مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الغد

Page 1




‫جاللة الملك‪ :‬كأي أب أردني أحرص على أن‬ ‫أزرع في أبنائي وبناتي منظومة األخالق القائمة‬ ‫على حب الوطن وشعبه والفخر بقيمه األصيلة‪،‬‬ ‫أحس بمنتهى الفخر عندما أرى الحسين يخدم شعبه‪،‬‬ ‫وهو‪ ،‬كولي للعهد‪ ،‬منذور لخدمة وطنه وقضاياه‬ ‫كما نذرني ج ّده الحسين‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬من قبل‪.‬‬ ‫إن مسؤوليتي كملك وكأب‪ ،‬وحبي ألسرتي األردنية‬ ‫الكبيرة والواحدة‪ ،‬وحرصي على التأسيس لمستقبل واعد‬ ‫نصل إليه بخطى واثقة عبر مؤسسات راسخة‪ ،‬ومن‬ ‫ضمنها مؤسسة العرش‪ ،‬يتطلب مني الحرص والعناية‬ ‫الصادقين في إعداد الحسين لمسؤوليات القيادة‪ ،‬حتى‬ ‫يكون قادراً على خدمة وطنه وشعبه والقيام بمسؤولياته‬ ‫تجاههم‪ ،‬وليغدو األردن به وبأترابه من أجيال أسرتنا‬

‫الكبيرة والواحدة أكثر َمن َعة وازدهارا وديموقراطية‪.‬‬ ‫وأنا أتابع مسيرة الحسين‪ ،‬أسعد بأن التزاماته الدراسية‬ ‫لم تبعده أبداً عن حسه بالمسؤولية الوطنية أو متابعة‬ ‫ّ‬ ‫حفزتها وأثرتها بما يراكمها من‬ ‫المستجدات‪ ،‬بل‬ ‫خبرات معرفية‪ .‬وأحرص بدوري كل الحرص على‬ ‫أن يكون ولدي وولي عهدي على معرفة عميقة بأسس‬ ‫صناعة القرار‪ ،‬وأن يشارك في اللقاءات المحلية‬ ‫والدولية التي أجريها لتعميق الخبرة والمهارات‬ ‫القيادية التي تؤهله لتولي مسؤولياته المستقبلية‪.‬‬ ‫ومن أبرز مسؤولياته الدستورية توليه منصب نائب‬ ‫الملك متى سنحت له الفرصة في ظل التزاماته‬ ‫الدراسية الحالية‪ .‬ولدى الحسين اهتمام خاص بقضايا‬ ‫الشباب ورعاية مبادرات العمل التطوعي واإلبداع‪،‬‬ ‫وحب فطري للعمل الميداني‪ ،‬خاصة العسكري‪.‬‬ ‫وبعد إتمامه لدراسته‪ ،‬سيكون التحاقه في صفوف‬ ‫الجيش العربي المصطفوي‪ ،‬إلى جانب إخوانه من‬ ‫حماة الوطن ورفاق السالح‪ ،‬محطة مهمة لتحصيل‬ ‫التجارب الحياتية في هذه المؤسسة الرائدة والجامعة‬ ‫لكل أطياف المجتمع‪ ،‬والتي مثلت بالنسبة لي‬ ‫مدرسة حياة تزخر بقيم البطولة واإليثار والعطاء‪.‬‬ ‫كأب وكقائد أرى في الحسين قائداً هاشمياً‪ ،‬يعي‬ ‫المسؤوليات التاريخية والتطور الحتمي لدور الملكية‬ ‫في استشراف المستقبل‪ ،‬ولن يحيد عن الدور التاريخي‬ ‫للملكية الهاشمية كصمام أمان الستقرار الوطن‪ ،‬وعنصر‬ ‫ً‬ ‫دافعة لمواصلة اإلصالح‬ ‫موحد لكل مكوناته‪ ،‬وقوة‬ ‫والبناء وصون العدالة والتعددية والحريات وتعميق‬ ‫نهج الديمقراطية‪ ،‬والسهر على أمن الوطن والذود عنه‪.‬‬

‫الغد‪ :‬شكراًجزيال جاللة الملك على هذا الحديث الشامل‪.‬‬ ‫جاللة الملك‪ :‬عفواً‪ ،‬والشكر لكم على هذا الحوار‪،‬‬ ‫وأبارك لكم‪ ،‬أسرة الغد‪ ،‬مرور عشر سنوات على‬ ‫مسيرتكم‪ ،‬متمنيا لكم ولألسرة اإلعالمية األردنية‬ ‫المزيد من التقدم على طريق العمل اإلعالمي‬ ‫الوطني‪ ،‬واالرتقاء بمستوى العمل اإلعالمي‬ ‫نحو مزيد من المهنية والمصداقية والموضوعية‬ ‫والمسؤولية اإلعالمية واألخالقية‪ ،‬وبما يوازي‬ ‫االنفتاح في مستوى الحريات‪ ،‬ويستحقه أردننا الغالي‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫من ترابط قانوني بين العملية االنتخابية‪ ،‬وإفراز مجلس‬ ‫النواب‪ ،‬وتشكيل الحكومات وفق مشاورات نيابية‪ .‬فال‬ ‫ننسى أن الناخبين أوصلوا مجلس النواب إلى القبة‪،‬‬ ‫والذي سمَّت غالبيته رئيس الوزراء ومنحت حكومته‬ ‫الثقة على أساس برنامجها‪ .‬هذه السلسلة الدستورية ال‬ ‫يمكن تعطيلها بانتقائية‪ .‬هناك مسارات دستورية واضحة‬ ‫لحل مجلس النواب أو إستقالة الحكومة‪ ،‬واآلثار القانونية‬ ‫التي تنتجها محكومة بنوافذ زمنية معينة لمنع أي فراغ‬ ‫دستوري ولحفظ التوازن بين السلطات‪ .‬ونحن لسنا‬ ‫بصدد كل ذلك‪ ،‬بل نحن بصدد ترسيخ استقرار العمل‬ ‫النيابي والحكومي بحيث يُك ِمل المجلس النيابي مدته‬ ‫ألربع سنوات كاملة طالما تمتع بثقة الشعب‪ ،‬وتستمر‬ ‫الحكومة في مسؤولياتها طالما تمتعت بثقة مجلس النواب‪،‬‬

‫‪9 11‬‬

‫ ‬

‫وهذا هو األساس في األنظمة الديمقراطية الحديثة‪.‬‬ ‫خالصة القول أننا نحتكم إلى تقييم العمل بموضوعية‬ ‫وإلى المسارات الدستورية‪ ،‬وليس إلى مزاجات‬ ‫بعض صالونات عمان السياسية وبعض السياسيين‬ ‫الذين يروجون ألنفسهم في وسائل اإلعالم من فترة‬ ‫إلى أخرى‪ .‬والنقاش الوطني يجب أن يتمحور حول‬ ‫أفضل صيغة وتسلسل في إنجاز حزمة التشريعات‬ ‫السياسية‪ ،‬وليس الخوض في إشاعات غير منتجة‪.‬‬

‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬ولي عهدكم سمو األمير الحسين بن‬ ‫عبدهللا الثاني سيتخرج من الجامعة خالل عامين‪ .‬ما‬ ‫الدور الذي ترسمه جاللتك لسموه‪ ،‬وما المسؤوليات‬ ‫التي ستوكلها إليه‪ ،‬بعد أن ينهي دراسته الجامعية؟‬


‫القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والفاعلين‬ ‫اآلخرين في مختلف القطاعات والبدء من القواعد‬ ‫االجتماعية صعوداً إلى أعلى الحلقات التنفيذية‪،‬‬ ‫بما يعكس هموم وأولويات المجتمعات المحلية‪،‬‬ ‫وبما يحقق أعلى درجات التوافق‪ .‬وهذا يتطلب بذل‬ ‫جهود مضاعفة من الجميع واالعتماد على الذات‪.‬‬ ‫الغد‪ :‬جاللة الملك؛ يتخوف مجلس النواب من‬ ‫أن إقرار قانون جديد لالنتخاب سيفتح الباب‬ ‫النتخابات نيابية مبكرة‪ ،‬هل هذا االحتمال‬ ‫وارد‪ ،‬أم ّ‬ ‫أن هذه المخاوف ليست في محلها؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬تحدثت سابقاً عن أهمية النظر إلى‬ ‫التشريعات الناظمة للحياة السياسية كحزمة متكاملة‬ ‫تنجز من قبل مجلس األمّة وتسير في القنوات‬ ‫الدستورية إلقرارها‪ ،‬بما يضمن إجراء انتخابات‬ ‫مجلس النواب الثامن عشر في موعدها الدستوري‪.‬‬ ‫وهذه الحزمة تشمل قوانين األحزاب‪ ،‬والالمركزية‪،‬‬ ‫واالنتخابات البلدية‪ ،‬وقانون االنتخاب وجميعها‬ ‫مترابطة وبذات األهمية‪ ،‬والتطور في مخرجات‬ ‫الدورة االنتخابية القادمة يرتبط بما ينجز من تشريعات‬ ‫وضمان تجسيدها لفرص عادلة في التنافس والتمثيل‪.‬‬ ‫بهذا المعنى‪ ،‬فإن النقاش يجب أن يركز على تحديد‬

‫أفضل ترتيب وتسلسل زمني إلنجاز هذه القوانين بما‬ ‫يوصلنا إلى إجراء انتخابات المجلس الثامن عشر‬ ‫في موعدها الدستوري الواضح‪ .‬وأرى أن التسلسل‬ ‫الزمني األفضل إلنجاز هذه الحزمة من القوانين‬ ‫ينقسم إلى مرحلتين‪ ،‬بحيث تركز المرحلة األولى‬ ‫على تطوير آليات الحكم المحلي و االدارة المحلية‬ ‫عبر إنجاز قوانين البلديات والالمركزية‪ ،‬وسبب‬ ‫إعطاء األولوية لهما هو ألن موعد االنتخابات‬ ‫البلدية أقرب من النيابية‪ ،‬وبعد ذلك نمضي إلى‬ ‫المرحلة الثانية التي يتم فيها انجاز قانون االنتخاب‪.‬‬ ‫والمنطق لهذا التسلسل في انجاز قوانين الحكم المحلي‬ ‫ً‬ ‫أوال ثم قانون االنتخاب تالياً هو أن التجربة الحالية ّ‬ ‫تؤشر‬ ‫إلى كبر حجم مجلس النواب‪ ،‬وتحمله مسؤوليات خدمية‬ ‫على حساب الدور الوطني المؤمل منه‪ .‬ومعالجة ذلك تتم‬ ‫عبر تفعيل الالمركزية‪ ،‬بحيث تركز المجالس المحلية‬ ‫و البلديات على الشؤون الخدمية ويتاح للمجلس النيابي‬ ‫النهوض بمسؤوليات تشريعية ورقابية على مستوى‬ ‫وطني‪ ،‬دون أن تطغى الخدمات المحلية على دور النائب‪.‬‬ ‫إن ترسيخ االستقرار والتعاون النيابي والحكومي‪،‬‬ ‫المدعوم بسلطة قضائية مستقلة‪ ،‬هو عنصر‬ ‫ضروري للتدرج التراكمي في اإلصالح وفق‬ ‫دورات ذات مواعيد دستورية واضحة ومعلومة‬ ‫للجميع‪ ،‬كما هو الحال في كل الديمقراطيات الراسخة‪.‬‬ ‫ومن المهم أيضا أن نتذكر ما أنتجته التعديالت الدستورية‬

‫‪10‬‬


‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬ما هي الخطوات‬ ‫اإلصالحية المطلوبة في المستقبل القريب؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬ما زال أمامنا الكثير من العمل‬ ‫اإلصالحي‪ ،‬وأولوياتنا الحالية تتركز على االستمرار‬ ‫في تطوير القوانين الناظمة للحياة السياسية مثل‬ ‫الالمركزية والبلديات واألحزاب واالنتخاب‪ ،‬بحيث‬ ‫تتطور هذه التشريعات عبر كل دورة برلمانية‬ ‫وقبل كل دورة انتخابية‪ ،‬باإلضافة إلى ترجمة نهج‬ ‫الالمركزية إلى واقع ملموس‪ ،‬وتطوير أداء الجهاز‬ ‫اإلداري والحكومي عبر ثورة بيضاء مستمرة‪،‬‬ ‫وإطالق تشريعات اقتصادية عصرية تمكننا‬ ‫من التفاعل مع التطورات االقتصادية العالمية‪،‬‬ ‫واالستمرار في تنفيذ مخرجات لجنة تعزيز منظومة‬ ‫النزاهة‪ ،‬وتنفيذ مخرجات الخطة الوطنية لحقوق‬ ‫اإلنسان وتوصيات المركز الوطني لحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫وبالتوازي مع ذلك‪ ،‬يجب االستمرار في تطوير‬ ‫آليات عمل مجلس النواب من أجل ترسيخ عمل‬ ‫الكتل النيابية على أساس حزبي وبرامجي‪،‬‬ ‫وتعزيز ثقافة وممارسات المواطنة الفاعلة التي‬ ‫تعلي من قيم المشاركة السياسية والمساءلة‬ ‫وتكوين آراء موضوعية إزاء القضايا العامة‪ .‬هذه‬

‫‪9‬‬

‫ ‬

‫أبرز العناصر الضرورية إلدامة هذا النموذج‬ ‫اإلصالحي وضمان التداول الديموقراطي للحكومات‪.‬‬ ‫ويبقى التحدي اإلصالحي األبرز هو التحدي االقتصادي‬ ‫خاصة الفقر والبطالة‪ ،‬وهو أولوية األردنيين رغم كل‬ ‫التحديات اإلقليمية‪ ،‬وهذه القناعة كونتها عبر تواصلي الدائم‬ ‫والمباشر مع أبناء وبنات شعبي في مختلف المناسبات‪،‬‬ ‫وتجربتي الطويلة في العمل في القوات المسلحة‪ ،‬والتي‬ ‫أتاحت لي االطالع المباشر والمستمر على تفاصيل حياة‬ ‫مختلف شرائح مجتمعنا والتحديات التي تعيشها‪ .‬فتوفير‬ ‫الحياة الكريمة لشعبي وألجيال المستقبل هو شغلي الشاغل‪.‬‬ ‫وهذا ما دفعني لتوجيه الحكومة إلى ضرورة المباشرة‬ ‫في وضع تصوّر مستقبلي واضح لالقتصاد األردني‬ ‫للسنوات العشرة القادمة‪ ،‬مبني على تجاربنا الناجحة‬ ‫ومزايانا التنافسية‪ ،‬ويتضمن اإلصالحات التي يجب‬ ‫على األردن أن ينفذها في المرحلة القادمة‪ ،‬ويبني أيضاً‬ ‫على الدروس المستفادة من عملية مراجعة وتقييم تجربة‬ ‫التخاصية‪ ،‬بما يحسن قدرة األردن على تنفيذ مشاريع‬ ‫الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلقامة مشاريع‬

‫البنى التحتية والفوقية والخدمية المستقبلية الضرورية‪.‬‬ ‫ونعول على الخطة العشرية للتأسيس لمرحلة من‬ ‫التحسن االقتصادي وعدالة الفرص للجميع‪ .‬وعلى‬ ‫الحكومة صياغة الخطة‪ ،‬التي ستكون بمثابة البوصلة‬ ‫االقتصادية لمستقبل األردن‪ ،‬بالشراكة الفاعلة مع‬


‫القانون‪ ،‬ويعيد الهدوء الضروري إلطالق عجلة التنمية‬ ‫واالستثمار حتى نرى عوائدهما على المحافظة‪.‬‬

‫اإلصالحي كان واعياً في تدرجه وتوازنه‪ ،‬ويذهب البعض‬ ‫اآلن إلى االستفادة من دروسنا وتجربتنا اإلصالحية‪.‬‬

‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬هل األوضاع اإلقليمية‬ ‫المتدهورة من حولنا حملتكم على التفكير بخطوات‬ ‫اإلصالح قبل اتخاذها؟ ماذا بوسع األردن أن يفعل؛‬ ‫أيس ِّرع خطى اإلصالح‪ ،‬أم يفكر مليّا في أي خطوة‬ ‫إصالحية جديدة لتجنب مخاطر غير محسوبة؟‬

‫وعليه‪ ،‬فإن األردن ماض في مسيرته اإلصالحية دون‬ ‫تردد والهدف النهائي ومقومات الوصول إليه‬ ‫واضحة‪ .‬فالهدف هو الوصول إلى حالة متقدمة من‬ ‫الحكومات البرلمانية تتولى فيها األغلبية النيابية‬ ‫من أحزاب برامجية تشكيل الحكومات‪ ،‬وتتولى‬ ‫األقلية النيابية الحزبية وذات البرامج أيضاً دور‬ ‫حكومة الظل في الرقابة وتقديم البرامج البديلة‪.‬‬ ‫ومقومات هذا التحول هي تطوير العمل النيابي‬ ‫الكتلوي الذي تلقى دفعة إيجابية بتطوير النظام‬ ‫الداخلي لمجلس النواب خالل الفترة الماضية‪،‬‬ ‫وضرورة االستمرار في تطوير أحزاب سياسية‬ ‫وطنية ذات برامج وقواعد شعبية ممتدة‪ ،‬بما يسهم‬ ‫في توسيع مشاركة المواطنين في صنع القرار‪.‬‬

‫جاللة الملك‪ :‬في كل مرة يوجه لي سؤال مشابه‬ ‫تكون إجابتي واحدة وحاسمة‪ :‬لن نسمح أن تُتَّخذ‬ ‫الظروف والتحديات اإلقليمية الصعبة‪ ،‬سواء كانت‬ ‫العدوان اإلسرائيلي على غزة أو النزاع في سورية‬ ‫أو االضطرابات في العراق أو خطر التطرف‪ ،‬ذريعة‬ ‫للتردد في اإلصالح أو التراجع عنه‪ .‬هذا ما أؤمن به‬ ‫ً‬ ‫وفعال‪ ،‬ويجب أن تؤمن وسائل اإلعالم بتصميمنا‬ ‫قوال‬ ‫على اإلصالح ويجب التوقف عن إذاعة محاوالت‬ ‫البحث عن أعذار عن المضي قدما في اإلصالح‪.‬‬ ‫وللتذكير‪ ،‬فإنني في كل مناسبات تواصلي مع أبناء‬ ‫و بنات وطني من شتى الخلفيات والتوجهات أبادر‬ ‫بطرح قضايا اإلصالح والتذكير بأولوياته‪ ،‬وحثهم‬ ‫على التفكير في الخطوات العملية الضرورية التالية‪،‬‬ ‫ومن ضمنها القوانين الضرورية لتحفيز اإلصالح‪.‬‬ ‫مسيرة األردن اإلصالحية تقوم بشكل أساسي على ما‬ ‫يرتئيه األردنيون من أولويات وأهداف إصالحية وضمن‬ ‫التدرج الذي يخدم انسياب مسيرتنا‪ .‬وهنا استذكر أنه‬ ‫عندما كانت بعض دول الربيع العربي تسارع إلى إجراء‬ ‫االنتخابات كمدخل للتحول الديمقراطي‪ ،‬كان األردن‬ ‫يختط لنفسه نهجا خاصا وتجربة ذاتية تحاكي احتياجاته‬ ‫وتبني على انجازات مؤسساته الديمقراطية‪ ،‬فذهب‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ ،‬وإصالح التشريعات‬ ‫األردن إلى تعديل الدستور‬ ‫السياسية األساسية‪ ،‬ومن ثم إطالق مؤسسات ديمقراطية‬ ‫رقابية إضافية‪ ،‬وصوال إلى إجراء انتخابات نيابية وبلدية‬ ‫نزيهة في نفس العام‪ ،‬وتغيير آلية تشكيل الحكومات‪.‬‬ ‫ال أدعي هنا أبداً بأن ما قامت به دول أخرى من إصالحات‬ ‫كان خطأ وأن ما قام به األردن كان الصواب‪ ،‬لكنه كان بالفعل‬ ‫الوصفة اإلصالحية األفضل لألردن‪ .‬وقد مرت أحداث‬ ‫اإلقليم وتداعيات الربيع العربي‪ ،‬وتبين أن النهج األردني‬

‫تواجهنا العديد من التحديات وعلينا معالجة أولوياتنا‬ ‫الوطنية الملحّ ة‪ ،‬ويجب أال نسمح لألوضاع اإلقليمية‬ ‫وتداعياتها بأن تعطل مسيرتنا اإلصالحية السياسية‬ ‫واالقتصادية والقضائية واالجتماعية واإلدارية‪.‬‬ ‫ويجب أال نبقى أسرى التذرع بالظروف اإلقليمية بل‬ ‫نوجه طاقاتنا نحو ما يعزز َمن َعة األردن وازدهاره‪.‬‬

‫منعة األردن واستقراره وحضوره‬ ‫الدولي ليست وليدة الصدفة‪ ،‬بل‬ ‫نتاج عقود من التضحيات والعمل‪،‬‬ ‫ارتكزنا فيها إلى قيم االعتدال‬ ‫واالنفتاح واحترام اإلنسانية وبناء‬ ‫قناعة حقيقية لدى المواطنين‬ ‫بأنهم شركاء في المسيرة‬

‫‪8‬‬


‫وطنية مسؤولة‪ .‬ومؤسساتنا تعمل ليال نهارا‬ ‫لتطوير خطط لمواجهة سائر التحديات‪.‬‬ ‫ولنتذكر جميعاً بأن منعة األردن واستقراره وحضوره‬ ‫الدولي ليست وليدة الصدفة‪ ،‬بل نتاج عقود من التضحيات‬ ‫والعمل‪ ،‬ارتكزنا فيها إلى قيم االعتدال واالنفتاح واحترام‬ ‫اإلنسانية وبناء قناعة حقيقية لدى المواطنين بأنهم‬ ‫شركاء في المسيرة‪ .‬وهذا ما مكننا من التأثير الفاعل في‬ ‫المنابر الدولية كشريك دولي إيجابي في بناء السالم ومد‬ ‫جسور الحوار‪ ،‬وهو ما جعلنا أيضا واحة أمن واستقرار‬ ‫يقصدها من يعاني الظلم وينشد األمن والكرامة‪.‬‬

‫األردني‬ ‫المواطن‬ ‫وعي‬ ‫وإحساسه بالمسؤولية تجاه بناء‬ ‫الوطن والحفاظ على منجزات‬ ‫االستقرار هي أسباب رئيسية‬ ‫وراء منعة األردن وصموده‬ ‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬يساور األردنيين القلق من‬ ‫التأثيرات المحتملة للتطورات من حولنا‪ .‬برأي‬ ‫جاللتكم‪ِ ،‬ما الذي ينبغي على مؤسسات الدولة‬ ‫والمجتمع أن تفعله لسد الثغرات في جبهتنا‬ ‫الداخلية‪ ،‬لتكون أكثر قوة وتماسكا في‬ ‫مواجهة المخاطر المحدقة بدول المنطقة؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬ما وصفته للتو من تجارب جبلت‬ ‫الشخصية الوطنية األردنية على صون االستقرار‬ ‫وحماية المنجزات تشكل أيضاً إرثا وطنياً ومخزونا‬ ‫من العالقة اإليجابية بين القيادة والشعب ومختلف‬ ‫المؤسسات الوطنية‪ ،‬ما يجعلنا نواجه األزمات بثقة‪،‬‬ ‫ألن الجبهة الداخلية متماسكة وألن الكل يعي مصالح‬ ‫األردن وطاقاته في التعامل مع التعقيدات اإلقليمية‬ ‫من حولنا‪ ،‬ويبقى أن نستمر في البناء على ذلك‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫فعال شوطاً كبيرا في هذا االتجاه عبر‬ ‫قطع األردن‬ ‫تسريع التحول الديمقراطي‪ ،‬واتباع نهج إصالحي‬ ‫تدرجي‪ ،‬يوسّ ع دائرة المشاركة ويبني شعوراً وطنياً‬ ‫بالشراكة‪ ،‬ويتيح الفرص االقتصادية العادلة للجميع‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ ‬

‫أمّا االختالف في الرأي‪ ،‬والتعبير عن هذا‬ ‫االختالف فليس ضعفاً في الجبهة الداخلية بل هو‬ ‫تنوع يثرينا‪ .‬قوتنا تكمن في ترجمة هذا التنوع‬ ‫إلى مشاركة سياسية ومواطنة فاعلة في الحياة‬ ‫العامة‪ ،‬بحيث ننتج قيادات تتولى صناعة القرار‬ ‫عبر المؤسسات الوطنية من برلمان وحكومات‬ ‫وسائر أجهزة الدولة األخرى‪ ،‬ثم يحاسب‬ ‫المواطنون المسؤولين عبر صناديق االقتراع‪.‬‬ ‫أدرك تماماً أن هناك آراء تقول بضرورة اللجوء‬ ‫إلى آليات لجان الحوار الوطنية للوقوف على‬ ‫التحديات وتدعيم الجبهة الداخلية‪ .‬وهنا أريد أن‬ ‫أوضح أننا حريصون على بناء أعلى درجات‬ ‫التوافق الوطني إزاء المفاصل الرئيسية‪ ،‬خاصة‬ ‫اإلصالحية منها‪ .‬ولكن‪ ،‬من الضروري أن يتم‬ ‫ذلك عبر أدوات المواطنة الفاعلة والنقاش العام‬ ‫وضمن المؤسسات الدستورية ممثلة بمجلس األمة‬ ‫وعالقتها بالحكومة‪ .‬وهذه هي األدوات الديموقراطية‬ ‫األصيلة إلدارة النقاش الوطني وبناء التوافق‪،‬‬ ‫أمّا األدوات الموازية من لجان وطنية‪ ،‬فيلجأ‬ ‫إليها استثناء وبغرض إصالح وتطوير األدوات‬ ‫األصيلة‪ ،‬وقد نجح األردن في تحقيق ذلك وتجاوزه‪.‬‬ ‫أدرك أيضاً وفي إطار متابعتي للهموم‬ ‫الوطنية‪ ،‬بأن البعض يشير إلى الوضع في معان‬ ‫في سياق ضعف الجبهة الداخلية‪ .‬هذه النظرة غير‬ ‫صحيحة وال تعرف واقع معان وتاريخها الوطني‪.‬‬ ‫لِ َم َعان وأهلها إسهامات تاريخية مشرفة في تأسيس‬ ‫األردن ونهضته وشعورهم الوطني أصيل‪ .‬يوجد‪،‬‬ ‫ولألسف‪ ،‬مجموعة صغيرة ومحدودة من الخارجين‬ ‫عن القانون‪ ،‬ال تمثّل أهل معان‪ ،‬وهؤالء يشوهون‬ ‫اسمها بتجاوزهم على سيادة القانون وهيبة الدولة‪،‬‬ ‫التي كان آخرها حادث اغتيال الشهيد المالزم ثاني‬ ‫نارت نفش األليم‪ ،‬والذي قضى فداء ألمن الوطن‪.‬‬ ‫هؤالء الخارجون على القانون يعطلون الحياة اليومية‬ ‫ألهل معان‪ ،‬وينتجون ظرفاً أمنياً ّ‬ ‫يؤخر قدرة الحكومة‬ ‫على االستجابة في تنفيذ المشاريع االقتصادية والتنموية‬ ‫التي يطالب بها أهل معان‪.‬من الضروري أن ينبذ الرأي‬ ‫العام في معان ممارسات الخارجين عن القانون ويعزلهم‪،‬‬ ‫بما يدعم جهود األجهزة األمنية في فرض سيادة‬


‫يجب على عقالء األمة‬ ‫واإلقليم أن يتوحدوا في‬ ‫موقفهم وأال يسمحوا‬ ‫للمتطرفين بمصادرة مصير‬ ‫المنطقة ومستقبل أجيالها‬ ‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬حذرتم مرارا من خطر الحروب‬ ‫الطائفية في المنطقة‪ ،‬ومن االتجاهات الدينية‬ ‫المتطرفة والتكفيرية‪ .‬هل المنطقة تذهب اليوم‬ ‫في هذا االتجاه‪ ،‬وهل سيتحكم المتطرفون من‬ ‫مختلف الطوائف والمذاهب بمصير شعوبها؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬أخطر الحروب في التاريخ هي الطائفية‬ ‫والمبنية على رفض اآلخر ألنها تمزق النسيج االجتماعي‬ ‫للدول وتؤدي إلى تفكيك مؤسساتها والعودة إلى هويات‬ ‫فرعية ه ّدامة ال تؤمن بالتعددية والتنوع وقبول اآلخر‪.‬‬ ‫يجب على عقالء األمة واإلقليم أن يتوحدوا في موقفهم‬ ‫وأال يسمحوا للمتطرفين بمصادرة مصير المنطقة‬ ‫ومستقبل أجيالها واالستمرار في تعطيل طاقاتها‪.‬‬ ‫ومن هنا جاءت مبادراتنا الداعمة للحوار بين األديان‬ ‫والمذاهب والتي تتبنى قيم االعتدال والعيش المشترك‪،‬‬ ‫وتستند إلى اإلسالم الحنيف وتبرز صورته الحقيقية‪،‬‬ ‫وذلك إنطالقا من إيماننا كهاشميين بأننا للجميع وعنصر‬ ‫توحيد ال تفتيت‪ .‬وهذه المبادرات المتمثلة في رسالة‬ ‫عمّان‪ ،‬وكلمة سواء‪ ،‬وأسبوع الوئام العالمي بين األديان‪،‬‬ ‫والمؤتمر العام األخير لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ومؤتمر التحديات التي تواجه المسيحيين‬ ‫العرب‪ ،‬هي أمثلة للقيم التي يؤمن بها األردن والجهود التي‬ ‫يبذلها استجابة لتحديات توقعناها وحذرنا من تسارعها‬ ‫ولمكافحة فكر ظالمي بفكر مستنير مبني على تراثنا‬ ‫التعددي الذي يعكس صورة اإلسالم الحنيف الناصعة‪.‬‬

‫وهنا نجدد تحذيرنا من خطورة استغالل الدين ألغراض‬ ‫سياسية‪ ،‬وضرورة نبذ خطاب العنف الطائفي والفرقة‬ ‫المذهبية‪ ،‬والنهوض بمجتمعاتنا العربية واإلسالمية‬ ‫بالمشاركة ال المغالبة‪ ،‬وتبني قيم الديمقراطية والشورى‬ ‫التي تمثل جوهر اإلجماع السياسي في اإلسالم‪.‬‬ ‫وأشدد أيضاً هنا على ضرورة حماية جميع الطوائف الدينية‬

‫ذات الوجود التاريخي واألصيل في منطقتنا‪ ،‬وخاصة‬ ‫الهوية المسيحية العربية التاريخية‪ ،‬وصون حريات‬ ‫العبادة‪ ،‬حتى ال تترسخ النظرة السلبية واالنعزال بين‬ ‫أتباع الديانات والمذاهب‪ ،‬محذرين مما نشهده من‬ ‫اضطهاد ديني أعمى‪ ،‬كان آخره االضطهاد المستمر الذي‬ ‫نشهده اآلن ضد المجتمعات المسيحية العربية األصيلة‬ ‫في الموصل‪ ،‬واإلسالم من ذلك براء جملة وتفصيال‪.‬‬ ‫وهناك مسؤولية تاريخية على جميع دول المنطقة‪،‬‬ ‫بمؤسساتها الدينية الرسمية واألهلية والثقافية‬ ‫والتعليمية واإلعالمية باإلضافة إلى الحركات‬ ‫اإلسالمية المعتدلة الراشدة‪ ،‬لبلورة موقف‬ ‫واضح ضد الحركات المتطرفة والتكفيرية ضمن‬ ‫مسؤوليتها الدينية والتاريخية في محاصرة التطرف‬ ‫وتحصين الشباب بوعي ديني مستنير ومعتدل‪.‬‬

‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬منذ توليكم مقاليد الحكم‪،‬‬ ‫واجهتم أزمات وتحديات داخلية وخارجية جسيمة‬ ‫اجتازها األردن باقتدار‪ .‬هل يشعر جاللتكم‬ ‫أننا نواجه أخطر األزمات في هذه األوقات؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬اجتاز األردن أزمات وتحديات صعبة‬ ‫ً‬ ‫فعال‪ ،‬لكن من المهم التوقف عند أسباب ذلك‪.‬‬ ‫وباقتدار‬ ‫فوعي المواطن األردني وإحساسه بالمسؤولية تجاه بناء‬ ‫الوطن والحفاظ على منجزات االستقرار هي أسباب‬ ‫رئيسية وراء منعة األردن وصموده‪ .‬ومن أهم األسباب‬ ‫أيضاً التحام القيادة والشعب‪ ،‬فأنا وشعبي في بوتقة‬ ‫واحدة‪ ،‬باإلضافة إلى المنظومة األخالقية التي ألزمنا‬ ‫أنفسنا بها كأردنيين هاشميين تجاه مواطنينا من عمل‬ ‫موصول من أجل رفعتهم‪ ،‬والنهج القومي العروبي‬ ‫الذي يؤمن به األردن ويدفعه لنصرة األشقاء‪ .‬جميع‬ ‫هذه األسباب ترفد بناء الشخصية الوطنية األردنية‬ ‫الحريصة على صون استقرار األردن ومنجزاته‬ ‫والقيام بواجبه األخالقي تجاه أشقائه وجيرانه‪.‬‬

‫التحديات تحيط باألردن تاريخيا‪َ ،‬‬ ‫وق َدرُ نا أن نواجهها‬ ‫ونجتازها‪ ،‬وقد مرّ ت علينا ظروف أصعب من التي‬ ‫نواجهها اليوم‪ ،‬فاألردن أقوى بكثير مما يعتقده‬ ‫البعض‪ ،‬وأنا مطمئن على استقرار األردن ومنعته‪،‬‬ ‫وقدرتنا على تحويل التحديات إلى فرص‪ ،‬وذلك‬ ‫عن طريق التعامل معها بوعي وهدوء وبروح‬ ‫‪6‬‬


‫بدور تاريخي في حفظ الوطن‪ ،‬وسيشهد التاريخ‬ ‫شهادة حق لهذه السواعد التي تلبي نداء اإلنسانية‬ ‫والعروبة وتحمي الوطن بأرواحها كما عهدناها دوماً‪.‬‬

‫وترسخ شعور جميع العراقيين بأنهم شركاء حقيقيون‬ ‫في صناعة مستقبل العراق‪ ،‬فمصلحة الشعب العراقي‬ ‫في وحدته والمساس في وحدة العراق خطر على األمة‪.‬‬

‫الغد‪ :‬كما أوضحتم جاللتكم‪ ،‬الشأن السوري متداخل‬ ‫مع العراقي‪ .‬كيف تقرؤون مسار األوضاع في‬ ‫العراق‪ ،‬وهل تشعرون ّ‬ ‫بأنها على طريقها لتشبه‬ ‫األوضاع في سورية‪ ،‬أم ّ‬ ‫أن فرص الحل السياسي‬ ‫والتسويات الداخلية ممكنة‪ ،‬وإذا كان كذلك‪ ،‬فما‬ ‫هي برأيكم كلمة الس ّر في الحل السياسي المطلوب‪،‬‬ ‫وهل ث ّمة مخاطر من تقسيم العراق إلى دويالت؟‬

‫وفي إطار توضيح الترابط بين األزمة السورية‬ ‫واألوضاع في العراق‪ ،‬فإن استمرار األزمة السورية‬ ‫بدون حل كان السبب في نقل انعكاساتها الى العراق‬ ‫ممثلة بنمو الحركات المتطرفة وبروزها في غرب‬ ‫العراق‪ ،‬كما سبق و أن حذرت‪ .‬وعليه ‪ ،‬فان استمرار‬ ‫غياب العملية السياسية الجامعة والحكومة الممثلة لجميع‬ ‫مكونات الشعب العراقي سيغذي البيئة الحاضنة للتطرف‬ ‫واالرهاب‪ ،‬وسيعقد ايضا فرص حل األزمة السورية‪.‬‬

‫جاللة الملك‪ :‬نحن نؤمن تماما بوعي وتماسك الشعب‬ ‫العراقي وقدرته على تجاوز التحديات‪ .‬ونحن أشد‬ ‫الحريصين على وحدة العراق وتماسك جميع مكونات‬ ‫المجتمع هناك‪ .‬ونؤكد على أن تغييب أي مكوِّن من‬ ‫مكونات الشعب العراقي يعني تغييب االستقرار كما‬ ‫يعني نمو التطرف وتهديد وحدة العراق أرضا وشعبا‪.‬‬

‫وفي سياق ما أوضحناه من حرص على وحدة العراق‬ ‫ومصلحة جميع مكونات المجتمع العراقي‪ ،‬تأتي جميع‬ ‫التحركات األردنية‪ .‬وعلى جميع األطياف في العراق‬ ‫أن يكونوا على ثقة بأن المواقف التي تصدر عن األردن‬ ‫ستكون في مصلحة كل العراقيين‪ ،‬فنحن للجميع‪،‬‬ ‫ومصلحتنا هي في مصلحة الشعب العراقي واستمراره‬ ‫قويا وموحدا‪ .‬واألردن يدعم جهود العراق في تمتين‬ ‫جبهته الداخلية ونقف بقوة ضد التطرف والحركات‬ ‫والتنظيمات اإلرهابية‪ ،‬وسنستمر في جهودنا هذه على‬ ‫مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب العراقي الشقيق‪.‬‬

‫العراق كان وسيبقى السند لنا‪ ،‬كما سنبقى السند له عبر التاريخ‪.‬‬ ‫والعراق في أمس الحاجة اليوم إلى عملية سياسية وطنية‬ ‫جامعة تشارك فيها كل األطياف والمكونات دون استثناء‬ ‫ألي طرف‪ ،‬وتؤدي إلى حلول توافقية كما حدث في رئاسة‬ ‫الدولة‪ ،‬والبرلمان ونتمنى أن يحدث في رئاسة الوزراء‪.‬‬ ‫هناك مسؤولية تاريخية على عاتق الحكومة العراقية‬ ‫القادمة‪ ،‬أياً كان رئيسها‪ ،‬بضرورة انتهاج سياسات‬ ‫عادلة تُشرك الجميع في السلطة وفي بناء الدولة‪،‬‬

‫العراق كان وسيبقى‬ ‫السند لنا‪ ،‬كما سنبقى‬ ‫السند له عبر التاريخ‬

‫‪5‬‬

‫ ‬

‫العراق‬ ‫‪Iraq‬‬ ‫بغداد‬


‫وليتذكر العالم بأن األردن هو ثالث أكبر دولة‬ ‫مضيفة لالجئين في العالم‪ ،‬وقد كان لهذا العبء‬ ‫تأثير هائل على شعبنا وميزانيتنا‪ ،‬وعلى البنية‬ ‫التحتية لبالدنا‪ .‬فمخيم الزعتري هو ثاني أكبر مخيم‬ ‫الجئين في العالم‪ ،‬وعدد السوريين في األردن‬ ‫يقارب ‪ 1.400.000‬والكلفة االقتصادية الكلية على‬ ‫األردن ألعباء استضافة الالجئين السوريين للعام‬ ‫‪ 2014‬وحده تقارب ‪ 3‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬وفق‬ ‫تقديرات األمم المتحدة‪ ،‬وتشمل هذه الكلفة االحتياجات‬ ‫األساسية لالجئين ومتطلبات تطوير البنية التحتية في‬ ‫المجتمعات المحلية المستضيفة‪ ،‬وهذا الرقم ينمو سنويا‬ ‫منذ اندالع األزمة وبدء موجات اللجوء السوري‪.‬‬ ‫كما أن تكلفة استضافة الالجئين المباشرة وغير‬ ‫المباشرة على الخزينة وفق التقديرات الدولية ولسنة‬ ‫‪ 2014‬لوحدها‪ ،‬كما تعلمين جمانة‪ ،‬تقارب المليار‬ ‫دوالر أمريكي‪ ،‬وهذه الكلفة تتكرر سنويا بتزايد‪،‬‬ ‫ويتحملها األردن في شكل ضغوطات إضافية على‬ ‫قطاعات الصحة والتعليم والمياه والبنية التحتية‬ ‫ودعم السلع األساسية‪ ،‬فضال عن منافسة األردنيين‪.‬‬

‫على فرص العمل والسكن‪ ،‬وتصاعد أسعار السلع‬ ‫وتنامي األعباء األمنية وتكلفة التعاطي معها‪.‬‬ ‫هذه الضغوطات وانعكاساتها لمستها بشكل مباشر‬ ‫خالل تواصلي الدائم مع أهلنا في مختلف المحافظات‬ ‫خاصة في الشمال والشمال الشرقي‪ ،‬حيث يتركز‬ ‫اللجوء السوري وتتعمق آثاره على المجتمعات المحلية‪.‬‬ ‫المطلوب من المجتمع الدولي واألشقاء العرب هو‬ ‫العمل بجدية لتأمين االحتياجات اإلنسانية للشعب‬ ‫السوري من خالل إيصال المساعدات له داخل‬ ‫سورية‪ ،‬وزيادة الدعم للدول والمجتمعات المحلية التي‬ ‫تستضيف الالجئين السوريين‪ .‬ونحن مستمرون في‬ ‫دورنا القومي واإلنساني ولن نتوانى عنه‪ ،‬لكن لن يتردد‬ ‫األردن للحظة في اتخاذ أي من اإلجراءات الضرورية‬ ‫في حال تهديد أمنه أو استقراره‪ .‬الخيارات متعددة‬ ‫ومتاحة ولن نخوض في تفاصيلها اآلن‪ .‬لكن أولويتنا‬ ‫األولى هي حماية حدودنا وشعبنا‪ ،‬و أطمئن الجميع بأن‬

‫األردن على أتم االستعداد للتعامل مع كل االحتماالت‪،‬‬ ‫ونشامى قواتنا المسلحة وأجهزتنا األمنية يقومون‬

‫آن األوان لبلورة موقف عربي ودولي موحد وداعم إليجاد حل سياسي شامل لألزمة السورية‬

‫‪44‬‬


‫قريبا الستئناف مفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين‬ ‫واإلسرائيليين‪ .‬وكما ذكرت سابقا‪ ،‬سينصب الجهد‬ ‫األردني على إيجاد األرضية المناسبة للعمل بهذا االتجاه‪.‬‬

‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬ننتقل إلى الشأن السوري‪ ،‬حيث‬ ‫شهدت سورية مؤخرا انتخابات رئاسية كرست سلطة‬ ‫بشار األسد‪ّ .‬‬ ‫لكن األوضاع في تدهور مستمر‪ ،‬والمعارضة‬ ‫المعتدلة عاجزة عن أن تكون بديال قويا‪ ،‬بينما يحقق‬ ‫المتشددون حضورا كبيرا‪ .‬هل نحن أمام صراع طويل في‬ ‫سورية‪ ،‬وكيف يمكن للشعب السوري أن يتجاوز محنته؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬ال يوجد حل سريع أو فوري أو عسكري لألزمة‬ ‫السورية‪ ،‬وتنامي التطرف يزيد من تعقيد المشهد‪ .‬والتطورات‬ ‫التي نشهدها هي وصفة للدمار ولتسريع تصدير األزمة من‬ ‫سوريا إلى الجوار‪ .‬وأخشى أن يكون ما يحدث في سورية بداية‬ ‫مرحلة طويلة من القتل والخراب‪ ،‬وهذا ما حذرنا منه مرارا‪.‬‬ ‫الحل الوحيد المتاح هو الحل السياسي بين المعارضة‬ ‫الوطنية المعتدلة والنظام‪ .‬إن استمرار الوضع الراهن‬ ‫يهدد وحدة سورية ويكرس نزاعا طائفيا مفتوحا‪ ،‬وستكون‬ ‫سورية والسوريون‪ ،‬نظاما ومعارضة‪ ،‬هم أكبر الخاسرين‪.‬‬ ‫استمرار األزمة السورية دون حل جعل التحدي األكبر الذي‬ ‫يواجه اإلقليم والعالم هو نمو التطرف وتدفق المقاتلين من‬ ‫مختلف الدول‪ ،‬بينما تتفاقم األزمة وتتمزق سورية وتسيل‬ ‫دماء الشعب السوري‪ .‬إال أن التركيز يجب أن ينصب أيضا ً‬ ‫على إيجاد حل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري‪ ،‬وعدم‬ ‫حصر االهتمام العالمي بالتعامل مع التطرف واإلرهاب فقط‪،‬‬ ‫والذي يعتمد نجاحه على إنهاء المأساة التي ولدت وتغذي‬ ‫هذا التطرف واإلرهاب‪ .‬ولذلك‪ ،‬يجب المضي بالمسارين‬ ‫بالتوازي والتساوي‪ .‬وقد آن األوان لبلورة موقف عربي‬ ‫ودولي موحد وداعم إليجاد حل سياسي شامل لألزمة السورية‪.‬‬

‫سوريا‬

‫‪3‬‬

‫ ‬

‫لذلك‪ ،‬على جميع األطراف المؤثرة على النظام والمعارضة‬ ‫حثهما على الجلوس إلى طاولة الحوار‪ ،‬للوصول إلى حل‬ ‫سياسي يشمل جميع أطراف المجتمع السوري ومكوناته‬ ‫بحيث يكون الجميع شركاء في حل األزمة وبناء المستقبل‪،‬‬ ‫ويتم إطالق عملية سياسية تتأسس على المصالحة الوطنية‬ ‫وتتبنى إصالحات سياسية يرى فيها السوريون السبيل‬ ‫للخروج من الوضع الراهن وتتيح إعادة بناء سورية‪.‬‬ ‫وبغياب الحل السياسي واستمرار الجمود‪ ،‬فإن سورية‬ ‫تتسارع نحو سيناريو الدولة الفاشلة‪ ،‬وسيتعمق سيناريو‬ ‫التقسيم‪ ،‬وسيتسارع تصدير األزمة من سورية إلى‬ ‫دول الجوار ذات التركيبة الديمغرافية المشابهة‪ ،‬والذي‬ ‫أصبح واقعا ً نشهده اآلن‪ .‬كما أن استمرار الصراع في‬ ‫سورية سيحوله إلى صراع طائفي على مستوى اإلقليم‬ ‫وفتنة مذهبية تقوض فرص أمتنا بالنهوض والتقدم‪.‬‬

‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬يستضيف األردن على أراضيه‬ ‫ما يزيد على المليون الجئ سوري‪ ،‬والعدد في تزايد‬ ‫مستمر كل يوم‪ ،‬وفي األثناء ال يقدم المجتمع الدولي‬ ‫ما يلزم من المساعدات لتحمل كلفة الالجئين‪ .‬عند أية‬ ‫نقطة يمكن لألردن أن يتوقف عن تحمل المزيد من‬ ‫أعباء اللجوء؟ وفي حال كان هناك تصاعد في موجة‬ ‫جديدة من الالجئين من األشقاء العراقيين بسبب‬ ‫الظروف الراهنة‪ ،‬فما هي خيارات األردن الممكنة؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬األردن وكعهده دوما ً ينهض بدوره القومي‬ ‫والعروبي وواجبه اإلنساني‪ ،‬فعالً وليس قوالً‪ ،‬تجاه األشقاء‬ ‫من الالجئين ومؤخرا السوريين‪ ،‬بدون مزايدات وبعيداً‬ ‫عن الشعارات الزائفة ومن منطلق ثوابت ومبادئ الثورة‬ ‫العربية الكبرى التي تأسس عليها‪ ،‬فاألردن يحتضنهم في‬ ‫هذا الظرف الصعب وال يكتفي بالشعارات بل يتحمل‬ ‫ضغوطا هائلة على إمكاناته وموارده جراء هذا الموقف‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬لهذا الدور طاقة وحدود لن نستطيع تجاوزها‪.‬‬ ‫ومع تقديرنا لدعم أصدقاء األردن الذي نثمنه عاليا‪ ،‬إال‬ ‫أن العالم قد قصّر في دعم األردن‪ ،‬حيث أن حجم الدعم‬ ‫لم يرتق إلى مستوى األزمات التي نعايشها واألعباء‬ ‫الضخمة التي نستمر في تحملها‪ ،‬خاصة تبعات أزمة‬ ‫اللجوء السوري‪ ،‬وفي ظل تنامي أعداد الالجئين وما يسببه‬ ‫من تزايد الضغوطات المالية غير مسبوقة‪ ،‬واستنزاف‬ ‫البنية التحتية والخدمات األساسية لألردنيين‪ ،‬وعدم‬ ‫مواكبة الدعم الدولي لتسارع تبعات أزمة اللجوء السوري‪.‬‬


‫كان بإمكاننا وبكل سهولة تصدر عناوين وسائل اإلعالم خالل العدوان‪ ،‬عبر‬ ‫ ‬ ‫تصريحات وشعارات شعبية‪ ،‬لكننا نفضل العمل بفاعلية وروية إلنهاء العدوان‬ ‫اإلسرائيلي ورفع المعاناة وضمان استمرار خطوط المساندة إلى أهلنا في غ ّزة‬ ‫كان بإمكاننا وبكل سهولة تصدر عناوين وسائل اإلعالم‬ ‫خالل العدوان‪ ،‬عبر تصريحات وشعارات شعبية‪ ،‬لكننا‬ ‫نفضل العمل بفاعلية وروية إلنهاء العدوان اإلسرائيلي ورفع‬ ‫المعاناة وضمان استمرار خطوط المساندة إلى أهلنا في غ ّزة‪.‬‬ ‫واألردن بذل ويبذل كل الجهود‪ ،‬وقد دعم المبادرة‬ ‫المصرية لوقف العدوان منذ البداية‪ ،‬وهي المبادرة‬ ‫التي تبين في النهاية أنها الوحيدة الممكنة في ظل‬ ‫الظروف الراهنة‪ .‬نستمر بإدامة الجسر اإلغاثي‬ ‫ألهلنا في غزة‪ ،‬ويواصل المستشفى الميداني عمله‬ ‫على األرض ونكثف الدعم المخصص له‪ ،‬وننسق‬ ‫دخول قوافل المواد اإلغاثية واألدوية‪ ،‬ونسهم في إنقاذ‬ ‫الناس ومعالجة المصابين والتخفيف من معاناتهم‪ .‬لقد‬ ‫سخرنا كل قدراتنا من أجل أهلنا في فلسطين على مدار‬ ‫التاريخ بالفعل وليس بالقول‪ ،‬وسنبقى الرئة للشعب‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬وهذا واجبنا التاريخي والقومي تجاه‬ ‫أشقائنا‪ ،‬ففلسطين قضيتنا األولى‪ .‬وال نقبل أن يزاود‬ ‫أحد على األردن فيما يخص فلسطين‪ ،‬فتضحيات شهداء‬ ‫الجيش األردني على ثراها معروفة للقاصي والداني‪.‬‬ ‫وسنستمر في توظيف عالقات األردن وحضوره في‬ ‫المنابر الدولية مثل مجلس األمن ومجلس حقوق اإلنسان‬ ‫من أجل وقف نهائي للعدوان ومنع تكراره وحشد الجهود‬ ‫الدولية إلعمار غزة‪ ،‬وإيجاد األرضية المناسبة إلعادة‬ ‫إطالق مفاوضات قضايا الوضع النهائي بشكل حاسم‪،‬‬ ‫وبما يحقق السالم على أساس حل الدولتين وفق المرجعيات‬ ‫الدولية ومبادرة السالم العربية‪ ،‬وبما يلبي طموحات‬ ‫الشعب الفلسطيني‪ ،‬ووفاء لتضحياته ودماء شهدائه‪.‬‬

‫وال بد من اإلشارة هنا إلى أن العدوان على ّ‬ ‫غزة‬ ‫استغل الفراغ الناجم عن توقف المفاوضات حول‬ ‫قضايا الوضع النهائي وفق حل الدولتين‪ ،‬ويهدد‬ ‫بمزيد من العنف والتصعيد وتكراره‪ ،‬وهو ما‬ ‫حذرنا منه باستمرار‪ .‬ونؤكد أن األردن سيستمر‬ ‫بالتصدي لإلجراءات والسياسات اإلسرائيلية‬

‫األحادية في القدس ووقف االنتهاكات المستمرة‬ ‫لحرمة المسجد األقصى والتعرض للمصلين‪ ،‬في‬

‫إطار الوصاية الهاشمية‪.‬‬ ‫الغد‪ :‬ولكن جاللة الملك‪ ،‬هل ثمة فرصة للسالم وحل‬ ‫الدولتين‪ ،‬برأيكم‪ ،‬خصوصا بعدما تعثرت جهود‬ ‫استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين واإلسرائيليين‬ ‫وأخفقت محاولة اإلدارة األميركية األخيرة في‬ ‫التوصل التفاق سالم بين الطرفين‪ .‬وهل بذلت اإلدارة‬ ‫األميركية برأيكم ما يكفي لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬ومن‬ ‫يتحمل مسؤولية الفشل في تحقيق تقدم على هذا‬ ‫الصعيد‪ ،‬وماذا سيترتب على هذا الفشل في المستقبل؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬في ظل العدوان على غزة وما نشهده‬ ‫من عنف ودمار وتصاعد في أعداد الشهداء‪ ،‬قد نشهد‬ ‫ضغطا ً دوليا ً للمضي قدما ً في حل للصراع‪ ،‬فالنزاعات‬ ‫تقود إلى طاولة المفاوضات وقد تلوح فرصة لحل النزاع‬ ‫بشكل نهائي‪ ،‬والسالم هو الحل الوحيد‪ ،‬وإال وجدنا‬ ‫أنفسنا في المستقبل نتحدث عن حرب إسرائيلية خامسة‬ ‫وسادسة وسابعة على غزة يكون الشعب الفلسطيني فيها‬ ‫هو الضحية وتبقى إسرائيل عاجزة عن تحقيق أمنها‪.‬‬ ‫حل الدولتين هو السبيل الوحيد لحل النزاع وتحقيق األمن‬ ‫واالستقرار للمنطقة كلها‪ .‬وأمن إسرائيل لن يتحقق إال‬ ‫بتوجه صادق نحو خيار السالم العادل وحل الدولتين‪،‬‬ ‫وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة على خطوط الخامس من‬ ‫حزيران عام ‪ 1967‬وفق المرجعيات الدولية ومبادرة‬ ‫السالم العربية وعاصمتها القدس الشرقية‪ ،‬وتتمتع بتواصل‬ ‫جغرافي حقيقي وباقتصاد قابل للنمو واالزدهار‪ .‬بهذا فقط‬ ‫ستحظى إسرائيل باألمن والقبول في المنطقة والعالم‪.‬‬ ‫أما المسؤولية‪ ،‬إن فشلت جهود السالم‪ ،‬فيتحملها المجتمع‬ ‫الدولي بأسره‪ ،‬واألهم من ذلك أن الجميع سيدفع ثمن الفشل‪،‬‬ ‫خاصة أجيال المستقبل التي نتحمل المسؤولية أمامها‪.‬‬ ‫ويجب أن نبني على الجهود والعمل البنّاء الذي بذلته اإلدارة‬ ‫األمريكية‪ ،‬وتحديدا وزير خارجيتها جون كيري حيال‬ ‫القضية الجوهرية في المنطقة‪ .‬ونأمل أن تتوفر الفرصة‬ ‫‪2‬‬


‫الغد‪ :‬جاللة الملك‪ ،‬في ضوء التطورات اإلقليمية‬ ‫المتسارعة‪ ،‬اسمح لي أن نبدأ الحديث في الشأن‬ ‫اإلقليمي وتداعياته‪ ،‬ومن ثم بعض الملفات الوطنية‪.‬‬ ‫قضية الساعة اآلن هي غ ّزة‪ .‬العدوان اإلسرائيلي‬ ‫استمر أكثر من شهر‪ ،‬طالبتم جاللتكم بوقف العدوان‬ ‫وحذرتم مرارا منه‪ .‬في ظل السياسات اإلسرائيلية‬ ‫الراهنة واستهداف األطفال والنساء والمدنيين‬ ‫والكارثة اإلنسانية التي خلّفتها إسرائيل‪ ،‬كيف‬ ‫ترى جاللتكم الدور األردني خالل هذه األزمة؟‬ ‫جاللة الملك‪ :‬شهداؤنا من أهل غ ّزة هم أحياء عند ربِّهم‬ ‫يرزقون بإذن هللا تعالى‪ .‬ما نعيشه من ألم ومعاناة جراء‬ ‫العدوان الذي يحصد أرواح األبرياء دون تمييز ينفي مزاعم‬ ‫إسرائيل في تبريرها للحرب على غزة‪ .‬إسرائيل بالدرجة‬ ‫األولى تتحمل مسؤولية العدوان على القطاع‪ ،‬ويتحمل‬ ‫العالم بأسره مسؤولية إنهاء احتالل هو األخير من نوعه‬ ‫في التاريخ المعاصر‪ ،‬وحرمان شعب شقيق من حقه في‬

‫إقامة دولته على ترابه الوطني‪ ،‬واستمرار‬ ‫حصار ظالم‪ ،‬واستيطان يق ّوض فرص السالم‪.‬‬ ‫ما حدث ويحدث في غزة هو صرخة فلسطينية‬ ‫للعالم أجمع بأن أوقفوا االحتالل والدمار والقتل‬ ‫بحق شعب ينشد الحرية واألمن والعيش بكرامة‪.‬‬ ‫هذا العدوان اإلسرائيلي األخير على غزة هو رابع عدوان‬ ‫موسّع منذ انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من القطاع‬ ‫عام ‪ ،2005‬وهو األصعب واألكثر دموية من حيث‬ ‫عدد الضحايا‪ ،‬خصوصا من النساء واألطفال وكبار‬ ‫السن‪ ،‬بل هناك عائالت أبيدت بالكامل‪ .‬قلبنا مع غزة‬ ‫وأهلها‪ ،‬ومصابنا وألمنا واحد‪ ،‬وعواطفنا جميعا مشحونة‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬أخت جمانة‪ ،‬علينا اآلن أن ننظر بعقالنية لما حصل‬ ‫ويحصل‪ .‬المدنيون األبرياء‪ ،‬خاصة في غزة‪ ،‬هم من يدفع‬ ‫الثمن وهذا أمر غير مقبول إطالقا إنسانيا وأخالقيا‪ .‬على‬ ‫المجتمع الدولي أن يسائل إسرائيل ع ّما ترتكبه‪ .‬والشعب‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬خصوصا أهلنا في غزة‪ ،‬هم أصحاب الحق‬ ‫األول واألخير في مراجعة ما يجرى والحكم عليه‪.‬‬

‫شهداؤنا من أهل غ ّزة هم أحياء عند ربِّهم يرزقون بإذن هللا تعالى‬

‫قطاع غزة‬

‫قطاع غزة‬

‫‪1‬‬


‫مقابلة جاللة الملك عبدهللا الثاني المعظم‬ ‫مع رئيسة تحرير صحيفة الغد األستاذة جمانة غنيمات‬ ‫ ‬

‫األحد ‪ 10‬آب ‪2014‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.