Press the pdf book final

Page 1


www.souriatnapress.net


‫وحدك‬ ‫ل�ست‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الن�سخة الإلكرتونية‬ ‫موقعنا ‪souriatnapress.net‬‬ ‫موقعنا على وورد بر�س‪souriatna.wordpress.com :‬‬ ‫موقعنا على ت�صفح �إ�شيو‪issuu.com/souriatna/docs :‬‬ ‫وموقعنا على ت�صفح غوغل درايف‬

‫ملزيد من املعلومات وللتوا�صل مع فريق العمل يرجى بعث الر�سائل على الإمييل التايل‪:‬‬ ‫‪syrians.against.rape@gmail.com‬‬


‫وحدك‬ ‫ل�ست‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كتيب خا�ص لدعم �ضحايا الإغت�صاب يف الثورة ال�سورية‬ ‫�إعداد‬ ‫جمموعة �أخ�صائيني ون�شطاء‬ ‫يا�سر ندمي �سعيد‪ ,‬جمال خليل �صبح‪ ,‬خولة ح�سن احلديد‪ ,‬نوال ال�سباعي‬ ‫حممد النجار‪� ,‬سماح هدايا‪ ,‬غ�سان يا�سني‪ ,‬نائلة من�صور‪ ,‬ملكة جزماتي‪ ,‬مريا ب�شراقي ويا�سر‬ ‫مرزوق‬


‫فادي زيادة‬

‫‪6‬‬


‫�إهــــداء‬ ‫�إىل ن�ساء �سوريا‬ ‫على طريق احلر ّية والكرامة وهنّ ي�صنعن الأمل ويخ�ضن يف امل�ستحيل‬



‫مقدمة‪:‬‬ ‫بكثري من الأ�سى تواردت الأنباء عن حاالت االغت�صاب ذات الدوافع ال�سيا�سية التي قام بها‬ ‫بع�ض الأفراد املنتمني �إىل �أجهزة الأمن وامللي�شيات امل�س ّلحة التابعة للنظام وذلك يف �إطار �سعيه‬ ‫ال�سوري العظيم ال�ستعادة كرامته وحريته بعد عقود من الذل‬ ‫احلثيث لو�أد الثورة التي بد�أها �شعبنا‬ ‫ّ‬ ‫والدكتاتورية واال�ضطهاد التي طالت �أغلب الفئات االجتماعية‪.‬‬ ‫حتى كتابة هذه ال�سطور هناك العديد من احلاالت التي مت توثيقها و�شملت انتهاكات جن�سية‬ ‫وح�شية خطرية‪ ،‬كان �ضحاياها عدد كبري من الن�ساء واليافعات وحتى الأطفال يف مناطق خمتلفة‬ ‫من الوطن ال�سوري الثائر‪ .‬ونظر ًا حل�سا�سية املو�ضوع من نواحي خمتلفة و�إ�ضاف ًة �إىل ا�ستمرار‬ ‫النظام يف �سيا�سته الوح�ش ّية يف دك املدن والبلدات املنتف�ضة وا�ستباحتها بالتدمري املمنهج‪ ،‬فمن‬ ‫املرجح �أن يكون هناك الكثري من احلاالت التي ال نعرفها والتي �أ�ضحى م�صريها الكتمان كما‬ ‫ّ‬ ‫تخربنا التجارب امل�أ�ساوية التي مرت بها �شعوب و�أقوام �أخرى يف هذا العامل‪.‬‬ ‫تعترب ظاهرة االغت�صابات ال�سيا�س ّية يف �أزمنة احلروب وال�صراعات من �أكرث الظواهر امل�أ�ساوية‬ ‫�شيوع ًا‪ ،‬كما �أنها من �أكرث الأ�سلحة فتك ًا باملجتمع ب�شكل عام وباملر�أة ب�شكل خا�ص‪ .‬قد تكفي نظرة‬ ‫�سريعة على احلروب العامل ّية والأهل ّية يف القرن الع�شرين حتى نعرف �أن �آالف الن�ساء يف بلدان‬ ‫متعددة مثل �أملانيا ورو�سيا وال�صني و�إندوني�سيا وراوندا و�سرياليون والبو�سنة والهر�سك كنّ �ضحايا‬ ‫اعتداءات وانتهاكات جن�سية مر ّوعة‪ ،‬مازالت �آثارها النف�سية والإجتماعية باقية حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫عزيزتي القارئة قد تكونني �أنت فع ًال �ضحية لهذه الأعمال ال�شنيعة �أو �أن �إحدى �أفراد عائلتك �أو‬ ‫�إحدى �صديقاتك املق ّربات كن �ضحايا لهذا النوع من االعتداءات يف ال�شهور املا�ضية الع�سرية‪� ،‬أو‬ ‫رمبا �سمعت عن حاالت م�شابهة ح�صلت مع �إحدى ن�ساء احلي الذي تقطنني فيه �أو �إحدى ن�ساء‬ ‫البلدة التي ت�سكنينها‪ .‬يف هذه احلالة‪� ،‬سيكون هذا الكت ّيب كدليل‪ ،‬ت�ستطيعني من خالل �صفحاته‬ ‫حماكاة اجلرح الذي ابتليت به من دون ذنب‪ ،‬و�ستعرفني �أن هناك من يقف �إىل جانبك وجانب‬ ‫إخوتك يف هذا البلد‪ ،‬حماولني قدر الإمكان �إظهار التعاطف الكبري والتف ّهم الأكرب‬ ‫ال�ضحايا من � ِ‬ ‫للأو�ضاع النف�سية واالجتماعية ورمبا الطب ّية التي تعي�شونها‪.‬‬ ‫هذا الكتيب هو حماولة خجولة م ّنا للأخذ بيدك وبيد ال�ضحايا الالتي ال نعرفهنّ ‪ ،‬وخطوة �صغرية‬ ‫م�ساعدتك وم�ساعدتهنّ يف االطالع ب�شكل �شامل وداعم على ظاهرة الإغت�صاب‬ ‫نريد من خاللها‬ ‫ِ‬ ‫‪9‬‬


‫يف �أزمنة احلروب وال�صراعات �سواء علمي ًا �أو نف�سي ًا �أو اجتماعي ًا من جهة‪ ،‬وتقدمي املعلومات التي‬ ‫حتتاجينها من جهة اخرى‪ ،‬حول جوانب خمتلفة من املو�ضوع والتي قد ت�ساعدك وت�ساعدهنّ على‬ ‫تلم�س دروب التعايف النف�سي والبدين ال�صعبة املوجعة‪.‬‬ ‫توجهنا املبا�شر يف هذا الكت ّيب �إىل ال�ضحايا من الن�ساء الالتي قا�سني امل ّر من هذه التجربة‬ ‫رغم ّ‬ ‫ً‬ ‫املرعبة‪� ،‬إ ّال �أن عملنا هذا يحاكي عموما كافة ال�شرائح وك ّل من له اهتمام بهذا املو�ضوع‪.‬‬ ‫احلديث عن هذا املو�ضوع ال يتعلق باجلانب الإن�ساين فح�سب‪ ،‬بل يتعداه لي�أخذ حيز ًا وطني ًا �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫فنحن ل�سنا ب�صدد معاجلة حالة اغت�صاب عاد ّية‪ ،‬بل نحن �أمام حالة اغت�صاب من نوع خا�ص‪ ،‬وهي‬ ‫حالة «االغت�صاب لدوافع �سيا�سية» كون ال�ضحايا تعر�ضنّ ملا تعر�ضنّ له لأ�سباب �سيا�سية مرتبطة‬ ‫بالطبيعة العدوانية وغريالأخالقية ملثل هذا النوع من الأنظمة الديكتاتورية‪ ،‬والتي ت�ستخدم من‬ ‫�ضمن ما ت�ستخدم االعتداءات اجلن�س ّية كنوع من العقاب لقمع ك ّل من يقف يف وجهها‪ ،‬مدركة �أكرب‬ ‫�إدراك ت�أثريه النف�سي واجل�سدي العميقني‪.‬‬ ‫�أعزائي القراء‪ ،‬عزيزتي القارئة‪ ،‬هذا الكت ّيب يت�ض ّمن الكثري من املعلومات التي تغطي جوانب‬ ‫خمتلفة من هذا املو�ضوع ال�شائك‪ .‬نعلم علم اليقني حجم الأ�سى والأمل الذي تتطلبه قراءة هذا‬ ‫لك ولنا ولكل من عانى ويعاين من جرائم هذا النظام املعروفة منها واملخفية‪،‬‬ ‫الكت ّيب بالن�سبة ِ‬ ‫ولكن ك ّلنا �أمل �أن جتدي يف هذا الكتيب النفع واملوا�ساة واملعرفة بامل�شكلة التي قد تكون �أوىل‬ ‫خطوات احلل‪.‬‬ ‫بعد هذه املقدمة �سوف تتعرفني على فريق العمل ومن نحن وماهي �أهدافنا و�آمالنا من هذا الكتيب‬ ‫بالتحديد‪.‬‬ ‫�سن�ستهل الكت ّيب باجلانب الطبي الذي �سيقدم معلومات ق ّيمة عن جملة من الأعرا�ض والعالمات‬ ‫والإر�شادات التي تخ�ص اجل�سد بعد التعر�ض حلوادث على قدر كبري من العنف مثل االغت�صاب‬ ‫واالعتداءات اجلن�سية‪ ،‬مبا يف ذلك التدبريات العالجية الدوائية يف املرحلة املبا�شرة بعد االعتداء‬ ‫ويف املراحل الالحقة التالية وكيفية التعامل معها من الناحية الطبية‪ .‬هذا اجلانب يقدمه الدكتور‬ ‫يا�سر ندمي �سعيد‪.‬‬ ‫يف الف�صل الثاين �سوف ننتقل �إىل اجلانب النف�سي الذي ي�شرح ظاهرة االغت�صاب من وجهة نظر‬ ‫نف�سية‪ ،‬وما ميكن �أن ترتكه من �آثار و�أ�سئلة وحتى �إ�ضطرابات قد ترافق ال�ضح ّية فرتات طويلة‬ ‫من الزمن مما قد ي�ؤثر على قدرتها على التك ّيف والتوازن النف�سي العام‪� ،‬إ�ضافة �إىل احتواء هذا‬ ‫‪10‬‬


‫م�ساعدتك �أو م�ساعدة من‬ ‫الف�صل على عدد من الإر�شادات واخلطوات العملية التي من �ش�أنها‬ ‫ِ‬ ‫تعرفينهم من ال�ضحايا يف تخفيف الآالم وامل�صاعب النف�سية التي قد تتبع �صدمة االغت�صاب‪ .‬هذا‬ ‫اجلانب كتبه الدكتور جمال خليل �صبح‪.‬‬ ‫�أما اجلانب الثالث ف�سوف نخ�ص�صه للحديث عن الآثار االجتماعية حلادثة االغت�صاب‪ ،‬وحلجم‬ ‫عائلتك القريبة والبعيدة وكيفية‬ ‫ال�ضغوط التي قد تتعر�ضني لها ك�ضح ّية وبالتايل �ستتعر�ض لها‬ ‫ِ‬ ‫احل�سا�سة يف جمتمعاتنا العربية والإ�سالمية ومعاجلتها‪ .‬قدمت هذا‬ ‫التعامل مع هذه االنتهاكات ّ‬ ‫اجلانب ب�شيء من التف�صيل الدكتورة خولة احلديد‪.‬‬ ‫والروحي‬ ‫الديني‬ ‫وال�شرعي‪ ،‬حيث ال ن�شك ب�أن العامل‬ ‫الديني‬ ‫نعرج على اجلانب‬ ‫يف اجلانب الرابع �سوف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يلعب دور ًا هام ًا يف جمتمعاتنا‪ ،‬ونظر ًا الرتباط فعل االغت�صاب «كحادث ال �أخالقي» بنواحي فقهية‬ ‫إطالعك على جملة من الآراء الدينية‪ ،‬وذلك يف حماولة للإملام‬ ‫و�شرعية واجتماع ّية عدّة‪ ،‬ف�إن واجبنا �‬ ‫ِ‬ ‫بكافة اجلوانب املتعلقة باملو�ضوع �ضمن الإطار الثقايف والروحاين‪ -‬الديني الذي مييز جمتمعاتنا‪ .‬هنا‬ ‫�آثرنا تقدمي وجهتي نظر ع�سى �أن نفي املو�ضوع قدرا من املو�ضوعية واالختالف يف التناول‪ .‬قدم هذا‬ ‫اجلانب ال�سيدة نوال ال�سباعي وال�سيد ال�شيخ حممد النجار‪.‬‬ ‫�أما اجلانب اخلام�س ف�سوف ي�شرح بع�ض اجلوانب القانونية واحلقوقية التي تتعلق بفعل االغت�صاب‬ ‫كحادثة جرمية وكانتهاك خطري حلقوق الإن�سان‪ .‬هنا بالإ�ضافة �إىل �سرد بع�ض هذه اجلوانب‬ ‫القانونية ميكنك التعرف �إىل احلقوق ال�شخ�صية التي ت�ستطيعني من خاللها مالحقة اجلناة على‬ ‫ال�سوري القادم‪ .‬هذا‬ ‫�سبيل تقدميهم للعدالة‪ ،‬وذلك يف ظل دولة القانون التي نحلم بها يف وطننا‬ ‫ّ‬ ‫اجلانب قدمته ال�سيدة مريا ب�شراقي بالتعاون مع م�س�ؤول اجلانب القانوين يف حترير «�سوريتنا»‪.‬‬ ‫يف اجلانب ال�ساد�س �سيكون هناك وقفة �أدبية يخ�ص هذ املو�ضوع الأليم بكلمات مل�ؤها الدفء‬ ‫والواقعية والدعم الغري حمدودين‪� ،‬سوف ت�سمعني كلمات تذكرك دائما بالقيمة الإن�سانية لروحك‬ ‫وجل�سدك‪ ،‬كلمات نابعة من القلب بال تك ّلف وال حتوير ع�ساها تكون فاحتة مطمئنة تبدئني بها رحلة‬ ‫الأمل يف ا�ستعادة الثقة بالنف�س وحب احلياة‪ .‬قدمت هذا اجلانب الدكتورة �سماح هدايا‪.‬‬ ‫�أما اجلانب الأخري ف�سوف يكون عبارة عن م�ساهمات ق�صرية ل�شخ�صيات لها �صوت يف ال�شارع ال�سوري‬ ‫ن�ساء ورجاال‪� ،‬أرادت م�شاركتنا يف هذا العمل الت�ضامني وم�شارتك م�أ�ساتك عرب الت�أكيد على الإن�سانية‬ ‫يف املواطنة والدين والثورة التي جتمعنا‪ .‬ت�أكيد �آخر �أنكنّ ل�س ّ‬ ‫نت وحدكنّ يف م�صابكم كما ي�شري عنوان‬ ‫الكتيب‪ .‬قدم هذا اجلانب ال�سيدة نائلة من�صور‪ ،‬ال�سيد غ�سان يا�سني وال�سيدة ملكة جزماتي‬ ‫‪11‬‬



‫من نحن‪:‬‬ ‫قبل كل �شيء نحن مواطنات ومواطنون �سوريون‪ ،‬جتمعنا معكم قيم الإن�سانية قبل �أن جتمعنا‬ ‫املواطنة احل ّرة‪ ،‬ن�ؤيد احلراك الثوري ل�شعبنا ال�صامد وهالنا ما �سمعناه وخربناه عن معاناتكن مع‬ ‫جتربة االغت�صابات واالعتداءات اجلن�سية التي طالتكن‪.‬‬ ‫نحن جمموعة من الأخ�صائيات والأخ�صائيني ك ٌل يف جماله‪ ،‬من اخت�صا�صات متعددة كالطب‬ ‫العام والطب ال�شرعي وعلم النف�س وعلم االجتماع واحلقوق وال�شريعة وعلوم الدين‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫وجود «ن�شطاء» و «نا�شطات» �شاركونا رحلة الأمل هذه‪ .‬لقد ارت�أينا القيام بهذه املبادرة و�إ�صدار‬ ‫وحدك» والذي نهدف من خالله �إىل توجيه ر�سالة وا�ضحة لك‬ ‫الكت ّيب الذي يحمل عنوان «ل�ست‬ ‫ِ‬ ‫ولأخواتنا ممن اختارهنّ القدر لهذه التجربة امل ّرة‪ ،‬ر�سالة دعم غري حمدود وال هو مب�شروط‬ ‫لعائالت و�أ�سر ال�ضحايا �أينما كانوا‪ ،‬ونريد الت�أكيد هنا على �أننا ال ننوي تقدمي م�ساهمات مت�شابهة‬ ‫و�آراء واحدة‪ ،‬قد جتدين �إختالفا ما بني جانب و�آخر‪� ،‬إننا نطمح �إىل تقدمي �شيء �شامل وغني‪ ،‬وال‬ ‫نبغي تقدمي �شيء موحد مت�شابه‪.‬‬ ‫ح�سنا الإن�ساين والوطني امل�شرتك و�إمياننا العميق ب�ضرورة‬ ‫ننطلق من م�شروعنا هذا ويدفعنا ّ‬ ‫الوقوف معكن ودعمكن والدفاع عن ق�ضيتكن ب�شتى الطرق وال�سبل‪ .‬ال ننطلق يف م�شروعنا هذا‬ ‫أهداف �سيا�سية معينة‪ ،‬كما �أننا ال نرتبط ب�أية جهة �أو تنظيم �سيا�سي كائن ًا من كان‪ ،‬رغم‬ ‫من �أية � ٍ‬ ‫وقوفنا املبدئي مع ثورة �أبناء البلد �ضد هذا النظام الوح�شي الآيل لل�سقوط‪ .‬نود الت�أكيد على �أننا‬ ‫ال نتكلم با�سمكن وال يحق لنا ذلك‪ .‬نحن نريد م�ساعدتكن عن طريق تقدمي �أكرب و�أ�صدق قدر‬ ‫ممكن من املعلومات حول املو�ضوع الذي يخ�ص حمنتكن‪ ،‬ب�شكل ت�ستطعن فيه اال�ستفادة من جهدنا‬ ‫املتوا�ضع ولو بال�شيء ال�ضئيل على دروب الأمل والتعايف‪.‬‬ ‫فلنبد�أ معا هذه الرحلة ال�شاقة واهلل ويل التوفيق!‪..‬‬ ‫‪13‬‬


14


‫اجلانب الطبي‬ ‫اعتبارات عامة يف حاالت االغت�صاب‪ ،‬ماذا يجب �أن نعلم؟‬ ‫برعايتك‬ ‫معك‪ ،‬ونحن نت�ش َّرف‬ ‫ِ‬ ‫الطبيبات والأطباء ِ‬ ‫يا�سر ندمي �سعيد‬ ‫قد تقولني �أختي امل�صابة لنف�سك‪ :‬ملاذا حدث يل �أنا ذلك؟ هل هو خطئي؟‬ ‫ال لي�س ذلك خط� ِؤك‪ ..‬وقد ت�س�ألني‪ :‬هل كان ميكن �أن �أجتنب ذلك؟‬ ‫ال مل يكن ب�إمكانك جتنب ذلك لأن االغت�صاب هو �أحد و�سائل العنف املعروفة من �أجل ال�سيطرة‬ ‫على النا�س و�إرهابهم و�إ�ضعاف معنوياتهم يف كل احلروب‪.‬‬ ‫مل تختاري �أختي امل�صابة �أن تكوين �ضحية‪ ،‬ومل تكوين لتعرفني �أ�ص ًال �أن ما حدث لك كان �سيحدث‪.‬‬ ‫�أختي امل�صابة‪:‬‬ ‫تق�سم الطبيبات والأطباء يف نهاية تعليمهم وقبل ممار�سة مهنة الطب ال َق َ�سم الطبي ال�شهري‪،‬‬ ‫وي�صبحون ملتزمني به �أخالقي ًا ومهني ًا‪ ،‬وين�ص هذا ال َق َ�سم على بذل �أق�صى عنايتهم يف خدمة‬ ‫املر�ضى وامل�صابني يف جميع الظروف ودون متييز لعرق �أو جن�س �أو دين‪ ،‬كما ين�ص ال َق َ�سم على‬ ‫احلفاظ على �أ�سرار مر�ضاهم التي يطلعون عليها بحكم عملهم‪ ،‬ويحا�سب القانون الطبيبات‬ ‫والأطباء على خمالفتهم لأ�صول و�أخالقيات مهنتهم‪.‬‬ ‫أنت بحاجة لتقرير طبي لتوثيق الإ�صابة‪ ،‬وبحاجة �أي�ض ًا‬ ‫ميكن تلخي�ص كل ما �سي�أتي بثالث جمل‪ِ � :‬‬ ‫لك احل�صول على‬ ‫لبع�ض الأدوية من �أجل الوقاية من الأمرا�ض املعدية واحلمل‪ ،‬ومن الأف�ضل ِ‬ ‫الرعاية الطبية ب�أ�سرع وقت ممكن‪.‬‬ ‫�سيدتي امل�صابة‪ :‬‬ ‫إ�صابتك كما تفعلني حني‬ ‫ميكنك العناية ب�‬ ‫بانتظار ح�ضور الطبيبة �أو الطبيب �أو ذهابك �إليه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج�سمك (الوقاية من النزف والإنتان)‪ ،‬فهذه املناطق امل�صابة ال‬ ‫ت�صابني يف �أي منطقة �أخرى من‬ ‫ِ‬ ‫ج�سمك وهي ت�شفى وتعالج بنف�س الطريقة‪ ،‬و�إن كنا ن�سرتها ونحميها �أكرث‬ ‫تختلف عن غريها يف‬ ‫ِ‬ ‫‪15‬‬


‫من غريها‪ ،‬الغ�سيل باملاء اجلاري النظيف بعد و�ضع املطهرات املعروفة فيه �ضروري و�إذا مل تتوفر‬ ‫املطهرات ميكن ا�ستخدام ال�صابون واملاء اجلاري النظيف‪ ،‬و�إذا كان هناك نزف ميكن و�ضع‬ ‫�شا�ش �أو قطن معقمني �أو �أي قطعة قما�ش نظيفة متوفرة مع ال�ضغط على املنطقة امل�صابة بلطف‬ ‫حتى يتوقف النزف‪.‬‬ ‫خدمتك فال‬ ‫م�صابك الأليم لك ولنا‪ ،‬ونحن هنا يف‬ ‫أنت بحاجة لرعاية �صحية ب�أ�سرع ما ميكن بعد‬ ‫� ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقيك من الإ�صابة‬ ‫ي�ساعدك يف عالج �‬ ‫تت�أخري يف البحث عن طبيب‬ ‫إ�صابتك وو�صف الأدوية التي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫�سيعطيك �أي�ض ًا تقرير ًا طبي ًا يثبت فيه‬ ‫حالتك‪ ،‬الطبيب‬ ‫الالحقة بالأمرا�ض املعدية �أحيان ًا يف مثل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حقوقك الحق ًا (مهما طال الزمن) يف حمكمة عادلة‪ ،‬ولكن‬ ‫إ�صابتك حتى تتمكني من حت�صيل‬ ‫�‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب�شكل عام ميكنني كطبيب متمر�س �أن �أذكرك بهذه االعتبارات‪:‬‬ ‫إذنك‪.‬‬ ‫�سرك ولن يتكلم عن‬ ‫م�صابك مع �أي �أحد �إال ب� ِ‬ ‫ِ‬ ‫• ال داعي للخوف من الطبيب فهو �سيحفظ ِ‬ ‫ميكنك �أن ترف�ضي الفح�ص الطبي وتكتفني حينها بتلقي الرعاية ال�صحية‪.‬‬ ‫•‬ ‫ِ‬ ‫ميكنك اختيار ال�شخ�ص الذي ترينه منا�سب ًا لريافقك يف الفح�ص الطبي‪� ،‬أو ميكنك �أن تذهبي‬ ‫•‬ ‫ِ‬ ‫للفح�ص الطبي وحدك و�سيجد الطبيب ممر�ضة �أو �أية امر�أة منا�سبة �أخرى حل�ضور الفح�ص‬ ‫الطبي‪.‬‬ ‫ميكنك ال�س�ؤال �أثناء الفح�ص الطبي عن �أي �شيء يخطر ببالك‪.‬‬ ‫•‬ ‫ِ‬ ‫• الطبيبة �أو الطبيب املخت�ص يف طب الن�ساء والوالدة �أو الطب ال�شرعي هما الأقدر على تقدمي‬ ‫إ�صاباتك‪ ،‬وقد‬ ‫لك‪ ،‬قد يكون اخت�صا�ص الن�ساء والوالدة هو الأف�ضل يف عالج �‬ ‫ِ‬ ‫الرعاية ال�صحية ِ‬ ‫يكون الطبيب ال�شرعي هو الأف�ضل يف �إثبات وجود الإ�صابة ولكن �أي واحد منهما �سيفي بالغر�ض‬ ‫يف حال مل يتوفر �سواه‪ ،‬ويف حال مل يتوفر هذين االخت�صا�صني ف�إن �أي طبيبة �أو طبيب متوفر‬ ‫لك �أن يفح�صك الطبيب بكل الأحوال ومهما م َّر من وقت‬ ‫�سي�ساعدك قدر ا�ستطاعته‪ .‬من املهم ِ‬ ‫ِ‬ ‫إ�صابتك‪.‬‬ ‫على �‬ ‫ِ‬ ‫ميكن يف هذا ال�سياق القول �أي�ضا‪:‬‬ ‫ملكك وميكنك االحتفاظ به‪ ،‬كما ميكنك �إيداعه‬ ‫لك الطبيب هو ِ‬ ‫�إن التقرير الطبي الذي يكتبه ِ‬ ‫كنت خائفة من االحتفاظ به والطبيب‬ ‫عند الطبيب �أو �إيداع ن�سخة ثانية منه عنده ك�أمانة �إذا ِ‬ ‫لك مهما‬ ‫إذنك‪ .‬هذا التقرير الطبي مهم ِ‬ ‫�سيحفظ هذا التقرير ولن ي�ستخدمه �أو يت�صرف به �إال ب� ِ‬ ‫ميكنك ذلك لالقت�صا�ص‬ ‫لك حقوق ال متوت ويجب �أن تطالبي بها عندما‬ ‫ِ‬ ‫مر عليه من زمن لأن ِ‬ ‫‪16‬‬


‫بك ب�سببهم‪ ،‬ولذلك ا�سمحي للطبيب‬ ‫وتعوي�ضك عن �‬ ‫من املعتدين املجرمني‬ ‫إ�صابتك التي حلقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫لك يف امل�ستقبل كثريا لأن معامل‬ ‫إ�صاباتك كلها و�ضم ال�صور �إىل‬ ‫بت�صوير �‬ ‫تقريرك فهذا مفيد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بت�صويرك‬ ‫الإ�صابات قد تختفي مبرور الوقت حني ت�شفى الإ�صابات‪ ،‬واعلمي �أن الطبيب لن يقوم‬ ‫ِ‬ ‫مبوافقتك �أو ًال‪.‬‬ ‫�إال‬ ‫ِ‬ ‫إ�صابتك‪.‬‬ ‫حالتك لن يتجاوز م�شاهدة �‬ ‫ال داعي للخوف من فح�ص الطبيب فالفح�ص يف مثل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفح�ص غري م�ؤمل وغري مزعج لأن الطبيب لن ي�ستخدم �أدوات مزعجة �أو م�ؤملة �أبد ًا‪ ،‬وكل ما‬ ‫ي�ستخدمه الطبيب يف حالتك هو ال�ضماد املطهر لتنظيف اجلروح �إن وجدت‪ ،‬وما�سحات رفيعة‬ ‫ناعمة لأخذ م�سحات غري م�ؤذية للتحليل املخربي �أحيان ًا‪.‬‬ ‫ال ميكن للطبيب الت�أكد من وجود �أمرا�ض معدية عند املعتدين املجرمني ولكن الطبيب يتعامل‬ ‫مع االحتمال الأ�سو�أ ال ق َّدر اهلل‪ ،‬و�سيفرت�ض �أن املعتدين املجرمني م�صابون بكل الأمرا�ض املعدية‬ ‫لك الطبيب عدة �أدوية كي تتناوليها عن طريق الفم وهي �أدوية ب�سيطة‬ ‫املعروفة‪ ،‬ولذلك �سي�صف ِ‬ ‫و�سليمة ومتوفرة ورخي�صة الثمن وت�ؤخذ مرة واحدة فقط �أو مرتني على الأكرث فقط وهي كافية‬ ‫لوقايتك ب�إذن اهلل من كل الأمرا�ض املعدية املمكن حدوثها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال ميكن للطبيب �أن يخ ِّمن �إذا كان �سيح�صل حمل ال ق َّدر اهلل �أو ال‪،‬ولكن الطبيب �سيفرت�ض‬ ‫لك نوع ًا من الدواء املانع للحمل‪ ،‬وهو ال يختلف عن‬ ‫االحتمال الأ�سو�أ هنا �أي�ض ًا ولذلك �سي�صف ِ‬ ‫ؤذيك هذا الدواء يف حال مل يكن‬ ‫الأدوية املانعة للحمل التي تعرفها كل الن�ساء �إال بجرعته‪ ،‬ولن ي� ِ‬ ‫كنت متزوجة �أم ال‪.‬‬ ‫إجنابك الأوالد يف امل�ستقبل �أي�ض ًا �سواء ِ‬ ‫هناك حمل �أ�ص ًال ولن ي�ؤثر على � ِ‬ ‫عزيزتي القارئة‪ ،‬دعيني هنا �أورد بع�ض الأمور التي لها عالقة ببع�ض االعتبارات يف خ�صو�ص‬ ‫الأدوية‪:‬‬ ‫الأدوية الواقية من الأمرا�ض املعدية هي‪:‬‬ ‫‪� - 1‬إن تناول حبوب مرتونيدازول (فالجيل) عن طريق الفم مبا يعادل ‪ 2‬غرام بجرعة واحدة‬ ‫(مرة واحدة) يقي من مر�ضني (داء املهبل اجلرثومي‪ ،‬وداء امل�شعرات يف املهبل �أو يف الإحليل)‪.‬‬ ‫‪� - 2‬إن تناول حبوب �سيربوفلوك�سا�سني (�سيربو) عن طريق الفم مبا يعادل ‪ 500‬ملغ بجرعة واحدة‬ ‫(مرة واحدة) يقي من مر�ض ثالث �آخر (ال�سيالن البني‪ :‬التهاب عنق الرحم �أو التهاب امل�ستقيم)‪.‬‬ ‫‪� - 3‬إن تناول حبوب �أزايرتوماي�سني عن طريق الفم مبا يعادل ‪ 1‬غرام بجرعة واحدة (مرة واحدة)‬ ‫يقي من مر�ض رابع �آخر(التهاب عنق الرحم �أو التهاب م�ستقيم بالكالميديا)‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫‪ - 4‬ميكن تناول جميع احلبوب ال�سابقة مع بع�ضها البع�ض (خالل اليوم نف�سه) دون حدوث‬ ‫اختالطات‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ميكن تناول جميع الأدوية ال�سابقة باجلرعات االعتيادية اليومية (بد ًال من اجلرعة الواحدة‬ ‫الكبرية) �شريطة �أن ي�ستمر العالج مدة ‪� 7‬أيام‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الوقاية من الكزاز والتهاب الكبد الإنتاين البائي عن طريق اللقاح اخلا�ص بكل منهما (التلقيح‬ ‫كنت قد بد� ِأت به ومل تكمليه)‪ ،‬يجب �أن‬ ‫كنت غري ملقحة من قبل �أو ا�ستكمال جرعات اللقاح �إذا ِ‬ ‫�إذا ِ‬ ‫ميكنك اال�ستفادة من لقاح التهاب الكبد الإنتاين‬ ‫ت�ستفيدي من لقاح الكزاز ب�أ�سرع ما ميكن‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬ ‫البائي خالل ‪� 3‬أ�سابيع من وقوع احلادث‪.‬‬ ‫�أما بخ�صو�ص �إمكانية حدوث احلمل وا�ستعمال الأدوية فهناك بع�ض االعتبارات التي يجب االنتباه‬ ‫لها‪:‬‬ ‫• �إذا كان فح�ص احلمل (فح�ص البول) �إيجابي ًا خالل �أ�سبوعني من وقوع احلادث فهذا يعني �أن‬ ‫احلمل حدث قبل االغت�صاب‪.‬‬ ‫• �إذا كان فح�ص احلمل (فح�ص البول) �إيجابي ًا بعد �أ�سبوعني �أو �أكرث من احلادث فقد تكونني حام ًال‬ ‫�أي�ض ًا قبل احلادث �أو نتيجة احلادث‪ ،‬ويف هذه احلالة الإيكو هو الذي يحدِّد عمر احلمل بدقة‪.‬‬ ‫يوجد نوعان من حبوب منع احلمل وميكن ا�ستخدام �أي منهما‪ ،‬وحتتوي احلبة يف �أحدهما على ‪50‬‬ ‫ميكروغرام ا�سرتاديول‪� ،‬أو على ‪ 0.75‬ملغ بروج�ستني يف النوع الآخر ح�سب نوع احلبة‪� .‬إن الوقاية‬ ‫من احلمل �أف�ضل دائم ًا من حدوث احلمل والتعر�ض ملحاولة �إجها�ضه‪.‬‬ ‫• تناويل حبتني من �أحد مانعي احلمل املذكورين عن طريق الفم مرتني بفا�صل ‪� 12‬ساعة بينهما‬ ‫(املجموع ‪ 4‬حبات)‪ ،‬وذلك ب�أ�سرع ما ميكن خالل مرور ثالثة �أيام بعد االعتداء (الأف�ضل خالل‬ ‫‪� 12‬ساعة بعد حدوث االعتداء)‪.‬‬ ‫• قد يحدث غثيان و�إقياء وهو �أثر جانبي �سليم لذلك يف�ضل تناول م�ضاد �إقياء (برميبريان حب‬ ‫عن طريق الفم) قبل تناول حبوب منع احلمل‪.‬‬ ‫• ال تن�سي �أختي امل�صابة �أن التقرير الطبي الذي �ستح�صلني عليه فيه �إثبات قانوين بحدوث متزق‬ ‫لك يف امل�ستقبل‪ ،‬فالكثري من البنات والن�ساء قد‬ ‫غ�شاء البكارة �أحيان ًا (�إن حدث ذلك) وهذا مفيد ِ‬ ‫يحدث لهن متزق يف غ�شاء البكارة نتيجة احلوادث مثل حادث ال�سري �أو حادث ال�سقوط من علو‬ ‫ويح�صلن على تقرير طبي م�شابه‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫عزيزتي القارئة‪:‬‬ ‫قد يخطر على بالك مر�ض نق�ص املناعة املكت�سب �أو ما يعرف ب»الإيدز»‪ ،‬هنا �أتفهم القلق الذي‬ ‫ينتابك ولكنني �أقول لك مايلي‪:‬‬ ‫مر�ض الإيدز غري �شائع يف �سورية‪ ،‬ولكن جمرد التفكري باالحتمال ال�ضعيف جد ًا للإ�صابة به ال‬ ‫ق َّدر اهلل‪ ،‬يجعل الطبيب حري�ص ًا على و�صف الدواء الواقي منه ولو كان غايل الثمن و�صعب التوفر‬ ‫غالب ًا‪ ،‬وهو الدواء الوحيد الذي يحتاج مدة طويلة لتناوله (حوايل ال�شهر)‪.‬‬ ‫�أما الأدوية التي تقي من مر�ض الإيدز فهي‪:‬‬ ‫يبد�أ �إعطاء الدواء خالل �ساعات بعد االعتداء اي �أقل من ‪� 24‬ساعة (وال يعطى الدواء بعد مرور‬ ‫‪� 36‬ساعة بعد االعتداء)‪ .‬يتم تناول نوعني من الدواء مع بع�ضهما البع�ض‪:‬‬ ‫زايدوفودين (عيار ‪ 300‬ملغ) حبة واحدة عن طريق الفم مرتني يف اليوم بفا�صل ‪� 12‬ساعة بينهما‬ ‫‪ +‬الميفودين (عيار ‪ 150‬ملغ) حبة واحدة عن طريق الفم مرتني يف اليوم بفا�صل ‪� 12‬ساعة بينهما‬ ‫(املجموع ‪ 4‬حبات يومي ًا) ويجب تناول الدواءين ملدة ‪ 28‬يوم ًا‪.‬‬ ‫وختام ًا‪:‬‬ ‫�سيدتي القارئة هناك �أوهام كثرية ِّ‬ ‫تع�ش�ش يف عقول النا�س حول االغت�صاب ومنها �أن املر�أة ال ميكن‬ ‫اغت�صابها �إذا كانت ال ترغب بذلك‪ ،‬وهذا غري �صحيح لأن اخلوف من الإيذاء واملوت هو من طبيعة‬ ‫كاف كي ت�ست�سلم املر�أة كما ي�ست�سلم الرجال �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫الب�شر وهو ٍ‬ ‫لك �أنه مازال يحبك رغم‬ ‫يلومك �أو من يقول ِ‬ ‫ّقك �أو من ال ِ‬ ‫قد ال جتدين �أختي امل�صابة من ي�صد ِ‬ ‫كل ما حدث‪ ،‬ولكن هذا كله متوقع لأن الأقرب �إليك من النا�س �سي�شعرون ب�أن االغت�صاب موجه‬ ‫لهم �أي�ض ًا و�سي�شعرون بالعجز �أي�ض ًا عن �صدِّ ه و�سيبحثون عمن يع ِّلقون عليه عجزهم وف�شلهم‪ ،‬ومع‬ ‫يدعمك ويتعاطف معك ب�صدق فاحلياة ال تخلو من النا�س ال�صاحلني‪.‬‬ ‫ذلك ال بد �أن جتدي من‬ ‫ِ‬ ‫ال يعني ال�شفاء �أن تن�سني كل ما حدث مع مرور الوقت‪ ،‬ولكنك �ستجدين طريقة للتعاي�ش مع ما‬ ‫لك واال�ستمرار باحلياة و�ستجدين من ي�ساعد ج�سدك ونف�سك على ا�ستعادة الإح�سا�س‬ ‫حدث ِ‬ ‫بالأمان حتى بني الأطباء والطبيبات والعاملني يف املجال ال�صحي عموم ًا‪ ،‬فهناك طرق عالجية‬ ‫لكل ما جتدينه �صعب ًا وال ميكن التخل�ص منه‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫لقد �أظهر بع�ض الأطباء والطبيبات خالل الثورة ال�سورية خيانة ملبادئ مهنتهم الأخالقية وجلبوا‬ ‫العار لأنف�سهم وهم ير�ضخون للنظام الفا�سد وامل�ستبد واملجرم‪ ،‬ولكن مقابل ذلك ف�إن ق�سم ًا‬ ‫كبري ًا من الطبيبات والأطباء �أظهروا �شجاعة نادرة والتزام ًا كبري ًا بدورهم الإن�ساين وقدموا‬ ‫ومازالوا ت�ضحيات كبرية بحياتهم وحريتهم من �أجل الدفاع عن حقوق املر�ضى وامل�صابني‪ ،‬وه�ؤالء‬ ‫لك فال ترتددي يف طلب‬ ‫معك يف‬ ‫حمنتك وتقدمي كل �أ�شكال امل�ساعدة املمكنة ِ‬ ‫ِ‬ ‫م�ستعدون للوقوف ِ‬ ‫أم�س احلاجة لها‪.‬‬ ‫امل�ساعدة منهم ف� ِ‬ ‫أنت ب� ِّ‬ ‫ختاما حتية طيبة لك و�أرجو �أن �أكون وفقت يف تقدمي بع�ض املعلومات الطبية التي ميكن �أن‬ ‫ت�صحح بع�ض الأفكار ال�شائعة املتعلقة بهذا احلدث الكبري‪.‬‬ ‫ت�ساعدك يف حمنتك والتي ميكن �أن ّ‬

‫‪20‬‬


‫الآثار النف�سية التالية لالغت�صاب وكيفية التعامل منها‬ ‫جمال خليل �صبح‬ ‫وال جتزع حلادثة الليايل فما حلوادث الدنيا بقا ُء‬ ‫(الإمام ال�شافعي)‬ ‫عزيزتي القارئة‪ ،‬هنا �سوف تتعرفني على املو�ضوع من وجهة نظر نف�سية‪ .‬هذا اجلانب يت�ضمن‬ ‫نقاطا مهمة لك منها الآثار النف�سية املبا�شرة والبعيدة ومعنى ال�صدمة النف�سية وكيفية التعرف‬ ‫�إليها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ملحة عن اال�ضطرابات وال�صعوبات النف�سية التي ميكن �أن تظهر ج ّراء التعر�ض‬ ‫تعر�ضت له �أو كالذي تعر�ضن له مئات ورمبا �آالف من ال�ضحايا‬ ‫�إىل حادث عنيف و�صادم كالذي‬ ‫ِ‬ ‫الأبرياء‪ .‬و�أخري ًا �سوف �أحاول عر�ض بع�ض الأفكار التي ت�ساعد على التخفيف من الأمل النف�سي‬ ‫متخ�ص�صة يف‬ ‫الكبري الذي تعانينه يف ظل غياب �أو �صعوبة الو�صول �إىل مراكز ت�أهيلية وعالجية‬ ‫ّ‬ ‫الوقت احلا�ضر‪.‬‬ ‫عزيزتي القارئة‪� ،‬أظ ّنك تعلمني �أنّ اجل�سد والنف�س وجهان �أ�سا�سيان حلالتنا الوجودية‪ ،‬فغالب ًا‬ ‫ما يت�أثر ج�سدنا مبا منر به من �أوقات نف�سية ع�صيبة و�ضاغطة‪ ،‬باملقابل ميكن �أن تت�أثر حاالتنا‬ ‫النف�سية والعاطفية بالأو�ضاع امل�ؤملة التي ت�صيب اجل�سد من �أذيات ور�ضو�ض نتيجة اعتداءات قد‬ ‫تطاله‪ ،‬و�أظنك تعرفني حجم امل�أ�ساة الناجمة عن حادثة االغت�صاب لأ�سباب �سيا�سية بذاتها كونها‬ ‫متثل �أعلى درجات االعتداء على اجل�سد والنف�س يف �آن واحد‪ ،‬من هنا ميكن القول ب�أن االغت�صاب‬ ‫هو فع ًال غاية االنتهاك النف�سي واجل�سدي و�إنه ي�ش ّكل جروح ًا نف�سية م�ؤملة للغاية تدل عليها كلمة‬ ‫ال�صدمة النف�سية �أو الر�ضى النف�سي ب�شكل عام‪ .‬قبل التعرف على املعنى الدقيق لكلمة «�صدمة»‬ ‫وطريقة �إ�ستجاباتنا الطبيعية لها‪ ،‬ومن �أجل فهم �أف�ضل للآثار النف�سية املحتملة علينا �أوىل �أن نبد�أ‬ ‫بالتع ّرف على ردود الأفعال النف�سية التي ميكن �أن تظهر �أثناء �أو بعد التع ّر�ض للحادث مبا�شرة‪.‬‬ ‫الآثار النف�سية املبا�شرة‬ ‫وح�سا�س من كياننا‬ ‫�أول ما يثريه احلادث هو اخلوف ال�شديد لأن طبيعة احلدث تتعلق بجانب خا�ص ّ‬ ‫النف�سي واجل�سدي‪� .‬إن اجلن�س واملناطق املرتبطة به لها خ�صو�صية عالية ولأ�سباب عديدة �أهمها‬ ‫‪21‬‬


‫ارتباطه بال�شرف الفردي والعائلي ب�شكل �ضاغط‪ .‬يرافق حادثة االغت�صاب �شعور كبري باملهانة‬ ‫ملا يرافقه من �إح�سا�س �أكرب بفقدان الكرامة والطريقة ال�سيئة والوح�شية التي يعامل بها اجلناة‬ ‫�ضحاياهم وما تت�ضمنها من �سباب و�شتائم بذيئة‪ .‬هذا الو�ضع املرعب يخلق حالة من الذهول‬ ‫وال�شعور بتوتر وا�ضح يف اجل�سد مع ت�شتت فكري كبري‪ ،‬لدرجة ال ت�ستطيعني معها تذكر ما قد‬ ‫املرجح �أن تدوم هذه الأعرا�ض‬ ‫ح�صل لك بال�ضبط‪ ،‬مع �أنك ع�شت احلدث امل�ؤمل بتفا�صيله‪ .‬من ّ‬ ‫أنك على و�شك‬ ‫واال�ستجابات ل�ساعات �أو �أيام حتى بعد انتهاء احلادثة املرعبة مع الإح�سا�س وك� ِ‬ ‫الإنفجار يف وجه �أي �شخ�ص �أمامك حتى ولو كان من املقربني لك يريد م ّد يده للم�ساعدة‪ .‬من‬ ‫املرجح �أي�ضا �أن ت�شعري ب�شيء مياثل االنهيار الع�صبي التام والبكاء ب�شكل حاد وحتى الغياب عن‬ ‫ّ‬ ‫الوعي لفرتة من الزمن قد تطول ح�سب �شدة املوقف‪ ،‬هذه اال�ستجابات التي ذكرتها حتدث عند‬ ‫الغالبية العظمى من الن�ساء اللواتي تعر�ضن لالغت�صاب �أثناء وبعد احلادث بزمن ق�صري ومبا�شر‪،‬‬ ‫والآن لنتحدث قليال عن ال�صدمة النف�سية الناجتة عن التعر�ض للحادث مبعناها العلمي الدقيق‪.‬‬ ‫ماذا نق�صد بال�صدمة النف�سية بال�ضبط؟‬ ‫ال ميكن تعداد احلوادث ال�صادمة جميعها ولكن نذكر على �سبيل املثال التعر�ض للكوارث الطبيعية‬ ‫من زالزل وبراكني ومعا�شية وظروف ال�صراعات واحلروب الأهلية و�آثارها من التهجري الق�سري‬ ‫واللجوء‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل التع ّر�ض للمالحقة وال�سجن والتعذيب واملوت املفاجىء لأحد املقربني �أو‬ ‫الأخوة‪� ،‬أو الوقوع �ضحية لأعمال اخلطف �أو م�شاهدة �أعمال القتل‪ ،‬ومعاي�شة الق�صف و�إطالق‬ ‫النار هي حوادث �صادمة من الناحية النف�سية‪ ،‬حتى حوادث ال�سيارات واالعتداءات البدنية ميكن‬ ‫�إدراجها بكل ت�أكيد �ضمن احلوادث ال�صادمة على امل�ستوى النف�سي‪ ،‬ولكن ميكننا �أن نقول ب�أن‬ ‫التعر�ض لالغت�صاب وخا�صة لأ�سباب �سيا�سية يف �أزمنة احلروب وال�صراعات وقمع االنتفا�ضات‬ ‫والثورات ال�شعبية هو بحق �أق�سى �أنواع ال�صدمات النف�سية التي ميكن �أن يتعر�ض لها الن�ساء‬ ‫و�أكرثها �إيالم ًا‪.‬‬ ‫كلمة �صدمة جاءت من الأ�صل الالتيني وتعني «اجلرح» وبهذا املعنى ت�شري ال�صدمة النف�سية‬ ‫ب�أب�سط معانيها �إىل جرح معنوي �أو نف�سي كبري وم�ؤمل نتيجة مرورنا بحادث يفوق قدرتنا على‬ ‫املواجهة‪ .‬ال�صدمة النف�سية تعني بب�ساطة معاي�شة حدث ما يتميز ب�أ�شياء ثالثة‪:‬‬ ‫• �إنه على درجة كبرية من التهديد للذات‬ ‫• يت�سبب احلادث بحالة من اخلوف ال�شديد والإح�سا�س العايل بالرعب‬ ‫‪22‬‬


‫• ينتج عنه �إح�سا�س بفقدان ال�سيطرة والتحكم باملوقف مع ال�شعور بالعجز التام‬ ‫�إذ ًا ومبا �أن الإغت�صاب هو فعل مهدِّ د وخميف �إىل حد كبري وال متلك ال�ضحية معه �إمكانية للمقاومة‬ ‫�أو الهرب (التحكم باملوقف) يف غالب الأحيان فهو �إذا حدث �صادم قد ي�ؤدي بدرجة كبرية �إىل‬ ‫تط ّور �إ�ستجابات �سلوكية وعاطفية حمددة تعرف من الناحية الطبية النف�سية با�ضطراب ال�شدة‬ ‫النف�سية ما بعد ال�صدمة‪ ،‬وهو ا�ضطراب نف�سي معروف وله �أعرا�ض وعالمات حمددة وميكن‬ ‫التع ّرف عليه‪ ،‬كما �ستجدين الحقا‪.‬‬ ‫لل�صدمة النف�سية‬ ‫الأعرا�ض الأ�سا�سية ّ‬ ‫اقتحام جوانب احلادثة ل�ساحة ال�شعور ب�شكل ق�سري‬ ‫• هنا يحدث �أن تقتحم جوانب معينة من احلادثة �شعورنا بطريقة فجائية خميفة ومزعجة وب�شكل‬ ‫قا�س ال ن�ستطيع معه ال�سيطرة عليها حتى لو كنا الآن يف مكان �آمن نوعا ما‪ .‬هذه االقتحامات تظهر‬ ‫ب�أ�شكال متعددة قد تكون احيانا على �شكل ذكريات و�أفكار فجائية حول جوانب معينة من احلادثة‪،‬‬ ‫وقد تكون على �شكل �صور ب�صرية ذهنية نراها وا�ضحة �أمامنا ك�أنها حية يف احلا�ضر‪.‬‬ ‫• يف �أحيان �أخرى قد تداهمنا روائح تتعلق ب�أ�شخا�ص اجلناة �أو حتى املكان الذي تعر�ضنا له‬ ‫لهذه التجربة القا�سية‪ .‬قد تظهر كل هذه الأ�شياء �أثناء النوم على �شكل كوابي�س و�أحالم مزعجة‬ ‫ومرعبة‪ ،‬وقد حتتوي �صورا وا�ضحة عن حادثة الإغت�صاب ولكن قد تكون غري حمددة املعامل‬ ‫وت�شعل فينا خوفا حقيقيا ورعبا كبريا �أثناء النوم‪.‬‬ ‫• �أما ال�شيء الأكرث غرابة فهو تلك احلاالت التي ن�شعر خاللها وك�أننا يف قلب املوقف ال�صادم يف‬ ‫املا�ضي وب�أننا نتعر�ض لالغت�صاب جمددا يف هذه اللحظة‪ .‬هذه الظاهرة تعرف يف علم النف�س‬ ‫بظاهرة “الفال�شباك” والتي عبارة عن �صور رجعية قدمية عن احلادث تظهر يف عقولنا ب�شكل‬ ‫مفاجىء ومرعب وك�أننا نعاود معاي�شته الآن‪ .‬هذه ال�صور حتمل نف�س مكونات الرعب واخلوف التي‬ ‫عاي�شناها يف ال�سابق �أثناء اخلربة ال�صادمة‪.‬‬ ‫ال�سلوك التجنبي �شديد الو�ضوح‬ ‫• لوحظ عند �أغلب من تعر�ضن لتجربة االغت�صاب �إبتعادا وا�ضحا عن كافة الأن�شطة الإجتماعية‬ ‫وامليل �إىل العزلة الكبرية من الناحية االجتماعية‪ .‬هنا قد ت�شعرين بنف�سك مبتعدة عن املحيط‬ ‫االجتماعي وعن الأ�شخا�ص وكل ما ميكن �أن يرتبط بحادثة االغت�صاب حتى �أولئك الأ�شخا�ص‬ ‫الذين ميكن �أن يذكروك باحلادثة تقومني بتجنبهم ب�شكل وا�ضح‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫• قد ت�شعرين �أي�ضا بحاجة ملحة لتجنب كل الأفكار والأحا�سي�س والأحاديث والأماكن املرتبطة‬ ‫باحلدث وتفا�صيله‪ ،‬مع مالحظة عدم قدرتك على تذكر جوانب معينة �أو تفا�صيل من احلادث‪.‬‬ ‫• من املرجح �أن ت�شعرين بنوع من فقدان الأحا�سي�س �أو نوع من اخلدر العاطفي ال ت�ستطيعني فيه‬ ‫�إظهار عواطفك من فرح وحزن واندها�ش وما �شابه‪.‬‬ ‫• هذه احلالة ت�شعرك وك�أنك غريبة وبعيدة كل البعد عن حميطك وعن نف�سك �أي�ضا‪ ،‬كذلك‬ ‫قد ت�شعرين ب�أن امل�ستقبل لي�س له قيمة و�أن حياتك �أ�صبحت بال معنى و�أنك لن ت�ستطيعي العودة‬ ‫حلياتك الطبيعية التي كنتيها قبل احلادث من عمل �أو عالقة �أو حتى درا�سة‪� ،‬إذا بب�ساطة تقومني‬ ‫بتجنب كبري وابتعاد عميق عن كل ما ميكن �أن ميت ب�شيء �إىل اخلربة التي ع�شتيها �أو جوانبها منها‬ ‫وقد يحدث ذلك ب�شكل ال �إرادي وغري �شعوري �أي�ضا‪� .‬إن التجنب اليومي لكل هذه الأ�شياء والأفكار‬ ‫والأ�شخا�ص والأماكن قد يكون حالة دفاعية حلماية الذات من اخلوف ال�شديد الذي ت�سببه �أو‬ ‫�سببته بع�ض جوانب ال�صدمة ذاتها‪.‬‬ ‫توتر بدين ونف�سي وا�ضحان وت�شتت يف الرتكيز والذاكرة‬ ‫• االغت�صاب حدث عميق و�صادم وي�ؤثر على �إيقاع ون�سق احلياة اليومية بالت�أكيد‪.‬‬ ‫• قد ت�شعرين بعد احلادث ب�صعوبة كبرية يف النوم‪.‬‬ ‫• قد ت�شعرين �أو ي�شعر املحيطني بك �أنك �أ�صبحت �أكرث توترا وع�صبية وميكنك �أن تنفجري‬ ‫بالغ�ضب يف �أية حلظة ولأتفه الأ�سباب مع �صعوبات وم�شاكل وا�ضحة يف الرتكيز واالنتباه يف احلياة‬ ‫اليومية‪ ،‬مثال قد ال ت�ستطيعني متابعة حمادثة معينة �أو �صوت التلفاز �أو حتى �ضجة خفيفة من‬ ‫اخلارج‪.‬‬ ‫• قد ت�شعرين �أي�ضا ب�أن ج�سدك يف حالة متوترة ب�شكل دائم‪ ،‬و�أن جفافا �شبه دائم يالزمك يف‬ ‫احللق �أو رع�شة يف اليدين‪.‬‬ ‫كل هذه امل�ؤ�شرات تعرب عن احلالة النف�سية والع�صبية ال�صعبة التي مترين بها عموما‪ ،‬كما �أنها‬ ‫تعرب عن الآثار النف�سية الكبرية التي تركتها حادثة االغت�صاب على روحك وج�سدك‪.‬‬ ‫�إذا وب�شكل خمت�صر تعترب العالمات والأعرا�ض التالية مه ّمة يف التع ّرف على ال�صدمة النف�سية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬اقتحام جوانب احلادثة ل�ساحة ال�شعور ب�شكل ق�سري ومزعج‬ ‫‪ - 2‬بالإ�ضافة ل�سلوك جتنبي �شديد الو�ضوح بكل ما يتعلق بجوانب احلادث‬ ‫‪24‬‬


‫‪ - 3‬وتوتر نف�سي وبدين وا�ضحني وت�شتت فكري عام‬ ‫هذه امل�ؤ�شرات الأ�سا�سية هي التي تخربنا ب�أن حادثة االغت�صاب قد تركت ب�صماتها جلية على‬ ‫النف�س واجل�سد وبطريقة ميكن القول عنها علميا �أنها متثل ا�ضطراب ال�شدة النف�سية ما بعد‬ ‫ال�صدمة‪ .‬من املهم القول ب�أن هذه الأعرا�ض قد تنتظر وال تظهر مبا�شرة بعد التعر�ض للحادث‪،‬‬ ‫�أحيانا تظهر بعد م�ضي �شهور وحتى �سنوات على مرور احلادث‪ ،‬وميكن �أن تظهر عند الأطفال‬ ‫واليافعني �أي�ضا ولكنها تكون بطريقة مغايرة نوعا ما ملا هي عليه احلال عند الكبار من ال�ضحايا‪.‬‬ ‫للأ�سف قد يحدث ان تظهر ا�ضطرابات و�أعرا�ض �أخرى م�صاحبة ولتزيد الهم والأمل والذي‬ ‫تعي�شينه‪ ،‬تلك احلالة التي ال تعبرّ �إال عن �ضغط نف�سي �شديد تعانينه جراء احلادث وتداعياته‬ ‫النف�سية واالجتماعية �أي�ضا كما �سرتين يف اجلانب االجتماعي املخ�ص�ص لذلك‪.‬‬ ‫لنتعرف الآن �إىل �أهم هذه الآثار النف�سية التي ميكن �أن تظهر مبفردها �أو مب�صاحبة ا�ضطراب‬ ‫ال�شدة النف�سية ما بعد ال�صدمة‪.‬‬ ‫الآثار النف�سية الأخرى التي ميكن �أن تظهر بعد التعر�ض لالغت�صاب‬ ‫االكتئاب وال�سوداوية والإح�سا�س الدائم بالعجز والي�أ�س‬ ‫• ال �شك �أنك �سمعت �أو حتى اختربت م�شاعر احلزن العميقة التي ميكن �أن تنتج عن خ�سارة‬ ‫غري متوقعة �أو فقدان لأحد الأحبة �أو موت �أحد الأ�شخا�ص املقربني‪ .‬م�شاعر احلزن هذه قد تكون‬ ‫طبيعية وتتنا�سب مع املواقف ال�صعبة الذي مير بها الإن�سان عموما ونحن بحاجة لها على كل حال‪،‬‬ ‫ولكن يف حاالت اخل�سارة الكبرية والأمل الكبري الذي ت�سببه حادثة مرعبة كاالغت�صاب فعلى الأرجح‬ ‫�أن م�شاعر احلزن هذه قد تتفاقم وت�صبح م�سيطرة ب�شكل كبري على جممل حاالتنا النف�سية ككل‪.‬‬ ‫احلزن وال�سوداوية والتفكري الت�شا�ؤمي وفقدان الأمل والبهجة يف احلياة بالإ�ضافة �إىل �إح�سا�س‬ ‫كبري بالذنب وم�شاعر كره الذات وت�أنيبها هي م�ؤ�شرات على ت�سلل االكتئاب �إىل دواخلنا‪.‬‬ ‫• لي�س هذا فح�سب بل قد جتدين نف�سك بال طاقة وال رغبة للقيام ب�أية �أعمال �أو ن�شاطات كنت‬ ‫تقومني بها قبل احلادثة‪ .‬ميكن �أي�ضا �أن ت�ضطرب عمليات الأكل والنوم ب�شكل كبري‪ ،‬و�أحيانا ال‬ ‫ت�ستطيعني النوم وتبقني متيقظة طوال الليل �أو تقومني من النوم يف �ساعات مبكرة عند الفجر دون‬ ‫احل�صول على �إح�سا�س بالكفاية من النوم والراحة‪ .‬قد تالحظني �أنك بد�أت تفقدين وزنك �شيئا‬ ‫ف�شيئا وب�شكل يت�ساير مع عدم الرغبة يف الأكل واالمتناع عن الطعام‪ .‬قد ت�سيطر علينا �أي�ضا �أفكار‬ ‫�سوداوية تتعلق باملوت والرغبة يف عدم احلياة ال بل والتفكري بالقيام بعمل ي�ضع حدا للمعاناة التي‬ ‫‪25‬‬


‫نحن فيها‪� ،‬أفكار انتحار �أو قتل النف�س ال قدّر اهلل‪.‬‬ ‫• االكتئاب يرتافق على الأغلب مع عزلة تبتعدين فيها عن النا�س �إجتماعيا وتف�ضلني االنزواء‬ ‫وعدم االختالط لفرتات قد تكون طويلة ومتعبة‪� .‬إن االكتئاب هو وقود البكاء وحمركه لذلك فال‬ ‫عجب من وجود رغبة جاحمة بالبكاء ت�شعرين بها طوال الوقت‪ .‬قد تكون هذه الرغبة مرافقة �أثناء‬ ‫النهار ولكنها تكون �أكرث يف فرتات الليل حني ت�سرح الأفكار بنا يف جهات �سلبية عدة‪.‬‬ ‫�سيطرة املخاوف والقلق العام‬ ‫• هنا نحن ال نتحدث عن تعميق خماوف قدمية لدينا ولكن �أي�ضا هناك احتمال كبري لظهور‬ ‫خماوف جديدة لدينا‪� .‬إن حادثة االغت�صاب بحد ذاتها هي حادثة خميفة ومرعبة جدا ولذلك‬ ‫ت�ستطيع �أن تعمق فينا خماوف ورثناها من طفولتنا جتاه �أ�شخا�ص بعينهم �أو جتاه مو�ضوعات‬ ‫معينة ولكنها قد ت�ؤدي �إىل ظهور خماوف جديدة مل تكن ظاهرة يف حياتك الطبيعية قبل احلادث‪،‬‬ ‫فاخلوف هو �شعور طبيعي وهو مفيد يف �أحيان كثرية لتنبيهنا خلطر ما �أو حلمايتنا من �أخطار‬ ‫حمددة‪ .‬هنا الو�ضع خمتلف فاخلوف ي�أخذ طبيعة مقيدة حلياتنا الطبيعية‪ ،‬فرتاك بد�أت تخافني‬ ‫من الغرباء وخا�صة الرجال منهم‪ ،‬وبد�أت تخافني من الظلمة والنوم وحيدة يف غرفة ما وقد‬ ‫تتخوفني من �أ�صدقاء و�أ�شخا�ص هم قريبون منك جدا وت�شعرين بنوع من ال�شك جتاه �أغلب من‬ ‫حولك‪ .‬قد ت�شمل طائفة املخاوف لهجات معينة �أو حيوانات معينة �أو حتى االقرتاب من �أماكن‬ ‫معني �أو اخلوف من اخلروج من املنزل ولو كنت يف بيئة �آمنة نوعا ما‪.‬‬ ‫• تبقى املخاوف من ا�شياء حمددة ولكن امل�شكلة تكون �أكرب عندما تكون خماوفنا من �أ�شياء ال‬ ‫ن�ستطيع حتديدها‪ ،‬وهنا ال نعود نتكلم عن اخلوف و�إمنا عن القلق فالقلق يعرب عن توج�سنا من‬ ‫�أ�شياء و�أفكار غري حمددة يتملكنا وي�شل قدرتنا على املبادرة ومتابعة احلياة اليومية‪� .‬أق�سى ما يف‬ ‫القلق �أنه يرتكك عر�ضة للرتقب والتوتر من �شيء خميف ت�شعرين �أنه قادم ال حمالة‪ ،‬و�أكرث الأفكار‬ ‫املخيفة التي تتلب�س بك تدور حول �إمكانية التعر�ض ملوقف مماثل يف امل�ستقبل‪ ،‬حتى لو كانت كل‬ ‫امل�ؤ�شرات تقول عك�س ذلك‪.‬‬ ‫�سوء ا�ستعمال الأدوية واملواد املخدرة والإفراط يف التدخني‬ ‫• �إن التعر�ض لتجربة م�ؤملة كاالغت�صاب يفقد احلياة معناها ويدخلنا يف �صراع م�ؤمل مع الذات‬ ‫ومع املحيط‪ ،‬وللتخفيف من �آثار التجربة املرة قد جتدين نف�سك من�ساقة وراء الإكثار من ابتالع‬ ‫الأدوية املخدرة مثل الفاليوم وغريه وبجرعات كبرية ت�ؤدي �أحيانا �إىل فقدان الوعي ونق�ص حاد‬ ‫‪26‬‬


‫يف الرتكيز وتطويل فرتات النوم �إىل مدد غري طبيعية‪ ،‬و�أحيانا قد جتدين نف�سك م�ضطرة لتناول‬ ‫بع�ض املواد املخدرة �أو بع�ض امل�شروبات الكحولية حتى لو كان ذلك معاك�سا ملا تعتقدين به �أو ال‬ ‫يتوافق مع عاداتك وطريقة حياتك قبل التعر�ض للحادث‪.‬‬ ‫• هذه الأعمال ت�ؤدي �إىل االنزالق نحو الإدمان‪ ،‬رغم قدرتها املحدودة زمنيا على انت�شالنا من‬ ‫م�شاهر اخلوف والرعب وفقدان املعنى التي ت�سيطر علينا‪ ،‬و�أحيانا كثرية جتدين نف�سك قد بد�أت‬ ‫بعادات جديدة مثل التدخني وب�شكل مفرط ودائم‪.‬‬ ‫• �إن التدخني يبعث فينا �إح�سا�سا كبريا على �إمكانية التنفي�س عن الهموم والتفريغ ب�شكل جزئي‬ ‫عن ال�ضغوطات التي نعاين منها‪ ،‬ولكن للأ�سف هذه الأحا�سي�س ال تكون �صادقة على الأغلب وتدفع‬ ‫بك نحو عوامل جديدة ت�ضر جمددا ب�صحتك النف�سية والبدنية على حد �سواء‪.‬‬ ‫�آالم ج�سدية لي�س لها �أ�سباب وا�ضحة (�أعرا�ض ج�سدانية ال�شكل)‬ ‫ماذا يعني هذا بال�ضبط؟‬ ‫• كما تعرفني‪� ،‬أمرا�ض كثرية ميكن �أن حتدث للج�سد وميكن �أن ت�سبب �آالما تتفاوت يف �شدتها‬ ‫وحدتها‪ .‬يف كثري من احلاالت يكون وراء �آالمنا اجل�سدية �أمرا�ض �أو اختالالت معينة يف منطفة ما‬ ‫(�أمل املعدة قد يكون وراءه قرحة ونزيف ب�سيط �أو خطري مث ًال) ولكن يف بع�ض الأحيان ت�ستجيب‬ ‫نف�سياتنا بطريقة خمتلفة يكون فيها اجل�سد �أو مناطق معينة منه مر�آة ملعاناتنا النف�سية وعاك�سا‬ ‫لها دون وجود �سبب طبي وا�ضح وراء الأمل‪.‬‬ ‫• هناك العديد من الأمثلة على هذه احلاالت من �ضمنها �أوجاع الر�أ�س‪� ،‬أوجاع البطن والكولون‪،‬‬ ‫�أوجاع الظهر واملفا�صل والأطراف وال�شعور بالتنميل‪ .‬هذه الآالم قد تكون فع ًال كبرية وم�ؤئرة عليك‬ ‫ولكن لي�س هناك �سبب طبي وا�ضح ميكن �أن تثبته التحاليل والفحو�صات املخربية والت�شخي�صية‪.‬‬ ‫يف احلاالت املتطرفة قد ت�شاهد بع�ض حاالت ال�شلل الطريف �أو عدم القدرة على حتريك اليدين‬ ‫�أو القدمني �أو حدوث بع�ض االرتعا�شات والرجفان يف الأطراف وموا�ضع اجل�سد دون حدوث �أذية‬ ‫ع�صبية يف الدماغ �أو يف النخاع ال�شوكي وا�ضحة ومثبتة‪.‬‬ ‫• يف هذه احلاالت نكون �أمام ا�ضطرابات نف�سية ت�سمى اجل�سدانية ال�شكل �أو ال�سوماتوفورم والتي‬ ‫تعرب عن ال�ضغوطات الهائلة التي منر بها‪ ،‬ولذلك ال عجب �أن يكون ما ت�شعرين من �آالم يف مناطق‬ ‫خمتلفة من ج�سدك مثل الظهر والر�أ�س ومنطقة احلو�ض �أي�ض ًا دون �سبب وا�ضح‪ .‬هذا بال�ضبط‬ ‫ما تعاين منه �أغلب الن�ساء اللواتي تعر�ضن لتجربة ممائلة كالتي تعر�ضت لها يا قارئتنا العزيزة‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫• �إن تاريخ الطب النف�سي مليء باحلاالت التي ذكرناها والتي تعرب فع ًال عن جتاوز ال�ضغوط التي‬ ‫نحياها لقدرتنا على ال�صمود‪.‬‬ ‫ما احلل؟ كيف ميكنني �أن �أتخل�ص �أو �أخفف من احلاالت النف�سية التي �أعي�شها؟‬ ‫ال �أخفيك املو�ضوع لي�س بهذه الب�ساطة وعملية الت�أهيل النف�سي واالجتماعي قد حتتاج لفرتات طويلة‬ ‫من الزمن وال ميكن التخل�ص من �آثار حادث عنيف وهادر للكرامة واحلقوق مثل االغت�صاب بتلك‬ ‫ال�سرعة املتخيلة حتى يف الدول الغربية املتقدمة حيث الرعاية ال�صحية والنف�سية ذات امل�ستويات‬ ‫اجليدة باملقارنة مع الو�ضع يف بالدنا‪ ،‬ولكن هذا ال يعني �أننا ال ن�ستطيع فعل �شيء بل على العك�س‬ ‫متاما‪ .‬هناك العديد من الن�ساء اللواتي تعر�ضن لتجارب بدنية ونف�سية �أليمة وا�ستطعن اخلروج‬ ‫من املحنة ب�أقل الأ�ضرار‪ ،‬مع الأخذ بعني االعتبار ب�أن البيئة الآمنة «ن�سبيا» هي بحق اخلطوة الأوىل‬ ‫على دروب التعايف الطويل‪ ،‬ورمبا ال يتوافر ذلك لعديد من ال�ضحايا من الن�ساء يف هذه الأوقات‬ ‫املخيفة‪ .‬يف الأحوال العادية ميكن �أن يتخذ امل�سار العالجي الت�أهيلي م�سارات ومراحل وجوانب‬ ‫خمتلفة منها النف�سي العالجي والطبي‪-‬النف�سي‪ .‬هنا �س�أحاول التطرق �إىل املو�ضوع ب�شيء من‬ ‫العمومية قد ت�ساعدك على معرفة ال�صورة ب�شكل �أف�ضل‪.‬‬ ‫الآثار النف�سية املدمرة التي يرتكها حادث االغت�صاب من �شرخ كبري يف كيان الفرد تنجم عنها‬ ‫�أحوال نف�سية �صعبة كالتي �سبق �أن ذكرتها مثل االكتئاب والقلق وا�ضطرابات يف النوم والأكل‪.‬‬ ‫يجب الرتكيز على �أن عملية الت�أهيل النف�سي حتتاج �إىل �أخ�صائيني مهرة يف العالج النف�سي العام‬ ‫ويف عالج حاالت ال�صدمات ب�شكل خا�ص‪.‬‬ ‫«يهدف العالج والت�أهيل النف�سي هنا �إىل �إدماج التجربة الأليمة يف �إطار التجارب ال�شخ�صية‬ ‫ونزع ال�ضغط النف�سي الكبري الذي ت�شكله يف حياتنا احلالية والتخفيف من الآثار واال�ضطرابات‬ ‫النف�سية املرافقة وحماولة تفعيل م�صادر القوة يف ذواتنا وا�ستثمارها يف رحلة الأمل نحو العودة‬ ‫�إىل ال�صحة النف�سية»‬ ‫فكما تعرفني من جتربتك اخلا�صة ب�أن جوانب ال�صدمة يتم كبتها ب�شكل كبري ولأ�سباب متنوعة‪،‬‬ ‫و�إن عدم قدرتنا على التحدث مبو�ضوع ما ي�شكل لنا �أملا نف�سيا �سوف يزيد من حدة هذا الأمل‬ ‫و�سوف ي�ؤدي �إىل زيادة ال�ضغوط النف�سية وهكذا ندخل احللقة املفرغة‪ ،‬ومبا �أن جوانب ال�صدمة‬ ‫ت�شكل خوفا وفزعا كبريا وميكنها �أن تثري ا�ستجاباتنا املخيفة لذا يجب قمعها وكبتها وحتييدها‬ ‫جانبا‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫• �إن �أول ما يجب التفكري به هو كيف ميكنني �أن �أواجه مكونات ال�صدمة من �صور وذكريات‬ ‫وروائح من دون خوف‪.‬‬ ‫• هذه املواجهة ال نبد�ؤها على �أر�ض الواقع و�إمنا ميكننا �أن ننقلها �إىل �أ�شكال عدة مثل الكتابة‬ ‫والر�سم واملو�سيقى والرق�ص وكل �أنواع طرق التعبري والتنفي�س عن الآالم وال�ضغوط النف�سية‪ .‬قد‬ ‫تقولني �أنك ال ت�ستطيعني الكتابة عن جتربتك املريرة وهذا �شيء طبيعي ملا حتمله من مرارة‪ ،‬ولكن‬ ‫عندما تبدئني ب�أول �سطر و�أول كلمات و�أول �سطر �سوف حت�سني ب�صعوبة كبرية يف البداية ولكن‬ ‫�ستجدين نف�سك فع ًال م�سرت�سلة وبحاجة كبرية للكتابة حتى لو كانت الأفكار غري مرتبة‪ .‬الكتابة‬ ‫�سوف تعطيك جرعة من الثقة بالنف�س وم�ستودع ًا للعواطف ميكنك �أن ترجعي لها يف �أوقات �أخرى‪.‬‬ ‫• ميكن �أي�ض ًا للر�سم على الورق �أو ممار�سة �أو تع ّلم بع�ض الأ�شغال اليدوية كالتطريز و�أعمال‬ ‫ال�صنارة �أن ت�ساهم �إىل حد كبري بالتخفيف من دوامة الأفكار التي جتتاحك وت�ساهم بالتفريغ‬ ‫من الهموم والأحزان بطريقة ن�شطة و�إنتاجية‪ .‬هنا ال يهم املردود بحد ذاته بل جمرد القيام‬ ‫بالأن�شطة ب�شكل منتظم نوع ًا ما ي�ؤدي �إىل حت�سن طفيف وتدريجي باحلالة النف�سية التي نحياها‬ ‫ويزيد �إح�سا�سنا بذاتنا وب�أننا ن�ستطيع فعل �شيء ما رغم الأمل واحلزن‪.‬‬ ‫• ملواجهة �صور الرعب والذكريات الأليمة البد من تفعيل ال�صور الإيجابية والذكريات الإيجابية يف‬ ‫حياتنا املا�ضية واحلا�ضرة‪� .‬أنا واثق ب�أنك رغم كل الأمل انك قد مررت بلحظات �سعيدة يف حياتك‬ ‫�أو يف طفولتك وهناك �صور وذكريات جميلة ال نفكر بها‪� .‬إن جمرد ا�ستح�ضار �صورة �أو ذكرى‬ ‫جميلة تعطينا الأمل والقوة هي �أف�ضل طريقة ملواجهة ال�صور املرتبطة بال�صدمة‪ ،‬وهكذا �سوف‬ ‫ت�ستطيعني مبرور الوقت حتدي ال�صور املرعبة ب�صور �أكرث �إيجابية عن النف�س وهذا �سيك�سبك قوة‬ ‫كبرية وثقة �أكرب يف ا�ستعادة القدرة على التحكم ب�أفكارك وعواطفك‪.‬‬ ‫كنت قد �أ�شرت �إىل �أن حادثة االغت�صاب هي اعتداء �صارخ على ج�سدنا وهنا يرتبط الأمل النف�سي‬ ‫باجل�سدي �إىل حد كبري‪� ،‬إذا علينا التفكري ب�إيجاد طريقة ن�ستطيع فيها التخفيف من حدة التوتر‬ ‫يف �أج�سامنا‪.‬‬ ‫• فهناك طرائق عديدة لال�سرتخاء منها �أخذ حمام �ساخن واال�ستماع �إىل مو�سيقى حمببة‪ ،‬بعد‬ ‫ذلك �إغما�ض العينني ملدة ‪ 5‬دقائق مرة �أو مرتني يف اليوم‪ ،‬مع التفكري والرتكيز على امل�شاعر‬ ‫الداخلية والأفكار‪ ،‬وحماولة تخيل �صور ب�صرية مريحة (مثل �شاطئ بحر �أو �أ�شجار و�أ�صوات‬ ‫ع�صافري �أو �سهول خ�ضراء ومراع على مد الب�صر) والتي تعترب طريقة �سهلة نوع ًا ما للتدرب على‬ ‫‪29‬‬


‫اال�سرتخاء النف�سي والبدين‪ ،‬وميكننا متى �شئنا �أن نقول �أو نطلب من �أنف�سا اال�سرتخاء واخلروج‬ ‫من حالة ال�سوداوية واحلزن التي تتلب�س بنا‪.‬‬ ‫• بع�ض الربامج الت�أهيلية النف�سية تو�صي بجل�سات من امل�ساج على يد معاجلات فيزيائيات من‬ ‫�أجل تخفيف التوتر البدين وا�ستعادة اجل�سد لذاكرة فيها نوع من الراحة والهدوء‪.‬‬ ‫• ال ميكننا �إغفال دور التن�شيط البدين الريا�ضي وممار�سة بع�ض التمارين الريا�ضية حتى ونحن‬ ‫يف البيت قد ت�ساعد البدن على تن�شيط الدورة الدموية وزيادة التحكم والثقة بالنف�س ب�شكل عام‪.‬‬ ‫“كما �أ�سلفت �سابقا تبقى جوانب ال�صدمة �أو حادث االغت�صاب حية يف عقولنا وهكذا فقد تن�ش�أ‬ ‫لديك بعد احلادث ومع مرور الزمن بع�ض الأفكار غري العقالنية �أو الأفكار ال�سلبية املدمرة عن‬ ‫الذات وعن الآخرين ميكنها �أن ت�شغل تفكريك ب�شكل دائم وغري ف ّعال‪ .‬من املرجح �أن تبدئي‬ ‫باالعتقاد ب�أن العامل مل يعد مكانا �آمنا و�أن الأ�شخا�ص وخا�صة الرجال جميعهم جمرمون وب�أنك‬ ‫لن ت�ستطيعي �أبدا موا�صلة حياتك الطبيعية بعد احلادث»‪.‬‬ ‫• ال تعرب هذه الأفكار �إال عن جانب من جوانب التكيف الذي قد يكون مفهوم ًا بعد يف الفرتة التالية‬ ‫لل�صدمة ولكن مع مرور الوقت قد ت�ساعد هذه الأفكار على زيادة العزلة االجتماعية والنف�سية التي‬ ‫حتا�صرنا وهذا يزيد �أي�ض ًا يف �أعرا�ض االكتئاب واحلزن من جديد‪ .‬هناك العديد من امل�ؤ�شرات‬ ‫التي جتعلنا نعتقد ب�أن العامل فع ًال غري �آمن وم�سكون باملجرمني والقتلة ولكن هناك �أي�ض ًا ما‬ ‫يدفع لالعتقاد ب�أن اخلري ب�أهله و�أ�شخا�صه موجود �أي�ض ًا‪ .‬يف علم النف�س نقول عن هذه احلالة ب‬ ‫“ الي�أ�س املكت�سب “‪� .‬إن الظروف ال�صعبة والتجارب املريرة التي منر بها هي ما جتعلنا نعتقد‬ ‫ب�شكل حاد ب�أن ال �أمل يف احلياة بعد اليوم‪ ،‬وذلك ل�سبب ب�سيط كوننا نحن �أ�سرى املا�ضي الأليم‬ ‫وذكرياته‪.‬‬ ‫• اعلمي علم اليقني ب�أنّ الأمل ال ميكن �أن ميوت و�أنت رغم كل ما مترين به من م�صاعب وظلم ال‬ ‫بد �أن لديك �شيئ ًا �إيجابي ًا يف هذه احلياة ميدك بالعون والطاقة‪ ،‬قد يكون �إميان ًا دينيا ما و�أن اهلل‬ ‫معك و�سوف يعطيك القوة على متابعة احلياة نحو م�ستقبل �أف�ضل‪ .‬يف كل منا طاقة معينة يجب‬ ‫ا�ستثمارها و�إن التفكري الإيجابي رغم الظروف ال�صعبة �سوف ميدك بالقورة والعون ال �شك‪.‬‬ ‫“من املهم جد ًا مراقبة احلوارات الداخلية مع النف�س وخا�صة يف �أزمنة احلزن واالكتئاب‪� .‬إن‬ ‫حادثة االغت�صاب تولد �شعور ًا و�أفكار ًا قوية بال�شعور بالذنب وغالب ًا ما تتحدثني مع نف�سك بلغة‬ ‫وكلمات فيها لوم كبري وكالم جارح (مثل‪� :‬إنت احلق عليكي‪ ،‬خرجك‪..‬بت�ستاهلي‪� ،‬أنا �إن�سانة وال‬ ‫‪30‬‬


‫�شي‪ .)..‬ال�شعور بالذنب كونك فتاة �أو امر�أة و�أنك جلبت العار لك ولأ�سرتك هي �أكرث ما يتوارد»‬ ‫• ال تن�سي ب�أن االغت�صاب حادث جرمي وال�شعور بالذنب هو من �أعرا�ض ال�صدمة النف�سية‬ ‫نف�سها‪ ،‬ولكن ح�سا�سية املو�ضوع والدور الذي يلعبه اجلن�س يف حياتنا وجمتمعاتنا هو الذي يزيد‬ ‫هذا ال�شعور بالذنب وي�ضاعف منه‪ .‬من املهم جد ًا مقاومة هذه الأفكار وامل�شاعر ومناق�شة هذه‬ ‫امل�شاعر والأفكار ب�شكل هادئ وعقالين‪.‬‬ ‫“كوننا وجدنا يف املكان اخلط�أ والزمان اخلط�أ الذي ع َّر�ضنا ملا تعر�ضنا له على يد القتلة واملجرمني‬ ‫وال�سفاحني ال يعني �أن نحمل �أنف�سنا ما ال طاقة لنا به ونزيد همومنا يف مواجهة ال�صدمة»‬ ‫• للدين �أهمية كبرية يف جمتمعاتنا وميكن ملمار�سة ال�شعائر الدينية كال�صالة وتالوة القر�آن‬ ‫وقراءة الكتب الدينية �أن متدنا بالكثري من الطاقة الروحية والبدنية للتغلب على م�صاعب احلياة‬ ‫والتجارب املريرة التي نعي�ش فيها‪ .‬يف حال �شعرت ب�أنك بحاجة �إىل الطاقة الإميانية ل�شعورك‬ ‫الديني عليك بها بالطريقة التي ترين �أنها ميكن �أن ت�ساعدك على حت ّمل الفرتات الع�صيبة التي‬ ‫تعي�شينها‪.‬‬ ‫• لأن حادثة الإغت�صاب لها عالقة باجلن�س الآخر (الرجال على وجه اخل�صو�ص) فعلى الأغلب‬ ‫�سوف جتدين �صعوبة يف جمرد التفكري باالرتباط ب�شخ�ص �آخر �أو حتى قد جتدين �صعوبة يف‬ ‫عالقتك الزوجية مع ال�شريك يف حال كنت متزوجة‪ .‬يجب االنتباه �إىل �أن هذا ال�شعور طبيعي ورمبا‬ ‫ميكن �أن يتلب�س م�شاعرك و�أفكارك ب�شكل عميق‪.‬‬ ‫• البد من الإ�شارة �إىل �أن االرتباط برجل بعد فرتة ق�صرية من التعر�ض حلادثة االغت�صاب قد‬ ‫ال ي�ؤدي �إىل ت�سريع فرتة ال�شفاء‪ ،‬وعلى العك�س فقد يكون له �آثار �سلبية كبرية على املدى الطويل‪.‬‬ ‫رغم التفهم للأ�سباب الإن�سانية التي قد تدعو لذلك �إال ان الدرا�سات التي �أجريت على ال�ضحايا‬ ‫يف الدول الغربية �أ�شارت ب�شكل وا�ضح �إىل �صعوبة بناء عالقة اجتماعية وعاطفية ومن ثم جن�سية‬ ‫�سليمة وحافظة للذات يف الفرتة التالية لل�صدمة‪.‬‬ ‫• ولكن عندما يتم التعايف من �آثار ال�صدمة النف�سية �إىل حد كبري ميكن ب�شكل جدي التفكري يف‬ ‫االرتباط وبناء عالقة اجتماعية �أو زوجية والعودة جمدد ًا �إىل احلياة الطبيعية‪ ،‬ولكن الو�صول �إىل‬ ‫هذه احلالة ال ميكن ت�صوره يف الفرتة التالية لل�صدمة والتي تتميز ب�آالم و�أعرا�ض نف�سية م�ؤملة‬ ‫و�ضاغطة‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫متى يجب علينا التفكري بالعالج الدوائي‪-‬النف�سي؟‬ ‫يجب علي الإ�شارة هنا �إىل �أنه يف غالب الأحيان تكون �أعرا�ض ال�صدمة كبرية وعميقة بحيث ت�ؤدي‬ ‫�إىل تطور �أعرا�ض ا�ضطرابات نف�سية معينة �أولها االكتئاب ب�أنواعه املختلفة والقلق وا�ضطرابات‬ ‫النوم والأكل‪ .‬هنا يجب علينا التفكري بالعالج النف�سي الدوائي وخا�صة عندما يكون لدينا خطورة‬ ‫عالية على النف�س (�أفكار انتحارية) �أو و�صول اال�ضطراب �إىل مراحل خطرية مثل االمتناع عن‬ ‫الأكل والنق�ص احلاد يف النوم وزيادة التوترات والع�صبية �إىل حد كبري‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ظهور بع�ض‬ ‫الأعرا�ض املرتبطة بهلو�سات ب�صرية �أو �سمعية (�سماع �أو ر�ؤية �أ�شياء �أو �أ�شخا�ص غري موجودين‬ ‫فعلي ًا) �أو بع�ض ال�ضالالت �أو االعتقادات اخلاطئة (فكرة تلب�س �شيطان باجل�سد مث ًال)‪ ،‬يجب �أن‬ ‫نعرف ب�أنه ال يوجد دواء لعالج ال�صدمة من االكتئاب ولكن هناك العديد من الأدوية امل�ضادة‬ ‫لالكتئاب �أو الأدوية امل�ساعدة على النوم‪ .‬يكون العالج الدوائي مفيد ًا جد ًا يف حال �سيادة حالة‬ ‫�شديدة من الأعرا�ض النف�سية التي مت ذكرها �سابق ًا‪ ،‬وي�ساعد ب�شكل كبري على ا�ستعادة التوازن‬ ‫الع�صبي البيولوجي الذي يعد الأ�سا�س للتوازن النف�سي والعقلي عموم ًا‪.‬‬ ‫�إن �أدوية وم�ضادات االكتئاب ال ت�ؤدي �إىل التعود والإدمان وهذه حقيقة علمية‪ .‬ت�ساعد الأدوية‬ ‫امل�ضادة لالكتئاب على حت�سني عمل املناطق الدماغية امل�س�ؤولة عن الذاكرة ق�صرية املدى وهذا‬ ‫ي�ؤدي �إىل حت�سني الوظائف املعرفية النف�سية وزيادة الرتكيز واالنتباه ب�شكل عام‪ ،‬ولكن يجب‬ ‫علينا التذكري ب�أن ال�شخ�ص الوحيد املخول لت�شخي�ص احلالة واقرتاح الدواء املالئم وجرعاته هو‬ ‫الطبيب النف�سي ح�صر ًا وال داعي للتذكري بالتداعيات اخلطرية لأخذ الدواء وتعاطي الأدوية من‬ ‫دون ا�ست�شارة طبية تخ�ص�صية‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫لقد حاولت قدر الإمكان تقدمي �صورة مب�سطة وخمت�صرة عن �أكرث التداعيات النف�سية التي ترتك‬ ‫�آثار ها عند التعر�ض لالغت�صاب‪ ،‬و�أتبعت العر�ض ببع�ض الأفكار الب�سيطة عن بع�ض ما ميكن‬ ‫عمله من �أجل التخفيف من هذه الآثار الأليمة‪ .‬كل ما مت ذكره يبقى جمرد �أفكار قد ت�ساهم‬ ‫يف التخفيف من �آثار ال�صدمة التي يرتكها حادث مرعب كاالغت�صاب لأ�سباب �سيا�سية‪ .‬يف‬ ‫الأحوال العادية والطبيعية ال بد من تقدمي الرعاية الطبية والنف�سية واالجتماعية والقانونية �أي�ض ًا‬ ‫ل�ضحايا حوادث االغت�صاب‪ ،‬ولكننا يف هذه الأجواء ال�سائدة من العنف املتوا�صل ومن املطاردات‬ ‫واملالحقات وح�صار املدن واقتحامها من قبل �أجهزة النظام‪ ،‬وعدم وجود م�ؤ�س�سات وكوادر طبية‬ ‫‪32‬‬


‫ونف�سية ميكنها التعامل مع احلاالت ب�شكل مهني وف ّعال‪ ،‬ميكن القول ب�أن الأجواء غري مالئمة وال‬ ‫ت�سمح بتقدمي حلول واقعية وناجعة يف الوقت احلا�ضر‪.‬‬ ‫يف النهاية ال ميكننا يف هذا املقال الق�صري الإملام بكل اجلوانب النف�سية التي حتيط بحادثة‬ ‫االغت�صاب ك�إحدى حاالت ال�صدمات النف�سية عميقة الت�أثري‪ ،‬ولكنني �آثرت االقرتاب ب�شكل حذر‬ ‫من التداعيات والندوب واجلراح النف�سية التي ميكن �أن ترتكها احلادثة عند ال�ضحايا وقد تكونني‬ ‫معاناتك‬ ‫كقارئة منهم‪ ،‬وحاولت قدر الإمكان عر�ض بع�ض الأفكار التي ت�ساهم يف التخفيف من‬ ‫ِ‬ ‫آالمك وكلي �أمل ب�أن جتدي فيه ما يفيد وما ت�ستطيعني من خالله امل�ضي قدم ًا على دروب التعايف‬ ‫و� ِ‬ ‫الطويلة‪.‬‬ ‫معك يف‬ ‫ل�ست‬ ‫لك �سيدتي و�شكر ًا على القراءة وكما ي�شري عنوان الكتيب‪ِ :‬‬ ‫وحدك فنحن ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتية ِ‬ ‫حمنتك ال�شخ�صية وهي حمنتنا ال�شك‪ ،‬وهذا ي�شرفنا بالت�أكيد‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫نهاد وي�شو‬

‫‪34‬‬


‫اجلانب االجتماعي‬ ‫الآثار االجتماعية لالغت�صاب و�أ�ساليب املواجهة‬ ‫كيف تواجهني املجتمع وردة فعله جتاهك؟‬ ‫خولة ح�سن احلديد‬ ‫عزيزتي القارئة‪:‬‬ ‫تُقدم لك هذا ال�صفحات ب�شكل مخُ ت�صر ملحة عن الآثار االجتماعية التي ترتتب على التعر�ض‬ ‫لالغت�صاب وعن �أ�ساليب تعامل املجتمع املحيط بك مع ق�ضيتك‪ ،‬والتي قد جتدين فيها الكثري‬ ‫من الظلم والغنب لك‪ .‬وكي ال حت ِّملي نف�سك �أكرث من طاقتك بداي ًة عليك �إدراك حقيقة مفادها‬ ‫�أن املجتمع ال�سوري كغريه من املجتمعات العربية ما زال يرى يف املر�أة �شرف العائلة والقبيلة‬ ‫والع�شرية‪ ،‬و�أي اعتداء عليها هو اعتداء على هذا ال�شرف‪ .‬ولأن املو�ضوع بالغ احل�سا�سية اجتماعي ًا‬ ‫ف�إنّ اطالعك على ردة الفعل االجتماعية والتي تظهر من خالل بيئتك املحيطة والبيئة الأو�سع قد‬ ‫ي�ساعدك على فهمها وتفهمها‪ ،‬وبالتايل �إدراكها �ضمن �إطارها ال�صحيح والعمل على جتاوزها‬ ‫و�إمكانية حتويل ق�ضيتك �إىل ق�ضية عامة بروح �إيجابية‪ ،‬كما �أنّ االطالع على �أهم الآثار االجتماعية‬ ‫التي ميكن �أن تنعك�س عليك مبا�شرة وعلى �سلوكك االجتماعي وعالقتك بالآخرين بدء ًا من �أفراد‬ ‫�أ�سرتك الأقرب و�صو ًال �إىل بيئتك املحلية وما هو �أبعد منها‪ ،‬ممكن �أن يفيدك يف ا�ستب�صار تلك‬ ‫الآثار ومراقبتها وبالتايل العمل على �ضبطها وتقنينها و�إظهار �سلوك خمتلف من قبلك‪ ،‬من خالل‬ ‫عدد من الأ�ساليب والطرق التي جتعل من امل�شكلة التي وجدت نف�سك فيها جزء ًا من امل�شكالت‬ ‫العديدة التي تعر�ض لها جمتمعك وبيئتك ك�ضريبة يدفعها ب�سبب قيامه �ضد الطاغية‪ ،‬فتعر�ضك‬ ‫لالغت�صاب هو جزء من حالة عامة �أو�سع و�أكرب و�أعمق تعر�ض لها املجتمع ب�أكمله‪ ،‬وقد ا�ستخدم‬ ‫جنود الطاغية االغت�صاب و�سيلة و�سالح ًا �آخر �ضمن الأ�سلحة الأخرى بهدف �إذالل املجتمع‬ ‫و�إرغامه على اخل�ضوع والبقاء حتت هيمنته و�سيطرته و�إمعان ًا يف �إهانة كرامة الأهايل يف بيئات‬ ‫الثورة و�إظهار الرجال مبظهر العاجزين عن حماية �أعرا�ضهم وبذلك �إحلاق ال�ضرر بهم وته�شيم‬ ‫�صورتهم �أمام ن�سائهم وحتميلهم م�س�ؤولية ما تعر�ضن له‪ ،‬وهذا ما يجب �أال يغيب عن بالك حلظة‬ ‫واحدة عند التفكري مبا تعر�ضت له‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫كما �أنك �ستجدين يف هذا اجلزء تداخ ًال كبري ًا مع املقال الذي حتدث عن الآثار النف�سية‬ ‫لالغت�صاب‪ ،‬وذلك لتالزم النف�سي واالجتماعي يف �سلوك الإن�سان ت�أثري ًا وت�أثر ًا‪ ،‬وكون الإن�سان‬ ‫ابن بيئته و�سلوكه يف تلك البيئة هو يف كثري من الأحيان انعكا�س لها‪ ،‬با�ستثناء الب�صمة ال�شخ�صية‬ ‫لكل فرد فلتكن ب�صمتك ال�شخ�صية مميزة بقدرتك على الت�أثري الإيجابي يف حميطك من خالل‬ ‫تعاملك الإيجابي مع نف�سك وق�ضيتك وعدم اال�ست�سالم للأمر الواقع واالنهزام �أمامه والذي قد‬ ‫يرغم هذا املحيط �أي�ض ًا على تعديل �سلوكه العام جتاه ق�ضيتك‪.‬‬ ‫تعر�ضت له؟‬ ‫كيف �سيواجه املجتمع املحيط بك ما‬ ‫ِ‬ ‫بالرغم من �أن بيئة الثورة ال�سورية قد طالتها الكثري من التغيريات االجتماعية والتي انعك�ست‬ ‫ب�شكل مبا�شر لتكون غالب ًا �أكرث �إيجابية يف �أ�ساليب التفكري جتاه العديد من الق�ضايا املجتمعية مبا‬ ‫فيها الق�ضايا املرتبطة باملر�أة‪ ،‬ف�إ ّنك �ستجدين ب�شكل عام �أن هذا التفكري يف جوهره ما زال يحمل‬ ‫الكثري من موروثات املا�ضي التي تتمظهر يف عادات وتقاليد و�أمناط �سلوكية من ال�صعب تغيريها‬ ‫تعر�ضت له ما يلي‪:‬‬ ‫بني يوم وليلة‪ ،‬ولذلك جتدين من بني �أبرز �أ�ساليب مواجهة املجتمع ملا‬ ‫ِ‬ ‫الإنكار والتجاهل‪:‬‬ ‫بالرغم من �أن ُكرث ممن حولك قد يكونون على اطالع مبا�شر ملا تعر�ضت له‪ ،‬ف�إنك قد جتدين‬ ‫نف�سك و�سط حالة من التجاهل التام ذلك يف حماولة لإنكاره وجتاوزه ب�صمت وجتنب ًا لإثارة �أي‬ ‫لوم �أو نقد �أو جتريح اجتماعي وجتنب �إثارة البلبلة خوف ًا مما ي�سمونه « الف�ضيحة «‪ ،‬فتوقعي ذلك‬ ‫التجاهل والإنكار غالب ًا وبالتايل حماولة �إخفاء كل ما ميت حلادثة االغت�صاب ب�صلة وظروفها‬ ‫وك�أنها مل حتدث‪ ،‬مع جتنب احلديث معك �أو مع �أي من �أفراد العائلة �أو الأ�شخا�ص املُحيطني الذين‬ ‫�شهدوا احلادثة �أو عرفوا عنها ب�شكل مبا�شر‪ ،‬وتتجلى حالة الإنكار والتجاهل هذه ب�أ�ساليب عدة‬ ‫تدركينها يف �سلوك املحيطني بك‪ ،‬وقد ي�سبب لك ذلك كثري ًا من الأمل وال�شعور بالوحدة وفقدانك‬ ‫ال�سند وال�شعور بالأمان واحلماية وحاجتك ملن ي�ستمع لك‪.‬‬ ‫بني العطف وال�شفقة و�إ�سباغ �صفة البطولة‪:‬‬ ‫مع وجود حالة الإنكار والتجاهل حلادثة االغت�صاب �أو يف حال االعرتاف بها ف�إنك قد جتدين‬ ‫حالة من التعاطف الكبري معك خا�صة من املقربني منك من الأهل والأقارب واجلريان والأ�صدقاء‬ ‫وخا�صة من الن�ساء بينهم‪ ،‬قد تثري �ضيقك حالة التعاطف هذه والتي ترين فيها مبالغة باالهتمام‬ ‫�أحيان ًا و�إحاطتك العاطفية واخلوف عليك املُبالغ فيه غالب ًا‪ ،‬وبالتايل مراقبة كل حتركاتك وكل‬ ‫‪36‬‬


‫تغيري يطر�أ على �سلوكك وطرح �أ�سئلة ترين فيها تدخ ًال ب�أمورك اخلا�صة‪ ،‬وقد تخنقك هذه الرعاية‬ ‫املبالغ فيها وجتدين فيها نوع ًا من ال�شفقة التي ال حتتاجينها بقدر ما حتتاجني �إىل حالة من‬ ‫التفهم ملا �أنت فيه وتقدمي العون لك‪ ،‬وهنا عليك �إدراك �أن جمتمعنا جمتمع عاطفي وانفعايل وما‬ ‫زال ال ُيجيد الت�صرف مع كثري من احلاالت الإن�سانية لأنها غريبة عليه وعلى ثقافته‪ ،‬ولذلك ك ّلما‬ ‫تفهمت حالة العطف هذه على �أنها تعبري عن احلب جتاهك ا�ستطعت تقبل ذلك ال�سلوك الناجت‬ ‫عنها وتف�سريه ب�شكل �أف�ضل‪ ،‬وقد يجعل منك البع�ض بطلة عظيمة وينظرون لك نظرتهم �إىل من‬ ‫قدم ت�ضحية عظيمة‪ ،‬ويف هذه احلالة عليك �أال تن�ساقني وراء هذا ال�شعور بالعظمة وعدم تعزيز‬ ‫هذا ال�شعور لديهم لأنك بب�ساطة �أنت �ضحية فعل �إجرامي تعر�ضت له كما تعر�ض له الآخرون‬ ‫ب�أ�شكال خمتلفة من الإجرام ومل يكن ذلك طواعية بل رغم ًا و�إجبار ًا‪� .‬أنت بطلة فقط ب�صمودك‬ ‫وعدم انهزامك عندما تتجاوزين هذا الواقع وهذا الفعل و�آثاره املرتتبة على حياتك بحد �أدنى من‬ ‫اخل�سائر ول�ست بطلة كونك تعر�ضتي له‪.‬‬ ‫النفور والنبذ‪:‬‬ ‫ُمقابل التعاطف وم�شاعر الإحاطة العاطفية قد جتدين العك�س متام ًا وقد تواجهني موقف جتنب‬ ‫الآخرين لك وجتنبهم جمال�ستك واحلديث مطو ًال معك خا�صة من رجال العائلة‪ ،‬وقد ُي�شعرك هذا‬ ‫�أنك منبوذة �أو غري مرغوب بك‪ ،‬ولكن عليك التع ّرف �أكرث على هذا املوقف والذي ينبع �أ�سا�س ًا مما‬ ‫ُذكر �سابق ًا يف حماولة الإنكار والتجاهل لو�ضعك‪ ،‬ورمبا جتنب ًا ل�شعور اخلجل منك ومن �أنف�سهم‬ ‫لعدم قدرتهم على حمايتك والإح�سا�س بالذنب جتاهك و�أنك كنت �ضحيتهم هم �أي�ض ًا و�أنه متت‬ ‫معاقبتك بجريرة �سلوكهم‪ ،‬وقد يكون ذلك �أي�ض ًا جتنب ًا لإثارة �أملك ووجعك ال�شخ�صي وجتنبا‬ ‫خلجلك منهم‪ ،‬فالن�ساء يف جمتمعنا ما زلن تخجلن من الأب والأخ والقريب فيما يخ�ص �أمور‬ ‫اجل�سد رمبا �أكرث من الغريب‪ ،‬لذلك عليك �إدراك �إن �سلوك النبذ والرف�ض لي�س دائما تعبري ًا عن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫كراهية �أو نفور منك و�إنمّ ا قد يكون حالة عاطفية ت�شي بالعك�س متاما‪ ،‬بينما قد يلج�أ بع�ض الأزواج‬ ‫�إىل طالق زوجاتهن اللواتي تعر�ضن لالغت�صاب وذلك جتنبا جلرح ال ميكنهم جتاوزه وللأ�سباب‬ ‫املذكورة ذاتها‪ ،‬ومنهم من يلج�أ للهجر لفرتة م�ؤقته ريثما ي�ستطيع جتاوز ذكرى هذا الفعل وترميم‬ ‫�صورته �أمامك‪ ،‬وكل هذه املواقف ال ب ّد من و�ضعها باحل�سبان والتح�ضري لأ�ساليب مواجهتها منع ًا‬ ‫لل�ضياع والت�شتت �أو خ�سارة الأطفال والأبناء وتفكك العائلة‪ ،‬وحماولة طرح حلول تبقيك يف و�ضع‬ ‫فيه حد �أدنى من اخل�سائر‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫الق�سوة والعدوانية‪:‬‬ ‫مما ال�شك فيه �أن املوروث االجتماعي الثقيل الذي يحمله �أبناء جمتمعنا كبري جدا‪ ،‬وما زال‬ ‫الفرد يخ�ضع ملعايري اجلماعة ب�شكل �شبه كلي‪ ،‬وتتفاوت ن�سبة الوعي و�أ�ساليب التعامل مع الأزمات‬ ‫وامل�شكالت ح�سب مرجعياتنا االجتماعية والثقافية‪ ،‬لذلك قد تظهر يف بع�ض البيئات جتاهك ردة‬ ‫فعل عدوانية و�سلوك وممار�سات قا�سية‪ ،‬فقد تحُ ملك العائلة �أو �أحد �أفرادها �أو الأقارب �سبب‬ ‫م�شكلتهم والتي يعتربونها “ م�صيبة” كونك جلبت العار لهم ح�سب مفهومهم عن ال�شرف وقيمهم‬ ‫جتاه املر�أة‪ ،‬كما قد يتهجم عليك البع�ض بكالم جارح �أو بالتطاول حتى مبحاولة عزلك �أو طردك‬ ‫من البيئة كلها �أو حماولة التخل�ص منك‪ ،‬وعليك توقع ذلك و�إدراكه وفقا لفهمك لطبيعة �سلوك‬ ‫من حولك وتربيتهم االجتماعية‪ ،‬وت ّفهم موقفهم هذا النابع من حر�صهم على ال�صورة االجتماعية‬ ‫لهم يف مر�آة الآخرين ولي�س كره ًا بك �شخ�صيا وقد كنت حتى الأم�س القريب االبنة املدللة والغالية‬ ‫مث ًال‪ ،‬ولكن بالطبع هذا التفهم من قبلك لي�س جمرد تربير لهم وعجز وا�ست�سالم ملوقفهم‪ ،‬ولكنه‬ ‫ي�ساعدك �أنت نف�سي ًا على ال�صمود والتفكري بكيفية حماية نف�سك وكيفية مواجهة هكذا مواقف‪،‬‬ ‫وقد ت�صل مواجهة املوقف لدرجة مغادرتك البيئة التي تعي�شني فيها �أو االبتعاد عن العائلة لفرتة‬ ‫م�ؤقته �أو دائمة وعليك التح�ضري لكل ذلك‪.‬‬ ‫طرح حلول غري منا�سبة‪:‬‬ ‫تقوم البيئة املحيطة بك عن قرب ورمبا الأكرث بعد ًا �أي�ضا مبحاولة طرح حلول مر�ضية اجتماعية‬ ‫لتجاوز م�شكلتك‪ ،‬ف�إن كنت متزوجة قد تواجهني طرح االنف�صال الدائم (الطالق) وما ترتتب عليه‬ ‫من �آثارعائلية‪ ،‬وقد يتم طرح الهجر واالنف�صال دون �إعالن الطالق حر�ص ًا على �صورة اجتماعية‬ ‫ما �أو حر�ص ًا على الأطفال‪� ،‬أو ال ُبعد لفرتة م�ؤقتة‪ ،‬ويف حال كنت عازبة �أو ُمطلقة �أو �أرملة قد يكون‬ ‫الزواج ح ًال انطالقا من مفهوم املجتمع لق�ضية ال�شرف و�أهمية احلفاظ عليه‪ ،‬ويكون ذلك الزواج‬ ‫نوع ًا من « ال�سرت‪ ،‬ال�سرتة» كما ي�سمونها‪ ،‬وال �شك �أن الزواج حق طبيعي للمر�أة وهو حقك الذي‬ ‫قد يغري م�سار حياتك ويخلق �أفقا م�ستقبلي ًا خمتلف ًا‪ ،‬ولكن عليك مواجهة عرو�ض الزواج التي تتم‬ ‫يف �إطار حماولة درء الف�ضيحة �أو تلك التي تكون نوع ًا من ال�شفقة التي �سرعان ما تتال�شى بعد‬ ‫الزواج‪ ،‬لتجدين نف�سك متورطة يف و�ضع اجتماعي �آخر يزيد من م�شكالتك والتي قد ي�صعب عليك‬ ‫مواجهتها �ضمن الظروف احلالية‪ ،‬لذلك عليك مواجهة هذه احللول بكثري من الإيجابية والوعي‬ ‫مبا فيه فائدة لك ومل�ستقبلك وم�ستقبل عائلتك‪ ،‬وهذا ما �سيتم تو�ضيحه الحق ًا عند احلديث عن‬ ‫‪38‬‬


‫�أ�ساليب مواجهتك للمجتمع و�سبل تك ّيفك االجتماعي �ضمن هذه الظروف‪.‬‬ ‫كيف تواجهني املجتمع وما هي �أهم �أ�ساليب التكيف االجتماعي؟‬ ‫قبل احلديث عن �أ�ساليب و�أمناط ال�سلوك الذي ينبغي �أن تتمثلينها ملواجهة املجتمع املحيط بك‪،‬‬ ‫عليك �إدراك عدة �أمور �أولها ما يق ُّره العلم يف القانون النف�سي الذي يقول‪� :‬إنّ �أية �ضغوط نف�سية‬ ‫واجتماعية مهما تعاظمت ووقعت على الإن�سان فلن تحُ دث اال�ضطراب النف�سي وتُف�سد عالقته‬ ‫باملحيط ما مل ي�ستجب لها الفكر ب�شكل �سلبي‪ ،‬و�إن �أي موقف ا�ضطهادي مهما تعاظمت �صورته فلن‬ ‫يحدث اختال ًال نف�سي ًا واجتماعي ًا �إذا تعامل معه املُ�ضط َهد ب�شكل متعقل‪،‬وكذلك هي م�س�ألة االعتداء‬ ‫اجلن�سي‪ ،‬ال حتدث �آثارها النف�سية وما يرتتب عليها من �سلوك اجتماعي �إال بعد �أن يرتافق معها‬ ‫حديث نف�سي �سلبي توجهه ال�ضحية لنف�سها‪ ،‬وهذا احلديث هو جمموعة �أفكار وخياالت يتمحور‬ ‫مو�ضوعها حول ت�أكيد فكرة مهانة نف�سها و�شعورها بالذنب واخلطيئة‪ ،‬وت�ستمر هذه اخلياالت‬ ‫وال�صور يف املُخيلة طوال احلياة مما ي�ؤدي �إىل تلبد امل�شاعر والكدرالدائم ما مل تتم مواجهتها‪،‬‬ ‫ولذلك يجب �إدراك حقيقة نف�سية يغفل عنها الكثريون وهي �أن النا�س ال يحتقروننا ما مل نوجه‬ ‫كلمات احلقارة لذواتنا‪ ،‬و�إن النا�س ال ي�ست�صغروننا ما مل نوجه عبارات اال�ست�صغار لذواتنا‪ ،‬و�إن‬ ‫نوجه م�شاعر اخلوف جتاه ذواتنا‪ ،‬وهذه احلقيقة لي�ست بغريبة ولكنها‬ ‫النا�س ال يخيفوننا ما مل ّ‬ ‫ً‬ ‫م�شاهدة يف طبائع الب�شر‪ ،‬فنحن ن�شاهد �أ�شخا�صا ُيذمون و ُيحقرون من قبل الآخرين ومع ذلك‬ ‫ال ي�ؤثر فيهم ذلك‪ ،‬بينما هنالك �أ�شخا�ص �آخرون يتكدرون ويت�أملون نف�سي ًا ب�سبب كلمة ذم عابرة‬ ‫�أو �إ�شارة ملز خاطفة‪� .‬إن ال�سبب النف�سي الختالف النا�س يرجع يف هذا املقام الأول ملدى اخرتاق‬ ‫�أفكار املذلة املوجه للنف�س‪ ،‬ومبعنى �أكرث و�ضوح ًا فاملجتمع عندما ي�صف فرد ًا ما ب�أنه حقري‪ ،‬ف�إن‬ ‫م�شاعر حقارة ذات الفرد ال تنتابه ما مل يوجهها هو لنف�سه وترتدد يف خميلته‪.‬‬ ‫بعد �أن ت�ضعي هذه احلقيقة ن�صب عينيك يمُ كنك مواجهة الواقع واملجتمع املحيط من خالل عدة‬ ‫�أ�ساليب وفق ًا لنمط �شخ�صيتك وطموحاتك ورغباتك وظروفك املُحيطة ومنها‪:‬‬ ‫تعديل �صورتك عن نف�سك لدى الآخر (�أنا يف مر�آة الآخر)‬ ‫كيف ترين نف�سك يف مر�آة الآخرين؟ لأن ال�صورة التي ترين نف�سك من خاللها هي التي �ستحدد‬ ‫�سلوكك يف حميطك‪ ،‬وعندما تكون تلك ال�صورة �سلبية �إىل حد ما عليك القيام مبا يلزم لتعديلها‬ ‫ولي�س جمرد لوم نف�سك والآخر‪ ،‬ف�أنت ترين �أنه يف الوقت الذي يتعامل فيه املحيطون مع ال�شبان‬ ‫املفرج عنهم من االعتقال ك�أبطال‪ ،‬قد تُعاين املعتقلة من نظرة البع�ض التي تركز على �أنها �أنثى‬ ‫‪39‬‬


‫كانت حمتجزة يف مكان كله رجال‪ ،‬متنا�سني �أنها اعتقلت من �أجل الق�ضية النبيلة ذاتها‪ ،‬وهذا‬ ‫ُمرتبط �إذا باملفهوم العام للمجتمع حيال ق�ضايا املر�أة وبالتايل املوقف لي�س خا�ص ًا بك �أنت فقط‪،‬‬ ‫وهنا عليك الت�أكيد على هذه الق�ضية علن ًا ومواجهة الآخرين بها و�إرغام النا�س على تف ّهم و�ضع‬ ‫ال�ضحايا وحتديد ًا حالتهم النف�سية‪ ،‬فرغم ح�سا�سية هذا النوع من اجلرائم يف جمتمع حمافظ‬ ‫�إال �أن النا�س يلم�سون ب�أنف�سهم مدى �إجرام النظام وقلة الوعي والظروف ال�سائدة تخلق ردة فعل‬ ‫�سلبية لدى النا�س‪ ،‬وهنا عليك التحلي بجر�أة املواجهة والت�أكيد على �أنك واحدة من ه�ؤالء ال�ضحايا‬ ‫ول�ست �سوى كالأخريات بحاجة الحرتامهن والتعامل معهن على �أ�سا�س من الثقة ومنحهن ال�شعور‬ ‫باالطمئنان‪ ،‬و�أنكن �أكرث �شرفا و�شجاعة من كثريات غريكن وذلك بعدم ال�سكوت على الغمز واللمز‬ ‫والأحاديث اخلافتة وتعريتها علن ًا ومواجهة املجتمع املحيط مبا يعتربه « م�صيبة « لي�ست �إال �إحدى‬ ‫امل�صائب‪ ،‬وهذا يحتاج لقوة �شخ�صيتك واعتزازك بنف�سك وفر�ض وجودك‪ ،‬وهنا ميكنك اال�ستعانة‬ ‫واالعتداد مبواقف العديد من ال�شبان املنخرطني يف الثورة وا�ستح�ضار مواقفهم و�إظهار العديد‬ ‫منهم ممن ينظرون �إىل املغت�صبات على �أنهم �ضحايا جلرائم ب�شعة‪ ،‬وال تختلف عن تعر�ض الرجل‬ ‫�أو املر�أة لطعنة �سكني �أو ر�صا�صة �أو �أي نوع �آخر من االنتهاكات واالعتداءات‪ ،‬فكيف �إن جيال من‬ ‫�شباب الثورة �أ�صبح �أكرث وعيا وتفهما لهذا اجلانب‪ ،‬والعديد منهم تقدموا للزواج من �شابات‬ ‫تعر�ضن لالغت�صاب‪ ،‬وهذا ما قد يكون غائب ًا عن بيئتك املحيطة الأقرب والتي يمُ كن �أن ت�شكلي‬ ‫�أنت م�صدر �إعالم لها جتاه تعامل النا�س مع هذه الق�ضية والتخفيف من خوفهم وذعرهم الكبري‬ ‫حيالها‪.‬‬ ‫جتنب ال ُعزلة ‪ -‬ل�ست وحدك‬ ‫بغ�ض النظر عن مواقف املحيطني بك عليك �إدراك �أن الكثري من �أمناط �سلوكهم تتوقف على‬ ‫�سلوكك �أنت‪ ،‬ف�سواء كان �سلوكهم جتنبي ًا �أو متعاطف ًا ف�إن �سلوكك �سوف يحدد ردة فعلهم جتاهك‪،‬‬ ‫لذلك ال تعزيل نف�سك عن الآخرين �سواء �أفراد العائلة �أو البيئة املحيطة الأقرب وحتى الأكرث‬ ‫بعد ًا‪ ،‬فلت�شاركي الآخرين مبا يقومون به من �أعمال ون�شاطات‪ ،‬وخالل ممار�سة هذه الأعمال‬ ‫ميكن فتح حوارات عديدة ومنها مو�ضوع االغت�صاب‪ ،‬ومن خالل هذه احلوارات عليك الإظهار‬ ‫للمحيطني �أنك ل�ست وحدك من تعر�ض لهذا الفعل الإجرامي و�أن �آالف الن�ساء ومنهن طفالت‬ ‫وحتى جدّات كبريات ال�سن قد ّ‬ ‫تعر�ضن لذلك‪� ،‬إن هذا الفعل لي�س �سوى �أداة و�سالح �آخر ا�ستخدمه‬ ‫النظام لإخ�ضاع و�إذالل بيئة الثورة كما ا�ستخدم يف كثري من املجتمعات عرب التاريخ وعلى امتداد‬ ‫جغرافيات العامل‪ ،‬وك ّلما انخرطت مع الآخرين يف بيئتك بالن�شاطات املحلية والأعمال املنزلية‬ ‫‪40‬‬


‫ازدادت قدرتك على تغيري الكثري من املفاهيم والأفكار جتاه هذه الق�ضية وهذه م�س�ؤولية يمُ كنك‬ ‫النجاح فيها بامتياز �إن �أردت ذلك‪.‬‬ ‫جتنب العداء للمجتمع والع�صبية يف التعامل مع الآخرين‬ ‫كما متت الإ�شارة �سابق ًا قد جتدين مواقف خمتلفة جتاه ق�ضيتك وقد ت�سمعني الكثري من الكالم‬ ‫امل�ؤذي عاطفي ًا واجلارح �أحيان ًا‪ ،‬ورغم �أنه ال ميكنك التحمل فوق طاقتك �إال �أنك يجب �أن تتحلي‬ ‫ب�سعة ال�صدر وال�صرب وعدم القيام بردود �أفعال ع�صبية حيال �أي �سلوك �أو كلمة موجهة لك‪،‬‬ ‫كما عليك تف ّهم الظروف اال�ستثنائية التي مي ّربها املجتمع املحيط وهو �ضحية للإجرام مثلك‬ ‫متام ًا‪ ،‬كما �أنت �ضحية فهناك الكثري من ال�ضحايا من �أبناء بيئتك من �أطفال ومعتقلني ومن‬ ‫فقدوا �أرزاقهم وت�شردوا‪..‬الخ‪ ،‬وقد تكون ع�صبية من حولك من البالغني من �أفراد العائلة هي‬ ‫نتيجة لهذه الظروف �أو موقف معني تعر�ض له �أحدهم ال عالقة له بو�ضعك‪ ،‬لذلك يجب عدم �أخذ‬ ‫الأمور ب�صورة بالغة احل�سا�سية وجتنب الرد ب�شكل انفعايل دائم ًا لأن ذلك ُي�ص ّعد من املواقف‬ ‫ويزيد م�شاعر النفور املتبادلة �إن كانت موجودة ويخلق م�شاعر نفور ونبذ وجتنب لك يف حال مل‬ ‫تكن موجودة‪ ،‬وب�إمكانك التحول من جمرد عبء (كما قد ت�شعرين) �إىل ُمعني و�سند وداعم لهم‪.‬‬ ‫ال تفقدي الثقة باملجتمع ككل‪ ،‬وخففي من م�شاعر احلذر واخلوف‬ ‫ال�شك �أن ما تعر�ضت له قد يكون �أ�سو�أ ما مت ّر به امر�أة من جتربة قا�سية خالل حياتها هذه حقيقة‬ ‫ال يمُ كن جتميلها‪ ،‬ولكن يمُ كن العمل على جتاوز �آثارها ال�سلبية والتخفيف من وقعها على حياتك‪ ،‬وال‬ ‫�شك �أن نظرة الآخرين ال�سلبية جتاهك قد تخلق لديك ردة فعل مماثلة لكن عليك �إدراك �أن املجتمع‬ ‫�ضحية مثلك لي�س كله �أ�شرار‪ ،‬لي�س كل الرجال هم مثل ه�ؤالء ال�شاذين القتلة الذي عر�ضوك لهذه‬ ‫املحنة فالرجال ب�شر مثلك ومنهم من تعر�ض للفعل الذي وقع عليك ذاته بوح�شية و�صمت‪ ،‬وبالرغم‬ ‫من �ضرورة �أخذ احليطة واحلذر يف التعامل معهم �إال �أنه عليك عدم املُبالغة يف ذلك وعدم �إظهار‬ ‫ذلك لهم خالل �سلوكك حتى لو كنت حتملينه يف نف�سك‪ ،‬وبذلك تك�سبني مودتهم وتعاطفهم وبناء‬ ‫ج�سور من التوا�صل معهم‪ ،‬وكذلك الن�ساء يف حميطك وخا�صة من تعر�ضن للجرم الذي تعر�ضت‬ ‫له‪ ،‬عليك االحتكاك بهنّ والتفاعل معهن وعدم اخلجل من احلديث مع ًا عما تعر�ضن له‪ ،‬كما ميكنك‬ ‫ت�شجيع كل واحدة منهن على البوح بذلك وحتى �شرح التفا�صيل لبع�ضكن البع�ض فهذا البوح يزيح عن‬ ‫كاهل كل منكنّ حم ًال ثقيال و ُيقلل من هول ما ت�شعر كل واحدة �أنه م�صيبة خا�صة بها وميكن �أن ي�ؤدي‬ ‫ذلك �إىل بحثكن اجلماعي عن حل �أو حلول لتجاوز الأذى الذي تعر�ضنت له‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫رف�ض �صيغ القدا�سة والبطولة وم�شاعر ال�شفقة (ال بطولة وال فداء)‬ ‫قد يحاول البع�ض من خالل تعاملهم معك �أو من خالل الكتابة عن هذه الق�ضية �إ�سباغ نوع من‬ ‫القد�سية على حاالت االغت�صاب‪ ،‬وت�صوير املغت�صبة على �أنها قد قدّمت �أغلى ما لديها لذلك ينبغي‬ ‫التعاطف معها ومعاملتها بطريقة ا�ستثنائية‪ ،‬وهذا يعك�س فهم ًا غري دقيق للواقع وملفهوم الت�ضحية‬ ‫لأنّ املغت�صبات مل يذهنب طواعية �إىل مغت�صبيهم ليقدمنَّ لهم �أج�سادهن على مذبح احلرية‪،‬‬ ‫ول�سنَ كما الثائر‪/‬ة املتظاهر‪/‬ة �أو النا�شط‪/‬ة الذي يخرج للتظاهر طواعية متحدي ًا كل املخاطر‬ ‫وال كالنا�شط املنخرط بالثورة ودعمها عن �إرادة �سابقة‪� .‬إنّ ما تعر�ضن له �أولئك الن�سوة ومنهن‬ ‫طفالت �أحيان ًا حدث رغم ًا عنهن ولي�س ب�إرادتهن‪ ،‬لذلك ف�إنهن �ضحايا كغريهن من �ضحايا النظام‬ ‫ال�سوري وجرائمه‪ ،‬علم ًا �أن ع�شرات الرجال تعر�ضوا لهذه اجلرمية داخل املعتقالت وخارجها‬ ‫ولأ�سباب اجتماعية مل تتم �إثارة ق�ضيتهم على النحو الذي �أثارته ق�ضية اغت�صاب الن�ساء‪ ،‬وهذا‬ ‫اجلرم كما �أ�سلفنا تتعر�ض له كل ن�ساء العامل يف ظروف احلروب والكوارث‪ ،‬لذلك عليك رف�ض‬ ‫هذا املوقف علن ًا من البيئة املحيطة �أو من خالل تعامل �أي �شخ�ص معك على هذا الأ�سا�س‪ ،‬وتبيان‬ ‫موقفك بو�ضوح وحاجتك للتف ّهم والدعم وامل�ساعدة على جتاوز هذا الو�ضع احلرج ورف�ض م�شاعر‬ ‫ال�شفقة التي تربز من خالل مواقف عاطفية و�إ�صرارك على �إظهار مواقف عملية جتاهك ملن‬ ‫تتج�سد ب�إ�شراكك ب�شكل �إيجابي بكل تفا�صيل احلياة ك�أي من �أفراد العائلة والبيئة املُحيطة‪،‬‬ ‫حولك ّ‬ ‫لأنّ تبنيك ملوقف ال�شعور بالفداء والعظمة �سيخلق منك �شخ�صية ّ‬ ‫ه�شة �ستنهار �أمام �ضغوط الواقع‬ ‫عند �أول �أزمة تواجهينها وحيدة‪.‬‬ ‫رف�ض احللول غري املنا�سبة وغري املر�ضية لك‬ ‫كما ّمتت الإ�شارة �سابق ًا وبدوافع عديدة قد يقدم املجتمع املحيط بك حلوال مل�شكلتك قد ال تر�ضي‬ ‫قناعتك وال تتوافق مع ما تطمحني �إليه‪ ،‬لذلك عليك التحلي باجلر�أة الكافية لرف�ض كافة احللول‬ ‫التي ال تنا�سبك وال تر�ضيك من مثل عرو�ض الزواج غري املتكافىء القائم منها على ال�شفقة حيالك‬ ‫�أو من منطلق درء الف�ضيحة والبحث عن ال�سرت‪ ،‬من مثل الزواج بكبار ال�سن �أو القبول ب�شخ�ص‬ ‫متزوج ولديه �أ�سرة‪ ..‬الخ‪ .‬الزواج من حقك �إن كنت عازبة �أو �أرملة ويجب �أن يتم وفق اختيار‬ ‫واع وبظروف منا�سبة لك ومتكافئة متاما‪ ،‬و ُيف�ضل �أن يتم بعد �أن ت�شعري �أنك �شفيت متاما من‬ ‫�آثار ال�صدمة التي تعر�ضت لها بعد فعل الإجرام الذي وقع عليك‪ ،‬ويف حال كنت متزوجة قد‬ ‫ينفر منك الزوج لفرتة م�ؤقتة وعليك تف�سري هذا املوقف وحتليله ب�شكل �إيجابي �أي�ضا دون ت�ضخيم‬ ‫‪42‬‬


‫م�شاعر العتب وخيبة الأمل‪ ،‬ورمبا البعد لفرتة م�ؤقته وقد تطول �أحيان ًا هو خري لكما ريثما تتعافني‬ ‫من الآثار الناجمة عما تعر�ضت له‪ ،‬ويف حال مت عر�ض الطالق عليك عدم اال�ستجابة لل�سرعة‬ ‫يف القبول وترك فرتة زمنية لرياجع الزوج نف�سه والتعايل على جرحك النف�سي و�أملك اخلا�ص‬ ‫خا�صة �إن كان لديك �أطفال‪ ،‬وفكري ب�أن مهمة احلفاظ على العائلة تقع على عاتقك‪ ،‬ويمُ كن‬ ‫بهذه احلالة اال�ستعانة بالأهل والأ�صدقاء وبع�ض رجال الدين من البيئة املحيطة لإ�صالح ما ميكن‬ ‫لك فعليك �أن تفكري جيد ًا قبل اتخاذ‬ ‫�إ�صالحه‪ ،‬بينما يف حال كان الطالق ح ًال ُمر�ضيا بالن�سبة ِ‬ ‫�أية خطوة بعواقب ذلك‪ ،‬وما يرتتب عليه من �آثار اجتماعية واقت�صادية وترتيب �أمور حياتك على‬ ‫لك ولهم‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫هذا الأ�سا�س من حيث ح�ضانة الأطفال و�إعالتهم وتوفري و�ضع كرمي من العي�ش ِ‬ ‫يتم باال�ستعانة ب�أفراد العائلة والأ�صدقاء وم�ؤ�س�سات املجتمع الأهلي املتوفرة يف حميطك‪.‬‬ ‫مواجهة املواقف القا�سية كالتعر�ض لتهديد احلياة‬ ‫تداول البع�ض كثري ًا من الق�ص�ص غري امل�ؤ ّكدة عن تعر�ض بع�ض املُغت�صبات للقتل من قبل �أفراد‬ ‫عائالتهن �أو الطرد من املنزل �أو �إخفائهن عن املجتمع املحيط‪ ،‬وهذه قد تكون من �أق�سى ردات‬ ‫الفعل التي قد تتعر�ضني لها وهي �أفعال واردة يف كثري من بيئاتنا االجتماعية‪ .‬هنا عليك الت�صرف‬ ‫ب�سرعة فور �شعورك بالتهديد اجلدي حلياتك وذلك مبغادرة البيئة املحيطة واالبتعاد عنها‬ ‫واال�ستعانة ب�أ�شخا�ص ثقاة لرتتيب �أمور �إقامتك ومعي�شتك بعيدا عن العائلة‪ ،‬والتي رمبا مع مرور‬ ‫الزمن تتجاوز هذا املوقف وتعود �إىل ر�شدها‪ .‬توجد الآن يف كثري من الأماكن منظمات وم�ؤ�س�سات‬ ‫جمتمع مدين تعمل على تقدمي امل�ساعدة عليك التوا�صل معها والو�صول �إليها ب�أي و�سيلة ممكنة‪،‬‬ ‫كما عليك جتنب تعر�ض حياتك للخطر بنف�سك كرد فعل منك على ما مل�ستيه من عائلتك واملقربني‬ ‫منك كالتفكري ب�إنهاء حياتك �أو اللجوء للعي�ش يف و�سط غري منا�سب لك اجتماعي ًا لأن ذلك ُيهدد‬ ‫حياتك ويحولها �إىل حالة من الت�شتت وال�ضياع‪.‬‬ ‫�إنهاء ثقافة الإفالت من العقاب (من �صامته �إىل �شاهدة)‬ ‫بالرغم مما ت�شعرين به من �صدمة وهول كبري حيال ما تعر�ضت له ف�إنه ب�إمكانك �أن تكوين �إيجابية‬ ‫من خالل الفهم والتفهم الكبري حلالتك وحتويلها من ق�ضية خا�صة �إىل ق�ضية عامة وق�ضية ر�أي‬ ‫عام ميكن من خالل م�شاركتك �أنت وغريك ج ّر املجرمني �إىل املحاكم املحلية والدولية‪ ،‬وبذلك‬ ‫ت�ساهمني يف �إنهاء ثقافة الإفالت من العقاب التي ي�شعر بها املجرمون ويتمثلونها‪� ،‬إذا يمُ كنك‬ ‫احلديث عن حالتك ك�شاهدة على �إجرام النظام وتوثيق حالتك بتفا�صيلها كاملة من خالل الإدالء‬ ‫‪43‬‬


‫ب�شهادتك عرب توا�صلك مع �إحدى م�ؤ�س�سات املجتمع املدين �أو امل�ؤ�س�سات احلقوقية العاملة على‬ ‫توثيق انتهاكات حقوق الإن�سان‪ .‬ميكنك الو�صول لهذه امل�ؤ�س�سات عرب �أكرث من �سبيل من و�سائل‬ ‫الإعالم مرورا ب�شبكة االنرتنت و�صوال �إىل اال�ستعانة باملحيطني بك‪ ،‬وال�شك �أن م�شاركتك يف ذلك‬ ‫تلعب دور ًا مهم ًا وتخلق لديك حالة فريدة من الر�ضا عن الذات وجتعل منك �شخ�صية �إيجابية‬ ‫ت�ساهم ب�شكل فاعل يف بناء جمتمع العدالة الذي طمحت �إليه الثورة وكنت �أحد الذين دفعوا الثمن‬ ‫يف �سبيله‪ ،‬وت�أ ّكدي �أن معلوماتك محُ اطة بال�سر ّية التامة ويتعامل معها �أ�شخا�ص متخ�ص�صون‬ ‫وم�س�ؤولون وهم من الأ�شخا�ص الثقاة على امل�ستوى الإن�ساين والأخالقي‪ ،‬كما �أنه عند عر�ض ملف‬ ‫هذه الق�ضية لن تُذكر �أ�سماء ال�ضحايا علن ًا ولن تُن�شر يف و�سائل الإعالم وذلك وفقا للقوانني‬ ‫الدولية املتعارف عليها‪.‬‬ ‫االنخراط يف ن�شاطات عامة وخا�صة‬ ‫ال �شك �أن اجللو�س وحيدة يف حالة من الفراغ تخلق لديك الكثري من الأزمات التي قد جتد ت�صريفا‬ ‫لها عرب ال�صدام مع الآخرين املُحيطني بك‪ ،‬ولذلك يمُ كنك االنخراط يف العديد من الن�شاطات‬ ‫العامة التي تفيد املجتمع املحيط كتعليم الأطفال يف املنازل �إثر حرمانهم من التعليم امل�ستمر‪� ،‬أو‬ ‫التطوع يف جمعيات وم�ؤ�س�سات العمل املدين لإغاثة املنكوبني‪� ،‬أو تعلم مهنة تنا�سبك كالتمري�ض‬ ‫واخلياطة �أو �أي مهنة تتنا�سب مع كفاءتك‪ ،‬بذلك تقومني �أي�ضا بت�أمني دخل اقت�صادي يحقق‬ ‫االكتفاء الذاتي لك ولعائلتك‪ ،‬كما �أنه ب�إمكانك من خالل بيئتك املحيطة �أو اجلمعيات املعنية‬ ‫ت�شكيل جمموعات ما ُيعرف “مبجموعات امل�ساعدة الذاتية” وهي جمموعات عالجية و�إر�شادية‬ ‫يقوم عليها �ضحايا �سابقات لالغت�صاب فتعطي ال�ضحية القدمية خربتها يف التعايف لل�ضحية‬ ‫احلديثة ويتبادلن جميعا اخلربات ويدعمن بع�ضهن البع�ض فت�شعر ال�ضحية و�سطهن ب�أنها لي�ست‬ ‫وحدها التي تع ّر�ضت لهذه املحنة‪ ،‬وبذلك يتحولن من �ضحايا �إىل فاعالت حقيقيات �إ�ضافة �إىل‬ ‫�إمكانية �إقامة م�شروع عمل دائم لكنّ ت�شارك فيه الأخريات ح�سب كفاءتهن وخرباتهن‪.‬‬ ‫على �صعيد الن�شاطات اخلا�صة ميكنك ممار�سة �أنواع معينة من الريا�ضة ولو يف غرفتك مع‬ ‫جمموعة �صغرية من ال�صديقات‪� ،‬أو امل�شي اجلماعي يف الهواء الطلق �إن ت�سنى لكنّ ذلك وممار�سة‬ ‫« اليوغا» وهي ريا�ضة روحية ميكن تعلمها ب�سهولة عرب القراءة وا�ست�شارة املخت�صني‪ ،‬كما ميكنك‬ ‫اللجوء للقراءة ومنها االطالع على جتارب الأخريات على امتداد العامل وبالتايل اكت�ساب خربات‬ ‫ومو�سعة وعملية و�أكرث واقعية‪� ،‬إ�ضافة �إىل تنظيم ن�شاطات جماعية خالل املنا�سبات‬ ‫عميقة ّ‬ ‫االجتماعية والدينية مع الأخرين وجمموعات الأطفال وجمموعات الدعم املجتمعي‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫اخلامتة‬ ‫مت�س النظام‬ ‫ال ب ّد من االعرتاف �أن وقوع جرمية اغت�صاب واحدة تهز املجتمع بكامله كونها ّ‬ ‫الأخالقي العام وترفع من ن�سبة اخلوف لدى الأفراد وتهدم �أ�سر وتزيد من الأعباء االجتماعية‪،‬‬ ‫واحلالة اال�ستثنائية التي مير بها ال�سوريون منذ �أكرثعام ون�صف جعل منها ق�ضية جمتمعية‬ ‫بامتياز‪ ،‬وال�شك �أن ال�صدمة النف�سية والع�صبية الناجتة عن االغت�صاب قد تبقى را�سخة مدى‬ ‫احلياة وال ميكن للمغت�صبة �أن تن�سى هذه ال�صدمة ب�سهولة وي�سر وال ميكن جتاوزها والتعاي�ش‬ ‫معها �إن تركت دون عالج‪ ،‬لأن �صدمة االغت�صاب تعمل على عدم التكيف النف�سي واالجتماعي‬ ‫للمغت�صبة التي حتتاج �إىل ت�أهيل نف�سي واجتماعي وم�ساعدتها ومتكينها من ا�ستعادة تكيفها من‬ ‫جديد‪ ،‬وما الأ�ساليب التي متت الإ�شارة �إليها �سابقا �إال حماولة لإيجاد حالة من ال�صمود والقدرة‬ ‫على اال�ستمرار مع حد �أدنى من اخل�سائر الإن�سانية‪ ،‬هذا ي�ؤ ّكد على �أن املغت�صبات ال�سوريات‬ ‫بحاجة �إىل مراكز رعاية خا�صة حاملا تتوفر الظروف تعمل على م�ساعدتهن على حتقق التكيف‬ ‫ال�سوي مع ذواتهن و�أ�سرهن وجمتمعهن‪ ،‬وعليك عزيزتي القارئة �أن تكوين جزء ًا فاع ًال من هذا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كله‪ ،‬كما عليك الإدراك ب�شكل دائم �أن م�س�ألة اغت�صابك مل تكن �إال �سالحا واحدا من الأ�سلحة‬ ‫الكثرية التي ا�ستخدمها النظام الفا�شي يف �سبييل �إحلاق الهزمية مبجتمع الثورة‪ ،‬وعليك اخلروج‬ ‫من حمنتك ب�أقل اخل�سائر كي ال تهزمني وال تكون حمنتك هذه عام ًال من عوامل الهزمية التي‬ ‫�أرادها لك وملجتمعك‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫نهاد وي�شو‬

‫‪46‬‬


‫اجلانب ال�شرعي ‪ -‬الديني‬ ‫«االغت�صاب»‪ ..‬جرمية حرب وجرح حرب‬ ‫نوال ال�سباعي‬ ‫�سيدتي القارئة الكرمية �إنه ملن اق�سى وافظع مالب�سات كلمة «اغت�صاب» هو الإ�سقاطات الثقافية‬ ‫واالجتماعية التي ت�صاحبها‪ ،‬واملتعلقة باخللط املريع بني «االغت�صاب» و»الزنا» من جهة وبني‬ ‫«االغت�صاب» و»م�س�ؤولية ال�ضحية» عنه من جهة ثانية!‬ ‫يف هذه املقدمة ال�صادمة تكمن كل احلكاية املخيفة التي تقدمها لنا – يف منطقتنا وثقافتنا‬ ‫احلالية‪ -‬كلمة «االغت�صاب» كلما ُذ ِكرت‪.‬‬ ‫كان «االغت�صاب» ومازال �أحد �أم�ضى «�أ�سلحة» ك�سر الإرادة امل�ستعملة يف احلروب على مر الع�صور‬ ‫ويف جميع الأمم وجميع احلروب على اختالفها‪ ،‬وكلما انحدرت �أمة من الأمم يف درجة جتردها‬ ‫من الأخالق والإن�سانية كلما عمد «حماربوها» �إىل ا�ستعمال هذا «ال�سالح» الفتّاك لك�سر �إرادة‬ ‫اخل�صم‪� ،‬إذ يعترب الغزاة واملحاربون املتجردون من امل�شاعر الإن�سانية �أو املنظومة الأخالقية ج�سد‬ ‫الإن�سان ‪ -‬واملر�أة خا�صة ودائما‪ -‬احل�صن الأخري الذي يقف بينه وبني الن�صر‪.‬‬ ‫وال ميكن اعتبار ادعاء « الإميان « وحده يف هذا املجال م�ؤ�شرا �أخالقيا‪ ،‬فلطاملا ارتكب الب�شر �أفظع‬ ‫�أنواع االنتهاكات الأخالقية والإن�سانية با�سم « معبودهم « كائنا من كان‪ .‬امل�ؤمن احلق جندي يف‬ ‫معركة ولي�س قاتال حمرتفا‪ ،‬امل�ؤمن احلق يقاتل واليرتكب الفظائع‪ ،‬امل�ؤمن احلق يجاهد واليعتدي‪،‬‬ ‫امل�ؤمن احلق يخو�ض املعارك ولي�س ق�صده �إهانة الإن�سان و�سحقه وك�سر �إرادته ومتزيق كرامته‪.‬‬ ‫هنالك يكمن «الإميان» احلقيقي الذي َيحول دون «اجلندي» وارتكاب «جرائم احلروب»‪ ،‬اليقطع‬ ‫�شجرة واليحرق زرع ًا واليعتدي على متعبد واليهدم دار عبادة واليهتك �سرت الأبرياء‪ ،‬واليرتكب‬ ‫فعل ي�شني‬ ‫جرم ًا يهبط ب�إن�سانيته �إىل م�ستوى الغيالن املتوح�شة من م�صا�صي الدماء‪ ،‬وال ُيق ِْدم على ٍ‬ ‫�إميانه برب ي�ؤمن �أنه �سيحا�سبه على كل كبرية و�صغرية‪..‬‬ ‫�أختي القارئة اليختلف اثنان على املكانة الرفيعة جدا لكلمة «ال�شرف» يف كل املجتمعات الب�شرية‬ ‫تقريبا‪،‬ومنها املجتمعات الناطقة بالعربية اليوم التي ت�سكن املنطقة العربية على اختالف انتماءاتها‬ ‫‪47‬‬


‫القومية والعرقية والدينية‪ ،‬باعتبار «ال�شرف» واحد ًا من «�أرفع» املزايا الإن�سانية املرتبطة ب�شكل‬ ‫حيوي مف�صلي بالأخالق النبيلة ومكارمها وبال�سلوك النزيه وبال�سرية التي الت�شوبها �شائبة‪.‬‬ ‫وال�شرف يف اللغة العربية ال�سمو والرفعة واملجد‪.‬‬ ‫�إال �أن كلمة «ال�شرف» عندنا يف املنطقة العربية واليوم ت�أخذ منحى خا�صا جدا‪ ،‬فهي تتجرد عن‬ ‫كل املعاين الأخالقية والإن�سانية التي تلت�صق بها لدى خمتلف �شعوب الأر�ض‪ ،‬لت�صبح وقف ًا على‬ ‫«املر�أة» فقط وفيما يخ�ص ج�سدها‪،‬بل فيما يخ�ص «منطقة» واحدة وخا�صة جدا من ج�سدها!‬ ‫مل يعد ال�شرف لدى «العربي» وال «امل�سلم» يف منطقتنا وثقافتنا املهرتئة كلمة يلتزم بها �أو وعد ًا‬ ‫يوفيه �أو عهد ًا ينفذه �أو كرم ًا ا�ستثنائيا يت�صف به �أو �أ َن َفة وعزة نف�س متنعه من املذلة او �سلوك ًا‬ ‫ال�صغار و�سفا�سف الأمور وتوافهها‪،‬‬ ‫�أخالقي ًا ا�ستثنائي ًا ُيعرف به ويدل عليه به‪ ،‬مل يعد ترفعا عن َ‬ ‫مل يعد ال�شرف يعني ويكايفء يف معناه كلمات كالرجولة‪ ،‬وعفة النف�س عن اخلو�ض يف ماي�شني‪ ،‬مل‬ ‫يعد �صنو ًا للكرم بكل معانيه و�أ�شكاله وال للبذل والت�ضحية‪ ،‬وال لعفة الل�سان والنف�س واجلوارح عن‬ ‫�إيذاء الآخرين بطريقة �أو ب�أخرى‪� ،‬صار ال�شرف عند العرب وامل�سلمني اليوم يف هذه املنطقة يعني‬ ‫فقط «حفاظ املر�أة على غ�شاء البكارة» حتى يوم زفافها! وقدرة من حولها من «الذكور» على حماية‬ ‫عذريتها املادية هذه املتمثلة يف هذا الأمر‪� ،‬أو ا�ستطاعتهم القيام بقتلها يف حال «اتهامها» ّ‬ ‫بف�ضه‬ ‫بطريقة �أو ب�أخرى حتى لو مل يثبت ذلك!‪ ..‬كما قدرتهم على قتلها �أو �إرغامها على الزواج بجالدها‬ ‫يف حال ظهرت عليها �آثار احلمل من �سفاح!‬ ‫�سيدتي الكرمية‪ ،‬اليتحدث النا�س يف مو�ضوع «�شرف الرجال» املتعلق ب�سالمتهم اجل�سدية يف حالة‬ ‫االغت�صاب وحفاظهم على عذريتهم يف حالة الزنا‪ ،‬بل يتكتم اجلميع على هذا الأمر ويختمون عليه‬ ‫مي�س �شرفهم‪ ،‬هكذا يفكر عوام النا�س اليوم يف جمتمعاتنا‬ ‫بال�صمت املُ ّر وال يعتربونه باملطلق �أمرا ّ‬ ‫املري�ضة ببعدها عن فهم روح الإ�سالم حقيقة واملعتلة بارتكا�ساتها الإن�سانية‪ ،‬والتي تعاين عوز ًا‬ ‫�أخالقي ًا مدقع ًا جعل من قيام الثورة على الرغم من �آالمها وابتالئها �ضرورة �إن�سانية تاريخية‬ ‫ملحة يف حياتنا‪.‬‬ ‫الجند يف «الإ�سالم» �أي ن�ص‪� ،‬أو فتوى‪� ،‬أو حتى ر�أي فقهي معترب حمرتم – باملعنى الفقهي لكلمة‬ ‫حمرتم‪ -‬يدفع �أو يحمل �أو ي�شجع �أو يربر �أو ي�سمح �أو يومئ �أو ي�شي مبنح « الذكر « حق قتل «املر�أة‬ ‫« (�سواء كانت امر�أته �أمه �أو �أخته �أو زوجته �أو ابنته او ابنة �أخيه �أو ابنة �أخته �أو ما ي�شبه يف‬ ‫حال وقوع هذا «االفت�ضا�ض»)‪ .‬يف حال اغت�صاب �أو زنا جند املجتمع وحتى بع�ض قوانني الأحوال‬ ‫‪48‬‬


‫ال�شخ�صية « التي و�ضعها اال�ستعمار نف�سه « يف خمتلف بلدان املنطقة الناطقة بالعربية يجدون‬ ‫املربر الكايف لتربئة الذكر لدى قيامه بجرمية القتل هذه والتي التخرج جملة وتف�صيال عن كونها‬ ‫جرمية قتل وبكل املقايي�س الدينية على وجه التخ�صي�ص!‪.‬‬ ‫فال�شرع الإ�سالمي مل مينح �أحدا حق قتل �أحد �أو الق�صا�ص منه �إال عن طريق ال�سلطة التنفيذية‬ ‫التي توازي مقام احلكومة والق�ضاء وقوى الأمن اليوم‪.‬‬ ‫كما �أن ال�شرع الإ�سالمي مل يتطرق البتة �إىل مو�ضوع ال�شرف باعتبار انتهاكه لدى �أ�شخا�ص �آخرين‬ ‫مربرا للقيام بجرمية القتل‪ ،‬والتي ي�سميها املجتمع للأ�سف واملفارقة واملهزلة «جرمية �شرف»!‪..‬‬ ‫مع ان املقتول دون عر�ضه يعترب �شهيدا يف الإ�سالم‪ ،‬ولكن هذا يف حالة قيامه ببذل اجلهد للدفاع‬ ‫عن انتهاك عر�ضه �أو عر�ض �أحد من حمارمه �أو من النا�س �أمام عينيه‪ ،‬ولي�س يف حال قيامه بقتل‬ ‫�شخ�ص ثالث وقعت عليه جرمية «الزنا»‪..‬‬ ‫الميكننا �أن جند ن�ص ًا واحدا يجمع مابني معنى «ال�شرف» ومو�ضوع «ال ِعر�ض» يف الإ�سالم‪ ،‬كما ان‬ ‫«انتهاك العر�ض» يف الإ�سالم هو جرمية اعتداء على الإن�سان ك�إن�سان‪ ،‬يتم التعامل معها ب�شكل‬ ‫�شرعي من وجهة نظر الإ�سالم باعتبار الأذى الواقع على الإن�سان وانتهاك حرمته‪ ،‬ي�ستوي يف ذلك‬ ‫انتهاك عر�ض املراة وانتهاك عر�ض الرجل وانتهاك عر�ض ال�صغري وانتهاك عر�ض الكبري‪،‬كلها‬ ‫جرائم «عدوان « ت�ستوجب �أق�سى و�أقذع �أنواع العقوبات الرادعة‪.‬‬ ‫�أختي الكرمية القارئة لعلنا يف واقع الأمر وعلى �ضوء التغيريات اجلذرية الهائلة التي تتطلبها‬ ‫املرحلة التاريخية الثورية التي نعي�شها‪،‬بحاجة ما�سة �إىل �إعادة بناء كل م�صطلحاتنا ومفاهيمنا‬ ‫و�إعادة تعريف بع�ض الكلمات يف حياتنا ووعينا اجلماعي‪ ،‬على �ضوء عمليات الهدم والبناء التي‬ ‫فر�ضتها الثورة خا�صة فيما يتعلق بعالقة ثقافتنا املهرتئة البالية بح�ضارتنا الإ�سالمية الإن�سانية‬ ‫الأخالقية العظيمة‪.‬‬ ‫لقد فر�ضت علينا الثورة ان نفكك هذه العالقة الغريبة بني ثقافة ماقبل الإ�سالم‪ ،‬وبني ماانتهينا‬ ‫�إليه اليوم من ثقاف ٍة حثالي ٍة متخ�ضت عن ثقافات كل الأمم التي مرت يف �أر�ضنا وغزتنا‪ ،‬لتتجمع‬ ‫هذه الرتاكمات مرتاكبة يف وعينا اجلماعي املعا�صر دون متحي�ص والتدبر والمراجعة خالل املائة‬ ‫واخلم�سني عام ًا الأخرية وحتى اندالع هذه الثورة ال�شاملة اليوم يف منطقتنا‪.‬‬ ‫كما فر�ضت علينا الثورة البدء ب�إجراء مراجعات �شاملة لرد فهمنا احلايل عن الإ�سالم �إىل‬ ‫الإ�سالم نف�سه‪ ،‬البعيد كل البعد عن كثري من قناعاتنا التي تعتمد على جمموعة من املوروثات‬ ‫‪49‬‬


‫الثقافية غري الأخالقية وغري الإن�سانية وغري الإ�سالمية!! والتي قد جند مو�ضوع ال�شرف هذا على‬ ‫ر�أ�سها!‬ ‫ال�شرف لي�س ج�سد امر�أة �أو ج�سد رجل او ج�سد طفل ُيعتدى عليهم جن�سيا ودون �إرادتهم لي�سيل‬ ‫دم ًا يحرق الكرامة والإن�سانية ويدمر الإرادة‪.‬‬ ‫هذا ال�شرف الذي اليجب �أن يعرف بن�سبته �إىل ج�سد املراة وعفتها فقط‪ ،‬ولكن على �أنه �صفة تُق ِّيم‬ ‫م�ستوى الفرد (رجال كان �أم امر�أة) يف املجتمع ومدى ثقة النا�س فيه بناء على �أفعاله وت�صرفاته‪،‬‬ ‫وجمموعة من الأخالق احلميدة التي يتمتع بها‪ ،‬والتي ي�ستدل بها على نقاء ال�سريرة والأمانة‬ ‫املادية والأخالقية‪،‬ولعله من �أعجب املفارقات يف حياتنا وثقافتنا القميئة املعا�صرة �أن نعلم �أنّ كلمة‬ ‫ال�شرف التي وردت يف ن�صو�ص الإ�سالم جاءت مقرتنة بالعبادة والتبتل قال ر�سول اهلل‪�( :‬شرف‬ ‫امل�ؤمن قيام الليل وعزه ا�ستغنا�ؤه عن النا�س) رواه احلاكم والبيهقي وح�سنه املنذ�ؤي وااللباين‪.‬‬ ‫يعترب الإ�سالم الزنا جرمية يرتكبها امل�سلم بحق نف�سه وبحق �أ�سرته وبحق املجتمع‪ ..‬يرتتب عليها‬ ‫�أ�شد �أنواع العقوبات املعروفة يف ال�شرع و�أفظعها والتي مل تطبق �إال مرة واحدة يف عهد النبي‬ ‫�صاح َبيها‪،‬ومن الأ�صل فيها ال�سرت والتوبة من الإن�سان على نف�سه‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم وباعرتاف ِ‬ ‫ومن الآخرين عليه‪ ،‬وال يقام احل ّد �إال بعد تثبت وتيقن ومتحي�ص وحتقيق وبحث و�شهود ودفاع‪،‬‬ ‫�أواعرتاف �شخ�صي متكرر ثابت ومن ثم قرار من القا�ضي �أو امل�س�ؤول عن املجتمع‪.‬‬ ‫وجرمية الزنا لها �أركان وو�صف يحدده ال�شرع و ُي�شرتط فيها البلوغ والعقل وحرية االختيار والر�ضى‬ ‫والتلب�س باجلرمية يف حال اكتمال وقوعها عيني ًا بر�ضى طرفني ر�آهما �أربعة �شهود مل تكن نيتهم‬ ‫الإيقاع بالنا�س والتل�ص�ص عليهم وتتبع عوراتهم‪ ،‬مما ُيخرج مو�ضوع «االغت�صاب» من هذا ال�سياق‬ ‫جملة وتف�صيال‪.‬‬ ‫عنف جن�سي تقع من ِق َب ِل معتدٍ جمرم ي�ستعمل �أق�صى �أنواع العنف‬ ‫فاالغت�صاب هو جرمية ٍ‬ ‫اجل�سدي والنف�سي واللفظي مع �ضحيته (رج ًال كان �أم امر�أة كبري ًا كان �أم �صغري ًا) بهدف انتهاك‬ ‫�سالمتها اجل�سدية وك�سر �إرادتها وا�ستالب �إن�سانيتها وا�ستعمالها ك�أداة انتقام من املجتمع او �أداة‬ ‫�إرهاب تت�سبب يف �إحداث ردة فعل جماعية يف االجتاه الذي يريده املغت�صب فردا كان �أم جمموعة‬ ‫يت�صرف ب�صورة فردية �أم جماعية‪..‬‬ ‫�أما «الزنا» فهو جرمية فردية تقع بالرتا�ضي بني فردين بالغني‪ ،‬و»االغت�صاب» جرمية يقوم بها‬ ‫جمرم جتاه �إن�سان �آخر هو �ضحية �إجرام هذا الأول‪ ،‬والفرق بني الأمرين يف الإ�سالم كبري جدا‬ ‫‪50‬‬


‫وطريقة التعامل ال�شرعية مع الأمرين خمتلفة جدا وفهم املجتمع للأمرين والتعاطي معهما ينبغي‬ ‫�أن يكون خمتلفا جدا‪.‬‬ ‫االغت�صاب جرمية م�صحوبة ب�أق�سى و�أعلى درجات العنف اجل�سدي والأذى املادي واملعنوي‪ ،‬ومن‬ ‫غري املقبول وال الطبيعي ان يعتقد البع�ض �ضمن بوتقة الثقافة احلالية التي ت�سود املنطقة �أنه ميكن‬ ‫�أن يكون يف هذه اجلرمية �أدنى قدر من ال�شعور باملتعة من قبل ال�ضحية التي (�أو الذي) يخ�ضعها‬ ‫املعتدي لأفظع �أنواع االمتهان الإن�ساين‪.‬‬ ‫االغت�صاب حتى لو كان بحق الزوجة هو جرمية‪ ،‬ويخرج من االغت�صاب كل �أنواع العالقات‬ ‫امل�شروعة بني الأزواج الطبيعيني‪ ،‬لأن االغت�صاب لي�س عالقة جن�سية طبيعية ولكنه جرمية عنف‬ ‫يقوم بها طرف قوي جمرم بحق طرف �ضعيف غري قادر على رد االذى عن نف�سه‪ ،‬كما يخرج من‬ ‫هذا مو�ضوع التمنع والدالل والت�صرفات الطبيعية املعروفة واملتبادلة بني بني الب�شر الأ�سوياء‪.‬‬ ‫وقد يطلع علينا اليوم والآن ويف �أيام املحنة والزلزلة هذه من يعرت�ض على جمرد احلديث يف هذا‬ ‫املو�ضوع وا�ستعمال هذه االلفاظ التي تعترب �ألفاظا وم�صطلحات فقهية �إ�سالمية معتربة‪ ،‬كما قد‬ ‫يظن �آخرون ان فتح هذا املو�ضوع واخلو�ض يف تفا�صيله امل�ؤملة قد يزيد معاناة املغت�صبات وك�أن‬ ‫املغت�صبني من الرجال والولدان غري موجودين وغري معرتف مبعاناتهم و�آالمهم‪ ،‬وهذا ينبغي‬ ‫ان ين�ضبط �ضمن عملية �صناعة الر�أي العام يف �أيام الثورة وهي عملية بالغة التعقيد يف هذه‬ ‫الظروف التي تعي�شها الثورة ال�سورية التي حو ّلها املجتمع الدويل اال�ستعماري �إىل حرب عاملية تدار‬ ‫بالوكالة يف �أر�ضنا توازيها حرب �إعالمية مزلزلة حتتاج منا وخا�صة العلماء والفقهاء واملوجهني‬ ‫الدينيني والرتبويني و�صناع الفكر والثقافة والأدباء وال�شعراء والفنانني بذل جهود م�ضاعفة حثيثة‬ ‫لتغيري قناعات النا�س‪ ،‬وهذا العفن الفكري الإن�ساين الذي كان على قلوبنا وعقولنا خالل ع�صور‬ ‫االنحطاط الأخالقي والإن�ساين الأخرية التي ع�شناها حتى انفجار الثورة‪.‬‬ ‫البد من حمالت وحمالت �إعالمية و�سيا�سية وفكرية وثقافية‪ ،‬وقبل ذلك وبعده حمالت دينية‬ ‫�إ�سالمية وغري �إ�سالمية لتوعية النا�س ون�شر الفكر الإ�سالمي ال�صحيح بينهم وردهم �إىل دينهم‬ ‫القومي يف ايام الزلزلة والفنت‪ ،‬التي حتتاج �إىل بذل جهود جبارة لرد النا�س حقيقة �إىل دينهم لي�س‬ ‫ماظهر منه وح�سب من عقائد وعبادات بل مايجب ان ت�شتمل عليه النفو�س من �أخالق و�آداب يف‬ ‫املعامالت فيما بني النا�س‪.‬‬ ‫البد من رد النا�س �إىل الإ�سالم على حقيقته الأخالقية الإن�سانية البناءة‪ ،‬وتنقية الثقافة الإ�سالمية‬ ‫‪51‬‬


‫اليوم يف منطقتنا من روا�سب العادات والتقاليد التي المتت للأخالق وال للإن�سانية وال للإ�سالم‬ ‫نف�سه ب�أية �صلة‪.‬‬ ‫اليوجد يف الإ�سالم �شيء يدعى «جرمية �شرف» لأن جرمية ال�شرف يف الإ�سالم هي «جرمية قتل‬ ‫مع �سبق الإ�صرار والرت�صد»!‪..‬‬ ‫من قتل ابنته او �أخته �أو امر�أته �أو �أية امر�أة من حمارمه اغتُ�صبت يف هذه املعارك واحلروب‬ ‫الدائرة اليوم يف �سياق حرب التحرير ال�شاملة التي ت�شهدها الأمة‪ ،‬من يقتل بدعوى “ال�شرف”‬ ‫فهو جمرد قاتل‪ ..‬قاتل اليختلف يف �شيء عن ال�شبيحة والغيالن التي نه�شت �أعرا�ضنا‪.‬‬ ‫حري مبن يفكر بقتل امر�أته لأن الغيالن نه�شت ج�سدها ابنة او زوجة او �أختا �أو �أما �أو كائنة‬ ‫ٌ‬ ‫ماكانت عالقته ال َر ِحم ّية بها �أن يقوم بقتل نف�سه قبل ذلك‪� ،‬إن مل ي�ستطع �أن يوفر لها احلماية‬ ‫والرعاية ومينع عنها ه�ؤالء الوحو�ش القتلة‪.‬‬ ‫يقول الأ�ستاذ ع�صام العطار القيادي الإ�سالمي التاريخي ال�سوري‪:‬‬ ‫يف �أحد من�شوراته يف الفي�سبوك بتاريخ ‪ :2012/4/7‬بناتنا اللواتي تعر�ضن لالغت�صاب جديرات‬ ‫ب�أوفر التفهم والرعاية النف�سية والأ�سرية واالجتماعية والدعم املعنوي‪ ،‬فهن اللواتي �أ�صابهن �أمل‬ ‫البالء يف معركة �سورية من �أجل احلرية والكرامة الإن�سانية وحقوق الإن�سان‪� ،‬أما بع�ض الأهل‬ ‫الذين �سمعت ومل �أ�صدق!! �أنهم يفكرون بالتخل�ص من بناتهن املغت�صبات!! فهم �إن كان ما�سمعته‬ ‫حق ًا �سخفاء جهالء اليعرفون دينهم واليعرفون حقيقة املروءة وال�شرف‪ ،‬بل �أكاد �أقول �إنهم لي�سوا‬ ‫من الب�شر‪.‬‬ ‫�إن االغت�صاب جرمية حرب بكل تفا�صيل ودقائق وموا�صفات جرائم احلرب‪ ،‬والينبغي ان ُينظر‬ ‫�إىل من وقعت عليه جرمية االغت�صاب من الرجال والن�ساء والأطفال �إال باعتباره �ضحية وجريح‬ ‫حرب‪ ..‬فف�ضال عن احتمال ه�ؤالء الأ�شخا�ص �إىل كل هذا احلجم من الأذى واعتبار رف�ضهم‬ ‫ومقاومتهم الفردية لهذا االعتداء فعل مقاومة بكل املقايي�س‪ ،‬ف�إنهم يتمتعون ب�شرف كونهم‬ ‫�ضحايا على مذابح خال�ص بالدهم و�شعوبهم من الغيالن بكل انواعها اال�ستعمارية واال�ستبدادية‬ ‫والوحو�ش غري الب�شرية التي ي�ستعملها الطرفان لك�سر �إرادة ال�شعوب‪.‬‬ ‫�أختي القارئة �أقول و�أعيد ال يجب اعتبار املغت�صبات يف احلروب �إال جرحى حرب‪ ،‬وال يجب �أن‬ ‫يعاملن �إال على هذا الأ�سا�س مبا يعنيه ذلك من احرتام وتقدير وعناية طبية ونف�سية وعقلية‬ ‫و�إعادة ت�أهيل ال�ستئناف احلياة‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫�إن معاجلة الفتيات املغت�صبات �أم ٌر يحتاج �إىل تعاون اال�سرة واملجتمع والدعاة والفقهاء والعلماء‬ ‫من خمتلف االنتماءات الدينية واملخت�صني النف�سيني والأطباء وو�سائل الإعالم لإعادة ت�أهيلهن‬ ‫بالر�ضى وال�شعور بال�سعادة والقدرة على اال�ستمرار‪.‬‬ ‫معاجلة الفتاة املغت�صبة‪،‬ال تكون بتزويجها ل�سرت عارها!!‪ ..‬ولكن باعتبارها �ضحية �إن�سانية من‬ ‫�ضحايا احلروب حتتاج منا �إىل املودة والرحمة والتفهم ومعاملتها على انها �إن�سانة‪ ،‬نتقرب �إىل‬ ‫اهلل بالإح�سان �إليها و�أعظم انواع الإح�سان احرتامها ك�إن�سانة وعدم االنتقا�ص من �إن�سانيتها‬ ‫وكرامتها و�أهليتها لل�شرف والرفعة والطهر والعفاف‪.‬‬ ‫هلكت �أمة تعاقب بناتها ون�سائها بجرمية وقعت عليهن ظلما وعدوانا فتقت�ص من ال�ضحية بدل �أن‬ ‫تنزل العقاب باملجرم!‪ ..‬الينبغي ان جنعل عويل دم بناتنا الطاهرات امل�سفوح على مذابح خال�صنا‬ ‫من اال�ستعمار واال�ستبداد �سياط ًا تذبح وجودهن و�إميانهن وقدرتهن على اال�ستمرار يف احلياة‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫نهاد وي�شو‬

‫‪54‬‬


‫اجلانب ال�شرعي ‪ -‬الديني‬ ‫حممد �أمني النجار‬ ‫احلمد هلل حمد ال�شاكرين‪ ..‬والعاقبة للمتقني‪..‬‬ ‫و�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل رب العاملني‪ ..‬و�أ�شهد �أن حممد ًا عبده ور�سوله النبي الأمي الأمني معلم‬ ‫اخللق رحمة للعاملني‪ ..‬وبعد‪:‬‬ ‫عزيزتي القارئة‪� :‬إن من الأمور املقررة عند عقالء زماننا �أن الثورة ال�سورية ال ك�سائر احلروب وال‬ ‫كباقي الثورات‪� ،‬إذ ت�شهد �ساحات الوغى فيها كل ما مر على الإن�سانية من م�آ�سي الظلم واجلور‬ ‫والإكراه كلها جمتمعة على تراب ثورة ال�سوريني ‪ ،‬لت�شكل حوادث االغت�صاب جزء ًا ي�سري ًا من‬ ‫م�شاهد روح االنحالل التي يتمتع بها �أعداء الثورة‪.‬‬ ‫لقد �شعر اجلميع بالذل واملهانة الناجتني عن ال�ضعف والهوان‪� ،‬إذ غدت �أعرا�ض ال�سوريات اللواتي‬ ‫طاملا افتخرن بعفتهن غدت نهب ًا لكل طامع �أثيم متوح�ش كذئب مفرت�س يتقنع بقناع الب�شر‪ ،‬هذا‬ ‫كله نتيجة لوقوع حادثة اغت�صاب الذي هو‪ :‬وطء �أنثى جرب ًا على غري وجه �شرعي‪� ..‬أو هو الإكراه‬ ‫على الزنا واللواط‪.‬‬ ‫�أقولها ب�صدق‪ ،‬لقد وقعن الفتيات الطاهرات حتت وط�أة ق�سوة املجتمعات التي حتمل العقلية‬ ‫البعيدة عن فطرة الدين و�سالمة العقل واحل�س‪ ،‬فت�صل �إىل درجة ال ت�سامح الفتاة �أو املر�أة‬ ‫املغت�صبة‪ ،‬ناظرين �إليها نظرة الكره واحلقد لكونها جلبت املذلة ومتريغ الر�أ�س برتاب الهوان‬ ‫للعائلة واملجتمع‪ ..‬علم ًا �أ ّنها مل تقدم على العمل امل�شني طائعة خمتارة و�إنمّ ا مور�س معها حتت‬ ‫ال�ضغط والعنف والإكراه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ح�سا�س حتى قيل يف املثل «�إنّ �شرف‬ ‫اعرف �أن �شرف املر�أة بالن�سبة لقومها و�أهلها وجمتمعها ّ‬ ‫الفتاة كعود الكربيت»‪ ،‬وهذه الغرية واحلر�ص و�إن مل تكن عادة حمدثة وال ُخ ُل ٌق جديد بل هو قدمي‬ ‫قدم الغرية على املر�أة‪ ،‬لذلك جند �أن �أكرب امل�صائب التي قد تنزل على املر�أة وحميطها �أن ينتهك‬ ‫عر�ضها‪ ،‬لتجد الفتاة نف�سها تعي�ش حتت خطيئة كونها �أنثى وجريرة �ضعفها وا�ستغاللها وعنجهية‬ ‫الذكورة يف جمتمعها‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫تذكري معي �أختي الكرمية موقف مرمي العذراء عليها ال�سالم يوم و�ضعت �صبيها امل�سيح (عليه‬ ‫ال�سالم) من غري �أب معجزة من الرب �سبحانه وتعاىل‪ ،‬وما تبادرها من خوف االتهام من قبل‬ ‫قومها لها وهي الطاهرة العفيفة النجيبة‪ ،‬حتى �أنها متنت املوت �أو عدم الكينونة‪ ،‬وهل هذا �إال دليل‬ ‫مت قبل هذا وكنت ن�سي ًا من�س ّي ًا)‪.‬‬ ‫ح�سا�سية هذا الأمر فقالت‪( :‬يا ليتني ّ‬ ‫على مدى ّ‬ ‫و�صحتها النف�سية‬ ‫وهذا ير�شدنا على مقدار ت�أثري هذه الظاهرة على �سمعة الفتاة وكرامتها ّ‬ ‫وعالقاتها االجتماعية‪� ،‬سواء يف نظرة اجلن�س الآخر لها �أو حتى يف ابتعاد بنات جن�سها عنها‪،‬‬ ‫الأمر الذي يدفع الكثري منهن للتفكري بالإقدام على فعل كارثي بحق اجل�سد والروح هذا �إذا �سلمنا‬ ‫بتقبل الأهل للأمر‪ ،‬فكيف �إذا حكمت َعقد ُة التع�صب الفا�سد والغرية العمياء‪ ،‬طبع ًا عندها �سيكون‬ ‫الأمر �أدهى و�أم ّر‪ ،‬ثم تكون احلجة الكربى حتت ظل الفهم اخلاطئ للدين‪.‬‬ ‫�أختي الكرمية لقد ذهب العلماء �إىل �أنه ال يجوز للفتاة �أن تقدم على االنتحار وقتل النف�س ولو‬ ‫تيقنت �أنها �ستغت�صب من قبل �شخ�ص �أو جماعة وال �أن تقتل نف�سها �ساعة اغت�صابها‪ ،‬فيكون‬ ‫الإجماع م�ؤكد ًا واالتفاق �أقوى ب�أنه ال يجوز لها وال لغريها هتك حرمة روحها وقتلها بعد تعر�ضها‬ ‫لالغت�صاب‪.‬‬ ‫ال�صحة �سواء البدنية �أو‬ ‫ومعلوم �أنّ حلوادث االغت�صاب �آثار ًا وا�ضحة م�ؤدية �إىل انحراف يف‬ ‫ّ‬ ‫النف�سية �أو الروحية �أو العقلية �أو ال�سلوكية العملية‪ ،‬وقد حتاول الفتاة املغت�صبة االنتحار كحل‬ ‫لتخطي �أعراف املجتمع ورفع النظرة ال�سوداوية التي �أحلقتها بنف�سها و�أ�سرتها‪� ،‬أو الإح�سا�س‬ ‫بالذنب واخلطيئة حتكمها م�ؤنبة �ضمريها احلي‪.‬‬ ‫حت�سى �س ًّما فقتل‬ ‫فعن �أبي هريرة ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬قال ر�سول اللهّ عليه ال�صالة وال�سالم‪ « :‬من ّ‬ ‫يتح�ساه يف نار جه ّنم خالد ًا خم ّلد ًا فيها �أبد ًا ومن قتل نف�سه بحديد ٍة فحديدته‬ ‫نف�سه ‪ ،‬ف�س ّمه يف يده ّ‬ ‫جبل فقتل نف�سه‬ ‫يف يده يطعن بها يف بطنه يف نار جه ّنم خالد ًا خم ّلد ًا فيها �أبد ًا ‪ ،‬ومن تردّى من ٍ‬ ‫يتقحم يف ال ّنار وا ّلذي يخنق‬ ‫يتقحم فيها ّ‬ ‫فهو يرتدّى يف نار جه ّنم خالد ًا خم ّلد ًا فيها �أبد ًا وا ّلذى ّ‬ ‫نف�سه يخنقها يف ال ّنار‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬ ‫�أختي الكرمية والتي ط�أط�أ الفخر �إذعان ًا لها بكرم �شرفها ‪ ،‬اعلمي �أن من قواعد الإ�سالم الأ�سا�سية‬ ‫قاعدة رفع احلرج وامل�شقة والعنت عن اخللق‪ ،‬فحكم ال�شرع ب�أن املر�أة املغت�صبة بريئة من �أي ذنب‬ ‫فيما حدث لها‪ ،‬ما دامت قد رف�ضت وقاومت يف �أول الأمر‪ ،‬ف�إذا �أكرهت حتت �أ�سنة الرماح و�ضغط‬ ‫القوة الباط�شة‪ ،‬فماذا ت�صنع امر�أة مهي�ضة اجلناح �أمام وحو�ش مدججة بال�سالح ال تخ�ش خالق ًا‬ ‫‪56‬‬


‫وال ترحم خملوق ًا؟!‪ ..‬وقد �أجمع فقهاء الإ�سالم على �أن املر�أة �إذا ا�ستكرهت على الزنا وغلبت على‬ ‫�أمرها فال يقام عليها احلد لأنها مكرهة‪ ،‬بل و�إنها م�أجورة على �صربها وحتملها تبعات جريرة‬ ‫غريها‪.‬‬ ‫ا�ض ُط ِر ْرتمُ ْ �إِ َل ْي ِه) (الأنعام‪:‬‬ ‫�أمل ت�سمعي معي قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َق ْد َف َّ�ص َل َل ُك ْم َما َح َّر َم َع َل ْي ُك ْم �إِ اَّل َما ْ‬ ‫‪.)119‬‬ ‫�أمل متري على حديث الر�سول عليه ال�سالم �إذ يقول‪�( :‬إن اهلل و�ضع عن �أمتي اخلط�أ والن�سيان وما‬ ‫ا�ستكرهوا عليه)‪ .‬رواه ابن ماجه‪.‬‬ ‫وت�أملي معي الفهم الوا�ضح للق�ضية تكال مبكيال العدل والأخالق من خالل تطبيق ال�سلف ال�صالح‬ ‫ا�س َت ْك َرهَ هُنَّ ِغ ْل َما ٌن ِمنْ‬ ‫ر�ضي اهلل عنهم‪ ،‬فقد روى الأثرم‪َ :‬ق َال‪َ :‬و�أُ ِت َي ُع َم ُر ِب ِ�إ َماءٍ ِمنْ � َإما ِء ا ِلإ َما َر ِة ‪ْ ،‬‬ ‫ِغ ْل َم ِان ا ِلإ َما َر ِة ‪َ ،‬ف َ�ض َر َب ا ْل ِغ ْل َمانَ ‪َ ،‬ولمَ ْ َي ْ�ض ِر ْب ا ِلإ َما َء‪ ..‬وهن اجلواري‪ ،‬فما بالك باحلرة الكرمية‪.‬‬ ‫و�إذ كان الرب الكرمي قد �أ�سقط الإثم عن املكره على الكفر وال�شرك به‪ ،‬قال تعاىل‪�( :‬إال من �أكره‬ ‫وقلبه مطمئن بالإميان)‪( .‬النحل‪ )106 :‬فيكون �سقوط الذنب عن املكرهة املغت�صبة �أوىل و�أو�ضح‪.‬‬ ‫فلقد �أخربنا وائل بن حجر �أَنَّ ْام َر�أَ ًة ُا ْ�س ُت ْك ِرهَ ْت َع َلى َع ْه ِد َر ُ�س ِول اللهَّ ِ �صلى اله عليه و�سلم َفدَ َر�أَ َع ْن َها‬ ‫الحْ َ َّد ‪� ،‬سنن الرتمذي‪.‬‬ ‫بل �إن الدين ينظر �إىل الفتاة املغت�صبة على �أنها فتاة قد �أنزل اهلل بها البالء وقد حل بدارها‬ ‫االمتحان واالختبار‪ ،‬طالب ًا لها ال�صرب وال�صمود والإ�صرار على احلياة رغم �آالم هذا البالء‬ ‫لت�ستحق بعد ذلك الأجر والثواب‪.‬‬ ‫فقد قال ر�سول الرحمة للنا�س �أجميعن‪ :‬ما ي�صيب امل�سلم من ن�صب وال و�صب‪ ،‬وال هم وال غم‪ ،‬حتى‬ ‫ال�شوكة ي�شاكها‪� ،‬إال كفر اهلل بها من خطاياه‪ .‬رواه البخاري وم�سلم‪.‬‬ ‫وال ي�شك �أحد ب�أن املر�أة املغت�صبة التي وقعت فري�سة العتداء الفجرة م�أجورة يف �صربها على هذا‬ ‫البالء‪� ،‬إذا هي احت�سبت ما نالها من الأذى عند اهلل جل جالله‪.‬‬ ‫لقد �صاحت احلرية ت�ؤكد لكم �أن ال�شرع يطالب املجتمع �أن يحيط الفتاة املغت�صبة بنظرة العطف‬ ‫واحلنان والعمل على �إخراجها من حالة و�إ�شعارها ب�أنها جزء من املجتمع الطاهر ي�ستمد كرامته‬ ‫من �صمودها ون�ضوجه من تفهمها للبلية التي نزلت بها‪.‬‬ ‫ا�ست َْ�س َق ْت َر ِاعي ًا‪َ ،‬ف�أَ َبى �أَنْ َي ْ�س ِق َي َها �إال �أَنْ‬ ‫وقد ُر ِو َي َعنْ ُع َم َر ْب ِن الخْ َ َّط ِ‬ ‫اب ر�ضي اهلل عنه �أَنَّ ْام َر�أَ ًة ْ‬ ‫‪57‬‬


‫تمُ ْ ِك َن ُه ِمنْ َنف ِْ�س َها َف َف َع َل ْت‪َ ،‬ف ُر ِف َع َذ ِل َك �إىل ُع َم َر‪َ ،‬ف َق َال َل َع ِل ٍّي ر�ضي اهلل عنه‪َ :‬ما َت َرى ِفي َها؟ َق َال‪� :‬إ َّن َها‬ ‫ُم ْ�ض َط َّر ٌة ‪َ ،‬ف�أَ ْع َطاهَ ا ُع َم ُر َ�ش ْيئ ًا َو َت َر َك َها‪..‬‬ ‫وهل هذا �إال دليل على نظرة رحمة لهذه املر�أة‪ ،‬فكيف بتلك التي �أكرهت واغت�صبت يف �سبيل الدين‬ ‫ورفع الظلم عن النا�س وامل�سلمني‪ ،‬فهي ما اغت�صبت �إال عقوبة ل�صمود قومها يف �سبيل احلرية‬ ‫واحلقوق‪� ،‬إن احلق �أن ت�ستحق االحرتام والتقدي�س‪.‬‬ ‫ومما ال �شك فيه �أن الفتاة امل�سلمة احلري�صة على عفتها �إذا تعر�ضت لعدوان وح�شي‪ ،‬وخافت‬ ‫نتيجة لذلك على �سمعتها �أو �شرفها �أن تبقى منبوذة �أو �أن تتعر�ض للأذى �أو �أن تتعر�ض ملر�ض‬ ‫نف�سي �أو ع�صبي �أو �أن ي�صيبها يف عقلها �شيء �أو �أن يبقى العار يالحق �أ�سرتها يف �أمر ال ذنب‬ ‫لها فيه‪ ،‬ال �شك �أنها يف �صربها واحت�سابها ت�ستحق الأجر العظيم من رب العاملني ومن جمتمعها‬ ‫وحميطها‪.‬‬ ‫ف�إذا كان اهلل قد �أ�سقط احلد والعقوبة والتعزير عنها‪ ،‬وجعل الإكراه حمجة بي�ضاء وكرامة منتقاة‬ ‫ت�سبغ على الفتاة �ش�آبيب الإجالل‪ ،‬فمن واجب هذا املجتمع �أن يرمق �إىل الفتاة على �أنها �ضحت‬ ‫ب�أغلى ما متتلكه‪� ،‬إذ عموم ًا ما تكون �ضحية ل�صمود �شعبها فري�سة جلربوت الطغاة واعتدائهم على‬ ‫حقوق املظلومني وتكون هي ال�صورة احلية لف�ساد القيم والأخالق يف �صحائف املغت�صبني‪.‬‬ ‫فاملغت�صبة التي بعدت عن التفريط بحفظ نف�سها وبذلت جهدها يف رد الظلم عن ج�سدها ثم‬ ‫مل متلك خيار ًا حتى هتك عر�ضها‪ ،‬كانت ت�ستحق االحرتام والإكبار و�إ�سباغ ندى الإجالل من كل‬ ‫الن�ساء والرجال‪.‬‬ ‫�أقول ال �أزال �أذكر تلك الفتاة العراقية التي تعر�ضت الغت�صاب اجلنود الأمريكيني يف �أر�ض العراق‬ ‫(فاطمة اجلبائي) ففقدت عذريتها‪ ،‬و�أفقدت الغا�صب ما تبقى من ذرات الإن�سانية التي قد‬ ‫يحملها‪ ،‬ف�أدمعت ب�صرخاتها وا�ستغاثاتها كل قلب حتى قلوب احلجارة‪ ،‬فت�سارعت قلوب الكرماء‬ ‫�إىل بذر ندى احلياة و�سقيها مباء كرامة العفة العراقية‪ ،‬فتبادر الرجال خلطبتها �إ�سقاط ًا للواجب‬ ‫املتعلق يف رقاب ال�شباب وتخفيف ًا وموا�ساة للعذابات التي قد جتول يف قلب فاطمة وقريناتها‬ ‫وتعوي�ض ًا عن فقدهن لأعز ما ميلكن‪.‬‬ ‫�أخي الثائر على الباطل‪:‬‬ ‫�إن من �أوجب الواجبات على �شباب الأمة �أن يقفوا يف وجه املحنة التي تعرتي �أخواتهم‪ ،‬بال�سرت على‬ ‫�أعرا�ضهن عن طريق الزواج املبارك والنكاح الكرمي احلالل‪ ،‬ثم العمل على �إ�سعادها حتت �سقف‬ ‫‪58‬‬


‫الزوجية مبا ين�سيها مرارة االغت�صاب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫روى الإمام �أحمد وغريه �أن ر�سول اهلل قال‪َ :‬منْ َ�سترَ َ ُم ْ�س ِلم ًا فيِ ال ُّد ْن َيا‪�َ ،‬سترَ َ ُه اهلل َع َّز َو َج َّل فيِ ال ُّد ْن َيا‬ ‫َو ْال ِآخ َر ِة‪َ ،‬و َمنْ نجَ َّ ى َم ْك ُروب ًا َف َّك ُ‬ ‫اج ِة �أَ ِخي ِه َكانَ‬ ‫اهلل َع ْن ُه ُك ْر َب ًة ِمنْ ُك َر ِب َي ْو ِم ا ْل ِق َي َام ِة‪َ ،‬و َمنْ َكانَ فيِ َح َ‬ ‫ُ‬ ‫اج ِت ِه‪.‬‬ ‫اهلل َع َّز َو َج َّل فيِ َح َ‬ ‫ف�أي �سرت �أعظم و�أي تفريج �أرحم و�أكرم و�أي حاجة �أق�ضى من �أن يتفهم ال�شاب الكرمي ظرف‬ ‫الفتاة وحاجتها لل�سرت‪.‬‬ ‫ومع التطور الهائل يف ميادين احلياة عامة والطب وال�صحة ب�شكل �أخ�ص ف�إن العلم قد تو�صل‬ ‫�إىل �إعادة ترميم غ�شاء البكارة لدى الفتاة‪ ،‬عرب عملية جراحية ب�سيطة اعتاد �أهل العلم ال�شرعي‬ ‫ت�سميتها عملية رتق غ�شاء البكارة‪.‬‬ ‫لقد ذهب جل علماء الع�صر �إىل �أن رتق غ�شاء البكارة �أمر حمرم �إن متزق نتيجة لزنا ترا�ضى‬ ‫عليه الطرفان‪ ،‬ثم ت�شدد البع�ض فحكم باحلرمة مطلق ًا �أي ًا كان �سبب متزق غ�شاء البكارة‪ ،‬معللني‬ ‫التحرمي ب�أنه غ�ش لزوج امل�ستقبل وتدلي�س حمرم‪.‬‬ ‫وال �شك �أن هذ التهكم مبالغ فيه‪� ،‬إذ كيف ميكن �أن يت�ساوى حال املر�أة التي وقعت يف الزنا ومن‬ ‫زالت بكارتها لعذر وا�ضح كتعر�ضها لالغت�صاب واالعتداء‪ ،‬من غري �أن ين�سب �إليها ما مل تفعله‬ ‫ومل تر�ض به‪ ،‬وقد ابتليت ببالء كبري ميكن �إزالته بعملية الرتق‪ ،‬وال يكون هذا غ�ش ًا‪ ،‬فمن تزوجها‬ ‫وقد زالت بكارتها ب�سبب لي�س من قبلها ومل ت�أثم به ال يكون مغ�شو�ش ًا وال خمدوع ًا‪� ،‬إذ كان ال�سلف‬ ‫يعتربون من زالت عذريتها بغري الوطء بكر ًا لي�س لزوجها ف�سخ نكاحها كما �سبقن‪ ،‬فهذا هنا جائز‬ ‫من باب �أوىل‪ ،‬كما �أنه ال يلزمها �إطالع اخلاطب الذي يتقدم لها بذلك‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫مل نزل ن�سمع بحوادث االغت�صاب يف�شو خربها بعد �أن يثبت حمل الفتاة املعتدى عليها نتيجة‬ ‫تعر�ضها لالعتداء اجلن�سي ‪ ،‬الأمر الذي يدفع كثريات �إىل الإجها�ض‪.‬‬ ‫والإجها�ض يف عرف اللغة واال�صطالح الفقهي يطلق على �إلقاء احلمل ناق�ص اخللق �أو ناق�ص‬ ‫املدة‪ ..‬وهو والإ�سقاط مبعنى واحد‪.‬‬ ‫قد تلج�أ كثري من الفتيات اللواتي تعر�ضن حلوادث االغت�صاب �إىل �إجها�ض حملهن �سعي ًا وراء‬ ‫ال�سرت ودفع اخلطر عنها ‪،‬‬ ‫وحكم االجها�ض يف ال�شريعة هو املنع واحلرمة من الناحية العامة‪ ،‬منذ عملية التلقيح حيث ين�ش�أ‬ ‫الكائن اجلديد وي�ستقر يف القرار املكني وهو الرحم الأم‪ ،‬ولو كان هذا احلمل نتيجة ات�صال حمرم‬ ‫‪59‬‬


‫كالزنى‪ ،‬وقد �أمر الر�سول عليه ال�سالم الغامدية التي �أقرت بالزنى وا�ستوجبت الرجم �أن تذهب‬ ‫بجنينها حتى تلد‪ ،‬ثم بعد الوالدة حتى الفطام‪ ،‬ذلك �أن الإجها�ض �إتالف و�إف�ساد لغري ما هو �ضار‬ ‫والإف�ساد مما يحرمه ال�شرع في�شمل الإجها�ض التحرمي ‪ ،‬ومنهم من علل املنع ب�أن النطفة بعد‬ ‫ا�ستقرارها �صارت مهي�أة لنفخ الروح‪.‬‬ ‫وحترمي الإ�سقاط ال يكون �إال بتحقق ال�سالمة للأم �أثناء احلمل‪ ،‬ف�إن حكم الطبيب العدل �أن احلمل‬ ‫ي�ضر ب�صحة االم �أو يهدد حياتها جاز الإ�سقاط دون النظر �إىل مدة احلمل‪ ،‬وكلما كان العذر �أقوى‬ ‫كانت الرخ�صة �أظهر‪.‬‬ ‫قلت �إال �أن كثري ًا من �أهل العلم قد مال �إىل جواز الإ�سقاط �إذا كان قبل الأربعني الأوىل من احلمل‪،‬‬ ‫وبع�ضهم يجيزه حتى قبل نفخ الروح �أي قبل متام الأ�شهر الأربعة الأوىل من احلمل‪ ،‬م�ستدلني مبا‬ ‫ثبت عن عبداهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه قال حدثنا ر�سول اهلل وهو ال�صادق امل�صدوق‪�( :‬إن‬ ‫�أحدكم يجمع خلقه يف بطن �أمه �أربعني يوم ًا نطفة ثم يكون علق ًة مثل ذلك ثم يكون م�ضغ ًة مثل‬ ‫ذلك ثم ير�سل �إليه امللك فينفخ فيه الروح وي�ؤمر ب�أربع كلمات بكتب رزقه و�أجله وعمله و�شقي �أو‬ ‫�سعيد)‪ ..‬احلديث‪ ..‬متفق عليه‪.‬‬ ‫�إال �أنه مل يرد يف احلديث عن احلمل النا�شئ عن االغت�صاب نق ٌل للفقهاء املتقدمني �أو املت�أخرين‪،‬‬ ‫و�أما املعا�صرون ف�إن فتاواهم تت�ضافر على جواز �إجها�ض هذا احلمل قبل مرور مائة وع�شرين يوم ًا‬ ‫وحترميه بعدها لكونه قد نفخ فيه الروح‪.‬‬ ‫قلت ولقد �أجاز كثري من �أهل العلم الإجها�ض يف احلمل ال�شرعي عند وجود عذر كما لو انقطع‬ ‫لنب الأم ولي�س لأب ال�صبي ما ي�ست�أجر به املر�ضع‪ ،‬فمن الأوىل �أن جن ّوز الإجها�ض و�إ�سقاط احلمل‬ ‫الناجت عن االعتداء واالغت�صاب‪� ،‬إذ �إن �آثار هذا احلمل على الأم قد تكون كبرية وقد ال تتح ّملها‬ ‫نف�س ّي ًا‪ ،‬وهي تكره هذا اجلنني لأنه ثمرة االعتداء الغ�شوم‪ ،‬وهو يفتح باب القالة ال�سيئة عليها لعدم‬ ‫التفريق بني الإكراه والر�ضا يف الزنا يف جمتمعات حتكمها الع�صبية اخلرقاء‪ ،‬مع �أنها ال ذنب‬ ‫لها وال يد يف اجلرمية‪ ،‬وميكن التخفيف من �آثار ذلك دون �إ�ضرار ب�أحد‪ ،‬فمن مقررات ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية �أن ال�ضرر يزال‪ ،‬وال�ضرر الأ�شد يزال بال�ضرر الأخف‪ ،‬هذا كله �ضمن �ضوابط ال�سالمة‬ ‫واملحافظة على حياة املر�أة‪� ،‬إذ تتحول الإباحة �إىل حرمة �إن ثبتت خطورة الإجها�ض على الفتاة‪.‬‬ ‫وتبقى الوقاية خري من العالج وذلك ب�أن ت�سارع املر�أة املغت�صبة باتخاذ االجراءات املانعة من‬ ‫احلمل قبل �أن يعلق يف بطنها‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫و�إن ابتليت م�سلمة بهذه امل�صيبة يف نف�سها فر�أت �أن اخلرية لها ب�أن حتتفظ بهذا اجلنني حتى‬ ‫ت�ضعه‪ ،‬فهو طفل م�سلم يلحق بها ن�سب ًا وال ين�سب �إىل �أب‪ ،‬كما قال النبي الأعظم‪ :‬كل مولود يولد‬ ‫على الفطرة رواه البخاري‪ ،‬ف�إن كانت متزوجة �أو تزوجت بعد �أن �أجنبته ف�إنه ال يجوز �أن نلحقه‬ ‫بالزوج ن�سب ًا‪.‬‬ ‫وعلى املجتمع امل�سلم �أن يتوىل رعايته والإنفاق عليه وح�سن تربيته‪ ،‬وال يدع العبء على الأم امل�سكينة‬ ‫املبتالة‪ ..‬كما �أن النظرة �إىل املولود ينبغي �أن ال تفرتق عن النظرة �إىل �أي �صبي مولود يف املجتمع‪..‬‬ ‫وبعد ف�إن هذا غي�ض من في�ض قي�ض اهلل لنا �أن نوا�سي به كرميات �سوريا من حرائرها‪ ،‬ممن‬ ‫�سقطن فري�سة لظلم الظاملني‪ ،‬و�ضحية لطلب احلرية والكرامة‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫فادي زيادة‬

‫‪62‬‬


63


64


‫اجلانب القانوين‬ ‫التو�صيف القانوين جلرمية االغت�صاب والعقوبة املقررة لها‬ ‫مريا ب�شراقي ويا�سر مرزوق‬ ‫من املهم يف اجلانب القانوين �أن تبحثي دائما عن نقاط القوة التي بداخلك وتلك النقاط املوجودة‬ ‫يف القانون والتي �سوف ت�ساعدك على الو�صل �إىل حقك مهما طال الزمن‪.‬‬ ‫تذكري دائما ب�أنك ل�ست مذنبة و�أن القانون يعتربك «�ضحية» وينظر لك بعني القانون واحلق‪� .‬إن‬ ‫القانون يحميك كامر�أة وكمواطنة‪.‬‬ ‫عليك �أن جتدي‬ ‫يف حال قررت �أن تخرجي عن �صمتك ف�إن هذه خطوة جبارة‪ .‬قد يرتتب ِ‬ ‫ال�شخ�ص املنا�سب للحديث عن هذه اخلربة القا�سية وهذا ال�شخ�ص قد يكون طبيبتك الن�سائية �أو‬ ‫الأخ�صائية النف�سية التي قد تطلبني ا�ست�شارة منها‪ .‬ولكن علي �أن �أذكرك ب�أن املحامي واملحاميات‬ ‫و�أهل القانون هم فعال الأ�شخا�ص الذين �سوف حتتاجينهم لتوثيق االنتهاك الكبري الذي تعر�ضت‬ ‫له‪ .‬طبعا تكون م�سائل التوثيق يف بداية احلدث �أو بعده مبا�شرة �أف�ضل من الناحية القانونية‪ ،‬ولكن‬ ‫ت�ستطيعني �أي�ضا التوجه �إىل طبيب �شرعي موثوق‪ ،‬ميكنك من خالله توثيق احلالة ب�شكل قانوين‬ ‫وميكن من خالله مالحقة اجلناة الحقا‪.‬‬ ‫�سيدتي القارئة‪ ،‬حاويل �أن تتذكري من هو الفاعل‪� ،‬أن تتذكري معامله‪� ،‬صورته‪� ،‬شكله‪ ،‬والتاريخ‬ ‫والأ�صوات املرافقة‪ .‬ال تعتمدي على ما يذكره �أمامك الآخرون‪ ،‬بل اعتمدي قدر الإمكان على‬ ‫ما�شاهدته �أنت بعينيك‪ .‬حاويل �أن ت�ستجمعي كل ذلك فهو يوثق احلدث ويثبت اجلرمية‪ .‬وحدها‬ ‫احلقيقة كفيلة بتثبيت اجلرم وحتديده‪ ،‬وعندما حتني الفر�صة ال تتواين عن ال�شكوى الق�ضائية‪،‬‬ ‫فهي �سلوك �آخر ت�سلكينه لرد احلق لك وحلماية الن�ساء الأخريات من الوقوع يف هذه اخلربة‬ ‫املرعبة‪.‬‬ ‫�آن�ستي و�سيدتي القارئة‬ ‫�إ�ضافة �إىل الآثار النف�سية واالجتماعية وال�صحية والدينية لفعل االغت�صاب ال�سيا�سي‪ ،‬الذي‬ ‫ا�ستخدم ب�شدة لقمع الثورة من خالل االنتهاك اجل�سدي والروحي‪ ،‬لي�س فقط لل�سيدات والآن�سات‬ ‫الثائرات بل للرجال وال�شباب والأطفال �أي�ض ًا‪ ،‬فهناك البعد القانوين وهو من الأهمية مبكان يف‬ ‫‪65‬‬


‫تقدمي كل من تورط يف اجلرمية من منفذين وداعني وحمر�ضني �إىل الق�ضاء ملحاكمتهم‪ ،‬ورد‬ ‫االعتبار واحلقوق للمر�أة املغت�صبة �إن مل يكن الآن (لأن من يقوم بفعل االغت�صاب حالي ًا هم من‬ ‫ال�سلطة التي تتجاوز القوانني املحلية والدولية يف جرائمها) ففي القريب العاجل عندما تتحول‬ ‫�سورية �إىل دولة قانون‪.‬‬ ‫وجرائم االغت�صاب التي ارتكبت وترتكب يف �سورية لها تو�صيفات متعددة حيث �أنها ت�أتي حتت بند‬ ‫التكرار‪ ،‬والتعدد‪ ،‬والتعذيب‪ ،‬وا�ستخدام و�سائل وح�شية‪ ،‬ومن هنا ت�أتي �أهمية توثيق هذه اجلرائم‪،‬‬ ‫وعدم ال�سكوت عنها خوف ًا من ردود الفعل االجتماعية‪.‬‬ ‫و�سنورد لك �سيدتي يف هذا الق�سم كل ما يتعلق مبو�ضوع العنف اجلن�سي �ضد املر�أة وبالتحديد جرم‬ ‫االغت�صاب واجلرائم التي تتفق معه يف الفعل وتختلف بالتو�صيف القانوين والعقوبة‪.‬‬ ‫�أورد قانون العقوبات ال�سوري جرمية االغت�صاب يف الباب ال�سابع منه واملخ�ص�ص لبحث اجلرائم‬ ‫املخلة بالأخالق والآداب العامة وق�سمه �إىل‪:‬‬ ‫الف�صل الأول «االعتداء على العر�ض» وي�شمل‪:‬‬ ‫‪ - 1‬االغت�صاب ‪ - 2 /‬الفح�شاء ‪ - 3 /‬اخلطف ‪ - 4 /‬الإغواء والتهتك وخرق حرمة الأماكن‬ ‫اخلا�صة بالن�ساء‪.‬‬ ‫االغت�صاب‪:‬‬ ‫• املادة ‪:489‬‬ ‫‪ - 1‬من �أكره غري زوجه بالعنف �أو بالتهديد على اجلماع عوقب بالأ�شغال ال�شاقة خم�سة ع�شر �سنة‬ ‫على الأقل‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وال تنق�ص العقوبة عن �إحدى وع�شرين �سنة �إذا كان املعتدى عليه مل يتم اخلام�سة ع�شرة من‬ ‫عمره‪ .‬كما مت تعديل املادة ‪ 489‬من قانون العقوبات لتن�ص على �أن «من �أكره غري زوجه بالعنف �أو‬ ‫بالتهديد على اجلماع عوقب بالأ�شغال ال�شاقة امل�ؤبدة»‪ ،‬مبينا �أن «العقوبة تكون الإعدام �إذا مل يتم‬ ‫املعتدى عليه اخلام�سة ع�شرة من العمر‪ ،‬و�إذا وقع اجلرم حتت تهديد ال�سالح»‪.‬‬ ‫• املادة ‪:490‬‬ ‫يعاقب بالأ�شغال ال�شاقة ت�سع �سنوات من جامع �شخ�ص ًا غري زوجه ال ي�ستطيع املقاومة ب�سبب نق�ص‬ ‫ج�سدي �أو نف�سي �أو ب�سبب ما ا�ستعمل نحوه من �ضروب اخلداع‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫• املادة ‪:491‬‬ ‫‪ - 1‬من جامع قا�صر ًا مل يتم اخلام�سة ع�شره من عمره عوقب بالأ�شغال ال�شاقة ت�سع �سنوات‬ ‫‪ - 2‬وال تنق�ص العقوبة عن خم�سة ع�شر �سنة �إذا كان الولد مل يتم الثانية ع�شر من عمره‪.‬‬ ‫�أركان جرم االغت�صاب‪:‬‬ ‫الركن الأول‪ :‬مواقعة الأنثى‪ :‬ويجب �أن تتم بغري ر�ضاها و�أن يتم �إيالج الع�ضو الذكري يف مهبل‬ ‫املجني عليها ق�سم ًا �أو ك ًال‪ ،‬وبالتايل كل فعل خالف الإيالج ال يعد اغت�صاب ًا مهما كان منافي ًا‬ ‫للح�شمة‪ ،‬ويف حال عدم متكن الرجل من �إمتام الفعل ب�سبب خارجي كمقاومة الأنثى مث ًال ف�إن ذلك‬ ‫يعترب �شروع ًا يف اجلرم‪ ،‬وحتى عدول املجرم عن جرميته بعد القيام بالأعمال التنفيذية قد ينقل‬ ‫الو�صف القانوين للجرم من االغت�صاب لهتك العر�ض بالقوة‪.‬‬ ‫يتم الإيالج»‪.‬‬ ‫«�أن االغت�صاب مبعناه القانوين ال يتم �إال من قبل رجل على امر�أة وال ب ّد فيه من �أن ّ‬ ‫• �أن عدم وجود املادة املنوية �أو عدم الإ�شارة �إليها يف التقرير الطبي ال يعني عدم وقوع الفعل‪� ،‬أن‬ ‫اجلرم يعترب واقع ًا �سواء مت الإيالج �أم مل يتم‪.‬‬ ‫• يتم اجلرم ولو ظلت البكارة �سليمة‪.‬‬ ‫• املر�أة النائمة تعترب فاقدة الإرادة و�إجراء الفعل معها يجعله مقرون ًا بالإكراه وينطبق عليه‬ ‫�أحكام م ‪ 490‬عقوبات‪.‬‬ ‫هتك العر�ض واالغت�صاب‪:‬‬ ‫�إن امل�شرتك بني جرمي االغت�صاب وهتك العر�ض هو طبيعة احلق املعتدى عليه‪ ،‬فاالغت�صاب‬ ‫يفرت�ض الإتيان بالفعل اجلن�سي ك ًال �أو جزء ًا بني رجل وامر�أة‪ ،‬ويجب �أن يقع على ج�سم الأنثى يف‬ ‫املحل املخ�ص�ص لذلك « فعل املواقعة « بينما هتك العر�ض في�شمل �أي ات�صال جن�سي يقع على �أي‬ ‫�إن�سان ذكر ًا كان �أو �أنثى وميكن �أن يقع من �أي �إن�سان ذكر ًا كان �أو �أنثى‪.‬‬ ‫ويعترب القانون الدويل االغت�صاب جرمية من جرائم احلرب‪ ،‬وجرمية �ضد الإن�سانية‪ ،‬وعدها‬ ‫اعتدا ًء ج�سيم ًا على مبد�أ احلماية الذي قررته اتفاقيات جنيف �سنة ‪ 1949‬وخ�صو�ص ًا االتفاقية‬ ‫الرابعة للمدنيني‪.‬‬ ‫كما ح ّرم جرم االغت�صاب‪ ،‬وجرائم العنف اجلن�سي الأخرى �ضمن ًا يف العديد من االتفاقيات‬ ‫الدولية بعد اتفاقيتي الهاي‪ ،‬ومنها الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان‪ ،‬والعهد الدويل للحقوق املدنية‬ ‫‪67‬‬


‫وال�سيا�سية‪ ،‬واالتفاقية الدولية اخلا�صة بالرق واملمار�سات ال�شبيهة بالرق‪ ،‬واتفاقية ا�ستئ�صال‬ ‫كافة �أ�شكال التمييز العن�صري‪ ،‬واتفاقية ا�ستئ�صال التمييز �ضد املر�أة‪ ،‬واتفاقية منع التعذيب‪،‬‬ ‫حيث اعترب االغت�صاب على �أنه نوع من �أنواع التعذيب اجل�سدي �أ�سا�س ًا‪ ،‬و�أنه من �أنواع املعاملة‬ ‫املهينة واحلاطة بالكرامة‪ ،‬مما ي�سبب معاناة كبرية و�أمل ًا و�أ�ضرار ًا ج�سدية و�صحية ونف�سية‪.‬‬ ‫وتن�ص املادة ‪ 27‬من اتفاقية جنيف الرابعة على وجوب حماية الن�ساء ب�صفة خا�صة �ضد �أي‬ ‫اعتداء‪ ،‬وال �سيما االغت�صاب‪ ،‬والإكراه على الدعارة‪ ،‬و�أي هتك حلرمتهن‪.‬‬ ‫كما تن�ص املادة ‪ 76‬حماية الن�ساء‪ ،‬من الربوتوكول الأول الإ�ضايف �إىل اتفاقيات جنيف ‪1949‬‬ ‫على‪ :‬يجب �أن تكون الن�ساء مو�ضع احرتام خا�ص‪ ،‬و�أن يتمتعن باحلماية ال�سيما �ضد االغت�صاب‪،‬‬ ‫والإكراه على الدعارة‪ ،‬وعلى �أية �صورة �أخرى من �صور خد�ش احلياء‪.‬‬ ‫وختام ًا‪ ..‬ال ميكن ت�صور �إحقاق احلق والعدالة يف ظل هكذا نظام جمرم عام ي�سيطر على ال�سلطة‬ ‫الق�ضائية وعلى املحامني وعلى الطب ال�شرعي‪ ،‬ولكن ال بد لهذا الليل �أن ينجلي حني ي�سقط النظام‬ ‫ويحني وقت العدالة وحما�سبة املجرمني على كل ماارتكبوه من جرائم �ضد الإن�سانية‪ ،‬ومنها جرائم‬ ‫االغت�صاب‪ ،‬يف حق هذا ال�شعب الثائر‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫اجلانب الأدبي‬ ‫�سماح هدايا‬ ‫�أيتها القارئة الغالية‪..‬‬ ‫لي�س تطفال وال ف�ضوال هذا احلوار‪� ،‬إ ّنه م�شاركة عاطفية وتعبري عن م�شاعر �إن�سان ّية بالتعاطف‬ ‫ال�صادق الذي ال �شفقة بائ�سة فيه وال جماملة وال ت�ص ّنع‪ ،‬هو اهتمام عميق ب�سالمتك نتيجة‬ ‫التّ�ضحيات الكثرية التي فر�ضت عليك الظروف القاهرة تقدميها‪.‬‬ ‫�إنّ اغلى ما لديك هو كرامتك‪..‬وقد حاولوا �سلبها منك‪ ،‬لكنْ ال �أحد يتغلب عليك ويحقق الن�صر‬ ‫النهائي ويحظى بالفوز‪ ،‬مادمت �أنت قادرة على ال ّن�ضال وال�صمود دفاع ًا عن كرامتك لن يفلحوا‬ ‫يف ذلك �أبدا‪ ،‬مادمت ت�ؤمنني بنف�سك وحترتمني عزميتك و ت�صمدين وتكافحني وتتحدين ال�صعاب‬ ‫لتخطي املا�ساة‪.‬‬ ‫�صديقتي القارئة الكرمية‪..‬‬ ‫ال تقلقي فلن �أقدم لك �س ّلة ن�صائح ول�ست واعظة وال �أحب متثيل دور احلكماء‪ ،‬لكنا كلنا نت�شارك‬ ‫امل�شاعر الإن�سانية ذاتها اخلوف والأمل‪� ،‬إنمّ ا �أحاول االقرتاب من وجعك مبا ي�ساعدك يف التخل�ص‬ ‫من روا�سب الآالم‪ ،‬ونحن يف حلظات كثرية نطلب العون والغوث لننجو من اخلوف والأمل‪ ،‬فاعذريني‬ ‫�إن بدا كالمي قريبا من الن�صيحة‪ ..‬هو يف الأ�صل م�شاطرة �أملك لتعزيز الأمل‪.‬‬ ‫�إنيّ �أكتب لك بروح �إن�سانة حتاول �أن ت�شاركك ال�شعور والتفكري لتقدم لك عون ًا يفيدك‪ ،‬وبروح‬ ‫امر�أة قادرة �أن حت�س مبعاناتك اخلا�صة وعذاباتك كامر�أة تعر�ضت النتهاك يف ج�سدها وكربيائها‪،‬‬ ‫يعنيني جد ًا �صمودك و�شجاعتك و�أملك باحلياة‪ ،‬حتم ًا �أنا مثل غريي من الن�ساء املهتمات باحلقوق‬ ‫الإن�سانية وحقوق املر�أة واملطالبات بالعدل‪ ،‬يحركنا انتفا�ض عميق �ضد امل�صاب الأليم الذي �أ ّمل‬ ‫بك‪ ،‬وندعم بقوة �شديدة ن�صرة حقك ونطالب بالق�صا�ص والعقاب من املجرمني الذين انتهكوا‬ ‫كرامتك وج�سدك و�إن�سانيتك ونقف مع ق�ضيتك وحقك‪.‬‬ ‫لي�س كالمي تنظري ًا �ألقيه على م�سمعك‪� ،‬أو وهما مثاليا �أهدّىء فيه من غ�ضبك وروعك‪ ،‬بل هو‬ ‫كالم من القلب والروح ومن منطلق واقعي ومن حر�ص ذاتي عليك وعلى م�ستقبلك وم�ستقبل‬ ‫‪69‬‬


‫املجتمع الذي �أنت منه‪ ،‬لأنّ ما ح�صل لك ومعك قد يح�صل يل ومعي �أو لأختي �أو �صديقتي �أو‬ ‫ابنتي‪..‬وكنت حتما �س�أفجع مب�صابي ومب�صابهنّ و�س�أت�أمل جد ًا‪ ،‬ورمبا كنت �س�أحتاج وقتها لقلب‬ ‫�صادق يرفق بي وينحني احرتاما لأملي‪ ،‬ومينحني جاهدا �شيئا من قوة و�سكينة بال �شروط وال‬ ‫ح�سابات وال التزامات‪ ،‬كما كنت �س�أحتاج لعقل نا�ضج ير�شدين للخروج من م�أ�ساتي‪.‬‬ ‫�صديقتي القارئة الفا�ضلة‬ ‫عندما نبقى �أحياء ف�إنّ ذاتنا مازالت ح ّية‪ ،‬الذات ال تنتهي يف �صدمة وال تنتهي يف حادثة وال تنتهي‬ ‫يف م�أ�ساة‪ ،‬بل ت�ستمر يف البقاء وعلينا اال�ستمرار يف �صناعتها وت�شكيلها وتقويتها لكي نخلق �أنف�سنا‬ ‫ال�صلبة‪.‬‬ ‫وقيمتنا ونطبع على درب احلياة م�سرية �أقدامنا ّ‬ ‫كثريون وكثريات يح�س ّون بال�ض�آلة �أمام التّحدّي الكبري يف احلدث اجللل الذي مررت �أنت به‬ ‫حت�سني الآن به ويدرك طبيعة‬ ‫وع�شته‪ ..‬لكنْ ‪ ،‬ال �أحد ي�ستطيع �أن يح�س مبا �أح�س�ست �أنت به �أو مبا ّ‬ ‫احلالة التي تتقم�صك حا�ضرا‪� ،‬أنت فقط الأعلم ب�أملك وحتملينه يف قلبك وذاكرتك وج�سدك‪،‬‬ ‫لذلك �أنت القادرة على م�ساعدة نف�سك ثم على م�ساعدة الآخرين الذين ت�ض ّرروا معك والذين‬ ‫يحتاجون لك يف حياتهم والذين يحتاجون �أن يتعلموا منك جتربتك‪ ،‬وبالطبع ال احد خم ّول �أن‬ ‫ميلي عليك �إرادته �أو له �سلطة لي�أمرك‪ ..‬افعلي هذا‪� ..‬أو ال تفعلي هذا‪ ،‬حتما �أنت الأدرى مبا‬ ‫�أ�صابك من �أذى و�أنت التي ت�ستطيعني التغ ّلب على ما م ّر بك و�أنت التي تر�سمني خط م�ستقبلك‬ ‫مهما ا�شتدّت املحن وا�ستحكم البالء‪.‬‬ ‫�صديقتي القارئة العزيزة‬ ‫الأبرياء لي�سوا متهمني‪ ،‬وال�ضحايا لي�سوا جمرمني‪ ،‬ف�إنْ كان الآخرون �أ�صدروا �أحكامهم عليك فهل‬ ‫�ستعطينهم ال�شرعية ل�سن قوانني حياتك و�سترتكينهم ي�ؤثرون فيك ب�أحكامهم؟ الب�شر ال يك ّفون‬ ‫عن �إطالق �أحكامهم‪..‬املجرمون منهم والأ�سوياء يطلقون الأحكام‪...‬وكثري مما يقولونه ادعاء‬ ‫وهم و�ضالل‪ ..‬لي�س ه�ؤالء جديرين ب�أن يقدموا لك االحرتام والتقدير واالعتبار والقيمة فتح�سبني‬ ‫لهم احل�سابات‪ ،‬هم م�سريون ب�أهوائهم فهل ترتكني �أقوالهم و�أحكامهم ت�ؤثر بك ومب�صريك؟ �أنت‬ ‫فقط برفيف قلبك ودفء عقلك م�صدر االحرتام لنف�سك مبنظومة �صمودك ومبادئك ون�ضالك‪،‬‬ ‫�أنت يقني نف�سك وم�صدر الأحكام لذاتك‪ ،‬ولن ّ‬ ‫يكف بع�ض النا�س عن ترداد ف�صول من م�صابك‬ ‫على م�سمعك ب�شكل متباك ومتوا�صل وينفثون �سم التيئي�س‪ ،‬فال ت�شغلي بالك بكالمهم‪ ،‬انظري‬ ‫بب�صرية �أو�سع فهناك �أي�ضا ب�شر طيبون و�أ�صدقاء رائعون لن يبخلوا عليك باملحبة والرعاية‬ ‫‪70‬‬


‫وامل�ساندة والثقة‪ ،‬وال تغو�صي يف روا�سب م�ستنقع الذنب وعقدة اخلطيئة‪� ،‬أنت ل�ست مبذنبة يف‬ ‫اجلرمية التي ح�صلت بحقك‪ ،‬ال ترتكي ت�أنيب ال�ضمري ينه�شك‪ ،‬كنت �ضحية وقتها ول�ست بعاهرة‬ ‫وال ب�ساقطة ب�سبب ما ح�صل لك‪.‬‬ ‫�أما الآن فعليك �أن تتحرري من الهزمية القدمية وتنت�صري لنف�سك وحلقك ولكرامتك التي‬ ‫�أهدروها بالعنف والق�سر‪� .‬ضمريك قوي بيقظة روحك و�إن�سايتك و�شجاعتك وبدفاعك عن متا�سك‬ ‫نف�سك‪.‬‬ ‫�أيتها القارئة الكرمية‬ ‫نعم �إنه اخلوف كابو�س يحب�س �أنفا�سك‪...‬اخلوف من كل �شيء‬ ‫اخلوف هو �أ�صعب ما يواجهك فال تخايف من اخلوف‪ ،‬هل تعتقدين �أن تلك ال�صور وامل�شاهد‬ ‫والذكريات الب�شعة �ستظل �أبدا معك؟ تخيلي لو ظلت معك‪�..‬سيكون ذلك جحيما‪� ،‬أنت القادرة على‬ ‫التالعب به‪ ..‬لديك الذاكرة التي ترمم الك�سور والر�ضو�ض والكدمات ولديك الإرادة يف التغلب‬ ‫على الأوجاع والآالم‪ ،‬ف�إن االن�سياق وراء التعذيب بالذات بكل ما تعر�ضت له من خوف كبري كان‬ ‫يهدّد حياتك وي�صدمك ب�شدة‪� ،‬سي�صبح م�شجبا لتعليق �ضعفك و�سوف يت�سبب لك ب�أذى نف�سي‬ ‫كبري ويزيحك عن قلب احلياة‪.‬‬ ‫يف النهاية حتى الذكريات احلزينة والأحالم القلقة هي حياة لأنها تعني �أنك موجودة ومل متوتي‪،‬‬ ‫لكن غربلة الذاكرة و�ضخ الأمل يف املخيلة �أمر ال مفر منه للتعاي�ش مع احلا�ضر والقفز للم�ستقبل‬ ‫والأمام‪� .‬ستبقى الندوب ولن متحى �آثارها كلها ب�سهولة‪ ،‬ويف املقابل �ستورق من �إجنازات يومياتك‬ ‫اجلديدة براعم ت�ضخ الهواء اجلميل العذب يف خميلتك‪.‬‬ ‫جمرد التفكري ب�أن م�شكلتك لي�ست فردية و �أنت ل�ست الوحيدة التي واجهت فظاعة ذلك احلدث‬ ‫�سرييحك ويلقي عنك العبء الذاتي‪ ،‬و�أنت الآن حمظوظة بالبقاء على قيد احلياة‪ .‬بقا�ؤك ح ّية �أمر‬ ‫عظيم فهل تذكرين ال�صغريات والكبريات اللواتي قتلوهن �أو اللواتي هلكن نتيجة االعتداء �أو من‬ ‫احل�سرة؟ هن بحاجة لقوتك لكي ت�سردي وجعهن وتنا�ضلي لرفع الظلم عن الأخريات‪..‬حمدا هلل‬ ‫�أنك ح ّية ولع ّله �أمر غري �سهل �أن تقتنعي عميقا �أنك مازلت حية و�أنك خرجت من ذلك اخلطر‪.‬‬ ‫كلنا معر�ضون يف حلظات ومواقف لالعتداء والعدوان والنتهاك احلقوق واحلرمات و�أن نفقد قوة‬ ‫االرادة و�إمكان ال�سيطرة على �أج�سامنا و�أنف�سنا‪ ،‬لذلك �أنت ل�ست وحدك‪ ....‬تلك هي حال الواقع‬ ‫وهنالك دوم ًا ع�صابات وجتاوزات للقانون والأخالق والإن�سان ّية واحلقوق‪ ..‬وهناك خ�سي�سون‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫هل تدرين �أن ما ح�صل ميكن �أن يح�صل لأي واحدة ولأي واحد؟‪.‬‬ ‫هناك ظلم للمر�أة يف كل مكان ويف كل زمان‪ ،‬قد يطالها من زوجها‪ ..‬من �أخيها‪ ..‬من ابنها‪..‬‬ ‫من جارها‪ ..‬من زميلها يف العمل �أو يف الدرا�سة‪ ..‬من عابر يف الطريق‪ ..‬من ل�ص‪ ..‬من معتوه‪..‬‬ ‫من جمرم‪ ..‬من �سفاح‪ ..‬من ع�سكري‪ ..‬من رجل �أمن‪ ،‬واالحتمال يف �أن تنجو يعتمد على قوتها‬ ‫و�صالبتها‪ .‬قد ال تنجو من احلادث لكن املهم �أن تنجو من تبعات احلادث وت�شفى من �آالمه‪ ،‬وهذا‬ ‫يحدث لي�س فقط يف بيئاتنا املتخلفة بل يف كل البيئات ب�سبب الت�سلط والقمع والأمرا�ض النف�سية‪،‬‬ ‫ونحن مطالبات ب�أن نت�سلح بالقوة والوعي وال�شجاعة للدفاع عن �أنف�سنا‪ ،‬وال خيار �أمامنا �سوى‬ ‫املقاومة والقيام من جديد من الآالم و�إال �ست�صبح حياتنا وكل ما فيها بال معنى فنهلك ونخ�سر‬ ‫فر�صة البقاء واحلياة‪.‬‬ ‫�إنّ البقاء على احلياة بعد كل ما ح�صل حري ب�أن يدفعك للحفاظ على احلياة والن�ضال العظيم‬ ‫من �أجل ذلك‪.‬‬ ‫�أيتها القارئة ال�صامدة‪..‬‬ ‫م�صائبنا �سببها القمع والعنف واال�ستبداد‪ ،‬والعيب والعار هما �سالح القمع واال�ستبداد والعنف‪،‬‬ ‫والعار الذي يقتلون املر�أة عليه �أو يحجبونها بعيدا عن الأنظار �أو يقربونها يف زواج فظيع ل�سرت‬ ‫الف�ضيحة هو طغيان فظيع‪ ..‬فال ترتكيهم ي�ستبدون بك وينتهكون حريتك وكرامتك مرة �أخرى‬ ‫بدواعي ال�شرف و�سرت العار‪ ،‬وال تدعيهم يطبعون يف ذهنك �أنك مبتذلة �أو بال قيمة‪� ،‬أو يرغمونك‬ ‫على ال�صمت خوفا من العار فال ت�صمتي من �أجلهم بحجة ال�شرف وال�سمعة واخلوف من العار‪.‬‬ ‫�أنت �شريفة مادمت �أب ّية �شجاعة حرة وعليك بالقوة ملحاربة اال�ستبداد‪.‬‬ ‫حترير العقل هو حترير للج�سد من �أي ا�ستبداد نف�سي‪ ،‬فليتك تعتقني العقل من الأوهام واملخاوف‬ ‫ومن عقدة الذنب وحتررين الذاكرة من �سطوة الأحداث الأليمة‪ .‬بالطبع ال ميكن �أن يحدث‬ ‫الن�سيان وال �أن نتعاي�ش مع الأحزان من دون نتائج �سلبية‪ ،‬هو الت�سليم مبا ح�صل و�أنّ ما ح�صل‬ ‫انتهى خطوة للأمام وال�صحة و�أنك قادرة الآن على حماية نف�سك‪ .‬لعل يف فكرة تدربك على حمل‬ ‫�سالح �أو متارين الدفاع عن نف�سك وعتق اجل�سد من عقدة الذنب هي فكرة جيدة‪.‬‬ ‫�صديقتي القارئة‪..‬‬ ‫�أغا�ضبة �أنت من �أهلك؟ �أناقمة عليهم لأنهم ق�صروا معك ومل يتمكنوا من حمايتك‪.‬؟‬ ‫ربمّ ا �أنت حم ّقة �إن تقاع�سوا عن حمايتك فعانيت ما عانيت ومل ي�ساعدوك‪ ،‬لكنك ابنتهم وواحدة‬ ‫‪72‬‬


‫منهم فكيف ال يندفعون ل�صد العدو وحمايتك‪ ،‬قد عجزوا عن دفع الأذى عنك لأنهم �ضعفاء‪،‬‬ ‫ولأن ع�صابات الأمن وال�شبيحة املدججة بال�سالح كانت �أقوى منهم‪ ،‬نعم لو كانوا هم املجرمني‬ ‫لكان حقك �أال ت�ساحميهم‪ ،‬لكنهم ال حول لهم وال قوة‪ ،‬كانوا يت�أملون منك�سرين �أذالء حتت احلذاء‬ ‫الع�سكري الباط�ش‪.‬‬ ‫�أعدا�ؤك لي�س �أهلك �أعدا�ؤك املجرمون الذين اعتدوا عليك و�أذلوك و�أذلوا �أهلك‪� ،‬أما �إذا تخلى‬ ‫عنك �أهلك بعد م�صابك و�أهملوك فال عذر لهم‪� ..‬إال �إذا كان املانع الت�شرد والفقر والنزوح‬ ‫وال�سجن‪ ،‬ومن حقك �أال تغفري لكن ال�صفح عن ال�ضعيف هو �سكينة لك وهدوء حت�صدينه راحة‪.‬‬ ‫لعلك حاقدة على الرجال �أي�ض ًا لأنهم �أ�صبحوا بنظرك وحو�شا مغت�صبة‪ ،‬ف�أ�س�ألك هل الرجال‬ ‫كلهم مثل الوحو�ش الذين اعتدوا عليك وعذبوك؟ ال�سوداوية والي�أ�س والنظرة ال�سلبية مرحلة‪ ،‬لكنّ‬ ‫ا�ستمرارها يعني مزيدا من املرارة ويعني �سلب بريق احلياة من قلبك‪ .‬العدو لي�س النا�س ولي�س‬ ‫عدوا مفرت�ضا عدوك معروف ووا�ضح‪ ،‬فلماذا حتولني دربك �إىل م�سارب �أخرى ت�ضيعني فيها؟‬ ‫التفكري باالنتقام من غري عدوك لي�س عدال ولي�س �إن�صافا وال يرد لك حقك‪� ،‬أما العدو فال مفر‬ ‫من قتاله وقتاله هو اخلال�ص ورد االعتبار وك�سر احل�صار‪.‬‬ ‫و�أي م�أ�ساة �أكرب من وطن مغت�صب و�شرف منتهك؟‬ ‫�إ ّنها م�أ�ساة كربى التي �أملت بك وبالوطن فال تغفري لهم‪ ،‬احقدي عليهم‪ ،‬نا�ضلي لطلب الق�صا�ص‬ ‫واالقت�صا�ص‪...‬‬ ‫تذكري دائما احلذاء الع�سكري الذي م ّرغ ج�سدك يف الأر�ض‪..‬وال تتنازيل عن حقك يف البط�ش‬ ‫به‪ ،‬هذه الثورة قامت با�سم احلرية والكرامة‪ .‬قد ال تكونني واحدة من اللواتي �سرن بالتظاهرات‬ ‫�أو رفعن علم الثورة‪ ،‬لكنّ قمع الأنذال والأوغاد للأحرار واملطالبني باحلرية و�سفك دمائهم‬ ‫و�أعرا�ضهم طالك بامل�أ�ساة‪.‬‬ ‫الأذى لي�س من الثورة بل من الطاغية‪ ،‬تذكري �أن تكوين يف طليعة الثورة حتى ال ترميك الظروف‬ ‫�ضحية يف الطرقات ال �أنت وال غريك من ن�ساء ورجال‪.‬‬ ‫اكظمي �أحزانك وال تدعي الأمل يعت�صر قلبك وال الوهن ي�أكل ج�سدك حتت �سياط التعذيب للذات‪،‬‬ ‫وال ترتكي املخيلة هناك عند تلك الذكرى الب�شعة‪ ،‬اعملي على �أن ت�أخذي حقك وتث�أري لنف�سك‬ ‫من الوحو�ش‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫�أخريا‪� ...‬أيتها القارئة العزيزة‪� ..‬أعتذر �إن �أطلت عليك لكني‪�..‬أود القول �أنّ لكل منا يف احلياة‬ ‫�إرادة خا�صة ور�ؤية خا�صة وجتربة خا�صة‪ ،‬والتجارب كثرية ومتن ّوعة يف م�شاقها ويف متاعبها‬ ‫وفجائعها‪ ،‬واملقاومة تختلف من �إن�سان لآخر ومن امر�أة لأخرى‪ ،‬ولكل واحدة طريقة يف التعاطي مع‬ ‫االعتداء والظلم والنكبة‪ ،‬و�ستجدين حتما الطريق الأن�سب لك لتتعاي�شي مع حياتك‪ ،‬هناك �إمكانية‬ ‫للحلول الكثرية والزواج قد يكون خطوة جيدة لكن لي�س هربا وبحثا عن جحر ف�أر‪ ،‬بل من رجل‬ ‫متنور يفهم ويقدر الظرف الذي م ّرت به‪ ،‬والعمل هو يف �آخر املطاف ما مينحك كربياء ال�سري يف‬ ‫احلياة من جديد مرفوعة الر�أ�س‪ ،‬والتطوع مل�ساعدة �أخواتك املغت�صبات هو عمل فا�ضل �سيمنحك‬ ‫كثريا من االعتزاز ويرتقي بروحك املعنوية وين�سكب على جراحك بل�سما ودواء‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫م�شاركات‬


‫نائلة من�صور‬ ‫كاتبة و�أكادميية من دم�شق‬ ‫ال �أعرف �إن كنت قد ج ّربت احلمل والوالدة من قبل‪� ،‬إن مل تختربي ذلك ف�س�أقول لك �شيئ ًا‪:‬‬ ‫كل �شيء ن�سبي باحلياة والإن�سان يتجدد بني حلظة و�أخرى دون �أن يعي ذلك‪� .‬أحيان ًا يف حلظات‬ ‫الوالدة واملخا�ض ت�شعرين �أنك تقرتبني من املوت و�أحيان ًا تتمنيه للخال�ص من الأمل املتعاظم‪� ،‬إال‬ ‫�أنك بعد ال�ساعات الأوىل ومن ثم الأيام والأ�سابيع الأوىل تن�سني رغبتك باملوت ال تن�سني انطباعك‬ ‫عن الأمل فذلك يبقى حمفور ًا يف ذاكرتك كخربة وحكمة تع ّلمك ال�صرب‪ ,‬وتع ّلمك قبل كل �شيء �أن‬ ‫«دوام احلال من املحال» و�أن تلك اللحظات الرهيبة التي بدت لك المتناهية انتهت‪.‬‬ ‫ال �شيء مت�شابه بني جتربة �صنع احلياة وجتربة االغت�صاب �أعرف‪ ،‬كل ما �أردت قوله لك عزيزتي‬ ‫�أن تلك التجربة امل�ؤملة �ستبقى حمفورة فيك كخربة ولكنها لن متنعك من حب احلياة ولن متنعك‬ ‫من �أن حتبني رج ًال ويحبك وتتابعني حياتك وتتزوجني وتنجبني‪.‬‬ ‫�أمل االنتهاك ذلك �أنت ج�سدتيه وتلقيته حرفي ًا‪ ،‬ولكننا كلنا مهدورون بنف�س الطريقة ففي �أزمنة‬ ‫اال�ستبداد الكل مهدور‪� ،‬أنت تلقيت ال�شكل الأكرث بدائية من اال�ستبداد ولكنه ال�شكل الأكرث �صراحة‬ ‫والأكرث عمق ًا كتجربة ج�سدية‪.‬‬ ‫قد تكونني قد اعتربت ما حدث معك و�صمة يف حياتك فاجعليه عالمة وذاكرة بدل �أن يكون و�صمة‪.‬‬ ‫�أنت دفعت ثمن ًا لتكوين �شاهدة فحافظي على هذه القيمة ب�أن ت�ستمري يف احلياة لتبقي �شاهدة‪.‬‬ ‫قد ال ترغبني برواية �شهادتك حلفظ الذاكرة‪ ،‬ولكنك حتم ًا �ستبقني متيقظة ومتنبهة لبوادر‬ ‫ا�ستبداد جديد‪ ،‬على الأقل يف حميطك ال�صغري ولن تقبلي‪ ،‬ج�سدك ال�شاهد �سيذ ّكرك بذلك‪..‬‬ ‫نحن كلنا هدرنا وج�سدك �أنت �شاهد‪ ..‬وانا واثقة �أنك لن تقبلي بهدر احلياة مرة �أخرى‪ .‬حفاظك‬ ‫على حياتك وم�ستقبلك هو �أول ا�سرتداد لبع�ض حقوقك املهدورة ونحن كلنا معك‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫غ�سان يا�سني‬ ‫نا�شط و�إعالمي من حلب‬ ‫ما قبل الديانات ال�سماوية كانت املر�أة مقد�سة وترمز �إىل الآلهة‪..‬‬ ‫كانت الآلهة �أنثى املر�أة هي من متنحنا القوة‪ .‬لي�س �صحيحا ان املر�أة كائن �ضعيف و�ضلع قا�صر‪.‬‬ ‫من تلد من رحمها ومن متنحنا الدفء واحلنان ال ميكن ان تكون قا�صر ًا‪ .‬كل امر�أة �سورية تعر�ضت‬ ‫لالعتقال �أو لكل �أ�شكال االمتهان الكبري كاالغت�صاب هي امر�أة ت�ستحق م ّنا كل تقدير‪ ،‬فاملر�أة‬ ‫ال�سورية �أثبتت خالل جمريات الثورة ال�سورية �أنها املر�أة الكاملة‪ ،‬بالإ�ضافة مل�شاركتها الفعالة يف‬ ‫املظاهرات كان لها دور كبري يف العمل الإغاثي والطبي‪ .‬حقيقة �أ�شعر بالعار حني �سماعي خلرب �أن‬ ‫�أحد ًا ما �أ�صابه العار ملجرد �أن �أخته �أو زوجته تع ّر�ضت �إىل حادث عنيف كاالغت�صاب‪� .‬إن كان والبد‬ ‫لل�شعور بالعار فنحن الأوىل به (�أق�صد الرجال) لعدم قدرتنا على منع حدوث هذه االنتهاكات‪.‬‬ ‫ما تعر�ضنت له كان قا�سي ًا وم�ؤمل ًا‪ ،‬هو ثمن حريتنا التي طال انتظارها ولأن احلرية غالية من‬ ‫الطبيعي ان يكون الثمن غالي ًا‪ ،‬ونحن جميعا ك�سوريني قررنا دفع الثمن مهما كلفنا‪� .‬أنتم فخرنا‬ ‫وتاج ر�ؤو�سنا كما قالها ذاك ال�شهم احللبي حني كانوا يقتادونه �إىل حتفه (مرتي تاج را�سي)‪.‬‬ ‫يف اللغات ال�سورية القدمية مرتي تعني �سيدتي‪ .‬تذكرنّ دائم ًا‪ ..‬اجلميالت هن الثائرات‪..‬‬ ‫حت ّية لكنّ ‪..‬‬

‫‪77‬‬


‫ملكة جزماتي‬ ‫نا�شطة من دم�شق‬ ‫دائما تذكري نزار قباين عندما قال (هل عندك �شك �أنك �أحلى و�أغلى امر�أة يف الدنيا و�أهم‬ ‫امر�أة يف الدنيا)‪� .‬أقول لك يا �صديقتي «عي�شي لنف�سك»‪ .‬تعلمي التطريز وطرزي ا�سمك بكل ثقة‬ ‫ت�ستطيعني الو�صول �إليها‪ .‬تعلمي الر�سم على الرمل واكتبي عن ال�سالم والظلم‪ .‬املهم �أن ال تعي�شي‬ ‫�أ�سرية للبلوى الكبرية‪ .‬يا �صديقتي‪ ،‬عليك كل يوم بال�صالة هلل ع ّز وج ّل‪ ،‬وتذكري �أن اهلل يناديك‬ ‫خم�س مرات حتى تدعني له وله فقط فلت�شكي همك ولتدعي على ظاملك‪ .‬اهلل وحده من يناديك‬ ‫لرب يخ ّفف‬ ‫من �أعلى اجلبال �إىل �أخف�ض منطقة وكل م�آذن العامل تنادي للمظلومني �أن تعالوا ٍ‬ ‫الهم ويجلي الظالم عن �أر�ض الظلم‪ .‬فلتكن لديك ثقة ذلك امل�ؤمن الذي دعى �أن متطر وخرج من‬ ‫ّ‬ ‫امل�سجد حامال مظلة‪.‬‬ ‫�صديقتي و�أختي‪ ،‬حاويل �أن حتبي احلياة بكل التفا�صيل كما مل حتبيها من قبل‪ .‬احلياة ت�ضع يف‬ ‫حياتنا حجارة وعرثات‪ ،‬ف�إياك والتعرث بها‪ ،‬بل �ضعيها فوق بع�ضها لل�صعود فوقها وتذكري �أننا‬ ‫عندما نقع يف احلفرة �أول ما نفعله هو النظر للأعلى‪.‬‬ ‫�أحبك �صديقتي‪..‬‬

‫‪78‬‬


79



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.