جاللة الملك :كأي أب أردني أحرص على أن أزرع في أبنائي وبناتي منظومة األخالق القائمة على حب الوطن وشعبه والفخر بقيمه األصيلة، أحس بمنتهى الفخر عندما أرى الحسين يخدم شعبه، وهو ،كولي للعهد ،منذور لخدمة وطنه وقضاياه كما نذرني ج ّده الحسين ،رحمه هللا ،من قبل. إن مسؤوليتي كملك وكأب ،وحبي ألسرتي األردنية الكبيرة والواحدة ،وحرصي على التأسيس لمستقبل واعد نصل إليه بخطى واثقة عبر مؤسسات راسخة ،ومن ضمنها مؤسسة العرش ،يتطلب مني الحرص والعناية الصادقين في إعداد الحسين لمسؤوليات القيادة ،حتى يكون قادراً على خدمة وطنه وشعبه والقيام بمسؤولياته تجاههم ،وليغدو األردن به وبأترابه من أجيال أسرتنا
الكبيرة والواحدة أكثر َمن َعة وازدهارا وديموقراطية. وأنا أتابع مسيرة الحسين ،أسعد بأن التزاماته الدراسية لم تبعده أبداً عن حسه بالمسؤولية الوطنية أو متابعة ّ حفزتها وأثرتها بما يراكمها من المستجدات ،بل خبرات معرفية .وأحرص بدوري كل الحرص على أن يكون ولدي وولي عهدي على معرفة عميقة بأسس صناعة القرار ،وأن يشارك في اللقاءات المحلية والدولية التي أجريها لتعميق الخبرة والمهارات القيادية التي تؤهله لتولي مسؤولياته المستقبلية. ومن أبرز مسؤولياته الدستورية توليه منصب نائب الملك متى سنحت له الفرصة في ظل التزاماته الدراسية الحالية .ولدى الحسين اهتمام خاص بقضايا الشباب ورعاية مبادرات العمل التطوعي واإلبداع، وحب فطري للعمل الميداني ،خاصة العسكري. وبعد إتمامه لدراسته ،سيكون التحاقه في صفوف الجيش العربي المصطفوي ،إلى جانب إخوانه من حماة الوطن ورفاق السالح ،محطة مهمة لتحصيل التجارب الحياتية في هذه المؤسسة الرائدة والجامعة لكل أطياف المجتمع ،والتي مثلت بالنسبة لي مدرسة حياة تزخر بقيم البطولة واإليثار والعطاء. كأب وكقائد أرى في الحسين قائداً هاشمياً ،يعي المسؤوليات التاريخية والتطور الحتمي لدور الملكية في استشراف المستقبل ،ولن يحيد عن الدور التاريخي للملكية الهاشمية كصمام أمان الستقرار الوطن ،وعنصر ً دافعة لمواصلة اإلصالح موحد لكل مكوناته ،وقوة والبناء وصون العدالة والتعددية والحريات وتعميق نهج الديمقراطية ،والسهر على أمن الوطن والذود عنه.
الغد :شكراًجزيال جاللة الملك على هذا الحديث الشامل. جاللة الملك :عفواً ،والشكر لكم على هذا الحوار، وأبارك لكم ،أسرة الغد ،مرور عشر سنوات على مسيرتكم ،متمنيا لكم ولألسرة اإلعالمية األردنية المزيد من التقدم على طريق العمل اإلعالمي الوطني ،واالرتقاء بمستوى العمل اإلعالمي نحو مزيد من المهنية والمصداقية والموضوعية والمسؤولية اإلعالمية واألخالقية ،وبما يوازي االنفتاح في مستوى الحريات ،ويستحقه أردننا الغالي.
12
من ترابط قانوني بين العملية االنتخابية ،وإفراز مجلس النواب ،وتشكيل الحكومات وفق مشاورات نيابية .فال ننسى أن الناخبين أوصلوا مجلس النواب إلى القبة، والذي سمَّت غالبيته رئيس الوزراء ومنحت حكومته الثقة على أساس برنامجها .هذه السلسلة الدستورية ال يمكن تعطيلها بانتقائية .هناك مسارات دستورية واضحة لحل مجلس النواب أو إستقالة الحكومة ،واآلثار القانونية التي تنتجها محكومة بنوافذ زمنية معينة لمنع أي فراغ دستوري ولحفظ التوازن بين السلطات .ونحن لسنا بصدد كل ذلك ،بل نحن بصدد ترسيخ استقرار العمل النيابي والحكومي بحيث يُك ِمل المجلس النيابي مدته ألربع سنوات كاملة طالما تمتع بثقة الشعب ،وتستمر الحكومة في مسؤولياتها طالما تمتعت بثقة مجلس النواب،
9 11
وهذا هو األساس في األنظمة الديمقراطية الحديثة. خالصة القول أننا نحتكم إلى تقييم العمل بموضوعية وإلى المسارات الدستورية ،وليس إلى مزاجات بعض صالونات عمان السياسية وبعض السياسيين الذين يروجون ألنفسهم في وسائل اإلعالم من فترة إلى أخرى .والنقاش الوطني يجب أن يتمحور حول أفضل صيغة وتسلسل في إنجاز حزمة التشريعات السياسية ،وليس الخوض في إشاعات غير منتجة.
الغد :جاللة الملك ،ولي عهدكم سمو األمير الحسين بن عبدهللا الثاني سيتخرج من الجامعة خالل عامين .ما الدور الذي ترسمه جاللتك لسموه ،وما المسؤوليات التي ستوكلها إليه ،بعد أن ينهي دراسته الجامعية؟
القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والفاعلين اآلخرين في مختلف القطاعات والبدء من القواعد االجتماعية صعوداً إلى أعلى الحلقات التنفيذية، بما يعكس هموم وأولويات المجتمعات المحلية، وبما يحقق أعلى درجات التوافق .وهذا يتطلب بذل جهود مضاعفة من الجميع واالعتماد على الذات. الغد :جاللة الملك؛ يتخوف مجلس النواب من أن إقرار قانون جديد لالنتخاب سيفتح الباب النتخابات نيابية مبكرة ،هل هذا االحتمال وارد ،أم ّ أن هذه المخاوف ليست في محلها؟ جاللة الملك :تحدثت سابقاً عن أهمية النظر إلى التشريعات الناظمة للحياة السياسية كحزمة متكاملة تنجز من قبل مجلس األمّة وتسير في القنوات الدستورية إلقرارها ،بما يضمن إجراء انتخابات مجلس النواب الثامن عشر في موعدها الدستوري. وهذه الحزمة تشمل قوانين األحزاب ،والالمركزية، واالنتخابات البلدية ،وقانون االنتخاب وجميعها مترابطة وبذات األهمية ،والتطور في مخرجات الدورة االنتخابية القادمة يرتبط بما ينجز من تشريعات وضمان تجسيدها لفرص عادلة في التنافس والتمثيل. بهذا المعنى ،فإن النقاش يجب أن يركز على تحديد
أفضل ترتيب وتسلسل زمني إلنجاز هذه القوانين بما يوصلنا إلى إجراء انتخابات المجلس الثامن عشر في موعدها الدستوري الواضح .وأرى أن التسلسل الزمني األفضل إلنجاز هذه الحزمة من القوانين ينقسم إلى مرحلتين ،بحيث تركز المرحلة األولى على تطوير آليات الحكم المحلي و االدارة المحلية عبر إنجاز قوانين البلديات والالمركزية ،وسبب إعطاء األولوية لهما هو ألن موعد االنتخابات البلدية أقرب من النيابية ،وبعد ذلك نمضي إلى المرحلة الثانية التي يتم فيها انجاز قانون االنتخاب. والمنطق لهذا التسلسل في انجاز قوانين الحكم المحلي ً أوال ثم قانون االنتخاب تالياً هو أن التجربة الحالية ّ تؤشر إلى كبر حجم مجلس النواب ،وتحمله مسؤوليات خدمية على حساب الدور الوطني المؤمل منه .ومعالجة ذلك تتم عبر تفعيل الالمركزية ،بحيث تركز المجالس المحلية و البلديات على الشؤون الخدمية ويتاح للمجلس النيابي النهوض بمسؤوليات تشريعية ورقابية على مستوى وطني ،دون أن تطغى الخدمات المحلية على دور النائب. إن ترسيخ االستقرار والتعاون النيابي والحكومي، المدعوم بسلطة قضائية مستقلة ،هو عنصر ضروري للتدرج التراكمي في اإلصالح وفق دورات ذات مواعيد دستورية واضحة ومعلومة للجميع ،كما هو الحال في كل الديمقراطيات الراسخة. ومن المهم أيضا أن نتذكر ما أنتجته التعديالت الدستورية
10
الغد :جاللة الملك ،ما هي الخطوات اإلصالحية المطلوبة في المستقبل القريب؟ جاللة الملك :ما زال أمامنا الكثير من العمل اإلصالحي ،وأولوياتنا الحالية تتركز على االستمرار في تطوير القوانين الناظمة للحياة السياسية مثل الالمركزية والبلديات واألحزاب واالنتخاب ،بحيث تتطور هذه التشريعات عبر كل دورة برلمانية وقبل كل دورة انتخابية ،باإلضافة إلى ترجمة نهج الالمركزية إلى واقع ملموس ،وتطوير أداء الجهاز اإلداري والحكومي عبر ثورة بيضاء مستمرة، وإطالق تشريعات اقتصادية عصرية تمكننا من التفاعل مع التطورات االقتصادية العالمية، واالستمرار في تنفيذ مخرجات لجنة تعزيز منظومة النزاهة ،وتنفيذ مخرجات الخطة الوطنية لحقوق اإلنسان وتوصيات المركز الوطني لحقوق اإلنسان. وبالتوازي مع ذلك ،يجب االستمرار في تطوير آليات عمل مجلس النواب من أجل ترسيخ عمل الكتل النيابية على أساس حزبي وبرامجي، وتعزيز ثقافة وممارسات المواطنة الفاعلة التي تعلي من قيم المشاركة السياسية والمساءلة وتكوين آراء موضوعية إزاء القضايا العامة .هذه
9
أبرز العناصر الضرورية إلدامة هذا النموذج اإلصالحي وضمان التداول الديموقراطي للحكومات. ويبقى التحدي اإلصالحي األبرز هو التحدي االقتصادي خاصة الفقر والبطالة ،وهو أولوية األردنيين رغم كل التحديات اإلقليمية ،وهذه القناعة كونتها عبر تواصلي الدائم والمباشر مع أبناء وبنات شعبي في مختلف المناسبات، وتجربتي الطويلة في العمل في القوات المسلحة ،والتي أتاحت لي االطالع المباشر والمستمر على تفاصيل حياة مختلف شرائح مجتمعنا والتحديات التي تعيشها .فتوفير الحياة الكريمة لشعبي وألجيال المستقبل هو شغلي الشاغل. وهذا ما دفعني لتوجيه الحكومة إلى ضرورة المباشرة في وضع تصوّر مستقبلي واضح لالقتصاد األردني للسنوات العشرة القادمة ،مبني على تجاربنا الناجحة ومزايانا التنافسية ،ويتضمن اإلصالحات التي يجب على األردن أن ينفذها في المرحلة القادمة ،ويبني أيضاً على الدروس المستفادة من عملية مراجعة وتقييم تجربة التخاصية ،بما يحسن قدرة األردن على تنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلقامة مشاريع
البنى التحتية والفوقية والخدمية المستقبلية الضرورية. ونعول على الخطة العشرية للتأسيس لمرحلة من التحسن االقتصادي وعدالة الفرص للجميع .وعلى الحكومة صياغة الخطة ،التي ستكون بمثابة البوصلة االقتصادية لمستقبل األردن ،بالشراكة الفاعلة مع
القانون ،ويعيد الهدوء الضروري إلطالق عجلة التنمية واالستثمار حتى نرى عوائدهما على المحافظة.
اإلصالحي كان واعياً في تدرجه وتوازنه ،ويذهب البعض اآلن إلى االستفادة من دروسنا وتجربتنا اإلصالحية.
الغد :جاللة الملك ،هل األوضاع اإلقليمية المتدهورة من حولنا حملتكم على التفكير بخطوات اإلصالح قبل اتخاذها؟ ماذا بوسع األردن أن يفعل؛ أيس ِّرع خطى اإلصالح ،أم يفكر مليّا في أي خطوة إصالحية جديدة لتجنب مخاطر غير محسوبة؟
وعليه ،فإن األردن ماض في مسيرته اإلصالحية دون تردد والهدف النهائي ومقومات الوصول إليه واضحة .فالهدف هو الوصول إلى حالة متقدمة من الحكومات البرلمانية تتولى فيها األغلبية النيابية من أحزاب برامجية تشكيل الحكومات ،وتتولى األقلية النيابية الحزبية وذات البرامج أيضاً دور حكومة الظل في الرقابة وتقديم البرامج البديلة. ومقومات هذا التحول هي تطوير العمل النيابي الكتلوي الذي تلقى دفعة إيجابية بتطوير النظام الداخلي لمجلس النواب خالل الفترة الماضية، وضرورة االستمرار في تطوير أحزاب سياسية وطنية ذات برامج وقواعد شعبية ممتدة ،بما يسهم في توسيع مشاركة المواطنين في صنع القرار.
جاللة الملك :في كل مرة يوجه لي سؤال مشابه تكون إجابتي واحدة وحاسمة :لن نسمح أن تُتَّخذ الظروف والتحديات اإلقليمية الصعبة ،سواء كانت العدوان اإلسرائيلي على غزة أو النزاع في سورية أو االضطرابات في العراق أو خطر التطرف ،ذريعة للتردد في اإلصالح أو التراجع عنه .هذا ما أؤمن به ً وفعال ،ويجب أن تؤمن وسائل اإلعالم بتصميمنا قوال على اإلصالح ويجب التوقف عن إذاعة محاوالت البحث عن أعذار عن المضي قدما في اإلصالح. وللتذكير ،فإنني في كل مناسبات تواصلي مع أبناء و بنات وطني من شتى الخلفيات والتوجهات أبادر بطرح قضايا اإلصالح والتذكير بأولوياته ،وحثهم على التفكير في الخطوات العملية الضرورية التالية، ومن ضمنها القوانين الضرورية لتحفيز اإلصالح. مسيرة األردن اإلصالحية تقوم بشكل أساسي على ما يرتئيه األردنيون من أولويات وأهداف إصالحية وضمن التدرج الذي يخدم انسياب مسيرتنا .وهنا استذكر أنه عندما كانت بعض دول الربيع العربي تسارع إلى إجراء االنتخابات كمدخل للتحول الديمقراطي ،كان األردن يختط لنفسه نهجا خاصا وتجربة ذاتية تحاكي احتياجاته وتبني على انجازات مؤسساته الديمقراطية ،فذهب ً أوال ،وإصالح التشريعات األردن إلى تعديل الدستور السياسية األساسية ،ومن ثم إطالق مؤسسات ديمقراطية رقابية إضافية ،وصوال إلى إجراء انتخابات نيابية وبلدية نزيهة في نفس العام ،وتغيير آلية تشكيل الحكومات. ال أدعي هنا أبداً بأن ما قامت به دول أخرى من إصالحات كان خطأ وأن ما قام به األردن كان الصواب ،لكنه كان بالفعل الوصفة اإلصالحية األفضل لألردن .وقد مرت أحداث اإلقليم وتداعيات الربيع العربي ،وتبين أن النهج األردني
تواجهنا العديد من التحديات وعلينا معالجة أولوياتنا الوطنية الملحّ ة ،ويجب أال نسمح لألوضاع اإلقليمية وتداعياتها بأن تعطل مسيرتنا اإلصالحية السياسية واالقتصادية والقضائية واالجتماعية واإلدارية. ويجب أال نبقى أسرى التذرع بالظروف اإلقليمية بل نوجه طاقاتنا نحو ما يعزز َمن َعة األردن وازدهاره.
منعة األردن واستقراره وحضوره الدولي ليست وليدة الصدفة ،بل نتاج عقود من التضحيات والعمل، ارتكزنا فيها إلى قيم االعتدال واالنفتاح واحترام اإلنسانية وبناء قناعة حقيقية لدى المواطنين بأنهم شركاء في المسيرة
8
وطنية مسؤولة .ومؤسساتنا تعمل ليال نهارا لتطوير خطط لمواجهة سائر التحديات. ولنتذكر جميعاً بأن منعة األردن واستقراره وحضوره الدولي ليست وليدة الصدفة ،بل نتاج عقود من التضحيات والعمل ،ارتكزنا فيها إلى قيم االعتدال واالنفتاح واحترام اإلنسانية وبناء قناعة حقيقية لدى المواطنين بأنهم شركاء في المسيرة .وهذا ما مكننا من التأثير الفاعل في المنابر الدولية كشريك دولي إيجابي في بناء السالم ومد جسور الحوار ،وهو ما جعلنا أيضا واحة أمن واستقرار يقصدها من يعاني الظلم وينشد األمن والكرامة.
األردني المواطن وعي وإحساسه بالمسؤولية تجاه بناء الوطن والحفاظ على منجزات االستقرار هي أسباب رئيسية وراء منعة األردن وصموده الغد :جاللة الملك ،يساور األردنيين القلق من التأثيرات المحتملة للتطورات من حولنا .برأي جاللتكمِ ،ما الذي ينبغي على مؤسسات الدولة والمجتمع أن تفعله لسد الثغرات في جبهتنا الداخلية ،لتكون أكثر قوة وتماسكا في مواجهة المخاطر المحدقة بدول المنطقة؟ جاللة الملك :ما وصفته للتو من تجارب جبلت الشخصية الوطنية األردنية على صون االستقرار وحماية المنجزات تشكل أيضاً إرثا وطنياً ومخزونا من العالقة اإليجابية بين القيادة والشعب ومختلف المؤسسات الوطنية ،ما يجعلنا نواجه األزمات بثقة، ألن الجبهة الداخلية متماسكة وألن الكل يعي مصالح األردن وطاقاته في التعامل مع التعقيدات اإلقليمية من حولنا ،ويبقى أن نستمر في البناء على ذلك ،وقد ً فعال شوطاً كبيرا في هذا االتجاه عبر قطع األردن تسريع التحول الديمقراطي ،واتباع نهج إصالحي تدرجي ،يوسّ ع دائرة المشاركة ويبني شعوراً وطنياً بالشراكة ،ويتيح الفرص االقتصادية العادلة للجميع. 7
أمّا االختالف في الرأي ،والتعبير عن هذا االختالف فليس ضعفاً في الجبهة الداخلية بل هو تنوع يثرينا .قوتنا تكمن في ترجمة هذا التنوع إلى مشاركة سياسية ومواطنة فاعلة في الحياة العامة ،بحيث ننتج قيادات تتولى صناعة القرار عبر المؤسسات الوطنية من برلمان وحكومات وسائر أجهزة الدولة األخرى ،ثم يحاسب المواطنون المسؤولين عبر صناديق االقتراع. أدرك تماماً أن هناك آراء تقول بضرورة اللجوء إلى آليات لجان الحوار الوطنية للوقوف على التحديات وتدعيم الجبهة الداخلية .وهنا أريد أن أوضح أننا حريصون على بناء أعلى درجات التوافق الوطني إزاء المفاصل الرئيسية ،خاصة اإلصالحية منها .ولكن ،من الضروري أن يتم ذلك عبر أدوات المواطنة الفاعلة والنقاش العام وضمن المؤسسات الدستورية ممثلة بمجلس األمة وعالقتها بالحكومة .وهذه هي األدوات الديموقراطية األصيلة إلدارة النقاش الوطني وبناء التوافق، أمّا األدوات الموازية من لجان وطنية ،فيلجأ إليها استثناء وبغرض إصالح وتطوير األدوات األصيلة ،وقد نجح األردن في تحقيق ذلك وتجاوزه. أدرك أيضاً وفي إطار متابعتي للهموم الوطنية ،بأن البعض يشير إلى الوضع في معان في سياق ضعف الجبهة الداخلية .هذه النظرة غير صحيحة وال تعرف واقع معان وتاريخها الوطني. لِ َم َعان وأهلها إسهامات تاريخية مشرفة في تأسيس األردن ونهضته وشعورهم الوطني أصيل .يوجد، ولألسف ،مجموعة صغيرة ومحدودة من الخارجين عن القانون ،ال تمثّل أهل معان ،وهؤالء يشوهون اسمها بتجاوزهم على سيادة القانون وهيبة الدولة، التي كان آخرها حادث اغتيال الشهيد المالزم ثاني نارت نفش األليم ،والذي قضى فداء ألمن الوطن. هؤالء الخارجون على القانون يعطلون الحياة اليومية ألهل معان ،وينتجون ظرفاً أمنياً ّ يؤخر قدرة الحكومة على االستجابة في تنفيذ المشاريع االقتصادية والتنموية التي يطالب بها أهل معان.من الضروري أن ينبذ الرأي العام في معان ممارسات الخارجين عن القانون ويعزلهم، بما يدعم جهود األجهزة األمنية في فرض سيادة
يجب على عقالء األمة واإلقليم أن يتوحدوا في موقفهم وأال يسمحوا للمتطرفين بمصادرة مصير المنطقة ومستقبل أجيالها الغد :جاللة الملك ،حذرتم مرارا من خطر الحروب الطائفية في المنطقة ،ومن االتجاهات الدينية المتطرفة والتكفيرية .هل المنطقة تذهب اليوم في هذا االتجاه ،وهل سيتحكم المتطرفون من مختلف الطوائف والمذاهب بمصير شعوبها؟ جاللة الملك :أخطر الحروب في التاريخ هي الطائفية والمبنية على رفض اآلخر ألنها تمزق النسيج االجتماعي للدول وتؤدي إلى تفكيك مؤسساتها والعودة إلى هويات فرعية ه ّدامة ال تؤمن بالتعددية والتنوع وقبول اآلخر. يجب على عقالء األمة واإلقليم أن يتوحدوا في موقفهم وأال يسمحوا للمتطرفين بمصادرة مصير المنطقة ومستقبل أجيالها واالستمرار في تعطيل طاقاتها. ومن هنا جاءت مبادراتنا الداعمة للحوار بين األديان والمذاهب والتي تتبنى قيم االعتدال والعيش المشترك، وتستند إلى اإلسالم الحنيف وتبرز صورته الحقيقية، وذلك إنطالقا من إيماننا كهاشميين بأننا للجميع وعنصر توحيد ال تفتيت .وهذه المبادرات المتمثلة في رسالة عمّان ،وكلمة سواء ،وأسبوع الوئام العالمي بين األديان، والمؤتمر العام األخير لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر اإلسالمي ،ومؤتمر التحديات التي تواجه المسيحيين العرب ،هي أمثلة للقيم التي يؤمن بها األردن والجهود التي يبذلها استجابة لتحديات توقعناها وحذرنا من تسارعها ولمكافحة فكر ظالمي بفكر مستنير مبني على تراثنا التعددي الذي يعكس صورة اإلسالم الحنيف الناصعة.
وهنا نجدد تحذيرنا من خطورة استغالل الدين ألغراض سياسية ،وضرورة نبذ خطاب العنف الطائفي والفرقة المذهبية ،والنهوض بمجتمعاتنا العربية واإلسالمية بالمشاركة ال المغالبة ،وتبني قيم الديمقراطية والشورى التي تمثل جوهر اإلجماع السياسي في اإلسالم. وأشدد أيضاً هنا على ضرورة حماية جميع الطوائف الدينية
ذات الوجود التاريخي واألصيل في منطقتنا ،وخاصة الهوية المسيحية العربية التاريخية ،وصون حريات العبادة ،حتى ال تترسخ النظرة السلبية واالنعزال بين أتباع الديانات والمذاهب ،محذرين مما نشهده من اضطهاد ديني أعمى ،كان آخره االضطهاد المستمر الذي نشهده اآلن ضد المجتمعات المسيحية العربية األصيلة في الموصل ،واإلسالم من ذلك براء جملة وتفصيال. وهناك مسؤولية تاريخية على جميع دول المنطقة، بمؤسساتها الدينية الرسمية واألهلية والثقافية والتعليمية واإلعالمية باإلضافة إلى الحركات اإلسالمية المعتدلة الراشدة ،لبلورة موقف واضح ضد الحركات المتطرفة والتكفيرية ضمن مسؤوليتها الدينية والتاريخية في محاصرة التطرف وتحصين الشباب بوعي ديني مستنير ومعتدل.
الغد :جاللة الملك ،منذ توليكم مقاليد الحكم، واجهتم أزمات وتحديات داخلية وخارجية جسيمة اجتازها األردن باقتدار .هل يشعر جاللتكم أننا نواجه أخطر األزمات في هذه األوقات؟ جاللة الملك :اجتاز األردن أزمات وتحديات صعبة ً فعال ،لكن من المهم التوقف عند أسباب ذلك. وباقتدار فوعي المواطن األردني وإحساسه بالمسؤولية تجاه بناء الوطن والحفاظ على منجزات االستقرار هي أسباب رئيسية وراء منعة األردن وصموده .ومن أهم األسباب أيضاً التحام القيادة والشعب ،فأنا وشعبي في بوتقة واحدة ،باإلضافة إلى المنظومة األخالقية التي ألزمنا أنفسنا بها كأردنيين هاشميين تجاه مواطنينا من عمل موصول من أجل رفعتهم ،والنهج القومي العروبي الذي يؤمن به األردن ويدفعه لنصرة األشقاء .جميع هذه األسباب ترفد بناء الشخصية الوطنية األردنية الحريصة على صون استقرار األردن ومنجزاته والقيام بواجبه األخالقي تجاه أشقائه وجيرانه.
التحديات تحيط باألردن تاريخياَ ، وق َدرُ نا أن نواجهها ونجتازها ،وقد مرّ ت علينا ظروف أصعب من التي نواجهها اليوم ،فاألردن أقوى بكثير مما يعتقده البعض ،وأنا مطمئن على استقرار األردن ومنعته، وقدرتنا على تحويل التحديات إلى فرص ،وذلك عن طريق التعامل معها بوعي وهدوء وبروح 6
بدور تاريخي في حفظ الوطن ،وسيشهد التاريخ شهادة حق لهذه السواعد التي تلبي نداء اإلنسانية والعروبة وتحمي الوطن بأرواحها كما عهدناها دوماً.
وترسخ شعور جميع العراقيين بأنهم شركاء حقيقيون في صناعة مستقبل العراق ،فمصلحة الشعب العراقي في وحدته والمساس في وحدة العراق خطر على األمة.
الغد :كما أوضحتم جاللتكم ،الشأن السوري متداخل مع العراقي .كيف تقرؤون مسار األوضاع في العراق ،وهل تشعرون ّ بأنها على طريقها لتشبه األوضاع في سورية ،أم ّ أن فرص الحل السياسي والتسويات الداخلية ممكنة ،وإذا كان كذلك ،فما هي برأيكم كلمة الس ّر في الحل السياسي المطلوب، وهل ث ّمة مخاطر من تقسيم العراق إلى دويالت؟
وفي إطار توضيح الترابط بين األزمة السورية واألوضاع في العراق ،فإن استمرار األزمة السورية بدون حل كان السبب في نقل انعكاساتها الى العراق ممثلة بنمو الحركات المتطرفة وبروزها في غرب العراق ،كما سبق و أن حذرت .وعليه ،فان استمرار غياب العملية السياسية الجامعة والحكومة الممثلة لجميع مكونات الشعب العراقي سيغذي البيئة الحاضنة للتطرف واالرهاب ،وسيعقد ايضا فرص حل األزمة السورية.
جاللة الملك :نحن نؤمن تماما بوعي وتماسك الشعب العراقي وقدرته على تجاوز التحديات .ونحن أشد الحريصين على وحدة العراق وتماسك جميع مكونات المجتمع هناك .ونؤكد على أن تغييب أي مكوِّن من مكونات الشعب العراقي يعني تغييب االستقرار كما يعني نمو التطرف وتهديد وحدة العراق أرضا وشعبا.
وفي سياق ما أوضحناه من حرص على وحدة العراق ومصلحة جميع مكونات المجتمع العراقي ،تأتي جميع التحركات األردنية .وعلى جميع األطياف في العراق أن يكونوا على ثقة بأن المواقف التي تصدر عن األردن ستكون في مصلحة كل العراقيين ،فنحن للجميع، ومصلحتنا هي في مصلحة الشعب العراقي واستمراره قويا وموحدا .واألردن يدعم جهود العراق في تمتين جبهته الداخلية ونقف بقوة ضد التطرف والحركات والتنظيمات اإلرهابية ،وسنستمر في جهودنا هذه على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب العراقي الشقيق.
العراق كان وسيبقى السند لنا ،كما سنبقى السند له عبر التاريخ. والعراق في أمس الحاجة اليوم إلى عملية سياسية وطنية جامعة تشارك فيها كل األطياف والمكونات دون استثناء ألي طرف ،وتؤدي إلى حلول توافقية كما حدث في رئاسة الدولة ،والبرلمان ونتمنى أن يحدث في رئاسة الوزراء. هناك مسؤولية تاريخية على عاتق الحكومة العراقية القادمة ،أياً كان رئيسها ،بضرورة انتهاج سياسات عادلة تُشرك الجميع في السلطة وفي بناء الدولة،
العراق كان وسيبقى السند لنا ،كما سنبقى السند له عبر التاريخ
5
العراق Iraq بغداد
وليتذكر العالم بأن األردن هو ثالث أكبر دولة مضيفة لالجئين في العالم ،وقد كان لهذا العبء تأثير هائل على شعبنا وميزانيتنا ،وعلى البنية التحتية لبالدنا .فمخيم الزعتري هو ثاني أكبر مخيم الجئين في العالم ،وعدد السوريين في األردن يقارب 1.400.000والكلفة االقتصادية الكلية على األردن ألعباء استضافة الالجئين السوريين للعام 2014وحده تقارب 3مليار دوالر أمريكي ،وفق تقديرات األمم المتحدة ،وتشمل هذه الكلفة االحتياجات األساسية لالجئين ومتطلبات تطوير البنية التحتية في المجتمعات المحلية المستضيفة ،وهذا الرقم ينمو سنويا منذ اندالع األزمة وبدء موجات اللجوء السوري. كما أن تكلفة استضافة الالجئين المباشرة وغير المباشرة على الخزينة وفق التقديرات الدولية ولسنة 2014لوحدها ،كما تعلمين جمانة ،تقارب المليار دوالر أمريكي ،وهذه الكلفة تتكرر سنويا بتزايد، ويتحملها األردن في شكل ضغوطات إضافية على قطاعات الصحة والتعليم والمياه والبنية التحتية ودعم السلع األساسية ،فضال عن منافسة األردنيين.
على فرص العمل والسكن ،وتصاعد أسعار السلع وتنامي األعباء األمنية وتكلفة التعاطي معها. هذه الضغوطات وانعكاساتها لمستها بشكل مباشر خالل تواصلي الدائم مع أهلنا في مختلف المحافظات خاصة في الشمال والشمال الشرقي ،حيث يتركز اللجوء السوري وتتعمق آثاره على المجتمعات المحلية. المطلوب من المجتمع الدولي واألشقاء العرب هو العمل بجدية لتأمين االحتياجات اإلنسانية للشعب السوري من خالل إيصال المساعدات له داخل سورية ،وزيادة الدعم للدول والمجتمعات المحلية التي تستضيف الالجئين السوريين .ونحن مستمرون في دورنا القومي واإلنساني ولن نتوانى عنه ،لكن لن يتردد األردن للحظة في اتخاذ أي من اإلجراءات الضرورية في حال تهديد أمنه أو استقراره .الخيارات متعددة ومتاحة ولن نخوض في تفاصيلها اآلن .لكن أولويتنا األولى هي حماية حدودنا وشعبنا ،و أطمئن الجميع بأن
األردن على أتم االستعداد للتعامل مع كل االحتماالت، ونشامى قواتنا المسلحة وأجهزتنا األمنية يقومون
آن األوان لبلورة موقف عربي ودولي موحد وداعم إليجاد حل سياسي شامل لألزمة السورية
44
قريبا الستئناف مفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين واإلسرائيليين .وكما ذكرت سابقا ،سينصب الجهد األردني على إيجاد األرضية المناسبة للعمل بهذا االتجاه.
الغد :جاللة الملك ،ننتقل إلى الشأن السوري ،حيث شهدت سورية مؤخرا انتخابات رئاسية كرست سلطة بشار األسدّ . لكن األوضاع في تدهور مستمر ،والمعارضة المعتدلة عاجزة عن أن تكون بديال قويا ،بينما يحقق المتشددون حضورا كبيرا .هل نحن أمام صراع طويل في سورية ،وكيف يمكن للشعب السوري أن يتجاوز محنته؟ جاللة الملك :ال يوجد حل سريع أو فوري أو عسكري لألزمة السورية ،وتنامي التطرف يزيد من تعقيد المشهد .والتطورات التي نشهدها هي وصفة للدمار ولتسريع تصدير األزمة من سوريا إلى الجوار .وأخشى أن يكون ما يحدث في سورية بداية مرحلة طويلة من القتل والخراب ،وهذا ما حذرنا منه مرارا. الحل الوحيد المتاح هو الحل السياسي بين المعارضة الوطنية المعتدلة والنظام .إن استمرار الوضع الراهن يهدد وحدة سورية ويكرس نزاعا طائفيا مفتوحا ،وستكون سورية والسوريون ،نظاما ومعارضة ،هم أكبر الخاسرين. استمرار األزمة السورية دون حل جعل التحدي األكبر الذي يواجه اإلقليم والعالم هو نمو التطرف وتدفق المقاتلين من مختلف الدول ،بينما تتفاقم األزمة وتتمزق سورية وتسيل دماء الشعب السوري .إال أن التركيز يجب أن ينصب أيضا ً على إيجاد حل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري ،وعدم حصر االهتمام العالمي بالتعامل مع التطرف واإلرهاب فقط، والذي يعتمد نجاحه على إنهاء المأساة التي ولدت وتغذي هذا التطرف واإلرهاب .ولذلك ،يجب المضي بالمسارين بالتوازي والتساوي .وقد آن األوان لبلورة موقف عربي ودولي موحد وداعم إليجاد حل سياسي شامل لألزمة السورية.
سوريا
3
لذلك ،على جميع األطراف المؤثرة على النظام والمعارضة حثهما على الجلوس إلى طاولة الحوار ،للوصول إلى حل سياسي يشمل جميع أطراف المجتمع السوري ومكوناته بحيث يكون الجميع شركاء في حل األزمة وبناء المستقبل، ويتم إطالق عملية سياسية تتأسس على المصالحة الوطنية وتتبنى إصالحات سياسية يرى فيها السوريون السبيل للخروج من الوضع الراهن وتتيح إعادة بناء سورية. وبغياب الحل السياسي واستمرار الجمود ،فإن سورية تتسارع نحو سيناريو الدولة الفاشلة ،وسيتعمق سيناريو التقسيم ،وسيتسارع تصدير األزمة من سورية إلى دول الجوار ذات التركيبة الديمغرافية المشابهة ،والذي أصبح واقعا ً نشهده اآلن .كما أن استمرار الصراع في سورية سيحوله إلى صراع طائفي على مستوى اإلقليم وفتنة مذهبية تقوض فرص أمتنا بالنهوض والتقدم.
الغد :جاللة الملك ،يستضيف األردن على أراضيه ما يزيد على المليون الجئ سوري ،والعدد في تزايد مستمر كل يوم ،وفي األثناء ال يقدم المجتمع الدولي ما يلزم من المساعدات لتحمل كلفة الالجئين .عند أية نقطة يمكن لألردن أن يتوقف عن تحمل المزيد من أعباء اللجوء؟ وفي حال كان هناك تصاعد في موجة جديدة من الالجئين من األشقاء العراقيين بسبب الظروف الراهنة ،فما هي خيارات األردن الممكنة؟ جاللة الملك :األردن وكعهده دوما ً ينهض بدوره القومي والعروبي وواجبه اإلنساني ،فعالً وليس قوالً ،تجاه األشقاء من الالجئين ومؤخرا السوريين ،بدون مزايدات وبعيداً عن الشعارات الزائفة ومن منطلق ثوابت ومبادئ الثورة العربية الكبرى التي تأسس عليها ،فاألردن يحتضنهم في هذا الظرف الصعب وال يكتفي بالشعارات بل يتحمل ضغوطا هائلة على إمكاناته وموارده جراء هذا الموقف. ولكن ،لهذا الدور طاقة وحدود لن نستطيع تجاوزها. ومع تقديرنا لدعم أصدقاء األردن الذي نثمنه عاليا ،إال أن العالم قد قصّر في دعم األردن ،حيث أن حجم الدعم لم يرتق إلى مستوى األزمات التي نعايشها واألعباء الضخمة التي نستمر في تحملها ،خاصة تبعات أزمة اللجوء السوري ،وفي ظل تنامي أعداد الالجئين وما يسببه من تزايد الضغوطات المالية غير مسبوقة ،واستنزاف البنية التحتية والخدمات األساسية لألردنيين ،وعدم مواكبة الدعم الدولي لتسارع تبعات أزمة اللجوء السوري.
كان بإمكاننا وبكل سهولة تصدر عناوين وسائل اإلعالم خالل العدوان ،عبر تصريحات وشعارات شعبية ،لكننا نفضل العمل بفاعلية وروية إلنهاء العدوان اإلسرائيلي ورفع المعاناة وضمان استمرار خطوط المساندة إلى أهلنا في غ ّزة كان بإمكاننا وبكل سهولة تصدر عناوين وسائل اإلعالم خالل العدوان ،عبر تصريحات وشعارات شعبية ،لكننا نفضل العمل بفاعلية وروية إلنهاء العدوان اإلسرائيلي ورفع المعاناة وضمان استمرار خطوط المساندة إلى أهلنا في غ ّزة. واألردن بذل ويبذل كل الجهود ،وقد دعم المبادرة المصرية لوقف العدوان منذ البداية ،وهي المبادرة التي تبين في النهاية أنها الوحيدة الممكنة في ظل الظروف الراهنة .نستمر بإدامة الجسر اإلغاثي ألهلنا في غزة ،ويواصل المستشفى الميداني عمله على األرض ونكثف الدعم المخصص له ،وننسق دخول قوافل المواد اإلغاثية واألدوية ،ونسهم في إنقاذ الناس ومعالجة المصابين والتخفيف من معاناتهم .لقد سخرنا كل قدراتنا من أجل أهلنا في فلسطين على مدار التاريخ بالفعل وليس بالقول ،وسنبقى الرئة للشعب الفلسطيني ،وهذا واجبنا التاريخي والقومي تجاه أشقائنا ،ففلسطين قضيتنا األولى .وال نقبل أن يزاود أحد على األردن فيما يخص فلسطين ،فتضحيات شهداء الجيش األردني على ثراها معروفة للقاصي والداني. وسنستمر في توظيف عالقات األردن وحضوره في المنابر الدولية مثل مجلس األمن ومجلس حقوق اإلنسان من أجل وقف نهائي للعدوان ومنع تكراره وحشد الجهود الدولية إلعمار غزة ،وإيجاد األرضية المناسبة إلعادة إطالق مفاوضات قضايا الوضع النهائي بشكل حاسم، وبما يحقق السالم على أساس حل الدولتين وفق المرجعيات الدولية ومبادرة السالم العربية ،وبما يلبي طموحات الشعب الفلسطيني ،ووفاء لتضحياته ودماء شهدائه.
وال بد من اإلشارة هنا إلى أن العدوان على ّ غزة استغل الفراغ الناجم عن توقف المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي وفق حل الدولتين ،ويهدد بمزيد من العنف والتصعيد وتكراره ،وهو ما حذرنا منه باستمرار .ونؤكد أن األردن سيستمر بالتصدي لإلجراءات والسياسات اإلسرائيلية
األحادية في القدس ووقف االنتهاكات المستمرة لحرمة المسجد األقصى والتعرض للمصلين ،في
إطار الوصاية الهاشمية. الغد :ولكن جاللة الملك ،هل ثمة فرصة للسالم وحل الدولتين ،برأيكم ،خصوصا بعدما تعثرت جهود استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين واإلسرائيليين وأخفقت محاولة اإلدارة األميركية األخيرة في التوصل التفاق سالم بين الطرفين .وهل بذلت اإلدارة األميركية برأيكم ما يكفي لتحقيق هذا الهدف ،ومن يتحمل مسؤولية الفشل في تحقيق تقدم على هذا الصعيد ،وماذا سيترتب على هذا الفشل في المستقبل؟ جاللة الملك :في ظل العدوان على غزة وما نشهده من عنف ودمار وتصاعد في أعداد الشهداء ،قد نشهد ضغطا ً دوليا ً للمضي قدما ً في حل للصراع ،فالنزاعات تقود إلى طاولة المفاوضات وقد تلوح فرصة لحل النزاع بشكل نهائي ،والسالم هو الحل الوحيد ،وإال وجدنا أنفسنا في المستقبل نتحدث عن حرب إسرائيلية خامسة وسادسة وسابعة على غزة يكون الشعب الفلسطيني فيها هو الضحية وتبقى إسرائيل عاجزة عن تحقيق أمنها. حل الدولتين هو السبيل الوحيد لحل النزاع وتحقيق األمن واالستقرار للمنطقة كلها .وأمن إسرائيل لن يتحقق إال بتوجه صادق نحو خيار السالم العادل وحل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة على خطوط الخامس من حزيران عام 1967وفق المرجعيات الدولية ومبادرة السالم العربية وعاصمتها القدس الشرقية ،وتتمتع بتواصل جغرافي حقيقي وباقتصاد قابل للنمو واالزدهار .بهذا فقط ستحظى إسرائيل باألمن والقبول في المنطقة والعالم. أما المسؤولية ،إن فشلت جهود السالم ،فيتحملها المجتمع الدولي بأسره ،واألهم من ذلك أن الجميع سيدفع ثمن الفشل، خاصة أجيال المستقبل التي نتحمل المسؤولية أمامها. ويجب أن نبني على الجهود والعمل البنّاء الذي بذلته اإلدارة األمريكية ،وتحديدا وزير خارجيتها جون كيري حيال القضية الجوهرية في المنطقة .ونأمل أن تتوفر الفرصة 2
الغد :جاللة الملك ،في ضوء التطورات اإلقليمية المتسارعة ،اسمح لي أن نبدأ الحديث في الشأن اإلقليمي وتداعياته ،ومن ثم بعض الملفات الوطنية. قضية الساعة اآلن هي غ ّزة .العدوان اإلسرائيلي استمر أكثر من شهر ،طالبتم جاللتكم بوقف العدوان وحذرتم مرارا منه .في ظل السياسات اإلسرائيلية الراهنة واستهداف األطفال والنساء والمدنيين والكارثة اإلنسانية التي خلّفتها إسرائيل ،كيف ترى جاللتكم الدور األردني خالل هذه األزمة؟ جاللة الملك :شهداؤنا من أهل غ ّزة هم أحياء عند ربِّهم يرزقون بإذن هللا تعالى .ما نعيشه من ألم ومعاناة جراء العدوان الذي يحصد أرواح األبرياء دون تمييز ينفي مزاعم إسرائيل في تبريرها للحرب على غزة .إسرائيل بالدرجة األولى تتحمل مسؤولية العدوان على القطاع ،ويتحمل العالم بأسره مسؤولية إنهاء احتالل هو األخير من نوعه في التاريخ المعاصر ،وحرمان شعب شقيق من حقه في
إقامة دولته على ترابه الوطني ،واستمرار حصار ظالم ،واستيطان يق ّوض فرص السالم. ما حدث ويحدث في غزة هو صرخة فلسطينية للعالم أجمع بأن أوقفوا االحتالل والدمار والقتل بحق شعب ينشد الحرية واألمن والعيش بكرامة. هذا العدوان اإلسرائيلي األخير على غزة هو رابع عدوان موسّع منذ انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من القطاع عام ،2005وهو األصعب واألكثر دموية من حيث عدد الضحايا ،خصوصا من النساء واألطفال وكبار السن ،بل هناك عائالت أبيدت بالكامل .قلبنا مع غزة وأهلها ،ومصابنا وألمنا واحد ،وعواطفنا جميعا مشحونة. لكن ،أخت جمانة ،علينا اآلن أن ننظر بعقالنية لما حصل ويحصل .المدنيون األبرياء ،خاصة في غزة ،هم من يدفع الثمن وهذا أمر غير مقبول إطالقا إنسانيا وأخالقيا .على المجتمع الدولي أن يسائل إسرائيل ع ّما ترتكبه .والشعب الفلسطيني ،خصوصا أهلنا في غزة ،هم أصحاب الحق األول واألخير في مراجعة ما يجرى والحكم عليه.
شهداؤنا من أهل غ ّزة هم أحياء عند ربِّهم يرزقون بإذن هللا تعالى
قطاع غزة
قطاع غزة
1
مقابلة جاللة الملك عبدهللا الثاني المعظم مع رئيسة تحرير صحيفة الغد األستاذة جمانة غنيمات
األحد 10آب 2014