجودة البيانات ودقتها ،التي تبني
على أساسها موازنتها.
والمقارنة البسيطة لألرقام التقديرية الواردة بالموازنة عن المصروفات ،مع األرقام الفعلية للسنة نفسها ،تكشف فرو ًقا كبيرة بينهما ،قد تتجاوز مائة مليار جنيه ..حجم الرقم يبعدنا عن احتمالية تقبل «الخطأ/التقدير وارد» ،كما يظهر في الشكل ( ،)49عن خمس سنوات.
وال تقتصر الفجوة الكبيرة في تقديرات الموازنة العامة واألرقام الفعلية المحققة
على المصروفات ،ولكنها تشمل اإليرادات ،كما يظهر في الشكل ( ،)50ولكن االنحراف يبقى أكبر في المصروفات. 125
شكل ( :)49المصروفات المتوقعة كما جاءت بالموازنة والمصروفات الفعلية للسنة نفسها ،كما أعلنتها وزارة المالية الح ًقا
المصدر :الموازنة العامة للدولة ـ سنوات مختلفة
شكل ( :)50مقارنة تقديرات اإليرادات بالموازنة العامة للدولة باألرقام الفعلية المحققة
المصدر :الموازنة العامة للدولة ـ سنوات مختلفة
126
تأثيرا في المجتمع وكل تفاصيل وزارة المالية هي الجهة الحكومية األكثر ً الدولة ،وصحيح أن هناك ً خلل في آليات الفرز الوظيفي ،في كل المجاالت تقري ًبا ،إال أنها تستحق عناية خاصة في اختيار عناصرها؛ لذا وجب إعادة هيكلتها ،مع تفرعاتها ،وتدريب موظفيها وتأهيلهم ،وتجنيب غير القادر على التطور ،ووضع آلية لجذب المتميزين في المجاالت المالية ،وفي التخصصات التي تتقاطع معها؛ لضمان جودة نظم المراجعة والرقابة ومعاييرهما ،حتى نغادر ترتيب الـ 84من بين 138دولة كما نظهر في الشكل ( ،)51ويمكننا االستفادة من تجربة جنوب أفريقيا ،األولى عالم ًّيا.
شكل ( :)51قوة معايير المراجعة وإعداد التقارير (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :المنتدى االقتصادي العالمي 2017-2016
ونكرر التحذير من خطورة سياسة االعتماد على االقتراض لتمويل الموازنة العامة، خاصة االقتراض الخارجي ،والذي توضح التقارير الرسمية أنه يتجه إلى أبعاد خطرة، سواء على استقالل الدولة أو حتى على األداء االقتصادي ذاته في األجلين المتوسط 127
والطويل .ووف ًقا لتقرير للبنك الدولي ( ،)2017فإن الديون الخارجية عام 2015 تمثل %123من حصيلة الصادرات ،بعد أن كانت %88فقط في ،2014وإن خدمة الدين الخارجي تمثل %13.3من الصادرات ،بعد أن كانت %6.1في .2010كما توقع مشروع الموازنة العامة أن تصل فوائد الدين العام المحلي إلى 380مليار جنيه في العام المالي ،2018-2017بمتوسط يومي يزيد على مليار جنيه ،للفوائد فقط من دون قيمة أقساط للدين نفسه ،وذلك قبل قرار البنك المركزي بزيادة سعر الفائدة بمائتي نقطة أساس ( )%2في منتصف يونيو .2017
128
� ً أهل بالمعارك بس نضاعف إنتاجنا ..أضعاف أضعاف أضعاف وندبر مهما احتجنا ..ونحارب اإلسراف لم تكن كلمات الراحل صالح جاهين ،عبر صوت عبد الحليم حافظ ونغم كمال ً تعبيرا عن منظومة شغلت الفضاء العام الستيني ..خرجت مفتعل ،بل الطويل ،نبتًا ً أغنية «يا ً أهل بالمعارك» للنور يوليو ،1965بعد أن أتمت مصر خطتها الخمسية
األولى ،وقتها ،التي أشاد بها خصوم التجربة الناصرية الذين نجحوا في التمييز بين
الحكم الناصري السلطوي الشمولي ذي المردود السالب والتنمية الشاملة الناصرية
أقر البنك وصندوق النقد الدوليان بأنها التنمية األنجع في العالم .هكذا اإليجابية ،كما َّ تميزت أبرز إنجازات الستينيات ..بـ«اإلنتاج».
حول طلعت حرب وقبل ذلك ،ومنذ عشرينيات القرن الماضي ،في عهد االحتاللَّ ،
إمكانات المصريين إلى إنتاج في جميع المجاالت ،وقدَّ م محمد علي باشا ،قطاع دولة،
خاصا ،نموذجين ناجحين لصناعة السكر في عمق الصعيد ثم قدَّ م عبود باشا ،قطا ًعا ًّ وعلى طوله ،كما قدَّ م أبو رجيلة ًّ حل من القطاع الخاص لمشكلة النقل والمواصالت،
ومن قبلهما ،قدم «سوارس» البلجيكي خدمة مهمة للنقل واالنتقال داخل حقول في عمق الدلتا كخدمات لنقل الفالحين واإلنتاج الزراعي.
اإلنتاج هو أساس أي تنمية ،والبداية تكون اإلنتاج المبني على المزايا النوعية
لمصر ،مثل :الشهرة العالمية كما في حالة القطن ،وتوافر المواد الخام بأنواعها، 129
والطاقة المتجددة والغاز ،والمناخ ،والقرب من أسواق أفريقيا ،والمنطقة العربية واالتحاد األوروبي.
ليس من المعقول أن تستورد مصر جلباب الحج ومالبسه وفوانيس رمضان
من الصين ،والبذور والشتالت والتقاوي من أوروبا وإسرائيل ،مع أنها أول من
نسج المالبس ،وأول من ط َّبق الزراعة المنظمة ،وكانت لنا سمعة دولية كمنتجين
لكال السياقين ،حتى نهاية السبعينيات .بينما يعاني الماليين من أوالدنا البطالة، وفي بنوكنا ودائع عاطلة تقترب من 2.8تريليون جنيه ،منها 375.1مليار جنيه فقط ودائع حكومية ،والباقي أهالي (أفرا ًدا وشركات) ،وقوة استثمارية مبددة في
العقارات المستخدمة كوعاء ادخاري ضار اقتصاد ًّيا ومال ًّيا ،تصل إلى 400مليار جنيه مبددة في الساحل الشمالي والبحر األحمر والمنتجعات الصحراوية.
صدرا ،معركته األولى اإلنتاج ،علينا إعالء قيمة ولكي نستعيد فضاء عا ًّما ً منتجا و ُم ً
العمل وثقافته بين جميع الفئات ،ونتذكر نشيد « َمكَنَ ..مكَنَ ..مكَن» لصالح جاهين
وسيد مكاوي ،وأغنية «من صوت المكن الداير» عبد الحليم حافظ« ،عايزك تكبر يا ولدي» سيد إسماعيل« ،عايزينها تبقى خضرا» محمد ثروت ،وكلها تحفز اإلنتاج
وتعلي من قيمة العمل ،وعلينا توجيه القوانين واللوائح نحو تشجيع االبتكار واإلنتاج؛ خاصة في مجاالت تستخدم العمالة الكثيفة ،وال تستخدم المياه بكثرة ،وتقلل الفجوة
الغذائية؛ والتركيز على األحوزة المهجورة .ولنتذكر أن ترسيخ ثقافة اإلنتاج عامل جذب إضافي للمستثمرين.
نضجا هي إنشاء مجلس قومي للتنمية البشرية ،يضع خطة والخطوة األكثر ً
وطنية ويراقب تنفيذها؛ لرصد الطاقات كافة وتوجيهها ،كل حسب قدراته ،وضمان
آليات الفرز الطبيعي للكفاءات حسب سياقها ،فال إنتاج صناع ًّيا أو زراع ًّيا أو تقن ًّيا
أو سياح ًّيا ،من دون طاقة بشرية فنية وإدارية مدربة وماهرة موزعة جغراف ًّيا بعدالة. نحتاج إلى تشريعات ،تُجبِر وحدات اإلنتاج على إنشاء مراكز تدريب ومعاهد فنية
بداخل الوحدة اإلنتاجية ،أو مرتبطة بالمدارس الصناعية والزراعية والسياحية القريبة منها إلعداد الفنيين واإلداريينٌّ ، كل في تخصصه ،تكفي لتشغيل الوحدة اإلنتاجية 130
وأيضا للصناعات الصغرى المغذية لها .ولدينا تجربة «شركة بجودة عالية وكفاءةً ، النصر للبترول»؛ التي أنشأت معهدً ا إلعداد الفنيين ،لفترة 5سنوات دراسة وتدري ًبا، بعد المرحلة اإلعدادية ،واآلن جميع كوادرها الوسيطة من خريجيه ،وبعد إغالقه ستجد الشركة فجوة في الكفاءات. ولضرورة إقامة عالقات عمل عادلة بين العمال وأصحاب األعمال ،نرجع إلى بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ،التي توضح إنتاجية العامل في كل من القطاع الخاص وقطاع األعمال في الشكلين التاليين )52( ،و( ،)53لالستدالل على كفاءة المشروعات والعمالة في المشروعات اإلنتاجية ،مقاسة بإنتاجية العامل (نصيب العامل من القيمة المضافة).
شكل ( :)52متوسط أجر العامل من القيمة المضافة في السنة ـ قطاع خاص استثماري
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2015
131
شكل ( :)53متوسط أجر العامل من القيمة المضافة في السنة ـ قطاع عام
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2015
وبهذا يكشف الجهاز الحكومي في هذين البيانين بعاليه أنه بقسمة إجمالي القيمة المضافة على عدد العاملين في القطاع العام تقترب إنتاجية العامل من 100ألف جنيه، بينما تشير بيانات القطاع الخاص إلى أنها ال تتجاوز 56ألف جنيه ،وهي بيانات تثير أسئلة كثيرة حول كفاءة كل من القطاعين وما قد يتعرض له العامل المصري من ظروف تحتاج إلى تمحيص دقيق. وفي سياقات محددة ،علينا: 1ـ إعادة التوازن لخريطة مساهمة األنشطة االقتصادية الرئيسية في الناتج المحلي: الصناعة ،الزراعة ،والخدمات؛ فخالل العقود الماضية ،انخفضت مساهمة القيمة الزراعية المضافة في الناتج المحلي من %19عام 1990إلى %11عام ،2014 مع توقف تطوير عجلة إنتاجها ،من الري حتى التسويق ،كما يظهر في الشكل ()54؛ لتزداد الفجوة الغذائية ،ونستورد %75من طعامنا ،وتتفاقم أحوال ماليين العاملين بالزراعة ،لدرجة أنه في إحدى سنوات العقد األول من القرن الحالي، لم يتقدم أحد لاللتحاق بكليات الزراعة أثناء فترة التنسيق بالمرحلة األولى. 132
شكل ( :)54مساهمة األنشطة االقتصادية الرئيسية في الناتج المحلي
المصدر :البنك الدولي ـ 2015
بالنسبة لألراضي القديمة (الوادي والدلتا) ،يجب تجميع الملكيات الصغيرة في حيازات ذات مساحات اقتصادية ،والعودة إلى الدورة الزراعية ،والتحول التدريجي من الري بالغمر إلى الري بالرش أو بالتنقيط أو بالرذاذ للزراعات المحمية؛ ما يوفر مياه الري ،ف ُيستخدم فائض المياه للتوسع في استصالح األراضي البور في الظهير الصحراوي المالصق لنهايات الترع والمساقي واألرض الزراعية الحالية ،ورفع إنتاجيتها؛ لذا يجب الحفاظ على الظهير الصحراوي خال ًيا من اإلنشاءات؛ ليتحقق االمتداد األفقي الزراعي بأقل تكلفة على أرضه. ولتعظيم العائد الزراعي لكل نقطة مياه ،يجب التوسع في الزراعات المحمية أيضا بالمكافحة والتغذية النظيفة أو العضوية في ذات التحكم البيئي ،والقيام ً الظروف والمحاصيل المناسبة لذلك. وعلى الجهات البحثية التركيز على أمهات الزراعة ،باستنباط البذور والشتالت والتقاوي المقاومة للملوحة ،وكثيفة اإلنتاج وقليلة استخدام مياه الري والمقاومة 133
وأيضا للتغير المناخي ،ويدخل ضمن أمهات الزراعات إنتاج الزريعة السمكية ً الكتاكيت للتربية الداجنة والنعام من السالالت المصرية األصيلة ،أو السالالت المصرية المهجنة. ويوضح الشكل ( )55العالقة بين نوعيات شتالت األرز مختلفة المصدر وكمية المياه الالزمة لريها.
شكل ( :)55كمية المياه المستهلكة لزراعة األرز في بعض الدول
المصدر :تجميع المؤلف
تصمم وتنتَج شتالت أرز تصل في استهالكها إلى مستوى ولذلك يجب أن َّ شتالت أستراليا واليابان ،حيث إن الشتالت المصرية تستهلك مقدار الضعف اآلن ،ويطبق المسار نفسه على بقية زراعاتنا كثيفة االستهالك للمياه مثل قصب السكر والموز. ومن ناحية أخرى ،يجب اختيار نوعية الزراعات التي يعظم عائدها الغذائي ويقل استهالكها للمياهً ، فمثل يوضح الشكل ( )56كمية السعرات الحرارية المنتجة من عدة محاصيل للتر مياه واحد ،ويوضح أن لتر مياه واحدً ا ينتج 5.5 134
سعر حراري في حالة زراعة البطاطا ،بينما ينتج هذا اللتر نفسه 2سعر حراري فقط في حالة زراعة القمح واألرز باستخدام الشتالت الحالية.
شكل ( :)56السعرات الحرارية المنتجة من كل لتر ماء مستخدم في الزراعة
المصدر :تجميع المؤلف
كما يتعين على المخططين البحث عن البدائل ،حتى إذا كانت من بالد أخرى .فالبطاطا النشوية (ً )Starchy Sweet Potato مثل تعطي دقي ًقا أبيض، من الكربوهيدرات ،مثل ما نحصل عليه من القمح أو األذرة أو األرز أو الميليت (الدُّ خن) ،ولكن البطاطا تنتج غذاء أكثر مما ينتجه أي محصول رئيسي آخر مياها يعطي 7.5كجم مادة نشوية ،بينما القمح من وحدة المياه ،فكل 1مً 3 مياها يعطي 2كجم .وهذه المقارنة مياها يعطي 1كجم ،وفي األذرة 1مً 3 1مً 3 خبزا من ليست نظرية ،فقد أنتجت أقسام علمية في كليات الزراعة جامعة القاهرة ً دقيق البطاطا النشوية بيضاء القلب ،ويتم خلطه بنسب متفاوتة اآلن في الواليات المتحدة األمريكية (التي حصلت على سالالت من البطاطا الحلوة من مصر، من خالل المشاريع العلمية التي كانت تمولها في فترات سابقة ،واستطاعت 135
االستفادة منها) ،واتباع هذا النهج يقلل من استيراد القمح ،ويرفع من القيمة الغذائية للخبز في الوقت نفسه ،كما تقلل من فاتورة عالج أمراض سوء التغذية التي أدت إلى زيادة نسبة التقزم عند األطفال لتصل إلى نسبة خطر هي .%21 وأيضا ،يعادل إنتاج كمية من البطاطس حوالي 10أضعاف كمية القمح المنتج ً أيضا أكثر في قيمتها الغذائية ،ولذا يخطط للفدان ،وبكمية المياه نفسها ،وهي ً الستخدام البطاطس ً بدل من الخبز (القمح) في وجبة واحدة يوم ًّيا على األقل؛ حسن من صحة اإلنسان وميزان المدفوعات ،ويوفر مياه الري. ألن ذلك ُي ِّ وفي الوقت نفسه ،يجب الحد من الزراعات الكثيفة في استخدام المياه ،مثل الموز خاصة في األراضي الصحراوية التي تُروى بالمياه الجوفية ،وقصب السكر في أراضي الوادي ،واعتماد زراعات قليلة استخدام المياه وتؤدي الغرض نفسه ً بدل منها ،وتجريم االستخدام المفرط للمياه ،وترشيد استغاللها ،وتحجيم إهدارها خارج احتياجات اإلنسان األساسية ،ومعالجة مياه الصرف الصحي الستخدامها في ري األشجار الخشبية والمسطحات الخضراء لغرض الزينة، في أضيق الحدود ،وتنسيق المواقع وتشجير الطرق. وبدراسة حجم مالعب الجولف والمنتزهات الخضراء في مشروعات التنمية عظيما للمياه ،التي يجب أن نوجهها إلى اإلنتاج الزراعي إهدارا العقارية ،نجد ً ً لغرض الغذاء. يتعين على الزراعة أن تحقق زيادة ملموسة في حجم العائد المادي من وحدة المياه التي تستخدمها ،واألفضل أن يكون هذا العائد بالدوالر من التصدير، ً فمثل متر مكعب مياه يكفي إلنتاج 2كيلو بصل بدوالر واحد ،أو 10نباتات
دوالرا ،و 200زهرة قرنفل بـ30 دوالرا ،أو 200زهرة ورد بـ60 أوركيد بـ27 ً ً دوالرا (حسب أسعار سنة .)2012 ً وبإيجاز ،علينا أن نتعامل مع المياه كمادة ذات ندرة ،فال نسيء استخدامها، ونعظم العائد الزراعي والغذائي والمادي لها. 2ـ الحفاظ على العائد من منتجات البصمة المصرية وتطويره وتعظيمه ،في المجاالت الغذائية والمعدنية والنباتية والحيوانية وتاريخ مصر وثقافتها. 136
واستعادة «نسبة» بعض «الخصوصيات» وبناء صناعات تصديرية عليها ،مثل: الطعمية التي تسوقها إسرائيل اآلن ،والملوخية التي تسوقها اليابان ،وسمك وتسوقه ،ومنتجات ألبان البقر الصفراء مثل الجبن طورته الصين ِّ البلطي الذي َّ الدمياطي الذي تسوقه الدنمارك ،والحالوة الطحينية العسلية (من العسل وأيضا المالبس من األسود وليس السكر) التي تسوقها تركيا (السكري منها)ً ، القطن والكتان التي تسوقها الهند ،ومنتجات جرانيت أسوان األحمر .ويجب أيضا من تاريخنا الذي تستفيد منه «هوليوود» عاصمة السينما ،مثل االستفادة ً أفالم «كليوباترا» و«أمير مصر» ،ودعم قطاع الحرف التقليدية واليدوية وإحياؤه، والخدمات البيئية ..كل منطقة وفق تنوعها ،ونشر ثقافاتها داخل ًّيا وترويجها خارج ًّيا ،عن طريق المعارض والمؤتمرات. 3ـ تشجيع سياحة تعتمد على معدل اإلنفاق األعلى ال عدد الليالي األكثر ،و«الكيف» وليس «الكم»؛ حفا ًظا على البيئة ،وعلى مصالح أهالي المناطق السياحية .وإلغاء نظا َمي البيع السياحي بأسلوب « »All Inclusive/Package Holidayتدريج ًّيا، حتى تصل إلى درجة أعلى لتوزيع إنفاق السياح األجانب على أكبر عدد من المواطنين مباشرة (من السائح إلى المواطن) ،من دون أن يقتصر الدخل على الشركات السياحية األجنبية الجالبة للسياح ،وإلزام المنشآت بالطابع المصري والخامات المصرية .كما يجب التعاون مع منظمي الرحالت الثقافية والعلمية مثل المتاحف والمعارض والمجالت التخصصية والجامعات والجمعيات المتخصصة؛ لما لذلك من عائد يفوق تأثير عدد السياح الوافدين. 4ـ إقامة مشروعات لتدوير المخلفات المنزلية والزراعية والصناعية والصحية؛ إلنتاج األسمدة أو الطاقة ( ،)Waste to Energyووضع خطط للوصول إلى مجتمع من دون مخلفات ( .)ZeroWaste Societyويكون هذا المجال أحد أهم أعمال وزارة البيئة. 5ـ تعتبر الصناعات العسكرية ،من معدات ومركبات وذخيرة ومستلزمات الدفاع األشمل ،قاطرة التقدم التكنولوجي ،وهي احتياطي (رديف) لتطور الصناعات المدنية ،التي يجب أن تترك للقطاعات العامة والخاصة والتعاونية، 137
وفق خطة قومية ،يلتزم بها الجميع ،ويتكامل فيها نوعا القطاعات (العسكرية والمدنية)؛ لتغطية احتياجات الدولة كافة ثم التصدير ،وفتح باب األبحاث والدراسات والتصميمات والتصنيع للقطاع الخاص في مجال الدفاع تحت إشراف الجهات المعنية ،ألنه الطريق الوحيد لالبتكار ،وهذا متبع في جميع بالد الشرق والغرب. 6ـ وضع سياسات إصالحية للبنوك؛ لتكون إحدى قاطرات التنمية الشاملة، ً بدل من أن تدعم االنكماش االقتصادي واالقتراض االستهالكي والسوق
العقارية المتوحشة .ولنا في الواليات المتحدة أسوة؛ إذ سنت قانونًا عام 1977 يسمى «ُ ،»Reinvestment Community Actيلزم البنوك بتوظيف جزء من محافظها المالية لإلقراض في األحوزة المهجورة .ويجب إعادة هيكلة البنوك التخصصية كـ«التنمية» و«االئتمان الزراعي» و«التنمية الصناعية والعقارية» و«ناصر االجتماعي» ،وتأسيس بنك متخصص في تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. 7ـ صرامة تطبيق شروط الجودة العالمية على جميع المنتجات والخدمات المصرية، لكل من االستهالك المحلي والتصدير بدون تفرقة. 8ـ اعتبار االهتمام بالمياه والسكن في المرتبة الثانية من حيث األهمية ،بعد القدرة البشرية ،في سياق دعم اإلنتاج. 9ـ إنشاء إدارة التحول الصناعي .مع تقدم العلم والدراسات من ناحية ،وتعدد االحتياجات من ناحية أخرى ،تنتهي الحاجة إلى بعض الصناعات القائمة، بينما تنشأ الحاجة إلى صناعات أخرى .في هذا الصدد ،يجب إنشاء إدارة للتحول الصناعي الحتمي؛ إذ يجب: (أ) االستفادة من الماكينات وتوصيالت الكهرباء ومرافق المصنع. (ب) االستفادة من الموقع والمباني. (ج) االستفادة من العمالة وتطويرها ،وإعادة تأهيلها إلى صناعات أخرى. ً فمثل ،يجب أن تتحول صناعة السكر من قصب السكر إلى البنجر؛ ألنه أقل وأيضا تخرج منه مواد ثانوية ذات فائدة ،بخالف السكر ،مثل استهالكًا للمياه ً 138
أيضا استخدام العدد الهائل من العمالة الفائضة في علف الحيوان .ويمكن ً صناعات أخرى ،مثل بدء صناعات مكونات معدات وأجهزة الطاقة الشمسية الحرارية وطاقة الرياح المرتفعة (أكثر من 300متر فوق سطح األرض)، مترا فوق سطح والعائمة في البحار وبعيدة عن الشواطئ (أعلى من ً 120 البحر) ألنها أكثر كفاءة. إن هذه اإلدارة مسؤولة عن التحول السلس من صناعة إلى صناعات أخرى، مع الحفاظ على ،واالستفادة من األرض (الموقع) ،والماكينات واألفراد.
139
ا�ستثمار �إيجابي بوجه عام ..االستثمار األمثل هو الذي يظل عائده بالكامل داخل مصر ،وال يعرض قيمة العملة والميزان التجاري واالحتياطي النقدي للخلل ،نظير الطلب على تحويل عملة أجنبية للخارج ،وهو الذي يدر لمالكيه ً دخل كاف ًيا بالعملة األجنبية ،ويعيد تدوير أرباحه على أرضنا. وقبل «االستثمار األجنبي» ،علينا مراجعة بيئة االستثمار لتحفيز الملكية التعاونية، كما القطاع الخاص ،أفرا ًدا وشركات؛ لحشد كل الطاقات للتنمية المستقلة ،حيث تنبهنا خريطة توزيع أكبر 300مؤسسة تعاونية في العالم ،كما في الشكل ( ،)57أن معظمها نشأ ونما في دول االقتصاد الحر ،مثل :الواليات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان.
شكل ( :)57توزيع حجم أعمال أكبر 300مؤسسة تعاونية حسب الدول
المصدر :الحلف التعاوني الدولي ـ 2015
141
توضح دراسة المشروعات التعاونية الكبرى في العالم اآلتي:
صحيحا أن انتشار التعاونيات يرتبط بفكر اقتصادي شمولي؛ بدليل أن 1ـ ليس ً الواليات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان وسويسرا تحظى بالنصيب األكبر من هذه المشروعات التعاونية الكبيرة.
2ـ إن انتشار التعاونيات يمثل حشدً ا للقدرات الذاتية الكامنة في المجتمع المصري،
وهو ما يتفق مع مبادئ التنمية المستقلة ،وأنه لن تُبنى مصر التي نحلم بها،
إال بعقول وسواعد أبنائها.
3ـ تضمن المشروعات التعاونية إعادة تدوير األرباح داخل االقتصاد المصري،
وتجنب ما يمثله معظم االستثمار األجنبي من احتماالت نزوح الثروات ً أموال ،أكثر مما للخارج؛ حيث إنه من البديهي أن يخرج المستثمر األجنبي أدخله ألي بلد.
ولذا يجب إعطاء اهتمام للمشروعات التعاونية الكبرى ،مثلما نعطي اهتما ًما
لالستثمار األجنبي ،مع ضرورة حشد قدرات المجتمع الذاتية نحو التنمية المستقلة.
وينبهنا الشكل التالي ( )58إلى أن أنشطة أكبر 300مؤسسة تعاونية في العالم،
التي يتجاوز رأس مالها 2300مليار دوالر سنو ًّيا ،تتوزع بين %25في قطاع الزراعة
والغذاء ،و %20في تجارة الجملة والتجزئة؛ أي توفير الغذاء واالحتياجات األسرية
للشعوب.
142
شكل ( :)58توزيع أعمال أكبر 300مؤسسة تعاونية في العالم حسب النشاط
المصدر :الحلف التعاوني الدولي ـ 2015
علينا أن ندق ناقوس التحفيز لدعم القطاع التعاوني وإحيائه ،لإلنتاج والخدمات والحرف التقليدية واليدوية والتنمية البشرية ،بجوار القطاعين العام والخاص، واالستثمار األجنبي ،عبر منظومة تشمل إعادة صياغة قانون التعاونيات بما يدعم مجاله ويحفز طاقات فئات المجتمع كافة ،ونشر ثقافة مشروعات الزراعة التعاونية وتشجيعها ،وفق مبدأ المزارع المالك أو الحائز ،بعيدً ا عن األجانب؛ لضمان عدم تفتيت ثروة األراضي الزراعية الجديدة وإهدارها ،من خالل تحديد المساحة الحرجة القتصاديات الزراعة ،وخاصة الصحراوية ،والسعي إلى تجميع الملكيات الصغيرة ،في الوادي والدلتا ،ضمن حيازات اقتصادية تسمح بعودة الدورة الزراعية وتطوير الري. مع ذلك ،ولعدم توافر الخبرات والتكنولوجيا أحيانًا ،وغياب التمويل واإلدارة الحكيمة والتسويق العالمي ،تلجأ جميع الدول لجذب االستثمار األجنبي ،فيأتي بما 143
يحول كل ما يمكنه من أرباحه تحتاجه من إمكانات وكفاءات .ولكنه ،وهذا منطقيِّ ، إلى الخارج بالعملة األجنبية. والهدف األساسي من جذب االستثمار األجنبي ،هو تعظيم احتياطي العملة األجنبية للدولة المضيفة ،تليه إتاحة فرص العمل ونقل التكنولوجيا واالرتقاء بالصناعة .ونظير ذلك تقدم الدول ميزات جاذبة ،تنازالت مثل :أرض مجانية أو بمقابل رمزي أو إعفاءات ضريبية ،أو دعم للطاقة ،لسنوات محددة. حول العملة أثبتت الخبرة العالمية أن االستثمار األجنبي يضر االقتصاد المحلي ،إذا َّ المحلية إلى أجنبية تمرر للخارج ،إما الستيراد مدخالت نشاطه ،أو لتصدير أرباحه المحققة بالجنيه ..في حالتنا. كقاعدة ،يظل اإلنفاق على أعمال التنقيب ،بتنوعاته ،خارج التصنيف االستثماري، فهي استغالل لمواردنا الطبيعية وتحويل أصل ثابت مملوك للشعب ،في باطن األرض، أيضا إلى أن إلى سيولة نقدية ،نحصل فقط على حد أقصى %50منها ،ويجب االنتباه ً استثمارا ،كما يصفها اإلعالم، عقود المقاوالت األجنبية مؤجلة الدفع لسنوات ليست ً وإنما عبء على خزانة الدولة ،يؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة المستقبلية؛ لذا ال يجب عند تحديد حجم االستثمار األجنبي أن نضيف إليها قيمة أعمال التنقيب واستغالل ً تفاؤل زائ ًفا، مواردنا الطبيعية وقيمة أعمال المقاوالت مؤجلة الدفع ألن إضافتها تظهر ً تضليل. ويجوز اعتباره وكأولوية ،يجب مراجعة قوانين االستثمار الصادرة في األعوام الثالثين األخيرة، وإعادة صياغتها بما يناسب االستثمار اإلنتاجي السلعي المصدر؛ فقد استثمرت «جنرال موتورز» في كوريا الجنوبية ،و«رينو» في المغرب ،وأصبحت كلتا الدولتين من أكبر مصدري السيارات ،بينما مصر ال تصدرها على الرغم من وجود 13شركة عالمية لتجميع السيارات ،منها «جنرال موتورز». ولكي يكون االستثمار األجنبي إيجاب ًّيا ،يجب أن نلتزم بـ: 1ـ أن يشمل عائد نشاطه العملة األجنبية الالزمة والكافية؛ لتوفير مدخالت النشاط ،ولتحويل أرباحه للخارج ،وأال يعتمد على تحويل الجنيه إلى عملة أجنبية تصدر للخارج. 144
2ـ التصنيع للتصدير ،والفنادق لجذب السياحة الخارجية ،والموالت التجارية لتسويق الصناعات المصرية وليس المستوردة ،والموانئ والمطارات ،أمثلة لألنشطة االستثمارية األجنبية ،التي تفيد االقتصاد القومي .في المقابل ،يجب قصر االستثمار العقاري السكني واإلنتاج الزراعي على القطاع الخاص والعام والتعاوني الوطني؛ حفا ًظا على سالمة النظام النقدي ،ولضمان توفير احتياجات تحول إلى الخارج بالعملة المواطن المصري بأسعار ال تدخل فيها أرباح َّ األجنبية. 3ـ أن يأتي المستثمر األجنبي بكامل رأس ماله وتكلفته االستثمارية «من» الخارج بالعملة األجنبية ،ويمكن للبنوك المصرية إقراضه مصاريف التشغيل األولية فقط بالجنيه ،لفترة محددة. 4ـ منع جلب العمالة من الخارج عدا الخبرات النادرة ،وعند الضرورة جلب رؤساء الورديات ومديري اإلنتاج لبعض الوقت ،مع إلزام كل مصنع ُيرخص له ،بإنشاء مركز تدريب لتخريج فنيين ومشغلين مصريين. 5ـ أال يكون الهدف من االستثمار األجنبي أو تقييمه هو التحويل األول لرأس المال األجنبي فقط (ما يسمى في اإلعالم «االستثمار األجنبي المباشر» ،)FDIويجب دراسة مستقبل نشاطه ،وما قد يضيفه أو ينقصه من العملة األجنبية ،على األقل لعشر سنوات تالية .والحكم عليه بحصيلة ما يدخله ،ليس فقط رأس المال أيضا أثناء ممارسة النشاط .وإذا كانت حصيلة الشركة عند التأسيس ،وإنما ً النهائية بالجنيه ،فإن الرخصة تُمنح على أساس إعادة استثمار الجنيه داخل البالد ،مثل تشريعات غينيا .و ُيلغى تما ًما التزام الحكومة بتحويل الجنيه إلى عملة أجنبية؛ لتصدير األرباح أو الستيراد مدخالت النشاط .وعلى المستثمر األجنبي تغطية احتياجاته من العملة األجنبية من نشاطه التصديري ،وليس من شراء العملة المحلية. 6ـ منح الفرصة كاملة للقطاع الخاص الوطني ،للمشاركة مع المستثمر األجنبي في التنمية االقتصادية ،وفي حالة امتناعه ،تتدخل الصناديق السيادية للمشاركة ً بدل من القطاع الخاص ،ويكون حد المشاركة المصرية األدنى هو حصة التكلفة 145
الرأسمالية بالجنيه ،ويحدد فريق من خبراء االقتصاد والسياسة النقدية نسبة المشاركة التي قد تختلف طب ًقا لنوعية النشاط وطبيعته. 7ـ قياس القيمة المضافة للصادرات المصرية ،ومقارنتها بسعر العملة األجنبية، عند تقديم طلب استثمار أجنبي. وحكوم ًّيا ،تجاه االستثمار عمو ًما ،واألجنبي خاصة ،يجب: 1ـ االلتزام باإلفصاح والشفافية على المستويات كافة. 2ـ محاربة الفساد بجدية وحزم وعالنية تامة. 3ـ توفير نظم النقل والطاقة والمواد الخام والعمالة المدربة المستقرة. 4ـ تحقيق استقرار اجتماعي عبر عدالة ،تمكن الكل من المشاركة في التنمية، واالشتراك في عائدها. 5ـ اعتماد سياسة نقدية واضحة ومستقرة. 6ـ مظلة قانونية عادلة ناجزة ومستقلة تشمل التخارج وإنهاء النشاط.
146
ا�ستيراد �أو ت�صدير «استيراد وتصدير» ..منذ السبعينيات ،كانت هذه هي الالفتة ،التي عادة ما تُلصق على «مقر» عمل شخصية ثرية ،واحتار سيناريست الفيلم في تحديد عمل لها ،أو شخصية «ناهبة» معبرة عن انفتاح «السداح مداح» ،كما وصفه الراحل أحمد بهاء الدين. واالستيراد ..ال التصدير ،جعلته منظومة حكم السادات ،وبعده تابعه مبارك ،محور رأسماليتهما ..أو قل «التشوه الرأسمالي» الذي طبقاه ،ليقودنا إلى ما نحن فيه. وكي تصبح منظومتنا االقتصادية ،أ ًّيا كان توصيفها النظري ،استيرا ًدا لما نحتاجه وتصديرا لكل ما يمكننا إنتاجه ،يجب: فقط ،وفي أضيق الحدود، ً 1ـ إعادة دراسة دعم المصدِّ رين ،ومدى تطابقه مع آليات السوق الحر «االجتماعي». وإعداد برنامج دعم نقدي للمزارعين وللمصنعين الذين تُصدَّ ر منتجاتهم، يوزع مشاركة بين المنتج والمصدر .فقد تبين ،عبر 40عا ًما ،أن هناك مصدرين يحصلون على الدعم ،استغلوا وجود مشروعاتهم في المناطق الحرة الخاصة لبيع منتجاتهم إلى السوق المحلية ،وآخرين اقتصر «تصنيعهم» على استيراد كل المكونات والتجميع أو التعبئة ،من دون أي مكون محلي. 2ـ فصل السجالت التجارية لشركات االستيراد عن التصدير ،وحظر جمعهما في كيان واحد؛ لالختالف الجوهري في تأثير العكس لكل من النشاطين على االقتصاد القومي واالحتياطي النقدي والبطالة. المصدر 3ـ إصدار حزمة قوانين لتحفيز الصادرات ،بداية من تسهيل إجراءاتها؛ إذ يحتاج ُ المصري 88ساعة إلتمام عمليته ،بينما يستغرق نظيره األردني دقائق للمهمة نفسها ،واإلسباني ساعة واحدة ،والياباني 3ساعات ،كما يظهر في الشكل (.)59 147
شكل ( :)59الوقت الالزم لالمتثال لشروط التصدير ومتطلباته (بالساعات)
المصدر« :تقرير ممارسة األعمال» ،مجموعة البنك الدولي ـ 2015
4ـ حظر تصدير المواد الخام ،ومن ضمنها حصتنا من الغاز الطبيعي ،قبل تصنيعها، ولو جزئ ًّيا؛ إلدخال قيمة مضافة إليها ،لزيادة العائد .ومراجعة قائمة الصادرات الغذائية؛ لضمان توفير احتياجات السوق المحلية ً أول ،وثان ًيا لمراعاة قيمة المكون المائي للمنتج الزراعي المصدَّ ر عند تسعيره ،على أساس تكلفة تحلية مياه البحر ،بفرض أنها الفرصة البديلة لمياه الري؛ فتصدير كجم أرز يعادل تصدير 4000لتر مياه ،واستيراد كجم لحم يوفر 16000لتر مياه. 5ـ مراجعة حاجات االستيراد ،وفرض رسوم إضافية على الواردات التي لها بديل خصوصا كثيفة العمالة ،مثل المالبس الجاهزة وصناعة األحذية ،لفترة وطني، ً من 5إلى 8سنوات ،مع تنشيط آليات مراقبة الجودة ،وحظر استيراد السلع االستفزازية التي لها بديل محلي ،وزيادة رسوم السلع التي ال بديل لها. 6ـ إعفاءات جمركية وضرائبية ،بما فيها المبيعات أو القيمة المضافة ،على استيراد ماكينات الصناعة ومعداتها ( )Capital Equipmentsالتي ال يمكن تصنيعها في 148
مصر ،بالتوازي مع إنشاء مركز قومي تكنولوجي للدعم الفني والمالي ،إلنتاج الماكينات والمعدات لخدمة قطاع الصناعة (خاص ًة الصناعات الهندسية)، وتصنيع قطع الغيار شاملة المعدات العسكرية؛ ً أمل في تحقيق تقليص تدريجي لالستيراد. 7ـ إلغاء الوكالة التجارية للشركات العالمية في مصر ،واستحداث شراكة فنية مع شركات مصرية ً بدل منها ،كل في تخصصه ،هدفها تطوير القدرة الفنية الذاتية للمصريين ،ودعم األبحاث واالبتكار؛ لضمان تنمية شاملة مستقلة .وعند المفاضلة بين الشركات األجنبية في أي مشروعات ،يجب إعطاء الوزن الكافي لقدرات الشريك الفني المصري المتخصص؛ حتى ال تكون المشاركة صورية. 8ـ مراجعة المنظومة القانونية االقتصادية؛ خاصة المتعلقة بالمناقصات والمزايدات (مثل المادة 22مكرر ،التي أدخلت على القانون عام ،)2005وغيرها من المواد والقوانين ،التي قد تكون بها ثغرات تسمح بتمرير الفساد. 9ـ تحديد هامش ربح لجميع السلع المستوردة ،والمحددة فاتورة استيرادها في مصلحة الجمارك ،لزيادة حصيلة الضرائب والجمارك؛ ودعم الصناعات المحلية ،عبر ربط سعر المنتج المستورد بقيمة الفاتورة (المحاسب عليها جمرك ًّيا) ،وهذا سيوقف أعمال تزوير الفواتير التي تتم اآلن بغرض خفض قيمة الضرائب والرسوم. 10ـ تفعيل آليات مراقبة المواصفات القياسية ألي سلعة مستوردة ،بالتوازي مع تنشيط نظيرتها للسلع المصدرة من مصر؛ الكتساب مصداقية تفتح أمام منتجاتنا أسوا ًقا جديدة.
149
ُنظم
دولة قانون أساس دولة القانون :استقالل القضاء +جودة التشريعات +القضاء الناجز +تنفيذ األحكام. يجب أن يكون االرتقاء بسمعة دولة القانون الهدف األول واألسمى ألي نظام حكم يحترم المواطن ويرغب في جذب االستثمار والسياح ،إذ إن أي اهتزاز في سمعة دولة القانون يؤثر سل ًبا على صورة الدولة ،في الداخل والخارج. هذا ما يجب أن يعيه «رجل الدولة» الذي يسعىً ، فعل ،لبناء مجتمعه وتنميته؛ فأهمية ترسيخ دولة القانون تتجاوز حدود الوطن إلى صورته دول ًّيا ،وتؤثر بالتبعية في صورة مناخ االستثمار واالقتصاد عمو ًما .ولهذا خصص المنتدى االقتصادي مؤشرا لكفاءة اإلطار القانوني في تسوية النزاعات ،ضمن مؤشرات تنافسية العالمي ً االقتصادات العالمية ،احتلت فيه مصر مرتبة متدنية عام ،2017-2016المركز 81من بين 138دولة ،لتسبقها دول مثل رواندا والسنغال وجنوب أفريقيا ،كما يظهر في الشكل ()60؛ ما يعني جاذبية أقل لالستثمارات األجنبية. داخل ًّيا ،يبدو الحديث عن محورية دولة القانون لبناء المجتمع ،بسياقاته ومجاالته كافة ،بد ًءا من االقتصاد وانضباط دوالب الدولة إلى الشعور باالنتماء واألمان، ً مبتذل؛ فالقانون يضمن رفع المظالم ورد الحقوق إلى أصحابها في مدة حدي ًثا زمنية مناسبة ،وهو ما ُيعرف بـ«العدالة الناجزة» ،التي أجمع علماء االجتماع على أن إهدارها هو الخطر األول الذي يهدد السالم االجتماعي .وتدق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ناقوس الخطر ،منبهة إلى أن نسبة الفصل في القضايا مثيرة للقلق ،وتتجه بصفة عامة إلى االنخفاض ،راصدة أن نسبة الفصل 153
شكل ( :)60كفاءة اإلطار القانوني في تسوية النزاعات (الترتيب األقل هو األفضل واألكبر هو األسوأ)
المصدر :المنتدى االقتصادي العالمي 2017-2016
مرورا بعا َمي في القضايا المدنية تراجعت من %62عام 2002لتصبح %44عام ً ،2011 2009و ،2010اللذين لم تتجاوز في أي منهما ،%48كما يظهر في الشكل (.)61
شكل ( :)61تطور نسبة الفصل في القضايا بالمحاكم المصرية
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء
154
وال يقتصر ضبط آليات تحقيق العدالة على سرعة الفصل في القضايا ،فهي تشمل
ما أصبح ُيسمى «جودة التشريعات»« ،قوانين» و«لوائح» .وبنظرة سريعة على مقياس
جودة التشريعات في الدول العربية ،الصادر عن البنك الدولي ،سيصدمنا أن ترتيب
مصر متأخر عن تونس والمغرب ولبنان والكويت وقطر والسعودية واألردن وفلسطين
وعمان والبحرين واإلمارات ..وجيبوتي ،كما يظهر في الشكل (.)62
شكل ( :)62مقياس جودة التشريعات في المنطقة العربية
المصدر :البنك الدولي ـ 2013 (آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)
ولن تتحقق دولة القانون إال بالقدرة على تنفيذ األحكام؛ ما يتطلب احترام جهات
الدولة كافة لـ«حجيتها» ،وااللتزام بها؛ حتى ال تفقد منظومة العدالة ،قانونًا وقضا ًء، ثقة الشعب ..وتثير مخاوف المستثمرين القادمين من خارج الحدود .ويجوز دراسة تنفيذ فكرة الشرطة القضائية ،المطبقة في دول أخرى.
كثيرا عند الحديث عن سيادة القانون؛ حيث يشير «تقرير التنمية وال يختلف الوضع ً
البشرية» إلى تردي وضعية مصر فيها ،كما يظهر في الشكل (.)63 155
شكل ( :)63مقياس سيادة القانون في المنطقة العربية
المصدر« :تقرير التنمية البشرية» ،األمم المتحدة ـ 2014
واهتزاز مبدأ سيادة القانون يتجاوز دائرة المعامالت الخاصة إلى فعالية الحكومة ذاتها، وقدرتها على وضع السياسات واإلستراتيجيات وتنفيذها ،في ظل وجود أصحاب المصالح، ومراكز الضغط المتعددة ،والتحديات الكبيرة التي تواجه الوطن ،كما يظهر في الشكل (.)64
شكل ( :)64مؤشر فعالية الحكومات في المنطقة العربية
المصدر« :تقرير التنمية البشرية» ،األمم المتحدة ـ 2014
156
ولضمان حماية دولة القانون ،نحتاج إلى تفعيل هيئة عليا مستقلة للتنسيق بين الجهات الرقابية لزيادة كفاءتها ،وتوفير الشفافية والمساءلة .كما نحتاج إلى تطبيق اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد؛ خاصة قانون حماية الشهود والمبلغين؛ إذ تحذرنا تقارير المنظمة الدولية من تدني ترتيب مصر عرب ًّيا على مؤشر السيطرة على الفساد ،لتسبقنا الجزائر وجيبوتي والمغرب وتونس والكويت والسعودية وعمان واألردن والبحرين وقطر واإلمارات ،كما يظهر في الشكل (.)65
شكل ( :)65مؤشر السيطرة على الفساد في الدول العربية
المصدر« :تقرير التنمية البشرية» ،األمم المتحدة ـ 2014
ويتطلب ترسيخ قاعدة سيادة القانون إعادة تقييم تشريعات مطبقة ،لتقييم أثرها على تحقيق العدالة الناجزة ،سل ًبا أو إيجا ًبا ،مثل القانون رقم 7لسنة ،2000المؤسس للجان التوفيق في المنازعات ،والذي يتيح للسلطة التنفيذية أن تقدم لرجال القضاء ما يثير شبهة التأثير على حيادهم.
157
الجريدة الرسمية ـ العدد ( 13مكرر) في 4أبريل سنة 2000 قانون رقم 7لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات واألشخاص االعتبارية العامة طر ًفا فيها (المادة الثالثة) يكون اختيار رؤساء لجان التوفيق من رجال القضاء أو أعضاء الهيئات القضائية السابقين من المقيدين في الجداول التي تُعد لهذا الغرض ،بعد موافقة المجلس األعلى للهيئات القضائية. وينشئ وزير العدل بقرار منه الجهة التي تتولى ـ في وزارة العدل ـ إعداد الجداول المشار إليها في الفقرة السابقة ،ويحدد القرار شروط وإجراءات القيد فيها ـ ومراجعتها. وأيضا قانون تنمية التصدير ،رقم 155لسنة ،2002الذي يمنع النيابة العامة من ً
تحريك الدعوى الجنائية ،أو اتخاذ أي إجراء فيها إال بـ«إذن» من وزير بالسلطة التنفيذية،
وهذا يمثل إعاقة لتحقيق العدالة.
158
الجريدة الرسمية ـ العدد ( 24مكرر) في 18يونيو سنة 2002 قانون 155لسنة 2002 بشأن تنمية التصدير (المادة السابعة) ( )...وال يجوز تحريك الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء فيها ،إال بناء على إذن من الوزير المختص بالتجارة الخارجية. وقد تكرر القيد نفسه في القانون رقم 3لسنة ،2005الخاص بحماية المنافسة ومنع الممارسات االحتكارية ،وفي قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد ،رقم 88 لسنة .2003 الجريدة الرسمية ـ العدد ( 24مكرر) في 15يونيو سنة 2003 قانون 88لسنة 2003 الخاص بالجهاز المصرفي والنقد (المادة )131 ال يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراءات من إجراءات التحقيق في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات الصادرة ً تنفيذا له ،وفي المادتين 116 مكررا (أ) من قانون العقوبات في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون، مكررا و116 ً ً إال بناء على طلب من محافظ البنك المركزي أو طلب من رئيس مجلس الوزراء. 159
وبصفة عامة ،ال يمكن أن نغفل أوجه القصور التي تشوب التشريعات المصرية، مقارن ًة باتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد ،كما حددتها دراسة لمركز العقد االجتماعي ،شكل ( ،)66وتتلخص في: مواطن القصور الرئيسية في القانون المصري مقارنة باالتفاقية الدولية هي: 1ـ عدم الشفافية والقيود على تقارير األجهزة الرقابية. 2ـ نظم التعيين والترقية وقياس الكفاءة والتباين الكبير في المرتبات. 3ـ التداخل في االختصاصات بين الجهات الرقابية وحاجتها إلى استقاللية أكبر. 4ـ عدم وجود نظام ف َّعال لحماية المبلغين والشهود. 5ـ عدم وجود نظام قانوني شامل لمكافحة الفساد في القطاع الخاص. 6ـ عدم وجود نظام قانوني واضح لمنع تعارض المصالح. 7ـ الجوانب اإلجرائية المتعلقة بالتعاون الدولي في تسليم المجرمين وإرجاع الموجودات. شكل ( :)66ملخص دراسة لمركز العقد االجتماعي المصدر :اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد (دراسة غير متكررة صدرت مرة واحدة)
صدر قانون منع تضارب المصالح ،واقتصر تطبيقه على كبار المسؤولين الحكوميين، دون أن يطبقً ، مثل ،على قيادات البرلمان ،الذين يملكون بحكم مناصبهم التأثير على التشريعات والقوانين لتخدم أهدافهم ومصالحهم. وحتى ال نكرر ما هو مستقر عليه ،فإن لدينا توصيات مؤتمر العدالة ،الذي نظمه نادي القضاة عام ،1986ولم تط َّبق ،وما زالت تصلح للبناء عليها ،منها :إلغاء ندب نص عليه دستورنا الجديد ،ونقل تبعية التفتيش القضاة إلى جهات تنفيذية ،وهو ما َّ القضائي للمجلس األعلى للقضاءً ، بدل من وزارة العدل ،وأال تكون اإلعارة إلى 160
الخارج أداة لتطويع القضاة للسلطة التنفيذية .كما يجب تجريم استخدام القضاء في الخصومات السياسية ،وبلورة سياق تقني ،يجمع بين شفافية الشكاوى ضد العاملين في منظومة العدالة ومحاسبتهم ،وضمان احترامهم في القضاء العام .واألهم ..إلغاء سابقة التدخل في المنظومة العدلية ،التي تسمح لرئيس السلطة التنفيذية باختيار رؤساء مؤسسات السلطة القضائية ،وأقرتها السلطة التشريعية نهاية أبريل ،2017بالمخالفة للمبادئ الدستورية المستقرة. ومن واقع معاناتنا العملية ،نحن وماليين المصريين ،نتوقف عند المنظومة المعاونة للجهاز القضائي؛ خاصة التحريات والخبراء .ويرى شيوخ القضاء ضرورة: 1ـ إعادة بناء مصلحة الخبراء بوزارة العدل ،وفق قواعد عالمية ،تضمن تطهيرها من الفساد ،والبدء بتكليف خبيرين أو أكثر بإجراء تقارير منفردة للموضوع نفسه؛ لضمان حسن األداء. 2ـ تخصيص هيئة للتحريات والمعلومات مستقلة عن وزارة الداخلية ،بالتنسيق معها ،ونشير هنا إلى البرتغال ،التي حققت استقالل التحريات والمعلومات عن وزارة داخليتها ،في تجربة فريدة أشادت بها األمم المتحدة. وأخيرا ..عودة نظام الفصل بين جهة توجيه االتهام ،وهو أصل مجال عمل النيابة، ً وإجراء التحقيقات ،التي يجب أن تسند إلى قاضي تحقيق وليس للنيابة كما يحدث اآلن .والفصل بين جهة االتهام وجهة التحقيق إجراء معمول به في النظام الفرنسي، وكان متب ًعا في مصر قبل ثورة يوليو .1952
161
كفاية وعدل كلمتان تلخصان رؤيتنا في إشكالية العدالة االجتماعية ،بين الحقوق وااللتزامات.. األجور والضرائب. الكفاية والعدل ال يرتبطان بأيديولوجية بعينها ،بل هما جزء أساسي من أي عقد اجتماعي ألي مجتمع يبحث عن السالم الداخلي .ويقاس نجاح أي نظام اقتصادي أو اجتماعي بقدرته على توفير الحد األدنى المعقول من متطلبات الحياة لمواطنيه. كنقطة جوهرية ،يجب أن يكون الحد األدنى للدخل مرتب ًطا مباشرة بتكلفة سلة غذاء محدودي الدخل ،باإلضافة إلى تكلفة السكن ،واالنتقاالت ،بافتراض أن التعليم الجيد بالمجان والعالج المناسب بمظلة التأمين الصحي متوفران. وإذا كانت هناك فجوة بين الحد األدنى لألجور المرتبط باإلنتاج وآليات السوق، والحد األدنى للدخل المرتبط بالحياة الكريمة؛ فالفارق تتحمله الدولة عين ًّيا عبر بطاقات تموينية في صورة كوبونات ،كما في أمريكا الرأسمالية ،لعناصر السلة الغذائية كافة ،وبطاقات سفر ومالبس مدارس وإعفاءات من رسوم المدارس ،على أن يتولى خبراء التغذية ،بالمركز القومي للبحوث ،إعداد فكرة الوجبات الغذائية اليومية النمطية خصيصا لمحدودي الدخل الشاملة لجميع العناصر الغذائية ونشرها ،وأن يوجه ذلك ً ولتالميذ المدارس. يطبق هذا على كل العاملين (دولة ،قطاع أعمال ،قطاع خاص ..باستثناء االستثماري األجنبي). الفارق الذي نقصده هنا ،هو بين الحد األدنى لألجور المرتبط باإلنتاج وآليات السوق ،والحد األدنى للدخل ،الذي يوفر حياة كريمة لألسرة .ويكون الحد األقصى 163
للدخل حوالي 40ضع ًفا لألدنى ،لتحقيق اإلنصاف الذي هو أساس التنمية والتقدم ألي مجتمع. وكقاعدة ،يجب ربط األجور في الوحدات اإلنتاجية بالدخل العام للوحدة، وتخصيص نسبة من إجماليه لها ،تتجاوز النسب الحالية المتدنية ،%5-%3 ،لتقترب من النسب العالمية ،ما بين %15و ،%20وال يقف األمر هنا عند شرط «العدالة» ،ولكنه يتحول إلى حافز لمزيد من اإلنتاج .وصحيح أن تدني نسبة األجور من قيمة دخل المؤسسة هو سرقة للعمال ،ولكننا نقول« :تقترب للمعدل العالمي» ..ال «تصل»؛ لتظل مصر جاذبة لمشروعات اإلنتاج المعتمدة على العمالة ،كأن تدور بين 10و%12 من الدخل العام للوحدة اإلنتاجية. أيضا تفعيل توزيع جزء من األرباح ،بقرار من الجمعية العمومية ،على جميع يجب ً العاملين وليس فقط المناصب العليا؛ فهذه النسبة تحل جز ًءا من مشكلة الحد األدنى ذات ًّيا ،بما يفوق الحد األدنى للدخل الالزم لحياة كريمة. في المقابل ،تشهد بعض وحدات إنتاجية بالقطاع العام زيادة نسبة األجور للدخل العام عن المتوسط العالمي ،ويسهل الضبط هنا بزيادة اإلنتاج ،وحسن اإلدارة. الوجه اآلخر لـ«كفاية وعدل» ،هو الضرائب .وليس جديدً ا أن القدر األكبر من ضرائب الدخل يدفعه موظفو الدولة ،ثم تليهم الشركات الكبيرة (عام وخاص) ذات الدفاتر المنتظمة ،والعاملون لديها ،وخارج هذه المجموعات الثالث مساحة هائلة للتهرب ،ومن ثم يمكن التوسع في حجم الضرائب وحصيلتها ،كمظهر سيادي للدولة، ووسيلة لتحقيق العدالة االجتماعية. وليس أدل على اختالل المنظومة الضريبية من أن حصيلتها ،حين تضاعفت حوالي ثماني مرات ،من 51مليار جنيه عام 2002إلى 400مليار جنيه عام ،2016كما يظهر في الشكل ( ،)67جاء الجزء األكبر منها من الضرائب غير المباشرة التي يتحملها المواطن والمستهلك العادي ،مثل :ضريبة المبيعات (القيمة المضافة) ،والرسوم الجمركية ،أو الضرائب على التوظف التي يدفعها العمال والموظفون ،وما يلي ذلك من ضرائب الدخل التي تتحملها الهيئات المملوكة للمال العام ،كهيئة البترول وهيئة قناة السويس والبنك المركزي ،ولم تساهم الشركات في هذه الحصيلة بالقدر الكافي الذي يتناسب مع دخولها. 164
شكل ( :)67تطور حصيلة الضرائب
المصدر :الموازنة العامة للدولة عن أعوام مختلفة
تدعي بعض المجتمعات عدم وجود الموارد التي تستطيع تقديمها ألبنائها ،حتى لو أرادت ،وبالتالي تنتفي إمكانية تطبيق عدالة توزيع الموارد .ولو قبلنا بهذا المنطق، سيبقى العدل ضرور ًّيا في عدالة توزيع األعباء ،وأهمها الضرائب. كيف نحقق العدالة الضريبية؟ هذا هو محور تقرير سنوي ،يصدر عن مجموعة البنك الدولي بالمشاركة مع واحدة من أكبر مؤسسات المحاسبة والمراجعة في العالم، ويهتم بتحليل توزيع العبء النهائي للضرائب في كل بلد ،على أسس علمية واقتصادية موحدة ،ليصل إلى إجمالي سعر الضرائب التي يتحملها كل من الشركات والعاملين، باعتبارهما من يتحمل العبء النهائي لها .ويجب مالحظة أن العاملين يتحملون العبء النهائي للضرائب والرسوم الجمركية وضرائب المبيعات والقيمة المضافة ،باإلضافة إلى الضرائب والرسوم على األجور والمرتبات ،حتى لو كانت الشركات هي المكلفة بتحصيلها وتوريدها لمصلحة الضرائب. وفي الطريق إلى الحل: 1ـ يتحمل العامل المصري حال ًّيا %29من دخله لتسديد الضرائب المختلفة، وتتحمل الشركات %13عن أنواع الضرائب كافة ،كما يظهر في الشكل (.)68 165
ويالحظ أن هذا البيان قد ُأعد قبل صدور قانون التحول الكامل لضريبة القيمة المضافة ،الذي يزيد العبء على العامل ،وكذلك قبل صدور قانون االستثمار الجديد ،الذي يمنح خصومات ضريبية للشركات.
شكل ( :)68توزيع العبء النهائي للضرائب بين الشركات والعمال في مصر وبعض الدول، موضحا إجمالي سعر الضرائب لكل طرف ً
المصدر« :تقرير دفع الضرائب في العالم» ،مجموعة البنك الدولي ومؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبر» ـ 2010 (آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)
وفي األشكال من ( )69إلى ( ،)74نظرة عن قرب لتوزيع العبء النهائي للضرائب بين العمال والشركات في بعض الدول النامية أو المتقدمة. ويحتم الوضع الحالي ضرورة إعادة توزيع األعباء الضريبية في مصر؛ ليس فقط أيضا لضمان السلم االجتماعي. من أجل تحقيق شيء من العدالة الضريبية ،بل ً وال يمكن االدعاء بأن تخفيض الضرائب على الشركات يتم من أجل تحفيز االستثمار ،فال أحد يرضى بتحول مصر إلى جنة للتهرب الضريبي ولغسيل األموال ،وهي صفة تتبرأ منها الدول المتقدمة والنامية على السواء. 166
شكل ()69
شكل ()70
شكل ()71
شكل ()72
شكل ()73
شكل ()74
األشكال من ( )69إلى ( :)74توزيع العبء النهائي للضرائب في بعض الدول
المصدر« :تقرير دفع الضرائب في العالم» ،مجموعة البنك الدولي ومؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبر» ـ 2011 (آخر تقرير موثق ومنشور أمكننا الحصول عليه)
إن ضريبة القيمة المضافة تزيد العبء على المواطن ،بينما قانون االستثمار يخفف العبء عن الشركات؛ وهذا يوضح مدى تجاهل العدالة الضريبية في مصر. 2ـ فصل الضرائب التجارية عن الضرائب الصناعية؛ حيث تتم المحاسبة الضريبية اآلن على كل من النشا َطين التجاري والصناعي بالفئة نفسها .ويجب أن نضع برامج ،وأن يكون هناك تحفيز وميزة للضرائب على النشاط الصناعي ،وتحفيز أكبر للنشاط الصناعي في األحوزة المهجورة والصناعات التصديرية؛ أي أن تكون الضرائب على األرباح الصناعية محفزة ،وأقل من الضرائب على األرباح التجارية. 167
3ـ تبدأ الضرائب تصاعدية بحد إعفاء مناسب ألصحاب الدخل المنخفض ،ثم %10فقط على محدودي الدخل ،ثم تتصاعد تدريج ًّيا طب ًقا للدخل ،ويتم حساب التدرج والحد األقصى عبر متخصصين بإشراك دافعي الضرائب. 4ـ إعفاء ضريبي لألرباح الصناعية التي يعاد استثمارها في نشاط إنتاجي أو وأيضا على األرباح التجارية التي تكنولوجي إضافي ويوفر فرص عمل، ً توجه إلى نشاط صناعي؛ شريطة أن توفر فرص عمل جديدة. 5ـ فرض ضريبة على األرباح الرأسمالية ،ليس فقط على التداول في البورصة أيضا على صفقات االستحواذ واالندماج. وفوائد الودائع االدخارية ،بل ً 6ـ ضبط التشريعات بما يمنع تهرب أنشطة ما من الضرائب للقضاء على االقتصاد غير الرسمي ،ورفع نسبة تحصيل الضرائب كنسبة من الناتج المحلي ،لتتماشى مع الدول المشابهة لنا؛ إذ تؤكد بيانات البنك الدولي أن نسبة المحصل منها عام 2012أقل منها عام ،1990وأن مسلسل انخفاض آخر بدأ عام ،2006في ظل حكومة رجال األعمال ،كما يظهر في الشكل ( ،)75حيث انخفضت نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي من %15.8إلى %12.2عام .2014
شكل ( :)75اتجاه نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي لالنخفاض في مصر
المصدر :البنك الدولي ـ 2015
168
وتكمن إحدى إيجابيات تحقق الكفاية والعدل في استعادة ثقافة االدخار شعب ًّيا
ومعنو ًّيا ،حين كانت األسرة تهدي ابنها المتفوق شهادات ادخار كـ«جائزة» مادية
ومعنوية م ًعا؛ إذ تكشف بيانات البنك الدولي كيف توازنت نسبته إلى الناتج المحلي مصر ًّيا ،مع نسبته في ماليزيا والصين وكوريا الجنوبية حتى السبعينيات ،لتبدأ في
التذبذب في الثمانينيات واالنخفاض في التسعينيات ،بينما اهتمت الدول الثالث ً ممول أساس ًّيا؛ لتحولها إلى أقطاب اقتصادية عالمية ،كما األخرى بزيادتها؛ لتكون
يظهر في الشكل (.)76
شكل ( :)76مقارنة نسبة االدخار من الناتج المحلي في مصر والصين وماليزيا وكوريا الجنوبية
المصدر :البنك الدولي
انخفاضا شديدً ا يصل وبدراسة حركة المبالغ المودعة في صندوق التوفير ،نجد ً
إلى درجة الخطر على الصندوق في الفترة من 2014/6/30إلى ،2015/6/30
كما يظهر في الشكل ()77؛ إذ انخفضت اإليداعات من حوالي 88مليار جنيه إلى 169
شهرا ،وهذا يثير تساؤالت عديدة وهامة حول كيفية إدارة 10مليارات جنيه في ً 12 االقتصاد والسياسة النقدية في مصر.
شكل ( :)77قيمة المبالغ المودعة في صندوق التوفير
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2017
170
بيئة مبدعة يو ًما ما ،كانت المنطقة العربية والقارة األفريقية تضبطان أمزجتهما ومشاغل أدمغتهما
وقضاياهما الفكرية والمعيشية على أطروحات «بوتقة» القاهرة وتفاعالتها ،فنونًا وأد ًبا وعلما وسيا ًقا اجتماع ًّيا ،ومنظومة سياسية تشي بدولة مدنية حديثة .كان هذا قوس قزح ً
القوى الناعمة المصرية.
عاقرا ،فليس بيننا واآلن ،وفي مجال إنجاب القدرات الرائدة ،أصبحنا مجتم ًعا ً
اليوم من يخلف مصطفى مشرفة أو سميرة موسى أو المشد في البحث العلمي، وليس لدينا من يخلف سيد نصير وعبد اللطيف أبو هيف وخضر التوني في
المسابقات الرياضية ..ليس لدينا اليوم من يخلف طه حسين والعقاد وسالمة
موسى وتوفيق الحكيم في األدب والثقافة ..ليس لدينا من يخلف طلعت حرب
وعبود وأبو رجيلة وعثمان محرم ومحمد محمود باشا في اإلنتاج واالقتصاد.. ليس بيننا من يخلف محمد عبده وقاسم أمين في التنوير ..ليس لدينا اليوم من
يخلف فطاحل نواب مجلس األمة ،أمثال شريف باشا أبو الدستور ومكرم باشا عبيد والنحاس باشا وأحمد حسن باشا وفؤاد سراج الدين ..ليس لدينا
من يخلف أجيال العمالقة في السينما والمسرح والموسيقى والشعر والفنون
أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ..ويوسف وهبي والريحاني وأم كلثوم
وعبد الحليم ..ليس لدينا من يخلف محمود رضا وعلي رضا وفريدة فهمي في الفنون الشعبية الراقية.
171
لكن البعض يقصر داللة القوى الناعمة على السياقات اإلبداعية ،وفيها
تدهورا عما كنا عليه حتى بداية السبعينيات .قارن إنتاجك الفني نلحظ بسهولة ً
واألدبي والترجمة والتفاعل مع تراثك الثقافي المادي وغير المادي ..والخدمات
اللوجستية لكل منها ،واألهم رؤية الدولة؛ لترى إلى أي حد تر َّدت؛ إذ اختفت
%70من دور العرض ،كما يظهر في الشكل ( ،)78وانخفضت عروض مسرح الدولة للنصف خالل عشر سنوات ،كما يظهر في الشكل ( ،)79وتقلص دور
منظومة قصور الثقافة ،التي أحضر جمال عبد الناصر صاحب فكرتها ،سعد كامل ،من المعتقل ،ليتولى تأسيسها بتزكية من وزير الثقافة األبرز في تاريخنا
الحديث ،ثروت عكاشة .وتردي بيئة اإلبداع هو أحد أسباب انتشار السلوكيات
الشاذة والمتطرفة.
شكل ( :)78تطور أعداد دور العرض السينمائي
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2015
172
شكل ( :)79تراجع عدد حفالت الفرق المسرحية العامة
المصدر :الجهاز المركزي للتعبئة العامة واإلحصاء ـ 2015
ولكي نسترد القدرة على اإلنتاج اإلبداعي ،وعلى تصديره ،يجب أن تدرك الدولة، أول ،أهميته ضمن شبكة أمنها القومي ،وأنه ليس ً ً أموال تنفق بال عائد؛ ألن عائده ـ على ِ ولنقتد ببريطانيا دائما في سياقات أخرى. الرغم من ثقله وأهميته ـ غير مرئي ،وينعكس ً التي تتلقى على كل جنيه إسترليني تنفقه على أنشطة مبدعيها ،أكثر من الضعفين ،ولكن عبر عوائد غير مباشرة. وفي التفاصيل:
1ـ التركيز على إنتاج اإلبداعات الثقافية النابعة من تراثنا الشعبي وحضارتنا وتاريخنا ،ونشرها ،وهذا سيكون له مردود اقتصادي مباشر ممتاز.
2ـ التخطيط إلى عودة الريادة الثقافية المصرية في المنطقة ،ودعم المبدعين على
ً ففضل عن إطالق طاقاتهم، تنوعاتهم ،للوصول إلى البيوت العربية واألفريقية. 173
سيرتد إبداعهم بتقريب قلوب ُمتلقيهم وعقولهم ،بما ينعكس اقتصاد ًّيا في الترويج لمنتجاتنا ،بعفوية ،وللسياحة عامة. 3ـ اإلعالم أبرز أدوات المعرفة في المجاالت كافة ،وهو حامي «دماغ» الشعوب (وعيها) من االختراقات ،كما أنه أبرز أدوات التسلية؛ لذا تضعه الدول المتقدمة كت ًفا بكتف مع جيوشها في األهمية ،وتخطط لتطوير دائم له والنتشاره خارج حدودها ،وبمحيطها الحيوي .ولدينا في الدستور ما يضمن إعادة بناء منظومتنا اإلعالمية التي كانت مهيمنة حتى منتصف السبعينيات ،وتمكينها من أداء دورها الوطني ،وضمان استقالليتها ،وتطهيرها مما شابها من فوضى وتردي الكفاءة، خاصا ،بتغليظ عقوبة الخبر ومعاقبة ما يتجاوز منها ،سواء كان قطا ًعا عا ًّما أو ًّ الكاذب على المؤسسة اإلعالمية ،وليس األفراد اإلعالميين ،وقصرها على غرامة يقدر قيمتها أهل االختصاص ،وعلى العقوبات النقابية ،التي تتفاوت بين اإلنذار وسحب الرخصة المهنية من الصحفي. وحيث إن هدف القطاع الخاص الربح ،فإن الشركة اإلعالمية في القطاع الخاص (صحيفة أو قناة تلفزيونية أو إذاعة) تُغ َلق في حالة تحقيق خسارة لمدة سنتين؛ ألنها تكون ممولة لغرض خاص خالف أهداف اإلعالم ،وفي هذه الحالة ينتفي استقالل المؤسسة اإلعالمية ،وهذا االستقالل أهم ما يجب أن يتميز ،بل يلتزم به اإلعالم. ويجب أن يكون اإلشراف على اإلعالم واستقالليته بمشتقاته (صحافة ،تلفزيون، إذاعة)؛ للتأكد من عدم الخروج عن الهدف ،من قبل مجلس مستقل ،يشكله المجلس األعلى للثقافة والمجلس األعلى للصحافة مشتركين ،ويعلن تشكيله للحوار المجتمعي قبل إقراره رسم ًّيا. وهنا علينا االقتداء بتجارب غربية و«عالمثالثية» ،وضعت منظومة لدعم آلتها اإلعالمية ،بعضها عبر ضريبة دمغة %10كـ«كردستان» العراق ،وبعضها عبر هيئة مستقلة ،تقدم الدعم لكل مؤسسة تستحق ما دامت تلتزم بالقواعد المهنية.. وأيضا كألمانيا والنرويج ،وبعضها يربط الدعم بمدى االنتشار داخل ًّيا وخارج ًّياً ، بضمان حماية التنوع ..كفرنسا ،وبعضها بمدى االستقرار والجدية ..كموريتانيا. 174
4ـ الوعي بأهمية أدوات مخاطبتنا لمن هم خارج الحدود ،وتفعيل جوهر منظومة الستينيات اإلعالمية ،منها :إحياء اإلذاعات الموجهة إلى أفريقيا ( 40إذاعة ناطقة بـ 25لغة أفريقية) ،وتحويل «ماسبيرو» من ديناصور مجمد إلى مركز إشعاع للمنطقة والقارة ،يمتد إلى العالم كله بعدة لغات، ضمن رؤية قومية ،يتناغم فيها مع الفضائيات الخاصة ،وتعتمد القواعد المهنية المتوافق عليها ،وفق أحدث نظم اإلعالم الحديث ،وتقديم حوافز غير مباشرة ،كاإلعفاءات الضريبية ،لمن يحقق درجة أعلى من المشاهدة داخل ًّيا أو خارج ًّيا ،إلخ ،أو تحمل جزء من تكاليف الطباعة للصحف الورقية، لألكثر توزي ًعا داخل ًّيا وخارج ًّيا. 5ـ ضبط خريطة المهرجانات والمعارض والمؤتمرات الثقافية والفنية؛ بحيث تتكامل أدوارها ،محل ًّيا وإقليم ًّيا ودول ًّيا ،وضمان استقالليتها وشفافية منظومة عملها ،لتكتسب مصداقية داخلية وخارجية .كما يجب التنسيق بينها وبين الفعاليات واالحتفاالت والمعارض التي ال تدخل ضمن مفهوم اإلبداع الضيق ،عبر غرفة عمليات تضم وزارات كـ«الثقافة» و«اآلثار» و«السياحة» و«التجارة الخارجية والتعاون الدولي» ،ومؤسسات كـ«مشيخة الطرق الصوفية» و«الكنيسة القبطية» ،والعمل لوضع الفعاليات الدورية المصرية ضمن األجندة العالمية. 6ـ تفعيل االهتمام بتراثنا غير المادي ،مثل :المسيحي والصوفي والفرعوني، والسعي إلى تجسيد مردوده ماد ًّيا ،كإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة ،وطريق حورس والفتح العربي ،وسير الشخصيات الفاعلة تاريخ ًّيا ،إلخ. 7ـ رفع التسييس عن جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية ،وأي جوائز أخرى ،وأن تكون منحازة لإلبداع والمهنية فقط ،بغض النظر عن االنتماءات أو اآلراء السياسية ،وأن يفتح باب الترشيحات ألي من مؤسسات المجتمع المدني، وال تكون مقصورة على الجهات الحكومية الحالية فقط ،ويكون الحكم على مقصورا على لجنة التحكيم ،وأن يتم اختيار لجنة التحكيم بالقرعة تميز المرشح ً بين عدد كبير ،مرشح من الجهات الحكومية وغير الحكومية. 175
8ـ و ُيح َّفز تنظيم مسابقات دورية في معظم المجاالت الثقافية والعلمية والفنية ،التي نبغ فيها المصريون ويمكن أن ينبغوا فيها ،على مستوى الجمهورية والمحافظات والمراكز ،وتحفز شركات قطاع األعمال والقطاع الخاص والدولة على الرعاية الدائمة ،وتوفير جوائز مجزية تشجع المواطنين ،وخاصة الشباب ،على المشاركة الجادة ،مع االلتزام بحيادية لجان التحكيم ونشر المنتجات الفائزة ،والتركيز اإلعالمي على المتميز منها ،وتحويله إلى منتج ذي مردود اقتصادي.
176
عدالة انتقالية هي وسيلة الدول التي مرت بمراحل توتر كبيرة ،أو عنف واقتتال داخليين ،أو
ديكتاتوريات واسعة البطش ،خلفت دوائر من الضحايا ،وأرى أن الهدف هنا هو
تعويض الضحايا وليس االنتقام من الظالمين.
لقد أدركت ثورتا 25يناير و 30يونيو أن العدالة االنتقالية هي الحل ،ألن االنتقام
جراحا من مصلحة التجانس الوطني غلقها ،والتغاضي عن أن إغالقها سيكون يفتح ً
على ما بها من قيح .لذا توافق أطراف التحالف في بيان 3يوليو ،2013الذي أنهى
رسم ًّيا عام حكم اإلخوان لمصر ،في بنده السادس ،على «تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف
التوجهات» .وتأكيدً ا للنهج نفسه ،نص دستورنا ،في مادته الـ 241على أن «يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة االنتقالية
يكفل كشف الحقيقة )...( ،واقتراح أطر المصالحة الوطنية ،وتعويض الضحايا ،وذلك وف ًقا للمعايير الدولية».
والمفاهيم األساسية لتحقيق العدالة االنتقالية ،كما وردت في النص الدستوري، ً تداول واحدة ،ولكن تطبيقها خضع تاريخ ًّيا لظروف كل دولة؛ فبعضها ضمن
للسلطة ودمقرطة نظام حكمها ،ولو نسب ًّيا ،كجنوب أفريقيا وتونس ،وأخرى
أنصفت الضحايا معنو ًّيا وردت حقوقهم ،وعوضتهم ماد ًّيا ،ولكنها لم تحاسب من ظلموهم ،ولم تنجز ديمقراطية ،كالمغرب .وثالثة أجرت إصالحات هيكلية على
مؤسسات بعينها ،كالداخلية أو القضاء أو اإلعالم أو جميعها ،ولكنها لم تعوض 177
المضارين ،ولم تضمن ديمقراطية ،ورابعة جمعت بين القطاعات السابقة الثالثة،
كدول أوروبا الشرقية.
والهدف األسمى للعدالة االنتقالية هو نزع فتيل االحتقان الداخلي الذي خلفه
اضطهاد لفئة ما ،أو ممارسات ديكتاتورية واسعة ،ضمنها اعتقاالت وتعذيب واختفاء
قسري واغتياالت ،لتحقيق السلم االجتماعي الذي يستحيل من دونه تنمية المجتمع، أو تأسيس الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة.
وتستخدم العدالة االنتقالية أدوات ،مثل :جبر الضرر للضحايا ،ماد ًّيا ومعنو ًّيا ،بما
يناسب حجم الظلم ،والمصارحة ،عبر جلسات علنية يقر فيها «المتهمون» بجرائمهم السياسية ،ويعتذرون للضحايا ،الذين ينفسون عن مشاعرهم في الجلسات ذاتها،
ويعلنون عفوهم عمن ظلمهم ،وبدء عهد جديد بين الجميع.
وإحدى ركائز العدالة االنتقالية إصالح المؤسسات؛ خاصة اإلعالم والداخلية
والقضاء ،بوصفها قواعد أساسية لضمان تمهيد الطريق للديمقراطية وتداول السلطة.
مع ما سبق تناغم أول توصيف لوزارة العدالة االنتقالية ،التي توالها في أول
حكومة بعد ثورة 30يونيو المستشار أمين المهدي ،يوليو 2013ـ يونيو 2014؛ فهي
«المسؤولة عن اإلدارة السياسية للمرحلة االنتقالية ،بعد أحداث يونيو ،2013وضمان تنفيذ خارطة طريق بيان 3يوليو» ،وأهدافها:
1ـ ضمان العبور اآلمن للمرحلة االنتقالية ،بأقل تكلفة وأكبر عائد ،على نحو يدعم الوحدة الوطنية ،ويحقق المصالحة الوطنية الشاملة.
2ـ تحديد المسائل والموضوعات التي تؤثر في وحدة نسيج المجتمع ،ووضع حلول جذرية لها وآليات تنفيذها.
3ـ ترسيخ قواعد المساءلة ومعنى العدالة (مع البعد عن مفهوم ممارسة االنتقام أو التنكيل) .ويكون الهدف هو االعتراف واالعتذار والتسامح ،مع عدم التفريط
في حق الدولة المالي.
4ـ دعم احترام حقوق اإلنسان ،وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني ،والمنظمات الحقوقية ،ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك. 178
5ـ تكريم المضارين في الفترات السابقة ،والعمل على جبر األضرار ماد ًّيا ومعنو ًّيا. 6ـ اإلصالح والتطوير المؤسسي الكامل ،بما يضمن بناء نظام ديمقراطي ،يرسخ لقيم الديمقراطية القائمة على المشاركة واإلدارة الرشيدة.
ولتمكين الوزارة من تحقيق األهداف التي تعد ركنًا أساس ًّياُ ،مغي ًّبا ،من دولة ما بعد
30يونيوُ ،منحت اختصاصات:
1ـ وضع الخطط الكفيلة بتحقيق هذه األهداف ،بالتنسيق مع أجهزة الدولة المختلفة. 2ـ متابعة تنفيذ هذه الخطط وتقييم نتائجها.
3ـ دراسة مشروعات القوانين ذات الصلة بشؤون العدالة االنتقالية والمصالحة الوطنية ،وإعدادها ،ومتابعة تنفيذ أحكامها.
4ـ تنظيم سبل كشف الحقائق ،عن طريق المصارحة والمصالحة الوطنية. 5ـ اقتراح آليات وتشريعات تضمن ترسيخ أنظمة تحترم حقوق المواطن. 6ـ وضع ضمانات فاعلة لترضية من انتهكت حقوقه ،وف ًقا لقانون خاص.
7ـ تنمية الحقوق العامة للمواطن وتدعيمها على جميع المستويات ،وتفعيل البناء المؤسسي للعدالة االنتقالية والمصالحة الوطنية وتطويره وما يستلزمه
من أجهزة ولجان.
8ـ اتخاذ قرارات وتوصيات وتصرفات الزمة لتحقيق أهدافها ،واالتصال واالجتماع
بجميع األطراف المعنية بالعمل األهلي ،والمختصين بسائر أجهزة الدولة
المعنية.
9ـ اقتراح عقد اتفاقيات التعاون المشترك مع المنظمات اإلقليمية والدولية، الحكومية وغير الحكومية ،المعنية بشؤون العدالة االنتقالية والمصالحة
الوطنية.
10ـ تنفيذ برامج إعداد وتأهيل وتدريب كوادر متخصصة ،عبر تنظيم مؤتمرات
وورش عمل محلية ودولية ،بما يخدم خطة الدولة في تحقيق العدالة االنتقالية
والمصالحة الوطنية.
11ـ إعداد دراسات لتحليل أسباب المشكالت التي تؤثر على وحدة المجتمع 179
وترابطه ،ووضع الحلول الجذرية لها ،والعمل على توعية المواطنين بها بجميع
الوسائل ،خاصة األبحاث واإلصدارات والنشرات الدورية ،ونشرها بالتنسيق
مع أجهزة الدولة.
12ـ تقدير قبول المنح والهبات المقدمة من الدول والمؤسسات الدولية ،في مجال العدالة االنتقالية والمصالحة الوطنية.
13ـ التعاون مع الجهات المختصة ،بهدف االرتقاء بمنظومة العدالة ،وتحقيق معايير «اإلدارة الرشيدة».
بناء نظري ممتاز ..لم ير النور ،فبعد رحيل المهدي مع الرئيس السابق عدلي منصور،
تاله المستشار إبراهيم الهنيدي يونيو 2014ـ 20سبتمبر ،2015لتختفي الوزارة من دون أي توضيح.
خالل دور االنعقاد األول للبرلمان ،تقدم نواب ،منهم محمد أنور السادات ،رئيس
لجنة حقوق اإلنسان السابق ،وفرج عامر ،رئيس لجنة الشباب ،بمشروعات قوانين
للعدالة االنتقالية .وفي اجتماع لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ،يوليو ،2016 ً متكامل ،وسترسله للبرلمان لتناقش أعلن ممثل وزارة العدل أن الحكومة تعد مشرو ًعا المشاريع كلها معه .وحين لم ينفذ تعهده ،تقدمت الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمشروع
من 66مادة ،وما زال مجمدً ا بأدراج المجلس ،مع أن رئيس الهيئة هو نفسه رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية.
وعلى الرغم من أن واضعي المشاريع الثالثة نفوا أي نية للمصالحة مع اإلخوان،
فإن الجماعة حاولت ركوب الموجة لتستفيد منها ،بينما حشدت بقايا ما قبل 25يناير
للتخويف منها؛ بحجة أنها تفتح الباب لعودة اإلخوان ،أو للعفو عن عناصرها. ً وفضل عن َّفزاعة الجماعة اإلرهابية التي يصدِّ رها رجال النظام ،تأتي حجة خالفات حول الفئات التي تندرج تحت مظلة هذا القانون ،والمدة التي يغطيها ..المدهش أن بعضهم ،بح ًثا عن مزيد من التشتت ،اقترح أن تبدأ هذه المدة بثورة يوليو ،1952 واقترح آخر بعد 30يونيو!
الخالفات حول أي شيء قانون طبيعي ،وتحل بالحوار المجتمعي ..فتح مشروع 180
الوفد قائمة الفئات لتغطي االنتهاكات كافة ،وحدد المدة بداية من 25يناير .القضية ليست إذن الفئات وال المدة وال فزاعة اإلخوان ..القضية هي البنود ،التي تنص على المحاسبة ،وتعزيز حقوق اإلنسان ،وإصالح المؤسسات« ،بما يضمن بناء نظام ديمقراطي ،يرسخ لقيم الديمقراطية القائمة على المشاركة واإلدارة الرشيدة». من س ُيحاسب من؟ من س ُيصلح من؟
181