2jaffa-before-nakba

Page 1

‫‪036‬‬

‫جملة الدراسات الفلسطينية ‪93‬‬

‫شتاء ‪2013‬‬

‫يافا مدينة تختصر وطن ًا‬

‫حممود يزبك*‬ ‫يافا ما قبل النكبة‪:‬‬ ‫مدينة تنبض باحلياة‬ ‫قصة مدينة يافا يف‬ ‫العصر احلديث بحادث‬ ‫أليم وجريمة ارتكبها جيش االحتالل‬ ‫الفرنسي بقيادة نابوليون بونابرت‬ ‫حين غزاها واحتلها لفترة قصيرة يف‬ ‫‪ 6‬آذار ‪ /‬مارس ‪ .1799‬فمدينة يافا‬ ‫مل تستسلم جليش الغزاة‪ ،‬وحين دخلها‬ ‫اجليش الفرنسي عاث فيها خراب ًا‬ ‫وهجر سكانها ونهبها‪ .‬وتصف‬ ‫ودماراً‬ ‫ّ‬ ‫املصادر املعاصرة املذبحة البشعة‬ ‫التي ارتكبها جيش بونابرت ضد أهل‬ ‫مدينة يافا‪ ،‬ويق ّدر عبد الرحمن اجلبرتي‪،‬‬ ‫كاتب اليوميات املصري املعاصر‪ ،‬عدد‬ ‫اليافيين الذين قتلهم اجليش الفرنسي‬ ‫‪1‬‬ ‫بأربعة آالف شخص‪.‬‬ ‫بدأت يافا منذ أواسط القرن الثامن‬ ‫عشر بالتطور‪ ،‬وشرعت تأخذ مكانتها‬ ‫التجارية شرقي البحر األبيض‬ ‫املتوسط‪ ،‬وحين غزاها بونابرت‪ ،‬كان‬ ‫فيها جمموعة كبيرة من التجار الذين‬ ‫جرى نفيهم إىل مصر و ُنهبت خمازنهم‪.‬‬ ‫وبعد انسحاب الفرنسيين من يافا‬

‫تبدأ‬

‫* رئيس قسم تاريخ الشرق األوسط يف جامعة حيفا‪.‬‬

‫رممت السلطات العثمانية املباين التي‬ ‫دمرها الفرنسيون‪ ،‬وخصوص ًا قلعة‬ ‫املدينة‪ ،‬كي تعيد الطمأنينة إىل أهلها‬ ‫وتقنعهم بالعودة إىل مدينتهم‪ 2.‬وحين‬ ‫أخذت يافا تتعافى من الغزو النابليوين‪،‬‬ ‫جراء صراع على السلطة‬ ‫عانت املدينة ّ‬ ‫بين أحمد باشا اجل ّزار ووريثه وايل عكا‬ ‫سليمان باشا‪ ،‬وبين حاكم يافا حممد‬ ‫أبو املرق‪.‬‬ ‫انتهى هذا الصراع يف سنة ‪،1805‬‬ ‫حين توىل حممد أبو ن ّبوت حكم مدينة‬ ‫يافا‪ .‬ويف حقيقة األمر‪ ،‬فإن أبو ن ّبوت‬ ‫أعاد الهدوء والطمأنينة إىل املدينة‪،‬‬ ‫ووضعها يف مسار التطور والتغير‬ ‫لتصبح من أهم مدن الساحل السوري‬ ‫عامة‪ ،‬والفلسطيني خاصة‪.‬‬ ‫توىل أبو ن ّبوت حكم مدينة يافا‬ ‫حتى سنة ‪ 3،1819‬وهذه فترة طويلة‬ ‫نسبي ًا‪ ،‬وسعى لرفع مكانته اإلدارية من‬ ‫متس ّلم املدينة ليصبح والي ًا‪ ،‬ولتغيير‬ ‫مكانة يافا اإلدارية من متسلم ّية تابعة‬ ‫لعكا كي تصبح مركزاً لوالية قائمة‬


‫امللف‬

‫بذاتها وتابعة إلستانبول مباشرة‪.‬‬ ‫وحصيلة األمر أن يافا شهدت يف عهد‬ ‫تغيراً واضح ًا يف معاملها العامة‪،‬‬ ‫أبو ن ّبوت ّ‬ ‫ويف مظهرها وأبنيتها وزخرفتها التي ما‬ ‫ال للعيان حتى يومنا‬ ‫زال العديد منها ماث ً‬ ‫هذا‪ ،‬على الرغم من الدمار الذي تعرضت له‬ ‫املدينة الحق ًا‪ ،‬وخصوص ًا يف أعقاب النكبة‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ومن أشهر اآلثار العمرانية ألبي ن ّبوت‬ ‫نذكر‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ املقبرة اإلسالمية التي أقامها‬ ‫خارج أسوار املدينة‪ ،‬والتي ُعرفت أرضها‬ ‫باسم أرض البر ّية‪ 5.‬‬ ‫‪ 2‬ـ سبيل احملمودية املعروف أيض ًا‬ ‫باسم السبيل اجل ّواين‪ ،‬وهو من روائع الفنون‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫ويعرف باسم السبيل‬ ‫‪ 3‬ـ سبيل الشفاء ُ‬ ‫البراين‪ ،‬وقد اش ُتهر الحق ًا باسم سبيل أبو‬ ‫ّ‬ ‫ن ّبوت‪ ،‬القائم على الطريق ما بين يافا‬ ‫‪6‬‬ ‫والقدس‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ إعادة بناء جامع يافا الكبير‬ ‫املعروف أيض ًا باسم احملمودي‪ ،‬إحياء‬ ‫‪7‬‬ ‫لذكرى ابنه حممود‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ إنشاء مكتبة ومدرسة جامع يافا‬ ‫‪8‬‬ ‫الكبير‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ ترميم الطواحين السبع عند رأس‬ ‫ليصرف ريعها على طالّب املدرسة‬ ‫العين ُ‬ ‫‪9‬‬ ‫واملكتبة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ جتديد وحتصين أسوار املدينة‪،‬‬ ‫‪10‬‬ ‫البر‪.‬‬ ‫وحفر خندق أحاط باملدينة من جهة ّ‬ ‫‪ 8‬ـ إنشاء األسواق داخل أسوار املدينة‬ ‫وبعض الب ّيارات خارج األسوار‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ إنشاء حوض للسفن وكاسر أمواج‬ ‫يف امليناء‪.‬‬ ‫شجع األمن والعمران اللذان‬ ‫لقد ّ‬ ‫شهدتهما مدينة يافا السكان على العودة‬ ‫إليها‪ ،‬بل ظهور العديد من املهاجرين‬

‫الذين قدموا إىل املدينة أيض ًا‪ .‬ويف أعقاب‬ ‫ذلك ازداد العمران يف املدينة وأخذت‬ ‫باالكتظاظ‪ ،‬وتكونت يف املدينة‪ ،‬داخل‬ ‫أسوار يافا‪ ،‬جمموعة من احلارات اش ُتهر‬ ‫منها‪ :‬القلعة؛ الشيخ إبراهيم؛ النقيب؛‬ ‫البرج؛ النصارى؛ الروم؛ األرمن؛ الفالحين؛‬ ‫الطابية؛ السدرة؛ املراح؛ الرملية؛ السيلوية؛‬ ‫بيبي؛ الزاوية؛ الشيخ رسالن البكري؛‬ ‫‪11‬‬ ‫األشرفية؛ احلشاش؛ الزنط؛ الشيخ جمعة‪.‬‬ ‫وتشير املصادر إىل إحياء املرافق‬ ‫االقتصادية التي كانت يف املدينة قبل‬ ‫احتالل نابليون‪ ،‬وبينها ثالث مصابن‪،‬‬ ‫وثالث معاصر لزيت السيرج‪ 12،‬وجرى‬ ‫إنشاء مصبنتين جديدتين يف سنة ‪.1810‬‬ ‫ويف هذه األثناء بدأت دول أجنبية تع ّين‬ ‫قناصل لها يف يافا لرعاية مصاحلها‬ ‫التجارية املتزايدة‪.‬‬

‫برتقال يافا‬

‫منذ مطلع القرن التاسع عشر تبلورت‬ ‫معامل يافا االقتصادية يف فرعين‬ ‫رئيسيين‪ :‬امليناء بصفته معبراً للداخل‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬وزراعة البيارات وجتارة‬ ‫احلمضيات والبرتقال بصورة خاصة‪.‬‬ ‫وأظهر أبو ن ّبوت اهتمام ًا خاص ًا بكال‬ ‫ال كبيراً من‬ ‫الفرعين‪ ،‬وامتلك أسطو ً‬ ‫"الفلوكات" (القوارب) التي نقلت البضائع‬ ‫واملسافرين من وإىل رصيف امليناء‪ ،‬إىل‬ ‫السفن الكبيرة الراسية يف عرض البحر يف‬ ‫شجع االستثمار يف‬ ‫املياه العميقة‪ .‬كما ّ‬ ‫زراعة البيارات التي أخذت تمتد من خارج‬ ‫أسوار املدينة لتغطي مساحات كبيرة يف‬ ‫السهول املمتدة يف اجتاه مدين َتي الرملة‬ ‫‪13‬‬ ‫وغزة‪.‬‬ ‫وكلما ازدادت أهمية برتقال يافا‬ ‫يف تشكيل اقتصاد املدينة‪ ،‬تركزت‬

‫‪037‬‬


‫‪038‬‬

‫جملة الدراسات الفلسطينية ‪93‬‬

‫شتاء ‪2013‬‬

‫االستثمارات بيد أغنياء التجار املقتدرين‬ ‫على إدارة شبكات جتارية معقدة‪ .‬وقد‬ ‫امتدت فروع هذه الشبكات التجارية ما بين‬ ‫موانئ دمياط ويافا وإستانبول‪ .‬وامتلك‬ ‫جتار برتقال يافا يف موانئ البحر األبيض‬ ‫املتوسط خمازن كبيرة‪ ،‬واستخدموا عدداً‬ ‫من الوكالء لرعاية مصاحلهم التجارية يف‬ ‫تلك املوانئ‪.‬‬ ‫شكلت ب ّيارات البرتقال أهم استثمارات‬ ‫جتار يافا‪ ،‬وكان هذا عادة‪ ،‬استثماراً مربح ًا‬ ‫ّ‬ ‫ال طائلة قبل إعطاء‬ ‫جداً‪ ،‬لكنه استنزف أموا ً‬ ‫املردود األول‪ .‬وكي تبدأ الب ّيارة بإعطاء‬ ‫مردود مادي اضطر املستثمر إىل امتالك‬ ‫ري مكلف‬ ‫قطعة أرض كبيرة وإنشاء نظام ّ‬ ‫جداً‪ ،‬شمل حفر بئر وإنشاء بركة كبيرة‬ ‫جلمع املاء وحفر قنوات لنقل املياه إىل‬ ‫األشجار‪ .‬واستخدم صاحب البيارة ما بين‬ ‫بيارين طوال أيام السنة‪.‬‬ ‫ثالثة إىل خمسة ّ‬ ‫تم استخدام عدد‬ ‫وخالل فترة قطف الثمار ّ‬ ‫كبير من العمال‪ .‬وكي يجني املستثمر‬ ‫الربح كان ال ب ّد له من إنشاء شبكة تسويق‬ ‫متطورة‪ .‬ووجدت حمضيات يافا طريقها‬ ‫إىل األسواق املصرية‪ ،‬ويعود جناح هذا‬ ‫التسويق إىل خبرة وكفاءة الشبكات‬ ‫التجارية والوكالء يف مصر‪.‬‬ ‫جتار البرتقال وأصحاب‬ ‫واعتمد ّ‬ ‫البيارات على عالقاتهم احمللية حلماية‬ ‫استثماراتهم الكبيرة يف فرع زراعة‬ ‫البرتقال وجتارته‪ .‬ويف بدايات القرن‬ ‫جتار‬ ‫بيارات ّ‬ ‫التاسع عشر تركزت أغلبية ّ‬ ‫يافا على مقربة من نهر العوجا‪ ،‬بعيداً‬ ‫عن املدينة‪ ،‬وبجوار املناطق الواقعة حتت‬ ‫سيطرة قبيلة أبو كشك‪ ،‬أقوى قبائل منطقة‬ ‫يافا‪ ،‬والتي شغ ّلت طواحين املاء الواقعة‬ ‫بمحاذاة جمرى النهر‪ .‬ويف سبيل تسيير‬ ‫جتار يافا مصالح اقتصادية‬ ‫أعمالهم‪ ،‬ط ّور ّ‬ ‫مع زعماء القبيلة‪ ،‬واستخدموا قوافل من‬

‫جمالهم لنقل البرتقال من الب ّيارات إىل‬ ‫امليناء‪ ،‬كما استخدموا عدداً من أفراد‬ ‫‪14‬‬ ‫القبيلة حلراسة تلك الب ّيارات‪.‬‬ ‫ومع بدء سيطرة إبراهيم باشا على‬ ‫فلسطين يف سنة ‪ 1830‬وصل حكم األسر‬ ‫اململوكية يف فلسطين‪ ،‬والتي تتابعت بعد‬ ‫اجلزار وضمنها أبو ن ّبوت يف يافا‪ ،‬إىل‬ ‫نهايته‪ .‬وبعكس الغزو النابليوين الذي‬ ‫جلب الدمار واملذابح ليافا‪ ،‬فإن قوات‬ ‫إبراهيم باشا مل تؤذ ال البنية التحتية وال‬ ‫سكان املدينة‪ .‬وخالل فترة احلكم املصري‬ ‫(‪ ،)1840-1830‬ازدادت أعداد املهاجرين‬ ‫إىل يافا‪ ،‬وانضم عدد كبير من الفالحين‬ ‫املصريين إىل َمن سبقوهم من فالحين‬ ‫مهاجرين إىل املنطقة‪ .‬وكلما ازداد عدد‬ ‫الب ّيارات واتسعت مساحاتها‪ ،‬ازداد الطلب‬ ‫على الع ّمال الزراعيين‪ ،‬األمر الذي جذب‬ ‫املهاجرين املصريين‪ ،‬وظهرت قرى جديدة‬ ‫خارج أسوار البلدة القديمة‪ ،‬سكنها بداية‬ ‫هؤالء املهاجرون‪ ،‬ثم انضم إليهم آخرون‬ ‫فيما بعد من جميع األرجاء‪ ،‬و ُأطلق عليها‬ ‫اسم السكنات‪ .‬وأشهر هذه السكنات كان‪:‬‬ ‫سكنة العبيد‪ ،‬وسكانها‪ ،‬يف معظمهم‪،‬‬ ‫قدموا من السودان؛ سكنة إرشيد شمايل‬ ‫البلدة القديمة‪ 15،‬وبعد هدم أسوار املدينة‬ ‫ُعرفت بحارة إرشيد؛ سكنة العجمي؛ سكنة‬ ‫املسلخ؛ سكنة اجلبلية؛ سكنة أبو كبير؛‬ ‫سكنة درويش (أبو طه)؛ سكنة احللوى؛‬ ‫سكنة العراينة؛ سكنة الدنايطة؛ سكنة‬ ‫تركي؛ سكنة السبيل؛ سكنة الهريش؛ سكنة‬ ‫املطرية؛ سكنة أبو رفاعي؛ سكنة املنشية؛‬ ‫سكنة العزم؛ سكنة ح ّماد؛ سكنة صميل؛‬ ‫سكنة تل الريش؛ سكنة كرم التوت؛ سكنة‬ ‫الغزازوة‪ .‬وأقام يف معظم هذه السكنات‬ ‫عمال اعتاشوا من العمل يف البيارات‬ ‫واألعمال املتعلقة بتجارة البرتقال‪ ،‬ومع‬ ‫مرور الزمن أصبح بعضها من أحياء يافا‪،‬‬


‫يافا ما قبل النكبة‪ :‬مدينة تنبض باحلياة‬

‫وقد دمرتها دولة إسرائيل بعد النكبة ومل‬ ‫ُتبق منها أثراً‪.‬‬ ‫بعد رحيل احلكم املصري عن فلسطين‬ ‫يف سنة ‪ 1840‬أصبح برتقال يافا‬ ‫منتوج ًا تسويقي ًا أساسي ًا جرى تصديره‬ ‫غالب ًا إىل السوق املصرية وأسواق‬ ‫األناضول‪ ،‬وخصوص ًا إستانبول‪ .‬إن‬ ‫التوسع السريع لهذه الزراعة نتيجة الطلب‬ ‫املتزايد على برتقال يافا قاد إىل تدفق‬ ‫كبار املستثمرين وكبار األغنياء من‬ ‫الداخل الفلسطيني وأنحاء بالد الشام كي‬ ‫ال طائلة يف هذا القطاع‪.‬‬ ‫يستثمروا أموا ً‬ ‫ومنذ ثالثينيات القرن التاسع عشر‬ ‫برز يف هذا اجملال مستثمرون انتموا إىل‬ ‫عائالت كبار التجار يف نابلس والقدس‪،‬‬ ‫وأسسوا فروع ًا لهم يف يافا‪ .‬وانضم إىل‬ ‫هذا الفرع أيض ًا العديد من املهاجرين‬ ‫املسيحيين‪ ،‬وخصوص ًا من لبنان‪،‬‬ ‫وأصبحوا من أهم املستثمرين يف إنشاء‬ ‫الب ّيارات وجتارة احلمض ّيات‪ .‬وامتدت‬ ‫ب ّيارات برتقال يافا فوق مساحات شاسعة‬ ‫من أراضي اللواء شرق ًا‪ ،‬حتى ما بعد مدينة‬ ‫الرملة‪.‬‬ ‫وحتى سبعينيات القرن التاسع عشر‬ ‫استمر املستثمرون يف السكنى داخل أسوار‬ ‫مدينة يافا‪ ،‬وأداروا استثمارات يف فروع‬ ‫جتارية ُأخرى‪ .‬وعادة ما كان املستثمر يف‬ ‫قطاع البرتقال ينتظر ما بين ‪ 7‬و‪ 8‬أعوام‬ ‫‪16‬‬ ‫قبل أن تؤدي البيارة أرباح ًا دائمة‪.‬‬ ‫استهلكت زراعة البرتقال مبالغ طائلة‬ ‫الري‪ ،‬ألن شجر البرتقال‬ ‫لتجهيز نظام‬ ‫ّ‬ ‫بحاجة دائمة إىل الري خالل أشهر الصيف‪.‬‬ ‫وقد توفرت املياه يف منطقة يافا طوال‬ ‫أيام السنة من مصدرين‪ :‬من نهر العوجا‪،‬‬ ‫ومن املياه اجلوفية‪ .‬ولسحب املياه‬ ‫اجلوفية كان يتم حفر بئر يف أرض البيارة‬ ‫يتراوح عمقها ما بين ‪ 3‬و‪ 20‬متراً‪ ،‬وكان‬

‫امللف‬

‫نظام السقي يشمل جهازاً لسحب املاء‬ ‫ُعرف باسم الساقية ويديرها عادة جمل أو‬ ‫حيوان آخر‪ .‬وبعد أن تسقط مياه الساقية‬ ‫يف بركة لتخزين املاء‪ ،‬يتم سحب املاء‬ ‫من البركة بواسطة قنوات تكون قد ُحفرت‬ ‫يف جميع أنحاء الب ّيارة‪ ،‬ثم تسيل املياه‬ ‫من هذه القنوات إىل حفرة صغيرة كانت‬ ‫حتيط بكل شجرة‪ .‬ومن الواضح أن إقامة‬ ‫ري كهذا وصيانته خالل العام كانتا‬ ‫نظام ّ‬ ‫تتطلبان مبالغ طائلة وعدداً كبيراً من‬ ‫العاملين‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬كان صاحب‬ ‫البيارة يصرف مبالغ كبيرة لتعشيب‬ ‫البيارة وإبعاد اآلفات الزراعية عنها‪.‬‬ ‫وبما أن البرتقال كان منتوج ًا تسويقي ًا‬ ‫ومعداً للتصدير إىل األسواق العاملية‪ ،‬فإنه‬ ‫كان ال ب ّد من إنشاء البيارات بالقرب من‬ ‫امليناء لنقل املنتوج بسرعة من البيارة إىل‬ ‫القوارب‪ ،‬وذلك بخالف الصابون أو زيت‬ ‫الزيتون‪ ،‬ألن للبرتقال مدة انقضاء أقصر‬ ‫كثيراً‪.‬‬ ‫وحين ننظر إىل املادة اإلحصائية‬ ‫املتوفرة بشأن تصدير البرتقال منذ‬ ‫أواسط القرن التاسع عشر‪ ،‬نرى أنه يف‬ ‫سنة ‪ 1856‬جرى تصدير نحو ‪ 20‬مليون‬ ‫حبة برتقال‪ 17.‬ويف سنة ‪ 1873‬بلغ عدد‬ ‫بيارات البرتقال التابعة ليافا ‪ 420‬ب ّيارة‬ ‫أنتجت نحو ‪ 33,3‬مليون حبة برتقال‪ ،‬وقد‬ ‫استهلكت السوق احمللية سدس هذه الكمية‪،‬‬ ‫بينما تم تصدير الباقي إىل مصر وآسيا‬ ‫الصغرى‪ 18.‬ومنذ سنة ‪ 1875‬ص ّدرت يافا‬ ‫كميات كبيرة من البرتقال إىل أوروبا‬ ‫(فرنسا؛ أملانيا؛ النمسا؛ روسيا)‪ ،‬وهذا‬ ‫التصدير إىل أوروبا‪ ،‬أي إىل املسافات‬ ‫البعيدة‪ ،‬ازداد بشكل ملحوظ حين ُبدئ‬ ‫بتغليف البرتقال وتعبئته يف صناديق‬ ‫خشبية للحفاظ عليه خالل عملية النقل‬ ‫املعقدة‪.‬‬

‫‪039‬‬


‫‪040‬‬

‫جملة الدراسات الفلسطينية ‪93‬‬

‫شتاء ‪2013‬‬

‫تغليف البرتقال وتعبئته يف صناديق خشبية‬ ‫(‪)1890‬‬ ‫املصدر‪Library of Congress :‬‬

‫وعلى الرغم من هذه التحسينات‪،‬‬ ‫فإن أنواع البرتقال مل تكن كلها مالئمة‬ ‫للتصدير‪ .‬فالبرتقال الشموطي الذي يشبه‬

‫شكل البيضة‪ ،‬وذو القشرة السميكة‪ ،‬كان‬ ‫مالئم ًا للتصدير والنقل ملسافات طويلة‬ ‫أما البرتقال األصغر حجم ًا‪،‬‬ ‫أكثر من غيره‪ّ ،‬‬ ‫واملعروف بالبلدي‪ ،‬فاس ُتهلك معظمه يف‬ ‫السوق احمللية‪ .‬ويف سنة ‪ُ 1880‬ق ّدر إنتاج‬ ‫‪19‬‬ ‫يافا بـ ‪ 36‬مليون ح ّبة برتقال‪.‬‬ ‫ويف تقرير للقنصل البريطاين من‬ ‫يافا يف سنة ‪ ،1881‬جند أنه الحظ أن‬ ‫االستثمارات يف ب ّيارات البرتقال ُتعتبر‬ ‫ال‪ 20.‬ويف بداية‬ ‫أكثر االستثمارات ربح ًا ودخ ً‬ ‫ثمانينيات القرن التاسع عشر‪ ،‬ق ّدر موظفو‬ ‫القنصلية األميركية يف يافا عدد الب ّيارات‬ ‫حول يافا بـ ‪ 500‬ب ّيارة‪ ،‬وعدد أشجارها‬ ‫بما ال يقل عن ‪ 800.000‬شجرة‪ 21.‬وخالل‬ ‫ثالثة عقود (‪ )1880 – 1850‬تضاعفت‬ ‫‪22‬‬ ‫مرات‪.‬‬ ‫أرض البيارات حول يافا أربع ّ‬ ‫وبما أن ميناء يافا كان ميناء التصدير‬ ‫الوحيد لوسط فلسطين وجنوبها‪ ،‬فقد‬ ‫تأثرت مدينة يافا بازدياد حجم التجارة‬ ‫اخلارجية‪ ،‬وبموجات احلجاج القادمين‬ ‫إىل القدس‪ ،‬وأصبح مطلب تطوير امليناء‪،‬‬ ‫وتطوير وسائل االتصال مع القدس‪ ،‬على‬

‫نقل صناديق البرتقال بالفلوكات من امليناء إىل السفن البخارية‬


‫يافا ما قبل النكبة‪ :‬مدينة تنبض باحلياة‬

‫التجار يف يافا‪ ،‬وحكومتها‬ ‫رأس أجندة ّ‬ ‫احمللية والقناصل األجانب‪.‬‬ ‫ومع النمو السريع لدورة رأس املال‬ ‫وعبور البضائع ونمو حركة املسافرين يف‬ ‫سبعينيات القرن التاسع عشر وثمانينياته‪،‬‬ ‫فإنه مل يعد يف اإلمكان التغاضي عن إنشاء‬ ‫‪23‬‬ ‫أنظمة تشغيل جديدة خلدمة امليناء‪.‬‬ ‫ويف سنة ‪ 1864‬أنشأت شركة فرنسية يف‬ ‫امليناء فناراً عصري ًا‪ ،‬وبادرت احلكومة‬ ‫العثمانية إىل إجراء بعض التحسينات يف‬ ‫مرسى السفن‪ 24،‬لكن هذه اخلطوات مل تعد‬ ‫كافية‪.‬‬ ‫وإزاء عجز احلكومة‪ ،‬تداعى عدد من‬ ‫رجال األعمال اليافيين وأقاموا جمعية‬ ‫حملية‪ ،‬وابتاعوا يف سنة ‪ 1875‬يف‬ ‫مرسيليا قاطرة بخارية صغيرة أطلقوها‬ ‫يف ميناء يافا لتسهيل احلركة واالتصال‬ ‫ما بين اليابسة والسفن الراسية يف عرض‬ ‫‪25‬‬ ‫البحر‪.‬‬ ‫ومنذ خمسينيات القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫جتار يافا والقدس من‬ ‫توالت طلبات ّ‬ ‫احلكومة احمللية حلثّها على إنشاء طريق‬ ‫عامة بين املدينتين‪ 26.‬ويف سنة ‪،1867‬‬ ‫وبعد اقتناع احلكومة املركزية بأهمية‬ ‫ذلك‪ ،‬بدأت بمشروع إنشاء الطريق الذي‬ ‫اف ُتتح رسمي ًا يف سنة ‪ 27.1868‬ومنذ تلك‬ ‫السنة بدأت العربات تسير يومي ًا على هذه‬ ‫الطريق‪ ،‬ويف ثمانينيات القرن التاسع عشر‬ ‫سارت على هذه الطريق ما بين ‪ 30‬و‪40‬‬ ‫عربة لنقل املسافرين‪ 28.‬ويف الوقت نفسه‬ ‫ازدادت طلبات املستثمرين إلنشاء خط‬ ‫وبدىء العمل‬ ‫سكة حديد بين يافا والقدس‪ُ ،‬‬ ‫به يف سنة ‪.1890‬‬ ‫اعتمد اقتصاد مدينة يافا يف معظمه‬ ‫على االستيراد والتصدير‪ ،‬وعلى األشغال‬ ‫املتعلقة بحجاج بيت املقدس‪ ،‬ومنذ أواسط‬ ‫القرن التاسع عشر ازدادت أهمية هذه‬

‫امللف‬

‫الفروع‪ ،‬وشارك أوروبيون أيض ًا يف تشغيل‬ ‫‪29‬‬ ‫هذه األعمال وإدارتها‪.‬‬ ‫أما اإلنتاج الزراعي لريف يافا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وخصوص ًا بيارات البرتقال وإدارة هذا‬ ‫املنتوج وحتضيره للتصدير‪ ،‬فكان من‬ ‫أهم مصادر اقتصاد مدينة يافا‪ .‬ومنذ‬ ‫أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر أولت‬ ‫االستثمارات الصهيونية اهتمامها أيض ًا‬ ‫لفرع ب ّيارات البرتقال‪ .‬وتشير تقديرات من‬ ‫سبعينيات القرن التاسع عشر إىل أن نحو‬ ‫‪ 5000‬شخص من سكان يافا عملوا يف‬ ‫فرع الب ّيارات خالل موسم قطف البرتقال‬ ‫وتغليفه وتعبئته‪ .‬وإىل جانب هؤالء كان‬ ‫هنالك نحو ‪ 3000‬من العمال الدائمين‬ ‫‪30‬‬ ‫الذين عملوا يف الب ّيارات على مدار العام‪،‬‬ ‫وقد اكتسب املتمرسون من هؤالء صفة‬ ‫اري‪.‬‬ ‫الب ّي ّ‬ ‫إن النمو املستمر للتجارة عامة‪،‬‬ ‫ولفرع البرتقال خاصة‪ ،‬أنعش يافا وزاد‬ ‫يف تطورها‪ .‬فبينما كانت املدينة حماطة‬ ‫بأسوار وخندق وذات بوابة واحدة‪ ،‬بادر‬ ‫كبار التجار‪ ،‬ومنذ أواسط القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬إىل إنشاء بيوتهم الفاخرة داخل‬ ‫بياراتهم التي أحاطت بأسوار املدينة‪،‬‬ ‫والتي امتدت على الطرق الرئيسية الواصلة‬ ‫بالقدس وغزة ونابلس والرملة‪ .‬وبضغط‬ ‫من التجار بصورة خاصة‪ ،‬وافقت احلكومة‬ ‫احمللية على فتح بوابة ُأخرى يف أسوار‬ ‫املدينة‪ .‬وبعد خمسة أعوام هدمت احلكومة‬ ‫جزءاً من السور‪ ،‬ويف سنة ‪ 1874‬أزالت‬ ‫جميع األسوار والدفاعات التي أحاطت‬ ‫باملدينة وباعت حجارتها إلنشاء األبنية‬ ‫التي أقيمت على امتداد شارع احللوة الذي‬ ‫ُأنشئ يف سنة ‪ ،1875‬والذي ش ّكل موقع‬ ‫السور واخلندق حتى ذلك احلين‪ ،‬وقد أصبح‬ ‫هذا الشارع املركز التجاري اجلديد ملدينة‬ ‫يافا‪ .‬وحتى ذلك احلين ُوصفت مدينة يافا‬

‫‪041‬‬


‫‪042‬‬

‫جملة الدراسات الفلسطينية ‪93‬‬

‫شتاء ‪2013‬‬

‫بمسرح يوناين كونها مبنية على تله تنحدر‬ ‫بشدة نحو البحر‪ .‬ومل تمر إ ّ‬ ‫ال أعوام قليلة‬ ‫منذ إزالة األسوار حتى تغ ّير شكل املدينة‪،‬‬ ‫فقد أخذت تمتد نحو الشرق على األرض‬ ‫املنبسطة جتاه ال ّبيارات‪ .‬وكلما اتسعت‬ ‫املدينة شرق ًا‪ ،‬ازداد امتداد ب ّياراتها نحو‬ ‫مدينة الرملة شرق ًا‪.‬‬ ‫وكان يملك معظم ب ّيارات البرتقال‬ ‫مستثمرون من سكان املدن‪ ،‬وهذه البيارات‬ ‫شكلت مصدراً مربح ًا‪ .‬والفارق األساسي‬ ‫بين أصحاب البيارات ما قبل وما بعد‬ ‫أواسط القرن التاسع عشر‪ ،‬أن أصحاب‬ ‫البيارات القديمة مل يمارسوا جتارة‬ ‫البرتقال بأنفسهم‪ ،‬وإنما كانوا يبيعون‬ ‫أما أصحاب البيارات‬ ‫منتوجهم للتجار‪ّ .‬‬ ‫اجلديدة فكانوا يف األغلب جتاراً‪ ،‬واعتبروا‬ ‫الب ّيارة واحداً من جممل استثماراتهم‪،‬‬ ‫وفرع ًا آخر من فروع جتارتهم‪.‬‬ ‫ولزيادة أرباحهم وتسريع تسويق‬ ‫منتوجهم‪ ،‬ط ّور املالكون اجلدد شبكات‬ ‫جتارية معقدة‪ .‬وبدأت هذه الشبكة يف‬

‫البيارة نفسها حيث احتاج صاحب البيارة‬ ‫إىل خبير إلدارة شؤون البيارة وصيانتها‪،‬‬ ‫وتشغيل ع ّمال للقطف‪ ،‬وآخرين للتغليف‪،‬‬ ‫وفريق آخر للتعبئة يف صناديق خشبية‬ ‫حلماية البرتقال خالل عملية النقل‬ ‫للمسافات البعيدة‪.‬‬ ‫كان جتار البرتقال واملستثمرون يف‬ ‫ب ّيارات يافا من أكبر أصحاب رؤوس املال‬ ‫يف املدينة‪ ،‬وكانوا من أوائل املبادرين إىل‬ ‫استيعاب تقنيات جديدة لزيادة أرباحهم‬ ‫وإنتاجهم‪ ،‬وقد ساهموا كثيراً يف تطوير‬ ‫االقتصاد الفلسطيني وحتديثه‪ ،‬ويف نقل‬ ‫التقنيات العصرية‪ .‬وكانت تقنية أنظمة‬ ‫الري احلديثة من أوىل التقنيات التي ت ّم‬ ‫ّ‬ ‫استيعابها يف أوائل تسعينيات القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬فقد ذكر تقرير رسمي من‬ ‫سنة ‪ 1890‬أن ‪ 60‬حمرك ًا بخاري ًا لسحب‬ ‫املاء عملت بكامل طاقتها يف بيارات‬ ‫يافا‪ 31.‬وعلى الرغم من التكلفة العالية‬ ‫للمحركات البخارية‪ ،‬فإن الطلب عليها‬ ‫ازداد بعد انفتاح أسواق جديدة للبرتقال‪.‬‬

‫حمرك بخاري لسحب املاء يف إحدى بيارات يافا‪ ،‬بداية القرن العشرين‬ ‫ّ‬ ‫املصدر‪Library of Congress :‬‬


‫يافا ما قبل النكبة‪ :‬مدينة تنبض باحلياة‬

‫وزيادة الطلب مع نسبة الربح العالية‬ ‫شجعت املستثمرين األغنياء على زيادة‬ ‫استثماراتهم يف هذا اجملال‪ .‬وتشير التقارير‬ ‫إىل أن منطقة البيارات احمليطة بيافا‬ ‫اتسعت من ‪ 7500‬دونم يف سنة ‪1890‬‬ ‫إىل ‪ 12.000‬دونم يف سنة ‪ ،1904‬وإىل‬ ‫أكثر من ‪ 30.000‬دونم يف سنة ‪.1914‬‬ ‫وبموازاة ذلك كان ارتفاع عدد صناديق‬ ‫البرتقال املصدرة من يافا مثيراً جداً‪ :‬من‬ ‫‪ 260.000‬صندوق يف سنة ‪ 1895‬إىل‬ ‫‪ 500.000‬يف سنة ‪ ،1905‬ثم قفز إىل ‪1,5‬‬ ‫مليون يف موسم ‪ ،1914/1913‬ومنها‬ ‫‪ 1.200.000‬صندوق‪ ،‬أي ‪ %80‬جاءت من‬ ‫الب ّيارات التي كانت ملكية عربية‪ ،‬والباقي‬ ‫كان ملكية القطاع األملاين ‪ /‬التمبلري أو‬ ‫‪32‬‬ ‫اليهودي‪.‬‬

‫مظاهر من احلياة الثقافية‬ ‫واالجتماعية يف يافا‬ ‫"يا بتروب ّني يا بتطلقني"‬ ‫انعكس موقع يافا االقتصادي‬ ‫يف جممل جماالت احلياة يف املدينة‪،‬‬ ‫وخصوص ًا يف النواحي االجتماعية‬ ‫والثقافية‪ .‬وشكلت زيارة وموسم النبي‬ ‫روبين مظهراً وموروث ًا اجتماعي ًا وثقافي ًا‬ ‫عكس مدى االنفتاح االجتماعي والثقايف‬ ‫ليافا ما قبل النكبة‪ .‬ومل تكن صدفة أن‬ ‫تصبح أكثر املقوالت شهرة وارتباط ًا بتراث‬ ‫املدينة‪ ،‬املقولة النسوية "يا بتروبنّي يا‬ ‫بتطلقني"‪ ،‬أي أن تشترط الزوجة على‬ ‫زوجها اخليار ما بين املشاركة يف‬ ‫احتفاالت النبي روبين‪ ،‬وبين الطالق‪.‬‬ ‫ومقام النبي روبين يقع بالقرب من‬ ‫مصب نهر روبين جنوبي مدينة يافا‪ ،‬وكان‬ ‫لهذا املقام موسم‪ ،‬أي زيارة جماعية يف‬

‫امللف‬

‫وقت حمدد من العام وملدة معينة‪ .‬واملثير‬ ‫يف األمر أن موسم روبين أصبح الزمة‬ ‫من لوازم احلياة االجتماعية كلما حتسنت‬ ‫األوضاع االقتصادية يف املدينة‪ ،‬وكان‬ ‫هذا املوسم يمتد على مدار شهر كامل‬ ‫يتوافق موعده مع نهاية قطف البرتقال‬ ‫الذي يصادف عادة خالل أيلول ‪ /‬سبتمبر‪.‬‬ ‫وتشير املصادر إىل أن اآلالف من سكان‬ ‫يافا شاركوا سنوي ًا يف هذا املوسم الذي‬ ‫اكتسب يف املوروث الثقايف صفة مصيف‬ ‫روبين‪ .‬وخالل فترة املوسم كان األهايل‬ ‫ينصبون آالف اخليام فوق األراضي الرملية‬ ‫احمليطة بمقام النبي روبين بالقرب من‬ ‫شاطئ البحر وضفة النهر‪ ،‬ويف حقيقة األمر‬ ‫فإن الز ّوار أو املصطافين كانوا‪ ،‬ولشهر‬ ‫كامل‪ ،‬يقيمون مدينة خيام موقتة يصل‬ ‫عدد سكانها إىل ما بين ثالثين وخمسين‬ ‫ألفا‪ .‬وخالل فترة موسم روبين كانت مدينة‬ ‫يافا تصبح ولشهر كامل فارغة من أكثر‬ ‫سكانها الذين كانوا يذهبون لالصطياف‬ ‫على ضفاف روبين‪.‬‬ ‫وخالل موسم روبين كانت األسواق‬ ‫ال عن‬ ‫تقام جلميع أصناف البضائع‪ ،‬فض ً‬ ‫املقاهي واملطاعم‪ ،‬وأماكن الترفيه الكثيرة‪.‬‬ ‫ويف هذا املوسم كانت الفرق املسرحية‬ ‫تعرض عروضها‪ ،‬وبعض هذه الفرق كان‬ ‫فرق ًا حملية‪ ،‬وقد جاءت فرق مسرحية‬ ‫من بيروت ودمشق والقاهرة كي تقدم‬ ‫عروضها للمصطافين‪ .‬وما يلفت النظر‬ ‫أن هذه العروض كانت تق َّدم بالتتايل‬ ‫وبالتناوب للرجال وللنساء على حد سواء‪،‬‬ ‫وكان املعلنون يف عدة إعالنات للعروض‬ ‫املسرحية يعلنون أوقات العرض اخلاصة‬ ‫بالنساء والرجال‪ .‬ومنذ ثالثينيات القرن‬ ‫العشرين بدأ عرض أفالم سينمائية يف‬ ‫الهواء الطلق إلمتاع املصطافين وتسليتهم‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك شارك يف موسم روبين‬

‫‪043‬‬


‫‪044‬‬

‫جملة الدراسات الفلسطينية ‪93‬‬

‫شتاء ‪2013‬‬

‫مصيف روبين‪ :‬صورة من ثالثينيات القرن العشرين‬ ‫املصدر‪Library of Congress :‬‬

‫مشاهير املطربين من مصر ولبنان وأنحاء‬ ‫فلسطين‪ ،‬الذين جاؤوا بصورة خاصة‬ ‫إلحياء احتفاالت روبين‪.‬‬ ‫وق ّدم موسم روبين للنساء أكثر من‬ ‫غيرهن فرصة للتحرر ولو موقت ًا من األطر‬ ‫االجتماعية والثقافية التي حصرتهم داخل‬ ‫"أربعة جدران"‪ ،‬وللخروج إىل الفضاء العام‬ ‫واملشاركة يف نشاط ترفيهي خمتلط ما‬ ‫بين اجلنسين‪ ،‬ومقبول اجتماعي ًا‪ .‬وهذا‬ ‫االشتياق‪ ،‬وانتظار املوسم سنوي ًا‪ ،‬شغال‬ ‫بال العديد من نساء يافا‪ ،‬وقد ع ّبرت عن‬ ‫ذلك جيداً السيدة سلوى أبو اجلبين يف‬ ‫‪33‬‬ ‫مذكراتها‪.‬‬ ‫وما يجب تأكيده هنا هو أن موسم‬ ‫روبين الذي كان يف بداياته موسم ًا ديني ًا‬ ‫تغ ّير طابعه االحتفايل ليصبح شعبي ًا‪،‬‬ ‫وكان الطابع الديني فيه ثانوي ًا‪ .‬وهكذا‬ ‫أصبح موسم روبين بالتدريج موسم ًا ليافا‪،‬‬

‫األمر الذي سمح للمسيحيين واملسلمين‬ ‫باملشاركة فيه واالستمتاع بأجوائه‬ ‫الترفيهية كونهم أبناء جمتمع واحد ومدينة‬ ‫ال ونساء‪.‬‬ ‫واحدة‪ ،‬رجا ً‬ ‫والطبيعة املدنية ‪ /‬العلمانية لقضاء‬ ‫الرجال والنساء أوقاتهم يف فضاء روبين‪،‬‬ ‫عكست التغ ّير االجتماعي للمجتمع املدين‬ ‫الفلسطيني عامة‪ ،‬وجملتمع يافا خاصة‪،‬‬ ‫والذي بدأ منذ أواخر العهد العثماين‪ .‬إن‬ ‫رغبة الناس اجلادة يف الراحة‪ ،‬والتحرر‬ ‫املوقت من رتابة احلياة اليومية يف‬ ‫املدينة ومطالبها وضغوطها‪ ،‬واللجوء إىل‬ ‫عطلة صيفية طويلة يجددون بها أنفسهم‬ ‫ونشاطهم بالقرب من شاطئ البحر وضفة‬ ‫النهر‪ ،‬تشير أكثر من أي شيء آخر إىل‬ ‫مظاهر احلياة العصرية واملدنية التي‬ ‫عاشتها يافا قبل النكبة‪ .‬وحيث بقيت يافا‬ ‫أيام االنتداب مدينة عربية ال خمتلطة‪،‬‬


‫يافا ما قبل النكبة‪ :‬مدينة تنبض باحلياة‬

‫فإنها قدمت نموذج ًا حي ًا ملعاين العصرنة‬ ‫والتمدن والعاملية يف اجملتمع الفلسطيني‬ ‫‪34‬‬ ‫ما قبل سنة ‪.1948‬‬ ‫بعد سنة النكبة انقطع موسم النبي‬ ‫روبين بعد أن تعرضت يافا والرملة واللد‬ ‫وألويتها لتطهير عرقي‪ ،‬وجرى طرد أكثر‬ ‫من ‪ %97‬من سكانها إىل خارج حدود‬ ‫الوطن‪ .‬وقد استولت جمموعة يهودية على‬ ‫أما املسجد‬ ‫مقام روبين نفسه وه ّودته‪ّ ،‬‬ ‫ال‬ ‫اجملاور فته ّدم وما زال بعض آثاره ماث ً‬ ‫للعيان‪.‬‬

‫مظاهر ثقافية‬

‫امليناء والقطار ربطا يافا بالعامل‬ ‫اخلارجي والداخلي‪ ،‬عالوة على تن ّوع‬ ‫الثقافات واللغات بين سكانها الذين‬ ‫رفدوها بهجرة ال تنقطع‪ .‬ومنذ أواخر العهد‬ ‫العثماين ُأنشئت يف يافا جمموعة كبيرة من‬ ‫املؤسسات واجلمعيات الثقافية واألدبية‪.‬‬ ‫من هذه النوادي نذكر النادي الرياضي‬ ‫اإلسالمي الذي أقيم يف سنة ‪ ،1926‬وكان‬ ‫‪35‬‬ ‫أعضاؤه الفاعلين مسيحيين ومسلمين‪.‬‬ ‫وكانت فاعليته يف أغلبيتها أدبية‪ ،‬وزاره‬ ‫العديد من شعراء الوطن العربي من العراق‬ ‫ال عن ذلك‬ ‫ومصر وسورية ولبنان‪ .‬وفض ً‬ ‫كان للنادي نشاطات رياضية‪ ،‬وأنشأ‬ ‫فرق ًا رياضية أهمها‪ :‬فريق املالكمة؛ فريق‬ ‫كرة السلة؛ فريق تنس الطاولة؛ فريق‬ ‫رفع األثقال؛ فريق البلياردو؛ فريق كرة‬ ‫القدم‪ .‬وباملشاركة مع اجمللس اإلسالمي‬ ‫األعلى أقام النادي ملعب ًا صغيراً لكرة‬ ‫القدم بالقرب من مبنى القشلة‪ ،‬وأنشأ‬ ‫الحق ًا ملعب ًا كبيراً باملشاركة مع البلدية‬ ‫يف "أرض البصة" كان يتسع لعشرة آالف‬ ‫شخص‪.‬‬ ‫واش ُتهر نادي الشبيبة األورثوذكسية‬

‫امللف‬

‫وهو ناد رياضي ثقايف تأسس يف سنة‬ ‫‪ ،1924‬وكان له نشاطات عديدة منها‬ ‫احملاضرات الثقافية واألدبية والعروض‬ ‫املسرحية‪ ،‬عالوة على إنشاء العديد من‬ ‫الفرق الرياضية التي مارست نشاطها على‬ ‫مستوى الوطن‪ ،‬ومنها فريق كرة السلة‪،‬‬ ‫وفريق تنس الطاولة‪ ،‬وفريق البلياردو‪،‬‬ ‫وفريق كرة القدم الذي فاز بلقب بطل‬ ‫أندية فلسطين‪ .‬وكان للنادي ملعب لكرة‬ ‫القدم بمواصفات عاملية‪ ،‬يسمى ملعب‬ ‫النادي األورثوذكسي‪ ،‬ويقع بجوار الكلية‬ ‫األورثوذكسية قرب تلة العرقتنجي‪ .‬ومن‬ ‫اجلمعيات املشهورة كان هناك جمعية‬ ‫الشبان املسلمين‪ ،‬والنادي العربي‪ ،‬ونادي‬ ‫الطلبة‪ ،‬والنادي األوملبي‪ ،‬ونادي الشباب‪،‬‬ ‫واملنتدى األدبي والعشرات غيرها‪ .‬وقد‬ ‫اش ُتهر العديد من اجلمعيات النسائية‬ ‫كجمعية النساء األورثوذكسية التي تأسست‬ ‫قبل احلرب العاملية األوىل‪ 36،‬وجمعية‬ ‫التضامن النسائي التي عنيت بالثقافة‬ ‫عامة‪ ،‬وبتأكيد دور املرأة يف اجملتمع‪،‬‬ ‫وقد استضافت هذه اجلمعية العديد من‬ ‫املشاهير من أدباء وك ّتاب العامل العربي يف‬ ‫‪37‬‬ ‫ثالثينيات القرن العشرين وأربعينياته‪.‬‬ ‫‪38‬‬ ‫وهناك أيض ًا جمعية السيدات العربيات‬ ‫ال عن فاعلياتها األدبية‬ ‫التي أسست‪ ،‬فض ً‬ ‫ال لتعليم الفتيات فن‬ ‫والثقافية‪ ،‬مشغ ً‬ ‫التفصيل واخلياطة‪ .‬واش ُتهرت كذلك جمعية‬ ‫النساء الوطنية‪ ،‬وجمعية الرابطة النسائية‬ ‫العربية‪ ،‬والعديد غيرهما‪.‬‬ ‫ويف جمال التمثيل املسرحي ظهر أول‬ ‫املسارح يف يافا يف أواخر القرن التاسع‬ ‫عشر مثل مسرح الزرافية‪ ،‬ومسرح قهوة‬ ‫البنور‪ ،‬ومسرح الباريزيانا‪ ،‬ومسرح مقهى‬ ‫احللواين‪ .‬ومنذ عشرينيات القرن العشرين‬ ‫ظهرت مسارح جديدة شكلت أيض ًا دور‬ ‫عرض ألفالم السينما‪ ،‬منها دار سينما‬

‫‪045‬‬


‫‪046‬‬

‫جملة الدراسات الفلسطينية ‪93‬‬

‫شتاء ‪2013‬‬

‫الطوبجي على اسم صاحبها عبد الرحمن‬ ‫الطوبجي‪ .‬كما أقامت األندية الثقافية يف‬ ‫املدينة مسارح ُعرضت فيها املسرحيات‬ ‫واألفالم السينمائية‪ ،‬ومنها مسرح النادي‬ ‫الرياضي‪ ،‬ومسرح النادي العربي‪ .‬وكان‬ ‫العديد من الفرق املسرحية يق ّدم خالل‬ ‫العام موسمين‪ :‬الصيفي وكان يبدأ يف‬ ‫روبين‪ ،‬والشتوي وكان يق ّدم يف دور‬ ‫املسرح يف يافا‪ .‬وزار العديد من الفرق‬ ‫املسرحية املصرية يافا‪ ،‬وق ّدم عروض ًا‬ ‫كثيرة على مسارح املدينة‪ 39.‬كما اش ُتهرت‬ ‫مقاهي يافا بإقامة املسرح فيها كمسرح‬ ‫قهوة أبو شاكوش‪.‬‬ ‫ويف عشرينيات القرن العشرين‬ ‫وثالثينياته‪ ،‬تأسست يف يافا جمموعة من‬ ‫دور السينما أهمها وأفخمها سينما احلمراء‬ ‫التي ما زالت عمارتها اجلميلة قائمة حتى‬ ‫اليوم‪ .‬وكانت هذه السينما املكان املفضل‬ ‫للعائالت اليافية‪ .‬وبرزت دور سينما ُأخرى‪،‬‬ ‫منها‪ :‬سينما نبيل؛ سينما أبولو؛ سينما‬ ‫الشرق؛ سينما الرشيد؛ سينما فاروق؛ سينما‬ ‫الصالحي؛ سينما الطوبجي؛ سينما فنقل؛‬ ‫‪40‬‬ ‫سينما عدن‪.‬‬ ‫وأدت يافا دوراً مهم ًا يف جمال‬ ‫الصحافة الفلسطينية‪ ،‬وكانت جريدة‬ ‫"الترقي" أوىل الصحف التي صدرت يف‬ ‫يافا يف سنة ‪ 41.1907‬ويف سنة ‪1908‬‬ ‫صدرت جملة "األصمعي" وهي جملة‬ ‫اجتماعية نصف شهرية‪ ،‬كما صدرت‬ ‫جريدة "االعتدال" يف سنة ‪ ،1910‬ويف‬ ‫السنة نفسها صدرت جملة "احلرية"‪ ،‬ويف‬ ‫سنة ‪ 1911‬صدرت جريدة "األخبار"‬ ‫األسبوعية‪ .‬ويف السنة نفسها صدرت‬ ‫أهم الصحف الفلسطينية وهي صحيفة‬ ‫"فلسطين" التي أسسها عيسى العيسى‬ ‫ويوسف العيسى‪ ،‬والتي استمرت يف الصدور‬ ‫حتى سنة النكبة‪ ،‬ثم عادت إىل الظهور يف‬

‫سنة ‪ 1950‬يف مدينة القدس‪ ،‬والحق ًا يف‬ ‫ع ّمان‪ .‬ويف اإلجمال صدر يف يافا ما بين‬ ‫سنة ‪ 1910‬وسنة النكبة نحو ‪ 50‬صحيفة‬ ‫‪42‬‬ ‫وجملة‪.‬‬ ‫ورافق هذه الطفرة يف املنشورات‬ ‫الصحافية ظهور جمموعة كبيرة من دور‬ ‫النشر واملطابع احلديثة‪ .‬ومن هذه املطابع‬ ‫التي عملت يف يافا حتى سنة النكبة نذكر‪:‬‬ ‫املطبعة الوطنية؛ مطبعة فلسطين؛ مطبعة‬ ‫النصر؛ مطبعة غرابي؛ املطبعة العصرية‬ ‫وغيرها‪ .‬ووصل عدد املطابع يف يافا ما‬ ‫بين سن َتي ‪ 1918‬و‪ 1948‬إىل ‪ 38‬مطبعة‬ ‫ودار نشر‪.‬‬ ‫وترافق هذا كله مع انتشار واسع‬ ‫للمكتبات التي اش ُتهر منها املكتبة‬ ‫العصرية‪ ،‬ومكتبة السفري‪ ،‬ومكتبة الطاهر‪،‬‬ ‫ومكتبة فلسطين العلمية‪ ،‬والعديد غيرها‪،‬‬ ‫كما اش ُتهرت مكتبتان عامتان هما مكتبة‬ ‫اخلزانة اإلسالمية يف يافا‪ ،‬ومكتبة خزانة‬ ‫أبو ن ّبوت التي أسسها أبو ن ّبوت يف اجلامع‬ ‫‪43‬‬ ‫احملمودي‪.‬‬ ‫ومل تكتمل حياة يافا الثقافية‬ ‫النشيطة واحليوية إ ّ‬ ‫ال بعشرات املقاهي‬ ‫التي اس ُتعملت قاعاتها للعروض الفنية‬ ‫والغنائية‪ .‬فقد حضر إىل يافا وغنّى‬ ‫على مسارحها كبار مطربي الثالثينيات‬ ‫واألربعينيات من مصر وغيرها مثل‬ ‫املوسيقار حممد عبد الوهاب والسيدة أم‬ ‫كلثوم ومعظم رموز الغناء والطرب يف تلك‬ ‫الفترة‪ .‬وجمع علي البواب يف موسوعته‬ ‫أسماء ‪ 75‬مقهى عملت يف يافا قبل سنة‬ ‫النكبة‪ .‬وإىل جانب هذا الكم الهائل من‬ ‫املقاهي ظهرت يف يافا املالهي التي‬ ‫ُقدمت فيها عروض ترفيهية وغنائية لفرق‬ ‫حملية‪ ،‬و ُأخرى جاءت من مصر وسورية‬ ‫ولبنان‪ .‬ومن أشهر هذه املالهي نذكر ملهى‬ ‫الظريفية قرب ميدان الساعة‪ ،‬وملهى أبو‬


‫يافا ما قبل النكبة‪ :‬مدينة تنبض باحلياة‬

‫شاكوش‪ ،‬وملهى الباريزيانا‪ ،‬وملهى الدلو‪،‬‬ ‫وملهى غنطوس‪ ،‬وملهى تاج حمل‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫توقف نبض احلياة يف مدينة يافا‬ ‫وانقطعت عن ماضيها حين احتلتها القوات‬ ‫اإلسرائيلية يف سنة ‪ .1948‬و ُنكبت يافا‬ ‫وقطعت‬ ‫كباقي فلسطين‪ ،‬وتم هدم احلجر‪ُ ،‬‬ ‫وهدمت السواقي والنواعير‪ ،‬ومل‬ ‫البيارات‪ُ ،‬‬

‫امللف‬

‫يعد هناك َمن ُيحيي موسم روبين‪ ،‬وإنما‬ ‫جرى تهويده‪ ،‬وأصبحت رمال روبين معسكر ًا‬ ‫لتدريبات وحدات اجليش اإلسرائيلي‪ .‬مل‬ ‫وهدمت‬ ‫تبق ال مطابع وال دور نشر عربية‪ُ ،‬‬ ‫دور السينما‪ ،‬ومل يبق إ ّ‬ ‫ال دار سينما احلمراء‬ ‫املصادرة واملمنوع استعمالها على َمن‬ ‫استطاع البقاء من أهل يافا‪.‬‬ ‫لقد عملت املؤسسة الصهيونية وبكد‬ ‫لتهويد املكان وحمو ماضيه الزاهر كي يبدو‬ ‫للغريب كأن يافا مل تكن يوم ًا هناك‪.‬‬

‫املصادر‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫عبد الرحمن اجلبرتي‪" ،‬عجائب اآلثار يف التراجم واألخبار" (القاهرة‪ :‬دار الكتب املصرية‪ ،‬اجمللد‬ ‫‪ ،)1997 ،2‬ص ‪ .261‬وبشأن عمليات النهب والسلب التي قام بها الفرنسيون‪ ،‬انظر‪" :‬سجل‬ ‫حمكمة يافا الشرعية "‪ ،‬اجمللد ‪ ،1‬ص ‪ ،39 ،23 ،1‬وغيرها‪.‬‬ ‫"سجل حمكمة يافا الشرعية "‪ ،‬اجمللد ‪ ،18‬ص ‪.135‬‬ ‫املصدر نفسه‪ ،‬اجمللد ‪ ،4‬ص ‪.117‬‬ ‫فيما يتعلق بمشاريع أبو نبوت العمرانية‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫‪Ruba Kan`an, “Jaffa and the Waqf of Muhammad Aga Abu Nabbut (1799-1831)”,‬‬

‫‪Ph.D. Thesis, Oxford, 1998.‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬

‫"سجل حمكمة يافا الشرعية "‪ ،‬اجمللد ‪ ،2‬ص ‪.119‬‬ ‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫املصدر نفسه‪ ،‬اجمللد ‪ ،3‬ص ‪.15‬‬ ‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫املصدر نفسه‪ ،‬اجمللد ‪ ،8‬ص ‪.44‬‬ ‫املصدر نفسه‪ ،‬اجمللد ‪ ،4‬ص ‪.46‬‬ ‫علي حسن البواب‪" ،‬موسوعة يافا اجلميلة" (بيروت‪ :‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬‬ ‫اجمللد ‪ ،)2003 ،1‬ص ‪.242 -232‬‬ ‫"سجل حمكمة يافا الشرعية"‪ ،‬اجمللد ‪ ،1‬ص ‪21‬؛ اجمللد ‪ ،2‬ص ‪.179 ،31‬‬ ‫لالستزادة يف جمال االستثمار يف زراعة البيارات يف فترة أبو ن ّبوت‪ ،‬انظر‪" :‬سجل حمكمة يافا‬ ‫الشرعية"‪ ،‬اجمللد ‪ ،5‬ص ‪122‬؛ اجمللد ‪ ،8‬ص ‪136‬؛ اجمللد ‪ ،10‬ص ‪.162‬‬ ‫املصدر نفسه‪ ،‬اجمللد ‪ ،9‬ص ‪.70‬‬

‫‪047‬‬


2013 ‫شتاء‬

93 ‫جملة الدراسات الفلسطينية‬

.110 ‫ ص‬،3 ‫ المجلد‬،‫ المصدر نفسه‬15 G. Franghia, “Report on Irrigation and Orange Growing at Jaffa,” Great Britain: Foreign 16 Office, Miscellaneous Series, no. 300, Reports on Subjects of General and Commercial

Interest, London ,1893, p. 2.

17 Great Britain, Parliamentary Papers, vol. LXVII, Jerusalem, February 1874; Alexander 18 Public Record Office (PRO), Foreign Office (F.O) / 78, vol. 1419, Jaffa, 17.5.1856.

Schőlch, Palestine in Transformation, 1856-1882: Studies in Social, Economic and Political

Development (Washington: Institute for Palestine Studies, 1993), p. 92. Great Britain, Parliamentary Papers, vol. XC, Beirut, 19 March 1881. Ibid., vol. LXXI, Jaffa, May 1882; W. M. Thomson, The Land and the Book: or Biblical Illustrations Drawn from the Manners and Customs, the Scenes and Scenery of the Holy

19 20

Land (London : T. Nelson, 1901), P. 519. Roger Owen, The Middle East in the World Economy, 1800-1914 (London: Tauris, 1981), p. 178.

21

22 Ibid., p 135. 23 Parliamentary Papers, vol. LXI, Jaffa, May 1864; PUBLIC Record Office (PRO), F.O., 78, 24 Schőlch, op.cit., p. 92.

vol. 1834, Jaffa, 9 November 1864.

25 ‫ال طائلة يف وسائط‬ ً ‫ أشار جاد جلبار يف دراسته املستفيضة عن التجار إىل أنهم استثمروا أموا‬26 :‫ انظر‬،‫ لتفصيل املوضوع‬.‫النقل لضمان سيطرتهم على مراحل انتقال البضائع من مكان إىل آخر‬ Schőlch, op.cit., p. 136.

Gad Gilbar, “Muslim Big Merchant-Entrepreneurs of the Middle East, 1860-1914”, Die

Welt des Islams, vol. 43, no.1 (2003), pp. 7-12. Public Record Office (PRO), FO., 78, vol. 1991, Jerusalem, 28 November 1867; Parliamentary Papers, vol. LXVIII, Jerusalem, January 1868.

27

28 Public Record Office (PRO), FO., 78, vol. 1419, Jaffa, 17 May 1856; Parliamentary Papers, 29 Schőlch, op. cit., p. 138.

vol. LXXIV, Jaffa, February 1880.

30 -1839 ،‫ استثمار القطاع اخلاص يف فرع احلمضيات‬:‫ "ازدهار احلمضيات‬،‫ ناحوم كارلنسكي‬31 .137 ‫ ص‬،)1981 ،‫ ماغنس‬:‫ (القدس‬،)‫" (بالعبرية‬1890 Franghia, op.cit. 32 .29 ‫ ص‬،)2009 ،‫ دار ورد‬:‫(عمان‬ ّ "‫ "شهادة طالبة من يافا‬،‫ سلوى أبو اجلبين‬33 Rema Hammami, “Gender, Nakba and Nation: Palestinian Women’s Presence and 34 Parliamentary Papers, vol. Lxxiv, Jaffa, February 1880.

Absence in the Narration of 1948 Memories”, in Across theWall: Narratives of IsraeliPalestinian History, edited by Ilan Pappé and Jamil Hilal (London and New York: I.B. Tauris), p. 261.

048


‫يافا ما قبل النكبة‪ :‬مدينة تنبض باحلياة‬

‫‪35‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪43‬‬

‫امللف‬

‫‪049‬‬

‫البواب‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬اجمللد ‪ ،2‬ص ‪.1179‬‬ ‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪1194‬‬ ‫جمموعة من املؤلفين‪" ،‬يافا‪ ،‬عطر مدينة" (بيروت‪ :‬دار الفتى العربي‪ ،)1991 ،‬ص ‪.179‬‬ ‫"املوسوعة الفلسطينية" ( دمشق‪ :‬هيئة املوسوعة الفلسطينية‪ ،‬اجمللد ‪ ،)1990 ،2‬ص ‪.216‬‬ ‫(عمان)‪ ،‬العدد ‪ ،27‬كانون األول ‪ /‬ديسمبر ‪ ،1996‬ص ‪.25-15‬‬ ‫جملة "الفلوكة" ّ‬ ‫البواب‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.1205‬‬ ‫املوسوعة الفلسطينية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.18-13‬‬ ‫يعقوب يهوشوع‪" ،‬الصحافة العربية الفلسطينية يف نهاية عهد االنتداب البريطاين على‬ ‫فلسطين‪( "١٩٤٨-١٩٣٠ ،‬شفاعمرو‪ :‬دار املشرق‪ .)1983 ،‬انظر أيض ًا‪ :‬حممد سليمان‪" ،‬تاريخ‬ ‫الصحافة الفلسطينية ‪( "1976 -1876‬رام الله‪ :‬االحتاد العام للكتاب الفلسطينيين‪.)1988 ،‬‬ ‫املوسوعة الفلسطينية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬اجمللد ‪ ،4‬ص ‪ .287‬انظر أيضاً‪ :‬يوسف هيكل‪" ،‬أيام‬ ‫(عمان‪ :‬دار اجلليل‪ ،)1988 ،‬ص ‪.161‬‬ ‫الصبا‪ :‬صور من احلياة وصفحات من التاريخ" ّ‬

‫●●●●●●●●●●●●●●●●●●● ●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●‬

‫صدر حديث ًا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية‬

‫مذكرات محام فلسطيني‬ ‫حنا ديب نقارة‬ ‫محامي األرض والشعب‬ ‫تحرير‬ ‫عطا الله سعيد قبطي‬ ‫‪ 385‬صفحة‬

‫‪ 12‬دوالراً‬

‫●●●●●●● ●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●‬

‫صدر حديث ًا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية‬

‫دليل إسرائيل العام ـ ‪2011‬‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫كميل منصور‬ ‫‪ 800‬صفحة‬

‫‪ 26‬دوالراً‬

‫●●●●●●● ●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.