نعوم شومس كي
االنقالبات، اتحاد دول أمريكا الجنوبية ، والواليات المتحدة عن حديث أدىل به شومسكي يف العاصمة الفنزويلية كراكاس ،يف 2009 / 8 / 29
ترجمة /صالح ستيفن
Noam Chomsky
Coups, UNASUR, and the U.S.
From a talk given in Caracas, Venezuela on August 29 2009 (updated September 9)
Arabic Translation SALAH STEPHEN
المر ة األخيرة التي كانت لي فيها فرصة الحديث في كاراكاس ـــ تو ًا عقب اجتماع اتحاد عن بعد في ذلك الحين ـــ كانت نحو عام مضىّ ، دول أمريكا الجنوبية ( )UNASURفي سانتياغو في سبتمبر . 2008 تمت الدعوة لهذا االجتماع "بهدف دراسة الوضع في جمهورية بوليفيا "،بعد حدوث تصعيد تسانده النخبة التقليدية التي فقدت سلطتها في انتخابات عام 2005الديمقراطية .أدان اتحاد دول أمريكا الجنوبية (الـ يوناسور (UNASURالعنف والمذبحة التي ارتكبتها العناصر شبه االنفصالية ضد أهالي الريف المستضعفين ،وأعلن، "دعمهم الحاسم الكامل لحكومة الرئيس إيفو موراليز الدستورية، ً مؤخرا في استفتاء شعبي ".هذه تم التصديق على والياتها التي ّ ً أيضا من أن الحكومات كانت كلمات اإلعالن النهائي ،التي حذرت
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
المشاركة ـــ جميع جمهوريات أمريكا الجنوبية ـــ "ترفض بحماس شديد أي حال ينطوي عن انقالب مدني مفاجئ ،أو خرق لنظام مؤسسات ي ما ينتهك الوحدة اإلقليمية لجمهورية بوليفيا ".وكرد الدولة ،أو أ ّ فعل ،قام ا لرئيس موراليز بتوجيه الشكر التحاد دول أمريكا الجنوبية ّ وعلق بأن" ،ألول مرة في تاريخ أمريكا الجنوبية ،تقرر دول لمساندته المنطقة بذاتها كيف نحل مشاكلنا ،دونما وجود الواليات المتحدة". تلك حقيقة وواقع ذو أهمية تاريخية . من المفيد أن نعقد مقارنة بين ميثاق منظمة الدول األمريكية (أواس ) OASوميثاق الدول األفريقية (إيه يو .)AUإن األخير يسمح بتدخل الدول األفريقية من خالل االتحاد نفسه في حالة الظروف االستثنائية .بينما على النقيض يحذر األواس التدخل "ألي سبب كان، في الشئون الخارجية أو الداخلية ألي دولة أخرى ".إن أسباب االختالف واضحة .إن ميثاق األواس يسعى لردع تدخل "تمثال الشمال الضخم" ـــ ولقد فشل في ذلك .تلك مشكلة كؤود في النصف الغربي من الكرة األرضية ،وما من حل وشيك ،وإن كان هناك تقدم ملحوظ. ومنذ سقوط دول التمييز العنصري لم تواجه الواليات المتحدة مشكلة بمثل هذا الحجم والنوع.
4
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
عملية اندماج أمريكا الجنوبية لقد اتخذ ملتقى اتحاد دول أمريكا الجنوبية في سانتياغو، في العام الماضي ،خطوةً لألمام في عملية االندماج الصعبة التي تحدث في أمريكا الجنوبية .هذه العملية لها وجهان :وجه خارجي وآخر داخلي .العملية الخارجية تقيم روابط بين الدول التي كانت لقدر كبير منفصلة عن بعضها البعض منذ حقبة االستعمار الغربي المبكر، أما العملية الداخلية فتسعى لدمج وكانت كل منها متجهة نحو الغربّ . األكثريات التي تعاني الفقر والظلم في مجتمعات تشكلت تحت هيمنة
االستعمار
الحديث.
واالستعمار
سيطرت
على هذه
المجتمعات ،بشكل نموذجي ،نخب صغيرة ´متأوربة´ قد كدست ثروات ضخمة ،ولها روابط بالمجتمعات االمبريالية بطرق مختلفة :تصدير رأس المال ،استيراد السلع الرفاهية ،التعليم ،وأبعاد أخرى كثيرة .اضطلعت القطاعات الحاكمة بمسئوليات محدودة تجاه مصير البالد التي ينتمون إليها وتجاه شعوبهم المعذبة .هذه العوامل الخطيرة تميز بشكل حاد بين أمريكا الالتينية وبين شرق آسيا اآلخذة في التطور .إن عمليات االندماج الداخلي في أمريكا الجنوبية ،تثير ،بشكل طبيعي ً جدا ،قلق بالغ بين صفوف أصحاب السلطة التقليديين في الداخل والخارج،
5
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
وتثير مقاومة إذا ما مضت إلى ما هو أبعد من اإلصالح الهامشي المحدود ألسوأ المظالم. في أوائل أغسطس ،التقى أعضاء اتحاد دول أمريكا الجنوبية في األكوادور ،حيث تم استئناف رئاسة المنظمة .كان الهدف المعلن للقاء هو دفع عملية االندماج ،ولكن اللقاء تم تحت ظالل استئناف للتدخل العسكري األمريكي .لم تشترك كولومبيا في اللقاء ،كرد فعل للقلق الواسع في المنطقة إزاء قرارها بالموافقة على القواعد العسكرية األمريكية .وأعلنت الدولة المضيفة للقاء ،اإلكوادور ،على لسان رئيسها أنه لن يسمح من جديد للواليات المتحدة باستخدام قاعدة مانتا ،وهي آخر القواعد األمريكية الهامة المتبقية في أمريكا الجنوبية.
القواعد واالنقالبات إن إقامة قواعد أمريكية في كولومبيا هي فقط جزء من محاولة واشنط ن
الكبرى
السترجاع
قدرتها
على
التدخل
العسكري.
في السنوات األخيرة ،زاد إجمالي المساعدات العسكرية واألمنية األمريكية في هذا النصف من الكرة األرضية إلى ما تجاوز قيمة المساعدات االقتصاد ية واالجتماعية .تلك ظاهرة جديدة .فحتى في خضم وذروة الحرب الباردة ،كانت المساعدات االقتصادية تتجاوز قيمة
6
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
المساعدات العسكرية ببون شاسع .يمكن التنبؤ أن هذه البرامج قد "عززت القوات المسلحة على حساب إضعاف السلطات المدنية، وعلى حساب تفاقم حدة مشكالت حقوق اإلنسان ،واستحداث صراع ً تبعا لدراسة قام بها اجتماعي خطير بل وعدم استقرار سياسي"، ´ مكتب واشنطن لشئون أمريكا الالتينية .مع حلول عام ،2003كان عدد القوات التي تلقت دربتها برامج الواليات المتحدة قد زاد بنسبة 50في المئة .والمحتمل أن هذه النسبة قد زادت منذ ذلك الحين. يتم تدريب رجال الشرطة على تكتيكات المشاة العسكرية الخفيفة. إن قيادة الجيوش الجنوبية األمريكية لها من األفراد في أمريكا ّ الجنوبية يفوق عدد األفراد الذين ينتمون لسائر الوكاالت المدنية ً مجددا نقول ،هذا تطور جديد .إن التركيز اآلن الرئيسية مجتمعة. ً مضطرا هو على عصابات الشوارع وعلى "انتشار التطرف" :لست هنا أن أشرح ما معنى هذه العبارة في السياق الخاص بأمريكا الالتينية .يتم اآلن نقل تبعية برامج التدريب العسكري من وزارة يحرر الخارجية إلى البنتاجون .هذا النقل له أهمية من نوع ما .إنه ّ التدريب العسكري من التقيد بحقوق اإلنسان ولزوميات الديمقراطية ً ً ً واهنا ،ولكنه كان على إشرافا دواما تحت إشراف الكونجرس ،الذي كان ً وصوال لقمة المفاسد. رادعا للتمادي في استغالل األمر األقل ً
7
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ً سم ى تقام القواعد العسكرية أيضا حيث يمكنها أن تعزز ما ي ّ بـ "العمليات التقدمية" ـــ أي التدخل العسكري بشكل أو آخر .وفي تطور ذو صلة ،فإن األسطول األمريكي الرابع ،الذي كان قد تم ّ حله عام ،1950قد تم استئناف نشطاه من جديد ،عقب غزو كولومبيا لإلكوادور في مارس . 2008كمسئول عن الكاريبي ،وأمريكا الجنوبية، والمياه المحيطة ،فإن ما يتبع األسطول من "عمليات متنوعة ... تشمل مقاومة التهريب غير الشرعي ،التعاون األمني المسرحي، التفاعل ما بين الجيوش ،التدريب العسكري الثنائي أو المتعدد الجنسيات "،على حسب التصريحات الرسمية .من األكثر احتمال أن هذه التحركات تحرك احتجاج واضح وقلق من قبل حكومات البرازيل، ّ وفنزويال ،ودول أخرى. في السنوا ت األخيرة ،ساعدت الواليات المتحدة بشكل متكرر منتظم في قيام انقالبات عسكرية في أمريكا الالتينية ،أو قامت ً جدا ،ومألوف نفذت بنفسها الغزو المباشر .األمثلة كثيرة العدد سردها ،والتأمل فيها مريع .في القرن الجديد ،حدثت بالفعل ثالثة انقالبات عسكرية :في فنزويال ،هايتي ،واآلن في هندوراس.
8
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
عالنية .وبعد ً االنقالب األول ،في فنزويال ،ساندته واشنطن حدوث تصعيد مشهور تمكن من استعادة الحكومة المنتخبة لجأت واشنطن لخطة أخرى لتجهض الحكومة المنتخبة :بتمويل مجموعات اختارتها داخل فنزويال ،بينما تأبى اإلفصاح عن هوية المستفيدين بهذا التمويل .ومع عام ،2006وصل مقدار التمويل ،بعد االنقالب الفاشل ،إلى 26مليون دوالر .أبلغت عن هذه الحقائق هيئات االتصاالت الهاتفية والسلكية ،ولكن اإلعالم العام تجاهلها .إن أستاذ القانون ،بيل موننينج ،من معهد مونتيري للدراسات المتخصصة ً دما لو أن أي في شئون كاليفورنيا ،قد قا ل" ،إنّ ا لنصرخ كمن ينزف قوة خارجية كانت تتدخل في نظامنا السياسي الداخلي ".إنه على صواب ،بالتأكيد :مثل هذه األفعال لن تلقى منا تساهل أو تسامح ولو للحظة واحدة .ولكن العقلية اإلمبريالية تسمح لهم بالمضي ق ً دما، ً وأيضا يلقون المدح عندما تكون واشنطن هي الفاعل النشيط ،بل واالستحسان. الذريعة الدائمة التي ال تتغير ،هي "تعزيز الديمقراطية". في عالم الواقع ،فإن اإلجراءات التي تستخدم وتنفذ قد كانت وسيلة قياسية لتقويض الديمقراطية .واألمثلة على ذلك هائلة العدد .وعلى سبيل الذكر ال الحصر ،كيف تم تهيئة األرضية أمام االنقالب العسكري
9
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
الذي ساندته الواليات المتحدة في هايتي عقب أول انتخابات ديمقراطية في عام ،1990والتي عارضتها واشنطن بشكل حاد مرير. وفي جزء آخر من العالم ،يحدث نفس األمر ً آنيا في فلسطين حيث االنتخابات الحرة التي أجريت في يناير عام 2006قد جاءت بعكس ما تشتهيه واشنطن .وعلى الفور ،تحولت الواليات المتحدة ً مجددا بتصريحات المهذبة ،إلى تنفيذ وإسرائيل ،بينما أوربا تلوك عقاب قاسي للشعب الفلسطيني على جريمة االقتراع "بالشكل ً وأيضا شرعتا في توطيد األدوات القياسية الخطأ" في انتخابات حرة، لتقويض الحكومة غير المرغوب فيها" :ترويج الديمقراطية" والقوة العسكرية .في هذه الحالة ،فإن القوة العسكرية هي شبه جيش من العمالء والمتواطئين تحت قيادة الجنرال األمريكي كيث دايتون، تم تدريبه في األردن بمشاركة إسرائيل .وقد نال جيش دايتون الهتاف والتصفيق من الليبراليين في الحكومة والصحافة عندما نجح في قمع المحتجين في الضفة الغربية أثناء الحملة العسكرية المدمرة الوحشية المهلكة التي شنتها إسرائيل على بمساندة الواليات المتحدة على غزة في أوائل هذا العام .كان السناتور جون كيري ،وهو على كرسي ً واحدا من مقربين كثيرين إلدارة العالقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الرئيس أوباما ،الذين رأوا في هذا النجاح عالمة على أن إسرائيل قد
10
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ً ً ً شرعيا للمفاوضات" حول برامجها التي تساندها "شريكا أخيرا تجد الواليات المتحدة والتي تهدف إلى االستيالء على ما هو ثمين في األراضي المحتلة ،تحت قناع "التسوية السلمية". ً جدا في أمريكا الالتينية، كل هذه أمور متكرر ة بانتظام ،ومألوفة حيث الغزوات التي تقوم بها الواليات المتحدة قد خلفت وراءها ،على نحو منتظم ،ما تبقى من الدولة تحت حكم حرس وطني وحشي والنخب المتواطئة والعميلة .كانت هذه السياسات قد طورت في بادئ األمر بحنكة بالغة منذ قرن مضى بعد غزو الواليات المتحدة للفلبين ،الذي خلف وراءه مئات اآلالف من جثث القتلى .ولقد كانت هذه التدابير في الغالب ناجحة على مدى حقب طويلة .في حلبة ً موجودا بعد مرور االختبار األصلية واألولى ،أي الفلبين ،مازال األثر قرن من الزمان ،كسبب الستمرار الرصيد القبيح لسجل العنف في الفلبين ،األخيرة. عودة إلى االنقالبات في أمريكا الالتينية في األلفية الجديدة، ً ناجحا .وكان االنقالب الثاني االنقالب األول ،في فنزويال ،كان في هايتي بعد عامين .تدخلت الواليات المتحدة وفرنسا إلقصاء الرئيس المنتخب ونفته إلى أفريقيا الوسطى ،وزاد أن هذه األعمال فجرت حقبة جديدة يهيمن فيها اإلرهاب على هذا البلد المعذب ،الذي
11
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ً ً ومصدرا لقسم عظيم ثراء في العالم، يوما أكثر المستعمرات كان ً من ثروة فرنسا ،ولكن تم تدميره على مدى عدة قرون على أيدي ً الحقا .ينبغي أن أضيف أن تاريخ أوال ثم الواليات المتحدة فرنسا ً مجهوال السحق والتعذيب ،في هايتي وفي أي مكان آخر ،يكاد يكون ً ً تماما في الواليات المتحدة ـــ واألسوأ ،تحل محله قصص خرافية عن ً أحيانا بسبب عدم استحقاق مهام إنسانية نبيلة تصادف أن فشلت ً أيضا حقائق المستفيدين بها .تلك أمور من امتيازات القوة ،ولكنها ال يمكن لضحاياها التق ليدين أن يتغاضوا عنها. واالنقالب
الثالث
هو
بالتأكيد
ذاك
الذي
يحدث
اآلن
في هندوراس ،حيث قام انقالب عسكري عرقي عالنية بخلع الرئيس المنحاز لليسار زياليا .كان هذا االنقالب غير عادي من حيث أن الواليات المتحدة لم تنفذه ولم تسانده ،ولكنها انضمت إلى منظمة الدول األ مريكية في انتقاده ،وإن كان بشكل طفيف .لم تقم واشنطن ً احتجاجا كما فعلت دول أمريكا الالتينية والدول بسحب سفيرها ً ضئيال من نفوذها االقتصادي قدرا األوربية ،واستخدمت فقط ً والعسكري الهائل ،لتحقق ما كان ليتحقق بأساليب بسيطة ـــ على سبيل المثال إلغاء جميع تأشيرا ت دخول الواليات المتحدة وتجميد ً مؤخرا حسابات قادة االنقالب في البنوك األمريكية .ولقد أبلغت
12
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
مجموعة من الدارسين األمريكيين البارزين من أصول أمريكية التينية أن "ما زالت اإلدارة (األمريكية) مستمرة في مساندة النظام بأموال المساعدات التي تدفق من خالل ´حساب تحدي األلفية ومصادر أخرى، ولكن الواليات المتحدة مازالت مستمرة في تدريب طالب العسكرية الهندوراسية في معهد النصف الغربي من الكرة األرضية للتعاون األمني ـــ المعهد الشهير رديء السمعة الذي كان يعرف فيما سبق بـ ´مدرسة األميركتين´ والذي تخرج منه الكثير من العسكريين ً مطوال تقريرا تو ًا ً الهندوراس .لقد أصدرت منظمة العفو الدولية ّ مفصال عن االنتهاكات الصارخة الشديدة الخطورة لحقوق اإلنسان ً التي ترتكبها الحكومة االنقالبية .لو أن مثل هذا التقرير قد صدر بخصوص خصومنا الرسميين ،لكان يحتل الصفحات األولى في عناوين األنباء .ولك ن في هذه الحالة لم يسمع عنه صدى إال بالكاد، وهو ما يتمشى مع سياسة التهوين من شأن االنقالبات التي تتعاطف معها بشكل أساسي مراكز القوى السياسية واالقتصادية في الواليات المتحدة ،كما هو في حالة هندوراس. ً يقينا أن الواليات المتحدة تأمل أن تحتفظ بقاعدتها العسكرية في سوتو كانو (بالميروال) في هندوراس وأن توسعها بشكل مالئم، ً ً حيويا للواليات المتحدة في جولة حربها دورا وهي قاعدة هامة لعبت
13
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
مع اإلرهاب في نيكاراجوا في الثمانينيات من القرن الماضي .وهناك إشاعات
غير
مؤكدة
عن
مخططات بخصوص
قواعد
أخرى.
(أفضل مصدر للمعلومات والت حليل هو العمل المتميز المتكامل الذي قام به مارك ويزبروت في مركز األبحاث االقتصادية والسياسية، ً أيضا رفض وسائل اإلعالم االرتقاء إلى الحد األدنى والذي يرصد من المعايير الصحفية وهو اإلبالغ عن الحقائق األساسية.
العقلية االمبريالية وحرب المخدرات إن التبرير الذي قدم عن القواعد العسكرية الجديدة في كولومبيا هو "الحرب على المخدرات ".إن مجرد تقديم مبرر ألمر جدير بالمالحظة .افترض ،على سبيل المثال ،أن كولومبيا ،أو الصين ،أو آخرين كثيرين قد ادعوا حق إقامة قواعد عسكرية في المكسيك لينفذوا من خاللها برامج وضعوها الستئ صال التبغ من الواليات المتحدة ،باستخدام الغازات في كارولينا الشمالية وكنتاكي ،وقطع اإلمدادات باستخدام القوات الجوية والبحرية ،وإرسال مفتشين إلى الواليات المتحدة للتأكد من إزالتها لهذا السم ـــ الذي هو ،في الواقع، مهلك ومميت أكثر حتى من الخمور ،التي بدورها مميتة بشكل أخطر من الكوكايين أو الهيروين ،وأخطر من القنب (الحشيش) بما
14
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ال يضاهى .إن عدد الوفيات الناجمة عن التبغ مريع ،بما فيه ضحايا "التدخين السلبي" الذين يتأثرون بشكل خطير مع أنهم حد أنفسهم ال يستخدمون التبغ .إن إجمالي عدد الوفيات مهول في ّ بما يفوق اآلثار المهلكة للمواد الخطيرة األخرى. إنه ألمر غير وارد ،بال جدل ،أن يتدخل الغرباء في أمور إنتاج وتوزيع هذه السموم القاتلة داخل الواليات المتحدة .غير أن التبريرات التي تسوقها الواليات المتحدة لتنفيذ هذه السياسات في أمريكا الجنوبية تلقى القبول إلى حد االستحسان والتهليل .إن مجرد اعتبارها أمر جدير بالمناقشة هو في حد ذاته ّبينة علة عمق الفكر اإلمبريالي المتغلغل في العقل ،والحقيقة الكامنة المتمثلة في عقيدة ثوكيديدس بأن القوي يفعل ما شاء بينما الضعفاء يلقون نصيبهم من الشقاء ـــ بينما الطبقات المثقفين والمفكرين يتداولون وينشرون نبالة القوة. تلك أطر عامة لتوجه التاريخ ،حتى يومنا الحالي. ً رغما عن الفرضيات الغير حضارية (الهمجية) ،دعنا نتبنى العقلية ً تقريبا ،وفي الواقع، اإلمبريالية المهيمنة في الغرب ـــ دون أي تحدي دون أن يلحظ وجودها أحد .حتى بعد هذا االمتياز المتطرف ،فإنها ً ً حقيقيا لكي تأخذ ذريعة "الحرب على المخدرات" بجدية. جهدا تتطلب ً عاما ،وتم تكثيفها لقد تم شن هذه الحرب على مدى ما يقرب من 40
15
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
طوال العقد الماضي في كولومبيا .لم يكن هناك تأثير ملحوظ على تعاطي المخدرات وال حتى على أسعارها في الشارع .األسباب ً منطقيا .إن ا لدراسات التي أجرتها المنظمات الحكومية مفهومة الرسمية وشبه الرسمية تبرهن بشكل جيد أن وسائل الوقاية والعالج مؤثرة في تقليص تداول وتعاطي المخدرات لدرجة أبعد ً جدا من تأثير أساليب استخدام القوة .أظهرت إحدى الدراسات أن الوقاية والعالج مؤثرة 10مرات عن حظر استخدام المخدرات ومؤثرة بمقدار 23مرة عن عمليات تطهير المنابع خارج البالد ،مثل التطهير بالغازات في كولومبيا ،التي يمكن أن توصف بدقة أكثر كحرب كيميائية. إن السجل التاريخي يعزز هذه النتائج .هناك شواهد ودالئل وافرة على أن تغيير التوجهات الثقافية والفكرية قد أتت بتأثير ناجع ً الحد جدا في ّ من الممارسات المؤذية وبترها. تترك لنا تلك الحقيقة ،مع حقائق أخرى ،الخيار بين فرضيتين: إم ا أن الواليات المتحدة قد مضت بانتظام في مسلك مخبول على ّ ً عاما الماضية؛ أو أن المأرب وراء الحرب على المخدرات مدى األربعين ً تماما عن ما هو معلن عنه .نستطيع أن نستبعد احتمالية الخبل مختلف الشامل .لكي نحدد األسباب الرئيسية نستطيع أن نقتفي أثر نظام القانون ،الذي يأخذ بالنتيجة التي يمكن التنبؤ بها كدليل على النوايا،
16
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
وبخاصة عندما تستمر الممارسات لوقت طويل دون انقطاع رغم مواجهة فشل مستمر في تحقيق األهداف المعلنة .في هذه الحالة، النتيجة التي يمكن التنبؤ بها ليست خافية أو مبهمة ،سواء في الخارج أو في الداخل. في الخارج ،اعتمدت الواليات المتحدة على طريقة التحكم في المنبع في ا ستراتيجيتها المضادة للعصيان في كولومبيا وفي األماكن األخرى .مع حصد عدد مريع من قتلى الحرب الكيميائية وعسكرة الصراع ،بينما حصد أصحاب الحظوة المحليين واألجانب مكاسب هائلة .تحظى كولومبيا بسجل مخيف النتهاكات حقوق اإلنسان ،وهو ،على أقصى تقدير ،األسوأ في هذا النصف من الكرة األرضية،
منذ
نهاية
حروب
ريجان
المركزية
على
اإلرهاب
ً أيضا تحظى بالترتيب الثاني، في التسعينيات من القرن الماضي ،و بعد السودان ،كأكبر عمليات تهجير داخلي للسكان على مستوى العالم .في نفس الوقت ،يتربح أصحاب النفوذ المحليين ومتعددي الجنسيات من التهجير اإلجباري للفالحين واألهالي ،الذين يفسحون لهم األرض ليقوموا هم بالتعدين ومشروعات اإلنتاج الزراعي وتربية الماشية ،وتطوير البنية التحتية للصناعة ،وأشياء كثيرة أخرى .هناك ً جانبا. فيض مما يمكن قوله عن ذلك ،ولكنني سأنحيه
17
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
في الداخل ،تزامنت الحرب على المخدرات مع استهالل برامج التمو ل ،1والهجوم على أنظمة الرفاهية الليبرالية الجديدة ،اقتصاد ُّ ً ً قياسا حقا ،حتى لو كانت محدودة االجتماعية التابعة للحكومة، بالمعايير الدولية .كان أحد التبعات الفورية للحرب على المخدرات هو التزايد الفائق في عدد المسجونين األمريكيين وفي القسوة التي ً عالميا .كان يتعرضون لها ،بما يقهقر المركز الريادي للواليات المتحدة الضحايا ينتمون ،بشك ل مذهل ،إلى األمريكيين من أصول أفريقية وإلى أقليات أخرى ،حيث كانت أعداد كبيرة منهم تنال عقوبات بسبب اتهامات خاصة بالمخدرات غير ناجمة عن ضحايا .إن تعاطي وتداول المخدرات
هو
ً تقريبا
بنفس
القدر
بين
الطبقات
المتميزة
من األمريكيين البض ،الذين ينعموا بالحصانة في أغلب األحوال. باختصار ،فبينما الحرب على المخدرات في الخارج ما هي إال غطاء ضئيل لمقاومة العصيان ،فهي في الداخل توظف كوسيلة ذات وجه حضاري متممة لعملية تطهير المجتمع من األمريكيين ذوي األصل
تمو ل هو مصطلح يستخدم في بعض األحيان لدى تناول الرأسمالية المالية التي تطورت عبر 1ال ُّ ً حد كبير في حدوث األزمة المالية العالمية فيما نحو ثالثة عقود، بدءا من عام ،1980بشكل أسهم إلى ٍّ بين عامي 2007و ،2010حيث التحسين في المستوى المالي يتجاوز قيمة رأس المال وحيث تميل األسواق المالية للهيمنة على االقتصاد الصناعي التقليدي– .المترجم.
18
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
الالتيني ( ،2)limpiezaللتخلص من عناصر السكان الذين أضحوا بال ضرورة لو جودهم مع تعرية وتفريغ منظومة اإلنتاج المحلي في التمول التي تتبناها الليبرالية الجديدة .ثم هناك ظل حركة اقتصاد ُّ ً أيضا ينبع من أن "الحرب ضد المخدرات" على غرار مكسب ثانوي "الحرب ضد الجريمة" تخدم غرض إرهاب السكان وحضهم على اإلذعان عندما يتم تطبيق سياسات محلية يستفاد منها أصحاب وصوال لوضع صاعق من الثروات الهائلة على نفقة األغلبية العظمى، ً عدم المساواة يحطم كل األرقام التاريخية ،ويضع األجور الحقيقية لألغلبية في حالة سبات وركود بينما تنخفض األرباح وتزداد ساعات العمل. ً جيدا مع تاريخ قوانين الحظر، تتوافق هذه العمليات وتتماشي التي استوفى علماء القانون دراستها .ال يمكنني أن أمضي ً ً جدا، جدا ،ولكن بشكل عام هنا في سرد التفاصيل الشيقة استهدف الحظر ما يسمى بـ "الشرائح االجتماعية الخطيرة" ـــ
2التطهير المجتمعي (باإلسبانية ) limpieza socialيشير إلى عملية عزل العناصر غير المرغوبة ،مثل ً جنسياـ والمتشردين بال مأوى .ومنذ أواخر حقب ة الثمانينات في القرن الماضي، المجرمين ،والمثليين على األقل ،انخرطت العديد من المنظمات السرية في عمليات التطه ير المجتمعي بالعديد من دول أميركا الالتينية
19
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ً تهديدا لحقوق ورفاهية األقليات المتميزة أي هؤالء الذين يشكلون ً أيضا ،حيث المهيمنة .تنطبق هذه المشاهدة على النطاق العالمي أجريت دراسات حول هذه المواضيع .ولكنها تنطوي عن معنى خاص في الواليات المتحدة في سياق تاريخ األمريكيين ذوي األصول األفريقية ،الذين يبقى منهم كثيرون مجهولين .من المعروف، ً رسميا أثناء الحرب األهلية األمريكية، بالتأكيد ،أنه قد تم تحرير العبيد وأنه بعد عشرة أعوام من التحرر النسبي ،تم طمس المكاسب، مع حلول عام ،1877حينما تم إنهاء عملية إعادة التنظيم والبناء. ولكن الرواية المرعبة ،يتم دراستها بجدية اآلن فقط ،كما هو في أحدث دراسة بعنوان "االستعباد بمسمى جديد" قام بها دوجال س بالكمون ،محرر جريدة وول ستريت .العمل الذي أجراه يكسو العظام ً مظهرا كيف أنه بعد عملية إعادة التنظيم، بتفاصيل صادمة مفجعة، تم تحول حياة األمريكيين األفريقيين بشكل حاد بحيث أصبحوا يلقون معاملة المجرمين ،إذ أصبح كل الرجال السود ،كقاعدة عامة ،في مقام عبيد دائ مين في القوة العاملة .كانت أحوالهم ،على أية حال ،أسوأ مما كانت عليه عندما كانوا تحت الرق ،ألسباب رأسمالية وجيهة. كان العبيد جزء من األصول ،استثمار لرأس المال ،ولذلك كان أسيادهم يعتنون بهم .هؤالء الذين وضعوا في مصاف المجرمين ،فقط ألنهم
20
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
موجودين ،يشابهون الف علة المرتزقون ،في أن أسيادهم ال يتحملون أي مسئولية بإزائهم ،باستثناء مراعاة وجود العدد الكاف منهم .وتلك كانت ،في الواقع ،حجة تسلح بها أصحاب العبيد ليبرهنوا أنهم كانوا ً أخالقيا من أولئك الذين يستأجرون األيدي العاملة .تفهم هذا أرقى ً جيدا العمال الشمال يون ،الذين اعتبروا العمل كفعلة أجراء المنطق ً نحيازا لقضية أفضل من العبودية الحرفية فقط من حيث كونها ا يشترك معهم فيها ،لفترة مؤقتة ،ابراهام لينكولن وآخرين معه. إن الرق األسود الذي القى معاملة المجرمين قد قدم الكثير من األساسات التي نهضت عليها الثورة الصناعية األمريكية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين .وقد استمر ذلك حتى الحرب العالمية الثانية ،عندما كان هناك احتياج للعمالة الحرة في الصناعات الحربية .وفي فترة االزدهار الذي أعقب الحرب ،والذي اعتمد قوامه على قطاع الدولة الديناميكي الذي تم تأسيسه في ظل اق تصاد الحرب العالمية الثانية شبه الموجه والناجح بشكل كبير ،حصل مرة منذ األمريكيون األفريقيون على درجة ما محددة من الحرية ألول ّ إعادة التنظيم فيما بعد الحرب األهلية .ولكن ،منذ سبعينيات القرن ً ً عكسيا ،وذلك ،بما ال يقارن ،بفضل اتجاها الماضي ،تتخذ العملية "الحرب على المخدرات "،التي هي من بعض األوجه محاكاة عصرية
21
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
لعملية دمغ حياة السود بالصبغة اإلجرامية التي حدثت عقب الحرب ً أيضا توفر قوة عاملة مذعنة جيدة ،تعمل في السجون األهلية ـــ وهي ً غالبا ،في انتهاك صارخ لقوانين العمل الدولية. الخاصة لمثل هذه األسباب ،يمكن أن نتوقع أن "الحرب ضد المخدرات" سوف تستمر حتى يرتقي فهم العامة والناشطون للدرجة التي يستوعبون بها مكمن الدوافع والعوامل الرئيسية ،ويميزونها ويتناولون ها ويواجهون ها بشكل جدي. في
فبراير
الماضي،
أصدرت
وكالة
شئون
المخدرات
والديمقراطية في أمريكا الالتينية تحليلها عن "الحرب ضد المخدرات" في العقود الماضية .توصلت الوكالة ،بقيادة الرؤساء األمريكيين الالتينيين السابقين كاردوزو ،زيديللو ،وجافيرا ،إلى أن الحرب ً ذريعاـ وحثت على إجراء تغيير جذري في فشال على المخدرات مثلت ً اال ستراتيجية ،بمنأى عن عمليات التجريم واستهداف المنابع ،واالتجاه ً ً جدا، تأثيرا إلى اإلجراءات والوسائل األقل تكلفة بشكل كبير ،وأكثر المتمثلة في التعليمـ الوقاية ،والعالج .لم يكن لهذا التقرير أي صدى ً تماما كما كان حال الدراسات السابقة والسجل التاريخي ،التي أو تأثير، بأن لم يكن لها أي صدى .وهذا يؤكد من جديد االستنتاج التلقائي ّ "الحرب على المخدرات" ـــ مثلها كمثل "الحرب ضد الجريمة" و"الحرب
22
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ً جدا ،يتم بالفعل إنجازها ،ولذلك ضد اإلرهاب" ـــ لها أهداف وجيهة فهي تستمر رغم الفشل المكلف في تحقيق األهداف المعلنة. عودةً
إلى ملتقى اتحاد دول أمريكا الجنوبية ،فإن جرعة
من الواقعية ،واالرتياب حو ل الدعاية ،قد تساعدنا في تقييم الذرائع التي تستند إليها عملية إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في كولومبيا ،واإلبقاء على القاعدة الموجودة في هندوراس، وما يصاحب ذلك من خطوات تجاه التسليح أو استخدام القوة المسلحة .إنه ألمل كبير لو أن أمريكا الجنوبية تقوم بحظر التحركات ً مضمونا ـــ وأن تقوم بإنشاء شكال أو التي تهدف للتدخل العسكري، ً مؤسسات سياسية واقتصادية مؤثرة وفعالة ،تساعدها على تخطي المشاكل الداخلية الرهيبة الخاصة بالحرمان والمعاناة ،وتساعد على تقوية الصالت المختلفة بالعالم الخارجي. ً جدا .فالدول ولكن مشاكل أمريكا الالتينية تذهب أبعد من ذلك ال تستطيع أن تأمل في التقدم دون أن تتغلب تتخلص من االعتماد على تصدير المنتجات األولية ،بما فيه منتج النفط الحيوي ،بل يجب ً أيضا إلى تصدير المعادن والمنتجات الغذائية .كما أن هذه أن تلجأ ً جميعا ،التي تعتبر تحدي كبير في حد ذاتها ،يظلل عليها قتام المشاكل قلق كوني خطير :أزمة المشكلة البيئية التي تحلق في األفق.
23
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ً علما إن التحذيرات الدائرة ،التي يدلي بها أفضل الدارسون ً ً ً كبيرا احتراما وإلماما ،تعول على تقرير البريطاني ستيرن ،الذي يلقى بين عدد هائل من العلماء البارزين وعدد هائل من حاملي جائزة نوبل ً بناء على هذا األساس، واقعيا، في االقتصاد .وقد توصل البعض، ً إلى أن "عام 2009قد يؤول إلى أن يصبح العام الحاسم في عالقة البشر بكوكبهم ،البيت الذي يسكنوه". في ديسمبر ،هناك مؤتمر ينعقد في كوبنهاجن "للتوقيع على اتفاقية عالمية جديدة لمواجهة ظاهرة االحترار العالمي "،األمر الذي سنعرف من خالله "إذا ما كانت أنظمتنا السياسية ترتقي إلى مستوى مواجهة التحدي غير المسبوق الذي يمثله تغير المناخ أم ال ".إنني ً علما .إنه يأمل أقتبس هنا ما قاله بيل مكيبين ،أحد أكثر الباحثين بال مغاالة ،ولكن هذا قد يكون مجرد تفاؤل ما لم تنهض بحق حمالت على نطاق واسع للتغلب على إصرار مدراء قطاع مؤسسات الدولة بدال على االنحياز إلى المكاسب التي تحققها القلة في المدى القصير ً من االنحياز لألمل في أن يكون ألحفادهم مستقبل مرض غير تعس. ً نسبيا ،ألن عالم التجارة األقل ،بعض العقبات بدأت تنهار، ّ على واألعمال يدرك وجود فرص للربح في مجال المصادر البديلة للطاقة. ً مؤخرا نشرة حتى جريدة وول ستريت ،أحد أعند الرافضين ،قد أصدرت
24
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
تحتوي على تحذيرات ماسة تنذر بـ "كارثة مناخية "،وتلح بأن الخيارات المتاحة ال تفي جميعها بدرء الكارثة وأنه قد يكون من الضروري اللجوء إل جراءات أكثر جذرية متمثلة في الهندسة الجغرافية ،و"تبريد الكوكب" بطريقة ما. في نفس الوقت ،فإن صناعة الطاقة تواصل برامجها بنشاط وعنفوان .إنهم ينظمون حمالت دعاية كبرى للنيل من حتى أكثر اعتداال التي يتداولها الكونجرس .إنهم يلتزمون ،بصراحة المقترحات ً ً اعتباريا ،وبشكل تامة ،بنصوص الحمالت المؤسسية التي قوضت، ً جدا ،إصالحات الرعاية الصحية المحدودة التي اقترحتها إدارة مؤثر أوباما ،لدرجة أن الصحف المتخصصة في مجال األعمال تهلل بفوز ً جميعا. شركات التأمين ـــ بينما سيعاني اآلخرون ً تجهما حتى إلى درجة تفوق تنبؤات تقرير إن الصورة قد تكون أكثر ستيرن .لقد قامت مجموعة من علماء إم آي تي ،قبل قليل ،بنشر شموال حول االحتماالت األكثر نتائج ما وصفوه بـ" ،النمذجة األكثر ً ً توقعا ألقصى مدى يمكن أن يبلغه ارتفاع حرارة مناخ األرض في هذا القرن[" ،التي توضح] أنه ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة ضخمة، فإن حدة المشكلة سوف تضاعف بقدر مرتين عما قدرت عليه قبل ّ ستة أعوام ـــ بل ويمكن أن تصبح أسوأ من هذا ألن النمذجة ال تتضمن
25
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
بشكل تام جميع المردودات الحقيقية التي يمكن أن تحدث، على سبيل المثال ،لو أن ارتفاع الحرارة
أدى إلى حدوث ذوبان،
على نطاق كبير ،إل حدى طبقات الجليد في المنطقتين القطبيتين بما ينجم عنه انبعاث كميات هائلة من غاز الميثان ".يقول رئيس المشروع ،وهو عالم بارز في شئون األرض ،أن" ،ال يمكن بأي حال "أقل ّ أن يتخذ العالم تلك المجازفةـ وال يجب بأي حال أن يتخذها "،وأن، ً فوريا واالستمرار الخيارات تكلفة للحد من المجازفة هو الشروع بانتظام تدريجي في تحويل نظام الطاقة العالمي على مدى العقود القادمة لتقليص استخدام التقنيات التي ينتج عنها انبعاث الغازات ً تماما ".هناك بشائر المسببة لظاهرة الدفيئة الزجاجيةـ أو التخلي عنها محدودة بذلك. إن التقنيات الجديدة ضرو رية وحيوية ،ولكن المشكلة أبعد من هذا ّ بكثير .سيكون من الضروري أن يتم تحريك مشروعات الدولة الضخمة لهندسة المجتمع ،التي سادت في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ،في االتجاه المضاد ،أو على األقل الحد من آثارها المؤذية. تلك المشروعات عززت وشجعت ً جدا بشكل مقصود االقتصاد المبني إن البرامج على الوقود الحفري المدمر للبيئة والمهدر للطاقةّ . المؤسسية للدولة ،التي تضمنت مشروعات عمالقة للتعمير الثانوي
26
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
بالتوازي مع هدم وبناء المدن الداخلية بهدف ترقية المستوى، قد بدأت بمؤامرة من قبل قطاعي التصنيع والطاقة تهدف لشراء وتدمي ر شبكات المواصالت العامة التي تعمل بالكهرباء بكفاءة في لوس أنجلس وفي عشرات من المدن األخرى؛ لقد تم إدانتهم بتهمة التآمر اإلجرامي ولم ينالوا إال الضرب الخفيف على األيدي .بعد ذلك، كان للحكومة الفيدرالية دورها بنقلها للبنية التحتية وأسهم رأس المال إلى المناط ق الغير حضرية وإنشاء شبكة الطرق السريعة بين ً أيضا استبدال الواليات ،تحت غطاء الذريعة المعتادة "الحماية ".وتم السكك الحديدية بوسائل النقل البري والجوي التي تدعمها الحكومة. لم يقم عامة الشعب بأي دور يذكر ،باستثناء القيام باالختيار في نطاق إطار الخيارات الضيق المبني بإحكام والذي صممه مديرو مؤسسات الدولة .إحدى النتائج كانت تشظي المجتمع ووقوع أفراده المعزولين في مصيدة الطموحات المدمرة للذات وفخ الديون الماحقة .كان هناك مقوم مركزي لهذه العمليات وهو الحملة الشرسة لعالم التجارة واألعمال لـ "تخليق المستهلك "،على حس ب تعبير عالم االقتصاد السياسي الشهير البارز ثورستين فيبلين ،ولتوجيه الناس نحو "األشياء التافهة السطحية في الحياة ،مثل السلع األنيقة العصرية" (على حد تعبير صحف التجارة واألعمال) .أدرك الجميع فداحة
27
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
هذه الحملة منذ قرن مضى حتى أصبح أنه لم يعد من السهل، كما كا ن األمر من قبل ،ضبط سلوك السكان بالقوة ،ولذلك سيكون من الضروري اللجوء للدعاية وتلقين بتر المنجزات الديمقراطية ولضمان حماية "القلة الثرية" من "الدخالء الفضوليين الجهالء"، ي السكان .تلك مالمح خطيرة لديمقراطية موجودة حقيقة تحت وطأة أ ّ رأسمالية قومية معاصرة" ،قصور وعجز ديمقراطي" هو منشأ الكثير من أزماتنا اليوم. وبينما كانت قوى المؤسسات والدولة تروج خصخصة الحياة ً أيضا تقوض الخيارات الناجعة التي وتعظيم مفقود الطاقة ،كانت ال يقدمها السوق ـــ وهو قصور مدمر آخر مدمج في السوق .دعني أوضح األمر ببساطة ،لو أني أردت الذها ب من العمل إلى المنزل، ً ً خيارا بين خيارا بين الفورد والتويتا ،وليس يوفر لي السوق السيارة ومترو األنفاق .ذلك قرار يختص بالمجتمع ،وفي مجتمع ً ً نابعا من هيئة شعبية .ولكن ذاك قرارا ديمقراطي يتوجب أن يكون بالضبط هو ما تسعى لتقويضه النخبة بحملتها المكرسة ضد الديمقراطية. تمثل النتائج واآلثار مجسمة واضحة أمام أعيننا ،بأشكال قد تبدو ً أحيانا خيالية ال تصدق ـــ ليست أقل خيالية من الموارد الهائلة التي
28
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ً جوعا وتقوم تصب في تسليح العالم بينما مليار من البشر يتضورون الدول الغنية بتقليص إنفاقها على المساعدات الغذائية الضئيلة ً مؤخرا وزير بحدة .أبلغت الصحف المتخصصة في األعمال التجارية ً سعيا للتعاقد أوباما لشئون المواصالت قد ذهب ألوروبا مع مصنعين إ سبانيين ومصنعين أوربيين آخرين لبناء مشروعات قطارات فائقة السرعة في الواليات المتحدة ،باستخدام اعتمادات مالية كان الكونجرس قد خصصها إلنعاش االقتصاد األمريكي .تؤمل إ سبانيا ودول أوربية أخرى في الحصول على أموال دافع الضرائب األمريكي لإلنفاق على القطار الفائق السرعة وعلى مشروعات بنيوية أخرى تحتاجها الواليات المتحدة حاجة ماسة .وفي نفس الوقت ،فإن واشنط ن مشغولة بتفكيك وتفريغ القطاعات الرئيسية للصناعة األمريكية ،هادمة ومخربة لحياة القوى العاملة ،عائالت ومجتمعات. من الصعب أن نستحضر في الذهن اتهام أبشع وأشنع للنظام االقتصادي الذي شيده مدراء المؤسسات والدولة ،وبخاصة في حقبة الليبرالية الجديدة .من المؤكد أنه كان من الممكن إعادة بناء صناعة السيارات لتن تج مع تحتاجه األمة ،باستخدام قوتها العاملة العالية المهارة ـــ وإلنتاج ما يحتاجه العالم ـــ وعن قريب ،لو كان لنا أن نؤمل قليال ،تفادي كارثة خطيرة .لقد تم ذلك من قبل ،على أي حال. ولو ً
29
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
ففي حقبة الحرب العالمية الثانية ،تمكن االقتصاد شبه الموجه ً أيضا استهل فترة النمو المثير من إنهاء حالة الكساد الكبير ،ولكنه المذهل األعظم على اإلطالق في تاريخ االقتصاد ،وفي الواقع فلقد ضاعف حجم اإلنتاج الصناعي أربع مرات في غضون أربع سنوات ،ألنه تم إعادة تصميم االقتصاد لخدمة الحرب ،وتم وضع األساس لـ "العصر الذهبي" الذي تلى الحرب. ً جميعا ليست ضمن الخطة المقررة، ولكن مثل هذه األمور وسيستمر هذا الوضع حتى يتم قهر القصور والعجز الديمقراطي. في عالم عاقل ،فإن العمال والمجتمعات لتضع قبضتها على المصانع المهجورة ،وتحولها إلى عجلة إنتاج مفيدة للمجتمع ،ويديرون المصانع بأنفسهم .لقد حدثت مثل هذ ه التجارب ،ولكنها أجهضت في المحاكم. لكي تنجح ،فإن مثل هذه الجهود يحتاج إلى دعم شعبي عام ،وتحتاج إلى درجة وعي في ا لطبقة العاملة ال أثر لوجودها لها في السنوات األخيرة ،ولكن يمكن استنهاضها من جديد ،ويمكن أن تأتي بآثار بعيدة الحجم والمدى. هذه القضايا يجب أن تبرز ً جدا هنا بالضبط في فنزويال ،كما في الدول المنتجة للنفط األخرى .لقد تداولها الرئيس شافيز في اجتماع الجمعية العامة لألمم المتحدة في سبتمبر عام . 2005سوف أقتبس
30
نعوم شومسكي :االنقالبات ،احتاد دول أمريكا اجلنوبية ،والواليات املتحدة
ترجمة صالح ستيفن
كلماته ،التي لسوء الحظ ،لم يبلغها أحد ،على األقل في الصحافة األمريكية" :السيدات والسادة ،نحن نو اجه أزمة طاقة غير مسبوقة حيث الزيادة في استهالك الطاقة تصل إلى أرقام عالية خطيرة بشكل مستمر ال يمكن السيطرة عليه .كما أن مصادر النفط المتزايدة تعجز عن سد االحتياج مع توقع نضوب المخزون العالمي اآلمن للوقود على مستوى العالم ...أنه ألمر غير عملي وغير أخالقي أن نضحي بالجنس البشري باللوذ والمراهنة بشكل مخبول على صحة نموذج اقتصادي- اجتماعي له قدرة جرف هائل مدمر .إنه النتحار أن ننشره ونفرضه ً تحديدا كعالج ودواء معصوم لآلفات التي تسبب أصحاب هذا النموذج فيها". هذه الكلمات توجه النظر إلى االتجاه السليم .لكي نتجنب انتحار جنسنا البشري يجب أن يكون هناك جهود متناسقة للمنتجين والمستخدمين ،وأن تحدث تغييرات جذرية في النماذج االقتصادية- االجتماعية وأن يحدث تنظيم معالم عالمي .تلك تحديات كبيرة وعاجلة ً جدا .ال يمكن السماح بأي تباطؤ في التسليم بوجودها وفي فهمها، ومن ثم اتخاذ ما يلزم بحسم لمواجهتها.
31