Souriatna 170

Page 1

‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫‪1‬‬


‫بعد عامني من الهجمات واحل�صار‬ ‫الن�صرة وحلفا�ؤها يح�سمون معركة وادي ال�ضيف‬ ‫أخبار وتقارير ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪2‬‬

‫إدلب ‪ -‬وادي الضيف ‪ -‬فؤاد األحمر‬ ‫س��يطرت جبهة النص��رة وفصائل إس�لامية‬ ‫أخرى‪ ،‬االثنين الماضي‪ ،‬على معسكري وادي‬ ‫الضيف والحامدية في ريف إدلب‪ ،‬بعد عامين‬ ‫من الحصار والهجمات المس��تمرة على هذين‬ ‫المعس��كرين اللذي��ن يش��كالن أكب��ر تجم��ع‬ ‫عسكري للنظام في الشمال السوري‪.‬‬ ‫وتمكن��ت جبهة النصرة وبع��ض حلفائها من‬ ‫الفصائل اإلس�لامية كجن��د األقصى‪ ،‬وأحرار‬ ‫الش��ام‪ ،‬والفرق��ة ‪ 13‬التابع��ة للجي��ش الحر‬ ‫م��ن الس��يطرة عل��ى معس��كر وادي الضيف‬ ‫والحامدية وجميع الحواجز المحيطة بهما‪.‬‬ ‫ويق��ع معس��كر وادي الضي��ف ش��رق مدينة‬ ‫مع��رة النعم��ان االس��تراتيجية التي س��يطر‬ ‫عليه��ا عليه��ا مقاتل��و المعارضة في التاس��ع‬ ‫من تش��رين األول ‪ ،2012‬بينما يقع معس��كر‬ ‫الحامدية جنوب المدينة على طريق دمش��ق‬ ‫ حلب‪.‬‬‫وكان��ت ه��ذه الفصائ��ل أعلن��ت ف��ي الراب��ع‬ ‫عش��ر من الش��هر الجاري عن معركة تحرير‬ ‫آخر معاق��ل النظام في ري��ف إدلب الجنوبي‪،‬‬ ‫لتتمكن تلك الفصائل ف��ي اليوم التالي‪ ،‬من‬ ‫تحرير كل من تل الس��وادة والقيادة وحواجز‬ ‫التمس��اح والنمر األمام��ي والخلفي وحبوش‬ ‫ودار الش��رطي ليصبح الطريق ممهداً أمامها‬ ‫القتحام معس��كر وادي الضيف بعد اشتباكات‬ ‫دامت ألكثر من خمس ساعات انسحب عناصر‬ ‫النظ��ام باتج��اه معس��كر الحامدي��ة ليصب��ح‬ ‫معسكر وادي الضيف محرراً بالكامل‪.‬‬ ‫وبع��د الس��يطرة عل��ى وادي الضي��ف كث��ف‬ ‫المقاتلون المهاجمون نيرانهم على معس��كر‬ ‫الحامدية فتمكنوا من اقتحامه في ذات اليوم‪،‬‬ ‫وف��ر عناص��ر المعس��كر باتجاه قرية بس��يدا‬ ‫ومع��ر حطاط��ا جن��وب المعس��كر‪ ،‬ليخ��وض‬ ‫المقاتلون في هاتي��ن القريتين آخر مواجهة‬ ‫لهم ف��ي هذه المعركة وتمكنوا من حس��مها‬ ‫بعد مقاومة عنيفة من قبل عناصر النظام‪.‬‬ ‫وق��ال مقاتل م��ن أحرار الش��ام ش��ارك في‬ ‫معرك��ة تحرير وادي الضي��ف " بأنهم تمكنوا‬ ‫م��ن أس��ر أكث��ر م��ن ‪ 20‬جندي��اً وضابطي��ن‬ ‫واغتنموا خمس دباب��ات ومصفحتين والكثير‬ ‫من األسلحة والذخائر"‪.‬‬ ‫وكان مقاتلو المعارضة المس��لحة قد تجمعوا‬ ‫في مدين��ة معرة النعمان قب��ل توجههم إلى‬ ‫معس��كر وادي الضيف ومعه��م عدد كبير من‬ ‫األس��لحة الثقيلة واآللي��ات والمدرعات‪ ،‬بينها‬ ‫دبابتين من ن��وع (‪ )t82‬ووأربع��ة دبابات من‬ ‫ن��وع (‪ )t72‬وثالث عربات (‪ )bmb‬وش��احنتين‬ ‫كان يب��دو أنهم��ا تحم�لان قذائ��ف وصواريخ‬ ‫متطورة‪.‬‬ ‫يقول س��عد وه��و أبن مع��رة النعم��ان وأحد‬ ‫مقاتل��ي أح��رار الش��ام إن األس��لحة الت��ي‬ ‫اغتنموه��ا من لواء أحرار س��وريا في الش��هر‬ ‫الماض��ي ه��ي الت��ي حس��مت معرك��ة وادي‬ ‫الضي��ف لمصلحتهم ويضيف س��عد "في كل‬ ‫مرة كنا نش��ن فيها هجوماً على وادي الضيف‬ ‫نخسر المعركة بسبب قلة الذخيرة وافتقادنا‬ ‫لألسلحة المتطورة"‪.‬‬

‫ويوضح س��عد "في هذه المعركة كنا نمتلك‬ ‫أس��لحة متطورة أهمها صواريخ (تاو) فتمكنا‬ ‫عن طريق هذه الصواريخ من رصد مدرعات‬ ‫النظ��ام وآليات��ه ث��م قمن��ا بتفجيره��ا قب��ل‬ ‫االقتح��ام‪ ،‬وتمكنا م��ن اقتحام المعس��كرين‬ ‫بواس��طة الدبابات والمدرعات التي إغتنمناها‬ ‫من (جمال معروف) قائد لواء أحرار سوريا"‪.‬‬ ‫وكان��ت القواف��ل العس��كرية المتوجه��ة إلى‬ ‫معسكر وادي الضيف تضم مقاتلين وعربات‬ ‫تابعة لـ (جبهة النص��رة‪ ،‬جند األقصى‪ ،‬أحرار‬ ‫الش��ام‪ ،‬فرق��ة ‪ 13‬جي��ش حر‪ ،‬فيلق الش��ام‪،‬‬ ‫الجبه��ة اإلس�لامية) ف��ي حين أعلن��ت جبهة‬ ‫النصرة على حس��ابها على (توت��ر) تحريرها‬ ‫لمعسكر وادي الضيف‪ ،‬لكنهم شددوا على أن‬ ‫عناصره��م هم الوحي��دون الذين حرروا هذا‬ ‫المعسكر‪.‬‬ ‫وبتحري��ر وادي الضي��ف والحامدي��ة يك��ون‬ ‫النظ��ام ق��د خس��ر آخ��ر معاقل��ه ف��ي الريف‬ ‫الجنوب��ي لمحافظ��ة إدل��ب وي��رى قيادي��ون‬ ‫عس��كريون في المعارض��ة أن تحرير هذين‬ ‫المعسكرين قد عطل الخطة العسكرية التي‬ ‫كان يرس��مها النظام لتقدمه من حماه باتجاه‬ ‫الشمال لبسط سيطرته على الريف الجنوبي‬ ‫في إدلب‪.‬‬ ‫وي��رى القيادي��ون أن الس��يطرة عل��ى‬ ‫المعس��كرين تهدد قوات النظ��ام المتمركزة‬ ‫ف��ي ري��ف حم��اه الش��مالي ومدين��ة م��ورك‬ ‫تحدي��داً‪ ،‬كم��ا بات الطري��ق ممه��داً لمقاتلي‬ ‫النص��رة والفصائل اإلس�لامية باتجاه مدينة‬ ‫إدلب الخاضعة لسيطرة النظام‪.‬‬ ‫يقول أبو أسامة وهو قائد مجموعة في فيلق‬ ‫الشام "نحن اآلن نضع خطة لتحرير محافظة‬ ‫إدلب بالكامل وس��وف نعزز صفوفنا باالتفاق‬ ‫م��ع بعض الفصائ��ل العس��كرية األخرى في‬ ‫المحافظة وس��تكون وجهتن��ا المقبلة مدينة‬ ‫إدلب"‪.‬‬ ‫ويشير أبو أسامة إلى اهتمامهم بتوقف زحف‬ ‫قوات النظ��ام المتمركزة في م��ورك‪ ،‬باتجاه‬ ‫جنوب إدلب "سنصد أي هجوم محتمل لقوات‬ ‫النظام من مورك"‪.‬‬

‫وادي ال�ضيف واحلامدية‬ ‫• أه��م وأق��وى تجم��ع عس��كري لق��وات‬ ‫النظام في الشمال السوري‪.‬‬ ‫• يق��ع تجم��ع وادي الضي��ف والحامدي��ة‪،‬‬ ‫بالقرب م��ن مدينة مع��رة النعمان بريف‬ ‫إدلب بامتداد ‪13‬كم وبعرض ‪3‬كم‪..‬‬ ‫• يبع��دُ ع��ن مدينة إدلب ‪ 45‬ك��م جنوب ًا‪،‬‬ ‫وع��ن مدينة حل��ب ‪ 84‬كم‪ ،‬وع��ن مدينة‬ ‫حماة ‪ 60‬كم‪.‬‬ ‫• محاص��ر م��ن قب��ل ق��وات المعارض��ة‬ ‫الس��ورية المس��لحة‪ ،‬منذ تحري��ر مدينة‬ ‫معرة النعمان في تشرين األول‪.2012‬‬ ‫• ش��نت قوات المعارضة خ�لال العاميين‬ ‫الماضيي��ن ‪ 5‬مع��ارك للس��يطرة عل��ى‬ ‫ه��ذا التجمع وهي عل��ى التوالي‪" :‬البنيان‬ ‫المرص��وص‪ ،‬دح��ر الع��دوان‪ ،‬الزلزل��ة‪،‬‬ ‫القيام��ة‪ ،‬الجي��ش الواحد" لك��ن جميعها‬ ‫فشلت في السيطرة عليه‪.‬‬ ‫• في ‪ 2014 / 12 / 14‬شنت جبهة النصرة‬ ‫وحركة أحرار الش��ام اإلسالمية وفصائل‬ ‫أخ��رى هجوم��اً كبي��راً على تجم��ع وادي‬ ‫الضيف والحامدية وتمكنت خالل اليومين‬ ‫التاليين من السيطرة عليه بشكل كامل‪.‬‬ ‫• تش��ير تقدي��رات إعالمي��ة وميدانية أن‬ ‫ع��دد ق��وات النظام قب��ل تحري��ر التجمع‬ ‫حوالي ‪1500‬بين عناصر وضباط‪.‬‬


‫امليالد يف دم�شق مظلم‪ ،‬و�شموعه ال تنهي احلداد‬ ‫دمشق ‪ -‬مازن دياب‬

‫مر�ض "الل�شمانيا" يجتاح ريف احل�سكة‬

‫أو الطب��ي‪ ،‬ف��ي وقت أصبح��ت في��ه المراكز‬ ‫الصحية تعمل على تقديم بعض اإلسعافات‬ ‫األولية‪ ،‬وبعض اللقاحات لألطفال‪ ،‬المرس��لة‬ ‫ع��ن طريق منظم��ة الصحة العالمي��ة والتي‬ ‫اقتصرت على لقاحات شلل االطفال‪.‬‬ ‫وع��ن العوام��ل الت��ي تس��هم في نق��ل هذا‬ ‫الم��رض يق��ول الطبي��ب ابراهي��م العل��ي‬ ‫أخصائ��ي أم��راض جلدي��ة إن حرك��ة الناس‬ ‫تس��هم في نق��ل المرض‪ ،‬بحي��ث يدخل إلى‬ ‫المناط��ق الموب��وءة أن��اس غي��ر ممنعي��ن‪،‬‬ ‫ويكون��وا عرض��ة لإلصاب��ة وبالتال��ي نق��ل‬ ‫المرض إلى أماكن تندر فيها اإلصابات‪.‬‬ ‫ويضيف الطبي��ب إبراهيم ب��أن "ثمة عوامل‬ ‫اجتماعية واقتصادية لها أثر كبير في انتعاش‬

‫م��رض اللش��مانيا‪ ،‬م��رض جلدي تس��ببه‬ ‫طفيلي��ات " بروت��وزا" وه��ي م��ن جن��س‬ ‫المرض‪ ،‬وله��ا ثالثة أنواع منها الحش��وية‬ ‫والجلدي��ة‪ ،‬ينقله��ا ذب��اب الرم��ل تصي��ب‬ ‫األجزاء المكشوفة من الجسم‬ ‫وم��ن عالمات اإلصابة به��ذا المرض حمى‬ ‫متواصل��ة‪ ،‬وتضخ��م الطح��ال‪ ،‬الرع��اف‪،‬‬ ‫ش��حوب‪ ،‬وفق��ر دم‪ ،‬إس��هال وتضخ��م في‬ ‫الكبد‪.‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫شهدت مناطق في ريف الحسكة ازدياد حاالت‬ ‫اإلصابة بمرض "اللش��مانيا"‪ ،‬في غياب كامل‬ ‫لمقومات الرعاية الصحية والطبية‪.‬‬ ‫وتركزت أكثر حاالت اإلصابة في المناطق التي‬ ‫يس��يطر عليها تنظي��م "الدولة اإلس�لامية"‪،‬‬ ‫كمنطقة تل حميس ومركدة والشدادي‪.‬‬ ‫"عمر" طفل في الثالثة عش��ر من عمره‪ ،‬من‬ ‫قرية عجاجة جنوب الحس��كة‪ ،‬لم ينتبه أهله‬ ‫لت��ك الندبة الحم��راء التي ظه��رت على خده‬ ‫األيمن‪ ،‬وما لبثت أن كبرت تلك الندبة‪ ،‬لتبين‬ ‫بعد أن كش��ف علي��ه أحد األطب��اء أنه مصاب‬ ‫باللشمانيا‪.‬‬ ‫يق��ول والد الطفل عم��ر‪" :‬نتيجة التلوث الذي‬ ‫أص��اب منطقتنا‪ ،‬وقل��ة خبرتنا‪ ،‬لم نكتش��ف‬ ‫ول��م نكترث ألم��ر طفلنا إل��ى أن أخذت تكبر‬ ‫هذه الندبة"‪.‬‬ ‫وأضاف‪" :‬ال يوجد لدى المركز الصحي الوحيد‬ ‫ف��ي قريتنا أي لقاحات تفي��د في عالج ولدي‪،‬‬ ‫وه��و بحاجة إلى دواء قبل أن يتش��وه وجهه‪،‬‬ ‫وأن��ا أعم��ل على تأمي��ن بع��ض الجرعات له‬ ‫عن طري��ق أحد معارفنا ف��ي المدينة‪ ،‬كونها‬ ‫متوفرة في مراكز النظام الصحية"‪.‬‬ ‫حال��ة عم��ر حالة من بي��ن عش��رات الحاالت‬ ‫المنتشرة في مناطق الريف الحسكاوي‪ ،‬التي‬ ‫يغيب عنها أي شكل من أشكال الدعم الصحي‬

‫الحسكة ‪ -‬عدنان أبو كنان‬

‫مثل هذه األمراض وانتش��ارها‪ ،‬لعل أبرزها‪،‬‬ ‫زيادة الفقر في هذه المناطق‪ ،‬تردي األوضاع‬ ‫الصحي��ة وانع��دام الخدم��ات ف��ي كثي��ر من‬ ‫األحي��اء والقرى والبلدات‪ ،‬كانتش��ار النفايات‪،‬‬ ‫عدم وجود ش��بكات للص��رف الصحي‪ ،‬وجود‬ ‫أع��داد كبيرة من البش��ر في بقع��ة جغرافية‬ ‫صغيرة‪ ،‬واإلهمال في اإلسراع في معالجتها‪،‬‬ ‫كلها عوامل تزيد من احتمال االصابة وانتشار‬ ‫المرض"‪.‬‬ ‫ولفت إل��ى أن "انقط��اع المس��اعدات الطبية‬ ‫التي كان��ت تصل عن طريق بع��ض الجهات‬ ‫في المعارضة‪ ،‬س��اهم أيضًا في عدم القدرة‬ ‫على مواجهة المرض"‪.‬‬ ‫وكان��ت الهيئ��ة الطبي��ة ف��ي منطق��ة الريف‬ ‫الجنوبي للحس��كة قد حذرت في وقت س��ابق‬ ‫م��ن خطر كبي��ر يواج��ه ريف الحس��كة‪ ،‬بعد‬ ‫تع��دد الح��االت المصابة بمرض "اللش��مانيا"‬ ‫نتيج��ة نق��ص كبير ف��ي األدوي��ة واللقاحات‬ ‫والمس��تلزمات الطبي��ة التي م��ن الممكن أن‬ ‫تواجه مثل هذه الحاالت"‪.‬‬

‫أخبار وتقارير ‪. .‬‬

‫حي القصاع بدمشق ‪2014 / 12 / 20‬‬

‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬

‫توقف��ت ريم��ا وعائلته��ا ع��ن تزيين ش��جرة‬ ‫الميالد طيلة الس��نوات الثالثة الماضية‪ ،‬بعد‬ ‫أن فق��دت الطبيب��ة القاطن��ة في ب��اب توما‪،‬‬ ‫أخيه��ا جورج "في ظ��روف مجهولة" ثم عثروا‬ ‫على جثته على أح��د طرقات الغوطة بمحيط‬ ‫بل��دة م��رج الس��لطان الت��ي كان��ت منطق��ة‬ ‫متنازعة السيطرة حينها‪.‬‬ ‫ثالث س��نوات من الحداد قررت ريما أن تنهيها‬ ‫ه��ذا الع��ام بإع��ادة تزيي��ن ش��جرة المي�لاد‬ ‫والصالة لراحة روح أخيها‪ ،‬لم يكن قرار إعادة‬ ‫تزيين الش��جرة بالسهل‪ ،‬وال سيما مع الكلفة‬ ‫الباهظ��ة لش��راء الزين��ة واإلن��ارة‪ ،‬فقب��ل ‪3‬‬ ‫سنوات كانت بضعة آالف تكفي إلقامة شجرة‬ ‫كبي��رة مع كامل زينتها‪ ،‬فيما ك ّلفت الش��جرة‬ ‫الجديدة وأجراس��ها ونجماتها ما يزيد عن ‪50‬‬ ‫ألف ليرة س��ورية‪ ،‬تصف ريما المبلغ بالهائل‪،‬‬ ‫ولكن يوج��د مبالغ أكبر بكثي��ر‪ .‬تضيف ريما‪:‬‬ ‫من عادة العوائل الدمشقية المسيحية إحضار‬ ‫الشجرة مع أغراض المنزل األساسية‪ ،‬وتكون‬ ‫زينتها من األهل كهدايا الزفاف للعروس��ين‪،‬‬ ‫لكن ظروف الحرب بدّلت كل التفاصيل‪ ،‬ولم‬ ‫تع��د العائالت تعنى بتفاصيل الش��جرة بقدر‬ ‫اعتنائها بتفاصيل الطعام والش��راب وتأمين‬ ‫المحروق��ات‪ .‬لكن إصرارها هذه الس��نة كان‬ ‫ش��ديداً حس��ب وصفه��ا‪ ،‬واس��تطاعت تأمين‬ ‫المبلغ عل��ى مرحلتين وأحض��رت كامل زينة‬ ‫الشجرة ورغم أن ش��جرة الميالد هي طقس‬ ‫اجتماع��ي يعبّر عن الفرح أكث��ر منه طقس‬ ‫دين��ي‪ ،‬إال أن العديد من العوائل كانت تطبّق‬ ‫هذا الطقس بشكل منتظم كل ميالد‪.‬‬ ‫الشجرة الخضراء رمز للديمومة‪ ،‬وأول ظهور‬

‫له��ا حس��ب أح��د األس��اقفة كان ف��ي الق��رن‬ ‫السادس عش��ر‪ ،‬حيث عمّدته الكنيسة ليغدو‬ ‫طقس�� ًا قريب ًا م��ن الع��ادة الديني��ة المباركة‬ ‫بإقامة المغارة‪ .‬حيث ولد السيد المسيح حسب‬ ‫المعتقد المسيحي في مغارة بسيطة تتجسّد‬ ‫ببعض األماكن العام��ة والمنازل‪ ،‬لكن إقامة‬ ‫مغ��ارة يكلف أضعاف ما تكلفه إقامة ش��جرة‪،‬‬ ‫لذلك يتجه الكثير لالكتفاء بشجرة ونجمة‪.‬‬ ‫الخام��س م��ن كان��ون األول وبع��د عي��د‬ ‫البرب��ارة مباش��رة توجهت ريما مع ش��قيقتها‬ ‫لوض��ع الش��جرة وتزيينها‪ .‬وبع��د يومين من‬ ‫التحضيرات والتجهيزات اكتملت الش��جرة مع‬ ‫زينتها ليقف الجميع وجهًا لوجه أمام الصدمة‬ ‫الت��ي لم تكن بالحس��بان‪ ،‬فقد زادت س��اعات‬ ‫التقنين في منطقة دمش��ق القديمة‪ ،‬لتطول‬

‫إل��ى ‪ 16‬س��اعة يومي��اً‪ ،‬بما في ذلك س��اعات‬ ‫الليل الت��ي كان من المفترض أن تنار خاللها‬ ‫الش��جرة‪ .‬مرّ ي��وم ويومان وثالثة‪ ،‬وس��اعات‬ ‫التقني��ن في ازدياد أو ثبات دون أي تحسّ��ن‪.‬‬ ‫تم��رّ ليالي الح��رب الباردة عل��ى مناطق باب‬ ‫توم��ا والقصّاع‪ ،‬على بع��د أقل من ‪ 1‬كم من‬ ‫مناطق تش��هد أعنف المعارك في البالد‪ .‬ربما‬ ‫اعتاد س��كان شرق دمشق أصوات االنفجارات‬ ‫واالش��تباكات‪ ،‬لكن انقطاع الكهرباء حرمهم‬ ‫مرة ثانية من فرحة مفترضة‪ .‬تقول ريما أنها‬ ‫حزينة جداً ألن الش��جرة بقيت ظلمة‪ ،‬وكذلك‬ ‫ص��ورة أخيه��ا ج��ورج‪ .‬أحضرت ريما ش��موعًا‬ ‫إضافي��ة إل��ى منزله��ا البس��يط‪ ،‬ولك��ن هذه‬ ‫المرة ليس للصالة ل��روح جورج ‪ ..‬بل لتبصر‬ ‫طريقها إلى المطبخ في يوم الميالد‪..‬‬

‫‪3‬‬


‫الغاز يف حلب "النظام" بالوا�سطة �أو الطابور‬ ‫حلب ‪ -‬عبير آغا‬

‫أخبار وتقارير ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪4‬‬

‫"يوقظني أب��ي عند حلول الفجر بش��كل‬ ‫يومي بحجة واجب الصالة‪ ،‬نقصد الجامع‬ ‫المقابل لبيتن��ا في حيّ المارتيني‪ ،‬نخرج‬ ‫م��ن الجامع ونتوج��ه إلى مكت��ب المختار‬ ‫لنحظى بمكان أمامي في طابور االنتظار"‬ ‫يق��ول قتيب��ة واصف�� ًا مح��اوالت العائل��ة‬ ‫للحص��ول عل��ى أس��طوانة غ��از منزلي‪،‬‬ ‫ويتاب��ع “أقضي س��اعات االنتظار جالس�� ًا‬ ‫على األرض ورأس��ي يتأرجح بين كتفيّ‬ ‫من شدة النعاس‪ ،‬لخمسة أيام متتالية لم‬ ‫ييأس أبي م��ن الحصول على اس��طوانة‬ ‫الغ��از‪ ،‬يتج��دد أمله كل صباح عند س��ماع‬ ‫اإلش��اعة الجديدة القديم��ة التي تقول إن‬ ‫سيارة األسطوانات ستصل اليوم حتماً"‪.‬‬ ‫قتيبة ليس بحالة اس��تثتائية في مناطق‬ ‫حلب التي يسيطر عليها النظام عسكرياً‪،‬‬ ‫مثل��ه اآلالف م��ن س��كان أحياء ع��دة في‬ ‫المدين��ة الت��ي تعي��ش من��ذ عامي��ن مع‬ ‫انقط��اع ش��به تام للم��ادة‪ ،‬بينما تنش��ط‬ ‫س��وق س��وداء توفرها بأس��عار مرتفعة‪،‬‬ ‫س��وق يش��رف عليه��ا مس��لحون موالون‬ ‫للنظام وسماس��رة الحرب‪ ،‬ويلجأ السكان‬ ‫م��ن ضعيف��ي الدخ��ل إل��ى حل��ول بديلة‬ ‫لتأمين الطاقة‪.‬‬ ‫ي��روي عدن��ان "كنت عائ��داً إل��ى منزلي‪،‬‬ ‫وقبل أن أصل بقليل‪ ،‬رأيت ش��بان ًا وعدداً‬ ‫من األطفال يركضون باالتجاه المعاكس‪،‬‬ ‫سألت بعضهم لماذا تركضون ولم يجبني‬ ‫أحد‪ ،‬لم يخطر لي سبب إال أن هناك حملة‬ ‫لجم��ع الش��بان وس��حبهم لالحتي��اط‪ ،‬ما‬ ‫كان ب��ي إال أن وضع��ت كل ما أحمله على‬ ‫االرض وب��دأت بالركض معه��م في ذات‬ ‫االتجاه‪ ،‬إلى أن وجدت نفسي وسط تجمع‬ ‫كبي��ر ح��ول س��يارة محملة بأس��طوانات‬ ‫الغاز‪ ،‬فتراجع��ت بخجل عائداً إلى منزلي‪،‬‬ ‫ألني لم أكن من المس��جلين مسبق ًا على‬ ‫اس��طوانة الغ��از"‪ ،‬ويضي��ف "رأي��ت عدداً‬ ‫من األطف��ال الذين يحتفل��ون بالحصول‬ ‫على الغاز‪ ،‬وضعوا األسطوانات المنتظرة‬ ‫أرض ًا‪ ،‬وبدأوا بالغناء والدبك حولها"‪.‬‬

‫�أمام باب املختار‬ ‫أوكلت الس��لطات مهمة توزي��ع الغاز لمخاتير‬ ‫األحي��اء من��ذ ع��ام ‪ ،2012‬ويذك��ر المخت��ار‬ ‫فيص��ل (تحف��ظ ع��ن ذك��ر اس��مه الكام��ل)‬ ‫لجريدة سوريتنا "تم وضع مخاتير األحياء في‬ ‫المواجهة مع األهال��ي‪ ،‬مع أنه ال يتم تزويدنا‬ ‫إال بكمي��ات قليل��ة فقط‪ ،‬كما ال يت��م إعالمنا‬ ‫بمواعيد دقيقة لوصول الغاز"‪.‬‬ ‫م��ن جهته‪ ،‬يش��ير علي إل��ى أن "الوقوف‬ ‫ف��ي طاب��ور االنتظاره��و م��ن نصي��ب‬ ‫أصح��اب الدخ��ل المح��دود الذي��ن ب��ات‬ ‫عليهم انتظاركل ش��يء" ويقول أن "على‬ ‫المنتظري��ن أن يقوم��وا قبل ش��هر تمام ًا‬ ‫بتسجيل أسمائهم وبيانات عائالتهم عند‬ ‫مكتب المختار‪ ،‬إضافة لتسليم االسطوانة‬ ‫الفارغة" ويتاب��ع "يعلمنا المختار أن نأتي‬ ‫لتس��لم الج��رة بع��د حوالي الش��هر دون‬ ‫موعد محدد"‪.‬‬

‫غ�ش ومتاجرة‬ ‫كما هوحال كل ش��يء في سوريا‪ ،‬ظهرت‬ ‫س��وق سوداء تتوفر فيها المواد األساسية‬

‫بأس��عار مرتفعة‪ ،‬يقول أحد البائعين في‬ ‫السوق الس��وداء يدعى ابو سمعان "أوّفر‬ ‫عل��ى الن��اس عن��اء التس��جيل واالنتظار‬ ‫مقاب��ل المال‪ ،‬نش��تري األس��طوانات من‬ ‫عناص��ر الش��بيحة أو الجنود المس��ؤولين‬ ‫عن إدخالها‪ ،‬الذين يسرقون نصف الكمية‬ ‫الت��ي تدخ��ل إلى حل��ب‪ ،‬ويبيعونن��ا إياها‬ ‫بأس��عار مضاعفة ع��ن تكلفته��ا‪ ،‬لنتاجر‬ ‫به��ا"‪ ،‬ويذكر أبو س��معان أن الس��عر الحر‬ ‫ألسطوانة الغاز "يتراوح من ‪ 5‬إلى ‪ 9‬آالف‬ ‫ليرة تبع�� ًا لع��دد األس��طوانات المتوفرة‪،‬‬ ‫فيم��ا يحصل عدد محدود من المس��جلين‬ ‫والمنتظري��ن عل��ى االس��طوانة ب ‪1050‬‬ ‫ليرة"‪.‬‬ ‫ويش��تكي العم عبد الرحم��ن أحد قاطني‬ ‫أن "معظم اس��طوانات الغاز‬ ‫المدين��ة من َّ‬ ‫المتوف��رة ف��ي حل��ب بات��ت مغشوش��ة‪،‬‬ ‫ويضي��ف "يقوم��ون بم��لء قس��م م��ن‬ ‫اس��طوانة الغاز بالماء لتعطي وزن ًا أكبر‪،‬‬ ‫نتمكن من كش��ف الغش عن��د نفاذ الغاز‬ ‫من االسطوانة وس��ماع صوت الماء داخل‬ ‫االسطوانة"‪.‬‬

‫احلل يف املطبخ‬ ‫تق��ول أم علي أنه "بات عل��ى ربة المنزل‬ ‫في حل��ب أن تتمتع بمه��ارة إيجاد الحلول‬ ‫والبدائل لتدبر أمور المنزل‪ ،‬فمن الصعب‬ ‫أن يتوف��ر كل ش��يء في ه��ذه المدينة"‪،‬‬ ‫وتضي��ف "ل��م يتوف��ر الغ��از ف��ي منزلي‬ ‫من��ذ ش��هرين‪ ،‬أق��وم بصن��ع خلي��ط من‬ ‫الفحم والحطب‪ ،‬أس��تخدم الفحم إلشعال‬ ‫الحط��ب‪ ،‬لتحضي��ر الطع��ام"‪ ،‬وتتابع "بدا‬ ‫األم��ر مرهق��اً إال أن��ي اعت��دت فيم��ا بعد‬ ‫الطهو بهذه الطريق��ة‪ ،‬حتى أنني أجد أن‬ ‫الطع��ام بات أل��ذ‪ ،‬وبالرغم م��ن كل هذا‬ ‫العناء لم تكن كلفة اشعال الحطب قليلة‪،‬‬ ‫إذ يصل س��عر الكيلو الواح��د من الحطب‬ ‫إلى ‪ 65‬ليرة والفحم ألكثر من ‪ 300‬ليرة"‪.‬‬ ‫أما أبو علي فيضيف من جهته ساخراً "لم‬ ‫أتوق��ع يوم�� ًا أن نقوم بش��وي اللحم على‬ ‫الفحم لتوفير استخدام الغاز"‪.‬‬


‫�إزالة احلواجز (امليتة) وفتح الطرق (احليوية) يف حلب‬ ‫حلب ‪ -‬عثمان إدلبي‬

‫أخبار وتقارير ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬

‫م��ن ‪ 20‬مرة حت��ى انتهي م��ن توزيعها كما‬ ‫يق��وم بعض عناصر الحواجز بالس��رقة من‬ ‫البضائ��ع ناهيك عن الرش��اوى التي أضطر‬ ‫لدفعها حتى يسمحوا لي بالمرور"‪.‬‬ ‫وكان التلفزي��ون الس��وري نقل عن محافظ‬ ‫حل��ب الدكت��ور محمد مروان علب��ي أن قرار‬ ‫إزال��ة الحواجز جاء اس��تجابة لطلب ش��ركة‬ ‫النقل الداخلي في حلب‪ ،‬إال إن مصدر خاص‬ ‫بسوريتنا من داخل قيادة الشرطة في حلب‬ ‫أف��اد أن هذه القرارات جاءت بأمر من رئيس‬ ‫فرع األمن العسكري في حلب وأن المحافظ‬ ‫ال يمتل��ك الصالحيات الت��ي تمكنه من إزالة‬ ‫أي حاجز في المدينة‪ ،‬كما نفى المصدر ذاته‬ ‫ما تناقلته بعض وس��ائل اإلعالم وصفحات‬ ‫(الفيس بوك) المؤيدة عن اس��تبدال حواجز‬ ‫الجي��ش بحواجز تابع��ة للش��رطة‪ ،‬وأضاف‬ ‫المص��در أن هن��اك تعليمات جدي��دة أبلغت‬

‫فيه��ا الحواج��ز تفي��د بزيادة التش��ديد على‬ ‫الش��بان والبحث عن المتخلفين عن الخدمة‬ ‫اإللزامية‪.‬‬ ‫ويؤكد أحمد‪ ،‬شاب من مدينة حلب‪ ،‬ما أورده‬ ‫مصدرن��ا بقول��ه "الحظ��ت أن الحواج��ز لم‬ ‫تعد تطل��ب الهويات (لتفيش��ها) بل أصبحت‬ ‫تطل��ب دفت��ر الخدم��ة العس��كرية وأصب��ح‬ ‫همه��ا الوحي��د اصطياد المتخلفي��ن‪ ،‬كما أن‬ ‫الش��رطة العس��كرية كثف��ت م��ن دورياتها‬ ‫وحواجزه��ا الطي��ارة ف��ي األماك��ن الحيوية‬ ‫ف��ي حلب‪ ،‬حيث يوجد في حلب ثالث دوريات‬ ‫للشرطة العس��كرية ينصبون حواجز طيارة‬ ‫طيلة اليوم وفي كل ساعتين يغيرون مكان‬ ‫حاجزهم وأبرز األماكن التي يتواجدون فيها‬ ‫(جسر المحكمة العسكرية‪ ،‬الموكامبو‪ ،‬نزلة‬ ‫أدونيس‪ ،‬معهد اإلخوة‪ ،‬ساحة الجامعة‪ ،‬باب‬ ‫المدينة الجامعية)"‪.‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫ق��ام مجل��س مدين��ة حل��ب بإزال��ة بع��ض‬ ‫الحواج��ز التابع��ة لألم��ن والجي��ش والت��ي‬ ‫كان��ت موج��ودة ضم��ن األحي��اء الس��كنية‬ ‫الخاضع��ة لس��يطرة النظام‪ ،‬حي��ث تم إزالة‬ ‫ثمانية حواجز كحاجز (جامع الرحمن‪ ،‬وجامع‬ ‫التوحيد‪ ،‬دوار الس��بيل‪ ،‬مدخل حلب الجديدة‬ ‫ش��مالي‪ ،‬طلعة الهجرة والج��وازات‪ ،‬دوار أبو‬ ‫فراس الحمداني‪ ،‬جامع الغزالي‪ ،‬مدخل حي‬ ‫الشهداء)‬ ‫ونقل إعالم النظام على لس��ان مدير مكتب‬ ‫هندسة المرور في محافظة حلب مازن جبل‬ ‫"نعمل بالتنس��يق مع قيادة الش��رطة إلزالة‬ ‫بعض الحواجز األخرى وفتح بعض الطرقات‬ ‫المغلقة فنح��ن اآلن نقوم بدراس��ات إلزالة‬ ‫بعض حواج��ز حي الس��ليمانية والحمدانية‬ ‫ونقوم بتقديمها للجهات األمنية"‪.‬‬ ‫وأوضح أن "الهدف من ذلك تخفيف االزدحام‬ ‫المروري في شوارع وسط المدينة وتسهيل‬ ‫تنق��ل الن��اس التي كان��ت تعقيه��ا الحواجز‬ ‫الكثيرة"‪.‬‬ ‫الق��ت ه��ذه الق��رارات استحس��اناً كبي��راً‬ ‫ف��ي الش��ارع الحلب��ي وخاص��ة ق��رار فت��ح‬ ‫طري��ق الك��رة األرضية حيث خ��ف االزدحام‬ ‫المروري في س��احة الجامعة ونزلة أدونيس‬ ‫والجميلية‪.‬‬ ‫يقول أبو عبدو وهو س��ائق س��رفيس على‬ ‫خ��ط ص�لاح الدين ‪ -‬في��ض "إن ق��رار فتح‬ ‫طريق الكرة كان يجب أن يصدر منذ سنتين‬ ‫ك��ون الطري��ق آمن وهو ش��ريان حيوي في‬ ‫المدينة"‪.‬‬ ‫ويضيف أب��و عبدو "قبل فتح الطريق كانت‬ ‫تس��تغرق معن��ا اللفة الواح��دة أكثر من ‪45‬‬ ‫دقيقة بس��ب المس��افات الطويلة التي يجب‬ ‫أن نقطعها وبس��بب االزدح��ام المروري في‬ ‫بعض المحاور الرئيس��ية كساحة الجامعة‪،‬‬ ‫أم��ا بعد فتح الطري��ق فاللفة كله��ا لم تعد‬ ‫تستغرق ‪ 15‬دقيقة"‪.‬‬ ‫أما ل��ؤي ابن حي الس��بيل مازال��ت معاناته‬ ‫م��ع الحواجز قائم��ة حتى بع��د إزالة بعضها‬ ‫فيقول "قامت المحافظ��ة بإزالة حاجز واحد‬ ‫في حينا وهو الحاجز الوحيد الذي ال يضايق‬ ‫أهال��ي الحي وال يوقف الس��يارات والمش��اة‬ ‫وال يفتش البضائع أما الحواجز التي تس��بب‬ ‫مضايقة للناس فمازالت موجودة"‪.‬‬ ‫ويص��ف بعض الحلبيين قرار إزالة الحواجز‬ ‫بالمبادرة الجيدة في حين وصف آخرون هذه‬ ‫القرارات بغي��ر المجدية كونها لم تس��اهم‬ ‫بش��كل فعال في إع��ادة الحيوي��ة للمدينة‪.‬‬ ‫وي��روي لن��ا التاجر مهن��د ع��ن معاناته في‬ ‫تس��ويق بضائعه داخل مدينة حلب "فرحت‬ ‫ج��داً عندم��ا س��معت بق��رار إزال��ة بع��ض‬ ‫الحواج��ز ف��ي وس��ط المدين��ة فتأمل��ت أن‬ ‫تنته��ي معاناتي اليومية م��ع حواجز النظام‬ ‫عندما أقوم بتوزي��ع بضائعي‪ ،‬ولكن عندما‬ ‫ذهبت إلى العمل في اليوم التالي لم يختلف‬ ‫علي ش��يء فمازالت حواجز النظام تُقطِعُ‬ ‫أوصال المدينة‪ ،‬ومازالت معاناتي على حالها‬ ‫فكل يوم تتع��رض بضائعي للتفتيش أكثر‬

‫‪5‬‬


‫اندساسية ‪. .‬‬ ‫دندنات وتقارير ‪. .‬‬ ‫أخبار‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪6‬‬

‫بعد عودتهم �إىل ديارهم‪،‬‬ ‫�أبناء ال�شعيطات يكت�شفون مقربة جماعية‬ ‫دير الزور ‪ -‬عادل العايد‬ ‫اكتش��ف أبناء عش��يرة الش��عيطات ف��ي دير‬ ‫الزور‪ ،‬يوم الخميس الماضي‪ ،‬مقبرة جماعية‬ ‫ف��ي بادية الكش��كية تضم قراب��ة ‪ 230‬جثة‪،‬‬ ‫بع��د يومي��ن م��ن س��ماح تنظي��م "الدول��ة‬ ‫اإلسالمية" بعودة األهالي إلى القرية‪.‬‬ ‫وأك��دت مص��ادر من "حمل��ة دير ال��زور تحت‬ ‫النار" باالعتماد على الصور التي تم توثيقها‪،‬‬ ‫أن جمي��ع الجث��ث تعود إل��ى مدنيي��ن بينهم‬ ‫أطف��ال‪ ،‬وجميعه��م يرت��دون مالب��س الزي‬ ‫الش��عبي المعروف في المنطقة‪ ،‬وال يوجد أي‬ ‫زي عسكري على تلك الجثث"‪.‬‬ ‫يقول س��امي أحد أبناء عش��يرة الش��عيطات‬ ‫"أغل��ب الجثث وجدت متحلل��ة‪ ،‬ومن الصعوبة‬ ‫بل من المستحيل التعرف عليها‪ ،‬وتم التعرف‬ ‫عل��ى أكثر من عش��ر جث��ث فقط م��ن العدد‬ ‫الكلي له��ا‪ ،‬باالعتم��اد على بقايا مالبس��هم‬ ‫بشكل أساسي"‪.‬‬ ‫وعن األماك��ن التي وجدت فيها الجثث يضيف‬ ‫س��امي "الع��دد األكب��ر م��ن الجث��ث وجد في‬ ‫منطقة الحاوي (بادية الكشكية)‪ ،‬فيما وجدت‬ ‫أخ��رى ف��ي الحقول أوف��ي البي��وت أو المحال‬ ‫التجارية في بلدة الكش��كية‪ ،‬كما وجد أهالي‬ ‫بل��دة غرانيج ‪ 28‬جثة أيضًا تع��ود ألبناء بلدة‬ ‫الكشكية في إحدى مدارس بلدتهم"‪.‬‬ ‫وكان تنظيم "الدولة اإلسالمية" اشترط عدة‬ ‫ش��روط عل��ى العائدين م��ن أبناء العش��يرة‪،‬‬ ‫أهمها االمتناع عن قتال التنظيم‪ ،‬وتسليم ما‬ ‫لديهم من أسلحة حيث سلموه أكثر من ‪4500‬‬ ‫قطعة سالح‪ ،‬وااللتحاق بدورات شرعية‪.‬‬ ‫وتنتم��ي عش��يرة الش��عيطات إل��ى قبيل��ة‬ ‫العقيدات كبرى قبائل دير الزور‪ ،‬وتقطن في‬ ‫ث�لاث بلدات‪ ،‬ه��ي " غرانيج والكش��كية وأبو‬ ‫حم��ام" وتعدادها أكثر من ‪ 120‬ألف نس��مة‪،‬‬ ‫وق��د س��مح التنظي��م بع��ودة أهال��ي قريتي‬ ‫غراني��ج والكش��كية‪ ،‬فيما يرف��ض حتى اآلن‬ ‫عودة أهالي قرية أبو حمام إلى ديارهم‪.‬‬

‫سالح الشعيطات الذي سلم لداعش‬

‫وتعود بداية الصدام بين عشيرة الشعيطات‬ ‫و"تنظيم الدولة اإلس�لامية" إلى بداية ش��هر‬ ‫آب الماضي‪ ،‬حيث قامت عش��يرة الش��عيطات‬ ‫بتم��رد مس��لح ض��د التنظي��م‪ ،‬إث��ر اعتق��ال‬ ‫عناصره لعدد من أبنائها‪ ،‬واس��تطاعت تحرير‬ ‫بع��ض الق��رى في ري��ف دير الزور الش��رقي‬ ‫وقتل وأس��ر عدد من عناص��ر التنظيم‪ ،‬إال أن‬ ‫األخير ش��ن هجوم واس��ع وعنيف على القرى‬ ‫التي يقطنونها مما أدى إلى مقتل المئات من‬ ‫أبنائها وتهجير الس��كان م��ن بيوتهم‪ ،‬وتمت‬ ‫مالحقتهم م��ن قبله حتى ف��ي األماكن التي‬ ‫نزحوا إليها‪.‬‬ ‫وال ي��زال مصي��ر المئ��ات م��ن أبناء عش��يرة‬ ‫الش��عيطات مجهو ً‬ ‫ال منذ دخ��ول التنظيم إلى‬ ‫منطقتهم مما يدفع أهاليهم وذويهم للتخوف‬

‫من مصير مشابه قد ألمّ بهم‪.‬‬ ‫الناش��ط أب��و مجاه��د م��ن ري��ف دي��ر الزور‬ ‫الش��رقي‪ ،‬وأحد القائمين على توثيق أس��ماء‬ ‫الضحاي��ا يق��ول "نواج��ه صعوب��ة كبيرة في‬ ‫عملن��ا‪ ،‬لذل��ك نكتف��ي ف��ي الوق��ت الراه��ن‬ ‫بتوثي��ق أس��ماء من ت��م التع��رف عليهم من‬ ‫قب��ل ذويهم‪ ،‬ودفن من تبق��ى إلى أن تصبح‬ ‫الظروف أفض��ل لتوثيق األس��ماء‪ ،‬خاصة مع‬ ‫عدم وجود خبرات للكشف عن هوية الجثث"‪.‬‬ ‫ويؤكد أبو مجاهد على أن هنالك حالة استياء‬ ‫ل��دى الس��كان‪ ،‬جراء اكتش��اف ه��ذه المقبرة‬ ‫وخصوصًا لدى أبناء عش��يرة الشعيطات‪ ،‬في‬ ‫ّ‬ ‫ظل تخوف لدى السكان والناشطين من عمل‬ ‫مش��ابه يقدم عليه التنظيم بحق عش��ائر أو‬ ‫مناطق أخرى‪.‬‬

‫‪ 8.4‬مليار دوالر‪ ..‬ما حتتاجه الأمم املتحدة مل�ساعدة ال�سوريني‬ ‫طالبت األمم المتحدة األس��بوع الفائت في‬ ‫برلي��ن المجتمع الدول��ي‪ ،‬تأمين مبلغ ‪4 ،8‬‬ ‫ملي��ارات دوالر لتغطية كلفة المس��اعدات‬ ‫لنحو ‪ 18‬مليون شخص في سوريا والدول‬ ‫المجاورة لها‪.‬‬ ‫وأفادت األمم المتحدة أن هناك حاجة ل‪2.9‬‬ ‫ملي��ار دوالر خ�لال العام ‪ 2015‬لمس��اعدة‬ ‫‪ 12.2‬مليون ش��خص داخل س��وريا‪ ،‬و‪5.5‬‬ ‫ملي��ار دوالر أخ��رى لمس��اعدة الس��وريين‬ ‫الذي��ن فروا إل��ى دول مجاورة مث��ل لبنان‬ ‫واألردن بينما دعت منظمة اليونيسف لتوفير‬ ‫‪ 903‬ماليين دوالر ألطفال سوريا‪.‬‬ ‫ويف��وق هذا المبلغ الرقم ال��ذي أعلنته األمم‬ ‫المتح��دة في مطل��ع كان��ون األول في جنيف‬ ‫والذي بلغ ‪ 2 ،7‬مليارات دوالر‪.‬‬ ‫وق��ال رئي��س المفوضي��ة العلي��ا لالجئي��ن‬

‫«انتوني��و غوتييريس» في تصريح صحافي‬ ‫رداً على «الذين يقولون ان هذا المبلغ كبير»‬ ‫أنه ال يتذكر «أن تعويم أي مصرف متوس��ط‬ ‫الحجم قد كلف أقل من هذا المبلغ»‪.‬‬ ‫وأض��اف «أن الح��رب ف��ي س��وريا تتفاق��م‬ ‫مم��ا يطي��ل أم��د الحال��ة اإلنس��انية‪ ،‬وق��د‬

‫اس��تنفد الالجئون والنازح��ون مدخراتهم‬ ‫وموارده��م‪ ،‬وبلغت البل��دان المضيفة حد‬ ‫االنكس��ار‪ ،‬ونحت��اج الي��وم لهي��كل جديد‬ ‫للمعون��ة يربط دعم الالجئي��ن بما يجري‬ ‫القيام به لضمان استقرار المجتمعات التي‬ ‫تستضيفهم»‪.‬‬ ‫في الس��ياق أش��ارت اليونيس��ف في بيان‬ ‫لها‪ ،‬إلى أنها «ستسعى إلى إيصال الرعاية‬ ‫والدع��م لحوال��ي ‪ 850‬أل��ف طف��ل متأثر‬ ‫بالنزاع بشكل مباشر»‪.‬‬ ‫وأكدت أن «األزمة السورية تمثل أكبر تهديد‬ ‫لألطف��ال في وقتنا الحال��ي»‪ ،‬محذرة من أنه‬ ‫«ف��ي نهاية ع��ام ‪ 2015‬س��تكون حي��اة أكثر‬ ‫من ‪ 8.6‬مليون طفل ق��د مزقت بفعل العنف‬ ‫والتهجي��ر القس��ري ف��ي المنطق��ة‪ ،‬مقارنة‬ ‫بسبعة ماليين طفل قبل شهر واحد فقط»‪.‬‬


‫احل�سكة خارج العامل االفرتا�ضي‪ ،‬واحللول تركية وعراقية‬ ‫القامشلي ‪ -‬ميديا أبو زيد‬

‫أخبار وتقارير ‪. .‬‬

‫ب�ساق واحدة‪ ..‬طفل �سوري يفوز بجائزة دولية‬ ‫مل�شاركته بفلم تركي‬ ‫ف��از الطف��ل الس��وري‪ ،‬أحم��د‬ ‫األحمر‪ ،‬الذي فقد س��اقه اليسرى‬ ‫نتيج��ة قصف تعرض ل��ه منزله‬ ‫ف��ي حل��ب‪ ،‬بجائزة ف��ي مهرجان‬ ‫مالطية الدول��ي الخامس للفيلم‬ ‫ف��ي تركيا‪ ،‬ع��ن دوره ف��ي فيلم‬ ‫تركي قصي��ر‪ ،‬صُور في المخيم‬ ‫ال��ذي يقيم فيه بوالي��ة مالطية‬ ‫التركية‪.‬‬ ‫وصع��د أحمد‪ 5 ،‬أعوم‪ ،‬على خش��بة‬ ‫المس��رح مس��تندا على عكازيه‪ ،‬ليتس��لم جائزته من زوج��ة والي مالطية‪ ،‬وس��ط تصفيق حاد من‬ ‫الجمهور‪.‬‬ ‫وقال أحمد لوكالة «األناضول» معبرا عن مش��اعره في تلك اللحظة «لقد صفق الجميع لي‪،‬‬ ‫وشعرت بسعادة كبيرة»‪.‬‬ ‫وأض��اف أن��ه «س��يحتفظ بالجائزة ويعتني به��ا‪ ،‬كما أعرب ع��ن رغبته ف��ي أن يصبح مثل‬ ‫بطل مسلس��ل وادي الذئاب التركي الش��هير م��راد علمدار‪ ،‬أو مثل الفن��ان التركي إبراهيم‬ ‫تاتليسيس‪ ،‬عندما يكبر»‪.‬‬ ‫وتح��دث أحم��د‪ ،‬الذي لجأ م��ع والديه وأخيه وأخت��ه إلى تركيا منذ ‪ 16‬ش��هرا‪ ،‬عن «خوفه من‬ ‫الح��رب‪ ،‬وع��ن حزنه على منزلهم الذي تهدم في حلب»‪ ،‬إال أنه أعرب «عن رغبته في العودة‬ ‫إلى سوريا‪ ،‬قائال إنه يشعر بالشوق لجديه اللذين بقيا هناك»‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬

‫نقالة‪ ،‬يقول‪" :‬سعر تعبئة الرصيد غير ثابت‪،‬‬ ‫لذا ثمة نوع من عدم الثقة في تعامل الزبائن‬ ‫معنا"‪.‬‬ ‫العم��ل الصحف��ي وال��ذي يحتاج إلى ش��بكة‬ ‫انترني��ت ذو س��رعة عالية‪ ،‬يعاني ممارس��وه‬ ‫الكثي��ر م��ن المتاع��ب ف��ي إيص��ال الم��واد‬ ‫ً‬ ‫وخاصة المصورة منه��ا‪ ،‬وقد لجأ‬ ‫الصحفي��ة‪،‬‬ ‫العاملون في ه��ذا المجال إل��ى المراكز التي‬ ‫توجد فيها االنترني��ت الفضائي‪ ،‬أو المقاهي‬ ‫التي بدأت تستعمل شبكة االنترنيت التركية‬ ‫نفس��ها‪ ،‬والت��ي تبث م��ن خالل أجه��زة البث‬ ‫م��ن داخل تركي��ا‪ ،‬مؤخ��راً‪ ،‬بد ً‬ ‫ال ع��ن المودم‬ ‫التركي(الفالش)‪ ،‬الذي لم يعد يفي بالغرض‬ ‫أبداً‪.‬‬ ‫زان��ا عمر‪ 32 ،‬س��نة‪ ،‬مراس��ل ص��وت أمريكا‬ ‫ف��ي مدين��ة القامش��لي‪ ،‬يق��ول‪" :‬ال ب��د من‬

‫وجود ش��بكة انترنيت تس��اعدنا في اختصار‬ ‫الوقت‪ ،‬ألن عملنا يتطلب السرعة في إيصال‬ ‫التقاري��ر إل��ى الجه��ة اإلعالمية الت��ي نعمل‬ ‫معها‪ ،‬كن��ت أملك (فالش) تركي‪ ،‬خط َ‬ ‫(آفيّا)‪،‬‬ ‫لكن اعترضني الكثير من المش��اكل‪ ،‬لذا ألجأ‬ ‫دوم�� ًا إلى أصدقائي مم��ن يملكون االنترنيت‬ ‫الفضائي‪ ،‬أو أرتاد إحدى المقاهي"‪.‬‬ ‫ال يزال سكان محافظة الحسكة يتّخذون من‬ ‫الش��بكة التركية وس��يلة االتصال الرئيس��ية‬ ‫الت��ي ّ‬ ‫تمكنه��م م��ن التواص��ل واالس��تمرار‬ ‫بأعمالهم التي تتطلب وجود شبكة االتصاالت‪،‬‬ ‫ولكن الحاجة للش��بكة ف��ي تزايد‪ ،‬وال بدّ من‬ ‫إيجاد حل للحدّ من تأثير هذه المش��كلة التي‬ ‫ّ‬ ‫ش��كلت عائقاً‪ ،‬وقضي��ة يعاني منه��ا معظم‬ ‫الش��عب الس��وري في المناطق التي ال تتمتع‬ ‫بأي وسيلة من وسائل التواصل‪.‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫ظهرت مش��كلة االتصاالت في سوريا كنتيجة‬ ‫لتداعيات األزمة على كافة األصعدة‪ ،‬وبحسب‬ ‫مؤسس��ة االتصاالت ف��ي محافظة الحس��كة‬ ‫ف��إن االنقطاع الذي تعاني منه الحس��كة منذ‬ ‫س��نتين س��ببه الض��رر ال��ذي لح��ق بالكابل‬ ‫الرئيس��ي‪ ،‬وقد أخذت هذه المش��كلة تتفاقم‬ ‫يوم��ًا بعد يوم‪ ،‬لذا كان م��ن الضروري البحث‬ ‫ع��ن حل��ول بديل��ة‪ .‬فالمناط��ق القريب��ة من‬ ‫الح��دود التركية اتخذت من الش��بكة التركية‬ ‫بدي�ل ً‬ ‫ا ع��ن الش��بكة الس��ورية (اإلنترني��ت‬ ‫واالتصال)‪ ،‬كذلك تس��تخدم الشبكة العراقية‬ ‫في المناطق القريبة من الحدود العراقية‪.‬‬ ‫محمد س��عيد‪32 ،‬س��نة من مواطن��ي مدينة‬ ‫القامش��لي‪ ،‬يق��ول‪" :‬أحتاج إل��ى التواصل مع‬ ‫إخوت��ي في المهج��ر‪ ،‬كذلك لتيس��ير أعمالي‬ ‫داخ��ل البالد‪ ،‬انقطاع الش��بكة الس��ورية في‬ ‫المحافظ��ة أث��ر بش��كل كبير عل��ى التواصل‬ ‫داخل وخارج المحافظة"‪.‬‬ ‫أم��ا المناطق البعي��دة عن الح��دود‪ ،‬فال تزال‬ ‫االتص��االت مقطوع��ة فيه��ا‪ ،‬إلاّ ف��ي بع��ض‬ ‫األيام القليلة‪ ،‬حين تعاود الش��بكة الس��ورية‬ ‫بثها‪ .‬وقد استعاض أصحاب مقاهي االنترنيت‬ ‫عن ش��بكة االنترني��ت الس��ورية باإلنترنيت‬ ‫الفضائ��ي‪ ،‬التي تجل��ب من الع��راق وتركيا‪،‬‬ ‫وثم��ة العديد من المقاهي التي بدأت بالعمل‬ ‫من خالل أجهزة االنترنيت الفضائية‪.‬‬ ‫أحم��د عل��ي‪ 35 ،‬س��نة وه��و صاح��ب مقهى‬ ‫انترنيت في مدينة الحس��كة‪ ،‬يقول‪" :‬شهري ًا‬ ‫ندفع م��ن ‪ 600‬إل��ى ‪ 800‬دوالر إلعادة تعبئة‬ ‫الرصي��د‪ ،‬ع��دا مصاري��ف الكهرب��اء وروات��ب‬ ‫العاملي��ن‪ ،‬وه��ذا م��ا يجع��ل س��عر الس��اعة‬ ‫الواح��دة مرتفع��اً نوع��اً ما‪ ،‬ويص��ل إلى ‪150‬‬ ‫ل‪ .‬س"‪ ،‬وي��ردف قائ�ل ً‬ ‫ا‪" :‬لهذا الس��بب لم يعد‬ ‫المواطن يرتاد المقهى إلاّ عند الضرورة"‪.‬‬ ‫كما ظهرت مشكلة لدى العاملين في الدوائر‬ ‫الحكومية‪ ،‬الذي��ن أصبحوا يقبضون رواتبهم‬ ‫عن طريق الصرافات اآللية التي انتشرت في‬ ‫السنوات األخيرة في سورية‪ ،‬لذا بات الموظف‬ ‫الحكومي أس��ير ش��بكة االنترنيت التي غدت‬ ‫شبه معدومة‪.‬‬ ‫مازن خلف‪ 36 ،‬س��نة‪ ،‬وهو م��درّس‪ ،‬يتحدث‬ ‫عن هذه المش��كلة قائ ً‬ ‫ال‪" :‬حب��ذا لو نرجع إلى‬ ‫الطريق��ة القديمة في قب��ض الرواتب‪ ،‬على‬ ‫األقل ل��ن أفكر بش��بكة االنترنيت‪ ،‬كذلك لن‬ ‫أقف لساعات طويلة في طابور أمام الصراف‬ ‫اآللي"‪.‬‬ ‫كث��رت الوعود بتأمي��ن وس��ائل االتصال في‬ ‫منطق��ة الجزيرة م��ن قبل الجه��ات المعنية‪،‬‬ ‫ولكن لم ّ‬ ‫تنفذ أيّ من هذه الوعود حتى اآلن‪،‬‬ ‫بل ب��اءت جمي��ع محاوالتها بالفش��ل‪ ،‬وظ ّلت‬ ‫االتص��االت مقتص��رة عل��ى تواف��ر الش��بكة‬ ‫التركي��ة والعراقية فق��ط‪ ،‬دون االعتماد على‬ ‫شبكة االتصاالت السورية‪.‬‬ ‫محالت الهواتف النقالة أيضاً بدأت التعامل مع‬ ‫الشركات التركية‪ ،‬من خالل تسجيل الهواتف‬ ‫ف��ي تركي��ا وتعبئة األرص��دة‪ ،‬وب��ات عملهم‬ ‫مره��ون بقيم��ة ال��دوالر واللي��رة التركي��ة‪،‬‬ ‫الش��يء ال��ذي أثر عل��ى العم��ل والتعامل مع‬ ‫الزبائن‪.‬‬ ‫ش��يخو علي‪ 40 ،‬س��نة‪ ،‬صاحب محل هواتف‬

‫‪7‬‬


‫عمار ور�ؤى‪� ،‬شابان عقدا قرانهما و�سط ركام حم�ص‬ ‫حمص ‪ -‬نوال المعصوم‬

‫أخبار وتقارير ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪8‬‬

‫طوال ثالث س��نوات وأكثر‪ ،‬لم تعرف حمص‬ ‫مجالس العزاء والجنازات‪ ،‬رغم آالف الوفيات‬ ‫التي س��جلت في أحياء المدين��ة‪ ،‬بصمت تام‬ ‫يتراف��ق مع الخ��وف كان الدفن يتم في قبور‬ ‫تجه��ز على عج��ل‪ ،‬الصمت والعجلة اس��تمرا‬ ‫مع انخف��اض أرقام القتل��ى وانتقال لحفالت‬ ‫الزف��اف التي اقتصرت عل��ى الحد األدنى من‬ ‫االبتس��ام والفرح‪ ،‬بحسب وصف عمار ورؤى‬ ‫الش��ابان الل��ذان عق��دا قرانهم��ا في حمص‬ ‫القديم��ة ف��ي ظ��روف خلفته��ا الح��رب على‬ ‫مدينتهما‪.‬‬ ‫عمار ش��ابٌّ ف��ي أواخر العش��رينيات ويعملُ‬ ‫حالق ًا‪ ،‬تحدث عن تجربته الحديثة في الزواج‬ ‫قائ ً‬ ‫ال‪" :‬ال أس��تطيع أن أجع��ل األزمة تقف في‬ ‫طري��ق حياتي فاألمور تبق��ى على حالها بل‬ ‫وأحيان ًا تزداد س��وءاً فماذا أنتظ��ر؟ لن يتغير‬ ‫ش��ي ٌء بعد ذل��ك‪ ،‬اس��تطعتُ أن أجمع بعض‬ ‫الم��ال من عملي والحمدهلل‪ ،‬والناس أصبحت‬ ‫الي��وم ّ‬ ‫ترك��ز على من "يس��ترُ" عل��ى بناتها‬ ‫دون االهتم��ام بالنقد الكثير‪ ،‬أثناء بحثي عن‬ ‫بنت الحالل واجهتُ العائلة الطمّعة والعائلة‬ ‫الميس��ورة والعائلة التي تجمعُ لقمة عيشها‬ ‫بتواض��ع مث��ل حال��ي‪ ،‬إال أن بع��ض الذي��ن‬ ‫ٍ‬ ‫قابلتُهم كانوا من العوائل التي تُضيّقُ على‬ ‫الش��اب المتق��دّم البنته��م! كأن يطلبوا منه‬ ‫َّ‬ ‫متملكاً والكثير من مئ��ات اآلالف للمهر!‬ ‫بيت�� ًا‬ ‫غير آبهينَ بالظروف التي يعيش��ها الش��باب‬ ‫من ش��حٍّ في الوظائف وقلة الموارد المالية‪،‬‬ ‫لكن��ي وجدتُ من يرضى بالحال الذي أنا فيه‬ ‫وأقمنا ما نس��ميه ف��ي حمص بال��ـ "صمدة"‬ ‫ٌ‬ ‫احتفال صغيرٌ يُقام في المنزل لألهل‬ ‫وهي‬ ‫والمع��ارف المقرّبي��ن‪ ،‬وكان ذل��ك في فترة‬ ‫الظهيرة‪ ،‬ولس��وء حظي ُقطعت الكهرباء في‬ ‫منتصف االحتفال وبالكاد اس��تطعنا أن نفرح‬ ‫حيث عادت الناس ألس��لوبها القديم‪ ،‬النس��اء‬ ‫يغنينَ بأنفسهن ألن المسجالت توقفت عن‬ ‫العم��ل‪ ،‬لكن ال بأس ما ب��اتَ يهمّنا أكثر هو‬ ‫اس��تمرار الحياة أم��ا هذه الظ��روف فالجميع‬ ‫يعاني منها" ‪.‬‬ ‫كانت األعراس في حمص "تبدأ" من الساعة‬ ‫العاش��رة مس��ا ًء إلى فجر الي��وم التالي‪ ،‬دون‬ ‫أيّة مخاوف‪ ،‬أما اليوم فاألعراس إن استطعنا‬

‫تس��ميتها بذل��ك‪ -‬أصبح��تْ تُق��امُ ضم��ن‬ ‫مأدبة غ��داء في منتصف النه��ار‪ ،‬حيث الليل‬ ‫الحمصي يحمل من الخ��وف ما يجعل الناس‬ ‫تت��ردد ف��ي الخروج ف��ي وقته‪ ،‬عل��ى الرغم‬ ‫من أن بعضهم يس��تطيع الخروج في زيارات‬ ‫متواضعة إن كان ذلك ضمن حيّهم فقط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫راح��ة نوع ًا ما‬ ‫أم��ا رؤى‪ ،‬وهي الطرف األكثر‬ ‫في المعادل��ة الزوجية‪ ،‬فالع��ب ُء أخفّ عليها‬ ‫م��ن عم��ار‪ ،‬تحدّث��ت ع��ن زواجها م��ن رجل‬ ‫ُ‬ ‫يعمل لصال��ح منظمةٍ تابعةٍ‬ ‫ميس��ور الحال‬ ‫لألمم المتحدة‪" ،‬تق��دّم لخطبتي الكثيرون‪،‬‬ ‫لك��ن أحوالهم ليس��ت بالجي��دة ج��داً‪ ،‬والدي‬ ‫متوفّ��ى وبيتُن��ا صغي��ر‪ ،‬أري��د أن أع��وّضَ‬ ‫شخص بإمكانه أن يجعلني أعيش‬ ‫حياتي مع‬ ‫ٍ‬ ‫حيا ًة ال أطلب فيها شيئ ًا أكثر"‪.‬‬ ‫تضي��ف رؤى ‪:‬حين تقدّم ل��ي زوجي وجدتُ‬ ‫ف��ي قبول��ي له مس��تقب ً‬ ‫ال جي��داً‪ ،‬راتب��ه جيد‬ ‫ً‬ ‫ويكفين��ي لكل ما أري��د‪ّ ،‬‬ ‫تعذبن��ا كثيرا حتى‬ ‫وجدن��ا من��ز ً‬ ‫ال نس��تأجره فالمنازل م��ا عادتْ‬ ‫تُؤجّر س��وى للعائ�لات النازح��ة أو يطلبون‬ ‫مبلغ�� ًا هائ ً‬ ‫ً‬ ‫صراح��ة ال أح��د يعرفُ‬ ‫ال س��لفاً!‬ ‫إل��ى مت��ى س��يصمد ه��ذا المن��زل ف��ي ظل‬ ‫هك��ذا ظ��روف‪ ،‬أم��ا عن حفل��ة ال��زواج فهي‬

‫حتماً لم تك��ن كاألعراس س��ابق ًا‪ ،‬فالظروف‬ ‫الت��ي نعيش��ها ال تعطيني حق��ي الكامل في‬ ‫االحتفال ناهيك ع��ن أنه ليس هناك صاالت‬ ‫أفراح ومقوّم��اتٌ لالحتف��ال‪ ،‬دعوتُ بعض‬ ‫األه��ل واألصدقاء إلى فنج��ان قهوة وبعض‬ ‫الش��وكوال والملبّ��س وكان ذل��ك عن��د وقت‬ ‫الغداء‪ ،‬وع��ن أغراض منزلي فم��اذا أقول؟!‪،‬‬ ‫كانت األس��واق المتخصصة بذل��ك موجود ًة‬ ‫في السوق المسقوف وسوق الناعورة وهذان‬ ‫الس��وقان أصبح��ا تح��ت ال��ركام‪ ،‬حاولتُ أن‬ ‫أبحث عما يناسبني في حاراتنا المتبقية رغم‬ ‫ّ‬ ‫األكفاء بذل��ك‪ ،‬و وجدتُ‬ ‫عدم وج��ود التج��ار‬ ‫ً‬ ‫بأسعار باهظةٍ جدا" ‪.‬‬ ‫أخيراً ما يناسبني لكن‬ ‫ٍ‬ ‫يُجمِ��عُ أهل حم��ص اليوم عل��ى أن الزواج‬ ‫حقٌّ وواجبٌ لكي تس��تمر الحياة‪ ،‬ويعتبرون‬ ‫أن عليه��م أن يُنجب��وا أجي��ا ً‬ ‫ال جديدة تنهض‬ ‫بالمدين��ة حي��ن يحي��ن الوقت لذل��ك‪ ،‬رغم‬ ‫ظ��روف المعيش��ة واألح��وال االقتصادي��ة‬ ‫الضيق��ة الت��ي ال تس��اعد الحماصن��ة ف��ي‬ ‫خططهم وأفكارهم‪.‬‬

‫ن�صبان تذكاريان يف الالذقية يفجران غ�ضب ال�سوريني‬ ‫الالذقية ‪ -‬ميس الحاج‬ ‫دُشن في مدينة الالذقية نصبيين تذكاريين‬ ‫في بلدة عين الش��رقية‪ ،‬لنحات يدعى ممدوح‬ ‫محمد حمال من قرية الشرقية‪ ،‬حمل أحدهما‬ ‫اسم "جنديان في وقفة عز"‪.‬‬ ‫وفور نش��ر الص��ور الخاص��ة بالعملين‬ ‫ضج��ت مواق��ع التواص��ل االجتماع��ي‬ ‫ب��اآلراء الرافض��ة لهم��ا‪ ،‬ناش��طون‬ ‫معارض��ون قال��وا إنه "وح��ش لتخويف‬ ‫األطفال من أجل النوم" أو ربما من أجل‬ ‫"إخافة االرهابيين"‪ ،‬فيما سخر غيرهم‬ ‫بوصفهما "تجسيد لش��خصية الرئيس‬ ‫السوري بشار األسد في نظر مؤيديه"‪،‬‬ ‫وأضاف أخرون بأنهما يمثالن "من يقف‬

‫إلى جانب النظام ويدعمه وتشبهه"‪.‬‬ ‫ج��اء ذلك في وقت تخس��ر فيه ق��وات النظام‬ ‫الس��وري مواق��ع هام��ة ج��دا ف��ي المع��ارك‬

‫الدائ��رة ف��ي معس��كري وادي الضي��ف‬ ‫والحامدي��ة في إدلب‪ ،‬مما زاد م��ن حدة النقد‬ ‫على هذه المجس��مات من بع��ض المؤيدين‪،‬‬ ‫الذي��ن اعتبروه��ا مهينة له��م وألرواح‬ ‫ش��هدائهم‪ ،‬يش��ار إلى أن ازاحة الستار‬ ‫ع��ن ه��ذا النص��ب ج��اءت بحض��ور‬ ‫ش��خصيات رس��مية م��ن محافظ��ة‬ ‫الالذقية أبرزها محافظ مدينة الالذقية‬ ‫إبراهي��م خض��ر الس��الم‪ ،‬وأمي��ن فرع‬ ‫ح��زب البعث الحاكم في س��وريا محمد‬ ‫ش��ريتح‪ ،‬ومدير الثقافة في المحافظة‬ ‫مجد صارم‪.‬‬


‫حوار العدد ‪. .‬‬

‫�أبو غابي يف "حجاز حرب" من املخيم و�إليه‬ ‫عامر محمد‬

‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫ألكث��ر من تس��ع م��رات دخ��ل أب��و غابي‬ ‫االس��تديو ك��ي يض��ع صوته عل��ى أغنية‬ ‫«س��وريا»‪ ،‬ول��م يس��تطع إال ف��ي الم��رة‬ ‫األخي��رة بوضع صوت��ه على الموس��يقى‬ ‫المس��تقاة من لحن ش��عبي من تراث جبل‬ ‫الع��رب في س��وريا‪ ،‬كان��ت تتعبن��ي حقاً‪،‬‬ ‫يقول أب��و غابي الفن��ان المتمرس والذي‬ ‫لم يعش طقس��اً كهذا إال مع هذه األغنية‪،‬‬ ‫نعم األغنية حين تسمعها ستجعل عيناك‬ ‫تدم��ع‪ ،‬ال ألن الثواني األول��ى من األغنية‬ ‫يرقص فيها الناي مع الع��ود والكالرينت‪،‬‬ ‫وال ألن صوت أبو غابي يحمل سحراً خاص ًا‬ ‫يبوح فيه وال يغني فقط‪ ،‬وال ألنها س��هلة‬ ‫ممتنع��ة وال تحم��ل المباش��رة التقليدي��ة‬ ‫في الف��ن الذي ع��ادة ما يوج��ه لألوطان‪،‬‬ ‫ب��ل ربم��ا ألن فيه��ا م��ن كل ه��ذا وذلك‬ ‫يحبه��ا أبو غابي‪ ،‬وهذا ليس بلقب ـأي أبو‬ ‫غابي ـ كما يقول لس��وريتا‪ ،‬بل بات اسمه‬ ‫الحقيق��ي ال��ذي منحه إي��اه صديق يطلب‬ ‫له الرحمة ويعتقد أن��ه قضى في الحرب‪،‬‬ ‫صديق آخر من مخي��م اليرموك المحاصر‬ ‫بجنوب دمش��ق يفتقده الفنان خالل حرب‬ ‫الب�لاد التي حملت للمخي��م كارثة مظلمة‬ ‫ومس��تمرة‪ ،‬زكري��ا مرع��ي ال��ذي أعدمته‬ ‫جبهة النصرة في اليرموك قبل أيام‪.‬‬ ‫غيرت الحرب أولويات الجميع في س��وريا‪،‬‬ ‫فأع��ادوا ترتيب حيواتهم وف��ق لما تركته‬ ‫الح��رب عليهم‪ ،‬أبو غاب��ي الذي تخرج من‬ ‫كلي��ة اإلعالم ف��ي دمش��ق‪ ،‬كان غنياً مع‬ ‫التجارب اإلعالمية التي ظهرت في المخيم‬ ‫وف��ي عموم س��وريا‪ ،‬إذ قدم سلس��لة من‬ ‫الحلق��ات بش��كل ‪»Stand up comedy‬‬ ‫ضمن مش��روع رد فعل‪ ،‬فيما قدم حلقات‬ ‫إذاعية عبر االنترن��ت‪ ،‬هنا يذكر أبو غابي‬ ‫شهيداً جديداً من اليرموك‪ ،‬حسان حسان‪،‬‬ ‫الفنان ال��ذي قضى ف��ي ‪،»17/12/2013‬‬ ‫وال��ذي أه��دى لروحه أب��و غاب��ي «العين‬ ‫بصيرة» من ذات األلبوم‪ ،‬واليوم استسلم‬ ‫أبو غاب��ي تمام ًا أمام العم��ل في اإلعالم‪،‬‬ ‫تأخذه الموس��يقى والغناء إلى حيث يريد‪،‬‬ ‫ويقول فيها كل ما يريد‪.‬‬ ‫ت��درب ص��وت أبو غاب��ي في فت��رات عدة‬

‫وتتلم��ذ فيها‪ ،‬فمن منزله مع والده اس��تاذ‬ ‫العود‪ ،‬ثم رحلته مع المنش��د االذربيجاني‬ ‫حميد أسد اهلل في حلب‪ ،‬المدينة الساحرة‬ ‫كما يصفها‪ ،‬التي تعرف فيها على أصوات‬ ‫كبيرة‪ ،‬ثم زار أورفا التركية التي تحتضن‬ ‫أكب��ر مهرج��ان للموس��يقى الصوفية في‬ ‫العال��م‪ ،‬وهك��ذا صُقل الصوت وتش��ذب‬ ‫وظه��ر كما نس��معه الي��وم‪ ،‬رغ��م أن أبو‬ ‫غابي كان يظ��ن أن ما تريده الناس ليس‬ ‫ه��ذا النوع من الغناء‪ ،‬بل ذلك الرائج الذي‬ ‫تبث��ه اإلذاع��ات عادة‪ ،‬بعد الح��رب قرر أبو‬ ‫غابي أن يمضي في مش��روعه الغنائي «‬ ‫لم يعد هناك مهرب» يقول‪.‬‬ ‫«لوالك» المشروع األهم يقول أبو غابي‪،‬‬ ‫المقطوع��ة التي عمل فيها مع «أس��لوب»‬ ‫من فرق��ة الراب «الكتيبة ‪ »٥‬ومع عازفين‬ ‫كب��ار م��ن العال��م‪ ،‬أرب��ع دقائ��ق وثمانية‬ ‫وأربعي��ن ثانية‪ ،‬يعلو فيها صوت أبو غابي‬ ‫منشداً ومطرب ًا‪ ،‬بش��عر الحالج‪ ،‬المشروع‬ ‫الذي خلق ف��ي بيروت والتي انتش��ر فيها‬ ‫صوت أبو غابي بش��كل ل��م يكن يتوقعه‪،‬‬ ‫لكن المشروع األكبر والدائم الذي يصعب‬ ‫الخالص منه‪ ،‬هو همّ الش��عب الس��وري‬

‫وهمّ مخيم اليرموك‪ ،‬المخيم الذي يترك‬ ‫أبو غابي أمام شعور يسميه «العجز» رغم‬ ‫أنه غنى له ثالث أغانٍ وقدم له فيلم ًا‪.‬‬ ‫ماذا يريد الفلسطيني السوري اليوم؟‪ ،‬ما‬ ‫يري��ده أبو غاب��ي هو أن يغ��ادر كل الجئ‬ ‫فلس��طيني ه��ذه األرض العربي��ة‪ ،‬الت��ي‬ ‫طالم��ا تاجرت ب��ه‪ ،‬أرضه هي فلس��طين‬ ‫الت��ي ال طريق لها الي��وم‪ ،‬فلتكن المرحلة‬ ‫القادم��ة في أرض ليس��ت عربية‪ ،‬ويقول‬ ‫«نحن اليوم ال نملك إال أن ننتظر أن يأتي‬ ‫اليوم الذي نس��تطيع فيه أن نعمر س��وريا‬ ‫من جديد»‪.‬‬ ‫«طلعنا م��ن بيوتنا « ليس��ت مجرد أغنية‬ ‫ف��ي ألبوم «حج��از حرب» ألب��و غابي‪ ،‬بل‬ ‫ه��ي لحظ��ات ما بع��د الميغ الت��ي ضربت‬ ‫المخي��م «‪»2012\12\16‬عل��ى الرصي��ف‬ ‫خ��ارح المخي��م وقف أبو غابي م��ع عائلته‬ ‫حيث ال مأوى اآلن هنا ُكتبت األغنية‪ ،‬وهذا‬ ‫هو حال األلبوم كام ً‬ ‫ال الذي لم تتم كتابته‬ ‫س��لف ًا يؤكد أبو غابي‪ ،‬الفنان الفلسطيني‬ ‫الس��وري ال��ذي ع��اش الحص��ار والقصف‬ ‫واالعتقال وطبعا اللجوء‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫ترجمات ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪10‬‬

‫ال�سيطرة على النفط ال�سوري ت�شعل احلرب بني الكرد وداع�ش‬ ‫مقال مترجم من صحيفة (وول ستريت جورنال) األمريكية‬ ‫‪2014 / 11 / 23‬‬ ‫ترجمة وتحرير‪ :‬منصور العمري‬ ‫تتصاع��د أعم��دة الدخ��ان األس��ود ف��ي أف��ق‬ ‫اليعربي��ة‪ ،‬هذه المدين��ة الحدودية في منطقة‬ ‫ش��مال شرق سوريا الممتدة كاإلبهام الذي يخز‬ ‫تركيا والعراق المجاورتين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نتيجة‬ ‫ليس الدخان نتيجة للحرب‪ ،‬ولكنه يرتفع‬ ‫للمعرك��ة القاتلة عل��ى الموارد بي��ن "داعش"‬ ‫والمقاتلي��ن الك��رد‪ .‬يعم��ل الرج��ال والنس��اء‬ ‫واألطفال في اآلالف من األفران البدائية لتكرير‬ ‫النفط الخام والذي توزع��ه األطراف المتحاربة‬ ‫لش��راء ال��والء‪ .‬كما يبيع الس��كان الوق��ود الذي‬ ‫يصنعوه إلى تجار السوق السوداء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نتيج��ة لتح��ول النف��ط اآلن إلى الدخ��ل الثابت‬ ‫الوحيد ف��ي هذه المجتمع��ات الريفية الفقيرة‪،‬‬ ‫تُقدم األط��راف المتحاربة هذا الخي��ار‪ :‬حاربنا‬ ‫لتموت أو انضم إلينا واكسب لقمة عيشك‪.‬‬ ‫تس��عى الواليات المتحدة لتوسيع نطاق دعمها‬ ‫للق��وات الكردي��ة الت��ي تقات��ل "داع��ش" من‬ ‫أجل الس��يطرة على الم��دن والقرى حول نهري‬ ‫دجل��ة والفرات‪ .‬ويتصف هذا الص��راع بالقتامة‬ ‫المش��ابهة للحم��أة الت��ي تتس��رب م��ن أف��ران‬ ‫بدائية الصنع على هذه األرض التي رعت فيها‬ ‫المواشي وفلحها البشر منذ العصور التوراتية‪.‬‬ ‫يق��ول أحد رج��ال القبائل البالغ م��ن العمر ‪27‬‬ ‫عامًا‪" ،‬يحرص الع��رب المحليين على الحصول‬ ‫عل��ى دخل النفط ولكن معظمه��م ال يرتاحون‬ ‫للك��رد بقدر ما يخش��ون "داعش"‪ " .‬وتس��يطر‬ ‫"داع��ش" عل��ى معظ��م الج��زء الجنوب��ي م��ن‬ ‫محافظة الحس��كة في س��وريا وعلى محافظة‬ ‫دير الزور المجاورة كلها تقريبًا‪ ،‬وهي المناطق‬ ‫الغنية بالنف��ط والغاز‪ ،‬وكذلك معظم محافظة‬ ‫الرق��ة المج��اورة‪ .‬وتَعت ِب��ر "داع��ش" محافظة‬ ‫الحس��كة ج��زءاً ال يتج��زأ م��ن "الخالف��ة" التي‬ ‫نصبت نفسها لها والتي تمتد حاليًا من ضواحي‬ ‫المدينة الس��ورية حلب الشمالية حتى هوامش‬

‫بغداد عاصمة العراق‪.‬‬ ‫يستخدم متشددو "داعش" أموال النفط لتأمين‬ ‫الوالء ودعم حربه��م‪ ،‬وفقاً لمقابالت مع زعماء‬ ‫القبائل‪ ،‬ومتش��ددين من "داعش" ومسؤولين‬ ‫ف��ي الجي��ش والمخاب��رات الكردية‪ .‬ويتقاس��م‬ ‫ه��ؤالء األرباح م��ع ش��يوخ العش��ائر وأتباعهم‬ ‫أيضًا وتحافظ "داعش" من خاللها على إمدادات‬ ‫ثابتة لمجنديها‪ .‬وتق��در األمم المتحدة وبعض‬ ‫المحللين أن "داعش" تنتج ما يقرب من ‪ 50‬ألف‬ ‫برمي��ل يومياً م��ن حقول النفط التي تس��يطر‬ ‫عليه��ا‪ .‬وال يتضح مدى تأثي��ر الضربات الجوية‬ ‫األخيرة للتحالف الذي تق��وده الواليات المتحدة‬ ‫ضد المنشآت النفطية المستخدمة‪.‬‬ ‫استولت قوة شبه عس��كرية كردية مكونة من‬ ‫‪ 30‬أل��ف مقاتل تقريبًا على القس��م الش��مالي‬ ‫م��ن محافظة الحس��كة واقام��ت منطقة حكم‬ ‫الذاتي أنش��أت المحاكم وأص��درت قوانين في‬ ‫محاول��ة للحكم الذاتي الدائم في المناطق ذات‬ ‫األغلبية الكردية في سوريا‪ .‬تتحكم هذه القوة‬ ‫التي تُدعى (وحدات حماية الش��عب) أيضًا بآبار‬ ‫النفط وتبيع النفط الخام بسعر مخفض لرجال‬ ‫القبائل العربية المحلية‪ ،‬وتوفر دخ ً‬ ‫ال للمقاتلين‬ ‫واألسر الكردية المحلية‪.‬‬ ‫ينتج الكرد نحو ‪ 40‬ألف برميل من النفط الخام‬ ‫يومي��ًا من اآلب��ار التي يس��يطرون عليها‪ ،‬وفقًا‬ ‫لمسؤولين كرد هناك‪ ،‬والذين أضافوا أن بعض‬ ‫من��ه يباع لمش��غلي أفران التكري��ر ومعظمهم‬ ‫من العرب بس��عر ‪ 15‬دوالر للبرميل‪ .‬وقال أحد‬ ‫مش��غلي أفران التكرير إن ثماني��ة براميل من‬ ‫النف��ط الخام تنت��ج ما يقرب من س��تة براميل‬ ‫من البنزين أو وقود الديزل‪ ،‬والتي تباع بس��عر‬ ‫وس��طي ‪ 40‬دوالر للبرمي��ل‪ .‬هناك م��ا يقدر بـ‬ ‫‪ 3000‬فرن للتكرير في المناطق التي يس��يطر‬ ‫عليها الكرد‪ ،‬وقال مسؤولون إنها جميعًا أنشئت‬

‫منذ بداية الحرب األهلية في سوريا‪.‬‬ ‫كش��فت مقاب�لات م��ع مقاتلي��ن س��ابقين في‬ ‫"داعش" محتجزين اآلن كأسرى من قبل الكرد‪،‬‬ ‫فض�ل ً‬ ‫ا عن المقابالت الهاتفية مع الس��كان في‬ ‫األراضي التي تسيطر عليها "داعش" عن أوجه‬ ‫التشابه في كيفية عمل الجانبين إلنتاج النفط‪.‬‬ ‫مث��ل الكرد‪ ،‬تبيع "داعش" بع��ض النفط الخام‬ ‫لمش��غلي األفران والمصافي بأسعار مخفضة‪،‬‬ ‫كما توظف السكان المحليين بشكل مشابه لما‬ ‫يفعل��ه الكرد م��ن أجل حماية وتش��غيل حقول‬ ‫النف��ط أو االنضمام لصفوفه��م كمقاتلين مع‬ ‫روات��ب عالية تصل إلى ‪ 100‬ألف ليرة س��ورية‬ ‫في الشهر‪ ،‬أي حوالي ‪ 512‬دوالر أمريكي‪.‬‬ ‫العن��ف ال��ذي يله��ب المتطرفي��ن (اإلس�لاميين‬ ‫الس��نّة) ف��ي "داع��ش" ض��د جمي��ع المس��لمين‬ ‫وغيرهم من جميع األديان األخرى‪ ،‬يركز هنا بد ًال‬ ‫من ذلك على الس��يطرة عل��ى األراضي والموارد‬ ‫والطرق والمعابر الحدودية التي توفر اإليرادات‪.‬‬ ‫قال حميدي دحام الجربا إن "المكاس��ب المادية‬ ‫ه��ي ما يقود هذه الح��رب‪ ،‬ال أحد لديه مبادئ"‪،‬‬ ‫وه��و الس��بعيني المعترف ب��ه باعتب��اره واحد‬ ‫من قادة ش��مر‪ ،‬إح��دى أكب��ر القبائ��ل البدوية‬ ‫في منطقة الش��رق األوس��ط‪ .‬وأض��اف‪" :‬على‬ ‫ح��د ما أس��تطيع أن أتذك��ر‪ ،‬لم يك��ن لدى هذه‬ ‫المحافظ��ات الثالث اتجاه خاص بهم أبداً‪ ،‬وهي‬ ‫دائماً مع األقوى على األرض‪" .‬‬ ‫حمي��دي الجرب��ا‪ ،‬الذي لديه قوات مش��تركة مع‬ ‫الكرد‪ ،‬والتي شكلت مؤخراً باسم ميليشيا شمر‬ ‫للمس��اعدة في محاربة "داع��ش" التي تتربص‬ ‫أق��رب ‪ 20‬ميال إلى الجن��وب الغربي‪ ،‬حصل في‬ ‫ش��هر يوليو ‪ /‬تموز على منصب فخري كحاكم‬ ‫لكانت��ون الجزي��رة‪ ،‬واحدة من مناط��ق الحكم‬ ‫الذاتي الكردية الجديدة‪.‬‬


‫القامشلي ‪ -‬جوان تتر‬

‫ترجمات ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬

‫بعد ان��دالع الثورة في س��وريا ب��ات عمل‬ ‫ً‬ ‫صعوبة وقس��اوة‪،‬‬ ‫الصحف��ي الراصد أكثر‬ ‫بس��بب القي��ود الت��ي تفرضه��ا الجه��ات‬ ‫المتنازع��ة ف��ي كاف��ة أرجاء س��وريا‪ .‬ومع‬ ‫اش��تداد النزاع��ات ب��رزت عل��ى الس��احة‬ ‫الس��ورية مس��ألة اختط��اف مراس��لي‬ ‫القن��وات التلفزيوني��ة والصحفيي��ن‪ ،‬وقد‬ ‫صدر مؤخ��راً عن (إي بي س��ي) اإلخبارية‬ ‫األمريكية‪ ،‬تقرير مفاده أن سوريا أصبحت‬ ‫بمثاب��ة الجحي��م بالنس��بة للصحفيي��ن‬ ‫الذين يقومون بتغطي��ة األحداث الجارية‪،‬‬ ‫مستش��هد ًة بإحصاءات ص��ادرة بخصوص‬ ‫هذا الموضوع في إش��ارة إلى احتجاز أكثر‬ ‫من ثالثي��ن صحفيًا حتى اآلن‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫مقتل اثنين وخمس��ين مراس�ل ً‬ ‫ا منذ بداية‬ ‫الثورة في س��وريا‪ ،‬وغالباً م��ا تكون أرقام‬ ‫اإلحص��اءات الحقيقي��ة أكث��ر م��ن أرق��ام‬ ‫اإلحص��اءات المعلن��ة‪ ،‬وذلك حرص��اً على‬ ‫اس��تمرار عملية التفاوض مع الخاطفين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وحماية لحياة المُختطفين‪.‬‬ ‫تستمر الثورة الس��ورية في ظل استمرار‬ ‫األخط��اء المميت��ة م��ن قب��ل الجه��ات‬ ‫ً‬ ‫وخاصة فيم��ا يتعلق باالعتداء‬ ‫المتنازعة‪،‬‬ ‫عل��ى الصحفيي��ن والمراس��لين‪ ،‬فق��د‬ ‫تع��رّض ف��ي األش��هر القليل��ة الماضي��ة‬ ‫الكثير منهم إلى ح��االت خطف واعتقاالت‬ ‫تعسفية دون أدنى احترام لمواثيق حقوق‬ ‫اإلنسان أو احترام لطبيعة عمل المراسل‪،‬‬ ‫ال��ذي يهدف من خ�لال عمل��ه الخطر إلى‬ ‫توثيق األحداث الجاري��ة كمهمّة تفرضها‬ ‫أخالقيّات المهنة‪.‬‬ ‫لكن م��ع الفوض��ى الموجودة في س��وريا‬ ‫تبقى مسألة رصد هذه الظاهرة المخيفة‪،‬‬ ‫فيها كمّ هائل من الصعوبات‪ ،‬ففي مدينة‬ ‫القامش��لي التي تتواجد فيه��ا عدّة قوّات‬ ‫وضع��ت على عاتقها حماي��ة هذه المدينة‬ ‫والمدن األخرى التابعة لمحافظة الحسكة‪،‬‬ ‫ظه��رت ح��االت متع��ددة تع��رّض خاللها‬ ‫العديد من مراس��لي القنوات التلفزيونية‬ ‫والمراس��لين العاملين في مجال الصحافة‬ ‫إل��ى االختط��اف م��ن قب��ل جه��اتٍ ع��دة‪،‬‬ ‫أحيان��ًا تك��ون معروفة وأحيان��ًا أخرى غير‬ ‫معروفة‪ ،‬إما تابعة لتيار عسكري معارض‬ ‫لتي��ار عس��كري آخ��ر يعمل عل��ى أراضي‬ ‫محافظة الحس��كة‪ ،‬أو جهات غير معروفة‬ ‫تقوم باعتقال واختطاف المراس��لين بغية‬ ‫الحصول عل��ى مبالغ مالية معينة في ظل‬ ‫الفوضى‪.‬‬ ‫اختط��ف مؤخ��راً كل من المراس��ل فرهاد‬ ‫حم��و والمص��ور مس��عود عقي��ل‪ ،‬الل��ذان‬ ‫يعم�لان ل��دى فضائي��ة روداو‪ ،‬م��ن قب��ل‬ ‫تنظيم الدولة اإلس�لامية‪ ،‬عل��ى الطريق‬

‫الدولي جنوب شرق مدينة القامشلي حين‬ ‫كانوا في مهمة صحافية‪ ،‬حسب ما أعلنته‬ ‫فضائي��ة روداو‪ ،‬والتزال الجه��ات المعنية‬ ‫تبح��ث ف��ي الموض��وع‪ ،‬دون أي معلومات‬ ‫تذكر‪.‬‬ ‫يق��ول "ريب��ر" وهو عنصر من األس��ايش‬ ‫(قوات األم��ن الداخل��ي)‪" :‬أصدرن��ا كجهة‬ ‫مهتمة بأمن المواطن‪ ،‬العديد من البيانات‬ ‫التي أفصحنا فيها عن رغبة قواتنا بحماية‬ ‫الصحفيين والمراس��لين أثناء عملهم في‬ ‫رصد األحداث‪ ،‬ودائمًا ما نعمل على توفير‬ ‫األم��ان والس�لامة ليتمك��ن اإلعالميّ��ون‬ ‫م��ن إتمام عملهم عل��ى أكمل وجه‪ ،‬ولكن‬ ‫لألس��ف كل البيان��ات الت��ي نصدرها بهذا‬ ‫الخص��وص ال تلق��ى آذان صاغي��ة ل��دى‬ ‫الجميع‪ ،‬ونتفاجأ في النهاية بأنباء قاس��ية‬ ‫ع��ن اختط��اف إعالميي��ن‪ ،‬وه��ذه الحاالت‬ ‫ً‬ ‫خاصة إن لم تك��ن لدينا‬ ‫تجعلن��ا نرتب��ك‪،‬‬ ‫معلوم��ات مس��بقة ع��ن م��كان توجّ��ه‬ ‫المراسلين الذين يتم اختطافهم‪ ،‬لذا لكي‬ ‫نتمكن من اإلحاطة بهذه المش��كلة ال بدّ‬ ‫من تعاون بين عناصر األمن واإلعالميين"‪.‬‬ ‫ويق��ول الصحف��ي عم��اد تاالت��ي‪ ،‬وه��و‬ ‫مراس��ل لقناة أورين��ت التلفزيوني��ة‪" :‬إن‬ ‫المس��ؤول ع��ن اختط��اف اإلعالميي��ن هو‬ ‫اإلره��اب‪ ،‬كل جه��ة تق��وم بالخط��ف هي‬ ‫جه��ة إرهابيَّ��ة حتم��اً‪ ،‬ولألس��ف دائمًا ما‬ ‫تكون اإلجراءات الالزمة من قِبل القنوات‬ ‫لحماي��ة مراس��ليها ف��ي عم��وم س��وريا‬ ‫متأخّ��رة على األغلب وغي��ر مفيدة إذا جاز‬ ‫التعبير‪ ،‬وبرأي��ي االنتهاكات التي يتعرض‬ ‫لها الصحفيون ف��ي المناطق الكردية في‬ ‫س��وريا أقل من باقي المناطق الس��ورية‬ ‫األخرى"‪.‬‬ ‫كم��ا ويتحدث الصحفي فريد حمو مضيفًا‪:‬‬ ‫"إن حاالت اختطاف المراس��لين في مدينة‬ ‫القامش��لي باتت تش��كل خط��راً على خط‬ ‫سير عمل اإلعالم‪ ،‬وعلى العموم اختطاف‬ ‫المراس��لين عم��ل جب��ان ال يم��ت بصل��ة‬ ‫للمواثيق والعه��ود الدولية‪ ،‬ويتوجب على‬ ‫الجه��ات الموكل إليها حماي��ة المواطن أن‬ ‫بش��كل أس��رع في س��بيل تأمين‬ ‫تتصرف‬ ‫ٍ‬ ‫الحماية الالزمة لإلعالميي��ن‪ ،‬على اعتبار‬ ‫أن عمله��م ال يقل خطور ًة عن العمل على‬ ‫ّ‬ ‫جبهات القتال األماميَّة"‪.‬‬ ‫ب��ات موض��وع اختط��اف اإلعالميي��ن أمراً‬ ‫ف��ي غاي��ة الخط��ورة‪ ،‬لما له م��ن تأثيرات‬ ‫على مس��توى العمل اإلعالم��ي ونضجه‪،‬‬ ‫ألن هن��اك الكثير م��ن العاملين في مجال‬ ‫اإلع�لام فق��دوا حياته��م‪ ،‬أو تعرّض��وا‬ ‫لإلهان��ة جرّاء عملية االختط��اف‪ ،‬دون أي‬ ‫تدخل ملحوظ من قبل الجهات المعنية‪.‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫ش��كلت عناصر مسلحة من ميليشيا السيد الجربا الجديدة‪،‬‬ ‫جماعة (جيش الكرامة) وتحرس مداخل مقره الذي يحتوي‬ ‫على غرف مجهزة باألرائك الممتدة الستضافة االجتماعات‬ ‫القبلي��ة‪ .‬يرتدي عديد من الحراس كوفيات حمراء وبيضاء‪،‬‬ ‫أو أغطي��ة للرأس‪ ،‬وحقائ��ب بنادق جلدية‪ .‬ناق�لات الوقود‬ ‫والس��يارات رباعية الدفع وش��احنات صغيرة مس��رعة على‬ ‫الطريق الرئيسي‪.‬‬ ‫يش��كل تكرير النف��ط مورد رئيس��ي في قري��ة علي آغا‪،‬‬ ‫وه��ي قري��ة مج��اورة اعتم��دت عل��ى الزراع��ة حت��ى عام‬ ‫‪ 2005‬حي��ن داهمتها خمس س��نوات من الجف��اف‪ .‬معظم‬ ‫الس��كان األربعمئ��ة المتبقين لديهم من��ازل مصنوعة من‬ ‫ج��دران م��ن الطوب وس��قف من الطي��ن والق��ش وأعمدة‬ ‫الخش��ب‪ .‬يعتمدون على المولدات الصغيرة لتوليد الطاقة‪.‬‬ ‫ويحصل��ون على المياه من اآلبار القريبة‪ .‬أما مياه المجاري‬ ‫فتمر عبر أنابيب البالس��تيك لتفريغها خارج القرية‪ .‬هناك‬ ‫مدرسة واحدة حتى الصف التاسع‪.‬‬ ‫في اتفاق أشرف عليه السيد الجربا ويكرره في قرى أخرى‪،‬‬ ‫تعهد الس��كان بدعم الق��وات الكردية‪ ،‬وإدانة أي ش��خص‬ ‫ينضم لـ"داعش"‪ .‬يقول أحد السكان‪" :‬الحياة صعبة ونكافح‬ ‫لوض��ع الطعام على الطاولة فقط"‪ ،‬ورغم ذلك يرى قريته‬ ‫أفضل حا ًال من غيرها في المنطقة‪.‬‬ ‫ق��ال محللون إن التاريخ المضطرب ف��ي المنطقة في ظل‬ ‫النظام السوري‪ ،‬والذي استخدم أيضًا أموال النفط لمكافأة‬ ‫ومعاقبة الك��رد المحليي��ن والعرب‪ ،‬مه��د الطريق الجتياح‬ ‫"داعش" هذا الصيف‪ .‬وليس لدى قوات الحكومة الس��ورية‬ ‫اآلن سوى وجود محدود في مدينتين في المنطقة‪.‬‬ ‫عل��ى امت��داد الطريق خ��ارج اليعربي��ة‪ ،‬أقام أحد الس��كان‬ ‫المحليي��ن محطة البنزي��ن مؤقتة لبيع الوق��ود المكرر في‬ ‫فرن قريب وأس��ماها (محط��ة أبو لؤي)‪ .‬وعل��ى واحدة من‬ ‫خزانات الغاز رسم كلمة (تكبير)‪.‬‬ ‫بدأ حافظ األس��د والد الرئيس الحالي توطيد س��لطته عام‬ ‫‪ ،1970‬وس��عى إلخضاع المناطق القبلي��ة الغنية بالموارد‬ ‫الطبيعي��ة‪ ،‬وفقاً لس��كان وش��يوخ القبائل‪ .‬وأع��اد توطين‬ ‫الع��رب في أج��زاء أخرى م��ن س��وريا هنا‪ ،‬مع من��ح األكثر‬ ‫والء أفضل األراض��ي‪ .‬تفككت البنى القبلي��ة واالجتماعية‬ ‫المحلي��ة في تحول الس��لطة‪ .‬وكان الكرد أكبر الخاس��رين‬ ‫الذين تم إعادة تسمية بلداتهم وقراهم باللغة العربية‪.‬‬ ‫في الس��نوات التي س��بقت االنتفاضة ضد الرئيس بش��ار‬ ‫األس��د في مارس ‪ /‬اذار ‪ ،2011‬كان��ت مكافأة الناس الذين‬ ‫تعه��دوا بالوالء للنظام هي الوظائف واألعمال في الزراعة‬ ‫والنف��ط والتجارة‪ .‬وم��ع اندالع الحرب األهلي��ة‪ ،‬ركز نظام‬ ‫األس��د على حماية دمشق ومدن أخرى إلى الغرب‪ ،‬والتخلي‬ ‫عن األراضي والموارد إلى حد كبير هنا‪.‬‬ ‫قال فواز بشير‪ ،‬وهو زعيم من قبيلة البقارة‪ ،‬التي تتركز في‬ ‫محافظة دير الزور في س��وريا‪ ،‬إن��ه ضحك عندما طلب منه‬ ‫مس��ؤولون أمنيون سوريين في دمشق حش��د رجال قبيلته‬ ‫ضد "داعش"‪ .‬وقال" رددت عليهم أنه على مدى عقود فعلوا‬ ‫كل ش��يء لتقويض الس��لطة لدينا وإضعافنا واآلن يريدون‬ ‫منا أن نس��اعد؟ "‪ ،‬وأضاف بش��ير أن الطريق��ة الوحيدة التي‬ ‫يمكن الس��يطرة بها على ش��عبه هي أن تدفع لهم رواتب أو‬ ‫توفر النفط للتنافس مع القوى الكردية والداعشية‪.‬‬ ‫ق��ال الجرب��ا إنه ح��اول إثناء ش��عبه عن المش��اركة عندما‬ ‫اندلع��ت االحتجاجات ضد األس��د‪" ،‬فنحن ال نع��رف إلى أين‬ ‫تتج��ه األم��ور‪ " .‬وقال كريم المفلح اب��ن الجربا والذي يبلغ‬ ‫‪ 19‬عام��ًا إن��ه و‪ 30‬من أش��قائه ش��اركوا ف��ي االحتجاجات‪.‬‬ ‫وأضاف أنه ترك الدراس��ة في الصف التاسع لالنضمام إلى‬ ‫ميليش��يا معارض��ة للنظام ش��كلها ابن ع��م الجربا لتكون‬ ‫جزءاً من الجيش السوري الحر‪ ،‬وتضخمت الميليشيا لتصل‬ ‫إل��ى ‪ 10‬آالف مقات��ل‪ ،‬معظمهم من قبيلة ش��مر والقبائل‬ ‫والعش��ائر ذات القرابة‪ .‬وقال كري��م إن الحاجة إلى األموال‬ ‫لدف��ع الروات��ب والنفق��ات العام��ة ازدادت‪ ،‬فاس��تولوا على‬ ‫مجموع��ة من آب��ار النفط وعل��ى التكري��ر والمبيعات‪ .‬بعد‬ ‫وصول "داعش" إلى المنطقة اضطر كريم للتنس��يق معها‬ ‫ثم أصبح واحداً منهم وهو اآلن أسير لدى القوات الكردية‪.‬‬ ‫النص األصلي للمقال‪:‬‬ ‫‪http://www.wsj.com/articles/control-of-syrian‬‬‫‪oil-fuels-war-between-kurds-and-islamic‬‬‫‪state-1416799982‬‬

‫�سوريا‪ :‬جحيم ال�صحفيني واجلميع جناة‬

‫‪11‬‬


‫عُ مان حتت املجهر‬ ‫بني تقا�سم اجلغرافيا وامل�ستقبل الغام�ض (‪)1‬‬ ‫وجهة نظر ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪12‬‬

‫هاني سعد الدين‬ ‫يب��دو مجل��س التع��اون الخليجي الكي��ان األقرب‬ ‫جغرافي��اً واقتصاديًا للثورة الس��ورية‪ ،‬وأي خالفٍ‬ ‫خليجي البد وأن ينعكس س��لباً على مسار الحدث‬ ‫في س��وريا‪ ،‬وفي االجتم��اع األخير لدول المجلس‬ ‫أنه��ى قادة المملكة العربية الس��عودية وحلفائها‬ ‫حربه��م الباردة م��ع قطر وأعلنوا عودة الس��فراء‬ ‫أش��هر من غياب هؤالء الس��فراء‬ ‫إلى الدوحة بعد‬ ‫ٍ‬ ‫احتجاجً��ا عل��ى دع��م قط��ر لجماع��ة "اإلخ��وان‬ ‫المس��لمين" التي ينظرون إليها عل��ى أنها تهديد‬ ‫لحكمه��م‪ ،‬وبالرغ��م م��ن الن��ار تح��ت الرماد في‬ ‫ٌ‬ ‫محكومة باالس��تقرار بقرار‬ ‫دول المجلس إال أنها‬ ‫عالمي في األمد المنظور‪.‬‬ ‫وبي��ن تقاس��م النف��وذ بي��ن قط��ر والس��عودية‬ ‫ف��ي المنطقة العربي��ة لتجنب أي ص��راع مصالح‬ ‫مس��تقبلي بينهما تبدو األحجية ق��د حُلت‪ ،‬إال أن‬ ‫ٌ‬ ‫قطعة واح��دة لتكتمل‪ ،‬وتغدو‬ ‫الص��ورة ينقصه��ا‬ ‫أحيانًا تلك القطعة أهم من بقية الصورة‪ ،‬والتي‬ ‫تُظهر عُم��ان‪ ،‬البلد الغام��ض والمحوري الغائب‬ ‫عن الدراس��ة والتحليل والحاضر بقوة في ملفات‬ ‫المنطق��ة المحوري��ة‪ ،‬والذي يبقى األكث��ر تأثيراً‬ ‫على اس��تقرار مجلس التعاون الخليجي واإلقليم‬ ‫بكامله‪.‬‬ ‫مما ال ش��ك في��ه أن عُم��ان هي الدول��ة العربية‬ ‫الوحيدة في الخليج الش��رقي التي حملت مقومات‬ ‫الدول��ة تاريخي��ًا باإلضاف��ة ألنه��ا كانت مس��رحًا‬ ‫ألطول ث��ورة عربية‪ ،‬ث��ورة ظفار التي اس��تمرت‬ ‫عش��رة أعوام‪ ،‬وانتهت بانقالب السلطان قابوس‬ ‫بن س��عيد ع��ام ‪ 1970‬عل��ى والده‪ ،‬وال��ذي أعلن‬ ‫القضاء على الثورة نهائيًا عام ‪.1975‬‬ ‫منذ بداية حكمه‪ ،‬أوجد الس��لطان قابوس سياسة‬ ‫ً‬ ‫خارجية شديدة الخصوصية في المنطقة قوامها‬ ‫التحال��ف مع الجميع ضد الجمي��ع فمن تحالفه مع‬ ‫ش��اه إيران إلى تحالفه مع نظ��ام الخميني‪ ،‬ومن‬ ‫تحالف��ه مع النظ��ام األردني إلى إقام��ة العالقات‬ ‫الدبلوماس��ية مع االتحاد السوفيتي ومن تجميده‬ ‫لعالقات��ه العربية تقريبًا‪ ،‬وتوطي��ده لعالقاته مع‬ ‫اسرائيل من جانب آخر‪.‬‬ ‫في عام ‪ 1979‬حين قرر العرب قطع عالقاتهم مع‬ ‫مصر "السادات" انفردت السلطنة بإبقاء عالقاتها‬ ‫مع القاهرة وأقرت االتفاقية‪ ،‬وفكت االشتباك مع‬ ‫القضي��ة الفلس��طينية وطرد كل الفلس��طينيين‬ ‫من البالد‪ ،‬وشاركت ضمن قوات درع الجزيرة في‬

‫تحري��ر الكويت م��ن العراقي ع��ام ‪ 1991‬ولكنها‬ ‫أبقت عل��ى عالقاتها مع بغداد بع��د انتهاء تحرير‬ ‫الكوي��ت‪ ،‬كما حافظ��ت على عالقاته��ا الجيدة مع‬ ‫طهران‪ ،‬وهي اآلن تس��تضيف المحادثات السرية‬ ‫بين إيران والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫وم��ع اندالع الثورة الس��ورية وبالرغم وجود قرار‬ ‫خليج��ي بقط��ع العالق��ات م��ع النظ��ام الس��وري‬ ‫وس��حب الس��فراء وط��رد الس��فراء الس��وريين‬ ‫م��ن العواص��م الخليجي��ة‪ ،‬إال مصدراً م��ن وزارة‬ ‫الخارجية العمانية قال إن بالده لم تطرد السفير‬ ‫السوري من مس��قط وان السفير العماني سحب‬ ‫من دمشق ألسباب أمنية وليس ألسباب سياسية‪،‬‬ ‫وترى مسقط أن مس��ؤولية ما يجري في سورية‬ ‫م��ن قتل ودمار يق��ع على عاتق الجمي��ع‪ ،‬النظام‬ ‫والقوى والدول التي تدخل��ت وتتدخل بالموضوع‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫ال تعكس التقارير اإليجابية التي تتناقلها الصحف‬ ‫األجنبية عن عمان الواقع العماني بنزاهة‪ ،‬فالبلد‬ ‫ذو الموق��ع االس��تراتيجي يعان��ي من مش��كالت‬ ‫اقتصادي��ة وسياس��ية تتفاق��م باط��راد‪ ،‬فوفق��ًا‬ ‫ألرقام شركة شل الهولندية التي تملك ‪ % 34‬من‬ ‫الش��ركة الوطنية إلنتاج النفط‪ ،‬يقدر االحتياطي‬ ‫العمان��ي م��ن الس��لعة الحيوي��ة ب��ـ ‪ 3 .4‬بلي��ون‬ ‫برمي��ل‪ ،‬وه��و مخزون ضئيل نس��بيًا م��ن النفط‬ ‫قياساً على بقية دول الخليج‪ .‬وهذا يعني بوضوح‬ ‫أنه س��يترتب على عم��ان أن تعيش بال نفط بعد‬ ‫وقت قصير قياسًا على جاراتها األكثر حظًا‪ ،‬ووفقًا‬ ‫لمعدالت االنتاج الحالية فإن االحتياطي س��ينضب‬ ‫في عام ‪ 2020‬تقريبًا وال ش��ك أنه س��وف يظهر‬ ‫المزيد من النفط ف��ي عمان‪ ،‬كما حدث من قبل‪.‬‬ ‫ولك��ن يجب أن يظهر بكميات أكبر من قبل بكثير‬ ‫لكي يؤخر موعد نضوب االحتياطي العماني‪.‬‬ ‫يقابل العج��ز في انتاج النفط مش��اريع حكومية‬ ‫لتطوي��ر االقتص��اد غي��ر النفط��ي ف��ي مج��االت‬ ‫مث��ل الزراعة وصيد الس��مك والصناعة الخفيفة‬ ‫والمناجم وحتى الس��ياحة‪ .‬وم��ع ذلك فإن التقدم‬ ‫ً‬ ‫باإلضافة‬ ‫ف��ي هذه المجاالت محدود للغاي��ة‪ ،‬هذا‬ ‫لمش��اكل البطالة الكبيرة المنتش��رة في أوساط‬ ‫الش��باب العماني‪ ،‬بحيث تحجم الحكومة عن نشر‬ ‫معدالتها‪ ،‬ولم يعد قطاع النفط المتراجع والقطاع‬ ‫الضئيل غير النفط��ي قادر على امتصاص العدد‬

‫المتزايد من العمانيين الشباب الذين يبحثون عن‬ ‫عمل‪ .‬بالطبع توظف الحكوم��ة عدداً كبيراً منهم‬ ‫ف��ي العديد من القطاعات بم��ا فيها الجيش الذي‬ ‫تبلغ نفقاته ‪ 12%‬من الناتج الوطني اإلجمالي‪.‬‬ ‫وبالنظ��ر إلى تزايد عدد الس��كان تزايداً س��ريعاً‪،‬‬ ‫وإلى ك��ون احتياطي النفط فيها أق��ل بكثير مما‬ ‫كان يعتق��د م��ن قب��ل‪ ،‬وإل��ى أن االقتص��اد غير‬ ‫النفط��ي فيها مح��دود‪ ،‬يبدو أن الس��لطنة مقبلة‬ ‫عل��ى أزم��ة اقتصادي��ة جدي��ة في الخم��س إلى‬ ‫العش��ر س��نوات القادم��ة‪ ،‬أو حت��ى قب��ل ذلك مع‬ ‫الهبوط الحاد في أسعار النفط‪.‬‬ ‫أم��ا الحديث ع��ن أي ش��كل من أش��كال اإلصالح‬ ‫االقتصادي فهو بال ش��ك مرتبط ارتباطًا عضويًا‬ ‫بعملي��ة إصالح سياس��ية تبدو بعي��دة عن عمان‬ ‫اليوم‪ ،‬التي تعاني من تمركز الس��لطات الش��ديد‬ ‫ف��ي يد الس��لطان قاب��وس الذي جمع بي��ن يديه‬ ‫القس��م األعظم من الس��لطات‪ ،‬على غرار ملوك‬ ‫أوروب��ا ف��ي القرون الوس��طى مما جعل األس��رة‬ ‫ضعيف��ة‪ ،‬فض�ل ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا ع��ن غياب‬ ‫مؤسس��ة‬ ‫الحاكم��ة‬ ‫تام ألي مؤسس��ة أو ح��زب أو كيان سياس��ي في‬ ‫السلطنة‪.‬‬ ‫قابوس بن س��عيد ليس فقط السلطان بل أيضًا‬ ‫رئي��س ال��وزراء ووزي��ر المالية ووزي��ر الخارجية‬ ‫ورئي��س البن��ك المرك��زي‪ .‬بينما يتقاس��م أبناء‬ ‫عمومته مناصب ثانوية في البالد كوزارة الثقافة‬ ‫والبيئ��ة والمراس��م‪ ،‬وق��د نت��ج ع��ن الش��خصنة‬ ‫الش��ديدة للس��لطة اعتم��اد النظ��ام بكامله على‬ ‫الس��لطان وغي��اب أي كف��اءة إدارية ل��دى األمراء‬ ‫خالف��اً لنظرائه��م الخليجيين الذين تمرس��وا في‬ ‫وظائ��ف الدولة‪ ،‬على اعتب��ار أن الملكيات األخرى‬ ‫في الخليج هي مشاريع عائلية‪.‬‬ ‫حتى أن الس��لطان قابوس لم يسمي وليًا للعهد‪،‬‬ ‫مخافة االنقالب علي��ه‪ ،‬فاألخير انقلب على والده‬ ‫عندم��ا كان ولي��ًا للعه��د‪ ،‬بل وضع أس��لوبًا خاصًا‬ ‫الختيار خليفت��ه‪ ،‬حيث قال حرفي��ًا "عندما أموت‪،‬‬ ‫تجتمع عائلتي‪ ،‬وإذا لم يتفقوا على مرشح‪ ،‬يقرر‬ ‫مجلس الدفاع ولي العهد بناء على اسم أو أسماء‬ ‫حددها السلطان السابق‪ .‬وقد كتبت سلفًا اسمين‬ ‫بترتيب تنازلي ووضعتهما في ظرفين مختومين‬ ‫في منطقتين مختلفتين"‪.‬‬


‫الدولة املدنية وحتدياتها بعد احلراك العربي (‪)1‬‬ ‫فضيل التهامي‬

‫وجهة نظر ‪. .‬‬ ‫فضيل التهامي ‪ /‬باحث في علم‬ ‫االجتماع السياسي‪ ،‬جامعة محمد‬ ‫الخامس الرباط المغرب‬ ‫‪www.facebook.com/fadil.touhami‬‬ ‫‪fadil.touhami@gmail.com‬‬

‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬

‫مخالف��ة تماما لإلط��ار المفاهيمي والنظري‬ ‫الصحيح كما جاء به منظرو الدولة المدنية‪.‬‬ ‫وبالرغم من كل هذه التطورات‪ ،‬لم يحس��م‬ ‫النقاش حول طبيع��ة الدولة العربية‪ ،‬إال بعد‬ ‫ان��دالع االنتفاض��ات العربية األخي��رة‪ ،‬والتي‬ ‫أع��ادت إلى الس��احة األكاديمية والسياس��ية‬ ‫نقاش الدولة المدنية وتحدياتها‪ ،‬بل تطورت‬ ‫األمور بعد المخاض الذي عرفه هذا الحراك‪،‬‬ ‫وانتق��ل ه��ذا النقاش م��ن نقاش يؤس��س‬ ‫لطبيعة الدولة العربي��ة وماهيتها ووظيفتها‬ ‫إلى الهوية التي ستقوم على أساسها‪ ،‬خاصة‬ ‫بع��د ظهور مؤش��رات أبانت عن ف��وز القوى‬ ‫اإلس�لامية في االنتخابات (تون��س ومصر)‪.‬‬ ‫لتتبدد المخاوف لدى القوى األخرى (ليبراليين‬ ‫ اش��تراكيين ‪ -‬أقباط) بعد اإلعالن الرسمي‬‫لف��وز ح��ركات اإلس�لام السياس��ي‪ ،‬بش��أن‬ ‫استثارهم بالسلطة ومصادراتهم لمرتكزات‬ ‫الدولة المدنية خاصة في مجال الحريات‪.‬‬ ‫إن المتأم��ل ف��ي توالي األحداث السياس��ية‬ ‫خاصة ف��ي حالتي تونس ومص��ر‪ ،‬مع وجود‬ ‫خصوصي��ة للحال��ة المغربية‪ ،‬س��يالحظ أن‬ ‫أبرز التحديات المطروحة على الدولة المدنية‬ ‫تبلورت في خض��م مرحلتين‪ :‬مرحلة وصول‬ ‫اإلسالميين إلى السلطة الذي نجم‬ ‫عنه ظه��ور مش��روعين مجتمعين‬ ‫متناقضي��ن‪ ،‬مش��روع إس�لامي‬ ‫هوياتي ‪ /‬مش��روع علماني حداتي‪.‬‬ ‫ومرحلة ما بعد اإلس�لاميين‪ ،‬والتي‬ ‫أفرزت بدورها تناقض بين مشروع‬ ‫العسكر ومصالحه اإلس��تراتيجية‪،‬‬ ‫وتص��ور الق��وى المض��ادة لطبيعة‬ ‫الدولة وهويتها‪.‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫إن المتأم��ل ف��ي توال��ي األحداث السياس��ية‬ ‫بعد ان��دالع االنتفاض��ات العربية‪ ،‬خاصة في‬ ‫حالت��ي تونس ومصر‪ ،‬مع وج��ود خصوصية‬ ‫للحالة المغربية‪ ،‬س��يالحظ أن أبرز التحديات‬ ‫المطروح��ة على الدول��ة المدنية تبلورت في‬ ‫خضم مرحلتين‪ :‬مرحلة وصول اإلس�لاميين‬ ‫إل��ى الس��لطة ال��ذي نج��م عنه��ا ظه��ور‬ ‫مش��روعين مجتمعين متناقضين‪ ،‬مش��روع‬ ‫إس�لامي هوياتي ‪ /‬مش��روع علماني حداتي‪.‬‬ ‫ومرحل��ة م��ا بعد حك��م اإلس�لاميين‪ ،‬والتي‬ ‫أفرزت بدورها تناقض بين مش��روع العسكر‬ ‫ومصالح��ه االس��تراتيجية‪ ،‬وتص��ور الق��وى‬ ‫المضادة لطبيعة الدولة وهويتها‪.‬‬ ‫في أدبيات العلوم السياسية ال يوجد مصطلح‬ ‫اس��مه "الدولة المدنية"‪ ،‬فقط هناك مفهوم‬ ‫الدول��ة "‪ ،"state‬الت��ي تعني ف��ي االصطالح‬ ‫السياس��ي "مجموعة م��ن األف��راد يقطنون‬ ‫بصف��ة دائم��ة إقليم��ا معين��ا‪ ،‬ويتمتع��ون‬ ‫بالش��خصية المعنوية‪ ،‬تحث نظ��ام حكم ما‬ ‫له س��يادة"‪ .‬أم��ا مفه��وم "مدني��ة" فهو يدل‬ ‫على نم��ط الحياة في المدين��ة‪ ،‬والتي تكون‬ ‫غالب��ا مرادفة للحض��ارة والعم��ران بالمعنى‬ ‫"الخلدوني"‪ ،‬أي ضد البداوة‪ ،‬والمناقضة تماما‬ ‫لمفاهيم‪" :‬الدينية‪ ،‬العسكرية‪ ،‬الطائفية‪."..‬‬ ‫حس��ب المؤرخي��ن تع��ود الج��ذور التاريخية‬ ‫لمفه��وم الدول��ة المدني��ة إل��ى م��ا يعرف ب‬ ‫"صحيف��ة المدين��ة"‪ ،‬وه��ي وثيق��ة أعده��ا‬ ‫النبي محمد بعد قدوم��ه إلى المدينة‪ ،‬والتي‬ ‫جاءت بمضامين‪ :‬المس��اواة بين كل س��اكني‬ ‫المدينة ‪ -‬اإلقرار بالمسؤولية ‪ -‬تحقيق األمن‬ ‫واالس��تقرار ‪ -‬ضم��ان حري��ة المعتق��د لغير‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫وف��ي نف��س س��ياق التقعي��د النظ��ري لهذا‬ ‫المفه��وم (الدول��ة المدني��ة)‪ ،‬أنت��ج الفك��ر‬ ‫السياس��ي الغربي مجموعة م��ن األطروحات‬ ‫النظرية التي وضعت أسس هذه الدولة‪ :‬بدءا‬ ‫من "مكيافيلي" التي نزع المطلق التيولوجي‬ ‫ع��ن الممارس��ة السياس��ية‪ ،‬م��روراً "ببودان‬ ‫وهوب��ز" الل��ذان بدورهم��ا اخرج��ا منط��ق‬ ‫الس��لطة م��ن قيود الاله��وت‪ ،‬ووص��وال إلى‬ ‫أبرز منظري الدولة المدنية "جون لوك" الذي‬ ‫قال في "رس��الة التس��امح"‪" :‬ينبغي التمييز‬ ‫بوض��وح بين مه��ام الحك��م المدن��ي‪ ،‬وبين‬ ‫الدين‪ ،‬وتأس��يس الح��دود الفاصلة‬ ‫بينهما‪."..‬‬ ‫فما ه��ي الدولة المدني��ة؟ وما هي‬ ‫ش��روط تأسيس��ها؟ وما ه��ي أبرز‬ ‫التحدي��ات المطروح��ة عليه��ا بعد‬ ‫االنتفاضات العربية؟‬ ‫رغ��م وج��ود اخت�لاف ف��ي إعطاء‬ ‫تعري��ف مح��دد لمفه��وم الدول��ة‬ ‫المدني��ة‪ ،‬ه��ذا االخت�لاف طبع�� ًا‬ ‫يع��ود إل��ى تناق��ض التموقع��ات‬ ‫االديولوجي��ة والسياس��ية لمختلف‬ ‫الق��وى السياس��ية والمجتمعية‪ ،‬إال‬ ‫ان��ه م��ن الناحي��ة المبدئي��ة هناك‬ ‫تعاري��ف أكاديمية تح��اول نزع هذا‬ ‫االخت�لاف مظهرة الحي��اد بين هذه‬

‫األط��راف‪ ،‬نقترح من بينه��ا التعريف التالي‪:‬‬ ‫"الدول��ة المدنية هي الدول��ة التي ال يحكمها‬ ‫ال رج��ال أو علماء دين‪ ،‬وال رجال جيش‪ ،‬فهي‬ ‫المقابل��ة للحكوم��ة الديني��ة التيوقراطي��ة‪،‬‬ ‫وهي دولة المواطنة (كما حددها جان راولز)‪،‬‬ ‫وس��يادة القانون‪ .‬فال يكون فيها التمييز بين‬ ‫المواطني��ن بس��بب الدين‪ ،‬اللغ��ة‪ ،‬او العرق‪،‬‬ ‫الل��ون‪ ،‬االخت�لاف االديولوجي او السياس��ي‪،‬‬ ‫فه��ي الضامنة لحق��وق اإلنس��ان والحريات‪،‬‬ ‫واحت��رام التعددي��ة‪ ،‬وتك��ون فيه��ا فص��ل‬ ‫للسلطات‪ ..‬باختصار هي دولة الجميع‪.‬‬ ‫ولفه��م الدولة المدنية وش��روط تأسيس��ها‪،‬‬ ‫والتحدي��ات المطروح��ة عليه��ا ف��ي س��ياق‬ ‫االنتفاض��ات العربي��ة‪ ،‬ينبغ��ي الرج��وع إلى‬ ‫التط��ورات الت��ي ش��هدتها الدول��ة العربي��ة‬ ‫ف��ي مراح��ل ‪ -‬قبل وأثن��اء وبع��د ‪ -‬الحمالت‬ ‫االستعمارية التي تعرضت لها هذه األخيرة‪.‬‬ ‫فف��ي المرحل��ة األول��ى كان الطاب��ع الديني‬ ‫للدول��ة حاض��راً بق��وة‪ ،‬رغ��م وج��ود بعض‬ ‫التقاطع��ات االيجابي��ة بي��ن الدول��ة الدينية‬ ‫والدول��ة المدني��ة‪ ،‬خصوص�� ًا فيم��ا يتعل��ق‬ ‫بحق��وق اإلنس��ان والعدال��ة االجتماعي��ة‪،‬‬ ‫وضمان هامش من الحريات كحرية المعتقد‬ ‫للنص��ارى واليهود‪ ..‬رغ��م وجود تعارض في‬ ‫مفاهيم أخ��رى كالديمقراطي��ة والعلمانية‪.‬‬ ‫فه��ذا النمط من الدول العربية أفرزته دوافع‬ ‫سوس��يولوجية لطبيع��ة تك��ون المجتمع��ات‬ ‫العربي��ة تاريخي�� ًا‪ .‬وبع��د دخ��ول الق��وى‬ ‫االس��تعمارية ل��م تغي��ر م��ن مالم��ح الدولة‬ ‫العربية ش��يئا‪ ،‬س��وى أنها احتفظت وكرست‬ ‫"التقليداني��ة" وطوعته��ا كش��رعية خدم��ت‬ ‫استراتيجيتها االس��تعمارية‪ ،‬بل حاربت حتى‬ ‫التحديث واإلص�لاح الذي كان قد يفضي إلى‬ ‫التمهيد لوضع أس��س الدول��ة المدنية‪ .‬ففي‬ ‫ه��ذه المرحلة كثر النقاش عن ش��كل الدولة‬ ‫العربي��ة ومح��اوالت تقويضها‪ ،‬ب��ل أكثر من‬ ‫ذل��ك تجاوز النقاش إل��ى ماهية هذه الدولة‪،‬‬ ‫خصوصاً بعد أن نجح "اتاتورك" بتأسيس أول‬ ‫نظام علماني من خالل اإلصالحات السياسية‬ ‫الت��ي أقدم عليها س��نة ‪ .1927‬أما بعد موجة‬ ‫االس��تقالالت‪ ،‬والمخ��اض التي عاش��ته هذه‬ ‫الدول م��ن خ�لال االنقالبات العس��كرية تم‬ ‫تبن��ي أنظمة حك��م مدنية‪ ،‬علماني��ة‪ ،‬لكنها‬

‫‪13‬‬


‫مرعي با�شا املالح ‪1930 - 1856‬‬ ‫وجوه من وطني ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪14‬‬

‫ياسر مرزوق‬ ‫ولد محم��د مرعي ب��ن الح��اج صالح آغا‬ ‫المـ�ل ّ‬ ‫اح في حل��ب ع��ام ‪ ،1856‬لواحدةٍ‬ ‫من أعرق األسر الحلبية وأكثرها وجاهة‬ ‫والت��ي تنتم��ي لعش��يرة الب��و خمي��س‬ ‫المتفرع��ة عن عش��يرة الدليم‪ ،‬ويتصل‬ ‫نس��بها بالصحاب��ي الجلي��ل عم��رو ب��ن‬ ‫مع��دي ك��رب الزبي��دي‪ ،‬وقد اس��توطن‬ ‫أسالفه مملحة الجبول في أواسط القرن‬ ‫الس��ابع عشر‪ ،‬فأقرهم العثمانيون فيها‪،‬‬ ‫وانتق��ل جده «عل��ي أبو بكر آغ��ا» أمين‬ ‫الجب��ول إل��ى حل��ب‪ ،‬حي��ث تول��ى قيادة‬ ‫الجي��ش ع��ام ‪ ،1775‬ثم أصبح متس��لم‬ ‫حل��ب عام ‪ ،1776‬وجمع بينهما حتى عام‬ ‫‪.1780‬‬ ‫تلق��ى المالح علوم��ه األولية ف��ي كتاب‬ ‫المدين��ة‪ ،‬ث��م تلق��ى علوم��ه اللغوي��ة‬ ‫والش��رعية ف��ي المدرس��ة المنصورية‪،‬‬ ‫ثم الرش��دية وأتم دراس��ته ف��ي المعهد‬ ‫السلطاني في األستانة مشمو ً‬ ‫ال برعاية‬ ‫الس��لطان عبد العزيز األول‪ ،‬حيث تخرج‬ ‫من��ه في ع��ام ‪ .1876‬وأتق��ن إلى جانب‬ ‫العربية التركية والفارس��ية والفرنسية‬ ‫واإليطالية واألرمنية وألم باإلنكليزية‪.‬‬ ‫في تل��ك الفترة ورغم انحس��ار نفوذها‬ ‫السياس��ي‪ ،‬بلغت الدولة العثمانية أعلى‬ ‫مراحل التنظي��م اإلداري‪ ،‬ابتدا ًء بالتنظيمات‬ ‫التي ص��درت عام ‪ 1839‬م��روراً بالتنظيمات‬ ‫الخيري��ة الص��ادرة عام ‪ 1856‬إل��ى أن بلغت‬ ‫ذروته��ا ف��ي عه��د الس��لطان عب��د الحمي��د‬ ‫الثان��ي ع��ام ‪ ،1876‬حيث اس��توعبت الدولة‬ ‫خيرة اإلداريين من جمي��ع األقاليم الخاضعة‬ ‫لسلطتها‪.‬‬ ‫في العام نفسه عين المالح عضواً في لجنة‬ ‫الرقاب��ة المحاس��بية واإلداري��ة ل��دى نظارة‬ ‫الخزين��ة الخاص��ة المكلف��ة باإلش��راف على‬ ‫إدارة األراضي الس��لطانية‪ ،‬ثم مفوض ًا فوق‬ ‫الع��ادة قائم بوظيفة رئيس دائرة الش��رطة‬ ‫ف��ي والية حل��ب ع��ام ‪ ،1880‬انتق��ل بعدها‬ ‫عضواً مالزم ًا في محكمة اس��تئناف الحقوق‬ ‫بعد اجتيازه الفحص المسلكي عام ‪.1882‬‬ ‫ش��ارك الم ّ‬ ‫الح في تأس��يس «جمعية االتحاد‬ ‫العثمان��ي»‪ ،‬الت��ي كان هدفه��ا التمس��ك‬ ‫بالدس��تور والدف��اع عن��ه‪ .‬وف��ي صي��ف عام‬ ‫‪ 1909‬اس��تقال من النيابة لمعارضته تدخل‬ ‫االتحاديي��ن بش��ؤون الدولة عل��ى نحو مناف‬ ‫للدستور‪.‬‬ ‫ولي إدارة أوق��اف والية حلب في عام ‪،1909‬‬ ‫فبقي فيها مدة س��نتين‪ ،‬ثم اس��تقال بعدما‬ ‫س��يطر االتحادي��ون عل��ى نظ��ارة األوق��اف‪.‬‬ ‫وف��ي غض��ون ذل��ك عي��ن ف��ي ع��ام ‪1911‬‬ ‫عض��واً في اللجنة التي عه��د إليها بالتحقيق‬ ‫ف��ي الحفري��ات التي ت��م إجراؤه��ا تحت قبة‬ ‫الصخرة في الحرم القدس��ي الش��ريف على‬ ‫يد بعث��ة أثري��ة بريطانية برئاس��ة الكابتن‬ ‫مونتاغو باركر‪ ،‬وما تردد عن قيامها بس��رقة‬ ‫آثار تعود إلى عهد الملك سليمان‪ ،‬وقد أثبتت‬ ‫التحقيقات عدم وقوع الس��رقة النتفاء وجود‬ ‫تل��ك اآلث��ار أص�ل ً‬ ‫ا‪ ،‬عي��ن بعدها عض��واً في‬ ‫المجلس العمومي في حلب‪.‬‬

‫في ‪ 27‬تش��رين األول من ع��ام ‪ 1918‬دخلت‬ ‫القوات العربية بقيادة الش��ريف ناصر حلب‪.‬‬ ‫كما دخلتها القوات البريطانية بقيادة الجنرال‬ ‫ماك أندرو‪ .‬وأقر مرعي باش��ا الم ّ‬ ‫الح رئيس�� ًا‬ ‫للحكومة المحلية التي كانت قائمة بحلب‪.‬‬ ‫بع��د أيام قليل��ة ومع وصول الجن��رال اللنبي‬ ‫إل��ى حلب ق��ام األخي��ر بإنهاء تكلي��ف الم ّ‬ ‫الح‬ ‫برئاس��ة الحكوم��ة المحلية‪ ،‬وعي��ن الفريق‬ ‫كامل باشا القدسي حاكم ًا عسكري ًا عام ًا وبدأ‬ ‫الحكم الفيصلي فيه��ا‪ .‬وأما الم ّ‬ ‫الح فقد عين‬ ‫عض��واً في مجلس ش��ورى الدولة بالعاصمة‬ ‫دمش��ق‪ ،‬إال أن إقامته في العاصمة لم تطل‬ ‫بحيث سمي في كانون األول من العام نفسه‬ ‫متصرفاً لدير الزور التي كانت تضم الفرات‬ ‫والجزي��رة‪ ،‬والت��ي حررها الم�لاح نهائي ًا من‬ ‫الحكم العثماني‪ ،‬وألحقها بالحكومة العربية‬ ‫بدمش��ق‪ ،‬ونظم اإلدارة فيه��ا‪ ،‬وعين قائمي‬ ‫مق��ام في قضاء الميادي��ن والبوكمال‪ ،‬وكان‬ ‫ين��وي توس��يع س��يطرته لتش��مل عانة في‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫ولما دخل اإلنكليز دير الزور بعد شهر رفض‬ ‫تس��ليمهم إدارة المنطق��ة وإن��زال العل��م‬ ‫العربي‪ .‬و ّلما تشبث بموقفه‪ ،‬حصل اإلنكليز‬ ‫عل��ى وثيقة رس��مية من الحاكم العس��كري‬ ‫العرب��ي بحلب تؤكد إق��رار الحكومة العربية‬ ‫بخضوعه��ا للحكم البريطان��ي‪ .‬فما كان منه‬ ‫إال أن استقال من منصبه احتجاج ًا‪.‬‬ ‫وفي شباط من عام ‪ 1919‬اعتقلته السلطات‬ ‫البريطاني��ة ف��ي مقدمة م��ن اعتقلتهم من‬ ‫زعماء حل��ب بتهمة التحريض على الفتنة إال‬ ‫أنه أطلق س��راحهم بعد نحو ش��هر بمسعى‬ ‫من األمي��ر فيصل الذي كان م��ا يزال يرأس‬ ‫الوفد العربي إلى مؤتمر الصلح في باريس‪.‬‬ ‫وفي العام نفسه انتخب رئيساً ثانياً للمؤتمر‬ ‫السوري العام بدمشق‪ ،‬واشترك في صياغة‬

‫قرار االس��تقالل‪ ،‬ومبايع��ة فيصل األول‬ ‫ملكاً‪ ،‬ووضع أول دستور للبالد‪.‬‬ ‫ف��ي عهد االنتداب الفرنس��ي أس��ند إليه‬ ‫منص��ب مدي��ر الداخلي��ة الع��ام «وزير»‬ ‫ووكال��ة الحاكمية العامة ف��ي دولة حلب‬ ‫في عام ‪ ،1920‬لكنه ما لبث أن اس��تقال‬ ‫في العام التالي بسبب تعدي الفرنسيين‬ ‫على صالحياته‪ ،‬وف��ي كانون الثاني من‬ ‫عام ‪ 1924‬شغل منصب حاكم دولة حلب‬ ‫العام‪ ،‬وأخيراً‪ ،‬سمي في عام ‪ 1925‬والي ًا‬ ‫على حلب بدرجة «وزير» على أثر إعالن‬ ‫«دولة سوريا» من اندماج دولتي دمشق‬ ‫وحلب‪.‬‬ ‫ف��ي مطالع ع��ام ‪ 1926‬اس��تقال الم ّ‬ ‫الح‬ ‫م��ن والي��ة حل��ب احتجاج ًا على س��قوط‬ ‫ثماني��ة قتلى وعدد م��ن الجرحى بنيران‬ ‫قوات االنتداب في مظاهرات شعبية كان‬ ‫السبب المباش��ر لها مقاطعة االنتخابات‬ ‫الت��ي دع��ا إليه��ا المفوض الس��امي دي‬ ‫جوفني��ل‪ ،‬والمطالب��ة بإط�لاق س��راح‬ ‫الزعم��اء الوطنيي��ن الداعي��ن للمقاطعة‬ ‫وم��ن بينه��م نجل��ه عب��د الق��ادر ناصح‬ ‫ب��ك الم�لاح؛ فاعت��زل العمل السياس��ي‬ ‫وانصرف لالهتم��ام باألعم��ال الزراعية‬ ‫والعمرانية‪ ،‬حتى وفاته عام ‪.1930‬‬ ‫كم��ا قام بتأس��يس مصلحة الغ��راس ونظم‬ ‫بستان مرعي باش��ا في العزيزية وحوله إلى‬ ‫حديق��ة عامة عرفت باس��مه «حديقة مرعي‬ ‫ً‬ ‫إضاف��ة لحديق��ة عامة أخرى‬ ‫باش��ا المالح»‪،‬‬ ‫«بج��ب القب��ة» أطل��ق عليه��ا اس��م الجنرال‬ ‫بي��وت من��دوب المفوض الس��امي آنذاك وما‬ ‫ت��زال قائمة إل��ى يومنا هذا مع إزالة االس��م‬ ‫الفرنسي‪.‬‬ ‫كما قام بتدشين طريق باب النيرب‪ ،‬وطريق‬ ‫المس��لمية‪ ،‬وطريق الميدان‪ ،‬وشارع الجنرال‬ ‫دو الموت «العزيزية» وشارع باريس وشارع‬ ‫قوي��ق بعدم��ا ت��م تعبيده��ا جميع��اً بم��ادة‬ ‫اإلس��فلت‪ ،‬وأعاد بناء جس��ر الناعورة‪ ،‬ودشن‬ ‫كً‬ ‫ال من المس��لخ البل��دي‪ ،‬ومس��تودع المواد‬ ‫المش��تعلة‪ ،‬ودار العجزة‪ ،‬وشق طريق حلب ـ‬ ‫أنطاكية‪ ،‬وحلب ـ الالذقية‪ ،‬وحلب ـ دمشق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إضافة لتش��ييد مش��فى ال��رازي‪ ،‬والش��روع‬ ‫ف��ي تمدي��د خط��وط الترام��واي والكهرباء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إضاف��ة‬ ‫وتأس��يس كلي��ة حل��ب األمريكي��ة‪،‬‬ ‫إلح��داث الدائ��رة البيطرية‪ ،‬وبن��اء المدارس‬ ‫والمس��توصفات ودور الحكوم��ة والجس��ور‬ ‫في الكثير م��ن المدن واألقضي��ة والنواحي‪،‬‬ ‫وتحضير العش��ائر‪ ،‬وتش��جيع زراعة القطن‪،‬‬ ‫وجر المياه إلى إدلب‪ .‬كما نفذ مشاريع كثيرة‬ ‫أخرى يطول حصرها‪.‬‬ ‫ومم��ا امت��از ب��ه أيض��اً حب��ه للعل��م واألدب؛‬ ‫فس��اهم في تأس��يس الدراس��ات اإلسالمية‬ ‫في حلب بإحيائه المدرسة الخسروية‪ ،‬وجمع‬ ‫مكتب��ة قيم��ة أوقفه��ا ف��ي حيات��ه على كل‬ ‫من المدرس��ة الخس��روية ودار كتب األوقاف‬ ‫اإلس�لامية بحلب‪ ،‬وكان من مؤازري المجمع‬ ‫العلمي العربي بدمش��ق في طور تأسيس��ه‪.‬‬ ‫ول��ه الفض��ل ف��ي إقام��ة كل م��ن جمعي��ة‬ ‫العاديات ودار كتب األوقاف اإلسالمية‪.‬‬


‫حمزة السيد‬

‫امل�سوخ يف ال�ساحات‬

‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫دخل مفه��وم التعذي��ب والمج��زرة والهزيمة‬ ‫بقوة إل��ى األعمال النُصبي��ة التي نفذت في‬ ‫العالم مباش��رة بع��د انتهاء الح��رب العالمية‬ ‫الثانية‪ ،‬كان أولها النُصب الذي نفذه الياباني‬ ‫‪ Kenzo Tange‬في مدينة هيروش��يما تخليداً‬ ‫لذك��رى ضحاي��ا القنبل��ة الذرية الت��ي ألقتها‬ ‫الوالي��ات المتح��دة عل��ى بالده‪ ،‬فص��ور مدى‬ ‫الكارثة التي عاش��تها الياب��ان‪ ،‬موثقًا اللحظة‬ ‫بس��اعة متوقفة عند التاسعة وخمس دقائق‬ ‫اللحظ��ة التي انفج��رت فيها القنبل��ة‪ ،‬ورافع ًا‬ ‫بوابات ضخمة اسمها باب السالم‪ ،‬للعلم فإن‬ ‫‪ Tange‬ذات��ه‪ ،‬ه��و م��ن صمم قصر الش��عب‬ ‫بدمشق‪ ،‬وفي دمشق ال يوجد اليوم ما يمكن‬ ‫أن يطلق عليه عمل نُصبي‪ ،‬غير ذلك العمل‬ ‫الذي يعود لفنان فرنسي في ساحة األمويين‬ ‫«الس��يف األموي ـج��دد الزجاج المل��ون الذي‬ ‫يحتل س��طحيه مصطفى عل��ي عام ‪»٢٠٠٨‬‬ ‫ونُص��ب الجن��دي المجهول في قاس��يون‪ ،‬وال‬ ‫يجوز أن يطلق اسم نُصبي على أي شيء أخر‬ ‫في دمشق غيرهما‪ ،‬فللنُصب شروط عديدة‬ ‫أهمها أن يتجاوز في ارتفاعه العشرون متراً‪.‬‬ ‫تُزين ساحة األمويين في العاصمة بعدد من‬ ‫األعم��ال النحتية التي أنجزت ما قبل س��نوات‬ ‫الح��رب‪ ،‬منحوت��ات ل��ـ « وائل ده��ان ‪ -‬محمد‬ ‫بعجان��و ‪ -‬لطف��ي الرمحي��ن ‪ -‬أب��ي حاطوم»‬ ‫وزج بي��ن ه��ذه األعم��ال من��ذ أكثر م��ن عام‬ ‫تقريب��اً مس��خ غريب‪ ،‬قال صانع��وه إنه يخلد‬ ‫«الجن��دي المجهول»‪ ،‬هن��ا وبغض النظر عن‬ ‫مآالت األعمال المماثلة والتي تحاول أن تخلد‬ ‫أفكاراً س��لطوية ‪-‬إذ عادة م��ا يكون مصيرها‬ ‫اله��دم‪ -‬فإن الكتلة القبيح��ة فتحت باباً كبيراً‬ ‫ل��ـ «جرائم» مماثلة في مختل��ف أنحاء البالد‪،‬‬ ‫ونش��كر اهلل أنه��ا مصنوع��ة م��ن لدائن غير‬ ‫نبيلة س��تقتلها يوما ما‪ ،‬ولن تكون خالدة في‬ ‫ذاك��رة جماعي��ة ينقصه��ا أص ً‬ ‫ال ثقاف��ة الفن‬ ‫التشكيلي‪.‬‬ ‫الباب الذي فتحه مسخ األمويين‪ ،‬أنتج مسوخ ًا‬ ‫عدة‪ ،‬منها سلسلة «البسطار» في بلدة جيبول‬ ‫في جبلة مؤخراً‪ ،‬قبل ذلك في طرطوس‪ ،‬ثم‬ ‫الالذقي��ة‪ ،‬ليص��ل التش��وه البصري م��داه‪ ،‬بـ‬ ‫«ش��يء» دُعي نُصبياً وس��مي «جنديين في‬ ‫وقف��ة عز»‪ ،‬الكتلة الش��اذة وضع��ت في بلدة‬ ‫عين الشرقية‪ ،‬وكي نكون منصفين هي كتلة‬ ‫ال ترقى لمحاولة طفل بعمر الخامس��ة يجرب‬ ‫الصلص��ال للم��رة األولى‪ ،‬إذ حينها ستش��فع‬ ‫ل��ه براءته أمام قب��ح صنعه‪ ،‬لكن ما أس��مته‬ ‫الوكالة الرس��مية س��انا بالفن��ان‪ ،‬أظهر فقراً‬ ‫معرفي��اً يُنكره أي حجّ��ار‪ ،‬إال إذا كان الصانع‬ ‫هنا يس��خر من فكرة العمل األساسية بإنتاج‬ ‫قبح لم تعرفه عين‪ ،‬ليخدم فكرة العمل التي‬ ‫لخصتها سانا بالقول «جنديان أحدهما ملقى‬ ‫على األرض واآلخر يس��انده معاهداً إياه على‬ ‫إكمال الطريق حتى الشهادة أو النصر»‪.‬‬

‫ال أم آج ً‬ ‫عاج ً‬ ‫ال‪ ،‬ستهدم هذه «األعمال» وتوارى‬ ‫الثرى إلى غير رجعة‪ ،‬فالعالم فقد الكثير من‬ ‫األعمال الفنية الحقيقية التي أُنتجت لمصالح‬ ‫ال تفي��د الش��عوب وال تعنيه��م‪ ،‬فالنص��ب‬ ‫يعك��س ثقاف��ة الش��عوب‪ ،‬وهو فع��ل ثالثي‬ ‫الزم��ن يرب��ط بي��ن الماضي ف��ي موضوعه‬ ‫والحاضر في إنجازه والمستقبل في رسالته‪،‬‬ ‫فكي��ف ب��ك أمام كت��ل خرق��اء‪ ،‬تلفظها حتى‬ ‫أمه��ات «الش��هداء» الذين م��ن المفترض أن‬ ‫تخل��د «تضحياتهم» بهذه المس��وخ القبيحة‪،‬‬ ‫وصحي��ح أن القبح كان يوم��ًا ‪ -‬وربما ال يزال‬ ‫ عنوان�� ًا لمدرس��ة فنية كامل��ة‪ ،‬إال أن هدف‬‫رواد تلك المدرسة هو البحث عن الجمال في‬ ‫القبح وليس القبح لالحتفاء بالقبح‪.‬‬ ‫ال تعرف س��وريا اليوم خبي��راً حقيقيًا في فن‬ ‫األعمال النُصبية باستثناء أحمد األحمد الذي‬ ‫يحمل ش��هادة الدكتوراه في هذا االختصاص‬ ‫م��ن جامعة روس��ية‪ ،‬وللمفارقة ف��إن األحمد‬ ‫لم ينفذ أي عم��ل نُصبي في البالد‪ ،‬فالرجل‬ ‫الحزي��ن روحًا ووجه��اً والمتأثر ج��دا بالمعلم‬ ‫الروس��ي الكبير «غوس��تاف زم��وا» بقي بين‬ ‫التدري��س في كلية الفنون الجميلة بدمش��ق‬ ‫ومرس��مه الخ��اص لس��نوات ب�لا أي إضاف��ة‬ ‫حقيقية يقدمها لنفس��ه أو ً‬ ‫ال‪ّ ،‬‬ ‫جل أعماله هي‬ ‫تك��رار لكتل��ة تعي��ش صراع��اً ال ينتهي بين‬ ‫خطوط ع��دة‪ ،‬قماش يعصِرُ حج��راً‪ ،‬أو حجر‬ ‫يل��وّي آخر‪ ،‬كتلة رش��يقة تحكمه��ا الفيزياء‪،‬‬ ‫تكبر وتصغر بحسب الحاجة أو مكان العرض‪،‬‬ ‫جميلة لكنه��ا باتت نمطية وتحولت مع الوقت‬ ‫لزنزان��ة األحمد التي ال نرجو أن تكون أبدية‪،‬‬ ‫ينتم��ي األحم��د لرعي��ل درس ف��ي االتح��اد‬ ‫الس��وفيتي وعاد إلى جامعة دمش��ق لتنتهي‬ ‫السيرة الذاتية بذلك‪ ،‬يشبهه محمود شاهين‬ ‫وعبد اهلل السيد في الخط العالم للسيرة‪.‬‬ ‫عبد اهلل السيد‪ ،‬بقي أكثر نشاطاً من نظرائه‬

‫وأوس��ع في عالقاته‪ ،‬ونفذ سلسلة من أعمال‬ ‫النح��ت عل��ى الحجر اس��ماها «س��فينة نوح»‬ ‫نفذها في قلعة دمش��ق وذكر أنه باع واحداً‬‫منه��ا في الواليات المتحدةـ إلى أن فاز بتمثال‬ ‫ص�لاح الدين األيوب��ي «أمام قلعة دمش��ق»‬ ‫كأول س��وري ينف��ذ عم�ل ً‬ ‫ا به��ذا الحج��م في‬ ‫البالد ال يش��خص «حافظ األسد» عمل قالت‬ ‫المحاك��م قولها فيه حين رف��ع فنانون قضايا‬ ‫أمامه��ا احتجاج�� ًا على ع��دم عدال��ة التحكيم‬ ‫ف��ي مس��ابقته الخاصة‪ ،‬حينها احت��د الصراع‬ ‫بين الس��يد وأخرين‪ ،‬حتى نف��ذ العمل كام ً‬ ‫ال‬ ‫من الحجر الصناعي‪ ،‬س��نوات بعد ذلك ويرفع‬ ‫الس��يد دعوى قضائية ضد إياد بالل حين فاز‬ ‫األخير بمس��ابقة صالح العلي في طرطوس‪،‬‬ ‫الحج��ة الرئيس��ية للس��يد كان��ت أن العم��ل‬ ‫مس��روق في كتلته العامة من عمل روس��ي‪،‬‬ ‫وبال��ذات تموض��ع الحص��ان ال��ذي تمتطي��ه‬ ‫الش��خصية‪ ،‬رد ب�لال أن تكوي��ن الحص��ان ال‬ ‫يس��مح بالكثير م��ن الوضعيات‪ ،‬وأي تش��ابه‬ ‫بي��ن حصان��ه وحص��ان روس��ي ه��و محض‬ ‫صدفة‪ ،‬وحكم القضاء لبالل‪.‬‬ ‫كانت الضربة األكبر التي تلقاها التشكيليون‬ ‫السوريون جميعاً‪ ،‬حين حرموا من المشاركة‬ ‫ف��ي تنفي��ذ أكبر مش��روع نحتي في س��وريا‬ ‫«بانوراما حرب تش��رين في القاب��ون» البناء‬ ‫الذي يضم لوح��ات جدارية ضخمة من النحت‬ ‫الناف��ر‪ ،‬وتماثيل ع��دة أحدها لحافظ األس��د‪،‬‬ ‫حي��ث أوكل لش��ركة كورية تنفيذ كل ش��يء‬ ‫بس��عر بخ��س وبس��رعة قياس��ية‪ ،‬ل��م تكن‬ ‫الس��لطة تأبه لم��ا يعنيه ذلك ثقافي��ًا للبالد‪،‬‬ ‫الحال ذاته كان قد تم مع أعمال أخرى بعضها‬ ‫في قصر الشعب بدمش��ق‪ ،‬فيما ال أحد يعلم‬ ‫م��ن فنان��ي البالد م��ن صمم ص��رح الجندي‬ ‫المجهول في جبل قاسيون‪.‬‬

‫دندنات اندساسية ‪. .‬‬

‫نبالء انتهازيون �أنانيون هاربون و�صامدون‬ ‫فنانو �سوريا الت�شكيليون "‪"13‬‬

‫احمد االحمد ‪ -‬المدينة الجامعية بدمشق ‪2002‬‬

‫‪15‬‬


‫قراءة في كتاب ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪16‬‬

‫حممد عثمان حممود‪ :‬العدالة االجتماعية الد�ستورية يف‬ ‫الفكر الليربايل ال�سيا�سي املعا�صر‬ ‫ياسر مرزوق‬ ‫يقول الفقيه الدس��توري اإليطالي «مورو‬ ‫كابللتي» إن القرن التاس��ع عشر كان قرن‬ ‫البرلمانات التي س��يطرت على مؤسس��ات‬ ‫الدولة باس��م اإلرادة الش��عبية‪ ،‬أما القرن‬ ‫العش��رين فهو ق��رن العدالة الدس��تورية‪،‬‬ ‫وللتدلي��ل على ذلك ن��رى أن كتب القانون‬ ‫الدس��توري كان��ت لغاي��ة نص��ف ق��رن‬ ‫مض��ى تتن��اول الرقاب��ة عل��ى دس��تورية‬ ‫القواني��ن بش��كل مختص��ر يقتصر على‬ ‫ع��رض المب��ادئ العام��ة وأش��كال وأنواع‬ ‫الرقابة الدس��تورية‪ ،‬أما اليوم فإن العدالة‬ ‫الدس��تورية والحقوق والحريات األساسية‬ ‫اللصيق��ة الصلة بها أصبح��ت تحتل الحيز‬ ‫األكبر من مؤلفات القانون الدستوري‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بداية لمنع‬ ‫وقد نش��أت العدالة الدستورية‬ ‫االس��تبداد في أوروبا من خالل المحافظة‬ ‫عل��ى التوازن بين الس��لطات الدس��تورية‬ ‫ومن��ع أي منه��ا‪ ،‬وبصورة خاصة الس��لطة‬ ‫التش��ريعية‪ ،‬من تجاوز صالحياتها مما قد‬ ‫ي��ؤدي إلى انح��راف النظ��ام الديمقراطي‬ ‫ألن الديمقراطي��ة أو ً‬ ‫ال هي حكم الش��عب‬ ‫لنفسه‪ ،‬ولكنها تعني أيض ًا ما عناه الفقيه‬ ‫الفرنسي «مونتس��كيو» من أنها ال يمكن‬ ‫أن تتحقق إال إذا تمت المحافظة على التوازن‬ ‫بين السلطات‪.‬‬ ‫وبه��ذا الص��دد يقول «س��اييس» أح��د أبرز‬ ‫ق��ادة الث��ورة الفرنس��ية متأث��راً بنظري��ة‬ ‫مونتس��كيو‪« :‬تعتب��ر الس��لطات الالمحدودة‬ ‫وحش�� ًا في السياسة‪ ،‬حتى الش��عب نفسه ال‬ ‫يملك الس��لطة المطلقة الت��ي يحاول بعض‬ ‫المخادعي��ن إقناعه به��ا‪ ،‬فالقوانين أي ًا كانت‬ ‫تفت��رض إمكاني��ة مخالفته��ا‪ ،‬ولذل��ك توجد‬ ‫حالة حقيقية لفرض احترامها»‪.‬‬ ‫لكن البدايات المبش��رة لعصور الديمقراطية‬ ‫واألنس��نة ف��ي أوروب��ا والغ��رب جنح��ت عن‬ ‫أهدافها بسبب سيطرة العقل الوضعي على‬ ‫الفكر الغربي بشكل عام‪ ،‬أي ذلك العقل الذي‬ ‫ال يهتم إال بالوس��ائل والممكن تقنياً وتخلى‬ ‫ع��ن كل التس��اؤالت ع��ن األه��داف والقي��م‬ ‫ومعنى اإلنسان والمجتمع واكتشافاته‪.‬‬ ‫وما يس��مى اليوم بالدولة اإلل��ه هي التعبير‬ ‫ع��ن هذا العقل العلمي الذي تجس��ده صورة‬ ‫موظف الدولة والتي تسمح له بإدارة المجتمع‬ ‫بدقة وفعالية‪ ،‬هذا العقل يعيش اليوم ً‬ ‫أزمة‬ ‫في الغ��رب ناتجة عن الصعوبات االقتصادية‬ ‫الت��ي س��اهمت في إضع��اف عصم��ة الدولة‬ ‫اإلل��ه‪ ،‬وألن عبادة العق��ل أوصلت إلى أنظمة‬ ‫تفتق��ر إلى البعد اإلنس��اني‪ ،‬وه��ذا المصير‬ ‫المأس��اوي للعق��ل ال يدي��ن العقل كأس��اس‬ ‫للحداثة الديمقراطية‪ ،‬ولكنه يدين اإلنس��ان‬ ‫ال��ذي اعتقد أن العقل يكفي وحده كأس��اس‬ ‫للدولة والمجتمع‪.‬‬ ‫فالعمل الذي تقوم به الفلس��فة السياس��ية‬ ‫والقانوني��ة اليوم هو إع��ادة التعريف لفكرة‬ ‫العق��ل الذي يبرز محدودية اإلنس��ان‪ ،‬العقل‬ ‫األخالقي الذي يؤم��ن بالقيم الثالث األخالق‬ ‫والدي��ن والجم��ال‪ ،‬والت��ي ه��ي قي��م دائمة‬ ‫وثابتة‪ ،‬وإن اختلفت معانيها باختالف األزمنة‬

‫والمجتمعات‪.‬‬ ‫والفك��ر الغرب��ي المعاص��ر لم يع��رف طرح ًا‬ ‫ليبرالي ًا سياسياً مؤسس ًا على فلسفة أخالقية‬ ‫ع��ن العدال��ة االجتماعي��ة بأهمية م��ا قدّمه‬ ‫المفك��ر االميرك��ي وأس��تاذ الفلس��فة ف��ي‬ ‫هارف��رد جون رول��ز في كتاب��ه «نظرية في‬ ‫العدال��ة» ثم كت��اب «الليبرالية السياس��ية»‪،‬‬ ‫فكت��اب «قان��ون الش��عب» وأخي��راً «العدالة‬ ‫انصاف�� ًا‪ :‬إعادة صياغة»‪ ،‬وهو ما س��لط عليه‬ ‫الباح��ث الفلس��طيني محمد عثم��ان محمود‬ ‫الض��وء‪ ،‬قارئ ًا للمس��اهمة الفكري��ة المهمة‬ ‫للفيلس��وف األمريك��ي ج��ون رول��ز ورؤيت��ه‬ ‫حول المبادئ الدستورية التي تراعي العدالة‬ ‫وفي تأس��يس السياس��ة على األخالق خالف ًا‬ ‫للبراغماتي��ة عل��ى س��بيل المث��ال‪ ،‬ويبحث‪،‬‬ ‫بش��كل معم��ق‪ ،‬ف��ي العالق��ة بي��ن الحرية‬ ‫والمس��اواة التي اعتبرها أم��راً أخالقياً واجباً‪،‬‬ ‫وأمراً دستوري ًا تعاقدي ًا‪.‬‬ ‫ج��ون رولز الذي اس��تطاع أن يرس��م تخومًا‬ ‫واضح��ة بي��ن الليبرالي��ة بوصفه��ا فلس��فة‬ ‫سياسية تقوم على العدالة واإلنصاف‪ ،‬وبين‬ ‫الليبرالية بوصفها فلسفة شاملة‪ ،‬والذي عالج‬ ‫مشكلة العدالة االجتماعية بوصفها جزءاً من‬ ‫سياق المشكالت المعاصرة لليبرالية النفعية‬ ‫عموم ًا‪ ،‬والسياسية التعاقدية خصوص ًا‪ ،‬نجح‬ ‫في احياء االش��تغال الفلس��في داخل الحقل‬ ‫السياس��ي‪ ،‬فأع��اد االعتب��ار إل��ى الفلس��فة‬ ‫السياس��ية بصورة مؤسس��ة عل��ى األخالق‪،‬‬ ‫فنظريته سياس��ية أو ً‬ ‫ال‪ ،‬ومبنية على أس��س‬ ‫ومبادئ أخالقية ثاني ًا‪.‬‬ ‫وم��ع صع��ود الخط��اب المتنص��ل م��ن أعباء‬ ‫العدال��ة االجتماعي��ة‪ ،‬والدع��وة إل��ى حل��ول‬ ‫الس��وق مح��ل المجتم��ع‪ ،‬وف��ي ظ��ل غي��اب‬ ‫التنوع والحضور الفلسفي عموم ًا واألخالقي‬ ‫خصوصاً‪ ،‬لمصلحة غلبة شبه مطلقة للتوجه‬

‫النفع��ي بصيغتي��ه الخاص��ة الت��ي تبنتها‬ ‫الليبرالي��ة الجدي��دة والعامة الت��ي تبنتها‬ ‫الليبرالي��ة الرعائية‪ ،‬يع��ود رولز إلى إحياء‬ ‫فلسفة العقد االجتماعي السياسي وإعادة‬ ‫صوغه��ا بص��ورة توفيقية غير مس��بوقة‬ ‫قائم��ة عل��ى مفاهي��م فلس��فة الواج��ب‪،‬‬ ‫خصوص��اً أولوية الع��دل إزاء ما تأسس��ت‬ ‫عليه النفعية متمث ً‬ ‫ال في أولوية النفع‪.‬‬ ‫كما أحيا نظرية العقد االجتماعي الراسخة‬ ‫ف��ي الفكر الغرب��ي إال أنه أع��اد صياغتها‬ ‫على أس��اس فلس��فة الواجب التي صاغها‬ ‫ً‬ ‫أولوي��ة للع��دل‬ ‫«كان��ت» والت��ي تعط��ي‬ ‫عل��ى المنفعة بخ�لاف النفعي��ة‪ ،‬ورولز ال‬ ‫ينظ��ر للحقوق العام��ة باعتباره��ا حدوداً‬ ‫لصالحيات الدولة أي الحد من نشاط الدولة‬ ‫وتدخله��ا في ش��ؤون االنس��ان والمجتمع‪،‬‬ ‫بل هي وبش��كل أساس��ي حق��وق الجيل‬ ‫الثان��ي والثال��ث‪ ،‬أي الحق��وق االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والحق��وق البيئية التي تؤمن‬ ‫إنسانية االنس��ان «الحق بالسكن الالئق‪،‬‬ ‫الح��ق بالعناي��ة الصحي��ة‪ ،‬الح��ق ببيئ��ة‬ ‫نظيف��ة»‪ ،‬والتي تس��توجب تدخ��ل الدولة‬ ‫فهي الملزمة بتأمينها لعموم المواطنين‪.‬‬ ‫من��ذ كتاب��ات مؤسس��ي العدالة الدس��تورية‬ ‫في أوروبا «هانس كلس��ن وشارل آيسمان»‬ ‫فتحت وما تزال لغاي��ة اليوم مفاهيم جديدة‬ ‫في النظرية والفلسفة القانونية والسياسية‬ ‫وفي الدس��تور والقانون والحريات والحقوق‬ ‫العام��ة‪ ،‬أع��اد رول��ز صياغته��ا الستش��عاره‬ ‫المبك��ر بمكامن الظلم الممكنة في الس��ياق‬ ‫الليبرال��ي وق��راءة مؤش��راته ف��ي مرحل��ة‬ ‫مبك��رة‪ ،‬وإلدراكه أن نتائج النه��ج النفعي ال‬ ‫تتفق والقيم التي تقوم عليها فلسفة العقد‬ ‫االجتماعي‪ ،‬والس��يما المساواة التي ال معنى‬ ‫للحرية بال قدر معقول منها‪.‬‬ ‫ف��ي الخت��ام تتجل��ى قيم��ة دراس��ة أعم��ال‬ ‫ج��ون رول��ز وغي��ره ممن كت��ب ف��ي العدالة‬ ‫الدس��تورية‪ ،‬في س��د النق��ص الحاصل في‬ ‫مكتبتن��ا العربية والتي تفتقر إلى دراس��اتٍ‬ ‫ف��ي العدال��ة الدس��تورية‪ ،‬التي تش��كل أحد‬ ‫أهم وس��ائل االرتقاء الديمقراطي في عالم‬ ‫عربي يبح��ث عن ذاته ومس��تقبله‪ ،‬ويعيش‬ ‫حراك ًا وتح��والت ال توحي بالكثير من اآلمال‪،‬‬ ‫في مستقبل ديمقراطي يشكل وحده خشبة‬ ‫الخالص من مس��تنقع كل أزماتنا السلطوية‬ ‫واالجتماعية والدينية والثقافية‪ ،‬فنحن نحتاج‬ ‫إلى التش��بع بالفك��ر الديمقراط��ي أكثر من‬ ‫حاجتنا لمؤسس��ات ديمقراطية‪ ،‬وما أدل على‬ ‫دول‬ ‫ذل��ك س��وى معرفة أن��ه من أصل أرب��ع ٍ‬ ‫عربي��ة عرفت ثورات ومظاه��رات ٌ‬ ‫ثالث منها‬ ‫توج��د فيها محاكم أو مجالس دس��تورية‪ ،‬أي‬ ‫المؤسسات المنوط بها إرساء مبادىء العدالة‬ ‫الدستورية وهي «مصر‪ ،‬تونس‪ ،‬سوريا» في‬ ‫حين أن أع��رق ديمقراطية في العالم‪ ،‬أعني‬ ‫بريطانيا‪ ،‬مازالت ترفض اعتماد الرقابة على‬ ‫دستورية القوانين‪.‬‬


‫هذه السلسلة بالتعاون مع‪:‬‬

‫املواطنة والزواج املدين‬

‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫لما كان��ت الحرية والمس��اواة ركن ًا من أركان‬ ‫المواطنة التي توس��عنا في ش��رحها س��ابقاً‪،‬‬ ‫والت��ي تش��كل بدوره��ا الرك��ن األساس��ي‬ ‫م��ن أركان الدول��ة المدني��ة الت��ي ال تع��رف‬ ‫الف��رد بمهنت��ه أو بدينه أو بإقليم��ه أو بماله‬ ‫أو بس��لطته‪ ،‬وإنم��ا تعرف��ه تعريف��اً قانوني ًا‬ ‫اجتماعي�� ًا بأن��ه مواط��ن‪ ،‬أي أن��ه عض��و في‬ ‫المجتم��ع ل��ه حق��وق وعلي��ه واجب��ات‪ .‬وهو‬ ‫يتساوى فيها مع جميع المواطنين‪.‬‬ ‫كم��ا أن أه��م مبادئ الدول��ة المدني��ة أنها ال‬ ‫تتأسس بخلط الدين بالسياسة‪ .‬بالرغم من‬ ‫أنه��ا ال تعادي الدين أو ترفضه فهو يظل في‬ ‫الدول��ة المدنية عام ً‬ ‫ال في بناء األخالق وخلق‬ ‫الطاقة للعمل واإلنج��از والتقدم‪ .‬حيث أن ما‬ ‫ترفض��ه الدولة المدنية هو اس��تخدام الدين‬ ‫لتحقيق أهداف سياس��ية‪ ،‬فذل��ك يتنافى مع‬ ‫مب��دأ التعدد الذي تق��وم عليه‪ ،‬كم��ا أن هذا‬ ‫األمر قد يعتب��ر من أهم العوامل التي تحول‬ ‫الدي��ن إلى موضوع خالف��ي وجدلي‪ ،‬وتدخله‬ ‫ف��ي تفس��يرات تبع��ده ع��ن عالم القداس��ة‬ ‫وتدخ��ل ب��ه إل��ى عال��م المصال��ح الدنيوية‬ ‫الضيقة‪.‬‬ ‫الدول��ة المدني��ة ه��ي التي تحاف��ظ وتحمي‬ ‫كل أعض��اء المجتم��ع بغ��ض النظ��ر ع��ن‬ ‫القومية والدين والفك��ر‪ .‬وهناك عدة مبادئ‬ ‫ينبغ��ي توافرها ف��ي الدولة المدني��ة والتي‬ ‫إن نق��ص أحده��ا ف�لا تتحقق ش��روط تلك‬ ‫الدول��ة أهمه��ا أن تق��وم تل��ك الدول��ة على‬ ‫الس�لام والتس��امح وقبول اآلخر والمس��اواة‬ ‫ف��ي الحقوق والواجبات‪ ،‬والثق��ة في عمليات‬ ‫التعاق��د والتب��ادل المختلف��ة‪ ،‬حي��ث أن هذه‬ ‫القيم هي التي تشكل ما يطلق عليه‬ ‫الثقافة المدنية‪ ،‬وهي ثقافة تتأسس‬ ‫على مبدأ االتفاق ووجود حد أدنى من‬ ‫القواعد يت��م اعتبارها خطوط ًا حمراء‬ ‫ال ينبغ��ي تجاوزه��ا لضم��ان حق��وق‬ ‫جميع المواطنين‪.‬‬ ‫ومب��ادئ الحري��ة والمس��اواة عماد ما‬ ‫س��بق‪ ،‬يج��ب أن تتجل��ى خصوص ًا في‬ ‫قانون األحوال الشخصية الذي يرافق‬ ‫المواط��ن منذ ال��والدة حت��ى الممات‪،‬‬ ‫ونشدد هنا على القانون ألنه وبحسب‬ ‫الفق��ه الفرنس��ي‪« ،‬ال��زواج هو عمل‬ ‫قانوني ذو طابع رسمي يقيم بموجبه‬ ‫رجل وام��رأة اتح��اداً تنظم��ه بصورة‬ ‫إلزامي��ة القوانين س��واء فيم��ا يتعلق‬ ‫بش��روط عق��ده أو بأص��ول انحالل��ه‬ ‫أو النتائ��ج الت��ي تترتب علي��ه»‪ .‬وتبعا‬ ‫لذل��ك‪« ،‬ال عق��د زواج‪ ..‬إال باالس��تناد‬ ‫إلى قان��ون صادر عن س��لطة مخولة‬ ‫التش��ريع في هذا المجال تابعة لدولة‬ ‫معين��ة واال خضع اتحاد المرأة والرجل‬ ‫إلى قواعد المساكنة»‪.‬‬ ‫إال أن وج��وب تقني��ن ال��زواج المدني‬ ‫بقانون ال يس��مح للس��لطة أو النظام‬ ‫أياً كان بمنعه‪ ،‬على اعتبار أن الحقوق‬ ‫األساس��ية هي حقوق مالزمة للفرد‪،‬‬ ‫وليس��ت ممنوحة من نظام يقرر مدى‬ ‫ٍ‬

‫مالءمة منحها‪.‬‬ ‫وبينما تجمع أغلب الدس��اتير في العالم على‬ ‫حري��ة المعتق��د وحري��ة التعاق��د‪ ،‬تمن��ع كل‬ ‫ال��دول العربية الزواج المدني بحجة مخالفته‬ ‫للنظام العام‪ ،‬والنظام العام هنا ليس نظام ًا‬ ‫حامياً للحقوق األساس��ية بل ه��و نظام حام‬ ‫ٍ‬ ‫لحقوق النظ��ام بضبط الحري��ات والحقوق‪،‬‬ ‫مهما كانت أساس��ية‪ ،‬وبمنعها اذا أراد وفق ما‬ ‫ي��راه مالئماً‪ .‬بكلمة أخرى‪ ،‬إنه بمثابة إخضاع‬ ‫منظوم��ة حق��وق االنس��ان إلرادة الحاك��م‬ ‫ومس��تلزماته‪ ،‬فيصبح مفه��وم النظام العام‬ ‫مرادفا تمام ًا لهذه االرادة‪.‬‬ ‫كم��ا أن تمس��ك ال��دول العربي��ة بالمرجعية‬ ‫الديني��ة فيم��ا خص أم��ور ال��زواج واألحوال‬ ‫الش��خصية‪ ،‬هو تكريسٌ ألحد أشكال الدولة‬ ‫الدينية النقي��ض التاريخي لمب��دأ المواطنة‬ ‫بما تحمله م��ن إضعاف لهوي��ة االنتماء على‬ ‫قاعدة المواطن��ة ال الطائفة والمذهب‪ ،‬وفيه‬ ‫ض��رب لكافة الجه��ود التي تبذل في س��بيل‬ ‫تطوي��ر النظ��ام العرب��ي نح��و قي��ام الدولة‬ ‫المدنية العصرية التي ال تتناقض مع األديان‬ ‫بأي شكل من األشكال‪.‬‬ ‫لذا واستناداً لمبادئ المواطنة يتوجب السعي‬ ‫الس��تصدار تش��ريعات تقنن ال��زواج المدني‬ ‫بوصفه عق��داً اختيارياً لقط��ع الطريق على‬ ‫عبارة مخالفة النظام العام والتي تعلل عاد ًة‬ ‫ً‬ ‫خاصة أن‬ ‫بغياب تش��ريع لمثل ه��ذا العق��د‪،‬‬ ‫القضاء المدني ف��ي دول عربية كلبنان مث ً‬ ‫ال‬ ‫يصادق على عقد الزواج المدني المنظم في‬ ‫أوروبا‪.‬‬ ‫الزواج المدني عقد زواج بين شريكين موثق‬

‫بش��اهدين ف��ي مق��ر رس��مي «المحكمة»‪،‬‬ ‫ويق��وم ه��ذا العق��د عل��ى الح��ب المتب��ادل‬ ‫والرغبة في تأس��يس أس��رة ويتم تس��جيله‬ ‫في س��جالت الدولة وهو خاضع بشكل كامل‬ ‫للقواع��د القانوني��ة التي حددها المش��ترع‪،‬‬ ‫والت��ي ال يجوز لألف��راد مخالفته��ا‪ .‬ويضمن‬ ‫هذا العقد حقوق كال الزوجين بالمساواة في‬ ‫حالة الطالق‪.‬‬ ‫يُس��قط الزواج المدني ّ‬ ‫كل الفوارق الدينيّة‬ ‫رجل وامرأةٍ يريدان االرتباط‬ ‫والمذهبيّة بين ٍ‬ ‫ً‬ ‫سوية تحت سقفٍ واحدٍ‪،‬‬ ‫ببعضهما والعيش‬ ‫وبن��ا ًء عليه فال مان��ع م��ن زواج الكاثوليكي‬ ‫باألرثوذكس��ية وكذلك العكس‪ ،‬وال مانع من‬ ‫زواج المس��لمة بالمس��يحي وق��د يجمع هذا‬ ‫الزواج ش��ريكين من الطائفة نفسها إن هما‬ ‫كانا يؤمنان بالعلمنة‪.‬‬ ‫كم��ا يوفّ��ر الكلف��ة الباهظ��ة للط�لاق ف��ي‬ ‫حال ال��زواج الديني التي ق��د تصل إلى آالف‬ ‫ال��دوالرات ل��دى بع��ض الطوائ��ف‪ ،‬م��ا دفع‬ ‫بالبع��ض إلى اقت��راح األخذ بال��زواج المدني‬ ‫بهدف إيجاد الحلول القانونية لتلك المشاكل‪.‬‬ ‫ويترت��ب عل��ى مدني��ة ال��زواج أن القانون ال‬ ‫يعترف به��ذا الزواج إال إذا أُبرم أمام الموظف‬ ‫المختص‪ ،‬فإذا أُبرم الزواج بين الزوج والولي‬ ‫بحض��ور الش��هود‪ ،‬واس��تكمل جمي��ع أركانه‬ ‫وش��روطه‪ ،‬ال يُعت��رف ب��ه قانون�� ًا ألن��ه لم‬ ‫يُب��رم أم��ام الموظف المختص كم��ا أنه في‬ ‫حال الخ�لاف بين المتزوجي��ن مدنيّاً فإنّهم‬ ‫يخضع��ون للمحكم��ة المدنيّة الت��ي تطبّق‬ ‫قانون الدولة التي عُقِد الزواج على أراضيها‪.‬‬ ‫وق��د أق��رت معظ��م ال��دول األجنبي��ة‬ ‫وبع��ض ال��دول اإلس�لامية ال��زواج‬ ‫المدني‪ ،‬إما بشكل إلزامي وإما بشكل‬ ‫اختي��اري‪ .‬فه��و يعتبر إلزامي��اً في كل‬ ‫من فرنسا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا‬ ‫والس��ويد وايطاليا وروماني��ا والنروج‬ ‫وموناك��و واللوكس��مبورغ والبرازي��ل‬ ‫وأميركا الالتينية وروسيا‪ .‬بينما يعتبر‬ ‫اختياري ًا في انكلترا والواليات المتحدة‬ ‫األميركية واليونان وإسبانيا‪.‬‬ ‫وإلتم��ام ال��زواج المدن��يّ ينبغ��ي أن‬ ‫تتوفّر شروط ثالثة هي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬وحداني��ة الش��ريك‪ :‬بمعنى أنه ال‬ ‫يجوز تعدد األزواج والزوجات إطالق ًا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مهلة األس��بوعين‪ :‬يعني أن يتمّ‬ ‫اإلبالغ ع��ن نيّة الزواج قب��ل ‪ 15‬يوم‬ ‫من تنفيذ هذا الزواج‪.‬‬ ‫‪ - 3‬في حال نش��وء خالفات أو نزاعات‬ ‫بي��ن أيّ زوجين يخضع��ان لعقد زواج‬ ‫مدنيّ‪ ،‬فإنه ينبغي أن تمرّ ‪ 3‬س��نوات‬ ‫قب��ل طرح المش��كلة عل��ى أيّ مرجع‬ ‫قضائ��ي ‪ ،‬ويُس��مح لهم��ا بذلك فقط‬ ‫لس��بب واحد وهو الخيانة الزوجية‪ ،‬أي‬ ‫ال تُقبل أية ش��كوى إال في حال كانت‬ ‫الخيانة الزوجية هي المسألة الخالفية‬ ‫بينهم��ا‪ ،‬وذل��ك بعد م��رور الس��نوات‬ ‫الثالث‪.‬‬

‫حقوق وحريات ‪. .‬‬

‫إعداد المحامي فارس حسّان‬

‫‪17‬‬


‫اندساسية‪....‬‬ ‫ذاكرة العتمة‬ ‫دندنات‬ ‫من‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪18‬‬

‫تاريــخ مــن ال تاريـخ لهـم‬ ‫يوميــات �ســجني‬ ‫أحمد سويدان‬ ‫‪1994 - 1991‬‬

‫‪1992 / 2 / 11‬‬

‫األبواب قد ُفتحت علينا في الساعة الثامنة‪،‬‬ ‫رأينا الش��مس تشع من الش��بابيك‪ ،‬السماء‬ ‫كان��ت صافي��ة‪ ،‬والثل��ج األبي��ض متكدس‬ ‫على مد النظر‪ .‬انحس��رت الرياح وهذا إيذان‬ ‫برحيل العاصفة‪ ..‬نشفان الريق يالحقني‪.‬‬ ‫في ساعات الفجر ثقل نومي‪ ،‬ورأيت نفسي‬ ‫كأنن��ي أبحث عن قص��ي وأمه تقول‪ :‬اذهب‬ ‫إلى ش��ارع الجيش‪ ،‬ابحث عن��ه‪ .‬ذهبت وبدا‬ ‫الش��ارع كأنه ش��ارع العدوي ي��وم كان غير‬ ‫سالك‪ ،‬واآلليات تعمل ليل نهار‪ ،‬رحت وجئت‬ ‫إل��ى نهايت��ه‪ .‬أتلفت هن��ا وهن��اك‪ ،‬وإذ أراه‬ ‫يحمل كيساً‪ ،‬ويلبس جزمة‪ ،‬وعمره بين ‪14‬‬ ‫و‪ 15‬عام ًا‪ .‬ناديت علي��ه فأجاب واقترب دون‬ ‫أن يب��دو على محي��اه أنه ضائ��ع‪ ،‬وأنا أبحث‬ ‫عنه وابتس��م‪ ،‬ثم مشيت وإياه متجهين إلى‬ ‫البيت‪ ..‬واستيقظت‪.‬‬ ‫علمنا أن المدارس عطلت في أنحاء سورية‬ ‫‪ 12 – 11 – 10‬م��ن الش��هر الحال��ي‪ .‬وعلمنا‬ ‫كذل��ك أن الدوائر الحكومية مغلقة والمطار‬ ‫والطرق��ات الدولي��ة‪ .‬لقد خي��م المنخفض‬ ‫عل��ى البادية وتدمر‪ ،‬وعلى هضبة البلعاس‬ ‫والرصافة‪ ،‬وامتد إلى المحافظات الشرقية‪:‬‬ ‫دي��ر الزور – الحس��كة – الرقة‪ .‬واليوم رحل‬ ‫إلى شرقي العراق وشماله‪.‬‬ ‫ملحم��ة حم��روش ع��ن الضب��اط األح��رار‬ ‫ذكرتن��ي بملحمة صالح عيس��ى عن الثورة‬ ‫العرابية‪ ،‬وقد وقفت كثيراً عند تس��جيالت‪:‬‬ ‫محم��د نجي��ب‪ ،‬ومحمد صدّي��ق‪ .‬الصدامات‬ ‫على أشدها في الجزائر بين نظام عسكري‬ ‫وأصولية ال ندري إلى أين تمضي‪.‬‬

‫‪1992 / 2 / 12‬‬

‫بداي��ة النهار فيها تحس��ن ‪ ..‬درجات الحرارة‬ ‫منخفض��ة ولكنه��ا ليس��ت بق��وة األي��ام‬ ‫الس��ابقة‪ ..‬منذ ليلتين كان��ت الحرارة لي ً‬ ‫ال ‪6‬‬ ‫درجات تح��ت الصفر الليل��ة الماضية كانت‬ ‫درج��ات الحرارة ‪ 4‬تحت الصفر‪ ،‬ونهار اليوم‬ ‫حول الصفر‪ .‬األمور تتجه نحو األفضل‪.‬‬ ‫تصفحت جريدة «تشرين» االثنين الماضي‪،‬‬ ‫واليوم هو األربعاء قرأت فيها عدة تحقيقات‬ ‫ع��ن األمط��ار‪ ،‬وانقطاع الطرقات اس��تنفار‬ ‫اآللي��ات‪ ،‬ون��زول مروحي��ات الجي��ش لنجدة‬ ‫الق��رى المقطوع��ة‪ ،‬والت��ي تحت��اج الخبز‪،‬‬ ‫والواقعة في محيط محافظة ريف دمش��ق‪،‬‬ ‫وقرى القنيطرة‪ ،‬وجب��ل العرب‪ ،‬ولمحة عن‬ ‫المحافظات األخ��رى‪ ،‬ويتبين أن المحافظات‬ ‫مس��تنفرة م��ن أج��ل مس��اعدة المناط��ق‬ ‫المقطوعة‪.‬‬ ‫علم��ت أن قي��ادة ح��زب العمل ف��ي الخارج‬ ‫الس��رية والمالحق��ة‪ ،‬طال��ت االعتق��االت‬ ‫بع��ض ه��ذه قادته��ا‪ ،‬وق��د أش��ارت بعض‬ ‫إذاعات الخارج أن األمن السوري داهم قوى‬ ‫معارضة‪ ،‬وحدد أن ع��دد المعتقلين بلغ ‪35‬‬ ‫معتق�ل ً‬ ‫ا‪ ،‬وقد ب��دأت بلجنة حقوق اإلنس��ان‬ ‫الس��رية‪ ،‬ويبدو أن ه��ذه اللجنة على عالقة‬

‫ببعض قي��ادات الحزب‪ ،‬وبالتجم��ع الوطني‬ ‫الديمقراطي‪.‬‬ ‫جلس��ت مس��ا ًء وقب��ل إغ�لاق األب��واب م��ع‬ ‫جالل مس��عود وظافر المعم��ار وتحدثنا عن‬ ‫إج��راءات التوزي��ع والتفريق لتجم��ع العمل‬ ‫ولماذا الربط بين الداخل والخارج؟‬ ‫سألت الطبيب عن شرب الماء البارد بلهفة‪،‬‬ ‫وعن أس��باب التبول الكثيف‪ ،‬قال‪ - :‬الس��بب‬ ‫القلق النفسي وعدم االستقرار‪ ،‬وقال‪ :‬على‬ ‫كل أن��ت بحاجة إلى تحلي��ل وبأقرب فرصة‬ ‫سأس��جل اس��مك للذه��اب إلى مستش��فى‬ ‫التل‪.‬‬

‫‪1992 / 2 / 13‬‬

‫ال ش��ك أن الليل��ة ب��اردة لكنه��ا أدن��ى من‬ ‫الليال��ي الس��ابقة‪ ،‬ونأم��ل أن تصل درجات‬ ‫الح��رارة إلى الصفر‪ .‬نقلوا إلى جناحنا ثالثة‬ ‫م��ن الفلس��طينيين أحده��م كان في تدمر‬ ‫وهو برتبـة رائد من فتح‪.‬‬ ‫الهم األساسي هو أن ترتفع درجات الحرارة‪،‬‬ ‫ويغادرنا هذا البرد الش��ديد الوجوه ما زالت‬ ‫منقبض��ة‪ ،‬وهن��اك دوائ��ر ح��ول العي��ون‪،‬‬ ‫وش��حوب ب��ادٍ على الوج��وه‪ ،‬واحم��رار في‬ ‫رأس األنف‪ .‬أطللت من أحد ش��بابيك الممر‬ ‫فرأي��ت غيوم ًا بيضاء‪ ،‬وفس��حاً من الس��ماء‬ ‫خفيفة وضباب ًا على س��فوح التالل البعيدة‪،‬‬ ‫كأن اتج��اه الرياح قد تح��ول إلى الغرب بعد‬ ‫أن كان م��ن الش��رق‪ .‬لكن الثل��ج يبدو على‬ ‫مد النظ��ر يغطي األنحاء والجب��ال البعيدة‪،‬‬ ‫وهو راقد ومتمكن ويحتضن األرض‪ ،‬ولكن‬ ‫إخالء السبيل لم يغب عن بالنا‪.‬‬

‫‪1992 / 2 / 14‬‬

‫ش��يء مف��رح أن تلم��س الم��اء وال تش��عر‬ ‫بالقش��عريرة‪ ،‬وأن ال يلس��عك اله��واء الذي‬ ‫يهب‪ ،‬وال يحرق عقد األصابع‪ ،‬أو رأس أنفك‬ ‫أو أصابع رجليك‪ .‬شيء مفرح أن تعود إليك‬

‫حركتك‪ ..‬درجات الحرارة في ارتفاع‪ .‬المنظر‬ ‫من الشبابيك كان رائعاً‪ .‬الشمس والضباب‬ ‫والثل��ج مجتمعون معاً‪ .‬ق��ال أبو صالح‪ :‬هذا‬ ‫الضباب سيس��اهم في تذوي��ب الثلج‪ ،‬وهو‬ ‫يذوِّب��ه ويجعل��ه يس��تقر ف��ي األرض‪ ،‬أما‬ ‫المطر فيذوِّبه ولكنه ال يستقر في األرض‪.‬‬ ‫وعق��ب أبو صالح على ذه��اب البرد‪ - :‬الحر‬ ‫أحس��ن من البرد‪ .‬فالحر ال يؤسس أمراضاً‪،‬‬ ‫أما البرد فهو سبب لكل علة‪.‬‬ ‫طبخت اليوم بامياء مقددة‪.‬‬ ‫ع��اد الحدي��ث ح��ول الديمقراطي��ة‪ ،‬وحول‬ ‫أح��داث الجزائ��ر‪ ،‬وح��ول اكتش��اف ش��بكة‬ ‫تجس��س لصال��ح الموس��اد ف��ي القاه��رة‪،‬‬ ‫وحول مضامين كتب أحمد حمروش‪ ،‬وحول‬ ‫الوزي��ر‪ :‬ديما وزيارت��ه لس��ورية‪ ،‬وحول ما‬ ‫يج��ري في االتح��اد الس��وفيتي‪ .‬إذن الدفء‬ ‫طال األلسن!‬

‫‪1992 / 2 / 15‬‬

‫اس��تيقظت م��ع فت��ح األب��واب‪ ،‬الس��اعة‬ ‫الس��ابعة‪ .‬الش��مس تحتض��ن الش��بابيك‬ ‫وأصوات ال��دوري‪ .‬لقد تح��ول الطقس بعد‬ ‫العن��اء ال��ذي تحملن��اه‪ .‬إن الربي��ع ق��ادم ال‬ ‫محال��ة وإن توافق مع إخالء الس��بيل يكون‬ ‫األمـ��ر زيت ًا على زيتون‪ ..‬وأقبل الجميع على‬ ‫الحم��ام وكانوا قد امتنع��وا عنه لمدة نصف‬ ‫شهر‪ ..‬وبدأ التسجيل على الفواتير‪ :‬فاتورة‬ ‫دخ��ان‪ ،‬فات��ورة خض��ار‪ ،‬ومطال��ب عام��ة‪،‬‬ ‫وفاتورة دواء‪ ،‬وفات��ورة بيض‪ .‬تغدى عندنا‬ ‫ف��ي المهجع المدعو‪ :‬يحي��ى محمد الخطيب‬ ‫وهو ضابط في فتح‪.‬‬ ‫وقع مريض ًا أحمد النابلسي‪ ،‬وقد طلبوا لي ً‬ ‫ال‬ ‫اإلسعاف بس��بب تش��نّج في بوابة معدته‪.‬‬ ‫معتقل منذ ع��ام ‪ ،1981‬وقد خرجت دفعته‬ ‫وبق��ي وح��ده منه��ا‪ .‬أصابع محم��د الجندي‬ ‫تشققت وهو يعالجها بالميكروم‪ ،‬ويغطيها‬ ‫بكف صوفي‪ ،‬وال يستطيع مالمسة الماء‪.‬‬


‫عدسة سوريتنا ‪. .‬‬ ‫للمرا�سالت والتوا�صل مع هيئة التحرير ‪so uria tna @ gm ail. c om‬‬

‫متت طباعة وتوزيع هذا العدد من قبل مطبعة �سمارت �ضمن م�شروع دعم الإعالم ال�سوري احلر‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬

‫كاريكاتير الفنان عبد المهيمن بدوي‬

‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬

‫أجل الحرب ها هنا‪ ،‬ولكنها لن تستطيع أن تمنع عنا أوقات اللعب والمرح‪.‬‬ ‫ريف حلب ‪ -‬اعزاز ‪ | 2014‬تصوير‪ :‬باسل حسو‬

‫‪19‬‬


‫رصيف سوريتنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الرابعة | العدد (‪ 21 | )170‬كانون األول ‪2014‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري مستقل‬ ‫‪20‬‬

‫ٌ‬ ‫ر�سائل قذرة �إىل �أبي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والب�شمركة‬ ‫عن املطحنة‬ ‫بهزاد حمو‬

‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫واحدة َتكفيني‬ ‫جرعة‬ ‫أمكنة يا �أبي‪،‬‬ ‫جرعة ِمن ال ِ‬ ‫(‪ )1‬نكبة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫قمح ف��ي «طرطركا عَفدو»‪ .‬كان��ت أمِّي تَلفظها‬ ‫أن��ا المتش��ظي كحبَّةِ ٍ‬ ‫دون أن تضح��كْ‪ ..‬وكنَّا صغاراً بما فيه الكفاي��ة‪ ،‬كي نُخبِّئ في مالمحنا‬ ‫ً‬ ‫أضرحة مقدَّس��ة‪ ،‬بالتْ كالب الحيِّ على ش��واهدها ألع��وام‪ .‬ال نغمزُ أو‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫نلمزُ بعضنا‪ ،‬حين تلفظ أمي كلمة «طرطرك» إال أننا نعتصرُ في أعماقِنا‬ ‫جي� ً‬ ‫لا من الحُفاةِ العراةِ المحترمين‪ ،‬الذين ال يع ِرفون أس��ماء أعضائِهم‬ ‫التناس��ليَّة‪ ،‬حت��ى يَكبَ��رون‪ ،‬وإن ل َفظوها يوم��اً‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫تلعثموا وش��ارفوا على‬ ‫البكا ِء‪ ..‬ياااا لجيش التُّعساء المحترمينَ في دمائِنا يا أبي!‬ ‫صفيح خلفَ‬ ‫لوح‬ ‫ٍ‬ ‫(طرطركا عفدو)‪ ،‬مجرش��ة (مطحنة) آلية موضوع��ة على ٍ‬ ‫بغيب‬ ‫جرَّار «فرات» الضَّئيل‪.‬‬ ‫لصاحبها المدعو «عفدو»‪ .‬وعفدو‪ ،‬هو رجمٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األلقاب في عامودا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أب يموتُ‬ ‫كأيِّ‬ ‫في��هِ‪،‬‬ ‫اإللهُ‬ ‫ماتَ‬ ‫دي��ن‬ ‫مع‬ ‫الكردي‬ ‫تجربة‬ ‫ه��و‬ ‫(عف��دو)‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫التدخين‪ ،‬وأكل الده��ون بكميات كبيرة‪،‬‬ ‫نتيجة اإلكث��ار مِن‬ ‫ف��ي عامودا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كلب ظمآن‪ ،‬واإلكثار من الحديثِ عن المط ِر‪..‬‬ ‫مثل‬ ‫ر‬ ‫العص‬ ‫لساعاتِ‬ ‫والنوم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫يقيمون بصمتٍ طقوسَ العزاء‪،‬‬ ‫ماتَ إل��هُ عامودا‪ ،‬وال يزالون في بيوتهِ‬ ‫متخمون بالتاريخ والذاك��رة‪ ،‬صال ًة‪ّ .‬‬ ‫َ‬ ‫تفصيل في‬ ‫لكل‬ ‫ويس��مّونها‪ ،‬ألنَّهم‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫مهنة‪ ،‬وحتى المطحنة) اسمين أو ثالثة‪..‬‬ ‫عامودا (شخصاً كان‪ ،‬أو شارعاً‪ ،‬أو‬ ‫بصخبها (طرطرك)‪ ،‬قرقع ٌة بليد ٌة ومستمرَّة‪ ،‬كأنَّها‬ ‫للمطحنةِ اسمٌ يليقُ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫س��ذاجة‪ .‬ومِ��ن هنا‪ ،‬أعتق��دُ جازماً‪،‬‬ ‫أف��قٌ للميكانيكِ ف��ي أكث ِر أطوارهِ‬ ‫بأن العاموديون اتَّفقوا على تس��ميةِ الطاحونةِ بـ «طرطرك»‪ ،‬اس��تناداً‬ ‫الحبوب‪ ..‬طرر‬ ‫للصوتِ الذي كانتْ تُصدرهُ‪ ،‬حين تبدأُ مس��نَّناتها بطحن‬ ‫ِ‬ ‫االسم والمعنى‪.‬‬ ‫طرر طرطرطرطر‪ ،..‬وأُلحقتْ الكافُ بالصَّوتِ‪ ،‬إلنتاج‬ ‫ِ‬ ‫ولصاحبها‪ ،‬اسم يليقُ بعبثيَّة عامواد‪( ،‬عفدو)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ق��د يكون اس��مهُ عب��د اهلل‪ ،‬عب��د القادر وحتى عب��د ّ‬ ‫المطل��ب‪ ..‬لم يكن‬ ‫يس��تفزُّني االس��م الثاني‪ ،‬بقد ِر ما َ‬ ‫كان صخب طاحونتهِ يشعرني بالقلق‪.‬‬ ‫الشارع‪،‬‬ ‫كانتْ النسو ُة تجلسنَ على الحجارةِ الكبيرةِ الموزَّعةِ على زوايا‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫أحاديث مجدي�� ٌة في هذه االجتماعاتِ‬ ‫بحكم��ةِ رجاالتِ الحي‪ .‬ليس ثمَّة‬ ‫فخ��اخ الحيِّ الفقي��ر وأنغ��ام «طرطركا عف��دو»‪ .‬لوهلةٍ‬ ‫المنعق��دة على‬ ‫ِ‬ ‫يتصبَّب الزَّبدُ من أفواهِ النسوة‪ ،‬وهنَ يلكنَ حَكايا األخريات الغائبات‪.‬‬ ‫القمح ُقبيل سَ��كبهِ في فوهةِ المطحنة‪ ،‬أبرزُ‬ ‫بترطيب‬ ‫وأم��ي المنهمِكة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الغائبات‪ ..‬لم تكنْ تلكَ النس��و ُة تَستلطفنَ أمي‪ ،‬وال هي بدورها‪ ،‬كانتْ‬ ‫َ‬ ‫تحاول��ون إقناعَنا حينها‪ ،‬بأن أهالي الحي‬ ‫ق��ادر ًة على حبِّهن‪ .‬لماذا ُكنتم‬ ‫يحبُّون بعضهم كأسرةٍ واحدةٍ يا أبي؟‬ ‫لم أكن حينها أدركُ َّ‬ ‫بأن جيرانَنا يَكرهوننا أضعافَ ما كنَّا نكرههم‪ ،‬لكنني‬ ‫كن��تُ أعرفُ تمام��اً‪َّ ،‬‬ ‫بأن أفرادَ األس��رةِ الواحدةِ‪ ،‬بحدِّ ذاته��ا‪ ،‬لم يكونوا‬ ‫يُحبُّ��ون بَعضهم يا أبي‪ ..‬وحقِّ تيهي عن قب��ركَ‪ ،‬الذي زرتُه مرَّ ًة واحد ًة‬ ‫ً‬ ‫ومصادفة‪ ،‬كنتُ أعلمُ هذا‪ .‬لكنَّني لم أُخبركَ بذلكَ يا أبي‪ٌ ..‬‬ ‫وخذ أليمٌ أن‬ ‫ت��رى أطفالكَ يحقدون على بعضِهم‪ .‬أليسَ ثمَّ��ة أبٌ لهذا البلد أيضاً يا‬ ‫ُ‬ ‫األطفال ويخفوا عنهُ س��كاكينَهم‪ ،‬والحناجرَ التي قطفوها؟‬ ‫أبي‪ ،‬ليخش��اهُ‬ ‫الس��نابل الخضراء المحترقة فري��كاً طازجاً؟‬ ‫أ ولي��سَ ثمّ��ة أمٌّ تصنعُ من‬ ‫ِ‬ ‫كما كانت ُ‬ ‫صحن وتبتس��م‪ ،‬كنا‬ ‫تفعل أمي‪ ،‬وهي تدلقُ تعبكَ المحروق في‬ ‫ٍ‬ ‫نلتهمُ خيباتكَ وأنت تضحك يا أبي! أ وليس ثمَّة ش��جاعٌ يقرُّ بالهزيمةِ؟‬ ‫َ‬ ‫قبل أن يلتهم الضريحُ بالدنا مثل حبّة قمح خضرا َء محترقة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬خيبة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كانت الشمس تقاربُ المغيبَ‪ ،‬وكانت جَلبة المطحنةِ‪ ،‬تسحقُ زعيقنا في‬ ‫السَّاحةِ المالصقةِ لمدرسةِ الحي‪.‬‬ ‫على حائطِ المدرسةِ من جهةِ السَّاحةِ‪ ،‬رسم ٌة للملاَّ مصطفى البرزاني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خنجر‬ ‫معروفة له‪ ،‬تظهرُ فيها قسوة مالمح الملاَّ ‪ ،‬وجز ًء مِن‬ ‫تحاكي صور ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ضخ��م يتمنطق��هُ‪ ..‬كان جّدي ألمّي‪ ،‬وبعد أن َ‬ ‫نال من��هُ الزهايمر‪ ،‬يُع ّلق‬ ‫ٍ‬

‫عمل للفنان السوري عمر حمدي (مالفا)‬

‫ّ‬ ‫بهمس بينما أمّي‬ ‫مطبخ عل��ى حائطِ غرفته الباردة‪ ،‬ويقول ل��ي‬ ‫س��كينة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫دلو‪ :‬هذا الخنجر أهداني إيّاه الملاّ إبّان اتفاقية الجزائر‬ ‫في‬ ‫ثيابه‬ ‫تغس��ل‬ ‫ٍ‬ ‫بين شاه إيران والعراق‪ ،‬لوأد الثورة الكرديّة»‪.‬‬ ‫الكبرى‪ُ ،‬‬ ‫كانت صورة الملاّ تلك على حائط «ملعبنا» هي الورطة ُ‬ ‫حيث َ‬ ‫كان‬ ‫جارنا مسعود‪ ،‬الفتى الذي أسماهُ والدهُ المتعصِّب للبرزاني‪ ،‬بهذا االسم‬ ‫ً‬ ‫لتين‬ ‫ابن األخير «مس��عود البرزاني»‪ ،‬كان يُبعِدُ الحجرتَيْن َّال ِ‬ ‫كناية عن ِ‬ ‫نضعهُما أمامَ هذا الجز ِء من الحائطِ‪ ،‬لتحديدِ مرمى كرة القدم‪ .‬حتى ال‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ضرب الكرةِ باتجاه رسمةِ البرزاني‪ ،‬حين‬ ‫نُضطر إلى‬ ‫يضطرَ مس��عود‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫نريدُ تسجيل هدفٍ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نركل الملاَّ بالكرةِ؟»‪ .‬هكذا َ‬ ‫كان يُقنعنا مسعود‪.‬‬ ‫«معاذ اهلل! كيف‬ ‫كان الفريقُ الخصمُ للمرمى الذي تحرسهُ من الخلفِ هيبة الملاَّ ‪ ،‬يواجهُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متماسكة عنيفة لحدّ التكفير‪ ..‬حتى‬ ‫منظومة رمزيَّة‬ ‫شعب بأكلمهِ‪،‬‬ ‫تراث‬ ‫ٍ‬ ‫بأمتار‪ ،‬كان الملاَّ ال ُ‬ ‫يزال في‬ ‫عندم��ا ُكنا نُزيح المرمى بعيداً عن الرس��مةِ‬ ‫ٍ‬ ‫مرمى خيباتي تماماً‪ .‬على األقل بالنسبة لركالتيَ الطائشة‪.‬‬ ‫ليلة‪ ،‬بإزالةِ الرس��مة‪ ،‬أو تمويهها بصباغ أس��ودَ على ِّ‬ ‫فكرتُ ً‬ ‫تقدير‪..‬‬ ‫أقل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫القدوم‬ ‫خف��تُ يا أبي‪ ،‬خفتُ أن تأخذني دوريَّة البيش��مركة‪ ،‬القادرة على‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫كردس��تان العراق إلى عام��ودا‪ ،‬في لحظةٍ‪ ..‬صدَّق��تُ الكذبة‪ ،‬حينَ‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫الحزبية تتج��اوزُ الحدودَ من‬ ‫لمس��تُ البيان��اتَ السياس��يَّة والق��راراتَ‬ ‫كردس��تان إلى عامودا‪ ،‬أيضاً في لحظةٍ‪ .‬لم أكن َّ‬ ‫مغف ً‬ ‫ال يا أبي‪ ،‬س��ـوى َّ‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫الرسمة لم تكن في مكا ِنها الصحيح‪..‬‬ ‫ً‬ ‫الليل‪ ،‬بل رج َلين َّ‬ ‫مسلحَيْن ترجَّال‬ ‫أخفاها األمنُ فيما بعد‬ ‫كاملة‪ ،‬ليس في ِ‬ ‫وضح النهار‪ ،‬وبدأا على مرأى الجيرانِ‪ ،‬ببخِّ الرَّس��مةِ‪،‬‬ ‫درَّاج��ة ناريَّة في ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫زمن يك ّفنه��ا‪ .‬ثمّ مَضَي��ا وهديرُ‬ ‫ع��ن‬ ‫تبحث‬ ‫ة‬ ‫البليد‬ ‫بينم��ا وجوهك��م‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫وجوم الحيِّ‬ ‫على‬ ‫ا‬ ‫طاغي‬ ‫الدرَّاجة‬ ‫مسجَّلة‬ ‫من‬ ‫يصدحُ‬ ‫«الجوبي»‬ ‫موسيقى‬ ‫ِ‬ ‫دلو دم طازج! مضَيا‪َ ،‬‬ ‫دون أن يهاجمهما الفتى مس��عود‪ ،‬ودون‬ ‫كان��دالق‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫البيش��مركة‪ ..‬لوهلةٍ أدركتُ بأن كردستان بعيدة جداً يا‬ ‫أن تأتي دوريَّة‬ ‫أبي‪َّ ،‬‬ ‫وبأن البيش��مركة لم يَس��معوا حتَّى بعامودا‪ .‬وأدركنا نحنُ الصِّغار‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫بغياب مسعود الذي كان يُدخّن‬ ‫عبة‬ ‫الل‬ ‫نا‬ ‫ف‬ ‫واستأن‬ ‫يأتوا‪،‬‬ ‫لن‬ ‫بأنهم‬ ‫حينها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المرحاض وينتحبُ وحيداً‪ ،‬كما اكتشفتهُ أمّهُ‪.‬‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫لماذا انتظرَ الكبارُ بعدَها‪ ،‬قدومهم عقوداً يا أبي؟‬ ‫األسطح وفي القبو ِر أيضاً تنتظرون؟‬ ‫أال زلتم على‬ ‫ِ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.