السؤال :2وكيف ترون مستقبل سوريا ،في ضوء ما هو دائر ،مقسمة أم موحدة؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :سوريا مقسمة يعني نزاعا مفتوحاً ،يقوض االستقرار في المنطقة ويعطل مستقبل أجيالها .تقسيم سوريا ليس في مصلحة أحد ،والمساس بوحدة سوريا هو وصفة للخراب .دعونا نتخلص من هذه األفكار من قاموسنا ونرجع إلى الحل األمثل والمنطقي ،والذي نأمل أن يتم دعمه وترجمته بمبادرة وغطاء سياسي دولي ،والمتمثل في الجهود المبذولة لعقد مؤتمر دولي يطبق ما تم االتفاق عليه في جنيف من قرارات عام 2012وهو :وقف فوري للعنف ،إطالق عملية انتقالية سياسية شاملة
تضم وتمثل جميع مكونات المجتمع السوري ،وأكرر جميع مكونات المجتمع السوري ،وعملية مراجعة ومصالحة ،وإصالح سياسي حقيقي يتوافق عليه وينفذه السوريون ،وتكثيف الجهود اإلغاثية داخل سوريا لتسريع عودة الالجئين إليها .فرغم كل اآلالم والدماء والعنف والتخريب ،آمل
أن المصالحة والتسوية مازالت ممكنة ،فمستقبل سوريا وإنهاء معاناة شعبها مسؤولية في أعناقنا جميعا.
”
فمستقبل سوريا وإنهاء معاناة شعبها مسؤولية في أعناقنا جميعا.
“
2
السؤال :1جاللة الملك ،القضية الملحة التي تفرض نفسها على األمن القومي األردني ،هي القتال الدائر في سوريا وتوسع األطراف المشاركة فيه، من خالل حزب هللا ،والتقارير حول الدعم اإليراني، كيف تحمون األردن من انعكاسات هذه األزمة؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :كنّا من أوّل المحذرين من خطورة تطور العنف الدائر في سوريا ،الذي بدأ كحركات احتجاجية ومطلبية سلمية ومشروعة، كان يمكن استيعابها ،فتحولت من معارضة إلى ثورة مسلحة ،وتدريجيا إلى نزاع أهلي بأبعاد طائفية ومذهبية ،واآلن بات واضحاً للكل أن األزمة السورية قد تمتد من حرب أهلية إلى نزاع إقليمي ومذهبي ،ال تحمد عقباه ،وال يعلم أحد أين يمكن أن يصل مداه. لطالما ّ حذرت من سهولة تصدير األزمة السورية إلى الخارج بسبب تداخل التركيبة الديمغرافية لدول الجوار .ويبدو أن هناك مساع للهروب من هذه األزمة داخلياً إلى األمام عبر تحويلها إلى أزمة إقليمية، وعلى الحريصين على مستقبل المنطقة واستقرارها وأمن أجيالها أن يضعوا حدا للتمدد اإلقليمي لألزمة السورية ،فهي تتسارع وتتضخم .الوضع بحاجة إلى حلول ،وقد آن األوان لتنسيق عربي ودولي أكثر جدية من أجل وقف تداعيات األزمة السورية ،ووضع حد لها ،ووقف امتداداتها .والوضع ال يحتمل االنتظار. َ سألت عما نبذله لحماية األردن من انعكاسات لقد األزمة ،والواقع أننا األقل عرضة لخطر االنقسام والتوتر الطائفي بسبب التركيبة المتجانسة للمجتمع األردني ،والحمد هلل على ذلك ،وأيضا بسبب العملية التاريخية لبناء الهوية الوطنية األردنية الجامعة، وقد كفل هذا األمر حمايتنا من االنزالق نحو الصراعات الطائفية والعرقية على مدار التاريخ،
”
ويبدو أن هناك مساع للهروب من هذه األزمة داخلياً إلى األمام عبر تحويلها إلى أزمة إقليمية ،وعلى الحريصين على مستقبل المنطقة واستقرارها وأمن أجيالها أن يضعوا حدا للتمدد اإلقليمي لألزمة السورية
“
إال أننا األكثر تعرضاً النعكاسات أزمة اللجوء إذ وصل عدد الالجئين السوريين في األردن إلى نحو 550ألف الجئ ،وهذا يضعنا في قلب األزمة السورية .ولكن دعني أؤكد للعالم أجمع بأننا لن س أمننا ،وال مواطنونا ،ونحن قادرون على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لحماية نسمح بأن يُ َم َّ األردن ،والتجربة تدل على صالبتنا في حماية أراضينا .وقواتنا المسلحة األردنية مشهود لها إقليميا وعالمياً .كما أن عالقاتنا الدولية المميزة مكنتنا من توفير المساعدات الفنية لدعم قدراتنا الدفاعية. واع لخطورة ودقة المرحلة والتحدي األمني الذي تفرضه األزمة السورية ،وأؤكد لك شعبنا األردني ٍ أن الرادع ألي خطر خارجي هو اللحمة الوطنية التي نعتز بها ،وجبهتنا الداخلية موحّ دة بحمد هللا ،وهي األساس في حماية األردن ،ألن الكل مؤمن بأنه شريك في الدفاع عن الوطن وإنجازاته ومقدراته. 1
السؤال :4ولكن ،وجود الالجئين السوريين في األردن بات مسألة ضاغطة ،وكما قلتم في تصريحات أخيرة ،فإنهم أصبحوا يعادلون عشرة في المائة من سكان البالد .كيف تتعاملون مع هذه المسألة اقتصاديا ،وهل هناك مساعدات تأتي ،وهل سيكون األردن مستعدا الستقبال المزيد ،إذا تواصل القتال هناك؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :التعامل مع أزمة الالجئين السوريين في األردن يتم على حساب القليل المتاح من مواردنا الذاتية ،وهو بالتالي تعامل غير مستدام ،وال يمكن االستمرار به إلى األبد .ال شك أن هناك تقديرا عالميا كبيرا لما يقوم به األردن ،وهناك دعم دولي وعربي ،وجهود إغاثية وأخرى خيرية ،كلها مشكورة ومق ّدرة ،ولكن حجمها ومستوى تدفقها ال يفي باالحتياجات الحقيقية والمتسارعة لالجئين السوريين.
األردن يتحمل عبئاً ً هائال يتمثل في الضغط على البنية التحتية والموارد الطبيعية ،خاصة المياه والطاقة، واألهم الصدمات التي يتسبب بها تدفق الالجئين لالقتصاد الوطني مثل التشوهات في سوق العمل ومزاحمة ُ أشرت للتو إلى وجود تخطيط األردنيين على المتوفر من الفرص ،فضال عن التعليم والرعاية الصحية .لقد وتنفيذ مدروس في تحويل األزمة السورية من مشكلة داخلية إلى مشكلة إقليمية ،وعلى الدول الحريصة على دعم نهج االعتدال واالستقرار أال تترك األردن وغيره من الدول الشقيقة يواجهون هذه المخططات لوحدهم.
الجهداإلغاثيالدوليوالعربيمق ّدرمرةأخرى،وقدأطلقتاألممالمتحدةأخيراًنداءاستغاثةهواألكبرفيتاريخها،لكن الحل اليكونبالعملاإلغاثيفقط،الحليكونبالعملالسياسيالمنتجالذييقودإلىوقفالعنفوعودةالالجئينالسوريين. عندما علت بعض األصوات داخلياً اعتراضاً على تدفق الالجئين من األشقاء السوريين ،كان الرد اإلنساني: كيف يمكن لنا أن نغلق حدودنا في وجه امرأة تحمل رضيعها وتهرب تحت القصف؟ ما أخشاه هو أن نُوْ َ ض َع في موقف صعب ،ال ق ّدر هللا ،نعجز فيه عن تقديم المساعدة اإلغاثية ألشقائنا الالجئين السوريين، وهذا يمثل نجاحاً لمساعي تصدير األزمة السورية ،ويجب أن ال نسمح بذلك إنسانيا وسياسيا ،يجب أال يتراجع الجهد والدعم اإلغاثي ،ويجب أال يتوقف الضغط السياسي من أجل حل سياسي انتقالي شامل.
”
الحل ال يكون بالعمل اإلغاثي فقط ،الحل يكون بالعمل السياسي المنتج الذي يقود إلى وقف العنف وعودة الالجئين السوريين.
“ 4
السؤال :3جاللة الملك ،هل هناك اتصاالت مباشرة مع القيادة السورية ،أو نصائح تقدم بشكل أو بآخر ،بحكم الجوار الجغرافي بين البلدين؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :دعني هنا أجيب عليك بالتساؤل التالي :هل ترى في أداء سوريا الرسمي ما يعكس قبولهم للنصيحة من بلد كاألردن مؤمن بالديمقراطية والسلمية فلسفة حكم ونهج حياة؟ ال ،لألسف ،لم تعد النصيحة مسموعة في ظل انتهاج العنف ،وبالرغم من محاوالتنا الصادقة في بداية األزمة لمد يد العون وبذل النصيحة ومشاركة الدروس والعبر من منطلق حرصنا على شعب سوريا وسالمة ووحدة أراضيه ،ناهيك عن حسن الجوار ،فقد تم إهمالها ،ما اضطرنا إلى محاوالت إعالمية ودبلوماسية لبعث التذكير تلو اآلخر بخطورة االنزالق في دائرة من العنف والدماء والخراب. إن األزمة السورية اليوم هي من أهم مصادر القلق للسياسة الخارجية األردنية ،وهي في صميم تواصلي ومباحثاتي مع الزعماء الدوليين واإلقليميين .ويكاد ال يمر لقاء يجمعني بأي شخصية دولية دون بحث األزمة السورية وتداعيتها وسبل معالجتها ،وقد كانت محور الحديث في لقاءاتي األخيرة مع الرئيس األمريكي في نيسان الماضي ،ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون األسبوع الماضي في لندن ،وأيضاً خالل لقائي في عمّان مع الرئيس الفرنسي أوالند قبل أيام، واتصالي مع المستشارة األلمانية أنجيال ميركل مؤخرا ،وخالل زيارتي قبل أشهر إلى موسكو ومباحثاتي مع الرئيس فالديمير بوتين ،واللقاءات التي نعقدها مع كل المسؤولين العرب واألجانب الذين يتوافدون على عمان باستمرار. يؤلمنا أن نرى سوريا بحواضرها ذات االمتداد األطول في التاريخ اإلنساني تتحول إلى فسيفساء من العنف والكراهية .كما يؤلمني ويؤلم جميع األردنيين أن نرى دماء الشعب السوري تسفك .لقد وصلت األمور إلى مستوى على الجميع داخل سوريا وخارجها أن يقف ويقول :كفى.
3
ــل «هالل شيعي» .هل تشعرون أن هذا يتحقق اآلن ،وكيف تتفادى المنطقة ،في رأيكم ،الوقوع في هذا الفخ؟ إذا ما استطعنا أن نوقف الصراع وأن نحقن الدماء في سوريا ،وأن نصل إلى حل سياسي انتقالي يشمل الجميع ،فيمكن للسنة والشيعة في هذا البلد أن يتصالحوا ويتعايشوا مستقبال ،األمر الذي يحفظ وحدة سوريا وأرضها وشعبها. ولكوني مسلما هاشميا ،فإن مسؤوليتي التاريخية تحتم علي أن أعمل بكل طاقتي مع العقالء في العالمين العربي واإلسالمي لمنع حدوث فتنة عمياء، وحث السياسيين وعلماء الدين على عدم التجييش وإثارة الفتنة واستغالل الدين في السياسة .على الجميع أن يتذكر أن ما يجمعنا كمسلمين مؤمنين باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر أكثر بكثير من المسائل التاريخية التي نختلف عليها،
وهذا هو أساس ما سعينا لتوضيحه في اإلجماع التاريخي على محاور «رسالة عمان» األساسية، خصوصا إجماع األمة على عدم التكفير. األردن يؤمن بالحوار سبيال للوصول إلى الصلح والتوافق حول جميع اإلشكاالت اإلقليمية .على الجميع أن يفكر بمستقبل أبنائه وأحفاده .ال مجال للحديث عن فرقة طائفية تدخل المنطقة في دوامة من المجهول .علينا جميعا أن نتحلى بالحكمة والشجاعة ،وأن نكون على قدر المسؤولية واألمانة التاريخية .وكما يقول هللا سبحانه وتعالى: «واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا».
6
السؤال :5جاللة الملك ،تحدثتم سابقا وقبل كل العواصف السياسية ،التي ضربت المنطقة ،محذرين من تشكـــــ جاللة الملك عبدهللا الثاني :التخوف الذي حذرنا منه في السابق هو أن يكون هناك هيمنة سياسية لمحور على أساس مذهبي ،وليس القصد المذهب الشيعي كعقيدة .القضية هي في استغالل الدين ً كوسيلة لتحقيق مآرب سياسية .اإلسالم والمذهب أكبر وأعظم وأسمى من كل ذلك ،وأنبل من أن يُتخذ وسيلة للوصول للسلطة وبث الفرقة. ال يمكن لنا السكوت على محاوالت العبث بمصير المنطقة وشعوبها عبر استغالل الدين والمذاهب في السياسة واتخاذها وسيلة للفرقة. وهنا ال بد أن أحذر من أن التوسع في إذكاء نار الطائفية في العالمين العربي واإلسالمي سيكون له أبعاد مدمرة على أجيالنا القادمة وعلى العالم. 5
وأكثر ما نخشاه أن يتوسع الصراع في سوريا ،ويتحول إلى فتنة بين السنة والشيعة على مستوى المنطقة. منَ هللا علينا ،عبر تاريخنا اإلسالمي، وج َنبنا الفتنة الطائفية نسبة باألديان األخرى. لكننا اآلن أمام أمر واقع مفاده أن كال من السنة والشيعة يظنأنهالمفرمنحربطائفيةعقائديةمهلكةفيسوريا. إن تركنا الطرفين على قناعتهما أن ما يحدث في سوريا هو جهاد من حيث المبدأ، فهذا يعني أنه ال نهاية لهذا الصراع والقتال ،ألن السنة والشيعة حقيقة ستستمر إلى يوم الدين. ما يحصل في سوريا حقيقة هو ثأر مذهبي طائفي (السنة تنتصر للسنة ،والشيعة تنتصر للشيعة)، وهذه مسألة مهمة ينبغي على الكل إدراكها.
السؤال :7في ورقتكم النقاشية األخيرة ،تحدثتم عن بناء النموذج الديمقراطي ،والوصول إلى حكومات برلمانية .كم من الوقت يحتاج ذلك في تقديركم؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :لو كان سؤالك حول رغبتي الشخصية في الوصول إلى الحكومات البرلمانية بشكلها المتقدم كما في الديمقراطيات الغربية العريقة ،لكان جوابي :أريدها اليوم قبل غد .أمّا واقع الحال فيقول غير ذلك .لقد كان باإلمكان أن نقدم إصالحات تجميلية ،ونكتفي بإشراك نواب في الحكومات ،وندعي أننا أنجزنا حكومة برلمانية مكتملة ،وتبقى هياكل السلطة وصناعة القرار كما هي .لكنني ال أنشد انتصارات إعالمية وسياسية آنية ،بل إصالحاً حقيقياً يشمل جميع حلقات المجتمع ،وسيعبر عن نفسه في أحد المراحل بإنجاز حكومة برلمانية فاعلة ومكتملة. وأريد هنا أن أطرح عليك السؤال التالي :كم من الوقت استغرق إسبانيا إلنجاز تحولها الديمقراطي؟ كم من الوقت لزم بريطانيا وفرنسا والواليات المتحدة للوصول إلى حالتها الديمقراطية المعاصرة؟ ماذا أنجزت هذه الدول على طريق الوصول إلى الديمقراطية؟ كم تشريعا أنجزت ،وكم دورة برلمانية تطلبت، كم تعديال دستوريا استدعت ،كم مؤسسة دستورية استحدثت ،وكم مرة انتكست التجربة وصححتها مؤسسات المجتمع المدني والقوى المدنية المؤمنة بمسؤولية المشاركة؟ وما هي خريطة األحزاب والطيف السياسي الحالي لهذه الدول ،وكيف طورت األحزاب تاريخياً برامجها فأصبحت عملية التمثيل السياسي تتم من خالل األحزاب والبرامج؟ في الكثير من األحيان وفي غمرة الحماس للديمقراطية ،وأنا من أشد مناصريها، ننسى التفاصيل الضرورية لبناء تحول ديمقراطي ناجح ومستدام .القضية محكومة بإنجازات ديمقراطية ،وتشريعية ،ومؤسسية، وسياسية ،واقتصادية واجتماعية محددة ،متى ما أنجزها المجتمع أصبحت الديمقراطية واقعاً وأسلوب حياة ،وأصبحت الحكومة البرلمانية أو ال ُم َمثِّلة مسألة أوتوماتيكية وتفاصيلها مرتبطة بشكل النظام السياسي.
”
الكلمة الحاسمة في الوصول إلى اإلصالح والديمقراطية هي للشعب ككل وأنا واحد منهم ،فاإلصالح يبدأ مع كل فرد منّا. ال أريد اإلطالة هنا في الخوض في نظريات التحول الديمقراطي واالجتماعي ،ما أريد تأكيده هو إننا في األردن نعمل بكل طاقاتنا من أجل توفير عناصر التحول الديمقراطي من مؤسسات دستورية ضامنة للعملية السياسية وللتعددية ،وتشريعات تقدمية وعادلة، وضوابط للفصل والتوازن بين السلطات، ومجتمع مدني حي وفاعل ،وأحزاب برامجية حقيقية تصل إلى البرلمان وتشكل الحكومات على أساس األغلبية والمعارضة البناءة. هذه العناصر في مجموعها تحقق التحول الديمقراطي ،وهي بحاجة ألن يؤمن بها غالبية المجتمع ،وأن نشرع في ترجمتها على أرض الواقع من خالل وعينا كمواطنين بأهمية المشاركة السياسية ،وتغيير أنماط االنتخاب والتمثيل لتصبح على أساس حزبي برامجي. وبالنسبة لقناعاتي ودوري ،فأنا ال أرى بديال عن الديمقراطية ،بأشكالها وتطبيقاتها المختلفة ،نهجاً للحكم وآلية لتوسيع دائرة صنع القرار .وموعد إنجاز اإلصالح مرتبط بإنجاز محطات ومتطلبات الديمقراطية التي ذكرتها، وكنت قد عاهدت نفسي منذ أن تسلمت سلطاتي الدستورية أن أساهم بكل ما أوتيت من أجل جعل األردن أكثر ديمقراطية .إنها مسؤولية ورثتها عن أبي الحسين ،رحمه هللا ،وسأورثها البني الحسين وهي االستجابة لتطلعات الشعب وقيادة التحول والـتأقلم مع المستجدات.
ما أريد تأكيده هو إننا في األردن نعمل بكل طاقاتنا من أجل توفير عناصر التحول الديمقراطي من مؤسسات دستورية ضامنة للعملية السياسية وللتعددية ،وتشريعات تقدمية وعادلة ،وضوابط للفصل والتوازن بين السلطات ،ومجتمع مدني حي وفاعل ،وأحزاب برامجية حقيقية تصل إلى البرلمان وتشكل الحكومات على أساس األغلبية والمعارضة البناءة.
“
8
السؤال :6جاللة الملك ،أجرى األردن أخيرا انتخابات ،قاطعتها جماعة اإلخوان المسلمين ،وجرى تشكيل حكومة جديدة ،هل تزعجكم هذه المقاطعة؟
ً حقيقة جاللة الملك عبدهللا الثاني :أشعر باألسف لمقاطعة أي قوى سياسية للعمل السياسي المنتج والبناء والذي تستطيع من خالله تمثيل ناخبيها، وطرح برامجها ،والمشاركة في التشريع وصناعة القرار ،وتداول الحكومات ،وخاصة عندما تأتي المقاطعة من حركة سياسية مثل جبهة العمل في األردن ،التي عُ ِر َ ف عنها تاريخيا بحكمتها وعقالنيتها. على أي حال ،االنتخابات األخيرة ،وما تالها من مشاورات نيابية قادت إلى تشكيل الحكومة ،هي تجربة وخطوة على طريق التحول الديمقراطي وتعميق نهج الحكومات البرلمانية ،بما فيها من دروس وبما ستُرا ِك ُم من خبرات .إن مجتمعنا ماض نحو الديمقراطية ،والمواطنة الفاعلة ،وفيه ٍ أطر وقنوات عديدة للمشاركة وللتعبير والتمثيل والتمكين الديمقراطي ،سواء بشكل مباشر من خالل مجلس النواب ،أو مؤسسات المجتمع المدني، 7
أو من خالل اإلعالم ،أو العمل الجماعي أو الفردي التطوعي .كما أننا ذاهبون باتجاه االنتخابات البلدية، وستكون الفرصة متاحة من جديد للجميع للمشاركة والتعبير وتولي مسؤولية تمثيل المواطنين ،وآمل أن تسود روح المشاركة والرغبة في التغيير اإليجابي وتتراجع دعوات المقاطعة والسلبية والتشكيك.
”
ً حقيقة أشعر باألسف لمقاطعة أي قوى سياسية للعمل السياسي المنتج والبناء
“
Source: www.jordaninvestment.com
10
السؤال :8جاللة الملك ،العالم كله يعاني من أزمات اقتصادية انعكست على تدفق االستثمارات األجنبية ،كيف يتعامل األردن مع تحديات توليد فرص العمل ،واجتذاب االستثمار األجنبي؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :دون شك ،على الدول المسؤولة والملتزمة بدورها االجتماعي أن تبذل المزيد في األوقات الصعبة من أجل حماية الفئات الضعيفة في المجتمع ،وضمان الدرجة الضرورية من النمو ،والبناء على الفرص المتاحة ،والتأقلم مع الظروف الجديدة ،من أجل استعادة االزدهار بالسرعة الممكنة ،فمع التحديات تبرز دائماً الفرص .ونحن في األردن نبذل كل الجهود الممكنة من أجل حماية االقتصاد الوطني وتحفيزه ،وتمكين الفئات االجتماعية األكثر تعرضاً لالنعكاسات االقتصادية الناتجة عن أزمات اقتصادية وسياسية إقليمية وعالمية خارجة عن إرادتنا. والنهج االقتصادي واالجتماعي في األردن يحرص دائماً على االستثمار في المواطن ،وهذا ما يعزز تنافسيتنا .وهذا ما يحاول األردن جاهداً أن يستمر في فعله ،للبناء على المؤشرات اإليجابية التي تميّز القوى العاملة المؤهلة األردنية .وبالرغم من األزمة االقتصادية التي نشهدها في األردن ،إال أننا تمكنا، بحمد هللا وبوعي المواطنين ومن خالل عدد من اإلجراءات ،أن نبقى على المسار الصحيح ،بحيث نشهد اليوم نموا في االقتصاد الوطني رغم كل الصعوبات. أما فيما يتعلق بموضوع توليد فرص العمل ،فإننا نؤمن بأن االستمرار في نهج الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،ودعم ريادة األعمال هي السبل األمثل لتوفير فرص عمل مستدامة لألردنيين.
”
كما وجهنا الحكومة بضرورة التركيز على موضوع تنمية المحافظات ،وأحد أدوات ذلك هو صندوق تنمية المحافظات ،والذي جاء بهدف توفير التمويل الالزم إلقامة مشاريع تشغيلية وإنتاجية في محافظات المملكة ،حيث الشباب والقوى العاملة ،لتحسين مستوى معيشة المواطنين وتحقيق تحسن مباشر وملموس في نوعية الحياة .وستستفيد الحكومة من دعم مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تمويل عدد من المشاريع التنموية في المحافظات ،وذلك حرصا من أشقائنا في الخليج على مساندة األردن في مساعيه التنموية ،وهو األمر المقدر من جانبنا دوما. أما فيما يرتبط بجذب االستثمارات األجنبية ،فعلى الرغم من الظروف اإلقليمية في الوطن العربي ،إال أن األردن وبحمد هللا مازال يتمتع بثقة المستثمرين من مختلف الدول .فقد عملت المملكة خالل العقد الماضي على اتخاذ العديد من اإلجراءات والتشريعات التي من شأنها تشجيع وتسهيل االستثمار في المملكة .ومثال ذلك ،العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول تمثل أهم األسواق في العالم ،ما جعل األردن بوابة للوصول إلى هذه األسواق .كما قمنا بإنشاء عدد من المناطق التنموية في مختلف المحافظات ،وبما يتناسب مع المزايا التنافسية لكل منطقة ،بحيث تمثل مراكز جذب للمستثمرين. وحالياً ،تعمل الحكومة والسلطة التشريعية على تطوير قانون تشجيع االستثمار ،وإعداد قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص لزيادة تنافسيتنا.
فإننا نؤمن بأن االستمرار في نهج الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،ودعم ريادة األعمال هي السبل األمثل لتوفير فرص عمل مستدامة لألردنيين.
9
“
السؤال :10ولكن ،جاللة الملك ،أال ترى أن هذا الدور اإليجابي الذي يحاول أن يقوم به األردن تعارضه إسرائيل ،من خالل تصريحات رئيس الوزراء اإلسرائيلي السلبية األخيرة حول االتفاقية األردنية الفلسطينية ،والتي ترسخ دوركم التاريخي في حماية المقدسات في القدس الشريف؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :لهذه االتفاقية سياق تاريخي وقانوني ،والهدف منها تحديث اإلطار القانوني للرعاية الهاشمية للمقدسات اإلسالمية والمسيحية في القدس الشرقية ،بما يتواءم مع الوضع القانوني الجديد للدولة الفلسطينية .االتفاقية بالنسبة لي هي عنوان لمسؤولية دينية وأخالقية وتاريخية أقوم بها كهاشمي ،ورثتها عن جدي الشريف الحسين بن علي الذي قام باإلعمار الهاشمي األول للحرم القدسي الشريف .كما أن تحقيق هذه المسؤولية ال يكون في الدخول في معارك إعالمية غير منتجة ،وإنما بالعمل الحقيقي من أجل دعم صمود إخواننا المقدسيين على جميع األصعدة: السياسية ،واالقتصادية ،واالجتماعية ،والخدمية ،والتعليمية .وأيضاً في توفير الحماية الدولية للقدس الشرقية بما تمثل من إرث حضاري وإنساني .وعدم السماح بالمساس بهويتها التاريخية وحرية العبادة من خالل فرض واقع جديد على األرض يسعى إلى طمس الهوية العربية اإلسالمية والمسيحية للقدس الشرقية .والجزء األهم في هذه المعادلة هو دعم األشقاء الفلسطينيين في نضالهم نحو دولة فلسطينية مستقلة ،والعمل في المحافل الدولية لتوجيه الضغط الدولي على إسرائيل ووضعها أمام مسؤولياتها كدولة محتلّة .هذه هي مسؤولياتنا التاريخية ،ولن يمنعنا أحد من القيام بها.
” “ 12
السؤال :9جاللة الملك ،في جوالته األخيرة في المنطقة ،أعطى وزير الخارجية األميركي جون كيري ،انطباعا بأن هناك أمال في مشروع سالم فلسطيني ـ إسرائيلي .هل ترون أن ذلك ممكن في ظل االضطرابات التي تشهدها المنطقة سياسيا واالنقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني ،وكيف يمكن أن يساعد األردن في تحقيق السالم؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :إن األردن معني بشكل أساسي ،ومن منطلق مصلحة الوطن العليا ،وأمنه القومي في تحقيق السالم في المنطقة ،وليس كوسيط أو عامل مساعد .إن ما تمر به المنطقة من اضطرابات هو حافز رئيسي لإلسراع في تحقيق السالم ،فانسداد أفق السالم سيفجر العالقة بين الفلسطينيين واإلسرائيليين على شاكلة تحاكي احتجاجات الربيع العربي ،سواء في إطار انتفاضة جديدة ،أو دوامة عنف وعنف مضاد من خالل فقدان األمل بحل الدولتين وبروز واقع دولة واحدة يُضطهد فيها الفلسطينيون ،ما سيشعل ثورة شعبية تعبّر عن الظلم التاريخي الذي لحق بهم .وبالتالي ،هناك ضرورة حقيقية لحل النزاع على أساس رؤية الدولتين ،وقيام دولة فلسطينية مستقلة ،كاملة السيادة على أراضيها ،قابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني ،استنادا إلى خطوط ما قبل حزيران عام 1967وعاصمتها القدس الشرقية. أعتقد أن وزير الخارجية جون كيري يعمل بشكل مكثف وأسلوب واقعي يبتعد عن األضواء والضجيج اإلعالمي ويركز على تقريب وجهات النظر ،واقتراح حلول عملية للملفات الصعبة ،خاصة أن إعادة إطالق مفاوضات مباشرة يعني الخوض في قضايا الحل النهائي مثل القدس ،والالجئين ،والحدود، واألمن وغيرها ،وهذه قضايا معقدة ،بحاجة لحلول تاريخية وعملية تكفل قيام سالم عادل وشامل ومستدام لألجيال القادمة .ونحن نتطلع إلى دراسة ما يحمله وزير الخارجية األمريكي في زيارته الحالية للمنطقة. بالنسبة لنا في األردن ،فإننا نساهم بشكل فاعل في توفير أجواء إيجابية تساعد الفلسطينيين واإلسرائيليين على العودة إلى المفاوضات المباشرة ،والتقاط فرص السالم والبناء عليها قبل أن تتالشى فرص حل الدولتين ،بسبب تغيّر الواقع على األرض ،خاصة االستيطان الذي يجمع العالم على أنه غير قانوني، والذي يبتلع أرض الدولة الفلسطينية المستقبلية ،وهو العقبة الرئيسة في وجه السالم ،ورؤية الدولتين. كما توفر مبادرة السالم العربية فرصة تاريخية على إسرائيل التقاطها قبل فوات األوان لتحقيق السالم مع العالمين العربي واإلسالمي .فما هو على الطاولة اليوم ،قد يصبح فرصة ضائعة مستقبال. 11
السؤال :12أخيرا ،كيف يرى جاللة الملك مستقبل المنطقة العربية؟
رغم من كل التحــــــديات ــر العمل الجاد من أجل رار ،وإعادة إطالق النمو.
“
جاللة الملك عبدهللا الثاني :الطموح هو أن نصل إلى حالة متقدمة في المنطقة العربية يسود فيها االزدهار االقتصادي ،والديمقراطية ،وأن يكون هناك احترام حقيقي لإلنسان العربي وكرامته .لقد مثلت هذه اآلمال صلب مطالب ربيع الشعوب العربية. يجب أن ال نفقد األمل بالرغم من كل التحديات والصعاب .يجب أن يستمر العمل الجاد من أجل اإلصالح ،واستعادة االستقرار ،وإعادة إطالق النمو. جميع الدول والمجتمعات التي تعرضت إلى ظروف تاريخية مشابهة ر ّدت على التحديات بمضاعفة العمل والتحلي باألمل بمستقبل أفضل .وهذا ما نؤمن به في األردن ،الذي يتبنى نموذجا متدرجا تعدديا مدروسا في اإلصالح ،بعيدا عن الفوضى والقفز نحو المجهول.
14
السؤال :11جاللة الملك .كيف تقيّمون عالقتكم بالسعودية ودول الخليج؟ وإلى أي مدى وصل مشروع انضمام األردن لمجلس التعاون الخليجي؟ جاللة الملك عبدهللا الثاني :أود أن أعبر عن اعتزازي بالعالقات األخوية التي تجمعني مع قادة دول الخليج العربية ،وعالقة األردن باألشقاء في هذه الدول تاريخية ،ال سيما مع المملكة العربية السعودية الشقيقة .وقد ارتقت آليات التنسيق وتقريب المواقف إلى مستويات متقدمة بفضل عمق عالقات األخوة التي تربطني مع أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدهللا بن عبدالعزيز آل سعود ،الذي ستبقى جهوده رائدة في تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك. هناك ثوابت لهذه العالقة ،أهمها إيماننا المطلق بأن أمن دول الخليج العربية واألردن صنوان ومتالزمان ،وهذا ما يجعلنا على قناعة ثابتة بأن أمن أشقائنا في الخليج هو من أمننا القومي. وقد أثبتت األحداث والتوترات اإلقليمية األخيرة أهمية التنسيق والتشاور ،وأظهرت أيضاً االرتباط التاريخي بين األردن ودول الخليج العربية ،نظرا لالمتداد الجغرافي والعمق اإلستراتيجي بين الطرفين، وهذا يتطلب استمرار انسجام المواقف من القضايا اإلقليمية والعربية لضمان حماية مصالحنا المشتركة. أما فيما يتعلق بموضوع االنضمام إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية ،فهو محاولة لتأطير هذه العالقة التاريخية في منظومة إقليمية مستقرة ومتجانسة، وما نحرص عليه هو العمل باستمرار لتعميق عالقتنا مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية على جميع المستويات السياسية واالقتصادية والعسكرية واألمنية والثقافية وغيرها ،وعلى أسس متينة من التكاملية ،بحيث يحظى األردن بوضع متقدم في عالقات الشراكة مع مختلف دول الخليج العربية.
13
”
يجب أن ال نفقد األمل بالـــــر والصعاب .يجب أن يستـمـ اإلصالح ،واستعادة االستقر