02_

Page 1

‫حممد الرميحي‪ :‬خلط ال�سيا�سي بالديني وتخلي�س املق ّد�س من املد ّن�س‬ ‫مهدي خلجي‪ :‬اإيران و�سيا�سة خلق الأزمات‪ ..‬من �سدام اإىل ب�سار‬ ‫مجلة العرب الدولية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫هادي الأمني‪ :‬حمدثات اله�سا�سة‪ ..‬ما الذي يجعل لبنان دولة ّ‬ ‫ه�سة؟‬

‫العدد ‪ ،1576‬أكتوبر‪ -‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫ورقة الأقليات‪..‬‬ ‫«الت�سبيح»‪..‬‬ ‫و ت�سييع الوقت‬

‫م�ستقبل‬ ‫العلويني‬ ‫يف �سوريا‬ ‫للحصول على العدد‬ ‫استخدم هاتفك الذكي‬ ‫ملسح هذا الرمز‬ ‫‪10‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬ ‫‪Issue 1576‬‬

‫‪The Majalla‬‬

‫ّسرية‬ ‫ملفات الـ«�سي اآي اإيه » ال�‬ ‫وثائق‪ :‬حافظ الأ�سد يفّ‬ ‫العلوية‪ ..‬طريقة �سوفية اأم �سيعة جعفرية!‬ ‫درا�سات‪ّ :‬‬


AN A MER ICAN EDUCATION A BR ITISH SETTING A GLOBAL FUTUR E A Since the 1970’s Richmond has been educating leading Middle Eastern families. Richmond’s unique style of personalised higher education ensures that students leave us with a dually accredited degree, that is recognised in the UK, the USA and worldwide.

45

+44 20 8133 2877 • enroll@richmond.ac.uk Visit www.richmond.ac.uk/al-majalla 2012 ‫ يناير‬،1569 ‫العدد‬ today to download our catalog and viewbook.


‫أسسها سنة ‪1987‬‬

‫‪1987‬عبد العزيز‬ ‫سلمان بن‬ ‫األمير أحمد بن‬ ‫أسسها سنة‬ ‫‪1987‬‬ ‫سنة‬ ‫أسسها‬ ‫‪1987‬عبد العزيز‬ ‫سلمان بن‬ ‫األمير أحمد بن‬ ‫أسسها سنة‬ ‫عبدالعزيز‬ ‫سلمانبنبنعبد‬ ‫بن سلمان‬ ‫أحمد بن‬ ‫األمير أحمد‬ ‫العزيز‬ ‫األمير‬ ‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬ ‫أسسها هشام ومحمد علي حافظ‬ ‫التنفيذي‬ ‫علي حافظ‬ ‫الرئيسومحمد‬ ‫أسسها هشام‬

‫علي حافظ‬ ‫ومحمد‬ ‫هشام‬ ‫أسسها‬ ‫الدخيل‬ ‫الرئيسعزام‬ ‫الدكتور‬ ‫التنفيذي‬ ‫التنفيذي‬ ‫الرئيس‬ ‫الدخيل‬ ‫عزام‬ ‫الدكتور‬ ‫‪Azzam‬‬ ‫‪Al-Dakhil‬‬ ‫التنفيذي‬ ‫التحرير‬ ‫رئيس‬ ‫الدخيل‬ ‫الرئيسعزام‬ ‫الدكتور‬ ‫الدخيل‬ ‫عزام‬ ‫الدكتور‬ ‫الطريفي‬ ‫رئيسزيد‬ ‫عادل بن‬ ‫التحرير‬ ‫رئيسزيدالتحرير‬ ‫الطريفي‬ ‫عادل بن‬ ‫التحرير‬ ‫مدير‬ ‫التحرير‬ ‫الطريفي‬ ‫رئيسزيد‬ ‫عادل بن‬ ‫‪Adel‬‬ ‫‪Al-Toraifi‬‬ ‫سنيقرة‬ ‫الطريفي‬ ‫عزالدينزيد‬ ‫عادل بن‬ ‫التحرير‬ ‫مدير‬ ‫عزالدينالتحرير‬ ‫مدير‬ ‫سنيقرة‬ ‫للمشاركة‬ ‫سنيقرة‬ ‫عزالدين‬ ‫التحرير‬ ‫مدير‬

‫اإللكتروني ‪editorial@majalla.com‬‬ ‫البريد‬ ‫إلرسال مقاالت أو آراء يرجى المراسلة على‬ ‫للمشاركة‬ ‫سنيقرة‬ ‫عزالدين‬ ‫‪Azeddine‬‬ ‫‪Senegri‬‬ ‫على ‪ 800‬كلمة‬ ‫للمشاركة تزيد‬ ‫البريد أال‬ ‫على يجب‬ ‫المقاالت‬ ‫يرجىجميع‬ ‫ملحوظة‪:‬‬ ‫‪editorial@majalla.com‬‬ ‫اإللكتروني‬ ‫المراسلة‬ ‫إلرسال مقاالت أو آراء‬ ‫‪editorial@majalla.com‬‬ ‫اإللكتروني‬ ‫المراسلة‬ ‫إلرسال مقاالت أو آراء‬ ‫على ‪ 800‬كلمة‬ ‫للمشاركةتزيد‬ ‫البريد أال‬ ‫على يجب‬ ‫المقاالت‬ ‫يرجىجميع‬ ‫ملحوظة‪:‬‬ ‫اشتراكات‬ ‫اإللكتروني ‪ 800‬كلمة‬ ‫أال تزيد على‬ ‫علىيجب‬ ‫المقاالت‬ ‫يرجىجميع‬ ‫ملحوظة‪:‬‬ ‫‪editorial@majalla.com‬‬ ‫البريد‬ ‫المراسلة‬ ‫إلرسال مقاالت أو آراء‬ ‫بـ‪subscriptions@majalla.com :‬‬ ‫لالشتراك في الطبعة الرقمية‪ ،‬يرجى االتصال‬ ‫اشتراكاتأال تزيد على ‪ 800‬كلمة‬ ‫ملحوظة‪ :‬جميع المقاالت يجب‬ ‫‪www.issuu.com/majalla‬‬ ‫االلكترونية‪:‬‬ ‫لالشتراك في‬ ‫اشتراكات‬ ‫‪subscriptions@majalla.com‬‬ ‫بـ‪:‬‬ ‫االتصال‬ ‫الرقمية‪ ،‬يرجى‬ ‫لالشتراك في الطبعة‬ ‫‪subscriptions@majalla.com‬‬ ‫االتصال بـ‪:‬‬ ‫الرقمية‪ ،‬يرجى‬ ‫لالشتراك في الطبعة‬ ‫‪www.issuu.com/majalla‬‬ ‫االلكترونية‪:‬‬ ‫لالشتراك في‬ ‫اشتراكات‬ ‫لالشتراك في االلكترونية‪ :‬تنويه‬ ‫‪www.issuu.com/majalla‬‬ ‫‪subscriptions@majalla.com‬‬ ‫بـ‪:‬‬ ‫االتصال‬ ‫يرجى‬ ‫الرقمية‪،‬‬ ‫لالشتراك في الطبعة‬ ‫بالضرورة عن رأي إدارة التحرير‬ ‫اآلراء الواردة في المجلة ال تعبرتنويه‬

‫لالشتراك في االلكترونية‪www.issuu.com/majalla :‬‬

‫اآلراء الواردة في المجلة ال تعبرتنويه‬ ‫بالضرورة عن رأي إدارة التحرير‬ ‫التحريريجوز بأي حال من األحوال إعادة طباعة المجلة أو أي جزء منها‬ ‫محدودة‪ .‬وال‬ ‫المتحدة)عنشركة‬ ‫(المملكة‬ ‫السعودية‬ ‫رأي إدارة‬ ‫بالضرورة‬ ‫والتسويقتعبر‬ ‫لألبحاث المجلة ال‬ ‫الواردة في‬ ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة المجلة ‪ 2009‬التي تصدر عن الشركة اآلراء‬ ‫تنويه‬ ‫والتسويق‬ ‫لألبحاث‬ ‫السعودية‬ ‫مسبق من‬ ‫الحصول‬ ‫شابه دون‬ ‫أو ما‬ ‫تسجيلها‬ ‫تصويرها أو‬ ‫آلية أو‬ ‫إلكترونية أو‬ ‫وسيلة‬ ‫أو أي‬ ‫استرجاعي أو‬ ‫نظام‬ ‫النشر في أي‬ ‫تخزينها‬ ‫أو‬ ‫منها‬ ‫أي جزء‬ ‫المجلة أو‬ ‫الشركةطباعة‬ ‫األحوال إعادة‬ ‫تصريحمن‬ ‫علىبأي حال‬ ‫يجوز‬ ‫محدودة‪ .‬وال‬ ‫شركة‬ ‫المتحدة)‬ ‫(المملكة‬ ‫والتسويق‬ ‫لألبحاث‬ ‫السعودية‬ ‫الشركة‬ ‫صورةعن‬ ‫بأيتصدر‬ ‫نقلهاالتي‬ ‫‪2009‬‬ ‫لمجلة المجلة‬ ‫محفوظة‬ ‫حقوق‬ ‫التحرير‬ ‫إدارة‬ ‫رأي‬ ‫عن‬ ‫بالضرورة‬ ‫المجلة ال‬ ‫أوفي‬ ‫الواردة‬ ‫اآلراء‬ ‫زيارة‬ ‫يرجى‬ ‫الرقمي‪،‬‬ ‫االشتراك‬ ‫استفسارات‬ ‫شهرياً‪.‬‬ ‫المجلة‬ ‫وتصدر‬ ‫محدودة)‪.‬‬ ‫(شركة‬ ‫منها‬ ‫أي جزء‬ ‫المجلة أو‬ ‫الشركةطباعة‬ ‫األحوال إعادة‬ ‫تصريحمن‬ ‫علىبأي حال‬ ‫يجوز‬ ‫وال‬ ‫محدودة‪.‬‬ ‫شركة‬ ‫المتحدة)‬ ‫(المملكة‬ ‫والتسويق‬ ‫لألبحاث‬ ‫السعودية‬ ‫الشركة‬ ‫صورةعن‬ ‫بأيتصدر‬ ‫نقلهاالتي‬ ‫‪2009‬‬ ‫لمجلة المجلة‬ ‫محفوظة‬ ‫حقوق‬ ‫والتسويق‬ ‫لألبحاث‬ ‫السعودية‬ ‫‪ www.majalla.com‬من‬ ‫مسبق‬ ‫الحصول‬ ‫دون‬ ‫شابه‬ ‫أو ما‬ ‫تسجيلها‬ ‫تعبرأو‬ ‫تصويرها‬ ‫لتلقيأو‬ ‫آلية‬ ‫إلكترونية‬ ‫وسيلة‬ ‫أو أي‬ ‫استرجاعي أو‬ ‫نظام‬ ‫النشر في أي‬ ‫تخزينها‬ ‫أو‬ ‫‪ www.majalla.com‬من الشركة السعودية لألبحاث والتسويق‬ ‫الحصول على تصريح مسبق‬ ‫شابه‬ ‫تسجيلها أو ما‬ ‫لتلقيأو تصويرها‬ ‫أو آلية‬ ‫إلكترونية‬ ‫أو أي‬ ‫بأي صورة‬ ‫أو تخزينها في أي نظام استرجاعي أو نقلها‬ ‫دونزيارة‬ ‫يرجى‬ ‫الرقمي‪،‬‬ ‫استفساراتأواالشتراك‬ ‫شهرياً‪.‬‬ ‫وسيلةالمجلة‬ ‫وتصدر‬ ‫محدودة)‪.‬‬ ‫(شركة‬ ‫‪- September‬‬ ‫‪Issue‬‬ ‫منها‬ ‫‪1575‬أي جزء‬ ‫المجلة أو‬ ‫‪2012‬األحوال إعادة طباعة‬ ‫زيارةوال يجوز بأي حال من‬ ‫محدودة‪.‬‬ ‫شركة‬ ‫المتحدة)‬ ‫(المملكة‬ ‫والتسويق‬ ‫محدودة)‪.‬الشركة‬ ‫‪ 2012‬عن‬ ‫تصدر‬ ‫التي‬ ‫‪2009‬‬ ‫لمجلة المجلة‬ ‫محفوظة‬ ‫ايلول‬ ‫سبتمبر ‪-‬‬ ‫‪1575‬‬ ‫حقوق النشرالعدد‬ ‫‪www.majalla.com‬‬ ‫يرجى‬ ‫الرقمي‪،‬‬ ‫االشتراك‬ ‫استفسارات‬ ‫لألبحاثلتلقي‬ ‫السعوديةشهرياً‪.‬‬ ‫وتصدر المجلة‬ ‫(شركة‬ ‫والتسويق‬ ‫مسبق من الشركة‬ ‫صورة أو أي وسيلة إلكترونية أو آلية أو تصويرها أو تسجيلها أو ما شابه دون الحصول على تصريح‬ ‫أو نقلها‬ ‫‪1575‬استرجاعي‬ ‫أي نظام‬ ‫أو تخزينها في‬ ‫السعودية ‪1575‬‬ ‫‪- September‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫لألبحاث‪Issue‬‬ ‫ايلولبأي‪2012‬‬ ‫سبتمبر ‪-‬‬ ‫العدد‬

‫‪HH‬‬ ‫‪Saudi1575‬‬ ‫‪Research‬‬ ‫‪and Marketing‬‬ ‫‪)UK( Ltd‬‬ ‫‪www.majalla.com‬‬ ‫التخصصىالمجلة شهرياً‪ .‬لتلقي استفسارات االشتراك الرقمي‪ ،‬يرجى زيارة‬ ‫محدودة)‪ .‬وتصدر‬ ‫‪- September‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪Issue‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫المؤتمرات ‪-‬ايلول‬ ‫سبتمبر ‪-‬‬ ‫تقاطع‬ ‫(شركةمكة ‪-‬‬ ‫طريق‬ ‫‪ -1575‬حي‬ ‫مرخص لها العدد الرياض‬ ‫‪Arab Press‬‬ ‫‪House,Research‬‬ ‫‪184 Highand‬‬ ‫‪Holborn,‬‬ ‫‪London‬‬ ‫‪HH Saudi‬‬ ‫‪Marketing‬‬ ‫‪)UK(WC1V‬‬ ‫‪Ltd 7AP‬‬ ‫‪A Monthly Political News Magazine‬‬ ‫‪+44‬‬ ‫‪207 831‬‬ ‫‪8181‬‬ ‫‪- 4419933‬‬ ‫التخصصى‬ ‫تقاطع‬ ‫لندن‪:‬مكة ‪-‬‬ ‫طريق‬ ‫هاتفالمؤتمرات ‪-‬‬ ‫الرياض‪ -:‬حي‬ ‫الرياض‬ ‫مرخص لها‬ ‫‪Tel:‬‬ ‫‪207Research‬‬ ‫‪8181‬‬ ‫‪-Holborn,‬‬ ‫‪Fax:‬‬ ‫‪+44London‬‬ ‫‪207‬‬ ‫‪831‬‬ ‫‪2310 7AP‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫طريقاألول‬ ‫تشرين‬ ‫‪،1576‬‬ ‫‪HH+44‬‬ ‫‪Saudi‬‬ ‫‪Marketing‬‬ ‫(‪)UK‬‬ ‫‪Ltd‬‬ ‫‪Arab‬‬ ‫‪Press‬‬ ‫‪House,‬‬ ‫‪184‬‬ ‫‪Highand‬‬ ‫‪WC1V‬‬ ‫‪1575‬‬ ‫‪-October‬‬ ‫‪September‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪Issue‬‬ ‫‪Issue‬‬ ‫‪1576‬‬ ‫‪-831‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫أكتوبر‪--‬‬ ‫سبتمبر‬ ‫العدد‪1575‬‬ ‫مرخص لهاالعدد‬ ‫‪www.majalla.com/eng‬‬ ‫‪A Monthly‬‬ ‫‪Political News Magazine‬‬ ‫التخصصى‬ ‫تقاطع‬ ‫لندن‪:‬مكة ‪-‬‬ ‫المؤتمرات ‪-‬‬ ‫الرياض‪ -:‬حي‬ ‫الرياض‬ ‫‪+44‬‬ ‫‪207 831‬‬ ‫‪8181‬‬ ‫ايلول‪-‬‬ ‫‪4419933‬‬ ‫هاتف‬ ‫‪Arab Tel:‬‬ ‫‪Press+44‬‬ ‫‪House,‬‬ ‫‪1848181‬‬ ‫‪High-Holborn,‬‬ ‫‪WC1V‬‬ ‫‪207 831‬‬ ‫‪Fax: +44London‬‬ ‫‪207 831‬‬ ‫‪2310 7AP‬‬ ‫‪A Monthly‬‬ ‫‪Political News Magazine‬‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 4419933‬لندن‪+44 207 831 8181 :‬‬ ‫‪www.majalla.com/eng‬‬ ‫‪+44Research‬‬ ‫‪207 831 8181‬‬ ‫(‪- Fax: +44 )UK‬‬ ‫‪207 831‬‬ ‫موقع إلكتروني‪ ،www.alkhaleejiah.com :‬بريد إلكتروني‪:‬‬ ‫‪HHTel:‬‬ ‫‪Saudi‬‬ ‫‪and Marketing‬‬ ‫‪Ltd2310 hq@alkhaleejiah.com‬‬ ‫‪www.majalla.com/eng‬‬ ‫الوكيل اإلعالني الرياض ‪ -‬حي المؤتمرات ‪ -‬طريق مكة ‪ -‬تقاطع التخصصى‬ ‫مرخص لها‬ ‫‪+966‬‬ ‫‪1 441 184‬‬ ‫‪1444High‬‬ ‫‪Holborn,‬الدول ‪:‬‬ ‫‪London‬ومن مختلف‬ ‫‪، +44 207‬‬ ‫‪404 6950‬‬ ‫‪hq@alkhaleejiah.com‬لندن‪:‬‬ ‫باريس‪، +331 537 764 00:‬‬ ‫بريد‪،+9714‬‬ ‫‪3 914440‬‬ ‫المملكة ‪ ،920 000 417 :‬دبي‪:‬‬ ‫موقعداخل‬ ‫من‬ ‫‪Arab Press‬‬ ‫‪House,‬‬ ‫‪WC1V‬‬ ‫‪7AP‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫‪،www.alkhaleejiah.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫‪A Monthly‬‬ ‫‪Political‬‬ ‫‪Magazine‬‬ ‫‪+44 207‬‬ ‫‪831 8181‬‬ ‫الوكيل اإلعالني الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 4419933‬لندن‪:‬‬ ‫‪The leading‬‬ ‫‪ArabNews‬‬ ‫‪Magazine‬‬ ‫‪hq@alkhaleejiah.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫‪،www.alkhaleejiah.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫‪Tel: +966‬‬ ‫‪+44 207‬‬ ‫‪2310‬‬ ‫‪1 441831‬‬ ‫‪14448181‬‬ ‫‪- Fax:‬الدول ‪:‬‬ ‫‪ +44‬مختلف‬ ‫‪ ،207‬ومن‬ ‫‪+44831‬‬ ‫‪207 404‬‬ ‫لندن‪6950:‬‬ ‫‪، +331 537 764‬‬ ‫‪00‬‬ ‫باريس‪:‬‬ ‫بريد‪،+9714‬‬ ‫‪3 914440‬‬ ‫المملكة ‪ ،920 000 417 :‬دبي‪:‬‬ ‫موقعداخل‬ ‫من‬ ‫‪www.majalla.com‬‬ ‫‪www.majalla.com/eng‬‬ ‫الوكيل اإلعالني‬ ‫من داخل المملكة ‪ ،920 000 417 :‬دبي‪ ،+9714 3 914440 :‬باريس‪ ، +331 537 764 00:‬لندن‪ ، +44 207 404 6950:‬ومن مختلف الدول ‪+966 1 441 1444 :‬‬ ‫بريد إلكتروني‪ ، info@arabmediaco.com :‬موقع إلكتروني‪ ،www.arabmediaco.com :‬هاتف مجاني‪800-2440076 :‬‬ ‫وكيل اإلشتراكات‬

‫إلكتروني‪hq@alkhaleejiah.com:‬‬ ‫موقعإلكتروني‪:‬‬ ‫‪، ،www.alkhaleejiah.com‬بريد‬ ‫بريدإلكتروني‪:‬‬ ‫موقع‬ ‫‪ ،www.arabmediaco.com‬هاتف مجاني‪800-2440076 :‬‬ ‫إلكتروني‪info@arabmediaco.com :‬‬

‫اإلشتراكات‬ ‫وكيل‬ ‫اإلعالني‬ ‫الوكيل‬ ‫وكيل اإلشتراكات‬ ‫وكيل التوزيع‬ ‫وكيل التوزيع‬ ‫اإلشتراكات‬ ‫وكيلوكيل التوزيع‬ ‫مركز الطباعة‬ ‫الطباعة‬ ‫وكيلمركز‬ ‫التوزيع‬ ‫مركز الطباعة‬

‫‪800-2440076‬مختلف الدول ‪+966 1 441 1444 :‬‬ ‫مجاني‪ ، +44 207:‬ومن‬ ‫‪404 6950‬‬ ‫باريس‪، +331 537 764 00:‬‬ ‫‪،+9714‬‬ ‫‪3 914440‬‬ ‫المملكة ‪ ،920 000 417 :‬دبي‪:‬‬ ‫داخل‬ ‫لندن‪:‬هاتف‬ ‫‪،www.arabmediaco.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫موقع‬ ‫‪، info@arabmediaco.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫منبريد‬

‫وكيل التوزيع في المملكة العربية السعودية حي المؤتمرات ‪ -‬ص‪.‬ب ‪ - 62116‬الرياض ‪ ،11585‬هاتف‪ +966 1 4419933 :‬فاكس‪،+966 1 2121774 :‬‬ ‫‪www.saudidistribution.com‬‬ ‫المؤتمرات ‪ -‬ص‪.‬ب ‪ - 62116‬الرياض ‪ ،11585‬هاتف‪ +966 1 4419933 :‬فاكس‪،+966 1 2121774 :‬‬ ‫إلكتروني‪:‬في المملكة العربية السعودية حي‬ ‫موقع التوزيع‬ ‫وكيل‬ ‫فاكس‪،+966 1 2121774 :‬‬ ‫‪+966 1 4419933‬‬ ‫هاتف‪:‬‬ ‫ص‪.‬ب ‪ - 62116‬الرياض ‪،11585‬‬ ‫المؤتمرات ‪-‬‬ ‫إلكتروني‪:‬في المملكة العربية السعودية‬ ‫موقع التوزيع‬ ‫وكيل‬ ‫‪www.saudidistribution.com‬‬ ‫‪800-2440076‬‬ ‫هاتف مجاني‪:‬‬ ‫‪،www.arabmediaco.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫موقع‬ ‫حي ‪،‬‬ ‫‪info@arabmediaco.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫بريد‬ ‫موقع إلكتروني‪www.saudidistribution.com :‬‬ ‫ص‪.‬ب‪ - 121 .‬الرياض ‪ ،11383‬هاتف ‪ ،+9661.2657000‬فاكس ‪ ،+9661.2658000‬موقع إلكتروني‪www.halaprintco.com :‬‬

‫‪،+966 1 2121774‬‬ ‫‪ +966 1 4419933‬فاكس‪:‬‬ ‫موقعهاتف‪:‬‬ ‫‪،11585‬‬ ‫فاكس‪ - 62116‬الرياض‬ ‫ص‪.‬ب‬ ‫السعودية حي المؤتمرات ‪-‬‬ ‫الرياضالعربية‬ ‫في‪-‬المملكة‬ ‫التوزيع‬ ‫وكيل‬ ‫‪www.halaprintco.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫‪،+9661.2658000‬‬ ‫‪،+9661.2657000‬‬ ‫‪ ،11383‬هاتف‬ ‫‪121‬‬ ‫ص‪.‬ب‪.‬‬ ‫‪www.saudidistribution.com‬‬ ‫إلكتروني‪:‬‬ ‫موقع‬ ‫‪ ،+9661.2657000‬فاكس ‪ ،+9661.2658000‬موقع إلكتروني‪www.halaprintco.com :‬‬ ‫‪ - 121‬الرياض ‪ ،11383‬هاتف‬ ‫ص‪.‬ب‪.‬‬

‫مركز الطباعة‬

‫ص‪.‬ب‪ - 121 .‬الرياض ‪،11383‬‬ ‫‪Saudi Specialized Publishing Company‬‬ ‫‪Saudi Specialized Publishing Company‬‬ ‫‪Saudi Specialized Publishing Company‬‬

‫حقوق النشر لهذه المطبوعات‬ ‫«المجلة»‬ ‫مرخصة‬ ‫حقوقالعربية‬ ‫باللغة‬ ‫المطبوعات‬ ‫النشر لهذه‬ ‫المطبوعات‬ ‫النشر لهذه‬ ‫«المجلة»‬ ‫مرخصة‬ ‫حقوقالعربية‬ ‫باللغة‬ ‫باللغة العربية مرخصة «المجلة»‬

‫‪Saudi Specialized Publishing Company‬‬

‫حقوق النشر لهذه المطبوعات‬ ‫باللغة العربية مرخصة «المجلة»‬

‫شركات المجموعة‬ ‫شركات المجموعة‬ ‫المجموعة‬ ‫هاتفشركات‬ ‫فاكس‬ ‫‪،+9661.2657000‬‬

‫‪ ،+9661.2658000‬موقع إلكتروني‪www.halaprintco.com :‬‬

‫شركات المجموعة‬ ‫للحصول على المزيد من المعلومات‪ ،‬يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني ‪8002440014‬‬ ‫للحصول على المزيد من المعلومات‪ ،‬يرجى اإلتصال على الهاتف المجاني ‪8002440014‬‬ ‫للحصول على المزيد من المعلومات‪ ،‬يرجى اإلتصال على‬

‫‪8002440014‬‬ ‫الهاتف‬ ‫محفوظة‬ ‫المجانيلهذه المطبوعات‬ ‫حقوق التوزيع‬ ‫المطبوعاتاإلعالم»‬ ‫«تريبيون لخدمات‬ ‫محفوظة‬ ‫لشركةالتوزيع لهذه‬ ‫حقوق‬ ‫المطبوعاتاإلعالم»‬ ‫«تريبيون لخدمات‬ ‫محفوظة‬ ‫لشركةالتوزيع لهذه‬ ‫حقوق‬

‫المجاني لخدمات اإلعالم»‬ ‫الهاتف«تريبيون‬ ‫للحصول على المزيد من المعلومات‪ ،‬يرجى اإلتصال على لشركة‬ ‫‪8002440014‬‬ ‫"‬ ‫محفوظة لـ "‬ ‫صورة الغالف‪ :‬جون روبرتس حقوق النشر‬

‫صورة الغالف‪ :‬جون روبرتس حقوق النشر محفوظة لـ "‬ ‫صورة الغالف‪ :‬جون روبرتس حقوق النشر محفوظة‬

‫"‬

‫المطبوعات محفوظة‬ ‫حقوق التوزيع لهذه "‬ ‫لـ "‬

‫لشركة «تريبيون لخدمات اإلعالم»‬

‫محفوظة "لـ "‬ ‫صورة الغالف‪:‬‬ ‫النشرمحفوظة لـ‬ ‫حقوقالنشر‬ ‫‪Gettyimages‬حقوق‬ ‫الغالف‪ :‬جون روبرتس‬ ‫صورة‬

‫""‬


‫اإلفتتاحية‬

‫المحرر‬ ‫رسالة‬ ‫ّ‬ ‫التشبيح‪ ..‬مصطلح دخل عنوة القاموس العربي بعد اندالع الثورة في سوريا‪ ،‬غير أن تاريخ‬ ‫"التشبيح" لم يبدأ مع إطاللة الربيع العربي حيث كان للشعب اللبناني تجربة مريرة مع الوجود‬ ‫العسكري واألمني للنظام السوري في لبنان‪.‬‬ ‫في مقال مطول كتبه حسين عبد الحسين‪ ،‬يشرح الكاتب اللبناني المقيم بواشنطن‪ ،‬كيف أن‬ ‫"التشبيح" أصبح عقيدة لقطاعات واسعة من عناصر الجيش السوري الذين يستعملهم النظام‬ ‫في دمشق لمتطلبات أمنية أو دوافع سياسية‪.‬‬ ‫كما يتطرق عبد الحسين في مقاله "مستقبل العلويين في سوريا" إلى الخيارات التي قد يلجأ إليها‬ ‫بشار األسد في حال استمرار الثورة وعجزه و"شبيحته" على حسمها عسكريا أو استشعاره‬ ‫بقرب نهاية نظامه‪.‬‬ ‫في موضوع آخر كتبه هادي األمين الباحث في العلوم السياسية والدراسات الحكومية تحت‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُح ِد َثات الـ َه َش َ‬ ‫دولـة َه ّشة؟" يتطرق الكاتب اللبناني إلى‬ ‫يجعل لبنان‬ ‫اشة‪ ..‬ما الذي‬ ‫عنوان "م ْ‬ ‫األسباب الداخلية والخارجية التي حولت لبنان إلى دولة فاشلة بكل المقاييس‪.‬‬ ‫دولة‪ ،‬يقول األمين‪ ،‬إن عدم االستقرار فيها أدى إلى تضعضع المؤسسات بشكل لم تعد فيه‬ ‫مؤهلة لممارسة وظائفها الطبيعية متهما النظامين السوري واإليراني بالعمل ولسنوات طويلة‬ ‫ُ‬ ‫(حزب اهلل وفصائل فلسطينية موالية)‪ ،‬ال‬ ‫على دعم تنظيمات مسلحة لبنانية وغير لبنانية‬ ‫تستشعر مفهوم الدولة والتزاماتها وتنقلب على السلطة اللبنانية الشرعية متى أرادت‪.‬‬ ‫من جهته يتناول مهدي خلجي في مقال مميز تحت عنوان "بروتوكوالت المرشد" سياسة خلق‬ ‫األزمات التي تنتهجها إيران‪ ،‬حيث يرى الكاتب وجود عوامل مشتركة بين البرنامج النووي‬ ‫اإليراني ونظام بشار األسد في سوريا‪ ،‬حيث يهدف كالهما إلى تقويض المصالح الغربية في‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ويرى الكاتب اإليراني أنه بقدر ما يرى آية اهلل علي خامنئي البرنامج النووي باعتباره أحد‬ ‫أسس الهوية السياسية للجمهورية اإلسالمية‪ ،‬فإن موقفه الموالي لألسد حدد موقعه في السياسة‬ ‫اإلقليمية إليران‪.‬‬ ‫ندعوك عزيزي القارئ لقراءة هذه الموضوعات وغيرها الكثير على موقعنا اإللكتروني‬ ‫‪ majalla.com‬ونرحب دائما بآرائك وندعوك للتعليق على الموضوعات أو االتصال بنا إذا‬ ‫رغبت في التواصل معنا‪.‬‬

‫عادل الطريفي‬ ‫رئيس التحرير‬


‫الكتاب امل�ساهمون‬ ‫يف هذا العدد‬ ‫د‪ .‬محمد غامن الرميحي‬ ‫أستاذ علم اإلجتماع السياسي‪ ،‬في جامعة الكويت‪ .‬ق ّدم كتابات عدة تتعلق بمواضيع‬ ‫علم اإلجتماع السياسي‪ ،‬وشغل مناصب كثيرة منها رئيس قسم ومساعد عميد كلية‬ ‫اآلداب والتربية في جامعة الكويت‪ .‬أشرف على رئاسة تحرير صحف ومجالت عدة‬ ‫وكان أسس ورأس تحرير مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية التي تحولت في ما‬ ‫بعد إلى مركز دراسات الخليج العربي ‪.‬ومن نشاطه أيضا عضويته في مجالس ولجان‬ ‫عدة من بينها اللجنة االستشارية بمركز الدراسات الخليجي بالجامعة األمريكية في‬ ‫الكويت والمعهد الدبلوماسي الكويتي ومؤسسة الفكر العربي ومنتدى الفكر العربي‬ ‫باألردن وغيرها‪.‬‬

‫مهدي خلجي‬ ‫كاتب إيراني مختص في اإلسالم الشيعي والسياسة الداخلية اإليرانية‪ .‬يعمل باحثا‬ ‫في معهد واشنطن لسياسة الشرق األدنى‪ .‬درس أصول الدين وفق المذهب الشيعي‬ ‫والفقه والفلسفة اإلسالمية في «الحوزة» بمدينة قم من العام ‪ 1986‬إلى العام‬ ‫‪ .2000‬ساهم ومازال في عديد األبحاث المختصة المتعلقة بالحركات اإلسالمية‬ ‫بخاصة الشيعية منها‪.‬‬

‫بكر عويضه‬ ‫صحافي فلسطيني بدأ احترافه بصحيفة «الحقيقة» في بنغازي سنة ‪ 1968‬وعمل‬ ‫في صحيفتي «البالغ» و «الجهاد» في طرابلس‪ ،‬وفي يونيو ‪ 1978‬تسلم مهمة‬ ‫مدير تحرير «العرب» في لندن‪ ،‬وبعدها عمل مديراً لتحرير مجلة «التضامن»‬ ‫حتى اكتوبر ‪ 1988‬ثم مديراً للتحرير ومساعداً لرئيس تحرير «الشرق األوسط»‪،‬‬ ‫كما عمل مستشاراً للتحرير في صحيفة «إيالف» اإللكترونية ومجموعة ماروك‬ ‫سوار المغربية‪.‬‬

‫حسني عبد احلسني‬ ‫صحافي لبناني خريج «الجامعة االميركية في بيروت» حيث درس فيها التاريخ‪ .‬يقيم‬ ‫في الواليات المتحدة األميركية وهو مدير مكتب جريدة الراي الكويتية في واشنطن‪.‬‬ ‫صاحب مدونة على موقع «المجلة» العربي بعنوان «من واشنطن» وسبق أن عمل‬ ‫منتجا لألخبار والبرامج مع قناة الحرة كما عمل مراسال ثم محررا مع صحيفة دايلي‬ ‫ستار اللبنانية وينشر دوريا في جريدة النهار اللبنانية كما له مقاالت عديدة نشرتها‬ ‫كبرى الصحف االميركية مثل نيويورك تايمز‪ ،‬واشنطن بوست وغيرهما‪.‬‬

‫حسن فحص‬ ‫كاتب وصحفي مقيم في دبي حاليا‪ .‬بدأ نشاطه في مجال النقد االدبي في عدد من‬ ‫الصحف والمجالت اللبنانية والعربية‪ ،‬ثم عمل سكرتيرا للتحرير ثم مديرا للتحرير‬ ‫في احدى االسبوعيات السياسية اللبنانية‪ .‬عمل مراسال لعدد من الصحف اللبنانية‬ ‫والخليجية واذاعة الشرق الباريسية من ايران‪ ،‬ثم مديرا لمكتب الفضائية اللبنانية‬ ‫وبعدها مديرا لمكتب جريدة الحياة ومديرا لمكتب قناة العربية في ايران حتى تاريخ‬ ‫‪ 2008/9/9‬عندما قررت السلطات االيرانية طرده من ايران بسبب انتقاده لسياسات‬ ‫ايران االقليمية‪ .‬متخصص باالدب الفارسي‪ .‬عضو الهيئة التأسيسية لمركز «جسور»‬ ‫‪(‎‬المركز اللبناني للدراسات والحوار والتقريب)‪‎‬‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫‪5‬‬


‫المحتوى‬

‫‪44‬‬ ‫صـــــ‬

‫ملفّات الـ«سي آي إيه» السريّة‬ ‫شؤون سياسية‬

‫‪08‬‬

‫‪12‬‬

‫‪18‬‬

‫‪6‬‬

‫السياسي بال ّديني‬ ‫خلط ّ‬ ‫ووجوب تخليص المق ّدس من المدنّس‬ ‫حرب طائفية أم جهل مركب!‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬محمد الرميحي‬

‫دراسات‬

‫‪38‬‬

‫ُ‬ ‫يجعل لبنان‬ ‫ما الذي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫دولـة َهشة؟‬ ‫مُح ِدثات الـهشاشة‬ ‫بقلم‪ :‬هادي األمين‬

‫‪56‬‬

‫العالقات اإليرانية السورية‬ ‫بين الماضي والحاضر‬ ‫فك االرتباط‬ ‫بقلم‪ :‬حسن فحص‬

‫‪64‬‬

‫دفعت ثمناً باهظاً‬ ‫الصفوي العثماني‬ ‫في الخالف َّ‬ ‫العلويّة‪ ..‬طريقة صوفية أم شيعة جعفرية!‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬رشيد الخ ُيّون‬

‫صحافة عالمية‬

‫منابع العنف في الشرق األوسط الجديد‬ ‫سياسة خشنة‬ ‫بقلم‪ :‬وليم ماكانت‬

‫كتب‬

‫وفي للنظام‬ ‫بشار‪ ..‬من حامل األمل الى دكتاتور ّ‬ ‫سقوط بيت األسد‬ ‫بقلم‪ :‬غالية قباني‬


‫‪28‬‬ ‫صـــــ‬ ‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫مستقبل العلويين‬ ‫في سوريا‬


‫شؤون سياسية‬

‫جتمعهم الصالة وتفرّقهم السياسة!‬

‫السياسي بال ّديني ووجوب تخليص المق ّدس من ّ‬ ‫المدنس‬ ‫خلط ّ‬

‫حرب طائفية أم جهل مركب!‬ ‫األسبوع األخير من رمضان الماضي (اغسطس‪/‬آب ‪ ، )2012‬وفي أيام يعتبرها المسلمون أيام فرج ورحمة‪ ،‬انعقدت في مكة المكرمة‪،‬‬ ‫أعمال القمة االستثنائية لمؤتمر منظمة العمل اإلسالمي‪ ،‬التي يضم في عضويته سبعا وخمسين دولة‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬محمد الرميحي‬ ‫االستثناء سببه في االساس ما يحدث في‬ ‫سوريا من قتل للمدنيين بال هوادة وسفك‬ ‫دماء االبرياء‪ ،‬ولكن المؤتمر طاف بعدد من‬ ‫المشكالت التي تواجه المسلمين في اكثر من‬ ‫مكان‪.‬‬ ‫الالفت هو اقتراح الملك عبد اهلل بن عبد‬ ‫العزيز‪ ،‬الداعي للمؤتمر وحاضنه في جلسة‬ ‫افتتاح المؤتمر‪ ،‬اقامة مؤسسة للحوار بين‬ ‫المذاهب االسالمية في الرياض‪ ،‬هذا االقتراح‬ ‫ينقل العمل االسالمي من اآلنية الى المستقبلية‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫تلبيس االختالف الفقهي‬ ‫فلم يعد سرا اليوم تلبيس االختالف الفقهي‪ ،‬الذي‬ ‫صاحب المسلمين في معظم تاريخهم المعروف‪،‬‬ ‫خالفا سياسيا حادا وغير مبرر حتى في الوطن‬ ‫الواحد‪ ،‬مما سبب شروخا في الجبهة الداخلية‬ ‫تستنزف الطاقات‪ .‬خلط السياسي المؤقت والقابل‬ ‫للتبدل‪ ،‬والذي تجري فيه وحوله المناورات‪،‬‬ ‫بالديني الذي ينتمي الى قواعد ثابتة‪ ،‬هذه الخلط‬ ‫يزيغ االبصار وينشر الفتن‪.‬‬ ‫أوروبا المسيحية عانت من هذا الخلط سنين‬

‫طويلة‪ ،‬ربما اكثر مما عانى المسلمون‪ ،‬ولعل‬ ‫التذكير برسالة جون لوك هذا الفليسوف‬ ‫االنجليزي الشهير المسماه «رسالة في التسامح»‬ ‫التي سخر فيها من النزاع العبثي في القرن‬ ‫السابع عشر بين البروتستانت والكاثوليك‪ ،‬الذي‬ ‫اهدر من الدماء انهارا‪ ،‬وسخن الجبهات الداخيلة‬ ‫األوروبية الى درجة الغليان‪ ،‬ثم انتهى الى تعايش‬ ‫بعد ان تأكد الجميع ان الخسارة فادحة‪.‬‬ ‫تلبيس الديني لبوس السياسي استمر في جيوب‬ ‫اوروبية عديدة‪ ،‬لعل اشهرها في زماننا‪ ،‬الصراع‬ ‫السياسي الذي تلبس الديني في مقاطعة شمال‬


‫ايرلندا‪ ،‬وبعضنا يذكر رجل الدين ايان بيزلي‬ ‫في تلك المنطقة وخطبه النارية المتشددة ضد‬ ‫اآلخر المختلف‪ .‬وقد اختفى كل ذلك بعد التوصل‬ ‫الى حلول سياسية‪ ،‬ولكن المذاهب بقيت على‬ ‫حالها وأهلها اليوم في تناغم‪ ،‬فتصافحت ملكة‬ ‫بريطانيا البروتستانتية منذ اسابيع‪ ،‬مع رئيس‬ ‫الجيش الجمهوري الكاثوليكي السابق!‪ ،‬مما يفيد‬ ‫أن التوظيف السلبي للتنوع يؤجج العامة‪ ،‬ويحقن‬ ‫المجتمع بحقن سامة تؤدي بصفوفه الى التفكك‪.‬‬ ‫التنوع المذهبي في اإلسالم حقيقة ثابتة‪،‬‬ ‫وهو اجتهاد انساني‪ ،‬في تاريخنا تنوع وافر‬ ‫واجتهادات شتى‪ ،‬بقي من تلك االجتهادات ما‬ ‫اعتقد الناس انه نافع لهم‪ ،‬واضمحل ما هو غير‬ ‫مفيد‪ ،‬فاالجتهادات التي تعيش بيننا اليوم هي‬ ‫بعض االجتهادات االسالمية التي يطلق عليها‬ ‫«مذاهب» أما األخرى التي ظهرت في وقت ثم‬ ‫اختفت‪ ،‬وكان المقصد منها سياسيا فلم تعد قائمة‪.‬‬ ‫حتى تعريف «المذهب» لغة هو الطريق او‬ ‫السبيل التي يسلكها الناس الى الهدف‪ ،‬اما المقصد‬ ‫فهو واحد‪ ،‬ارضاء اهلل وعمل الصالح في االرض‬ ‫واعمارها‪ .‬التقريب بين المذاهب االسالمية ليس‬ ‫فكرة جديدة‪ ،‬فقد اجتهد فيها عدد من العلماء في‬ ‫السابق‪ ،‬وايضا اقيمت لها المؤسسات العاملة‬ ‫على تفعيلها‪.‬‬ ‫اقتراح الملك عبد اهلل هو «الحوار بين المذاهب»‬ ‫وليس التقريب بين المذاهب الذي دعا إليه‬ ‫البعض في السابق‪ ،‬كما انه يفوق «التسامح» ألن‬ ‫المعنى الدفين للتسامح هو غلبة شيء على آخر‪،‬‬ ‫والتسامح معه يعني تأكيد التفوق‪ ،‬وربما ذلك‬ ‫عمل ال توازن فيه‪.‬‬ ‫فكرة الحوار في معناه األهم هو «تخليص‬ ‫المقدس من المدنس» عن طريق إعمال العقل‬ ‫اوال‪ ،‬وايضا من دون ان يطلب فريق من آخر‬ ‫أن يترك ما لديه لالنضمام الى الفريق اآلخر‪،‬‬ ‫هو اعتراف باالختالف الصحي ونقله من مكان‬ ‫شائك (السياسة) الى مكان رحب هو (الفكر‬ ‫واعمال العقل) وهو ال يتطلب الدعوة الى مذهب‬ ‫دون آخر‪ ،‬أو تغليب تصور للتاريخ على آخر‪،‬‬ ‫كما ال يتطلب تفسيرات قسرية للتقارب‪ ،‬بل‬ ‫يتطلب االعتراف باآلخر‪ ،‬وابعاد الشأن السياسي‬ ‫عن الشأن الديني‪ .‬وفكرة التنوع تعني ان األصل‬ ‫واحد‪.‬‬

‫تفعيل العقل‬ ‫في أجواء العرب الحالية التي تم حقن العامة‬ ‫بشعارات ضد اآلخر من اجل الحشد والتأييد حتى‬ ‫مع تغييب العقل‪ ،‬في مثل هذه االجواء‪ ،‬يسعى‬ ‫العقالء ويدعون اول ما يدعون الى الحوار‪ ،‬ألن‬ ‫الحوار معرفة وتفهم‪ ،‬كما انه ال يقتصر على‬ ‫الفقهاء‪ ،‬بل العاملين ايضا في العلوم االجتماعية‬ ‫الحديثة ذات المناهج المقارنة‪ ،‬التي تسبر غور‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫تاريخ المنطقة وتفاعالتها في اطوارها المختلفة‬ ‫والبناء على االيجابي منها‪ ،‬كما يظهر الحوار‬ ‫مغبة التعصب األعمى وتزييف التاريخ الذي‬ ‫كتبه البعض من اجل أغراض سياسية‪ .‬الحوار‬ ‫هو ايضا نزع القشور عن األصول‪.‬‬ ‫ابتلى العالم االسالمي ببعض ما ابتلى في‬ ‫عصرنا بالتجهيل والتوظيف السياسي‪ ،‬وكان‬ ‫لذلك ارضيته التي تغذت على اهواء الساسة‪،‬‬ ‫وتفسيرات فقهاء الفضائيات وماكينات األحزاب‬ ‫المؤدلجة‪ .‬وما دفع حتى اآلن من االثمان باهظ‪،‬‬ ‫وقد تدفع اثمان اكثر واعظم تستزف الجهود‪ ،‬ان‬ ‫تركنا األمور تسير على ما هي عليه‪ .‬اقتراح‬ ‫الملك عبد اهلل مبادرة إلنشاء هيئة الحوار التي‬ ‫هي «هيئة مستقلة للتفكير في شؤوننا» واشاعة‬ ‫ما تتوصل اليه للناس كافة للتبصر فيه‪ ،‬مع‬ ‫وجوب الوقوف الصلب امام من يريد أن يتاجر‬ ‫في بضاعة الخالف النسبي في وجهات النظر‪،‬‬ ‫الى تصعيد اختالف سياسي طاحن عانت منه‬ ‫شعوب اخرى في فترات تاريخية سابقة‪ ،‬انه تقديم‬ ‫الحكمة على الشطط‪ .‬وتفعيل العقل ضد الجهل‪.‬‬ ‫لقد كان من ضمن من حضر الى المؤتمر في مكة‬ ‫الرئيس االيراني محمود أحمدي نجاد‪ ،‬وقد اقترح‬ ‫الرئيس المصري محمد مرسي في ذلك المؤتمر‬ ‫تكوين ترويكا (رباعية) من دول‪ :‬السعودية‬ ‫ومصر وتركيا وايضا ايران‪ ،‬من اجل النظر‬ ‫في ايجاد حل للمعضلة السورية التي تعقدت‬ ‫كثيرا‪ ،‬ودخل المجتمع السوري في حرب اهلية‬ ‫طاحنة‪ ،‬كان من جرائها مقتل حوالي ثالثين الف‬ ‫قتيل‪ ،‬وتشريد ما يقارب المليون مشرد في بالد‬ ‫الجوار مثل تركيا واالردن ولبنان‪ ،‬وعدد كبير‬ ‫من المعتقلين‪ .‬كان االقتراح المصري منخفض‬

‫اقتراح امللك عبد الله هو‬ ‫«احلوار بني املذاهب»‬ ‫وليس التقريب بني‬ ‫املذاهب الذي دعا إليه‬ ‫البعض في السابق‪ ،‬كما‬ ‫انه يفوق «التسامح» ألن‬ ‫املعنى الدفني للتسامح‬ ‫هو غلبة شيء على آخر‪،‬‬ ‫والتسامح معه يعني‬ ‫تأكيد التفوق‪ ،‬ورمبا‬ ‫ذلك عمل ال توازن فيه‬

‫القوة ـ كما يقال في العمل الدبلوماسي ـ ولكنه‬ ‫قرئ في طهران على ان مصر ربما يمكن‬ ‫ربحها الى جانب الصف االيراني‪ ،‬وهو صف‬ ‫قليل العدد في العدة والعدد‪ ،‬وان لم يكن ذلك‪،‬‬ ‫فعلى االقل تحييدها‪ .‬لذلك اعد للرئيس المصري‬ ‫الجديد استقبال حافل في المؤتمر الذي تال وعقد‬ ‫في نهاية اغسطس ‪ ،2012‬وهو مؤتمر دول عدم‬ ‫االنجياز‪ ،‬وفكرة عدم االنحياز فكرة ان اردنا‬ ‫تصنيفها «علمانية» نشأت من خالل تحالف دول‬ ‫عالم ثالثية بقيادة رجال تاريخيين‪ ،‬هم نهرو من‬ ‫الهند‪ ،‬وعبد الناصر من مصر‪ ،‬وسوكارنو من‬ ‫اندونيسيا‪ ،‬وجوزيف تيتو من يوغسالفيا (التي‬ ‫تفككت الحقا) ولكن االيرانين ارادوا احياء تلك‬ ‫المجموعة‪.‬‬ ‫لم يكن التجمع في طهران في شهر اغسطس‬ ‫‪ 2012‬ناجحا‪ ،‬فقد حضره فقد ‪ 29‬رئيس دولة‬‫من ‪ 120‬دولة‪ ،‬هي مجموع دول عدم االنحياز‬ ‫التي ارسلت اما وزير خارجيتها‪ ،‬او ما دون ذلك‪.‬‬ ‫الجائزة الكبرى التي كانت تتوقعها طهران هي‬ ‫كسب مصر‪ .‬ولكن المفاجأة وقعت عندما دان‬ ‫محمد مرسي رئيس مصر ما يحدث في سوريا‪،‬‬ ‫ادانة واضحة وبأقوى الكلمات‪ ،‬كما تعمد التذكير‬ ‫والصالة على اصحاب محمد جميعا‪ ،‬في محاولة‬ ‫الزاحة التعصب الطائفي‪ .‬كلتا الفكرتين لم ترق‬ ‫للمضيف االيراني‪ ،‬فغير وبدل في الخطاب اثناء‬ ‫الترجمة بوضع (البحرين) بدال من (سوريا) في‬ ‫نص الخطاب‪ ،‬وايضا تجاهل المترجم التنويه‬ ‫التقليدي الذي يذكر فيه الخطاب االسالمي التنويه‬ ‫بصحابة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫اتضح لطهران ان ما راهنت عليه لم يكن اال برقا‬ ‫خلبا‪ ،‬لم تستطع ان تقول للعالم انها ربحت مصر‪،‬‬ ‫كما ان خطاب بان كي مون‪ ،‬الذي قرع السياسة‬ ‫االيرانية في عقر دارها‪ ،‬صب الكثير من الماء‬ ‫البارد على توقعات طهران‪ ،‬وانتهي االجتماع‬ ‫بشكل احتفالي لم تخرج منه طهران بما اعتقدت‬ ‫انه سوف يتحقق‪.‬‬

‫خط غير ظاهر‬ ‫ال أريد أن أعمم‪ ،‬فقد كان هناك خط غير ظاهر‬ ‫في السياسة االيرانية‪ ،‬منذ قيام ثورة اإلمام‬ ‫الخميني له عالقة بالطائفة‪ ،‬ولكنه كان مستترا‬ ‫بغطاء من الثورية‪ ،‬وقد جرت في طهران‬ ‫مياه مثيرة‪ ،‬كان اهمها محاولة السيد هاشمي‬ ‫رفسنجاني في حقبة حكمه الثانية‪ ،‬ان يقوم بعمل‬ ‫سياسي يتخطى «الطايفة» وقد تبعه ايضا السيد‬ ‫محمد خاتمي في حقبتيه التي تسنم فيها الحكم‪.‬‬ ‫اال أن الخط الطائفي ظهر بوضوح في السياسية‬ ‫الخارجية االيرانية ابان حقبة حكم الرئيس‬ ‫أحمدي نجاد األولى والثانية‪ .‬ما هي األسباب؟‬ ‫أرى أن األسباب كثيرة‪ ،‬فالرغبة االيرانية في‬ ‫التمدد والنفوذ‪ ،‬هي رغبة قديمة وهي محاولة من‬

‫‪9‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫اجل احياء شيء من «االمبراطورية الفارسية»‬ ‫لها صبغة قومية‪ ،‬وفي المرحلة األخيرة‪ ،‬صبغت‬ ‫بصبغة «طائفية» ركونا الى ان هناك عددا‬ ‫كبيرا من الشيعة العرب‪ ،‬الذين تعتقد طهران‬ ‫انه يمكن استمالتهم إما بسبب الوضوع الذي‬ ‫يعانون منه في بلدانهم‪ ،‬او بسبب طموح بعض‬ ‫قياداتهم‪ .‬وأضيف الى ذلك الطموح الفارسي‬ ‫القومي‪ ،‬تبني طهران – ولو قوال وبعض الفعل‬ ‫– شعارات النضال الفلسطيني‪ ،‬ساعد في ذلك‬ ‫بعض القوى الفلسطينية التي وجدت ان ايران‬ ‫الثورية‪ ،‬يمكن ان تقدم لها الدعم المادي أو‬ ‫المعنوي (النسيج الشيعي العربي بما يحيطه‬ ‫من ظروف سياسية واجتماعية‪ ،‬مضاف اليه‬ ‫الموضوع الفلسطيني‪ ،‬مع ما يحيطه من تعاطف‬ ‫عربي واسع‪ ،‬مع موقف تحالفي مع اقلية حاكمة‬ ‫في سوريا) هذه الثالثية مدعومة بقدر كبير من‬ ‫المهارة في االستفادة من المعطيات‪ ،‬قدر إليران‬ ‫في العشرية األولى من القرن الواحد والعشرين‬ ‫أن تمد نفوذها الى خارج الحدود باتجاه الخاصرة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫لقد قدم لها االحتالل االميركي للعراق‪ ،‬فرصة ان‬ ‫يمتد محور النفوذ طويال‪ ،‬الى درجة ان احمدي‬ ‫نجاد في زيارته الى بيروت في اكتوبر (تشرين‬ ‫األول) عام ‪ 2010‬قال التصريح الشهير‪ ،‬ان‬ ‫محور قد تشكل بدوره في طهران مرورا ببغداد‬ ‫ودمشق وانقرة ثم بيروت‪ .‬كانت خطاباته في‬ ‫لبنان خطاب الفاتح المترع بالنصر‪ .‬وقتها كان‬ ‫نفوذ طهران غير مقاوم في بغداد‪ ،‬ومترسخا في‬ ‫دمشق‪ ،‬وقابضا على سلطة ضاربة هي حزب اهلل‬ ‫في لبنان المسلح بالمال والعتاد االيراني‪ ،‬كما ان‬ ‫وفود القوى الفلسطينية تحج إليه ويقوم بدعمها‪.‬‬ ‫هو اختراق بالغ األهمية يتجاوز «الطائفية» وان‬ ‫ّ‬ ‫توكأ عليها في االمتداد االول‪.‬‬

‫حساب الحقل والبيدر‬ ‫ظهر من نهاية عام ‪ 2010‬أن رياح «الربيع‬ ‫العربي بدأت تهب من تونس»‪ ،‬وكان ذلك فال‬ ‫خير‪ ،‬فقد استقبلتها طهران خاصة عند انتقالها الى‬ ‫مصر‪ ،‬على انها «امتداد للثورة الشعبية االيرنية»‬ ‫قبل ثالثة عقود‪ ،‬رحبت بها واشتركت في زفها‬ ‫اعالميا‪ ،‬خاصة بعد ان تبين «النفس االسالمي»‬ ‫فيها‪ ،‬ولو كان سنيا‪ ،‬فحماس سنية‪ ،‬ولم يمنع ذلك‬ ‫التعاون على قاعدة «ثورية» معها! المفاجأة أن‬ ‫أصابت رياح «الربيع العربي»‪ ،‬الحليف والعمود‬ ‫الرئيسي للتحالف االيراني‪ ،‬واعني بها سوريا‪،‬‬ ‫فبدأت الماكينة االعالمية االيرانية‪ ،‬وايضا‬ ‫توابعها العربية تتراجع عن توصيف الثورات‬ ‫الربيعية‪ ،‬بل وتصف ما يحدث في سوريا على‬ ‫انه تدخل امبريالي صهيوني‪ .‬حاولت حلب مصر‬ ‫أو ضمها الى خطها‪ ،‬فوجدت ان حساب الحقل‬ ‫ال ينسجم مع حساب البيدر‪ ،‬كما ان المطالبات‬ ‫السياسية في البحرين التي سرعان ما تأثرت‬

‫‪10‬‬

‫بمطالب «جمهورية اسالمية» لم تستطع القوى‬ ‫الحديثة ان تؤثر في مسارها عند انطالقها‪ ،‬جعلت‬ ‫من بعض القوى المحلية والخليجية تتوجس منها‪.‬‬ ‫الحسبة النهائية لرببع العرب‪ ،‬جاءت على غير ما‬ ‫يهوى نجاد من تطور المحور االيراني‪ .‬بل ان ما‬ ‫يحدث في سوريا سوف يقصم ظهر ذلك المحور‪،‬‬ ‫خاصة اذا تطور الوضع في بغداد بانفكاك كامل‬ ‫او جزئي من ذاك المحور‪.‬‬ ‫الخطأ القاتل لسياسة ايران الخارجية‪ ،‬هو‬ ‫محاولة تلبيس المذهبي على الثوري‪ ،‬وهو‬ ‫تلبيس اضطرت ان تتعامل معه بوجهين‪ ،‬وجه‬ ‫ثوري موجه للقوى العربية السنية التي ترى أن‬ ‫األوضاع القائمة سيئة للغاية‪ ،‬ووجه طائفي متمثل‬ ‫في أن هناك (اضطهادا لألقلية الشيعية في بحر‬ ‫سني)‪ ..‬كال الوجهين ضعفهما في عدم الشفافية‪.‬‬ ‫ومن جهة اخرى فإن دخول ايران في صراع‬ ‫مع القوى الكبرى‪ ،‬قاعدته الرئيسية (خوف‬ ‫مرضي من فقد السلطة في ايران من القوى‬ ‫الدينية)‪ .‬يعرف أهل الرأى االيرانيون‪ ،‬كما‬ ‫يعرف المستنيرون من أهل «القومية االيرانية»‬ ‫أن حكما دينيا ال يمكن ان يستقر‪ ،‬في قرن يشهد‬ ‫تحوالت كبرى‪ .‬وايضا ال يمكن ان يقبل العقل‬ ‫«معصومية» سياسية من اي نوع‪ ،‬مهما بلغت‬ ‫من الشفافية‪ ،‬فالحكم نزاع يين قوى مختلفة لها‬ ‫مصالح مختلفة‪ ،‬ال يمكن ضبطها اال من خالل‬ ‫«صناديق اقتراع شفافة ودورية» وعلى قاعدة‬ ‫خدمة المصالح العامة والحديثة‪.‬‬ ‫تقع السياسة االيرانية في نفس خطأ القوى‬ ‫«الثورية العربية» التي اعتقد ان العالم همه‬ ‫الرئيسي ان يطيح بحكمها‪ ،‬فضيقت على نفسها‬ ‫وعلى شعوبها‪ ،‬وبزت اآلخرين في استكمال‬ ‫بنية «مخابراتية» فائقة القسوة‪ ،‬وكان الثمن ان‬ ‫توسعت السجون وتشككت الدولة في المواطن‪،‬‬ ‫الى أن فقد األخير ثقته بها‪ ،‬ونسيت او تناست‬ ‫ان الشعوب تصبر‪ ،‬ولكن ال تطيق الصبر عقودا‬ ‫طويلة‪ .‬هذا الخوف المرضي من فقد السلطة‬ ‫والشعور بما يسمى «المهمة المقدسة» في قيادة‬ ‫الشعوب‪ ،‬لم يعد لها تبرير مقنع اليوم لدى قطاع‬ ‫واسع من الشعوب‪ .‬كما القوى الثورية العربية‬ ‫التي ألهت شعوبها بقضية «التحرير» وحرمتهم‬ ‫من «الحرية» على حساب التحرير‪ ،‬فال التحرير‬ ‫أتى وال الحرية تقدمت! ال يشعر كثير من‬ ‫النخب االيرانية بالتعاطف الذي تشعر به النخبة‬ ‫الحاكمة ـ أو بعضها ـ مع القضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫فهناك من يعتقد في ايران ان توريط ايران في‬

‫تلك القضية خاسر‪ ،‬خاصة انها ال تستطيع ان‬ ‫تقدم العون الحقيقي للتحرير‪ ،‬غير ذر الرماد في‬ ‫عيون السذج‪ .‬كما تعتقد بعض النخب االيرانية‬ ‫«القومية» ان العرب ـ شيعة وسنة ـ ليسوا على‬ ‫سوية الشعب اآلري الذي تنتمي اليه شعوب‬ ‫ايران‪ ،‬ثم يطرح السؤال من النخب االيرانية‪،‬‬ ‫وهو لماذا نحرم من التقدم بسبب تلك الشعارات‪.‬‬ ‫اعتقد ان قضية «امتالك التقنية النووية» في‬ ‫ايران هي شعار من اجل حشد الشعب االيراني‬ ‫خلف قضية يشعر بالفخر بها‪ ،‬ألن التقدم التقني‬ ‫لم يحدث في اي مجتمع من دون حرية وتقدم‬ ‫اجتماعي وسياسي‪ ،‬سوف يبقى التقدم التقني‬ ‫معلقا في الهواء ال أعمدة تحميه من السقوط‪.‬‬ ‫بعد طول مسيرة وجد العرب الثوريين أن العزلة‬ ‫ال تقدم الشعوب‪ ،‬وان شراء السالح ال يحقق‬ ‫النصر‪ ،‬فعاد كثير منهم الى مواقع العقالنية‬ ‫التي تحتم ان تجمع الجهود من اجل تنمية شاملة‬ ‫تقودها حريات الناس‪ .‬ايران تغوص فيما غاص‬ ‫فيه العرب الثوريين قبل سنوات‪ ،‬وربما تصل‬ ‫الى نفس النتيجة‪ ،‬أحالم االمبراطوريات انتهت‪.‬‬ ‫الحكم في ايران يريد ان يستمر بنفس الشروط‪،‬‬ ‫بخلق شعارات مختلفة‪ ،‬ولكن الكثير من شعاراته‬ ‫تعجز عن توفير األسباب األولية لعيش كريم‬ ‫في بالد لها تاريخ طويل من الحضارة‪ .‬من هنا‬ ‫فإن األدوات التي استخدمتها السياسة الخارجية‬ ‫االيرانية‪ ،‬قد باءت بالفشل منها اداة «الطائفية»‬ ‫التي سممت عالقة منسجمة بين مسلمين موحدين‪.‬‬ ‫ال أريد أن أغادر هذا الجزء من دون الحديث عن‬ ‫تعصب مضاد‪ ،‬انساق اليه بعض ابناء الطائفة‬ ‫السنية‪ ،‬عن جهل أو تجهيل‪ ،‬فأضاف الحطب‬ ‫المعمتد على الجهل‪ ،‬الى الحطب المعتمد على‬ ‫االنتهازية السياسية‪.‬‬

‫المستقبل‬ ‫مما تقدم فإن المسكوت عنه اليوم في الفضاء‬ ‫االسالمي والعربي‪ ،‬وفي العالقات االيرانية‬ ‫والعربية‪ ،‬هو كيف يمكن ان يحفظ للشعوب‬ ‫مستقبل تتقدم فيه‪ ،‬في الوقت الذي يصل غيرها‬ ‫الى المريخ تتقاتل هي على من له حق الوالية‬ ‫قبل قرنين من الزمان! وكيف نفسر هذا النص أو‬ ‫ذلك من التراث؟ لقد استنفذ السياسيون كل قدرات‬ ‫األمة‪ ،‬وما زال بعضهم يفعل من دون تقديم‬ ‫مشروع نهضوي حقيقي‪ ،‬يجعل االنسان اكثر‬ ‫سعادة في حياته‪ ،‬تقدم له خدمات صحية وتعليمية‬ ‫وادارية حديثة‪ ،‬تنقي بيئته من الملوثات ويأكل‬ ‫أكال صحيا‪ ،‬ويخضع لقانون حديث ينظم العالقة‬ ‫بينه وبين الدولة على قاعدة حقوقية حديثة؟ من‬ ‫دون حل كل ذلك‪ ،‬ال نستطيع ان نتحدث عن‬ ‫«تحرير»‪ ،‬قبل تحرير االنسان‪ ،‬وال تنمية قبل‬ ‫تنمية الفكر‪ ،‬وال حوار‪ ،‬ان لم نؤمن بأن ألد عداء‬ ‫المعرفة ليس الجهل‪ ،‬بل توهم المعرفة!‬


Distinguish yourself

King’s is ranked in the top 30 universities worldwide* and based in the heart of London. With nine Schools and six Medical Research Council centres, King’s offers world-class teaching and research. Our extensive range of subjects includes humanities, law, medicine, psychiatry, dentistry, nursing, mathematics; natural, biomedical, social and management sciences. For further information, please contact Ghazi Lashab at ghazi.lashab@kcl.ac.uk *QS World University Rankings, 2011

www.kcl.ac.uk 37

2012 ‫ يناير‬،1569 ‫العدد‬


‫شؤون سياسية‬

‫عندما يتساوى علم الوطن مع علم احلزب تنتهي الدولة‬

‫ً‬ ‫ما الذي ُ‬ ‫دولـة َه ّشة؟‬ ‫يجعل لبنان‬

‫مُحدِثات الـهشاشة‬ ‫الدولة هي مجموعة من االفراد اتفقوا وتعاقدوا «طوعا أو غصبا» «سلما أو حربا» في ما بينهم على العيش في إقليم جغرافي‬ ‫محدد يخضعون فيه لنظام سياسي معين يتولى شؤون تلك الدولة‪ .‬تشرف تلك الدولة على انشطة سياسية واقتصادية واجتماعية‬ ‫التي تهدف باألساس إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة االفراد فيها‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬هادي األمين ‪ -‬باحث لبناني في العلوم السياسية والدراسات الحكومية‬

‫وقد تجاوزت الدول التي نعرف والتي ال نعرف‬ ‫المائتين في هذا العالم فإن دوال قرر البعض‬ ‫فيها التملص من أي عقد رابط أو اتفاق جامع‪،‬‬ ‫فأصبحت غير فعّالة وال يمكن لها أن تؤدي الحد‬ ‫األدنى من وظائف الحكم‪.‬‬

‫‪ - 1‬في تعريف الهشاشة وصفات الدولة الهشة‬ ‫تبعاً لمعجم الرائد في اللغة العربية‪ ،‬تُ ُ‬ ‫طلق كلمة‬ ‫ّ‬ ‫«الهش» على الشي إذا َ‬ ‫الن واسترخى‪ ،‬ويقال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫«صار العود هشا»‪ ،‬أي سريع الكسر‪ .‬ويورد‬

‫‪12‬‬

‫المعجم الوسيط بعض دالالت كلمة «الهشاشة»‬ ‫لمعان متعدد ٍة ومنها المعنى الذي‬ ‫المحتمل ِة‬ ‫ٍ‬ ‫نقصده‪ ،‬أي الرخاوة والضعف وقابلية االنكسار‪،‬‬ ‫هش الخبز ونحوه ّ‬ ‫فيذكر‪َّ :‬‬ ‫هشا وهشوشة‪َّ :‬‬ ‫رق‬ ‫َّ‬ ‫وجف حتى صار سريع الكسر‪ ،‬وهش العود‬ ‫هشوشا‪ :‬تكسر‪ .‬والهشاش‪ :‬يقال‪ :‬خبز هشاش‪،‬‬ ‫يعني هش‪ .‬وهش الشي ُء هشوشة‪ :‬صار خ ّوارا‬ ‫ضعيفا» (‪ .)1‬ويُقال‪َّ :‬‬ ‫هش الحكم‪ ،‬يعني صار‬ ‫ّ‬ ‫وهشت الدولة‪ :‬يعني صارت‬ ‫خوارا ضعيفا‪،‬‬ ‫خوارة وضعيفة‪ .‬بينما يذهب قاموس أكسفورد‬ ‫«ه ّ‬ ‫إلى تعريف كلمة َ‬ ‫ش» على أنها كل ما هو‬

‫عرضة للكسر أو التكسير أو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قابل أو‬ ‫«قابل أو‬ ‫ٌ‬ ‫عرضة للتقطيع أو التحطيم بسهولة أو ضعيف‬ ‫ٌ‬ ‫وقابل للتلف أو عرضة للتدمير» (‪)2‬‬ ‫في هذا السياق‪ ،‬وتوضيحا للمعنى والمصطلح‬ ‫ُستعمل في هذا المقال‪ ،‬فإن المقصود هنا‬ ‫الم‬ ‫ِ‬ ‫بـ»الهشاشة»‪ ،‬اإلشارة إلى الدولة غير الفعّـالة‪،‬‬ ‫أي تلك التي ال يمكن لها أن تؤدي الحد األدنى‬ ‫من وظائف الحكم‪ .‬وهنا‪ ،‬ال تفوتنا اإلشارة إلى‬ ‫أنه‪ ،‬وعالوة على المصطلح الموصى به‪ ،‬أي‬ ‫مصطلح «الهشاشة»‪ ،‬فإن مصطلح «الدولة‬ ‫ُ‬


‫آخر يدخل لتعيين ذات‬ ‫الضعيفة» هو‬ ‫مصطلح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫المفهوم‪ ،‬بلحاظ كونه أهليا من عائلة المعنى ال‬ ‫دخيال‪ ،‬أي بلحاظ كونه مرادفاً للمصطلح األم‬ ‫الموصى به سابقا‪.‬‬

‫ذكر بعض من األسباب الكثيرة التي تؤدي‬ ‫إلى هشاشة الدولة بشيء من التفصيل‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫عدم االستقرار السياسي‪ ،‬ضعف المؤسسات‪،‬‬ ‫والتدخل الخارجي‪.‬‬

‫ُ‬ ‫يذهب جم ٌع من فقهاء السياسة وعلمائها إلى‬ ‫ّ‬ ‫استعمال مصطلح «الدولة الهشة»‪ ،‬إلطالقه‬ ‫على تلك الدول العاجزة عن إدارة وحكم كل‬ ‫أراضيها على نحو فعّال ونافذ ومؤثر‪ ،‬مما‬ ‫يؤدي إلى وقوع خطر على شعوب هذه الدول‬ ‫وعلى دوام مصالحها‪ .‬فيما يذهب آخرون إلى‬ ‫القول بأن «الدولة الهشة»‪.‬‬

‫‪ -‬عدم االستقرار السياسي‬

‫ونظرا إلى انعدام القانون في بعض مناطقها‪،‬‬ ‫تتحول لتصبح مالذا لإلرهابيين‪ ،‬تجار‬ ‫المخدرات ومهربي السالح (‪ .)3‬وزيادة على‬ ‫ما تقدم‪ ،‬فإن «الدولة الهشة»‪ ،‬مضافا إلى عدم‬ ‫شمول سلطان حكومتها على كل أراضيها على‬ ‫نحو فعّال ونافذ ومؤثر‪ ،‬فإنها تعاني من اختالل‬ ‫ٌ‬ ‫اختالل يمنع هذه المؤسسات من‬ ‫في مؤسساتها‪،‬‬ ‫القيام بالوظائف المفترض قيامها بها‪ .‬بمعنى‬ ‫آخر‪ ،‬إن الدرك الذي تصل إليه هذه المؤسسات‬ ‫بسبب هشاشة الدولة‪ ،‬يجعل منها مؤسسات‬ ‫تعاني من انحالل خطير‪ ،‬وفساد مستشر على‬ ‫نحو يشل قدرتها على العمل وفق موجبات‬ ‫القانون‪ ،‬ويجعلها عاجزة عن تقديم الخدمات‬ ‫األساسية على نحو منتظم‪ ،‬مما يؤدي على‬ ‫سبيل الجزم واليقين‪ ،‬إلى تهديد االستقرار‪ .‬علماً‬ ‫بأنه وفي هذا النوع من الدول‪ ،‬تتحول السلطة‬ ‫القضائية‪ ،‬وكذا المؤسسات األمنية والعسكرية‪،‬‬ ‫إلى سلطة ومؤسسات مدينة بالفضل لألقوياء‬ ‫واألغنياء (‪.)4‬‬ ‫إن الدولة التي تفشل إلى حد كبير في القيام‬ ‫بإحدى وظائفها المركزية‪ ،‬كتلك المتعلقة بتمكين‬ ‫المواطنين من المشاركة علنا وبحرية في‬ ‫العملية السياسية‪ ،‬وكتلك المتعلقة بمنع الغزوات‬ ‫والتسلل إلى أراضيها‪ ،‬وتلك المتعلقة بوقف‬ ‫التهديدات التي تطال البنية االجتماعية والنظام‬ ‫العام‪ ،‬وتلك المرتبطة بالحد من الجريمة‪ ،‬ال بل‬ ‫بمنعها‪ ،‬وتلك المتعلقة بعدم السماح للمواطنين‬ ‫بتسوية نزاعاتهم فيما بينهم‪ ،‬وتلك التي مع‬ ‫الدولة‪ ،‬عبر السالح والعنف وغيره من أشكال‬ ‫اإلكراه البدني‪ ،‬أقول بأن الدولة التي تفشل في‬ ‫كل ذلك‪ ،‬هي «دولة هشة» على وجه الجزم وال‬ ‫إلزام‪.‬‬

‫هو مصطلح م ٌ‬ ‫ُختلف عليه‪ ،‬وقد يعني للبعض‬ ‫ما ال يعنيه آلخرين‪ ،‬أي قد يختلف فهمه‬ ‫شخص آلخر بلحاظ تعدد األفهام‬ ‫وتصوره من‬ ‫ٍ‬ ‫وتعدد زوايا النظر إليه‪ ،‬ال بلحاظ كونه مفهوما‬ ‫مَ‬ ‫ُش ِككاً كما يذهب إلى ذلك بعض الفالسفة‪ .‬إال‬ ‫أن المشهور والمتعارف هو استعماله لإلشارة‬ ‫إلى حاالت العنف السياسي التي تعاني منها‬ ‫بعض البلدان‪ ،‬ابتداء بأعمال الشغب أو األزمات‬ ‫الحكومية‪ ،‬وانتهاء بعمليات االغتيال واالنقالب‬ ‫على نظام الحكم وما شاكل (‪.)5‬‬ ‫هنا‪ ،‬ما نعتقد به هو أن الدولة هي الضامن‬ ‫لالستقرار واألمن‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن ما يعنينا‬

‫من هذا المصطلح هو اإلشارة إلى أن عدم‬ ‫االستقرار السياسي يعني بالضرورة‪ ،‬في هذا‬ ‫المقام‪ ،‬كسر هيبة الدولة ومنعها من القيام‬ ‫بالواجبات الشرعية المنوطة بها والموكلة إليها‪،‬‬ ‫أي‪َّ ،‬‬ ‫كل عملية تؤدي إلى الطعن في أسس هذه‬ ‫الدولة عبر العنف المسلح بكل أشكاله (اغتياالت‬ ‫– اعتداءات مسلحة – قطع طرقات – إرهاب‬ ‫المواطنين)‪ .‬إن عدم االستقرار السياسي يؤدي‬ ‫فيما يؤدي إليه‪ ،‬إلى تقويض سلطة الدولة‬ ‫وشرعيتها وسد كل آفاق التنمية على اإلطالق‪،‬‬ ‫وبالتالي المساهمة في جعل الدولة هشة (‪.)6‬‬

‫ ضعف المؤسسات‬‫إن الكيفية التي تنتظم وتعمل فيها المؤسسات‬ ‫السياسية في أي بلد من البلدان‪ ،‬تُشكل دليال‬ ‫كافيا يساعد على تبيان شكل النظام السياسي‬ ‫وتصنيفه‪ ،‬وتحديد شكل الحكم فيه‪ .‬إال أن شكل‬ ‫النظام والحكم‪ ،‬من وجهة نظرنا‪ ،‬غير مرتبط‬ ‫بضمان االستقرار السياسي بحد ذاته‪ ،‬بل إن‬

‫إن الدولة التي تفشل إلى حد كبير في القيام بإحدى وظائفها‬ ‫املركزية‪ ،‬من متكني املواطنني من املشاركة علنا وبحرية في‬ ‫العملية السياسية أو منع الغزوات والتسلل إلى أراضيها أو وقف‬ ‫التهديدات التي تطال البنية االجتماعية والنظام العام واحلد‬ ‫من اجلرمية‪ ..‬هي «دولة هشة» على وجه اجلزم واإللزام‬

‫اللبنانيون‪ :‬خرج السوريون وبقي حلفاؤهم‬

‫‪ - 2‬في أسباب الهشاشة‬ ‫إذاً‪ ،‬ذكرنا في القسم الذي سبق‪ ،‬وبإسهاب‪،‬‬ ‫صفات الدولة الهشة‪ ،‬وقمنا بالقدر الذي يسمح‬ ‫به المقام‪ ،‬بإيراد ما تكون عليه الدولة الهشة من‬ ‫ضعف وترهل واضمحالل‪ .‬إال أن المطلوب‬ ‫لكي نصير إلى تمام موضوع البحث والمقال‪،‬‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫‪13‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫ً‬ ‫كثيرا حال الدولة في لبنان بعد اتفاق الطائف‪،‬‬ ‫لم يتغير‬ ‫لعيب في االتفاق وبنوده‪ ،‬بل ألسباب أخرى كثيرة‪ ،‬منها‬ ‫ال‬ ‫ٍ‬ ‫ضعف بعض املوقعني عليه ومهادنتهم‪ ،‬وبطش البعض اآلخر‬ ‫وشذوذهم عن القاعدة‪ ،‬واستئنافهم مسيرة االحتكام إلى‬ ‫اخلارج الذي كان يستحضر‬ ‫القوة والتسلط ودعم اخلارج لهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫من االتفاق املقادير واألشكال التي تخدم سياسته اإلقليمية‪،‬‬ ‫واستمرار وصايته على لبنان‬

‫هذه المؤسسات وإفقارها وإضعافها‪ ،‬وبالتالي‬ ‫جعلها أدوات طيعة بوظائف ضمنية تمنع الدولة‬ ‫من القيام بوظائفها الطبيعية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تفصيال هو التدخل الخارجي في شأن دولة‬ ‫ليس‬ ‫ً‬ ‫ما‪ ،‬ذلك أن قليال من تقصي األوجه المختلفة‬ ‫ُ‬ ‫تكشف مدى الخطورة التي يرتبها‬ ‫الناتجة عنه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫التدخل على الدول ِة ال ُمتدَخ ِل فيها‪ ،‬وخصوصا‪ ،‬إذا‬ ‫كانت الدولة الضحية‪ ،‬مسرحاً خصباً ألجندات‬ ‫ومشاريع مختلفة‪ .‬إن التدخل الخارجي‪ ،‬بما‬ ‫يُقصد منه في كثير من األحيان من تحقيق لجملة‬ ‫من األهداف السياسية واالقتصادية‪ ،‬ال يتم َّ‬ ‫إال‬ ‫عبر تأليب جهات مختلفة على بعضها البعض‪،‬‬ ‫ودعم فريق ضد آخر‪ ،‬عبر المال والسالح‬ ‫والمقدرات‪ .‬وهذا‪ ،‬يؤدي حتماً‪ ،‬وبال أي اهتجاس‬ ‫نظري‪ ،‬إلى خراب مضاعف ومستمر ومفتوح‬ ‫على احتماالت النيّل تماماً من الدولة وفاعليتها‪،‬‬ ‫ما يجعلها دولة هشة غير قادرة على نظم‬ ‫األمور‪ ،‬وكذا غير قادرة على مواجهة التحديات‬ ‫متى استجدت‪ ،‬ناهيك عن جعلها بغير ذات قدرة‬ ‫على إدارة شؤونها وتطويرنظامها السياسي‪.‬‬

‫‪ - 3‬في حال لبنان‬

‫اللبنانيون‪ :‬أين صوتي‬ ‫ما يضمن االستقرار السياسي هو انتظام عمل‬ ‫مؤسسات الدولة‪ ،‬بغض النظر عن شكل الحكم‬ ‫فيها‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬إن التفكير في شكل األنظمة‬ ‫السياسية‪ ،‬قد ال يؤدي بالضرورة إلى النتيجة‬ ‫المرجوة عند بحث أسباب «الهشاشة» (‪.)7‬‬ ‫إن‬ ‫ضعف المؤسسات في أي بلد من البلدان‪،‬‬ ‫كالمؤسسات السياسية واألمنية‪ ،‬يؤدي بها إلى‬ ‫عدم القدرة على اتخاذ أي خطوات فعالة لمعالجة‬ ‫بعض الصراعات الطبيبعة التي تحدث في‬ ‫المجتمع‪ ،‬وخصوصا عندما يطرأ على الدولة‬ ‫بعض التبدالت سواء كانت سياسية أم اقتصادية‬ ‫أم اجتماعية‪ .‬وهذا الضعف‪ ،‬زيادة على ما تقدم‪،‬‬ ‫يؤدي إلى تولد شعور عند المواطنين بغياب‬ ‫الرادع‪ ،‬وبالتالي الشعور بانعدام ثقة المواطن‬ ‫بالدولة‪ ،‬مما يقود إلى بروز نوع من أنشطة‬ ‫غير مشروعة وقانونية بين المواطنين‪ ،‬وإلى‬ ‫تولد «مؤسسات» رديفة تقوم مقام المؤسسات‬ ‫األم‪ ،‬وفي هذا تقويض لمؤسسات الدولة وبالتالي‬

‫‪14‬‬

‫لسلطتها‪ ،‬وهذا دافع أساسي‪ ،‬من وجهة نظرنا‪،‬‬ ‫باتجاه تحويل الدولة إلى دولة هشة‪.‬‬

‫ التدخل الخارجي‬‫بلورت معاهدة ويستفيليا (عام ‪ )1684‬اإلطار‬ ‫األساسي لمفهوم عدم التدخل في شؤون الدول‬ ‫األخرى‪ ،‬بما يعني أن بنية السلطة الداخلية‬ ‫للدولة يجب أن تدار من الداخل‪ ،‬مع وجوب أن‬ ‫تكون مستقلة ومتحررة من أي ضغط أو تدخل‬ ‫خارجي‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬لقد أسست هذه الوثيقة إلى‬ ‫عدم جواز وجود تأثيرات قوى خارجية ودعت‬ ‫الى استقاللية هياكل السلطة الداخلية في الدولة‬ ‫(‪.)8‬‬ ‫طبعاً‪ ،‬هذه الجزئية الواردة في المعاهدة‪ ،‬تهدف‪،‬‬ ‫في أحد جوانبها‪ ،‬إلى تأكيد الحفاظ على مؤسسات‬ ‫الدولة ووجوب صونها وتثبيت استقاللها عن أي‬ ‫مؤثر قد يأتي من خارج الحدود‪ ،‬بقصد تجويف‬

‫لم يتغير كثيراً حال الدولة في لبنان بعد اتفاق‬ ‫لعيب في االتفاق وبنوده‪ ،‬بل ألسباب‬ ‫الطائف‪ ،‬ال ٍ‬ ‫أخرى كثيرة‪ ،‬منها ضعف بعض الموقعين عليه‬ ‫ومهادنتهم‪ ،‬وبطش البعض اآلخر وشذوذهم‬ ‫عن القاعدة‪ ،‬واستئنافهم مسيرة االحتكام إلى‬ ‫الخارج الذي‬ ‫القوة والتسلط ودعم الخارج لهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كان «يستحضر (من اتفاق الطائف) المقادير‬ ‫واألشكال التي تخدم سياسته اإلقليمية‪ ،‬واستمرار‬ ‫وصايته على لبنان» (‪.)9‬‬ ‫هذا‪ ،‬أدى فيما أدى إليه‪ ،‬إلى تعرض هذا االتفاق‬ ‫وما يحتويه‪ ،‬على مدى السنوات التي تلت‬ ‫توقيعه‪ ،‬إلى أكبر عملية تصفية وتبديد‪ ،‬على‬ ‫نحو ما يتعرض له اليوم السل ُم األهلي في البلد‪.‬‬ ‫إال أن اللحظة التي ساهمت في تحويل الدولة من‬ ‫دولة باستقرار مزيف‪ ،‬إلى دولة هشة ضعيفة‬ ‫بوضوح‪ ،‬مقيدة القدرة على التحرك والمبادرة‪،‬‬ ‫كانت لحظة ابتداء تصفية الخصوم والقضاء‬ ‫عليهم عبر التفجير والقتل واالغتيال‪.‬‬ ‫ليس عسيرا هو الجه ُد الذي يُمكن أن يُبذل‬ ‫لحصر التاريخ الرسمي للبداية الجليّة لمرحلة‬ ‫عدم االستقرار السياسي في لبنان‪ ،‬ذلك أن‬ ‫ّ‬ ‫تذكر تاريخ الرابع عشر من فبراير (شباط)‬ ‫عام ‪ ،2005‬أي يوم اغتيال رئيس الوزراء‬ ‫اللبناني األسبق رفيق الحريري بألف كيلوغرام‬ ‫من المتفجرات‪ ،‬وما أعقبه من تواريخ‪ ،‬يكفي‬ ‫للتدليل على بداية مرحلة أسست لكسر هيبة‬ ‫الدولة ومنعها من القيام بالواجبات المنوطة‬ ‫بها والموكلة إليها‪ ،‬أي أنها‪ ،‬أسست إلى بداية‬


‫الطعن في أسس هذه الدولة عبر العنف المسلح‬ ‫بكل أشكاله‪ .‬طبعا‪ ،‬حين نذكر هذه التواريخ‪،‬‬ ‫فإننا ال نقصد من ذلك رد أسباب عدم االستقرار‬ ‫السياسي إليها وحدها‪ ،‬ذلك أن أحداثا أخرى‬ ‫حصلت في لبنان‪ ،‬ساهمت هي التالية‪ ،‬في جعل‬ ‫عدم االستقرار أمرا مؤكدا وناجزاً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حزب اهلل‬ ‫لقد كان للتنظيم المسلح المعروف‪،‬‬ ‫الذي تخضع مناطق في لبنان لسيطرته التامة‪،‬‬ ‫الي َد الطولى في ّ‬ ‫هز استقرار البلد‪ ،‬وتعريضه‬ ‫لالستنزاف‪ ،‬وذلك عبر هروب هذا التنظيم‬ ‫المسلح الى الداخل‪ ،‬في محاولة منه لحماية‬ ‫السالح ومهمة السالح وارتباطات السالح‪،‬‬ ‫فاحتل وسط بيروت وعطل الحياة االقتصادية‬ ‫فيها‪ ،‬كمقدمة لتعطيل الحياة السياسية في لبنان‬ ‫والسيطرة الكلية على مفاصله‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫نفذ حزب اهلل مهمته جيداً‪ ،‬وبدعم من قوى‬ ‫أطلق عليها يومذاك تسمية «المعارضة الوطنية‬ ‫اللبنانية» استطاع إغالق مجلس النواب‪،‬‬ ‫ونشر الرعب في نفس كل مواطن ت ّواق الى‬ ‫الديمقراطية وحكم الدولة‪ ،‬وصنع سجناً لمن‬ ‫افترضهم عمالء وخونة‪ ،‬فوضع فيه سياسيين‬ ‫َّ‬ ‫نظروا للسيادة والحرية واالستقالل‪ ،‬ورجال دين‬ ‫دافعوا عن مشروع الدولة‪ ،‬كما راح يقرع آذان‬ ‫اللبنانيين بشعارات فيها كثير من اجترار ذهني‬ ‫كسول لوصفات غريبة ومعلّبة‪.‬‬ ‫يكتف هذا التنظيم المسلح‪ ،‬أي حزب اهلل‪ ،‬بهذا‬ ‫لم ِ‬ ‫قرر الذهاب نحو الكارثة‪ ،‬فكان السابع‬ ‫القدر‪ ،‬بل ّ‬ ‫من أيار لعام ‪ 2008‬موعداً الحتالل لبنان بقوة‬ ‫شرد‪ ،‬وطرد‬ ‫السالح‪ ،‬فقتل من قتل‪،‬‬ ‫وشرد من َّ‬ ‫ّ‬ ‫من طرد‪ ،‬وسيطر على آخر معاقل الدولة‪ .‬هكذا‪،‬‬ ‫ساهم هذا التنظيم المسلح‪ ،‬وبشكل كبير‪ ،‬في زرع‬ ‫بذور عدم االستقرار في لبنان‪ ،‬وأسس لمرحلة‬ ‫جديدة ساعدت في إضعاف الدولة ومؤسساتها‪.‬‬ ‫طبعا‪ ،‬لعلنا نروم من هذا السرد الذي تقدم ألسباب‬ ‫عدم االستقرار‪ ،‬إلى بناء صورة متكاملة نسبياً‪،‬‬ ‫تقودنا نح َو التماس تبعات هذا األمر ونتائجه على‬ ‫لبنان ودولته‪ .‬لقد أدى عدم االستقرار في لبنان‬ ‫إلى تضعضع المؤسسات بشكل لم تعد فيه مؤهلة‬ ‫لممارسة وظائفها الطبيعية‪ .‬بعبارات أخرى‪ ،‬لقد‬ ‫ساهم التنظيم المسلح المذكور سابقا‪ ،‬أي حزب‬ ‫اهلل‪ ،‬وبسبب دوره الكبير في عدم االستقرار‪،‬‬ ‫ساهم في إجبار كثير من المؤسسات‪ ،‬األمنية‬ ‫منها على وجه الخصوص‪ ،‬على التسليم بشرعية‬ ‫األمر الواقع الذي فرضه‪ ،‬مما أشعر المواطنين‬ ‫بغياب الرادع‪ ،‬وبالتالي أشعرهم بانعدام ثقتهم‬ ‫بالدولة‪ .‬عدم الثقة بالدولة هذا‪ ،‬قاد إلى بروز‬ ‫نوع من أنشطة غير مشروعة وغير قانونية بين‬ ‫المواطنين‪ ،‬وإلى تولّد «مؤسسات» رديفة قامت‬ ‫ً‬ ‫مثاال)‪.‬‬ ‫مقام المؤسسات األم (أجنحة عسكرية‬ ‫مضافاً إلى ذلك‪ ،‬بدأت مؤسسات أخرى كثيره‪،‬‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫وبسبب عدم االستقرار وضعف الدولة‪ ،‬تعاني‬ ‫مستشر على نحو‬ ‫من انحالل خطير‪ ،‬وفساد‬ ‫ٍ‬ ‫شل قدرتها على العمل وفق موجبات القانون‪،‬‬ ‫وجعلها عاجزة عن تقديم الخدمات األساسية‬ ‫على نحو منتظم‪.‬‬ ‫لقد استعملت أنظمة خارجية‪ ،‬وبخاصة‪ ،‬النظامان‬ ‫السوري واإليراني‪ ،‬لبنان ودولته لعقود طويلة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خال من أي ورع‬ ‫استعماال أقل ما يقال فيه بأنه ٍ‬ ‫أو أخالق‪ ،‬استعمال أدى بلبنان‪ ،‬بأن يخرج في‬ ‫كل مرة بحصاد مفجع وبائس على صعيد فاعلية‬ ‫الدولة واستقرارها‪.‬‬ ‫لقد عمل النظامان السوري واإليراني طوال‬ ‫السنوات التي خلت على دعم تنظيمات مسلحة‬ ‫ُ‬ ‫(حزب اهلل وفصائل فلسطينية‬ ‫لبنانية وغير لبنانية‬ ‫موالية)‪ ،‬أقل ما يقال فيها وعنها‪ ،‬أنها ال تستشعر‬ ‫مفهوم الدولة والتزاماتها وتنقلب على السلطة‬ ‫اللبنانية الشرعية متى أرادت‪.‬‬ ‫بمعنى آخر‪ ،‬إن هذه التنظيمات التي أخذت تلك‬ ‫الشرعية من هذين النظامين‪ ،‬إنما أخذتها لغرض‬ ‫استعمالها‪ ،‬وبرضى هذين النظامين أيضا‪،‬‬ ‫كغطاء يجيزان لها عبره القيام مرة بنشاطات‬ ‫مسلحة تكسر هيبة الدولة‪ ،‬ومرات بتهريب‬ ‫األسلحة والصواريخ بحجة دعم «المقاومة»‪،‬‬ ‫أسلحة وصواريخ فعلت فعلها في إماتة وتهديم‬ ‫األعمدة األساسية التي تقوم عليها الدولة‪ .‬والحال‬

‫أن هذين النظامين‪ ،‬لم يكتفيا بإضعاف مشروع‬ ‫الدولة الوطنية في لبنان فحسب‪ ،‬بل عمال على‬ ‫حراسة حال الضعف والتفكك هذه‪ ،‬وذهبا إلى‬ ‫التسويغ لها وإسباغ الشرعية عليها من خالل‬ ‫بالجملة وال ُم َف ّرق‪ ،‬لمشاريع‬ ‫إعطاء شرعيات‪ُ ،‬‬ ‫سياسية وعسكرية للميليشيات والتنظيمات ذات‬ ‫االستتباع األعمى‪.‬‬

‫‪ - 4‬خاتمة‬ ‫لقد أشرنا في بداية هذا المقال إلى َّ‬ ‫أن «الدولة‬ ‫الهشة»‪ ،‬هي تلك الدولة العاجزة عن إدارة‬ ‫وحكم كل أراضيها على نحو فعّال ونافذ ومؤثر‪،‬‬ ‫وهي أيضا‪ ،‬تلك الدولة التي ينعدم القانون في‬ ‫بعض مناطقها‪ ،‬وتلك التي تعاني من اختالل‬ ‫في مؤسساتها‪ ،‬اختالل يمنع هذه المؤسسات من‬ ‫القيام بالوظائف المفترض قيامها بها‪.‬‬ ‫كما أشرنا الحقا إلى بعض األسباب التي تجعل‬ ‫نأت بما أتينا‬ ‫من أي دولة‪ ،‬دولة هشة‪ .‬طبعاً‪ ،‬لم ِ‬ ‫به حشواً‪ ،‬وإنما فعلنا ذلك بهدف فهم الحال‬ ‫الذي هو عليه لبنان‪ ،‬وكذا فهم األسباب التي‬ ‫جعلت من الدولة في لبنان‪ ،‬دولة هشة‪ .‬قطعاً‪،‬‬ ‫إن األسباب التي تجعل من الدولة في لبنان‬ ‫دولة هشة‪ ،‬والموانع التي حالت‪ ،‬وال زالت‬ ‫تحول دون السماح للدولة بالتطور على أسس‬ ‫سليمة ومتينة ومعافاة‪ ،‬هي موانع كثيرة‪ ،‬جانبنا‬ ‫بعضها‪ ،‬ال لعدم اإليمان بأهميتها‪ ،‬بل تقديماً‬ ‫لألسباب والموانع األهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬المعجم الوسيط ‪ .‬مكتبة النوري ‪ ،‬طبعة دمشق الثالثة ‪ .‬ص (‪)1026‬‬ ‫‪Oxford English Dictionary. 1989. 2nd ed. Oxford: Clarendon Press - 2‬‬ ‫‪Kaplan ,S. (2008) : « Fixing Fragile states: A New Paradigm For - 3‬‬ ‫‪Development». Greenwood Publishing Group, Incorporated. P.2‬‬ ‫‪Ibid - 4‬‬ ‫‪Vallings, C. and Magui-Torres, T. (2005): «Drivers of Fragility: - 5‬‬ ‫‪.What makes States Fragile». PRDE Working Paper‬‬ ‫‪Naude, W., Santos-Paulino, A., Mark M. (2011): «Fragile States: - 6‬‬ ‫‪Causes, costs and responses». Oxford University Press. P.7‬‬ ‫‪Vallings, C. and Magui-Torres, T. (2005): «Drivers of Fragility: - 7‬‬ ‫‪What makes States Fragile». PRDE Working Paper‬‬ ‫‪Kranser, D. (2001): «Problamatic Sovereignty: Contested Rules - 8‬‬ ‫‪and Political Possibilities «. New york: Colombia University Press‬‬ ‫‪ - 9‬محمد حسين شمس الدين (‪ « :)2006‬حبيبتي الدولة» ‪ .‬جريدة المستقبل ‪،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‬

‫‪15‬‬


‫األفكار خلف األخبار‬



‫شؤون سياسية‬

‫خامنئي يستقبل حافظ األسد بحضور هاشمي رفسنجاني في أغسطس ‪1997‬‬

‫العالقات اإليرانية السورية بين الماضي والحاضر‬

‫فك االرتباط‬ ‫مع بداية األحداث واالنتفاضة الشعبية التي شهدتها وتشهدها سوريا‪ ،‬أصدر المجلس األعلى لألمن القومي االيراني‪ ،‬تعميما‬ ‫صارما الى كل وسائل االعالم الداخلية االيرانية‪ ،‬عبر وزارة الثقافة واإلرشاد اإلسالمي‪ ،‬التي تتولى مسؤولية اإلشراف على‬ ‫هذه الوسائل بعدم التطرق «ال من قريب وال من بعيد» لموضوع األزمة السورية‪ ،‬واعتبارها كأن لم تكن‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬حسن فحص‬ ‫وقد وصل األمر في المتابعات التي قامت به‬ ‫دائرة الصحافة الداخلية في وزارة االرشاد‪،‬‬ ‫بأن طلبت من كل الصحف حذف أي فقرة في‬ ‫أي مقال تتحدث عن الوضع السوري إيجابا‬ ‫أو سلبا‪ ،‬في حين اكتفت مؤسسة اإلذاعة‬ ‫والتلفزيون الرسميين‪ ،‬بنقل الرواية الرسمية‬ ‫السورية عن األحداث‪ ،‬ووجود مجموعات‬ ‫تخريبية تستهدف أمن المواطنين وقتل‬ ‫عناصر من الجيش السوري وقوات حفظ‬

‫‪18‬‬

‫النظام واألمن‪ ،‬في سياسة اعالمية تشبه الى‬ ‫حد كبير‪ ،‬السياسة االعالمية التي يتبعها حزب‬ ‫اهلل اللبناني في التعاطي مع الشأن السوري‪.‬‬ ‫هذا االتجاه لدى أعلى سلطات ايرانية تعنى‬ ‫باألمن القومي‪ ،‬أتى متزامنا مع الكشف عن‬ ‫قراءة مرشد النظام االيراني آية اهلل علي خامنئي‬ ‫لألحداث السورية‪ ،‬ومدى تأثيرها على الوضع‬ ‫االقليمي اليران‪.‬‬

‫خامنئي اعتبر ان سوريا وحكومة بشار‬ ‫األسد تمران بوضع صعب وامتحان عسير‪،‬‬ ‫ومنذ البداية اشار الى ضرورة التوقف عند‬ ‫التوافق العربي والغربي في الموضوع‬ ‫السوري‪ .‬واعتبر ان التيارات المتشددة في‬ ‫سوريا‪ ،‬واكثرها تصب في السياق السياسي‬ ‫لالخوان المسلمين‪ ،‬تشكل العصب الرئيس‬ ‫لكل التوترات واألحداث األمنية التي تشهدها‬ ‫سوريا اليوم‪.‬‬


‫خامنئي الذي كان يتحدث في جلسة جمعته مع‬ ‫قادة النظام السياسيين واألمنيين والعسكريين‪،‬‬ ‫أكد أن القوى الغربية والدول العربية‪ ،‬تسعى‬ ‫للوصول الى عدة اهداف اهمها‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ معاقبة بشار األسد بسبب دعمه الدائم‬ ‫والمستمر لتيار المقاومة في المنطقة‪ ،‬وخاصة‬ ‫حزب اهلل في لبنان‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تعويض الخلل الحاصل في موازين القوى‬ ‫والتوازن السياسي في المنطقة‪ ،‬الذي حدث بعد‬ ‫السقوط المتوالي للحكومات الموالية للغرب‪،‬‬ ‫وبشكل خاص‪ ،‬سقوط الرئيسين المصري حسني‬ ‫مبارك والتونسي زين العابدين بن علي‪ ،‬ما‬ ‫دفع الدول الرجعية في المنطقة (حسب تعبير‬ ‫خامنئي(‪ ،‬ألن تضع في سلم اولياتها هدف اسقاط‬ ‫النظام السوري وبشار االسد شخصيا‪ ،‬للتعويض‬ ‫عن الخسائر التي لحقت بها‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ استكمال محاصرة ايران من خالل قطع‬ ‫التواصل بينها وبين حزب اهلل في لبنان‪ ،‬وضرب‬ ‫االستقرار األمني على الحدود مع العراق‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ خلق ارباك في تحديد طبيعة الثورات‬ ‫واالنتفاضات التي شهدتها المنطقة‪ ،‬من خالل‬ ‫استهداف األسد‪ ،‬ووضعه في الخانة ذاتها مع‬ ‫مبارك وبن علي والقذافي وصالح‪.‬‬ ‫وأكد خامنئي في قراءته أن سوريا وبشار‬ ‫األسد يواجهان اياما صعبة‪ ،‬واصفا المرحلة‬ ‫بأنها «مصيرية» على المنطقة‪ ،‬متهما القيادات‬ ‫الغربية واسرائيل وبعض الالعبين االقليميين‬ ‫في اشارة الى تركيا والدول العربية‪ ،‬بالوقوف‬ ‫وراء تهيئة االجواء للتحركات التي يقوم بها‬ ‫السلفيون واالخوان في سوريا وتقديم الدعم‬ ‫المالي العسكري واالعالمي لهم‪.‬‬

‫وكشف خامنئي ان المساعي الغربية والعربية‬ ‫تجاه سوريا واألسد‪ ،‬تصب اليوم على رفض‬ ‫االجراءات االصالحية التي اعلنت عنها‬ ‫الحكومة السورية‪ ،‬والدفع باتجاه المواجهة‬ ‫المسلحة‪ ،‬ما يزيد من االزمة الداخلية‪ ،‬ويوفر‬ ‫االرضية للتدخل الخارجي والقضاء على األسد‬ ‫أو اضعافه وفرض االستسالم عليه‪.‬‬

‫محطات تاريخية‬ ‫تعود جذور العالقة بين سوريا والوضع‬ ‫االيراني‪ ،‬الى ما قبل انتصار الثورة اإليرانية‬ ‫عام ‪ ،1979‬عندما استقبلت سوريا معسكرات‬

‫خامنئي‪ :‬دخول ايران‬ ‫املباشر في األزمة‬ ‫السورية‪ ،‬سيساعد في‬ ‫تصعيد الهجوم االعالمي‬ ‫ضدها وضد احلكومة‬ ‫السورية‪ ،‬ويؤجج الشارع‬ ‫الشعبي السوري ضد‬ ‫ايران من بوابة اتهامها‬ ‫بالتدخل في الشؤون‬ ‫الداخلية لبلدهم‪ ،‬ويخلق‬ ‫صورة عن ايران بأنها ضد‬ ‫الثورات التي تشهدها‬ ‫الدول العربية‪ ،‬اضافة الى‬ ‫مساهمة هذا التدخل في‬ ‫اضعاف موقف بشار األسد‬

‫ولم يخف خامنئي توجسه من الدور الذي يعمل‬ ‫على اضعاف محور الممانعة االيراني ـ السوري‬ ‫ـ حزب اهلل‪ ،‬وان يتحول الى مفتاح حل ازمة‬ ‫السالم في الشرق االوسط‪ ،‬بعد ان وصل فريق‬ ‫السالم في المنطقة الى مرحلة من التأزم‪ ،‬إثر‬ ‫سقوط النظام المصري لم تعد تساعده على لعب‬ ‫دور فاعل‪.‬‬

‫لتدريب االيرانيين المعادين لنظام الشاه‪ ،‬اقامتها‬ ‫منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح والجبهة‬ ‫الشعبية لتحرير فلسطين‪.‬‬

‫واعتبر خامنئي ان دخول ايران المباشر في‬ ‫األزمة السورية‪ ،‬سيساعد في تصعيد الهجوم‬ ‫االعالمي ضدها وضد الحكومة السورية‪،‬‬ ‫ويؤجج الشارع الشعبي السوري ضد ايران من‬ ‫بوابة اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلدهم‪،‬‬ ‫ويخلق صورة عن ايران بأنها ضد الثورات‬ ‫التي تشهدها الدول العربية‪ ،‬اضافة الى مساهمة‬ ‫هذا التدخل في اضعاف موقف بشار األسد في‬ ‫مواجهة الضغوط الدولية والعربية عليه‪.‬‬

‫وقد تعمقت هذه العالقة‪ ،‬بسبب الوضع الذي‬ ‫كان يتمتع به السيد موسى الصدر لدى القيادة‬ ‫السورية‪ ،‬إضافة الى وجود مصطفى شمران الى‬ ‫جانبه‪ ،‬والذي لعب دورا اساسيا في رسم سياسات‬ ‫حركة امل وتحالفها مع سوريا‪ .‬اضافة الى كونه‬ ‫كان يملك رؤية متقاربة مع الرؤية السورية حول‬ ‫العالقة مع منظمة التحرير الفلسطينية والقضية‬ ‫الفلسطينية‪.‬‬ ‫وبعد انتصار الثورة االسالمية في ايران وعودة‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫االمام الخميني من منفاه الباريسي الى طهران‪،‬‬ ‫قدم الرئيس السوري حافظ األسد طائرته الخاصة‬ ‫لتنقل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات‪ ،‬في أول‬ ‫زيارة له الى ايران ولقاء الخميني عن قرب‪.‬‬ ‫وقد أشرف الرئيس السوري الراحل حافظ األسد‬ ‫على بناء هذه العالقة وتعميقها‪ ،‬الى جانب شقيقه‬ ‫رفعت الذي كان حينها يحتل موقعا متقدما في‬ ‫السلطة‪ ،‬الى جانب قيادات سورية اساسية مثل‬ ‫محمد نصيف‪.‬‬ ‫أما من الجانب االيراني‪ ،‬فقد تولى متابعة العالقة‬ ‫مع سوريا عدد من القيادات االيرانية‪ ،‬على‬ ‫رأسها الشيخ هاشمي رفسنجاني وعلي خامنئي‬ ‫اللذان كانا عضوين في مجلس الدفاع األعلى‪،‬‬ ‫اضافة الى وزير حرس الثورة االسالمية محسن‬ ‫رفيق دوست‪.‬‬ ‫اندالع الحرب العراقية االيرانية ساهم في تعميق‬ ‫العالقة بين الجانبين بشكل اساس‪ ،‬خاصة عندما‬ ‫اتخذ حافظ األسد موقفا مؤيدا وداعما اليران في‬ ‫هذه الحرب‪ ،‬ما شكل مخرجا قد يساهم في تقليل‬ ‫االحراج االيراني في حربها مع بغداد‪.‬‬ ‫من هنا يأتي الوصف الذي قدمه الرئيس االيراني‬ ‫السابق هاشمي رفسنجاني لطبيعة العالقة بين‬ ‫ايران وسوريا بأنها «حميمة وتعاوننا مستمر‬ ‫في مسائل فلسطين ولبنان والعراق»‪ ،‬وان‬ ‫الضغوط األميركية على البلدين تجعل مصيرهما‬ ‫«مشتركاً» و«تقربنا اكثر من بعضنا بعضاً»‪.‬‬ ‫وفي هذا االطار يقول رفسنجاني ان ايران اقامت‬ ‫عالقات ممتازة مع سوريا بعد انتصار الثورة‬ ‫مباشرة «وأعلن المرحوم الرئيس حافظ األسد‬ ‫دعمه للثورة سريعاً‪ ،‬وأثبت عملياً من خالل‬ ‫المساعدات الكبيرة والكثيرة التي قدمها لنا خالل‬ ‫الحرب مع العراق‪ ،‬ما ساهم في عدم تحويل هذه‬ ‫الحرب حرباً بين العرب والعجم‪ .‬وهو دفع ايضاً‬ ‫ثمن هذا الموقف الداعم»‪.‬‬ ‫ويقول رفسنجاني ان العالقات بيننا حميمة‬ ‫وتعاوننا كان وما زال واسعاً‪ ،‬وهو مستمر‬ ‫حتى اآلن في مسائل فلسطين ولبنان واليوم في‬ ‫مسائل العراق‪ .‬وفي كثير من المسائل االقليمية‬ ‫والعالمية‪.‬‬ ‫ويعتبر رفسنجاني ان االميركيين والغرب‬ ‫يمارسون ضغوطا على ايران وسوريا‪ ،‬بسبب‬ ‫عدم دخولهما في سياق مخططاتهم للشرق‬ ‫االوسط ومعارضتهما لها‪ ،‬لذلك فهم يمارسون‬ ‫كثيراً من الضغوط على هاتين الدولتين في‬ ‫المسائل االقليمية والداخلية‪ .‬الضغوط على‬ ‫سوريا سببها موضوعات مثل فلسطين ولبنان‬ ‫والعراق‪ ،‬وعلى إيران سببها موضوعات العالم‬

‫‪19‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫االسالمي والخليج الفارسي والطاقة وكذلك‬ ‫مسائل العراق وأفغانستان‪ ،‬أي في شكل عام‬ ‫موضوع السيطرة على المنطقة‪ .‬لهذا السبب‪،‬‬ ‫نحن وسوريا لدينا تقريباً مصير مشترك‪ ،‬وهذه‬ ‫األوضاع تقربنا اكثر من بعضنا بعضاً‪.‬‬ ‫ويضيف رفسنجاني انه بعد رحيل حافظ األسد‪،‬‬ ‫«حفظ الدكتور بشار األسد على إرث والده‪.‬‬ ‫ونحن في هذه االيام واقعياً في حاجة الى مزيد‬ ‫من التشاور والتعاون»‪.‬‬

‫سوريا الحاجة‬ ‫كالم رفسنجاني يكشف عن مدى وعمق هذه‬ ‫العالقة بين الطرفين‪ ،‬خصوصا وان سوريا‬ ‫في بدايات الثورة االيرانية ونشوب الحرب مع‬ ‫العراق‪ ،‬شكلت حاجة ايرانية ملحة واساسية‬ ‫ساهمت في استمرار الثورة وتعزيز قدراتها على‬ ‫مواجهة تبعات الحرب ضدها‪.‬‬ ‫فقد شكلت سوريا المعبر الرئيس لالسلحة‬ ‫لوصول األسلحة التي كانت ممنوعة على‬ ‫ايران‪ ،‬اضافة الى تقديمها للخبرات والخبراء‬ ‫العسكريين‪ ،‬وتكشف المعلومات ان سوريا‬ ‫ارسلت بعثة عسكرية رفيعة المستوى عام‬ ‫‪ 1983‬الى طهران لتدريب ضباط وعناصر‬ ‫من الحرس الثوري على صواريخ «سكود بي»‬ ‫التي حصلت عليها من ليبيا حينها‪ .‬اضافة الى‬ ‫تقديم خبرات على االسلحة الشرقية التي لجأت‬ ‫الى استخدامها ايران بعد الثورة‪ ،‬بعد ان فقدت‬ ‫مصادر تزويدها الغربية واالميركية التي تشكل‬ ‫بنية الجيش والسالح االيراني في عهد الشاه‪.‬‬ ‫ومع االجتياح االسرائيلي للبنان عام ‪،1982‬‬ ‫قامت مجموعة من حرس الثورة االسالمية في‬ ‫ايران بإعالن التعبئة للمشاركة في الحرب ضد‬ ‫القوات االسرائيلية المحتلة‪ ،‬وقامت بإرسال‬ ‫نحو اربعة آالف عنصر الى دمشق في تحرك‬ ‫يتعارض مع االستراتيجية التي اختارتها القيادة‬ ‫السورية في مواجهة االجتياح االسرائيلي‪ ،‬فما‬ ‫كان من القيادة السورية اال ان عملت على اسكان‬ ‫المتطوعين في منطقة السيدة زينب ومنطقة نهر‬ ‫بردى في معسكرات مخصصة لهم‪ ،‬ولم تسمح‬ ‫لهم بالتوجه الى لبنان‪.‬‬ ‫وعندما تدخل الزعيم االيراني الخميني ورفض‬ ‫هذا التحرك‪ ،‬معتبرا ان الهم االول لاليرانيين‬ ‫يجب ان يكون التصدي للهجوم العراقي على‬ ‫ايران ورفع شعار «ايران اوال» وأن «طريق‬ ‫القدس يمر عبر كربالء»‪ ،‬اجبرت هذه‬ ‫المجموعات على العودة الى بالدها‪.‬‬ ‫وفي خطوة متقدمة سمحت القيادة السورية‪،‬‬ ‫وضمن اتفاق مع القيادة االيرانية‪ ،‬لمجموعة‬

‫‪20‬‬

‫من هذه القوات «حرس الثورة» بالتوجه الى‬ ‫منطقة البقاع اللبناني‪ ،‬وانشاء معسكرات‬ ‫تدريب لعناصر المقاومة اللبنانية من حركة‬ ‫امل والمقاومة االسالمية‪ .‬وقد شكلت هذه‬ ‫المعسكرات‪ ،‬النواة االولى والمصنع لما بات‬ ‫يعرف الحقا بحزب اهلل في لبنان‪.‬‬ ‫وفي هذه الفترة قام وزير االستخبارات السوري‪،‬‬ ‫الذي مثل سوريا في اجتماع مجلس الجامعة‬ ‫العربية الذي عقد في مراكش بالمغرب لبحث‬ ‫االجتياح االسرائيلي‪ ،‬بنقل تفاصيل النقاشات‬ ‫التي دارت بين الزعماء العرب الى القيادة‬ ‫االيرانية وسلمهم المحضر الرسمي لها‪.‬‬

‫اندالع احلرب العراقية‬ ‫االيرانية ساهم في‬ ‫تعميق العالقة بني‬ ‫اجلانبني بشكل اساس‪،‬‬ ‫خاصة عندما اتخذ حافظ‬ ‫األسد موقفا مؤيدا‬ ‫وداعما اليران في هذه‬ ‫احلرب‪ ،‬ما شكل مخرجا‬ ‫قد يساهم في تقليل‬ ‫االحراج االيراني في‬ ‫حربها مع بغداد‬ ‫بعد ذلك لعبت سوريا التي كانت حاجة ايرانية‬ ‫دور الوسيط بين ايران والدول العربية‪ ،‬وحامال‬ ‫للرسائل المتبادلة‪ ،‬خصوصا بين طهران‬ ‫والرياض عن طريق الزيارات التي كان يقوم بها‬ ‫حينها الرئيس رفيق الحريري الى دمشق‪ ،‬حامال‬ ‫توجيهات الملك فهد بن عبد العزيز والزيارات‬ ‫التي كان يقوم بها عبد الحليم خدام الى ايران‪.‬‬ ‫وقد لعبت سوريا دورا في كبيرا في نقل وجهات‬ ‫النظر العربية الى ايران وبالعكس‪ ،‬وفي عام‬ ‫‪ ،1986‬وعندما كان الوضع االيراني العسكري‬ ‫يشير الى تفوق على القوات العراقية‪ ،‬قام خدام‬ ‫بزيارة الى طهران ونقل الى القيادة االيرانية‬ ‫رسالة من الرئيس حافظ األسد بامكانية التنسيق‬ ‫مع االتحاد السوفياتي‪ ،‬والحصول منه على‬ ‫اذن يساعد على اسقاط الرئيس العراقي صدام‬ ‫حسين‪ ،‬ما يساعد على وضع حد للحرب الدائرة‬ ‫بين البلدين‪.‬‬ ‫في مقابل المساعدات السورية اليران في الحرب‬

‫والسياسة‪ ،‬قامت ايران بالمقابل بتقديم مساعدات‬ ‫اقتصادية كبيرة لدمشق‪ ،‬اذ حصلت سوريا في‬ ‫تلك الفترة على حصة من النفط االيراني موزعة‬ ‫على قسمين‪ ،‬الجزء االول ان تحصل سوريا على‬ ‫قسم من النفط االيراني مقابل بضائع سورية الى‬ ‫السوق االيرانية‪ ،‬التي كانت تعاني من نقص حاد‬ ‫بسبب الحصار االقتصادي المفروض‪ ،‬والجزء‬ ‫الثاني تقديم نفط بأسعار بقيمة اقل من األسعار‬ ‫التفضيلية التي يمكن ان تحصل عليها أي دولة‬ ‫اخرى‪ ،‬وكل ذلك مقابل استمرار الدعم السوري‬ ‫اليران‪ ،‬وتلبية احتياجاتها السياسية والعسكرية‪.‬‬ ‫اضافة الى ان طهران في تلك الفترة سكتت‬ ‫عن العمليات العسكرية التي قامت بها القوات‬ ‫السورية ضد الوجود الفلسطيني في طرابلس‬ ‫وفرض الخروج الثاني على ياسر عرفات من‬ ‫األراضي اللبنانية‪ ،‬الى جانب سكوتها على‬ ‫الضربة العسكرية التي وجهتها سوريا لألحزاب‬ ‫االسالمية «حركة التوحيد» في طرابلس على‬ ‫الرغم من تحالفها مع ايران‪.‬‬ ‫في العشرين من شهر أغسطس (آب) عام ‪1986‬‬ ‫وصل نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام‬ ‫آنذاك الى طهران‪ ،‬حامال رسالة من الرئيس‬ ‫الراحل حافظ األسد الى الرئيس االيراني‬ ‫آنذاك علي خامنئي في اطار وساطة بين ايران‬ ‫والسعودية تتلخص بالطلب من ايران عدم‬ ‫اعتماد سياسة الرد على السفن السعودية في‬ ‫حرب السفن‪ ،‬التي وقعت في الخليج وذلك بطلب‬ ‫من الملك فهد بن عبدالعزيز حينها‪.‬‬ ‫وكان وزير الخارجية السوري وقتها فاروق‬ ‫الشرع قد وصل الى طهران‪ ،‬في زيارة استمرت‬ ‫عدة ساعات‪ ،‬قبل يومين من زيارة خدام ذاتها‪،‬‬ ‫حامال رسالة من الرئيس السوري تتعلق‬ ‫بتطورات الحرب العراقية االيرانية والمساعي‬ ‫التي تبذلها دمشق بالتنسيق مع الرياض لقطع‬ ‫الطريق على اتساع رقعة الحرب في منطقة‬ ‫الخليج‪ ،‬خصوصا وان حدة التوتر قد ارتفعت‬ ‫بعد قيام الطيران العراقي بضرب آبار النفط‬ ‫االيرانية والناقالت في مياه الخليج‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫تهديد خامنئي (رئيس الجمهورية حينها) برد‬ ‫مماثل‪ .‬وقد انتجت هذه الزيارات المتكررة‬ ‫للمسؤولين السوريين الى ايران الحصول على‬ ‫وعد من خامنئي بوقف العمليات الجوية ضد‬ ‫ناقالت النفط في الخليج ألسبوعين‪.‬‬

‫مراحل التوتر‬ ‫ال شك ان العالقات االيرانية السورية مرت‬ ‫بمراحل من التوتر في حياة الرئيس حافظ األسد‪،‬‬ ‫وايضا خالل رئاسة نجله بشار األسد‪.‬‬ ‫ففي عام ‪ ،1987‬ومع نشوب الحرب الداخلية‬ ‫بين حركة امل وحزب اهلل‪ ،‬برز على السطح‬


‫وجود خالف بين العاصمتين دمشق وطهران‬ ‫على خلفية من يسيطر على القرار الشيعي‬ ‫والمقاومة على الساحة اللبنانية‪ ،‬وهي الحرب‬ ‫التي دفعت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر‬ ‫عرفات الى التخلي عن محاذيره في العالقة مع‬ ‫سوريا وحركة امل‪ ،‬وان يدخل الى جانب حركة‬ ‫امل في حربها ومعركتها مع حزب اهلل‪ ،‬متناسيا‬ ‫الحرب التي شنتها هذه الحركة ضد المخيمات‬ ‫الفلسطينية والوجود الفلسطيني في لبنان بقرار‬ ‫سوري‪ .‬ما دفع الكثير من السياسيين في حينها‬ ‫الى وصف المعركة بين الطرفين الشيعيين‬ ‫بأنها حرب على قرار لبنان بين القرار العربي‬ ‫والقرار الفارسي‪.‬‬ ‫ومع استمرار هذه الحرب ألكثر من سنتين دخلت‬ ‫دمشق وطهران في مفاوضات انتهت بوضع‬ ‫استراتيجية واضحة لصالح سوريا في التفرد‬ ‫بالقرار السياسي اللبناني والشيعي‪ ،‬اذ تم توقيع‬ ‫اتفاق بين حركة امل وحزب اهلل تم على اثره‬ ‫توزيع المهمات بين الطرفين‪ ،‬اذ يتولى نبيه بري‬ ‫وحركة امل مهمة العمل السياسي والرسمي‪،‬‬ ‫في حين يكتفي حزب اهلل بالعمل المقاوم ضد‬ ‫اسرائيل بشكل حصري‪ ،‬وكان من نتائجه داخل‬ ‫حركة امل ان امر نبيه بري مناصريه بوقف‬ ‫العمل العسكري واالكتفاء بما يسمح به مكتب‬ ‫التنسيق الذي تم تشكله بين الحركة والحزب بعد‬ ‫توقيع االتفاق‪ .‬وقد تراجع النفوذ االيراني في هذه‬ ‫المرحلة في لبنان الى لعب دور الداعم الديني‬ ‫والمالي لحزب اهلل‪ ،‬والتسليم امام الدور والنفوذ‬ ‫السوري‪.‬‬

‫إيران الحاجة‬ ‫تكشف معلومات غير متداولة عن دور ايراني‪،‬‬ ‫خصوصا لحرس الثورة وفليق القدس‪ ،‬في عملية‬ ‫االنتقال السلس في السلطة السورية بين الرئيس‬ ‫الراحل حافظ األسد ونجله بشار األسد‪.‬‬ ‫وتكشف هذه المعلومات عن قيام قوات حرس‬ ‫الثورة بنقل عدد كبير من قواتها الى سوريا قبيل‬ ‫االعالن رسميا عن وفاة الرئيس حافظ األسد‪،‬‬ ‫وان هذه القوات قامت باالنتشار حول الدوائر‬ ‫الرسمية الحساسة وتولت مهمة الحفاظ على أمن‬ ‫العاصمة دمشق وبالتحديد القصور الرئاسية‪.‬‬ ‫وبعد تنفيذ الخطة األمنية قامت السلطات السورية‬ ‫باالعالن عن وفاة الرئيس‪ ،‬والبدء بعملية انتقال‬ ‫السلطة‪.‬‬ ‫مع هذه الخطوة والدور االيراني في تكريس‬ ‫رئاسة بشار األسد‪ ،‬انقلبت األدوار في العالقة‬ ‫بين الطرفين‪ ،‬فبعد ان كانت سوريا حاجة‬ ‫ايرانية لمواجهة العزلة االقليمية‪ ،‬تحولت ايران‬ ‫الى حاجة سورية الستمرار واستقرار السلطة‪،‬‬ ‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫وتحولت العالقة بين الطرفين الى عالقة تابع‬ ‫ومتبوع مع قرار ايران باالحتفاظ بدمشق كمعبر‬ ‫ضروري واساسي للوصول الى الساحة اللبنانية‬ ‫وحزب اهلل الحليف في لبنان‪.‬‬ ‫وقد ادركت القيادة االيرانية الوضع السوري‬ ‫الجديد والحاجة لها في استمرار استقرار النظام‪،‬‬ ‫فاستغلت ذلك في تعزيز نفوذها ودعم حلفائها‬ ‫على الساحة اللبنانية‪ ،‬وقد شهدت هذه المرحلة‬ ‫نشاطا واسعا وكبيرا في تعزيز قدرات حزب‬ ‫اهلل العسكرية خصوصا الصاروخية‪ ،‬اضافة الى‬ ‫تعزيز دوره السياسي بالتنسيق مع دمشق‪.‬‬ ‫النظام االيراني ـ وليس الحكومة االيرانية التي‬ ‫كان يرأسها السيد محمد خاتمي ـ الى جانب‬ ‫سوريا في موقفها من رئيس الوزراء اللبناني‬ ‫رفيق الحريري‪ ،‬قد دخال في شراكة سياسية‬ ‫وعسكرية وامنية واضحة على حساب كل‬ ‫المكونات اللبنانية وحتى االقليمية‪.‬‬ ‫وقد وصل مستوى هذا التنسيق ان قام جهات‬ ‫تابعة لمكتب المرشد والحرس الثوري بعرقلة‬ ‫وثم الغاء عقود لبناء محطة كهربائية‪ ،‬كان‬ ‫قد توصل الى عقدها الحريري مع الحكومة‬ ‫االيرانية‪ ،‬وذلك بناء على طلب من القيادة‬ ‫السورية‪ ،‬اذ اعتبر بشار االسد ان الحريري‬ ‫يحاول االلتفاف عليه من خالل تعزيز عالقاته‬ ‫مع ايران‪ ،‬خصوصا وان الحديث عن الصفقة‪،‬‬ ‫جاء في الوقت الذي كان الحريري قد اخرج من‬ ‫رئاسة الوزراء بقرار سوري واضح‪.‬‬ ‫ويمكن القول ان السنوات االولى من القرن‬ ‫الواحد والعشرين‪ ،‬أي الفترة الممتدة ما بين‬ ‫وصول بشار االسد الى السلطة الى سنة ‪،2005‬‬ ‫هي الفترة التي شهدت اكبر نشاط تسليحي لحزب‬ ‫اهلل من ايران‪ .‬وقد قامت ايران ايضا بتعزيز‬ ‫القدرات العسكرية السورية‪ ،‬من خالل عقد‬ ‫صفقات اسلحة وتسليح مع دول أجنبية لصالح‬ ‫سوريا وهنا بالتحديد مع موسكو‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 2002‬قامت ايران بتزويد سوريا‬ ‫بمصانع لصواريخ «سكود بي» الروسية‬ ‫االصل‪ ،‬وقد جاء القرار االيراني بعد توصل‬ ‫المصانع العسكرية االيرانية الى تكنولوجيا‬ ‫صناعة صواريخ اكثر تطورا من السكود‪،‬‬

‫والتي باتت تعرف بصواريخ شهاب وغيرها من‬ ‫الصواريخ الباليستية‪.‬‬ ‫بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري‪ ،‬ابدت‬ ‫طهران عتبا واضحا على دمشق‪ ،‬بسبب التسرع‬ ‫الذي ابدته في االستجابة للضغوط الغربية‪،‬‬ ‫وطلب االنسحاب من لبنان‪ ،‬وقد كان رأي القيادة‬ ‫االيرانية انه كان بإمكان سوريا الحصول على‬ ‫ثمن مقابل هذا االنسحاب‪ ،‬او على االقل تأجيل‬ ‫هذا االنسحاب وعدم االلتزام بالموعد الذي حددته‬ ‫هذه الدول او القيام بخطوة اكثر جرأة‪ ،‬تتلخص‬ ‫بإعالن اعادة تموضع او انتشار للقوات السورية‬ ‫في لبنان وسحب القوات الى منطقة البقاع في‬ ‫الشرق‪ ،‬ومن ثم الدخول في مفاوضات حول‬ ‫االنسحاب الكامل‪ .‬وقد ابلغت طهران القيادة‬ ‫السورية بهذا االمر‪ ،‬اال ان الرئيس بشار االسد‬ ‫سارع الى تلبية المطالب الغربية‪.‬‬ ‫وامام االتهامات العربية والغربية لسوريا‬ ‫بالوقوف وراء اغتيال الرئيس الحريري‪ ،‬وقفت‬ ‫طهران الى جانب دمشق بكل قوتها‪ ،‬لكنها ركزت‬ ‫على مسلمات ايرانية تتعلق بالوضع اللبناني‪.‬‬ ‫وقد قامت طهران بابالغ دمشق بمسلماتها حول‬ ‫الوضع المستجد في لبنان تتلخص بالتالي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ رفض ايران الي حرب داخلية في لبنان‪،‬‬ ‫وان على دمشق وقف كل الجهود التي قد تؤدي‬ ‫الى نشوب مثل هذه الحرب‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ان ايران ستبذل جهودا القناع االطراف‬ ‫العربية باستبدال المطالبة بمحكمة دولية بإنشاء‬ ‫محكمة لبنانية‪ ،‬او محكمة تحت اشراف جامعة‬ ‫الدول العربية او مؤتمر دول العالم االسالمي‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ان ايران تعتبر تشكيل محكمة دولية في‬ ‫قضية اغتيال الرئيس الحريري‪ ،‬سيساهم في‬ ‫اطالق اليد االميركية في الشأن اللبناني وفتح‬ ‫الملفات الماضية والتحكم بحاضر ومستقبل‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ان ايران لن تسمح بأن يتحول لبنان الى‬ ‫كبش فداء لسوريا في أي من االزمات‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق يمكن القول ان حرب يوليو‬

‫‪21‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫الرئيس محمد خامتي يستقبل‬ ‫بشار األسد بطهران في يناير ‪2005‬‬ ‫(تموز) عام ‪ 2006‬بين اسرائيل وحزب اهلل‬ ‫في لبنان قد ساهمت في فك عزلة سوريا عربيا‬ ‫ودوليا‪ ،‬وانها كانت انتصارا لسوريا بقدر ما‬ ‫كانت انتصارا اليران وحزب اهلل‪ ،‬اذ ساهمت‬ ‫في عودة سوريا الى الساحة السياسية ولعب‬ ‫دور الوسيط بين ايران وبعض الدول الغربية‬ ‫خصوصا فرنسا‪ ،‬وقد حمل الرئيس بشار األسد‬ ‫اكثر من رسالة فرنسية وغربية الى ايران تتعلق‬ ‫بملفها النووي‪.‬‬ ‫هذه العالقة التي تقارب االستراتيجية على الرغم‬ ‫من حرص الطرفين على وصفها بهذا الوصف‪،‬‬ ‫اال ان هذه العالقة بين الطرفين في مرحلة‬ ‫بشار االسد مرت بعدد من المحطات السلبية‪،‬‬ ‫وبالتحديد في االمور التي تتعلق بمسألتي العالقة‬ ‫االيرانية السعودية والوضع العراقي‪.‬‬ ‫فقد ابدت ايران انزعاجها الكبير من الدور‬ ‫السوري السلبي في العراق‪ ،‬خصوصا ما يتعلق‬ ‫بدعمها للعناصر التابعة لتنظيم القاعدة وبقايا‬ ‫حزب البعث والتفجيرات التي يقومون بها داخل‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫وفي سنة ‪ 2007‬ابدت القيادة االيرانية انزعاجا‬

‫‪22‬‬

‫واضحا من التحركات التي قام بها الرئيس‬ ‫السوري بشار االسد‪ ،‬على هامش القمة العربية‬ ‫التي عقدت في الرياض‪ ،‬اذ اتهمت القيادة‬ ‫االيرانية الرئيس السوري بمحاولة تخريب‬ ‫وضرب العالقات التي تربط بين طهران‬ ‫والرياض بهدف تحسين عالقته بالملك عبداهلل‬ ‫بن عبدالعزيز‪ ،‬اال ان عمق العالقة التي تربط‬ ‫بين ايران والقيادة السعودية‪ ،‬قطع الطريق على‬ ‫مساعي الرئيس السوري‪ ،‬األمر الذي ساعد‬ ‫وساهم في اعادة تصويب العالقة بين دمشق‬ ‫وطهران وعودتها الى الطريق الصحيح‪.‬‬

‫األزمة السورية‬ ‫ال شك ان ايران وقفت وتقف بكل قوتها الى‬ ‫جانب سوريا في االزمة التي تواجهها‪ ،‬منذ‬ ‫اندالع حركة االحتجاجات الشعبية التي بدأت‬ ‫قبل نحو سنة ونصف السنة‪ ،‬وقد ابدت منذ البداية‬ ‫موقفا مؤيدا للقيادة السورية في مواجهة ما تسميه‬ ‫«مؤامرة» لضرب خط «الممانعة» في المنطقة‬ ‫لصالح اسرائيل‪.‬‬ ‫وقد لجأت القيادة االيرانية من خالل العالقات‬ ‫التي تربطها بالقيادة السورية‪ ،‬الى التأكيد‬

‫على ضرورة عدم لجوء دمشق الى استخدام‬ ‫العنف واستخدام السالح في التصدي لحركة‬ ‫االحتجاجات الشعبية‪ ،‬وطلبت من القيادة السورية‬ ‫االستفادة من التجربة االيرانية في مواجهة‬ ‫االزمة التي نشبت في ايران بعد االنتخابات‬ ‫الرئاسية عام ‪ ،2009‬عندما تنبهت بسرعة الى‬ ‫مخاطر استخدام القوة ضد المتظاهرين‪ .‬اال ان‬ ‫الجانب االيراني يعتبر ان القيادة السورية لم‬ ‫تأخذ هذه النصائح على محمل الجد وفضلت‬ ‫اللجوء الى القوة بناء على العقلية العسكرية التي‬ ‫تحكم اسلوب القيادة السورية في التعاطي مع‬ ‫المسائل الداخلية‪.‬‬ ‫وقد قامت طهران بإبالغ دمشق بضرورة التحرك‬ ‫باتجاه وقف عمليات العنف والبدء بحوار مع‬ ‫المعارضة في الداخل وحتى في الخارج لنزع‬ ‫الذرائع من القوى والدول المعادية في الغرب‬ ‫والمنطقة‪ ،‬وهي لم تدخر وسعا في التخفيف من‬ ‫حدة هذه الضغوط خاصة التركية منها‪.‬‬ ‫وفي سياق آخر‪ ،‬وانطالقا من ضرورة الحفاظ‬ ‫على مصالحها‪ ،‬بدأت طهران بمساعي للتواصل‬ ‫مع المعارضة السورية في الداخل والخارج‪ ،‬وقد‬ ‫نجحت الى حد ما في بناء مثل هذه العالقات مع‬


‫بعض اطراف المعارضة‪ ،‬وهي لن تدخر جهدا‬ ‫في توظيفها من التخفيف عن الحكومة السورية‬ ‫والمساهمة والمساعدة في فتح باب الحوار بين‬ ‫الطرفين‪ ،‬وفي أسوأ االحوال ضمان موطئ قدم‬ ‫لها في سوريا الجديدة في حال لم تستطع مساعدة‬ ‫النظام السوري على انقاذ نفسه‪.‬‬ ‫وعندما لم تجد مساعي ايران باالنفتاح على‬ ‫تيار محدد من المعارضة السورية‪ ،‬ومع‬ ‫تدهور الوضع األمني وتراجع قدرة النظام‬ ‫السوري في السيطرة على زمام األمور‪،‬‬ ‫كانت طهران امام واحد من خيارين‪ ،‬اما‬ ‫التسليم بخسارة موقعها في سوريا واالنسحاب‬ ‫والتخلي عن حليفها الذي ذهب بالعنف الى حد‬ ‫ال يمكن تسويغه‪ ،‬واما الوقوف الى جانبه ودفع‬ ‫الثمن السياسي واالقتصادي والعسكري للدعم‬ ‫الذي سيكون من المفروض عليها تقديمه دفاعا‬ ‫عن هذا النظام‪.‬‬ ‫ومن منطلق التعريف الذي قدمه أحد عرابي‬ ‫العالقة بين ايران وسوريا منذ البدايات‪ ،‬وزير‬ ‫حرس الثورة االسالمية في الثمانينات محسن‬ ‫رفيق دوست‪ ،‬عندما وصف ما يربط بين طهران‬ ‫ودمشق بأنه «أبعد» من التحالف االستراتيجي‬ ‫ليصل الى التحالف «االيديولوجي»‪ .‬يمكن فهم‬ ‫استمرار التورط االيراني الكبير في االزمة‬ ‫السورية‪ ،‬وانها لن تتوانى في الدفع باتجاه الحفاظ‬ ‫على بقاء هذا النظام‪ ،‬مهما كانت فاتورة ذلك‬ ‫االخالقية والسياسية كبيرة‪.‬‬ ‫فقد ساهمت القيادة العسكرية االيرانية‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من اعترافها امام بعض اصدقائها‪،‬‬ ‫بصعوبة االستمرار في تقديم الدعم االقتصادي‬ ‫الذي تقدمه طهران لدمشق‪ ،‬خصوصا في ظل‬ ‫تشديد العقوبات الدولية المفروضة عليها‪ ،‬لكنها‬ ‫في المقابل قامت بإرسال عدد من الخبراء‬ ‫العسكريين الى دمشق للمشاركة في قيادة‬ ‫العمليات ضد المحتجين والثائرين ضد النظام‬ ‫في هذا البلد‪.‬‬ ‫وتقول طهران ان مهمة الخبراء الموجودين في‬ ‫دمشق تتلخص مهمتهم في التخفيف من عمليات‬ ‫القمع والقتل التي تمارسها قوات النظام السوري‪،‬‬ ‫وتقديم استشارات تتعلق في مواجهة الهجمات‬ ‫العسكرية التي يشنها الثوار ضد المراكز‬ ‫العسكرية التابعة للنظام‪.‬‬ ‫ولم تخف هذه القيادات انزعاجها من عمليات‬ ‫القتل التي تمارسها قوات النظام السوري ضد‬ ‫المدنيين‪ ،‬ودعوة قوات النظام الى عدم استخدام‬ ‫الرصاص الحي ضد المدنيين‪ ،‬اال ان القيادة‬ ‫االيرانية ـ السياسية والدينية ـ باتت تتعرض‬ ‫لسيل من االسئلة الداخلية الى جانب الدولية تتعلق‬ ‫بحجم مسؤوليتها عن الدماء التي تراق في سوريا‬ ‫على ايدي عناصر النظام السوري‪.‬‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫حرب إقليمية‬ ‫للخروج من المأزق االخالقي والديني الذي‬ ‫وجدت القيادة االيرانية وحلفاؤها في لبنان أنفسهم‬ ‫امامه‪ ،‬عملت على تحويل ما تشهده الساحة‬ ‫السورية الى معركة اقليمية بينها وبين الدول‬ ‫المعنية باالزمة السورية‪.‬‬ ‫وفي هذا االطار ركزت القيادة االيرانية هجومها‬ ‫على كل من تركيا وقطر والسعودية‪ ،‬واعتبرت‬ ‫المعركة السورية معركة بينها وبين هذه الدول‪،‬‬ ‫وان السماح لهذه الدول بتحقيق انتصار في‬ ‫سوريا يعني انتصارا على المشروع االيراني‬

‫رفسنجاني‪ :‬ايران اقامت‬ ‫عالقات ممتازة مع‬ ‫سوريا بعد انتصار الثورة‬ ‫مباشرة وأعلن املرحوم‬ ‫الرئيس حافظ األسد‬ ‫ً‬ ‫سريعا‪،‬‬ ‫دعمه للثورة‬ ‫ً‬ ‫عمليا من خالل‬ ‫وأثبت‬ ‫املساعدات الكبيرة‬ ‫والكثيرة التي قدمها‬ ‫لنا خالل احلرب مع‬ ‫العراق‪ ،‬ما ساهم في‬ ‫عدم حتويل هذه احلرب‬ ‫ً‬ ‫حربا بني العرب والعجم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ايضا ثمن هذا‬ ‫وهو دفع‬ ‫املوقف الداعم‬ ‫الذي تصفه طهران بأنه يمثل «خط الممانعة‬ ‫والمقاومة»‪ ،‬وبالتالي فإن سقوط نظام األسد‬ ‫سيعني انتقال التركيز الدولي واالقليمي على‬ ‫استكمال محاصرة ايران‪ ،‬وتحجيم دورها في‬ ‫المنطقة بعد النجاح في فك االرتباط بين طهران‬ ‫ودمشق في المنطقة‪.‬‬ ‫وقد ارتفع منسوب التدخل او التورط االيراني في‬ ‫االزمة السورية ودعم النظام في دمشق‪ ،‬ازداد‬ ‫بعد االجتماع الذي عقدته مجموعة االتصال‬ ‫الدولية حول سوريا في جنيف بتاريخ ‪ 30‬يونيو‬ ‫(حزيران) عام ‪ 2012‬الذي ترافق مع تصاعد‬ ‫العمليات العسكرية التي يقوم بها عناصر‬ ‫«الجيش الحر» ضد قوات النظام في كل المدن‬

‫السورية‪ ،‬ووقوع العاصمة دمشق في مرمى‬ ‫نيران هذه العناصر‪.‬‬ ‫فقد كشفت ورقة وزعت داخل مؤسسة حرس‬ ‫الثورة االسالمية بالتزامن مع اجتماع جنيف‪ ،‬عن‬ ‫رؤية ايرانية يجب على النظام في سوريا اتباعها‬ ‫في مواجهة العمليات العسكرية للمعارضة‪،‬‬ ‫والرد على الضغوط الدولية على امل تغيير‬ ‫المعادلة وفرض منطق جديد لالحداث‪ ،‬وذلك‬ ‫بأن على النظام السوري في هذه المرحلة‪ ،‬اتخاذ‬ ‫خطوات عسكرية حاسمة وقوية وصاعقة تكون‬ ‫بمثابة الرد على مؤتمر جنيف‪ .‬وتتلخص هذه‬ ‫الخطوات بقيام قوات النظام بالتعامل بشكل حاسم‬ ‫مع كل البؤر العسكرية للعناصر»المسلحين»‬ ‫وتقديم صورة جديدة للجيش النظامي «تليق» به‬ ‫والعمل على استعادة االمن واالستقرار وتنظيف‬ ‫المناطق التي يسيطر عليها هؤالء‪.‬‬ ‫ومع التفجير الذي وقع في مبنى األمن القومي‬ ‫في دمشق‪ ،‬بدأت قوات النظام بتطبيق هذه‬ ‫االستراتيجية‪ ،‬اذ شهدت المرحلة الجديدة تصاعدا‬ ‫في اعمال العنف التي يمارسها النظام واللجوء‬ ‫الى استخدام سالح الجو بشكل واسع وكثيف‪،‬‬ ‫وقامت باستخدام سياسة االرض المحروقة بشكل‬ ‫واسع‪ ،‬ما نتج عنه تزايد المجازر في كل المناطق‬ ‫السورية واتساع رقعة التدمير التي تقوم بها‬ ‫الطائرات الحربية للنظام‪.‬‬ ‫فشل النظام السوري في تطبيق هذه االستراتيجية‪،‬‬ ‫ونجاحه فقط في زيادة اعداد القتلى والمجازر‬ ‫المتنقلة بين المدن والقرى والمناطق السورية‪،‬‬ ‫اسهم في دفع العديد من العواصم المترددة‬ ‫في موقفها من االزمة السورية بالكشف عن‬ ‫امتعاضها من تصرفات هذا النظام االجرامية‪،‬‬ ‫والتي لم يعد باالمكان التغطية عليها او عدم‬ ‫اخذها بعين االعتبار‪ ،‬في حين وضع طهران امام‬ ‫امتحان صعب ادركت فيه مدى ضعف حليفها‬ ‫على االستمرار‪ ،‬وانه فقد السيطرة على مسار‬ ‫االمور ولم يعد يتحكم في االحداث وانتقل من‬ ‫حالة الفعل الى حالة ردة الفعل امام تصاعد‬ ‫عمليات الثوار‪.‬‬ ‫وبعد ان كانت طهران رافضة ألي تدخل في‬ ‫سوريا وتقف بوجه أي مساع لحل االزمة في‬ ‫هذا البلد‪ ،‬ال تأخذ بعين االعتبار استمرار االسد‬ ‫على رأس السلطة‪ ،‬ها هي اليوم تحاول التوصل‬ ‫مع بعض الدول االقليمية الى تشكيل «رباعية»‬ ‫تضمها الى جانب كل من تركيا والسعودية‬ ‫ومصر لبحث رؤية للحل في سوريا بدعم‬ ‫دولي ال تشترط بقاء او استمرار بشار االسد‬ ‫على رأس السلطة‪ ،‬لكنها قد تبقى او تحافظ على‬ ‫المؤسسة العسكرية والنظام بعد ادخال تعديالت‬ ‫جذرية عليه‪ ،‬بما يضمن مصالح ومطالب كل‬ ‫االطراف االقليمية المعنية بالموضوع السوري‪،‬‬ ‫وتلبي حاجات المجتمع الدولي المطالب بالتغيير‬ ‫في سوريا‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫آية اهلل علي خامنئي‬

‫إيران وسياسة خلق األزمات‪ ..‬من صدام إلى بشار‬

‫بروتوكوالت المرشد‬ ‫ال شك أن هناك عوامل مشتركة بين البرنامج النووي اإليراني ونظام بشار األسد في سوريا‪ ،‬حيث يهدف كالهما إلى تقويض‬ ‫المصالح الغربية في الشرق األوسط‪ .‬ولذلك السبب‪ ،‬فإنه بقدر ما يرى آية اهلل علي خامنئي البرنامج النووي باعتباره أحد‬ ‫أسس الهوية السياسية للجمهورية اإلسالمية‪ ،‬فإن موقفه الموالي لألسد حدد موقعه في السياسة اإلقليمية إليران‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬مهدي خلجي‬ ‫دفع توجه آية اهلل روح اهلل الخميني المغامر‬ ‫صوب المنطقة صدام حسين لغزو إيران في‬ ‫‪ 1981 - 1980‬وشن حرب مدمرة استمرت‬ ‫لثمانية أعوام‪ .‬وعن تلك الحرب قال علي أكبر‬ ‫هاشمي رفسنجاني‪ ،‬موضع ثقة الخميني‪،‬‬ ‫ونائب رئيس األركان المسلحة سابقا‪ ،‬في حوار‬ ‫ّ‬ ‫المفكر اإليراني البارز واألستاذ بجامعة‬ ‫مع‬ ‫طهران «صادق زيبا كالم» إن الخميني كان‬ ‫سعيدا بغزو صدام حسين إليران‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫فقد قال الخميني لرفسنجاني‪« :‬لقد أوقع‬ ‫صدام نفسه في ورطة‪ .‬فاآلن نستطيع أن نحل‬ ‫مشكالت الشرق األوسط لألبد»‪ .‬وقد كلف‬ ‫تقييم الخميني غير الواقعي إلمكانات إيران‬ ‫العسكرية وعالقات العراق بالعالمين العربي‬ ‫والغربي أمته الماليين من القتلى‪ ،‬كما أنه دمر‬ ‫البنية التحتية بلده‪.‬‬ ‫بعد ذلك بسنوات عدة‪ ،‬وبعدما قبل الخميني‬ ‫قرار األمم المتحدة الذي يدعو لوقف إطالق‬

‫النيران‪ ،‬توفي مرشد الثورة‪ ،‬وخلفه آية اهلل‬ ‫علي خامنئي‪ .‬وقد ركز الرئيس المعين حديثا‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬أكبر هاشمي رافسنجاني‪ ،‬على‬ ‫إعادة هيكلة البالد‪ ،‬فيما ركز خامنئي أساسا‬ ‫على إعادة هيكلة اإلمكانات العسكرية إليران‬ ‫من خالل تعديل المبادئ العسكرية إليران‪.‬‬ ‫وكانت المبادئ الجديدة تعتمد على أساسين‪،‬‬ ‫البرنامج النووي‪ ،‬والحرب غير النظامية‪.‬‬ ‫فقد كانت سياسة إيران ما بعد الحرب تعتمد‬


‫على تعزيز قواها الناعمة في العديد من الدول‬ ‫اإلسالمية من خالل تكتيكات الدعاية العلنية‬ ‫والخفية باإلضافة إلى األنشطة الخيرية‪.‬‬ ‫ففي حالة وقوع كارثة في أي دولة إسالمية أو‬ ‫نشوب نزاع إقليمي‪ ،‬بداية من نزاع جمهورية‬ ‫أذربيجان مع أرمينيا في ‪ 1990‬حول «قرة‬ ‫باغ» إلى النزاع اإلسرائيلي ‪ -‬الفلسطيني أو‬ ‫سلسلة النزاعات التي وقعت في أفغانستان‬ ‫خالل التسعينيات واأللفينيات‪ ،‬كانت إيران‬ ‫تدعم ماليا وعسكريا جماعات أو أطرافا‬ ‫معينة ضد بعضها البعض من دون أن تعترف‬ ‫عالنية بذلك‪.‬‬ ‫كما لعب استخدام قوات «القدس» كجناح‬ ‫عملياتي للحرس الثوري اإليراني خارج إيران‬ ‫دورا مهما في تعزيز مصالح إيران في المنطقة‬ ‫وخارج الشرق األوسط (مثل السودان)‪.‬‬ ‫وتمثل مبادئ آية اهلل خامنئي العسكرية جزءا‬ ‫من رؤيته حول أن إيران ال يمكنها تحمل‬ ‫مواجهة عسكرية أخرى داخل أراضيها‪.‬‬ ‫فقد كان واعيا تماما بضعف قدرات إيران‬ ‫النسبي في الحرب التقليدية‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫التكلفة اآليديولوجية والسياسية للحرب‬ ‫بالنسبة للجمهورية اإلسالمية‪ .‬فقد كانت نهاية‬ ‫حرب إيران – العراق بداية لتحول مجتمعي‬ ‫وآيديولوجي‪ .‬فقد تم استبدال القيم الثورية‬ ‫بقيم أكثر تجارية‪ ،‬إلى جانب الفساد األخالقي‬ ‫واالجتماعي واالقتصادي‪.‬‬ ‫وقد تبنت الحكومة العديد من تلك السياسات‪،‬‬ ‫ظاهريا‪ ،‬التي كانت مرفوضة في العقد األول‬ ‫التالي للثورة‪ ،‬نظرا ألن الشاه كان يتبناها‬ ‫أو ألنها كانت تمثل النماذج الغربية للتنمية‬ ‫االقتصادية‪ .‬وثارت شكوك عميقة حول‬ ‫الشرعية السياسية لرجال الدين ونظرية‬ ‫«والية الفقيه» ثم اختفت تدريجيا‪ .‬فقد مهد‬ ‫جيل الحرب الطريق أمام جيل يشمئز من‬ ‫الحرب ويتوق ألن يبتعد عن السياسة وينأى‬ ‫بنفسه عن المثالية‪ .‬فمن الناحية اآليديولوجية‬ ‫دمرت الحرب الثورة‪.‬‬ ‫ويعد وصف إيران لكل من أميركا وإسرائيل‬ ‫بأنهما عدوتان‪ ،‬معبرا عن ميلها لصنع أعداء‬ ‫بدال من العثور على األصدقاء‪ .‬فعالقة إيران‬ ‫بجيرانها العرب والقوى اإلقليمية مثل المملكة‬ ‫العربية السعودية ومصر عالقة إشكالية‪ .‬كما‬ ‫أن عالقتها بكل من أفغانستان وباكستان هي‬ ‫عالقة معقدة كذلك‪ .‬باإلضافة إلى أن عالقة‬ ‫طهران بجمهورية أذربيجان هي عالقة غير‬ ‫متوازنة أخذا في االعتبار الخلفية التاريخية‬ ‫لتأييدها ألرمينيا خالل التسعينيات‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن هناك تعاونا بين إيران‬ ‫وروسيا‪ ،‬يبدو أن روسيا تنظر إلى إيران‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫متثل مبادئ آية الله خامنئي العسكرية جزءا من رؤيته حول أن‬ ‫إيران ال ميكنها حتمل مواجهة عسكرية أخرى داخل أراضيها‪..‬‬ ‫فقد كان واعيا متاما بضعف قدرات إيران النسبي في احلرب‬ ‫التقليدية‪ ،‬باإلضافة إلى التكلفة اآليديولوجية والسياسية‬ ‫للحرب بالنسبة للجمهورية اإلسالمية‬

‫باعتبارها قوة ضد الغرب أكثر من كونها‬ ‫شريكا استراتيجيا‪ .‬وساعدت سياسة إيران‬ ‫الخارجية خالل العقود الثالثة الماضية إيران‬ ‫على عزل نفسها بدال من بناء الثقة بينها وبين‬ ‫القوى اإلقليمية‪ .‬وتمثل سوريا استثناء من ذلك‪،‬‬ ‫ولذا فإنها تمثل أهمية كبرى بالنسبة إليران‪.‬‬ ‫تستخدم الجمهورية اإلسالمية أداتين لتعزيز‬ ‫سلطتها كقوة عظمى في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬القوى الناعمة والتي تتضمن استخدام‬ ‫إيران لوسائل اإلعالم والشبكات الدينية مثل‬ ‫نشر اآليديولوجيا اإلسالمية الشيعية وتعزيز‬ ‫وضع خامنئي الديني‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬يعمل النظام على تكوين شبكات من‬ ‫الموالين‪ ،‬وتأسيس عالقات مع العديد من‬ ‫الجماعات اإلسالمية سواء كانت مسلحة‬ ‫أو غير مسلحة‪ .‬ويمكن رصد العديد من‬ ‫تلك الجماعات عند قبلوها دعوة الجمهورية‬ ‫اإلسالمية بالسفر إلى إيران لحضور احتفاليات‬ ‫ذكرى الثورة أو الفعاليات السنوية إلحياء‬ ‫ذكرى آية اهلل الخميني‪.‬‬ ‫وكل عام‪ ،‬يسافر أكثر من عشرة آالف مسلم من‬ ‫جماعات إسالمية متنوعة إلى طهران لتعزيز‬ ‫عالقاتهم المنهجية بالجمهورية اإلسالمية‪،‬‬ ‫حيث يجند آية اهلل خامنئي المسلمين بزعم‬ ‫الدراسة لالنضمام إلى أجندته اآليديولوجية‪.‬‬ ‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬تعمل «جامعة المصطفى‬ ‫الدولية» في «قم» كمركز ضخم للتدريب‬ ‫اآليديولوجي للمسلمين وإقامة جسور الصلة‬ ‫بين الجماعات اإلسالمية المختلفة في جميع‬ ‫أنحاء العالم‪ .‬وللجامعة عشرات من الفروع‬ ‫خارج إيران‪ ،‬كما أن بها آالفا من الطالب‬ ‫األجانب‪.‬‬

‫تحالفات تكتيكية‬ ‫والمذهل أنه على الرغم من سياسات الجمهورية‬ ‫اإلسالمية المحلية المناهضة للسنة‪ ،‬لم يكن لدى‬ ‫إيران مشكلة في إقامة تحالفات استراتيجية‬ ‫وتكتيكية مع المنظمات السنية ما دامت تهدد‬ ‫مصالح الغرب أو إسرائيل‪ .‬ويمثل تعاون إيران‬

‫مع تنظيم القاعدة في بعض الفترات نموذجا‬ ‫واضحا حول كيف يمكن أن يتحد حزبان‬ ‫يكرهان بعضهما ويعتمدان آيدولوجيات متباينة‬ ‫للغاية في مواجهة عدو مشترك‪ .‬والمثال الثاني‬ ‫هو اإلخوان المسلمون‪ ،‬أكبر تنظيم سني في‬ ‫العالم‪ ،‬والذي يحمل أيضا خالفات آيديولوجية‬ ‫مع الجمهورية اإلسالمية‪ .‬فلم يرحب فقط‬ ‫اإلخوان المسلمون بظهور الجمهورية‬ ‫اإلسالمية في إيران في أعقاب ثورة ‪،1979‬‬ ‫ولكن إيران احتفت أيضا بحماس بالغ بصعود‬ ‫اإلخوان المسلمين في مصر‪.‬‬ ‫فإذا ما كان اإلخوان المسلمون ينظرون إلى‬ ‫الجمهورية اإلسالمية في ‪ 1979‬باعتبارها‬ ‫نصرا لرؤيتهم‪ ،‬وأول حكومة إسالمية منذ‬ ‫انهيار الخالفة العثمانية‪ ،‬فإن إيران تنظر أيضا‬ ‫إلى تصدير اإلخوان المسلمين للثورة باعتباره‬ ‫نجاحا‪ .‬فقد كان آية اهلل خامنئي يكره تعبير‬ ‫«الربيع العربي»‪ ،‬ألنه يشير إلى أن االنتفاضات‬ ‫العربية األخيرة تنبع من رغبة العرب في‬ ‫تأسيس حكومات ديمقراطية بدال من الحكومات‬ ‫الطغيانية‪ .‬وهو يستخدم تعبيرا آخر لإلشارة إلى‬ ‫تلك التطورات‪« :‬الصحوة اإلسالمية»‪ ،‬حيث‬ ‫إنه يقلل من شأن الطبيعة العربية لتلك الحركات‬ ‫وينفي بعدها الديمقراطي‪ .‬فهو يصور تلك‬ ‫الحركات باعتبارها تطلعات إسالمية لتأسيس‬ ‫حكومات إسالمية‪.‬‬ ‫ومن الواضح أنه يعتقد أيضا أنه نظرا‬ ‫ألن حكومات‪ ،‬مثل الحكومة المصرية‬ ‫الجديدة‪ ،‬تطبق الشريعة وتعادي أميركا‬ ‫وإسرائيل فإنه لذلك يزعم بأن حركاتهم‬ ‫كانت مستوحاة من الثورة اإليرانية ومتأثرة‬ ‫بسياستها وآيديولوجيتها‪ .‬فقد استخدمت إيران‬ ‫المظاهرات األخيرة في الدول اإلسالمية‬ ‫والهجمات على السفارات األميركية باعتبارها‬ ‫دليال على أن مناهضة أميركا هي إحدى‬ ‫الخصائص األصيلة للصحوة اإلسالمية‪.‬‬ ‫ويمكن لالنتفاضة في الدول العربية أن تمثل‬ ‫تجربة طيبة بالنسبة للجمهورية اإلسالمية إذا‬ ‫لم تدخل سوريا في المعادلة‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫شؤون سياسية‬

‫فخالل العقود الثالثة الماضية‪ ،‬أصبحت سوريا‬ ‫الحليف االستراتيجي الوحيد للجمهورية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬حيث مكنت سوريا إيران من أن‬ ‫تصبح التهديد األكثر خطرا على إسرائيل‪ .‬فقد‬ ‫أصبحت التهديدات اإليرانية إلسرائيل وأميركا‬ ‫أساسا للسياسة الخارجية إليران‪ .‬فوفقا للمبادئ‬ ‫العسكرية إليران والتي تصر على أن تتجنب‬ ‫إيران المواجهة العسكرية مع أعدائها‪ ،‬ما زالت‬ ‫الحرب غير النظامية من أولى أولويات إيران‪،‬‬ ‫وبالتالي تصبح سوريا هي الفناء الخلفي الذي‬ ‫تدير فيه إيران كال من حربها الناعمة وحربها‬ ‫بالوكالة ضد إسرائيل والواليات المتحدة‪.‬‬ ‫وبقدر ما يرى آية اهلل خامنئي االنتفاضات‬ ‫الشعبية في تونس‪ ،‬وليبيا‪ ،‬ومصر‪ ،‬واليمن‬ ‫كتجسيد أصيل لكراهية الناس للدكتاتورية‬ ‫والفقر‪ ،‬فإنه يعتقد أن االنتفاضة الشعبية السورية‬ ‫تثيرها إسرائيل والواليات المتحدة إلضعاف‬ ‫الجبهة المناهضة إلسرائيل في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬الجمهورية اإلسالمية‪.‬‬ ‫وبمعنى آخر‪ ،‬فبالنسبة لخامنئي‪ ،‬إذا ما أسفرت‬ ‫األزمة السورية عن انهيار نظام األسد‪ ،‬فإنها‬ ‫يمكن أن تؤدي إلى هجوم عسكري تقوده‬ ‫إسرائيل أو الواليات المتحدة ضد إيران‪ .‬ويمكن‬ ‫أن يجعل سقوط األسد بالتزامن مع هجمة على‬ ‫المنشآت النووية اإليرانية إيران تخسر عاملي‬ ‫قوتها‪ ،‬وهو ما يعني أنه أصبح عليها تعزيز‬ ‫سياستها الخارجية على نحو يضمن تفوقها في‬ ‫المنطقة‪ ،‬ويجعلها تبدو خطرة بالنسبة إلسرائيل‬ ‫والغرب‪.‬‬ ‫وعلى نحو منفصل‪ ،‬ال يمكن مقارنة خسارة‬ ‫األسد بخسارة برنامجها النووي‪ .‬ولذلك‪ ،‬يؤمن‬ ‫خامنئي بأن إيران يجب أن تؤيد االنتفاضات‬ ‫العربية في البلدان األخرى باإلضافة إلى‬ ‫مقاومة الجهود المناهضة لألسد في سوريا‪،‬‬ ‫ومساعدة األسد على قمع المعارضة التي يعتقد‬ ‫أنها بتمويل من الغرب وإسرائيل‪.‬‬ ‫فربما يثبط مقتل السفير األميركي وثالثة آخرين‬ ‫في ليبيا عزم الحكومات الغربية التي كانت تفكر‬ ‫في التدخل في سوريا‪ .‬ومما ال شك فيه أن إيران‬ ‫سعيدة بأن ترى فيلما بدائيا مناهضا لإلسالم وقد‬ ‫دفع اإلسالميين للنزول إلى الشوارع في العالم‬ ‫العربي ليعربوا عن موقفهم المناهض ألميركا‪.‬‬ ‫وترى إيران ذلك فرصة لتشتيت االنتباه عن كل‬ ‫من البرنامج النووي لطهران واألزمة السورية‪.‬‬ ‫فقد نشرت صحيفة «كيهان»‪ ،‬المعروفة بأنها‬ ‫لسان حال آية اهلل خامنئي‪ ،‬في عددها السادس‬ ‫عشر في شهر سبتمبر (أيلول) أنه‪« :‬يجب‬ ‫اتخاذ إجراءين‪ :‬أوال عقاب كل من تورطوا في‬ ‫إهانة المبادئ الدينية المقدسة‪ ،‬وثانيا‪ ،‬متابعة‬

‫‪26‬‬

‫تصدير العنف‬

‫على الرغم من أن هناك‬ ‫تعاونا بني إيران وروسيا‪،‬‬ ‫يبدو أن روسيا تنظر إلى‬ ‫إيران باعتبارها قوة ضد‬ ‫الغرب أكثر من كونها‬ ‫شريكا استراتيجيا وقد‬ ‫ساعدت سياسة إيران‬ ‫اخلارجية خالل العقود‬ ‫الثالثة املاضية إيران‬ ‫على عزل نفسها بدال من‬ ‫بناء الثقة بينها وبني‬ ‫القوى اإلقليمية‬ ‫سلمان رشدي‬

‫ويعد نشر العنف وتصديره من األدوات العريقة‬ ‫للجمهورية اإلسالمية في بروتوكولها إلدارة‬ ‫األزمة‪ .‬وفي ‪ 14‬فبراير (شباط)‪،1989 ،‬‬ ‫أصدر آية اهلل الخميني فتوى بقتل سلمان‬ ‫رشدي‪ .‬ويؤمن العديد من المحللين بأن السبب‬ ‫الرئيس في إصدار تلك الفتوى‪ ،‬التي يزعم‬ ‫أنها صدرت لحماية اإلسالم‪ ،‬هو إدارة العديد‬ ‫من األزمات التي كان الخميني يواجهها خالل‬ ‫شهوره األخيرة‪ .‬فقد اضطر الخميني إلى قبول‬ ‫قرار األمم المتحدة بوقف إطالق النيران مع‬ ‫العراق بعد ‪ 8‬أعوام من اإلصرار على أن إيران‬ ‫«سوف تستأنف الحرب‪ ،‬حتى إذا استمرت‬ ‫لمدة ‪ 20‬عاما» وأن «الطريق إلى القدس يمر‬ ‫عبر كربالء»‪ ،‬مؤكدا أن الحرب مع العراق‬ ‫هي السبيل الوحيدة لتحرير فلسطين وتدمير‬ ‫إسرائيل‪.‬‬ ‫كان الخميني يواجه خطر خسارة سمعته‬ ‫ليس فقط محليا ولكن في جميع أنحاء العالم‬ ‫اإلسالمي‪ .‬وقبل ذلك بعدة أشهر‪ ،‬قام بفصل‬ ‫نائبه‪ ،‬آية اهلل حسين علي منتظري‪ ،‬الذي كان‬ ‫يفترض أن يخلفه‪ .‬وكانت النخبة السياسية‬ ‫مهتمة أساسا بأزمة الخالفة واحتمالية نشوب‬ ‫صراع قوى على السلطة بعد وفاة الخميني‪.‬‬ ‫وكان اقتصاد البالد في حالة سيئة وكان الناس‬ ‫غاضبين ومضطربين‪.‬‬ ‫ولذلك كان الخميني بحاجة لتعزيز أجندته‬ ‫للحفاظ على السلطة من خالل خلق أزمة‬ ‫جديدة‪ ،‬وإثبات أنه على الرغم من هزيمة‬ ‫إيران العسكرية‪ ،‬فما زالت إيران تمثل تحديا‬ ‫خطيرا بالنسبة للعالم الغربي‪ .‬وقد خدمت فتواه‬ ‫بمقتل رشدي ذلك الغرض‪ ،‬وما زالت الحكومة‬ ‫اإليرانية تتابع الفتوى حتى وقتنا الراهن‪.‬‬

‫تلك القضية من خالل اإلجراءات القانونية»‪.‬‬ ‫وبمعنى آخر تطالب «كيهان» اإلسالميين‬ ‫باستئناف عملهم في قتل كل من تبنى موقفا‬ ‫مناهضا لإلسالم‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬زادت مؤسسة «‪15‬‬ ‫خورداد»‪ ،‬وهي مؤسسة حكومية تخضع‬ ‫إلشراف خامنئي المباشر‪ ،‬مكافأة قتل سلمان‬ ‫رشدي بنحو ‪ 500‬ألف دوالر‪ ،‬وأعلنت أنه ما‬ ‫دامت فتوى الخميني ضد سلمان رشدي لم تنفذ‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬فسوف تستمر اإلهانات الموجهة‬ ‫لإلسالم‪ .‬فاآلن سوف تدفع المؤسسة ‪ 3‬ماليين‬ ‫و‪ 300‬ألف دوالر ألي أحد يقتل الروائي‬ ‫البريطاني ومؤلف رواية «آيات شيطانية» أو‬ ‫يقدم معلومات تؤدي إلى موته‪.‬‬

‫حتى اآلن‪ ،‬لدى إيران اليد العليا في األزمة‬ ‫السورية‪ .‬فقد ساعد الغضب األخير في العالم‬ ‫اإلسالمي كال من األسد وخامنئي على مد دائرة‬ ‫الخوف إلى البلدان التي كانت من قبل آمنة‬ ‫بالنسبة للواليات المتحدة‪ .‬فيعتقد خامنئي أن‬ ‫ضعف الغرب يمثل عوامل قوته‪ .‬وهو يرحب‬ ‫بكافة الجهود التي يمكنها أن تجعل الغرب –‬ ‫بخاصة الواليات المتحدة ‪ -‬مشغوال وغير‬ ‫مرتاح‪ .‬وهو لديه ثقة كاملة في كل من البرنامج‬ ‫النووي ونظام األسد‪ .‬فاالثنان آمنان على األقل‬ ‫حتى االنتخابات الرئاسية األميركية في نوفمبر‬ ‫(تشرين الثاني)‪.‬‬ ‫وسوف تظهر التطورات خالل الشهرين‬ ‫المقبلين إلى أي مدى تستطيع كل من إيران‬ ‫وسوريا اإلفادة من تعدد مصادر التشويش التي‬ ‫تؤثر حاليا على الواليات المتحدة‪.‬‬


‫‪¿’G ∑ΰTG‬‬

‫‪á«bQƒdG ∂àî°ùf ≈∏Y π°üMGh‬‬ ‫عبدالعزيز بن �صقر‪ :‬جمل�س التعاون واإيران‬ ‫برنارد هيكل ‪:‬اليمن بعد �صالح‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫مهدي خلجي‪ :‬م�صتقبل املرجعية ال�صيعية‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫العدد ‪ ،1571‬أبريل‪ /‬نيسان ‪2012‬‬

‫العدد ‪ ،1572‬مايو‪ /‬أيار ‪2012‬‬

‫املعتذرون‬

‫عن الأ�سد‬ ‫ملاذا يحاول اللوبي ال�سوري‬ ‫يف اأمريكا اإجها�ض الثورة‬

‫»‪:‬‬ ‫> عمرو مو�صى مر�صح الرئا�صة لـ«‬ ‫اأخ�صى على م�صر من ا�صتحواذ الأخوان امل�صلمني‬

‫»‪:‬‬ ‫> الباجي قائد ال�صب�صي يف حوار مع «‬ ‫لي�س هناك ربيع عربي بل بداية ربيع تون�صي‬

‫فوكوياما‪ :‬الدميقراطية الليربالية والطبقة الو�سطى‬ ‫حتقيق‪ :‬الفتنة الفكرية‪ ..‬انق�سامات يف ملتقى النه�سة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪‬‬

‫‪05‬‬

‫‪ISSN 1319-0873‬‬

‫‪04‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬

‫‪9 771319 087013‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫تأسست في لندن عام ‪1980‬‬

‫حممد غامن الرميحي‪ :‬االنتقال اخل�شن‬ ‫جولييت هايت‪ :‬رحلة روحانية‬ ‫عبد الرزاق عيد‪ :‬الدوران يف املكان‬

‫العدد ‪ ،1570‬فبراير ‪2012‬‬

‫البنا‬ ‫خطة ّ‬ ‫ّ‬

‫هل ينجح االإخوان يف اإنقاذ اقت�شاد م�شر؟‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪02‬‬

‫ال�شفري الليبي يف لندن حممود الناكوع‪ :‬جتاوزنا مرحلة اخلطر‬ ‫‪9 770261 087126‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫العدد ‪ ،1569‬يناير ‪2012‬‬

‫مجلة العرب الدولية‬

‫مجلة العرب الدولية‬ ‫العدد ‪ ،1569‬يناير ‪2012‬‬

‫‪øe‬‬

‫الربيع العربي‬ ‫‪ 10‬اأوهام‬

‫‪™«£à°ùj‬‬

‫رّغيت وجه التاريخ‬

‫‪‬‬

‫‪¥ÓZEG‬‬ ‫‪≥«°†e‬‬ ‫‪?õeôg‬‬

‫‪‬‬

‫‪11‬‬

‫‪9 770261 087119‬‬

‫‪‬‬

‫احلرب والسالم‪:‬‬ ‫أزمة خالفة‬ ‫إيران تبحث عن مرشد لهذا الزمان‬

‫الوضع البشري‪:‬‬ ‫جيل تويتر‪ ..‬شباب الربيع العربي‬ ‫يعيد صياغة مستقبله‬

‫‪‬‬

‫حوارات‪:‬‬ ‫برهان غليون‪ :‬نظام األسد انتهى‬ ‫وال نستبعد انقالبا عسكريا في سوريا‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪01‬‬

‫‪9 770261 087126‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫ﻟﻼﺷﺘﺮﺍﻛﺎﺕ ﺑﺎﻟﺒﺮﻳﺪ‬ ‫ﺍﻻﺳﻢ‪ .................................................................................................. :‬ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ‪........................................................................................... :‬‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪................................................................................................................................................................................................................. :‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪﻱ‪ ................................................................................. :‬ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪﻱ‪................................................................................. :‬‬ ‫ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‪ ..................................................................................................... :‬ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ‪............................................................................. :‬‬

‫ﻧﻮﻉ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻙ‪:‬‬

‫ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﳌﺪﺓ ﻋﺎﻡ )‪12‬ﻋﺪﺩﺍ ﹰ ‪120 -‬ﺭﻳﺎﻻ ﺳﻌﻮﺩﻳﺎ(‬ ‫ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﳌﺪﺓ ﻋﺎﻣﲔ )‪ 24‬ﻋﺪﺩﺍ ﹰ ‪ 240 -‬ﺭﻳﺎﻻ ﺳﻌﻮﺩﻳﺎ(‬

‫ﺍﻓﺮﺍﺩ‬ ‫ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ‬

‫‪äGô“DƒŸG »M ájOƒ©°ùdG á«Hô©dG áµ∏ªŸG ‘ ™jRƒàdG π«ch‬‬ ‫‪+966 1 4419933 :∞JÉg ,11585 ¢VÉjôdG - 62116 Ü.¢U‬‬ ‫‪+966 1 2121774 :¢ùcÉa‬‬ ‫‪www.saudidistribution.com :ÊhεdEG ™bƒe‬‬ ‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ‪ ،1567‬ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ‪2011‬‬

‫ﻭﻛﻴﻞ ﺍﻹﺷﺘﺮﺍﻛﺎﺕ ‪ -‬ﺍﻟﺸﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻮﺳﺎﺋﻞ‪ -‬ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ ﺍﺠﻤﻟﺎﻧﻲ ‪800 2440076‬‬

‫‪27‬‬


‫قصة الغالف‬

‫‪28‬‬


‫لعبة األقليات‪« ..‬التشبيح»‪ ..‬وتضييع الوقت‬

‫مستقبل العلويين‬ ‫في سوريا‬ ‫في احد ايام الربيع من العام ‪ ،1989‬وقف ياسر العريف في الكتيبة ‪29‬‬ ‫من «الجيش العربي السوري»‪ ،‬المتمركزة حينذاك في مدينة بعلبك‬ ‫شرق لبنان‪ ،‬على نقطة الحاجز المكلف حراستها‪ .‬صاح له المالزم‬ ‫االول عمران آمر النقطة وطلب منه «تشبيح» عشرة احجار من الطوب‬ ‫من كل شاحنة تمر على الحاجز‪ .‬كان الجنود بحاجة لبناء غرفة خفر‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬حسين عبد الحسين‬ ‫لم يكن بدا عن «التشبيح»‪ ،‬فالمجند في الجيش السوري كان يتقاضى ‪ 125‬ليرة‬ ‫سورية شهريا‪ ،‬او ما كان يعادل ثالثة دوالرات‪ ،‬وصف الضابط من رتبة عريف او‬ ‫رقيب ضعف المبلغ‪ .‬التموين اليومي كان عبارة عن صحن «برغل»‪ ،‬من مشتقات‬ ‫القمح‪ ،‬مطبوخ بصلصة الطماطم مع «ربطة» خبز لجنود الحاجز الخمسة‪ .‬البرغل‬ ‫غالبا ما كان يخالطه الحصو‪ ،‬اما الخبز‪ ،‬ففي الغالب مر عليه وقت طويل وحوله الى‬ ‫صلب يصعب أكله‪.‬‬ ‫كيف كان هؤالء الجنود السوريون يتدبرون امر اكلهم طوال فترة مخدوميتهم‬ ‫االلزامية التي كانت تمتد الى ثالث سنوات‪ ،‬منها ستة اشهر في معسكرات التدريب؟‬ ‫االجابة تكمن في «التشبيح»‪.‬‬ ‫كانت حواجزهم تجبر كل سيارة او شاحنة مارة على التوقف‪ .‬سائقو الشاحنات التي‬ ‫كانت تنقل المنتوجات الغذائية‪ ،‬كانوا يضعون على المقعد المجاور لهم صندوقا‬ ‫مما كانوا يحملونه‪ ،‬فترى السائقين يناولون الحواجز السورية المتتالية موز وبطيخ‬ ‫وبرتقال وبيض وخبز وما شابه‪.‬‬ ‫على ان «تشبيح» الجنود السوريين لم يقتصر على الغذاء او ما هو ضروري‪ .‬في‬ ‫اغلب االحيان‪ ،‬كان الجنود يطلبون من سائقي السيارات ماال‪ ،‬وان لم يتوفر‪ ،‬يأخذون‬ ‫شريط كاسيت موسيقى او اي شيء تقع اعينهم عليه داخل السيارة‪ .‬اما الطلب االكثر‬ ‫الحاحا فكان النقل‪ .‬يقف الجندي الذاهب في اجازة لزيارة ديرته على الحاجز بلباسه‬ ‫المدني الى جانب زميله العسكري‪ .‬يسأل العسكري صاحب السيارة عن وجهته‪،‬‬ ‫«وين واصل االخ»‪ ،‬ثم يطلب منه ان يقل الجندي المدني معه‪ .‬من حاجز الى حاجز‪،‬‬ ‫ومن سيارة الى سيارة‪ ،‬يصل الجندي الى وجهته النهائية مجانا‪.‬‬ ‫اما سائق الشاحنة او السيارة ممن تخوله نفسه ان يرفض اعطاء غذاء او مال او‬ ‫تأمين المواصالت لجنود الحاجز‪ ،‬فيتم ايقافه الى جانب الطريق‪« ،‬على اليمين»‪،‬‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫‪29‬‬


‫قصة الغالف‬

‫لساعات‪ ،‬وفي اوقات‪ ،‬يتم تعريضه للذل عن‬ ‫طريق فتح التحقيق معه وطلب اوراقه الثبوتية او‬ ‫حتى امره بنزع حذائه و»وضعه في الدوالب»‬ ‫حيث يتعرض للضرب بالسوط على اسفل قدميه‬ ‫جزاء لمحاولته رفض «التشبيح»‪.‬‬ ‫«الشبيحة» السوريون دخلوا لبنان في العام‬ ‫‪ 1976‬وحملوا اسم «قوات الردع العربية»‪،‬‬ ‫وكانت مهمتهم الفصل بين المتقاتلين من الفصائل‬ ‫اللبنانية والفلسطينية المسلحة‪ .‬اال ان الشبيحة‬ ‫هزموا كل الفصائل‪ ،‬وحكموا لبنان كليا ابتداء‬ ‫من العام ‪ ،1991‬وامتدت عملية «التشبيح» التي‬ ‫كانوا يمارسونها من الجندي صاحب ادنى مرتبة‬ ‫في اي نقطة عسكرية على امتداد لبنان‪ ،‬الى اعلى‬ ‫مراتب وصلت الى الرئيس السوري حافظ االسد‪،‬‬ ‫ثم ابنه بشار من بعده‪ ،‬ومساعديهم‪.‬‬ ‫وكان آل االسد وكبار مساعديهم وجيشهم في لبنان‬ ‫يقومون بالتشبيح‪ ،‬او االبتزاز‪ ،‬الذي غالبا ما كان‬ ‫يتركز على اغنياء اللبنانيين‪ ،‬وكان في طليعتهم‬ ‫رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري‪ ،‬الذي‬ ‫تواترت الروايات عن اجبار الضباط والسياسيين‬ ‫السوريين له باعطائهم أمواال فاقت عشرات‬ ‫ماليين الدوالرات‪.‬‬ ‫وعندما انتفض الحريري ضد تشبيح نظام االسد‬ ‫في لبنان‪ ،‬واجه حتفه قتال في العام ‪،2005‬‬ ‫فانتفض اللبنانيون عن بكرة ابيهم ضد التشبيح‬

‫نفسه‪ ،‬واجبروا االسد على سحب جنوده من‬ ‫لبنان في ذلك العام‪ ،‬لكن االخير غادر على‬ ‫مضض‪ ،‬وظل متربصا العودة‪ ،‬فيما كان تابعوه‬ ‫من اللبنانيين يقومون بنشر الرعب في لبنان في‬ ‫غيابه‪.‬‬ ‫«التشبيح» اذن هو في صلب ممارسة آل االسد‬ ‫للسلطة‪ .‬يأخذون واتباعهم ما يريدونه عنوة‪ ،‬وان‬ ‫حاول ضحاياهم االعتراض‪ ،‬يلقون مصيرا قاتما‬ ‫في الغالب‪.‬‬ ‫«التشبيح» لم يطل اللبنانيين وحدهم‪ ،‬بل كان‬ ‫للسوريين نصيبهم كذلك‪ .‬آل سنقر‪ ،‬وهم كرد‬ ‫من دمشق اصابوا الكثير من الغنى بعدما اداروا‬ ‫وكالة سيارات مرسيدس في سوريا‪ ،‬اطل عليهم‬ ‫رامي مخلوف‪ ،‬ابن خال بشار االسد وامين‬ ‫صندوقه‪ ،‬وطالب باالستيالء على الوكالة‪ .‬رفض‬ ‫آل سنقر‪ ،‬فاجبروا على الفرار من سوريا‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك‪ ،‬رفضت شركة السيارات االلمانية نقل‬ ‫الوكالة منهم الى مخلوف‪ ،‬فاصبحت سوريا من‬ ‫دون وكالة‪.‬‬ ‫االبتزاز نفسه طال غسان عبود‪ ،‬مؤسس‬ ‫ومالك تلفزيون «اورينت»‪ ،‬وهو من بلدة بنش‬ ‫في محافظة ادلب الشمالية‪ ،‬والذي اضطر الى‬ ‫الهجرة وتلفزيونه الى خارج سوريا بسبب‬ ‫محاوالت «تشبيح» مخلوف نفسه واستيالئه على‬ ‫المحطة‪ ،‬حسبما يروي عبود في مقابالته العديدة‪.‬‬

‫بيد ان «شبيحة» آل االسد ليسوا امرا مستجدا‪،‬‬ ‫على الرغم من ان العبارة ذاع صيتها فقط مع‬ ‫اندالع الثورة السورية في منتصف آذار (مارس)‬ ‫من العام الماضي‪.‬‬ ‫قبل ‪ 200‬عام‪ ،‬اي سنة ‪ ،1812‬استقر الرحالة‬ ‫السويسري جون لويس بيركهاردت في سوريا‬ ‫لفترة‪ ،‬ود ّون مالحظاته في وثائق غنية مازالت‬ ‫موجودة في ارشيفات لندن‪ .‬يقول بيركهاردت‬ ‫ان السوريين من السنة كانوا ينظرون «الى‬ ‫النصيريين باحتقار لدينهم‪ ،‬ويهابونهم في الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬اذ غالبا ما ينزل (النصيريون) من الجبال‬ ‫في الليل‪ ،‬ويعبرون (نهر) العاصي‪ ،‬ويسرقون‪،‬‬ ‫او يأخذون عنوة ماشية الوادي»‪.‬‬ ‫اليوم بعد قرنين‪ ،‬مازال المشهد مشابها‪ ،‬وان‬ ‫اختلفت االزمان‪ .‬اكثرية السوريين‪ ،‬وهم‬ ‫من السنة‪ ،‬مازالوا ينظرون الى االقلية من‬ ‫النصيريين‪ ،‬ممن صاروا يعرفون بالعلويين مع‬ ‫مطلع القرن الماضي‪ ،‬باحتقار وخوف في الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬وهذه نظرة الضحية عموما الى الجالد‪،‬‬ ‫وخصوصا ان كان الجالد لصا في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫بدورهم‪ ،‬يبادل العلويون السنة الكراهية‪،‬‬ ‫ويخشون من العودة الى ذلك الزمن الذي‬ ‫اضطرهم لالنكفاء في جبالهم العالية معزولين‬ ‫عن العالم‪ ،‬وعن التاريخ‪ ،‬حتى وصفهم‬ ‫المستشرق الفرنسي جاك ويليرز في مطلع القرن‬ ‫الماضي بالـ»متحجرين»‪ ،‬معتبرا ان جبالهم‬

‫صالح العلي ودولة جبل العلويني‬ ‫ولد االب الروحي للطائفة العلوية صالح العلي عام ‪ .1883‬يقال ان أول رصاصة اطلقت‬ ‫في وجه االستعمار الفرنسي كانت في أواخر عام ‪ 1918‬عندما حط الفرنسيون رحالهم على‬ ‫شاطىئ طرطوس‪ .‬ومن أشهر المعارك التي خاضها العلي ضد الفرنسيين معركة «وادي‬ ‫ورور» بالقرب من مدينة الشيخ بدر‪،‬حيث تكبد فيها الفرنسيون أكبر الخسائر‪.‬‬ ‫واعتبرت ثورة صالح العلي والتي استمرت ثالث سنوات ونصف السنة ثورة اشتراكية‬ ‫على الجوع والفقر والجهل والمرض واالقطاع واالستعمار‪ .‬وبعد انتهاء الثورة عام ‪1921‬‬ ‫عرض عليه الفرنسيين إقامة دولة علوية بالتعاون بينه وبينهم الستالمها نهائيا من قبله‪،‬‬ ‫وعندما رفض الشيخ عرضهم‪ ،‬فرضوا عليه االقامة الجبرية‪.‬‬ ‫وفي االستقالل في بداية األربعينات (‪)1943‬عرض عليه في أول حكومة اختيار الوزارة‬ ‫التي تروقه الستالمها فرفض مفضال النشاط السياسي من خارج الحكومة‪ .‬وقد توفي الشيخ‬ ‫صالح العلي في ‪13‬ابريل‪ /‬نيسان عام ‪ 1950‬في طرطوس‪.‬‬ ‫يذكر أن دولة جبل العلويين التي أسسها االنتداب الفرنسي ما بين عامي ‪ 1920‬إلى ‪1936‬‬ ‫على الساحل السوري (تشمل اليوم محافظتي الالذقية وطرطوس)‪ .‬سكانها هم من العلويين‬ ‫في الجبل ومن السنة في الساحل ومن المسيحيين كذلك وقليل من االسماعيلية‪.‬‬ ‫في ‪ 29‬أيلول ‪ 1923‬تم إعالنها دولة عاصمتها مدينة الالذقية‪ ،‬وفي ‪ 1‬كانون الثاني ‪1925‬‬ ‫تم تغيير اسمها رسميا إلى الدولة العلوية‪ .‬وفي ‪ 22‬أيلول ‪ ،1930‬أعيدت تسميتها سنجق‬ ‫الالذقية‪ .‬يوم ‪ 5‬كانون األول ‪( 1936‬اعتبارا من عام ‪ )1937‬تم ضمها نهائياً إلى سوريا‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫شمال غربي سوريا ال تساهم في «انسنتهم بل في‬ ‫جعلهم متوحشين»‪ .‬وكتب ويليرز ان «مالذهم‬ ‫تحول سجنا»‪ ،‬وانه على الرغم من كونهم اسياد‬ ‫هذه الجبال‪ ،‬لم يمكنهم تركها»‪.‬‬ ‫بقي العلويون خارج المدن‪ ،‬حتى ان احدى‬ ‫االحصائيات في العام ‪ 1945‬اظهرت وجود ‪56‬‬ ‫علويا فقط مسجلين في مدينة دمشق‪ ،‬واالرجح‬ ‫ان سبب ذلك هو انعزال العلويين‪ ،‬الذين يشكلون‬ ‫قرابة ‪ 10‬في المائة من اجمالي السوريين‪ ،‬في‬ ‫جبالهم‪ ،‬وعدم افصاح من هم من ساكني المدن‬ ‫عن هويتهم المذهبية عمال بمذهب التقية وخوفا‬ ‫من االضطهاد االجتماعي او السياسي او‬ ‫االقتصادي‪.‬‬

‫في احلالتني‪ ،‬الدرزية اللبنانية والعلوية السورية‪ ،‬لم يكن‬ ‫«التقدمي االشتراكي» وال «البعث العربي االشتراكي»‬ ‫اكثر من عناوين‪ ،‬فجنبالط كما االسد‪ ،‬استند الى اقليته‬ ‫من عشائر الدروز التي يأمن لها‪ ،‬للحفاظ على اندفاعته‬ ‫السياسية وعضوية حزبه‪ .‬كذلك‪ ،‬جلأ االسد الى العلويني‬ ‫القامة دعائم حكمه في اجليش السوري وحزب البعث والدولة‬ ‫حافظ و رفعت األسد‬

‫العلويون في التاريخ‬ ‫تعددت الكتابات حول العلويين وعقيدتهم‪ .‬ويسود‬ ‫االعتقاد انهم انشقاق عن المذهب الشيعي بعدما‬ ‫ارسل‪ ،‬في القرن التاسع الميالدي‪ ،‬االمام الحادي‬ ‫عشر الحسن العسكري وكيله محمد ابن نصير‬ ‫ليقوم في مقام ممثله في جبل البهراء‪ ،‬الذي يعرف‬ ‫اليوم بجبل العلويين‪ ،‬وهو يقع في الشمال الغربي‬ ‫لسوريا‪ .‬ويبدو ان ابن نصير اما اعلن نفسه بابا‪،‬‬ ‫او تجسيدا للخالق على االرض‪ ،‬وانشأ لنفسه‬ ‫مذهبا حمل اسمه‪ ،‬اي النصيرية‪ ،‬او ان دعوته‬ ‫دخلها في ما بعد العقائد والتقاليد السائدة في تلك‬ ‫المنطقة‪.‬‬ ‫قصة النصيرية تشبه الى حد كبير قصة اقلية‬ ‫مشابهة تتمركز في مناطق جبلية اخرى في‬ ‫المشرق العربي‪ ،‬مثل الموحدين الذين يعرفون‬ ‫اليوم بالدروز‪ ،‬وهم يسكنون الجزء الجنوبي لجبل‬ ‫لبنان‪ ،‬وفي جبل الدروز جنوب سوريا المجاورة‬ ‫لمنطقة الجوالن‪ .‬كما النصيرية‪ ،‬يعتقد ان الدروز‬ ‫هم انشقاق عن االسماعليين بعدما ارسل الحاكم‬ ‫بامر اهلل الفاطمي‪ ،‬في القرن التاسع‪ ،‬مبشرين‬ ‫باسمه الى مناطق فلسطين ولبنان وسوريا‪،‬‬ ‫فانقلبت الدعوة الى عقيدة مختلفة وربما خالطتها‬ ‫المعتقدات السائدة‪.‬‬ ‫المذهبان‪ ،‬الموحدون الدروز والنصيريون‬ ‫العلويون‪ ،‬يمنحان اهمية تاريخية لسلمان‬ ‫الفارسي‪ ،‬واالثنان يؤمنان بمدأ التقمص مع‬ ‫بعض االختالف في التفاصيل‪ ،‬واالثنان يحجبان‬ ‫تعاليمهما عن العامة‪ ،‬وكذلك عن الدروز‬ ‫والعلويين ممن لم يبلغوا سنا معينة‪ ،‬فيما يسمح‬ ‫الدروز «الدخول في الدين» للرجال كما النساء‪،‬‬ ‫ويمنع العلويون النساء من لعب اي دور ديني‪.‬‬ ‫كما يمنع المذهبان التزاوج خارج المذهب‪،‬‬ ‫ويمنعان دخول احد في المذهب‪ .‬والمذهبان‬ ‫يبادالن مذهب الشيعة العداء‪ ،‬على الرغم من ان‬ ‫العلويين يرفعون من شأن علي بن ابي طالب الى‬ ‫حد االلوهية‪ ،‬ما دفع الشيعة الى اطالق تسمية‬ ‫«غالة» عليهم‪.‬‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫في مذهب النصيرية‪ ،‬كما في الدروز‪ ،‬استناد‬ ‫الى الحكمة االغريقية القديمة‪ ،‬القائلة بتسع حدود‬ ‫للعقل‪ ،‬والدروز يؤمنون بخمسة منها‪ ،‬فيما يبدو‬ ‫ان العلويين يؤمنون بثالثة‪ ،‬كما المسيحية‪ ،‬مما‬ ‫دفع بعض المؤرخين الى االعتقاد بأنهم من‬ ‫المسيحيين‪ ،‬وهو ما حاول النصيريون في سوريا‬ ‫تسويقه لدى الفرنسيين ابان انهيار االمبراطورية‬ ‫العثمانية‪ ،‬في العام ‪ ،1918‬وبدء فترة االنتداب‬ ‫التي منح بموجبها الفرنسيون االقليات دوال‪ ،‬مثل‬ ‫لبنان للمسيحيين‪ ،‬ودولة للعلويين شمال سوريا‪،‬‬ ‫واخرى للدروز جنوبها‪.‬‬ ‫والظروف التاريخية للمذهبين تتشابه في احيان‬ ‫وتختلف في احيان اخرى‪ .‬مناطق النصيريين‬ ‫اكثر عزلة‪ ،‬واقل خصوبة للزراعة من مناطق‬ ‫حوران والبقاع اللبناني الجنوبي‪ ،‬حيث الدروز‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬يحيط العلويون السوريون االكثرية‬ ‫السنية‪ ،‬فيما تحيط مناطق الدروز في لبنان‬ ‫وسوريا اقليات اخرى مثل المسيحيين في جبل‬ ‫لبنان‪ ،‬والشيعة في جنوبه‪ ،‬وهو ما سمح للدروز‬

‫بالتفوق ماليا وعدديا‪ ،‬وتشكيل قوة سياسية في‬ ‫القرن السادس عشر عقدت تحالفات مع امارات‬ ‫اوروبية واجبرت السلطنة العثمانية على منح‬ ‫جبل لبنان عموما‪ ،‬حكما ذاتيا استمر باشكال‬ ‫مختلفة حتى انهيار السلطنة ووصول االنتداب‬ ‫الفرنسي‪ ،‬وكان وقتذاك الدروز قد تراجعت‬ ‫اعدادهم خلف المسيحيين وتحولوا الى اقلية في‬ ‫بالد سبق ان تسيدوها وحكموها‪.‬‬ ‫اما النصيريون في سوريا‪ ،‬فلم تسنح لهم فرصة‬ ‫لممارسة نفوذ سياسي خارج جبلهم المعزول‪،‬‬ ‫وحاولت السلطنة تحويلهم الى المذهب السني‬ ‫من دون ان تنجح في ذلك‪ .‬وبقي النصيريون‬ ‫على هامش التاريخ حتى وصول الفرنسيين‪.‬‬ ‫وألن السياسة الفرنسية كانت تقضي بدعم‬ ‫االقليات في وجه االكثرية السنية‪ ،‬المدعومة‬ ‫من بريطانيا غريمة فرنسا‪ ،‬وجد النصيريون‬ ‫في الفرنسيين ضالتهم‪ ،‬فدخلوا باعداد كبيرة في‬ ‫«جيش المشرق» السوري الذي انشأه الفرنسيون‬ ‫وتحول فيما بعد الى نواة جيش الدولة السورية‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫قصة الغالف‬

‫كذلك منحت فرنسا العلويين دولة اسمتها باسمهم‬ ‫في العام ‪ ،1920‬وهو تاريخ قيام «دولة لبنان‬ ‫الكبير»‪.‬‬ ‫استمرت االقليات العربية المشرقية‪ ،‬من‬ ‫المسيحيين والعلويين ودروز لبنان‪ ،‬في االستقواء‬ ‫بفرنسا على االكثرية السنية على االقل حتى‬ ‫الحت الحرب العالمية الثانية في االفق مع اواخر‬ ‫الثالثينات وما رافقها من وهن للقوى االوروبية‬ ‫وخصوصا فرنسا وبريطانيا‪ .‬هنا افترقت‬ ‫االقليات في كيفية تصرفها‪ :‬العلويون ومسيحيو‬ ‫لبنان راهنوا على الفرنسيين وطالبوا باالبقاء‬ ‫على دولتيهم اللتين تمتعوا فيهما باكثرية عددية‪،‬‬ ‫وان ضئيلة‪ ،‬فيما قرر الدروز ومسيحيو سوريا‬ ‫التماهي مع االكثرية السنية‪ .‬وتشير الكتابات‬ ‫التاريخية الى ان العلويين السوريين ارسلوا‬ ‫عرائض متعددة تدعوا الفرنسيين الى االبقاء على‬ ‫الدولة العلوية‪ ،‬وتشير ايضا الى ان احد الموقعين‬ ‫على هذه العرائض كان سليمان‪ ،‬والد علي‪ ،‬والد‬ ‫حافظ االسد‪.‬‬ ‫لكن الدولة العلوية ماتت في العام ‪1936‬‬ ‫واصبحت جزءا من سوريا التي حكمها عموما‬ ‫وجهاء مدن دمشق وحلب وحمص وحماة وادلب‪،‬‬ ‫ومعظمهم على مذهب السنة‪ .‬ورافق السيطرة‬ ‫السنية على السياسة السورية ابقاء االقليات‬

‫خارج مفاصل الحكم‪ ،‬فالعلويين كانوا‪ ،‬على سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬يشكلون اكثرية الجنود في الجيش السوري‬ ‫الموروث من «جيش المشرق» الفرنسي‪ ،‬اال‬ ‫ان الضباط لم يكن بينهم اال سنّة‪ .‬وكذلك االمر‬ ‫بالنسبة للمناصب السياسية الرفيعة التي سيطرت‬ ‫عليها االكثرية السنية‪ .‬واستمرت السيطرة‬ ‫المدينية السنية داخل الجمهورية السورية‪ ،‬على‬ ‫حساب الريفيين كالعلويين والمسيحيين على‬ ‫االقل حتى العام ‪ ،1963‬تاريخ انقالب «حزب‬ ‫البعث» الذي جاء بالضابط العلوي صالح جديد‬ ‫الى الحكم‪ ،‬وكان الرجل الثاني هو العلوي اآلخر‬ ‫حافظ االسد‪.‬‬

‫األقلية والطائفة والمصالح السياسية‬ ‫باستثناء المسيحيين في لبنان‪ ،‬تنبهت االقليات‬ ‫كعلويي سوريا والدروز اللبنانيين الى ان ال‬ ‫جدوى من المطالبة بقيام او االبقاء على دول‬ ‫االقليات‪ ،‬فحاولت االندماج في المحيط االكثري‬ ‫حولها‪ .‬هكذا أنشأ زعيم دروز لبنان كمال جنبالط‬ ‫«الحزب التقدمي االشتراكي»‪ ،‬الذي شدد في‬ ‫وثيقته التأسيسية على ضرورة إلغاء التوزيع‬ ‫الطائفي في السلطة في لبنان‪ .‬وألن جنبالط لم‬ ‫يكن عسكريا‪ ،‬ولم يكن جيش في لبنان يقوى‬ ‫على تغيير نظام الحكم‪ ،‬استعان بفصائل الثورة‬ ‫الفلسطينية لتنفيذ ما اطلق عليه اسم «الحسم‬

‫احتاج نظام حافظ‬ ‫االسد الى شرعية‬ ‫اسالمية على وجه‬ ‫السرعة‪ ،‬واحتاج شيعة‬ ‫لبنان‪ ،‬حسبما قرر‬ ‫راع‬ ‫موسى الصدر‪ ،‬الى ٍ‬ ‫قوي‪ ،‬وتالقت مصالح‬ ‫االثنني بسرعة من كل‬ ‫حدب وصوب‬ ‫العسكري» بحق «االنعزاليين» برأيه عن‬ ‫محيطهم العربي‪ ،‬اي المسيحيين اللبنانيين‪ ،‬لقلب‬ ‫النظام بالقوة واستبداله بآخر عربي وعلماني في‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬يخرج الدروز من سجنهم كأقلية‬ ‫ويعطيهم حقوقا مساوية لتلك التي تمتعت بها‬ ‫االكثرية المسيحية في حينه‪.‬‬ ‫في سوريا‪ ،‬االقلية العلوية‪ ،‬كما نظيرتها الدرزية‬

‫طوائف وقوميات‬

‫الطائفة العلويّة ‪ -‬ثاني أكبر طائفة دينيّة‬

‫المذهب ّ‬ ‫السني ‪ -‬الشعب السوري غالبيته‬

‫الطائفة الدرزيّة ‪ -‬الطائفة الدينيّة‬

‫من حيث العدد (‪ 7‬في المائة ‪ 15 -‬في‬

‫على المذهب ّ‬ ‫السني (ما بين ‪ 65‬في المائة‬

‫الرابعة في سوريا من حيث العدد (‪ 2‬في‬

‫المائة) من تعداد الس ّكان سورية ويتركز‬

‫ ‪ 85‬في المائة)‪ّ ،‬‬‫السنة منتشرون بكامل‬

‫المائة ‪ 4 -‬في المائة) من تعداد الس ّكان‬

‫وجودهم في جبل العلويين أو جبال الالذقيّة‬

‫سوريا ويشكلون غالبيّة بـ ‪ 11‬محافظة من‬

‫ويتواجد أتباعها بشكل رئيس في أربع‬

‫ولهم وجود عددي كبير أيضا في طرطوس‬

‫أصل ‪ 14‬محافظة سوريّة وأهم تجمّعاتهم‬

‫محافظات هي السويداء والقنيطرة‬

‫وغربي محافظتي حمص وحماة‪.‬‬

‫دمشق وحلب وحمص وحماة‪.‬‬

‫وريف دمشق وإدلب‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫اللبنانية‪ ،‬تصرفت بطريقة مشابهة‪ .‬االسد كان‬ ‫امضى اكثر من عقدين في «حزب البعث»‪،‬‬ ‫العلماني العربي‪ ،‬واستخدمه كوسيلة للتخلص‬ ‫من مشكلة انحداره من اقلية مذهبية لم تتمتع‬ ‫عبر التاريخ بأي حقوق مساوية لالكثرية المدينية‬ ‫السنية‪ .‬لكن االسد‪ ،‬العسكري الطيار ووزير‬ ‫الدفاع‪ ،‬لم يحتج الى فصائل مسلحة‪ ،‬بل سيطر‬ ‫على الجيش واستخدمه كوسيلة ثانية للوصول‬ ‫الى السلطة‪.‬‬

‫الرئيس المصري جمال عبدالناصر ومع الزعيم‬ ‫الفلسطيني ياسر عرفات‪ ،‬واالثنين من السنة‪.‬‬ ‫اما االسد‪ ،‬الذي كلل استيالءه على السلطة‬ ‫عسكريا في العام ‪ 1970‬بانتخابات صورية‬ ‫ليصبح اول رئيس غير سني لسوريا بعد ذلك‬ ‫بعام‪ ،‬فواجه ما يشبه االنتقاضة الشعبية مطلع‬ ‫العام ‪ 1973‬بعدما شطب من الدستور فقرة‬ ‫كانت تنص على ان دين الدولة في سوريا هو‬ ‫االسالم‪ .‬والمتصاص النقمة‪ ،‬وجد االسد ضالته‬ ‫في حليفه‪ ،‬رجل الدين االيراني من اصل لبناني‬ ‫موسى الصدر‪ ،‬الذي منحه فتوى نصت على ان‬ ‫النصيرية هي جزء من المذهب الشيعي‪.‬‬ ‫«حقيقة ان العلويين يقدسون علي‪ ،‬اول ائمة‬ ‫الشيعة االثني عشر‪ ،‬بما يتجاوز تعاليم االسالم‪،‬‬ ‫وضعها (الصدر) جانبا»‪ ،‬يقول االكاديمي فؤاد‬ ‫عجمي في كتابه «االمام المختفي»‪ .‬ويفسر‬ ‫عجمي سبب فتوى الصدر باالقتباس عن المؤرخ‬ ‫مارتن كرايمر‪« :‬احتاج نظام حافظ االسد الى‬ ‫شرعية اسالمية على وجه السرعة‪ ،‬واحتاج‬ ‫راع‬ ‫شيعة لبنان‪ ،‬حسبما قرر موسى الصدر‪ ،‬الى ٍ‬ ‫قوي‪ ،‬وتالقت مصالح االثنين بسرعة من كل‬ ‫حدب وصوب»‪.‬‬

‫الى قبضته االمنية الحديدية‪ ،‬حتى ان الرئيس‬ ‫السوري لم يسكن القصر الرئاسي‪ ،‬وبقي وعائلته‬ ‫في منازل الضباط لسنوات عديدة بعد انتخابه‬ ‫ملتصقا بالعسكر‪ ،‬مصدر شرعيته الوحيد‪.‬‬ ‫في حزيران (يونيو) ‪ ،1974‬زار الكاتب‬ ‫االميركي جوزف كرافت دمشق‪ ،‬وكتب مقاال‬ ‫تخلله وصف لالوضاع في سوريا‪ ،‬ومما جاء‬ ‫فيه ان «االسد وعائلته مازالو يسكنون في سكن‬ ‫الضباط»‪ ،‬وانه يحكم البالد عبر «رباعية من‬ ‫الرفاق العلويين الموثوقين ممن يسيطرون‬ ‫على الشرطة والجيش»‪ .‬وكتب ان «حرس‬ ‫امبراطوري‪ ،‬اسمه سرايا الدفاع‪ ،‬هو بأمرة اخيه‬ ‫العقيد رفعت االسد»‪.‬‬

‫في الحالتين‪ ،‬الدرزية اللبنانية والعلوية السورية‪،‬‬ ‫لم يكن «التقدمي االشتراكي» وال «البعث‬ ‫العربي االشتراكي» اكثر من عناوين‪ ،‬فجنبالط‪،‬‬ ‫كما االسد وعلوييه‪ ،‬استند الى اقليته من عشائر‬ ‫الدروز التي يأمن لها‪ ،‬للحفاظ على اندفاعته‬ ‫السياسية وعضوية حزبه‪ .‬كذلك‪ ،‬لجأ االسد الى‬ ‫العلويين القامة دعائم حكمه في الجيش السوري‬ ‫وحزب البعث والدولة‪.‬‬ ‫لكن في حالتي جنبالط واالسد‪ ،‬لم تكف الشعارات‬ ‫العلمانية وال االندفاعة السياسية المدعومة بقوة‬ ‫العشائر الجبلية القروية وبأسها في القتال‪ ،‬في‬ ‫منح اي من الرجلين الشرعية المستقاة عادة من‬ ‫دين االكثرية‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬ذهب جنبالط الى االزهر لالستحصال على‬ ‫فتوى نصت على ان الدروز هم احد المذاهب‬ ‫االسالمية السنية‪ ،‬وترافق ذلك مع تحالفه مع‬

‫على ان اسالمية االسد المستجدة لم تمنحه‬ ‫شرعية كافية داخل سوريا‪ ،‬وبقي حكمه مستندا‬

‫القوميّة الكردية ‪ -‬هي ثاني األعراق في‬

‫الطائفة اإلسماعليّة ‪ -‬خامس طائفة‬

‫الطوائف المسيحيّة ‪ -‬األقلية الدينيّة‬

‫سوريا بعد العرب حيث يشكل األكراد‬

‫دينية في سوريا (‪ 0.5‬في المائة ‪ 1 -‬في‬

‫األكبر والثالثة من حيث العدد اإلجمالي‬

‫تقريبا (‪ 8‬في المائة ‪ 15 -‬في المائة) من‬

‫المائة) من إجمالي تعداد السكان ويتركز‬

‫السكان (‪ 7‬في المائة ‪ 13 -‬في المائة)‪.‬‬

‫تعداد الس ّكان وينتشرون بشكل أساسي‬

‫وجود الطائفة أساسا في محافظتي حماة‬

‫غالب مسيحيّي سوريا أرثوذكس مع‬

‫في محافظات الحسكة وحلب ودمشق‬

‫وبخاصة بمدينة السلميّة وطرطوس‬ ‫ببلدة َ‬ ‫الق ْدموس ونهر الخوابي‬

‫أقليّات كاثوليكيّة ومارونيّة وبروستانتيّة‬

‫وغالبيتهم الساحقة من ّ‬ ‫السنة‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫وينقل كرافت عن معارض سوري جلس مرة مع‬ ‫االسد‪ ،‬الذي كان يحاول استمالته سياسيا‪ ،‬قول‬ ‫االسد‪« :‬اعلم انه كان هناك اختالفات سياسية‬ ‫فيما بيننا في الماضي‪ ،‬ولكن هناك حوالي مائة‬ ‫سوري فقط ممن يهتمون لمواضيع االختالفات‬ ‫السياسية‪ ،‬وبامكاننا بسهولة ان نرميهم جميعهم‬ ‫في السجن»‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬بعدما رمى االسد خصومه جميعهم في‬ ‫السجن‪ ،‬من سنة وشيوعيين وحتى علويين وعلى‬ ‫رأسهم حليفه السابق ثم غريمه وسلفه صالح‬ ‫جديد‪ ،‬تفرغ لبناء زعامته االقليمية‪ ،‬ووجد في‬

‫ومنتشرون على كامل التراب السوري‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫قصة الغالف‬

‫الصراع العربي ‪-‬االسرائيلي اسهل فرصة لذلك‪،‬‬ ‫فاشترك في حرب اوكتوبر ‪ 1973‬التي شنتها‬ ‫مصر لتحرير سيناء من االسرائيليين‪ .‬حينذاك لم‬ ‫تفشل القوات العربية في استعادة اي من اراضيها‬ ‫المحتلة فحسب‪ ،‬بل وجدت نفسها تتراجع وتخسر‬ ‫المزيد من االراضي‪ ،‬مما دفع بالرئيس المصري‬ ‫انور السادات الى طلب الوساطة من الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬فبدأ وزير الخارجية هنري كيسينجر‬ ‫ما عرف بالـ»ديبلوماسية المكوكية» التي انتجت‬ ‫معاهدة سالم مصرية مع اسرائيل‪ ،‬واتفاقية فض‬ ‫اشتباك سورية ‪ -‬اسرائيلية في العام ‪،1974‬‬ ‫ومازالت االتفاقيتان قائمتين حتى اليوم‪.‬‬ ‫وحسب كرافت‪ ،‬فان نجاح االسد في خوض‬ ‫حرب استنزاف مع االسرائيليين استمرت ‪81‬‬ ‫يوما حولته الى محط انظار زعماء المنطقة‬ ‫والعالم‪ ،‬وذلك لم يكن ممكنا لوال الدعم الروسي‬ ‫له‪ ،‬فالسادات الذي ارتمى في احضان واشنطن‪،‬‬ ‫انهى عالقة مصر باالتحاد السوفياتي‪ ،‬الذي وجد‬ ‫في االسد حليفه الشرق االوسطي الوحيد‪ ،‬فهدد‬ ‫االسرائيليين بالتدخل عسكريا في حال قرروا‬ ‫اسقاط نظام االسد النهاء حرب االستنزاف تلك‪،‬‬ ‫مما اعطى االسد حماية سمحت له بالتوصل الى‬ ‫هدنة مع االسرائيليين‪.‬‬

‫العلويون في تحالف االقليات وتخاصمها‬ ‫«السياسة االقليمية هي التي حاول من خاللها‬ ‫السيد االسد ان يخلق اسطورة لنفسه بجعله من‬ ‫سوريا قوة بين العرب بدال من ان تكون ساحة‬ ‫كرة قدم»‪ ،‬يكتب مراسل نيويورك تايمز نيل‬ ‫ماكفاركوهر في خبر وفاة االسد في العام ‪.2000‬‬ ‫هكذا‪ ،‬بعد اقفال جبهة الجوالن الذي بقي تحت‬ ‫االحتالل االسرائيلي‪ ،‬تحولت انظار االسد‬ ‫الى لبنان‪ .‬هناك كان حلفاؤه من االقليات‪،‬‬ ‫بعض الشيعة بزعامة موسى الصدر‪ ،‬واكثرية‬ ‫المسيحيين الذين طلبوا منه ارسال قواته لنزع‬ ‫سالح الفصائل الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات‪،‬‬ ‫غريم االسد‪ .‬وجد االسد مصلحة له في ذلك‬ ‫التحالف «األقلّوي»‪ ،‬وحاول ضم الدروز‪ ،‬اال‬ ‫ان رفض جنبالط وتمسكه بعرفات‪ ،‬اوديا بحياته‬ ‫اغتياال في العام ‪.1977‬‬ ‫في وقت الحق‪ ،‬انفض تحالف االسد مع‬ ‫الميليشيات المسيحية‪ ،‬فاستبدلها بالدروز بقيادة‬ ‫وليد جنبالط‪ ،‬ابن المغدور كمال والذي حاول‬ ‫تفادي المواجهة مع العلويين التي انتهجها والده‪.‬‬ ‫وفي العام ‪ ،1978‬اختفى الصدر اثناء رحلة الى‬ ‫ليبيا‪ ،‬فحرص االسد على وصول حليفه نبيه بري‬ ‫الى الزعامة الشيعية‪ .‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬خاض‬ ‫الثنائي بري ‪ -‬جنبالط‪ ،‬برعاية سورية‪ ،‬جوالت‬ ‫دموية من المواجهات مع المسيحيين‪ ،‬برعاية‬ ‫دولية وغربية‪ ،‬رسمت معالم الحرب االهلية في‬ ‫لبنان حتى انتهائها في العام ‪ 1991‬بعدما منحت‬

‫‪34‬‬

‫واشنطن االسد تفويضا للسيطرة على لبنان‬ ‫بالكامل مكافأة له الشتراكه في حرب تحرير‬ ‫الكويت من اجتياح صدام لها قبل ذلك بعام‪.‬‬ ‫وتشير التقارير الى ان ابرز مؤيدي تحالف‬ ‫االقليات كان رفعت االسد‪ ،‬الذي كان يعتقد‬ ‫ان تحالفا يشمل علويي سوريا وشيعة لبنان‪،‬‬ ‫والدروز والمسيحيين في في سوريا ولبنان‬ ‫واسرائيل‪ ،‬فضال عن اليهود االسرائيليين‪ ،‬من‬ ‫شأنه ان يعطي تفوقا لالقليات في مواجهة السنة‬ ‫في المنطقة عموما‪ .‬ومما ساهم في تكريس فكرة‬ ‫«تحالف اقل ّوي» يضم االسرائيليين هو اتفاق‬ ‫الخطوط الحمر الذي رعاه كيسينجر لتقاسم‬ ‫النفوذ بين سوريا واسرائيل داخل لبنان‪ ،‬فضال‬ ‫عن انفتاح بعض مسيحيي لبنان على تل ابيب‬ ‫واقامة تحالفات معها‪.‬‬ ‫مؤيدو نظرية ان التعاون الضمني لألقليات‬ ‫حصل فعال مطلع الثمانينات يستندون الى خروج‬ ‫عرفات من لبنان كدليل‪ ،‬فاسرائيل اجبرت الزعيم‬ ‫الفلسطيني على الخروج من بيروت ابان اجتياحها‬ ‫في العام ‪ .1982‬بعد ذلك بعام‪ ،‬عاد عرفات من‬ ‫تونس الى لبنان ودخل طرابلس في الشمال‪،‬‬ ‫ليلقى المصير نفسه‪ ،‬ولكن هذه المرة على يد‬ ‫جيش االسد وحلفائه من الفلسطينيين واللبنانيين‬ ‫الذين اخرجوه مرة ثانية من لبنان على غرار ما‬ ‫فعلت اسرائيل قبل عام‪ ،‬ما يعني انه فيما كانت‬ ‫االقليات‪ ،‬العلوية والشيعية والمسيحية واليهودية‬ ‫تتقاسم مناطق النفوذ في لبنان‪ ،‬كان الخاسر‬ ‫االكبر هو عرفات والفلسطينيين والسنة عموما‪.‬‬ ‫لكن هل كان العلوي حافظ االسد‪ ،‬الذي طرد‬ ‫شقيقه العلوي رفعت من دمشق بعد اقتراب‬

‫يعتقد االسد ان حربا‬ ‫اهلية في لبنان اوالعراق‬ ‫تشتت االنظار عن املجازر‬ ‫التي يرتكبها «الشبيحة»‬ ‫بأمرته بحق املدنيني‬ ‫السوريني‪ ،‬او ان هكذا‬ ‫حروبا اهلية تثني الغرب‬ ‫عن محاولة االطاحة به‪،‬‬ ‫بل ممكن ان تستجديه‬ ‫لتثبيت االوضاع عبر‬ ‫استخدامه للعنف املفرط‬

‫القوات الموالية لهما من مواجهة عسكرية في‬ ‫العام ‪ ،1984‬يؤمن فعال بأقليات واكثريات؟ ام‬ ‫فقط بمصالح؟ وهل من الممكن الحديث عن طائفة‬ ‫علوية موحدة بعدما قامت قوات حافظ االسد‬ ‫بتصفية الموالين لرفعت تماما في العام ‪1999‬‬ ‫في معارك في الالذقية بهدف تأمين انتقال سهل‬ ‫للسلطة الى ابنه بشار؟‬

‫حافظ االسد و»حزب اهلل» أعداء‬ ‫في ‪ 16‬فبراير ‪ ،1987‬اقتحمت «القوات‬ ‫الخاصة» بإمرة غازي كنعان‪ ،‬رجل حافظ االسد‬ ‫في لبنان‪ ،‬ما يعرف بـ «ثكنة فتح اهلل»‪ ،‬في منطقة‬ ‫البسطة في بيروت‪ ،‬وقامت باعدام شباب كانوا‬ ‫بداخلها‪ ،‬جميعهم من مقاتلي «حزب اهلل» الشيعي‬ ‫اللبناني‪ .‬في اليوم التالي‪ ،‬سار في جنازة الضحايا‬ ‫ما يقارب ‪ 10‬االف مشيع من الشيعة اللبنانيين‪،‬‬ ‫واستبدلوا هتافهم المعتاد «الموت السرائيل» بالـ‬ ‫«موت لسوريا»‪ ،‬فيما طالب كبار رجال الدين‬ ‫الشيعة‪ ،‬وعلى رأسهم محمد حسين فضل اهلل‬ ‫وامين عام «حزب اهلل» صبحي الطفيلي االسد‬ ‫باالعتذار من الحزب ومن اهالي الضحايا‪.‬‬ ‫لم يتراجع االسد يومذاك ولم يكترث لتحالفه‬ ‫مع شيعة لبنان‪ ،‬وال لنظرية تحالف االقليات‬ ‫عموما‪ ،‬وال لتحالفه مع ايران راعية الحزب‪،‬‬ ‫التي ارسلت وزير داخليتها علي محتشمي في‬ ‫زيارة غير مقررة مسبقا الى دمشق للقاء االسد‬ ‫في ‪ 6‬آذار (مارس)‪ ،‬حسب جوبن غودارزي‬ ‫في كتابه «سوريا وايران»‪ .‬ويقول غودارزي‬ ‫ان االسد لم يمنح ضيفه اللقاء حتى بعد إلقائه‬ ‫خطابا بعد يومين قال فيه انه في حال استولت‬ ‫ايران على البصرة في حربها مع صدام‪ ،‬فانها‬ ‫ستجد جميع العرب في مواجهتها‪ ،‬اي انه في‬ ‫مناورة سياسية واضحة‪ ،‬وضع االسد التحالف‬ ‫العلوي ‪ -‬الشيعي جانبا‪ ،‬وألمح الى عروبة‬ ‫السوريين وتاليا امكانية عودته الى الصف‬ ‫السني‪.‬‬ ‫هذه المناورة التي اتقنها االسد االب وساعدت‬ ‫في بقائه رقما صعبا في نظر حلفائه قبل اعدائه‪،‬‬ ‫يعتقد كثيرون انها فاتت االسد االبن الذي ارتمى‬ ‫في حضن حليفته ايران من دون غيرها‪ ،‬وصار‬ ‫كثير االعتماد عليها حتى نجحت طهران في‬ ‫السيطرة على قراره‪.‬‬ ‫«قال االسد لمحتشمي انه ال يقبل اي نشاط‬ ‫ضد مصالح سوريا في لبنان‪ ،‬وانه يتوقع‬ ‫تعاون طهران وحزب اهلل في هذا المجال‪ ..‬اي‬ ‫انه ان افترقت مصالح ايران ‪ -‬حزب اهلل عن‬ ‫مصالح سوريا‪ ،‬للمصالح السورية اولوية»‪،‬‬ ‫يتابع غودارزي‪ .‬هذا الترتيب في تحالف االسد‬ ‫االب ‪ -‬حزب اهلل ظل سائدا حتى خروج قوات‬ ‫االسد االبن من لبنان في العام ‪ ،2005‬وساهم في‬


‫علويون أتراك في صالة جماعية‬ ‫سيطرة االسد شبه التامة على الشيعة في لبنان‬ ‫وخصوصا على «حزب اهلل»‪.‬‬ ‫ويروي مبعوث السالم السابق دينيس روس في‬ ‫كتابه «السالم المفقود» انه طلب من االسد مرة‬ ‫اثناء احد اللقاءات بينهما ان يلجم نشاط «حزب‬ ‫اهلل» ضد االسرائيليين كبادرة حسن نية في‬ ‫خضم مفاوضات السالم بين دمشق وتل ابيب‪.‬‬ ‫وفعال‪ ،‬يقول روس‪ ،‬اوقف «حزب اهلل» عملياته‬ ‫العسكرية تماما بعدما وعده االسد بذلك‪ .‬لقد كان‬ ‫«حزب اهلل» كالخاتم في اصبع االسد االب‪.‬‬

‫بشار االسد و«حزب اهلل» أصدقاء‬ ‫«انت قلتلي ممكن يتأمن بضاعة محليا»‪ ،‬يقول‬ ‫الرجل الذي عمل مخبرا لألمن اللبناني متوجها‬ ‫الى النائب والوزير السابق ومستشار بشار االسد‬ ‫في لبنان ميشال سماحة‪ ،‬الذي يجيبه‪« :‬بيقولو‬ ‫للحزب بيحطن بالمطرح الفالني وخلص منشيلن‪.‬‬ ‫ما بيعرفو مين‪ ،‬وال وين‪ ،‬وال بيعرفو شي»‪ .‬في‬ ‫محاضر التحقيق الالحقة‪ ،‬التي نشرتها صحيفة‬ ‫«الجمهورية» اللبنانية‪ ،‬يظهر سماحة وهو يسلم‬ ‫المتفجرات التي كان يطلب من المخبر زرعها‬ ‫الغتيال شخصيات معارضة لألسد في شمال‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫ويقول خبراء ان التناقض في اقوال سماحة قد‬ ‫يظهر أن نظام االسد طلب من «حزب اهلل»‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫مساعدته في تسليم متفجرات لعمالئه في شمال‬ ‫لبنان‪ ،‬وان الحزب رفض ذلك‪ ،‬مما دفع مساعد‬ ‫االسد علي مملوك الى الطلب من سماحة‪ ،‬وهو‬ ‫ليس صاحب اختصاص بالمواضيع االمنية‪،‬‬ ‫باستالم المتفجرات شخصيا في دمشق‪ ،‬وتسليمها‬ ‫للعميل في بيروت‪ .‬وان كان ذلك صحيحا‪ ،‬يبدو‬ ‫انه للمرة االولى منذ العام ‪ 1987‬واتفاقية االسد‬ ‫ محتشمي‪ ،‬لم تعد لمصالح االسد اولوية على‬‫مصالح «ايران ‪ -‬حزب اهلل» في لبنان‪ ،‬فيما‬ ‫يجمع الخبراء على تباين في الرؤية بين الحزب‬ ‫وبشار االسد حول وضع لبنان‪ ،‬ما دفع االخير‬ ‫ في محاولة يائسة ‪ -‬الى االعتماد على موارده‬‫الشحيحة اصال لتنفيذ مخططاته في لبنان‪ ،‬وباءت‬ ‫المحاولة بالفشل‪.‬‬ ‫والالفت ايضا انه باستثناء التصريح‪ ،‬الذي تراجع‬ ‫الحقا الحزب عنه لرئيس كتلته البرلمانية محمد‬ ‫رعد الذي سخر من اعتقال االمن اللبناني لسماحة‪،‬‬ ‫يتمسك الحزب بصمت مطبق في موضوع الوزير‬ ‫السابق واليبدو انه يهب لنجدته الخراجه من‬ ‫االعتقال‪ ،‬على االقل حفظا لماء وجه حليفه االسد‬ ‫في لبنان‪ .‬هذا ال يعني ان طهران او «حزب اهلل»‬ ‫ال يقدمان كل مساعدة ممكنة النقاذ حليفهم االسد‬ ‫داخل سوريا ومساعدته في القضاء على الثورة‬ ‫المندلعة ضد حكمه منذ آذار (مارس) ‪ .2011‬اال‬ ‫انه يعني انه في النظرة حول لبنان‪ ،‬هناك تباين‬ ‫واضح‪ ،‬فالحزب يسيطر على لبنان وحكومته‪،‬‬ ‫وال يرغب في رؤية االمور تفلت من بين يديه او‬

‫ان تتجه الى حرب اهلية تجبره على الغوص فيها‬ ‫وتضعف من امكاناته في اي مواجهة محتملة مع‬ ‫اسرائيل‪ ،‬خصوصا في ملف ايران النووي‪.‬‬ ‫اما االسد‪ ،‬الذي هدد قبل سنوات امين عام االمم‬ ‫المتحدة بأن المنطقة الممتدة من قزوين الى‬ ‫المتوسط ستنفجر في حال اتهم التحقيق الدولي‬ ‫اي مسؤول سوري بالتورط في جريمة قتل‬ ‫الحريري‪ ،‬فهو يسعى اليوم فعليا الى تفجير هذه‬ ‫المنطقة‪ ،‬او على االقل الدول المجاورة له كلبنان‬ ‫والعراق‪ .‬وربما يعتقد االسد ان حربا اهلية في‬ ‫لبنان اوالعراق تشتت االنظار عن المجازر‬ ‫التي يرتكبها «الشبيحة» بأمرته بحق المدنيين‬ ‫السوريين‪ ،‬او ان هكذا حروبا اهلية تثني الغرب‬ ‫عن محاولة االطاحة به‪ ،‬بل ممكن ان تستجديه‬ ‫لتثبيت االوضاع عبر استخدامه للعنف المفرط‪.‬‬

‫كيف تنتهي هذه الثورة؟‬ ‫كتب احد الصحافيين الذين غطوا الحرب‬ ‫االميركي في العراق برفقة الجيش االميركي ان‬ ‫االميركيين عندما وصلوا اطراف بغداد وصار‬ ‫دخولها يبدو سهال‪ ،‬نظر آمر الكتيبة الجنرال‬ ‫دايفيد بترايوس الى الصحافي وتوجه إليه‬ ‫بالسؤال‪« :‬ايمكن ان تقول لي كيف تنتهي هذه‬ ‫الحرب»؟‬ ‫من يعرف اسلوب االسد يعلم انه غالبا ال يكون‬ ‫لدى االبن او ابنه من بعده تصورا لما ستؤول‬ ‫اليه االمور‪ ،‬فاالسد االب قلب هزائم عديدة‬

‫‪35‬‬


‫قصة الغالف‬

‫انتصارات‪ ،‬فهو خسر عسكريا في العام ‪،1973‬‬ ‫اال ان الرئيس االميركي ريتشارد نيكسون‬ ‫زاره في يونيو ‪ ،1974‬وهو خسر في االجتياح‬ ‫االسرائيلي للبنان في العام ‪ ،1982‬ولكنه عاد‬ ‫مع حلول العام ‪ 1983‬وقلب الموازين لمصلحته‬ ‫واجبر االسرائيليين على التراجع في لبنان‪.‬‬ ‫كذلك لألسد االبن انتصارات سياسية مشابهة‬ ‫في الماضي القريب‪ ،‬ولكن هذه المرة بمساعدة‬ ‫االسرائيليين‪ ،‬على حد قول المسؤولين السابقين‬ ‫في ادارة جورج بوش‪ ،‬اليوت ابرامز وجيفري‬ ‫فيلتمان‪.‬‬ ‫ففي ندوة في معهد هدسون في العام ‪ ،2010‬قال‬ ‫المسؤوالن ان «اسرائيل هي التي فتحت الباب‬ ‫لسوريا للخروج من عزلتها الدولية»‪ ،‬التي كانت‬ ‫مفروضة عليها منذ اغتيال الحريري في ‪.2005‬‬ ‫مع حلول العام ‪ ،2008‬كانت اسرائيل تجري‬ ‫مفاوضات مع االسد في انقرة‪ ،‬وهو ما فتح الباب‬ ‫لألسد‪ ،‬على حد تعبير المسؤولين االميركيين‪.‬‬ ‫ولكن منذ اندالع الثورة السورية في آذار‬ ‫(مارس) ‪ ،2011‬يبدو ان حظوظ االسد قاربت‬ ‫النفاذ‪ ،‬وان آل االسد الذين تحكموا بلبنان لعقود‬ ‫خلت‪ ،‬لم يعد بامكانهم اخراج مستشار االسد من‬ ‫السجن في بيروت‪.‬‬ ‫«خطة االسد الوحيدة هي استخدام العنف لتضييع‬ ‫الوقت»‪ ،‬يقول عجمي في كتابه الصادر مؤخرا‬ ‫بعنوان «الثورة السورية»‪ ،‬اي انه ال يبدو ان‬ ‫الباقي في جعبة االسد االبن غير استخدام العنف‬ ‫المفرط بحق السوريين الخافتهم واجبارهم على‬ ‫التراجع عن ثورتهم‪ ،‬وانتظار تطورات اقليمية‬ ‫او دولية قد تأتي في مصلحته‪.‬‬ ‫اذن‪ ،‬ال يبدو ان لدى االسد االبن تصورا حول‬ ‫كيفية انتهاء االحداث المتسارعة داخل سوريا‬ ‫بطريقة تبقيه في الحكم‪ ،‬وهو ما حمل الخبراء‬ ‫على محاولة تقديم سيناريوات متعددة لما قد يقدم‬ ‫عليه االسد للخروج من ورطته‪.‬‬ ‫ابرز السيناريوات هو انتقال االسد الى معاقل‬ ‫العلويين في الشمال الغربي‪ ،‬وتمركزه هناك‬ ‫الطالة امد القتال‪ ،‬وربما انشائه دولة علوية بمثابة‬ ‫دولة امر واقع يعمل على الحصول على اعتراف‬ ‫دولي باستقاللها في وقت الحق‪ .‬ويشجع على‬ ‫قبول هذا السيناريو قيام قوات االسد وشبيحته بما‬ ‫يشبه «التطهير العرقي» بحق غير العلويين في‬ ‫القرى السنية المجاورة لحدود الدولة العلوية‪.‬‬ ‫لكن مشكالت قيام الدولة العلوية كثيرة‪ ،‬ليس‬ ‫اقلها انعدام الموارد الطبيعية لهذه الدولة‪ ،‬وصغر‬ ‫رقعتها الجغرافية‪ ،‬وغياب اي دليل ان االسد‪ ،‬او‬ ‫من قد يخلفه في ادارة امورها‪ ،‬لديهم خطة للحكم‬ ‫الرشيد لجعلها دولة متقدمة اداريا واقتصاديا‬ ‫على جيرانها‪ ،‬بل ان الدالئل تشير الى غياب‬

‫‪36‬‬

‫البنية التحتية للدولة العلوية المزعومة‪ ،‬فال‬ ‫مطارات دولية فيها‪ ،‬وال محطات كهرباء وال‬ ‫اوتوسترادات سريعة‪ ،‬ما يعني ان لجوء االسد‬ ‫اليها سيكون بمثابة عودة العلويين الى عزلتهم‬ ‫التاريخية في جبالهم‪ ،‬مع فارق ان في هذا الزمن‪،‬‬ ‫على عكس قبل قرن او اكثر‪ ،‬لم تعد المناطق‬ ‫معزولة كما في الماضي‪.‬‬ ‫انعدام فرص قيام الدولة العلوية قد يدفع العلويين‬ ‫الى محاولة البقاء داخل سوريا الموحدة‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا يزداد صعوبة مع استمرار بقاء االسد‪ ،‬الذي‬ ‫يبدو انه يدفعهم في الغالب الى ارتكاب مجازر‬ ‫بحق غير العلويين‪ .‬ومن نافل القول‪ ،‬ان الدماء‬ ‫يؤدي الى المزيد من الدماء‪ ،‬وكل ما طال امد‬

‫المواجهة‪ ،‬زاد الثأر والنقمة والحقد ضد العلويين‪،‬‬ ‫وجعل من بقائهم في سوريا‪ ،‬ناهيك عن شراكتهم‬ ‫في الحكم‪ ،‬امرا بالغ الصعوبة‪.‬‬ ‫في جلسة خاصة‪ ،‬يقول احد «المستعربين» في‬ ‫وزراة الخارجية االميركية ممن يراقبون الوضع‬ ‫في سوريا‪ ،‬ان االسد اتخذ قراره بخصوص الثورة‬ ‫السورية منذ اليوم االول عمال بالتقليد القبلي‪« :‬اما‬ ‫قاتل واما مقتول»‪ .‬هذا يعني انه‪ ،‬ولألسف‪ ،‬كل‬ ‫ما طال ارتباط العلويين باالسد‪ ،‬ارتبط مصيرهم‬ ‫بمصيره‪ ،‬وصاروا كمجموعة في موقع «اما قاتل‬ ‫او مقتول»‪ ،‬وهذا نوع من االنتحار الجماعي‬ ‫الذي قد يعيد العلويين الى الماضي الذي كانوا فيه‬ ‫بمثابة المنبوذين‪ ،‬وهذا ان حصل‪ ،‬قد يؤكد مقولة‬ ‫ان «التاريخ يعيد نفسه»‪.‬‬

‫أقليات و أعراق‬ ‫التركمان‪ :‬يعتبر األتراك المجموعة العرقية الثالثة في سوريا بعد الكرد‬ ‫والعرب ونسبتهم ما بين (‪ 3‬في المائة ‪ 7 -‬في المائة) من تعداد الس ّكان‬ ‫وينتشرون بشكل أساسي في س ّتة محافظات هي حمص وحماة ودمشق وحلب‬ ‫والالذقيّة والقنيطرة (الجوالن)‬ ‫اآلراميّون‪ :‬السريان‪ /‬الكلدان‪ /‬اآلشوريّون وهم رابع قومية في سوريا من‬ ‫حيث العدد ومن أقدم القوميّات التي سكنت البالد‪ ،‬ويمثلون (‪ 2‬في المائة ‪5 -‬‬ ‫في المائة) من تعداد الس ّكان ويتر ّكزون اساسا في محافظة الحسكة وال يزالون‬ ‫رغم التعريب يحافظون على لغتهم األم‪.‬‬ ‫الشركس‪ :‬خامس األعراق في سوريا من حيث العدد (‪ 0.5‬في المائة ‪ 2 -‬في‬ ‫المائة) من تعداد الس ّكان وينتشرون بشكل أساسي في حمص وحماة والقنيطرة‬ ‫كما توجد لهم تجمعّات صغيرة بالحسكة ودمشق ودرعا وحلب والرقة وريف‬ ‫دمشق‪.‬‬ ‫الغجر‪ :‬يعرفون أيضا بال ُدميّين أو ُ‬ ‫الق ْرباط أو َّ‬ ‫النَور وهم سادس األعراق في‬ ‫سوريا ونسبتهم ما بين (‪ 0.5‬في المائة ‪ 1 -‬في المائة) من تعداد الس ّكان وهم‬ ‫منتشرون على كامل األراضي السوريّة وبشكل خاص البوادي وأطراف المدن‬ ‫األرمن‪ :‬سابع القوميات السوريّة وتبلغ نسبتهم ما بين (‪ 0.5‬في المائة ‪1 -‬‬ ‫في المائة) من تعداد الس ّكان وتعتبر مدينة حلب هي أكبر تجمع لألرمن في‬ ‫سوريا ومركز ثقلهم‪ ،‬كما توجد لهم تجمّعات بالحسكة ودمشق ودير الزور‬ ‫وحمص والالذقيّة‪.‬‬


‫األفكار خلف األخبار‬


‫دراسات‬

‫الصفوي العثماني‬ ‫دفعت ثمناً باهظاً في الخالف َّ‬

‫العلويّة‪ ..‬طريقة صوفية‬ ‫أم شيعة جعفرية!‬ ‫يحار َّ‬ ‫الناظر في شأن العلويين أو الفرقة العلوية‪ ،‬يصدق مَن ويُكذب مَن‪ ،‬وأي اسم يُثبت لهم‪ :‬أهم علويون أم نصيريون؟!‬ ‫مسلمون في األصل أم مسيحيون‪ ،‬طريقة صوفية أم شيعة جعفرية؟! مَن هو مؤسسهم‪ :‬أعلي بن أبي طالب أم محمد بن نصير‬ ‫والنصيرية الواردون في كتب الملل وال ِّنحل أم ِّ‬ ‫النميرية ُّ‬ ‫النميري‪ ،‬أهم َّ‬ ‫َّ‬ ‫الشيعة اإلمامية؟!‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬رشيد الخ ُيّون‬

‫‪38‬‬


‫ُّ‬ ‫كل هذه األسئلة تدور في ذهن القارئ لتاريخهم‬ ‫المكتوب بيد عبر اآلخرين ِمن خصومهم على ما‬ ‫يبدو‪ِ ،‬من مؤرخي الملل وال ِنّحل واألجانب‪ ،‬الذين‬ ‫السماع‪ ،‬كذلك‬ ‫في العديد ِمن األحيان يكتبون على ِّ‬ ‫َمن سجل تاريخهم عبر شخص خرج ِمن بينهم‬ ‫بعد أن مارس طقوس تخص جماعة معينة منهم‬ ‫ال الطائفة بأكملها‪.‬‬ ‫ر َبّما بدأ االهتمام بأمر هذه الطائفة‪ ،‬بعد تولي‬ ‫أبنائها مراكز قيادية سورية‪ ،‬كصالح جديد‪،‬‬ ‫الذي أصبح الرجل الثاني والقوي في سوريا عام‬ ‫‪ ،1966‬ثم حافظ األسد رئيس الوزراء ووزير‬ ‫الدفاع ثم رئيس الجمهورية عام‪( 1971‬ت‬ ‫‪ ،)2000‬فوصل عن طريقهم أبناء الطائفة إلى‬ ‫السنة‬ ‫مراكز حساسة في مجتمع أغلبيته ِمن أهل ُّ‬ ‫والجماعة‪ ،‬إال أنه قطع مسافات التباعد بين أقلية‬ ‫حاكمة وأغلبية محكومة بدخوله المسجد األموي‬ ‫والصالة حسب تقاليد المذهب الحنفي‪ ،‬نسبة إلى‬ ‫َّ‬ ‫اإلمام العراقي أبي حنيفة النُّعمان (ت ‪ 150‬هـ)‪،‬‬ ‫وبما أن الطائفة العلوية ال تتقيد أو تتشدد كثيراً‬ ‫بالفروع‪ ،‬وأن الرئيس لم يكن متديناً‪ ،‬فظل يصلي‬ ‫السَنّة في األعياد والمناسبات ال ِّدينية‪،‬‬ ‫بصالة أهل ُّ‬ ‫الرسمي‪ ،‬فظل كما هو‬ ‫ولم يغير في مذهب ال َّدولة َّ‬ ‫على المذهب الحنفي‪ ،‬في المعامالت‪ ،‬وكان مفتي‬ ‫ال َّدولة يظهر إلى جانبه ويعطي انطباع أن ال َّدولة‬ ‫على ما هي عليه‪ ،‬ليس هناك ِمن تغيير في تشريع‬ ‫الرسمي‪ ،‬الذي‬ ‫أو تقديم مذهب ما مكان مذهبها َّ‬ ‫كانت عليه منذ العهد العثماني‪ ،‬وأن االعتراف‬ ‫بالمذاهب األربعة إلى جانب المذهب الخامس‬ ‫وهو مذهب العلويين‪ ،‬الذي يشار إليه بالجعفري‪،‬‬ ‫كان موجوداً منذ توحيد دولة العلويين مع بقية‬ ‫سوريا عام ‪.1936‬‬

‫ملف شائك‬ ‫كان الخوض في الشأن العلوي له حساباته‪ ،‬كونه‬ ‫يمس الحكم بسوريا مباشرة‪ ،‬فالهيمنة العلوية في‬ ‫المراكز الحساسة كانت واضحة‪ ،‬وأي فتح حديث‬ ‫عن هذه َّ‬ ‫الطائفة يقصد ال ِنّظام‪ .‬فأتذكر عندما حاولنا‬ ‫إصدار كتاب في مركز «المسبار» للدراسات‬ ‫والبحوث عن العلويين كطائفة دينية‪ ،‬لم نستطع‬ ‫إدراج باحثين ِمن داخل سوريا فيه‪ ،‬بل الذين‬ ‫رشحوا للكتابة فيه ارتأوا أن يتناولوا العلويين‬ ‫خارج سوريا‪ ،‬وبعناوين غير الفتة لل َنّظر‪ ،‬خشية‬ ‫السوري‪ ،‬فليس‬ ‫من اعتبار ذلك تعرضاً لل ِنّظام ُّ‬ ‫هناك أقوى ِمن أجهزته األمنية والمخابراتية‪ .‬بينما‬ ‫عندما تفجرت قضية العلويين بتركيا العام ‪1993‬‬ ‫و‪ ،1995‬خصصت أكثر الصحف والمجالت‬ ‫ملفات لهذا الحدث ِمن دون اإلشارة إلى سوريا‬ ‫ولو باالسم‪ ،‬وكانت مناسبة أن يفتح ملف العلويين‬ ‫كتاريخ وحاضر معاش‪.‬‬ ‫لكن ال تخلو المكتبات من إصدارات بأسماء‬ ‫مستعارة‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬كردة فعل على تصرفات‬ ‫الحكم المحسوب على ّ‬ ‫الطائفة بسوريا‪ ،‬فيها‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫تعريض بتاريخ وعقائد َّ‬ ‫الطائفة‪ ،‬وال َتّركيز على‬ ‫ُ‬ ‫حكايات فيها قسوة صارخة‪ ،‬مثل كتيب «الجيل‬ ‫َ‬ ‫الثّاني‪ ...‬قصة واقعية تحكي عقائد ال َنّصيريين‬ ‫وعاداتهم» موقع باسم محمد حسن‪ ،‬صدر الكتيب‬ ‫عام ‪ 1986‬عن دار وهمية على ما يبدو‪ ،‬هي دار‬ ‫«العقيدة»‪ ،‬ور َبّما كان هذا الكتيب ردة فعل على‬ ‫السوريين بحماة‬ ‫ما حصل ضد اإلخوان المسلمين ُّ‬ ‫عام ‪ ،1982‬وعلى ما كانت تتصرف به ميليشيا‬ ‫سرايا ال ِّدفاع‪ ،‬التي كان يقودها شقيق الرئيس‬ ‫حافظ األسد رفعت األسد‪ ،‬ثم ُحلت ونفي قائدها‬ ‫إلى الخارج حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫يدور ُ‬ ‫الكتيب عن عقيدة العلويين في التناسخ‪،‬‬ ‫التي ينفيها الذين كتبوا ِمن داخلهم‪ِ ،‬من أن العلوي‬ ‫عندما يموت يتحول إلى كائن آخر‪ ،‬وفي حالة أبي‬ ‫ونوس‪ ،‬بطل القصة‪ ،‬ينسخ إلى كلب‪ ،‬فبعد وفاته‬ ‫صار الكلب يأتي إلى داره‪ ،‬وتتعرف عليه زوجته‬ ‫ِمن خالل ما يحب ِمن َّ‬ ‫الطعام‪ .‬كلب أجرب هزيل‬ ‫الجمع وهو مكان العبادة لدى العلويين‪،‬‬ ‫يُطرد من ُ‬ ‫وقد طرد ُّ‬ ‫الشيوخ أم ونوس ألن ال َنّصيرية‪ ،‬حسب‬ ‫ما ورد في الكتيب‪ ،‬ال تقر للمرأة بدين‪.‬‬ ‫اعتمد الكتيب على كتاب آخر كتبه سليمان‬ ‫أفندي األدني‪ ،‬وهو نصيري أو علوي تحول‬ ‫إلى المسيحية‪ ،‬وأخذ يسرد ما حمله ِمن عقائد‬ ‫طائفته‪ ،‬كان قد ولد عام ‪ ،1834‬وقتل في ما‬ ‫بعد بين عصبيته ضد أبناء طائفته السابقة أو‬ ‫بسبب ردته عن اإلسالم‪ .‬اسم الكتاب «الباكورة‬ ‫السليمانية في كشف أسرار ال ِّديانة ال َنّصيرية»‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫نشره بعد أن عاش ببيروت كمسيحي في القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬وفي عام ‪ 1990‬نشرته في القاهرة‬ ‫دار «الصحوة»‪ ،‬وصار مصدراً ّ‬ ‫لكل َمن تناول‬ ‫ِ‬ ‫موضوع ال َنّصيرية‪.‬‬

‫الصوفية َّ‬ ‫الطاغية‬ ‫بسبب ُّ‬ ‫على املجتمع العلوي‬ ‫وعدم التزمت في‬ ‫التدين وابتعادهم‬ ‫عن السياسة بشكل‬ ‫عام‪ ،‬يصعب تشكيل‬ ‫كيان حزبي ديني‪ ،‬أي‬ ‫يستبعد أن يقام حزب‬ ‫ً‬ ‫مثال بينهم‪ ،‬أو أي‬ ‫الله‬ ‫حزب سياسي مبني على‬ ‫فكرة دينية‬

‫السابقة بعد أن ظهرت‬ ‫بعدها أخذ يشكو ِمن طائفته َّ‬ ‫لديه نية ال َتّحول عن َّ‬ ‫الطائفة واإلسالم ككل‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫علي اللَّعن والحرم‪ ،‬ووضعوا اسمي بين‬ ‫«أطلقوا َّ‬ ‫جملة المشتومين‪ ،‬واتفقوا على قتلي خفياً‪ ،‬وإن‬ ‫ظهر أمري يدفعون ثمن دمي‪ .‬فمنعهم َّ‬ ‫الشيخ صالح‬ ‫الرجل قد تركنا ألنه‬ ‫أفندي ابن سمرة‪ ،‬وقال‪ :‬إن َّ‬ ‫قد تحقق عنده أن ذكر صالتنا كفرية»(المصدر‬ ‫نفسه)‪.‬‬

‫كسر حاجز الخوف‬ ‫السورية الجارية‪ ،‬وكسر حاجز‬ ‫بعد األزمة ُّ‬ ‫الخوف بإعالن العصيان على ال ِنّظام و ِمن ال َّداخل‬ ‫الرسمي‬ ‫والمواجهات المسلحة‪ ،‬بين الجيش َّ‬ ‫والجيش الحر‪ ،‬ظهر االهتمام بتاريخ وجود‬ ‫َّ‬ ‫الطائفة العلوية ِمن جديد وبقوة‪ ،‬فبوجود رئيس‬ ‫جمهورية وقائد لحزب البعث الحاكم وأركان‬ ‫فاعلين علويين جعل المعركة كأنها مواجهة بين‬ ‫َّ‬ ‫السوريين‪ ،‬بل أوسع ِمن هذا‬ ‫الطائفة العلوية وبقية ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وسنة‪ ،‬على اعتبار أن‬ ‫أخذت تفهم أنها بين شيعة ُ‬ ‫الطائفة محسوبة على ِّ‬ ‫الشيعة‪ ،‬وبالفعل يصفها‬ ‫فقهاء ومؤرخون ِمن داخلها على أنها شيعة‬ ‫جعفرية‪ ،‬مثلما سنرى الحقاً‪.‬‬ ‫ر َبّما توقع ذلك جمال عبد ال َنّاصر(ت ‪)1970‬‬ ‫عندما أشار في خطاب له‪ ،‬بعد االنقالب بسوريا‬ ‫عام ‪ ،1966‬وتسلم العلوي صالح جديد المركز‬ ‫القوي بالحكومة وحزب البعث‪ ،‬وكان ِمن‬ ‫قبل سجيناً بالقاهرة بعد فشل الوحدة المصرية‬ ‫السورية‪ ،‬عندما قال‪« :‬حزب البعث الذي قسم‬ ‫سوريا إلى قسمين‪ ،‬وعمل تمييزا عنصريا واعتمد‬ ‫على َّ‬ ‫الطائفية واعتمد على األقليات»(سماع من‬ ‫يوتيوب)‪.‬‬ ‫إن قائمة الكتب التي تناولت العلويين أو‬ ‫ال َنّصيريين‪ ،‬بالضد ليست قليلة‪ ،‬بالمقابل هناك‬ ‫ندرة في ما ُكتب لصالحهم أو بشكل حيادي‪ ،‬ور َبّما‬ ‫أول قلم علوي تناول طائفته هو محمد أمين غالب‬ ‫َّ‬ ‫الطويل‪ ،‬في كتابه «تاريخ العلويين»‪ ،‬الذي هاجر‬ ‫من كليكيا التركية إلى الالذقية‪ ،‬ليصبح عضوا‬ ‫في محكمة بداية الالذقية‪ ،‬في دولة العلويين عام‬ ‫‪ ،1920‬وكان قبلها يعمل في الشرطة العثمانية‬ ‫برتبة مدير شرطة والية (من مقدمة عبد الرحمن‬ ‫بالخير للكتاب)‪.‬‬ ‫صار هذا الكتاب‪ ،‬الذي ُكتب قبل ‪1920 - 1919‬‬ ‫مصدراً أساسياً لمن بحث بحيادية عن أصل‬ ‫العلويين وتاريخهم وعقائدهم‪ ،‬على الرغم من‬ ‫وجود مالحظات لفقهاء ِمن َّ‬ ‫الطائفة عليها‪ ،‬ذكرها‬ ‫ً‬ ‫الرحمن بالخير‪ ،‬بينما مال الذين‬ ‫تفصيال عبد َّ‬ ‫كتبوا ضد الطائفة العلوية إلى كتاب الباكورة‪،‬‬ ‫وأتى َّ‬ ‫الطويل على قصة األدني‪ ،‬وكيف تحول إلى‬ ‫ُ‬ ‫الرهبان‪.‬‬ ‫المسيحية وقتل وهو يرتدي ثياب ُّ‬ ‫لقد صار الكتابان مرجعين لتاريخ هذه الطائفة‪.‬‬ ‫كذلك يشعر الباحث بحيادية ما كتبه هاشم عثمان‪،‬‬

‫‪39‬‬


‫دراسات‬

‫وهو باحث سوري في كتابيه‪« :‬العلويون بين‬ ‫األسطورة والحقيقة»(بيروت‪ ،‬مؤسسة األعلمي‬ ‫للمطبوعات ‪ .)1994‬ثم لحقه بكتاب «تاريخ‬ ‫العلويين وقائع وأحداث (بيروت‪ ،‬مؤسسة‬ ‫األعلمي للمطبوعات ‪.)1997‬‬ ‫بعد َّ‬ ‫الطويل كتب َّ‬ ‫الرحمن الخير‬ ‫الشيخ العلوي عبد َّ‬ ‫ً‬ ‫(‪ 1904‬ـ ‪ )1986‬كتابا تحت عنوان «عقيدتنا‬ ‫وواقعنا‪ ..‬نحن المسلمين الجعفريين العلويين»‪،‬‬ ‫صدر بعد وفاته (دمشق ‪ ،)1991‬ويؤكد أنهم‬ ‫جعفريون أو اثنا عشرية ال يتميزون بشيء‪ .‬ومثل‬ ‫ذلك نقرأ في كتاب العميد أحمد عباس «أُصول‬ ‫ال ِّدين عند ِّ‬ ‫الشيعة العلويين»(بيروت‪ :‬دار المنتظر‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،)2000‬وليس فيه من يميز عقيدتهم ال ِدينية‬ ‫عن أُصول ال ِّدين عند ِّ‬ ‫الشيعة الجعفرية‪ :‬التوحيد‬ ‫والعدل وال ُنّبوة واإلمامة والمعاد؟‬ ‫أما كتاب أحد الذين يعتبرون كمؤسسين في الطائفة‬ ‫وهو الحسين بن حمدان الخصيبي (ت نحو ‪334‬‬ ‫هـ) «الهداية الكبرى»‪ ،‬ففيه ِمن الغلو باإلمام‬ ‫علي وأوالده الكثير‪ ،‬وهو عبارة عن تاريخ في‬ ‫ٍّ‬ ‫(المعصومين)‪ ،‬حسب العقيدة ِّ‬ ‫الشيعة‪ ،‬األربعة‬ ‫عشر‪ ،‬وهو ال يميز َّ‬ ‫الطائفة العلوية عن ِّ‬ ‫الشيعة‬ ‫الجعفرية أو االثني عشرية بشيء‪ ،‬وشأنه شأن‬ ‫كتاب «بحار األنوار» لمحمد باقر المجلسي (ت‬ ‫الصفوية‪ .‬وال‬ ‫‪ ،)1699‬أحد أبرز فقهاء الفترة َّ‬ ‫نغفل محاولة البحاثة السوري محمد كرد علي‬ ‫(ت ‪ )1953‬في محاولة تقصي الحقيقة ِمن أحد‬ ‫شيوخهم أو وجهائهم عندما ألف كتابه «خطط‬ ‫َّ‬ ‫الشام»‪.‬‬

‫االنشقاق‬ ‫قبل تناول العلويين كتاريخ وفعل سياسي‬ ‫وعقائد ننظر في كتب الملل وال ِنّحل‪ ،‬لعلنا‬ ‫نجد ما يشير إلى تكوينهم األول‪ ،‬ومتى اشقوا‬ ‫عن الشيعة أو الجعفرية‪ ،‬ور َبّما يزيل عنهم ما‬ ‫لصق بهم ِمن االتهام بعبادة األشخاص‪ .‬نُسبت‬ ‫طائفة العلويين إلى مؤسسها المفترض محمد‬ ‫بن نصير النّميري (ت ‪ 270‬هـ)‪ ،‬على أنه كان‬ ‫باب الحسن العسكري(ت ‪ 260‬هـ)‪ .‬ونطالع في‬ ‫أمهات كتب الملل وال ِنّحل عن هذه َّ‬ ‫الشخصية‬ ‫وس َنّية‪ ،‬وتتفق كافتها على‬ ‫ِمن مصادر شيعية ُ‬ ‫السلبي منه‪ ،‬منها‪ :‬أن فرقة ِمن الغالة‬ ‫الموقف ِّ‬ ‫ِمن القائلين بإمامة علي بن محمد الهادي (ت‬ ‫‪ 254‬هـ) قالوا بنبوة ال َنّميري‪ ،‬وإنه كان يقول‬ ‫بالتناسخ والغلو في اإلمام المذكور‪ ،‬وسميت‬ ‫جماعته بالنُّميرية(النوبختي‪ ،‬فرق ِّ‬ ‫الشيعة)‪.‬‬ ‫وأن فرقة ِمن الغالة يُقال لها ال َنّميرية قالوا‬ ‫بالحلول‪ ،‬وهم أصحاب ال َنّميري(األشعري‪،‬‬ ‫مقاالت اإلسالميين)‪ .‬واعتبره شيخ َّ‬ ‫الطائفة‬ ‫محمد بن الحسن الطوسي (ت ‪ )460‬من‬ ‫والسفارة‬ ‫المذمومين الذين أدعوا البابية‬ ‫َّ‬ ‫للمهدي المنتظر كذباً‪ ،‬و»يدعي أنه رسول نبي‬

‫‪40‬‬

‫ظل حافظ األسد يصلي‬ ‫الس َنّة في‬ ‫بصالة أهل ُّ‬ ‫األعياد واملناسبات‬ ‫الدينية‪ ،‬ولم يغير‬ ‫ِّ‬ ‫الدولة‬ ‫في مذهب َّ‬ ‫الرسمي‪ ،‬فظل كما هو‬ ‫َّ‬ ‫على املذهب احلنفي‪،‬‬ ‫في املعامالت‪ ،‬وكان‬ ‫الدولة يظهر إلى‬ ‫مفتي َّ‬ ‫جانبه ويعطي انطباع‬ ‫الدولة على ما هي‬ ‫أن َّ‬ ‫عليه‪ ،‬ليس هناك ِمن‬ ‫تغيير في تشريع أو‬ ‫تقدمي مذهب ما مكان‬ ‫الرسمي‪ ،‬الذي‬ ‫مذهبها َّ‬ ‫كانت عليه منذ العهد‬ ‫العثماني‬ ‫السالم أرسله»(كتاب‬ ‫وأن علي بن محمد عليه َّ‬ ‫الغيبة)‪.‬‬ ‫ويأتي محمد بن عبدالكريم َّ‬ ‫الشهرستاني (ت ‪548‬‬ ‫هــ) بخبر فرقتي ال َنّصيرية واإلسحاقية على أنهما‬ ‫ِمن مشبهة ِّ‬ ‫الشيعة و ِمن جملة غالتهم‪ ،‬ويقولون‪:‬‬ ‫إنه ليس هناك أفضل ِمن علي بن أبي طالب‪ ،‬بعد‬ ‫ال َنّبي‪ ،‬ثم أوالده «فظهر الحق بصورتهم ونطق‬ ‫بلسانهم»(الملل وال َنّحل)‪ ،‬على ان ال َنّصيرية نسبة‬ ‫لمحمد بن نصير ال َنّميري‪.‬‬ ‫لكن هل ان ال َنّصيرية نسبة إلى هذا ابن نصير‪،‬‬ ‫الموصوف بهذه األوصاف‪ ،‬وهم العلوية أم أن‬ ‫لهم شأناً آخر؟! ما يغلب على َّ‬ ‫الظن أن الخالف‪،‬‬ ‫الذي أساسه سياسي‪ ،‬وهو كيفية معالجة‪ ،‬أو ملء‬ ‫فراغ اإلمامة‪ ،‬بعد وفاة الحسن العسكري قاد إلى‬ ‫محاولة تسقيط ال َنّميري‪ ،‬مثلما جرت محاولة‬ ‫تسقيط جعفر بن علي الهادي(ت ‪ 271‬هـ)‪ ،‬وهو‬ ‫أخو الحسن العسكري‪ ،‬وذم بأرذل الذم‪ ،‬حتى هذه‬ ‫اللحظة يُطلق عليه نعت‪« :‬جعفر الكذاب»! بينما‬ ‫هو ابن إمام وأخو إمام!‬ ‫إن المعروف في تقاليد االثني عشرية أو الجعفرية‬ ‫أنهم حلوا مسألة الغيبة أو انقطاع اإلمامة بابتكار‬ ‫السفير مع الغائب‪ ،‬وسفراء الغيبة الصغرى‬ ‫مركز َّ‬

‫أربعة‪ .‬فلكل إمام باب تيمناً بالحديث ال َنّبوي»أنا‬ ‫مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت‬ ‫الباب»(الهندي‪ ،‬كنـز العمال)‪ .‬ويبدو أن مركز‬ ‫الباب أُعلن كمقالة بعد وفاة اإلمام الحادي عشر‬ ‫الحسن العسكري‪ ،‬فهو آخر إمام يحتفظ بباب‪.‬‬ ‫وبابه‪ ،‬حسب االعتقاد العلوي‪ ،‬أبو ُشعيب محمد‬ ‫بن نصير ال ِنّميري‪.‬‬ ‫ظل ال َنّميري موصوفاً بالبابية على ال َّدوام بما‬ ‫يقابل غيبة اإلمام‪ ،‬وإذ مأل الجعفرية غياب اإلمام‬ ‫السفراء األربعة بعد إعالن الغيبة‬ ‫وانتهاء دور ُّ‬ ‫الكبرى بالمراجع الوكالء‪ ،‬فبعد وفاة ال َنّميري حل‬ ‫عند العلويين زعيما‪ ،‬عبد اهلل الجنبالني المتوفى‬ ‫‪ 287‬هـ(الطويل‪ ،‬تاريخ العلويين)‪ ،‬ثم الحسين‬ ‫بن حمدان الخصيبي‪ ،‬الذي رسخ الطائفة عقائدياً‬ ‫وفكرياً‪ .‬ومن شخصيات العلويين أيضاً أبو سعيد‬ ‫ميمون بن قاسم الطبراني‪ ،‬الذي حول مركز‬ ‫العلويين إلى الالذقية‪ ،‬صاحب كتاب «مجموع‬ ‫األعياد والطريقة الخصيبية»‪ .‬وظلت منذ ذلك‬ ‫الحين وإلى اآلن ذات صبغة علوية‪ ،‬بعد أن كانت‬ ‫حلب المركز العلوي َّ‬ ‫بالشام‪.‬‬ ‫على ما يبدو فسح الشيخ الخصيبي في كتاب‬ ‫«الهداية الكبرى» المجال لنعت طائفته بالعلي‬ ‫إلهية‪ .‬فلعلي بن أبي طالب ـ حسب زعم الكتاب‬ ‫المذكور ـ ثالثمائة اسم في القرآن الكريم‪ .‬ومن‬ ‫ألقابه‪ :‬أمير المؤمنين‪ ،‬أمير ال َنّحل‪ ،‬الوصي‪،‬‬ ‫اإلمام‪ ،‬الخليفة‪ ،‬سيد الوصيين‪ ،‬الصديق األعظم‪،‬‬ ‫الفاروق األكبر‪ ،‬قسيم الجنة وال َنّار‪ ،‬قاضي الدين‪،‬‬ ‫راجع الرجعات‪ ،‬وغيرها(الخصيبي‪ ،‬الهداية‬ ‫الكبرى)‪.‬‬

‫صوفية شيعة‬ ‫يذكر محمد كرد علي إجابة شيخ العلويين في حينه‬ ‫سليمان أحمد على استفساره منه عن أصل طائفته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قائال‪« :‬ال فرق بينهم وبين اإلمامي‪ ،‬إال بما أوجبته‬ ‫السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها‬ ‫ِّ‬ ‫سكان َّ‬ ‫الشام‪ ،‬أكثر ال َنّاس اختالفاً وأقل ائتالفاً‪،‬‬ ‫إذ أن شيخ مذهبهم الذي ينتمون إليه الخصيبي‬ ‫ِمن رجال اإلمامية‪ ...‬إنما لهم طريقة كال َنّقشبندية‬ ‫والرفاعية وغيرها ِمن ُّ‬ ‫الصوفية بال ِنّسبة‬ ‫ِّ‬ ‫الطرق ُّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫السَنّة‪ ،‬وهذا مصدر التقوالت الباطلة عليهم‪،‬‬ ‫ألهل ّ‬ ‫وما أُبرئ جهلتهم ِمن ّ‬ ‫كل ما يُقال»(خطط َّ‬ ‫الشام)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أما َّ‬ ‫الطويل فيقول‪« :‬إن ما يميز عن الجعفرية هي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الرجل الثاني عبداهلل‬ ‫الطريقة الجنبالنية‪ ،‬نسبة إلى َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الجنبالني بعد النميري‪ ،‬وهذا ليس فرقا مذهبيا»‬ ‫(تاريخ العلويين)‪.‬‬ ‫يركز كثيراً صاحب «تاريخ العلويين» على‬ ‫الجهل الذي عم َّ‬ ‫الطائفة بسبب العزلة والظروف‬ ‫التي عاشتها‪ ،‬وهي مطاردة ِمن قبل العثمانيين‪،‬‬ ‫وأن ذلك الجهل جعل عامتها يؤمنون بعقائد‬ ‫يعتبرها فقهاؤهم شاذة‪ ،‬مع أن هناك من الوالة‬ ‫العثمانيين َمن حاول فك تلك العزلة مثل مدحت‬


‫طقوس غريبة يختلط فيها الرجال بالنساء‬ ‫(قتل ‪ ،)1884‬حتى أن َّ‬ ‫باشا ُ‬ ‫الطويل يعتبر نقل‬ ‫هذا الوالي إلى أزمير وتدبير قتله هو بسبب‬ ‫عنايته بالعلويين‪ ،‬واالعتقاد بأنه سيقتفي أثر محمد‬ ‫علي باشا(ت ‪ )1848‬بمصر‪ ،‬ويعلن االنفصال‬ ‫َّ‬ ‫بالشام(تاريخ العلويين)‪.‬‬ ‫إذا كان هناك ِمن تقوالت ظهرت ضد العلويين‬ ‫فهي ليست كلها خاطئة‪ ،‬فقد ظلوا فترة طويلة‬ ‫بعيدين عن ممارسة اإلسالم كعبادة ومعامالت‪،‬‬ ‫وذلك بسبب عزلتهم وتقوقعهم على ذاتهم‪ ،‬وهيمنة‬ ‫الصوفية عليهم‪ ،‬فهم لم يبدؤوا ببناء‬ ‫التقاليد ُّ‬ ‫المساجد وممارسة صالة الجماعة والجمعة إال‬ ‫في منتصف القرن َ‬ ‫الثّالث عشر الهجري‪ ،‬هذا‬ ‫عبدالرحمن الخير وليس غيره‪.‬‬ ‫باعتراف الشيخ‬ ‫َّ‬ ‫وفي القرن الرابع الهجري بدؤوا باالتصاالت مع‬ ‫علماء الجعفرية بجبل عامل وال َنّجف‪ ،‬كي يتصلوا‬ ‫بالعقيدة األولى قبل ابتعادها عن انفصالها الجسد‬ ‫السفراء مثلما تقدم‪ .‬كذلك في‬ ‫الجعفري في قضية ُّ‬ ‫محاوالت فك العزلة والقتراب ِمن بقية المسلمين‬ ‫السنة‪ ،‬وبدؤوا بتشييد‬ ‫عقدوا لقاءات مع أهل ُّ‬ ‫مدارس دينية‪.‬‬ ‫لم تدع عزلة هذه َّ‬ ‫الطائفة السير في التقليد‬ ‫الجعفري‪ ،‬لذا نفهم ِمن علويين معاصرين أن‬ ‫لهم رأيا بأضرحة األئمة التي يزورها الجعفرية‬ ‫ويتبركون بها‪ ،‬بأنها ال تحوي أجساد األئمة إنما‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫أشباههم‪ ،‬ألنهم لم يقتلوا‪ .‬كذلك في الموقف من‬ ‫الخمر هناك تساهل علوي إلى ح ٍد ما‪ ،‬وإن كان‬ ‫ال يرضى به شيوخ َّ‬ ‫الطائفة‪ ،‬كذلك عدم االلتزام‬ ‫ً‬ ‫ال ِّديني‪ ،‬وهذا ما يبدو واضحا في كتاب الشيخ‬ ‫الخير‪ ،‬في إشارته إلى حداثة اتخاذ المساجد‬ ‫والمدارس الدينية‪ .‬لكن على العموم‪ ،‬بسبب‬ ‫الصوفية َّ‬ ‫الطاغية على المجتمع العلوي وعدم‬ ‫ُّ‬ ‫التزمت في التدين وابتعادهم عن السياسة بشكل‬ ‫عام‪ ،‬يصعب تشكيل كيان حزبي ديني‪ ،‬أي يستبعد‬ ‫أن يقام حزب اهلل ً‬ ‫مثال بينهم‪ ،‬أو أي حزب سياسي‬ ‫مبني على فكرة دينية‪.‬‬

‫دولة العلويين‬ ‫يذكر شاهد عيان ومشارك في الحدث‪ ،‬وهو‬ ‫محمد َّ‬ ‫الطويل في كتاب «تاريخ العلويين» قصة‬ ‫ال ِنّزاع بين العلويين واألرمن بأضنة‪ ،‬إبان الحرب‬ ‫العالمية األولى‪ ،‬ووقوف الفرنسيين إلى جانب‬ ‫العلويين ضد إقامة دولة األرمن أو المسيحيين في‬ ‫تلك الفترة(ص ‪ ،)491‬وبعد أن سيطر الفرنسيون‬ ‫على سوريا عام ‪ ،1920‬وكانوا قد جندوا شباب‬ ‫العلويين في جيوشهم‪ ،‬عمدوا إلى إقامة دولة‬ ‫علوية(سبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،)1920‬سميت بدولة‬ ‫«العلويين»‪ ،‬وهي المرة األولى بعد زمن طويل‬ ‫يتداول عالنية اسم العلويين أو العلوية‪ ،‬لكن هذه‬ ‫ال َّدولة لم تستمر إال ستة عشر عاماً‪ ،‬فقد ظهرت‬

‫حركة علوية ضد التبشير المسيحي‪ ،‬وضد إهمال‬ ‫تدريب َّ‬ ‫الشباب العلوي واستخدامهم في دوائر‬ ‫ال َّدولة‪ ،‬التي ظل يديرها األجانب‪.‬‬ ‫جاء في االحتجاج الذي ُقدم إلى وزارة الخارجية‬ ‫الفرنسية في يوليو‪ /‬تموز (‪ ،)1936‬على حصر‬ ‫الوظائف بيد الغرباء وعلى التبشير معاً‪ ،‬وفيه‬ ‫ِمن وعي ديني‪« :‬إننا نعتبر أنفسنا مسلمين قبل‬ ‫أن نكون علويين‪ ..‬إن العلويين شيعة مسلمون‪،‬‬ ‫برهنوا طوال تاريخهم عن االمتناع عن قبول ّ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬ ‫دعوة ِمن شأنها تحوير عقيدتهم‪ ،‬فهم يحتفظون‬ ‫بالعقيدة ِّ‬ ‫الشيعية‪ ،‬ولكي يكون العلوي علوياً يجب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أن يكون مسلما‪ ،‬فال ِدين اإلسالمي شرط إلزامي‬ ‫لالنتساب للعلويين‪ ،‬والتشيع لعلي بن أبي طالب‬ ‫كرم اهلل وجه‪ .‬للعلويين ِمن الوظائف ما يعادل‬ ‫‪ 4‬في المائة من مجموع وظائف ال َّدولة‪ ..‬وإذا‬ ‫احتجت الحكومة المنتدبة علينا بعدم الكفاءة‪،‬‬ ‫فالجواب يكون على وجهين‪ :‬إما أن يكون شبابنا‬ ‫أكفاء مثقفين‪ ،‬وال يعترف لهم بهذه َ‬ ‫الثّقافة‪ ،‬وإما‬ ‫إنها لم تقم لهم بالتعهدات»(هاشم عثمان‪ ،‬تاريخ‬ ‫العلويين وقائع وأحداث‪ ،‬عن نص مذكرة رفعها‬ ‫َّ‬ ‫الشباب العلوي إلى وزارة الخارجية الفرنسية)‪.‬‬ ‫كانت هذه َّ‬ ‫الشكاوى إيذاناً بالعودة إلى سوريا‬ ‫َّ‬ ‫الرجوع‬ ‫«الحل الوحيد لهذه الحالة السيئة هو ُّ‬ ‫السورية»(المصدر نفسه)‪ .‬ففي‬ ‫ألحضان الحكومة ُّ‬

‫‪41‬‬


‫دراسات‬

‫تلك األثناء ظهر لدى العلويين حزب «الوحدة»‪،‬‬ ‫السورية وإنهاء‬ ‫و ِمن عنوانه أنه يدعو إلى الوحدة ُّ‬ ‫أمر دولة العلويين بالالذقية وأجزاء أُخر ِمن بالد‬ ‫َّ‬ ‫الشام‪ ،‬أو ما يسمى بجبال العلويين‪ .‬فتصدر هذا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الحزب الشيخ العلوي علي شهاب‪ ،‬و»كان يتنقل‬ ‫ً‬ ‫حامال المضابط التي تُطالب‬ ‫ِمن قرية إلى قرية‬ ‫السورية»(المصدر نفسه)‪.‬‬ ‫بالوحدة ُّ‬ ‫انضم إلى هذا الحزب مشائخ آخرون ِمن‬ ‫َّ‬ ‫الطائفة العلوية‪ ،‬بينهم أحمد ديب الخير نائب‬ ‫السلطات‬ ‫لواء الالذقية‪ .‬أبرق هؤالء المشائخ إلى ُّ‬ ‫السلطة ال ِّدينية‬ ‫السورية ما نصه‪« :‬بصفتنا نمثل ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫بين َّ‬ ‫الشعب العلوي‪ ،‬وبما أن صفتنا هذه تلزمنا‬ ‫بالدفاع عن حقوق َّ‬ ‫الشعب‪ ،‬وبما أن االستمرار في‬ ‫الوضع الحاضر ال يُعطي حياة لهذه الحقوق سواء‬ ‫أكانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم إدارية‬ ‫السورية على‬ ‫أم دينية لذلك نطلب تحقيق الوحدة ُّ‬ ‫أساس مركزية إدارية»(المصدر نفسه)‪.‬‬ ‫السورية بال َتّصاعد‪،‬‬ ‫أخذت ال َّدعوة إلى الوحدة ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫فتشكل وفد ِمن رجال ال ِّدين والطالب وزعماء‬ ‫حزب «الوحدة» والعشائر لمواجهة المفوض‬ ‫السامي الفرنسي (مارس ‪ ،)1936‬فوصل تأييد‬ ‫َّ‬ ‫الكتلة الوطنية ِمن دمشق لمساعي العلويين لقيام‬ ‫الوحدة‪« :‬أيها العلوي ال َنّبيل‪ ،‬إن حقك عند أمتك‬ ‫السورية ِمن الحياة على قدم المساواة‪ ،‬والتآخي‬ ‫ُّ‬ ‫وال َتّضامن والتكاتف في الحقوق والواجبات‬ ‫مقدس»(المصدر نفسه)‪ِ .‬من جانب آخر تأسست‬ ‫رابطة َّ‬ ‫«الشباب المسلم العلوي» بالالذقية مدافعة‬ ‫السورية‪.‬‬ ‫عن الوحدة ُّ‬ ‫على أية حال‪ ،‬وبعد مفاوضات مع الجانب‬ ‫الفرنسي التحقت دولة العلويين ببقية سوريا‪.‬‬ ‫اعترف بهم كمواطنين سوريين‪ .‬فدخل شبابهم‬ ‫إلى الوظائف الكبرى والقيادة العسكرية ليصل‬ ‫منهم صالح جديد إلى أعلى المراكز‪ ،‬وحافظ‬

‫األسد رئيساً للدولة وأميناً عاماً لحزب البعث‬ ‫العربي االشتراكي‪ .‬ويدور َّ‬ ‫الزمن فيكونون‬ ‫الحاكمين للبالد‪ .‬ليس بمفهوم َّ‬ ‫الطائفة إنما بمفهوم‬ ‫عصبة َّ‬ ‫الطائفة‪ ،‬فليس العلويون كافة هم الذين‬ ‫السلطة بدمشق‪ ،‬لكن نراها محسوبة‬ ‫يمثلون قوة ُّ‬ ‫عليهم‪ ،‬وفي زمن الطائفية صارت سوريا بين‬ ‫وسنيين‪ ،‬وهذا هو الظاهر الذي يعكسه‬ ‫علويين ُ‬ ‫ويستغله عادة الفعل السياسي‪.‬‬ ‫بعد توحيد سوريا وانضمام دولة العلويين لها‬ ‫عام ‪ ،1936‬أخذ يُقدم المذهب العلوي باسم‬ ‫المذهب الجعفري كمذهب خامس‪ ،‬حسب رغبة‬ ‫وجهاء العلويين‪ ،‬فصدر كتاب تحت عنوان‪« :‬إما‬ ‫المؤمنون إخوة‪ ...‬تحت راية ال إله إال اهلل محمد‬ ‫رسول اهلل(الالذقية‪ ،‬مطبعة اإلرشاد ‪.)1938‬‬ ‫السورية‬ ‫في عام ‪ ،1952‬أصدر مفتي الجمهورية ُّ‬ ‫الشيخ محمد شكري األسطواني قراراً يقضي‬ ‫بتشكيل لجنة لتعيين كفاءة المتزينين (هكذا‬ ‫وردت) بالكسوة الدينية على المذهب الجعفري‬ ‫ِمن الراغبين في ارتدائها و ِمن الراغبين باالحتفاظ‬ ‫بها(صورة طبق األصل ملحقة في كتاب عقيدتنا‬ ‫وواقعنا‪ ،‬ص ‪ ،)92‬ثم صدر كتيب «مناسك الحج‬ ‫على المذاهب الخمسة» أصدرته وزارة األوقاف‬ ‫السورية‪.‬‬ ‫بمعنى أن سوريا قد حلت موضوع إزدواجية‬ ‫المذاهب‪ ،‬وقررت قبل أن يأتي ّ‬ ‫الضابط حافظ‬ ‫األسد كعلوي إلى السلطة بسنوات عديدة‪،‬‬ ‫أن تحسب العلويين كمذهب خامس إضافة‬ ‫إلى المذاهب األربعة‪ ،‬كي ال تمحور َّ‬ ‫الطائفة‬ ‫حول مرجعياتها ال ِّدينية‪ ،‬ويكون هناك نوع ِمن‬ ‫اإلزدواجية مع ال َّدولة‪ ،‬أو تمييز عن المجتمع‪،‬‬ ‫فمازالت المذاهب األربعة منسوبة إلى أسماء‬ ‫الفقهاء‪ ،‬وأن ِّ‬ ‫الشيعة يعتبرون أنفسهم جعفرية‪ ،‬فما‬ ‫َّ‬ ‫الضير في تشخيصهم بالجعفرية نسبة إلى اإلمام‬ ‫الصادق‪.‬‬ ‫جعفر َّ‬

‫ليس العلويون كافة هم الذين ميثلون قوة السلطة‬ ‫بدمشق‪ ،‬لكن نراها محسوبة عليهم‪ ،‬وفي زمن‬ ‫الطائفية صارت سوريا بني علويني وسنيني‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الظاهر الذي يعكسه ويستغله عادة الفعل السي‬

‫‪42‬‬

‫العلويون في تركيا‬ ‫يعيش عدد غير قليل ِمن العلويين في تركيا‪ ،‬يزيد‬ ‫على خمسة عشر مليوناً‪ ،‬بين أربعة وسبعين‬ ‫مليوناً‪ ،‬عدد سكان ال َّدولة ُ‬ ‫التّركية‪ ،‬الغالبية ِمن‬ ‫السَنّة األحناف‪ ،‬والمذهب الحنفي هو‬ ‫المسلمين ُّ‬ ‫الرسمي هناك‪ ،‬مثلما كان الحال في ال َّدولة‬ ‫المذهب َّ‬ ‫العثمانية‪ .‬ال يحبذ العلويون في تركيا إطالق اسم‬ ‫شيعة على أنفسهم‪ ،‬إنما جعفرية‪ ،‬فاسم ِّ‬ ‫الشيعة في‬ ‫غمرة ال ِنّزاع َّ‬ ‫والصفويين‬ ‫الطويل بين العثمانيين‬ ‫َّ‬ ‫صار ُّ‬ ‫كل شيعي إيرانيا‪ ،‬على أساس انه مذهب‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫خاص باإليرانيين‪ ،‬واشتد هذا الحذر بعد الثورة‬ ‫الصدامات‬ ‫اإلسالمية بإيران عام ‪ .1979‬لكن بعد ِّ‬ ‫السبعينات‬ ‫التي حصلت في ال ِتّسعينات وقبلها في َّ‬ ‫من القرن الماضي‪ ،‬أخذ العلويون يبحثون عن‬ ‫أُصولهم‪ ،‬وعقائدهم‪ ،‬لحاجتهم إليها في ال ِّدفاع عن‬ ‫أنفسهم‪ ،‬فظلوا لفترة طويلة جاهلين بأصولهم‪ ،‬ال‬ ‫مدارس دينية وال مشيخات لديهم‪.‬‬ ‫وهم ينتمون لعدة قوميات‪ :‬أتراك‪ُ ،‬‬ ‫وكرد‪ ،‬وعرب‪،‬‬ ‫والغالبية منهم ِمن األتراك‪ ،‬ولهم حضور قوي‬ ‫في األحزاب اليسارية‪ ،‬كونها ال تميز على‬ ‫أساس ال ِّدين والمذهب‪ ،‬واألجواء العلمانية توافق‬ ‫األقليات الدينية عادة‪ ،‬ونسبة قليلة منهم منتظمة‬ ‫في حزب العمال الكردستاني‪ ،‬الذي تعده ال َّدولة‬ ‫التركية منظمة إرهابية‪ ،‬وهي في حرب مستمرة‬ ‫معه(ملف العلويين‪ :‬الماضي والحاضر‪ ،‬مجلة‬ ‫النُّور اإلسالمية)‪.‬‬ ‫إن الخارطة التُّركية ال ِّدينية مقسمة‪ِ ،‬من ناحية‬ ‫السكانية إلى‬ ‫المذاهب األساسية ذات الكثرة ُّ‬ ‫ُس َنّة وعلويين‪ .‬ويسمي األتراك العلويين العرب‬ ‫بال َنّصيرية‪ ،‬وعددهم نحو ‪ 250‬ألف نسمة‪ ،‬ونسبة‬ ‫الكرد ِمن بين العلويين تصل إلى ‪ 30‬في المائة‪.‬‬ ‫ويسمى العلويون األتراك بالقزلباشية التركمان‪،‬‬ ‫الرؤوس الحمر‪ ،‬ويتراوح عددهم‬ ‫أي أصحاب ُّ‬ ‫بين (‪ 13‬ـ ‪ 14‬مليوناً)‪ ،‬وإذا كان في سوريا يشار‬ ‫للعلوي بالمسلم علوي‪ ،‬فإن االسم ال أثر له في‬ ‫السجالت التُّركية‪ ،‬وهم ال يتحدثون عن أنفسهم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫يتعاملون ّ‬ ‫بالشعار‪« :‬اخف ما رأيت‪ ،‬وال تقل ما‬ ‫ال تراه»‪.‬‬ ‫ينتمي العلويون األتراك إلى َّ‬ ‫الطريقة الصوفية‬ ‫البكداشية‪ ،‬أسسها في القرن الثالث عشر الميالدي‬ ‫َّ‬ ‫والشاعر حاجي بكداش (ت ‪1271‬‬ ‫المتصوف‬ ‫ً‬ ‫ميالدية)‪ ،‬فوجدت دعوته تجاوبا بين التركمان‬ ‫العلويين‪ .‬لهذا يظهر العلويون األتراك ليسوا‬ ‫ً‬ ‫متمثال‬ ‫مذهباً قائماً بذاته‪ ،‬بقدر ما هم تيار صوفي‬ ‫في البكداشية‪ ،‬يؤدون عبادتهم أو طقوسهم في‬ ‫بيوت الجمع‪ ،‬ويشاع أنهم لم يألفوا المساجد إال‬ ‫حديثاً‪ .‬وعلى المستوى االجتماعي يساوون بين‬ ‫المرأة والرجل‪.‬‬ ‫كان موقفهم إيجابياً ِمن الحركة الكمالية إبان‬ ‫الحرب العالمية األولى‪ ،‬بزعامة مصطفى‬ ‫كمال المعروف بأتاتورك(ت ‪ ،)1938‬قادهم‬


‫إذا كان هناك ِمن تقوالت‬ ‫ظهرت ضد العلويني فهي‬ ‫ليست كلها خاطئة‪ ،‬فقد‬ ‫ظلوا فترة طويلة بعيدين‬ ‫عن ممارسة اإلسالم كعبادة‬ ‫ومعامالت‪ ،‬وذلك بسبب‬ ‫عزلتهم وتقوقعهم على‬ ‫ذاتهم‪ ،‬وهيمنة التقاليد‬ ‫الصوفية عليهم‪ ،‬فهم‬ ‫ُّ‬ ‫لم يبدؤوا ببناء املساجد‬ ‫وممارسة صالة اجلماعة‬ ‫واجلمعة إال في منتصف‬ ‫القرن َّ‬ ‫الثالث عشر الهجري‬ ‫إلى ذلك موقف ال َّدولة العثمانية السابق ضدهم‪،‬‬ ‫على اعتبار أن إعالن الجمهورية سيكون نهاية‬ ‫الضطهادهم‪ ،‬حتى نظروا إلى أتاتورك كمخلص‪.‬‬ ‫ففي مناسباتهم الدينية يضعون صورته إلى جانب‬ ‫صورة ترمز إلى اإلمام علي بن أبي طالب‪.‬‬ ‫ومع ذلك ظلوا يحذرون ِمن السلطة وذلك بفعل‬ ‫الماضي العصيب‪ .‬فإذا صدقت رواية َّ‬ ‫الطويل‪،‬‬ ‫وهو أحد موظفي البوليس العثماني‪ ،‬في «تاريخ‬ ‫العلويين» بأن السلطات العثمانية كانت تستخدم‬ ‫الخازوق في تعذيبهم‪ ،‬في عهد السلطان سليم‬ ‫األول‪ ،‬فاإلنسان المعذب يبقى بين الحياة والموت‬ ‫في عذاب مرير‪ ،‬هناك يفهم حذرهم ِمن أية سلطة‬ ‫بأنه حالة طبيعية‪.‬‬ ‫بعد قيام الجمهورية التركية أخذ العلويون يظهرون‬ ‫إلى النُّور عبر الموسيقى َّ‬ ‫والشعر‪ ،‬إال أن انقالب‬ ‫سبتمبر (أيلول) عام ‪ ،1980‬كان محطة سيئة في‬ ‫حياتهم بعد قيام الجمهورية‪ ،‬فقد عزز االنقالب‬ ‫االتجاهات المتشددة‪ ،‬وفرض عليهم التدريس‬ ‫اإلجباري لمادة ال ِّدين على المذهب الحنفي‪.‬‬ ‫بعدها أصدر مثقفوهم بياناً في مارس (آذار) عام‬ ‫‪ ،1989‬فيه عدة مطاليب خاصة بالطائفة (مجلة‬ ‫النور‪ ،‬البيان العلوي ‪.)1989‬‬

‫الخالصة‬ ‫على أية حال‪ ،‬صاغ ال َتّاريخ وجود العلويين‪،‬‬ ‫بداية ِمن اختالفهم عن الجسد الشيعي اإلمامي‪،‬‬ ‫مع إقرارهم باألئمة االثني عشر‪ ،‬لكن االفتراق‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫علويان في مالبسهما التقليدية التي ال‬ ‫تختلف في أي شيء على بقية السوريني‬ ‫في الوسائل أبعدهم عن ِّ‬ ‫الشيعة‪ ،‬فهم اتخذوا‪،‬‬ ‫السفارة‬ ‫مثلما تقدم‪ ،‬البابية‪ ،‬بينما اتخذ الجعفرية َّ‬ ‫في ال َتّعامل بعد وفاة اإلمام العسكري‪ ،‬ثم دخلوا‬ ‫الصفويين والعثمانيين‪،‬‬ ‫طرفاً ثالثاً في النزاع بين َّ‬ ‫الصوفية‪ ،‬فقيل فيهم الكثير‬ ‫ونشطت فيهم الطرق ُّ‬ ‫ِمن الحلول إلى ارتكاب المحرمات‪ ،‬ولم ينتبهوا‬ ‫لتاريخهم إال بعد العواصف الحديثة بهم مثلما‬ ‫تقدم‪.‬‬ ‫ر َبّما لم يكن االهتمام في هذه اللحظة بالكتابة‬ ‫عن العلويين‪ ،‬هو ما حصل في التسعينات بما‬ ‫يخص تركيا‪ ،‬إنما الحدث األكبر اآلن هو سوريا‬ ‫وما يجري فيها بين ال ِنّظام ومعارضيه‪ ،‬وما‬ ‫يحصل ِمن صدامات ببيروت مع العلويين‪ ،‬فهل‬ ‫ما يحصل هو مواجهة طائفية‪ ،‬أم ما فرضته‬ ‫السياسة؟!‬ ‫السياسة وتوظيف َّ‬ ‫الطوائف فيها‪،‬‬ ‫نعم إنه تأثير ِّ‬ ‫فالتقارب اإليراني السوري‪ ،‬منذ زمن الرئيس‬ ‫حافظ األسد‪ ،‬ما كان يُحسب على التضامن على‬ ‫أساس القرب َّ‬ ‫الطائفي كثيراً مثلما هو الحال اليوم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫السنية‬ ‫فكان لسوريا وشائج قوية مع بقية الدول ُّ‬ ‫الرغم ِمن خصومة تلك ال ُّدول مع‬ ‫بالمنطقة‪ ،‬على َّ‬ ‫السوري العراقي‪ ،‬ووجود‬ ‫إيران‪ ،‬لكن الخالف ُّ‬ ‫الحرب العراقية اإليرانية حتما بناء العالقات بين‬ ‫دولتين ضد خصم واحد‪ ،‬كانت خصومته على‬ ‫أساس حزبي بالدرجة ُ‬ ‫األولى‪ ،‬دون أن يخلو‬ ‫الوضع ِمن استفادة ِمن الغطاء َّ‬ ‫الطائفي‪.‬‬ ‫السورية‪،‬‬ ‫لكن هل لنا اعتبار العالقات اإليرانية ُّ‬

‫الراهنة‪،‬‬ ‫المصيرية مثلما نراها في هذه الظروف َّ‬ ‫خالية ِمن استغالل الطائفية؟! وكأن المشهد يظهر‬ ‫القضية بأنها علوية ُس َنّية‪ ،‬مع أن جهود شيوخ‬ ‫َّ‬ ‫الطائفة العلوية‪ ،‬لعقود ِمن َّ‬ ‫الزمن‪ ،‬في محاوالت‬ ‫التطبيع مع المحيط المسلم جارية على قدم وساق‪،‬‬ ‫وتقديم أنفسهم على أنهم جعفرية‪ ،‬شأنهم شأن بقية‬ ‫ِّ‬ ‫الشيعة االثني عشرية‪ ،‬لكن ذلك لم يحصل ِمن‬ ‫ّ‬ ‫السياسة‪ ،‬إنما ِمن بوابة ال ِدين والمذهب‪،‬‬ ‫بوابة ِّ‬ ‫السورية اآلنية‬ ‫وكم سيؤثر ما تسفر عنه الحرب ُّ‬ ‫وحمالت القمع والعنف‪ ،‬الذي يفهم على أنه علوي‬ ‫ال بعثي حكومي‪ ،‬على مستقبل َّ‬ ‫الطائفة العلوية‪،‬‬ ‫التي ظلت قرونا تدفع ثمن تماثلها المذهبي مع‬ ‫الصفويين خالل ال ِنّزاع َّ‬ ‫الطويل بين ال َّدولتين‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫والصفوية؟!‬ ‫العثمانية‬ ‫َّ‬ ‫كان يشار إلى حافظ األسد‪ِ ،‬من ِقبل خصومه‪،‬‬ ‫كبعثي‪ ،‬وقد تولى رئاسة الوزراء في تشرين‬ ‫الثاني (نوفمبر) عام ‪ ،1970‬ثم رئاسة الجمهورية‬ ‫في آذار (مارس) ‪ ،1971‬ولم يشر إليه كعلوي‬ ‫بوضوح إال بعد الثورة اإلسالمية بإيران‪ ،‬هذا ما‬ ‫السادات‬ ‫فهمناه ِمن خطاب الرئيس محمد أنور َّ‬ ‫ً‬ ‫مثال‪ .‬لكن هل حصنت وحدة‬ ‫(اغتيل ‪)1981‬‬ ‫َّ‬ ‫الطائفة َّ‬ ‫السياسي‬ ‫السورية ِمن الخالف ِّ‬ ‫الزعامات ُّ‬ ‫والحزبي داخل حزب البعث‪ ،‬فالمعركة كانت بين‬ ‫صالح جديد وحافظ األسد العلويين‪ ،‬حتى مات‬ ‫األول في سجن َ‬ ‫الثّاني‪ .‬ثم ما حصل بين األخ‬ ‫وأخيه أي حافظ ورفعت‪ ،‬وفي ظل زعامة ابن‬ ‫األخ ظل العم منفياً‪ ،‬بل منع ِمن حضور جنازة‬ ‫السياسة تصادر ّ‬ ‫الطائفة!‬ ‫أخيه‪ .‬بمعنى أن َّ‬

‫‪43‬‬


‫وثائق‬

‫‪44‬‬


‫سوريا‪ ..‬ميشال عون والعالقة مع العراق وال ّرحلة ‪847‬‬

‫ملفّات الـ«سي آي إيه» السريّة‬

‫حافظ األسد (‪ 6‬أكتوبر‬ ‫‪ 10 - 1930‬يونيو ‪)2000‬‬

‫تفرج وكالة االستخبارات األميركية «سي اي ايه» بين الحين اآلخر على آالف الوثائق السرية لتقارير أعدها ضباط وعمالء‬ ‫الوكالة في جميع أنحاء العالم‪ .‬الوثائق المنشورة على موقع الوكالة االلكتروني تعود الى عشرات السنين وتحرص الوكالة‬ ‫على حذف وحجب كل ما يعتبر إلى حد اآلن من األسرار وهي بحسب الخبراء تخص في الغالب شخصيات ما زالت على قيد‬ ‫الحياة أو معلومات قد يشكل الكشف عنها خطرا على أصحابها أو الجهات المذكورة فيها أو تهدد األمن القومي األميركي‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬المحرر السياسي‬ ‫«المجلة» تنشر ثالث من هذه الوثائق تخص سوريا‬ ‫في السنوات ‪ 1979‬و‪ 1985‬و‪ .1989‬الوثيقة‬ ‫األولى من إعداد مركز التقييم الخارجي وترصد‬ ‫العالقات السورية العراقية والتقارب الحاصل بين‬ ‫البلدين بعد اتفاقية كامب ديفيد‪.‬‬ ‫أما الوثيقة الثانية الصادرة عن إدارة االستخبارات‬ ‫فتكشف عن موقف الرئيس السوري الراحل حافظ‬ ‫األسد من عملية اختطاف طائرة «تي دبليو أي»‬ ‫ومساعيه النهاء األزمة التي تسبب فيها عملية‬ ‫الخطف‪.‬‬ ‫يذكر أن عملية اختطاف طائرة «تي دبليو أي»‬ ‫الرحلة ‪ 847‬من أثينا إلى روما وعلى متنها ‪153‬‬ ‫مسافرا‪ ،‬تبنتها في حينها مجموعة أطلقت على‬ ‫نفسها «منظمة المضطهدين في األرض» على‬ ‫صلة بحزب اهلل اللبناني (بحسب سي اي ايه)‪ ،‬تمت‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫العملية في ‪ 14‬يونيو ‪ .1985‬استغرقت العملية‬ ‫أسبوعين قتل خاللها مواطن أميركي‪.‬‬ ‫توقفت الطائرة المختطفة لساعات في مطار بيروت‬ ‫وتمت هناك عملية تبديل ‪ 19‬مسافر مقابل التزود‬ ‫بالوقود للطائرة وكانت هذه أول عملية تبديل‬ ‫للمسافرين‪ .‬طارت بعدها الى مطار العاصمة‬ ‫الجزائر حيث تم إطالق سراح ‪ 20‬مسافراً وتوجهت‬ ‫الطائرة بعدها إلى بيروت مرة أخرى وفي مطار‬ ‫بيروت قام المختطفون بقتل مسافر أميركي (جندي‬ ‫أميركي سابق) وتم رمي جثته إلى مدرج المطار‪.‬‬ ‫في بيروت انضم مسلحون آخرون للجماعة‬ ‫المختطفة للطائرة وأقلعت الطائرة بعدها مرة ثانية‬ ‫إلى الجزائر في ‪ 15‬يونيو ‪ 1985‬حيث تم إطالق‬ ‫سراح ‪ 65‬مسافر آخر لتعود الطائرة بعدها للمرة‬ ‫الثالثة إلى مطار بيروت‪.‬‬

‫تم توجيه أصابع االتهام بتنفيذ عملية اختطاف‬ ‫الطائرة إلى عماد مغنية وحسن عز الدين وعلي‬ ‫عطوة ومحمد على حمادي‪ ،‬واستناداً إلى وكالة‬ ‫المخابرات األمريكية فإن جميعهم كانوا اعضاء‬ ‫في حزب اهلل‪ .‬في ‪ 17‬يونيو ‪ 1985‬تمكن نبيه‬ ‫بري رئيس حركة أفواج المقاومة اللبنانية ‪ -‬أمل‬ ‫من التوسط وإطالق سراح ‪ 40‬مسافرا وبقي ‪39‬‬ ‫مسافرا محتجزين إلى ‪ 30‬يونيو ‪ 1985‬إلى ان تم‬ ‫إطالق سراحهم ونقلهم إلى ألمانيا‪.‬‬ ‫أما الوثيقة الثالثة الصادرة أيضا عن إدارة‬ ‫االستخبارات فتفصل عالقة الجنرال ميشال عون‬ ‫مع سوريا وتحديه نظام األسد ودوره في معارضة‬ ‫الوجود السوري داخل لبنان بخالف عدد من‬ ‫القيادات االسالمية والمسيحية األخرى التي نأت‬ ‫بنفسها عن استعمال خطاب معادي لدمشق‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫وثائق‬

‫ما بعد «كامب ديفد»‪...‬‬ ‫التقارب العراقي السوري‬ ‫وكالة االستخبارات المركزية‬ ‫المركز الوطني للتقييم الخارجي‬ ‫‪ 30‬مايو (أيار) ‪1979‬‬ ‫تقرير‬ ‫يفتقر التقارب العراقي السوري الذي بدأ منذ‬ ‫سبعة أشهر إلى الجذور السياسية العميقة‪،‬‬ ‫ولكنه مستمر في ظل الدافع الذي تقدمه مبادرة‬ ‫السالم المصرية واالضطرابات في إيران‪ .‬ومن‬ ‫المحتمل أن تظهر بعض المجاالت اإلضافية‬ ‫للتعاون بما في ذلك التعاون العسكري‪ .‬ولكن‬ ‫إذا ما استطاعت المفاوضات المصرية ‪-‬‬ ‫اإلسرائيلية حول مستقبل الضفة الغربية وقطاع‬ ‫غزة أن تحقق تسوية تقبلها العناصر الفلسطينية‬ ‫األكثر أهمية‪ ،‬وإذا ما استطاعت إسرائيل تلبية‬ ‫المطالب السورية فيما يتعلق بعودة هضبة‬ ‫الجوالن‪ ،‬فربما تتراجع دوافع كال الطرفين‬ ‫الستئناف الوحدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬قد تستمر بعض‬ ‫المناحي غير الخالفية للمصالحة‪ ،‬خاصة على‬ ‫المستوى االقتصادي‪ ،‬إذا ما كان الطرفان‬ ‫يرغبان في مشاركة امتيازات وجود عالقة‬

‫طبيعية بين البلدين بدال من العودة إلى األوضاع‬ ‫السابقة‪.‬‬ ‫لقد مثلت اتفاقيات كامب ديفيد صدمة للعراقيين‬ ‫دفعتهم إلنهاء صراعهم المرير مع سوريا‪ .‬فمنذ‬ ‫زيارة السادات إلى القدس‪ ،‬كان العراقيون قلقين‬ ‫من أن تسفر المبادرة المصرية عن سالم شامل‪،‬‬ ‫مما يترك العراق الرافضة في حالة عزلة ودون‬ ‫حلفاء رئيسيين‪ .‬ولكن رد الفعل العربي السلبي‬ ‫القوي تجاه االتفاقية منح بغداد الفرصة إلنهاء‬ ‫عزلتها دون االضطرار إلى إجراء تغييرات‬ ‫كبرى في موقفها المتشدد بشأن اتفاقية السالم في‬ ‫الشرق األوسط‪ .‬فقد اتجه المركز العربي صوب‬ ‫العراق‪ ،‬فيما لم يقدم البعثيون العراقيون سوى‬ ‫تنازالت محدودة لمن كانوا من قبل المعتدلين‬ ‫العرب‪( .‬ـ)‬ ‫وقد بدأت االستراتيجية العراقية بجهود لحشد‬ ‫إجماع عربي ضد شروط السالم التي كان‬ ‫الرئيس السادات يتفاوض حولها‪ .‬وكانت الخطوة‬ ‫الضرورية األولى هي إنهاء العداء المفتوح‬ ‫بين العراق وخصمه األبدي‪ ،‬سوريا‪ .‬ولتحقيق‬ ‫ذلك‪ ،‬أصبحت بغداد مستعدة ألول مرة لوقف‬ ‫انتقاداتها العلنية لقبول سوريا مبدأ المفاوضات‬ ‫كوسيلة مشروعة الستعادة األراضي العربية‪.‬‬

‫لقد مثلت اتفاقيات كامب ديفيد صدمة للعراقيني‬ ‫دفعتهم إلنهاء صراعهم املرير مع سوريا‪ .‬فمنذ‬ ‫زيارة السادات إلى القدس‪ ،‬كان العراقيون قلقني من‬ ‫أن تسفر املبادرة املصرية عن سالم شامل‪ ،‬مما يترك‬ ‫العراق الرافضة في حالة عزلة ودون حلفاء رئيسيني‬

‫‪46‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬كان الخطاب الرافض دائما ما يتسلل‬ ‫إلى التصريحات العراقية‪ ،‬مما يشير إلى أن تلك‬ ‫التسوية ليست سوى تعديل تكتيكي مؤقت للرؤى‬ ‫العراقية حول سالم الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وهناك دوافع اقتصادية وعسكرية وراء مباشرة‬ ‫السوريين تطبيع العالقات بينهم وبين العراق‪.‬‬ ‫ففي ظل تحييد مصر‪ ،‬ووجود جانب كبير من‬ ‫الجيش السوري في لبنان‪ ،‬يصبح موقف الجيش‬ ‫السوري مقابل إسرائيل موقفا ضعيفا‪ .‬ويمكن لثقل‬ ‫المؤسستين العسكريتين السورية والعراقية معا‬ ‫أن يزود دمشق ببعض القوى التفاوضية ويعزز‬ ‫مصداقيتها العسكرية‪ .‬ومن الناحية االقتصادية‪،‬‬ ‫بدأت سوريا اإلفادة من استئناف العالقات التجارية‬ ‫الطبيعية‪ .‬كما شجع أيضا التقارب العراق على أن‬ ‫تسدد على الفور نصيبها من التعهد المالي لقمة‬ ‫بغداد‪ ،‬حيث تزيد المدفوعات العراقية حتى اآلن‬ ‫عن ‪ 180‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫وتمتد دوافع العراق للتقارب مع سوريا إلى ما‬ ‫وراء تطلعات الوحدة العربية‪ .‬فقد كان البعثيون‬ ‫العراقيين ينظرون بقلق إلى إيران خالل النصف‬ ‫األخير من ‪ .1978‬فقد كانت المواجهات المستمرة‬ ‫مع سوريا تمثل خطرا‪ ،‬أخذا في االعتبار احتمالية‬ ‫أن تمتد االضطرابات التي تحدث في إيران على‬ ‫طول الحدود التي تبلغ ‪ 700‬ميل مع العراق‬ ‫وتصل إلى الشيعة واألكراد العراقيين‪ .‬كما‬ ‫كان العراقيون أيضا قلقين بشأن تنامي النفوذ‬ ‫السوفياتي في الشرق األوسط‪ .‬فعلى الرغم من‬ ‫أن السوفياتيين كانوا دائما ما يحثون سوريا‬ ‫والعراق على التقارب في الماضي‪ ،‬من الواضح‬ ‫أن موسكو قلقة بشأن أن ال يصبح ذلك التقارب‬ ‫في صالحها‪ ،‬حيث إن المصالحة سوف تعزز من‬ ‫الشركاء‪ ،‬ومن ثم فإنهم لن يلقوا باال بعدها إلى‬ ‫االتحاد السوفياتي‪.‬‬ ‫وقد حصل التقارب العراقي السوري على‬ ‫التصديق خالل زيارة الرئيس األسد إلى بغداد‬ ‫في أكتوبر (تشرين األول) الماضي‪ .‬فقد وقع كل‬


‫من األسد والرئيس العراقي‪ ،‬بكر‪ ،‬ميثاقا للعمل‬ ‫القومي المشترك يضع آليات محددة لتنسيق‬ ‫خطوات الوحدة‪ .‬وقد أسس الميثاق لجنة سياسية‬ ‫عليا تتكون من األسد وبكر وصدام حسين وعدد‬ ‫آخر من كبار المسؤولين السوريين والعراقيين‪.‬‬ ‫وتشرف تلك اللجنة‪ ،‬التي يفترض أن تجتمع‬ ‫كل ثالثة أشهر‪ ،‬على عمل أربع لجان فرعية‬ ‫حول التعاون العسكري‪ ،‬والعالقات االقتصادية‪،‬‬ ‫والشؤون السياسية وشؤون المعلومات‪ ،‬وشؤون‬ ‫التعليم والعلوم‪.‬‬ ‫وبخالف الزيجات السابقة بين كل دولتين من الدول‬ ‫العربية‪ ،‬يبدو أن العراقيين والسوريين مستعدون‬ ‫للبدء في عالقة أولية قبل إتمام العالقة‪ .‬فقد اتخذ‬ ‫كال الجانبين مقاربة تدريجية صوب المفاوضات‬ ‫وتجنبا التصريحات غير الواقعية حول الوحدة‪.‬‬ ‫ولكن ربما تفضل كل من دمشق وبغداد التقارب‬ ‫الحذر ألسباب مختلفة‪ .‬فالعراق من ناحية‪ ،‬وهو‬ ‫الطرف األكثر حماسا بين الشريكين المحتملين‪،‬‬ ‫على ثقة من أن عوامل القوة الطبيعية للعراق‬ ‫سوف تمكنها في النهاية من أن تصبح الشريك‬ ‫المهيمن في أي تحالف مع سوريا‪.‬‬ ‫وعلى الجانب اآلخر‪ ،‬ما زال الزعماء السوريون‬ ‫لديهم شكوك تجاه البعثيين العراقيين وينظرون‬ ‫إلى المفاوضات المطولة باعتبارها فرصة‬ ‫لكي يحظوا ببعض ثمار العالقات الطبيعية مع‬ ‫بغداد دون االضطرار إلى التورط إلى حد بعيد‬ ‫مع العراقيين‪ .‬ولكن تلك اللعبة التفاوضية لها‬ ‫حدودها‪ ،‬رغم أنه من المستبعد أن يتم تحقيقها ما‬ ‫دامت القوى الخارجية التي بدأت تلك المقاربة ما‬ ‫زالت سائدة‪ .‬فمع الوقت‪ ،‬ربما يفرغ صبر بغداد‬ ‫من التكتيكات السورية المماطلة أو ربما تخفق‬ ‫دمشق في التغلب على انعدام الثقة الرئيسي لديها‬ ‫مما يدفعها لالنفصال عن شريكها المحب‪.‬‬ ‫وقد تم عقد اللقاء األول للجنة السياسية العليا في‬ ‫يناير (كانون الثاني) بدمشق ولم يحرز تقدما‬ ‫يذكر‪ ،‬بل إن بكر قد وجد عذرا لكي ال يحضر‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬كانت اللجان الفرعية تجتمع‬ ‫دائما وقد أسفرت عن بعض المنافع المشتركة‬ ‫الملموسة‪ .‬فعلى مستوى الشؤون الخارجية‪ ،‬نسق‬ ‫البلدان بفعالية بينهما لمعاقبة الرئيس السادات‬ ‫على توقيع اتفاقية السالم مع إسرائيل‪ .‬فقد تمكنت‬ ‫اإلدارة العراقية البارعة الجتماع الوزراء العرب‬ ‫في بغداد خالل مارس (آذار) الماضي من إصدار‬ ‫مجموعة قوية من العقوبات ضد مصر‪ .‬ومنذ ذلك‬ ‫الوقت كان العراقيون والسوريون يعملون بنشاط‬ ‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫لكي يضمنوا أن هناك التزاما عربيا كامال بنتائج‬ ‫قمة بغداد‪.‬‬ ‫كما لعبت كل من العراق وسوريا دورا محوريا‬ ‫في إنهاء القتال في اليمن في فبراير (شباط)‬ ‫الماضي‪ .‬وبذلك‪ ،‬فإنهما لم يساعدا فقط على تهدئة‬ ‫نزاع عربي كان يهدد بالتقليل من شأن هدف بغداد‬ ‫ودمشق المتعلق بتنظيم موقف موحد ضد مصر‪،‬‬ ‫ولكنهما عززا النفوذ السوري العراقي في شبه‬ ‫الجزيرة العربية على حساب المملكة السعودية‪.‬‬

‫التعاون العسكري‬ ‫يبدو أن كال من سوريا والعراق قد حققتا بعض‬ ‫التقدم على مستوى التعاون العسكري‪ ،‬خاصة‬ ‫في مجاالت التخطيط والمشتريات‪ .‬فقد تبادلت‬ ‫كلتا الدولتين فرق عمل عالية المستوى‪ ،‬والقوات‬ ‫الجوية‪ ،‬ووفودا من الدفاع الجوي‪ .‬حيث فحصت‬ ‫قيادات الجيش العراقي المناطق الممكنة لالنتشار‬ ‫في الجوالن فيما فحصت قوة استكشافية عراقية‬ ‫المسارات المحتملة للوصول إلى الجوالن‪ .‬وتشير‬ ‫التقارير إلى أن البلدين قد وضعا قوائم مشتركة‬ ‫ألسلحتهما والمشتريات المقترحة لكي يؤسسا‬

‫في إطار العداء بني‬ ‫القيادتني السورية‬ ‫والعراقية‪ ،‬لم يكن‬ ‫هناك شيء ميكنه أن‬ ‫يدفع دمشق للسماح‬ ‫بأن تطأ أقدام تلك‬ ‫األعداد الغفيرة من‬ ‫القوات العراقية‬ ‫ترابها‪ ،‬سوى إميانها‬ ‫باحلاجة امللحة للدعم‬ ‫العسكري‬

‫صندوقا مشتركا للمشتريات‪( .‬ـ)‬ ‫وفي إطار العداء بين القيادتين السورية والعراقية‪،‬‬ ‫لم يكن هناك شيء يمكنه أن يدفع دمشق للسماح‬ ‫بأن تطأ أقدام تلك األعداد الغفيرة من القوات‬ ‫العراقية ترابها‪ ،‬سوى إيمانها بالحاجة الملحة‬ ‫للدعم العسكري‪ .‬وليس هناك دليل واضح يؤكد أن‬ ‫دمشق قد اتخذت ذلك القرار‪ .‬وهناك أدلة ضعيفة‬ ‫تشير إلى أن العراق ربما يعيد نشر بعض قطع‬ ‫الغيار والذخيرة في سوريا‪ .‬وكان هناك تعزيز‬ ‫معقول للدفاع الجوي العراقي على طول الحدود‬ ‫مع سوريا واألردن وهي الخطوة التي يمكنها أن‬ ‫تعزز من قدرة بغداد على تحقيق تعاون أقوى إذا‬ ‫ما تحسن المناخ السياسي‪.‬‬ ‫وبالنسبة للمستقبل‪ ،‬يجب أن تحسب دمشق المزايا‬ ‫العسكرية التي يمكن أن يقدمها التعاون مع العراق‬ ‫في مواجهة إسرائيل في مقابل المساوئ المتعلقة‬ ‫باحتمالية نشاط خصومهم البعثيين في سوريا‪.‬‬ ‫ربما يسهل التخطيط المشترك حركة القوات‬ ‫العراقية إلى الجوالن واألهم من ذلك‪ ،‬أنه ربما‬ ‫يزيد من فعاليتها إذا ما وصلت‪.‬‬ ‫وربما تقلل إعادة نشر قطع الغيار والذخيرة‬ ‫إلى حد كبير من االحتياجات اللوجستية للقوات‬ ‫العراقية التي تتحرك إلى الجوالن‪ .‬حيث إن أي‬ ‫مواد تم نقلها بالفعل لن تخضع للحظر اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫واألهم من ذلك‪ ،‬فإن سوريا سوف تحصل على‬ ‫تلك المواد بغض النظر عما يحدث للعالقات‬ ‫السياسية مع بغداد‪ν.‬‬ ‫ويمكن للتدريبات المشتركة أن تحسن من قدرات‬ ‫القوات الجوية والبرية السورية والعراقية على‬ ‫التعاون في وقت الحرب‪.‬‬ ‫وسوف ينجم التميز العسكري األكبر لكال البلدين‬ ‫في حالة نشوب حرب مع إسرائيل من إعادة‬ ‫نشر أعداد كبيرة من القوات العراقية المقاتلة في‬ ‫سوريا‪ .‬وكما ذكرنا من قبل‪ ،‬فإن تمركز القوات‬ ‫العراقية في سوريا يمكن أن تكون له تداعيات‬ ‫سياسية بالنسبة لدمشق‪ .‬وربما يزيد تمركز القوات‬ ‫التوتر في المنطقة وينظر له كجرس إنذار من‬ ‫قبل إسرائيل ‪ -‬حتى إن إسرائيل ربما تحاول منع‬ ‫مثل تلك المحاولة لمركزة عدد كبير من القوات‬ ‫العراقية في سوريا‪.‬‬ ‫كما أسفرت أيضا مباحثات الوحدة عن نتائج‬ ‫ملموسة على المستوى االقتصادي‪ .‬فقد تزايدت‬ ‫االتصاالت التجارية‪ .‬ووافقت كل من العراق‬ ‫وسوريا على إعادة فتح أنابيب البترول التي‬ ‫تجري من شمالي العراق عبر سوريا إلى البحر‬

‫‪47‬‬


‫وثائق‬

‫صدام حسني و حافظ االسد وعبدالعزيز بوتفليقة وعبداحلليم خدام في قمة بغداد ‪1978‬‬

‫صدام و األسد‪ ..‬لقاء بعد طول عداء‬

‫صدام واحمد حسن البكر‬ ‫وحافظ االسد عام ‪1978‬‬ ‫فتح الخط‪ ،‬المغلق منذ أبريل (نيسان) ‪،1976‬‬ ‫يدعو فقط إلعادة تشغيله بربع طاقته فقط‪ ،‬فإن‬ ‫سوريا سوف تحقق نحو ‪ 21‬مليون دوالر سنويا‬ ‫كأجور مرور‪ .‬وبذلك تكون بغداد‪ ،‬التواقة لتوفير‬ ‫مسارات مرنة وآمنة لتصدير بترولها‪ ،‬قد وفرت‬

‫متتد دوافع العراق‬ ‫للتقارب مع سوريا إلى‬ ‫ما وراء تطلعات الوحدة‬ ‫العربية‪ .‬فقد كان‬ ‫البعثيون العراقيني‬ ‫ينظرون بقلق إلى إيران‬ ‫خالل النصف األخير‬ ‫من ‪1978‬‬

‫‪48‬‬

‫أيضا منفذا مباشرا آخر إلى البحر المتوسط‪.‬‬

‫العراقيل أمام الوحدة‬ ‫تبدو العقبات أمام الوحدة السياسية العراقية‬ ‫السورية عصية على الحل على المدى الطويل‪.‬‬ ‫فقد كان الطرفان خصمين في الهالل الخصيب‬ ‫على مدار قرون‪ .‬وقد غرس التنافس السياسي‬ ‫منذ انفصال حزب البعث في ‪ 1966‬حالة متأصلة‬ ‫من فقدان الثقة والغيرة بينهما‪ .‬كما كانت هناك‬ ‫خصومة بين القيادات القومية – أعلى سلطة‬ ‫بالحزب ‪ -‬لكل من بغداد ودمشق ألكثر من عقد‪.‬‬ ‫فقد كان كل طرف يزعم أنه الممثل الشرعي للبعثية‬ ‫العربية وفي إطار تلك المزاعم‪ ،‬تكفلت كل دولة‬ ‫من الدولتين برعاية مؤامرات انقالبية وعمليات‬ ‫اغتيال ال يمكن نسيانها ببساطة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فمن‬ ‫المستبعد أن يكون كال الطرفين قد تخلص تماما‬ ‫من اتصاالته العدوانية وعملياته ضد اآلخر في‬ ‫حالة تراجع الدافع وراء التعاون‪.‬‬ ‫وال تتفق دمشق مع المنظور العام بأنها الشريك‬ ‫األصغر في العالقة مع بغداد‪ .‬فربما ينظر الرئيس‬

‫األسد إلى ميثاق العمل القومي المشترك مع‬ ‫العراق باعتباره زواج مصلحة فرضته الظروف‬ ‫الخارجية التي يمكن أن تنتهي ببساطة‪ .‬فطالما أراد‬ ‫األسد أن يحظى بالمزايا العسكرية واالقتصادية‬ ‫والسياسية للعالقات الطبيعية مع بغداد‪ ،‬ولكنه ظل‬ ‫متشككا بشدة بشأن النوايا العراقية وسوف يتفادى‬ ‫التورط الشديد‪.‬‬ ‫وتؤمن كل من دمشق وبغداد بأهميتهما في‬ ‫المنطقة وهما عازمتان على أن ال تتنازال عما تراه‬ ‫كل منهما دورها الريادي‪ .‬ويعمل ذلك االختالف‬ ‫الرئيسي في الرؤية كعقبة أمام الوحدة الحقيقية‬ ‫نظرا ألن كال منهما ال ترغب في أن تتخلى عن‬ ‫تطلعاتها الخاصة بالزعامة العربية‪.‬‬ ‫ويبدو أن وحدة حزب البعث هي حجر العثرة‬ ‫الرئيسي في المفاوضات‪ .‬فقد دفع العراقيون بقوة‬ ‫من أجل وحدة الحزب رغم تردد السوريين في‬ ‫مناقشة تلك القضية‪ .‬فربما يكون األسد الحذر قلقا‬ ‫من أن تؤثر وحدة الحزب على هيمنته على البعث‬ ‫السوري‪ ،‬الذي يهيمن على فروعه العسكرية‬ ‫واألمنية أعضاء من الطائفة العلوية التي يأتي منها‬ ‫األسد والتي تمثل أقلية في سوريا‪( .‬ـ)‬


‫سليم احلص و صدام وحسن البكر‬ ‫وحافظ األسد في قمة بغداد ‪1978‬‬

‫وعلى الرغم من أن السوريني لم يشاركوا في عملية‬ ‫كامب ديفيد‪ ،‬فإنهم استمروا في تأييد مبدأ‬ ‫تسوية مع إسرائيل عبر التفاوض ومن خالل األمم‬ ‫املتحدة‪ .‬ومن جانبها‪ ،‬استمرت بغداد في االلتزام‬ ‫بسياسة رافضة ولم تقبل قرار ‪242‬‬ ‫وتعمل الطائفية الدينية أيضا ضد الوحدة‪ ،‬فيمكن‬ ‫للوحدة العراقية السورية أن تؤدي إلى خليط غير‬ ‫متجانس من الفصائل اإلسالمية‪ .‬حيث تحكم أقلية‬ ‫من السنة بغداد‪ ،‬فيما يحكم العلويون‪ ،‬فصيل‬ ‫شيعي‪ ،‬دمشق‪ .‬ويخشى العديد من أقلية العلويين‬ ‫السورية من أن يؤيد البعثيون العراقيون مساعي‬ ‫األغلبية السنية السورية للوصول إلى السلطة‪.‬‬ ‫ومن جانبهم‪ ،‬من المرجح أن تشعر األغلبية‬ ‫العراقية بالسخط إذا ما تقلص نفوذها المحتمل‪ .‬فقد‬ ‫كان السنة المهيمنون على قيادة بغداد يستخدمون‬ ‫سياسة العصا والجزرة للحفاظ على والء السكان‬ ‫الشيعة‪ .‬واآلن وأخذا في االعتبار المد اإليراني‬ ‫المحتمل‪ ،‬فربما يقلق البعثيون بشأن الحفاظ على‬ ‫والء الشيعة للنظام العلماني ويسعون لتهدئة أي‬ ‫أفكار محتملة ربما تكون لدى الشيعة العراقيين‬ ‫حول اتباع نموذج أقرانهم من المتمردين‬ ‫اإليرانيين‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أن التوجهات السورية والعراقية‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫تجاه عملية السالم تزيد من التباعد بين الدولتين‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أن كلتا الدولتين ترفضان اتفاقية‬ ‫كامب ديفيد‪ ،‬فلم تسحب سوريا تأييدها لقراري‬ ‫األمم المتحدة رقم ‪ 242‬و‪ .338‬كما أكد األسد‬ ‫عالنية دعم سوريا التفاقية سالم شرق أوسطية‬ ‫شاملة في مناسبات عدة منذ التوقيع على اتفاقية‬ ‫السالم المصرية اإلسرائيلية‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫السوريين لم يشاركوا في عملية كامب ديفيد‪ ،‬فإنهم‬ ‫استمروا في تأييد مبدأ تسوية مع إسرائيل عبر‬ ‫التفاوض ومن خالل األمم المتحدة‪ .‬ومن جانبها‪،‬‬ ‫استمرت بغداد في االلتزام بسياسة رافضة ولم‬ ‫تقبل قرار ‪.242‬‬ ‫وقد تم تجنب تلك االختالفات في الوقت الراهن‬ ‫نظرا للموقف المشترك من اتفاقيات كامب ديفيد‪.‬‬ ‫فإذا ما انتقل االنتباه من عملية السالم إلى أي سياق‬ ‫آخر مثل األمم المتحدة‪ ،‬فربما تعود االختالفات‬ ‫السورية العراقية للظهور وتتسبب في عرقلة‬

‫التقارب بين البلدين‪.‬‬ ‫ويعد استخدام الموارد المائية لنهر الفرات من‬ ‫نقاط الخالف األخرى بين سوريا والعراق‪ .‬فقد‬ ‫كانت تلك المشكلة الجيوسياسية عصية على الحل‬ ‫لعدة عقود نظرا للتنمية أحادية الجانب والتي تتم‬ ‫دون تنسيق من قبل الدول الثالث التي تشترك فيه‪،‬‬ ‫سوريا‪ ،‬والعراق‪ ،‬وتركيا‪ .‬ويبدو أن التنافس الدائم‬ ‫على ذلك المورد المائي النادر هو تنافس مزمن‪،‬‬ ‫ولم تظهر أي من الدولتين اللتين تقعان على أعالي‬ ‫نهر الفرات اهتماما بالغا باحتياجات مستخدمي‬ ‫النهر في التخطيط لمشروعات تنمية النهر‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن ذلك يعرقل‪ ،‬بال شك‪ ،‬تأسيس‬ ‫اتحاد سياسي دائم بين العراق وسوريا‪ ،‬فإنه ال‬ ‫يمنع تحقيق قدر كبير من التعاون في قضايا محددة‬ ‫على المدى القريب‪ .‬بل ومن الممكن التوصل‬ ‫إلى شكل من أشكال الوحدة السياسية ولكن إن‬ ‫حدث ذلك‪ ،‬فمن المرجح أن تكون وحدة رمزية‪،‬‬ ‫خالية من القوة المؤسسية‪ ،‬وهشة للغاية‪ .‬كما أن‬ ‫لدرجة التعاون التي تم تحقيقها بالفعل تأثير كبير‬ ‫على رد الفعل العربي تجاه المعاهدة المصرية‬ ‫اإلسرائيلية ومن المرجح أن يستمر ذلك في لعب‬ ‫دور سلبي في عملية السالم‪ .‬كما يمكن للتقارب‬ ‫العراقي السوري أن يساهم في المزيد من التعاون‬ ‫بين العرب الشرقيين‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬تبحث‬ ‫كل من األردن‪ ،‬ومنظمة التحرير الفلسطينية‪،‬‬ ‫والمملكة العربية السعودية‪ ،‬إقامة عالقات وثيقة‬ ‫وتنسيق عسكري بينها وبين سوريا والعراق‪.‬‬ ‫• (ـ) أجزاء تم حجبها من الوثيقة‬

‫‪49‬‬


‫وثائق‬

‫سوريا‪ :‬األسد واختطاف‬ ‫»طائرة» تي دبليو إيه‬ ‫الوكالة المركزية لالستخبارات‬ ‫محال لوكالة أخرى‬ ‫محال للرد المباشر‬ ‫إدارة االستخبارات‬ ‫‪ 20‬يونيو (حزيران) ‪1985‬‬ ‫الملخص‬ ‫كان الرئيس السوري‪ ،‬األسد‪ ،‬يجري اتصاالت‬ ‫مع نبيه بري‪ ،‬زعيم حركة أمل‪ ،‬لكي يحثه‬ ‫على إنهاء عملية اختطاف طائرة «تي دبليو‬ ‫إيه»‪ ،‬ولكننا ال نعتقد أن األسد مستعد للمخاطرة‬ ‫بمعاداة شيعة لبنان‪ ،‬كبرى الجماعات الطائفية‬ ‫بالبالد‪ ،‬من خالل فرض الضغط عليها نيابة‬ ‫عن الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫وعلى أية حال‪ ،‬ليس لدى سوريا سوى قدر‬ ‫محدود من النفوذ على الشيعة‪ .‬فعلى الرغم من‬ ‫أن بري كان يتعاون مع دمشق ويتلقى دعما‬ ‫سوريًا‪ ،‬فإنه تمكن من الحفاظ على استقالله‬ ‫مساع سورية للهيمنة على حركة‬ ‫مقاوما أي‬ ‫ٍ‬ ‫أمل‪ .‬كما أن بري أقل اعتمادا على سوريا من‬

‫اعتماده على الفصائل اللبنانية األخرى‪ ،‬خاصة‬ ‫فيما يتعلق باإلمدادات‪ ،‬وهو ما يرجع إلى أن‬ ‫قواته تتكون من ميليشيات شوارع مدنية تستخدم‬ ‫أسلحة صغيرة متوافرة تماما في بيروت‪ .‬كما‬ ‫أن العالقات السورية مع الفصائل الشيعية‬ ‫الراديكالية أكثر هشاشة وتتزايد صعوبة‪.‬‬ ‫وسوف يتجنب األسد اتخاذ خطوات قوية تجاه‬ ‫الخاطفين سواء على نحو مباشر أو غير مباشر‬ ‫عبر الوسطاء‪.‬‬ ‫هذا التقرير أعده (ـ) من مكتب تحليالت الشرق‬ ‫األدنى وجنوب آسيا و(ـ) من مكتب البحوث‬ ‫العلمية وبحوث األسلحة‪( ،‬ـ) بناء على طلب‬ ‫من وزارة الخارجية‪ .‬وقد تم استخدام المعلومات‬ ‫المتاحة حتى ‪ 20‬يونيو (حزيران) ‪ 1985‬في‬ ‫إعداده‪ .‬نرحب باألسئلة والتعليقات والتي يجب‬ ‫توجيهها إلى الرئيس (ـ)‪.‬‬

‫رد فعل األسد تجاه االختطاف‬ ‫مما ال شك فيه أن األسد ينظر إلى أزمة اختطاف‬ ‫طائرة «تي دبليو إيه» الحالية باعتبارها تعقيدا‬ ‫غير محمود لمساعيه صوب تحقيق األهداف‬ ‫السورية في لبنان واتخاذ إجراءات فيما يتعلق‬ ‫بقضايا أخرى‪ .‬حيث كان قد وضع أجندة‬

‫على الرغم من أن بري كان يتعاون مع دمشق‬ ‫سوريا‪ ،‬فإنه متكن من احلفاظ‬ ‫ويتلقى دعما‬ ‫ً‬ ‫مساع سورية‬ ‫على استقالله مقاوما أي‬ ‫ٍ‬ ‫للهيمنة على حركة أمل‬

‫‪50‬‬

‫خالل لقاء القمة الذي جمعه بالرئيس الجميل‬ ‫قبل أسبوعين إلعادة تأسيس األمن وإجراء‬ ‫إصالحات سياسية‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬جلبت‬ ‫«حرب المخيمات» الدائرة في بيروت إلى‬ ‫الصدارة األبعاد الفلسطينية والعربية للمشكلة‪.‬‬ ‫ومن ثم يصبح األسد‪ ،‬الذي يتزايد إحباطه تجاه‬ ‫المستنقع اللبناني الذي يبدو بال نهاية‪ ،‬والذي‬ ‫يتوق لمنح المزيد من االنتباه للعالقات السورية‬ ‫مع القوى العظمى‪ ،‬والتهديدات التي تتعرض‬ ‫لها المصالح السورية إثر مبادرة حسين‪/‬‬ ‫عرفات‪ ،‬عالقا في قدر كبير من المشكالت‪.‬‬ ‫فقد نفذ األسد ما طلبه الرئيس ريغان‪ ،‬حث‬ ‫نبيه بري‪ ،‬زعيم حركة أمل على المشاركة‬ ‫بفعالية في المفاوضات ‪ -‬ولكن دمشق ما زالت‬ ‫تبدي حيادا تجاه عملية االختطاف‪ .‬فقد ذكرت‬ ‫الصحافة السورية األخبار المتعلقة باالختطاف‬ ‫دون أي إشارة لإلدانة كما أنها أبرزت مطالب‬ ‫الخاطفين‪ ،‬حيث ال يرغب األسد في معاداة‬ ‫حلفائه الذين يصعب إرضاؤهم في لبنان‪ ،‬على‬ ‫األقل‪ ،‬ألن ذلك سوف يقلص النفوذ الذي يتمتع‬ ‫‪.‬به لديهم‬

‫العالقات السورية بنبيه بري والشيعة‬ ‫على نقيض هيمنة سورية على دروز وليد‬ ‫جنبالط‪ ،‬وغيرها من الفصائل اللبنانية األخرى‪،‬‬ ‫ما زال نبيه بري‪ ،‬زعيم حركة أمل‪ ،‬مستقال‬ ‫نسبيا عن دمشق‪ .‬فقد رفض بري االنضمام إلى‬ ‫«جبهة اإلنقاذ الوطني» التي ترعاها سوريا‬ ‫خالل القتال في ‪ ،84-1983‬كما قاوم بشراسة‬ ‫المحاوالت السورية للهيمنة على حركة أمل‪.‬‬ ‫وحاول بري مواجهة الجهود السورية للسيطرة‬ ‫على كبار زعماء حركة أمل وح ّد من أنشطة‬ ‫المسؤولين الموالين لسوريا داخل الحركة‪.‬‬ ‫وال يوجد لسوريا نفوذ قوي على بري نظرا‬


‫قائد الطائرة اخملطوفة جون تيسترايك وبجانبه أحد اخلاطفني‬ ‫لعدم اعتماد حركة أمل على دمشق في الحصول‬ ‫على احتياجاتها‪ .‬فعلى الرغم من أن حركة أمل‬ ‫تتلقى دعما سوريا ‪ -‬وتعاونت مؤخرا على‬ ‫األقل على المستوى التكتيكي مع السوريين في‬ ‫حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت ‪ -‬فإن‬ ‫احتياجات قوات بري محدودة‪ .‬وهو ما يعود‬ ‫إلى أن حركة أمل تشن حروب شوارع مدنية‬ ‫وهو ما يقتضي استخدام األسلحة الخفيفة‪،‬‬

‫نبيه بري زعيم‬ ‫حركة أمل‬

‫مسلح ملثم يقف على باب الطائرة‬ ‫اخملطوفة في بيروت العام ‪1985‬‬

‫ومدافع الهاون‪ ،‬واآلر بي جي‪ ،‬والتي يمكن‬ ‫الحصول عليها بسهولة من السوق المفتوحة أو‬ ‫من المخابئ الفلسطينية المهجورة في بيروت‪.‬‬ ‫كما أن العالقات السورية مع الفصائل الشيعية‬ ‫المتطرفة أكثر هشاشة‪ ،‬فقد تسامحت دمشق‬ ‫مع األنشطة الشيعية الراديكالية‪ ،‬بل وقدمت‬ ‫الدعم للحرس الثوري اإليراني وتعاونت‬ ‫معه للحفاظ على الصالت المفيدة بين سوريا‬ ‫وإيران‪ ،‬ولتعجيل االنسحاب اإلسرائيلي الكامل‬ ‫من جنوب لبنان‪ ،‬ولكي يعملوا كمعادل لبري‬ ‫في محاولة إلجباره على قبول شروط دمشق‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬ال تتوافق أهداف سوريا في لبنان مع‬ ‫هدف الشيعة الراديكاليين ذوي النظام األصولي‬ ‫على المنوال اإليراني‪ ،‬وهناك إشارات واضحة‬ ‫على تزايد العقبات التي تقف في طريق تلك‬ ‫العالقة‪ .‬وقد اصطدمت القوات السورية بالفعل‬ ‫مع المتطرفين الشيعة في «وادي البقاع» عدة‬ ‫مرات منذ بداية ‪.1984‬‬ ‫وقد قدم األسد المساعدة في إطالق سراح‬ ‫األميركيين عندما كانت هناك مصلحة‬ ‫سورية واضحة في أن يفعل ذلك‪ ،‬وعندما‬ ‫كانت تكلفة تلك المساعدة محدودة‪ .‬ففي يوليو‬ ‫(تموز) ‪ ،1983‬تمكنت سوريا من إطالق‬ ‫سراح ديفيد دودج‪ ،‬رئيس الجامعة األميركية‬ ‫في بيروت‪ ،‬من أيدي اإليرانيين‪ ،‬في رسالة‬ ‫موجهة إلى طهران مفادها أن نقل رهينة عبر‬ ‫دمشق دون موافقة سوريا أمر غير مقبول‪.‬‬ ‫وفي يناير (كانون الثاني) ‪ ،1984‬أطلق‬ ‫السوريون سراح الطيار بالبحرية األميركية‪،‬‬ ‫الليوتينت غودمان‪ ،‬في بادرة غير مكلفة لتعزيز‬ ‫االنسحاب األميركي من لبنان‪ .‬ومؤخرا‪ ،‬في‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫متكنت سوريا من‬ ‫إطالق سراح ديفيد‬ ‫دودج‪ ،‬رئيس اجلامعة‬ ‫األميركية في‬ ‫بيروت‪ ،‬من أيدي‬ ‫اإليرانيني‪ ،‬في رسالة‬ ‫موجهة إلى طهران‬ ‫مفادها أن نقل‬ ‫رهينة عبر دمشق دون‬ ‫موافقة سوريا أمر‬ ‫غير مقبول‬ ‫‪ 12‬يونيو (حزيران)‪ ،‬قدم األسد التماسا علنيا‬ ‫للخاطفين الذين يحتجزون الرهائن في لبنان‬ ‫معلنا بوضوح التزامه تجاه الرئيس ريغان‬ ‫ومعارضته اختطاف الدبلوماسيين‪ ،‬ومؤكدا في‬ ‫الوقت ذاته الدعم السوري للجماعات المتطرفة‬ ‫المتورطة باإلضافة إلى كونه لم يصدر أي‬ ‫عبارة تشير إلى استعداد سوريا التخاذ أي‬ ‫إجراء في إطار عملية إطالق سراحهم‪.‬‬ ‫• (ـ) أجزاء تم حجبها من الوثيقة‬

‫‪51‬‬


‫وثائق‬

‫لبنان ‪ -‬سوريا‪:‬‬ ‫عون يتحدى األسد‬ ‫إدارة االستخبارات‬ ‫‪ 7‬أبريل (نيسان) ‪1989‬‬

‫الحالية‪ ،‬فإن السوريين لم يعودوا يعتبرونه شريكا‬ ‫موثوقا به يمكنهم مناقشة المستقبل السياسي للبنان‬ ‫على المدى الطويل معه‪( .‬ـ)‬

‫الملخص‬

‫خالفات عصية‬

‫يخوض الجنرال عون‪ ،‬رئيس الوزراء اللبناني‪،‬‬ ‫معركة إرادات مع السوريين وحلفائهم اللبنانيين‪،‬‬ ‫في نزاع ليس لدى أي طرف من أطرافه أدنى‬ ‫استعداد للتنازل‪ ،‬وال يبدو أمام عون مخرج منه‪.‬‬ ‫فقد تسبب حصار عون البحري لموانئ المسلمين‬ ‫المستقلة في اندالع القتال الحالي وما زال ذلك‬ ‫الحصار هو القضية الرئيسية للنزاع‪ .‬ولكن‬ ‫حملة عون الالحقة ضد الرئيس السوري األسد‬ ‫والوجود السوري العسكري في لبنان قد عملت‬ ‫على تعميق النزاع وقللت من فرص عون في‬ ‫الفوز‪( .‬ـ)‬ ‫وحتى في حالة نجاة عون غير المحتملة من األزمة‬

‫يعد إغالق موانئ المسلمين غير الشرعية القضية‬ ‫الرئيسية التي تقف حجر عثرة أمام وقف إطالق‬ ‫النيران في بيروت‪ .‬حيث يرفض عون بعناد رفع‬ ‫الحصار ألنه وضع الكثير من رأسماله السياسي‬ ‫في تلك القضية‪ .‬وكانت بحرية عون المحدودة ‪-‬‬ ‫حفنة من مراكب الدورية العتيقة ‪ -‬ومروحياته‬ ‫وطائراته القليلة قد أغلقت بفعالية مدهشة تلك‬ ‫المرافئ‪ .‬فقد اعترضوا على األقل خمس سفن‬ ‫تسير في شمال طرابلس لمنع ناقلة سورية أو‬ ‫ربما سوفياتية‪.‬‬

‫حتى في حالة جناة عون‬ ‫غير احملتملة من األزمة‬ ‫احلالية‪ ،‬فإن السوريني‬ ‫لم يعودوا يعتبرونه‬ ‫شريكا موثوقا به‬ ‫ميكنهم مناقشة‬ ‫املستقبل السياسي للبنان‬ ‫على املدى الطويل معه‬

‫‪52‬‬

‫الموانئ اللبنانية غير الشرعية‬ ‫لقد عمل ظهور عدد من الموانئ غير الرسمية‬ ‫أو الموانئ الرسمية التي تهيمن عليها الميليشيات‬ ‫على إعادة تشكيل اقتصاد لبنان على مر السنوات‪.‬‬ ‫حيث تقل المصروفات التي تتقاضاها الموانئ‬ ‫التي تديرها الميليشيات بنسبة تتراوح بين ‪- 60‬‬ ‫‪ 70‬في المائة عن الرسوم التي تتقاضاها الموانئ‬ ‫الرسمية اللبنانية‪ ،‬كما ال يتم دفع أي رسوم‬ ‫جمركية على البضائع التي تدخل تلك الموانئ‪.‬‬ ‫وقد حرمت هذه الموانئ غير الشرعية الدولة من‬ ‫مصدرها الرئيسي للعائدات‪.‬‬ ‫ومن بين الموانئ غير الشرعية التي يأمل عون‬ ‫في إغالقها‪:‬‬ ‫الحوض الخامس‪ ،‬بيروت‪ .‬يعد ذلك الجزء من‬ ‫ميناء بيروت والذي تهيمن عليه القوات هو‬ ‫الميناء غير الشرعي الرئيسي‪ .‬وكان إغالقه أحد‬ ‫األهداف الرئيسية لعون في مواجهة الميليشيات‬

‫في فبراير (شباط)‪.‬‬ ‫الضبية‪ .‬وهو يخضع أيضا لسيطرة القوات‬ ‫وجاري توسيعه‪.‬‬ ‫جونية‪ .‬وهو مرفأ صغير ضحل خاضع للقوت‬ ‫اللبنانية ويعمل كنقطة لمرور المسافرين الذين‬ ‫يتحاشون مطار بيروت إلى قبرص‪.‬‬ ‫الخالدة‪ .‬يعد ذلك المرفأ الدرزي هو الميناء غير‬ ‫الشرعي وغير المسيحي األكثر نشاطا‪ .‬ولكن‬ ‫ذلك الميناء ال يسمح بمرور السفن الكبرى وهو‬ ‫ما دفع الميليشيات لبناء مرفأ الجية‪.‬‬ ‫الجية‪ :‬بنى الدروز ذلك المرفأ للسماح بمرور‬ ‫الحاويات وتوفير منشآت لتفريغ الحموالت‬ ‫البترولية‪ .‬وقد تأثر كال الميناءين الدرزيين‬ ‫بالحصار الذي فرضه عون‪.‬‬ ‫األوزاعي‪ .‬وهو ميناء تهيمن عليه حركة‬ ‫أمل ويمكنه السماح بمرور الحاويات‪ .‬وكان‬ ‫المسيحيون قد قاموا بقصفه كما صار هدفا‬ ‫رئيسيا للحصار‪.‬‬ ‫وال يعادل قوة معارضة الزعماء المسلمين في‬ ‫لبنان ‪ -‬خاصة الزعيم الدرزي‪ ،‬وليد جنبالط‪،‬‬ ‫وزعيم حركة أمل‪ ،‬نبيه بري ‪ -‬للحصار‪ ،‬سوى‬ ‫إصرار عون نفسه على استمراريته‪ .‬وقد ظل‬ ‫حزب اهلل على هامش المعارضة ولكنه كان مؤيدا‬ ‫بقوة للموقف السوري‪ .‬وكان الحصار يحرم‬ ‫الدروز وحركة أمل من مصدر مهم للعائدات‬ ‫ويعزلهم عن العالم الخارجي‪ .‬وكانت دمشق‬ ‫وحلفاؤها المسلمون يطالبون برفع الحصار في‬ ‫إطار وقف إلطالق النيران‪.‬‬ ‫وقام عون بتعقيد األزمة من خالل نعته المواجهة‬ ‫الجارية بأنها نزاع سوري ‪ -‬لبناني يضع مكانة‬ ‫دمشق اإلقليمية على المحك‪ .‬وباإلضافة إلى‬ ‫دعوته إلخراج القوات السورية من لبنان‪،‬‬ ‫فإنه اتهم سوريا بدعم اإلرهابيين واالتجار في‬ ‫المخدرات‪ .‬وقد أغضب عون زعماء سوريا‬ ‫وقضى على أفق التوصل إلى تسوية من خالل‬


‫ميشال عون من عدو لسوريا إلى أبرز حلفائها‬ ‫مناداته العلنية بخلع الرئيس األسد وامتداح الدور‬ ‫العراقي في لبنان‪( .‬ـ)‬

‫الساعة‪ .‬وحتى اآلن تسببت المدفعية السورية‬ ‫في إسقاط عدد قليل من الجرحى وهي الخطوة‬ ‫التي من المرجح أن تتسبب في رفع الكلفة المدنية‬ ‫واالقتصادية للنزاع بالنسبة للمسيحيين‪( .‬ـ)‬

‫يعتمد عليه لم يتحقق وربما يكون الدعم الذي‬ ‫يحصل عليه من مسيحييه في حالة تراجع‪ .‬ومن‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬فإن سوريا ليس لديها كثير لتخسره‬ ‫بإبقاء فرض الضغط على عون‪.‬‬

‫(ـ) لدى السوريين قدرة غير محدودة على‬ ‫تصعيد النزاع العسكري‪ .‬وتظهر مشاركة سوريا‬ ‫المباشرة في عمليات القصف عدم رضاء دمشق‬ ‫عن عون‪ ،‬وتنذر باستعدادها لزيادة الضغط‪.‬‬ ‫وكانت األسلحة السورية موجهة في البداية فقط‬ ‫للرد على قصف الجيش اللبناني‪ ،‬ثم اتجهت بعد‬ ‫ذلك لقصف بيروت الشرقية كل مساء ويبدو‬ ‫أنها تقصف بنشاط اآلن المسيحيين على مدار‬

‫وجهة نظر‬

‫ومن المستبعد أن يلعب الضغط الخارجي‬ ‫من الجامعة العربية‪ ،‬والواليات المتحدة‪ ،‬أو‬ ‫االتحاد السوفياتي دورا رئيسيا في صناعة‬ ‫القرار السوري ما دامت سوريا تؤمن بأن‬ ‫مصالحها الحيوية في لبنان على المحك‪ .‬وحتى‬ ‫يوافق الجنرال عون على ضرورة بقاء القوات‬ ‫السورية في لبنان‪ ،‬وضرورة إنهاء الحصار‬ ‫البحري والتراجع عن خطابه المعادي لسوريا‪،‬‬ ‫فإن الضغط العسكري السوري على المسيحيين‬ ‫سوف يستمر‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن السوريين سوف يستعينون‬ ‫بشركائهم اللبنانيين إلضفاء شرعية على الضغط‬ ‫على تلك الجيوب واحتواء العديد من اإلصابات‬ ‫في البداية‪ .‬الدروز‪ ،‬حزب اهلل‪ ،‬وزعيم المعارضة‬ ‫المسيحي‪ ،‬إيلي حبيقة‪ ،‬هم المرشحون الرئيسيون‬ ‫للعب ذلك الدور وجميعهم سيكون على أتم‬ ‫استعداد للتعاون مع السوريين‪.‬‬

‫الخطوات التالية لسوريا‬

‫ليس من الممكن التوفيق بين مطالب عون‬ ‫والمطالب السورية كما أن كليهما ليس مستعدا‬ ‫أو مرحبا بالتنازل‪ .‬وليس أمام عون سوى‬ ‫خيارات قليلة في مواجهة الضغط العسكري‬ ‫المستمر لسوريا‪ .‬ومن الواضح أن قواته ال تقارن‬ ‫بنظيرتها السورية كما أن الدعم الدولي الذي كان‬

‫من املستبعد أن يلعب الضغط اخلارجي من اجلامعة‬ ‫العربية‪ ،‬والواليات املتحدة‪ ،‬أو االحتاد السوفياتي دورا‬ ‫رئيسيا في صناعة القرار السوري ما دامت سوريا تؤمن‬ ‫بأن مصاحلها احليوية في لبنان على احملك‬

‫• (ـ) أجزاء تم حجبها من الوثيقة‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫‪53‬‬


Three global markets, ONE CENTRE


Th The Thela Th largest la largest ststmarket market kk tt ininEastern EasternEurope Europe


‫صحافة عالمية‬

‫مسجد عقبة بن نافع‬ ‫بالقيروان في تونس حتت‬ ‫قبضة السلفيني‬

‫‪56‬‬


‫منابع العنف في الشرق األوسط الجديد‬

‫سياسة خشنة‬ ‫إذا كان الربيع العربي يمثل زلزاال في سياسة الشرق األوسط‪ ،‬فقد شهدنا أخيرا ما يمثل هزة ارتدادية كبرى‪ .‬وقد‬ ‫بدأت القعقعة في القاهرة‪ ،‬حينما بثت قناة فضائية يديرها سلفيون مقطعا من فيلم مهيج مسيء لإلسالم‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫مباشرة‪ ،‬دعت بعض القيادات السلفية لمظاهرات أمام السفارة األميركية حيث ألقوا باللوم على واشنطن‪ ،‬نظرا لعدم‬ ‫فرضها رقابة على الفيلم الذي تم إنتاجه في الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬وليم ماكانت – باحث في العالقات الدولية ومختص في الحركات الجهادية – فورين أفايرز – خاص بـ«المجلة»‬

‫تكرر السيناريو في ليبيا‪ ،‬وتونس‪ ،‬واليمن‪،‬‬ ‫وغيرها‪ .‬وعلى الرغم من وقوع العديد من‬ ‫أحداث الشغب كرد فعل على الفيلم‪ ،‬فإن تلك‬ ‫األحداث كانت تتمحور أساسا حول طبيعة‬ ‫األنظمة في ما بعد الربيع العربي وبخاصة‬ ‫في ما يتعلق بمن يسيس األخالقيات العامة‪.‬‬ ‫حيث ينظر السلفيون في أنحاء المنطقة كافة‬ ‫إلى أنفسهم باعتبارهم الحارس المحق للحياة‬ ‫العامة‪ ،‬وهم يعملون من أجل أن يضمنوا أن‬ ‫يراهم اآلخرون بنفس الطريقة أيضا‪.‬‬

‫قوة في مصر‬ ‫وعلى الرغم من أن السلفيين ال يشكلون أغلبية‬ ‫السكان في أي من تلك البلدان‪ ،‬فقد كانوا قادرين‬ ‫على فرض أجنداتهم السياسية وذلك نظرا لعدد‬ ‫من األسباب‪ .‬كما أنهم يبدون أكثر قوة من‬ ‫حقيقتهم نظرا للتمويل الواسع الذي يتلقونه‬ ‫من أتباعهم في دول عربية ثرية‪ .‬فكل عام‪،‬‬ ‫تتدفق ماليين الدوالرات من دول عربية إلى‬ ‫المشروعات السلفية الخيرية والقنوات الفضائية‬ ‫مثل تلك التي أثارت أعمال الشغب‪( .‬بالمقارنة‪،‬‬ ‫تتلقى المنظمات غير الحكومية الليبرالية دعما‬ ‫أقل من الدول الغنية في المنطقة)‪.‬‬ ‫وينفق زعماء السلفيين تلك األموال على‬ ‫البرامج االجتماعية واالستقطاب وهي األدوات‬ ‫السهلة التي يستطيعون عبرها أن يحشدوا‬ ‫األصوات أو يثيروا الغضب تجاه ما ينظر له‬ ‫باعتباره إهانة للسلفية أو اإلسالم‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬ال تتطلع معظم الجماعات السلفية‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫ال تتطلع معظم‬ ‫اجلماعات السلفية للهيمنة‬ ‫على الدولة عبر العنف أو‬ ‫حتى من خالل االنتخابات‪،‬‬ ‫حيث إن أعدادهم ضئيلة‬ ‫للغاية‪ .‬ففي املكان الذي‬ ‫لديهم فيه مؤسسات‬ ‫سياسية وثقافية قوية‪،‬‬ ‫مثل مصر‪ ،‬ميكنهم أن‬ ‫يحققوا ذلك من خالل‬ ‫الضغط السياسي ومظاهر‬ ‫القوة في الشارع‬ ‫للهيمنة على الدولة عبر العنف أو حتى من‬ ‫خالل االنتخابات‪ ،‬حيث إن أعدادهم ضئيلة‬ ‫للغاية‪ .‬ففي المكان الذي لديهم فيه مؤسسات‬ ‫سياسية وثقافية قوية‪ ،‬مثل مصر‪ ،‬يمكنهم‬ ‫أن يحققوا ذلك من خالل الضغط السياسي‬ ‫ومظاهر القوة في الشارع‪ .‬ولكنهم يلجأون إلى‬ ‫فرض أحكام الشريعة والدعوة لتحدي السلطة‪،‬‬ ‫في األماكن التي يفتقرون فيها لتلك المؤسسات‪.‬‬

‫وليس معروفا على وجه التحديد النسبة التي‬ ‫يمثلها السلفيون من مجمل سكان مصر‪ ،‬ولكنهم‬ ‫يهيمنون على ربع البرلمان‪ .‬وهو ما يعني أن‬ ‫حركة اإلخوان المسلمين األقل محافظة‪ ،‬والتي‬ ‫فازت بكل من االنتخابات البرلمانية والرئاسية‪،‬‬ ‫ال يمكنها تجاهلهم‪ .‬ففي البرلمان‪ ،‬دعا السلفيون‬ ‫إلصدار دستور يقر بالشريعة اإلسالمية‬ ‫كمصدر للتشريع‪ ،‬كما دفعوا إلصدار قوانين‬ ‫تعكس األوامر القرآنية‪.‬‬ ‫وعلى غرار اليمين الديني في إسرائيل‪ ،‬يضع‬ ‫السلفيون المصريون السياسيين األقل محافظة‬ ‫في الزاوية‪ .‬وقد أظهروا قدرتهم الكاملة على‬ ‫عمل ذلك خالل المظاهرات التي اندلعت أخيرا‪.‬‬ ‫ففي ‪ 13‬سبتمبر (أيلول)‪ ،‬أرسل خيرت الشاطر‬ ‫نائب المرشد العام لإلخوان المسلمين رسالة‬ ‫اعتذارية إلى الشعب األميركي عبر «نيويورك‬ ‫تايمز»‪.‬‬ ‫وفي تلك الرسالة كتب الشاطر‪« :‬إن تجاوز‬ ‫حدود سفارة الواليات المتحدة األميركية من‬ ‫قبل متظاهرين مصريين هو أمر غير قانوني‬ ‫طبقا للقانون الدولي‪ ،‬وفشل قوات الحماية من‬ ‫الشرطة يجب أن يتم التحقيق فيه»‪ .‬وعلى ما‬ ‫يبدو‪ ،‬لم يكن الشاطر يرغب في إثارة الغضب‬ ‫الغربي ويعرض المساعدات المالية األميركية‬ ‫للخطر‪ .‬ولكن كان على القاهرة أن تقلق بشأن‬ ‫السياسة المحلية أيضا‪ ،‬ولذلك احتفى الرئيس‬ ‫المصري محمد مرسي بالمظاهرات وأغمض‬ ‫عينه عن تجاوزاتها سواء رغبة في خطب ود‬ ‫السلفيين أو خوفا من غضبهم‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫يقع سلفيو ليبيا في مكان ما بني سلفيي تونس‬ ‫وسلفيي مصر‪ .‬فعلى الرغم من أن أعدادهم‪ ،‬بحسب ما‬ ‫يقال‪ ،‬أكبر من أعداد السلفيني في تونس‪ ،‬ليست لديهم‬ ‫مؤسسات مركزية مثل سلفيي مصر‪ ،‬وهو ما يجعل‬ ‫عملية احلشد السياسي أصعب‬ ‫سلفيو تونس وليبيا‬ ‫وفي بلدان أخرى‪ ،‬يمثل السلفيون نسبة أقل‬ ‫من السكان ومن ثم لديهم قوة مؤسسية أصغر‪،‬‬ ‫ولكن استعدادهم لتطبيق الشريعة بالقوة ينشر‬ ‫الخوف منهم‪ .‬ففي تونس‪ ،‬سمح اإلسالميون‬ ‫المعتدلون في السلطة (حركة النهضة) أخيرا‬ ‫للسلفيين بتأسيس حزب سياسي وهو ما يترك‬ ‫السلفيين دون تمثيل في لجنة صياغة الدستور‬ ‫الجديد‪ .‬ولكي يدفعوا بأجندتهم المحافظة‪ ،‬نزل‬ ‫النشطاء السلفيون إلى الشوارع حيث حطموا‬ ‫ما زعموا أنها رموز للفساد الغربي مثل‬ ‫الحانات والمعارض الفنية واصطدموا بقوات‬ ‫الشرطة في مظاهرات ضد الدولة العلمانية‪.‬‬ ‫كما حرق المتظاهرون السلفيون السيارات‬ ‫وحطموا زجاج السفارة األميركية وهو ما‬ ‫يزعم أنه كان بتشجيع من أحد رجال الدين‬ ‫السلفيين الجهاديين‪ ،‬الذي سعت الحكومة‬ ‫التونسية العتقاله بعدها‪.‬‬ ‫وفي ما يتعلق بالمؤسسات‪ ،‬يقع سلفيو ليبيا‬ ‫في مكان ما بين سلفيي تونس وسلفيي مصر‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أن أعدادهم‪ ،‬بحسب ما يقال‪،‬‬ ‫أكبر من أعداد السلفيين في تونس‪ ،‬ليست لديهم‬ ‫مؤسسات مركزية مثل سلفيي مصر‪ ،‬وهو ما‬ ‫يجعل عملية الحشد السياسي أصعب‪ .‬ومن ثم‪،‬‬ ‫كان أداء أحزابهم السياسية الثالثة ضعيفا في‬ ‫االنتخابات الماضية‪ ،‬حيث لم يفوزوا إال بمقعد‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫وعلى غرار نظرائهم التوانسة‪ ،‬يشتهر‬ ‫سلفيو ليبيا بتطبيقهم الشريعة بالقوة بخاصة‬ ‫في ما يتعلق بالهجوم على أضرحة األولياء‬ ‫المحليين‪ .‬ويبدو مرجحا أن يكون الجهاديون‬ ‫السلفيون هم من تزعموا الهجوم على القنصلية‬ ‫األميركية في بنغازي وهو ما أسفر عن مقتل‬ ‫عدة مواطنين أميركيين بمن فيهم السفير‬ ‫األميركي في ليبيا‪ ،‬كريستوفر ستيفنز‪ .‬وقد‬ ‫سارعت الحكومة بإدانة ذلك الهجوم‪ ،‬والتعهد‬ ‫بتعقب المجرمين‪ .‬كما خرج المواطنون‬ ‫الليبيون أيضا في مظاهرات ضد االعتداء‬

‫‪58‬‬

‫على السفارة‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي تفكر فيه الواليات المتحدة في‬ ‫الرد على تلك االحتجاجات‪ ،‬فإنها تصنع خيرا‬ ‫إذا ما أخذت المالبسات الوطنية المتعددة التي‬ ‫تكمن وراءها تلك االحتجاجات في االعتبار‪.‬‬ ‫ففي مصر‪ ،‬أظهر السلفيون الذين شاركوا في‬ ‫العملية السياسية أنهم ليسوا بالضرورة أعداء‬ ‫للمصالح األمنية األميركية في المنطقة‪ .‬وكما‬ ‫اتضح عبر برامجهم السياسية‪ ،‬فإنهم أكثر‬ ‫اهتماما بالمسائل الثقافية‪ .‬وما أثار غضبهم‬ ‫فعليا ودفعهم إلى الهجوم على القنصليات‬ ‫والسفارات األميركية هو قضية ثقافية تماما‪.‬‬ ‫وليس مرجحا أن تتغير الرؤى الثقافية‬ ‫للسلفيين‪ ،‬إذا ما شاركوا في العملية االنتخابية‬ ‫بالمنطقة‪ ،‬بل إنهم سيصبحون‪ ،‬في الحد‬ ‫األدنى‪ ،‬أكثر استجابة ألتباعهم‪.‬‬ ‫ويعد أفضل مسار بالنسبة للواليات المتحدة‬ ‫هو أن تعرب عن مخاوفها حول الجماعات‬ ‫السلفية لحكومات تلك البلدان وتعلن بشكل‬ ‫واضح أن تلك المخاوف تتعلق باألمن وليس‬ ‫بالدين‪ .‬فيجب أن تؤكد واشنطن أنها تتوقع‬ ‫من حكومات المنطقة أن تمنع المتطرفين من‬ ‫السلفيين من اللجوء إلى العنف‪ .‬وسوف يكون‬ ‫حجب المساعدات عن تلك البلدان هو اإلجراء‬ ‫األكثر حدة‪ ،‬كما يمكن أن تصدر الواليات‬ ‫المتحدة أيضا تحذيرات سفر‪ ،‬والتي يمكنها‬ ‫اإلضرار بالسياحة واالستثمارات األجنبية‬ ‫التي تعتمد عليها تلك الحكومات‪ .‬كما أن إلقاء‬ ‫الضوء على الحوارات الفارغة والمتضاربة‬ ‫للزعماء السياسيين والدينيين في المنطقة‬ ‫يساعد أيضا على تعريضهم للمساءلة‪ .‬فحتى‬ ‫إثارة الشكوك حول وضع حليف ما‪ ،‬كما‬ ‫فعل أوباما في حواره مع «تيليموندو» عقب‬ ‫األحداث األخيرة‪ ،‬يمكنه أن يمنح اإلسالميين‬ ‫العاملين على تحسين العالقات مع الغرب‬ ‫عنصر قوة‪.‬‬ ‫فإذا ما كان رد حكومات الشرق األوسط‬ ‫هو عقاب هؤالء الذين أضروا بالممتلكات‬ ‫والمواطنين األميركيين وحماية السفارات‬ ‫األميركية خالل المظاهرات المستقبلية‪ ،‬وثبط‬ ‫عزم عمليات االنتقام العنيفة إثر اإلهانات‬

‫الثقافية‪ ،‬فلن يكون على الواليات المتحدة‬ ‫تنفيذ تهديداتها‪ .‬وبالفعل‪ ،‬تقوم كل من تونس‬ ‫وليبيا بعمل ذلك‪ ،‬وهو ما يجب أن تكافئه‬ ‫الواليات المتحدة بالمساعدات األمنية إذا ما‬ ‫طلبت تلك البلدان ذلك‪ .‬ولكن إذا ما حثت نفس‬ ‫تلك الحكومات المتظاهرين أو استمرت في‬ ‫السماح لهم بتدمير الممتلكات واالعتداء على‬ ‫المواطنين األميركيين‪ ،‬فيجب على الواليات‬ ‫المتحدة أن تتخذ رد فعل سريعا‪ ،‬حيث إن‬ ‫إخفاق الواليات المتحدة في فرض خطوطها‬ ‫الحمر يضر باإلسالميين من غير السلفيين‬ ‫بقدر ما يضر بالواليات المتحدة نفسها‪ .‬حيث‬ ‫يبدو اإلسالميون غير السلفيين ضعفاء‪،‬‬ ‫ويرقصون على إيقاع شخص آخر‪ .‬كما يبدون‬ ‫عاجزين عن تسييس أتباعهم‪.‬‬

‫هزات ارتدادية‬ ‫ومن المرجح أن يفيد السلفيون من إطالق‬ ‫العنان لعمليات فرض تطبيق أحكام الشريعة‪،‬‬ ‫حيث ترتبط الحركة على نحو وثيق بالعنف‪،‬‬ ‫وهو ما منع السلفيين من أن يصبحوا حركة‬ ‫أغلبية‪ .‬فخالل االحتجاجات األخيرة‪ ،‬كانت‬ ‫الحركة التي تطلق على نفسها «االتجاه‬ ‫الجهادي» مكشوفة تماما أمام الجميع‪ .‬فقد‬ ‫كانت راية «القاعدة» ترفرف في العديد من‬ ‫المظاهرات‪ ،‬حتى إن المتظاهرين رفعوها‬ ‫فوق السفارة األميركية في القاهرة بدال من‬ ‫العلم األميركي‪.‬‬ ‫كما لعب أيضا الجهادي محمد الظواهري‪،‬‬ ‫أخو زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري‪ ،‬دورا‬ ‫رئيسا في مظاهرات القاهرة‪ .‬باإلضافة إلى‬ ‫الشعارات التي تم تدوينها على الجدران‬ ‫المحيطة بالسفارة والتي كانت تقول‪:‬‬ ‫«أوباما‪ ..‬جميعنا أسامة» والتي كانت تتردد‬ ‫أيضا في المظاهرة‪ .‬وقد أخافت مثل تلك‬ ‫الشعارات المعتدلين في المنطقة بغض النظر‬ ‫عن اآليديولوجيا‪ ،‬ومن المرجح أن تكون قد‬ ‫أخافت الممولين الخارجيين للسلفيين الذين‬ ‫يفضلون عدم االقتران بجماعة منبوذة دوليا‬ ‫مثل تنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫مما ال شك فيه أن المظاهرات التي اندلعت‬ ‫عند السفارات األميركية لن تكون آخر الهزات‬ ‫االرتدادية للربيع العربي‪ .‬فهناك ببساطة‬ ‫العديد من المتطرفين ومثيري المشاكل على‬ ‫جانبي األطلسي‪ .‬وفي ظل إعادة بناء المنطقة‬ ‫لنفسها‪ ،‬من المستبعد أن يصل السلفيون‬ ‫للسلطة‪ ،‬ولكنهم سوف يستمرون بالتأكيد‬ ‫في الضغط على من يصلون إليها‪ .‬فحتى‬ ‫يهيمن عليهم اإلسالميون المعتدلون‪ ،‬سوف‬ ‫يستمر السلفيون في تقويض سلطتهم وتهديد‬ ‫تحالفاتهم‪.‬‬



‫صحافة عالمية‬

‫‪ 50‬عاما على أزمة الصواريخ الكوبية‪ ..‬أي سياسة خارجية أميركية‬

‫دروس مستفادة‬ ‫نيكيتا خورتشيف و فيدل كاسترو‬

‫منذ خمسين عاما‪ ،‬أوشكت أزمة الصواريخ الكوبية أن تسقط العالم في كارثة نووية‪ .‬في أثناء المواجهة‪ ،‬ظن الرئيس‬ ‫األميركي جون إف كنيدي أن فرص التصعيد إلى الحرب تقع «بين ‪ 1‬إلى ‪ .»3‬ما علمناه في العقود األخيرة لم يحقق شيئا‬ ‫من أجل زيادة هذه االحتماالت‪ .‬نعلم على سبيل المثال أنه باإلضافة إلى الصواريخ الباليستية المسلحة نوويا‪ ،‬نشر االتحاد‬ ‫السوفياتي ‪ 100‬سالح نووي تكتيكي في كوبا‪ ،‬وكان من الممكن أن يطلق القائد العسكري السوفياتي المحلي هناك هذه‬ ‫األسلحة دون شفرات إضافية أو أوامر من موسكو‪ .‬وكان الهجوم الجوي والغزو األميركي الذي كان مقررا له األسبوع الثالث‬ ‫من المواجهة سيثير رد فعل نوويا ضد السفن والقوات األميركية‪ ،‬وربما يصل إلى ميامي‪ .‬وربما كانت الحرب الناتجة ستؤدي‬ ‫إلى مقتل مائة مليون أميركي وما يزيد على مائة مليون روسي‪.‬‬ ‫بقلم‪:‬‬

‫غراهام أليس‪ :‬مدير مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد‪ * .‬فورين افيرز – خاص بـ «المجلة»‬

‫العنوان الرئيس للقصة معروف‪ .‬في أكتوبر‬ ‫(تشرين األول) عام ‪ ،1962‬كشفت طائرة تجسس‬ ‫أميركية محاولة من االتحاد السوفياتي بإدخال‬ ‫صواريخ تحمل رؤوسا نووية خلسة إلى كوبا‪،‬‬ ‫على بعد ‪ 90‬ميال من ساحل الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫قرر كنيدي في البداية أنه ال يمكن السكوت أمام‬ ‫ذلك‪ .‬وبعد أسبوع من المشاورات السرية مع‬ ‫أقرب مستشاريه‪ ،‬أعلن هذا الكشف أمام العالم‪،‬‬

‫‪60‬‬

‫وفرض حصارا بحريا على وصول مزيد من‬ ‫شحنات األسلحة المتجهة إلى كوبا‪ .‬منع الحصار‬ ‫وصول مزيد من المواد ولكنه لم يحقق شيئا يمنع‬ ‫به السوفيات من تشغيل الصواريخ الموجودة‬ ‫هناك بالفعل‪ .‬وتال ذلك أسبوع ثان متوتر وقف فيه‬ ‫كنيدي والزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف وجها‬ ‫لوجه‪ ،‬دون أن يتراجع أي منهما‪.‬‬ ‫كان يوم السبت الموافق ‪ 27‬أكتوبر (تشرين األول)‬

‫هو يوم القرار‪ .‬بفضل التسجيالت السرية التي‬ ‫احتفظ بها كنيدي‪ ،‬يمكننا أن نستمع إلى أعضاء‬ ‫اللجنة التنفيذية الخاصة التي شكلها الرئيس من‬ ‫مجلس األمن القومي في نقاشهم حول الخيارات‬ ‫التي كانوا يعلمون أنها قد تؤدي إلى اندالع حرب‬ ‫عالمية نووية‪ .‬في الدقيقة األخيرة‪ ،‬تم حل األزمة‬ ‫دون حرب‪ ،‬حيث قبل خروشوف عرضا أميركيا‬ ‫أخيرا تعهدت فيه أميركا بعدم غزو كوبا في مقابل‬


‫سحب الصواريخ السوفياتية‪.‬‬ ‫يحاول كل رئيس يأتي بعد كنيدي أن يتعلم مما‬ ‫حدث في هذه المواجهة‪ .‬وفي مفارقة‪ ،‬بعد مرور‬ ‫نصف قرن‪ ،‬بعد أن أصبح االتحاد السوفياتي‬ ‫في حد ذاته ذكرى بعيدة‪ ،‬ما زالت الدروس التي‬ ‫تقدمها األزمة لتستفيد منها السياسات الحالية‬ ‫كبيرة‪ .‬في الوقت الحاضر‪ ،‬يمكن أن تساعد هذه‬ ‫األزمة صناع السياسات األميركيين على معرفة‬ ‫ما يجب عليهم فعله وما ال يجب عليهم فعله فيما‬ ‫يتعلق بإيران وكوريا الشمالية والصين واتخاذ‬ ‫القرارات الرئاسية عموما‪.‬‬

‫ا ‪4750‬عاماً‬ ‫لكوبا‬ ‫ﻣﻦالحصار‬ ‫ﻋﺎﻣﺎًمن‬ ‫األميركيﻟﻜﻮﺑﺎ‬ ‫اﻟﺤﺼﺎر اﻷﻣرييك‬

‫ﻳﺮﻓﻊ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣرييك ﺑﺎراك أوﺑﺎﻣﺎ اﻟﻘﻴﻮد ﻋﻦ ﻋﺪد اﻟﺮﺣﻼت إﱃ ﻛﻮﺑﺎ وﻋﻦ ﻛﻤﻴﺔ اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺳﻠﻬﺎ اﻟﻜﻮﺑﻴﻮن‬ ‫اﻷﻣريﻛﻴﻮن إﱃ ذوﻳﻬﻢ وﻳﺴﺎﻋﺪ ﰲ دﻋﻢ أﻛﱪ ﻟﺨﺪﻣﺎت اﻹﺗﺼﺎﻻت واﻹﻧﱰﻧﺖ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة‬ ‫‪ :1959‬اﻟﺜﻮار اﻟﻜﻮﺑﻴﻮن ﻳﻄﻴﺤﻮن ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮر‬ ‫ﻓﻮﻟﻐﻨﺴﻴﻮ ﺑﺎﺗﻴﺴﺘﺎ اﻟﺬي ﻳﺘﻠﻘﻰ دﻋامً ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة‬ ‫‪ :1962‬ﺗﺆﻣﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻜﻮﺑﻴﺔ ﺑﺰﻋﺎﻣﺔ ﻓﻴﺪل ﻛﺎﺳﱰو‬ ‫) ﻳﺴﺎر( اﳌﻤﺘﻠﻜﺎت اﻷﻣريﻛﻴﺔ‪ .‬اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺟﻮن ﻛﻴﻨﻴﺪي )أﻗﴡ‬ ‫اﻟﻴﺴﺎر( ﻳﺮد ﻋﲆ اﻟﺨﻄﻮة ﺑﺤﺼﺎر اﻗﺘﺼﺎدي‬ ‫أﻣريﻛﺎ‬

‫ﻛﻮﺑﺎ‬

‫ماذا كان كنيدي سيفعل؟‬ ‫تشبه المواجهة الراهنة بين الواليات المتحدة‬ ‫وإيران أزمة صواريخ كوبا في بطء تحركها‪.‬‬ ‫تتحرك األحداث ال محالة نحو مواجهة سيكون‬ ‫فيها الرئيس األميركي مجبرا على االختيار ما بين‬ ‫إصدار أمر بشن هجوم عسكري أو القبول بإيران‬ ‫دولة مسلحة نوويا‪.‬‬ ‫كان هذان هما الخياران اللذان قدمهما مستشارو‬ ‫كنيدي له يوم السبت األخير‪ :‬الهجوم أو القبول‬ ‫بوجود الصواريخ النووية السوفياتية في كوبا‪.‬‬ ‫ولكن رفض كنيدي كليهما‪ .‬واختار بدال من ذلك‬ ‫بديال من تصوره مكونا من ثالثة عناصر‪ :‬اتفاق‬ ‫علني تتعهد فيه الواليات المتحدة بعدم غزو كوبا‬ ‫إذا سحب االتحاد السوفياتي صواريخه‪ ،‬وإنذار‬ ‫أخير سري بشن هجوم على كوبا في غضون ‪24‬‬ ‫ساعة إال إذا قبل خروشوف هذا العرض‪ ،‬وعرض‬ ‫سري محفز يتعهد فيه بسحب الصواريخ األميركية‬ ‫من تركيا في غضون ستة أشهر بعد حل األزمة‪.‬‬ ‫ظل هذا العرض التشجيعي سريا للغاية‪ ،‬لدرجة أن‬ ‫معظم أعضاء اللجنة التي كانت تتباحث مع كنيدي‬ ‫في المساء األخير لألزمة لم يكونوا يعلمون أنه‬ ‫أثناء فترة االستراحة لتناول العشاء بعث الرئيس‬ ‫شقيقه بوبي لتوصيل هذه الرسالة إلى السفير‬ ‫السوفياتي‪.‬‬ ‫إذا نظرنا إلى االختيار ما بين قبول ما يحدث أو شن‬ ‫هجوم جوي اليوم‪ ،‬سنجد أن كليهما ال يلقى قبوال‪.‬‬ ‫قد يثير حصول إيران على قنبلة نووية انتشار‬ ‫السالح النووي‪ ،‬مما يزيد من احتمالية وقوع‬ ‫صراع مدمر في إحدى أهم مناطق العالم اقتصاديا‬ ‫واستراتيجيا‪ .‬ومن الممكن أن تؤخر ضربة جوية‬ ‫وقائية تقدم إيران النووي في مواقع محددة‪ ،‬ولكنها‬ ‫لن تمحو المعرفة والمهارات القائمة في العديد من‬ ‫العقول اإليرانية‪ .‬في الحقيقة أي نتيجة تمنع إيران‬ ‫من الحصول على قنبلة نووية ستتركها قادرة على‬ ‫الحصول على أخرى في المستقبل‪ ،‬إذ إن إيران‬ ‫عبرت بالفعل أهم «خط أحمر» في عملية االنتشار‬ ‫النووي‪ :‬أتقنت فن تخصيب اليورانيوم وتصنيع‬ ‫القنبلة سرا‪ .‬أفضل أمل في العثور على خيار ثالث‬ ‫على طريقة كنيدي هو المزج بين القيود المتفق‬ ‫عليها على نشاط إيران النووي والذي سيزيد‬ ‫من فترة تطويرها للقنبلة‪ ،‬وتدابير الشفافية التي‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫ﺳﻴريا‬ ‫ﻛﺮﻳﺴﺘﺎل‬

‫ﺧﻠﻴﺞ ﻏﻮاﻧﺘﺎﻧﺎﻣﻮ‬

‫ﺳﺎﻧﺘﺎ ﻛﻼرا‬

‫ﻛﺎﻣﺎﺟﻮي‬

‫ﺧﻠﻴﺞ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ‬

‫ﺳﺎﻧﺘﻴﺎﻏﻮ‬ ‫ﺳﻴريا ﻣﺎﻳﺴﱰا‬

‫ﺗﴩﻳﻦ اﻷول )أﻛﺘﻮﺑﺮ(‪ ،1962 ،‬أزﻣﺔ اﻟﺼﻮارﻳﺦ‪:‬‬ ‫ﺗﻜﺎد اﻟﺤﺮب ﺗﻨﺪﻟﻊ ﺑني اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة واﻹﺗﺤﺎد‬ ‫اﻟﺴﻮﻓﻴﺎيت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﻛﺎﺳﱰو ﺑﻨﺼﺐ ﺻﻮارﻳﺦ ﻧﻮوﻳﺔ‬ ‫ﺳﻮﻓﻴﺎﺗﻴﺔ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة‬ ‫‪ :1963‬اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﺗﻄﺒﻖ ﺣﻈﺮا ً ﺗﺠﺎرﻳﺎً ﻋﲆ ﻛﻮﺑﺎ‬ ‫ومتﻨﻊ ﻣﻮاﻃﻨﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺮ اﻟﻴﻬﺎ‬ ‫‪ :1975‬ﻳﺘﺤﻮل اﻟﺤﺼﺎر إﱃ أﻋامل ﻋﻨﻒ ﺑﻌﺪ ﺗﻔﺠري‬ ‫ﻃﺎﺋﺮة ﻛﻮﺑﻴﺔ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﺷﺎرت ﺗﻘﺎرﻳﺮ إﱃ ﺻﻠﺔ وﻛﺎﻟﺔ‬ ‫اﻹﺳﺘﺨﺒﺎرات اﳌﺮﻛﺰﻳﺔ اﻷﻣريﻛﻴﺔ )ﳼ آي أﻳﻪ( ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺆدي إﱃ‬ ‫ﻣﻘﺘﻞ ‪ 73‬ﺷﺨﺼﺎ‬ ‫‪ :1977‬ﻳﺨﻔﻒ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣرييك ﺟﻴﻤﻲ ﻛﺎرﺗﺮ اﻟﻘﻴﻮد‬ ‫ﻋﲆ ﻛﻮﺑﺎ وﻳﺮﻓﻊ اﻟﺤﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻴﻬﺎ‬ ‫‪ :1985 - 1981‬اﻟﺮﺋﻴﺲ روﻧﺎﻟﺪ رﻳﻐﺎن ﻳﺸﺪد اﻟﺤﺼﺎر‬ ‫وﻳﻌﺰز اﻟﺤﻈﺮ ﻋﲆ اﻟﺴﻔﺮ‪ ،‬وميﻨﻊ اﻷﻣريﻛﻴني ﻣﻦ إﻧﻔﺎق‬ ‫اﻷﻣﻮال ﰲ ﻛﻮﺑﺎ‬ ‫‪ :1992‬ﻳﻮﻗﻊ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺟﻮرج ﺑﻮش )اﻷب( ”ﻗﺎﻧﻮن‬ ‫اﻟﺪميﻘﺮاﻃﻴﺔ ﰲ ﻛﻮﺑﺎ“ ﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻻﺳﻘﺎط ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻛﺎﺳﱰو‬ ‫”ﰲ ﻏﻀﻮن أﺳﺎﺑﻴﻊ“‪ .‬ﺗﺘﻀﻤﻦ اﻟﺨﻄﺔ ﺣﻈﺮ اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ‬ ‫ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﻋﻦ ﴍاء اﻟﻐﺬاء واﻟﺪواء ﻣﻦ ﻛﻮﺑﺎ‬ ‫‪ :1996‬ﻳﻮﻗّﻊ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣرييك ﺑﻴﻞ ﻛﻠﻴﻨﺘﻮن ﻋﲆ ﻗﺎﻧﻮن‬ ‫ﻫﻴﻠﻤﺰ ﺑريﺗﻮن اﻟﺬي ﻳﺤﻜﻢ ﺑﺘﻨﻔﻴﺬ ﻋﻘﻮﺑﺎت ﰲ ﺣﻖ‬ ‫اﻟﴩﻛﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﻣﻌﺎﻣﺎت ﺗﺠﺎرﻳﺔ ﻣﻊ ﻛﻮﺑﺎ‪.‬‬ ‫ﻳﻌﺎرض اﻹﺗﺤﺎد اﻷورويب ﻫﺬا اﻟﻘﺎﻧﻮن‬ ‫اﳌﺼﺪر‪ :‬ﻣﻜﺘﺐ اﻹﺣﺼﺎء اﻷﻣرييك‬

‫ﻫﺎﻓﺎﻧﺎ‬

‫يضيف العنصر اإلسرائيلي مزيدا من التعقيد‬ ‫في تحدي الوضع النووي اإليراني الذي يواجهه‬ ‫صناع السياسات في الواليات األميركية بصورة‬ ‫أكبر من تعقيد أزمة الصواريخ الكوبية‪ .‬في عام‬

‫‪ 100‬ﻛﻠﻢ‬

‫اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻜﺎرﻳﺒﻲ‬

‫‪ :2000‬ﻳﺴﻤﺢ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺟﻮرج ﺑﻮش )اﻹﺑﻦ( ﺑﺒﻴﻊ اﳌﻮاد‬ ‫اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ واﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻷﻣريﻛﻴﺔ ﻟﻜﻮﺑﺎ‪ ،‬إﻻ اﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﴩاء‬ ‫اﻟﺴﻠﻊ اﻟﻜﻮﺑﻴﺔ‬ ‫‪718‬‬ ‫اﳌﺒﻴﻌﺎت اﻷﻣريﻛﻴﺔ إﱃ ﻛﻮﺑﺎ‬ ‫)ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر(‬

‫‪404‬‬ ‫‪140‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪01‬‬

‫‪248‬‬

‫‪369‬‬ ‫‪341‬‬

‫‪447‬‬

‫‪08 07 06 05 04 03 02‬‬

‫‪ :2004‬ﺗﻘﻴّﺪ إدارة ﺟﻮرج ﺑﻮش اﻟﺴﻔﺮ إﱃ ﻛﻮﺑﺎ ﺑﻔﱰة‬ ‫اﺳﺒﻮﻋني ﻛﻞ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﻷﻓﺮاد اﻷﴎ اﳌﺒﺎﴍﻳﻦ‪.‬‬ ‫إﺟﺮاءات ﺗﺨﻔﻴﺾ اﳌﺒﻠﻎ اﻟﺬي ميﻜﻦ ﻟﻠﻜﻮﺑﻴني ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت‬ ‫اﳌﺘﺤﺪة اﻷﻣريﻛﻴﺔ ارﺳﺎﻟﻪ إﱃ ﻛﻮﺑﺎ ﻣﻦ ‪ 3.000‬إﱃ ‪ 300‬دوﻻر‬ ‫ﻛﻞ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ‬ ‫ﻧﻴﺴﺎن )أﺑﺮﻳﻞ(‪ :2009 ،‬ﺗﺮاﺧﻴﺺ أﻣريﻛﻴﺔ ﺳﺘﺴﻤﺢ‬ ‫ﻟﻠﴩﻛﺎت ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﺧﺪﻣﺎت اﻟﻬﺎﺗﻒ‬ ‫اﻟﺨﻠﻴﻮي‪ ،‬واﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن واﻟﺮادﻳﻮ ﻟﻜﻮﺑﺎ‪.‬‬ ‫ﺗﺘﻌﻬﺪ إدارة أوﺑﺎﻣﺎ ﺑﺈﺟﺮاء ﻣﺤﺎدﺛﺎت دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ ﻣﺒﺎﴍة‬ ‫ﻣﻊ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻜﻮﺑﻴﺔ ﻣﻦ دون ﴍوط ﻣﺴﺒﻘﺔ‬

‫اﻟﺼﻮر‪ :‬أب‬

‫ستزيد من إمكانية اكتشاف أي تهديدات بالخداع أو‬ ‫تهديدات غامضة (وربما سرية) بشن هجوم لتغيير‬ ‫النظام إذا تم انتهاك االتفاق‪ ،‬وتعهد بعدم شن هجوم‬ ‫في المقابل‪ .‬مثل هذا المزيج قد يجعل اإليرانيين‬ ‫بعيدين عن القنبلة قدر اإلمكان ألطول فترة ممكنة‪.‬‬

‫ﺑﻴﻨﺎر دﻳﻞ رﻳﻮ‬

‫‪© GRAPHIC NEWS‬‬

‫‪ ،1962‬سمح لطرفين فقط بالجلوس على الطاولة‬ ‫الرئيسية‪ .‬سعى رئيس الوزراء الكوبي فيدل‬ ‫كاسترو ألن يصبح العبا ثالثا‪ ،‬ولو كان نجح في‬ ‫ذلك كانت األزمة ستصبح أكثر خطورة‪( .‬عندما‬ ‫أعلن خروشوف انسحاب الصواريخ‪ ،‬على سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬أرسل كاسترو رسالة توبيخ يحثه فيها على‬ ‫إطالق الصواريخ الموجودة بالفعل في كوبا‪).‬‬ ‫ولكن بعد أن أدرك البيت األبيض على وجه‬ ‫التحديد احتمالية أن يتحول الكوبيون إلى بطاقة‬ ‫جامحة‪ ،‬أبعدهم عن اللعبة‪ .‬أخبر كنيدي الكرملين‬

‫‪61‬‬


‫صحافة عالمية‬

‫أنهم سيتحملون مسؤولية أي هجوم يُشن ضد‬ ‫الواليات المتحدة من كوبا‪ ،‬أيا كان من بدأه‪ .‬وقال‬ ‫في بيانه العلني األول‪« :‬يجب أن تكون سياسة‬ ‫هذه الدولة اعتبار إطالق أي صاروخ نووي من‬ ‫كوبا ضد أي دولة في النصف الغربي من الكرة‬ ‫األرضية هجوما من االتحاد السوفياتي على‬ ‫الواليات المتحدة‪ ،‬مما يستلزم ردا انتقاميا كامال‬ ‫ضد االتحاد السوفياتي»‪.‬‬ ‫في الوقت الحالي‪ ،‬يقوي التهديد بشن هجوم جوي‬ ‫إسرائيلي الرئيس باراك أوباما في الضغط على‬ ‫إيران من أجل إقناعها بتقديم تنازالت‪ .‬ولكن يجب‬ ‫أن تثير احتمالية قيام إسرائيل بالفعل بشن هجوم‬ ‫بري أحادي الجانب دون موافقة الواليات المتحدة‬ ‫قلق الواليات المتحدة‪ ،‬إذ إنها ستجعل السيطرة‬ ‫على األزمة أصعب‪ .‬إذا قلل الوضع الداخلي في‬ ‫إسرائيل من احتمالية شن هجوم إسرائيلي مستقل‪،‬‬ ‫لن يكون صناع السياسة األميركيون مستائين‪.‬‬

‫سياسة العصا والجزرة‬ ‫بعد أن ّ‬ ‫اطلع كنيدي على المعلومات االستخباراتية‬ ‫التي كشفت عن الصواريخ السوفياتية في كوبا‪،‬‬ ‫واجه الرئيس األميركي االتحاد السوفياتي علنا‬ ‫وطالبه باالنسحاب‪ ،‬مدركا أنه في هذه المواجهة‬ ‫يغامر بالدخول في الحرب‪ .‬في المقابل‪ ،‬ردا على‬ ‫االستفزازات التي تمارسها كوريا الشمالية على‬ ‫مدار األعوام‪ ،‬تحدث رؤساء الواليات المتحدة‬ ‫علنا ولكنهم كانوا يحملون عصا صغيرة‪ .‬وهذا‬ ‫أحد أسباب عدم تكرار األزمة الكوبية‪ ،‬بينما‬ ‫تكررت أزمات كوريا الشمالية‪.‬‬ ‫في مواجهته مع خروشوف‪ ،‬أمر كنيدي باتخاذ‬ ‫اإلجراءات التي كان يعلم أنها ستزيد من حجم‬ ‫المخاطرة ليس فقط بوقوع حرب تقليدية بل أيضا‬ ‫حرب نووية‪ .‬ورفع حالة التأهب النووي في‬ ‫الواليات المتحدة إلى الدرجة الثانية ‪DEFCON‬‬ ‫‪ ،2‬علما منه بأن هذا سيقلل من السيطرة على‬ ‫األسلحة النووية للبالد ويزيد من احتمالية أن تؤدي‬ ‫أعمال أطراف أخرى إلى تأجيج متتال خارج عن‬ ‫سيطرته‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬قامت طائرة تابعة‬ ‫لقوات حلف الناتو بها طيارون أتراك بتحميل‬ ‫قنابل نووية نشطة وتقدموا إلى حالة تأهب يمكن‬ ‫من خاللها أن يختار الطيارون اإلقالع والطيران‬ ‫إلى موسكو وإسقاط قنبلة‪ .‬اعتقد كنيدي أنه من‬ ‫الضروري أن يرفع من مخاطر وقوع الحرب‬ ‫على المدى القريب من أجل الحد منها على المدى‬ ‫البعيد‪ .‬ولم يكن يفكر في كوبا فقط‪ ،‬بل أيضا بشأن‬ ‫المواجهة التالية‪ ،‬والتي كانت على األرجح ستأتي‬ ‫عن طريق غرب برلين‪ ،‬المنطقة الحرة داخل‬ ‫دولة ألمانيا الشرقية الدمية‪ .‬كان النجاح في كوبا‬ ‫ُجرئ خروشوف على حل الوضع في برلين‬ ‫سي ّ‬ ‫بناء على شروطه الخاصة‪ ،‬بإجبار كنيدي على‬ ‫االختيار بين القبول بالهيمنة السوفياتية على‬ ‫المدينة واستخدام األسلحة النووية لمحاولة إنقاذها‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫في ‪ ،2006‬ذكر الرئيس‬ ‫جورج بوش أن «نقل‬ ‫كوريا الشمالية أسلحة‬ ‫أو مواد نووية إلى دول‬ ‫أو منظمات سيعتبر‬ ‫تهديدا خطيرا للواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وستخضع‬ ‫كوريا الشمالية‬ ‫للمساءلة الكاملة»‪.‬‬ ‫واستمرت حينها كوريا‬ ‫الشمالية في بيع مفاعل‬ ‫منتج للبلوتونيوم‬ ‫إلى سوريا‪ ،‬والذي لو‬ ‫لم تدمره إسرائيل‪،‬‬ ‫كان سينتج بلوتونيوم‬ ‫يكفي لصناعة أول قنبلة‬ ‫نووية سورية‬ ‫في المقابل‪ ،‬أثناء المواجهات التي قاربت العشرين‬ ‫والتي وقعت مع كوريا الشمالية على مدار العقود‬ ‫الثالثة الماضية‪ ،‬ابتعد صناع السياسات في‬ ‫الواليات المتحدة وكوريا الجنوبية عن مثل هذه‬ ‫المخاطر‪ ،‬مما أظهر أنهم ارتدعوا نتيجة التهديد‬ ‫الكوري الشمالي بتدمير سيول في حرب كورية‬ ‫ثانية‪ .‬استفاد قادة كوريا الشمالية من هذا الخوف‬ ‫في تطوير استراتيجية ابتزاز فعالة‪ .‬بدأت باستفزاز‬ ‫شديد‪ ،‬إذ تجاوزوا في تحد صارخ خطا أحمر‬ ‫حددته الواليات المتحدة‪ ،‬باإلضافة إلى التهديد بأن‬ ‫أي رد فعل سيؤدي إلى «بحر من نار»‪.‬‬ ‫وبعد ارتفاع حدة التوترات‪ ،‬يتدخل طرف ثالث‪،‬‬ ‫غالبا الصين‪ ،‬ليقترح تراجع «جميع األطراف»‬ ‫والتزام التهدئة‪ .‬وبعد ذلك بفترة وجيزة‪ ،‬يبدأ‬ ‫تقديم التعويضات الجانبية إلى كوريا الشمالية من‬ ‫كوريا الجنوبية أو اليابان أو الواليات المتحدة‪،‬‬ ‫مما يؤدي إلى استكمال المفاوضات‪ .‬بعد شهور‬ ‫من المفاوضات تقبل بيونغ يانغ بتلقي مزيد من‬ ‫المدفوعات في مقابل وعود بالتخلي عن برنامجها‬ ‫النووي‪ .‬وبعد عدة أشهر‪ ،‬تنتهك كوريا الشمالية‬ ‫االتفاق‪ ،‬وتعرب كل من واشنطن وسيول عن‬ ‫صدمتهما ويتعهدان بعدم الوقوع في الخديعة‬

‫مجددا‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬بعد فترة زمنية معقولة‪ ،‬تبدأ‬ ‫الدورة مرة أخرى‪.‬‬ ‫إذا كانت أسوأ نتيجة لهذه التمثيلية الشعور باإلحباط‬ ‫بعد غلبة واحدة من أفقر الدول وأكثرها عزلة في‬ ‫العالم‪ ،‬فهذا ما أسفرت عنه األزمات الكورية‬ ‫المتكررة‪ .‬ولكن على مدار عقود‪ ،‬أعلن الرؤساء‬ ‫األميركيون أنه «ال يمكن قبول» كوريا الشمالية‬ ‫المسلحة نوويا‪ .‬وحذروا مرارا وتكرارا بيونغ يانغ‬ ‫من أنها لن تستطيع تصدير أسلحة أو تكنولوجيا‬ ‫نووية دون مواجهة «أخطر العواقب»‪ .‬على سبيل‬ ‫المثال في عام ‪ ،2006‬ذكر الرئيس جورج دبليو‬ ‫بوش أن «نقل كوريا الشمالية أسلحة أو مواد‬ ‫نووية إلى دول أو منظمات سيعتبر تهديدا خطيرا‬ ‫للواليات المتحدة‪ ،‬وستخضع كوريا الشمالية‬ ‫للمساءلة الكاملة عن النتائج»‪ .‬واستمرت حينها‬ ‫كوريا الشمالية في بيع مفاعل منتج للبلوتونيوم إلى‬ ‫سوريا‪ ،‬والذي لو لم تدمره إسرائيل‪ ،‬كان سينتج‬ ‫بلوتونيوم يكفي لصناعة أول قنبلة نووية سورية‪.‬‬ ‫كان رد فعل واشنطن هو تجاهل الحدث واستكمال‬ ‫المفاوضات بعد مرور ثالثة أسابيع‪.‬‬ ‫أحد الدروس المستفادة من أزمة الصواريخ‬ ‫الكورية أنه إذا لم تكن مستعدا للمخاطرة بالحرب‪،‬‬ ‫حتى وإن كانت حربا نووية‪ ،‬يمكن أن يجبرك‬ ‫خصمك الماهر على التراجع في مواجهات‬ ‫متتالية‪ .‬وإذا كانت لديك خطوط حمراء سيؤدي‬ ‫تخطيها إلى وقوع حرب‪ ،‬عليك إذن أن تعبر عنها‬ ‫بمصداقية إلى خصمك‬ ‫وأن تدعمها أو أن تغامر بتبديد تهديداتك‪ .‬كان بيع‬ ‫كوريا الشمالية لقنبلة نووية إلى إرهابيين يمكنهم‬ ‫أن يستخدموها بعد ذلك ضد أهداف أميركية‬ ‫سيؤدي إلى انتقام أميركي مدمر‪ .‬ولكن بعد تجاوز‬ ‫العديد من الخطوط الحمراء السابقة مع اإلفالت‬ ‫من العقاب‪ ،‬هل يمكن أن يثق المرء أن مثل هذه‬ ‫الرسالة وصلت على نحو واضح ومقنع؟ هل يمكن‬ ‫أن يتصور زعيم كوريا الشمالية الجديد كيم جونغ‬ ‫أون‪ ،‬ومستشاروه أنه في إمكانهم اإلفالت بذلك؟‬

‫القواعد‬ ‫قد يكون هناك حراك مشابه ظاهر في العالقات‬ ‫االقتصادية األميركية مع الصين‪ .‬أعلن المرشح‬ ‫الرئاسي الجمهوري ميت رومني أنه «في اليوم‬ ‫األول من فترتي الرئاسية سأعلن (الصين)‬ ‫دولة تتالعب بعملتها وأتخذ إجراءات المكافحة‬ ‫المناسبة»‪ .‬كان رد الفعل القادم من المؤسسة‬ ‫السياسية واالقتصادية ما يشبه اإلجماع على رفض‬ ‫مثل هذه التصريحات ووصفها بالخطاب المتهور‬ ‫الذي يخاطر بالوقوع في حرب تجارية كارثية‪.‬‬ ‫ولكن إذا لم تكن هناك ظروف تستعد فيها واشنطن‬ ‫للمخاطرة بخوض مواجهة تجارية مع الصين‪،‬‬ ‫لماذا ال ينزع قادة الصين ببساطة صفحة من كتاب‬ ‫قواعد اللعبة في كوريا الشمالية؟ لم ال يستمرون‪،‬‬


‫وفقا لتصريحات رومني‪ ،‬في «التالعب بالواليات‬ ‫المتحدة واالبتسام طوال الطريق إلى البنك» ثم‬ ‫تخفيض قيمة عملتهم‪ ،‬ودعم المنتجين المحليين‬ ‫وحماية أسواقهم وسرقة حقوق الملكية الفكرية من‬ ‫خالل السرقات اإللكترونية؟‬ ‫االقتصاد واألمن مجاالن منفصالن‪ ،‬ولكن‬ ‫الدروس المستفادة من أحدهما يمكن تطبيقها في‬ ‫اآلخر‪ .‬سيكون التحدي الجغرافي السياسي في‬ ‫النصف التالي من هذا القرن هو إدارة العالقات‬ ‫بين الواليات المتحدة كقوى عظمى حاكمة‬ ‫والصين كقوى عظمى ناشئة‪ .‬في تحليل أسباب‬ ‫الحرب البيلوبونيسية التي وقعت منذ أكثر من‬ ‫ألفيتين‪ ،‬قال المؤرخ اإلغريقي ثيوسيديدس إن‬ ‫«تنامي قوة أثينا‪ ،‬واالنزعاج الذي تسبب فيه ذلك‬ ‫في اسبرطة‪ ،‬جعل الحرب أمرا حتميا»‪.‬‬

‫يحاول كل رئيس يأتي بعد كنيدي أن يتعلم مما حدث في‬ ‫هذه املواجهة‪ .‬وفي مفارقة‪ ،‬بعد مرور نصف قرن‪ ،‬بعد‬ ‫أن أصبح االحتاد السوفياتي في حد ذاته ذكرى بعيدة‪ ،‬ما‬ ‫زالت الدروس التي تقدمها األزمة لتستفيد منها السياسات‬ ‫احلالية كبيرة‪ .‬في الوقت احلاضر‪ ،‬ميكن أن تساعد هذه‬ ‫األزمة صناع السياسات األميركيني على معرفة ما يجب‬ ‫عليهم فعله وما ال يجب عليهم فعله فيما يتعلق بإيران‬ ‫وكوريا الشمالية والصني واتخاذ القرارات الرئاسية عموما‬

‫في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية‪ ،‬رأى كنيدي‬ ‫أن إقدام خروشوف على المغامرة انتهك ما سماه‬ ‫كنيدي «قواعد الوضع الراهن غير المستقر»‬ ‫في العالقات بين القوتين النوويتين العظميين‪.‬‬ ‫وكانت هذه القواعد قد تطورت أثناء أزمات‬ ‫سابقة‪ ،‬وساعد حل األزمة في كوبا على استعادة‬ ‫هذه القواعد وتعزيزها‪ ،‬مما سمح بانتهاء الحرب‬ ‫الباردة في هدوء‪.‬‬ ‫سيكون على الواليات المتحدة والصين تطوير‬ ‫قواعدهما الخاصة من أجل الهرب من مصيدة‬ ‫ثيوسيديدس‪ .‬ستحتاج هذه القواعد إلى استيعاب‬ ‫المصالح الرئيسية لكال الطرفين‪ ،‬وشق طريق بين‬ ‫الصراع والتهدئة‪ .‬ستكون المبالغة في رد الفعل‬ ‫على تهديدات ملحوظة خطأ‪ ،‬ولكن من الخطأ‬ ‫أيضا تجاهل أو التستر على إساءة التصرف‬ ‫غير المقبولة أمال في أنها لن تحدث مرة أخرى‪.‬‬ ‫في عام ‪ ،1996‬بعد أن اتخذ إقليم التبت عدة‬ ‫خطوات اعتبرتها بكين استفزازية‪ ،‬أطلقت الصين‬ ‫مجموعة من الصواريخ على تايوان‪ ،‬مما دفع‬ ‫الواليات المتحدة إلى إرسال مجموعتين مقاتلتين‬ ‫من حامالت الطائرات‪ .‬وكانت النتيجة النهائية‬ ‫معرفة أوضح للخطوط الحمراء لدى كال الطرفين‬ ‫في قضية تايوان ومنطقة أكثر هدوءا‪ .‬ربما تحتاج‬ ‫العالقة إلى لحظات توضيحية إضافية من أجل‬ ‫إدارة مرحلة انتقالية غير ثابتة‪ ،‬حيث ينعكس‬ ‫صعود الصين االقتصادي المستمر ومكانتها‬ ‫الجديدة على توسع القدرات العسكرية وموقف‬ ‫خارجي أكثر قوة‪.‬‬

‫المعالجة العملية‬ ‫ال يتعلق الدرس األخير المستفاد من األزمة‬ ‫بالسياسات بل بالمعالجة العملية‪ .‬إذا لم يجد القائد‬ ‫األعلى وقتا كافيا وخصوصية الستيعاب الموقف‬ ‫ودراسة األدلة وبحث خيارات متعددة والتفكير‬ ‫قبل االختيار من بينها‪ ،‬من المحتمل أن يصدر‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫جون كينيدي‬ ‫قرارات سيئة‪ .‬في عام ‪ ،1962‬كان من بين‬ ‫األسئلة األولى التي طرحها كنيدي عندما أُخبر‬ ‫باكتشاف الصواريخ هو‪ :‬كم من الوقت سيمر قبل‬ ‫أن تتسرب هذه المعلومات؟‬ ‫اعتقد ماكورج باندي‪ ،‬مستشاره لألمن القومي أن‬ ‫ذلك سيستغرق أسبوعا على أقصى تقدير‪ .‬وبناء‬ ‫على هذه النصيحة‪ ،‬استغرق الرئيس ستة أيام في‬ ‫مشاورات سرية‪ ،‬قام فيها بتغيير رأيه أكثر من‬ ‫مرة‪ .‬وكما أشار بعد ذلك‪ ،‬إذا أجبر على اتخاذ قرار‬ ‫في غضون ‪ 48‬ساعة في البداية‪ ،‬كان سيختار شن‬ ‫ضربة جوية بدال من الحصار البحري‪ ،‬وهو ما‬ ‫كان سيؤدي إلى نشوب حرب نووية‪.‬‬ ‫في واشنطن اليوم‪ ،‬يعتبر األسبوع الذي أمضاه‬ ‫كنيدي في مشاورات سرية أثرا من عهد مضى‪.‬‬ ‫لم تعد فترة بقاء السر قيد الكتمان تحسب باأليام‬ ‫بل بالساعات‪ .‬تعلم أوباما هذا الدرس القاسي أثناء‬ ‫عامه األول في منصبه‪ ،‬عندما وجد أن مشاورات‬ ‫اإلدارة حول سياسة أفغانستان تخرج إلى العلن‪،‬‬ ‫مما قلص كثيرا من حجم المرونة التي يمكنه من‬

‫خاللها اللجوء إلى خيارات غير تقليدية أو حتى‬ ‫دراستها‪ .‬دفعته هذه التجربة إلى طلب وضع‬ ‫عملية صناعة قرار جديدة فيما يتعلق باألمن‬ ‫القومي يقودها مستشار جديد لألمن القومي‪ .‬إحدى‬ ‫ثمار مراجعة هذا المنهج هي زيادة إحكام السيطرة‬ ‫على تدفق المعلومات‪ ،‬وهو ما تحقق عن طريق‬ ‫تضييق غير مسبوق في دائرة صناعة القرار‬ ‫المقربة‪ .‬سمح هذا األمر باستمرار النقاش حول‬ ‫كيفية التعامل مع اكتشاف مكان أسامة بن الدن‬ ‫ببطء وتعقل‪ ،‬استمر خالله أكثر الموضوعات‬ ‫إثارة في البيت األبيض قيد الكتمان لمدة خمسة‬ ‫أشهر كاملة‪ ،‬حتى كشفت عنها اإلدارة ذاتها بعد‬ ‫شن غارة على مخبأ بن الدن في أبوت آباد‪.‬‬ ‫يقال إن التاريخ ال يعيد ذاته‪ ،‬ولكنه يتشابه في‬ ‫بعض األحيان‪ .‬بعد خمسة عقود‪ ،‬ما زالت أزمة‬ ‫الصواريخ الكوبية لحظة محورية في تاريخ‬ ‫الحرب الباردة‪ ،‬ولكنها أيضا مصدر إرشاد إلى‬ ‫كيفية نزع فتيل الصراعات‪ ،‬وإدارة العالقات بين‬ ‫القوى العظمى‪ ،‬واتخاذ قرارات سليمة فيما يخص‬ ‫ً‬ ‫عامة‪.‬‬ ‫السياسات الخارجية‬

‫‪63‬‬


‫كتب‬

‫وفي للنظام‬ ‫بشار‪ ..‬من حامل األمل الى دكتاتور ّ‬

‫سقوط بيت األسد‬

‫اعتاد البروفيسور ديفيد ليش الباحث األميركي المختص في شؤون الشرق االوسط‪،‬‬ ‫زيارة سوريا بانتظام منذ العام ‪ 2004‬حيث التقى الرئيس بشار االسد وزوجته وكبار‬ ‫المسؤولين ونشر كتابا في العام الالحق هو نتاج لتلك المقابالت عنوانه‪« :‬أسد سوريا‬ ‫الجديد‪ :‬بشار وسوريا الحديثة»‪ ..‬عن جامعة ييل في الواليات المتحدة االميركية‪.‬‬

‫الكتاب‪ :‬سوريا‪ :‬سقوط بيت األسد‬ ‫املؤلف‪ :‬ديفيد ليش‬ ‫الناشر‪ :‬منشورات جامعة ييل ‪2012‬‬ ‫بقلم‪ :‬غالية قباني‬ ‫بسبب تلك المقابالت التي تحولت الحقا الى عالقة‬ ‫وطيدة اعتبر الباحث أنه عرف االسد اكثر من اي‬ ‫شخص آخر في الغرب‪ .‬اال أنه فوجئ بردة فعله‬ ‫العنيفة عندما لجأ الى االسلوب الدموي لمواجهة‬ ‫االنتفاضة وواجه المتظاهرين بالجيش‪.‬‬ ‫كيف يمكن ألكاديمي مختص بشؤون سوريا‬ ‫واعتبر نفسه من القلة الغربية القليلة التي اقتربت‬ ‫من بشار االسد قبل سنوات ورأى فيه «األمل»‬ ‫في قيادة بالده نحو الديمقراطية‪ ،‬ان يؤلف كتابا‬ ‫اآلن عن حكمه اآليل الى السقوط بسبب انتفاضة‬ ‫شعبه ضده وقسوة رده على ذلك الفعل؟‬ ‫هذا ما يرد الى الذهن عند البدء بقراءة كتاب‬ ‫«سوريا‪ :‬سقوط بيت األسد»‪ ،‬وكيف أوصل‬ ‫الرئيس السوري حتى أصدقاءه الى انتقاده وتبرير‬ ‫عالقتهم به بعد تبشيرهم به‪.‬‬ ‫في كتاب «ديفيد ليش» الكثير من النعي لألمل‬ ‫والتبرير ألخطاء تنسب الى النظام الذي حبكه‬ ‫االسد األب مع حزب البعث‪ ،‬وكان اإلبن والرئيس‬ ‫الحالي مجرد ضحية له‪.‬‬

‫توريث التسلط‬ ‫من وراثة الحكم يبدأ كل شيء‪ ،‬من األب المؤسس‬ ‫اوال‪ ،‬عندما برز حافظ االسد الى واجهة المشهد‬ ‫السياسي من خالل انقالب حزب البعث عام‬ ‫‪ ،1966‬سيطر على السلطة عام ‪ 1970‬بعد ان‬ ‫تدرج من آمر للقوى الجوية الى وزير للدفاع‪.‬‬ ‫ورغم ان وضع العلويين في السلطة في تلك الفترة‬

‫‪64‬‬

‫كان جيدا عموما‪ ،‬إال ان االسد منحهم مراكز قوى‬ ‫اكبر في الجيش واألمن‪ ،‬وكذلك فعل بشار بعد‬ ‫استالمه الحكم‪ ،‬ما يعني ان العلويين‪ ،‬كما يقول‬ ‫الباحث‪ ،‬ليسوا على استعداد اآلن للتخلي عن‬ ‫سلطة بنوها طويال لحكم هذا البلد‪.‬‬ ‫لقد ورث بشار عن أبيه دولة تسلطية أساسها‬ ‫«أجهزة المخابرات» والن البالد شهدت انقالبات‬ ‫شديدة في السنوات السابقة تقبل العديد من‬ ‫السوريين الصفقة «الفاوستية» التي تقوم على‬ ‫شرط االستقرار مقابل حرية اقل‪ .‬لكن صفقة‬ ‫الحريات االقل على ما يبدو كانت ال تتجاوز‬ ‫الجلوس على المقاهي أو البارات‪ ،‬بوجود كتبة‬ ‫مخبرين بالطبع‪ ،‬والحديث بتنظيرات ال عالقة لها‬ ‫بالواقع‪ ،‬وحرية ان تتاجر بأموالك بشرط مشاركة‬ ‫افراد من النظام بها والحصول على نسبة منها من‬ ‫دون بذل اي جهد‪ ،‬الخ من حريات منقوصة ال‬ ‫تمنح عادة للمواطنين الكاملي االهلية‪.‬‬ ‫في خطاب القسم في أيلول‪ /‬تموز ‪ 2000‬أوحى‬ ‫بشار االسد من خالل خطاب القسم أنه سيقود‬ ‫البالد في اتجاه جديد تماما الحتوائه على افكار‬ ‫حديثة وانتقاده لبعض المظاهر السلبية في عهد‬ ‫والده‪ ،‬مثل الفساد‪ ،‬حتى انه جلب اعضاء من‬ ‫جمعية الكمبيوتر التي أنشأها قبل توليه السلطة‬ ‫ليستلموا عدة وزارات في حكومته‪ ،‬وطلب منهم‬ ‫تحديث االدارة وحل المشاكل االقتصادية‪ ،‬لكنهم‬ ‫في النهاية كانوا تكنوقراط ولم يكونوا مصلحيين‬

‫ديمقراطيين‪ ،‬كانوا جزءا من النظام الموجود الذي‬ ‫جلبهم ومنحهم االمتيازات ولم يكن من المتوقع ان‬ ‫ينقلبوا عليه‪.‬‬ ‫على المستوى االقتصادي‪ ،‬كانت سوريا في‬ ‫ذيل قائمة الدول من حيث دخل الفرد‪ ،‬ووصفت‬ ‫ببلد الطبقة المتوسطة الدنيا‪ .‬لقد فتح األب‬ ‫واالبن االقتصاد السوري عدة مرات وبحدود‪،‬‬ ‫فالمستفيدون كانوا دوما ليس مجمل الشعب‪ ،‬بل‬ ‫المرتبطين بالنظام‪ ،‬عائليا‪ ،‬سياسيا وعلى مستوى‬ ‫رجال االعمال الذين مدوا خيوطا معه‪.‬‬ ‫لقد كان تقييم االدارة االميركية وكثير من‬ ‫الالعبين الدوليين حتى عام ‪ ،2005‬ان أداء بشار‬ ‫كان محبطا وأنه ضعيف وساذج‪ ،‬واعتقد كثيرون‬ ‫ان بشرى شقيقته الكبرى ذات الشخصية المهيمنة‬ ‫هي التي يجب ان تكون قائد سوريا او زوجته‬ ‫أسماء‪ .‬اال ان المؤلف المتعاطف مع صورة‬ ‫بشار كان رايه ان بشار يشبه «مايكل» في فيلم‬ ‫«العراب»‪ ،‬االخ الذي لم يُع ّد في األساس لتسلم‬ ‫اعمال عائلة المافيا التي ينتمي اليها‪( .‬نحن هنا‬ ‫أمام صورة الضحية مرة أخرى)‪.‬‬ ‫أعجب ديفيد ليش مثل العديد من زمالئه في‬ ‫الغرب بمواصفات جديدة لدكتاتور من الشرق‪،‬‬ ‫وطالبوا بمنحه الفرصة ليقدم أدا ًء مختلفا عن‬ ‫األجيال السابقة في المنطقة بمن فيهم والده نفسه‪،‬‬ ‫فالدكتاتور هذه المرة «شاب‪ ،‬متعلم في الغرب‪،‬‬ ‫يرتاد األماكن العامة مع زوجته وأسرته ويقود‬ ‫سيارته بنفسه ويريد ان ينتقل بالبالد الى مرحلة‬ ‫الحداثة»‪.‬‬


‫انها صورة متخيلة مأخوذة من أفالم هوليوود‬ ‫وليست من الواقع‪ ،‬صورة بنيت من تصريحاته‬ ‫ولقاءاته التي تم العديد منها من خالل شركات‬ ‫عالقات عامة غربية‪ ،‬فال عجب اذن ان يصدم‬ ‫«المتأملين به خيرا» بالحقيقة الغائبة عندما تبدى‬ ‫المصلح الشاب عن طاغية يلجأ الى الجيش ليقمع‬ ‫شعبه‪.‬‬ ‫ان الخلفية التي يسردها الباحث في هذا الكتاب‬ ‫عن النظام المحكم الذي صاغه االب من تنظيمات‬ ‫امنية وفساد سياسي اقتصادي‪ ،‬ال تقود الى تنشئة‬ ‫إبن منفتح على الديمقراطية والحريات العامة‪،‬‬ ‫ولن تمحو تلك التربية اقامة سنة ونصف السنة‬ ‫في العاصمة البريطانية للتخصص فيها كطبيب‬ ‫عيون لم يكملها بعد أن طلب إليه العودة سريعا‬ ‫بعد وفاة اخيه‪ ،‬مع التذكير أن «الغرب» كان دوما‬ ‫تهمة يصف بها النظام المعارضة السورية التي‬ ‫نفيت من سوريا طوعا او إجبارا‪.‬‬ ‫تصادم بشار االسد مع إدارة بوش االبن ورأى‬ ‫بعض السياسيين واالكاديميين انه «ضحية»‬ ‫لتقييمات تلك االدارة‪ .‬وانقسم المستشارون فيها‬ ‫حول إزالته او دعمه‪ ،‬خصوصا بعد الحرب على‬ ‫العراق عام ‪ .2003‬اال ان تعاونا أمنيا وعسكريا‬ ‫محدودا شفع له عندها عام ‪ ،2008‬عندما شهدت‬ ‫الحدود تراجعا في عدد «المجاهدين» من سوريا‬ ‫واعتقال النظام البعض منهم‪ ،‬مما ع ّد نية حسنة‬ ‫حيال الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫لقد نسى المهللون ان تشجيع هؤالء المجاهدين‪،‬‬ ‫ال بل إعدادهم العلني كان محليا أيضا‪ ،‬خصوصا‬ ‫في الشمال السوري بين ادلب وحلب وهو كان‬ ‫أمرا معروفاً للجميع‪ ،‬كذلك تسهيل مرور القاعدة‬ ‫والمجاهدين العرب الى العراق‪.‬‬

‫الثقة بالنفس‬ ‫على مر السنوات حقق بشار االسد ثقة في النفس‬ ‫كما يقول الباحث ليش الذي التقاه عام ‪ 2004‬ولم‬ ‫ير فيه سمات الدكتاتور(!)‪ ..‬فللوهلة االولى من‬ ‫اللقاء ال يبدو شخصية آمرة‪ ،‬وحديثه رقيق‪ ،‬وهو‬ ‫اجتماعي وضحكته طفولية لكن ال يبدو أنه واثق‬ ‫بنفسه كثيرا‪ .‬اما بعد عام ‪ 2005‬وقضية اغتيال‬ ‫رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري والمحكمة‬

‫التي انشئت من أجلها‪ ،‬بات دائم الغضب ومتوترا‪.‬‬ ‫اال ان حدثين مهمين أعادا إليه الثقة‪ :‬االول‬ ‫المواجهة االسرائيلية مع حزب اهلل في لبنان عام‬ ‫‪ 2006‬وما ترتب عليها من شعبية حصل عليها‬ ‫حزب اهلل وزعيمه‪ ،‬ونال االسد حصة من الشعبية‬ ‫بالتبعية بسبب دعمه لحزب اهلل‪.‬‬ ‫أما العنصر الثاني فهو إعادة انتخابه في االستفتاء‬ ‫على والية ثانية عام ‪ 2007‬وتحلق المؤيدين‬ ‫حوله‪ ،‬لقد أثر فيه كثيرا تجديد البيعة‪ ،‬فهو اآلن‬ ‫ليس وريثا لحافظ األسد بل مختارا من الشعب‪.‬‬ ‫(سهى المؤلف عن االشارة الى ان احدا لم يجرؤ‬ ‫على الترشح امام األسد‪ ،‬األب واإلبن معا)‪.‬‬ ‫تدريجيا‪ ،‬أصبح بشار االسد أكثر تجبرا في‬ ‫سلوكه‪ .‬وراح يردد وجهات نظر المسؤولين‬ ‫األمنيين الذين كانوا يدبرون المؤامرات والمكائد‬ ‫في كل مكان‪ .‬يقول ليش‪« :‬لقد تشبع بالحقيقة‬ ‫البديلة التي كانت تنسج من حوله‪ ،‬ونتيجة لذلك‬ ‫أخطأ األسد في قراءة رسالة الربيع العربي وظن‬ ‫أن الثورة السورية صنيعة متآمرين من الخارج‪،‬‬ ‫وأنه يقف وحيدا كضامن لخالص سوريا»‪.‬‬ ‫في الحقيقة لطالما اعتقد بشار ‪ -‬مستمدا ثقافة‬ ‫البعث ‪ -‬أنه يقاتل ضد اإلمبرياليين وأنه الممانع‬ ‫الوحيد المتبقي في الشرق المدافع عن فلسطين‬ ‫والعروبة‪ ،‬وأن معارضيه من الخونة‪ .‬لقد كان‬ ‫قاسيا مع معارضين داخليين منذ عريضة الـ‪99‬‬ ‫خريف عام ‪ 2000‬التي وقعها ناشطون من‬ ‫المجتمع المدني‪ ،‬كتاباً واكاديميين ومثقفين‪ ،‬كذلك‬ ‫عريضة األلف توقيع شتاء ‪ 2001‬التي حملت‬ ‫اسماء مثقفين وناشطين غالبيتهم غير مرتبط‬ ‫بأي حزب‪ ،‬وطالبوا فيها بإصالحات سياسية‬ ‫واقتصادية‪.‬‬ ‫لم يحتمل النظام حتى المنتديات الفكرية التي‬ ‫انتشرت في البالد وكانت النتيجة اعتقال بعض‬ ‫المتحدثين‪ ،‬أبرزهم الدكتورعارف دليلة االكاديمي‬ ‫واالقتصادي البارز المعروف عالميا الذي اعتقل‬ ‫بعد محاضرة عامة بسبب انتقاده هيمنة النظام‬ ‫على موارد الدولة وسوء أداء اقتصاد البالد‪ .‬إال‬ ‫انه انتهى الى السجن االنفرادي ألكثر من عشرة‬ ‫اعوام‪ .‬كل هؤالء لم يرتبطوا بحكومات أجنبية‬ ‫ولم يحملوا السالح وما أرادوه فقط «االصالحات‬

‫الدستورية» التي تم االستهانة بها ومعاقبة من‬ ‫رفع شعارها‪.‬‬ ‫أدى تجاهل تلك المطالب الخجولة بل وقمعها‬ ‫الى اندالع الثورة التي استبعدها الرئيس بشار‬ ‫في مقابلته مع صحيفة «وول ستريت جورنال»‬ ‫بداية عام ‪ ،2011‬بحجة أن الربيع العربي لن‬ ‫يطال سوريا الممانعة‪ .‬إال انها فعليا اندلعت على‬ ‫عكس توقعات الرئيس ونظامه‪ ،‬ومن مدينة درعا‬ ‫(المنطقة التقليدية لمساندة حزب البعث تاريخيا)‪،‬‬ ‫فقد توفرت فيها كل المقومات التي يمكن ان تربك‬ ‫الحكومة‪ :‬فقر‪ ،‬اقتصاد فاشل‪ ،‬محافظ فاسد‪ ،‬تزايد‬ ‫كبير في عدد السكان‪ ،‬وكل ما يمكن ان يطلق‬ ‫غضب الجيل الصاعد المحروم والمضطهد وهو‬ ‫يرى الى شعوب اخرى تتحرك وتطالب بحرياتها‪.‬‬

‫تبدد األمل‬ ‫أين ذهبت آمال من عرفه ولماذا وضعوا توقعاتهم‬ ‫في هذا الشاب القادم الى عالم السياسة بسبب‬ ‫صدفة قدرية بحتة سببها وفاة شقيقه باسل في‬ ‫حادث سيارة وهو الذي يعد لخالفة والده او وراثة‬ ‫الحكم؟‬ ‫في كتابه األول‪« :‬أسد سوريا الجديد‪ :‬بشار‬ ‫وسوريا الحديثة» قال البروفيسور ديفيد ليش ان‬ ‫بشار ليس بحاجة ألن يستنسخ روح والده بحلة‬ ‫حديثة‪ .‬اذا فعل سيكون مجرد أسد جديد‪ ،‬وهذا ما‬ ‫«ال تحتاجه سوريا في الحقيقة»‪.‬‬ ‫ويرى أن بشار كانت لديه النية لالصالح‪ ،‬حتى‬ ‫تفاجأ بأن هناك مصالح تكرست وطرق حكم‬ ‫تكرست ال يمكن تغييرها بسهولة‪ .‬السياسة في‬ ‫سوريا هي حياة او موت‪ ،‬وبعد سنوات على‬ ‫كتابه األول يتوصل بروفسور ليش الى ان كل ما‬ ‫يمكن لبشار عمله هو «تغييرات تجميلية» وعمل‬ ‫اصالحات في المجاالت التي ال تهدد مصالح‬ ‫الطبقة المهيمنة على البالد‪.‬‬ ‫لقد أنجز االسد االب عمله بصورة محكمة‬ ‫فأسس لنظام قوي بالوالءات العائلية والعشائرية‬ ‫والطائفية‪ ،‬لكن ال اكثر‪ .‬لذا فإن االبن بعد‬ ‫االنتفاضة‪ ،‬ما عاد هو الطبيب الشاب المتعلم‬ ‫في الغرب‪ ،‬بل مجرد ذلك االبن لثقافة الصراع‬ ‫العربي االسرائيلي‪ ،‬لفترة الحرب الباردة‪ ،‬ولكونه‬ ‫ابن حافظ األسد‪.‬‬

‫آلة القمع باالرقام‬

‫‪.‬‬ ‫‪..‬‬

‫يعتقد ان هناك ما بين ‪ 7000-5000‬موظف يعملون في المخابرات بدوام كامل باالضافة الى مئات االالف بدوام جزئي‪..‬‬ ‫في العام ‪ 2011‬كان هناك عنصر أمن لكل ‪ 240‬مواطن‪.‬‬ ‫تقول التقديرات ان ميزانية المخابرات تتجاوز ‪ 3‬مليارات دوالر سنويا‪ ،‬اي ما يعادل ثلث ميزانية الشؤون العسكرية‪.‬‬ ‫هناك خمسة عشر فرعا أمنيا تشكل جهاز «المخابرات»‪ .‬أهم تلك االجهزة هي‪ :‬المخابرات الجوية‪ ،‬المخابرات العسكرية‪،‬‬ ‫المخابرات العامة‪ :‬وتضم فرع فلسطين‪ ،‬واألمن السياسي‪.‬‬

‫العدد ‪ . 1576‬أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪2012‬‬

‫‪65‬‬


‫الكلمة األخيرة‬

‫خلط خطير‪..‬‬ ‫غ َيّب دقّة التعبير‬ ‫رغم أن أساس عمل المؤسسات اإلعالمية في الغرب يحرص‪،‬‬ ‫في األغلب‪ ،‬على الموضوعية‪ ،‬فقد حصل تسرع خالل األيام‬ ‫األولى للتعامل مع ردود الفعل على ما ُو ِصف بفيلم "براءة‬ ‫المسلمين"‪ ،‬نتج عنه خلط في المسميات وتغييب للدقة‪.‬‬ ‫بكر عويضه‬ ‫بين ما قالت العرب‪ ،‬مما ذهب ً‬ ‫مثال‪ ،‬أن «كلمة‬ ‫تحنّن وأخرى تجنّن»‪ .‬الفرق واضح والمعنى‪.‬‬ ‫وضع نقطة على حرف يذهب بالكالم نحو طرق‬ ‫ُ‬ ‫شتى‪ .‬ثمة ما يقترب من القول ذاته باإلنكليزية‪:‬‬ ‫‪Mind Your Language‬‬ ‫اعقل لغتك‪ ،‬إذا أردت ترجمة حرفية‪ .‬أو‪ :‬تمعّن‬ ‫معنى الكالم قبل أن تلفظه‪ .‬أو‪ :‬انتبه لما تقول‪.‬‬ ‫تتباين الترجمات‪ ،‬إنما المقصد واحد‪.‬‬ ‫مهم جداً كيف وأين يجري استخدام تعبير ما في‬ ‫وصف حالة ما‪ ،‬إن في مجالس الخاصة‪ ،‬ندوات‬ ‫النقاش‪ ،‬أو للمأل عموما‪ ،‬عبر اإلعالم‪ .‬األخيرة هذه‬ ‫هي األخطر‪.‬‬ ‫ما أن اندلعت االحتجاجات المحاصرة لسفارة‬ ‫واشنطن بالقاهرة‪ ،‬وتبعها الهجوم على القنصلية‬ ‫األميركية في بنغازي (الثالثاء ‪ 11‬ـ ‪ 09‬ـ‬ ‫‪ )2012‬انطلقت محطات إذاعة وتلفزيون عالمية‬ ‫تعلم جماهيرها أن المشكلة انفجرت بسبب «فيلم‬ ‫أميركي» ‪ An American Film‬أو انه فيلم‬ ‫للواليات المتحدة ‪A USA Film‬‬ ‫وجدت نفسي أردد‪ ،‬وليس في األمر ما يحتاج‬ ‫كثير عناء‪ ،‬لكنه ليس فيلما أميركيا‪ ،‬وكيف يُعطى‬ ‫شبه فيلم كهذا‪ ،‬جنسية الواليات المتحدة بما يعطي‬ ‫اإلحساس أن تكلفة انتاجه‪ ،‬توزيعه‪ ،‬وبثه‪ ،‬كلها‬ ‫خرجت من الميزانية الفيدرالية‪ ،‬التي هي موضع‬ ‫أزمات قلما تتوقف بين شيوخ الكونغرس‪ ،‬من أية‬ ‫أغلبية كانوا‪ ،‬وسيد البيت األبيض‪ ،‬ديمقراطيا أو‬ ‫جمهورياً‪.‬‬ ‫إن لم أخطئ الحساب‪ ،‬مضت األيام الخمسة األولى‬ ‫من اشتعال نار فيلم المدعو نيقوال باسيلي‪ ،‬رغم انه‬

‫‪66‬‬

‫راح ينكر أية صلة به‪ ،‬فيما نسبته الى أميركا تتردد‬ ‫عبر التلفزيون واإلذاعات‪ ،‬هنا في لندن‪ ،‬وال أدري‬ ‫عن اإلعالم العربي‪.‬‬ ‫أمس فقط (الجمعة ‪ )21‬بعد متابعة مقتل أكثر من‬ ‫خمسة عشر باكستانيا في مواجهات بدت معها‬ ‫كراتشي وإسالم اباد وكأنها ساحات حرب‪ ،‬بدأت‬ ‫أسمع التعبير األصح‪:‬‬ ‫‪An Amateur film that was produced‬‬ ‫‪in the USA‬‬ ‫نعم‪ ،‬ذاك هو الوصف األدق‪ ،‬وربما لو انه من‬ ‫األصل كان في الحسبان‪ ،‬لما اضطرت اإلدارة‬ ‫لبذل كل ذلك الجهد في وضع مسافة بينها‪ ،‬بل بين‬ ‫أميركا كلها‪ ،‬وبين انتاج فيلم سيىء‪ ،‬بل بالغ السوء‬ ‫ً‬ ‫فضال عن الضحالة‬ ‫من حيث المستوى الفني‪،‬‬ ‫والجهالة‪ ،‬ويسيء الى نبي المسلمين فيؤذي‬ ‫مشاعرهم‪ ،‬ويستفزز غضبهم‪.‬‬ ‫صحيح أن العالم العربي يعج بالتباين والخلط في‬ ‫أوصاف وتعابير إعالمية ‪ -‬وربما التعبير الذي‬ ‫يعتبر أن «الفيلم أميركي» جرى إطالقه عبر‬ ‫إعالم عربي ً‬ ‫أوال‪ -‬فقد اعتاد ِمهنيون يتابعون‬ ‫ّ‬ ‫فضائيات العرب وإذاعاتهم‪ ،‬وجل صحافتهم‪ ،‬على‬ ‫انتقاد تسييس أو تديين المفردات والتعابير‪ ،‬بما‬ ‫يخدم أجندة هذه الفضائية أو تلك‪ .‬ومعروف ان‬ ‫الجدل في هذا الشأن قديم ومتواصل‪.‬‬ ‫إنما في حالة ذاك الفيلم غير البريء‪ ،‬المسمى‬ ‫«براءة المسلمين»‪ ،‬وجدتني أتساءل‪ :‬كيف يحصل‬ ‫مثل هذا الخلط‪ ،‬هنا في الغرب‪ ،‬وهل تفوت على‬ ‫عقول ونباهة من يحررون األخبار التي هي بمثل‬ ‫هذه الخطورة‪ ،‬خصوصا بمنابر إعالم عالمية‬

‫يشاهدها‪ ،‬أو يستمع إليها‪ ،‬ماليين الناس‪ ،‬أهمية‬ ‫التنبه لما يُستخدم من تعابير؟‬ ‫الواقع انه كثيراً ما وقع‪ ،‬واألرجح سيقع‪ ،‬بعض‬ ‫إعالم الغرب في خطأ خلط حابل بعض الحقائق‬ ‫بنابل تعميم ليس مفهوماً بالضبط ما الهدف منه‪.‬‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬خذ جريمة ‪ 11‬سبتمبر ‪،2001‬‬ ‫التي نهار ذكراها الحادية عشرة جرت جريمة‬ ‫بنغازي‪ ،‬فقط للتذكير بكم الخلط الذي حصل بين‬ ‫حقيقة ان خمسة عشر من اإلرهابيين كانوا يحملون‬ ‫الجنسية السعودية‪ ،‬وبين تجهيل راح يستخدم هذه‬ ‫الحقيقة للنيل من السعودية ككل‪ ،‬ديناَ‪ ،‬تعليماً‪،‬‬ ‫ونمط معيشة‪.‬‬ ‫ولو شئت يمكنك استحضار من أمثلة الخلط حاالت‬ ‫كثيرة‪ ،‬إن بتاريخ قريب أو بعيد‪ ،‬سواء بخصوص‬ ‫أحداث كبيرة أو مجريات ليست بذات قيمة‪ .‬هل‬ ‫يعني هذا أن الخلط مقصود لذاته؟‬ ‫ليس في كل الحاالت‪ .‬لعل بين بعض الخلط ما هو‬ ‫نتيجة تقصير في البحث‪ ،‬أو نتيجة تسرع‪ ،‬وربما‬ ‫بسبب تكاسل‪ .‬هذا كله ال يلغي حقيقة أن أساس عمل‬ ‫مؤسسات الغرب اإلعالمية واألكاديمية‪ ،‬يقوم على‬ ‫الموضوعية التامة‪ ،‬والتفريق الواضح بين الخاص‬ ‫وبين العام‪ ،‬ما هو ذاتي وما هو مجتمعي‪.‬‬ ‫يبقى مطلوباً‪ ،‬دائماً‪ ،‬التفريق بين تعبير وآخر‪ ،‬ليس‬ ‫بغرض المجاملة‪ ،‬وإنما من أجل أال يورد الدفاع‬ ‫عن الحقيقة‪ ،‬أو الحرية‪ ،‬من يحملون مشاعل األولى‬ ‫أو الثانية‪ ،‬أو كلتيهما معا‪ ،‬موارد الهالك‪.‬‬ ‫• لندن‪ ،‬السبت ‪ 22‬سبتمبر ‪2012‬‬




Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.