rouhanasabbagh-khoury20162

Page 1

,.

-uUJJLµ.u.11 Q.JJJIJ,l 9

u fil

�j-UJI p.J-0,11

Arab Center for Research € Policy Studies

mil IEJ



‫الف�صل الرابع‬ ‫مواطنة كولونيالية ا�ستيطانية‬ ‫ماهية العالقة بين �إ�سرائيل ومواطنيها الفل�سطينيين‬ ‫نديم روحانا و�أريج �ص ّباغ ‪ -‬خوري‬ ‫مقدمة‬ ‫يسعى هذا الفصل إلى إعادة فحص العالقة بين إسرائيل والمواطنين‬ ‫ومقترحا في الوقت‬ ‫مقرا إجرائية مواطنتهم‬ ‫ً‬ ‫الفلسطينيين فيها‪ ،‬كما يقدم قراءة بديلة ًّ‬ ‫إطارا تحليل ًيا مركز ًيا لفهم هذه العالقة المرك ّبة‬ ‫نفسه الكولونيالية االستيطانية‬ ‫ً‬ ‫وتطورها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫نتقصى في هذا الفصل المراحل المختلفة للتجربة السياس ّية الجمعية‬ ‫ّ‬ ‫تحولوا من كونهم‬ ‫للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل منذ عام ‪ ،1948‬عندما ّ‬ ‫ً‬ ‫األول ضد مشروع‬ ‫نضال‬ ‫جز ًءا طبيع ًيا من نسيج شعب يخوض‬ ‫مزدوجا‪ّ :‬‬ ‫ً‬ ‫استيطاني‪ ،‬هو المشروع الصهيوني الذي كان يعمل على إقامة «وطن‬ ‫كولونيالي‪- ‬‬ ‫ّ‬ ‫قومي يهودي» في وطنهم‪ ،‬والثاني من أجل االستقالل من الحكم الكولونيالي‬ ‫البريطاني‪ ،‬أصبحوا أق ّل ّية في وطنهم تحت السيطرة الكاملة للدولة الصهيونية‬ ‫يتجزأ من شعب فلسطين‬ ‫بم ْو َضعة تجربتهم كجزء ال ّ‬ ‫حديثة النشوء‪ .‬كما سنقوم َ‬ ‫عندما كان وطنهم جز ًءا ال يتجزأ من العالم العربي قبل عام ‪ ،1948‬وتجربتهم ما‬ ‫بعد ‪ 1948‬عندما تم عزلهم بإحكام عن باقي شعبهم‪ ،‬وعن العالم العربي‪.‬‬ ‫عالقة إسرائيل بمواطنيها الفلسطين ّيين خاصة ومع ّقدة‪ ،‬تحكمها سيطرة‬ ‫‪163‬‬


‫كولونيال ّية استيطان ّية جاء بها شعب أجنبي إلى أرض يدّ عي أنّها تخصه وحده‪،‬‬ ‫وشرد أغلب ّية سكّانها األصليين‪ ،‬وأقام دولة منحت الموا َطنة ألولئك الذين لم يتم‬ ‫ّ‬ ‫تهجيرهم ألسباب يتعلق معظمها باألوضاع الدولية المحيطة باالعتراف الدولي‬ ‫بالدولة الكولونيالية االستيطانية‪ .‬ونزعم أنه على الرغم من أن هذه العالقة بدأت‬ ‫واستمرت كولونيال ّية استيطان ّية في جوهرها‪ ،‬فإن قرار إسرائيل منحهم المواطنة‬ ‫خفف من وطأة أثر السياسات االستعمار ّية االستيطان ّية في بعض الحاالت‬ ‫(ومفاقمتها في حاالت أخرى)‪.‬‬

‫فهم تطور المكانة السياس ّية الجماع ّية للفلسطينيين داخل إسرائيل‬ ‫يتطلب ْ‬ ‫وحالتها الراهنة وضع هذه المكانة في سياق اإلطار عام للصراع بين الحركة‬ ‫الصهيون ّية‪ ،‬بوصفها حركة كولونيال ّية استيطان ّية ذات م ّيزات قوم ّية‪ ،‬والحركة‬ ‫الوطن ّية الفلسطين ّية‪ .‬كان الفلسطينيون (بمن فيهم أولئك الذين أصبحوا‪ ،‬الح ًقا‪،‬‬ ‫والسياسي قبل عام‬ ‫االجتماعي‬ ‫الفلسطيني‬ ‫مواطني إسرائيل) جز ًءا من النسيج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتوسع المستعمرات االستيطانية‬ ‫‪ ،1948‬وعانوا إسقاطات الهجرة الصهيونية‬ ‫ّ‬ ‫بحق مشرو ًعا كولونيال ًّيا استيطان ًّيا يسعى إلى‬ ‫في وطنهم‪ ،‬وقاوموا ما اعتبروه ّ‬ ‫السياسي للفلسطينيين‬ ‫االستيالء على أرضهم ووطنهم‪ .‬لم يتحدد اختالف المصير‬ ‫ّ‬ ‫في إسرائيل بعد عام ‪ 1948‬عن مصير باقي الفلسطين ّيين بسبب ما فعلوه أو ما لم‬ ‫يفعلوه جماع ًّيا‪ ،‬إنما كانت المخ ّططات الصهيون ّية ومدى نجاح تنفيذها هي ما‬ ‫حدد‪ ،‬على وجه العموم‪ ،‬مصيرهم‪.‬‬

‫ثمة نقص في البحوث التاريخ ّية التي تتناول األوضاع التي مكّنت‬ ‫في الحقيقة‪ّ ،‬‬ ‫هؤالء الفلسطين ّيين من البقاء في الجزء الذي أقيمت عليه دولة إسرائيل‪ ،‬سوا ًء كان‬ ‫كمهجرين داخل ّيين ُأجبِروا على مغادرة مدنهم‬ ‫ذلك في مدنهم وقراهم األصل ّية أم‬ ‫ّ‬ ‫نتاجا‬ ‫وقراهم‪ ،‬فلجأوا إلى بلدات عرب ّية أخرى(((‪ .‬إلى ذلك‪ ،‬فإنهم يرون مصيرهم ً‬ ‫العرقي التي جرت خاللها تهجير األغلبية العظمى من‬ ‫لعدم إكمال عمل ّية التطهير‬ ‫ّ‬ ‫أبناء شعبهم من وطنهم‪ ،‬نحو الدول المجاورة‪.‬‬ ‫بعد حرب عام ‪ 1948‬واتفاقات الهدنة بين إسرائيل والدول العرب ّية‬

‫تاريخي مهم‪ ،‬يسعى‬ ‫موضوعا لبحث‬ ‫((( أخذت هذه األوضاع في الظهور اآلن فحسب باعتبارها‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطينيين تحت السيطرة اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫إلى تسليط الضوء على العقد األول الحرج من تجربة‬ ‫ّ‬

‫‪164‬‬


18 ‫ شكّلوا نسبة‬،‫ ألف فلسطيني‬156 ‫ بقي في الدولة الصهيون ّية نحو‬،‫المجاورة‬ ‫ بقيت‬.((( 1948 ‫ّاني العام لدولة إسرائيل في عام‬ ّ ‫في المئة من المجموع السك‬ ‫مجم ّعات وأحياء عرب ّية صغيرة في عدد من المدن الفلسطين ّية الرئيسة التي ُه ّجر‬ ‫ في يافا والرملة واللدّ وعكّا وحيفا (كان كثير ممن بقوا في‬،‫سكّانها الفلسطين ّيون‬ ((( ‫تم تطهير مدن أخرى من سكّانها‬ ‫هذه المدن من‬ ّ ّ ‫ بينما‬، )‫المهجرين الداخليين‬ ((( . ‫ كما حصل في صفد وطبر ّيا وبيسان‬،‫الفلسطين ّيين بالكامل‬ ،‫ بطريقة أو بأخرى‬،‫على الرغم من أن العرب الذين تمكّنوا من البقاء‬ ‫ فإن حدود‬،‫في داخل الدولة الصهيون ّية حصلوا على الجنس ّية اإلسرائيل ّية‬ ‫الحقوق والواجبات لموا َطنتهم خضعت لمنظومة كولونيال ّية استيطان ّية وجهتها‬ ‫المصالح القوم ّية للدولة الصهيونية التي اعتمد مستقبلها على استجالب ماليين‬ ،1948 ‫ وفي عام‬،‫ من هنا‬.‫المستوطنين اليهود المواطنين في بلدان أخرى‬ ‫العسكري الصارم وأنظمة الطوارئ على المواطنين الفلسطين ّيين‬ ‫ُفرض الحكم‬ ّ ‫ وبينما ا ّدعت إسرائيل أنّها فرضت‬.(((‫مباشرة بعد تأسيس الدولة اليهود ّية‬

Nadim N. Rouhana, Palestinian Citizens in an Ethnic Jewish State: Identities in Conflict (New Haven: Yale University Press, 1997), p. 30. Areej Sabbagh-Khoury, «Palestinians in

(((

:‫ انظر‬،‫الفلسطينيين في هذه المدن‬ ‫((( لالستزادة عن‬ ّ

Historic Palestinian Cities: A Settler Colonial Reality,» in: Nadim N. Rouhana and Areej SabbaghKhoury, eds., The Palestinians in Israel: Readings in History, Politics and Society, Second Volume, 2nd ed. (Haifa, Palestine: Mada al-Carmel-Arab Center for Applied Social Research, [2015]), and Daniel Monterescu and Dan Rabinowitz, eds., Mixed Towns, Trapped Communities: Historical Narratives, Spatial Dynamics, Gender Relations and Cultural Encounters in Palestinian-Israeli Towns, ReMaterialising Cultural Geography (Burlington, VT: Ashgate, 2007).

ّ ((( ‫س ضد األغلبية العظمى من‬ ‫التاريخية للتطهير‬ ‫لالطالع على االعتبارات‬ َ ‫العرقي الذي مو ِر‬ ّ ّ :‫ راجعوا‬،‫الفلسطينية التي أقيمت عليها إسرائيل‬ ‫الفلسطينيين في المناطق‬ ّ ّ ،‫ والفلسطينيين‬،‫ والنقل‬،‫ إسرائيل‬:‫ حد أقصى من األرض وحد أدنى من العرب‬،‫ مصالحة‬.‫ن‬ Ilan Pappé, The Ethnic Cleansing ‫)؛‬1997 ،‫ مؤسسة الدراسات الفلسطينية‬:‫ (بيروت‬1996-1949

of Palestine (Oxford: Oneworld, 2006); Nur Masalha, Expulsion of the Palestinians: The Concept of «Transfer» in Zionist Political thought, 1882-1948 (Washington, DC: Institute for Palestine Studies, 1992), and Walid Khalidi, ed.: All that Remains: The Palestinian Villages Occupied and Depopulated by Israel in 1948, Research and Text Sharif S. Elmusa and Muhammad Ali Khalidi (Washington, DC: Institute for Palestine Studies, 1992), and Palestine Reborn (London; New York: I. B. Tauris; 1992). Yair Bäuml: «The Military

:‫ انظر‬،‫العسكري وأنظمة الطوارئ‬ ‫((( لالستزادة عن الحكم‬ ّ

Government,» in: Nadim N. Rouhana and Areej Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel: Readings in History, Politics and Society (Haifa, Palestine: Mada al-Carmel-Arab Center for Applied

165


‫العسكري‬ ‫العسكري على السكّان العرب لدوافع أمن ّية‪ ،‬استُخدم الحكم‬ ‫الحكم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االستيطاني‬ ‫الكولونيالي‬ ‫في الواقع إلقامة جهاز مهمته تحقيق أهداف المشروع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتضمنت األهداف األكثر‬ ‫في مقابل الفلسطين ّيين الذين أصبحوا مواطنين(((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الديموغرافي‪ ،‬والتحكّم‬ ‫وضوحا السيطرة على األراضي‪ ،‬والتحكّم بالتوازن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي الكاملة‪ .‬لكن‬ ‫باالقتصاد‪ ،‬وإبقاء السكان العرب تحت سيطرة المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫كان المطلوب من هذا الجهاز أن يط َّبق السياسات الكولونيال ّية االستيطان ّية ضدّ‬ ‫المواطنين الفلسطينيين‪ ،‬لذا تو ّلدت حاجة إلى إدخال بعض التعديالت على‬ ‫النظام الكولونيالي االستيطاني اإلسرائيلي ليتخطى وضع مواطنة الفلسطينيين‪،‬‬ ‫وبذلك نتج نظام كولونيالي استيطاني يتم ّيز من حاالت كولونيال ّية استيطان ّية‬ ‫العسكري ُوضعت األسس لنمط جديد‬ ‫أخرى‪ .‬نحن ندّ عي أنه تحت هذا الحكم‬ ‫ّ‬ ‫نسميها اآلن «الموا َطنة الكولونيال ّية‬ ‫من الموا َطنة تحمل خصائص محدّ دة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫االستيطان ّية»‪.‬‬

‫تطور المواطنة الكولونيال ّية االستيطانية في‬ ‫تتقصى هذه الدراسة مراحل ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتتفحص البنى الكولونيال ّية االستيطان ّية التي شكلت‬ ‫أربع مراحل تاريخية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المواطنة الكولونيالية‪ ،‬كما تتناول الردود السياسية للمجتمع الفلسطيني في‬ ‫العسكري‬ ‫األول الموا َطنة تحت الحكم‬ ‫ّ‬ ‫مواجهة هذه البنى‪ُ .‬يناقش المبحث ّ‬ ‫(‪ ،)1966-1948‬وهي الحقبة المبكرة التي تشكّلت في أثنائها أسس الموا َطنة‬ ‫نسميه «أنموذج‬ ‫الكولونيال ّية؛ ويس ّلط المبحث الثاني الضوء على تنامي هيمنة ما ّ‬ ‫المساواة» )‪ (Equality Paradigm‬وهي المرحلة التي سعت خاللها القوى السياس ّية‬ ‫الفلسطيني إلى تحقيق المساواة داخل دولة إسرائيل‬ ‫المهيمنة داخل المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫لهو ّيتها اليهود ّية ‪-‬‬ ‫َحدٍّ ُ‬ ‫بين سبعينيات القرن الماضي وتسعين ّياته‪ ،‬من دون ت َ‬

‫‪Social Research, 2011), pp. 47-57; «The Discrimination Policy towards the Arabs in Israel, 1948‬‬‫‪1968,» in: Iyunim Bitkumat Israel (Studies in Israeli and Modern Jewish Society) (Sede-Boker: Ben‬‬‫‪Gurion Research Institute for the Study of Israel and Zionism, 2006), pp. 391-413 (Hebrew), and A‬‬ ‫‪Blue and White Shadow: The Israeli Establishment’s Policy and Actions Among its Arab Citizens:‬‬ ‫‪The Formative Years: 1958-1968 (Haifa: Pardes, 2007) (Hebrew), and Sabri Jiryis, The Arabs in‬‬ ‫‪Israel, Translated from the Arabic by Inea Bushnaq (New York: Monthly Review Press, 1976).‬‬

‫((( ّ‬ ‫العسكري‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫األمنية للحكم‬ ‫لالطالع على الجدل في شأن التسويغات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪Shira Robinson,‬‬

‫‪Citizen strangers: Palestinians and the Birth of Israel's Liberal Settler State, Stanford Studies in‬‬ ‫‪Middle Eastern and Islamic Societies and Cultures (Stanford, California: Stanford University Press,‬‬ ‫‪2013).‬‬

‫‪166‬‬


‫ٍ‬ ‫تناول لبنيتها الكولونيالية االستيطانية‪ .‬يتناول المبحث الثالث‬ ‫الصهيون ّية أو‬ ‫سياسي جديد‪ ،‬ظهر بعد اتّفاق أوسلو في عام ‪ ،1993‬ودعا إلى‬ ‫والدة برنامج‬ ‫ّ‬ ‫تحويل إسرائيل من دولة يهود ّية إثن ّية إلى دولة ديمقراط ّية لجميع مواطنيها‪ .‬بعد‬ ‫انتفاضة تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،2000‬شهدت هذه الحقبة ظهور المطا َلبات‬ ‫بحقوق جماع ّية في صفوف النخب السياس ّية والمهنية العربية‪ .‬خالل هذه‬ ‫الحقبة‪ ،‬لم تصف النخب السياسية واألكاديمية عالقة إسرائيل بمواطنيها العرب‬ ‫بالكولونيال ّية االستيطان ّية بشكل مباشر‪ ،‬إال أن هذه النخب استحضرت المنظور‬ ‫الكولونيالي االستيطاني بالتدريج لوصف هذه العالقة‪ .‬ويعرض المبحث الرابع‬ ‫واألخير المرحلة األحدث في تجربة المواطنين الفلسطين ّيين السياسية‪ ،‬أي ما‬ ‫التدريجي لمنظومة ّ‬ ‫حل‬ ‫نسميه «عودة التاريخ»‪ ،‬التي تو ّلدت في موازاة التراجع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدولتين وتالشي «منظومة المساواة»‪ .‬في هذه الحقبة‪ ،‬يعود الوعي الكولونيالي‬ ‫وضوحا‪.‬‬ ‫االستيطاني إلى الظهور بشكل أكثر‬ ‫ً‬ ‫قبل أن نبدأ بعرض هذه المراحل‪ ،‬نو ّد التشديد ‪ -‬بإيجاز ‪ -‬على نقاط ثالث‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أول‪ ،‬على الرغم من أن ّ‬ ‫كل واحد من المباحث األربعة يتناول فترة تاريخ ّية منفصلة‪،‬‬ ‫السياسي والتجربة‬ ‫فإننا ال نفترض وجود تطور خطي من «نمط» مع ّين من التفكير‬ ‫ّ‬ ‫والتطور ‪(Developmental‬‬ ‫النمو‬ ‫السياس ّية إلى «نمط» آخر‪ .‬فهذا ليس ادعا ًء يعتمد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫)‪ ،Argument‬بل نحن نسعى ببساطة إلى تع ّقب ظهور منظومات مختلفة كمنظومة‬ ‫المساواة على سبيل المثال‪ ،‬التي سيطرت في حقبة تاريخ ّية محدّ دة‪ ،‬وظهور‬ ‫كتحد لـ «أنموذج‬ ‫منظومات جديدة تتحدى ما سبقها («دولة جميع مواطنيها» ّ‬ ‫المساواة» في الدولة القائمة)‪ .‬ثان ًيا‪ ،‬ال تتم ّيز الحقبة هذه بالضرورة بهيمنة مطلقة‬ ‫السياسي‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬تعددت الخطابات‬ ‫لمنظومة واحدة من التفكير‬ ‫ّ‬ ‫ووجهات النظر في المراحل كلها‪ .‬وما نسعى إليه هنا هو تسليط الضوء على بروز‬ ‫وجهات نظر في كل مرحلة تتحدى ما سبقها‪ .‬ثال ًثا‪ ،‬نتجت ّ‬ ‫كل مرحلة من هذه‬ ‫كتطورات‬ ‫مركبة بين قوى سياس ّية واجتماع ّية‪ ،‬حصلت‬ ‫ّ‬ ‫المراحل من تفاعالت ّ‬ ‫وتطورات إقليم ّية‪ ،‬ومن السياسات الصهيونية‪.‬‬ ‫داخل ّية داخل المجتمع الفلسطيني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تحليل لهذه التفاعالت‪ ،‬لكننا نشير إلى الخصائص األساس ّية‬ ‫ال نزعم أنّنا سنعرض‬ ‫التاريخي ّ‬ ‫لكل مرحلة‪.‬‬ ‫للسياق‬ ‫ّ‬ ‫‪167‬‬


‫ً‬ ‫أول‪ُ :‬أ ُسس الموا َطنة الكولونيال ّية‬ ‫العسكري‬ ‫حقبة الحكم‬ ‫ّ‬

‫القوات الصهيون ّية‬ ‫على الرغم من أن أغلب ّية الفلسطين ّيين رأت في احتالل ّ‬ ‫تطو ًرا مو ّقتًا‪ ،‬تعود بعده األمور إلى‬ ‫لوطنهم وإفراغ البالد من سكّانها العرب ّ‬ ‫ِ‬ ‫نصابها وسابق عهدها‪ ،‬شكّل العقدان األول والثاني مرحلة فارقة ُوضعت فيهما‬ ‫ُأ ُسس العالقة بين الدولة اإلسرائيلية ومواطنيها العرب‪ ،‬ورسمت ميزات المواطنة‬ ‫الكولونيال ّية االستيطانية‪.‬‬

‫بالنسبة إلى أغلبية السكّان العرب‪ ،‬كانت إقامة دولة يهود ّية على أرضهم تعني‬ ‫أن غرباء‪ ،‬ومعظمهم من أوروبا‪ ،‬جاءوا لحكمهم وسلب وطنهم منهم‪ .‬لذا‪ ،‬لم َير‬ ‫الفلسطينيون الدولة الجديدة دولتهم‪ ،‬ولم ترهم الدولة الجديدة ‪ -‬في المقابل ‪-‬‬ ‫جز ًءا من مشروعها‪ ،‬بل كان األمر مخال ًفا لذلك‪ ،‬إذ عوملوا وكأنهم عقبة تقف دون‬ ‫اليهودي‬ ‫تحقيق الصهيونية أهدافها المتمثلة باستعمار البالد إلقامة دولة الشعب‬ ‫ّ‬ ‫عليها‪ .‬وكي تتغ ّلب إسرائيل على هذه العقبة‪ ،‬أي وجود من بقي من الفلسطينيين‬ ‫ضمن حدودها‪ ،‬وضعت األسس القانون ّية والسياس ّية والثقاف ّية لتحقيق أهدافها‬ ‫الكولونيال ّية االستيطان ّية‪ .‬إال أن الموا َطنة اإلسرائيل ّية التي حصل عليها هؤالء‬ ‫الفلسطينيون‪ ،‬والتي يصفها إعالن االستقالل اإلسرائيلي بصفتي «كاملة ومتساوية»‪،‬‬ ‫أنتجت تحديات عرقلت تنفيذ السياسات الكولونيال ّية االستيطان ّية تجاههم بشكل‬ ‫علني ومباشر‪ .‬في حقيقة األمر‪ ،‬كان لقرار منْح الموا َطنة للسكّان األصل ّيين أثر‬ ‫ّ‬ ‫حاسم في دينام ّية العالقات بين إسرائيل ومواطنيها الفلسطين ّيين‪ ،‬وبين إسرائيل‬ ‫الدولي‪.‬‬ ‫والفلسطين ّيين عمو ًما‪ ،‬وفي مكانة إسرائيل وشرع ّيتها في المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫جاء منح المواطنة‪ ،‬جزئ ًيا‪ ،‬استجاب ًة للمطالب الدولية لتسهيل قبول خطة‬ ‫الجمعية العامة لألمم المتحدة في تقسيم فلسطين‪ ،‬ولم تعترض المجموعات‬ ‫الصهيونية المختلفة على منح المواطنة للفلسطينيين‪ ،‬ألن هؤالء كانوا جماعة‬ ‫صغيرة غير منظمة‪ ،‬وال يمثلون ‪ -‬برأي اإلسرائيليين ‪ -‬تهديدً ا ديموغراف ًيا لهيمنة‬ ‫األغلبية‪.‬‬ ‫تضمنت المواطنة التي منحت للفلسطينيين واحدة من أبرز ميزاتها‪ ،‬وهي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والترشح‪ .‬كما ُمنح معها جزئ ًيا بعض الحقوق‬ ‫الحق السياسي في التصويت‬ ‫‪168‬‬


‫االجتماعية واالقتصادية‪ .‬لكن‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬اتبعت إسرائيل سياسات أفرغت‬ ‫أمرا غير ممكن‪ .‬وبعد‬ ‫المواطنة من مضمونها‪ ،‬وجعلت من المواطنة الحقيقية ً‬ ‫«التخ ّلص» من معظم الفلسطينيين الواقعين تحت سيادة إسرائيل‪ ،‬عمد المشروع‬ ‫الكولونيالي االستيطاني إلى التحايل على مواطنة الفلسطينيين الذين بقوا‪ ،‬إذ‬ ‫توجب على إسرائيل التعامل معهم كمواطنين‪ .‬لكن تجاهلت إسرائيل مواطنتهم‬ ‫ّ‬ ‫عندما فتحت أبواب البالد للهجرة اليهودية‪ ،‬وأغلقتها أمام الفلسطينيين الذين‬ ‫أسست لسيادة يهودية حصرية في وطن بات يعتبر اآلن‬ ‫ُه ِّجروا من البالد‪ ،‬وعندما ِّ‬ ‫وطنًا للشعب اليهودي وحده‪ ،‬وعندما شدّ دت على الهيمنة الصهيونية التي أكدت‬ ‫بمأسسة و َقونَنة‬ ‫السيطرة اليهودية الحصرية على األرض والحيز‪ ،‬وعندما قامت َ‬ ‫الدولة كدولة يهودية صهيونية‪ ،‬في حين أن ‪ 18‬في المئة من سكانها عرب‪.‬‬ ‫وضوحا تتع ّلق بالمسائل اآلتية‪ :‬االستيالء‬ ‫كانت األهداف الكولونيال ّية األشد‬ ‫ً‬ ‫على األرض والح ّيز‪ ،‬كبت الثقافة الفلسطينية ومحو التاريخ واألثر العربي في‬ ‫البالد‪ ،‬والتحكم في التركيب الديموغرافي لضمان أقل نسبة ممكنة من العرب‪،‬‬ ‫والسيطرة السياس ّية وإستغالل الموارد االقتصاد ّية‪ ،‬وتطوير البنْية التحت ّية النفسية‬ ‫االستيطاني‪.‬‬ ‫الكولونيالي‬ ‫والمعرفية لتبرير المشروع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لتحقيق األهداف األربعة األولى (إلى جانب أهداف أخرى)‪ ،‬فرضت إسرائيل‬ ‫حكما عسكر ًيا على السكّان العرب الفلسطين ّيين بين عامي ‪ 1948‬و‪،((( 1966‬‬ ‫ً‬ ‫التجمعات السكن ّية العرب ّية في إسرائيل عن بعضها اآلخر‪ ،‬وعن‬ ‫و َعزلت بعض‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي‪ ،‬على امتداد جيل كامل تقري ًبا‪.‬‬ ‫العربي‪ ،‬وعن الجمهور‬ ‫العالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫تجاوزت الدولة اإلسرائيلية اعتبارات األمن القومي التي تدّ عي أنها واجهتها‬ ‫من المواطنين الفلسطينيين؛ إذ ال عالقة لكثير من األهداف التي سعت الدولة‬ ‫إلى تحقيقها تحت الحكم العسكري بالمعنى التقليدي لألمن القومي‪ .‬وال يمكن‬ ‫فهم كيفية استخدام «األمن القومي» لتبرير تحقيق األهداف المذكورة أعاله‪ ،‬إال‬ ‫إذا ُع ّرف األمن القومي بمفاهيم كولونيالية على النحو المب ّين أدناه‪ .‬وفي ما يأتي‬ ‫نناقش األهداف األربعة األولى التي تح ّققت تحت الحكم العسكري‪ ،‬في إطار‬ ‫كولونيالي استيطاني‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪Bäuml, «The Military Government,» and Jiryis, The Arabs in Israel.‬‬

‫‪169‬‬


‫‪ -1‬السيطرة على األراضي واالستيالء على الح ّيز‬

‫االستيطاني‪ ،‬من وجهة نظر‬ ‫الكولونيالي‬ ‫ر ّبما يكون الوجه األبرز للمشروع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(((‬ ‫الفلسطينيين أصحاب األرض األصليين‪ ،‬هو االستيالء المتواصل على ح ّيزهم ‪.‬‬ ‫منذ سنواتها األولى‪ ،‬سعت الدولة اإلسرائيلية إلى االستيالء على غنائم الحرب‪،‬‬ ‫بما في ذلك أراضي العرب وممتلكاتهم وعقاراتهم الخاصة والعامة‪ ،‬ومزارعهم‬ ‫ومصانعهم ومتاجرهم ومصارفهم التي تركها الفلسطين ّيون وراءهم‪ ،‬ونقلتها إلى‬ ‫الم ْلك ّية اليهود ّية‪.‬‬

‫جرى هذا االستيالء على األرض والح ّيز بوسائل مختلفة‪ ،‬وفي بعض األحيان‬ ‫على ٍ‬ ‫اسما هو جزء ال يتجزأ من‬ ‫علني وصريح‪ ،‬وأعطيت عملية االستيالء هذه ً‬ ‫نحو ّ‬ ‫الفلسطيني إلى ح ّيز‬ ‫الصهيوني‪ :‬التهويد‪ ،‬ويعني تحويل الح ّيز‬ ‫المشروع‬ ‫يهودي(((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن خالل إجراءات تستغل القانون لألهداف الكولونيال ّية االستيطان ّية المكشوفة‪،‬‬ ‫اليهودي (كيرين كييمت)‪،‬‬ ‫القومي‬ ‫نُقل الكثير من األراضي العربية إلى الصندوق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي» الذي يشمل يهو ًدا ليسوا مواطني‬ ‫وصارت م ْلك ّية حصر ّية لـِ «الشعب‬ ‫ّ‬ ‫إسرائيل (وبطبيعة الحال يستثني مواطني إسرائيل من غير اليهود)‪ُ .‬ن ّفذ ذلك من‬ ‫خالل عمل ّيات تال ُعب قانون ّية ُو ّثقت بد ّقة في األدب ّيات البحث ّية(‪ .((1‬على سبيل‬ ‫المثال‪َ ،‬مكَّنت الما ّد ُة ‪ 125‬من أنظمة الطوارئ اإلسرائيل ّية (األنظمة ذاتها التي عمل‬ ‫((( ‪Lorenzo Veracini, «Introducing: Settler Colonial Studies,» Settler Colonial Studies, vol. 1,‬‬ ‫»‪no. 1 (2011), pp. 1-12 and Patrick Wolfe, «Settler Colonialism and the Elimination of the Native,‬‬ ‫‪Journal of Genocide Research, vol. 8, no. 4 (December 2006), pp. 387-409.‬‬

‫عنصريا‪.‬‬ ‫مشروعا‬ ‫تطبقها‬ ‫((( رأى المواطنون الفلسطينيون‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫عمليات «التهويد»‪ ،‬والسياسات التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسرائيليين ً‬ ‫العنصرية للمصطلح‪ .‬لذا‪ ،‬يجري في أحيان كثيرة استخدام‬ ‫النغمة‬ ‫أيضا من‬ ‫واشتكى كثير من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التهويدية‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫مصطلحات «نظيفة» نحو‪« :‬تطوير الجليل» أو «تطوير النقب» لتوصيف المشروعات‬ ‫ّ‬

‫‪Rassem Khamaisi, «Territorial Dispossession and Population Control of the Palestinians,» in: Elia‬‬ ‫‪Zureik, David Lyon and Yasmeen Abu-Laban, eds., Surveillance and Control in Israel/Palestine:‬‬ ‫‪Population, Territory and Power (London; New York: Routledge, 2011); Ghazi Falah, «The Facts and‬‬ ‫‪Fictions of Judaization Policy and its Impact on the Majority Arab Population in Galilee,» Political‬‬ ‫‪Geography Quarterly, vol. 10, no. 3 (July 1991), and Yousef Tayseer Jabareen, «National Planning‬‬ ‫‪Policy in Israel,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel ([2015]).‬‬ ‫(‪Alexander Kedar, «The Legal Transformation of Ethnic Geography: Israeli Law and ((1‬‬ ‫‪Palestinian Landholder, 1948-1967,» International Law and Politics, vol. 33, no. 4 (2000), and Walter‬‬ ‫‪Lehn and Uri Davis, The Jewish National Fund (London; New York: Kegan Paul International, 1988).‬‬

‫‪170‬‬


‫العسكري من اإلعالن عن «إغالق» منطقة‬ ‫الحاكم‬ ‫البريطاني)‬ ‫بموجبها االنتداب‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫العسكري‬ ‫مع ّينة ألسباب َأمن ّية غير محدّ دة‪ ،‬واستُخدمت هذه الما ّدة إ ّبان الحكم‬ ‫ّ‬ ‫لمنع المواطنين العرب من الوصول إلى أراضيهم‪ .‬وعندما لم تُستصلح األرض‬ ‫لسنوات‪ ،‬صادرتها الدولة «قانون ًّيا»(‪ .((1‬في السنوات الثالث األولى بعد إقامة دولة‬ ‫أراض مصاد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رة من‬ ‫إسرائيل‪ ،‬أنشئت ‪ 305‬مستوطنات يهود ّية‪ ،‬قام كثير منها على‬ ‫َ‬ ‫أي بلدة فلسطين ّية حتّى يومنا هذا (باستثناء‬ ‫الفلسطين ّيين(‪ .((1‬في المقابل‪ ،‬لم ُت َقم ُّ‬ ‫التجمعات البدو ّية التي أقيمت بغية إجالء العرب البدو عن أراضيهم وإجبارهم‬ ‫على السكن في هذه البلدات)(‪.((1‬‬

‫فهدمت بشكل كامل‬ ‫تعرض الحيز الفلسطيني لعملية محو مادية ورمزية‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫مئات البلدات العربية التي كان يقطنها فلسطينيون ممن تركوا بيوتهم في التطهير‬ ‫العرقي الذي جرى في أثناء حرب ‪ ،1948‬و ُطمس الدليل المادي على وجودها(‪،((1‬‬ ‫واستمرت هذه العملية بقوة بعد حرب ‪ ،1967‬وشملت القرى كلها مع استثناءات‬ ‫مح ماد ًيا تم محوه رمز ًيا‪ ،‬ويكشف مثال قرية عين حوض‬ ‫قليلة‪ .‬والحيز الذي لم ُي َ‬ ‫الصارخ شدة «الدافع إلى المحو» المسيطر في الفكر والتطبيق الصهيونيين‪ .‬وعين‬ ‫تمح ماد ًيا‪ ،‬بعدما ُطرد سكانها‬ ‫حوض واحدة من القرى الفلسطينية القليلة التي لم َ‬ ‫مهجرين في الداخل(‪( ((1‬أقام‬ ‫الفلسطينيون وأصبحوا الجئين في البلدان العربية أو ّ‬ ‫كثيرون منهم مخيمات خارج بلدتهم مباشرةً)‪ .‬بقيت منازل القرية ومشاهدها‬ ‫الطبيعية من دون مساس تقري ًبا‪ .‬وعلى ٍ‬ ‫نحو فيه الكثير من السخرية‪ ،‬جرى تحويل‬ ‫العبري «عين‬ ‫عين حوض إلى «قرية فنّانين» إسرائيليين‪ ،‬وهي ُت ْع َرف اآلن باسمها‬ ‫ّ‬ ‫(‪( (1‬‬ ‫(‪((1‬‬

‫‪Bäuml, A Blue and White Shadow, and Jiryis, The Arabs in Israel.‬‬ ‫‪Yousef Tayseer Jabareen, «Emergency Regulations,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury,‬‬ ‫‪eds., The Palestinians in Israel (2011), pp. 67-73.‬‬

‫(‪Ismael Abu-Saad, «The Indigenous Palestinian Bedouin of the Naqab: Forced Urbanization ((1‬‬ ‫‪and Denied Recognition,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2011), on‬‬ ‫‪the Web: <http://mada-research.org/en/files/2011/09/ebook-english-book.pdf> (Accessed 18/6/2014).‬‬

‫(‪((1‬‬

‫‪A. Golan, Changing the Space - War’s Results: Previous Arab Spaces in the State of‬‬ ‫‪Israel (1948- 1950) (Be’er Sheva: Ben Gurion Heritage Institute, 2001) (Hebrew).‬‬

‫مهجري الداخل‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫(‪ ((1‬لمزيد من المعلومات عن‬ ‫ّ‬

‫‪Areej Sabbagh-Khoury, «The Internally‬‬

‫‪Displaced Palestinians in Israel,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel‬‬ ‫‪(2011), and Hillel Cohen, The Present Absentee: Palestinian Refugees in Israel since 1948 (Jerusalem:‬‬ ‫‪Van Leer Jerusalem Institute, 2000) (Hebrew).‬‬

‫‪171‬‬


‫األصلي‪ ،‬لكن بعد اضفاء الطابع العبري على لفظه‬ ‫العربي‬ ‫هود» في محاكاة لالسم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مكوناتها ذات الحضور‬ ‫وطريقة كتابته‪ .‬وبعد تحويلها إلى قرية يهود ّية‪ُ ،‬سلخت ّ‬ ‫الفلسطيني الشديد من ُهو ّيتها الثقاف ّية‪ ،‬وبطبيعة الحال من ُهو ّيتها السياس ّية‬ ‫ّ‬ ‫(‪((1‬‬ ‫والوطن ّية ‪ .‬وهكذا‪ ،‬حتى لو وجد الحيز الفلسطيني ماد ًيا بقوة‪ ،‬فإنه ُيمحى رمز ًيا‪،‬‬ ‫ليجعل القرية ً‬ ‫مثال ح ًيا على قوة النزوع الصهيوني إلى المحو(‪.((1‬‬

‫بصورة مشابهة‪ ،‬جر ّدت األحياء الفلسطين ّية التي بقيت في عدد من المدن التي‬ ‫ُه ّجر سكّانها في عام ‪ 1948‬من هو ّيتها القوم ّية‪ ،‬واستخدمت لتوطين المهاجرين‬ ‫الرمزي؛ فبينما بقيت‬ ‫اليهود(‪ .((1‬خضعت هذه األحياء لمسار مشابه من المحو‬ ‫ّ‬ ‫األحياء سالمة في بناياتها وجوانبها الما ّد ّية‪ ،‬جرى محو ُهو ّيتها السياس ّية وتاريخها‬ ‫الثقافي‪ ،‬وأصبحت مفصولة عن شخصيتها الوطن ّية األصلية في الوعي الكولونيالي‬ ‫ّ‬ ‫كحي القطمون في‬ ‫وتحولت‪ ،‬ببساطة‪ ،‬إلى أحياء يهود ّية‪،‬‬ ‫االستيطاني الناشئ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحي الفنّانين في البلدة القديمة في يافا(‪ .((1‬واستُخدم الكثير من البيوت‬ ‫القدس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والمباني الفلسطينية‪ ،‬المبنية وفق طابع معماري عربي فريد‪ ،‬لتوطين المهاجرين‬ ‫فلسطينية أخرى كما في حالة يافا‬ ‫الرمزي حصلت في أماكن‬ ‫ثمة مسارات مشابهة للمحو‬ ‫ّ‬ ‫(‪ّ ((1‬‬ ‫ّ‬ ‫والقدس‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬لمزيد من المعلومات عن قصة عين حوض‪ ،‬انظر‪David Grossman, Sleeping on a Wire: :‬‬

‫‪Conversations with Palestinians in Israel, Translated from the Hebrew by Haim Watzman (New York:‬‬ ‫‪Farrar, Straus, and Giroux, 1993), and Susan Slyomovics, The Object of Memory: Arab and Jew‬‬ ‫‪Narrate the Palestinian Village (Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1998).‬‬

‫إلكمال قصة عين حوض تجدر اإلشارة إلى أن بعض سكانها العرب‪ ،‬ممن تجمعوا على جزء‬ ‫صغيرا أصبح واحدً ا من القرى العربية غير المعترف بها‪.‬‬ ‫تجم ًعا‬ ‫من أراضي البلدة الواقعة خارجها‪ ،‬بنى ّ‬ ‫ً‬ ‫واعترفت الدولة بالبلدة في عام ‪ 1996‬بعد صراع قانوني طويل‪ ،‬وأصبحت تعرف بـ «عين حوض»‪ ،‬مع‬ ‫تأكيد اللفظ والمعنى العربي التقليدي للبلدة األصلية لتمييزها من البلدة الحالية المهودة عين هود‪.‬‬ ‫(‪Haim Yacobi, «The Architecture of Ethnic Logic: Exploring the Meaning of the Built ((1‬‬ ‫‪Environment in the ‘Mixed’ City Of Lod - Israel,» Geografiska Annaler: Series B, Human Geography,‬‬ ‫‪vol. 84, nos. 3-4 (2002).‬‬

‫(‪Daniel Monterescu, «The Bridled Bride of Palestine: Orientalism, Zionism, and the ((1‬‬ ‫‪Troubled Urban Imagination,» Identities: Global Studies in Culture and Power, vol. 6, no. 6 (2009),‬‬ ‫‪and Mark LeVine: «Planning to Conquer: Modernity and its Antinomies in the 'New-Old Jaffa',» in:‬‬ ‫‪Haim Yacobi, ed., Constructing a Sense of Place: Architecture and the Zionist Discourse, Design and‬‬ ‫‪the Built Environment Series (Aldershot, England; Burlington, VT: Ashgate, 2004), and Overthrowing‬‬ ‫‪Geography: Jaffa, Tel Aviv, and the struggle for Palestine, 1880-1948 (Berkeley: University of‬‬ ‫‪California Press, 2005).‬‬

‫‪172‬‬


‫اليهود‪ ،‬ومرت هذه البيوت بعملية مشابهة لمحو هويتها الوطنية مع الحفاظ على‬ ‫«الطابع األصيل»‪ ،‬وتعرف في السوق العقارية اليوم بـ «البيوت العربية»‪ ،‬وهذا‬ ‫يمنحها قيمة سوقية أعلى‪.‬‬

‫لم تتو ّقف األمور عند هذا الحدّ ‪ ،‬إذ انسحبت عملية المحو على المساجد‬ ‫الفلسطين ّية التي لم َي ْج ِر هدمها‪ ،‬بل جرى تحويل بعضها إلى أمكنة لالستخدامات‬ ‫العا ّمة‪ ،‬كمطاعم أو حانات في بعض األحيان(‪ . ((2‬وطال محو الح ّيز الخريطة‬ ‫الفلسطين ّية‪ ،‬كأسماء الشوارع والجبال والوديان والجداول‪ ،‬وجرت عمل ّية تهويد‬ ‫الخريطة بطريقة مدروسة‪ ،‬فحدّ دت لجنة حكوم ّية عمل ّية إطالق األسماء الجديدة‬ ‫الفلسطيني أو إخفاء األصول الفلسطين ّية‬ ‫واتّخذت قرارات هدفها محو التاريخ‬ ‫ّ‬ ‫للمواقع المختلفة وتمويهها(‪ .((2‬واختيرت أحيانًا أسماء يهودية جديدة كان صداها‬ ‫َ‬ ‫مشابها لألسماء الفلسطين ّية األصل ّية‪ ،‬لخلق االنطباع أن األماكن الفلسطين ّية كانت‬ ‫ً‬ ‫يهود ّية في األصل‪ ،‬واآلن استرجعها اليهود‪ ،‬أي أصحابها األصل ّيون‪.‬‬

‫الهو ّية واألسماء المسار الذي تبنّته دولة إسرائيل تجاه‬ ‫تحاكي عملية محو ُ‬ ‫الفلسطين ّيين الذين بقوا في وطنهم‪ ،‬من خالل منحهم الموا َطنة‪ ،‬وفي الوقت ذاته‬ ‫وهو ّيتهم‪ .‬ومن األدلة على المحو الكولونيالي االستيطاني‬ ‫محاولة محو تاريخهم ُ‬ ‫األسماء التي تستخدمه إسرائيل‪ ،‬رسم ًيا وإعالم ًيا‪ ،‬لإلشارة إلى المواطنين‬ ‫الفلسطينيين‪ ،‬مثل «عرب إسرائيليون»‪ ،‬و«عرب إسرائيل»‪ ،‬و«أقليات»‪ .‬لعقود‬ ‫مضت‪ ،‬كان مكتب اإلحصاء اإلسرائيلي يشير إليهم بمصطلح «غير اليهود»‪ ،‬ويطلق‬ ‫عليهم أحيانًا‪ ،‬باستخفاف‪ ،‬لقب «عربنا»‪ .‬العامل المشترك في هذه المصطلحات‬ ‫لهويتهم الفلسطين ّية‪ ،‬وتوضح‬ ‫كلها هو أنها تمحو ُهوية الفلسطينيين القومية‪ ،‬وتتنكّر ُ‬ ‫في الوقت ذاته أنّهم ليسوا إسرائيليين تما ًما‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬يعكس االسم السياسة‬ ‫اإلسرائيلية نفسها تجاههم باعتبار أن إسرائيل ال تعترف بهم بوصفهم جماعة‬ ‫قومية‪ ،‬وبهذا المعنى نفذت المحو الرمزي ضد المكان والشعب الذي بقي في‬ ‫الوطن الفلسطيني‪ ،‬إضافة إلى المحو الرمزي‪.‬‬ ‫(‪((2‬‬ ‫(‪((2‬‬

‫‪Jonathan Cook, «Israeli Eradication of History: Disappearing Mosques,» Al-Akhbar,‬‬ ‫‪9/7/2012, on the Web: <http://english.al-akhbar.com/node/9554> (Accessed 15/11/2013).‬‬ ‫‪Meron Benvenisti, Sacred Landscape: The Buried History of the Holy Land since 1948,‬‬ ‫‪Translated by Maxine Kaufman-Lacusta (Berkeley: University of California Press, 2000).‬‬

‫‪173‬‬


‫كان دافع المحو الذي جرى من خالله محو السكان األصليين عبر تدمير‬ ‫مئات البلدات التي أبقاها الالجئون الفلسطين ّيون من ورائهم‪ ،‬مركز ًيا ألنه يخدم‬ ‫جملة من األهداف الكولونيال ّية االستيطانية‪ :‬قطع العالقة بين الفلسطين ّيين‬ ‫وتاريخهم وأراضيهم‪ ،‬وسدّ الطريق على أحالم الالجئين بالعودة إلى وطنهم‪،‬‬ ‫اليهودي‪.‬‬ ‫وإخفاء آثار مشروع الطرد والسلب عن عيون الجمهور‬ ‫ّ‬

‫‪ -2‬التاريخ والثقافة‬ ‫طبقت عملية مماثلة لمحو الحيز على التاريخ والثقافة‪ ،‬لكن ديناميات القوة‬ ‫بين الدولة والفلسطينيين في هذا الميدان تج ّلت بطريقة مختلفة‪ ،‬فنفذت عملية‬ ‫مزدوجة سعت إلى طمس تاريخ واحد هو التاريخ الفلسطيني‪ ،‬واستبداله بتاريخ‬ ‫ووجهت عمليتا الطمس واالستبدال إلى المجتمعين‬ ‫آخر هو التاريخ اليهودي‪ّ .‬‬ ‫مهما القيام بهذه العملية المزدوجة التي‬ ‫العربي واليهودي بطرائق مختلفة‪ .‬كان ً‬ ‫نفذت باستخدام مؤسسات الدولة القوية مثل وسائل اإلعالم والتعليم واألجهزة‬ ‫العسكرية المصممة بعناية في المجتمع اليهودي‪ ،‬وكذلك العربي‪ ،‬لكن ألسباب‬ ‫مختلفة‪ .‬فالمستوطنون اليهود الذين تحولوا على مر السنين إلى سكان محليين‬ ‫في المكان مع الجيلين اإلسرائيليين الثاني والثالث‪ ،‬كانوا بحاجة إلى بنية معرفية‬ ‫تبرر مشروع إقامة دولة يهودية في فلسطين‪ .‬لذلك أصبح محو آثار الفلسطينيين‬ ‫أيضا‪ ،‬أساس ًيا لمنظومة التبرير النفسية والمعرفية‪.‬‬ ‫المادية‪ ،‬وتاريخهم وثقافتهم ً‬ ‫ُمح األماكن الجغرافية فحسب‪ ،‬بل طالت العملية اإلحداثيات الزمنية‬ ‫هكذا‪ ،‬لم ت َ‬ ‫التي حددت تاريخ البالد‪ ،‬فأعيد تعيينها جذر ًيا لتأكيد التاريخ اليهودي التوراتي‪،‬‬ ‫وللتقليل من أهمية التاريخ العربي منذ القرن السابع‪ ،‬حيث ُيرسم فعل ًيا خط زمني‬ ‫متواصل بين التاريخ التوراتي والتاريخ الصهيوني الحديث(‪ .((2‬لكن‪ ،‬بقدر ما لهذه‬ ‫المنظومة التبريرية من أهمية‪ ،‬يقع تفسيرها خارج نطاق هذه الدراسة‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫من المهم أن نالحظ أن جهاز الدولة‪ ،‬وال سيما في األعوام التأسيسية من الحكم‬ ‫العسكري وبعده بكثير‪ ،‬كان دقي ًقا في محاوالته محو التاريخ والثقافة الفلسطينية‬ ‫بين صفوف مواطنيه العرب‪.‬‬ ‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪174‬‬


‫منهاجا تدريس ًّيا رسم ًّيا‬ ‫تحكّمت الدولة بجهاز التربية والتعليم الذي شمل‬ ‫ً‬ ‫العربي‬ ‫رسمي للعرب واليهود‪ ،‬وقامت كذلك بإخضاع جهاز التعليم‬ ‫وآخر غير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لرقابة جهاز االستخبارات األمن ّية(‪ .((2‬وخضع تاريخ ما قبل عام ‪ 1948‬وتهجير‬ ‫الم َعدّ ة للعرب واليهود‪.‬‬ ‫الفلسطين ّيين واقتالعهم إلسكات تا ّم في مناهج التعليم ُ‬ ‫وسادت الرواية الصهيونية للتاريخ تما ًما‪ .‬يصف روحانا وصباغ ‪ -‬خوري حالة‬ ‫اإلسكات في المجتمع العربي نفسه(‪ ،((2‬في مناخ من الخوف في ظل الحكم‬ ‫العسكري‪ ،‬ويحاوالن تفسير الصمت في مواجهة الحوادث المؤلمة على أنه‬ ‫الطريقة التي تعامل بها المجتمع مع الخوف الذي شعر به تجاه مصيره‪ .‬واستمر‬ ‫الصمت عمو ًما في الوسط األكاديمي اإلسرائيلي حتى منتصف ثمانينيات القرن‬ ‫الماضي‪ ،‬وشهد بعض التغيرات مع ظهور ما بات يعرف بـ «ما بعد الصهيونية»‪،‬‬ ‫مستمرا في المنهاج المدرسي‪ .‬في‬ ‫و«علم االجتماع الجديد»(‪ ،((2‬لكن ما زال‬ ‫ً‬ ‫الشفوي والقصص العائل ّية عن النكبة‪ ،‬حافظ‬ ‫موازاة ذلك‪ ،‬ومن خالل التاريخ‬ ‫ّ‬ ‫لب روايتهم في مواجهة هيمنة الرواية‬ ‫المواطنون الفلسطين ّيون بشكل عام على ّ‬ ‫الرسمي العا ّم‪.‬‬ ‫الصهيون ّية التي تسعى إلى التس ّيد على الح ّيز‬ ‫ّ‬ ‫است ْ‬ ‫الكولونيالي كذلك ضدّ الثقافة الفلسطين ّية‪ ،‬وال س ّيما‬ ‫ُخ ِدم دافع المحو‬ ‫ّ‬ ‫الرسمي‪ ،‬كالمسرح والجمع ّيات الثقاف ّية‪ ،‬واإلنتاج‬ ‫المرافق التي تحتاج إلى الدعم‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫تحولت الثقافة الفلسطين ّية التي‬ ‫الثقافي وما شابه‪ .‬وعلى غرار التاريخ‬ ‫الفلسطيني‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الهو ّية والرواية الفلسطين ّية‪ ،‬إلى ضرب من المحظورات‪.‬‬ ‫تضرب‬ ‫جذورا عميقة في ُ‬ ‫ً‬ ‫لم ُي ْم َح االسم «فلسطين» من الخرائط واإلعالم والموا ّد التعليم ّية والتربوية فحسب‪،‬‬ ‫الفلسطيني» عن‬ ‫أيضا؛ واستمرت عملية إخفاء «الشعب‬ ‫بل أزيل من الخطاب العا ّم ً‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫اليهودي‪ ،‬واستُبد َل اسمه على نحو تلطيفي بأسماء مثل «الالجئين‬ ‫عيون الجمهور‬ ‫ّ‬ ‫العرب»‪ ،‬و«عرب أرض إسرائيل»‪ ،‬أو «المح ّل ّيين» وأسماء أخرى مشابهة‪ .‬شمل‬ ‫(‪((2‬‬

‫‪Majid Al-Haj, Education, Empowerment, and Control: The Case of the Arabs in Israel,‬‬ ‫‪SUNY Series in Israeli Studies (Albany: State University of New York Press, 1995).‬‬

‫(‪Nadim N. Rouhana and Areej Sabbagh-Khoury, «Memory and the Return of History in a ((2‬‬ ‫‪Settler-Colonial Context: The Case of the Palestinians in Israel,» in: Nadim N. Rouhana, Israel and its‬‬ ‫‪Palestinian Citizens: Ethnic Privileges in the Jewish State (New York: Cambridge University Press, [In‬‬ ‫‪Press]).‬‬

‫(‪ ((2‬انظر ً‬ ‫مثل‪:‬‬

‫‪Laurence J. Silberstein, The Postzionism Debates:Knowledge and Power in‬‬ ‫‪Israeli Culture (New York: Routledge, 1999).‬‬

‫‪175‬‬


‫هذا المحو‪ ،‬كما ذكرنا ساب ًقا‪ ،‬تسمية المواطنين الفلسطين ّيين أنفسهم‪ ،‬إذ ُمنِحوا‬ ‫أسماء مختلفة في مسعى إلى محو جذورهم التاريخ ّية وارتباطهم بوطنهم‪ ،‬وإنكار‬ ‫ُهو ّيتهم الوطن ّية‪ ،‬وتفادي سماع كلمة «فلسطين»‪.‬‬

‫الكولونيالي‬ ‫كان أحد األهداف بعيدة المدى‪ ،‬والمدمرة لهذا المشروع‬ ‫ّ‬ ‫االستيطاني‪ ،‬محو العالقة بين الفلسطين ّيين ووطنهم‪ .‬جرى توصيف الفلسطين ّيين‪- ‬‬ ‫ّ‬ ‫وال س ّيما في سياق وجودهم على األرض كـَ «غرباء» و«غزاة» و«متس ّللين»‪،‬‬ ‫وتوصيفات أخرى تتنكّر لعالقتهم األصيلة بوطنهم‪ .‬وتمت إعادة توصيف‬ ‫المهاجرين المستوطنين بأنهم السكّان األصليين‪ ،‬ليح ّلوا محل السكان الذين تمت‬ ‫إزالتهم من خالل التهجير ومن خالل وسائل رمز ّية‪.‬‬

‫كانت الثقافة الفلسطينية‪ ،‬مثلها في ذلك مثل التاريخ الفلسطيني الذي تم‬ ‫تطور خارج‬ ‫كبيرا منها ّ‬ ‫حفظه في الحيز الخاص‪ ،‬عص ّية على اإللغاء ألن جان ًبا ً‬ ‫حيز الدولة الرسمي‪ .‬تم تطوير النتاج الثقافي في الشعر واألغاني الشعب ّية واألدب‬ ‫والفنون الجميلة‪ ،‬والحفاظ عليه‪ .‬وعمل المجتمع الفلسطيني على تغذية الثقافة‬ ‫خصوصا‪ ،‬ألنه كان من السهل الهروب من الرقابة في ظل الحكم العسكري إلى‬ ‫ً‬ ‫اإلسرائيلي‬ ‫الشيوعي‬ ‫رو َج الفلسطين ّيون‪ ،‬بقيادة الحزب‬ ‫الح ّيز الخاص‪ .‬إلى ذلك‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في تلك الفترة‪ ،‬للثقافة الفلسطين ّية في دور ّياته األدب ّية وإصداراته األخرى‪ ،‬وفي‬ ‫السياسي‬ ‫الثقافي بعيدً ا عن المجال‬ ‫االجتماعات العامة‪ ،‬طالما بقي المحتوى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصريح‪ ((2(.‬لذلك‪ ،‬أصبحت أشكال التعبير الثقاف ّية رافعة مركز ّية في التعبير عن‬ ‫الهو ّية الفلسطين ّية التي لم تعد للظهور‬ ‫الرواية الفلسطين ّية‪ ،‬ووسيلة مركز ّية في تنمية ُ‬ ‫مجدّ ًدا في صفوف المواطنين العرب بشكل صريح‪ ،‬إالّ في أوائل السبعين ّيات(‪.((2‬‬

‫الديموغرافي‬ ‫‪ -3‬المحو‬ ‫ّ‬

‫واضحا لجميع التيارات داخل الحركة الصهيون ّية (وتحديدً ا للت ّيار‬ ‫كان‬ ‫ً‬ ‫العمال ّية وقادتها برئاسة بن غوريون)‪ ،‬أن‬ ‫ّ‬ ‫المركزي المتم ّثل في الحركة الصهيون ّية ّ‬ ‫(‪( (2‬‬ ‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬و‬

‫‪Rouhana and Sabbagh-Khoury, «Memory and the Return of History».‬‬ ‫‪Fatma Kassem, Palestinian Women: Narrative Histories and Gendered‬‬ ‫‪Memory (London; New York: Zed Books, 2011).‬‬

‫‪176‬‬


‫إقامة الدولة اليهود ّية تستوجب التخ ّلص من أكبر عدد من السكّان الفلسطين ّيين‪.‬‬ ‫الصهيوني»‪ ،‬مثل مباي في ذلك‬ ‫على الرغم من أن تيارات راديكالية في «اليسار‬ ‫ّ‬ ‫الوقت‪ ،‬لم تتفق مع هذا الرأي على المستوى التصريحي‪ ،‬إال أنها شاركت بشكل‬ ‫فاعل في ممارسات التطهير العرقي(‪ .((2‬لكن‪ ،‬على امتداد المداوالت الشاملة‬ ‫في شأن مستقبل العرب (وما بات ُيعرف بـ «المسألة العربية» في الخطاب‬ ‫الصهيوني حتى عام ‪ ،((2()1948‬وال سيما مسألة ترحيلهم(‪ ،((3‬لم تعتبر مسألة‬ ‫خيارا للتخلص من الفلسطينيين‪ .‬لذا‪ ،‬لم تستخدم الصهيونية‬ ‫التصفية الجسدية‬ ‫ً‬ ‫التصفية الجسدية للتخ ّلص من سكان فلسطين األصليين‪ ،‬كما فعل بعض‬ ‫مشروعات االستعمار االستيطاني األخرى‪ .‬صحيح أن مذابح كثيرة حدثت‬ ‫ضد الفلسطينيين(‪ ،((3‬نوقش بعضها حتّى في الرواية الصهيونية للتاريخ‪ ،‬لكننا‬ ‫نتفق مع المؤرخين الذين يحاولون أن يثبتوا أن هدف الكثير من تلك المذابح‬ ‫لم يكن التصفية الجسدية‪ ،‬بل اإلجالء الجسدي للفلسطينيين من فلسطين(‪.((3‬‬ ‫استخدمت المذابح استراتيج ًيا لترويع الفلسطينيين ودفعهم إلى مغادرة مدنهم‬ ‫وقراهم‪ .‬ويمكن للمرء أن يطلق على تلك العملية االستراتيجية من التخلص‬ ‫الديموغرافي اسم «اإللغاء الديموغرافي» أو «المحو الديموغرافي» لتمييزها‬ ‫من «التصفية الجسدية»‪ .‬ونتفق مع وولف(‪ ((3‬في أن منطق اإللغاء الديموغرافي‪،‬‬ ‫المشابه لحاالت استعمار استيطاني أخرى لكن بأساليب مختلفة‪ ،‬هو جزء ال‬ ‫(‪Areej Sabbagh-Khoury, «Colonization Practices and Interactions at the Frontier: Ha- ((2‬‬ ‫‪Shomer Ha-Tzair Kibbutzim and the Surrounding Arab Villages at the Margins of the Valley of‬‬ ‫‪Jezreel/Marj Ibn 'Amer, 1936-1956,» (Ph. D. Dissertation, Tel-Aviv University, Tel-Aviv, 2015).‬‬

‫(‪ ((2‬انظر ً‬ ‫مثل‪:‬‬

‫‪Yosef Gorny, Zionism and the Arabs, 1882-1948: A Study of Ideology, English‬‬

‫‪Translation by Chaya Galai (Oxford: Clarendon Press; New York: Oxford University Press, 1987).‬‬

‫(‪ ((3‬انظر ً‬ ‫مثل‪ :‬مصالحة‪ ،‬حد أقصى من األرض وحد أدنى من العرب‪ ،‬و‬

‫‪Pappé, The Ethnic‬‬ ‫‪Cleansing.‬‬

‫(‪Saleh Abdel Jawad, «Zionist Massacres: The Creation of the Palestinian Refugee Problem ((3‬‬ ‫‪in the 1948 War,» in: Eyal Benvenisti, Chaim Gans and Sari Hanafi, eds., Israel and the Palestinian‬‬ ‫‪Refugees (Berlin; New York: Springer, 2007).‬‬

‫(‪ ((3‬انظر ً‬ ‫مثل‪Saleh Abdel Jawad: «Zionist Massacres,» and «The Arab and Palestinian :‬‬ ‫‪Narratives of the 1948 War,» in: Robert I. Rotberg, ed., Israeli and Palestinian Narratives of Conflict:‬‬ ‫‪History's Double Helix, Indiana Series in Middle East Studies (Bloomington: Indiana University Press,‬‬ ‫‪2006).‬‬

‫(‪ ((3‬‬

‫‪Wolfe, pp. 387-409.‬‬

‫‪177‬‬


‫يتجزأ من األيديولوجيا الصهيونية‪ ،‬مع أنه تج ّلى بأشكال مختلفة منذ نشوء الحركة‬ ‫الصهيونية‪ .‬ما أن أخليت األراضي التي احتلتها القوات اليهودية من معظم سكانها‬ ‫الفلسطينيين حتى سعت إسرائيل إلى الحفاظ على هذا «اإلنجاز»‪ ،‬وعملت على‬ ‫توطين المهاجرين اليهود في األماكن العائدة إلى الفلسطينيين‪ .‬وشكل قانون‬ ‫العودة وقانون المواطنة م ًعا أسس الحصول على المواطنة في إسرائيل‪ .‬فوف ًقا‬ ‫لقانون العودة لعام ‪ ،1950‬تعتبر الهجرة إلى إسرائيل ح ًقا مطل ًقا لليهود وأفراد‬ ‫عائالتهم‪ .‬وبالتوازي مع قانون العودة وتجنيد المهاجرين اليهود الناشط والشرس‬ ‫أحيانًا (وقبول حتى مهاجرين غير يهود لهم صالت عائلية محددة مع يهود)(‪،((3‬‬ ‫ُمنع الفلسطينيون الذين طردوا‪ ،‬أو أولئك الذين غادروا تحت وطأة الحرب‪ ،‬من‬ ‫العودة إلى بيوتهم أو إلى أي مكان آخر في البالد (باستثناء بضعة آالف شملها‬ ‫«لم الشمل» بشروط صارمة)(‪ .((3‬أما الذين حاولوا العودة عبر اجتياز الحدود‬ ‫ّ‬ ‫بعد وقف إطالق النار فاعتبروا «متسللين»‪ ،‬وقتل كثير من األشخاص الذين‬ ‫حاولوا العودة(‪ .((3‬ضمنت هذه الخطوات‪ ،‬بقوة القانون‪ ،‬استكمال قلب التركيبة‬ ‫الديموغرافية للبالد منذ بدايات فترة الحكم العسكري‪.‬‬ ‫بقيت القيود الديموغراف ّية الكولونيال ّية ‪ -‬االستيطانية على عودة الالجئين‬ ‫أزواجا معينين‬ ‫أخيرا من خالل إقرار قوانين تحرم‬ ‫العرب‬ ‫ً‬ ‫مستمرة‪ ،‬بل تفاقمت ً‬ ‫ّ‬ ‫اإلسرائيلي‬ ‫لمواطنين عرب من الحصول على المواطنة اإلسرائيل ّية‪ .‬وقام الكنيست‬ ‫ّ‬ ‫بس ّن قانون الموا َطنة والدخول إلى إسرائيل (مرسوم مو ّقت ‪ )2003‬الذي فرض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فلسطيني‪/‬ة من مواطني إسرائيل من‬ ‫حظرا على ل ّم شمل العائالت في حالة زواج‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫فلسطيني‪/‬ة من سكّان المناطق الفلسطين ّية التي اح ُت ّلت في عام ‪ ،1967‬ليصبح من‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫قانوني في إسرائيل‪ .‬ومنذ َس ّن‬ ‫المستحيل على هذه العائالت السكن م ًعا على نحو‬ ‫ّ‬ ‫اإلسرائيلي‬ ‫القانون‪ ،‬وعلى الرغم من أن اسمه يشي بطبيعته المو ّقتة‪ ،‬يقوم البرلمان‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ((3‬انظر‪Ian S. Lustick, «Israel as a Non-Arab State: The Political Implications of Mass :‬‬ ‫‪Immigration of Non-Jews,» Middle East Journal, vol. 53, no. 3 (Special Issue on Israel) (Summer‬‬ ‫‪1999).‬‬

‫(‪ ((3‬انظر‪:‬‬

‫‪Don Peretz, Israel and the Palestine Arabs, with a Foreword by Roger Baldwin‬‬ ‫‪(Washington, DC: Middle East Institute, 1958).‬‬

‫(‪Benny Morris, Israel's Border Wars, 1949-1956: Arab Infiltration, Israeli Retaliation, and ((3‬‬ ‫‪the Countdown to the Suez War (Oxford: Clarendon Press; New York: Oxford University Press, 1993).‬‬

‫‪178‬‬


‫اإلسرائيلي‬ ‫القانوني‬ ‫محو ًل إ ّياه إلى مركّب ثابت في اإلطار‬ ‫بتمديد َس َريانه دور ًّيا‪ِّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المتع ّلق بالهجرة(‪.((3‬‬

‫على الرغم من المحو الديموغرافي الكبير الذي جرى‪ ،‬ما زالت إسرائيل‬ ‫مسكونة بالهاجس الكولونيالي االستيطاني نفسه‪ ،‬أي ما ُيعرف في اللغة الصهيونية‬ ‫اإلسرائيلية باسم «الشبح الديموغرافي»‪ ،‬في إشارة إلى زيادة عدد المواطنين‬ ‫أساسا على النمو الطبيعي(‪ .((3‬وعرض الساسة‬ ‫الفلسطينيين‪ ،‬وهي زيادة تقتصر‬ ‫ً‬ ‫أفكارا سياساتية مختلفة للتعامل مع هذا «الشبح»‪،‬‬ ‫اإلسرائيليون على مر األعوام‬ ‫ً‬ ‫عنصرا مشتركًا‪ ،‬هو المزيد من اإللغاء الديموغرافي بوسائل‬ ‫تضمنت كلها‬ ‫ً‬ ‫منوعة(‪.((3‬‬ ‫ّ‬

‫السياسي واستبداد األغلب ّية‬ ‫‪ -4‬قوانين التنظيم‬ ‫ّ‬

‫كي تتمكّن من تطبيق سياساتها الكولونيال ّية االستيطانية‪ ،‬طبقت إسرائيل‬ ‫أنظمة الطوارئ للحيلولة دون قيام المواطنين الفلسطين ّيين بتنظيم أنفسهم على‬ ‫القومي‪ .‬استخدمت هذه األنظمة لمنع التنظيم القومي السياسي‬ ‫السياسي‬ ‫المستوى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪((4‬‬ ‫والجماعي‪ ،‬ولفرض قيود على حقوق المواطنين الفلسطين ّيين وحرياتهم ‪.‬‬ ‫تعرض المواطنون العرب لمحاوالت إسرائيلية حثيثة للتسلط‬ ‫في الوقت ذاته‪ّ ،‬‬ ‫الكولونيالي على عملهم وتنظيمهم الحزبي‪ ،‬إضافة إلى ثقافتهم ووعيهم‪ .‬على‬ ‫خصوصا حزب «مباي» (سلف‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬حاولت األحزاب الرئيسة آنذاك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫(‪((3‬‬

‫‪M. Masri, «Family Reunification Legislation in Israel,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury,‬‬ ‫‪eds., The Palestinians in Israel ([2015]).‬‬

‫(‪Rhoda Ann Kanaaneh, Birthing the Nation: Strategies of Palestinian Women in Israel, ((3‬‬ ‫‪with a Foreword by Hanan Ashrawi, California Series in Public Anthropology; 2 (Berkeley: University‬‬ ‫‪of California Press, 2002).‬‬

‫ً‬ ‫خططا منوعة للحد من عدد المواطنين العرب‪ .‬وطرح‬ ‫(‪ ((3‬درست إسرائيل على مر السنين‬ ‫ً‬ ‫خططا لترويج فكرة تبادل األراضي مع السلطة الفلسطينية‪ ،‬بما فيها‬ ‫سياسيون كثر‪ ،‬في اآلونة األخيرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مثل «تبادل السكان» الذي يتضمن ضم األرض مع المستوطنين اليهود‪ ،‬في مقابل األرض مع المواطنين‬ ‫العرب‪ ،‬انظر‪David Newman, «The Geopolitics of Peacemaking in Israel-Palestine,» Political :‬‬

‫‪Geography, vol. 21, no. 5 (2002), and Chaim Kaufmann, «When All Else Fails: Ethnic Population‬‬ ‫‪Transfers and Partitions in the Twentieth Century,» International Security, vol. 23, no. 2 (Fall 1998).‬‬

‫(‪ ((4‬‬

‫‪Jiryis, The Arabs in Israel.‬‬

‫‪179‬‬


‫حزب العمل)‪ ،‬إقامة قوائم عرب ّية تابعة وخاضعة لها‪ ،‬لجذب األصوات العربية‬ ‫وخدمة َأ ِجنْدة الحزب‪ ،‬لكنّها لم تقبل العرب أعضا ًء نظاميين في الحزب العا ّم(‪.((4‬‬

‫في الوقت ذاته‪ ،‬قامت الدولة بإخراج من ّظمات سياس ّية عرب ّية مستق ّلة إلى‬ ‫خارج القانون‪ ،‬كما يظهر جل ًّيا في تجربة حركة «األرض»‪ ،‬عندما قامت مجموعة‬ ‫من الناشطين العرب المنخرطين في إطار حركة «األرض» بتأسيس «القائمة‬ ‫االشتراك ّية» بغية خوض االنتخابات البرلمان ّية في عام ‪ .1965‬وقبل االنتخابات‪،‬‬ ‫السياسي وسعيها إلى‬ ‫قانوني» بسبب نشاطها‬ ‫«تنظيما غير‬ ‫أعلنت إسرائيل الحركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الفلسطيني ومن األ ّمة العرب ّية‪.‬‬ ‫تنظيم الفلسطين ّيين في إسرائيل كجزء من الشعب‬ ‫ّ‬ ‫المحاولة‬ ‫شكّلت مساعي حركة األرض للمشاركة في االنتخابات اإلسرائيل ّية‬ ‫َ‬ ‫عربي‪ ،‬بخالف‬ ‫الفلسطينية المن ّظمة األولى للمشاركة في االنتخابات كحزب‬ ‫ّ‬ ‫الشيوعي على سبيل المثال)‪ .‬لكن‬ ‫عربي (الحزب‬ ‫يهودي‬ ‫المشاركة كحزب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أحبطت المحكمة العليا اإلسرائيل ّية هذا المسعى‪ ،‬معتمدة على ا ّدعاء «الديمقراط ّية‬ ‫التي تدافع عن نفسها»(‪.((4‬‬

‫بعد إجهاض هذه التجربة‪ ،‬لم تنطلق محاوالت مشابهة لمدّ ة جيل كامل‬ ‫تقري ًبا‪ .‬في عام ‪ ،1984‬سعت القائمة التقدّ م ّية للسالم (وهي قائمة عربية فيها‬ ‫محمد ميعاري (الناشط السابق في حركة‬ ‫بعض المجموعات اليهودية) برئاسة‬ ‫ّ‬ ‫«األرض») إلى المشاركة في االنتخابات‪ .‬لكن لجنة االنتخابات المركز ّية شطبتها‬ ‫وحظرت عليها المشاركة‪ .‬التمست القائمة حكم المحكمة العليا‪ ،‬التي قبلت‬ ‫االلتماس وسمحت لها بالمشاركة في االنتخابات‪ .‬في ضوء ذلك‪َ ،‬س َّن الكنيست‬ ‫الما ّدة (‪7‬أ) من «قانون األساس‪ :‬الكنيست» في عام ‪ ،1985‬التي منحت لجن َة‬ ‫أي قائمة تشمل أهدافها وأفعالها‪ ،‬على ٍ‬ ‫نحو‬ ‫االنتخابات المركز ّية صالحي َة شطب ّ‬ ‫الديمقراطي‪،‬‬ ‫علني أو ضمني‪« ،‬نفي وجود إسرائيل كدولة يهود ّية» أو نفي طابعها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أو التحريض على العنصر ّية‪ .‬جرى تعديل الما ّدة في عام ‪ ،2002‬و ُدمج المركّبان‬ ‫ُص على «نفي وجود إسرائيل كدولة يهود ّية‬ ‫مغيرا لغة القانون لين َّ‬ ‫في مركّب واحد‪ً ،‬‬ ‫عدوة أو من ّظمة‬ ‫وديمقراطية»‪ ،‬وأضيف مركّب دعم الكفاح المس ّلح من دولة ّ‬ ‫(‪((4‬‬

‫(‪ ((4‬‬

‫‪Ian S. Lustick, Arabs in the Jewish State: Israel's Control of a National Minority, Modern‬‬ ‫‪Middle East Series; no. 6 (Austin: University of Texas Press, 1980).‬‬ ‫‪Rouhana, Palestinian Citizens.‬‬

‫‪180‬‬


‫إرهاب ّية(‪ .((4‬يض ّيق هذا البند بشكل جدّ ي حدود المشاركة السياس ّية العرب ّية‪ .‬ومن‬ ‫أمرا غير‬ ‫خالل هذا القانون الذي سنّته األغلب ّية‪ ،‬صار تحدّ ي الهيمنة الصهيون ّية ً‬ ‫مثل على ٍ‬ ‫قانوني‪ ،‬كالمطا َلبة ً‬ ‫نحو صريح (أو ضمن ًّيا بحسب لغة القانون) ّأل تكون‬ ‫اليهودي وإنّما دولة مواطنيها‪ ،‬أو دولة تم ّثل مجموعتين‬ ‫إسرائيل دولة الشعب‬ ‫ّ‬ ‫ثنائي القوم ّية‪ .‬وهكذا‪ ،‬ضمنت األغلب ّية‬ ‫قوم ّيتين (عرب ّية ويهود ّية) ضمن نظام‬ ‫ّ‬ ‫الصهيون ّية اليهود ّية أن األهداف الصهيون ّية التي ُوضعت ُأ ُسسها خالل الحكم‬ ‫العسكري‪ ،‬مثبتة ومستمرة وإن بأشكال مختلفة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫السياسي القاعد َة‬ ‫يم ّثل الدمج بين القوانين الديموغراف ّية وقوانين التنظيم‬ ‫ّ‬ ‫البنيو ّية لمواصلة استبداد األغلب ّية‪ .‬فمن جهة‪ ،‬يتم ضمان وجود أغلب ّية يهود ّية‬ ‫داخل إسرائيل في المستقبل المنظور بفضل القوانين الديموغراف ّية القائمة (وقانون‬ ‫الموا َطنة في األساس)‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تكفل هذه األغلب ّية‪ ،‬بالقوانين‪ ،‬امتيازاتها‬ ‫الكولونيال ّية(‪ ،((4‬وتضمن أن يشكّل أي تحدّ لمصادر هذه االمتيازات وجذورها‬ ‫اليهودي ال دولة ّ‬ ‫كل مواطنيها) مخا َلفة‬ ‫(المتم ّثلة في أن إسرائيل هي دولة الشعب‬ ‫ّ‬ ‫للقانون‪ .‬في الوقت ذاته‪ُ ،‬غرست منظومة من الخوف في صفوف المواطنين‬ ‫الفلسطين ّيين كان لها تأثير في الخطاب والتنظيم السياس َّي ْين لسنوات طويلة(‪.((4‬‬ ‫الم ْحكَمة للمحافظة على السيطرة‬ ‫وجرى تصميم وتطبيق منظومة ذك ّية من المراقبة ُ‬ ‫ّ‬ ‫وتتكشف تبا ًعا تفصيالت عملية تجنيد أفراد المجتمع‬ ‫الكولونيال ّية التا ّمة(‪.((4‬‬ ‫ليتجسس بعضهم على بعض‪ ،‬في مقابل حصولهم على حقوق أساسية(‪.((4‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ((4‬‬

‫‪Masri, «Family Reunification Legislation in Israel».‬‬

‫(‪Nadim N. Rouhana and Areej Sabbagh-Khoury, «Dominance, Tolerance Space and ((4‬‬ ‫‪the Privileged Situation,» in: Hanna Herzog and Kinneret Lahad, eds., Knowledge and Silence: On‬‬ ‫;‪Mechanisms of Denial and Repression in Israeli Society (Jerusalem: Van Leer Jerusalem Institute‬‬ ‫‪Hakibbutz Hameuchad Publishing House, 2004) (Hebrew).‬‬ ‫(‪Areej Sabbagh-Khoury, «Palestinian Predicaments: Jewish Immigration and Refugee ((4‬‬ ‫‪Repatriation,» in: Rhoda Ann Kanaaneh and Isis Nusair, eds., Displaced at Home: Ethnicity and‬‬ ‫‪Gender among Palestinians in Israel (Albany, NY: State University of New York Press, 2010).‬‬

‫(‪((4‬‬ ‫(‪((4‬‬

‫‪Nadera Shalhoub-Kevorkian, «Settler Colonialism, Surveillance, and Fear,» in: Rouhana,‬‬ ‫‪Israel and its Palestinian Citizens.‬‬ ‫‪Hillel Cohen, Army of Shadows: Palestinian collaboration with Zionism, 1917-1948,‬‬ ‫‪Translated by Haim Watzman (Berkeley: University of California Press, 2008).‬‬

‫‪181‬‬


‫ثان ًيا‪ :‬أنموذج المساواة وبذور تحدي الدولة اليهودية‬

‫مع إلغاء الحكم العسكري في عام ‪ ،1966‬تمكّن المواطنون الفلسطينيون‬ ‫تجولوا في وطنهم‪،‬‬ ‫من التنقل من دون الحاجة إلى تصريح عسكري‪ .‬لكن عندما ّ‬ ‫فتحول‬ ‫وجدوا فضا ًء «جديدً ا» قد تبدّ ل ليضم أغلبية من اليهود وأقلية من العرب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المشهد الجغرافي بفعل تدمير معظم القرى الفلسطينية وتهويد المدن الفلسطينية‬ ‫في آن‪.‬‬ ‫فرصا جديدة للعمل والتعليم وإعادة‬ ‫أوجدت احتماالت التحرك بحرية ً‬ ‫وتحول نظام السيطرة المباشرة‪ ،‬بموجب النظام العسكري‪،‬‬ ‫التنظيم السياسي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪((4‬‬ ‫بالتدريج إلى نظام تحكّم جديد وغير مباشر ‪ .‬وأ ّثر اإلخضاع الكولونيالي‪،‬‬ ‫مصحو ًبا بالخوف الذي غرسه‪ ،‬عمي ًقا في الخطاب السياسي وفي التنظيم السياسي‬ ‫والثقافي(‪ .((4‬وفيما كان الفلسطينيون يتك ّيفون مع الحقائق الجديدة‪ ،‬اندلعت‬ ‫حرب حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬وانتهت باحتالل إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية‪،‬‬ ‫بما فيها القدس الشرقية‪ ،‬إضافة إلى سيناء المصرية وهضبة الجوالن السورية‪،‬‬ ‫واضع َة بذلك كامل فلسطين تحت سيطرتها‪ ،‬وجاعل َة االتصال بين الفلسطينيين‪،‬‬ ‫تم هذه المرة تحت‬ ‫في جميع أنحاء فلسطين‪ ،‬ممكنًا أول مرة منذ جيل كامل‪ ،‬وإن ّ‬ ‫السيطرة الصهيونية‪.‬‬

‫بدت آثار احتالل إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في عام ‪ 1967‬متناقضة‬ ‫في الظاهر‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬م ّك َن هذا االحتالل تجديد االتصاالت بين الفلسطينيين‬ ‫المعزولين في إسرائيل والفلسطينيين اآلخرين‪ ،‬وساهم في بعث القومية والتاريخ‬ ‫الفلسطينيين من سباتهما‪ ،‬وأنعشهما بين الفلسطينيين في إسرائيل بعد ‪ 19‬عا ًما‬ ‫من العزلة عن الشعب الفلسطيني والعالم العربي‪ ،‬وأنهى العزلة المحكمة عن‬ ‫موفرا نافذة ‪ -‬وإن كانت ضيقة ‪ -‬على العالم‬ ‫المجتمع العربي داخل إسرائيل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫العربي عبر الضفة الغربية وقطاع غزة‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬أبرز هذا االحتالل‬ ‫(‪((4‬‬

‫‪Yair Bäuml, «Military Government and the Process of Its Abolishment, 1958-1968,» New‬‬ ‫‪East, no. 3 (2002) (Hebrew).‬‬

‫(‪Areej Sabbagh-Khoury: «Palestinian Predicaments,» and «Between the Right of Return ((4‬‬ ‫‪and the ‘Law of Return’: Contemplation on Palestinian Discourse in Israel,» (Master’s Thesis, Tel-Aviv‬‬ ‫‪University, Tel Aviv, 2006).‬‬

‫‪182‬‬


‫الحقوق التي حصل عليها الفلسطينيون كمواطنين في إسرائيل‪ ،‬مقارنة مع غياب‬ ‫صارخ لحقوق أساس ّية للفلسطينيين في األراضي الفلسطينية المحتلة في عام‬ ‫‪ .1967‬وأكدّ ت القيادة العربية السياسية المهيمنة داخل إسرائيل‪ ،‬بقيادة الحزب‬ ‫الشيوعي اإلسرائيلي‪ ،‬المكانة السياسية الخاصة للفلسطينيين في اسرائيل‪ ،‬مقارنة‬ ‫مع الفلسطينيين تحت االحتالل‪ ،‬كما أكدت فرادة الفلسطينيين في إسرائيل‬ ‫بصفتهم «مواطنين»‪.‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬هيمن «أنموذج المساواة» الذي قاده الحزب الشيوعي‬ ‫اإلسرائيلي على الخطاب السياسي بين سبعينيات القرن المنصرم وبدايات‬ ‫تسعينياته‪ .‬تجاوب أنموذج المساواة مع تحقيق المواطنة للفلسطينيين في إسرائيل‪،‬‬ ‫والمتحررين من الحكم العسكري‪ ،‬ومع مطلب إنهاء االحتالل وإقامة دولة‬ ‫للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وإبراز المكانة المتباينة للمجتمعين‬ ‫الفلسطينيين‪ .‬وسيطر شعار «المساواة وال أقل من المساواة» على الخطاب‬ ‫السياسي السائد في ما يتعلق بالمواطنين الفلسطينيين‪.‬‬ ‫شدّ د أنموذج المساواة‪ ،‬بقيادة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪ ،‬على التمييز‬ ‫في توزيع الموارد في مجاالت مثل التعليم وموازنات الحكم المحلي الحكومية‬ ‫ً‬ ‫فضل عن حقوق اإلنسان‪ .‬وكانت‬ ‫والخدمات الحكومية والفرص االقتصادية‪،‬‬ ‫إحدى القضايا الرئيسة التي ظهرت في هذا اإلطار الزمني مصادرة األراضي‬ ‫العربية‪ ،‬وهي عملية تسارعت في عهد الحكم العسكري‪ ،‬واستمرت حتى في‬ ‫سبعينيات القرن الماضي‪ .‬وانطال ًقا من أسباب تاريخية‪ ،‬شكّل الحزب الشيوعي‬ ‫اإلسرائيلي القوة السياسية المهيمنة بين السكان العرب(‪ ،((5‬كونه الحزب السياسي‬

‫(‪ ((5‬كما ذكر آن ًفا‪ ،‬لم تسمح إسرائيل بظهور األحزاب العربية القومية أو المنظمات السياسية‬ ‫(أو حتى المنظمات الثقافية) خالل فترة الحكم العسكري وفي ما بعد بكثير‪ .‬سمح للحزب الشيوعي‬ ‫عربيا ‪ -‬يهود ًيا مع هيمنة يهودية‪ ،‬ووافق على خطة األمم‬ ‫اإلسرائيلي بالعمل ألسباب متعددة‪ :‬كان حز ًبا ً‬ ‫المتحدة للتقسيم‪ ،‬ودعم إنشاء دولة يهودية في فلسطين وفقًا لتلك الخطة‪ ،‬كما أبقى القنوات مفتوحة‬ ‫مع االتحاد السوفياتي الذي دعم خطة التقسيم‪ .‬مع ذلك‪ ،‬اعتبر الحزب (وما زال) خارج اإلجماع‬ ‫اإلسرائيلي‪ - ‬الصهيوني‪ ،‬وبناء عليه بقي تحت أنظار جهاز الدولة‪ .‬لنقاش تفصيلي عن العالقة بين‬ ‫الحزب الشيوعي اإلسرائيلي والدولة اإلسرائيلية‪ ،‬انظر‪Elie Rekhess, The Arab Minority in Israel: :‬‬ ‫)‪Between Communism and Arab Nationalism, 1965-1991 (Tel Aviv: University of Tel Aviv, 1993‬‬ ‫‪(Hebrew).‬‬

‫‪183‬‬


‫غير الصهيوني الوحيد بقيادة فلسطينية مميزة (إلى جانب القيادة اليهودية)‪ ،‬وكونه‬ ‫الحزب الذي سمحت إسرائيل بتنظيمه بين المواطنين العرب‪ ،‬فأصبح ملجأ لكثير‬ ‫من العرب الذين عارضوا إسرائيل وسياساتها‪ ،‬من دون أن يكونوا‪ ،‬بالضرورة‪،‬‬ ‫من أتباع أيديولوجيا الحزب‪ ،‬بل اختلفوا معه في قضايا مركزية مثل تأكيد الحزب‬ ‫أهمية الصراع الطبقي في الحالة اإلسرائيلية ‪ -‬الفلسطينية‪ ،‬وقبوله قرار تقسيم‬ ‫فلسطين الصادر عن األمم المتحدة‪ .‬إلى ذلك‪ُ ،‬أسست في عام ‪ 1977‬الجبهة‬ ‫الديمقراطية للسالم والمساواة‪ ،‬وهي تحالف ضم جماعات عربية وقادة مجتمع‬ ‫بارزين وجماعات يسارية يهودية‪ ،‬وكان الحزب الشيوعي اإلسرائيلي العمود‬ ‫الفقري لهذه الجبهة(‪.((5‬‬ ‫ركزت الجبهة على مسألتين محوريتين‪ً :‬‬ ‫أول‪ ،‬السالم مع الفلسطينيين في‬ ‫إطار حل الدولتين في حدود عام ‪ ،1967‬لتصبح أحد أول األحزاب السياسية‬ ‫في الشرق األوسط بأسره التي ترفع شعار «دولتين لشعبين» (موقف التزم وجهة‬ ‫نظر االتحاد السوفياتي الواضحة في هذه المسألة)؛ وثان ًيا‪ ،‬المساواة للمواطنين‬ ‫الفلسطينيين في إسرائيل‪ .‬وأصبحت المسألتان ألعوام المكونات المحورية‬ ‫لتوافق سياسي واسع داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل‪.‬‬

‫تمسك الخطاب السائد بين الفلسطينيين‪ ،‬بقيادة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪،‬‬ ‫وفي ما بعد الجبهة الديمقراطية للسالم والمساواة‪ ،‬بأنموذج المساواة من دون‬ ‫االعتراض على اإلطار السياسي القائم‪ ،‬أي من دون االعتراض على مفهوم‬ ‫الدولة اليهودية‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم يشرح هذا األنموذج آثار المساواة في هوية الدولة‬ ‫وهيكليتها‪ ،‬وطرائق اندماج الجماعة العربية في هذه الهيكلية‪ .‬كان هذا ممكنًا نتيجة‬ ‫أساسا على المعنى المحدود للمواطنة‪ ،‬أي المتعلق بتوزيع الموارد وحقوق‬ ‫التركيز ً‬ ‫اإلنسان‪ .‬وكان ذلك يعني‪ ،‬في الواقع‪ ،‬مقاربة مستقبلية تقوم على قبول خطة األمم‬ ‫توسعت‬ ‫المتحدة للتقسيم‪ ،‬وتأكيد السعي إلى المساواة في إطار الدولة اليهودية التي ّ‬ ‫أوسع بكثير من تلك الخطة‪ .‬لكن الدولة نفسها لم تعترف بالفلسطينيين جز ًءا من‬ ‫مشروعها الخاص‪ ،‬واستبعدتهم على الرغم من أنهم مواطنين من الجماعة التي‬ ‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪،‬‬

‫و »‪Audi Adiv, «Israel’s Communist Party: At the Crossroads, 1948-2012,‬‬ ‫‪in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2015).‬‬

‫‪184‬‬


‫تنضوي ضمن الـ «نحن» التي سعت الدولة إلى أن تشملها(‪ ،((5‬وبقيت تحرمهم من‬ ‫مواردهم ذاتها‪ ،‬وأبرزها األرض‪ .‬لذلك‪ ،‬لم يستطع النضال من أجل المساواة في‬ ‫يطور تحد ًيا للمشروع االستعماري المدمر الذي حاول‬ ‫إطار أنموذج المساواة أن ّ‬ ‫السيطرة على أكبر قدر ممكن من األرض‪ .‬وفي عملية مقاومة السكان الفلسطينيين‬ ‫رمزا للصراع‪ُ ،‬‬ ‫وشحنت‬ ‫األصليين‪ ،‬أصبحت األرض ‪ -‬في عيون‬ ‫المستعمرين ‪ً -‬‬ ‫َ‬ ‫بدالالت عاطفية إضافية‪.‬‬

‫جاء اإلضراب الوطني في يوم األرض في ‪ 30‬آذار‪/‬مارس ‪ 1976‬في إطار‬ ‫ردة الفعل على العملية الكولونيالية لالستيالء على األراضي(‪ .((5‬دعت اللجنة‬ ‫القطرية للدفاع عن األراضي العربية‪ ،‬أول منظمة تدعي تمثيل المجتمع الفلسطيني‬ ‫في إسرائيل‪ ،‬إلى إضراب وطني في رد على استمرار مصادرة األراضي الفلسطينية‬ ‫وخطط «تهويد الجليل» الجديدة‪ّ .‬‬ ‫مثل إضراب يوم األرض أول عمل جماعي‬ ‫يؤديه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل‪ .‬ونتيجة لإلضراب والتظاهرات‬ ‫المحلية المختلفة‪ ،‬وتدخل قوات الجيش والشرطة‪ ،‬سقط خمسة رجال وامرأة‬ ‫من الفلسطينيين‪ ،‬وأصيب عدد بجراح‪ ،‬وجرى اعتقال المئات‪ .‬منذ ذلك الحين‪،‬‬ ‫تحولت ذكرى يوم األرض يو ًما وطن ًيا تخلده مرك ّبات الشعب الفلسطيني كلها‪،‬‬ ‫جسدت حوادث يوم األرض‬ ‫من موجودين على أرضهم أو منفيين خارجها‪ .‬كما ّ‬ ‫الصراع المتواصل بين دولة تمثل مشرو ًعا كولونيال ًيا استيطان ًيا والسكان األصليين‬ ‫على األرض‪ .‬لكن‪ ،‬وكما هو الحال مع الصراعات األخرى‪ ،‬تم حجب الطبيعة‬ ‫الكولونيالية االستيطانية للصراع في سياق خطاب المساواة الذي اكتسب مصداقية‬ ‫تم‬ ‫بفضل المواطنة التي منحتها إسرائيل للعرب في عام ‪ .1948‬وبنا ًء عليه‪ ،‬ما ّ‬ ‫تأطير اإلضراب في سياق صراع ضد الكولونيالية االستيطانية‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬في مداوالت بالغة األهمية للفصل ‪7-‬أ من القانون األساسي‪ :‬الكنيست‪ ،‬درس الكنيست‬ ‫اإلسرائيلي االحتماالت المختلفة لما يجب أن تكون عليه إسرائيل‪ :‬دولة للشعب اليهودي (في إسرائيل‬ ‫وخارجها)‪ ،‬أو دولة لمواطنيها‪ ،‬أو دولة للشعب اليهودي ومواطنيها‪ .‬وصوت بأغلبية ساحقة لتكون‬ ‫دولة الشعب اليهودي‪ .‬انظر روحانا لمناقشة نقاش الكنيست وقراره‪ ،‬وآثاره في الفلسطينيين‪Rouhana, :‬‬ ‫‪Palestinian Citizens.‬‬

‫(‪ ((5‬نبيه بشير‪ ،‬حول تهويد المكان‪ :‬المجلس اإلقليمي مسغاف في الجليل (دراسة أولية لحالة)‬ ‫(حيفا‪ :‬مدى الكرمل ‪ -‬المركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية‪ ،)2004 ،‬و ‪Khalil Nakhleh,‬‬ ‫‪«Yawm al-Ard (Land Day),» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2011).‬‬

‫‪185‬‬


‫حدّ د أنموذج المساواة خطاب المواطنين الفلسطينيين المهيمن ونضالهم‬ ‫من أجل المساواة في المجاالت المختلفة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬كانت قضايا المساواة في‬ ‫الموارد المخصصة للتعليم (األقل ارتبا ًطا بمسألة الحق في تحديد السياسات‬ ‫التعليمية للمجموعة)‪ ،‬والعمالة‪ ،‬وميزانيات السلطات المحلية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬مركزية‬ ‫بالنسبة إلى هذا األنموذج‪ .‬كما شاعت مظاهر مكافحة التمييز في مجاالت الحياة‬ ‫المختلفة‪ .‬في بدايات الثمانين ّيات‪ ،‬قامت لجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير‬ ‫العرب ّية في إسرائيل (التي تتشكل من رؤساء البلديات العرب‪ ،‬وأعضاء الكنيست‬ ‫العرب‪ ،‬وأمناء ورؤساء األحزاب السياسية‪ ،‬وبعض قادة المنظمات غير الحكومية)‬ ‫بتأسيس لجان فرعية للصحة والتعليم والرفاه االجتماعي‪ ،‬بهدف التحقيق في أوجه‬ ‫عدم المساواة‪ ،‬وتوفير المعلومات لجماعات المناصرة(‪ .((5‬في ‪ 24‬حزيران‪/‬‬ ‫احتجاجا على التمييز‬ ‫يونيو ‪ ،1987‬أعلن عن «يوم المساواة» يوم إضراب وطني‬ ‫ً‬ ‫ودعو ًة إلى المساواة‪ .‬استمر هذا النهج حتى بعد ظهور تحدي هذا األنموذج في‬ ‫التسعين ّيات‪ .‬وبنا ًء عليه‪ُ ،‬أسس عدد من المنظمات غير الحكومية الناشطة والساعية‬ ‫إلى تحقيق المساواة‪ ،‬أبرزها «مركز مساواة» أو المركز لحقوق المواطنين العرب‬ ‫في إسرائيل الذي يدافع عن المساواة في المجاالت المختلفة‪ ،‬و«مركز عدالة»‬ ‫أو المركز القانوني لحقوق األقلية العربية في إسرائيل الذي يستخدم الوسائل‬ ‫واألدوات القانونية في عمله من أجل النهوض بالحقوق المتساوية‪ .‬صارت‬ ‫ً‬ ‫تمويل (من المانحين الدوليين)‪،‬‬ ‫هاتان المنظمتان من المنظمات األكثر واألفضل‬ ‫واألكثر نشا ًطا بين المنظمات غير الحكومية العاملة في المجتمع العربي‪ .‬وركّزت‬ ‫منظمة «سيكوي» (كلمة عبرية تعني فرصة) غير الحكوم ّية أخرى (جمعية عربية‬ ‫يهودية غير حكومية تمولها صناديق تابعة لعائالت يهود ّية أميرك ّية) على بيان‬ ‫فتقصي جذور‬ ‫مظاهر التمييز من دون أي طعن في أسسه األيديولوجية والبنيوية‪ّ ،‬‬ ‫هذا التمييز يقود إلى فحص المنطلقات واألسس الكولونيالية االستيطانية التي‬ ‫تشكلت بحسبها مواطنة الفلسطينيين كمواطنة كولونيالية‪.‬‬ ‫في الوقت نفسه الذي سيطر فيه أنموذج المساواة على الخطاب السياسي‪،‬‬ ‫توجهات السياسة العرب ّية الداخل ّية ما بعد اتفاق أوسلو حتى أواسط‬ ‫وحدّ د ّ‬ ‫(‪((5‬‬

‫»‪Muhammad Amara, «The Higher Follow-Up Committee for the Arab Citizens in Israel,‬‬ ‫‪in: Rouhana and Sabbagh-Khoury, eds., The Palestinians in Israel (2011).‬‬

‫‪186‬‬


‫تعرض هذا الخطاب النتقادات سياسية مختلفة في المجتمع العربي‬ ‫التسعين ّيات‪ّ ،‬‬ ‫في إسرائيل‪ ،‬على أساس محدوديته‪ً .‬‬ ‫أول‪ ،‬اد ّعى كثيرون أن الحزب الشيوعي‬ ‫اإلسرائيلي أكّد إلغاءه البعد القومي في الصراع بين الصهيونية والحركة الوطنية‬ ‫الفلسطينية لمصلحة الصراع الطبقي‪ .‬وعلى الرغم من أن الحزب حارب التمييز‬ ‫صب الكثير من االهتمام على مصالح الطبقة العاملة‬ ‫القائم على أساس قومي‪ ،‬فإنه ّ‬ ‫من اليهود والعرب‪ ،‬وعلى النضال من أجل المساواة الطبقية‪ .‬في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫المكون‬ ‫شدّ دت القوى القومية ‪ -‬التي ظهرت في البداية كجمعيات محلية ‪ -‬على‬ ‫ّ‬ ‫القومي واالمتيازات التي يحظى بها اليهود بغض النظر عن مكانتهم الطبقية في بنية‬ ‫الدولة اليهودية‪ .‬ودارت هذه الفكرة حول نشاط بعض هذه الجمعيات‪ ،‬وإن لم‬ ‫تكن جلية أحيانًا‪ ،‬فتبين أنه مستحيل تحقيق المساواة داخل الدولة اليهودية‪ .‬كما‬ ‫بدأ بعض األكاديميين تسليط الضوء على التناقض بين فكرة الدولة اليهودية ومبدأ‬ ‫المساواة‪.‬‬

‫المهم الذي أنجز ضمن أنموذج المساواة‬ ‫ثان ًيا‪ ،‬على الرغم من العمل السياسي ّ‬ ‫محصورا بقيود‬ ‫على المستويين العيني والكلي )‪ ،(Micro and Macro‬كان نطاق العمل‬ ‫ً‬ ‫أيديولوجية للقوة المركزية في هذا األنموذج ‪ -‬الحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪- ‬‬ ‫وتحديدً ا من خالل نهجه الناظر إلى األمام في تشديده على مكافحة التمييز على‬ ‫حساب التعامل مع توجه العدل التاريخي الذي يشدد على العدل التعويضي‪،‬‬ ‫القوة التي تو ّلد أو تنتج عدم المساواة‪ .‬تركز النضال ضد‬ ‫ويلقي الضوء على ُبنى ّ‬ ‫مصادرة األراضي‪ ،‬في معظمه‪ ،‬على وقف المزيد من مصادرة األراضي‪ ،‬أو النضال‬ ‫ضد خطط جديدة لمصادرة ٍ‬ ‫مزيد من األراضي‪ً ،‬‬ ‫بدل من النضال من أجل استعادة‬ ‫األراضي المصادرة في نطاق توجه العدالة التعويضية التي تستحضر إلى الواجهة‬ ‫وتؤسس لعالقة جديدة تستبدل العالقة بين إسرائيل‬ ‫التاريخ والغبن التاريخي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والفلسطينيين باعتبارها نظا ًما كولونيال ًّيا استيطان ًّيا‪ .‬ثال ًثا‪ ،‬يركز أنموذج المساواة‬ ‫تهم‬ ‫على الموارد والخدمات والفرص‪ ،‬ويبقى بعيدً ا عن القضايا األساس التي ّ‬ ‫السكان العرب‪ ،‬والتي تنطلق من جوهر عالقتهم بإسرائيل كمشروع كولونيالي‬ ‫استيطاني‪ ،‬كاالمتيازات الممنوحة لليهود‪ ،‬والمواطنين وغير المواطنين في مقابل‬ ‫المواطنين العرب‪ ،‬وبنى الدولة وهويتها‪ ،‬وشرعية إسرائيل كدولة يهودية‪ ،‬وحقوق‬ ‫الفلسطينيين المقتلعين في العودة‪.‬‬ ‫‪187‬‬


‫واجه هذا األنموذج تحديات سياسية على جبهات مختلفة‪ :‬األولى‪ ،‬تم عرض‬ ‫إطار مفاهيمي مختلف لفهم الصراع بين الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية‬ ‫من حركة «أبناء البلد» التي عقدت مؤتمرها الوطني األول في عام (‪.1972((5‬‬ ‫رأت هذه الحركة في نفسها امتدا ًدا للحركة الوطنية الفلسطينية في المنفى‪ ،‬ولم‬ ‫تعترف بشرعية قرار األمم المتحدة لتقسيم فلسطين‪ ،‬أو بشرعية الدولة اليهودية‪.‬‬ ‫واعتبرت حركة «أبناء البلد» الصهيونية حركة كولونيالية استيطانية‪ ،‬وتبنّت الخطة‬ ‫السياسية التي عرضتها في األصل منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬من أجل حل الصراع‬ ‫اإلسرائيلي الفلسطيني من طريق إقامة دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين كلها‪،‬‬ ‫تضمن المساواة الكاملة بين المسيحيين واليهود والمسلمين‪ .‬وخال ًفا للحزب‬ ‫الشيوعي الذي اعتُبر حز ًبا سياس ًّيا إسرائيل ًّيا‪ ،‬والذي َقبِل قواعد الدولة اليهودية‬ ‫وشرعيتها‪ ،‬أكدت حركة «أبناء البلد» الجوانب الكولونيالية االستيطانية التاريخية‬ ‫للعالقة بين إسرائيل والفلسطينيين‪ ،‬واجتذبت تأييدً ا من النخب والطالب العرب‬ ‫في الجامعات اإلسرائيلية‪ ،‬لكنها أخفقت في تحقيق دعم شعبي واسع‪ ،‬وبقي أثرها‬ ‫الرئيس في ترويجها األفكار والخطاب السياسي في الحيز العربي العام‪ ،‬بينما‬ ‫لم تنعكس قوتها في الفاعلية السياسية‪ .‬إلى ذلك‪ ،‬كانت الحركة قوية بما يكفي‬ ‫الستفزاز أتباع أنموذج المساواة في أوقات زمنية مختلفة‪ ،‬ما تسبب بالمالحقة‬ ‫واالضطهاد من جهاز أمن الدولة‪ .‬كما تمثل التأثير الرئيس للحركة في تحدي‬ ‫اإلطار السياسي المهيمن الذي قاده الحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪ ،‬إذ ذكّرت‬ ‫المجتمع والنخب السياسية الفلسطينية باستمرار بالقضايا الجوهرية التي تقع في‬ ‫لب الصراع اإلسرائيلي ‪ -‬الفلسطيني‪ .‬في التسيعن ّيات‪ ،‬انضمت أجزاء من هذه‬ ‫الحركة إلى حزب سياسي جديد تنافس على القيادة السياسية للمواطنين العرب‪،‬‬ ‫في حين رفض آخرون االعتراف بشرعية الدولة الم ّبطن بحسب رأيهم‪ ،‬واستمروا‬ ‫في مقاطعة االنتخابات البرلمانية‪.‬‬

‫ازداد التحدي ألنموذج المساواة منذ منتصف الثمانين ّيات‪ .‬في عام ‪،1982‬‬ ‫ظهرت الحركة التقدمية للسالم على الساحة السياسية(‪ ،((5‬وفشلت محاوالت‬ ‫(‪((5‬‬

‫‪A. Haidar, «The Nationalist Progressive Movement,» in: Rouhana and Sabbagh-Khoury,‬‬ ‫‪eds., The Palestinians in Israel ([2015]).‬‬

‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪188‬‬


‫جهات إسرائيلية بإخراجها خارج القانون‪ ،‬إذ قضت المحكمة العليا بقانونية‬ ‫القائمة التقدمية للسالم‪ ،‬وبإمكانها خوض انتخابات الكنيست‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫الحملة الشرسة التي شنها الحزب الشيوعي اإلسرائيلي للتشكيك في مصداقية‬ ‫الحزب الجديد‪ ،‬نجح هذا الحزب في كسر طوق هيمنة الحزب الشيوعي على‬ ‫الحقل السياسي الفلسطيني في إسرائيل‪ .‬تميزت القائمة التقدمية للسالم بتأكيدها‬ ‫عروبة الهوية الوطنية الفلسطينية في إسرائيل‪ ،‬ومنظورها القومي للصراع (في‬ ‫مقابل المنظور الطبقي للجبهة الديمقراطية للسالم والمساواة)‪ .‬على الرغم من‬ ‫عملها ضمن حدود المواطنة اإلسرائيلية‪ ،‬فإنها شدّ دت على االنتماء الفلسطيني‬ ‫للمواطنين العرب‪ ،‬مقللة من شأن كونهم مواطنين إسرائيليين‪ ،‬ومعلنة بوضوح أن‬ ‫والءها األول هو للقضية الفلسطينية(‪ .((5‬لذلك‪ ،‬اعتبرت القائمة الخصم األقوى‬ ‫للحزب الشيوعي اإلسرائيلي وألنموذج المساواة الذي قاده هذا الحزب‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن هذه الحركة لم تستد ِع اإلطار الكولونيالي االستيطاني‪ ،‬فإنها كانت‬ ‫تكونت القائمة التقدمية للسالم من منظمات‬ ‫أكثر تواف ًقا مع هذا اإلطار المفاهيمي‪ّ .‬‬ ‫قومية عربية محلية انضم إليها أفراد من الجناح اليساري اليهودي‪ ،‬واحتفظت‬ ‫بمقاعد في الكنيست بين عامي ‪ 1984‬و‪ ،1992‬عندما فشلت في الحصول على‬ ‫الدعم الكافي للحصول على مقعد في الكنيست(‪.((5‬‬ ‫في الفترة نفسها‪ ،‬أي منذ الثمانين ّيات فصاعدً ا‪ ،‬اكتسبت الحركة اإلسالمية‬ ‫تأييدً ا متزايدً ا داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل(‪ ،((5‬وباتت الع ًبا سياس ًيا‬ ‫ظاهرا داخل المجتمع العربي بشق ّيها‪ ،‬الجنوبي الذي يشارك في االنتخابات‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫وركزت الحركة على تعزيز مجتمع مكتف ذات ًيا‬ ‫البرلمانية والشمالي الذي يقاطعها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫(«المجتمع العصامي» كما يسميه ّ‬ ‫الشق الشمالي من الحركة) وتوفير الخدمات‬ ‫المحلية‪ ،‬ودعم الحاجات اإلنسانية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة‪،‬‬ ‫وتوفير الخدمات لألماكن اإلسالمية المقدسة‪ .‬بالنسبة إلى هذه الحركة‪ ،‬كانت‬ ‫(‪ ((5‬‬ ‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬و‬

‫‪Rouhana, Palestinian Citizens.‬‬ ‫‪Ilan Pappé, The Forgotten Palestinians: A History of the Palestinians in‬‬ ‫‪Israel (New Haven, Conn.: Yale University Press, 2011).‬‬

‫(‪Issam Aburaiya, «The 1996 Split of the Islamic Movement in Israel: Between the Holy ((5‬‬ ‫‪Text and Israeli-Palestinian Context,» International Journal of Politics, Culture, and Society, vol. 17,‬‬ ‫‪no. 3 (March 2004), pp. 439-455.‬‬

‫‪189‬‬


‫مسألة المساواة مجرد اهتمام براغماتي‪ ،‬ألن هدف الحركة ‪ -‬أيديولوج ًيا ‪ -‬إقامة‬ ‫دولة إسالمية في فلسطين‪.‬‬

‫خالصة القول‪ ،‬سعت القوى السياسية المهيمنة على المواطنين الفلسطينيين‬ ‫إلى تحقيق المساواة الكاملة لهؤالء المواطنين من دون تحدي البنية الصهيونية‬ ‫للدولة‪ .‬وفشلت هذه القوى في الحصول على التزام لفظي من الدولة لمثل هذا‬ ‫الهدف‪ .‬أكدت حالة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪ ،‬وفشله في إنجاز المساواة في‬ ‫إطار الدولة الصهيونية كما سعى إليها‪ ،‬في ضوء تزايد تركيز الدولة على هويتها‬ ‫اليهودية‪ ،‬جوهر الكولونيالية االستيطانية للدولة اإلسرائيلية لكثير من الفلسطينيين‪،‬‬ ‫بشكل غير مقصود‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬دولة لجميع مواطنيها والحقوق الجماع ّية‬

‫ال ندّ عي وجود تطور خ ّطي من أحد أنماط الموقف السياسي الجماعي إلى‬ ‫نمط آخر‪ .‬بل على العكس‪ ،‬حصلت تطورات تدريجية ألنماط جديدة احتلت‬ ‫مركز الصدارة‪ ،‬وتنافست مع األنماط أو النماذج الموجودة‪ .‬وفي العادة‪ ،‬تتزامن‬ ‫األنماط الجديدة مع تطورات تاريخية كبرى‪ ،‬تحفز على طرائق تفكير جديدة‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬جاء اتفاق أوسلو في عام ‪ 1993‬بما تبين أنه أمل كاذب بأن حل الدولتين‬ ‫للصراع يمكن أن يتحقق‪.‬‬

‫كان لألعوام القليلة األولى بعد أوسلو آثار كبيرة‪ ،‬ومتناقضة أحيانًا‪ ،‬في‬ ‫الفكر والتنظيم السياسيين للمواطنين الفلسطينيين‪ .‬وكان من نتائج هذا االتفاق‬ ‫المباشرة أن حظي أنموذج المساواة بمصادقة كبيرة على السالم مع الفلسطينيين‬ ‫وقيادتهم الشرعية‪ ،‬منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬والمساواة للمواطنين الفلسطينيين‬ ‫في إسرائيل‪ .‬و ّفر اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬واكتساب إطار‬ ‫كبيرا ألنموذج المساواة‪ .‬وبدأت حكومة‬ ‫الدولتين‬ ‫ً‬ ‫دعما ً‬ ‫رواجا قو ًيا‪ ،‬ولو ضمن ًيا‪ً ،‬‬ ‫إسحق رابين (‪ )1995-1992‬تتحدث علنًا عن التمييز الموجود (كانت تنفيه‬ ‫عادة الحكومات السابقة)‪ .‬وتحدثت حكومة رابين علنًا عن الحد من تمييز الدولة‬ ‫التطور‬ ‫ضد المواطنين العرب في شتى المجاالت(‪ .((6‬في الوقت ذاته‪ ،‬فتح هذا‬ ‫ّ‬ ‫(‪((6‬‬

‫‪Tamir Sorek, «Public Silence and Latent Memories: Yitzhak Rabin and the Arab‬‬‫‪Palestinian Citizens of Israel,» Israel Studies Review, vol. 28, no. 1 (Summer 2013).‬‬

‫‪190‬‬


‫الباب أمام المزيد من األسئلة الجوهر ّية عن مستقبل المواطنين العرب‪ ،‬وبات‬ ‫واضحا ‪ -‬في حال نجاح عملية أوسلو ‪ -‬أن هؤالء سينتهون مواطنين إسرائيل ّيين‬ ‫ً‬ ‫داخل دولة إسرائيل‪ .‬وبذلك‪ ،‬بدأ اإلحساس بالحالة المو ّقتة التي تغلغلت‪ ،‬حتى‬ ‫السياسي بالتالشي‪ ،‬ما‬ ‫اآلن‪ ،‬في الكثير من مركّبات اإلجماع حول مستقبلهم‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫سؤال عن مكانتهم السياس ّية وعالقتهم بدولة إسرائيل‪ ،‬اقترن بثالث قضايا‪:‬‬ ‫طرح‬ ‫معنى المساواة في ظل الدولة اليهودية واستحقاقاتها السياس ّية (ما طرحها أنموذج‬ ‫المساواة وما تعامل معها)‪ ،‬والمكانة الجماع ّية والحقوق الجماع ّية للمواطنين‬ ‫العرب داخل دولة إسرائيل‪ ،‬ومسألة ُهو ّية الدولة‪.‬‬

‫صار التحدّ ي الذي تواجهه َ‬ ‫النخب الفلسطين ّية عرض رؤية ديمقراط ّية تمنح‬ ‫ً‬ ‫أهم‬ ‫مدلول سياس ًّيا ودستور ًّيا حقيق ًّيا للمساواة‪ ،‬وتعالج في الوقت ذاته أحد ّ‬ ‫المل ّفات التي بقيت تحت السطح وهي شرع ّية الدولة اليهود ّية التي لم يقبلها‬ ‫تجسد هذا التحدّ ي بوضوح في والدة حزب جديد‪،‬‬ ‫الفلسطين ّيون عمو ًما(‪.((6‬‬ ‫ّ‬ ‫السياسي تحويل إسرائيل «دولة لجميع مواطنيها»(‪.((6‬‬ ‫وضع في صلب برنامجه‬ ‫ّ‬ ‫ت َ​َشكل هذا الحزب من تحالف بين ناشطين سياس ّيين بارزين انفصلوا عن الحزب‬ ‫ذاتي مستمد من سياسة «غالسنوست» الذي‬ ‫الشيوعي‬ ‫اإلسرائيلي في إثر نقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سادت موسكو في أواخر الثمانين ّيات وأدت إلى سقوط جدار برلين‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى كوادر من حركة أبناء البلد‪ ،‬وآخرين من الحركة الوطن ّية التقدّ م ّية‪ ،‬وعدد من‬ ‫الديمقراطي‪،‬‬ ‫الوطني‬ ‫التجمع‬ ‫الحزب‪ ،‬أو‬ ‫أعضاء من ّظمات وطن ّية أخرى‪َ .‬ر ِئس‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهم مفكريه‪.‬‬ ‫قائد كارزماتي هو عزمي بشارة‪ ،‬الذي عرفه العالم‬ ‫العربي أحد ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪Nadim N. Rouhana, ed., Attitudes of Palestinians in Israel on Key Political and Social ((6‬‬ ‫‪Issues: Survey Research Results (Haifa, Palestine: Mada al-Carmel-Arab Center for Applied Social‬‬ ‫‪Research, 2007), on the Web: <http://mada-research.org/en/2007/10/30/attitudes-of-palestinians-in‬‬‫‪israel-on-key-political-and-social-issues-survey-research-results-english-2007>.‬‬

‫يهودية إلى دولة‬ ‫(‪ ((6‬لم يطرح الحزب على نح ٍو صريح أنّه يسعى إلى تحويل إسرائيل من دولة‬ ‫ّ‬ ‫ديمقراطية لجميع مواطنيها‪ ،‬بل قام بالتشديد على القسم األخير وهو «دولة جميع مواطنيها»‪ ،‬تفاد ًيا‬ ‫ّ‬ ‫ألي حزب بالمشاركة في انتخابات‬ ‫القوانين‬ ‫بحسب‬ ‫القانون‬ ‫خارج‬ ‫لوضعه‬ ‫اإلسرائيلية التي ال تسمح ّ‬ ‫ّ‬ ‫المركزية بشطب‬ ‫يهودية‪ .‬في حقيقة األمر‪ ،‬قامت لجنة االنتخابات‬ ‫الكنيست إذا نفى وجود إسرائيل كدولة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحزب‪ ،‬إ ّ‬ ‫قرارا يلغي هذا الشطب‪ .‬انظر‪Masri, «Family Reunification :‬‬ ‫أصدرت‬ ‫ال أنّ المحكمة العليا‬ ‫ً‬ ‫‪Legislation in Israel,» and Nimer Sultany and Areej Sabbagh-Khoury, Resisting Hegemony: The Azmi‬‬ ‫‪Bishara Trial (Haifa, Palestine: Mada al-Carmel-Arab Center for Applied Social Research, 2003).‬‬

‫‪191‬‬


‫التجمع ن َ‬ ‫ُخ ًبا عرب ّية ومث ّقفين عر ًبا ويهود‪ ،‬وطرح تحدّ ًيا ِجدّ ًّيا هو‬ ‫استقطب هذا‬ ‫ّ‬ ‫السياسي‪ ،‬وأساسه المطالبة بالمواطنة‬ ‫مفهوم الدولة اليهود ّية‪ .‬إضافة إلى برنامجه‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراط ّية في دولة لجميع مواطنيها ال لمجموعة واحدة فقط‪ ،‬وبخالف الحزب‬ ‫أهم ّية كبرى على تعزيز‬ ‫التجمع‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬يع ّلق‬ ‫الشيوعي‬ ‫الوطني الديمقراطي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قومي في الح ّيز‬ ‫العربي وتمكينه من خالل مؤسسات تُبنى على أساس‬ ‫المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومؤسسات ثقاف ّية وتنظيمات سياس ّية وقيادة وطن ّية‬ ‫العا ّم‪ :‬من ّظمات غير حكوم ّية‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫منتخبة في إطار لجنة متابعة عليا لشؤون المواطنين العرب‪ ،‬لم ينتخب أعضاؤها‬ ‫بصورة مباشرة حتّى اآلن‪.‬‬

‫شكلت الفكرة الديمقراطية البسيطة‪ ،‬المتم ّثلة في دولة لجميع مواطنيها‪،‬‬ ‫تحدّ ٍ‬ ‫يات جوهر ّي ًة للصهيون ّية ولمفهوم الدولة اليهود ّية‪ .‬وظهر التناقض الجوهري‬ ‫بين إسرائيل دولة يهود ّية واال ّدعاء أنها دولة ديمقراط ّية إلى واجهة خطاب‬ ‫السياسي‪ .‬شك َّل هذا التناقض موضوع سجاالت أكاديم ّية‬ ‫المواطنين الفلسطين ّيين‬ ‫ّ‬ ‫أشار فيها كثير من األكاديم ّيين اإلسرائيل ّيين إلى «توتّر» وليس إلى تناقض بين‬ ‫تعريف الدولة كيهود ّية وتعريفها كديمقراط ّية(‪ ،((6‬بينما ا ّدعى أكاديم ّيون آخرون‬ ‫جوهري ال يمكن جسره(‪ .((6‬وقدّ مت نظر ّيات‬ ‫(وأغلبيتهم عرب) وجود تناقض‬ ‫ّ‬ ‫المؤسسة األكاديم ّية اإلسرائيل ّية لتسوية التناقض وحتّى لتبديده‪،‬‬ ‫ُطرحت داخل‬ ‫ّ‬ ‫على غرار مفهوم «الديمقراطية اإلثن ّية» الذي عرضه سامي سموحة‪ ،‬أحد كبار‬ ‫علماء االجتماع اإلسرائيليين(‪ ،((6‬وتبناها أكاديميون إسرائيليون آخرون على‬ ‫نطاق واسع‪ ،‬بينما رفض كثير من الباحثين العرب‪ ،‬وبعض الباحثين اإلسرائيل ّيين‪،‬‬ ‫(‪Ruth Gavison, «Jewish and Democratic? A Rejoinder to the «Ethnic Democracy» Debate,» ((6‬‬ ‫‪Israel Studies, vol. 4, no. 1 (Spring 1999), and Sammy Smooha, «Types of Democracy and Modes of‬‬ ‫‪Conflict Management in Ethnically Divided Societies,» Nations and Nationalism, vol. 8, no. 4 (October‬‬ ‫‪2002).‬‬ ‫(‪Azmi Bishara: «Reflections on October 2000: A Landmark in Jewish-Arab Relations ((6‬‬ ‫‪in Israel,» Journal of Palestine Studies: vol. 30, no. 3 (Spring 2001), pp. 54-67, and «Zionism and‬‬ ‫‪Equal Citizenship: Essential and Incidental Citizenship in the Jewish State,» in: Rouhana, Israel and‬‬ ‫‪its Palestinian Citizens; As’ad Ganim, Nadim N. Rouhana and Oren Yiftachel, «Questioning «Ethnic‬‬ ‫‪Democracy»: A Response to Sammy Smooha,» Israel Studies, vol. 3, no. 2 (Fall 1998), and Rouhana,‬‬ ‫‪Palestinian Citizens.‬‬

‫(‪((6‬‬

‫‪Sammy Smooha, «Ethnic Democracy: Israel as an Archetype,» Israel Studies, vol. 2, no. 2‬‬ ‫‪(Fall 1997).‬‬

‫‪192‬‬


‫يائسا ومدفو ًعا َبأ ِجنْدة سياس ّية في محاولة‬ ‫هذه النظر ّية واعتبروها تمرينًا أكاديم ًّيا ً‬ ‫(‪((6‬‬ ‫الجوهري وغير القابل للحل ‪.‬‬ ‫لتغليف التناقض‬ ‫ّ‬

‫والسياسي‪ ،‬والنقاشات السياس ّية‬ ‫األكاديمي‬ ‫ترك التفاعل الدينامي بين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الناشطة التي شارك فيها أكاديم ّيون وسياس ّيون عرب ويهود‪ ،‬بصماته على‬ ‫الوطني‬ ‫التجمع‬ ‫العربي خطاب‬ ‫اإلسرائيلي العا ّم‪ .‬أ ّيدت أغلبية الجمهور‬ ‫الخطاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬إذ اتّفق مع معنى دولة جميع مواطنيها الذي طرحه‪ ،‬من دون التزام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خط التجمع في مسائل أخرى‪ .‬وأدرج بعض أشد مناصري «أنموذج المساواة»‬ ‫السياسي مفهوم دولة جميع مواطنيها‪ ،‬وطرحوا األسئلة‬ ‫حماسة في خطابهم‬ ‫ّ‬ ‫الجوهر ّية عن المساواة‪ ،‬والتناقض بين يهودية دولة إسرائيل وديمقراط ّيتها‪ .‬وكانت‬ ‫منوعة‪ ،‬تراوحت بين ما رأى في شعار «دولة‬ ‫ر ّدات الفعل داخل المجتمع‬ ‫اليهودي ّ‬ ‫ّ‬ ‫لجميع مواطنيها» تهديدً ا مصير ًّيا للدولة اليهود ّية‪ ،‬وما سعى إلى التوفيق بين هذا‬ ‫الشعار وتعريف إسرائيل‪« ،‬الدولة اليهود ّية والديمقراط ّية»‪ .‬كانت إحدى أهم نتائج‬ ‫هذا النقاش أن هذا التناقض بين مصالح الدولة اليهود ّية والمواطنة المتساوية‬ ‫العربي السمة المحددة للعالقة بين المواطنين الفلسطين ّيين ودولة‬ ‫صار في الوعي‬ ‫ّ‬ ‫إسرائيل‪.‬‬ ‫على الرغم من أن شعار «دولة جميع مواطنيها» دفع مسألة يهود ّية الدولة‬ ‫واليهودي‪ ،‬فإنّه‬ ‫العربي‬ ‫والفكري في المجتمعين‬ ‫السياسي‬ ‫إلى واجهة النقاش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫استيطاني على ٍ‬ ‫نحو واضح عند‬ ‫كولونيالي‬ ‫لم يذهب إلى حد اعتماد خطاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كولونيالي‬ ‫الفلسطينيين في إسرائيل‪ .‬ففي حين تج ّلت سياسات إسرائيل كمشروع‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطي‪ ،‬إال‬ ‫الوطني‬ ‫التجمع‬ ‫استيطاني بوضوح وصراحة في أدبيات حزب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسي‬ ‫أن الكولونيال ّية االستيطان ّية‪ ،‬بشكلها هذا‪ ،‬لم تكن محور ّية في الخطاب‬ ‫ّ‬ ‫للحزب‪.‬‬

‫(‪ ((6‬عزمي بشارة‪ ،‬من يهودية الدولة حتى شارون‪ :‬دراسة في تناقض الديمقراطية اإلسرائيلية‬ ‫(رام الله‪ ،‬فلسطين‪ :‬مواطن‪ .‬المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية‪)2005 ،‬؛ ‪Nadim N. Rouhana,‬‬ ‫‪««Jewish and Democratic»? The Price of a National Self-Deception,» Journal of Palestine Studies, vol.‬‬ ‫‪35, no. 2 (Winter 2006), and Amal Jamal: «Beyond «Ethnic Democracy»: State Structure, Multicultural‬‬ ‫‪Conflict and Differentiated Citizenship in Israel,» New Political Science, vol. 24, no. 3 (2002), pp. 411‬‬‫‪431, and «Nationalizing States and the Constitution of 'Hollow Citizenship': Israel and its Palestinian‬‬ ‫‪Citizens,» Ethnopolitics, vol. 6, no. 4 (2007), pp. 471-493.‬‬

‫‪193‬‬


‫بقوة في سياق المطا َلبة‬ ‫بدأ الخطاب‬ ‫الكولونيالي ‪ -‬االستيطاني في الظهور ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطي على التنظيم على‬ ‫الوطني‬ ‫التجمع‬ ‫بالحقوق الجماع ّية‪ .‬ولقي تشدّ يد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القومي‪ ،‬أصداء واسعة‬ ‫الثقافي‪ ،‬وعلى التمكين‬ ‫الذاتي‬ ‫قومي‪ ،‬وعلى الحكم‬ ‫أساس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأثر في صفوف النخب المث َّقفة واألكاديم ّية‪ .‬وبتفاعل متفاوت مع هذا الفكر‬ ‫الجديد‪ ،‬تشكّلت ثالث مجموعات في الفترة ذاتها تقري ًبا (‪ )2007-2005‬على‬ ‫لتفحص مسألة المكانة الجماع ّية المستقبل ّية للمواطنين‬ ‫هيئة «مراكز تفكير»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً (‪((6‬‬ ‫الفلسطين ّيين في أطار ّ‬ ‫حل الدولتين مستقبل ‪ ،‬وأصدرت المجموعات ثالث‬ ‫وثائق في عامي ‪ 2006‬و‪ ،2007‬تعرف باسم «وثائق الرؤية المستقبل ّية» التي‬ ‫أكّدت أن الفلسطين ّيين في إسرائيل يطالبون بحقوقهم الجماع ّية‪ ،‬من طريق‬ ‫المطا َلبة بالحقوق القومية في داخل إسرائيل‪ ،‬كونها دولة ثنائ ّية القوم ّية أو متعدّ دة‬ ‫الثقافات(‪ .((6‬كانت ر ّدة فعل النخب السياس ّية اليهود ّية تجاه هذه الوثائق‪ ،‬التي‬ ‫استيطاني‪ ،‬قو ًّيا ومتوعّدً ا‪ ،‬ألن الدولة‬ ‫كولونيالي‬ ‫أشارت إلى إسرائيل كمشروع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليهود ّية ال يمكن أن تكون ديمقراط ّية‪.‬‬ ‫االستيطاني وتصعيده‬ ‫الكولونيالي‬ ‫ساهمت هذه الوثائق في إحياء الخطاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عند بعض النخب الفلسطين ّية‪ .‬وعرضت وثيقة حيفا‪ ،‬على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫التي أ ّيدها مئات القادة المجتمع ّيين واألكاديم ّيين والمث ّقفين‪ ،‬عرضت أنموذج‬ ‫للمصالحة بين اإلسرائيليين (وليس الصهيون ّية) والفلسطين ّيين على ٍ‬ ‫نحو ينسجم مع‬ ‫حاالت كولونيال ّية استيطان ّية أخرى مشابهة‪ .‬ومهم أن نشير هنا إلى أن هذا النقاش‬ ‫في شأن طبيعة الحقوق الجماع ّية‪ ،‬وال س ّيما الخطاب المتجدّ د عن الكولونيال ّية‬ ‫محصورا داخل دوائر النخب الفلسطين ّية الض ّيقة‪ ،‬ولم يتغلغل في‬ ‫االستيطان ّية‪ ،‬بقي‬ ‫ً‬ ‫الفلسطيني تُدرك ضمن ًّيا‬ ‫نرجح أن شرائح واسعة من المجتمع‬ ‫الوعي العام‪ ،‬وإن كنّا ّ‬ ‫ّ‬

‫ْ‬ ‫رية لرؤساء السلطات‬ ‫المستقبلي» الذي أصدرته اللجنة‬ ‫«التصور‬ ‫(‪ ((6‬الوثائق هي‪:‬‬ ‫القط ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية في إسرائيل‪<http://www.bitterlemons.net/docs/future-vision-english.pdf)> :‬؛ «الدستور‬ ‫المح ّل ّية‬ ‫ّ‬

‫العربية في إسرائيل‪:‬‬ ‫القانوني لحقوق األق ّل ّية‬ ‫الديمقراطي» الذي أصدره مركز عدالة‪ :‬المركز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫>‪ ،<http://adalah.org/Public/files/democratic_constitution-english.pdf‬و«وثيقة حيفا» التي أصدرها‬ ‫التطبيقية‪<http://mada-research.org/en/ :‬‬ ‫االجتماعية‬ ‫العربي للدراسات‬ ‫مدى الكرمل ‪ -‬المركز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪files/2007/09/haifaenglish.pdf>.‬‬

‫(‪((6‬‬

‫‪Elie Rekhess, The Arab Minority in Israel: An Analysis of the «Future Visions» Documents‬‬ ‫‪(New York: American Jewish Committee, 2008).‬‬

‫‪194‬‬


‫تجسد مشرو ًعا كولونيال ًّيا استيطان ًّيا‪ .‬إال أن األمر الذي أعاد النشاط إلى‬ ‫أن إسرائيل ِّ‬ ‫(‪((6‬‬ ‫نسميه «عودة التاريخ» ‪ ،‬والذي تزامن ‪-‬‬ ‫الكولونيالي‬ ‫الوعي‬ ‫االستيطاني هو ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من دون مصادفة ‪ -‬مع اإلدراك المتزايد بأن المساواة داخل الدولة اليهود ّية أمر غير‬ ‫مر وانتهى‪.‬‬ ‫قابل للتحقيق‪ ،‬وبأن الوصول إلى حل الدولتين ّ‬

‫راب ًعا‪ :‬عودة التاريخ ووعي المواطنة الكولونيالية‬

‫خالل السنوات الخمسة عشر الماضية أو نحوها‪ ،‬شهدنا مرحلة جديدة‬ ‫من تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل‪ ،‬نشير إليها باسم «عودة التاريخ»‪ .‬تتميز هذه‬ ‫المرحلة بالصوت القوي للتاريخ الفلسطيني‪ ،‬على عكس المراحل األخرى التي‬ ‫تم ّيزت بنماذج متنافسة‪ ،‬كأنموذج المساواة أو «دولة لجميع مواطنيها»‪ ،‬تميزت‬ ‫هذه المرحلة بهيمنة «عودة التاريخ» بين الفلسطين ّيين‪ .‬ثمة وعي متزايد بين‬ ‫الفلسطينيين على اختالف توجهاتهم الحزبية بأن أصول مواطنتهم متجذرة في‬ ‫الحوادث التاريخية للنكبة‪ .‬وأخذ الوعي المتزايد بالنكبة وعودتها إلى الحاضر‬ ‫يلقي بظالله على مفهوم المواطنة‪.‬‬

‫في عام ‪ ،1998‬أي في الذكرى الخمسين للنكبة‪ ،‬بدأت بعض المن ّظمات‬ ‫الفلسطين ّية في إسرائيل بالتنسيق لمسيرة النكبة مع فلسطينيي األراضي التي‬ ‫احتلتها إسرائيل في عام ‪ .1967‬انطلقت المسيرة األولى في ‪ 15‬أيار‪/‬مايو‪ ،‬يوم‬ ‫استقالل إسرائيل بحسب التقويم الميالدي‪ ،‬ويوم إحياء الفلسطينيين ذكرى النكبة‬ ‫(ال يتوافق مع التقويم العبري الذي تتبعه إسرائيل في احتفالها بيوم استقاللها)‪.‬‬ ‫في العام التالي‪ ،‬بدأت جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل بتنظيم‬ ‫«مسيرة العودة» سنو ًّيا‪ ،‬مختار ًة قرية فلسطينية مهجرة ًمختلفة في كل سنة‪ .‬سعت‬ ‫أيضا‪ ،‬وانطلقت‬ ‫هذه المسيرة إلى استحضار قضية تهجير الفلسطينيين من مدنهم ً‬ ‫المسيرات في يوم االستقالل اإلسرائيلي نفسه وفق التقويم العبري لتذكير‬ ‫اإلسرائيليين َ‬ ‫روجت له الجمعية‬ ‫بأن «يوم استقاللكم هو يوم نكبتنا»‪ ،‬وهو شعار ّ‬ ‫منذ أول مسيرة عودة‪ .‬وشكلت هذه المسيرة التنظيم الجماعي أول إحياء لذكرى‬ ‫النكبة يخرج إلى الحيز الرسمي العام(‪.((7‬‬ ‫(‪ ((6‬‬ ‫(‪ ((7‬لالطالع على نقاش عن الفرق بين الحيز الرسمي والحيز غير الرسمي‪ ،‬انظر‪ :‬أريج‬

‫‪Rouhana and Sabbagh-Khoury, «Memory and the Return of History».‬‬

‫‪195‬‬


‫وبينما يشدّ د الفلسطينيون في األراضي المحتلة في عام ‪ ،1967‬وفي أماكن‬ ‫شتاتهم بشكل عام‪ ،‬على االحتفال بإحياء ذكرى النكبة‪ ،‬يؤكد خطاب الفلسطينيين‬ ‫في إسرائيل‪ ،‬زيادة على ذلك‪ ،‬مسألة العودة‪ ،‬كما ترمز إليها بقوة العودة «الجماعية»‬ ‫الرمزية الضخمة إلى إحدى البلدات المهجرة ليوم واحد‪ .‬أصبح الوصول إلى‬ ‫«امتيازا» ممكنًا بفضل المواطنة اإلسرائيلية‪ ،‬وهو امتياز ال يملكه‬ ‫القرى المهجرة‬ ‫ً‬ ‫فلسطينيون آخرون‪ .‬ويعكس هذا الفعل الجماعي الذي تتيحه قدرتهم على‬ ‫محفزا لهذه‬ ‫الوصول إلى بلدة مهجرة‪ ،‬قوة عودة التاريخ‪ ،‬ويشكل في الوقت‬ ‫ً‬ ‫العودة‪ .‬يعلن المواطنون العرب «الحداد» عندما تحتفل دولة إسرائيل باستقاللها‪،‬‬ ‫وتحكي المسيرات الضخمة والمنظمة‪ ،‬التي تحيط بها الشرطة‪ ،‬والخطب عن‬ ‫الوطن والعودة‪ ،‬قصة نوع مختلف من المواطنة تسببت به النكبة‪ .‬وخال ًفا لنشاط‬ ‫إحياء الذكرى الذي يعقده الفلسطينيون في أماكن أخرى‪ ،‬يطرح إحياء ذكرى‬ ‫ً‬ ‫سؤال مختل ًفا‪ :‬ما الذي فعلته هذه الدولة بنا؟ ال ُيطرح‬ ‫النكبة في إطار المواطنة‬ ‫هذا السؤال في سياق التمييز والمواطنة المتساوية (وال من باب مناهضة التمييز أو‬ ‫المطالبة بالمواطنة المتساوية)‪ ،‬فما تبرزه مسيرة العودة‪ ،‬إضافة إلى قضية الالجئين‬ ‫والعودة الفلسطينية‪ ،‬هو الجوهر الكولونيالي االستيطاني لموا َطنتهم‪ ،‬بما فيها‬ ‫عمليات التشريد التي ارتكبتها «دولتهم» بحقهم‪ ،‬ورفضها السماح لهم بالعودة‪،‬‬ ‫وتقديم بلداتهم لمواطنين يهود‪.‬‬

‫يشكل تنظيم المسيرة داخل إسرائيل‪ ،‬في يوم االستقالل االسرائيلي نفسه‪،‬‬ ‫تحد ًيا جد ًيا لرواية الدولة اليهودية وتاريخها‪ .‬خالل العقود الخمسة األولى من‬ ‫استقالل دولة إسرائيل‪ ،‬احتفل اإلسرائيليون بيوم االستقالل من دون ٍ‬ ‫تحد جماعي‬ ‫تذكيرا‬ ‫(من فلسطينيي إسرائيل) ملموس لروايتهم‪ .‬لكن مسيرات العودة صارت‬ ‫ً‬ ‫ح ًيا لحقيقة الكولونيالية االستيطانية التي كانت وراء تشريع الدولة «قانون النكبة»‬ ‫في عام ‪ ،2011‬وهو القانون الذي يخول الحكومة رفض تمويل أي منظمة أو‬ ‫مؤسسة أو بلدية تعلن الحداد في ذكرى تأسيس دولة إسرائيل(‪.((7‬‬ ‫صباغ ‪ -‬خوري‪« ،‬بين حق العودة و«قانون العودة»‪ :‬التأمل في الخطاب الفلسطيني في إسرائيل «المآزق‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطينية»‪( »،‬أطروحة ماجستير‪ ،‬جامعة تل أبيب‪ ،‬تل أبيب‪( )2006 ،‬بالعبرية)‪.‬‬ ‫(‪ ((7‬انظر‪Jillian Kestler-D'Amours, «Israel Criminalizes Commemoration of the Nakba,» :‬‬

‫‪(Electronic Intifada (Website), 29 March 2011), on the Web: <http://electronicintifada.net/content/israel‬‬‫‪criminalizes-commemoration-nakba/9289> (Accessed 18/6/2014).‬‬

‫‪196‬‬


‫تحولت مسيرات العودة واحدة من أهم النشاط الجماعي الذي بادر إليه‬ ‫الفلسطين ّيون في إسرائيل منذ النكبة‪ .‬وعلى مدى أعوام‪ ،‬كان يوم األرض الذي‬ ‫يحتفل به سنو ًّيا منذ عام ‪ ،1976‬وغال ًبا باإلضرابات الوطنية التي تح ّفز العمل‬ ‫الشعبي الجماعي للمواطنين الفلسطينيين‪ .‬لكن يدل ظهور مسيرة العودة‪ ،‬بعد أكثر‬ ‫من جيلين على النكبة‪ ،‬ونجاحها على عودة التاريخ‪ ،‬ويمثالن التغير في الفهم العام‬ ‫لمعنى الموا َطنة‪.‬‬ ‫نعتقد أن عودة التاريخ‪ ،‬وانشغال الفلسطينيين المتنامي بتاريخهم‪ ،‬كانا‬ ‫عاملي دفع يقفان وراء عودة ظهور مرحلة مختلفة في فهم مواطنتهم؛ وهو أنها‬ ‫مواطنة كولونيالية استيطانية تم اكتسابها في إطار كولونيالي استيطاني‪ .‬وهذا‪،‬‬ ‫في الواقع‪ُ ،‬يغلق الدائرة التي بدأت بوجهة النظر نفسها بعد النكبة مباشرة‪ .‬ال‬ ‫ندّ عي أن الشخص العادي يع ّبر عن وضع مواطنته بمصطلحات كولونيالية‬ ‫استيطانية‪ ،‬لكننا نقول إن صورة دولة إسرائيل في أذهانهم هي أنها دولة استولت‬ ‫على وطنهم بالقوة‪ ،‬باسم الشعب اليهودي‪ ،‬ووضع المواطنة الحقيقية محفوظ‬ ‫فيها لليهود‪ ،‬بينما مواطنتهم‪ - ‬على الرغم من الحقوق التي تمنحها ‪ -‬مفرغة من‬ ‫وصفي وليس‬ ‫مضمونها‪ .‬وعلى الرغم من أن هذا الشعور بالمواطنة المفرغة‬ ‫ّ‬ ‫تحليل ًيا‪ ،‬نقول إن هذا الوصف هو نتيجة السياسات الكولونيالية االستيطانية‬ ‫التي وصفناها‪ ،‬وإن هناك وع ًيا متزايدً ا بالعالقة بين المواطنة المفرغة والحقائق‬ ‫الكولونيالية االستيطانية‪.‬‬ ‫ثالثة عوامل ساهمت في ظهور وعي الحالة الكولونيالية االستيطان ّية وعالقتها‬ ‫بالنكبة‪ :‬األول هو استحالة النماذج السابقة ضمن الدولة الصهيونية‪ .‬فيبدو أن أتباع‬ ‫أنموذج المساواة يؤمنون باحتماليته بسبب جذورهم األيديولوجية‪ .‬فهم شيوعيون‬ ‫قبلوا بقرار تقسيم فلسطين وشرعية السيادة لدولة يهود ّية‪ .‬ويعتقدون مصدقين أن‬ ‫المساواة ممكنة إذا غيرت إسرائيل سياساتها‪ .‬لكن العملية الكولونيالية االستيطان ّية‬ ‫خصوصا في ما يتعلق باألرض والح ّيز والثقافة والديموغرافيا‬ ‫المتواصلة ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫والموارد والخدمات وفرص العمل ‪ -‬وضعت حدً ا في الوعي العام لصحة هذا‬ ‫التفكير في داخل إسرائيل الصهيونية‪ .‬إن المخ ّططات األخيرة لمصادرة المزيد من‬ ‫األراضي من المواطنين الفلسطينيين البدو في القسم الجنوبي من البالد‪ ،‬ونقلها‬ ‫‪197‬‬


‫إلى المواطنين اليهود(‪ ،((7‬سلطت الضوء على حقيقة أن الحفاظ على دولة يهودية‬ ‫يستلزم عملية من السياسات الكولونيالية االستيطان ّية المستمرة التي تنقل الموارد‬ ‫ِ‬ ‫المستعمر‪ .‬وخال ًفا ألنموذج المساواة‪ُ ،‬قدِّ م أنموذج «دولة جميع‬ ‫المستعمر إلى‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫مواطنيها» في المقام األول‪ ،‬ال ألن منظريه اعتقدوا إمكان تحقيقه‪ ،‬وإنما لتحدي‬ ‫الصهيون ّية‪ ،‬وإظهارها مناقضة لمبدأ الديمقراطية األساس‪ .‬ساهم هذا األنموذج‬ ‫في تعميق الوعي بين الجماهير الفلسطينية بالتناقض بين المساواة والصهيونية‪.‬‬ ‫وأبرزت ردة فعل الجمهور اليهودي‪ ،‬الرافض بشدة وثائق «التصورات المستقبل ّية»‬ ‫واضحا ً‬ ‫أصل وهو استحالة المساواة في‬ ‫المعتمدة على هذا األنموذج‪ ،‬ما كان‬ ‫ً‬ ‫نظام صهيوني‪ .‬الثاني هو أن قناعة الجمهور المتزايدة‪ ،‬سواء بين الفلسطينيين أم‬ ‫ٍّ‬ ‫(ولكل أسبابه الخاصة)‪ ،‬بفشل اتفاق أوسلو وبأن حل الدولتين بات‬ ‫اإلسرائيليين‬ ‫ضر ًبا من الوهم‪ ،‬أ ّدت إلى بعث خطاب بدائل التقسيم‪ ،‬بما في ذلك حل الدولة‬ ‫الواحدة مع مساواة العرب واليهود في فلسطين كلها‪ .‬تعيد مناقشة بدائل التقسيم‬ ‫الرواية السابقة للتقسيم والنكبة التي تلتها‪ ،‬ويعتبر التاريخ في نقاش هذه البدائل‬ ‫ضرور ًيا‪ ،‬و ُيستعاد سؤال شرعية التقسيم وتداعياته في ما يتعلق باقتالع الفلسطينيين‬ ‫واالمتيازات اليهودية والوعي المتزايد في شأن الخصائص الكولونيالية االستيطان ّية‬ ‫للدولة اليهودية‪ .‬أما الثالث فهو أنه في اللحظات الحرجة‪ ،‬وحين تصرف العرب‬ ‫كمواطنين‪ ،‬عاملتهم الدولة كرعايا لمشروع كولونيالي استيطاني‪ .‬إضافة إلى ما‬ ‫العسكري‪ ،‬يكفي تقديم مثال واحد على‬ ‫وصفناه أعاله‪ ،‬وال س ّيما خالل فترة الحكم‬ ‫ّ‬ ‫هذه المعاملة‪ .‬في تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،2000‬في أعقاب فشل مفاوضات كامب‬ ‫ديفيد التي جرت في تموز‪/‬يوليو من العام نفسه‪ ،‬انطلق فلسطينيو الضفة الغربية‬ ‫وقطاع غزة في تظاهرات تطورت وتحولت إلى ما عرف باالنتفاضة الثانية‪ .‬في‬ ‫األيام األولى‪ ،‬قتلت القوات اإلسرائيلية عشرات الفلسطينيين في محيط المسجد‬ ‫األقصى في القدس وأماكن أخرى‪ ،‬فتظاهر الفلسطينيون في إسرائيل تضامنًا مع‬ ‫الفلسطينيين في الضفة وغزة‪ .‬خرجوا في مسيراتهم بوصفهم مواطنين‪ ،‬لالحتجاج‬ ‫على مقتل فلسطينيين آخرين‪ ،‬ولدعم قضية قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة‪.‬‬ ‫كثيرا عن معاملتها الفلسطينيين غير المواطنين‪،‬‬ ‫عاملتهم إسرائيل بشكل ال يختلف ً‬ ‫ِ‬ ‫وج ِرح العشرات‪ ،‬واعتقل المئات‪ .‬والمثير لالهتمام أن هؤالء‬ ‫ف ُقتل منهم ‪ُ ،13‬‬ ‫(‪ ((7‬‬

‫‪Amara, «The Higher Follow-Up Committee for the Arab Citizens».‬‬

‫‪198‬‬


‫أيضا حين طالبوا بلجنة تحقيق رسمية في مقتل‬ ‫الفلسطينيين تصرفوا كمواطنين ً‬ ‫المواطنين الـ ‪ ،13‬ال في األوضاع المحيطة بمقتل مئات الفلسطينيين في األراضي‬ ‫الفلسطينية المحتلة في عام ‪ ،1967‬في أثناء الفترة نفسها‪.‬‬

‫الفلسطيني الحثيثة‬ ‫احتلت لجنة أور التي أسست إستجابة لمطالب الجمهور‬ ‫ّ‬ ‫قبيل االنتخابات البرلمانية اإلسرائيلية للتحقيق في مقتل المواطنين العرب‪،‬‬ ‫احت ّلت موق ًعا مركز ًيا في جلسات االستماع العلنية حتى نُشر تقريرها في عام‬ ‫‪ .((7( 2003‬لكن‪ً ،‬‬ ‫بدل من االستفادة من إجراءات اللجنة والتقرير والتعامل معها‬ ‫كفرصة تاريخية للتعامل مع الجذور السياسية للمشاعر العميقة من الظلم‪ ،‬أظهرت‬ ‫السلطات اإلسرائيل ّية‪ ،‬بشكل متناقض‪ ،‬أن المواطنة في الواقع ال توفر أي حماية‪.‬‬ ‫كان أحد المطالب األساس للجمهور العربي محاكمة الذين أطلقوا النار على‬ ‫مطولة‪،‬‬ ‫المتظاهرين العرب‪ .‬لكن السلطات اإلسرائيل ّية‪ ،‬وبعد مداوالت قانونية ّ‬ ‫اختارت إغالق ملف التحقيق في عام ‪ 2008‬بسبب عدم كفاية األدلة‪ ،‬وهذا ما تراه‬ ‫مناقضا لتقرير لجنة أور(‪ .((7‬أثبت هذا القرار للفلسطينيين‬ ‫منظمات حقوق اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫أن إسرائيل ال تأخذ موا َطنتهم على محمل الجد‪ .‬وكانت التظاهرة ضد قرار‬ ‫السلطات اإلسرائيلية إغالق الملف في عام ‪ 2008‬واحدة من أكبر تظاهرات‬ ‫المواطنين الفلسطين ّيين منذ قيام دولة اسرائيل‪.‬‬

‫أيضا‬ ‫لم تظهر هذه الحادثة أن المساواة غير ممكنة فحسب‪ ،‬بل أظهرت ً‬ ‫أن الفلسطينيين سيعاملون كرعايا في الدولة الكولونيالية االستيطان ّية أكثر‬ ‫منهم كمواطنين‪ ،‬في لحظات األزمات التي يمكن أن تعتبر تحدّ ًيا لنظام الدولة‬ ‫الكولونيالي االستيطاني‪ .‬هذه اللحظات‪ ،‬المتكررة في تجاربهم الشخصية (في‬ ‫المطار ونقاط العبور ً‬ ‫مثل) وخبراتهم الجمعية (مع الشرطة ومصادرة األراضي‬ ‫وقوانين الهجرة‪ ،)... ،‬كانت حاسمة في استدعاء وعي الفلسطينيين بأن عالقتهم‬ ‫بإسرائيل هي‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬عالقة كولونيالية استيطانية‪.‬‬ ‫(‪The State Commission of Inquiry into the Clashes between Security Forces and Israeli ((7‬‬ ‫‪Citizens (2003), on the Web: <http://elyon1.court.gov.il/heb/veadot/or/inside_ index.htm> (Accessed‬‬ ‫‪15/11/2013).‬‬ ‫(‪International Center for Transitional Justice (ICTJ), «Israel: Time to Heed Victims' Call ((7‬‬ ‫‪for Justice,» (4 October 2010), on the Web: <http://ictj.org/news/israel-time-heed-victims-call-justice>.‬‬

‫‪199‬‬


‫خالصة‬ ‫حاولنا أن نطرح هنا صو ًغا جديدً ا لتحليل نوع مواطنة الفلسطينيين في‬ ‫نسميها «المواطنة الكولونيالية االستيطانية»‪ .‬كما‬ ‫إسرائيل‪ ،‬تلك المواطنة التي ّ‬ ‫حاولنا أن نظهر أن أسس هذه المواطنة ُوضعت خالل العقدين األولين منذ النكبة‪،‬‬ ‫عبر فرض الحكم العسكري بين عامي ‪1948‬و‪ .1966‬تتبعنا عالقات الفلسطينيين‬ ‫بالدولة اإلسرائيلية من وجهة نظرهم‪ ،‬من خالل التركيز على خطاباتهم السياسية‬ ‫مرا‬ ‫وتنظيمهم الجماعي‪ ،‬ورأينا أن الخطاب والتنظيم السياس َيين الفلسطين َيين ّ‬ ‫بمراحل مختلفة‪ .‬ويبدو اآلن أن المرحلة الراهنة تعود إلى نقطة االنطالق التي‬ ‫تمثلت بإحساس عام بأن نوع المواطنة التي يحملونها مواطنة كولونيالية استيطان ّية‪.‬‬ ‫خالل عقود الحكم العسكري‪ ،‬حاول الفلسطينيون العيش بكرامة‪ ،‬والحفاظ‬ ‫على جذورهم في وطنهم‪ .‬ومع امتالك القليل من القوة‪ ،‬ازدادت المقاومة‬ ‫للسياسات الكولونيالية االستيطانية بعد التجربة المؤلمة لفقدانهم شعبهم‬ ‫ووطنهم‪ ،‬والخوف من الطرد من منازلهم‪َ .‬ر َمز الحكم العسكري إلى حكم أجنبي‬ ‫بالنسبة إليهم‪ ،‬ومع ذلك منحوا المواطنة من دولة وصفوها بأنها «احتلتهم»‪.‬‬ ‫حجبت هذه المواطنة‪ ،‬إلى جانب تطورات إقليمية أخرى كظهور أنموذج حل‬ ‫الدولتين في الخطاب الدولي في شأن الصراع‪ ،‬الجوهر الكولونيالي االستيطاني‬ ‫لعالقة الفلسطينيين بإسرائيل‪ .‬وبالتالي‪ ،‬حاول هؤالء الفلسطينيون عب ًثا التعامل‬ ‫ضمن أطر مختلفة‪ ،‬من أجل أن يكونوا مواطنين متساوين‪ .‬في أولى المراحل بعد‬ ‫الحكم العسكري‪ ،‬مارس الفلسطينيون خطاب المساواة من دون تحدّ لما يعنيه‬ ‫هذا لهوية الدولة ومبناها‪ .‬لكن‪ ،‬ومنذ منتصف التسعينيات‪ ،‬ظهر إطار سياسي آخر‬ ‫طالب بـ «دولة لجميع مواطنيها»‪ ،‬مؤكدً ا أن إسرائيل ال يمكن أن تكون دولة لجميع‬ ‫المواطنين‪ ،‬وأن تكون في الوقت نفسه دولة يهودية‪ .‬وصار خطاب «دولة لجميع‬ ‫ً‬ ‫التوجهات السياسية المختلفة بين المواطنين الفلسطينيين‬ ‫مقبول عند‬ ‫مواطنيها»‬ ‫ّ‬ ‫كنقيض للصهيونية‪.‬‬

‫مع فشل «أنموذج المساواة» الذي ركز على عالقتهم مع إسرائيل‪ ،‬واإلدراك‬ ‫العميق بأن دولة كل المواطنين ال تتوافق مع الدولة اليهودية الصهيونية‪ ،‬ومع تالشي‬ ‫‪200‬‬


‫اآلمال في تحقيق اتفاق الدولتين‪ ،‬بدأت مرحلة جديدة تميزت بـ «عودة التاريخ»‬ ‫إلى الخطاب والوعي السياسيين‪ .‬في هذه المرحلة‪ ،‬تسترشد الخطابات السياسية‬ ‫لعدد من الفلسطينيين في إسرائيل بأن أصول عالقتهم بإسرائيل تعود إلى النكبة‬ ‫وتداعياتها‪ .‬وإذا استمرت هذه العملية‪ ،‬فإنها تسلط الضوء على الوعي بوضعهم‬ ‫االستيطاني‪ ،‬وبالتالي إغالق الدائرة في عالقة الفلسطينيين التاريخية‬ ‫الكولونيالي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بإسرائيل‪ ،‬والعودة إلى المربع األول‪.‬‬

‫(‪((7‬‬

‫(‪ ((7‬‬

‫‪Rouhana and Sabbagh-Khoury, «Memory and the Return of History».‬‬

‫‪201‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.