حممد الرميحي :خلط ال�سيا�سي بالديني وتخلي�س املق ّد�س من املد ّن�س مهدي خلجي :اإيران و�سيا�سة خلق الأزمات ..من �سدام اإىل ب�سار مجلة العرب الدولية
تأسست في لندن عام 1980
هادي الأمني :حمدثات اله�سا�سة ..ما الذي يجعل لبنان دولة ّ ه�سة؟
العدد ،1576أكتوبر -تشرين األول 2012
ورقة الأقليات.. «الت�سبيح».. و ت�سييع الوقت
م�ستقبل العلويني يف �سوريا للحصول على العدد استخدم هاتفك الذكي ملسح هذا الرمز 10
ISSN 1319-0873
9 771319 087013 Issue 1576
The Majalla
ّسرية ملفات الـ«�سي اآي اإيه » ال� وثائق :حافظ الأ�سد يفّ العلوية ..طريقة �سوفية اأم �سيعة جعفرية! درا�ساتّ :
AN A MER ICAN EDUCATION A BR ITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.
45
+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla 2012 يناير،1569 العدد today to download our catalog and viewbook.
أسسها سنة 1987
1987عبد العزيز سلمان بن األمير أحمد بن أسسها سنة 1987 سنة أسسها 1987عبد العزيز سلمان بن األمير أحمد بن أسسها سنة عبدالعزيز سلمانبنبنعبد بن سلمان أحمد بن األمير أحمد العزيز األمير أسسها هشام ومحمد علي حافظ أسسها هشام ومحمد علي حافظ التنفيذي علي حافظ الرئيسومحمد أسسها هشام
علي حافظ ومحمد هشام أسسها الدخيل الرئيسعزام الدكتور التنفيذي التنفيذي الرئيس الدخيل عزام الدكتور Azzam Al-Dakhil التنفيذي التحرير رئيس الدخيل الرئيسعزام الدكتور الدخيل عزام الدكتور الطريفي رئيسزيد عادل بن التحرير رئيسزيدالتحرير الطريفي عادل بن التحرير مدير التحرير الطريفي رئيسزيد عادل بن Adel Al-Toraifi سنيقرة الطريفي عزالدينزيد عادل بن التحرير مدير عزالدينالتحرير مدير سنيقرة للمشاركة سنيقرة عزالدين التحرير مدير
اإللكتروني editorial@majalla.com البريد إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على للمشاركة سنيقرة عزالدين Azeddine Senegri على 800كلمة للمشاركة تزيد البريد أال على يجب المقاالت يرجىجميع ملحوظة: editorial@majalla.com اإللكتروني المراسلة إلرسال مقاالت أو آراء editorial@majalla.com اإللكتروني المراسلة إلرسال مقاالت أو آراء على 800كلمة للمشاركةتزيد البريد أال على يجب المقاالت يرجىجميع ملحوظة: اشتراكات اإللكتروني 800كلمة أال تزيد على علىيجب المقاالت يرجىجميع ملحوظة: editorial@majalla.com البريد المراسلة إلرسال مقاالت أو آراء بـsubscriptions@majalla.com : لالشتراك في الطبعة الرقمية ،يرجى االتصال اشتراكاتأال تزيد على 800كلمة ملحوظة :جميع المقاالت يجب www.issuu.com/majalla االلكترونية: لالشتراك في اشتراكات subscriptions@majalla.com بـ: االتصال الرقمية ،يرجى لالشتراك في الطبعة subscriptions@majalla.com االتصال بـ: الرقمية ،يرجى لالشتراك في الطبعة www.issuu.com/majalla االلكترونية: لالشتراك في اشتراكات لالشتراك في االلكترونية :تنويه www.issuu.com/majalla subscriptions@majalla.com بـ: االتصال يرجى الرقمية، لالشتراك في الطبعة بالضرورة عن رأي إدارة التحرير اآلراء الواردة في المجلة ال تعبرتنويه
لالشتراك في االلكترونيةwww.issuu.com/majalla :
اآلراء الواردة في المجلة ال تعبرتنويه بالضرورة عن رأي إدارة التحرير التحريريجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها محدودة .وال المتحدة)عنشركة (المملكة السعودية رأي إدارة بالضرورة والتسويقتعبر لألبحاث المجلة ال الواردة في حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة 2009التي تصدر عن الشركة اآلراء تنويه والتسويق لألبحاث السعودية مسبق من الحصول شابه دون أو ما تسجيلها تصويرها أو آلية أو إلكترونية أو وسيلة أو أي استرجاعي أو نظام النشر في أي تخزينها أو منها أي جزء المجلة أو الشركةطباعة األحوال إعادة تصريحمن علىبأي حال يجوز محدودة .وال شركة المتحدة) (المملكة والتسويق لألبحاث السعودية الشركة صورةعن بأيتصدر نقلهاالتي 2009 لمجلة المجلة محفوظة حقوق التحرير إدارة رأي عن بالضرورة المجلة ال أوفي الواردة اآلراء زيارة يرجى الرقمي، االشتراك استفسارات شهرياً. المجلة وتصدر محدودة). (شركة منها أي جزء المجلة أو الشركةطباعة األحوال إعادة تصريحمن علىبأي حال يجوز وال محدودة. شركة المتحدة) (المملكة والتسويق لألبحاث السعودية الشركة صورةعن بأيتصدر نقلهاالتي 2009 لمجلة المجلة محفوظة حقوق والتسويق لألبحاث السعودية www.majalla.comمن مسبق الحصول دون شابه أو ما تسجيلها تعبرأو تصويرها لتلقيأو آلية إلكترونية وسيلة أو أي استرجاعي أو نظام النشر في أي تخزينها أو www.majalla.comمن الشركة السعودية لألبحاث والتسويق الحصول على تصريح مسبق شابه تسجيلها أو ما لتلقيأو تصويرها أو آلية إلكترونية أو أي بأي صورة أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها دونزيارة يرجى الرقمي، استفساراتأواالشتراك شهرياً. وسيلةالمجلة وتصدر محدودة). (شركة - September Issue منها 1575أي جزء المجلة أو 2012األحوال إعادة طباعة زيارةوال يجوز بأي حال من محدودة. شركة المتحدة) (المملكة والتسويق محدودة).الشركة 2012عن تصدر التي 2009 لمجلة المجلة محفوظة ايلول سبتمبر - 1575 حقوق النشرالعدد www.majalla.com يرجى الرقمي، االشتراك استفسارات لألبحاثلتلقي السعوديةشهرياً. وتصدر المجلة (شركة والتسويق مسبق من الشركة صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح أو نقلها 1575استرجاعي أي نظام أو تخزينها في السعودية 1575 - September 2012 لألبحاثIssue ايلولبأي2012 سبتمبر - العدد
HH Saudi1575 Research and Marketing )UK( Ltd www.majalla.com التخصصىالمجلة شهرياً .لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي ،يرجى زيارة محدودة) .وتصدر - September 2012 Issue 2012 المؤتمرات -ايلول سبتمبر - تقاطع (شركةمكة - طريق -1575حي مرخص لها العدد الرياض Arab Press House,Research 184 Highand Holborn, London HH Saudi Marketing )UK(WC1V Ltd 7AP A Monthly Political News Magazine +44 207 831 8181 - 4419933 التخصصى تقاطع لندن:مكة - طريق هاتفالمؤتمرات - الرياض -:حي الرياض مرخص لها Tel: 207Research 8181 -Holborn, Fax: +44London 207 831 2310 7AP 2012 طريقاألول تشرين ،1576 HH+44 Saudi Marketing ()UK Ltd Arab Press House, 184 Highand WC1V 1575 -October September 2012 Issue Issue 1576 -831 2012 2012 أكتوبر-- سبتمبر العدد1575 مرخص لهاالعدد www.majalla.com/eng A Monthly Political News Magazine التخصصى تقاطع لندن:مكة - المؤتمرات - الرياض -:حي الرياض +44 207 831 8181 ايلول- 4419933 هاتف Arab Tel: Press+44 House, 1848181 High-Holborn, WC1V 207 831 Fax: +44London 207 831 2310 7AP A Monthly Political News Magazine الرياض :هاتف - 4419933لندن+44 207 831 8181 : www.majalla.com/eng +44Research 207 831 8181 (- Fax: +44 )UK 207 831 موقع إلكتروني ،www.alkhaleejiah.com :بريد إلكتروني: HHTel: Saudi and Marketing Ltd2310 hq@alkhaleejiah.com www.majalla.com/eng الوكيل اإلعالني الرياض -حي المؤتمرات -طريق مكة -تقاطع التخصصى مرخص لها +966 1 441 184 1444High Holborn,الدول : Londonومن مختلف ، +44 207 404 6950 hq@alkhaleejiah.comلندن: باريس، +331 537 764 00: بريد،+9714 3 914440 المملكة ،920 000 417 :دبي: موقعداخل من Arab Press House, WC1V 7AP إلكتروني: ،www.alkhaleejiah.com إلكتروني: A Monthly Political Magazine +44 207 831 8181 الوكيل اإلعالني الرياض :هاتف - 4419933لندن: The leading ArabNews Magazine hq@alkhaleejiah.com إلكتروني: ،www.alkhaleejiah.com إلكتروني: Tel: +966 +44 207 2310 1 441831 14448181 - Fax:الدول : +44مختلف ،207ومن +44831 207 404 لندن6950: ، +331 537 764 00 باريس: بريد،+9714 3 914440 المملكة ،920 000 417 :دبي: موقعداخل من www.majalla.com www.majalla.com/eng الوكيل اإلعالني من داخل المملكة ،920 000 417 :دبي ،+9714 3 914440 :باريس ، +331 537 764 00:لندن ، +44 207 404 6950:ومن مختلف الدول +966 1 441 1444 : بريد إلكتروني ، info@arabmediaco.com :موقع إلكتروني ،www.arabmediaco.com :هاتف مجاني800-2440076 : وكيل اإلشتراكات
إلكترونيhq@alkhaleejiah.com: موقعإلكتروني: ، ،www.alkhaleejiah.comبريد بريدإلكتروني: موقع ،www.arabmediaco.comهاتف مجاني800-2440076 : إلكترونيinfo@arabmediaco.com :
اإلشتراكات وكيل اإلعالني الوكيل وكيل اإلشتراكات وكيل التوزيع وكيل التوزيع اإلشتراكات وكيلوكيل التوزيع مركز الطباعة الطباعة وكيلمركز التوزيع مركز الطباعة
800-2440076مختلف الدول +966 1 441 1444 : مجاني ، +44 207:ومن 404 6950 باريس، +331 537 764 00: ،+9714 3 914440 المملكة ،920 000 417 :دبي: داخل لندن:هاتف ،www.arabmediaco.com إلكتروني: موقع ، info@arabmediaco.com إلكتروني: منبريد
وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات -ص.ب - 62116الرياض ،11585هاتف +966 1 4419933 :فاكس،+966 1 2121774 : www.saudidistribution.com المؤتمرات -ص.ب - 62116الرياض ،11585هاتف +966 1 4419933 :فاكس،+966 1 2121774 : إلكتروني:في المملكة العربية السعودية حي موقع التوزيع وكيل فاكس،+966 1 2121774 : +966 1 4419933 هاتف: ص.ب - 62116الرياض ،11585 المؤتمرات - إلكتروني:في المملكة العربية السعودية موقع التوزيع وكيل www.saudidistribution.com 800-2440076 هاتف مجاني: ،www.arabmediaco.com إلكتروني: موقع حي ، info@arabmediaco.com إلكتروني: بريد موقع إلكترونيwww.saudidistribution.com : ص.ب - 121 .الرياض ،11383هاتف ،+9661.2657000فاكس ،+9661.2658000موقع إلكترونيwww.halaprintco.com :
،+966 1 2121774 +966 1 4419933فاكس: موقعهاتف: ،11585 فاكس - 62116الرياض ص.ب السعودية حي المؤتمرات - الرياضالعربية في-المملكة التوزيع وكيل www.halaprintco.com إلكتروني: ،+9661.2658000 ،+9661.2657000 ،11383هاتف 121 ص.ب. www.saudidistribution.com إلكتروني: موقع ،+9661.2657000فاكس ،+9661.2658000موقع إلكترونيwww.halaprintco.com : - 121الرياض ،11383هاتف ص.ب.
مركز الطباعة
ص.ب - 121 .الرياض ،11383 Saudi Specialized Publishing Company Saudi Specialized Publishing Company Saudi Specialized Publishing Company
حقوق النشر لهذه المطبوعات «المجلة» مرخصة حقوقالعربية باللغة المطبوعات النشر لهذه المطبوعات النشر لهذه «المجلة» مرخصة حقوقالعربية باللغة باللغة العربية مرخصة «المجلة»
Saudi Specialized Publishing Company
حقوق النشر لهذه المطبوعات باللغة العربية مرخصة «المجلة»
شركات المجموعة شركات المجموعة المجموعة هاتفشركات فاكس ،+9661.2657000
،+9661.2658000موقع إلكترونيwww.halaprintco.com :
شركات المجموعة للحصول على المزيد من المعلومات ،يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني 8002440014 للحصول على المزيد من المعلومات ،يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني 8002440014 للحصول على المزيد من المعلومات ،يرجى اإلتصال على
8002440014 الهاتف محفوظة المجانيلهذه المطبوعات حقوق التوزيع المطبوعاتاإلعالم» «تريبيون لخدمات محفوظة لشركةالتوزيع لهذه حقوق المطبوعاتاإلعالم» «تريبيون لخدمات محفوظة لشركةالتوزيع لهذه حقوق
المجاني لخدمات اإلعالم» الهاتف«تريبيون للحصول على المزيد من المعلومات ،يرجى اإلتصال على لشركة 8002440014 " محفوظة لـ " صورة الغالف :جون روبرتس حقوق النشر
صورة الغالف :جون روبرتس حقوق النشر محفوظة لـ " صورة الغالف :جون روبرتس حقوق النشر محفوظة
"
المطبوعات محفوظة حقوق التوزيع لهذه " لـ "
لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم»
محفوظة "لـ " صورة الغالف: النشرمحفوظة لـ حقوقالنشر Gettyimagesحقوق الغالف :جون روبرتس صورة
""
اإلفتتاحية
المحرر رسالة ّ التشبيح ..مصطلح دخل عنوة القاموس العربي بعد اندالع الثورة في سوريا ،غير أن تاريخ "التشبيح" لم يبدأ مع إطاللة الربيع العربي حيث كان للشعب اللبناني تجربة مريرة مع الوجود العسكري واألمني للنظام السوري في لبنان. في مقال مطول كتبه حسين عبد الحسين ،يشرح الكاتب اللبناني المقيم بواشنطن ،كيف أن "التشبيح" أصبح عقيدة لقطاعات واسعة من عناصر الجيش السوري الذين يستعملهم النظام في دمشق لمتطلبات أمنية أو دوافع سياسية. كما يتطرق عبد الحسين في مقاله "مستقبل العلويين في سوريا" إلى الخيارات التي قد يلجأ إليها بشار األسد في حال استمرار الثورة وعجزه و"شبيحته" على حسمها عسكريا أو استشعاره بقرب نهاية نظامه. في موضوع آخر كتبه هادي األمين الباحث في العلوم السياسية والدراسات الحكومية تحت ُ ً ُح ِد َثات الـ َه َش َ دولـة َه ّشة؟" يتطرق الكاتب اللبناني إلى يجعل لبنان اشة ..ما الذي عنوان "م ْ األسباب الداخلية والخارجية التي حولت لبنان إلى دولة فاشلة بكل المقاييس. دولة ،يقول األمين ،إن عدم االستقرار فيها أدى إلى تضعضع المؤسسات بشكل لم تعد فيه مؤهلة لممارسة وظائفها الطبيعية متهما النظامين السوري واإليراني بالعمل ولسنوات طويلة ُ (حزب اهلل وفصائل فلسطينية موالية) ،ال على دعم تنظيمات مسلحة لبنانية وغير لبنانية تستشعر مفهوم الدولة والتزاماتها وتنقلب على السلطة اللبنانية الشرعية متى أرادت. من جهته يتناول مهدي خلجي في مقال مميز تحت عنوان "بروتوكوالت المرشد" سياسة خلق األزمات التي تنتهجها إيران ،حيث يرى الكاتب وجود عوامل مشتركة بين البرنامج النووي اإليراني ونظام بشار األسد في سوريا ،حيث يهدف كالهما إلى تقويض المصالح الغربية في الشرق األوسط. ويرى الكاتب اإليراني أنه بقدر ما يرى آية اهلل علي خامنئي البرنامج النووي باعتباره أحد أسس الهوية السياسية للجمهورية اإلسالمية ،فإن موقفه الموالي لألسد حدد موقعه في السياسة اإلقليمية إليران. ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه الموضوعات وغيرها الكثير على موقعنا اإللكتروني majalla.comونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على الموضوعات أو االتصال بنا إذا رغبت في التواصل معنا.
عادل الطريفي رئيس التحرير
الكتاب امل�ساهمون يف هذا العدد د .محمد غامن الرميحي أستاذ علم اإلجتماع السياسي ،في جامعة الكويت .ق ّدم كتابات عدة تتعلق بمواضيع علم اإلجتماع السياسي ،وشغل مناصب كثيرة منها رئيس قسم ومساعد عميد كلية اآلداب والتربية في جامعة الكويت .أشرف على رئاسة تحرير صحف ومجالت عدة وكان أسس ورأس تحرير مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية التي تحولت في ما بعد إلى مركز دراسات الخليج العربي .ومن نشاطه أيضا عضويته في مجالس ولجان عدة من بينها اللجنة االستشارية بمركز الدراسات الخليجي بالجامعة األمريكية في الكويت والمعهد الدبلوماسي الكويتي ومؤسسة الفكر العربي ومنتدى الفكر العربي باألردن وغيرها.
مهدي خلجي كاتب إيراني مختص في اإلسالم الشيعي والسياسة الداخلية اإليرانية .يعمل باحثا في معهد واشنطن لسياسة الشرق األدنى .درس أصول الدين وفق المذهب الشيعي والفقه والفلسفة اإلسالمية في «الحوزة» بمدينة قم من العام 1986إلى العام .2000ساهم ومازال في عديد األبحاث المختصة المتعلقة بالحركات اإلسالمية بخاصة الشيعية منها.
بكر عويضه صحافي فلسطيني بدأ احترافه بصحيفة «الحقيقة» في بنغازي سنة 1968وعمل في صحيفتي «البالغ» و «الجهاد» في طرابلس ،وفي يونيو 1978تسلم مهمة مدير تحرير «العرب» في لندن ،وبعدها عمل مديراً لتحرير مجلة «التضامن» حتى اكتوبر 1988ثم مديراً للتحرير ومساعداً لرئيس تحرير «الشرق األوسط»، كما عمل مستشاراً للتحرير في صحيفة «إيالف» اإللكترونية ومجموعة ماروك سوار المغربية.
حسني عبد احلسني صحافي لبناني خريج «الجامعة االميركية في بيروت» حيث درس فيها التاريخ .يقيم في الواليات المتحدة األميركية وهو مدير مكتب جريدة الراي الكويتية في واشنطن. صاحب مدونة على موقع «المجلة» العربي بعنوان «من واشنطن» وسبق أن عمل منتجا لألخبار والبرامج مع قناة الحرة كما عمل مراسال ثم محررا مع صحيفة دايلي ستار اللبنانية وينشر دوريا في جريدة النهار اللبنانية كما له مقاالت عديدة نشرتها كبرى الصحف االميركية مثل نيويورك تايمز ،واشنطن بوست وغيرهما.
حسن فحص كاتب وصحفي مقيم في دبي حاليا .بدأ نشاطه في مجال النقد االدبي في عدد من الصحف والمجالت اللبنانية والعربية ،ثم عمل سكرتيرا للتحرير ثم مديرا للتحرير في احدى االسبوعيات السياسية اللبنانية .عمل مراسال لعدد من الصحف اللبنانية والخليجية واذاعة الشرق الباريسية من ايران ،ثم مديرا لمكتب الفضائية اللبنانية وبعدها مديرا لمكتب جريدة الحياة ومديرا لمكتب قناة العربية في ايران حتى تاريخ 2008/9/9عندما قررت السلطات االيرانية طرده من ايران بسبب انتقاده لسياسات ايران االقليمية .متخصص باالدب الفارسي .عضو الهيئة التأسيسية لمركز «جسور» (المركز اللبناني للدراسات والحوار والتقريب)
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
5
المحتوى
44 صـــــ
ملفّات الـ«سي آي إيه» السريّة شؤون سياسية
08
12
18
6
السياسي بال ّديني خلط ّ ووجوب تخليص المق ّدس من المدنّس حرب طائفية أم جهل مركب! بقلم :د .محمد الرميحي
دراسات
38
ُ يجعل لبنان ما الذي ً ّ دولـة َهشة؟ مُح ِدثات الـهشاشة بقلم :هادي األمين
56
العالقات اإليرانية السورية بين الماضي والحاضر فك االرتباط بقلم :حسن فحص
64
دفعت ثمناً باهظاً الصفوي العثماني في الخالف َّ العلويّة ..طريقة صوفية أم شيعة جعفرية! بقلم :د .رشيد الخ ُيّون
صحافة عالمية
منابع العنف في الشرق األوسط الجديد سياسة خشنة بقلم :وليم ماكانت
كتب
وفي للنظام بشار ..من حامل األمل الى دكتاتور ّ سقوط بيت األسد بقلم :غالية قباني
28 صـــــ العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
مستقبل العلويين في سوريا
شؤون سياسية
جتمعهم الصالة وتفرّقهم السياسة!
السياسي بال ّديني ووجوب تخليص المق ّدس من ّ المدنس خلط ّ
حرب طائفية أم جهل مركب! األسبوع األخير من رمضان الماضي (اغسطس/آب ، )2012وفي أيام يعتبرها المسلمون أيام فرج ورحمة ،انعقدت في مكة المكرمة، أعمال القمة االستثنائية لمؤتمر منظمة العمل اإلسالمي ،التي يضم في عضويته سبعا وخمسين دولة. بقلم :د .محمد الرميحي االستثناء سببه في االساس ما يحدث في سوريا من قتل للمدنيين بال هوادة وسفك دماء االبرياء ،ولكن المؤتمر طاف بعدد من المشكالت التي تواجه المسلمين في اكثر من مكان. الالفت هو اقتراح الملك عبد اهلل بن عبد العزيز ،الداعي للمؤتمر وحاضنه في جلسة افتتاح المؤتمر ،اقامة مؤسسة للحوار بين المذاهب االسالمية في الرياض ،هذا االقتراح ينقل العمل االسالمي من اآلنية الى المستقبلية.
8
تلبيس االختالف الفقهي فلم يعد سرا اليوم تلبيس االختالف الفقهي ،الذي صاحب المسلمين في معظم تاريخهم المعروف، خالفا سياسيا حادا وغير مبرر حتى في الوطن الواحد ،مما سبب شروخا في الجبهة الداخلية تستنزف الطاقات .خلط السياسي المؤقت والقابل للتبدل ،والذي تجري فيه وحوله المناورات، بالديني الذي ينتمي الى قواعد ثابتة ،هذه الخلط يزيغ االبصار وينشر الفتن. أوروبا المسيحية عانت من هذا الخلط سنين
طويلة ،ربما اكثر مما عانى المسلمون ،ولعل التذكير برسالة جون لوك هذا الفليسوف االنجليزي الشهير المسماه «رسالة في التسامح» التي سخر فيها من النزاع العبثي في القرن السابع عشر بين البروتستانت والكاثوليك ،الذي اهدر من الدماء انهارا ،وسخن الجبهات الداخيلة األوروبية الى درجة الغليان ،ثم انتهى الى تعايش بعد ان تأكد الجميع ان الخسارة فادحة. تلبيس الديني لبوس السياسي استمر في جيوب اوروبية عديدة ،لعل اشهرها في زماننا ،الصراع السياسي الذي تلبس الديني في مقاطعة شمال
ايرلندا ،وبعضنا يذكر رجل الدين ايان بيزلي في تلك المنطقة وخطبه النارية المتشددة ضد اآلخر المختلف .وقد اختفى كل ذلك بعد التوصل الى حلول سياسية ،ولكن المذاهب بقيت على حالها وأهلها اليوم في تناغم ،فتصافحت ملكة بريطانيا البروتستانتية منذ اسابيع ،مع رئيس الجيش الجمهوري الكاثوليكي السابق! ،مما يفيد أن التوظيف السلبي للتنوع يؤجج العامة ،ويحقن المجتمع بحقن سامة تؤدي بصفوفه الى التفكك. التنوع المذهبي في اإلسالم حقيقة ثابتة، وهو اجتهاد انساني ،في تاريخنا تنوع وافر واجتهادات شتى ،بقي من تلك االجتهادات ما اعتقد الناس انه نافع لهم ،واضمحل ما هو غير مفيد ،فاالجتهادات التي تعيش بيننا اليوم هي بعض االجتهادات االسالمية التي يطلق عليها «مذاهب» أما األخرى التي ظهرت في وقت ثم اختفت ،وكان المقصد منها سياسيا فلم تعد قائمة. حتى تعريف «المذهب» لغة هو الطريق او السبيل التي يسلكها الناس الى الهدف ،اما المقصد فهو واحد ،ارضاء اهلل وعمل الصالح في االرض واعمارها .التقريب بين المذاهب االسالمية ليس فكرة جديدة ،فقد اجتهد فيها عدد من العلماء في السابق ،وايضا اقيمت لها المؤسسات العاملة على تفعيلها. اقتراح الملك عبد اهلل هو «الحوار بين المذاهب» وليس التقريب بين المذاهب الذي دعا إليه البعض في السابق ،كما انه يفوق «التسامح» ألن المعنى الدفين للتسامح هو غلبة شيء على آخر، والتسامح معه يعني تأكيد التفوق ،وربما ذلك عمل ال توازن فيه. فكرة الحوار في معناه األهم هو «تخليص المقدس من المدنس» عن طريق إعمال العقل اوال ،وايضا من دون ان يطلب فريق من آخر أن يترك ما لديه لالنضمام الى الفريق اآلخر، هو اعتراف باالختالف الصحي ونقله من مكان شائك (السياسة) الى مكان رحب هو (الفكر واعمال العقل) وهو ال يتطلب الدعوة الى مذهب دون آخر ،أو تغليب تصور للتاريخ على آخر، كما ال يتطلب تفسيرات قسرية للتقارب ،بل يتطلب االعتراف باآلخر ،وابعاد الشأن السياسي عن الشأن الديني .وفكرة التنوع تعني ان األصل واحد.
تفعيل العقل في أجواء العرب الحالية التي تم حقن العامة بشعارات ضد اآلخر من اجل الحشد والتأييد حتى مع تغييب العقل ،في مثل هذه االجواء ،يسعى العقالء ويدعون اول ما يدعون الى الحوار ،ألن الحوار معرفة وتفهم ،كما انه ال يقتصر على الفقهاء ،بل العاملين ايضا في العلوم االجتماعية الحديثة ذات المناهج المقارنة ،التي تسبر غور
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
تاريخ المنطقة وتفاعالتها في اطوارها المختلفة والبناء على االيجابي منها ،كما يظهر الحوار مغبة التعصب األعمى وتزييف التاريخ الذي كتبه البعض من اجل أغراض سياسية .الحوار هو ايضا نزع القشور عن األصول. ابتلى العالم االسالمي ببعض ما ابتلى في عصرنا بالتجهيل والتوظيف السياسي ،وكان لذلك ارضيته التي تغذت على اهواء الساسة، وتفسيرات فقهاء الفضائيات وماكينات األحزاب المؤدلجة .وما دفع حتى اآلن من االثمان باهظ، وقد تدفع اثمان اكثر واعظم تستزف الجهود ،ان تركنا األمور تسير على ما هي عليه .اقتراح الملك عبد اهلل مبادرة إلنشاء هيئة الحوار التي هي «هيئة مستقلة للتفكير في شؤوننا» واشاعة ما تتوصل اليه للناس كافة للتبصر فيه ،مع وجوب الوقوف الصلب امام من يريد أن يتاجر في بضاعة الخالف النسبي في وجهات النظر، الى تصعيد اختالف سياسي طاحن عانت منه شعوب اخرى في فترات تاريخية سابقة ،انه تقديم الحكمة على الشطط .وتفعيل العقل ضد الجهل. لقد كان من ضمن من حضر الى المؤتمر في مكة الرئيس االيراني محمود أحمدي نجاد ،وقد اقترح الرئيس المصري محمد مرسي في ذلك المؤتمر تكوين ترويكا (رباعية) من دول :السعودية ومصر وتركيا وايضا ايران ،من اجل النظر في ايجاد حل للمعضلة السورية التي تعقدت كثيرا ،ودخل المجتمع السوري في حرب اهلية طاحنة ،كان من جرائها مقتل حوالي ثالثين الف قتيل ،وتشريد ما يقارب المليون مشرد في بالد الجوار مثل تركيا واالردن ولبنان ،وعدد كبير من المعتقلين .كان االقتراح المصري منخفض
اقتراح امللك عبد الله هو «احلوار بني املذاهب» وليس التقريب بني املذاهب الذي دعا إليه البعض في السابق ،كما انه يفوق «التسامح» ألن املعنى الدفني للتسامح هو غلبة شيء على آخر، والتسامح معه يعني تأكيد التفوق ،ورمبا ذلك عمل ال توازن فيه
القوة ـ كما يقال في العمل الدبلوماسي ـ ولكنه قرئ في طهران على ان مصر ربما يمكن ربحها الى جانب الصف االيراني ،وهو صف قليل العدد في العدة والعدد ،وان لم يكن ذلك، فعلى االقل تحييدها .لذلك اعد للرئيس المصري الجديد استقبال حافل في المؤتمر الذي تال وعقد في نهاية اغسطس ،2012وهو مؤتمر دول عدم االنجياز ،وفكرة عدم االنحياز فكرة ان اردنا تصنيفها «علمانية» نشأت من خالل تحالف دول عالم ثالثية بقيادة رجال تاريخيين ،هم نهرو من الهند ،وعبد الناصر من مصر ،وسوكارنو من اندونيسيا ،وجوزيف تيتو من يوغسالفيا (التي تفككت الحقا) ولكن االيرانين ارادوا احياء تلك المجموعة. لم يكن التجمع في طهران في شهر اغسطس 2012ناجحا ،فقد حضره فقد 29رئيس دولةمن 120دولة ،هي مجموع دول عدم االنحياز التي ارسلت اما وزير خارجيتها ،او ما دون ذلك. الجائزة الكبرى التي كانت تتوقعها طهران هي كسب مصر .ولكن المفاجأة وقعت عندما دان محمد مرسي رئيس مصر ما يحدث في سوريا، ادانة واضحة وبأقوى الكلمات ،كما تعمد التذكير والصالة على اصحاب محمد جميعا ،في محاولة الزاحة التعصب الطائفي .كلتا الفكرتين لم ترق للمضيف االيراني ،فغير وبدل في الخطاب اثناء الترجمة بوضع (البحرين) بدال من (سوريا) في نص الخطاب ،وايضا تجاهل المترجم التنويه التقليدي الذي يذكر فيه الخطاب االسالمي التنويه بصحابة الرسول صلى اهلل عليه وسلم. اتضح لطهران ان ما راهنت عليه لم يكن اال برقا خلبا ،لم تستطع ان تقول للعالم انها ربحت مصر، كما ان خطاب بان كي مون ،الذي قرع السياسة االيرانية في عقر دارها ،صب الكثير من الماء البارد على توقعات طهران ،وانتهي االجتماع بشكل احتفالي لم تخرج منه طهران بما اعتقدت انه سوف يتحقق.
خط غير ظاهر ال أريد أن أعمم ،فقد كان هناك خط غير ظاهر في السياسة االيرانية ،منذ قيام ثورة اإلمام الخميني له عالقة بالطائفة ،ولكنه كان مستترا بغطاء من الثورية ،وقد جرت في طهران مياه مثيرة ،كان اهمها محاولة السيد هاشمي رفسنجاني في حقبة حكمه الثانية ،ان يقوم بعمل سياسي يتخطى «الطايفة» وقد تبعه ايضا السيد محمد خاتمي في حقبتيه التي تسنم فيها الحكم. اال أن الخط الطائفي ظهر بوضوح في السياسية الخارجية االيرانية ابان حقبة حكم الرئيس أحمدي نجاد األولى والثانية .ما هي األسباب؟ أرى أن األسباب كثيرة ،فالرغبة االيرانية في التمدد والنفوذ ،هي رغبة قديمة وهي محاولة من
9
شؤون سياسية
اجل احياء شيء من «االمبراطورية الفارسية» لها صبغة قومية ،وفي المرحلة األخيرة ،صبغت بصبغة «طائفية» ركونا الى ان هناك عددا كبيرا من الشيعة العرب ،الذين تعتقد طهران انه يمكن استمالتهم إما بسبب الوضوع الذي يعانون منه في بلدانهم ،او بسبب طموح بعض قياداتهم .وأضيف الى ذلك الطموح الفارسي القومي ،تبني طهران – ولو قوال وبعض الفعل – شعارات النضال الفلسطيني ،ساعد في ذلك بعض القوى الفلسطينية التي وجدت ان ايران الثورية ،يمكن ان تقدم لها الدعم المادي أو المعنوي (النسيج الشيعي العربي بما يحيطه من ظروف سياسية واجتماعية ،مضاف اليه الموضوع الفلسطيني ،مع ما يحيطه من تعاطف عربي واسع ،مع موقف تحالفي مع اقلية حاكمة في سوريا) هذه الثالثية مدعومة بقدر كبير من المهارة في االستفادة من المعطيات ،قدر إليران في العشرية األولى من القرن الواحد والعشرين أن تمد نفوذها الى خارج الحدود باتجاه الخاصرة العربية. لقد قدم لها االحتالل االميركي للعراق ،فرصة ان يمتد محور النفوذ طويال ،الى درجة ان احمدي نجاد في زيارته الى بيروت في اكتوبر (تشرين األول) عام 2010قال التصريح الشهير ،ان محور قد تشكل بدوره في طهران مرورا ببغداد ودمشق وانقرة ثم بيروت .كانت خطاباته في لبنان خطاب الفاتح المترع بالنصر .وقتها كان نفوذ طهران غير مقاوم في بغداد ،ومترسخا في دمشق ،وقابضا على سلطة ضاربة هي حزب اهلل في لبنان المسلح بالمال والعتاد االيراني ،كما ان وفود القوى الفلسطينية تحج إليه ويقوم بدعمها. هو اختراق بالغ األهمية يتجاوز «الطائفية» وان ّ توكأ عليها في االمتداد االول.
حساب الحقل والبيدر ظهر من نهاية عام 2010أن رياح «الربيع العربي بدأت تهب من تونس» ،وكان ذلك فال خير ،فقد استقبلتها طهران خاصة عند انتقالها الى مصر ،على انها «امتداد للثورة الشعبية االيرنية» قبل ثالثة عقود ،رحبت بها واشتركت في زفها اعالميا ،خاصة بعد ان تبين «النفس االسالمي» فيها ،ولو كان سنيا ،فحماس سنية ،ولم يمنع ذلك التعاون على قاعدة «ثورية» معها! المفاجأة أن أصابت رياح «الربيع العربي» ،الحليف والعمود الرئيسي للتحالف االيراني ،واعني بها سوريا، فبدأت الماكينة االعالمية االيرانية ،وايضا توابعها العربية تتراجع عن توصيف الثورات الربيعية ،بل وتصف ما يحدث في سوريا على انه تدخل امبريالي صهيوني .حاولت حلب مصر أو ضمها الى خطها ،فوجدت ان حساب الحقل ال ينسجم مع حساب البيدر ،كما ان المطالبات السياسية في البحرين التي سرعان ما تأثرت
10
بمطالب «جمهورية اسالمية» لم تستطع القوى الحديثة ان تؤثر في مسارها عند انطالقها ،جعلت من بعض القوى المحلية والخليجية تتوجس منها. الحسبة النهائية لرببع العرب ،جاءت على غير ما يهوى نجاد من تطور المحور االيراني .بل ان ما يحدث في سوريا سوف يقصم ظهر ذلك المحور، خاصة اذا تطور الوضع في بغداد بانفكاك كامل او جزئي من ذاك المحور. الخطأ القاتل لسياسة ايران الخارجية ،هو محاولة تلبيس المذهبي على الثوري ،وهو تلبيس اضطرت ان تتعامل معه بوجهين ،وجه ثوري موجه للقوى العربية السنية التي ترى أن األوضاع القائمة سيئة للغاية ،ووجه طائفي متمثل في أن هناك (اضطهادا لألقلية الشيعية في بحر سني) ..كال الوجهين ضعفهما في عدم الشفافية. ومن جهة اخرى فإن دخول ايران في صراع مع القوى الكبرى ،قاعدته الرئيسية (خوف مرضي من فقد السلطة في ايران من القوى الدينية) .يعرف أهل الرأى االيرانيون ،كما يعرف المستنيرون من أهل «القومية االيرانية» أن حكما دينيا ال يمكن ان يستقر ،في قرن يشهد تحوالت كبرى .وايضا ال يمكن ان يقبل العقل «معصومية» سياسية من اي نوع ،مهما بلغت من الشفافية ،فالحكم نزاع يين قوى مختلفة لها مصالح مختلفة ،ال يمكن ضبطها اال من خالل «صناديق اقتراع شفافة ودورية» وعلى قاعدة خدمة المصالح العامة والحديثة. تقع السياسة االيرانية في نفس خطأ القوى «الثورية العربية» التي اعتقد ان العالم همه الرئيسي ان يطيح بحكمها ،فضيقت على نفسها وعلى شعوبها ،وبزت اآلخرين في استكمال بنية «مخابراتية» فائقة القسوة ،وكان الثمن ان توسعت السجون وتشككت الدولة في المواطن، الى أن فقد األخير ثقته بها ،ونسيت او تناست ان الشعوب تصبر ،ولكن ال تطيق الصبر عقودا طويلة .هذا الخوف المرضي من فقد السلطة والشعور بما يسمى «المهمة المقدسة» في قيادة الشعوب ،لم يعد لها تبرير مقنع اليوم لدى قطاع واسع من الشعوب .كما القوى الثورية العربية التي ألهت شعوبها بقضية «التحرير» وحرمتهم من «الحرية» على حساب التحرير ،فال التحرير أتى وال الحرية تقدمت! ال يشعر كثير من النخب االيرانية بالتعاطف الذي تشعر به النخبة الحاكمة ـ أو بعضها ـ مع القضية الفلسطينية، فهناك من يعتقد في ايران ان توريط ايران في
تلك القضية خاسر ،خاصة انها ال تستطيع ان تقدم العون الحقيقي للتحرير ،غير ذر الرماد في عيون السذج .كما تعتقد بعض النخب االيرانية «القومية» ان العرب ـ شيعة وسنة ـ ليسوا على سوية الشعب اآلري الذي تنتمي اليه شعوب ايران ،ثم يطرح السؤال من النخب االيرانية، وهو لماذا نحرم من التقدم بسبب تلك الشعارات. اعتقد ان قضية «امتالك التقنية النووية» في ايران هي شعار من اجل حشد الشعب االيراني خلف قضية يشعر بالفخر بها ،ألن التقدم التقني لم يحدث في اي مجتمع من دون حرية وتقدم اجتماعي وسياسي ،سوف يبقى التقدم التقني معلقا في الهواء ال أعمدة تحميه من السقوط. بعد طول مسيرة وجد العرب الثوريين أن العزلة ال تقدم الشعوب ،وان شراء السالح ال يحقق النصر ،فعاد كثير منهم الى مواقع العقالنية التي تحتم ان تجمع الجهود من اجل تنمية شاملة تقودها حريات الناس .ايران تغوص فيما غاص فيه العرب الثوريين قبل سنوات ،وربما تصل الى نفس النتيجة ،أحالم االمبراطوريات انتهت. الحكم في ايران يريد ان يستمر بنفس الشروط، بخلق شعارات مختلفة ،ولكن الكثير من شعاراته تعجز عن توفير األسباب األولية لعيش كريم في بالد لها تاريخ طويل من الحضارة .من هنا فإن األدوات التي استخدمتها السياسة الخارجية االيرانية ،قد باءت بالفشل منها اداة «الطائفية» التي سممت عالقة منسجمة بين مسلمين موحدين. ال أريد أن أغادر هذا الجزء من دون الحديث عن تعصب مضاد ،انساق اليه بعض ابناء الطائفة السنية ،عن جهل أو تجهيل ،فأضاف الحطب المعمتد على الجهل ،الى الحطب المعتمد على االنتهازية السياسية.
المستقبل مما تقدم فإن المسكوت عنه اليوم في الفضاء االسالمي والعربي ،وفي العالقات االيرانية والعربية ،هو كيف يمكن ان يحفظ للشعوب مستقبل تتقدم فيه ،في الوقت الذي يصل غيرها الى المريخ تتقاتل هي على من له حق الوالية قبل قرنين من الزمان! وكيف نفسر هذا النص أو ذلك من التراث؟ لقد استنفذ السياسيون كل قدرات األمة ،وما زال بعضهم يفعل من دون تقديم مشروع نهضوي حقيقي ،يجعل االنسان اكثر سعادة في حياته ،تقدم له خدمات صحية وتعليمية وادارية حديثة ،تنقي بيئته من الملوثات ويأكل أكال صحيا ،ويخضع لقانون حديث ينظم العالقة بينه وبين الدولة على قاعدة حقوقية حديثة؟ من دون حل كل ذلك ،ال نستطيع ان نتحدث عن «تحرير» ،قبل تحرير االنسان ،وال تنمية قبل تنمية الفكر ،وال حوار ،ان لم نؤمن بأن ألد عداء المعرفة ليس الجهل ،بل توهم المعرفة!
Distinguish yourself
King’s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, King’s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011
www.kcl.ac.uk 37
2012 يناير،1569 العدد
شؤون سياسية
عندما يتساوى علم الوطن مع علم احلزب تنتهي الدولة
ً ما الذي ُ دولـة َه ّشة؟ يجعل لبنان
مُحدِثات الـهشاشة الدولة هي مجموعة من االفراد اتفقوا وتعاقدوا «طوعا أو غصبا» «سلما أو حربا» في ما بينهم على العيش في إقليم جغرافي محدد يخضعون فيه لنظام سياسي معين يتولى شؤون تلك الدولة .تشرف تلك الدولة على انشطة سياسية واقتصادية واجتماعية التي تهدف باألساس إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة االفراد فيها. بقلم :هادي األمين -باحث لبناني في العلوم السياسية والدراسات الحكومية
وقد تجاوزت الدول التي نعرف والتي ال نعرف المائتين في هذا العالم فإن دوال قرر البعض فيها التملص من أي عقد رابط أو اتفاق جامع، فأصبحت غير فعّالة وال يمكن لها أن تؤدي الحد األدنى من وظائف الحكم.
- 1في تعريف الهشاشة وصفات الدولة الهشة تبعاً لمعجم الرائد في اللغة العربية ،تُ ُ طلق كلمة ّ «الهش» على الشي إذا َ الن واسترخى ،ويقال، ّ ُ «صار العود هشا» ،أي سريع الكسر .ويورد
12
المعجم الوسيط بعض دالالت كلمة «الهشاشة» لمعان متعدد ٍة ومنها المعنى الذي المحتمل ِة ٍ نقصده ،أي الرخاوة والضعف وقابلية االنكسار، هش الخبز ونحوه ّ فيذكرَّ : هشا وهشوشةَّ : رق َّ وجف حتى صار سريع الكسر ،وهش العود هشوشا :تكسر .والهشاش :يقال :خبز هشاش، يعني هش .وهش الشي ُء هشوشة :صار خ ّوارا ضعيفا» ( .)1ويُقالَّ : هش الحكم ،يعني صار ّ وهشت الدولة :يعني صارت خوارا ضعيفا، خوارة وضعيفة .بينما يذهب قاموس أكسفورد «ه ّ إلى تعريف كلمة َ ش» على أنها كل ما هو
عرضة للكسر أو التكسير أو ٌ ٌ ٌ قابل أو «قابل أو ٌ عرضة للتقطيع أو التحطيم بسهولة أو ضعيف ٌ وقابل للتلف أو عرضة للتدمير» ()2 في هذا السياق ،وتوضيحا للمعنى والمصطلح ُستعمل في هذا المقال ،فإن المقصود هنا الم ِ بـ»الهشاشة» ،اإلشارة إلى الدولة غير الفعّـالة، أي تلك التي ال يمكن لها أن تؤدي الحد األدنى من وظائف الحكم .وهنا ،ال تفوتنا اإلشارة إلى أنه ،وعالوة على المصطلح الموصى به ،أي مصطلح «الهشاشة» ،فإن مصطلح «الدولة ُ
آخر يدخل لتعيين ذات الضعيفة» هو مصطلح ٌ ٌ المفهوم ،بلحاظ كونه أهليا من عائلة المعنى ال دخيال ،أي بلحاظ كونه مرادفاً للمصطلح األم الموصى به سابقا.
ذكر بعض من األسباب الكثيرة التي تؤدي إلى هشاشة الدولة بشيء من التفصيل ،وهي: عدم االستقرار السياسي ،ضعف المؤسسات، والتدخل الخارجي.
ُ يذهب جم ٌع من فقهاء السياسة وعلمائها إلى ّ استعمال مصطلح «الدولة الهشة» ،إلطالقه على تلك الدول العاجزة عن إدارة وحكم كل أراضيها على نحو فعّال ونافذ ومؤثر ،مما يؤدي إلى وقوع خطر على شعوب هذه الدول وعلى دوام مصالحها .فيما يذهب آخرون إلى القول بأن «الدولة الهشة».
-عدم االستقرار السياسي
ونظرا إلى انعدام القانون في بعض مناطقها، تتحول لتصبح مالذا لإلرهابيين ،تجار المخدرات ومهربي السالح ( .)3وزيادة على ما تقدم ،فإن «الدولة الهشة» ،مضافا إلى عدم شمول سلطان حكومتها على كل أراضيها على نحو فعّال ونافذ ومؤثر ،فإنها تعاني من اختالل ٌ اختالل يمنع هذه المؤسسات من في مؤسساتها، القيام بالوظائف المفترض قيامها بها .بمعنى آخر ،إن الدرك الذي تصل إليه هذه المؤسسات بسبب هشاشة الدولة ،يجعل منها مؤسسات تعاني من انحالل خطير ،وفساد مستشر على نحو يشل قدرتها على العمل وفق موجبات القانون ،ويجعلها عاجزة عن تقديم الخدمات األساسية على نحو منتظم ،مما يؤدي على سبيل الجزم واليقين ،إلى تهديد االستقرار .علماً بأنه وفي هذا النوع من الدول ،تتحول السلطة القضائية ،وكذا المؤسسات األمنية والعسكرية، إلى سلطة ومؤسسات مدينة بالفضل لألقوياء واألغنياء (.)4 إن الدولة التي تفشل إلى حد كبير في القيام بإحدى وظائفها المركزية ،كتلك المتعلقة بتمكين المواطنين من المشاركة علنا وبحرية في العملية السياسية ،وكتلك المتعلقة بمنع الغزوات والتسلل إلى أراضيها ،وتلك المتعلقة بوقف التهديدات التي تطال البنية االجتماعية والنظام العام ،وتلك المرتبطة بالحد من الجريمة ،ال بل بمنعها ،وتلك المتعلقة بعدم السماح للمواطنين بتسوية نزاعاتهم فيما بينهم ،وتلك التي مع الدولة ،عبر السالح والعنف وغيره من أشكال اإلكراه البدني ،أقول بأن الدولة التي تفشل في كل ذلك ،هي «دولة هشة» على وجه الجزم وال إلزام.
هو مصطلح م ٌ ُختلف عليه ،وقد يعني للبعض ما ال يعنيه آلخرين ،أي قد يختلف فهمه شخص آلخر بلحاظ تعدد األفهام وتصوره من ٍ وتعدد زوايا النظر إليه ،ال بلحاظ كونه مفهوما مَ ُش ِككاً كما يذهب إلى ذلك بعض الفالسفة .إال أن المشهور والمتعارف هو استعماله لإلشارة إلى حاالت العنف السياسي التي تعاني منها بعض البلدان ،ابتداء بأعمال الشغب أو األزمات الحكومية ،وانتهاء بعمليات االغتيال واالنقالب على نظام الحكم وما شاكل (.)5 هنا ،ما نعتقد به هو أن الدولة هي الضامن لالستقرار واألمن ،وبالتالي ،فإن ما يعنينا
من هذا المصطلح هو اإلشارة إلى أن عدم االستقرار السياسي يعني بالضرورة ،في هذا المقام ،كسر هيبة الدولة ومنعها من القيام بالواجبات الشرعية المنوطة بها والموكلة إليها، أيَّ ، كل عملية تؤدي إلى الطعن في أسس هذه الدولة عبر العنف المسلح بكل أشكاله (اغتياالت – اعتداءات مسلحة – قطع طرقات – إرهاب المواطنين) .إن عدم االستقرار السياسي يؤدي فيما يؤدي إليه ،إلى تقويض سلطة الدولة وشرعيتها وسد كل آفاق التنمية على اإلطالق، وبالتالي المساهمة في جعل الدولة هشة (.)6
ضعف المؤسساتإن الكيفية التي تنتظم وتعمل فيها المؤسسات السياسية في أي بلد من البلدان ،تُشكل دليال كافيا يساعد على تبيان شكل النظام السياسي وتصنيفه ،وتحديد شكل الحكم فيه .إال أن شكل النظام والحكم ،من وجهة نظرنا ،غير مرتبط بضمان االستقرار السياسي بحد ذاته ،بل إن
إن الدولة التي تفشل إلى حد كبير في القيام بإحدى وظائفها املركزية ،من متكني املواطنني من املشاركة علنا وبحرية في العملية السياسية أو منع الغزوات والتسلل إلى أراضيها أو وقف التهديدات التي تطال البنية االجتماعية والنظام العام واحلد من اجلرمية ..هي «دولة هشة» على وجه اجلزم واإللزام
اللبنانيون :خرج السوريون وبقي حلفاؤهم
- 2في أسباب الهشاشة إذاً ،ذكرنا في القسم الذي سبق ،وبإسهاب، صفات الدولة الهشة ،وقمنا بالقدر الذي يسمح به المقام ،بإيراد ما تكون عليه الدولة الهشة من ضعف وترهل واضمحالل .إال أن المطلوب لكي نصير إلى تمام موضوع البحث والمقال،
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
13
شؤون سياسية
ً كثيرا حال الدولة في لبنان بعد اتفاق الطائف، لم يتغير لعيب في االتفاق وبنوده ،بل ألسباب أخرى كثيرة ،منها ال ٍ ضعف بعض املوقعني عليه ومهادنتهم ،وبطش البعض اآلخر وشذوذهم عن القاعدة ،واستئنافهم مسيرة االحتكام إلى اخلارج الذي كان يستحضر القوة والتسلط ودعم اخلارج لهم، ُ من االتفاق املقادير واألشكال التي تخدم سياسته اإلقليمية، واستمرار وصايته على لبنان
هذه المؤسسات وإفقارها وإضعافها ،وبالتالي جعلها أدوات طيعة بوظائف ضمنية تمنع الدولة من القيام بوظائفها الطبيعية. ً تفصيال هو التدخل الخارجي في شأن دولة ليس ً ما ،ذلك أن قليال من تقصي األوجه المختلفة ُ تكشف مدى الخطورة التي يرتبها الناتجة عنه، ً َ َ التدخل على الدول ِة ال ُمتدَخ ِل فيها ،وخصوصا ،إذا كانت الدولة الضحية ،مسرحاً خصباً ألجندات ومشاريع مختلفة .إن التدخل الخارجي ،بما يُقصد منه في كثير من األحيان من تحقيق لجملة من األهداف السياسية واالقتصادية ،ال يتم َّ إال عبر تأليب جهات مختلفة على بعضها البعض، ودعم فريق ضد آخر ،عبر المال والسالح والمقدرات .وهذا ،يؤدي حتماً ،وبال أي اهتجاس نظري ،إلى خراب مضاعف ومستمر ومفتوح على احتماالت النيّل تماماً من الدولة وفاعليتها، ما يجعلها دولة هشة غير قادرة على نظم األمور ،وكذا غير قادرة على مواجهة التحديات متى استجدت ،ناهيك عن جعلها بغير ذات قدرة على إدارة شؤونها وتطويرنظامها السياسي.
- 3في حال لبنان
اللبنانيون :أين صوتي ما يضمن االستقرار السياسي هو انتظام عمل مؤسسات الدولة ،بغض النظر عن شكل الحكم فيها .بمعنى آخر ،إن التفكير في شكل األنظمة السياسية ،قد ال يؤدي بالضرورة إلى النتيجة المرجوة عند بحث أسباب «الهشاشة» (.)7 إن ضعف المؤسسات في أي بلد من البلدان، كالمؤسسات السياسية واألمنية ،يؤدي بها إلى عدم القدرة على اتخاذ أي خطوات فعالة لمعالجة بعض الصراعات الطبيبعة التي تحدث في المجتمع ،وخصوصا عندما يطرأ على الدولة بعض التبدالت سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية .وهذا الضعف ،زيادة على ما تقدم، يؤدي إلى تولد شعور عند المواطنين بغياب الرادع ،وبالتالي الشعور بانعدام ثقة المواطن بالدولة ،مما يقود إلى بروز نوع من أنشطة غير مشروعة وقانونية بين المواطنين ،وإلى تولد «مؤسسات» رديفة تقوم مقام المؤسسات األم ،وفي هذا تقويض لمؤسسات الدولة وبالتالي
14
لسلطتها ،وهذا دافع أساسي ،من وجهة نظرنا، باتجاه تحويل الدولة إلى دولة هشة.
التدخل الخارجيبلورت معاهدة ويستفيليا (عام )1684اإلطار األساسي لمفهوم عدم التدخل في شؤون الدول األخرى ،بما يعني أن بنية السلطة الداخلية للدولة يجب أن تدار من الداخل ،مع وجوب أن تكون مستقلة ومتحررة من أي ضغط أو تدخل خارجي .بمعنى آخر ،لقد أسست هذه الوثيقة إلى عدم جواز وجود تأثيرات قوى خارجية ودعت الى استقاللية هياكل السلطة الداخلية في الدولة (.)8 طبعاً ،هذه الجزئية الواردة في المعاهدة ،تهدف، في أحد جوانبها ،إلى تأكيد الحفاظ على مؤسسات الدولة ووجوب صونها وتثبيت استقاللها عن أي مؤثر قد يأتي من خارج الحدود ،بقصد تجويف
لم يتغير كثيراً حال الدولة في لبنان بعد اتفاق لعيب في االتفاق وبنوده ،بل ألسباب الطائف ،ال ٍ أخرى كثيرة ،منها ضعف بعض الموقعين عليه ومهادنتهم ،وبطش البعض اآلخر وشذوذهم عن القاعدة ،واستئنافهم مسيرة االحتكام إلى الخارج الذي القوة والتسلط ودعم الخارج لهم، ُ كان «يستحضر (من اتفاق الطائف) المقادير واألشكال التي تخدم سياسته اإلقليمية ،واستمرار وصايته على لبنان» (.)9 هذا ،أدى فيما أدى إليه ،إلى تعرض هذا االتفاق وما يحتويه ،على مدى السنوات التي تلت توقيعه ،إلى أكبر عملية تصفية وتبديد ،على نحو ما يتعرض له اليوم السل ُم األهلي في البلد. إال أن اللحظة التي ساهمت في تحويل الدولة من دولة باستقرار مزيف ،إلى دولة هشة ضعيفة بوضوح ،مقيدة القدرة على التحرك والمبادرة، كانت لحظة ابتداء تصفية الخصوم والقضاء عليهم عبر التفجير والقتل واالغتيال. ليس عسيرا هو الجه ُد الذي يُمكن أن يُبذل لحصر التاريخ الرسمي للبداية الجليّة لمرحلة عدم االستقرار السياسي في لبنان ،ذلك أن ّ تذكر تاريخ الرابع عشر من فبراير (شباط) عام ،2005أي يوم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني األسبق رفيق الحريري بألف كيلوغرام من المتفجرات ،وما أعقبه من تواريخ ،يكفي للتدليل على بداية مرحلة أسست لكسر هيبة الدولة ومنعها من القيام بالواجبات المنوطة بها والموكلة إليها ،أي أنها ،أسست إلى بداية
الطعن في أسس هذه الدولة عبر العنف المسلح بكل أشكاله .طبعا ،حين نذكر هذه التواريخ، فإننا ال نقصد من ذلك رد أسباب عدم االستقرار السياسي إليها وحدها ،ذلك أن أحداثا أخرى حصلت في لبنان ،ساهمت هي التالية ،في جعل عدم االستقرار أمرا مؤكدا وناجزاً. ُ حزب اهلل لقد كان للتنظيم المسلح المعروف، الذي تخضع مناطق في لبنان لسيطرته التامة، الي َد الطولى في ّ هز استقرار البلد ،وتعريضه لالستنزاف ،وذلك عبر هروب هذا التنظيم المسلح الى الداخل ،في محاولة منه لحماية السالح ومهمة السالح وارتباطات السالح، فاحتل وسط بيروت وعطل الحياة االقتصادية فيها ،كمقدمة لتعطيل الحياة السياسية في لبنان والسيطرة الكلية على مفاصله. َّ نفذ حزب اهلل مهمته جيداً ،وبدعم من قوى أطلق عليها يومذاك تسمية «المعارضة الوطنية اللبنانية» استطاع إغالق مجلس النواب، ونشر الرعب في نفس كل مواطن ت ّواق الى الديمقراطية وحكم الدولة ،وصنع سجناً لمن افترضهم عمالء وخونة ،فوضع فيه سياسيين َّ نظروا للسيادة والحرية واالستقالل ،ورجال دين دافعوا عن مشروع الدولة ،كما راح يقرع آذان اللبنانيين بشعارات فيها كثير من اجترار ذهني كسول لوصفات غريبة ومعلّبة. يكتف هذا التنظيم المسلح ،أي حزب اهلل ،بهذا لم ِ قرر الذهاب نحو الكارثة ،فكان السابع القدر ،بل ّ من أيار لعام 2008موعداً الحتالل لبنان بقوة شرد ،وطرد السالح ،فقتل من قتل، وشرد من َّ ّ من طرد ،وسيطر على آخر معاقل الدولة .هكذا، ساهم هذا التنظيم المسلح ،وبشكل كبير ،في زرع بذور عدم االستقرار في لبنان ،وأسس لمرحلة جديدة ساعدت في إضعاف الدولة ومؤسساتها. طبعا ،لعلنا نروم من هذا السرد الذي تقدم ألسباب عدم االستقرار ،إلى بناء صورة متكاملة نسبياً، تقودنا نح َو التماس تبعات هذا األمر ونتائجه على لبنان ودولته .لقد أدى عدم االستقرار في لبنان إلى تضعضع المؤسسات بشكل لم تعد فيه مؤهلة لممارسة وظائفها الطبيعية .بعبارات أخرى ،لقد ساهم التنظيم المسلح المذكور سابقا ،أي حزب اهلل ،وبسبب دوره الكبير في عدم االستقرار، ساهم في إجبار كثير من المؤسسات ،األمنية منها على وجه الخصوص ،على التسليم بشرعية األمر الواقع الذي فرضه ،مما أشعر المواطنين بغياب الرادع ،وبالتالي أشعرهم بانعدام ثقتهم بالدولة .عدم الثقة بالدولة هذا ،قاد إلى بروز نوع من أنشطة غير مشروعة وغير قانونية بين المواطنين ،وإلى تولّد «مؤسسات» رديفة قامت ً مثاال). مقام المؤسسات األم (أجنحة عسكرية مضافاً إلى ذلك ،بدأت مؤسسات أخرى كثيره،
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
وبسبب عدم االستقرار وضعف الدولة ،تعاني مستشر على نحو من انحالل خطير ،وفساد ٍ شل قدرتها على العمل وفق موجبات القانون، وجعلها عاجزة عن تقديم الخدمات األساسية على نحو منتظم. لقد استعملت أنظمة خارجية ،وبخاصة ،النظامان السوري واإليراني ،لبنان ودولته لعقود طويلة، ً خال من أي ورع استعماال أقل ما يقال فيه بأنه ٍ أو أخالق ،استعمال أدى بلبنان ،بأن يخرج في كل مرة بحصاد مفجع وبائس على صعيد فاعلية الدولة واستقرارها. لقد عمل النظامان السوري واإليراني طوال السنوات التي خلت على دعم تنظيمات مسلحة ُ (حزب اهلل وفصائل فلسطينية لبنانية وغير لبنانية موالية) ،أقل ما يقال فيها وعنها ،أنها ال تستشعر مفهوم الدولة والتزاماتها وتنقلب على السلطة اللبنانية الشرعية متى أرادت. بمعنى آخر ،إن هذه التنظيمات التي أخذت تلك الشرعية من هذين النظامين ،إنما أخذتها لغرض استعمالها ،وبرضى هذين النظامين أيضا، كغطاء يجيزان لها عبره القيام مرة بنشاطات مسلحة تكسر هيبة الدولة ،ومرات بتهريب األسلحة والصواريخ بحجة دعم «المقاومة»، أسلحة وصواريخ فعلت فعلها في إماتة وتهديم األعمدة األساسية التي تقوم عليها الدولة .والحال
أن هذين النظامين ،لم يكتفيا بإضعاف مشروع الدولة الوطنية في لبنان فحسب ،بل عمال على حراسة حال الضعف والتفكك هذه ،وذهبا إلى التسويغ لها وإسباغ الشرعية عليها من خالل بالجملة وال ُم َف ّرق ،لمشاريع إعطاء شرعياتُ ، سياسية وعسكرية للميليشيات والتنظيمات ذات االستتباع األعمى.
- 4خاتمة لقد أشرنا في بداية هذا المقال إلى َّ أن «الدولة الهشة» ،هي تلك الدولة العاجزة عن إدارة وحكم كل أراضيها على نحو فعّال ونافذ ومؤثر، وهي أيضا ،تلك الدولة التي ينعدم القانون في بعض مناطقها ،وتلك التي تعاني من اختالل في مؤسساتها ،اختالل يمنع هذه المؤسسات من القيام بالوظائف المفترض قيامها بها. كما أشرنا الحقا إلى بعض األسباب التي تجعل نأت بما أتينا من أي دولة ،دولة هشة .طبعاً ،لم ِ به حشواً ،وإنما فعلنا ذلك بهدف فهم الحال الذي هو عليه لبنان ،وكذا فهم األسباب التي جعلت من الدولة في لبنان ،دولة هشة .قطعاً، إن األسباب التي تجعل من الدولة في لبنان دولة هشة ،والموانع التي حالت ،وال زالت تحول دون السماح للدولة بالتطور على أسس سليمة ومتينة ومعافاة ،هي موانع كثيرة ،جانبنا بعضها ،ال لعدم اإليمان بأهميتها ،بل تقديماً لألسباب والموانع األهم.
- 1المعجم الوسيط .مكتبة النوري ،طبعة دمشق الثالثة .ص ()1026 Oxford English Dictionary. 1989. 2nd ed. Oxford: Clarendon Press - 2 Kaplan ,S. (2008) : « Fixing Fragile states: A New Paradigm For - 3 Development». Greenwood Publishing Group, Incorporated. P.2 Ibid - 4 Vallings, C. and Magui-Torres, T. (2005): «Drivers of Fragility: - 5 .What makes States Fragile». PRDE Working Paper Naude, W., Santos-Paulino, A., Mark M. (2011): «Fragile States: - 6 Causes, costs and responses». Oxford University Press. P.7 Vallings, C. and Magui-Torres, T. (2005): «Drivers of Fragility: - 7 What makes States Fragile». PRDE Working Paper Kranser, D. (2001): «Problamatic Sovereignty: Contested Rules - 8 and Political Possibilities «. New york: Colombia University Press - 9محمد حسين شمس الدين ( « :)2006حبيبتي الدولة» .جريدة المستقبل ،بيروت ،لبنان
15
األفكار خلف األخبار
شؤون سياسية
خامنئي يستقبل حافظ األسد بحضور هاشمي رفسنجاني في أغسطس 1997
العالقات اإليرانية السورية بين الماضي والحاضر
فك االرتباط مع بداية األحداث واالنتفاضة الشعبية التي شهدتها وتشهدها سوريا ،أصدر المجلس األعلى لألمن القومي االيراني ،تعميما صارما الى كل وسائل االعالم الداخلية االيرانية ،عبر وزارة الثقافة واإلرشاد اإلسالمي ،التي تتولى مسؤولية اإلشراف على هذه الوسائل بعدم التطرق «ال من قريب وال من بعيد» لموضوع األزمة السورية ،واعتبارها كأن لم تكن. بقلم :حسن فحص وقد وصل األمر في المتابعات التي قامت به دائرة الصحافة الداخلية في وزارة االرشاد، بأن طلبت من كل الصحف حذف أي فقرة في أي مقال تتحدث عن الوضع السوري إيجابا أو سلبا ،في حين اكتفت مؤسسة اإلذاعة والتلفزيون الرسميين ،بنقل الرواية الرسمية السورية عن األحداث ،ووجود مجموعات تخريبية تستهدف أمن المواطنين وقتل عناصر من الجيش السوري وقوات حفظ
18
النظام واألمن ،في سياسة اعالمية تشبه الى حد كبير ،السياسة االعالمية التي يتبعها حزب اهلل اللبناني في التعاطي مع الشأن السوري. هذا االتجاه لدى أعلى سلطات ايرانية تعنى باألمن القومي ،أتى متزامنا مع الكشف عن قراءة مرشد النظام االيراني آية اهلل علي خامنئي لألحداث السورية ،ومدى تأثيرها على الوضع االقليمي اليران.
خامنئي اعتبر ان سوريا وحكومة بشار األسد تمران بوضع صعب وامتحان عسير، ومنذ البداية اشار الى ضرورة التوقف عند التوافق العربي والغربي في الموضوع السوري .واعتبر ان التيارات المتشددة في سوريا ،واكثرها تصب في السياق السياسي لالخوان المسلمين ،تشكل العصب الرئيس لكل التوترات واألحداث األمنية التي تشهدها سوريا اليوم.
خامنئي الذي كان يتحدث في جلسة جمعته مع قادة النظام السياسيين واألمنيين والعسكريين، أكد أن القوى الغربية والدول العربية ،تسعى للوصول الى عدة اهداف اهمها. 1ـ معاقبة بشار األسد بسبب دعمه الدائم والمستمر لتيار المقاومة في المنطقة ،وخاصة حزب اهلل في لبنان. 2ـ تعويض الخلل الحاصل في موازين القوى والتوازن السياسي في المنطقة ،الذي حدث بعد السقوط المتوالي للحكومات الموالية للغرب، وبشكل خاص ،سقوط الرئيسين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي ،ما دفع الدول الرجعية في المنطقة (حسب تعبير خامنئي( ،ألن تضع في سلم اولياتها هدف اسقاط النظام السوري وبشار االسد شخصيا ،للتعويض عن الخسائر التي لحقت بها. 3ـ استكمال محاصرة ايران من خالل قطع التواصل بينها وبين حزب اهلل في لبنان ،وضرب االستقرار األمني على الحدود مع العراق. 4ـ خلق ارباك في تحديد طبيعة الثورات واالنتفاضات التي شهدتها المنطقة ،من خالل استهداف األسد ،ووضعه في الخانة ذاتها مع مبارك وبن علي والقذافي وصالح. وأكد خامنئي في قراءته أن سوريا وبشار األسد يواجهان اياما صعبة ،واصفا المرحلة بأنها «مصيرية» على المنطقة ،متهما القيادات الغربية واسرائيل وبعض الالعبين االقليميين في اشارة الى تركيا والدول العربية ،بالوقوف وراء تهيئة االجواء للتحركات التي يقوم بها السلفيون واالخوان في سوريا وتقديم الدعم المالي العسكري واالعالمي لهم.
وكشف خامنئي ان المساعي الغربية والعربية تجاه سوريا واألسد ،تصب اليوم على رفض االجراءات االصالحية التي اعلنت عنها الحكومة السورية ،والدفع باتجاه المواجهة المسلحة ،ما يزيد من االزمة الداخلية ،ويوفر االرضية للتدخل الخارجي والقضاء على األسد أو اضعافه وفرض االستسالم عليه.
محطات تاريخية تعود جذور العالقة بين سوريا والوضع االيراني ،الى ما قبل انتصار الثورة اإليرانية عام ،1979عندما استقبلت سوريا معسكرات
خامنئي :دخول ايران املباشر في األزمة السورية ،سيساعد في تصعيد الهجوم االعالمي ضدها وضد احلكومة السورية ،ويؤجج الشارع الشعبي السوري ضد ايران من بوابة اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلدهم ،ويخلق صورة عن ايران بأنها ضد الثورات التي تشهدها الدول العربية ،اضافة الى مساهمة هذا التدخل في اضعاف موقف بشار األسد
ولم يخف خامنئي توجسه من الدور الذي يعمل على اضعاف محور الممانعة االيراني ـ السوري ـ حزب اهلل ،وان يتحول الى مفتاح حل ازمة السالم في الشرق االوسط ،بعد ان وصل فريق السالم في المنطقة الى مرحلة من التأزم ،إثر سقوط النظام المصري لم تعد تساعده على لعب دور فاعل.
لتدريب االيرانيين المعادين لنظام الشاه ،اقامتها منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
واعتبر خامنئي ان دخول ايران المباشر في األزمة السورية ،سيساعد في تصعيد الهجوم االعالمي ضدها وضد الحكومة السورية، ويؤجج الشارع الشعبي السوري ضد ايران من بوابة اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلدهم، ويخلق صورة عن ايران بأنها ضد الثورات التي تشهدها الدول العربية ،اضافة الى مساهمة هذا التدخل في اضعاف موقف بشار األسد في مواجهة الضغوط الدولية والعربية عليه.
وقد تعمقت هذه العالقة ،بسبب الوضع الذي كان يتمتع به السيد موسى الصدر لدى القيادة السورية ،إضافة الى وجود مصطفى شمران الى جانبه ،والذي لعب دورا اساسيا في رسم سياسات حركة امل وتحالفها مع سوريا .اضافة الى كونه كان يملك رؤية متقاربة مع الرؤية السورية حول العالقة مع منظمة التحرير الفلسطينية والقضية الفلسطينية. وبعد انتصار الثورة االسالمية في ايران وعودة
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
االمام الخميني من منفاه الباريسي الى طهران، قدم الرئيس السوري حافظ األسد طائرته الخاصة لتنقل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ،في أول زيارة له الى ايران ولقاء الخميني عن قرب. وقد أشرف الرئيس السوري الراحل حافظ األسد على بناء هذه العالقة وتعميقها ،الى جانب شقيقه رفعت الذي كان حينها يحتل موقعا متقدما في السلطة ،الى جانب قيادات سورية اساسية مثل محمد نصيف. أما من الجانب االيراني ،فقد تولى متابعة العالقة مع سوريا عدد من القيادات االيرانية ،على رأسها الشيخ هاشمي رفسنجاني وعلي خامنئي اللذان كانا عضوين في مجلس الدفاع األعلى، اضافة الى وزير حرس الثورة االسالمية محسن رفيق دوست. اندالع الحرب العراقية االيرانية ساهم في تعميق العالقة بين الجانبين بشكل اساس ،خاصة عندما اتخذ حافظ األسد موقفا مؤيدا وداعما اليران في هذه الحرب ،ما شكل مخرجا قد يساهم في تقليل االحراج االيراني في حربها مع بغداد. من هنا يأتي الوصف الذي قدمه الرئيس االيراني السابق هاشمي رفسنجاني لطبيعة العالقة بين ايران وسوريا بأنها «حميمة وتعاوننا مستمر في مسائل فلسطين ولبنان والعراق» ،وان الضغوط األميركية على البلدين تجعل مصيرهما «مشتركاً» و«تقربنا اكثر من بعضنا بعضاً». وفي هذا االطار يقول رفسنجاني ان ايران اقامت عالقات ممتازة مع سوريا بعد انتصار الثورة مباشرة «وأعلن المرحوم الرئيس حافظ األسد دعمه للثورة سريعاً ،وأثبت عملياً من خالل المساعدات الكبيرة والكثيرة التي قدمها لنا خالل الحرب مع العراق ،ما ساهم في عدم تحويل هذه الحرب حرباً بين العرب والعجم .وهو دفع ايضاً ثمن هذا الموقف الداعم». ويقول رفسنجاني ان العالقات بيننا حميمة وتعاوننا كان وما زال واسعاً ،وهو مستمر حتى اآلن في مسائل فلسطين ولبنان واليوم في مسائل العراق .وفي كثير من المسائل االقليمية والعالمية. ويعتبر رفسنجاني ان االميركيين والغرب يمارسون ضغوطا على ايران وسوريا ،بسبب عدم دخولهما في سياق مخططاتهم للشرق االوسط ومعارضتهما لها ،لذلك فهم يمارسون كثيراً من الضغوط على هاتين الدولتين في المسائل االقليمية والداخلية .الضغوط على سوريا سببها موضوعات مثل فلسطين ولبنان والعراق ،وعلى إيران سببها موضوعات العالم
19
شؤون سياسية
االسالمي والخليج الفارسي والطاقة وكذلك مسائل العراق وأفغانستان ،أي في شكل عام موضوع السيطرة على المنطقة .لهذا السبب، نحن وسوريا لدينا تقريباً مصير مشترك ،وهذه األوضاع تقربنا اكثر من بعضنا بعضاً. ويضيف رفسنجاني انه بعد رحيل حافظ األسد، «حفظ الدكتور بشار األسد على إرث والده. ونحن في هذه االيام واقعياً في حاجة الى مزيد من التشاور والتعاون».
سوريا الحاجة كالم رفسنجاني يكشف عن مدى وعمق هذه العالقة بين الطرفين ،خصوصا وان سوريا في بدايات الثورة االيرانية ونشوب الحرب مع العراق ،شكلت حاجة ايرانية ملحة واساسية ساهمت في استمرار الثورة وتعزيز قدراتها على مواجهة تبعات الحرب ضدها. فقد شكلت سوريا المعبر الرئيس لالسلحة لوصول األسلحة التي كانت ممنوعة على ايران ،اضافة الى تقديمها للخبرات والخبراء العسكريين ،وتكشف المعلومات ان سوريا ارسلت بعثة عسكرية رفيعة المستوى عام 1983الى طهران لتدريب ضباط وعناصر من الحرس الثوري على صواريخ «سكود بي» التي حصلت عليها من ليبيا حينها .اضافة الى تقديم خبرات على االسلحة الشرقية التي لجأت الى استخدامها ايران بعد الثورة ،بعد ان فقدت مصادر تزويدها الغربية واالميركية التي تشكل بنية الجيش والسالح االيراني في عهد الشاه. ومع االجتياح االسرائيلي للبنان عام ،1982 قامت مجموعة من حرس الثورة االسالمية في ايران بإعالن التعبئة للمشاركة في الحرب ضد القوات االسرائيلية المحتلة ،وقامت بإرسال نحو اربعة آالف عنصر الى دمشق في تحرك يتعارض مع االستراتيجية التي اختارتها القيادة السورية في مواجهة االجتياح االسرائيلي ،فما كان من القيادة السورية اال ان عملت على اسكان المتطوعين في منطقة السيدة زينب ومنطقة نهر بردى في معسكرات مخصصة لهم ،ولم تسمح لهم بالتوجه الى لبنان. وعندما تدخل الزعيم االيراني الخميني ورفض هذا التحرك ،معتبرا ان الهم االول لاليرانيين يجب ان يكون التصدي للهجوم العراقي على ايران ورفع شعار «ايران اوال» وأن «طريق القدس يمر عبر كربالء» ،اجبرت هذه المجموعات على العودة الى بالدها. وفي خطوة متقدمة سمحت القيادة السورية، وضمن اتفاق مع القيادة االيرانية ،لمجموعة
20
من هذه القوات «حرس الثورة» بالتوجه الى منطقة البقاع اللبناني ،وانشاء معسكرات تدريب لعناصر المقاومة اللبنانية من حركة امل والمقاومة االسالمية .وقد شكلت هذه المعسكرات ،النواة االولى والمصنع لما بات يعرف الحقا بحزب اهلل في لبنان. وفي هذه الفترة قام وزير االستخبارات السوري، الذي مثل سوريا في اجتماع مجلس الجامعة العربية الذي عقد في مراكش بالمغرب لبحث االجتياح االسرائيلي ،بنقل تفاصيل النقاشات التي دارت بين الزعماء العرب الى القيادة االيرانية وسلمهم المحضر الرسمي لها.
اندالع احلرب العراقية االيرانية ساهم في تعميق العالقة بني اجلانبني بشكل اساس، خاصة عندما اتخذ حافظ األسد موقفا مؤيدا وداعما اليران في هذه احلرب ،ما شكل مخرجا قد يساهم في تقليل االحراج االيراني في حربها مع بغداد بعد ذلك لعبت سوريا التي كانت حاجة ايرانية دور الوسيط بين ايران والدول العربية ،وحامال للرسائل المتبادلة ،خصوصا بين طهران والرياض عن طريق الزيارات التي كان يقوم بها حينها الرئيس رفيق الحريري الى دمشق ،حامال توجيهات الملك فهد بن عبد العزيز والزيارات التي كان يقوم بها عبد الحليم خدام الى ايران. وقد لعبت سوريا دورا في كبيرا في نقل وجهات النظر العربية الى ايران وبالعكس ،وفي عام ،1986وعندما كان الوضع االيراني العسكري يشير الى تفوق على القوات العراقية ،قام خدام بزيارة الى طهران ونقل الى القيادة االيرانية رسالة من الرئيس حافظ األسد بامكانية التنسيق مع االتحاد السوفياتي ،والحصول منه على اذن يساعد على اسقاط الرئيس العراقي صدام حسين ،ما يساعد على وضع حد للحرب الدائرة بين البلدين. في مقابل المساعدات السورية اليران في الحرب
والسياسة ،قامت ايران بالمقابل بتقديم مساعدات اقتصادية كبيرة لدمشق ،اذ حصلت سوريا في تلك الفترة على حصة من النفط االيراني موزعة على قسمين ،الجزء االول ان تحصل سوريا على قسم من النفط االيراني مقابل بضائع سورية الى السوق االيرانية ،التي كانت تعاني من نقص حاد بسبب الحصار االقتصادي المفروض ،والجزء الثاني تقديم نفط بأسعار بقيمة اقل من األسعار التفضيلية التي يمكن ان تحصل عليها أي دولة اخرى ،وكل ذلك مقابل استمرار الدعم السوري اليران ،وتلبية احتياجاتها السياسية والعسكرية. اضافة الى ان طهران في تلك الفترة سكتت عن العمليات العسكرية التي قامت بها القوات السورية ضد الوجود الفلسطيني في طرابلس وفرض الخروج الثاني على ياسر عرفات من األراضي اللبنانية ،الى جانب سكوتها على الضربة العسكرية التي وجهتها سوريا لألحزاب االسالمية «حركة التوحيد» في طرابلس على الرغم من تحالفها مع ايران. في العشرين من شهر أغسطس (آب) عام 1986 وصل نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام آنذاك الى طهران ،حامال رسالة من الرئيس الراحل حافظ األسد الى الرئيس االيراني آنذاك علي خامنئي في اطار وساطة بين ايران والسعودية تتلخص بالطلب من ايران عدم اعتماد سياسة الرد على السفن السعودية في حرب السفن ،التي وقعت في الخليج وذلك بطلب من الملك فهد بن عبدالعزيز حينها. وكان وزير الخارجية السوري وقتها فاروق الشرع قد وصل الى طهران ،في زيارة استمرت عدة ساعات ،قبل يومين من زيارة خدام ذاتها، حامال رسالة من الرئيس السوري تتعلق بتطورات الحرب العراقية االيرانية والمساعي التي تبذلها دمشق بالتنسيق مع الرياض لقطع الطريق على اتساع رقعة الحرب في منطقة الخليج ،خصوصا وان حدة التوتر قد ارتفعت بعد قيام الطيران العراقي بضرب آبار النفط االيرانية والناقالت في مياه الخليج ،وذلك بعد تهديد خامنئي (رئيس الجمهورية حينها) برد مماثل .وقد انتجت هذه الزيارات المتكررة للمسؤولين السوريين الى ايران الحصول على وعد من خامنئي بوقف العمليات الجوية ضد ناقالت النفط في الخليج ألسبوعين.
مراحل التوتر ال شك ان العالقات االيرانية السورية مرت بمراحل من التوتر في حياة الرئيس حافظ األسد، وايضا خالل رئاسة نجله بشار األسد. ففي عام ،1987ومع نشوب الحرب الداخلية بين حركة امل وحزب اهلل ،برز على السطح
وجود خالف بين العاصمتين دمشق وطهران على خلفية من يسيطر على القرار الشيعي والمقاومة على الساحة اللبنانية ،وهي الحرب التي دفعت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى التخلي عن محاذيره في العالقة مع سوريا وحركة امل ،وان يدخل الى جانب حركة امل في حربها ومعركتها مع حزب اهلل ،متناسيا الحرب التي شنتها هذه الحركة ضد المخيمات الفلسطينية والوجود الفلسطيني في لبنان بقرار سوري .ما دفع الكثير من السياسيين في حينها الى وصف المعركة بين الطرفين الشيعيين بأنها حرب على قرار لبنان بين القرار العربي والقرار الفارسي. ومع استمرار هذه الحرب ألكثر من سنتين دخلت دمشق وطهران في مفاوضات انتهت بوضع استراتيجية واضحة لصالح سوريا في التفرد بالقرار السياسي اللبناني والشيعي ،اذ تم توقيع اتفاق بين حركة امل وحزب اهلل تم على اثره توزيع المهمات بين الطرفين ،اذ يتولى نبيه بري وحركة امل مهمة العمل السياسي والرسمي، في حين يكتفي حزب اهلل بالعمل المقاوم ضد اسرائيل بشكل حصري ،وكان من نتائجه داخل حركة امل ان امر نبيه بري مناصريه بوقف العمل العسكري واالكتفاء بما يسمح به مكتب التنسيق الذي تم تشكله بين الحركة والحزب بعد توقيع االتفاق .وقد تراجع النفوذ االيراني في هذه المرحلة في لبنان الى لعب دور الداعم الديني والمالي لحزب اهلل ،والتسليم امام الدور والنفوذ السوري.
إيران الحاجة تكشف معلومات غير متداولة عن دور ايراني، خصوصا لحرس الثورة وفليق القدس ،في عملية االنتقال السلس في السلطة السورية بين الرئيس الراحل حافظ األسد ونجله بشار األسد. وتكشف هذه المعلومات عن قيام قوات حرس الثورة بنقل عدد كبير من قواتها الى سوريا قبيل االعالن رسميا عن وفاة الرئيس حافظ األسد، وان هذه القوات قامت باالنتشار حول الدوائر الرسمية الحساسة وتولت مهمة الحفاظ على أمن العاصمة دمشق وبالتحديد القصور الرئاسية. وبعد تنفيذ الخطة األمنية قامت السلطات السورية باالعالن عن وفاة الرئيس ،والبدء بعملية انتقال السلطة. مع هذه الخطوة والدور االيراني في تكريس رئاسة بشار األسد ،انقلبت األدوار في العالقة بين الطرفين ،فبعد ان كانت سوريا حاجة ايرانية لمواجهة العزلة االقليمية ،تحولت ايران الى حاجة سورية الستمرار واستقرار السلطة، العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
وتحولت العالقة بين الطرفين الى عالقة تابع ومتبوع مع قرار ايران باالحتفاظ بدمشق كمعبر ضروري واساسي للوصول الى الساحة اللبنانية وحزب اهلل الحليف في لبنان. وقد ادركت القيادة االيرانية الوضع السوري الجديد والحاجة لها في استمرار استقرار النظام، فاستغلت ذلك في تعزيز نفوذها ودعم حلفائها على الساحة اللبنانية ،وقد شهدت هذه المرحلة نشاطا واسعا وكبيرا في تعزيز قدرات حزب اهلل العسكرية خصوصا الصاروخية ،اضافة الى تعزيز دوره السياسي بالتنسيق مع دمشق. النظام االيراني ـ وليس الحكومة االيرانية التي كان يرأسها السيد محمد خاتمي ـ الى جانب سوريا في موقفها من رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ،قد دخال في شراكة سياسية وعسكرية وامنية واضحة على حساب كل المكونات اللبنانية وحتى االقليمية. وقد وصل مستوى هذا التنسيق ان قام جهات تابعة لمكتب المرشد والحرس الثوري بعرقلة وثم الغاء عقود لبناء محطة كهربائية ،كان قد توصل الى عقدها الحريري مع الحكومة االيرانية ،وذلك بناء على طلب من القيادة السورية ،اذ اعتبر بشار االسد ان الحريري يحاول االلتفاف عليه من خالل تعزيز عالقاته مع ايران ،خصوصا وان الحديث عن الصفقة، جاء في الوقت الذي كان الحريري قد اخرج من رئاسة الوزراء بقرار سوري واضح. ويمكن القول ان السنوات االولى من القرن الواحد والعشرين ،أي الفترة الممتدة ما بين وصول بشار االسد الى السلطة الى سنة ،2005 هي الفترة التي شهدت اكبر نشاط تسليحي لحزب اهلل من ايران .وقد قامت ايران ايضا بتعزيز القدرات العسكرية السورية ،من خالل عقد صفقات اسلحة وتسليح مع دول أجنبية لصالح سوريا وهنا بالتحديد مع موسكو. وفي عام 2002قامت ايران بتزويد سوريا بمصانع لصواريخ «سكود بي» الروسية االصل ،وقد جاء القرار االيراني بعد توصل المصانع العسكرية االيرانية الى تكنولوجيا صناعة صواريخ اكثر تطورا من السكود،
والتي باتت تعرف بصواريخ شهاب وغيرها من الصواريخ الباليستية. بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ،ابدت طهران عتبا واضحا على دمشق ،بسبب التسرع الذي ابدته في االستجابة للضغوط الغربية، وطلب االنسحاب من لبنان ،وقد كان رأي القيادة االيرانية انه كان بإمكان سوريا الحصول على ثمن مقابل هذا االنسحاب ،او على االقل تأجيل هذا االنسحاب وعدم االلتزام بالموعد الذي حددته هذه الدول او القيام بخطوة اكثر جرأة ،تتلخص بإعالن اعادة تموضع او انتشار للقوات السورية في لبنان وسحب القوات الى منطقة البقاع في الشرق ،ومن ثم الدخول في مفاوضات حول االنسحاب الكامل .وقد ابلغت طهران القيادة السورية بهذا االمر ،اال ان الرئيس بشار االسد سارع الى تلبية المطالب الغربية. وامام االتهامات العربية والغربية لسوريا بالوقوف وراء اغتيال الرئيس الحريري ،وقفت طهران الى جانب دمشق بكل قوتها ،لكنها ركزت على مسلمات ايرانية تتعلق بالوضع اللبناني. وقد قامت طهران بابالغ دمشق بمسلماتها حول الوضع المستجد في لبنان تتلخص بالتالي: 1ـ رفض ايران الي حرب داخلية في لبنان، وان على دمشق وقف كل الجهود التي قد تؤدي الى نشوب مثل هذه الحرب. 2ـ ان ايران ستبذل جهودا القناع االطراف العربية باستبدال المطالبة بمحكمة دولية بإنشاء محكمة لبنانية ،او محكمة تحت اشراف جامعة الدول العربية او مؤتمر دول العالم االسالمي. 3ـ ان ايران تعتبر تشكيل محكمة دولية في قضية اغتيال الرئيس الحريري ،سيساهم في اطالق اليد االميركية في الشأن اللبناني وفتح الملفات الماضية والتحكم بحاضر ومستقبل لبنان. 4ـ ان ايران لن تسمح بأن يتحول لبنان الى كبش فداء لسوريا في أي من االزمات. وفي هذا السياق يمكن القول ان حرب يوليو
21
شؤون سياسية
الرئيس محمد خامتي يستقبل بشار األسد بطهران في يناير 2005 (تموز) عام 2006بين اسرائيل وحزب اهلل في لبنان قد ساهمت في فك عزلة سوريا عربيا ودوليا ،وانها كانت انتصارا لسوريا بقدر ما كانت انتصارا اليران وحزب اهلل ،اذ ساهمت في عودة سوريا الى الساحة السياسية ولعب دور الوسيط بين ايران وبعض الدول الغربية خصوصا فرنسا ،وقد حمل الرئيس بشار األسد اكثر من رسالة فرنسية وغربية الى ايران تتعلق بملفها النووي. هذه العالقة التي تقارب االستراتيجية على الرغم من حرص الطرفين على وصفها بهذا الوصف، اال ان هذه العالقة بين الطرفين في مرحلة بشار االسد مرت بعدد من المحطات السلبية، وبالتحديد في االمور التي تتعلق بمسألتي العالقة االيرانية السعودية والوضع العراقي. فقد ابدت ايران انزعاجها الكبير من الدور السوري السلبي في العراق ،خصوصا ما يتعلق بدعمها للعناصر التابعة لتنظيم القاعدة وبقايا حزب البعث والتفجيرات التي يقومون بها داخل العراق. وفي سنة 2007ابدت القيادة االيرانية انزعاجا
22
واضحا من التحركات التي قام بها الرئيس السوري بشار االسد ،على هامش القمة العربية التي عقدت في الرياض ،اذ اتهمت القيادة االيرانية الرئيس السوري بمحاولة تخريب وضرب العالقات التي تربط بين طهران والرياض بهدف تحسين عالقته بالملك عبداهلل بن عبدالعزيز ،اال ان عمق العالقة التي تربط بين ايران والقيادة السعودية ،قطع الطريق على مساعي الرئيس السوري ،األمر الذي ساعد وساهم في اعادة تصويب العالقة بين دمشق وطهران وعودتها الى الطريق الصحيح.
األزمة السورية ال شك ان ايران وقفت وتقف بكل قوتها الى جانب سوريا في االزمة التي تواجهها ،منذ اندالع حركة االحتجاجات الشعبية التي بدأت قبل نحو سنة ونصف السنة ،وقد ابدت منذ البداية موقفا مؤيدا للقيادة السورية في مواجهة ما تسميه «مؤامرة» لضرب خط «الممانعة» في المنطقة لصالح اسرائيل. وقد لجأت القيادة االيرانية من خالل العالقات التي تربطها بالقيادة السورية ،الى التأكيد
على ضرورة عدم لجوء دمشق الى استخدام العنف واستخدام السالح في التصدي لحركة االحتجاجات الشعبية ،وطلبت من القيادة السورية االستفادة من التجربة االيرانية في مواجهة االزمة التي نشبت في ايران بعد االنتخابات الرئاسية عام ،2009عندما تنبهت بسرعة الى مخاطر استخدام القوة ضد المتظاهرين .اال ان الجانب االيراني يعتبر ان القيادة السورية لم تأخذ هذه النصائح على محمل الجد وفضلت اللجوء الى القوة بناء على العقلية العسكرية التي تحكم اسلوب القيادة السورية في التعاطي مع المسائل الداخلية. وقد قامت طهران بإبالغ دمشق بضرورة التحرك باتجاه وقف عمليات العنف والبدء بحوار مع المعارضة في الداخل وحتى في الخارج لنزع الذرائع من القوى والدول المعادية في الغرب والمنطقة ،وهي لم تدخر وسعا في التخفيف من حدة هذه الضغوط خاصة التركية منها. وفي سياق آخر ،وانطالقا من ضرورة الحفاظ على مصالحها ،بدأت طهران بمساعي للتواصل مع المعارضة السورية في الداخل والخارج ،وقد نجحت الى حد ما في بناء مثل هذه العالقات مع
بعض اطراف المعارضة ،وهي لن تدخر جهدا في توظيفها من التخفيف عن الحكومة السورية والمساهمة والمساعدة في فتح باب الحوار بين الطرفين ،وفي أسوأ االحوال ضمان موطئ قدم لها في سوريا الجديدة في حال لم تستطع مساعدة النظام السوري على انقاذ نفسه. وعندما لم تجد مساعي ايران باالنفتاح على تيار محدد من المعارضة السورية ،ومع تدهور الوضع األمني وتراجع قدرة النظام السوري في السيطرة على زمام األمور، كانت طهران امام واحد من خيارين ،اما التسليم بخسارة موقعها في سوريا واالنسحاب والتخلي عن حليفها الذي ذهب بالعنف الى حد ال يمكن تسويغه ،واما الوقوف الى جانبه ودفع الثمن السياسي واالقتصادي والعسكري للدعم الذي سيكون من المفروض عليها تقديمه دفاعا عن هذا النظام. ومن منطلق التعريف الذي قدمه أحد عرابي العالقة بين ايران وسوريا منذ البدايات ،وزير حرس الثورة االسالمية في الثمانينات محسن رفيق دوست ،عندما وصف ما يربط بين طهران ودمشق بأنه «أبعد» من التحالف االستراتيجي ليصل الى التحالف «االيديولوجي» .يمكن فهم استمرار التورط االيراني الكبير في االزمة السورية ،وانها لن تتوانى في الدفع باتجاه الحفاظ على بقاء هذا النظام ،مهما كانت فاتورة ذلك االخالقية والسياسية كبيرة. فقد ساهمت القيادة العسكرية االيرانية ،وعلى الرغم من اعترافها امام بعض اصدقائها، بصعوبة االستمرار في تقديم الدعم االقتصادي الذي تقدمه طهران لدمشق ،خصوصا في ظل تشديد العقوبات الدولية المفروضة عليها ،لكنها في المقابل قامت بإرسال عدد من الخبراء العسكريين الى دمشق للمشاركة في قيادة العمليات ضد المحتجين والثائرين ضد النظام في هذا البلد. وتقول طهران ان مهمة الخبراء الموجودين في دمشق تتلخص مهمتهم في التخفيف من عمليات القمع والقتل التي تمارسها قوات النظام السوري، وتقديم استشارات تتعلق في مواجهة الهجمات العسكرية التي يشنها الثوار ضد المراكز العسكرية التابعة للنظام. ولم تخف هذه القيادات انزعاجها من عمليات القتل التي تمارسها قوات النظام السوري ضد المدنيين ،ودعوة قوات النظام الى عدم استخدام الرصاص الحي ضد المدنيين ،اال ان القيادة االيرانية ـ السياسية والدينية ـ باتت تتعرض لسيل من االسئلة الداخلية الى جانب الدولية تتعلق بحجم مسؤوليتها عن الدماء التي تراق في سوريا على ايدي عناصر النظام السوري.
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
حرب إقليمية للخروج من المأزق االخالقي والديني الذي وجدت القيادة االيرانية وحلفاؤها في لبنان أنفسهم امامه ،عملت على تحويل ما تشهده الساحة السورية الى معركة اقليمية بينها وبين الدول المعنية باالزمة السورية. وفي هذا االطار ركزت القيادة االيرانية هجومها على كل من تركيا وقطر والسعودية ،واعتبرت المعركة السورية معركة بينها وبين هذه الدول، وان السماح لهذه الدول بتحقيق انتصار في سوريا يعني انتصارا على المشروع االيراني
رفسنجاني :ايران اقامت عالقات ممتازة مع سوريا بعد انتصار الثورة مباشرة وأعلن املرحوم الرئيس حافظ األسد ً سريعا، دعمه للثورة ً عمليا من خالل وأثبت املساعدات الكبيرة والكثيرة التي قدمها لنا خالل احلرب مع العراق ،ما ساهم في عدم حتويل هذه احلرب ً حربا بني العرب والعجم، ً ايضا ثمن هذا وهو دفع املوقف الداعم الذي تصفه طهران بأنه يمثل «خط الممانعة والمقاومة» ،وبالتالي فإن سقوط نظام األسد سيعني انتقال التركيز الدولي واالقليمي على استكمال محاصرة ايران ،وتحجيم دورها في المنطقة بعد النجاح في فك االرتباط بين طهران ودمشق في المنطقة. وقد ارتفع منسوب التدخل او التورط االيراني في االزمة السورية ودعم النظام في دمشق ،ازداد بعد االجتماع الذي عقدته مجموعة االتصال الدولية حول سوريا في جنيف بتاريخ 30يونيو (حزيران) عام 2012الذي ترافق مع تصاعد العمليات العسكرية التي يقوم بها عناصر «الجيش الحر» ضد قوات النظام في كل المدن
السورية ،ووقوع العاصمة دمشق في مرمى نيران هذه العناصر. فقد كشفت ورقة وزعت داخل مؤسسة حرس الثورة االسالمية بالتزامن مع اجتماع جنيف ،عن رؤية ايرانية يجب على النظام في سوريا اتباعها في مواجهة العمليات العسكرية للمعارضة، والرد على الضغوط الدولية على امل تغيير المعادلة وفرض منطق جديد لالحداث ،وذلك بأن على النظام السوري في هذه المرحلة ،اتخاذ خطوات عسكرية حاسمة وقوية وصاعقة تكون بمثابة الرد على مؤتمر جنيف .وتتلخص هذه الخطوات بقيام قوات النظام بالتعامل بشكل حاسم مع كل البؤر العسكرية للعناصر»المسلحين» وتقديم صورة جديدة للجيش النظامي «تليق» به والعمل على استعادة االمن واالستقرار وتنظيف المناطق التي يسيطر عليها هؤالء. ومع التفجير الذي وقع في مبنى األمن القومي في دمشق ،بدأت قوات النظام بتطبيق هذه االستراتيجية ،اذ شهدت المرحلة الجديدة تصاعدا في اعمال العنف التي يمارسها النظام واللجوء الى استخدام سالح الجو بشكل واسع وكثيف، وقامت باستخدام سياسة االرض المحروقة بشكل واسع ،ما نتج عنه تزايد المجازر في كل المناطق السورية واتساع رقعة التدمير التي تقوم بها الطائرات الحربية للنظام. فشل النظام السوري في تطبيق هذه االستراتيجية، ونجاحه فقط في زيادة اعداد القتلى والمجازر المتنقلة بين المدن والقرى والمناطق السورية، اسهم في دفع العديد من العواصم المترددة في موقفها من االزمة السورية بالكشف عن امتعاضها من تصرفات هذا النظام االجرامية، والتي لم يعد باالمكان التغطية عليها او عدم اخذها بعين االعتبار ،في حين وضع طهران امام امتحان صعب ادركت فيه مدى ضعف حليفها على االستمرار ،وانه فقد السيطرة على مسار االمور ولم يعد يتحكم في االحداث وانتقل من حالة الفعل الى حالة ردة الفعل امام تصاعد عمليات الثوار. وبعد ان كانت طهران رافضة ألي تدخل في سوريا وتقف بوجه أي مساع لحل االزمة في هذا البلد ،ال تأخذ بعين االعتبار استمرار االسد على رأس السلطة ،ها هي اليوم تحاول التوصل مع بعض الدول االقليمية الى تشكيل «رباعية» تضمها الى جانب كل من تركيا والسعودية ومصر لبحث رؤية للحل في سوريا بدعم دولي ال تشترط بقاء او استمرار بشار االسد على رأس السلطة ،لكنها قد تبقى او تحافظ على المؤسسة العسكرية والنظام بعد ادخال تعديالت جذرية عليه ،بما يضمن مصالح ومطالب كل االطراف االقليمية المعنية بالموضوع السوري، وتلبي حاجات المجتمع الدولي المطالب بالتغيير في سوريا.
23
شؤون سياسية
آية اهلل علي خامنئي
إيران وسياسة خلق األزمات ..من صدام إلى بشار
بروتوكوالت المرشد ال شك أن هناك عوامل مشتركة بين البرنامج النووي اإليراني ونظام بشار األسد في سوريا ،حيث يهدف كالهما إلى تقويض المصالح الغربية في الشرق األوسط .ولذلك السبب ،فإنه بقدر ما يرى آية اهلل علي خامنئي البرنامج النووي باعتباره أحد أسس الهوية السياسية للجمهورية اإلسالمية ،فإن موقفه الموالي لألسد حدد موقعه في السياسة اإلقليمية إليران. بقلم :مهدي خلجي دفع توجه آية اهلل روح اهلل الخميني المغامر صوب المنطقة صدام حسين لغزو إيران في 1981 - 1980وشن حرب مدمرة استمرت لثمانية أعوام .وعن تلك الحرب قال علي أكبر هاشمي رفسنجاني ،موضع ثقة الخميني، ونائب رئيس األركان المسلحة سابقا ،في حوار ّ المفكر اإليراني البارز واألستاذ بجامعة مع طهران «صادق زيبا كالم» إن الخميني كان سعيدا بغزو صدام حسين إليران.
24
فقد قال الخميني لرفسنجاني« :لقد أوقع صدام نفسه في ورطة .فاآلن نستطيع أن نحل مشكالت الشرق األوسط لألبد» .وقد كلف تقييم الخميني غير الواقعي إلمكانات إيران العسكرية وعالقات العراق بالعالمين العربي والغربي أمته الماليين من القتلى ،كما أنه دمر البنية التحتية بلده. بعد ذلك بسنوات عدة ،وبعدما قبل الخميني قرار األمم المتحدة الذي يدعو لوقف إطالق
النيران ،توفي مرشد الثورة ،وخلفه آية اهلل علي خامنئي .وقد ركز الرئيس المعين حديثا في ذلك الوقت ،أكبر هاشمي رافسنجاني ،على إعادة هيكلة البالد ،فيما ركز خامنئي أساسا على إعادة هيكلة اإلمكانات العسكرية إليران من خالل تعديل المبادئ العسكرية إليران. وكانت المبادئ الجديدة تعتمد على أساسين، البرنامج النووي ،والحرب غير النظامية. فقد كانت سياسة إيران ما بعد الحرب تعتمد
على تعزيز قواها الناعمة في العديد من الدول اإلسالمية من خالل تكتيكات الدعاية العلنية والخفية باإلضافة إلى األنشطة الخيرية. ففي حالة وقوع كارثة في أي دولة إسالمية أو نشوب نزاع إقليمي ،بداية من نزاع جمهورية أذربيجان مع أرمينيا في 1990حول «قرة باغ» إلى النزاع اإلسرائيلي -الفلسطيني أو سلسلة النزاعات التي وقعت في أفغانستان خالل التسعينيات واأللفينيات ،كانت إيران تدعم ماليا وعسكريا جماعات أو أطرافا معينة ضد بعضها البعض من دون أن تعترف عالنية بذلك. كما لعب استخدام قوات «القدس» كجناح عملياتي للحرس الثوري اإليراني خارج إيران دورا مهما في تعزيز مصالح إيران في المنطقة وخارج الشرق األوسط (مثل السودان). وتمثل مبادئ آية اهلل خامنئي العسكرية جزءا من رؤيته حول أن إيران ال يمكنها تحمل مواجهة عسكرية أخرى داخل أراضيها. فقد كان واعيا تماما بضعف قدرات إيران النسبي في الحرب التقليدية ،باإلضافة إلى التكلفة اآليديولوجية والسياسية للحرب بالنسبة للجمهورية اإلسالمية .فقد كانت نهاية حرب إيران – العراق بداية لتحول مجتمعي وآيديولوجي .فقد تم استبدال القيم الثورية بقيم أكثر تجارية ،إلى جانب الفساد األخالقي واالجتماعي واالقتصادي. وقد تبنت الحكومة العديد من تلك السياسات، ظاهريا ،التي كانت مرفوضة في العقد األول التالي للثورة ،نظرا ألن الشاه كان يتبناها أو ألنها كانت تمثل النماذج الغربية للتنمية االقتصادية .وثارت شكوك عميقة حول الشرعية السياسية لرجال الدين ونظرية «والية الفقيه» ثم اختفت تدريجيا .فقد مهد جيل الحرب الطريق أمام جيل يشمئز من الحرب ويتوق ألن يبتعد عن السياسة وينأى بنفسه عن المثالية .فمن الناحية اآليديولوجية دمرت الحرب الثورة. ويعد وصف إيران لكل من أميركا وإسرائيل بأنهما عدوتان ،معبرا عن ميلها لصنع أعداء بدال من العثور على األصدقاء .فعالقة إيران بجيرانها العرب والقوى اإلقليمية مثل المملكة العربية السعودية ومصر عالقة إشكالية .كما أن عالقتها بكل من أفغانستان وباكستان هي عالقة معقدة كذلك .باإلضافة إلى أن عالقة طهران بجمهورية أذربيجان هي عالقة غير متوازنة أخذا في االعتبار الخلفية التاريخية لتأييدها ألرمينيا خالل التسعينيات. وعلى الرغم من أن هناك تعاونا بين إيران وروسيا ،يبدو أن روسيا تنظر إلى إيران
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
متثل مبادئ آية الله خامنئي العسكرية جزءا من رؤيته حول أن إيران ال ميكنها حتمل مواجهة عسكرية أخرى داخل أراضيها.. فقد كان واعيا متاما بضعف قدرات إيران النسبي في احلرب التقليدية ،باإلضافة إلى التكلفة اآليديولوجية والسياسية للحرب بالنسبة للجمهورية اإلسالمية
باعتبارها قوة ضد الغرب أكثر من كونها شريكا استراتيجيا .وساعدت سياسة إيران الخارجية خالل العقود الثالثة الماضية إيران على عزل نفسها بدال من بناء الثقة بينها وبين القوى اإلقليمية .وتمثل سوريا استثناء من ذلك، ولذا فإنها تمثل أهمية كبرى بالنسبة إليران. تستخدم الجمهورية اإلسالمية أداتين لتعزيز سلطتها كقوة عظمى في الشرق األوسط. أوال :القوى الناعمة والتي تتضمن استخدام إيران لوسائل اإلعالم والشبكات الدينية مثل نشر اآليديولوجيا اإلسالمية الشيعية وتعزيز وضع خامنئي الديني. ثانيا :يعمل النظام على تكوين شبكات من الموالين ،وتأسيس عالقات مع العديد من الجماعات اإلسالمية سواء كانت مسلحة أو غير مسلحة .ويمكن رصد العديد من تلك الجماعات عند قبلوها دعوة الجمهورية اإلسالمية بالسفر إلى إيران لحضور احتفاليات ذكرى الثورة أو الفعاليات السنوية إلحياء ذكرى آية اهلل الخميني. وكل عام ،يسافر أكثر من عشرة آالف مسلم من جماعات إسالمية متنوعة إلى طهران لتعزيز عالقاتهم المنهجية بالجمهورية اإلسالمية، حيث يجند آية اهلل خامنئي المسلمين بزعم الدراسة لالنضمام إلى أجندته اآليديولوجية. فعلى سبيل المثال ،تعمل «جامعة المصطفى الدولية» في «قم» كمركز ضخم للتدريب اآليديولوجي للمسلمين وإقامة جسور الصلة بين الجماعات اإلسالمية المختلفة في جميع أنحاء العالم .وللجامعة عشرات من الفروع خارج إيران ،كما أن بها آالفا من الطالب األجانب.
تحالفات تكتيكية والمذهل أنه على الرغم من سياسات الجمهورية اإلسالمية المحلية المناهضة للسنة ،لم يكن لدى إيران مشكلة في إقامة تحالفات استراتيجية وتكتيكية مع المنظمات السنية ما دامت تهدد مصالح الغرب أو إسرائيل .ويمثل تعاون إيران
مع تنظيم القاعدة في بعض الفترات نموذجا واضحا حول كيف يمكن أن يتحد حزبان يكرهان بعضهما ويعتمدان آيدولوجيات متباينة للغاية في مواجهة عدو مشترك .والمثال الثاني هو اإلخوان المسلمون ،أكبر تنظيم سني في العالم ،والذي يحمل أيضا خالفات آيديولوجية مع الجمهورية اإلسالمية .فلم يرحب فقط اإلخوان المسلمون بظهور الجمهورية اإلسالمية في إيران في أعقاب ثورة ،1979 ولكن إيران احتفت أيضا بحماس بالغ بصعود اإلخوان المسلمين في مصر. فإذا ما كان اإلخوان المسلمون ينظرون إلى الجمهورية اإلسالمية في 1979باعتبارها نصرا لرؤيتهم ،وأول حكومة إسالمية منذ انهيار الخالفة العثمانية ،فإن إيران تنظر أيضا إلى تصدير اإلخوان المسلمين للثورة باعتباره نجاحا .فقد كان آية اهلل خامنئي يكره تعبير «الربيع العربي» ،ألنه يشير إلى أن االنتفاضات العربية األخيرة تنبع من رغبة العرب في تأسيس حكومات ديمقراطية بدال من الحكومات الطغيانية .وهو يستخدم تعبيرا آخر لإلشارة إلى تلك التطورات« :الصحوة اإلسالمية» ،حيث إنه يقلل من شأن الطبيعة العربية لتلك الحركات وينفي بعدها الديمقراطي .فهو يصور تلك الحركات باعتبارها تطلعات إسالمية لتأسيس حكومات إسالمية. ومن الواضح أنه يعتقد أيضا أنه نظرا ألن حكومات ،مثل الحكومة المصرية الجديدة ،تطبق الشريعة وتعادي أميركا وإسرائيل فإنه لذلك يزعم بأن حركاتهم كانت مستوحاة من الثورة اإليرانية ومتأثرة بسياستها وآيديولوجيتها .فقد استخدمت إيران المظاهرات األخيرة في الدول اإلسالمية والهجمات على السفارات األميركية باعتبارها دليال على أن مناهضة أميركا هي إحدى الخصائص األصيلة للصحوة اإلسالمية. ويمكن لالنتفاضة في الدول العربية أن تمثل تجربة طيبة بالنسبة للجمهورية اإلسالمية إذا لم تدخل سوريا في المعادلة.
25
شؤون سياسية
فخالل العقود الثالثة الماضية ،أصبحت سوريا الحليف االستراتيجي الوحيد للجمهورية اإلسالمية ،حيث مكنت سوريا إيران من أن تصبح التهديد األكثر خطرا على إسرائيل .فقد أصبحت التهديدات اإليرانية إلسرائيل وأميركا أساسا للسياسة الخارجية إليران .فوفقا للمبادئ العسكرية إليران والتي تصر على أن تتجنب إيران المواجهة العسكرية مع أعدائها ،ما زالت الحرب غير النظامية من أولى أولويات إيران، وبالتالي تصبح سوريا هي الفناء الخلفي الذي تدير فيه إيران كال من حربها الناعمة وحربها بالوكالة ضد إسرائيل والواليات المتحدة. وبقدر ما يرى آية اهلل خامنئي االنتفاضات الشعبية في تونس ،وليبيا ،ومصر ،واليمن كتجسيد أصيل لكراهية الناس للدكتاتورية والفقر ،فإنه يعتقد أن االنتفاضة الشعبية السورية تثيرها إسرائيل والواليات المتحدة إلضعاف الجبهة المناهضة إلسرائيل في الشرق األوسط، ومن ثم ،الجمهورية اإلسالمية. وبمعنى آخر ،فبالنسبة لخامنئي ،إذا ما أسفرت األزمة السورية عن انهيار نظام األسد ،فإنها يمكن أن تؤدي إلى هجوم عسكري تقوده إسرائيل أو الواليات المتحدة ضد إيران .ويمكن أن يجعل سقوط األسد بالتزامن مع هجمة على المنشآت النووية اإليرانية إيران تخسر عاملي قوتها ،وهو ما يعني أنه أصبح عليها تعزيز سياستها الخارجية على نحو يضمن تفوقها في المنطقة ،ويجعلها تبدو خطرة بالنسبة إلسرائيل والغرب. وعلى نحو منفصل ،ال يمكن مقارنة خسارة األسد بخسارة برنامجها النووي .ولذلك ،يؤمن خامنئي بأن إيران يجب أن تؤيد االنتفاضات العربية في البلدان األخرى باإلضافة إلى مقاومة الجهود المناهضة لألسد في سوريا، ومساعدة األسد على قمع المعارضة التي يعتقد أنها بتمويل من الغرب وإسرائيل. فربما يثبط مقتل السفير األميركي وثالثة آخرين في ليبيا عزم الحكومات الغربية التي كانت تفكر في التدخل في سوريا .ومما ال شك فيه أن إيران سعيدة بأن ترى فيلما بدائيا مناهضا لإلسالم وقد دفع اإلسالميين للنزول إلى الشوارع في العالم العربي ليعربوا عن موقفهم المناهض ألميركا. وترى إيران ذلك فرصة لتشتيت االنتباه عن كل من البرنامج النووي لطهران واألزمة السورية. فقد نشرت صحيفة «كيهان» ،المعروفة بأنها لسان حال آية اهلل خامنئي ،في عددها السادس عشر في شهر سبتمبر (أيلول) أنه« :يجب اتخاذ إجراءين :أوال عقاب كل من تورطوا في إهانة المبادئ الدينية المقدسة ،وثانيا ،متابعة
26
تصدير العنف
على الرغم من أن هناك تعاونا بني إيران وروسيا، يبدو أن روسيا تنظر إلى إيران باعتبارها قوة ضد الغرب أكثر من كونها شريكا استراتيجيا وقد ساعدت سياسة إيران اخلارجية خالل العقود الثالثة املاضية إيران على عزل نفسها بدال من بناء الثقة بينها وبني القوى اإلقليمية سلمان رشدي
ويعد نشر العنف وتصديره من األدوات العريقة للجمهورية اإلسالمية في بروتوكولها إلدارة األزمة .وفي 14فبراير (شباط)،1989 ، أصدر آية اهلل الخميني فتوى بقتل سلمان رشدي .ويؤمن العديد من المحللين بأن السبب الرئيس في إصدار تلك الفتوى ،التي يزعم أنها صدرت لحماية اإلسالم ،هو إدارة العديد من األزمات التي كان الخميني يواجهها خالل شهوره األخيرة .فقد اضطر الخميني إلى قبول قرار األمم المتحدة بوقف إطالق النيران مع العراق بعد 8أعوام من اإلصرار على أن إيران «سوف تستأنف الحرب ،حتى إذا استمرت لمدة 20عاما» وأن «الطريق إلى القدس يمر عبر كربالء» ،مؤكدا أن الحرب مع العراق هي السبيل الوحيدة لتحرير فلسطين وتدمير إسرائيل. كان الخميني يواجه خطر خسارة سمعته ليس فقط محليا ولكن في جميع أنحاء العالم اإلسالمي .وقبل ذلك بعدة أشهر ،قام بفصل نائبه ،آية اهلل حسين علي منتظري ،الذي كان يفترض أن يخلفه .وكانت النخبة السياسية مهتمة أساسا بأزمة الخالفة واحتمالية نشوب صراع قوى على السلطة بعد وفاة الخميني. وكان اقتصاد البالد في حالة سيئة وكان الناس غاضبين ومضطربين. ولذلك كان الخميني بحاجة لتعزيز أجندته للحفاظ على السلطة من خالل خلق أزمة جديدة ،وإثبات أنه على الرغم من هزيمة إيران العسكرية ،فما زالت إيران تمثل تحديا خطيرا بالنسبة للعالم الغربي .وقد خدمت فتواه بمقتل رشدي ذلك الغرض ،وما زالت الحكومة اإليرانية تتابع الفتوى حتى وقتنا الراهن.
تلك القضية من خالل اإلجراءات القانونية». وبمعنى آخر تطالب «كيهان» اإلسالميين باستئناف عملهم في قتل كل من تبنى موقفا مناهضا لإلسالم. وفي الوقت نفسه ،زادت مؤسسة «15 خورداد» ،وهي مؤسسة حكومية تخضع إلشراف خامنئي المباشر ،مكافأة قتل سلمان رشدي بنحو 500ألف دوالر ،وأعلنت أنه ما دامت فتوى الخميني ضد سلمان رشدي لم تنفذ حتى اآلن ،فسوف تستمر اإلهانات الموجهة لإلسالم .فاآلن سوف تدفع المؤسسة 3ماليين و 300ألف دوالر ألي أحد يقتل الروائي البريطاني ومؤلف رواية «آيات شيطانية» أو يقدم معلومات تؤدي إلى موته.
حتى اآلن ،لدى إيران اليد العليا في األزمة السورية .فقد ساعد الغضب األخير في العالم اإلسالمي كال من األسد وخامنئي على مد دائرة الخوف إلى البلدان التي كانت من قبل آمنة بالنسبة للواليات المتحدة .فيعتقد خامنئي أن ضعف الغرب يمثل عوامل قوته .وهو يرحب بكافة الجهود التي يمكنها أن تجعل الغرب – بخاصة الواليات المتحدة -مشغوال وغير مرتاح .وهو لديه ثقة كاملة في كل من البرنامج النووي ونظام األسد .فاالثنان آمنان على األقل حتى االنتخابات الرئاسية األميركية في نوفمبر (تشرين الثاني). وسوف تظهر التطورات خالل الشهرين المقبلين إلى أي مدى تستطيع كل من إيران وسوريا اإلفادة من تعدد مصادر التشويش التي تؤثر حاليا على الواليات المتحدة.
¿’G ∑ΰTG
á«bQƒdG ∂àî°ùf ≈∏Y π°üMGh عبدالعزيز بن �صقر :جمل�س التعاون واإيران برنارد هيكل :اليمن بعد �صالح
تأسست في لندن عام 1980
مهدي خلجي :م�صتقبل املرجعية ال�صيعية
مجلة العرب الدولية
مجلة العرب الدولية
تأسست في لندن عام 1980
العدد ،1571أبريل /نيسان 2012
العدد ،1572مايو /أيار 2012
املعتذرون
عن الأ�سد ملاذا يحاول اللوبي ال�سوري يف اأمريكا اإجها�ض الثورة
»: > عمرو مو�صى مر�صح الرئا�صة لـ« اأخ�صى على م�صر من ا�صتحواذ الأخوان امل�صلمني
»: > الباجي قائد ال�صب�صي يف حوار مع « لي�س هناك ربيع عربي بل بداية ربيع تون�صي
فوكوياما :الدميقراطية الليربالية والطبقة الو�سطى حتقيق :الفتنة الفكرية ..انق�سامات يف ملتقى النه�سة
ISSN 1319-0873
05
ISSN 1319-0873
04
9 771319 087013
9 771319 087013
تأسست في لندن عام 1980
حممد غامن الرميحي :االنتقال اخل�شن جولييت هايت :رحلة روحانية عبد الرزاق عيد :الدوران يف املكان
العدد ،1570فبراير 2012
البنا خطة ّ ّ
هل ينجح االإخوان يف اإنقاذ اقت�شاد م�شر؟
02
ال�شفري الليبي يف لندن حممود الناكوع :جتاوزنا مرحلة اخلطر 9 770261 087126
العدد ،1569يناير 2012
مجلة العرب الدولية
مجلة العرب الدولية العدد ،1569يناير 2012
øe
الربيع العربي 10اأوهام
™«£à°ùj
رّغيت وجه التاريخ
¥ÓZEG ≥«°†e ?õeôg
11
9 770261 087119
احلرب والسالم: أزمة خالفة إيران تبحث عن مرشد لهذا الزمان
الوضع البشري: جيل تويتر ..شباب الربيع العربي يعيد صياغة مستقبله
حوارات: برهان غليون :نظام األسد انتهى وال نستبعد انقالبا عسكريا في سوريا
01
9 770261 087126
ﻟﻼﺷﺘﺮﺍﻛﺎﺕ ﺑﺎﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﺳﻢ .................................................................................................. :ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ........................................................................................... : ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ................................................................................................................................................................................................................. : ﺍﻟﺼﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪﻱ ................................................................................. :ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪﻱ................................................................................. : ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ..................................................................................................... :ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ............................................................................. :
ﻧﻮﻉ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻙ:
ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﳌﺪﺓ ﻋﺎﻡ )12ﻋﺪﺩﺍ ﹰ 120 -ﺭﻳﺎﻻ ﺳﻌﻮﺩﻳﺎ( ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﳌﺪﺓ ﻋﺎﻣﲔ ) 24ﻋﺪﺩﺍ ﹰ 240 -ﺭﻳﺎﻻ ﺳﻌﻮﺩﻳﺎ(
ﺍﻓﺮﺍﺩ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ
äGô“DƒŸG »M ájOƒ©°ùdG á«Hô©dG áµ∏ªŸG ‘ ™jRƒàdG π«ch +966 1 4419933 :∞JÉg ,11585 ¢VÉjôdG - 62116 Ü.¢U +966 1 2121774 :¢ùcÉa www.saudidistribution.com :ÊhεdEG ™bƒe ﺍﻟﻌﺪﺩ ،1567ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 2011
ﻭﻛﻴﻞ ﺍﻹﺷﺘﺮﺍﻛﺎﺕ -ﺍﻟﺸﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻮﺳﺎﺋﻞ -ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ ﺍﺠﻤﻟﺎﻧﻲ 800 2440076
27
قصة الغالف
28
لعبة األقليات« ..التشبيح» ..وتضييع الوقت
مستقبل العلويين في سوريا في احد ايام الربيع من العام ،1989وقف ياسر العريف في الكتيبة 29 من «الجيش العربي السوري» ،المتمركزة حينذاك في مدينة بعلبك شرق لبنان ،على نقطة الحاجز المكلف حراستها .صاح له المالزم االول عمران آمر النقطة وطلب منه «تشبيح» عشرة احجار من الطوب من كل شاحنة تمر على الحاجز .كان الجنود بحاجة لبناء غرفة خفر. بقلم :حسين عبد الحسين لم يكن بدا عن «التشبيح» ،فالمجند في الجيش السوري كان يتقاضى 125ليرة سورية شهريا ،او ما كان يعادل ثالثة دوالرات ،وصف الضابط من رتبة عريف او رقيب ضعف المبلغ .التموين اليومي كان عبارة عن صحن «برغل» ،من مشتقات القمح ،مطبوخ بصلصة الطماطم مع «ربطة» خبز لجنود الحاجز الخمسة .البرغل غالبا ما كان يخالطه الحصو ،اما الخبز ،ففي الغالب مر عليه وقت طويل وحوله الى صلب يصعب أكله. كيف كان هؤالء الجنود السوريون يتدبرون امر اكلهم طوال فترة مخدوميتهم االلزامية التي كانت تمتد الى ثالث سنوات ،منها ستة اشهر في معسكرات التدريب؟ االجابة تكمن في «التشبيح». كانت حواجزهم تجبر كل سيارة او شاحنة مارة على التوقف .سائقو الشاحنات التي كانت تنقل المنتوجات الغذائية ،كانوا يضعون على المقعد المجاور لهم صندوقا مما كانوا يحملونه ،فترى السائقين يناولون الحواجز السورية المتتالية موز وبطيخ وبرتقال وبيض وخبز وما شابه. على ان «تشبيح» الجنود السوريين لم يقتصر على الغذاء او ما هو ضروري .في اغلب االحيان ،كان الجنود يطلبون من سائقي السيارات ماال ،وان لم يتوفر ،يأخذون شريط كاسيت موسيقى او اي شيء تقع اعينهم عليه داخل السيارة .اما الطلب االكثر الحاحا فكان النقل .يقف الجندي الذاهب في اجازة لزيارة ديرته على الحاجز بلباسه المدني الى جانب زميله العسكري .يسأل العسكري صاحب السيارة عن وجهته، «وين واصل االخ» ،ثم يطلب منه ان يقل الجندي المدني معه .من حاجز الى حاجز، ومن سيارة الى سيارة ،يصل الجندي الى وجهته النهائية مجانا. اما سائق الشاحنة او السيارة ممن تخوله نفسه ان يرفض اعطاء غذاء او مال او تأمين المواصالت لجنود الحاجز ،فيتم ايقافه الى جانب الطريق« ،على اليمين»،
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
29
قصة الغالف
لساعات ،وفي اوقات ،يتم تعريضه للذل عن طريق فتح التحقيق معه وطلب اوراقه الثبوتية او حتى امره بنزع حذائه و»وضعه في الدوالب» حيث يتعرض للضرب بالسوط على اسفل قدميه جزاء لمحاولته رفض «التشبيح». «الشبيحة» السوريون دخلوا لبنان في العام 1976وحملوا اسم «قوات الردع العربية»، وكانت مهمتهم الفصل بين المتقاتلين من الفصائل اللبنانية والفلسطينية المسلحة .اال ان الشبيحة هزموا كل الفصائل ،وحكموا لبنان كليا ابتداء من العام ،1991وامتدت عملية «التشبيح» التي كانوا يمارسونها من الجندي صاحب ادنى مرتبة في اي نقطة عسكرية على امتداد لبنان ،الى اعلى مراتب وصلت الى الرئيس السوري حافظ االسد، ثم ابنه بشار من بعده ،ومساعديهم. وكان آل االسد وكبار مساعديهم وجيشهم في لبنان يقومون بالتشبيح ،او االبتزاز ،الذي غالبا ما كان يتركز على اغنياء اللبنانيين ،وكان في طليعتهم رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري ،الذي تواترت الروايات عن اجبار الضباط والسياسيين السوريين له باعطائهم أمواال فاقت عشرات ماليين الدوالرات. وعندما انتفض الحريري ضد تشبيح نظام االسد في لبنان ،واجه حتفه قتال في العام ،2005 فانتفض اللبنانيون عن بكرة ابيهم ضد التشبيح
نفسه ،واجبروا االسد على سحب جنوده من لبنان في ذلك العام ،لكن االخير غادر على مضض ،وظل متربصا العودة ،فيما كان تابعوه من اللبنانيين يقومون بنشر الرعب في لبنان في غيابه. «التشبيح» اذن هو في صلب ممارسة آل االسد للسلطة .يأخذون واتباعهم ما يريدونه عنوة ،وان حاول ضحاياهم االعتراض ،يلقون مصيرا قاتما في الغالب. «التشبيح» لم يطل اللبنانيين وحدهم ،بل كان للسوريين نصيبهم كذلك .آل سنقر ،وهم كرد من دمشق اصابوا الكثير من الغنى بعدما اداروا وكالة سيارات مرسيدس في سوريا ،اطل عليهم رامي مخلوف ،ابن خال بشار االسد وامين صندوقه ،وطالب باالستيالء على الوكالة .رفض آل سنقر ،فاجبروا على الفرار من سوريا ،وبعد ذلك ،رفضت شركة السيارات االلمانية نقل الوكالة منهم الى مخلوف ،فاصبحت سوريا من دون وكالة. االبتزاز نفسه طال غسان عبود ،مؤسس ومالك تلفزيون «اورينت» ،وهو من بلدة بنش في محافظة ادلب الشمالية ،والذي اضطر الى الهجرة وتلفزيونه الى خارج سوريا بسبب محاوالت «تشبيح» مخلوف نفسه واستيالئه على المحطة ،حسبما يروي عبود في مقابالته العديدة.
بيد ان «شبيحة» آل االسد ليسوا امرا مستجدا، على الرغم من ان العبارة ذاع صيتها فقط مع اندالع الثورة السورية في منتصف آذار (مارس) من العام الماضي. قبل 200عام ،اي سنة ،1812استقر الرحالة السويسري جون لويس بيركهاردت في سوريا لفترة ،ود ّون مالحظاته في وثائق غنية مازالت موجودة في ارشيفات لندن .يقول بيركهاردت ان السوريين من السنة كانوا ينظرون «الى النصيريين باحتقار لدينهم ،ويهابونهم في الوقت نفسه ،اذ غالبا ما ينزل (النصيريون) من الجبال في الليل ،ويعبرون (نهر) العاصي ،ويسرقون، او يأخذون عنوة ماشية الوادي». اليوم بعد قرنين ،مازال المشهد مشابها ،وان اختلفت االزمان .اكثرية السوريين ،وهم من السنة ،مازالوا ينظرون الى االقلية من النصيريين ،ممن صاروا يعرفون بالعلويين مع مطلع القرن الماضي ،باحتقار وخوف في الوقت نفسه ،وهذه نظرة الضحية عموما الى الجالد، وخصوصا ان كان الجالد لصا في الوقت نفسه. بدورهم ،يبادل العلويون السنة الكراهية، ويخشون من العودة الى ذلك الزمن الذي اضطرهم لالنكفاء في جبالهم العالية معزولين عن العالم ،وعن التاريخ ،حتى وصفهم المستشرق الفرنسي جاك ويليرز في مطلع القرن الماضي بالـ»متحجرين» ،معتبرا ان جبالهم
صالح العلي ودولة جبل العلويني ولد االب الروحي للطائفة العلوية صالح العلي عام .1883يقال ان أول رصاصة اطلقت في وجه االستعمار الفرنسي كانت في أواخر عام 1918عندما حط الفرنسيون رحالهم على شاطىئ طرطوس .ومن أشهر المعارك التي خاضها العلي ضد الفرنسيين معركة «وادي ورور» بالقرب من مدينة الشيخ بدر،حيث تكبد فيها الفرنسيون أكبر الخسائر. واعتبرت ثورة صالح العلي والتي استمرت ثالث سنوات ونصف السنة ثورة اشتراكية على الجوع والفقر والجهل والمرض واالقطاع واالستعمار .وبعد انتهاء الثورة عام 1921 عرض عليه الفرنسيين إقامة دولة علوية بالتعاون بينه وبينهم الستالمها نهائيا من قبله، وعندما رفض الشيخ عرضهم ،فرضوا عليه االقامة الجبرية. وفي االستقالل في بداية األربعينات ()1943عرض عليه في أول حكومة اختيار الوزارة التي تروقه الستالمها فرفض مفضال النشاط السياسي من خارج الحكومة .وقد توفي الشيخ صالح العلي في 13ابريل /نيسان عام 1950في طرطوس. يذكر أن دولة جبل العلويين التي أسسها االنتداب الفرنسي ما بين عامي 1920إلى 1936 على الساحل السوري (تشمل اليوم محافظتي الالذقية وطرطوس) .سكانها هم من العلويين في الجبل ومن السنة في الساحل ومن المسيحيين كذلك وقليل من االسماعيلية. في 29أيلول 1923تم إعالنها دولة عاصمتها مدينة الالذقية ،وفي 1كانون الثاني 1925 تم تغيير اسمها رسميا إلى الدولة العلوية .وفي 22أيلول ،1930أعيدت تسميتها سنجق الالذقية .يوم 5كانون األول ( 1936اعتبارا من عام )1937تم ضمها نهائياً إلى سوريا.
30
شمال غربي سوريا ال تساهم في «انسنتهم بل في جعلهم متوحشين» .وكتب ويليرز ان «مالذهم تحول سجنا» ،وانه على الرغم من كونهم اسياد هذه الجبال ،لم يمكنهم تركها». بقي العلويون خارج المدن ،حتى ان احدى االحصائيات في العام 1945اظهرت وجود 56 علويا فقط مسجلين في مدينة دمشق ،واالرجح ان سبب ذلك هو انعزال العلويين ،الذين يشكلون قرابة 10في المائة من اجمالي السوريين ،في جبالهم ،وعدم افصاح من هم من ساكني المدن عن هويتهم المذهبية عمال بمذهب التقية وخوفا من االضطهاد االجتماعي او السياسي او االقتصادي.
في احلالتني ،الدرزية اللبنانية والعلوية السورية ،لم يكن «التقدمي االشتراكي» وال «البعث العربي االشتراكي» اكثر من عناوين ،فجنبالط كما االسد ،استند الى اقليته من عشائر الدروز التي يأمن لها ،للحفاظ على اندفاعته السياسية وعضوية حزبه .كذلك ،جلأ االسد الى العلويني القامة دعائم حكمه في اجليش السوري وحزب البعث والدولة حافظ و رفعت األسد
العلويون في التاريخ تعددت الكتابات حول العلويين وعقيدتهم .ويسود االعتقاد انهم انشقاق عن المذهب الشيعي بعدما ارسل ،في القرن التاسع الميالدي ،االمام الحادي عشر الحسن العسكري وكيله محمد ابن نصير ليقوم في مقام ممثله في جبل البهراء ،الذي يعرف اليوم بجبل العلويين ،وهو يقع في الشمال الغربي لسوريا .ويبدو ان ابن نصير اما اعلن نفسه بابا، او تجسيدا للخالق على االرض ،وانشأ لنفسه مذهبا حمل اسمه ،اي النصيرية ،او ان دعوته دخلها في ما بعد العقائد والتقاليد السائدة في تلك المنطقة. قصة النصيرية تشبه الى حد كبير قصة اقلية مشابهة تتمركز في مناطق جبلية اخرى في المشرق العربي ،مثل الموحدين الذين يعرفون اليوم بالدروز ،وهم يسكنون الجزء الجنوبي لجبل لبنان ،وفي جبل الدروز جنوب سوريا المجاورة لمنطقة الجوالن .كما النصيرية ،يعتقد ان الدروز هم انشقاق عن االسماعليين بعدما ارسل الحاكم بامر اهلل الفاطمي ،في القرن التاسع ،مبشرين باسمه الى مناطق فلسطين ولبنان وسوريا، فانقلبت الدعوة الى عقيدة مختلفة وربما خالطتها المعتقدات السائدة. المذهبان ،الموحدون الدروز والنصيريون العلويون ،يمنحان اهمية تاريخية لسلمان الفارسي ،واالثنان يؤمنان بمدأ التقمص مع بعض االختالف في التفاصيل ،واالثنان يحجبان تعاليمهما عن العامة ،وكذلك عن الدروز والعلويين ممن لم يبلغوا سنا معينة ،فيما يسمح الدروز «الدخول في الدين» للرجال كما النساء، ويمنع العلويون النساء من لعب اي دور ديني. كما يمنع المذهبان التزاوج خارج المذهب، ويمنعان دخول احد في المذهب .والمذهبان يبادالن مذهب الشيعة العداء ،على الرغم من ان العلويين يرفعون من شأن علي بن ابي طالب الى حد االلوهية ،ما دفع الشيعة الى اطالق تسمية «غالة» عليهم.
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
في مذهب النصيرية ،كما في الدروز ،استناد الى الحكمة االغريقية القديمة ،القائلة بتسع حدود للعقل ،والدروز يؤمنون بخمسة منها ،فيما يبدو ان العلويين يؤمنون بثالثة ،كما المسيحية ،مما دفع بعض المؤرخين الى االعتقاد بأنهم من المسيحيين ،وهو ما حاول النصيريون في سوريا تسويقه لدى الفرنسيين ابان انهيار االمبراطورية العثمانية ،في العام ،1918وبدء فترة االنتداب التي منح بموجبها الفرنسيون االقليات دوال ،مثل لبنان للمسيحيين ،ودولة للعلويين شمال سوريا، واخرى للدروز جنوبها. والظروف التاريخية للمذهبين تتشابه في احيان وتختلف في احيان اخرى .مناطق النصيريين اكثر عزلة ،واقل خصوبة للزراعة من مناطق حوران والبقاع اللبناني الجنوبي ،حيث الدروز. كذلك ،يحيط العلويون السوريون االكثرية السنية ،فيما تحيط مناطق الدروز في لبنان وسوريا اقليات اخرى مثل المسيحيين في جبل لبنان ،والشيعة في جنوبه ،وهو ما سمح للدروز
بالتفوق ماليا وعدديا ،وتشكيل قوة سياسية في القرن السادس عشر عقدت تحالفات مع امارات اوروبية واجبرت السلطنة العثمانية على منح جبل لبنان عموما ،حكما ذاتيا استمر باشكال مختلفة حتى انهيار السلطنة ووصول االنتداب الفرنسي ،وكان وقتذاك الدروز قد تراجعت اعدادهم خلف المسيحيين وتحولوا الى اقلية في بالد سبق ان تسيدوها وحكموها. اما النصيريون في سوريا ،فلم تسنح لهم فرصة لممارسة نفوذ سياسي خارج جبلهم المعزول، وحاولت السلطنة تحويلهم الى المذهب السني من دون ان تنجح في ذلك .وبقي النصيريون على هامش التاريخ حتى وصول الفرنسيين. وألن السياسة الفرنسية كانت تقضي بدعم االقليات في وجه االكثرية السنية ،المدعومة من بريطانيا غريمة فرنسا ،وجد النصيريون في الفرنسيين ضالتهم ،فدخلوا باعداد كبيرة في «جيش المشرق» السوري الذي انشأه الفرنسيون وتحول فيما بعد الى نواة جيش الدولة السورية.
31
قصة الغالف
كذلك منحت فرنسا العلويين دولة اسمتها باسمهم في العام ،1920وهو تاريخ قيام «دولة لبنان الكبير». استمرت االقليات العربية المشرقية ،من المسيحيين والعلويين ودروز لبنان ،في االستقواء بفرنسا على االكثرية السنية على االقل حتى الحت الحرب العالمية الثانية في االفق مع اواخر الثالثينات وما رافقها من وهن للقوى االوروبية وخصوصا فرنسا وبريطانيا .هنا افترقت االقليات في كيفية تصرفها :العلويون ومسيحيو لبنان راهنوا على الفرنسيين وطالبوا باالبقاء على دولتيهم اللتين تمتعوا فيهما باكثرية عددية، وان ضئيلة ،فيما قرر الدروز ومسيحيو سوريا التماهي مع االكثرية السنية .وتشير الكتابات التاريخية الى ان العلويين السوريين ارسلوا عرائض متعددة تدعوا الفرنسيين الى االبقاء على الدولة العلوية ،وتشير ايضا الى ان احد الموقعين على هذه العرائض كان سليمان ،والد علي ،والد حافظ االسد. لكن الدولة العلوية ماتت في العام 1936 واصبحت جزءا من سوريا التي حكمها عموما وجهاء مدن دمشق وحلب وحمص وحماة وادلب، ومعظمهم على مذهب السنة .ورافق السيطرة السنية على السياسة السورية ابقاء االقليات
خارج مفاصل الحكم ،فالعلويين كانوا ،على سبيل المثال ،يشكلون اكثرية الجنود في الجيش السوري الموروث من «جيش المشرق» الفرنسي ،اال ان الضباط لم يكن بينهم اال سنّة .وكذلك االمر بالنسبة للمناصب السياسية الرفيعة التي سيطرت عليها االكثرية السنية .واستمرت السيطرة المدينية السنية داخل الجمهورية السورية ،على حساب الريفيين كالعلويين والمسيحيين على االقل حتى العام ،1963تاريخ انقالب «حزب البعث» الذي جاء بالضابط العلوي صالح جديد الى الحكم ،وكان الرجل الثاني هو العلوي اآلخر حافظ االسد.
األقلية والطائفة والمصالح السياسية باستثناء المسيحيين في لبنان ،تنبهت االقليات كعلويي سوريا والدروز اللبنانيين الى ان ال جدوى من المطالبة بقيام او االبقاء على دول االقليات ،فحاولت االندماج في المحيط االكثري حولها .هكذا أنشأ زعيم دروز لبنان كمال جنبالط «الحزب التقدمي االشتراكي» ،الذي شدد في وثيقته التأسيسية على ضرورة إلغاء التوزيع الطائفي في السلطة في لبنان .وألن جنبالط لم يكن عسكريا ،ولم يكن جيش في لبنان يقوى على تغيير نظام الحكم ،استعان بفصائل الثورة الفلسطينية لتنفيذ ما اطلق عليه اسم «الحسم
احتاج نظام حافظ االسد الى شرعية اسالمية على وجه السرعة ،واحتاج شيعة لبنان ،حسبما قرر راع موسى الصدر ،الى ٍ قوي ،وتالقت مصالح االثنني بسرعة من كل حدب وصوب العسكري» بحق «االنعزاليين» برأيه عن محيطهم العربي ،اي المسيحيين اللبنانيين ،لقلب النظام بالقوة واستبداله بآخر عربي وعلماني في الوقت نفسه ،يخرج الدروز من سجنهم كأقلية ويعطيهم حقوقا مساوية لتلك التي تمتعت بها االكثرية المسيحية في حينه. في سوريا ،االقلية العلوية ،كما نظيرتها الدرزية
طوائف وقوميات
الطائفة العلويّة -ثاني أكبر طائفة دينيّة
المذهب ّ السني -الشعب السوري غالبيته
الطائفة الدرزيّة -الطائفة الدينيّة
من حيث العدد ( 7في المائة 15 -في
على المذهب ّ السني (ما بين 65في المائة
الرابعة في سوريا من حيث العدد ( 2في
المائة) من تعداد الس ّكان سورية ويتركز
85في المائة)ّ ،السنة منتشرون بكامل
المائة 4 -في المائة) من تعداد الس ّكان
وجودهم في جبل العلويين أو جبال الالذقيّة
سوريا ويشكلون غالبيّة بـ 11محافظة من
ويتواجد أتباعها بشكل رئيس في أربع
ولهم وجود عددي كبير أيضا في طرطوس
أصل 14محافظة سوريّة وأهم تجمّعاتهم
محافظات هي السويداء والقنيطرة
وغربي محافظتي حمص وحماة.
دمشق وحلب وحمص وحماة.
وريف دمشق وإدلب.
32
اللبنانية ،تصرفت بطريقة مشابهة .االسد كان امضى اكثر من عقدين في «حزب البعث»، العلماني العربي ،واستخدمه كوسيلة للتخلص من مشكلة انحداره من اقلية مذهبية لم تتمتع عبر التاريخ بأي حقوق مساوية لالكثرية المدينية السنية .لكن االسد ،العسكري الطيار ووزير الدفاع ،لم يحتج الى فصائل مسلحة ،بل سيطر على الجيش واستخدمه كوسيلة ثانية للوصول الى السلطة.
الرئيس المصري جمال عبدالناصر ومع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ،واالثنين من السنة. اما االسد ،الذي كلل استيالءه على السلطة عسكريا في العام 1970بانتخابات صورية ليصبح اول رئيس غير سني لسوريا بعد ذلك بعام ،فواجه ما يشبه االنتقاضة الشعبية مطلع العام 1973بعدما شطب من الدستور فقرة كانت تنص على ان دين الدولة في سوريا هو االسالم .والمتصاص النقمة ،وجد االسد ضالته في حليفه ،رجل الدين االيراني من اصل لبناني موسى الصدر ،الذي منحه فتوى نصت على ان النصيرية هي جزء من المذهب الشيعي. «حقيقة ان العلويين يقدسون علي ،اول ائمة الشيعة االثني عشر ،بما يتجاوز تعاليم االسالم، وضعها (الصدر) جانبا» ،يقول االكاديمي فؤاد عجمي في كتابه «االمام المختفي» .ويفسر عجمي سبب فتوى الصدر باالقتباس عن المؤرخ مارتن كرايمر« :احتاج نظام حافظ االسد الى شرعية اسالمية على وجه السرعة ،واحتاج راع شيعة لبنان ،حسبما قرر موسى الصدر ،الى ٍ قوي ،وتالقت مصالح االثنين بسرعة من كل حدب وصوب».
الى قبضته االمنية الحديدية ،حتى ان الرئيس السوري لم يسكن القصر الرئاسي ،وبقي وعائلته في منازل الضباط لسنوات عديدة بعد انتخابه ملتصقا بالعسكر ،مصدر شرعيته الوحيد. في حزيران (يونيو) ،1974زار الكاتب االميركي جوزف كرافت دمشق ،وكتب مقاال تخلله وصف لالوضاع في سوريا ،ومما جاء فيه ان «االسد وعائلته مازالو يسكنون في سكن الضباط» ،وانه يحكم البالد عبر «رباعية من الرفاق العلويين الموثوقين ممن يسيطرون على الشرطة والجيش» .وكتب ان «حرس امبراطوري ،اسمه سرايا الدفاع ،هو بأمرة اخيه العقيد رفعت االسد».
في الحالتين ،الدرزية اللبنانية والعلوية السورية، لم يكن «التقدمي االشتراكي» وال «البعث العربي االشتراكي» اكثر من عناوين ،فجنبالط، كما االسد وعلوييه ،استند الى اقليته من عشائر الدروز التي يأمن لها ،للحفاظ على اندفاعته السياسية وعضوية حزبه .كذلك ،لجأ االسد الى العلويين القامة دعائم حكمه في الجيش السوري وحزب البعث والدولة. لكن في حالتي جنبالط واالسد ،لم تكف الشعارات العلمانية وال االندفاعة السياسية المدعومة بقوة العشائر الجبلية القروية وبأسها في القتال ،في منح اي من الرجلين الشرعية المستقاة عادة من دين االكثرية. هكذا ،ذهب جنبالط الى االزهر لالستحصال على فتوى نصت على ان الدروز هم احد المذاهب االسالمية السنية ،وترافق ذلك مع تحالفه مع
على ان اسالمية االسد المستجدة لم تمنحه شرعية كافية داخل سوريا ،وبقي حكمه مستندا
القوميّة الكردية -هي ثاني األعراق في
الطائفة اإلسماعليّة -خامس طائفة
الطوائف المسيحيّة -األقلية الدينيّة
سوريا بعد العرب حيث يشكل األكراد
دينية في سوريا ( 0.5في المائة 1 -في
األكبر والثالثة من حيث العدد اإلجمالي
تقريبا ( 8في المائة 15 -في المائة) من
المائة) من إجمالي تعداد السكان ويتركز
السكان ( 7في المائة 13 -في المائة).
تعداد الس ّكان وينتشرون بشكل أساسي
وجود الطائفة أساسا في محافظتي حماة
غالب مسيحيّي سوريا أرثوذكس مع
في محافظات الحسكة وحلب ودمشق
وبخاصة بمدينة السلميّة وطرطوس ببلدة َ الق ْدموس ونهر الخوابي
أقليّات كاثوليكيّة ومارونيّة وبروستانتيّة
وغالبيتهم الساحقة من ّ السنة
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
وينقل كرافت عن معارض سوري جلس مرة مع االسد ،الذي كان يحاول استمالته سياسيا ،قول االسد« :اعلم انه كان هناك اختالفات سياسية فيما بيننا في الماضي ،ولكن هناك حوالي مائة سوري فقط ممن يهتمون لمواضيع االختالفات السياسية ،وبامكاننا بسهولة ان نرميهم جميعهم في السجن». هكذا ،بعدما رمى االسد خصومه جميعهم في السجن ،من سنة وشيوعيين وحتى علويين وعلى رأسهم حليفه السابق ثم غريمه وسلفه صالح جديد ،تفرغ لبناء زعامته االقليمية ،ووجد في
ومنتشرون على كامل التراب السوري.
33
قصة الغالف
الصراع العربي -االسرائيلي اسهل فرصة لذلك، فاشترك في حرب اوكتوبر 1973التي شنتها مصر لتحرير سيناء من االسرائيليين .حينذاك لم تفشل القوات العربية في استعادة اي من اراضيها المحتلة فحسب ،بل وجدت نفسها تتراجع وتخسر المزيد من االراضي ،مما دفع بالرئيس المصري انور السادات الى طلب الوساطة من الواليات المتحدة ،فبدأ وزير الخارجية هنري كيسينجر ما عرف بالـ»ديبلوماسية المكوكية» التي انتجت معاهدة سالم مصرية مع اسرائيل ،واتفاقية فض اشتباك سورية -اسرائيلية في العام ،1974 ومازالت االتفاقيتان قائمتين حتى اليوم. وحسب كرافت ،فان نجاح االسد في خوض حرب استنزاف مع االسرائيليين استمرت 81 يوما حولته الى محط انظار زعماء المنطقة والعالم ،وذلك لم يكن ممكنا لوال الدعم الروسي له ،فالسادات الذي ارتمى في احضان واشنطن، انهى عالقة مصر باالتحاد السوفياتي ،الذي وجد في االسد حليفه الشرق االوسطي الوحيد ،فهدد االسرائيليين بالتدخل عسكريا في حال قرروا اسقاط نظام االسد النهاء حرب االستنزاف تلك، مما اعطى االسد حماية سمحت له بالتوصل الى هدنة مع االسرائيليين.
العلويون في تحالف االقليات وتخاصمها «السياسة االقليمية هي التي حاول من خاللها السيد االسد ان يخلق اسطورة لنفسه بجعله من سوريا قوة بين العرب بدال من ان تكون ساحة كرة قدم» ،يكتب مراسل نيويورك تايمز نيل ماكفاركوهر في خبر وفاة االسد في العام .2000 هكذا ،بعد اقفال جبهة الجوالن الذي بقي تحت االحتالل االسرائيلي ،تحولت انظار االسد الى لبنان .هناك كان حلفاؤه من االقليات، بعض الشيعة بزعامة موسى الصدر ،واكثرية المسيحيين الذين طلبوا منه ارسال قواته لنزع سالح الفصائل الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، غريم االسد .وجد االسد مصلحة له في ذلك التحالف «األقلّوي» ،وحاول ضم الدروز ،اال ان رفض جنبالط وتمسكه بعرفات ،اوديا بحياته اغتياال في العام .1977 في وقت الحق ،انفض تحالف االسد مع الميليشيات المسيحية ،فاستبدلها بالدروز بقيادة وليد جنبالط ،ابن المغدور كمال والذي حاول تفادي المواجهة مع العلويين التي انتهجها والده. وفي العام ،1978اختفى الصدر اثناء رحلة الى ليبيا ،فحرص االسد على وصول حليفه نبيه بري الى الزعامة الشيعية .ومنذ ذلك الحين ،خاض الثنائي بري -جنبالط ،برعاية سورية ،جوالت دموية من المواجهات مع المسيحيين ،برعاية دولية وغربية ،رسمت معالم الحرب االهلية في لبنان حتى انتهائها في العام 1991بعدما منحت
34
واشنطن االسد تفويضا للسيطرة على لبنان بالكامل مكافأة له الشتراكه في حرب تحرير الكويت من اجتياح صدام لها قبل ذلك بعام. وتشير التقارير الى ان ابرز مؤيدي تحالف االقليات كان رفعت االسد ،الذي كان يعتقد ان تحالفا يشمل علويي سوريا وشيعة لبنان، والدروز والمسيحيين في في سوريا ولبنان واسرائيل ،فضال عن اليهود االسرائيليين ،من شأنه ان يعطي تفوقا لالقليات في مواجهة السنة في المنطقة عموما .ومما ساهم في تكريس فكرة «تحالف اقل ّوي» يضم االسرائيليين هو اتفاق الخطوط الحمر الذي رعاه كيسينجر لتقاسم النفوذ بين سوريا واسرائيل داخل لبنان ،فضال عن انفتاح بعض مسيحيي لبنان على تل ابيب واقامة تحالفات معها. مؤيدو نظرية ان التعاون الضمني لألقليات حصل فعال مطلع الثمانينات يستندون الى خروج عرفات من لبنان كدليل ،فاسرائيل اجبرت الزعيم الفلسطيني على الخروج من بيروت ابان اجتياحها في العام .1982بعد ذلك بعام ،عاد عرفات من تونس الى لبنان ودخل طرابلس في الشمال، ليلقى المصير نفسه ،ولكن هذه المرة على يد جيش االسد وحلفائه من الفلسطينيين واللبنانيين الذين اخرجوه مرة ثانية من لبنان على غرار ما فعلت اسرائيل قبل عام ،ما يعني انه فيما كانت االقليات ،العلوية والشيعية والمسيحية واليهودية تتقاسم مناطق النفوذ في لبنان ،كان الخاسر االكبر هو عرفات والفلسطينيين والسنة عموما. لكن هل كان العلوي حافظ االسد ،الذي طرد شقيقه العلوي رفعت من دمشق بعد اقتراب
يعتقد االسد ان حربا اهلية في لبنان اوالعراق تشتت االنظار عن املجازر التي يرتكبها «الشبيحة» بأمرته بحق املدنيني السوريني ،او ان هكذا حروبا اهلية تثني الغرب عن محاولة االطاحة به، بل ممكن ان تستجديه لتثبيت االوضاع عبر استخدامه للعنف املفرط
القوات الموالية لهما من مواجهة عسكرية في العام ،1984يؤمن فعال بأقليات واكثريات؟ ام فقط بمصالح؟ وهل من الممكن الحديث عن طائفة علوية موحدة بعدما قامت قوات حافظ االسد بتصفية الموالين لرفعت تماما في العام 1999 في معارك في الالذقية بهدف تأمين انتقال سهل للسلطة الى ابنه بشار؟
حافظ االسد و»حزب اهلل» أعداء في 16فبراير ،1987اقتحمت «القوات الخاصة» بإمرة غازي كنعان ،رجل حافظ االسد في لبنان ،ما يعرف بـ «ثكنة فتح اهلل» ،في منطقة البسطة في بيروت ،وقامت باعدام شباب كانوا بداخلها ،جميعهم من مقاتلي «حزب اهلل» الشيعي اللبناني .في اليوم التالي ،سار في جنازة الضحايا ما يقارب 10االف مشيع من الشيعة اللبنانيين، واستبدلوا هتافهم المعتاد «الموت السرائيل» بالـ «موت لسوريا» ،فيما طالب كبار رجال الدين الشيعة ،وعلى رأسهم محمد حسين فضل اهلل وامين عام «حزب اهلل» صبحي الطفيلي االسد باالعتذار من الحزب ومن اهالي الضحايا. لم يتراجع االسد يومذاك ولم يكترث لتحالفه مع شيعة لبنان ،وال لنظرية تحالف االقليات عموما ،وال لتحالفه مع ايران راعية الحزب، التي ارسلت وزير داخليتها علي محتشمي في زيارة غير مقررة مسبقا الى دمشق للقاء االسد في 6آذار (مارس) ،حسب جوبن غودارزي في كتابه «سوريا وايران» .ويقول غودارزي ان االسد لم يمنح ضيفه اللقاء حتى بعد إلقائه خطابا بعد يومين قال فيه انه في حال استولت ايران على البصرة في حربها مع صدام ،فانها ستجد جميع العرب في مواجهتها ،اي انه في مناورة سياسية واضحة ،وضع االسد التحالف العلوي -الشيعي جانبا ،وألمح الى عروبة السوريين وتاليا امكانية عودته الى الصف السني. هذه المناورة التي اتقنها االسد االب وساعدت في بقائه رقما صعبا في نظر حلفائه قبل اعدائه، يعتقد كثيرون انها فاتت االسد االبن الذي ارتمى في حضن حليفته ايران من دون غيرها ،وصار كثير االعتماد عليها حتى نجحت طهران في السيطرة على قراره. «قال االسد لمحتشمي انه ال يقبل اي نشاط ضد مصالح سوريا في لبنان ،وانه يتوقع تعاون طهران وحزب اهلل في هذا المجال ..اي انه ان افترقت مصالح ايران -حزب اهلل عن مصالح سوريا ،للمصالح السورية اولوية»، يتابع غودارزي .هذا الترتيب في تحالف االسد االب -حزب اهلل ظل سائدا حتى خروج قوات االسد االبن من لبنان في العام ،2005وساهم في
علويون أتراك في صالة جماعية سيطرة االسد شبه التامة على الشيعة في لبنان وخصوصا على «حزب اهلل». ويروي مبعوث السالم السابق دينيس روس في كتابه «السالم المفقود» انه طلب من االسد مرة اثناء احد اللقاءات بينهما ان يلجم نشاط «حزب اهلل» ضد االسرائيليين كبادرة حسن نية في خضم مفاوضات السالم بين دمشق وتل ابيب. وفعال ،يقول روس ،اوقف «حزب اهلل» عملياته العسكرية تماما بعدما وعده االسد بذلك .لقد كان «حزب اهلل» كالخاتم في اصبع االسد االب.
بشار االسد و«حزب اهلل» أصدقاء «انت قلتلي ممكن يتأمن بضاعة محليا» ،يقول الرجل الذي عمل مخبرا لألمن اللبناني متوجها الى النائب والوزير السابق ومستشار بشار االسد في لبنان ميشال سماحة ،الذي يجيبه« :بيقولو للحزب بيحطن بالمطرح الفالني وخلص منشيلن. ما بيعرفو مين ،وال وين ،وال بيعرفو شي» .في محاضر التحقيق الالحقة ،التي نشرتها صحيفة «الجمهورية» اللبنانية ،يظهر سماحة وهو يسلم المتفجرات التي كان يطلب من المخبر زرعها الغتيال شخصيات معارضة لألسد في شمال لبنان. ويقول خبراء ان التناقض في اقوال سماحة قد يظهر أن نظام االسد طلب من «حزب اهلل»
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
مساعدته في تسليم متفجرات لعمالئه في شمال لبنان ،وان الحزب رفض ذلك ،مما دفع مساعد االسد علي مملوك الى الطلب من سماحة ،وهو ليس صاحب اختصاص بالمواضيع االمنية، باستالم المتفجرات شخصيا في دمشق ،وتسليمها للعميل في بيروت .وان كان ذلك صحيحا ،يبدو انه للمرة االولى منذ العام 1987واتفاقية االسد محتشمي ،لم تعد لمصالح االسد اولوية علىمصالح «ايران -حزب اهلل» في لبنان ،فيما يجمع الخبراء على تباين في الرؤية بين الحزب وبشار االسد حول وضع لبنان ،ما دفع االخير في محاولة يائسة -الى االعتماد على مواردهالشحيحة اصال لتنفيذ مخططاته في لبنان ،وباءت المحاولة بالفشل. والالفت ايضا انه باستثناء التصريح ،الذي تراجع الحقا الحزب عنه لرئيس كتلته البرلمانية محمد رعد الذي سخر من اعتقال االمن اللبناني لسماحة، يتمسك الحزب بصمت مطبق في موضوع الوزير السابق واليبدو انه يهب لنجدته الخراجه من االعتقال ،على االقل حفظا لماء وجه حليفه االسد في لبنان .هذا ال يعني ان طهران او «حزب اهلل» ال يقدمان كل مساعدة ممكنة النقاذ حليفهم االسد داخل سوريا ومساعدته في القضاء على الثورة المندلعة ضد حكمه منذ آذار (مارس) .2011اال انه يعني انه في النظرة حول لبنان ،هناك تباين واضح ،فالحزب يسيطر على لبنان وحكومته، وال يرغب في رؤية االمور تفلت من بين يديه او
ان تتجه الى حرب اهلية تجبره على الغوص فيها وتضعف من امكاناته في اي مواجهة محتملة مع اسرائيل ،خصوصا في ملف ايران النووي. اما االسد ،الذي هدد قبل سنوات امين عام االمم المتحدة بأن المنطقة الممتدة من قزوين الى المتوسط ستنفجر في حال اتهم التحقيق الدولي اي مسؤول سوري بالتورط في جريمة قتل الحريري ،فهو يسعى اليوم فعليا الى تفجير هذه المنطقة ،او على االقل الدول المجاورة له كلبنان والعراق .وربما يعتقد االسد ان حربا اهلية في لبنان اوالعراق تشتت االنظار عن المجازر التي يرتكبها «الشبيحة» بأمرته بحق المدنيين السوريين ،او ان هكذا حروبا اهلية تثني الغرب عن محاولة االطاحة به ،بل ممكن ان تستجديه لتثبيت االوضاع عبر استخدامه للعنف المفرط.
كيف تنتهي هذه الثورة؟ كتب احد الصحافيين الذين غطوا الحرب االميركي في العراق برفقة الجيش االميركي ان االميركيين عندما وصلوا اطراف بغداد وصار دخولها يبدو سهال ،نظر آمر الكتيبة الجنرال دايفيد بترايوس الى الصحافي وتوجه إليه بالسؤال« :ايمكن ان تقول لي كيف تنتهي هذه الحرب»؟ من يعرف اسلوب االسد يعلم انه غالبا ال يكون لدى االبن او ابنه من بعده تصورا لما ستؤول اليه االمور ،فاالسد االب قلب هزائم عديدة
35
قصة الغالف
انتصارات ،فهو خسر عسكريا في العام ،1973 اال ان الرئيس االميركي ريتشارد نيكسون زاره في يونيو ،1974وهو خسر في االجتياح االسرائيلي للبنان في العام ،1982ولكنه عاد مع حلول العام 1983وقلب الموازين لمصلحته واجبر االسرائيليين على التراجع في لبنان. كذلك لألسد االبن انتصارات سياسية مشابهة في الماضي القريب ،ولكن هذه المرة بمساعدة االسرائيليين ،على حد قول المسؤولين السابقين في ادارة جورج بوش ،اليوت ابرامز وجيفري فيلتمان. ففي ندوة في معهد هدسون في العام ،2010قال المسؤوالن ان «اسرائيل هي التي فتحت الباب لسوريا للخروج من عزلتها الدولية» ،التي كانت مفروضة عليها منذ اغتيال الحريري في .2005 مع حلول العام ،2008كانت اسرائيل تجري مفاوضات مع االسد في انقرة ،وهو ما فتح الباب لألسد ،على حد تعبير المسؤولين االميركيين. ولكن منذ اندالع الثورة السورية في آذار (مارس) ،2011يبدو ان حظوظ االسد قاربت النفاذ ،وان آل االسد الذين تحكموا بلبنان لعقود خلت ،لم يعد بامكانهم اخراج مستشار االسد من السجن في بيروت. «خطة االسد الوحيدة هي استخدام العنف لتضييع الوقت» ،يقول عجمي في كتابه الصادر مؤخرا بعنوان «الثورة السورية» ،اي انه ال يبدو ان الباقي في جعبة االسد االبن غير استخدام العنف المفرط بحق السوريين الخافتهم واجبارهم على التراجع عن ثورتهم ،وانتظار تطورات اقليمية او دولية قد تأتي في مصلحته. اذن ،ال يبدو ان لدى االسد االبن تصورا حول كيفية انتهاء االحداث المتسارعة داخل سوريا بطريقة تبقيه في الحكم ،وهو ما حمل الخبراء على محاولة تقديم سيناريوات متعددة لما قد يقدم عليه االسد للخروج من ورطته. ابرز السيناريوات هو انتقال االسد الى معاقل العلويين في الشمال الغربي ،وتمركزه هناك الطالة امد القتال ،وربما انشائه دولة علوية بمثابة دولة امر واقع يعمل على الحصول على اعتراف دولي باستقاللها في وقت الحق .ويشجع على قبول هذا السيناريو قيام قوات االسد وشبيحته بما يشبه «التطهير العرقي» بحق غير العلويين في القرى السنية المجاورة لحدود الدولة العلوية. لكن مشكالت قيام الدولة العلوية كثيرة ،ليس اقلها انعدام الموارد الطبيعية لهذه الدولة ،وصغر رقعتها الجغرافية ،وغياب اي دليل ان االسد ،او من قد يخلفه في ادارة امورها ،لديهم خطة للحكم الرشيد لجعلها دولة متقدمة اداريا واقتصاديا على جيرانها ،بل ان الدالئل تشير الى غياب
36
البنية التحتية للدولة العلوية المزعومة ،فال مطارات دولية فيها ،وال محطات كهرباء وال اوتوسترادات سريعة ،ما يعني ان لجوء االسد اليها سيكون بمثابة عودة العلويين الى عزلتهم التاريخية في جبالهم ،مع فارق ان في هذا الزمن، على عكس قبل قرن او اكثر ،لم تعد المناطق معزولة كما في الماضي. انعدام فرص قيام الدولة العلوية قد يدفع العلويين الى محاولة البقاء داخل سوريا الموحدة ،ولكن هذا يزداد صعوبة مع استمرار بقاء االسد ،الذي يبدو انه يدفعهم في الغالب الى ارتكاب مجازر بحق غير العلويين .ومن نافل القول ،ان الدماء يؤدي الى المزيد من الدماء ،وكل ما طال امد
المواجهة ،زاد الثأر والنقمة والحقد ضد العلويين، وجعل من بقائهم في سوريا ،ناهيك عن شراكتهم في الحكم ،امرا بالغ الصعوبة. في جلسة خاصة ،يقول احد «المستعربين» في وزراة الخارجية االميركية ممن يراقبون الوضع في سوريا ،ان االسد اتخذ قراره بخصوص الثورة السورية منذ اليوم االول عمال بالتقليد القبلي« :اما قاتل واما مقتول» .هذا يعني انه ،ولألسف ،كل ما طال ارتباط العلويين باالسد ،ارتبط مصيرهم بمصيره ،وصاروا كمجموعة في موقع «اما قاتل او مقتول» ،وهذا نوع من االنتحار الجماعي الذي قد يعيد العلويين الى الماضي الذي كانوا فيه بمثابة المنبوذين ،وهذا ان حصل ،قد يؤكد مقولة ان «التاريخ يعيد نفسه».
أقليات و أعراق التركمان :يعتبر األتراك المجموعة العرقية الثالثة في سوريا بعد الكرد والعرب ونسبتهم ما بين ( 3في المائة 7 -في المائة) من تعداد الس ّكان وينتشرون بشكل أساسي في س ّتة محافظات هي حمص وحماة ودمشق وحلب والالذقيّة والقنيطرة (الجوالن) اآلراميّون :السريان /الكلدان /اآلشوريّون وهم رابع قومية في سوريا من حيث العدد ومن أقدم القوميّات التي سكنت البالد ،ويمثلون ( 2في المائة 5 - في المائة) من تعداد الس ّكان ويتر ّكزون اساسا في محافظة الحسكة وال يزالون رغم التعريب يحافظون على لغتهم األم. الشركس :خامس األعراق في سوريا من حيث العدد ( 0.5في المائة 2 -في المائة) من تعداد الس ّكان وينتشرون بشكل أساسي في حمص وحماة والقنيطرة كما توجد لهم تجمعّات صغيرة بالحسكة ودمشق ودرعا وحلب والرقة وريف دمشق. الغجر :يعرفون أيضا بال ُدميّين أو ُ الق ْرباط أو َّ النَور وهم سادس األعراق في سوريا ونسبتهم ما بين ( 0.5في المائة 1 -في المائة) من تعداد الس ّكان وهم منتشرون على كامل األراضي السوريّة وبشكل خاص البوادي وأطراف المدن األرمن :سابع القوميات السوريّة وتبلغ نسبتهم ما بين ( 0.5في المائة 1 - في المائة) من تعداد الس ّكان وتعتبر مدينة حلب هي أكبر تجمع لألرمن في سوريا ومركز ثقلهم ،كما توجد لهم تجمّعات بالحسكة ودمشق ودير الزور وحمص والالذقيّة.
األفكار خلف األخبار
دراسات
الصفوي العثماني دفعت ثمناً باهظاً في الخالف َّ
العلويّة ..طريقة صوفية أم شيعة جعفرية! يحار َّ الناظر في شأن العلويين أو الفرقة العلوية ،يصدق مَن ويُكذب مَن ،وأي اسم يُثبت لهم :أهم علويون أم نصيريون؟! مسلمون في األصل أم مسيحيون ،طريقة صوفية أم شيعة جعفرية؟! مَن هو مؤسسهم :أعلي بن أبي طالب أم محمد بن نصير والنصيرية الواردون في كتب الملل وال ِّنحل أم ِّ النميرية ُّ النميري ،أهم َّ َّ الشيعة اإلمامية؟! بقلم :د .رشيد الخ ُيّون
38
ُّ كل هذه األسئلة تدور في ذهن القارئ لتاريخهم المكتوب بيد عبر اآلخرين ِمن خصومهم على ما يبدوِ ،من مؤرخي الملل وال ِنّحل واألجانب ،الذين السماع ،كذلك في العديد ِمن األحيان يكتبون على ِّ َمن سجل تاريخهم عبر شخص خرج ِمن بينهم بعد أن مارس طقوس تخص جماعة معينة منهم ال الطائفة بأكملها. ر َبّما بدأ االهتمام بأمر هذه الطائفة ،بعد تولي أبنائها مراكز قيادية سورية ،كصالح جديد، الذي أصبح الرجل الثاني والقوي في سوريا عام ،1966ثم حافظ األسد رئيس الوزراء ووزير الدفاع ثم رئيس الجمهورية عام( 1971ت ،)2000فوصل عن طريقهم أبناء الطائفة إلى السنة مراكز حساسة في مجتمع أغلبيته ِمن أهل ُّ والجماعة ،إال أنه قطع مسافات التباعد بين أقلية حاكمة وأغلبية محكومة بدخوله المسجد األموي والصالة حسب تقاليد المذهب الحنفي ،نسبة إلى َّ اإلمام العراقي أبي حنيفة النُّعمان (ت 150هـ)، وبما أن الطائفة العلوية ال تتقيد أو تتشدد كثيراً بالفروع ،وأن الرئيس لم يكن متديناً ،فظل يصلي السَنّة في األعياد والمناسبات ال ِّدينية، بصالة أهل ُّ الرسمي ،فظل كما هو ولم يغير في مذهب ال َّدولة َّ على المذهب الحنفي ،في المعامالت ،وكان مفتي ال َّدولة يظهر إلى جانبه ويعطي انطباع أن ال َّدولة على ما هي عليه ،ليس هناك ِمن تغيير في تشريع الرسمي ،الذي أو تقديم مذهب ما مكان مذهبها َّ كانت عليه منذ العهد العثماني ،وأن االعتراف بالمذاهب األربعة إلى جانب المذهب الخامس وهو مذهب العلويين ،الذي يشار إليه بالجعفري، كان موجوداً منذ توحيد دولة العلويين مع بقية سوريا عام .1936
ملف شائك كان الخوض في الشأن العلوي له حساباته ،كونه يمس الحكم بسوريا مباشرة ،فالهيمنة العلوية في المراكز الحساسة كانت واضحة ،وأي فتح حديث عن هذه َّ الطائفة يقصد ال ِنّظام .فأتذكر عندما حاولنا إصدار كتاب في مركز «المسبار» للدراسات والبحوث عن العلويين كطائفة دينية ،لم نستطع إدراج باحثين ِمن داخل سوريا فيه ،بل الذين رشحوا للكتابة فيه ارتأوا أن يتناولوا العلويين خارج سوريا ،وبعناوين غير الفتة لل َنّظر ،خشية السوري ،فليس من اعتبار ذلك تعرضاً لل ِنّظام ُّ هناك أقوى ِمن أجهزته األمنية والمخابراتية .بينما عندما تفجرت قضية العلويين بتركيا العام 1993 و ،1995خصصت أكثر الصحف والمجالت ملفات لهذا الحدث ِمن دون اإلشارة إلى سوريا ولو باالسم ،وكانت مناسبة أن يفتح ملف العلويين كتاريخ وحاضر معاش. لكن ال تخلو المكتبات من إصدارات بأسماء مستعارة ،على ما يبدو ،كردة فعل على تصرفات الحكم المحسوب على ّ الطائفة بسوريا ،فيها
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
تعريض بتاريخ وعقائد َّ الطائفة ،وال َتّركيز على ُ حكايات فيها قسوة صارخة ،مثل كتيب «الجيل َ الثّاني ...قصة واقعية تحكي عقائد ال َنّصيريين وعاداتهم» موقع باسم محمد حسن ،صدر الكتيب عام 1986عن دار وهمية على ما يبدو ،هي دار «العقيدة» ،ور َبّما كان هذا الكتيب ردة فعل على السوريين بحماة ما حصل ضد اإلخوان المسلمين ُّ عام ،1982وعلى ما كانت تتصرف به ميليشيا سرايا ال ِّدفاع ،التي كان يقودها شقيق الرئيس حافظ األسد رفعت األسد ،ثم ُحلت ونفي قائدها إلى الخارج حتى يومنا هذا. يدور ُ الكتيب عن عقيدة العلويين في التناسخ، التي ينفيها الذين كتبوا ِمن داخلهمِ ،من أن العلوي عندما يموت يتحول إلى كائن آخر ،وفي حالة أبي ونوس ،بطل القصة ،ينسخ إلى كلب ،فبعد وفاته صار الكلب يأتي إلى داره ،وتتعرف عليه زوجته ِمن خالل ما يحب ِمن َّ الطعام .كلب أجرب هزيل الجمع وهو مكان العبادة لدى العلويين، يُطرد من ُ وقد طرد ُّ الشيوخ أم ونوس ألن ال َنّصيرية ،حسب ما ورد في الكتيب ،ال تقر للمرأة بدين. اعتمد الكتيب على كتاب آخر كتبه سليمان أفندي األدني ،وهو نصيري أو علوي تحول إلى المسيحية ،وأخذ يسرد ما حمله ِمن عقائد طائفته ،كان قد ولد عام ،1834وقتل في ما بعد بين عصبيته ضد أبناء طائفته السابقة أو بسبب ردته عن اإلسالم .اسم الكتاب «الباكورة السليمانية في كشف أسرار ال ِّديانة ال َنّصيرية»، ُّ نشره بعد أن عاش ببيروت كمسيحي في القرن التاسع عشر ،وفي عام 1990نشرته في القاهرة دار «الصحوة» ،وصار مصدراً ّ لكل َمن تناول ِ موضوع ال َنّصيرية.
الصوفية َّ الطاغية بسبب ُّ على املجتمع العلوي وعدم التزمت في التدين وابتعادهم عن السياسة بشكل عام ،يصعب تشكيل كيان حزبي ديني ،أي يستبعد أن يقام حزب ً مثال بينهم ،أو أي الله حزب سياسي مبني على فكرة دينية
السابقة بعد أن ظهرت بعدها أخذ يشكو ِمن طائفته َّ لديه نية ال َتّحول عن َّ الطائفة واإلسالم ككل ،قال: علي اللَّعن والحرم ،ووضعوا اسمي بين «أطلقوا َّ جملة المشتومين ،واتفقوا على قتلي خفياً ،وإن ظهر أمري يدفعون ثمن دمي .فمنعهم َّ الشيخ صالح الرجل قد تركنا ألنه أفندي ابن سمرة ،وقال :إن َّ قد تحقق عنده أن ذكر صالتنا كفرية»(المصدر نفسه).
كسر حاجز الخوف السورية الجارية ،وكسر حاجز بعد األزمة ُّ الخوف بإعالن العصيان على ال ِنّظام و ِمن ال َّداخل الرسمي والمواجهات المسلحة ،بين الجيش َّ والجيش الحر ،ظهر االهتمام بتاريخ وجود َّ الطائفة العلوية ِمن جديد وبقوة ،فبوجود رئيس جمهورية وقائد لحزب البعث الحاكم وأركان فاعلين علويين جعل المعركة كأنها مواجهة بين َّ السوريين ،بل أوسع ِمن هذا الطائفة العلوية وبقية ُّ ُ ّ َ وسنة ،على اعتبار أن أخذت تفهم أنها بين شيعة ُ الطائفة محسوبة على ِّ الشيعة ،وبالفعل يصفها فقهاء ومؤرخون ِمن داخلها على أنها شيعة جعفرية ،مثلما سنرى الحقاً. ر َبّما توقع ذلك جمال عبد ال َنّاصر(ت )1970 عندما أشار في خطاب له ،بعد االنقالب بسوريا عام ،1966وتسلم العلوي صالح جديد المركز القوي بالحكومة وحزب البعث ،وكان ِمن قبل سجيناً بالقاهرة بعد فشل الوحدة المصرية السورية ،عندما قال« :حزب البعث الذي قسم سوريا إلى قسمين ،وعمل تمييزا عنصريا واعتمد على َّ الطائفية واعتمد على األقليات»(سماع من يوتيوب). إن قائمة الكتب التي تناولت العلويين أو ال َنّصيريين ،بالضد ليست قليلة ،بالمقابل هناك ندرة في ما ُكتب لصالحهم أو بشكل حيادي ،ور َبّما أول قلم علوي تناول طائفته هو محمد أمين غالب َّ الطويل ،في كتابه «تاريخ العلويين» ،الذي هاجر من كليكيا التركية إلى الالذقية ،ليصبح عضوا في محكمة بداية الالذقية ،في دولة العلويين عام ،1920وكان قبلها يعمل في الشرطة العثمانية برتبة مدير شرطة والية (من مقدمة عبد الرحمن بالخير للكتاب). صار هذا الكتاب ،الذي ُكتب قبل 1920 - 1919 مصدراً أساسياً لمن بحث بحيادية عن أصل العلويين وتاريخهم وعقائدهم ،على الرغم من وجود مالحظات لفقهاء ِمن َّ الطائفة عليها ،ذكرها ً الرحمن بالخير ،بينما مال الذين تفصيال عبد َّ كتبوا ضد الطائفة العلوية إلى كتاب الباكورة، وأتى َّ الطويل على قصة األدني ،وكيف تحول إلى ُ الرهبان. المسيحية وقتل وهو يرتدي ثياب ُّ لقد صار الكتابان مرجعين لتاريخ هذه الطائفة. كذلك يشعر الباحث بحيادية ما كتبه هاشم عثمان،
39
دراسات
وهو باحث سوري في كتابيه« :العلويون بين األسطورة والحقيقة»(بيروت ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات .)1994ثم لحقه بكتاب «تاريخ العلويين وقائع وأحداث (بيروت ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات .)1997 بعد َّ الطويل كتب َّ الرحمن الخير الشيخ العلوي عبد َّ ً ( 1904ـ )1986كتابا تحت عنوان «عقيدتنا وواقعنا ..نحن المسلمين الجعفريين العلويين»، صدر بعد وفاته (دمشق ،)1991ويؤكد أنهم جعفريون أو اثنا عشرية ال يتميزون بشيء .ومثل ذلك نقرأ في كتاب العميد أحمد عباس «أُصول ال ِّدين عند ِّ الشيعة العلويين»(بيروت :دار المنتظر ّ ،)2000وليس فيه من يميز عقيدتهم ال ِدينية عن أُصول ال ِّدين عند ِّ الشيعة الجعفرية :التوحيد والعدل وال ُنّبوة واإلمامة والمعاد؟ أما كتاب أحد الذين يعتبرون كمؤسسين في الطائفة وهو الحسين بن حمدان الخصيبي (ت نحو 334 هـ) «الهداية الكبرى» ،ففيه ِمن الغلو باإلمام علي وأوالده الكثير ،وهو عبارة عن تاريخ في ٍّ (المعصومين) ،حسب العقيدة ِّ الشيعة ،األربعة عشر ،وهو ال يميز َّ الطائفة العلوية عن ِّ الشيعة الجعفرية أو االثني عشرية بشيء ،وشأنه شأن كتاب «بحار األنوار» لمحمد باقر المجلسي (ت الصفوية .وال ،)1699أحد أبرز فقهاء الفترة َّ نغفل محاولة البحاثة السوري محمد كرد علي (ت )1953في محاولة تقصي الحقيقة ِمن أحد شيوخهم أو وجهائهم عندما ألف كتابه «خطط َّ الشام».
االنشقاق قبل تناول العلويين كتاريخ وفعل سياسي وعقائد ننظر في كتب الملل وال ِنّحل ،لعلنا نجد ما يشير إلى تكوينهم األول ،ومتى اشقوا عن الشيعة أو الجعفرية ،ور َبّما يزيل عنهم ما لصق بهم ِمن االتهام بعبادة األشخاص .نُسبت طائفة العلويين إلى مؤسسها المفترض محمد بن نصير النّميري (ت 270هـ) ،على أنه كان باب الحسن العسكري(ت 260هـ) .ونطالع في أمهات كتب الملل وال ِنّحل عن هذه َّ الشخصية وس َنّية ،وتتفق كافتها على ِمن مصادر شيعية ُ السلبي منه ،منها :أن فرقة ِمن الغالة الموقف ِّ ِمن القائلين بإمامة علي بن محمد الهادي (ت 254هـ) قالوا بنبوة ال َنّميري ،وإنه كان يقول بالتناسخ والغلو في اإلمام المذكور ،وسميت جماعته بالنُّميرية(النوبختي ،فرق ِّ الشيعة). وأن فرقة ِمن الغالة يُقال لها ال َنّميرية قالوا بالحلول ،وهم أصحاب ال َنّميري(األشعري، مقاالت اإلسالميين) .واعتبره شيخ َّ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ت )460من والسفارة المذمومين الذين أدعوا البابية َّ للمهدي المنتظر كذباً ،و»يدعي أنه رسول نبي
40
ظل حافظ األسد يصلي الس َنّة في بصالة أهل ُّ األعياد واملناسبات الدينية ،ولم يغير ِّ الدولة في مذهب َّ الرسمي ،فظل كما هو َّ على املذهب احلنفي، في املعامالت ،وكان الدولة يظهر إلى مفتي َّ جانبه ويعطي انطباع الدولة على ما هي أن َّ عليه ،ليس هناك ِمن تغيير في تشريع أو تقدمي مذهب ما مكان الرسمي ،الذي مذهبها َّ كانت عليه منذ العهد العثماني السالم أرسله»(كتاب وأن علي بن محمد عليه َّ الغيبة). ويأتي محمد بن عبدالكريم َّ الشهرستاني (ت 548 هــ) بخبر فرقتي ال َنّصيرية واإلسحاقية على أنهما ِمن مشبهة ِّ الشيعة و ِمن جملة غالتهم ،ويقولون: إنه ليس هناك أفضل ِمن علي بن أبي طالب ،بعد ال َنّبي ،ثم أوالده «فظهر الحق بصورتهم ونطق بلسانهم»(الملل وال َنّحل) ،على ان ال َنّصيرية نسبة لمحمد بن نصير ال َنّميري. لكن هل ان ال َنّصيرية نسبة إلى هذا ابن نصير، الموصوف بهذه األوصاف ،وهم العلوية أم أن لهم شأناً آخر؟! ما يغلب على َّ الظن أن الخالف، الذي أساسه سياسي ،وهو كيفية معالجة ،أو ملء فراغ اإلمامة ،بعد وفاة الحسن العسكري قاد إلى محاولة تسقيط ال َنّميري ،مثلما جرت محاولة تسقيط جعفر بن علي الهادي(ت 271هـ) ،وهو أخو الحسن العسكري ،وذم بأرذل الذم ،حتى هذه اللحظة يُطلق عليه نعت« :جعفر الكذاب»! بينما هو ابن إمام وأخو إمام! إن المعروف في تقاليد االثني عشرية أو الجعفرية أنهم حلوا مسألة الغيبة أو انقطاع اإلمامة بابتكار السفير مع الغائب ،وسفراء الغيبة الصغرى مركز َّ
أربعة .فلكل إمام باب تيمناً بالحديث ال َنّبوي»أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب»(الهندي ،كنـز العمال) .ويبدو أن مركز الباب أُعلن كمقالة بعد وفاة اإلمام الحادي عشر الحسن العسكري ،فهو آخر إمام يحتفظ بباب. وبابه ،حسب االعتقاد العلوي ،أبو ُشعيب محمد بن نصير ال ِنّميري. ظل ال َنّميري موصوفاً بالبابية على ال َّدوام بما يقابل غيبة اإلمام ،وإذ مأل الجعفرية غياب اإلمام السفراء األربعة بعد إعالن الغيبة وانتهاء دور ُّ الكبرى بالمراجع الوكالء ،فبعد وفاة ال َنّميري حل عند العلويين زعيما ،عبد اهلل الجنبالني المتوفى 287هـ(الطويل ،تاريخ العلويين) ،ثم الحسين بن حمدان الخصيبي ،الذي رسخ الطائفة عقائدياً وفكرياً .ومن شخصيات العلويين أيضاً أبو سعيد ميمون بن قاسم الطبراني ،الذي حول مركز العلويين إلى الالذقية ،صاحب كتاب «مجموع األعياد والطريقة الخصيبية» .وظلت منذ ذلك الحين وإلى اآلن ذات صبغة علوية ،بعد أن كانت حلب المركز العلوي َّ بالشام. على ما يبدو فسح الشيخ الخصيبي في كتاب «الهداية الكبرى» المجال لنعت طائفته بالعلي إلهية .فلعلي بن أبي طالب ـ حسب زعم الكتاب المذكور ـ ثالثمائة اسم في القرآن الكريم .ومن ألقابه :أمير المؤمنين ،أمير ال َنّحل ،الوصي، اإلمام ،الخليفة ،سيد الوصيين ،الصديق األعظم، الفاروق األكبر ،قسيم الجنة وال َنّار ،قاضي الدين، راجع الرجعات ،وغيرها(الخصيبي ،الهداية الكبرى).
صوفية شيعة يذكر محمد كرد علي إجابة شيخ العلويين في حينه سليمان أحمد على استفساره منه عن أصل طائفته، ً قائال« :ال فرق بينهم وبين اإلمامي ،إال بما أوجبته السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها ِّ سكان َّ الشام ،أكثر ال َنّاس اختالفاً وأقل ائتالفاً، إذ أن شيخ مذهبهم الذي ينتمون إليه الخصيبي ِمن رجال اإلمامية ...إنما لهم طريقة كال َنّقشبندية والرفاعية وغيرها ِمن ُّ الصوفية بال ِنّسبة ِّ الطرق ُّ ّ َ السَنّة ،وهذا مصدر التقوالت الباطلة عليهم، ألهل ّ وما أُبرئ جهلتهم ِمن ّ كل ما يُقال»(خطط َّ الشام). ِ أما َّ الطويل فيقول« :إن ما يميز عن الجعفرية هي َّ ّ َ الرجل الثاني عبداهلل الطريقة الجنبالنية ،نسبة إلى َّ ّ َ الجنبالني بعد النميري ،وهذا ليس فرقا مذهبيا» (تاريخ العلويين). يركز كثيراً صاحب «تاريخ العلويين» على الجهل الذي عم َّ الطائفة بسبب العزلة والظروف التي عاشتها ،وهي مطاردة ِمن قبل العثمانيين، وأن ذلك الجهل جعل عامتها يؤمنون بعقائد يعتبرها فقهاؤهم شاذة ،مع أن هناك من الوالة العثمانيين َمن حاول فك تلك العزلة مثل مدحت
طقوس غريبة يختلط فيها الرجال بالنساء (قتل ،)1884حتى أن َّ باشا ُ الطويل يعتبر نقل هذا الوالي إلى أزمير وتدبير قتله هو بسبب عنايته بالعلويين ،واالعتقاد بأنه سيقتفي أثر محمد علي باشا(ت )1848بمصر ،ويعلن االنفصال َّ بالشام(تاريخ العلويين). إذا كان هناك ِمن تقوالت ظهرت ضد العلويين فهي ليست كلها خاطئة ،فقد ظلوا فترة طويلة بعيدين عن ممارسة اإلسالم كعبادة ومعامالت، وذلك بسبب عزلتهم وتقوقعهم على ذاتهم ،وهيمنة الصوفية عليهم ،فهم لم يبدؤوا ببناء التقاليد ُّ المساجد وممارسة صالة الجماعة والجمعة إال في منتصف القرن َ الثّالث عشر الهجري ،هذا عبدالرحمن الخير وليس غيره. باعتراف الشيخ َّ وفي القرن الرابع الهجري بدؤوا باالتصاالت مع علماء الجعفرية بجبل عامل وال َنّجف ،كي يتصلوا بالعقيدة األولى قبل ابتعادها عن انفصالها الجسد السفراء مثلما تقدم .كذلك في الجعفري في قضية ُّ محاوالت فك العزلة والقتراب ِمن بقية المسلمين السنة ،وبدؤوا بتشييد عقدوا لقاءات مع أهل ُّ مدارس دينية. لم تدع عزلة هذه َّ الطائفة السير في التقليد الجعفري ،لذا نفهم ِمن علويين معاصرين أن لهم رأيا بأضرحة األئمة التي يزورها الجعفرية ويتبركون بها ،بأنها ال تحوي أجساد األئمة إنما
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
أشباههم ،ألنهم لم يقتلوا .كذلك في الموقف من الخمر هناك تساهل علوي إلى ح ٍد ما ،وإن كان ال يرضى به شيوخ َّ الطائفة ،كذلك عدم االلتزام ً ال ِّديني ،وهذا ما يبدو واضحا في كتاب الشيخ الخير ،في إشارته إلى حداثة اتخاذ المساجد والمدارس الدينية .لكن على العموم ،بسبب الصوفية َّ الطاغية على المجتمع العلوي وعدم ُّ التزمت في التدين وابتعادهم عن السياسة بشكل عام ،يصعب تشكيل كيان حزبي ديني ،أي يستبعد أن يقام حزب اهلل ً مثال بينهم ،أو أي حزب سياسي مبني على فكرة دينية.
دولة العلويين يذكر شاهد عيان ومشارك في الحدث ،وهو محمد َّ الطويل في كتاب «تاريخ العلويين» قصة ال ِنّزاع بين العلويين واألرمن بأضنة ،إبان الحرب العالمية األولى ،ووقوف الفرنسيين إلى جانب العلويين ضد إقامة دولة األرمن أو المسيحيين في تلك الفترة(ص ،)491وبعد أن سيطر الفرنسيون على سوريا عام ،1920وكانوا قد جندوا شباب العلويين في جيوشهم ،عمدوا إلى إقامة دولة علوية(سبتمبر/أيلول ،)1920سميت بدولة «العلويين» ،وهي المرة األولى بعد زمن طويل يتداول عالنية اسم العلويين أو العلوية ،لكن هذه ال َّدولة لم تستمر إال ستة عشر عاماً ،فقد ظهرت
حركة علوية ضد التبشير المسيحي ،وضد إهمال تدريب َّ الشباب العلوي واستخدامهم في دوائر ال َّدولة ،التي ظل يديرها األجانب. جاء في االحتجاج الذي ُقدم إلى وزارة الخارجية الفرنسية في يوليو /تموز ( ،)1936على حصر الوظائف بيد الغرباء وعلى التبشير معاً ،وفيه ِمن وعي ديني« :إننا نعتبر أنفسنا مسلمين قبل أن نكون علويين ..إن العلويين شيعة مسلمون، برهنوا طوال تاريخهم عن االمتناع عن قبول ّ كل ِ دعوة ِمن شأنها تحوير عقيدتهم ،فهم يحتفظون بالعقيدة ِّ الشيعية ،ولكي يكون العلوي علوياً يجب ً ّ أن يكون مسلما ،فال ِدين اإلسالمي شرط إلزامي لالنتساب للعلويين ،والتشيع لعلي بن أبي طالب كرم اهلل وجه .للعلويين ِمن الوظائف ما يعادل 4في المائة من مجموع وظائف ال َّدولة ..وإذا احتجت الحكومة المنتدبة علينا بعدم الكفاءة، فالجواب يكون على وجهين :إما أن يكون شبابنا أكفاء مثقفين ،وال يعترف لهم بهذه َ الثّقافة ،وإما إنها لم تقم لهم بالتعهدات»(هاشم عثمان ،تاريخ العلويين وقائع وأحداث ،عن نص مذكرة رفعها َّ الشباب العلوي إلى وزارة الخارجية الفرنسية). كانت هذه َّ الشكاوى إيذاناً بالعودة إلى سوريا َّ الرجوع «الحل الوحيد لهذه الحالة السيئة هو ُّ السورية»(المصدر نفسه) .ففي ألحضان الحكومة ُّ
41
دراسات
تلك األثناء ظهر لدى العلويين حزب «الوحدة»، السورية وإنهاء و ِمن عنوانه أنه يدعو إلى الوحدة ُّ أمر دولة العلويين بالالذقية وأجزاء أُخر ِمن بالد َّ الشام ،أو ما يسمى بجبال العلويين .فتصدر هذا ّ َ الحزب الشيخ العلوي علي شهاب ،و»كان يتنقل ً حامال المضابط التي تُطالب ِمن قرية إلى قرية السورية»(المصدر نفسه). بالوحدة ُّ انضم إلى هذا الحزب مشائخ آخرون ِمن َّ الطائفة العلوية ،بينهم أحمد ديب الخير نائب السلطات لواء الالذقية .أبرق هؤالء المشائخ إلى ُّ السلطة ال ِّدينية السورية ما نصه« :بصفتنا نمثل ُّ ُّ بين َّ الشعب العلوي ،وبما أن صفتنا هذه تلزمنا بالدفاع عن حقوق َّ الشعب ،وبما أن االستمرار في الوضع الحاضر ال يُعطي حياة لهذه الحقوق سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم إدارية السورية على أم دينية لذلك نطلب تحقيق الوحدة ُّ أساس مركزية إدارية»(المصدر نفسه). السورية بال َتّصاعد، أخذت ال َّدعوة إلى الوحدة ُّ ّ ُ فتشكل وفد ِمن رجال ال ِّدين والطالب وزعماء حزب «الوحدة» والعشائر لمواجهة المفوض السامي الفرنسي (مارس ،)1936فوصل تأييد َّ الكتلة الوطنية ِمن دمشق لمساعي العلويين لقيام الوحدة« :أيها العلوي ال َنّبيل ،إن حقك عند أمتك السورية ِمن الحياة على قدم المساواة ،والتآخي ُّ وال َتّضامن والتكاتف في الحقوق والواجبات مقدس»(المصدر نفسه)ِ .من جانب آخر تأسست رابطة َّ «الشباب المسلم العلوي» بالالذقية مدافعة السورية. عن الوحدة ُّ على أية حال ،وبعد مفاوضات مع الجانب الفرنسي التحقت دولة العلويين ببقية سوريا. اعترف بهم كمواطنين سوريين .فدخل شبابهم إلى الوظائف الكبرى والقيادة العسكرية ليصل منهم صالح جديد إلى أعلى المراكز ،وحافظ
األسد رئيساً للدولة وأميناً عاماً لحزب البعث العربي االشتراكي .ويدور َّ الزمن فيكونون الحاكمين للبالد .ليس بمفهوم َّ الطائفة إنما بمفهوم عصبة َّ الطائفة ،فليس العلويون كافة هم الذين السلطة بدمشق ،لكن نراها محسوبة يمثلون قوة ُّ عليهم ،وفي زمن الطائفية صارت سوريا بين وسنيين ،وهذا هو الظاهر الذي يعكسه علويين ُ ويستغله عادة الفعل السياسي. بعد توحيد سوريا وانضمام دولة العلويين لها عام ،1936أخذ يُقدم المذهب العلوي باسم المذهب الجعفري كمذهب خامس ،حسب رغبة وجهاء العلويين ،فصدر كتاب تحت عنوان« :إما المؤمنون إخوة ...تحت راية ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل(الالذقية ،مطبعة اإلرشاد .)1938 السورية في عام ،1952أصدر مفتي الجمهورية ُّ الشيخ محمد شكري األسطواني قراراً يقضي بتشكيل لجنة لتعيين كفاءة المتزينين (هكذا وردت) بالكسوة الدينية على المذهب الجعفري ِمن الراغبين في ارتدائها و ِمن الراغبين باالحتفاظ بها(صورة طبق األصل ملحقة في كتاب عقيدتنا وواقعنا ،ص ،)92ثم صدر كتيب «مناسك الحج على المذاهب الخمسة» أصدرته وزارة األوقاف السورية. بمعنى أن سوريا قد حلت موضوع إزدواجية المذاهب ،وقررت قبل أن يأتي ّ الضابط حافظ األسد كعلوي إلى السلطة بسنوات عديدة، أن تحسب العلويين كمذهب خامس إضافة إلى المذاهب األربعة ،كي ال تمحور َّ الطائفة حول مرجعياتها ال ِّدينية ،ويكون هناك نوع ِمن اإلزدواجية مع ال َّدولة ،أو تمييز عن المجتمع، فمازالت المذاهب األربعة منسوبة إلى أسماء الفقهاء ،وأن ِّ الشيعة يعتبرون أنفسهم جعفرية ،فما َّ الضير في تشخيصهم بالجعفرية نسبة إلى اإلمام الصادق. جعفر َّ
ليس العلويون كافة هم الذين ميثلون قوة السلطة بدمشق ،لكن نراها محسوبة عليهم ،وفي زمن الطائفية صارت سوريا بني علويني وسنيني ،وهذا هو الظاهر الذي يعكسه ويستغله عادة الفعل السي
42
العلويون في تركيا يعيش عدد غير قليل ِمن العلويين في تركيا ،يزيد على خمسة عشر مليوناً ،بين أربعة وسبعين مليوناً ،عدد سكان ال َّدولة ُ التّركية ،الغالبية ِمن السَنّة األحناف ،والمذهب الحنفي هو المسلمين ُّ الرسمي هناك ،مثلما كان الحال في ال َّدولة المذهب َّ العثمانية .ال يحبذ العلويون في تركيا إطالق اسم شيعة على أنفسهم ،إنما جعفرية ،فاسم ِّ الشيعة في غمرة ال ِنّزاع َّ والصفويين الطويل بين العثمانيين َّ صار ُّ كل شيعي إيرانيا ،على أساس انه مذهب ّ َ خاص باإليرانيين ،واشتد هذا الحذر بعد الثورة الصدامات اإلسالمية بإيران عام .1979لكن بعد ِّ السبعينات التي حصلت في ال ِتّسعينات وقبلها في َّ من القرن الماضي ،أخذ العلويون يبحثون عن أُصولهم ،وعقائدهم ،لحاجتهم إليها في ال ِّدفاع عن أنفسهم ،فظلوا لفترة طويلة جاهلين بأصولهم ،ال مدارس دينية وال مشيخات لديهم. وهم ينتمون لعدة قوميات :أتراكُ ، وكرد ،وعرب، والغالبية منهم ِمن األتراك ،ولهم حضور قوي في األحزاب اليسارية ،كونها ال تميز على أساس ال ِّدين والمذهب ،واألجواء العلمانية توافق األقليات الدينية عادة ،ونسبة قليلة منهم منتظمة في حزب العمال الكردستاني ،الذي تعده ال َّدولة التركية منظمة إرهابية ،وهي في حرب مستمرة معه(ملف العلويين :الماضي والحاضر ،مجلة النُّور اإلسالمية). إن الخارطة التُّركية ال ِّدينية مقسمةِ ،من ناحية السكانية إلى المذاهب األساسية ذات الكثرة ُّ ُس َنّة وعلويين .ويسمي األتراك العلويين العرب بال َنّصيرية ،وعددهم نحو 250ألف نسمة ،ونسبة الكرد ِمن بين العلويين تصل إلى 30في المائة. ويسمى العلويون األتراك بالقزلباشية التركمان، الرؤوس الحمر ،ويتراوح عددهم أي أصحاب ُّ بين ( 13ـ 14مليوناً) ،وإذا كان في سوريا يشار للعلوي بالمسلم علوي ،فإن االسم ال أثر له في السجالت التُّركية ،وهم ال يتحدثون عن أنفسهم، ِّ يتعاملون ّ بالشعار« :اخف ما رأيت ،وال تقل ما ال تراه». ينتمي العلويون األتراك إلى َّ الطريقة الصوفية البكداشية ،أسسها في القرن الثالث عشر الميالدي َّ والشاعر حاجي بكداش (ت 1271 المتصوف ً ميالدية) ،فوجدت دعوته تجاوبا بين التركمان العلويين .لهذا يظهر العلويون األتراك ليسوا ً متمثال مذهباً قائماً بذاته ،بقدر ما هم تيار صوفي في البكداشية ،يؤدون عبادتهم أو طقوسهم في بيوت الجمع ،ويشاع أنهم لم يألفوا المساجد إال حديثاً .وعلى المستوى االجتماعي يساوون بين المرأة والرجل. كان موقفهم إيجابياً ِمن الحركة الكمالية إبان الحرب العالمية األولى ،بزعامة مصطفى كمال المعروف بأتاتورك(ت ،)1938قادهم
إذا كان هناك ِمن تقوالت ظهرت ضد العلويني فهي ليست كلها خاطئة ،فقد ظلوا فترة طويلة بعيدين عن ممارسة اإلسالم كعبادة ومعامالت ،وذلك بسبب عزلتهم وتقوقعهم على ذاتهم ،وهيمنة التقاليد الصوفية عليهم ،فهم ُّ لم يبدؤوا ببناء املساجد وممارسة صالة اجلماعة واجلمعة إال في منتصف القرن َّ الثالث عشر الهجري إلى ذلك موقف ال َّدولة العثمانية السابق ضدهم، على اعتبار أن إعالن الجمهورية سيكون نهاية الضطهادهم ،حتى نظروا إلى أتاتورك كمخلص. ففي مناسباتهم الدينية يضعون صورته إلى جانب صورة ترمز إلى اإلمام علي بن أبي طالب. ومع ذلك ظلوا يحذرون ِمن السلطة وذلك بفعل الماضي العصيب .فإذا صدقت رواية َّ الطويل، وهو أحد موظفي البوليس العثماني ،في «تاريخ العلويين» بأن السلطات العثمانية كانت تستخدم الخازوق في تعذيبهم ،في عهد السلطان سليم األول ،فاإلنسان المعذب يبقى بين الحياة والموت في عذاب مرير ،هناك يفهم حذرهم ِمن أية سلطة بأنه حالة طبيعية. بعد قيام الجمهورية التركية أخذ العلويون يظهرون إلى النُّور عبر الموسيقى َّ والشعر ،إال أن انقالب سبتمبر (أيلول) عام ،1980كان محطة سيئة في حياتهم بعد قيام الجمهورية ،فقد عزز االنقالب االتجاهات المتشددة ،وفرض عليهم التدريس اإلجباري لمادة ال ِّدين على المذهب الحنفي. بعدها أصدر مثقفوهم بياناً في مارس (آذار) عام ،1989فيه عدة مطاليب خاصة بالطائفة (مجلة النور ،البيان العلوي .)1989
الخالصة على أية حال ،صاغ ال َتّاريخ وجود العلويين، بداية ِمن اختالفهم عن الجسد الشيعي اإلمامي، مع إقرارهم باألئمة االثني عشر ،لكن االفتراق
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
علويان في مالبسهما التقليدية التي ال تختلف في أي شيء على بقية السوريني في الوسائل أبعدهم عن ِّ الشيعة ،فهم اتخذوا، السفارة مثلما تقدم ،البابية ،بينما اتخذ الجعفرية َّ في ال َتّعامل بعد وفاة اإلمام العسكري ،ثم دخلوا الصفويين والعثمانيين، طرفاً ثالثاً في النزاع بين َّ الصوفية ،فقيل فيهم الكثير ونشطت فيهم الطرق ُّ ِمن الحلول إلى ارتكاب المحرمات ،ولم ينتبهوا لتاريخهم إال بعد العواصف الحديثة بهم مثلما تقدم. ر َبّما لم يكن االهتمام في هذه اللحظة بالكتابة عن العلويين ،هو ما حصل في التسعينات بما يخص تركيا ،إنما الحدث األكبر اآلن هو سوريا وما يجري فيها بين ال ِنّظام ومعارضيه ،وما يحصل ِمن صدامات ببيروت مع العلويين ،فهل ما يحصل هو مواجهة طائفية ،أم ما فرضته السياسة؟! السياسة وتوظيف َّ الطوائف فيها، نعم إنه تأثير ِّ فالتقارب اإليراني السوري ،منذ زمن الرئيس حافظ األسد ،ما كان يُحسب على التضامن على أساس القرب َّ الطائفي كثيراً مثلما هو الحال اليوم، ّ ُ السنية فكان لسوريا وشائج قوية مع بقية الدول ُّ الرغم ِمن خصومة تلك ال ُّدول مع بالمنطقة ،على َّ السوري العراقي ،ووجود إيران ،لكن الخالف ُّ الحرب العراقية اإليرانية حتما بناء العالقات بين دولتين ضد خصم واحد ،كانت خصومته على أساس حزبي بالدرجة ُ األولى ،دون أن يخلو الوضع ِمن استفادة ِمن الغطاء َّ الطائفي. السورية، لكن هل لنا اعتبار العالقات اإليرانية ُّ
الراهنة، المصيرية مثلما نراها في هذه الظروف َّ خالية ِمن استغالل الطائفية؟! وكأن المشهد يظهر القضية بأنها علوية ُس َنّية ،مع أن جهود شيوخ َّ الطائفة العلوية ،لعقود ِمن َّ الزمن ،في محاوالت التطبيع مع المحيط المسلم جارية على قدم وساق، وتقديم أنفسهم على أنهم جعفرية ،شأنهم شأن بقية ِّ الشيعة االثني عشرية ،لكن ذلك لم يحصل ِمن ّ السياسة ،إنما ِمن بوابة ال ِدين والمذهب، بوابة ِّ السورية اآلنية وكم سيؤثر ما تسفر عنه الحرب ُّ وحمالت القمع والعنف ،الذي يفهم على أنه علوي ال بعثي حكومي ،على مستقبل َّ الطائفة العلوية، التي ظلت قرونا تدفع ثمن تماثلها المذهبي مع الصفويين خالل ال ِنّزاع َّ الطويل بين ال َّدولتين: َّ والصفوية؟! العثمانية َّ كان يشار إلى حافظ األسدِ ،من ِقبل خصومه، كبعثي ،وقد تولى رئاسة الوزراء في تشرين الثاني (نوفمبر) عام ،1970ثم رئاسة الجمهورية في آذار (مارس) ،1971ولم يشر إليه كعلوي بوضوح إال بعد الثورة اإلسالمية بإيران ،هذا ما السادات فهمناه ِمن خطاب الرئيس محمد أنور َّ ً مثال .لكن هل حصنت وحدة (اغتيل )1981 َّ الطائفة َّ السياسي السورية ِمن الخالف ِّ الزعامات ُّ والحزبي داخل حزب البعث ،فالمعركة كانت بين صالح جديد وحافظ األسد العلويين ،حتى مات األول في سجن َ الثّاني .ثم ما حصل بين األخ وأخيه أي حافظ ورفعت ،وفي ظل زعامة ابن األخ ظل العم منفياً ،بل منع ِمن حضور جنازة السياسة تصادر ّ الطائفة! أخيه .بمعنى أن َّ
43
وثائق
44
سوريا ..ميشال عون والعالقة مع العراق وال ّرحلة 847
ملفّات الـ«سي آي إيه» السريّة
حافظ األسد ( 6أكتوبر 10 - 1930يونيو )2000
تفرج وكالة االستخبارات األميركية «سي اي ايه» بين الحين اآلخر على آالف الوثائق السرية لتقارير أعدها ضباط وعمالء الوكالة في جميع أنحاء العالم .الوثائق المنشورة على موقع الوكالة االلكتروني تعود الى عشرات السنين وتحرص الوكالة على حذف وحجب كل ما يعتبر إلى حد اآلن من األسرار وهي بحسب الخبراء تخص في الغالب شخصيات ما زالت على قيد الحياة أو معلومات قد يشكل الكشف عنها خطرا على أصحابها أو الجهات المذكورة فيها أو تهدد األمن القومي األميركي. بقلم :المحرر السياسي «المجلة» تنشر ثالث من هذه الوثائق تخص سوريا في السنوات 1979و 1985و .1989الوثيقة األولى من إعداد مركز التقييم الخارجي وترصد العالقات السورية العراقية والتقارب الحاصل بين البلدين بعد اتفاقية كامب ديفيد. أما الوثيقة الثانية الصادرة عن إدارة االستخبارات فتكشف عن موقف الرئيس السوري الراحل حافظ األسد من عملية اختطاف طائرة «تي دبليو أي» ومساعيه النهاء األزمة التي تسبب فيها عملية الخطف. يذكر أن عملية اختطاف طائرة «تي دبليو أي» الرحلة 847من أثينا إلى روما وعلى متنها 153 مسافرا ،تبنتها في حينها مجموعة أطلقت على نفسها «منظمة المضطهدين في األرض» على صلة بحزب اهلل اللبناني (بحسب سي اي ايه) ،تمت
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
العملية في 14يونيو .1985استغرقت العملية أسبوعين قتل خاللها مواطن أميركي. توقفت الطائرة المختطفة لساعات في مطار بيروت وتمت هناك عملية تبديل 19مسافر مقابل التزود بالوقود للطائرة وكانت هذه أول عملية تبديل للمسافرين .طارت بعدها الى مطار العاصمة الجزائر حيث تم إطالق سراح 20مسافراً وتوجهت الطائرة بعدها إلى بيروت مرة أخرى وفي مطار بيروت قام المختطفون بقتل مسافر أميركي (جندي أميركي سابق) وتم رمي جثته إلى مدرج المطار. في بيروت انضم مسلحون آخرون للجماعة المختطفة للطائرة وأقلعت الطائرة بعدها مرة ثانية إلى الجزائر في 15يونيو 1985حيث تم إطالق سراح 65مسافر آخر لتعود الطائرة بعدها للمرة الثالثة إلى مطار بيروت.
تم توجيه أصابع االتهام بتنفيذ عملية اختطاف الطائرة إلى عماد مغنية وحسن عز الدين وعلي عطوة ومحمد على حمادي ،واستناداً إلى وكالة المخابرات األمريكية فإن جميعهم كانوا اعضاء في حزب اهلل .في 17يونيو 1985تمكن نبيه بري رئيس حركة أفواج المقاومة اللبنانية -أمل من التوسط وإطالق سراح 40مسافرا وبقي 39 مسافرا محتجزين إلى 30يونيو 1985إلى ان تم إطالق سراحهم ونقلهم إلى ألمانيا. أما الوثيقة الثالثة الصادرة أيضا عن إدارة االستخبارات فتفصل عالقة الجنرال ميشال عون مع سوريا وتحديه نظام األسد ودوره في معارضة الوجود السوري داخل لبنان بخالف عدد من القيادات االسالمية والمسيحية األخرى التي نأت بنفسها عن استعمال خطاب معادي لدمشق.
45
وثائق
ما بعد «كامب ديفد»... التقارب العراقي السوري وكالة االستخبارات المركزية المركز الوطني للتقييم الخارجي 30مايو (أيار) 1979 تقرير يفتقر التقارب العراقي السوري الذي بدأ منذ سبعة أشهر إلى الجذور السياسية العميقة، ولكنه مستمر في ظل الدافع الذي تقدمه مبادرة السالم المصرية واالضطرابات في إيران .ومن المحتمل أن تظهر بعض المجاالت اإلضافية للتعاون بما في ذلك التعاون العسكري .ولكن إذا ما استطاعت المفاوضات المصرية - اإلسرائيلية حول مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة أن تحقق تسوية تقبلها العناصر الفلسطينية األكثر أهمية ،وإذا ما استطاعت إسرائيل تلبية المطالب السورية فيما يتعلق بعودة هضبة الجوالن ،فربما تتراجع دوافع كال الطرفين الستئناف الوحدة .ومع ذلك ،قد تستمر بعض المناحي غير الخالفية للمصالحة ،خاصة على المستوى االقتصادي ،إذا ما كان الطرفان يرغبان في مشاركة امتيازات وجود عالقة
طبيعية بين البلدين بدال من العودة إلى األوضاع السابقة. لقد مثلت اتفاقيات كامب ديفيد صدمة للعراقيين دفعتهم إلنهاء صراعهم المرير مع سوريا .فمنذ زيارة السادات إلى القدس ،كان العراقيون قلقين من أن تسفر المبادرة المصرية عن سالم شامل، مما يترك العراق الرافضة في حالة عزلة ودون حلفاء رئيسيين .ولكن رد الفعل العربي السلبي القوي تجاه االتفاقية منح بغداد الفرصة إلنهاء عزلتها دون االضطرار إلى إجراء تغييرات كبرى في موقفها المتشدد بشأن اتفاقية السالم في الشرق األوسط .فقد اتجه المركز العربي صوب العراق ،فيما لم يقدم البعثيون العراقيون سوى تنازالت محدودة لمن كانوا من قبل المعتدلين العرب( .ـ) وقد بدأت االستراتيجية العراقية بجهود لحشد إجماع عربي ضد شروط السالم التي كان الرئيس السادات يتفاوض حولها .وكانت الخطوة الضرورية األولى هي إنهاء العداء المفتوح بين العراق وخصمه األبدي ،سوريا .ولتحقيق ذلك ،أصبحت بغداد مستعدة ألول مرة لوقف انتقاداتها العلنية لقبول سوريا مبدأ المفاوضات كوسيلة مشروعة الستعادة األراضي العربية.
لقد مثلت اتفاقيات كامب ديفيد صدمة للعراقيني دفعتهم إلنهاء صراعهم املرير مع سوريا .فمنذ زيارة السادات إلى القدس ،كان العراقيون قلقني من أن تسفر املبادرة املصرية عن سالم شامل ،مما يترك العراق الرافضة في حالة عزلة ودون حلفاء رئيسيني
46
ومع ذلك ،كان الخطاب الرافض دائما ما يتسلل إلى التصريحات العراقية ،مما يشير إلى أن تلك التسوية ليست سوى تعديل تكتيكي مؤقت للرؤى العراقية حول سالم الشرق األوسط. وهناك دوافع اقتصادية وعسكرية وراء مباشرة السوريين تطبيع العالقات بينهم وبين العراق. ففي ظل تحييد مصر ،ووجود جانب كبير من الجيش السوري في لبنان ،يصبح موقف الجيش السوري مقابل إسرائيل موقفا ضعيفا .ويمكن لثقل المؤسستين العسكريتين السورية والعراقية معا أن يزود دمشق ببعض القوى التفاوضية ويعزز مصداقيتها العسكرية .ومن الناحية االقتصادية، بدأت سوريا اإلفادة من استئناف العالقات التجارية الطبيعية .كما شجع أيضا التقارب العراق على أن تسدد على الفور نصيبها من التعهد المالي لقمة بغداد ،حيث تزيد المدفوعات العراقية حتى اآلن عن 180مليون دوالر. وتمتد دوافع العراق للتقارب مع سوريا إلى ما وراء تطلعات الوحدة العربية .فقد كان البعثيون العراقيين ينظرون بقلق إلى إيران خالل النصف األخير من .1978فقد كانت المواجهات المستمرة مع سوريا تمثل خطرا ،أخذا في االعتبار احتمالية أن تمتد االضطرابات التي تحدث في إيران على طول الحدود التي تبلغ 700ميل مع العراق وتصل إلى الشيعة واألكراد العراقيين .كما كان العراقيون أيضا قلقين بشأن تنامي النفوذ السوفياتي في الشرق األوسط .فعلى الرغم من أن السوفياتيين كانوا دائما ما يحثون سوريا والعراق على التقارب في الماضي ،من الواضح أن موسكو قلقة بشأن أن ال يصبح ذلك التقارب في صالحها ،حيث إن المصالحة سوف تعزز من الشركاء ،ومن ثم فإنهم لن يلقوا باال بعدها إلى االتحاد السوفياتي. وقد حصل التقارب العراقي السوري على التصديق خالل زيارة الرئيس األسد إلى بغداد في أكتوبر (تشرين األول) الماضي .فقد وقع كل
من األسد والرئيس العراقي ،بكر ،ميثاقا للعمل القومي المشترك يضع آليات محددة لتنسيق خطوات الوحدة .وقد أسس الميثاق لجنة سياسية عليا تتكون من األسد وبكر وصدام حسين وعدد آخر من كبار المسؤولين السوريين والعراقيين. وتشرف تلك اللجنة ،التي يفترض أن تجتمع كل ثالثة أشهر ،على عمل أربع لجان فرعية حول التعاون العسكري ،والعالقات االقتصادية، والشؤون السياسية وشؤون المعلومات ،وشؤون التعليم والعلوم. وبخالف الزيجات السابقة بين كل دولتين من الدول العربية ،يبدو أن العراقيين والسوريين مستعدون للبدء في عالقة أولية قبل إتمام العالقة .فقد اتخذ كال الجانبين مقاربة تدريجية صوب المفاوضات وتجنبا التصريحات غير الواقعية حول الوحدة. ولكن ربما تفضل كل من دمشق وبغداد التقارب الحذر ألسباب مختلفة .فالعراق من ناحية ،وهو الطرف األكثر حماسا بين الشريكين المحتملين، على ثقة من أن عوامل القوة الطبيعية للعراق سوف تمكنها في النهاية من أن تصبح الشريك المهيمن في أي تحالف مع سوريا. وعلى الجانب اآلخر ،ما زال الزعماء السوريون لديهم شكوك تجاه البعثيين العراقيين وينظرون إلى المفاوضات المطولة باعتبارها فرصة لكي يحظوا ببعض ثمار العالقات الطبيعية مع بغداد دون االضطرار إلى التورط إلى حد بعيد مع العراقيين .ولكن تلك اللعبة التفاوضية لها حدودها ،رغم أنه من المستبعد أن يتم تحقيقها ما دامت القوى الخارجية التي بدأت تلك المقاربة ما زالت سائدة .فمع الوقت ،ربما يفرغ صبر بغداد من التكتيكات السورية المماطلة أو ربما تخفق دمشق في التغلب على انعدام الثقة الرئيسي لديها مما يدفعها لالنفصال عن شريكها المحب. وقد تم عقد اللقاء األول للجنة السياسية العليا في يناير (كانون الثاني) بدمشق ولم يحرز تقدما يذكر ،بل إن بكر قد وجد عذرا لكي ال يحضر. وفي الوقت نفسه ،كانت اللجان الفرعية تجتمع دائما وقد أسفرت عن بعض المنافع المشتركة الملموسة .فعلى مستوى الشؤون الخارجية ،نسق البلدان بفعالية بينهما لمعاقبة الرئيس السادات على توقيع اتفاقية السالم مع إسرائيل .فقد تمكنت اإلدارة العراقية البارعة الجتماع الوزراء العرب في بغداد خالل مارس (آذار) الماضي من إصدار مجموعة قوية من العقوبات ضد مصر .ومنذ ذلك الوقت كان العراقيون والسوريون يعملون بنشاط العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
لكي يضمنوا أن هناك التزاما عربيا كامال بنتائج قمة بغداد. كما لعبت كل من العراق وسوريا دورا محوريا في إنهاء القتال في اليمن في فبراير (شباط) الماضي .وبذلك ،فإنهما لم يساعدا فقط على تهدئة نزاع عربي كان يهدد بالتقليل من شأن هدف بغداد ودمشق المتعلق بتنظيم موقف موحد ضد مصر، ولكنهما عززا النفوذ السوري العراقي في شبه الجزيرة العربية على حساب المملكة السعودية.
التعاون العسكري يبدو أن كال من سوريا والعراق قد حققتا بعض التقدم على مستوى التعاون العسكري ،خاصة في مجاالت التخطيط والمشتريات .فقد تبادلت كلتا الدولتين فرق عمل عالية المستوى ،والقوات الجوية ،ووفودا من الدفاع الجوي .حيث فحصت قيادات الجيش العراقي المناطق الممكنة لالنتشار في الجوالن فيما فحصت قوة استكشافية عراقية المسارات المحتملة للوصول إلى الجوالن .وتشير التقارير إلى أن البلدين قد وضعا قوائم مشتركة ألسلحتهما والمشتريات المقترحة لكي يؤسسا
في إطار العداء بني القيادتني السورية والعراقية ،لم يكن هناك شيء ميكنه أن يدفع دمشق للسماح بأن تطأ أقدام تلك األعداد الغفيرة من القوات العراقية ترابها ،سوى إميانها باحلاجة امللحة للدعم العسكري
صندوقا مشتركا للمشتريات( .ـ) وفي إطار العداء بين القيادتين السورية والعراقية، لم يكن هناك شيء يمكنه أن يدفع دمشق للسماح بأن تطأ أقدام تلك األعداد الغفيرة من القوات العراقية ترابها ،سوى إيمانها بالحاجة الملحة للدعم العسكري .وليس هناك دليل واضح يؤكد أن دمشق قد اتخذت ذلك القرار .وهناك أدلة ضعيفة تشير إلى أن العراق ربما يعيد نشر بعض قطع الغيار والذخيرة في سوريا .وكان هناك تعزيز معقول للدفاع الجوي العراقي على طول الحدود مع سوريا واألردن وهي الخطوة التي يمكنها أن تعزز من قدرة بغداد على تحقيق تعاون أقوى إذا ما تحسن المناخ السياسي. وبالنسبة للمستقبل ،يجب أن تحسب دمشق المزايا العسكرية التي يمكن أن يقدمها التعاون مع العراق في مواجهة إسرائيل في مقابل المساوئ المتعلقة باحتمالية نشاط خصومهم البعثيين في سوريا. ربما يسهل التخطيط المشترك حركة القوات العراقية إلى الجوالن واألهم من ذلك ،أنه ربما يزيد من فعاليتها إذا ما وصلت. وربما تقلل إعادة نشر قطع الغيار والذخيرة إلى حد كبير من االحتياجات اللوجستية للقوات العراقية التي تتحرك إلى الجوالن .حيث إن أي مواد تم نقلها بالفعل لن تخضع للحظر اإلسرائيلي. واألهم من ذلك ،فإن سوريا سوف تحصل على تلك المواد بغض النظر عما يحدث للعالقات السياسية مع بغدادν. ويمكن للتدريبات المشتركة أن تحسن من قدرات القوات الجوية والبرية السورية والعراقية على التعاون في وقت الحرب. وسوف ينجم التميز العسكري األكبر لكال البلدين في حالة نشوب حرب مع إسرائيل من إعادة نشر أعداد كبيرة من القوات العراقية المقاتلة في سوريا .وكما ذكرنا من قبل ،فإن تمركز القوات العراقية في سوريا يمكن أن تكون له تداعيات سياسية بالنسبة لدمشق .وربما يزيد تمركز القوات التوتر في المنطقة وينظر له كجرس إنذار من قبل إسرائيل -حتى إن إسرائيل ربما تحاول منع مثل تلك المحاولة لمركزة عدد كبير من القوات العراقية في سوريا. كما أسفرت أيضا مباحثات الوحدة عن نتائج ملموسة على المستوى االقتصادي .فقد تزايدت االتصاالت التجارية .ووافقت كل من العراق وسوريا على إعادة فتح أنابيب البترول التي تجري من شمالي العراق عبر سوريا إلى البحر
47
وثائق
صدام حسني و حافظ االسد وعبدالعزيز بوتفليقة وعبداحلليم خدام في قمة بغداد 1978
صدام و األسد ..لقاء بعد طول عداء
صدام واحمد حسن البكر وحافظ االسد عام 1978 فتح الخط ،المغلق منذ أبريل (نيسان) ،1976 يدعو فقط إلعادة تشغيله بربع طاقته فقط ،فإن سوريا سوف تحقق نحو 21مليون دوالر سنويا كأجور مرور .وبذلك تكون بغداد ،التواقة لتوفير مسارات مرنة وآمنة لتصدير بترولها ،قد وفرت
متتد دوافع العراق للتقارب مع سوريا إلى ما وراء تطلعات الوحدة العربية .فقد كان البعثيون العراقيني ينظرون بقلق إلى إيران خالل النصف األخير من 1978
48
أيضا منفذا مباشرا آخر إلى البحر المتوسط.
العراقيل أمام الوحدة تبدو العقبات أمام الوحدة السياسية العراقية السورية عصية على الحل على المدى الطويل. فقد كان الطرفان خصمين في الهالل الخصيب على مدار قرون .وقد غرس التنافس السياسي منذ انفصال حزب البعث في 1966حالة متأصلة من فقدان الثقة والغيرة بينهما .كما كانت هناك خصومة بين القيادات القومية – أعلى سلطة بالحزب -لكل من بغداد ودمشق ألكثر من عقد. فقد كان كل طرف يزعم أنه الممثل الشرعي للبعثية العربية وفي إطار تلك المزاعم ،تكفلت كل دولة من الدولتين برعاية مؤامرات انقالبية وعمليات اغتيال ال يمكن نسيانها ببساطة .وبالتالي ،فمن المستبعد أن يكون كال الطرفين قد تخلص تماما من اتصاالته العدوانية وعملياته ضد اآلخر في حالة تراجع الدافع وراء التعاون. وال تتفق دمشق مع المنظور العام بأنها الشريك األصغر في العالقة مع بغداد .فربما ينظر الرئيس
األسد إلى ميثاق العمل القومي المشترك مع العراق باعتباره زواج مصلحة فرضته الظروف الخارجية التي يمكن أن تنتهي ببساطة .فطالما أراد األسد أن يحظى بالمزايا العسكرية واالقتصادية والسياسية للعالقات الطبيعية مع بغداد ،ولكنه ظل متشككا بشدة بشأن النوايا العراقية وسوف يتفادى التورط الشديد. وتؤمن كل من دمشق وبغداد بأهميتهما في المنطقة وهما عازمتان على أن ال تتنازال عما تراه كل منهما دورها الريادي .ويعمل ذلك االختالف الرئيسي في الرؤية كعقبة أمام الوحدة الحقيقية نظرا ألن كال منهما ال ترغب في أن تتخلى عن تطلعاتها الخاصة بالزعامة العربية. ويبدو أن وحدة حزب البعث هي حجر العثرة الرئيسي في المفاوضات .فقد دفع العراقيون بقوة من أجل وحدة الحزب رغم تردد السوريين في مناقشة تلك القضية .فربما يكون األسد الحذر قلقا من أن تؤثر وحدة الحزب على هيمنته على البعث السوري ،الذي يهيمن على فروعه العسكرية واألمنية أعضاء من الطائفة العلوية التي يأتي منها األسد والتي تمثل أقلية في سوريا( .ـ)
سليم احلص و صدام وحسن البكر وحافظ األسد في قمة بغداد 1978
وعلى الرغم من أن السوريني لم يشاركوا في عملية كامب ديفيد ،فإنهم استمروا في تأييد مبدأ تسوية مع إسرائيل عبر التفاوض ومن خالل األمم املتحدة .ومن جانبها ،استمرت بغداد في االلتزام بسياسة رافضة ولم تقبل قرار 242 وتعمل الطائفية الدينية أيضا ضد الوحدة ،فيمكن للوحدة العراقية السورية أن تؤدي إلى خليط غير متجانس من الفصائل اإلسالمية .حيث تحكم أقلية من السنة بغداد ،فيما يحكم العلويون ،فصيل شيعي ،دمشق .ويخشى العديد من أقلية العلويين السورية من أن يؤيد البعثيون العراقيون مساعي األغلبية السنية السورية للوصول إلى السلطة. ومن جانبهم ،من المرجح أن تشعر األغلبية العراقية بالسخط إذا ما تقلص نفوذها المحتمل .فقد كان السنة المهيمنون على قيادة بغداد يستخدمون سياسة العصا والجزرة للحفاظ على والء السكان الشيعة .واآلن وأخذا في االعتبار المد اإليراني المحتمل ،فربما يقلق البعثيون بشأن الحفاظ على والء الشيعة للنظام العلماني ويسعون لتهدئة أي أفكار محتملة ربما تكون لدى الشيعة العراقيين حول اتباع نموذج أقرانهم من المتمردين اإليرانيين. باإلضافة إلى أن التوجهات السورية والعراقية
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
تجاه عملية السالم تزيد من التباعد بين الدولتين. فعلى الرغم من أن كلتا الدولتين ترفضان اتفاقية كامب ديفيد ،فلم تسحب سوريا تأييدها لقراري األمم المتحدة رقم 242و .338كما أكد األسد عالنية دعم سوريا التفاقية سالم شرق أوسطية شاملة في مناسبات عدة منذ التوقيع على اتفاقية السالم المصرية اإلسرائيلية .وعلى الرغم من أن السوريين لم يشاركوا في عملية كامب ديفيد ،فإنهم استمروا في تأييد مبدأ تسوية مع إسرائيل عبر التفاوض ومن خالل األمم المتحدة .ومن جانبها، استمرت بغداد في االلتزام بسياسة رافضة ولم تقبل قرار .242 وقد تم تجنب تلك االختالفات في الوقت الراهن نظرا للموقف المشترك من اتفاقيات كامب ديفيد. فإذا ما انتقل االنتباه من عملية السالم إلى أي سياق آخر مثل األمم المتحدة ،فربما تعود االختالفات السورية العراقية للظهور وتتسبب في عرقلة
التقارب بين البلدين. ويعد استخدام الموارد المائية لنهر الفرات من نقاط الخالف األخرى بين سوريا والعراق .فقد كانت تلك المشكلة الجيوسياسية عصية على الحل لعدة عقود نظرا للتنمية أحادية الجانب والتي تتم دون تنسيق من قبل الدول الثالث التي تشترك فيه، سوريا ،والعراق ،وتركيا .ويبدو أن التنافس الدائم على ذلك المورد المائي النادر هو تنافس مزمن، ولم تظهر أي من الدولتين اللتين تقعان على أعالي نهر الفرات اهتماما بالغا باحتياجات مستخدمي النهر في التخطيط لمشروعات تنمية النهر. وعلى الرغم من أن ذلك يعرقل ،بال شك ،تأسيس اتحاد سياسي دائم بين العراق وسوريا ،فإنه ال يمنع تحقيق قدر كبير من التعاون في قضايا محددة على المدى القريب .بل ومن الممكن التوصل إلى شكل من أشكال الوحدة السياسية ولكن إن حدث ذلك ،فمن المرجح أن تكون وحدة رمزية، خالية من القوة المؤسسية ،وهشة للغاية .كما أن لدرجة التعاون التي تم تحقيقها بالفعل تأثير كبير على رد الفعل العربي تجاه المعاهدة المصرية اإلسرائيلية ومن المرجح أن يستمر ذلك في لعب دور سلبي في عملية السالم .كما يمكن للتقارب العراقي السوري أن يساهم في المزيد من التعاون بين العرب الشرقيين .فعلى سبيل المثال ،تبحث كل من األردن ،ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمملكة العربية السعودية ،إقامة عالقات وثيقة وتنسيق عسكري بينها وبين سوريا والعراق. • (ـ) أجزاء تم حجبها من الوثيقة
49
وثائق
سوريا :األسد واختطاف »طائرة» تي دبليو إيه الوكالة المركزية لالستخبارات محال لوكالة أخرى محال للرد المباشر إدارة االستخبارات 20يونيو (حزيران) 1985 الملخص كان الرئيس السوري ،األسد ،يجري اتصاالت مع نبيه بري ،زعيم حركة أمل ،لكي يحثه على إنهاء عملية اختطاف طائرة «تي دبليو إيه» ،ولكننا ال نعتقد أن األسد مستعد للمخاطرة بمعاداة شيعة لبنان ،كبرى الجماعات الطائفية بالبالد ،من خالل فرض الضغط عليها نيابة عن الواليات المتحدة. وعلى أية حال ،ليس لدى سوريا سوى قدر محدود من النفوذ على الشيعة .فعلى الرغم من أن بري كان يتعاون مع دمشق ويتلقى دعما سوريًا ،فإنه تمكن من الحفاظ على استقالله مساع سورية للهيمنة على حركة مقاوما أي ٍ أمل .كما أن بري أقل اعتمادا على سوريا من
اعتماده على الفصائل اللبنانية األخرى ،خاصة فيما يتعلق باإلمدادات ،وهو ما يرجع إلى أن قواته تتكون من ميليشيات شوارع مدنية تستخدم أسلحة صغيرة متوافرة تماما في بيروت .كما أن العالقات السورية مع الفصائل الشيعية الراديكالية أكثر هشاشة وتتزايد صعوبة. وسوف يتجنب األسد اتخاذ خطوات قوية تجاه الخاطفين سواء على نحو مباشر أو غير مباشر عبر الوسطاء. هذا التقرير أعده (ـ) من مكتب تحليالت الشرق األدنى وجنوب آسيا و(ـ) من مكتب البحوث العلمية وبحوث األسلحة( ،ـ) بناء على طلب من وزارة الخارجية .وقد تم استخدام المعلومات المتاحة حتى 20يونيو (حزيران) 1985في إعداده .نرحب باألسئلة والتعليقات والتي يجب توجيهها إلى الرئيس (ـ).
رد فعل األسد تجاه االختطاف مما ال شك فيه أن األسد ينظر إلى أزمة اختطاف طائرة «تي دبليو إيه» الحالية باعتبارها تعقيدا غير محمود لمساعيه صوب تحقيق األهداف السورية في لبنان واتخاذ إجراءات فيما يتعلق بقضايا أخرى .حيث كان قد وضع أجندة
على الرغم من أن بري كان يتعاون مع دمشق سوريا ،فإنه متكن من احلفاظ ويتلقى دعما ً مساع سورية على استقالله مقاوما أي ٍ للهيمنة على حركة أمل
50
خالل لقاء القمة الذي جمعه بالرئيس الجميل قبل أسبوعين إلعادة تأسيس األمن وإجراء إصالحات سياسية .وفي الوقت نفسه ،جلبت «حرب المخيمات» الدائرة في بيروت إلى الصدارة األبعاد الفلسطينية والعربية للمشكلة. ومن ثم يصبح األسد ،الذي يتزايد إحباطه تجاه المستنقع اللبناني الذي يبدو بال نهاية ،والذي يتوق لمنح المزيد من االنتباه للعالقات السورية مع القوى العظمى ،والتهديدات التي تتعرض لها المصالح السورية إثر مبادرة حسين/ عرفات ،عالقا في قدر كبير من المشكالت. فقد نفذ األسد ما طلبه الرئيس ريغان ،حث نبيه بري ،زعيم حركة أمل على المشاركة بفعالية في المفاوضات -ولكن دمشق ما زالت تبدي حيادا تجاه عملية االختطاف .فقد ذكرت الصحافة السورية األخبار المتعلقة باالختطاف دون أي إشارة لإلدانة كما أنها أبرزت مطالب الخاطفين ،حيث ال يرغب األسد في معاداة حلفائه الذين يصعب إرضاؤهم في لبنان ،على األقل ،ألن ذلك سوف يقلص النفوذ الذي يتمتع .به لديهم
العالقات السورية بنبيه بري والشيعة على نقيض هيمنة سورية على دروز وليد جنبالط ،وغيرها من الفصائل اللبنانية األخرى، ما زال نبيه بري ،زعيم حركة أمل ،مستقال نسبيا عن دمشق .فقد رفض بري االنضمام إلى «جبهة اإلنقاذ الوطني» التي ترعاها سوريا خالل القتال في ،84-1983كما قاوم بشراسة المحاوالت السورية للهيمنة على حركة أمل. وحاول بري مواجهة الجهود السورية للسيطرة على كبار زعماء حركة أمل وح ّد من أنشطة المسؤولين الموالين لسوريا داخل الحركة. وال يوجد لسوريا نفوذ قوي على بري نظرا
قائد الطائرة اخملطوفة جون تيسترايك وبجانبه أحد اخلاطفني لعدم اعتماد حركة أمل على دمشق في الحصول على احتياجاتها .فعلى الرغم من أن حركة أمل تتلقى دعما سوريا -وتعاونت مؤخرا على األقل على المستوى التكتيكي مع السوريين في حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت -فإن احتياجات قوات بري محدودة .وهو ما يعود إلى أن حركة أمل تشن حروب شوارع مدنية وهو ما يقتضي استخدام األسلحة الخفيفة،
نبيه بري زعيم حركة أمل
مسلح ملثم يقف على باب الطائرة اخملطوفة في بيروت العام 1985
ومدافع الهاون ،واآلر بي جي ،والتي يمكن الحصول عليها بسهولة من السوق المفتوحة أو من المخابئ الفلسطينية المهجورة في بيروت. كما أن العالقات السورية مع الفصائل الشيعية المتطرفة أكثر هشاشة ،فقد تسامحت دمشق مع األنشطة الشيعية الراديكالية ،بل وقدمت الدعم للحرس الثوري اإليراني وتعاونت معه للحفاظ على الصالت المفيدة بين سوريا وإيران ،ولتعجيل االنسحاب اإلسرائيلي الكامل من جنوب لبنان ،ولكي يعملوا كمعادل لبري في محاولة إلجباره على قبول شروط دمشق. ومن ثم ،ال تتوافق أهداف سوريا في لبنان مع هدف الشيعة الراديكاليين ذوي النظام األصولي على المنوال اإليراني ،وهناك إشارات واضحة على تزايد العقبات التي تقف في طريق تلك العالقة .وقد اصطدمت القوات السورية بالفعل مع المتطرفين الشيعة في «وادي البقاع» عدة مرات منذ بداية .1984 وقد قدم األسد المساعدة في إطالق سراح األميركيين عندما كانت هناك مصلحة سورية واضحة في أن يفعل ذلك ،وعندما كانت تكلفة تلك المساعدة محدودة .ففي يوليو (تموز) ،1983تمكنت سوريا من إطالق سراح ديفيد دودج ،رئيس الجامعة األميركية في بيروت ،من أيدي اإليرانيين ،في رسالة موجهة إلى طهران مفادها أن نقل رهينة عبر دمشق دون موافقة سوريا أمر غير مقبول. وفي يناير (كانون الثاني) ،1984أطلق السوريون سراح الطيار بالبحرية األميركية، الليوتينت غودمان ،في بادرة غير مكلفة لتعزيز االنسحاب األميركي من لبنان .ومؤخرا ،في
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
متكنت سوريا من إطالق سراح ديفيد دودج ،رئيس اجلامعة األميركية في بيروت ،من أيدي اإليرانيني ،في رسالة موجهة إلى طهران مفادها أن نقل رهينة عبر دمشق دون موافقة سوريا أمر غير مقبول 12يونيو (حزيران) ،قدم األسد التماسا علنيا للخاطفين الذين يحتجزون الرهائن في لبنان معلنا بوضوح التزامه تجاه الرئيس ريغان ومعارضته اختطاف الدبلوماسيين ،ومؤكدا في الوقت ذاته الدعم السوري للجماعات المتطرفة المتورطة باإلضافة إلى كونه لم يصدر أي عبارة تشير إلى استعداد سوريا التخاذ أي إجراء في إطار عملية إطالق سراحهم. • (ـ) أجزاء تم حجبها من الوثيقة
51
وثائق
لبنان -سوريا: عون يتحدى األسد إدارة االستخبارات 7أبريل (نيسان) 1989
الحالية ،فإن السوريين لم يعودوا يعتبرونه شريكا موثوقا به يمكنهم مناقشة المستقبل السياسي للبنان على المدى الطويل معه( .ـ)
الملخص
خالفات عصية
يخوض الجنرال عون ،رئيس الوزراء اللبناني، معركة إرادات مع السوريين وحلفائهم اللبنانيين، في نزاع ليس لدى أي طرف من أطرافه أدنى استعداد للتنازل ،وال يبدو أمام عون مخرج منه. فقد تسبب حصار عون البحري لموانئ المسلمين المستقلة في اندالع القتال الحالي وما زال ذلك الحصار هو القضية الرئيسية للنزاع .ولكن حملة عون الالحقة ضد الرئيس السوري األسد والوجود السوري العسكري في لبنان قد عملت على تعميق النزاع وقللت من فرص عون في الفوز( .ـ) وحتى في حالة نجاة عون غير المحتملة من األزمة
يعد إغالق موانئ المسلمين غير الشرعية القضية الرئيسية التي تقف حجر عثرة أمام وقف إطالق النيران في بيروت .حيث يرفض عون بعناد رفع الحصار ألنه وضع الكثير من رأسماله السياسي في تلك القضية .وكانت بحرية عون المحدودة - حفنة من مراكب الدورية العتيقة -ومروحياته وطائراته القليلة قد أغلقت بفعالية مدهشة تلك المرافئ .فقد اعترضوا على األقل خمس سفن تسير في شمال طرابلس لمنع ناقلة سورية أو ربما سوفياتية.
حتى في حالة جناة عون غير احملتملة من األزمة احلالية ،فإن السوريني لم يعودوا يعتبرونه شريكا موثوقا به ميكنهم مناقشة املستقبل السياسي للبنان على املدى الطويل معه
52
الموانئ اللبنانية غير الشرعية لقد عمل ظهور عدد من الموانئ غير الرسمية أو الموانئ الرسمية التي تهيمن عليها الميليشيات على إعادة تشكيل اقتصاد لبنان على مر السنوات. حيث تقل المصروفات التي تتقاضاها الموانئ التي تديرها الميليشيات بنسبة تتراوح بين - 60 70في المائة عن الرسوم التي تتقاضاها الموانئ الرسمية اللبنانية ،كما ال يتم دفع أي رسوم جمركية على البضائع التي تدخل تلك الموانئ. وقد حرمت هذه الموانئ غير الشرعية الدولة من مصدرها الرئيسي للعائدات. ومن بين الموانئ غير الشرعية التي يأمل عون في إغالقها: الحوض الخامس ،بيروت .يعد ذلك الجزء من ميناء بيروت والذي تهيمن عليه القوات هو الميناء غير الشرعي الرئيسي .وكان إغالقه أحد األهداف الرئيسية لعون في مواجهة الميليشيات
في فبراير (شباط). الضبية .وهو يخضع أيضا لسيطرة القوات وجاري توسيعه. جونية .وهو مرفأ صغير ضحل خاضع للقوت اللبنانية ويعمل كنقطة لمرور المسافرين الذين يتحاشون مطار بيروت إلى قبرص. الخالدة .يعد ذلك المرفأ الدرزي هو الميناء غير الشرعي وغير المسيحي األكثر نشاطا .ولكن ذلك الميناء ال يسمح بمرور السفن الكبرى وهو ما دفع الميليشيات لبناء مرفأ الجية. الجية :بنى الدروز ذلك المرفأ للسماح بمرور الحاويات وتوفير منشآت لتفريغ الحموالت البترولية .وقد تأثر كال الميناءين الدرزيين بالحصار الذي فرضه عون. األوزاعي .وهو ميناء تهيمن عليه حركة أمل ويمكنه السماح بمرور الحاويات .وكان المسيحيون قد قاموا بقصفه كما صار هدفا رئيسيا للحصار. وال يعادل قوة معارضة الزعماء المسلمين في لبنان -خاصة الزعيم الدرزي ،وليد جنبالط، وزعيم حركة أمل ،نبيه بري -للحصار ،سوى إصرار عون نفسه على استمراريته .وقد ظل حزب اهلل على هامش المعارضة ولكنه كان مؤيدا بقوة للموقف السوري .وكان الحصار يحرم الدروز وحركة أمل من مصدر مهم للعائدات ويعزلهم عن العالم الخارجي .وكانت دمشق وحلفاؤها المسلمون يطالبون برفع الحصار في إطار وقف إلطالق النيران. وقام عون بتعقيد األزمة من خالل نعته المواجهة الجارية بأنها نزاع سوري -لبناني يضع مكانة دمشق اإلقليمية على المحك .وباإلضافة إلى دعوته إلخراج القوات السورية من لبنان، فإنه اتهم سوريا بدعم اإلرهابيين واالتجار في المخدرات .وقد أغضب عون زعماء سوريا وقضى على أفق التوصل إلى تسوية من خالل
ميشال عون من عدو لسوريا إلى أبرز حلفائها مناداته العلنية بخلع الرئيس األسد وامتداح الدور العراقي في لبنان( .ـ)
الساعة .وحتى اآلن تسببت المدفعية السورية في إسقاط عدد قليل من الجرحى وهي الخطوة التي من المرجح أن تتسبب في رفع الكلفة المدنية واالقتصادية للنزاع بالنسبة للمسيحيين( .ـ)
يعتمد عليه لم يتحقق وربما يكون الدعم الذي يحصل عليه من مسيحييه في حالة تراجع .ومن جهة أخرى ،فإن سوريا ليس لديها كثير لتخسره بإبقاء فرض الضغط على عون.
(ـ) لدى السوريين قدرة غير محدودة على تصعيد النزاع العسكري .وتظهر مشاركة سوريا المباشرة في عمليات القصف عدم رضاء دمشق عن عون ،وتنذر باستعدادها لزيادة الضغط. وكانت األسلحة السورية موجهة في البداية فقط للرد على قصف الجيش اللبناني ،ثم اتجهت بعد ذلك لقصف بيروت الشرقية كل مساء ويبدو أنها تقصف بنشاط اآلن المسيحيين على مدار
وجهة نظر
ومن المستبعد أن يلعب الضغط الخارجي من الجامعة العربية ،والواليات المتحدة ،أو االتحاد السوفياتي دورا رئيسيا في صناعة القرار السوري ما دامت سوريا تؤمن بأن مصالحها الحيوية في لبنان على المحك .وحتى يوافق الجنرال عون على ضرورة بقاء القوات السورية في لبنان ،وضرورة إنهاء الحصار البحري والتراجع عن خطابه المعادي لسوريا، فإن الضغط العسكري السوري على المسيحيين سوف يستمر. ومما ال شك فيه أن السوريين سوف يستعينون بشركائهم اللبنانيين إلضفاء شرعية على الضغط على تلك الجيوب واحتواء العديد من اإلصابات في البداية .الدروز ،حزب اهلل ،وزعيم المعارضة المسيحي ،إيلي حبيقة ،هم المرشحون الرئيسيون للعب ذلك الدور وجميعهم سيكون على أتم استعداد للتعاون مع السوريين.
الخطوات التالية لسوريا
ليس من الممكن التوفيق بين مطالب عون والمطالب السورية كما أن كليهما ليس مستعدا أو مرحبا بالتنازل .وليس أمام عون سوى خيارات قليلة في مواجهة الضغط العسكري المستمر لسوريا .ومن الواضح أن قواته ال تقارن بنظيرتها السورية كما أن الدعم الدولي الذي كان
من املستبعد أن يلعب الضغط اخلارجي من اجلامعة العربية ،والواليات املتحدة ،أو االحتاد السوفياتي دورا رئيسيا في صناعة القرار السوري ما دامت سوريا تؤمن بأن مصاحلها احليوية في لبنان على احملك
• (ـ) أجزاء تم حجبها من الوثيقة
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
53
Three global markets, ONE CENTRE
Th The Thela Th largest la largest ststmarket market kk tt ininEastern EasternEurope Europe
صحافة عالمية
مسجد عقبة بن نافع بالقيروان في تونس حتت قبضة السلفيني
56
منابع العنف في الشرق األوسط الجديد
سياسة خشنة إذا كان الربيع العربي يمثل زلزاال في سياسة الشرق األوسط ،فقد شهدنا أخيرا ما يمثل هزة ارتدادية كبرى .وقد بدأت القعقعة في القاهرة ،حينما بثت قناة فضائية يديرها سلفيون مقطعا من فيلم مهيج مسيء لإلسالم .وبعد ذلك مباشرة ،دعت بعض القيادات السلفية لمظاهرات أمام السفارة األميركية حيث ألقوا باللوم على واشنطن ،نظرا لعدم فرضها رقابة على الفيلم الذي تم إنتاجه في الواليات المتحدة. بقلم :وليم ماكانت – باحث في العالقات الدولية ومختص في الحركات الجهادية – فورين أفايرز – خاص بـ«المجلة»
تكرر السيناريو في ليبيا ،وتونس ،واليمن، وغيرها .وعلى الرغم من وقوع العديد من أحداث الشغب كرد فعل على الفيلم ،فإن تلك األحداث كانت تتمحور أساسا حول طبيعة األنظمة في ما بعد الربيع العربي وبخاصة في ما يتعلق بمن يسيس األخالقيات العامة. حيث ينظر السلفيون في أنحاء المنطقة كافة إلى أنفسهم باعتبارهم الحارس المحق للحياة العامة ،وهم يعملون من أجل أن يضمنوا أن يراهم اآلخرون بنفس الطريقة أيضا.
قوة في مصر وعلى الرغم من أن السلفيين ال يشكلون أغلبية السكان في أي من تلك البلدان ،فقد كانوا قادرين على فرض أجنداتهم السياسية وذلك نظرا لعدد من األسباب .كما أنهم يبدون أكثر قوة من حقيقتهم نظرا للتمويل الواسع الذي يتلقونه من أتباعهم في دول عربية ثرية .فكل عام، تتدفق ماليين الدوالرات من دول عربية إلى المشروعات السلفية الخيرية والقنوات الفضائية مثل تلك التي أثارت أعمال الشغب( .بالمقارنة، تتلقى المنظمات غير الحكومية الليبرالية دعما أقل من الدول الغنية في المنطقة). وينفق زعماء السلفيين تلك األموال على البرامج االجتماعية واالستقطاب وهي األدوات السهلة التي يستطيعون عبرها أن يحشدوا األصوات أو يثيروا الغضب تجاه ما ينظر له باعتباره إهانة للسلفية أو اإلسالم. وبالفعل ،ال تتطلع معظم الجماعات السلفية
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
ال تتطلع معظم اجلماعات السلفية للهيمنة على الدولة عبر العنف أو حتى من خالل االنتخابات، حيث إن أعدادهم ضئيلة للغاية .ففي املكان الذي لديهم فيه مؤسسات سياسية وثقافية قوية، مثل مصر ،ميكنهم أن يحققوا ذلك من خالل الضغط السياسي ومظاهر القوة في الشارع للهيمنة على الدولة عبر العنف أو حتى من خالل االنتخابات ،حيث إن أعدادهم ضئيلة للغاية .ففي المكان الذي لديهم فيه مؤسسات سياسية وثقافية قوية ،مثل مصر ،يمكنهم أن يحققوا ذلك من خالل الضغط السياسي ومظاهر القوة في الشارع .ولكنهم يلجأون إلى فرض أحكام الشريعة والدعوة لتحدي السلطة، في األماكن التي يفتقرون فيها لتلك المؤسسات.
وليس معروفا على وجه التحديد النسبة التي يمثلها السلفيون من مجمل سكان مصر ،ولكنهم يهيمنون على ربع البرلمان .وهو ما يعني أن حركة اإلخوان المسلمين األقل محافظة ،والتي فازت بكل من االنتخابات البرلمانية والرئاسية، ال يمكنها تجاهلهم .ففي البرلمان ،دعا السلفيون إلصدار دستور يقر بالشريعة اإلسالمية كمصدر للتشريع ،كما دفعوا إلصدار قوانين تعكس األوامر القرآنية. وعلى غرار اليمين الديني في إسرائيل ،يضع السلفيون المصريون السياسيين األقل محافظة في الزاوية .وقد أظهروا قدرتهم الكاملة على عمل ذلك خالل المظاهرات التي اندلعت أخيرا. ففي 13سبتمبر (أيلول) ،أرسل خيرت الشاطر نائب المرشد العام لإلخوان المسلمين رسالة اعتذارية إلى الشعب األميركي عبر «نيويورك تايمز». وفي تلك الرسالة كتب الشاطر« :إن تجاوز حدود سفارة الواليات المتحدة األميركية من قبل متظاهرين مصريين هو أمر غير قانوني طبقا للقانون الدولي ،وفشل قوات الحماية من الشرطة يجب أن يتم التحقيق فيه» .وعلى ما يبدو ،لم يكن الشاطر يرغب في إثارة الغضب الغربي ويعرض المساعدات المالية األميركية للخطر .ولكن كان على القاهرة أن تقلق بشأن السياسة المحلية أيضا ،ولذلك احتفى الرئيس المصري محمد مرسي بالمظاهرات وأغمض عينه عن تجاوزاتها سواء رغبة في خطب ود السلفيين أو خوفا من غضبهم.
57
صحافة عالمية
يقع سلفيو ليبيا في مكان ما بني سلفيي تونس وسلفيي مصر .فعلى الرغم من أن أعدادهم ،بحسب ما يقال ،أكبر من أعداد السلفيني في تونس ،ليست لديهم مؤسسات مركزية مثل سلفيي مصر ،وهو ما يجعل عملية احلشد السياسي أصعب سلفيو تونس وليبيا وفي بلدان أخرى ،يمثل السلفيون نسبة أقل من السكان ومن ثم لديهم قوة مؤسسية أصغر، ولكن استعدادهم لتطبيق الشريعة بالقوة ينشر الخوف منهم .ففي تونس ،سمح اإلسالميون المعتدلون في السلطة (حركة النهضة) أخيرا للسلفيين بتأسيس حزب سياسي وهو ما يترك السلفيين دون تمثيل في لجنة صياغة الدستور الجديد .ولكي يدفعوا بأجندتهم المحافظة ،نزل النشطاء السلفيون إلى الشوارع حيث حطموا ما زعموا أنها رموز للفساد الغربي مثل الحانات والمعارض الفنية واصطدموا بقوات الشرطة في مظاهرات ضد الدولة العلمانية. كما حرق المتظاهرون السلفيون السيارات وحطموا زجاج السفارة األميركية وهو ما يزعم أنه كان بتشجيع من أحد رجال الدين السلفيين الجهاديين ،الذي سعت الحكومة التونسية العتقاله بعدها. وفي ما يتعلق بالمؤسسات ،يقع سلفيو ليبيا في مكان ما بين سلفيي تونس وسلفيي مصر. فعلى الرغم من أن أعدادهم ،بحسب ما يقال، أكبر من أعداد السلفيين في تونس ،ليست لديهم مؤسسات مركزية مثل سلفيي مصر ،وهو ما يجعل عملية الحشد السياسي أصعب .ومن ثم، كان أداء أحزابهم السياسية الثالثة ضعيفا في االنتخابات الماضية ،حيث لم يفوزوا إال بمقعد واحد. وعلى غرار نظرائهم التوانسة ،يشتهر سلفيو ليبيا بتطبيقهم الشريعة بالقوة بخاصة في ما يتعلق بالهجوم على أضرحة األولياء المحليين .ويبدو مرجحا أن يكون الجهاديون السلفيون هم من تزعموا الهجوم على القنصلية األميركية في بنغازي وهو ما أسفر عن مقتل عدة مواطنين أميركيين بمن فيهم السفير األميركي في ليبيا ،كريستوفر ستيفنز .وقد سارعت الحكومة بإدانة ذلك الهجوم ،والتعهد بتعقب المجرمين .كما خرج المواطنون الليبيون أيضا في مظاهرات ضد االعتداء
58
على السفارة. وفي الوقت الذي تفكر فيه الواليات المتحدة في الرد على تلك االحتجاجات ،فإنها تصنع خيرا إذا ما أخذت المالبسات الوطنية المتعددة التي تكمن وراءها تلك االحتجاجات في االعتبار. ففي مصر ،أظهر السلفيون الذين شاركوا في العملية السياسية أنهم ليسوا بالضرورة أعداء للمصالح األمنية األميركية في المنطقة .وكما اتضح عبر برامجهم السياسية ،فإنهم أكثر اهتماما بالمسائل الثقافية .وما أثار غضبهم فعليا ودفعهم إلى الهجوم على القنصليات والسفارات األميركية هو قضية ثقافية تماما. وليس مرجحا أن تتغير الرؤى الثقافية للسلفيين ،إذا ما شاركوا في العملية االنتخابية بالمنطقة ،بل إنهم سيصبحون ،في الحد األدنى ،أكثر استجابة ألتباعهم. ويعد أفضل مسار بالنسبة للواليات المتحدة هو أن تعرب عن مخاوفها حول الجماعات السلفية لحكومات تلك البلدان وتعلن بشكل واضح أن تلك المخاوف تتعلق باألمن وليس بالدين .فيجب أن تؤكد واشنطن أنها تتوقع من حكومات المنطقة أن تمنع المتطرفين من السلفيين من اللجوء إلى العنف .وسوف يكون حجب المساعدات عن تلك البلدان هو اإلجراء األكثر حدة ،كما يمكن أن تصدر الواليات المتحدة أيضا تحذيرات سفر ،والتي يمكنها اإلضرار بالسياحة واالستثمارات األجنبية التي تعتمد عليها تلك الحكومات .كما أن إلقاء الضوء على الحوارات الفارغة والمتضاربة للزعماء السياسيين والدينيين في المنطقة يساعد أيضا على تعريضهم للمساءلة .فحتى إثارة الشكوك حول وضع حليف ما ،كما فعل أوباما في حواره مع «تيليموندو» عقب األحداث األخيرة ،يمكنه أن يمنح اإلسالميين العاملين على تحسين العالقات مع الغرب عنصر قوة. فإذا ما كان رد حكومات الشرق األوسط هو عقاب هؤالء الذين أضروا بالممتلكات والمواطنين األميركيين وحماية السفارات األميركية خالل المظاهرات المستقبلية ،وثبط عزم عمليات االنتقام العنيفة إثر اإلهانات
الثقافية ،فلن يكون على الواليات المتحدة تنفيذ تهديداتها .وبالفعل ،تقوم كل من تونس وليبيا بعمل ذلك ،وهو ما يجب أن تكافئه الواليات المتحدة بالمساعدات األمنية إذا ما طلبت تلك البلدان ذلك .ولكن إذا ما حثت نفس تلك الحكومات المتظاهرين أو استمرت في السماح لهم بتدمير الممتلكات واالعتداء على المواطنين األميركيين ،فيجب على الواليات المتحدة أن تتخذ رد فعل سريعا ،حيث إن إخفاق الواليات المتحدة في فرض خطوطها الحمر يضر باإلسالميين من غير السلفيين بقدر ما يضر بالواليات المتحدة نفسها .حيث يبدو اإلسالميون غير السلفيين ضعفاء، ويرقصون على إيقاع شخص آخر .كما يبدون عاجزين عن تسييس أتباعهم.
هزات ارتدادية ومن المرجح أن يفيد السلفيون من إطالق العنان لعمليات فرض تطبيق أحكام الشريعة، حيث ترتبط الحركة على نحو وثيق بالعنف، وهو ما منع السلفيين من أن يصبحوا حركة أغلبية .فخالل االحتجاجات األخيرة ،كانت الحركة التي تطلق على نفسها «االتجاه الجهادي» مكشوفة تماما أمام الجميع .فقد كانت راية «القاعدة» ترفرف في العديد من المظاهرات ،حتى إن المتظاهرين رفعوها فوق السفارة األميركية في القاهرة بدال من العلم األميركي. كما لعب أيضا الجهادي محمد الظواهري، أخو زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري ،دورا رئيسا في مظاهرات القاهرة .باإلضافة إلى الشعارات التي تم تدوينها على الجدران المحيطة بالسفارة والتي كانت تقول: «أوباما ..جميعنا أسامة» والتي كانت تتردد أيضا في المظاهرة .وقد أخافت مثل تلك الشعارات المعتدلين في المنطقة بغض النظر عن اآليديولوجيا ،ومن المرجح أن تكون قد أخافت الممولين الخارجيين للسلفيين الذين يفضلون عدم االقتران بجماعة منبوذة دوليا مثل تنظيم القاعدة. مما ال شك فيه أن المظاهرات التي اندلعت عند السفارات األميركية لن تكون آخر الهزات االرتدادية للربيع العربي .فهناك ببساطة العديد من المتطرفين ومثيري المشاكل على جانبي األطلسي .وفي ظل إعادة بناء المنطقة لنفسها ،من المستبعد أن يصل السلفيون للسلطة ،ولكنهم سوف يستمرون بالتأكيد في الضغط على من يصلون إليها .فحتى يهيمن عليهم اإلسالميون المعتدلون ،سوف يستمر السلفيون في تقويض سلطتهم وتهديد تحالفاتهم.
صحافة عالمية
50عاما على أزمة الصواريخ الكوبية ..أي سياسة خارجية أميركية
دروس مستفادة نيكيتا خورتشيف و فيدل كاسترو
منذ خمسين عاما ،أوشكت أزمة الصواريخ الكوبية أن تسقط العالم في كارثة نووية .في أثناء المواجهة ،ظن الرئيس األميركي جون إف كنيدي أن فرص التصعيد إلى الحرب تقع «بين 1إلى .»3ما علمناه في العقود األخيرة لم يحقق شيئا من أجل زيادة هذه االحتماالت .نعلم على سبيل المثال أنه باإلضافة إلى الصواريخ الباليستية المسلحة نوويا ،نشر االتحاد السوفياتي 100سالح نووي تكتيكي في كوبا ،وكان من الممكن أن يطلق القائد العسكري السوفياتي المحلي هناك هذه األسلحة دون شفرات إضافية أو أوامر من موسكو .وكان الهجوم الجوي والغزو األميركي الذي كان مقررا له األسبوع الثالث من المواجهة سيثير رد فعل نوويا ضد السفن والقوات األميركية ،وربما يصل إلى ميامي .وربما كانت الحرب الناتجة ستؤدي إلى مقتل مائة مليون أميركي وما يزيد على مائة مليون روسي. بقلم:
غراهام أليس :مدير مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد * .فورين افيرز – خاص بـ «المجلة»
العنوان الرئيس للقصة معروف .في أكتوبر (تشرين األول) عام ،1962كشفت طائرة تجسس أميركية محاولة من االتحاد السوفياتي بإدخال صواريخ تحمل رؤوسا نووية خلسة إلى كوبا، على بعد 90ميال من ساحل الواليات المتحدة. قرر كنيدي في البداية أنه ال يمكن السكوت أمام ذلك .وبعد أسبوع من المشاورات السرية مع أقرب مستشاريه ،أعلن هذا الكشف أمام العالم،
60
وفرض حصارا بحريا على وصول مزيد من شحنات األسلحة المتجهة إلى كوبا .منع الحصار وصول مزيد من المواد ولكنه لم يحقق شيئا يمنع به السوفيات من تشغيل الصواريخ الموجودة هناك بالفعل .وتال ذلك أسبوع ثان متوتر وقف فيه كنيدي والزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف وجها لوجه ،دون أن يتراجع أي منهما. كان يوم السبت الموافق 27أكتوبر (تشرين األول)
هو يوم القرار .بفضل التسجيالت السرية التي احتفظ بها كنيدي ،يمكننا أن نستمع إلى أعضاء اللجنة التنفيذية الخاصة التي شكلها الرئيس من مجلس األمن القومي في نقاشهم حول الخيارات التي كانوا يعلمون أنها قد تؤدي إلى اندالع حرب عالمية نووية .في الدقيقة األخيرة ،تم حل األزمة دون حرب ،حيث قبل خروشوف عرضا أميركيا أخيرا تعهدت فيه أميركا بعدم غزو كوبا في مقابل
سحب الصواريخ السوفياتية. يحاول كل رئيس يأتي بعد كنيدي أن يتعلم مما حدث في هذه المواجهة .وفي مفارقة ،بعد مرور نصف قرن ،بعد أن أصبح االتحاد السوفياتي في حد ذاته ذكرى بعيدة ،ما زالت الدروس التي تقدمها األزمة لتستفيد منها السياسات الحالية كبيرة .في الوقت الحاضر ،يمكن أن تساعد هذه األزمة صناع السياسات األميركيين على معرفة ما يجب عليهم فعله وما ال يجب عليهم فعله فيما يتعلق بإيران وكوريا الشمالية والصين واتخاذ القرارات الرئاسية عموما.
ا 4750عاماً لكوبا ﻣﻦالحصار ﻋﺎﻣﺎًمن األميركيﻟﻜﻮﺑﺎ اﻟﺤﺼﺎر اﻷﻣرييك
ﻳﺮﻓﻊ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣرييك ﺑﺎراك أوﺑﺎﻣﺎ اﻟﻘﻴﻮد ﻋﻦ ﻋﺪد اﻟﺮﺣﻼت إﱃ ﻛﻮﺑﺎ وﻋﻦ ﻛﻤﻴﺔ اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺳﻠﻬﺎ اﻟﻜﻮﺑﻴﻮن اﻷﻣريﻛﻴﻮن إﱃ ذوﻳﻬﻢ وﻳﺴﺎﻋﺪ ﰲ دﻋﻢ أﻛﱪ ﻟﺨﺪﻣﺎت اﻹﺗﺼﺎﻻت واﻹﻧﱰﻧﺖ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة :1959اﻟﺜﻮار اﻟﻜﻮﺑﻴﻮن ﻳﻄﻴﺤﻮن ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮر ﻓﻮﻟﻐﻨﺴﻴﻮ ﺑﺎﺗﻴﺴﺘﺎ اﻟﺬي ﻳﺘﻠﻘﻰ دﻋامً ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة :1962ﺗﺆﻣﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻜﻮﺑﻴﺔ ﺑﺰﻋﺎﻣﺔ ﻓﻴﺪل ﻛﺎﺳﱰو ) ﻳﺴﺎر( اﳌﻤﺘﻠﻜﺎت اﻷﻣريﻛﻴﺔ .اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺟﻮن ﻛﻴﻨﻴﺪي )أﻗﴡ اﻟﻴﺴﺎر( ﻳﺮد ﻋﲆ اﻟﺨﻄﻮة ﺑﺤﺼﺎر اﻗﺘﺼﺎدي أﻣريﻛﺎ
ﻛﻮﺑﺎ
ماذا كان كنيدي سيفعل؟ تشبه المواجهة الراهنة بين الواليات المتحدة وإيران أزمة صواريخ كوبا في بطء تحركها. تتحرك األحداث ال محالة نحو مواجهة سيكون فيها الرئيس األميركي مجبرا على االختيار ما بين إصدار أمر بشن هجوم عسكري أو القبول بإيران دولة مسلحة نوويا. كان هذان هما الخياران اللذان قدمهما مستشارو كنيدي له يوم السبت األخير :الهجوم أو القبول بوجود الصواريخ النووية السوفياتية في كوبا. ولكن رفض كنيدي كليهما .واختار بدال من ذلك بديال من تصوره مكونا من ثالثة عناصر :اتفاق علني تتعهد فيه الواليات المتحدة بعدم غزو كوبا إذا سحب االتحاد السوفياتي صواريخه ،وإنذار أخير سري بشن هجوم على كوبا في غضون 24 ساعة إال إذا قبل خروشوف هذا العرض ،وعرض سري محفز يتعهد فيه بسحب الصواريخ األميركية من تركيا في غضون ستة أشهر بعد حل األزمة. ظل هذا العرض التشجيعي سريا للغاية ،لدرجة أن معظم أعضاء اللجنة التي كانت تتباحث مع كنيدي في المساء األخير لألزمة لم يكونوا يعلمون أنه أثناء فترة االستراحة لتناول العشاء بعث الرئيس شقيقه بوبي لتوصيل هذه الرسالة إلى السفير السوفياتي. إذا نظرنا إلى االختيار ما بين قبول ما يحدث أو شن هجوم جوي اليوم ،سنجد أن كليهما ال يلقى قبوال. قد يثير حصول إيران على قنبلة نووية انتشار السالح النووي ،مما يزيد من احتمالية وقوع صراع مدمر في إحدى أهم مناطق العالم اقتصاديا واستراتيجيا .ومن الممكن أن تؤخر ضربة جوية وقائية تقدم إيران النووي في مواقع محددة ،ولكنها لن تمحو المعرفة والمهارات القائمة في العديد من العقول اإليرانية .في الحقيقة أي نتيجة تمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية ستتركها قادرة على الحصول على أخرى في المستقبل ،إذ إن إيران عبرت بالفعل أهم «خط أحمر» في عملية االنتشار النووي :أتقنت فن تخصيب اليورانيوم وتصنيع القنبلة سرا .أفضل أمل في العثور على خيار ثالث على طريقة كنيدي هو المزج بين القيود المتفق عليها على نشاط إيران النووي والذي سيزيد من فترة تطويرها للقنبلة ،وتدابير الشفافية التي
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
ﺳﻴريا ﻛﺮﻳﺴﺘﺎل
ﺧﻠﻴﺞ ﻏﻮاﻧﺘﺎﻧﺎﻣﻮ
ﺳﺎﻧﺘﺎ ﻛﻼرا
ﻛﺎﻣﺎﺟﻮي
ﺧﻠﻴﺞ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ
ﺳﺎﻧﺘﻴﺎﻏﻮ ﺳﻴريا ﻣﺎﻳﺴﱰا
ﺗﴩﻳﻦ اﻷول )أﻛﺘﻮﺑﺮ( ،1962 ،أزﻣﺔ اﻟﺼﻮارﻳﺦ: ﺗﻜﺎد اﻟﺤﺮب ﺗﻨﺪﻟﻊ ﺑني اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة واﻹﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﻴﺎيت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﻛﺎﺳﱰو ﺑﻨﺼﺐ ﺻﻮارﻳﺦ ﻧﻮوﻳﺔ ﺳﻮﻓﻴﺎﺗﻴﺔ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة :1963اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﺗﻄﺒﻖ ﺣﻈﺮا ً ﺗﺠﺎرﻳﺎً ﻋﲆ ﻛﻮﺑﺎ ومتﻨﻊ ﻣﻮاﻃﻨﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺮ اﻟﻴﻬﺎ :1975ﻳﺘﺤﻮل اﻟﺤﺼﺎر إﱃ أﻋامل ﻋﻨﻒ ﺑﻌﺪ ﺗﻔﺠري ﻃﺎﺋﺮة ﻛﻮﺑﻴﺔ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﺷﺎرت ﺗﻘﺎرﻳﺮ إﱃ ﺻﻠﺔ وﻛﺎﻟﺔ اﻹﺳﺘﺨﺒﺎرات اﳌﺮﻛﺰﻳﺔ اﻷﻣريﻛﻴﺔ )ﳼ آي أﻳﻪ( ﺑﻬﺎ ،ﺗﺆدي إﱃ ﻣﻘﺘﻞ 73ﺷﺨﺼﺎ :1977ﻳﺨﻔﻒ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣرييك ﺟﻴﻤﻲ ﻛﺎرﺗﺮ اﻟﻘﻴﻮد ﻋﲆ ﻛﻮﺑﺎ وﻳﺮﻓﻊ اﻟﺤﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻴﻬﺎ :1985 - 1981اﻟﺮﺋﻴﺲ روﻧﺎﻟﺪ رﻳﻐﺎن ﻳﺸﺪد اﻟﺤﺼﺎر وﻳﻌﺰز اﻟﺤﻈﺮ ﻋﲆ اﻟﺴﻔﺮ ،وميﻨﻊ اﻷﻣريﻛﻴني ﻣﻦ إﻧﻔﺎق اﻷﻣﻮال ﰲ ﻛﻮﺑﺎ :1992ﻳﻮﻗﻊ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺟﻮرج ﺑﻮش )اﻷب( ”ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺪميﻘﺮاﻃﻴﺔ ﰲ ﻛﻮﺑﺎ“ ﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻻﺳﻘﺎط ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻛﺎﺳﱰو ”ﰲ ﻏﻀﻮن أﺳﺎﺑﻴﻊ“ .ﺗﺘﻀﻤﻦ اﻟﺨﻄﺔ ﺣﻈﺮ اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﻋﻦ ﴍاء اﻟﻐﺬاء واﻟﺪواء ﻣﻦ ﻛﻮﺑﺎ :1996ﻳﻮﻗّﻊ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣرييك ﺑﻴﻞ ﻛﻠﻴﻨﺘﻮن ﻋﲆ ﻗﺎﻧﻮن ﻫﻴﻠﻤﺰ ﺑريﺗﻮن اﻟﺬي ﻳﺤﻜﻢ ﺑﺘﻨﻔﻴﺬ ﻋﻘﻮﺑﺎت ﰲ ﺣﻖ اﻟﴩﻛﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﻣﻌﺎﻣﺎت ﺗﺠﺎرﻳﺔ ﻣﻊ ﻛﻮﺑﺎ. ﻳﻌﺎرض اﻹﺗﺤﺎد اﻷورويب ﻫﺬا اﻟﻘﺎﻧﻮن اﳌﺼﺪر :ﻣﻜﺘﺐ اﻹﺣﺼﺎء اﻷﻣرييك
ﻫﺎﻓﺎﻧﺎ
يضيف العنصر اإلسرائيلي مزيدا من التعقيد في تحدي الوضع النووي اإليراني الذي يواجهه صناع السياسات في الواليات األميركية بصورة أكبر من تعقيد أزمة الصواريخ الكوبية .في عام
100ﻛﻠﻢ
اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻜﺎرﻳﺒﻲ
:2000ﻳﺴﻤﺢ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺟﻮرج ﺑﻮش )اﻹﺑﻦ( ﺑﺒﻴﻊ اﳌﻮاد اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ واﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﻟﻜﻮﺑﺎ ،إﻻ اﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﴩاء اﻟﺴﻠﻊ اﻟﻜﻮﺑﻴﺔ 718 اﳌﺒﻴﻌﺎت اﻷﻣريﻛﻴﺔ إﱃ ﻛﻮﺑﺎ )ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر(
404 140 4 01
248
369 341
447
08 07 06 05 04 03 02
:2004ﺗﻘﻴّﺪ إدارة ﺟﻮرج ﺑﻮش اﻟﺴﻔﺮ إﱃ ﻛﻮﺑﺎ ﺑﻔﱰة اﺳﺒﻮﻋني ﻛﻞ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﻷﻓﺮاد اﻷﴎ اﳌﺒﺎﴍﻳﻦ. إﺟﺮاءات ﺗﺨﻔﻴﺾ اﳌﺒﻠﻎ اﻟﺬي ميﻜﻦ ﻟﻠﻜﻮﺑﻴني ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة اﻷﻣريﻛﻴﺔ ارﺳﺎﻟﻪ إﱃ ﻛﻮﺑﺎ ﻣﻦ 3.000إﱃ 300دوﻻر ﻛﻞ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ﻧﻴﺴﺎن )أﺑﺮﻳﻞ( :2009 ،ﺗﺮاﺧﻴﺺ أﻣريﻛﻴﺔ ﺳﺘﺴﻤﺢ ﻟﻠﴩﻛﺎت ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﺧﺪﻣﺎت اﻟﻬﺎﺗﻒ اﻟﺨﻠﻴﻮي ،واﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن واﻟﺮادﻳﻮ ﻟﻜﻮﺑﺎ. ﺗﺘﻌﻬﺪ إدارة أوﺑﺎﻣﺎ ﺑﺈﺟﺮاء ﻣﺤﺎدﺛﺎت دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ ﻣﺒﺎﴍة ﻣﻊ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻜﻮﺑﻴﺔ ﻣﻦ دون ﴍوط ﻣﺴﺒﻘﺔ
اﻟﺼﻮر :أب
ستزيد من إمكانية اكتشاف أي تهديدات بالخداع أو تهديدات غامضة (وربما سرية) بشن هجوم لتغيير النظام إذا تم انتهاك االتفاق ،وتعهد بعدم شن هجوم في المقابل .مثل هذا المزيج قد يجعل اإليرانيين بعيدين عن القنبلة قدر اإلمكان ألطول فترة ممكنة.
ﺑﻴﻨﺎر دﻳﻞ رﻳﻮ
© GRAPHIC NEWS
،1962سمح لطرفين فقط بالجلوس على الطاولة الرئيسية .سعى رئيس الوزراء الكوبي فيدل كاسترو ألن يصبح العبا ثالثا ،ولو كان نجح في ذلك كانت األزمة ستصبح أكثر خطورة( .عندما أعلن خروشوف انسحاب الصواريخ ،على سبيل المثال ،أرسل كاسترو رسالة توبيخ يحثه فيها على إطالق الصواريخ الموجودة بالفعل في كوبا). ولكن بعد أن أدرك البيت األبيض على وجه التحديد احتمالية أن يتحول الكوبيون إلى بطاقة جامحة ،أبعدهم عن اللعبة .أخبر كنيدي الكرملين
61
صحافة عالمية
أنهم سيتحملون مسؤولية أي هجوم يُشن ضد الواليات المتحدة من كوبا ،أيا كان من بدأه .وقال في بيانه العلني األول« :يجب أن تكون سياسة هذه الدولة اعتبار إطالق أي صاروخ نووي من كوبا ضد أي دولة في النصف الغربي من الكرة األرضية هجوما من االتحاد السوفياتي على الواليات المتحدة ،مما يستلزم ردا انتقاميا كامال ضد االتحاد السوفياتي». في الوقت الحالي ،يقوي التهديد بشن هجوم جوي إسرائيلي الرئيس باراك أوباما في الضغط على إيران من أجل إقناعها بتقديم تنازالت .ولكن يجب أن تثير احتمالية قيام إسرائيل بالفعل بشن هجوم بري أحادي الجانب دون موافقة الواليات المتحدة قلق الواليات المتحدة ،إذ إنها ستجعل السيطرة على األزمة أصعب .إذا قلل الوضع الداخلي في إسرائيل من احتمالية شن هجوم إسرائيلي مستقل، لن يكون صناع السياسة األميركيون مستائين.
سياسة العصا والجزرة بعد أن ّ اطلع كنيدي على المعلومات االستخباراتية التي كشفت عن الصواريخ السوفياتية في كوبا، واجه الرئيس األميركي االتحاد السوفياتي علنا وطالبه باالنسحاب ،مدركا أنه في هذه المواجهة يغامر بالدخول في الحرب .في المقابل ،ردا على االستفزازات التي تمارسها كوريا الشمالية على مدار األعوام ،تحدث رؤساء الواليات المتحدة علنا ولكنهم كانوا يحملون عصا صغيرة .وهذا أحد أسباب عدم تكرار األزمة الكوبية ،بينما تكررت أزمات كوريا الشمالية. في مواجهته مع خروشوف ،أمر كنيدي باتخاذ اإلجراءات التي كان يعلم أنها ستزيد من حجم المخاطرة ليس فقط بوقوع حرب تقليدية بل أيضا حرب نووية .ورفع حالة التأهب النووي في الواليات المتحدة إلى الدرجة الثانية DEFCON ،2علما منه بأن هذا سيقلل من السيطرة على األسلحة النووية للبالد ويزيد من احتمالية أن تؤدي أعمال أطراف أخرى إلى تأجيج متتال خارج عن سيطرته .على سبيل المثال ،قامت طائرة تابعة لقوات حلف الناتو بها طيارون أتراك بتحميل قنابل نووية نشطة وتقدموا إلى حالة تأهب يمكن من خاللها أن يختار الطيارون اإلقالع والطيران إلى موسكو وإسقاط قنبلة .اعتقد كنيدي أنه من الضروري أن يرفع من مخاطر وقوع الحرب على المدى القريب من أجل الحد منها على المدى البعيد .ولم يكن يفكر في كوبا فقط ،بل أيضا بشأن المواجهة التالية ،والتي كانت على األرجح ستأتي عن طريق غرب برلين ،المنطقة الحرة داخل دولة ألمانيا الشرقية الدمية .كان النجاح في كوبا ُجرئ خروشوف على حل الوضع في برلين سي ّ بناء على شروطه الخاصة ،بإجبار كنيدي على االختيار بين القبول بالهيمنة السوفياتية على المدينة واستخدام األسلحة النووية لمحاولة إنقاذها.
62
في ،2006ذكر الرئيس جورج بوش أن «نقل كوريا الشمالية أسلحة أو مواد نووية إلى دول أو منظمات سيعتبر تهديدا خطيرا للواليات املتحدة ،وستخضع كوريا الشمالية للمساءلة الكاملة». واستمرت حينها كوريا الشمالية في بيع مفاعل منتج للبلوتونيوم إلى سوريا ،والذي لو لم تدمره إسرائيل، كان سينتج بلوتونيوم يكفي لصناعة أول قنبلة نووية سورية في المقابل ،أثناء المواجهات التي قاربت العشرين والتي وقعت مع كوريا الشمالية على مدار العقود الثالثة الماضية ،ابتعد صناع السياسات في الواليات المتحدة وكوريا الجنوبية عن مثل هذه المخاطر ،مما أظهر أنهم ارتدعوا نتيجة التهديد الكوري الشمالي بتدمير سيول في حرب كورية ثانية .استفاد قادة كوريا الشمالية من هذا الخوف في تطوير استراتيجية ابتزاز فعالة .بدأت باستفزاز شديد ،إذ تجاوزوا في تحد صارخ خطا أحمر حددته الواليات المتحدة ،باإلضافة إلى التهديد بأن أي رد فعل سيؤدي إلى «بحر من نار». وبعد ارتفاع حدة التوترات ،يتدخل طرف ثالث، غالبا الصين ،ليقترح تراجع «جميع األطراف» والتزام التهدئة .وبعد ذلك بفترة وجيزة ،يبدأ تقديم التعويضات الجانبية إلى كوريا الشمالية من كوريا الجنوبية أو اليابان أو الواليات المتحدة، مما يؤدي إلى استكمال المفاوضات .بعد شهور من المفاوضات تقبل بيونغ يانغ بتلقي مزيد من المدفوعات في مقابل وعود بالتخلي عن برنامجها النووي .وبعد عدة أشهر ،تنتهك كوريا الشمالية االتفاق ،وتعرب كل من واشنطن وسيول عن صدمتهما ويتعهدان بعدم الوقوع في الخديعة
مجددا .وبعد ذلك ،بعد فترة زمنية معقولة ،تبدأ الدورة مرة أخرى. إذا كانت أسوأ نتيجة لهذه التمثيلية الشعور باإلحباط بعد غلبة واحدة من أفقر الدول وأكثرها عزلة في العالم ،فهذا ما أسفرت عنه األزمات الكورية المتكررة .ولكن على مدار عقود ،أعلن الرؤساء األميركيون أنه «ال يمكن قبول» كوريا الشمالية المسلحة نوويا .وحذروا مرارا وتكرارا بيونغ يانغ من أنها لن تستطيع تصدير أسلحة أو تكنولوجيا نووية دون مواجهة «أخطر العواقب» .على سبيل المثال في عام ،2006ذكر الرئيس جورج دبليو بوش أن «نقل كوريا الشمالية أسلحة أو مواد نووية إلى دول أو منظمات سيعتبر تهديدا خطيرا للواليات المتحدة ،وستخضع كوريا الشمالية للمساءلة الكاملة عن النتائج» .واستمرت حينها كوريا الشمالية في بيع مفاعل منتج للبلوتونيوم إلى سوريا ،والذي لو لم تدمره إسرائيل ،كان سينتج بلوتونيوم يكفي لصناعة أول قنبلة نووية سورية. كان رد فعل واشنطن هو تجاهل الحدث واستكمال المفاوضات بعد مرور ثالثة أسابيع. أحد الدروس المستفادة من أزمة الصواريخ الكورية أنه إذا لم تكن مستعدا للمخاطرة بالحرب، حتى وإن كانت حربا نووية ،يمكن أن يجبرك خصمك الماهر على التراجع في مواجهات متتالية .وإذا كانت لديك خطوط حمراء سيؤدي تخطيها إلى وقوع حرب ،عليك إذن أن تعبر عنها بمصداقية إلى خصمك وأن تدعمها أو أن تغامر بتبديد تهديداتك .كان بيع كوريا الشمالية لقنبلة نووية إلى إرهابيين يمكنهم أن يستخدموها بعد ذلك ضد أهداف أميركية سيؤدي إلى انتقام أميركي مدمر .ولكن بعد تجاوز العديد من الخطوط الحمراء السابقة مع اإلفالت من العقاب ،هل يمكن أن يثق المرء أن مثل هذه الرسالة وصلت على نحو واضح ومقنع؟ هل يمكن أن يتصور زعيم كوريا الشمالية الجديد كيم جونغ أون ،ومستشاروه أنه في إمكانهم اإلفالت بذلك؟
القواعد قد يكون هناك حراك مشابه ظاهر في العالقات االقتصادية األميركية مع الصين .أعلن المرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني أنه «في اليوم األول من فترتي الرئاسية سأعلن (الصين) دولة تتالعب بعملتها وأتخذ إجراءات المكافحة المناسبة» .كان رد الفعل القادم من المؤسسة السياسية واالقتصادية ما يشبه اإلجماع على رفض مثل هذه التصريحات ووصفها بالخطاب المتهور الذي يخاطر بالوقوع في حرب تجارية كارثية. ولكن إذا لم تكن هناك ظروف تستعد فيها واشنطن للمخاطرة بخوض مواجهة تجارية مع الصين، لماذا ال ينزع قادة الصين ببساطة صفحة من كتاب قواعد اللعبة في كوريا الشمالية؟ لم ال يستمرون،
وفقا لتصريحات رومني ،في «التالعب بالواليات المتحدة واالبتسام طوال الطريق إلى البنك» ثم تخفيض قيمة عملتهم ،ودعم المنتجين المحليين وحماية أسواقهم وسرقة حقوق الملكية الفكرية من خالل السرقات اإللكترونية؟ االقتصاد واألمن مجاالن منفصالن ،ولكن الدروس المستفادة من أحدهما يمكن تطبيقها في اآلخر .سيكون التحدي الجغرافي السياسي في النصف التالي من هذا القرن هو إدارة العالقات بين الواليات المتحدة كقوى عظمى حاكمة والصين كقوى عظمى ناشئة .في تحليل أسباب الحرب البيلوبونيسية التي وقعت منذ أكثر من ألفيتين ،قال المؤرخ اإلغريقي ثيوسيديدس إن «تنامي قوة أثينا ،واالنزعاج الذي تسبب فيه ذلك في اسبرطة ،جعل الحرب أمرا حتميا».
يحاول كل رئيس يأتي بعد كنيدي أن يتعلم مما حدث في هذه املواجهة .وفي مفارقة ،بعد مرور نصف قرن ،بعد أن أصبح االحتاد السوفياتي في حد ذاته ذكرى بعيدة ،ما زالت الدروس التي تقدمها األزمة لتستفيد منها السياسات احلالية كبيرة .في الوقت احلاضر ،ميكن أن تساعد هذه األزمة صناع السياسات األميركيني على معرفة ما يجب عليهم فعله وما ال يجب عليهم فعله فيما يتعلق بإيران وكوريا الشمالية والصني واتخاذ القرارات الرئاسية عموما
في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية ،رأى كنيدي أن إقدام خروشوف على المغامرة انتهك ما سماه كنيدي «قواعد الوضع الراهن غير المستقر» في العالقات بين القوتين النوويتين العظميين. وكانت هذه القواعد قد تطورت أثناء أزمات سابقة ،وساعد حل األزمة في كوبا على استعادة هذه القواعد وتعزيزها ،مما سمح بانتهاء الحرب الباردة في هدوء. سيكون على الواليات المتحدة والصين تطوير قواعدهما الخاصة من أجل الهرب من مصيدة ثيوسيديدس .ستحتاج هذه القواعد إلى استيعاب المصالح الرئيسية لكال الطرفين ،وشق طريق بين الصراع والتهدئة .ستكون المبالغة في رد الفعل على تهديدات ملحوظة خطأ ،ولكن من الخطأ أيضا تجاهل أو التستر على إساءة التصرف غير المقبولة أمال في أنها لن تحدث مرة أخرى. في عام ،1996بعد أن اتخذ إقليم التبت عدة خطوات اعتبرتها بكين استفزازية ،أطلقت الصين مجموعة من الصواريخ على تايوان ،مما دفع الواليات المتحدة إلى إرسال مجموعتين مقاتلتين من حامالت الطائرات .وكانت النتيجة النهائية معرفة أوضح للخطوط الحمراء لدى كال الطرفين في قضية تايوان ومنطقة أكثر هدوءا .ربما تحتاج العالقة إلى لحظات توضيحية إضافية من أجل إدارة مرحلة انتقالية غير ثابتة ،حيث ينعكس صعود الصين االقتصادي المستمر ومكانتها الجديدة على توسع القدرات العسكرية وموقف خارجي أكثر قوة.
المعالجة العملية ال يتعلق الدرس األخير المستفاد من األزمة بالسياسات بل بالمعالجة العملية .إذا لم يجد القائد األعلى وقتا كافيا وخصوصية الستيعاب الموقف ودراسة األدلة وبحث خيارات متعددة والتفكير قبل االختيار من بينها ،من المحتمل أن يصدر
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
جون كينيدي قرارات سيئة .في عام ،1962كان من بين األسئلة األولى التي طرحها كنيدي عندما أُخبر باكتشاف الصواريخ هو :كم من الوقت سيمر قبل أن تتسرب هذه المعلومات؟ اعتقد ماكورج باندي ،مستشاره لألمن القومي أن ذلك سيستغرق أسبوعا على أقصى تقدير .وبناء على هذه النصيحة ،استغرق الرئيس ستة أيام في مشاورات سرية ،قام فيها بتغيير رأيه أكثر من مرة .وكما أشار بعد ذلك ،إذا أجبر على اتخاذ قرار في غضون 48ساعة في البداية ،كان سيختار شن ضربة جوية بدال من الحصار البحري ،وهو ما كان سيؤدي إلى نشوب حرب نووية. في واشنطن اليوم ،يعتبر األسبوع الذي أمضاه كنيدي في مشاورات سرية أثرا من عهد مضى. لم تعد فترة بقاء السر قيد الكتمان تحسب باأليام بل بالساعات .تعلم أوباما هذا الدرس القاسي أثناء عامه األول في منصبه ،عندما وجد أن مشاورات اإلدارة حول سياسة أفغانستان تخرج إلى العلن، مما قلص كثيرا من حجم المرونة التي يمكنه من
خاللها اللجوء إلى خيارات غير تقليدية أو حتى دراستها .دفعته هذه التجربة إلى طلب وضع عملية صناعة قرار جديدة فيما يتعلق باألمن القومي يقودها مستشار جديد لألمن القومي .إحدى ثمار مراجعة هذا المنهج هي زيادة إحكام السيطرة على تدفق المعلومات ،وهو ما تحقق عن طريق تضييق غير مسبوق في دائرة صناعة القرار المقربة .سمح هذا األمر باستمرار النقاش حول كيفية التعامل مع اكتشاف مكان أسامة بن الدن ببطء وتعقل ،استمر خالله أكثر الموضوعات إثارة في البيت األبيض قيد الكتمان لمدة خمسة أشهر كاملة ،حتى كشفت عنها اإلدارة ذاتها بعد شن غارة على مخبأ بن الدن في أبوت آباد. يقال إن التاريخ ال يعيد ذاته ،ولكنه يتشابه في بعض األحيان .بعد خمسة عقود ،ما زالت أزمة الصواريخ الكوبية لحظة محورية في تاريخ الحرب الباردة ،ولكنها أيضا مصدر إرشاد إلى كيفية نزع فتيل الصراعات ،وإدارة العالقات بين القوى العظمى ،واتخاذ قرارات سليمة فيما يخص ً عامة. السياسات الخارجية
63
كتب
وفي للنظام بشار ..من حامل األمل الى دكتاتور ّ
سقوط بيت األسد
اعتاد البروفيسور ديفيد ليش الباحث األميركي المختص في شؤون الشرق االوسط، زيارة سوريا بانتظام منذ العام 2004حيث التقى الرئيس بشار االسد وزوجته وكبار المسؤولين ونشر كتابا في العام الالحق هو نتاج لتلك المقابالت عنوانه« :أسد سوريا الجديد :بشار وسوريا الحديثة» ..عن جامعة ييل في الواليات المتحدة االميركية.
الكتاب :سوريا :سقوط بيت األسد املؤلف :ديفيد ليش الناشر :منشورات جامعة ييل 2012 بقلم :غالية قباني بسبب تلك المقابالت التي تحولت الحقا الى عالقة وطيدة اعتبر الباحث أنه عرف االسد اكثر من اي شخص آخر في الغرب .اال أنه فوجئ بردة فعله العنيفة عندما لجأ الى االسلوب الدموي لمواجهة االنتفاضة وواجه المتظاهرين بالجيش. كيف يمكن ألكاديمي مختص بشؤون سوريا واعتبر نفسه من القلة الغربية القليلة التي اقتربت من بشار االسد قبل سنوات ورأى فيه «األمل» في قيادة بالده نحو الديمقراطية ،ان يؤلف كتابا اآلن عن حكمه اآليل الى السقوط بسبب انتفاضة شعبه ضده وقسوة رده على ذلك الفعل؟ هذا ما يرد الى الذهن عند البدء بقراءة كتاب «سوريا :سقوط بيت األسد» ،وكيف أوصل الرئيس السوري حتى أصدقاءه الى انتقاده وتبرير عالقتهم به بعد تبشيرهم به. في كتاب «ديفيد ليش» الكثير من النعي لألمل والتبرير ألخطاء تنسب الى النظام الذي حبكه االسد األب مع حزب البعث ،وكان اإلبن والرئيس الحالي مجرد ضحية له.
توريث التسلط من وراثة الحكم يبدأ كل شيء ،من األب المؤسس اوال ،عندما برز حافظ االسد الى واجهة المشهد السياسي من خالل انقالب حزب البعث عام ،1966سيطر على السلطة عام 1970بعد ان تدرج من آمر للقوى الجوية الى وزير للدفاع. ورغم ان وضع العلويين في السلطة في تلك الفترة
64
كان جيدا عموما ،إال ان االسد منحهم مراكز قوى اكبر في الجيش واألمن ،وكذلك فعل بشار بعد استالمه الحكم ،ما يعني ان العلويين ،كما يقول الباحث ،ليسوا على استعداد اآلن للتخلي عن سلطة بنوها طويال لحكم هذا البلد. لقد ورث بشار عن أبيه دولة تسلطية أساسها «أجهزة المخابرات» والن البالد شهدت انقالبات شديدة في السنوات السابقة تقبل العديد من السوريين الصفقة «الفاوستية» التي تقوم على شرط االستقرار مقابل حرية اقل .لكن صفقة الحريات االقل على ما يبدو كانت ال تتجاوز الجلوس على المقاهي أو البارات ،بوجود كتبة مخبرين بالطبع ،والحديث بتنظيرات ال عالقة لها بالواقع ،وحرية ان تتاجر بأموالك بشرط مشاركة افراد من النظام بها والحصول على نسبة منها من دون بذل اي جهد ،الخ من حريات منقوصة ال تمنح عادة للمواطنين الكاملي االهلية. في خطاب القسم في أيلول /تموز 2000أوحى بشار االسد من خالل خطاب القسم أنه سيقود البالد في اتجاه جديد تماما الحتوائه على افكار حديثة وانتقاده لبعض المظاهر السلبية في عهد والده ،مثل الفساد ،حتى انه جلب اعضاء من جمعية الكمبيوتر التي أنشأها قبل توليه السلطة ليستلموا عدة وزارات في حكومته ،وطلب منهم تحديث االدارة وحل المشاكل االقتصادية ،لكنهم في النهاية كانوا تكنوقراط ولم يكونوا مصلحيين
ديمقراطيين ،كانوا جزءا من النظام الموجود الذي جلبهم ومنحهم االمتيازات ولم يكن من المتوقع ان ينقلبوا عليه. على المستوى االقتصادي ،كانت سوريا في ذيل قائمة الدول من حيث دخل الفرد ،ووصفت ببلد الطبقة المتوسطة الدنيا .لقد فتح األب واالبن االقتصاد السوري عدة مرات وبحدود، فالمستفيدون كانوا دوما ليس مجمل الشعب ،بل المرتبطين بالنظام ،عائليا ،سياسيا وعلى مستوى رجال االعمال الذين مدوا خيوطا معه. لقد كان تقييم االدارة االميركية وكثير من الالعبين الدوليين حتى عام ،2005ان أداء بشار كان محبطا وأنه ضعيف وساذج ،واعتقد كثيرون ان بشرى شقيقته الكبرى ذات الشخصية المهيمنة هي التي يجب ان تكون قائد سوريا او زوجته أسماء .اال ان المؤلف المتعاطف مع صورة بشار كان رايه ان بشار يشبه «مايكل» في فيلم «العراب» ،االخ الذي لم يُع ّد في األساس لتسلم اعمال عائلة المافيا التي ينتمي اليها( .نحن هنا أمام صورة الضحية مرة أخرى). أعجب ديفيد ليش مثل العديد من زمالئه في الغرب بمواصفات جديدة لدكتاتور من الشرق، وطالبوا بمنحه الفرصة ليقدم أدا ًء مختلفا عن األجيال السابقة في المنطقة بمن فيهم والده نفسه، فالدكتاتور هذه المرة «شاب ،متعلم في الغرب، يرتاد األماكن العامة مع زوجته وأسرته ويقود سيارته بنفسه ويريد ان ينتقل بالبالد الى مرحلة الحداثة».
انها صورة متخيلة مأخوذة من أفالم هوليوود وليست من الواقع ،صورة بنيت من تصريحاته ولقاءاته التي تم العديد منها من خالل شركات عالقات عامة غربية ،فال عجب اذن ان يصدم «المتأملين به خيرا» بالحقيقة الغائبة عندما تبدى المصلح الشاب عن طاغية يلجأ الى الجيش ليقمع شعبه. ان الخلفية التي يسردها الباحث في هذا الكتاب عن النظام المحكم الذي صاغه االب من تنظيمات امنية وفساد سياسي اقتصادي ،ال تقود الى تنشئة إبن منفتح على الديمقراطية والحريات العامة، ولن تمحو تلك التربية اقامة سنة ونصف السنة في العاصمة البريطانية للتخصص فيها كطبيب عيون لم يكملها بعد أن طلب إليه العودة سريعا بعد وفاة اخيه ،مع التذكير أن «الغرب» كان دوما تهمة يصف بها النظام المعارضة السورية التي نفيت من سوريا طوعا او إجبارا. تصادم بشار االسد مع إدارة بوش االبن ورأى بعض السياسيين واالكاديميين انه «ضحية» لتقييمات تلك االدارة .وانقسم المستشارون فيها حول إزالته او دعمه ،خصوصا بعد الحرب على العراق عام .2003اال ان تعاونا أمنيا وعسكريا محدودا شفع له عندها عام ،2008عندما شهدت الحدود تراجعا في عدد «المجاهدين» من سوريا واعتقال النظام البعض منهم ،مما ع ّد نية حسنة حيال الواليات المتحدة. لقد نسى المهللون ان تشجيع هؤالء المجاهدين، ال بل إعدادهم العلني كان محليا أيضا ،خصوصا في الشمال السوري بين ادلب وحلب وهو كان أمرا معروفاً للجميع ،كذلك تسهيل مرور القاعدة والمجاهدين العرب الى العراق.
الثقة بالنفس على مر السنوات حقق بشار االسد ثقة في النفس كما يقول الباحث ليش الذي التقاه عام 2004ولم ير فيه سمات الدكتاتور(!) ..فللوهلة االولى من اللقاء ال يبدو شخصية آمرة ،وحديثه رقيق ،وهو اجتماعي وضحكته طفولية لكن ال يبدو أنه واثق بنفسه كثيرا .اما بعد عام 2005وقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري والمحكمة
التي انشئت من أجلها ،بات دائم الغضب ومتوترا. اال ان حدثين مهمين أعادا إليه الثقة :االول المواجهة االسرائيلية مع حزب اهلل في لبنان عام 2006وما ترتب عليها من شعبية حصل عليها حزب اهلل وزعيمه ،ونال االسد حصة من الشعبية بالتبعية بسبب دعمه لحزب اهلل. أما العنصر الثاني فهو إعادة انتخابه في االستفتاء على والية ثانية عام 2007وتحلق المؤيدين حوله ،لقد أثر فيه كثيرا تجديد البيعة ،فهو اآلن ليس وريثا لحافظ األسد بل مختارا من الشعب. (سهى المؤلف عن االشارة الى ان احدا لم يجرؤ على الترشح امام األسد ،األب واإلبن معا). تدريجيا ،أصبح بشار االسد أكثر تجبرا في سلوكه .وراح يردد وجهات نظر المسؤولين األمنيين الذين كانوا يدبرون المؤامرات والمكائد في كل مكان .يقول ليش« :لقد تشبع بالحقيقة البديلة التي كانت تنسج من حوله ،ونتيجة لذلك أخطأ األسد في قراءة رسالة الربيع العربي وظن أن الثورة السورية صنيعة متآمرين من الخارج، وأنه يقف وحيدا كضامن لخالص سوريا». في الحقيقة لطالما اعتقد بشار -مستمدا ثقافة البعث -أنه يقاتل ضد اإلمبرياليين وأنه الممانع الوحيد المتبقي في الشرق المدافع عن فلسطين والعروبة ،وأن معارضيه من الخونة .لقد كان قاسيا مع معارضين داخليين منذ عريضة الـ99 خريف عام 2000التي وقعها ناشطون من المجتمع المدني ،كتاباً واكاديميين ومثقفين ،كذلك عريضة األلف توقيع شتاء 2001التي حملت اسماء مثقفين وناشطين غالبيتهم غير مرتبط بأي حزب ،وطالبوا فيها بإصالحات سياسية واقتصادية. لم يحتمل النظام حتى المنتديات الفكرية التي انتشرت في البالد وكانت النتيجة اعتقال بعض المتحدثين ،أبرزهم الدكتورعارف دليلة االكاديمي واالقتصادي البارز المعروف عالميا الذي اعتقل بعد محاضرة عامة بسبب انتقاده هيمنة النظام على موارد الدولة وسوء أداء اقتصاد البالد .إال انه انتهى الى السجن االنفرادي ألكثر من عشرة اعوام .كل هؤالء لم يرتبطوا بحكومات أجنبية ولم يحملوا السالح وما أرادوه فقط «االصالحات
الدستورية» التي تم االستهانة بها ومعاقبة من رفع شعارها. أدى تجاهل تلك المطالب الخجولة بل وقمعها الى اندالع الثورة التي استبعدها الرئيس بشار في مقابلته مع صحيفة «وول ستريت جورنال» بداية عام ،2011بحجة أن الربيع العربي لن يطال سوريا الممانعة .إال انها فعليا اندلعت على عكس توقعات الرئيس ونظامه ،ومن مدينة درعا (المنطقة التقليدية لمساندة حزب البعث تاريخيا)، فقد توفرت فيها كل المقومات التي يمكن ان تربك الحكومة :فقر ،اقتصاد فاشل ،محافظ فاسد ،تزايد كبير في عدد السكان ،وكل ما يمكن ان يطلق غضب الجيل الصاعد المحروم والمضطهد وهو يرى الى شعوب اخرى تتحرك وتطالب بحرياتها.
تبدد األمل أين ذهبت آمال من عرفه ولماذا وضعوا توقعاتهم في هذا الشاب القادم الى عالم السياسة بسبب صدفة قدرية بحتة سببها وفاة شقيقه باسل في حادث سيارة وهو الذي يعد لخالفة والده او وراثة الحكم؟ في كتابه األول« :أسد سوريا الجديد :بشار وسوريا الحديثة» قال البروفيسور ديفيد ليش ان بشار ليس بحاجة ألن يستنسخ روح والده بحلة حديثة .اذا فعل سيكون مجرد أسد جديد ،وهذا ما «ال تحتاجه سوريا في الحقيقة». ويرى أن بشار كانت لديه النية لالصالح ،حتى تفاجأ بأن هناك مصالح تكرست وطرق حكم تكرست ال يمكن تغييرها بسهولة .السياسة في سوريا هي حياة او موت ،وبعد سنوات على كتابه األول يتوصل بروفسور ليش الى ان كل ما يمكن لبشار عمله هو «تغييرات تجميلية» وعمل اصالحات في المجاالت التي ال تهدد مصالح الطبقة المهيمنة على البالد. لقد أنجز االسد االب عمله بصورة محكمة فأسس لنظام قوي بالوالءات العائلية والعشائرية والطائفية ،لكن ال اكثر .لذا فإن االبن بعد االنتفاضة ،ما عاد هو الطبيب الشاب المتعلم في الغرب ،بل مجرد ذلك االبن لثقافة الصراع العربي االسرائيلي ،لفترة الحرب الباردة ،ولكونه ابن حافظ األسد.
آلة القمع باالرقام
. ..
يعتقد ان هناك ما بين 7000-5000موظف يعملون في المخابرات بدوام كامل باالضافة الى مئات االالف بدوام جزئي.. في العام 2011كان هناك عنصر أمن لكل 240مواطن. تقول التقديرات ان ميزانية المخابرات تتجاوز 3مليارات دوالر سنويا ،اي ما يعادل ثلث ميزانية الشؤون العسكرية. هناك خمسة عشر فرعا أمنيا تشكل جهاز «المخابرات» .أهم تلك االجهزة هي :المخابرات الجوية ،المخابرات العسكرية، المخابرات العامة :وتضم فرع فلسطين ،واألمن السياسي.
العدد . 1576أكتوبر /تشرين األول 2012
65
الكلمة األخيرة
خلط خطير.. غ َيّب دقّة التعبير رغم أن أساس عمل المؤسسات اإلعالمية في الغرب يحرص، في األغلب ،على الموضوعية ،فقد حصل تسرع خالل األيام األولى للتعامل مع ردود الفعل على ما ُو ِصف بفيلم "براءة المسلمين" ،نتج عنه خلط في المسميات وتغييب للدقة. بكر عويضه بين ما قالت العرب ،مما ذهب ً مثال ،أن «كلمة تحنّن وأخرى تجنّن» .الفرق واضح والمعنى. وضع نقطة على حرف يذهب بالكالم نحو طرق ُ شتى .ثمة ما يقترب من القول ذاته باإلنكليزية: Mind Your Language اعقل لغتك ،إذا أردت ترجمة حرفية .أو :تمعّن معنى الكالم قبل أن تلفظه .أو :انتبه لما تقول. تتباين الترجمات ،إنما المقصد واحد. مهم جداً كيف وأين يجري استخدام تعبير ما في وصف حالة ما ،إن في مجالس الخاصة ،ندوات النقاش ،أو للمأل عموما ،عبر اإلعالم .األخيرة هذه هي األخطر. ما أن اندلعت االحتجاجات المحاصرة لسفارة واشنطن بالقاهرة ،وتبعها الهجوم على القنصلية األميركية في بنغازي (الثالثاء 11ـ 09ـ )2012انطلقت محطات إذاعة وتلفزيون عالمية تعلم جماهيرها أن المشكلة انفجرت بسبب «فيلم أميركي» An American Filmأو انه فيلم للواليات المتحدة A USA Film وجدت نفسي أردد ،وليس في األمر ما يحتاج كثير عناء ،لكنه ليس فيلما أميركيا ،وكيف يُعطى شبه فيلم كهذا ،جنسية الواليات المتحدة بما يعطي اإلحساس أن تكلفة انتاجه ،توزيعه ،وبثه ،كلها خرجت من الميزانية الفيدرالية ،التي هي موضع أزمات قلما تتوقف بين شيوخ الكونغرس ،من أية أغلبية كانوا ،وسيد البيت األبيض ،ديمقراطيا أو جمهورياً. إن لم أخطئ الحساب ،مضت األيام الخمسة األولى من اشتعال نار فيلم المدعو نيقوال باسيلي ،رغم انه
66
راح ينكر أية صلة به ،فيما نسبته الى أميركا تتردد عبر التلفزيون واإلذاعات ،هنا في لندن ،وال أدري عن اإلعالم العربي. أمس فقط (الجمعة )21بعد متابعة مقتل أكثر من خمسة عشر باكستانيا في مواجهات بدت معها كراتشي وإسالم اباد وكأنها ساحات حرب ،بدأت أسمع التعبير األصح: An Amateur film that was produced in the USA نعم ،ذاك هو الوصف األدق ،وربما لو انه من األصل كان في الحسبان ،لما اضطرت اإلدارة لبذل كل ذلك الجهد في وضع مسافة بينها ،بل بين أميركا كلها ،وبين انتاج فيلم سيىء ،بل بالغ السوء ً فضال عن الضحالة من حيث المستوى الفني، والجهالة ،ويسيء الى نبي المسلمين فيؤذي مشاعرهم ،ويستفزز غضبهم. صحيح أن العالم العربي يعج بالتباين والخلط في أوصاف وتعابير إعالمية -وربما التعبير الذي يعتبر أن «الفيلم أميركي» جرى إطالقه عبر إعالم عربي ً أوال -فقد اعتاد ِمهنيون يتابعون ّ فضائيات العرب وإذاعاتهم ،وجل صحافتهم ،على انتقاد تسييس أو تديين المفردات والتعابير ،بما يخدم أجندة هذه الفضائية أو تلك .ومعروف ان الجدل في هذا الشأن قديم ومتواصل. إنما في حالة ذاك الفيلم غير البريء ،المسمى «براءة المسلمين» ،وجدتني أتساءل :كيف يحصل مثل هذا الخلط ،هنا في الغرب ،وهل تفوت على عقول ونباهة من يحررون األخبار التي هي بمثل هذه الخطورة ،خصوصا بمنابر إعالم عالمية
يشاهدها ،أو يستمع إليها ،ماليين الناس ،أهمية التنبه لما يُستخدم من تعابير؟ الواقع انه كثيراً ما وقع ،واألرجح سيقع ،بعض إعالم الغرب في خطأ خلط حابل بعض الحقائق بنابل تعميم ليس مفهوماً بالضبط ما الهدف منه. على سبيل المثال ،خذ جريمة 11سبتمبر ،2001 التي نهار ذكراها الحادية عشرة جرت جريمة بنغازي ،فقط للتذكير بكم الخلط الذي حصل بين حقيقة ان خمسة عشر من اإلرهابيين كانوا يحملون الجنسية السعودية ،وبين تجهيل راح يستخدم هذه الحقيقة للنيل من السعودية ككل ،ديناَ ،تعليماً، ونمط معيشة. ولو شئت يمكنك استحضار من أمثلة الخلط حاالت كثيرة ،إن بتاريخ قريب أو بعيد ،سواء بخصوص أحداث كبيرة أو مجريات ليست بذات قيمة .هل يعني هذا أن الخلط مقصود لذاته؟ ليس في كل الحاالت .لعل بين بعض الخلط ما هو نتيجة تقصير في البحث ،أو نتيجة تسرع ،وربما بسبب تكاسل .هذا كله ال يلغي حقيقة أن أساس عمل مؤسسات الغرب اإلعالمية واألكاديمية ،يقوم على الموضوعية التامة ،والتفريق الواضح بين الخاص وبين العام ،ما هو ذاتي وما هو مجتمعي. يبقى مطلوباً ،دائماً ،التفريق بين تعبير وآخر ،ليس بغرض المجاملة ،وإنما من أجل أال يورد الدفاع عن الحقيقة ،أو الحرية ،من يحملون مشاعل األولى أو الثانية ،أو كلتيهما معا ،موارد الهالك. • لندن ،السبت 22سبتمبر 2012