Noam Chomsky, "Exterminate all the Brutes": Gaza 2009

Page 1

‫‪Noam Chomsky‬‬ ‫”‪“EXTERMINATE ALL THE BRUTES‬‬ ‫‪GAZA 2009‬‬

‫اإلبادة للمتوحشني‬ ‫غزة ‪2009‬‬

‫تأليف ‪ /‬نعوم شومسكي‬ ‫ترمجة ‪ /‬صالح ستيفن‬


‫في يوم السبت‪ ،‬السابع والعشرين من ديسمبر‪ ،‬تم شن أحدث‬ ‫العز ل البائسين‪.‬‬ ‫هجوم أمريكي ‪ -‬إسرائيلي على الفلسطينيين ُ‬ ‫وحسب الصحافة اإلسرائيلية‪ ،‬فلقد تم تدبير هذا الهجوم بإحكام‬ ‫لمدة تزيد عن ستة شهور‪ .‬و اشتمل التخطيط على شقين‪ :‬شق‬ ‫ً‬ ‫المستقاة‬ ‫عسكري وآخر دعائي‪ .‬وتم بناء الخطة‬ ‫اعتمادا على الدروس ُ‬ ‫ً‬ ‫غزوا مبني ًا‬ ‫من الغزو اإلسرائيلي للبنان عام ‪ ، 2006‬والذي اعتبرو ه‬ ‫على تخطيط هزيل وترويج إعالمي رديء‪ .‬ولذا فنحن واثقين‪ ،‬بغير‬ ‫ً‬ ‫مخططا‬ ‫تجن‪ ،‬أن معظم ما تم في هذا الغزو‪ ،‬وما قيل عنه‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫مسبقا بشكل عمدي ‪.‬‬ ‫له‬ ‫وبالتأكيد‪ ،‬تضمن هذا التخطيط توقيت الهجوم‪ :‬قبل الظهر بوقت‬ ‫قليل‪ ،‬عندما كان األطفال في طريق عودتهم من المدرسة‪ ،‬وبينما‬ ‫تعج وتكتظ بالزحام شوارع غزة الشديدة الكثافة السكانية‪.‬‬ ‫ل م يستغرق األمر سوى دقائق معدودة ليقع من البشر ‪ 225‬قتلى‪،‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫و ‪ 700‬جرحى‪ ،‬كفاتحة سعيدة تبشر بنجاح المذبحة الجماعية ضد‬ ‫العزل المحبوسين‪ ،‬بال مهرب‪ ،‬في قفص كبير‪.‬‬ ‫المدنيين ُ‬ ‫في مقال بعنوان "إعراب مكاسب غ زة" استدعى‪ ،‬إيثان برونر‪،‬‬ ‫مراسل مجلة نيويورك تايمز‪ ،‬هذه األحداث إلى الذاكرة‪ ،‬وأشاد بهذا‬ ‫اإلنجاز كأحد أهم المكاسب‪ .‬فقد حسبت إسرائيل أنها ستستفيد من‬ ‫الظهور كأنه قد " ُجن جنونها" بشكل ينتج عنه أع مال إرهابية أكثر‬ ‫ً‬ ‫جنونا على نطاق واسع‪ ،‬وهو مبدأ راسخ قديم في السياسة‬ ‫األساسية للحكومة اإلسرائيلية يعود إلى الخمسينيات من القرن‬ ‫الماضي‪ .‬قال برونر في مقاله "وصلت الرسالة إلى الفلسطينيين‬ ‫في غزة منذ اليوم األول‪ ،‬عندما ضربت الطائرات الحربية اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫هائال من األهداف في‬ ‫عددا‬ ‫في منتصف صبيحة يوم السبت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقت واحد‪ .‬لقد لقى نحو ‪ 200‬شخص حتفهم في الحال‪ ،‬بما أنزل‬ ‫الصاعقة على حماس‪ ،‬وعلى كل غزة في الحقيقة‪ ".‬إن تكتيك " ُجن‬ ‫جنونها" قد عمل بنجاح‪ ،‬وخلص برونر للقول بأن "هناك مؤشرات‬ ‫ً‬ ‫ألما من‬ ‫محدودة بأن السكان في غزة قد تجرعوا من جراء هذه الحرب‬ ‫الشدة بما سيدفعهم للسعي لكبح ج ماح حماس‪ "،‬الحكومة المنتخبة‪.‬‬ ‫وهذا مبدأ آخر راسخ لدولة الرعب‪ .‬ولن أتفرع هنا‪ ،‬السترجاع األحداث‬

‫‪2‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫الذي قدمته مجلة التايمز في مقال بعنوان "إعراب مكاسب حرب‬ ‫شيشنية‪ "،‬مع أن مكاسب هذه الحرب كانت كبيرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫المحكم تضمن وقف‬ ‫ويمكننا التسليم‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬بأن التخطيط ُ‬ ‫الهجوم‪ ،‬في توقيت محسوب بعناية‪ً ،‬‬ ‫توا قبل يوم تنصيب الرئيس‬ ‫األمريكي الجديد‪ ، ،‬لدرء خطر (بعيد االحتمال) أن يضطر أوباما‬ ‫للتعليق أو التفوه بكلمات حرجة لهذه الجرائم الوحشية التي تساندها‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية ‪.‬‬ ‫وبعد أسبوعين من افتتاح الهجوم‪ ،‬في عطلة يوم السبت‬ ‫المقدسة لدى اليهود‪ ،‬وفيما كانت قطاعات كبيرة من غزة قد تم دكها‬ ‫وتحويلها إلى أنقاض‪ ،‬وحصد الموت نحو ألف من األرواح‪ ،‬أعلنت‬ ‫األونروا (وكالة اإلغاثة والتشغيل التابعة لمنظمة األمم المتحدة)‪،‬‬ ‫والتي يستمد معظم سكان غزة قدرتهم على البقاء من معونتها‪،‬‬ ‫أن السلطات العسكرية اإلسرائيلية رفضت السماح بمرور شحنات‬ ‫ً‬ ‫احتراما لليوم المقدس‬ ‫المعونة إلى غزة‪ ،‬متعللين بغلق المعابر‬ ‫(السبت)‪ً .‬‬ ‫إذا‪ ،‬فالفلسطينيين الذين على حافة الموت أو البقاء‪ُ ،‬ينكر‬ ‫عليهم القوت والدواء‪ ،‬بينما يمكن لقاذفات القنابل النفاثة‬ ‫والمروحيات األمريكية أن تذبح منهم المئات (في عطلة السبت)‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫لم يحظ هذا التزمت الصارم في حفظ عطلة يوم السبت‬ ‫المقدسة بانتباه يذكر في األوساط الدولية‪ ،‬مع كونه ُأفنونة ُمختلقة‬ ‫لتخدم هدف ًا مزدوج ًا ‪ .‬وال غبار في ذلك‪ .‬ففي السجالت الرسمية‬ ‫الحولية لتاريخ األعمال اإلجرامية األمريكية‪ -‬اإلسرائيلية‪ ،‬يندر أن تنال‬ ‫مثل هذه الوحشية والدوس على كل القيم والمعايير اإلنسانية‬ ‫أو األخالقية من الجدارة بالذكر ما يزيد عن هامش أو حاشية‪ .‬إنها‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ .‬فعلى سبيل التذكير بالمثل‪ ،‬ساندت الواليات‬ ‫أشياء مألوفة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫افتتح بدك‬ ‫ُ‬ ‫إسرائيليا على لبنان‬ ‫غزوا‬ ‫المتحدة‪ ،‬في عام ‪،1982‬‬ ‫اشتهرا‬ ‫ُ‬ ‫مخيمات الالجئين الفلسطينيين في صابرا وشتيال‪ ،‬اللذان‬ ‫فيما بعد كالموقع الذي شهد مذابح رهيبة تحت إشراف قوات الدفاع‬ ‫اإلسرائيلية )‪ . (IDF‬أصاب القذف المستشفى المحلي‪ -‬مستشفى‬ ‫ً‬ ‫تبعا لتقري ر أحد شهود العيان‪ ،‬وهو‬ ‫غزة – وقتل ‪ 200‬من الناس‪،‬‬ ‫أمريكي أكاديمي متخصص في شئون الشرق األوسط‪ .‬ولم تكن‬ ‫المذبحة إال العمل االفتتاحي لغزو ُأزهقت فيه أرواح نحو ‪20 – 15‬‬ ‫ألف نفس ‪ ،‬وتم فيه تدمير الكثير من جنوب لبنان وبيروت‪ ،‬وتم‬ ‫ً‬ ‫اعتمادا على دعم أمريكي جوهري على‬ ‫الشروع واالستمرار فيه‬ ‫الصعيدين العسكري والدبلوماسي‪ .‬تضمن هذا الدعم استخدام حق‬ ‫النقض (الفيتو) لمنع مجلس األمن الدولي من إصدار قرارات‬

‫‪4‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫المضي فيه بالفعل‪ ،‬وتم‪،‬‬ ‫تسعى لوقف الهجوم اإلجرامي الذي تم ُ‬ ‫بشق األنفس‪ ،‬التمويه عليه‪ ،‬من أجل حماية إسرائيل من خطر‬ ‫التسوية السلمية السياسية‪ ،‬وهي الحقيقة التي حاول الجميع‬ ‫إخفائها بالعديد من االختالقات المضادة التقليدية حول معاناة‬ ‫إسرائيل من القذف الصاروخي المكثف من الجانب الفلسطيني‪،‬‬ ‫وما هي إال اختالقات من نسج الخيال الجامح للمدافعين عن قضية‬ ‫إسرائيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫هذه كلها أشياء طبيعية‪ ،‬وتناولتها بالنقاش‪ ،‬بشكل علني‬ ‫ً‬ ‫عاما‪ ،‬علق رئيس‬ ‫الشخصيات اإلسرائيلية الرسمية‪ .‬فقبل ثالثين‬ ‫ً‬ ‫دائما نحارب ضد سكان‬ ‫األركان موردخاي جور بأنه منذ ‪" 1948‬كنا‬ ‫يعيشون في القرى والمدن‪ ".‬وكما علق زائيف سكيف‪ ،‬أبرز محلل‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫دائما يضرب‬ ‫ملخصا "كان الجيش اإلسرائيلي‬ ‫عسكري إسرائيلي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أبدا‬ ‫السكان المدنيين‪ ،‬عن وعي وعمد‪ "...‬وقال أن الجيش "لم يميز‬ ‫ً‬ ‫عمدا األهداف‬ ‫األهداف المدنية (من العسكرية)‪( ...‬ولكن) هاجم‬ ‫المدنية‪ ".‬و شرح أبا إيبان أسباب ذلك في مقولته الشهيرة‪" :‬كانت‬ ‫هناك نظرة عامة منطقية‪ ،‬تحولت إلى واقع كأفضل ما يكون‪ ،‬وه ي‬ ‫أن السكان المتضررين سيمارسون الضغوط لوقف األعمال‬ ‫ً‬ ‫جيدا‪ ،‬تمكين‬ ‫العدوانية‪ ".‬وسيكون تأثير ذلك‪ ،‬كما أدرك أبا إيبان‬

‫‪5‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫الم ضي‪ ،‬بال عائق‪ ،‬في تنفيذ برامج التوسع غير‬ ‫إسرائيل من ُ‬ ‫الشرعية وأعمال القمع الصارمة‪ .‬تحدث أبا إيبان بهذا في سياق‬ ‫تعليقه على تقرير لرئيس الوزراء بيجين عن هجمات حكومة حزب‬ ‫العمل ضد المدنيين‪ ،‬ورسم صورة بقوله "إلسرائيل التي تبتلي‬ ‫بشكل مفرط السكان المدنيين بكل إجراء ووسيلة يمكن أن تجلب‬ ‫الموت ب منوال يستدعي لذاكرتنا أنظمة ال أجرؤ أنا أو السيد بيجين‬ ‫على ذكرها باالسم‪ ".‬لم ي قم إيبان بتفنيد الحقائق التي سردها‬ ‫عالنية‪ .‬ولم يكترث إيبان وال‬ ‫ً‬ ‫بيجين ولكنه انتقده على ذكرها‬ ‫ً‬ ‫أيضا تذكرة‬ ‫المعجبين به ‪ ،‬لكون تأييده لدولة اإلرهاب الشامل هو‬ ‫ألنظمة لن يجرؤ هو على ذكرها باالسم‪.‬‬ ‫لقد اقتنعت الشخصيات المرجعية ذات المكانة المرموقة بتبرير‬ ‫إيبان لد ولة الرعب‪ .‬كتب توماس فريدمان محرر مجلة التايمز في‬ ‫عموده‪ ،‬في خضم احتدام الهجوم األمريكي ‪ -‬اإلسرائيلي الحالي‬ ‫ً‬ ‫موضحا أن تكتيكات إسرائيل في الهجوم الحالي وفي‬ ‫(على غزة)‪،‬‬ ‫هجومها على لبنان في ‪ 2006‬مبنية على مبدأ محاولة "تلقين‬ ‫الدرس" لحماس‪ ،‬بتكبيدها خسائر شديدة في األرواح بين مقاتليها‪،‬‬ ‫وبجلب معاناة وآ الم مبرحة لسكان غزة‪ ".‬وهو ما ينسجم مع‬ ‫الخلفيات والحجج المرسومة‪ ،‬كما حدث في لبنان‪ ،‬حيث "كان المصدر‬

‫‪6‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫الوحيد للردع الطويل األمد هو تكبيد المدنيين – عائالت وقادة‬ ‫ً‬ ‫آالما من الشدة بما يكفي لكبح جماح حزب الله في‬ ‫المقاتلين ‪-‬‬ ‫المستقبل‪ .‬وبمثل هذا المنطق‪ ،‬القت محاولة بن الدن "لتلقين‬ ‫ً‬ ‫شديدا‪ ،‬مثلما كانت هجمات‬ ‫إطراء‬ ‫الدرس" لألمريكيين في ‪11/9‬‬ ‫ً‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫النازي على ليديس وأورادور ‪ ،‬ومثلما كان تدمير بوتين لجرونزي‪،‬‬ ‫وغيرها من المحاوالت الشهيرة لـ "تلقين الدرس"‪.‬‬ ‫عناء لكي توضح بالقدر الكافي‬ ‫لقد جشمت إسرائيل نفسها‬ ‫ً‬ ‫التزامها بهذه المفاهيم المرجعية‪ .‬أورد ستيفن إيرالنجر‪ ،‬مراسل ´إن‬ ‫ً‬ ‫تقريرا قال فيه أن جماعات حقوق اإلنسان في إسرائيل‬ ‫واى تي´‬ ‫"منزعجة لضرب إسرائيل بنايات يثقون أنها يجب أن تُ صن ف‬

‫‪1‬‬

‫ليديس‪ :‬باأللمانية‬

‫‪ : Liditz‬هي بلدية في أوكريس كالدنو بجمهورية التشيك ‪.‬يبلغ عدد‬

‫سكانها حسب إحصائيات عام ‪ 2006 435‬نسمة‪ ،‬وبمساحة تقدر ب ‪ 475‬هكتار ‪ .‬تقع على بعد ‪ 5‬كلم‬ ‫شرق كالندو و ‪ 20‬كلم غرب براغ ‪ .‬تم تدميرها خالل الحرب العالمية الثانية من طرف القوات األلمانية‪،‬‬ ‫ونساء ‪.‬‬ ‫وقتل النازيون جميع الرجال فيها‪ ،‬وأرسلوا الباقي إلى معسكرات االعتقال‪ ،‬وكانوا أطفاال‬ ‫ً‬ ‫وهناك قتلوا تقريبا كل األطفال وحوالي خمسين امرأة‪ ،‬وبعد انتهاء الحرب أعيد بناؤها على بعد ‪300‬‬ ‫متر من المدينة القديمة التي تم وضع نصب تذكاري فيها ومتحف‪( .‬المترجم‪).‬‬ ‫‪ 2‬أورادور ‪ :Oradour‬مدينة صغي رة ووحدة إدارية في وسط غربي فرنسا‪ .‬تم تدمير القرية األصلية‬ ‫في ‪ 10‬يونيو ‪ ،1944‬عندما لقى ‪ 642‬من السكان مقتلهم على أيدي األلمان‪ ،‬وبعد انتهاء الحرب‬ ‫العالمية الثانية‪ ،‬تم بناء قرية جديدة في موقع متاخم للقرية األصلية التي تم االحتفاظ ببقاياها كتذكار‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫كمنشئات مدنية‪ ،‬مثل البرلمان ومخافر الشرطة والقصر الرئاسي"‬ ‫– ونستطيع أن نضيف القرى‪ ،‬والمنازل‪ ،‬ومعسكرات إيواء الالجئين‬ ‫الكثيفة السكان‪ ،‬وشبكا ت المياه والصرف الصحي‪ ،‬والمستشفيات‬ ‫والمدارس‪ ،‬والجامعات‪ ،‬والمساجد‪ ،‬ومنشئات اإلغاثة التابعة لألمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬ووحدات اإلسعاف‪ ،‬وبالحقيقة أي شيء من شأنه أن‬ ‫يخف ف معاناة الضحايا الذين ال يستحقون أي من ذلك‪ .‬أوضح‬ ‫مسئول رفيع في االستخبارات اإلسرائيلية أن قوات الدفاع‬ ‫اإلسرائيلية ‪ IDF‬هاجمت " مقادير حماس بشقيها – مقاومتها أو‬ ‫جناحها العسكري؛ ودعوتها أو جناحها االجتماعي‪ "،‬وهذا الشق األخير‬ ‫محاوال أن‬ ‫هو تعبير ملطف عن المجتمع المدني‪ .‬واستطرد إيرالنجر‬ ‫ً‬ ‫يبرهن أن "حماس هي كيان واحد‪ ،‬وفي الحرب‪ ،‬تعتبر أدوات‬ ‫ً‬ ‫أهدافا مشروعة كما هو الحال‬ ‫سيطرتها السياسية واالجتماعية‬ ‫بالنسبة لمخابئ الصواريخ‪ ".‬ولم يضف إيرالنجر وال المحررون‬ ‫العاملون في مجلته أي تعليق على التأييد والممارسة العلنية‬ ‫لإلرهاب الشامل الذي يستهدف المدنيين‪ ،‬رغم أن المراسلين‬ ‫وكاتبي األعمدة يبروزن تسامحهم بل وحتى تأييدهم الصريح لجرائم‬ ‫الحرب‪ ،‬كما ذكرت‪ .‬ولكن لم يفت على إيرالنجر أن يلح مشددا‪،‬‬

‫‪8‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫متمشيا مع التيار‪ ،‬أن قذائف صواريخ حماس "انتهاك واضح لمبدأ‬ ‫و‬ ‫التمييز ويندرج تحت تعريف اإلرهاب‪".‬‬ ‫مثله مثل غيره ممن هم على دراية بالمنطقة‪ ،‬يرى فواز جرجس‪،‬‬ ‫المتخصص في شئون الشرق األوسط أن "الشيء الذي ال‬ ‫يستوعبه المسئولون اإلسرائيليون وحلفاؤهم األمريكيون هو أن‬ ‫ح ماس ليست فقط ميلشيا مسلحة بل هي حركة اجتماعية لها قاعدة‬ ‫شعبية واسعة متشعبة ومتحصنة في ثنايا المجتمع‪ ".‬وهكذا فهم‬ ‫عندما ينفذون مخططاتهم لتدمير " الجناح االجتماعي" لحماس إنما‬ ‫يستهدفون تدمير المجتمع الفلسطيني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫ربما يكون جرجس طي ًبا بد رجة كبيرة‪ .‬فمن األرجح‬ ‫أن المسئولون اإلسرائيليون واألمريكيون – أو وسائل اإلعالم‬ ‫ً‬ ‫جيدا هذه الحقائق‪ .‬وفوق هذا‪،‬‬ ‫والمعلقون اآلخرون – يتفهمون‬ ‫مواربة ً​ً‪ ،‬وجهة النظر التقليدية ألولئك الذين يحتكرون‬ ‫ً‬ ‫يتبنون‪،‬‬ ‫وسائل العنف‪ :‬إن قبضتنا المدرعة تستطيع أن تسحق أي معارضة‪،‬‬ ‫وإذا أوقع هجومنا المائج خسائر فادحة في األرواح بين المدنيين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جميعا تؤول للخير‪ :‬ربما تتهذب البقية الباقية وتتعلم كما يجب‪.‬‬ ‫فهذه‬ ‫ً‬ ‫جيدا‪ ،‬أنهم يدمرون المجتمع‬ ‫يعلم ضباط الجيش اإلسرائيلي‪،‬‬ ‫المدني‪ .‬فقد استشهد إيثان برونر بكولونيل إسرائيلي قال أنه‬

‫‪9‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ورجاله "ال يكترثون بشدة بمقاتلي حماس‪ ".‬وعلى حد قول أحد‬ ‫القناصة العاملين على ناقلة جند مدرعة "إنهم قرويين يحملون‬ ‫بنادق‪ ".‬هم أشبه ب ضحايا عمليات "القبضة الحديدية" الماحقة التي‬ ‫نفذتها قوات الدفاع اإلسرائيلي في الجنوب اللبناني المحتل عام‬ ‫‪ ،1985‬بقيادة شيمون بيريز‪ ،‬أحد كبار قادة اإلرهاب في حقبة "الحرب‬ ‫على اإلرهاب " التي شنها ريجان‪ .‬فأثناء هذه العمليات‪ ،‬أوضح‬ ‫القادة والمحللون االستراتيجيون اإلسرائيليون أن الضحايا كانوا‬ ‫"إرهابيين ثو ريين"‪ ،‬يصعب إبادتهم ألن "هؤالء اإلرهابيون يعملون‬ ‫بدعم من معظم السكان المحليين‪ ".‬وتبرم أحد القادة اإلسرائيليين‬ ‫من أن "اإلرهابي ‪ ...‬له عيون كثيرة هنا‪ ،‬ألنه يعيش هنا‪ "،‬بينما‬ ‫وصف مراسل الجيروزاليم بوست المشاكل التي تواجهها‬ ‫القوات اإلسرائيلية في القتال مع "المرتزقة اإلرهابيين‪ "،‬بقوله‬ ‫ً‬ ‫كفوا للمضي‬ ‫جملة لقضيتهم‪ ،‬هم‬ ‫ً‬ ‫"إن المتعصبين‪ ،‬ال متكرسين‬ ‫واالستمرار في المخاطرة بأرواحهم ناشطين ضد قوات الدفاع‬ ‫اإلسرائيلي‪ "،‬المنوط بها‬

‫"حفظ األمن والنظام" في الجنوب‬

‫اللبناني المحتل بغض النظر عن " الثمن الذي سيتحتم أن يدفعه‬ ‫السكان‪ ".‬كانت هذه المشكلة عينها مألوفة لألمريكيين في فيتنام‬ ‫الجنوبية‪ ،‬وللروس في أفغانستان‪ ،‬ولأللمان في أوربا المحتلة‪،‬‬

‫‪10‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ولغيرهم من المغتصبين الذين يجدون أنفسهم في موضع تنفيذ‬ ‫عقيدة جور – إيبان ‪ -‬فريدمان‪ .‬ويؤمن فواز جرجس أن دولة اإلرهاب‬ ‫تمحى‬ ‫األمريكي ‪ -‬اإلسرائيلي ستسقط‪ .‬وكتب‬ ‫ً‬ ‫قائال "ال يمكن أن ُ‬ ‫حماس دون أن ُيذبح نص ف مليون من الفلسطينيين‪ .‬وإذا نجحت‬ ‫العليا‪ ،‬فسيحل محلهم بسرعة‬ ‫إسرائيل في اغتيال قيادات حماس ُ‬ ‫ً‬ ‫وحقيقة‬ ‫ً‬ ‫تطرفا من القيادات الحالية‪ .‬إن حماس واقع ًا‬ ‫جيل جديد أشد‬ ‫من حقائق الحياة‪ ،‬وهي لن تزول‪ ،‬ولن ترفع الراية البيضاء مهما كان‬ ‫عدد الضحايا الذين تتكبدهم‪".‬‬ ‫ً‬ ‫دواما هو الميل لالستخفاف بقوة اآلثار التي‬ ‫ولكن‪ ،‬جل ما نرى‬ ‫ً‬ ‫تحديدا‪ ،‬أن يكون لهذا االعتقاد‬ ‫تنجم عن العنف‪ .‬وإنه ألمر غريب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫موضعا في الواليات المتحدة‪ .‬لماذا نحن موجو دون هنا؟‬ ‫ً‬ ‫دائما بأنها "مدعومة من إيران‪ ،‬التي‬ ‫وبما أن حماس توصف‬ ‫ً‬ ‫وضعا يجد فيه‬ ‫تلتزم بتدمير إسرائيل‪ ".‬ف إنه يصعب أن يتقبل أحد‬ ‫ً‬ ‫ديمقراطيا‪ ،‬والتي ظلت لزمن طويل‬ ‫المنتخبة‬ ‫شيء مثل "حماس ُ‬ ‫تدعو لتسوية تقوم على مبدأ الدولتين بما يتفق مع اإلجماع‬ ‫ً‬ ‫عاما معزولة من قبل الواليات‬ ‫الدولي" – وظلت على مد ى ‪30‬‬ ‫المتحدة وإسرائيل‪ ،‬التي ال تحيد عن الرفض الصريح القاطع لحق‬ ‫الفلسطينيين ف ي تقرير مصيرهم‪ .‬هذه حقائق ال تُ نكر‪ ،‬ولكنها‬

‫‪11‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ال تسهم في تحقيق " السياسة العامة للحزب"‪ ،‬لذلك ال ضرورة لها‪،‬‬ ‫وينبغي نسيانها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫آنفا‪ ،‬رغم كونها مواضيع فرعية‬ ‫مثل هذه التفاصيل التي ذكرناها‬ ‫ً‬ ‫أو ثانوية‪ ،‬إال أننا تُ ِّ‬ ‫شيئا عن أنفسنا‪ ،‬وعن ُعمالئنا‪ .‬أال يفعل‬ ‫علمنا‬ ‫ً‬ ‫أيضا ؟ مثال آخر ُيذكر‪ ،‬فتو ًا بعد بدء االعتداء األمريكي‬ ‫اآلخرون ذلك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صغيرا يسمى ´‪،´Dignity‬‬ ‫قاربا‬ ‫ اإلسرائيلي على غزة‪ ،‬كان هناك‬‫ً‬ ‫منطلقا في طريقه من قبرص إلى غزة‪ .‬اعتزم األطباء وناشطو‬ ‫حقوق اإلنسان الذين على متنه أن ُيخلوا بالحصار اإلسرائيلي‬ ‫اإلجرامي‪ ،‬وأن يجلبوا موارد طبية للسكان المعزولين‪ ،‬فقامت‬ ‫السفن الحربية اإل سرائيلية باعتراض القارب في المياه الدولية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أخيرا أن يعرج‬ ‫وناوشته بعنف حتى كادت تغرقه‪ ،‬ولكن القارب تمكن‬ ‫إلى لبنان‪ .‬وعقبت إسرائيل على الحدث بأكاذيب متكررة مبتذلة‬ ‫فن دها الصحفيون والركاب الذين كانوا على متن القارب‪ ،‬بما فيه‬ ‫كارل بينهول‪ ،‬مراسل الـ ´سي إن إن´‪ ،‬و كينثيا مكيني‪ ،‬النائب‬ ‫الخضر‪ ،‬والمرشح الرئاسي‪ .‬تلك‬ ‫األمريكي السابق وعضو حزب ُ‬ ‫جريمة خطيرة ‪ -‬أسوأ بكثير‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬من اختطاف القوارب‬ ‫من سواحل الصومال‪ ،‬وقد مر ت دون أن تحظى إال باهتمام ضئيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عاما على‬ ‫اتفاقا‬ ‫إن الموافقة الصامتة على مثل هذه الجرائم تعكس‬

‫‪12‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫ومفوضة‬ ‫أن غزة‬ ‫أرضا محتلة‪ ،‬وأن إسرائيل ُم خولة بإبقاء حصارها‪ ،‬بل ُ‬ ‫من قبل األوصياء على النظام الدولي بأن ترتكب جرائم في أعالي‬ ‫البحار لكي تحقق برامجها الهادفة إلى عقاب السكان المدنيين‬ ‫لعصيانهم أوامرها – تح ت ستار ذرائع وحجج نعود مكر ًرا إليها‪ ،‬ذرائع‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‪ ،‬ولكنها بكل وضوح واهية بال أساس ‪.‬‬ ‫يتقبلها العالم كله‬ ‫ومرةً أخرى‪ ،‬يتفق غفل األنظار مع المنطق السائد‪ .‬فعلى مدى‬ ‫ً‬ ‫عقودا طويلة‪ ،‬كانت إسرائيل تقوم بخطف القوارب في المياه‬ ‫الدولية ما بين قبرص ولبنان‪ ،‬وكانت تقتل أو تخطف الركاب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أحيانا إلى سجون في إسرائيل‪ ،‬وإلى غرف تعذيب في‬ ‫وتجلبهم‬ ‫معتقالت سرية‪ ،‬لتحتفظ بهم كرهائن لسنوات عديدة‪ .‬فما دامت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫روتينيا‪ ،‬لماذا ال نكتفي بالتثاؤب‬ ‫أمرا‬ ‫هذه الممارسات قد أصبحت‬ ‫حينما تُ رتكب جريمة جديدة؟ وعلى النقيض‪ ،‬كانت ردة فعل قبرص‬ ‫ولبنان‪ ،‬مختلفة ً‬ ‫جدا‪ .‬ولكن من هما في حسابات األمور؟‬ ‫مثال‪ ،‬لو أن محررو مجلة ´ديلى ستار´ اللبنانية‪،‬‬ ‫من يكترث‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المؤيدة للغرب بصفة عامة‪ ،‬كتبوا عن "مليون ونصف من مواطني‬ ‫غزة مهددون بشكل دائم ويتعرضون للهالك وسفك الدماء من جراء‬ ‫المهام الدورية التي تسديها آلة حربية هي‪ ،‬على المستوى التقني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تقدما في العالم‪ ،‬ولكنها‪ ،‬على المستوى األخالقي‪ ،‬األكثر‬ ‫ا ألكثر‬

‫‪13‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫وارتدادا‪ .‬لقد اعتاد الكثيرون أن يصفوا الفلسطينيين بأنهم‬ ‫تدنيا‬ ‫قد أصبحوا للعالم العربي ما كان عليه اليهود بالنسبة ألوروبا فيما‬ ‫قبل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وهو‪ ،‬بشكل‪ ،‬تخريج على حق‪ .‬فكم‬ ‫هو مقزز‪ ،‬أنه كما أعرض األوربيون واألمريكيون الشماليون أنظارهم‬ ‫عندما كان النازي يقترف محرقته (الهولوكوست )‪ ،‬هكذا يجد العرب‬ ‫ً‬ ‫شيئا بينما اإلسرائيليون يذبحون أطفال‬ ‫وسيلة لكي ال يفعلوا‬ ‫الفلسطينيين‪ ".‬ربما يكون النظام المصري هو النظام المخزي أكثر‬ ‫بين األنظمة العربية‪ ،‬وهو أكبر المستفيدين من المساعدات‬ ‫العسكرية األمريكية‪ ،‬غير آخذين إسرائيل في الحسبان‪.‬‬ ‫و ً‬ ‫تبعا للصحافة اللبنانية‪ ،‬مازالت إسرائيل "تختطف المواطنين‬ ‫اللبنانيين بشكل منتظم من الجانب اللبناني للخط األزرق (خط الحدود‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا في ديسمبر ‪ ".2008‬واألمر الثابت‬ ‫الدولي)‪ ،‬كما حدث‬ ‫ً‬ ‫يوميا‪ ،‬المجال الجوي اللبناني‪ ،‬في خرق لقرار‬ ‫"تنتهك إسرائيل‪،‬‬ ‫األمم المتحدة رقم ‪( " 1701‬الباحثة اللبنانية أمل سعد ُغريب‪ ،‬ديلى‬ ‫ستار‪ 13 ،‬يناير)‪ ،‬وهو أمر يحدث على الدوام منذ زمن طويل‪ .‬وفي‬ ‫إدانته للغزو اإلسرائيلي للبنان عام ‪ ،2006‬كتب زائيف موآز‪ ،‬المحلل‬ ‫االستراتيجي اإلسرائيلي‪ ،‬في صحافة إسرائيل "منذ انسحابها‬ ‫من جنوب لبنان قبل ستة أعوام‪ ،‬انتهكت إسرائيل المجال الجوي‬

‫‪14‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫يوميا ‪.‬‬ ‫اللبناني بقيامها بمهام االستطالع الجوي بشكل يكاد يكون‬ ‫ُ‬ ‫حقا‪ ،‬أن عمليات التحليق الجوي هذه لم تسبب وقوع ضحايا‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫من اللبنانيين‪ ،‬ولكن انتهاك الحدود هو انتهاك الحدود‪ .‬هنا‬ ‫ال ترتقي إسرائيل ألسس أخالقية أرفع‪ ".‬وبصفة عامة‪ ،‬ال يوجد‬ ‫أساس لهذا اإلجماع السائد في إسرائيل على أن الحرب ضد حزب‬ ‫الله هي حرب عادلة وأخالقية‪ "،‬هذا اإلجماع "مبني على ذاكرة‬ ‫انتقائية قصيرة المدى‪ ،‬وعلى نظرة انطوائية للعالم‪ ،‬وعلى معايير‬ ‫مزدوجة‪ .‬هذه ليست حرب ًا عادلة‪ .‬استخدام القوة مفرط وبال تمييز‪،‬‬ ‫وهدفه النهائي هو االبتزاز‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا القراء اإلسرائيليين ‪ ،‬فإن عمليات التحليق‬ ‫وكما يذكر موآز‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدويا إل رعاب اللبنانيين هو أصغر‬ ‫صوتيا‬ ‫أزيزا‬ ‫الجوي التي تُ صدر‬ ‫جرائم إسرائيل في لبنان‪ ،‬حتى لو استبعدنا غزواتها الخمسة منذ‬ ‫‪" :1978‬في ‪ 28‬يوليو ‪ ،1988‬قامت القوات اإلسرائيلية الخاصة‬ ‫مسئوال عن أسر الطيار‬ ‫باختطاف مصطفي ُد ريني‪ ،‬الذي كان‬ ‫ً‬ ‫اإلسرائيلي رون أراد (أثناء قيامه بقذف لبنان بالقنابل عام ‪.)1986‬‬ ‫ً‬ ‫لبنانيا آخر‪ ،‬في ظروف مجهولة‪ ،‬في‬ ‫احتجزت إسرائيل هؤالء مع ‪20‬‬ ‫معتقل لفترات طويلة األمد دون محاكمة‪ .‬لقد تم احتجازهم‬ ‫الستخدامهم "كوسيلة ض غط" أو مساومة‪ .‬إن خطف اإلسرائيليين‬

‫‪15‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫أخالقيا‪،‬‬ ‫بهدف استخدامهم في تبادل األسرى أمر مستهجن‬ ‫بال مراء‪ ،‬ويعاقب عليه القانون العسكري‪ ،‬عندما يكون حزب الله‬ ‫هو الطرف الذي يقوم باالختطاف‪ ،‬ولكن ليس إذا كانت إسرائيل‬ ‫تقوم باألمر عينه‪ "،‬على نطاق أفخم ً‬ ‫جدا وعلى مدى سنين عديدة‪.‬‬ ‫إن ممارسات إسرائيل لها مغزى هام أبعد مما تفضحه من اإلجرام‬ ‫اإلسرائيلي ومساندة الغرب له‪ .‬كما يشير موآز‪ ،‬هذه الممارسات‬ ‫تؤكد النفاق الصارخ في المبدأ المعمول به بأن إلسرائيل الحق في‬ ‫غزو لبنان مرة أخرى في عام ‪ ، 2006‬عندما قام حزب الله بأسر جنديين‬ ‫من جنودها على الحدود‪ ،‬وهو أول عمل يقوم به حزب الله عبر‬ ‫الحدود على مدى ستة أعوام منذ انسحاب إسرائيل من الجنوب‬ ‫اللبناني‪ ،‬الذي احتلته في انتهاك ألوامر مجلس األمن الصادرة قبل‬ ‫ً‬ ‫عاما‪ ،‬بينما – على مدى هذه األعوام الستة‪ ،‬قامت إسرائيل‬ ‫‪22‬‬ ‫باختراق الحدود بشكل شبه يومي‪ ،‬في ظل الصمت والحصانة هنا‬ ‫(في أمريكا)‪.‬‬ ‫مرةً أخرى‪ ،‬يتكرر النفاق بانتظام‪ .‬وهكذا فيما يمضي توماس‬ ‫ً‬ ‫شارحا كيف يكون تلقين الدرس ل لساللة األوضع بالعنف‬ ‫فريدمان‪،‬‬ ‫اإلرهابي‪ ،‬يقول إن غزو لبنان في ‪ ، 2006‬وتدمير الكثير من جنوب‬ ‫لبنان وبيروت مرةً أخرى مع قتل ‪ 1000‬آخرين من المواطنين‪ ،‬كان‬

‫‪16‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫مشروعا للدفاع عن النفس ً‬ ‫ً‬ ‫الج رم الذي أتاه حزب الله‬ ‫عمال‬ ‫ً‬ ‫ردا على ُ‬ ‫"بشن حرب غي ر مبررة عبر الحدود اللبنانية اإلسرائيلية التي أقرتها‬ ‫األمم المتحدة‪ ،‬وبعد أن انسحبت إسرائيل من لبنان‪ ".‬لو تجاهلنا‬ ‫المخاتلة هنا‪ ،‬فبنفس المنطق نقول‪ ،‬إن الهجمات اإلرهابية ضد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وإهدارا للدماء عن أي مثال‬ ‫فتكا‬ ‫اإلسرائيليين الذين هم أشد بكثير‬ ‫تماما ً‬ ‫ً‬ ‫ردا على ممارسات إسرائيل اإلجرامية في‬ ‫آخر‪ ،‬تكون مشروعة‬ ‫لبنان وفي أعالي البحار‪ ،‬والتي تفوق بمراحل ُجرم حزب الله الخاص‬ ‫بأسر جنديين على الحدود‪ .‬إن محرر النيويورك تايمز وهو‬ ‫متخصص محنك في شئون الشرق األوسط على دراية بهذه‬ ‫الجرائم‪ ،‬على األقل لو قرأ صحيفته الخاصة‪ :‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫الفقرة ‪ 18‬في الخبر الخاص بتبادل األسرى في نوفمبر ‪ 1983‬الذي‬ ‫يأتي فيه بشكل عرضي‪ ،‬أن ‪ 37‬من األسرى العرب "قد اعتقلهم‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا السالح البحري اإل سرائيلي بينما كانوا في طريقهم من‬ ‫قبرص إلى طرابلس‪ "،‬شمالي بيروت‪.‬‬ ‫من المؤكد أن مثل هذه الخالصات بشأن األفعال المالئمة ضد‬ ‫من هو غني وقوي مبنية على صدع كبير في األساس‪ :‬ذلك نحن‬ ‫وذاك هم ‪ .‬هذا المفهوم الخطير‪ ،‬المغروس بشكل عميق‬

‫‪17‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫في الثقافة والفكر الغربي‪ ،‬يكفي لتقويض حتى أدق المعايير‬ ‫عصمة ً​ً من الخطأ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأشد ُحجج المنطق‬ ‫أخط هذه السطور‪ ،‬هناك قارب آخر في طريقه من قبرص‬ ‫و بينما ُ‬ ‫إلى غزة‪" ،‬يحمل معونات طبية عاجلة‪ ،‬أفرجت عنها السلطات‬ ‫الجمركية في مطار الرناكا الدولي وفي ميناء الرناكا‪ "،‬على حسب‬ ‫المنظ مة‪ .‬ويتضمن الركاب برلمانيين أوربيين وأطباء‪ .‬وقد‬ ‫ِّ‬ ‫الجهة‬ ‫ُأ بلغت إسرائيل بغايتهم اإلنسانية‪ .‬وربما يتأتى لهم أن ينجزوا‬ ‫مسعاهم بسالم‪ ،‬مع بذل الضغوط الكافية المألوفة‪.‬‬ ‫إن الجرائم الجديدة ال تي ترتكبها الواليات المتحدة وإسرائيل في‬ ‫غزة على مدى األسابيع الماضية ال يمكن تصنيفها بسهولة في أية‬ ‫ً‬ ‫توا أمثلة عديدة‪،‬‬ ‫فئة – إال فئة األشياء المألوفة؛ لقد أعطيت‬ ‫ً‬ ‫حرفيا تعريف‬ ‫وسوف أعود ألمثلة أخرى‪ .‬إن هذه الجرائم ينطبق عليها‬ ‫الحكومة األمريكية الرسمي لـ "اإلرهاب‪ " ،‬ولكن هذا التوصيف‬ ‫اعتداء"‬ ‫ال يكبح جرائمهم الشنيعة‪ .‬هذه الجرائم ال يمكن أن تسمى "‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضمنيا أنها‬ ‫ألنها تُ رتكب في أرض تذعن الواليات المتحدة لالعتراف‬ ‫أرض محتلة‪ .‬في تأريخهما العلمي الشامل لمستعمرات إسرائيل‬ ‫في األراضي المحتلة‪" ،‬أصحاب األرض"‪ ،‬يوضح إيديت زيرتال‪،‬‬ ‫وأ كيفا إيلدار أنه بعد أن سحبت إسرائيل قواتها من غزة في‬

‫‪18‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫أغسطس ‪ ،2005‬لم تُ عف األرض المخربة "ولو ليوم واحد‬ ‫من القبضة العسكرية اإلسرائيلية أو من ثمن االحتالل الذي يدفعه‬ ‫ً‬ ‫أرضا محروقة‪ ،‬ومرافق‬ ‫السكان كل يوم‪ ...‬لقد خل فت إسرائيل ورائها‬ ‫محطمة‪ ،‬وأهالي بال حاضر وال مستقبل ‪ .‬لقد تم تدمير المستعمرات‬ ‫بحركة دنيئة لمحتل بال بصيرة‪ ،‬مازال‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬يسيطر على‬ ‫األرض ومازال يقتل سكانها ويتحرش بهم بقوته العسكرية الهائلة‬ ‫يم ارس كل هذا بوحشية وهمجية متطرفة‪ ،‬بفضل‬ ‫المرعبة" – ُ‬ ‫مساندة ومشاركة الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫لقد اندلع الهجوم األمريكي‪ -‬اإلسرائيلي على غزة في يناير‬ ‫‪ ، 2006‬بعد شهور قليلة من االنسحاب الرسمي‪ ،‬عندما اقترف‬ ‫فعال‪ :‬لقد مارسوا االقتراع "بالطريقة‬ ‫الفلسطينيون جريمة شنيعة‬ ‫ً‬ ‫الخطأ" في انتخابات حرة‪ .‬ومثلهم مثل اآلخرين‪ ،‬تعلم الفلسطينيون‬ ‫أنه ال حماية لمن يعصي أوام ر سيده‪ ،‬الذي يستمر في "نوحه على‬ ‫الديمقراطية‪ "،‬دونما إثارة أي سخرية من الطبقات المتعلمة‪ ،‬وهو‬ ‫إلنجاز آخر مدهش‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ألفاظا مثل "عدوان" و "إرهاب" ال تكفي‪ ،‬فإننا نحتاج‬ ‫و حيث أن‬ ‫لمصطلح جديد لوصف التعذيب السادي الجبان الذي يتعرض‬ ‫له السكان المحبوسين في قفص ال يمكن الهروب منه‪ ،‬وفي نفس‬

‫‪19‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫الوقت يتم سحقهم ودكهم حتى التراب بأعقد منتجات التقنية‬ ‫ً‬ ‫خرقا للقانون الدولي‬ ‫العسكرية األمريكية – والتي ُيعتبر استخدامها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تقنيا‬ ‫توصيفا‬ ‫بل وللقانون األمريكي‪ ،‬ولكن هذا ال يعدو أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ثانويا بالنسبة للدول التي تعلن عن نفسها صراحة أنها ال تخضع‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‪ ،‬توصيف فني ثانوي آخر‪ ،‬حقيقة أنه‬ ‫للقانون (مارقة)‪.‬‬ ‫في ‪ 31‬ديسمبر‪ ،‬بينما كان أهالي غزة المرعوبين يلتمسون حماية‬ ‫من العدوان المستمر بال هوادة‪ ،‬استأجرت واشنطن سفينة تجارية‬ ‫لكي تقوم بنقل شحنة ضخمة من اليونان إلى إسرائيل‪ ،‬تتألف من‬ ‫‪ 3000‬طن من "الذخيرة الحربية" التي لم يكشف عن نوعها‪ .‬هذه‬ ‫الشحنة الجديدة "تأ تي عقب تأجير سفينة تجارية‪ ،‬في ديسمبر‪ ،‬لنقل‬ ‫ً‬ ‫جدا من المعدات الحربية من الواليات المتحدة إلى‬ ‫حمولة أكبر‬ ‫ً‬ ‫قدما قبل بدء الضرب الجوي لقطاع غزة‪ "،‬حسب تقرير‬ ‫إسرائيل ُم‬ ‫رويتر‪ .‬كل هذا بخالف ما يزيد عن ‪ 21‬بليون دوالر من المساعدات‬ ‫العسكرية األمريكية التي قدمتها حكومة بوش إلسرائيل‪ ،‬معظمها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‪" .‬إن التدخل اإلسرائيلي في قطاع غزة قد استمد وقوده‬ ‫منحا‬ ‫بقدر عظيم من تزويده باألسلحة األمريكية التي ُيسدد ثمنها‬ ‫من دوالرات دافع الضرائب األمريكي‪ "،‬كما يقول تقرير لمؤسسة‬ ‫´نيو أمريكا´ ‪ ،‬التي تقوم برصد تجارة السالح‪ .‬غير أن الشحنة الجديدة‬

‫‪20‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫قد تعرقلت بسبب قرار الحكومة اليونانية بحظر استخدام أي ميناء‬ ‫في اليونان في أعمال إ مداد وتزويد للجيش اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫إن ردة فعل اليونان لجرائم إسرائيل التي ترتكبها بمساندة‬ ‫الواليات المتحدة ت ختلف بالفعل عن السلوك الجبان لمعظم قادة‬ ‫أوربا‪ .‬هذا التمايز يكشف أن واشنطن ربما كانت واقعية بشدة عندما‬ ‫نظرت إلى اليونان كجزء من الشرق األدنى وليس من أوربا‪ ،‬حتى تم‬ ‫خلع النظام الديكتاتوري الفاشيستى الذي تدعمه الواليات المتحدة‬ ‫عام ‪ . 1974‬ربما تكون اليونان على درجة عالية من التحضر تنأى بها‬ ‫ً‬ ‫جزءا من أوربا‪.‬‬ ‫عن أن تكون‬ ‫إذا كان ثمة أحد يفطن ألن توقيت تدفق الشحنات العسكرية على‬ ‫إسرائيل مثير للتساؤل ومن ثم طلب مزيد من اإليضاح‪ ،‬فإن‬ ‫ً‬ ‫جدا ال يفي‬ ‫البنتاجون لديه إجابة‪ :‬إن الشحنة ستصل بشكل متأخر‬ ‫باإلسهام في تصعيد الهجوم على غزة‪ .‬وتلك المعدات العسكرية‬ ‫ً‬ ‫مسبقا في إسرائيل لكي‬ ‫على أية حال‪ ،‬ربما سوف يتم نشرها‬ ‫ً‬ ‫أخيرا القوات العسكرية األمريكية‪ .‬قد يكون هذا صحيح‪،‬‬ ‫تستخدمها‬ ‫فإن أحد الخدمات التي تؤديها إسرائيل لنصيرها هو أن تقدم‬ ‫له قاعدة عسكرية ثمينة في منطقة مهمة غنية بأهم مصادر الطاقة‬

‫‪21‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫في العالم‪ ،‬ولذلك فهي قد توظف كقاعدة أمامية لهجوم أمريكي‪.‬‬ ‫أو بتعبير فني "للدفاع عن الخليج" أو "لحفظ االستقرار"‪.‬‬ ‫إن التدفق ال ضخم للسالح على إسرائيل يخدم أهداف ًا فرعية‬ ‫عديدة‪ .‬يقول ميون رباني‪ ،‬محلل السياسات في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حديثا ضد‬ ‫تستطيع إسرائيل أن تختبر أنظمة األسلحة المطورة‬ ‫األهداف الغير محصنة‪ ،‬ولذلك قيمة مضاعفة‪ ،‬حقيقة‪ ،‬بالنسبة‬ ‫إلسرائيل والواليات المتحدة على حد سواء‪ .‬ألن اإلصدارات األقل‬ ‫فاعلية من هذه األنظمة العسكرية ستباع بالتالي للدول العربية‬ ‫بأسعار باهظة مبالغ فيها‪ ،‬وتجلب األموال التي تُ ضخ في صناعة‬ ‫السالح األمريكي‪ ،‬وفي المعونات األمريكية التي تمنح إلسرائيل‪.‬‬ ‫هذه وظائف إضافية تؤديها إسرائيل لمنظومة الشرق األوسط التي‬ ‫تهيمن عليها الواليات المتحدة‪ ،‬وهي من بين األسباب العديدة‬ ‫لماذا تحبذ السلطات األمريكية وتحابي إسرائيل بالتوازي مع نطاق‬ ‫عريض من المؤسسات التي تعمل في التقنية المتقدمة‪،‬‬ ‫وبالتوازي مع صناع السالح‪ ،‬ومع االستخبارات‪ ،‬بكل تأكيد‪.‬‬ ‫إذا استبعدنا إسرائيل‪ ،‬فإن الواليات المتحدة هي كبرى مورد ي‬ ‫السالح في العالم‪ .‬لقد ُ‬ ‫خلص تقرير حديث صادر عن مؤسسة‬ ‫´نيو أمريكا´ إلى أن السالح والتدريب العسكري األمريكي قد لعبا‬

‫‪22‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫حربا رئيسية دائرة في عام ‪ ،2007‬وهو ما أدر من األرباح‬ ‫دورا في ‪27‬‬ ‫فواتير ًا تقدر بـ ‪ 23‬بليون دوالر ترتفع إلى ‪ 32‬بليون دوالر في عام‬ ‫‪ .2008‬ولذلك‪ ،‬ال تأخذنا دهشة كبيرة أنه من بين القرارات الكثيرة‬ ‫التي عارضتها أمريكا في األمم المتحدة في جلسة ديسمبر عام‬ ‫ً‬ ‫قرارا يدعو لضبط تجارة السالح‪ .‬كانت الواليات المتحدة هي‬ ‫‪2008‬‬ ‫الدولة الوحيدة التي استخدمت حق النقض‪ ،‬من قبل‪ ،‬ضد االتفاقية‬ ‫عام ‪ . 2006‬ولكن‪ ،‬في نوفمبر ‪ ،2008‬انضم إليها شريك آخر‬ ‫‪3‬‬

‫هو "زيمبابوي "‪.‬‬ ‫كانت هناك اقتراعات أخرى ت سترعي االنتباه في جلسة ديسمبر‬ ‫ً‬ ‫قرارا يدعو إلى حق الشعب‬ ‫فمثال‪ ،‬تم تبني‬ ‫في األمم المتحدة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الفلسطيني في تقرير المصير وافقت عليه ‪ 173‬دولة في مقابل‬

‫‪3‬‬

‫وصف جون سويرز‪ ،‬سفير بريطانيا لدى األمم المتحدة‪ ،‬توحد الواليات المتحدة وزيمبابوي ضد‬

‫االقتراع بأنه "ائتالف غريب مثير للتساؤل"‪ .‬وكانت الواليات المتحدة قد أدانت الرئيس الزيمبابوي‪،‬‬ ‫روبرت موجابي‪ ،‬بخصوص سياساته نحو الجماعات المعارضة وقامت بمحاوالت ناجحة إلصدار لحمل‬ ‫مجلس األمن على إصدار عقوبات ضده وضد مسئولين زيمبابويين آخرين‪ .‬كما علق براين وود‪ ،‬المدير‬ ‫قائال "إنه لعار على‬ ‫المسئول عن حملة منظمة العفو الدولية للحد من التسلح ‪ ،‬على هذا االقتراع‬ ‫ً‬ ‫حكومتي الواليات المتحدة وزيمبابوي أن يتخذا ذلك الموقف اليوم ضد اتفاقية كان من شأ نها أن تنقذ‬ ‫حياة ومقادير الكثيرين‪( .‬المترجم‪).‬‬

‫‪23‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫خمسة أصوات رفضته هي الواليات المتحدة‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬وجزر‬ ‫الباسفيك المستقلة‪ .‬إن هذا االقتراع يجزم بشدة بالرفض بالسلوك‬ ‫المزمن الرافض الذي تمارسه إسرائيل والواليات المتحدة في عزلة‬ ‫ً‬ ‫قرارا آخر ًا خاص بالحرية العامة‬ ‫دولية‪ .‬وبالمثل فإن ه قد تم تبني‬ ‫الشاملة في السفر وباألهمية القصوى لجمع شمل األسر باستثناء‬ ‫الواليات المتحدة وإسرائيل وجزر الباسفيك المستقلة الذين رفضوا‬ ‫القرار‪ ،‬وبالطبع‪ ،‬كان الفلسطينيين في بالهم‪.‬‬ ‫في تصويتها ضد حق التنمية فإن الواليات المتحدة قد خسرت‬ ‫إسرائيل‪ ،‬ولكنها ربحت أوكرانيا‪ .‬وفي تصويتها ضد الحق في الغذاء‬ ‫وقفت الواليات المتحدة بمفردها‪ ،‬في تحد سافر مذهل حرج‪،‬‬ ‫في وجه أزمة غذاء عالمية مهولة تقزُ م أمامها األزمة المالية التي‬ ‫تهدد اقتصاديات الدول الغربية‪.‬‬ ‫هناك أسباب وجيهة لماذا يتم باستمرار التعتيم على سجل‬ ‫االقتراع في األمم المتحدة‪ ،‬ولماذا يسقط في حفرة الذاكرة لدى‬ ‫وسائل اإلعالم والمثقفين النمطيين‪ ،‬فلن يكون من الحكمة الكشف‬ ‫للعامة عن السجالت التي تبوح ب حقيقة النواب الذين ينتخبونهم‪.‬‬ ‫وليس خفي أنه ليس من المفيد‪ ،‬في الحالة الراهنة‪ ،‬السماح بأن‬ ‫يدرك العامة أن السلوك اإلسرائيلي–األمريكي الرافض يعرقل‬

‫‪24‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫حثيثا‪ ،‬ويصل من التطرف‬ ‫التسوية السياسية التي يؤازرها العالم‬ ‫أقصاه بأن ينكر على الفلسطينيين حتى الحق المجرد في تقرير‬ ‫المصير‪.‬‬ ‫وصف الطبيب النرويجي‪ ،‬مادز جلبرت‪ ،‬وهو واحد من المتطوعين‬ ‫البطوليين في غزة‪ ،‬مشهد الرعب هناك بأنه حرب شاملة ضد‬ ‫السكان المدنيين في غزة‪ .‬و يقدر أن نصف عدد الضحايا من النساء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طبقا‬ ‫أيضا من المدنيين‪،‬‬ ‫واألطفال‪ .‬والضحايا من الرجال هم‬ ‫ً‬ ‫نادرا ما رأى ضحية من‬ ‫للمعايير المتحضرة‪ .‬ويقرر جلبرت أنه‬ ‫العسكريين بين مئات الجثث‪ .‬وتتفق معه في الرأي قوات الدفاع‬ ‫اإلسرائيلية‪ .‬إن حماس قد اتخذت مبدأ القتال عن بعد أو عدم القتال‬ ‫على اإلطالق‪ .‬هكذا يقرر إيثان برونر بينما يقوم بإعراب مكاسب‬ ‫الهجوم اإلسرائيلي–األمريكي‪ .‬وهكذا‪ ،‬تبقى القوة البشرية‬ ‫لحماس مصونة‪ ،‬بينما األغلب‪ ،‬أن المدنيين هم الذين يكابدون األلم‪.‬‬ ‫وتلك محصلة جيدة في منظور العقيدة (اإلسرائيلية) السائدة‪.‬‬ ‫أكد هذه التقديرات جون هولمز‪ ،‬رئيس وكالة اإلغاثة اإلنسانية‬ ‫التابعة لهيئة األمم المتحدة‪ ،‬الذي أبلغ المراسلين أنه ال فتراض‬ ‫ً‬ ‫جدا من الحقيقة أن معظم المدنيين الذين ُقتلوا كانوا‬ ‫قريب‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫يوما بعد‬ ‫سوءا‬ ‫من النساء واألطفال‪ ،‬في كارثة وأزمة إنسانية تزداد‬

‫‪25‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫فلتثلج صدورنا بكلمات‬ ‫ُ‬ ‫يوم‪ ،‬في ظل استمرار العنف‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫تشيبي ليفني‪ ،‬وزيرة الخارجية اإلسرائيلية وأبرز الحمائم في الحملة‬ ‫االنتخابية الحالية‪ 4‬التي أكدت أنه ال توجد "أزمة إنسانية في قطاع‬ ‫غزة وذلك بفضل خيرية إسرائيل"‪.‬‬ ‫ومثل غيره ممن يكترثون ببني البشر وبمصيرهم‪ ،‬فإن جلبرت‬ ‫وهولمز قد ناشدا الجميع للوصول إلى وقف إطالق النار‪ .‬ولكن‬ ‫ليس بعد‪ .‬فكما ذكرت الـ ´نيويورك تايمز´‪ ،‬بشكل عابر‪ ،‬أنه في األمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬لجأت أمريكا لمنع مجلس األمن الدولي من إصدار قرار‪،‬‬ ‫في ليلة السبت‪ ،‬يدعو إلى وقف فوري إلطالق النار‪ .‬والسبب‬ ‫ً‬ ‫رسميا لهذا الرفض هو أنه ال يوجد أي مؤشر بأن حماس‬ ‫المعلن‬ ‫سوف تلتزم بأية اتفاقية ‪ .‬وإن هذا التبرير لجدير بأن يحتل مرتبة أكثر‬ ‫التبريرات مدعاة للسخرية والتشاؤم في تاريخ المبررات التي تتلذذ‬ ‫ً‬ ‫عاما بعد عام ‪ .‬صدر مثل هذا‬ ‫بالذبح واإلبادة‪ ،‬والتي تتكرر وتتوالى‬ ‫التبرير‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬عن بوش ورايس اللذين كان يوشك أن يحل محلهما‬ ‫أوباما الذي يكرر بنحو شفوق أنه "لو كانت الصواريخ تسقط حيث‬

‫‪4‬‬

‫خاضت ليفني االنتخابات للحصول على مقعد رئاسة الوزراء بعد قليل من كتابة هذا المقال‬

‫وخسرت أمام نيتناهو بفارق صوت واحد‪( .‬المترجم ‪) .‬‬

‫‪26‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫تنام ابنتاي الصغيرتان‪ ،‬فإنني لكنت أفعل أي شيء لكي أمنع هذا"‪.‬‬ ‫لقد كان يشير إلى أطفال اإلسرائيليين وليس إلى ال مئات الذين‬ ‫ُيمزقون ً‬ ‫إربا في غزة بواسطة األسلحة األمريكية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬احتفظ‬ ‫أوباما بالصمت‪.‬‬ ‫و بعد أيام قليلة‪ ،‬وتحت ضغط دولي مكثف‪ ،‬ساندت الواليات‬ ‫ً‬ ‫قرارا لمجلس األمن الدولي يدعو إلى وقف ثابت إلطالق‬ ‫المتحدة‬ ‫ً‬ ‫عضوا بينما امتنعت الواليات‬ ‫النار‪ .‬وصدر القرار بموافقة ‪14‬‬ ‫المتحدة عن التصويت‪ .‬ولقد استشاط الصقور في الواليات‬ ‫ً‬ ‫غضبا ألن الواليات المتحدة لم تستخدم حق‬ ‫المتحدة وإسرائيل‬ ‫النقض كما هو معتاد‪ .‬غير أن هذا االمتناع عن التصويت كان كاف أن‬ ‫يعطي إلسرائيل إن لم يكن الضوء األخضر فعلى األقل الضوء‬ ‫األصفر لكي تمضي في تصعيد العنف‪ ،‬كما فعلت‪ ،‬في الواقع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تقريبا حتى لحظة االحتفال بتنصيب الرئيس األمريكي الجديد‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬ ‫مسبقا‪.‬‬ ‫ما كنا نتوقعه‬ ‫ً‬ ‫نظريا‪ ،‬في حيز التنفيذ‪ ،‬في ‪ 18‬يناير‪،‬‬ ‫وإذ دخل وقف إطالق النار‪،‬‬ ‫أصدر المركز الفلسطيني لحقوق اإلنسان إحصاءاته عن اليوم األخير‬ ‫ً‬ ‫فلسطينيا بينهم ‪43‬‬ ‫لالعتداء اإلسرائيلي – األمريكي‪ :‬تم قتل ‪54‬‬ ‫من المدنيين غير المسلحين‪ ،‬منهم ‪ 17‬من األطفال‪ ،‬بينما استمرت‬

‫‪27‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫قوات الدفاع اإلسرائيلي في قذف منازل المدنيين والمدارس‪،‬‬ ‫التي أنشأتها األمم المتحدة‪ ،‬بالقنابل‪ .‬وقدر المركز أن إجمالي تعداد‬ ‫القتلى قد وصل إلى ‪ 1184‬منهم ‪ 844‬من المدنيين بينهم ‪ 281‬من‬ ‫األطفال‪ .‬وقد استمر الجيش اإلسرائيلي في استخدام القنابل‬ ‫الحارقة عبر قطاع غزة وفي تدمير المنازل واألراضي الزراعية مضطرة‬ ‫المدنيين إلى الهروب من منازلهم‪ .‬وبعد مرور ساعات قليلة أعلنت‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‪ ،‬فإن العاملين‬ ‫وكالة رويتر أن تعداد القتلى وصل إلى ‪. 1300‬‬ ‫في مركز المازن‪ ،‬الذي يرصد بدقة أعداد الضحايا وحجم الدمار‪ ،‬قد‬ ‫قاموا بزيارة األماكن والمناطق التي لم يمكن الوصول إليها من قبل‬ ‫بسبب القذف المكثف غير المنقطع بالقنابل‪ .‬وقد اكتشفوا عشرات‬ ‫من جثث المدنيين المتحللة تحت أنقاض المنازل التي دمرتها‬ ‫إسرائيل أو التي أزالتها الجرافات‪ .‬لقد وجدوا أن كتل سكنية مدنية‬ ‫قد اختفت بالتمام‪.‬‬ ‫هذه األرقام واإلحصاءات عن تعداد القتلى والجرحى هي‪،‬‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬تقديرات أقل بكثير من الواقع‪ .‬وليس من المحتمل أن يكون‬ ‫هناك أي تحقيق عن هذه األعمال الوحشية الشنيعة؛ فإن الجرائم‬ ‫ً‬ ‫دائما لتحقيقات صارمة لكن‬ ‫التي يرتكبها أعداؤنا الرسميون تخضع‬

‫‪28‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫الجرائم التي نرتكبها نحن يتم تجاهلها بشكل منتظم‪ ،‬وتلك ممارسة‬ ‫عامة‪ ،‬مرةً أخرى‪ ،‬متفق عليها ومفهومة من جانب األسياد‪.‬‬ ‫دعا قرار مجلس األمن إلى وقف تدفق السالح إلى غزة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سريعا بعد‬ ‫وتوصلت الواليات المتحدة وإسرائيل‪ ،‬أي رايس وليفني‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬إلى اتفاقية عن اإلجراءات التي تؤمن هذه النتيجة بالتركيز على‬ ‫األسلحة اإليرانية‪ ،‬لكن‪ ،‬ال توجد ضرورة لوقف تهريب السالح‬ ‫األمريكي إلى إسرائيل ألنه ال يوجد تهريب‪ .‬إن التدفق الضخم‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬حتى إن لم يبلغ‬ ‫لألسلحة ما هو إال سياسة تتم بشكل علني‬ ‫ً‬ ‫رسميا‪ ،‬كما في حالة شحنة تلك األسلحة التي ُأعلن عنها لدى‬ ‫عنها‬ ‫بدء المذبحة ضد أهالي غزة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثابتا للمعابر على أساس‬ ‫فتحا‬ ‫أيضا إلى تأمين‬ ‫لقد دعا القرار‬ ‫اتفاقية عام ‪ ،2005‬بين السلطة اإلسرائيلية وإسرائيل‪ ،‬الخاصة‬ ‫بحرية الحركة والوصول‪ .‬حددت هذه االتفاقية السماح بالعبور‬ ‫ً‬ ‫أيضا بمرور البضائع‬ ‫المستمر إلى غزة‪ ،‬وأن إسرائيل ستسمح‬ ‫والبشر فيما بين قطاع غزة والض فة الغربية‪ .‬ولكن اتفاقية رايس‬ ‫وليفني ال شأن لها بقرار مجلس األمن الدولي وال تذكر أي شيء‬ ‫بخصوصه‪ .‬إن الواليات المتحدة وإسرائيل قد تخلتا بالفعل عن اتفاق‬ ‫‪ ،2005‬كجزء من عقابهم للفلسطينيين على االقتراع بالشكل الخطأ‬

‫‪29‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫في االنتخابات الحرة في يناير ‪ .2006‬إن رايس في المؤتمر‬ ‫الصحفي الذي عقدته عقب اتفاقية رايس ‪ -‬ليفني‪ ،‬قد شددت‬ ‫على أن واشنطن مستمرة في جهودها لمعالجة النتائج المترتبة‬ ‫على االنتخابات الحرة الوحيدة التي أجريت في العالم العربي‪ ،‬وقالت‬ ‫"هناك الكثير مما يمكن عمله من أجل الخروج بغزة من حكم حماس‬ ‫المظلم إلى النور البهي الذي يمكن أن تجلبه حكومة السلطة‬ ‫الفلسطينية‪ .‬بمعنى أنه‪ ،‬على األقل‪ ،‬يمكن أن تجلبه هذه السلطة‬ ‫ً‬ ‫وفيا موصوم ًا بالفساد وعلى استعداد إلى القيام‬ ‫عميال‬ ‫ما بقيت‬ ‫ً‬ ‫بأعمال القمع الوحشية على أن تتبقى‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬مطيعة‬ ‫مذعنة‪.‬‬ ‫ولدى عودته من زيارة األراضي العربية‪ ،‬أكد جرجس فواز بقوة ما‬ ‫أبلغه اآلخرون عن المشهد‪ .‬إن تأثير الهجوم اإلسرائيلي – األمريكي‬ ‫على غزة قد أدى إلى إثارة غضب وحنق السكان وإلى إثارة موجة‬ ‫كراهية وضغينة مريرة للمعتدين والمتعاونين معهم‪ .‬ويكفيك القول‬ ‫أن الدول العربية المعتدلة‪ ،‬أي هؤالء الذين يتلقون أوامرهم من‬ ‫واشنطن‪ً ،‬أصبحوا في وضع الدفاع‪ ،‬بينما جبهة المقاومة بقيادة‬ ‫إيران وسوريا هي المستفيد الرئيسي‪ .‬ومرةً أخرى‪ ،‬فأ ن حكومة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سائغا‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬قال‬ ‫نصرا‬ ‫بوش قد أعطت القيادة اإليرانية‬

‫‪30‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫فواز‪ ،‬سيكون من المحتمل أن تبزغ حماس أكثر ويصعد نجمها كقوة‬ ‫سياسية أكبر من ذي قبل‪ ،‬ومن المحتمل أن تتفوق على فتح والجهاز‬ ‫الحاكم لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وهو المحبذ لدى‬ ‫رايس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫محميا‬ ‫من الجدير أن نضع في أذهاننا إن العالم العربي ليس بدقة‬ ‫من التغطية التلفزيونية المنتظمة الحية الوحيدة لما يدور في غزة‬ ‫وهو ما يمكن أن يسمى التحليل الهادئ للكارثة والدمار الذي يقدمه‬ ‫ً‬ ‫مركزا مذهال‬ ‫المراسلون المتميزون لقناة الجزيرة التي أصبحت تحتل‬ ‫بين القنوات الفضائية الرئيسية‪ ،‬حسب تقرير مجلة لندن فاينانشيال‬ ‫تايمز‪ .‬ففي ‪ 105‬دولة تفتقر إلى اإلجراءات الفعالة للرقابة الذاتية‪،‬‬ ‫يستطيع الناس أن يروا ما ي حدث على مدار الساعة‪ .‬إن تأثير ذلك‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬كما يقال‪ .‬في أمريكا‪ ،‬قالت الـ نيويورك تايمز أن هذه‬ ‫عظيم ًا‬ ‫التعمية شبه التامة هي بال شطط على عالقة بالنقد الحاد الذي‬ ‫تلقته الجزيرة من الواليات المتحدة أثناء المراحل األولى لحربها على‬ ‫العراق‪ ،‬بسبب تغطيتها للغزو األمريكي‪ ،‬إن كل من تشيني‬ ‫ورامسفيلد قد اعترضا على هذه التغطية وهكذا فمن الواضح‬ ‫أن هذه الوكالة اإلعالمية المستقلة ليس أمامها إال الخضوع والطاعة‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫هناك الكثير من الجدل والمناقشات العقالنية حول األهداف‬ ‫التي كان يبغي المعتدون أن يحققونها أو ينجزونها‪ ،‬فهناك أهداف‬ ‫يتداو لها البعض بشكل مألوف بينها استعادة قدرة الردع التي‬ ‫خسرتها إسرائيل نتيجة لفشلها في لبنان عام ‪ ،2006‬أي القدرة على‬ ‫اإلرهاب وإرعاب أي معترض محتمل حتى إجباره على الخضوع‬ ‫واالستسالم‪ .‬ولكن على أية حال هناك أهداف أخرى رئيسية أكثر‬ ‫أهمية هناك ميل لتجاهلها‪ ،‬رغم أنها تظهر بوضوح شديد إذا ألقينا‬ ‫نظرة على التاريخ الحديث‪.‬‬ ‫لقد تخلت إسرائيل عن غزة في سبتمبر ‪ ،2006‬ألن المتحصفين‬ ‫من المتشددين اإلسرائيليين مثل أ يريل شارون‪ ،‬وهو النصير‬ ‫األعظم لحركة المستوطنين‪ ،‬قد أدركوا أنه ليس من الحكمة تقديم‬ ‫الدعم المالي لحفنة آالف من المستوطنين اإلسرائيليين الغير‬ ‫شرعيين في أنقاض غزة وتوفير حماية الجيش اإلسرائيلي لهم بينما‬ ‫ه م يستهلكون الكثير من األرض والموارد الشحيحة‪ .‬لذلك فمن‬ ‫المعقول أكثر تحويل غزة إلى أكبر سجن في العالم ونقل‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬حيث‬ ‫المستوطنين إلى الضفة الغربية‪ ،‬وهي أرض أكثر قيمة‬ ‫ً‬ ‫جدا بشأنها‪ ،‬وفي قول واحد مختصر وأهم‬ ‫نوايا إسرائيل واضحة‬ ‫ً‬ ‫جدا في الحقيقة‪ ،‬إن أحد األهداف هو ضم األراضي العربية والمياه‬

‫‪32‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫والضواحي ذات األرض السائغة المحيطة بالقدس وتل أبيب والتي‬ ‫ً‬ ‫خالفا لما تشتهيه إسرائيل‪ ،‬أقرت‬ ‫تقع داخل الجدار العازل الذي‪،‬‬ ‫محكمة العدل الدولية بعدم شرعيته‪ .‬يشتمل هذا على القدس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫انتهاكا لقرارات مجلس األمن الدولي‬ ‫جدا بشكل يمثل‬ ‫الموسعة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا في نظر‬ ‫عاما إلى الوراء‪ ،‬والتي ال ُيعتد بها‬ ‫التي تعود إلى ‪40‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا باستمرار تستولى على وادي‬ ‫إسرائيل‪ .‬لقد ظلت إسرائيل‬ ‫األردن‪ ،‬أي على نحو ثلث الضفة الغربية‪ .‬لذلك فإن ما تبقى من‬ ‫األرض هو أجزاء محاصرة وباألكثر مت شظية‪ ،‬بسبب اختراق‬ ‫المس توطنات اليهودية لها بشكل يمزق األرض إلى ثالثة أقسام‬ ‫متساوية‪ ،‬مستوطنة في شرقي القدس الكبرى ممتد حتى مدينة‬ ‫مالح أدونيم‪ ،‬والتي تم إنشاءها في سنوات كلينتون بهدف تقسيم‬ ‫الضفة الغربية‪ ،‬ومستوطنتين أخريتين عبر مدينتي أريل وكيدومين‪.‬‬ ‫إن ما تبقى من أراض للفلسطينيين تعزله مئات من نقاط التفتيش‬ ‫االستبدادية والجائرة في أغلب األحوال‪.‬‬ ‫إن نقاط التفتيش ليس ت لها عالقة بأمن إسرائيل‪ .‬وإذا كان‬ ‫الهدف م ن بعضها هو حماية المستوطنين فإن هذا غير شرعي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طبقا لحكم محكمة العدل الدولية‪ .‬إن هدفهم الرئيسي هو‬ ‫تماما‬ ‫التحرش بالسكان الفلسطينيين وتحصين ما يسميه جيف هالبرت‪،‬‬

‫‪33‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ناشط حركة السالم اإلسرائيلي "منظومة الهيمنة" التي صمموها‬ ‫ً‬ ‫"وحوشا تسير‬ ‫لكي تجعل الحياة غير محتملة لهؤالء الذين يس مونهم‬ ‫على قدمين" الذين سيصبحون مثل "صراصير مخدرة تقفز في‬ ‫قارورة"‪ ،‬إذا ما اختاروا البقاء في منازلهم وأرضهم‪ .‬كل هذا منصف‬ ‫بشكل كاف‪ ،‬ألنهم بالمقارنة بنا هم جراد نطاط‪ ،‬لذلك يمكن‬ ‫أن تضرب رؤوسهم في الجلمود والجدران وتهشم‪ .‬هذه‬ ‫المصطلحات صادرة عن أع لى القيادات السياسية والعسكرية‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬وهم‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬األمراء الموقرون‪ .‬واألفكار‬ ‫تصنع السياسات‪.‬‬ ‫ُيعد هذا الهذيان الصادر عن القيادات العسكرية والسياسية‬ ‫معتدال وغير متطرف‪ ،‬إ ذا قورن بما يدعو إليه ويبشر به مراجعة‬ ‫ً‬ ‫الحاخامات‪ ،‬وهم شخصيات ليست ذات وزن هامشي‪ ،‬بل بالعكس‪،‬‬ ‫لهم وزن ونفوذ شديد في الجيش وفي حركة االستيطان‪ .‬هؤالء‪،‬‬ ‫الذين يكشف زيرتال وإيرتال أنهم أصحاب (أرباب) األرض‪ ،‬لهم تأثير‬ ‫هائل على السياسة‪ .‬لقد ُوفرت للجنود الذين يقاتلون في شمالي‬ ‫غزة زيارة تحفيزية من اثنين من الحاخامات البارزين الذين أوضحوا لهم‬ ‫أنه "ال يوجد أبرياء في غزة"‪ ،‬لذلك فإن كل شخص هناك هو هدف‬

‫‪34‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫مشروع‪ ،‬مستشهدين بمقطع شهير من سفر المزامير‪ 5‬يدعون فيها‬ ‫الرب أن يمسك أطفال أعداء إسرائيل أو ظالموها وأن يضرب‬ ‫رؤوسهم بالصخور‪ .‬وهم هنا لم يقوموا بفتح جديد‪ .‬فقبل عام من‬ ‫ذلك‪ ،‬كتب الحاخام الرئيس السابق للسفارديم إلى رئيس وزراء‬ ‫الوزراء أو لمرت يبلغه أن جميع المدنيين في غزة هم في جملتهم‬ ‫مذنبين بسبب هجمات الصواريخ‪ ،‬ولذلك فإنه ال يوجد أي حظر‬ ‫أخالقي ضد القتل غير المميز للمدنيين أثناء أي هجوم مكثف‬ ‫محتمل على غزة يهدف إلى وقف إطالق الصواريخ‪ .‬وهي الفتوة‬ ‫التي نشرتها مجلة جيرو زاليم بوست‪ .‬أما الحاخام رئيس السفيك‪،‬‬ ‫فقد قال بشكل بليغ هكذا "إذا لم يتوقفوا بعد مقتل ‪ 100‬منهم‬

‫‪5‬‬

‫اإلشارة هنا إلى فقرة من المزمور رقم ‪ 137‬من سفر المزامير بالعهد القديم للكتاب المقدس‪:‬‬

‫يا بنت بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتينا ! طوبى لمن يمسك أطفالك و يضرب‬ ‫بهم الصخرة (مز ‪ .) 9 ،8 : 137‬وهو أنشودة رثائية تعبر عن لسان حال األتقياء من اليهود الذين يقاسون‬ ‫مذلة السبي إلى بابل في العراق القديمة على يد الملك نبوخذ نصر الكلداني (‪ 597‬ق‪.‬م)‪ ،‬فيعبرون‬ ‫عن أشواقهم للرجوع إلى وطنهم األصلي وإلى أورشليم حيث بيت العبادة التي حرموا منها في‬ ‫األرض الغريبة الوثنية‪ ،‬ويلتمسون نقمة ال له على أعدائهم البابليين الذي خربوا أرضهم وهيكلهم‬ ‫المقدس‪ .‬ويتفق المفسرون‪ ،‬أنه كما هو الحال في سفر المزامير الشعري برمته‪ ،‬فإن هذا المزمور‬ ‫وعلى األخص هذا المقطع له معان رمزية ونبوية بعيدة‪ ،‬حيث الصخرة ترمز للمسيا (السيد المسيح)‪،‬‬ ‫وبنت بابل ترمز إلى النسل الوثن ي الشرير في أي زمان أو مكان والضد للمسيح الذي سيأتي في آخر‬ ‫الزمان‪ .‬فيكون المعنى الرمزي والروحي األصيل هنا هو الصالة من أجل أن يحطم المسيا مملكة الشر‬ ‫الروحي (المترجم)‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫يجب أن نقتل ‪ 1000‬وإذا لم يتوقفوا بعد ‪ 1000‬يجب أن نقتل‬ ‫‪ 10,000‬وإذا لم يتوقفوا يجب أن تقتل ‪ 100,000‬حتى إلى مليون‬ ‫حتى نجعلهم يتوقفون‪".‬‬ ‫ولقد عبرت الشخصيات المدنية األمريكية البارزة عن وجهات نظر‬ ‫مماثلة ‪ ،‬فعندما قامت إسرائيل بغزو لبنان عام ‪ ،2006‬صرح آالن‬ ‫ديرشويدز‪ ،‬األستاذ في كلية هارفارد القانونية‪ ،‬في مجلة جورنال‬ ‫هافينتون بوست‪ ،‬التي تنشر على اإلنترنت‪ ،‬أن جميع اللبنانيين هم‬ ‫أهداف شرعية للعنف اإلسرائيلي‪ .‬إن المواطنين اللبنانيين يدفعون‬ ‫الثمن لمساندتهم لإلرهاب أي مساندتهم لمقاومة الغزو‬ ‫اإلسرائيلي‪ .‬وعلى ذلك فإن المدنيين اللبنانيين ليس لهم أية‬ ‫حصانة ضد الهجوم أكثر من تلك التي كانت ل لنمساويين الذين كانوا‬ ‫يساندون النازي‪ .‬إن الفتوة التي أطلقها الحاخام السيفارديكي‬ ‫تنطبق عليهم‪ .‬وفي مقطع فيديو تم عرضه في موقع جيروزاليم‬ ‫بوست على اإلنترنت ‪ ،‬مضى ديرشويدز في الحديث الساخر‬ ‫المتهكم حول النسبة العالية للقتلى‬ ‫بالقتلى‬

‫اإلسرائيليين‪،‬‬

‫فقال‬

‫إن‬

‫بين الفلسطينيين مقارنة‬ ‫هذه‬

‫النسبة‬

‫حتى‬

‫تصبح ‪ 1000‬إلى ‪ 1‬أو حتى تصبح ‪ 1000‬إلى صفر‪ ،‬بما يعني‬ ‫أنه يجب إبادة هؤالء الوحوش بالتمام‪ ،‬وهو بالطبع يشير‬

‫‪36‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫إلى اإلرهابيين‪ ،‬وهو تصنيف واسع يشمل جميع ضحايا القوة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أبدا‪ ،‬كما صرح‬ ‫نظرا ألن إسرائيل ال تستهدف المدنيين‬ ‫اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫بشكل حاسم‪ ،‬وهو ما يترتب عليه أن الفلسطينيين واللبنانيين‬ ‫والتونسيين‪ ،‬وفي الحقيقة‪ ،‬أي من يعترض طريق جيوش الدولة‬ ‫ً‬ ‫إرهابيا أو ضحية‬ ‫المقدسة الجائرة التي ال تعرف الهوادة‪ ،‬يعتبر‬ ‫عفوية لجرائمهم العادلة المنصفة‪.‬‬ ‫ليس من السهل أن نجد أي نظير في التاريخ لمثل هذا السلوك‪.‬‬ ‫إن مكمن الطرافة أنه لو كانت مثل هذه التصريحات تصدر من أفواه‬ ‫أعدائنا الرسميين لكانت تجلب انتهاكات وخرق مبرر للقانون وكانت‬ ‫تدعو الستخدام عنيف للقوة في ضربات استباقية منتقمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مطلقا"‬ ‫إن االدعاء من جانبنا "نحن ال نستهدف المدنيين‬ ‫هو ع قيدة مألوفة بين هؤالء الذين يحتكرون وسائل العنف‪ .‬وإن هذا‬ ‫لعلى قدر من الحقيقة‪ .‬فبصفة عامة‪ ،‬نحن ال نهدف إلى قتل‬ ‫مدنيين معينين‪ ،‬بل بالحري نحن ننفذ أعمال سفح وقتل نعلم أنه‬ ‫من شأنها أن تقتل الكثير من المدنيين‪ ،‬لكن دون أي نية محددة‬ ‫لمقتل أشخاص بعينهم‪ .‬في القانون‪ ،‬هذه الممارسات الروتينية‪،‬‬ ‫يمكن تقع تحت تصنيف عدم االكتراث الحقير‪ .‬ولكن هذا ليس بكاف‬ ‫لتخطيطات وتصميمات معيار الممارسة االستبدادية وعقيدتها‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫إن األمر أشبه بالسير في الشارع عالمين أننا ربما نقتل النمل تحت‬ ‫أقدامنا ولكن دون تعمد فعل ذلك‪ ،‬ألنها مخلوقات نكرة دنيا وال‬ ‫ً‬ ‫تماما عندما تقوم إسرائيل بأعمال‬ ‫يعنينا أمرها‪ .‬ينطبق هذا الواقع‬ ‫تعلم أنها ستقتل ذلك الجراد النطاط وتلك الوحوش التي تسير على‬ ‫قدمين‪ ،‬الذين يتصادف أنهم يغزون األراضي التي تحررها إسرائيل‪.‬‬ ‫ال يوجد تعريف أو مصطلح جيد لوصف هذا الشكل من أشكال‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من القتل‬ ‫الدناءة األخالقية‪ ،‬التي بكل منطق أو جدل هي أسوأ‬ ‫المتعمد‪ ،‬وكل هذه أمور مألوفة‪.‬‬ ‫في فلسطين السابقة‪ ،‬يستطيع أصحاب األرض الشرعيون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتبعا ألرباب األرض‪ ،‬أن يمنحوا هؤالء‬ ‫طبقا لإلرادة اإللهية‪،‬‬ ‫الصراصير المخدرة حفنة أقسام مبعثرة من األرض‪ .‬ليس عن حق‪،‬‬ ‫على أية حال‪ ،‬ت ً‬ ‫بعا لرئيس الوزراء أولمرت الذي قال‪ ،‬في جلسة‬ ‫ً‬ ‫منتزعا التصفيق "إنني‪،‬‬ ‫مشتركة مع الكونجرس في مايو ‪،2006‬‬ ‫حتى يومنا هذا‪ ،‬ما زلت أؤمن في حق شعبنا األبدي والتاريخي في‬ ‫هذه األرض بجملتها‪ .‬وفي نفس الوقت أعلن أو لمرت عن ما أسماه‬ ‫"برنامج التقارب" الخاص بانتزاع ما هو ثمين من الضفة الغربية وترك‬ ‫الفلسطينيي ن يتهرؤون ويتعفنون في أقسام (كانتونات) معزولة‪.‬‬ ‫يعرف أي حدود لما أسماه "األرض بجملتها"‪ ،‬ولكن‬ ‫غير أنه لم‬ ‫ِّ‬

‫‪38‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫المشروع الصهيوني لم يعرف أ ً‬ ‫بدا مثل هذه الحدود‪ ،‬ألن التوسع‬ ‫الدائم هو دينامية داخلية على درجة عالية من األهمية‪ .‬وإذا كان‬ ‫ً‬ ‫مخلصا لألصول التي ينتمي إليها في الليكود‪ ،‬فربما‬ ‫أولمرت مازال‬ ‫يقصد كال الضفتين لنهر األردن‪ ،‬بما يشمل دولة األردن الحالية‪،‬‬ ‫أو على األقل األجزاء الثمينة منها‪.‬‬ ‫إن حق شعبنا األبدي والتاريخي في األرض بجملتها يتناقض‬ ‫بشكل صارخ مع وجود أي حق لتقرير المصير للسكان المؤقتين أي‬ ‫ً‬ ‫آنفا‪ ،‬إن هذا الموقف األخير هو تكرار‬ ‫الفلسطينيين‪ ،‬وكما أوضحنا‬ ‫مضجر إلسرائيل ونصراءها في واشنطن في ديسمبر ‪ 2008‬في‬ ‫ً‬ ‫ومصحوبا بصمت مهول مطبق‪.‬‬ ‫عزلتهم المعتادة‬ ‫لقد تخلى أولمرت عن الخطط التي صم مها أولمرت عام ‪2006‬‬ ‫منذ ذلك الحين‪ ،‬لكونها غير متطرفة بال قدر الكافي‪ .‬ولكن األمور‬ ‫واألفعال التي تحل محل برنامج التقارب ألولمرت واألعمال التي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تقريبا نفس المفهوم‬ ‫يوميا على أرض الواقع لتنفيذها هي‬ ‫تجري‬ ‫العام‪ .‬إنها ترجع إلى األيام األولى لالحتالل عندما أوضح موشيه‬ ‫قائال "إن الوضع اليوم يشابه العالقة بين الرجل‬ ‫ديان وزير الدفاع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رغما ‪ ،‬أنتم الفلسطينيين ال تريدوننا‬ ‫البدوي والفتاة التي يختطفها ُم‬ ‫اليوم‪ ،‬ولكننا سنغير موقفكم بالقوة وسنفرض وجودنا عليكم‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ستعيشون مثل كالب‪ ،‬وأي ًا كان من يغادر فليغادر‪ "،‬بينما نأخذ نحن‬ ‫ما نريد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أبدا موضع شك‪ ،‬فعقب‬ ‫كون أن هذه البرامج إجرامية‪ ،‬لم يكن‬ ‫حرب ‪ 1967‬مباشرةً ‪ُ ،‬أخبرت الحكومة اإلسرائيلية من قبل تيودور‬ ‫ميرون‪ ،‬أعلى سلطاتها القانونية‪ ،‬أن "المستوطنات المدنية‬ ‫ً‬ ‫خرقا للشروط الصريحة‬ ‫في األراضي الخاضعة إلدارة إسرائيل تعتبر‬ ‫التفاقية جنيف الرابعة‪ "،6‬التي هي حجر األساس للقوانين الدولية‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وقد اتفق معه في الرأي وزير العدل اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫وصادقت محكمة العدل الدولية باإلجماع على هذه الخالصة في عام‬

‫‪6‬‬

‫‪ -‬اتفاقية جنيف الرابعة ‪ :‬تختص بحماية المدنيين في زمن الحروب‪ ،‬عندما يقعون في أيدي العدو‬

‫وتحت االحتالل العسكري لقوة أجنبية‪ .‬وقد صيغت االتفاقية في عام ‪ 1949‬ودخلت حيز التنفيذ منذ‬ ‫‪ 21‬أكتوبر ‪ .1950‬ومن أهم المبادئ العامة التي تنص عليها في الفقرة الثالثة‪ ،‬أنها تحظر صراحة‪:‬‬ ‫‪ - 1‬استخدام العنف بأي صورة تهدد المدنيين وتهدد حياتهم وخاصة القتل بسائر أشكاله‪ ،‬وبتر األعضاء‪،‬‬ ‫والمعاملة الوحشية والتعذيب‪ - 2 .‬أخذ الرهائن‪ - 3 .‬االعتداء على الكرامة الشخصية‪ ،‬وبخاصة اإلذالل‬ ‫والمعاملة المهينة‪ - 4 .‬تنفيذ األحكام واإلعدام دون محاكمات عادلة تؤمن جميع الحقوق القانونية‬ ‫المكفولة للمدنيين‪ .‬وفي الفقرة ‪ 33‬تحظر القيام بأي شكل من أشكال العقاب الجماعي‪ ،‬وأن ال يعاقب‬ ‫ً‬ ‫شخصيا‪ .‬وتنص الفقرة ‪ 49‬على حق عودة النازحين أو الالجئين الفارين‬ ‫أي شخص إال لذنب اقترفه هو‬ ‫من وطأة الصراع المسلح إلى منازلهم فور وقف األعمال العسكرية في المنطقة التي كانوا يقطنون‬ ‫بها قبل إندالع القتال‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫‪ ،2004‬وكأسلوبها المعتاد‪ ،‬وفاقت عليها المحكمة الدستورية العليا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واقعيا على مستوى الممارسة‪.‬‬ ‫فنيا‪ ،‬بينما نبذتها‬ ‫اإلسرائيلية‬ ‫في الضفة الغربية‪ ،‬تستطيع إسرائيل أن تستمر في برامجها‬ ‫بمساندة الواليات المتحدة دون عراقيل تزعجها‪ ،‬وذلك بفضل‬ ‫ً‬ ‫وآنيا‪ ،‬بفضل تعاون قوات األمن‬ ‫الهيمنة العسكرية الفعالة‪،‬‬ ‫الفلسطينية المتواطئة معها‪ ،‬والتي تقوم الواليات المتحدة‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫وحلفاؤها الدكتاتوريون بتسليحها وتدريبها‪ .‬تستطيع إسرائيل‬ ‫أن تنفذ االغتياالت وجرائم أخرى‪ ،‬بينما يهتاج المستوطنون تحت‬ ‫حماية الجيش اإلسرائيلي‪ .‬ولكن‪ ،‬بينما تمكن اإلرهاب من إخضاع‬ ‫الضفة الغربية بشكل مؤثر‪ ،‬فما زالت هناك مقاومة في القسم‬ ‫اآلخر من فلسطين‪ ،‬أي قطاع غزة‪ .‬يجب ً‬ ‫إذا قمعه وإخضاعه لكي‬ ‫تمضي برامج ضم وتدمير فلسطين‪ ،‬األمريكية ‪-‬اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫في طريقها دون عائق أو إزعاج‪.‬‬

‫ومن ثم غزة‬ ‫نستطيع أن نفترض أن توقيت الغزو قد تأثر باالنتخابات القادمة‬ ‫ً‬ ‫فتبعا لحسابات المعلق اإلسرائيلي ران هاكوهين‪،‬‬ ‫في إسرائيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متراجعا بشكل سيء في االقتراعات‪ ،‬قد‬ ‫فإن إيهود باراك الذي كان‬

‫‪41‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫كرسيا في البرلمان لكل ‪ 40‬من القتلى العرب في األيام‬ ‫بات يربح‬ ‫األولى للمذبحة‪.‬‬ ‫ولكن ربما لن يدوم حال‪ .‬فمع تجاوز الجرائم للحدود التي يمكن أن‬ ‫تكبحها الحملة الدعائية التي شحذتها إسرائيل بعناية‪ ،‬انتاب القلق‬ ‫حتى الصقور الواثقين في إسرائيل‪ ،‬خشية أن هذه المجزرة "تدمر‬ ‫روح (إسرائيل) وصورتها‪ .‬تدمرها على شاشات التلفاز في كل‬ ‫العالم‪ ،‬وفي غرف المعيشة على نطاق المجتمع الدولي‪ ،‬واألكثر‬ ‫ً‬ ‫قلقا لكون‬ ‫حساسية في أمريكا أوباما" (آري شافيت)‪ .‬كان شافيت‬ ‫إسرائيل "تقذف بالقنابل منشأة تابعة لألمم المتحدة‪ ..‬في نفس‬ ‫اليوم الذي فيه يزور األمين العام لألمم المتحدة القدس‪ "،‬لقد شعر‬ ‫أنه عمل "يفوق الجنون"‪.‬‬ ‫ولكي نوضح المزيد‪ ،‬فإن هذه "المنشأة" كانت ُمجمع مبان تابع‬ ‫لألمم المتحدة في مدينة غزة‪ ،‬والذي يحتوي على مستودع‬ ‫ً‬ ‫وتبعا لجون جينج‪ ،‬قد دمر هذا الدك‬ ‫المعونات الخاصة باألنروا‪.‬‬ ‫"مئات األطنان من األغذية واألدوية المجهزة كم عونة طارئة للتوزيع‬ ‫في ذاك اليوم على المخابئ‪ ،‬والمستشفيات ومراكز التغذية‪."،‬‬ ‫وفي نفس الوقت‪ ،‬دمرت الضربات العسكرية طابقين في‬ ‫مستشفى القدس‪ ،‬وأضرمت فيه النيران‪ ،‬وكذلك مستودع آخر‬

‫‪42‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫للمعونات تابع لهيئة الهالل األحمر الفلسطينية‪ .‬وكذلك دمرت‬ ‫المدرعات اإلسرائيلية المست شفى الكائن في منطقة تل هاوا‬ ‫الشديدة الكثافة السكانية‪ ،‬بعدما احتمى في داخله مئات من أهالي‬ ‫غزة المذعورين مع تقدم القوات البرية اإلسرائيلية داخل الحي‬ ‫السكني‪ "،‬حسب تقرير األسوشيتد بريس‪.‬‬ ‫لم يتبق أي شيء منقذ داخل حطام المستشفى التي تنبعث‬ ‫منها أدخنة اللهب‪ .‬وحسب رواية أحمد الجار‪ ،‬الطبيب المتدرب‪،‬‬ ‫لألسوشيتد بريس‪" ،‬لقد دكوا المبنى‪ ،‬مبنى المستشفى‪ .‬اندلع‬ ‫فيه النيران‪ .‬وحاولنا إخالؤه من المرضى والجرحى والناس‬ ‫الموجودين فيه‪ .‬وصل رجال اإلطفاء وأخمدوا النيران‪ ،‬التي اندلعت‬ ‫ثانية ولكنها عادت تشتعل مرةً‬ ‫ً‬ ‫ألسنتها من جديد وأخمدوها مرةً‬ ‫ثالثة‪ "،‬كان من المشتبه أن اللهب قد اشتعل بسبب الفسفور‬ ‫ً‬ ‫مشتبها فيه في عدد هائل من الحرائق والجروح‬ ‫األبيض‪ ،‬الذي كان‬ ‫الخطيرة الناجمة عن الحروق‪.‬‬ ‫أكدت هذا االرتياب منظمة العفو الدولية‪ ،‬بعد أن أمكن التحقيق‬ ‫فيه في ظل وقف إطالق النار‪ .‬أم ا قبل ذلك‪ ،‬فقد لجمت إسرائيل‪،‬‬ ‫بشكل حصيف‪ ،‬جميع الصحفيين‪ ،‬حتى اإلسرائيليين منهم‪ ،‬فيما‬ ‫كانت جرائمها تتصاعد بكل ضراوة‪ .‬لقد أفادت األسوشيتد بريس أن‬

‫‪43‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫استخدام إسرائيل للفسفور األبيض ضد المدنيين في عزة أمر جلي‬ ‫ال يمكن إنكاره"‪ .‬واعتبرت الوكالة أن استخدامه المتكرر في المناطق‬ ‫ذات الكثا فة السكانية العالية "جريمة حرب"‪ .‬لقد وجدوا شذرات‬ ‫الفسفور األبيض مبعثرة حول المباني السكنية‪ ،‬وهي مازالت‬ ‫تحترق‪ "،‬بما يشكل مزيد من التهديد للسكان والخطر لمساكنهم‪"،‬‬ ‫وعلى األخص األطفال الذين "انجذبوا بحب االستطالع لفحص‬ ‫ً‬ ‫غالبا بالخطورة الكامنة‪ ".‬وأفاد مراسلو‬ ‫مخلفات الحرب على غير وعي‬ ‫ً‬ ‫أيضا أن األهداف الرئيسية كانت المجمع التابع لألنروا‪ ،‬حيث‬ ‫الوكالة‬ ‫"هبط الفسفور األبيض (اإلسرائيلي) بجوار بعض شاحنات نقل‬ ‫ً‬ ‫أطنانا من المعونات‬ ‫الوقود وتسبب ذلك في إشعال النيران وتدمير‬ ‫اإلنسانية" بعد أن "أكدت (السلطات اإلسرائيلية) أنه لن يتم شن‬ ‫المجم ع‪ ".‬وفي ذات اليوم‪ ،‬هبطت قذائف‬ ‫مزيد من الضربات ضد ُ‬ ‫ً‬ ‫أيضا على مستشفى القدس في مدينة غزة‬ ‫الفسفور األبيض‬ ‫ُمشع لة النيران التي أجبرت العاملين على إخالء المرضى‪ ...‬عندما‬ ‫ً‬ ‫حروقا عميقة تنفذ‬ ‫يستقر الفسفور األبيض على الجلد فإنه يسبب‬ ‫حتى إلى العضالت والعظام‪ ،‬وتستمر في الحرق ما لم يحجب عنها‬ ‫األكسجين‪ ".‬عندما يستخدم الفسفور األبيض في العدوان على‬ ‫سواء ارتكبت عمد ًا‬ ‫المدنيين فإن هذه الجرائم ال يمكن اجتنابها‪،‬‬ ‫ً‬

‫‪44‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫أو نجمت عن الالمباالة وعدم االكتراث الخسيس‪ .‬غير أنه من الخطأ‬ ‫ً‬ ‫كثيرا على انتهاك إسرائيل القذر لقوانين الحرب‪ ،‬وهي‬ ‫التركيز‬ ‫القوانين التي ُوضعت لكي تمنع الممارسات المفرطة في الهمجية‬ ‫والوحشية‪ .‬إن الغزو في حد ذاته لجريمة أكثر خطورة‪ .‬حتى لو كانت‬ ‫إسرائيل تتكبد خسائر فادحة بسبب القوس والسهام‪ ،‬فمازال الغزو‬ ‫ً‬ ‫إجراميا مفرط في الخسة والدناءة‪.‬‬ ‫عمال‬ ‫ُيحتسب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دائما ما تكون هناك للعدوان حجة وذريعة جاهزة‪ :‬في هذه الحالة‪،‬‬ ‫و كما قالها باراك‪ ،‬أن صبر إسرائيل "قد نفذ” إزاء هجمات صواريخ‬ ‫حماس‪ .‬إن الوصفة الطبية التي تتكرر بال نهاية هي أن إلسرائيل‬ ‫الحق في استخدام القوة للدفاع عن نفسها‪ .‬تلك أطروحة دفاعية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحقيقيا أن الدولة لها حق‬ ‫شقيا ‪ .‬القذف الصاروخي عمل إجرامي‪،‬‬ ‫الدفاع عن نفسها ضد الهجمات اإلجرامية‪ ،‬ولكن ال يترتب على هذا‬ ‫أن لها حق الدفاع عن نفسها باستخدام القوة‪ .‬فهذا يتخطى ببون‬ ‫شاسع أي مبدأ يمكن أو يجب القبول به‪ .‬لم يكن أللمانيا النازية الحق‬ ‫في استخدام القوة للدفاع عن نفسها ضد إرهاب األنصار‬ ‫وعملياتهم الحربية‪ .‬ليلة الزجاج المكسور ال يبررها اغتيال هيرشيل‬ ‫جرينزبان لموظف بالسفارة األلمانية في باريس‪ .‬ولم يكن مبر ًرا‬ ‫للبريطانيين أن يستخدموا القوة في الدفاع عن أنفسهم ضد إرهاب‬

‫‪45‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫جدا) الساعين لالستقالل‪ ،‬وال‬ ‫المستعمرين األمريكيين (الحقيقي‬ ‫أن يرهبوا الكاثوليك أأليرلنديين ً‬ ‫ردا على إرهاب الجيش الجمهوري‬ ‫ً‬ ‫أخيرا نحو السياسة المتعقلة للتعامل مع‬ ‫األيرلندي – وعندما تحولوا‬ ‫التظلمات المشروعة‪ ،‬انتهى اإلرهاب‪ .‬إنها ليست مسالة "تناسب‪،‬‬ ‫"أو "توازن‪ "،‬ولكن مسالة اختيار التصرف في المقام األول‪ :‬هل‬ ‫من بديل للعنف؟‬ ‫إن أي لجوء للقوة يجلب معه عبء ثقيل لتبريرها‪ ،‬ويجب أن نسأل‬ ‫إذا ما كان يمكن تلبية هذا في حالة جهود إسرائيل لخمد وقمع‬ ‫أي مقاومة ضد أعمالها اإلجرامية اليومية في غزة وفي الضفة‬ ‫ً‬ ‫عاما ‪ .‬ربما‬ ‫الغربية‪ ،‬التي استمرت بال هوادة أو شفقة لمدة ‪40‬‬ ‫أ ستشهد بمقولة ذاتية في مقابلة حوار شخصي لي مع الصحافة‬ ‫اإلسرائيلية حول خطط المقاربة ‪ Convergence Plans‬التي أعلنها‬ ‫أولمرت إلعادة تنس يق وضع المستوطنات في الضفة الغربية‪" :‬إن‬ ‫الواليات المتحدة وإسرائيل ال تتهاونان إزاء أي مقاومة لهذه الخطط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫زيفا – انه ’ال يوجد شريك’ بينما يمضون في‬ ‫وتحبذان التظاهر –‬ ‫تنفيذ برامج قد أعدت منذ زمن طويل‪ .‬ربما نتذكر أن غزة والضفة‬ ‫الغربية معترف بهما ككيان واحد‪ ،‬فإذا كانت المقاومة لبرامج الضم‬ ‫والتقسيم (التحويل إلى كانتونات) األمريكية اإلسرائيلية مشروعة‬

‫‪46‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫أيضا في غزة‪ .‬لقد علق‬ ‫في الضفة الغربية‪ ،‬فهي مشروعة‬ ‫الصحفي الفلسطيني األمريكي أبو نيمة "لم تشن هجمات‬ ‫صاروخية على إسرائيل من الضفة الغربية ومع ذلك فإن أعمال القتل‬ ‫اإلس رائيلية التي ال تخضع ألي قانون‪ ،‬وسرقة األرض‪ ،‬وبرامج‬ ‫االستيطان والخطف‪ ،‬كل هذا لم يتوقف ولو ليوم واحد أثناء الهدنة‪.‬‬ ‫لقد وافق محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية‪ ،‬المدعوم من‬ ‫الغرب‪ ،‬على جميع مطالب إسرائيل‪ .‬وتحت زهو أبصار مستشاري‬ ‫العسكرية األمريكية‪ ،‬قام عباس بتأليف ’ قوات أمنية’ لتحارب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا‬ ‫فلسطينيا‬ ‫المقاومة لحساب إسرائيل‪ .‬وكل هذا لم يعف‬ ‫في الضفة الغربية من أفعال االستعمار اإلسرائيلي المستمر بال‬ ‫هوادة" – بفضل الدعم الثابت األمريكي‪ .‬ويضيف البرلماني‬ ‫الفلسطيني د‪ .‬مصطفى برغوثي‪ ،‬الذي يحظى باالحترام‪ ،‬أنه بعد‬ ‫األداء ال مسرحي الدعائي لبوش في أنابوليس في نوفمبر ‪،2007‬‬ ‫وبالتوازي مع الكالم المكرر التشجيعي عن االلتزام بالسالم والعدل‪،‬‬ ‫تصاعدت حدة الهجمات اإلسرائيلية بشدة في الضفة الغربية‪ ،‬بزيادة‬ ‫ً‬ ‫مصحوبة بزيادة حادة في عدد‬ ‫ً‬ ‫تقريبا إلى ‪،% 50‬‬ ‫تصل نسبتها‬ ‫المستوطنات ونقاط التفتيش اإلسرائيلية‪ .‬من الجلي أن هذه‬ ‫العمال اإلجرامية ال تأتى ً‬ ‫ردا على صواريخ من غزة‪ ،‬رغم أن العكس‬

‫‪47‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫قد يكون صحيح‪ ،‬في رأي البر غوثي الجدير باإلطراء‪ .‬إن ردود الفعل‬ ‫تجاه قوة احتالل قد تدان وتوصم باإلجرام والغباء السياسي‪ ،‬ولكن‬ ‫أولئك الذين ال يقدمون أي بدائل ال توجد لهم أرضية أخالقية يبنون‬ ‫عليها أحكامهم‪ .‬تلك الخالصة تنطبق بشدة وخصوصية على هؤالء‬ ‫الذين في أمريكا الذين اختاروا أن ينغم سوا مباشرةً في الجرائم‬ ‫الدائرة – بأقوالهم‪ ،‬وأفعالهم‪ ،‬وبصماتهم‪ .‬كل هذا واألكثر‪ ،‬ألنه‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬ال توجد بدائل للعنف – من شأنها أن تمنع برامج‬ ‫من الواضح‬ ‫التوسع غير الشرعية‪.‬‬ ‫هناك وسائل مباشرة أمام إسرائيل لتدافع عن نفسها‪ :‬أن تضع‬ ‫نهاية ألعمالها اإلجرامية في األراضي المحتلة‪ ،‬وأن تقبل اإلجماع‬ ‫الدولي الراسخ على التسوية القائمة على مبدأ الدولتين‪ ،‬والتي‬ ‫ً‬ ‫عاما‪ ،‬منذ‬ ‫ُأ غلق عليها من قبل الواليات المتحدة وإسرائيل لمدة ‪30‬‬ ‫أول استخدام للواليات المتحدة لحق النقض ضد قرار مجلس األمن‬ ‫الداعي لتسوية سياسية مبنية على هذا المبدأ في عام ‪. 1967‬‬ ‫ولن أمض ثانية في سرد سجل التاريخ المجيد‪ ،‬ولكن من المهم‬ ‫أن نعي أن الموقف األمريكي ‪ -‬اإلسرائيلي الرافض قد أصبح اآلن‬ ‫ً‬ ‫صارخا بشدة أكثر مما كان في الماضي‪ .‬بل ولقد ذهبت جامعة الدول‬ ‫العربية إلى ما هو أبعد من اإلجماع الدولي‪ ،‬أال وهو الدعوة للتطبيع‬

‫‪48‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫الكامل في العالقات مع إسرائيل‪ .‬وبشكل متكرر‪ ،‬نادت حماس‬ ‫ً‬ ‫طبقا لإلجماع الدولي‪.‬‬ ‫بالتسوية القائمة على مبدأ الدولتين‬ ‫وأوضحت إيران وحزب الله بشكل حاسم أنهما ستلتزمان بأي تسوية‬ ‫يقبل بها الفلسطينيون‪ .‬وهكذا تبقى أمريكا وإسرائيل وحدهما في‬ ‫عزلة باهرة‪ ،‬ليس فقط على مستوى الكالم‪ .‬إن السجل األكثر‬ ‫تفصيال يكشف لنا المزيد‪ .‬لقد وافق المجلس الوطني الفلسطيني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رسميا في عام ‪ 1988‬على ما أقره اإلجماع الدولي‪ ،‬ولكن رد فعل‬ ‫حكومة شامير بريس االئتالفية‪ ،‬والذي عززه جيمس بيكر وزير الخارجية‬ ‫األمريكية‪ ،‬كان أنه ال يمكن أن تقوم "دولة فلسطينية إضافية" ما‬ ‫بين إسرائيل واألردن – واألخيرة هي بالفعل دولة فلسطينية بإمالء‬ ‫ً‬ ‫الحقا‪،‬‬ ‫الواليات المتحدة وإسرائيل‪ .‬إن اتفاقيات أوسلو‪ ،‬التي جاءت‬ ‫ً‬ ‫جانبا الحقوق الوطنية للفلسطينيين‪ ،‬وعلى مدى سنوات‬ ‫أقصت‬ ‫أوسلو تم‪ ،‬بشكل منتظم‪ ،‬إحباط خطر أن يتم االعتراف بهم بأي‬ ‫شكل ذي مغزى من خالل التوسع الغير الشرعي‪ ،‬في بناء‬ ‫المستوطنات‪ .‬تسارعت وتيرة االستيطان في عام ‪ ،2000‬السنة‬ ‫األخيرة لوالية الرئيس كلينتون ورئيس الوزراء باراك‪ ،‬عندما تم عقد‬ ‫المفاوضات في كامب دافيد في ضوء هذه الخلفية‪ .‬وبعد إلقاء‬ ‫اللوم على ياسر عرفات‪ ،‬واعتباره المسئول عن انهيار مفاوضات‬

‫‪49‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫كامب دافيد‪ ،‬ت راجع كلينتون عن موقفه‪ ،‬وأدرك أن المقترحات‬ ‫األمريكية ‪ -‬اإلسرائيلية كانت من التطرف بدرجة ال يمكن قبولها من‬ ‫الجانب الفلسطيني‪ .‬وفي ديسمبر ‪ ،2000‬قدم "الثوابت‪ "،‬بشكل‬ ‫مبهم‪ ،‬ولكن بشكل وشيك أكثر عن ذي قبل‪ .‬ثم أعلن أن كال الجانبين‬ ‫قد وفاقا على هذه الثوابت‪ ،‬بينما عب ر كل منهما عن تحفظاته‪ .‬وفي‬ ‫يناير ‪ ،2001‬التقي الجانبين في طابا بمصر واقتربا ً‬ ‫جدا من إمكانية‬ ‫عقد اتفاقية‪ ،‬وكان باإلمكان تحويل ذ لك إلى حقيقة في غضون أيام‬ ‫أخرى قليلة‪ ،‬كما أعلنا في المؤتمر الصحفي الختامي‪ .‬ولكن إيهود‬ ‫باراك ألغى المفاوضات بشكل ُمبتسر‪ .‬لقد كان هذا األسبوع في‬ ‫طابا هو المرة الوحيدة التي حدث فيها إرخاء وتغيير في السلوك‬ ‫األمريكي – اإلسرائيلي الرافض على مدى ‪ 30‬عام‪ .‬وما من سبب‬ ‫يبرر لماذا ال يمكن يستأنف هذا التغيير المختلف عن السجل التاريخي‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا على لسان‬ ‫بطوله‪ .‬إن المقولة المفضلة التي أعيد تكرارها‬ ‫إيثان برونر هي أن الكثيرين في الخارج يتذكرون السيد باراك بأنه‬ ‫رئيس الوزراء الذي ذهب في عام ‪ 2000‬إلى حد أبعد في تقديم‬ ‫تنازالت سلمي ة للفلسطينيين أكثر مما قدم أي زعيم آخر‪ ،‬ولكي‬ ‫ال يحصد إال فشل الصفقة وانتفاضة فلسطينية عنيفة أطاحت‬ ‫به من السلطة‪ ".‬نعم‪ ،‬حقيقي أن "الكثيرين في الخارج" يصدقون‬

‫‪50‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫تلك الرواية الخيالية الخادعة‪ ،‬بفضل ما يسميه برونر وكثيرين‬ ‫من زمالئه "صحافة"‪ .‬من الشائع االدعاء بأنه ال يمكن اآلن تطبيق‬ ‫الحل القائم على مبدأ الدولتين‪ ،‬ألنه لو حاولت قوات الدفاع‬ ‫اإلسرائيلية إجالء المستوطنين‪ ،‬ستنشب حرب أهلية‪ .‬قد تكون تلك‬ ‫ً‬ ‫مزيدا من الجدل والنقاش‪ .‬فبدون اللجوء‬ ‫حقيقة‪ ،‬ولكن األمر يتطلب‬ ‫إلى القوة لطرد المستوطنين الغير شرعيين‪ ،‬تستطيع قوات الدفاع‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬ببساطة‪ ،‬أن تنسحب إلى أيما كانت الحدود التي يتفق‬ ‫عليها في المفاوضات‪ .‬ثم ُيخير المستوطنون الموجودون خارج‬ ‫نطاق هذه الحدود بين التخلي عن المنازل المجهزة الممنوحة لهم‬ ‫والعودة إلسرائيل‪ ،‬أو البقاء حيث هم‪ ،‬تحت السلطة الفلسطينية‪.‬‬ ‫لقد حدث أمر مماثل بالفعل‪ ،‬بالنسبة لـ "الصدمة القومية" التي‬ ‫أحبك أداؤها في غزة عام ‪ ،2005‬التي كان من الجلي أنها حبكة‬ ‫ُم ختلقة لصدمة زائفة‪ ،‬سخر منها المعلقون اإلسرائيليون‪.‬‬ ‫كان من الكافي إلسرائيل أن تعلن انسحاب قواتها العسكرية فيندفع‬ ‫المستوطنو ن‪ ،‬الذين زُ ودوا بسبل الراحة والتمتع والعيش الرغد في‬ ‫غزة‪ ،‬إلى القفز بهدوء إلى عربات اللوري المجهزة لهم والسفر إلى‬ ‫أماكن اإلقامة الجديدة المهيأة لهم في الضفة الغربية‪ .‬ولكن لو كان‬ ‫هذا قد تم‪ ،‬لما كانت هناك لقطا ت فوتوغرافية مأساوية لألطفال‬

‫‪51‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫أبدا أن تكرروا"‪.‬‬ ‫المفجوعين والنداءات المتعاطفة الشفوقة "إياك م‬ ‫ً‬ ‫وتلخيصا‪ ،‬فعلى عكس اإلدعاء الذي ُي عاد تكراره بال انقطاع‪ ،‬ليس‬ ‫إلسرائيل حق استخدام القوة للدفاع عن نفسها ضد صواريخ غزة‪،‬‬ ‫حتى لو كانت تعتبر جرائم إرهابية‪ .‬واألكثر فإن األسباب واضحة جلية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫إن الذريعة التي يبررون بها شن العدوان ال أهلية لها‪ .‬هناك‬ ‫سؤال أكثر دقة‪ .‬هل لدى إسرائيل بديل‪ ،‬على المدى القريب‪,‬‬ ‫الستخدام العنف كرد على صواريخ غزة‪ .‬أحد البدائل على المدى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪ ،‬بينما‬ ‫وقفا إلطالق النار‪ .‬فعلت إسرائيل هذا‬ ‫القريب أن تقبل‬ ‫كانت تنتهكه في الحال‪ .‬وأحدث الحاالت المماثلة للوضع الراهن كانت‬ ‫في يونيو ‪ ،2008‬حينما تم االتفاق على وقف إطالق النار مع الدعوة‬ ‫لفتح الحدود "للسماح بنقل البضائع والسلع التي حظر ومنع من‬ ‫ً‬ ‫رسميا‪ ،‬ولكنها على التو‬ ‫قبل دخولها إلى غزة‪ ".‬لقد وافقت إسرائيل‬ ‫أعلنت أنها لن تلتزم باالتفاق‪ ،‬حتى تقوم حماس بإطالق سراح جيالد‬ ‫شاليت‪ ،‬وهو جندي إسرائيلي أسرته حماس في يونيو ‪ .2006‬ومرةً‬ ‫أخرى‪ ،‬فإن قرع الطبول المنتظم باالتهامات الخاصة بأسر شاليت هو‬ ‫ً‬ ‫جانبا تاريخ إسرائيل الطويل في القيام‬ ‫نفاق صارخ‪ ،‬حتى لو طرحنا‬ ‫مبتذال أكثر منه‬ ‫بجرائم الخطف‪ .‬فما من نفاق يمكن أن يكون‬ ‫ً‬ ‫في الح الة الراهنة‪ .‬فقبل أن تقوم حماس بأسر شاليت بيوم واحد‪،‬‬

‫‪52‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫دخل جنود إسرائيليون مدينة غزة واختطفوا اثنين من المدنيين هما‬ ‫األخوين معمر‪ ،‬وأتوا بهم إلى إسرائيل لينضموا إلى آالف‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ألي‬ ‫المعتقلين المحتجزين هناك‪ ،‬حيث لم يقدم ‪ 1000‬منهم‬ ‫محاكمة‪ ،‬كما تقول التقارير‪ .‬إن اختطاف المدنيين جريمة أشد خطورة‪،‬‬ ‫لدرجة بعيدة‪ ،‬من أسر جندي من جيش معتد‪ ،‬ولكنها بالكاد حظيت‬ ‫بالذكر بعكس ثورة الغضب التي تفجرت بسبب شاليت‪ .‬وكل‬ ‫ً‬ ‫مغلقا عملية السالم‪ ،‬هو أسر شاليت‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يتبقى في الذاكرة‪،‬‬ ‫األمر ل مفارقة أخرى تذكرنا بالفرق بين اآلدميين والو حوش التي تسير‬ ‫على قدمين‪ .‬يجب أن ُيعاد شاليت ‪ -‬في مبادلة عادلة لألسرى‪ .‬ولكن‬ ‫أسر شاليت كان النقطة التي تحول فيها العدوان اإلسرائيلي‬ ‫الغاشم من صبغة القسوة فقط إلى صبغة سادية حقيقية‪ .‬ولكن‬ ‫يجدر أن نتذكر أنه حتى قبل أسره‪ ،‬كانت إسرائيل قد أسقطت أكثر‬ ‫من ‪ 7700‬قذيفة على شمالي غزة بعد انسحابها في سبتمبر‪ ،‬دون‬ ‫أن يثير األمر أي تعليق في الواقع‪ .‬وبعد رفض وقف إطالق النار‬ ‫في يونيو ‪ 2008‬ـ واصلت إسرائيل حصارها‪ .‬ربما نتذكر أن الحصار هو‬ ‫ً‬ ‫دائما على مبدأ أكثر‬ ‫عمل حربي‪ .‬بل‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬أصرت إسرائيل‬ ‫صرامة‪ :‬شل القدرة على االتصال بال عالم الخارجي‪ ،‬وهو أمر‪ ،‬حتى‬ ‫لو تم دون حصار‪ ،‬جدير في حد ذاته أن يصنف كعمل حربي‪ ،‬ويصبح‬

‫‪53‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫كافيا للعنف الهائل كرد فعل‪ .‬لقد اتخذت إسرائيل من إعاقة‬ ‫مبررا‬ ‫مرورها في مضايق تيران ذريعة لغزوها لمصر (باالشتراك مع فرنسا‬ ‫وإنجلترا) عام ‪ ، 1965‬وكذلك لشنها حرب يونيو ‪ .1976‬إن الحصار‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جزئيا بل حصار شامل‪ ،‬ولو أبدت قوات االحتالل‬ ‫حصارا‬ ‫على غزة ليس‬ ‫ً‬ ‫ومؤقتا عند االقتضاء‪ .‬وهو حصار مؤذ‬ ‫قليال‬ ‫االستعداد لتخفيفه‬ ‫ً‬ ‫ألهالي غزة بشكل أفظع بكثير مما كان إغالق مضايق تيران إلسرائيل‪.‬‬ ‫وعليه يجب أال تكون هناك مشكلة للذين يساندون عقائد إسرائيل‬ ‫وأفعالها في التماس التبرير العادل لهجمات الصواريخ على إسرائيل‬ ‫اآلتية من قطاع غزة‪ .‬وبالتأكيد فإننا نصطدم من جديد بالمبدأ المحبط‪:‬‬ ‫هذا نحن‪ ،‬وذاك هم‪ .‬إن إسرائيل ليست فقط استمرت في الحصار‬ ‫بعد يونيو ‪ ، 2008‬ولكنها نفذته بقسوة ورعب بالغي التطرف‪.‬‬ ‫لقد منعت حتى األونروا من سد النقص في مخازنها‪ ،‬وفي حديث‬ ‫له مع الـ بي بي سي‪ ،‬قال مدير الوكالة الدولية "لذلك فعندما انهار‬ ‫وقف إطالق النار نفذ من عندنا الغذاء المطلوب للـ ‪ 750000‬نسمة‬ ‫الذين يعتمدون علينا في تحصيل قوتهم"‪ .‬ورغم الحصار‬ ‫ً‬ ‫جدا"‪ .‬لقد‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬انخفضت هجمات الصواريخ بنسبة عالية‬ ‫انهار وقف إطالق النار في ‪ 4‬نوفمبر مع إغارة إسرائيلية على غزة‬ ‫أدت إلى مقتل ‪ 6‬من الفلسطينيين‪ ،‬وإلى وابل انتقامي‬

‫‪54‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫من الصواريخ (دون أن تنجم عنه إصابات)‪ .‬وكانت ذريعة اإلغارة أن‬ ‫إسرائيل اكتشفت وجود نفق في غزة‪ ،‬ربما كان الهدف منه‬ ‫استخدامه في أسر جندي إسرائيلي آخر‪ .‬هذه حجة واهية سخيفة بال‬ ‫مراء‪ ،‬ومنافية للعقل‪ ،‬كما قال كثير من المعلقين‪ .‬فلو كان مثل هذا‬ ‫ً‬ ‫تماما‬ ‫النفق موجود حقيق ًة لكان في إمكان إسرائيل إغالقه مباشرة‬ ‫ً‬ ‫مقدرا أن يصدق العالم حجة إسرائيل‬ ‫أينما كان‪ .‬ولكن‪ ،‬كالعادة‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫إذا كان السبب وراء الغارة‬ ‫المضحكة الداعية للسخرية‪ .‬فماذا‬ ‫اإلسرائيلية؟ ليس لدينا برهان مسبق للحكم على نوايا إسرائيل‪،‬‬ ‫ولكننا نعلم أن اإلغارة أتت بوقت قصير قبل اللقاء الذي تم ترتيب‬ ‫انعقاده في القاهرة للحوار بين حما س وفتح بهدف التوصل إلى‬ ‫"رأب الصدع وتسوية الخالفات بي نهما وتأليف حكومة وحدة وطنية‬ ‫واحدة‪ "،‬حسب تقرير المراسل البريطاني روري مكارثي‪ .‬وهو ألول‬ ‫لقاء بين فتح وحماس منذ نشوب الحرب األهلية في يونيو ‪،2007‬‬ ‫التي أفضت إلى سيطرة حماس على غزة‪ ،‬ولكانت هذه بخطوة‬ ‫مؤثرة ً‬ ‫جدا في تقدم الجهود الدبلوماسية‪ .‬إن إلسرائيل تاريخ طويل‬ ‫لألعمال االستفزازية التي تهدف لتثبيط خطر الحلول الدبلوماسية‪،‬‬ ‫وقد ذكرنا بعضها بالفعل‪ .‬من الشائع أن توصف الحرب األهلية التي‬ ‫أدت إلى سيطرة حماس على غزة بأنها انقالب عسكري نفذته‬

‫‪55‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫حماس‪ ،‬بما يستعرض من جديد طبيعتهم الشريرة‪ .‬ولكن العالم‬ ‫الحقيقي (الواقع)‪،‬‬

‫قليال‪ .‬فالحرب األهلية قد أثارتها‬ ‫يختلف‬ ‫ً‬

‫الواليات المتحدة وإسرائيل‪ ،‬في محاولة ساذجة فظة تهدف لحدوث‬ ‫انقالب عسكري تنقلب معه نتيجة االنتخابات الحرة التي أتت بحماس‬ ‫إلى السلطة‪ .‬تلك حقيقة معروفة للعامة منذ أبريل ‪ ،2008‬عندما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وموثقا يشرح‬ ‫مفصال‬ ‫تقريرا‬ ‫كتب دافيد روز في مجلة فانتي فير‬ ‫ً‬ ‫كيف أن بوش ورايس وإليوت إبرامز‪ ،‬مساعد مستشار األمن‬ ‫القومي "عززوا قوة مسلحة بقيادة دحالن‪ ،‬رجل فتح القوي النفوذ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مؤلبة تهدف لنشوب حرب أهلية دموية في غزة‬ ‫بطريقة‬ ‫ً‬ ‫مطلقا من قبل‪ ".‬وفي‬ ‫تجعل حماس في مركز قوة لم تصل إليه‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫عدد ‪ 12‬يناير ‪ ، 2009‬لمجلة كريستيان ساينس‪ ،‬أيد هذا التقرير‬ ‫ً‬ ‫عاما في إدارة الخارجية األمريكية‪،‬‬ ‫نورمان أولسين‪ ،‬الذي عمل ‪26‬‬ ‫بما فيه أربعة سنوات عمل فيها في قطاع غزة و أربعة سنوات في‬ ‫السفارة األمريكية بتل أبيب‪ ،‬ثم ارتقى ليعمل كمنسق مساعد‬ ‫لشئون مكافحة اإلرهاب في وزارة الخارجية األمريكية‪ .‬أوضح أولسين‬ ‫وابنه بالتفصيل الخداع الذي انتوته الخارجية األمريكية لتؤمن‬ ‫أن مرشحهم عباس سيربح االنتخابات التي ستجرى في يناير ‪2006‬‬ ‫– والذي إن حدث‪ ،‬لكان ُيطرى ويشاد به كنصر للديمقراطية‪ .‬وبعد‬

‫‪56‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫أن فشلت محاولة التأثير على االنتخابات‪ ،‬انقلبوا إلى عقاب‬ ‫الفلسطينيين وتسليح ميلشيا يقودها دحالن‪ ،‬رجل فتح القوي‪ ،‬ولكن‬ ‫"سفاحو دحالن قد اندحروا بسرعة أكثر مما يجب" ونجحت ضربة‬ ‫استباقية لحماس في إجهاض محاولة االنقالب‪ ،‬مما أدى إلى اتخاذ‬ ‫الواليات المتحدة وإسرائيل إجراءات أشد ضراوة لعقاب أهالي غزة‬ ‫العصاة المتمردين‪ .‬إن ’سياسة الحزب’ مقبولة أكثر‪ .‬فبعد أن كسرت‬ ‫ُ‬ ‫إسرائيل وقف إطالق النار في يونيو ‪( 2008‬كما لو كان هناك وقف‬ ‫إطالق نار) تم تضييق الحصار أكثر في نوفمبر‪ ،‬بما يحقق نتائج أكثر‬ ‫ً‬ ‫وتبعا لسارة روي‪ ،‬الباحثة األكاديمية البارزة‬ ‫كارثية للسكان‪.‬‬ ‫المتخصصة في شئون غزة‪" ،‬في ‪ 5‬نوفمبر‪ ،‬أغلقت إسرائيل بإحكام‬ ‫المعابر المؤدية لغزة‪ ،‬بشكل يحد بشكل رهيب‪ ،‬وفي أحيان يمنع‬ ‫ً‬ ‫تماما وصول إمدادات الغذاء واألدوية والوقود والغاز المستخدم‬ ‫في الطهي‪ ،‬وقطع الغيار الالزمة لشبكات المياه والصرف‬ ‫الصحي‪ "...‬أثناء نوفمبر‪ ،‬كانت هناك ‪ 46‬شاحنة تحمل الغذاء تعبر‬ ‫قادمة من إسرائيل‪ ،‬مقارنة بـ ‪ 123‬شاحنة‬ ‫ً‬ ‫إلى غزة في اليوم الواحد‬ ‫في المتوسط في شهر أكتوبر‪ .‬وحظر دخول قطع الغيار الالزمة‬ ‫لصيانة المعدات الخاصة بمرافق المياه لمدة تزيد عن العام‪ .‬ولقد‬ ‫قررت منظمة الصحة العالمية‪ ،‬قبل قليل‪ ،‬أن نصف عدد سيارات‬

‫‪57‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫اإلسعاف غير صالحة للخدمة اآلن" – وما تبقى منها ستكون‬ ‫ً‬ ‫هدفا للهجمات اإلسرائيلية‪ .‬محطة الطاقة الوحيدة في‬ ‫عن قريب‬ ‫غزة ُأ جبرت على وقف التشغيل بسبب العجز في الوقود‪ ،‬ولم يمكن‬ ‫إعادة تشغيلها بسبب االفتقار لقطع الغيار‪ ،‬التي كانت ومازالت‬ ‫قابعة في ميناء أشدود اإلسرائيلي لمدة ‪ 8‬شهور‪ .‬وبسبب انقطاع‬ ‫الكهرباء لجأ السكان لمحاولة الحصول على إضاءة بإشعال األخشاب‬ ‫وتضاعفت حاالت الحروق في مستشفى الشفاء بقطاع غزة بنسبة‬ ‫‪ .% 300‬منعت إسرائيل شحنات الكلور‪ ،‬ونتج عن ذلك أن تقلصت‬ ‫إمكانية الحصول على الماء في منتصف شهر ديسمبر‪ ،‬إلى ستة‬ ‫ساعات كل ثالثة أيام‪ .‬وال يمكن حصر التبعات اإلنسانية التي تحيق‬ ‫بالفلسطينيين من ضحايا اإلرهاب اإلسرائيلي‪ .‬وبعد الهجوم‬ ‫اإلسرائيلي في ‪ 4‬نوفمبر‪ ،‬تصاعد العنف من قًبل الجانبين‪( ،‬وكان‬ ‫جميع القتلى والموتى من الفلسطينيين) حتى انتهى وقف إطالق‬ ‫ً‬ ‫رسميا في ‪ 19‬ديسمبر‪ ،‬وأعطى رئيس الوزراء أولمرت اإلذن‬ ‫النار‬ ‫بالغزو الشامل‪ .‬وقبل ذ لك بأيام قليلة اقترحت حماس العودة‬ ‫ً‬ ‫وفقا لالتفاق المبرم في يوليو‪،‬‬ ‫التفاقية وقف إطالق النار األصلية‬ ‫و هي االتفاقية التي لم تلتزم بها إسرائيل‪ .‬وقام روبرت باستور أحد‬ ‫كبار المسئولين في اإلدارة السابقة التاريخية لكارتر‪ ،‬بنقل االقتراح‬

‫‪58‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫إلى "مسئول رفيع" في الجيش اإلسرائيلي‪ ،‬ولكن إسرائيل‬ ‫لم تقدم ً‬ ‫ردا ‪ .‬ونسبت مصادر إسرائيلية إلى رئيس وكالة األمن‬ ‫الداخلي اإلسرائيلية (الـ شين بيت) أنه قال أن حماس تبدي الرغبة‬ ‫في استمرار "التهدئة" مع إسرائيل بي نما جناحها العسكري مستمر‬ ‫ً‬ ‫مركزا على قضية غزة الدقيقة‬ ‫في تجهيزاته للصراع‪ .‬وقال باستور‬ ‫"من الجلي أنه كان هناك ثمة بديل للتدخل العسكري لوقف‬ ‫أثرا ً‬ ‫بديال أبعد ً‬ ‫جدا‪ ،‬يندر أن يناقشه أحد‪،‬‬ ‫الهجمات‪ "،‬ولقد كان هناك‬ ‫ً‬ ‫وهو القبول بتسوية سياسية تشمل جميع األراضي المحتلة‪ .‬يقرر‬ ‫أكيفا إيلدر‪ ،‬وهو مراسل دبلوماسي إسرائيلي رفيع‪ ،‬أنه قبل‬ ‫أن تشن إسرائيل هجومها الشامل في ‪ 27‬ديسمبر‪ ،‬بوقت قصير‪،‬‬ ‫" أعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس‪ ،‬على موقع عز‬ ‫الدين القسام (باإلنترنت) أنه كان مستعد ليس فقط ´لوقف‬ ‫االعتداءات´ ‪ -‬ولكنه اقترح العودة إلى التفاهمات الخاصة بالمعابر‪،‬‬ ‫المبرمة في رفح عام ‪ ، 2005‬قبل أن تربح حماس االنتخابات‬ ‫وسيطرتها فيما بعد على المنطقة‪ .‬كانت هذه التفاهمات معدة‬ ‫لتمكين العبور تحت اإلشراف المشترك لمصر واالتحاد األوربي‬ ‫والسلطة الرئاسية الفلسطينية وحماس‪ "،‬وكما ُأشير من قبل‪ ،‬كانت‬ ‫تدعو إلى فتح المعابر أمام اإلمدادات المطلوبة بشدة لإلغاثة‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫وقاحة‬ ‫ً‬ ‫إن االدعاء االعتيادي الذي ال حيد عنه الذي يتبناه من هم أكثر‬ ‫ً‬ ‫دفاعا عن العنف اإلسرائيلي هو أنه‪ ،‬في الحالة الخاصة بالعدوان‬ ‫الحالي‪" ،‬كما حدث في األمثلة العديدة في نصف القرن الماضي‬ ‫– حرب لبنان عام ‪´ ،1982‬القبضة الحديدية´ ً‬ ‫ردا على انتفاضة ‪،1988‬‬ ‫حرب لبنان عام ‪ – 2006‬استجابت إسرائيل ألعمال اإلرهاب التي‬ ‫ال تهاون فيها بتصميم منها على تكبيدهم معاناة رهيبة‪ ،‬لكي تلقن‬ ‫ً‬ ‫درسا" (دافيد رمنيك‪ ،‬محرر نيويوركر)‪ .‬إن غزو عام ‪ 2006‬ال‬ ‫العدو‬ ‫يمكن تبريره إال على أسس دنيئة مريعة‪ ،‬كما حللنا من قبل‪ .‬لو أشرنا‬ ‫إلى االستجابة اآلثمة النتفاضة ‪ ،1988‬لوجدناها من الخسة والال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متعاطفا‬ ‫تفسيرا‬ ‫أخالقية بما ينف ر من مجرد مناقشتها؛ ولو أوجدنا‬ ‫ربما نقول أنه الجهل المذهل‪ .‬ولكن مزاعم رمنيك حول غزو ‪1982‬‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬إنها إنجاز باهر للدعاية المتواصلة‪ ،‬وهو ما يستحق‬ ‫مألوفة‬ ‫التذكير بعدد من األمور‪ .‬فلقد كان الهدوء‪ ،‬بال جدل‪ ،‬يسود الحدود‬ ‫اإلسرائيلية اللبنانية لمدة عام قبل الغزو اإلسرائيلي‪ ،‬على األقل‬ ‫من لبنان إلى إسرائيل‪ ،‬من الشمال إلى الجنوب‪ .‬خالل هذا العام‪،‬‬ ‫التزمت منظمة التحرير الفلسطينية بدقة بوقف إطالق النار الذي‬ ‫توسطت فيه الواليات المتحدة‪ ،‬رغم االستفزازات اإلسرائيلية‬ ‫المستمرة‪ ،‬التي تضمنت القذف بالقنابل ووقوع الكثير من الضحايا‬

‫‪60‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫مقصودا إلثارة بعض االستجابات‬ ‫المدنيين‪ ،‬مما نفترض أنه كان‬ ‫التي يمكن أن ُت تخذ ذريعة لتبرير الغزو الذي دبرته إسرائيل بعناية‪.‬‬ ‫إن أف ضل ما يمكن أن تحققه إسرائيل هو أن تشعل بعض ردود‬ ‫بناء على ذريعة منافية للعقل بدرجة‬ ‫الفعل الرمزية‪ .‬ثم قامت بالغزو ً‬ ‫ال يمكن تناولها بجدية‪ ،‬لم يكن للغزو أي عالقة بـ "أعمال إرهابية ال‬ ‫يمكن التهاون فيها‪ "،‬ولكنها كانت على عالقة بأعمال ال يمكن‬ ‫ً‬ ‫أبدا‪ .‬وبعد‬ ‫التهاون فيها‪ :‬الدبلو ماسية‪ .‬وهو ما لم يكن باألمر الخفي‬ ‫أن بدأ الغزو الذي تسانده الواليات المتحدة بفترة وجيزة‪ ،‬كتب‬ ‫يهوشع‬

‫بوراث‪،‬‬

‫األكاديمي‬

‫اإلسرائيلي‬

‫البارز‬

‫المتخصص‬

‫في الشئون الفلسطينية – وهو ليس من الحمائم – أن نجاح عرفات‬ ‫في االلتزام بوقف إطالق النار قد شكل "كارثة حقيقية في أعين‬ ‫الحكومة اإلسرائيلية‪ "،‬ألنه قد فتح الباب أمام التسوية السلمية‪.‬‬ ‫ولقد كانت الحكومة تؤمل أن تلجأ منظمة التحرير الفلسطينية إلى‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬بما يجهض خطر أن تصبح "شريك شرعي في المفاوضات‬ ‫ً‬ ‫سياسيا في المستقبل‪ .‬لم تخف هذه‬ ‫حول تسوية الخالفات‬ ‫ً‬ ‫جيدا في إسرائيل‪ .‬وقد صرح رئيس‬ ‫الحقائق‪ ،‬بل كانت مفهومة‬ ‫الوزراء اإلسرائيلي اسحق شامير أن إسرائيل قد ذهبت إلى الحرب‬ ‫ألنه كان هناك "خطر مريع‪ ...‬خطر سياسي بالدرجة األولى أشد‬

‫‪61‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫من الخطر العسكري‪ "،‬مما حذا الهج اء الفصيح بي‪ .‬مايكل أن يكتب‬ ‫أنه "قد ماتت الحجة الواهية التي تقول بال خطر العسكري أو الخطر‬ ‫الذي يهدد الجليل‪ ".‬نحن "قد أزلنا الخطر السياسي" بالقيام بالضربة‬ ‫األولى في التوقيت المالئم؛ واآلن "نشكر الله‪ ،‬ال يوجد أحد يمكن‬ ‫أن نجري معه حوار‪ ".‬وقد أدرك المؤرخ بنني موريس أن منظمة‬ ‫التحرير الفلسطينية قد التزمت بوقف إطالق النار‪ ،‬وأوضح أن‬ ‫"الحرب قد هبطت على منظمة التحرير كخطر سياسي إلسرائيل‬ ‫ولهيمنة إسرائيل على األراضي المحتلة‪ ".‬بينما اعترف آخرون‬ ‫بصراحة بالحقائق التي لم يواجهها أحد‪ .‬ففي مقال تحليلي بالصفحة‬ ‫األولى‪ ،‬كتب مراسل الـ ن يويورك تايمز‪ ،‬ستيفن لي مييرز‬ ‫أن "الهجمات األخيرة على غزة تذكرنا‪ ،‬من نواح عدة‪ ،‬بالمقامرة التي‬ ‫قامت بها إسرائيل‪ ،‬في لبنان عام ‪ ،1982‬وخسرت فيها خسارة‬ ‫فادحة‪ ،‬عندما قامت بالغزو لكي تزيل خطر قوات ياسر عرفات‪".‬‬ ‫صحيح‪ ،‬ولكن ليس بالمعنى الذي في ذهن مييرز‪ .‬ففي عام ‪،1982‬‬ ‫كما في عام ‪ ،2008‬كان من الضروري إزالة خطر التسوية السياسية‪.‬‬ ‫كانت دعاة إسرائيل يأملون أن المثقفون ووسائل اإلعالم في الغرب‬ ‫تصدق ببساطة رواية أن إسرائيل قد قامت برد فعل لوابل الصواريخ‬ ‫التي تنهال عليها في الجليل‪ ،‬وهي "أعمال إرهابية ال يمكن التهاون‬

‫‪62‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫فيها‪ ".‬ولم يخيب أملهم‪ .‬ليس أن إسرائيل ال تريد السالم‪ :‬الجميع‬ ‫يريدون ا لسالم‪ ،‬حتى هتلر‪ .‬السؤال هو‪ :‬بأي شروط؟ إن الحركة‬ ‫الصهيونية‪ ،‬منذ أصولها األولى‪ ،‬قد أدركت أن أفضل إستراتيجية‬ ‫لتحقيق مآربها هي تسويف وتأجيل التسوية السياسية‪ ،‬بينما تقوم‬ ‫ببطء ببناء الحقائق على أرض الواقع‪ .‬حتى االتفاقات االستثنائية‪،‬‬ ‫كما في عام ‪ ،1947‬نظرت إليها ا لقيادة كخطوات مؤقتة نحو مزيد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دراميا للخوف‬ ‫نموذجا‬ ‫من التوسع‪ .‬إن حرب لبنان عام ‪ 1982‬كانت‬ ‫المفرط من الدبلوماسية‪ .‬وتبعها دعم إسرائيلي لحماس كي‬ ‫ما يتأتى لها إجهاض منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية وتثبيط‬ ‫مبادراتها السلمية المزعجة‪ .‬وهناك نموذج آخر من المفترض أنه‬ ‫ً‬ ‫جيدا‪ ،‬وهو االستفزازات التي قامت بها إسرائيل قبل حرب‬ ‫معروف‬ ‫‪ 1967‬بهدف إثارة رد فعل سوري يمكن أن ُيتخذ كذريعة لتبرير العنف‬ ‫واالستيالء على مزيد من األرض – في ‪ 80 %‬من الحاالت‪ ،‬على‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعيدا إلى‬ ‫تبعا لموشيه ديان‪ ،‬وزير الدفاع‪ .‬تعود جذور القصة‬ ‫األقل‪،‬‬ ‫الوراء‪ .‬الرواية التاريخية الرسمية للهجانة‪ ،‬وهي القوة العسكرية‬ ‫اليهودية فيما قبل إنشاء دولة إسرائيل‪ ،‬تصف عملية اغتيال الشاعر‬ ‫اليهودي المتدين جاكوب دي هاآن‪ ،‬في عام ‪ ، 1924‬الذي اتهم بالتآمر‬ ‫مع الجماعة اليهودية الرجعية (الـ يشوف القديم) واللجنة العربية‬

‫‪63‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫العليا ضد المهاج رين الجدد ومشروعهم االستيطاني‪ .‬ومنذ ذلك‬ ‫الحين‪ ،‬توالى عدد هائل من األمثلة‪ .‬إن الجهد الساعي لتسويف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تماما‪ ،‬وكذلك كان ما يصاحبه‬ ‫منطقيا‬ ‫دائما‬ ‫سلميا‪ ،‬كان‬ ‫حل الخالفات‬ ‫من أكاذيب حول كيف أنه "ال يوجد شريك للسالم‪ ".‬إنه من الصعب‬ ‫ً‬ ‫أرضا أنت غير مرغوب فيها‪ .‬وهناك‬ ‫أن تجد طريقة أخرى تنتزع بها‬ ‫أسباب مماثلة لتفضيل إسرائيل التوسع عن األمن‪ .‬إن خرق إسرائيل‬ ‫لوقف إطالق النار في ‪ 4‬نوفمبر لواحد من أمثلة عديدة حديثة‪ .‬يقرر‬ ‫ً‬ ‫تاريخيا لألحداث‪ ،‬من وضع منظمة العفو الدولية‪ ،‬أن وقف‬ ‫جدوال‬ ‫ً‬ ‫إطالق النار في يونيو ‪ 2008‬قد "أدى إلى حدوث تحسن كبير في‬ ‫مستوى المعيشة في سيدروت وفي قرى إسرائيلية أخرى بالقرب‬ ‫من غزة‪ ،‬والتي كان المقيمين فيها‪ ،‬قبل وقف إطالق النار‪ ،‬يعيشون‬ ‫في رعب من متى تأتي الهجمة الصاروخية الفلسطينية التالية‪ .‬غير‬ ‫أنه وعلى القرب منهم‪ ،‬في قطاع غزة‪ ،‬بقى الحصار اإلسرائيلي‬ ‫ً‬ ‫حصصا ضئيلة من المعونات‬ ‫على حاله‪ ،‬ولم يج ن السكان هناك إال‬ ‫بفضل وقف إطالق النار‪ ".‬ولكن المكاسب األمنية التي تحققت‬ ‫ً‬ ‫جدا أمام الحاجة التي شعرت بها‬ ‫للمدن اإلسرائيلية قد تضاءلت‬ ‫إسرائيل لدرء خطر التحركات الدبلوماسية التي قد تعوق توسعها‬ ‫في الضفة الغربية وسحقها ألي جيوب للمقاومة داخل فلسطين‪.‬‬

‫‪64‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫ً‬ ‫ظاهرا بشكل خصوصي‬ ‫إن تفضيل إسرائيل للتوسع عن األمن كان‬ ‫منذ اتخذت إسرائيل القرار القدري عام ‪ ، 1971‬بدعم من هنري‬ ‫كيسنجر‪ ،‬برفض العرض الذي قدمه الرئيس المصري أنور السادات‬ ‫لعقد اتفاقية سالم شامل ‪ ،‬ال يقدم فيها أي شيء للفلسطينيين‬ ‫– وهي االتفاقية التي أجبرت الواليات المتحدة وإسرائيل إلى‬ ‫قبولها بعد ثمانية أعوام في كامب ديفيد‪ ،‬بعد حرب كبرى كادت‬ ‫أن تكون كارثة مهولة إلسرائيل‪ .‬إن معاهدة سالم مع مصر كانت‬ ‫لتنهي أي خطر أمني مؤثر‪ ،‬ولكن كان هناك مضغة مقبولة‪ :‬كانت‬ ‫سيتحتم على إسرائيل أن تتخلى على برامجها االستيطانية‪ .‬كان‬ ‫األمن يأتي في مرتبة أدنى من التوسع‪ ،‬وال يزال‪ .‬وهناك برهان‬ ‫إضافي لهذه الخالصة نستمده من دراسة رزينة قيمة‪ ،‬حول أمن‬ ‫إسرائيل والسياسة الخارجية‪ ،‬أجراها زائيف ماؤز بعنوان ´األرض‬ ‫المقدسة´ ‪ ،‬اليوم‪ ،‬كان من الممكن أن تكون إسرائيل قد حققت‬ ‫جليا ً‬ ‫ً‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫األمن ‪ ،‬وتطبيع العالقات‪ ،‬واالندماج في المنطقة‪ .‬ولكنها‬ ‫تفضل التوسع الغير مشروع‪ ،‬الصراع‪ ،‬والممارسة المتكررة للعنف‪،‬‬ ‫واألعمال التي ليست فقط أعمال إجرامية‪ ،‬سفاحية ومدمرة‪ ،‬ولكنها‬ ‫ً‬ ‫أيضا تقوض بنفسها أمنها على المدى البعيد‪ .‬يكتب أندرو‬ ‫كوردسمان‪ ،‬المتخصص في الشئون العسكرية األمريكية وفي‬

‫‪65‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫قائال أنه بينما تستطيع القوة العسكرية‬ ‫شئون الشرق األوسط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مؤكدا أن تسحق غزة التي ال حول لها وال قوة‪ ،‬فإنه‬ ‫اإلسرائيلية‬ ‫ال إسرائيل وال الواليات المتحدة تستطيع أن تربح من حرب تنتج‬ ‫اعتداال في‬ ‫رد فعل (يتسم بالمرارة) من أحد أهم وأكثر األصوات‬ ‫ً‬ ‫الع الم العربي‪ ،‬وهو األمير تركي الفيصل في المملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬الذي قال في السادس من يناير أن ´إدارة بوش قد‬ ‫خلفت (ألوباما) تركة كريهة مقززة ووضع مستهتر طائش تجاه المجازر‬ ‫ً‬ ‫جميعا‬ ‫وسفك دماء األبرياء في غزة ‪ ...‬كفى تعنى كفى‪ ،‬اليوم‪ ،‬نحن‬ ‫فلسطينيون ونبتغي االستشهاد‪ ،‬مثل أولئك الذين لقوا حتفهم‬ ‫في غزة‪ ،‬في سبيل الله وفي سبيل فلسطين‪ ´،‬وكتب يوري‬ ‫قائال أنه بعد‬ ‫أفنيري‪ ،‬وهو أحد أحكم األصوات في إسرائيل ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫االنتصار العسكري إلسرائيل‪" ،‬إن الشيء الذي سيبهت في ضمير‬ ‫العالم‪ ،‬ويذبل‪ ،‬هو صورة إسرائيل كوحش مخيف ملطخ بالدماء‪،‬‬ ‫متأهب في أي لحظة الرتكاب جرائم حرب وغير مستعد لاللتزام بأي‬ ‫ضوابط أخالقية‪ .‬سيكون لذلك تداعيات بشعة وأثار مضرة على‬ ‫مستقبلنا البعيد المدى‪ ،‬وعلى مكانتنا في العالم‪ ،‬وعلى فرصتنا‬ ‫في الوصول للسالم والسكون‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬هذه الحرب هي‬ ‫ً‬ ‫أيضا جريمة ضد أنفسنا‪ ،‬جريمة في حق دولة إسرائيل‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫ترجمة ‪ /‬صالح ستيفن‬

‫نعوم شومسكي‪ :‬اإلبادة للمتوحشين‬

‫هناك سبب وجيه يجعلنا نصدق أنه على حق‪ .‬إن إسرائيل‪ ،‬بإرادتها‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‬ ‫الحرة‪ ،‬تحول نفسها ربما إلى أكثر دولة ممقوتة في العالم‪،‬‬ ‫تخسر والئها للشعوب التي في الغرب‪ ،‬بما فيه صغار السن من‬ ‫األمريكيي ن اليهود‪ ،‬الذين ليس من المحتمل أنهم يتسامحون مع‬ ‫جرائمها الم صدمة المتواصلة لفترة طويلة‪ .‬لقد كتبت‪ ،‬قبل‬ ‫عدة عقود‪ ،‬أن أولئك الذين يسمون أنفسهم "أعوان إسرائيل"‬ ‫هم في الواقع أعوان النحطاطها األخالقي وربما يدعمون انهيارها‬ ‫في نهاية المطاف‪ .‬ومما يؤسف عليه أن هذا التقييم ليبدو أكثر‬ ‫ً‬ ‫وجيها‪.‬‬ ‫معقوال‬ ‫وأكثر‬ ‫ً‬ ‫إننا‪ ،‬آ ً‬ ‫نيا‪ ،‬نراقب ف ي هدوء حدث نادر في التاريخ‪ ،‬ما أسماه باروخ‬ ‫كيميرلينج‪ ،‬عالم االجتماع اإلسرائيلي الراحل‪" ،‬انتحار سياسي‪"،‬‬ ‫اغتيال أمة – بين ظهرانينا‪.‬‬

‫‪67‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.