Souriatna Issue 34

Page 1

‫ســـوريتنا‬

‫«عندما يقرر العبد أن ال يبقى‬ ‫عبدا فإن قيوده تسقط»‬ ‫غاندي‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪2012/ 5 / 13 | )34‬‬

‫صفحتنا على فيس بوك‪:‬‬ ‫‪www.facebook.com/souriatna‬‬ ‫‪souriatna@gmail.com souriatna.wordpress.com‬‬

‫ ‬

‫أسبوعية‬

‫تصدر عن شباب س��وري حر‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪1‬‬


‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪2‬‬

‫االقت�صاد ال�سوري يتجه �إىل االنهيار �إثر‬ ‫الهبوط ال�شديد يف الودائع والقرو�ض‬

‫يتداع��ى االقتصاد الس��وري من حول‬ ‫الرئي��س بش��ار األس��د‪ ،‬حي��ث انخفض��ت‬ ‫الودائ��ع بمع��دل ‪ 35‬في المائة ع��ام ‪2011‬‬ ‫ف��ي «بنك س��وريا والمهج��ر» و«بنك عوده‬ ‫س��وريا» و«بنك بيمو السعودي الفرنسي»‪،‬‬ ‫طبقا للتقارير الصادرة عن س��وق دمش��ق‬ ‫ل�لأوراق المالية في ش��هر أبريل (نيس��ان)‪.‬‬ ‫تش��ير التقاري��ر الص��ادرة ع��ن المص��ارف‬ ‫الثالثة هب��وط معدل اإلقراض بنس��بة ‪22‬‬ ‫في المائة ف��ي العام الماض��ي‪ ،‬بينما تؤكد‬ ‫«وحدة االس��تخبارات االقتصادي��ة» احتمال‬ ‫انخفاض االحتياطيات األجنبية لدى مصرف‬ ‫س��وريا المركزي إل��ى ‪ 10‬مليارات دوالر في‬ ‫الع��ام الراهن‪ ،‬وهو نصف الرقم القياس��ي‬ ‫ال��ذي وصل��ت إليه ف��ي ع��ام ‪ .2010‬تتزايد‬ ‫آث��ار الثورة الس��ورية‪ ،‬التي دخلت ش��هرها‬ ‫الراب��ع عش��ر وأدت إل��ى مقتل أكث��ر من ‪.9‬‬ ‫‪ 000‬ش��خص‪ ،‬على االقتصاد ومجتمع رجال‬ ‫األعم��ال‪ ،‬ال��ذي يتكون معظمه من الس��نة‬ ‫الذين يشكلون الغالبية العظمى من الشعب‬ ‫الس��وري‪ .‬وقد يتزاي��د دعم رج��ال األعمال‬ ‫لألس��د‪ ،‬الذي ينتمي للطائف��ة العلوية التي‬ ‫تع��د أقلية ف��ي المجتمع الس��وري‪ ،‬بس��بب‬ ‫التدهور الذي يشهده االقتصاد السوري‪.‬‬ ‫وفي مقابلة أجريت معه��ا عبر الهاتف‪،‬‬ ‫أكدت عائشة س��ابافاال‪ ،‬خبيرة اقتصادية في‬ ‫«وحدة االستخبارات االقتصادية» في سوريا‪،‬‬ ‫أن��ه ف��ي ح��ال «ع��دم تمك��ن الحكوم��ة من‬ ‫التوصل إلى سياس��ة مناسبة لوقف التدهور‬ ‫االقتص��ادي‪ ،‬فق��د ي��درك رج��ال األعم��ال‬ ‫السوريين في مرحلة معينة أن دعمهم لبشار‬ ‫األسد نفسه يعد أمرا باهظ التكلفة»‪.‬‬ ‫انخفضت قيمة الليرة السورية بشدة‪،‬‬ ‫حيث وصل سعر الدوالر إلى ‪ 68‬ليرة تقريبا‪،‬‬ ‫مقارن��ة ب��ـ‪ 47‬ليرة قب��ل ان��دالع الثورة في‬ ‫ش��هر م��ارس (آذار) ‪ ،2011‬طبق��ا للبيانات‬ ‫الموجودة عل��ى الموقع اإللكتروني لمصرف‬ ‫س��وريا المرك��زي‪ ،‬بينم��ا تق��وم ش��ركات‬ ‫الصرافة غير الرسمية على الجانب اللبناني‬ ‫من الحدود مع سوريا ببيع الدوالر بـ‪ 72‬ليرة‬ ‫سورية تقريبا‪.‬‬

‫تدفن امرأة احتجزت في س��جن سوري‬ ‫رأس��ها بي��ن ذراعيه��ا وتالحقها وج��وه من‬ ‫باعوه��ا وس��لموها للحكومة‪ ،‬بينم��ا ينظر‬ ‫رج��ل في م��رآة لي��رى آث��ار التعذي��ب على‬ ‫جس��ده‪ .‬والمش��هدان ج��زء م��ن مس��رحية‬ ‫تقدمها فرقة سورية‪.‬‬ ‫ال تقي��م كوري��ا الجنوبي��ة عالق��ات‬ ‫دبلوماس��ية م��ع س��وريا‪ ،‬مما جع��ل وصول‬ ‫فرق��ة مس��رحية س��ورية إل��ى س��يول أمراً‬ ‫صعباً‪ .‬وبدأ التعاون الفني غير المعتاد العام‬ ‫الماض��ي عندم��ا كان المخرج كانغ س��يوك‬ ‫والمنت��ج كي��م يو أهي��ن يبحث��ان عن عمل‬ ‫يختتم��ان ب��ه سلس��لة عن المهمش��ين في‬ ‫العالم‪ .‬وقال كيم «كنا نبحث عن مس��رحية‬ ‫يمكن أن تبرز أناسا يقفون على الحافة»‪.‬‬ ‫والتقى االثنان المخرج السوري الشاب‬ ‫عم��ر أب��و س��عدة ال��ذي كان يس��عى آنذاك‬ ‫إلخراج مس��رحية حول استخدام الشبان في‬ ‫الشرق األوسط لوسائل التواصل االجتماعي‬ ‫إلطالع العالم على الوضع في بلدانهم أيام‬ ‫الربيع العربي وما تالها‪.‬‬

‫تش��ير تقديرات «وحدة االس��تخبارات‬ ‫االقتصادية» إل��ى احتمال تعرض االقتصاد‬ ‫الس��وري لالنكماش بمعدل ‪ 9 .5‬في المائة‬ ‫ف��ي ‪ ،2012‬مقارن��ة بمع��دل انكم��اش بلغ‬ ‫‪ 4 .3‬ف��ي المائ��ة ف��ي ‪ ،2011‬عل��ى خلفية‬ ‫االضطرابات‪ ،‬بينما قد يرتفع معدل التضخم‬ ‫ليص��ل إل��ى ‪ 7 .14‬ف��ي المائة ف��ي ‪،2012‬‬ ‫مقارنة بـ‪ 8 .4‬في المائة في ‪.2011‬‬ ‫ص��رح وزير النفط الس��وري‪ ،‬س��فيان‬ ‫عالو‪ ،‬للوكالة العربية السورية لألنباء‪ ،‬يوم‬ ‫االثنين‪ ،‬ب��أن قرار االتح��اد األوروبي بوقف‬ ‫اس��تيراد النف��ط الس��وري الخام ف��ي العام‬ ‫الماضي قد أدى إلى تراجع أحد أهم صادرات‬ ‫الب�لاد‪ ،‬وه��و األم��ر ال��ذي أدى إلى خس��ارة‬ ‫س��وريا لعائ��دات بقيم��ة ‪ 3‬ملي��ارات دوالر‪.‬‬ ‫تقوم وسائل اإلعالم الحكومية ببث تقارير‬ ‫بصورة منتظمة حول الهجمات «اإلرهابية»‬ ‫الت��ي تتعرض لها خطوط أنابيب النفط في‬ ‫الب�لاد‪ ،‬والتي كان آخره��ا الهجوم الذي وقع‬ ‫في محافظة دير الزور في األسبوع الحالي‪.‬‬ ‫ووص��ل إنت��اج النفط في س��وريا إلى‬ ‫‪ 000 .380‬برمي��ل يومي��ا‪ ،‬منه��ا ‪000 .150‬‬ ‫برمي��ل كان يتم تصديره��ا‪ ،‬قبل العقوبات‬ ‫التي تم فرضها على القطاع‪.‬‬ ‫يقول جارم��و كوتيلين‪ ،‬كبي��ر الخبراء‬ ‫االقتصاديي��ن ف��ي البنك األهل��ي التجاري‪،‬‬ ‫أكبر المصارف السعودية من حيث األصول‪:‬‬ ‫«دخ��ل االقتص��اد الس��وري ف��ي دوامة من‬ ‫التراج��ع والهبوط قد تس��تمر لفترة طويلة‪.‬‬ ‫وف��ي ح��ال اس��تمرار تل��ك الدوامة‪ ،‬س��وف‬ ‫يضطر الجميع‪ ،‬بما فيهم الحكومة واألفراد‪،‬‬ ‫إل��ى اللجوء لطرق أكثر بس��اطة لممارس��ة‬ ‫األعم��ال‪ ،‬وه��و الس��يناريو ال��ذي ال يع��د‬ ‫مثاليا»‪.‬‬ ‫ولم تقم س��وريا ببيع أي س��ندات منذ‬ ‫ش��هر فبراير (ش��باط) من الع��ام الماضي‪،‬‬ ‫طبق��ا للبيان��ات الموج��ودة عل��ى الموق��ع‬ ‫اإللكتروني لمصرف سوريا المركزي‪.‬‬ ‫ويقول عبد الحافظ عطاسي‪ ،‬يبلغ من‬ ‫العمر ‪ 31‬عاما ويعيش في دمش��ق ويمتلك‬

‫ش��ركة لتوزي��ع األغذي��ة‪ ،‬إن ش��ركته تكاد‬ ‫تنهار تقريبا‪ .‬يضيف عطاس��ي‪ ،‬عبر مكالمة‬ ‫هاتفية أجريت معه من العاصمة الس��ورية‬ ‫دمش��ق يوم األحد‪« :‬الوضع ش��ديد الس��وء‪،‬‬ ‫حي��ث يصعب الحص��ول على أي ش��كل من‬ ‫أش��كال التمويل‪ .‬ونظ��را ألن كافة بطاقات‬ ‫االئتم��ان ف��ي س��وريا بال��دوالر األميركي‪،‬‬ ‫يجد الناس صعوبة في سداد ديون بطاقات‬ ‫االئتم��ان في الوق��ت الراه��ن بعدما فقدت‬ ‫العملة السورية ‪ 30‬في المائة من قيمتها»‪.‬‬ ‫كما قامت المصارف في لبنان‪ ،‬بإيقاف‬ ‫كاف��ة المعام�لات م��ع المصارف الس��ورية‪،‬‬ ‫امتثاال للعقوبات التي أقرتها األمم المتحدة‪،‬‬ ‫طبق��ا لغيث منص��ور‪ ،‬رئيس أس��واق رأس‬ ‫المال في مصرف «االعتماد اللبناني»‪.‬‬ ‫ويق��ول منصور‪« :‬على الرغم من قوة‬ ‫العالق��ات مع النظام الس��وري‪ ،‬ال يس��تطيع‬ ‫لبنان‪ ،‬من الناحية السياس��ية‪ ،‬تحمل تبعات‬ ‫مخالفة أي من قرارات مجلس األمن»‪.‬‬ ‫تق��ول س��ابافاال‪« :‬تم تعلي��ق معظم‬ ‫ق��روض التجزئ��ة أو عمليات اإلق��راض‪ ،‬لن‬ ‫يستطيع الس��وريون تس��ديد ديونهم لهذه‬

‫المص��ارف‪ ،‬ألن المبال��غ الت��ي يدين��ون بها‬ ‫للمص��ارف في الوقت الحالي س��تكون أعلى‬ ‫بكثير م��ن المبال��غ التي كان��وا يدينون بها‬ ‫عندم��ا حصل��وا على ه��ذه الق��روض ألول‬ ‫مرة‪ ،‬نظرا النخفاض قيمة العملة السورية‪،‬‬ ‫األم��ر ال��ذي يعن��ي أن تلك المص��ارف على‬ ‫وش��ك المعاناة من معدل مرتفع للغاية من‬ ‫القروض غير العاملة»‪.‬‬ ‫وف��ي إح��دى المقاب�لات الت��ي أجريت‬ ‫مع��ه‪ ،‬ق��ال س��لمان ش��يخ‪ ،‬مدي��ر مرك��ز‬ ‫بروكنج��ز الدوح��ة‪ ،‬إن تضيي��ق االئتم��ان‬ ‫وتباط��ؤ االقتصاد لهما «تأثير نفس��ي كبير‬ ‫عل��ى ه��ؤالء األش��خاص الذين ل��م يتخذوا‬ ‫قرارا بعد‪ ،‬مثل مجتمع رجال األعمال‪ ،‬الذين‬ ‫ال يزالون يساندون النظام»‪.‬‬ ‫يضي��ف ش��يخ‪« :‬ه��ل يواج��ه القطاع‬ ‫المصرف��ي خط��ر االنهي��ار؟ أعتق��د أن هذا‬ ‫األمر وارد‪ ،‬حيث يستخدم األسد كل األموال‬ ‫التي يس��تطيع تكديس��ها في ه��ذه الحرب‪،‬‬ ‫ويس��تنزف موارد بع��ض القطاعات األخرى‬ ‫مث��ل قطاعي التعلي��م والمالية‪ .‬ال يمكن أن‬ ‫يستمر هذا الوضع لألبد»‪.‬‬

‫وق��ال كي��م «كان أب��و س��عدة يحاول‬ ‫الحدي��ث ع��ن جي��ل الش��باب ف��ي الش��رق‬ ‫األوس��ط الذي يكافح ويشارك في الثورات‪،‬‬ ‫فأدركنا أننا وجدنا ضالتنا»‪.‬‬ ‫وكانت النتيجة مس��رحية «هال نظرت‬ ‫إل��ى الكامي��را من فضل��ك»‪ .‬وتح��اول فيها‬ ‫ش��خصية نورا‪ ،‬وهي مخرجة أفالم هاوية‪،‬‬ ‫أن تس��جل ف��ي الخفاء ش��هادات أش��خاص‬ ‫اعتقل��وا جورا‪ ،‬لكن الش��رطة تقبض عليها‬ ‫بس��بب «جرائ��م»‪ ،‬منه��ا توزيع منش��ورات‬ ‫وتحمي��ل م��واد عل��ى موقع «في��س بوك»‬ ‫للتواص��ل االجتماع��ي‪ .‬وتتقاط��ع الجم��ل‬ ‫الحواري��ة للممثلين في المس��رحية – وكلها‬ ‫تستند إلى قصص حقيقية – مع لقطات من‬ ‫مقابالت مع معتقلين حقيقيين تعرض على‬ ‫شاشة في وسط المسرح‪ ،‬حسب «رويترز»‪.‬‬ ‫وق��ال س��عدة‪« :‬م��ن المده��ش‪ ،‬رغم‬ ‫مث��ل ه��ذه التضحي��ات‪ ،‬أن ن��رى الكثي��ر‬ ‫م��ن الس��وريين يش��اركون في الث��ورة في‬ ‫س��بيل نيل الحري��ة والديمقراطية والعدالة‬ ‫االجتماعية وتحقيق أحالمهم»‪.‬‬

‫ول��م يكن إخ��راج المس��رحية إلى حيز‬ ‫الوج��ود س��هال أيض��ا‪ ..‬فالممثل��ون كان��وا‬ ‫يتدربون على المس��رحية س��را في س��وريا‬ ‫واضط��روا للحص��ول على تأش��يرات س��فر‬ ‫عن طريق غير مباش��ر لع��دم وجود عالقات‬ ‫دبلوماسية بين سوريا وكوريا الجنوبية‪ .‬ولم‬ ‫تستكمل االستعدادات لعرض المسرحية إال‬ ‫قبل قليل من بدء العرض‪.‬‬ ‫ومم��ا زاد الموقف تعقي��دا عالقات كوريا‬ ‫الش��مالية مع دمشق‪ .‬وأفادت تقارير بأن كوريا‬ ‫الشمالية لعبت دورا في المفاعل النووي السري‬ ‫الس��وري ال��ذي دمرت��ه إس��رائيل ع��ام ‪2007‬‬ ‫وحاولت تصدير مواد كيماوية الستخدامها في‬ ‫صنع أس��لحة س��ورية في عام ‪ 2009‬في خرق‬ ‫لقرار صادر عن مجلس األمن الدولي‪.‬‬ ‫لكن كيم وكانغ أصرا على التعاون مع‬ ‫أبو س��عدة‪ ،‬وقاال‪« :‬إن دور ش��ركة المس��رح‬ ‫المعاص��ر ه��و ع��رض مث��ل ه��ذه القضايا‬ ‫الصعبة على المس��رح»‪ .‬واش��تملت سلسلة‬ ‫المسرحيات هذا العام على مسرحية اسمها‬ ‫«األخت موك��ران» وتدور ح��ول الجئين من‬

‫كوري��ا الش��مالية يعيش��ون ف��ي الجن��وب‪.‬‬ ‫وتتناول مس��رحية أخرى أشخاصا من أصل‬ ‫كوري يعيشون في اليابان‪.‬‬ ‫وقال كانغ «أردنا عرض حياة الناس كما هي‬ ‫ونترك الجميع يفكرون في هذه القضايا معا»‪.‬‬ ‫ويعتزم المسرح االستمرار في عرض‬ ‫المسرحية السورية على نطاق دولي أوسع‪،‬‬ ‫حي��ث م��ن المق��رر عرضها ف��ي وقت الحق‬ ‫في الش��رق األوس��ط‪ .‬ومن الممكن عرض‬ ‫المسرحية أيضا في أوروبا‪.‬‬ ‫وعل��ى الرغ��م م��ن ش��عور جمه��ور‬ ‫المس��رح ف��ي كوري��ا الجنوبي��ة بالصدم��ة‬ ‫من قص��ص التعذيب واإلهان��ة‪ ،‬فقد بيعت‬ ‫كل تذاك��ر العروض تقريب��ا‪ .‬ويرى كانغ أن‬ ‫المس��رحية ربما مس��ت وترا ل��دى الجمهور‬ ‫ألنه��ا ذك��رت الكوريين بع��ام ‪ 1980‬عندما‬ ‫خرجت مظاهرات ضخمة في مدينة جوانجو‬ ‫احتجاجا على الديكتاتورية آنذاك‪.‬‬ ‫وق��ال كانغ‪« :‬الس��بيل الوحي��د للتأثير‬ ‫في جمهورنا وجعلهم يؤيدوننا هو أن نكون‬ ‫صادقين ومخلصين في ما نفعله»‪.‬‬

‫م�سرحي��ة عن تعذي��ب املعتقلني يف �سوري��ا على م�سارح كوري��ا اجلنوبية‬ ‫«هال نظرت �إىل الكامريا من ف�ضلك»‬


‫الالجئ��ون ال�سوري��ون يف تركيا‬ ‫يخ�شون عدم العودة �إىل وطنهم‬

‫أسبوعية‬

‫تطرح الثورة السورية أسئلة فلسفية تتع ّلق بالهوية السورية ومستقبلها‪ .‬نظريًا‪ ،‬كانت للتيارات الفكرية‬ ‫السائدة نظرة إيديولوجية جامدة تجعل الهوية جوهراً خالداً أزلياً‪ .‬ليست هذه إشارة لشعار حزب البعث الشهير‬ ‫الذي يقدّس الرسالة الخالدة‪ ،‬بل أيضاً لرسالة التيارات اليسارية واإلسالمية‪ .‬ترى هذه التيارات أن الهوية هي‬ ‫إما إس�لامية بالمطلق‪ ،‬أو عربية بالمطلق‪ ،‬أو طبقية بالمطلق‪ .‬رؤية اليس��ار مختلف��ة‪ ،‬لكنها بالمحصلة تقوم‬ ‫بإرجاع كافة البنى الفوقية إلى البنية االقتصادية‪ ،‬حيث تبدو الطبقة التي ينتمي إليها الفرد‪ ،‬هوية‪.‬‬ ‫مع وصول حزب البعث للسلطة‪ ،‬أصبحت الهوية العربية هي الوحيدة المعترَف بها‪ .‬الجيل الذي نشأ تحت‬ ‫حكم البعث‪ ،‬خصوصًا بعد أحداث الثمانينات والقمع المفرط الذي طال كل وجوه الحياة‪ ،‬كان مطلوبًا منه أن ال‬ ‫يصرّح بأية هوية أخرى مرافقة أو مكمّلة للهوية العربية‪ .‬تم استبعاد الهويات الدينية واإلثنية بشكل كامل‪،‬‬ ‫ودفع الثمن اإلسالميون واألكراد بدرجات متفاوتة تبعًا للظروف‪ .‬أيضًا تعرّض اليسار لقمع غير مبرّر‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وهنا النقطة التي أود إثارتها‪ ،‬اس��تبعدت الهويات المح ّلية الطائفية والمناطقية بش��كل كامل‪.‬‬ ‫ف��ي التس��عينات‪ ،‬كان م��ن المعيب‪ ،‬مجتمعي��اً‪ ،‬أن تجاهر بأنك ش��امي أو حوراني أو حمص��ي‪ ،‬ومن الخطير‬ ‫سياسياً‪ ،‬أن تجاهر بأنك علوي أو سُنّي أو درزي‪.‬‬ ‫ه��ذا اإلفق��ار في مفهوم الهوية إل��ى الدرجة التي أصبح��ت فيـها الهوية معنى فارغا يش��ير دائمًا إلى‬ ‫فلسطين فقط ال غير‪ ،‬وال يرتبط بأي ملموس على المستوى المباشر‪ ،‬أدّى إلى فكرة غريبة مفادها‪ّ :‬أن من‬ ‫يجاهر بانتمائه المناطقي أو الطائفي هو حُكمًا ضد العروبة‪ ،‬وبالتالي رجعي يُضمر األذى لسوريا‪.‬‬ ‫الخطأ الذي ابتدأ باالستيالء على السلطة من قبل حزب إيديولوجي‪ ،‬يرفض االعتراف بوجود أحزاب أخرى‬ ‫لها رؤى مختلفة‪ ،‬امتدّ ليشمل الهويات الفرعية‪ .‬هكذا حوكمت الهويات األكثر حميمية واألقل أدلجة‪ .‬لماذا؟‬ ‫االعتراف بالهويات المناطقية يس��تتبع المطالبة بتحس��ين الظروف المعيش��ية ومحاربة فساد رجاالت‬ ‫الس��لطة واألم��ن في هذه المناطق‪ .‬كما يؤدي إلى دراس��ات ومش��اريع تتع ّلق بالمناط��ق المعنيّة ومحاولة‬ ‫الس��كان التعاون مع‪ ،‬أو انتقاد‪ ،‬الس��لطات المحلية‪ ،‬وص��و ًال إلى حياة كريمة ألبناء ه��ذه المناطق‪ .‬االعتراف‬ ‫بالهويات المناطقية والفخر بها‪ ،‬بهذا المعنى‪ ،‬هو حُكماً ضد االستبداد‪ ،‬وليس ضد العروبة‪.‬‬ ‫ف��ي بداي��ة الثورة‪ ،‬اتّهم أنصار النظام أبناء حوران بأن لهم طبيعة عش��ائرية خاصة (حرفيّاً)‪ .‬دفاعًا عن‬ ‫ه��ؤالء‪ ،‬أصرّ البعض أنّه ال يوجد خلفيّة عش��ائرية في احتجاجات الس��وريين‪ .‬الس��ؤال هو لم��اذا يتم الربط‬ ‫بين العش��ائرية من جهة‪ ،‬والتخلف والرجعية من جهة ثانية؟ ربّما كان الحتجاجات الس��وريين خلفية عشائرية‬ ‫ودينية‪ ،‬وهذا ليس معيبًا‪ ،‬طالما أن هذه االحتجاجات تسعى لبناء دولة القانون القائمة على احترام اآلخرين‪.‬‬ ‫معظم أطفال درعا الذين تم تعذيبهم ينتمون لعش��يرة أبازيد‪ .‬أما االحتجاجات فقد ش��ملت كل عشائر‬ ‫ح��وران‪ .‬أي أن العش��ائرية ال تعني التعصّب لعش��يرة على حس��اب أخرى‪ .‬إذا كان هذا ه��و بالضبط العنصر‬ ‫المعيب في العشائرية‪ ،‬فهو حتمًا مبالغ فيه‪ ،‬ولم نره في االحتجاجات‪ .‬تكون العشائرية معيبة‪ ،‬كما المناطقية‪،‬‬ ‫إذا قامت على مبدأ استبعادي واستعالئي‪ .‬أما إذا كانت مكمّلة ومرافقة للهوية الوطنية الجامعة‪ ،‬فهي ليست‬ ‫معيب��ة‪ .‬يهتف أهالي حمص يوميًا بأنهم يفدون حمص بأرواحهم‪ ،‬بل هم يفدون حمص بأرواحهم‪ .‬ال يعني‬ ‫ذل��ك أبداً‪ ،‬أن الحماصنة ضد الهوية العربية أو الهوية الس��ورية الجامعة‪ .‬العكس بالضبط هو الواقع‪ ،‬الهوية‬ ‫الفرعية الحمصية‪ ،‬بتجسيدها للنضال ضد االستبداد‪ ،‬هي نواة للهوية السورية الجامعة‪.‬‬ ‫ما هو التبرير النظري الستبعاد الهويات الفرعية المناطقية والطائفية؟ ما الذي يجعل انتماء الفرد إلى‬ ‫منطقة معيّنة (حوران أو حمص أو دير الزور) أو إلى طائفة معينة (علوي أو سني أو درزي) رجعيّاً وال يمكن‬ ‫أن يعم��ل لصالح العروبة؟ ما ه��و الخطأ في كون الفرد حمصيًا فخوراً وعربـــيًا‪ ،‬أو مس��يحيًا فخوراً وعربيًا؟‬ ‫التبرير النظري هو فكرة الهوية االس��تبعادية‪ .‬الهوية العربية‪ ،‬في فكر البعض‪ ،‬هي هويـــة خـــالدة أزلية‬ ‫تقس��م السوريين بـش��كـــل كامل إلى عرب وغير‪-‬عرب‪ .‬وهذه الهوية‪ ،‬كما النظام‪ ،‬ال تقبل بالمشاركة في‬ ‫أي��ة هوية أخرى‪ .‬النظام أفس��د مفهوم الهوية العربية بش��دة‪ ،‬ولكن المفهوم نفس��ه‪ ،‬كم��ا تمّ طرحه في‬ ‫بدايات القرن الماضي‪ ،‬مع مفاهيم اإلسالم السياسي واليسار بحاجة إلى مراجعة وتصويب‪.‬‬ ‫ما أثبتته الثورة الس��ورية هو أن الهويات المح ّلية المناطقية ال تتعارض مع الهوية العربية من ناحية‪،‬‬ ‫وال تتعارض مع مفهوم الهوية السورية الجامعة من ناحية أخرى‪ .‬من هنا‪ ،‬يجب مراجعة المفاهيم الموجودة‬ ‫حاليًا حول الهويات‪ .‬ليست الهوية مفهوم ماورائي بدون ملموس عيني‪.‬‬ ‫الكائن البش��ري‪ ،‬يعيش ويتنفّس ويأكل ويمارس نش��اطاته اليومية في بيئ��ة محددة زمانيًا ومكانيًا‪.‬‬ ‫ه��ذه البيئ��ة لها احتياجاتها ومش��اكلها وانعكاس��اتها‪ .‬االنتم��اء المناطقي ل��ه األولوية دائم��اً‪ .‬اإليديولوجيا‪،‬‬ ‫أو الفك��ر بش��كل ع��ام‪ ،‬الذي يحاول أن يش��رح ويفس��ر الظاهر‪ ،‬يج��ب أن ينطلق من الواق��ع المُعاش‪ ،‬وأن‬ ‫يجاريه‪ .‬لذلك‪ ،‬الهوية الس��ورية الجامعة لكافة أبناء الش��عب الس��وري‪ ،‬على اخت�لاف انتماءاتهم المناطقية‬ ‫والطائفي��ة والطبقية‪ ،‬يج��ب أن تكون مرافقة ومكمّلة وداعم��ة لالنتماء المناطقي‪ .‬أم��ا الهويات الطائفية‬ ‫واإلثنية المتنوعة فقد تكون مختلفة في بعض النقاط عن االنتماء المناطقي‪ .‬ولكن الظلم الذي تعرّض له‬ ‫اإلسالميون واألكراد‪ ،‬ينبع من ذات الخطأ‪ :‬الهوية العربية تم تقديمها كهوية استبعادية بالمطلق‪ .‬ما ينطبق‬ ‫على كافة هذه الهويات هو الفكرة نفس��ها‪ :‬طالما أن هذه الهويات ليس��ت اس��تبعادية‪ ،‬تنفي اآلخر وتحاربه‬ ‫بالمطلق‪ ،‬فهي هويات مش��روعة تحت مظلة الهوية الس��ورية الجامعة‪ .‬في س��وريا‪ ،‬أن الهوية العربية هي‬ ‫الهوية االستبعادية التي يحكم باسمها النظام‪ .‬كل الهويات األخرى مقموعة ومستبعدة‪.‬‬ ‫الثورة الس��ورية هي ثورة البش��ر الذين يعيش��ون على األرض‪ .‬من هنا‪ ،‬كان للوجود على األرض في‬ ‫المناطق المختلفة من بقاع س��وريا‪ ،‬وللعمل الميداني‪ ،‬الدور الرئيس��ي في الثورة على االس��تبداد‪ .‬الهويات‬ ‫الفوقي��ة‪ ،‬والتنظي��ر م��ن أعلى‪ ،‬يلع��ب دوراً ثانوياً ف��ي الثورة‪ .‬هذا أمر صحي وس��ليم‪ .‬الث��ورة تعيد ترتيب‬ ‫األولويات‪ .‬البشر أو ًال‪ ،‬النظريات واإليديولوجيا ثانيًا‪.‬‬ ‫الثورة الس��ورية‪ ،‬من منظور فلس��في‪ ،‬تدعونا إل��ى أن نعيد النظر في المفاهيم الموروثة‪ .‬اس��تخدم‬ ‫النظ��ام مفه��وم الهوي��ة العربية لتبري��ر القمع واالس��تبداد‪ .‬الثورة‪ ،‬في أح��د وجوهها‪ ،‬هي ث��ورة على هذا‬ ‫االس��تخدام للعروب��ة‪ .‬إع��ادة االعتبار لكل من ت��أذّى من هذا االس��تخدام‪ ،‬وفتح حوارات جدي��ة حول الهوية‬ ‫الس��ورية ومس��تقبلها‪ ،‬يعني أن الثورة تس��ير في الطري��ق الصحيح‪ .‬يجب أن نمدّ الي��د ونتعاون مع األكراد‬ ‫واإلس�لاميين واليسار واليمين‪ .‬لكن أيضًا‪ ،‬االنتماء المناطقي والطائفي بحاجة إلى إعادة نظر‪ .‬الدكتاتورية‬ ‫أفقرت سورية من كل انتماء‪ ،‬الثورة أعادت لسورية كل غناها وتنوعها‪.‬‬ ‫عن موقع صفحات سوريا‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫رفضت الس��لطات الس��ورية تقديم تقرير عن التعذيب إل��ى لجنة األمم‬ ‫المتح��دة لمكافح��ة التعذيب‪ .‬وقد ناش��د المجل��س الوطني الس��وري المجتمع‬ ‫الدولي وضع حد لما أسماه إرهاب النظام ضد شعبه‪.‬‬ ‫فقد رفضت الس��لطات الس��ورية أن تقدم تقريرا ع��ن التعذيب إلى لجنة‬ ‫األم��م المتحدة لمكافحة التعذي��ب التي من المقرر أن تناقش األربعاء بمقرها‬ ‫في جنيف الوضع بهذا البلد‪.‬‬ ‫وقال أمين سر اللجنة خواو ناتاف لوكالة الصحافة الفرنسية "ال يوجد أي‬ ‫ضم��ان لحضور وفد س��وري لكننا أُبلغنا بعدم تقدي��م أي تقرير"‪ .‬وأضاف "مع‬ ‫ذلك فاالجتماع العام سيعقد األربعاء كما هو مقرر"‪.‬‬ ‫وكان رئيس لجنة مكافحة التعذيب بعث في ‪ 23‬نوفمبر‪ /‬تش��رين الثاني‬ ‫الماضي رس��الة إلى الس��لطات الس��ورية يع��رب فيها عن القلق م��ن التقارير‬ ‫"الكثي��رة" الص��ادرة من مص��ادر جدي��رة بالثقة وتش��ير إلى لجوء واس��ع إلى‬ ‫التعذيب بهذا البلد وحتى قبل اندالع حركة االحتجاج في مارس‪ /‬آذار ‪.2011‬‬ ‫وكتب كالوديو غروس��مان أن "اللجنة تش��ير إلى أن هذه التقارير تتحدث‬ ‫عن انتهاكات مكثفة لحقوق اإلنسان تجرى بدون أي عقاب"‪.‬‬ ‫كما طلب في هذه الرسالة من دمشق أن تقدم إلى اللجنة "تقريرا خاصا"‬ ‫يفي��د بأن "اإلجراءات التي اتخذتها الدولة في إطار التزاماتها بموجب االتفاقية‬ ‫(ضد التعذيب) تطبق بصورة فعلية" إضافة إلى معلومات عن األحداث الجارية‬ ‫في البالد‪.‬‬

‫عدي الزعبي‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫النظام يرف�ض التقرير الأممي‬ ‫عن التعذيب يف �سوريا‬

‫الهوية ال�سورية‪:‬الدكتاتورية هم�شت‬ ‫االنتماءات والثورة �أغنتها‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬

‫س��لطت صحيفة «يو أس أيه ت��وداي» األميركية‪ ،‬الض��وء على الالجئين‬ ‫الس��وريين في تركيا‪ ،‬قائلة إن عشرات اآلالف من الالجئين إلى تركيا يخشون‬ ‫عدم رؤية منازلهم في س��وريا مرة أخرى وأن يصبحوا الجئين دائمين‪ ،‬مؤكدة‬ ‫أن��ه في حال توق��ف عقوبات الواليات المتحدة والبعثات الدبلوماس��ية من قبل‬ ‫األمم المتحدة ضد الرئيس السوري بشار األسد سيتم سحق المعارضة‪.‬‬ ‫وقال��ت الصحيفة إن عبدالرحم��ن‪ 40 ،‬عاما‪ ،‬والذي أجب��ر على الفرار إلى‬ ‫تركيا بعد أن أحرقت القوات الس��ورية منزله يعيش مع المنشقين عن الجيش‬ ‫السوري في منزل آمن في تركيا‪.‬‬ ‫وأضافت الصحيفة أنه رغم قول الرئيس أوباما إن األس��د يجب أن يرحل‬ ‫فإنه ال يزال يحكم قبضته على سوريا بمساعدة قواته الغاشمة‪.‬‬ ‫ونقل��ت الصحيف��ة ع��ن عمار الش��يخ عمر‪ ،‬أحد المنش��قين ع��ن الجيش‬ ‫الس��وري والذي يعي��ش اآلن في تركيا‪ ،‬قول��ه‪« :‬اعتقدت ف��ي البداية أن األمر‬ ‫سيستغرق شهرين أو ثالثة كحد أقصى‪ ،‬أنا مندهش من طول هذه الفترة»‪.‬‬ ‫وقالت مفوضية األمم المتحدة لشؤون الالجئين إنها قدمت مساعدات إلى‬ ‫ما يقرب من ‪ 70‬ألف الجئ سوري‪ ،‬بما في ذلك ‪ 24‬ألفا في لبنان‪ ،‬و‪ 14‬ألفا في‬ ‫األردن‪ ،‬و‪ 25‬ألفا في تركيا‪.‬‬ ‫ونقلت الصحيفة عن المتحدثة باسم مفوضية الالجئين باألمم المتحدة‪،‬‬ ‫ميليسا فليمينج‪ ،‬أن البلدان المضيفة غير قادرة على التعامل مع العبء المالي‬ ‫المطلوب بالنسبة لهؤالء الالجئين‪.‬‬ ‫ث��م تحدث��ت الصحيفة عن الش��يخ عمر قائلة إن��ه تزوج مؤخ��را قبل أن‬ ‫ينض��م إل��ى الجيش الس��وري ف��ي ديس��مبر ‪ 2010‬ألداء الخدمة العس��كرية‬ ‫اإلجبارية‪ ،‬وعندم��ا بدأت االنتفاضة‪ ،‬وصدرت أوامر بإطالق النيران على جميع‬ ‫المتظاهرين فر إلى تركيا وانضم إلى الجيش السوري الحر‪.‬‬ ‫ونقلت الصحيفة عن الش��يخ عم��ر‪ ،‬قوله‪« :‬إنني خائف وقلق جدا بش��أن‬ ‫مس��تقبلي‪ .‬دائما ما أتساءل‪ ،‬لماذا ال أهاجر بصحبة زوجتي وابنتي إلى ألمانيا‬ ‫وأعيش هناك حياة طبيعية»‪ .‬وأضاف‪« :‬إذا لم نستطع إسقاط النظام اآلن فلن‬ ‫يسقط أبدا‪ ،‬وسوف نعيش مثل الحيوانات إلى األبد»‪.‬‬ ‫وف��ي مخي��م لالجئي��ن على الح��دود التركية مع س��وريا‪ ،‬صرخت س��هير‬ ‫جوب��اري‪ ،‬وهي امرأة من حمص تعيش في المخيم منذ العام الماضي‪ ،‬قائلة‪:‬‬ ‫«لقد فق��دت الثقة في جامعة الدول العربية‪ ،‬المجتمع الدولي‪ ،‬وكوفي عنان»‪.‬‬ ‫في إش��ارة إلى األمين العام الس��ابق لألمم المتحدة والذي توسط لعقد هدنة‬ ‫ولكنها لم تنجح‪.‬‬ ‫وأضافت س��هير أن أبناءه��ا األربعة ال يمكنهم الذهاب للمدرس��ة؛ ألنهم‬ ‫ليس��وا مواطنين أت��راكا‪ ،‬فأطفالها الثالثة األصغر يذهبون إلى المدرس��ة في‬ ‫المخي��م ثالثة أي��ام أس��بوعيا‪ ،‬بينما ابنتها الكب��رى والتي كانت ق��د بدأت في‬ ‫دراسة األدب في جامعة سوريا غير قادرة على استكمال دراستها‪.‬‬ ‫ونقل��ت الصحيفة عن محم��د عمر‪ 11 ،‬عاما‪ ،‬وال��ذي كان يحلم أن يصبح‬ ‫طبيب��ا قبل أن يعيش بمخيم الالجئين‪« :‬كثيرا ما نس��مع الناس عبر شاش��ات‬ ‫التلف��از يتحدث��ون ضد النظام الس��وري‪ ،‬لكنهم ال يفعلون ش��يئا‪ ،‬الس��وريون‬ ‫يتعرضون للقتل كل يوم وال أحد يفعل ش��يئا‪ ،‬الحيوانات تعيش بشكل أفضل‬ ‫مما نحن عليه»‪.‬‬

‫�أوجـــاع وطــن‬

‫‪3‬‬


‫فـي انتظـار املخ ّلــــ�ص‬

‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪4‬‬

‫مبادرة عنان تغرق ب�ين جثث ال�سوريني‬ ‫ياسر مرزوق‬ ‫الغد‪ ،‬ذلك الباب المرصود‪ ،‬الحبيس‬ ‫بي��ن ش��فتي عرّافة‪ ،‬م��ا كن��ت ألحاول‬ ‫اقتحام س��ره لوال أن��ي ككل الناس منذ‬ ‫وجد الن��اس مولعٌ بالغي��ب أتبعه وأعلم‬ ‫أني ال أدركه وأحاول اكتناهه واس��تباقه‬ ‫وأن��ا موقنٌ أن��ي س��أنتظره ليأتي على‬ ‫ميعاد وقدر ال يتقدم عنه وال يتأخر‪.....‬‬ ‫والتطل��ع إل��ى الغد ظاهرة تنتش��ر‬ ‫أيام األزمات‪ ،‬أزمات الروح وأزمات المادة‬ ‫على الس��واء‪ ،‬وم��ن مثل ه��ذه األزمات‬ ‫خرجت مث ًال وثبتت في األذهان منذ عهد‬ ‫مصر وبابل إلى اليوم أسطورة " المهدي‬ ‫" المنتظ��ر ال��ذي س��يرجع إل��ى الدني��ا‬ ‫فيملؤها ع��د ًال كما ملئت جوراً‪ .....‬عيون‬ ‫الس��وريين اليوم تائه��ة‪ ،‬تنتظر المهدي‬ ‫ليحمل معه ترياق الحل‪ ،‬والنظام مازال‬ ‫يم��ارس عقي��دة النك��ران‪ ،‬والمعارض��ة‬ ‫تحتكم إلى قان��ون القبيلة الذي يقول "‬ ‫ع��دو عدوي صديقي " وهذا القانون في‬ ‫علم السياسة يؤدي إلى عمىً يستدعي‬ ‫الشفقة تجاه تعقيد العوامل التي تصنع‬ ‫وضعاً سياس��ياً معيناً‪ ،‬والخاس��ر األكبر "‬ ‫س��وريا " التي تنزف دمًا وجرحها يشهق‬ ‫بالصمت أو العوي��ل‪ ،‬صمت الفم الفاغر‬ ‫أو عويل الصمت‪ ،‬ال فرق‪ .....‬منذ أش��هر‬ ‫كان المه��دي المنتظر عربي��ًا‪ ،‬لكن كيف‬ ‫ألمةٍ س��قطت رهين��ة بكل م��ا فيها أن‬ ‫تخرج مخلصاً‪ ،‬وهي الحبيسة المصلوبة‬ ‫المحتكم��ة دوم��ًا لبيالطس وس��يده في‬ ‫روما‪...‬‬ ‫والي��وم ق��د يك��ون المه��دي أممياً‪،‬‬ ‫لكن كيف ألمم ل��م تنصر الحق يوماً أن‬ ‫ٍ‬ ‫تخرج مخلصاً‪ ،‬هذه األمم يحكمها س��يد‬ ‫روم��ا وتأتمر بأم��ره‪ ،‬عيون الس��وريين‬ ‫التائهة‪ ،‬البد أن تش��خص اتجاه الداخل‪،‬‬ ‫فهناك الترياق‪ ،‬أم��ا العرب وغيرهم فال‬ ‫مصلحة ألح��دٍ منهم بأن تلت��أم الجراح‬ ‫في سوريا‪ ،‬علينا أن نعي بأن ال مصلحة‬ ‫ألحد بس��قوط النظ��ام في س��وريا‪ ،‬وال‬ ‫مصلح��ة ألح��دٍ ببقائه مصلح��ة الجميع‬ ‫تنص��ب عل��ى س��قوط س��وريا س��قوط‬ ‫الدولة وسقوط المجتمع‪....‬‬ ‫إن الث��ورة الس��ورية‪ -‬األس��طورة‬ ‫تواجه نظامًا إقليمياً كرس��ته دول كثيرة‬ ‫وعلى رأس��ها إس��رائيل والغرب واالتحاد‬ ‫الس��وفييتي الس��ابق‪ ،‬الذي حلت روسيا‬ ‫اآلن محل��ه‪ ،‬والت��ي تغي��رت سياس��اتها‬ ‫عالمي��اً إال ف��ي س��ورية كآخ��ر موقع لها‬ ‫في الش��رق األوس��ط‪ .‬اس��تطاعت هذه‬ ‫الث��ورة رغ��م وق��وف كل ه��ذه األطراف‬ ‫ض��د التغيير عملياً في س��ورية أن تغير‬ ‫الواق��ع اإلقليم��ي الراهن‪ ،‬وم��ا المبادرة‬ ‫العربية س��ابقاً‪ ،‬ومب��ادرة عنان اليوم إال‬ ‫للمحافظة عل��ى هذا الت��وازن اإلقليمي‬ ‫اله��ش‪ ،‬ه��ذا وق��د تبنى مجل��س األمن‬ ‫الدولي‪ ،‬بيانًا رئاسياً يدعم خطة مبعوث‬ ‫األم��م المتحدة إلى س��وريا كوفي عنان‬ ‫المؤلف��ة م��ن ‪ 6‬نق��اط‪ ،‬ويوجه رس��الة‬ ‫"قوية وموحدة" إلى الحكومة الس��ورية‬ ‫"وكل الالعبين اآلخرين" حتى تس��تجيب‬ ‫بس��رعة للخطة الرامية إل��ى حل األزمة‬ ‫المس��تمرة في سورية‪ ،‬حيث لقي البيان‬ ‫ترحيباً دوليًا‪ .‬وكان أحمد فوزي المتحدث‬ ‫باس��م مبعوث األمم المتح��دة والجامعة‬

‫العربية إلى س��وريا كوف��ي عنان‪ ،‬أعلن‬ ‫أن الحكوم��ة الس��وية وافقت على خطة‬ ‫كوفي عنان‪.‬‬

‫بنود املبادرة‬

‫نش��رت وس��ائل اإلع�لام الغربي��ة‬ ‫اليوم األربعاء خطة التس��وية الس��لمية‬ ‫لألزمة السورية‪ ،‬والتي وضعها المبعوث‬ ‫الخاص لألم��م المتح��دة وجامعة الدول‬ ‫العربية كوفي عنان‪ .‬وتتألف الخطة التي‬ ‫اقترحها عنان من س��تة بنود‪ ،‬وتتضمن‬ ‫خطة عنان ما يلي‪:‬‬ ‫ وضع حلول سياس��ية داخلية تأخذ‬‫بعين االعتبار تطلعات ومخاوف الش��عب‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫ وق��ف جمي��ع أط��راف الن��زاع‬‫ألعم��ال العنف المس��لحة بكل أش��كالها‬ ‫تح��ت مراقب��ة األم��م المتح��دة‪ ،‬لحماية‬ ‫المواطنين‪.‬‬ ‫ يج��ب على جمي��ع أط��راف النزاع‬‫أن تؤم��ن مناف��ذ إليص��ال المس��اعدات‬ ‫اإلنسانية إلى جميع المناطق المتضررة‬ ‫م��ن الصدام��ات المس��لحة ف��ي البل��د‬ ‫واالمتث��ال إل��ى الهدنة اإلنس��انية لمدة‬ ‫ساعتين يوميا‪.‬‬ ‫ يج��ب عل��ى الس��لطات الس��ورية‬‫أن تطلق س��راح جميع المعتقلين الذين‬ ‫شاركوا في الحمالت االحتجاجية فورا‪.‬‬ ‫ يجب على الس��لطات السورية أن‬‫تؤم��ن حركة ح��رة للصحفيين في كافة‬ ‫أنحاء البلد‪.‬‬ ‫ يحب على الس��لطات السورية أن‬‫تحترم حرية التجمعات والحق في إجراء‬ ‫المظاهرات السلمية‪.‬‬ ‫وعنان الذي يريد تخصيص ميزانية‬ ‫لع��ام كام��ل لمبادرت��ه الرقابي��ة هذه!!‬ ‫مج��رد موظ��ف ال أكث��ر وال أق��ل وليس‬ ‫مقرراً‪ ،‬إال أنه بحكم وظيفته هذه يمكن‬ ‫له أن يس��اهم في مزيد من قتل شعبنا‬ ‫واس��تنزاف موارده‪ ،‬وهو المبتدع لفكرة‬ ‫"النفط مقابل الغ��ذاء " في العراق التي‬ ‫أودت بحياة اآلالف جوعًا‪.‬‬

‫رو�سيا‬

‫عن��ان عقد ف��ي موس��كو محادثات‬ ‫اس��تماع إل��ى مطالب روس��يا‪ ،‬بأكثر مما‬ ‫يمك��ن وصفه��ا بنق��اش لوجه��ات نظر‬ ‫الطرفي��ن ق��ال الف��روف لعن��ان‪" :‬نحن‬ ‫قدمنا م��ا علينا‪ ،‬جعلنا النظام الس��وري‬ ‫يقبل خطة النقاط الس��ت‪ .‬وش��رط بقاء‬ ‫دعمن��ا لمس��اعيكم وبالتال��ي نجاحكم‪،‬‬ ‫مره��ون بعدم تغليف مس��عاك بش��عار‬ ‫تنحي األس��د"‪ .‬هز عنان برأسه موافقاً‪،‬‬ ‫أو صاغراً‪ ،‬والكالم للمصدر عينه أيضاً‪.‬‬

‫ال�صني‬

‫ت��رك عنان روس��يا‪ ،‬وح��زم حقائبه‬ ‫إل��ى الصي��ن‪ ،‬وكان م��ن المفت��رض أن‬ ‫يقاب��ل هناك وزي��ر خارجيتها‪ ،‬بحس��ب‬ ‫تحديدات البروتوكول الدبلوماسي التي‬ ‫تناس��ب منصبه كمبعوث أممي وعربي‪،‬‬ ‫لكن منذ اللحظ��ة األولى لزيارته فوجئ‬ ‫بأن الصين اس��تقبلته برس��الة سياسية‬

‫قوية‪ ،‬تمثل��ت بأن محادثه في الجلس��ة‬ ‫الرس��مية لم يكن وزي��ر الخارجية‪ ،‬الذي‬ ‫اعتذر ع��ن عدم الحضور الضطراره إلى‬ ‫مرافقة الرئيس الصين��ي‪" ،‬هو جينتاو"‬ ‫في جولة آس��يوية تش��مل كوريا والهند‬ ‫وكمبودي��ا‪ ،‬وبد ًال منه جلس في مواجهة‬ ‫عنان‪ ،‬رئيس مجلس الدولة "ون جياباو"‪.‬‬ ‫وغي��اب وزي��ر الخارجي��ة الصين��ي ترك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سياس��ية قوية لعن��ان تفيد بأن‬ ‫رس��الة‬ ‫الملف الس��وري يعا َلج ف��ي الصين على‬ ‫أرف��ع مس��تويات اتخاذ الق��رار‪ ،‬وتحديداً‬ ‫على مس��توى الرجل الثان��ي في الدولة‬ ‫والحزب‪ ،‬ال على مستوى وزارة الخارجية‪.‬‬ ‫وتق��ول الرس��الة أيض��ًا‪ ،‬إن الصراع في‬ ‫س��ورية لي��س مجرد ب��ؤرة توت��ر أخرى‬ ‫في العالم‪ ،‬ب��ل إنه صراع يتعلق باألمن‬ ‫القومي الصيني‪.‬‬ ‫والتفس��ير اآلن��ف لمعن��ى ه��ذه‬ ‫الرس��الة الصيني��ة‪ ،‬نقلت��ه ش��خصية‬ ‫سياس��ية صينية‪ ،‬ش��اركت ف��ي لقاءات‬ ‫عن��ان‪ ،‬لدبلوماس��ي عربي اس��تمع منه‬ ‫أيضًا إلى وقائع أخرى عما قاله الصينيون‬ ‫بلسان الرجل الثاني في بكين‪ ،‬للمبعوث‬ ‫األمم��ي ‪ -‬العرب��ي‪ .‬ويق��ول‪" :‬عُ��رض‬ ‫الموق��ف الصيني عل��ى عنان بخصوص‬ ‫األزم��ة الس��ورية من خالل الت��درج في‬ ‫اس��تقراء األح��داث الدولي��ة وم��ن ث��م‬ ‫العربي��ة الجارية في هذه المرحلة‪ ،‬تحت‬ ‫عن��وان الربي��ع العربي‪ ،‬وموقع س��ورية‬ ‫فيه��ا‪ ،‬توص� ً‬ ‫لا إلى تقدي��م رؤية الصين‬ ‫لحلول ال تقدم‪ ،‬فقط‪ ،‬من وجهة نظرها‪،‬‬ ‫مخرج��اً الس��تعصاء اإلصالح السياس��ي‬ ‫في الش��رق األوس��ط‪ ،‬بل صيغ��ة أيضًا‬ ‫لمب��دأ تعزي��ز االس��تقرار اله��ش أص� ً‬ ‫لا‬ ‫فيه‪ ،‬وأيضًا‪ ،‬وهذا بيت القصيد‪ ،‬لقضية‬ ‫إصالح العالقات الدولية المتداعية"‪.‬‬

‫الواليات املتحدة الأمريكية‬

‫اإلدارة األمريكية ومعها دول االتحاد‬ ‫األوروب��ي مجتمعة حكمت عل��ى مبادرة‬ ‫عنان بالفشل منذ الصباح الباكر‪ ،‬وقالت‬ ‫إن نظام دمش��ق لم يحترم تعهداته‪ ،‬أي‬ ‫االنسحاب من المدن ووقف أعمال القتل‪،‬‬ ‫وطالبت مجل��س األمن الدول��ي بتقييم‬ ‫الوضع على هذا األساس والتدخل لوضع‬ ‫ح��د ألعمال العنف ال أحد يعرف ما مغزى‬

‫ه��ذه التصريح��ات األمريكي��ة‪ ،‬فكي��ف‬ ‫س��يتدخل مجلس األمن ويتخذ إجراءات‬ ‫عقابي��ة ضد النظ��ام الس��وري في ظل‬ ‫وجود 'الفيتو' الروسي الصيني المزدوج‬ ‫المش��هر في وجه أي عقوبات اقتصادية‬ ‫أو تدخل عس��كري إقليم��ي أو دولي في‬ ‫هذه األزمة‪.‬‬

‫تركيا‬

‫رج��ب طيب أردوغ��ان رئيس وزراء‬ ‫تركيا والالعب اإلقليمي األبرز في الملف‬ ‫الس��وري ط��ار إلى بكين‪ ،‬وح��ط الرحال‬ ‫بعدها في العاصمة السعودية الرياض‪،‬‬ ‫وف��ي العاصم��ة الصيني��ة وق��ع عق��وداً‬ ‫تجارية ضخمة تقدر بمليارات الدوالرات‪،‬‬ ‫أما محادثاته مع العاهل الس��عودي فقد‬ ‫تركزت ح��ول األوضاع في س��ورية دون‬ ‫تقديم أي معلوماتٍ إضافية‪.‬‬

‫ال�سعودية‬

‫المملكة العربية الس��عودية هدأت‬ ‫قلي ًال تجاه األزمة الس��ورية أو في العلن‬ ‫عل��ى األق��ل‪ ،‬وتراجعت بش��كل ملحوظ‬ ‫ع��ن حماس��ها الذي عب��ر عن��ه بوضوح‬ ‫األمي��ر س��عود الفيصل وزي��ر الخارجية‬ ‫الذي انسحب على غير العادة من اجتماع‬ ‫وزراء الخارجي��ة الع��رب ف��ي القاه��رة‪،‬‬ ‫وأك��د أن ب�لاده ستس��لح المعارض��ة‬ ‫الس��ورية للدف��اع ع��ن األبري��اء الذي��ن‬ ‫يقتله��م النظام‪ ،‬وأيدتها دولة قطر دون‬ ‫تحف��ظ‪ .‬التراج��ع الس��عودي ربما يكون‬ ‫راجع��ًا إل��ى حس��اباتٍ دقيق��ة ف��ي ظل‬ ‫الظ��رف الح��رج ال��ذي تمر ب��ه المنطقة‬ ‫فمن يطالب بتس��ليح معارضة اآلخرين‬ ‫يعطي ش��رعية لمن يتربصون لتس��ليح‬ ‫معارضت��ه وإذا لم تك��ن هناك معارضة‬ ‫في الوقت الحالي فقد تجد من ينش��ئها‬ ‫في المستقبل‪.‬‬ ‫وليس لنا إغفال الصراع الس��عودي‬ ‫القط��ري الخف��ي‪ ،‬على تقاس��م النفوذ‬ ‫ف��ي العالم العرب��ي‪ ،‬ومعركة الرئاس��ة‬ ‫ٌ‬ ‫دلي��ل واضح على هذا الصراع‬ ‫المصرية‬ ‫الخفي‪ ،‬الدائر بي��ن اإلخوان المدعومين‬ ‫من قطر‪ ،‬والتيار الس��لفي المدعوم من‬ ‫السعودية‪.‬‬


‫الملف ‪. .‬‬

‫النظام ال�سوري‬

‫املعار�ضة ال�سورية‬

‫أسبوعية‬

‫ال بد أيضاً من اإلضاءة على شخص‬ ‫" كوفي عنان " وتصوره لحقوق اإلنسان‬ ‫ودور األم��م المتحدة ف��ي صيانتها فقد‬ ‫أعل��ن عنان خالل كلمته ف��ي ‪ 20‬كانون‬ ‫األول ‪ 1999‬ف��ي الجمعي��ة العام��ة ع��ن‬ ‫عقيدت��ه ونظرته‪ ،‬مش��يراً إل��ى تجاربه‬ ‫في رواندا والبوسنة حيث قال‪ :‬لم تنجح‬ ‫الدول في حماية الناس‪ ،‬اس��تنتج بشكل‬ ‫متعاق��ب أن س��يادة ال��دول والدس��تور‬ ‫األساس��ي لميثاق األمم المتحدة تشكل‬ ‫مانع��ًا أم��ام حماي��ة حق��وق اإلنس��ان‪،‬‬ ‫عقيدة عنان تمهد لتدخل الدول العظمى‬ ‫وق��د تجلى ه��ذا بوضوح ف��ي العمليات‬ ‫الت��ي جرت ف��ي ليبي��ا ع��ام ‪ ،2011‬كما‬ ‫تفتح طريق��اً أخر للتدخل في الش��ؤون‬ ‫السورية‪.‬‬ ‫كم��ا ابت��دع عن��ان برنام��ج يدعى‬ ‫"الميثاق العالمي" وهو عبارة عن حش��د‬ ‫المجتم��ع المدني للس��عي نح��و تحقيق‬ ‫عال��م أفضل‪ ،‬وفق هذا البرنامج‪ ،‬يجتمع‬ ‫أصح��اب رأس الم��ال واالتح��ادات غي��ر‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫بالرغم من الضجيج اإلعالمي الذي‬ ‫امتهنه المعارض��ون في الفترة األخيرة‪،‬‬ ‫إال أن قب��ول النظ��ام لمب��ادة عنان يجوز‬ ‫اعتب��اره نص��راً للمعارض��ة‪ ،‬أو تمهي��داً‬ ‫لتدخل دول��ي يعتبره بعض المعارضين‬ ‫ح� ً‬ ‫بح��ل‬ ‫لا‪ ،‬وبعضه��م يمل��ك القناع��ة ٍ‬ ‫دبلوماس��ي لألزم��ة‪ ،‬فق��د أك��د عض��و‬ ‫"المنبر الديمقراطي السوري" المعارض‪،‬‬ ‫ميشيل كيلو أن مبادرة المبعوث األممي‬ ‫العرب��ي إلى س��ورية كوف��ي عنان هي‬ ‫مبادرة المعارضة السورية‪ ،‬مشددا على‬ ‫أن المعارضة تريد تطبيق هذه المبادرة‪،‬‬ ‫فيما أش��ار إلى أن المنبر س��يحاول وضع‬ ‫ح��د لالنقس��امات ف��ي المعارضة‪ ،‬ليس‬ ‫ع��ن طريق إجراءات سياس��ية فقط‪ ،‬بل‬ ‫عن طري��ق إيجاد أرضية مش��تركة لها‪.‬‬ ‫وقال كيل��و في حديث إلى قناة "روس��يا‬ ‫الي��وم"‪ ،‬الخمي��س إن��ه "لي��س صحيحا‬ ‫أن المعارضة الس��ورية ل��م توافق على‬ ‫مب��ادرة عن��ان بش��أن س��ورية‪ ،‬فمبادرة‬ ‫عنان قائمة بأس��رها على المبادرة التي‬ ‫قدمته��ا المعارض��ة الس��ورية ف��ي أيار‬

‫كويف عنان‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬

‫م��ن وجهة نظ��ر النظام اس��تقبال‬ ‫بعثة عنان هو خطأ من األس��اس‪ ،‬ولكن‬ ‫سورية قبلت به بسبب الضغط الروسي‪.‬‬ ‫فاعتماد س��ورية اآلن ه��و بالكامل على‬ ‫روسيا والصين‪ .‬لو تخلت هاتان الدولتان‬ ‫عن س��ورية كم��ا تراه��ن أمي��ركا فهذا‬ ‫يعني نهاية سورية‪ ،‬ولهذا السبب قررت‬ ‫س��ورية عدم إغض��اب روس��يا والصين‬ ‫مهم��ا كان الثم��ن‪ .‬س��ورية وضع��ت‬ ‫مصيرها في يدي روس��يا والصين وهي‬ ‫تخل��ت ع��ن أمنها وس��يادتها وأس��رارها‬ ‫العس��كرية إرض��اء لروس��يا والصي��ن‪.‬‬ ‫طبعا ه��ذا الرهان هو أفض��ل الرهانات‬ ‫المتاح��ة‪ ،‬الموق��ف الروس��ي والصين��ي‬ ‫أثب��ت حتى اآلن أنه موقف قوي وبالتالي‬ ‫الره��ان عليه هو أم��ر منطقي وصحيح‬ ‫في رأيي‪ ،‬روس��يا تراهن على أن نتيجة‬ ‫مهم��ة المراقبين الدوليين س��وف تكون‬ ‫مطابقة لنتيجة مهمة المراقبين العرب‪،‬‬ ‫أما أمي��ركا فهي تراهن عل��ى أن نتيجة‬ ‫مهم��ة المراقبين الدوليين في س��ورية‬ ‫س��وف تك��ون مطابق��ة لنتيج��ة مهم��ة‬ ‫المراقبي��ن الدوليين في العراق س��ابقا‪،‬‬ ‫أي ف��رض الحص��ار ثم الح��رب والدمار‪،‬‬ ‫فما هو الرهان الذي سيربح؟‬

‫الماض��ي للنظام"‪ .‬وأش��ار كيل��و إلى أن‬ ‫"هذه المبادرة تش��مل وج��ود بيئة حوار‬ ‫تق��وم عل��ى وقف إط�لاق النار وس��حب‬ ‫الجي��ش م��ن الم��دن وإط�لاق س��راح‬ ‫المعتقلي��ن وح��ق التظاه��ر الس��لمي‬ ‫وتحديد قناة من قبل السلطات وقناة من‬ ‫قب��ل المعارضة للتف��اوض الكامل على‬ ‫المرحلة االنتقالية نح��و الديمقراطية"‪.‬‬ ‫كم��ا أك��د أن "قب��ول الرئيس الس��وري‬ ‫للمبادرة آت ألن األسرة الدولية من بينها‬ ‫روسيا والصين قبلت بها‪ ،‬وليس من باب‬ ‫رغبته في إيجاد حل لألزمة"‪.‬‬ ‫وكان��ت معارض��ة الداخ��ل رحب��ت‬ ‫بمب��ادرة عن��ان‪ ،‬حي��ث قال��ت "هيئ��ة‬ ‫التنس��يق الوطنية" المعارضة إن مبادرة‬ ‫عنان‪ ،‬هي أهم فرصة فيما يتعلق بحل‬ ‫األزم��ة الس��ورية‪ ،‬فيم��ا قال "تي��ار بناء‬ ‫الدول��ة الس��ورية" المع��ارض إن مهمة‬ ‫عنان "فرصة جدي��ة" يمكنها إن توافرت‬ ‫لها الظروف المناسبة أن تساهم بإيقاف‬ ‫الصراع الدموي في البالد‪.‬‬ ‫فيم��ا انتق��د "المجل��س الوطن��ي‬ ‫السوري" المعارض البيان الرئاسي الذي‬ ‫أص��دره مجلس األمن الدولي بخصوص‬ ‫األزم��ة الس��ورية الداع��م لخط��ة عنان‬ ‫معتبرا أنه ال يس��تجيب لحاجات الش��عب‬ ‫السوري‪.‬‬

‫الحكومي��ة‪ ،‬م��ع بعضه��ا لتبح��ث قضايا‬ ‫حقوق اإلنس��ان ومعايير حق��وق العمل‬ ‫والمحيط الحيوي والبيئي‪ ،‬هذا البرنامج‬ ‫هو محاولة إلضعاف قدرة الدول الوطنية‬ ‫وزيادة قدرة الشركات المتعددة الجنسية‬ ‫والمنظم��ات التي هي ف��ي الظاهر (غير‬ ‫تابع��ة لل��دول) لكنه��ا تحظ��ى بالدع��م‬ ‫المادي من قبل القوى العظمى‪.‬‬ ‫ بزي��ادة نف��وذ لوبي��ات الضغ��ط‬‫بصفتها ش��ريكة لألم��م المتحدة‪ ،‬دُفن‬ ‫روح ميثاق "س��ان فرانسيس��كو"‪ .‬هدف‬ ‫ه��ذه المنظم��ة للح��ؤول دون نش��وب‬ ‫ح��روب‪ ،‬ليس فقط من خ�لال االعتراف‬ ‫الرس��مي بالحق��وق المتس��اوية لألم��م‬ ‫كبيرها وصغيرها‪ ،‬بل عن طريق حماية‬ ‫التوجه��ات المتطابق��ة بي��ن المصال��ح‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫"الميث��اق العالم��ي" ه��و انح��راف‬ ‫ع��ن المنطق العالم��ي المقبول من قبل‬ ‫الجميع وال��ذي ينص عل��ى أن القوانين‬ ‫الدولية الموضوعة تس��عى نحو تحقيق‬ ‫المصلح��ة العام��ة لجمي��ع الش��عوب‪.‬‬ ‫انح��رف ه��ذا الميث��اق باتج��اه المنطق‬ ‫االنكلوسكس��وني‪ ،‬حي��ث أن المصلح��ة‬ ‫العامة فيه ليس��ت س��وى وه��م وخيال‪،‬‬ ‫واإلدارة الجي��دة في��ه عبارة ع��ن اجتماع‬ ‫أكبر ع��دد ممكن م��ن تالق��ي المصالح‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫خالل تس��لم كوفي عنان لرئاس��ة‬ ‫األمم المتحدة لدورتين متتاليتين أصبح‬ ‫العال��م يخضع لقط��ب واح��د ولقوانين‬ ‫عولم��ة الهيمن��ة األمريكي��ة مقاب��ل أن‬ ‫تتخل��ى ال��دول ع��ن س��يادتها وقوته��ا‬ ‫الوطنية‪ .‬إن هذا البرنامج يشبه البرامج‬ ‫الخيرّي��ة األمريكي��ة ظاهره��ا خي��ر‬ ‫ومس��اعدة وباطنه��ا مصلح��ة ومنفعة‪،‬‬ ‫فالقيمّون على ه��ذا البرنامج يحاولون‬ ‫فرض حالة من الظلم واالس��تبداد على‬ ‫الش��عوب‪ .‬إس��تراتيجية برنامج "الميثاق‬ ‫العالم��ي" مثل إس��تراتيجية المؤسس��ة‬ ‫الوطنية لدعم الديمقراطية التي تسعى‪،‬‬ ‫على عكس اسمها‪ ،‬لتحقيق أهداف وكالة‬ ‫االس��تخبارات األمريكية‪ ،‬وذلك بالتالعب‬ ‫ف��ي عملية وآليات تطبيق الديمقراطية‪،‬‬ ‫المس��تفيدون م��ن العولم��ة يس��عون‬ ‫للمشاركة في الميثاق العالمي إلضعاف‬ ‫ق��وة الحكومات والش��عوب‪ .‬ليس الهدف‬ ‫الرئيس��ي لألمم المتح��دة اليوم تحقيق‬ ‫الس�لام‪ ،‬ألن عالم القطب الواحد يخضع‬ ‫لس��يطرة الواليات المتح��دة األمريكية‪،‬‬ ‫لهذا تس��تطيع المنظمة أن تستوعب كل‬

‫أنواع االحتجاج��ات وتبرر وجود الفوضى‬ ‫في العالم وزيادة االعتداءات فقط لنشر‬ ‫الهيمنة األمريكية‪.‬‬ ‫ولعل النقطة األكثر ظالمًا في تاريخ‬ ‫الرجل هي برنامج النفط مقابل الغذاء‪:‬‬ ‫والذي ت��م تطبيقه في الع��راق باقتراح‬ ‫منه‪ ،‬واله��دف من ه��ذا البرنامج ضمان‬ ‫وص��ول عائ��دات النفط لس��د احتياجات‬ ‫الشعب العراقي وليس لمغامرات صدام‬ ‫حس��ين العس��كرية‪ .‬وبوج��ود العقوبات‬ ‫الدولية والرقابة المباش��رة لكوفي عنان‬ ‫تحول هذا البرنام��ج إلى أداة بيد أمريكا‬ ‫وبريطانيا ونهبوا عائدات النفط العراقي‬ ‫حت��ى الهج��وم األمريكي عل��ى العراق‪.‬‬ ‫عانى الش��عب العراقي لس��نوات طويلة‬ ‫من س��وء التغذي��ة ومن نق��ص الدواء‪،‬‬ ‫ووصف عدة أش��خاص المس��ؤولين عن‬ ‫ه��ذا البرنامج بأنهم جناة ح��رب وقاموا‬ ‫بتقديم استقالتهم‪ ،‬كان من بين هؤالء‬ ‫األشخاص «هانس فون أسبانك» معاون‬ ‫األمي��ن العام ودين��س هاليدي ووصفوا‬ ‫هذا البرنام��ج بأنه أداة لإلبادة الجماعية‬ ‫بح��ق مليون ونصف عراق��ي من بينهم‬ ‫‪ 500.000‬طفل‪.‬‬ ‫كوفي عن��ان‪ ،‬يعرف جيداً ما يفعل‪،‬‬ ‫مثلما يدرك مس��بقًا أن مهمته لن يكتب‬ ‫له��ا النجاح‪ ،‬أو باألح��رى ال يجب أن تنجح‬ ‫فطرف��ا األزم��ة‪ ،‬النظ��ام والمعارض��ة‪،‬‬ ‫يري��دان الفش��ل ال النج��اح‪ ،‬لالس��تعداد‬ ‫للمرحل��ة التالية‪ .‬فالنظام ال يريد الحوار‬ ‫م��ع معارض��ة ال يعت��رف به��ا فق��ط بل‬ ‫يري��د تصفيته��ا‪ ،‬والمعارض��ة ال تري��د‬ ‫الح��وار مع نظ��ام قتل أكثر من عش��رة‬ ‫ٍ‬ ‫الس��وريين ومس��تعد لقت��ل‬ ‫آالف م��ن‬ ‫المزيد‪ .‬النظام يريد كسب الوقت إلنهاء‬ ‫المعارضة بالقوة المفرطة‪ ،‬و المعارضة‬ ‫تريد كس��ب الوقت حتى تحسم الواليات‬ ‫المتح��دة أمره��ا اتجاه المل��ف اإليراني‪،‬‬ ‫ال��ذي يش��مل المل��ف الس��وري كورقةٍ‬ ‫يلعب بها الطرفان‪.‬‬ ‫بي��ن نظ��ام يتص��رف بعقلي��ةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومعارضةٍ ارتهنت للعبة األمم‪،‬‬ ‫انتحارية‪،‬‬ ‫ومعارضةٍ ال تملك إال تاريخها المشرف‪،‬‬ ‫وشعب يس��طر المالحم‪ ،‬ويصعد الجبل‬ ‫ٍ‬ ‫يوميًا ف��ي مش��هدٍ "س��يزيفي"‪ ،‬والحل‬ ‫حمل عقله ومش��ى والس��وريون وقفوا‬ ‫يتأمل��ون الهارب ولم يبقى لنا إال انتظار‬ ‫مكر التاري��خ‪ ،‬أو انتظار المهدي ليخرجنا‬ ‫من هاويةٍ ال قرار لها‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫كلمة في الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪6‬‬

‫�أيـديـولــوجيا الثــــورة‬ ‫م��ن أكث��ر األم��ور صعوب��ة عل��ى أية‬ ‫حركة ثورية هو الكم الهائل من التنظيرات‬ ‫والتحليالت التي تنهال من كل حدب وصوب‬ ‫لتعط��ي الثائرين نصائح ومواعظ عن أمور‬ ‫ال يعلماه مانحوها باألساس‪.‬‬ ‫ونخش��ى أن يك��ون ال��كالم اليوم عن‬ ‫أيديولوجية الثورة مفهومًا ضمن هذا الباب‪،‬‬ ‫غي��ر أن الواق��ع أنن��ي أحاول تحلي��ل األمور‬ ‫من زاوي��ة المراق��ب ال من زاوي��ة التنظير‪،‬‬ ‫فقناعتي كان��ت على ال��دوام أن "أهل مكة‬ ‫أدرى بش��عابها" وأن من عل��ى األرض أدرى‬ ‫بتضاريسها من كل األقمار الصناعية‪.‬‬ ‫ال تخل��و ث��ورة أو ح��راك ش��عبي م��ن‬ ‫ق��وة كامنة تحركها‪ ،‬وال��كالم هنا ليس عن‬ ‫مؤامرات وال عن "مندسين" يدفعون للناس‬ ‫مقاب��ل خروجهم في مظاه��رات‪ ،‬فهذه أحد‬ ‫الحجج التي تس��اق للحط من ش��أن الحركة‬ ‫الجماهيرية العارمة التي شهدها ويشهدها‬ ‫العال��م العربي بأس��ره‪ .‬ولكنن��ا نتحدث هنا‬ ‫عن القوى والطاق��ات الخفية التي تبرز إلى‬ ‫الس��طح مع تط��ور الحرك��ة الثورية وطول‬ ‫أمدها‪ ،‬وهك��ذا يجد الن��اس فرصة إلطالق‬ ‫مكنون��ات عقوله��م وقلوبه��م ف��ي ش��تى‬ ‫المج��االت بع��د س��نين طويل��ة م��ن الكبت‬ ‫والتوجيه اإلجباري‪.‬‬ ‫عندم��ا انفج��ر الح��راك الش��عبي في‬ ‫بدايات��ه األول��ى من درع��ا‪ ،‬لم نك��ن بالكاد‬ ‫ن��رى الفت��ة واح��دة‪ ،‬كان الن��اس ال يزالون‬ ‫عل��ى تخوفه��م م��ن مج��رد الصي��اح‪ ،‬كان‬ ‫الخوف الكامن ف��ي أعماقهم يحاول جذبهم‬ ‫لألس��فل‪ .‬إال أن االنفجار ف��ي أعماقهم كان‬ ‫أقوى من أي خوف‪ ،‬وانطلقت حناجرهم أول‬ ‫مرة بالهتاف ضد الفس��اد ورموزه في لحظة‬ ‫تاريخي��ة ب��دت كالحل��م وباقي الس��وريين‬ ‫يش��اهدونها وكأنهم يرون كائنات فضائية‬ ‫ال إخوان لهم في الوطن‪.‬‬ ‫كان��ت الس��لطة عل��ى الموع��د تماما‪ً.‬‬ ‫فب��د ًال من قيام النظام بتهدئة النفوس عبر‬ ‫التوجه مباش��رة إلى أهال��ي األطفال الذين‬ ‫عان��وا من اإلج��رام والتعذيب وعب��ر القيام‬ ‫–ولو ش��كليًا‪ -‬بمحاس��بة المتورطين وعلى‬ ‫رأس��هم قريب الرئيس‪ ،‬نقول بد ًال من ذلك‬ ‫تمت إقالة المحافظ والذي لم يكن باألساس‬ ‫متورطًا مباش��رة في مسألة األطفال (وهذا‬ ‫لي��س دفاعًا عن��ه) وتم اس��تدعاء كل رموز‬ ‫الح��رس القدي��م والمعروف��ون ببطش��هم‬ ‫وأحادي��ة تفكيره��م فيما يتعل��ق بالتعامل‬ ‫مع الناس‪ .‬نس��ي أو تناس��ى النظام اللحظة‬ ‫التاريخية الفارقة الت��ي كانت هذه األحداث‬ ‫تجري خاللها أال وهي الربيع العربي‪ ،‬ونسي‬ ‫أو تناسى أيضًا أن سوريا ‪ 2011‬ليست سوريا‬ ‫‪ ،1982‬وه��و ما أظهر مقدار االنفصام الذي‬ ‫كان –وال ي��زال‪ -‬يعيش��ه النظ��ام بين واقع‬ ‫األمور وبين نظرته للتاريخ والمستقبل‪.‬‬ ‫ال نستطيع بأي حال من األحوال إخفاء‬ ‫الصبغ��ة الطائفي��ة والعش��ائرية للمجتم��ع‬ ‫الس��وري‪ ،‬وأن��ا عل��ى اعتق��اد ب��أن كل م��ا‬ ‫كان يت��م الترويج ل��ه عن الوح��دة الوطنية‬ ‫و"انتفاء" الطائفية داخل المجتمع الس��وري‬ ‫هو م��ن قبيل الدعاية الثوري��ة وخاصة في‬ ‫أروقة المؤتمرات في الغرب‪ ،‬وال أريد أن يتم‬ ‫فهم هذا الكالم على أنه "طعن في الثورة"‬ ‫أو "انق�لاب عليه��ا" أو غي��ر ذل��ك م��ن تهم‬ ‫التخوي��ن التي أصبحت جاهزة لدى الثائرين‬ ‫وكأنم��ا ورثناه��ا كابراً عن كاب��ر‪ ،‬كنت –وال‬ ‫أزال‪ -‬أق��ول أن ح��ل مش��كالت أي مجتم��ع‬ ‫يبدأ بتحليله��ا ال بالتعامي عليها‪ ،‬وما فعلته‬ ‫المعارض��ة –بقصد أو بغير قصد‪ -‬لم يخدم‬

‫في المحصلة مسيرة الثورة بشكل كامل‪.‬‬ ‫قلنا في مقال سابق أن اعتبار الطائفية‬ ‫أحد مكونات المجتمع السوري يجب أن يكون‬ ‫عنصر غنى وقوة له��ذا المجتمع ال العكس‪.‬‬ ‫وه��ذا األمر ل��م يت��م الحديث عن��ه في أية‬ ‫حقبة زمنية س��ابقة‪ ،‬وكان السبب الرئيس‬ ‫في ذلك هو إما س��يطرة خارجية استطاعت‬ ‫تغليب فئة على الباقين (االستبداد العثماني‬ ‫نموذجًا) أو استعمار استغل مسألة الطائفية‬ ‫على مب��دأ فرق تس��د (االنتداب الفرنس��ي‬ ‫نموذج��ًا) أو أنظم��ة الحق��ة ل��م تتعامل مع‬ ‫مس��ألة التن��وع الديمغراف��ي والمناطق��ي‬ ‫بالجدي��ة المطلوب��ة‪ .‬لم يك��ن مفهومًا مث ًال‬ ‫السبب وراء إهمال المس��ألة الكردية طوال‬ ‫الس��نين الس��بعين الماضي��ة (أي م��ا بع��د‬ ‫االس��تقالل) رغم أن المس��ألة كانت حاضرة‬ ‫بق��وة منذ ذل��ك الحين في أغلب النقاش��ات‬ ‫الوطنية أو حتى أزمات المنطقة‪.‬‬ ‫من هذا المنطلق ونظراً للكبت والقهر‬ ‫المختزني��ن ف��ي دواخل الس��وريين‪ ،‬وجدوا‬ ‫أنفس��هم وق��د نفض��وا عنهم غب��ار الخوف‬ ‫والمذلة يريدون التنفيس عما في أعماقهم‬ ‫بكل ما لم يس��تطيعوا قوله ف��ي الماضي‪،‬‬ ‫وهك��ذا انفج��رت األه��داف والش��عارات من‬ ‫كل ح��دب وصوب وفي كل االتجاهات‪ ،‬وكان‬ ‫أن بدأ المبدعون والفاش��لون على حد سواء‬ ‫باختراع الفتات وشعارات كانت في معظمها‬ ‫مبتك��رة وممي��زة وعاب بعضه��ا القصور أو‬ ‫ع��دم اإلدراك (وباألخ��ص في حم��ل أعالم‬ ‫تركيا وغيرها في البدايات)‪ .‬وكانت مس��ألة‬ ‫الشعارات مس��ألة هامة تس��تحق الدراسة‪،‬‬ ‫فق��د كان��ت تعبيراً مباش��راً عم��ا يجول في‬ ‫ص��دور الناس وق��د س��اهمت باإلضافة إلى‬ ‫"البخاخات الجدارية" وكذلك مواقع التواصل‬ ‫االجتماع��ي وغيره��ا ف��ي خلق واق��ع جديد‬ ‫ل��دى الس��وريين‪ ،‬كان جزء كبي��ر منه واقعًا‬ ‫افتراضيًا في البدايات وانقلب اليوم ليصبح‬ ‫واقعًا ملموسًا‪.‬‬ ‫حاول��ت المعارض��ة وعل��ى األخ��ص‬ ‫الخارجية منها طم��س أو التعتيم على جزء‬ ‫ال ب��أس به من الش��عارات الت��ي كانت ترفع‬ ‫هن��ا وهناك‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بالمس��ألة‬ ‫الطائفي��ة‪ ،‬وهك��ذا س��قطت المعارضة في‬ ‫نفس أس��اليب النظام التعتيمي��ة والمكذبة‬ ‫لكل شيء‪ ،‬وتبادل الطرفان االتهامات ولعبة‬ ‫إثب��ات كذب الص��ور أو الفيديوهات بش��كل‬ ‫غي��ر مس��بوق‪ ،‬وقد ب��دا ألي مراقب خارجي‬ ‫أن الطرفي��ن يلعب��ان ذات اللعب��ة‪ ،‬إما إنكار‬ ‫وإلق��اء التهمة على اآلخ��ر‪ ،‬أو إثبات لتكذيب‬ ‫اآلخ��ر‪ .‬وهن��ا ظه��ر الضع��ف الواض��ح في‬ ‫الممارس��ة السياس��ية وحت��ى اإليديولوجية‬ ‫للث��ورة منذ بدايته��ا من أجل إضف��اء طابع‬ ‫رومانس��ي ومثالي عل��ى الث��ورة والثائرين‬ ‫بكل أطيافهم‪.‬‬ ‫ازداد وض��وح اإليديولوجي��ا م��ع ظهور‬ ‫كتائ��ب العس��كريين المنش��قين والذي��ن‬ ‫اخت��اروا تس��مية "الجي��ش الح��ر"‪ .‬والمتابع‬ ‫لمس��يرة ه��ذه الكتائ��ب أو الفصائ��ل من��ذ‬ ‫بدايات تش��كلها في الصيف الماضي وحتى‬ ‫الي��وم يلح��ظ أن تس��مياتها وكذل��ك لغ��ة‬ ‫بياناته��ا تصب –تقريب��ًا‪ -‬في اتج��اه واحد‪،‬‬ ‫وهنا حارت المعارضة مرة أخرى بين ضابط‬ ‫يخرج إلى العلن معلنًا انش��قاقه وأن الهدف‬ ‫لي��س طائفيًا وبين التس��ميات ذات المدلول‬ ‫الديني الواض��ح وابتداء األغلبية الس��احقة‬ ‫م��ن البيان��ات بآي��ات قرآني��ة تتح��دث ع��ن‬ ‫"الجهاد" ضد الظالمي��ن والكفرة‪ .‬وقد أكدنا‬ ‫في أكثر من مناس��بة أن ذل��ك لن يفيد في‬ ‫جذب األغلبية الصامتة في الشارع السوري‬

‫ذي العالقات الكثيفة والمتداخلة والمتنوعة‬ ‫والت��ي يفت��رض أن يح��رص الجمي��ع على‬ ‫الحفاظ على تنوعها‪ .‬ونحن هنا ال ننكر على‬ ‫أي إنس��ان معتقده أو إيمان��ه‪ ،‬فهدفنا األول‬ ‫واألخي��ر كان وال يزال ه��و المجتمع المدني‬ ‫المنفت��ح والمتنوع‪ ،‬إال أن تصدر الش��عارات‬ ‫الديني��ة للكثير من التظاه��رات ناهيك عن‬ ‫وج��ود قنوات تلفزيونية متخصصة في هذا‬ ‫األم��ر تعم��ل من بعد ف��ي إضف��اء الصبغة‬ ‫الدينية على الحراك الوطني‪ ،‬كل ذلك يزيد‬ ‫من تعقيد األمور ويزيد من حيرة الحائرين‪،‬‬ ‫وال نس��تطيع إهمال بع��ض األمثلة الجريئة‬ ‫والقوية والتي أثبتت نفسها في الثورة برغم‬ ‫أطيافه��ا المختلف��ة ولكن المالح��ظ أن كل‬ ‫ذلك بقي ضمن النخب��ة المثقفة مع القليل‬ ‫جداً م��ن األمثلة الش��عبية‪ ،‬غي��ر أن الطابع‬ ‫األعم كان إع��ادة التقوقع عل��ى الطائفة أو‬ ‫العش��يرة لدى الغالبية الساحقة من أطياف‬ ‫الش��عب‪ .‬ونح��ن هن��ا ال نعفي النظ��ام أبداً‬ ‫من مس��ؤوليته عن كل ذلك‪ ،‬إال أن الظروف‬ ‫الدولي��ة والت��ي اختلف��ت بعد الحادي عش��ر‬ ‫من أيلول (س��بتمبر) ‪ 2001‬خلقت حالة مما‬ ‫أطل��ق عليه "الصحوة اإلس�لامية" وذلك مع‬ ‫تصاع��د الح��ركات الديني��ة ف��ي العالم كله‬ ‫وليس اإلس�لامي فقط‪ .‬وقد ب��دا أن بعض‬ ‫األنظم��ة العربية –ومنها النظام الس��وري‪-‬‬ ‫كان��ت س��عيدة وراضي��ة به��ذا التحالف بين‬ ‫رجال الدين والس��لطة حين تم توجيه مئات‬ ‫آالف الن��اس نحو التدين الش��عبي من جهة‬ ‫عدا ع��ن فتح بعض جبه��ات القتال العفوي‬ ‫هن��ا وهناك (الع��راق وأفغانس��تان نموذجًا)‬ ‫من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ق��د يقول كثي��رون أن أوان هذا الكالم‬ ‫يج��ب أن يأت��ي الحق��اً وأن بعض��اً من هذه‬ ‫األفكار سيوهن الثورة وغير ذلك من التهم‬ ‫الت��ي باتت جاه��زة عن��د غالبي��ة الثائرين‪.‬‬ ‫ولكنن��ي ال زل��ت مص��رّاً عل��ى أن التحلي��ل‬ ‫الواقع��ي وتعري��ة الظواه��ر االجتماعي��ة‬ ‫والثقافي��ة م��ن قش��ور علق��ت به��ا لمئ��ات‬ ‫الس��نين هو المدخل الصحي��ح لبناء مجتمع‬ ‫سوي صحي يفهم معنى االختالف ويمارسه‬ ‫في حيات��ه اليومية بفهم ووعي حضاريين‪.‬‬ ‫أما القف��ز فوق الحقائ��ق لالعتقاد بأن ذلك‬ ‫س��يخدم الثورة فهو من عم��ل من يعتبرون‬ ‫أنفس��هم "النخب��ة" الت��ي بات��ت تتص��رف‬ ‫كالنعام��ة التي ال تري��د أن ترى ما حولها مع‬ ‫اإليمان بأن كل شيء في مكانه‪.‬‬ ‫ش��هدت مس��ألة تس��مية جم��ع الثورة‬

‫خالد كنفاني‬

‫العديد من الس��جاالت والكثير من المهاترات‬ ‫واالتهامات على أمر ال أراه ّ‬ ‫يش��كل اليوم أي‬ ‫جوهر للث��ورة‪ .‬فالعنف المنفج��ر اليوم في‬ ‫كل م��كان من األرض الس��ورية بات يصمّ‬ ‫اآلذان‪ .‬وم��ع ذل��ك فقد ب��دا واضح��ًا التوجه‬ ‫العام ألس��ماء تلك الجمع إل��ى أن اعتبر أحد‬ ‫الناشطين نفسه منتصراً بمجرد اختيار أحد‬ ‫الجمع "جمعة كل السوريين"‪ ،‬وكأن الصراع‬ ‫االفتراضي أصبح إح��دى ملذات المعارضين‬ ‫وخاصة في الخارج ناهيك عن أنه أحد أدوات‬ ‫التخف��ي وراء الفش��ل السياس��ي والفكري‬ ‫العني��ف الذي منيت ب��ه المعارضة على كل‬ ‫المستويات‪.‬‬ ‫ال نفهم إنكار الكثي��ر من المعارضين‬ ‫للطائفي��ة بينما ن��رى تش��كيالت وتجمعات‬ ‫تحت أس��ماء ديني��ة أو طائفي��ة بحتة‪ .‬لفت‬ ‫نظ��ري خبر قيام أيمن عبد النور بتأس��يس‬ ‫منظمة أطلق عليها "س��وريون مس��يحيون‬ ‫م��ن أج��ل الديمقراطي��ة" وذلك لمس��اعدة‬ ‫المس��يحيين الذين تركوا منازلهم في أنحاء‬ ‫س��وريا‪ ،‬وه��ل هم ه��ؤالء فقط م��ن ترك‬ ‫منازله��م؟ وكي��ف يمك��ن أن يص��در ش��يء‬ ‫كه��ذا ع��ن ناش��ط يمل��ك قن��اة تلفزيونية‬ ‫وموقع��اً الكتروني��ًا يواصالن اته��ام النظام‬ ‫بإذكاء نار الفتنة والتفريق بين الس��وريين‪.‬‬ ‫كما ال ننس��ى الجمعي��ات والمنظم��ات التي‬ ‫ت��م تأسيس��ها في بع��ض دول الخليج تحت‬ ‫مس��ميات حماي��ة أه��ل الس��نة في س��وريا‬ ‫وغير ذلك‪ .‬كان األجدى إطالق حمالت كهذه‬ ‫تس��تهدف كاف��ة الس��وريين عل��ى اختالف‬ ‫مش��اربهم كون الجميع تض��رروا وتأذوا من‬ ‫بطش النظ��ام على كل المس��تويات‪ ،‬ال أن‬ ‫يتم استغالل ذلك لتمزيق الناس‪.‬‬ ‫إن األخط��اء الفادح��ة الت��ي يق��ع فيها‬ ‫المعارض��ون س��وف تقود البالد إل��ى الدمار‬ ‫المحتم‪ ،‬فال هم اس��تطاعوا اللحاق بالركب‬ ‫الجماهي��ري للث��ورة وال ه��م ق��ادرون على‬ ‫التفكي��ر باس��تقاللية لكونه��م ارتضوا منذ‬ ‫البداية القبول بأجندات مستضيفيهم‪ .‬وهذا‬ ‫لي��س اتهامًا لهم ولكن "رحم اهلل امرأ عرف‬ ‫قدر نفس��ه" وقد ثبت فشلهم في السياسة‬ ‫فكان األجدر بهم أن يحاولوا ولو مرة واحدة‬ ‫االقت��راب من المواطنين ف��ي مدنهم مثلما‬ ‫فعل مئ��ات الصحفي��ون الغربي��ون بدل أن‬ ‫يواصلوا الصراخ والتشجيع من بعيد‪.‬‬ ‫النظام زائل‪ ،‬وسوريا باقية‪ ،‬ولنا الخيار‬ ‫في تشكيلها كما نريد‪.‬‬


‫مفهوم التحكيم وطبيعته يف القانون ال�سوري‬

‫تعريف نظام التحكيم‪:‬‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ل��م تض��ع قواني��ن المرافع��ات‪ ،‬وال‬ ‫قواني��ن التحكي��م الص��ادرة‪ ،‬تعريف��ًا‬ ‫موح��داً لنظ��ام التحكيم‪ ،‬س��وى اقتصار‬ ‫دورها على تقرير مش��روعية وجود هذا‬ ‫النظام‪ ،‬وتحديد ش��روط االتفاق وقواعد‬ ‫اإلج��راءات‪ ،‬وأش��كال األح��كام‪ ،‬وط��رق‬ ‫الطع��ن فيه��ا‪ .‬وإذا كان طري��ق اللج��وء‬ ‫إل��ى القض��اء الع��ادي‪ ،‬مأم��ون الجان��ب‬ ‫بي��ن أش��خاص القان��ون الع��ام والخاص‬ ‫بس��بب م��ا تحيط��ه الدولة م��ن ضمانات‬ ‫تكفل تحقي��ق العدالة التي ت��ؤدي إليها‪،‬‬ ‫ف��إن ذلك ال يخل��و من بعض الس��لبيات‪،‬‬ ‫كالب��طء ف��ي إج��راءات الدع��وى وإطالة‬ ‫أمد التقاضي بس��بب الش��روط الشكلية‬ ‫والنصوص الجامدة ف��ي القوانين واجبة‬ ‫التطبي��ق‪ ،‬األم��ر الذي يترك آثاراً س��لبية‬ ‫بين األش��خاص‪ ،‬ويؤدي إلى قطع العالقة‬ ‫التي كانت قائم��ة بين األطراف‪ .‬وإذا كان‬ ‫م��ن المقبول تطبيق هذه اإلجراءات على‬ ‫المعام�لات المدني��ة‪ ،‬ف��إن تطبيقها على‬ ‫العالق��ات التجاري��ة‪ ،‬المحلي��ة أو الدولية‪،‬‬ ‫يخل��ق تذم��راً بين أط��راف العالقة الذين‬ ‫يتعاملون فيما بينهم على أس��اس الثقة‬ ‫المتبادلة‪ ،‬ويودون الس��رعة في تس��وية‬ ‫خالفاتهم‪ ،‬وإزال��ة العوائق التي تعترض‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬

‫عُ��رف التحكي��م م��ن زم��ن طوي��ل‪،‬‬ ‫ول��ه أصل وأس��اس ف��ي أحكام الش��ريعة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬بقوله تعالى في سورة النساء‪:‬‬ ‫« وإن خفتم ش��قاق بينهما‪ ،‬فابعثوا‬ ‫حكم��ًا م��ن أهله‪ ،‬وحكم��اً م��ن أهلها‪ ،‬إن‬ ‫يريدا إصالحًا يوفق اهلل بينهما »‪.‬‬ ‫واس��تناداً إلى ذلك اعتبر التحكيم «‬ ‫قضاء » واشترط في المحكم نفس شرط‬ ‫القاض��ي‪ ،‬وإن كان ال يمل��ك اختصاص��ًا‬ ‫مثله في مجال��ي القصاص والحدود وقد‬ ‫ش��اع التحكيم في عهد اإلس�لام‪ ،‬واستند‬ ‫إلى اتفاق األطراف واختيارهم‪ ،‬فإذا صدر‬ ‫الحكم بينهم أصبح ملزماً لهم‪.‬‬ ‫وقد س��ارت الدول على هذا المنوال‪،‬‬ ‫واعتب��رت التحكيم قض��ا ًء‪ ،‬واإلحالة عليه‬ ‫تك��ون اختي��اراً باتف��اق األط��راف‪ .،‬وإذا‬ ‫كان��ت تلك ال��دول ق��د حص��رت اعترافها‬ ‫ف��ي بداي��ة عه��د نش��وء التحكي��م " بقيد‬ ‫التحكيم أو ما يسمى شرط التحكيم " في‬ ‫العقد قبل نش��وء الن��زاع‪ ،‬أو ورد في عقد‬ ‫أو اتف��اق مس��تقل " صك التحكي��م " بعد‬ ‫نش��وء النزاع‪ ،‬واشترطت أن يكون االتفاق‬ ‫بنوعيه مكتوباً س��واء كان مدنيًا أو تجاريًا‬ ‫تحت طائلة عدم االعتداد بوجوده واستثناء‬ ‫من ه��ذه القاعدة اعترف قانون المرافعات‬ ‫األلمان��ي " باالتفاق التحكيمي الش��فوي "‬ ‫إذا ورد بشأن عالقة تجارية بين تاجرين‪.‬‬ ‫اس��تناداً إل��ى ذل��ك س��اهمت الدول‬ ‫بإيجاد مؤسس��ة التحكيم دون أن تتنازل‬ ‫ع��ن س��يادتها ألنه��ا أخضع��ت التحكي��م‬ ‫لموافقة المش��رع وللضوابط التشريعية‬ ‫التي تصدرها بهذا الخصوص‪.‬‬ ‫ف��ي ض��وء ذل��ك يمك��ن الق��ول إن‬ ‫مؤسس��ة التحكيم تس��تند بتحقيقها إلى‬ ‫أساس��ين هم��ا إرادة الخص��وم وموافقة‬ ‫المشرع على اإلرادة واالتفاق الذي يقوم‬ ‫بينه��م والحك��م ال��ذي يص��در بالن��زاع‪،‬‬ ‫ويضم��ن تنفي��ذه وإذا كان التحكي��م في‬ ‫األص��ل اختيارياً‪ ،‬فإن المش��رع قد يوجب‬ ‫ف��ي بع��ض األحي��ان أن يك��ون اللج��وء‬ ‫للتحكي��م إلزاميًا وهو ما يعرف بالتحكيم‬ ‫اإللزامي أو اإلجباري‪.‬‬

‫عالقاته��م‪ ،‬وخل��ق المناخ األفض��ل أمام‬ ‫المتعاقدين لتنفي��ذ التزاماتهم العقدية‪،‬‬ ‫الداخلية والخارجية‪.‬‬ ‫وتالفي��اً للصعوب��ات القضائي��ة‬ ‫الناش��ئة‪ ،‬أج��از المش��رع للمتعاقدي��ن‬ ‫وبصورة اس��تثنائية‪ ،‬أن يلجؤوا إلى نظام‬ ‫قضائ��ي آخ��ر م��واز للنظ��ام القضائ��ي‬ ‫العادي‪ ،‬لفض خالفاتهم بش��كل س��ريع‬ ‫واقتص��ادي وس��ري‪ ،‬هو نظ��ام التحكيم‬ ‫ال��ذي يختار الخصوم فيه ش��خصًا حياديًا‬ ‫نزيهاً يدعى " المحكم ‪ " Arbitrator‬يقوم‬ ‫بوظيف��ة قضائية مؤقت��ة‪ ،‬للحصول منه‬ ‫على حك��م نهائي ل��ه حجيت��ه وإلزاميته‬ ‫وقوت��ه بي��ن األط��راف طبق��اً ألح��كام‬ ‫القان��ون‪ ،‬ما لم يكن مفوض��اً بالصلح أو‬ ‫أعف��ي بش��كل صريح م��ن إتب��اع أحكام‬ ‫القانون‪ ،‬س��وى ما يتعلق منه��ا بالقواعد‬ ‫اإللزامية واجبة التطبيق‪.‬‬ ‫من هنا فإن التحكيم ليس بدي ًال عن‬ ‫القضاء العادي ولكنه أسلوب مواز له نظراً‬ ‫لطبيعة المنازع��ات التجارية التي تتطلب‬ ‫الس��رعة والس��رية‪ ،‬حي��ث ن��ص قان��ون‬ ‫التحكي��م الجدي��د على أن ق��رار التحكيم‬ ‫يصدر بعد مداولة سرية وبصورة مبرمة‬ ‫والجديد بهذا القانون أنه أعطى األطراف‬ ‫الحق بالمراجعة إذا ما صدر القرار مخالفًا‬ ‫لألص��ول والقانون‪ .‬وأجاز القانون الطعن‬ ‫عن طريق دعوى اإلبطال حيث يتم النظر‬ ‫فيها بغرفة المذاكرة وعلى وجه السرعة‪.‬‬ ‫والمحكم��ة ال تعي��د النظ��ر ف��ي موضوع‬ ‫الن��زاع‪ ،‬لكنها تتأكد من بعض الش��روط‬ ‫الش��كلية التي تضمن صدور هذا الحكم‬ ‫موافقاً للقانون‪ ،‬فإن كانت هذه الشروط‬ ‫متوف��رة ردت دعوى اإلبط��ال وهذا يعني‬ ‫إكس��اء حك��م المحكمين صيغ��ة التنفيذ‬ ‫وبالتال��ي ف��ان الط��رف صاح��ب الحق لم‬ ‫يع��د بحاجة إل��ى اللجوء إل��ى القضاء من‬ ‫أجل ذلك‬ ‫ص��در قان��ون التحكي��م الس��وري‬ ‫الجدي��د رق��م ‪ /4/‬لع��ام ‪ 2008‬بتاري��خ‬ ‫‪ 2008/3/25‬ونش��ر في الع��دد ‪ /15/‬من‬ ‫الجري��دة الرس��مية تاري��خ ‪،2008/4/2‬‬ ‫بحيث أصبح نافذاً اعتباراً من ‪2008/5/1‬‬ ‫حس��ب المادة ‪ /66/‬من��ه التي نصت على‬ ‫العم��ل ب��ه اعتباراً م��ن أول الش��هر الذي‬ ‫يلي نش��ره ف��ي الجريدة الرس��مية‪ .‬وقد‬ ‫ح��دد فيه المش��رع ما يج��وز التحكيم به‬ ‫كالقانون الس��ابق هي كاف��ة المنازعات‬ ‫ع��دا م��ا ال يجوز الصل��ح في��ه أو مخالفة‬ ‫النظ��ام الع��ام أو المتعلقة بالجنس��ية أو‬ ‫األحوال الشخصية باستثناء اآلثار المالية‬ ‫المترتبة على ذلك‬ ‫وق��د نص��ت الم��ادة ‪ /64/‬منه على‬ ‫إلغ��اء المواد ‪ /506/‬إلى ‪ /534/‬من قانون‬ ‫أص��ول المحاكم��ات الص��ادر بالمرس��وم‬ ‫التش��ريعي رق��م ‪ /84/‬لع��ام ‪1953‬‬ ‫وتعديالته‪ ،‬بحيث أصب��ح القانون الجديد‬ ‫حاكماً لكافة مس��ائل التحكي��م فيما خال‬ ‫بع��ض الح��االت االس��تثنائية كمنازعات‬ ‫العق��ود اإلدارية والتي نأمل أن يصار إلى‬ ‫تعديله بحيث يشمل كافة العقود اإلدارية‬ ‫مما يحقق الغاية المثلى إلصداره‪.‬‬ ‫كرّس المش��رع في الم��واد ‪ /7/‬وما‬ ‫يليها م��ن قان��ون التحكيم حري��ة اتفاق‬ ‫األط��راف على ّ‬ ‫ح��ل نزاعاتهم عن طريق‬ ‫التحكيم سواء أكان هذا قبل نشوء النزاع‬ ‫"ش��رط تحكيم في عقد معي��ن " أم كان‬ ‫بعد قيام النزاع ول��و كان قد عرض على‬ ‫القضاء واوجد حكمًا جديداً يتعلق باإلحالة‬

‫ال��واردة في العقد والتي تحيل إلى وثيقة‬ ‫تتضمن شرط تحكيم ولكن يجب هنا أن‬ ‫تكون اإلحال��ة واضحة في اعتبار ش��رط‬ ‫التحكيم جزءاً من العقد‪.‬‬ ‫وقد حس��م المش��رع في المادة ‪/8/‬‬ ‫تحكي��م الخالف الذي كان ثائ��راً في إطار‬ ‫القان��ون الس��ابق ح��ول الكتاب��ة وه��ل‬ ‫يعتبر ش��رط انعق��اد أم إثبات فقط‪ ،‬فقد‬ ‫تطلب��ت المادة ‪ /8/‬من القانون الجديد أن‬ ‫يك��ون االتفاق مكتوب��ًا وإال كان التحكيم‬ ‫باط� ً‬ ‫لا‪ ،‬وبحي��ث ال يمكن االدع��اء بوجود‬ ‫اتف��اق تحكي��م إال إذا كان مكتوباً‪ ،‬ولكن‬ ‫المش��رع تس��اهل في الكتابة المطلوبة‬ ‫مراعيًا التطور التقني الهائل في وس��ائل‬ ‫االتص��االت‪ ،‬فاعتب��ر االتفاق مكتوب��ًا إذا‬ ‫ورد ف��ي عقد أو وثيقة رس��مية أو عادية‬ ‫أو في محضر محرر لدى مرسله بوسائل‬ ‫االتص��ال المكت��وب "البري��د االلكتروني‪،‬‬ ‫الفاك��س‪ ،‬التلكس" إذا كانت تثبت تالقي‬ ‫إرادة مرس��ليها عل��ى اختي��ار التحكي��م‬ ‫وسيلة لفض النزاع‪ .‬وكرر المشرع أحكام‬ ‫القان��ون الس��ابق فيما يخص الش��خص‬ ‫ال��ذي يملك إب��رام اتف��اق تحكيم فنص‬ ‫على أنه الش��خص الطبيعي أو االعتباري‬ ‫ال��ذي يمل��ك التص��رف ف��ي حقوقه وفق‬ ‫القانون الذي يحكم أهليته المادة ‪.1/9‬‬ ‫ث��م ألقى المش��رع بموجب قانوني‬ ‫عل��ى أي��ة محكمة رفع��ت أمامه��ا دعوى‬ ‫في مس��ألة ابرم بش��أنها اتفاق تحكيم‪،‬‬ ‫فأوج��ب عليها تقرير ع��دم قبول الدعوى‬ ‫إذا دف��ع المدعى عليه بذل��ك قبل إبدائه‬ ‫أي طل��ب أو دف��اع ف��ي الدع��وى‪ ،‬وبحيث‬ ‫حسم المش��رع األمر حول القرار الواجب‬ ‫إص��داره م��ن قب��ل المحكم��ة مس��تبعداً‬ ‫العرف القضائي السوري الذي كان يعتمد‬ ‫إص��دار ق��رارات ب��ردّ الدعوى ش��ك ًال في‬ ‫الغال��ب وموضوعًا في أحيان أخرى‪ .‬ولكن‬ ‫المش��رع أعطى المحكمة ف��ي حال الدفع‬ ‫بوجود ش��رط تحكيم سلطة التحقق من‬ ‫أن االتفاق صحيح ولي��س باط ًال أو الغ أو‬ ‫عديم أو ال يمكن تنفيذه‪.‬‬ ‫كم��ا اعتمد المش��رع الس��وري مبدأ‬

‫اس��تقالل ش��رط التحكيم المس��تقر في‬ ‫فقه وتطبي��ق التحكيم التج��اري الدولي‬ ‫ونص عليه في المادة ‪ /11/‬تحكيم بحيث‬ ‫اعتبر ش��رط التحكيم اتفاقًا مستق ًال عن‬ ‫ش��روط العقد األخرى وال يتأثر بها لجهة‬ ‫صحتها أو بطالنها أو فس��خها طالما كان‬ ‫الشرط صحيحاً بذاته‪.‬‬ ‫انعق��اد االختص��اص لمحكم��ة‬ ‫االستئناف بالنظر في الدعوى التحكيمية‬ ‫بعد أن كانت محكمة البداية المدنية هي‬ ‫المختصة أصال للنظر في النزاع‪.‬‬ ‫ـ حدد القانون الجديد بشكل صريح‬ ‫م��دة ‪ /180/‬يوم��ا يتوج��ب خاللها فصل‬ ‫الدع��وى التحكيمية قابل��ة للتمديد ‪/90/‬‬ ‫يوم��ا أخرى‪ ،‬وف��ي حال لم يت��م التوصل‬ ‫التف��اق يمك��ن اللج��وء إل��ى محكم��ة‬ ‫االستئناف للتمديد لفترة ‪ /90/‬يوم أخرى‬ ‫نهائي��ة‪ ،‬فإذا أص��درت المحكم��ة قرارها‬ ‫بالرف��ض يمكن في ه��ذه الحالة االتفاق‬ ‫على إقامة دعوى تحكيمية جديدة‪.‬‬ ‫ـ أت��اح لهيئ��ة التحكي��م الب��ت ب��أي‬ ‫موض��وع يتعلق باختصاصها على أن يثار‬ ‫هذا الدفع قبل أي دفع آخر‪.‬‬ ‫ـ أت��اح القان��ون الجدي��د اتخ��اذ‬ ‫قرارات وقتي��ة من خ�لال محكمة األمور‬ ‫المستعجلة‪.‬‬ ‫ـ إذا ل��م يت��م االتف��اق بي��ن أعضاء‬ ‫التحكي��م يكتف��ى بق��رار الرئيس بغض‬ ‫النظر عن اآلخرين‪.‬‬ ‫ـ الحك��م ال��ذي يص��در ع��ن هيئ��ة‬ ‫التحكيم يصدر مبرمًا ولكنه قابل إلقامة‬ ‫دع��وى البط�لان ضمن حاالته��ا المحددة‬ ‫بالقانون‪.‬‬ ‫ـ أتاح إقامة مراكز تحكيمية‪.‬‬ ‫أخيرا البد من اإلشارة إلى أن اعتماد‬ ‫لا مس��اعداً‬ ‫نظ��ام التحكي��م يعتب��ر عام� ً‬ ‫للنظ��ام القضائ��ي م��ن جه��ة‪ ،‬إذ يخفف‬ ‫الضغ��ط عل��ى المحاك��م كم��ا يس��اعد‬ ‫المواطنين عل��ى اختصار الوق��ت والمال‬ ‫وتحصيل حقوقهم‪ ،‬بأسرع وقتٍ ممكن‪.‬‬

‫الصفحة القانونية‪. .‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫‪7‬‬


‫عن داريّا‪ :‬ث ّورة و�أكرث‪� ..‬سلم ّية و�أكرث!‬ ‫محمد دحنون‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪8‬‬

‫ليس��ت كغيره��ا‪ .‬للمدين��ة الصغيرة‪،‬‬ ‫القريب��ة من دمش��ق (‪ 8‬كم جن��وب غرب)‪،‬‬ ‫نكهة "ثوريّة" خاصّة‪ ،‬ربما اكتس��بتها من‪،‬‬ ‫وربم��ا تمّثلها‪ ،‬النظرة الوديع��ة و"النقيّة"‪،‬‬ ‫لذل��ك الش��اب ال��ذي ق��دّم ال��ورد إل��ى من‬ ‫س��يكون قاتله؛ غي��اث مطر‪ :‬داريّ��ا‪ .‬داريّا‪:‬‬ ‫غيّاث مطر!‬ ‫ع��ددٌ م��ن أصدق��اء الش��هيد ال��ذي‬ ‫ب��ات "روح��ًا تنقصها حنج��رة"‪ ،‬م��ا زالوا في‬ ‫معتق�لات النظام الس��وري‪ ،‬أبرزهم بالطبع‬ ‫يحيى الشربجي‪ ،‬الناشط الالعنفي‪ ،‬وصاحب‬ ‫مبادرات التوعيّ��ة االجتماعيّة والنش��اطات‬ ‫األهليّة التي تستلهم فكراً إسالميًّا العنفيًّا‪.‬‬ ‫يحيى المعتقل حالياً‪ ،‬كان معتق ًال أيضًا قبل‬ ‫ان��دالع الثوّرة بس��نوات‪ ،‬عل��ى خلفيّة تلك‬ ‫النش��اطات‪ .‬أمّ��ا رفيقهم��ا اآلخ��ر‪ ،‬الناش��ط‬ ‫إس�لام الدّباس‪ ،‬فقد مضى بيدين عاريتين‬ ‫إ ّال من قوارير مياه صغيرة مع ورود‪ ،‬وبصدر‬ ‫عار إ ّال من قلب ينبض بمش��اعر األخوّة نحو‬ ‫الس��وريين الذي��ن س��يقومون‪ ..‬باعتقال��ه‪:‬‬ ‫عناصر األمن والشبيحة!‬ ‫عن داريّا‪ ،‬المدين��ة الثائرة؛ انخراطها‬ ‫ّ‬ ‫المبك��ر والمس��تمر ف��ي الثوّرة الس��وريّة‪،‬‬ ‫أهمّ محطات��ه وأبرز مظاه��ره‪ ،‬هنا حديث‬ ‫مع ناشطين من أبناء المدينة‪.‬‬

‫يف ّ‬ ‫املقدمة‬

‫ل��م تنتظ��ر داريّا قط��ار الث��وّرة كي‬ ‫تلتح��ق به‪ .‬عل��ى العكس‪ ،‬كانت ج��زءاً من‬ ‫قاط��رة ضمّ��ت إليّه��ا ك ًال من درع��ا ودوما‬ ‫وباني��اس وغيره��ا من المدن الت��ي اندلعت‬ ‫فيها أولى المظاهر االحتجاجيّة ضد النظام‬ ‫السوري‪ .‬يقول أبو محمود وهو أحد ناشطي‬ ‫المدين��ة‪" :‬داري��ا م��ن المناطق الت��ي دعت‬ ‫للتظاهر في يوم الغضب الس��وري‪ ،‬وشارك‬ ‫عدد من أبنائها في اعتصام الس��ادس عشر‬ ‫من آذار أم��ام وزارة الداخلي��ة‪ ،‬حيث اعتقل‬ ‫منه��م ثالث��ة ش��بان وفتاتان‪ ،‬ث��م انطلقت‬ ‫أولى التظاهرات في شوارع المدينة في ‪25‬‬ ‫آذار الع��ام الماضي‪ ،‬من مس��جدي أنس بن‬ ‫مالك والعباس"‪ .‬كان الردّ بحس��ب أحد أبناء‬ ‫المدينة وائل ناطور (اسم مستعار) في يوم‬ ‫الجمعة التالية‪ ،‬األوّل من نيسان‪" ،‬حيث تم‬ ‫نشر حوالى ألف عنصر من األمن والشبيحة‬ ‫المس��لحين بالعص��ي واله��راوات‪ ،‬وقام��وا‬ ‫بتفري��ق المتظاهري��ن الذي��ن خرج��وا من‬ ‫مسجد طه‪ ،‬واعتقل حوالى عشرة أشخاص‬ ‫على األقل‪ ،‬بينهم جرحى"‪.‬‬ ‫وكغالبيّ��ة الم��دن والقرى الس��وريّة‬ ‫الثائ��رة‪ ،‬كان يوم الجمع��ة العظيمة‪ ،‬الثاني‬ ‫والعش��رون من نيس��ان قبل عام‪ ،‬قد ّ‬ ‫شكل‬ ‫ذروة ف��ي ع��دد المتظاهري��ن‪ .‬يق��ول أب��و‬ ‫محم��ود‪" :‬خرج��ت التظاه��رات م��ن ع��دّة‬ ‫جوامع‪ ،‬والتقت في ش��ارع الثورة‪ ،‬ثم توجه‬ ‫المش��اركون إلى شارع الباسل‪ ،‬حيث قوبلت‬ ‫هذه التظاهرات بالرص��اص الحي والغازات‬ ‫المس��يلة للدموع"‪ .‬األمر الذي خ ّلف‪ ،‬بحسب‬ ‫وائل‪ ،‬ثالثة ش��هداء هم أوّل من سقط من‬ ‫أبناء المدينة‪ .‬يقول‪" :‬استشهد ّ‬ ‫كل من وليد‬ ‫خوالني‪ ،‬المعتز باهلل الشعار وعمار محمود‪،‬‬ ‫وذلك بعد إصابتهم برص��اص قناصة أثناء‬ ‫مش��اركته في التظاهرة"‪ .‬يتابع‪" :‬جرى لهم‬ ‫تش��ييع كبير ش��ارك فيه عشرات اآلالف من‬ ‫أهال��ي داري��ا‪ ،‬وقد أعلن الح��داد ثالثة أيام‪،‬‬ ‫فأغلقت المحال التجاري��ة‪ ،‬وتم نصب خيام‬ ‫العزاء الستقبال وفود المعزّين من المدينة‬ ‫ومن خارج المنطقة"‪.‬‬ ‫من جهت��ه‪ ،‬يقول أبو محم��ود "قرعت‬ ‫كنائس المدينة أجراس��ها أثناء مرور موكب‬ ‫التشييع‪ ،‬وشارك عدد من األخوة المسيحيين‬

‫بتقديم واج��ب العزاء"‪ .‬ويضي��ف‪" :‬لم تكن‬ ‫تظاه��رات الجمع��ة العظيم��ة س��وى بروفا‬ ‫أوليّة في المدينة التي ال يزيد عدد سكانها‬ ‫ع��ن مئتي ألف‪ ،‬فقد س��جلت تظاهرة كبيرة‬ ‫زاد ع��دد المش��اركين فيها ع��ن ثالثين ألفًا‬ ‫في الرابع من ش��باط الماضي أثناء تش��ييع‬ ‫شهداء جمعة "عذراً حماة"‪.‬‬

‫ال�صدام الأوّل‪ ...‬وامل�ستمر!‬

‫سعى ثوّار المدينة إلى إسقاط النظام‬ ‫ف��ي وق��ت مبك��ر‪ .‬ي��وم الجمع��ة العظيمة‪،‬‬ ‫ج��رت محاولة إس��قاط النظ��ام رمزيًّا "من‬ ‫خ�لال تحطي��م تمث��ال حاف��ظ األس��د ف��ي‬ ‫شارع الشهيد طالب الس��مرة (شارع الباسل‬ ‫س��ابقاً)‪ .‬اس��تبقوا المحاول��ة‪ ،‬بحس��ب أب��و‬ ‫محمود‪ ،‬بهتافهم ألوّل مرّة‪" :‬الش��عب يريد‬ ‫إس��قاط النظ��ام"‪ .‬يومها‪ ،‬س��قط الش��هداء‬ ‫الثالثة الس��الف ذكرهم‪ .‬وش��هدت المدينة‪،‬‬ ‫"أول حالة اش��تباك بين ق��وى األمن‪ ،‬الذين‬ ‫استخدموا الغازات المسيلة للدموع والقنابل‬ ‫الغازية والرصاص الح��ي‪ ،‬مع المتظاهرين‬ ‫السلميين حاملي الورود"‪ ،‬يقول وائل‪.‬‬ ‫بعدها بأس��بوع‪ ،‬ستشهد المدينة أولى‬ ‫عمليات االقتح��ام التي قامت به��ا مخابرات‬ ‫النظ��ام‪ .‬يش��رح وائ��ل‪" :‬ف��ي الثالثي��ن من‬ ‫نيس��ان‪ ،‬أي بع��د ش��هر ونصف م��ن تاريخ‬ ‫اندالع الث��وّرة‪ ،‬قامت المخاب��رات بمداهمة‬ ‫المنازل واعتقال مجموعة من الناش��طين"‪.‬‬ ‫األم��ر الذي س��يتكرر‪ ،‬بحس��ب أب��و محمود‪،‬‬ ‫ف��ي ّ‬ ‫كل يوم جمعة منذ ذلك الحين‪" :‬ال يكاد‬ ‫يخلو يوم من دون وجود ميليش��يات النظام‬ ‫ورج��ال األم��ن والجنود المس��لحين‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى السيارات والمصفحات والمدرعات‪ ،‬التي‬ ‫تر ّكز بشكل كبير على المساجد والمشافي‪،‬‬ ‫هذا باإلضافة إلى االنتش��ار األمني الكثيف‬ ‫لترهيب الناس طيلة أيام األس��بوع‪ ،‬وخاصة‬ ‫أوقات الدوام المدرسي‪ ،‬إذ يتمركزون بشكل‬ ‫كبير عند أبواب المدارس"‪.‬‬ ‫ويتح��دث وائ��ل ب��دوره ع��ن "الحواجز‬ ‫األمنية الدائمة عند مداخل داريا الرئيسية‪،‬‬ ‫إضاف��ة إل��ى الحواج��ز األمنيّ��ة الطيّ��ارة‬ ‫لمالحقة الناشطين‪ ،‬ناهيك عن االقتحامات‬ ‫والمداهم��ات المس��تمرة للمن��ازل وتحطيم‬ ‫المحال التجارية وسرقتها عقب كل إضراب"‪.‬‬ ‫ويتابع‪" :‬ثمّة عمليات اقتحام ال تنسى‪ ،‬نظراً‬

‫لم��ا تخلفه من ضحايا بأع��داد كبيرة‪ ،‬ومنها‬ ‫مث ًال‪ :‬االقتحام ال��ذي جرى في جمعة آزادي‪،‬‬ ‫في العشرين من حزيران الماضي‪ ،‬ثمّ في‬ ‫األوّل م��ن كان��ون الثاني هذا الع��ام‪ ،‬حيث‬ ‫كان من المفترض وص��ول لجنة المراقبين‬ ‫الع��رب‪ ،‬وفي أحد أيّام أواخر ش��هر ش��باط‬ ‫الماض��ي قامت مخاب��رات النظ��ام باعتقال‬ ‫ثم��ان م��ن نس��اء المدين��ة‪ ،‬وكذلك سُ��جل‬ ‫اقتحام آخر في الس��ادس من نيس��ان‪ ،‬وتم‬ ‫تدمي��ر عدة منازل واستش��هد عدد كبير من‬ ‫أفراد الجيش الحر أثناء االشتباك مع القوّات‬ ‫المقتحمة"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بالطب��ع‪ ،‬رغ��م كل هذا وأكث��ر‪ ،‬بقيت‬ ‫درايّا في واجه��ة الحراك الثوّري مع غيرها‬ ‫من م��دن ريف دمش��ق‪ .‬يقول أب��و محمود‪:‬‬ ‫"اس��تمر الحراك في داريا حت��ى بعد اقتحام‬ ‫الجيش لها‪ ،‬من خالل التظاهرات األسبوعية‬ ‫والمس��ائية‪ ،‬بمش��اركة النس��اء واألطف��ال‬ ‫وطالب المدارس‪ ،‬وكذلك تظاهرات الشموع‬ ‫التي تجوب شوارع المدينة"‪.‬‬

‫�سلم ّية‪ ..‬و�أكرث!‬

‫قدّم��ت المدين��ة للث��وّرة الس��وريّة‬ ‫بعض��ًا من أهمّ أيقونات النضال الس��لمي‪.‬‬ ‫األمر الذي عزّز م��ن حضور ثقافة الالعنف‬ ‫ف��ي صف��وف الث��وّار‪ .‬كانت حادث��ة تقديم‬ ‫المي��اه وال��ورود لرج��ال األمن ه��ي األولى‬ ‫واألب��رز‪ .‬األمر الذي ق��ام به بعض من أهم‬ ‫نش��طاء المدينة ممن استشهد أو اعتقل‪ ،‬أو‬ ‫ممن يكمل المس��يرة‪ ،‬فيك��رر تلك التجربة‬ ‫بأس��اليب وأش��كال جدي��دة ومبتك��رة (راجع‬ ‫الكادر)‪ .‬بحس��ب أبو محم��ود‪" ،‬قبل االجتياح‬ ‫األوّل للمدين��ة بأس��بوع‪ ،‬قام��ت مجموع��ة‬ ‫م��ن أبناء داريا بتقديم الطعام لرجال األمن‬ ‫المتواجدين على الحواجز"‪ .‬فض ًال عن ذلك‪،‬‬ ‫تعتب��ر المدين��ة مرك��زاً لنش��اطات الكف��اح‬ ‫الس��لمي التي تنفذه��ا أكثر م��ن مجموعة‬ ‫ش��بابيّة‪ .‬وف��ي ه��ذا الص��دّد‪ ،‬يق��ول أب��و‬ ‫محم��ود‪" :‬نس��عى بصورة دائم��ة إلى تأكيد‬ ‫س��لميّة الث��وّرة‪ ،‬مس��تخدمين األس��اليب‬ ‫الالعنفي��ة‪ ،‬مث��ل‪ :‬تغيي��ر أس��ماء الش��وارع‬ ‫والس��احات الرئيس��ية واس��تبدالها بأس��ماء‬ ‫الش��هداء‪ ،‬إط�لاق "بوالين" الحري��ة‪ ،‬توزيع‬ ‫مناش��ير للتوعية وللدعوة لإلضراب‪ ،‬شموع‬ ‫الحرية‪ ،‬تعليق صور المعتقلين وأس��مائهم‬

‫على جدران المحكمة وفي الشوارع العامة‪،‬‬ ‫حمالت "بخ" ش��عارات ثوريّة على الجدران‪،‬‬ ‫حماي��ة المنش��آت العام��ة والمؤسس��ات‬ ‫الحكومي��ة م��ن التخري��ب عن طري��ق جدار‬ ‫بشري يصنعه المتظاهرون أنفسهم‪." ...‬‬ ‫تستمر المدينة الصغيرة‪ ،‬التي قدّمت‬ ‫للثوّرة السوريّة حتى اليوم أكثر من ثمانين‬ ‫ش��هيداً وألف معتقل‪ ،‬ما زال ‪ 400‬منهم قيد‬ ‫االعتقال التعس��في‪ ،‬بينهم أطفال ونس��اء‪،‬‬ ‫في تقدي��م المزي��د‪ .‬المدينة التي خس��رت‬ ‫أرواح��اً كثيرة حين حاول بع��ض من أبنائها‬ ‫رفع علم االستقالل الس��وري (علم الثوّرة)‬ ‫عل��ى مبنى بلديتها‪ ،‬ال تمتلك إ ّال أن تس��تمر‬ ‫في المحاولة‪ :‬رفع العلم‪ ..‬حتى النصر!‬

‫بناء �سوريا اجلديدة‬

‫ال يبدو على نش��طاء المدينة وثوّارها‬ ‫عمومًا أنّه��م يعرّفون الثوّرة بالس��لب؛ إذ‬ ‫ال يقتصر األمر بالنس��بة لهم على إس��قاط‬ ‫النظام فحس��ب‪ ،‬بل إنّهم‪ ،‬ومن خالل جملة‬ ‫م��ن النش��اطات المتع ّلقة بجوان��ب مختلفة‬ ‫م��ن الحي��اة االجتماعيّة‪ ،‬يس��عون إلى بناء‬ ‫سوريا الجديدة في نطاق مدينتهم‪ .‬انطالقًا‬ ‫م��ن ذل��ك يغ��دو "تقدي��م الهداي��ا ألمه��ات‬ ‫وأبن��اء الش��هداء والمعتقلي��ن‪ ،‬بمناس��بة‬ ‫عي��دي األضحى والفطر وعي��د األم‪ ،‬وكذلك‬ ‫زيارة عائالت الش��هداء والمعتقلين وتقديم‬ ‫الدعم المادي لهم" نشاطاً ثوّريًا بحسب أبو‬ ‫محمود‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬يضيف وائل "ثمة من يقوم‬ ‫بإج��راء دورات الدع��م النفس��ي لألطف��ال‬ ‫المصابي��ن بالصدم��ة‪ ،‬وكذل��ك دورات‬ ‫اإلس��عاف األول��ي‪ ،‬في ظ��ل تح��وّل عملية‬ ‫إس��عاف الجرح��ى إل��ى المنازل والمش��افي‬ ‫الميداني��ة بد ًال من المش��افي العادية‪ ،‬خوفًا‬ ‫من اختطاف المصاب من قبل قوى األمن"‪.‬‬ ‫يتاب��ع وائ��ل "قمنا‪ ،‬بالتع��اون مع ثوّار‬ ‫مدين��ة المعضميّ��ة القريب��ة‪ ،‬بمع��رض‬ ‫لرسومات األطفال‪ ،‬هذا فض ًال عن المشاركة‬ ‫في تشييع وتعزية شهداء المناطق األخرى‪،‬‬ ‫وإرس��ال معونات مادي��ة ألهال��ي المناطق‬ ‫األخ��رى المنكوب��ة‪ ،‬واس��تقبال األهال��ي‬ ‫المهجرين من حمص"‪.‬‬ ‫ملحق شباب السفير ‪2012 / 5 / 8‬‬


‫متيقنـة ممــا يحـدث‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫م��ن عش��ق مباغت لصدي��ق اختار أن يهجر عش��قه‬ ‫منحازاً الختفائه النبيل‬ ‫من المثقفين المفصومين‬ ‫والمثقفي��ن المحتاجي��ن للطع��ن ف��ي قناعاته��م‬ ‫السابقة‬ ‫من الشعراء الباحثين بال جدوى عن لغة جديدة‬ ‫الشعراء المالحقين إلى أقساط منازلهم الصغيرة‬ ‫الشعراء الذين ال تفارقهم القهقهة رغم المرارة‬ ‫من صديقاتي اللواتي يصغن تفاصيل أوقات دمشق‬ ‫وهن موقنات أن الشهرة اآلن‬ ‫محض افتراء على الدم‬ ‫من الدم الذي ينتصب في كل لحظة كجلجة متنقلة‬ ‫الدم الذي يش��هر أصابع��ه النحيلة ف��ي عيني قاتل‬ ‫متسلسل على طريقة األفالم األميريكية‬ ‫من القاتل يحفر كل لحظة مجار جديدة للدم‬ ‫من مجار لدم سائل ال يتخثر‬ ‫من دم ال يتبخر‬ ‫دم من المدن البعيدة‬ ‫دم من المدن القريبة‬ ‫دم ال لون واحد له‬ ‫وال زمرة واحدة‬ ‫دم يلطخ الشاشات الكبيرة والصغيرة‬ ‫دم يلطخ سماعة الهاتف‬ ‫دم معارض‬ ‫دم موالي‬ ‫دم في االجتماعات الطارئة في الغرف السرية‬ ‫دم في الحلوق‬ ‫دم في المفردات‬ ‫دم في الضحكات المباغتة‬ ‫دم في السهر‬ ‫دم في الجنس‬ ‫دم بديل عن الدمع‬ ‫دم في الهواء‬ ‫دم في الغبار‬ ‫دم في السجائر‬

‫دم في المشروب الرخيص‬ ‫دم في الليل‬ ‫في الستائر‬ ‫على الكنبة‬ ‫على السرير‬ ‫دم على األصابع‬ ‫دم في الوحشة‬ ‫وفي الحنين‬ ‫وفي االنفصال عن المكان‬ ‫دم في الهواء‬ ‫في النعاس‬ ‫في النوم‬ ‫في الكوابيس‬ ‫في محاوالت التأقلم‬ ‫دم في البيت الغريب‬ ‫في الشوارع الغريبة‬ ‫دم لم نتنفسه يوماً‬ ‫دم في كل شيء‬ ‫دم يتركه القاتل‬ ‫يطلقه القتلة‬ ‫القتلة الذين مازالوا هناك "‬ ‫كما يقول صديقي الشاعر‬ ‫صديقي الشاعر الذي ما زال هناك‬ ‫يحرس قصيدته من تفاصيل القتلة‬ ‫بينما أنا هنا‬ ‫متيقنة من الحدث‬ ‫متيقنة تماماً‬ ‫كي أقول ‪:‬‬ ‫أن‬ ‫ليس هذا نصا شعرياً‬ ‫هو مجرد يقين عن أن الحدث‬ ‫يحدث هناك يومياً‬ ‫وأنني أنا البعيدة اآلن‬ ‫ال أكف عن اليقين به‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫متيقنة تماماً من الحدث‬ ‫م��ن الش��وارع الت��ي ل��م تعد مف��ردات ف��ي النص‬ ‫الشعري‬ ‫من الوجوه التي انفصلت عن المباالتها‬ ‫من األسماء الحقيقية‬ ‫واألسماء المستعارة‬ ‫من المدن النائية التي جردت من أحالمها‬ ‫والمدن القريبة أيضاً‬ ‫م��ن الم��آذن ترتف��ع كل ليل��ة أعل��ى من الس��ماء‬ ‫السابعة‬ ‫من أصوات المكبرين والمغنين والحزانى‬ ‫م��ن األطف��ال يحمل��ون نبوءاته��م عل��ى أكفه��م‬ ‫الصغيرة‬ ‫من األطفال يتركون ش��غبهم على أس��رَة أمهاتهم‬ ‫ويمضون للموت‬ ‫واألطفال الذين اخترقوا أعمارهم‬ ‫م��ن النس��اء اللوات��ي خلع��ن حج��اب الخ��وف ع��ن‬ ‫أرواحهن‬ ‫والنساء الفخورات بحجاب حريتهن‬ ‫من األمهات يمضين ليلهن يحيكن أكفان أبنائهن‬ ‫من الزوجات المنتظرات‬ ‫من العش��يقات ف��ي األقبية المظلم��ة يميزن صوت‬ ‫األلم لعشاقهن‬ ‫من العش��اق يخفون صرخات آالمهم عن عشيقاتهم‬ ‫في األقبية المظلمة‬ ‫من الش��يخ المؤمن يسأل عن حال صبية ملحدة في‬ ‫القبو نفسه‬ ‫من الصامتين المركونين إلى هواجسهم‬ ‫من المغيبين في خديعة الشعارات‬ ‫المصدقين لما يريدون تصديقه‬ ‫الخائفين من النصل الحاد للحقيقة‬ ‫من البيوت المهدمة‬ ‫من أصحابها المتمسكين بها كخاتم الزواج العتيق‬ ‫من التاريخ يلعق أرشيف الجريمة الماضية‬ ‫من الحاضر يستعيد شريط المجازر اليومية‬ ‫من الحناجر المرمية على اإلسفلت‬ ‫من األعض��اء المتروكة على اإلس��فلت وعلى التراب‬ ‫كبقايا الطعام‬ ‫من األعضاء المرمية في النهر كطعام للسمك‬ ‫م��ن الدود يطلع من الجثث المتعفنة في المش��افي‬ ‫الحكومية‬ ‫من الجثث المعروفة‬ ‫والجثث التائهة بين مالمح مستعارة‬ ‫م��ن أحذي��ة مس��توردة تس��تبيح األجس��اد والغرف‬ ‫والمقابر‬ ‫من المقابر تتناسل يوما بعد يوم‬ ‫من الزهر الحزين على األضرحة الحزينة‬ ‫من الوردة وهي تغص بالماء القاتل في التجمعات‬ ‫من الهاربين من الخوف إلى خوف مضاعف‬ ‫م��ن الهاربين وهم يترك��ون دموعهم على الطريق‬ ‫كي ال يتوهوا في دروب عودتهم‬ ‫م��ن أصدقائ��ي المتلصصين على صفح��ات الفيس‬ ‫بوك الصريحة‬ ‫من أصدقائي الواضحين المعلنين‬ ‫من أصدقائي المتخفين الذين ينتش��لون األمل من‬ ‫مخابئهم‬

‫رشا عمران‬

‫‪9‬‬


‫القاعدة يف �سوريا‪ ..‬حقائق �أم �أكاذيب؟‬ ‫من أعمدة الصحافة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪10‬‬

‫ياسر سعد الدين‬ ‫كثر اللغط والكالم عن وجود القاعدة‬ ‫في سوريا والخش��ية من أن تتحول البالد‬ ‫التي تفقد فيها حكومة األس��د السيطرة‬‫عل��ى األمور يوما بعد آخر‪ -‬لدولة فاش��لة‬ ‫ومأوى لما تس��مى بالجماع��ات اإلرهابية‬ ‫والمتطرفة‪.‬‬ ‫حتى حسن نصر اهلل حاول االستفادة‬ ‫م��ن ش��ريط منس��وب أليم��ن الظواهري‬ ‫ليبرر مواقفه الس��لبية بش��دة من الثورة‬ ‫الس��ورية والت��ي ه��زت صورت��ه ش��عبيا‬ ‫وبش��كل كبير‪ .‬وف��ي حين يص��ر النظام‬ ‫عل��ى وج��ود عناصر للقاعدة في س��وريا‪،‬‬ ‫تؤكد المعارضة أن النظام هو المس��ؤول‬ ‫األول واألخير ع��ن التفجيرات والمفخخات‬ ‫التي تهز البالد بين حين وآخر‪.‬‬ ‫وتس��تند المعارض��ة ف��ي ذل��ك إلى‬ ‫أماك��ن وتوقي��ت التفجي��رات الت��ي ع��ادة‬ ‫ما تس��بق زي��ارة وف��ود المراقبي��ن عربا‬ ‫ودوليي��ن‪ .‬كم��ا ينقل الناش��طون لقطات‬ ‫م��ن وس��ائل اإلع�لام الرس��مية تظه��ر‬ ‫م��ا يعتبرون��ه فضائ��ح وإخراج��ا رديئ��ا‬ ‫لمسرحيات دموية قاتلة‪.‬‬ ‫ويتساءل البعض إذا كانت التفجيرات‬ ‫ناتج��ة ع��ن قناب��ل بش��رية منطلقة من‬ ‫فك��ر اس��تئصالي فلم��اذا تس��تهدف حي‬ ‫الميدان الثائر أكثر من مرة وال تس��تهدف‬ ‫أحي��اء تنتمي لطائفة األس��د على س��بيل‬ ‫المثال؟ وحتى نتعامل م��ع الحالة الجدلية‬ ‫بأس��لوب حيادي مهني بقدر المس��تطاع‪،‬‬ ‫سنس��تعرض صورا حديثة وأخ��رى تمتد‬ ‫لس��نوات خل��ت ألح��داث ومواق��ف تتعلق‬ ‫بطريقة أو أخرى بالموضوع‪ ،‬لعلها تجعل‬ ‫ق��درة القارئ على الحك��م على الموضوع‬ ‫أكثر علمية وموضوعية‪.‬‬ ‫• حين وق��ع تفجيرا دمش��ق الجمعة‬ ‫‪ 2011/12/23‬الل��ذان اس��تهدفا ‪-‬حس��ب‬ ‫الرواي��ة الرس��مية‪ -‬فرع��ا أمني��ا ومبن��ى‬ ‫إدارة المخاب��رات العامة عمدت الس��لطات‬ ‫الس��ورية وبع��د دقائ��ق م��ن التفجيرات‬ ‫إل��ى تحمي��ل تنظيم القاعدة المس��ؤولية‬ ‫وبش��كل مري��ب وغري��ب‪ .‬ه��ذا التس��رع‬ ‫دفع حس��ين مرتضى مراس��ل قناة العالم‬ ‫اإليرانية بدمش��ق وبحس��ب بريد األس��د‬ ‫اإللكترون��ي المس��رب إلرس��ال نصيح��ة‬ ‫للسلطات منقولة من حزب اهلل والحكومة‬ ‫اإليراني��ة توص��ي بالت��روي حفاظ��ا على‬ ‫المصداقية‪.‬‬ ‫• ش��اكر الدراجي‪ ،‬عضو ائتالف دولة‬ ‫القانون الذي يترأس��ه المالك��ي‪ ،‬قال في‬ ‫أغس��طس‪/‬آب الماض��ي إن المتظاهرين‬ ‫الس��وريين كان��وا م��ن تنظي��م القاعدة‪،‬‬ ‫وإن إس��رائيل ودول الخلي��ج وراء ه��ذه‬ ‫المظاه��رات‪ .‬وأوضح أنه إذا تمت اإلطاحة‬ ‫بنظ��ام األس��د س��يتولى أف��راد تنظي��م‬ ‫القاعدة الس��لطة وسيس��تخدمون سوريا‬ ‫كقاع��دة لش��ن هجم��ات عل��ى الع��راق‬ ‫والمنطق��ة‪ .‬وحس��ب الدراجي‪ ،‬يس��تهدف‬ ‫مخط��ط إس��رائيل ودول الخلي��ج العربي‬ ‫استغالل االختالفات الطائفية بين األسرة‬ ‫الش��يعية الحاكم��ة في س��وريا واألكثرية‬ ‫من الس��نة لصالحهم‪ .‬اتهام الدراجي خال‬ ‫م��ن المنطقية‪ ،‬وه��و محاولة مش��بوهة‬ ‫لتوظي��ف فزاع��ة القاعدة م��ن أجل دعم‬ ‫نظ��ام األس��د سياس��يا والتخوي��ف م��ن‬ ‫مساندة الثورة السورية التي كان طابعها‬ ‫السلمي ما زال سائدا في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫• حي��ن وقع��ت أح��داث مخي��م نه��ر‬ ‫الب��ارد عام ‪ 2007‬أش��ارت أصاب��ع االتهام‬ ‫للنظام الس��وري الذي من مصلحته وقتها‬ ‫زعزعة االس��تقرار في لبن��ان للتهرب من‬

‫اس��تحقاقات المحكمة الدولية في مسألة‬ ‫الحري��ري‪ .‬بش��ار الجعف��ري نف��ى تورط‬ ‫ب�لاده وقال حينها إن متش��ددين يقاتلون‬ ‫ق��وات الجي��ش اللبنان��ي أودعوا الس��جن‬ ‫في دمش��ق قبل س��نوات قليلة لصالتهم‬ ‫بتنظي��م القاع��دة وس��يعاد اعتقالهم إذا‬ ‫ع��ادوا إل��ى الب�لاد‪ ،‬وإن عددا م��ن أعضاء‬ ‫الجماع��ة قضوا "ثالث��ة أو أربع��ة أعوام"‬ ‫ف��ي الس��جون الس��ورية "قب��ل عامين"‪،‬‬ ‫بسبب روابط مع القاعدة‪ ،‬ثم أفرج عنهم‬ ‫وغادروا البالد‪.‬‬ ‫وأضاف قائ�لا للصحفيين‪" :‬إذا عادوا‬ ‫إلى س��وريا فإنهم س��يودعون الس��جن‪..‬‬ ‫إنه��م ال يقاتل��ون لمصلح��ة القضي��ة‬ ‫الفلس��طينية‪ .‬إنه��م يقاتل��ون لمصلح��ة‬ ‫القاع��دة"‪ .‬وقال إن معظم ق��ادة الجماعة‬ ‫فلس��طينيون أو أردني��ون أو س��عوديون‪،‬‬ ‫وربما أن "اثنين منهم" س��وريان‪ .‬وأضاف‬ ‫أنه بعد إطالق س��راح قادة الجماعة بدؤوا‬ ‫"ممارس��ات إرهابي��ة"‪ ،‬ودرب��وا "عناص��ر‬ ‫جديدة" لمصلح��ة القاعدة‪ ،‬لكنهم غادروا‬ ‫س��وريا حت��ى ال يتعرض��وا للس��جن مرة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫إذن ف��ي س��وريا وف��ي تل��ك الفترة‬ ‫يحاكم ناش��طون بأحكام قاس��ية لمواقف‬ ‫سياس��ية س��لمية‪ ،‬في حي��ن يقضي في‬ ‫س��جونها ولم��دد قصي��رة نس��بيا عناصر‬ ‫ب��ارزة وقيادية من "القاع��دة"!! ثم يكون‬ ‫لهم ‪-‬حسب السفير السوري‪ -‬بعد إطالق‬ ‫س��راحهم ممارس��ات إرهابي��ة وتدري��ب‬ ‫لعناصر جدي��دة ومن ثم يغ��ادرون البالد‬ ‫بس�لام من بعد م��ع االنتباه إل��ى أنهم لو‬ ‫عادوا للقبض عليهم‪.‬‬ ‫• ف��ي الصفح��ة األول��ى للوط��ن‬ ‫الس��ورية الصادرة ف��ي ‪ 2012/4/29‬خبر‬ ‫عن إع��دام الجي��ش الحر لوليد بس��تاني‬ ‫أحد قيادات فتح اإلس�لام‪ ،‬والدليل شريط‬ ‫فيدي��و وص��ل بطريق��ة عجيب��ة لقن��اة‬ ‫متعاطف��ة م��ع النظام ورد فيه اس��م أحد‬ ‫قيادات تيار المستقبل اللبناني‪ ،‬فهل كان‬ ‫محت��وى الش��ريط حقيقي��ا أم ص��وّر في‬ ‫أقبية المخابرات الس��ورية؟ أس��ئلة تحتاج‬ ‫لجهات محايدة ومس��تقلة لتقديم إجابات‬

‫علمية ومنطقية‪.‬‬ ‫ناش��طون اعتب��روا أن األم��ر ق��د‬ ‫يك��ون مفب��ركا‪ ،‬فالنظ��ام يه��دف إلثارة‬ ‫البلبل��ة والتحذي��ر م��ن تس��ليح الجي��ش‬ ‫الح��ر‪ ،‬واللعب على وتر القاعدة وتش��ويه‬ ‫س��معة اللبنانيين المتعاطفين مع معاناة‬ ‫الس��وريين المضطهدي��ن مث��ل تي��ار‬ ‫المستقبل في لبنان وغيره‪.‬‬ ‫• م��ا إن تحدث تفجيرات في س��وريا‬ ‫حتى يب��ادر إعالم النظام وقبل أي تدقيق‬ ‫أو إج��راء تحقي��ق لوص��ف التفجي��ر بأنه‬ ‫انتح��اري ليع��زز نظريت��ه ب��أن القاع��دة‬ ‫تنشط في الداخل السوري‪.‬‬ ‫• ف��ي مقابلة م��ع صحيف��ة صنداي‬ ‫تلغراف يوم األحد ‪ 2011/10/30‬قال األسد‬ ‫إن "س��وريا الي��وم ه��ي مرك��ز المنطقة‪.‬‬ ‫إنها الفال��ق الذي إذا لعبتم به تتس��ببون‬ ‫بزل��زال‪ ..‬هل تري��دون رؤية أفغانس��تان‬ ‫أخرى أو العشرات من أفغانستان؟"‪.‬‬ ‫• ف��ي صي��ف ‪ 2003‬نش��رت مجل��ة‬ ‫نيويورك��ر األميركي��ة تقري��راً لس��يمور‬ ‫هيرش‪ ،‬سرد فيه تفاصيل التعاون الوثيق‬ ‫بي��ن أجهزة األم��ن الس��ورية والمخابرات‬ ‫األميركية‪ .‬وكشف هيرش أن األميركيين‬ ‫حصلوا من السوريين على "كارت بالنش"‬ ‫لدراس��ة وتدقيق آالف الملف��ات والوثائق‬ ‫والمستندات الس��رية التي تخص رجاالت‬ ‫القاعدة في ألمانيا بصفة خاصة‪.‬‬ ‫كذل��ك أش��ار التقري��ر إل��ى فض��ل‬ ‫الجانب السوري في إفشال عمليتين ضدّ‬ ‫القوات األميركية‪ :‬واحدة ضدّ األس��طول‬ ‫الخامس في البحرين‪ ،‬والثانية ضدّ هدف‬ ‫في أوتاوا بكندا‪ .‬المعلومات االستخباراتية‬ ‫الس��ورية التي أدهشت األميركيين حينها‬ ‫ناتجة عن اختراقات أجهزة أمنية س��ورية‬ ‫متمكن��ة لمنظم��ات ذات ص�لات وعالقات‬ ‫بتنظي��م القاع��دة‪ .‬األم��ر ال��ذي يط��رح‬ ‫عالم��ات اس��تفهام ح��ول م��ا يج��ري في‬ ‫س��وريا اآلن‪ ،‬ه��ل ه��و تدبير م��ن أجهزة‬ ‫النظ��ام أم توظي��ف الختراق��ات وعالقات‬ ‫س��ابقة أم أن األمن الس��وري فقد قدراته‬ ‫الت��ي كان يوظفها للتق��رب والتواصل مع‬ ‫األميركيين؟‬

‫• نقلت صحيفة تلغ��راف البريطانية‬ ‫ف��ي ش��هر فبراير‪/‬ش��باط الماض��ي خبر‬ ‫إطالق س��لطات األسد س��راح أبو مصعب‬ ‫الس��وري (مصطف��ى س��ت مري��م نصار)‬ ‫المتهم بأنه العقل المدبر لتفجيرات لندن‬ ‫قبل س��بع س��نوات من معتقل��ه في حلب‬ ‫في م��ا يبدو أنه تحذي��ر للواليات المتحدة‬ ‫وبريطاني��ا م��ن عواق��ب س��قوط النظام‬ ‫وإدارة ظهرهما له في مواجهة االنتفاضة‬ ‫التي تشهدها البالد‪ ،‬وتقول الصحيفة‪ :‬إن‬ ‫النظام السوري ربما أفرج عن أبو مصعب‬ ‫كرد فعل على الحملة األميركية والغربية‬ ‫ضده‪.‬‬ ‫• أب��و القعق��اع (محم��ود أغاس��ي)‬ ‫كان��ت ل��ه خط��ب جهادي��ة حماس��ية إبان‬ ‫الغ��زو األميرك��ي للعراق‪ ،‬ش��كل جماعة‬ ‫قام بتدريبه��ا في جامع في حي الصاخور‬ ‫بحل��ب‪ ،‬ونظم مهرجانات قدم فيها أتباعه‬ ‫عروض��اً للقتال‪ ،‬ونش��ر خطب��ه الجهادية‬ ‫الناري��ة عل��ى أق��راص مضغوط��ة‪ .‬تمت‬ ‫تصفيته واغتياله يوم ‪ 2007/9/28‬وربما‬ ‫التخلص منه بعد أن استثمره النظام في‬ ‫حشد المقاتلين في العراق واللعب بورقة‬ ‫المقاومة دعما واختراقا ليتم اس��تخدامها‬ ‫كورقة مساومة سياسية‪.‬‬ ‫وبحس��ب تقري��ر لهيوم��ن رايت��س‬ ‫ووت��ش‪" :‬بعيداً عن العدال��ة‪ :‬محكمة أمن‬ ‫الدول��ة العليا في س��وريا"‪ ،‬الصادر مطلع‬ ‫‪ ،2009‬فلق��د كانت الس��لطات الس��ورية‬ ‫تس��مح لدبلوماس��يين غربيي��ن بحضور‬ ‫محاكم��ات أم��ن الدول��ة رغ��م افتقاده��ا‬ ‫للمعايير القضائية السليمة بحدها األدنى‬ ‫لتحاك��م بحضوره��م س��لفيين وتحك��م‬ ‫عليهم خالل دقائق بس��نوات في السجن‬ ‫لمج��رد أنها ضبطت معهم أش��رطة ألبي‬ ‫القعقاع‪.‬‬ ‫• في مقابلته الش��هيرة مع نيويورك‬ ‫تايم��ز ف��ي مايو‪/‬أي��ار ‪ 2011‬ق��ال رام��ي‬ ‫مخل��وف ابن خ��ال األس��د ورج��ل النظام‬ ‫االقتص��ادي األول إن "الس��لفيين" ه��م‬ ‫البدي��ل ع��ن النظ��ام‪ ،‬وإن��ه إذا ل��م يكن‬ ‫هناك استقرار في سوريا فمن المستحيل‬ ‫أن يك��ون هناك اس��تقرار في إس��رائيل‪،‬‬


‫من أعمدة الصحافة ‪. .‬‬

‫يحكى أن��ه في إحدى الغاب��ات المزده��رة حيث النهر‬ ‫العظيم والطير والزهر واألشجار المخضرة‪ ..‬وحيث ال شر وال‬ ‫ظل��م بعد طرد األفعوان ذو األجراس المجلجلة‪ ..‬الذي اختبأ‬ ‫في جحر قريب ينتظر غفلة السنديان كي يعود‪ ..‬وحين سأم‬ ‫االنتظار‪ ..‬وس��وس في رأس��ه كل أعوانه األش��رار‪ ..‬يا إلهنا‬ ‫األكب��ر في أرضهم ينبت غصن بائس متطفل ال حول له وال‬ ‫قوة لكنه نبات ش��يطاني يحتاج فقط جرعة من سمك حتى‬ ‫ينمو بسرعة جنونية تفوق سرعة السنديان بأربعين عاماً‪..‬‬ ‫أعج��ب األفعوان بالفكرة وتم إيصال الس��م للنبات في ليلة‬ ‫غير مقمرة‪..‬‬ ‫عاد الصباح متثاق ًال بخطوه ليكشف عن اختناق الزهور‬ ‫ذات األعناق الصغيرة واأللوان األثيرة‪ ..‬لم تتنبه كل أش��جار‬ ‫الغابة بعد لكن الدالية الحانية وحين تلمست أغصان النبات‬ ‫المتطفل تخنق بعض أغصانها وتعصر عناقيدها أدركت سر‬ ‫انتح��ار الزهور الجماعي (كما روج األش��رار) فأخذت تصارعه‬ ‫و تلتف حوله فاقدة الكثير م��ن أغصانها المتفرعة على مد‬ ‫النظر‪ ..‬تنب��ه الصبار والتف��اح والليمون وال��دراق‪ ..‬تنبهوا‬ ‫جميعا لكن قصر قاماتهم (كما ظنوا) جعلهم يخلعون الرداء‬ ‫األخضر األبي مستس��لمين لرياح الشتاء المدمرة‪ ....‬ومرت‬ ‫الس��نين والدالية الثكلى تبكي أربعين ألف عنقودا س��قطوا‬ ‫واألزهار اعتادت الموت يوم والدتها حتى أن الياسمين صار‬ ‫يَعدُ بمواسم ثلج أبيض تغطي أرض الغابة الخانعة‪.‬‬

‫وف��ي الربيع األربعين فرت إحدى أغصان الزهور ونمت‬ ‫في بقعة صغيرة تحت ظل الس��نديان حيث ال تصلها أيدي‬ ‫النب��ات الغاش��م‪ ..‬لكنها كانت أزه��ار مختلفة تض��ج ألوانا‬ ‫معطرة فتنبه السنديان لعطرها وهنا كان النبات قد تطاول‬ ‫على قامته و سرق الكثير من خصوبة غابته‪...‬‬ ‫قالتها األزهار أو ًال‪ :‬ارحل من غابتنا أيها الخائن‪ ..‬فداس‬ ‫النبات على أعناقه��م بغرور الجبناء مختا ًال بطوله و مطمئناً‬ ‫ألفرعه الكثيرة الملتفة حول كل األشجار المستكينة‪..‬‬ ‫وم��ا هي إال صباحات متكررة حتى تجرأت كل األش��جار‬ ‫ليال‬ ‫علي��ه وصرخت ارحل يا قات��ل األزهار‪ ..‬صباح��ات تلت ٍ‬ ‫منكوب��ة حي��ث أن الغاب��ة المنتفضة كانت ت��ودع كل يوم‬ ‫شجرة مثمرة‪ ..‬اغتر النبات أكثر واقترب من معاقل السنديان‬ ‫أكث��ر‪ ..‬فكانت البداية‪ ...‬هذه هي البداي��ة أيها االفعوان‪...‬‬ ‫فهي لم تنتهي (كما زعمت) حين وصلت للس��نديان‪ ..‬فهنا‬ ‫شجر دائم الخضرة خشبه أقسى وأصلب من أنيابك الغادرة‬ ‫وصوت��ه أعلى من أجراس��ك الواهي��ة‪ ...‬إنه الس��نديان ذو‬ ‫الجذور المتفرعة المتماسكة فهذه التربة ال تنجرف أبداً وال‬ ‫يحفر فيها أوكارٌ لنسلك الشيطاني‪..‬‬ ‫ه��ذه ه��ي البداية مع الس��نديان الذي ي��درك بإيمان‬ ‫راسخ أن ال جذور لك في غابتنا أيها الجبان‪...‬‬ ‫تحية إلى السنديان‪.‬‬

‫أسبوعية‬

‫مشاركة‪ :‬د‪ .‬النا صفية‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬

‫يا �ســـــنديان بــــالدي‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫مضيفا أن��ه ال توجد طريقة وال يوجد أحد‬ ‫ليضمن ما الذي سيحصل بعد‪ ،‬إذا ال سمح‬ ‫اهلل حص��ل أي ش��يء لهذا النظ��ام‪ .‬وقال‬ ‫مخلوف في المقابل��ة ال تدعونا نعاني‪ ،‬ال‬ ‫تضعوا الكثير من الضغوط على الرئيس‪،‬‬ ‫ال تدفعوا س��وريا إلى فعل شيء لن تكون‬ ‫س��عيدة بفعله‪ ،‬يجب أن يعلم��وا أننا حين‬ ‫نعاني‪ ،‬ل��ن نعاني وحدنا‪ .‬وهكذا يس��بق‬ ‫مخل��وف األح��داث والعال��م ليتح��دث عن‬ ‫الس��لفيين‪ ،‬وعن أفعال يق��وم بها النظام‬ ‫ل��ن يكون س��عيدا به��ا وس��تؤدي لمعاناة‬ ‫الجميع‪ .‬فهل كان مخلوف يقصد فتح عش‬ ‫دبابير القاعدة في البالد بتخطيط وتدبير‬ ‫من النظام ليهدم المعبد على الجميع؟‬ ‫إذا كان وصول طرف محايد الستنتاج‬ ‫قطع��ي ويقيني حول وج��ود القاعدة في‬ ‫س��وريا واقع��ا أو بروغان��دا‪ ،‬أم��را لي��س‬ ‫باليس��ير‪ ،‬فإن اس��تفادة النظام الس��وري‬ ‫من هذا األمر مؤكدة‪ ،‬كما أنه يسبب حرجا‬ ‫للمعارضة السورية التي تتباهى بعالقاتها‬ ‫الخارجية وبتنوعها اإلثني والمذهبي‪ ،‬بل‬ ‫تطالب بتدخ��ل خارجي‪ ،‬وهو ما يتعارض‬ ‫تماما مع فكر وأيديولوجيا القاعدة‪.‬‬ ‫أط��راف م��ن المعارض��ة تق��ول ل��و‬ ‫افترضنا جدال أن هناك عناصر من القاعدة‬ ‫في البالد وأن األمر خارج س��يطرة الدولة‬ ‫وليس برغب��ة منها‪ ،‬فإن تصرفات النظام‬ ‫ودمويته ومالحقته للناشطين السلميين‪،‬‬ ‫وتأخر المجتمع الدولي والعربي عن إيقاف‬ ‫ش�لال ال��دم الس��وري‪ ،‬هو ال��ذي يتحمل‬ ‫وزر هذا األم��ر وليس الثورة أو المعارضة‬ ‫السورية‪.‬‬ ‫وإذا اس��تذكرنا أن اإلره��اب قضي��ة‬ ‫دولي��ة وعالمي��ة‪ ،‬وأن النظ��ام الس��وري‬ ‫كان س��باقا لتقدي��م يد العون للس��لطات‬ ‫األميركية في محاربت��ه‪ ،‬وبما أن القضية‬ ‫الس��ورية دخل��ت حي��ز التدوي��ل بقراري‬ ‫مجل��س األم��ن ‪ 2042‬و‪ ،2043‬ف��إن م��ن‬ ‫واج��ب المجتم��ع الدول��ي تش��كيل لج��ان‬ ‫تحقيق ح��ول األعمال اإلرهابي��ة المدانة‬ ‫في سوريا لمعرفة من يقف وراءها‪.‬‬ ‫كما أن تلك اللجان ستكون بمثابة رد‬ ‫إيجابي على طلب وزير الخارجية السوري‬ ‫ولي��د المعل��م لألم��م المتحدة بمس��اعدة‬ ‫بالده عل��ى محاربة الجماع��ات اإلرهابية‬ ‫في رس��الة "عاجلة" بعث به��ا إلى األمين‬ ‫العام لألمم المتحدة بان كي مون في ‪10‬‬ ‫يونيو‪/‬حزيران من العام الماضي‪.‬‬ ‫ملفات المعرفة‪ :‬وجهات نظر | الجزيرة‬

‫‪11‬‬


‫تاج الدين احل�سني ‪1943 - 1890‬‬ ‫وجوه من وطني ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪12‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫الش��يخ محمد تاج الدين الحسني‬ ‫هو رجل الدين و السياس��ة الدمشقي‬ ‫المولد و النشأة المراكشي األصل‪ ،‬ولد‬ ‫بدمش��ق س��نة ‪1890‬م‪ .‬والده الش��يخ‬ ‫محمد بدر الدين الحسني‪ ،‬محدث الديار‬ ‫الشامية األكبر‪ ،‬وسليل األسرة العريقة‬ ‫الت��ي يع��ود نس��بها للعت��رة النبوي��ة‬ ‫الش��ريفة‪ ،‬نش��أ محمد ت��اج الدين في‬ ‫كنف والده ورعايت��ه‪ ،‬ودخل المدارس‬ ‫الرس��مية في دمش��ق‪ ،‬كما تتلمذ على‬ ‫يد والده وتالميذه ليتقن علوم الحديث‬ ‫والتفس��ير والعل��وم العربي��ة وأصول‬ ‫الفق��ه والعلوم الدينية‪ .‬ذلك باإلضافة‬ ‫للخبرة في السياسة والعمل العام من‬ ‫خ�لال الزعام��ة الروحي��ة واالجتماعية‬ ‫التي كان يملكها والده‪.‬‬ ‫تميز ت��اج الدين بال��ذكاء والدهاء‬ ‫وحس��ن التودد إل��ى الناس‪ ،‬واس��تغل‬ ‫رغب��ة الح��كام العثمانيين ف��ي إرضاء‬ ‫وال��ده فانص��رف إل��ى االتص��ال بهم‪،‬‬ ‫فعي��ن مدرس��اً للعل��وم الديني��ة ف��ي‬ ‫المدرس��ة الس��لطانية بدمش��ق سنة‬ ‫‪1912‬م‪ ،‬ث��م كان م��ن أعضاء مجلس‬ ‫إصالح المدارس‪ ،‬ومن أعضاء المجلس‬ ‫العموم��ي لوالي��ة س��ورية ف��ي عه��د‬ ‫العثمانيي��ن‪ ،‬كما تول��ى تحرير جريدة‬ ‫الشرق سنة ‪ 1916‬والتي أمر بإنشائها‬ ‫جمال باشا قائد الجيش الرابع العثماني‬ ‫في الحرب العالمية األولى‪.‬‬ ‫بعد انتهاء الحك��م العثماني على‬ ‫س��وريا‪ ،‬ودخ��ول الحلفاء دمش��ق عام‬ ‫‪ 1919‬خ��اض ت��اج الدي��ن المعرك��ة‬ ‫االنتخابي��ة‪ ،‬وفاز بالنيابة عن دمش��ق‬ ‫ف��ي المؤتمر الس��وري‪ ،‬واحتل مقعده‬ ‫بين رجال السياس��ة‪ ،‬كم��ا عينه الملك‬ ‫فيصل سنة ‪1920‬م مديراً عاماً لألمور‬ ‫العلمي��ة في دائرة كان��ت مرجعًا أعلى‬ ‫لدوائ��ر األوق��اف والفت��وى والمحاك��م‬ ‫الش��رعية والخ��ط الحج��ازي ـ وه��ذه‬ ‫الوظائف تشبه المشيخة اإلسالمية في‬ ‫العه��د العثماني ـ كما درّس في معهد‬ ‫الحقوق م��ادة أصول الفق��ه واألحوال‬ ‫الشخصية والفرائض والوصايا‪.‬‬ ‫لماّ دخل الفرنسيون سوريا‪ ،‬خرج‬ ‫ت��اج الدين لوداع الملك فيصل‪ ،‬ثم لماّ‬ ‫دخل الجنرال غورو دمش��ق دُعي تاج‬ ‫الدي��ن الس��تقباله بصفته الرس��مية‪،‬‬ ‫فامتن��ع وقال عبارته المش��هورة‪" :‬من‬ ‫ال ال يستقبل غورو"‪ُ ،‬‬ ‫ودع فيص ً‬ ‫فأقصي‬ ‫من عمله‪ ،‬وبقي ش��هوراً عدة منزويا‪ً،‬‬ ‫إلى أن تش��كل وف��د لمقابل��ة الجنرال‬ ‫غورو في أمور تتعلق بمصلحة البالد‪،‬‬ ‫وكان م��ن جمل��ة حديثه��م أن بينوا له‬ ‫مكان��ة الش��يخ ت��اج الدي��ن‪ ،‬وأن عزله‬ ‫ع��ن منصب��ه ال يليق‪ ،‬فعي��ن حينذاك‬ ‫عض��واً ف��ي مجلس الش��ورى‪ ،‬ثم في‬ ‫محكمة التمييز‪ ،‬وبعد ذلك صار قاضيًا‬ ‫شرعيًا‪ ،.‬ثم رئيس��ًا لمجلس الوزراء و‬ ‫وزيراً للداخلية في ‪ 14‬ش��باط ‪1928‬م‬ ‫بالقرار رقم ‪ 1812‬تاريخ‪1928/2/14‬‬ ‫الصادر عن المفوض السامي "المسيو‬ ‫هن��ري بونس��و"‪ ،‬وف��ي بداي��ة عه��ده‬ ‫أصدر عفواً عن الس��جناء السياس��يين‬ ‫مستثنياً ما يزيد عن ‪ 70‬شخصًا منهم‬ ‫كب��ار الزعم��اء الوطنيين" الش��هبندر‪،‬‬ ‫القوتل��ي‪ ،‬األط��رش‪ ،‬ع��ادل العظمة‪،‬‬ ‫ش��كيب أرس�لان‪ " ...‬مما جعل الشعب‬ ‫يق��وم باإلضرابات‪ ،‬ونعت��وا هذا العفو‬ ‫ب��ـ" العفو األعرج" وقيل أن س��بب ذلك‬ ‫اإلشارة إلى العرج المصاب به الرئيس‬

‫تاج الدين‪ ،‬وبعد م��دة من حكمه‪ ،‬أقنع‬ ‫تاج الدين الفرنسيين بضرورة انتخاب‬ ‫جمعية تأسيسية "مجلس نواب " تضع‬ ‫دس��توراً للب�لاد‪ ،‬وعلى إث��ر ذلك جرت‬ ‫انتخابات الجمعية التأسيس��ية‪ ،‬وعملت‬ ‫الجمعية على وضع دس��تور للبالد‪ ،‬لم‬ ‫توافق عليه س��لطات االنتداب‪ ،‬فقامت‬ ‫المظاه��رات و اإلضراب��ات ف��ي كاف��ه‬ ‫أنح��اء س��ورية‪ ،‬ثم لم يلب��ث أن أصدر‬ ‫المفوض الفرنس��ي بإرادته المنفردة‬ ‫الدس��تور الس��وري بتاري��خ ‪14‬أي��ار‬ ‫ع��ام‪ 1930‬بعد أن أض��اف عليه المادة‬ ‫(‪ )116‬الت��ي عطل��ت جوه��ره وأعطت‬ ‫صالحي��ات واس��عة لس��لطة االنتداب‪،‬‬ ‫مم��ا جع��ل األوض��اع ت��زداد اضطرابًا‪.‬‬ ‫فأصدرت حكومة االنتداب بتاريخ ‪-19‬‬ ‫‪ 1931-11‬ق��راراً بإنه��اء حكوم��ة تاج‬ ‫الدين الحسني‪.‬‬ ‫ف��ي س��نة ‪ 1934‬وعل��ى أث��ر‬ ‫المظاهرات واالضطرابات التي رفضت‬ ‫معاهدة الس��لم والصداقة بين فرنسا‬ ‫وس��ورية‪ ،‬دعي الش��يخ تاج الدين إلى‬ ‫تش��كيل حكوم��ة جدي��دة‪ ،‬بق��ي على‬ ‫رأس��ها حتى عام ‪ ،1936‬اتصفت هذه‬ ‫الفترة من حكم الشيخ تاج بالمظاهرات‬ ‫و اإلضراب��ات الت��ي كان��ت تع��م أرجاء‬ ‫س��ورية‪ ،‬فقدم اس��تقالته بعد أن تأزم‬ ‫الوض��ع‪ ،‬وكث��رت االعتق��االت‪ ،‬وانتقل‬ ‫لإلقامة في باري��س‪ ،‬وبقي فيها حتى‬ ‫قيام الح��رب العالمي��ة الثانية ثم رجع‬ ‫إلى دمشق‪.‬‬ ‫عه��د المن��دوب الع��ام لفرنس��ا‬ ‫في الش��رق ف��ي ‪12‬أيل��ول‪ 1941‬إلى‬ ‫الش��يخ ت��اج الدي��ن الحس��ني بمهم��ة‬ ‫رئاس��ة الجمهوري��ة الس��ورية‪ ،‬وف��ي‬ ‫‪27‬أيل��ول‪ 1941‬تقدم المن��دوب العام‬ ‫إلى الحكومة السورية بتصريح خطي‬ ‫يتضم��ن إع�لان اس��تقالل س��ورية‪،‬‬ ‫وقعه ت��اج الدي��ن الحس��ني‪ .‬في هذه‬

‫األثناء عيّن��ت بريطانيا الجنرال ادوارد‬ ‫وزي��راً مطل��ق الصالحي��ة لبريطاني��ا‬ ‫في س��ورية ولبنان‪ .‬اشتد الخالف بين‬ ‫رئيس الجمهورية ت��اج الدين ورئيس‬ ‫وزرائه حسن الحكيم‪ ،‬فأصدر مرسومًا‬ ‫بح��ل ال��وزارة‪ ،‬وعه��د بتأليفه��ا إل��ى‬ ‫حس��ني البرازي‪ ،‬وس��ارت هذه الوزارة‬ ‫م��دة س��تة أش��هر عل��ى تفاه��م م��ع‬ ‫رئيس الجمهورية تاج الدين وس��لطة‬ ‫االنت��داب‪ ،‬إل��ى أن ب��دأ الخ�لاف ح��ول‬ ‫العالق��ة م��ع االنت��داب‪ ،‬إذ كان البرازي‬ ‫يص��رح بترجيح مواالة بريطانيا‪ ،‬بينما‬ ‫ثاب��ر رئي��س الجمهورية على حس��ن‬ ‫الص�لات بفرنس��ا‪ ،‬ودام ه��ذه الخالف‬ ‫ثالثة أش��هر كان الب��رازي خاللها كثير‬ ‫االتص��ال بالجنرال البريطان��ي ادوارد‬ ‫وتمك��ن تاج الدين رئي��س الجمهورية‬ ‫م��ن إزاح��ة الب��رازي وكلف بتش��كيل‬ ‫حكوم��ة ثالث��ة ف��ي عهده‪ ،‬وظ��ل تاج‬ ‫الدين في س��دة الحكم‪ ،‬إل��ى أن وافته‬ ‫المنية فجأة‪ ،‬وفي أوضاع غامضة حيث‬ ‫تع��رض قبل يومي��ن من رحيل��ه إلى‬ ‫انهيار في صحته‪ ،‬ألزمه الفراش‪ .‬ولما‬ ‫زادت حالت��ه س��وءاً‪ ،‬اس��تُدعي بعض‬ ‫كب��ار األطباء من لبنان‪ ،‬فظهر لهم أنه‬ ‫يش��كو من احتقان في الرئة‪ ،‬وتسمم‬ ‫في الدم‪ ،‬وارتفعت نسبة التسمم بعد‬ ‫ذلك إلى درجة عالية‪ .‬وتبين أن أطباءه‬ ‫أعط��وه كمية عالي��ة م��ن "الداجفان"‬ ‫كانت كافي��ة للقضاء عليه‪ .‬ولم يعرف‬ ‫أح��د م��ن ال��ذي دسّ ل��ه الس��م‪ ،‬هل‬ ‫الفرنس��يون‪ ،‬أم بع��ض الطامعي��ن‬ ‫بمنصب الرئاسة‪.....‬‬ ‫توف��ي صب��اح الس��ابع عش��ر من‬ ‫كان��ون الثان��ي ع��ام ‪ ،1943‬وش��يّع‬ ‫رسميًا‪ ،‬ووري الثرى إلى جانب قبر والده‬ ‫في مقبرة الباب الصغير بدمشق‪.‬‬ ‫بدور‬ ‫رحل تاج الدين بع��د أن قام ٍ‬ ‫سياسي كبير‪ ،‬وتعرض لحرب ضروس‬

‫م��ن بعض رجال السياس��ة‪ ،‬والس��يما‬ ‫م��ن" الكتل��ة الوطني��ة"‪ ،‬الت��ي كان��ت‬ ‫تقود معركة االس��تقالل ضد االنتداب‬ ‫الفرنس��ي‪ ،‬واتهم كذل��ك بالتواطؤ مع‬ ‫فرنس��ة‪ .‬غي��ر أنه ثبت أم��ام الخصوم‬ ‫والحمالت‪.‬‬ ‫عن الباحث " عب��د الغني العطري‬ ‫" ننق��ل‪" :‬كان تاج الدين م��ن األذكياء‬ ‫ومن دهاة السياسة‪ .‬يتودد إلى أعدائه‪،‬‬ ‫ويتجاه��ل إس��اءاتهم‪ .‬وكانت الصحف‬ ‫إب��ان حكم��ه تتمت��ع بقس��ط كبير من‬ ‫الحرية‪ ،‬وبعضها ينتقد بعنف‪ ،‬ويهاجم‬ ‫المس��ؤولين م��ن دون رحم��ة‪ .‬وكان‬ ‫معظ��م الصح��ف يؤيد التي��ار الوطني‬ ‫المتطرف‪ ،‬لذا كانت هذه الصحف توجه‬ ‫ّ‬ ‫المركزة‪ ،‬إل��ى أركان الحكم‪،‬‬ ‫حمالته��ا‬ ‫ابتداء من رئيس��ه الش��يخ ت��اج الدين‪.‬‬ ‫وكانوا ينس��بون إليه التفريط بحقوق‬ ‫البالد‪ ،‬ومس��ايرة المحتلي��ن‪ ،‬ويقولون‬ ‫إنه جاء إلى الحكم بقرار من المفوض‬ ‫السامي الفرنسي‪ ،‬ال بإرادة الشعب‪.‬‬ ‫بعي��داً ع��ن السياس��ة‪ ،‬كان ت��اج‬ ‫الدي��ن إداريًا حازم��اً‪ ،‬محب��ًا لإلصالح‪،‬‬ ‫حريصاً على العمران والتقدم‪ ،‬قام في‬ ‫حكمه بتش��ييد األبنية الكثيرة‪ ،‬لدوائر‬ ‫الدولة ومؤسس��اتها‪ ،‬ف��ي جميع المدن‬ ‫والمحافظات السورية "‪.‬‬ ‫لماّ سُ��ئل العالمة فارس الخوري‬ ‫عن الشيخ تاج الدين الحسيني وصحة‬ ‫ما كان��ت تقول عن��ه الكتل��ة الوطنية‬ ‫من أن��ه صنيع��ة الفرنس��يين أجاب‪" :‬‬ ‫ل��م يكن تاج الدين كذل��ك‪ ،‬ولكنه كان‬ ‫وطنيًا س��وريًا مخلص��ًا وعام ً‬ ‫ال باراً في‬ ‫الحق��ل العام‪ ..‬إال أن��ه كان يختلف عنا‬ ‫معش��ر رجال الكتلة باالجتهاد‪ ،‬فيقول‬ ‫لي��س باإلم��كان أب��دع مما ه��و كائن‪،‬‬ ‫ول��ذا فإن��ه كان يتظاه��ر بالتفان��ي‬ ‫بصداقت��ه للفرنس��يين لجل��ب أكب��ر‬ ‫نفع لب�لاده‪ ،‬ودرء ما يمكن��ه درؤه من‬ ‫ً‬ ‫إضاف��ة إلى أن��ه كان عمرانيًا‬ ‫الض��رر‪،‬‬ ‫كبي��راً خ ّل��ف آث��اراً كثيرة ف��ي مختلف‬ ‫أنحاء الوطن الس��وري ناطقة بفضله"‬ ‫كما سُ��ئل فارس الخوري عما إذا كان‬ ‫راضيًا بدخول شقيقه فائز الخوري في‬ ‫الحكم كوزير للخارجية الس��ورية في‬ ‫عهد الش��يخ تاج الدين غير الدستوري‬ ‫ع��ام "‪1941‬ـ‪ "1943‬فأج��اب‪ :‬طبيع��ي‬ ‫أنني كنت راضيًا وإال لما كان دخل في‬ ‫الحكم‪.‬‬ ‫لم تمح من ذاكرة أهالي الحلبوني‬ ‫تفاصيل س��كن الحس��ني ف��ي حيهم‬ ‫فبمجرد س��ؤال أي ش��خص كبيراً كان‬ ‫أم صغي��راً م��ن س��كان المنطق��ة عن‬ ‫القصر الذي أقام فيه الشيخ تاج الدين‬ ‫الحسني‪ ،‬يش��ير إليه بالبنان «هنا كان‬ ‫يس��كن رئيس الجمهوري��ة» فالقصر‬ ‫الس��ابق يعد من أهم البي��وت العربية‬ ‫والتاريخي��ة الت��ي ارتبط��ت بالذاك��رة‬ ‫الوطني��ة وحاف��ظ منذ تأسيس��ه على‬ ‫قيمته الفنية واألثرية رغم الترميمات‬ ‫الكثيرة التي أجرتها الحكومة عليه دون‬ ‫أن تغير من معالمه ش��يئًا‪ ،‬وقد س��كن‬ ‫القصر من بعد وفاة الحس��ني كل من‬ ‫شكري القوتلي وجميل األلشي وسعيد‬ ‫الغ��زي وآخري��ن من رؤس��اء الحكومة‬ ‫والمس��ؤولين الكب��ار فيه��ا وتش��غل‬ ‫القصر اليوم إحدى الجهات المختصة‪.‬‬


‫يــــوم ال�شـــــهداء‬

‫حبر ناشف‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫المجتمع��ات العربي��ة ترن��و إل��ى تحرير‬ ‫الع��رب من نير االحت�لال العثماني‪ ،‬وبدأ‬ ‫المثقفون العرب تأسيس الجمعيات التي‬ ‫قادت هذا التوجه العام‪.‬‬ ‫إث��ر اكتش��اف الس��لطات العثمانية‬ ‫وثائ��ق يطال��ب فيها وطنيون س��وريون‬ ‫من اإلنكليزوالفرنس��يين بالتخلص من‬ ‫الحك��م العثماني إما بااللتح��اق بالثورة‬ ‫العربي��ة أو بالطل��ب م��ن الفرنس��يين‬ ‫احتالل لبنان‪ ،‬أقام والي الشام العثماني‬ ‫جمال باشا محكمة صورية في عاليه في‬ ‫جب��ل لبنان وأصدر أحكامًا باإلعدام على‬ ‫عدد من الوطنيين في دمشق وبيروت‪.‬‬ ‫كان الس��فاح وراء إعدام العش��رات‬ ‫م��ن خيرة ش��باب الع��رب‪ ،‬الذي��ن يمكن‬ ‫اعتباره��م بح��ق الب��ذرة الت��ي أنبت��ت‬ ‫ونم��ت وش��كلت واقعنا الحال��ي‪ ،‬و كانوا‬ ‫حقيق��ة رم��زا آلالم المخ��اض لوالدتنا‪،‬‬ ‫ورغ��م أهمي��ة كل م��ا تبع تل��ك الوالدة‬ ‫من أح��داث هامة في النص��ف األول من‬ ‫القرن العش��رين فان الحكاية‪ ،‬في رأيي‬ ‫الخ��اص‪ ،‬ق��د بدأت م��ن هنا م��ن لحظة‬ ‫إعدام هؤالء الرجال‪.‬‬ ‫هذا في اإلطار الع��ام‪ ،‬أما إذا دخلنا‬ ‫ف��ي التفاصيل فإننا س��نجدها تراجيديا‬ ‫حقيقية مؤثرة‪ ،‬مازال صداها مس��موعًا‬ ‫إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫غادر قطار خاص "عاليه" في والية‬ ‫"بي��روت" المنطق��ة الت��ي أقيم��ت فيها‬ ‫المحاك��م الميدانية الصورية للش��هداء‪،‬‬ ‫في الخامس من ش��هر أيار س��نة ‪1916‬‬ ‫وكان يقل كل من شفيق المؤيد العظم‪،‬‬ ‫عب��د الحمي��د الزه��راوي‪ ،‬األمي��ر عم��ر‬ ‫الجزائري‪ ،‬ش��كري العسلي‪ ،‬عبد الوهاب‬

‫االنكلي��زي‪ ،‬رفيق رزق س��لوم ورش��دي‬ ‫الش��معة‪ ،‬حي��ث حم��ل القط��ار أولئ��ك‬ ‫الش��هداء األبطال تحت حراس��ة شديدة‬ ‫من الجند ولم��ا وصلوا إلى منطقة رياق‬ ‫التقوا بالقطار الذي ينقل عائالتهم إلى‬ ‫المناف��ي ف��ي األناض��ول وكما ج��اء في‬ ‫كثي��ر من كت��ب التاريخ والس��ير الذاتية‬ ‫والمذك��رات وصف لهذا المش��هد المؤثر‬ ‫عندم��ا خاطبت عائالت الش��هداء ذويهم‬ ‫و"الدم��وع تنهم��ر من العيون وحس��رات‬ ‫القلب تتأجج وتختل��ج في الصدور وكان‬ ‫مشهد اللقاء و الوداع مؤلما مريرا يفتت‬ ‫األكب��اد‪ ،" ..‬افت��رق القط��اران‪ ،‬بحس��ب‬ ‫الرواية‪ ،‬من "رياق" إلى حلب و دمشق‪.‬‬ ‫ولم��ا وص��ل دمش��ق إل��ى محط��ة‬ ‫البرامك��ة منع الجند الن��اس من الوقوف‬ ‫هناك ث��م نقل��وا المحك��وم عليهم إلى‬ ‫دائرة الش��رطة في اللي��ل واحضروا احد‬ ‫الشيوخ يؤهلهم للموت ويعزيهم‪.‬‬ ‫وفي الس��اعة الثالثة من صباح يوم‬ ‫الس��بت الواقع ف��ي ‪4‬رجب س��نة ‪1334‬‬ ‫الموافق لليوم الس��ادس من ش��هر أيار‬ ‫سنة ‪ 1916‬أنيرت ساحة اإلعدام باألنوار‬ ‫الكهربائي��ة وأم��رت الس��لطة الس��يد‬ ‫الش��ماس صاح��ب مقهى زهرة دمش��ق‬ ‫إنارة مصابيح المقهى لتس��طع بأنوارها‬ ‫على الساحة‪.‬‬ ‫جيء بالمحك��وم عليهم ف��ي ثياب‬ ‫اإلع��دام البيض��اء وعل��ى صدوره��م‬ ‫خالص��ة الحك��م وب��دئ بالتنفي��ذ أوال‬ ‫بش��فيق المؤيد العظم ثم بعبد الحميد‬ ‫الزه��راوي وقد انقطع الحبل به فرفعوه‬ ‫وعلق��وه مرة ثانية بعد أن ش��دوا رجليه‬ ‫ش��دا قوي��ا وج��يء بع��ده باألمي��ر عمر‬

‫الجزائري ثم ش��كري العس��لي ولما جاء‬ ‫دور التنفي��ذ بعب��د الوه��اب االنكلي��زي‬ ‫امس��ك به الجند لش��دة بأس��ه ومراسه‬ ‫وقد أمعن هو في اللعن والش��تم‪ ،‬حيال‬ ‫مظالمهم وفظائعهم‪ ،‬ثم جيء بالس��يد‬ ‫رفيق سلوم وانتهوا برشدي الشمعة‪.‬‬ ‫وبحس��ب كت��اب " ش��هداء الح��رب‬ ‫العالمي��ة الكبرى " ألده��م الجندي فقد‬ ‫كان جمال باش��ا يشاهد في شرفة بناية‬ ‫احمد عزة العابد التي صادرتها السلطات‬ ‫العسكرية التركية تنفيذ أحكام اإلعدام‬ ‫و"حشرجة أرواح فريق من رجاالت العرب‬ ‫الذي��ن قض��وا مضاج��ع االتحاديين في‬ ‫البرلمان التركي بمواقفهم المشهورة"‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي لبست به دمشق و‬ ‫البالد العربية أثواب الحداد أس��ى ولوعة‬ ‫عل��ى أبنائها انطلق "الس��فاح جمال في‬ ‫ذلك اليوم المش��ؤوم إلى قرية (الخيارة)‬ ‫في غوطة دمش��ق فنقلت ث�لاث عربات‬ ‫بع��ض النس��اء إلى ه��ذه القري��ة حيث‬ ‫قضي��ن النه��ار ف��ي نش��وة خم��ر وغناء‬ ‫ورق��ص‪ ..‬ث��م ع��اد الجميع في المس��اء‬ ‫يجول��ون ف��ي األس��واق حاملي��ن باقات‬ ‫من الزهر رمزا لذلك االنتصار المش��ين‬ ‫بإعدام أحرار العرب "‪.‬‬ ‫ولم يكتف السفاح بأعمال االغتيال‬ ‫واإلع��دام الت��ي بدأها منذ الع��ام ‪1915‬‬ ‫وإنم��ا ت��م أيض��ًا تنفي��ذ أح��كام النفي‬ ‫بزه��اء ثالثمائ��ة أس��رة من خير األس��ر‬ ‫العربي��ة ف��ي س��ورية ولبن��ان وق��د بدأ‬ ‫ترحيل المنفيين في ش��هر نيسان سنة‬ ‫‪ 1916‬إل��ى األناض��ول حي��ث وزعوا في‬ ‫مدنه وقراه بين قونيه وانقره وديار بكر‬ ‫وبروسه وأضنه وسيواس‪.‬‬ ‫من أروع ما قيل في هذه المناس��بة‬ ‫قصيدة الشاعر القروي نقتبس منها‪:‬‬ ‫خي��ر المطال��ع تس��ليم على الش��هدا‬ ‫أزك��ى الص�لاة عل��ى أرواحه��م أب��دا‬ ‫فلتنح��ن اله��ام إج�لا ًال وتكرمــــ��ة‬ ‫لكل ح��ر ع��ن األوط��ان م��ات فــــدا‬ ‫ق��د علقتك��م ي��د الجان��ي ملطخــــة‬ ‫فقدس��ت بكم األعواد والمس��ـــــــدا‬ ‫أك��رم بحب��ل غ��دا للع��رب رابط��ة‬ ‫وعق��دة وح��دت للع��رب معتقـــــــدا‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫"وإياكم والح��زن‪ ،‬ألني أكره الحزن‬ ‫والحزانى‪ ،‬وثقوا بأن روحي ترفرف دائمًا‬ ‫فوقكم فأرى كل حرك��ة من حركاتكم‪،‬‬ ‫فأراك��م وال ترونني‪ ،‬ف��إذا حزنتم أهرب‬ ‫من عندكم‪ ،‬وإياكم أن تغيروا ثيابكم أو‬ ‫عادة من عاداتكم‪" ..‬‬ ‫كان��ت ه��ذه جمل��ة مقتبس��ة م��ن‬ ‫وصية الش��هيد رفيق رزق سلوم‪ ،‬كتبها‬ ‫قبيل إعدامه في ‪ 6‬أيار من العام ‪1916‬‬ ‫في السادس من أيار‪ ،‬علق السفاح‬ ‫جمال رقاب األح��رار من نخبة المثقفين‬ ‫والسياس��يين العرب في دمشق وبيروت‬ ‫عل��ى أعواد المش��انق‪ ،‬ولكنه لم يتمكن‬ ‫من أن يطفئ حمية هذا الشعب وشعلته‬ ‫الملتهب��ة‪ ،‬فإذا به ينتفض في كل مكان‬ ‫مطلقاً صرخة الحرية‪ ،‬وما هي إال أشهر‬ ‫معدودة حتى أطيح بالمس��تعمر القديم‪،‬‬ ‫ولك��ن مس��تعمراً جدي��داً فرنس��يًا كان‬ ‫يتربص بهذه األرض وأهلها الدوائر‪.‬‬ ‫هك��ذا تحول��ت ذك��رى ه��ذا اليوم‬ ‫لتشمل جميع شهداء الوطن األبرار‪ ،‬جميع‬ ‫أولئك الذين ضح��وا بدمائهم وحياتهم‪،‬‬ ‫عل��ى أمل حياة جدي��دة أفضل ألوالدهم‬ ‫وأحفاده��م ووطنه��م‪ ،‬لق��د انضم��ت‬ ‫قوافل من الش��هداء إلى قافلة الش��هداء‬ ‫األول��ى عل��ى ي��د المس��تعمر العثماني‪،‬‬ ‫منها سقطت في النضال ضد المستعمر‬ ‫الفرنس��ي أو اإلنكلي��زي‪ ،‬ف��ي س��بيل‬ ‫االس��تقالل والحري��ة وس��يادة الوط��ن‪،‬‬ ‫وبعدها قوافل من الشهداء في صراعنا‬ ‫ال��دؤوب ض��د المس��تعمر الصهيون��ي‬ ‫وكيان��ه الغاصب في فلس��طين‪ ،‬معارك‬ ‫طاحنة‪ ،‬ما تزال قوافل الش��هداء تذهب‬ ‫في أتونها قافلة إثر قافلة‪ ،‬ولن تتوقف‪،‬‬ ‫إال بتحقيق الحرية الكاملة لسوريا‪.‬‬ ‫كانت الخالفة العثمانية قد ش��هدت‬ ‫نهايتها على يد األتراك أنفس��هم‪ ،‬فبعد‬ ‫اس��تالم الس��لطان عب��د الحمي��د الثاني‬ ‫العرش في عام ‪ 1876‬ارتفعت الصيحات‬ ‫المطالب��ة بإصالح أح��وال اإلمبراطورية‬ ‫العثمانية‪ ،‬وشهدت الدولة إنشاء مجلس‬ ‫األعي��ان (الش��يوخ) ومجل��س المبعوثان‬ ‫(الن��واب) ال��ذي انتخب أعضاؤه مباش��رة‬ ‫م��ن الش��عب‪ ،‬حي��ث عرفت بالد الش��ام‬ ‫أول برلمان له��ا‪ ،‬وكان من أعضائه خالد‬ ‫األتاس��ي عن حمص وأمين أرسالن عن‬ ‫جبل لبنان وحس��ين بيهم ونقوال نقاش‬ ‫عن بيروت ونوف��ل نوفل عن طرابلس‪.‬‬ ‫إال أن ه��ذه الفترة لم تس��تمر طوي ًال إذا‬ ‫س��رعان ما تم تعطيل الدستور‪ ،‬وتحول‬ ‫حك��م عب��د الحمي��د الثان��ي إل��ى نظام‬ ‫بوليسي‪ ،‬واشتدت أعمال البطش والقمع‬ ‫التي لحق��ت بدعاة اإلصالح السياس��ي‪،‬‬ ‫وعلى رأس��هم األدباء والمفكرين العرب‬ ‫الذي��ن أخذوا يدعون إل��ى أن ينال العرب‬ ‫حقوقهم القومية والثقافية والسياسية‪،‬‬ ‫مم��ا أدى إل��ى حرك��ة عام��ة ف��ي جميع‬

‫خالد كنفاني‬

‫‪13‬‬


‫عامر مطر‬

‫�سا�شا �أيوب‬

‫حيطان فيس بوك ‪. .‬‬

‫عان��ق أصدقائ��ك بق��وة كلم��ا رأيته��م‪ ..‬واش��تم رائحة‬ ‫أكتافهم عند الوداع لتستحضرها أثناء التحقيق‪ ..‬أو حين‬ ‫تجتم��ع بأحبتك وتبك��ي على صديقك الذي استش��هد أو‬ ‫سُجن‪ ..‬فيغمرك مرة أخرى‪..‬‬

‫را�شد عي�سى‬ ‫شرحت مرة إلعالمية سورية‪ ،‬هي اليوم من أشد الموالين‬ ‫للنظ��ام‪ ،‬ماذا تعني تلك الـ "ومن ف��ي حكمهم" التي ترد‬ ‫في اإلعالنات الرس��مية‪ .‬قلت لها أي أنني كفلسطيني لي‬ ‫كامل حقوق الس��وريين‪ ،‬ع��دا حق االنتخاب والترش��يح‪.‬‬ ‫قال��ت "ال تخ��ف‪ ،‬نح��ن أيض��اً‪ ،‬كس��وريين‪ ،‬ال نمتلك حق‬ ‫االنتخاب والترشيح"‪ ..‬وضحكت تلك الضحكة المجلجلة‪.‬‬

‫يامن ح�سن‬ ‫ترحي��ل س�لامة كيلة ‪..‬ترحي��ل وطن بكامله‪ ..‬س�لامة كيله‬ ‫سوري عربي ‪ ...‬ترحيل سالمة كيلة كما تم ترحيل الحماصنة‬ ‫من حمص وكما هجرنا جميعاً‪ ..‬فليسقط النظام‪.‬‬

‫ميالد �صقر‬ ‫القاعدة اعترفت علنًا وباطنًا وجابهت العالم لما فجرت برج‬ ‫التجارة بنيويورك وخوفانين من االعتراف بتفجير س��يارة‬ ‫بدمشق على أي قاعدة مبني هالكالم موباين معي‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪14‬‬

‫�شام داود‬ ‫عفك��رة‪....‬كل صدي��ق ف��ات عالمعتق��ل وعان��ى وتعذب‬ ‫وش��اف الويل‪ ..‬كل س��وري عرض حياته للخطر وعرفان‬ ‫بخط��ر االعتق��ال‪ ..‬كل حدا س��اعد قدم تظاهر وبس��بب‬ ‫الحري��ة اللي بدنا ياه��ا‪ ...‬إي بدنا ياه��ا غصب عن راس‬ ‫األس��د وعيلته‪ ...‬ش��و ما عملو فيكن وأد ما ضغطو وشو‬ ‫ما كنتو مضطرين تفصحو عنه أو تتحملو بأس��وأ سجون‬ ‫العالم على االطالق‪..‬‬ ‫أنا وكلش��ي بيخصني وبيتعلق فيي كسورية ووحدة من‬ ‫هالبلد‪ ..‬فداكن وفدى الثورة‪ ..‬بحبكن وفخورة فيكن‬ ‫الثورة مستمرة‬

‫هاال العبد اهلل‬ ‫الخمي��س يغمر النظام الب�لاد بالدماء والم��وت والجمعة‬ ‫تغمرها المظاهرات بالحرية واألمل‪.‬‬

‫�سعاد جرو�س‬ ‫رئيس الوزراء عادل س��فر بش��رنا اليوم وهو يمار واجبه‬ ‫الوطن��ي بـ(االقتراع) بأن نتائج انتخابات مجلس الش��عب‬ ‫س��تنتج (تموضعات) سياس��ية جديدة‪ ...‬عفوا‪ ..‬يا رئيس‬ ‫ال��وزراء‪ ..‬بدك ما تآخذني‪ ..‬ش��و يعن��ي (تموضعات )؟‪...‬‬ ‫حاك��م أنا أنتم��ي لعامة الش��عب األمي‪ ..‬ووحده الش��عب‬ ‫األمي خارج المجلس‪ ..‬يمثلني‪..‬‬

‫قبل النوم‪ ،‬كل ليلة‪ ...‬أعدكم يا ش��ركاء الحريّة وسجون‬ ‫الظلم‪ ،‬أن أردد أسماءكم الجميلة‪.‬‬

‫رفيق حلو‬ ‫إذا حكينا عن الجيش الحر وعن العمل السلمي‪ .‬فينا نقول‬ ‫كل واحد له دوره‪ ،‬يعني يد واحدة ما بتصفق ‪ ،‬يعنى الزم‬ ‫إيدتي��ن‪ ،‬بس الزم يكون��وا بنفس المس��توى‪ .‬إذا في إيد‬ ‫راكبة على إيد‪ ،‬ما عاد أسمه تصفيق‪ ،‬صار تطبيش‪.‬‬

‫ح�سان عبا�س‬ ‫أسوأ من تعليقات أبواق النظام على التفجيرات‪ ،‬تعليقات‬ ‫بعض وج��وه المعارض��ة‪ .‬انحنوا أم��ام الموت��ى األبرياء‬ ‫وأم��ام عذابات أهلهم يا أهل السياس��ة واإلعالم من كل‬ ‫األط��راف‪ .‬ابتلعوا ألس��نتكم‪ ،‬وانس��وا للحظ��ة أالعيبكم‬ ‫وحسابات الخسارة والربح‪ .‬اصمتوا عسى صمتكم يجنب‬ ‫الناس المزيد من األحقاد‪ .‬رحماك يا وطني‪..‬‬

‫�إياد عما�شة‬ ‫سوريا القادمة‪ ،‬علمانية‪ ..‬تحترم حقي بأن أكره وأحب‪ ،‬أعبد‬ ‫أو ال أعبد‪ ،‬أكفر أو حترق أيماناً‪ ..‬هي سوريا التي أحلم‪.‬‬

‫جمال �سعيد‬ ‫منى أسعد أم يارا بدر‪ ..‬كأنها منذورة لزيارة السجناء بين‬ ‫حي��ن وآخر‪ ..‬منى المحبة واظبت على زيارة خطيبها أنور‬ ‫عندما س��جن للم��رة األولى‪ ،‬ومن��ى األم والمحبة واظبت‬ ‫عل��ى زي��ارة زوجه��ا أن��ور عندما اعتق��ل للم��رة الثانية‪،‬‬ ‫وبرفق��ة ابنته��ا يارا ه��ذه الم��رة‪ ...‬ومن��ى األم والمحبة‬ ‫تح��اول حالياً مع زوجها أنور زي��ارة ابنتهما يارا وزوجها‪...‬‬ ‫دائم��اً منى على الطرف الثاني من ش��بك الزيارة‪ ..‬لمنى‬ ‫أسعد المحامية والمحبة واألم واإلنسانة‪ ..‬أحني رأسي‪.‬‬

‫�أحمد �صالل‬ ‫الح��راك المدن��ي‪ ..‬هن��اك من يخ��دم الس��لطة بمحاولة‬ ‫أدلج��ة فك��ر الحراك ديني��ًا‪ ،‬الح��راك مدني من��ذ بداياته‬ ‫األولى وسيبقى هكذا‪ ،‬الحراك يعبر عن موزاييك الشارع‬ ‫السوري بكل أطيافه‪ .‬كفى تالعبًا بالتسميات نريد جمعًا‬ ‫مدنية لكل السوريين‪!...‬‬

‫ف�ضيل نوفل‬ ‫قالت دمشق‪ :‬شوارعي التي تعفنت منذ سنين‬ ‫اآلن‪ ...‬تغسلها الدموع والدماء‪.‬‬

‫ح�سني ال�شيخ‬ ‫سورية هكذا‪ ،‬أحرار‪ ،‬عاشقون‪ ،‬مخيبو الرجاء‪ ،‬محتارون‪،‬‬ ‫قوس قزح ولمعة برق‪ ،‬حب يكاد يتوقف قلبي عنده‪.‬‬

‫| ه��ل توقع��ت من الش��باب الس��وري أنو يق��در يعمل‬ ‫هالثورة‪ ،‬ووقت صارت الثورة حس��يت حالك أنك ما بتعرف‬ ‫هالشباب مع أنك صديق الكتيرين من هالجيل؟‬ ‫| | لم أتوقع الثورة‪ ،‬وأتحفظ جزئيا على نس��بتها إلى الشباب‪.‬‬ ‫لكني سعيد بأن جميع أصدقائي الشباب وبدون استثناء مشاركون‬ ‫بطريقة أو بأخرى ف��ي الثورة‪ ،‬وبعضهم من رموزها‪ .‬من الوجوه‬ ‫العظيم��ة للث��ورة أنها تخ��رج طاقات مخب��وءة عن��د كثيرين‪ ،‬كان‬ ‫يمك��ن أال تظهر‪ ،‬وربما ما كانوا هم أنفس��هم يعلم��ون بكمونها‬ ‫في نفوسهم‪.‬‬ ‫| تجرب��ة مص��ر الل��ي كان��ت نتيجت��ا صع��ود نج��م‬ ‫االس�لاميين‪ ،‬ه��ل ممكن ناخ��د مثال وفي ح��ال صار عندا‬ ‫متل مص��ر وطلعوا االس�لاميين متل م��ا كتيرين خايفين‬ ‫هل ممكن نصاب بخيبة أمل من ثورتنا؟‬ ‫| | ال أرى هناك ش��يئا سيئًا وال مفاجئا في صعود اإلسالميين‪.‬‬ ‫هن��اك نخب وتيارات سياس��ية وإيديولوجي��ة ال معنى لها في عين‬ ‫الجمه��ور العام‪ ،‬أما اإلس�لاميون فلهم معنى معلوم‪ ،‬ولم يس��بق‬ ‫تجريبهم سياسيا‪ .‬والش��يء الجيد في صعودهم الحالي هو أنهم‬ ‫يخس��رون وضع الضحي��ة والتعاط��ف الذي يترتب علي��ه‪ ،‬وتوضع‬ ‫أفعالهم وأقوالهم تح��ت تفحص الرأي العام‪ .‬فإذا لم يتحولوا إلى‬ ‫الدكتاتورية‪ ،‬ويبدو لي هذا صعبا‪ ،‬فلن ينالوا النس��بة التي نالوها‬ ‫ف��ي االنتخابات األخيرة ف��ي مصر‪ .‬وإذا تجولوا إل��ى الدكتاتورية‪،‬‬

‫نور الأمني‬ ‫أغب��ط الفرنس��يين‪ ..‬آالف م��ن األصوات تكف��ي ليتنحى‬ ‫الرئيس وليست آالفا من الجثث‪.‬‬

‫تانيا برغلي‬ ‫شريف ش��حادة في برلمان (اإلصالح)‪ ،‬كأن هذه السلطة‬ ‫تريد قتل الناس بالرصاص أو بالضحك‪.‬‬

‫نغم ناع�سة‬ ‫ما هذه الدقيقة الس��اخنة المميتة‪ :‬صوت أختي المرتجف‬ ‫وهي تتكلم من بالد أخرى‪ ...‬ونَ َفسُ أمي الذي يدعوني‬ ‫ال��ى االطمئن��ان دائما رغم زح��ام الم��وت‪ ..‬وهمس أبي‬ ‫الذي تجاوز الخامس��ة والس��تين بأن نصبح على وطن‪...‬‬ ‫وأخ��ي الذي يدعوني إلى الحذر الدائ��م‪ ..‬وكأن الحذر هو‬ ‫األمان‪..‬‬ ‫آه يا عائلتي كم دقيقة نحتاج لنشعر بالبرودة‪ ..‬كم ع َّلمَنا‬ ‫األلم وسيع ّلمنا‪ ..‬شيء مؤسف أن نتعلم من الدماء‪..‬‬

‫�ضحى ح�سن‬ ‫لنصمت قلي ًال فقط‪ ...‬فأفواهنا تلطخت بالدماء‪..‬‬

‫ر�شا عمران‬ ‫م��ا من س��وري بمنجى م��ن الموت حالي��اً‪ ،‬ال معارض وال‬ ‫موالي وال صامت‪ ...‬الكل ضحايا أو مش��اريع ضحايا لبقاء‬ ‫ه��ذه العصاب��ة المغتصبة‪ ...‬المش��كلة في م��ن ال يزال‬ ‫يؤمن بأن هذا المعتوه مازال قادرا على حكم سوريا‪!!...‬‬

‫مهند خمتار‬ ‫األس��د أو نحرق البلد‪ ....‬عبارة تس��تحق التفكير بعد كل‬ ‫عملية تفجير‪.‬‬

‫�أمية املقداد‬ ‫أيها السوري‪ ،‬خذ ما شئت من أشالئي‪ ،‬لكن أرجوك‪ ،‬ابقى‬ ‫كام� ًلا‪ ..‬دعن��ا اليوم نبكي وطن��ًا‪ ،‬لكن أرج��وك‪ ،‬ال تنعي‬ ‫وطنا‪ ..‬دعنا اليوم نخرج لنش��يع بعضن��ا‪ ،‬لكن أرجوك‪ ،‬ال‬ ‫تطلب مني أن أخرج ألشيع‪ ..‬وطنًا‪.‬‬

‫جول دروي�ش‬ ‫ف��ي وطن��ي يموت من ال يس��تحق الموت عل��ى يد من ال‬ ‫يستحق الحياة‪.‬‬

‫خاطر �ضوا‬ ‫ال نُريد الموت ألي س��وري‪ ..‬النظام س��يرحل ونبقى كلنا‬ ‫للوطن‪.‬‬

‫نكون عدنا إلى الصراع من أجل الحرية‪ ،‬مع خس��ارة اإلس�لاميين‬ ‫أيضا وضع الضحية‪.‬‬ ‫في س��ورية أرجح أن يكون اإلس�لاميون ق��وة مهمة‪ ،‬لكن أقل‬ ‫وزن��ا م��ن مما في مص��ر‪ ،‬ربما أقل حت��ى مما في تون��س‪ .‬وهذه‬ ‫تطورات ينبغي أن يكون مرحبا بها في تقديري‪.‬‬ ‫| شو موقفك من (اإلسالم هو دين رئيس الدولة)؟‬ ‫| | أن��ا ض��د النص في الدس��تور على هكذا مب��دأ‪ .‬من وجهة‬ ‫النظر العملي��ة‪ ،‬يرجح كثيرا في أية انتخاب��ات حرة فعال أن يكون‬ ‫رئي��س الدولة مس��لما‪ ،‬فال داعي للن��ص على مبدأ يولد ش��عورا‬ ‫باالغتراب عند قطاعات من الش��عب‪ .‬وم��ن وجهة النظر المبدئية‪،‬‬ ‫يتعارض هذا النص مع مبدأ المواطنة المتس��اوية التي ينبغي أن‬ ‫ينص عليها الدستور‪.‬‬ ‫| بعد صمت ‪ 40‬س��نة تش��كلت لغة جدي��دة واللي هي‬ ‫«لغة خطاب الش��ارع» واستقت كلماتها كلها من االستعانة‬ ‫باهلل (يا اهلل مالنا غيرك) شو رأيك بهالتعابير‪ ،‬وشو موقفك‬ ‫من اللي وقف ضد الثورة ألنها طلعت من الجوامع‪.‬‬ ‫| | تكث��ف ه��ذه التعابير التجربة الحية لقطاعات واس��عة من‬ ‫الجمهور‪ .‬افتقرت الثورة السورية إلى سند داخلي أو خارجي‪ ،‬فلم‬ ‫يبق لها غير الس��ند العِ ْلوي‪ ،‬اإلله��ي‪ .‬هذا هو الجذر الواقعي لهذه‬ ‫الش��عارات‪ ،‬وهو ما يس��بغ عليها المعقولية‪ .‬إعطني سندا أرضيا‪،‬‬ ‫أضمن لك اتكاء غير حصري على السند السماوي‪.‬‬

‫حريتنا تلتم��ع كالغفلة الفادحة وتش��تعل‬ ‫ببراكين الرفض‪..‬‬ ‫نح��ن العبي��د الذين يحقق��ون أحالمهم‪..‬‬ ‫نحن اليتام��ى الذين صقلن��ا حريتنا بزفير‬ ‫الناس‪ ..‬وتحصنّا بالدم‪ ..‬دم خذل النصال‬ ‫وكسر القاتل‪..‬‬ ‫والعال��م كل��ه معك أيه��ا القات��ل‪ ..‬العالم‬ ‫كل��ه ير ّق��ع هشاش��تك ويش��طف الدم��اء‬ ‫التي س��فكتها‪ ..‬العالم كل العالم يحميك‬ ‫ويتغمدك بأكاذي��ب تزيد الدموع ملوحة‪..‬‬ ‫ويصقل هزيمتك بالمعادن ويمد لك حبل‬ ‫النجاة‪..‬‬ ‫لكنك أغبى وأحقر من أن تنجو‪..‬‬ ‫وإني ألرأف بالموت الذي سيتغمدك‪...‬‬ ‫كم أنت عبء‪ ...‬حتى على الموت‪..‬‬ ‫وكم رقبتك عبء على المشنقة‪...‬‬ ‫لينا عطفة‬ ‫قلب��ي مس��نود‪ ،‬ال يهمن��ي إن كان‬ ‫ظهري مكش��وفاً‪ ،‬أتص��رف كأنه غير‬ ‫مكش��وف‪ ،‬ف�لا ينغ��شّ أح��د‪ .‬قلبي‬ ‫مسنود واللي خايف يجي يسند قلبه‪،‬‬ ‫لي��س في الك��ون ما هو أس��وأ ممن‬ ‫سندَ ظهره فكشفَ َقلبَهُ‪ .‬تعلمناها‬ ‫على مرّ الطريق الوعر‪ ..‬اسندْ قلبك‪،‬‬ ‫وسيمكنك أال تساوم‪ ،‬أال تجد نفسك‬ ‫في درب تضطر لتبرير وجودك فيه‪.‬‬ ‫حرّي��ة‪ ،‬م��ن القل��ب‪ ،‬بالعق��ل‪ ،‬إل��ى‬ ‫األبد‪ ...‬ويوم‪.‬‬ ‫عروة نيربية‬ ‫لي في السجن رفاق‬ ‫يتوبون كل مساء إلى وسائد األمل‪.‬‬ ‫ينهشهم الجوع‪.‬‬ ‫يذبلهم العطش‪.‬‬ ‫ويأب��ون إال أن يزين��وا خص��ر عمرنا‬ ‫المكسور‪،‬‬ ‫بأسراب العصافير الطليقة‪.‬‬ ‫ياسر خنجر‬

‫أش��عر ب��ازدراء عمي��ق لم��ن اعترض��وا عل��ى الث��ورة لخروج‬ ‫المتظاهرين من المس��اجد‪ .‬أظنهم يبحثون عن ذريعة لالعتراض‬ ‫عليه��ا‪ ،‬ولو خرجت من الجامعات الخترعوا ذريعة أخرى‪ .‬وعلى كل‬ ‫ح��ال لهم موقف عدائي س��ابق م��ن المعارضة‪ ،‬بما فيه��ا أمثالنا‪.‬‬ ‫ولهم في ذلك حجج وذرائع تقنعهم‪.‬‬ ‫| س��ؤال افتراضي‪ :‬ش��و رأيك بإمكاني��ة عمل “محاكم‬ ‫أدبي��ة” لكل مثقف وأدي��ب وفنان ونجم وش��اعر وقف ضد‬ ‫الثورة وضد الش��عب‪ ،‬وإصدار حكم من الشعب مفاده “أنت‬ ‫ساقط شعبياً”‪.‬‬ ‫| | أرى أن هذا من الممارسات الفاشية‪ .‬ومن يحتمل أن يقوموا‬ ‫به��ذه المحاكمات هم أش��خاص يريدون أن يطابقوا أنفس��هم مع‬ ‫الثورة وقيمها‪ ،‬وكسب أسبقية على غيرهم‪ .‬للناس آراء‪ ،‬ومن حق‬ ‫أي كان أن يعت��رض على الثورة‪ ،‬ما لم يمارس التحريض أو يدعو‬ ‫إلى القتل‪.‬‬ ‫| انت متفاءل وال متش��اءم‪ ..‬يعني هل ستنتصر الثورة‬ ‫السورية‬ ‫| | أن��ا متفاعل‪ .‬أواكب الث��ورة بأدواتي ككات��ب‪ ،‬وأعمل على‬ ‫تقدمها‪.‬‬ ‫أرى أن الث��ورة من��ذ اآلن وأي��ا يكن مآله��ا مأثرة عظيمة للش��عب‬ ‫السوري‪ .‬لكن انتصارها وحده هو ما يمكن أن ينصف آالم هذا الشعب‬ ‫أثناء الثورة ذاتها‪ ،‬وقبلها خالل عقود من الحكم األسدي والبعثي‪.‬‬

‫السؤال والجواب‪ :‬من حوار حول الثورة السورية مع ياسين الحاج صالح | أسئلة هنادي الخطيب‬


‫احلركات الإ�سالم َّية يف منظور اخلطاب العربي املعا�صر‬ ‫ياسر مرزوق‬

‫قراءة في كتاب ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫مركزي�� ًة في خط��اب اإلس�لام السياس��ي‪.‬‬ ‫يستعرض الكاتب‪ ،‬في محور ثالث‪ ،‬آراء عدد‬ ‫من المفكرين في هذا المجال‪.‬‬ ‫ي��رى عل��ي عب��د ال��رازق ف��ي كتاب��ه‬ ‫اإلس�لام وأصول الحكم أن السياس��ة ش��أن‬ ‫تدبيري‪ ،‬وليس��ت ش��أنًا عقيديًّ��ا‪ ،‬ويذهب‬ ‫بعيدًا في تفنيد الرأي القائل بأن "اإلس�لام‬ ‫دين ودولة"‪ ،‬فيرفض هذه المقولة‪ ،‬معتبرًا‬ ‫الخالفة مقامًا دينيًّا‪ ،‬وأن اإلسالم لم يعرف‬ ‫يومً��ا دمجًا بين الدين والسياس��ة بقدر ما‬ ‫ع��رف اس��تخدامًا للدين في تبري��ر قرارات‬ ‫السلطان السياسي‪.‬‬ ‫أما هش��ام جعي��ط‪ ،‬فيب��دو قلقًا على‬ ‫مس��تقبل الدي��ن ف��ي الدول��ة العَلماني��ة‬ ‫األصولي��ة العربي��ة؛ إذ يعتبر اإلس�لام دين‬ ‫األمة‪ ،‬مما يوجب بقاءه دينًا للدولة‪ ،‬بمعنى‬ ‫أن تعت��رف الدول��ة ب��ه تاريخيًّ��ا وتَهَبَ��ه‬ ‫حمايتَه��ا وضمانه��ا‪ .‬ف��ي المقابل‪ ،‬يش��دد‬ ‫جعيط على رفضه اس��تخدام الدين أدا ًة في‬ ‫يد الدولة‪ ،‬تتالعب به لغايات سياسية‪.‬‬ ‫أم��ا برهان غلي��ون‪ ،‬فيعتب��ر أن ازدياد‬ ‫الطلب على الفكرة اإلس�لامية في الش��ارع‬ ‫م��ع بداي��ة الس��بعينيات يع��ود إل��ى تراجُع‬ ‫الفك��رة القومية والعَلماني��ة التي ارتبطت‬ ‫بالدولة؛ وهو تراجُع طاول مستويات نفسية‬ ‫وعقيدية وسياس��ية‪ .‬ويرى أن اإلس�لام لم‬ ‫يفكر ف��ي الدولة‪ ،‬وال كانت قضي��ة إقامتها‬ ‫من مش��اغله‪ ،‬لك��ن الدولة كان��ت‪ ،‬من دون‬ ‫شك‪ ،‬أحد منتجاته الجانبية والحتمية‪.‬‬ ‫يرفض راشد الغنوشي الدولة العَلمانية‪،‬‬ ‫فينعت نخبتها السياس��ية بـ"الكهنوت الجديد"‬ ‫ال��ذي يس��عى إلى ف��رض دين��ه الجديد على‬ ‫المجتم��ع العربي واإلس�لامي عنوةً‪ ،‬مش��ددًا‬ ‫على ضرورة الس��لطة في اإلس�لام التي هي‬ ‫في اآلن نفسه قيامة الدين‪.‬‬ ‫أم��ا محم��د أرك��ون‪ ،‬فيرب��ط تنام��ي‬ ‫إيديولوجي��ا الكف��اح ض��د اإلمبريالي��ة بتراجع‬ ‫الدول��ة العَلماني��ة؛ وه��و ما أدى إل��ى صعود‬ ‫الح��ركات اإلس�لامية الراديكالي��ة التي ذهبت‬ ‫بعي��دًا ف��ي رف��ع ش��عار "ال حاكمي��ة إال هلل"‪.‬‬ ‫يعيد أرك��ون الخلط بين الدني��وي والمقدس‪،‬‬ ‫وبين الدي��ن والدولة‪ ،‬إلى خضوع علماء الدين‬ ‫والفقهاء للسلطة السياسية‪ ،‬ليخلص من ذلك‬ ‫إلى دعوة ملحاح إلى فصل الدين عن الدولة‪.‬‬ ‫إن الصخ��ب ال��ذي تثي��ره الح��ركات‬ ‫اإلس�لامية اليوم يجعل مناقشة ممارساتها‬ ‫وبرامجها مهم ًة ملحَّ��ة وضرورية‪ .‬وأبرز ما‬ ‫يواجه ه��ذه الحركات اندفاعه��ا في نظرية‬ ‫"تكفيرية" للمجتمع والحكم ورجال السلطة‪.‬‬ ‫كما تطرح هذه الحركات تحديًا على القوى‬ ‫العقالني��ة والق��وى الديني��ة المتن��ورة في‬ ‫مواجهة استغالل هذه الحركات في الصراع‬ ‫السياسي وتوظيف النص الديني في تبرير‬ ‫أعمال العنف واإلرهاب‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫كتابنا اليوم وقد يكون كاتبنا اكتش��افًا‬ ‫لطي��فٍ م��ن الق��راء ف��ي س��وريا‪ ،‬كاتبنا هو‬ ‫"تركي عل��ي الربيعو"‪ ،‬كاتب وباحث س��وري‬ ‫ولد في القامش��لي عام ‪ ،1951‬درس العلوم‬ ‫في األصل‪ ،‬ودرّس في مدارس القامش��لي‪،‬‬ ‫ثم ت��رك التدريس بعد أواس��ط التس��عينات‬ ‫وج��اء إلى دمش��ق‪ ،‬واحترف الكتاب��ة وتوفي‬ ‫فيها عام ‪ .2007‬نشر له العديد من المقاالت‬ ‫الفكري��ة ف��ي الدوري��ات العربي��ة " أكثر من‬ ‫ثماني��ن دراس��ة فكري��ة"‪ ،‬ونش��ر مجموع��ة‬ ‫م��ن الكت��ب منها‪" :‬اإلس�لام وملحم��ة الخلق‬ ‫واألسطورة "‪" 1992‬العنف المقدس والجنس‬ ‫ف��ي الميثولوجيا اإلس�لامية " ‪ " ،1994‬أزمة‬ ‫الخط��اب التقدم��ي العرب��ي " ‪" ،1995‬م��ن‬ ‫الطين إلى الحج��ر" ‪" ،1997‬خيارات المثقف"‬ ‫‪ " ،1998‬اإلسالم والغرب " ‪" ،1998‬المحاكمة‬ ‫واإلره��اب‪ :‬عقلي��ة التخوي��ن ف��ي الخط��اب‬ ‫العرب��ي" ‪" ،2001‬األرض اليب��اب‪ :‬محاكم��ة‬ ‫الفكر األسطوري العربي " ‪" ،2007‬األسطورة‬ ‫والسياسة مع الدكتور فاضل الربيعي"‪ ،‬عاين‬ ‫الربيع��و قضاي��ا ب�لاده السياس��ة باحث��ُا في‬ ‫بنية العش��ائر الس��ورية تنظيميًا وسياس��ياً‪،‬‬ ‫كم��ا تع��رض لواق��ع ب�لاده محل�لا اتجاهاته‬ ‫وخاص��ة بعد س��قوط بغداد‪ ،‬ول��ه الكثير من‬ ‫اآلراء الجريئ��ة في الت��راث العربي والحركات‬ ‫اإلس�لامية والخط��اب العرب��ي‪ ،‬إضاف��ة إلى‬ ‫أبحاثه في األساطير واألديان‪..‬‬ ‫بعد مس��يرة حافلة بالبحث والتش��اكل‬ ‫م��ع الت��راث مثقف��اً تنويري��اً‪ ،‬رح��ل الكاتب‬ ‫الس��وري تركي علي الربيعو‪ ،‬حيث شيع في‬ ‫مسقط رأس��ه بمدينة القامش��لي بحضور‬ ‫عدد من المثقفين الس��وريين‪ .‬وجاءت وفاة‬ ‫الربيعو الذي لم يتجاوز الرابعة والخمس��ين‬ ‫بع��د معان��اة طويل��ة مع مرض الس��رطان‪،‬‬ ‫وهو القائل‪ " :‬كان مثقفونا وكتابنا يهربون‬ ‫إل��ى األم��ام كلم��ا جابهتهم مش��كلة الواقع‬ ‫الغير قادرين على حله‪ ،‬فأنهم اآلن يهربون‬ ‫إلى الخلف‪ ،‬إلى الماضي‪ ،‬إلى أرض السحرة‬ ‫والجان والخرافات واألساطير‪" .‬‬ ‫يتناول كتابنا اليوم مس��ألة رئيس��ية ال‬ ‫تزال تش��غل الفك��ر العربي واإلس�لامي في‬ ‫جانبيه النظري والسياسي هي‪ :‬عالقة الديني‬ ‫بالسياسي في وعي النخب الفكرية اإلسالمية‬ ‫الحديثة والمعاصرة‪ ،‬إذ ُّ‬ ‫يحتل صعودُ اإلسالم‬ ‫السياس��ي منذ أربع��ة عقود س��احة النضال‬ ‫والسجال السياسي والفكري واإليديولوجي‪،‬‬ ‫عربيًّا وعالميًّا‪ .‬وق��د ترا َفق هذا الصعود مع‬ ‫فش��ل البرنامج القومي اليساري في التحرر‬ ‫القومي والوح��دة والتقدم في أعقاب هزيمة‬ ‫حزي��ران ‪ 1967‬وم��ا تالها من هزائ��م أمام‬ ‫المش��روع الصهيوني واالس��تعماري الزاحف‬ ‫على المنطقة‪ .‬وقد و َّلد هذا الفشل ً‬ ‫فراغا عبَّر‬ ‫عنه انهيار قوى التقدم والديمقراطية وغياب‬ ‫البرام��ج البديلة‪ .‬في ظل هذه الظروف‪ ،‬قدم‬ ‫البرنامج اإلس�لامي نفس��ه بدي� ً‬ ‫لا وخالصًا‪،‬‬ ‫فطرح ش��عار "اإلس�لام ه��و الح��ل"؛ وترتَّب‬ ‫على ه��ذا الش��عار نش��و ُء حركات سياس��ية‬ ‫متعددة المش��رب والهدف‪ .‬يمثل كتاب تركي‬ ‫علي الربيعو الحركات اإلس�لامية في منظور‬ ‫الخطاب العربي المعاصر‪ ،‬الصادر عن المركز‬ ‫الثقافي العربي‪ ،‬مساهم ًة في قراءة التيارات‬ ‫السياس��ية العربي��ة ونُخبه��ا لدالل��ة صعود‬ ‫الحركات اإلسالمية‪.‬‬ ‫ف��ي مح��ور أول‪ ،‬يرك��ز الربيع��و على‬ ‫الق��راءة التاريخي��ة الت��ي قدمه��ا الخط��اب‬ ‫التقدم��ي لظاه��رة الح��ركات اإلس�لامية‪،‬‬ ‫أي جمل��ة األس��باب التاريخي��ة واالجتماعية‬ ‫واالقتصادي��ة الت��ي أس��همت ف��ي ظه��ور‬ ‫الح��ركات وانتش��ارها في صفوف الش��باب‬ ‫العرب��ي مالحظ��اً وج��ود إجاب��ات متباين��ة‬ ‫ومتوازي��ة‪ ،‬تتف��ق ف��ي الص��دور ع��ن ذات‬ ‫المرجعية‪ ،‬حيث يرجع التفسير السيكولوجي‬

‫ـ العصبي انتش��ار الحركات اإلس�لامية إلى‬ ‫نوع م��ن الم��رض العصب��ي‪ ،‬أو ك��رد فعل‬ ‫س��يكولوجي يق��وم ب��ه اإلنس��ان المقهور‬ ‫عل��ى جمل��ة التحديات حس��بما يذه��ب إليه‬ ‫غالي ش��كري‪ .‬وتظهر الحركات اإلس�لامية‬ ‫وف��ق ه��ذا التفس��ير بوصفه��ا تعبي��راً عن‬ ‫أولية ش��ائعة في حاالت الفش��ل‪ ،‬يلجأ إليها‬ ‫اإلنس��ان المقهور‪ ،‬أو اإلنسان العصبي على‬ ‫حدّ تعبير محمد أركون‪ .‬ويرجع تفس��ير آخر‬ ‫ظاه��رة الحركات اإلس�لامية إل��ى انحطاط‬ ‫البورجوازي��ة العربي��ة‪ ،‬وهزيم��ة حزيران‪،‬‬ ‫وتراجع المشروع الوطني‪.‬‬ ‫ويعتبر الربيعو أن التبشيرية الساذجة‬ ‫في أوس��اط الخطاب التقدمي‪ ،‬التي بش��رت‬ ‫ب��زوال الدين وتجلياته‪ ،‬ل��م تكن ترتكز إلى‬ ‫تحلي��ل علمي دقي��ق للواقع‪ ،‬لذل��ك‪ ،‬وأمام‬ ‫غي��اب نظري��ة عربية تقدمية ح��ول الدين‪،‬‬ ‫وج��د الخط��اب التقدم��ي العرب��ي‪ ،‬نفس��ه‬ ‫ملزم��اً بالع��ودة إلى المث��ال‪ ،‬ال إل��ى الواقع‬ ‫والخصوصي��ة‪ .‬وعلي��ه بق��ي ه��ذا الخطاب‬ ‫يمن��ح م��ن الرؤي��ة الس��لفية للدي��ن الت��ي‬ ‫أذكاه��ا ماركس في مقدمته لنقد االقتصاد‬ ‫السياسي‪ .‬كما بقي باس��تمرار في مواجهة‬ ‫إشكالية مس��تمرة‪ ،‬تتمثل في فاعلية الدين‬ ‫عل��ى الصعي��د الجماهي��ري‪ ،‬وقدرت��ه على‬ ‫تجنيدها ف��ي الدفاع ع��ن األرض والوطن‪،‬‬ ‫بحث أصبح الدفاع عن الدين اإلسالمي‪ ،‬في‬ ‫تاري��خ المنطقة العربي��ة‪ ،‬دفاعاً عن هوية‪،‬‬ ‫عن جماعة وأرض‪.‬‬ ‫ويتمح��ور قول األس��تاذ تركي الربيعو‬ ‫ح��ول أن انس��داد اآلف��اق السياس��ية أم��ام‬ ‫الشباب المسلم في منطقة الشرق األوسط‬ ‫م��ع تنامي ما يس��مى بالدولة التس��لطية أو‬ ‫الدول��ة الش��مولية‪ ،‬إضاف��ة إلى السياس��ات‬ ‫األميركية المعادي��ة للقضايا العربية‪ ،‬يمهد‬ ‫إل��ى عملي��ة تجييش واس��عة ف��ي منطقة‬ ‫الشرق الوس��ط ومحيطها‪ ،‬بحيث تؤدي إلى‬ ‫المزيد من الفاعلية السياس��ية لهذه القوى‬ ‫اإلس�لامية وذلك على الرغم م��ن افتقارها‬ ‫إل��ى مش��روع سياس��ي حقيق��ي كم��ا يرى‬ ‫شهودها من الداخل‪.‬‬ ‫ثم يتس��اءل ع��ن مدى ارتب��اط ظاهرة‬ ‫اإلسالم السياسي بالثورة المضادة في مصر‪،‬‬ ‫أي بالظاهرة الس��اداتية‪ ،‬كما يشير إلى ذلك‬ ‫الخط��اب التقدمي العربي‪ ،‬في إطار محاوالت‬ ‫الس��ادات‪ ،‬إلحداث توازن مع القوى اليس��ارية‬ ‫والناصري��ة المضادة لتوجهات��ه‪ .‬وعليه كيف‬ ‫ترافق أو توازى‪ ،‬أو تزامن المشروع اإلخواني‬ ‫مع سنوات ارتفاع قوس الناصرية وازدهارها‪،‬‬ ‫بوصفه أمراً ال يخلو من داللة طردية‪ .‬كذلك‬ ‫كيف يمكن تفس��ير عمومية ظاهرة اإلسالم‬ ‫السياس��ي‪ ،‬وانتش��ارها في أوس��اط الشباب‬ ‫العربي‪ ،‬فض� ً‬ ‫لا عن النوعي��ة الخاصة لهؤالء‬ ‫الش��باب‪ ،‬وه��ل يمكن تفس��يرها عل��ى أنها‬ ‫ميل ش��ديد عند هؤالء الش��باب إل��ى النزعة‬ ‫الالعقالني��ة‪ ،‬وكراهيتهم للتفكي��ر المرتكز‬ ‫إل��ى العقل كم��ا بعض الباحثي��ن العرب؟ مع‬ ‫أن الس��ؤال المحير هو‪ :‬كيف تحول قادة هذه‬ ‫الح��ركات‪ ،‬س��يد قطب مث� ً‬ ‫لا‪ ،‬م��ن العقالنية‬ ‫والتنويرية إلى االنغ�لاق والجمود والقطعية‬ ‫كما يرى الخطاب العربي‪.....‬‬ ‫يركز الكاتب على قراءة الخطاب اليساري‬ ‫لهذه الحركات‪ ،‬الذي ش��كلت هزيمة حزيران‪،‬‬ ‫في نظره‪ ،‬القاعد َة األساسية لظهورها‪ .‬عبَّر‬ ‫ُ‬ ‫انحطاط البرجوازية العربية وتراجُع‬ ‫عن ذلك‬ ‫المشروع الوطني وما رافقه من غياب البديل‬ ‫الث��وري لقيادة البرجوازي��ة الصغيرة ودخول‬ ‫حرك��ة التح��رر الوطن��ي أزمة مس��تعصية‪،‬‬ ‫ال أف��ق مرئيًّ��ا للخ��روج منها‪ .‬أت��ى ذلك كله‬ ‫على قاعدة من التقهقر االجتماعي وانتش��ار‬ ‫األمي��ة في العالم العربي‪ ،‬مم��ا زاد من أزمة‬ ‫اإلنس��ان النفس��ية والعصبية‪ ،‬وهي عوامل‬

‫تشكل أساسً��ا موضوعيًّا للتزمت والتمسك‬ ‫بالتقاليد واالندفاع األكبر إلى أحضان الدين‪.‬‬ ‫كما يرى هذا الخطاب أن الس��لطة الرس��مية‬ ‫اس��تخدمت الحركات اإلس�لامية في صراعها‬ ‫مع القوى التقدمية والمعارضة‪ ،‬مما أعطاها‬ ‫دفعًا وقوة (يمثل اس��تخدام النظام المصري‬ ‫لها أيام أنور السادات أبرز األمثلة الدالة على‬ ‫ذلك)‪ .‬ويطلق الخط��اب التقدمي‪ ،‬من جانبه‪،‬‬ ‫أوصافً��ا متع��ددة عل��ى الخطاب اإلس�لامي‪،‬‬ ‫متهمً��ا إي��اه باالنحطاط والش��كلية والجمود‬ ‫والرجعية والوعي الزائف‪.‬‬ ‫كم��ا يلقي الض��وء على ق��راءات لعدد‬ ‫من أف��راد النخب��ة المفكرة تناول��ت ظاهرة‬ ‫اإلس�لام السياس��ي‪ ،‬فيخت��ار ع��ددًا منهم‬ ‫اجتهدوا ف��ي قراءة ما يتص��ل منها بخطاب‬ ‫اليسار وما حاول التميز عنه‪.‬‬ ‫عند محم��د عابد الجابري أن اإلس�لام‬ ‫السياس��ي هو إنت��اج هزيم��ة الراديكاليين‬ ‫الع��رب‪ ،‬بخطابهم وممثليه��م‪ .‬وهو يحمِّل‬ ‫دول النفط مسؤولي ًة في صعودها وتقويتها‪.‬‬ ‫وهو يراها‪ ،‬ف��ي المقابل‪ ،‬ظاهرة ظرفية ال‬ ‫أفق مستقبليًّا لبرنامجها وموقعها‪.‬‬ ‫أما ف��ؤاد زكريا فيقيم تض��ادًّا مطلقًا‬ ‫بي��ن الصح��وة اإلس�لامية والعق��ل‪ ،‬وبي��ن‬ ‫الحركات اإلس�لامية والعَلماني��ة والتعددية‬ ‫السياس��ية‪ ،‬إذ يرى أن بعض س��ماتها تقوم‬ ‫على ممارس��ة العن��ف وتمجيده‪ ،‬وس��يطرة‬ ‫العاطفة‪ ،‬وعدم االس��تماع إل��ى الرأي اآلخر‪،‬‬ ‫والتش��ديد على الطاع��ة المطلق��ة للقادة‪،‬‬ ‫واستخدام القوة ضد معارضيها‪.‬‬ ‫يناق��ش رضوان الس��يد‪ ،‬م��ن جانبه‪،‬‬ ‫المعقولي��ة برنام��ج اإلس�لام السياس��ي‬ ‫وممارس��ته‪ ،‬فيُعيده��ا إل��ى المعقولي��ة‬ ‫االس��تبداد الس��ائد ف��ي البل��دان العربي��ة‪.‬‬ ‫في��أس الن��اس م��ن الحالة القائم��ة‪ ،‬وليس‬ ‫تخلفه��م‪ ،‬ه��و ال��ذي يفسِّ��ر إقبالهم على‬ ‫ش��عارات اإلس�لاميين‪ .‬واألزمات االجتماعية‬ ‫واالقتصادية والسياسية التي تمر بها األمة‬ ‫أعطت هذه الحركات شعبي ًة واسعة‪ .‬تُضاف‬ ‫إل��ى ذل��ك ك ِّل��ه الطريق��ة التي ج��رى فيها‬ ‫توظي��ف النص��وص الديني��ة والفقهية بما‬ ‫يخدم "نضالية" هذه الحركات‪.‬‬ ‫وي��رى محمد جابر األنصاري أن صعود‬ ‫الحركات اإلس�لامية هو نتيج��ة االحتجاجات‬ ‫الريفي��ة عل��ى عال��م المدن وع��دم اختراق‬ ‫خطط التنمية المديني��ة للريف؛ وهو بذلك‬ ‫يربط بين انتش��ار الخطر األصولي وفش��ل‬ ‫خط��ط التنمي��ة‪ ،‬ويضيف إلى هذا الفش��ل‬ ‫عجز المشروع الوطني والقومي عن تقديم‬ ‫الحل التاريخي لهذه المجتمعات‪.‬‬ ‫يعتبر نبيل عبد الفت��اح أن العنف مكوِّن‬ ‫أساس��ي من مكوِّنات بنية الخطاب اإلس�لامي‬ ‫ف��ي ش��تى فروع��ه ومناحي��ه‪ .‬فم��ن موقع��ه‬ ‫المصري–القبطي‪ ،‬يرى أن "اإلخوان المسلمين"‬ ‫يختزلون اإلس�لام السياس��ي ويقدم��ون رؤية‬ ‫تقليدي��ة لنم��وذج "أه��ل الذمة" بالنس��بة إلى‬ ‫األقباط‪ .‬لذلك يعزو مشكالتِ األقباط ك َّلها إلى‬ ‫تنامي ظاهرة اإلسالم السياسي‪.‬‬ ‫في المقاب��ل‪ ،‬يقوم خطاب نصر حامد‬ ‫أب��و زيد ح��ول هذه الح��ركات عل��ى خلفية‬ ‫إيديولوجي��ة أساس��ها التضاد بي��ن المتنور‬ ‫والمتخل��ف‪ ،‬بي��ن العقالن��ي والخراف��ي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حرك��ة النهضة‬ ‫فاالنتكاس��ة التي ش��هدتْها‬ ‫والتنوي��ر العربي ارتدَّت صع��ودًا إلى قوى‬ ‫الخراف��ة الت��ي وقف��ت حاج��زًا أم��ام قراءة‬ ‫عقالني��ة للن��صِّ الدين��ي‪ .‬ويعيد أب��و زيد‪،‬‬ ‫ف��ي هذا المجال‪ ،‬تأكي��د مقوالته حول كون‬ ‫القرآن نصًّا لغويًّ��ا‪ ،‬وحول العالقة الجدلية‬ ‫بين النص والواق��ع‪ ،‬بوصفها تمثل مفتاحًا‬ ‫لفهم النص القرآني‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫تشكل العالقة بين الدين والسياسة –‬ ‫ومن ضمنها خضوع السياسة للدين – نقط ًة‬

‫‪15‬‬


‫حكـــــاية فريــــق املوتـــــى‬ ‫حكايا الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪16‬‬

‫شهادة‪ :‬هناء‬ ‫صياغة‪:‬عالء آلرش‬

‫للبطل وللميت احلكاية‪� ..‬أما‬ ‫املجهول‪ ،‬فم�صريه َ‬ ‫جثة بال‬ ‫هوية‪...‬‬

‫الجث��ة ‪ 15‬بال هوي��ة‪ .‬لكل رقم‬ ‫جث��ة‪ .‬الميت ‪ 15‬كان مبتس��ماً‪،‬‬ ‫الح��ظ (لوس��تان) ذل��ك وه��و‬ ‫داخ��ل‪ ،‬وعبّ��ر بق��وة‪( :‬يب��دو‬ ‫ل��ي‪ .‬أنه اس��تمتع ف��ي لحظاته‬ ‫األخي��رة)‪ ،‬ل��م ي��رد (نجي��ب)‪.‬‬ ‫واس��تقبل الجثة‪ ،‬كم��ا غيرها‪،‬‬ ‫حت��ى ربما س��هي ع��ن الرقم‪.‬‬ ‫الرق��م ‪ ،15‬كغيرها من الجثث‪،‬‬ ‫لكنه��ا ج��اءت وحي��دة ف��ي يوم‬ ‫االقتح��ام العس��كري للمدينة‪.‬‬ ‫توقعنا ع��دداً كبي��راً من الجثث‬ ‫المجهول��ة ذلك اليوم‪ ،‬وحضرت‬ ‫أن��ا ثالثة أو أربع��ة أكفان‪ .‬كان‬ ‫الوق��ت مس��اءاً حين ل��م يصلنا‬ ‫إال الجث��ة رق��م ‪ 15‬وحدها‪ .‬لم‬ ‫نك��ن نعرف م��ا يج��ري حقيقة‬ ‫ف��ي المدين��ة‪ ،‬جث��ة المفاجئ��ة‬ ‫الوحيدة‪ .15 ،‬أهمل (لوس��تان)‬ ‫الجث��ة ً‬ ‫بداية‪ ،‬وكأنه منزعج من‬ ‫قل��ة العدد‪ .‬لكن الميت ابتس��م‬ ‫ميت��اً‪ ،‬أنهى حياته ابتس��اماً‪ .‬أنا‬ ‫ً‬ ‫كاملة لم‬ ‫ل��م أره‪ ،‬لك��ن الليل��ة‬ ‫تمض دون معجزات‪.‬‬

‫على أبواب الجامعة‪ ،‬تاه (لوستان)‬ ‫ف��ي خيارات الدراس��ة‪ ،‬وغ��اب‪ .‬البعض‬ ‫التقط لمحة الحيرة على وجهه‪ ،‬وآخرون‬ ‫ومنهن فتيات‪ ،‬أخبرننا أنه درس الطب‪،‬‬ ‫وآخ��رون قالوا المس��رح الهزلي‪ ،‬أو أنه‬ ‫ت��رك الط��ب للثانية أو العك��س‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫أصر (نجيب) على تتبع أخباره‪ .‬وحين لم‬ ‫يحضر (لوستان) حفل زواجنا‪ ،‬أطلعني‬ ‫بشعر‬ ‫صور عتيقة لش��اب‬ ‫(نجيب) على ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مشعث‪ ،‬أش��قر‪ .‬صورة عتيقة‪ ،‬ال تمتع‬ ‫إال صاح��ب الحنين‪( .‬لوس��تان) يبتس��م‬ ‫ف��ي غال��ب الص��ور‪ ،‬طوي��ل‪ ،‬ويرتدي‬ ‫مري��و ًال أزرق كالش��يوعين‪( .‬ربما ترك‬ ‫الدي��ن إلى األبد‪ ..‬ال اس��تغرب إن درس‬ ‫المس��رح الهزلي‪ ..‬وت��رك الطب‪ ..‬حتى‬ ‫ول��و فع��ل العك��س)‪ ،‬يق��ول (نجيب)‪،‬‬ ‫وهو يش��ير إلى صورة تبديهما بجنون‬ ‫مراهق��ة الفقراء‪ .‬أم��ا (نجيب)‪ ،‬زوجي‪،‬‬ ‫توجه ف��وراً إلى عل��وم الدين‪ ،‬واكتفى‬ ‫منه��ا بالتجويد‪ ،‬متعة تكرار الس��كينة‬ ‫سور علمه على تالوتها أبيه‪.‬‬ ‫في ٍ‬ ‫أنجب��ت أبناءي الثالث��ة‪ ،‬وعند أول‬ ‫الخري��ف الرابع‪ ،‬وصل (لوس��تان) لبيتنا‬ ‫للمرة األولى‪ .‬انتظرناه قرب فناء الدار‪،‬‬ ‫ولمحناه بعيداً‪ ،‬قادمًا من ضباب الزمان‪،‬‬ ‫خلفه بساتين بال ثمار‪ ،‬وبرد‪ .‬كان الجو‬ ‫رمادياً‪ ،‬وعلى ذراعي (لوس��تان) جس��د‬ ‫منس��دل‪ ،‬فالجث��ة ب�لا هوي��ة‪ ،‬تَخِفُ‬ ‫بغي��اب الحكاية‪ .‬كلما اقت��رب‪ ،‬اتضحت‬ ‫مالمح وجهه من ظالم البعيد‪ ،‬ونقصت‬ ‫دهشتنا‪ ،‬خطو ًة خطوةً‪ .‬سأل نجيب‪( :‬ما‬ ‫ه��ذا ؟)‪( ،‬جث��ة مجهول��ة الهوي��ة) أجاب‬ ‫لوس��تان‪ .‬ونصب��ح المس��ؤولين ع��ن‬ ‫مصيرها‪ .‬مرة‪ ،‬ومر ٌة أخرى‪ ،‬وجث ٌة تتلو‬ ‫جثة‪ ،‬وللجث��ث التي بال حكايات‪ ،‬أرقامًا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ولفافة بيضاء‬ ‫‪ ،3 ،2 ،1‬وتاري��خ وف��اة‪،‬‬ ‫ليس إال‪.‬‬

‫املوت للمجهول‪ ،‬وللبطل نهاية‬ ‫اال�ستك�شاف‪� ..‬أما للميت‪،‬‬ ‫فاملوت بداية املجهول‬ ‫ل��م ين��م فض��ول (نجي��ب) للجثث‬ ‫المجهولة الهوية‪ ،‬كان نوعًا من رفضه‬ ‫السياس��ي لنضال صديقه (لوس��تان)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وليلة على العش��اء ثار‪ ،‬قال‪( :‬لن أعرف‬ ‫الميول السياس��ية ألي جث��ة‪ ..‬صديقي‬ ‫لوس��تان بحاج��ة للمس��اعدة‪ .‬هذا كل‬ ‫شيء)‪ ،‬وكفاه المبرر الستقبال الموتى‬ ‫غامض��و الم��وت‪ .‬رف��ض االش��تراك‬ ‫بالمظاه��رات‪ ،‬وحتى اس��تعمال الجامع‬ ‫كم��ان تجم��ع للثائرين‪ .‬ي��وم الجمعة‪،‬‬ ‫ينه��ي المج��وّد (نجي��ب) درس��ه ف��ي‬ ‫فن��اء الجام��ع‪ ،‬ويتس��لل م��ن حلق��ة‬ ‫ط�لاب التجويد‪ ،‬يس��معهم م��ن خلفه‬ ‫يتجمع��ون‪ ،‬يتلهفون‪ ،‬ربما فكر مر ًة أن‬ ‫أحدهم س��يأتيه ً‬ ‫جثة مجهولة الحكاية‪،‬‬ ‫هذا المس��اء‪ .‬يحدث نفس��ه‪ ،‬عائداً إلى‬ ‫المنزل‪(:‬التجوي��د ف��ن‪ ..‬وال عالقة بين‬ ‫الحكم��ة والسياس��ة)‪ ،‬يكرر(نجي��ب)‬ ‫لنفس��ه‪ ،‬عاب��راً م��ن الجام��ع إل��ى آخر‬ ‫الح��ي الثائ��ر‪ ،‬ومن ثم يس��اراً إلى حي‬

‫"�إنهم يخفون املوتى"‪..‬‬ ‫يحرمون املوت من‬ ‫احلكايات‪ ،‬فنجهل‬ ‫البطل‪...‬‬

‫تأثر‬ ‫الزهور‪ ،‬وصو ًال إل��ى المنزل‪ ،‬دون ٍ‬ ‫بالحناجر المتألمة من خلفه‪( :‬يا اهلل ما‬ ‫إلنا غيرك يا هلل‪ ،‬يا اهلل ش��عب أعزل يا‬ ‫اهلل)‪ .‬م��ن أذنيه‪ ،‬كقط‪ ،‬يلتقط (نجيب)‬ ‫بحساس��ية‪ ،‬ذل��ك االس��تعمال ال��ذي ال‬ ‫يرضيه عن " اهلل "‪.‬‬

‫ق�صا�ص احلكاية‪،‬‬ ‫للميت‬ ‫ُ‬ ‫وللبطل اخللود‪� ..‬أما املجهول‪،‬‬ ‫من �أين ي�أتيه الثواب ؟‬

‫أُحضرُ ثوبَ الكفن األبيض‪ ،‬أكرر‬ ‫الطقس‪ ،‬أخيط��ه‪ ،‬أنظفه م��رةً‪ ،‬ومر ًة‬ ‫أمام أبناءي الثالثة‪ .‬أوضبه دون الجثة‪،‬‬ ‫وخيالي يملئ كفنًا فارغاً مجهزاً‪ ،‬بوجهٍ‬ ‫لمي��ت‪ ،‬من الصع��ب التهك��ن بماضيه‪.‬‬ ‫وجه��ًا ميتاً‪ ،‬ث��م وجهًا مرتب��اً‪ ،‬أتخيلهما‬ ‫س��يمألن الكف��ن األبي��ض‪ .‬أتنتقل مع‬ ‫جث��ة مجهولة إلى العال��م اآلخر‪ ،‬حرارة‬ ‫يدي ؟ أتشتاق عائل ٌة لميتها‪ ،‬فتستدعيه‬ ‫بالذكريات ؟ فترى كفنًا أبيضًا‪ ،‬فيسأله‬ ‫أحبابه‪( :‬من اعتنى بك ً‬ ‫جثة مجهولة؟)‪،‬‬ ‫فال��رداء األبي��ض‪ ،‬س��يكون مناس��باً‪،‬‬

‫ويجي��ب الميت أهله‪( :‬جثت��ي المجهولة‬ ‫أعطي��تُ رداءاً أبيض��اً)‪ ،‬ربم��ا‪ ،‬يفتخر‪،‬‬ ‫وهذه خاتمة حكايته‪.‬‬ ‫أطفال��ي الثالثة يراقب��ون عملي‪،‬‬ ‫قل��ق عليه��م من خي��االت الموت‪.‬‬ ‫دون ٍ‬ ‫يعبرون الدرج بهدوء نحو القبو المقسم‬ ‫غرفتي��ن؛ غرفت��ي الصغي��رة لتصميم‬ ‫أكف��ان الموتى‪ ،‬والغرف��ة الكبيرة حيث‬ ‫الجثث‪ .‬ويدور في خلدي‪ ،‬ش��عراً قرأته‬ ‫في م��كانٍ ما‪"" :‬من س��يتردي كفني ؟‬ ‫ليعمد ً‬ ‫جثة مجهولة""‪ .‬وأبنائي يقدرون‬ ‫هذه اللحظ��ات من الحلم‪ ،‬م��ن التأمل‬ ‫العبثي‪ ،‬م��ن التفكير بجث��ة بال هوية‪،‬‬ ‫كل ذل��ك ق��دّره األطفال ف��ي صمتي‬ ‫الطوي��ل‪ ،‬بينم��ا كن��ت أمل��ئ أكفان��ي‬ ‫بجثث‪.‬‬

‫للمجهولني �أرقام‪ ،‬كاملطلق‪،‬‬ ‫ال مكان لهم بني التفا�صيل‪،‬‬ ‫واحلكاية‪ ،‬والبطوالت‬ ‫الكف��ن األبي��ض ذو الرق��م ‪= 15‬‬

‫(إنهم يخفون الجثث‪ ،‬علينا‬ ‫اإلتي��ان به��ا) ص��رخ لوس��تان‪،‬‬ ‫بجانب فناء الدار‪ ،‬مترجياً (نجيب)‬ ‫المس��اعدة‪ .‬نظ��ر (نجي��ب) إلى‬ ‫األرض‪ ،‬ومن ثم إلى المصحف‬ ‫على مسند األرابيسك‪.‬‬ ‫بع��د الجث��ة ال‪ ،15‬ل��م‬ ‫تأت��ي الجثث‪ ،‬رحلت ع��ن بابنا‪.‬‬ ‫أحك��م الجيش الط��وق األمني‬ ‫في الش��وارع‪ ،‬وألنه��م يخفون‬ ‫ً‬ ‫حديق��ة‬ ‫القتل��ى‪ ،‬س��يدخلون‬ ‫جديد ًة في ح��ي الزهور‪ ،‬هناك‬ ‫حيث دفن أهل الحي بعضًا من‬ ‫الجثث المجهولة‪( .‬سنذهب معاً‪ ..‬نجلب‬ ‫بعضاً منها)‪ ،‬كانت تلك رغبة (لوستان)‪،‬‬ ‫و(نجيب) رفض‪ ،‬وانتهى األمر‪.‬‬ ‫ربم��ا م��ن ضغ��ط الذن��ب‪ ،‬تغي��ر‬ ‫أس��لوب (نجي��ب) بالت�لاوة والتجوي��د‪.‬‬ ‫ف��ي حنجرته‪ ،‬بحة غجر م��ع ألم ديني‪،‬‬ ‫واألح��رف األخيرة من الكلم��ات انفلتت‬ ‫م��ن اإليق��اع‪ .‬هك��ذا‪ ،‬للح��رفِ ج��رحٌ‪،‬‬ ‫بح�� ٌة من دفي��ن مجهول‪ ،‬غي��ر " اهلل"‪.‬‬ ‫ق��ال لوس��تان‪( :‬إنه أث��ر الموت��ى‪ ..‬لن‬ ‫تمر حبال��ك الصوتية حر ًة م��ن أثر ‪15‬‬ ‫جث��ة)‪ .‬وق��ال (نجيب)‪( :‬م��ن اهلل)‪( .‬اهلل‬ ‫مطلق) كان يصيح (نجيب) على الثوار‪،‬‬ ‫وه��م يس��تعملون "اهلل" للش��فقة‪( .‬يا‬ ‫اهلل ما ألنا غي��رك يا اهلل)‪ ،‬يهتفون في‬ ‫جامع الرحمن‪ ،‬هن��اك األئمة والفقهاء‪،‬‬ ‫وخطيب الجامع‪ ،‬يك��ررون‪( :‬يا نجيب‪...‬‬ ‫في تجويدك خروجٌ على التقاليد‪ ،‬على‬ ‫إرث اآلب��اء‪ ،‬وعل��م التجوي��د)‪ ،‬وتركوه‬ ‫وحيداً تحت رفرفة حمام القبب‪ .‬هناك‪،‬‬ ‫عل��ى إيق��اع الهدي��ل‪ ،‬فك��ر‪( :‬وللموت‬ ‫حكم��ة المطل��ق)‪ ،‬وواف��ق عل��ى رحلة‬ ‫إنقاذ جثث الحديقة مع (لوستان)‪.‬‬


‫البطل يركب املجهول نحو‬ ‫املوت‪ ..‬علينا �إظهاره‪...‬‬

‫ألبس��ناه الكفن األبيض‪ ،‬وكيس��ًا‬ ‫بالس��تيكياً عليه رقم��ه‪ ،‬وتاريخ دفنه؛‬ ‫يوم دخول العسكر‪ ،‬ودمار المدينة في‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬

‫باحلكاية‪ ،‬يعود امليت من‬ ‫املجهول‪ ،‬وبال�صفات نعرف‬ ‫الأبطال‪...‬‬

‫اللوحات من الكاتب‬

‫أسبوعية‬

‫ً‬ ‫خفية‪ ،‬تس��رب أبن��اءي الثالثة إلى‬ ‫المم��رات‪ ،‬وأخبرون��ا عن أنهم س��معوا‬ ‫قهقهة ً‬ ‫ً‬ ‫عالية من غرفة الموتى‪( .‬نجيب)‬ ‫التزم الصمت حيال الجثة ‪" ...15‬توهم‬ ‫األطفال ربما‪ ،‬وأعطوا للميت صوتاً من‬ ‫أش��ياء المنزل"‪ ،‬فكرنا‪ .‬ل��م يكن خوفاً‪،‬‬ ‫بل فضو ًال للمجهول‪ ،‬خفنا‪.‬‬ ‫ليلتها حلم��ت‪ ،‬حلمت بوجه أخضر‬ ‫غامق كالمي��ت غرقاً‪ ،‬وابتس��امة ثابتة‬ ‫على الشفاه مع س��خرية الموتى‪ .‬على‬ ‫ش��كل تمث��ال نصفي‪ ،‬هك��ذا ظهر لي‬ ‫ٍ‬ ‫أحده��م ف��ي الحل��م‪ ،‬بجزئ��ه األعل��ى‬ ‫كتماثيل س��قراط التي يتدربها مبتدئو‬ ‫الفنون األوربية‪.‬‬ ‫كان الصباح حاد الش��روق‪ ،‬والجثة‬ ‫‪ 15‬ستدفن في مقبرة (التسنيم)‪ ،‬ظهر‬ ‫اليوم‪ .‬وصل (لوستان)‪ ،‬طلب من كلينا‬ ‫التوصل إل��ى حل‪ ،‬لقد رأى البارحة في‬ ‫الحلم وج��ه الجثة ‪ ،15‬قال (لوس��تان)‪:‬‬ ‫(فقط الوجه‪ .‬وكان يبتسم في الحلم‪..‬‬ ‫أن��ا قادمٌ للت��و من هذا الحل��م الثابت‪،‬‬ ‫حل��م بوج��ه الجث��ة ‪ .)15‬ش��رح ذل��ك‪،‬‬ ‫متحمس��اً‪ ،‬وجلس على مقع��د الكنبة‪.‬‬ ‫كان األطفال يخرجون إلى يومهم قرب‬ ‫فناء ال��دار‪ ،‬و(نجيب) عائ��داً من الجامع‬ ‫بعد التجويد‪.‬‬ ‫(م��ن خلف وج��ه الجثة‪ ،‬ال ش��يء‪،‬‬ ‫فالحل��م ل��م يك��ن يح��وي الكثي��ر من‬ ‫األش��ياء‪ .‬أو إن للحل��م هدف��اً واحداً‪ ،‬ال‬ ‫أح��داث‪ ،‬ال انتقاالت غرائبية في الزمان‬ ‫والمكان)‪ ،‬قال (لوستان)‪ .‬فقلت‪( :‬هكذا‬ ‫كان حلم��ي)‪ .‬ثالثتنا‪ ،‬في ي��وم اجتياح‬ ‫المدينة العس��كري‪ ،‬حلمنا بوجه أخضر‬ ‫غام��ق مبتس��م‪ ،‬وج��ه الجث��ة رقم ‪15‬‬ ‫صامت‪.‬‬

‫منع��وّه م��ن التجوي��د‪ ،‬وخس��ر‬ ‫فن��اء الجامع الرحماني‪ ،‬لون��اً مختلفًا‬ ‫من التجويد م��ع الموت مجبول‪ .‬رحل‬ ‫م��ع (لوس��تان) إل��ى الحديق��ة‪ ،‬لي ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫متنصلي��ن دخ�لا‪ .‬عليهم��ا إنق��اذ ما‬ ‫ً‬ ‫جث��ة‪ ،‬جثتين‪،‬‬ ‫اس��تطاعوا م��ن جثث‪،‬‬ ‫والبح��ة في الحلق خج ً‬ ‫ال من قدس��ية‬ ‫األم��وات‪ .‬من الخوف‪ ،‬ص��دح (نجيب)‬ ‫بالتجويد‪ ،‬و(لوستان) اطمئن‪ .‬سكنت‬ ‫نفس (لوس��تان)‪ ،‬ونبش التراب وهو‬ ‫يحل��م‪" :‬كي��ف للجث��ة أن تك��ون بال‬ ‫حكاي��ة ؟"‪ .‬وأحرف اآلي��ات من حنجرة‬ ‫(نجيب) تخفف وطأة الليل المطلق‪.‬‬ ‫كلم��ا ع�لا (نجي��ب) التجوي��د‪،‬‬ ‫ارتاح��ت أصابع لوس��تان ف��ي لمس‬ ‫الميت‪ .‬أنا من منزلي لم أكن اس��مع‪،‬‬ ‫بل أحلم‪ ،‬أحلم بلحظةٍ حيث (نجيب)‬ ‫يج��وّد‪ ،‬و(لوس��تان) ينب��ش إيق��اع‬ ‫الت��راب‪( .‬علين��ا أن نفع��ل به��م كما‬ ‫فعلنا مع الجثة ‪ ،)15‬يقول لوس��تان‪،‬‬ ‫ويك��رر (نجيب) آي��ة ‪( :179‬ولكم في‬ ‫الحي��اة قصاصٌ يا أولي األلباب)‪ ،‬من‬ ‫س��ورة البق��رة‪ .‬ه��ل بانت للوس��تان‬ ‫األصابع ف��ي البداية ؟ رمل العينين ؟‬ ‫كفن أبيض ما ؟ صدرٌ أم نهد وحيد ؟‬ ‫مهما كان‪ ،‬كنا س��نكرر ما فعلناه‪ ،‬مع‬ ‫الجثة ‪.15‬‬

‫لم يجتاح العس��كر عل��ى أي من‬ ‫ٍ‬ ‫(المس��طومة)‬ ‫أحالمنا‪ ،‬بل على قرية‬ ‫الش��مالية‪ .‬وف��ي اليوم الثال��ث‪ ،‬كان‬ ‫فري��ق الموت��ى قد وص��ل‪ ،‬وبد ًال من‬ ‫تجوي��دٍ س��ورة البق��رة‪ ،‬ربم��ا غنى‬ ‫(لوس��تان ونجيب) لح��ن الحرية معًا‪.‬‬ ‫طوروا اللحن‪ .‬وأعاد العس��كر الكرة‪،‬‬ ‫دخلوا القرية مر ًة أخرى عند الصباح‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫خمس��ة فق��دت أبناءه��ا‪.‬‬ ‫وعوائ��ل‬ ‫انقطع��ت أخب��ار (لوس��تان ونجيب)‪،‬‬ ‫وف��ي اليوم الثالث من نفس الش��هر‬ ‫الخريف��ي‪ ،‬ع��اد (لوس��تان) وحي��داً‬ ‫حي��ًا‪ .‬كن��ت عن��د فن��اء ال��دار‪ ،‬وحدي‬ ‫هذه الم��رة‪ ،‬انتظره‪ ،‬مثلم��ا أتانا في‬ ‫الم��رة األولى‪ .‬بان من ب��رد الرمادي‪،‬‬ ‫وغم��وض الضباب‪ .‬اقت��رب‪ ،‬وهمس‬ ‫(جثة نجيب‪ٌ ،‬‬ ‫ألذني‪ُ :‬‬ ‫جثة بال حنجرة)‪.‬‬ ‫قط��ع العس��كر حنجرت��ه‪ ،‬وضاع��ت‬ ‫هناك‪ ،‬على أرض (المس��طومة)‪ ،‬بال‬ ‫حكاي��ة‪ ،‬بال صوت‪ ..‬حنج��رة من جثة‬ ‫معروفة‪.‬‬ ‫كنا كلما احترن��ا‪ ،‬ثالثتنا‪( ،‬فريق‬ ‫الموتى)‪ ،‬بتس��مية ميتٍ ما أو وصفٌ‬ ‫لجث��ةٍ مجهول��ة‪ ،‬حلمن��ا‪ .‬تُصحح لنا‬ ‫ُ‬ ‫الجثة ابتسامتها في الحلم‪ ،‬أو كآبتها‪،‬‬ ‫بعيونٍ ثابتةٍ من العتب أو الس��عادة‪،‬‬ ‫مع خلفيةٍ س��وداء‪( .‬الجث��ة الالهية‪،‬‬ ‫الجث��ة العابس��ة‪ ،‬والجث��ة العرج��اء)‪،‬‬ ‫وكل منا يوثق لآلخ��ر حلمه‪ ،‬بحكاية‬ ‫زيارة الموتى لحلمه‪ ،‬وتتراكم صفات‬ ‫القتل��ى‪ ،‬جثة رقم ‪ ،25‬جثة رقم ‪،26‬‬ ‫حنج��رة ‪ ،30‬يد ‪ ،12‬وج��ه بال حكاية‪،‬‬ ‫أقدام‪ ،‬وحناجر‪ ،‬حناجر‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫اجلثة ‪ ...15‬الأحياء‬ ‫يحلمون باملوتى‪ ،‬فيهبون‬ ‫املجهولني �صفات ًا‪...‬‬

‫موت الإن�سان حكايته‪...‬‬ ‫ق�صا�ص يا‬ ‫"ولهم يف احلياة‬ ‫ٌ‬ ‫�أويل الألباب"‪...‬‬

‫الذنب أم متعة معارضة الفقهاء‪،‬‬ ‫أخيراً‪ ،‬ما كان دافع (نجيب) ليؤلف لحنًا‬ ‫؟ قال (لوس��تان) وهو يشرب الشاي‪،‬‬ ‫ويض��رب بالملعق��ة عل��ى الحدي��د‪:‬‬ ‫(من تجرب��ة الموتى‪ ..‬تح��وّل نجيب‬ ‫من مجوّد لملح��ن)‪ ،‬وبكيتُ أنا‪ .‬كان‬ ‫هتاف��ًا عن الحرية‪ ،‬لحنين بس��يطين‬ ‫مريض يحتاجُ الدواء‪ ،‬فتنعش��هُ‬ ‫عن‬ ‫ٍ‬ ‫الحري��ة‪ .‬رددتُ اللح��ن ف��ي س��رّي‪،‬‬ ‫ولم يعجب (لوس��تان)‪ .‬لكنن��ا رددناه‬ ‫ونحن نؤلف صف��اتٍ للموتى‪( :‬الجثة‬ ‫النحيل��ة‪ ،‬الجث��ة الهزيل��ة‪ ،‬والمي��ت‬ ‫الحالم)‪ ،‬يا محال حرية األسماء‪ .‬وحين‬ ‫نحار الصفات‪ ،‬نحلم بالموتى‪.‬‬ ‫أما العسكر كانوا يتجهون لقرية‬ ‫(المس��طومة)‪ ،‬شمالي المدينة‪ ،‬ومن‬ ‫هن��اك س��معنا بالمج��ازر‪ ،‬عائ�لات‬ ‫كامل��ة‪ ،‬مات��ت بال قص��ص‪ .‬الناجون‬ ‫أك��دّوا األخب��ار‪ ،‬جث��ث ب�لا أرق��ام‪،‬‬ ‫وال تواري��خ‪ ،‬فأص��رّ (لوس��تان) على‬ ‫الذاهاب هن��اك‪( :‬فريق الموتى يجب‬ ‫أن يذه��ب إل��ى هن��اك‪ ..‬إل��ى قري��ة‬

‫املجهول‪ ،‬ن�صر املوت على‬ ‫امليت‪ ...‬واحلكاية‪ٌ � ،‬‬ ‫أمل‬ ‫الأبطال‪...‬‬

‫حكايا الثورة ‪. .‬‬

‫أيلول‪ .‬في وجه (لوس��تان) بدأ الحنين‪،‬‬ ‫إل��ى ميتٍ حلم به ثالثتن��ا‪ ،‬فقال‪(:‬ربما‬ ‫يمكنن��ا أن نكت��ب كلم��ة زي��ادة‪ ..‬متل‬ ‫مث ً‬ ‫ال‪ ،‬أيا ش��ي‪ .‬الميت الباس��م)‪ .‬ودخلنا‬ ‫في متاهة الصفات‪.‬‬ ‫صغير أزرق‪:‬‬ ‫أضفنا كلمتين بخطٍ‬ ‫ٍ‬ ‫(الميت الباس��م)‪ .‬وحكمن��ا على حكاية‬ ‫موت الجثة‪ ،‬والجثة ‪ 15‬لم تكن وحدها‬ ‫ً‬ ‫حكاية‪ ،‬ووصف��ًا‪ .‬كذلك‪ ،‬تلك‬ ‫تش��تهي‬ ‫الجثث التي جلب��ت من الحديقة‪ ،‬تحتاج‬ ‫ٌ‬ ‫كل منها ً‬ ‫صفة‪( :‬الميت الوس��يم‪ ،‬الميت‬ ‫المع��ذّب)‪ ،‬والصفات غوايات‪ ،‬وحكايات‪.‬‬ ‫فكرن��ا أنس��اعد أه��ل المجهولي��ن من‬ ‫الجثث بالتعرف على موتاهم بالصفات‬ ‫؟‪( :‬كان ابن��ك باس��ماً ؟ آه‪ ..‬إذا ربم��ا‬ ‫كان الجث��ة رق��م ‪ ،15‬وكذل��ك ال ‪18‬‬ ‫مات باس��مًا)‪ ،‬يرضى األه��ل بالموتى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫محبة‪.‬‬ ‫ويترحمون‪ ،‬فتسخن الجثث‬

‫المس��طومة)‪ ،‬ق��ال مازح��ًا‪ ،‬ليخف��ف‬ ‫هوّل الرحل��ة‪ .‬وافق (نجيب)‪ ،‬ورددت‬ ‫في سريّ لحن الحرية البدائي‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫حكايا الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪18‬‬

‫م�سـت�شـفى ميــداين‬ ‫(�إىل �سعيد علي وتي�سري مّ‬ ‫كري)‬ ‫جوالن حاجي‬ ‫«أي مستش��فى ميداني ي��ا رجل! كان‬ ‫القطن في يدي هو القطن الذي يحشون به‬ ‫آذان الموتى وأنوفهم وأفواههم‪ ،‬وأنا وحدي‬ ‫الطبي��ب والمم��رض‪ .‬ما تتخيله مستش��فى‬ ‫كان مج��رد غرفة صغي��رة ذكرتني بمطبخ‬ ‫بيتنا الذي بعناه لتس��ديد الدي��ون‪ .‬في ذاك‬ ‫المطبخ سُ��جّي أبي‪ ،‬قبل أن يأتي صديقه‬ ‫ليغسله ويكفنه»‪.‬‬ ‫ق��ال دلك��ش‪ ،‬الطبيب ال��ذي انقطعت‬ ‫أخباره عني أشهراً‪ ،‬ثم سكت وأشعل سيجارة‬ ‫غولواز أزرق‪ ،‬ممي ًال رأسه بصلعته الخفيفة‬ ‫ومتقيًا بكفه الريح في باحة مقهى الكمال‪.‬‬ ‫لوح��ت ل��ه عند وصول��ه أمام ب��اب المقهى‪.‬‬ ‫مش��ى مسرعاً ورشيقًا بخطوات واسعة بين‬ ‫الطاوالت‪ ،‬وقال فور جلوسه‪:‬‬ ‫«ه��ل رأيت م��ا جرى؟ أخ��ذوا رج ًال من‬ ‫داخ��ل المقه��ى‪ ،‬وحش��روه عل��ى عجل في‬ ‫تكسي سابا»‪.‬‬ ‫إن��ه يس��بقني دائماً إلى رؤي��ة ما كان‬ ‫ينبغي أن أنتبه إليه‪ .‬أناقته متقلبة األحوال‪،‬‬ ‫يبدو كالمتش��رد أيام��ًا‪ ،‬ونظيف��ًا أنيقًا ليوم‬ ‫واحد‪ .‬س��كبت بضع قط��رات م��ن الماء في‬ ‫المنفضة المتسخة وقلت‪:‬‬ ‫«لم يفرجوا عن تارين بعد‪ .‬ستنتظر أمه‬ ‫عفواً ف��ي عيد آخر‪ .‬المه��م أن مكانه معلوم‪،‬‬ ‫سجن عدرا ال بأس به‪ .‬هل أنت جائع؟»‬ ‫«العف��و ومكرمات العي��د ومنح نصف‬ ‫الرات��ب واللعن��ة! لم آكل ش��يئاً منذ الصباح‬ ‫ول��م أخل��ع حذائ��ي‪ .‬قدم��اي تكلمانني كما‬ ‫يق��ول الحالق��ون‪ .‬تأخرت ع��ن الفطور في‬ ‫المواس��اة‪ ،‬وال أتناوله ع��ادة‪ .‬وغداء اليوم ال‬ ‫يؤكل‪ ،‬غثت نفس��ي فور رؤي��ة قطع اللحم‬ ‫نصف النيء تس��بح في المرق‪ .‬وفوق ذلك‪،‬‬ ‫الطباخ يطالب بالقس��يمة‪ .‬هذه هي األوامر‬ ‫الجدي��دة‪ .‬هن��اك طلب��ة جامع��ة يتس��للون‬ ‫ليأكلوا في مطعم األطباء»‪.‬‬

‫بدا حديثنا عادياً‪ .‬ل��م نخفض أصواتنا‬ ‫وال غيرن��ا الموضوع وال صمتن��ا حين اقترب‬ ‫الن��ادل‪ .‬طلبن��ا كأس��ين كبيرين من الش��اي‬ ‫الخمير‪ .‬على هذه الكراسي البالستيك نفسها‬ ‫استجوبوا بعضًا من الشبان الذين اعتصموا‬ ‫أمام الس��فارة الليبية في شباط‪ .‬وهنا أيضًا‬ ‫التمَّ الذين هربوا من مؤتمر س��ميراميس‪.‬‬ ‫كن��ا نراه��م ونح��ن ن��أكل سندويش��ات من‬ ‫فالفل المعرض على الرصيف‪.‬‬ ‫«لم أنم جيداً خالل الليلتين الفائتتين‪.‬‬ ‫من��ذ يومين‪ ،‬كنت قد ع��دت للتو من مناوبة‬ ‫خصوصية‪ ،‬فخلعت مالبس��ي ألستحم فوراً‬ ‫وأنام بضع س��اعات‪ .‬أحرقت رغوة الصابون‬ ‫عين��ي حين ق��رع الب��اب ورن الج��رس معًا‪.‬‬ ‫ترددت قلي ًال‪ .‬ثم تمهلت في ارتداء بيجامتي‬ ‫قب��ل أن أفت��ح الب��اب‪ ،‬واألجوب��ة الجاه��زة‬ ‫تدور في رأسي‪ ،‬أس��تمدها مما سمعته عن‬ ‫تحقيقات األمن‪ .‬بطاقة النقابة التي لم أسدد‬ ‫رسومها لن تحميني‪ ،‬لن تأتيني بأية حصانة‬ ‫أو احت��رام‪ .‬الط��ب تهمة‪ .‬تص��ور التهم في‬ ‫الملفات‪ :‬تجبير كسر أو تكييف المتظاهرين‬ ‫برش الماء على رؤوسهم في رمضان‪ .‬احزر‬ ‫من كانوا زوار آخر الليل؟ كان جاراً جاء بابنه‬ ‫الصغير من أجل حقنة بنسلين‪ .‬قال‪« :‬عفواً‬ ‫دكتور‪ ،‬أزعجناك»‪ .‬كان عائداً من عيادة أنور‬ ‫طبيب األسنان‪ ،‬فاغتنم الفرصة‪ .‬أنور يفتح‬ ‫عيادته بعد الثامنة مس��اء‪ ،‬ألن زبائنه عمال‬ ‫البناء معظمهم فق��راء ال يجدون وقتًا خالل‬ ‫النه��ار‪ ،‬كم��ا أن آالم األس��نان تباغتهم في‬ ‫الليل‪ .‬رأيت عيادته‪ .‬كلهم يدخنون‪ ،‬الطبيب‬ ‫بس��بب مرض��ه الن��ادر‪ ،‬الته��اب الكول��ون‬ ‫القرحي‪ ،‬والمرضى مقتنعون بأن الس��جائر‬ ‫تخف��ف من أوجاع األس��نان أيض��اً‪ ،‬والعيادة‬ ‫تغ��ص بالدخان أكثر من أي مقهى‪ .‬جلس��ة‬ ‫استحضار أرواح»‪.‬‬ ‫وأش��ار بيده دون أن يلتف��ت إلى صالة‬ ‫المقهى وراءه‪.‬‬

‫«على أية ح��ال‪ ،‬كان األب راجعاً ومعه‬ ‫طفل��ه المري��ض‪ ،‬لم��ح آرمت��ي المضحكة‬ ‫فتذكرن��ي وعاون��ه ابنه في ق��رع الباب‪ .‬لم‬ ‫أغضب حين رأيته‪ ،‬بل ارتحت وكتمت تنهيدة‬ ‫ارتياح��ي‪ .‬لم يبكِ الطفل‪ ،‬وق��ال والده «ما‬ ‫ش��اء اهلل‪ ،‬يدك كالريش��ة»‪ .‬ث��م وضع على‬ ‫الطاولة خمسًا وعش��رين ليرة خمس قطع‪،‬‬ ‫قبل أن يعي��د قطعة منها إل��ى جيبه‪ .‬أعدت‬ ‫الباق��ي إلى جيب الطف��ل وصفعت مؤخرته‬ ‫صفع��ة خفيفة مثل ابتس��امتي‪ .‬أن��ور أحد‬ ‫أسباب أرقي»‪.‬‬ ‫كن��ت ق��د رتب��ت قائم��ة بمس��تلزمات‬ ‫طبية س��ئلت عنه��ا‪ ،‬كتبتها بقل��م رصاص‬ ‫عل��ى الورق��ة األخي��رة من كتاب مس��تعمل‬ ‫اش��تريته من تحت جس��ر الرئيس‪ .‬متملم ًال‬ ‫في جلسته‪ ،‬حدثني دلكش دون أن أسأله‪:‬‬ ‫«ال يزال أس��فل ظهري يؤلمني أحيانًا‪.‬‬ ‫الربي��ع الماض��ي‪ ،‬جي��ن انفج��رت قناب��ل‬ ‫مس��مارية في مس��جد داريا كنت مختبئًا في‬ ‫أح��د منازلها‪ ،‬أش��رب ش��ايًا وأدخ��ن وأنتظر‬ ‫وصول الجرحى‪ .‬كل ما أتذكره من هذه البلدة‬ ‫هو الكراسي التي اشتراها أحد أصدقائنا من‬ ‫أج��ل عيادته في جب��ل ال��رز‪ ،‬كان قد تعرف‬ ‫إلى نج��ار موبيليا هناك بعد أن س��اعده في‬ ‫التس��ريع بإجراء عمليته‪ .‬حين سمعت زخات‬ ‫الرص��اص وصراخ الن��اس وتكبيراتهم‪ ،‬جاء‬ ‫صاحب البيت واستعجلني لنخرج على الفور‪.‬‬ ‫كان هن��اك أناس كثيرون وال أعرف أيًا منهم‬ ‫على اإلطالق‪ .‬دخلتُ بيوتًا ال أعرف أحداً من‬ ‫أهله��ا‪ ،‬وكان��ت فقيرة مث��ل البي��وت التي ال‬ ‫أزال أتنق��ل بينه��ا‪ .‬كان هناك جريح يركض‬ ‫معن��ا وكي��س الس��يروم معلق إل��ى ذراعه‪.‬‬ ‫عال قلي ًال في‬ ‫أش��ار أحدهم بالقفز عن جدار ٍ‬ ‫ش��ارع فرعي‪ ،‬اختص��اراً للمس��افة وتضلي ًال‬ ‫لألمن‪ .‬س��قطت على الطرف اآلخر وصرخت‬ ‫وكأن عصعصي قد تهشم‪ .‬سيخ ساخن نفذ‬ ‫إلى دماغي وأوش��ك يوقف قلبي‪ .‬فتحت باب‬ ‫ال��دار وواصل��ت الركض‪ .‬ال أعل��م ماذا جرى‬

‫للفتى الذي أصيبت عين��ه‪ .‬كارثة إذا أصيبت‬ ‫عينه بالتهاب العي��ن الودي‪ .‬لثوانٍ كنت أرى‬ ‫محجره فارغ��ًا وعينه األخرى جاحظة مهددة‬ ‫باالقتالع وتنزُّ قيحًا‪.‬‬ ‫«الجريح الذي كان ينتظرني في منزل‬ ‫آخ��ر لم يكن م��ن أهالي داري��ا‪ .‬قالوا لي إن‬ ‫الحارة آمنة‪ ،‬فالوشاة محتملون في كل مكان‬ ‫وفي أية لحظة‪ .‬كانت هناك جراح عديدة في‬ ‫وجه محمد ورأس��ه‪ ،‬اضطررت إلى خياطتها‬ ‫دون تخدي��ر ألن أمب��والت الليدوكائي��ن‬ ‫انكس��رت ف��ي حقيبت��ي هذه‪ ،‬حي��ن قفزت‬ ‫وس��قطت‪ .‬كان الش��اب يكت��م صرخاته في‬ ‫منش��فة يعضُّها مثل ام��رأة تضع مولودها‬ ‫األول‪ ،‬وعرقه يسيل ويصب في مخدة وسخة‬ ‫وشرش��ف مقلم بخطوط رفيعة ملونة مثل‬ ‫الشراش��ف التي تش��تريها أمي‪ .‬أنت تعرفها‬ ‫بالطب��ع‪ .‬لم يش��ك الش��اب بكفاءتي وخفة‬ ‫ي��دي‪ ،‬فاألل��م ألهاه ع��ن كل ش��يء‪ .‬حاولت‬ ‫أن أخي��ط الج��رح خياطة تجميلي��ة ال تترك‬ ‫أية ندبة‪ .‬كنت مس��تعج ًال‪ ،‬حاولت أن أتمهل‬ ‫لكي�لا أتعرق وال أنس��ى القواعد األساس��ية‬ ‫ف��ي تدبي��ر مث��ل ه��ذه الح��االت‪ .‬ف��ي تلك‬ ‫الفوضى تحدث أح��د الحاضرين عن الكزاز‪.‬‬ ‫ال بد أنه قد س��مع به كثيراً لفرط ما تحدثوا‬ ‫ع��ن الحاجة إلى مصل الكزاز وأكياس الدم‪.‬‬ ‫عاد الشخص نفس��ه وكرر رجاءه أن أعطي‬ ‫المصاب إبرة كزاز‪« .‬واهلل ليست مغشوشة‪.‬‬ ‫اإلبرة أصلية»‪ .‬لم أجبه ولم أشرح شيئاً‪ .‬لم‬ ‫يكن هناك من معنى للكمامة التي وضعتها‬ ‫في تلك الغرفة‪ .‬حين ب��دأت بالتضميد ظن‬ ‫الش��اب أنن��ي س��أنتهي بتكفين��ه كمومياء‪،‬‬ ‫وكأنن��ي س��أظل أضم��ده وألف��ه بالش��اش‬ ‫إل��ى أن أنته��ي عند قدمي��ه‪ .‬كان الملتمُّون‬ ‫الذي��ن ال يعرفونه مثل��ي يتعجبون من جلد‬ ‫هذا الش��اب النحيل وتحمله‪ ،‬وفي استلقائه‬ ‫على إسفنجة رقيقة يسندونه باالبتسامات‬ ‫واألدعية والش��تائم‪ .‬الضم��اد المبقع باليود‬ ‫وال��دم أبق��ى لعينه فرجة ضيق��ة كان يرى‬ ‫منه��ا الصبار حين زرت��ه النه��ار التالي في‬ ‫حي اإلخالص‪ .‬هل س��تأتي معي إلى هناك؟‬ ‫سأعوده بعد قليل‪ .‬نحن أصدقاء اآلن‪.‬‬ ‫«أن��ا من سيس��دد‪ .‬ل��ن نتش��اجر هذه‬ ‫المرة‪ .‬لس��ت مفلس��ًا‪ .‬اس��تلمت مبلغ��اً عن‬ ‫المناوب��ة‪ .‬عدت إل��ى المناوب��ات الليلية في‬ ‫المستش��فيات الخاصة بعد أن تركت العمل‬ ‫مندوبًا في ش��ركة األدوية»‪ .‬ث��م أردف بعد‬ ‫انص��راف الن��ادل‪« ،‬أس��تلم النق��ود وه��ي‬ ‫تطقطق‪ ،‬ث��م تتجعد محش��ورة في جيبي‪.‬‬ ‫هذه الالمباالة س��تعود علي بالنحس‪ ،‬وأبداً‬ ‫ل��ن أصبح ذا مال في حياتي كما تنبأت أمي‪.‬‬ ‫إنها تفتش جيوبي خلسة في كل رحلة أزور‬ ‫فيها البيت‪ ،‬وأحيانًا تدس لي مبلغاً صغيراً ال‬ ‫أدري من أين تأتي به»‪.‬‬ ‫ظللن��ا جالس��ين‪ .‬دخ��ن س��يجارة أخرى‬ ‫مس��تمعاً إل��ي‪ ،‬ولم ترق ل��ه عب��ارة ارتجلتها‬ ‫وال أدري م��ن أين حلت عل��ي البالغة في تلك‬ ‫اللحظ��ة‪« :‬ص��ارت لنا صداقات جدي��دة‪ .‬كانت‬ ‫جراح الناس أبوابنا إلى معرفتهم ومحبتهم»‪.‬‬ ‫تدارك��ت األم��ر قب��ل أن يس��خر مني‪:‬‬ ‫«أخبرتك أنني كنت أدوخ وأتقيأ إذا س��معت‬ ‫األعي��رة النارية ف��ي األع��راس‪ .‬اآلن أعرف‬ ‫أس��ماء العديد م��ن األس��لحة الخفيفة‪ .‬أيام‬


‫حكايا الثورة ‪. .‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫المعس��كرات كن��ا نض��ع ج��زرة ف��ي فوهة‬ ‫الكالش��ينكوف حي��ن نعيد فكه��ا وتركيبها‪،‬‬ ‫ونضحك ونحن نرفعها كما ترفع المش��اعل‬ ‫في مس��يرات الش��بيبة الحقيرة‪ .‬الرصاصة‬ ‫الوحيدة الت��ي أطلقتها في حياتي كانت من‬ ‫مس��دس أبي‪ ،‬مس��دس ماكاروف انتحر به‬ ‫صديقه في منزل مستأجر هرباً من الديون‪.‬‬ ‫كان أب��ي يحب اهتمامي بتزييت المس��دس‬ ‫وترتيب الرصاصات‪ ،‬كنت أزنها بكفي وأحب‬ ‫ثقلها ولمعان أغلفتها والدوائر الحمر أسفلها‪.‬‬ ‫مرة س��رقت إحدى رصاصات��ه‪ ،‬وضعتها في‬ ‫ن��ار أوقدتها بالقرب من مزبلة نهر الخنزير‪،‬‬ ‫وابتعدت ألراقبها متوهمًا أنها س��تحمرُّ قبل‬ ‫أن تنفج��ر‪ ،‬بينما رفاق��ي منهمكون بتذويب‬ ‫أكياس النايلون في قوارير ش��راب الس��عال‬ ‫الفارغ��ة‪ ،‬تلك اللعبة مثال ع��ن ولع األكراد‬ ‫بالنار‪ .‬اقتربوا حين ناديتهم وانتظروا معي‬ ‫أن تنفج��ر الطلق��ة‪ .‬طال انتظارن��ا وما عاد‬ ‫أي من��ا يجرؤ على التحرك حت��ى تأكدنا من‬ ‫انطفاء النار الصغيرة‪ .‬عندها ركضنا جميعًا‬ ‫دون أن نسمع شيئًا‪.‬‬ ‫«أخذني أبي مع��ه إلى التالل ليعلمني‬ ‫كيف أهتدي إلى الكم��أ‪ .‬الحظ أنني الحظت‬ ‫مسدس��ه‪ .‬عند عودتنا إلى البيت‪ ،‬أوقف بيك‬ ‫آب التويوت��ا عل��ى طريق تراب��ي بعيد قلي ًال‬ ‫عن الحدود التركية‪ .‬نزلت معه‪ ،‬ودعاني إلى‬ ‫ج��واره فقرفصت مثله وناولني المس��دس‪.‬‬ ‫فرحت بثقله بين يدي الضعيفتين‪ .‬س��ددت‬ ‫عل��ى تنك��ة صغي��رة ملق��اة عل��ى الضف��ة‬ ‫األخ��رى وتردد ص��دى الطلقة ف��ي البراري‬ ‫مخيف��ًا وس��احراً‪ .‬ل��م ي��رد الجن��ود ح��رس‬ ‫الح��دود األت��راك بش��يء‪ .‬كان صديقي في‬ ‫المدرس��ة اإلعدادي��ة يتناول معه��م الجبنة‬ ‫والبن��دورة على س��كة القط��ار‪ ،‬فمعظمهم‬ ‫أك��راد ويتحدث��ون لهجتن��ا‪ .‬ذات م��رة كانت‬ ‫الدوري��ة قد تغيرت‪ .‬أطلق جندي النار عليه‪،‬‬ ‫ثم احترق القش المتبقي في حقول القمح‬ ‫المحصودة فتفحم��ت جثته مع بضعة أغنام‬ ‫كان يرعاها‪ ،‬ولم ينج حماره أيضًا»‪.‬‬ ‫ذهبنا بالس��رفيس إلى نفق اآلداب ثم‬ ‫أكملن��ا الطريق الموحش مش��ياً‪ .‬لم يهطل‬ ‫المط��ر المنتظ��ر ليهم��د غب��اراً كثي��راً في‬ ‫الهواء حجب قاسيون عن األنظار‪ .‬كان دكان‬ ‫الس��مان مقف ًال فلم يش��تر دلكش أي شيء‬ ‫لصغ��ار العائل��ة‪ ،‬توف��ي األب منذ س��نوات‪،‬‬ ‫ومعيله��ا محم��د دهّان لم يُش��فَ بعد ولم‬ ‫يكمل دراسة الحقوق في التعليم المفتوح‪.‬‬

‫كان الزق��اق م��دروزاً باألب��واب‪ ،‬وبيت‬ ‫محم��د مث��ل حف��رة محاط��ة ببي��وت كثيرة‬ ‫متماثلة‪ .‬كان البيت هادئًا‪ ،‬والهمس��ات تدور‬ ‫بين األف��واه واألطفال مطيعين والتلفزيون‬ ‫مطفأ‪ .‬على األرض قبالة الس��خان المتوهج‬ ‫كان طب��ق موز وتفاح ربم��ا جلبها الجيران‪،‬‬ ‫هذا إن كانوا قد تج��رؤوا على الزيارة‪ .‬حين‬ ‫رحب��ت بن��ا األم التي فتح��ت الب��اب الحديد‬ ‫هامس��ة‪« :‬أهال دكتور أه�لا»‪ ،‬بكت الطفلة‬ ‫وهي تختبئ وراء أمها تتحاش��ى النظر إلينا‪.‬‬ ‫ل��م نكن ق��د هددناه��ا بأية حقنة‪ .‬س��معنا‬ ‫صرخة من الغرفة العلوية لتخرس الطفلة‪،‬‬ ‫وأشارت األم بإصبعها «فوق»‪« .‬هذا هيجان‬ ‫المؤرقي��ن»‪ ،‬قال صديق��ي‪« .‬هائج محروم‬ ‫من النوم‪ ،‬ولم أس��تطع تأمين أية مهدئات‪،‬‬ ‫ذلك صعب في الشام»‪.‬‬ ‫كانت لمحمد الغرفة األفضل في البيت‪،‬‬ ‫لكن إطاللتها على البس��اتين تفاقم غثيانه‪،‬‬ ‫فالروائ��ح القادم��ة م��ن مس��اكب البن��دورة‬ ‫والفليفل��ة تف��وح عفن��ًا‪ .‬تابع��ت األم «حين‬ ‫س��معنا صراخ��ه فج��ر األمس ظنناه يس��لم‬ ‫الروح‪ .‬أرج��وك‪ .‬جد له ح ًال‪ .‬الوضع ال يطاق»‪.‬‬ ‫كان��ت الطفلة قد اختفت وس��كتت في غرفة‬ ‫أخ��رى‪ ،‬وف��ي الصم��ت الوجيز س��معنا ذبابة‬ ‫كبيرة ترتطم بالنيون‪ .‬لم يكن البرد قد اشتد‬ ‫بع��د‪ .‬هذه المرة لم نضطر إلى قياس ضغط‬ ‫رتل من الكهول الفضوليين الجالس��ين على‬ ‫األرض‪ ،‬لينتفخ رأس��ي م��ع كل ضغطة على‬ ‫المنف��اخ‪ .‬ول��م يحرجنا أحد باالستفس��ار عن‬ ‫مبلغ المعاينة وكم نريد‪ .‬لم يأت أحد بتحاليل‬ ‫وصور شعاعية نرفعها أمام المصابيح لنؤكد‬ ‫التشخيص المعروف مسبقًا‪ .‬في نهاية الدرج‬ ‫الواط��ئ الذي صعدن��اه كانت هن��اك أركيلة‬ ‫مغبرة قرب أصص الورد‪.‬‬ ‫اس��تقبلنا محم��د ف��ي ض��وء غرفت��ه‬ ‫الخافت الكئيب‪ .‬جلسنا على األرض‪.‬‬ ‫«ال تقل��ق‪ .‬أن��ا رائق الي��وم‪ .‬بقيت حيًا‬ ‫وأب��دو معاف��ى‪ ،‬ولك��ن ال أح��د ي��رى األلم‪.‬‬ ‫األلم كافر‪ .‬أحياناً أنتظر ما س��ميته النسمة‪،‬‬ ‫فأعلم باقتراب الساعة‪ ،‬ساعة الدوار اللعين‬ ‫ال��ذي ال ي��زال ينتابني‪ .‬أدوخ ف��ور النهوض‬ ‫أو االس��تلقاء‪ ،‬وأوش��ك أن أس��تفرغ أحيان��ًا‪.‬‬ ‫المصيب��ة أن يظنك البعض تمثل أو تدعي‪.‬‬ ‫أن��زوي وأستس��لم وأنتظر أن ي��زول األلم‪،‬‬ ‫وال أن��ام وال أطي��ق أن يراني أح��د في هذه‬ ‫الحال��ة‪ .‬ال أطي��ق أي صوت وأك��ره صراخي‬ ‫إذا عال أي صوت‪ .‬هل س��بق أن قرأت القرآن‬

‫وأنت تتألم؟ إلى متى سيرافقني هذا األلم؟‬ ‫مدى الحياة؟» أشار إلى صدغه‪ ،‬وكأن سبابة‬ ‫أخرى تهدده بفوهة مسدس المرئي‪.‬‬ ‫«كأنن��ي أرى المحق��ق أمام��ي أحيان��اً‬ ‫فأغلي وأغل��ي وأخنقه‪ .‬أحيانًا أتمنى لو كان‬ ‫ألمي معديًا ليصيب جميع من عذبوني‪ .‬صار‬ ‫الن��وم أمنيتي األعز‪ ،‬وهذا الطنين اللعين ال‬ ‫يتوقف‪ ،‬كأن ش��احنة قاطرة ومقطورة تعبر‬ ‫بي��ن أذني ذهابًا وإيابًا‪ .‬تمزق غش��اء الطبل‬ ‫ف��ي أذني أثناء خدمة الجيش‪ .‬خالل تطعيم‬ ‫المعرك��ة‪ ،‬انبطح��ت ونس��يت أن أفتح فمي‬ ‫عن��د إط�لاق قذيف��ة المدفعي��ة كما نس��ي‬ ‫الم�لازم أن يعطينا اإلش��ارة‪ .‬وعل��ى الفور‬ ‫س��معت هواء ناعمًا يتس��رب من أذني مثل‬ ‫قط��ار يتوقف في محطة بعي��دة‪ .‬ظلت تلك‬ ‫القذيفة تصفر داخل رأسي وقتًا طوي ًال»‪.‬‬ ‫«أن��ت ف��ي نقاه��ة اآلن‪ .‬س��تتكيف‬ ‫وتنسى‪ .‬اصبر»‪.‬‬ ‫«أي��ة نقاه��ة! وأي تكيف وأي نس��يان!‬ ‫أنا مج��رد نقطة صغي��رة في هذه المأس��اة‪.‬‬ ‫التحسن بطيء جداً‪ ،‬وال أدري إن كنت أتحسن‬ ‫حقاً‪ .‬حالتي ال تقتضي اإلقامة في مستشفى‪.‬‬ ‫أحمد ربي‪ .‬كانوا س��يقيدون قدمي بقفل إلى‬ ‫قوائم السرير مثلما فعلوا مع كثيرين‪ .‬لكنني‬ ‫كلم��ا تذكرت ل��ون دم��ي ارتفع��ت حرارتي‪.‬‬ ‫اس��تغربت كيف يجري دم غامق كالفحم في‬ ‫عروقي وأنا‪ ،‬كما تعلم‪ ،‬ال أدخن»‪.‬‬ ‫أوقف��ه ع��ن الحديث ق��رع خفيف على‬ ‫ب��اب الغرف��ة‪ .‬كان إبري��ق الش��اي وث�لاث‬ ‫ك��ؤوس تلم��ع على العتب��ة بين ي��دي أخيه‬ ‫الصغير‪ .‬نسي دلكش أن ينفخ على الشاي‪،‬‬ ‫جرياً على عادته القديمة‪ ،‬فأحرقت الرشفة‬ ‫األولى لسانه‪ ،‬وقال‪« :‬أكمل»‪.‬‬ ‫«عل��ي أن أتحمل نفس��ي كم��ا أتحمل‬ ‫كل ش��يء‪ ،‬الثرثرات وهذا البؤس والفقر‪ .‬ال‬ ‫أطيق أن تقبلني أم��ي‪ ،‬ال أطيق هذا الحنان‬ ‫أم��ام الناس‪ .‬وهل بي ش��هية لكي تحدثني‬ ‫ع��ن الحمي��ة؟ تذكرن��ي بمصابي��ن حالتهم‬ ‫أس��وأ من حالتي‪ ،‬زارتهم وواس��تهم طبعًا‪.‬‬ ‫يس��علون ويختنقون ويبصقون دماً‪ .‬بربك‪،‬‬ ‫أهكذا ترفع المعنويات؟ بأن تس��ميني بط ًال‬ ‫وشجاعاً؟ ينقصني أن تذكرني بالزواج وهي‬ ‫تحمد اهلل على كل مكروه‪ .‬البعض يحسبون‬ ‫المس��تلقي والس��اكت مرتاح��اً‪ .‬ه��ذا إنهاك‬ ‫ولي��س تهربًا‪ ،‬وعجزي يش��عرني بالتفاهة‪.‬‬ ‫أحيان��اً أم��د رأس��ي م��ن ب��اب ه��ذه الغرفة‬

‫وأختل��س النظر إل��ى المرآة فوق المغس��لة‬ ‫ألتأكد من أنني ما شبت وما شخت»‪.‬‬ ‫«حي��ن اعتقل��ت الحق��ًا ف��ي مظاه��رة‬ ‫الميدان‪ ،‬كان ش��عري قد ط��ال قلي ًال وأخفى‬ ‫ن��دوب رأس��ي األول��ى‪ .‬جروني إل��ى الباص‬ ‫األخضر الخالي واستفردوا بي‪ .‬ال أتذكر عدد‬ ‫الذين انهالوا علي بالركالت والصفعات‪ ،‬وأنا‬ ‫أحاول أن أحمي وجه��ي‪ .‬بعيني هاتين رأيت‬ ‫المس��اعد ينزل من الباص ويسدد النار على‬ ‫م��ا تبقى م��ن المظاهرة‪ .‬أعتق��د أنني غبت‬ ‫عن الوعي بسبب ضربة من عقب مسدسه‪.‬‬ ‫اس��تكملوا الض��رب عل��ى أدراج الف��رع وفي‬ ‫ممراته‪ .‬كنت أنهض فأترنح وأتهاوى‪ ،‬وتلك‬ ‫الضرب��ات ال تتوقف وال تنتهي‪ .‬خوفي األكبر‬ ‫ه��و أن يعتقلون��ي وأن��ا جريح‪ ،‬فأخ��رج‪ ،‬إن‬ ‫خرجت حياً‪ ،‬معاقًا أو مشوهًا‪ .‬ال أبالي بالموت‬ ‫وال أخش��اه‪ ،‬أم��ا اإلعاق��ة فأم��ر ال يمكنن��ي‬ ‫تص��وره‪ .‬تخيل أن تضع أم��ي المبولة تحتي‬ ‫أو تنظفن��ي وتحممني مث��ل طفل رضيع‪ ،‬أو‬ ‫يدفعني أخي الصغير على كرسي متحرك»‪.‬‬ ‫كان كمن يتحدث عن ذكريات وهواجس‬ ‫ظ��ل يتأمله��ا طوي� ً‬ ‫لا ف��ي صمته‪،‬ث��م أعاد‬ ‫روايتها على مس��امعي‪ .‬ارتفع آذان العش��اء‬ ‫في جامع الح��ي حين اس��تأذناه باالنصراف‬ ‫بعد فحصه عصبيًا‪« .‬المسكنات مرة أخرى؟»‬ ‫س��ألنا‪ ،‬فهززنا أنا ودلكش رأسينا في نفس‬ ‫اللحظ��ة‪ .‬كانت عينات م��ن األدوية المجانية‬ ‫موضوع��ة في علب أخرى‪ ،‬ودلكش ال يعرف‬ ‫كيف تأت��ي التبرعات واإلغاثات وكيف توزع‪،‬‬ ‫وال يخوض أي موضوع يتعلق بالنقود‪.‬‬ ‫ظل��ت الجمل��ة األول��ى واألخي��رة التي‬ ‫قلته��ا وأن��ا أصاف��ح محم��د‪« :‬ان��جُ اآلن ثم‬ ‫انتص��ر الحقًا» تتردد في رأس��ي وتقلقني‪.‬‬ ‫بدا صوتي هامسًا متهدجاً‪ ،‬وكأنني تفوهت‬ ‫بحماق��ة مش��ينة وأس��أت التعبي��ر فقلت ما‬ ‫لس��ت مقتنع��اً ب��ه‪ .‬ل��م يقط��ع صمتنا في‬ ‫الزق��اق إال رني��ن ج��وال دلك��ش‪ .‬الرنة لم‬ ‫تتغير‪ ،‬أغنية شفان برور عن الفرات‪« .‬هذه‬ ‫أم��ي واتصاالت االطمئنان المس��ائية»‪ ،‬قال‬ ‫ضاح��كًا‪« .‬لم أغي��ر رقمي‪ .‬أحيانًا أس��تخدم‬ ‫رقم��اً آخ��ر لش��خص أجنبي ال أعرف��ه غادر‬ ‫الشام منذ أش��هر‪ .‬ما عدت أجرؤ على إغالق‬ ‫هاتف��ي أو التأخر في ال��رد‪ .‬أمي على األقل‬ ‫قد تحسبني معتق ًال»‪.‬‬ ‫جريدة المستقبل اللبنانية‬ ‫ملحق نوافذ ‪2012 / 4 / 29‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬

‫سولفرينو ‪ 8‬ايار ‪ 2012‬دقيقة صمت لمتطوعي الصليب االحمر االيطالي على ارواح‬ ‫شهداء الهالل االحمر السوري د عبد الرزاق جبيرو وحكم السباعي ومحمد الخضراء‬

‫‪19‬‬


‫رصيف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 13 | )34‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪20‬‬

‫للوطن‬ ‫عينان‬

‫سعاد يوسف‬ ‫ليلى السمان‬

‫"نس��يت‪ ...‬عينه اليمن��ى"‪ ...‬كانت أول‬ ‫جمل��ةٍ يقولها لي نضال منذ س��اعات وذلك‬ ‫أثن��اء صعودنا ال��درج دون أن يلتفت إليّ‪...‬‬ ‫"يب��دو أن عب��د اهلل ق��د تأقل��م م��ع إصابته‬ ‫بس��رعة"‪ ...‬لم يترك لي وقتًا ألسأل‪" ...‬هذا‬ ‫ه��و المن��زل" دق الب��اب‪ ..‬في تل��ك اللحظة‬ ‫ظه��رت س��يد ٌة ف��ي الخمس��ين م��ن العمر‪،‬‬ ‫رحب��ت بنا بحرارة مش��ير ًة بيدها نحو غرفة‬ ‫الجلوس لندخل‪ ..‬لحظات وانضم إلينا "عبد‬ ‫اهلل"‪ ...‬م��د ي��ده ليصافحني ناظراً مباش��رة‬ ‫في عين��ي‪ ،‬عندها رأيت وجهًا لن أنس��اه ما‬ ‫حيي��ت‪ ...‬وج��ه طفول��ي لرج��ل ع��رف حبل‬ ‫الخالص الواصل بين الموت والحياة‪ ،‬فصار‬ ‫األلم جزءاً من عادةٍ كان يخش��اها‪ ،‬ونش��و ًة‬ ‫تس��تعيدها ذاكرت��ه‪ ،‬فت��رك لها عين��ًا علها‬ ‫تحفظ الموتى من ش��ره النس��يان واكتفى‬ ‫بواحدة تحفظ له م��ا تبقى من حياة‪ .‬واحدة‬ ‫تشبه كل العيون‪ ،‬وأخرى اتحدت فيها جميع‬ ‫أل��وان الطيف لتتركها بيض��اء خالية من أي‬ ‫لون آخ��ر‪ ...‬ل��م يمنعني انش��غالي ببياض‬ ‫عينه ع��ن مالحظة آثار الن��دوب على وجهه‬ ‫ويده وجزء من قدمه‪...‬‬ ‫تعارفن��ا وتبادلن��ا بضع��ة أحادي��ث‪...‬‬ ‫أخرج��تُ جه��از التس��جيل وبدأ "عب��د اهلل"‬ ‫يروي لي حكايته‪...‬‬ ‫"أتين��ا م��ن ح��ي القص��ور‪ ،‬وه��و حي‬ ‫هادئ نسبياً مقارنة بأحياء أخرى في مدينة‬ ‫حم��ص‪ .‬لكن في ذلك األس��بوع بالذات كان‬ ‫النظام يشن علينا حملة لم يسبق له القيام‬ ‫به��ا‪ ،‬ربم��ا بس��بب وج��ود أعداد كبي��رة من‬ ‫الالجئي��ن الذين نزحوا م��ن المناطق األكثر‬ ‫توت��راً ف��ي المدين��ة‪ ...‬ف��ي اليوم الس��ابق‬ ‫لي��وم الحادثة كان القصف عنيفاً جداً‪ ،‬لزمنا‬ ‫بيوتنا ط��وال الوقت‪ ،‬وفي الي��وم التالي لم‬ ‫أعد أستطيع االحتمال‪ ،‬قررت النزول ألساعد‬ ‫في نق��ل الجرحى والمصابي��ن‪ ...‬كنا نعمل‬ ‫دون توق��ف‪ ...‬عندم��ا تهب��ط القذيفة نعلم‬ ‫أننا نمل��ك خمس دقائق فق��ط قبل هبوط‬ ‫القذيف��ة الت��ي تليه��ا‪ ،‬خم��س دقائ��ق هي‬ ‫التي تس��مح لنا بوض��ع المصابين في أقرب‬ ‫س��يارة كي ننقلهم إلى المشفى الميداني‪،‬‬ ‫أو تس��مح لمن يري��د الهروب م��ع عائلته أن‬ ‫يستقل سيارته مسرعًا للخروج من الحي‪...‬‬ ‫بالطب��ع ال أح��د منا يمتل��ك الج��رأة للتجول‬ ‫بحرية بالس��يارات بس��بب وجود القناصين‬ ‫على أسطح معظم األبنية‪ ،‬حتى أننا اعتدنا‬ ‫إطفاء أنوار الس��يارات لتفاديهم‪ ،‬منطلقين‬ ‫بس��رعة تتجاوز المئة حتى نصل إلى نهاية‬ ‫الش��ارع‪ ،‬حي��ث نض��ع الجرح��ى ف��ي عهدة‬ ‫أطب��اء نذروا كل ثانية من حياتهم إلنقاذ ما‬ ‫يس��تطيعون إنقاذه‪ ،‬ونعود كي نساعد قبل‬ ‫موعد القذيفة التالية‪ ،‬إن استطعنا‪.‬‬

‫شهداء‬ ‫سوريا‬

‫عمل بعنوان الضمة لحسين خزام‬

‫هذه المرة لم نكن بالسرعة المعهودة‪،‬‬ ‫كان��ت القذيف��ة الثانية أس��رع من��ا‪ ،‬لتحط‬ ‫بالقرب مني‪ ...‬كانت قريبة جداً‪ ...‬أقرب مما‬ ‫تتصورين‪ ...‬ربما عن قصد‪ ...‬ربما ال‪" ...‬‬ ‫أنفاس��ه التي بدأت تتس��ارع لم تسمح‬ ‫ل��ه بإتم��ام عبارته‪ ،‬يده كان��ت ترتجف وهو‬ ‫يضع السيجارة في فمه‪ ...‬وبالكاد استطعت‬ ‫أن أس��مع صوته فيما هو يكمل ما حدث في‬ ‫ذلك اليوم المريع‪:‬‬ ‫"أجس��اد ب�لا رؤوس وأخ��رى ب�لا يدين‬ ‫تحي��ط بي‪ ...‬أحسس��ت بالدماء تس��يل على‬ ‫وجه��ي وي��دي وقدم��ي‪ ،‬أل��م غريب ب��دأ في‬ ‫عين��ي اليمن��ى‪ ...‬وقب��ل أن أص��رخ أو أفه��م‬ ‫أي ش��يء مما يجري حولي امت��دت يد نحوي‬ ‫لتقتادن��ي نحو الس��يارة‪ ...‬اس��تعدت توازني‬ ‫قلي ًال ومش��ينا بأسرع ما نس��تطيع‪ ...‬اقتربت‬ ‫ألفت��ح ب��اب الس��يارة‪ ...‬لمح��ت ف��ي الزجاج‬ ‫انعكاس��ًا لصورتي‪ ...‬رأي��ت بقايا وجه وبقايا‬ ‫روح‪ ...‬لك��ن‪ ،‬ال وقت للتفكي��ر اآلن‪ ،‬علينا أن‬ ‫ننطلق بتلك السرعة الجنونية نحو المشفى‬ ‫الميداني‪ ...‬هناك‪ ،‬ال مكان لأللم‪ ،‬وال وقت كي‬ ‫تفك��ري بجرحك أو دمائك‪ ،‬فم��ا دمتِ قادرة‬ ‫عل��ى الوق��وف والمش��ي عليك أن تس��اعدي‬ ‫غيرك ممن ال يستطيعون الحركة‪" ...‬‬ ‫كان يكلمن��ي دون أن ينظ��ر إل��ي‪...‬‬ ‫عينه المطفأة كانت تعكس خياالت ألجس��اد‬ ‫تنائ��رت دماؤه��ا أمام��ه‪ ،‬تعك��س أحالم��ًا‬ ‫مات��ت ودفن��ت على م��رأى م��ن أصحابها‪...‬‬ ‫عين��ه الجريح��ة كانت ترس��م ص��ورة ذلك‬ ‫المش��فى‪ ،‬وص��ور األطب��اء الذين تعش��قت‬ ‫ف��ي ثيابه��م رائحة الخ��وف‪ ،‬وال��دم‪ ،‬وبقايا‬

‫جمموع ال�شهداء (‪)11062‬‬ ‫دمشق‪259 :‬‬ ‫ريف دمشق‪1006 :‬‬ ‫حمص‪4349 :‬‬ ‫حلب‪351 :‬‬ ‫حماه‪1367 :‬‬ ‫الالذقية‪216 :‬‬

‫األجس��اد المرمي��ة هنا وهن��اك‪ ...‬في عينه‬ ‫التي لم تع��د عيناً‪ ،‬وقف ذلك الرجل العجوز‬ ‫الذي تجاوز عامه السبعين‪ ،‬بردائه األبيض‬ ‫المصبوغ بالدماء‪ ،‬باحثًا بين الجثث المغطاة‬ ‫عن جث��ة ابنه‪ ...‬ترتجف ي��ده وترفع الغطاء‬ ‫مسبوق ًة بصالةٍ خافتةٍ وجدت طريقها بين‬ ‫ش��فاهه‪ ،‬يتعثر الزمن بعد كل حركة وبين‬ ‫الجثة واألخرى يس��تعيد أنفاسه‪ ،‬بين الجثة‬ ‫واألخ��رى وجوهٌ كثي��رة‪ ،‬وابنه لي��س واحداً‬ ‫منه��ا إل��ى اآلن‪ ...‬يجر جس��ده ال��ذي أنهكه‬ ‫األلم‪ ،‬وكأن روحه صارت تزن أكثر من قدرة‬ ‫عجوز عل��ى االحتمال‪ ...‬بقي القليل‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫رجل ٍ‬ ‫وروح��ه تتوجع أكثر‪ ...‬جس��ده يغ��دو أثقل‪..‬‬ ‫بق��ي القليل جداً‪ ...‬لكن الموت لم يس��تطع‬ ‫التأخر أكثر‪ ،‬لم ينتظره ليعلم مصير ابنه‪...‬‬ ‫أو ربما اختار له أال يعلم ليحفظ له ما تبقى‬ ‫نور كي ال يضل طريقه إلى الس��ماء‪...‬‬ ‫م��ن ٍ‬ ‫ربما الموت يعلم أكث��ر منا متى يكون وقت‬ ‫الرحيل‪....‬‬ ‫ً‬ ‫"ل��م أبك يوما كما بكيت ذلك الرجل‪...‬‬ ‫رأي��ت فيه بلدي الضائ��ع الذي ما فتئ يبحث‬ ‫كل يوم بين جثث أبنائه عن رمق حياة أخير‬ ‫مقاوماً تل��ك القوة التي تري��د إرغامه على‬ ‫إغالق عينيه وتس��ليم روحه لظالم أبدي‪...‬‬ ‫"‬ ‫غالب��ت دموع��ي ك��ي أدع "عب��د اهلل"‬ ‫يكمل حديثه‪:‬‬ ‫"ل��م يك��ن أم��ام األطب��اء وق��ت كافٍ‬ ‫لمعالجت��ي‪ ...‬ضم��د ل��ي أحده��م جراح��ي‬ ‫بس��رعة وأمضي��ت بقي��ة الوق��ت ف��ي‬ ‫مس��اعدتهم‪ .‬ف��ي الي��وم التال��ي قررن��ا أنا‬ ‫طرطوس‪26 :‬‬ ‫درعا‪1139 :‬‬ ‫دير الزور‪400 :‬‬ ‫الحسكة‪68 :‬‬ ‫القنيطرة‪20 :‬‬ ‫الرقة‪45 :‬‬ ‫ادلب‪1809 :‬‬ ‫السويداء‪9 :‬‬

‫وأهلي التوجه إلى أحد المشافي في دمشق‬ ‫كي أتعالج‪ .‬لكن يبدو أنني اخترت المش��فى‬ ‫الخاط��ئ‪ ،‬فبمج��رد أن ع��رف موظفوه أنني‬ ‫من حمص ورأوا إصابتي‪ ،‬اس��تقبلوني بكل‬ ‫جف��اء‪ ...‬تمت معالجتي بش��كل جي��د‪ ،‬لكن‬ ‫في الي��وم التال��ي دخلت إح��دى الممرضات‬ ‫الغرفة لتقول لي إن عناصر من األمن جاؤوا‬ ‫من��ذ قليل باحثين عن��ي‪ ...‬وضبنا األغراض‬ ‫وس��اعدتنا في الخروج من المش��فى بأسرع‬ ‫ما اس��تطعنا‪ ...‬وها نح��ن ذا في هذا المنزل‬ ‫بانتظ��ار أن أش��فى وأن يصب��ح بإمكانن��ا‬ ‫العودة إلى حمص‪" ...‬‬ ‫"عب��د اهلل" ل��م يتأقل��م مع أي ش��يء‬ ‫مم��ا حدث كما قال لي "نض��ال"‪ ...‬أحس أنه‬ ‫لم يعي بعد‪ ،‬بش��كل كافٍ‪ ،‬م��ا حصل معه‬ ‫في ذل��ك اليوم‪ ...‬على وجهه يرتس��م حزن‬ ‫عمي��ق رغ��م ابتس��امته التي تطغ��ى على‬ ‫جمي��ع مالمح��ه‪ ...‬ينتف��ض عندم��ا يس��مع‬ ‫ص��وت قنبلة م��ا قد تراف��ق أحد المش��اهد‬ ‫التي تبث من حمص على "الجزيرة مباشر"‪،‬‬ ‫وعندما يعلو صوت رصاص من مكان قريب‬ ‫يرتع��ش جس��ده رغ��م الجه��د ال��ذي يبذله‬ ‫إلخفاء ذلك‪...‬‬ ‫"عب��د اهلل" أصبح��ت لدي��ه اآلن ذاكرة‬ ‫خاصة به ال تش��به ذاكرة أي أحد آخر‪ ،‬لكنها‬ ‫وط��ن وج��وع الماليين‬ ‫تتقاط��ع مع ذاك��رة‬ ‫ٍ‬ ‫للحري��ة واألم��ل‪ ...‬ه��ي ج��زء م��ن ذاك��رة‬ ‫سوريا‪ ،‬من ذاكرة أطفأ "عبد اهلل" من أجلها‬ ‫عيناً وآخرون أطفأوا أجسادهم كلها ليعيدوا‬ ‫تاريخ استحقوه واستحقهم‪...‬‬ ‫كتابة ٍ‬ ‫عن صباح سوريا‬ ‫‪ 770‬عدد العسكريين‬ ‫‪ 10292‬عدد المدنيين‬ ‫‪ 441‬عدد اإلناث‬ ‫‪ 259‬عدد األطفال اإلناث‬ ‫‪ 694‬عدد األطفال الذكور‬ ‫المصدر‪ :‬مركز توثيق االنتهاكات‬ ‫في سوريا ‪2012 / 5 / 12‬‬ ‫‪http://vdc-sy.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.