وجــهــات نـــظــر
االنتخابات اإلسرائيليّة ومستقبل "العمليّة السياسيّة" أنطـوان شلحـت* أثبتت نتائج االنتخابات اإلسرائيليّة ،في ما أثبتت ،فشل الحمالت االنتخابيّة التي دارت حول جدول أعمال ح َملَ اسم "العمليّة السياسيّة" التي تنطوي على انسحابات من المناطق المحتلّة ،وتفكيك مستوطنات .وباستثناء حزب "ميرتس" ،كانت رئيسة حزب "هتنوعا" (الحركة) تسيبي ليفني الوحيدة التي طرحت العمليّة السياسيّة ،وحصدت نتيجة ذلك ستّة مقاعد فقط ،أمّا رئيس حزب "يش عتيد" ("يوجد مستقبل") يائير لبيد ،ورئيسة حزب العمل شيلي يحيموفيتش ،فلم يوليا المسألة اهتمامًا كبيرًا. بموازاة ذلك ،إنّ الحملة االنتخابيّة التي نجحت فعالً هي تلك التي ركّزت على جدول األعمال المتعلّق بتحسين حياة المواطنين اليهود .ولم يكن لبيد وحده الذي ابتعد عن الحديث عن مستقبل المناطق المحتلّة ،وركّز على ضرورة عدم المس بالطبقة الوسطى ،وخفض غالء المعيشة وأسعار الشقق السكنيّة ،بل إنّ هذا هو ما فعله كذلك نفتالي بينيت ،زعيم حزب "البيت اليهوديّ" الذي زاد قوّة اليمين االستيطانيّ في الكنيست المنتخَب بنحو ضعفين .كذلك اتّسمت معركة االنتخابات بتصاعد مكانة المستوطنين ونفوذهم ،وبالتالي من المتوقّع أن تطبع هذه السمة بميسمها مرحلة ما بعد االنتخابات أيضًا. ولم ينعكس تصاعد نفوذهم هذا في اتّساع شعبيّة حزب "البيت اليهوديّ" وفي علوّ مكانته فحسب، وإنّما انعكس أيضًا في تعزيز سيطرتهم على الليكود الذي أصبح "استيطانيًا أكثر" (على حدّ تعبير أحد المعلّقين) ،ونجاحهم في احتالل مرتبات متقدّمة في قائمة "الليكود -بيتنا" ،وفي واقع فرض "التعاطف" مع أَجِنْدتهم على جميع األحزاب الصهيونيّة .ويحيل هذا األمر إلى عدّة أفكار تتعلّق جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
1
مدى الكرمل www.mada-research.org
بطبيعة مرحلة ما بعد االنتخابات ،لعلّ أبرزها فكرة أنّ "الخالفات" بين اإلسرائيليّين إزاء مستقبل المناطق المحتلة منذ العام 7691قد حُسمت لمصلحة المستوطنين ،وأنّ نُذُر هذا الحسم قد الحت منذ تنفيذ "خطّة االنفصال" عن قطّاع غزة في خريف العام .5002 ويبدو منذ اآلن أنّ الحكومة اإلسرائيليّة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو ستقف ،في كلّ ما يتعلّق بسياستها إزاء الفلسطينيّين ،أمام خَيارين: األوّل :االستمرار في األسلوب الذي استخدمه رئيسها على مدار األعوام األربعة األخيرة من والية حكومته السابقة ،وفحواه الجمود السياسيّ ،ومواصلة سياسة البناء في مستوطنات الضفّة الغربيّة، والمعارضة الصارمة إلقامة دولة فلسطينيّة؛ الثاني :تغيير مقاربته هذه إلى ناحية "تحريك العمليّة السياسيّة" من خالل استئناف المفاوضات. وفي حال اللجوء إلى الخَيار الثاني ،كما يُستشفّ من آخر التطوّرات ،فإنّ ما سيكون في جعبة الحكومة اإلسرائيليّة بشأن عناصر الحلّ أدنى ممّا كان في جعبة الحكومات السابقة خالل جوالت المفاوضات الفائتة. ويشهد على ذلك كلّ ممّا يلي: األوّل أنّ برنامج حزب "يش عتيد" -الشريك الرئيسيّ في الحكومة -لحلّ القضيّة الفلسطينيّة شبيه إلى حدّ بعيد ببرنامج الليكود وفق ما طُرح في الخطاب الذي ألقاه نتنياهو في جامعة بار إيالن في حزيران /يونيو عام ،5006وجوهره الموافقة على إقامة دولة فلسطينيّة منزوعة السالح تعترف بإسرائيل دولة يهوديّة ،وال تهدّد حاجات إسرائيل األمنيّة التي ال ضفاف لها؛ ل للقضيّة الثاني أنّ حزب "البيت اليهوديّ" -الشريك الرئيسيّ الثاني في الحكومة -يعارض أيّ ح ّ الفلسطينيّة ،ويطرح خطّة من 1نقاط لِما يسمّيه "إدارة الصراع في يهودا والسامرة [الضفّة ص على ما يلي: الغربيّة]" ،تن ّ -7فرض السيادة اإلسرائيليّة على المناطق "ج" ،على نح ٍو أحاديّ الجانب. -5منح المواطَنة الكاملة لخمسين ألف عربيّ يعيشون في المناطق التي سيجري ضمّها .وهكذا يجري سحب البساط بالكامل من تحت مزاعم األبارتهايد .ففي المناطق "ج" يعيش 020ألف يهوديّ
جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
3
مدى الكرمل www.mada-research.org
وَ 20ألف عربيّ فقط .وهؤالء سيتحوّلون إلى مواطنين إسرائيليّين كاملين .وبموجب ذلك ،لن يُطرَد ي من بيته. ي عربيّ وأيّ يهود ّ أ ّ -0منح حكم ذاتيّ كامل مع تواصل بواسطة المواصالت للمناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينيّة. ي من الدول العربيّة إلى الضفّة ،وذلك خالفًا لمفهوم الدولة الفلسطينيّة ي الجئ فلسطين ّ -4عدم دخول أ ّ الذي يسمح باستيعاب ماليين الالجئين الفلسطينيّين من جميع الدول العربيّة ،وخالفًا لِما وافق عليه نتنياهو في خطاب بار -إيالن. -2فرض مظلّة أمنيّة إسرائيليّة كاملة على جميع مناطق الضفّة. -9تكريس الفصل بين غزّة والضفّة ،على أن يجري ضمّ غزّة تدريجيًا إلى مصر. ي مكثّف من أجل تعزيز التعايش بين إسرائيل والعرب. -1استثمار اقتصاد ّ ثمّة مَن يعتقد أنّ سنة 5000كانت مفصليّة في سياق العمليّة السياسيّة ،لكونها شهدت تفجُر مفاوضات كامب ديفيد ،ووالدة مقولة "ال يوجد شريك فلسطينيّ للحلّ" ،وانتقال المؤسّسة السياسيّة في إسرائيل من برادايم "تسوية الصراع" إلى برادايم "إدارة الصراع" ،وهو تعبير الئق سياسيًا لمقاربة محاربته ،وأدّى بدوره إلى المقاربة األحاديّة الجانب كما انعكست في "خطّة االنفصال" عن غزّة التي نُفِذت ،وفي "خطّة االنطواء" التي دُفنت إثر حرب تمّوز /يوليو عام 5009على لبنان ،واستُعيض عنها بمؤتمر أنابوليس سنة 5001الذي أعاد إنتاج مقولة "الال شريك". وينبغي عدم استبعاد التحليالت التي ترى أنّ "خطّة االنفصال" حسمت الخالفات اإلسرائيليّة الداخليّة بشأن مستقبل المناطق المحتلّة منذ العام 7691لمصلحة المستوطنين ،وأنّ أريئيل شارون نجح من خالل إخالء آالف قليلة من المستوطنين من "غوش قطيف" في أن يُظهر للعالم أجمع الصعوب َة الكامنة في إخالء مئات آالف المستوطنين من الضفّة الغربيّة. وقد اتّسمت والية حكومة نتنياهو السابقة بفائض القوّة لدى اليمين ،وبدفع المحاوالت الرامية إلى إحكام هيمنته على أَجِنْدة إسرائيل في سياق العالقة مع الفلسطينيّين في مناطق 91وَ ،44وفي ما ن واليتها تزامنت مع حدثين كبيرين :األوّل ثورات يتعلّق باألوضاع الداخليّة وعوامل صوغها .غير أ ّ جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
2
مدى الكرمل www.mada-research.org
"الربيع العربيّ"؛ الثاني حملة االحتجاج االجتماعيّة في صيف .5077وبينما تسبّبت حملة االحتجاج في تقديم موعد االنتخابات العامّة ،التي أسفرت عن تحجيم فائض القوّة لدى اليمين وقدرته على دفع أَجِنْدته الداخليّة ،فإنّ هذا اليمين استغلّ "الربيع العربيّ" كي يُقنع العالم بعدم ضرورة حلّ القضيّة الفلسطينيّة سريعًا. مع ذلك ،علينا التنويه أنّ مشكليّة غاية إسرائيل من العمليّة السياسيّة ليست كامنة في ما شهدته سنة 5000من وقائع فحسب ،وإنّما كذلك في ما يسمَى بـِ "إرث أوسلو" ،وحقيقة اشتماله على العناصر األساسيّة التي يتكوّن منها الموقف اإلسرائيليّ الراهن إزاء الحلّ .ويمكن أن نبرهن على ذلك من خالل استعادة أهمّ ما ورد في آخر خطاب ألقاه رئيس الحكومة األسبق إسحاق رابين في الكنيست في الخامس من تشرين األوّل /أكتوبر عام ،7662أي قبل شهر واحد من اغتياله ،وتحدّث في سياقه عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين ،والتي ليس من قبيل المبالغة القول إنّها بقيت ترخي بظاللها على التطوّرات الالحقة .وممّا قاله فيه" :إنّنا نعتبر أنّ الحلّ الدائم (للصراع اإلسرائيليّ- الفلسطينيّ) سيكون في إطار أراضي دولة إسرائيل التي ستشمل أغلبيّة مناطق أرض إسرائيل -كما كانت عليه الحال أيّام االنتداب البريطانيّ ،-وسيُقام إلى جانبها كيان فلسطينيّ سيكون وطنًا لمعظم السكّان الفلسطينيّين المقيمين في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة ،ونريد أن يكون هذا الكيان أقلّ من دولة كي يصرّف على نحوٍ مستقلٍ حياةَ الفلسطينيّين الذين يخضعون له ...وستتجاوز حدود دولة إسرائيل لدى تطبيق الحلّ الدائم خطوط ما قبل حرب األيّام الستّة ،حيث إنّنا لن نعود إلى حدود الرابع من حزيران /يونيو عام ...7691وسيجري تثبيت الحدود األمنيّة للدفاع عن دولة إسرائيل في غور األردنّ في أوسع معنى لهذا المفهوم". وأضاف رابين" :إنّ القدس ستكون موحَدة بوصفها عاصمة إسرائيل وتحت سيادتها ،لتشمل كذلك معاليه أدوميم وغفعات زئيف" ،مؤكّدًا ما يلي" :لقد توصّلنا إلى اتّفاق ،وتعهّدنا أمام الكنيست بعدم اقتالع أيّ مستوطنة في إطار االتّفاق المرحليّ ،وبعدم تجميد البناء والنموّ الطبيعيّ ...إنّنا نعي الفرص والمخاطر على حدّ سواء ،وسنبذل قصارى جهدنا الستنفاد الفرص وتقليص المخاطر".
جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
4
مدى الكرمل www.mada-research.org
ما تقدّم يعني ،وَفق المنطق السليم ،أنّ المؤسّسة السياسيّة اإلسرائيليّة مستمرّة في تطبيق المدلول الحقيقيّ لـِ "إرث أوسلو" ،وال سيّما تشديده على وجوب أن تكون أيّ تسوية للصراع مستندة إلى تلبية "حاجات إسرائيل األمنيّة" بموجِب مفهومها لهذه الحاجات الذي يُعتبر من دون ضفاف -كما ذكرنا آنفًا. *أنطون شلحت هو مدير وحدة "المشهد اإلسرائيلي" في المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية- مدار
جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
5
مدى الكرمل www.mada-research.org