,.
-uUJJLµ.u.11 Q.JJJIJ,l 9
u fil
�j-UJI p.J-0,11
Arab Center for Research € Policy Studies
mil IEJ
الف�صل الرابع مواطنة كولونيالية ا�ستيطانية ماهية العالقة بين �إ�سرائيل ومواطنيها الفل�سطينيين نديم روحانا و�أريج �ص ّباغ -خوري مقدمة يسعى هذا الفصل إلى إعادة فحص العالقة بين إسرائيل والمواطنين ومقترحا في الوقت مقرا إجرائية مواطنتهم ً الفلسطينيين فيها ،كما يقدم قراءة بديلة ًّ إطارا تحليل ًيا مركز ًيا لفهم هذه العالقة المرك ّبة نفسه الكولونيالية االستيطانية ً وتطورها. ّ
نتقصى في هذا الفصل المراحل المختلفة للتجربة السياس ّية الجمعية ّ تحولوا من كونهم للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل منذ عام ،1948عندما ّ ً األول ضد مشروع نضال جز ًءا طبيع ًيا من نسيج شعب يخوض مزدوجاّ : ً استيطاني ،هو المشروع الصهيوني الذي كان يعمل على إقامة «وطن كولونيالي- ّ قومي يهودي» في وطنهم ،والثاني من أجل االستقالل من الحكم الكولونيالي البريطاني ،أصبحوا أق ّل ّية في وطنهم تحت السيطرة الكاملة للدولة الصهيونية يتجزأ من شعب فلسطين بم ْو َضعة تجربتهم كجزء ال ّ حديثة النشوء .كما سنقوم َ عندما كان وطنهم جز ًءا ال يتجزأ من العالم العربي قبل عام ،1948وتجربتهم ما بعد 1948عندما تم عزلهم بإحكام عن باقي شعبهم ،وعن العالم العربي. عالقة إسرائيل بمواطنيها الفلسطين ّيين خاصة ومع ّقدة ،تحكمها سيطرة 163
كولونيال ّية استيطان ّية جاء بها شعب أجنبي إلى أرض يدّ عي أنّها تخصه وحده، وشرد أغلب ّية سكّانها األصليين ،وأقام دولة منحت الموا َطنة ألولئك الذين لم يتم ّ تهجيرهم ألسباب يتعلق معظمها باألوضاع الدولية المحيطة باالعتراف الدولي بالدولة الكولونيالية االستيطانية .ونزعم أنه على الرغم من أن هذه العالقة بدأت واستمرت كولونيال ّية استيطان ّية في جوهرها ،فإن قرار إسرائيل منحهم المواطنة خفف من وطأة أثر السياسات االستعمار ّية االستيطان ّية في بعض الحاالت (ومفاقمتها في حاالت أخرى).
فهم تطور المكانة السياس ّية الجماع ّية للفلسطينيين داخل إسرائيل يتطلب ْ وحالتها الراهنة وضع هذه المكانة في سياق اإلطار عام للصراع بين الحركة الصهيون ّية ،بوصفها حركة كولونيال ّية استيطان ّية ذات م ّيزات قوم ّية ،والحركة الوطن ّية الفلسطين ّية .كان الفلسطينيون (بمن فيهم أولئك الذين أصبحوا ،الح ًقا، والسياسي قبل عام االجتماعي الفلسطيني مواطني إسرائيل) جز ًءا من النسيج ّ ّ ّ وتوسع المستعمرات االستيطانية ،1948وعانوا إسقاطات الهجرة الصهيونية ّ بحق مشرو ًعا كولونيال ًّيا استيطان ًّيا يسعى إلى في وطنهم ،وقاوموا ما اعتبروه ّ السياسي للفلسطينيين االستيالء على أرضهم ووطنهم .لم يتحدد اختالف المصير ّ في إسرائيل بعد عام 1948عن مصير باقي الفلسطين ّيين بسبب ما فعلوه أو ما لم يفعلوه جماع ًّيا ،إنما كانت المخ ّططات الصهيون ّية ومدى نجاح تنفيذها هي ما حدد ،على وجه العموم ،مصيرهم.
ثمة نقص في البحوث التاريخ ّية التي تتناول األوضاع التي مكّنت في الحقيقةّ ، هؤالء الفلسطين ّيين من البقاء في الجزء الذي أقيمت عليه دولة إسرائيل ،سوا ًء كان كمهجرين داخل ّيين ُأجبِروا على مغادرة مدنهم ذلك في مدنهم وقراهم األصل ّية أم ّ نتاجا وقراهم ،فلجأوا إلى بلدات عرب ّية أخرى((( .إلى ذلك ،فإنهم يرون مصيرهم ً العرقي التي جرت خاللها تهجير األغلبية العظمى من لعدم إكمال عمل ّية التطهير ّ أبناء شعبهم من وطنهم ،نحو الدول المجاورة. بعد حرب عام 1948واتفاقات الهدنة بين إسرائيل والدول العرب ّية
تاريخي مهم ،يسعى موضوعا لبحث ((( أخذت هذه األوضاع في الظهور اآلن فحسب باعتبارها ً ّ الفلسطينيين تحت السيطرة اإلسرائيلية. إلى تسليط الضوء على العقد األول الحرج من تجربة ّ
164
18 شكّلوا نسبة، ألف فلسطيني156 بقي في الدولة الصهيون ّية نحو،المجاورة بقيت.((( 1948 ّاني العام لدولة إسرائيل في عام ّ في المئة من المجموع السك مجم ّعات وأحياء عرب ّية صغيرة في عدد من المدن الفلسطين ّية الرئيسة التي ُه ّجر في يافا والرملة واللدّ وعكّا وحيفا (كان كثير ممن بقوا في،سكّانها الفلسطين ّيون ((( تم تطهير مدن أخرى من سكّانها هذه المدن من ّ ّ بينما، )المهجرين الداخليين ((( . كما حصل في صفد وطبر ّيا وبيسان،الفلسطين ّيين بالكامل ، بطريقة أو بأخرى،على الرغم من أن العرب الذين تمكّنوا من البقاء فإن حدود،في داخل الدولة الصهيون ّية حصلوا على الجنس ّية اإلسرائيل ّية الحقوق والواجبات لموا َطنتهم خضعت لمنظومة كولونيال ّية استيطان ّية وجهتها المصالح القوم ّية للدولة الصهيونية التي اعتمد مستقبلها على استجالب ماليين ،1948 وفي عام، من هنا.المستوطنين اليهود المواطنين في بلدان أخرى العسكري الصارم وأنظمة الطوارئ على المواطنين الفلسطين ّيين ُفرض الحكم ّ وبينما ا ّدعت إسرائيل أنّها فرضت.(((مباشرة بعد تأسيس الدولة اليهود ّية
Nadim N. Rouhana, Palestinian Citizens in an Ethnic Jewish State: Identities in Conflict (New Haven: Yale University Press, 1997), p. 30. Areej Sabbagh-Khoury, «Palestinians in
(((
: انظر،الفلسطينيين في هذه المدن ((( لالستزادة عن ّ
Historic Palestinian Cities: A Settler Colonial Reality,» in: Nadim N. Rouhana and Areej SabbaghKhoury, eds., The Palestinians in Israel: Readings in History, Politics and Society, Second Volume, 2nd ed. (Haifa, Palestine: Mada al-Carmel-Arab Center for Applied Social Research, [2015]), and Daniel Monterescu and Dan Rabinowitz, eds., Mixed Towns, Trapped Communities: Historical Narratives, Spatial Dynamics, Gender Relations and Cultural Encounters in Palestinian-Israeli Towns, ReMaterialising Cultural Geography (Burlington, VT: Ashgate, 2007).
ّ ((( س ضد األغلبية العظمى من التاريخية للتطهير لالطالع على االعتبارات َ العرقي الذي مو ِر ّ ّ : راجعوا،الفلسطينية التي أقيمت عليها إسرائيل الفلسطينيين في المناطق ّ ّ ، والفلسطينيين، والنقل، إسرائيل: حد أقصى من األرض وحد أدنى من العرب، مصالحة.ن Ilan Pappé, The Ethnic Cleansing )؛1997 ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية: (بيروت1996-1949
of Palestine (Oxford: Oneworld, 2006); Nur Masalha, Expulsion of the Palestinians: The Concept of «Transfer» in Zionist Political thought, 1882-1948 (Washington, DC: Institute for Palestine Studies, 1992), and Walid Khalidi, ed.: All that Remains: The Palestinian Villages Occupied and Depopulated by Israel in 1948, Research and Text Sharif S. Elmusa and Muhammad Ali Khalidi (Washington, DC: Institute for Palestine Studies, 1992), and Palestine Reborn (London; New York: I. B. Tauris; 1992). Yair Bäuml: «The Military
: انظر،العسكري وأنظمة الطوارئ ((( لالستزادة عن الحكم ّ
Government,» in: Nadim N. Rouhana and Areej Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel: Readings in History, Politics and Society (Haifa, Palestine: Mada al-Carmel-Arab Center for Applied
165
العسكري العسكري على السكّان العرب لدوافع أمن ّية ،استُخدم الحكم الحكم ّ ّ االستيطاني الكولونيالي في الواقع إلقامة جهاز مهمته تحقيق أهداف المشروع ّ ّ وتضمنت األهداف األكثر في مقابل الفلسطين ّيين الذين أصبحوا مواطنين(((. ّ الديموغرافي ،والتحكّم وضوحا السيطرة على األراضي ،والتحكّم بالتوازن ً ّ اليهودي الكاملة .لكن باالقتصاد ،وإبقاء السكان العرب تحت سيطرة المجتمع ّ كان المطلوب من هذا الجهاز أن يط َّبق السياسات الكولونيال ّية االستيطان ّية ضدّ المواطنين الفلسطينيين ،لذا تو ّلدت حاجة إلى إدخال بعض التعديالت على النظام الكولونيالي االستيطاني اإلسرائيلي ليتخطى وضع مواطنة الفلسطينيين، وبذلك نتج نظام كولونيالي استيطاني يتم ّيز من حاالت كولونيال ّية استيطان ّية العسكري ُوضعت األسس لنمط جديد أخرى .نحن ندّ عي أنه تحت هذا الحكم ّ نسميها اآلن «الموا َطنة الكولونيال ّية من الموا َطنة تحمل خصائص محدّ دة، ّ االستيطان ّية».
تطور المواطنة الكولونيال ّية االستيطانية في تتقصى هذه الدراسة مراحل ّ ّ وتتفحص البنى الكولونيال ّية االستيطان ّية التي شكلت أربع مراحل تاريخية، ّ المواطنة الكولونيالية ،كما تتناول الردود السياسية للمجتمع الفلسطيني في العسكري األول الموا َطنة تحت الحكم ّ مواجهة هذه البنىُ .يناقش المبحث ّ ( ،)1966-1948وهي الحقبة المبكرة التي تشكّلت في أثنائها أسس الموا َطنة نسميه «أنموذج الكولونيال ّية؛ ويس ّلط المبحث الثاني الضوء على تنامي هيمنة ما ّ المساواة» ) (Equality Paradigmوهي المرحلة التي سعت خاللها القوى السياس ّية الفلسطيني إلى تحقيق المساواة داخل دولة إسرائيل المهيمنة داخل المجتمع ّ لهو ّيتها اليهود ّية - َحدٍّ ُ بين سبعينيات القرن الماضي وتسعين ّياته ،من دون ت َ
Social Research, 2011), pp. 47-57; «The Discrimination Policy towards the Arabs in Israel, 19481968,» in: Iyunim Bitkumat Israel (Studies in Israeli and Modern Jewish Society) (Sede-Boker: BenGurion Research Institute for the Study of Israel and Zionism, 2006), pp. 391-413 (Hebrew), and A Blue and White Shadow: The Israeli Establishment’s Policy and Actions Among its Arab Citizens: The Formative Years: 1958-1968 (Haifa: Pardes, 2007) (Hebrew), and Sabri Jiryis, The Arabs in Israel, Translated from the Arabic by Inea Bushnaq (New York: Monthly Review Press, 1976).
((( ّ العسكري ،انظر: األمنية للحكم لالطالع على الجدل في شأن التسويغات ّ ّ
Shira Robinson,
Citizen strangers: Palestinians and the Birth of Israel's Liberal Settler State, Stanford Studies in Middle Eastern and Islamic Societies and Cultures (Stanford, California: Stanford University Press, 2013).
166
ٍ تناول لبنيتها الكولونيالية االستيطانية .يتناول المبحث الثالث الصهيون ّية أو سياسي جديد ،ظهر بعد اتّفاق أوسلو في عام ،1993ودعا إلى والدة برنامج ّ تحويل إسرائيل من دولة يهود ّية إثن ّية إلى دولة ديمقراط ّية لجميع مواطنيها .بعد انتفاضة تشرين األول/أكتوبر ،2000شهدت هذه الحقبة ظهور المطا َلبات بحقوق جماع ّية في صفوف النخب السياس ّية والمهنية العربية .خالل هذه الحقبة ،لم تصف النخب السياسية واألكاديمية عالقة إسرائيل بمواطنيها العرب بالكولونيال ّية االستيطان ّية بشكل مباشر ،إال أن هذه النخب استحضرت المنظور الكولونيالي االستيطاني بالتدريج لوصف هذه العالقة .ويعرض المبحث الرابع واألخير المرحلة األحدث في تجربة المواطنين الفلسطين ّيين السياسية ،أي ما التدريجي لمنظومة ّ حل نسميه «عودة التاريخ» ،التي تو ّلدت في موازاة التراجع ّ ّ الدولتين وتالشي «منظومة المساواة» .في هذه الحقبة ،يعود الوعي الكولونيالي وضوحا. االستيطاني إلى الظهور بشكل أكثر ً قبل أن نبدأ بعرض هذه المراحل ،نو ّد التشديد -بإيجاز -على نقاط ثالث: ً أول ،على الرغم من أن ّ كل واحد من المباحث األربعة يتناول فترة تاريخ ّية منفصلة، السياسي والتجربة فإننا ال نفترض وجود تطور خطي من «نمط» مع ّين من التفكير ّ والتطور (Developmental النمو السياس ّية إلى «نمط» آخر .فهذا ليس ادعا ًء يعتمد ّ ّ ) ،Argumentبل نحن نسعى ببساطة إلى تع ّقب ظهور منظومات مختلفة كمنظومة المساواة على سبيل المثال ،التي سيطرت في حقبة تاريخ ّية محدّ دة ،وظهور كتحد لـ «أنموذج منظومات جديدة تتحدى ما سبقها («دولة جميع مواطنيها» ّ المساواة» في الدولة القائمة) .ثان ًيا ،ال تتم ّيز الحقبة هذه بالضرورة بهيمنة مطلقة السياسي ،بل على العكس من ذلك ،تعددت الخطابات لمنظومة واحدة من التفكير ّ ووجهات النظر في المراحل كلها .وما نسعى إليه هنا هو تسليط الضوء على بروز وجهات نظر في كل مرحلة تتحدى ما سبقها .ثال ًثا ،نتجت ّ كل مرحلة من هذه كتطورات مركبة بين قوى سياس ّية واجتماع ّية ،حصلت ّ المراحل من تفاعالت ّ وتطورات إقليم ّية ،ومن السياسات الصهيونية. داخل ّية داخل المجتمع الفلسطيني، ّ ً تحليل لهذه التفاعالت ،لكننا نشير إلى الخصائص األساس ّية ال نزعم أنّنا سنعرض التاريخي ّ لكل مرحلة. للسياق ّ 167
ً أولُ :أ ُسس الموا َطنة الكولونيال ّية العسكري حقبة الحكم ّ
القوات الصهيون ّية على الرغم من أن أغلب ّية الفلسطين ّيين رأت في احتالل ّ تطو ًرا مو ّقتًا ،تعود بعده األمور إلى لوطنهم وإفراغ البالد من سكّانها العرب ّ ِ نصابها وسابق عهدها ،شكّل العقدان األول والثاني مرحلة فارقة ُوضعت فيهما ُأ ُسس العالقة بين الدولة اإلسرائيلية ومواطنيها العرب ،ورسمت ميزات المواطنة الكولونيال ّية االستيطانية.
بالنسبة إلى أغلبية السكّان العرب ،كانت إقامة دولة يهود ّية على أرضهم تعني أن غرباء ،ومعظمهم من أوروبا ،جاءوا لحكمهم وسلب وطنهم منهم .لذا ،لم َير الفلسطينيون الدولة الجديدة دولتهم ،ولم ترهم الدولة الجديدة -في المقابل - جز ًءا من مشروعها ،بل كان األمر مخال ًفا لذلك ،إذ عوملوا وكأنهم عقبة تقف دون اليهودي تحقيق الصهيونية أهدافها المتمثلة باستعمار البالد إلقامة دولة الشعب ّ عليها .وكي تتغ ّلب إسرائيل على هذه العقبة ،أي وجود من بقي من الفلسطينيين ضمن حدودها ،وضعت األسس القانون ّية والسياس ّية والثقاف ّية لتحقيق أهدافها الكولونيال ّية االستيطان ّية .إال أن الموا َطنة اإلسرائيل ّية التي حصل عليها هؤالء الفلسطينيون ،والتي يصفها إعالن االستقالل اإلسرائيلي بصفتي «كاملة ومتساوية»، أنتجت تحديات عرقلت تنفيذ السياسات الكولونيال ّية االستيطان ّية تجاههم بشكل علني ومباشر .في حقيقة األمر ،كان لقرار منْح الموا َطنة للسكّان األصل ّيين أثر ّ حاسم في دينام ّية العالقات بين إسرائيل ومواطنيها الفلسطين ّيين ،وبين إسرائيل الدولي. والفلسطين ّيين عمو ًما ،وفي مكانة إسرائيل وشرع ّيتها في المجتمع ّ جاء منح المواطنة ،جزئ ًيا ،استجاب ًة للمطالب الدولية لتسهيل قبول خطة الجمعية العامة لألمم المتحدة في تقسيم فلسطين ،ولم تعترض المجموعات الصهيونية المختلفة على منح المواطنة للفلسطينيين ،ألن هؤالء كانوا جماعة صغيرة غير منظمة ،وال يمثلون -برأي اإلسرائيليين -تهديدً ا ديموغراف ًيا لهيمنة األغلبية. تضمنت المواطنة التي منحت للفلسطينيين واحدة من أبرز ميزاتها ،وهي ّ ّ والترشح .كما ُمنح معها جزئ ًيا بعض الحقوق الحق السياسي في التصويت 168
االجتماعية واالقتصادية .لكن ،في الوقت نفسه ،اتبعت إسرائيل سياسات أفرغت أمرا غير ممكن .وبعد المواطنة من مضمونها ،وجعلت من المواطنة الحقيقية ً «التخ ّلص» من معظم الفلسطينيين الواقعين تحت سيادة إسرائيل ،عمد المشروع الكولونيالي االستيطاني إلى التحايل على مواطنة الفلسطينيين الذين بقوا ،إذ توجب على إسرائيل التعامل معهم كمواطنين .لكن تجاهلت إسرائيل مواطنتهم ّ عندما فتحت أبواب البالد للهجرة اليهودية ،وأغلقتها أمام الفلسطينيين الذين أسست لسيادة يهودية حصرية في وطن بات يعتبر اآلن ُه ِّجروا من البالد ،وعندما ِّ وطنًا للشعب اليهودي وحده ،وعندما شدّ دت على الهيمنة الصهيونية التي أكدت بمأسسة و َقونَنة السيطرة اليهودية الحصرية على األرض والحيز ،وعندما قامت َ الدولة كدولة يهودية صهيونية ،في حين أن 18في المئة من سكانها عرب. وضوحا تتع ّلق بالمسائل اآلتية :االستيالء كانت األهداف الكولونيال ّية األشد ً على األرض والح ّيز ،كبت الثقافة الفلسطينية ومحو التاريخ واألثر العربي في البالد ،والتحكم في التركيب الديموغرافي لضمان أقل نسبة ممكنة من العرب، والسيطرة السياس ّية وإستغالل الموارد االقتصاد ّية ،وتطوير البنْية التحت ّية النفسية االستيطاني. الكولونيالي والمعرفية لتبرير المشروع ّ ّ لتحقيق األهداف األربعة األولى (إلى جانب أهداف أخرى) ،فرضت إسرائيل حكما عسكر ًيا على السكّان العرب الفلسطين ّيين بين عامي 1948و،((( 1966 ً التجمعات السكن ّية العرب ّية في إسرائيل عن بعضها اآلخر ،وعن و َعزلت بعض ّ اليهودي ،على امتداد جيل كامل تقري ًبا. العربي ،وعن الجمهور العالم ّ ّ
تجاوزت الدولة اإلسرائيلية اعتبارات األمن القومي التي تدّ عي أنها واجهتها من المواطنين الفلسطينيين؛ إذ ال عالقة لكثير من األهداف التي سعت الدولة إلى تحقيقها تحت الحكم العسكري بالمعنى التقليدي لألمن القومي .وال يمكن فهم كيفية استخدام «األمن القومي» لتبرير تحقيق األهداف المذكورة أعاله ،إال إذا ُع ّرف األمن القومي بمفاهيم كولونيالية على النحو المب ّين أدناه .وفي ما يأتي نناقش األهداف األربعة األولى التي تح ّققت تحت الحكم العسكري ،في إطار كولونيالي استيطاني. (((
Bäuml, «The Military Government,» and Jiryis, The Arabs in Israel.
169
-1السيطرة على األراضي واالستيالء على الح ّيز
االستيطاني ،من وجهة نظر الكولونيالي ر ّبما يكون الوجه األبرز للمشروع ّ ّ ((( الفلسطينيين أصحاب األرض األصليين ،هو االستيالء المتواصل على ح ّيزهم . منذ سنواتها األولى ،سعت الدولة اإلسرائيلية إلى االستيالء على غنائم الحرب، بما في ذلك أراضي العرب وممتلكاتهم وعقاراتهم الخاصة والعامة ،ومزارعهم ومصانعهم ومتاجرهم ومصارفهم التي تركها الفلسطين ّيون وراءهم ،ونقلتها إلى الم ْلك ّية اليهود ّية.
جرى هذا االستيالء على األرض والح ّيز بوسائل مختلفة ،وفي بعض األحيان على ٍ اسما هو جزء ال يتجزأ من علني وصريح ،وأعطيت عملية االستيالء هذه ً نحو ّ الفلسطيني إلى ح ّيز الصهيوني :التهويد ،ويعني تحويل الح ّيز المشروع يهودي(((. ّ ّ ّ ومن خالل إجراءات تستغل القانون لألهداف الكولونيال ّية االستيطان ّية المكشوفة، اليهودي (كيرين كييمت)، القومي نُقل الكثير من األراضي العربية إلى الصندوق ّ ّ اليهودي» الذي يشمل يهو ًدا ليسوا مواطني وصارت م ْلك ّية حصر ّية لـِ «الشعب ّ إسرائيل (وبطبيعة الحال يستثني مواطني إسرائيل من غير اليهود)ُ .ن ّفذ ذلك من خالل عمل ّيات تال ُعب قانون ّية ُو ّثقت بد ّقة في األدب ّيات البحث ّية( .((1على سبيل المثالَ ،مكَّنت الما ّد ُة 125من أنظمة الطوارئ اإلسرائيل ّية (األنظمة ذاتها التي عمل ((( Lorenzo Veracini, «Introducing: Settler Colonial Studies,» Settler Colonial Studies, vol. 1, »no. 1 (2011), pp. 1-12 and Patrick Wolfe, «Settler Colonialism and the Elimination of the Native, Journal of Genocide Research, vol. 8, no. 4 (December 2006), pp. 387-409.
عنصريا. مشروعا تطبقها ((( رأى المواطنون الفلسطينيون ً ًّ عمليات «التهويد» ،والسياسات التي ّ ّ اإلسرائيليين ً العنصرية للمصطلح .لذا ،يجري في أحيان كثيرة استخدام النغمة أيضا من واشتكى كثير من ّ ّ التهويدية .انظر: مصطلحات «نظيفة» نحو« :تطوير الجليل» أو «تطوير النقب» لتوصيف المشروعات ّ
Rassem Khamaisi, «Territorial Dispossession and Population Control of the Palestinians,» in: Elia Zureik, David Lyon and Yasmeen Abu-Laban, eds., Surveillance and Control in Israel/Palestine: Population, Territory and Power (London; New York: Routledge, 2011); Ghazi Falah, «The Facts and Fictions of Judaization Policy and its Impact on the Majority Arab Population in Galilee,» Political Geography Quarterly, vol. 10, no. 3 (July 1991), and Yousef Tayseer Jabareen, «National Planning Policy in Israel,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel ([2015]). (Alexander Kedar, «The Legal Transformation of Ethnic Geography: Israeli Law and ((1 Palestinian Landholder, 1948-1967,» International Law and Politics, vol. 33, no. 4 (2000), and Walter Lehn and Uri Davis, The Jewish National Fund (London; New York: Kegan Paul International, 1988).
170
العسكري من اإلعالن عن «إغالق» منطقة الحاكم البريطاني) بموجبها االنتداب ّ َ ّ ِ العسكري مع ّينة ألسباب َأمن ّية غير محدّ دة ،واستُخدمت هذه الما ّدة إ ّبان الحكم ّ لمنع المواطنين العرب من الوصول إلى أراضيهم .وعندما لم تُستصلح األرض لسنوات ،صادرتها الدولة «قانون ًّيا»( .((1في السنوات الثالث األولى بعد إقامة دولة أراض مصاد ٍ ٍ رة من إسرائيل ،أنشئت 305مستوطنات يهود ّية ،قام كثير منها على َ أي بلدة فلسطين ّية حتّى يومنا هذا (باستثناء الفلسطين ّيين( .((1في المقابل ،لم ُت َقم ُّ التجمعات البدو ّية التي أقيمت بغية إجالء العرب البدو عن أراضيهم وإجبارهم على السكن في هذه البلدات)(.((1
فهدمت بشكل كامل تعرض الحيز الفلسطيني لعملية محو مادية ورمزيةُ ، ّ مئات البلدات العربية التي كان يقطنها فلسطينيون ممن تركوا بيوتهم في التطهير العرقي الذي جرى في أثناء حرب ،1948و ُطمس الدليل المادي على وجودها(،((1 واستمرت هذه العملية بقوة بعد حرب ،1967وشملت القرى كلها مع استثناءات مح ماد ًيا تم محوه رمز ًيا ،ويكشف مثال قرية عين حوض قليلة .والحيز الذي لم ُي َ الصارخ شدة «الدافع إلى المحو» المسيطر في الفكر والتطبيق الصهيونيين .وعين تمح ماد ًيا ،بعدما ُطرد سكانها حوض واحدة من القرى الفلسطينية القليلة التي لم َ مهجرين في الداخل(( ((1أقام الفلسطينيون وأصبحوا الجئين في البلدان العربية أو ّ كثيرون منهم مخيمات خارج بلدتهم مباشرةً) .بقيت منازل القرية ومشاهدها الطبيعية من دون مساس تقري ًبا .وعلى ٍ نحو فيه الكثير من السخرية ،جرى تحويل العبري «عين عين حوض إلى «قرية فنّانين» إسرائيليين ،وهي ُت ْع َرف اآلن باسمها ّ (( (1 (((1
Bäuml, A Blue and White Shadow, and Jiryis, The Arabs in Israel. Yousef Tayseer Jabareen, «Emergency Regulations,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2011), pp. 67-73.
(Ismael Abu-Saad, «The Indigenous Palestinian Bedouin of the Naqab: Forced Urbanization ((1 and Denied Recognition,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2011), on the Web: <http://mada-research.org/en/files/2011/09/ebook-english-book.pdf> (Accessed 18/6/2014).
(((1
A. Golan, Changing the Space - War’s Results: Previous Arab Spaces in the State of Israel (1948- 1950) (Be’er Sheva: Ben Gurion Heritage Institute, 2001) (Hebrew).
مهجري الداخل ،انظر: ( ((1لمزيد من المعلومات عن ّ
Areej Sabbagh-Khoury, «The Internally
Displaced Palestinians in Israel,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2011), and Hillel Cohen, The Present Absentee: Palestinian Refugees in Israel since 1948 (Jerusalem: Van Leer Jerusalem Institute, 2000) (Hebrew).
171
األصلي ،لكن بعد اضفاء الطابع العبري على لفظه العربي هود» في محاكاة لالسم ّ ّ مكوناتها ذات الحضور وطريقة كتابته .وبعد تحويلها إلى قرية يهود ّيةُ ،سلخت ّ الفلسطيني الشديد من ُهو ّيتها الثقاف ّية ،وبطبيعة الحال من ُهو ّيتها السياس ّية ّ (((1 والوطن ّية .وهكذا ،حتى لو وجد الحيز الفلسطيني ماد ًيا بقوة ،فإنه ُيمحى رمز ًيا، ليجعل القرية ً مثال ح ًيا على قوة النزوع الصهيوني إلى المحو(.((1
بصورة مشابهة ،جر ّدت األحياء الفلسطين ّية التي بقيت في عدد من المدن التي ُه ّجر سكّانها في عام 1948من هو ّيتها القوم ّية ،واستخدمت لتوطين المهاجرين الرمزي؛ فبينما بقيت اليهود( .((1خضعت هذه األحياء لمسار مشابه من المحو ّ األحياء سالمة في بناياتها وجوانبها الما ّد ّية ،جرى محو ُهو ّيتها السياس ّية وتاريخها الثقافي ،وأصبحت مفصولة عن شخصيتها الوطن ّية األصلية في الوعي الكولونيالي ّ كحي القطمون في وتحولت ،ببساطة ،إلى أحياء يهود ّية، االستيطاني الناشئ، ّ ّ وحي الفنّانين في البلدة القديمة في يافا( .((1واستُخدم الكثير من البيوت القدس، ّ والمباني الفلسطينية ،المبنية وفق طابع معماري عربي فريد ،لتوطين المهاجرين فلسطينية أخرى كما في حالة يافا الرمزي حصلت في أماكن ثمة مسارات مشابهة للمحو ّ (ّ ((1 ّ والقدس. ( ((1لمزيد من المعلومات عن قصة عين حوض ،انظرDavid Grossman, Sleeping on a Wire: :
Conversations with Palestinians in Israel, Translated from the Hebrew by Haim Watzman (New York: Farrar, Straus, and Giroux, 1993), and Susan Slyomovics, The Object of Memory: Arab and Jew Narrate the Palestinian Village (Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1998).
إلكمال قصة عين حوض تجدر اإلشارة إلى أن بعض سكانها العرب ،ممن تجمعوا على جزء صغيرا أصبح واحدً ا من القرى العربية غير المعترف بها. تجم ًعا من أراضي البلدة الواقعة خارجها ،بنى ّ ً واعترفت الدولة بالبلدة في عام 1996بعد صراع قانوني طويل ،وأصبحت تعرف بـ «عين حوض» ،مع تأكيد اللفظ والمعنى العربي التقليدي للبلدة األصلية لتمييزها من البلدة الحالية المهودة عين هود. (Haim Yacobi, «The Architecture of Ethnic Logic: Exploring the Meaning of the Built ((1 Environment in the ‘Mixed’ City Of Lod - Israel,» Geografiska Annaler: Series B, Human Geography, vol. 84, nos. 3-4 (2002).
(Daniel Monterescu, «The Bridled Bride of Palestine: Orientalism, Zionism, and the ((1 Troubled Urban Imagination,» Identities: Global Studies in Culture and Power, vol. 6, no. 6 (2009), and Mark LeVine: «Planning to Conquer: Modernity and its Antinomies in the 'New-Old Jaffa',» in: Haim Yacobi, ed., Constructing a Sense of Place: Architecture and the Zionist Discourse, Design and the Built Environment Series (Aldershot, England; Burlington, VT: Ashgate, 2004), and Overthrowing Geography: Jaffa, Tel Aviv, and the struggle for Palestine, 1880-1948 (Berkeley: University of California Press, 2005).
172
اليهود ،ومرت هذه البيوت بعملية مشابهة لمحو هويتها الوطنية مع الحفاظ على «الطابع األصيل» ،وتعرف في السوق العقارية اليوم بـ «البيوت العربية» ،وهذا يمنحها قيمة سوقية أعلى.
لم تتو ّقف األمور عند هذا الحدّ ،إذ انسحبت عملية المحو على المساجد الفلسطين ّية التي لم َي ْج ِر هدمها ،بل جرى تحويل بعضها إلى أمكنة لالستخدامات العا ّمة ،كمطاعم أو حانات في بعض األحيان( . ((2وطال محو الح ّيز الخريطة الفلسطين ّية ،كأسماء الشوارع والجبال والوديان والجداول ،وجرت عمل ّية تهويد الخريطة بطريقة مدروسة ،فحدّ دت لجنة حكوم ّية عمل ّية إطالق األسماء الجديدة الفلسطيني أو إخفاء األصول الفلسطين ّية واتّخذت قرارات هدفها محو التاريخ ّ للمواقع المختلفة وتمويهها( .((2واختيرت أحيانًا أسماء يهودية جديدة كان صداها َ مشابها لألسماء الفلسطين ّية األصل ّية ،لخلق االنطباع أن األماكن الفلسطين ّية كانت ً يهود ّية في األصل ،واآلن استرجعها اليهود ،أي أصحابها األصل ّيون.
الهو ّية واألسماء المسار الذي تبنّته دولة إسرائيل تجاه تحاكي عملية محو ُ الفلسطين ّيين الذين بقوا في وطنهم ،من خالل منحهم الموا َطنة ،وفي الوقت ذاته وهو ّيتهم .ومن األدلة على المحو الكولونيالي االستيطاني محاولة محو تاريخهم ُ األسماء التي تستخدمه إسرائيل ،رسم ًيا وإعالم ًيا ،لإلشارة إلى المواطنين الفلسطينيين ،مثل «عرب إسرائيليون» ،و«عرب إسرائيل» ،و«أقليات» .لعقود مضت ،كان مكتب اإلحصاء اإلسرائيلي يشير إليهم بمصطلح «غير اليهود» ،ويطلق عليهم أحيانًا ،باستخفاف ،لقب «عربنا» .العامل المشترك في هذه المصطلحات لهويتهم الفلسطين ّية ،وتوضح كلها هو أنها تمحو ُهوية الفلسطينيين القومية ،وتتنكّر ُ في الوقت ذاته أنّهم ليسوا إسرائيليين تما ًما .وفي الواقع ،يعكس االسم السياسة اإلسرائيلية نفسها تجاههم باعتبار أن إسرائيل ال تعترف بهم بوصفهم جماعة قومية ،وبهذا المعنى نفذت المحو الرمزي ضد المكان والشعب الذي بقي في الوطن الفلسطيني ،إضافة إلى المحو الرمزي. (((2 (((2
Jonathan Cook, «Israeli Eradication of History: Disappearing Mosques,» Al-Akhbar, 9/7/2012, on the Web: <http://english.al-akhbar.com/node/9554> (Accessed 15/11/2013). Meron Benvenisti, Sacred Landscape: The Buried History of the Holy Land since 1948, Translated by Maxine Kaufman-Lacusta (Berkeley: University of California Press, 2000).
173
كان دافع المحو الذي جرى من خالله محو السكان األصليين عبر تدمير مئات البلدات التي أبقاها الالجئون الفلسطين ّيون من ورائهم ،مركز ًيا ألنه يخدم جملة من األهداف الكولونيال ّية االستيطانية :قطع العالقة بين الفلسطين ّيين وتاريخهم وأراضيهم ،وسدّ الطريق على أحالم الالجئين بالعودة إلى وطنهم، اليهودي. وإخفاء آثار مشروع الطرد والسلب عن عيون الجمهور ّ
-2التاريخ والثقافة طبقت عملية مماثلة لمحو الحيز على التاريخ والثقافة ،لكن ديناميات القوة بين الدولة والفلسطينيين في هذا الميدان تج ّلت بطريقة مختلفة ،فنفذت عملية مزدوجة سعت إلى طمس تاريخ واحد هو التاريخ الفلسطيني ،واستبداله بتاريخ ووجهت عمليتا الطمس واالستبدال إلى المجتمعين آخر هو التاريخ اليهوديّ . مهما القيام بهذه العملية المزدوجة التي العربي واليهودي بطرائق مختلفة .كان ً نفذت باستخدام مؤسسات الدولة القوية مثل وسائل اإلعالم والتعليم واألجهزة العسكرية المصممة بعناية في المجتمع اليهودي ،وكذلك العربي ،لكن ألسباب مختلفة .فالمستوطنون اليهود الذين تحولوا على مر السنين إلى سكان محليين في المكان مع الجيلين اإلسرائيليين الثاني والثالث ،كانوا بحاجة إلى بنية معرفية تبرر مشروع إقامة دولة يهودية في فلسطين .لذلك أصبح محو آثار الفلسطينيين أيضا ،أساس ًيا لمنظومة التبرير النفسية والمعرفية. المادية ،وتاريخهم وثقافتهم ً ُمح األماكن الجغرافية فحسب ،بل طالت العملية اإلحداثيات الزمنية هكذا ،لم ت َ التي حددت تاريخ البالد ،فأعيد تعيينها جذر ًيا لتأكيد التاريخ اليهودي التوراتي، وللتقليل من أهمية التاريخ العربي منذ القرن السابع ،حيث ُيرسم فعل ًيا خط زمني متواصل بين التاريخ التوراتي والتاريخ الصهيوني الحديث( .((2لكن ،بقدر ما لهذه المنظومة التبريرية من أهمية ،يقع تفسيرها خارج نطاق هذه الدراسة .مع ذلك، من المهم أن نالحظ أن جهاز الدولة ،وال سيما في األعوام التأسيسية من الحكم العسكري وبعده بكثير ،كان دقي ًقا في محاوالته محو التاريخ والثقافة الفلسطينية بين صفوف مواطنيه العرب. ( ((2المصدر نفسه.
174
منهاجا تدريس ًّيا رسم ًّيا تحكّمت الدولة بجهاز التربية والتعليم الذي شمل ً العربي رسمي للعرب واليهود ،وقامت كذلك بإخضاع جهاز التعليم وآخر غير ّ ّ لرقابة جهاز االستخبارات األمن ّية( .((2وخضع تاريخ ما قبل عام 1948وتهجير الم َعدّ ة للعرب واليهود. الفلسطين ّيين واقتالعهم إلسكات تا ّم في مناهج التعليم ُ وسادت الرواية الصهيونية للتاريخ تما ًما .يصف روحانا وصباغ -خوري حالة اإلسكات في المجتمع العربي نفسه( ،((2في مناخ من الخوف في ظل الحكم العسكري ،ويحاوالن تفسير الصمت في مواجهة الحوادث المؤلمة على أنه الطريقة التي تعامل بها المجتمع مع الخوف الذي شعر به تجاه مصيره .واستمر الصمت عمو ًما في الوسط األكاديمي اإلسرائيلي حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي ،وشهد بعض التغيرات مع ظهور ما بات يعرف بـ «ما بعد الصهيونية»، مستمرا في المنهاج المدرسي .في و«علم االجتماع الجديد»( ،((2لكن ما زال ً الشفوي والقصص العائل ّية عن النكبة ،حافظ موازاة ذلك ،ومن خالل التاريخ ّ لب روايتهم في مواجهة هيمنة الرواية المواطنون الفلسطين ّيون بشكل عام على ّ الرسمي العا ّم. الصهيون ّية التي تسعى إلى التس ّيد على الح ّيز ّ است ْ الكولونيالي كذلك ضدّ الثقافة الفلسطين ّية ،وال س ّيما ُخ ِدم دافع المحو ّ الرسمي ،كالمسرح والجمع ّيات الثقاف ّية ،واإلنتاج المرافق التي تحتاج إلى الدعم ّ َ تحولت الثقافة الفلسطين ّية التي الثقافي وما شابه .وعلى غرار التاريخ الفلسطينيّ ، ّ ّ ٍ الهو ّية والرواية الفلسطين ّية ،إلى ضرب من المحظورات. تضرب جذورا عميقة في ُ ً لم ُي ْم َح االسم «فلسطين» من الخرائط واإلعالم والموا ّد التعليم ّية والتربوية فحسب، الفلسطيني» عن أيضا؛ واستمرت عملية إخفاء «الشعب بل أزيل من الخطاب العا ّم ً ّ ِ اليهودي ،واستُبد َل اسمه على نحو تلطيفي بأسماء مثل «الالجئين عيون الجمهور ّ العرب» ،و«عرب أرض إسرائيل» ،أو «المح ّل ّيين» وأسماء أخرى مشابهة .شمل (((2
Majid Al-Haj, Education, Empowerment, and Control: The Case of the Arabs in Israel, SUNY Series in Israeli Studies (Albany: State University of New York Press, 1995).
(Nadim N. Rouhana and Areej Sabbagh-Khoury, «Memory and the Return of History in a ((2 Settler-Colonial Context: The Case of the Palestinians in Israel,» in: Nadim N. Rouhana, Israel and its Palestinian Citizens: Ethnic Privileges in the Jewish State (New York: Cambridge University Press, [In Press]).
( ((2انظر ً مثل:
Laurence J. Silberstein, The Postzionism Debates:Knowledge and Power in Israeli Culture (New York: Routledge, 1999).
175
هذا المحو ،كما ذكرنا ساب ًقا ،تسمية المواطنين الفلسطين ّيين أنفسهم ،إذ ُمنِحوا أسماء مختلفة في مسعى إلى محو جذورهم التاريخ ّية وارتباطهم بوطنهم ،وإنكار ُهو ّيتهم الوطن ّية ،وتفادي سماع كلمة «فلسطين».
الكولونيالي كان أحد األهداف بعيدة المدى ،والمدمرة لهذا المشروع ّ االستيطاني ،محو العالقة بين الفلسطين ّيين ووطنهم .جرى توصيف الفلسطين ّيين- ّ وال س ّيما في سياق وجودهم على األرض كـَ «غرباء» و«غزاة» و«متس ّللين»، وتوصيفات أخرى تتنكّر لعالقتهم األصيلة بوطنهم .وتمت إعادة توصيف المهاجرين المستوطنين بأنهم السكّان األصليين ،ليح ّلوا محل السكان الذين تمت إزالتهم من خالل التهجير ومن خالل وسائل رمز ّية.
كانت الثقافة الفلسطينية ،مثلها في ذلك مثل التاريخ الفلسطيني الذي تم تطور خارج كبيرا منها ّ حفظه في الحيز الخاص ،عص ّية على اإللغاء ألن جان ًبا ً حيز الدولة الرسمي .تم تطوير النتاج الثقافي في الشعر واألغاني الشعب ّية واألدب والفنون الجميلة ،والحفاظ عليه .وعمل المجتمع الفلسطيني على تغذية الثقافة خصوصا ،ألنه كان من السهل الهروب من الرقابة في ظل الحكم العسكري إلى ً اإلسرائيلي الشيوعي رو َج الفلسطين ّيون ،بقيادة الحزب الح ّيز الخاص .إلى ذلكَّ ، ّ ّ في تلك الفترة ،للثقافة الفلسطين ّية في دور ّياته األدب ّية وإصداراته األخرى ،وفي السياسي الثقافي بعيدً ا عن المجال االجتماعات العامة ،طالما بقي المحتوى ّ ّ الصريح ((2(.لذلك ،أصبحت أشكال التعبير الثقاف ّية رافعة مركز ّية في التعبير عن الهو ّية الفلسطين ّية التي لم تعد للظهور الرواية الفلسطين ّية ،ووسيلة مركز ّية في تنمية ُ مجدّ ًدا في صفوف المواطنين العرب بشكل صريح ،إالّ في أوائل السبعين ّيات(.((2
الديموغرافي -3المحو ّ
واضحا لجميع التيارات داخل الحركة الصهيون ّية (وتحديدً ا للت ّيار كان ً العمال ّية وقادتها برئاسة بن غوريون) ،أن ّ المركزي المتم ّثل في الحركة الصهيون ّية ّ (( (2 ( ((2المصدر نفسه ،و
Rouhana and Sabbagh-Khoury, «Memory and the Return of History». Fatma Kassem, Palestinian Women: Narrative Histories and Gendered Memory (London; New York: Zed Books, 2011).
176
إقامة الدولة اليهود ّية تستوجب التخ ّلص من أكبر عدد من السكّان الفلسطين ّيين. الصهيوني» ،مثل مباي في ذلك على الرغم من أن تيارات راديكالية في «اليسار ّ الوقت ،لم تتفق مع هذا الرأي على المستوى التصريحي ،إال أنها شاركت بشكل فاعل في ممارسات التطهير العرقي( .((2لكن ،على امتداد المداوالت الشاملة في شأن مستقبل العرب (وما بات ُيعرف بـ «المسألة العربية» في الخطاب الصهيوني حتى عام ،((2()1948وال سيما مسألة ترحيلهم( ،((3لم تعتبر مسألة خيارا للتخلص من الفلسطينيين .لذا ،لم تستخدم الصهيونية التصفية الجسدية ً التصفية الجسدية للتخ ّلص من سكان فلسطين األصليين ،كما فعل بعض مشروعات االستعمار االستيطاني األخرى .صحيح أن مذابح كثيرة حدثت ضد الفلسطينيين( ،((3نوقش بعضها حتّى في الرواية الصهيونية للتاريخ ،لكننا نتفق مع المؤرخين الذين يحاولون أن يثبتوا أن هدف الكثير من تلك المذابح لم يكن التصفية الجسدية ،بل اإلجالء الجسدي للفلسطينيين من فلسطين(.((3 استخدمت المذابح استراتيج ًيا لترويع الفلسطينيين ودفعهم إلى مغادرة مدنهم وقراهم .ويمكن للمرء أن يطلق على تلك العملية االستراتيجية من التخلص الديموغرافي اسم «اإللغاء الديموغرافي» أو «المحو الديموغرافي» لتمييزها من «التصفية الجسدية» .ونتفق مع وولف( ((3في أن منطق اإللغاء الديموغرافي، المشابه لحاالت استعمار استيطاني أخرى لكن بأساليب مختلفة ،هو جزء ال (Areej Sabbagh-Khoury, «Colonization Practices and Interactions at the Frontier: Ha- ((2 Shomer Ha-Tzair Kibbutzim and the Surrounding Arab Villages at the Margins of the Valley of Jezreel/Marj Ibn 'Amer, 1936-1956,» (Ph. D. Dissertation, Tel-Aviv University, Tel-Aviv, 2015).
( ((2انظر ً مثل:
Yosef Gorny, Zionism and the Arabs, 1882-1948: A Study of Ideology, English
Translation by Chaya Galai (Oxford: Clarendon Press; New York: Oxford University Press, 1987).
( ((3انظر ً مثل :مصالحة ،حد أقصى من األرض وحد أدنى من العرب ،و
Pappé, The Ethnic Cleansing.
(Saleh Abdel Jawad, «Zionist Massacres: The Creation of the Palestinian Refugee Problem ((3 in the 1948 War,» in: Eyal Benvenisti, Chaim Gans and Sari Hanafi, eds., Israel and the Palestinian Refugees (Berlin; New York: Springer, 2007).
( ((3انظر ً مثلSaleh Abdel Jawad: «Zionist Massacres,» and «The Arab and Palestinian : Narratives of the 1948 War,» in: Robert I. Rotberg, ed., Israeli and Palestinian Narratives of Conflict: History's Double Helix, Indiana Series in Middle East Studies (Bloomington: Indiana University Press, 2006).
( ((3
Wolfe, pp. 387-409.
177
يتجزأ من األيديولوجيا الصهيونية ،مع أنه تج ّلى بأشكال مختلفة منذ نشوء الحركة الصهيونية .ما أن أخليت األراضي التي احتلتها القوات اليهودية من معظم سكانها الفلسطينيين حتى سعت إسرائيل إلى الحفاظ على هذا «اإلنجاز» ،وعملت على توطين المهاجرين اليهود في األماكن العائدة إلى الفلسطينيين .وشكل قانون العودة وقانون المواطنة م ًعا أسس الحصول على المواطنة في إسرائيل .فوف ًقا لقانون العودة لعام ،1950تعتبر الهجرة إلى إسرائيل ح ًقا مطل ًقا لليهود وأفراد عائالتهم .وبالتوازي مع قانون العودة وتجنيد المهاجرين اليهود الناشط والشرس أحيانًا (وقبول حتى مهاجرين غير يهود لهم صالت عائلية محددة مع يهود)(،((3 ُمنع الفلسطينيون الذين طردوا ،أو أولئك الذين غادروا تحت وطأة الحرب ،من العودة إلى بيوتهم أو إلى أي مكان آخر في البالد (باستثناء بضعة آالف شملها «لم الشمل» بشروط صارمة)( .((3أما الذين حاولوا العودة عبر اجتياز الحدود ّ بعد وقف إطالق النار فاعتبروا «متسللين» ،وقتل كثير من األشخاص الذين حاولوا العودة( .((3ضمنت هذه الخطوات ،بقوة القانون ،استكمال قلب التركيبة الديموغرافية للبالد منذ بدايات فترة الحكم العسكري. بقيت القيود الديموغراف ّية الكولونيال ّية -االستيطانية على عودة الالجئين أزواجا معينين أخيرا من خالل إقرار قوانين تحرم العرب ً مستمرة ،بل تفاقمت ً ّ اإلسرائيلي لمواطنين عرب من الحصول على المواطنة اإلسرائيل ّية .وقام الكنيست ّ بس ّن قانون الموا َطنة والدخول إلى إسرائيل (مرسوم مو ّقت )2003الذي فرض َ َ فلسطيني/ة من مواطني إسرائيل من حظرا على ل ّم شمل العائالت في حالة زواج ّ ً فلسطيني/ة من سكّان المناطق الفلسطين ّية التي اح ُت ّلت في عام ،1967ليصبح من ّ ٍ قانوني في إسرائيل .ومنذ َس ّن المستحيل على هذه العائالت السكن م ًعا على نحو ّ اإلسرائيلي القانون ،وعلى الرغم من أن اسمه يشي بطبيعته المو ّقتة ،يقوم البرلمان ّ ( ((3انظرIan S. Lustick, «Israel as a Non-Arab State: The Political Implications of Mass : Immigration of Non-Jews,» Middle East Journal, vol. 53, no. 3 (Special Issue on Israel) (Summer 1999).
( ((3انظر:
Don Peretz, Israel and the Palestine Arabs, with a Foreword by Roger Baldwin (Washington, DC: Middle East Institute, 1958).
(Benny Morris, Israel's Border Wars, 1949-1956: Arab Infiltration, Israeli Retaliation, and ((3 the Countdown to the Suez War (Oxford: Clarendon Press; New York: Oxford University Press, 1993).
178
اإلسرائيلي القانوني محو ًل إ ّياه إلى مركّب ثابت في اإلطار بتمديد َس َريانه دور ًّياِّ ، ّ ّ المتع ّلق بالهجرة(.((3
على الرغم من المحو الديموغرافي الكبير الذي جرى ،ما زالت إسرائيل مسكونة بالهاجس الكولونيالي االستيطاني نفسه ،أي ما ُيعرف في اللغة الصهيونية اإلسرائيلية باسم «الشبح الديموغرافي» ،في إشارة إلى زيادة عدد المواطنين أساسا على النمو الطبيعي( .((3وعرض الساسة الفلسطينيين ،وهي زيادة تقتصر ً أفكارا سياساتية مختلفة للتعامل مع هذا «الشبح»، اإلسرائيليون على مر األعوام ً عنصرا مشتركًا ،هو المزيد من اإللغاء الديموغرافي بوسائل تضمنت كلها ً منوعة(.((3 ّ
السياسي واستبداد األغلب ّية -4قوانين التنظيم ّ
كي تتمكّن من تطبيق سياساتها الكولونيال ّية االستيطانية ،طبقت إسرائيل أنظمة الطوارئ للحيلولة دون قيام المواطنين الفلسطين ّيين بتنظيم أنفسهم على القومي .استخدمت هذه األنظمة لمنع التنظيم القومي السياسي السياسي المستوى ّ ّ (((4 والجماعي ،ولفرض قيود على حقوق المواطنين الفلسطين ّيين وحرياتهم . تعرض المواطنون العرب لمحاوالت إسرائيلية حثيثة للتسلط في الوقت ذاتهّ ، الكولونيالي على عملهم وتنظيمهم الحزبي ،إضافة إلى ثقافتهم ووعيهم .على خصوصا حزب «مباي» (سلف سبيل المثال ،حاولت األحزاب الرئيسة آنذاك، ً (((3
M. Masri, «Family Reunification Legislation in Israel,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel ([2015]).
(Rhoda Ann Kanaaneh, Birthing the Nation: Strategies of Palestinian Women in Israel, ((3 with a Foreword by Hanan Ashrawi, California Series in Public Anthropology; 2 (Berkeley: University of California Press, 2002).
ً خططا منوعة للحد من عدد المواطنين العرب .وطرح ( ((3درست إسرائيل على مر السنين ً خططا لترويج فكرة تبادل األراضي مع السلطة الفلسطينية ،بما فيها سياسيون كثر ،في اآلونة األخيرة، ً مثل «تبادل السكان» الذي يتضمن ضم األرض مع المستوطنين اليهود ،في مقابل األرض مع المواطنين العرب ،انظرDavid Newman, «The Geopolitics of Peacemaking in Israel-Palestine,» Political :
Geography, vol. 21, no. 5 (2002), and Chaim Kaufmann, «When All Else Fails: Ethnic Population Transfers and Partitions in the Twentieth Century,» International Security, vol. 23, no. 2 (Fall 1998).
( ((4
Jiryis, The Arabs in Israel.
179
حزب العمل) ،إقامة قوائم عرب ّية تابعة وخاضعة لها ،لجذب األصوات العربية وخدمة َأ ِجنْدة الحزب ،لكنّها لم تقبل العرب أعضا ًء نظاميين في الحزب العا ّم(.((4
في الوقت ذاته ،قامت الدولة بإخراج من ّظمات سياس ّية عرب ّية مستق ّلة إلى خارج القانون ،كما يظهر جل ًّيا في تجربة حركة «األرض» ،عندما قامت مجموعة من الناشطين العرب المنخرطين في إطار حركة «األرض» بتأسيس «القائمة االشتراك ّية» بغية خوض االنتخابات البرلمان ّية في عام .1965وقبل االنتخابات، السياسي وسعيها إلى قانوني» بسبب نشاطها «تنظيما غير أعلنت إسرائيل الحركة ّ ّ ً الفلسطيني ومن األ ّمة العرب ّية. تنظيم الفلسطين ّيين في إسرائيل كجزء من الشعب ّ المحاولة شكّلت مساعي حركة األرض للمشاركة في االنتخابات اإلسرائيل ّية َ عربي ،بخالف الفلسطينية المن ّظمة األولى للمشاركة في االنتخابات كحزب ّ الشيوعي على سبيل المثال) .لكن عربي (الحزب يهودي المشاركة كحزب ّ ّ ّ أحبطت المحكمة العليا اإلسرائيل ّية هذا المسعى ،معتمدة على ا ّدعاء «الديمقراط ّية التي تدافع عن نفسها»(.((4
بعد إجهاض هذه التجربة ،لم تنطلق محاوالت مشابهة لمدّ ة جيل كامل تقري ًبا .في عام ،1984سعت القائمة التقدّ م ّية للسالم (وهي قائمة عربية فيها محمد ميعاري (الناشط السابق في حركة بعض المجموعات اليهودية) برئاسة ّ «األرض») إلى المشاركة في االنتخابات .لكن لجنة االنتخابات المركز ّية شطبتها وحظرت عليها المشاركة .التمست القائمة حكم المحكمة العليا ،التي قبلت االلتماس وسمحت لها بالمشاركة في االنتخابات .في ضوء ذلكَ ،س َّن الكنيست الما ّدة (7أ) من «قانون األساس :الكنيست» في عام ،1985التي منحت لجن َة أي قائمة تشمل أهدافها وأفعالها ،على ٍ نحو االنتخابات المركز ّية صالحي َة شطب ّ الديمقراطي، علني أو ضمني« ،نفي وجود إسرائيل كدولة يهود ّية» أو نفي طابعها ّ ّ أو التحريض على العنصر ّية .جرى تعديل الما ّدة في عام ،2002و ُدمج المركّبان ُص على «نفي وجود إسرائيل كدولة يهود ّية مغيرا لغة القانون لين َّ في مركّب واحدً ، عدوة أو من ّظمة وديمقراطية» ،وأضيف مركّب دعم الكفاح المس ّلح من دولة ّ (((4
( ((4
Ian S. Lustick, Arabs in the Jewish State: Israel's Control of a National Minority, Modern Middle East Series; no. 6 (Austin: University of Texas Press, 1980). Rouhana, Palestinian Citizens.
180
إرهاب ّية( .((4يض ّيق هذا البند بشكل جدّ ي حدود المشاركة السياس ّية العرب ّية .ومن أمرا غير خالل هذا القانون الذي سنّته األغلب ّية ،صار تحدّ ي الهيمنة الصهيون ّية ً مثل على ٍ قانوني ،كالمطا َلبة ً نحو صريح (أو ضمن ًّيا بحسب لغة القانون) ّأل تكون اليهودي وإنّما دولة مواطنيها ،أو دولة تم ّثل مجموعتين إسرائيل دولة الشعب ّ ثنائي القوم ّية .وهكذا ،ضمنت األغلب ّية قوم ّيتين (عرب ّية ويهود ّية) ضمن نظام ّ الصهيون ّية اليهود ّية أن األهداف الصهيون ّية التي ُوضعت ُأ ُسسها خالل الحكم العسكري ،مثبتة ومستمرة وإن بأشكال مختلفة. ّ
السياسي القاعد َة يم ّثل الدمج بين القوانين الديموغراف ّية وقوانين التنظيم ّ البنيو ّية لمواصلة استبداد األغلب ّية .فمن جهة ،يتم ضمان وجود أغلب ّية يهود ّية داخل إسرائيل في المستقبل المنظور بفضل القوانين الديموغراف ّية القائمة (وقانون الموا َطنة في األساس) ،ومن جهة أخرى ،تكفل هذه األغلب ّية ،بالقوانين ،امتيازاتها الكولونيال ّية( ،((4وتضمن أن يشكّل أي تحدّ لمصادر هذه االمتيازات وجذورها اليهودي ال دولة ّ كل مواطنيها) مخا َلفة (المتم ّثلة في أن إسرائيل هي دولة الشعب ّ للقانون .في الوقت ذاتهُ ،غرست منظومة من الخوف في صفوف المواطنين الفلسطين ّيين كان لها تأثير في الخطاب والتنظيم السياس َّي ْين لسنوات طويلة(.((4 الم ْحكَمة للمحافظة على السيطرة وجرى تصميم وتطبيق منظومة ذك ّية من المراقبة ُ ّ وتتكشف تبا ًعا تفصيالت عملية تجنيد أفراد المجتمع الكولونيال ّية التا ّمة(.((4 ليتجسس بعضهم على بعض ،في مقابل حصولهم على حقوق أساسية(.((4 ّ ( ((4
Masri, «Family Reunification Legislation in Israel».
(Nadim N. Rouhana and Areej Sabbagh-Khoury, «Dominance, Tolerance Space and ((4 the Privileged Situation,» in: Hanna Herzog and Kinneret Lahad, eds., Knowledge and Silence: On ;Mechanisms of Denial and Repression in Israeli Society (Jerusalem: Van Leer Jerusalem Institute Hakibbutz Hameuchad Publishing House, 2004) (Hebrew). (Areej Sabbagh-Khoury, «Palestinian Predicaments: Jewish Immigration and Refugee ((4 Repatriation,» in: Rhoda Ann Kanaaneh and Isis Nusair, eds., Displaced at Home: Ethnicity and Gender among Palestinians in Israel (Albany, NY: State University of New York Press, 2010).
(((4 (((4
Nadera Shalhoub-Kevorkian, «Settler Colonialism, Surveillance, and Fear,» in: Rouhana, Israel and its Palestinian Citizens. Hillel Cohen, Army of Shadows: Palestinian collaboration with Zionism, 1917-1948, Translated by Haim Watzman (Berkeley: University of California Press, 2008).
181
ثان ًيا :أنموذج المساواة وبذور تحدي الدولة اليهودية
مع إلغاء الحكم العسكري في عام ،1966تمكّن المواطنون الفلسطينيون تجولوا في وطنهم، من التنقل من دون الحاجة إلى تصريح عسكري .لكن عندما ّ فتحول وجدوا فضا ًء «جديدً ا» قد تبدّ ل ليضم أغلبية من اليهود وأقلية من العرب، ّ المشهد الجغرافي بفعل تدمير معظم القرى الفلسطينية وتهويد المدن الفلسطينية في آن. فرصا جديدة للعمل والتعليم وإعادة أوجدت احتماالت التحرك بحرية ً وتحول نظام السيطرة المباشرة ،بموجب النظام العسكري، التنظيم السياسي. ّ (((4 بالتدريج إلى نظام تحكّم جديد وغير مباشر .وأ ّثر اإلخضاع الكولونيالي، مصحو ًبا بالخوف الذي غرسه ،عمي ًقا في الخطاب السياسي وفي التنظيم السياسي والثقافي( .((4وفيما كان الفلسطينيون يتك ّيفون مع الحقائق الجديدة ،اندلعت حرب حزيران/يونيو 1967وانتهت باحتالل إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية ،إضافة إلى سيناء المصرية وهضبة الجوالن السورية، واضع َة بذلك كامل فلسطين تحت سيطرتها ،وجاعل َة االتصال بين الفلسطينيين، تم هذه المرة تحت في جميع أنحاء فلسطين ،ممكنًا أول مرة منذ جيل كامل ،وإن ّ السيطرة الصهيونية.
بدت آثار احتالل إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967متناقضة في الظاهر .فمن ناحية ،م ّك َن هذا االحتالل تجديد االتصاالت بين الفلسطينيين المعزولين في إسرائيل والفلسطينيين اآلخرين ،وساهم في بعث القومية والتاريخ الفلسطينيين من سباتهما ،وأنعشهما بين الفلسطينيين في إسرائيل بعد 19عا ًما من العزلة عن الشعب الفلسطيني والعالم العربي ،وأنهى العزلة المحكمة عن موفرا نافذة -وإن كانت ضيقة -على العالم المجتمع العربي داخل إسرائيل، ً العربي عبر الضفة الغربية وقطاع غزة .ومن ناحية أخرى ،أبرز هذا االحتالل (((4
Yair Bäuml, «Military Government and the Process of Its Abolishment, 1958-1968,» New East, no. 3 (2002) (Hebrew).
(Areej Sabbagh-Khoury: «Palestinian Predicaments,» and «Between the Right of Return ((4 and the ‘Law of Return’: Contemplation on Palestinian Discourse in Israel,» (Master’s Thesis, Tel-Aviv University, Tel Aviv, 2006).
182
الحقوق التي حصل عليها الفلسطينيون كمواطنين في إسرائيل ،مقارنة مع غياب صارخ لحقوق أساس ّية للفلسطينيين في األراضي الفلسطينية المحتلة في عام .1967وأكدّ ت القيادة العربية السياسية المهيمنة داخل إسرائيل ،بقيادة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي ،المكانة السياسية الخاصة للفلسطينيين في اسرائيل ،مقارنة مع الفلسطينيين تحت االحتالل ،كما أكدت فرادة الفلسطينيين في إسرائيل بصفتهم «مواطنين».
في هذا السياق ،هيمن «أنموذج المساواة» الذي قاده الحزب الشيوعي اإلسرائيلي على الخطاب السياسي بين سبعينيات القرن المنصرم وبدايات تسعينياته .تجاوب أنموذج المساواة مع تحقيق المواطنة للفلسطينيين في إسرائيل، والمتحررين من الحكم العسكري ،ومع مطلب إنهاء االحتالل وإقامة دولة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ،وإبراز المكانة المتباينة للمجتمعين الفلسطينيين .وسيطر شعار «المساواة وال أقل من المساواة» على الخطاب السياسي السائد في ما يتعلق بالمواطنين الفلسطينيين. شدّ د أنموذج المساواة ،بقيادة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي ،على التمييز في توزيع الموارد في مجاالت مثل التعليم وموازنات الحكم المحلي الحكومية ً فضل عن حقوق اإلنسان .وكانت والخدمات الحكومية والفرص االقتصادية، إحدى القضايا الرئيسة التي ظهرت في هذا اإلطار الزمني مصادرة األراضي العربية ،وهي عملية تسارعت في عهد الحكم العسكري ،واستمرت حتى في سبعينيات القرن الماضي .وانطال ًقا من أسباب تاريخية ،شكّل الحزب الشيوعي اإلسرائيلي القوة السياسية المهيمنة بين السكان العرب( ،((5كونه الحزب السياسي
( ((5كما ذكر آن ًفا ،لم تسمح إسرائيل بظهور األحزاب العربية القومية أو المنظمات السياسية (أو حتى المنظمات الثقافية) خالل فترة الحكم العسكري وفي ما بعد بكثير .سمح للحزب الشيوعي عربيا -يهود ًيا مع هيمنة يهودية ،ووافق على خطة األمم اإلسرائيلي بالعمل ألسباب متعددة :كان حز ًبا ً المتحدة للتقسيم ،ودعم إنشاء دولة يهودية في فلسطين وفقًا لتلك الخطة ،كما أبقى القنوات مفتوحة مع االتحاد السوفياتي الذي دعم خطة التقسيم .مع ذلك ،اعتبر الحزب (وما زال) خارج اإلجماع اإلسرائيلي - الصهيوني ،وبناء عليه بقي تحت أنظار جهاز الدولة .لنقاش تفصيلي عن العالقة بين الحزب الشيوعي اإلسرائيلي والدولة اإلسرائيلية ،انظرElie Rekhess, The Arab Minority in Israel: : )Between Communism and Arab Nationalism, 1965-1991 (Tel Aviv: University of Tel Aviv, 1993 (Hebrew).
183
غير الصهيوني الوحيد بقيادة فلسطينية مميزة (إلى جانب القيادة اليهودية) ،وكونه الحزب الذي سمحت إسرائيل بتنظيمه بين المواطنين العرب ،فأصبح ملجأ لكثير من العرب الذين عارضوا إسرائيل وسياساتها ،من دون أن يكونوا ،بالضرورة، من أتباع أيديولوجيا الحزب ،بل اختلفوا معه في قضايا مركزية مثل تأكيد الحزب أهمية الصراع الطبقي في الحالة اإلسرائيلية -الفلسطينية ،وقبوله قرار تقسيم فلسطين الصادر عن األمم المتحدة .إلى ذلكُ ،أسست في عام 1977الجبهة الديمقراطية للسالم والمساواة ،وهي تحالف ضم جماعات عربية وقادة مجتمع بارزين وجماعات يسارية يهودية ،وكان الحزب الشيوعي اإلسرائيلي العمود الفقري لهذه الجبهة(.((5 ركزت الجبهة على مسألتين محوريتينً : أول ،السالم مع الفلسطينيين في إطار حل الدولتين في حدود عام ،1967لتصبح أحد أول األحزاب السياسية في الشرق األوسط بأسره التي ترفع شعار «دولتين لشعبين» (موقف التزم وجهة نظر االتحاد السوفياتي الواضحة في هذه المسألة)؛ وثان ًيا ،المساواة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل .وأصبحت المسألتان ألعوام المكونات المحورية لتوافق سياسي واسع داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل.
تمسك الخطاب السائد بين الفلسطينيين ،بقيادة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي، وفي ما بعد الجبهة الديمقراطية للسالم والمساواة ،بأنموذج المساواة من دون االعتراض على اإلطار السياسي القائم ،أي من دون االعتراض على مفهوم الدولة اليهودية .في الواقع ،لم يشرح هذا األنموذج آثار المساواة في هوية الدولة وهيكليتها ،وطرائق اندماج الجماعة العربية في هذه الهيكلية .كان هذا ممكنًا نتيجة أساسا على المعنى المحدود للمواطنة ،أي المتعلق بتوزيع الموارد وحقوق التركيز ً اإلنسان .وكان ذلك يعني ،في الواقع ،مقاربة مستقبلية تقوم على قبول خطة األمم توسعت المتحدة للتقسيم ،وتأكيد السعي إلى المساواة في إطار الدولة اليهودية التي ّ أوسع بكثير من تلك الخطة .لكن الدولة نفسها لم تعترف بالفلسطينيين جز ًءا من مشروعها الخاص ،واستبعدتهم على الرغم من أنهم مواطنين من الجماعة التي ( ((5المصدر نفسه،
و »Audi Adiv, «Israel’s Communist Party: At the Crossroads, 1948-2012, in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2015).
184
تنضوي ضمن الـ «نحن» التي سعت الدولة إلى أن تشملها( ،((5وبقيت تحرمهم من مواردهم ذاتها ،وأبرزها األرض .لذلك ،لم يستطع النضال من أجل المساواة في يطور تحد ًيا للمشروع االستعماري المدمر الذي حاول إطار أنموذج المساواة أن ّ السيطرة على أكبر قدر ممكن من األرض .وفي عملية مقاومة السكان الفلسطينيين رمزا للصراعُ ، وشحنت األصليين ،أصبحت األرض -في عيون المستعمرين ً - َ بدالالت عاطفية إضافية.
جاء اإلضراب الوطني في يوم األرض في 30آذار/مارس 1976في إطار ردة الفعل على العملية الكولونيالية لالستيالء على األراضي( .((5دعت اللجنة القطرية للدفاع عن األراضي العربية ،أول منظمة تدعي تمثيل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل ،إلى إضراب وطني في رد على استمرار مصادرة األراضي الفلسطينية وخطط «تهويد الجليل» الجديدةّ . مثل إضراب يوم األرض أول عمل جماعي يؤديه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل .ونتيجة لإلضراب والتظاهرات المحلية المختلفة ،وتدخل قوات الجيش والشرطة ،سقط خمسة رجال وامرأة من الفلسطينيين ،وأصيب عدد بجراح ،وجرى اعتقال المئات .منذ ذلك الحين، تحولت ذكرى يوم األرض يو ًما وطن ًيا تخلده مرك ّبات الشعب الفلسطيني كلها، جسدت حوادث يوم األرض من موجودين على أرضهم أو منفيين خارجها .كما ّ الصراع المتواصل بين دولة تمثل مشرو ًعا كولونيال ًيا استيطان ًيا والسكان األصليين على األرض .لكن ،وكما هو الحال مع الصراعات األخرى ،تم حجب الطبيعة الكولونيالية االستيطانية للصراع في سياق خطاب المساواة الذي اكتسب مصداقية تم بفضل المواطنة التي منحتها إسرائيل للعرب في عام .1948وبنا ًء عليه ،ما ّ تأطير اإلضراب في سياق صراع ضد الكولونيالية االستيطانية. ( ((5في مداوالت بالغة األهمية للفصل 7-أ من القانون األساسي :الكنيست ،درس الكنيست اإلسرائيلي االحتماالت المختلفة لما يجب أن تكون عليه إسرائيل :دولة للشعب اليهودي (في إسرائيل وخارجها) ،أو دولة لمواطنيها ،أو دولة للشعب اليهودي ومواطنيها .وصوت بأغلبية ساحقة لتكون دولة الشعب اليهودي .انظر روحانا لمناقشة نقاش الكنيست وقراره ،وآثاره في الفلسطينيينRouhana, : Palestinian Citizens.
( ((5نبيه بشير ،حول تهويد المكان :المجلس اإلقليمي مسغاف في الجليل (دراسة أولية لحالة) (حيفا :مدى الكرمل -المركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية ،)2004 ،و Khalil Nakhleh, «Yawm al-Ard (Land Day),» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2011).
185
حدّ د أنموذج المساواة خطاب المواطنين الفلسطينيين المهيمن ونضالهم من أجل المساواة في المجاالت المختلفة .وبالتالي ،كانت قضايا المساواة في الموارد المخصصة للتعليم (األقل ارتبا ًطا بمسألة الحق في تحديد السياسات التعليمية للمجموعة) ،والعمالة ،وميزانيات السلطات المحلية ،وغيرها ،مركزية بالنسبة إلى هذا األنموذج .كما شاعت مظاهر مكافحة التمييز في مجاالت الحياة المختلفة .في بدايات الثمانين ّيات ،قامت لجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير العرب ّية في إسرائيل (التي تتشكل من رؤساء البلديات العرب ،وأعضاء الكنيست العرب ،وأمناء ورؤساء األحزاب السياسية ،وبعض قادة المنظمات غير الحكومية) بتأسيس لجان فرعية للصحة والتعليم والرفاه االجتماعي ،بهدف التحقيق في أوجه عدم المساواة ،وتوفير المعلومات لجماعات المناصرة( .((5في 24حزيران/ احتجاجا على التمييز يونيو ،1987أعلن عن «يوم المساواة» يوم إضراب وطني ً ودعو ًة إلى المساواة .استمر هذا النهج حتى بعد ظهور تحدي هذا األنموذج في التسعين ّيات .وبنا ًء عليهُ ،أسس عدد من المنظمات غير الحكومية الناشطة والساعية إلى تحقيق المساواة ،أبرزها «مركز مساواة» أو المركز لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل الذي يدافع عن المساواة في المجاالت المختلفة ،و«مركز عدالة» أو المركز القانوني لحقوق األقلية العربية في إسرائيل الذي يستخدم الوسائل واألدوات القانونية في عمله من أجل النهوض بالحقوق المتساوية .صارت ً تمويل (من المانحين الدوليين)، هاتان المنظمتان من المنظمات األكثر واألفضل واألكثر نشا ًطا بين المنظمات غير الحكومية العاملة في المجتمع العربي .وركّزت منظمة «سيكوي» (كلمة عبرية تعني فرصة) غير الحكوم ّية أخرى (جمعية عربية يهودية غير حكومية تمولها صناديق تابعة لعائالت يهود ّية أميرك ّية) على بيان فتقصي جذور مظاهر التمييز من دون أي طعن في أسسه األيديولوجية والبنيويةّ ، هذا التمييز يقود إلى فحص المنطلقات واألسس الكولونيالية االستيطانية التي تشكلت بحسبها مواطنة الفلسطينيين كمواطنة كولونيالية. في الوقت نفسه الذي سيطر فيه أنموذج المساواة على الخطاب السياسي، توجهات السياسة العرب ّية الداخل ّية ما بعد اتفاق أوسلو حتى أواسط وحدّ د ّ (((5
»Muhammad Amara, «The Higher Follow-Up Committee for the Arab Citizens in Israel, in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2011).
186
تعرض هذا الخطاب النتقادات سياسية مختلفة في المجتمع العربي التسعين ّياتّ ، في إسرائيل ،على أساس محدوديتهً . أول ،اد ّعى كثيرون أن الحزب الشيوعي اإلسرائيلي أكّد إلغاءه البعد القومي في الصراع بين الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية لمصلحة الصراع الطبقي .وعلى الرغم من أن الحزب حارب التمييز صب الكثير من االهتمام على مصالح الطبقة العاملة القائم على أساس قومي ،فإنه ّ من اليهود والعرب ،وعلى النضال من أجل المساواة الطبقية .في الوقت نفسه، المكون شدّ دت القوى القومية -التي ظهرت في البداية كجمعيات محلية -على ّ القومي واالمتيازات التي يحظى بها اليهود بغض النظر عن مكانتهم الطبقية في بنية الدولة اليهودية .ودارت هذه الفكرة حول نشاط بعض هذه الجمعيات ،وإن لم تكن جلية أحيانًا ،فتبين أنه مستحيل تحقيق المساواة داخل الدولة اليهودية .كما بدأ بعض األكاديميين تسليط الضوء على التناقض بين فكرة الدولة اليهودية ومبدأ المساواة.
المهم الذي أنجز ضمن أنموذج المساواة ثان ًيا ،على الرغم من العمل السياسي ّ محصورا بقيود على المستويين العيني والكلي ) ،(Micro and Macroكان نطاق العمل ً أيديولوجية للقوة المركزية في هذا األنموذج -الحزب الشيوعي اإلسرائيلي- وتحديدً ا من خالل نهجه الناظر إلى األمام في تشديده على مكافحة التمييز على حساب التعامل مع توجه العدل التاريخي الذي يشدد على العدل التعويضي، القوة التي تو ّلد أو تنتج عدم المساواة .تركز النضال ضد ويلقي الضوء على ُبنى ّ مصادرة األراضي ،في معظمه ،على وقف المزيد من مصادرة األراضي ،أو النضال ضد خطط جديدة لمصادرة ٍ مزيد من األراضيً ، بدل من النضال من أجل استعادة األراضي المصادرة في نطاق توجه العدالة التعويضية التي تستحضر إلى الواجهة وتؤسس لعالقة جديدة تستبدل العالقة بين إسرائيل التاريخ والغبن التاريخي، ّ والفلسطينيين باعتبارها نظا ًما كولونيال ًّيا استيطان ًّيا .ثال ًثا ،يركز أنموذج المساواة تهم على الموارد والخدمات والفرص ،ويبقى بعيدً ا عن القضايا األساس التي ّ السكان العرب ،والتي تنطلق من جوهر عالقتهم بإسرائيل كمشروع كولونيالي استيطاني ،كاالمتيازات الممنوحة لليهود ،والمواطنين وغير المواطنين في مقابل المواطنين العرب ،وبنى الدولة وهويتها ،وشرعية إسرائيل كدولة يهودية ،وحقوق الفلسطينيين المقتلعين في العودة. 187
واجه هذا األنموذج تحديات سياسية على جبهات مختلفة :األولى ،تم عرض إطار مفاهيمي مختلف لفهم الصراع بين الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية من حركة «أبناء البلد» التي عقدت مؤتمرها الوطني األول في عام (.1972((5 رأت هذه الحركة في نفسها امتدا ًدا للحركة الوطنية الفلسطينية في المنفى ،ولم تعترف بشرعية قرار األمم المتحدة لتقسيم فلسطين ،أو بشرعية الدولة اليهودية. واعتبرت حركة «أبناء البلد» الصهيونية حركة كولونيالية استيطانية ،وتبنّت الخطة السياسية التي عرضتها في األصل منظمة التحرير الفلسطينية ،من أجل حل الصراع اإلسرائيلي الفلسطيني من طريق إقامة دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين كلها، تضمن المساواة الكاملة بين المسيحيين واليهود والمسلمين .وخال ًفا للحزب الشيوعي الذي اعتُبر حز ًبا سياس ًّيا إسرائيل ًّيا ،والذي َقبِل قواعد الدولة اليهودية وشرعيتها ،أكدت حركة «أبناء البلد» الجوانب الكولونيالية االستيطانية التاريخية للعالقة بين إسرائيل والفلسطينيين ،واجتذبت تأييدً ا من النخب والطالب العرب في الجامعات اإلسرائيلية ،لكنها أخفقت في تحقيق دعم شعبي واسع ،وبقي أثرها الرئيس في ترويجها األفكار والخطاب السياسي في الحيز العربي العام ،بينما لم تنعكس قوتها في الفاعلية السياسية .إلى ذلك ،كانت الحركة قوية بما يكفي الستفزاز أتباع أنموذج المساواة في أوقات زمنية مختلفة ،ما تسبب بالمالحقة واالضطهاد من جهاز أمن الدولة .كما تمثل التأثير الرئيس للحركة في تحدي اإلطار السياسي المهيمن الذي قاده الحزب الشيوعي اإلسرائيلي ،إذ ذكّرت المجتمع والنخب السياسية الفلسطينية باستمرار بالقضايا الجوهرية التي تقع في لب الصراع اإلسرائيلي -الفلسطيني .في التسيعن ّيات ،انضمت أجزاء من هذه الحركة إلى حزب سياسي جديد تنافس على القيادة السياسية للمواطنين العرب، في حين رفض آخرون االعتراف بشرعية الدولة الم ّبطن بحسب رأيهم ،واستمروا في مقاطعة االنتخابات البرلمانية.
ازداد التحدي ألنموذج المساواة منذ منتصف الثمانين ّيات .في عام ،1982 ظهرت الحركة التقدمية للسالم على الساحة السياسية( ،((5وفشلت محاوالت (((5
A. Haidar, «The Nationalist Progressive Movement,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel ([2015]).
( ((5المصدر نفسه.
188
جهات إسرائيلية بإخراجها خارج القانون ،إذ قضت المحكمة العليا بقانونية القائمة التقدمية للسالم ،وبإمكانها خوض انتخابات الكنيست .وعلى الرغم من الحملة الشرسة التي شنها الحزب الشيوعي اإلسرائيلي للتشكيك في مصداقية الحزب الجديد ،نجح هذا الحزب في كسر طوق هيمنة الحزب الشيوعي على الحقل السياسي الفلسطيني في إسرائيل .تميزت القائمة التقدمية للسالم بتأكيدها عروبة الهوية الوطنية الفلسطينية في إسرائيل ،ومنظورها القومي للصراع (في مقابل المنظور الطبقي للجبهة الديمقراطية للسالم والمساواة) .على الرغم من عملها ضمن حدود المواطنة اإلسرائيلية ،فإنها شدّ دت على االنتماء الفلسطيني للمواطنين العرب ،مقللة من شأن كونهم مواطنين إسرائيليين ،ومعلنة بوضوح أن والءها األول هو للقضية الفلسطينية( .((5لذلك ،اعتبرت القائمة الخصم األقوى للحزب الشيوعي اإلسرائيلي وألنموذج المساواة الذي قاده هذا الحزب .وعلى الرغم من أن هذه الحركة لم تستد ِع اإلطار الكولونيالي االستيطاني ،فإنها كانت تكونت القائمة التقدمية للسالم من منظمات أكثر تواف ًقا مع هذا اإلطار المفاهيميّ . قومية عربية محلية انضم إليها أفراد من الجناح اليساري اليهودي ،واحتفظت بمقاعد في الكنيست بين عامي 1984و ،1992عندما فشلت في الحصول على الدعم الكافي للحصول على مقعد في الكنيست(.((5 في الفترة نفسها ،أي منذ الثمانين ّيات فصاعدً ا ،اكتسبت الحركة اإلسالمية تأييدً ا متزايدً ا داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل( ،((5وباتت الع ًبا سياس ًيا ظاهرا داخل المجتمع العربي بشق ّيها ،الجنوبي الذي يشارك في االنتخابات ً ٍ وركزت الحركة على تعزيز مجتمع مكتف ذات ًيا البرلمانية والشمالي الذي يقاطعها. ّ («المجتمع العصامي» كما يسميه ّ الشق الشمالي من الحركة) وتوفير الخدمات المحلية ،ودعم الحاجات اإلنسانية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوفير الخدمات لألماكن اإلسالمية المقدسة .بالنسبة إلى هذه الحركة ،كانت ( ((5 ( ((5المصدر نفسه ،و
Rouhana, Palestinian Citizens. Ilan Pappé, The Forgotten Palestinians: A History of the Palestinians in Israel (New Haven, Conn.: Yale University Press, 2011).
(Issam Aburaiya, «The 1996 Split of the Islamic Movement in Israel: Between the Holy ((5 Text and Israeli-Palestinian Context,» International Journal of Politics, Culture, and Society, vol. 17, no. 3 (March 2004), pp. 439-455.
189
مسألة المساواة مجرد اهتمام براغماتي ،ألن هدف الحركة -أيديولوج ًيا -إقامة دولة إسالمية في فلسطين.
خالصة القول ،سعت القوى السياسية المهيمنة على المواطنين الفلسطينيين إلى تحقيق المساواة الكاملة لهؤالء المواطنين من دون تحدي البنية الصهيونية للدولة .وفشلت هذه القوى في الحصول على التزام لفظي من الدولة لمثل هذا الهدف .أكدت حالة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي ،وفشله في إنجاز المساواة في إطار الدولة الصهيونية كما سعى إليها ،في ضوء تزايد تركيز الدولة على هويتها اليهودية ،جوهر الكولونيالية االستيطانية للدولة اإلسرائيلية لكثير من الفلسطينيين، بشكل غير مقصود.
ثال ًثا :دولة لجميع مواطنيها والحقوق الجماع ّية
ال ندّ عي وجود تطور خ ّطي من أحد أنماط الموقف السياسي الجماعي إلى نمط آخر .بل على العكس ،حصلت تطورات تدريجية ألنماط جديدة احتلت مركز الصدارة ،وتنافست مع األنماط أو النماذج الموجودة .وفي العادة ،تتزامن األنماط الجديدة مع تطورات تاريخية كبرى ،تحفز على طرائق تفكير جديدة. وهكذا ،جاء اتفاق أوسلو في عام 1993بما تبين أنه أمل كاذب بأن حل الدولتين للصراع يمكن أن يتحقق.
كان لألعوام القليلة األولى بعد أوسلو آثار كبيرة ،ومتناقضة أحيانًا ،في الفكر والتنظيم السياسيين للمواطنين الفلسطينيين .وكان من نتائج هذا االتفاق المباشرة أن حظي أنموذج المساواة بمصادقة كبيرة على السالم مع الفلسطينيين وقيادتهم الشرعية ،منظمة التحرير الفلسطينية ،والمساواة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل .و ّفر اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية ،واكتساب إطار كبيرا ألنموذج المساواة .وبدأت حكومة الدولتين ً دعما ً رواجا قو ًيا ،ولو ضمن ًياً ، إسحق رابين ( )1995-1992تتحدث علنًا عن التمييز الموجود (كانت تنفيه عادة الحكومات السابقة) .وتحدثت حكومة رابين علنًا عن الحد من تمييز الدولة التطور ضد المواطنين العرب في شتى المجاالت( .((6في الوقت ذاته ،فتح هذا ّ (((6
Tamir Sorek, «Public Silence and Latent Memories: Yitzhak Rabin and the ArabPalestinian Citizens of Israel,» Israel Studies Review, vol. 28, no. 1 (Summer 2013).
190
الباب أمام المزيد من األسئلة الجوهر ّية عن مستقبل المواطنين العرب ،وبات واضحا -في حال نجاح عملية أوسلو -أن هؤالء سينتهون مواطنين إسرائيل ّيين ً داخل دولة إسرائيل .وبذلك ،بدأ اإلحساس بالحالة المو ّقتة التي تغلغلت ،حتى السياسي بالتالشي ،ما اآلن ،في الكثير من مركّبات اإلجماع حول مستقبلهم ّ ً سؤال عن مكانتهم السياس ّية وعالقتهم بدولة إسرائيل ،اقترن بثالث قضايا: طرح معنى المساواة في ظل الدولة اليهودية واستحقاقاتها السياس ّية (ما طرحها أنموذج المساواة وما تعامل معها) ،والمكانة الجماع ّية والحقوق الجماع ّية للمواطنين العرب داخل دولة إسرائيل ،ومسألة ُهو ّية الدولة.
صار التحدّ ي الذي تواجهه َ النخب الفلسطين ّية عرض رؤية ديمقراط ّية تمنح ً أهم مدلول سياس ًّيا ودستور ًّيا حقيق ًّيا للمساواة ،وتعالج في الوقت ذاته أحد ّ المل ّفات التي بقيت تحت السطح وهي شرع ّية الدولة اليهود ّية التي لم يقبلها تجسد هذا التحدّ ي بوضوح في والدة حزب جديد، الفلسطين ّيون عمو ًما(.((6 ّ السياسي تحويل إسرائيل «دولة لجميع مواطنيها»(.((6 وضع في صلب برنامجه ّ ت ََشكل هذا الحزب من تحالف بين ناشطين سياس ّيين بارزين انفصلوا عن الحزب ذاتي مستمد من سياسة «غالسنوست» الذي الشيوعي اإلسرائيلي في إثر نقد ّ ّ ّ سادت موسكو في أواخر الثمانين ّيات وأدت إلى سقوط جدار برلين ،إضافة إلى كوادر من حركة أبناء البلد ،وآخرين من الحركة الوطن ّية التقدّ م ّية ،وعدد من الديمقراطي، الوطني التجمع الحزب ،أو أعضاء من ّظمات وطن ّية أخرىَ .ر ِئس َ ّ ّ ّ أهم مفكريه. قائد كارزماتي هو عزمي بشارة ،الذي عرفه العالم العربي أحد ّ ّ (Nadim N. Rouhana, ed., Attitudes of Palestinians in Israel on Key Political and Social ((6 Issues: Survey Research Results (Haifa, Palestine: Mada al-Carmel-Arab Center for Applied Social Research, 2007), on the Web: <http://mada-research.org/en/2007/10/30/attitudes-of-palestinians-inisrael-on-key-political-and-social-issues-survey-research-results-english-2007>.
يهودية إلى دولة ( ((6لم يطرح الحزب على نح ٍو صريح أنّه يسعى إلى تحويل إسرائيل من دولة ّ ديمقراطية لجميع مواطنيها ،بل قام بالتشديد على القسم األخير وهو «دولة جميع مواطنيها» ،تفاد ًيا ّ ألي حزب بالمشاركة في انتخابات القوانين بحسب القانون خارج لوضعه اإلسرائيلية التي ال تسمح ّ ّ المركزية بشطب يهودية .في حقيقة األمر ،قامت لجنة االنتخابات الكنيست إذا نفى وجود إسرائيل كدولة ّ ّ الحزب ،إ ّ قرارا يلغي هذا الشطب .انظرMasri, «Family Reunification : أصدرت ال أنّ المحكمة العليا ً Legislation in Israel,» and Nimer Sultany and Areej Sabbagh-Khoury, Resisting Hegemony: The Azmi Bishara Trial (Haifa, Palestine: Mada al-Carmel-Arab Center for Applied Social Research, 2003).
191
التجمع ن َ ُخ ًبا عرب ّية ومث ّقفين عر ًبا ويهود ،وطرح تحدّ ًيا ِجدّ ًّيا هو استقطب هذا ّ السياسي ،وأساسه المطالبة بالمواطنة مفهوم الدولة اليهود ّية .إضافة إلى برنامجه ّ الديمقراط ّية في دولة لجميع مواطنيها ال لمجموعة واحدة فقط ،وبخالف الحزب أهم ّية كبرى على تعزيز التجمع اإلسرائيلي ،يع ّلق الشيوعي الوطني الديمقراطي ّ ّ ّ ّ ّ قومي في الح ّيز العربي وتمكينه من خالل مؤسسات تُبنى على أساس المجتمع ّ ّ ومؤسسات ثقاف ّية وتنظيمات سياس ّية وقيادة وطن ّية العا ّم :من ّظمات غير حكوم ّية ّ َ منتخبة في إطار لجنة متابعة عليا لشؤون المواطنين العرب ،لم ينتخب أعضاؤها بصورة مباشرة حتّى اآلن.
شكلت الفكرة الديمقراطية البسيطة ،المتم ّثلة في دولة لجميع مواطنيها، تحدّ ٍ يات جوهر ّي ًة للصهيون ّية ولمفهوم الدولة اليهود ّية .وظهر التناقض الجوهري بين إسرائيل دولة يهود ّية واال ّدعاء أنها دولة ديمقراط ّية إلى واجهة خطاب السياسي .شك َّل هذا التناقض موضوع سجاالت أكاديم ّية المواطنين الفلسطين ّيين ّ أشار فيها كثير من األكاديم ّيين اإلسرائيل ّيين إلى «توتّر» وليس إلى تناقض بين تعريف الدولة كيهود ّية وتعريفها كديمقراط ّية( ،((6بينما ا ّدعى أكاديم ّيون آخرون جوهري ال يمكن جسره( .((6وقدّ مت نظر ّيات (وأغلبيتهم عرب) وجود تناقض ّ المؤسسة األكاديم ّية اإلسرائيل ّية لتسوية التناقض وحتّى لتبديده، ُطرحت داخل ّ على غرار مفهوم «الديمقراطية اإلثن ّية» الذي عرضه سامي سموحة ،أحد كبار علماء االجتماع اإلسرائيليين( ،((6وتبناها أكاديميون إسرائيليون آخرون على نطاق واسع ،بينما رفض كثير من الباحثين العرب ،وبعض الباحثين اإلسرائيل ّيين، (Ruth Gavison, «Jewish and Democratic? A Rejoinder to the «Ethnic Democracy» Debate,» ((6 Israel Studies, vol. 4, no. 1 (Spring 1999), and Sammy Smooha, «Types of Democracy and Modes of Conflict Management in Ethnically Divided Societies,» Nations and Nationalism, vol. 8, no. 4 (October 2002). (Azmi Bishara: «Reflections on October 2000: A Landmark in Jewish-Arab Relations ((6 in Israel,» Journal of Palestine Studies: vol. 30, no. 3 (Spring 2001), pp. 54-67, and «Zionism and Equal Citizenship: Essential and Incidental Citizenship in the Jewish State,» in: Rouhana, Israel and its Palestinian Citizens; As’ad Ganim, Nadim N. Rouhana and Oren Yiftachel, «Questioning «Ethnic Democracy»: A Response to Sammy Smooha,» Israel Studies, vol. 3, no. 2 (Fall 1998), and Rouhana, Palestinian Citizens.
(((6
Sammy Smooha, «Ethnic Democracy: Israel as an Archetype,» Israel Studies, vol. 2, no. 2 (Fall 1997).
192
يائسا ومدفو ًعا َبأ ِجنْدة سياس ّية في محاولة هذه النظر ّية واعتبروها تمرينًا أكاديم ًّيا ً (((6 الجوهري وغير القابل للحل . لتغليف التناقض ّ
والسياسي ،والنقاشات السياس ّية األكاديمي ترك التفاعل الدينامي بين ّ ّ الناشطة التي شارك فيها أكاديم ّيون وسياس ّيون عرب ويهود ،بصماته على الوطني التجمع العربي خطاب اإلسرائيلي العا ّم .أ ّيدت أغلبية الجمهور الخطاب ّ ّ ّ ّ الديمقراطي ،إذ اتّفق مع معنى دولة جميع مواطنيها الذي طرحه ،من دون التزام ّ ّ خط التجمع في مسائل أخرى .وأدرج بعض أشد مناصري «أنموذج المساواة» السياسي مفهوم دولة جميع مواطنيها ،وطرحوا األسئلة حماسة في خطابهم ّ الجوهر ّية عن المساواة ،والتناقض بين يهودية دولة إسرائيل وديمقراط ّيتها .وكانت منوعة ،تراوحت بين ما رأى في شعار «دولة ر ّدات الفعل داخل المجتمع اليهودي ّ ّ لجميع مواطنيها» تهديدً ا مصير ًّيا للدولة اليهود ّية ،وما سعى إلى التوفيق بين هذا الشعار وتعريف إسرائيل« ،الدولة اليهود ّية والديمقراط ّية» .كانت إحدى أهم نتائج هذا النقاش أن هذا التناقض بين مصالح الدولة اليهود ّية والمواطنة المتساوية العربي السمة المحددة للعالقة بين المواطنين الفلسطين ّيين ودولة صار في الوعي ّ إسرائيل. على الرغم من أن شعار «دولة جميع مواطنيها» دفع مسألة يهود ّية الدولة واليهودي ،فإنّه العربي والفكري في المجتمعين السياسي إلى واجهة النقاش ّ ّ ّ ّ استيطاني على ٍ نحو واضح عند كولونيالي لم يذهب إلى حد اعتماد خطاب ّ ّ كولونيالي الفلسطينيين في إسرائيل .ففي حين تج ّلت سياسات إسرائيل كمشروع ّ الديمقراطي ،إال الوطني التجمع استيطاني بوضوح وصراحة في أدبيات حزب ّ ّ ّ ّ السياسي أن الكولونيال ّية االستيطان ّية ،بشكلها هذا ،لم تكن محور ّية في الخطاب ّ للحزب.
( ((6عزمي بشارة ،من يهودية الدولة حتى شارون :دراسة في تناقض الديمقراطية اإلسرائيلية (رام الله ،فلسطين :مواطن .المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية)2005 ،؛ Nadim N. Rouhana, ««Jewish and Democratic»? The Price of a National Self-Deception,» Journal of Palestine Studies, vol. 35, no. 2 (Winter 2006), and Amal Jamal: «Beyond «Ethnic Democracy»: State Structure, Multicultural Conflict and Differentiated Citizenship in Israel,» New Political Science, vol. 24, no. 3 (2002), pp. 411431, and «Nationalizing States and the Constitution of 'Hollow Citizenship': Israel and its Palestinian Citizens,» Ethnopolitics, vol. 6, no. 4 (2007), pp. 471-493.
193
بقوة في سياق المطا َلبة بدأ الخطاب الكولونيالي -االستيطاني في الظهور ّ ّ الديمقراطي على التنظيم على الوطني التجمع بالحقوق الجماع ّية .ولقي تشدّ يد ّ ّ ّ القومي ،أصداء واسعة الثقافي ،وعلى التمكين الذاتي قومي ،وعلى الحكم أساس ّ ّ ّ ّ وأثر في صفوف النخب المث َّقفة واألكاديم ّية .وبتفاعل متفاوت مع هذا الفكر الجديد ،تشكّلت ثالث مجموعات في الفترة ذاتها تقري ًبا ( )2007-2005على لتفحص مسألة المكانة الجماع ّية المستقبل ّية للمواطنين هيئة «مراكز تفكير»، ّ ً (((6 الفلسطين ّيين في أطار ّ حل الدولتين مستقبل ،وأصدرت المجموعات ثالث وثائق في عامي 2006و ،2007تعرف باسم «وثائق الرؤية المستقبل ّية» التي أكّدت أن الفلسطين ّيين في إسرائيل يطالبون بحقوقهم الجماع ّية ،من طريق المطا َلبة بالحقوق القومية في داخل إسرائيل ،كونها دولة ثنائ ّية القوم ّية أو متعدّ دة الثقافات( .((6كانت ر ّدة فعل النخب السياس ّية اليهود ّية تجاه هذه الوثائق ،التي استيطاني ،قو ًّيا ومتوعّدً ا ،ألن الدولة كولونيالي أشارت إلى إسرائيل كمشروع ّ ّ اليهود ّية ال يمكن أن تكون ديمقراط ّية. االستيطاني وتصعيده الكولونيالي ساهمت هذه الوثائق في إحياء الخطاب ّ ّ عند بعض النخب الفلسطين ّية .وعرضت وثيقة حيفا ،على وجه الخصوص، التي أ ّيدها مئات القادة المجتمع ّيين واألكاديم ّيين والمث ّقفين ،عرضت أنموذج للمصالحة بين اإلسرائيليين (وليس الصهيون ّية) والفلسطين ّيين على ٍ نحو ينسجم مع حاالت كولونيال ّية استيطان ّية أخرى مشابهة .ومهم أن نشير هنا إلى أن هذا النقاش في شأن طبيعة الحقوق الجماع ّية ،وال س ّيما الخطاب المتجدّ د عن الكولونيال ّية محصورا داخل دوائر النخب الفلسطين ّية الض ّيقة ،ولم يتغلغل في االستيطان ّية ،بقي ً الفلسطيني تُدرك ضمن ًّيا نرجح أن شرائح واسعة من المجتمع الوعي العام ،وإن كنّا ّ ّ
ْ رية لرؤساء السلطات المستقبلي» الذي أصدرته اللجنة «التصور ( ((6الوثائق هي: القط ّ ُّ ّ العربية في إسرائيل<http://www.bitterlemons.net/docs/future-vision-english.pdf)> :؛ «الدستور المح ّل ّية ّ
العربية في إسرائيل: القانوني لحقوق األق ّل ّية الديمقراطي» الذي أصدره مركز عدالة :المركز ّ ّ ّ > ،<http://adalah.org/Public/files/democratic_constitution-english.pdfو«وثيقة حيفا» التي أصدرها التطبيقية<http://mada-research.org/en/ : االجتماعية العربي للدراسات مدى الكرمل -المركز ّ ّ ّ files/2007/09/haifaenglish.pdf>.
(((6
Elie Rekhess, The Arab Minority in Israel: An Analysis of the «Future Visions» Documents (New York: American Jewish Committee, 2008).
194
تجسد مشرو ًعا كولونيال ًّيا استيطان ًّيا .إال أن األمر الذي أعاد النشاط إلى أن إسرائيل ِّ (((6 نسميه «عودة التاريخ» ،والذي تزامن - الكولونيالي الوعي االستيطاني هو ما ّ ّ ّ من دون مصادفة -مع اإلدراك المتزايد بأن المساواة داخل الدولة اليهود ّية أمر غير مر وانتهى. قابل للتحقيق ،وبأن الوصول إلى حل الدولتين ّ
راب ًعا :عودة التاريخ ووعي المواطنة الكولونيالية
خالل السنوات الخمسة عشر الماضية أو نحوها ،شهدنا مرحلة جديدة من تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل ،نشير إليها باسم «عودة التاريخ» .تتميز هذه المرحلة بالصوت القوي للتاريخ الفلسطيني ،على عكس المراحل األخرى التي تم ّيزت بنماذج متنافسة ،كأنموذج المساواة أو «دولة لجميع مواطنيها» ،تميزت هذه المرحلة بهيمنة «عودة التاريخ» بين الفلسطين ّيين .ثمة وعي متزايد بين الفلسطينيين على اختالف توجهاتهم الحزبية بأن أصول مواطنتهم متجذرة في الحوادث التاريخية للنكبة .وأخذ الوعي المتزايد بالنكبة وعودتها إلى الحاضر يلقي بظالله على مفهوم المواطنة.
في عام ،1998أي في الذكرى الخمسين للنكبة ،بدأت بعض المن ّظمات الفلسطين ّية في إسرائيل بالتنسيق لمسيرة النكبة مع فلسطينيي األراضي التي احتلتها إسرائيل في عام .1967انطلقت المسيرة األولى في 15أيار/مايو ،يوم استقالل إسرائيل بحسب التقويم الميالدي ،ويوم إحياء الفلسطينيين ذكرى النكبة (ال يتوافق مع التقويم العبري الذي تتبعه إسرائيل في احتفالها بيوم استقاللها). في العام التالي ،بدأت جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل بتنظيم «مسيرة العودة» سنو ًّيا ،مختار ًة قرية فلسطينية مهجرة ًمختلفة في كل سنة .سعت أيضا ،وانطلقت هذه المسيرة إلى استحضار قضية تهجير الفلسطينيين من مدنهم ً المسيرات في يوم االستقالل اإلسرائيلي نفسه وفق التقويم العبري لتذكير اإلسرائيليين َ روجت له الجمعية بأن «يوم استقاللكم هو يوم نكبتنا» ،وهو شعار ّ منذ أول مسيرة عودة .وشكلت هذه المسيرة التنظيم الجماعي أول إحياء لذكرى النكبة يخرج إلى الحيز الرسمي العام(.((7 ( ((6 ( ((7لالطالع على نقاش عن الفرق بين الحيز الرسمي والحيز غير الرسمي ،انظر :أريج
Rouhana and Sabbagh-Khoury, «Memory and the Return of History».
195
وبينما يشدّ د الفلسطينيون في األراضي المحتلة في عام ،1967وفي أماكن شتاتهم بشكل عام ،على االحتفال بإحياء ذكرى النكبة ،يؤكد خطاب الفلسطينيين في إسرائيل ،زيادة على ذلك ،مسألة العودة ،كما ترمز إليها بقوة العودة «الجماعية» الرمزية الضخمة إلى إحدى البلدات المهجرة ليوم واحد .أصبح الوصول إلى «امتيازا» ممكنًا بفضل المواطنة اإلسرائيلية ،وهو امتياز ال يملكه القرى المهجرة ً فلسطينيون آخرون .ويعكس هذا الفعل الجماعي الذي تتيحه قدرتهم على محفزا لهذه الوصول إلى بلدة مهجرة ،قوة عودة التاريخ ،ويشكل في الوقت ً العودة .يعلن المواطنون العرب «الحداد» عندما تحتفل دولة إسرائيل باستقاللها، وتحكي المسيرات الضخمة والمنظمة ،التي تحيط بها الشرطة ،والخطب عن الوطن والعودة ،قصة نوع مختلف من المواطنة تسببت به النكبة .وخال ًفا لنشاط إحياء الذكرى الذي يعقده الفلسطينيون في أماكن أخرى ،يطرح إحياء ذكرى ً سؤال مختل ًفا :ما الذي فعلته هذه الدولة بنا؟ ال ُيطرح النكبة في إطار المواطنة هذا السؤال في سياق التمييز والمواطنة المتساوية (وال من باب مناهضة التمييز أو المطالبة بالمواطنة المتساوية) ،فما تبرزه مسيرة العودة ،إضافة إلى قضية الالجئين والعودة الفلسطينية ،هو الجوهر الكولونيالي االستيطاني لموا َطنتهم ،بما فيها عمليات التشريد التي ارتكبتها «دولتهم» بحقهم ،ورفضها السماح لهم بالعودة، وتقديم بلداتهم لمواطنين يهود.
يشكل تنظيم المسيرة داخل إسرائيل ،في يوم االستقالل االسرائيلي نفسه، تحد ًيا جد ًيا لرواية الدولة اليهودية وتاريخها .خالل العقود الخمسة األولى من استقالل دولة إسرائيل ،احتفل اإلسرائيليون بيوم االستقالل من دون ٍ تحد جماعي تذكيرا (من فلسطينيي إسرائيل) ملموس لروايتهم .لكن مسيرات العودة صارت ً ح ًيا لحقيقة الكولونيالية االستيطانية التي كانت وراء تشريع الدولة «قانون النكبة» في عام ،2011وهو القانون الذي يخول الحكومة رفض تمويل أي منظمة أو مؤسسة أو بلدية تعلن الحداد في ذكرى تأسيس دولة إسرائيل(.((7 صباغ -خوري« ،بين حق العودة و«قانون العودة» :التأمل في الخطاب الفلسطيني في إسرائيل «المآزق ّ الفلسطينية»( »،أطروحة ماجستير ،جامعة تل أبيب ،تل أبيب( )2006 ،بالعبرية). ( ((7انظرJillian Kestler-D'Amours, «Israel Criminalizes Commemoration of the Nakba,» :
(Electronic Intifada (Website), 29 March 2011), on the Web: <http://electronicintifada.net/content/israelcriminalizes-commemoration-nakba/9289> (Accessed 18/6/2014).
196
تحولت مسيرات العودة واحدة من أهم النشاط الجماعي الذي بادر إليه الفلسطين ّيون في إسرائيل منذ النكبة .وعلى مدى أعوام ،كان يوم األرض الذي يحتفل به سنو ًّيا منذ عام ،1976وغال ًبا باإلضرابات الوطنية التي تح ّفز العمل الشعبي الجماعي للمواطنين الفلسطينيين .لكن يدل ظهور مسيرة العودة ،بعد أكثر من جيلين على النكبة ،ونجاحها على عودة التاريخ ،ويمثالن التغير في الفهم العام لمعنى الموا َطنة. نعتقد أن عودة التاريخ ،وانشغال الفلسطينيين المتنامي بتاريخهم ،كانا عاملي دفع يقفان وراء عودة ظهور مرحلة مختلفة في فهم مواطنتهم؛ وهو أنها مواطنة كولونيالية استيطانية تم اكتسابها في إطار كولونيالي استيطاني .وهذا، في الواقعُ ،يغلق الدائرة التي بدأت بوجهة النظر نفسها بعد النكبة مباشرة .ال ندّ عي أن الشخص العادي يع ّبر عن وضع مواطنته بمصطلحات كولونيالية استيطانية ،لكننا نقول إن صورة دولة إسرائيل في أذهانهم هي أنها دولة استولت على وطنهم بالقوة ،باسم الشعب اليهودي ،ووضع المواطنة الحقيقية محفوظ فيها لليهود ،بينما مواطنتهم - على الرغم من الحقوق التي تمنحها -مفرغة من وصفي وليس مضمونها .وعلى الرغم من أن هذا الشعور بالمواطنة المفرغة ّ تحليل ًيا ،نقول إن هذا الوصف هو نتيجة السياسات الكولونيالية االستيطانية التي وصفناها ،وإن هناك وع ًيا متزايدً ا بالعالقة بين المواطنة المفرغة والحقائق الكولونيالية االستيطانية. ثالثة عوامل ساهمت في ظهور وعي الحالة الكولونيالية االستيطان ّية وعالقتها بالنكبة :األول هو استحالة النماذج السابقة ضمن الدولة الصهيونية .فيبدو أن أتباع أنموذج المساواة يؤمنون باحتماليته بسبب جذورهم األيديولوجية .فهم شيوعيون قبلوا بقرار تقسيم فلسطين وشرعية السيادة لدولة يهود ّية .ويعتقدون مصدقين أن المساواة ممكنة إذا غيرت إسرائيل سياساتها .لكن العملية الكولونيالية االستيطان ّية خصوصا في ما يتعلق باألرض والح ّيز والثقافة والديموغرافيا المتواصلة - ً والموارد والخدمات وفرص العمل -وضعت حدً ا في الوعي العام لصحة هذا التفكير في داخل إسرائيل الصهيونية .إن المخ ّططات األخيرة لمصادرة المزيد من األراضي من المواطنين الفلسطينيين البدو في القسم الجنوبي من البالد ،ونقلها 197
إلى المواطنين اليهود( ،((7سلطت الضوء على حقيقة أن الحفاظ على دولة يهودية يستلزم عملية من السياسات الكولونيالية االستيطان ّية المستمرة التي تنقل الموارد ِ المستعمر .وخال ًفا ألنموذج المساواةُ ،قدِّ م أنموذج «دولة جميع المستعمر إلى من َ مواطنيها» في المقام األول ،ال ألن منظريه اعتقدوا إمكان تحقيقه ،وإنما لتحدي الصهيون ّية ،وإظهارها مناقضة لمبدأ الديمقراطية األساس .ساهم هذا األنموذج في تعميق الوعي بين الجماهير الفلسطينية بالتناقض بين المساواة والصهيونية. وأبرزت ردة فعل الجمهور اليهودي ،الرافض بشدة وثائق «التصورات المستقبل ّية» واضحا ً أصل وهو استحالة المساواة في المعتمدة على هذا األنموذج ،ما كان ً نظام صهيوني .الثاني هو أن قناعة الجمهور المتزايدة ،سواء بين الفلسطينيين أم ٍّ (ولكل أسبابه الخاصة) ،بفشل اتفاق أوسلو وبأن حل الدولتين بات اإلسرائيليين ضر ًبا من الوهم ،أ ّدت إلى بعث خطاب بدائل التقسيم ،بما في ذلك حل الدولة الواحدة مع مساواة العرب واليهود في فلسطين كلها .تعيد مناقشة بدائل التقسيم الرواية السابقة للتقسيم والنكبة التي تلتها ،ويعتبر التاريخ في نقاش هذه البدائل ضرور ًيا ،و ُيستعاد سؤال شرعية التقسيم وتداعياته في ما يتعلق باقتالع الفلسطينيين واالمتيازات اليهودية والوعي المتزايد في شأن الخصائص الكولونيالية االستيطان ّية للدولة اليهودية .أما الثالث فهو أنه في اللحظات الحرجة ،وحين تصرف العرب كمواطنين ،عاملتهم الدولة كرعايا لمشروع كولونيالي استيطاني .إضافة إلى ما العسكري ،يكفي تقديم مثال واحد على وصفناه أعاله ،وال س ّيما خالل فترة الحكم ّ هذه المعاملة .في تشرين األول/أكتوبر ،2000في أعقاب فشل مفاوضات كامب ديفيد التي جرت في تموز/يوليو من العام نفسه ،انطلق فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة في تظاهرات تطورت وتحولت إلى ما عرف باالنتفاضة الثانية .في األيام األولى ،قتلت القوات اإلسرائيلية عشرات الفلسطينيين في محيط المسجد األقصى في القدس وأماكن أخرى ،فتظاهر الفلسطينيون في إسرائيل تضامنًا مع الفلسطينيين في الضفة وغزة .خرجوا في مسيراتهم بوصفهم مواطنين ،لالحتجاج على مقتل فلسطينيين آخرين ،ولدعم قضية قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة. كثيرا عن معاملتها الفلسطينيين غير المواطنين، عاملتهم إسرائيل بشكل ال يختلف ً ِ وج ِرح العشرات ،واعتقل المئات .والمثير لالهتمام أن هؤالء ف ُقتل منهم ُ ،13 ( ((7
Amara, «The Higher Follow-Up Committee for the Arab Citizens».
198
أيضا حين طالبوا بلجنة تحقيق رسمية في مقتل الفلسطينيين تصرفوا كمواطنين ً المواطنين الـ ،13ال في األوضاع المحيطة بمقتل مئات الفلسطينيين في األراضي الفلسطينية المحتلة في عام ،1967في أثناء الفترة نفسها.
الفلسطيني الحثيثة احتلت لجنة أور التي أسست إستجابة لمطالب الجمهور ّ قبيل االنتخابات البرلمانية اإلسرائيلية للتحقيق في مقتل المواطنين العرب، احت ّلت موق ًعا مركز ًيا في جلسات االستماع العلنية حتى نُشر تقريرها في عام .((7( 2003لكنً ، بدل من االستفادة من إجراءات اللجنة والتقرير والتعامل معها كفرصة تاريخية للتعامل مع الجذور السياسية للمشاعر العميقة من الظلم ،أظهرت السلطات اإلسرائيل ّية ،بشكل متناقض ،أن المواطنة في الواقع ال توفر أي حماية. كان أحد المطالب األساس للجمهور العربي محاكمة الذين أطلقوا النار على مطولة، المتظاهرين العرب .لكن السلطات اإلسرائيل ّية ،وبعد مداوالت قانونية ّ اختارت إغالق ملف التحقيق في عام 2008بسبب عدم كفاية األدلة ،وهذا ما تراه مناقضا لتقرير لجنة أور( .((7أثبت هذا القرار للفلسطينيين منظمات حقوق اإلنسان ً أن إسرائيل ال تأخذ موا َطنتهم على محمل الجد .وكانت التظاهرة ضد قرار السلطات اإلسرائيلية إغالق الملف في عام 2008واحدة من أكبر تظاهرات المواطنين الفلسطين ّيين منذ قيام دولة اسرائيل.
أيضا لم تظهر هذه الحادثة أن المساواة غير ممكنة فحسب ،بل أظهرت ً أن الفلسطينيين سيعاملون كرعايا في الدولة الكولونيالية االستيطان ّية أكثر منهم كمواطنين ،في لحظات األزمات التي يمكن أن تعتبر تحدّ ًيا لنظام الدولة الكولونيالي االستيطاني .هذه اللحظات ،المتكررة في تجاربهم الشخصية (في المطار ونقاط العبور ً مثل) وخبراتهم الجمعية (مع الشرطة ومصادرة األراضي وقوانين الهجرة ،)... ،كانت حاسمة في استدعاء وعي الفلسطينيين بأن عالقتهم بإسرائيل هي ،في الحقيقة ،عالقة كولونيالية استيطانية. (The State Commission of Inquiry into the Clashes between Security Forces and Israeli ((7 Citizens (2003), on the Web: <http://elyon1.court.gov.il/heb/veadot/or/inside_ index.htm> (Accessed 15/11/2013). (International Center for Transitional Justice (ICTJ), «Israel: Time to Heed Victims' Call ((7 for Justice,» (4 October 2010), on the Web: <http://ictj.org/news/israel-time-heed-victims-call-justice>.
199
خالصة حاولنا أن نطرح هنا صو ًغا جديدً ا لتحليل نوع مواطنة الفلسطينيين في نسميها «المواطنة الكولونيالية االستيطانية» .كما إسرائيل ،تلك المواطنة التي ّ حاولنا أن نظهر أن أسس هذه المواطنة ُوضعت خالل العقدين األولين منذ النكبة، عبر فرض الحكم العسكري بين عامي 1948و .1966تتبعنا عالقات الفلسطينيين بالدولة اإلسرائيلية من وجهة نظرهم ،من خالل التركيز على خطاباتهم السياسية مرا وتنظيمهم الجماعي ،ورأينا أن الخطاب والتنظيم السياس َيين الفلسطين َيين ّ بمراحل مختلفة .ويبدو اآلن أن المرحلة الراهنة تعود إلى نقطة االنطالق التي تمثلت بإحساس عام بأن نوع المواطنة التي يحملونها مواطنة كولونيالية استيطان ّية. خالل عقود الحكم العسكري ،حاول الفلسطينيون العيش بكرامة ،والحفاظ على جذورهم في وطنهم .ومع امتالك القليل من القوة ،ازدادت المقاومة للسياسات الكولونيالية االستيطانية بعد التجربة المؤلمة لفقدانهم شعبهم ووطنهم ،والخوف من الطرد من منازلهمَ .ر َمز الحكم العسكري إلى حكم أجنبي بالنسبة إليهم ،ومع ذلك منحوا المواطنة من دولة وصفوها بأنها «احتلتهم». حجبت هذه المواطنة ،إلى جانب تطورات إقليمية أخرى كظهور أنموذج حل الدولتين في الخطاب الدولي في شأن الصراع ،الجوهر الكولونيالي االستيطاني لعالقة الفلسطينيين بإسرائيل .وبالتالي ،حاول هؤالء الفلسطينيون عب ًثا التعامل ضمن أطر مختلفة ،من أجل أن يكونوا مواطنين متساوين .في أولى المراحل بعد الحكم العسكري ،مارس الفلسطينيون خطاب المساواة من دون تحدّ لما يعنيه هذا لهوية الدولة ومبناها .لكن ،ومنذ منتصف التسعينيات ،ظهر إطار سياسي آخر طالب بـ «دولة لجميع مواطنيها» ،مؤكدً ا أن إسرائيل ال يمكن أن تكون دولة لجميع المواطنين ،وأن تكون في الوقت نفسه دولة يهودية .وصار خطاب «دولة لجميع ً التوجهات السياسية المختلفة بين المواطنين الفلسطينيين مقبول عند مواطنيها» ّ كنقيض للصهيونية.
مع فشل «أنموذج المساواة» الذي ركز على عالقتهم مع إسرائيل ،واإلدراك العميق بأن دولة كل المواطنين ال تتوافق مع الدولة اليهودية الصهيونية ،ومع تالشي 200
اآلمال في تحقيق اتفاق الدولتين ،بدأت مرحلة جديدة تميزت بـ «عودة التاريخ» إلى الخطاب والوعي السياسيين .في هذه المرحلة ،تسترشد الخطابات السياسية لعدد من الفلسطينيين في إسرائيل بأن أصول عالقتهم بإسرائيل تعود إلى النكبة وتداعياتها .وإذا استمرت هذه العملية ،فإنها تسلط الضوء على الوعي بوضعهم االستيطاني ،وبالتالي إغالق الدائرة في عالقة الفلسطينيين التاريخية الكولونيالي ّ ّ بإسرائيل ،والعودة إلى المربع األول.
(((7
( ((7
Rouhana and Sabbagh-Khoury, «Memory and the Return of History».
201